You are on page 1of 9

‫فردرٌك نٌتشه ‪ ..

‬بٌن االٌمان وااللحاد‬


‫بقلم فارس كمال‬

‫لم ٌكن الوهم الذي عشش فً راس نٌتشه كالوهم الذي ٌتملك عقول المجانٌن ‪ ...‬حقا ان مسحة االعجاب التً ابداها فً‬ ‫نفسه عندما قال عنها ما قال وهو ٌمتدح اسلوب كتابته وفرادة افكاره والحكمة الطافحة التً تفٌض بها بحور علمه وان‬ ‫التارٌخ الفكري سٌشهد انعطافة حادة فً النقطة التً ظهر هو فٌها ‪ ،‬وسٌقسم تارٌخ الفكر الى مرحلتٌن احداهما تلك التً‬ ‫سبقت ظهوره اما الثانٌة فهً التً بدات منذ ان اشعت شمس افكاره لتنٌر لالنسانٌة ظلمة دنٌاها وتهدٌها الى طرٌق‬ ‫النجاح والنجاة ‪ ،‬قد كان فٌها شًء من المبالؽة كبٌر وخصوصا حٌنما ذهب به الزهو الى وصؾ احد كتبه بانه اعظم‬ ‫كتاب ظهر فً العالم ‪ ،‬وان الفكرالذي جاء به هو اعلى من المستوى الفكري الشائع ذلك الوقت ولن ٌفهم الناس افكاره اال‬ ‫بعد مرور مائة عام اخرى ‪.‬‬

‫وصحٌح ان من االحتماالت الممكنة ان تكون هذه االندفاعات (( المبالؽة )) مظاهر اختالل طارئ على كٌمٌاء دماؼه‬ ‫والسبب الذي انهى حٌاته الفكرٌة واطفا جذوة االبداع ومخاٌل العبقرٌة فً راسه فعاش بعدها سنٌنا طوٌلة ؼارقا فً بحر‬ ‫لجً من الجنون ‪ ..‬وربما بعث هذا االختالل برسائله فطرقت ابواب وعً نٌتشه فً شكل خفً كما تطرق االحساسات‬ ‫الخفٌفة الصادرة من االعضاء المعتلة فً جسم االنسان ابواب وعً صاحبها فتبدوا له على هٌئة احالم سماها فروٌد بال‬ ‫(( تنبإٌة )) ٌرى فٌها ((على سبٌل المثال))ان عملٌة جراحٌة تجرى له فً احد اعضاءه وهو ال ٌدري انها رسائل‬ ‫استؽاثة بعثها عضوه المعتل ذاك ‪ ،‬لكنها من الخفة التً لم تحرك ملكة االنتباه فٌه ‪ ،‬وان الصورة التً بدت فٌها عند‬ ‫نٌتشه كانت فً ادراكه للواقعة الطبٌة الصحٌحة التً عبر عنها بقوله (( ان قطرة من الدم تزٌد او تنقص فً المخ قد‬ ‫تسبب لحٌاتنا من الشقاء وااللم ما ٌجعلنا نقاسً اكثر مما قاسى برومٌثٌوس فً عقابه ‪.. ))...‬قد ٌكون كل هذا صحٌحا‬ ‫لكنه ال ٌنفً ان نٌتشه كان (( واحدا من اعظم الشخصٌات المصٌرٌة فً التارٌخ الروحً للؽرب )) وفٌلسوؾ له من‬ ‫التاثٌر العمٌق والواسع ما نلمسه فً كثٌر من النظرٌات النفسٌة واالجتماعٌة والمدارس الفلسفٌة والسٌاسٌة وقد قٌل عنه ((‬ ‫رجل اقدار ٌرؼمنا على اتخاذ قرارات نهائٌة )) حٌنما دعى الى رفض كل ماهو(( مقدس ))و((خٌر)) و((حق )) فً‬ ‫حٌاتنا والعودة بالفكر الى بداٌاته االولى واخضاع نشاطات العقل وما ولده من اعتقادات واخالق وافكار الى تحلٌل جدٌد‬ ‫ووزنها بمٌزان ؼٌر الذي كنا نزن فٌه ونستند الٌه ‪..‬وعلى الرؼم من مبالؽاته التً ذكرت فقد شهدوا له ((بان سناء الفلسفة‬ ‫االوربٌة قد صفا وراق جوها بعد ان كتب فٌها نٌتشه )) وشهدوا له ببراعته الفائقة فً كتابة النثر االلمانً وتمٌز اسلوبه‬ ‫فً الكتابه حٌنما خلط المداد بالروح وكتب بقلم كانه مطرقة ‪.‬‬

