Professional Documents
Culture Documents
الطبعة الول
مقــــدمة
الفصل الول :الاجة إل التوجيه السـلمي للخــدمة الجتــماعية .
البحث الول :استزراع النظم الجتماعية والقتصادية والسياسية وآثاره .
البحث الثان :نقـــل برامج الرعـــاية الجتـــــماعية عن
الغـــــرب وآثاره.
الفصل الثان :الشعور بالشكلة والستجابة للموقف.
البحث الول :الدعوة إل توطي وتأصيل الدمة الجتماعية ف الدول النامية.
البحث الثان :اليقظة السلمية العاصرة وقضية أسلمة العرفة.
الفصل الثالث :مفهوم التوجــيه الســلمي للخدمة الجتماعية.
الفصل الرابع :أبعـــــــاد التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية.
البحث الول :الطبيعة البشــرية ف النظـور السـلمي.
البحث الثان :السنن النفسية والجتماعية.
البحث الثالث :تفسي الشكلت الفردية والشكلت الجتماعية.
البحث الرابع :الرعـــــاية الجتـــماعية والصلح
الجتماعي.
البحث الامس :طـرق التـدخل الهــن للخدمة الجتماعية.
-2-
السلم و الدمة الجتماعية
مقـــدمة
المد ل رب العالي ،والصلة والسلم على أشرف الرسلي ،سيدنا ممد
وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بـهداه إل يوم الدين ...أما بعد:
فلقد أبدى التخصصون ف الدمة الجتماعية ف الدول السلمية ف العقود
الخية اهتماما متزايدا بقضية الراجعة النقدية التعمقة للفتراضات الساسية الت
تبن عليها الهنة ،وللمبادئ الهنية الت تستند إليها ،بغرض إحداث التغييات
اللزمة ف مارساتـها العملية حت تصبح أكثر استجابة لاجات الجتمعات الت
تتم فيها تلك المارسة ،ولكي تصبح أكثر فاعلية ف النهوض بالعباء
والسئوليات الت أولتها إياها تلك الجتمعات ،سواء فيما يتصل بإصلح اللل
ف النظم الجتماعية ،أو فيما يتصل برعاية أو إعادة تأهيل الفراد الذين أصيبوا
من جراء تلك الشكال من الختلل الجتماعي ،أو فيما يتصل بتنمية وصقل
شخصيات الشباب ،وتنمية ورفع مستويات الياة ف الجتمعات الحلية ف
الريف والضر ..إل غي ذلك من صور وأشكال التنمية الجتماعية .
ولقد شاء ال ببالغ حكمته أن تصل تلك الراجعات التعمقة ف السنوات
الخية إل غايتها إذ تتم ف ضوء ما تشهده الجتمعات السلمية اليوم من عودة
الوعي فيما نراه من هذه اليقظة السلمية الباركة ،حيث نشأ عن هذا اتاه
جهود الكثيين من التخصصي ف الدمة الجتماعية بشكل جاد إل استلهام
الطر النظرية والمارسات التطبيقية لذه الهنة من منظور السلم وتصوره الحدد
للنسان والكون والجتمع ،دون تفريط فيما صح من الطر والمارسات الديثة
-3-
الت ل تتناف مع التصور السلمي ،وذلك فيما أصبح يعرف اليوم بالتأصيل
السلمي للخدمة الجتماعية ،أو التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية ،أو
النظور السلمي للخدمة الجتماعية.
ول يرج هذا التاه ف جوهره عن أن يكون حلقة أخرى من حلقات
ماولة "تطبيع" العلقات بي النظم والؤسسات المارسات الت تعيش الجتمعات
السلمية ف ظلها من جهة ،وبي عقائد وقيم ومبادئ هذا الدين الذي تنطوي
عليه جوانح أهل تلك الجتمعات من جهة أخرى ،ويقصد بالتطبيع هنا عودة
المور إل نصابا "الطبيعي" من التساق الواجب بي الادة والفكر ...بي
التنظيمات الادية والتوجيهات اللية ف كل جانب من جوانب الياة ..علجا
لذا الفصام النكد الذي تعيشه الجتمعات السلمية العاصرة بي الترتيبات
الجتمعية الت يُشبع الناس حاجاتم النسانية ف إطارها وبي العقيدة الت تلك
على الناس مامع قلوبم ،والت تسم ف النهاية مآلم ف دنياهم وأخراهم ..
ذلك الفصام الذي يكن أن نرد إليه حالة التخلف الت تعان منها المة السلمية
اليوم ف كافة اليادين ،والذي ل يكن تصور تقيق التنمية الشاملة للمة على
أي وجه إل باللص منه -ضمن شروط أخرى يقصر عنها نطاق هذه القدمة.
ومن هنا فإن جهدنا ف هذا البحث سينصب أول على التعريف بأصول
الوضع الراهن لتوضيح السباب الت تعل قضية التوجيه السلمي للعلوم أمرا
حتميا ،وذلك من خلل تديد الظروف الت نشأ ف ظلها هذا الفصام بي
علومنا ونظمنا ومارساتنا وبي عقيدتنا السلمية ،قبل أن نركز على النتائج الت
ترتبت على هذا الوضع ف ميط برامج ومؤسسات الرعاية الجتماعية ،ث نتجه
بعد هذا إل توصيف بعض الحاولت الباكرة لواجهة هذا الوقف لياد نوع
من التقارب أو اللءمة بي مارسات الدمة الجتماعية وبي ظروف متمعاتنا
-4-
(وغيها) فيما يعرف بهود توطي الدمة الجتماعية أو أقلمتها ،أو ما يعرف
بتأصيل الدمة الجتماعية ف الدول النامية .
ث إننا نتعرض بعد ذلك بقدر من التفصيل لركة أسلمة العرفة ف صورتا
الصيلة النقية لستقصاء الظروف الت أبرزتا حت أصبحت من أكثر التاهات
تأثيا ف ميط العلوم الجتماعية ف عالنا السلمي اليوم ،وذلك قبل أن ننتقل
مباشرة لستجلء مفهوم التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية ،أما ما تبقى من
البحث فإننا نصصه لعدد من الباحث الستقلة الت نتناول فيها البعاد المسة
للتوجيه السلمي للخدمة الجتماعية بشيء من التفصيل.
وسيلحظ القارئ الكري أن تناولنا لوضوع "أبعاد" التوجيه السلمي للخدمة
الجتماعية وإن ظهر مطول إل أنه ل يرج ف كثي من الحيان عن مرد إعطاء
أمثلة وناذج مدودة لتصل إل استقصاء هذا الوضوع التعدد الوانب الذي
يتاج معالة أكثر تفصيل وتعمقا .فلقد كان الدف من تناول موضوع أبعاد
التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية على هذه الصورة مرد تقدي مؤشرات لا
يكن أن يكون عليه تطبيق منهج التأصيل السلمي للعلوم الجتماعية ف دراسة
هذه الوضوعات المسة قدر ما تسمح به معرفتنا الراهنة حول الوضوع ،ومن
هنا جاء حرصنا -عند التعامل مع كل بعد من البعاد المسة -على تلخيص
الفكار الساسية لا تتضمنه كتابات العلوم الجتماعية الديثة حول كل
موضوع ،ث نقد تلك الفكار ،ث استكمالا أو استبدالا با يلئمها من عناصر
التصور السلمي التصلة بالوضوع ،ف ماولة لياد التكامل النشود بي ما
صح من نتائج تلك العلوم الجتماعية الديثة وبي ما نظن أنه يثل أصول التصور
السلمي التفق عليه -ف حدود ما نعلم .
وال الوفق والستعان وهو نعم الول ونعم النصي.
-5-
الــؤلف
-6-
الفصل الول
-7-
الفصل الول
الاجة إل التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية
-8-
،با يؤدي إل ترابط تلك النظم فيما بينها بدرجة ما وبشكل ما ف إطار موحد
يقوم ف جوهره على اليان بال واليوم الخر ،ويستهدف ليس فقط النجاح ف
الدنيا ولكن أيضا النجاة ف الخرة ،على الوجه الذي تفيض به قلوب الؤمني
الوحدين.
ولكن انيار الدولة العثمانية قد أتى إل عال السلم ببعد تفكيكي جديد على
مستوى أخطر بكثي من مرد تلف المة نسبيا ف النواحي العلمية والتقنية عن
العال الحيط با ( رغم الطورة الكبى لذا البعد ف ذاته ) ،ذلك أن الدول الت
استولت على أراضى السلم بقوة السلح قد آلت على نفسها -من خلل كل
قنوات التأثي والتوجيه العسكري والقتصادي والسياسي التاحة لا -إل أن
تقتلع النظم والؤسسات الجتماعية والقتصادية والسياسية الصيلة أو الحلية ف
تلك الناطق ،وأن تستبدلا بنظم ومارسات متوافقة مع منظورها هي للحضارة
الغربية "الديثة" (هذا إذا أحسنا الظن بنوايا تلك الدول) ،أو أن تضمن لا
إحكام سيطرتا على حياة الشعوب السلمة حت ل تقوم لا بعد ذلك قائمة بأي
شكل تتصور أنه يتعارض مع مصالها ..هذا إذا اخترنا أن نكون أكثر واقعية ،
وإذا استأنسنا بنظرة تاريية تليلية وتسلحنا بوعي كاف بغزى العلقات بي
القوى السلمية وغي السلمية من الناحية التاريية والؤسسية (إبراهيم رجب ،
.)1980
ولقد فصّل بعض الكتاب الغربيي أنفسهم القول حول طبيعة الساليب الت
اتبعتها القوى السياسية الوربية قبل مرحلة الحتلل العسكري بكثي -ومنذ
بدية القرن التاسع عشر -لفرض سيطرتا على الياة الفكرية والسياسية ف مصر
مثل برضاء بل وبتشجيع من ممد على وبعض أبنائه من بعده ،جريا وراء
سراب تديث مصر على أسس الضارة الغربية ،ما يعتب بذاته عمل "مكافئا
-9-
للستعمار" إذا أخذنا الستعمار بعن السيطرة والتوجيه وقصد إحلل نط ثقاف
وحضاري أجنب مل الناط الثقافية التقليدية (ميتشل ، )1990 ،كما قام بعض
الؤرخي العرب من جهة أخرى بالوصول إل نفس النتيجة من خلل الدراسة
القارنة بي "النهضة" العربية والنهضة اليابانية ،حيث بينوا أنه بالرغم من أن
النطقتي قد بدأتا متساويتي (إن ل تكن مصر مثل ف وضع أفضل من اليابان ف
النصف الول من القرن التاسع عشر) إل أن الول فشلت فشل ذريعا ف حي
أن الثانية قد نحت ناحا عظيما ،وأن السبب الرئيسي ف ذلك إنا يرجع إل
تبن الصفوات الاكمة ف مصر والدولة العثمانية لسياسات تغريبية تثلت ف نقل
النظم والؤسسات والعادات الوربية ف حي نقلت اليابان التكنولوجيا الديثة
وحدها ،فمن الثابت أن مصر كانت تتميز مثل بفائض زراعي ضخم وكانت
شبكة مواصلتا النهرية والبحرية وخطوط السكك الديدية فيها أفضل منها ف
اليابان ،يقول مسعود ضاهر أنه "ف العام 1913كان متوسط دخل الفرد
الصري من الناتج الحلي الجال أعلى بقليل من نصيب اليابان ،وكان نصيب
الفرد من التجارة الارجية الصرية ضعف نصيب اليابان … [ومع ذلك] فإن
تربتْ مصر والسلطنة العثمانية… انتهتا إل التغريب الشامل … [بينما] تلى
النجاح الكب للتجربة اليابانية ف رفض اقتباس الثقافات الغربية الت تقود إل
التغريب ف السكن والأكل واللباس والتعليم والتخاطب اليومي على غرار ما فعل
الصريون والعثمانيون .فنجحت حركة التحديث اليابانية ف اقتباس تكنولوجيا
الغرب فقط حي عملت على توطينها واستيعابا وتطويرها دون أن تغادر أصالة
19-15 ) .تقاليدها" (ضاهر : 1999 ،
وإذا كان هذا هو الوقف على مستوى مصادر التوجيه والتأثي الرسي
"للقائمي على الكم" ف بعض الناطق السلمية ف القرن الخي من حكم
- 10 -
الدولة العثمانية ،ث من خلل الكم الستعماري الباشر لتلك الناطق فيما تل
ذلك ،ومن خلل الكومات الحلية الت أقيمت ف ظله أو الت التزمت
بالطوط الت تليها القوى الضاغطة الجنبية فيما بعد الستقلل ،فإن الال ل
يتلف كثيا على مستوى خاصة " الباء والتخصصي" من أبناء السلم وأبناء
الشعوب السلمية الذين يسيون بثقة وانقياد وراء التوجيه "الفن والعلمي"
لولئك التخصصي ،فلقد أبدى معظم أولئك الباء انبهارا با قدمته لم
الضارة الغربية من علوم "حديثة " ،وتبنوا ضمنا الفكر وفلسفة الياة الت قامت
تلك الضارة على أساسها ،كما سارعوا إل اقتباس أو استزراع أو شتل
Transplantationالنظم والؤسسات الجتماعية والسياسية والقتصادية الجلوبة
من الغرب ف التربة الحلية اعتقادا منهم بأن ذلك هو السبيل إل حصول "
التقدم" النشود واللحوق "بركب الضارة " من أقرب سبيل.
ول يتبي لؤلء ول لولئك -سواء من الكام الرسيي أو القادة الفنيي
التخصصي والعامة تبع لم -ول تتكشف لم حقيقة "عدم التوافق الذري" بي
ما بنيت عليه تلك النظم والؤسسات والعارف الغربية من قيم ومبادئ ونظرة
للحياة وبي القيم والبادئ السلمية والنظرة السلمية للكون والياة إل بعد أن
انقضت سنوات تطاولت عددا ،تولت فيها التاهات نو تلك النظم
والؤسسات والمارسات الوافدة من مرحلة التشكك البدئي ،إل التقبل بل
والنبهار ،ث الستزراع النشط والنشر التحمس لتلك الستحدثات ،إل
ماولت جاءت بعد ذلك لتعديل وأقلمة تلك الستحدثات بطريقة تافظ على
جوهر الستزرع مع تقريبه من واقع الجتمع عندما ظهرت عوارض عدم التلؤم
بينهما ،إل الشعور بفشل الشروع الضاري الغرب ف عقر داره ،وبدء
التشكك ف صلحيته لغيه من الجتمعات.
- 11 -
وهنا انقسم الناس ف عالنا السلمي فريقي ،فريق قد ارتبطت مصالهم
الذاتية الضيقة بالشروع الضاري الغرب سواء من حيث بقائهم ف مقاعد
السلطة السياسية ،أو احتللم لواقع التأثي والتوجيه الجتمعي ،أو تكّمهم ف
موارد هامة للقوة القتصادية ،أو حت تتعهم بالكانة العلمية والتقدير الدب ف
ظل ذلك الشروع الرتبط بالضارة الغربية والتابع لا ( كما ف حالة رجال العلم
وأستاذة الامعات).
وفريق آخر أدرك أن الشروع الضاري الغرب با يقوم عليه من
توجهات مادية علمانية وما يعانيه من "خواء روحي" -على حد تعبي فرانسيس
فوكوياما أحد كبار السئولي بوزارة الارجية المريكية ف مقاله الشهي عن "
ناية التاريخ " ( والذي بالناسبة يشي ف ثناياه ضمنا إل أن السلم يثل الفكر
والوعي الوحيد الذي يقدم بديل سياسيا منافسا للمشروع الضاري الغرب على
الساحة اليديولوجية ف العال العاصر) ( - )Fukuyama, 1989 : 14نقول أن
هذا الفريق قد أدرك أن النموذج الغرب ليس صالا ف الدى البعيد لتوجيه السية
البشرية خصوصا بعد ظهور الثار الدمرة لذا التوجه على الكثي من جوانب
حياة الجتمعات الغربية بل وغي الغربية ف متلف دول العال .
ولقد أدرك هذا الفريق الخي أن ما تعان منه الشعوب السلمية اليوم
ف متلف الجالت إنا يرتد ف جزء كبي منه إل تبن تلك الشعوب لذه
الؤسسات الجلوبة ،وللممارسات الت تتم ف إطارها والت تتناف -على خط
مستقيم -ف معظم الحوال مع أصول السلم ومبادئه ،كما أدرك هذا الفريق
أن جوهر الل الصحيح لتلك الشكلت إنا يكمن ف إعادة النظر ف جيع النظم
والؤسسات الت يعيش الناس ف ظلها ،والمارسات الت تتم ف إطارها بتوجه
جديد من منظور السلم ،فرأينا نتيجة لذلك دعوة متنامية إل إعادة إحلل
- 12 -
الشريعة السلمية مل القواني الوضعية عند الطالبي " بتطبيق الشريعة السلمية
" ،كما رأينا مطالبة قوية بإحلل "القتصاد السلمي والبنوك السلمية" مل
القتصاد الوضعي والبنوك الربوية ،كما ظهرت حركات قوية تطالب بمارسات
" إسلمية" ف متلف جوانب الياة كالتربية السلمية والعلم السلمي ..ال
(إبراهيم رجب .)1980 ،
- 13 -
نظم دقيقة لباية وإنفاق الزكاة من الوارد وف الصارف الت حددها الشارع
الكيم العليم با يُصلح العباد ،أما الصدقات الفردية وحقوق القارب وصلة
الرحام وحقوق اليان وأبناء السبيل ..وغيها فقد فتحت الباب على
مصراعيه لوصول الي إل الناس -من كل الناس -دون حدود ،ذلك أن فكرة
الصدقة ل تقتصر على القوق الالية أو التطوع بالال ،ولكنها تتجاوز ذلك إل
كل أنواع الي وكل أشكال التراحم بي أفراد السلمي ،مع مراقبة ال عز
وجل ف كل ذلك ،و الطمع فيما عند ال من الثواب ما هو خي وأبقى.
وإذا كان البعض قد يتساءل هنا عما إذا كانت هذه الصورة النظرية أو
"الثالية" للمجتمع السلم التكامل "كالسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى
له سائر السد بالسهر والمى" تتجسد واقعيا ف كل العصور ،فإن من الواضح
أن الجتمعات السلمية ف العصور الختلفة كانت تقترب حينا وتبتعد حينا عن
هذا النموذج بسب درجة تشرب الجتمع ونظمه السياسية والقتصادية
والجتماعية بتلك القيم السلمية النبيلة ،فالتحليل العلمي الجتماعي الصحيح
Process of Social يدلنا بوضوح إل أنه كلما كانت علمية التنظيم الجتماعي
ف الجتمع ف عصر ما ذات كفاءة وذات فاعلية …وكلما Organization
ازدادت فاعلية التنشئة الجتماعية وصحّت مسيتا ف التاهات الت تتمشى مع
العايي والقيم السلمية …وكلما ضمنت عمليات الضبط الجتماعي استمرار
سي الجتمع بأفراده ومؤسساته ونظمه ف نفس التاه ،فإن الوقف ف مثل ذلك
الجتمع يقترب أشد القتراب من هذا النموذج الذي يتمشى بشكل كبي مع
القيم العيارية السلمية الصحيحة.
- 14 -
وعلى العكس مـــن ذلك فإن الجتمعات ف فترات النلل
الت تتسم بتقطع عملية التنشئة Social Disorganization والتفكك الجتماعي
الجتماعية ،وتضارب توجهاتا ،وتأثرها بقيم غريبة عن النسيج العياري
للمجتمع السلم ،خصوصا إذا اقترنت هذه الظروف جيعا بضبط اجتماعي
موجه ف أهدافه ووسائله بغي قيم الجتمع السلم ،ل يكن أن تسودها ف تلك
الفترات تلك الصورة التكاملة التكافلة الت توجهنا إليها قيم هذا الدين ومعاييه.
وعلى أي حال فان ما يعنينا هنا هو أن تلك الصورة -الت قد تقترب أو
تبتعد قليل أو كثيا عن ذلك النموذج التكاملي ف الراحل السابقة على الغزو
الستعماري -قد تعرضت بعد الحتلل الجنب إل لطمة ساحقة من خلل
التبن النظم للشكال التنظيمية والمارسات الجتماعية الشاكلة لتلك الت
انبثقت ف الغرب ،والت تقوم على نوع آخر من التكامل الذي يتلف ف أساسه
الروحي اختلفا كبيا عن ذلك النمط من التكامل الذي تدعو إليه معايي السلم
،ذلك أن تلك الشكال التنظيمية الستمدة من الغرب تقوم فيما يعنينا ف هذه
الدراسة على أساسي :
الساس الول :فصل الدين عن شئون الدنيا فيما يعرف بالتوجه العلمان
، Secularizationما يعن أن الؤسسات والمارسات الجتماعية -مثلها ف
ذلك مثل غيها من الؤسسات والمارسات ف بقية مناحي الياة -ينبغي أن تبن
على أســـس تتصل فقط بذه الياة الدنيا ،مستبعدة بذلك أي صلة بال أو
اليوم الخر ( وما يدر بالذكر هنا أن الدمـة الجتماعية ف الغرب قـد
قطعت شوطا طويل ف طريق العلمنة حت بدأ التخصصون فيها مؤخرا ينتقدون
ذلك التوجـه الذي يرونــه مسئول عن قصور المارسة ف الدمة
الجتماعية ويدعون للتخلص من آثاره الريرة ) (.)Marty, 1980: 643
- 15 -
الساس الثان :التخصص وتقسيم العمل سعيا وراء تقيق أكب قدر من الكفاءة ،
والذي ترتب عليه عدم وجود اهتمام كبي بالعلقات بي الوحدات التخصصة ،
حت ولو كانت الوظائف الت تقوم با تلك الوحدات مترابطة بطبيعتها ،كما هو
الال مثل بالنسبة للعلقات بي السرة والدرسة وأجهزة العلم الت تشترك مع
بعضها ف وظائف التنشئة الجتماعية .
ولقد أدى إحلل الجهزة والؤسسات والسياسات التصلة بالرعاية
الجتماعية النطلقة من مثل تلك النطلقات العلمانية والتجزيئية مل النظم
والترتيبات التقليدية ف الجتمعات السلمية إل عدد من النتائج يكن تلخيص
أهها فيما يلي:
Social Welfare -1تبنت معظم الدول السلمية مفهوم " الرعاية الجتماعية"
القائم على فكرة القوق الوحدة وغي الشخصية للمواطني التساوين ف درجة
حاجتهم ،والت تقدم بطريقة غي شخصية لن يتاجونا كحقوق مفروضة مدنيا
،وذلك بدل من مفهوم "التكامل" الجتماعي العضوي القائم على أساس فكرة
الخوة ف ال والتراحم بي السلمي وما يترتب عليها من ارتباط شخصي وثيق ،
والذي تنطلق فيه المارسات ما فرضه ال سبحانه -الذي يعلم ما فيه الي للقه
-وعلى الوجه الذي شرعه.
-2تولت الكومات الوطنية السؤولية السياسية عن بعض البامج العامة -
كالضمان الجتماعي -الت يتم النفاق عليها من حصيلة الضرائب العامة دون
أخذ الواجبات الدينية كفريضة الزكاة ف العتبار ،وقد قصُرت موارد معظم
الدول دون النفاق الكاف على تلك البامج حت أصبحت شكل خارجيا أو
قوقعة فارغة ل مضمون حقيقي لا ،من جهة عدم القدرة على تقدي الد الدن
اللزم للمعيشة وفقا لا هو مفروض نظريا.
- 16 -
-3تضاءل الدور الذي تقوم به الترتيبات والنظم الحلية التقليدية الت كانت
تتحمل ف الاضي السؤوليات التكاملة مع وظائف الرعاية الجتماعية بالفهوم
Social Support الديث ،وخصوصا شبكة الدعم الجتماعي غي الرسي
Networkالتمثلة ف الدعم السرى وعلقات الوار والوقاف اليية ،نتيجة
لشعور الواطني بأن الدولة قد التزمت بالقيام بتلك اللتزامات بدل من الفراد ،
فاستشرت السلبية بي السلمي إل حد يصل إل التبلد وعدم الحساس باجة
الخرين ف بعض الحوال.
