Professional Documents
Culture Documents
وقد حثن على امتثال هذا المر العظيم ،وأكد رغبت ف السعي إل تصيل هذا الوعد الكري
الواقعي ف اليات والخبار الت ذكرتا وما ف معناها ما ل أذكره سؤال أخ من السادة ،صادق ف
الرادة ،سالك لسبيل السعادة ،التمس من أن أكتب له وصيةً ينتفع با ،فأجبته إل ذلك راغبا فيما تقدم
من المتثال للوامر والفوز بالثواب وف معونة ال تعال ،وأن يكون سبحانه ف حاجت على وفق ما أخب
به رسوله عنه ف قوله عليه الصلة والسلم" :من كان ف حاجة أخيه كان ال ف حاجته وال ف عون
العبد ما كان العبد ف عون أخيه" وأنا أستغفر ال ،ول أقول :أن نيت ف وضع هذه الرسالة مقصورة على
هذه القاصد السنة الدينية ،كيف وأنا أعلم ما عندي من الشهوات الفية ،والظوظ النفسية ،والرادات
الدنيوية( ،وما أبرئ نفسي إن النفس لمارة بالسوء إل ما رحم رب إن رب غفور رحيم) والنفس عدوّ،
والعدو ل يؤمن .بل هي أعدى العداء ،كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :أعدى عدوك نفسك
الت بي جنبيك" .ول در القائل حيث يقول:
فالنفس أخبث من سبعي شيطانا توق نفسك ل تأمن غوائلها
اللهم ألمن رشدي وأعذن من شر نفسي.
اللهم إن أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ،وأستغفرك لا ل أعلم.
وقد صدّرتُ فصول هذه الرسالة بقول ف أول كل فصل منها" :وعليك" بكذا قاصدا بذلك
ماطبة نفسي وأخي الذي كان سببا ف وضعها خصوصا ،وسائر من وقف عليها من السلمي عموما.
وهذه الكلمة لا وقع ف قلب الخاطب .وأنو با -إن شاء ال تعال -من التوبيخ والوعيد الواردين
ف حق من يقول ول يفعل ،ويعلم ول يعمل؛ لن إذا خاطبت نفسي بقول "وعليك" دل ذلك على أنا
ل تتحقق بالعمل با علمت ،وعلى أن ل أزل أحثها على استعمال ما تدعو إليه ،وبذلك يزول التلبيس
على الؤمني ،والنسيان للنفس الذي وصف ال تعال به من ل يعقل ف قوله تعال( :أتأمرون الناس بالبّ
وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفل تعقلون) ومن الوعيد الوارد ف حق من يقول ول يفعل ف قول
رسول ال صلى ال عليه وسلم" :يؤمر بالعال إل النار فتندلق أقتابه .1فيدور با ف النار كما يدور المار
بالرحا فيجتمع عليه أهل النار فيقولون ما بال البعد قد آذانا على ما بنا فيقول :إن البعد كان يأمر بالي
ول يأتيه وينهى عن الشر ويأتيه".
وقال عليه الصلة والسلم" :العالم الذي يعلم ول يعمل مثل الفتيلة تضيء للناس وترق نفسها".
وقال عليه السلم" :مررت ليلة أسري ب برجال تقرض شفاههم بقاريض من نار فقلت من أنتم؟
فقالوا كنا نأمر بالي ول نأتيه وننهى عن الشر ونأتيه" وهذا الوعيد إنا يتحقق ف حق من يدعو إل ال
على نية الدنيا ،ويث على الي وهو مصر على تركه ،ويذر من الشر وهو مصر على فعله رياءً وسعةً،
فأما من يدعو إل باب ال وهو مع ذلك يلوم نفسه وينهاها عن التقصي ويثها على التشمي فالنجاة
مرجوة له.
وعلى كل حال فالذي يعلم ويعلم ول يعمل أحسن حالً وأرشد طريقة وأحد عاقبة من الذي ل
يعمل ول يعلم.
وربا قال قائل من ل يعقل :الكتب كثية وفيها غنية وكفاية فل فائدة ف تصنيف الكتب ف هذا
الزمان ،فهذا القائل إن أصاب ف قوله :إن ف الكتب غنية وكفاية فقد أخطأ ف قوله :ل فائدة للتصنيف
ف هذا الزمان ،لن للقلوب ميلً بكم البلة إل كل جديد ،وأيضا فإن ال يُنطِق علماء كل زمان با
يوافق أهله ،والتصانيف تبلغ الماكن البعيدة وتبقى بعد موت العال فيحصل له بذلك فضل نشر العلم
ويكتب معلما داعيا إل ال ف قبه ،كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :من أنعش لسانه حقا
يعمل به من بعده أُج ِريَ عليه أجرُه إل يوم القيامة" وقد سيت هذه الرسالة الشار إليها:
"رسالة العاونة والظاهرة والؤازرة للراغبي من الؤمني ف سلوك طريق الخرة"
1هو العلمة الفقيه الحدث أحد بن أحد بن ممد بن عيسى أبو العباس زروق من أهل فاس بالغرب قرأ بصر والدينة
وتصوف وساح وتوف ف تكرين من قرى مسراته من أعمال طرابلس الغرب سنة 899هـ
فصــل
وينبغي أن يكون لك ورد من ذكر ال تعال تده بوقت أو تصره بعدد وحينئذ فل بأس بالسبحة
لضبط العدد.
(واعلم) أن الذكر ركن الطريق ،ومفتاح التحقيق ،وسلح الريدين ،ومنشور الولية ،كما قال
بعض العارفي .وقد قال ال تعال (فاذكرون أذكركم) وقال تعال (فاذكروا ال قياما وقعوداً وعلى
جنوبكم) وقال تعال (يا أيها الذين آمنوا اذكروا ال ذكرا كثيا) وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
يقول ال تعال" :أنا عند ظن عبدي ب ،وأنا معه حي يذكرن ،فإن ذكرن ف نفسه ذكرته ف نفسي،
وإن ذكرن ف مل ذكرته ف مل خي منه" .وقال عليه السلم" :يقول ال تعال" :أنا جليس من ذكرن"
وقال عليه السلم "أل أنبئكم بي أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها ف درجاتكم وخي لكم من
إنفاق الذهب والورق ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر ال".
وللذكر ثرات ونتائج يدها من واظب عليه بوصف الدب والضور ،أقلها أن يد فيه من اللوة
واللذة ما يستحقر ف جنبه كل ما يعرفه من اللذات الدنيوية واللهي .وأعلها أن يفن بالذكور عن
الذاكر وعما سواه.
ومن قعد وهو على طهارة ف خلوة مستقبل القبلة ساكن الطراف مطرق الرأس ث ذكر ال بقلب
حاضر وأدب وافر ،رأى للذكر ف قلبه أثرا ظاهرا .فإن دام على ذلك أشرقت عليه أنوار القرب
وانكشفت له أسرار الغيب.
وأفضل الذكر ما كان بالقلب واللسان ،وذكر القلب أن يكون حاضرا فيه معن الذكر الذي يري
على اللسان كالتقديس والتوحيد عند التسبيح والتهليل.
والفضل للذاكر من السرار والهر بالذكر والقراءة الصلح منهما لقلبه ،والذكر هو الورد الدائم
الستمر ،فاجتهد أن ل يزال لسانك رطبا منه ف كل حال إل ف وقت ورد ل يكن المع بينه وبي
الذكر كالقراءة والتفكر ،ويكون ف هذه العبادات وغيها من القربات ذاكرا ل تعال بالعن العم ،ول
تقتصر على معن واحد من الذكر بل ينبغي أن يكون لك من كل نوع ورد.
(وعليك) بالحافظة على الذكار والدعية الواردة ف أدبار الصلوات ،وعند الصباح والساء،
والنوم واليقظة ،إل غي ذلك من الوقات والحوال التعاقبة ،فما سنها رسول ال صلى ال عليه وسلم
لمته إل أن تكون سببا لم إل الفوز بالي والنجاة من الشر الواقعي ف ذلك الوقت والال .فمن أهلها
ث بعد ذلك ناله مكروه أو حيل بينه وبي مبوبه فل يلومنّ إل نفسه.
ومن أراد العمل با ذكرناه فعليه بطالعة كتاب الذكار للمام النووي رحه ال وجزاه عن السلمي
خيا.
ومن آكد ما ورد ف أدبار الصلوات وأفضله أن تقول بعد كل مكتوبة :اللهم أعن على ذكرك
وشكرك وحسن عبادتك ،وتسبح ثلثا وثلثي وتمد كذلك وتكب كذلك وتتم الائة بل إله إل ال
وحده ل شريك له له اللك وله المد وهو على كل شيء قدير ،وقل هذه الكلمة بزيادة (ييي وييت)
"عشر مرات" وأنت ثان رجلك وقبل أن تتكلم بعد صلة الفجر والعصر والغرب.
ومن ذلك أن تقول إذا أصبحت وأمسيت :سبحان ال وبمده "مائة" وسبحان ال والمد ل ول
إله إل ال وال أكب "كذلك" ول إله إل ال وحده ل شريك له له اللك وله المد وهو على كل شيء
قدير ف كل يوم "مائة مرة".
واجعل لك وردا من الصلة على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فإنا وصلة بينك وبي نب ال
صلى ال عليه وسلم ،وباب يفيض عليك منه الدد بواسطته من حضرته عليه الصلة والسلم ،وقد قال
صلوات ال وسلمه عليه" :من صلى عليه مرة صلى ال عليه با عشرا" وقال عليه الصلة والسلم:
"أحبكم إل وأقربكم من ملسا يوم القيامة أكثركم علي صلة" وقد أمر ال با ف كتابه العزيز بقوله
تعال( :يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) فامتثل واستكثر منها ول تستقلل ،واجع بينها
وبي السلم وصل على آله معه.
وأكثر منها ف ليلة المعة ويومها خصوصا ،لقوله عليه السلم" :أكثروا من الصلة علي ف الليلة
الغراء واليوم الزهر" صلى ال عليه وعلى آله وسلم والمد ل رب العالي.
فصــل
(وينبغي) أن يكون لك ورد من التفكر ف كل يوم وليلة تعي له ساعة أو ساعات ،وأحسن
الوقات للتفكر أفرغها وأصفاها وأجدرها ف حضور القلب جوف الليل.
(واعلم) أن صلح الدنيا والدين موقوف على صحة التفكر ،ومن أعطى حظه منه أخذ بظ وافر
من كل خي ،وقد ورد "تفكر ساعة خي من عبادة من عبادة سنة".
وقال علي كرم ال وجهه :ل عبادة كالتفكر ،وقال بعض العارفي رحهم ال :الفكرة سراج القلب
فإذا ذهبت فل إضاءة له.
وماري الفكر كثية ،فمنها –وهو أشرفها -أن تتفكر ف عجائب مصنوعات ال الباهرة ،وآثار
قدرته الظاهرة والباطنة ،وما بث من اليات ف ملكوت الرض والسماوات.
وهذا التفكر يزيد ف معرفتك بذات ال وصفاته وأسائه ،وقد حث عليه بقوله (قل انظروا ماذا في
السماوات والرض) ومابث من عجائب الصنوعات ف نفسك .قال ال تعال (وف الرض آيات
للموقني وف أنفسكم أفل تبصرون).
واعـلم أنه ينبغي لك أن تتفكر ف آلء ال وأياديه الت أوصلها إليك ،ونعمه الت أسبغها عليك
قال ال تعال( :فاذكروا آلء ال لعلكم تفلحون) وقال ال تعال( :وإن تعدّوا نعمة ال ل تصوها) وقال
تعال( :وما بكم من نعمة فمن ال).
وثرة هذا التفكر امتلء القلب بحبة ال ،والشتغال بشكره باطنا وظاهرا كما يبه ويرضاه.
(واعلم) أنه ينبغي لك أن تتفكر ف إحاطة علم ال بك ،ونظره إليك ،واطلعه عليك ،قال ال
تعال( :ولقد خلقنا النسان و ونعلم ما توسوس به نفسه ونن أقرب إليه من حبل الوريد) وقال تعال:
(وهو معكم أينما كنتم وال با تعملون بصي) وقال تعال( :أل تر أن الله يعلم ما ف السماوات وما ف
الرض ما يكون من نوى ثلثة إل هو رابعهم) الية.
وهذا التفكر ثرته أن تستحي من ال أن يراك حيث ناك أو يفتقدك حيث أمرك.
(واعلم) أنه ينبغي لك أن تتفكر ف تقصيك ف عبادة مولك ،وتعرضك لسخطه بإتيانك ما عنه
ناك .قال ال تعال( :وما خلقت الن والنس إل ليعبدون) وقال تعال( :أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا
وأنكم إلينا ل ترجعون) وقال تعال( :يا أيها النسان ما غرك بربك الكري) وقال تعال( :يا أيها النسان
إنك كادح إل ربك كدحا فملقيه).
وهذا التفكر يزيد ف خوفك من ال ،ويملك على لوم نفسك وتوبيخها ،ومانبة التقصي وملزمة
التشمي.
(واعلم) أنه ينبغي لك أن تتفكر ف هذه الياة الدنيا ،وكثرة أشغالا ووبالا ،وسرعة زوالا ،وف
الخرة ونعيمها ودوامها .قال ال تعال( :كذلك يبي ال لكم اليات لعلكم تتفكرون ف الدنيا والخرة)
وقال تعال( :بل تؤثرون الياة الدنيا والخرة خي وأبقى) وقال تعال( :وما هذه الياة الدنيا إل لو
ولعب وإن الدار الخرة لي اليوان لو كانوا يعلمون).
وهذا التفكر يثمر لك الزهد ف الدنيا والرغبة ف الخرة.
(واعلم) أنه ينبغي لك أن تتفكر ف قرب نزول الوت ،وحصول السرة والندامة بعد الفوت.
قال ال تعال( :قل إن الوت الذي تفرون منه فإنه ملقيكم ث تردون إل عال الغيب والشهادة فينبئكم با
كنتم تعملون).
وقال تعال( :حت إذا جاء أحدكم الوت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالا ف ما تركت كل
إنا كلمة هو قائلها).
وقال تعال( :يا أيها الذين آمنوا ل تلهكم أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال) إل قوله تعال( :ولن
يؤخر ال نفسا إذا جاء أجلها).
وفائدة هذا التفكر قصر المل وإصلح العمل وإعداد الزاد ليوم العاد.
(واعلم) أنه ينبغي لك أن تتفكر ف الخلق والعمال الت وصف ال با أولياءه وأعداءه ،وفيما
أ عد للفريق ي ف العا جل وال جل .قال ال تعال( :إن البرار ل في نع يم وإن الفجار ل في جح يم) وقال
تعال( :أفمـن كان مؤمنا كمـن كان فاسـقا ل يسـتوون) وقال تعال( :فأمـا مـن أعطـى واتقـى وصـدق
بالسن فسنيسره لليسرى) إل آخر السورة ،وقال تعال( :إنا الؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبم)
إل قوله تعال( :ل م درجات ع ند رب م ومغفرة ورزق كر ي) وقال تعال( :و عد ال الذ ين آمنوا من كم
وعملوا الصالات ليستخلفنهم ف الرض كما استخلف الذين من قبلهم) الية ،وقال تعال( :فكلً أخذنا
بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الرض ومنهم من
أغرقنا وما كان ال ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وقال تعال( :النافقون والنافقات بعضهم من
ب عض يأمرون بالن كر وينهون عن العروف) إل قوله تعال( :ولعن هم ال ول م عذاب مق يم) وقال تعال:
(والؤمنون والؤمنات بعض هم أولياء ب عض يأمرون بالعروف وينهون عن الن كر) إل قوله( :ورضوان من
ال أ كب ذلك هو الفوز العظ يم) وقال تعال( :إن الذ ين ل يرجون لقاء نا ورضوا بالياة الدن يا واطمأنوا
با) إل قوله( :وآخر دعواهم أن المد ل رب العالي).
وثرة هذا التف كر م بة ال سعداء ،وح ل الن فس على اتباع هم والع مل بأعمال م والتخلق بأخلق هم،
وبغض الشقياء ،وحل النفس على اجتناب أعمالم وأخلقهم.
وإن ذهبنا نتتبع ماري الفكر خرجنا عن مقصودنا من الياز وفيما أشرنا إليه كفاية للعاقل.
(وينبغي) أن تستحضر عند كل نوع من التفكر ما يناسبه من اليات والخبار والثار ،وقد أشرنا
إل ذلك عند كل نوع بذكر شيء من اليات الناسبة له.
(وإياك) والتفكر ف ذات ال تعال وصفاته من حيث تطلب الاهية وتعقل الكيفية ،فقلما ولع بذلك
أحد إل وهوى ف مهاوي التعطيل أو تورط ف تورطات التشبيه ،وقد روي مرفوعا إل رسول ال صلى
ال عليه وسلم" :تفكروا ف آيات ال ول تتفكروا ف ذات ال ،فإن لن تقدروه حق قدره".
فهذا ما ق صدنا ذكره من آداب هذه الوظائف .ومق صود الوراد وروح ها إن ا هو الضور مع ال
فيها فعليك به ،ولن تصل إليه ما ل تسلك طريقه ،وهي فعل العمال الظاهرة مع تكلف الضور مع ال
فيها ،فإن واظبت على هذا غشيتك أنوار القرب وفاضت عليك علوم العرفة فعند ذلك يقبل قلبك على
ال تعال بكليته ويصي الضور مع ال سبحانه سجيّة لك وخلقا راسخا فتصي تتكلف الضور مع اللق
عند الاجة إليه .وربا ل تقدر عليه ،وعن هذه الالة تنشأ الغَيبة والستغراق والفناء عما سوى ال تعال
إل غ ي ذلك من مواج يد أ هل ال ،وأ صل ذلك كله الواظ بة على العمال الظاهرة والحاف ظة علي ها مع
تكلف الضور مع ال فيها.
واحذر أن تترك العمل بورد مافة أن ل تدوم عليه ،فإن ذلك من الماقة.
(وينب غي) أن ل تع مل ف كل و قت ب سب النشاط والفراغ ،بل ينب غي أن ت سمي شيئا تز يد عل يه
عند النشاط ول تنقص منه عند الكسل.
(واعلم) أن السـارعة إل اليات ،والحافظـة على العبادات ،والداومـة على الطاعات ،دأب
النـبياء والولياء فـ بداياتمـ وناياتمـ ،لنمـ أعرف اللق بال ،فل جرم كانوا أعبدهـم وأطوعهـم
وأخشاهم له عز وجل فإن إقبال العبد على ربه وعبادته له على قدر مبته له ،والحبة تابعة للمعرفة ،فكلما
كان العبد أعرف بال كان أشد حبا له وأكثر عبادة .فإن شغلك جعك للدنيا واتباعك للهوى عن اتاذ
الوراد وملز مة العبادات فاجت هد أن ت عل لر بك ساعة من أول نارك و ساعة من آخره تشت غل فيه ما
بالت سبيح وال ستغفار وغ ي ذلك من أنواع الطاعات ف قد روي عن ال تعال أ نه قال" :ا بن آدم اج عل ل
ساعة من أول نارك وساعة من آخره أكفك ما بي ذلك".
وورد أن صحيفة الع بد إذا عر ضت على ال عز و جل من آ خر كل يوم فإن كان ف أول ا و ف
آخرها خ ي يقول ال تعال للملك أمح ما بي ذلك ،وذلك من فضل ال علي نا وعلى الناس ول كن أكثر
الناس ل يشكرون.
فصــل
(وعليك) بالتمسك بالكتاب والسنة والعتصام بما ،فإنما دين ال القوي وصراطه الستقيم ،من
أخذ بما سلم وغنم ورشد وعصم ،ومن حاد عنهما ضل وندم وحاد وقصم ،فاجعلهما حاكمي عليك
ومتصرفي فيك وارجع إليهما ف كل أمرك متثلً لوصية ال ووصية رسوله .قال ال تعال( :يا أيها الذين
آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأول المر منكم فإن تنازعتم ف شيء فردوه إل ال والرسول إن كنتم
تؤمنون بال واليوم ال خر ذلك خ ي وأح سن تأويلً) ومع ن قوله :فردوه إل ال والر سول أي إل الكتاب
والسنة.
وقال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم "أوصـيكم باـ إن اعتصـمتم بـه لن تضلوا أبدا كتاب ال
وسنت".
