You are on page 1of 10

‫المي‪ ..‬ليس الذي ل يتلو ول يكتب‪..

‬‬

‫بل هي أعظم سمات الرسول النبي محمد‬

‫التي ل تنبغي لغيره!‪.‬‬

‫صلح الدين إبراهيم أبوعرفة‬

‫قبل الخوض في هذا البحث‪ ,‬نشير إلى إيماننا الجازم أن النبي محمداً عليه الصلة والسلم‪ ,‬بُعث ل يتلو‬
‫من كتاب ول يخطه بيمينه!‪ ,‬بشاهد هذه الية التي ل يُعلم لها ناسخ‪{ ,‬وَمَا كُنتَ َت ْتلُو مِن َق ْبلِهِ مِن ِكتَابٍ وَل‬
‫طلُونَ} العنكبوت ‪. 48‬‬
‫تَخُطّهُ ِب َيمِي ِنكَ إِذًا ل ْرتَابَ ا ْل ُمبْ ِ‬

‫ول نعلم بإسناد صحيح‪ ،‬أنه مات على غير ما بعث عليه؛ فعليها بعث‪ ,‬وعليها قُبض!‪.‬‬

‫ولكن الذي نريد أن نشير إليه‪ ,‬أن شواهد القرآن والنبوة‪ ,‬تذهب بـالُمية مذهباً غير الذي نذهبه‪ ,‬فما هو؟‪.‬‬

‫ما وصلنا من أقوال المجتهدين من المفسرين والمؤلين في هذا الباب‪ ,‬اجتهاد مشكور‪ ،‬بيد أنه مختلف غير‬
‫متفق‪ ,‬ول ـيسكن له قلب السائل المتدبر!‪ ،‬فعلى المؤمن أن يضع رحاله حيث يطمئن قلبه من البيّنات‬
‫والبراهين!‪,‬ـ ـفهيـ ـآراؤهمـ ـأولً ـوأخيراً‪,‬ـ ـولوـ ـكانـ ـفيماـ ـنقلوهـ ـإليناـ ـنصـ ـمحكمـ ـمنـ ـآيةـ ـأوـ ـحديث‪,‬ـ ـلسلمنا‬
‫وآمنا!‪ ,‬ولكن كل ما وصلنا ل ـيرقى إلى درجة الحجة‪ ,‬فهو رأي مجرد يخالف مناط الحكمة في ختام‬
‫النبيين‪ .‬وليس أدل على ذلك‪ ،‬من الخلف نفسه الذي صاحب هذه المسألة عند أهل العلم أنفسهم‪ ,‬فثمة‬
‫أقوال وأفهام‪ ,‬ل قول متفق‪ ,‬كما أسلفنا!‪.‬‬

‫إذ الجمهور على أن النبي المّي‪ ,‬هو الذي ل يقرأ ول يكتب‪ ,‬فهو على حاله التي ولدته فيها أمه!‪ .‬كذلك‬
‫هي عند الكثرين‪.‬‬

‫أو أن يحملوها على أنه المبعوث من المة المّية‪ ،‬على سنّة القرآن في تقسيم الناس إلى ُامّتين‪ ،‬أمة أمّية‬
‫لمـ ـيؤتهاـ ـال ــكتاباً‪،‬ـ ـولمـ ـيرسلـ ـإليهاـ ـرسولً‪،‬ـ ـوأمّةـ ـكتابية‪,‬ـ ـأتاهاـ ـالرسولـ ـوجاءهاـ ـالكتاب‪،‬ـ ـكاليهود‬
‫سَل ْمتُمْ}‪ .‬آل عمران ‪20‬‬
‫ل ّميّينَ َأأَ ْ‬
‫والنصارى‪ ,‬بدليل الية‪{ ,‬وَقُل ّللّذِينَ ُأ ْوتُواْ ا ْل ِكتَابَ وَا ُ‬