-4تضاءل دور الهود التطوعية النظمة ،وضعفت البادرة والهود الذاتية
للمواطني نتيجة لتضييق بعض الكومات (خصوصا ف فترات ما يسمى بالتحول
الشتراكي) على المعيات الهلية وإحاطتها بالشكوك بسبب التخوف الذي
تشعر به تلك الكومات نو أي تعاون أصيل فيما بي الواطني للصال العام ،
لئل يؤدى ذلك ف الدى البعيد إل تقوية شعور الواطني بكيانم وقوتم ما يقلق
بعض النظم الاكمة )Springborg, 1989 : 170- 173( .
-5ت نشر العديد من الؤسسات الت تقدم الدمات اللزمة لبعض فئات
الجتمع الحتاجة للرعاية كالطفال والعاقي والسني على نفس السس الت
تقدم با ف الجتمعات غي السلمية حيث يتم التركيز على إشباع الاجات
الادية أساسا ،والنفسية والجتماعية بشكل أقل ،أما الاجات الروحية فل
تكاد تدخل ف العتبار أصل إل ف أضيق نطاق ،وكقطاع مستقل ومنفصل
بشكل مصطنع عن بقية جوانب الرعاية الخرى ،بدل من أن تكون مورا
لميع ما يقدم من خدمات وما يبذل من جهود ،ما أفقد تلك الؤسسات قدرا
كبيا من فاعليتها .
- 17 -
-6وف خضم الماس الزائد لنقل الفكار والشروعات من الدول الوربية ومن
الوليات التحدة المريكية فقد ت نقل أفكار لشروعات مستحدثه دون فهم
للمسلمات والصول الثقافية الت بنيت عليها ،ودون إدراك بأنا غي ملئمة
أصل للبيئة الحلية ،كفكرة الحلت الجتماعية ، Settlement Housesوالت
بدأت تذوي أو تلغى ،أو تتحول للقيام بوظائف أخرى غي تلك الت أنشئت
من أجلها.
-7أما ف الدول الت توفرت لا الوارد الالية من عائدات النفط فإن المارسة
فيها وإن نحت ف تقيق بعض أهدافها إل أنا تعان أيضا من نقص الفاعلية
بسبب التزامها بالطار الفلسفي العام وبالمارسات الستمدة من النموذج الغرب
للخدمة الجتماعية ،مع توف من النعتاق من ربقة ذلك النموذج وكأنه
سيؤدى إل التخلي عن الصول الهنية والعلمية ،أو يؤدى إل انيار المارسة ،
مع أن الكثر احتمال هو أن استجابتهم التلقائية لواقعهم الثقاف هو أفضل
ضمان للنجاح والفاعلية .
-8اتهت عملية إعداد الخصائيي الجتماعيي اللزمي للعمل ف مؤسسات
الرعاية الجتماعية والتنمية الجتماعية للسي ف اتاهات متطابقة مع مثيلتها ف
الغرب ،خصوصا فيما يتصل بالقررات والناهج والراجع العلمية العتمدة ،
واستمرت تسي ف ذلك التاه إل حد كبي رغم ما يزيد عن نصف قرن من
تعليم الدمة الجتماعية ف بعض الدول كمصر مثل.
-9تفاقم النفصال بي التخصصات الت تعمل ف ميادين الرعاية الجتماعية
والتنمية الجتماعية وازداد التعاون بينها صعوبة نتيجة للتركيز الزائد على
التخصص وتقسيم العمل حت ولو أدى ذلك إل عدم تقق أهداف البامج أصل
،وكما يقول موريس كلين " إن ثن التخصص هو العُقم ،وربا يتطلب
- 18 -
التخصص براعة فائقة ،ولكنه قلما يكون له معن " (أجروس وستانسيو ،
.)1984:115
فماذا كانت الصيلة النهائية لذا كله؟ ل يكن إل لكابر أن ينكر أن
خدمات الرعاية الجتماعية الت قدمت من خلل البامج والؤسسات الت ت
استحداثها وفقا للتصور الغرب للنسان والجتمع قد أفادت قطاعات معينة من
السكان ،وأن مارسة الدمة الجتماعية ف إطار تلك البامج والؤسسات وف
إطار غيها من الؤسسات التعليمية والصحية والصناعية قد أسهمت ف تقيق
قدر من الهداف العقودة عليها.
ولكن -وبنفس النطق -فإنه ل يسع أحدا أن يزعم أن تلك البامج
والؤسسات والمارسات ف قطاعات الرعاية الجتماعية والتنمية الجتماعية قد
كانت ذات فاعلية كبية ف تقيق أهدافها ،والتفحص لذه الجهزة ولا يتم
خللا من مارسات مهنية لن يلك إل أن يشعر بأنا "تفتقد الروح" بالعنيي
العروفي لذا التعبي ،فهي تفتقد الروح بعن افتقاد اليوية و الدينامية
والفاعلية ،ولكنها أيضا تفتقد الروح بالعن الكثر عمقا ،والذي يتمثل ف
إغفالا للجوانب الروحية والدينية سواء فيما يتصل بتنظيمها أو بدماتا أو
بالمارسات الهنية الت تتم فيها ،ونن نقصد بالوانب الروحية هنا تلك
الوانب التعلقة " بصلة النسان بربه" سبحانه وتعال .فالبامج يتم تنظيمها
على أسس علمانية جافة وجافية ،والدمات تقدم للعملء وكأنه ل صلة بي
مشكلتم وبي نوع معرفتهم بربم ونوع صلتهم بالقهم ،والمارسون يقومون
(حسب تصورهم ) بعمل "إنسان" مايد قيميا ل بعمل ربان التوجه قائم على
مراقبة ال عز وجل ،ما جعل تلك المارسات بتراء منبتّه الذور منقطعة
الثمار.
- 19 -
ونتيجة لذلك فإن الرء ل يتمالك عند تقوي ما يتم ف إطار تلك البامج
والؤسسات من الشعور " بالشكلية " الت تضرب أطنابا ف ميط تلك البامج
ذات الرني الجوف الذي ل يستثي ف الشاركي فيه ولء ول انتماء إل ف
حدود ما يقق مصالهم قصية المد .ولقد توصلت إحدى الدراسات الامة
الت أجريت على ما يكن اعتباره عينة مثلة لعظم تلك البامج ف مصر أل
وهي "الوحدات الجتماعية" التابعة لوزارة الشئون الجتماعية إل توصيف دقيق
للوضاع السائدة ف تلك الؤسسات الجتماعية بشكل يتسم بالصراحة والعمق
،فوجدت أنا تعان من "نقص الشعور بالدف أو الرسالة " ،و "ضعف شعور
الوظفي بالنتماء" ،و"عدم تقبل الهال للوحدة الجتماعية وعدم ارتباطهم با ،
مع "انفاض مستوى الشعور بالسئولية" عند العاملي با (هاردستر و بارفيس ،
،)1981وبطبيعة الال فإن الثمار الرة لذا كله قد تلت ف النهاية ف ضعف
تقيق الهداف ونقص كل من الفاعلية والكفاية بشكل خطي.
والواقع أن المر ل يكن يتطلب من لديهم أي إلام بالصول العامة
لتصميم البامج -أو من يقوّمون المور من منظور السلم -إجراء أي
دراسات تقويية منظمة حت يتبي لم حقيقة تلك البامج والؤسسات ،
خصوصا من حيث خوائها الداخلي ونقص فاعليتها الحتوم ،ذلك أن من
ت الصلة
السس القررة ف تصميم البامج أن كل برنامج يصمم على أساس منب ّ
بالواقع الثقاف والجتماعي الذي يعمل ف إطاره هو برنامج مكوم عليه منذ
اليوم الول بالفشل أو على القل بضعف الفاعلية ،فما بالك -من وجهة
إسلمية -ببناء الؤسسات والمارسات على غي أساس من الهتداء با شرعه
خالق الناس للقه ما أنزله لصلحهم وارتضاه تنظيما لشئونم ،وتوعدهم على
- 20 -
مالفته بأن يعل لم معيشة ضنكا ف هذه الدنيا بلف ما ينتظرهم من عذاب
ف الخرة ؟
ولكن العجيب حقا أن الناس قد ألفوا هذه الوضاع التردية ف
مؤسساتنا حت حسبوها قضاء مبما وقدرا مقدورا ،باعتبارها جزءا من حالة
"التخلف" الت تبدو وكأنا مقدّرة على السلمي ،وكأنه ل فكاك منها مهما
بذلنا من جهد ،حت أصبح الديث عن الصلح وكأنه صرخة ف واد ،أو
كأنه أمر ينبغي على العقلء أن يتنبوا الوض فيه لنه من أشباه الستحيلت ،
مع أن تشخيص الوقف هي ويسي على من يسره ال عليه ،وعلى من ولّى
وجهه إل ال وهو مسن.
لقد نادت أصوات كثية منذ فترة طويلة بضرورة انطلق برامج ومارسات
الدمة الجتماعية من منظور السلم حت يكن لا أن تقق الفاعلية النشودة ف
إحداث التغيي ف الفرد والماعة والجتمع ،ولكن تلك الصوات كانت -أو
كادت -تذهب أدراج الرياح ف خضم طوفان التغريب-تت-اسم-التحديث
الذي ساد العال السلمي ،ونود أن نشي هنا بشكل خاص ف هذا النطاق إل
رسالة للدكتوراه قدمها عبد ال نويرة إل إحدى جامعات الوليات التحدة
المريكية ف أواخر المسينات والت نشرتا وزارة العمل والشئون الجتماعية
( )1960حول "السلم والدمة الجتماعية" والت حاول فيها التوصل إل
أسس ومبادئ للخدمة الجتماعية من منظور السلم ،باعتبارها تثل أحد أهم
تلك الهود الادة ف هذا السبيل.
ولقد سبقت هذه الدراسة وتلتها ماولت أخرى سارت ف نفس الطريق
،ولكنها كانت مدودة الثر ول يكن لا آثار تراكمية تذكر ،وإن كانت تثل
ول شك إرهاصات لركة التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية ،ومن المثلة
- 21 -
الت ترد هنا على سبيل الثال ماولت د .لبيب السعيد بجلة الرسالة عن الدمة
الجتماعية ف السلم ( )1949وعن تنظيم الحسان ف السلم (،)1952
ودراسة عبد الستار الدمنهوري ( )1958عن الدمة الجتماعية ف السلم
ودراسة خالد صبحي عثمان (حول عام )1960عن أثر العامل الدين ف تطور
الدمات الجتماعية ،ودراسة إبراهيم رجب ( )1963عن التوجيه الدين ف
مؤسسات رعاية الشباب.
ث جاءت الستينات بتطوير جديد يتمثل ف التاه نو " توطي الدمة
الجتماعية" و " تأصيل الدمة الجتماعية ف الدول النامية" نتيجة للشعور
التزايد على مستوى دول العال الثالث كلها بعدم التوافق بي النموذج الغرب
للخدمة الجتماعية وبي الرضية الثقافية والقتصادية والجتماعية السائدة ف
تلك الدول ،وقد كان لذا التاه قيمة كبى ف إثارة السئلة حول مدى
ملءمة النموذج الغرب ،ما مهد الطريق من الناحية النفسية على القل أمام
حركة التأصيل السلمي ف الراحل التالية .
وسنقوم ف الفصل التال بالديث عن هذه التاهات بشيء من التفصيل
على اعتبار أن جهود التوطي والتأصيل ف الدول النامية تثل شعورا مبكرا
بالشكلة ،ونوعا من الستجابة الباكرة للها ،وأن حركة أسلمة العرفة وما
تزامن معها من يقظة ف العال السلمي كانت بثابة الدافع القوى لبلورة جهود
التأصيل السلمي للعلوم بصفة عامة والدمة الجتماعية بصفة خاصة ف
التاهات الت سارت فيها فيما بعد.
- 22 -
الفصل الثان
- 23 -
الفصل الثان
الشعور بالشكلة والستجابة للموقف
البحث الول :الدعوة إل توطي وتأصيل الدمة الجتماعية ف الدول النامية
- 24 -
لقد استخدم اصطلح توطي الدمة الجتماعية ف الكتابات الغربية والعربية
ليشي إل "تكييف أو تطويع أو (أقلمة ) الهنة حسب ظروف ومتطلبات الجتمع
الذي تعمل فيه" بدل من مرد النقل الكامل من مارسة الدول الخرى ،وقد
عرف عبد الفتاح عثمان وزملؤه ( )290 ، 285 :1984التوطي بأنه " تلك
الهود العلمية الت تبذل لحداث تغييات ف بعض مكونات الدمة
الجتماعية النتشرة ثقافيا من الارج ،بقصد التوصل إل بعض البتكارات
والتجديدات استجابة لبعض الظروف والعوامل الثقافية الميزة لذا الجتمع ،
والختلفة بقدر ما عن الظروف السائدة ف الجتمعات الت انتشرت منها الدمة
الجتماعية ،وذلك كي تكتسب الدمة الجتماعية فاعلية أكب ف تنمية
الجتمع العاملة فيه وحل مشكلته الجتماعية ،والدف الساسي من التوطي
هو إكساب الهنة فاعلية يدركها الجتمع ..على نو يعل من الدمة
الجتماعية موضع اهتمام وتقدير قومي".
ولعلنا نلحظ أول أن هذا التعريف يشي على استحياء إل أن التوطي يتطلب
إحداث تغييات ف " بعض" مكونات الدمة الجتماعية ،للتوصل إل " بعض"
البتكارات ،استجابة " لبعض " العوامل الحلية ،تنبا -فيما يبدو -للتحديد
الدقيق لنواع التغييات الطلوبة أو لدى تلك التغييات ،وكأن أصحاب
التعريف قد استشعروا أن التغييات الطلوبة ستكون تغييات جذرية إن أردنا لا
أن تقق الهداف الرجوة من ورائها ،أو كأنم استشعروا أن تديد أنواع تلك
التغييات أو مداها قد يكشف عن أن الطلوب ليس مرد أقلمه أو تطويع لبعض
الفاهيم الوافدة وإنا هو أمر ل يقل ف نطاقه عن عملية إعادة نظر شاملة ف
الهنة ومكوناتا ،فالقضية ليست قضية استبعاد بعض الصطلحات ،أو استبدال
ألفاظ بأخرى ،كما أنا ليست مرد إعادة ترتيب الولويات ( التنموية قبل
- 25 -
العلجية مثل) فمثل هذا التطويع ل يصل إل التعامل الواضح مع ما جاء
بالتعريف نفسه حول الستجابة لبعض الظروف " الثقافية " ،وإنا يتصل فقط
ببعض الوضاع البنائية ،وما يرتبط با من نوعية الشكلت وأولويات طرق
التدخل ،أما العوامل والظروف الثقافية فإنا تشتمل أول ما تشتمل على التعامل
مع الوانب القيمية والكونات الروحية والدينية ،وهذا ما تنبته مناقشات "
توطي الدمة الجتماعية " بشكل مستمر.
كما نلحظ من جهة أخرى أن التوطي -وفقا لذلك التعريف -إنا هو ف
جوهره مفهوم نفعي أو براجاتى ،هدفه أساسا زيادة فاعلية الهود الهنية
للخدمة الجتماعية اكتسابا للعتراف الجتمعي بقيمتها ،وذلك من خلل زيادة
درجة التوافق بي مفاهيم ونظريات المارسة الهنية الستوردة وبي الواقع
الجتماعي والقتصادي الثقاف للمجتمع الذي تارس فيه ،فالقضية بالنسبة
لتاه التوطي إذن ل تبدو مسألة مبدأ أو توجه فكرى واضح بقدر ما هي مسألة
ملءمة اجتماعية (وثقافية ؟) ما يعل مردوده الهن مل شك كبي لعدم وضوح
الطار الفكري الذي ينتظم جوانبه ويلم شتاته.
وأخيا فإننا نلحظ أن توطي الدمة الجتماعية بذا الفهوم إنا يقوم على
التسليم ضمنا بصدق وصلحية النموذج الغرب ف جوهره ،وبأن كل الطلوب
هو " أقلمته أو تطويعه " ليناسب الوضاع الحلية ليزداد فاعلية ف التطبيق ،
وهو بذا ل يتضمن رؤية " نقدية " أصيلة للختلفات الذرية بي السلمات
والفتراضات الساسية الت تقوم عليها الهنة تقليديا والستمدة من التصورات
العامة للحضارة الغربية ،وبي التصورات العامة للثقافة العربية السلمية
لجتمعاتنا ،وإل لا كان بعض رواد اتاه التوطي هم أنفسهم من أساطي الدمة
الجتماعية ف الجتمعات "الغربية" ذاتا ( من أمثال العال الشهي الستاذ
- 26 -
هيمان شتاين) هم الذين أدركوا برجاحة عقولم وخبتم الطويلة أنه ل يكن
للمهنة أن تضرب بذورها ف دول العال النامي إل إذا كانت متوافقة مع ثقافة
تلك الدول وبناءاتا القتصادية والسياسية والجتماعية ،بعد أن لحظوا فشل
العديد من البامج الت ت نقلها واستزراعها ف الدول النامية دون تطويعها أو
أقلمتها -مع عدم إمكان الظن بأن أولئك الباء الغربيي لديهم أي شكوك قوية
ف السس الت بنيت عليها الهنة عندهم وذلك باعتبار تشربم بقيم تلك
الضارة الغربية وصعوبة تاوزهم لا.
- 27 -
ومن هنا يتضح لنا أن اتاه تأصيل الدمة الجتماعية ف الدول النامية ليس
اتاها رافضا على أساس "مبدئي" للنماذج الغربية أو غي الغربية ،فهذا أمر
مستحيل من الناحية العلمية (حت لو تصور البعض إمكانه نظريا ) لن الدمة
الجتماعية كإحدى مهن الساعدة النسانية ل تلك رفاهية " التوقف" أو حت
التردد حت نتوصل إل البديل الصحيح ،ذلك أن الخصائيي الجتماعيي
مسؤولون عن مؤسسات اجتماعية تارس أعمالا ف خدمة الناس ،وهناك
قرارات تتخذ يوميا لداء تلك العمال ،واستناد القرارات حت إل تلك النماذج
الت تعرضت للنقد هو أفضل بالتأكيد من انتظار الوصول إل البديل ف فراغ ،
أو العتماد على مرد الحاولة والطأ ،ومن الطبيعي إذن أن الطالبي " بتأصيل
الدمة الجتماعية ف الدول النامية" يتصورون أن الل إنا يكمن ف " البدء"
مباشرة بالتخطيط لبنامج جاد لفهم الواقع الحلى يكن على أساسه التوصل إل
النماذج الحلية اللئمة جنبا إل جنب مع استمرار الؤسسات القائمة ف أداء
أعمالا وفق النموذج التقليدي ،مع الحلل الستمر لي مارسات أو أدوات
مستحدثة مل مثيلتا التقليدية بالتدريج ..مهما كان الوقت الذي تتاجه عملية
التأصيل.
وف ضوء ذلك فإن عملية " تأصيل الدمة الجتماعية ف الدول
النامية" تتطلب القيام بعدد من الجراءات الت يتصل بعضها بهود ذات طبيعة
بثية ،كما يتصل بعضها الخر بالمارسة ،أما البعض الخي فيتصل بتعليم
الدمة الجتماعية كما يلي ( رجب :)1981 ،
-1بلورة " القيم الجتماعية الساسية " الؤثرة على نسق الرعاية الجتماعية ف
الجتمع الذي تتم فيه المارسة.
- 28 -
-2دراسة أوضاع " التنظيمات الجتماعية والقتصادية والدينية والسياسية "
الحلية خصوصا من حيث نوع تأثيها على رفاهية الفراد والماعات ف
الجتمع.
-3تديد " الشكلت الجتماعية" الت تؤثر سلبا على حياة السكان ف
علقتها بتلك الوضاع الجتماعية والقتصادية والسياسية الت يتم إشباع
حاجات الناس ف إطارها .
-4دراسة " البدائل الوطنية" الحلية القابلة للبامج النقولة عن الدول الخرى ،
لتكون نقطة البداية نو ابتكار برامج أكثر ملءمة للظروف الحلية ،ف نفس
الوقت الذي تتم فيه الستفادة من البات الديدة الستفادة من الدول الخرى
.
-5بلورة أساليب المارسة الهنية اللئمة ف ضوء ذلك الفهم الذي تبلور للواقع
الحلى مع الستفادة با لدى الغي ما ل يتعارض معها.
" -6تربة" تلك الساليب ف الواقع الحلى " وتقوي درجة فاعليتها" ،وإعادة
التجريب اليدان مرة بعد مرة "وتسجيل" النتائج توصل إل " نظريات المارسة
الحلية " الؤصلة .
-7إدماج تلك النظريات ف برامج " العداد الهن " للخصائيي الجتماعيي
لتكون موجهة لمارستهم الؤصلة ف مستقبل عملهم.
وإذن فإن مفهوم " تأصيل الدمة الجتماعية ف الدول النامية" بذا الوصف
يتجاوز إل حد كبي الكثي من أوجه النقد الت وجهت لفهوم " التوطي"
خصوصا وأن التأصيل يقوم أول على معرفة الذات والوعي بالواقع الحلى ،
ويعل التطابق مع هذه العرفة وهذا الوعي جواز الرور الوّل لكل مبدأ مهن أو
أداة للممارسة ،ما يتمشى مع الصول العلمية الصحيحة الرعية ف " تليل
- 29 -
الشكلت " و " تطيط السياسات والشروعات" ،الت تبدأ بالظروف البنائية
والحددات القيمية والثقافية الؤثرة ف الوقف أو الشكلة قبل الدخول ف اختيار
بدائل السياسة والتخطيط للمشروعات اللزمة لواجهتها .
ورغم ذلك فإن اتاهات توطي وتأصيل الدمة الجتماعية الت ظهرت
ف الستينات تشترك فيما بينها ف خاصيتي رئيسيتي:
-1أن هذه الدعوات قد انصب اهتمامها على إصلح مسار الدمة الجتماعية
ف " الدول النامية" بصفة عامة ،ول يكن أساسا منصبا على الدول السلمية ،
بل إن علماء الدمة الجتماعية ف الغرب هم الذين صكوا اصطلح التوطي
ودعوا إليه كما ذكرنا ،ومن هنا فقد كان من الحتم أن تتخذ هذه التوجيهات
شكل "الدعوة العامة" غي الوجهة بشكل مدد لدمة قضايا الدول السلمية
الت تشترك مع بعضها ف الطر الثقافية والقيمية بل والبنائية التميزة ،وقد كان
من الطبيعي ف ضوء ذلك أن العائد منهما كان مدودا ،ل يتجاوز -كما
ذكرنا -الناقشات حول تديد أولويات التدخل الت تناسب العال الثالث ف
مقابل تلك الت تناسب الدول الصناعية التقدمة.
-2كانت هذه الدعوات مدفوعة -كما يرى البعض " -بالماس الوطن"
إضافة إل إدراك الختلفات بي الدول النامية والدول الصناعية ( عبد العال ،
)196-195 :1989وهذا دافع له قوته ولكن له حدوده ولشك ،ف حي أن
اتاه التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية كما سنرى ينظر للقضية بشكل أعمق
بكثي ،إذ يرى أن تقيق تنمية العال العرب والسلمي إنا تتوقف ف جانب من
أهم جوانبها على انطلق علومه ومهنه من منظور السلم ،كما يرى ف المر
واجبا والتزاما دينيا أمام ال سبحانه وتعال ف الصدع بأمره ومتابعة هديه قبل
التنمية وقبل الماس الوطن ،وبعدها .
- 30 -
وعلى أي حال فليس هناك من شك ف أن دعوات التوطي والتأصيل قد كانت
بثابة الستجابة الطبيعية لشعور التخصصي ف الدمة الجتماعية بعدم التوافق
بي ناذج المارسة الوافدة وبي الواقع الحلى ف الجتمعات الت انتقلت إليها
الهنة ،وأنا بذلك تعتب بثابة الشهادة الية على الاجة إل إعادة النظر ف
النماذج الوافدة ف ضوء حقائق الواقع الحلى ما هيأ الذهان وأعدها لسن
استقبال الدعوة إل الراجعة الذرية لتلك النماذج ف ضوء حقائق السلم.
