Professional Documents
Culture Documents
من هم هؤلء؟!.
إنها سورة البقرة ,وفاتحة العلوم والحكام ,وفيها ما فيها من الشارات لول الخلق والتكوين ,وفيها
بانفراد ,نبأ الساعات الولى التي سبقت القضاء بآدم ,ذلك الحدث الحاسم الذي نمر عليه هكذا ,دون
واجب تفكير لئق.
ذلك أن المر كان أول ما كان ,من ال ,وكان هذا بذاته كافيًا أن نقف عنده لنسأل :لِمَ؟!.
عوْ
سمَاء َهؤُلء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ ماذا ادّعى الملئكة حتى يُد َ
ل ِئكَةِ فَقَالَ أَن ِبئُونِي بِأَ ْ
علَى ا ْلمَ َ
ضهُمْ َ
عرَ َ
﴿ -ثُمّ َ
إلى بينة صدقهم؟ .ثم إن سياقها البشري-أي لو كنا نحن المتكلمين -أن تكون :إن كنتم تعلمون؟.
لرْ ِ
ض سمَاوَاتِ وَا َ
غ ْيبَ ال ّ
علَمُ َ
سمَآ ِئهِمْ قَالَ َألَمْ أَقُل ّلكُمْ ِإنّي أَ ْ
سمَآ ِئهِمْ َفَلمّا أَنبَأَهُمْ بِأَ ْ
﴿ -قَالَ يَا آدَمُ أَن ِب ْئهُم بِأَ ْ
علَمُ مَا ُتبْدُونَ َومَا كُنتُمْ َت ْك ُتمُونَ﴾ ,ألم يشهد الملئكة من قبل من قدرة ال مما يثبت العلم ل ,ما هو أعظم َوأَ ْ
من سرد آدم لسماء هؤلء؟ ,فماذا وراء هذا السرد من آدم ,وهذا الثبات –الن -من ال؟.
قبل أن نجيب ,نمرّ على ما وصلنا من أقوال المفسرين من قبل ,وسبق وقدمنا أن هذه القوال ,إنما هي
آراء يصيب بعضها ,ويخطئ بعض ,ما لم تتصل بسند إلى النبي المعصوم محمد عليه الصلة والسلم,
ول تصل بحال لتتعلق بذات النص فتتلبس به ,ويصبحا سواءً! ,فكلم ال شيء ,وآراء التأويل شيء آخر,
ل يحق لحد أن يحمل الناس عليها!.
وجمهور المفسرين على ما ينسب إلى ابن عباس رضي ال عنهما- ,على افتراض صحة النسبة -من أنها
أسماء الشياء كلها ,حتى القصعة والملعقة ,والفسوة والفسية ,والضرطة والضريطة! ,فهي عندهم أسماء
المخلوقات كلها ,ما كان وما سيكون!.
ومنهم من ذهب إلى أنها أسماء الملئكة ,أو قد تكون أسماء النبييين من ذرية آدم! .ثم ذهبوا فيها نحواً من
عشرة مذاهب ,كلها ظن ل ثابت فيه!.
وسبق وقدمنا من قبل ,أننا في هذا الدين ل ندين ل قيل وقال ,ويرى فلن! .فما لم يقل به النبي محمد عليه
الصلة والسلم فليس بدين ,بل هو قول وحسب ,لنا أن نؤمن ,ولنا أن ل نؤمن ,ما لم يأتنا عن ببينة!.
أولها :أن ضمائر الخطاب ,ل تتحدث عن جمادات ,أو مخلوقات منثورة ,بل هي عواقل ظاهرة {ثم
عرضهم}{ ,أنبئوني بأسماء هؤلء}{ ,أنبئهم بأسمائهم}{ ,فلما أنبأهم بأسمائهم} ,فلو كان تأويل الجمهور
صحيحاً ,لكانت الصياغة هكذا :وعلم آدم السماء كلها ثم عرضها على الملئكة ,فقال أنبؤني بأسماء هذه
إن كنتم صادقين ....قال يا آدم أنبئهم بأسمائها ,فلما أنبأهم بأسمائها.!..
فمن منا يعرض ألف شيء مختلط مختلف ,ثم يقول :احصوا لنا هؤلء الشياء؟.