فإن سرك أن تكون على الدى سالكا للمح جة البيضاء ال ت ل عِوج في ها ول أمتا فاعرض ج يع
نيا تك وأخل قك وأعمالك وأقوالك على الكتاب وال سنة ،ف خذ ما وا فق ودع ما خالف ،واع مل على
الحتياط ،واتبع الحسن أبدا ،ول تبتدع ف الدين ،ول تتبع غي سبيل الؤمني فتخسر الدنيا والخرة،
ذلك هو السران البي.
(وإياك) ومدثات المور ومتلفات الراء فقد قال عليه الصلة والسلم" :كل مدثة بدعة وكل
بدعة ضللة" وقال عليه السلم" :من أحدث ف أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
والبدع ثلث" :بد عة ح سنة" و هي ما رآه أئ مة الدى م ا يوا فق الكتاب وال سنة من ح يث إيثار
الصلح والنفع والحسن،و ذلك كجمع القرآن ف مصحف لب بكر ،ونصب الديوان وصلة التراويح
لعمر ،وترتيب ال صحف والذان الول يوم المعة لعثمان ،وأحكام قتال البغاة لعلي رضي ال عنه وعن
اللفاء الربعة.
والثان ية" :بد عة مذمو مة" على ل سان الز هد والورع والقنا عة ف قط وذلك كالتو سع ف الال بس
والآكل والساكن الباحة.
والثالثة" :بدعة مذمومة مطلقا" وهي ما خالف نصوص الكتاب والسنة أو خرق إجاع المة ،وقد
و قع من هذا النوع للمبتد عة كث ي ف ال صول و قل وقو عه ف الفروع ،و كل من ل يبالغ ف التم سك
بالكتاب والسنة ،ول يبذل وسعه ف متابعة الرسول ،وهو مع ذلك يدعي أن له مكانة من ال تعال ،فل
تلتفت إليه ول تعرّج عليه ،وإن طار ف الواء ومشى على الاء وطويت له السافات وخرقت له العادات،
فإن ذلك يقع كثيا للشياطي والسحرة والكهان والرافي والنجمي وغيهم من الضّلل ،ول يُخرِج مثلَ
ذلك عن كو نه ا ستدراجا وتلبي سا إل كو نه كرا مة وتأييدا إل وجود ال ستقامة في من ظ هر عل يه ،وهذا
الغرور وأمثاله إنا يلبسون على الغوغاء والسفلة الذين يعبدون ال على شك ،وأما أولو العقول واللباب
فقد علموا أن تفاوت الؤمني ف القرب من ال على حسب تفاوتم ف متابعة الرسول ،وأنه كلما كانت
التابعة أكمل كانا لقرب من ال أت وكانت العرفة به أجل.
و قد ق صد أ بو يز يد الب سطامي إل زيارة ر جل يو صف بالول ية فق عد له ف ال سجد فل ما خرج
حضرته نُخامة فرمى با ف حائط السجد فرجع أبو يزيد ول يتمع به وقال كيف يؤمن على أسرار ال
من ل يسن الحافظة على آداب الشريعة.
وقال النيد رحه ال كل الطرق مسدودة إل على من اقتفى أثر الرسول صلى ال عليه وسلم.
وقال سهل بن عبد ال رحه ال ل معي إل ال ول دليل إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ول
زاد إل التقوى ول عمل إل الصب عليها.
(واعلم) أنه ل يستقل بعرض جيع أموره الت تقع له ف ظاهره وباطنه على الكتاب والسنة كل
أ حد ،فإن ذلك م صوص بالعلماء الرا سخي فإن عجزت عن ش يء من ذلك ،فعل يك بالرجوع إل من
أمرك ال بالرجوع إليه ف قوله تعال( :فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون) وأهل الذكر هم العلماء
بال وبدي نه العاملون بعلم هم ابتغاء و جه ال تعال الزاهدون ف الدن يا الذ ين ل تلهي هم تارة ول ب يع عن
ذكر ال تعال الداعون إل ال على بصية الكاشفون بأسرار ال.
وقد عز على بسيط الرض وجود واحد من هؤلء حت لقد زعم جاعة من الكابر أنم مفقودون،
وال ق أنم موجودون ول كن قد سترهم ال برداء الغية وضرب عليهم سرادقات الخفاء ،لغفلة الا صة
وإعراض العا مة ،ف من طلب هم ب صدق و جد ف ذلك ل يعوزه –إن شاء ال تعال -وجود وا حد من هم،
فالصدق سيف ل يوضع على شيء إل قطعه ،والرض ل تلو من قائم ل بجة .وقد قال عليه الصلة
والسلم" :ل تزال طائفة من أمت ظاهرين على الق ل يضرهم من ناوأهم حت يأت أمر ال".
أولئك نوم الرض وحال الما نة ونواب ال صطفى وور ثة ال نبياء ،ر ضي ال عن هم ورضوا ع نه،
أولئك حزب ال أل إن حزب ال هم الفلحون.
فصــل
(وعليـك) بتح سي معتقدك وإ صلحه وتقوي ه على منهاج "الفر قة الناج ية" و هي العرو فة ب ي
سائر الفرق السلمية بأهل السنة والماعة وهم التمسكون با كان عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم
وأ صحابه ،وأ نت إذا نظرت بف هم م ستقيم عن قلب سليم ف ن صوص الكتاب وال سنة التضم نة لعلوم
اليان ،وطالعت سي السلف الصال من الصحابة والتابعي ،علمت وتققت أن الق مع الفرقة الوسومة
بالشعرية نسبة إل الشيخ "أب السن الشعري" رحه ال فقد رتب قواعد عقيدة أهل الق وحرر أدلتها،
وهي العقيدة الت إجتمعت عليها الصحابة ومن بعدهم من خيار التابعي ،وهي عقيدة أهل الق من أهل
كل زمان و مكان وهي عقيدة جلة أهل التصوف كما حكى ذلك أبو القاسم القشيي ف أول رسالته.
و هي ب مد ال عقيدت نا ،وعقيدة إخوان نا من ال سادة ال سينيي العروف ي بآل أ ب علوي ،وعقيدة
أسلفنا من لدن ر سول ال صلى ال عليه وسلم إل يوم نا هذا ،وكان المام الهاجر إل ال جد السادة
الذكورين سيدي "أحد بن عيسى بن ممد بن علي ابن المام جعفر الصادق" رضي ال عنهم لا رأى
ظهور البدع وكثرة الهواء واختلف الراء بالعراق ها جر من ها ول يزل –ن فع ال تعال به -يتن قل ف
الرض ،ح ت أ ت أرض "حضرموت" فأقام ب ا إل أن تو ف ،فبارك ال ف عق به ،ح ت اشت هر من هم ال م
الغفي العلم والعبادة والولية والعرفة ول يعرض لم ما عرض لماعات من أهل البيت النبوي من انتحال
البدع واتباع الهواء الضلة ببكات نية هذا المام الؤتن وفراره بدينه من مواضع الفت ،فال تعال يزيه
عنا أفضل ما جزى والدا عن ولده ويرفع درجته مع آبائه الكرام ف عليي ويلحقنا بم ف خي وعافية غي
مبدلي ول مفتوني إنه أرحم الراحي .والاتريدية كالشعرية ف جيع ما تقدم.
وينبغـي لكـل مؤمـن أن يصـن معتقده بفـظ عقيدة مـن عقائد الئمـة الجمـع على جللتهـم
ورسوخهم ف العلم .ول أحسب مبتغي ذلك يصادف عقيدة جامعة واضحة بعيدة عن الشّبَه مثل عقيدة
المام الغزال رضي ال عنه الت أوردها ف الفصل الول من كتاب قواعد العقائد من الحياء ،فعليك با
فإن تشوفت إل مزيد فانظر ف الرسالة القدسية الت أوردها ف الفصل الثالث من الكتاب الذكور.
ول تتوغل ف علم الكلم ول تكثر من الوض فيه لجرد طلب التحقيق ف العرفة فإنك ل تظفر
بذا الطلوب من هذا العلم .ولكن إن أردت التحقق ف العرفة فعليك بسلوك طريقه وهي التزام التقوى
ظاهرا وباطنا ،وتدبر اليات والخبار ،والنظـر فـ ملكوت السـماوات والرض على قصـد العتبار،
وتذ يب أخلق الن فس وتلط يف كثافات ا ب سن الريا ضة ،وت صقيل مرآة القلب بلز مة الذ كر والف كر،
والعراض عما يشغل عن التجرد لذا المر .فهذا سبيل التحصيل إن سلكته عثرت -إن شاء ال تعال-
على الطلوب ،وظفرت بالمر الرغوب ،والصوفية إنا جاهدوا نفوسهم وبالغوا ف رياضتها وقطعوها عن
عادات ا ومألوفات ا لعلم هم بتو قف ح صول كمال العر فة على ذلك ،وعلى كمال العر فة يتو قف التح قق
بقام العبودية الذي هو بغية العارفي وأمنية الحققي رضي ال عنهم أجعي.
فصــل
(وعليك) بأداء الفرائض واجتناب الحرمات ،والكثار من النوافل .فإنك إن فعلت ذلك ملصا
لو جه ال الكر ي ح صلت على غا ية القرب من ال وخل عت عل يك خل عة الح بة ال ت ت صي عند ها ج يع
حركاتك وسكناتك ل وبال ،وهي خلعة الولية بل خلعة اللفة ،وقد أشار إليها رسول ال صلى ال
عليه وسلم بقوله فيما يرويه عن ربه تعال قال" :ما تقرب إل عبدي بشيء أحب إل ما افترضت عليه
ول يزال عبدي يتقرب إل بالنوافل حت أحبه فإذا أحببته كنت سعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به
ويده الت يبطش با ورجله الت يشي با فب يسمع وب يبصر وب يبطش وب يشي ولئن سألن لعطينه
ولئن استعاذن لعيذنه وما ترددت ف شيء أنا فاعله ترددي ف قبض نفس عبدي الؤمن يكره الوت وأنا
أكره مساءته ول بد له من الوت".
فانظر –رحك ال -إل ما انطوى عليه هذا الديث القدسي من السرار والعارف وتأمل ما أومأ
إليه من الدقائق واللطائف وما وصل هذا العبد الوفق إل هذه الرتبة العظيمة الت صار فيها ما يبه مبوبا
ل و ما يكر هه مكروها ع ند ال إل بأداء ما فرضه عل يه والكثار من النوا فل ابتغاء الزل فى لد يه فال سباق
السباق إن كانت لك هة ف الوصول إل مراتب الكمال ورغبة ف بلوغ درجات الرجال فقد وضح لك
الطريق وبد لك شعاع التحقيق.
(واعلم) أن ال قد جعل فضله ورحته ف النوافل جبا لا يقع من اللل ف الفرائض .ولكن ل
يب خلل الفريضة إل بنفل من نوعها كالصلة بالصلة ،والصيام بالصيام ،والفرض هو الصل والنفل تابع
له ،والذي يؤدي الفرائض ويتنب الحارم ول يتنفل أحسن حا ًل من يتعاطى النوافل ويقع ف إهال بعض
الفرائض ،فإياك أن تعرض عن شيء من الفرائض اشتغا ًل بشيء من النوافل فتأث بترك الفريضة ول يتقبل
ال م نك النافلة وت قع ف ذلك م ثل من يشت غل بتح صيل العلم الذي هو ف ح قه فضيله ويترك الشتغال
بتحصيل ما هو عليه من العلم فريضة ف ظاهره وباطنه ،ومن يقعد عن الكسب مع القدرة عليه اشتغالً
بنوافل العبادات ويترك عياله يتكففون الناس فقس على هاتي الصورتي ما عداها ما ف معناها.
(واعلم) أنـك ل تصـل إل القيام بامتثال مـا فرض ال عليـك مـن طاعتـه واجتناب مـا حرم ال
عليك من معصيته وإل العمل با شرع لك من النوافل الت تقربك إليه زلفى إل بالعلم ،فعليك بطلبه فقد
قال عليه الصلة والسلم" :طلب العلم فريضة على كل مسلم".
وبالعلم تعرف كون الواجــب واجبا والندوب مندوبا ،والحرم مرما ،وتعرف كيــف تؤدي
الواجب وتفعل الندوب وتترك الحرم فإذن ل بد لك من العلم ول غن لك عنه ،وعليه وعلى اعمل به
مدار سعادتك ف الدنيا والخرة.
(واعلم) أن من عبد ال بغي علم كان الضرر العائد عليه بسبب عبادته أكثر من النفع الاصل
له با ،وكم من عابد قد أتعب نفسه ف العبادة وهو مع ذلك مصر على معصية يرى أنا طاعة أو أنا غي
معصية .وقد حكى الشيخ العارف بال ممد بن عرب ف باب الوصايا من الفتوحات عن رجل من أهل
الغرب أ نه كان كث ي الجتهاد ف العبادة وأ نه اشترى أتانا 1ول ي ستعملها ف ش يء ،ف سأله إن سان عن
سبب إم ساكها ،قال :ما أم سكتها إل لح صن ب ا فر جي! وكان ل يعلم تر ي إتيان البهائم ،فل ما عر فه
بتحريه أشفق وبكى بكاءً شديدا .انتهت الكاية بعناها.
والعلم الوا جب على كل م سلم هو أن يعلم وجوب ج يع الفرائض ال ت فرض هن ال عل يه وتر ي
ج يع الحرمات ال ت حرم هن ال عل يه .وأ ما العلم بكيف ية ف عل الش يء الوا جب فل ي ب إل ع ند إرادة
مباشرته فمن بلغ أو أسلم ف شهر الحرم مثلً كان الواجب عليه فورا أن يتعلم معن الشهادتي وينطق
ب ما ،ويتعلم وجوب ال صلوات ال مس و ما ي ب من معر فة أركان ا وأحكام ها ،و من الوا جب عل يه أن
يعرف وجوب الصوم والزكاة والج وغيها من الواجبات العينية ويعرف تري الزن وشرب المر وأخذ
أموال الناس بالباطل وغيها من الحرمات الشريعة ولكن ل يب عليه أن يتعلم كيفية الصيام والج إل
ع ند م يء رمضان وإرادة ال ج ،ول كيف ية الزكاة إل ح ت يلك مالً يز كى وي يء و قت إخراج الزكاة
وال أعلم.
والحرمات والواجبات العين ية معرو فة ب ي ال سلمي ل تكاد تفى وإن ا ال هم معر فة الحكام .نعم
ول يكفه إل أن يتلقى جيع ذلك من عال يشى ال ويدين بالق .والعامة تطئ وتصيب فإياك أن تفعل
ما يفعلو نه وتترك ما يتركو نه اقتداء ب م ،فإن القتداء ل ي صح إل بالعلماء العامل ي ،و قد عز اليوم عال
ل فل تكتفي يعمل بعلمه .فإذا رأيت العال ف هذا الزمان يفعل شيئا أو يتركه ما يهل كونه حقا أو باط ً
بجرد رؤيته ف الفعل أو الترك حت تسأله عن وجه ذلك ف الشرع وحكمه من الدين ،ول يتاج السلم
ف ت صيل ما هو فرض عل يه من العلم إل طول مدة ،ول يكاد تلح قه مش قة ف ذلك ل سهولته ،ويك في
الطالب الف طن ف تعلم ذلك أن يلس مع العال الت قن ساعة أو ساعتي من زمان و قد جاء أعرا ب إل
رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يطب على منبه فسأله أن يعلمه ما علمه ال فنل عن منبه فعلمه
ث صعد النب فأت خطبته.
التان :أنثى المار 1
وعلى الملة فمن أراد أن يسلم ويغنم فعليه أن ل يدخل ف شيء ول يقيم على فعل شيء قد دخل
فيه حت يعلم ما حكم ال ف ذلك الشيء من الوجوب أو الندب أو الباحة أو التحري فجميع الشياء ل
تلو عن أحد هذه المور الربعة ،والشبه أن هذا المر واجب على كل مسلم.
ثـ إن الؤمنيـ ينقسـمون إل عموم وخصـوص ،فالعموم قـد يقعون فـ ترك الواجبات وفعـل
الحرمات ،وأحسـنهم مـن يبادر بالتوبـة والسـتغفار ،ول يرصـون على فعـل النوافـل وينهمكون فـ
الباحات ،وأما الصوص فيؤدون الواجبات ويتركون الحرمات بكل حال ويافظون على فعل الندوبات
ويقتصرون من الباحات على ما يكون وسيلة إل القيام بامتثال الوامر واجتناب النواهي وبال التوفيق.
فصــل
(وعليـك) بلزوم النظافـة ظاهرا وباطنا ،فإن مـن كملت نظافتـه صـار بروحـه وسـريرته ملَكا
روحانيا ،وإن كان بسمه وصورته بشرا جسمانيّا .وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :بن الدين
على النظافة" وقال عليه الصلة والسلم" :إن ال نظيف يب النظافة".
وت صل النظا فة الباط نة بتزك ية الن فس عن رذائل الخلق ،كال كب والرياء وال سد و حب الدن يا
وأخواتا ،وتليتها بكارم الخلق ،كالتواضع والياء والخلص والسخاء وأخواتا.
وحقائق هذا الخلق وطريقة اللص من رذائلها وسبيل التحصيل لفضائلها قد جعه المام الغزال
ف الشطر الثان من الحياء فعليك بعرفة ذلك واستعماله.
وأما النظافة الظاهرة فتحصل بترك الخالفات وفعل الوافقات.
ف من ز ين ظاهره بلز مة العمال ال صالة ،وع مر باط نه بالتخلق بالخلق الحمودة ،ف قد كملت
نظافته وإل فله نصيب منها بقدر بعده عن منكرات الخلق والعمال وقربه من ماسنها.
و من أق سام النظا فة الظاهرة ما أر شد إل يه الشرع من أ خذ الفضلت وإزالة الدناس ،والتط هر من
الحداث والناس.
فمن ذلك :إزالة شعر العانة ،ونتف البط أو حلقه ،وقص الشارب ،وتقليم الظفر ،ويستحب أن
يبتدئ من سبابة اليم ن إل خن صرها و من خن صر الي سرى إل إبام ها وي تم بإبام اليم ن ،وأ ما الرجلن
فيبدأ بنصر اليمن ويتم بن صر اليسرى كالتخليل ف الوضوء ،ويكره تأخي فعل هذه الشياء عن كل
أربعي يوما.
ومن ذلك إزالة الو ساخ ال ت تت مع ف معا طف البدن وأغواره بالاء ،و ما يت مع من الر مص على
العيني ،ومن القذر ف النخرين ،ومن الطعام بي السنان باللل.
(وعليـك) تنظيـف فمـك بالسـواك ،وكونـه مـن الراك أول ،ويتأكـد عنـد إرادة الدخول فـ
العبادات ،وتنظيف ثيابك بالاء كلما تدنست من غي إفراط وتشبه بالترفي.
و من ال سنة التاب عة للنظا فة :د هن ش عر اللح ية ،وترجيل ها بال شط ،وكذا كل ش عر يق صد تبقي ته،
والكتحال بالثد ف كل عي ثلثا ،وكان عليه السلم يكتحل ف كل ليلة كذلك ،واستعمال الطيب
والكثار م نه فإ نه ي ستر الروائح الكري هة الثائرة من الن سان وغيه ،ويتأ كد ع ند حضور الم عة و سائر
جوع السلم ،وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يبه ويكثر منه ،وربا رئي بريق الطيب على
مفرق رأسه وذلك ليست به وإل فقد كان عليه السلم له طيب ف جسده يستغن به عن الطيب حت إنم
كانوا يمعون عرقه فيتطيبون به ويستحب أن يتطيب الرجل با يظهر ريه ويفى لونه والرأة بضد ذلك.
(وعليك) بالحتراز عن النجاسات كلها ،فإن أصابك شيء منها مع الرطوبة فبادر بغسله ،وإذا
أ صابتك جنا بة فبادر بالغت سال ف الال فإن ال نب مطرود عن حضرة ال ولذلك حرم عل يه الل بث ف
السجد وتلوة القرآن.
وقد ورد أن اللئكة ل تدخل البيت الذي فيه جنب وإذا ذهبت اللئكة جاءت الشياطي من كل
ناحية.
واحذر أن تأ كل أو تنام وأ نت ج نب فتتعرض بذلك لفات عديدة فإن عجزت عن الغت سال ف
الال فل تَعجِز عن غسل الفرج والوضوء.