‫والناس كانوا أمّة بغير كتاب‪ ,‬ثم اختلفوا من بعد‪ ،‬فأنزل ال إليهم الكتاب {كَانَ النّاسُ ُأمّةً وَاحِ َدةً َف َب َعثَ ا ّ‬
‫ل‬
‫شرِينَ َومُن ِذرِينَ َوأَنزَلَ َم َعهُمُ ا ْل ِكتَابَ بِالْحَقّ} البقرة ‪ ، 213‬فأصل الناس‪ ,‬كما هو ظاهر‪ ,‬أ ّميّون‬
‫ال ّن ِبيّينَ ُمبَ ّ‬
‫ل كتاب معهم‪ ,‬ثم أنزل ال الكتاب‪.‬‬

‫فقد تكون ُأمّيا وأنت تقرأ وتكتب‪ ,‬كعمر بن الخطاب مثلً!‪.‬‬

‫ظنّونَ}‪.‬‬
‫وقد تكون كتابياً وأنت ل تقرأ ول تكتب‪َ { ..‬و ِم ْنهُمْ ُأ ّميّونَ لَ َي ْعَلمُونَ ا ْل ِكتَابَ إِلّ َأمَا ِنيّ َوإِنْ هُمْ إِلّ يَ ُ‬
‫البقرة ‪ .78‬ول خلف بأن هذه الية في اليهود الكتابيين!‪.‬‬

‫ماذا نريد أن نقول‪..‬؟‪.‬‬


‫قبلـ ـالخوضـ ـفيـ ـالتعريف‪,‬ـ ـيجبـ ـاللتفاتـ ـإلىـ ـأنـ ـماـ ـيقالـ ـبحقـ ـالميـ ـوماـ ـعليهـ ـجمهورـ ـالمفسرين‬
‫والمؤلين‪ ,‬لم يكن معرّفا عند الولين الذين بُعث النبي فيهم بالتعريف نفسه!‪ ,‬وليس أدل على ما نقول‪ ,‬من‬
‫أن أهل الكتاب الذين وطّنوا أنفسهم على انتظاره‪ ,‬وترصّدوه وترقّبوه‪ ,‬حتى جمعوا أدق نعوته وسماته‪ ,‬ما‬
‫كانوا يبحثون قطّ‪ ،‬عن رجل ل يقرأ ول يكتب!‪.‬‬

‫فلمـ ـتردـ الُميـ ـبحقّ ـرسول ـال ـفيـ ـالقرآنـ ـإل ـمرتان‪ ،‬ـولمـ ـيُذكرـ ـبهاـ ‪-‬فيما ـنعلم‪-‬ـ ـنبيـ ـغيرـ ـمحمد ـعليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬فوردت في المرة الولى في دعوة أهل الكتاب لوجوب إتباعه‪ ,‬على أنه الرسول النبي‬
‫لنْجِيلِ} ‪ ,‬ثم في الية‬ ‫ل ّميّ الّذِي يَجِدُونَهُ َم ْكتُوباً عِندَهُمْ فِي ال ّتوْرَاةِ وَا ِ‬ ‫لمّي‪{،‬الّذِينَ َي ّت ِبعُونَ الرّسُولَ ال ّن ِبيّ ا ُ‬ ‫اُ‬
‫جمِيعاً الّذِي لَهُ ُم ْلكُ‬ ‫التي تليها مباشرة من سورة العراف ‪{ ،158‬قُلْ يَا َأ ّيهَا النّاسُ ِإنّي رَسُولُ الّ ِإَل ْيكُمْ َ‬
‫ل ّميّ الّذِي ُي ْؤمِنُ بِالّ َو َكِلمَاتِهِ‬ ‫حيِـي َو ُيمِيتُ فَآ ِمنُواْ بِالّ َورَسُولِهِ ال ّن ِبيّ ا ُ‬
‫لرْضِ ل ِإلَـهَ إِلّ ُهوَ ُي ْ‬ ‫س َموَاتِ وَا َ‬ ‫ال ّ‬
‫وَا ّت ِبعُوهُ َل َعّلكُمْ َت ْهتَدُونَ}‪.‬‬