وحتى إن كانوا ألف إنسان ,وألف دابة ,وألف قصعة ,فل يستوي البتة أن يشير أحد إليها جميعهاً فيسألنا:
من هؤلء؟ ,وهو يريد الجميع المنظور .فل يستقيم أن تدخل الدواب والنباتات والجمادات تحت هؤلء!.
هذا إلى جانب اضطراب التأويل مع سياق الموضوع ,وارتباطه بما قبله وما يليه من اليات والمبنيات
والمتتاليات على ما جرى بعدها .فل يعقل أبداً أن الملئكة ل تعلم من المعروضات شيئاً ,وهي لتوها
جعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا َويَسْ ِفكُ ال ّدمَاء﴾ ،فالرض وما فيها ,والدماء وسفكها ,كانت معلومة عند
تقولَ﴿ :أتَ ْ
الملئكة ,قبل أن يخلق آدم ,بشاهد هذه الية!.
ثم أن كانت السماء كلها ,تجمع الشياء كلها- ,كما يُروى ,-لوجب أن يكون الملئكة المسئولون ضمن
هذه الشياء نفسها ,ولوجب عليها أن تعلم أسماء أنفسها هي ,على أقل القول!.
إل أن يكون ما بدا للملئكة مما عُرض عليهم شيئاً ل تعلمه البتة ,ولم تره من قبل ,بل إن سياق سؤال ال
لهم ,يوحي ابتداءً ,بأنهم ل يعلمون ,ولن يعلموا! ,فما هو ,وماذا يكون؟!.
علّم أسماء ما قد يخطر له في معيشته وأمره ,ليتخاطب بها من ول يبعد أبداً ,بل هو الوْلى ,أن يكون آدم ُ
عّلمَهُ ا ْل َبيَانَ﴾ ( )4سورة الرحمن ,ثم بشاهد ما ثبت عن نبي ال صلى خلَقَ الِنسَانَ َ , بَعد ,بشاهد قول ال ﴿ َ
طسَ, خلَقَ الُّ آدَمَ َونَفَخَ فِيهِ الرّوحَ عَ َ ال عليه وسلم ,حديثه عن أول خلق آدم –فتدبّره جيداً -قالَ« :لمّا َ
ح َمكَ َر ّبكَ يَا آدَمَ فَقَالَ لَهُ :يَا آدَمُ اذْ َهبْ ِإلَى أُوَل ِئكَ حمِدَ الَّ بِإِذْنِ الِّ ,فَقَالَ لَهُ َربّهُ :رَ ِ حمْدُ لِِّ ,فَ َ
فَقَالَ :الْ َ
حمَةُ الِّ َو َب َركَاتُهُ ,ثُمّ عَل ْيكَ السّلَمُ َورَ ْعَل ْيكُمْ ,فَذَ َهبَ ,قَالُوا :وَ َجلُوسٍ ,فَقُلِ :السّلَمُ َ ل ِئكَةِِ ,إلَى مَلٍ ِم ْنهُمْ ُا ْلمَ َ
خ َترْضتَانِ :ا ْ حيّةُ َبنِيكَ َو َبنِيهِمْ ,وَقَالَ الُّ َتبَا َركَ َو َتعَالَى لَهُ َويَدَاهُ مَ ْقبُو َ ح ّي ُتكَ َوتَ ِ
رَجَعَ ِإلَى َربّهِ ,فَقَالَ :هَ ِذهِ تَ ِ
طهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَ ُذ ّر ّيتُهُ ,فَقَالَ:
خ َت ْرتُ َيمِينَ َربّى َو ِك ْلتَا يَ َدىْ َربّى َيمِينٌ ُمبَا َركَةٌ ,ثُمّ بَسَ َ ش ْئتَ! ,فَقَالَ :ا َْأ ّي ُهمَا ِ
ع ْي َنيْهَِ ,وإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ ع ْمرُهُ َبيْنَ َ ل ِإنْسَانٍ َم ْكتُوبٌ ُ َأىْ َربّ ,مَا َهؤُلَءِ؟ ,قَالَ َهؤُلَءِ ُذ ّر ّي ُتكَ ,فَإِذَا كُ ّ