- 31 -
جسيمات ف إطار نظرية النسبية ونظرية الكم Quantum Theoryومبدأ عدم
التيقن على أيدي أينشتاين وهيزنبج وبور وغيهم ،تلك التطورات الت أدت
إل انيار النظرة "الادية" اليكانيكية القدية الت كانت ترى الكون نسقا
ميكانيكيا مكونا من " ذرات مادية صلبة" ...حيث بينت تلك الكشوف
الديدة أن الذرة تتكون بدل من ذلك من فضاء شاسع ،تدور فيه باستمرار
جسيمات متناهية الصغر هي اللكترونات ،حول نواة تتكون بدورها من
بروتونات ونيوترونات وأعداد كبية من السيمات.
ولقد أوضحت نظرية الكم أن هذه السيمات ( اللكترونات والبوتونات
والنيوترونات وغيها) كما يقول كابرا ليست من قبيل تلك الجسام الصلبة الت
كانت تدثنا عنها الفيزياء الكلسيكية ... ،وإنا هي كيانات مردة ذات طبيعة
مزدوجة تتوقف هويتها على الطريقة الت ننظر با إليها! فهي تبدو أحيانا
كجسيمات Particlesوأحيانا كموجات Wavesمن الطاقة ،ومعن ذلك أننا
عندما ننل ببحوثنا إل مستوى مكونات الذرة فإننا ند " أن الجسام الادية
الصلبة الت كانت تدثنا عنها الفيزياء التقليدية قد ذابت فاتذت شكل أناط
احتمالية شبيهة بالوجات ،وفوق ذلك فإن هذه الناط ل تثل "احتمالت
لشياء" Probabilities of Thingsوإنا هي أقرب لن تكون احتمالت لنواع
من " الرتباطات التبادلة " ...Interconnectionsوقد أدت هذه الكتشافات
الدهشة ف الفيزياء الديثة إل إدراك العلماء "لوحدة الكون" ،كما فتحت
الباب على مصراعيه أمام "التوافق التام مع الهداف الروحية والعتقدات الدينية"
(.)Capra : 1982: 67-70
وقد ترتب على هذه الثورة ف فهم العال شيء من التخاذل ف صفوف رجال
العهد القدي ف ميط العلوم الطبيعية وغيهم من درجوا على تجيد اللاد
- 32 -
والتطورية لضفاء مسحه علمية زائفة عليها ،كما أدى ذلك إل تقوية قلوب
أهل اليان الذين زادتم تلكم الكشوف إيانا على إيانم ،كما زادتم ثقة بوعد
ربم --وذلك بالرغم ما يرونه واقعيا أمامهم من ضعف المة السلمية ماديا
وتاذلا وهزيتها الداخلية نفسيا ،ولكن آثار هذا كله ل تظهر بوضوح وبشكل
مباشر ،نظرا لا تتاجه التطورات العلمية عادة من زمن طويل -قدره بعض
العلماء بمسي سنة -حت يتم تشربا ف العلوم الخرى وف وجدان العامة.
-2وقد دعم تلك التاهات نفسها ذلك التقدم الكبي الذي تقق من جهة
أخرى ف السبعينات ف علوم العصاب Neuroscienceوذلك فيما يتعلق
بفهم طبيعة الخ والهاز العصب وعلقتهما بالسلوك النسان ....فلقد كانت
كل الوظائف العقلية ووظائف الخ تفسر ف الاضي -كما يقول سبيى -
بتفسيات مادية بتة "على أساس أنا مكومة بنشاط الليا العصبية ، ...وأن
هذا النشاط بدوره تكمه قواني الطبيعة والكيمياء اليوية " ...حت نصل ف
النهاية إل أن سلوك النسان متوم بالتفاعلت الطبيعية الت تدث داخل
مكونات الذرات الت يتكون منها الخ بعن أن التأثي هو دائما من أسفل إل
الديد Cognitive/ Mentalist أعلى ...إل أن جاء التوجه "العرف -العقلي"
ليكشف عن أن النسان "كوحدة حية" ذات مستوى وجودي أرقى من مرد
مستوى الذرات والليا قادر أيضا -على هذا الستوى النسان -على إحداث
تأثي من أعلى إل أسفل نتيجة لظهور خصائص جديدة منبثقة على هذا الستوى
ل تكن موجودة من قبل ،هي الواص "العقلية" ،الت تتفاعل وتؤثر كعوامل
سببية على نفس هذا الستوى العلى من الوجود ،كما أنا ف الوقت ذاته
تتحكم سببيا فيما هو أدن منها من الستويات (الليا العصبية ومكوناتا) ،
ويقول سبيى معلقا على ذلك "إن هذا التوجه يدل على أننا وهذا الكون الذي
- 33 -
نعيش فيه أكثر من مرد أسراب راكضة من الذرات واللكترونات والبوتونات
الدائبة الركة ..وهذه النظرة الديدة للواقع ..تتقبل الواص العقلية والروحية
كحقائق سببية فاعلة"(. )Sperry, 1988: 609
ولقد أدت تلك الكشوف العلمية الديدة من جهتها إل ثورة أخرى ولكنها
تتصل هذه الرة بالنظرة إل طبيعة النسان والعوامل الؤثرة ف سلوكه ،حيث
أزيح كابوس التوجهات اليكانيكية الادية ف النظر إل النسان وانفتحت آفاق
البحث العلمي الشروع ف الوانب العقلية والروحية والدينية ف تأثيها على
السلوك ،فجاء ذلك تدعيما لتوجهات أولئك الباحثي السلمي الذين ل يكن
أمامهم ف الاضي إل أن ينكروا ذلك الضلل العلمي بقلوبم فأصبحوا ينكرون
بألسنتهم وببحوثهم ،بل ويضيفون بصائر جديدة ف فهم النسان وسلوكه ل
يكن من المكن التوصل إليها ف إطار التصورات الادية اليكانيكية التقليدية .
-3ترتب على الكتشافات الشار إليها ف مال علم الفيزياء الديثة وف مال
العلوم البيولوجية وخصوصا علم العصاب أن بدأ الشك ييط بقوة بالسس الت
يقوم عليها النهج العلمي الديث ذاته ،خصوصا فيما يتصل بالشروعية "العلمية"
لتطبيقه ف الدراسات التصلة بالنسان والجتمع ،وذلك بعد أن ثبت أن
والعتماد على الواس وحدها كأساس المبييقية Empiricsm الغراق ف
للمعرفة مع استبعاد العوامل الروحية والدينية من العتبار عند دراسة السلوك
النسان والترتيبات الجتمعية قد أدت إل إعاقة تقدم العلوم الجتماعية وكانت
السبب ف أزمتها الراهنة ،فبدأت ثورة علمية موازية ف عال النهج أيضا
تطالب بإعادة النظر ف مسلمات النهج العلمي التقليدي وفتح الباب أمام ألوان
أخرى من الستبصار مصدرها الوحي الصحيح .
- 34 -
وقد أزال هذا التطور النهجي آخر الواجز التلفعة برداء العلم والت كانت
تول دون الراجعة الريئة لكثي ما درج العلماء على احترامه بل وتقديسه ما
توجهات قدية ف فلسفة العلوم أو ف مسائل النهج ،وقد أدى هذا إل فتح
الباب على مصراعيه أمام الدراك التزايد لهية الوحي والطر التصورية الستمدة
منه ف توجيه العلوم عامة والعلوم الجتماعية خاصة ،وقد نوقشت هذه القضايا
تفصيل ف غي هذا الوضع حيث يكن الرجوع إليها (رجب ، )1991 ،فزادت
هذه الثورة البستمولوجية والنهجية من الشعور بأن العال السلمي مغبون كل
الغب إذا التزم أبناؤه نفس الطوط الت التزمها علماء الغرب حت لو دخلوا
حجر ضب لدخلوه ،ما أعطى دفعة قوية أخرى لقضايا أسلمة العرفة أو تأصيلها
إسلميا .
-4زوال النبهار بالتقدم الادي والتكنولوجي العاصر بعد انكشاف الثار
الدمرة على البيئة والنسان الت نمت عنه مباشرة من جهة ،وتلك الت نمت
من جهة أخرى عن انسياق الجتمعات العاصرة وراء قيم الضارة الغربية
الوجهة لتلك التطبيقات التكنولوجية ،والت تركز على " قهر الطبيعة" ،وعلى
" النمو بأي ثن" ...تلك الثار الت وصفها كابرا"بالوانب الظلمة للنمو"
والت تتمثل ف "تلوث الواء ،والضوضاء القلقة ،وازدحام الطرق بالركبات ،
والتلوث الكيميائي ،والخاطر الشعاعية ،وغي ذلك من مصادر الضغوط
الفيزيقية والنفسية الت أصبحت جزءا من الياة اليومية لكل منا ، ...إن هذا
التركيز على (التوسع القتصادي ) وتعظيم الربح وزيادة النتاجية ف الوليات
التحدة وغيها من الدول الصناعية قد أدى إل إياد متمعات من الستهلكي
التنافسي ،الذين يتم إغراؤهم على شراء واستعمال ث إلقاء كميات متزايدة
باستمرار من النتجات الشكوك ف قيمتها" والت يتطلب إنتاجها استخدام
- 35 -
تقنيات تستهلك الزيد والزيد من الوارد الطبيعية ،كما تتطلب كميات رهيبة
من الطاقة لنتاجها ،ف نفس الوقت الذي يتخلف عن إنتاجها كميات كبية
من الخلفات الكيماوية والنووية الطية بشكل متزايد .
فإذا أضفنا إل ذلك كله الشكلت والثار " الرضية " الناشئة عن
سوء توجيه المارسات الطبية والصيدلية ،وعن الستخدامات غي الصحية
للكيماويات ف الزراعة الغذاء ،وانتهاء بشكلت تكديس السلح النووي ،
فإن الصورة النهائية الت تتجمع من وراء هذا كله تشي بوضوح إل ما يتهدد
(Capra, 1982: البشرية كلها من ماطر من جراء متابعة ذلك النموذج الغرب
.)249-281
ول شك أن هذه الراجعة الفاحصة لنتائج التقدم العلمي والتقن قد
أسهمت ف تغيي النظرة التقليدية الت كانت تجد "التقدم" التكنولوجي
والبتكارات "الديثة" دون أي تفظ ،وأثبتت أن ما يفعله النسان ببيئته سرعان
ما يرتد ف نره إن عاجل أو آجل ،وأنه ليس هناك من بديل عن التعامل
السئول مع البيئة ،ما قوّى حجة من ينظرون للنسان على أنه مستخلف ف
الرض الت سخرت من أجله ،وأنه مسئول عن رعايتها والحافظة عليها -
تلك القيم النبيلة الت تبي النسان السلم أنه يلكها رغم تلفه التكنولوجي ،
وأصبح يتطلع إل ذلك اليوم الذي يستطيع فيه أن يسهم ف التقدم التكنولوجي
ولكن من منظور مهتد بدى ال خالق الرض والسماوات.
-5ازدياد ثقة الشعوب السلمية بدينها وشريعتها ونظمها بعد أن شهدت فشل
حكوماتا التعاقبة ف تاربا السياسية التهورة الت تبنت فيها كل أشكال نظم
الكم الوضعي العلمانية العروفة ف عصرنا ،وبعد أن تبي لكل ذي بصر
وبصية أن استمرار التخلف والفساد ف الجتمعات السلمية ل علج له إل
- 36 -
بتبن القيم والنظم السلمية اللية ،ليس فقط فيما يتصل بالنظم السياسية بل
والقتصادية والتعليمية والجتماعية بالعن الشامل ،وبالطاعة الطلقة ل سبحانه
وتعال فيما أمر ونى ،سواء على مستوى الفراد أو على مستوى الدول ،أو
على مستوى الفكر والنهج والمارسة .
-6قيام الامعات السلمية بإنشاء كليات وأقسام للعلوم الجتماعية على أمل
"التوجيه السلمي" لتلك العلوم ولا تضمها من تصصات ،وشعور القائمي
بالتدريس ف تلك الكليات بالتنافر العرف العنيف الناتج عن قيامهم بتدريس
تلك العلوم الجتماعية النطلقة ف كثي من مصادرها الصلية من فكر إلادي
نشط ( أو على القل فكر علمان منبت الصلة عن كل ما يتصل بال واليوم
الخر) ف جامعات "إسلمية" يفترض منطقيا أن يكون كل ما يدرس فيها
ملتزما بالطر التصورية للسلم ،ول شك أن هذا الوقف الصعب قد حفز
الكثيين من القائمي بتدريس العلوم الجتماعية ف الامعات السلمية بل
وغيها من الامعات لبذل مزيد من الهد ليس فقط لرجعة ما يدرّسونه لطلبم
وعرضه على الكتاب والسنة ،بل والجتهاد ف النظر فيما يقتضيه التصور
السلمي بالنسبة لتخصصاتم الديثة .
وبتأثي هذه التطورات الذرية كلها -سواء منها ما كان على مستوى
العلم وما كان على مستوى العالَم -فقد شهدت الوطان السلمية ف
السنوات الخية تلك النبعاثة السلمية الباركة بأبعادها الشاملة ( وليس فقط
با اصطلح على تسميته بالصحوة السلمية الت كانت جوانبها السياسية أكثر
ظهورا من غيها) الت جاءت تأويل واقعيا لقوله تعال "سنريهم آياتنا ف الفاق
وف أنفسهم حت يتبي لم أنه الق" ( فصلت )53 :والت تبينت أنه ل صلح
لذه المة ،ول ناة لا ما يدبره لا أعداؤها التربصون ،ول فلح لا ف
- 37 -
الخرة ،إل بأن تعيد النظر ف كل شأن من شؤون حياتا لتزنه بيزان السلم ،
وبأن تقيم كل نظمها القتصادية والسياسية والجتماعية على عُمُد ما شرعه ال
وارتضاه لم ،دون تردد أو نكول .وقد جاء هذا تصديقا لا سبق أن أوضحناه
من أن استعادة التوافق بي النظم والؤسسات الت ييا الناس ف إطارها وبي
القيم والعتقدات الت يدينون با هو من الشروط الرئيسة لفاعلية عملية التنظيم
الجتماعي ف تقيق أهداف الجتمع.
ولقد صاحب تلك النبعاثة الباركة ،أو كان بثابة القلب منها ،أو كان أثرا
من آثارها الكبى ،الشعور بضرورة التوجيه السلمي للعلوم والهن ف كل
مناحي الياة ،وقد جاءت هذه الركة الت بدأت بالطالبة " بأسلمة العرفة"
بثابة القطب الذي انتظمت حوله الهود التفرقة الت كانت تتوق دوما للربط
بي السلم والدمة الجتماعية ،ما أعطى جهود التوجيه السلمي للخدمة
الجتماعية دفعة كبى منذ بداية الثمانينات ،حيث اتسع وتعمق نطاق الشعور
بأن ناذج المارسة الهنية للخدمة الجتماعية الستمدة من النهج الغرب العلمان
للحياة ل يكن أن يتحقق منها الي لمة السلم الت تؤمن بال واليوم الخر ،
والت تعلم علم اليقي أن كل وجه من أوجه حياة الفرد السلم والجتمع السلم
تتأثر أشد التأثر بذلك اليان وبقتضياته .فلم يعد مفهوما ول مقبول أن يتعامل
الخصائي الجتماعي مع العميل وكأن صلة هذا العميل بربه ل تعن شيئا بالنسبة
للمشكلة الت يعان منها ،أو كأنا ل تعن شيئا بالنسبة لنوع الساعدة الت
يصلح أن تقدم إليه لعاونته على حلها .
وإذا كان هناك البعض من ترددوا ف القبول بذه الثورة العلمية القبلة ف
ميط الدمة الجتماعية ف بعض الدول السلمية ،تت وطأة اللف والعتياد
لتلك النماذج الغربية الت قضوا العمر ف تصيلها ،فإن بعض علماء الدمة
- 38 -
الجتماعية الغربيي أنفسهم قد بدأوا يشعرون بأن من الستحيل أن تقدم الدمة
الجتماعية مساعداتا للناس دون اكتراث بقيمهم الدينية ول لشواقهم
الروحية ،بجة الياد القيمي والوضوعية الزعومة الت ورثتها الهنة عندهم من
التاهات المبيييقية التطرفة الت طفت على سطح النهج العلمي التقليدي ف
البحث ردحا طويل من الزمن ،فأوضح جوزيف هيس مثل أن أساس " أزمة
الوية " الت تعان منها الدمة الجتماعية ف الوليات التحدة المريكية إنا
يكمن ف إهال البعد الروحي ف المارسة ( ،)Hess, 1980: 59-66كما بي
مارتن مارت ف مقال هام بعنوان " الدمات الجتماعية :مؤمنة أم كافرة" أن
إهال الدين ف كتابات ومارسات الدمة الجتماعية يؤدى إل وجود "فجوة
ف التصور بي الخصائيي الجتماعيي وبي الناس الذين تقدم لم الدمات
الجتماعية ،فأولئك الناس قد تكون لديهم دوافع تركها الرغبة ف إياد معن
لياتم لكن تلك الدوافع والرغبات ل تد أذنا صاغية عند الخصائي الجتماعي
(Marty, 1980 : الذي يستبعد ف لغته التخصصة أي اهتمام بذه النواحي "
)463-465أما سو سبنسر فقد تساءلت قبل ذلك بسنوات طويلة ،وبعبارات
تتضمن العجب الشديد من هذه التوجهات العلمانية ف إعداد الخصائيي
الجتماعيي ومارستهم بقولا "إذا كانت هذه الاجات والدوافع الروحية هي
جزء ل يتجزأ من حياة تلك العداد الكبية من الناس ،وإذا كان استخدام
العقيدة الدينية له تلك القيمة القيقية أو الحتملة بالنسبة لذه العداد الغفية من
الناس فإن الرء ليتساءل عن أسباب تردد الخصائيي الجتماعيي ف العتراف
بتلك الاجات ومقابلتها . )Spencer, 1957 : 527( " ...
ويق لنا أن نشارك سبنسر العجب -بل والدهشة الشديدة -إذا وجدنا بي
ظهرانينا من يؤمنون بال واليوم الخر ولكنهم يدون حرجا ف أن تنطلق
- 39 -
نظريات المارسة الهنية ف الدمة الجتماعية من منظور السلم ،وقد يكون
لبعض هؤلء بعض عذر أو شبهة ناشئة من شىء من بعض اللتباس الذي قد يقع
لديهم حول مفهوم التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية ( أو التأصيل السلمي
للخدمة الجتماعية ) ،ومن هنا فقد يكون من الناسب أن ننتقل الن إل
التعريف بفهوم التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية ،وتييز ما هو أصيل
بالنسبة لذا الفهوم ما هو عارض أو ماهو غي وارد ،ث تديد أبعاد التوجيه
السلمي للخدمة الجتماعية ،والشارة إل بعض الهود الت بذلت ف هذا
السبيل.
- 40 -
الفصل الثالث
- 41 -
الفصل الثالث
مفهوم التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية
-1التوجيه السلمي للعلوم:
لعل من الناسب أن نقدم لناقشتنا لفهوم التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية
بإيراد التعريف الكلسيكي "لسلمة العلوم" الذي قدمه الدكتور إساعيل
الفاروقي يرحه ال ف عام ، 1982والذي لقي قبول واسعا لدى التخصصي ف
متلف العلوم والهن ،حيث عرف أسلمة العلوم ببساطة بأنا "إعادة صياغة
العلوم ف ضوء السلم " ( ...الفاروقي )14 :1982 ،وقد فصّل القصود
بذلك بقوله أن ذلك يتضمن "إعادة تديد وترتيب العلومات ،وإعادة تقوي
النتائج ،وإعادة تصور الهداف ،وأن يتم ذلك بطريقة تكّن ..من إثراء
وخدمة قضية السلم" (الفاروقي .)54 : 1986 ،
وقد بي الفاروقي أن تقيق أهداف أسلمة العلوم أو إسلمية العرفة (كما
ترجها البعض) يتطلب:
-1فهم واستيعاب العلوم الديثة ف أرقى حالت تطورها ،والتمكن منها ،
وتليل واقعها بطريقة نقدية لتقدير جوانب القوة والضعف فيها من وجهة نظر
السلم.
-2فهم واستيعاب إسهامات التراث ،النطلق من فهم السلمي للكتاب والسنة
ف متلف العصور ،وتقدير جوانب القوة والضعف ف ذلك التراث ف ضوء
حاجة السلمي ف الوقت الاضر ،وف ضوء ما كشفت عنه العارف الديثة .
- 42 -
-3القيام بتلك القفزة البتكارية الرائدة اللزمة لياد " تركيبة" تمع بي
معطيات التراث السلمي وبي نتائج العلوم العصرية با يساعد على تقيق
غايات السلم العليا (الفاروقي .)21 -17 :1982 ،
والتوجيه السلمي للعلوم ف إطار هذا فهم يقوم على أساس من عدم التفريط
ف النتائج العلمية الت توصل إليها التخصصون ف العلوم الديثة ،بشرط أل
الزائد الذي يرج عما الصدق Validity نعزو لتلك النتائج أي قدر زائد من
تستحقه تلك النتائج ف ضوء التحليل النقدي الرصي ،كما يقوم التوجيه
السلمي للعلوم من جهة أخرى على العتقاد بأن العلم -شأنه ف ذلك شأن
أي نشاط إنسان آخر ما يقوم به السلم ف حياته الدنيا -ينبغي أن يهتدي بنور
العقيدة الصحيحة ،وأن ينضبط بضوابط الشريعة ،وبالتال فإن هذا التوجه يمع
بي الفادة من :هداية الوحي ومن اجتهاد البشر بطريقة تتمشى بشكل دقيق مع
ما قصد لكل منهما من وظيفة ف التصور السلمي .
وف ضوء هذا الفهم يتبي لنا أن إعادة النظر ف متوى ومناهج العلوم
والهن من منظور السلم ( أو التوجيه السلمي للعلوم) يستحيل أن يكون كما
قد تصور البعض "نظرة إل الوراء ( ..أو) حركة ارتداد للخلف…" (عبد
العال ، )197 :1989 ،وذلك لن التوجيه السلمي للعلوم يقوم -كما رأينا -
ضمن ما يقوم على "استيعاب العلوم الديثة ف أرقى حالت تطورها" استيعابا
يكّننا من نقد نتائج تلك العلوم " ..على علم" ،بيث نستطيع الستفادة ما فيها
من نتائج صحيحة إل أقصى حد مكن ،ولكن مع القدرة ف الوقت ذاته على
"تاوز" تلك النتائج بشكل بناء كلما اقتضى المر ذلك.
- 43 -
كما يتبي لنا أن التوجيه السلمي للعلوم ل يقصد به مرد الرجوع إل
إسهامات علماء السلمي الوائل للستفادة منها ،أو العتماد على الصادر
الشرعية وحدها ف التوصل إل السنن والقواني الزئية ،وإنا المر يتطلب فوق
هذا وذلك إياد "تكامل حقيقي بي ما تدنا به تلك السهامات والصادر من
تصور إسلمي للنسان والجتمع والكون ،وبي نتائج تلك العلوم الديثة بعد
غربلتها وتنقيتها ،ما يوصلنا إل فهم أفضل للظاهرات النسانية يعيننا على
حسن التعامل مع النسان ومشكلته بطريقة فعالة وواقعية .
- 44 -
السلمي ،ولكن نقول أنه "ينطلق" من هذا التصور ويهتدي بداه بشكل
أساسي .
-2أن عملية التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية ستتطلب ف البداية بذل
جهود نشطة ومكثفة وواسعة النطاق نتمكن من خللا من بلورة ذلك التصور
السلمي واستكشاف أبعاده والتعرف على حدوده ،لكي نقوم ف ضوء ذلك
من إسقاط هذا التصور على نظرية المارسة الالية واستبعاد ما ل يتوافق معه ،ث
البناء على قواعد هذا التصور وعلى ما يصمد من الطر التصورية التفصيلية
الستمدة من الشاهدات الحققة ومن خبات المارسة ،حت يبلغ المر غايته
بظهور نظرية المارسة النطلقة من التصور السلمي ( الواكب لستوى العرفة
العلمية التاحة عند تلك النقطة من الزمن) ،حت إذا انتهينا إل مرحلة الستواء -
الت يصبح فيها هذا التوجه هو التوجه السائد - The paradigmفإن إيقاع
النشاط العلمي يعود إل معدله الطبيعي العتاد الذي ل تده إل حدود المكانات
البشرية والادية والتكنولوجية ،والذي يدوه فضل ال سبحانه وتعال وما قدره
الناس من رزق "معرف" ببالغ حكمته ورحته.