(وعليـك) بتجد يد الوضوء ل كل فري ضة واجت هد أن ل تزال على طهارة ،وجدد الوضوء كل ما
أحد ثت؛ فإن الوضوء سلح الؤ من وم ت كان ال سلح حاضرا ل يتجا سر العدو على الد نو م نك ،و قد
جار رجل إل الشيخ أب السن الشاذل رضي ال عنه يسأله أن يعلمه الكيمياء فأمره الشيخ أن يقيم عنده
سنة وشرط عل يه أن يتو ضأ كل ما أحدث وي صلي ركعت ي ووعده التعل يم ب عد ذلك ،فل ما كملت ال سنة
ذهب ذلك الرجل إل بئر يستقي منها ماء فطلع الدلو ملوءا ذهبا أو فضة فصبه ف البئر؛ زهدا فيه وجاء
إل الشيخ فأخبه فقال له الشيخ :قد صرت الن كلك كيمياء ونصبه داعيا إل ال تعال.
(وعليــك) بصـلة ركعتيـ كلمـا توضأت .فإن ل تقدر أن تداوم على الطهارة فاجتهـد أن ل
تدعها عند اللوس ف السجد وقراءة القرآن والعلم والقعود للذكر ونو ذلك من العبادات.
وإذا توضأت أو اغت سلت فاحذر أن تقت صر على الفرض من ذلك بل ينب غي أن تا فظ على ال سنن
والداب على نو ما بلغك من غسله ووضوئه عليه الصلة والسلم.
(وينبغي) أن تغتسل ف بعض الوقات بنية النظافة وإن ل تصبك جنابة وقد ورد الث ف السنة
على الغتسال يوم المعة لاضريها فعليك به وهو كاف ف التنظيف لكن ف بعض الوقات وف حق
بعض الشخاص.
وإذا فر غت من الوضوء وكذا الغ سل ف قل :أش هد أن ل إله إل ال وحده ل شر يك له وأش هد أن
ممدا عبده ورسوله.
فصــل
(وعليك) بالحافظة على آداب السنة ظاهرا وباطنا وعادة وعبادة تكمل لك التابعة ويتم لك
القتداء برسول ال صلى ال عليه وسلم رسول الرحة ونب الدى.
وإن سرك أن تكون من الصديقي فل تدخل ف شيء من العادات –فضلً عن العبادات -حت
تبحث وتنظر هل دخل فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم أو أحد من الصحابة الئمة ،فإن ل تدهم
دخلوا فيه مع القدرة على ذلك فأمسك عنه ،وإن شلته الباحة ،فإنم ما أمسكوا عنه إل لي علموه ف
تركه ،وإن رأيتهم دخلوا فيه فاعرف أو ًل كيفية دخولم فيه واقتد بم ف ذلك ،وقد أمسك بعض العلماء
عن أكل البطيخ وقال قد بلغن أنه عليه الصلة والسلم أكله ولكن ل يبلغن كيفية تناوله له فلذلك
أتركه.
وقد تقدم فيما قبل هذا الفصل ويأت فيما بعده إن شاء ال تعال نبذة من الداب الت تتأكد
الحافظة عليها ف العبادات.
ونذكر الن ف هذا الفصل نبذة من الداب الت ينبغي الحافظة عليها ف العادات فنقول:
اعلم أن من حافظ ف عاداته على الداب النبوية حفظه ال من التعدي إل ما وراءها من العمال
والخلق الردية وحصل على الصال والمنافع الدينية والدنيوية الت جعلها ال بكمته ف تلك المور
العادية ،ومن سرّه أن تكمل له الرية والطهارة من أدناس الظوظ البشرية فليجعل حركاته وسكناته ف
ظاهره وباطنه مضبوطة بالقانون الشرعي ،تابعة لشارة الشرع والعقل ،وكيفما وقع ذم العادات على
لسان الصوفية فالقصود به الدخول فيها على مقتضى الشهوة والوى والسترسال معها دون مافظة على
الداب الشرعية.
وقد قال حجة السلم ف "الربعي الصل" بعد أن حث على متابعة الرسول ونبه على شيء من
أسـرارها :هذا كله فـ العادات وأمـا فـ العبادات فل أعرف لتارك السـنة وجها إل كفرا خفيا أو حقا
جليا فاعرف ذلك.
(واعلم) أنه ينبغي لك أن تصدر جيع أمورك باسم ال فإن نسيت أن تسمي ف أول المر فقل
-إذا تذكرت :-باسم ال ف أوله وآخره ،واجتهد أن ل تدخل ف شيء من العادات إل بنية صالة؛ فإذا
لبست ثوبك فانو به ستر عورتك الت أمرك ال بسترها وابدأ باليمي ف نو القميص وأخّرها ف النع،
وارفع إزارك وقميصك إل نصف الساق ،فإن أبيت فل تاوزن الكعب ،وللمرأة إرسال ثوبا على الرض
من كل ناحية قريبا من ثلثي ذراع ،واجعل كم قميصك إل الرسغ أو إل أطراف الصابع وإن زدت فل
تسرف ،وقد كان كم رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الرسغ ،وقطع علي قميص له إل أطراف
الصابع ،ول تتخذ من اللبس إل ما تتاج إل لبسه ،ول تتحر أنفس اللبوس ول أخشنه وتوسط ف
ذلك ول تكشف عورتك ول شيئا منها لغي حاجة ،ومت دعت الاجة إل كشف شيء منها فقل عنده:
بسم ال الذي ل إله إل هو .وقل إذا لبست ثوبك" :المد ل الذي كسان هذا ورزقنيه من غي حول
من ول قوة".
ومن السنة لبس العمامة وليس من السنة توسيع الكمام وكب العمائم.
(وعليك) أن ل تنطق إل بي ،وكل كلم ل يل النطق به يرم عليك الستماع إليه ،وإذا
تكلمت فرتل كلمك ورتبه ،واصغ إل حديث من حدثك ول تقطعن على أحد كلمه إل إن كان من
الكلم الذي يسخط ال كالغيبة ،واحذر الداخلة ف الكلم ،ول تظهر لن حدثك حديثا تعرفه أنك
تعرفه؛ فإن ذلك ما يوحش الليس ،وإذا حدثك إنسان بكلم أو حكى لك حكاية على غي الوجه
النقول فل تقل له ليس كما تقول ولكنه كذا وكذا ،فإن تعلق ذلك بأمر الدين فعرفه الصواب برفق.
(وإياك) والوضَ فيما ل يعنيك وإكثا َر اللف بال ،ول تلف به تعال إل صادقا عند الاجة،
واحذر الكذب بميع أنواعه فإنه مناقض لليان.
(وإياك) والغيبةَ والنميمة والكثا َر من الزاح ،واجتنب سائر الكلم القبيح ،وأمسك عن رديء
الكلم كما تسك عن مذمومه ،وتفكر فيما تقول قبل أن تقول فإن كان خيا فقل وإل فاصمت.
وقال عليه الصلة والسلم" :كل كلم ابن آدم عليه ل له إل ذكر ال أو أمر بعروف أو ني عن
منكر"
وقال عليه الصلة والسلم" :رحم ال امرءا قال خيا فغنم أو سكت عن شر فسلم".
وقال عليه الصلة والسلم" :إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لا بالً يهوي با أبعد من الثريا".
(وعليك) أن ل تنقل قدميك إل إل خي أو ف حاجة ،وإذا مشيت فل تستعجل ،ول تتال ف
مشيتك ول تتبختر فتسقط بذلك من عي ال ،ول تكره أن يشى أمامك ول تب أن يوطأ عقبك ويشى
خلفك فإن ذلك من أخلق التكبين ،ول تكثر اللتفات وأنت تشي ول تقف ف طريقك لجرد
الفضول ،وكان عليه الصلة والسلم إذا مشى يتقلع كأنا ينحط من صبب وإذا نودي من ورائه وقف
ول يلتفت.
(وعليك) إذا جلست بالتحفظ على عورتك واجلس مستقبلً القبلة على هيئة الشوع والوقار
ول تكثر الضطراب والتحرك والقيام من ملسك.
(وإياك) والكثار من الك والتمطط والتجشؤ والتثاؤب ف وجوه الناس وإذا أخذك التثاؤب
فضع يدك اليسرى على فيك.
(وإياك) وكثرة الضحك فإنه ييت القلب وإن استطعت أن تعل ضحكك التبسم فافعل ،ول
تقم من ملسك حت تقول" :سبحانك اللهم وبمدك أشهد أن ل إله إل أنت أستغفرك وأتوب إليك"
فقد ورد أن من قال ذلك غفر له ما كان ف ملسه ذلك.
وإذا أردت النوم فاضطجع على جنبك الين مستقبلً للقبلة تائبا من جيع الذنوب عازما على قيام
الليل قائلً :باسك اللهم رب وضعت جنب وباسك أرفعه فاغفر ل ذنب ،اللهم قن عذابك يوم تمع
عبادك "ثلثا" أستغفر ال العظيم الذي ل إله إل هو الي القيوم وأتوب إليه "ثلثا" وقل :سبحان ال
"ثلثا وثلثي" مرة والمد ل كذلك وال أكب "أربعا وثلثي".
وللنوم أذكار غي هذه فل تغفل عنها.
ول تنم إل على طهارة ،وليأخذك النوم وأنت على ذكر ال تعال ،ول تتعود النوم على الفرش
الوطيئة فيدعوك ذلك إل كثرة النوم وترك القيام بالليل ،فيعظم حزنك وتسرك إذا رأيت ما أعد ال
للقائمي .وقد قال عليه الصلة والسلم" :يشر الناس ف صعيد واحد فينادي مناد أين الذين كانت
تتجاف جنوبم عن الضاجع فيقومون وهم قليل فيدخلون النة بغي حساب".
وقال عليه الصلة والسلم" :قالت أم سليمان بن داوود عليه السلم يا بن ل تكثر النوم بالليل،
فإن من يكثر النوم بالليل يأت فقيا يوم القيامة".
وقال المام الغزال رحه ال اعلم أن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة فل يكون نومك فيها أكثر
من ثان ساعات فيكفيك إن عشت ستي سنة أن تضيع منها عشرين سنة وهي الثلث.
ومت تعذر عليك ف بعض الواضع المع بي التيامن والستقبال فنم على يينك واجتهد أن ل
تستدبر القبلة ،وإذا قصدت باضطجاعك الستراحة دون النوم فل بأس أن تضطجع على اليسر.
وف النوم وقت القيلولة معونة على قيام الليل فعليك به.
واحذر أن تنام بعد صلة الصبح فإنه ينع الرزق ،أو بعد صلة العصر فإنه يورث النون ،أو قبل
صلة العشاء فإنه يورث الرق.
وإذا رأيت ف منامك ما يسرّك من الرؤيا فاحد ال وأوله بي مناسب يكون كذلك ،وإذا رأيت ما
يسوءك فتعوذ بال من الشر واتفل عن يسارك ثلثا وتول إل جنبك الخر ول تدث با أحدا فإنا ل
تضرك ،وإذا قص عليك أحد الرؤيا فل تؤولا حت يسأل منك ذلك أو تستأذنه فيه.
وإذا أكلت أو شربت فابدأ باسم ال واختم بالمد ل ،وكل واشرب بيمينك ،وإذا قدم إليك طعام
فقل :اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وأطعمنا خيا منه إل أن يكون لبنا فقل :وزدنا منه فإنه ل شيء خي منه
كما ورد.
(وعليك) بغسل اليدين قبل الطعام وبعده ،وبتصغي اللقمة ،وتدقيق الضغ ،ول تدد يدك إل
الطعام حت تبتلع ما ف فمك ،وكلْ من نواحي القصعة ول تأكل من وسطها فإن البكة تنزل عليه ،وإذا
سقطت لقمتك فأمط ما با من أذى ث كلها ول تدعها للشيطان ،والعَق أصابعك والقصعة بعد الفراغ،
وكل بالسبابة والوسطى والبام ،وإن احتجت إل الستعانة بالبقية ف نو الرز فل بأس.
وإذا أكلت مع غيك فكل ما يليك إل الفاكهة ،ول تكثر النظر إل الاضرين ف حال أكلهم،
وتدث معهم با يناسب الال ،ول تتكلم والطعام ف فمك ،وإن غلبك بصاق أو ماط فالو برأسك
عنهم أو قم إل موضع آخر.
وإذا أكلت عند قوم فاثن عليهم وادع لم بي وقل بعد الفراغ من الكل :المد ل .اللهم كما
أطعمتن طيبا فاستعملن صالا ،المد ل الذي أطعمن هذا الطعام ورزقنيه من غي حول من ول قوة.
فمن قال ذلك غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ول تتكلف الدام لكل طعام ،ول تعب طعاما قط وإن كان رديئاَ.
ول تعل هتك أكل الطيبات وتناول الشهوات فتكون من الذين قال فيهم رسول ال صلى ال
عليه وسلم" :شرار أمت الذين غذوا بالنعيم ونبتت عليه أجسادهم وإنا هتهم ألوان الطعام وألوان الثياب
ويتشدقون ف الكلم".
وقال علي ،كرم ال وجهه :من كانت هته ما يدخل بطنه كانت قيمته ما يرج منها.
واجتهد أن ل تدخل بطنك إل حللً؛ فإن من أكل اللل أربعي يوما استنار قلبه ،وجرت ينابيع
الكمة على لسانه ،وأكرمه ال بالزهد ف الدنيا ،وصفت سريرته ،وحسنت معاملته مع ربه ،ومن أكل
الرام والشبهات كان على الضد من ذلك كله.
(وإياك) والتساع ف الكل وكثرة الشبع فإنه من اللل مبدأ كل شر .ومن آفاته قسوة القلب
وفساد الفطنة وتشويش الفكرة والكسل عن العبادة إل غي ذلك من الفات.
وسبيل القتصاد ف الكل أن تسك عن الطعام وأنت تشتهيه ول تتناوله حت تشتهيه بشهوة
صادقة.
وعلمة صدق الشهوة أن تشتهي كل طعام.
وإذا شربت الاء فمصّه ول تعبّه ،واشرب ف ثلثة أنفاس ،ول تتنفس ف الناء ول تشرب من
ثلمته ،1ول تشرب وأنت قائم ول من فم السقاء فإن ل تد إناء فاشرب على يدك وقل بعد الشرب:
المد ل الذي جعله عذبا فراتا برحته ول يعله ملحا أجاجا بذنوبنا.
وإذا أتيت أهلك فقل :بسم ال ،اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ،واستر نفسك
وأهلك بثوبك.
(وعليك) بالسكينة والدوء وإذا أحسست بالنزال فاقرأ ف نفسك من غي أن ترك لسانك
قوله تعال( :وهو الذي خلق من الاء بشرا فجعله نسبا) الية.
والفضل للناسك من التزوج وتركه ما كان منهما أسلم لدينه وأصلح لقلبه وأجع لفكره ،ويكره
كراهة شديدة لن ل زوجة له أن يتفكر ف شأن النساء التفكي الذي يمل النفس على اليل إليهن ،ومن
بلي بذلك ول يقدر على قمعه بوظائف العبادات فعليه بالتزوج فإن ل يستطيع فعليه بالصوم فإنه يكسر
الشهوة.
وإذا قصدت بيت اللء لبول أو غائط فالبس نعليك واستر رأسك وقدم رجلك اليسرى ف
الدخول واليمن ف الروج وقل عند إرادة الدخول "بسم ال اللهم إن أعوذ بك من البث والبائث"
وعند الروج "غفرانك المد ل الذي أذهب عن الذى وعافان" .ول تذكر ال على تلك الالة إل
بقلبك.
ول تستصحب شيئا مكتوبا عليه اسه تعال؛ إجللً له ،ول تعبث ول تتكلم إل لضرورة ول ترفع
من ثوبك إل القدر الذي يشى عليه التنجس ،واستتر بيث ل يراك شخص ،وابعد بيث ل يسمع منك
صوت ول يشم منك ريح ،ول تستقبل القبلة ول تستدبرها ببول ول بغائط ،وقد يتعذر فعل ذلك ف
بعض البنية فيغتفر للمشقة ،ول تبل ف الاء الراكد وإن كان كثيا ،إل عند الاجة ول على الرض
الصلبة ول ف مهاب الريح كل ذلك احترازا من البول الذي عامة عذاب القب منه فعليك بالستباء منه
جهدك من غي خروج إل حد الوسوسة ،ويصل بالتنحنح ونتر الذكر وإمرار اليد على أسفله برفق،
واستنج بالجر ث بالاء فإن اقتصرت على أحدها فالاء أفضل وقدم القبل ف الاء وأخره ف الجر وقل
بعد الستنجاء "اللهم حصن فرجي من الفواحش وطهر قلب من النفاق".
(وعليك) بالتيامن ف كل شأنك إل ف غسل النجاسات وإزالة القذار والدخول ف الواضع الت
من شأنا الستقذار فينبغي أن يفعل ذلك كله باليسار.
التثويب :هنا هو قول الؤذن ف أذان الصبح خاصة :الصلة خي من النوم. 1
فصــل
(وعليك) بالبادرة بالصلة أول الوقت بيث ل يؤذن الؤذن لكل مكتوبة إل وقد توضأت
وحضرت ف السجد ،فإن ل تفعل ذلك فل أقل من أن تأخذ ف الستعداد للصلة من حي تسمع
الذان .وقد قال عليه الصلة والسلم" :فضل أول الوقت على آخره كفضل الخرة على الدنيا" وقال
عليه الصلة والسلم" :أول الوقت رضوان ال وآخره عفو ال".
(وعليك) بالحافظة على السنن الراتبة الت أرشدك الشرع إل فعلها قبل الكتوبات وبعدها،
واحذر أن تتساهل بترك شيء منها وما فاتك منها بعذر فبادر بقضائه.
(وعليك) بالشوع ف صلتك ،وحضور القلب ،وتسي القيام ،وترتيل القراءة وتدبرها ،وإتام
الركوع والسجود وسائر الركان ،والحافظة على السنن والداب الت ندبك الشرع إل العمل با ف
الصلة ،والحتراز عما يوجب نقصا ف الصلة أو يفوت به وجود الكمال؛ فإنك إن فعلت ذلك
خرجت صلتك بيضاء مسفرة تقول :حفظك ال كما حفظتن ،وإل خرجت سوداء مظلمة تقول:
ضيعك ال كما ضيعتن .وقد قال عليه الصلة والسلم " :ليس للمرء من صلته إل ما عقل منها".
وقال السن البصري رحه ال :كل صلة ل يضر فيها القلب فهي إل العقوبة أسرع.
والشيطان لعنه ال حريص على أن يشغل الؤمن عن صلته ،حت إنه يفتح عليه عند قيامه إل
الصلة أبوابا من الوائج ويذكره أشياء من المور الت تمه ف دنياه ل تكن له قبل الصلة على بال،
وقصد اللعي بذلك أن يشغله ف صلته عن القبال على ال والضور معه فيها ،وإذا ل يصل له ذلك
فاته القبال على ال ،وربا خرج من صلته مأزورا ،ولذلك استحب العلماء رحهم ال للمصلي أن يقرأ
عند إرادة الدخول ف الصلة قل أعوذ برب الناس 1تصنا من الشيطان الرجيم.
(وينبغي) أن ل تداوم ف صلتك على قراءة سورة مصوصة بعد الفاتة ،إل إن ورد الشرع به،
وذلك كقراءة (ال السجدة ،وهل أتى على النسان) ف صبح يوم المعة.
واحذر أن تداوم ف صلتك على قراءة السور القصية كالكافرون والخلص والعوذتي.
وإن كنت إماما ،فالصي إل التخفيف الندوب إليه المام إل حديث معاذ رضي ال عنه وهو أنه
أمّ قوما فأطال عليهم جدّا فشكاه رجل منهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال له عليه الصلة
والسلم" :أفتان أنت يا معاذ اقرأ بسبح العلى ،والشمس وضحاها ،والليل إذا يغشى" .ومن نظر ف
(وعليك) إن كان لك مال تب فيه الزكاة بإخراج زكاته طيبة با نفسك قاصدا با وجه ال،
مبادرا بتمييزها وتفريقها عند حضور وقتها من غي تأخي ،فإن فعلت ذلك درت عليك البكات
وتضاعفت عليك أنواع اليات وصار مالك ف حرز حصي من جيع الفات.
