You are on page 1of 89

‫رسالة‬

‫العاونة والظاهرة والؤازرة‬


‫للراغبي من الؤمني ف سلوك طريق الخرة‬

‫للمام شيخ السلم قطب الدعوة والرشاد‬


‫البيب عبد ال بن علوي الداد الضرمي الشافعي‬
‫رحه ال تعال‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ربّ يسر وأعن يا كري‪ ،‬وافتح بالق وأنت الفتاح العليم‪( .‬سبحانك ل علم لنا إل ما علمتنا إنك‬
‫أنت العليم الكيم)‪.‬‬
‫المد ل الواحد الواد الوهاب الرزاق النان النان‪ ،‬الذي بعث ممدا خات أنبيائه صلى ال عليه‬
‫وسلم برسالته إل جيع النس والان‪ ،‬وأنزل عليه القرآن‪ ،‬فيه هُدىً للناس وبينات من الدى والفرقان‪،‬‬
‫وشرع له ولمته ما وصّى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى‪ ،‬وفضّل دينه على سائر الديان‪ ،‬وجعله‬
‫أكرم خلقه عليه‪ ،‬وجعل أمته خي أمة أخرجت للناس‪ ،‬يؤمنون بال واليوم الخر ويأمرون بالعروف‬
‫وينهون عن النكر‪ ،‬ويتعاونون على الب والتقوى ول يتعاونون على الث والعدوان‪ ،‬ويقيمون الصلة‬
‫ويؤتون الزكاة‪ ،‬ويتواصَون بالق والصب‪ ،‬وياهدون ف سبيل ال ول يافون لَومة لئم من أهل الزيغ‬
‫والِذلن‪ ،‬فما يصد عن سبيل ال‪ ،‬ويلوم على القيام بواجب حق ال‪ ،‬إل الذين حقّت عليهم الكلمة من‬
‫ال بالشقاوة والسران‪ ،‬والزيِ والوان‪ ،‬ول ترد لنصح عباد ال ودعوتم إل باب ال إل الذين سبقت‬
‫لم من ال السن بالسعادة والمان‪ ،‬والفوز والرضوان‪ ،‬أولئك ورثة النبيي‪ ،‬وأئمة التقي وخية رب‬
‫العالي من الؤمني الراسخي ف العلم‪ ،‬التحققون بقائق اليان واليقان والحسان‪ ،‬الواقفون على أسرار‬
‫ال ف ملكه وملكوته من طريق الكشف والعيان‪ ،‬وما فازوا بذه الناقب‪ ،‬ول وصلوا إل هذه الراتب‪ ،‬إل‬
‫بسن اقتفائهم‪ ،‬وكمال اتباعهم‪ ،‬لمام الئمة الذي أرسله ال للعالي رحةً‪ ،‬عبدِ ال ورسوله وحبيبه‬
‫وخليله سيدنا ممد صلى ال عليه وعلى آله وأصحابه وسلم ف كل حي وأوان‪ ،‬صلة وسلما دائمي‬
‫بدوام ال اللك الديان‪.‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فيقول العبد الفقي‪ ،‬العترف بالقصور والتقصي‪ ،‬الراجي عفو ربه القدير‪ ،‬الشريف عبد ال‬
‫بن علوي الداد باعلوي السين عفا ال عنه وعن أسلفه آمي‪ :‬هذه رسالة بول ال وقوته جامعة‪،‬‬
‫ووصية بفضل ال ورحته نافعه‪ ،‬حلن على وضعها المتثال لمر ال تعال وأمر رسوله‪ ،‬والرغبة ف الوعد‬
‫الصادق الوارد ف الدللة على الدى والدعوة إل الي والنشر للعلم‪.‬‬
‫قال ال تعال‪( :‬وْلتَكنْ منكم أم ٌة يدْعونَ إل الي ويأمرون بالعروف ويْنهَون عن النكر وأولئك هم‬
‫الفلحون)‪ ،‬وقال ال تعال‪( :‬ادْعُ إل سبيل ربّك بالكمة والوعظة السنة)‪ ،‬وقال تعال‪( :‬وإذ أخذ ال‬
‫ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ول تكتمونه)‪ ،‬وقال تعال لنبيه‪( :‬قل هذه سبيلي أدعو إل ال على‬
‫بصية أنا ومن اتّبعن)‪ ،‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ليبلغ الشاهد منكم الغائب فربّ حامل فقه‬
‫إل من هو أفقه منه وربّ حامل فقه ليس بفقيه"‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم "من دعا إل هدى كان له‬
‫من الجر مثل أجور من تبعه ل ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إل ضللة كان عليه من الث مثلُ‬
‫آثام من تبعه ل ينقص ذلك من آثامهم شيئا"‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬من د ّل على خي كان له من‬
‫الجر مثل فاعله"‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل من ثلث‪ :‬صدقة جارية أو علم‬
‫ينتفع به أو ولد صال يدعو له" وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬أجودكم بَعدي رجل علِم علما فنشره يبعث‬
‫يوم القيامة أم ًة وحده"‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬اللق كلهم يصلون على معلمي الناس الي حت حيتان الاء"‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪" :‬اللق كلهم عيال ال وأحبهم إل ال تعال أنفعهم لعياله"‪.‬‬
‫ول يستطيع أحد أن ينفع خلق ال بثل دعوتم إل ال تعال‪ ،‬بتعريفهم ما يب له من التوحيد‬
‫والطاعة‪ ،‬وتذكيهم بآياته وآلئه وتبشيهم برحته‪ ،‬وتذيرهم من سخطه الواقع بالتعرضي له من‬
‫الكافرين والفاسقي‪.‬‬

‫وقد حثن على امتثال هذا المر العظيم‪ ،‬وأكد رغبت ف السعي إل تصيل هذا الوعد الكري‬
‫الواقعي ف اليات والخبار الت ذكرتا وما ف معناها ما ل أذكره سؤال أخ من السادة‪ ،‬صادق ف‬
‫الرادة‪ ،‬سالك لسبيل السعادة‪ ،‬التمس من أن أكتب له وصيةً ينتفع با‪ ،‬فأجبته إل ذلك راغبا فيما تقدم‬
‫من المتثال للوامر والفوز بالثواب وف معونة ال تعال‪ ،‬وأن يكون سبحانه ف حاجت على وفق ما أخب‬
‫به رسوله عنه ف قوله عليه الصلة والسلم‪" :‬من كان ف حاجة أخيه كان ال ف حاجته وال ف عون‬
‫العبد ما كان العبد ف عون أخيه" وأنا أستغفر ال‪ ،‬ول أقول‪ :‬أن نيت ف وضع هذه الرسالة مقصورة على‬
‫هذه القاصد السنة الدينية‪ ،‬كيف وأنا أعلم ما عندي من الشهوات الفية‪ ،‬والظوظ النفسية‪ ،‬والرادات‬
‫الدنيوية‪( ،‬وما أبرئ نفسي إن النفس لمارة بالسوء إل ما رحم رب إن رب غفور رحيم) والنفس عدوّ‪،‬‬
‫والعدو ل يؤمن‪ .‬بل هي أعدى العداء‪ ،‬كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬أعدى عدوك نفسك‬
‫الت بي جنبيك"‪ .‬ول در القائل حيث يقول‪:‬‬
‫فالنفس أخبث من سبعي شيطانا‬ ‫توق نفسك ل تأمن غوائلها‬
‫اللهم ألمن رشدي وأعذن من شر نفسي‪.‬‬
‫اللهم إن أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم‪ ،‬وأستغفرك لا ل أعلم‪.‬‬
‫وقد صدّرتُ فصول هذه الرسالة بقول ف أول كل فصل منها‪" :‬وعليك" بكذا قاصدا بذلك‬
‫ماطبة نفسي وأخي الذي كان سببا ف وضعها خصوصا‪ ،‬وسائر من وقف عليها من السلمي عموما‪.‬‬
‫وهذه الكلمة لا وقع ف قلب الخاطب‪ .‬وأنو با ‪-‬إن شاء ال تعال‪ -‬من التوبيخ والوعيد الواردين‬
‫ف حق من يقول ول يفعل‪ ،‬ويعلم ول يعمل؛ لن إذا خاطبت نفسي بقول "وعليك" دل ذلك على أنا‬
‫ل تتحقق بالعمل با علمت‪ ،‬وعلى أن ل أزل أحثها على استعمال ما تدعو إليه‪ ،‬وبذلك يزول التلبيس‬
‫على الؤمني‪ ،‬والنسيان للنفس الذي وصف ال تعال به من ل يعقل ف قوله تعال‪( :‬أتأمرون الناس بالبّ‬
‫وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفل تعقلون) ومن الوعيد الوارد ف حق من يقول ول يفعل ف قول‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬يؤمر بالعال إل النار فتندلق أقتابه‪ .1‬فيدور با ف النار كما يدور المار‬
‫بالرحا فيجتمع عليه أهل النار فيقولون ما بال البعد قد آذانا على ما بنا فيقول‪ :‬إن البعد كان يأمر بالي‬
‫ول يأتيه وينهى عن الشر ويأتيه"‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬العالم الذي يعلم ول يعمل مثل الفتيلة تضيء للناس وترق نفسها"‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪" :‬مررت ليلة أسري ب برجال تقرض شفاههم بقاريض من نار فقلت من أنتم؟‬
‫فقالوا كنا نأمر بالي ول نأتيه وننهى عن الشر ونأتيه" وهذا الوعيد إنا يتحقق ف حق من يدعو إل ال‬
‫على نية الدنيا‪ ،‬ويث على الي وهو مصر على تركه‪ ،‬ويذر من الشر وهو مصر على فعله رياءً وسعةً‪،‬‬
‫فأما من يدعو إل باب ال وهو مع ذلك يلوم نفسه وينهاها عن التقصي ويثها على التشمي فالنجاة‬
‫مرجوة له‪.‬‬
‫وعلى كل حال فالذي يعلم ويعلم ول يعمل أحسن حالً وأرشد طريقة وأحد عاقبة من الذي ل‬
‫يعمل ول يعلم‪.‬‬
‫وربا قال قائل من ل يعقل‪ :‬الكتب كثية وفيها غنية وكفاية فل فائدة ف تصنيف الكتب ف هذا‬
‫الزمان‪ ،‬فهذا القائل إن أصاب ف قوله‪ :‬إن ف الكتب غنية وكفاية فقد أخطأ ف قوله‪ :‬ل فائدة للتصنيف‬
‫ف هذا الزمان‪ ،‬لن للقلوب ميلً بكم البلة إل كل جديد‪ ،‬وأيضا فإن ال يُنطِق علماء كل زمان با‬
‫يوافق أهله‪ ،‬والتصانيف تبلغ الماكن البعيدة وتبقى بعد موت العال فيحصل له بذلك فضل نشر العلم‬
‫ويكتب معلما داعيا إل ال ف قبه‪ ،‬كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من أنعش لسانه حقا‬
‫يعمل به من بعده أُج ِريَ عليه أجرُه إل يوم القيامة" وقد سيت هذه الرسالة الشار إليها‪:‬‬
‫"رسالة العاونة والظاهرة والؤازرة للراغبي من الؤمني ف سلوك طريق الخرة"‬

‫‪ 1‬تندلق‪ :‬ترج‪ -‬أقتاب جع قتب بالكسر وهو العى‪.‬‬


‫أسأل ال تعال أن ينفعن با وسائر الؤمني‪ ،‬وأن يعل جعي لا واعتنائي با وبتأليفها خالصا‬
‫لوجهه الكري‪.‬‬
‫وهذا أوان البتداء وبال التوفيق فأقول مستعينا بال ومفوضا إليه‪ ،‬وسائلً منه أن يوفقن لصابة‬
‫الصواب ف النيات والعمال والقوال‪ ،‬فإنه ول ذلك والقادر عليه‪ ،‬وهو حسب ونعم الوكيل‪:‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) أيها الخ البيب بتقوية يقينك وتسينه‪ ،‬فإن اليقي إذا تكن من القلب واستول عليه‬
‫صار الغيب كأنه شهادة‪ ،‬وعند ذلك يقول الوقن كما قال علي كرم ال وجهه‪ :‬لو كشف الغطاء ما‬
‫ازددت يقينا‪.‬‬
‫واليقي عبارة عن قوة اليان وثباته ورسوخه حت يصي كالطود الشامخ‪ ،‬ل تزلزله الشكوك‪ ،‬ول‬
‫تزعزعه الوهام‪ ،‬بل ل يبقى للشكوك والوهام وجود البتة‪ .‬فإن جاءت من خارج ل تصغ إليها الذن ول‬
‫يلتفت إليها القلب‪.‬‬
‫والشيطان ل يستطيع الدنو من صاحب هذا اليقي بل يفر منه ويفرق من ظله ويقنع بالسلمة‪ ،‬كما‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن الشيطان ليفرَق من ظل عمر وما سلك عمر فجّا إل سلك‬
‫الشيطان فجّا آخر"‪.‬‬
‫ويقوى اليقي ويسن بأسباب‪:‬‬
‫منها‪ -‬وهو الصل والذي عليه الدار‪ -‬أن يصغي العبد بقلبه وأذنه إل استماع اليات والخبار‬
‫الدالة على جلل ال تعال وكماله وعظمته وكبيائه وانفراده باللق والمر‪ ،‬والسلطان والقهر وعلى‬
‫صدق الرسل وكمالم وما أيدوا به من العجزات وما حل بعانديهم من أنواع العقوبات وما ورد ف اليوم‬
‫الخر من إثابة الحسني ومعاقبة السيئي‪.‬‬
‫وإل كون هذا المر كافيا ف إفادة اليقي الشارةُ يقوله تعال‪َ( :‬أوَ ل يك ِفهِم أنا أنزلنا عليك‬
‫الكتاب يُتلَى عليهم) الية‪.‬‬
‫السبب الثان أن ينظر بعي العتبار ف ملكوت السماوات والرض‪ ،‬وما بث ال فيهما من عجائب‬
‫الصنوعات‪ ،‬وبدائع الكونات‪.‬‬
‫وإل إفادته اليقي الشارةُ بقوله تعال‪( :‬سنريهم آياتِنا ف الفاق وف أنفسهم حت يتبيّن لم أنه‬
‫الق)‪.‬‬
‫السبب الثالث أن يعمل على مقتضى ما آمن به ظاهرا وباطنا ويشمّر ف ذلك ويبذل الستطاعة‬
‫فيما هنالك‪.‬‬
‫وإل إفادته الشارة بقوله تعال‪( :‬والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبلَنا)‪.‬‬
‫ومن ثرات اليقي السكون إل وعد ال‪ ،‬والثقة بضمان ال‪ ،‬والقبال بكنه المة على ال‪ ،‬وترك ما‬
‫من شأنه أن يشغل عن ال تعال‪ ،‬والرجوع ف كل حال إل ال واستفراغ الطاقة ف ابتغاء مرضاة ال‪.‬‬
‫وعلى الملة فاليقي أصل اليان وسائر القامات الشريفة والخلق الحمودة والعمال الصالة‬
‫من فروعه وثراته‪ ،‬والخلق والعمال تابعة لليقي قوة وضعفا‪ ،‬وصحة وسقما‪ .‬قال لقمان عليه السلم‬
‫ل يستطاع العمل إل باليقي‪ ،‬ول يعمل العبد إل بقدر يقينه‪ ،‬ول يُقصّر عامل حت ينقص يقينه‪ ،‬ولذا قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬اليقيُ اليان كله"‪.‬‬
‫وأهل اليان ف اليقي على ثلث درجات‪:‬‬
‫الول _ وهي درجة أصحاب اليمي‪ -‬التصديقُ الازم مع إمكان التشكك والتزلزل لو جاء ما‬
‫يقتضيه‪ ،‬ويعب عنها باليان‪.‬‬
‫الدرجة الثانية _ وهي درجة القربي‪ -‬استيلء اليان على القلب‪ ،‬وثباته فيه حت ل يوز النقيض‪،‬‬
‫بل ل يتصور وجوده فضلً عن إمكانه‪ ،‬وف هذه الدرجة يصي الغيب كأنه شهادة ويعب عنها باليقي‪.‬‬
‫الدرجة الثالثة _ وهي درجة النبيي وكمل ورثتهم من الصديقي‪ -‬أن يصي الغيب شهادة ويعب‬
‫عنها بالكشف والعيان‪.‬‬
‫وبي أهل كل درجة ف درجتهم تفاوت بعيد‪ ،‬وكلّ فاضل والبعض أفضل‪ ،‬ذلك فضل ال يؤتيه من‬
‫يشاء وال ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) يا أخي بإصلح النية وإخلصها وتفقدها والتفكر فيها قبل الدخول ف العمل‪ ،‬فإنا‬
‫أساس العمل‪ ،‬والعمال تابعة لا حسنا وقبحا وصحةً وفسادا‪ .‬وقد قال صلى ال عليه وسلم "إنا‬
‫العمال بالنيات وإنا لكل امرئ ما نوى" فعليك أن ل تقول قولً‪ ،‬ول تعمل عملً‪ ،‬ول تعزم على أمر‪،‬‬
‫إل وتكون ناويا بذلك التقربَ إل ال‪ ،‬وابتغاء الثواب الذي رتبه سبحانه على المر النويّ من باب الِنّة‬
‫والفضل‪.‬‬
‫(واعلم) أنه ل يصح التقرب إل ال إل با شرعه على لسان رسوله من الفرائض والنوافل‪ ،‬وقد‬
‫تؤثر النية الصادقة ف المر الباح فيصي قربة ل من حيث أن للوسائل حكم القاصد‪ ،‬كمن ينوي بأكله‬
‫التقوي على طاعة ال‪ ،‬وبإتيانه أهله التسبب ف حصول ولد يعبد ال‪.‬‬
‫ويشترط لصدق النية أن ل يكذبا العمل‪ ،‬فمن يطلب العلم‪ ،‬مثلً‪ ،‬ويزعم أن نيته ف تصيله أن‬
‫يعلم ويعلّم‪ ،‬فإن ل يفعل ذلك عند التمكي منه فنيته غي صادقة‪ ،‬وكمن يطلب الدنيا ويزعم أنه إنا‬
‫يطلبها لجل الستغناء عن الناس‪ ،‬والتصدق على الحتاجي‪ ،‬وصلة القربي‪ ،‬فإن ل يفعل ذلك عند‬
‫القدرة عليه فل أثر لنيته‪.‬‬
‫والنية ل تؤثر ف العاصي شيئا كما أن التطهي ل أثر له ف نس العي‪ ،‬فمن وافق إنسانا على غيبة‬
‫مسلم وادعى أنه يقصد بذلك إدخال السرور على قلبه فهو أحد الغتابي‪ ،‬ومن سكت عن المر‬
‫بالعروف والنهي عن النكر وادعى أنه ينوي بسكوته التوقّي عن كسر قلب الباشر فهو شريكه ف الث‪،‬‬
‫وإذا تعلقت النية البيثة بالعمل الطيب أفسدته وصار خبيثا‪ ،‬كمن يعمل الصالات وينوي بذلك تصيل‬
‫الال والاه‪.‬‬
‫فاجتهد يا أخي أن تكون نيتك ف طاعتك مقصورة على ابتغاء وجه ال تعال‪ ،‬وانو با تتعاطاه من‬
‫الباحات الستعانة على طاعة ال تعال‪.‬‬
‫(واعلم) أنه يتصور أن يتمع ف العمل الواحد نيات كثية‪ ،‬ويكون للعامل بكل نية منها ثواب‬
‫تام‪.‬‬
‫مثاله من الطاعات أن ينوي بقراءة القرآن مناجاة ال تعال‪ ،‬فإن القارئ مناج ربه‪ ،‬وينوي استخراج‬
‫العلوم من القرآن فإنه معدنا‪ ،‬وينوي نفع نفسه والسامعي‪ ،‬إل غي ذلك من النيات الصالة السنة‪.‬‬
‫ومثاله من الباحات أن تنوي بالكل امتثال أمر ربك ف قوله تعال‪( :‬يا أيها الذين آمنوا كلوا من‬
‫طيبات ما رزقناكم) وتنوي به التقوي على طاعة ال تعال‪ ،‬وتنوي به التسبب ف استخراج الشكر منك‬
‫لربك إذ يقول سبحانه‪( :‬كلوا من رزق ربكم واشكروا له) فقس على هذين الثالي ما عداها من‬
‫الطاعات والباحات واستكثر من صال النيات جهدك‪.‬‬
‫ث إن النية تطلق ويراد با أحد معنيي‪ :‬الول أن النية عبارة عن غرضك الذي حلك على العزم‬
‫والعمل والقول‪ ،‬وتكون النية بذا العتبار ف الكثر خيا من العمل إن كان خيا‪ ،‬وشرا منه إن كان‬
‫شرا‪ ،‬وقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬نية الؤمن خي من عمله" فانظر كيف خص الؤمن بالذكر!‬
‫والعن الثان أن النية عبارة عن قصدك فعل الشيء وعزمك عليه‪ .‬وهذه النية ل تكون خيا من‬
‫العمل ولكن ل يلو النسان عند عزمه على فعل شيء من إحدى ثلث حالت‪:‬‬
‫الول أن يعزم ويعمل‪.‬‬
‫والثانية أن يعزم ول يعمل مع القدرة على العمل‪ .‬وحكم هذه الالة والت قبلها قد أتى مبينا فيما‬
‫روي عن ابن عباس رضي ال عنهما عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬إن ال كتب السنات‬
‫والسيئات" ث بيّن ذلك بقوله‪" :‬فمن همّ بسنة فلم يعملها كتبها ال عنده حسنة كاملة‪ ،‬فإن همّ با‬
‫فعملها كتبها ال عنده عشر حسنات إل سبعمائة ضعف إل أضعاف كثية‪ ،‬وإن هم بسيئة فلم يعملها‬
‫كتبها ال عنده حسنة كاملة‪ ،‬فإن هم با فعملها كتبها ال سيئة واحدة"‪.‬‬
‫الالة الثالثة أن يعزم على فعل أمر ل يستطيع فعله‪ ،‬فيصي يقول لو استطعت عملت‪ ،‬فله نية ما‬
‫للعامل وعليه ما عليه‪ .‬والدليل على ذلك قوله عليه الصلة والسلم‪" :‬الناس أربعة رجل آتاه ال علما‬
‫ومالً فهو يعمل ف ماله بعلمه‪ ،‬فيقول آخر لو آتان ال مثل ما آتاه عملت مثل عمله فهما ف الجر‬
‫سواء‪ ،‬ورجل آتاه ال مالً ول يؤته علما فهو يبط ف ماله بهله فيقول آخر لو آتان ال مثل ما آتاه‬
‫عملت مثل عمله فهما ف الوزر سواء"‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) يا أخي براقبة ال تعال ف حركاتك وسكناتك ولظاتك وطرفاتك وخطراتك‬
‫وإراداتك وسائر حالتك‪ ،‬واستشعر قربه منك‪ ،‬واعلم أنه ناظر إليك ومطاع عليك‪ ،‬ل يفى عليه منك‬
‫خافية (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة ف الرض ول ف السماء)‪( ،‬وإن تهر بالقول فإنه يعلم السر‬
‫وأخفى) وهو معك أينما كنت‪ ،‬بالعلم والحاطة والقتدار ويدلّك مع الداية والعانة والفظ إن كنت‬
‫من البرار‪ ،‬فاستحي من مولك حق الياء‪ ،‬واجتهد أن ل يراك حيث ناك‪ ،‬ول يفتقدك حيث أمرك‪،‬‬
‫واعبده كأنك تراه فإن ل تكن تراه فإنه يراك‪.‬‬
‫ومت رأيت من نفسك تكاسلً عن طاعته أو ميلً إل معصيته فذكرها بأن ال يسمعك ويراك‬
‫ويعلم سرك ونواك‪ ،‬فإن ل يفدها هذا الذكر لقصور معرفتها بلل ال تعال فاذكر لا مكان اللكي‬
‫الكريي اللذين يكتبان السنات والسيئات واتل عليها (إذ يتلقّى التَلقيانِ عن اليمي وعن الشمال قعيد ما‬
‫يل ِفظُ من قول إل لديه رقيب عتيد) فإن ل تتأثر بذا التذكي فذكرها قرب الوت وأنه أقرب غائب ينتظر‪،‬‬
‫وخوّفها بجومه على غرة وأنه مت نزل با وهي على حالة غي مرضية تنقلب بسران ل آخر له‪ ،‬فإن ل‬
‫ينفعها هذا التخويف فاذكر لا ما وعد ال به من أطاعه من الثواب العظيم وما توعّد به من عصاه من‬
‫العذاب الليم‪ ،‬وقل لا يا نفس ما بعد الوت من مستعتَب وما بعد الدنيا من دار إل النة أو النار‬
‫فاختاري ‪-‬لنفسك إن شئت‪ -‬طاعة تكون عاقبتها الفوز والرضوان واللود ف فسيح النان‪ ،‬والنظر إل‬
‫وجه ال الكري النان‪ ،‬وإن شئت‪ ،‬معصية يكون آخرها الزي والوان والسخط والرمان والبس بي‬
‫طبقات النيان‪ ،‬فعال نفسك بذه الذكار عند تقاعدها عن الطاعة وركونا إل العصية فإنا من الدوية‬
‫النافعة لمراض القلوب‪.‬‬
‫ث إنه إن ثار من قلبك عند استشعارك أن ال يراك حياءٌ منه ينعك عن مالفته ويملك على‬
‫التشمي ف طاعته فعندك شيء من حقائق الراقبة‪.‬‬
‫(واعلم) أن الراقبة من أشرف القامات وأرفع النازل وأعلى الدرجات وهي مقام الحسان‬
‫الشار إليه بقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬الحسان أن تعبد ال كأنك تراه فإن ل تكن تراه فإنه يراك" وكل‬
‫واحد من الؤمني يؤمن بأنه ال ل يفى عليه شيء ف الرض ول ف السماء‪ ،‬ويعلم أن ال معه أينما كان‬
‫ل يفى عليه شيء من حركاته وسكناته‪ ،‬ولكن الشأن ف دوام هذا الشهد وحصول ثراته الت أقلها أن ل‬
‫يعمل فيما بينه وبي ال عملً يستحي أن يراه عليه رجل من الصالي‪ ،‬وهذا عزيز وما وراءه أعز منه إل‬
‫أن يصي العبد ف آخر المر مستغرقا بال تعال وفانيا عمل سواه قد غاب عن اللق بشهود الق والتحق‬
‫بقعد صدق عند مليك مقتدر‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) يا أخي بإصلح سريرتك حت تصي خيا من علنيتك الصالة‪ ،‬وذلك لن السريرة‬
‫موضع نظر الق‪ ،‬والعلنية مطمح نظر اللق‪ ،‬وما ذكر ال تعال السر والعلن ف كتابه إل وبدأ بذكر‬
‫السر‪ .‬وكان من دعائه عليه الصلة والسلم‪" :‬اللهم اجعل سريرت خيا من علنيت واجعل علنيت‬
‫صالة" ومت صلحت السريرة صلحت العلنية ل مالة‪ ،‬فإن الظاهر أبدا يكون تبعا للباطن صلحا‬
‫وفسادا‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن ف السد مُضغة إذا صلحت صلح با سائر السد وإذا‬
‫فسدت فسد با سائر السد أل وهي القلب"‪.‬‬
‫(واعلم) أن من ادعى أن له سريرة عامرة وكان قد َخ ّربَ علنيته بترك الطاعات الظاهرة فهو‬
‫مدّع كذاب‪ ،‬ومن اجتهد ف إصلح علنيته بتحسي زيه وهيئته وتقوي لسانه ووزن حركاته وسكناته ف‬
‫قعوده وقيامه ومشيه وترك باطنه مشحونا ببائث الخلق ورذائل الطباع‪ ،‬فهو من أهل التصنع والرياء‬
‫العرضي عن الول‪.‬‬
‫فإياك يا أخي أن تستر شيئا لو ظهر للناس كنت تستحي من ظهوره حياء ينشأ من خوف‬
‫الستقباح‪ .‬قال بعض العارفي‪ :‬ل يكون الصوف صوفيا حت يكون بيث لو طيف بميع ما ف باطنه على‬
‫طبق ف السوق ما استحيا من ظهور شيء منه؛ فإن ل تقدر أن تعل سريرتك خيا من علنيتك فل أقل‬
‫من أن تسوي بينهما‪ ،‬فيكون امتثالك لمر ال واجتنابك لنهيه وتعظيمك لرماته ومسارعتك ف مرضاته‬
‫ف اللء والل على حد سواء‪ .‬وهذه أول قدم يضعها العبد ف طريق العرفة الاصة فاعلم ذلك‪ .‬وبال‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) بعمارة أوقاتك بوظائف العبادات حت ل ترّ ساعة من ليل أو نار إل وتكون لك فيها‬
‫وظيفة من الي تستغرقها با فبذلك تظهر بركات الوقات‪ ،‬وتصل فائدة العمر‪ ،‬ويدوم القبال على ال‬
‫تعال‪ ،‬وينبغي أن تعل لا تتعاطاه من العادات كالكل والشرب والسعي للمعاش أوقاتا تصّها‪.‬‬
‫(واعلم) أنه ل يستقيم مع الهال حال‪ ،‬ول يصلح مع الغفال بال‪ .‬قال حجة السلم ‪-‬نفع ال‬
‫به‪ :-‬ينبغي أن توزع أوقاتك وترتب أورادك وتعي لكل وقت شغلً ل تتعداه ول تؤثر فيه سواه‪ ،‬وأما من‬
‫ترك نفسه مهملً سدى إهال البهائم يشتغل ف كل وقت با اتفق كيف اتفق فتمضي أكثر أوقاته ضائعة‪،‬‬
‫وأوقاتك عمرك‪ ،‬وعمرك رأس مالك‪ ،‬وعليه أصل تارتك‪ ،‬وبه وصولك إل نعيم البد ف جوار ال‬
‫تعال‪ ،‬فكل نفس من أنفاسك جوهرة ل قيمة له‪ ،‬إذ ل عوض له وإذا فات فل عود له‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ول ينبغي أن تستغرق جيع أوقاتك بورد واحد وإن كان أفضل الوراد مثلً فتفوتك بذلك‬
‫بركات تعدد الوراد والتنقل فيها فإن لكل ورد أثرا ف القلب ونورا ومددا ومكانة من ال ليست لغيه‪.‬‬
‫وأيضا إذا تنقلت من ورد إل ورد أمنت بذلك من السآمة والكسل‪ ،‬ومن الضجر واللل‪ ،‬قال ابن‬
‫عطاء ال الشاذل رحه ال تعال‪ :‬لا علم الق منك وجود اللل لوّن لك الطاعات‪.‬‬
‫(واعلم) أن للوراد أثرا كبيا ف تنوير القلب وضبط الوارح‪ ،‬ولكن ل يظهر ويتأكد إل عند‬
‫الواظبة والتكرار وفعل كل ورد منها ف وقت يصه‪.‬‬
‫فإن ل تكن من يستغرق جيع ساعات ليله وناره بوظائف اليات فاجعل لك أورادا تواظب‬
‫عليها ف أوقات مصوصة وتقضيها مهما فاتتك لتعتاد النفس الحافظة عليها‪ ،‬ومت أيستْ منك النفس‬
‫أنك ل تسمح بترك أورادك حت تتداركها بالقضاء مت فاتت بادرت إل فعلها ف أوقاتا‪ ،‬وقال سيدي‬
‫الشيخ عبد الرحن السقاف رضي ال عنه‪ :‬من ل يكن له ورد فهو قرد‪ ،‬وقال بعض العارفي‪ :‬الواردات‬
‫من حيث الوراد فمن ل يكن له ورد ف ظاهره ل يكن له وارد ف سرائره‪.‬‬
‫وعليك بالقصد ولزوم الوسط من كل أمر‪ ،‬وخذ من العمال ما تطيق الداومة عليه‪ .‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬أحب العمال إل ال أدومها وإن قل" وقال عليه السلم‪" :‬خذوا من العمال‬
‫ما تطيقون فإن ال ل يل حت تلوا" ومن شأن الشيطان ‪-‬لعنه ال‪ -‬أن يزين للمريد ف مبدأ إرادته‬
‫الستكثار من الطاعات والفراط فيها‪ ،‬وغرضه من ذلك أن يرده على عقبه بترك فعل الي أصلً‪ ،‬أو فعله‬
‫على غي الوجه الذي ينبغي‪ ،‬ول يبال اللعي بأيهما دهاه‪ .‬ث إن الوراد تكون ف الكثر صلة نفل أو‬
‫تلوة قرآن أو قراءة علم أو ذكرا أو فكرا‪.‬‬
‫ونن نذكر نبذة من الداب الت يتاج إليها العامل بذه الوظائف الدينية فنقول‪:‬‬
‫ينبغي أن يكون لك ورد من صلة النفل زائد على النوافل الواردة تعي له وقتا وتضبطه بعدد تطيق‬
‫الداومة عليه‪ ،‬وقد كان من السلف الصال رحهم ال تعال من ورده ف اليوم والليلة ألف ركعة مثل‬
‫المام علي بن السي رضي ال عنهما‪ ،‬ومنهم من ورده خسمائة ركعة‪ ،‬ومنهم من ورده ثلثمائة ركعة‪،‬‬
‫إل غي ذلك‪.‬‬
‫(واعلم) أن للصلة صورة ظاهرة‪ ،‬وحقيقة باطنة‪ ،‬ول يكون للصلة عند ال تعال قيمة حت‬
‫تقيم صورتا وحقيقتها كما ينبغي‪.‬‬
‫فأما صورتا فهي الركان والداب الظاهرة من القيام والقراءة والركوع والسجود والتسبيح‬
‫ونوها‪.‬‬
‫وأما حقيقتها فهي الُضور مع ال‪ ،‬وإخلص النية والقصد ل‪ ،‬والقبال بكُنه المة على ال تعال‪،‬‬
‫وجعُ القلب عليه‪ ،‬وأن يكون فكرك مقصورا على صلتك فل تدّث نفسك بغيها‪ ،‬وتكون متأدبا‬
‫بآداب الناجاة مع ال تعال‪.‬‬
‫ج ربه"‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬إذا قام العبد إل‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪" :‬إنا الصلي منا ٍ‬
‫الصلة أقبل ال عليه بوجهه"‪.‬‬
‫ول ينبغي أن تشتغل بنفل مطلق ف وقت نفل ورد ف السنة الطهرة من فعل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أو قوله حت تأت على العدد الكمل منه‪.‬‬
‫فمن ذلك عدد الركعات الت وردت قبل الكتوبات وشهرتا تغن عن ذكرها‪.‬‬
‫ومن ذلك صلة الوتر وهي صلة ثابتة مؤكدة‪ ،‬وقد ذهب بعض العلماء إل وجوبا وقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن ال وتر يب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن"‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"الوتر حق ومن ل يوتر فليس منا‪ ،‬وأكثرها إحدى عشرة ركعة‪ ،‬وأقل ما ينبغي أن يقتصر عليه ثلث‬
‫ركعات"‪.‬‬
‫وفعلها من آخر الليل لن له عادة راسخة ف القيام من آخره أفضل‪.‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪" :‬اجعلوا آخر صلتكم بالليل وترا" ومن ل تكن له عادة ف القيام ففعلها‬
‫بعد صلة العشاء أول له‪.‬‬
‫ومن ذلك صلة الضحى وهي صلة مباركة كثية النفع‪ ،‬وأكرها ثان ركعات‪ ،‬وقيل اثنتا عشرة‬
‫وقد ورد وأقلها ركعتان‪ ،‬وأفضل أوقاتا أن تصلى إذا أضحى النهار ومضى قريب من ربعه‪ ،‬وقد قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬يصبح على كل سلمي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة‪ ،‬وكل‬
‫تميدة صدقة‪ ،‬وكل تليلة صدقة‪ ،‬وكل تكبية صدقة‪ ،‬وأمر بالعروف صدقة‪ ،‬وني عن النكر صدقة‬
‫ويزيه من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى" فلو ل يرد ف فضل هذه الصلة إل هذا الديث‬
‫الصحيح لكفى‪.‬‬
‫ومن ذلك الصلة بي الغرب والعشاء وأكثرها عشرون ركعة وأوسطها ست ركعات قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم "من صلى بي العشائي ركعتي بن ال له بيتا ف النة" وقال عليه الصلة‬
‫والسلم‪" :‬من صلى بعد الغرب ست ركعات ل يتكلم فيما بينهن بشيء عدلن له عبادة اثنت عشرة‬
‫سنة"‪.‬‬
‫ومن السنة إحياء ما بي العشائي‪ ،‬وقد ورد ف فضله أخبار وآثار‪ ،‬وحسبك من ذلك أن أحد بن‬
‫أب الواري شاور شيخه أبا سليمان رحهما ال تعال ف أن يصوم النهار أو ييي ما بي العشائي فقال‪:‬‬
‫اجع بينهما‪ .‬فقال‪ :‬ل أستطيع لن مت صمت أشتغل بالفطار ف هذا الوقت‪ .‬فقال له إذا ل تستطع أن‬
‫تمع بينهما فدع صيام النهار وأحي ما بي العشائي‪.‬‬
‫وقالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬ما دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم بيت بعد العشاء الخرة إل‬
‫صلى أربعا أو ستا‪ ،‬وقال عليه السلم‪" :‬أربع ركعات بعد العشاء‪ ،‬كمثلهن من ليلى القدر"‪.‬‬
‫(وعليك) بصلة الليل فقد قال عليه السلم‪" :‬أفضل الصدقة بعد الكتوبة صلة الليل" وقد قال‬
‫عليه الصلة والسلم‪" :‬فضل صلة الليل على صلة النهار كفضل صدقة السر على العلنية"‪ .‬وقد ورد أن‬
‫صدقة السر تضاعف على صدقة العلنية بسبعي ضعفا‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬عليكم بقيام الليل‬
‫فإنه دأب الصالي قبلكم‪ ،‬ومقربة لكم إل ربكم‪ ،‬ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الث ومطردة للداء عن‬
‫السد‪.‬‬
‫(واعلم) أن من صلى بعد العشاء فقد قام من الليل وقد كان بعض السلف يصلي ورده من أول‬
‫الليل ولكن ف القيام بعد النوم إرغام للشيطان وماهدة للنفس وسر عجيب‪ ،‬وهو التهجد الذي أمر به ال‬
‫ورسوله ف قوله (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) وف الأثور‪ :‬إن ال يعجب من العبد إذا قام من على‬
‫فراشه وبي أهله إل صلته ويباهي به ملئكته ويقبل عليه بوجهه الكري‪.‬‬
‫(واعلم) أنه َيقْبُح بطالب الخرة أن ل يكون له قيام بالليل‪ .‬كيف والريد ل يزال طالبا للمزيد‬
‫متعرضا للنفحات على دوام الوقات‪.‬‬
‫وقد قال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن ف الليل لساعة ل يوافقها عبد مسلم يسأل ال خيا من أمر‬
‫الدنيا والخرة إل أعطاه إياه وذلك كل ليلة" أخرجه مسلم‪.‬‬
‫وف بعض كتب ال النلة‪ :‬كذب من ادعى مبت فإذا جنه الليل نام عن أليس كل مب يب‬
‫اللوة ببيبه‪.‬‬
‫وقال الشيخ إساعيل بن إبراهيم البت رحه ال جع الي كله ف الليل وما عقدت لول ولية إل‬
‫بالليل‪.‬‬
‫وقال سيدي العيدروس عبد ال بن أب بكر من أراد الصفاء الربان فعليه بالنكسار ف جوف الليل‪.‬‬
‫وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ينل ال كل ليلة إل السماء الدنيا حي يبقى ثلث الليل‬
‫الخي فيقول‪ :‬هل من داع فأستجيبَ له‪ ،‬هل من مستغفر فأغفر له‪ ،‬هل من سائل فأعطيه‪ ،‬هل من تائب‬
‫فأتوب عليه حت يطلع الفجر"‪ .‬ولو ل يرد ف الث على قيام الليل غي هذا الديث لكفى‪.‬‬
‫كيف والكتاب والسنة طافحان بالترغيب فيه والث عليه‪ ،‬وللعارفي بال ف القيام بالليل منازلت‬
‫شريفة‪ ،‬وأذواق لطيفة يدونا ف قلوبم من نعيم القرب من ال‪ ،‬ولذة النس به وطيب الناجاة والحادثة‬
‫مع ال‪ ،‬حت قال بعضهم‪ :‬إن كان أهل النة ف مثل ما نن فيه إنم لفي عيش طيب‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أهل‬
‫الليل ف ليلهم ألذ من أهل اللهو ف لوهم‪ ،‬وقال آخر منذ أربعي سنة ما غمن شيء إل طلوع الفجر‪،‬‬
‫وهذا النعيم ل يكون إل بعد ترع الرارات‪ ،‬وتمل الشقات ف القيام‪ ،‬كما قال عتبة الغلم‪ :‬كابدت قيام‬
‫الليل عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة أخرى‪.‬‬
‫(فإن قلت) ماذا أقرأ ف صلت بالليل وكم ركعات ينبغي أن أصلي فاعلم أن سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ل يواظب ف تجده على قراءة شيء مصوص‪ ،‬ومن السن أن تتبع القرآن فتقرأه شيئا فشيئا‬
‫ف قيامك حت تتم ف شهر أو أقل أو أكثر حسب نشاطك‪.‬‬
‫وأما عدد الركعات فأكثر ما روي من قيام رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلث عشرة ركعة‬
‫وورد القتصار على تسع وسبع وأكثر ما ورد عنه صلى ال عليه وسلم الواظبة عليه إحدى عشرة ركعة‪.‬‬
‫ويتلخص من مموع الحاديث أنه ينبغي لك ويستحب إذا قمت من النوم أن تسح النوم عن‬
‫وجهك بيدك وتقول‪ :‬المد ل الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور‪ ،‬وتقرأ (إن ف خلق السماوات‬
‫والرض واختلف الليل والنهار ليات لول اللباب) إل آخر السورة‪ ،‬ث تستاك وتتوضأ وضوءا كاملً‪،‬‬
‫ث تصلي ركعتي خفيفتي ث تصلي بعدها ثان ركعات تطولن تسلم من كل ركعتي إن شئت أو من‬
‫كل أربع أو تمعهن بتسليمة واحدة فكل ذلك قد ورد‪ ،‬ث إن رأيت أنه بقي عندك نشاط فتنفل ما بدا‬
‫لك‪ ،‬ث صل ثلث ركعات بنية الوتر بتسليمة أو تسليمتي وتقرأ ف الول سبح اسم ربك العلى‪ 1‬وف‬