ع ْم ِرهِ! ,قَالَ :ذَاكَ الّذِى سنَةً ,فَقَالََ :أىْ َربّ زِدْ فِى ُ ض َو ِئهِمْ ,لَمْ ُي ْك َتبْ لَهُ إِلّ َأ ْر َبعُونَ َ
َأضْ َوؤُهُمَْ ,أوْ قَالَ مِنْ َأ ْ
جنّةَ مَا شَاءَ الُّ ثُمّ سكُنِ الْ َسنَةً ,قَالََ :أ ْنتَ وَذَاكَ ,قَالَ :ثُمّ ا ْ ستّينَ َ ع ْمرِى ِ ج َع ْلتُ لَهُ مِنْ ُ ُك ِتبَ لَهُ ,قَالَ :فَِإنّى قَدْ َ
ا ْهبِطْ ِم ْنهَا» .فانظر في الحديث جيداً ,وانظر إلى حال الملئكة الجلوس ,ثم انتبه إلى أن آدم تكلم ب البيان
من أول نفخ الروح ,ثم سمع كلم ال وأمره ,فوعاه ,ثم قال للملئكة ما قال ,فردوا عليه ,وزادوه كلمة,
فانتبه أنهم ليسوا بجهلء ,ول غافلين ,ثم خيره ال بما خيره به ,فقالَ :أىْ َربّ ,مَا َهؤُلَءِ؟ ,فلم يعرف من
هم هؤلء ,وهم بنوه وذريته! ,بل إن الذي لفت نظره كان نبي ال داود ,فكيف يعرف أسماء كل شيء,
ول يعرف اسم نبي عظيم ,هو ابنه ,وخليفة مثله كذلك ,وهو يعرف الفسوة و الفسية كما يقولون!؟.
وإذا رفضنا التأويل المشهور لضطرابه مع السياقين السابق واللحق ,وجب علينا نحن -إن تقدمنا بفهم
ما ,-أن نأتي بتأويل مضطرد يسد خلل اضطراب التأويل الول .فأيّما فهم مطروح ,وجب أن يأخذ
بأطراف السياق والدللت والمقاصد ,ليشدها جميعا بعضها إلى بعض ,لنخرج بصورة متسقة من أولها
إلى آخرها.
فاليات من أول السورة ,جاءت لتفصل بين المؤمنين وبين الكافرين ,بين المصلحين والمفسدين في
لرْضِ قَالُواْ ِإ ّنمَا نَحْنُ
الرض ,وتلكم هي مناطات الستخلف في الرضَ ﴿ ,وإِذَا قِيلَ لهمْ لَ تُفْسِدُواْ فِي ا َ
صلِحُونَ﴾ ( )11سورة البقرة.
ُم ْ
فالمر كله على السماء ,فلن يعقل أنها مجرد اللغة كما يزعمون ,فهل كانت الملئكة بكماً ل ينطقون!؟.
حيِيكُمْ ثُ ّم ِإَليْ ِه
حيَاكُمْ ثُ ّم ُيمِي ُتكُمْ ثُ ّم ُي ْثم تسترسل اليات حتى تصل إلى ﴿ َك ْيفَ َتكْ ُفرُونَ بِالِّ َوكُنتُمْ َأ ْموَاتاً َفأَ ْ
سوّاهُنّ سمَاء فَ َ س َتوَى ِإلَى ال ّ جمِيعاً ثُ ّم ا ْ لرْضِ َ خلَقَ َلكُم مّا فِي ا َ جعُونَ﴾ ( ) 28سورة البقرة ﴿ ُهوَ الّذِي َ ُترْ َ
لرْضِ ل ِئكَةِ ِإنّي جَاعِلٌ فِي ا َ علِيمٌ﴾ ( ) 29سورة البقرة ﴿ َوإِذْ قَالَ َر ّبكَ ِل ْلمَ َ شيْءٍ َ
ل َسمَاوَاتٍ وَ ُهوَ ِبكُ ّ
سبْعَ َ
َ
خلِيفَةً﴾ ( )30سورة البقرة, َ
فانسياب السياق ابتداء من اليمان والكفر إلى الستخلف في الرض جلي لِعيان.