(وعليك) بتمييز الزكاة ث بتفريقها واجتنب ما يفعله بعض أبناء الدنيا ،وذلك أن أحدهم ل ييز
الزكاة عن ماله ولكن يصي كلما صادف مستحقا أعطاه قسطا و َحسًَبهُ حت يستوف القدر الواجب ،ول
تأكل من ثرك وزرعك الذي ييء نصابا عند الصاد بعد بدو صلحه حت تعلم القدر الواجب منه
جافا.
وإن أردت أن تأكل من شجرة معينة فل يب عليك أن تعرف إل القدر الواجب فيها فقط.
(واعلم) أن من يتال ف إسقاط الزكاة ببة ونوها أو يعطيها غي الستحقي مع العلم ،أو
يفرقها على مقتضى الوى كالذي يص بإعطائها من يعود عليه منه نفع عاجل ل يرج من الدنيا حت
يعذبه ال باله (ولعذاب الخرة أكب لو كانوا يعلمون).
وإذا كان هذا حال من يرجها على غي الوجه الشروع ،فكيف يكون حال من ل يرج الزكاة
رأسا (أولئك الذين اشتروا الضللة بالدى فما ربت تارتم وما كانوا مهتدين).
وقد تقرر أن مانع الزكاة قرين تارك الصلة ف الشر وقد قاتل أبو بكر الصديق –رضي ال عنه-
مانعي الزكاة وساهم أهل الردة.
(وعليك) بإخراج زكاة الفطر عنك وعن كل من تلزمك نفقته وذلك إن استطعت.
(وعليك) بالكثار من الصدقة وبالتصدق على الرحام الحتاجي وأهل الي القلي خصوصا
فإن الصدقة تزكو ويزيد ثوابا بوضعها ف مثل هذه الواضع.
(وعليك) بالتصدق با تب وبا يعز عليك؛ لتنال الب .قال ال تعال( :لن تنالوا الب حت تنفقوا
ما تبون) ،وباليثار على نفسك عند الاجة؛ لتصي من الفلحي ،بالسرار بالصدقة؛ فإن صدقة السر
تطفئ غضب الرب .وتتضاعف على صدقة العلنية بسبعي ضعفا وتسلم من طرق الرياء الفسد للعمال،
ول تدع أن تتصدق كل يوم بشيء وإن قل وباكر به؛ فإن البلء ل يتخطى الصدقة.
ول تيب سائلً وقف ببابك ولو أن تعطيه تمرة فما دونا فإنه هدية ال إليك فإن ل تد ما تعطيه
فأحسن رده بلي من القول وجيل من الوعد ،وإذا أعطيت مسكينا شيئا فأظهر له البشر والبشاشة
واستشعر ف نفسك أن له النة عليك لقبوله منك عرضا يسيا حصل لك بسببه من الثواب حظ لو بذلت
الدنيا بذافيها ف مقابله لكنت رابا ،وقد ورد أن اللقمة الواحدة يصي ثوابا عند ال أعظم من جبل
أحد ،ول ينعك من التصدق مافة الفقر فإن ترك التصدق هو الذي يلب الفقر ،وأما التصدق فهو يلب
ل إليه وأمثاله معه.
الغن والسعة ،حت إن الذي يرغب ف الدنيا لو أخذ يتصدق لعاد الدبر منها مقب ً
(واعلم) أن للصدقة منافع عاجلة وآجلة ،فمن منافعها العاجلة أنا تزيد ف الرزق والعمر ،وتدفع
ميتة السوء ،وتلب الصحة للجسم والبكة للمال ،ومن منافعها الجلة أنا تطفئ الطيئة كما يطفئ الاء
ل على رأس صاحبها يوم القيامة ،وسترا له من العذاب إل غي ذلك من النافع وما يذكر
النار ،وتكون ظ ً
إل من ينيب.
فصــل
(وعليك) بالكثار من أعمال الب وخصوصا ف شهر رمضان؛ فإن ثواب النافلة فيه يعدل ثواب
الفريضة ف غيه ،وأيضا فإنه يصل ف رمضان من التيسي والنشاط ف أعمال الب ما ل يصل مثله ول
قريب منه ف غيه من الشهور؛ وذلك لن النفس التكاسلة عن الب مسجونة بالوع والعطش ،والشياطي
الثبطة عن الي مصفدة ،وأبواب النار مغلقة ،وأبواب النة مفتحة ،والنادي ينادي كل ليلة بأمر ال :يا
باغي الي هلم ويا باغي الشر أقصر.
(وينبغي) أن ل تعرج ف هذا الشهر الشريف على غي عمل الخرة ،ول تدخل ف شيء من
أعمال الدنيا إل إذا كان ضروريا ،واجعل شغلك بأمر العاش ف غي رمضان وسيلة إل الفراغ للعبادة
فيه ،و ُخصّ العشر الواخر منه بزيد إقبال على ال ولزوم للعبادة ،وإن أمكنك أن ل ترج من السجد ف
هذه العشر إل إل ما ل بد منه فافعل.
(وعليك) بصلة التراويح ف كل ليلة من رمضان وقد جرت العادة ف بعض البلد بتخفيفها
جدا حت ربا وقع بسبب ذلك ف ترك بعض الركان فضلً عن السنن ،والعروف من فعل السلف توزيع
القرآن من أوله إل آخره على هذه الصلة كل ليلة يقرؤون منه فيها شيئا حت يتموه ف بعض الليال من
آخر الشهر فإن أمكنك أن تقتدي بم ف ذلك فالغنيمة الغنيمة ،وإل فل أقل من إتام أركان الصلة
والحافظة على آدابا.
وأحسن الراقبةَ لليلة القدر الت هي خي من ألف شهر وهي الليلة الباركة الت يفرق فيها كل أمر
حكيم ومن كوشف با رأى النوار الساطعة ،وأبواب السماء مفتحة واللئكة تصعد وتنل وربا رأى
الوجودات كلها ساجدة ل تعال الذي خلقها ،وجهور العلماء على أنا ف العشر الواخر من رمضان،
وف الوتار منها أرجى ،وقد كوشف با بعض العارفي ليلة السابع عشر وإليه ذهب السن البصري،
وقال بعض العلماء :إنا أول ليلة من رمضان وذهب جاعة من الكابر إل أنا ليست ليلة مصوصة
ولكنها تنتقل ف ليال رمضان ،قالوا والسر ف ذلك أن يصي الؤمن ف كل ليلة من هذا الشهر ف غاية
القبال على ال تعال وعلى طاعته رجاء أن يصادف هذه الليلة الت قد أبمت عليه وال أعلم.
(وعليك) بتعجيل الفطور عند تيقن الغروب وتأخي السحور ما ل تش الوقوع ف الشك،
وبتفطي الصائمي ولو على ترات أو شربة من الاء؛ فإن من فطر صائما كان له مثل أجره ل ينقص ذلك
من أجره شيئا ،واجتهد أن ل تفطر ول تفطر صائما إل على طعام حلل.
(وعليك) بالتقليل من الكل ،وتناول الوجود من اللل من غي إيثار للطيب اللئم ،فإن
مقصود الصوم كسر الشهوة ،والتساع ف الكل وقصد الطيبات ل يكسرها ولكنه يقويها ويهيجها.
(وعليك) بصيام اليام الت ورد الشرع بالترغيب ف صيامها كيوم عرفة لغي الاج ،ويوم
عاشوراء ،وتاسوعاء ،والست من شوال ،وابتدئ فيها من ثان يوم العيد؛ فإن ذلك أبلغ ف رياضة النفس.
(وعليك) بصيام ثلثة أيام من كل شهر فإن ذلك يعدل صيام الدهر .وإن تريت له اليام البيض
فهو أحسن؛ لنه عليه الصلة والسلم كان ل يدع صيامها حضرا ول سفرا.
(وعليك) بالكثار من الصوم مطلقا ول سيما ف الوقات الفاضلة كالشهر الرم واليام
الشريفة كالثني والميس.
(واعلم) أن الصيام قطب الرياضة وأساس الجاهدة وقد ورد أن الصوم نصف الصب ،وقال رسول
ال صلى ال عليه وسلم" :كل عمل ابن آدم يضاعف له السنة بعشر أمثالا إل سبعمائة ضعف" قال ال
تعال" :إل الصيام فإنه ل وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي" "للصائم فرحتان فرحة
عند فطره وفرحة عند لقاء ربه" "وللوف فم الصائم أطيب عند ال من ريح السك" وال يقول الق
وهو يهدي السبيل.
فصــل
(وعليك) بالبادرة إل أداء ما فرض ال عليك من الج والعمرة عند الستطاعة ،وإياك والتأخي
بعد حصولا فربا عجزت أو مت بعد التمكن فيستقر الوجوب ف ذمتك وتعد به مقصرا وقد قال عليه
الصلة والسلم" :من ل تبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ومات ول يج فليست إن
شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا".
(وعليك) عند القدرة بالتطوع بالج والعمرة كغيها من القربات؛ فقد ورد عن ال تعال أنه
قال" :إن عبدا قد صححت جسمه وأكثرت ماله تأت عليه خسة أعوام ول يغدو علي لعبد سوء"
الديث بعناه.
(وعليك) عند إرادتك السي إل الج بتعلم واجباته وسننه وأذكاره ،وبتعلم أدلة القبلة ورخص
السفر وآدابه وما يقال فيه من الذكار ،ول تعل قصدك الج مشتركا بينه وبي التجارة بل ينبغي أن ل
يصحبك شيء من متاع الدنيا إل ما تقصد إنفاقه ف مدة سفرك وإن كان ولبد فاجتنب أخذ ما يشغلك
عن أداء الناسك على وجهها وتعظيم شعائر ال كما ينبغي.
(وعليك) بزيارة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فإن زيارته عليه السلم بعد وفاته كزيارته ف
حياته وهو صلى ال عليه وسلم حي ف قبه وكذلك سائر النبياء ،ومن الفاء أن تج بيت ال وتترك
زيارة حبيب ال لغي عذر ناجز.
(واعلم) أنك لو جئت على رأسك من أقصى بلد السلم لزيارته صلى ال عليه وسلم ل تقم
بشكر نعمة الداية الت أوصلها ال إليك على يده.
(وعليك) إذا أردت الشروع ف أمر مهم كالسفر والزواج ونوها بشاورة من تثق بعرفته
وأمانته من إخوانك ،ث إذا صادفت إشارته ما النفس فعليك بصلة ركعتي من غي الفريضة بنية
الستخارة ،وادع بعدها بالدعاء الشهور .قال عليه الصلة والسلم" :ما خاب من استخار وما ندم من
استشار".
(وعليك) إذا نذرت ل نذرا من صلة أو صدقة أو غي ذلك من القربات بالبادرة بالوفاء به،
ول تتعود الكثار من النذر؛ فإن الشيطان ربا أغراك بذلك ليوقعك ف الخلل.
وإذا حلفت على فعل شيء ث رأيت الي ف تركه ،أو على ترك شيء ث رأيت الي ف فعله ،فكفر
عن يينك وأت الذي هو خي.
(واحذر) أن تلف أو تشهد على مقتضى الظن وإن كان غالبا ،فضلً عن الوهم والشك .وإذا
أخذت مال مسلم بيمينك فالواجب عليك رد ما أخذته وتكفي يينك ،وكفارتا إطعام عشرة مساكي
لكل مسكي مد أو كسوتم أو ترير رقبة فإن ل تد فصيام ثلثة أيام.
(وإياك ث إياك) واليمي الفاجرة ،فإنا تدع الديار بلقع -أي خرابا .وتغمس صاحبها ف نار
جهنم.
(والذر كل الذر) من شهادة الزور؛ فإنا من أكب الكبائر وقد قرنا عليه الصلة والسلم
بالشراك بال ،وإذا كان كتمان الشهادة من العظائم فما الظن بافترائها .نسأل ال العافية والسلمة قبل
حصول الندامة.
فصــل
(وعليك) بالورع عن الحرّمات والشبُهات؛ فإن الورع ملك الدين ،والذي عليه الدار عند
العلماء العاملي .وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :كل لم َنَبتَ من سُحت فالنار أول به" وقال
عليه الصلة والسلم" :من اتقى الشبهات فقد استبأ لدينه وعرضه ومن وقع ف الشبهات وقع ف الرام".
(واعلم) أن الذي يتناول الرام والشبهات قلّ أن يوفق لفعل العمل الصال ،وإن وفق له ظاهرا
فل بد أن يعرض له من الفات الباطنة ما يفسده عليه كالعُجب والرياء.
وعلى كل حال فالذي يأكل الرام عمله مردود عليه؛ لن ال طيب ل يقبل إل طيبا.
وبيان ذلك أن العمال ل يتصور فعلها إل بركات الوارح ،وحركات الوارح ل تستطاع إل
بالقوة الكتسبة من الغذاء ،فإذا كان الغذاء خبيثا كانت القوة والركات التولدة منه خبيثة ،قال عبد ال
بن عمر رضي ال عنهما :لو صليتم حت تكونوا كالنايا ،وصمتم حت تكونوا كالوتار ل يتقبل ال ذلك
منكم إل بورع حاجز( .وروي) مرفوعا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم" :من اشترى ثوبا بعشرة
دراهم وفيها درهم من حرام ل يتقبل ال له صلة ما دام عليه شيء منه" وإذا كان هذا حكم الثوب الذي
عشر ثنه من حرام فكيف يكون الال لو كان كله كذلك! وإذا كان هذا ف اللبوس الذي هو على
ظاهر السد فما الظن به ف الغذاء الذي يتخلل العروق والوصال ويسري ف سائر البدن؟
(واعلم) أن الحرمات قسمان:
(أحدها) شيء مرم لعينه كاليتة والدم والمر ونو ذلك ،وهذا النوع ل يل بوجه من الوجوه إل
عند الضطرار وهو توقف بقاء النفس الحترمة على تناوله مع فقدان غيه.
(والثان) حلل ف نفسه كالنطة والاء الطاهر ولكنه ملوك لغيك فل يزال مرما عليك حت يصي
إليك من وجه سائغ ف الشرع كالبيع والبة والرث ونو ذلك.
وأما الشبهات فهي درجات (فمنها) ما ُتُيقّن تريه وشُك ف حله وهذه الشّبه حكمها حكم
الرام.
(ومنها) ما تيقن حله وشك ف تريه وهذه الشبه تركها من الورع.
(ومنها) ما هو بي ذلك كالذي يتمل أن كون حللً ويتمل أن يكون حراما .وقد قال عليه
الصلة والسلم" :دع ما يريبك إل ما ل يريبك".
وإنا يستدل على ورع الرجل بإحجامه عن المر الشكل حت يتضح ،ول يكون العبد من التقي
حقا حت يترك اللل الحض الذي يشى عند تناوله الوقوع ف ما وراءه من الشبهات والرام .وقد قال
صلى ال عليه وسلم" :ل يبلغ العبد درجة التقي حت يترك ما ل بأس به حذرا ما به بأس" وقالت
الصحابة رضوان ال عليهم :كنا نترك سبعي بابا من اللل مافة الوقوع ف الرام ،وهذا أمر قد تُودّع
منه من زمان قدي فمن لنا بورع يجزنا عن الشبهات والحرمات فل حول ول قوة إل بال.
(وعليك) بعرفة جيع ما حرم ال عليك لتجتنبه فإن من ل يعرف الشر يقع فيه.
(واعلم) أنه ل يُخشى على ذي دين من وقوعه ف تناول الحرمات العينية كأكل ما ل يل أكله
من اليوانات ،ول ف أخذ أموال الناس عدوانا وظلما بالغصب والنهب والسرقة؛ فإن ذلك إنا يصدر
غالبا من جبار عنيد أو شيطان مريد ،وإنا دخل الشتباه على أهل الدين من حيث إهالم النظر ف ثلثة
أمور:
"الول" ترك التفتيش ف موضعه ،وبيان ذلك أن الناس ينقسمون بالنسبة إليك ثلثة أشخاص:
"شخص" معروف عندك بالي والصلح فكل من طعامه وعامله إذا شئت ول تسأل.
"والثان" شخص مهول عندك ول تعرفه بي ول بشر ،فإذا أردت أن تعامل هذا أو تقبل هديته
فمن الورع أن تسأل ،ولكن برفق حت إنك لو عرفت أنه ينكسر قلبه لذلك كان السكوت أفضل.
"والثالث" شخص معروف عندك بالظلم كالذي يعمل بالربا ويازف ف بيعه وشرائه ول يبال من
أي جهة يصل إليه الال ،فينبغي أن ل تعامل هذا رأسا ،وإن كان ول بد فقدم التفتيش والسؤال ،وهذا
كله من الورع حت تعلم أن اللل ف يده نادر عزيز فعند ذلك يب عليك الحتراز.
وإذا وصلت إليك عي تعلم أو ظن بعلمة ظاهرة أنا حرام أو شبهة فل تتوقف عن ردها وإن
وصلت إليك على يد أصلح الصالي.
(والمر الثان) عدم الحتراز من العاملت الفاسدة والكروة وطريق اللص أن تتنب جيع
البيوع الفاسدة والكروهة .فل تبع ول تشتري إل بصيغة صحيحة ،ول بأس بالعاطاة ف الحقرات،
واجتنب الغش والكذب واللف على السلع ،ول تكتم عيبا ف سلعتك لو اطلع عليه الشتري ل يشترها
بذلك الثمن.
(واحذر كل الذر) من العاملة بالربا؛ فإنه من الكبائر قال ال تعال (يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال
و َذرُوا ما بقي من الربا إن كنت مؤمني فإن ل تفعلوا فأذنوا برب من ال ورسوله) وقد لعن رسول ال
صلى ال عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده.
وجلة القول ف الربا أنه يرم بيع النقد بثله كالفضة بالفضة والطعوم بثله كالنطة بالنطة إل مِثْ ً
ل
بثل يدا بيد ،فإن اختلف النوع كالذهب بالفضة والتمر بالنطة جاز التفاضل ووجب التقابض ف الال،
ول ربا ف بيع اليوان باليوان والثوب بالثوب والطعم بالنقد.
(وإياك) والحتكار وهو أن تشتري طعاما تعظم الاجة إليه وتدخره بنية الغلء.
(والمر الثالث) النماك ف شهوات الدنيا والتبسط ف ملذوذاتا ،فعند ذلك يعسر الورع ويضيق
اللل فإن هذا سرف واللل ل يتمل السرف ،وأما من غرضُه من الدنيا أخذ قدر الضرورة أو الاجة
فالورع ميسر له.
قال حجة السلم نفع ال به :وإذا قنعت ف السنة بقميص خشن ،وف اليوم والليلة برغيفي من
الشكار ل يعوزك من اللل ما يكفيك؛ فإن اللل كثي ،وليس عليك أن تتيقن باطن المور بل عليك
أن تترز من كل ما تعلمه حراما أو تظنه ظنا حصل من علمة ناجزة مقرونة بالال انتهى.
وإذا حاك ف نفسك شيء فمن الورع اجتنابه وإن أحله ظاهر العلم؛ فإن الث ما حاك ف النفس
وتردد ف الصدر وإن أفتاك الفتون كما قال عليه الصلة والسلم ،وهذا خاص بن له قلب مستني ،وف
جانب الكف دون الخذ.
ول تسب أن الورع خاص بالطعوم واللبوس ،بل هو عام ف جيع المور ولكن ينبغي لك إذا
كان ف يدك حلل وأحل منه أو حلل وشبهة أن تقدم الطعوم با كان أحل أو أطيب؛ فإن الدار كله
على الغذاء ،وللطّعمة من اللل أثر كبي ف تنوير القلب ونشاط الوارح للعبادة ،وقد قال بعض السلف:
كل ما شئت فمثله تعمل .وقال إبراهيم بن أدهم رحه ال تعال :أطب مطعمك وما عليك أن ل تقوم
الليل ول تصوم النهار .فاعلم ذلك! وبال التوفيق.
فصــل
(وعليك) بالمر بالعروف والنهي عن النكر فإنه القطب الذي عليه مدار الدين ،ولجله أنزل
ال الكتب وأرسل الرسلي ،وقد انعقد على وجوبه إجاع السلمي ،وتظاهرت نصوص الكتاب والسنة
على المر به والتحذير من تركه .قال ال تعال( :ولتكن منكم أمة يدعون إل الي ويأمرون بالعروف
وينهون عن النكر وأولئك هم الفلحون).