‫أي سورة العلى كلها‬ ‫‪1‬‬


‫الثانية قل يا أيها الكافرون‪ 2‬وف الثالثة الخلص والعوذتي‪ ،‬ول تسب أن الوتر هو إحدى عشرة شيء‬
‫وهذه الركعات الذكورة ف هذا لسياق شيء آخر كلً إنه ل يرو عن قيام رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫غي ما قصصناه عليك فاعلم ذلك وال سيع عليم‪.‬‬

‫أي سورة الكافرون كلها‬ ‫‪2‬‬


‫فصــل‬
‫وينبغي أن يكون لك ورد من تلوة الكتاب العزيز تداوم على قراءته ف كل يوم وليلة‪ ،‬وأدن ذلك‬
‫أن تقتصر على جزء فيكون لك ف كل شهر ختمة وأعلى ذلك أن تتم ف كل ثلثة أيام‪.‬‬
‫(واعلم) أن لقراءة القرآن فضلً عظيما‪ ،‬وأثرا ف تنوير القلب كبيا‪ .‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬أفضل عبادة أمت قراءة القرآن" وقال علي كرم ال وجهه‪ :‬من قرأ القرآن وهو قائم ف‬
‫الصلة كان له بكل حرف مائة حسنة‪ ،‬ومن قرأه وهو قاعد ف الصلة كان له بكل حرف خسون‬
‫حسنة‪ ،‬ومن قرأه وهو خارج الصلة وهو على طهارة كان له بكل حرف خس وعشرون حسنة‪ ،‬ومن‬
‫قرأه وهو على غي طهارة كان له بكل حرف عشر حسنات‪.‬‬
‫(وإياك) أن يكون هك ف تلوتك مقصورا على الكثار منها دون تدبر وترتيل‪.‬‬
‫(وعليك) –إذا تلوت‪ -‬بالتدبر والفهم‪ ،‬واستعن على ذلك بالترتيل والترسل وأحضر ف قلبك‬
‫عظمة التكلم سبحانه‪ ،‬وأنك بي يديه تقرأ عليه كتابه الذي أمرك فيه وناك ووعظك ووصاك‪ ،‬وكن عند‬
‫قراءة آيات التوحيد والتمجيد متلئا بالجلل والتعظيم‪ ،‬وعند قراءة آيات الوعد والوعيد متلئا بالرغب‬
‫والرهب‪ ،‬وعند قراءة آيات الوامر والزواجر شاكرا معترفا بالتقصي أو مستغفرا عازما على التشمي‪.‬‬
‫(واعلم) أن القرآن هو البحر الحيط‪ ،‬ومنه تستخرج جواهر العلوم ونفائس الفهوم‪ ،‬ومن فتح له‬
‫ل ول نارا‪ ،‬لنه قد‬ ‫طريق الفهم فيه من الؤمني دام فتحه وت نوره واتسع علمه وصار ل يل من قراءته لي ً‬
‫وجد فيه مقصوده وظفر منه بطلوبه وهذه صفة الريد الصادق‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو مدين رضي ال عنه‪ :‬ل يكون الريد مريدا حت يد ف القرآن كل ما يريد‪.‬‬
‫(وعليك) بالحافظة على قراءة السور واليات الت ورد الث عليها ف السنة ف بعض الوقات‪.‬‬
‫فمن ذلك أن تقرأ كل ليلة قبل أن تنام ال السجدة‪ ،‬وتبارك اللك‪ ،‬وسورة الواقعة‪ ،‬وآمن الرسول‬
‫إل آخر السورة‪ ،‬وسورة الدخان ليلة الثني والمعة‪ ،‬وسورة الكهف يوم المعة وليلتها‪ ،‬وإن أمكنك أن‬
‫تقرأ النجيات السبع كل ليلة فذلك من الفضائل العظيمة‪.‬‬
‫ومن ذلك أن تقرأ إذا أصبحت وإذا أمسيت أوائل الديد‪ ،‬وخواتيم الشر‪ ،‬والخلص والعوذتي‬
‫"ثلثا ثلثا" وكذلك تقرأ الخلص والعوذتي عند النوم مع آية الكرسي‪ ،‬وقل يا أيها الكافرون واجعلها‬
‫آخر ما تقول وال يقول الق وهو يهدي السبيل‪.‬‬
‫فصــل‬
‫وينبغي أن يكون لك ورد من قراءة العلم النافع وهو الذي يزيد ف معرفتك بذات ال وأقواله‬
‫وصفاته وأفعاله وآلئه‪ ،‬وتعرف به ما أمرك به من طاعته وناك عنه من معصيته‪ ،‬ويورثك زهدا ف الدنيا‬
‫ورغبة ف الخرة‪ ،‬ويبصرك بعيوب نفسك وآفات عملك ومكائد عدوك‪.‬‬
‫وهذا العلم ثابت ف الكتاب والسنة وكتب الئمة وقد جعه المام الغزال ف كتبه العظيمة القدر‪،‬‬
‫الكبية الطر‪ ،‬عند من له بصية ف الدين ورسوخ ف العلم وكمال ف اليقي‪ ،‬فواظب على مطالعتها إن‬
‫كانت لك هة ف سلوك الطريق ورغبة ف الوصول إل مراتب التحقيق‪ ،‬وقد انفردت الكتب الغزالية من‬
‫بي كتب الحققي من الصوفية بالمع والتحرير وحصول التأثي الكثي ف الزمن القصي‪.‬‬
‫(وعليك) بالكثار من قراءة كتب الديث والتفسي ومن مطالعة كتب القوم عامة فإن ذلك فتح‬
‫عام وسلوك تام كما قال بعض العارفي‪.‬‬
‫ولكن ينبغي لك أن تترز عما يشتمل من رسائلهم على المور الغامضة والقائق الجردة وهذه‬
‫الشياء توجد ف أكثر مؤلفات الشيخ ابن عرب وف شيء من رسائل المام الغزال كالعراج والضنون به‪.‬‬
‫وقد ذكر الشيخ زروق‪ 1‬ف "تأسيس القواعد" قاعدة ف التحذير من الكتب الت تري هذا الجرى‬
‫فراجعها إن شئت‪ ،‬ول يذكر ف جلتها مؤلفات الشيخ عبد الكري الكيلن‪ ،‬لنه متأخر ومؤلفاته عن‬
‫آخرها ما ينبغي الحتراز عنها إيثارا للسلمة‪.‬‬
‫(فإن) قال قائل ل بأس علي ف مطالعة هذه الكتب‪،‬لن آخذ ما أفهمه وأسلم لا ل أفهمه لقائله‬
‫(قيل له) قد أنصفت‪ ،‬ونن إنا نشى عليك ما تفهمه أن تفهمه على غي وجهه فتضل عن سواء السبيل‪،‬‬
‫كما وقع ذلك لقوام عكفوا على مطالعة هذه الكتب فصاروا ف زندقة وإلاد‪ ،‬وقالوا باللول والتاد‪،‬‬
‫فل حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪.‬‬

‫‪ 1‬هو العلمة الفقيه الحدث أحد بن أحد بن ممد بن عيسى أبو العباس زروق من أهل فاس بالغرب قرأ بصر والدينة‬
‫وتصوف وساح وتوف ف تكرين من قرى مسراته من أعمال طرابلس الغرب سنة ‪ 899‬هـ‬
‫فصــل‬
‫وينبغي أن يكون لك ورد من ذكر ال تعال تده بوقت أو تصره بعدد وحينئذ فل بأس بالسبحة‬
‫لضبط العدد‪.‬‬
‫(واعلم) أن الذكر ركن الطريق‪ ،‬ومفتاح التحقيق‪ ،‬وسلح الريدين‪ ،‬ومنشور الولية‪ ،‬كما قال‬
‫بعض العارفي‪ .‬وقد قال ال تعال (فاذكرون أذكركم) وقال تعال (فاذكروا ال قياما وقعوداً وعلى‬
‫جنوبكم) وقال تعال (يا أيها الذين آمنوا اذكروا ال ذكرا كثيا) وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫يقول ال تعال‪" :‬أنا عند ظن عبدي ب‪ ،‬وأنا معه حي يذكرن‪ ،‬فإن ذكرن ف نفسه ذكرته ف نفسي‪،‬‬
‫وإن ذكرن ف مل ذكرته ف مل خي منه"‪ .‬وقال عليه السلم‪" :‬يقول ال تعال‪" :‬أنا جليس من ذكرن"‬
‫وقال عليه السلم "أل أنبئكم بي أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها ف درجاتكم وخي لكم من‬
‫إنفاق الذهب والورق ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر ال"‪.‬‬
‫وللذكر ثرات ونتائج يدها من واظب عليه بوصف الدب والضور‪ ،‬أقلها أن يد فيه من اللوة‬
‫واللذة ما يستحقر ف جنبه كل ما يعرفه من اللذات الدنيوية واللهي‪ .‬وأعلها أن يفن بالذكور عن‬
‫الذاكر وعما سواه‪.‬‬
‫ومن قعد وهو على طهارة ف خلوة مستقبل القبلة ساكن الطراف مطرق الرأس ث ذكر ال بقلب‬
‫حاضر وأدب وافر ‪ ،‬رأى للذكر ف قلبه أثرا ظاهرا‪ .‬فإن دام على ذلك أشرقت عليه أنوار القرب‬
‫وانكشفت له أسرار الغيب‪.‬‬
‫وأفضل الذكر ما كان بالقلب واللسان‪ ،‬وذكر القلب أن يكون حاضرا فيه معن الذكر الذي يري‬
‫على اللسان كالتقديس والتوحيد عند التسبيح والتهليل‪.‬‬
‫والفضل للذاكر من السرار والهر بالذكر والقراءة الصلح منهما لقلبه‪ ،‬والذكر هو الورد الدائم‬
‫الستمر‪ ،‬فاجتهد أن ل يزال لسانك رطبا منه ف كل حال إل ف وقت ورد ل يكن المع بينه وبي‬
‫الذكر كالقراءة والتفكر‪ ،‬ويكون ف هذه العبادات وغيها من القربات ذاكرا ل تعال بالعن العم‪ ،‬ول‬
‫تقتصر على معن واحد من الذكر بل ينبغي أن يكون لك من كل نوع ورد‪.‬‬
‫(وعليك) بالحافظة على الذكار والدعية الواردة ف أدبار الصلوات‪ ،‬وعند الصباح والساء‪،‬‬
‫والنوم واليقظة‪ ،‬إل غي ذلك من الوقات والحوال التعاقبة‪ ،‬فما سنها رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫لمته إل أن تكون سببا لم إل الفوز بالي والنجاة من الشر الواقعي ف ذلك الوقت والال‪ .‬فمن أهلها‬
‫ث بعد ذلك ناله مكروه أو حيل بينه وبي مبوبه فل يلومنّ إل نفسه‪.‬‬
‫ومن أراد العمل با ذكرناه فعليه بطالعة كتاب الذكار للمام النووي رحه ال وجزاه عن السلمي‬
‫خيا‪.‬‬
‫ومن آكد ما ورد ف أدبار الصلوات وأفضله أن تقول بعد كل مكتوبة‪ :‬اللهم أعن على ذكرك‬
‫وشكرك وحسن عبادتك‪ ،‬وتسبح ثلثا وثلثي وتمد كذلك وتكب كذلك وتتم الائة بل إله إل ال‬
‫وحده ل شريك له له اللك وله المد وهو على كل شيء قدير‪ ،‬وقل هذه الكلمة بزيادة (ييي وييت)‬
‫"عشر مرات" وأنت ثان رجلك وقبل أن تتكلم بعد صلة الفجر والعصر والغرب‪.‬‬
‫ومن ذلك أن تقول إذا أصبحت وأمسيت‪ :‬سبحان ال وبمده "مائة" وسبحان ال والمد ل ول‬
‫إله إل ال وال أكب "كذلك" ول إله إل ال وحده ل شريك له له اللك وله المد وهو على كل شيء‬
‫قدير ف كل يوم "مائة مرة"‪.‬‬
‫واجعل لك وردا من الصلة على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإنا وصلة بينك وبي نب ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وباب يفيض عليك منه الدد بواسطته من حضرته عليه الصلة والسلم‪ ،‬وقد قال‬
‫صلوات ال وسلمه عليه‪" :‬من صلى عليه مرة صلى ال عليه با عشرا" وقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"أحبكم إل وأقربكم من ملسا يوم القيامة أكثركم علي صلة" وقد أمر ال با ف كتابه العزيز بقوله‬
‫تعال‪( :‬يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) فامتثل واستكثر منها ول تستقلل‪ ،‬واجع بينها‬
‫وبي السلم وصل على آله معه‪.‬‬
‫وأكثر منها ف ليلة المعة ويومها خصوصا‪ ،‬لقوله عليه السلم‪" :‬أكثروا من الصلة علي ف الليلة‬
‫الغراء واليوم الزهر" صلى ال عليه وعلى آله وسلم والمد ل رب العالي‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وينبغي) أن يكون لك ورد من التفكر ف كل يوم وليلة تعي له ساعة أو ساعات‪ ،‬وأحسن‬
‫الوقات للتفكر أفرغها وأصفاها وأجدرها ف حضور القلب جوف الليل‪.‬‬
‫(واعلم) أن صلح الدنيا والدين موقوف على صحة التفكر‪ ،‬ومن أعطى حظه منه أخذ بظ وافر‬
‫من كل خي‪ ،‬وقد ورد "تفكر ساعة خي من عبادة من عبادة سنة"‪.‬‬
‫وقال علي كرم ال وجهه‪ :‬ل عبادة كالتفكر‪ ،‬وقال بعض العارفي رحهم ال‪ :‬الفكرة سراج القلب‬
‫فإذا ذهبت فل إضاءة له‪.‬‬
‫وماري الفكر كثية‪ ،‬فمنها –وهو أشرفها‪ -‬أن تتفكر ف عجائب مصنوعات ال الباهرة‪ ،‬وآثار‬
‫قدرته الظاهرة والباطنة‪ ،‬وما بث من اليات ف ملكوت الرض والسماوات‪.‬‬
‫وهذا التفكر يزيد ف معرفتك بذات ال وصفاته وأسائه‪ ،‬وقد حث عليه بقوله (قل انظروا ماذا في‬
‫السماوات والرض) ومابث من عجائب الصنوعات ف نفسك‪ .‬قال ال تعال (وف الرض آيات‬
‫للموقني وف أنفسكم أفل تبصرون)‪.‬‬
‫واعـلم أنه ينبغي لك أن تتفكر ف آلء ال وأياديه الت أوصلها إليك‪ ،‬ونعمه الت أسبغها عليك‬
‫قال ال تعال‪( :‬فاذكروا آلء ال لعلكم تفلحون) وقال ال تعال‪( :‬وإن تعدّوا نعمة ال ل تصوها) وقال‬
‫تعال‪( :‬وما بكم من نعمة فمن ال)‪.‬‬
‫وثرة هذا التفكر امتلء القلب بحبة ال‪ ،‬والشتغال بشكره باطنا وظاهرا كما يبه ويرضاه‪.‬‬
‫(واعلم) أنه ينبغي لك أن تتفكر ف إحاطة علم ال بك‪ ،‬ونظره إليك‪ ،‬واطلعه عليك‪ ،‬قال ال‬
‫تعال‪( :‬ولقد خلقنا النسان و ونعلم ما توسوس به نفسه ونن أقرب إليه من حبل الوريد) وقال تعال‪:‬‬
‫(وهو معكم أينما كنتم وال با تعملون بصي) وقال تعال‪( :‬أل تر أن الله يعلم ما ف السماوات وما ف‬
‫الرض ما يكون من نوى ثلثة إل هو رابعهم) الية‪.‬‬
‫وهذا التفكر ثرته أن تستحي من ال أن يراك حيث ناك أو يفتقدك حيث أمرك‪.‬‬
‫(واعلم) أنه ينبغي لك أن تتفكر ف تقصيك ف عبادة مولك‪ ،‬وتعرضك لسخطه بإتيانك ما عنه‬
‫ناك‪ .‬قال ال تعال‪( :‬وما خلقت الن والنس إل ليعبدون) وقال تعال‪( :‬أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا‬
‫وأنكم إلينا ل ترجعون) وقال تعال‪( :‬يا أيها النسان ما غرك بربك الكري) وقال تعال‪( :‬يا أيها النسان‬
‫إنك كادح إل ربك كدحا فملقيه)‪.‬‬
‫وهذا التفكر يزيد ف خوفك من ال‪ ،‬ويملك على لوم نفسك وتوبيخها‪ ،‬ومانبة التقصي وملزمة‬
‫التشمي‪.‬‬
‫(واعلم) أنه ينبغي لك أن تتفكر ف هذه الياة الدنيا‪ ،‬وكثرة أشغالا ووبالا‪ ،‬وسرعة زوالا‪ ،‬وف‬
‫الخرة ونعيمها ودوامها‪ .‬قال ال تعال‪( :‬كذلك يبي ال لكم اليات لعلكم تتفكرون ف الدنيا والخرة)‬
‫وقال تعال‪( :‬بل تؤثرون الياة الدنيا والخرة خي وأبقى) وقال تعال‪( :‬وما هذه الياة الدنيا إل لو‬
‫ولعب وإن الدار الخرة لي اليوان لو كانوا يعلمون)‪.‬‬
‫وهذا التفكر يثمر لك الزهد ف الدنيا والرغبة ف الخرة‪.‬‬
‫(واعلم) أنه ينبغي لك أن تتفكر ف قرب نزول الوت‪ ،‬وحصول السرة والندامة بعد الفوت‪.‬‬
‫قال ال تعال‪( :‬قل إن الوت الذي تفرون منه فإنه ملقيكم ث تردون إل عال الغيب والشهادة فينبئكم با‬
‫كنتم تعملون)‪.‬‬
‫وقال تعال‪( :‬حت إذا جاء أحدكم الوت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالا ف ما تركت كل‬
‫إنا كلمة هو قائلها)‪.‬‬
‫وقال تعال‪( :‬يا أيها الذين آمنوا ل تلهكم أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال) إل قوله تعال‪( :‬ولن‬
‫يؤخر ال نفسا إذا جاء أجلها)‪.‬‬
‫وفائدة هذا التفكر قصر المل وإصلح العمل وإعداد الزاد ليوم العاد‪.‬‬
‫(واعلم) أنه ينبغي لك أن تتفكر ف الخلق والعمال الت وصف ال با أولياءه وأعداءه‪ ،‬وفيما‬
‫أ عد للفريق ي ف العا جل وال جل‪ .‬قال ال تعال‪( :‬إن البرار ل في نع يم وإن الفجار ل في جح يم) وقال‬
‫تعال‪( :‬أفمـن كان مؤمنا كمـن كان فاسـقا ل يسـتوون) وقال تعال‪( :‬فأمـا مـن أعطـى واتقـى وصـدق‬
‫بالسن فسنيسره لليسرى) إل آخر السورة‪ ،‬وقال تعال‪( :‬إنا الؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبم)‬
‫إل قوله تعال‪( :‬ل م درجات ع ند رب م ومغفرة ورزق كر ي) وقال تعال‪( :‬و عد ال الذ ين آمنوا من كم‬
‫وعملوا الصالات ليستخلفنهم ف الرض كما استخلف الذين من قبلهم) الية‪ ،‬وقال تعال‪( :‬فكلً أخذنا‬
‫بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الرض ومنهم من‬
‫أغرقنا وما كان ال ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وقال تعال‪( :‬النافقون والنافقات بعضهم من‬
‫ب عض يأمرون بالن كر وينهون عن العروف) إل قوله تعال‪( :‬ولعن هم ال ول م عذاب مق يم) وقال تعال‪:‬‬
‫(والؤمنون والؤمنات بعض هم أولياء ب عض يأمرون بالعروف وينهون عن الن كر) إل قوله‪( :‬ورضوان من‬
‫ال أ كب ذلك هو الفوز العظ يم) وقال تعال‪( :‬إن الذ ين ل يرجون لقاء نا ورضوا بالياة الدن يا واطمأنوا‬
‫با) إل قوله‪( :‬وآخر دعواهم أن المد ل رب العالي)‪.‬‬
‫وثرة هذا التف كر م بة ال سعداء‪ ،‬وح ل الن فس على اتباع هم والع مل بأعمال م والتخلق بأخلق هم‪،‬‬
‫وبغض الشقياء‪ ،‬وحل النفس على اجتناب أعمالم وأخلقهم‪.‬‬
‫وإن ذهبنا نتتبع ماري الفكر خرجنا عن مقصودنا من الياز وفيما أشرنا إليه كفاية للعاقل‪.‬‬
‫(وينبغي) أن تستحضر عند كل نوع من التفكر ما يناسبه من اليات والخبار والثار‪ ،‬وقد أشرنا‬
‫إل ذلك عند كل نوع بذكر شيء من اليات الناسبة له‪.‬‬
‫(وإياك) والتفكر ف ذات ال تعال وصفاته من حيث تطلب الاهية وتعقل الكيفية‪ ،‬فقلما ولع بذلك‬
‫أحد إل وهوى ف مهاوي التعطيل أو تورط ف تورطات التشبيه‪ ،‬وقد روي مرفوعا إل رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪" :‬تفكروا ف آيات ال ول تتفكروا ف ذات ال‪ ،‬فإن لن تقدروه حق قدره"‪.‬‬
‫فهذا ما ق صدنا ذكره من آداب هذه الوظائف‪ .‬ومق صود الوراد وروح ها إن ا هو الضور مع ال‬
‫فيها فعليك به‪ ،‬ولن تصل إليه ما ل تسلك طريقه‪ ،‬وهي فعل العمال الظاهرة مع تكلف الضور مع ال‬
‫فيها‪ ،‬فإن واظبت على هذا غشيتك أنوار القرب وفاضت عليك علوم العرفة فعند ذلك يقبل قلبك على‬
‫ال تعال بكليته ويصي الضور مع ال سبحانه سجيّة لك وخلقا راسخا فتصي تتكلف الضور مع اللق‬
‫عند الاجة إليه‪ .‬وربا ل تقدر عليه‪ ،‬وعن هذه الالة تنشأ الغَيبة والستغراق والفناء عما سوى ال تعال‬
‫إل غ ي ذلك من مواج يد أ هل ال‪ ،‬وأ صل ذلك كله الواظ بة على العمال الظاهرة والحاف ظة علي ها مع‬
‫تكلف الضور مع ال فيها‪.‬‬
‫واحذر أن تترك العمل بورد مافة أن ل تدوم عليه‪ ،‬فإن ذلك من الماقة‪.‬‬
‫(وينب غي) أن ل تع مل ف كل و قت ب سب النشاط والفراغ‪ ،‬بل ينب غي أن ت سمي شيئا تز يد عل يه‬
‫عند النشاط ول تنقص منه عند الكسل‪.‬‬
‫(واعلم) أن السـارعة إل اليات‪ ،‬والحافظـة على العبادات‪ ،‬والداومـة على الطاعات‪ ،‬دأب‬
‫النـبياء والولياء فـ بداياتمـ وناياتمـ‪ ،‬لنمـ أعرف اللق بال‪ ،‬فل جرم كانوا أعبدهـم وأطوعهـم‬
‫وأخشاهم له عز وجل فإن إقبال العبد على ربه وعبادته له على قدر مبته له‪ ،‬والحبة تابعة للمعرفة‪ ،‬فكلما‬
‫كان العبد أعرف بال كان أشد حبا له وأكثر عبادة‪ .‬فإن شغلك جعك للدنيا واتباعك للهوى عن اتاذ‬
‫الوراد وملز مة العبادات فاجت هد أن ت عل لر بك ساعة من أول نارك و ساعة من آخره تشت غل فيه ما‬
‫بالت سبيح وال ستغفار وغ ي ذلك من أنواع الطاعات ف قد روي عن ال تعال أ نه قال‪" :‬ا بن آدم اج عل ل‬
‫ساعة من أول نارك وساعة من آخره أكفك ما بي ذلك"‪.‬‬
‫وورد أن صحيفة الع بد إذا عر ضت على ال عز و جل من آ خر كل يوم فإن كان ف أول ا و ف‬
‫آخرها خ ي يقول ال تعال للملك أمح ما بي ذلك‪ ،‬وذلك من فضل ال علي نا وعلى الناس ول كن أكثر‬
‫الناس ل يشكرون‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) بالتمسك بالكتاب والسنة والعتصام بما‪ ،‬فإنما دين ال القوي وصراطه الستقيم‪ ،‬من‬
‫أخذ بما سلم وغنم ورشد وعصم‪ ،‬ومن حاد عنهما ضل وندم وحاد وقصم‪ ،‬فاجعلهما حاكمي عليك‬
‫ومتصرفي فيك وارجع إليهما ف كل أمرك متثلً لوصية ال ووصية رسوله‪ .‬قال ال تعال‪( :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأول المر منكم فإن تنازعتم ف شيء فردوه إل ال والرسول إن كنتم‬
‫تؤمنون بال واليوم ال خر ذلك خ ي وأح سن تأويلً) ومع ن قوله‪ :‬فردوه إل ال والر سول أي إل الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫وقال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم "أوصـيكم باـ إن اعتصـمتم بـه لن تضلوا أبدا كتاب ال‬
‫وسنت"‪.‬‬
‫فإن سرك أن تكون على الدى سالكا للمح جة البيضاء ال ت ل عِوج في ها ول أمتا فاعرض ج يع‬
‫نيا تك وأخل قك وأعمالك وأقوالك على الكتاب وال سنة‪ ،‬ف خذ ما وا فق ودع ما خالف‪ ،‬واع مل على‬
‫الحتياط‪ ،‬واتبع الحسن أبدا‪ ،‬ول تبتدع ف الدين‪ ،‬ول تتبع غي سبيل الؤمني فتخسر الدنيا والخرة‪،‬‬
‫ذلك هو السران البي‪.‬‬
‫(وإياك) ومدثات المور ومتلفات الراء فقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬كل مدثة بدعة وكل‬
‫بدعة ضللة" وقال عليه السلم‪" :‬من أحدث ف أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"‪.‬‬
‫والبدع ثلث‪" :‬بد عة ح سنة" و هي ما رآه أئ مة الدى م ا يوا فق الكتاب وال سنة من ح يث إيثار‬
‫الصلح والنفع والحسن‪،‬و ذلك كجمع القرآن ف مصحف لب بكر‪ ،‬ونصب الديوان وصلة التراويح‬
‫لعمر‪ ،‬وترتيب ال صحف والذان الول يوم المعة لعثمان‪ ،‬وأحكام قتال البغاة لعلي رضي ال عنه وعن‬
‫اللفاء الربعة‪.‬‬
‫والثان ية‪" :‬بد عة مذمو مة" على ل سان الز هد والورع والقنا عة ف قط وذلك كالتو سع ف الال بس‬
‫والآكل والساكن الباحة‪.‬‬
‫والثالثة‪" :‬بدعة مذمومة مطلقا" وهي ما خالف نصوص الكتاب والسنة أو خرق إجاع المة‪ ،‬وقد‬
‫و قع من هذا النوع للمبتد عة كث ي ف ال صول و قل وقو عه ف الفروع‪ ،‬و كل من ل يبالغ ف التم سك‬
‫بالكتاب والسنة‪ ،‬ول يبذل وسعه ف متابعة الرسول‪ ،‬وهو مع ذلك يدعي أن له مكانة من ال تعال‪ ،‬فل‬
‫تلتفت إليه ول تعرّج عليه‪ ،‬وإن طار ف الواء ومشى على الاء وطويت له السافات وخرقت له العادات‪،‬‬
‫فإن ذلك يقع كثيا للشياطي والسحرة والكهان والرافي والنجمي وغيهم من الضّلل‪ ،‬ول يُخرِج مثلَ‬
‫ذلك عن كو نه ا ستدراجا وتلبي سا إل كو نه كرا مة وتأييدا إل وجود ال ستقامة في من ظ هر عل يه‪ ،‬وهذا‬
‫الغرور وأمثاله إنا يلبسون على الغوغاء والسفلة الذين يعبدون ال على شك‪ ،‬وأما أولو العقول واللباب‬
‫فقد علموا أن تفاوت الؤمني ف القرب من ال على حسب تفاوتم ف متابعة الرسول‪ ،‬وأنه كلما كانت‬
‫التابعة أكمل كانا لقرب من ال أت وكانت العرفة به أجل‪.‬‬
‫و قد ق صد أ بو يز يد الب سطامي إل زيارة ر جل يو صف بالول ية فق عد له ف ال سجد فل ما خرج‬
‫حضرته نُخامة فرمى با ف حائط السجد فرجع أبو يزيد ول يتمع به وقال كيف يؤمن على أسرار ال‬
‫من ل يسن الحافظة على آداب الشريعة‪.‬‬
‫وقال النيد رحه ال كل الطرق مسدودة إل على من اقتفى أثر الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال سهل بن عبد ال رحه ال ل معي إل ال ول دليل إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ول‬
‫زاد إل التقوى ول عمل إل الصب عليها‪.‬‬
‫(واعلم) أنه ل يستقل بعرض جيع أموره الت تقع له ف ظاهره وباطنه على الكتاب والسنة كل‬
‫أ حد‪ ،‬فإن ذلك م صوص بالعلماء الرا سخي فإن عجزت عن ش يء من ذلك‪ ،‬فعل يك بالرجوع إل من‬
‫أمرك ال بالرجوع إليه ف قوله تعال‪( :‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون) وأهل الذكر هم العلماء‬
‫بال وبدي نه العاملون بعلم هم ابتغاء و جه ال تعال الزاهدون ف الدن يا الذ ين ل تلهي هم تارة ول ب يع عن‬
‫ذكر ال تعال الداعون إل ال على بصية الكاشفون بأسرار ال‪.‬‬