‫راى بعضهم ان نٌتشه ((صاحب قلب مإمن وان كان عقله كافرا )) وقالوا ان االله الذي قال عنه(( قد مات)) لم ٌعنً به‬ ‫هللا (( تعالى هللا عما ٌصفون )) بل اله الناس الذي رسموه باٌدٌهم وعبدوه بما ٌتماشى مع الموازٌن الخاطئة التً عندهم ‪،‬‬ ‫وراى اخرون ان نٌتشه ملحد القلب والعقل ‪،‬و من ٌعتقد ان له اساسا متٌنا من الروح الدٌنٌة المإمنة فهو مخطئ‪ ،‬واذا كان‬ ‫له عمر قضاه فً رعاٌة ابوٌن متدٌنٌن واب قسٌس حرٌص على نشر التعلٌم والتربٌة الدٌنٌة الملتزمة ‪ ،‬فان ما خلفة من‬ ‫اثار فً قلب نٌتشه كان سلبٌا تماما وقد ولد فٌه ردة فعل عنٌفة لدرجة انفجر فٌها ؼٌضه وانطلق لسانه فقال الذي لم ٌجرإ‬ ‫على قوله احد من الذٌن امتالت قلوبهم الحادا وكفرا ‪.‬‬

‫ولنٌتشه اهتمام كبٌر فً اوساطنا الفكرٌة وبشكل اخص عند الشرائح المنفتحة على مدارس الفكر الؽربً الحدٌث ‪ ،‬ولهم‬ ‫اعجاب وتقدٌر بالثورة التً اعلنها على االصنام المصنوعة من الوهم ودعوته الى رفض الموروث الثقافً كله ‪،‬‬ ‫الموروث المبنً على فكرة الثبات والمركزٌة ((الواقعة خارج االنسان او داخله )) بالشكل الذي ٌجعل من المكونات‬ ‫المادٌة للوجود ((الفٌزٌائً)) واالنساق الفكرٌة واالجتماعٌة التً ٌنتظم فٌها االنسان ‪ ،‬كٌانا متوحدا ومتماسكا ٌدور حول‬ ‫مركز ٌضفً علٌها صفات الدوام والثبات ‪ ،‬ومثلما ابدى نٌتشه انكاره للموروث وتهكمه من القناعات التً امن بها الناس‬ ‫ابدى مثقفونا و مفكرونا انكارهم لموروثنا الفكري وتهكموا من القناعات السائدة عندنا ‪ ،‬اذ الشبه كبٌر بٌن حالٌنا ‪ ،‬حال‬ ‫اوربا اٌام نٌتشه وحالنا الذي نحن علٌه فً ٌومنا هذا ‪،‬وكما انكر نٌتشه االله ونبذ الدٌن فعل اصحابنا مثله ‪ ،‬وان من‬ ‫ٌتصفح مواقع االنترنٌت على اطالع وبٌنه من الكم الهائل من المواضٌع المدبجة باقالم هذه الشرٌحة المثقفة ‪ ،‬تعلن االنكار‬ ‫وتثٌر الشكوك وتظهر التهكم بكل مكونات ثقافتنا الموروثة بما فٌها نصوص كتاب هللا ((تعالى)) وسٌرة نبٌه ((صلى هللا‬ ‫علٌه وسلم ))‪ ،‬انهم ٌثٌرون التساإالت وٌعرضون النصوص بما ٌعجز عن رده المإمنون ‪.‬‬