‫فبهذه السمات الثلث المجتمعات المرتبطات ‪ ,‬يوجب ال ـعلى الناس جميعاً ‪-‬بما فيهم أهل الكتاب– أن‬
‫لمّي!‪ .‬فهي إذن سمات فارضات لزمات لـالتباع‪ ,‬أكثر منها للنعت والتصوير‬ ‫يتبعوا هذا الرسول النبي ا ُ‬
‫والتشريف!‪ .‬إذ جاء المر بالتباع صريحاً في اليتين {الّذِينَ َي ّت ِبعُون‪..{ ,}..‬وَا ّت ِبعُوهُ َل َعّلكُمْ َت ْهتَدُونَ}‪ .‬فل‬
‫غضاضة عند أحد من الناس في اتباع النبي‪ ,‬ولكن الغضاضة عند الكتابي الذي على دين نبي‪ ,‬حين‬
‫يُدعى إلى اليمان بذلك النبي الخر!‪ .‬لذا صار الُمي هو مربط المر الفارض في التباع والخضوع‪..‬‬
‫فكيف؟!‪.‬‬

‫ههنا أصل المقال!‪.‬‬

‫فأن يؤمر الناس جميعاً باتباعه لنه رسول من ال‪ ،‬أمرٌ معقول واجب‪ ,‬وأن يؤمر الناس جميعاً باتباعه‬
‫لنه نبي ال‪ ،‬أمر واجب أيضاً‪ ،‬يستسيغه كل مدعو بهذه الية‪ ,‬وأما أن يؤمر الناس جميعاً باتباعه‪ ،‬لنه ل‬
‫يقرأ ول ـيكتب‪ ،‬فهذا فيه نظر‪ ،‬وأن يؤمر أهل الكتاب الذين فُضلوا على الناس بـالكتاب‪ ,‬ونَعموا بالنبوة‬
‫والرسالة‪ ,‬أن يؤمر هؤلء باتباعه وجوباً لنه ل يقرأ ول يكتب‪ ,‬فهذا محل النظر كذلك!‪.‬‬
‫ثم‪ ،‬من يضمن لنا ببينة‪ ،‬أنه لم يكن نبي ل يقرأ ول يكتب غير رسول ال محمد صلى ال عليه وسلم؟‪،‬‬
‫وأكثر النبيين أمّيين على المعنى الول والثاني الذي سقناه في أول البحث ممّا شاع في الكتب المفسّرة‪.‬‬

‫ألم يقل لنا من قال ‪ :‬إن القراءة والكتابة جديدة عهد بالبشرية؟‪ ,‬فمنهم من ينسبها للسومريين‪ ,‬ومنهم من‬
‫ينسبها لدريس النبي ‪-‬على فرض الصحة جدلً‪ ,‬ول نسلّم بها‪ ,-‬فلو قبلنا‪ ,‬لقررنا أن نوحاً عليه السلم‬
‫ل نبياً أُميا بالضرورة وسبق الرسالة والزمان!‪.‬‬
‫كان رسو ً‬

‫لمّيـ ـكسمةـ ـحصريّةـ ـمتفردةـ ـلهذاـ ـالرسول‪،‬ـ ـوجبـ ـأنـ ـتكونـ ـركناً ـوشرطاً ـأساساً ـفي‬
‫فوجبـ ـأنـ ـتكونـ ـا ُ‬
‫وجوب اتباعه من الناس كافة‪ ,‬كرُكني الرسالة والنبوة‪ ،‬يجد المدعو بهذه الية نفسه طائعاً مقتنعاً بوجوب‬
‫لمّي والرسول والنبي!‪.‬‬ ‫اتباعه لنه ا ُ‬