‫وقد عز على بسيط الرض وجود واحد من هؤلء حت لقد زعم جاعة من الكابر أنم مفقودون‪،‬‬
‫وال ق أنم موجودون ول كن قد سترهم ال برداء الغية وضرب عليهم سرادقات الخفاء‪ ،‬لغفلة الا صة‬
‫وإعراض العا مة‪ ،‬ف من طلب هم ب صدق و جد ف ذلك ل يعوزه –إن شاء ال تعال‪ -‬وجود وا حد من هم‪،‬‬
‫فالصدق سيف ل يوضع على شيء إل قطعه‪ ،‬والرض ل تلو من قائم ل بجة‪ .‬وقد قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪" :‬ل تزال طائفة من أمت ظاهرين على الق ل يضرهم من ناوأهم حت يأت أمر ال"‪.‬‬
‫أولئك نوم الرض وحال الما نة ونواب ال صطفى وور ثة ال نبياء‪ ،‬ر ضي ال عن هم ورضوا ع نه‪،‬‬
‫أولئك حزب ال أل إن حزب ال هم الفلحون‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليـك) بتح سي معتقدك وإ صلحه وتقوي ه على منهاج "الفر قة الناج ية" و هي العرو فة ب ي‬
‫سائر الفرق السلمية بأهل السنة والماعة وهم التمسكون با كان عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وأ صحابه‪ ،‬وأ نت إذا نظرت بف هم م ستقيم عن قلب سليم ف ن صوص الكتاب وال سنة التضم نة لعلوم‬
‫اليان‪ ،‬وطالعت سي السلف الصال من الصحابة والتابعي‪ ،‬علمت وتققت أن الق مع الفرقة الوسومة‬
‫بالشعرية نسبة إل الشيخ "أب السن الشعري" رحه ال فقد رتب قواعد عقيدة أهل الق وحرر أدلتها‪،‬‬
‫وهي العقيدة الت إجتمعت عليها الصحابة ومن بعدهم من خيار التابعي‪ ،‬وهي عقيدة أهل الق من أهل‬
‫كل زمان و مكان وهي عقيدة جلة أهل التصوف كما حكى ذلك أبو القاسم القشيي ف أول رسالته‪.‬‬
‫و هي ب مد ال عقيدت نا‪ ،‬وعقيدة إخوان نا من ال سادة ال سينيي العروف ي بآل أ ب علوي‪ ،‬وعقيدة‬
‫أسلفنا من لدن ر سول ال صلى ال عليه وسلم إل يوم نا هذا‪ ،‬وكان المام الهاجر إل ال جد السادة‬
‫الذكورين سيدي "أحد بن عيسى بن ممد بن علي ابن المام جعفر الصادق" رضي ال عنهم لا رأى‬
‫ظهور البدع وكثرة الهواء واختلف الراء بالعراق ها جر من ها ول يزل –ن فع ال تعال به‪ -‬يتن قل ف‬
‫الرض‪ ،‬ح ت أ ت أرض "حضرموت" فأقام ب ا إل أن تو ف‪ ،‬فبارك ال ف عق به‪ ،‬ح ت اشت هر من هم ال م‬
‫الغفي العلم والعبادة والولية والعرفة ول يعرض لم ما عرض لماعات من أهل البيت النبوي من انتحال‬
‫البدع واتباع الهواء الضلة ببكات نية هذا المام الؤتن وفراره بدينه من مواضع الفت‪ ،‬فال تعال يزيه‬
‫عنا أفضل ما جزى والدا عن ولده ويرفع درجته مع آبائه الكرام ف عليي ويلحقنا بم ف خي وعافية غي‬
‫مبدلي ول مفتوني إنه أرحم الراحي‪ .‬والاتريدية كالشعرية ف جيع ما تقدم‪.‬‬
‫وينبغـي لكـل مؤمـن أن يصـن معتقده بفـظ عقيدة مـن عقائد الئمـة الجمـع على جللتهـم‬
‫ورسوخهم ف العلم‪ .‬ول أحسب مبتغي ذلك يصادف عقيدة جامعة واضحة بعيدة عن الشّبَه مثل عقيدة‬
‫المام الغزال رضي ال عنه الت أوردها ف الفصل الول من كتاب قواعد العقائد من الحياء‪ ،‬فعليك با‬
‫فإن تشوفت إل مزيد فانظر ف الرسالة القدسية الت أوردها ف الفصل الثالث من الكتاب الذكور‪.‬‬
‫ول تتوغل ف علم الكلم ول تكثر من الوض فيه لجرد طلب التحقيق ف العرفة فإنك ل تظفر‬
‫بذا الطلوب من هذا العلم‪ .‬ولكن إن أردت التحقق ف العرفة فعليك بسلوك طريقه وهي التزام التقوى‬
‫ظاهرا وباطنا‪ ،‬وتدبر اليات والخبار‪ ،‬والنظـر فـ ملكوت السـماوات والرض على قصـد العتبار‪،‬‬
‫وتذ يب أخلق الن فس وتلط يف كثافات ا ب سن الريا ضة‪ ،‬وت صقيل مرآة القلب بلز مة الذ كر والف كر‪،‬‬
‫والعراض عما يشغل عن التجرد لذا المر‪ .‬فهذا سبيل التحصيل إن سلكته عثرت ‪-‬إن شاء ال تعال‪-‬‬
‫على الطلوب‪ ،‬وظفرت بالمر الرغوب‪ ،‬والصوفية إنا جاهدوا نفوسهم وبالغوا ف رياضتها وقطعوها عن‬
‫عادات ا ومألوفات ا لعلم هم بتو قف ح صول كمال العر فة على ذلك‪ ،‬وعلى كمال العر فة يتو قف التح قق‬
‫بقام العبودية الذي هو بغية العارفي وأمنية الحققي رضي ال عنهم أجعي‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) بأداء الفرائض واجتناب الحرمات ‪ ،‬والكثار من النوافل‪ .‬فإنك إن فعلت ذلك ملصا‬
‫لو جه ال الكر ي ح صلت على غا ية القرب من ال وخل عت عل يك خل عة الح بة ال ت ت صي عند ها ج يع‬
‫حركاتك وسكناتك ل وبال‪ ،‬وهي خلعة الولية بل خلعة اللفة‪ ،‬وقد أشار إليها رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بقوله فيما يرويه عن ربه تعال قال‪" :‬ما تقرب إل عبدي بشيء أحب إل ما افترضت عليه‬
‫ول يزال عبدي يتقرب إل بالنوافل حت أحبه فإذا أحببته كنت سعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به‬
‫ويده الت يبطش با ورجله الت يشي با فب يسمع وب يبصر وب يبطش وب يشي ولئن سألن لعطينه‬
‫ولئن استعاذن لعيذنه وما ترددت ف شيء أنا فاعله ترددي ف قبض نفس عبدي الؤمن يكره الوت وأنا‬
‫أكره مساءته ول بد له من الوت"‪.‬‬
‫فانظر –رحك ال‪ -‬إل ما انطوى عليه هذا الديث القدسي من السرار والعارف وتأمل ما أومأ‬
‫إليه من الدقائق واللطائف وما وصل هذا العبد الوفق إل هذه الرتبة العظيمة الت صار فيها ما يبه مبوبا‬
‫ل و ما يكر هه مكروها ع ند ال إل بأداء ما فرضه عل يه والكثار من النوا فل ابتغاء الزل فى لد يه فال سباق‬
‫السباق إن كانت لك هة ف الوصول إل مراتب الكمال ورغبة ف بلوغ درجات الرجال فقد وضح لك‬
‫الطريق وبد لك شعاع التحقيق‪.‬‬
‫(واعلم) أن ال قد جعل فضله ورحته ف النوافل جبا لا يقع من اللل ف الفرائض‪ .‬ولكن ل‬
‫يب خلل الفريضة إل بنفل من نوعها كالصلة بالصلة‪ ،‬والصيام بالصيام‪ ،‬والفرض هو الصل والنفل تابع‬
‫له‪ ،‬والذي يؤدي الفرائض ويتنب الحارم ول يتنفل أحسن حا ًل من يتعاطى النوافل ويقع ف إهال بعض‬
‫الفرائض‪ ،‬فإياك أن تعرض عن شيء من الفرائض اشتغا ًل بشيء من النوافل فتأث بترك الفريضة ول يتقبل‬
‫ال م نك النافلة وت قع ف ذلك م ثل من يشت غل بتح صيل العلم الذي هو ف ح قه فضيله ويترك الشتغال‬
‫بتحصيل ما هو عليه من العلم فريضة ف ظاهره وباطنه‪ ،‬ومن يقعد عن الكسب مع القدرة عليه اشتغالً‬
‫بنوافل العبادات ويترك عياله يتكففون الناس فقس على هاتي الصورتي ما عداها ما ف معناها‪.‬‬
‫(واعلم) أنـك ل تصـل إل القيام بامتثال مـا فرض ال عليـك مـن طاعتـه واجتناب مـا حرم ال‬
‫عليك من معصيته وإل العمل با شرع لك من النوافل الت تقربك إليه زلفى إل بالعلم‪ ،‬فعليك بطلبه فقد‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪" :‬طلب العلم فريضة على كل مسلم"‪.‬‬
‫وبالعلم تعرف كون الواجــب واجبا والندوب مندوبا‪ ،‬والحرم مرما‪ ،‬وتعرف كيــف تؤدي‬
‫الواجب وتفعل الندوب وتترك الحرم فإذن ل بد لك من العلم ول غن لك عنه‪ ،‬وعليه وعلى اعمل به‬
‫مدار سعادتك ف الدنيا والخرة‪.‬‬
‫(واعلم) أن من عبد ال بغي علم كان الضرر العائد عليه بسبب عبادته أكثر من النفع الاصل‬
‫له با‪ ،‬وكم من عابد قد أتعب نفسه ف العبادة وهو مع ذلك مصر على معصية يرى أنا طاعة أو أنا غي‬
‫معصية‪ .‬وقد حكى الشيخ العارف بال ممد بن عرب ف باب الوصايا من الفتوحات عن رجل من أهل‬
‫الغرب أ نه كان كث ي الجتهاد ف العبادة وأ نه اشترى أتانا‪ 1‬ول ي ستعملها ف ش يء‪ ،‬ف سأله إن سان عن‬
‫سبب إم ساكها‪ ،‬قال‪ :‬ما أم سكتها إل لح صن ب ا فر جي! وكان ل يعلم تر ي إتيان البهائم‪ ،‬فل ما عر فه‬
‫بتحريه أشفق وبكى بكاءً شديدا‪ .‬انتهت الكاية بعناها‪.‬‬
‫والعلم الوا جب على كل م سلم هو أن يعلم وجوب ج يع الفرائض ال ت فرض هن ال عل يه وتر ي‬
‫ج يع الحرمات ال ت حرم هن ال عل يه‪ .‬وأ ما العلم بكيف ية ف عل الش يء الوا جب فل ي ب إل ع ند إرادة‬
‫مباشرته فمن بلغ أو أسلم ف شهر الحرم مثلً كان الواجب عليه فورا أن يتعلم معن الشهادتي وينطق‬
‫ب ما‪ ،‬ويتعلم وجوب ال صلوات ال مس و ما ي ب من معر فة أركان ا وأحكام ها‪ ،‬و من الوا جب عل يه أن‬
‫يعرف وجوب الصوم والزكاة والج وغيها من الواجبات العينية ويعرف تري الزن وشرب المر وأخذ‬
‫أموال الناس بالباطل وغيها من الحرمات الشريعة ولكن ل يب عليه أن يتعلم كيفية الصيام والج إل‬
‫ع ند م يء رمضان وإرادة ال ج‪ ،‬ول كيف ية الزكاة إل ح ت يلك مالً يز كى وي يء و قت إخراج الزكاة‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫والحرمات والواجبات العين ية معرو فة ب ي ال سلمي ل تكاد تفى وإن ا ال هم معر فة الحكام‪ .‬نعم‬
‫ول يكفه إل أن يتلقى جيع ذلك من عال يشى ال ويدين بالق‪ .‬والعامة تطئ وتصيب فإياك أن تفعل‬
‫ما يفعلو نه وتترك ما يتركو نه اقتداء ب م‪ ،‬فإن القتداء ل ي صح إل بالعلماء العامل ي‪ ،‬و قد عز اليوم عال‬
‫ل فل تكتفي‬ ‫يعمل بعلمه‪ .‬فإذا رأيت العال ف هذا الزمان يفعل شيئا أو يتركه ما يهل كونه حقا أو باط ً‬
‫بجرد رؤيته ف الفعل أو الترك حت تسأله عن وجه ذلك ف الشرع وحكمه من الدين‪ ،‬ول يتاج السلم‬
‫ف ت صيل ما هو فرض عل يه من العلم إل طول مدة‪ ،‬ول يكاد تلح قه مش قة ف ذلك ل سهولته‪ ،‬ويك في‬
‫الطالب الف طن ف تعلم ذلك أن يلس مع العال الت قن ساعة أو ساعتي من زمان و قد جاء أعرا ب إل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يطب على منبه فسأله أن يعلمه ما علمه ال فنل عن منبه فعلمه‬
‫ث صعد النب فأت خطبته‪.‬‬
‫التان‪ :‬أنثى المار‬ ‫‪1‬‬
‫وعلى الملة فمن أراد أن يسلم ويغنم فعليه أن ل يدخل ف شيء ول يقيم على فعل شيء قد دخل‬
‫فيه حت يعلم ما حكم ال ف ذلك الشيء من الوجوب أو الندب أو الباحة أو التحري فجميع الشياء ل‬
‫تلو عن أحد هذه المور الربعة‪ ،‬والشبه أن هذا المر واجب على كل مسلم‪.‬‬
‫ثـ إن الؤمنيـ ينقسـمون إل عموم وخصـوص‪ ،‬فالعموم قـد يقعون فـ ترك الواجبات وفعـل‬
‫الحرمات‪ ،‬وأحسـنهم مـن يبادر بالتوبـة والسـتغفار‪ ،‬ول يرصـون على فعـل النوافـل وينهمكون فـ‬
‫الباحات‪ ،‬وأما الصوص فيؤدون الواجبات ويتركون الحرمات بكل حال ويافظون على فعل الندوبات‬
‫ويقتصرون من الباحات على ما يكون وسيلة إل القيام بامتثال الوامر واجتناب النواهي وبال التوفيق‪.‬‬
‫فصــل‬

‫(وعليـك) بلزوم النظافـة ظاهرا وباطنا‪ ،‬فإن مـن كملت نظافتـه صـار بروحـه وسـريرته ملَكا‬
‫روحانيا‪ ،‬وإن كان بسمه وصورته بشرا جسمانيّا‪ .‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬بن الدين‬
‫على النظافة" وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬إن ال نظيف يب النظافة"‪.‬‬
‫وت صل النظا فة الباط نة بتزك ية الن فس عن رذائل الخلق‪ ،‬كال كب والرياء وال سد و حب الدن يا‬
‫وأخواتا‪ ،‬وتليتها بكارم الخلق‪ ،‬كالتواضع والياء والخلص والسخاء وأخواتا‪.‬‬
‫وحقائق هذا الخلق وطريقة اللص من رذائلها وسبيل التحصيل لفضائلها قد جعه المام الغزال‬
‫ف الشطر الثان من الحياء فعليك بعرفة ذلك واستعماله‪.‬‬
‫وأما النظافة الظاهرة فتحصل بترك الخالفات وفعل الوافقات‪.‬‬
‫ف من ز ين ظاهره بلز مة العمال ال صالة‪ ،‬وع مر باط نه بالتخلق بالخلق الحمودة‪ ،‬ف قد كملت‬
‫نظافته وإل فله نصيب منها بقدر بعده عن منكرات الخلق والعمال وقربه من ماسنها‪.‬‬
‫و من أق سام النظا فة الظاهرة ما أر شد إل يه الشرع من أ خذ الفضلت وإزالة الدناس‪ ،‬والتط هر من‬
‫الحداث والناس‪.‬‬
‫فمن ذلك‪ :‬إزالة شعر العانة‪ ،‬ونتف البط أو حلقه‪ ،‬وقص الشارب‪ ،‬وتقليم الظفر‪ ،‬ويستحب أن‬
‫يبتدئ من سبابة اليم ن إل خن صرها و من خن صر الي سرى إل إبام ها وي تم بإبام اليم ن‪ ،‬وأ ما الرجلن‬
‫فيبدأ بنصر اليمن ويتم بن صر اليسرى كالتخليل ف الوضوء‪ ،‬ويكره تأخي فعل هذه الشياء عن كل‬
‫أربعي يوما‪.‬‬
‫ومن ذلك إزالة الو ساخ ال ت تت مع ف معا طف البدن وأغواره بالاء‪ ،‬و ما يت مع من الر مص على‬
‫العيني‪ ،‬ومن القذر ف النخرين‪ ،‬ومن الطعام بي السنان باللل‪.‬‬
‫(وعليـك) تنظيـف فمـك بالسـواك‪ ،‬وكونـه مـن الراك أول‪ ،‬ويتأكـد عنـد إرادة الدخول فـ‬
‫العبادات‪ ،‬وتنظيف ثيابك بالاء كلما تدنست من غي إفراط وتشبه بالترفي‪.‬‬
‫و من ال سنة التاب عة للنظا فة‪ :‬د هن ش عر اللح ية‪ ،‬وترجيل ها بال شط‪ ،‬وكذا كل ش عر يق صد تبقي ته‪،‬‬
‫والكتحال بالثد ف كل عي ثلثا‪ ،‬وكان عليه السلم يكتحل ف كل ليلة كذلك‪ ،‬واستعمال الطيب‬
‫والكثار م نه فإ نه ي ستر الروائح الكري هة الثائرة من الن سان وغيه‪ ،‬ويتأ كد ع ند حضور الم عة و سائر‬
‫جوع السلم‪ ،‬وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يبه ويكثر منه‪ ،‬وربا رئي بريق الطيب على‬
‫مفرق رأسه وذلك ليست به وإل فقد كان عليه السلم له طيب ف جسده يستغن به عن الطيب حت إنم‬
‫كانوا يمعون عرقه فيتطيبون به ويستحب أن يتطيب الرجل با يظهر ريه ويفى لونه والرأة بضد ذلك‪.‬‬
‫(وعليك) بالحتراز عن النجاسات كلها‪ ،‬فإن أصابك شيء منها مع الرطوبة فبادر بغسله‪ ،‬وإذا‬
‫أ صابتك جنا بة فبادر بالغت سال ف الال فإن ال نب مطرود عن حضرة ال ولذلك حرم عل يه الل بث ف‬
‫السجد وتلوة القرآن‪.‬‬
‫وقد ورد أن اللئكة ل تدخل البيت الذي فيه جنب وإذا ذهبت اللئكة جاءت الشياطي من كل‬
‫ناحية‪.‬‬
‫واحذر أن تأ كل أو تنام وأ نت ج نب فتتعرض بذلك لفات عديدة فإن عجزت عن الغت سال ف‬
‫الال فل تَعجِز عن غسل الفرج والوضوء‪.‬‬
‫(وعليـك) بتجد يد الوضوء ل كل فري ضة واجت هد أن ل تزال على طهارة‪ ،‬وجدد الوضوء كل ما‬
‫أحد ثت؛ فإن الوضوء سلح الؤ من وم ت كان ال سلح حاضرا ل يتجا سر العدو على الد نو م نك‪ ،‬و قد‬
‫جار رجل إل الشيخ أب السن الشاذل رضي ال عنه يسأله أن يعلمه الكيمياء فأمره الشيخ أن يقيم عنده‬
‫سنة وشرط عل يه أن يتو ضأ كل ما أحدث وي صلي ركعت ي ووعده التعل يم ب عد ذلك‪ ،‬فل ما كملت ال سنة‬
‫ذهب ذلك الرجل إل بئر يستقي منها ماء فطلع الدلو ملوءا ذهبا أو فضة فصبه ف البئر؛ زهدا فيه وجاء‬
‫إل الشيخ فأخبه فقال له الشيخ‪ :‬قد صرت الن كلك كيمياء ونصبه داعيا إل ال تعال‪.‬‬

‫(وعليــك) بصـلة ركعتيـ كلمـا توضأت‪ .‬فإن ل تقدر أن تداوم على الطهارة فاجتهـد أن ل‬
‫تدعها عند اللوس ف السجد وقراءة القرآن والعلم والقعود للذكر ونو ذلك من العبادات‪.‬‬

‫وإذا توضأت أو اغت سلت فاحذر أن تقت صر على الفرض من ذلك بل ينب غي أن تا فظ على ال سنن‬
‫والداب على نو ما بلغك من غسله ووضوئه عليه الصلة والسلم‪.‬‬