ثم ما تلبث القصة أن تصل إلى هذا الصل الول مباشرة بعد هبوط الفريقين الضدين إلى الرض
جمِيعاً َفِإمّا َي ْأ ِت َي ّنكُم ّمنّي هُدًى َفمَن َتبِعَ هُدَايَ فَلَ
ليوصي ال بهذا الصل مرة أخرى ﴿ ُق ْلنَا ا ْهبِطُواْ ِم ْنهَا َ
ح َزنُونَ﴾ ( )38سورة البقرة ل هُمْ يَ ْ
خ ْوفٌ عَليهمْ و َ
َ
ولكن ترى كثيراً من المفسرين ,ل يبنون موضوعاً موحداً لتأويل مشكل ما؛ كأن يقول أحدهم في معرض
تأويله ل أسماء هؤلء :هي أسماء الشياء ,ثم ل يبني ما يرى على السياقات والمباني المشتركة للسورة
نفسها ,أو يقول :هي أسماء النبيين- ,وقد تبيّن بطلنه -هكذا دون بناء موضوعي ,ول إسناد دللي ,يشد
مذهبه ويقنع سامعه ,بل قول بظن وحسب! ,ول تتورع بعض كتب التفسير أن تفسح محلً ,لمن قال :هي
أسماء النجوم!! .ثم تنغلق دائرة كتب التفسير على الغث والسمين ,دونما استيعاب لجديد ذي بينة! .فهذا ما
ل يصلح أن يكون تأويلً ,مهما عل شأن قائله من دون النبي صلى ال عليه وسلّم.
فمن هذا الباب نلج أية الستخلف ,وبهذا المفتاح نفتح مكامنها ,ونحن مطمئنون مستندون إلى شديد ,ذلك
هو السياق والبناء الموضوعي ,الذي ل يخلو منه كلم عامة الناس ,عدا أن يخلو منه كلم الرب الحكيم.
﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾! ,وماذا كانت دعوى الملئكة التي تلزمهم بينة الصدق؟
جعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ويَسْ ِفكُ ال ّدمَاء﴾ ,وهذه هي الولى ,ثمالملئكة بنص الية ادّعوا ادعاءين﴿ ,قَالُواْ َأتَ ْ
حمْ ِدكَ َونُقَ ّدسُ َلكَ﴾ ,وهذه الثانية.
سبّحُ ِب َ
﴿ َونَحْنُ نُ َ
أما الولى ,فما جرى بعد هبوط آدم إلى الرض ,فقد كان بينة على صدقهم ,إذ ما لبث أن سفك ابن آدم
دم أخيه! ,فها هو السفك ,وها هو الفساد ,فهذه مضت وبان صوابهم بها.
فالمخلوق الجديد على خلف هذا كله ,ومحل ميدانه خلف ما هم فيه تماماً ,ولذلك جاء الجمع بين الخليفة
وبين الرض! ,فوضح أن ما اُعدّ له ,شيء غاب عن شهادة علم الملئكة ,بما أبطل محل ظنهم ودعواهم
وسباقهم!.
فالملئكة بالجماع ل تعصي ال ,وهي ل تطيعه باختيار ,بل هي مفطورة مجبولة على الطاعة ل ,فهي
ملئكة من جذر ال ُملْك ,ولذلك ليس لها ثواب ول عقاب ,ولو كانت مختارة لجوزيت على اختيارها﴿ .ل
َي ْعصُونَ الَّ مَا َأ َمرَهُمْ ويَ ْف َعلُونَ مَا ُي ْؤ َمرُونَ﴾ .فعُلم بذلك أن السماء هي ذاتها المتعلق الصيل في الفارق
بين الملئكة وآدم! ,أي أن السماء تتعلق في ذات الختيار بين الكفر واليمان ,الذي فُطر في آدم دون
الملئكة ,ول علقة لها ب اللغة من قريب أو بعيد!؟.
فالرجل –آدم ,-تكلّم من أول نفخ الروح فيه ,كما مرّ معنا في الحديث ,ولم يكن في ذلك شيء تستغربه
الملئكة ,بل هم زادوه كلماً ,ولكن السماء شيء كبير آخر ,متعلق بالفساد وسفك الدماء ,من يوم هبوطه
إلى الرض ,حتى يهدم الناس الكعبة –كما صحّ في الحديث ,-ويرمي يأجوج ومأجوج السماء بالسهام,
فتُردّ لهم مغموسة بالدم!!.
أل يكفي أن ننتبه إلى تركيز الملئكة على الدم والفساد ,حتى يفصل بينهم ب السماء!؟.