‫إذاً ماذا؟‪.‬‬

‫لمّي‪ ،‬أصلها أُمّ‪ ،‬أضيفت إليها الياءُ التي تنسب وتُغني المعنى‪ ,‬كما نقول‪ :‬الغني والعلي والذكي والنبي!‪،‬‬ ‫اُ‬
‫والُمّ بلسان القرآن العربي‪ :‬الصل والول‪ ،‬فأُم الرجل أصله وأوله ومنشأه‪ ،‬كما في سورة ال َقصَصْ { َومَا‬
‫عَل ْيهِمْ آيَا ِتنَا} ‪ ،‬أي في أصلها وأوّلها!‪ ,‬وليس هناك‬
‫حتّى َي ْب َعثَ فِي ُأ ّمهَا رَسُولً َي ْتلُو َ‬
‫كَانَ َر ّبكَ ُم ْهِلكَ الْ ُقرَى َ‬
‫مسلم ل يعرف أُمّ الكتاب التي في أول القرآن وأصله‪ ,‬وهي السبع المثاني والقرآن العظيم بتسمية النبي‬
‫المعصوم لها‪ ،‬بكونها أم الكتاب‪.‬‬

‫ن أُمّ ا ْل ِكتَابِ}‪ ,‬بما تحمله الية‬


‫ح َكمَاتٌ هُ ّ‬
‫ب ِمنْهُ آيَاتٌ مّ ْ‬
‫عَل ْيكَ ا ْل ِكتَا َ‬
‫وآية آل عمران دليل آخر { ُهوَ الّ ِذيَ أَنزَلَ َ‬
‫من معاني الُصول‪.‬‬

‫فهو بذلك الرسول النبي الصل والول بكل ما تعنيه الكلمة من معانيالصل في الرسالة والمنشأ ‪ ,‬وحتى‬
‫أصل الكلم واللسان!‪.‬‬
‫عَليْهِ السّلَمُ َل ُمنْجَدِلٌ فِى طِي َنتِهِ‪ .‬فلم يُبعث‬ ‫فهو كما في صحيح الحديث‪ِ :‬إنّى عِندَ الِّ لَخَاتَمُ ال ّن ِبيّينَ َوإِنّ آدَمَ َ‬
‫نبي ولم يرسل رسول إل ـعلى ل ـأله إل ـال ـمحمد رسول ال‪ ،‬كما تقرره آية آل عمران { َوإِذْ َأخَذَ الّ‬
‫ص ُرنّهُ قَالَ‬
‫ن ـبِهِ َوَلتَن ُ‬
‫ح ْكمَةٍ ثُ ّم ـجَاءكُمْ رَسُولٌ ّمصَدّقٌ ّلمَا َم َعكُمْ َل ُت ْؤ ِمنُ ّ‬ ‫مِيثَاقَ ال ّن ِب ّييْنَ َلمَا آ َت ْي ُتكُم مّن ِكتَابٍ وَ ِ‬
‫شهَدُواْ َوَأنَاْ َم َعكُم مّنَ الشّاهِدِينَ}‪ .‬وفي الحديث كذلك‪:‬‬ ‫صرِي قَالُواْ أَ ْق َر ْرنَا قَالَ فَا ْ‬ ‫علَى َذِلكُمْ ِإ ْ‬
‫َأأَ ْق َر ْرتُمْ َوأَخَ ْذتُمْ َ‬
‫ل أَنْ َي ّت ِب َعنِى ‪.‬‬
‫سعَهُ إِ ّ‬
‫حيّا مَا وَ ِ‬
‫َلوْ أَنّ مُوسَى كَانَ َ‬

‫تبدو واضحة‬

‫فهو بهذا أمّ الرسالة والنبوة‪ ،‬لم يرسل رسول ول ـنبي‪ ،‬إل ـأُمر باتباع الرسول النبي المّي ‪ ,‬وأن يأمر‬
‫قومه باتباعه‪ .‬وهذا ما يشهد له إمامة النبي عليه الصلة والسلم للنبيين في المسجد القصى!‪.‬‬