‫وهذا ال ٌعنً ان الحقٌقة هً فً الجانب الذي وقفت على صعٌده هذه الطبقة من ابناء امتنا ‪ ،‬فان ممن ٌقؾ فً الجانب‬ ‫االخر ‪ ،‬اناس امنوا باهلل واقروا شرٌعته‪.‬والتزموا احكام الدٌن فً حٌاتهم لكنهم فً ذات الوقت ٌنظرون الى العالم نظرة‬ ‫التنكر التقدم وال تنفً التطور فً مفهومه الصحٌح ‪،‬ولهم اطالع ومعرفة بمدارس الفكر الؽربً فً وضوح اكبرومعرفة‬ ‫ادق‪ ،‬وان منهم من امتهن العلم ومارس تدرٌسه فً بالد الؽرب ‪ .‬ومنهم علماء ابدعوا فً مجاالت علمهم ومنهم اصحاب‬ ‫اعمال حققوا نجاحات وجمعوا ثروات وفً صدورهم قلوب ٌملإها االٌمان ومحبة الخٌر ‪.‬‬

‫فعلى كال جانبً الطرٌق ٌقؾ اناس تفتخر االنسانٌة بنتاجاتهم وتبعث فً نفوس االخرٌن االعجاب بذكاءهم وعلو همتهم‬ ‫‪ ..‬ولن ٌنفً هذا تلك االستثناءات التً ٌحلو ذكرها عند من عزم على رمً المقابل بسهام نقده ‪.‬‬

‫وال ادري ان كان لً مسوغ للكتابة عن نٌتشه فاقول فٌه اقواال قد قالها االخرون اذ لم ٌترك مثقفونا شٌئا اال ومروا به‬ ‫وقالوا فٌه قولتهم ‪ ،‬ولم ٌدع اساتذتنا ممتهنو الفلسفة وكتابها جانبا دون اضاءة فاناروا لنا المظلم وكشفوا المبهم وابدعوا لنا‬ ‫فكرا وادبا ٌلزمنا بالسكوت تادبا وباالصؽاء الٌهم تعلما منهم ‪ ،‬لكن عذري ان ممن كتبوا اناس امتالت رإوسهم باالفكار‬ ‫وفاضت‪ ،‬وصار حالهم كحال النحلة التً اثقلها العسل الذي تحمله ‪ ،‬او كحال الشجرة التً نضجت ثمارها ولم ٌعد لها‬ ‫االان تسقطه‪ ،‬وهإالء هم صناع الحضارة والعجالت التً تتدحرج علٌها عربة التطور ‪.‬‬

‫وان ممن كتبوا اناس جعلوا من الكتابة وسٌلة لالستزادة والتعلم بما ٌنتشلهم من هوة الجهل التً هم فٌها وانا واحد منهم ‪.‬‬