وقد وصف ال الؤمني ف غي موضع من كتابه بالمر بالعروف والنهي عن النكر ،و حظهم ف
بعض الواضع على اليان ،وف بعضها على إقامة الصلة وإيتاء الزكاة ،وقال تعال( :لُعن الذين كفروا من
بن إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مري ذلك با عصوا وكانوا يعتدون كانوا ل يتناهون عن منكر
فعلوه لبئس ما كانوا يعملون) وقال تعال( :واتقوا فتنة ل تصيب الذين ظلموا منكم خاصة) الية.
وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :من رأى منكم منكرا فليغيه بيده فإن ل يستطع فبلسانه
فإن ل يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليان".
وقال صلوات ال وسلمه عليه" :والذي نفسي بيده لتأمر ّن بالعروف ولتنهونّ عن النكر أو
ليوشكن ال أن يبعث عليكم عذابا منه ث تدعونه فل يستجيب لكم".
وقال عليه الصلة والسلم" :ليس منا ل يرحم صغينا ويوقر كبينا ويأمر بالعروف وينهى عن
النكر".
(واعلم) أن المر بالعروف والنهي عن النكر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الرج عن
الباقي ،واختص الثواب بالقائمي به ،وإذا ل يقم به أحد عم الرج كافة العالي به القادرين على إزالته.
والواجب عليك إذا رأيت من يترك معروفا أو يفعل منكرا أن تعرفه بكون ذلك معروفا أو منكرا،
فإن ل يدعه فعليك بوعظه وتويفه ،فإن ل ينجر فعليك بتغييه وقهره بالضرب وكسر آلة اللهو الحرمة
وإراقة المر ورد الموال الغصوبة من يده إل أربابا .وهذه الرتبة ل يستقل با إل من بذل نفسه ل ،أو
كان مأذونا له من جهة السلطان ،وأما الرتبتان الولتان أعن التعريف والوعظ فل يقصر عنهما إل جاهل
مبّط أو عال مفرّط.
(واعلم) أن المر بالعروف واجب ،والنهي عن الحرم واجب والمر بالندوب والنهي عن
الكروه مستحب.
(وعليك) إذا أمرت بعروف أو نيت عن منكر ول يُسمع لك ،بفارقة موضع النكر وهجر
مرتكبه حت يفيء إل أمر ال.
(وعليك) بكراهة العاصي وكراهة الصرين عليها وبغضهم ف ال وهذا واجب كل مؤمن.
وإذا ظُلمت أو شُتمت فظهر عليك من الغضب وتغي الوجه ووجدت من كراهة الفعل والفاعل ما
ل يكون مثله ول أعظم منه عند ساعك النكر ومشاهدته ،فتحقق أنك ضعيف اليان وأن عرضك
ومالك أعز عليك من دينك.
وإذا علمت وتققت أنك إذا أمرت بعروف أو نيت عن منكر ل يستمع لك ول يقبل منك أو
علمت أنه يصل عليك بسببه ضرر ظاهر ف نفسك أو مالك جاز لك السكوت وصار المر والنهي بعد
أن كان واجبا من الفضائل العظيمة الدالة من فاعلها على مبة ال وإيثاره على من سواه ،وأما إذا علمت
أن النكر يزيد بسبب النهي أو يتعدى الضرر إل غيك من السلمي فالسكوت حينئذ أول وربا وجب.
(وإياك) والدهن َة فإنا من الرائم وهي أن يكون الامل لك على السكوت الوف من فوات
مال أو جاه أو نفع يكون من قبل الباشر للمنكر أو غيه من الفسقة.
(وعليك) إذا أمرت أو نيت بالخلص ل تعال ،والرفق وحسن السياسة ،وإظهار الشفقة؛ فما
اجتمعت هذه الصال ف عبد مع كونه عاملً با أمر به متنبا لا نى عنه إل كان لكلمه صولة وهيبة ف
الصدور ووقع ف القلوب وحلوة ف الساع وقل أن ُي َر ّد عليه مع هذا كلمه ،وكل من تقق براقبة ال
والتوكل عليه وتلّق بالرحة على عباده ل يقدر أن يلك نفسه عند مشاهدة النكر حت يزيله أو يال بينه
وبي ذلك با ل قدرة له على دفعه.
سسَ وهو طلب الوقوف على عورات السلمي ومعاصيهم الستورة ،قال عليه (وإياك) والتج ّ
السلم" :من تتبع عورة أخيه السلم تتبع ال عورته حت يفضحه ولو ف جوف بيته".
* * *
(واعلم) أن العصية إذا سترت ل تضر إل مرتكبها فإذا ظهرت ول تغي عم ضررها.
(وعليك) إذا تفاحش ظهور العاصي والنكرات ف موضع أنت فيه وأيست من قبول الق
بالعزلة فإن فيها السلمة ،أو بالجرة إل موضع آخر وهي أول فإن العذاب إذا نزل على موضع يعم
البيث والطيب ويكون للمؤمن الذي ل يقصر ف نصرة دين ال كفارة ورحة ولغيه عقابا ونقمة وال
أعلم.
فصــل
(وعليك) بالعدل ف رعيتك الاصة والعامة وكمال الفظ والتفقد لا؛ فإنه ال تعال سائلك
عنها وكل راع مسؤول عن رعيته .وأعن برعيتك الاصة جوارحك السبع وهي اللسان والسمع والبصر
والبطن والفرج واليد والرجل فإن هذه الوارح رعية استرعاك ال إياها وأمانة ائتمنك عليها فعليك بكفها
عن معصيته واستعمالا ف طاعته؛ فإن ال تعال إنا خلقها لك لتطيعه با وهي من أجل نعم ال عليك،
وشكرها أن تطيعه سبحانه با وأن ل تعصيه بشيء منها ،فإن تركت ذلك ول تفعله فقد بدلت نعمة ال
كفرا ،ولول أن ال تعال سخر لك هذه الوارح وجبلها على طاعتك لكنت ل تستطيع أن تعصي ال
بشيء منها ،وكل جارحة منها تقول لك بلسان حالا إذا أردت أن تعمل با معصية :يا عبد ال اتق ال
ول تكرهن على فعل ما حرم ال علي فإذا عصيت ال با ترجع إل ال وتقول قد نيته يا رب فلم يسمع
وأنا بريئة ما صنع ،وسوف تقف بي يدي ال تعال فتنطق جوارحك شاهدة لك با عملت با من خي،
وعليك با عملت با من شر ف يوم (ل مرد له من ال ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكي) (يوم ل
ينفع مال ول بنون إل من أتى ال بقلب سليم).
وأعن برعيتك العامة من جعل ال لك عليه ولية من ولد وزوجة وملوك فكل هؤلء من رعيتك،
والواجب عليك إرشادهم إل القيام با فرض ال عليهم من طاعته وما حرّم عليهم من معصيته ،واحذر أن
تسامهم ف ترك واجب أو ارتكاب مرم ،وادعُهم إل ما فيه ناتم وسعادتم ف الدار الخرة ،وأحسن
أدبم ول تغرس ف قلوبم حب الدنيا وشهواتا فتكون بذلك مسيئا إليهم ،وقد ورد أن أهل النسان
وولده يتعلّقون به بي يدي ال ،ويقولون :يا ربنا إن هذا ل يعرّفنا ما أوجبت علينا من حقك فاقتصّ لنا
منه.
(وعليك) بعاملتهم بالعدل والفضل ،أما العدل فهو أن توفّيهم حقوقهم الت أوجبها ال لم
عليك من النفقة والكسوة والعاشرة بالعروف ،ومن العدل الواجب أن تردع بعضهم عن ظلم بعض
وتقتص لظلومهم من ظالهم وف الديث" :إن العبد يكتب جبارا وما يلك إل أهل بيته" يعن فيجور
عليهم.
وأما الفضل فهو أن ل تستقصي عليهم ف طلب القوق الت أوجبها ال لك عليهم ،وأن ترفق بم
وتالقهم بالخلق الكرية وتباسطهم ف بعض الوقات من غي إث بقدر ما تزول الوحشة والتنفي وتبقى
اليبة والتوقي.
(وعليك) بالعفو عن مسيئهم والصفح عن جانيهم ،واجعلهم باطنا ف حل ما اختلسوه من
مالك ،فإنك سوف تد ذلك ف كفة حسناتك ،فل ينبغي أن يكون حظك منهم الثواب وحظهم منك
العقاب .وقد سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم :كم ُي ْغ َفرُ للرقيق ف كل يوم؟ قال" :سبعون زلة".
وهذه السامة إنا هي ف حقوقك ،وإما ف حقوق ال فل وجه لا.
وخُص النساء من أهل بيتك بزيد حفظ وتفقد فإنن ناقصات عقل ودين وعلمهن أحكام اليض
وفرائض الغسل والوضوء والصلة والصيام وحقوق الزواج وما يري مرى ذلك.
وقد تتسع رعية بعض العباد كالسلطي والعلماء ،وكل راع مسؤول عن رعيته .قال تعال (إن ال
يأمر بالعدل والحسان) الية وقال عليه الصلة والسلم" :اللهم من ول من أمر أمت شيئا فرفق بم
فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه" وقال عليه الصلة والسلم" :ما من وال يوت وهو غاش لرعيته
إل حرم ال عليه النة" الديث.
(وعليك) بب الوالدين فإنه من أوجب الواجبات وإياك وعقوقهما؛ فإنه من أكب الكبائر قال
تعال( :وقضى ربك أن ل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا) الية والت بعدها وقال تعال( :أن اشكر ل
ولوالديك) فانظر كيف قرن المر بالحسان إليهما بتوحيده وشكرها إياه بشكره فعليك بابتغاء
مرضاتما وامتثال أمرها ما ل يكن معصية ،واجتناب نيهما ما ل يكن طاعة واجبة ،وبإيثارها على
نفسك وتقدي مهماتما على مهماتك.
ومن العقوق أن تؤذيهما بقطع ما تستطيع إيصاله من العروف إليهما فكيف بتقطيب الوجه
والنتهار لما ،فقد قال عليه الصلة والسلم" :يوجد ريح النة من مسية ألف عام ول يده عاق ول
قاطع رحم ول شيخ زان ول مسبل إزاره خيلء ،إنا الكبياء ل رب العالي".
وقال عليه الصلة والسلم عن ال تعال" :من أصبح مرضيا لوالديه مسخطا ل فأنا عنه راض ومن
أصبح مسخطا لوالديه مرضيا ل فأنا عنه ساخط".
(وينبغي) للوالد أن يعي ولده على بره بعد الستقصاء عليه ف طلب القوق ،ول سيما ف هذا
الزمان الذي عز فيه وجود الب وعم فيه وجود الشر ،وصار الولد َيعُدّ أبر أولده من ل يسيء إليه منهم،
وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :رحم ال والدا أعان ولده على بره".
(وعليك) بصلة الرحم القرب فالقرب ،وبالحسان إل اليان الدن بابا فالدن .قال ال
تعال( :واعبدوا ال ول تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القرب واليتامى والساكي والار ذي
القرب والار النب والصاحب بالنب) الية.
وقد أمر ال بالحسان إل القرابة ف مواضع عديدة من كتابه العزيز .قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :الصدقة على القرابة صدقة وصلة" وقال عليه السلم" :من كان يؤمن بال واليوم الخر فليصل
رحه" وف حديث آخر" :من كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم جاره" .وقال عليه الصلة والسلم:
"ما زال جبيل يوصين بالار حت خشيت أنه سيورّثه".
ول تتم صلة الرحام والحسان إل اليان إل بكف الذى عنهم واحتمال الذى منهم وبذل
العروف حسب الستطاعة لم.
وقد قال عليه الصلة والسلم" :ليس الواصل بالكافئ إنا الواصل الذي إذا قطعت رحه وصلها"
وقال عليه الصلة والسلم" :وطنوا أنفسكم على أن تسنوا إذا أحسن الناس ول تسيئوا إذا أساءوا".
وبال التوفيق.
فصــل
(وعليك) بالب ف ال والبغض ف ال فإنه من أوثق عرى اليان .وقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم" :أفضل العمال الب ف ال والبغض ف ال تعال" فإذا أحببت العبد الطيع ل لكونه مطيعا
أو أبغضت العاصي ل لكونه عاصيا ل لغرض آخر فأنت من يب ف ال ويبغض ف ال حقيقة ،وإذا ل
تد ف نفسك مبة لهل الي ليهم وكراهة لهل الشر لشرهم فاعلم أنك ضعيف اليان.
(وعليك) بصاحبة الخيار واعتزال الشرار ومالسة الصالي ومانبة الظالي .قال عليه الصلة
والسلم" :الرة على دين خليله فلينظر أحكم من يالل" .وقال عليه الصلة والسلم" :الليس الصلح
خي من الوحدة ،والوحدة خي من الليس السوء".
(واعلم) أن مالطة أهل الي ،ومالستهم تزرع ف القلب مبة الي وتعي على العمل به ،كما
أن مالطة أهل الشر ومالستهم تغرس ف القلب حب الشر وحب العمل به ،وأيضا فإن من خالط قوما
وعاشرهم أحبهم ضرورةً سواء كانوا أخيارا أو أشرارا والرء مع من أحب ف الدنيا والخرة.
(وعليك) بالرحة لعباد ال والشفقة على خلق ال ،وكن رحيما شفيقا ألوفا مألوفا ،واحذر أن
تكون فظا غليظا أو فاحشا جافيا ،قال عليه الصلة والسلم" :إنا يرحم ال من عباده الرحاء ومن ل
يرحم ل يرحم" وقال عليه السلم" :الؤمن ألوف مألوف ول خي فيمن ل يألف ول يؤلف".
(وعليك) بتعليم الاهلي وإرشاد الضّالي وتذكي الغافلي ،واحذر أن تذع ذلك قائلً إنا يعلم
ويذكر من يعمل بعلمه وأنا لست كذلك ،أو إن لست بأهل للرشاد لنه من أخلق الكابر ،وهذا كله
تلبيس من الشيطان؛ فإن العليم والتذكي من جلة العمل بالعلم ،والكابر ما كانوا أكابر إل بفضل ال
والعمل بطاعته وإرشادهم عباد ال إل سبيل ال ،وإذا ل تكن أهلً فليس لك طريق إل حصول الهلية
إل فعل الي والدعاء إليه وإنا الشؤم ف الدعوى والدعاء إل غي القّ.
(وعليك) بر قلوب النكسرين ،وملطفة الضعفاء والساكي ،ومواساة القلي ،والتيسي على
العسرين ،وإقراض الستقرضي ،وف الديث أن ثواب القرض يزيد على ثواب الصدقة بثمانية أضعاف؛
وذلك أن القرض ل يأخذه إل متاج.
(وعليك) بتعزية من نزلت به مصيبة قال عليه السلم" :من عزى مصابا أي صبه كان له مثل
أجره".
(وإياك) والشماتة بأحد من السلمي وهي أن تفرح با ينل به من الصائب .قال عليه الصلة
والسلم" :ل تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه ال ويبتليك" واحذر أن تعيّر مسلما بذنب وقع فيه فإن من عي
مسلما بذنب ل يت حت يبتلى بثل ما عيه به.
(وعليك) بالتفريج عن الكروبي ،وقضاء حوائج الحتاجي ،وستر عورات الذنبي ،قال عليه
الصلة والسلم" :من يسر على معسر يسر ال عليه ،ومن ستر مسلما ستره ال ف الدنيا والخرة ،ومن
فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج ال عنه كربة من كرب يوم القيامة ،ومن كان ف حاجة أخيه
كان ال ف حاجته وال ف عون العبد ما كان العبد ف عون أخيه".
(وعليك) بإماطة الذى عن طريق السلمي؛ فإن ذلك من شعب اليان وف الديث قال النب
ل يتقلب ف النة ف غصن شوك قطعه من طريق السلمي". صلى ال عليه وسلم" :رأيت رج ً
(وعليك) برحة اليتيم والسح على رأسه .قال عليه السلم" :من مسح على رأس يتيم كتب ال
له بكل شعرة مرت عليها يده عشر حسنات" واجتهد ف إدخال السرور على قلوب الؤمني بكل أوجه
أمكنك ما ل يكون إثا.
(وعليك) بالشفاعة لكل من سألك أن تشفع له ف حاجة إل من لك عنده جاه؛ فإن ال يسأل
العبد عن جاهه كما يسأله عن ماله ،وإذا توجه على عبد شيء من الدود الشرعية كحد الزنا والسرقة
فاحذر أن تشفع له؛ فإن الشفاعة ف الدود غي جائزة ،وإذا شفعت شفاعة فأهديت لك بسببها هدية فل
تقبلها فإنا رشا.
(وعليك) بالتبسم ف وجوه الؤمني ،وطلقة الوجه وإظهار البشر لم ،وطيب الكلم معهم،
ولي الانب وخفض الناح لم .قال ال تعال لنبيه (واخفض جناحك للمؤمني) وقال عليه الصلة
والسلم" :ل تقرن من العروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" وقال عليه الصلة والسلم:
"الكلمة الطيبة صدقة" ومن الأثور :إذا التقى السلمان فتصافحا قسمت بينهما مائة رحة تسعة وتسعون
منها لكثرها بِشْرا.
واحذر أن تجر مسلما لظ نفسك فإن اقتضت الصلحة الدينية هجره ،فل تجره فوق ثلثة أيام.
فقد قال عليه الصلة والسلم" :من هجر أخاه فوق ثلث أدخله ال النار إل أن يتداركه ال برحته".
ومل هذا إذا كان الجر للتأديب فأما إذا كان لتيانه باطلً أو تركه حقا فل آخر له إل برجوعه إل
الق.
(وعليك) بإظهار الفرح والستبشار بكل ما يتجدد للمسلمي من السار ،كنول المطار،
ورخاء السعار ،وظهورهم على الباغي والكفار.
(وعليك) بالزن والغتمام بسبب ما ينل بم من البليا كالوباء والغلء والفت ،وتوجه إل ال
ف أن يكشف ذلك عنهم مع التسليم لقضائه وقدره .وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :من ل
يهتم بأمر السلمي فليس منهم" .وقال صلوات ال عليه" :مثل الؤمني ف توادهم وتعاطفهم مثل السد
الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر السد بالسهر والمى".
(وعليك) إذا أسدى إليك مسلم معروفا بقبوله منه وشكره ومكافأته عليه فإن ل تقدر عليها أو
كان من توحشه الكافأة فعليك بالدعاء له .وقد قال عليه الصلة والسلم" :لو أهدي إل ذراع أو كراع
لقبلت ولو دعيت إل ذراع أو كراع لجبت" وقال" :من اصطنع إليكم معروفا فكافئوه فإن ل تقدروا
على ذلك فادعوا له حت تعلموا أنكم قد كافأتوه" وقال عليه السلم" :من قال لن أسدى إليه معروفا
جزاك ال خيا فقد أبلغ ف الثناء".
(وإياك) أن تكسر قلب مسلم برد صنيعته عليه ،وأنت تعلم أن الواصل إليك على يده إنا هو من
ال حقيقة وإنا هو واسطة مسخر مقهور وف الديث :من أتاه شيء من غي مسألة ول استشراف نفس
فرده فإنا يرده على ال".
وف الرد آفة عظيمة وهي أن العامة مبولون على تعظيم من يرد صلتم عليهم ،فربا كان الامل
لبعض النساك على الرد التظاهر بالزهد؛ حرصا منه على حصول النلة عندهم ،ومن ههنا كان بعض
الحققي يأخذ من أيدي الناس ظاهرا ث يتصدق به سرا.
وقد يب الرد ف مسائل ،وقد يندب:
"منها" أن يمل إليك ما تعلم أو تظن بعلمة أنه حرام ،أو تمل إليك صدقة واجبة على ظن أنك
من أهلها وأنت لست كذلك.
"ومنها" أن يكون السدي إليك ظالا مصرا على الظلم وتشى إذا قبلت معروفه أن قلبك ييل إليه
أو تداهنه ف الدين أو يغلب على ظنك أنك مت قبلت شيئا يصي بيث ل يقبل منك ما تلقيه إليه من
الق.
"ومنها" أن تعلم من حال إنسان أنه يقصد بصلته إضللك عن سبيل ال بساعدته على باطل أو
ترك حق ،ومن هذا القبيل ما يأخذه القاضي والعامل وغيها من ولة المور من الصمي أو أحدها إذا
ترافعا إليهم ،وهذا هو الرشا الحرم ،وله تتمات مذكورة ف مواضعها فعليك بالرد ف جيع هذه السائل
الذكورة.