‫فكان بذلك كل نبي ورسول يرسل الى قومه خاصة ‪ ,‬وهو يعلم أن محمداً رسول ال‪ ،‬ويأمر بها قومه‪،‬‬
‫حتىـ ـإذاـ أدىـ ـكلـ ـنبي ـأمانتهـ ـفي ـكلـ ـالمم‪،‬ـ ـبُعث ـالرسولـ ـالنبيـ المّيـ ـكافّة ـللممـ ـجميعاً‪ ،‬ـفكلـ ـالرسل‬
‫لمّي محمد عليه الصلة والسلم‪.‬‬ ‫والنبيين مقدّمون خاصون للرسالة العامة الم بالرسول النبي ا ُ‬

‫فحين يُدعى الكتابي لليمان بنبي غير نبيه يتعزّز‪ ,‬بأنه على دين نبي‪ ,‬موسى كان أو عيسى‪ ,‬فالن يدعى‬
‫الكتابيـ ـلليمانـ ـبـالمي‪,‬ـ ـفهوـ ـأمـ ـنبوةـ ـموسىـ ـوعيسىـ ـوالنبيينـ ـجميعاً‪,‬ـ ـفكيفـ ـتؤمنـ ـبشيءـ ـوتكفرـ ـأمّه‬
‫وإمامه!؟‪.‬‬

‫لمّي هو أمّ رسالة موسى وعيسى وإبراهيم‪ ,‬تبرر المر‬ ‫فإذا علم الكتابي يهودياً كان أو نصرانياً‪ ,‬أن هذا ا ُ‬
‫لثَةٌ ـُي ْؤ َتوْنَ‬
‫ل ـصلىـ ـال ـعليهـ ـوسلمـ ـقال‪:‬ـ ثَ َ‬
‫عندهـ ـباتباعهـ واليمانـ ـبه‪,‬ـ ـكماـ ـفي ـالصحيحين‪:‬ـ ـأَنّ ـرسولـ ـا ّ‬
‫جرَهُمْ َم ّر َتيْنِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ ا ْل ِكتَابِ آمَنَ ِب َن ِبيّهِ َوأَ ْد َركَ ال ّن ِبىّ صلى ال عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ وَا ّت َبعَهُ َوصَدّقَهُ‬‫أَ ْ‬
‫جرَانِ‪...‬‬ ‫َفلَهُ أَ ْ‬
‫لمّي‪ ,‬باللف‬
‫ثم هي كذلك في القراءات القرآنيةـ ‪-‬من غير المتواتر‪ ,-‬ولكن لها سند يحملها‪ ,‬فقد قُرأت ا َ‬
‫المفتوحة‪ ,‬كما أوردها ابن جني في المحتسب‪ ,‬وعلق عليها بقوله‪ :‬هو الذي يأتمّ به من قبله!‪ .‬فيما الصل‬
‫أن يأتم به من يأتي بعده‪ ,‬ولكن هذه القراءة تؤكد ما ذهبنا إليه‪ ,‬فهو النبي المام للنبيين الولين وللناس‬
‫كافة‪.‬‬

‫وهذا كله ل ـينفي أنه لم يكن يتلو ويكتب‪ ،‬فهو هكذا بعث وهكذا قُبض‪ ،‬ولكن القرآن يذكرها على أنها‬
‫حالة مصاحبة ‪ ,‬دون أن تكون شرطاً ول ـشرفاً‪ ,‬ولو كانت شرفاً وشرطاً للنبوة‪ ,‬لما علّم ال ـعيسى بن‬
‫مريم الكتاب والحكمة والتوراة والنجيل قبل مبعثه!‪.‬‬