فمن هم هؤلء؟.
قبل أن نبدأ ب هؤلء ,نلفت أن ال أثبتها على أسماء هؤلء ,ولم يقل أنبؤني ب هؤلء ,بل المطلوب هو
السماء ,ف السماء وهؤلء ,هما مادّة الفصل والسؤال!.
والملئكة ل تختار ,ولهذا لم يعلموا أسماء هؤلء ,أما المخلوق الجديد ,فخلق يختار ,وحتى يختار ,فله
عند ال أن يفطر فيه ويعلمه الخيارين ويهديه النجدين ,ثم يسأله ربه ما يشاء ,ليختار هو بعدها ما يشاء!.
سمَاء
لِ الَ ْ
السماء في القرآن -بهذا الذكر الصريح -لم ترد إل في اثنتين ,إما بما يراد به ال الحد ﴿وَ ّ
سنَى فَادْعُو ُه ِبهَا﴾ ( )180سورة العراف ,وإما بما يراد به النداد وما يعبد من دون ال عموماً.
الْحُ ْ
ف السماء الحسنى التي ل تنبغي إل للرب الواحد ل إله إل هو ,ذُكرت في الكتاب أربع مرات ,في
العراف ,وفي السراء وفي طه وفي الحشر ,وقصة آدم حاضرة صريحة في الثلثة الوَل منها.
أما أسماء النداد –تعالى ال عن الند والشبيه ,-فهي في العراف كذلك أولً ,وهذا وحده محل إشارة
والتفات ,أن تجتمع السماء وتذكر أول ما تذكر بضديها ,في المحل الواحد ,وفي السورة التي تتحدث
بالذات عن الفرق بين الفريقين من المؤمنين والكافرين!.
ول عجب نجد اليات القليلة التي تسبق هذا الحدث العظيم من سورة البقرة ,تحذّر وتنفّر من عبادة
عبُدُواْ َر ّبكُمُ الّذِي
النداد ,راجعة بالناس جميعاً ،بفريقيهم إلى أصلهم الول وآبائهم الولين﴿يَا َأ ّيهَا النّاسُ ا ْ
سمَاء مَاء سمَاء ِبنَاء َوأَنزَلَ مِنَ ال ّ لرْضَ ِفرَاشاً وَال ّ
جعَلَ َلكُمُ ا َ
خلَ َقكُمْ وَالّذِينَ مِن َق ْبِلكُمْ َل َعّلكُمْ َتتّقُونَ * الّذِي َ
َ
لِ أَندَاداً َوأَنتُمْ َت ْعَلمُونَ﴾ ( )22سورة البقرة. ج َعلُواْ ّ
ل تَ ْ
ن ال ّثمَرَاتِ ِرزْقًا ّلكُمْ فَ َج بِهِ مِ َ
خرَ َفَأَ ْ
فها هي النداد ,وها هو نهي الربّ الواحد عنها ,وها هي حجته فيها علينا﴿ ,وَأَنتُمْ َت ْعَلمُونَ﴾ ،فهي أصل
سمَاء ُكّلهَا﴾!.
علّمَ آدَمَ الَ ْ
الفطرة الولى ,والعلم الول من لدن أبينا آدم ﴿وَ َ
وكان يكفي أن نفطن إلى آية سورة طه لنرى أن المر ل يتطلب هذا! ,ذلك من قوله المجيد ﴿ َولَقَدْ َأ َر ْينَا ُه
آيَا ِتنَا ُكّلهَا َفكَ ّذبَ َوَأبَى﴾ ,فهل يُعقل أن فرعون رأى كل آيات ال في السموات والرض ,وأحاط بها!؟.
عوْنَ وَ َق ْومِهِ﴾ ( )12سورة وإذا علمت أن ال أرسل موسى إلى فرعون ب تسع آيات ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ ِإلَى ِفرْ َ
النمل ,فجمعت بين هاتين اليتين -آية طه وآية النمل ,-علمت بعدها أن آيات ال كلها التي رآها فرعون,
إنما هي تسع آيات محصورات! .فل لزم بعدها إلى النصراف إلى الدللة الكلّية الشاملة للشياء! .ول
سمَاءَ ُكّلهَا﴾ ,عدّة أسماء محصورات معلومات ,تتعلق بها ما رأت الملئكة من مانع كذلك أن تكون ﴿الَ ْ
الفساد وسفك الدماء! .أمّا الكلم والبيان وما يلزمه من اللفاظ والتراكيب ,فشيء كان في الجبلّة الُولى
لبينا آدم ,ومن لحظة نفخ الروح ,بشاهد الحديث الذي سلف معنا!.