-3إن من الطبيعي أن يقدم التعريف مهمة " بلورة التصور السلمي" على غيها
مـن الهام ،باعتبارهـا تثـل " البعـد الغائب " فـ التصـورات التقليديـة للخدمـة
الجتماع ية (وغي ها من ال هن والعلوم الجتماع ية) على الو جه الذي و صلتنا به
من الغرب ،فمراجع الدمة الجتماعية ومارساتا غاصة بالعارف الستمدة من
إسهامات العلم الديث -أيا كانت قيمتها القيقية ،وأيا كانت درجة رضائنا
عن وصف تلك السهامات بالعلمية أصل -كما أنا غاصة بنظريات المارسة
وطرق التدخل النطلقة من النطلقات الغربية ،وليست قضية التوجيه السلمي
اليوم -كمـا يظـن بعـض التعجليـ للنتائج -هـي قضيـة ترجيـح أي مـن هذه
- 45 -
النطلقات النظرية على الخر بزعم أنا أقرب للتصور السلمي ،ولكن قضيتنا
ال ساسية هي أول وق بل كل شىء هي قض ية تد يد أبعاد "الت صور ال سلمي"
الذي يكننا ف ضوئه الكم على تلك النطلقات أو الضافة إليها.
-4ويلحظ أن "التصور السلمي" للنسان والكون والياة ،وللسنن النفسية
والجتماعية ،ولسباب الشكلت الفردية ،ل تتم خدمته حت الن بطريقة
منظمة تصلح للستفادة منه بشكل مباشر ف صياغة نظريات المارسة ف
الدمة الجتماعية ،والهنة أحوج ما تكون اليوم إل بلورة ذلك التصور
وصياغته ف شكل قضايا تضمها أنساق استنباطية يكن أن تستمد منها الفروض
لختبارها ف الواقع ،كما يكن ضمها ف جوانبها "القيمية" إل
الشاهدات"الحققة واقعيا" لتكوين نظرية المارسة.
-5وبذا تتحدد وظائف " التصور السلمي" الستمد من فهمنا للكتاب والسنة
الصحيحة ف مقابل الصادر الجتهادية التفصيلية "البشرية" للوصول إل العرفة (
والت تتمثل ف اللحظات الزئية الت يتم التوصل إليها باستخدام النهج
العلمي الصحيح ،كما تتمثل ف البادئ الت ت التوصل إليها من خلل خبات
المارسة ) على الوجه التال:
أ -التصور السلمي للطبيعة البشرية ،وللسنن النفسية والجتماعية ،ولسباب
الشكلت الفردية والجتماعية ،يعتب بثابة "الطار النظري" الذي يفسر ويربط
بي الشاهدات أو اللحظات الزئية الحققة ،كما يقدم الفروض الت توجه
إل مزيد من البحوث با يدم القاعدة العرفية للمهنة.
ب -يوجه هذا التصور السلمي جهود الهنيي ف المارسة -حت ف
الوانب الت ل يتم التحقق من صدقها بعد بطريقة علمية منظمة -ويصبح هذا
التصور بالتال جزءا ل يتجزأ من عناصر الطار الفكري الذي يتم ف ضوئه
- 46 -
التوصل إل "خبات" المارسة الت يكن تعميمها (والت تسمى ف الكتابات
الهنية "حكمة المارسة").
ج -يعتب "التصور السلمي" الشار إليه حجر الزاوية ف تديد القيم الهداف
النهائية الت تتم المارسة ف ضوئها ،وذلك على اعتبار أن هذا التصور يتضمن
توصيف الهداف النهائية والشاملة لياة البشر ( العملء منهم والخصائيي
الجتماعيي) كما يتضمن التوجيهات اللية لصلح حياتم ف الدنيا ولسن
عاقبتهم ف الخرة ،وبطبيعة الال فإن هذا التصور الشامل يترك مال لقيم
تفصيلية ومبادئ مددة تلئم متلف الواقف الت تواجه الخصائي الجتماعي
خلل عمله اليومي ،وهذه لبد فيها من اجتهادنا البشرى ف ضوء التصور
الشامل وف إطاره.
-6وهذا يقودنا إل ما جاء ف ناية التعريف ما يشي إل مكان الجتهاد
البشرى ف التوصل إل ،والستفادة من ،الدراسة العلمية النظمة للظواهر ،
وال استنباط البادئ الزئية التفصيلية الوجّهة للمواقف العملية الحددة ،وإل
ابتكار أساليب التدخل الجرائية اللئمة ،ما يفتح الباب على مصراعيه أمام
الستفادة بنتائج البحوث العلمية الديثة سواء ف العلوم التأسيسية أو ف بوث
الدمة الجتماعية ذاتا ،والستفادة من ما يتبلور لدى غينا من مبادئ جزئية
أو من طرق حديثة للتدخل ،على أن يتم ذلك كله ف نطاق التصور السلمي
الشامل على الوجه الشار إليه.
وإذا ما حاولنا تقدير موقفنا الراهن ف ضوء هذا التعريف يتبي لنا أننا
لزلنا ف بداية الطريق نو التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية ،فبالرغم من
أن الكتبة السلمية زاخرة والمد ل بالراجع والكتب القيمة ف متلف فروع
العرفة الشرعية ،إل أننا لزلنا باجة إل جهود كبية تبذل لستخلص ما
- 47 -
نتاجه ف ميط الدمة الجتماعية من صياغة "التصور السلمي" للنسان
والجتمع والكون ف شكل قضايا مترابطة تثل نسقا استنباطيا يكن استخدامه
بشكل مباشر ف توجيه نظريات المارسة الهنية ،وبطريقة يكن أن نستمد منها
فروضنا العلمية لختبارها ف بوث الدمة الجتماعية.
كما أننا ل نكد نبدأ بعد مهمة الراجعة النقدية الادة للكتابات الديثة ف
ميط الدمة الجتماعية ف ضوء التصور السلمي ،ولزالت نظريات المارسة
النطلقة من النساق القيمية للمجتمعات الت تقدمت فيها الدمة الجتماعية -
خصوصا الوليات التحدة المريكية -توجه الكتابات الهنية للخدمة الجتماعية
ف كل أرجاء العال السلمي ،باستثناء ماولت مدودة الجم والثر على ما
يتم تدريسه رسيا ف إطار الطط الدراسية ومتويات القررات ف كليات
ومعاهد وأقسام الدمة الجتماعية.
أما عن مهمة إياد "التكامل القيقي" بي نظريات المارسة الهنية
الديثة من جانب وبي التصور السلمي للنسان والجتمع والكون من جانب
آخر فإن من الواضح أن تلك الهمة ل تزال تنتظر تقيق التقدم على البهتي
السابقتي حت يكن أن تبدأ .ومع ذلك فإن معال الطريق ول المد قد باتت
واضحة ،وحاجتنا القيقية هي إل أن نعقد العزم ،ونعد العدة ،وندّ ف
السي ،فالنور واضح ف ناية النفق الظلم -كما يقولون -ومن هنا فقد يكون
ما يفيد هذه السية الباركة أن نتهد هنا لوضع بعض الطوط والؤشرات العامة
حول أبعاد التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية ،قُصد منها أن تكون بثابة
نقاط مبدئية يكن أن يبدأ حولا الوار العلمي ،الذي نرجو أن يعاون بشيئة ال
على بلوغ الدف وتقيق الأمول بفضله وإكرامه.
- 48 -
الفصل الرابع
- 49 -
الفصل الرابع
أبعاد التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية
إذا كانت الدمة الجتماعية كمهنة تستهدف مساعدة "النسان" كفرد أو
كعضو ف جاعة أو متمع على مواجهة "مشكلته" وإشباع حاجاته ،مع تنمية
قدراته إل أقصى حد مكن ،فإن من الواضح أن عملية الساعدة لبد أن تكون
مبنية ف الساس على فهم كاف "لوضوع" تلك الساعدة ..أل وهو
"النسان"… سواء من حيث طبيعته ومكوناته الت رُكّب منها ،أو من حيث
ديناميات التفاعل بي تلك الكونات .
حت إذا اتضحت لدينا الصورة حول طبيعة النسان ومكوناته الت
رُكّب منها ،لزِ َمنَا أن نتعرف على السنن والقواني الت تكم سلوك هذا
النسان كفرد ،وتلك الت تكم علقاته مع غيه ،إضافة إل تلك الت تكم
البناء الجتماعي والثقاف الذي تتم تلك العلقات ف إطاره ،وذلك على اعتبار
أن معرفتنا بتلك السنن تساعدنا من جهة على تفسي السلوك النسان ف حال
السواء ،كما تقدم لنا من جهة أخرى معيارا لضاهاة السلوك عليه ف حالة
النراف.
ولكن لا كانت الدمة الجتماعية منذ بداياتا التاريية الول وحت اليوم
تتم اهتماما خاصا بساعدة أولئك الذين يواجهون "مشكلت" أو صعوبات ف
أدائهم لوظائفهم الجتماعية ،وهو ما يثل الانب العلجي من التدخل الهن ،
كما تتم بإزالة الظروف والؤثرات الت يكن أن تؤدى إل النراف معاونة على
حاية الناس من الوقوع ف مثل تلك الشكلت ،وهو ما يثل الانب الوقائي
من التدخل الهن ( ،ف نفس الوقت الذي تعمل فيه بالطبع على إتاحة الفرص
- 50 -
أمام الناس لستثمار طاقاتم وتقيق ذواتم إل أقصى حد مكن ،وهو ما يثل
الانب التنموي من التدخل الهن) ،فإن فهم السباب والعوامل الؤدية إل
حدوث الشكلت الفردية والشكلت الجتماعية يثل أساسا لزما لتصميم
برامج التدخل الهن ف جوانبها العلجية والوقائية على أساس واقعي .
ولا كانت سياسات وبرامج ومؤسسات الرعاية الجتماعية والتنمية
الجتماعية تثل الوعاء الذي تتم ف إطاره المارسة الهنية للخدمة الجتماعية ،
فإن وضوح التصور السلمي للسس الت تقوم عليها تلك "السياسات والبامج
والؤسسات" يعتب شرطا لزما لنجاح جهود التدخل الهن.
وأخيا فإن استجلء جوانب كل بعد من البعاد الربعة السابقة ،ووضوح
العلقات فيما بينها ف ترابطها وتسلسلها ،يهد الطريق -بشكل منطقي -
لوضع السس العامة "لنظرية المارسة" ف الدمة الجتماعية ،والت تشمل
الواقف والعراض الت تتطلب التدخل ،كما تشمل الهداف الت يوجه نوها
العمل الهن ف كل نوع من تلك الواقف ،إضافة إل استراتيجيات وأدوات
التدخل اللئمة لكل منها.
وما سبق فإننا نستطيع أن نصر "البعاد الساسية" الت ينبغي أن تنصب
عليها جهودنا لعادة بناء الدمة الجتماعية وفق التصور السلمي -والت
ألحنا إليها ضمنا ف تعريف التوجيه السلمي للخدمة الجتماعية -ف البعاد
المسة التالية :
-1الطبيعة البشرية ف النظور السلمي.
-2السنن النفسية والجتماعية.
-3تفسي الشكلت الفردية والشكلت الجتماعية.
-4سياسات وبرامج الرعاية الجتماعية والتنمية الجتماعية .
- 51 -
-5طرق وأساليب التدخل الهن للخدمة الجتماعية .
والتأمل لذه القائمة يتبي له على الفور أن مهمة التأصيل السلمي للبعاد
الثلثة الول إنا تقع أساسا ف نطاق اختصاص الشتغلي بعلم النفس ،وعلم
النفس الجتماعي ،وعلم الجتماع كشركاء أصليي ،إضافة إل التخصصي
ف علم القتصاد والعلوم السياسية كشركاء متضامني ،ولكن الشاهَد أن
التخصصي ف هذه العلوم "النظرية" إذ ينصب اهتمامهم الوّل على الفهم
والتفسي وبناء النظريات فإنم عادة ما تستغرق جهودهم لتأصيل علومهم
إسلميا وقتا أطول بكثي ما يأمله منهم التخصصون ف الهن الستفيدة من
علومهم ( كالتربية والعلج النفسي والدمة الجتماعية ).
وقد يرجع السبب ف هذه الفجوة الزمنية بي رجال التنظي ورجال المارسة إل
متطلبات الجراءات النهجية الت يتعي على التخصصي ف تلك العلوم الوفاء
با قبل إصدار أحكامهم العلمية (الت هي ف كل الحوال ذات طبيعة احتمالية)
سواء على صعيد البحوث أو على صعيد النظرية ،ولكنه قد يرجع أيضا إل ألوان
القاومة و التحرج الألوفة والتوقعة عند العلماء عندما يواجهون مواقف تتطلب
تعديلت جوهرية ف أطرهم النظرية أو ف "التوجه العلمي السائد" الذي يتبعونه
إذا استخدمنا تعبي توماس كون ( ، )Kuhn 1970كما قد يرجع السبب ف تلك
الفجوة إل اختلف درجة إلاح أو ضغط الزمن على كل من الفريقي ،فرجال
العلوم النظرية يلكون كل الوقت الذي يشاءون لجراء بوثهم واستنباط أطرهم
النظرية وإجراء التعديلت عليها ،ف حي أن رجال المارسة تقع عليهم ضغوط
أشد كثيا لتاذ قرارات ل إمهال فيها ،وليس أمامهم من سبيل إل السترشاد
بأفضل ما هو متاح أمامهم من معرفة ف اتاذ تلك القرارات .
- 52 -
ولذا السبب فإنه ليس أمام التخصصي ف الدمة الجتماعية مفر من أن
يأخذوا زمام البادرة بأيديهم لتأصيل تلك البعاد الثلثة (ضمن بقية أبعاد التوجيه
السلمي للخدمة الجتماعية) ،بدءا من مسح الكتابات الت تتعرض بشكل أو
آخر لعملية تأصيل تلك البعاد الثلثة ف مصادر العلوم النظرية الشار إليها ،إل
ماولة إياد قدر من التكامل بي تلك السهامات ف متلف تلك العلوم ف
حدود المكان ،بل والجتهاد وسع الطاقة للدلء بدلوهم أيضا ف عملية
تأصيل تلك البعاد ف ضوء خبتم الباشرة ،على اعتبار أن هذا الوقف أفضل
بكثي من مرد النتظار -الذي قد يطول -حت يقوم الزملء التخصصون ف
تلك العلوم الخرى بتلك الهام بأنفسهم ،هذا علوة على أننا إذا أخذنا الاضي
دليل على ما يكون ف الستقبل فإننا ل نتوقع أن يبذل التخصصون ف كل علم
من تلك العلوم جهودا كافية لياد "التكامل" مع العلوم الشقيقة الخرى ،
وذلك لنشغال كل فريق من العلماء با يعُدّونه " قلب التخصص" ،وعدم
الهتمام با يعدونه "هامش" التخصص ،رغم أن الواقع الذي نعمل معه نادرا ما
يعرف هذه التفرقة الصطنعة.
ولعل من أهم الواجبات الت يتعي على الهتمي بالتوجيه السلمي للخدمة
الجتماعية القيام با ،بلورة "الفتراضات الساسية" حول النسان والجتمع
والكون الت يقوم عليها التصور النظري لكل هذه البعاد المسة جيعا ،وذلك
من خلل الحاولة الادة لياد تكامل حقيقي بي معطيات التصور السلمي
من جهة وبي معطيات العلوم الديثة من جهة أخرى ،ولكن ما الذي نقصده
بتلك الفتراضات الساسية ؟ وما علقتها بالتصور النظري النطلق من منظور
إسلمي ؟
- 53 -
إن معظم طلب العلم البتدئي ل يتصورون أن النظريات الت يدرسونا مبينة
على أي افتراضات أو مسلمات "غي مققه علميا" عن طبيعة النسان والجتمع
والكون ،وذلك لنم ل يقعون عادة على مثل تلك الفتراضات والسلمات
معروضة بشكل ظاهر ومدد ف الكتابات الت تعرض تلك النظريات ،وقد
يظن بعضهم أن تلك النظريات مبنية من ألفها إل يائها على مشاهدات ت التحقق
من صدقها وبالتال فل مال للتساؤل عن مدى صحة تلك القائق أو التشكك
ف مدى إمكان العتماد عليها ،وأخيا فإنم قد يتوهون بأن أمثال تلك
الفتراضات أو السلمات سواء كانت جزءا من النظرية أو ل تكن جزءا منها فإن
ذلك ل يغي من الواقع شيئا ول يؤثر على قيمة النظرية ف قليل أو أكثر ما دامت
تلك الفتراضات أشياء "مسلما با" ،وقد يظنون أن تناول مثل تلك المور
الجردة بالبحث والتقصي إنا هو من باب التفلسف أو الترف العقلي الذي هم
ف غن عنه.
وليس هناك أمر أبعد من القيقة عن تلكم التصورات والظنون ،فكل العلماء
الهتمي ببناء النظريات Theory Buildingيُجمعون على أن كل نظرية تقوم
بالضرورة على عدد من الفتراضات الت يسلم با أصحاب النظرية دون
إخضاعها للبحث والتحقق العلمي -أو حت دون أن تكون قابلة أصل للتحقق
من صحتها إمبييقيا ( ، )Black & Champion, 1976: 59ولكن هذه
الفتراضات تكون معلنة أحيانا ومضمرة ضمنية ف كثي من الحيان ،وغالبا ما
تكون مستمدة من الطار الثقاف الشل للمجتمع وملونة بانيازاته القيمية ،
ومن هنا فإنا تصبغ التفسيات الت تفسر با النظرية مموعة القائق العلمية الت
ت الوصول إليها من خلل البحوث الواقعية (، )Hoover,1980 : 74- 75
ويؤكد مايردال هذا العن ف بثه الشهي حول التفرقة العنصرية ف الوليات
- 54 -
التحدة المريكية وما تقوم عليه من افتراضات ضمنية ومن انيازات قيمية ،
حيث شبه تلك الفتراضات وصّور صعوبة الفكاك منها بأنا " كالضباب الذي
يغلفنا به ذلك النوع الذي نأخذ به من الثقافة الغربية ،فالؤثرات الثقافية قد
حددت الفتراضات الت ننطلق منها بصدد العقل والسد والكون ( ،فهذه
الؤثرات الثقافية ) تطرح السئلة الت نلقيها ،وتؤثر ف الوقائع الت نلتمسها ،
وتقرر التفسي الذي نعطيه لذه الوقائع ،وتوجه ردود أفعالنا إزاء هذه التفسيات
والستنتاجات " (أجروس وستانسيو .)144:
وإذن فإن هذه الفتراضات العلنة أو الضمنية تكون بثابة القواعد أو
العمدة الختفية الت يبن عليها صرح النظرية الظاهر للعيان ،ولكنها رغم
خفائها تؤثر أبلغ الثر على الشكل العام أو البناء العام للنظرية ،فإذا كانت
الفتراضات صحيحة وكافية كان هذا أدعى لقوة النظرية واتساقها ومطابقتها
(تيل بعض اختزالية reductionist للواقع ،أما إذا كانت خاطئة أو جزئية أو
العوامل إل ما هو أقل منها قدرة على التفسي ،أو تذف متغيات هامة تعسفا )
فإننا قد ند أنفسنا أمام موقف مدهش ،تكون فيه القائق الزئية الت تضمها
النظرية صحيحة ،ولكنها تكون ف الوقت ذاته قائمة على قواعد متهاوية أو
منهارة ،وبلغة أخرى فإن النظرية ف هذه الالة تكون صحيحة بعن ،وغي
صحيحة بعن آخر ،ما يؤدى إل كثي من اللط ،فهي صحيحة بعن أنا تضم
مموعة من الشاهدات الحققة والثابتة ،ولكنها غي صحيحة ف ضوء
الفتراضات الت ت جع البيانات حول تلك القائق ف ظلها ،فإذا كانت
"الفتراضات" غي صحيحة أو غي كاملة لزم عن ذلك أن النظرية بأسرها تكون
غي صحيحة أو غي كاملة تبعا للقاعدة الت أقيمت عليها ،وهذا تاما هو
الوقف الذي اتذه السي جون إيكلز Ecclesف تقويه لسهامات الدرسة
- 55 -
السلوكية إذ يقول " إنن ...أؤيد كل التأييد البحوث العلمية عن السلوك وردود
الفعل الشرطية ،بل وجيع البامج الالية لعلم النفس النظري ..على أنن
اختلف اختلفا جذريا مع السلوكيي ف دعواهم بأنم يقدمون تفسيا كامل
لسلوك النسان ،لن ( السلوكية ) تتجاهل تارب الواعية ..الت تشكل ف
نظري ..القيقة الول " ( أجروس وستانسيو .)119 :
وف نطاق نظريات علم الجتماع يقول ألفي جولدنر " سواء أعجبك
هذا أو ل يعجبك ...وسواء عرفت ذلك أم ل تعرفه ...فإنه علماء الجتماع
يصممون بوثهم ف إطار افتراضاتم السبقة ..فإذا أردت التعرف على طبيعة
أي توجه سوسيولوجي فإن المر يتطلب منك ...ف ضوئها أن تدد
الفتراضات العميقة الت يقوم عليها ذلك التوجه فيما يتصل بالنسان
والجتمع .. ،وأنا إن أردت فهم طبيعة أي توجه نظري فإنن ل أنظر ف الناهج
الت يستخدمها وإنا أنظر بدل من ذلك ف الفتراضات الت يقوم عليها من
حيث نظرته للنسان والجتمع "..وتضيف بولوما ( )Poloma, 1970 :1الت
أوردت هذا النقل عن جولدنر أن "كل نظريات علم الجتماع تقوم على
افتراضات حول طبيعة النسان وطبيعة الجتمع ،وأن هذه الفتراضات تعتب
الساس الذي يقام عليه بناء الطر النظرية الختلفة ..والتخصصون ف علم
الجتماع غالبا ما َيعْمَ ْو َن عن الفتراضات الت تتويها أطرهم النظرية".
ومن هنا فإننا نرى من واجبنا فيما يلي أن نتحن بعض الفتراضات الساسية
الت تقوم عليها نظريات العلوم الجتماعية ونظرية المارسة ف الدمة
الجتماعية فيما يتعلق بكل بعد من البعاد الساسية لعملية التوجيه السلمي
للخدمة الجتماعية ،مع مقارنتها با نظنه مبدئيا يتمشى مع التصور السلمي
- 56 -
لتلك البعاد ،لعلنا نكتسب شيئا من الستبصار بتلك الهمة ،ولعلنا نوفق ف
الشارة إل بدايات الطريق ف اتاه انطلق الدمة الجتماعية من منظور
السلم.
- 57 -
با غيهم من أصحاب النظريات العارضة لم كأصحاب التاه النسان
Humanistic Approachالحدث نسبيا الذين يرفضون الفتراضات الساسية
للسلوكيي والفرويديي الت ل يقم عليها أي دليل علمي مقق بأن النسان مرد
آلة مادية أو حيوان تسيه غرائزه ،ويطالب أصحاب ذلك التاه "بأنسنة" علم
النفس بيث يعترف إل جانب تلك العناصر الادية ف النسان بأولوية تأثي
الوانب العقلية والروحية فيه (ويلحظ أن الكثيين من أصحاب هذا التوجه
يستخدمون هذا الصطلح الخي -أقصد الوانب الروحية -غالبا بعن
الوانب الخلقية والمالية كسمات منبثقة "تطوريا" عن الوانب الفيزيقية و
البيولوجية) ،وإن كانوا ل يزالون متحرجي -لسباب ل تفى -من العتراف
بأن للروح وجودا حقيقيا واقعيا كامل وإن كان يتلف عن الوجود الادي بأنه
غي مقيد بقيود الزمان والكان ،أو العتراف بأن الروح هي مستقر "معرفة" ال
عز وجل ،وبأنا هي وعاء الصلة به.