‫(وينبغي) أن تغتسل ف بعض الوقات بنية النظافة وإن ل تصبك جنابة وقد ورد الث ف السنة‬
‫على الغتسال يوم المعة لاضريها فعليك به وهو كاف ف التنظيف لكن ف بعض الوقات وف حق‬
‫بعض الشخاص‪.‬‬

‫وإذا فر غت من الوضوء وكذا الغ سل ف قل‪ :‬أش هد أن ل إله إل ال وحده ل شر يك له وأش هد أن‬
‫ممدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) بالحافظة على آداب السنة ظاهرا وباطنا وعادة وعبادة تكمل لك التابعة ويتم لك‬
‫القتداء برسول ال صلى ال عليه وسلم رسول الرحة ونب الدى‪.‬‬
‫وإن سرك أن تكون من الصديقي فل تدخل ف شيء من العادات –فضلً عن العبادات‪ -‬حت‬
‫تبحث وتنظر هل دخل فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم أو أحد من الصحابة الئمة‪ ،‬فإن ل تدهم‬
‫دخلوا فيه مع القدرة على ذلك فأمسك عنه‪ ،‬وإن شلته الباحة‪ ،‬فإنم ما أمسكوا عنه إل لي علموه ف‬
‫تركه‪ ،‬وإن رأيتهم دخلوا فيه فاعرف أو ًل كيفية دخولم فيه واقتد بم ف ذلك‪ ،‬وقد أمسك بعض العلماء‬
‫عن أكل البطيخ وقال قد بلغن أنه عليه الصلة والسلم أكله ولكن ل يبلغن كيفية تناوله له فلذلك‬
‫أتركه‪.‬‬
‫وقد تقدم فيما قبل هذا الفصل ويأت فيما بعده إن شاء ال تعال نبذة من الداب الت تتأكد‬
‫الحافظة عليها ف العبادات‪.‬‬
‫ونذكر الن ف هذا الفصل نبذة من الداب الت ينبغي الحافظة عليها ف العادات فنقول‪:‬‬
‫اعلم أن من حافظ ف عاداته على الداب النبوية حفظه ال من التعدي إل ما وراءها من العمال‬
‫والخلق الردية وحصل على الصال والمنافع الدينية والدنيوية الت جعلها ال بكمته ف تلك المور‬
‫العادية‪ ،‬ومن سرّه أن تكمل له الرية والطهارة من أدناس الظوظ البشرية فليجعل حركاته وسكناته ف‬
‫ظاهره وباطنه مضبوطة بالقانون الشرعي‪ ،‬تابعة لشارة الشرع والعقل‪ ،‬وكيفما وقع ذم العادات على‬
‫لسان الصوفية فالقصود به الدخول فيها على مقتضى الشهوة والوى والسترسال معها دون مافظة على‬
‫الداب الشرعية‪.‬‬
‫وقد قال حجة السلم ف "الربعي الصل" بعد أن حث على متابعة الرسول ونبه على شيء من‬
‫أسـرارها‪ :‬هذا كله فـ العادات وأمـا فـ العبادات فل أعرف لتارك السـنة وجها إل كفرا خفيا أو حقا‬
‫جليا فاعرف ذلك‪.‬‬
‫(واعلم) أنه ينبغي لك أن تصدر جيع أمورك باسم ال فإن نسيت أن تسمي ف أول المر فقل‬
‫‪-‬إذا تذكرت‪ :-‬باسم ال ف أوله وآخره‪ ،‬واجتهد أن ل تدخل ف شيء من العادات إل بنية صالة؛ فإذا‬
‫لبست ثوبك فانو به ستر عورتك الت أمرك ال بسترها وابدأ باليمي ف نو القميص وأخّرها ف النع‪،‬‬
‫وارفع إزارك وقميصك إل نصف الساق‪ ،‬فإن أبيت فل تاوزن الكعب‪ ،‬وللمرأة إرسال ثوبا على الرض‬
‫من كل ناحية قريبا من ثلثي ذراع‪ ،‬واجعل كم قميصك إل الرسغ أو إل أطراف الصابع وإن زدت فل‬
‫تسرف‪ ،‬وقد كان كم رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الرسغ‪ ،‬وقطع علي قميص له إل أطراف‬
‫الصابع‪ ،‬ول تتخذ من اللبس إل ما تتاج إل لبسه‪ ،‬ول تتحر أنفس اللبوس ول أخشنه وتوسط ف‬
‫ذلك ول تكشف عورتك ول شيئا منها لغي حاجة‪ ،‬ومت دعت الاجة إل كشف شيء منها فقل عنده‪:‬‬
‫بسم ال الذي ل إله إل هو‪ .‬وقل إذا لبست ثوبك‪" :‬المد ل الذي كسان هذا ورزقنيه من غي حول‬
‫من ول قوة"‪.‬‬
‫ومن السنة لبس العمامة وليس من السنة توسيع الكمام وكب العمائم‪.‬‬
‫(وعليك) أن ل تنطق إل بي‪ ،‬وكل كلم ل يل النطق به يرم عليك الستماع إليه‪ ،‬وإذا‬
‫تكلمت فرتل كلمك ورتبه‪ ،‬واصغ إل حديث من حدثك ول تقطعن على أحد كلمه إل إن كان من‬
‫الكلم الذي يسخط ال كالغيبة‪ ،‬واحذر الداخلة ف الكلم‪ ،‬ول تظهر لن حدثك حديثا تعرفه أنك‬
‫تعرفه؛ فإن ذلك ما يوحش الليس‪ ،‬وإذا حدثك إنسان بكلم أو حكى لك حكاية على غي الوجه‬
‫النقول فل تقل له ليس كما تقول ولكنه كذا وكذا‪ ،‬فإن تعلق ذلك بأمر الدين فعرفه الصواب برفق‪.‬‬
‫(وإياك) والوضَ فيما ل يعنيك وإكثا َر اللف بال‪ ،‬ول تلف به تعال إل صادقا عند الاجة‪،‬‬
‫واحذر الكذب بميع أنواعه فإنه مناقض لليان‪.‬‬
‫(وإياك) والغيبةَ والنميمة والكثا َر من الزاح‪ ،‬واجتنب سائر الكلم القبيح‪ ،‬وأمسك عن رديء‬
‫الكلم كما تسك عن مذمومه‪ ،‬وتفكر فيما تقول قبل أن تقول فإن كان خيا فقل وإل فاصمت‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬كل كلم ابن آدم عليه ل له إل ذكر ال أو أمر بعروف أو ني عن‬
‫منكر"‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬رحم ال امرءا قال خيا فغنم أو سكت عن شر فسلم"‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لا بالً يهوي با أبعد من الثريا"‪.‬‬
‫(وعليك) أن ل تنقل قدميك إل إل خي أو ف حاجة‪ ،‬وإذا مشيت فل تستعجل‪ ،‬ول تتال ف‬
‫مشيتك ول تتبختر فتسقط بذلك من عي ال‪ ،‬ول تكره أن يشى أمامك ول تب أن يوطأ عقبك ويشى‬
‫خلفك فإن ذلك من أخلق التكبين‪ ،‬ول تكثر اللتفات وأنت تشي ول تقف ف طريقك لجرد‬
‫الفضول‪ ،‬وكان عليه الصلة والسلم إذا مشى يتقلع كأنا ينحط من صبب وإذا نودي من ورائه وقف‬
‫ول يلتفت‪.‬‬
‫(وعليك) إذا جلست بالتحفظ على عورتك واجلس مستقبلً القبلة على هيئة الشوع والوقار‬
‫ول تكثر الضطراب والتحرك والقيام من ملسك‪.‬‬
‫(وإياك) والكثار من الك والتمطط والتجشؤ والتثاؤب ف وجوه الناس وإذا أخذك التثاؤب‬
‫فضع يدك اليسرى على فيك‪.‬‬
‫(وإياك) وكثرة الضحك فإنه ييت القلب وإن استطعت أن تعل ضحكك التبسم فافعل‪ ،‬ول‬
‫تقم من ملسك حت تقول‪" :‬سبحانك اللهم وبمدك أشهد أن ل إله إل أنت أستغفرك وأتوب إليك"‬
‫فقد ورد أن من قال ذلك غفر له ما كان ف ملسه ذلك‪.‬‬
‫وإذا أردت النوم فاضطجع على جنبك الين مستقبلً للقبلة تائبا من جيع الذنوب عازما على قيام‬
‫الليل قائلً‪ :‬باسك اللهم رب وضعت جنب وباسك أرفعه فاغفر ل ذنب‪ ،‬اللهم قن عذابك يوم تمع‬
‫عبادك "ثلثا" أستغفر ال العظيم الذي ل إله إل هو الي القيوم وأتوب إليه "ثلثا" وقل‪ :‬سبحان ال‬
‫"ثلثا وثلثي" مرة والمد ل كذلك وال أكب "أربعا وثلثي"‪.‬‬
‫وللنوم أذكار غي هذه فل تغفل عنها‪.‬‬
‫ول تنم إل على طهارة‪ ،‬وليأخذك النوم وأنت على ذكر ال تعال‪ ،‬ول تتعود النوم على الفرش‬
‫الوطيئة فيدعوك ذلك إل كثرة النوم وترك القيام بالليل‪ ،‬فيعظم حزنك وتسرك إذا رأيت ما أعد ال‬
‫للقائمي‪ .‬وقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬يشر الناس ف صعيد واحد فينادي مناد أين الذين كانت‬
‫تتجاف جنوبم عن الضاجع فيقومون وهم قليل فيدخلون النة بغي حساب"‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬قالت أم سليمان بن داوود عليه السلم يا بن ل تكثر النوم بالليل‪،‬‬
‫فإن من يكثر النوم بالليل يأت فقيا يوم القيامة"‪.‬‬
‫وقال المام الغزال رحه ال اعلم أن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة فل يكون نومك فيها أكثر‬
‫من ثان ساعات فيكفيك إن عشت ستي سنة أن تضيع منها عشرين سنة وهي الثلث‪.‬‬
‫ومت تعذر عليك ف بعض الواضع المع بي التيامن والستقبال فنم على يينك واجتهد أن ل‬
‫تستدبر القبلة‪ ،‬وإذا قصدت باضطجاعك الستراحة دون النوم فل بأس أن تضطجع على اليسر‪.‬‬
‫وف النوم وقت القيلولة معونة على قيام الليل فعليك به‪.‬‬
‫واحذر أن تنام بعد صلة الصبح فإنه ينع الرزق‪ ،‬أو بعد صلة العصر فإنه يورث النون‪ ،‬أو قبل‬
‫صلة العشاء فإنه يورث الرق‪.‬‬
‫وإذا رأيت ف منامك ما يسرّك من الرؤيا فاحد ال وأوله بي مناسب يكون كذلك‪ ،‬وإذا رأيت ما‬
‫يسوءك فتعوذ بال من الشر واتفل عن يسارك ثلثا وتول إل جنبك الخر ول تدث با أحدا فإنا ل‬
‫تضرك‪ ،‬وإذا قص عليك أحد الرؤيا فل تؤولا حت يسأل منك ذلك أو تستأذنه فيه‪.‬‬
‫وإذا أكلت أو شربت فابدأ باسم ال واختم بالمد ل‪ ،‬وكل واشرب بيمينك‪ ،‬وإذا قدم إليك طعام‬
‫فقل‪ :‬اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وأطعمنا خيا منه إل أن يكون لبنا فقل‪ :‬وزدنا منه فإنه ل شيء خي منه‬
‫كما ورد‪.‬‬
‫(وعليك) بغسل اليدين قبل الطعام وبعده‪ ،‬وبتصغي اللقمة‪ ،‬وتدقيق الضغ‪ ،‬ول تدد يدك إل‬
‫الطعام حت تبتلع ما ف فمك‪ ،‬وكلْ من نواحي القصعة ول تأكل من وسطها فإن البكة تنزل عليه‪ ،‬وإذا‬
‫سقطت لقمتك فأمط ما با من أذى ث كلها ول تدعها للشيطان‪ ،‬والعَق أصابعك والقصعة بعد الفراغ‪،‬‬
‫وكل بالسبابة والوسطى والبام‪ ،‬وإن احتجت إل الستعانة بالبقية ف نو الرز فل بأس‪.‬‬
‫وإذا أكلت مع غيك فكل ما يليك إل الفاكهة‪ ،‬ول تكثر النظر إل الاضرين ف حال أكلهم‪،‬‬
‫وتدث معهم با يناسب الال‪ ،‬ول تتكلم والطعام ف فمك‪ ،‬وإن غلبك بصاق أو ماط فالو برأسك‬
‫عنهم أو قم إل موضع آخر‪.‬‬
‫وإذا أكلت عند قوم فاثن عليهم وادع لم بي وقل بعد الفراغ من الكل‪ :‬المد ل‪ .‬اللهم كما‬
‫أطعمتن طيبا فاستعملن صالا‪ ،‬المد ل الذي أطعمن هذا الطعام ورزقنيه من غي حول من ول قوة‪.‬‬
‫فمن قال ذلك غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪.‬‬
‫ول تتكلف الدام لكل طعام‪ ،‬ول تعب طعاما قط وإن كان رديئاَ‪.‬‬
‫ول تعل هتك أكل الطيبات وتناول الشهوات فتكون من الذين قال فيهم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬شرار أمت الذين غذوا بالنعيم ونبتت عليه أجسادهم وإنا هتهم ألوان الطعام وألوان الثياب‬
‫ويتشدقون ف الكلم"‪.‬‬
‫وقال علي‪ ،‬كرم ال وجهه‪ :‬من كانت هته ما يدخل بطنه كانت قيمته ما يرج منها‪.‬‬
‫واجتهد أن ل تدخل بطنك إل حللً؛ فإن من أكل اللل أربعي يوما استنار قلبه‪ ،‬وجرت ينابيع‬
‫الكمة على لسانه‪ ،‬وأكرمه ال بالزهد ف الدنيا‪ ،‬وصفت سريرته‪ ،‬وحسنت معاملته مع ربه‪ ،‬ومن أكل‬
‫الرام والشبهات كان على الضد من ذلك كله‪.‬‬
‫(وإياك) والتساع ف الكل وكثرة الشبع فإنه من اللل مبدأ كل شر‪ .‬ومن آفاته قسوة القلب‬
‫وفساد الفطنة وتشويش الفكرة والكسل عن العبادة إل غي ذلك من الفات‪.‬‬
‫وسبيل القتصاد ف الكل أن تسك عن الطعام وأنت تشتهيه ول تتناوله حت تشتهيه بشهوة‬
‫صادقة‪.‬‬
‫وعلمة صدق الشهوة أن تشتهي كل طعام‪.‬‬
‫وإذا شربت الاء فمصّه ول تعبّه‪ ،‬واشرب ف ثلثة أنفاس‪ ،‬ول تتنفس ف الناء ول تشرب من‬
‫ثلمته‪ ،1‬ول تشرب وأنت قائم ول من فم السقاء فإن ل تد إناء فاشرب على يدك وقل بعد الشرب‪:‬‬
‫المد ل الذي جعله عذبا فراتا برحته ول يعله ملحا أجاجا بذنوبنا‪.‬‬
‫وإذا أتيت أهلك فقل‪ :‬بسم ال‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا‪ ،‬واستر نفسك‬
‫وأهلك بثوبك‪.‬‬
‫(وعليك) بالسكينة والدوء وإذا أحسست بالنزال فاقرأ ف نفسك من غي أن ترك لسانك‬
‫قوله تعال‪( :‬وهو الذي خلق من الاء بشرا فجعله نسبا) الية‪.‬‬
‫والفضل للناسك من التزوج وتركه ما كان منهما أسلم لدينه وأصلح لقلبه وأجع لفكره‪ ،‬ويكره‬
‫كراهة شديدة لن ل زوجة له أن يتفكر ف شأن النساء التفكي الذي يمل النفس على اليل إليهن‪ ،‬ومن‬
‫بلي بذلك ول يقدر على قمعه بوظائف العبادات فعليه بالتزوج فإن ل يستطيع فعليه بالصوم فإنه يكسر‬
‫الشهوة‪.‬‬
‫وإذا قصدت بيت اللء لبول أو غائط فالبس نعليك واستر رأسك وقدم رجلك اليسرى ف‬
‫الدخول واليمن ف الروج وقل عند إرادة الدخول "بسم ال اللهم إن أعوذ بك من البث والبائث"‬
‫وعند الروج "غفرانك المد ل الذي أذهب عن الذى وعافان"‪ .‬ول تذكر ال على تلك الالة إل‬
‫بقلبك‪.‬‬
‫ول تستصحب شيئا مكتوبا عليه اسه تعال؛ إجللً له‪ ،‬ول تعبث ول تتكلم إل لضرورة ول ترفع‬
‫من ثوبك إل القدر الذي يشى عليه التنجس‪ ،‬واستتر بيث ل يراك شخص‪ ،‬وابعد بيث ل يسمع منك‬
‫صوت ول يشم منك ريح ‪ ،‬ول تستقبل القبلة ول تستدبرها ببول ول بغائط‪ ،‬وقد يتعذر فعل ذلك ف‬
‫بعض البنية فيغتفر للمشقة‪ ،‬ول تبل ف الاء الراكد وإن كان كثيا‪ ،‬إل عند الاجة ول على الرض‬
‫الصلبة ول ف مهاب الريح كل ذلك احترازا من البول الذي عامة عذاب القب منه فعليك بالستباء منه‬
‫جهدك من غي خروج إل حد الوسوسة‪ ،‬ويصل بالتنحنح ونتر الذكر وإمرار اليد على أسفله برفق‪،‬‬
‫واستنج بالجر ث بالاء فإن اقتصرت على أحدها فالاء أفضل وقدم القبل ف الاء وأخره ف الجر وقل‬
‫بعد الستنجاء "اللهم حصن فرجي من الفواحش وطهر قلب من النفاق"‪.‬‬
‫(وعليك) بالتيامن ف كل شأنك إل ف غسل النجاسات وإزالة القذار والدخول ف الواضع الت‬
‫من شأنا الستقذار فينبغي أن يفعل ذلك كله باليسار‪.‬‬

‫الثلمة بضم أوله فرجة الكسور‬ ‫‪1‬‬


‫وإذا عطست فاخفض با صوتك واستر فمك وقل‪ :‬المد ل رب العالي ول تبصق إل عن شالك‬
‫أو تت قدمك اليسرى‪.‬‬
‫(وعليك) بشد أفواه السقية‪ ،‬وتمي‪ 1‬الوان‪ ،‬وإغلق باب النل ل سيما عند النوم وعند‬
‫الروج منه‪ ،‬ول تنم حت تطفئ كل نار ف البيت من سراج وغيه أو تواريها‪ ،‬وإذا أصبح الناء مكشوفا‬
‫أو السقاء مفتوحا فل تشرب الاء الذي فيه ول تستعمله إل فيما يستعمل فيه الاء التنجس‪ ،‬وهو طاهر‬
‫ولكن ف استعماله خطر‪ ،‬وقد ذكر الشيخ ابن عرب ف الفتوحات أن ف السنة ليلة مبهمة تنل فيها‬
‫الدواء فل تصادف إناء مكشوفا ول سقفا ملولً إل دخلته‪ ،‬ولذلك أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بشد السقية وتمي النية‪ ،2‬وإذا ل تد ما تغطي به الناء فاجعل عليه عودا واذكر اسم ال عليه وتوكل‬
‫على ال إن ال يب التوكلي‪.‬‬

‫التخمي‪ :‬التغطية‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫النية‪ :‬جع إناء‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫فصــل‬
‫(وعليك) بطول الكث وكثرة اللوس ف السجد بنية العتكاف؛ فإن الساجد بيوت ال‬
‫وأحب البقاع إليه‪ ،‬وقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬السجد بيت كل تقي" وقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"إذا رأيتم الرجل يعتاد الساجد فاشهدوا له باليان" وقال ال تعال‪( :‬إنا يعمر مساجد ال من آمن بال‬
‫واليوم الخر) وعده عليه السلم ف السبعة الذين يظلهم ال بظل عرشه يوم ل ظل إل ظله فقال‪" :‬ورجل‬
‫قلبه معلق بالسجد إذا خرج منه حت يعود إليه" ولكن عليك حال اللوس فيه بالدب والحترام‬
‫والمساك عن فضول الكلم فضلً عن الحظور منه والرام‪ ،‬فإن بدا لك التحدث بشيء من أمور الدنيا‬
‫فابرز إل خارج السجد‪ ،‬ول تشتغل ف السجد إل بالعبادة فقط؛ لنه ل يب إل ليعبد ال فيه‪ .‬قال ال‬
‫تعال‪( :‬ف بيوت أذن ال أن ترفع ويذكر فيها اسه) إل قوله (وال يرزق من يشاء بغي حساب)‪.‬‬
‫وإذا دخلت السجد فقدم رجلك اليمن وقل‪" :‬بسم ال والصلة على رسول ال اللهم اغفر ل‬
‫ذنب وافتح ل أبواب رحتك" ول تلس حت تصلي ركعتي فإن ل تتمكن من الصلة فقل أربع مرات‬
‫"سبحان ال والمد ل ول إله إل ال وال أكب" وإذا خرجت منه فقدم رجلك اليسرى وقل ما تقدم‬
‫واجعل بدل "أبواب رحتك" "أبواب فضلك" وزد "أعوذ بال من الشيطان الرجيم وجنوده"‪.‬‬
‫وإذا سعت الؤذن فقل مثل ما يقول إل ف اليعلتي فقل‪" :‬ل حول ول قوة إل بال" وف‬
‫التثويب‪1‬صدقت وبررت‪ ،‬فإذا فرغت من جوابه فصل على النب صلى ال عليه وسلم ث قل‪" :‬اللهم رب‬
‫هذه الدعوة التامة والصلة القائمة آت سيدنا ممدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما ممودا الذي وعدته"‪.‬‬
‫وأكثر من الدعاء بي الذان والقامة؛ لقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬الدعاء بي الذاني ل يرد"‪،‬‬
‫ومن الدعاء الوارد ف هذا الوقت "اللهم إن أسألك العفو والعافية ف الدنيا والخرة" وقد ورد الث ف‬
‫السنة على هذا الدعاء ف غي هذا الوقت فعليك به فإنه من أجع الدعية وأفضلها‪.‬‬

‫التثويب‪ :‬هنا هو قول الؤذن ف أذان الصبح خاصة‪ :‬الصلة خي من النوم‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) بالبادرة بالصلة أول الوقت بيث ل يؤذن الؤذن لكل مكتوبة إل وقد توضأت‬
‫وحضرت ف السجد‪ ،‬فإن ل تفعل ذلك فل أقل من أن تأخذ ف الستعداد للصلة من حي تسمع‬
‫الذان‪ .‬وقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬فضل أول الوقت على آخره كفضل الخرة على الدنيا" وقال‬
‫عليه الصلة والسلم‪" :‬أول الوقت رضوان ال وآخره عفو ال"‪.‬‬
‫(وعليك) بالحافظة على السنن الراتبة الت أرشدك الشرع إل فعلها قبل الكتوبات وبعدها‪،‬‬
‫واحذر أن تتساهل بترك شيء منها وما فاتك منها بعذر فبادر بقضائه‪.‬‬
‫(وعليك) بالشوع ف صلتك‪ ،‬وحضور القلب‪ ،‬وتسي القيام‪ ،‬وترتيل القراءة وتدبرها‪ ،‬وإتام‬
‫الركوع والسجود وسائر الركان‪ ،‬والحافظة على السنن والداب الت ندبك الشرع إل العمل با ف‬
‫الصلة ‪ ،‬والحتراز عما يوجب نقصا ف الصلة أو يفوت به وجود الكمال؛ فإنك إن فعلت ذلك‬
‫خرجت صلتك بيضاء مسفرة تقول‪ :‬حفظك ال كما حفظتن‪ ،‬وإل خرجت سوداء مظلمة تقول‪:‬‬
‫ضيعك ال كما ضيعتن‪ .‬وقد قال عليه الصلة والسلم‪ " :‬ليس للمرء من صلته إل ما عقل منها"‪.‬‬
‫وقال السن البصري رحه ال‪ :‬كل صلة ل يضر فيها القلب فهي إل العقوبة أسرع‪.‬‬
‫والشيطان لعنه ال حريص على أن يشغل الؤمن عن صلته‪ ،‬حت إنه يفتح عليه عند قيامه إل‬
‫الصلة أبوابا من الوائج ويذكره أشياء من المور الت تمه ف دنياه ل تكن له قبل الصلة على بال‪،‬‬
‫وقصد اللعي بذلك أن يشغله ف صلته عن القبال على ال والضور معه فيها‪ ،‬وإذا ل يصل له ذلك‬
‫فاته القبال على ال‪ ،‬وربا خرج من صلته مأزورا‪ ،‬ولذلك استحب العلماء رحهم ال للمصلي أن يقرأ‬
‫عند إرادة الدخول ف الصلة قل أعوذ برب الناس‪ 1‬تصنا من الشيطان الرجيم‪.‬‬
‫(وينبغي) أن ل تداوم ف صلتك على قراءة سورة مصوصة بعد الفاتة‪ ،‬إل إن ورد الشرع به‪،‬‬
‫وذلك كقراءة (ال السجدة‪ ،‬وهل أتى على النسان) ف صبح يوم المعة‪.‬‬
‫واحذر أن تداوم ف صلتك على قراءة السور القصية كالكافرون والخلص والعوذتي‪.‬‬

‫وإن كنت إماما‪ ،‬فالصي إل التخفيف الندوب إليه المام إل حديث معاذ رضي ال عنه وهو أنه‬
‫أمّ قوما فأطال عليهم جدّا فشكاه رجل منهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال له عليه الصلة‬
‫والسلم‪" :‬أفتان أنت يا معاذ اقرأ بسبح العلى‪ ،‬والشمس وضحاها‪ ،‬والليل إذا يغشى"‪ .‬ومن نظر ف‬

‫أي سورة الناس كلها‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫كتب الثر عرف ما قلناه‪ ،‬وقد روي أن آخر صلة صلها رسول ال صلى ال عليه وسلم بالناس صلة‬
‫الغرب قرأ فيها بالرسلت عرفا‪ .‬وال يهدي من يشاء إل صراط مستقيم‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) إذا صليت خلف إمام أن تسن التابعة له؛ فإنا جعل المام ليؤت به‪ ،‬واحذر أن تقارنه‬
‫ف شيء من أفعال الصلة‪ ،‬فضلً عن أن تتقدم عليه‪ .‬والذي ينبغي‪ ،‬أن تعل أفعالك ف صلتك تابعة‬
‫لفعاله بالثر‪ .‬وقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬الذي يفض ويرفع قبل المام إنا ناصيته بيد الشيطان"‪.‬‬
‫(وعليك) بالبادرة إل الصف الول والزاحة عليه من غي إيذاء لحد‪ .‬واحذر أن تتأخر عنه مع‬
‫إمكان التقدم إليه‪ ،‬فقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬ل يزال قوم يتأخرون" أي عن الصف الول "حت‬
‫يؤخرهم ال" أي عن فضله ورحته‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬إن ال وملئكته يصلون على الصف‬
‫القدم" وكان صلوات ال عليه وسلمه يستغفر لهل الصف الول ثلثا وللثان مرة‪.‬‬
‫(وعليك) برصّ الصفوف وتسويتها‪ .‬فإن كنت إماما كان المر منك بذلك آكد‪ ،‬وهذا أمر‬
‫مهمّ ف الشرع وأكثر الناس غافلون عنه‪ ،‬وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يرض على ذلك‬
‫ويتول فعله بنفسه ويقول‪" :‬لتسون صفوفكم أو ليخالفنّ ال بي قلوبكم" وكان يأمر بس ّد ال ُفرَج ويقول‪:‬‬
‫"والذي نفسي بيده إن ل أرى الشيطان يدخل ف خلل الصف كأنه الذَف" يعن الغنم الصغار‪.‬‬
‫(وعليك) بالحافظة على فعل الصلوات المس مع الماعة والداومة على ذلك؛ فإن صلة‬
‫الماعة تفضل على صلة النفرد بسبع وعشرين درجة كما ف الديث الصحيح‪ ،‬واحذر أن تدع الصلة‬
‫ف الماعة لغي عذر أو لعذر فاسد‪ .‬ومهما جئت إل موضع الماعة فوجدتا قد صليت‪ ،‬أو قعدت ف‬
‫بيتك تبتغي بذلك السلمة ف دينك فينبغي أن تضم إليك من يصلي معك؛ ليحصل لك ثواب الماعة‬
‫وتسلم من الوعيد والتهديد الوارد ف حق تاركيها‪ ،‬مثل قوله عليه الصلة والسلم‪" :‬لينتهي أقوام عن ترك‬
‫الماعة أو لحرقن عليهم بيوتم" وقوله عليه السلم‪" :‬من سع النداء فارغا صحيحا فلم يب فل صلة‬
‫له"‪ ،‬وقول ابن مسعود رضي ال عنه‪ :‬لقد رأيتنا وما يتخلف عنها يعن صلة الماعة إل منافق معلوم‬
‫النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم يهادى بي الرجلي حت يقام‬
‫ف الصف‪ -‬يعن من الكِبَر‪.‬‬
‫وإذا كان هذا التشديد كله ف ترك الماعة فما ظنك به ف ترك المعة الت هي فرض عي وقد‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من ترك ثلث جع تاونا طبع ال على قلبه" فإذا وقع لك عذر ف‬
‫ترك جعة أو جاعة فقدر أن ف الوضع الذي تقام فيه رجلً يفرق دناني على الاضرين فإن نشطت‬
‫للحضور ورغبت فيه فعذرك غي صحيح واستحي من ال أن يكون غرض الدنيا أعز عليك ما عنده‪.‬‬
‫(واعلم) أن العذر الصادق غايته إسقاط الرج‪ ،‬وأما الثواب فل يصل إل بالفعل "نعم" قد‬
‫يصل الثواب لن تعذر عليه الضور من كل وجه‪ ،‬كالذي يكون عذره السهال التواتر‪ ،‬أو البس‬
‫عدوانا ونو ذلك‪ ،‬أو ل يتعذر عليه الضور ولكن يلحق بسببه لسلم غيه مشقة شديدة‪ ،‬كالذي يكون‬
‫عذره تريض الضائع ونوه‪ ،‬فصاحب هذا العذر والذي قبله إن قارن عذرهم الزن والتحسر على ترك‬
‫الضور حصل لم الثواب‪.‬‬
‫ث إن الؤ من الكا مل ل يدع شيئا م ا يقر به إل ال وإن كان له ف تر كه ألف عذر ح ت يعلم أن‬
‫تركه أحب إل ال من فعله‪ ،‬وهذا أقل ما يتفق‪ ،‬ولذلك تمل الكمل من أهل ال ف فعل ما يقربم إل ال‬
‫أمورا تعجز عن حلها البال الرواسي‪ .‬وأما من ضعف إيانه وقل يقينه وقصرت معرفته بال فل يعول ف‬
‫ترك مـا افترضـه ال عليـه إل على سـقوط الرج (ولكـل درجات ماـ عملوا وليوفيهـم أعمالمـ وهـم ل‬
‫يظلمون)‪.‬‬
‫(وعليك) بمل كل من لك عليه ولية من ولد وزوجة وملوك على فعل الصلوات الكتوبة‪ .‬فإن‬
‫امتنع أحد من هؤلء من فعلها فعليك بوعظه وتويفه‪ ،‬فإن ترد أو أصر على الترك فعليك بضربه وتعنيفه‪،‬‬
‫فإن إمتنع ول ينزجر عن الترك فعليك بقاطعته ومدابرته فإن تارك الصلة شيطان بعيد عن رحة ال‪،‬‬
‫متعرض لغضبه ولعنته‪ ،‬ترم مولته وتب معاداته على كل مسلم‪ ،‬وكيف ل وقد قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬العهد الذي بيننا وبينهم الصلة فمن تركها فقد أشرك" وقد قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل‬
‫دين لن ل صلة له وإنا مثل الصلة من الدين كمثل الرأس من السد"‪.‬‬
‫(وعليك) بالتفرغ يوم المعة من جيع أشغال الدنيا‪ ،‬واجعل هذا اليوم الشريف خالصا‬
‫لخرتك‪ ،‬فل تشتغل فيه إل بحض خي ومرد القبال على ال‪ ،‬وأحسن الراقبة لساعة الجابة وهي ساعة‬
‫تكون ف كل يوم جعة ل يوافقها مسلم يسأل ال فيها خيا ويستعيذه من شر إل استجاب ال له‪.‬‬
‫(وعليك) بالبكور إل المعة ولو أن تروح إليها قبل الزوال‪ ،‬وبالقرب من النب‪ ،‬والنصات‬
‫للخطبة‪ ،‬واحذر أن تشتغل عنه بذكر أو فكر‪ ،‬فضلً عن اللغو وحديث النفس‪ ،‬واستشعر ف نفسك أنك‬
‫مقصود بميع ما تسمعه من الوعظ والوصية واقرأ بعد السلم وأنت ثان رجليك وقبل أن تتكلم الفاتة‬
‫والخلص والعوذتي "سبعا سبعا" وقل أيضا بعد النصراف من الصلة سبحان ال العظيم وبمده "مائة‬
‫مرة" ففي الب ما يدل على فضل ذلك وبال التوفيق‪.‬‬
‫فصــل‬