(واحذر) أن تدعو على نفسك أو على ولدك أو على مالك أو على أحد من السلمي وإن ظلمك؛
فإن من دعا على من ظلمه فقد انتصر .وف الب "ل تدعوا على أنفسكم ول على أولدكم ول على
أموالكم ل توافقوا من ال ساعة إجابة".
(وإياك) أن تؤذي مسلما أو تسبه بغي حق فقد قال عليه الصلة والسلم" :من آذى مسلما فقد
آذان ومن آذان فقد آذى ال" وقال عليه السلم" :سباب الؤمن فسوق وقتاله كفر".
واحذر أن تلعن مسلما أو بيمة أو جادا أو شخصا بعينه وإن كان كافرا إل إن تققت أنه مات
على الكفر كفرعون وأب جهل أو علمت أن رحة ال ل تناله بال كإبليس .وقد ورد أن اللعنة إذا
خرجت من العبد تصعد نو السماء فتغلق دونا أبوابا ث تنل إل الرض فتغلق دونا أبوابا ث تيء إل
اللعون فإن وجدت فيه مساغا وإل رجعت على قائلها.
(وعليك) بالتأليف بي قلوب الؤمني وتبيب بعضهم إل بعضهم بإظهار الحاسن وستر
القبائح.
(وعليك) بإصلح ذات بينهم فإن ف الصلح فضلً يزيد على فضل النفل من الصلة والصيام
ول سيما بي الوالد وولده والقريب وقرابته .قال ال تعال( :إنا الؤمنون إخوة فأصلحوا بي أخويكم).
(وإياك) وإفساد ذات البي بالنميمة والغيبة ونوها ما يوجب التنافر والتدابر؛ فإن ذلك عند ال
تعال عظيم.
أما النميمة فهي أن تنقل كلم إنسان لنسان تقصد بذلك الفساد بينهما .وقد قال صلى ال عليه
وسلم" :ل يدخل النة نام" وقال عليه السلم" :أبغضكم إل ال تعال الشاءون بي الحبة بالنميمة
الفرقون بي الخوان".
وأما الغيبة فهي أن تذكر إنسانا ف غيبته با يكرهه لو كان حاضرا تقصد بذلك تنقيصه ،وسواء
حصل التفهيم بالنطق أو الشارة أو الكتابة .وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :كل السلم على
السلم حرام دمه وماله وعرضه" وقال عليه السلم" :الغيبة أشد من الزن" ،وأوحى ال إل موسى عليه
السلم :من مات تائبا من الغيبة فهو آخر من يدخل النة ،ومن مات مصرا عليها فهو أول من يدخل
النار.
(وإياك) والظلم فإنه ظلمات يوم القيامة ول سيما ظلم العباد فإنه الظلم الذي ل يتركه ال .وقد
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :إن الفلس من أمت من يأت يوم القيامة بسنات كثية ويأت وقد
ضرب هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من
سيئاتم فطرحت على سيئاته ث يقذف به ف النار" فإن وقعت ف ظلم أحد فبادر بالروج منه بالتمكي
من القصاص إن كان من الظال النفسية ،وبطلب الحلل إن كان من الظال العرضية ،وبرد ما أخذته إن
كان من الظال الالية ،وف الديث" :من كانت عليه لخيه مظلمة فليستحل منه قبل أن يأت يوم ل دينار
فيه ول درهم إنا هي السنات والسيئات" فإن تعذر عليك رد بعض الظال حت ل يكن بال فعليك
بصدق اللجأ إل ال تعال والفتقار والضطرار ف أن يرضي عنك خصمك ،وبالكثار لن ظلمته من
الدعاء والستغفار.
(وعليك) بالذب عن دماء السلمي وأعراضهم وأموالم ف غيبتهم وحضورهم كما تذب عن
نفسك وف ذلك كله فإن من نصر مسلما نصره ال ومن خذل مسلما خذله ال.
فصــل
وعليك بالنصح لكل مسلم ،وغايته أن ل تكتم عنه شيئا ترى ف إظهاره له حصولً على خي أو
ناة من شر .قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "الدين النصيحة".
ومن النصح أن تكون لكل مسلم ف غَيبته كما تكون له ف حضوره ،وأن ل تظهر له من الودة
بلسانك فوق ما يضمره قلبك .ومنه إذا استشارك مسلم ف شيء وعرفت أن الصواب ف خلف ما ييل
إليه أن تبه به.
وما يدل على خلف النصح السد للمسلمي على ما آتاهم ال من فضله .وأصله أن يشق عليك
إنعام ال تعال على عبد من عبيده بنعمة ف دينه أو دنياه وغايته أن تتمن زوال النعمة عنه ،وقد ورد أن
"السد يأكل السنات كما تأكل النار الطب" والاسد معترض على ال ف ملكه وتدبيه وكأنه يقول
بلسان حاله :يا رب إنك وضعت النعمة ف غي موضعها ول بأس بالغبطة وهي أن ترى نعمة من ال على
عبد من عبيده فطلب منه سبحانه مثلها.
(وعليك) إذا أثن عليك أحد بكراهية الثناء بقلبك ،ث إن أثن عليك با فيك فقل المد ل الذي
أظهر الميل وستر القبيح ،وإن أثن عليك با ليس فيك فقل كما قال بعض السلف :اللهم ل تؤاخذن با
يقولون واغفر ل ما ل يعلمون واجعلن خيا ما يظنون.
وأما أنت فل تثن على أحد إل إن علمت أنه يزداد بثنائك نشاطه ف الي ،أو كان فاضلً ل
يعرف فضله فأثنيت عليه للتعريف بفضله بشرط السلمة من الكذب ف جهتك ،ومن الغترار ف جهة
من تثن عليه.
(وعليك) إذا أردت أن تنصح إنسانا ف أمر بلغك عنه باللوة به والتلطف له ف القول له ول
تعدل إل التصريح مع إمكان التفهيم بالتلميح فإن قال لك من بلغك عن هذا؟ فل تبه كي ل تثي
العداوة بينه وبينه ،ث إن قبل منك فاحد ال واشكر له وإن ل يقبل فارجع على نفسك باللوم وقل لا يا
نفس السوء من قبلك أتيت ،فانظري لعلك ل تقومي بشرائط النصح وآدابه.
وإذا ائتمنك إنسان على شيء فعليك بفظه أشد ما تفظه لو كان ملكا لك.
(وعليك) بأداء المانة وإياك واليانة فيها وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ل إيان لن
ل أمانة له" وقال عليه السلم" :ثلث متعلقات بالعرش :النعمة تقول اللهم إن بك فل أكفر ،والرحم
تقول اللهم إن بك فل أقطع ،والمانة تقول اللهم إن بك فل أخان".
(وعليك) بصدق الديث وبالوفاء با عاهدت عليه ووعدت به فإن نقض العهود واللف ف
الوعود من أمارات النفاق وف الديث" :آية النافق ثلث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتن
خان" وف رواية" :وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر".
(وعليك) بالذر من الراء والدال فإنما يوغران الصدور ويوحشان القلوب ويولّدان العداوة
والبغضاء فإن ماراك أو جادلك مق فعليك بالقبول منه؛ لن الق أحق أن يتبع ،أو مبطل فعليك
بالعراض عنه؛ لنه جاهل وال تعال يقول( :وأعرض عن الاهلي).
(وعليك) بترك الزاح رأسا فإن مزحت نادرا على نية تطييب قلب مسلم فل تقل إل حقا قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ل تار أخاك ول تازحه ول تعِده موعدةً فتخلفه".
(وعليك) بإجلل السلمي وتوقيهم ل سيما أهل الفضل منهم كالعلماء والصلحاء والشرفاء
ومن له شيبة ف السلم.
(وإياك) أن تروع أحدا من السلمي أو تيفه أو تستهزئ به أو تسخر منه أو تنظر إليه بعي
الستحقار فإن هذا كله من الخلق الشؤومة والفعال الذمومة .وقد قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :بسب امرئ من الشر أن يقر أخاه السلم".
(وعليك) بالتواضع فإنه من أخلق الؤمني.
(وإياك) والتكب فإن ال ل يب التكبين ،ومن تواضع رفعه ال ومن تكب وضعه ال ،قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم" :ل يدخل النة من كان ف قلبه مثقال ذرة من كب" وقال عليه السلم" :الكب
بطر الق" يعن رده و"غمط الناس" يعن احتقارهم.
ومن نظر إل نفسه بعي التعظيم وإل غيه بعي الستصغار فهو من التكبين.
وللمتواضعي والستكبين أمارات تيز بعضهم عن بعض (ليميز ال البيث من الطيب).
فمن أمارات التواضع حب المول وكراهية الشهرة وقبول الق من جاء به من شريف أو وضيع.
ومنها مبة الفقراء ومالطتهم ومالستهم.
ومنها كمال القيام بقوق الخوان حسب المكان مع شكر من قام منهم بقه وعذر من قصر.
ومن أمارات التكب مبة التصدر ف الجالس والحافل والتقدم على القران وتزكية النفس والثناء
عليها والتشدق ف الكلم والتبجح بالباء والختيال والتبختر ف الشية وترك الوفاء بقوق الخوان مع
مطالبتهم بالقوق.
فصــل
(وعليك) بإقراء السلم على كل من تعرفه ومن ل تعرفه من السلمي ،وإذا سلمت على أحد
منهم فل يرد عليك فل تسيء به الظن ،وقل لعله ل يسمع أو لعله رد فلم أسعه.
وإذا دخلت بيتك فسلم على أهلك ،وإذا دخلت مسجدا أو بيتا وليس فيه أحد فقل :السلم علينا
وعلى عباد ال الصالي ،وإذا لقيت مسلما فاجتهد أن تبدأه بالسلم قبل أن يسلم عليك قيل لرسول ال
صلى ال عليه وسلم" :إذا لقي السلم السلم فأيهما يبدأ بالسلم؟؟ قال أولها بال" وف الديث" :يسلم
الراكب على الاشي ،والقائم على القاعد ،والصغي على الكبي ،والقليل على الكثي".
(وعليك) بتشميت العاطس إذا حد فإن ل يمد فذكره بقولك المد ل .ول تدخل على بيت
غيك حت تستأذن أولً فإن استأذنت ثلثا فلم يؤذن لك فل ُتعِد الستئذان ،وإذا ناداك مسلم فاجبه
بالتلبية.
وإذا دعاك إل طعامه فل تترك الجابة إل لعذر شرعي ،وإذا أقسم عليك أن تفعل شيئا أو تتركه
فِبرّ قسمه ما ل يكن فيه معصية ل .ول تسأل أحدا بال شيئا وإن سئلت بال شيئا فإياك أن تنع ،قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ملعون من سأل بال فلم يعط".
(وعليك) بعيادة الرضى ،وتشييع النائز ،وبزيارة إخوانك السلمي ف ال كلما اشتقت إليهم،
وبصافحتهم عند اللقاء ،وسؤالم عن أحوالم ،والسؤال عمن غاب منهم؛ فإن كان مريضا عدته ،وإن
كان ف شغل أعنته إن استطعت وإل دعوت له.
(وعليك) بسن الظن بميع السلمي واحذر أن تسيء الظن بأحد منهم ،قال عليه الصلة
والسلم" :خصلتان ليس فوقهما شيء من الي :حسن الظن بال وحسن الظن بعباد ال ،وخصلتان ليس
فوقهما شيء من الشر :سوء الظن بال ،وسوء الظن بعباد ال".
وغاية حسن الظن بالسلمي أن ل تعتقد الشر ف شيء من أفعالم وأقوالم وأنت تد له مملً ف
الي كالعاصي فنهاية حسن الظن برتكبيها أن تنهاهم عنها وتظن بم أن إيانم يملهم على النتهاء
عنها وترك الصرار عليها بالتوبة منها.
وغاية سوء الظن بالسلمي أن تعتقد السوء ف أفعالم وأقوالم الت ظاهرها الي (ومثال ذلك) أن
ترى مسلما يكثر الصلة والصدقة والتلوة فتظن به أنه ما فعل ذلك إل مرائيا للناس وحرصُا على الال
والاه وهذا الظن الفاسد ل يصدر إل من ذي طوية خبيثة وهو من أخلق النافقي وقد قال ال تعال ف
وصفهم( :الذين يلمزون الطوعي من الؤمني ف الصدقات) ،أي يرمونم بالرياء .وقال صلى ال عليه
وسلم" :أكثروا من ذكر ال حت يقول النافقون إنكم مراءون".
(وعليك) بالكثار من الدعاء والستغفار لنفسك ولوالديك وقرابتك وأصحابك خصوصا
ولسائر السلمي عموما فإن دعاء السلم لخيه بظهر الغيب مستجاب .وقال صلى ال عليه وسلم:
"دعوتان ليس بينهما وبي ال حجاب دعوة الظلوم ودعوة السلم لخيه بظهر الغيب".
وقال عليه السلم" :إذا دعا السلم لخيه بظهر الغيب قال اللك آمي ولك بثله" وقال ميمون بن
مهران رحه ال من استغفر لوالديه بعد كل مكتوبة فقد قام بالشكر لما الذي أمره ال به ف قوله( :أن
اشكر ل ولوالديك).
وورد أن من استغفر للمؤمني والؤمنات ف كل يوم سبعا وعشرين مرة كان من الذين يستجاب
دعاؤهم وبم يرزق العباد ويطرون وهذا وصف الولياء.
(واعلم) أن حقوق السلم على السلم كثية فإذا أردت القيام با على وجهها فعامل السلمي ف
غيبتهم وحضورهم با تب أن يعاملوك به وجاهد نفسك ووطّن قلبك على أن تب لم من الي ما تب
لنفسك وتكره لم من الشر ما تكره لنفسك .وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ل يؤمن أحدكم
حت يب لخيه ما يب لنفسه" وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :السلم للمسلم كالبنيان يشد
بعضه بعضا" ،وكالسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر السد بالسهر والمى".
وقال يي بن معاذ رحه ال :إذا ل تستطع أن تنفع السلمي فل تضرهم ،وإذا ل تستطع أن تسرهم
فل تسؤْهم وإذا ل تستطع أن تفرحهم فل تغمّهم ،وإذا ل تستطع أن تدحهم فل تذمهم ،وقال سيدي
ميي الدين عبد القادر اليلن رضي ال عنه :كن مع الق كأن ل خلق وكن مع اللق كأن ل نفس،
وقال بعض السلف :الناس مبتلى ومعاف فارحوا أهل البلء واشكروا ال على العافية والمد ل رب
العالي.
فصــل
(وعليك) بالتوبة من كل ذنب سواء كان صغيا أو كبيا ظاهرا أو باطنا؛ً فإن التوبة أول قدم
يضعها العبد ف طريق السلوك وهي أساس جيع القامات وال يب التوابي .قال ال تعال( :إن ال يب
التوابي ويب التطهرين) ،وقد قال ال سبحانه وتعال( :وتوبوا إل ال جيعا أيها الؤمنون لعلكم
تفلحون) ،وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :التائب من الذنب كمن ل ذنب له" ...الديث.
(واعلم) أن التوبة ل تصح بدون ترك الذنب والندم على فعله والعزم على أن ل تعود إليه ما
عشت.
وللتائب الصادق علمات منها رقة القلب وكثرة البكاء ولزوم الوافقة وهجر قرناء السوء ومواطن
الخالفة.
(وإياك) والِصرار وهو أن تذنب ث ل تتوب على الفور ،والواجب على كل مؤمن أن يترز من
العاصي صغائرها وكبائرها كما يترز من النيان الحرقة والياه الغرقة والسموم القاتلة ول يفعل الذنب
ول يقصده ول يتحدث به قبل وقوعه ول يفرح به بعد الوقوع ،فإذا وقع فيه كان الواجب ستره وكراهته
والبادرة بالتوبة منه ف الال .
(وعليك) بتجديد التوبة ف كل حي فإن الذنوب كثية والعبد ل يلو ف ظاهره وباطنه من
معاص عديدة وإن حسنت حالته واستقامت طريقته ودامت طاعته ،وحسبك أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم كان مع عصمته وكماله الطلق يتوب إل ال تعال ويستغفره ف كل يوم أكثر من سبعي مرة .
(وعليك) بالِكثار من الستغفار آناء الليل وآناءَ النهار ول سيما عند السحار ،وقد قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم" :من لزم الستغفار جعل ال له من كل همّ فرجا ،ومن كل ضيق مرجا ،ورزقه
من حيث ل يتسب".
وأكثِر أن تقول :رب اغفر ل وتب علي إنك أنت التواب الرحيم .فقد كانوا يعدون لرسول ال
صلى ال عليه وسلم من هذا الذكر البارك ف الجلس الواحد قريبا من مائة مرة .
(وعليك) بدعوة ذي النون عليه السلم وهي ل إله إل أنت سبحانك إن كنت من الظالي فقد
ورد أنا اسم ال العظم وأنه ل يقولا مهموم ول مغموم إل فرج ال عنه قال ال تعال( :فاستجبنا له
ونيناه من الغم وكذلك ننجي الؤمني) .
(وعليك) بالرجاء والوف فإنما من أشرف ثرات اليقي وقد وصف ال بما عباده السابقي
فقال وهو أصدق القائلي( :أولئك الذين يدعون يبتغون ال ربم الوسيلة أيّهم أقرب ويرجون رحته
ويافون عذابه إن عذاب ربك كان مذورا) وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ال تعال" :أنا عند
ظن عبدي ب فلْيظنّ ب ما يشاء" وقال عليه الصلة والسلم ،قال ال تعال" :وعزت وجلل ل أجع على
عبدي أمني ول خوفي إن هو أمِنَن ف الدنيا أخفته يوم أبعث عبادي وإن هو خافن ف الدنيا أمَنته يوم
أجع عبادي".
وأصل الرجاء معرفة القلب بسعة رحة ال وجوده وعظيم فضله وإحسانه وجيل وعده لن عمل
بطاعته فيتولد من هذه العرفة حالة فرح تسمى الرجاء .وثرته القصودة منه كثرة السارعة ف اليات،
وشدة الحافظة على الطاعات فإن الطاعة هي السبيل الوصلة إل رضوان ال وجنته.
وأما الوف فأصله معرفة القلب بلل ال تعال وقهره وغناه عن جيع خلقه وشديد عقابه وأليم
عذابه اللذين توعد بما من عصاه وخالف أمره فيتولد من هذه العرفة حالة وجَل تسمى الوف .وثرته
القصودة منه ترك العاصي وشدة الحتراز منها فإن العصية هي الطريق الوصلة إل سخط ال ودار
عقوبته.
وكل رجاء وكل خوف ل يملن على فعل الوافقات وترك الخالفات معدودان عند أرباب
البصائر من الترّهات والتهويسات الت ل حاصل لا ول طائل تتها فإن من رجا شيئا طلبه ومن خاف
شيئا ًهرب منه ل مالة.
(واعلم) أن الناس ثلثة "عبدٌ" قد أناب إل ربه واطمأنت نفسه به وانقشعت ظلمات شهواته
بإشراق أنوار قربه فلم تبق له لذة إلّ ف مناجاته ول راحة إل ف معاملته فصار رجاؤه شوقا ومبة وخوفه
تعظيما وهيبة" ،وعبدٌ" ل يأمن على نفسه من التقاعد عن الأمورات والركون إل الحظورات ،والذي
ينبغي لذا العبد استواء الوف والرجاء حت يكونا كجناحي الطائر .وف الديث" :لو وزن خوف الؤمن
ورجاؤه لعتدل" وهذا حال أكثر الؤمن .
"وعبدٌ" قد غلب عليه التخليط واستول عليه التفريط ،فاللئق به غلبة الوف عليه لينجر عن
العاصي إل عند الوت فينبغي أن يكون رجاؤه غالبا على خوفه لقوله عليه الصلة والسلم" :ل يوتن
أحدكم إل وهو يسن الظن بال".
(وعليك) إذا تكلمت ف الرجاء مع العامة بالقتصار على ذكر الرجاء القيد وهو أن تذكر
الوعد الميل والثواب الزيل التوقف على فعل السنات و ترك السيئات.
(واحذر) أن توض معهم ف الرجاء الطلق وذلك مثل أن تقول :العبد يذنب والرب يغفر ،ولول
الذنوب ل يظهر عفو ال وحلمه ،وما ذنوب الولي والخرين ف سعة رحة ال إل كنقطة ف بر لي
ونو ذلك .وهذا الكلم حق ولكنه يضر بالعامة وربا أغراهم بركوب العاصي فتكون أنت السبب ف
ذلك ،وما كل حق يقال ،ولكل مقام رجال.