‫فهو بهذا أم النبوة والكتاب‪ ,‬فمعه أم الكتاب‪ ,‬وكتابه مهيمن على الكتب‪ ,‬كما نبوته أ ّم النبوات‪.‬‬

‫أمية أخرى عظيمة‬

‫لمّي‪ ,‬نسبة الى منشأ الناس الول‪ ،‬وقريتهم الم أم القرى‪ ،‬كما في‬ ‫فهو رسول ال الى الناس جميعاً كونه ا ُ‬
‫ن ـَأوّلَ ـَب ْيتٍ ـ ُوضِعَ ـلِلنّاسِ ـَللّذِيـ ـِب َبكّةَ ـ ُمبَارَكاً ـوَهُدًى‬
‫ح ْوَلهَا}‪,‬ـ ـو{إِ ّ‬
‫سورةـ ـالنعامـ ـ{ َوِلتُن ِذرَ ـأُ ّم ـالْ ُقرَىـ ـ َومَنْ ـ َ‬
‫لمّي‬‫ّل ْلعَاَلمِينَ}!‪ ،‬فمكة أم القرى‪ ،‬وبيتها أول بيت‪ ،‬وأصل نشأة العالمين وانتشارهم‪ ،‬ليكون بذلك النبي ا ُ‬
‫للناس جميعاً‪ ,‬كونه من أم قراهم‪ ،‬ومن بيت أبيهم الول‪ ،‬وإن تباعدت بهم السبل وتفرقت بهم الرضون‪،‬‬
‫فهذه أرضهم وبيت أبيهم آدم من قبل‪ ,‬فهو لهم كافة‪.‬‬

‫أمية ثالثة كبيرة‬


‫لمّي الذي يتكلم بلسان الناس كافة‪.‬‬
‫ثم هو النبي ا ُ‬

‫ل ذا مكان‪ ,‬أل هو‪..‬‬


‫ولعل هذا الذي نطرحه‪ ،‬ما قد يحل سؤا ً‬

‫ل ِبلِسَانِ َق ْومِهِ}‪ ,‬فأرسل نوح بلسان قومه ليبين لهم‪،‬‬


‫س ْلنَا مِن رّسُولٍ إِ ّ‬
‫ما ورد في سورة آية إبراهيم { َومَا َأرْ َ‬
‫وكذا موسى وعيسى‪ ،‬وسائر النبيين‪ ،‬فإذا كان رسول ال محمد رسول الى الناس جميعاً‪ ،‬وكتابه الوحي‬
‫رسالة الناس جميعاً‪ ,‬وجب أن يكون لسانه لسان الناس جميعاً‪ ,‬وهذا ما لم يكن فيما يظهر لنا ونراه‪ ,‬فكيف‬
‫يستقيم هذا‪ ,‬إل أن يكون أمراً آخر وأعظم مما كان يبدو لنا؟‪.‬‬

‫فآية إبراهيم تحل مسألة وتفرض فرضاً‪ ،‬نقرأه بالمفهوم اللزم للنص‪ ،‬أنه إن كان كل رسول يرسل بلسان‬
‫قومه‪،‬ـ ـفيكونـ ـلسانـ ـالقومـ ـلسانـ ـنبيهم‪,‬ـ ـولسانهـ ـلسانهم‪,‬ـ ـوأُرسلـ ـمحمدـ ـعليهـ ـالصلةـ ـوالسلمـ ـالىـ ـالناس‬
‫جميعاً‪ ,‬ـلزمـ ـأن ـيكون ـلسان ـالناسـ ـجميعاً‪ ,‬ـلسان ـنبي ـالناسـ ـجميعاً‪,‬ـ ـمحمدـ عليهـ ـالصلةـ ـوالسلم ـبلسانه‬
‫العربي الُم‪ ,‬الذي أرسل به وأنزل به كلم الرب الذي خلق الناس جميعا!‪.‬‬