‫(وعليك) إن كان لك مال تب فيه الزكاة بإخراج زكاته طيبة با نفسك قاصدا با وجه ال‪،‬‬
‫مبادرا بتمييزها وتفريقها عند حضور وقتها من غي تأخي‪ ،‬فإن فعلت ذلك درت عليك البكات‬
‫وتضاعفت عليك أنواع اليات وصار مالك ف حرز حصي من جيع الفات‪.‬‬
‫(وعليك) بتمييز الزكاة ث بتفريقها واجتنب ما يفعله بعض أبناء الدنيا‪ ،‬وذلك أن أحدهم ل ييز‬
‫الزكاة عن ماله ولكن يصي كلما صادف مستحقا أعطاه قسطا و َحسًَبهُ حت يستوف القدر الواجب‪ ،‬ول‬
‫تأكل من ثرك وزرعك الذي ييء نصابا عند الصاد بعد بدو صلحه حت تعلم القدر الواجب منه‬
‫جافا‪.‬‬
‫وإن أردت أن تأكل من شجرة معينة فل يب عليك أن تعرف إل القدر الواجب فيها فقط‪.‬‬
‫(واعلم) أن من يتال ف إسقاط الزكاة ببة ونوها أو يعطيها غي الستحقي مع العلم‪ ،‬أو‬
‫يفرقها على مقتضى الوى كالذي يص بإعطائها من يعود عليه منه نفع عاجل ل يرج من الدنيا حت‬
‫يعذبه ال باله (ولعذاب الخرة أكب لو كانوا يعلمون)‪.‬‬
‫وإذا كان هذا حال من يرجها على غي الوجه الشروع‪ ،‬فكيف يكون حال من ل يرج الزكاة‬
‫رأسا (أولئك الذين اشتروا الضللة بالدى فما ربت تارتم وما كانوا مهتدين)‪.‬‬
‫وقد تقرر أن مانع الزكاة قرين تارك الصلة ف الشر وقد قاتل أبو بكر الصديق –رضي ال عنه‪-‬‬
‫مانعي الزكاة وساهم أهل الردة‪.‬‬
‫(وعليك) بإخراج زكاة الفطر عنك وعن كل من تلزمك نفقته وذلك إن استطعت‪.‬‬
‫(وعليك) بالكثار من الصدقة وبالتصدق على الرحام الحتاجي وأهل الي القلي خصوصا‬
‫فإن الصدقة تزكو ويزيد ثوابا بوضعها ف مثل هذه الواضع‪.‬‬
‫(وعليك) بالتصدق با تب وبا يعز عليك؛ لتنال الب‪ .‬قال ال تعال‪( :‬لن تنالوا الب حت تنفقوا‬
‫ما تبون)‪ ،‬وباليثار على نفسك عند الاجة؛ لتصي من الفلحي‪ ،‬بالسرار بالصدقة؛ فإن صدقة السر‬
‫تطفئ غضب الرب‪ .‬وتتضاعف على صدقة العلنية بسبعي ضعفا وتسلم من طرق الرياء الفسد للعمال‪،‬‬
‫ول تدع أن تتصدق كل يوم بشيء وإن قل وباكر به؛ فإن البلء ل يتخطى الصدقة‪.‬‬
‫ول تيب سائلً وقف ببابك ولو أن تعطيه تمرة فما دونا فإنه هدية ال إليك فإن ل تد ما تعطيه‬
‫فأحسن رده بلي من القول وجيل من الوعد‪ ،‬وإذا أعطيت مسكينا شيئا فأظهر له البشر والبشاشة‬
‫واستشعر ف نفسك أن له النة عليك لقبوله منك عرضا يسيا حصل لك بسببه من الثواب حظ لو بذلت‬
‫الدنيا بذافيها ف مقابله لكنت رابا‪ ،‬وقد ورد أن اللقمة الواحدة يصي ثوابا عند ال أعظم من جبل‬
‫أحد‪ ،‬ول ينعك من التصدق مافة الفقر فإن ترك التصدق هو الذي يلب الفقر‪ ،‬وأما التصدق فهو يلب‬
‫ل إليه وأمثاله معه‪.‬‬
‫الغن والسعة‪ ،‬حت إن الذي يرغب ف الدنيا لو أخذ يتصدق لعاد الدبر منها مقب ً‬
‫(واعلم) أن للصدقة منافع عاجلة وآجلة‪ ،‬فمن منافعها العاجلة أنا تزيد ف الرزق والعمر‪ ،‬وتدفع‬
‫ميتة السوء‪ ،‬وتلب الصحة للجسم والبكة للمال‪ ،‬ومن منافعها الجلة أنا تطفئ الطيئة كما يطفئ الاء‬
‫ل على رأس صاحبها يوم القيامة‪ ،‬وسترا له من العذاب إل غي ذلك من النافع وما يذكر‬
‫النار‪ ،‬وتكون ظ ً‬
‫إل من ينيب‪.‬‬
‫فصــل‬

‫(وعليك) بالكثار من أعمال الب وخصوصا ف شهر رمضان؛ فإن ثواب النافلة فيه يعدل ثواب‬
‫الفريضة ف غيه‪ ،‬وأيضا فإنه يصل ف رمضان من التيسي والنشاط ف أعمال الب ما ل يصل مثله ول‬
‫قريب منه ف غيه من الشهور؛ وذلك لن النفس التكاسلة عن الب مسجونة بالوع والعطش‪ ،‬والشياطي‬
‫الثبطة عن الي مصفدة‪ ،‬وأبواب النار مغلقة‪ ،‬وأبواب النة مفتحة‪ ،‬والنادي ينادي كل ليلة بأمر ال‪ :‬يا‬
‫باغي الي هلم ويا باغي الشر أقصر‪.‬‬
‫(وينبغي) أن ل تعرج ف هذا الشهر الشريف على غي عمل الخرة‪ ،‬ول تدخل ف شيء من‬
‫أعمال الدنيا إل إذا كان ضروريا‪ ،‬واجعل شغلك بأمر العاش ف غي رمضان وسيلة إل الفراغ للعبادة‬
‫فيه‪ ،‬و ُخصّ العشر الواخر منه بزيد إقبال على ال ولزوم للعبادة‪ ،‬وإن أمكنك أن ل ترج من السجد ف‬
‫هذه العشر إل إل ما ل بد منه فافعل‪.‬‬
‫(وعليك) بصلة التراويح ف كل ليلة من رمضان وقد جرت العادة ف بعض البلد بتخفيفها‬
‫جدا حت ربا وقع بسبب ذلك ف ترك بعض الركان فضلً عن السنن‪ ،‬والعروف من فعل السلف توزيع‬
‫القرآن من أوله إل آخره على هذه الصلة كل ليلة يقرؤون منه فيها شيئا حت يتموه ف بعض الليال من‬
‫آخر الشهر فإن أمكنك أن تقتدي بم ف ذلك فالغنيمة الغنيمة‪ ،‬وإل فل أقل من إتام أركان الصلة‬
‫والحافظة على آدابا‪.‬‬
‫وأحسن الراقبةَ لليلة القدر الت هي خي من ألف شهر وهي الليلة الباركة الت يفرق فيها كل أمر‬
‫حكيم ومن كوشف با رأى النوار الساطعة‪ ،‬وأبواب السماء مفتحة واللئكة تصعد وتنل وربا رأى‬
‫الوجودات كلها ساجدة ل تعال الذي خلقها‪ ،‬وجهور العلماء على أنا ف العشر الواخر من رمضان‪،‬‬
‫وف الوتار منها أرجى‪ ،‬وقد كوشف با بعض العارفي ليلة السابع عشر وإليه ذهب السن البصري‪،‬‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬إنا أول ليلة من رمضان وذهب جاعة من الكابر إل أنا ليست ليلة مصوصة‬
‫ولكنها تنتقل ف ليال رمضان‪ ،‬قالوا والسر ف ذلك أن يصي الؤمن ف كل ليلة من هذا الشهر ف غاية‬
‫القبال على ال تعال وعلى طاعته رجاء أن يصادف هذه الليلة الت قد أبمت عليه وال أعلم‪.‬‬

‫(وعليك) بتعجيل الفطور عند تيقن الغروب وتأخي السحور ما ل تش الوقوع ف الشك‪،‬‬
‫وبتفطي الصائمي ولو على ترات أو شربة من الاء؛ فإن من فطر صائما كان له مثل أجره ل ينقص ذلك‬
‫من أجره شيئا‪ ،‬واجتهد أن ل تفطر ول تفطر صائما إل على طعام حلل‪.‬‬
‫(وعليك) بالتقليل من الكل‪ ،‬وتناول الوجود من اللل من غي إيثار للطيب اللئم‪ ،‬فإن‬
‫مقصود الصوم كسر الشهوة‪ ،‬والتساع ف الكل وقصد الطيبات ل يكسرها ولكنه يقويها ويهيجها‪.‬‬
‫(وعليك) بصيام اليام الت ورد الشرع بالترغيب ف صيامها كيوم عرفة لغي الاج‪ ،‬ويوم‬
‫عاشوراء‪ ،‬وتاسوعاء‪ ،‬والست من شوال‪ ،‬وابتدئ فيها من ثان يوم العيد؛ فإن ذلك أبلغ ف رياضة النفس‪.‬‬
‫(وعليك) بصيام ثلثة أيام من كل شهر فإن ذلك يعدل صيام الدهر‪ .‬وإن تريت له اليام البيض‬
‫فهو أحسن؛ لنه عليه الصلة والسلم كان ل يدع صيامها حضرا ول سفرا‪.‬‬
‫(وعليك) بالكثار من الصوم مطلقا ول سيما ف الوقات الفاضلة كالشهر الرم واليام‬
‫الشريفة كالثني والميس‪.‬‬
‫(واعلم) أن الصيام قطب الرياضة وأساس الجاهدة وقد ورد أن الصوم نصف الصب‪ ،‬وقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬كل عمل ابن آدم يضاعف له السنة بعشر أمثالا إل سبعمائة ضعف" قال ال‬
‫تعال‪" :‬إل الصيام فإنه ل وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي" "للصائم فرحتان فرحة‬
‫عند فطره وفرحة عند لقاء ربه" "وللوف فم الصائم أطيب عند ال من ريح السك" وال يقول الق‬
‫وهو يهدي السبيل‪.‬‬
‫فصــل‬

‫(وعليك) بالبادرة إل أداء ما فرض ال عليك من الج والعمرة عند الستطاعة‪ ،‬وإياك والتأخي‬
‫بعد حصولا فربا عجزت أو مت بعد التمكن فيستقر الوجوب ف ذمتك وتعد به مقصرا وقد قال عليه‬
‫الصلة والسلم‪" :‬من ل تبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ومات ول يج فليست إن‬
‫شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا"‪.‬‬
‫(وعليك) عند القدرة بالتطوع بالج والعمرة كغيها من القربات؛ فقد ورد عن ال تعال أنه‬
‫قال‪" :‬إن عبدا قد صححت جسمه وأكثرت ماله تأت عليه خسة أعوام ول يغدو علي لعبد سوء"‬
‫الديث بعناه‪.‬‬
‫(وعليك) عند إرادتك السي إل الج بتعلم واجباته وسننه وأذكاره‪ ،‬وبتعلم أدلة القبلة ورخص‬
‫السفر وآدابه وما يقال فيه من الذكار‪ ،‬ول تعل قصدك الج مشتركا بينه وبي التجارة بل ينبغي أن ل‬
‫يصحبك شيء من متاع الدنيا إل ما تقصد إنفاقه ف مدة سفرك وإن كان ولبد فاجتنب أخذ ما يشغلك‬
‫عن أداء الناسك على وجهها وتعظيم شعائر ال كما ينبغي‪.‬‬
‫(وعليك) بزيارة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإن زيارته عليه السلم بعد وفاته كزيارته ف‬
‫حياته وهو صلى ال عليه وسلم حي ف قبه وكذلك سائر النبياء‪ ،‬ومن الفاء أن تج بيت ال وتترك‬
‫زيارة حبيب ال لغي عذر ناجز‪.‬‬
‫(واعلم) أنك لو جئت على رأسك من أقصى بلد السلم لزيارته صلى ال عليه وسلم ل تقم‬
‫بشكر نعمة الداية الت أوصلها ال إليك على يده‪.‬‬
‫(وعليك) إذا أردت الشروع ف أمر مهم كالسفر والزواج ونوها بشاورة من تثق بعرفته‬
‫وأمانته من إخوانك‪ ،‬ث إذا صادفت إشارته ما النفس فعليك بصلة ركعتي من غي الفريضة بنية‬
‫الستخارة‪ ،‬وادع بعدها بالدعاء الشهور‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪" :‬ما خاب من استخار وما ندم من‬
‫استشار"‪.‬‬
‫(وعليك) إذا نذرت ل نذرا من صلة أو صدقة أو غي ذلك من القربات بالبادرة بالوفاء به‪،‬‬
‫ول تتعود الكثار من النذر؛ فإن الشيطان ربا أغراك بذلك ليوقعك ف الخلل‪.‬‬
‫وإذا حلفت على فعل شيء ث رأيت الي ف تركه‪ ،‬أو على ترك شيء ث رأيت الي ف فعله‪ ،‬فكفر‬
‫عن يينك وأت الذي هو خي‪.‬‬
‫(واحذر) أن تلف أو تشهد على مقتضى الظن وإن كان غالبا‪ ،‬فضلً عن الوهم والشك‪ .‬وإذا‬
‫أخذت مال مسلم بيمينك فالواجب عليك رد ما أخذته وتكفي يينك‪ ،‬وكفارتا إطعام عشرة مساكي‬
‫لكل مسكي مد أو كسوتم أو ترير رقبة فإن ل تد فصيام ثلثة أيام‪.‬‬
‫(وإياك ث إياك) واليمي الفاجرة‪ ،‬فإنا تدع الديار بلقع‪ -‬أي خرابا‪ .‬وتغمس صاحبها ف نار‬
‫جهنم‪.‬‬
‫(والذر كل الذر) من شهادة الزور؛ فإنا من أكب الكبائر وقد قرنا عليه الصلة والسلم‬
‫بالشراك بال‪ ،‬وإذا كان كتمان الشهادة من العظائم فما الظن بافترائها‪ .‬نسأل ال العافية والسلمة قبل‬
‫حصول الندامة‪.‬‬
‫فصــل‬

‫(وعليك) بالورع عن الحرّمات والشبُهات؛ فإن الورع ملك الدين‪ ،‬والذي عليه الدار عند‬
‫العلماء العاملي‪ .‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬كل لم َنَبتَ من سُحت فالنار أول به" وقال‬
‫عليه الصلة والسلم‪" :‬من اتقى الشبهات فقد استبأ لدينه وعرضه ومن وقع ف الشبهات وقع ف الرام"‪.‬‬
‫(واعلم) أن الذي يتناول الرام والشبهات قلّ أن يوفق لفعل العمل الصال‪ ،‬وإن وفق له ظاهرا‬
‫فل بد أن يعرض له من الفات الباطنة ما يفسده عليه كالعُجب والرياء‪.‬‬
‫وعلى كل حال فالذي يأكل الرام عمله مردود عليه؛ لن ال طيب ل يقبل إل طيبا‪.‬‬
‫وبيان ذلك أن العمال ل يتصور فعلها إل بركات الوارح‪ ،‬وحركات الوارح ل تستطاع إل‬
‫بالقوة الكتسبة من الغذاء‪ ،‬فإذا كان الغذاء خبيثا كانت القوة والركات التولدة منه خبيثة‪ ،‬قال عبد ال‬
‫بن عمر رضي ال عنهما‪ :‬لو صليتم حت تكونوا كالنايا‪ ،‬وصمتم حت تكونوا كالوتار ل يتقبل ال ذلك‬
‫منكم إل بورع حاجز‪( .‬وروي) مرفوعا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من اشترى ثوبا بعشرة‬
‫دراهم وفيها درهم من حرام ل يتقبل ال له صلة ما دام عليه شيء منه" وإذا كان هذا حكم الثوب الذي‬
‫عشر ثنه من حرام فكيف يكون الال لو كان كله كذلك! وإذا كان هذا ف اللبوس الذي هو على‬
‫ظاهر السد فما الظن به ف الغذاء الذي يتخلل العروق والوصال ويسري ف سائر البدن؟‬
‫(واعلم) أن الحرمات قسمان‪:‬‬
‫(أحدها) شيء مرم لعينه كاليتة والدم والمر ونو ذلك‪ ،‬وهذا النوع ل يل بوجه من الوجوه إل‬
‫عند الضطرار وهو توقف بقاء النفس الحترمة على تناوله مع فقدان غيه‪.‬‬
‫(والثان) حلل ف نفسه كالنطة والاء الطاهر ولكنه ملوك لغيك فل يزال مرما عليك حت يصي‬
‫إليك من وجه سائغ ف الشرع كالبيع والبة والرث ونو ذلك‪.‬‬
‫وأما الشبهات فهي درجات (فمنها) ما ُتُيقّن تريه وشُك ف حله وهذه الشّبه حكمها حكم‬
‫الرام‪.‬‬
‫(ومنها) ما تيقن حله وشك ف تريه وهذه الشبه تركها من الورع‪.‬‬
‫(ومنها) ما هو بي ذلك كالذي يتمل أن كون حللً ويتمل أن يكون حراما‪ .‬وقد قال عليه‬
‫الصلة والسلم‪" :‬دع ما يريبك إل ما ل يريبك"‪.‬‬
‫وإنا يستدل على ورع الرجل بإحجامه عن المر الشكل حت يتضح‪ ،‬ول يكون العبد من التقي‬
‫حقا حت يترك اللل الحض الذي يشى عند تناوله الوقوع ف ما وراءه من الشبهات والرام‪ .‬وقد قال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يبلغ العبد درجة التقي حت يترك ما ل بأس به حذرا ما به بأس" وقالت‬
‫الصحابة رضوان ال عليهم‪ :‬كنا نترك سبعي بابا من اللل مافة الوقوع ف الرام‪ ،‬وهذا أمر قد تُودّع‬
‫منه من زمان قدي فمن لنا بورع يجزنا عن الشبهات والحرمات فل حول ول قوة إل بال‪.‬‬
‫(وعليك) بعرفة جيع ما حرم ال عليك لتجتنبه فإن من ل يعرف الشر يقع فيه‪.‬‬
‫(واعلم) أنه ل يُخشى على ذي دين من وقوعه ف تناول الحرمات العينية كأكل ما ل يل أكله‬
‫من اليوانات‪ ،‬ول ف أخذ أموال الناس عدوانا وظلما بالغصب والنهب والسرقة؛ فإن ذلك إنا يصدر‬
‫غالبا من جبار عنيد أو شيطان مريد‪ ،‬وإنا دخل الشتباه على أهل الدين من حيث إهالم النظر ف ثلثة‬
‫أمور‪:‬‬
‫"الول" ترك التفتيش ف موضعه‪ ،‬وبيان ذلك أن الناس ينقسمون بالنسبة إليك ثلثة أشخاص‪:‬‬
‫"شخص" معروف عندك بالي والصلح فكل من طعامه وعامله إذا شئت ول تسأل‪.‬‬
‫"والثان" شخص مهول عندك ول تعرفه بي ول بشر‪ ،‬فإذا أردت أن تعامل هذا أو تقبل هديته‬
‫فمن الورع أن تسأل‪ ،‬ولكن برفق حت إنك لو عرفت أنه ينكسر قلبه لذلك كان السكوت أفضل‪.‬‬
‫"والثالث" شخص معروف عندك بالظلم كالذي يعمل بالربا ويازف ف بيعه وشرائه ول يبال من‬
‫أي جهة يصل إليه الال‪ ،‬فينبغي أن ل تعامل هذا رأسا‪ ،‬وإن كان ول بد فقدم التفتيش والسؤال‪ ،‬وهذا‬
‫كله من الورع حت تعلم أن اللل ف يده نادر عزيز فعند ذلك يب عليك الحتراز‪.‬‬
‫وإذا وصلت إليك عي تعلم أو ظن بعلمة ظاهرة أنا حرام أو شبهة فل تتوقف عن ردها وإن‬
‫وصلت إليك على يد أصلح الصالي‪.‬‬
‫(والمر الثان) عدم الحتراز من العاملت الفاسدة والكروة وطريق اللص أن تتنب جيع‬
‫البيوع الفاسدة والكروهة‪ .‬فل تبع ول تشتري إل بصيغة صحيحة‪ ،‬ول بأس بالعاطاة ف الحقرات‪،‬‬
‫واجتنب الغش والكذب واللف على السلع‪ ،‬ول تكتم عيبا ف سلعتك لو اطلع عليه الشتري ل يشترها‬
‫بذلك الثمن‪.‬‬
‫(واحذر كل الذر) من العاملة بالربا؛ فإنه من الكبائر قال ال تعال (يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال‬
‫و َذرُوا ما بقي من الربا إن كنت مؤمني فإن ل تفعلوا فأذنوا برب من ال ورسوله) وقد لعن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده‪.‬‬
‫وجلة القول ف الربا أنه يرم بيع النقد بثله كالفضة بالفضة والطعوم بثله كالنطة بالنطة إل مِثْ ً‬
‫ل‬
‫بثل يدا بيد‪ ،‬فإن اختلف النوع كالذهب بالفضة والتمر بالنطة جاز التفاضل ووجب التقابض ف الال‪،‬‬
‫ول ربا ف بيع اليوان باليوان والثوب بالثوب والطعم بالنقد‪.‬‬

‫(وإياك) والحتكار وهو أن تشتري طعاما تعظم الاجة إليه وتدخره بنية الغلء‪.‬‬
‫(والمر الثالث) النماك ف شهوات الدنيا والتبسط ف ملذوذاتا‪ ،‬فعند ذلك يعسر الورع ويضيق‬
‫اللل فإن هذا سرف واللل ل يتمل السرف‪ ،‬وأما من غرضُه من الدنيا أخذ قدر الضرورة أو الاجة‬
‫فالورع ميسر له‪.‬‬
‫قال حجة السلم نفع ال به‪ :‬وإذا قنعت ف السنة بقميص خشن‪ ،‬وف اليوم والليلة برغيفي من‬
‫الشكار ل يعوزك من اللل ما يكفيك؛ فإن اللل كثي‪ ،‬وليس عليك أن تتيقن باطن المور بل عليك‬
‫أن تترز من كل ما تعلمه حراما أو تظنه ظنا حصل من علمة ناجزة مقرونة بالال انتهى‪.‬‬
‫وإذا حاك ف نفسك شيء فمن الورع اجتنابه وإن أحله ظاهر العلم؛ فإن الث ما حاك ف النفس‬
‫وتردد ف الصدر وإن أفتاك الفتون كما قال عليه الصلة والسلم‪ ،‬وهذا خاص بن له قلب مستني‪ ،‬وف‬
‫جانب الكف دون الخذ‪.‬‬
‫ول تسب أن الورع خاص بالطعوم واللبوس‪ ،‬بل هو عام ف جيع المور ولكن ينبغي لك إذا‬
‫كان ف يدك حلل وأحل منه أو حلل وشبهة أن تقدم الطعوم با كان أحل أو أطيب؛ فإن الدار كله‬
‫على الغذاء‪ ،‬وللطّعمة من اللل أثر كبي ف تنوير القلب ونشاط الوارح للعبادة‪ ،‬وقد قال بعض السلف‪:‬‬
‫كل ما شئت فمثله تعمل‪ .‬وقال إبراهيم بن أدهم رحه ال تعال‪ :‬أطب مطعمك وما عليك أن ل تقوم‬
‫الليل ول تصوم النهار‪ .‬فاعلم ذلك! وبال التوفيق‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) بالمر بالعروف والنهي عن النكر فإنه القطب الذي عليه مدار الدين‪ ،‬ولجله أنزل‬
‫ال الكتب وأرسل الرسلي‪ ،‬وقد انعقد على وجوبه إجاع السلمي‪ ،‬وتظاهرت نصوص الكتاب والسنة‬
‫على المر به والتحذير من تركه‪ .‬قال ال تعال‪( :‬ولتكن منكم أمة يدعون إل الي ويأمرون بالعروف‬
‫وينهون عن النكر وأولئك هم الفلحون)‪.‬‬

‫وقد وصف ال الؤمني ف غي موضع من كتابه بالمر بالعروف والنهي عن النكر‪ ،‬و حظهم ف‬
‫بعض الواضع على اليان‪ ،‬وف بعضها على إقامة الصلة وإيتاء الزكاة‪ ،‬وقال تعال‪( :‬لُعن الذين كفروا من‬
‫بن إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مري ذلك با عصوا وكانوا يعتدون كانوا ل يتناهون عن منكر‬
‫فعلوه لبئس ما كانوا يعملون) وقال تعال‪( :‬واتقوا فتنة ل تصيب الذين ظلموا منكم خاصة) الية‪.‬‬
‫وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من رأى منكم منكرا فليغيه بيده فإن ل يستطع فبلسانه‬
‫فإن ل يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليان"‪.‬‬
‫وقال صلوات ال وسلمه عليه‪" :‬والذي نفسي بيده لتأمر ّن بالعروف ولتنهونّ عن النكر أو‬
‫ليوشكن ال أن يبعث عليكم عذابا منه ث تدعونه فل يستجيب لكم"‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬ليس منا ل يرحم صغينا ويوقر كبينا ويأمر بالعروف وينهى عن‬
‫النكر"‪.‬‬
‫(واعلم) أن المر بالعروف والنهي عن النكر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الرج عن‬
‫الباقي‪ ،‬واختص الثواب بالقائمي به‪ ،‬وإذا ل يقم به أحد عم الرج كافة العالي به القادرين على إزالته‪.‬‬
‫والواجب عليك إذا رأيت من يترك معروفا أو يفعل منكرا أن تعرفه بكون ذلك معروفا أو منكرا‪،‬‬
‫فإن ل يدعه فعليك بوعظه وتويفه‪ ،‬فإن ل ينجر فعليك بتغييه وقهره بالضرب وكسر آلة اللهو الحرمة‬
‫وإراقة المر ورد الموال الغصوبة من يده إل أربابا‪ .‬وهذه الرتبة ل يستقل با إل من بذل نفسه ل‪ ،‬أو‬
‫كان مأذونا له من جهة السلطان‪ ،‬وأما الرتبتان الولتان أعن التعريف والوعظ فل يقصر عنهما إل جاهل‬
‫مبّط أو عال مفرّط‪.‬‬
‫(واعلم) أن المر بالعروف واجب‪ ،‬والنهي عن الحرم واجب والمر بالندوب والنهي عن‬
‫الكروه مستحب‪.‬‬
‫(وعليك) إذا أمرت بعروف أو نيت عن منكر ول يُسمع لك‪ ،‬بفارقة موضع النكر وهجر‬
‫مرتكبه حت يفيء إل أمر ال‪.‬‬
‫(وعليك) بكراهة العاصي وكراهة الصرين عليها وبغضهم ف ال وهذا واجب كل مؤمن‪.‬‬
‫وإذا ظُلمت أو شُتمت فظهر عليك من الغضب وتغي الوجه ووجدت من كراهة الفعل والفاعل ما‬
‫ل يكون مثله ول أعظم منه عند ساعك النكر ومشاهدته‪ ،‬فتحقق أنك ضعيف اليان وأن عرضك‬
‫ومالك أعز عليك من دينك‪.‬‬
‫وإذا علمت وتققت أنك إذا أمرت بعروف أو نيت عن منكر ل يستمع لك ول يقبل منك أو‬
‫علمت أنه يصل عليك بسببه ضرر ظاهر ف نفسك أو مالك جاز لك السكوت وصار المر والنهي بعد‬
‫أن كان واجبا من الفضائل العظيمة الدالة من فاعلها على مبة ال وإيثاره على من سواه‪ ،‬وأما إذا علمت‬
‫أن النكر يزيد بسبب النهي أو يتعدى الضرر إل غيك من السلمي فالسكوت حينئذ أول وربا وجب‪.‬‬
‫(وإياك) والدهن َة فإنا من الرائم وهي أن يكون الامل لك على السكوت الوف من فوات‬
‫مال أو جاه أو نفع يكون من قبل الباشر للمنكر أو غيه من الفسقة‪.‬‬
‫(وعليك) إذا أمرت أو نيت بالخلص ل تعال‪ ،‬والرفق وحسن السياسة‪ ،‬وإظهار الشفقة؛ فما‬
‫اجتمعت هذه الصال ف عبد مع كونه عاملً با أمر به متنبا لا نى عنه إل كان لكلمه صولة وهيبة ف‬
‫الصدور ووقع ف القلوب وحلوة ف الساع وقل أن ُي َر ّد عليه مع هذا كلمه‪ ،‬وكل من تقق براقبة ال‬
‫والتوكل عليه وتلّق بالرحة على عباده ل يقدر أن يلك نفسه عند مشاهدة النكر حت يزيله أو يال بينه‬
‫وبي ذلك با ل قدرة له على دفعه‪.‬‬
‫سسَ وهو طلب الوقوف على عورات السلمي ومعاصيهم الستورة‪ ،‬قال عليه‬ ‫(وإياك) والتج ّ‬
‫السلم‪" :‬من تتبع عورة أخيه السلم تتبع ال عورته حت يفضحه ولو ف جوف بيته"‪.‬‬