فانتبه ,وأقم المر كله على أن السماء هي الفارق الصيل ,بين الملئكة الطائعة المطوّعة ,وبين النسان
المُخيّر بين النجدين ,إما شاكراً ,وإما كفوراً؛ ال ُمعَدّ ل الرض الدنيا ,المُعدّة هي لما ترون وتسمعون ,من
الدماء والفساد ,حتى يكون في آخرها يأجوج ومأجوج المفسدون في الرض ,الذين يرمون أهل السماء
بسهامهم التي تُردّ لهم مغموسة ب الدم ,كما في صحيح الحديث! .ليدور ذلك كله على رحى السماء مما ل
تعرفه الملئكة ,ول ينبغي لها أن تعرف!.
لماذا أشارت الية ل السماء إشارة العاقل ,وهي أوثان وأصنام؟.
لعل ممّا لم تجب عليه كتب التفسير ولم يشف سائلً ,هذا السؤال الواجب!.
فكان المفسرون يسألون هذا السؤال ,ويقولون فيه على خلف ,وهذا أبلغ دليل أنه عرض مشكل ,وإل لما
سأل أحد أصلً ,عدا أن يختلفوا ويتدارأوا فيها! .ثم تأولها من تأولها على ما ل يقنع ول يرضي ,بدليل
رفض بعضهم تأويل بعض!.
بيد أن القرآن يكشفها بجلء؛ فحيثما وردت النداد والصنام في القرآن ,اُنزلت منزلة العواقل! ,ولعل
أجلها بياناً ,ما تكشفه سورة النبياء! .فتتبع معنا خطاب إبراهيم عليه الصلة والسلم في آياتها ,وكيف
تأتي ب الضمائر عاقلت بما ل يدع مجالً للشك!.
فتتبعها معنا!.
لبِيهِ وَ َق ْومِهِ مَا هَ ِذهِ ال ّتمَاثِيلُ اّلتِي أَنتُمْ َلهَا ﴿ َولَقَدْ آ َت ْينَا ِإ ْبرَاهِيمَ رُشْ َدهُ مِن َقبْلُ َو ُكنّا بِه عَاِلمِينَ * إِذْ قَالَ َ
ج ْئ َتنَا بِالْحَقّ
عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَ ْدنَا آبَاءنَا َلهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَا ُؤكُمْ فِي ضَللٍ ّمبِينٍ * قَالُوا أَ ِ
علَى َذِلكُم مّنَ الشّاهِدِينَ * طرَهُنّ َوَأنَا َ لرْضِ الّذِي فَ َ س َموَاتِ وَا َعبِينَ * قَالَ بَل ّر ّبكُمْ َربّ ال ّ أَمْ أَنتَ مِنَ الل ِ
جعُونَ * قَالُوا مَن ج َعَلهُمْ جُذَاذاً إِل َكبِيراً ّلهُمْ َل َعّلهُمْ ِإَليْهِ َيرْ ِ
صنَا َمكُم َبعْدَ أَن ُت َولّوا مُ ْد ِبرِينَ * َف َ
لكِيدَنّ َأ ْ َوتَالِّ َ
عيُنِ
علَى أَ ْس ِم ْعنَا َفتًى يَ ْذ ُكرُهُمْ يُقَالُ لَهُ ِإ ْبرَاهِيمُ * قَالُوا فَ ْأتُوا بِهِ َ َفعَلَ هَذَا بِآِل َه ِتنَا ِإنّهُ َلمِنَ الظّاِلمِينَ * قَالُوا َ
شهَدُو قَالُوا َأأَنتَ َف َع ْلتَ هَذَا بِآِل َه ِتنَا يَا ِإ ْبرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ َف َعلَهُ َكبِيرُهُمْ هَذَا فَاسَْألُوهُمْ إِن كَانُوا النّاسِ َل َعّلهُمْ يَ ْ
عِل ْمتَ مَا َهؤُلء سهِمْ لَقَدْ َ علَى ُرؤُو ِ سهِمْ فَقَالُوا ِإ ّنكُمْ أَنتُمُ الظّاِلمُونَ * ثُ ّم ُنكِسُوا َ جعُوا ِإلَى أَنفُ ِ يَنطِقُونَ * َفرَ َ
يَنطِقُونَ﴾ { }65النبياء
ج َعَلهُمْ جُذَاذاً إِل َكبِيراً ّلهُمْ﴾ ,فهي عند ال
ولعل أشد ما يؤازر ما نقول ,كلم ال نفسه بضمير العاقل﴿ ,فَ َ
تماثيل ل تعقل البتّة ,ومع ذلك ,ذكرهم ال ذكر العاقل بضمير العاقل!.