ولعلنا ل نكون قد ابتعدنا عن القيقة كثيا إذا قلنا أن التصور السلمي للطبيعة
البشرية على هذا الساس يقوم على الفتراضات الساسية التية -أو على ما
هو قريب منها ( -ويكن لن أراد مزيدا من التفصيل أن يرجع إل مقال أفدت
منه كثيا حول "النظور السلمي للطبيعة النسانية " (الدباغ1991 ،أ ):
-1أن النسان " كائن فريد" خلفه ال سبحانه وتعال -مبدع هذا الكون
وصاحب التصرف الطلق فيه (أَلَ لَهُ الْخَلْقُ وَالَ ْمرُ) (العراف - )54 :وأن ال
قد فضل هذا النسان على كثي من خلقه تفضيل.
- 59 -
-2اقتضت مشيئته تعال خلق النسان لغاية أو لوظيفة رئيسة تتمثل ف "عبادة
ال " التضمنة لعرفته ،وتعظيمه ،وطاعة أمره ،والقيام با شرع لعمارة الرض
الت استخلفه فيها.
-3النسان ملوق من عنصرين "جسد" من طي و "روح" نورانية من أمر ال ،
ك لِلْمَلَائِكَ ِة ِإنّي خَالِ ٌق بَشَرا مِن ِطيٍ ،فَإِذَا
تل ف السد فتحييه ِ( ،إذْ قَالَ َربّ َ
سَوّْيتُ ُه وَنَفَخْتُ فِي ِه مِن رّوحِي َفقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ( ص ، )72 -71 :وينتج عن
اندماج الروح والبدن "نفس" تدبر هذا الخلوق وتعطيه وحدته وتكامله .
-4يترتب على الطبيعة الادية الطينية للجسد وجود ميل طبيعي ف النفس
للفراط وتاوز الدود سعيا وراء ضمان الحافظة على بقاء النسان واستمرار
وجوده ،ما ينتج ف النفس صفات "كنفاذ الصب والستعجال" لا ليس عندها ،
"والشح والبخل" با عندها " ،والبطر والفرح والعُجب" با تراها تيزت به عن
الخرين " ،والزع واليأس واللع" عندما تفقده " ،والراء و اللّدَد ف
الصومة" إن تنازعته مع الغي وهكذا .
-5إذا تُرك لتلك الصفات الفرصة لن تعب عن نفسها تعبيا حرا غي مقيد فإنا
بعن أنا تتعارض مع متطلبات بقاء النسان وظيفية dysfunctional تصبح غي
ف حياة اجتماعية تعاونية منظمة ،مع أن تلك الياة الجتماعية لزمة لشباع
حاجته التعددة ،لنه ل يلق قادرا على إشباعها منفردا أبدا.
-6هنا يأت دور الطبيعة "الروحية" للنسان ،والت تثل عنصر ارتباط النسان
بربه وخالقه ،والت تقوم بعادلة أو موازنة تلك التاهات التجاوزية ،با يعطى
النسان قيمته القيقية كإنسان ،ويتجلى هذا الدور من خلل ما يلي:
- 60 -
أ -يتصف ال -خالق النسان والكون -بكل صفات اللل والكمال ،فهو
سبحانه القوى القادر العليم الكيم ،النتقم البار ،الرءوف الرحيم ،الغفور
الودود .
ب -عرّف ال سبحانه وتعال خلقه به وهم ف عال سابق على الوجود ف هذه
ك مِن
الدنيا ،فأشهدهم على ربوبيته ووحدانيته وهم ف عال الذر ،وَِإ ْذ أَخَذَ َربّ َ
ستَ ِب َربّكُمْ قَالُواْ بَلَى
َبنِي آدَ َم مِن ُظهُورِهِمْ ُذرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ َألَ ْ
شَهِدْنَا أَن َتقُولُواْ يَوْمَ الْ ِقيَامَةِ) ( العراف )172 :كيل يتج أحد بعد ذلك بأنه
كان عن هذا من الغافلي ،وف الديث الذي رواه المام أحد (…جَمَعَهُمْ
فَجَعَلَهُمْ َأرْوَاحًا ثُ ّم صَ ّورَهُمْ فَا ْسَتنْطَقَهُمْ َفتَكَلّمُوا ثُمّ َأخَ َذ عََليْهِمْ اْلعَهْدَ
وَالْمِيثَاقَ…) وف رواية أخرى لحد أيضا (…أَخَذَ اللّهُ الْمِيثَاقَ مِ ْن ظَ ْهرِ آدَمَ
ج مِنْ صُ ْلبِهِ كُ ّل ُذرّيّ ٍة َذرَأهَا فََنَثرَهُمْ َبيْنَ يَدَيْهِ كَال ّذرّ ثُمّ
ِبَنعْمَانَ َيعْنِي عَرَفَةَ فََأ ْخرَ َ
ت ِب َربّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا…) (انفرد به المام أحد) .
كَلّمَهُمْ ِقبَل قَا َل أَلَسْ ُ
ج -ث إنه سبحانه -إيقاظا وتدعيما لا أودعه كامنا ف هذه الفطرة -قد أرسل
الرسل مذكرين ومبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل ،
فمن حافظ على صفاء فطرته ونقاء سريرته فإنه يسارع عند ساع الرسل
بالتصديق والنضمام إل أهل اليان ،وأما من التَوَتْ فطرته فإنه يلتصق بالرض
وينضم إل أهل التكذيب والضلل ،وهذا هو جوهر "الختبار النسان" ف
هذه الياة ،وهو أيضا الحك الذي ف ضوئه تتحدد "نوعية حياة" النسان .
د -فأما من آمن برسالت ربه ،ث اهتدى بإرشاد الرسل ،فوعى رسالته
ووظيفته ف هذه الياة ،وعرف حق ربه ،فوقف عند أمره ونيه ،فإن ثرة
ذلك تتمثل ف ضبط تلك الصفات التجاوزية البدنية وكبح جاحها (إِنّ الْإِنسَانَ
شرّ َجزُوعا { }20وَِإذَا مَسّ ُه الْخَْيرُ َمنُوعا {}21
خُلِقَ هَلُوعا {ِ }19إذَا مَسّهُ ال ّ
- 61 -
إِل الْمُصَلّيَ { }22الّذِينَ هُ ْم عَلَى صَلتِهِمْ دَائِمُونَ { }23وَالّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ
حرُومِ { }25وَالّذِي َن ُيصَدّقُونَ ِبيَوْ ِم الدّينِ) ...
حَ ّق مّعْلُومٌ { }24لّلسّائِ ِل وَالْمَ ْ
(العارج )26 -19 :وذلك إضافة إل تقيق الفلح ف الخرة (وَأَمّا مَنْ خَافَ
س عَنِ الْهَوَى { }40فَِإ ّن الْجَنّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) (النازعات) ،
مَقَا َم َربّهِ وَنَهَى الّنفْ َ
والعكس صحيح على كل الستويات وبكل القاييس.
-7ث إن ال جل وعل راد الناس إل معاد ،وماسبهم على ما استخلفهم فيه
فمجازيهم على أعمالم ف حياة أخرى هي ف التصور السلمي "الياة"
القيقية ،أما الدنيا بكل ما فيها فإنا دار ابتلء واختبار ف مدى ودرجة اللتزام
بواجبات العبودية القة ل " ،فالنسان الذي يقوم بالعبادة -الت من أجلها
خلق -حق القيام فقد استكمل النسانية ومن رفضها فقد انسلخ من النسانية
فصار حيوانا ودون اليوان ،كما وصف ال الكفار إِنْ هُ ْم إِلّا كَالَْنعَا ِم بَلْ هُمْ
أَضَلّ َسبِيلً) (الفرقان ( " )44 :الدباغ 1991،أ).
-8ومور الياة الروحية للنسان هو " القلب" الذي يثل الرابطة بي "العرفة
والعتقاد" من جهة "والسلوك والرادة" من جهة أخرى ،وعرفه المام الغزال
بأنه هو "الروح النسان التحمل لمانة ال ،التحلي بالعرفة ،الركوز فيه العلم
بالفطرة ،الناطق بالتوحيد بقوله (بلى شهدنا) ،وهو بذا مل معرفة ال عز
وجل" (الدباغ 1991 :أ ، )11 :فإذا قام القلب بوظيفته الروحية التمثلة ف
معرفة ال عز وجل وحبه وعبادته وذكره وإيثار ذلك على كل شهوة سواء ،
استقامت حياة النسان ككل ،فجاء سلوكه متمشيا مع ما يرضى خالقه وبارئه
ومثل هذا النسان ييا حياة طيبة مليئة بالطمأنينة والسكينة ،ويعيش مَن حوله
منه ف راحة ،حت إذا جاء أوان الرتال ...القريب دائما ...عن هذه الدنيا
حِيَينّهُ
كان مآله نعيم الخرة (مَ ْن عَمِلَ صَالِحا مّن ذَ َكرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُ ْ
- 62 -
جزَِينّهُمْ أَ ْج َرهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ َيعْمَلُونَ) (النحل )97:وأما إذا
َحيَا ًة َطيّبَةً وََلنَ ْ
مرض القلب فلم يقم بتلك الوظائف فإن ذلك يكون مدعاة لضطراب حياة
النسان ككل ،فيعيش معيشة ضنكا مهما تقلب ف زخارف الدنيا ،وكان
الناس منه ف بلء وشر ،ث هو ف الخرة من الاسرين ( ،وَمَنْ َأ ْعرَضَ عَن
ش ُرهُ يَوْمَ الْ ِقيَامَ ِة أَعْمَى) ( طه . )124 :
ذِ ْكرِي فَِإ ّن لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا وَنَحْ ُ
فإذا قارنا بي السلمات الت تقوم عليها العلوم الجتماعية والسلوكية العاصرة
وبي تلك السلمات النطلقة من هذا التصور السلمي لوجدناه كالفرق بي
الثرى والثريا ،فتلك العلوم تقدم لنا صورة جزئية منقطعة عن سياقها لكائن
مادي معزول كأنه وجد من فراغ وكأنه يعيش ف فراغ ،ل صلة له بالكون
الذي هو جزء منه ،ول بوجد الكون الذي خلقه وصوره ،مع تاهل كامل لا
كان قبل وجود النسان ف هذه الدنيا (كالشهاد على الوحدانية ف عال
الذّر ) ول لا يكون بعد انقضاء هذا الوجود (كالبعث والزاء) ،ويترتب على
هذا كله إهال الوانب الروحية التصلة بعرفة ال سبحانه وتعال ،وإهال العمل
وفقا لتطلبات تلك العرفة ،مع أن هذا الانب بالذات -الذي يدور حوله
الوجود النسان كله ف النظور السلمي -قد يكون هو البعد الاكم على
كل ألوان سلوك النسان والوجه لا .
- 63 -
السلمي للخدمة الجتماعية استجلء هذا البعد الام التصل بالطبيعة البشرية ف
متلف جوانبه باعتباره الساس الذي تبن عليه بقية البعاد الخرى ،مع
استيعاب تأثي تلك العوامل الادية الت أسرفت العلوم الديثة ف تقدير أهيتها ،
ووضعها موضعها الصحيح ،ف تكامل واتساق مع حقائق هذا الوجود
الشاهدة الت ل يكن إنكارها.
ولذلك فليس أمامنا هنا من خيار إل القتصار على بعض التاهات العامة
ف تفسي السلوك الفردي والترتيبات الجتمعية ما يكن اعتباره عينة مثلة لتلك
- 64 -
التاهات بصفة عامة ،وبا يكّننا من تاوز الوصف إل التحليل والنقد ،ث
القارنة با نده من أطر نظرية مستمدة من التصور السلمي للنسان والجتمع.
ولقد أكد بعض الشتغلي بتعليم الدمة الجتماعية ف الوليات التحدة
المريكية على التعقيد الشديد الذي يتسم به السلوك النسان ف ميط البيئة
الجتماعية ،وحاول بعضهم القيام براجعة وتلخيص أهم النظريات الت
تصدت لفهم وتفسي السلوك البشرى والت تصلح لن تكون أساسا يستند إليه
الخصائيون الجتماعيون ف تدخلهم الهن ،والعبارة التية تثل الرؤية الت
توصل إليها اثنان منهم ها بيجر وفيديريكو للصورة الت تواجهنا ف هذا
الجال " :إن السلوك البشرى بالغ التعقيد والتنوع ،وأحد السباب الؤدية
لذلك هو تعدد الصادر الت ينبع منها السلوك ،وهي الصادر البيولوجية ،
والنفسية ،والثقافية ،وتلك التصلة بالبناء الجتماعي ...ورغم أنه يبدو لنا أن
العرفة الت تتيحها لنا العلوم البيولوجية والسلوكية والجتماعية قاصرة ومتناقضة
بشكل ميف ،فإن علينا كمهنيي أن نتدخل لحداث تغييات (مرغوبة) ف
حياة الفراد والماعات والنظمات والجتمعات الحلية والجتمع الكبي ،ولو
أننا انتظرنا حت تصلنا كل القائق [العلمية الت نتاجها] لكنا ببساطة كمن
يلس "ليعزف ويترك روما تترق" ( ، )Berger & Federico, 1985: 26ث إن
الؤلفي يضيان بعد ذلك ف ماولة حصر الفاهيم الت تقدمها لنا العلوم
السلوكية والجتماعية تفسيا لتأثي العوامل الوراثية والسمية على السلوك ،ث
يتبعان ذلك بفحص تأثي العوامل الدراكية والعرفية والوجدانية ،ث العوامل
التصلة بالبناء الجتماعي كالنواحي السرية والقتصادية ،ث العوامل التصلة
بالطار الثقاف للمجتمع ،ول يكتفي الؤلفان بدراسة الثار الباشرة لكل نوع
من العوامل ،بل يتناولن الطريقة الت تتأثر با كل مموعة من تلك الجموعات
- 65 -
الربعة ببقية مموعات العوامل الخرى ،ويبينان أثر ذلك على سلوك النسان
ف حدود العرفة العلمية الراهنة ،وقد نا الؤلفان ف هذا العرض نوا انتقائيا ،
فتعرضا لفاهيم مستمدة من أطر نظرية متلفة ،ودون إشارة إل تلك الطر
تديدا ف بعض الحيان.
أما أندرسون وكارتر ( )Anderson & Carter, 1974فقد حاول أيضا التوصل
إل ما يشبه الريطة الشاملة للطر النظرية الفسرة "لسلوك النسان ف البيئة
الجتماعية" ،على الوجه الذي يكن للخصائيي الجتماعيي استخدامه لتوجيه
مارستهم الهنية ،وذلك من خلل عرض أكثر نظريات العلوم الجتماعية شيوعا
واستخداما ف ميط الدمة الجتماعية ،فقاما بعرض الفكار الساسية لتلك
النظريات ف إطار مستمد من نوذج النساق الجتماعية ،وقد تعرض الؤلفان
فيما يتصل بتفسي سلوك النسان لنظرية التحليل النفسي عند كل من فرويد
وإريكسون ،ث للنظرية السلوكية عند واطسون وسكينر ،ث للنظرية العرفية عند
بياجيه باعتبارها تثل الساس للتوجهات النظرية ف الدمة الجتماعية ف هذا
الجال ،ولا كنا قد تعرضنا ف البحث السابق للتوجهات العامة لتلك النظريات
بالنقد فإننا سنكتفي بذلك وننتقل للحديث عن نظريات التنظيم الجتماعي حت
تكتمل أمامنا صورة النطلقات الت تنطلق منها هذه العلوم الديثة.
لقد كفانا عال الجتماع الشهر مارفي أولسن ()Olsen, 1988 : 239 -257
مؤونة البحث والستقصاء عندما استعرض الفاهيم الرئيسة لستة ما اعتبه أكثر
النظريات شيوعا ف تفسي عملية التنظيم الجتماعي ،وهي نظرية التبادل
والنظرية الجتماعي Interaction theory ونظرية التفاعل Exchange theory
- 66 -
بالرغم من أن كل من هذه النظريات يسهم ف زيادة فهمنا للحياة الجتماعية
النظمة إل أن أي نظرية منها ليست كافية وحدها لتحقيق ذلك ،وأشار إل أن
أهم مطلب ملح ف التنظي السسيولوجى العاصر هو "تركيب هذه الطر النظرية
(P الختلفة ف شكل نظرية أكثر تكامل وكفاءة لتفسي التنظيم الجتماعي"
.)240
وتقوم نظرية التبادل باختصار على أن التنظيم الجتماعي يقوم على أساس من
"عمليات تبادل مبنية على الصلحة الشخصية للشخاص الذين يشتركون ف
التفاعل ، Actorsوالذين يسعون للحصول على منافع لم من خلل تبادلت
قائمة على الخذ والعطاء مع الخرين ،ولكن مع مرور الوقت فإن هذه
العمليات التبادلية تتطور لتتخذ شكل أناط من الترتيبات الؤسسة ،وتؤدى إل
ظهور معايي ثقافية يلتزم با الشاركون ف التبادل ".
أما نظرية التفاعل فترى أن عملية التنظيم الجتماعي تبدأ من خلل تفاعلت
اجتماعية بي الفراد من خلل ما يقوم به كل مشارك ف التفاعل من تفسي
للمواقف الت تقابله ف ضوء مردودها على تقيقه لهداف ،والنظرية بذا
تركز على أن الفرد ل يستجيب للسلوكيات الظاهرة ،وإنا "للمعان الت
يضفيها هو والخرون على الفعال والشياء ..بيث أن أفعاله اللحقة تتشكل
ف ضوء تفسياته السابقة للموقف" .والتنظيم الجتماعي عند أصحاب هذه
النظرية يتكون من الفعال المعية للفراد الذين يفكرون ف تقيق أهدافهم من
خلل أفعال تعاونية ف مواقف يعطونا تفسيات من لدنم باستمرار " ،والتنظيم
الجتماعي إذن هو حصيلة لتفاق الرؤية حول كيفية التصرف ف الواقف العينة
،ما يؤدى إل تشابه ف التصرفات بي الفراد ،يسمح بوجود قدر من
الستقرار ف الواقف الت يتصرف فيها الفراد" ،ومن هنا فإن الثقافة الشتركة
- 67 -
الت تتكون من العان والفكار الت يعتنقها الفراد التفاعلون تعتب أكثر أهية
بكثي من التنظيمات الؤسسية .." ،فإذا ما ظهرت الثقافة الشتركة بي عدد من
الفراد فإنا تؤثر على أفعالم المعية وتوجهها ،وإن كانت ل تسمها حتما
بشكل كامل ،فهي تقدم لم تفسيات للحياة الجتماعية ،كما تبي لم
توقعات الدوار والتعريفات العتمدة للمواقف الجتماعية ،وفوق هذا فإن هذه
العايي والفكار الثقافية يتم إدماجها ف شخصيات الفراد خلل عملية التنشئة
الجتماعية " فتصبح موجهة لسلوكهم .
أما نظرية القوة فتقوم باختصار على أن القوة الجتماعية ف كل صورها سواء
ف ذلك القوة البية أو السلطة الشروعة أو السيطرة أو الاذبية إنا هي سبب
ونتيجة لكل تنظيم اجتماعي ،كما تقوم على أن القوة الجتماعية ليست موزعة
بطريقة متساوية بي أفراد الجتمع وجاعاته ،فهناك من يتحكمون ف القوة
الجتماعية وهناك من هم أقل قوة ،ولكن الدارس الختلفة ف داخل النظرية
تتلف حول ما إذا كانت هناك قلة مترابطة من ذوي النفوذ ف الجتمع (الصفوة
) تتحكم دائما ف مصائر الكثرة ،أو ما إذا كانت هناك مراكز متعددة للقوة
. Elitist vs. Pluralist تتنافس على حيازة القوة ف أي متمع
- 68 -
ويرى أصحاب النظرية العيارية أن العايي الشتركة تنبت من الياة
الجتماعية ،ذلك أن الفراد إذ يسعون لتحقيق أهداف مشتركة تت ظروف
حياتية متشابة ،فإنم يكتشفون بعض أناط الياة الت يرونا مفيدة أو بعض
اللول اليدة لشكلتم الشتركة ،وييلون بالتال لتكرار تلك النشطة ،
ويتناقلون هذه الفكار فيما بينهم ،ما يؤدى بالتدريج إل ظهور طرق موحدة
للتعامل مع مواقف الياة الساسية ،ومع الوقت فإن هذه العايي تنفصل عن
الواقف الت نبتت ف إطارها ،ويتم تعميمها لتغطى أنواعا جديدة من الواقف ،
وبذا تصبح العنصر "الحوري" لثقافة الجتمع أو لتنظيمه ،وتصبح ملزمة أخلقيا
للخرين ،فتحدد الطريقة الت ينبغي أن يسلكوا با ف موقف معي ،ث إن
اللتزام الخلقي قد يدعم بفرض عقوبات على الخالفي بقواني تصدرها
الدولة.
Common أما نظرية القيم عند بارسونز فتقوم على أن " القيم الشتركة "
Valuesتشكل كل جوانب الياة الجتماعية وتتحكم فيها ،ويتم التعبي عن
،تدخل بدورها ف البناء الؤسسي Norms هذه القيم ف شكل معايي
للتجمعات ، Collectivitiesويتم تشربا حت تصبح جزءا من الشخصيات
، Personalitiesوبلغة أخرى فإن النظرية تبدأ بوجود مموعة من القيم الشتركة
التفق عليها ف إطار النسق الثقاف ، Cultural Systemولكن معانيها الساسية
،ويكن لذه القيم أن الطلقة" Ultimate Reality تستمد من "إدراك القيقة
تتغي مع الوقت نتيجة للتغي ف إدراك "القيقة الطلقة" ،ث إن القيم الخلقية
تعطى الشرعية لتجمعات من العايي التخصصة ،وهذه العايي الشروعة تتحكم
بدورها ف أنشطة التجمعات الحددة ف داخل كل نسق فرعى ،وأخيا فإن
- 69 -
الفراد الذين يقومون بأدوارهم يتم التحكم فيهم وتوجيههم عن طريق العايي
الجتمعية الت تصبح جزءا من شخصياتم خلل عملية التنشئة الجتماعية .
والق أن من يتفحص النظريات السابقة جيعا ليتعرف على ما تنطلق منه من
افتراضات أساسية حول طبيعة النسان والجتمع -استجابة للنصيحة القيمة الت
قدمها لنا ألفي جولدنر -لبد واصل إل نتيجة مؤداها أن تلك النظريات إنا
تبدأ وتنتهي بالنسان ،وكأنه جاء من فراغ وينتهي إل عدم ،وأنه بي هاتي
النقطتي مرد كائن عضوي آخر تدفعه حاجاته دفعا إل تنظيم علقاته مع غيه ،
لدف واحد هو الحافظة على بقائه حت ل يهلك قبل الوان -أما عن جوهر
هذه الياة وعمادها ...أما عن حياته الروحية ومتطلباتا ،وعن صلته بالقه
- 70 -
وآثارها ،وعن شرائع ربه الت ارتضاها للقه ،وأما عن البعث والساب
والزاء ف يوم تشخص فيه البصار وأما عن الياة الخرى الت هي الياة
القيقية بكل معن ل ينكره إل الاحدون ...فكل هذه الوانب غائبة غيابا تاما
عن تلك النظريات جيعا.
- 72 -
كمكمل لثل تلك النظار ،عسى أن نكون من الهتدين ...وعسى أن نكون
من الفلحي .
- 73 -
فإذا صح لدينا هذا التصور لزم عنه أن يكون الدف الول لسلوك
الفرد ،والهمة الول للمجتمع السلم ،هو ف الفاظ بكل وسيلة مكنة على
صفاء الروح ونقاء الفطرة -الت فطر ال الناس عليها -على مدار حياة
النسان على ظهر هذه الرض بكل مراحلها ،حت إذا جاء يوم البعث والنشور
كان من (أتى ال بقلب سليم ) (الشعراء )89 :ما يعطى وجود النسان ف
الياة الدنيا قيمته القيقية من حيث هي مر إل حياة اللد القيقية ،عندما
تؤوب الروح إل موطنها ومستقرها من رضوان ال الدائم ف نعيم مقيم.