‫* * *‬
‫(واعلم) أن العصية إذا سترت ل تضر إل مرتكبها فإذا ظهرت ول تغي عم ضررها‪.‬‬
‫(وعليك) إذا تفاحش ظهور العاصي والنكرات ف موضع أنت فيه وأيست من قبول الق‬
‫بالعزلة فإن فيها السلمة‪ ،‬أو بالجرة إل موضع آخر وهي أول فإن العذاب إذا نزل على موضع يعم‬
‫البيث والطيب ويكون للمؤمن الذي ل يقصر ف نصرة دين ال كفارة ورحة ولغيه عقابا ونقمة وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) بالعدل ف رعيتك الاصة والعامة وكمال الفظ والتفقد لا؛ فإنه ال تعال سائلك‬
‫عنها وكل راع مسؤول عن رعيته‪ .‬وأعن برعيتك الاصة جوارحك السبع وهي اللسان والسمع والبصر‬
‫والبطن والفرج واليد والرجل فإن هذه الوارح رعية استرعاك ال إياها وأمانة ائتمنك عليها فعليك بكفها‬
‫عن معصيته واستعمالا ف طاعته؛ فإن ال تعال إنا خلقها لك لتطيعه با وهي من أجل نعم ال عليك‪،‬‬
‫وشكرها أن تطيعه سبحانه با وأن ل تعصيه بشيء منها‪ ،‬فإن تركت ذلك ول تفعله فقد بدلت نعمة ال‬
‫كفرا‪ ،‬ولول أن ال تعال سخر لك هذه الوارح وجبلها على طاعتك لكنت ل تستطيع أن تعصي ال‬
‫بشيء منها‪ ،‬وكل جارحة منها تقول لك بلسان حالا إذا أردت أن تعمل با معصية‪ :‬يا عبد ال اتق ال‬
‫ول تكرهن على فعل ما حرم ال علي فإذا عصيت ال با ترجع إل ال وتقول قد نيته يا رب فلم يسمع‬
‫وأنا بريئة ما صنع‪ ،‬وسوف تقف بي يدي ال تعال فتنطق جوارحك شاهدة لك با عملت با من خي‪،‬‬
‫وعليك با عملت با من شر ف يوم (ل مرد له من ال ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكي) (يوم ل‬
‫ينفع مال ول بنون إل من أتى ال بقلب سليم)‪.‬‬

‫وأعن برعيتك العامة من جعل ال لك عليه ولية من ولد وزوجة وملوك فكل هؤلء من رعيتك‪،‬‬
‫والواجب عليك إرشادهم إل القيام با فرض ال عليهم من طاعته وما حرّم عليهم من معصيته‪ ،‬واحذر أن‬
‫تسامهم ف ترك واجب أو ارتكاب مرم‪ ،‬وادعُهم إل ما فيه ناتم وسعادتم ف الدار الخرة‪ ،‬وأحسن‬
‫أدبم ول تغرس ف قلوبم حب الدنيا وشهواتا فتكون بذلك مسيئا إليهم‪ ،‬وقد ورد أن أهل النسان‬
‫وولده يتعلّقون به بي يدي ال‪ ،‬ويقولون‪ :‬يا ربنا إن هذا ل يعرّفنا ما أوجبت علينا من حقك فاقتصّ لنا‬
‫منه‪.‬‬
‫(وعليك) بعاملتهم بالعدل والفضل‪ ،‬أما العدل فهو أن توفّيهم حقوقهم الت أوجبها ال لم‬
‫عليك من النفقة والكسوة والعاشرة بالعروف‪ ،‬ومن العدل الواجب أن تردع بعضهم عن ظلم بعض‬
‫وتقتص لظلومهم من ظالهم وف الديث‪" :‬إن العبد يكتب جبارا وما يلك إل أهل بيته" يعن فيجور‬
‫عليهم‪.‬‬
‫وأما الفضل فهو أن ل تستقصي عليهم ف طلب القوق الت أوجبها ال لك عليهم‪ ،‬وأن ترفق بم‬
‫وتالقهم بالخلق الكرية وتباسطهم ف بعض الوقات من غي إث بقدر ما تزول الوحشة والتنفي وتبقى‬
‫اليبة والتوقي‪.‬‬
‫(وعليك) بالعفو عن مسيئهم والصفح عن جانيهم‪ ،‬واجعلهم باطنا ف حل ما اختلسوه من‬
‫مالك‪ ،‬فإنك سوف تد ذلك ف كفة حسناتك‪ ،‬فل ينبغي أن يكون حظك منهم الثواب وحظهم منك‬
‫العقاب‪ .‬وقد سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬كم ُي ْغ َفرُ للرقيق ف كل يوم؟ قال‪" :‬سبعون زلة"‪.‬‬
‫وهذه السامة إنا هي ف حقوقك‪ ،‬وإما ف حقوق ال فل وجه لا‪.‬‬
‫وخُص النساء من أهل بيتك بزيد حفظ وتفقد فإنن ناقصات عقل ودين وعلمهن أحكام اليض‬
‫وفرائض الغسل والوضوء والصلة والصيام وحقوق الزواج وما يري مرى ذلك‪.‬‬
‫وقد تتسع رعية بعض العباد كالسلطي والعلماء‪ ،‬وكل راع مسؤول عن رعيته‪ .‬قال تعال (إن ال‬
‫يأمر بالعدل والحسان) الية وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬اللهم من ول من أمر أمت شيئا فرفق بم‬
‫فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه" وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬ما من وال يوت وهو غاش لرعيته‬
‫إل حرم ال عليه النة" الديث‪.‬‬
‫(وعليك) بب الوالدين فإنه من أوجب الواجبات وإياك وعقوقهما؛ فإنه من أكب الكبائر قال‬
‫تعال‪( :‬وقضى ربك أن ل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا) الية والت بعدها وقال تعال‪( :‬أن اشكر ل‬
‫ولوالديك) فانظر كيف قرن المر بالحسان إليهما بتوحيده وشكرها إياه بشكره فعليك بابتغاء‬
‫مرضاتما وامتثال أمرها ما ل يكن معصية‪ ،‬واجتناب نيهما ما ل يكن طاعة واجبة‪ ،‬وبإيثارها على‬
‫نفسك وتقدي مهماتما على مهماتك‪.‬‬
‫ومن العقوق أن تؤذيهما بقطع ما تستطيع إيصاله من العروف إليهما فكيف بتقطيب الوجه‬
‫والنتهار لما‪ ،‬فقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬يوجد ريح النة من مسية ألف عام ول يده عاق ول‬
‫قاطع رحم ول شيخ زان ول مسبل إزاره خيلء‪ ،‬إنا الكبياء ل رب العالي"‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم عن ال تعال‪" :‬من أصبح مرضيا لوالديه مسخطا ل فأنا عنه راض ومن‬
‫أصبح مسخطا لوالديه مرضيا ل فأنا عنه ساخط"‪.‬‬
‫(وينبغي) للوالد أن يعي ولده على بره بعد الستقصاء عليه ف طلب القوق‪ ،‬ول سيما ف هذا‬
‫الزمان الذي عز فيه وجود الب وعم فيه وجود الشر‪ ،‬وصار الولد َيعُدّ أبر أولده من ل يسيء إليه منهم‪،‬‬
‫وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬رحم ال والدا أعان ولده على بره"‪.‬‬
‫(وعليك) بصلة الرحم القرب فالقرب‪ ،‬وبالحسان إل اليان الدن بابا فالدن‪ .‬قال ال‬
‫تعال‪( :‬واعبدوا ال ول تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القرب واليتامى والساكي والار ذي‬
‫القرب والار النب والصاحب بالنب) الية‪.‬‬
‫وقد أمر ال بالحسان إل القرابة ف مواضع عديدة من كتابه العزيز‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬الصدقة على القرابة صدقة وصلة" وقال عليه السلم‪" :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فليصل‬
‫رحه" وف حديث آخر‪" :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم جاره"‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"ما زال جبيل يوصين بالار حت خشيت أنه سيورّثه"‪.‬‬
‫ول تتم صلة الرحام والحسان إل اليان إل بكف الذى عنهم واحتمال الذى منهم وبذل‬
‫العروف حسب الستطاعة لم‪.‬‬
‫وقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬ليس الواصل بالكافئ إنا الواصل الذي إذا قطعت رحه وصلها"‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬وطنوا أنفسكم على أن تسنوا إذا أحسن الناس ول تسيئوا إذا أساءوا"‪.‬‬
‫وبال التوفيق‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) بالب ف ال والبغض ف ال فإنه من أوثق عرى اليان‪ .‬وقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬أفضل العمال الب ف ال والبغض ف ال تعال" فإذا أحببت العبد الطيع ل لكونه مطيعا‬
‫أو أبغضت العاصي ل لكونه عاصيا ل لغرض آخر فأنت من يب ف ال ويبغض ف ال حقيقة‪ ،‬وإذا ل‬
‫تد ف نفسك مبة لهل الي ليهم وكراهة لهل الشر لشرهم فاعلم أنك ضعيف اليان‪.‬‬
‫(وعليك) بصاحبة الخيار واعتزال الشرار ومالسة الصالي ومانبة الظالي‪ .‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪" :‬الرة على دين خليله فلينظر أحكم من يالل"‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬الليس الصلح‬
‫خي من الوحدة‪ ،‬والوحدة خي من الليس السوء"‪.‬‬
‫(واعلم) أن مالطة أهل الي‪ ،‬ومالستهم تزرع ف القلب مبة الي وتعي على العمل به‪ ،‬كما‬
‫أن مالطة أهل الشر ومالستهم تغرس ف القلب حب الشر وحب العمل به‪ ،‬وأيضا فإن من خالط قوما‬
‫وعاشرهم أحبهم ضرورةً سواء كانوا أخيارا أو أشرارا والرء مع من أحب ف الدنيا والخرة‪.‬‬
‫(وعليك) بالرحة لعباد ال والشفقة على خلق ال‪ ،‬وكن رحيما شفيقا ألوفا مألوفا‪ ،‬واحذر أن‬
‫تكون فظا غليظا أو فاحشا جافيا‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم‪" :‬إنا يرحم ال من عباده الرحاء ومن ل‬
‫يرحم ل يرحم" وقال عليه السلم‪" :‬الؤمن ألوف مألوف ول خي فيمن ل يألف ول يؤلف"‪.‬‬
‫(وعليك) بتعليم الاهلي وإرشاد الضّالي وتذكي الغافلي‪ ،‬واحذر أن تذع ذلك قائلً إنا يعلم‬
‫ويذكر من يعمل بعلمه وأنا لست كذلك‪ ،‬أو إن لست بأهل للرشاد لنه من أخلق الكابر‪ ،‬وهذا كله‬
‫تلبيس من الشيطان؛ فإن العليم والتذكي من جلة العمل بالعلم‪ ،‬والكابر ما كانوا أكابر إل بفضل ال‬
‫والعمل بطاعته وإرشادهم عباد ال إل سبيل ال‪ ،‬وإذا ل تكن أهلً فليس لك طريق إل حصول الهلية‬
‫إل فعل الي والدعاء إليه وإنا الشؤم ف الدعوى والدعاء إل غي القّ‪.‬‬
‫(وعليك) بر قلوب النكسرين‪ ،‬وملطفة الضعفاء والساكي‪ ،‬ومواساة القلي‪ ،‬والتيسي على‬
‫العسرين‪ ،‬وإقراض الستقرضي‪ ،‬وف الديث أن ثواب القرض يزيد على ثواب الصدقة بثمانية أضعاف؛‬
‫وذلك أن القرض ل يأخذه إل متاج‪.‬‬
‫(وعليك) بتعزية من نزلت به مصيبة قال عليه السلم‪" :‬من عزى مصابا أي صبه كان له مثل‬
‫أجره"‪.‬‬
‫(وإياك) والشماتة بأحد من السلمي وهي أن تفرح با ينل به من الصائب‪ .‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪" :‬ل تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه ال ويبتليك" واحذر أن تعيّر مسلما بذنب وقع فيه فإن من عي‬
‫مسلما بذنب ل يت حت يبتلى بثل ما عيه به‪.‬‬
‫(وعليك) بالتفريج عن الكروبي‪ ،‬وقضاء حوائج الحتاجي‪ ،‬وستر عورات الذنبي‪ ،‬قال عليه‬
‫الصلة والسلم‪" :‬من يسر على معسر يسر ال عليه‪ ،‬ومن ستر مسلما ستره ال ف الدنيا والخرة‪ ،‬ومن‬
‫فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج ال عنه كربة من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن كان ف حاجة أخيه‬
‫كان ال ف حاجته وال ف عون العبد ما كان العبد ف عون أخيه"‪.‬‬
‫(وعليك) بإماطة الذى عن طريق السلمي؛ فإن ذلك من شعب اليان وف الديث قال النب‬
‫ل يتقلب ف النة ف غصن شوك قطعه من طريق السلمي"‪.‬‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬رأيت رج ً‬
‫(وعليك) برحة اليتيم والسح على رأسه‪ .‬قال عليه السلم‪" :‬من مسح على رأس يتيم كتب ال‬
‫له بكل شعرة مرت عليها يده عشر حسنات" واجتهد ف إدخال السرور على قلوب الؤمني بكل أوجه‬
‫أمكنك ما ل يكون إثا‪.‬‬
‫(وعليك) بالشفاعة لكل من سألك أن تشفع له ف حاجة إل من لك عنده جاه؛ فإن ال يسأل‬
‫العبد عن جاهه كما يسأله عن ماله‪ ،‬وإذا توجه على عبد شيء من الدود الشرعية كحد الزنا والسرقة‬
‫فاحذر أن تشفع له؛ فإن الشفاعة ف الدود غي جائزة‪ ،‬وإذا شفعت شفاعة فأهديت لك بسببها هدية فل‬
‫تقبلها فإنا رشا‪.‬‬
‫(وعليك) بالتبسم ف وجوه الؤمني‪ ،‬وطلقة الوجه وإظهار البشر لم‪ ،‬وطيب الكلم معهم‪،‬‬
‫ولي الانب وخفض الناح لم‪ .‬قال ال تعال لنبيه (واخفض جناحك للمؤمني) وقال عليه الصلة‬
‫والسلم‪" :‬ل تقرن من العروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" وقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"الكلمة الطيبة صدقة" ومن الأثور‪ :‬إذا التقى السلمان فتصافحا قسمت بينهما مائة رحة تسعة وتسعون‬
‫منها لكثرها بِشْرا‪.‬‬
‫واحذر أن تجر مسلما لظ نفسك فإن اقتضت الصلحة الدينية هجره‪ ،‬فل تجره فوق ثلثة أيام‪.‬‬
‫فقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬من هجر أخاه فوق ثلث أدخله ال النار إل أن يتداركه ال برحته"‪.‬‬
‫ومل هذا إذا كان الجر للتأديب فأما إذا كان لتيانه باطلً أو تركه حقا فل آخر له إل برجوعه إل‬
‫الق‪.‬‬
‫(وعليك) بإظهار الفرح والستبشار بكل ما يتجدد للمسلمي من السار‪ ،‬كنول المطار‪،‬‬
‫ورخاء السعار‪ ،‬وظهورهم على الباغي والكفار‪.‬‬
‫(وعليك) بالزن والغتمام بسبب ما ينل بم من البليا كالوباء والغلء والفت‪ ،‬وتوجه إل ال‬
‫ف أن يكشف ذلك عنهم مع التسليم لقضائه وقدره‪ .‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من ل‬
‫يهتم بأمر السلمي فليس منهم"‪ .‬وقال صلوات ال عليه‪" :‬مثل الؤمني ف توادهم وتعاطفهم مثل السد‬
‫الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر السد بالسهر والمى"‪.‬‬
‫(وعليك) إذا أسدى إليك مسلم معروفا بقبوله منه وشكره ومكافأته عليه فإن ل تقدر عليها أو‬
‫كان من توحشه الكافأة فعليك بالدعاء له‪ .‬وقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬لو أهدي إل ذراع أو كراع‬
‫لقبلت ولو دعيت إل ذراع أو كراع لجبت" وقال‪" :‬من اصطنع إليكم معروفا فكافئوه فإن ل تقدروا‬
‫على ذلك فادعوا له حت تعلموا أنكم قد كافأتوه" وقال عليه السلم‪" :‬من قال لن أسدى إليه معروفا‬
‫جزاك ال خيا فقد أبلغ ف الثناء"‪.‬‬
‫(وإياك) أن تكسر قلب مسلم برد صنيعته عليه‪ ،‬وأنت تعلم أن الواصل إليك على يده إنا هو من‬
‫ال حقيقة وإنا هو واسطة مسخر مقهور وف الديث‪ :‬من أتاه شيء من غي مسألة ول استشراف نفس‬
‫فرده فإنا يرده على ال"‪.‬‬
‫وف الرد آفة عظيمة وهي أن العامة مبولون على تعظيم من يرد صلتم عليهم‪ ،‬فربا كان الامل‬
‫لبعض النساك على الرد التظاهر بالزهد؛ حرصا منه على حصول النلة عندهم‪ ،‬ومن ههنا كان بعض‬
‫الحققي يأخذ من أيدي الناس ظاهرا ث يتصدق به سرا‪.‬‬
‫وقد يب الرد ف مسائل‪ ،‬وقد يندب‪:‬‬
‫"منها" أن يمل إليك ما تعلم أو تظن بعلمة أنه حرام‪ ،‬أو تمل إليك صدقة واجبة على ظن أنك‬
‫من أهلها وأنت لست كذلك‪.‬‬
‫"ومنها" أن يكون السدي إليك ظالا مصرا على الظلم وتشى إذا قبلت معروفه أن قلبك ييل إليه‬
‫أو تداهنه ف الدين أو يغلب على ظنك أنك مت قبلت شيئا يصي بيث ل يقبل منك ما تلقيه إليه من‬
‫الق‪.‬‬
‫"ومنها" أن تعلم من حال إنسان أنه يقصد بصلته إضللك عن سبيل ال بساعدته على باطل أو‬
‫ترك حق‪ ،‬ومن هذا القبيل ما يأخذه القاضي والعامل وغيها من ولة المور من الصمي أو أحدها إذا‬
‫ترافعا إليهم‪ ،‬وهذا هو الرشا الحرم‪ ،‬وله تتمات مذكورة ف مواضعها فعليك بالرد ف جيع هذه السائل‬
‫الذكورة‪.‬‬
‫(واحذر) أن تدعو على نفسك أو على ولدك أو على مالك أو على أحد من السلمي وإن ظلمك؛‬
‫فإن من دعا على من ظلمه فقد انتصر‪ .‬وف الب "ل تدعوا على أنفسكم ول على أولدكم ول على‬
‫أموالكم ل توافقوا من ال ساعة إجابة"‪.‬‬
‫(وإياك) أن تؤذي مسلما أو تسبه بغي حق فقد قال عليه الصلة والسلم‪" :‬من آذى مسلما فقد‬
‫آذان ومن آذان فقد آذى ال" وقال عليه السلم‪" :‬سباب الؤمن فسوق وقتاله كفر"‪.‬‬
‫واحذر أن تلعن مسلما أو بيمة أو جادا أو شخصا بعينه وإن كان كافرا إل إن تققت أنه مات‬
‫على الكفر كفرعون وأب جهل أو علمت أن رحة ال ل تناله بال كإبليس‪ .‬وقد ورد أن اللعنة إذا‬
‫خرجت من العبد تصعد نو السماء فتغلق دونا أبوابا ث تنل إل الرض فتغلق دونا أبوابا ث تيء إل‬
‫اللعون فإن وجدت فيه مساغا وإل رجعت على قائلها‪.‬‬
‫(وعليك) بالتأليف بي قلوب الؤمني وتبيب بعضهم إل بعضهم بإظهار الحاسن وستر‬
‫القبائح‪.‬‬
‫(وعليك) بإصلح ذات بينهم فإن ف الصلح فضلً يزيد على فضل النفل من الصلة والصيام‬
‫ول سيما بي الوالد وولده والقريب وقرابته‪ .‬قال ال تعال‪( :‬إنا الؤمنون إخوة فأصلحوا بي أخويكم)‪.‬‬
‫(وإياك) وإفساد ذات البي بالنميمة والغيبة ونوها ما يوجب التنافر والتدابر؛ فإن ذلك عند ال‬
‫تعال عظيم‪.‬‬
‫أما النميمة فهي أن تنقل كلم إنسان لنسان تقصد بذلك الفساد بينهما‪ .‬وقد قال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل يدخل النة نام" وقال عليه السلم‪" :‬أبغضكم إل ال تعال الشاءون بي الحبة بالنميمة‬
‫الفرقون بي الخوان"‪.‬‬
‫وأما الغيبة فهي أن تذكر إنسانا ف غيبته با يكرهه لو كان حاضرا تقصد بذلك تنقيصه‪ ،‬وسواء‬
‫حصل التفهيم بالنطق أو الشارة أو الكتابة‪ .‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬كل السلم على‬
‫السلم حرام دمه وماله وعرضه" وقال عليه السلم‪" :‬الغيبة أشد من الزن"‪ ،‬وأوحى ال إل موسى عليه‬
‫السلم‪ :‬من مات تائبا من الغيبة فهو آخر من يدخل النة‪ ،‬ومن مات مصرا عليها فهو أول من يدخل‬
‫النار‪.‬‬
‫(وإياك) والظلم فإنه ظلمات يوم القيامة ول سيما ظلم العباد فإنه الظلم الذي ل يتركه ال‪ .‬وقد‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن الفلس من أمت من يأت يوم القيامة بسنات كثية ويأت وقد‬
‫ضرب هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من‬
‫سيئاتم فطرحت على سيئاته ث يقذف به ف النار" فإن وقعت ف ظلم أحد فبادر بالروج منه بالتمكي‬
‫من القصاص إن كان من الظال النفسية‪ ،‬وبطلب الحلل إن كان من الظال العرضية‪ ،‬وبرد ما أخذته إن‬
‫كان من الظال الالية‪ ،‬وف الديث‪" :‬من كانت عليه لخيه مظلمة فليستحل منه قبل أن يأت يوم ل دينار‬
‫فيه ول درهم إنا هي السنات والسيئات" فإن تعذر عليك رد بعض الظال حت ل يكن بال فعليك‬
‫بصدق اللجأ إل ال تعال والفتقار والضطرار ف أن يرضي عنك خصمك‪ ،‬وبالكثار لن ظلمته من‬
‫الدعاء والستغفار‪.‬‬
‫(وعليك) بالذب عن دماء السلمي وأعراضهم وأموالم ف غيبتهم وحضورهم كما تذب عن‬
‫نفسك وف ذلك كله فإن من نصر مسلما نصره ال ومن خذل مسلما خذله ال‪.‬‬
‫فصــل‬
‫وعليك بالنصح لكل مسلم‪ ،‬وغايته أن ل تكتم عنه شيئا ترى ف إظهاره له حصولً على خي أو‬
‫ناة من شر‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "الدين النصيحة"‪.‬‬
‫ومن النصح أن تكون لكل مسلم ف غَيبته كما تكون له ف حضوره‪ ،‬وأن ل تظهر له من الودة‬
‫بلسانك فوق ما يضمره قلبك‪ .‬ومنه إذا استشارك مسلم ف شيء وعرفت أن الصواب ف خلف ما ييل‬
‫إليه أن تبه به‪.‬‬
‫وما يدل على خلف النصح السد للمسلمي على ما آتاهم ال من فضله‪ .‬وأصله أن يشق عليك‬
‫إنعام ال تعال على عبد من عبيده بنعمة ف دينه أو دنياه وغايته أن تتمن زوال النعمة عنه‪ ،‬وقد ورد أن‬
‫"السد يأكل السنات كما تأكل النار الطب" والاسد معترض على ال ف ملكه وتدبيه وكأنه يقول‬
‫بلسان حاله‪ :‬يا رب إنك وضعت النعمة ف غي موضعها ول بأس بالغبطة وهي أن ترى نعمة من ال على‬
‫عبد من عبيده فطلب منه سبحانه مثلها‪.‬‬
‫(وعليك) إذا أثن عليك أحد بكراهية الثناء بقلبك‪ ،‬ث إن أثن عليك با فيك فقل المد ل الذي‬
‫أظهر الميل وستر القبيح‪ ،‬وإن أثن عليك با ليس فيك فقل كما قال بعض السلف‪ :‬اللهم ل تؤاخذن با‬
‫يقولون واغفر ل ما ل يعلمون واجعلن خيا ما يظنون‪.‬‬
‫وأما أنت فل تثن على أحد إل إن علمت أنه يزداد بثنائك نشاطه ف الي‪ ،‬أو كان فاضلً ل‬
‫يعرف فضله فأثنيت عليه للتعريف بفضله بشرط السلمة من الكذب ف جهتك‪ ،‬ومن الغترار ف جهة‬
‫من تثن عليه‪.‬‬
‫(وعليك) إذا أردت أن تنصح إنسانا ف أمر بلغك عنه باللوة به والتلطف له ف القول له ول‬
‫تعدل إل التصريح مع إمكان التفهيم بالتلميح فإن قال لك من بلغك عن هذا؟ فل تبه كي ل تثي‬
‫العداوة بينه وبينه‪ ،‬ث إن قبل منك فاحد ال واشكر له وإن ل يقبل فارجع على نفسك باللوم وقل لا يا‬
‫نفس السوء من قبلك أتيت‪ ،‬فانظري لعلك ل تقومي بشرائط النصح وآدابه‪.‬‬
‫وإذا ائتمنك إنسان على شيء فعليك بفظه أشد ما تفظه لو كان ملكا لك‪.‬‬
‫(وعليك) بأداء المانة وإياك واليانة فيها وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل إيان لن‬
‫ل أمانة له" وقال عليه السلم‪" :‬ثلث متعلقات بالعرش‪ :‬النعمة تقول اللهم إن بك فل أكفر‪ ،‬والرحم‬
‫تقول اللهم إن بك فل أقطع‪ ،‬والمانة تقول اللهم إن بك فل أخان"‪.‬‬
‫(وعليك) بصدق الديث وبالوفاء با عاهدت عليه ووعدت به فإن نقض العهود واللف ف‬
‫الوعود من أمارات النفاق وف الديث‪" :‬آية النافق ثلث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتن‬
‫خان" وف رواية‪" :‬وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر"‪.‬‬
‫(وعليك) بالذر من الراء والدال فإنما يوغران الصدور ويوحشان القلوب ويولّدان العداوة‬
‫والبغضاء فإن ماراك أو جادلك مق فعليك بالقبول منه؛ لن الق أحق أن يتبع‪ ،‬أو مبطل فعليك‬
‫بالعراض عنه؛ لنه جاهل وال تعال يقول‪( :‬وأعرض عن الاهلي)‪.‬‬
‫(وعليك) بترك الزاح رأسا فإن مزحت نادرا على نية تطييب قلب مسلم فل تقل إل حقا قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تار أخاك ول تازحه ول تعِده موعدةً فتخلفه"‪.‬‬
‫(وعليك) بإجلل السلمي وتوقيهم ل سيما أهل الفضل منهم كالعلماء والصلحاء والشرفاء‬
‫ومن له شيبة ف السلم‪.‬‬
‫(وإياك) أن تروع أحدا من السلمي أو تيفه أو تستهزئ به أو تسخر منه أو تنظر إليه بعي‬
‫الستحقار فإن هذا كله من الخلق الشؤومة والفعال الذمومة‪ .‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬بسب امرئ من الشر أن يقر أخاه السلم"‪.‬‬
‫(وعليك) بالتواضع فإنه من أخلق الؤمني‪.‬‬
‫(وإياك) والتكب فإن ال ل يب التكبين‪ ،‬ومن تواضع رفعه ال ومن تكب وضعه ال‪ ،‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يدخل النة من كان ف قلبه مثقال ذرة من كب" وقال عليه السلم‪" :‬الكب‬
‫بطر الق" يعن رده و"غمط الناس" يعن احتقارهم‪.‬‬
‫ومن نظر إل نفسه بعي التعظيم وإل غيه بعي الستصغار فهو من التكبين‪.‬‬
‫وللمتواضعي والستكبين أمارات تيز بعضهم عن بعض (ليميز ال البيث من الطيب)‪.‬‬
‫فمن أمارات التواضع حب المول وكراهية الشهرة وقبول الق من جاء به من شريف أو وضيع‪.‬‬
‫ومنها مبة الفقراء ومالطتهم ومالستهم‪.‬‬
‫ومنها كمال القيام بقوق الخوان حسب المكان مع شكر من قام منهم بقه وعذر من قصر‪.‬‬
‫ومن أمارات التكب مبة التصدر ف الجالس والحافل والتقدم على القران وتزكية النفس والثناء‬
‫عليها والتشدق ف الكلم والتبجح بالباء والختيال والتبختر ف الشية وترك الوفاء بقوق الخوان مع‬
‫مطالبتهم بالقوق‪.‬‬
‫فصــل‬