‫العبقرٌة بٌن االضطراب االنفعالً والجنون المطبق‬

‫من الصفات التً ٌمتاز بها العبقري وتبدو فً سلوكه بوضوح ‪ ،‬رفضه للمالوؾ وحبه الشدٌد للتؽٌٌر وسعٌه الحثٌث نحو‬ ‫التفرد واالبتكارو المعاناة والتوتر النفسً الشدٌدٌن المفضٌٌن الى الجنون عند الكثٌر من االشخاص الحائزٌن على‬ ‫درجات مرتفعة فً مستوٌات الذكاء والمقدرة العالٌة على االبداع ‪ ،‬وهو ٌرى العالم بشكل ؼٌر الشكل الذي فً عٌون‬ ‫الباقٌن وٌتعامل مع ماٌدور حوله وٌعالج مشاكله بصورة قد تبدو شاذة ومستنكرة وقد تبعث فً نفوس مشاهدٌه مشاعر‬ ‫االسى والعطؾ المبنٌة على االعتقاد فً كونه من المتخلفٌن فً عقولهم والعاجزٌن عن ادارة شإونهم والفاشلٌن فً اقامة‬ ‫العالقات االجتماعٌة مع اقرانهم ‪..‬وٌذكر لنا كتابنا ‪ ،‬المختصون ان فكرة الربط بٌن االعراض النفسٌة المنحرفة والخلل‬ ‫العقلً عند الناس بشكل عام لٌست ولٌدة اٌامنا هذه بل لها جذور عمٌقة واؼوار بعٌدة فً تارٌخنا االجتماعً وبالتاكٌد انها‬ ‫سابقة على العهد الذي نبػ فٌه فالسفة الٌونان لكنها مع ذلك اصبحت فً فكر افالطون ومن بعده ارسطو من المظاهر‬ ‫الموضوعة على مسطبة التشرٌح الفلسفً ومبضع الفٌلسوؾ الحاذق فً صنعته (( لقد ركز افالطون على ظاهرة االنفعال‬ ‫والؽضب الواضحة لدى هذه الشرٌحة من الناس وكٌؾ انهم ٌخرجون بسهولة عن اطوارهم وكؤنهم ٌعٌشون خارج الزمن‬ ‫والوجود ‪ ،‬واكد ارسطو على مشاعر االكتئاب والنظر السوداوي لدٌهم)) ولم تزل هذه المعانً تدور بدوران عجلة الزمن‬ ‫ورافقت الفكر البشري فً رحلته التارٌخٌة حتى ٌومنا هذا ‪ ،‬ولم تخرج عن الثوابت التً اقرتها دراسات علمائنا ومفكرٌنا‬ ‫المحدثٌن ‪ ،‬فقد اٌدت االحصاءات التً اجروها على عٌنات تارٌخٌة معروفة او مختارة من المجتمع الحالً ‪ ،‬العالقة‬ ‫الموجبة التً تقرن الزٌادة فً نسبة االنحرافات التفسٌة واالختالالت االنفعالٌة بازدٌاد معدالت الذكاء والسلوك االبداعً‬ ‫لكنها رفضت ان ٌكون الجنون امرا محتوما عند هإالء العباقرة وفسرها احد اعالم الفكر الحدٌث بان الجنون كان سٌقع‬ ‫لهم حتما لوال مسارب االبداع التً طرقوها ‪ ،‬وان االعمال االبداعٌة التً انتجوها واالستؽراق فٌها هً التً قطعت طرٌق‬ ‫الخطر وانقذتهم من السقوط فً هاوٌة الجنون ‪.‬‬

‫لقد توفرت فً شخصٌة نٌتشه كل مقومات العبقرٌة التً ذكروها لنا ‪ ،‬فقد كان ذكٌا بشكل الفت لالنتباه نال شهادة‬ ‫الدكتوراه وهو فً سن الخامسة والعشرٌن وشؽل كرسً االستاذٌة الداب اللؽة االلمانٌة وتارٌخها فً جامعة بازل‬ ‫السوٌسرٌة وتمٌز باسلوب فنً رائع وملكة تحلٌلٌة دقٌقة وقدرة على السخرٌة الالذعة حتى عد ((من اعظم فالسفة القرن‬ ‫العشرٌن تاثٌرا)) وقالوا انه قد شكل مع كل من ماركس وفروٌد الركائز التً قام علٌها بناء فكر القرن العشرٌن كله ‪،‬‬ ‫وكان حساسا‪ ،‬كئٌبا متشائما ‪ ،‬رفض المالوؾ من القناعات التً امن بها الناس فً وقته وتحدى االقوٌاء وطالب بالحرٌة‬ ‫ورفض الدٌن واعلن االلحاد ودعا الناس الى انكار ذواتهم والعمل على االرتقاء بانفسهم وتهٌئتها لمرحلة ٌحل فٌها‬ ‫((االنسان االعلى )) باعتباره الهدؾ من وجودهم ‪ ،‬ثم عاش حٌاته فً معاناة والم نفسً وجسدي دائمٌن حتى انتهى به‬ ‫الحال لٌنضم الى قائمة المجانٌن مدة االحد عشر عاما الباقٌة من عمره‪.‬‬