وعلينا أن ننتبه هنا إل أن نوع الياة النطلقة من مثل ذلك "القلب السليم"
تتلف اختلفا يكاد يكون كليا عن نوع الياة الت طمس فيها على القلب ،
فالنسان الذي صفا قلبه واستقامت فطرته يكون توكله على ال ل على نفسه أو
الخرين ،ويكون أنسه بال ووحشته من الناس ،فيعيش حياة متلفة وجوديا ،
وكأنه بالتعبي الدارج يعيش "على موجة متلفة" ،فحياته الداخلية مطمئنة هادئة
...ل تفجعه الفواجع ...ول تطغيه النعم ...وإنا هو يعيش بي الصب والشكر
على مستوى يستحيل أن يتوفر لغيه من كبت الدنيا ف عينه ..من يصاب
بالزع والنكد إذا فقد من دنياه شيئا ولو قليل ،ول يأبه بضياع أخراه
بكليتها ،أنسه بالناس وبا ف يده من أعراض زائلة ...ووحشته من ال ومن
كل ما يذكره به ،فشتان بي النمطي من أناط الياة.
ولعل من الناسب أن ننتقل الن لنعرض بعض الوانب الختارة من العمليات
الفردية والجتماعية الت نتصور أنا وثيقة التصال "بالحافظة على صفاء القلب
ونقاء الفطرة" لتحقيق مثل هذا الستوى الرفيع من الياة ولكننا نود أن نشي إل
أن هذه العمليات تذكر هنا كمجرد أمثلة يكن القياس عليها أو إجراء الوار
حولا ،مع ملحظة أن اهتمامنا ف هذا العرض ليس منصبا على "الليات" الت
- 74 -
"الجتماعية" Social تكم سي النساق "الشخصية" Personality Systemأو
(Reiss, Systemsف ذاتا 0إذا استعرنا اصطلحات تالكوت بارسونز
)1968:2-3ولكننا أكثر اهتماما "بتوجه" تلك النساق أو ما يكن اعتباره
"النسق الثقاف" الوجه لتلك النساق من أعلى (، )Olsen , 1968:253-257
وبلغة أخرى فإننا لن نتم ببيان السنن والضوابط والشروط الت تضمن فاعلية
تقيق تلك النساق "لهدافها" بصرف النظر عن ماهية تلك الهداف ،فذلك
خارج نطاق اهتمامنا نظرا لوفرة الكتابات الت تتناول هذه الليات تفصيل ف
أدبيات العلوم الجتماعية الديثة ،كما أن توصيف تلك الليات من جهة أخرى
ليس مور الختلف مع التصور السلمي ،ولكن قضيتنا أكثر اتصال بنوع
"الهداف" الت تسعى النساق الشخصية والجتماعية لتحقيقها وبيان صلة
ذلك بالطار الشل للنسق "الثقاف" النطلق من التصور السلمي.
- 75 -
أيديهم ،أما إذا ل تقم السرة بسئولياتا الدعوية فإن البناء ينشأون على انراف
العتقاد واستمراء البدع ،و اتباع الوى والشهوة ،وتلك هي المراض الت
تصيب " القلوب" ،والت يترتب عليها اضطراب الياة الدنيا ،والسران القيم ف
الخرة.
-4إذا انطلقت الدرسة بناهجها ومناخها اليومي والعلقات بي طلبا
والعاملي فيها من نفس النسق القيمي الدعوي ،فإن هذا يدعم ما قامت به
السرة من جلء للفطرة وتذيب لنفوس الشباب ،أما أجهزة قضاء أوقات
الفراغ وأجهزة الترويح وأجهزة العلم وجيع أجهزة وأدوات التوجيه الجتمعي
فإنا إذا انطلقت من نفس النطلقات فإن ذلك يؤدى ف النهاية إل أن يتنفس
الشباب ( والبالغون) نسمات العقيدة الصافية ف كل مراحل حياتم فتصح
قلوبم وعقولم وتسمو أرواحهم ويستقيم سلوكهم حت يلقوا ربم غي مبدلي
ك الّذِي َن َنَت َقبّ ُل عَنْهُ ْم أَحْسَ َن مَا عَمِلُوا وََنتَجا َو ُز عَن َسيّئَاتِهِمْ
ول مفتوني ( ،أُوَْلئِ َ
ب الْجَنّةِ وَعْ َد الصّدْقِ الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) ( الحقاف .)16 :
فِي أَصْحَا ِ
-5والعكس صحيح فإذا أهلت السرة واجبها الدعوى ،فإن البناء يصابون
بأمراض الشبهات والشكوك والشهوات الت تصيب قلوبم ،وكذلك إذا أهلت
الدرسة جانب الحافظة على سلمة الفطرة مكتفية بسلمة البدان وتعليم العلوم
والصناعات ،وإذا تاهت أجهزة الترويح والعلم عن أهداف الياة ف
السلم ،وخبطت ف كل واد فإن النتيجة الحتومة لذا كله هي التشتت
ب اللّهُ
والضطراب والقلق والحباط الستمر اللزم للفراد والجتمعات ( ،ضَرَ َ
ستَوِيَا ِن مَثَلً الْحَمْدُ
مَثَلً رّجُلً فِيهِ ُشرَكَاء ُمتَشَاكِسُونَ َورَجُلً سَلَما ّلرَجُلٍ هَ ْل يَ ْ
لِلّ ِه بَلْ أَكَْث ُرهُمْ ل َيعْلَمُونَ) (الزمر ، )29 :وهم ف الخرة من الاسرين.
- 76 -
-1يقوم التصور السلمي على ضرورة إقامة الترتيبات الجتمعية الت تضمن
لفراد الجتمع أفضل إشباع مكن لاجاتم الادية والنفسية والجتماعية --أو
وهو الصح الت تضمن "إتاحة الفرصة" أمامهم لشباع تلك الاجات ف إطار
التوجيهات اللية والقوى الروحية الت تفرض تعديلت على ما يعب عنه
"بأفضل إشباع مكن" ليترك الجال أمام كل إنسان ليتفع عن قيود الرض إل
أرفع قدر يستطيعه ،أو ليتوقف عند حدود استطاعته ما دامت ف نطاق
"القصد" والعتدال.
-2ويرتبط بذا البدأ قضية توفي "العدالة الجتماعية" التضمنة لسن توزيع
الثروة من خلل الترتيبات الوجوبية كالزكوات ،أو الطوعية كالصدقات ،أو
من خلل التربية الدعوية الت تغرس ف الفراد معن العطاء دون حساب ،مع
الحافظة ف الوقت ذاته على حق اللكية الفردية ومع شيوع عواطف التراحم
والتواد بي العطى والتلقي ،دون م ّن ول أذى ول استعلء.
-3منع التظال بكافة صوره وأشكاله وألوانه ووضع الضوابط الت تكفل ذلك
حت يشعر جيع أبناء الجتمع السلم بلكيتهم لذا الجتمع وبانتمائهم له
فيضمحل الغتراب والحباط ونزعات العدوان إل أقل حد مكن.
- 77 -
-2طاعة ال فيما أمر وني ،تسليما لكمه ،وثقة ف علمه وحكمته ،ووعده
ووعيده … ففي هذه جيعا الضمان لسلمة القلب ،والعكس صحيح ،
فالسلوك النحرف ينكت على القلب نكتا سوداء حت تكاد تعميه عن رؤية الق
فل يراه حقا ،وتكاد تعله يكره ما ينفعه من الي ويب ما يضره من كل باطل
(كَلّا بَ ْل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الطففي.)14 :
-3يتل مفهوم " ماهدة النفس " مكانا موريا ف الياة الداخلية للنسان
السلم ،فالنفس (التمثلة ف تيار الوعي النسان ) تتنازعها قوتان :الدوافع
الادية البدنية الرضية الت تلح على الشباع الباشر ،وتنع إل الظلم والتجاوز
ف ذلك ،والنوازع الروحية الت تتوق إل القرب من خالقها وإرضاء بارئها ،
الذي عرفته بصفات المال واللل ،فهي لذا تستشعر حبه وتشفق من غضبه
وعقابه … فترتفع بالنسان إل آفاق تضمحل معها قيمة إشباع الاجات الدنيا
إل حد كبي ،يصل إل حد استعذاب الستشهاد ف سبيل ال ،رغم أنه يعن
زوال النفس الواعية الكونة من البدن والروح ،كما يعن فناء البدن ،لنه فوق
هذا يعن صعود الروح الباقية إل حياة اللود ف النعيم والرضوان من رب
العالي .
-4بالقدر الذي تسود فيه الفطرة السليمة العارفة بربا والتصلة به يكون التوافق
بي النسان ونفسه ،وبينه وبي خلق ال ،بل بينه وبي الوجود كله ،وبينه
وبي ربه ،ويتنل الدعم والتأييد على النسان من "ملئكة" الرحن (إِنّ الّذِينَ
شرُوا
حزَنُوا وَأَبْ ِ
قَالُوا َربّنَا اللّهُ ثُمّ ا ْستَقَامُوا َتَتَنزّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَ ُة أَلّا تَخَافُوا وَلَا تَ ْ
جنّ ِة الّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ { }30نَحْنُ أَ ْولِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّْنيَا وَفِي الْآ ِخ َرةِ
بِالْ َ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدّعُونَ {( )}31فصلت).
- 78 -
-5وبالقدر الذي تسود فيه دفعات الغرائز الدنيا ،وتكبت فيه الفطرة السليمة
يكون اضطراب النسان داخليا ،ويكون شعوره بعدم التوافق مع اللق ،
وبالتنافر مع هذا الوجود ،وتتنل "الشياطي" بالتحريض والتزيي لضمان
ي عَلَى
استمرار النسان ف هذا الطريق الهلك (أَلَ ْم َترَ َأنّا َأرْسَ ْلنَا الشّيَاطِ َ
الْكَاِفرِينَ تَ ُؤزّهُمْ َأزّا) (مري )83:أي تزهم وتستفزهم باطنيا (ابن عاشور ،
.)1984
- 79 -
العدوى بي قطاعات جديدة من الناس ،ومن هنا فإننا نستطيع أن نفهم كيف
أن ترك المر بالعروف والنهي عن النكر كان سببا ف حلول غضب ال ونقمته
على بن إسرائيل حيث جاء ضمن حيثيات حلول اللعنة عليهم (كَانُواْ َل َيَتنَاهَوْنَ
عَن مّن َكرٍ َفعَلُوهُ لَِبئْسَ مَا كَانُوْا َيفْعَلُونَ) (الائدة .)79:
-4أما الضبط الرسي فيقوم على مبادئ ثابتة شرعا ف شكل حدود قررها
الشارع بشكل ل يكن الطعن بانيازه لفئة أو جاعة أو طبقة -كما هو الال
ف التشريع الوضعي -وف شكل تعازير ترك فيها الجال للجتهاد وفق الاجة
ضمانا للمرونة ف مواجهة أشكال النراف.
-5وف إطار هذا كله فإن البدأ الساسي هو أن يستهدى التطبيق ما يرضى ال
سبحانه وتعال ،وأن يضمن العدل إل أقصى حد يطيقه البشر الذين يراقبون ال
ف كل ما يصدر عنهم ف هذا الشأن ،بصرف النظر عن هوية أو مكانة الذي
ت مُحَمّدٍ َلقَطَعْتُ
يتعرض للعقوبة على الخالفة (وَايْمُ اللّهِ لَوْ َسرَقَتْ فَاطِمَةُ ِبْن ُ
يَ َدهَا) (متفق عليه).
- 80 -
-3يتنل الغضب والعذاب على المم وفيها الصالون لنم ل يستنكروا منكرا
ول تتمعر وجوههم غضبا ل ،وخصوصا ف إنكار على أئمة الور وذوى
الكانات القيادية والتأثي ف قطاعات عريضة من الناس ،لنم بذا يتركون
البواب مفتوحة للنفوس والرواح عامة أن تضل وللقلوب أن تزيغ عن فطرة
ال الت فطر الناس عليها فتشيع الفاحشة ويستحق العذاب على الميع.
-4شيوع الترف والبطر والكفر بأنعم ال يلب غضب ال وعقابه الليم على
المم ،وترتبط هذه الظواهر بالظلم والبغي برباط وثيق (فَلَمّا أَحَسّوا بَأْسَنَا ِإذَا
هُم مّنْهَا َيرْكُضُونَ { }12ل َترْكُضُوا وَارْ ِجعُوا إِلَى مَا أُْترِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ
لَعَلّكُمْ تُسْأَلُونَ { }13قَالُوا يَا وَيَْلنَا ِإنّا كُنّا ظَالِمِيَ { }14فَمَا زَالَت تّلْكَ
دَعْوَاهُ ْم َحتّى َجعَلْنَاهُ ْم َحصِيدا خَامِدِينَ {( )}15النبياء).
- 82 -
ويوف ويعد الناس وينيهم بغرور ،وأنه ول وقرين لهل الضلل ...وهكذا ،
كما أن علينا أن ندخل تلك البعاد والصائص ف ناذجنا النظرية.
عن وجود عدد كبي من النظريات الزئية التنافسة الت تاول تفسي هذه
الظاهرة ،والت ل تفلح أي منها ف تقدي صياغة تفسيية متكاملة لا.
- 83 -
ويرى ميتون أن من المكن تقسيم "الشكلت الجتماعية" من الناحية
التحليلية الجردة إل فئتي عريضتي إحداها تتمثل ف التفكك الجتماعي
Deviant Social disorganizationوالخرى تتمثل ف السلوك النراف
، behaviorوهاتان الفئتان ها ف الواقع متشابكتان متفاعلتان تؤدى كل منهما
إل الخرى ،بيث أنك إذا تعرضت لدراسة أي مشكلة واقعية فستجد ما يشي
إل كل منهما ولكن بدرجات متفاوتة ( ، )Merton & Nisbet: 799-800وتتبع
معظم الكتابات النظرية ف الوضوع هذا التصنيف.
والتفكك الجتماعي هو عجز النظم الجتماعية عن القيام بوظائفها بكفاءة ،
ويرى ويليامسون وزملؤه ( )Williamson, et al. , 1974:18-22أن التفكك
الجتماعي يدث عادة نتيجة للتغي الجتماعي السريع الذي يؤدى إل اختلل
التوازن ف الجتمع ،ما يؤدى إل اللط والضطراب ف العايي الجتماعية ،
فيصعب التنبؤ باستجابات الخرين ،ويضعف تأثي القواعد التفق عليها للسلوك
على الفراد.
ويقارن أولئك الؤلفون بي التفكك الجتماعي والسلوك النراف بقولم أنه
"إذا كانت نظرية التفكك الجتماعي تركز على التغي الجتماعي وما يؤدى إليه
من اضطراب العايي والنظم الجتماعية ...فإن نظرية السلوك النراف تركز
على انراف الفرد عن العايي الجتماعية" ،وبلغة أخرى فإن تفسي السلوك
النراف يقوم على الفتراض بأن العايي الجتماعية العامة سليمة ،ولكن لسبب
أو لخر فإن الفراد ل يتم لم من التنشئة الجتماعية الصحيحة ما يضمن
التزامهم بتلك العايي ،ويلخص ويليامسون وزملؤه عددا من النظريات الفسرة
للسلوك النراف ،والت تقوم إحداها على أن تنشئة الفرد قد تتم أحيانا ف
إطار "ثقافة فرعية انرافية" Deviant Subcultureكما ف حالة من ينشأون ف
- 84 -
أحياء متخلفة تشيع فيها العايي النرافية ،بينما ترى الخرى أن السلوك
النراف يرجع إل متابعة الفرد لعايي انرافية من وجهة نظر الجتمع والثقافة
أخرى Reference group الفرعية ولكنها تعتب سوية ف نظر جاعة مرجعية
يتخذها الفرد مرجعا موجها لسلوكه ،كما ترى نظرية ثالثة أن السلوك النراف
يكون متوقعا عندما تَحُول أوضاع بنائية مستقرة ف الجتمع -وبشكل مضطرد
-دون إتاحة الفرصة لبعض فئات الجتمع للحصول على الوسائل الشروعة الت
Anomie تكنهم من تقيق الهداف الرغوب فيها وفق الطار الثقاف السائد
..theoryوهكذا.
وبصفة عامة فإننا نلحظ أن التفسيات الت تقدمها لنا تلك الطر
التصورية تتسم بالتركيز على الليات والعمليات الجتماعية من جهة ،وبالنسبية
الثقافية من جهة أخرى ،فالتركيز على التغي الجتماعي والتفكك الجتماعي
والتنشئة الجتماعية والضبط الجتماعي يعل الشكلت الجتماعية "الواسعة
النطاق" تبدو وكأنا أمر طبيعي تتمه ميكانيكية هذه الليات الجتماعية الت ل
ترحم ،وأما التفسيات الت تركز على دور العايي الجتماعية والثقافات
الفرعية فإنا تبدأ وتنتهي من القيم الجتماعية السائدة أيا كانت تلك القيم ،
فتُحيل التفسي إل قضية فنية بتة تتم فيها مضاهاة توجهات الثقافات الفرعية
والسلوكيات الفردية على القيم الت تبنتها الثقافة القائمة ف الجتمع ،أما نقد
تلك القيم الجتمعية من منظور أرقى فإن هؤلء العلماء (باستثناء أصحاب اتاه
اليسار الديد) يرونه خارج نطاق مهمتهم.
(Olsen, ولعل ما يشهد على التزام العلماء بذا الوقف ما ذكره مارفي أولسن
)1968:130ف مرد حاشية تعليقا على ما ذكره من أن النراف يتم تعريفه ف
ضوء الثقافة ،وأن السلوكيات الحرمة ف إحدى الثقافات الفرعية قد تكون
- 85 -
سلوكا مثابا ف ثقافة أخرى ،حيث قال ف تعليقه "إن حقيقة كون السلوك
النراف على الدوام أمر نسب للتنظيم الذي يدث فيه ل يستبعد إمكانية اعتبار
بعض السلوكيات ل أخلقية ف ذاتا ف ضوء مبادئ قدسية أو متعالية على
البشر ،ولكن هذه مسألة تقع خارج نطاق العلوم الجتماعية" (!!) ،وهو بذا
يبر مسألة النسبية ف النظر إل النراف ف كتابات العلوم الجتماعية ،ول
يرى سبيل إل حل الشكال بإياد التكامل مع القيم الدينية مثل.
فإذا انتقلنا إل الكتابات الهنية ف ميط الدمة الجتماعية ،فإننا سنجد
أنا تعكس نفس الطر التصورية السابقة الت وجدناها عند التخصصي ف علم
الجتماع ،مع ماولة لياد قدر من التكامل بينها وبي ما يقدمه التخصصون
ف علم النفس تفسيا للمشكلت الفردية ،والواقع أنه يكننا -مع الخاطرة
بالوقوع ف قدر قليل من التبسيط الزائد -القول بأن كتابات الدمة الجتماعية
تنظر لسباب الشكلت النفسية -الجتماعية Psychosocialعلى أنا تتمثل
فيما يلي:
-1النقص أو القصور ف إشباع الاجات النسانية ( مع تعريف الاجات
تعريفا ضيقا يكاد ينصب أساسا على الاجات الادية ث ما يتبعها من حاجات
نفسية واجتماعية) وما يترتب على ذلك القصور ف إشباع الاجات من إحباط
وعدوان.
-2ما يترتب على استمرار القصور ف إشباع الاجات -أو ما يسببه -من
مشكلت ف العلقات مع الخرين وف التوافق الجتماعي ،وهو ما يعب
بالشكلت التصلة بعملية "أداء الوظائف الجتماعية" .Social functioning
- 86 -
-3العمليات الجتماعية الشل الت تيط بذا كله كالتغي الجتماعي وما
يؤدى إليه من تفكك اجتماعي Social disorganizationيتصل بقصور النظم
لجتماعية عن القيام بوظائفها بكفاءة (قارن (.:Northen, 1987 :173
وتتفاوت الحاولت الختلفة بعد ذلك ف تركيزها على عامل أو آخر
من تلك العوامل ،أو حت ف التركيز على الديناميات الت تندرج تت أي
عامل منها بذاته ،أو ف تشكيلة العوامل الت تمع بينها كأسباب
للمشكلت ،فنجد أن بعض الكتاب مثل يرون أن الشكلت إنا ترجع ف
أساسها إل الصراع النفسي بي جوانب النفس الختلفة ،كما يرى آخرون أن
الشكلت عبارة عن سلوك يتم تعلمه من خلل مثيات بيئية خارجية ،ف حي
يرى غيهم أن الشكلت إنا ترجع إل تفاعل العوامل الذاتية مع العوامل البيئية .
- 87 -
النفسي الغربية وتقويها ف ضوء النهج السلمي من حيث أهدافها ف مساعدة
الفراد على مواجهة مشكلتم.
ومنها أيضا ماولة عفاف الدباغ (1991ب) للتوصل إل "منظور إسلمي لتفسي
الشكلت الفردية" والت قامت فيها بعرض نقدي لبعض التوجهات الالية حول
تفسي الشكلت الفردية سواء ف كتابات العلوم الجتماعية أو كتابات الدمة
الجتماعية ،ث حاولت المع بي ما صح عندها من هذه التوجهات وبي ما
يشي إليه التصور السلمي ف الوضوع.
أما على زيدان ( )1991فقد قام بدراسة حول التصور السلمي "للتعامل مع
ظاهرة النراف وصفا وتليل وتفسيا وعلجا" ولكنه اختار القتصار على
الصادر السلمية وحدها "حت ل يقع أسيا للفكر الوضعي با فيه من مفاهيم
وتصنيفات ...حت نستطيع استخلص النظور السلمي نقيا ل تشوبه شوائب
الزج بينه وبي النظريات الغربية الت يسهل النزلق إليها لا تتضمنه من مفاهيم
وعلقات جاهزة" (ص ص .)4-3
ولقد كفتنا تلك الحاولت -كل منها من زاويته الفريدة -مؤونة استعراض
العناصر التفصيلية لعال التصور السلمي لتفسي الشكلت الفردية
والجتماعية ،ولذلك فإننا سنكتفي هنا بعرض موجز لهم ما استخلصناه من
هذه الدراسات ومن غيها (ويكن لن أراد الزيد الرجوع إل تلك الصادر ).
لقد رأينا فيما سبق أن النظريات النفسية -الجتماعية نتيجة لقيامها على
تصورات مادية متزلة بالنسبة للطبيعة النسانية ،فإنا تنحو نوا ماديا متطرفا ف
نظرتا للحاجات النسانية ،ف حي أن النظرة السلمية للحاجات تقوم -
بدل من ذلك -على أساس "أن هناك حاجة أولية مهيمنة على جيع الاجات -
لنا ضامنة لشباعها جيعا -أول وهي "الفتقار إل ال عز وجل" (الدباغ،
- 88 -
1991ب )12:والتضمنة ف قوله تعال "يأيها الناس أنتم الفقراء إل ال ،وال
هو الغن الميد " (فاطر ، )15 :حيث يفسر ابن كثي " أنتم الفقراء" بقوله
"أي أنتم متاجون إليه ف جيع الركات والسكنات" ،كما فسر الفخر الرازي
"إل ال" بأن ف هذا إعلما من ال بأنه ل افتقار إل إليه ،وأن هذا يوجب
عبادته لكونه مفتقرا إليه سبحانه ،وعدم عبادة غيه لعدم الفتقار إل غيه ،
فالنسان ف حاجة إل ال لنه سبحانه وتعال هو الذي خلق وسخر ما ف
السماوات وما ف الرض لشباع حاجاته الدنيوية ،وكل إنسان كائنا من كان
ف حاجة إل شكر ال -بعبادته -حت تقضى حاجاته ف الدنيا وف الخرة
أيضا (.)13-12
وإذن فالسلم ينظر للحاجات الادية وغي الادية على أن لكل منها
مشروعيته ،ولكنه ينظر لشباع كل الاجات جيعها من منظور ل يتوقف فقط
عند حدود هذه الياة الدنيا ،بل يربط دوما بي كل ما ف الدنيا وبي الخرة
الت هي دار القرار ،فيجعل إشباع الاجات الدنيوية "وسيلة" طيبة للقيام بهام
العبودية ل ول يعل ذلك الشباع غاية ف ذاته .