‫(وعليك) بإقراء السلم على كل من تعرفه ومن ل تعرفه من السلمي‪ ،‬وإذا سلمت على أحد‬
‫منهم فل يرد عليك فل تسيء به الظن‪ ،‬وقل لعله ل يسمع أو لعله رد فلم أسعه‪.‬‬
‫وإذا دخلت بيتك فسلم على أهلك‪ ،‬وإذا دخلت مسجدا أو بيتا وليس فيه أحد فقل‪ :‬السلم علينا‬
‫وعلى عباد ال الصالي‪ ،‬وإذا لقيت مسلما فاجتهد أن تبدأه بالسلم قبل أن يسلم عليك قيل لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬إذا لقي السلم السلم فأيهما يبدأ بالسلم؟؟ قال أولها بال" وف الديث‪" :‬يسلم‬
‫الراكب على الاشي‪ ،‬والقائم على القاعد‪ ،‬والصغي على الكبي‪ ،‬والقليل على الكثي"‪.‬‬
‫(وعليك) بتشميت العاطس إذا حد فإن ل يمد فذكره بقولك المد ل ‪ .‬ول تدخل على بيت‬
‫غيك حت تستأذن أولً فإن استأذنت ثلثا فلم يؤذن لك فل ُتعِد الستئذان‪ ،‬وإذا ناداك مسلم فاجبه‬
‫بالتلبية‪.‬‬
‫وإذا دعاك إل طعامه فل تترك الجابة إل لعذر شرعي‪ ،‬وإذا أقسم عليك أن تفعل شيئا أو تتركه‬
‫فِبرّ قسمه ما ل يكن فيه معصية ل‪ .‬ول تسأل أحدا بال شيئا وإن سئلت بال شيئا فإياك أن تنع‪ ،‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ملعون من سأل بال فلم يعط"‪.‬‬
‫(وعليك) بعيادة الرضى‪ ،‬وتشييع النائز‪ ،‬وبزيارة إخوانك السلمي ف ال كلما اشتقت إليهم‪،‬‬
‫وبصافحتهم عند اللقاء‪ ،‬وسؤالم عن أحوالم‪ ،‬والسؤال عمن غاب منهم؛ فإن كان مريضا عدته‪ ،‬وإن‬
‫كان ف شغل أعنته إن استطعت وإل دعوت له‪.‬‬
‫(وعليك) بسن الظن بميع السلمي واحذر أن تسيء الظن بأحد منهم‪ ،‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪" :‬خصلتان ليس فوقهما شيء من الي‪ :‬حسن الظن بال وحسن الظن بعباد ال‪ ،‬وخصلتان ليس‬
‫فوقهما شيء من الشر‪ :‬سوء الظن بال‪ ،‬وسوء الظن بعباد ال"‪.‬‬
‫وغاية حسن الظن بالسلمي أن ل تعتقد الشر ف شيء من أفعالم وأقوالم وأنت تد له مملً ف‬
‫الي كالعاصي فنهاية حسن الظن برتكبيها أن تنهاهم عنها وتظن بم أن إيانم يملهم على النتهاء‬
‫عنها وترك الصرار عليها بالتوبة منها‪.‬‬
‫وغاية سوء الظن بالسلمي أن تعتقد السوء ف أفعالم وأقوالم الت ظاهرها الي (ومثال ذلك) أن‬
‫ترى مسلما يكثر الصلة والصدقة والتلوة فتظن به أنه ما فعل ذلك إل مرائيا للناس وحرصُا على الال‬
‫والاه وهذا الظن الفاسد ل يصدر إل من ذي طوية خبيثة وهو من أخلق النافقي وقد قال ال تعال ف‬
‫وصفهم‪( :‬الذين يلمزون الطوعي من الؤمني ف الصدقات)‪ ،‬أي يرمونم بالرياء‪ .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬أكثروا من ذكر ال حت يقول النافقون إنكم مراءون"‪.‬‬
‫(وعليك) بالكثار من الدعاء والستغفار لنفسك ولوالديك وقرابتك وأصحابك خصوصا‬
‫ولسائر السلمي عموما فإن دعاء السلم لخيه بظهر الغيب مستجاب‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"دعوتان ليس بينهما وبي ال حجاب دعوة الظلوم ودعوة السلم لخيه بظهر الغيب"‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪" :‬إذا دعا السلم لخيه بظهر الغيب قال اللك آمي ولك بثله" وقال ميمون بن‬
‫مهران رحه ال من استغفر لوالديه بعد كل مكتوبة فقد قام بالشكر لما الذي أمره ال به ف قوله‪( :‬أن‬
‫اشكر ل ولوالديك)‪.‬‬
‫وورد أن من استغفر للمؤمني والؤمنات ف كل يوم سبعا وعشرين مرة كان من الذين يستجاب‬
‫دعاؤهم وبم يرزق العباد ويطرون وهذا وصف الولياء‪.‬‬
‫(واعلم) أن حقوق السلم على السلم كثية فإذا أردت القيام با على وجهها فعامل السلمي ف‬
‫غيبتهم وحضورهم با تب أن يعاملوك به وجاهد نفسك ووطّن قلبك على أن تب لم من الي ما تب‬
‫لنفسك وتكره لم من الشر ما تكره لنفسك‪ .‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم‬
‫حت يب لخيه ما يب لنفسه" وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬السلم للمسلم كالبنيان يشد‬
‫بعضه بعضا"‪ ،‬وكالسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر السد بالسهر والمى"‪.‬‬
‫وقال يي بن معاذ رحه ال‪ :‬إذا ل تستطع أن تنفع السلمي فل تضرهم‪ ،‬وإذا ل تستطع أن تسرهم‬
‫فل تسؤْهم وإذا ل تستطع أن تفرحهم فل تغمّهم‪ ،‬وإذا ل تستطع أن تدحهم فل تذمهم‪ ،‬وقال سيدي‬
‫ميي الدين عبد القادر اليلن رضي ال عنه‪ :‬كن مع الق كأن ل خلق وكن مع اللق كأن ل نفس‪،‬‬
‫وقال بعض السلف‪ :‬الناس مبتلى ومعاف فارحوا أهل البلء واشكروا ال على العافية والمد ل رب‬
‫العالي‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) بالتوبة من كل ذنب سواء كان صغيا أو كبيا ظاهرا أو باطنا؛ً فإن التوبة أول قدم‬
‫يضعها العبد ف طريق السلوك وهي أساس جيع القامات وال يب التوابي‪ .‬قال ال تعال‪( :‬إن ال يب‬
‫التوابي ويب التطهرين)‪ ،‬وقد قال ال سبحانه وتعال‪( :‬وتوبوا إل ال جيعا أيها الؤمنون لعلكم‬
‫تفلحون)‪ ،‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬التائب من الذنب كمن ل ذنب له"‪ ...‬الديث‪.‬‬
‫(واعلم) أن التوبة ل تصح بدون ترك الذنب والندم على فعله والعزم على أن ل تعود إليه ما‬
‫عشت‪.‬‬
‫وللتائب الصادق علمات منها رقة القلب وكثرة البكاء ولزوم الوافقة وهجر قرناء السوء ومواطن‬
‫الخالفة‪.‬‬
‫(وإياك) والِصرار وهو أن تذنب ث ل تتوب على الفور‪ ،‬والواجب على كل مؤمن أن يترز من‬
‫العاصي صغائرها وكبائرها كما يترز من النيان الحرقة والياه الغرقة والسموم القاتلة ول يفعل الذنب‬
‫ول يقصده ول يتحدث به قبل وقوعه ول يفرح به بعد الوقوع‪ ،‬فإذا وقع فيه كان الواجب ستره وكراهته‬
‫والبادرة بالتوبة منه ف الال ‪.‬‬
‫(وعليك) بتجديد التوبة ف كل حي فإن الذنوب كثية والعبد ل يلو ف ظاهره وباطنه من‬
‫معاص عديدة وإن حسنت حالته واستقامت طريقته ودامت طاعته‪ ،‬وحسبك أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم كان مع عصمته وكماله الطلق يتوب إل ال تعال ويستغفره ف كل يوم أكثر من سبعي مرة ‪.‬‬
‫(وعليك) بالِكثار من الستغفار آناء الليل وآناءَ النهار ول سيما عند السحار‪ ،‬وقد قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من لزم الستغفار جعل ال له من كل همّ فرجا‪ ،‬ومن كل ضيق مرجا‪ ،‬ورزقه‬
‫من حيث ل يتسب"‪.‬‬
‫وأكثِر أن تقول‪ :‬رب اغفر ل وتب علي إنك أنت التواب الرحيم‪ .‬فقد كانوا يعدون لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم من هذا الذكر البارك ف الجلس الواحد قريبا من مائة مرة ‪.‬‬
‫(وعليك) بدعوة ذي النون عليه السلم وهي ل إله إل أنت سبحانك إن كنت من الظالي فقد‬
‫ورد أنا اسم ال العظم وأنه ل يقولا مهموم ول مغموم إل فرج ال عنه قال ال تعال‪( :‬فاستجبنا له‬
‫ونيناه من الغم وكذلك ننجي الؤمني) ‪.‬‬
‫(وعليك) بالرجاء والوف فإنما من أشرف ثرات اليقي وقد وصف ال بما عباده السابقي‬
‫فقال وهو أصدق القائلي‪( :‬أولئك الذين يدعون يبتغون ال ربم الوسيلة أيّهم أقرب ويرجون رحته‬
‫ويافون عذابه إن عذاب ربك كان مذورا) وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ال تعال‪" :‬أنا عند‬
‫ظن عبدي ب فلْيظنّ ب ما يشاء" وقال عليه الصلة والسلم‪ ،‬قال ال تعال‪" :‬وعزت وجلل ل أجع على‬
‫عبدي أمني ول خوفي إن هو أمِنَن ف الدنيا أخفته يوم أبعث عبادي وإن هو خافن ف الدنيا أمَنته يوم‬
‫أجع عبادي"‪.‬‬
‫وأصل الرجاء معرفة القلب بسعة رحة ال وجوده وعظيم فضله وإحسانه وجيل وعده لن عمل‬
‫بطاعته فيتولد من هذه العرفة حالة فرح تسمى الرجاء‪ .‬وثرته القصودة منه كثرة السارعة ف اليات‪،‬‬
‫وشدة الحافظة على الطاعات فإن الطاعة هي السبيل الوصلة إل رضوان ال وجنته‪.‬‬
‫وأما الوف فأصله معرفة القلب بلل ال تعال وقهره وغناه عن جيع خلقه وشديد عقابه وأليم‬
‫عذابه اللذين توعد بما من عصاه وخالف أمره فيتولد من هذه العرفة حالة وجَل تسمى الوف‪ .‬وثرته‬
‫القصودة منه ترك العاصي وشدة الحتراز منها فإن العصية هي الطريق الوصلة إل سخط ال ودار‬
‫عقوبته‪.‬‬
‫وكل رجاء وكل خوف ل يملن على فعل الوافقات وترك الخالفات معدودان عند أرباب‬
‫البصائر من الترّهات والتهويسات الت ل حاصل لا ول طائل تتها فإن من رجا شيئا طلبه ومن خاف‬
‫شيئا ًهرب منه ل مالة‪.‬‬
‫(واعلم) أن الناس ثلثة "عبدٌ" قد أناب إل ربه واطمأنت نفسه به وانقشعت ظلمات شهواته‬
‫بإشراق أنوار قربه فلم تبق له لذة إلّ ف مناجاته ول راحة إل ف معاملته فصار رجاؤه شوقا ومبة وخوفه‬
‫تعظيما وهيبة‪" ،‬وعبدٌ" ل يأمن على نفسه من التقاعد عن الأمورات والركون إل الحظورات‪ ،‬والذي‬
‫ينبغي لذا العبد استواء الوف والرجاء حت يكونا كجناحي الطائر‪ .‬وف الديث‪" :‬لو وزن خوف الؤمن‬
‫ورجاؤه لعتدل" وهذا حال أكثر الؤمن ‪.‬‬
‫"وعبدٌ" قد غلب عليه التخليط واستول عليه التفريط‪ ،‬فاللئق به غلبة الوف عليه لينجر عن‬
‫العاصي إل عند الوت فينبغي أن يكون رجاؤه غالبا على خوفه لقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬ل يوتن‬
‫أحدكم إل وهو يسن الظن بال"‪.‬‬
‫(وعليك) إذا تكلمت ف الرجاء مع العامة بالقتصار على ذكر الرجاء القيد وهو أن تذكر‬
‫الوعد الميل والثواب الزيل التوقف على فعل السنات و ترك السيئات‪.‬‬
‫(واحذر) أن توض معهم ف الرجاء الطلق وذلك مثل أن تقول‪ :‬العبد يذنب والرب يغفر‪ ،‬ولول‬
‫الذنوب ل يظهر عفو ال وحلمه‪ ،‬وما ذنوب الولي والخرين ف سعة رحة ال إل كنقطة ف بر لي‬
‫ونو ذلك‪ .‬وهذا الكلم حق ولكنه يضر بالعامة وربا أغراهم بركوب العاصي فتكون أنت السبب ف‬
‫ذلك‪ ،‬وما كل حق يقال‪ ،‬ولكل مقام رجال‪.‬‬
‫(وإياك) والقنوطَ من رحة ال والمنَ من مكر ال فإنما من كبائر الذنوب قال تعال‪( :‬ومن يقنط‬
‫من رحة ربه إل الضالون) وقال‪( :‬فل يأمن مكر ال إل القوم الاسرون)‪.‬‬
‫والقنوط عبارة عن تحض الوف حت ل يبقى للرجاء وجود البتة ‪.‬‬
‫والمن عبارة عن ترد الرجاء حت ل يبقى للخوف وجود بال‪.‬‬
‫فالقانط والمن جاهلن بال واقعان ل مالة ف ترك الطاعة وفعل العاصي؛ فإن القانط يترك الطاعة‬
‫لنه يرى أنا ل تنفعه والمن يرتكب العصية بظنه أنا ل تضره نعوذ بال من درك الشقاء وسوء القضاء‪.‬‬
‫(وإياك) وأمان الغفرة القاطعةَ عنها وهي ما تسمعه على لسان طائفة من الغترين من قولم‪( :‬إن‬
‫ال يغفر الذنوب جيعا) وهو غنّ عنا وعن أعمالنا وخزائنه ملوءة بالي ورحته وسعت كل شيء‪ ،‬مع‬
‫إصرارهم على فعل العاصي وترك العمال الصالة‪ ،‬وكأنم يقولون بلسان أحوالم أن الطاعات ل تنفع‬
‫وإن العاصي ل تضر وهذا بتان عظيم‪ ،‬وقد قال ال تعال‪( :‬فمن يعمل مثقال ذرة خيا يره ومن يعمل‬
‫مثقال ذرة شرا يره) وقال تعال‪( :‬ول ما ف السماوات وما ف الرض ليجزي الذين أساءوا با عملوا‬
‫ويزي الذين أحسنوا بالسن) وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬الكيس من دان نفسه وعمل لا‬
‫بعد الوت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتن على ال المان"‪.‬‬
‫ولو أنك قلت لواحد من هؤلء الغرورين‪ :‬اقعد عن الكسب والتجارة وال تعال يأتيك برزقك‬
‫لَسخِر منك‪ ،‬وقال ما رأينا شيئا ًييئ إل بالسعي والطلب‪ ،‬بل بالكدّ والنصَب‪ ،‬مع أن ال تعال قد تكفل‬
‫له بالدنيا ول يتكفل له بالخرة فهل ذلك إل انعكاس وانتكاس على أم الرأس!‬
‫وقد قال السن البصري رحه ال‪ :‬إن أمان الغفرة قد لعبت بأقوام حت خرجوا من الدنيا مفاليس‪،‬‬
‫يعن من العمال الصالة‪ ،‬قال رحه ال‪ :‬إن الؤمن جع إحسانا وخوفا‪ ،‬وإن النافق جع إساءة وأمنا‬
‫فالؤمن ل يصبح إل خائفا‪ ،‬ول يسي إل خائفا‪ ،‬يعمل ويقول‪:‬لعلي أنو! والنافق يترك العمل ويقول‬
‫سواد الناس كثي وسوف يغفر ل‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وقد كان النبياء والولياء مع كمال معرفتهم بال وحسن ظنهم به وصلح أعمالم وقلة ذنوبم أو‬
‫عدمها بالكلية ف غاية من الوف والشفاق (أولئك الذين هدى ال فبهداهم اقتده)‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) بالصب فإنه ملك المور ول بد لك منه ما دمت ف هذه الدار وهو من الخلق‬
‫الكرية والفضائل العظيمة قال ال تعال‪( :‬يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصب والصلة إن ال مع‬
‫الصابرين) وقال تعال‪( :‬وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا) وقال تعال‪( :‬إنا يوف الصابرون أجرهم‬
‫بغي حساب) وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬الصب أمي جنود الؤمن" وقال عليه الصلة‬
‫والسلم‪" :‬ف الصب على ما تكره خي كثي" وف وصيته لبن عباس رضي ال عنهما "واعلم أن النصر مع‬
‫الصب وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا"‪.‬‬
‫(واعلم) أن السعادة موقوفة على حصول القرب من ال وحصوله موقوف على اتباع الق‬
‫واجتناب الباطل أبدا‪ ،‬والنفس مبولة بأصل فطرتا على كراهية الق واليل إل الباطل‪ ،‬فل يزال من هه‬
‫تصيل السعادة ف حاجة إل الصب تارة بمل النفس على اتباع الق‪ ،‬وأخرى بملها على اجتناب‬
‫الباطل‪.‬‬
‫والصب على أربعة أقسام (أولا) الصب على الطاعات‪ ،‬ويصل باطنا بالخلص وحضور القلب‬
‫فيها‪ ،‬وظاهرا بلزومها والدوام عليها والدخول فيها بنشاط والتيان با على الوجه الشروع‪.‬‬
‫ل وآجلً‪ ،‬ومن لزم‬ ‫ويبعث على هذا الصب ذكر ما وعد ال على فعل الطاعات من الثواب عاج ً‬
‫الصب على هذا الوجه وصل إل مقام القرب وهناك يد ف الطاعات من اللوة واللذة والنس ما ل‬
‫يوصف‪ ،‬وينبغي لن حصل له هذا المر أن ل يسكن إليه دون ال‪.‬‬
‫(وثانيها) الصب عن العاصي ويصل ظاهرا باجتنابا والبعد عن مظانا‪ ،‬وباطنا بترك تدث النفس‬
‫ب ا وميله إلي ها؛ لن أول الذنوب خطرة‪ .‬وأ ما تذ كر الذنوب ال سالفة فإن كان ي صل به خوف أو ندم‬
‫فهو حسن وإل فتركه أحسن‪ ،‬ويبعث على هذا الصب تذكر ما توعد ال به على العاصي من العقاب‬
‫ل وآجلً‪ ،‬ومن واظب على الصب على هذا الوجه أكرمه ال بوجود النفة من العاصي كلها حت‬ ‫عاج ً‬
‫يصي دخول النار أهون عليه من ارتكاب أدناها‪.‬‬
‫(وثالثها) الصب على الكاره وهي نوعان‪:‬‬
‫"الول" ما ي صل من ال بل وا سطة كالمراض والفات وذهاب الموال وموت العزة من‬
‫القارب والصحاب‪ ،‬ويصل باطنا بترك الزع وهو التبم والتضجر‪ ،‬وظاهرا بترك الشكوى إل اللق‪،‬‬
‫ول يناقضه وصف العلة للطبيب وفيضان العي عند الصيبة نعم يناقضه لطم الدود وشق اليوب والنياحة‬
‫ونو ذلك‪.‬‬
‫ويبعـث على هذا الصـب العلم بأن الزع مؤل فـ نفسـه وهـو مـع ذلك مفوت للثواب وموجـب‬
‫للعقاب‪ ،‬وأن الشكوى إل من ل يستطيع أن ينفع نفسه ول أن يكشف عنها ضرا من الماقة وهذه صفة‬
‫كل ملوق‪ ،‬ومع ذلك فالشكوى دالة على عدم الكتفاء بال الذي بيده ملكوت كل شيء‪ ،‬وذكر ما ف‬
‫الصب على الصائب والعاهات والفاقات من الثواب وأن ال تعال أعلم با يصلح له من نفسه‪ .‬وقد قال‬
‫ال تعال‪( :‬ولنبلونكم بشيء من الوف والوع ونقص من الموال والنفس والثمرات) إل قوله تعال‪:‬‬
‫(وأولئك هم الهتدون)‪.‬‬
‫و من لزم ال صب على هذا الو جه ذو قه ال حلوة الت سليم وروّ حه برَوح الر ضا و سيأت إن شاء ال‬
‫تعال ذكر الرضا فيما بعد‪.‬‬
‫"والنوع الثان" من الكاره ما يكون من قِبَل اللق من الذى ف النفس أو العِرض أو الال‪.‬‬
‫ويصل كمال ال صب على ذلك بكف النفس عن بغض الؤذي إن كان مسلما‪ ،‬وعن حبّ الشر‬
‫له‪ ،‬و كف الل سان عن الدعاء عل يه وترك الؤاخذة له رأ سا؛ إ ما حلما واحتما ًل أو عفوا و صفحا اكتفاء‬
‫بنصرة ال ف الول ورغبة ف ثوابه ف الثان‪.‬‬
‫ويبعث على هذا الصب العل ُم با ورد ف فضل كظم الغيظ واحتمال الذى والعفو عن الناس‪ ،‬قال‬
‫ال تعال‪( :‬فمن عفا وأصلح فأجره على ال إن ال ل يب الظالي) وقال تعال‪( :‬ولن صب وغفر إن لك‬
‫لن عزم المور)‪.‬‬
‫وقال عليـه الصـلة والسـلم‪" :‬مـن كظـم غيظا ولو شاء أن ينفذه لنفذه مل ال قلبـه أمنا وإيانا"‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪" :‬ينادي مناد يوم القيامة ليقم من أجره على ال فيقوم العافون عن الناس"‪.‬‬
‫ومن لزم الصب على هذا الوجه أكرمه ال بسن اللق وهو رأس الفضائل وملك الكمالت‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬لشيء أثقل ف اليزان من حسن اللق وإن العبد لَيبلغ بسن خلقه‬
‫درجة صاحب الصلة والصيام"‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪" :‬أحبكم إل وأقربكم من ملسا يوم القيامة أحسنكم ُخلُقا"‪.‬‬
‫وقال ابن البارك رحه ال تعال‪ :‬حسن اللق بسط الوجه وبذل العروف وكف الذى‪.‬‬
‫وقال المام الغزال ن فع ال به‪ :‬ح سن اللق هيئة را سخة ف الن فس ت صدر عن ها الخلق الميلة‬
‫بسهولة‪.‬‬
‫(ورابع ها الصب عن الشهوات) و هي كل ما ت يل النفس إل يه من مباحات الدن يا‪ ،‬ويصل كمال‬
‫الصب عنها بكف النفس باطنا عن التفكي فيها واليل إليها‪ ،‬وظاهرا بكفها عن طلبها والتعريج عليها‪،‬‬
‫ويبعث على هذا الصب العلم با ف طلب الشهوات وتناولا من الشغل عن ال وعن عبادته ومن التعرض‬
‫للوقوع ف الشبهات والحرمات ومن هيجان الرص على الدنيا وحب البقاء فيها والتمتع بشهواتا‪ ،‬قال‬
‫أبو سليمان الداران رحه ال ترك شهوة واحدة أنفع للقلب من عبادة سنة ومن أدمن الصب عن الشهوات‬
‫أكر مه ال بإخراج حب ها من قل به ح ت ي صي يقول ك ما قال ب عض العارف ي أشت هي أن أشت هي لترك ما‬
‫أشتهي فل أجد ما أشتهي وبال التوفيق‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليـك) بالش كر ل على ما أن عم به عل يك‪ ،‬و ما بك من نع مة ف ظاهرك وباط نك ودي نك‬
‫ودنياك إل وهي من ال‪ ،‬قال ال تعال‪( :‬وما بكم من نعمة فمن ال) ول عليك من النعم ما تعجز عن‬
‫ل عن القيام بشكره (وإن تعدوا نعمة ال ل تصوها) ولو أن الفقي الريض من‬ ‫عده وحده وإحصائه فض ً‬
‫الوحد ين تف كر في ما ل عل يه من الن عم لشغله أداء شكره عن مكابدة ال صب فعل يك ببذل ال ستطاعة ف‬
‫شكر ربك ث بالعتراف بالعجز عن القيام با يب عليك من شكره‪.‬‬
‫(واعلم) أن الشكـر سـبب لبقاء النعـم الوجودة ووسـيلة إل حصـول النعـم الفقودة‪ .‬قال ال‬
‫تعال‪( :‬لئن شكرت لزيدنكم) وال تعال أكرم من أن ينع نعمه عن شاكر‪ .‬وقال تعال‪( :‬ذلك بأن ال‬
‫ل يك مغَيّرا نع مة أنعمها على قوم ح ت يغيوا ما بأنف سهم) أي بترك الش كر عليها‪ ،‬و قد أمر ال عباده‬
‫بشكره ف عدة موا ضع من كتا به‪ ،‬قال ال تعال‪( :‬كلموا من طيبات ما رزقنا كم واشكروا ل إن كن تم‬
‫إياه تعبدون) وقال تعال‪( :‬كلوا من رزق ربكم واشكروا له) وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬ليتخذ أحدكم‬
‫لسانا ذاكرا‪ ،‬وقلبا شاكرا) وقال عليه السلم‪" :‬اليان نصفان نصف صب ونصف شكر)‪.‬‬
‫(واعلم) أ نه ك ما ي ب عل يك أن تش كر ال على الن عم الا صة بك كالعلم وال صحة‪ ،‬كذلك‬
‫يب عليك أن تشكره على النعم العامة كإرسال الرسل وإنزال الكتب ورفع السماء وبسط الرض‪.‬‬
‫وأ صل الش كر معر فة القلب بالن عم وأن ا من ال وحده ل ي صل إلي ها ش يء من ها بوله وقو ته بل‬
‫بفضل ال ورحته‪ .‬وغاية الشكر أن تطيع ال بكل نعمة أنعم با عليك فإن ل تطعه با فقد تركت الشكر‬
‫عليها وإن عصيته با فقد وقعت ف الكفران‪ ،‬وعنده تتبدل النعم بالنقم ومن بقيت عليه نعمة مع عصيانه‬
‫ل با فهو مستدرج‪ .‬قال ال تعال‪( :‬سنستدرجهم من حيث ل يعلمون) (إنا نلي لم ليزدادوا إثا)‪.‬‬
‫وف الديث‪" :‬إن ال يلي للظال حت إذا أخذه ل يفلته"‬
‫ومن الشكر كثرة الثناء على ال والفرح بالنعم من حيث أنا وسيلة إل نيل القرب من ال أو من‬
‫حيث أنا دالة على عناية ال بعبده‪.‬‬
‫ومن الشكر تعظيم النعمة وإن كانت صغية‪ ،‬يروى عن ال أنه قال لبعض أنبيائه‪ :‬إذا سُقت إليك‬
‫حبة مسوّسة فاعلم أن قد ذكرتك با فاشكرن عليها‪.‬‬
‫ومن الشكر التحدث بالنعم من غي خروج إل ما يوهم تزكية النفس ف الدينيات والتبجح بالدنيا‬
‫فـ الدنيويات‪ ،‬والعمال بالنيات واليـ كله فـ القتداء بالسـلف الصـال فـ جيـع الالت وال تعال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليـك) بالز هد ف الدن يا فإ نه بش ي ال سعادة ومظ هر العنا ية وعنوان الول ية‪ ،‬وك ما أن حب‬
‫الدن يا رأس كل خطيئة كذلك يكون بغض ها رأس كل طا عة وح سنة‪ ،‬ويكف يك مزهدا ف الدن يا أن ال‬
‫تعال ساها ف عدة مواضع من كتابه العزيز "متاع الغرور"‪.‬‬
‫وقال ال سن رح ه ال تعال‪ :‬متاع الغرور كخضرة النبات ول عب البنات‪ ،‬وقال الش يخ أ بو طالب‬
‫الكي رحه ال تعال‪ :‬متاع الغرور اسم للجيفة النتنة وقد حصر ال تعال الدنيا ف اللهو واللعب اللذين‬
‫ل يلتفت إليهما عاقل ول يعرج عليهما إل كل غب جاهل‪ ،‬فقال تعال‪( :‬وما الياة الدنيا إل لعب ولو)‬
‫إل غي ذلك‪.‬‬
‫(واعلم) أن الز هد ف الدن يا لهله نع يم عا جل ول ي ستطيعه إل من شرح ال صدره بإشراق‬
‫أنوار العرفة واليقي‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن النور إذا دخل القلب انشرح له وانفسح" قيل فهل‬
‫لذلك من علمة قال‪" :‬نعم‪ :‬التجاف عن دار الغرور والنابة إل دار اللود"‪.‬‬
‫وقال صلى ال عل يه و سلم‪" :‬الزهادة ف الدن يا تر يح القلب والبدن والرغ بة ف الدن يا تك ثر ال م‬
‫والزن"‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬ازهد ف الدنيا يبك ال وازهد فيما عند الناس يبك الناس"‪.‬‬
‫وأ صل الز هد معر فة القلب بقارة الدن يا وخ ستها‪ ،‬وأن ا لو كا نت تزن عن ال جناح بعو ضة ما‬
‫سقى كافرا منها شربة ماء‪ ،‬وأنا ملعونة ملعون ما فيها إل ما كان ل منها‪ ،‬وأن من أخذ منها فوق ما‬
‫يكفيه أخذ حتفه وهو ل يشعر‪.‬‬
‫وثرة هذه العرفة القصودة منها ترك اليل إل الدنيا باطنا وترك التنعم بشهواتا ظاهرا‪.‬‬
‫وأدن درجات الزهد أن ل يقع بسبب الدنيا ف ركوب معصية ول ف ترك طاعة‪.‬‬
‫وأعلى درجاته أن ل يتخذ من الدنيا شيئا حت يعلم أن أخذه أحب إل ال من تركه وبي هاتي‬
‫الدرجتي درجات كثية‪.‬‬
‫وللزاهد الصادق علمات منها‪ :‬أن ل يفرح بالوجود‪ ،‬ول يزن على الفقود من الدنيا‪ ،‬ومنها أن‬
‫ل يشغله طلب الدنيا والتمتع با عما هو خي له عند ربه‪.‬‬
‫(وعليـك) بإخراج حـب الدينار والدرهـم مـن قلبـك حتـ يصـي عندك بنلة الجـر والدر‪،‬‬
‫وبإخراج حب النلة عند الناس من قلبك حت يستوي عنك مدحهم وذمهم وإقبالم وإدبارهم؛ فإن حب‬
‫الاه أ ضر على صاحبه من حب الال وكله ا دالن على الرغ بة ف الدن يا‪ ،‬وأ صل حب الاه حب‬
‫التعظيم‪ ،‬والعظمة من صفات ال فهو منازعة للربوبية‪ ،‬وأما حب الال فإنا أصله حب التمتع بالشهوات‬
‫وذلك من صفات البهائم‪ .‬وقد قال عليه الصلة والسلم عن ال تعال‪" :‬العظمة إزاري والكبياء ردائي‬
‫ف من نازع ن واحدا منه ما قذف ته ف النار"‪ .‬و قد قال عل يه ال صلة وال سلم " ما ذئبان جائعان أر سل ف‬
‫زريبة غنم بأفسد لا من حب الشرف والال ف دين الرجل السلم"‪.‬‬
‫(وعليـك) بإيثار التقلل من الدن يا والقتار على ما ل بد م نه من ملب سها ومآكل ها ومناكح ها‬
‫ومساكنها وسائر أمتعتها‪.‬‬
‫(وإياك) أن تتسع ف شهواتا وتدعي مع ذلك الزهد وتتج لنفسك بالجج الداحضة عند ال‬
‫ض ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وال نبياء قبله‬ ‫تعال وتطلب ل ا التأويلت البعيدة عن ال ق‪ ،‬وإعرا ُ‬
‫والئمة بعده عن التنعم بالدنيا مع القدرة عليه من اللل ل يفى على من له أدن معرفة بالعلم‪ .‬وإذا ل‬
‫تقدر على الزهد ف الدنيا فما عليك أن تعترف بالرغبة فيها والرص عليها ولست مأثوما إل على طلبها‬
‫والتمتع با على وجه مرم ف الشرع‪ .‬والزهد مقام فوق ذلك‪.‬‬
‫وليت شعري لو أن ال تعال فرض علينا التوسع ف الدنيا فمن أين لنا القدرة عليه ف زمان عز فيه‬
‫ما يواري العورة ويسد الوعة من اللل فإنا ل وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليـك) بالتو كل على ال‪ ،‬فإن من تو كل على ال كفاه وأغناه وتوله (و من يتو كل على ال‬
‫ف هو ح سبه) والتو كل من ثرات صدق التوح يد وثبا ته ف القلب وا ستيلئه عل يه‪ .‬قال ال تعال‪( :‬رب‬
‫الشرق والغرب ل إله إل هو فاتذه وكيلً) فانظر كيف بدأ بإثبات الربوبية ث بإثبات النفراد باللية ث‬
‫أمرنا بالتوكل عليه جل وعل فلم يبق ف تركه عذر للبية‪ ،‬وقد أمر ال عباده بالتوكل عليه ورغبهم فيه‬
‫بقوله‪( :‬وعلى ال فليتو كل الؤمنون) وبقوله تعال‪( :‬فتو كل على ال إن ال ي ب التوكل ي) وقال ر سول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬لو توكلتم على ال حق توكله لرزقكم كما يرزق الطي تغدو خِمَاصا وترو حُ‬
‫بطانا"‪.‬‬
‫(واعلم) أن أصل التوكل على ال معرفة القلب بأن المور كلها بيد ال ما ينفع منها وما يضر‬
‫وما يسوء منها وما يسر وأن اللق لو اجتمعوا كلهم على أن ينفعوه بشيء ل ينفعوه إل بشيء قد كتبه‬
‫ال له أو على أن يضروه بشيء ل يضروه إل بشيء قد كتبه ال عليه‪.‬‬
‫ويشترط لصحة التوكل أن ل تعصي ال بسببه وأن تتنب ما ناك عنه وتفعل ما أمرك به معتمدا‬
‫ف جيع ذلك عليه ومستعينا به ومفوضا إليه‪.‬‬
‫ول يقدح ف توكلك دخولك ف شيء من السباب الدنيوية إذا كنت معتمدا على ال دونه‪.‬‬
‫نعم مَن صدق توكله ضعف دخوله ف السباب الدنيوية‪ ،‬وأما التجرد عنها بالكلية فل يمد إل ف‬
‫حق من دام إقباله على ال وط هر قل به عن اللتفات إل غ ي ال ول يض يع ب سببه من هم عيال عل يه من‬
‫خلق ال‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬كفى بالرء إثا أن يضيّع من يعول"‪.‬‬
‫(واعلم) أن الدخار والتداوي من المراض ل يقدحان ف أصل توكل من يعلم أن الغن والنافع‬
‫والضار هو ال وحده و قد اد خر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم لعياله لبيان الواز‪ ،‬وأ ما هو صلى ال‬
‫عليه وسلم فما كان يدخر لنفسه شيئا إل غد وربا ادخر له غيه فنهاه عند الشعور به‪ .‬ولا سئل عليه‬
‫ال صلة وال سلم عن ال سبعي اللف الذ ين يدخلون ال نة بغ ي ح ساب من أم ته فقال‪ " :‬هم الذ ين ل‬
‫يسترْقون ول يكتوون ول يتطيون وعلى ربم يتوكلون"‪.‬‬
‫وللمتو كل ال صادق ثلث علمات‪" :‬الول" أن ل ير جو غ ي ال ول ياف إل ال‪ ،‬وعل مة ذلك‬
‫أن ل يدع القول بالق عند من يرجى ويشى عادة من الخلوقي كالمراء والسلطي‪" .‬والثانية" أن ل‬
‫يدخل قلبه ه مّ الرزق ثقة بضمان ال بيث يكون سكون قلبه عند فقد ما يتاج إليه كسكونه ف حال‬
‫وجوده وأشد‪" .‬والثالثة" أن ل يضطرب قلبه ف مظان الوف علما منه أن ما أخطأه ل يكن ليصيبه وما‬
‫أصابه ل يكن ليخطئه‪.‬‬
‫ومن هذا القبيل ما حكي أن سيدي الشيخ عبد القادر اليلن نفع ال به كان يتكلم ف القدر‬
‫فسقطت عليه حية عظيمة ففزع الاضرون فَرقا فالتفّت على عنق الشيخ ودخلت من أحد كميه‬
‫وخرجت من الخر والشيخ نفع ال به ثابت ل يضطرب ول يقطع كلمه‪.‬‬
‫وقيل لبعض الشيوخ وقد طُرح للسبع ليأكله فلم يؤذه‪ :‬ف أي شيء كنت تفكر حي طُرحت‬
‫للسبع قال ف حكم سؤر السباع من العلم‪ .‬وحسبنا ال ونعم الوكيل‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليك) بالب ف ال حت يصي سبحانه أحب إليك ما سواه بل حت ل يصي لك مبوب إل‬
‫إياه‪.‬‬
‫وسبب وجود الب من جهة الحبوب إما وجود كمال فيه أو حصول نوال منه‪.‬‬
‫فإن ك نت م ن ي ب ل جل الكمال فالكمال والمال واللل ل وحده ل شر يك له ف ش يء من‬
‫ذلك‪ ،‬و ما يلوح على صفحات ب عض الوجودات من مع ن كمال أو يبدو علي ها من رو نق جال ف هو‬
‫الك مل والج مل ل ا سبحانه وتعال بل هو الو جد ل ا والخترع ولول أ نه أن عم علي ها بالياد لكا نت‬
‫مفقودة معدومة ولول ما أفاض عليها من أنوار جال صنعته لكانت قبيحة مشئومة‪.‬‬
‫وإن كنت من يب لجل النوال فلست ترى إحسانا ول تشاهد امتنانا ول ترى إكراما ول تبصر‬
‫إنعما عليك وعلى سائر اللق إل وال تعال هو التفضل بميع ذلك بحض الود والكرم فكم من خي‬
‫قد أسداه إليك! وكم من نعمة قد أنعم با عليك! فهو سيدك ومولك الذي خلقك وهداك‪ ،‬والذي له‬
‫ماتـك مياك‪ ،‬والذي أطعمـك وسـقاك‪ ،‬وكفلك ورباك وأسـكنك وآواك‪ ،‬يرى القبيـح منـك فيسـتره‪،‬‬
‫وتسـتغفره منـه فيغفره‪ ،‬ويرى الميـل منـك فيكثره ويظهره‪ ،‬وتطيعـه بتوفيقـه ومعونتـه فينوه باسـك فـ‬
‫الغيوب ويقذف تعظيمـك وحبـك فـ القلوب‪ ،‬وتعصـيه بنعمتـه فل ينعـه وجود العصـيان عـن إفاضـة‬
‫الح سان‪ ،‬فك يف ينب غي لك أن ت ب غ ي هذا الله الكر ي؟ أم ك يف ي سن م نك أن تع صي هذا الرب‬
‫الرحيم؟‬
‫(واعلم) أن أ صل الح بة العر فة وثرت ا الشاهدة وأد ن درجات ا أن يكون حب ال تعال هو‬
‫الغالب على قلبك‪ ،‬ومك الصدق ف ذلك أن ل تيب أحب اللق إليك إذا دعاك إل ما يكون سخط‬
‫ال ف فعله كالعا صي أو ف تر كه كالطاعات‪ .‬وأعلى درجات ا أن لي صي ف قل بك حب لغ ي ال الب تة‪.‬‬
‫وهذا عزيز ودوامه أعز منه‪ ،‬وعند دوامه تضمحل البشرية بالكلية وعنه ينشأ الستغراق بال الذي ل يبقي‬
‫معه شعور لوجود وأهله بال‪.‬‬
‫(واعلم) أن مبة رسول ال صلى ال عليه وسلم وسائر أنبياء ال وملئكته وعباده الصالي وما‬
‫يعي على طاعته كل ذلك من مبته تعال‪ .‬قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬أحبوا ال لا يغذوكم به من نعمه‬
‫وأحبون بب ال وأحبوا أهل بيت بب" وقال عليه الصلة والسلم عن ال‪" :‬وجبت مبت للمتحابي فّ‬
‫ف والتزاورين فّ والتباذلي فّ"‪.‬‬
‫والتجالسي ّ‬
‫وللمح بة ال صادقة علمات أجلّ ها وأعل ها كمال التاب عة بر سول صلى ال عل يه و سلم ف أقواله‬
‫وأفعاله وأخل قه قال ال تعال‪ ( :‬قل إن كنتـم تبون ال فاتبعونـ يببكـم ال) وبسـب الح بة ل تكون‬
‫التابعة لبيب ال إن كثيا فكثي وإن قليلً فقليل وال على ما نقول وكيل‪.‬‬
‫فصــل‬
‫(وعليـك) بالر ضا بقضاء ال تعال فإن الر ضا بالقضاء من أشرف ثرات الح بة والعر فة‪ ،‬و من‬
‫شأن ال حب أن ير ضى بف عل مبو به حُلوا كان أو مُرا‪ ،‬و قد قال صلى ال عل يه و سلم عن ال‪ " :‬من ل‬
‫يرض بقضائي ول يصب على بلئي فليلتمس ربا سواي"‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬إن ال إذا أحب قوما ابتلهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله‬
‫السخط"‪.‬‬
‫فالوا جب عل يك أي ها الؤ من أن تعلم وتعت قد أن ال تعال هو الذي يهدي وي ضل ويش قي وي سعد‬
‫ويقرب ويبعد ويعطي وينع ويفض ويرفع ويضر وينفع‪ ،‬فإذا علمت ذلك وآمنت به فالواجب عليك أن‬
‫ل تعترض على ال ف شيء من أفعاله ل ظارها ول باطنا‪ ،‬ولسان العتراض أن تقول ل كان هذا‪ ،‬ولي‬
‫شيء كان هذا‪ ،‬وهل كان هذا كذا‪ ،‬وبأي ذنب استحق فلن ما جرى علي‪.‬‬
‫ف من أجه ُل م ن يعترض على ال ف مُل كه ويناز عه ف سلطانه‪ ،‬و هو مع ذلك يعلم أ نه تعال هو‬
‫النفرد باللق والمر والكم والتدبي يفعل ما يشاء ويكم ما يريد (ل يسأل عما يفعل وهم يسألون) بل‬
‫الواجب عليك أن تعتقد أن جيع أفعال ال تعال وقعت على وجه ل أحكم منه ول أعدل ول أفضل منه‬
‫ولا أكمل‪.‬‬
‫وهذا ح كم الر ضى بأفعال ال تعال على و جه الجال‪ ،‬وأ ما على و جه التف صيل‪ ،‬فإن المور ال ت‬
‫تصك على قسمي (منها) ما يلئمك كالصحة والغن وهذا القسم ل يتصور فيه سخط إل من حيث‬
‫نظرك إل من ف ضل عل يك ف ذلك فالوا جب عل يك عنده أن تر ضى ب ا ق سم ال لك من ح يث أن له‬
‫سبحانه وتعال أن يف عل ف مل كه ما يشاء أو من ح يث أ نه تعال قد اختار لك ما هو ال صلح لك‬
‫والنسب لالك وهذا أكمل (ومنها) ما ل يلئمك كالصائب والمراض والفات فحرام عليك أن تتبم‬
‫بشيء من ذلك أو تزع عنده‪ ،‬بل الكمل لك أن ترضى وتسلّم فإن ل تستطع فلتصب ولتحتسب‪ ،‬قال‬
‫النب صلى ال عليه وسلم‪" :‬اعبد ال تعال بالرضا فإن ل تستطع ففي الصب على ما تكره خي كثي"‪.‬‬
‫وليس من الرضا ف شيء ما يده بعض الغبياء من الطمأنينة عند ترك بعض الأمورات وارتكاب‬
‫ب عض الحظورات فإن ف عل العا صي وترك الطاعات م ا ي سخط ال تعال فك يف ير ضى هو بش يء ل‬
‫ير ضى ال به قال ال تعال‪( :‬إن تكفروا فإن ال غنّ عن كم ول ير ضى لعباده الك فر وإن تشكروا يرضَه‬
‫لكم) وإنا رضي هذا السكي عن نفسه وظن أنه رضي عن ربه‪ ،‬والرضا عن ال وعن النفس يبعد أن‬
‫يتمعا ف موطن واحد‪.‬‬
‫وما أحسن ما قاله المام الغزال رضي ال عنه ف رسالته إل أب الفتح الدمشقي رحه ال‪ :‬الرضا‬
‫هو أن تر ضى ب ا يف عل ال باطنا وتف عل ما يرض يه ظاهرا‪ .‬فإن أراد الع بد أن يعرف ما عنده من الر ضا‬
‫فلْيلتمسه عند نزول الصائب وورود الفاقات واشتداد المراض فسوف يده هناك أو يفقده‪.‬‬
‫وكثيا ما تسمع من سَفلة أبناء الزمان حي يقال لم ما لكم تتركون الطاعات وتفعلون الحرمات‬
‫فيقولون هذا ش يء قد قضاه ال علي نا وقدّره ل نا ول م يص ل نا ع نه وإن ا ن ن عب يد مقهورون فهذا هو‬
‫مذهب البية بعينه‪ ،‬ومنتحله قائل بلسان حاله إن ل يقل بلسان مقاله‪ :‬ل فائدة ف إرسال الرسل وإنزال‬
‫الكتب‪ ،‬ويا عجبا كيف يصدر من يدعي اليان الحتجاج لنفسه على ربه ول الجة البالغة على جيع‬
‫خلقه‪ ،‬أم كيف يرضى الؤمن لنفسه أن يتشبه بالشركي القائلي‪( :‬لو شاء ال ما أشركنا ول آباؤنا ول‬
‫حرمنا من شيء) أول يسمع ما رد ال عليهم به إذا يقول لنبيه (قل هل عنكم من علم فتخرجوه لنا إن‬
‫تتبعون إل الظن وإن أنتم إل ترصون)‪.‬‬
‫ث إ نه ل ي سع الشرك ي إذا رجعوا إل ال أن يتجوا بذه ال جة الداح ضة ع ند ال بل يقولون‪:‬‬
‫(ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالي) (ربنا أبصرنا وسعنا فارجعنا نعمل صالا إنا موقنون)‪.‬‬
‫(واعلم) أن الدعاء واللاح فيه ل يقدح ف الرضا بل هو من الرضا والدعاء معرب عن التحقق‬
‫بالتوحيـد وهـو لسـان العبوديـة وعنوان التحقـق بالعجـز والضطرار والذل والفتقار‪ ،‬ومـن تقـق بذه‬
‫الو صاف عرف وو صل‪ ،‬وعلى غا ية القرب من ال ح صل‪ ،‬و قد ورد عن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسـلم‪" :‬إن الدعاء مـخ العبادة وسـلح الؤمـن ونور السـماوات والرض أن مـن ل يسـأل ال يغضـب‬
‫عليهم"‪ .‬وقال مولنا جلت قدرته‪( :‬ول الساء السن فادعوه با) (وقال ربكم ادعون أستجب لكم)‪.‬‬
‫وما وقع من الليل عليه السلم من المساك عن الدعاء حي طرح ف النار إنا ذلك لسرّ يتص‬
‫بتلك الال وإل فقد حكى ال عنه الدعاء ف مواضع عديدة من كتابه بل ل يك عن أحد من النبياء‬
‫أكثر ما حكاه عنه‪ ،‬فتفقه ف كتاب ال واستخرج العلوم منه فإنا بملتها مودعة فيه ل يشذ منها دقيق‬
‫ول جل يل ول جلي ول خ في‪ .‬قال ال تعال‪ ( :‬ما فرط نا ف الكتاب من ش يء) (وأنزل نا عل يك الكتاب‬
‫تبيانا لكل شيء وهدى ورحة وبشرى للمسلمي)‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫في وصايا إلهية‬
‫وردت بها أخبار قدسية‪ ،‬وآثار صحيحة مروية‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما يرويه عن ربه‪" :‬يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي‬
‫وجعلته بينكم مرما فل تظالوا‪ ،‬يا بعادي كلكم ضال إل من هديته فاستهدون أهدكم‪ ،‬يا عبادي كلكم‬
‫جائع إل من أطعمته فاستطعمون أطعمكم‪ ،‬يا عبادي كلكم عار إل من كسوته فاستكسون أكسكم‪ ،‬يا‬
‫عبادي إن كم تطئون بالل يل والنهار وأ نا أغ فر الذنوب جيعا فا ستغفرون أغ فر ل كم‪ ،‬يا عبادي إن كم لن‬
‫تبلغوا نفعي فتنفعون ولن تبلغوا ضري فتضرون‪ ،‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا‬
‫على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك ف ملكي شيئا‪ ،‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم‬
‫وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا‪ ،‬يا عبادي لو أن أولكم‬
‫وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا ف صعيد واحد فسأولن فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نقص ذلك‬
‫م ا عندي شيئا إل ك ما ين قص الخ يط إذا أد خل الب حر‪ ،‬يا عبادي إن ا هي أعمال كم أح صيها ل كم ث‬
‫أوفيكم إياها فمن وجد خيا فليحمد ال ومن وجد غي ذلك فل يلومن إل نفسه"‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن ال أوحى إل أن تواضعوا حت ل يفخر أحد على أحد ول يبغي‬
‫أحد على أحد"‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬رأيت ر ب ف النام ف ساق الد يث إل أن قال‪ :‬يا ممد قلت‪ :‬لبيك‬
‫قال‪ :‬إذا صليت فقل‪ :‬اللهم إن أسألك فعل اليات وترك النكرات وحب الساكي وإذا أردت بعبادك‬
‫فتنة فاقبضن إليك غي مفتون"‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬قال ال تعال‪ :‬ابن آدم قم إل أمش إليك وامش إل أهرول إليك‪ ،‬ابن‬
‫آدم اذكر ن ساعة من أول النهار و ساعة من آخره أكف يك ما ب ي ذلك‪ ،‬ا بن آدم ل تع جز أن ت صلي ل‬
‫أر بع ركعات من أول النهار أك فك آخره"‪ ،‬وأو حى ال إل آدم عل يه ال سلم "أر بع خ صال في هن جاع‬
‫الي لك ولولدك خصلة ل وخصلة لك وخصلة فيما بين وبيك وخصلة فيما بينك وبي عبادي‪ ،‬أما الت‬
‫هي ل فتعبدن ل تشرك ب شيئا‪ ،‬وأما الت هي لك فعملك أجزيك به‪ ،‬وأما الت هي فيما بين وبينك‬
‫فعليك الدعاء وعلي الجابة‪ ،‬وأما الت هي فيما بينك وبي عبادي فتصحبهم با تب أن يصحبوك به"‪.‬‬
‫ل على‬‫و ف صحف إبراه يم عل يه ال سلم‪" :‬وعلى العا قل أن يكون م سكا لل سانه عارفا بزما نه مقب ً‬
‫شأنه‪ ،‬وعلى العاقل أن تكون له أربع ساعات‪ :‬فساعة يناجي فيها ربه ساعة ياسب فيها نفسه‪ ،‬وساعة‬
‫يفضي فيها إل إخوانه اللذين يبصرونه بعيوب نفسه‪ ،‬وساعة يلي فيها بي نفسه وشهواتا" يعن الباحة‪.‬‬
‫و ف التوراة‪ ( :‬يا ا بن آدم) ل تع جز أن تقوم ب ي يدي م صليا فأ نا ال الذي اقتر بت إل يك وبالغ يب‬
‫رأيت نوري‪ .‬وف بعض كتب ال النلة‪( :‬يا ابن آدم) خلقتك لعبادت فل تلعب‪ ،‬وتكفلت لك برزقك‬
‫فل تتعب‪( ،‬يا ابن آدم) اطلبن تدن فإنك إذا وجدتن وجدت كل شيء وإذا فتك فاتك كل شيء فأنا‬
‫أحب إليك من كل شيء (ابن آدم) أنا ال الذي أقول للشيء كن فيكون‪ ،‬أطعن أجعلك تقول للشيء‬
‫كن فيكون‪.‬‬
‫وأوحى ال إل موسى عليه السلم‪( :‬يا ابن عمران) كن يقظانا وارتد لنفسك إخوانا فكل خدن‬
‫وصاحب ل يوازرك على مسرت فهو لك عدو (يا موسى) مالك ولدار الظالي فليست لك بدار‪ ،‬أخرج‬
‫عنها هك وفارقها بقلبك فبئست الدار هي‪ ،‬إل لعامل عمل فيها الي فنعمت الدار هي‪( ،‬يا موسى) إن‬
‫مرصد للظال حت آخذ منه لن ظلمه‪( ،‬يا موسى) إذا رأيت الغن مقبلً فقل‪ :‬ذنب عجلت عقوبته وإذا‬
‫ل قل‪ :‬مرحبا بشعار الصالي‪( .‬يا موسى) ل تنس ذكري فعند نسيانه تكثر الذنوب‪ ،‬ول‬ ‫رأيت الفقر مقب ً‬
‫تمع الال فإن جعه يقسي القلب (يا موسى) قل للظالي ل يذكرون فإنم إذا ذكرون أذكرهم باللعنة؛‬
‫لن آليت على نفسي أن أذكر من ذكرن‪.‬‬
‫وأوحى ال إل بعض أنبيائه عليهم السلم قل لقومك ل يدخلوا مداخل أعدائي ول يلبسوا ملبس‬
‫أعدائي ول يركبوا مراكب أعدائي ول يطعموا مطاعم أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي‪.‬‬
‫وأوحى ال إل داود عليه السلم‪ :‬كن ب مستأنسا ومن سواي مستوحشا (يا داود) قل للصديقي‬
‫من عبادي‪ :‬ب فليفرحوا‪ ،‬وبذكري فليتنعموا ( يا داود) حبب ن إل عبادي‪ .‬قال‪ :‬يا رب‪ ،‬وك يف أحب بك‬
‫إل عبادك؟ قال‪ :‬ذكر هم آلئي ( يا داود) من رد إل هاربا كتب ته جهبذا‪ ( ،‬يا داود) إذا رأ يت ل طالبا‬
‫فكن له خادما‪( ،‬يا داود) ل تسأل عن عالا قد أسكرته الدنيا فيضلك عن سبيلي أولئك قطاع الطريق‬
‫على عبادي‪ ( ،‬يا داود) اع مل بع مل البرار‪ ،‬ول تب سم ف وجوه الفجار‪ ،‬وخالط أودائي مال طة وخالف‬
‫أعدائي مالفة‪( ،‬يا داود) كن للرملة واليتيم كالب الشفيق أزيد ف رزقك وأكفر عنك ذنبك‪( ،‬يا داود)‬
‫غض طرفك وصن لسانك فإن ل أحب الفاسقي‪ .‬وأكثر من الستغفار لنفسك وللخاطئي‪.‬‬
‫وأوحى ال تعال إل بعض أنبيائه عليهم السلم‪ :‬اذكرن إذا غضبتَ أذكرك إذا غضبتُ فل أمقك‬
‫في من أم ق‪ .‬وأو حى ال إل عي سى عل يه ال سلم أن قل لب ن إ سرائيل ل يدخلوا بيتا من بيو ت إل بقلوب‬
‫طاهرة وأبصار خاشعة وأبدان نقية وأخبهم أن ل أستجيب لم دعوة ولحد من اللق قبلهم مظلمة‪.‬‬
‫وأوحى إليه أيضا‪ :‬يا ابن مري‪ ،‬عظ نفسك‪ ،‬فإن اتعظت فعظ الناس‪ ،‬وإل فاستح من‪.‬‬
‫و ف ب عض الثار عن ال تعال‪ " :‬قل للذ ين يتفقهون لغ ي الد ين‪ ،‬ويتعلمون لغ ي الع مل‪ ،‬ويلب سون‬
‫للناس مسوح المساك ألسنتهم أحلى من العسل‪ ،‬وقلوبم أمر من الصب‪ ،‬أب يغترون!‪ ،‬أم علي يترئون!‬
‫فإن حلفت لبعثن على أولئك فتنة‪ ،‬تترك الليم منهم حيان"‪.‬‬
‫وأو حى ال إل مو سى عل يه ال سلم‪ :‬إذا رأ يت الفقراء ف سائلهم ك ما ت سائل الغنياء‪ ،‬فإن ل تف عل‬
‫فضع كل شيء علمتك تت التراب‪.‬‬
‫وأوى ال إل داود عليه السلم‪ :‬يا داود‪ ،‬قل لوليائي وأحبائي‪ :‬ليفارق كل واحد منهم صاحبه‪،‬‬
‫فإن مؤنسهم بذكري‪ ،‬ومادثهم بأنسي‪ ،‬وكاشف الجاب فيما بين وبينهم ينظرون إل عظمت‪ ،‬فأبلغ يا‬
‫داود عن أهل الرض‪ :‬أن حبيب لن أحبن‪ ،‬وجليس لن جالسن‪ ،‬ومؤنس لن استأنس ب‪ ،‬وصاحب لن‬
‫صاحبن‪ ،‬ومطيع لن أطاعن‪ ،‬ومتار لن اختارن‪ ،‬فهلموا إل كرامت ومصاحبت ومعاملت‪ ،‬فأنا ال الواد‬
‫الاجد‪ ،‬أقول للشيء كن فيكون‪.‬‬
‫وأوحى ال إل بعض أنبيائه عليهم السلم‪ :‬عبدي هب ل من عينيك الدموع ومن قلبك الشوع‬
‫ث ادعن أستجب لك وأنا القريب الجيب‪ ،‬عبدي قف على الدائن والصون وأبلغهم عن كلمتي قل‬
‫لم‪ :‬ل يأكلون إل طيبا ول يتكلمون إل الق وإذا أراد أحد منهم الدخول ف أمر فليتدبر عاقبته فإن كان‬
‫خيا فليمضه وإن كان شرا فل يأته‪.‬‬
‫وأوحى ال إل عيسى عليه السلم قل لبن إسرائيل يفظوا عن حرفي قل لم ليضوا بدنء الدنيا‬
‫لسلمة دينهم كما رضي أهل الدنيا بدنء الدين لسلمة دنياهم‪.‬‬
‫وأو حى ال إل مو سى عل يه ال سلم‪ :‬يا مو سى كن كالط ي الوحدا ن يأ كل من رؤوس الشجار‬
‫ويشرب من الاء القراح‪ ،‬فإذا جنه الليل أوى إل كهف من الكهوف استئناسا به واستيحاشا من عصان‬
‫(يـا موسـى) إنـ آليـت على نفسـي أن ل أتـ لدبر عنـ عملً‪ ،‬ولقطعـن أمل‪ 1‬كـل مـن يؤمـل غيي‪،‬‬
‫ولقصمن ظهر من استند إل سواي‪ ،‬ولطيلن وحشة من استأنس بغيي‪ ،‬ولعرضن عمن أحب حبيبا‬
‫سـواي (يـا موسـى) إن ل عبادا إن ناجونـ أصـغيت إليهـم‪ ،‬وإن نادونـ أقبلت عليهـم‪ ،‬وإن أقبلوا علي‬
‫أدنيت هم‪ ،‬وإن دنوا م ن قربت هم‪ ،‬وإن تقربوا م ن اكتنفت هم‪ ،‬وإن والو ن‪ ،‬واليت هم‪ ،‬وإن صافون صافيتهم‪،‬‬
‫وإن عملوا ل جازيت هم‪ ،‬أ نا مدبر أمور هم‪ ،‬و سائس قلوب م وأحوال م‪ ،‬ل أج عل لقلوب م را حة إل ف‬
‫ذكري؛ فهـو لسـقمهم شفاء‪ ،‬وعلى قلوبمـ ضياء‪ ،‬ل يسـتأنسون إل بـ‪ ،‬ول يطون رحال قلوبمـ إل‬
‫عندي‪ ،‬ول يستقر ب قرار إل إل‪.‬‬