‫فهو بهذا أرسل بلسانهم الم الذي كان عليه الناس أول ما كانوا‪ ,‬ثم تبدلت ألسنتهم واختلفت‪ ,‬فعليهم هم أن‬
‫يرجعوا إلى لسانهم الم‪ ,‬لسان نبيهم الم محمد عليه الصلة والسلم‪.‬‬

‫وليس بين كل إنسان‪ ,‬مهما كان لسانه وعمر أمته وحضارته‪ ,‬ليس بينه وبين لسان النبي الم‪ ,‬إل أم هذا‬
‫النسان وأبوه‪ ,‬فإن نشأ الغلم الصيني مثلً بين العرب‪ ,‬تكلم بلسانهم كواحد منهم بل ـخلف‪ ,‬دون أن‬
‫يكون لخمسة آلف سنة من حضارة قومه شأن ول مانع‪.‬‬

‫وفيـ ـالقرآنـ ـشاهدـ ـعلىـ ـماـ ـنقول‪،‬ـ ـفالقرآنـ ـل ـيُقرّ ـإل ـلسانينـ ـإماـ ـعربيـ ـأوـ ـأعجمي‪،‬ـ ـفكلـ ـاللسنـ ـعلى‬
‫اختلفها ما لم تكن عربية فهي أعجمية‪ ،‬والعجمي هو الذي ل يُبين ول يُفصّل‪ .‬والعربي لساناً‪ :‬ما أبان‬
‫وفصّل‪ ,‬وهذا ظاهر نصوص القرآن‪.‬‬
‫ولسانـ ـالعربـ ـحجةـ ـلماـ ـنقول؛ـ ـفيقال‪:‬ـ ـرجلـ ـمُعرِبـ ـإذاـ ـكانـ ـفصيحاً ـمبيناً‪,‬ـ ـوإنـ ـكانـ ـأعجميـ ـالنسب‪,‬‬
‫والعراب هو البانة‪ ،‬ولمن أراد المزيد أن يرجع للصول!‪.‬‬

‫لمّي واجب التباع بهذه الركان الثلثة‪:‬‬


‫بهذا يصبح الرسول النبي ا ُ‬

‫أمّية النبوة والكتاب على الكتب النبيين جميعا‪.‬‬

‫أمّية الرض والمنشأ في أم القرى‪.‬‬

‫أمّية اللسان‪ ،‬فهو للناس جميعاً بلسانهم الم‪ ,‬وإن تبدّلوا بها اللسن!‪ ,‬فهذا لسانهم الم أولى بهم أن يتعلموه‬
‫وأن يرجعوا له‪ ،‬وهذه أرضهم الم وبيت أبيهم الول‪.‬‬

‫ثم إن قال قائل‪ :‬إن المية كانت آيته التي تثبت نبوته‪ ,‬قلنا إن هذا مردود جملة وتفصيلً!‪ ,‬فما آمن به أحد‬
‫قط يوم بعث لجل أنه ل يتلو كتاباً ول يكتبه‪ ,‬ول دعا هو أحداً لليمان به بأنني الذي ل أتلو ول أخطّ!‪,‬‬
‫إذ الذين دعاهم جميعا مثله‪ ,‬ل يتلون ول يكتبون‪ ,‬فبم يفوق المي الميين؟‪.‬‬

‫ثم ل ننسى أنه ما قال أحد قط‪ :‬إن ال ما بعث نبيًا إل وهو يقرأ ويكتب‪ ..‬إل محمداً!‪.‬‬

‫فالنبوة والرسالة مثله فيها بضع مائة من النبيين‪ ..‬ولكنه غيرهم بـالمي‪ ,‬واجب التباع للناس جميعا!‪.‬‬
‫سؤال في محله‬