سمَاء َهؤُلء﴾.
عِل ْمتَ مَا َهؤُلء يَنطِقُونَ﴾ كالتي في ﴿أَن ِبئُونِي ِبأَ ْ
ثم قول قوم أبينا إبراهيم ﴿لَقَ ْد َ
ثم تتابع آيات سورة النبياء لتختم على اُصولها الرئيسة من التوحيد ونفي النداد ,حتى تصل آواخرها
ج َهنّمَ أَنتُمْ َلهَا وَارِدُونَ * َلوْ كَانَ َهؤُلء آِلهَةً مّا
صبُ َ
ح َ
على هذه الكبيرة ﴿إِّنكُمْ َومَا َت ْعبُدُونَ مِن دُونِ الِّ َ
َورَدُوهَا َوكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ( )99سورة النبياء,
وبالعتماد على ما تعضد به سورة النبياء ما نقول من أن السماء هي أسماء ما سيُعبد من دون ال –ل
إله إل هو– ,بالعتماد على هذا ,فهل لنا أن نستشرف تخصيصاً ما لذكر اللهة في هذه السورة المحور
للرسالة والمرسلين ,والملّة والدين ,أن ل إله إل ال!؟.
نعم..
فقد ورد لفظ اللهة -هكذا بصيغة الجمع -فيها أكثر بثلثة أضعاف مما سواها من السور ,بواقع تسع
مرات إلى ثلث في التي تليها! .وهي التي قاربت ختامها على هذه..
ج َهنّ َم أَنتُمْ َلهَا وَارِدُونَ
صبُ َ
ح َ
﴿ِإ ّنكُمْ َومَا َت ْعبُدُونَ مِن دُونِ الِّ َ
ل فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
ن َهؤُلء آِلهَةً مّا َورَدُوهَا َوكُ ّ
َلوْ كَا َ
ومما لحظنا أيضاً ,أن سورة النبياء هي السورة ذات الترتيب الواحد والعشرين في المصحف ,فماذا
نتوقع أن تكون الية الواحدة والعشرون في السورة الواحدة والعشرين؟.
خلِيفَةً﴾.
لرْضِ َ
وهي تختصر البحث كله وتؤكده ,من عند قوله المجيد ﴿ِإنّي جَاعِلٌ فِي ا َ
إشارة..
تتبعنا السور التي ذكرت قصة آدم وأمر ال للملئكة بالسجود ,فكانت سبع سور :البقرة ,العراف,
الحجر ,السراء ,الكهف ,طه ,ص .فوجدنا البقرة تختلف عن السور التي معها ,أن ال لم يَسِمْ ابليس
بالكفر –وهو كافر بربه -إل فيها ,وفي السورة الخيرة في ترتيب ذكر القصة ,أي في سورة ص!,
والغريب المتفِق بين السورتين أيضاً ,أن الستخلف جاء صريحاً في السورتين ,فتجتمع السورتان على
سمَاء خلَ ْقنَا ال ّ
الستخلف وعلى التصريح ب كفر إبليس! ,واقرأ إن شئت تباعاً ,بعد الخليفة في ص ﴿ َومَا َ
جعَلُ الّذِينَ آ َمنُوا ن الّذِينَ كَ َفرُوا َف َويْلٌ ّللّذِينَ كَ َفرُوا مِنَ النّارِ * أَمْ نَ ْ
لرْضَ َومَا َب ْي َن ُهمَا بَاطِلً َذِلكَ ظَ ّوَا َ
جعَلُ ا ْل ُمتّقِينَ كَالْفُجّارِ﴾.