‫االنقالب على النفس والثورة على المالوؾ وانكار الدٌن‬

‫على عكس ما امن به نٌتشه طوال اٌام طفولته وما تلقاه من ابوٌه من تعالٌم وافكار‪ ،‬تبنى نٌتشه افكاره الجدٌدة ومبادئ‬ ‫فلسفته على صورة اخرى مناقضة ‪ ،‬كان ابواه مإمنٌن بالرب ومن عائلتٌن متدٌنتٌن اذ كان ابوه واعض بروتستانتً‬ ‫ومنحدر من اباء امتهنوا الدٌن وكذلك امه التً عرؾ عنها تدٌنها العمٌق والتزامها الصادق بتعالٌم الدٌن وشرائعه فتمسك‬

‫هو اٌضا بما تمسك به ابواه واراد ان ٌصٌر قسٌسا كما كان ابوه ‪ ،‬لقد عاش طفولة هادئة وادعة تختلؾ كثٌرا عما كان‬ ‫علٌه اطفال الحارة اجمع ‪ ،‬فلم ٌهتم بالعابهم ولم ٌرتضً فٌهم قسوتهم على الحٌونات بل احب القراءة والتامل واستمتع‬ ‫بقراءة نصوص توراته وكثٌرا ما كان ٌتلو على مسامع االخرٌن بعض هذه النصوص بصوت شجً ممٌز طافح بنبرات‬ ‫الصدق واالٌمان ٌبعث العٌون لترسل دموعها فً سخاء وخشوع ولقد اطلق علٌه اصدقاءه لقب ((القس الصؽٌر ))‬ ‫ووصفه احدهم (( كؤنه المسٌح فً المعبد ))‪ ،‬وفً وقت مر سرٌعا و على حٌن فجؤة انقلب مٌزان عقله ودارت عجلة فكره‬ ‫فانكر الرب وقال عنه قد مات وتهكم من تعالٌم الدٌن واعتبره من االصنام التً صنعها االنسان من الوهم وانقلب طبعه‬ ‫وتؽٌرت هواٌاته فبدال من االهتمام الذي كان ٌبدٌه فً قراءة االنجٌل والترنم به (( فصار الدٌن قلب حٌاته ولبها)) انؽمر‬ ‫مع رفاق له من طلبة الجامعة التً انتسب الٌها اخٌرا لدراسة الفلسفة مرحلة شبابه ((فً حٌاة داعرة و بحر من الخمور‬ ‫والفجور)) عاشر فٌها النساء واحتسى الخمور وتعود التدخٌن ‪..‬‬

‫وعند نٌتشه شهد المفهوم العام للعقل انعطافة شدٌدة وانحراؾ تام عكس فٌه االتجاه الى الجهة المعاكسة من رإٌته له‬ ‫فبعد ان كان الفكر الفلسفً العام ٌنظر الى العقل على انه المفتاح المناسب لفتح ابواب المعرفة و الشرفة العرٌضة المطلة‬ ‫على عالم الحقٌقة فقد سخؾ هو العقل وانكر قدرته على فهم الوجود بل اعتبره اداة ضالل ‪ ،‬ووسٌلة جهل وتضلٌل‬ ‫وانحطاط ‪ ،‬وما مبادئ الفكر التً ٌرتكز علٌها العقل فً بناء ٌقٌنٌاته وانشاء تصوراته تلك التً اسمٌناها ب ((الشٌئ))‬ ‫و((الجوهر )) و ((الذات )) و((الموضوع)) و((العلٌة)) و((الؽائٌة)) اال اوهام لٌس لها وجود ماثل فً الخارج اخترعها‬ ‫لتعٌنه على التفكٌر وتمكنه من االمساك بالموجود‪ .‬ومن الخطؤ زعمنا انها قوانٌن ومبادئ ٌتحرك على وفقها الوجود‬ ‫واالصح انها انشاءات وقوالب صنعها بنفسه لٌفرغ فٌها ما ٌطرق حواسه وٌومض فً خٌاله من رإى وافكار‪ ..‬فلٌس‬ ‫للظواهر التً تعن لنا فً حٌاتنا تلك االطر والحدود التً تجعل منها صورا ثابتة ومفاهٌم ساكنة وجامدة التتحرك بل انها‬ ‫فً حقٌقة امرها فً تحرك دائم وتبدل مستمر وصٌرورة التنقطع ‪..‬‬