ورغم ما يبدو لول وهلة من بساطة هذا النظور أمام العقل السلم ،إل أن
هذا الفهم تترتب عليه آثار شديدة العمق والشمول ،تقلب رأسا على عقب
تصوراتنا حول توصيف وتفسي الشكلت الفردية والجتماعية ...آثار ل تكد
كتاباتنا العلمية تصل إل الوعي با بشكل كاف -ناهيك عن أن تتشربا أو أن
تنطلق منها!
- 89 -
-1الفتقار إل ال عز وجل ،والاجة إل الرتباط به والستمساك ببله التي ،
باعتبار أن هذا الرتباط فيه الضمان لشباع كل حاجة أخرى ف هذه الياة
الزائلة التحولة ،بل وفيما وراءها ما يعتب الياة القيقية الدائمة.
-2الاجات الادية والنفسية والجتماعية " الدنيوية " ،الت أفاض ف وصفها وتليل
أبعادها أولئك التخصصون ،والت تتصل بإشباع الاجات الفزيولوجية والاجة
إل المن والب والتقدير والكانة وصول إل تقيق الذات ..ال .
ولقد اتضح لنا ما سبق قيام النظور السلمي على الرتباط الوثيق بي هذين
النوعي من الاجات -بشكل يتوازى مع الرتباط الوثيق بي الروح والبدن
اللذين منهما يتكون النسان ،ولكن مع أولوية وهيمنة النوع الول من
الاجات على الوجود النسان كله ،وف ضوء ذلك الفهم فإن بإمكاننا القول
-بصورة مبدئية -بأن التصور السلمي لتفسي الشكلت الفردية والجتماعية
يقوم على ثلثة مسلمات أساسية نصوغها فيما يلي ف شكل قضايا يكن
استنباط فروض قابلة للختبار منها ،وهي :
السلمة الول :مع ثبات جيع العوامل الخرى -فإن انقطاع أو ضعف صلة النسان
بال عز وجل يعتب ف ذاته سببا "أساسيا وكافيا وحده" لوقوع الفرد ف الشكلت
الشخصية والشكلت التصلة بالعلقات الجتماعية ف هذه الياة الدنيا ،كما يكون
فوق ذلك سببا للهلك ف الخرة ،ويصدق ذلك عند كل مستويات إشباع الفرد
للحاجات الدنيوية الذكورة.
وتفسي ذلك :أن انقطاع الصلة بال عز وجل أو ضعفها يؤدى إل افتقاد إشباع
النوع الول من الاجات ،أل وهو افتقار الروح إل الرتباط بالقها وبارئها
الذي ليس لا من دونه من ملجأ أو ملذ ،ما يعلها تعيش ف حالة من الشعور
بالرمان الطلق من المان أو الطمئنان إل اليوم أو الغد ،وتس كما لو أنا
- 90 -
واقفة على شفا حفرة عميقة مالا من قرار ،هذا من جهة ،كما أن انقطاع
الصلة بال من جهة أخرى أمر يلب سخَط ال وغضبه وخذلنه للعبد ،
فالنسان إذا افتقد اليقي بال سبحانه وتعال ،وإذا ضل عن طريق ال الذي
اشترعه لعباده ،فإنه يتخبط ف إشباع حاجاته الدنيوية (الادية والنفسية
والجتماعية ) على غي هدى من ال ،فيبالغ مبالغة شديدة ف الزع من أي
نقص ف إشباع تلك الاجات الت هي عنده غاية الغايات ،وفوتا ل يعوض ل
ف عاجل ول ف آجل ( ف الدنيا والخرة ) ،فتتأثر بذلك حالته النفعالية ،
وقد يتد التأثي إل الصابة بالمراض البدنية أو ظهور العراض السيكوسوماتية.
وعلى الانب الخر ...فإن من توفرت له الوارد الكثية الت تكفي لشباع
حاجاته الادية وتفيض ،فإنه نتيجة لضعف صلته بال عز وجل يبالغ ف تقدير
قيمة نفسه فيميل إل الطغيان والتجاوز ،فيكون بذلك سببا ف الشكلت لنفسه
ولغيه ،ومن ذلك نستنتج أن نقص العرفة وضعف اليقي بال تعال يؤدى إل
وقوع الشكلت سواء أشبعت الاجات الادية على أرقى الستويات ،أو كان
الرمان والفتقار إل الوارد .
والدلة الشرعية على صحة هذه السلمة ل حصر لا ولكننا نكتفي هنا بذه اليات
ض عَدُوّ فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم
الكرية من سورة طه (قَالَ ا ْهبِطَا ِمنْهَا جَمِيعا َبعْضُكُ ْم لِبَعْ ٍ
ض عَن ذِكْرِي
مّنّي هُدًى فَمَ ِن اتّبَعَ هُدَايَ فَلَا َيضِ ّل وَلَا يَشْقَى { }123وَمَنْ أَ ْعرَ َ
ب لِ َم حَشَ ْرَتنِي
فَإِنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا َونَحْشُ ُرهُ َيوْمَ اْلقِيَامَةِ أَعْمَى { }124قَالَ رَ ّ
ت َبصِيا { }125قَالَ كَذَلِكَ َأَتتْكَ آيَاُتنَا َفنَسِيتَهَا وَكَ َذلِكَ اْليَوْمَ
أَعْمَى وَقَدْ كُن ُ
ب الْآ ِخ َرةِ
جزِي مَ ْن أَ ْسرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ َربّ ِه وَلَعَذَا ُ
تُنسَى { }126وَكَذَلِكَ نَ ْ
أَشَ ّد وَأَْبقَى { ، )}127والق أن التحليل العلمي لذه اليات الكرية وحدها
بغرض صياغة القضايا الت يكن أن تستخلص منها لتكون أساسا لبناء النظرية
- 91 -
السلمية حول النسان والشكلت الفردية والجتماعية ليتطلب مؤلفا مستقل
لعطائها ما تستحق ،ول يسعنا ف هذا القام إل التوقف عند هذه الشارة بأمل
التوفيق إل خدمة الوضوع بشكل أوف ف الستقبل إن شاء ال تعال .
أما الدلة الواقعية على صحة هذه السلمة فكثية أيضا وتضيق عن الصر ف هذا
القام ونكتفي منها لجرد الدللة على التاه فقط با أورده ماسلو ف مقاله
الت قرر فيها Metamotivation الام ( )1977حول نظرية "الدوافع الرقى"
نتيجة لبحوثه ومارسته الطويلة بأن النسان حت بعد أن يتم له إشباع كل
Self حاجاته الساسية عند أعلى مستوى ،وعندما يصل إل تقيق ذاته
Actualizationفإنه ل يزال يشعر بقوى دافعة خارجية (ذكر ماسلو أنه يصعب
تديد كنهها) ل تزال تدفعه ف اتاه تقيق قيم عليا تتصل بالياة الروحية ،وأن
النسان إذا حرم من التعبي عن هذه الاجات العليا Metaneedsفإنه يصاب با
أساء المراض العليا ، Metapathologiesوإذا كان ماسلو -بنعته التطورية
الواضحة -قد رأي أن هذه الدوافع الراقية لا أساسها البيولوجي حت اعتبها
نوعا من اليوانية "الرقى" ،فإن ما يعنينا هنا أن ملحظاته وما يشبهها ما تكتظ
به كتابات أمثال فروم ويونج وروجرز وغيهم من إشارات إل مظاهر وآثار
الواء الداخلي أو الروحي حت عند أولئك الذين يلكون كل شىء ول يفتقرون
لشيء من متاع الدنيا لتدل دللة واضحة على أن الفطرة الت فطر ال الناس
عليها ل تزال تصرخ ف داخل النسان مطالبة بالمان للروح ف كنف خالقها
الذي أخذ عليها اليثاق وأشهدها على نفسها بذلك مهما أوتيت من إشباعات
لدوافعها الدنيوية.
وبإمكاننا أن نضيف إل هذه الدلة كلها دليل واقعيا آخر يتمثل ف ذلك العجز
والقصور الواضح الذي تعان منه مهن الساعدة النسانية كالدمة الجتماعية
- 92 -
والعلج النفسي ف مساعدة العملء على مواجهة مشكلتم بطريقة فعالة
وحاسة ،ما يكن أن نعزوه إل أن تلك الهن تبن مساعداتا للناس على نظريات
قائمة على تفسيات مادية متزلة ،و هذا ما يشي إل أن أصحاب تلك النظريات
وأصحاب تلك المارسات الهنية قد ضلوا طريق الق ف نظرتم للنسان
ومشكلته ،وأنه لبد من عكس السار ف هذه الهن بيث تتل الوانب
الروحية مكان الصدارة ف تفسياتنا لشكلت النسان إذا أردنا حقيقة أن نقدم
خدمات ذات فاعلية عالية لساعدته على مواجهة تلك الشكلت.
السلمة الثانية :مع ثبات جيع العوامل الخرى -فإن القصور ف إشباع
الاجات الدنيوية (الادية والنفسية والجتماعية ) سبب أساسي -ولكنه ليس
كافيا وحده -لوقوع الفرد ف الشكلت الشخصية والشكلت التصلة
بالعلقات الجتماعية ،وذلك على أساس أنه حت حالة وجود مثل ذلك القصور
ف الوارد الادية والدنيوية مع حسن الصلة بال سبحانه وتعال فإن الشكلت
الت يواجهها الفرد تكون أقل حدة بكثي --ويتوقف المر على درجة ونوع
تلك الصلة بال جل وعل.
وتفسي ذلك :أن النظور السلمي يقوم على أن للنسان ول شك حاجاته الدنيوية
الت با قيام حياته واستمرارها ،ولكن هذه الاجات تتسم أيضا بأنا شديدة
النسبية نتيجة لا يتميز به النسان من مرونة مدهشة ف هذا الصدد ،فإذا نظرنا
إل الاجة إل الطعام كمثال لوجدنا أن النسان ف الساس تكفيه "لقيمات
يقمن صلبه" ولكنه مع ذلك قد يتجاوز ف طلبه إشباع تلك الاجة تاوزا كبيا
بيث تتطلب الكثي والكثي لشباعها .ومن هنا فإن الناس عندما يواجهون
بظروف بفتقدون فيها من الوارد ما يشبع حاجاتم الدنيوية فإنم يتعرضون
للشعور بالحباط والضيق ما يعرضهم للوقوع ف الشكلت ،ولكن درجة
- 93 -
الشعور بالحباط وحجم العدوان الصاحب لذا الشعور يتوقف ف القيقة على
عدد كبي من العوامل .
ويبدو لنا أن التصور السلمي يقوم على أن أهم هذه العوامل -مرة أخرى -
هو نوع صلة النسان بربه ،فالنسان الذي يوقن بأن له ربا يلك خزائن كل
خي ف الرض أو ف السماء ،وأنه الكري الرتى عفوه والأمول عطاؤه ،
ولكنه أيضا يؤمن بأن ال يعطى وينع بقدَر وفقا لكمته وعلمه با يصلح خلقه
ض وَلَكِن ُيَنزّلُ ِبقَ َد ٍر مّا يَشَاءُ ِإنّهُ ِب ِعبَا ِدهِ
ق لِ ِعبَا ِدهِ َلبَغَوْا فِي الرْ ِ
ط اللّ ُه ال ّرزْ َ
سَ(وَلَوْ بَ َ
َخبِ ٌي َبصِيٌ) (الشورى )27:فإنه لبد أن يوقن إما بقرب الفرج ف العاجل
وبضمان التعويض عما فاته ف الدنيا ،وإما بالجر العظيم الذي وُعده الصابرون
ف الخرة (ِإنّمَا ُيوَفّى الصّاِبرُونَ َأ ْجرَهُم ِبغَْي ِر حِسَابٍ) (الزمر ،)10:ما يؤدى إل
الطمئنان النفسي الذي يقلل معدلت التوتر والحباط والعدوان -الت
تصاحب بشكل طبيعي نقص إشباع الاجات -بل وقد تؤدى إل استبعاد مثل
تلك الشاعر والتاهات بالكلية ف بعض الالت وعند بعض الشخاص .
ولعل من اللئم هنا أن نشي إل دور العوال الخرى ونقصد با عال
اللئكة والشياطي ف الوقاية من وقوع الشكلت أو الساعدة على إحداثها ،
فالواقع أن دور الشياطي كأحد العناصر الساعدة ف وقوع الشكلت وف
تفاقمها يعد من أبرز الفروق بي التفسي السلمي وتفسيات العلم الديث
للمشكلت الفردية ،فالشيطان كما تدلنا آيات القرآن الكري الواضحات يثبت
يقينا أن الشيطان يقوم بأدوار تزيي الشر ،وإغواء الناس واستهوائهم ،وهو
يسول لم ويوسوس ف خفاء ،وهو يعدهم وينيهم وما يعدهم إل غرورا ،
وهو ينَغ بي الناس ويسعى إل إيقاع العداوة والبغضاء بينهم ،ومن هذا تتضح
كثرة الداخل الت يؤثر با الشيطان وقبيله ف بن آدم -الذين ثبتت عداوته لم
- 94 -
بكل دليل -حت ل يكاد يفلت من هذه التأثيات إل من رحم ال (ولول فضل
1991 ال عليكم ورحته لتبعتم الشيطان إل قليل) "النساء ( "83 :الدباغ :
ب).
ويكن تفسي فاعلية الشيطان وقدرته ف التأثي ف بن آدم من خلل إدراكنا
لوجود حليف له داخل النسان -أل وهو النفس الذمومة التجاوزة الت تأمر
بالسوء ،فالنفس هنا تكون حليفة للشيطان ويكون الشيطان لا قرينا يأمرها
بالسوء ويزينه ف نظرها ،ومع ذلك فان تأثي الشيطان انتقائي ل يتضمن عنصر
الجبار (إِنّ ُه َليْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الّذِي َن آمَنُواْ وَعَلَى َربّهِمْ َيتَوَكّلُونَ) (النحل :
)99فال سبحانه وتعال يُنّ بفضله على الؤمني التوكلي عليه بدفع الشيطان
عنهم (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) (النساء ،)76 :غي أن هذا ل يعن أنه ل
يتعرض للمؤمني الصادقي أبدا بدليل قوله تعال (إِنّ الّذِينَ اّتقَواْ ِإذَا مَسّهُ ْم طَائِفٌ
صرُونَ) (العراف . )201 :
مّنَ الشّيْطَا ِن تَذَ ّكرُواْ فَِإذَا هُم مّْب ِ
أما اللئكة فإنم وإن كانوا يقومون بدور الراقبة وتسجيل أعمال بن آدم إل أنم
يقومون أيضا بساندة وتدعيم الؤمني التقي (إِنّ الّذِينَ قَالُوا َربّنَا اللّ ُه ثُمّ ا ْسَتقَامُوا
شرُوا بِالْجَنّ ِة الّتِي كُنتُ ْم تُوعَدُونَ {
حزَنُوا وََأبْ ِ
َتَتَنزّلُ عَلَيْهِ ُم الْمَلَاِئكَةُ َألّا تَخَافُوا وَلَا تَ ْ
شتَهِي أَنفُسُكُمْ
حيَا ِة الدّنْيَا وَفِي الْآ ِخ َرةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَ ْ
}30نَحْ ُن أَوِْليَاؤُكُمْ فِي الْ َ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَ ّدعُونَ {ُ }31نزُلً مّنْ غَفُورٍ رّحِيمٍ {( )}32فصلت) .
كما أن الديث الشريف يشي أيضا إل أن النسان عندما يهم بعمل من العمال
فإنه تعرض له لتان لة من الشيطان ولة من اللك ،والنفس بي هاتي بسب
حالا ،فأما النفس الطيبة فإنا تستجيب لداعي الي ،و أما النفس البيثة فإنا
تستجيب لداعي الشيطان (الدباغ 1991 :ب) قَالَ رَسُو ُل اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
شرّ
ك لَمّةً فَأَمّا لَمّةُ الشّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِال ّ
وَسَلّ َم إِ ّن لِلشّيْطَا ِن لَمّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَ ِ
- 95 -
خْي ِر وََتصْدِي ٌق بِالْحَقّ فَمَنْ وَجَ َد َذلِكَ
وَتَكْذِيبٌ بِالْحَ ّق وََأمّا لَمّ ُة الْمَلَكِ فَإِيعَا ٌد بِالْ َ
فَ ْليَعْلَ ْم َأنّ ُه مِنْ اللّهِ فَلْيَحْمَدْ اللّهَ وَمَنْ وَجَدَ ا ُل ْخرَى فَلَْيَتعَ ّوذْ بِاللّهِ مِ ْن الشّيْطَانِ…
(رواه الترمذي).
ول شك ف أن دعم اللئكة للمؤمني التقي واستفزاز الشياطي لهل الهواء
والشبهات يضاعف من قوة الثار التضمنة ف البدأين السابقي بشكل كبي ،
فدعم اللئكة يقلل من حدة الشعور بالرمان من إشباع الاجات عند الؤمني ،
ويقلل من فرص وقوعهم ف الشكلت بشكل هائل ،كما أن استفزاز الشياطي
لهل العصيان ل يزيدهم إل خسارا ،ويكاد ينع خروجهم من دائرة الشكلت
الت وقعوا فيها .
ونود أن نشي هنا إل أن من أهم العوامل الت تتضمنها عبارة "مع ثبات جيع
العوامل الخرى" الواردة كضابط على العلقات التضمنة ف السلمات السابقة
تشمل العوامل "الجتمعية" التصلة بدرجة فاعلية أداء النظم الجتماعية
لوظائفها ،ما ييسر أو يعوق توافق النسان مع نفسه ومع غيه ف ضوء
الضوابط الشرعية ،وترجع أهية هذه العوامل إل أنا تثل الطار الجتمعي والبيئة
النسانية الت يسلك ف إطارها الفراد ،والت ينبغي أن تكون دائما مأخوذة ف
العتبار عند تطبيق هذه السلمات واستنباط الفروض منها .
السلمة الثالثة :إن التغي الجتماعي السريع وما يؤدى إليه من تفكك اجتماعي لو سبب
أساسي ف حدوث الشكلت الجتماعية ف كل الجتمعات ،ولكن درجة حدة تلك
الشكلت ودرجة انتشارها تكون أقل كثيا ف حالة الجتمعات الت تيمن فيها القيم
الستمدة من السلم ،والت تعكس مؤسساتا ونظمها الجتماعية تلك القيم اللية
التوجه ،والت (نتيجة لذلك) يتفظ فيها الناس بسلمة فطرتم.
- 96 -
وتقوم هذه السلمة على أساس ما ثبتت صحته ف الدراسات الواقعية
من الرتباط بي سرعة التغي وسرعة التفكك الجتماعي ،الذي ل تستطيع
ملحقته ،ما يؤدى Social Reorganization عملية إعادة التنظيم الجتماعي
إل ظهور الشكلت الجتماعية
الت تصيب فئات واسعة نسبيا من السكان ،على أساس Social Problems
- 97 -
ويسر ،وأخيا فإن إلية الصدر بالنسبة لتلك القيم يعطيها قدرة أكب على حسم
الختلفات بي التوجهات الت تظهر عندما يقوم الناس بتقوي التغيات
والتحولت الطارئة ،وهذا بالطبع موقف يتلف اختلفا جذريا عن الوقف الذي
يسود الجتمعات الت ل تتبن قيم السلم ،ففي مثل تلك الجتمعات تتصارع
الراء التساوية الوزن لكل البشر ويبقى الترجيح لن يلك القوة على فرض
رؤيته ،أما ف الجتمع السلم فإن التوجهات الطروحة لواجهة الشكلت تنبع
من معي واحد ربان الصدر ل ينحاز إل ذي قوة أو ذي هوى ،فيقل التناقض
والصراع القيمي الذي يؤدى ف غيها من الجتمعات إل مضاعفات تؤدى
بدورها إل مزيد من الشكلت الجتماعية.
هذا فيما يتصل بالتغيات الوافدة من خارج الجتمع ،أما بالنسبة للتغي
النابع ذاتيا من داخل الجتمع ،فإنه ف الجتمعات السلمية يكون موجها منذ
البداية بتوجيهات الطار القيمي السلمي الذي يقوم على مبادئ الخوة ف ال
،والعدل ،واليثار ،فيكون أثر التغي الجتماعي ف إحداث التفكك
الجتماعي مدودا جدا .
وبالقارنة فإن الجتمعات الخرى -وأيضا الجتمعات السلمية الت
تذو حذوها -الت ينظر فيها كل فرد وكل مؤسسة وكل نظام اجتماعي
لنفسه على أنه وحدة ذات استقلل -كما أشرنا -فإن كل وحدة ترى أن من
حقها أن تدث التغييات الت تراها مققة لصلحتها الذاتية Self - interestمع
اكتراث قليل با على هذه التغييات من تفكك اجتماعي أو نقص ف إشباع
حاجات الخرين ،فرجال العمال فيها مثل يكون أكب ههم هو تقيق أكب
ربح مكن ،ورجال السياسة يكون أكب ههم حشد أكب قدر مكن من القوة
السياسية ...وهكذا ،أما لاذا؟ وعلى حساب من ؟ وما هي النتائج الترتبة على
- 98 -
ذلك السلوك على الجتمع ف الدى البعيد ؟ فهي أسئلة غي مطروحة -تكنس
تت البساط كما يقولون ،ول تتم مواجهتها مواجهة جادة وكأن عدم رؤيتها
يؤدى إل إبطال مفعولا ! ومن الواضح أن تلك الناط "النتهازية" من الياة
الجتماعية تؤدى إل بقاء -بل وال تفاقم -الشكلت الجتماعية على الوجه
الذي نلحظه بشكل مؤل ف الجتمعات العاصرة من حولنا .
وأخيا فإن من الضروري أن ننبه هنا إل أن غرضنا الساسي ف هذا
البحث (كما هو الال بالنسبة لبقية أبعاد التوجيه السلمي للخدمة
الجتماعية ) ليس هو حصر أو استنفاد العوامل الؤثرة ف إحداث الشكلت
الفردية أو الجتماعية بقدر ما ندف إل لفت النظار إل العوامل الفريدة الت
يتميز با التصور السلمي عن التصورات الوضعية الشائعة بيننا اليوم ،با يؤدى
-إن شاء ال تعال -إل مناقشة تلك الصياغات وإجراء الوار حولا ،با يهد
الطريق أمام إجراء الدراسات والبحوث الت تنطلق من هذا التوجيه الديث .
- 99 -
والصلة وثيقة بي سرعة التغي الجتماعي وبي انتشار الشكلت
الجتماعية والنرافات الفردية ،فكلما ازدادت سرعة التغي ( على الصورة الت
تعانيها الجتمعات ف العصر الديث وخصوصا منذ بدء الثورة الصناعية ) كلما
ازدادت الشكلت الجتماعية تفاقما ،وذلك نتيجة لن جهود الصلح -أو
عملية إعادة التنظيم الجتماعي - Social Reorganizationتقصر سرعتها عادة
عن ملحقة السرعة الت يدث با التفكك الجتماعي كما رأينا ف البحث
السابق ،ومن هنا فإن عجز النظم الجتماعية عن القيام بوظائفها (أي التفكك
الجتماعي ) يعن وجود حاجات إنسانية غي مشبعة عند قطاعات عريضة من
السكان ،ولواجهة ذلك الوقف فقد تخضت جهود الصلح ف الجتمع
The الديث عن ظهور نظام اجتماعي جديد هو نظام الرعاية الجتماعية
مهمته الساسية هي الساعدة على مواجهة قصور Social welfare institution
النظم الجتماعية الخرى ومعالة آثار ذلك القصور ،ث العمل ف الوقت ذاته
على توفي الظرف اليابية الت تنع حدوث الشكلت الجتماعية ف الستقبل
بقدر المكان .