لرْضِ أَمْ َن ْ
ت كَا ْلمُفْسِدِينَ فِي ا َ
ع ِملُوا الصّالِحَا ِ
وَ َ
فهذه هي المجامع الكبرى..
قلنا في معرض الستدلل والعتماد على السياقات والبناء الواحد للموضوع ,أن السورة من أولها بدأت
تحدّد وتفصل بين فريقين ,من آمن وأصلح ,ومن كفر وأفسد ,واعتمدنا على هذه لتقرير حجتنا بأن
السماء كانت أساساً في هذا البناء الموحّد لنفي الندّ عن الله الواحد ل إله إل هو ,وأن مكان الية في
أول القرآن –الية 31من البقرة -ليؤكد صدارتها وأصالتها في تقرير ملّة التوحيد القائمة على نفي الند
والشريك!.
حتى إذا توالت أدلة التوحيد بتوالي آيات البقرة ,جاء ختامها بناء للتقرير العظيم في الخاتمة المهيبة على
كثير مما ذهبنا إليه؛ وليتدبر معنا من تدبر!..
لرْضِ..
سمَواتِ َومَا فِي ا َ
﴿لِّ ما فِي ال ّ
علَى الْ َقوْمِ ا ْلكَا ِفرِينَ﴾.
ص ْرنَا َ
لنَا فَان ُ
أَنتَ َموْ َ
ها هي صراحة تختم على الصول التي ذهبنا إليها ,من تأكيد أن الرض والسماء ل ,ول إله فيهما إل
ال ,وعلى الصل الثاني الذي تفصل فيه السماء ,بين من يؤمن ومن يكفر!.
ثم ستجد القرآن كلّه ,والنبيين والرسل أجمعين ,على هذه ,بادية كآية النهار ,فل جرم تترأس في أول
اليات والسور ,ول جرم استثقلتها الملئكة ,ول جرم المر أشد وأثقل من اللّغة ,واسم الحجر والشجر,
وما نستحيي أن نعيد ممّا يكتبون! .أكانت ملئكة العليم خرسًا بكماً ل ينطقون!؟.
مختصر جامع
فالسماء -وال أعلم -وكما يظهر لنا من تضافر اليات ,واحدة من اثنتين؛ إما أسماء ال الحسنى ,أو
أسماء النداد وما يعبد من دون ال ,ولما كانت الملئكة أعلم خلق ال بال ,وبملكه وخلقه ,ولم تعلم البتة
أسماء هؤلء الذين عرضوا عليها ,على اعتبار فطرتها القويمة في التوحيد الخالص ,ثم لن السماء
محصورة خاصة في خليفة الرض ,فالسماء خالصة للتوحيد والطاعة ,والرض للفساد والدماء ,ومِلك
ذلك كله السماء! ,فعرفها المخيّر بين الكفر واليمان ,وبين السماء الحسنى والسماء السوءى! ,على
ذلك كله ,لزم أن تكون السماء الثانية أسماء النداد ,التي يصير المستخلف بها كافراً أو مؤمناً!.
ول محلّ البتّة لما يذهب إليه كثير من الناس ,أنها أسماء الشياء كلها ,وأنها اللغات واللسن ,فهل كانت
الملئكة بل منطق ول لسان؟ .وذلك كله ل يقدّم ول يؤخّر ,ول يستلزم أرضاً ول استخلفاً ,ول وحيًا ول
رسلً ,ول حرباً ول جهاداً ,ول صلةً ول صوماً! .ألم تسمع ما عند الهدهد والنملة من أسماء الشياء,
وليسا آدميين وليسا مستخلفين؟.
فحسبك اضطرابهم طرائق قِدداً ,في أمر تصدّر أول الكتاب ,وأول الخلق ,واصطبغ بالدم والفساد ,لتلعلم
أن ل بيّنة لمن قال بما قالوا ,وأن المر أشد وأثقل ممّا يقولون!.
سبِيلَ﴾.
ل الْحَقّ وَ ُهوَ َيهْدِي ال ّ
﴿ َذِلكُمْ َق ْوُلكُم بَِأ ْفوَا ِهكُمْ وَالُّ يَقُو ُ