(وإياك) والقنوطَ من رحة ال والمنَ من مكر ال فإنما من كبائر الذنوب قال تعال( :ومن يقنط
من رحة ربه إل الضالون) وقال( :فل يأمن مكر ال إل القوم الاسرون).
والقنوط عبارة عن تحض الوف حت ل يبقى للرجاء وجود البتة .
والمن عبارة عن ترد الرجاء حت ل يبقى للخوف وجود بال.
فالقانط والمن جاهلن بال واقعان ل مالة ف ترك الطاعة وفعل العاصي؛ فإن القانط يترك الطاعة
لنه يرى أنا ل تنفعه والمن يرتكب العصية بظنه أنا ل تضره نعوذ بال من درك الشقاء وسوء القضاء.
(وإياك) وأمان الغفرة القاطعةَ عنها وهي ما تسمعه على لسان طائفة من الغترين من قولم( :إن
ال يغفر الذنوب جيعا) وهو غنّ عنا وعن أعمالنا وخزائنه ملوءة بالي ورحته وسعت كل شيء ،مع
إصرارهم على فعل العاصي وترك العمال الصالة ،وكأنم يقولون بلسان أحوالم أن الطاعات ل تنفع
وإن العاصي ل تضر وهذا بتان عظيم ،وقد قال ال تعال( :فمن يعمل مثقال ذرة خيا يره ومن يعمل
مثقال ذرة شرا يره) وقال تعال( :ول ما ف السماوات وما ف الرض ليجزي الذين أساءوا با عملوا
ويزي الذين أحسنوا بالسن) وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :الكيس من دان نفسه وعمل لا
بعد الوت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتن على ال المان".
ولو أنك قلت لواحد من هؤلء الغرورين :اقعد عن الكسب والتجارة وال تعال يأتيك برزقك
لَسخِر منك ،وقال ما رأينا شيئا ًييئ إل بالسعي والطلب ،بل بالكدّ والنصَب ،مع أن ال تعال قد تكفل
له بالدنيا ول يتكفل له بالخرة فهل ذلك إل انعكاس وانتكاس على أم الرأس!
وقد قال السن البصري رحه ال :إن أمان الغفرة قد لعبت بأقوام حت خرجوا من الدنيا مفاليس،
يعن من العمال الصالة ،قال رحه ال :إن الؤمن جع إحسانا وخوفا ،وإن النافق جع إساءة وأمنا
فالؤمن ل يصبح إل خائفا ،ول يسي إل خائفا ،يعمل ويقول:لعلي أنو! والنافق يترك العمل ويقول
سواد الناس كثي وسوف يغفر ل .انتهى.
وقد كان النبياء والولياء مع كمال معرفتهم بال وحسن ظنهم به وصلح أعمالم وقلة ذنوبم أو
عدمها بالكلية ف غاية من الوف والشفاق (أولئك الذين هدى ال فبهداهم اقتده).
فصــل
(وعليك) بالصب فإنه ملك المور ول بد لك منه ما دمت ف هذه الدار وهو من الخلق
الكرية والفضائل العظيمة قال ال تعال( :يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصب والصلة إن ال مع
الصابرين) وقال تعال( :وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا) وقال تعال( :إنا يوف الصابرون أجرهم
بغي حساب) وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :الصب أمي جنود الؤمن" وقال عليه الصلة
والسلم" :ف الصب على ما تكره خي كثي" وف وصيته لبن عباس رضي ال عنهما "واعلم أن النصر مع
الصب وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا".
(واعلم) أن السعادة موقوفة على حصول القرب من ال وحصوله موقوف على اتباع الق
واجتناب الباطل أبدا ،والنفس مبولة بأصل فطرتا على كراهية الق واليل إل الباطل ،فل يزال من هه
تصيل السعادة ف حاجة إل الصب تارة بمل النفس على اتباع الق ،وأخرى بملها على اجتناب
الباطل.
والصب على أربعة أقسام (أولا) الصب على الطاعات ،ويصل باطنا بالخلص وحضور القلب
فيها ،وظاهرا بلزومها والدوام عليها والدخول فيها بنشاط والتيان با على الوجه الشروع.
ل وآجلً ،ومن لزم ويبعث على هذا الصب ذكر ما وعد ال على فعل الطاعات من الثواب عاج ً
الصب على هذا الوجه وصل إل مقام القرب وهناك يد ف الطاعات من اللوة واللذة والنس ما ل
يوصف ،وينبغي لن حصل له هذا المر أن ل يسكن إليه دون ال.
(وثانيها) الصب عن العاصي ويصل ظاهرا باجتنابا والبعد عن مظانا ،وباطنا بترك تدث النفس
ب ا وميله إلي ها؛ لن أول الذنوب خطرة .وأ ما تذ كر الذنوب ال سالفة فإن كان ي صل به خوف أو ندم
فهو حسن وإل فتركه أحسن ،ويبعث على هذا الصب تذكر ما توعد ال به على العاصي من العقاب
ل وآجلً ،ومن واظب على الصب على هذا الوجه أكرمه ال بوجود النفة من العاصي كلها حت عاج ً
يصي دخول النار أهون عليه من ارتكاب أدناها.
(وثالثها) الصب على الكاره وهي نوعان:
"الول" ما ي صل من ال بل وا سطة كالمراض والفات وذهاب الموال وموت العزة من
القارب والصحاب ،ويصل باطنا بترك الزع وهو التبم والتضجر ،وظاهرا بترك الشكوى إل اللق،
ول يناقضه وصف العلة للطبيب وفيضان العي عند الصيبة نعم يناقضه لطم الدود وشق اليوب والنياحة
ونو ذلك.
ويبعـث على هذا الصـب العلم بأن الزع مؤل فـ نفسـه وهـو مـع ذلك مفوت للثواب وموجـب
للعقاب ،وأن الشكوى إل من ل يستطيع أن ينفع نفسه ول أن يكشف عنها ضرا من الماقة وهذه صفة
كل ملوق ،ومع ذلك فالشكوى دالة على عدم الكتفاء بال الذي بيده ملكوت كل شيء ،وذكر ما ف
الصب على الصائب والعاهات والفاقات من الثواب وأن ال تعال أعلم با يصلح له من نفسه .وقد قال
ال تعال( :ولنبلونكم بشيء من الوف والوع ونقص من الموال والنفس والثمرات) إل قوله تعال:
(وأولئك هم الهتدون).
و من لزم ال صب على هذا الو جه ذو قه ال حلوة الت سليم وروّ حه برَوح الر ضا و سيأت إن شاء ال
تعال ذكر الرضا فيما بعد.
"والنوع الثان" من الكاره ما يكون من قِبَل اللق من الذى ف النفس أو العِرض أو الال.
ويصل كمال ال صب على ذلك بكف النفس عن بغض الؤذي إن كان مسلما ،وعن حبّ الشر
له ،و كف الل سان عن الدعاء عل يه وترك الؤاخذة له رأ سا؛ إ ما حلما واحتما ًل أو عفوا و صفحا اكتفاء
بنصرة ال ف الول ورغبة ف ثوابه ف الثان.
ويبعث على هذا الصب العل ُم با ورد ف فضل كظم الغيظ واحتمال الذى والعفو عن الناس ،قال
ال تعال( :فمن عفا وأصلح فأجره على ال إن ال ل يب الظالي) وقال تعال( :ولن صب وغفر إن لك
لن عزم المور).
وقال عليـه الصـلة والسـلم" :مـن كظـم غيظا ولو شاء أن ينفذه لنفذه مل ال قلبـه أمنا وإيانا".
وقال عليه السلم" :ينادي مناد يوم القيامة ليقم من أجره على ال فيقوم العافون عن الناس".
ومن لزم الصب على هذا الوجه أكرمه ال بسن اللق وهو رأس الفضائل وملك الكمالت.
وقال صلى ال عليه وسلم" :لشيء أثقل ف اليزان من حسن اللق وإن العبد لَيبلغ بسن خلقه
درجة صاحب الصلة والصيام".
وقال عليه السلم" :أحبكم إل وأقربكم من ملسا يوم القيامة أحسنكم ُخلُقا".
وقال ابن البارك رحه ال تعال :حسن اللق بسط الوجه وبذل العروف وكف الذى.
وقال المام الغزال ن فع ال به :ح سن اللق هيئة را سخة ف الن فس ت صدر عن ها الخلق الميلة
بسهولة.
(ورابع ها الصب عن الشهوات) و هي كل ما ت يل النفس إل يه من مباحات الدن يا ،ويصل كمال
الصب عنها بكف النفس باطنا عن التفكي فيها واليل إليها ،وظاهرا بكفها عن طلبها والتعريج عليها،
ويبعث على هذا الصب العلم با ف طلب الشهوات وتناولا من الشغل عن ال وعن عبادته ومن التعرض
للوقوع ف الشبهات والحرمات ومن هيجان الرص على الدنيا وحب البقاء فيها والتمتع بشهواتا ،قال
أبو سليمان الداران رحه ال ترك شهوة واحدة أنفع للقلب من عبادة سنة ومن أدمن الصب عن الشهوات
أكر مه ال بإخراج حب ها من قل به ح ت ي صي يقول ك ما قال ب عض العارف ي أشت هي أن أشت هي لترك ما
أشتهي فل أجد ما أشتهي وبال التوفيق.
فصــل
(وعليـك) بالش كر ل على ما أن عم به عل يك ،و ما بك من نع مة ف ظاهرك وباط نك ودي نك
ودنياك إل وهي من ال ،قال ال تعال( :وما بكم من نعمة فمن ال) ول عليك من النعم ما تعجز عن
ل عن القيام بشكره (وإن تعدوا نعمة ال ل تصوها) ولو أن الفقي الريض من عده وحده وإحصائه فض ً
الوحد ين تف كر في ما ل عل يه من الن عم لشغله أداء شكره عن مكابدة ال صب فعل يك ببذل ال ستطاعة ف
شكر ربك ث بالعتراف بالعجز عن القيام با يب عليك من شكره.
(واعلم) أن الشكـر سـبب لبقاء النعـم الوجودة ووسـيلة إل حصـول النعـم الفقودة .قال ال
تعال( :لئن شكرت لزيدنكم) وال تعال أكرم من أن ينع نعمه عن شاكر .وقال تعال( :ذلك بأن ال
ل يك مغَيّرا نع مة أنعمها على قوم ح ت يغيوا ما بأنف سهم) أي بترك الش كر عليها ،و قد أمر ال عباده
بشكره ف عدة موا ضع من كتا به ،قال ال تعال( :كلموا من طيبات ما رزقنا كم واشكروا ل إن كن تم
إياه تعبدون) وقال تعال( :كلوا من رزق ربكم واشكروا له) وقال عليه الصلة والسلم" :ليتخذ أحدكم
لسانا ذاكرا ،وقلبا شاكرا) وقال عليه السلم" :اليان نصفان نصف صب ونصف شكر).
(واعلم) أ نه ك ما ي ب عل يك أن تش كر ال على الن عم الا صة بك كالعلم وال صحة ،كذلك
يب عليك أن تشكره على النعم العامة كإرسال الرسل وإنزال الكتب ورفع السماء وبسط الرض.
وأ صل الش كر معر فة القلب بالن عم وأن ا من ال وحده ل ي صل إلي ها ش يء من ها بوله وقو ته بل
بفضل ال ورحته .وغاية الشكر أن تطيع ال بكل نعمة أنعم با عليك فإن ل تطعه با فقد تركت الشكر
عليها وإن عصيته با فقد وقعت ف الكفران ،وعنده تتبدل النعم بالنقم ومن بقيت عليه نعمة مع عصيانه
ل با فهو مستدرج .قال ال تعال( :سنستدرجهم من حيث ل يعلمون) (إنا نلي لم ليزدادوا إثا).
وف الديث" :إن ال يلي للظال حت إذا أخذه ل يفلته"
ومن الشكر كثرة الثناء على ال والفرح بالنعم من حيث أنا وسيلة إل نيل القرب من ال أو من
حيث أنا دالة على عناية ال بعبده.
ومن الشكر تعظيم النعمة وإن كانت صغية ،يروى عن ال أنه قال لبعض أنبيائه :إذا سُقت إليك
حبة مسوّسة فاعلم أن قد ذكرتك با فاشكرن عليها.
ومن الشكر التحدث بالنعم من غي خروج إل ما يوهم تزكية النفس ف الدينيات والتبجح بالدنيا
فـ الدنيويات ،والعمال بالنيات واليـ كله فـ القتداء بالسـلف الصـال فـ جيـع الالت وال تعال
أعلم.
فصــل
(وعليـك) بالز هد ف الدن يا فإ نه بش ي ال سعادة ومظ هر العنا ية وعنوان الول ية ،وك ما أن حب
الدن يا رأس كل خطيئة كذلك يكون بغض ها رأس كل طا عة وح سنة ،ويكف يك مزهدا ف الدن يا أن ال
تعال ساها ف عدة مواضع من كتابه العزيز "متاع الغرور".
وقال ال سن رح ه ال تعال :متاع الغرور كخضرة النبات ول عب البنات ،وقال الش يخ أ بو طالب
الكي رحه ال تعال :متاع الغرور اسم للجيفة النتنة وقد حصر ال تعال الدنيا ف اللهو واللعب اللذين
ل يلتفت إليهما عاقل ول يعرج عليهما إل كل غب جاهل ،فقال تعال( :وما الياة الدنيا إل لعب ولو)
إل غي ذلك.
(واعلم) أن الز هد ف الدن يا لهله نع يم عا جل ول ي ستطيعه إل من شرح ال صدره بإشراق
أنوار العرفة واليقي ،قال صلى ال عليه وسلم" :إن النور إذا دخل القلب انشرح له وانفسح" قيل فهل
لذلك من علمة قال" :نعم :التجاف عن دار الغرور والنابة إل دار اللود".
وقال صلى ال عل يه و سلم" :الزهادة ف الدن يا تر يح القلب والبدن والرغ بة ف الدن يا تك ثر ال م
والزن".
وقال عليه الصلة والسلم" :ازهد ف الدنيا يبك ال وازهد فيما عند الناس يبك الناس".
وأ صل الز هد معر فة القلب بقارة الدن يا وخ ستها ،وأن ا لو كا نت تزن عن ال جناح بعو ضة ما
سقى كافرا منها شربة ماء ،وأنا ملعونة ملعون ما فيها إل ما كان ل منها ،وأن من أخذ منها فوق ما
يكفيه أخذ حتفه وهو ل يشعر.
وثرة هذه العرفة القصودة منها ترك اليل إل الدنيا باطنا وترك التنعم بشهواتا ظاهرا.
وأدن درجات الزهد أن ل يقع بسبب الدنيا ف ركوب معصية ول ف ترك طاعة.
وأعلى درجاته أن ل يتخذ من الدنيا شيئا حت يعلم أن أخذه أحب إل ال من تركه وبي هاتي
الدرجتي درجات كثية.
وللزاهد الصادق علمات منها :أن ل يفرح بالوجود ،ول يزن على الفقود من الدنيا ،ومنها أن
ل يشغله طلب الدنيا والتمتع با عما هو خي له عند ربه.
(وعليـك) بإخراج حـب الدينار والدرهـم مـن قلبـك حتـ يصـي عندك بنلة الجـر والدر،
وبإخراج حب النلة عند الناس من قلبك حت يستوي عنك مدحهم وذمهم وإقبالم وإدبارهم؛ فإن حب
الاه أ ضر على صاحبه من حب الال وكله ا دالن على الرغ بة ف الدن يا ،وأ صل حب الاه حب
التعظيم ،والعظمة من صفات ال فهو منازعة للربوبية ،وأما حب الال فإنا أصله حب التمتع بالشهوات
وذلك من صفات البهائم .وقد قال عليه الصلة والسلم عن ال تعال" :العظمة إزاري والكبياء ردائي
ف من نازع ن واحدا منه ما قذف ته ف النار" .و قد قال عل يه ال صلة وال سلم " ما ذئبان جائعان أر سل ف
زريبة غنم بأفسد لا من حب الشرف والال ف دين الرجل السلم".
(وعليـك) بإيثار التقلل من الدن يا والقتار على ما ل بد م نه من ملب سها ومآكل ها ومناكح ها
ومساكنها وسائر أمتعتها.
(وإياك) أن تتسع ف شهواتا وتدعي مع ذلك الزهد وتتج لنفسك بالجج الداحضة عند ال
ض ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وال نبياء قبله تعال وتطلب ل ا التأويلت البعيدة عن ال ق ،وإعرا ُ
والئمة بعده عن التنعم بالدنيا مع القدرة عليه من اللل ل يفى على من له أدن معرفة بالعلم .وإذا ل
تقدر على الزهد ف الدنيا فما عليك أن تعترف بالرغبة فيها والرص عليها ولست مأثوما إل على طلبها
والتمتع با على وجه مرم ف الشرع .والزهد مقام فوق ذلك.
وليت شعري لو أن ال تعال فرض علينا التوسع ف الدنيا فمن أين لنا القدرة عليه ف زمان عز فيه
ما يواري العورة ويسد الوعة من اللل فإنا ل وإنا إليه راجعون.
فصــل
(وعليـك) بالتو كل على ال ،فإن من تو كل على ال كفاه وأغناه وتوله (و من يتو كل على ال
ف هو ح سبه) والتو كل من ثرات صدق التوح يد وثبا ته ف القلب وا ستيلئه عل يه .قال ال تعال( :رب
الشرق والغرب ل إله إل هو فاتذه وكيلً) فانظر كيف بدأ بإثبات الربوبية ث بإثبات النفراد باللية ث
أمرنا بالتوكل عليه جل وعل فلم يبق ف تركه عذر للبية ،وقد أمر ال عباده بالتوكل عليه ورغبهم فيه
بقوله( :وعلى ال فليتو كل الؤمنون) وبقوله تعال( :فتو كل على ال إن ال ي ب التوكل ي) وقال ر سول
ال صلى ال عليه وسلم" :لو توكلتم على ال حق توكله لرزقكم كما يرزق الطي تغدو خِمَاصا وترو حُ
بطانا".
(واعلم) أن أصل التوكل على ال معرفة القلب بأن المور كلها بيد ال ما ينفع منها وما يضر
وما يسوء منها وما يسر وأن اللق لو اجتمعوا كلهم على أن ينفعوه بشيء ل ينفعوه إل بشيء قد كتبه
ال له أو على أن يضروه بشيء ل يضروه إل بشيء قد كتبه ال عليه.
ويشترط لصحة التوكل أن ل تعصي ال بسببه وأن تتنب ما ناك عنه وتفعل ما أمرك به معتمدا
ف جيع ذلك عليه ومستعينا به ومفوضا إليه.
ول يقدح ف توكلك دخولك ف شيء من السباب الدنيوية إذا كنت معتمدا على ال دونه.
نعم مَن صدق توكله ضعف دخوله ف السباب الدنيوية ،وأما التجرد عنها بالكلية فل يمد إل ف
حق من دام إقباله على ال وط هر قل به عن اللتفات إل غ ي ال ول يض يع ب سببه من هم عيال عل يه من
خلق ال ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :كفى بالرء إثا أن يضيّع من يعول".
(واعلم) أن الدخار والتداوي من المراض ل يقدحان ف أصل توكل من يعلم أن الغن والنافع
والضار هو ال وحده و قد اد خر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم لعياله لبيان الواز ،وأ ما هو صلى ال
عليه وسلم فما كان يدخر لنفسه شيئا إل غد وربا ادخر له غيه فنهاه عند الشعور به .ولا سئل عليه
ال صلة وال سلم عن ال سبعي اللف الذ ين يدخلون ال نة بغ ي ح ساب من أم ته فقال " :هم الذ ين ل
يسترْقون ول يكتوون ول يتطيون وعلى ربم يتوكلون".
وللمتو كل ال صادق ثلث علمات" :الول" أن ل ير جو غ ي ال ول ياف إل ال ،وعل مة ذلك
أن ل يدع القول بالق عند من يرجى ويشى عادة من الخلوقي كالمراء والسلطي" .والثانية" أن ل
يدخل قلبه ه مّ الرزق ثقة بضمان ال بيث يكون سكون قلبه عند فقد ما يتاج إليه كسكونه ف حال
وجوده وأشد" .والثالثة" أن ل يضطرب قلبه ف مظان الوف علما منه أن ما أخطأه ل يكن ليصيبه وما
أصابه ل يكن ليخطئه.