‫المل هنا بعن الرجاء‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫وأو حى ال إل داود عل يه ال سلم‪ ( :‬يا داود) ب شر الذ نبي وأنذر ال صديقي‪ .‬فقال‪ :‬وك يف أب شر‬
‫النذر ين وأنذر ال صديقي؟ فقال‪ :‬ب شر الذ نبي أ نه ل يتعاظم ن ذ نب أن أغفره‪ ،‬وأنذر ال صديقي أن ل‬
‫يعجبوا بأعمالم فإن ل أضع عدل ول حساب على أحد إل هلك‪( .‬يا داود) كتبت الرحة على نفسي‬
‫وقضيـت الغفرة على مـن اسـتغفرن‪ .‬أغفـر الذنوب جيعهـا صـغيها وكبيهـا ول يكـب ذلك علي ول‬
‫يتعاظمن فل تلقوا بأيديكم إل التهلكة ول تقنطوا من رحت فإن رحت وسعت كل شيء ورحت سبقت‬
‫غضب‪ ،‬وخزائن السماوات والرض بيدي والي كله بيدي‪ .‬ول أخلق شيئا ما خلقت لاجة كانت من‬
‫إليه؛ ولكن لتعلم قدرت‪ ،‬ويعلم الناظرون ف حكم تدبيي وصنعي‪( .‬يا داود) اسع من والق أقول‪ :‬من‬
‫لقين من عبادي وهو ياف عذاب ل أعذبه بناري (يا داود) اسع من والق أقول‪ :‬من لقين من عبادي‬
‫وهو مستح من معاصيه أنسيت حفظته ذنبه ولن أساله عنه(يا داود) اسع من والق أقول‪ :‬لو أن عبدا من‬
‫عبادي عمل حشو الدنيا ذنوبا وهو مصر عليها ث ندم واستغفرن مرة واحدة وعلمت من قلبه أنه ل يريد‬
‫أن يعود إلي ها أبدا ألقيت ها ع نه أ سرع من هبوط الطائر من السماء إل الرض‪ ،‬قال داود إل ي لك ال مد‬
‫من أجل ذلك ل ينبغي لن يعرفك أن يقطع رجاءه عنك‪.‬‬
‫اللهم آتنا من لد نك أجرا عظيما واهدنا صراطا مستقيما‪ ،‬واجعلنا من الذين أنعمت عليهم من‬
‫ال نبيي وال صديقي والشهداء وال صالي وح سن أولئك رفيقا‪ ،‬ذلك الف ضل من ال وك فى بال عليما‪،‬‬
‫والمد ل أو ًل وآخرا وباطنا وظاهرا‪ ،‬هو الول والخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم‪ ،‬ما شاء‬
‫ال ل قوة إل بال العلي العظيم‪ ،‬المد ل الذي هدانا لذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال‪ .‬قال الؤلف‬
‫قدس ال سره ونور ضريه ونفع السلمي به‪ :‬وكان الفراغ من تأليفها ف أحد شهور سنة تسع وستي‬
‫وألف (‪ )1069‬من الجرة النبوية‪ ،‬على صاحبها‪ -‬وهو سيدنا ومولنا ووسيلتنا إل ربنا ممد رسول ال‬
‫وعلى آله أفضل الصلة والسلم‪ ،‬ما بقيت الليال واليام‪ .‬والمد ل رب العالي‪.‬‬

You might also like