ولقد عرّفت دائرة معارف الدمة الجتماعية ( ) 1971الرعاية
بأنا اصطلح "يشي بصفة عامة إل جيع النشطة الجتماعية Social welfare
فإذا عدنا مرة أخرى إل المثلة الت تقدمها لنا الضارة الغربية الغالبة
اليوم ،لوجدنا مع "شور" وزميله أن السياسة الجتماعية ف أمريكا تددها ثلثة
اتاهات هي :الفردية ، Individualismوعدم تدخل الدولة إل ف أضيق نطاق
مكن ،والتفاوض بي جاعات الصال الختلفة ،ويضيفان أن اختلف جاعات
الصال ف الجتمع المريكي وطبيعة العملية السياسية قد عملت ضد ظهور
سياسة اجتماعية متماسكة " ،وبدل من ذلك فقد جاء ظهور السياسات
كاستجابة موقوتة ونفعية (براجاتية) لتوازنات القوة التغية بي هذه الماعات
...وأن أحد الصائص الواضحة للسياسة الجتماعية ف الوليات التحدة
المريكية هو أن المة ل تلك بيانا واضحا شامل بأهدافها القومية ،أو
سياسات اجتماعية تتضن هذه الهداف" ( ) Schorr , et al . 1367أما جيمس
ليب ( ) Leiby, 1971 : 1461 - 1477فإنه قد استعرض تاريخ الرعاية
وقد كان من الطبيعي أن تترتب على هذه التأثيات نتائج حدّت من
فاعلية برامج الرعاية الجتماعية ف تقيق المال العقودة عليها ،ونشي إل
بعضها فيما يلي :
( )1نشأ عن هذه النظرة اللية الادية للنسان عدم اكتراث بقيمة العلقات
الجتماعية الطبيعية بي الناس ،وجرأة شديدة على تقطيع أوصال العلقات
النسانية بشكل مصطنع عند تصميم برامج الرعاية الجتماعية ،وساد على مدى
حقبة زمنية طويلة مثل اتاه يرى بأن الل المثل إنا يكمن ف إنشاء "الؤسسات
اليداعية" لرعاية أي فئة اجتماعية تواجه أي نوع من الصعوبات أو الاجات
- 108 -
الاصة (مثل مؤسسات رعاية السني -مؤسسات رعاية العاقي ) ولو أدى
ذلك إل عزلة النلء عن أسرهم وعن الياة الطبيعية ف الجتمع الحلى -مهما
كانت آثار ذلك على نفوسهم -مادامت حاجاتم الادية مؤمنة ف إطار تلك
الؤسسات .
( )2أصبحت برامج الرعاية الجتماعية تصمم على أساس من اللشخصية
بطريقة تتوازى مع فكرة خطوط النتاج ،فالعملء يتم "تشغيلهم" Impersonal
Processingأو تريرهم ف برامج "سابقة التجهيز" يتوقع منهم التوافق معها وإل
ت تصنيفهم على أنم أشخاص غي متوافقي أو غي متعاوني وبالتال يتعرضون
للحرمان من الدمات .
( )3استبعاد النواحي الروحية والدينية -إل لاما -من برامج الرعاية الجتماعية
اكتفاء بالنشطة الت تشبع الاجات الدنيوية أساسا ،وأيضا خلو طرق ومناهج
الساعدة الهنية من أي اهتمام بنوع صلة النسان بربه كما لو كانت هذه ل أثر
لا إطلقا على مساعدته على مواجهة مشكلته.
( )4أصبح اختيار العاملي ف أجهزة ومؤسسات الرعاية الجتماعية خلوا من
أي اكتراث بنوعية هؤلء العاملي من الناحية الروحية أو الدينية أو حت الخلقية
،اكتفاء بالتحري فقط عن الؤهل الذي يشهد بالصول على العارف والهارات
الطلوبة لدمة الاجات الدنيوية للعملء وحدها ،فجاء إفساد هؤلء العاملي
للعملء ف بعض الالت أقرب من إصلحهم .
ورغم وجود قدر من التشابه بي بعض البامج الت ذكرناها هنا -
باعتبارها تثل نصيب الرعاية الجتماعية من تقيق مقاصد الشريعة -وبي بعض
برامج الرعاية الجتماعية الت ندها ف الدول غي السلمية إل أننا ينبغي أن
ندرك أن هناك فروقا جوهرية بي هذين النوعي من البامج يكن أن نلخص
أهها فيما يلي:
-1أن حفظ الدين -ف التصور السلمي -يتل مكانا خاصا من أهداف
برامج الرعاية الجتماعية على وجه يفتقر إليه بالكلية التصور العلمان للرعاية
الجتماعية ،وحفظ الدين وإن كان هدفا ف ذاته توجه إليه برامج بعينها
(كتلك الوجهة لتنمية الوعي السلمي والوجهة للدعوة إل ال من خلل
الدمات الجتماعية) فإنه أيضا هدف مصاحب لبقية البامج الخرى الوجهة
لتحقيق بقية مقاصد الشريعة ،بيث يتم تصميم برامج الرعاية الجتماعية
وتنفيذها ف جيع الحوال على الوجه الذي يقق أيضا هدف حفظ الدين ،
باعتبار أن هذا يضمن النجاح ف الدنيا والفلح ف الخرة.
-2ويترتب على ما سبق أن جيع برامج الرعاية الجتماعية الوقائية منها أو
العلجية إنا تقوم على إدراك لسألة وجوب أخذ الوانب الروحية التصلة بصلة
النسان بالقه ف العتبار وبوجوب العمل بكل الوسائل على الحافظة على
سلمة الفطرة ونقائها لا بيناه ف الباحث السابقة من حاكمية هذه البعاد
وآثارها البعيدة على الوجود النسان ف هذه الياة وف الخرة.
- 115 -
-3ومن جهة أخرى فإننا ند أن الرعاية الجتماعية ل تعود -ف التصور
السلمي -مرد مموعة من البامج الزئية الفتتة دون ما صلة فيما بينها ،
والت تقدم بطريقة غي شخصية تقوم على انقطاع الصلة بي مقدمي الرعاية
والستفيدين منها ،وإنا تنطلق جيعا من شعور بالخوة ف ال ،وترتبط ف
النهاية بتحقيق رضاء ال سبحانه وتعال ،ف نفس الوقت الذي تسعى فيه
لتحقيق مصال العباد ،وتنمية قدراتم إل أقصى حد مكن ،ومساعدتم على
مواجهة صعوبات حياتم بأفضل طريقة مكنة.
-4أما بالنسبة لتدخل الدولة ف تقدي برامج الرعاية الجتماعية فإنه ل يقوم -
ف التصور السلمي -على مرد الستجابة للضغوط السياسية الضيقة ،أو
الستجابة لتوازنات القوى التقلبة ،وإنا يقوم على شعور الاكم "بالسئولية أمام
ال سبحانه وتعال" ،ف ضوء ما شرع من حقوق للعباد ، ..على الوجه الذي
يرى فيه عمر رضي ال عنه مثل أنه لو عثرت مثل بغلة ف العراق لكان متحمل
للمسئولية عما أصابا -وهي صورة تتناقض بشكل صارخ مع ما تشي به
الكيافيلية أو الباجاتية القصية النظر الت تستشري ف نظم الكم الديثة ف
الجتمعات العاصرة.
يكن تعريف " نظرية المارسـة" بأنا مموعة من الفاهيم الت تربط -بطريقة
متسقة -بي ما نعرفه عن السلوك النسان والنساق الجتماعية والتفاعل
بينهما مـن جهة ،وبي القيم والهداف الت تسعى الهنة لتحقيقها مـن جهة
أخرى ،وبي الساليب الفنية الحددة والهارات الت يكن استخدامها ف
تقيق تلك الهداف مـن جهة ثالثة ( ، )Barker,1987:123وف ضوء ما
عرضه أندرسون ( )Anderson, 1981: 134-138فإننا نستطيع أن نيز بي
جانبي أساسيي من جوانب نظرية المارسة يترابطان فيما بينهما أشد الترابط
وها:
ف ضوء Assessment -1تقدير الوقف أو الاجة أو الشكلة أو السلوك
افتراضاتنا الساسية حول الطبيعة النسانية ،وف ضوء النظريات العلمية
الساسية التصلة بالسلوك النسان ف ميطه الجتماعي ،وف ضوء الهداف
العامة والنسق القيمي والهداف العامة والنسق القيمي والهداف الهنية الت
تنطلق منها المارسة .
-2التدخل الهن Interventionالذي يستهدف إحداث تأثيات مددة ،باستخدام
الوسائل والدوات الناسبة ،ف ضوء تقدير الوقف ،وف إطار النظريات
العلمية والنسق القيمي والفلسفة العامة للمهنة .
وإذا كنا ف الباحث السابقة قد تعرضنا بالتحليل والنقد للفتراضات الساسية
حول الطبيعة النسانية ،كما تعرضنا للقضايا التصلة بالسلوك الفردي والترتيبات
الجتمعية ،ولتفسي الشكلت الفردية والجتماعية ،ف إطار التصورات الغربية
مقارنة بالفتراضات والقيم السلمية ،فإننا سنحاول ف هذا البحث تميع هذه
لقد تثور دهشة القارئ عندما يتبي أنه ف الوقت الذي يتردد فيه بعض
رجالت الدمة الجتماعية ف أوطاننا السلمية عن الرد الصحيح والاسم عن
تلك السئلة ،فإن رجالت الدمة الجتماعية الت اتذت من العلمانية دينا قد
فطنوا من خلل مارستهم العملية ف اليدان إل أنه ل يكن فهم مشكلت
العملء أو التدخل الهن لساعدتم إل بأخذ الوانب الروحية ف العتبار -أي
أنم أجابوا بالنفي عن السؤالي الول والثان -أما بالنسبة لعلقة الدنيا بالخرة
فإن إجاباتم عنها قد جاء مفتوحة ،بعن أنم ل يفعلوا كما فعل آباء لم من
قبل من رواد الدمة الجتماعية ف الجتمع المريكي من رفض كل ما يتصل
بالوانب الروحية والدينية ،وإنا رأوا ترك هذا السؤال دون حسم ،وإحالة
الجابة عنه إل ما يراه العميل ف المر وال ما يراه الخصائي الذي يقدم له
الساعدة ،حيث يول دون حسم هذا السؤال ما هو معروف عن دياناتم من
جهة ،وتضمن تلك الديانات لتصورات ل يكن لعال التسليم با.
فلقد قام جوزيف هيس مثل بتحليل " أزمة الوية" الت تعان منها الدمة
الجتماعية ومناقشة أبعادها الختلفة ،وانتهي إل أن هذه الزمة -ف التحليل
رغم أن معالة القضايا التصلة بنظرية المارسة من وجهة إسلمية تتطلب مؤلفا
مستقل حت يكن توفية الوضوع حقه من التفصيل ،إل أننا سنحاول هنا ف
حدود ما تسمح به هذه العجالة التعرض لبعض الوانب الت نستشعر أنا تثل
خطوطا أساسية ف تناول الوضوع ف ضوء ما تكشّف لنا ف الفصول السابقة
.
لقد اتضح لنا فيما سبق أن مفهوم "نظرية المارسة" يقوم ف جوهره على فكرة
التوصل إل مموعتي من القوائم التقابلة توى أولها متلزمات العراض
Syndromesأو العوارض أو الحوال الت تستدعى التدخل الهن من جهة ،أما
الجموعة الخرى من القوائم فإنا توى بيانا باستراتيجيات وأدوات التدخل
النوع الول :حالة سلمة العتقاد ،مع حياة القلب ،وصفاء الفطرة:
يلحظ أن الخصائي الجتماعي ل يتوقع أن يواجه صعوبة كبية ف
العمل مع مثل تلك الالت للسباب التالية:
-1أن هذه الالت لن تكون معقدة بتفاعلت نفسية ،أو مشوشة بضاعفات
وجدانية منعكسة عن الشكلت أو الصعوبات الدنيوية العتادة.
-2أن تعامل هذا النوع من الشخاص مع الخصائي أو مع غيه يتصف عادة
بالستقامة والبعد عن اللتواء ،ما يتوقع معه التزام العميل بالصدق ، ،وإمكانية
العتماد على التزامه بالطط العلجية .
-3أن عناصر القوة ف الشخصية تكون كبية ما يتيح مدى أوسع من فرص
العمل مع العميل لتجاوز الوقف الال .
وهنا تتمثل الستراتيجية الستخدمة ف تقدي العون الادي أو التصل بالعلقات
الجتماعية أو غيها بسب الاجة:
-1ففي حالة احتياج العميل إل موارد مادية فإن من الناسب هنا الكتفاء
بتقدي "العون الادي" الناسب لالته ،حيث لن توجد عادة مضاعفات انفعالية
أو روحية من النوع الذي يتطلب معونة أكثر عمقا .
-2وف حالة مواجهة العميل لصعوبات ف العلقات مع آخرين نتيجة لعدم
كفاية خباته ومهاراته الجتماعية ،فإن من الناسب هنا تقدي العون الجتماعي
النظمات الرسية الت يرج التعامل معها عن نطاق خباته السابقة .
وإذن فإن العلج هنا يتمثل أساسا ف معاونة العميل على مقاومة أنس
النفس (البلي) بالاديات لفساح الجال أمام أنس الروح بالعبادات والطاعات
الت تفتح الطريق أمام حسن الصلة بال سبحانه وتعال ،ومن هنا يصبح "التحكم
ف النفس" والسيطرة عليها لتوجيهها نو خدمة حاجات النسان الكلى (بدنا
وروحا) بدل من خدمة حاجات البدن وحدها هو الفتاح الوحيد لل الوقف
الشكال ،فبه يتمكن الرء من المساك بزمام نفسه وقيادتا ف الطريق الذي
يييها ومن ث يتمكن من المساك بزمام حياته كلها ليوجهها بنعمة ال إل ما
وهناك قضية أخرى تتصل بكيفية تعامل الخصائي الجتماعي السلم مع مواقف
الرفض الت قد يواجهها مع بعض أنواع العملء الذين يقاومون التعاون معه
عندما يتعامل على هذا الستوى التعمق الذي يتطلبه العمل من النظور
السلمي ،وهنا فإننا نقترح أن يكون لدى الخصائي الجتماعي الستعداد
دائما للعودة بالتعامل مع العميل -ف مثل هذه الالة -إل مستوى التعامل
الكثر سطحية والذي ألفناه ف الكتابات التقليدية للخدمة الجتماعية ،والذي
يقتصر على المور الدنيوية القريبة ،على أن يتم هذا النتقال -إذا حدث -
بنفس راضية ودون أي غضاضة أو مرارة من جانب الخصائي الجتماعي ،
انطلقا من اليان بأن "الدى هدى ال" وبأن ال سبحانه وتعال "يعطى الدنيا
-7التدعيم والتثبيت :إن تقيق أي مرتبة أرقى من مراتب الياة الروحية ل يعن
الثبات عليها ،فالقوى الؤثرة إيابا وسلبا ف التكوين النسان فعالة متحركة
على الدوام ومن هنا فإن من الضروري معاونة العميل على حاية مواقعه وتثبيت
دعائمها ،بل والعمل الدائب نو كسب مواقع جديدة وذلك من خلل :
أ -التأكيد على الثقة ف ال تعال ،وتوقع التوفيق منه سبحانه وتعال لن
أقبل على سلوك طريقه ،والطمئنان إل معونته ونصره لن أطاعه واتقاه
،ما يؤدى إل تثبيت قلب العميل ،ومعاونته على الستمرار على النهج
حت يلقى ربه غي مبدل.
ب -توقع الدعم من ملئكة الرحن لولئك الذين قالوا ربنا ال ث
استقاموا ،با يزيد الثقة ف سلوك الطريق إل ال سبحانه وتعال ،مع
البِشْر أو التفاؤل الذي يرفع الروح العنوية ،ويقوى الناعة الداخلية ،
ويساعد على بلوغ الغاية.
ج -التحذير من نزغات الشياطي ،والتعرف على الطرق الت يتخذها
الشيطان وقبيله لضلل البشر ،وبيان الطرق الت يتم التحصن با من
- 146 -
تأثيه ،وذلك لساعدة العميل على إغلق أبواب النكوص والتراجع ،
وعلى الثبات أو الضي قدما بإذن ال.
أجروس وستانسيو :العلم ف منظوره الديد ( )1984ترجة كمال خل يلي (الكويت :
الجلس الوطن للثقافة والفنون والداب.)1989 ،
ابن عاشور ،الطاهر ( )1978مقاصد الشريعة السلمية (تونس :الشركة التونسية للتوزيع).
ابن عاشور ،الطاهر ( )1984تفسي التحرير والتنوير (تونس :الدار التونسية للنشر).
الدباغ ،عفاف إبراهيم ( )1994النظور السلمي لمارسة الدمة الجتماعية (الرياض :
مكتبة الؤيد).
الدباغ ،عفاف إبراهيم ( " )1989النظور السلمي لمارسة الدمة الجتماعية" خطة بث
الدكتوراه ،مقدم إل كلية الدمة الجتماعية للبنات بالرياض .1409 ،
الدباغ ،عفاف إبراهيم (1991أ) "النظور السلمي للطبيعة البشرية " بث مقدم لندوة
التأصيل السلمي للخدمة الجتماعية(العهد العالي للفكر السلمي بالقاهرة1412 ،هـ).
الدباغ ،عفاف إبراهيم (1991ب) " النظور السلمي لتفسي الشكلت الفردية " بث
مقدم لندوة التأصيل السلمي للخدمة الجتماعية (العهد العال للفكر السلمي بالقاهرة
1412هـ).
الدمنهوري ،عبد الستار ( : )1958الدمة الجتماعية ف السلم (بث مقدم لدرسة الدمة
الجتماعية بالقاهرة ،غي منشور).
السعيد ،لبيب( " )1952تنظيم الحسان ف السلم " ملة الرسالة ،العدد السنوي المتاز ،
1372هـ .
السعيد ،لبيب( )1980العمل الجتماعي :مدخل إليه ودراسة لصول السلمية (جدة :
دار عكاظ).
السنهوري ،عبد النعم يوسف ( " )1990نو مفهوم لدمة الفرد من النظور السلمي "
الؤتر العلمي الثالث لكلية الدمة الجتماعية بامعة القاهرة فرع الفيوم .
الشاطب (أبو إسحاق إبراهيم بن موسى )(التوف 790هـ) :الوافقات ف أصول الحكام ج
( 2دار الفكر للطباعة والنشر).
الشناوي ،ممد مروس ( " )1991الهداف العامة لساعدة الفراد على مواجهة مشكلتم
النفسية كما تعرضها نظريات الرشاد والعلج النفسي الغربية " ،بث قدم لندوة التأصيل
السلمي للخدمة الجتماعية (العهد العالي السلمي ،القاهرة ).
العفيفي ،عبد الكري( " )1990نو رؤية جديدة للمقابلة ف خدمة الفرد من منظور
إسلمي" ملة القاهرة للخدمة الجتماعية -الجلد الول -العدد الول -يناير .1990
الفار وقى ،إساعيل ( " )1982أسلمة العرفة " ،السلم العاصر ،العدد ، 32م 1402 -هـ.
بشي ،أحد يوسف ( " )1991النسان وعلقته بالبيئة من منظور إسلمي بث قدم لندوة
التأصيل السلمي للخدمة الجتماعية ،العهد العالي للفكر السلمي ،القاهرة .
توفيق ،ممد نيب( )1984أضواء على الرعاية الجتماعية ف السلم (القاهرة :النلو).
حسان ،مصطفي أحد ( ")1984الناقشة الماعية من النظور السلمي " الؤتر الدول
التاسع للحصاء والسابات العلمية والبحوث الجتماعية والسكانية.
حسان ،مصطفي أحد ( )1986نو أسلوب إسلمي للعمل مع الماعات ف ميط الدمة
الجتماعية ،مكتبة الرية .
رجب ،إبراهيم ( )1963التوجيه الدين ف مؤسسات رعاية الشباب (بث مقدم لدرسة
الدمة الجتماعية بالقاهرة -غي منشور).
رجب ،إبراهيم ( " )1980السلم والتنمية" مقال ف كتاب ناذج ونظريات تنظيم
الجتمع :إبراهيم عبد الرحن رجب (مرر) (القاهرة :دار الثقافة .)1983 ،
رجب ،إبراهيم ( " )1981نو تأصيل الدمة الجتماعية ف الدول النامية" ورقة مقدمة إل
الؤتر الدول السادس للحصاء والاسب الل والبحوث الجتماعية والديوجرافية ،القاهرة.
رجب ،إبراهيم (" )1991النهج العلمي للبحث من وجهة إسلمية " بث مقدم إل ندوة
التأصيل السلمي للخدمة الجتماعية ،العهد العالي للفكر السلمي ،القاهرة .
رجب ،إبراهيم( 1991ب) شرود الذهن أثناء الصلة :الشكلة والل (الرياض :دار عال
الكتب).
زيدان ،على حسي ( " )1991دور الدمة الجتماعية ف العمل مع النحرفي :منظور
إسلمي " بث مقدم لندوة التأصيل السلمي للخدمة الجتماعية(العهد العالي للفكر
السلمي،القاهرة.
سلطان ،صلح ( 1999أ) الثار التربوية للعبادات ف الروح والخلق (القاهرة :نضة
مصر).
سلطان ،صلح ( 1999ب) الثار التربوية للعبادات ف العقل والسد (القاهرة :نضة
مصر).
صادق ،نبيل ممد (1983أ) طريقة تنظيم الجتمع ف الدمة الجتماعية :مدخل إسلمي
(القاهرة ،دار الثقافة ).
صادق ،نبيل ممد (1983ب) السلم ومشاركة الواطني ف تنمية الجتمع (القاهرة ،دار
الثقافة).
عبد الصمد ،عبد الفتاح عثمان ( )1988نوذج إسلمي لمارسة الدمة الجتماعية ف
الوطن العرب ،العهد العال للخدمة الجتماعية للبنات بالرياض (غي منشور ).
عبد الصمد ،عبد الفتاح عثمان وآخرون ( ، )1984مقدمة ف الدمة الجتماعية (القاهرة :
النلو).
عبد اللطيف ،رشاد أحد (" )1991النظم الجتماعي يقدم الشورة الهنية لحدى منظمات
العمل السلمي " ،الركز العرب للدراسات المنية والتدريب بالرياض.
عبد الحسن عبد الميد ( " )1986النشطة الطلبية وأثرها ف تكامل شخصية الطالب:
مدخل إسلمي " ملة بوث ودراسات ،كلية العلوم الجتماعية بالرياض.
عبد الادي ،ممد أحد ( " )1991الدمة الجتماعية ف مال الدعوة السلمية " بث قدم
لندوة التأصيل السلمي للخدمة الجتماعية (العهد العالي للفكر السلمي بالقاهرة ).
عثمان ،خالد صبحي (حول )1960أثر العامل الدين ف تطور الدمات الجتماعية(بث
مقدم لدرسة الدمة الجتماعية ،غي منشور ).
غباري ،ممد سلمة ( )1983الدمة الجتماعية ورعاية الشباب ف الجتمعات السلمية ،
(السكندرية :الكتب الامعي الديث).
كوهن ،توماس ،بنية الثورات العلمية( ،)1970ترجة على نعمة (بيوت :دار الداثة ،
.)1986
متار ،عبد العزيز عبد ال ( )1988النظور السلمي للخمة الجتماعية ،بث غي منشور.
ميتشل ،تيموثى ( )1990استعمار مصر (ترجة بشي السباعي وأحد حسان)( القاهرة :
سينا للنشر).
نوح ،ممد عبد الي ( " )1987النهج السلمي ف تنظيم الجتمع كطريقة ف الدمة
الجتماعية" الؤتر العلمي الول لكلية الدمة الجتماعية بامعة حلوان .
نويرة ،فؤاد عبد ال ( ) 1960السلم والدمة الجتماعية (القاهرة :وزارة العمل والشئون
الجتماعية ).
يونس ،الفاروق زكى ( " )1981الرعاية الجتماعية ف السلم " بث قدم للمؤتر الدول
لعلماء السلمي -إسلم أباد -باكستان.
Capra, Fritjof (1982) The Turning Point : Science, Society and the
Rising Culture. (London: Flamingo ).
- 156 -
Joseph, M. Vincentia “ Religion and Social Work Practice” , Social
Casework, Sept. 1988, P.P. 443-452.
Reiss, Albert Jr. (1968) “ Sociology: The Field” , in, Sills, David ed.,
International Encyclopedia of the Social Sciences Vol., 15.
- 157 -
Sperry, Roger (August 1988) “ Psychology’s Mentalist Paradigm and the
Religion / Science Tension”. American Psychologist. Vol. 43. No 8.
Williamson, John, et al. (1974) Social Problems (Boston: Little, Brown &
Co.)
- 158 -