ومن هذا القبيل ما حكي أن سيدي الشيخ عبد القادر اليلن نفع ال به كان يتكلم ف القدر
فسقطت عليه حية عظيمة ففزع الاضرون فَرقا فالتفّت على عنق الشيخ ودخلت من أحد كميه
وخرجت من الخر والشيخ نفع ال به ثابت ل يضطرب ول يقطع كلمه.
وقيل لبعض الشيوخ وقد طُرح للسبع ليأكله فلم يؤذه :ف أي شيء كنت تفكر حي طُرحت
للسبع قال ف حكم سؤر السباع من العلم .وحسبنا ال ونعم الوكيل.
فصــل
(وعليك) بالب ف ال حت يصي سبحانه أحب إليك ما سواه بل حت ل يصي لك مبوب إل
إياه.
وسبب وجود الب من جهة الحبوب إما وجود كمال فيه أو حصول نوال منه.
فإن ك نت م ن ي ب ل جل الكمال فالكمال والمال واللل ل وحده ل شر يك له ف ش يء من
ذلك ،و ما يلوح على صفحات ب عض الوجودات من مع ن كمال أو يبدو علي ها من رو نق جال ف هو
الك مل والج مل ل ا سبحانه وتعال بل هو الو جد ل ا والخترع ولول أ نه أن عم علي ها بالياد لكا نت
مفقودة معدومة ولول ما أفاض عليها من أنوار جال صنعته لكانت قبيحة مشئومة.
وإن كنت من يب لجل النوال فلست ترى إحسانا ول تشاهد امتنانا ول ترى إكراما ول تبصر
إنعما عليك وعلى سائر اللق إل وال تعال هو التفضل بميع ذلك بحض الود والكرم فكم من خي
قد أسداه إليك! وكم من نعمة قد أنعم با عليك! فهو سيدك ومولك الذي خلقك وهداك ،والذي له
ماتـك مياك ،والذي أطعمـك وسـقاك ،وكفلك ورباك وأسـكنك وآواك ،يرى القبيـح منـك فيسـتره،
وتسـتغفره منـه فيغفره ،ويرى الميـل منـك فيكثره ويظهره ،وتطيعـه بتوفيقـه ومعونتـه فينوه باسـك فـ
الغيوب ويقذف تعظيمـك وحبـك فـ القلوب ،وتعصـيه بنعمتـه فل ينعـه وجود العصـيان عـن إفاضـة
الح سان ،فك يف ينب غي لك أن ت ب غ ي هذا الله الكر ي؟ أم ك يف ي سن م نك أن تع صي هذا الرب
الرحيم؟
(واعلم) أن أ صل الح بة العر فة وثرت ا الشاهدة وأد ن درجات ا أن يكون حب ال تعال هو
الغالب على قلبك ،ومك الصدق ف ذلك أن ل تيب أحب اللق إليك إذا دعاك إل ما يكون سخط
ال ف فعله كالعا صي أو ف تر كه كالطاعات .وأعلى درجات ا أن لي صي ف قل بك حب لغ ي ال الب تة.
وهذا عزيز ودوامه أعز منه ،وعند دوامه تضمحل البشرية بالكلية وعنه ينشأ الستغراق بال الذي ل يبقي
معه شعور لوجود وأهله بال.
(واعلم) أن مبة رسول ال صلى ال عليه وسلم وسائر أنبياء ال وملئكته وعباده الصالي وما
يعي على طاعته كل ذلك من مبته تعال .قال صلى ال عليه وسلم" :أحبوا ال لا يغذوكم به من نعمه
وأحبون بب ال وأحبوا أهل بيت بب" وقال عليه الصلة والسلم عن ال" :وجبت مبت للمتحابي فّ
ف والتزاورين فّ والتباذلي فّ".
والتجالسي ّ
وللمح بة ال صادقة علمات أجلّ ها وأعل ها كمال التاب عة بر سول صلى ال عل يه و سلم ف أقواله
وأفعاله وأخل قه قال ال تعال ( :قل إن كنتـم تبون ال فاتبعونـ يببكـم ال) وبسـب الح بة ل تكون
التابعة لبيب ال إن كثيا فكثي وإن قليلً فقليل وال على ما نقول وكيل.
فصــل
(وعليـك) بالر ضا بقضاء ال تعال فإن الر ضا بالقضاء من أشرف ثرات الح بة والعر فة ،و من
شأن ال حب أن ير ضى بف عل مبو به حُلوا كان أو مُرا ،و قد قال صلى ال عل يه و سلم عن ال " :من ل
يرض بقضائي ول يصب على بلئي فليلتمس ربا سواي".
وقال عليه الصلة والسلم" :إن ال إذا أحب قوما ابتلهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله
السخط".
فالوا جب عل يك أي ها الؤ من أن تعلم وتعت قد أن ال تعال هو الذي يهدي وي ضل ويش قي وي سعد
ويقرب ويبعد ويعطي وينع ويفض ويرفع ويضر وينفع ،فإذا علمت ذلك وآمنت به فالواجب عليك أن
ل تعترض على ال ف شيء من أفعاله ل ظارها ول باطنا ،ولسان العتراض أن تقول ل كان هذا ،ولي
شيء كان هذا ،وهل كان هذا كذا ،وبأي ذنب استحق فلن ما جرى علي.
ف من أجه ُل م ن يعترض على ال ف مُل كه ويناز عه ف سلطانه ،و هو مع ذلك يعلم أ نه تعال هو
النفرد باللق والمر والكم والتدبي يفعل ما يشاء ويكم ما يريد (ل يسأل عما يفعل وهم يسألون) بل
الواجب عليك أن تعتقد أن جيع أفعال ال تعال وقعت على وجه ل أحكم منه ول أعدل ول أفضل منه
ولا أكمل.
وهذا ح كم الر ضى بأفعال ال تعال على و جه الجال ،وأ ما على و جه التف صيل ،فإن المور ال ت
تصك على قسمي (منها) ما يلئمك كالصحة والغن وهذا القسم ل يتصور فيه سخط إل من حيث
نظرك إل من ف ضل عل يك ف ذلك فالوا جب عل يك عنده أن تر ضى ب ا ق سم ال لك من ح يث أن له
سبحانه وتعال أن يف عل ف مل كه ما يشاء أو من ح يث أ نه تعال قد اختار لك ما هو ال صلح لك
والنسب لالك وهذا أكمل (ومنها) ما ل يلئمك كالصائب والمراض والفات فحرام عليك أن تتبم
بشيء من ذلك أو تزع عنده ،بل الكمل لك أن ترضى وتسلّم فإن ل تستطع فلتصب ولتحتسب ،قال
النب صلى ال عليه وسلم" :اعبد ال تعال بالرضا فإن ل تستطع ففي الصب على ما تكره خي كثي".
وليس من الرضا ف شيء ما يده بعض الغبياء من الطمأنينة عند ترك بعض الأمورات وارتكاب
ب عض الحظورات فإن ف عل العا صي وترك الطاعات م ا ي سخط ال تعال فك يف ير ضى هو بش يء ل
ير ضى ال به قال ال تعال( :إن تكفروا فإن ال غنّ عن كم ول ير ضى لعباده الك فر وإن تشكروا يرضَه
لكم) وإنا رضي هذا السكي عن نفسه وظن أنه رضي عن ربه ،والرضا عن ال وعن النفس يبعد أن
يتمعا ف موطن واحد.
وما أحسن ما قاله المام الغزال رضي ال عنه ف رسالته إل أب الفتح الدمشقي رحه ال :الرضا
هو أن تر ضى ب ا يف عل ال باطنا وتف عل ما يرض يه ظاهرا .فإن أراد الع بد أن يعرف ما عنده من الر ضا
فلْيلتمسه عند نزول الصائب وورود الفاقات واشتداد المراض فسوف يده هناك أو يفقده.
وكثيا ما تسمع من سَفلة أبناء الزمان حي يقال لم ما لكم تتركون الطاعات وتفعلون الحرمات
فيقولون هذا ش يء قد قضاه ال علي نا وقدّره ل نا ول م يص ل نا ع نه وإن ا ن ن عب يد مقهورون فهذا هو
مذهب البية بعينه ،ومنتحله قائل بلسان حاله إن ل يقل بلسان مقاله :ل فائدة ف إرسال الرسل وإنزال
الكتب ،ويا عجبا كيف يصدر من يدعي اليان الحتجاج لنفسه على ربه ول الجة البالغة على جيع
خلقه ،أم كيف يرضى الؤمن لنفسه أن يتشبه بالشركي القائلي( :لو شاء ال ما أشركنا ول آباؤنا ول
حرمنا من شيء) أول يسمع ما رد ال عليهم به إذا يقول لنبيه (قل هل عنكم من علم فتخرجوه لنا إن
تتبعون إل الظن وإن أنتم إل ترصون).
ث إ نه ل ي سع الشرك ي إذا رجعوا إل ال أن يتجوا بذه ال جة الداح ضة ع ند ال بل يقولون:
(ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالي) (ربنا أبصرنا وسعنا فارجعنا نعمل صالا إنا موقنون).
(واعلم) أن الدعاء واللاح فيه ل يقدح ف الرضا بل هو من الرضا والدعاء معرب عن التحقق
بالتوحيـد وهـو لسـان العبوديـة وعنوان التحقـق بالعجـز والضطرار والذل والفتقار ،ومـن تقـق بذه
الو صاف عرف وو صل ،وعلى غا ية القرب من ال ح صل ،و قد ورد عن ر سول ال صلى ال عل يه
وسـلم" :إن الدعاء مـخ العبادة وسـلح الؤمـن ونور السـماوات والرض أن مـن ل يسـأل ال يغضـب
عليهم" .وقال مولنا جلت قدرته( :ول الساء السن فادعوه با) (وقال ربكم ادعون أستجب لكم).
وما وقع من الليل عليه السلم من المساك عن الدعاء حي طرح ف النار إنا ذلك لسرّ يتص
بتلك الال وإل فقد حكى ال عنه الدعاء ف مواضع عديدة من كتابه بل ل يك عن أحد من النبياء
أكثر ما حكاه عنه ،فتفقه ف كتاب ال واستخرج العلوم منه فإنا بملتها مودعة فيه ل يشذ منها دقيق
ول جل يل ول جلي ول خ في .قال ال تعال ( :ما فرط نا ف الكتاب من ش يء) (وأنزل نا عل يك الكتاب
تبيانا لكل شيء وهدى ورحة وبشرى للمسلمي).
خاتمة
في وصايا إلهية
وردت بها أخبار قدسية ،وآثار صحيحة مروية
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما يرويه عن ربه" :يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي
وجعلته بينكم مرما فل تظالوا ،يا بعادي كلكم ضال إل من هديته فاستهدون أهدكم ،يا عبادي كلكم
جائع إل من أطعمته فاستطعمون أطعمكم ،يا عبادي كلكم عار إل من كسوته فاستكسون أكسكم ،يا
عبادي إن كم تطئون بالل يل والنهار وأ نا أغ فر الذنوب جيعا فا ستغفرون أغ فر ل كم ،يا عبادي إن كم لن
تبلغوا نفعي فتنفعون ولن تبلغوا ضري فتضرون ،يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا
على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك ف ملكي شيئا ،يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم
وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ،يا عبادي لو أن أولكم
وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا ف صعيد واحد فسأولن فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نقص ذلك
م ا عندي شيئا إل ك ما ين قص الخ يط إذا أد خل الب حر ،يا عبادي إن ا هي أعمال كم أح صيها ل كم ث
أوفيكم إياها فمن وجد خيا فليحمد ال ومن وجد غي ذلك فل يلومن إل نفسه".
وقال صلى ال عليه وسلم" :إن ال أوحى إل أن تواضعوا حت ل يفخر أحد على أحد ول يبغي
أحد على أحد".
وقال صلى ال عليه وسلم" :رأيت ر ب ف النام ف ساق الد يث إل أن قال :يا ممد قلت :لبيك
قال :إذا صليت فقل :اللهم إن أسألك فعل اليات وترك النكرات وحب الساكي وإذا أردت بعبادك
فتنة فاقبضن إليك غي مفتون".
وقال صلى ال عليه وسلم" :قال ال تعال :ابن آدم قم إل أمش إليك وامش إل أهرول إليك ،ابن
آدم اذكر ن ساعة من أول النهار و ساعة من آخره أكف يك ما ب ي ذلك ،ا بن آدم ل تع جز أن ت صلي ل
أر بع ركعات من أول النهار أك فك آخره" ،وأو حى ال إل آدم عل يه ال سلم "أر بع خ صال في هن جاع
الي لك ولولدك خصلة ل وخصلة لك وخصلة فيما بين وبيك وخصلة فيما بينك وبي عبادي ،أما الت
هي ل فتعبدن ل تشرك ب شيئا ،وأما الت هي لك فعملك أجزيك به ،وأما الت هي فيما بين وبينك
فعليك الدعاء وعلي الجابة ،وأما الت هي فيما بينك وبي عبادي فتصحبهم با تب أن يصحبوك به".
ل علىو ف صحف إبراه يم عل يه ال سلم" :وعلى العا قل أن يكون م سكا لل سانه عارفا بزما نه مقب ً
شأنه ،وعلى العاقل أن تكون له أربع ساعات :فساعة يناجي فيها ربه ساعة ياسب فيها نفسه ،وساعة
يفضي فيها إل إخوانه اللذين يبصرونه بعيوب نفسه ،وساعة يلي فيها بي نفسه وشهواتا" يعن الباحة.
و ف التوراة ( :يا ا بن آدم) ل تع جز أن تقوم ب ي يدي م صليا فأ نا ال الذي اقتر بت إل يك وبالغ يب
رأيت نوري .وف بعض كتب ال النلة( :يا ابن آدم) خلقتك لعبادت فل تلعب ،وتكفلت لك برزقك
فل تتعب( ،يا ابن آدم) اطلبن تدن فإنك إذا وجدتن وجدت كل شيء وإذا فتك فاتك كل شيء فأنا
أحب إليك من كل شيء (ابن آدم) أنا ال الذي أقول للشيء كن فيكون ،أطعن أجعلك تقول للشيء
كن فيكون.
وأوحى ال إل موسى عليه السلم( :يا ابن عمران) كن يقظانا وارتد لنفسك إخوانا فكل خدن
وصاحب ل يوازرك على مسرت فهو لك عدو (يا موسى) مالك ولدار الظالي فليست لك بدار ،أخرج
عنها هك وفارقها بقلبك فبئست الدار هي ،إل لعامل عمل فيها الي فنعمت الدار هي( ،يا موسى) إن
مرصد للظال حت آخذ منه لن ظلمه( ،يا موسى) إذا رأيت الغن مقبلً فقل :ذنب عجلت عقوبته وإذا
ل قل :مرحبا بشعار الصالي( .يا موسى) ل تنس ذكري فعند نسيانه تكثر الذنوب ،ول رأيت الفقر مقب ً
تمع الال فإن جعه يقسي القلب (يا موسى) قل للظالي ل يذكرون فإنم إذا ذكرون أذكرهم باللعنة؛
لن آليت على نفسي أن أذكر من ذكرن.
وأوحى ال إل بعض أنبيائه عليهم السلم قل لقومك ل يدخلوا مداخل أعدائي ول يلبسوا ملبس
أعدائي ول يركبوا مراكب أعدائي ول يطعموا مطاعم أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي.
وأوحى ال إل داود عليه السلم :كن ب مستأنسا ومن سواي مستوحشا (يا داود) قل للصديقي
من عبادي :ب فليفرحوا ،وبذكري فليتنعموا ( يا داود) حبب ن إل عبادي .قال :يا رب ،وك يف أحب بك
إل عبادك؟ قال :ذكر هم آلئي ( يا داود) من رد إل هاربا كتب ته جهبذا ( ،يا داود) إذا رأ يت ل طالبا
فكن له خادما( ،يا داود) ل تسأل عن عالا قد أسكرته الدنيا فيضلك عن سبيلي أولئك قطاع الطريق
على عبادي ( ،يا داود) اع مل بع مل البرار ،ول تب سم ف وجوه الفجار ،وخالط أودائي مال طة وخالف
أعدائي مالفة( ،يا داود) كن للرملة واليتيم كالب الشفيق أزيد ف رزقك وأكفر عنك ذنبك( ،يا داود)
غض طرفك وصن لسانك فإن ل أحب الفاسقي .وأكثر من الستغفار لنفسك وللخاطئي.
وأوحى ال تعال إل بعض أنبيائه عليهم السلم :اذكرن إذا غضبتَ أذكرك إذا غضبتُ فل أمقك
في من أم ق .وأو حى ال إل عي سى عل يه ال سلم أن قل لب ن إ سرائيل ل يدخلوا بيتا من بيو ت إل بقلوب
طاهرة وأبصار خاشعة وأبدان نقية وأخبهم أن ل أستجيب لم دعوة ولحد من اللق قبلهم مظلمة.
وأوحى إليه أيضا :يا ابن مري ،عظ نفسك ،فإن اتعظت فعظ الناس ،وإل فاستح من.
و ف ب عض الثار عن ال تعال " :قل للذ ين يتفقهون لغ ي الد ين ،ويتعلمون لغ ي الع مل ،ويلب سون
للناس مسوح المساك ألسنتهم أحلى من العسل ،وقلوبم أمر من الصب ،أب يغترون! ،أم علي يترئون!
فإن حلفت لبعثن على أولئك فتنة ،تترك الليم منهم حيان".
وأو حى ال إل مو سى عل يه ال سلم :إذا رأ يت الفقراء ف سائلهم ك ما ت سائل الغنياء ،فإن ل تف عل
فضع كل شيء علمتك تت التراب.
وأوى ال إل داود عليه السلم :يا داود ،قل لوليائي وأحبائي :ليفارق كل واحد منهم صاحبه،
فإن مؤنسهم بذكري ،ومادثهم بأنسي ،وكاشف الجاب فيما بين وبينهم ينظرون إل عظمت ،فأبلغ يا
داود عن أهل الرض :أن حبيب لن أحبن ،وجليس لن جالسن ،ومؤنس لن استأنس ب ،وصاحب لن
صاحبن ،ومطيع لن أطاعن ،ومتار لن اختارن ،فهلموا إل كرامت ومصاحبت ومعاملت ،فأنا ال الواد
الاجد ،أقول للشيء كن فيكون.
وأوحى ال إل بعض أنبيائه عليهم السلم :عبدي هب ل من عينيك الدموع ومن قلبك الشوع
ث ادعن أستجب لك وأنا القريب الجيب ،عبدي قف على الدائن والصون وأبلغهم عن كلمتي قل
لم :ل يأكلون إل طيبا ول يتكلمون إل الق وإذا أراد أحد منهم الدخول ف أمر فليتدبر عاقبته فإن كان
خيا فليمضه وإن كان شرا فل يأته.
وأوحى ال إل عيسى عليه السلم قل لبن إسرائيل يفظوا عن حرفي قل لم ليضوا بدنء الدنيا
لسلمة دينهم كما رضي أهل الدنيا بدنء الدين لسلمة دنياهم.
وأو حى ال إل مو سى عل يه ال سلم :يا مو سى كن كالط ي الوحدا ن يأ كل من رؤوس الشجار
ويشرب من الاء القراح ،فإذا جنه الليل أوى إل كهف من الكهوف استئناسا به واستيحاشا من عصان
(يـا موسـى) إنـ آليـت على نفسـي أن ل أتـ لدبر عنـ عملً ،ولقطعـن أمل 1كـل مـن يؤمـل غيي،
ولقصمن ظهر من استند إل سواي ،ولطيلن وحشة من استأنس بغيي ،ولعرضن عمن أحب حبيبا
سـواي (يـا موسـى) إن ل عبادا إن ناجونـ أصـغيت إليهـم ،وإن نادونـ أقبلت عليهـم ،وإن أقبلوا علي
أدنيت هم ،وإن دنوا م ن قربت هم ،وإن تقربوا م ن اكتنفت هم ،وإن والو ن ،واليت هم ،وإن صافون صافيتهم،
وإن عملوا ل جازيت هم ،أ نا مدبر أمور هم ،و سائس قلوب م وأحوال م ،ل أج عل لقلوب م را حة إل ف
ذكري؛ فهـو لسـقمهم شفاء ،وعلى قلوبمـ ضياء ،ل يسـتأنسون إل بـ ،ول يطون رحال قلوبمـ إل
عندي ،ول يستقر ب قرار إل إل.