‫حمّدٌ َأبَا أَحَدٍ مّن رّجَاِلكُمْ َوَلكِن‬


‫ولنا أن نطرح سؤالً آخر ‪ ,‬فإذا كنا نقرأ من سورة الحزاب {ما كَانَ مُ َ‬
‫رّسُولَ الِّ وَخَاتَمَ ال ّن ِبيّينَ } فهل من الممكن أن تكون خاتم النبيين بمعنييّها الضد‪ ،‬أي آخر النبيين وأول‬
‫النبيين؟‪ ،‬إذ المختوم هو المغلق من أوله وآخره؟‪.‬‬

‫ولمن نظر في لسان العرب وجد مُسَوغاً لما نقول‪ ،‬فالعرب تقول‪ :‬ختم الزرع إذا سقاه أول سقيه‪ ،‬ومحمد‬
‫طَأهُ}‪ ,‬فأول‬
‫خرَجَ شَ ْ‬
‫عليه الصلة والسلم صاحب مثل الزرع في القرآن‪َ { ,‬و َم َثُلهُمْ فِي الِنجِيلِ َك َزرْعٍ أَ ْ‬
‫سقي الزرع هو الختم‪ ،‬ولم نعلم أن أحداً من النبيين من أولهم الى آخرهم كان خاتماً مختوماً بالنبوة إل‬
‫رسول ال محمد عليه وعلى آله الصلة والسلم‪.‬‬

‫وبهذا يمكن لنا أن نفهم ما معنى محمد!‬

‫فالسم وإن كان من ظاهر الحمد‪ ،‬إل انه وجب علينا أن نقرأ السم مصاحبًا للسمات الثلث الرسول النبي‬
‫لمّي‪.‬‬
‫اُ‬

‫فهو محمد الرسول النبي المّي‪ ،‬أول الرسالة وآخرها وخاتمها‪ ،‬وللحمد في القرآن منازل الكمال والتمام‪,‬‬
‫فكثر ما يرُدّ ال الحمد له‪ ,‬حينما يكون الكل له‪ ..‬فنقول‪ :‬سبحان ال وبحمده‪ ,‬فالتسبيح لنفي النقص‪ ,‬والحمد‬
‫لثبات الكمال!‪.‬‬

‫خ َرةِ‬
‫حمْ ُد فِي الُولَى وَال ِ‬
‫أل ترون ال يجمع الولى إلى الخرة بالحمد {وَ ُهوَ الُّ ل ِإلَهَ إِل ُهوَ لَهُ الْ َ‬
‫فال يجمع بين الولى والخرة بالحمد‪ ،‬كأن الحمد عند ال هو تعرفة التمام والكتمال‪.‬‬

‫فالحمد في التمام‪ ,‬والتمام في الحمد‪ ،‬فهو محمد الذي أتمّ ال به الدين وأكمله‪ ,‬ثم بعثه ال ليتمم به محاسن‬
‫الخلق‪ ،‬وآتاه جوامع الكلم‪ ,‬فهذا الذي يجمع له ال ـالرسالة الولى والخرة‪ ,‬ويؤتيه الجوامع‪ ,‬فيتم له‬
‫ويتم به‪ ,‬إنما هو وجوباً محمد‪.‬‬

‫ول ـعجب أن يفتتح ال ـخمس سور بالحمد ‪ ,‬ويذكر محمداً وأحمد في القرآن خمس مرات مثلها‪ ,‬ويتم‬
‫ل ْمرُ َي ْو َمئِذٍ لِّ}‪.‬‬
‫السلم ويكمله بخمسة أركان‪ .‬ثم يعطى لواء الحمد يوم القيامة {وَا َ‬

‫محمد‪ :‬المتمّم المتمّم‪ ،‬المكمّل المكمّل‪.‬‬

‫عَل ْيكُ ْم ِن ْع َمتِي َورَضِيتُ َلكُمُ الِسْلَ َم دِيناً}‪.‬‬


‫ت َ‬
‫{ا ْل َيوْمَ َأ ْك َم ْلتُ َلكُمْ دِي َنكُ ْم َوَأ ْت َممْ ُ‬

You might also like