‫لقد بدا نٌتشه فً انعطافته هذه العقلٌا بالشكل الذي احرج المتنورٌن واصحاب االفكار العقالنٌة التً تزن االمور بمٌزان‬ ‫العقل والمنطق وترفض ما ٌثار امامهم من افكار بنٌت على اسس ؼٌر تجرٌبٌة واعتبارات ظنٌة وتاوٌالت خارجة عن‬ ‫حدود المقبول ‪ ،‬وعلل مفكرونا ثورتة هذه باعتبارها امر مبرر وله سبب مقبول اذ ان العصر الذي عاشه نٌتشه ؼٌر‬ ‫العصر الذي نعٌشه الٌوم ودعوات العقل واالحتكام الٌه ان كانت الٌوم مقبولة وصحٌحة تماما فانها على العكس منه اٌام‬ ‫نٌتشه حٌنما كان الجو الفكري العام السائر فً توافق مع مصالح المتنفذٌن واصحاب السلطة والقوة بشكل ٌجعل من العمل‬ ‫العقلً والتفكٌر خادما لالفكار التً تدعم وجودهم ‪ ،‬وتبرر استمرارهم وتضفً على هذه القناعات صفة الثبات والمطلق‬ ‫‪..‬فاذا كان هذا صحٌحا فان سمة التباٌن فً نظرة العبقري الى العالم واختالفه عما هو معهود فً طرٌقة التفكٌرعند باقً‬ ‫الناس عموما ظاهرة وواضحة عند نٌتشه بشكل كبٌر ‪.‬‬

‫لقد دعا نٌتشه الى العودة الى الوراء فً تارٌخنا واعادة النظرفً كل ما مر بنا او فعلناه فقد سلكنا طرٌقا خاطئا ابعدنا‬ ‫كثٌرا عن جادة الصواب واوؼل بنا فً درب الضالل ولم ٌعد لنا اال االنقالب على انفسنا ورفض كل منقول وهدم االصنام‬ ‫التً بنٌناها بانفسنا من مادة االوهام والتخارٌؾ ونصبناها داخل اروقة االخالق والسٌاسة والدٌن والفلسفة ‪ ،‬ورفض كل‬ ‫ماهو مقدس آمنا به منها االله ((استؽفر هللا تعالى ‪ ،‬وله بعض عذر فً ذلك سنبٌنه بعد حٌن)) والخٌر والشر والحق‬ ‫‪.....‬لقد كان تارٌخنا مبنٌا منذ البداٌة على خطؤ جسٌم‬

‫نظرته الى االخالق‬

‫على خالؾ من نظرالى االخالق باعتبارها منظومة ((متعالٌة)) وقواعد سلوكٌة واحكام تقوٌمٌة صٌؽت من خارج‬ ‫العقل(( الفردي الجزئً)) لكً ٌهتدي بنورها االنسان فٌحفظ لنفسه حسن السلوك و طٌب المعٌشة ورضا الرب ‪ ،‬انكر‬ ‫نٌتشه ان لالخالق معاٌٌر عامة تختص بالنوع االنسانً فً ذاته ‪ ،‬ونظر الٌها على انها انتاج مرتبط بالشعوب واالجناس‬ ‫والطبقات ومكونات النوع االنسانً اجمع ‪ ،‬وهً ولٌدة التعامل مابٌن الناس ومحكومة بمصالحهم المختلفة فٌما بٌنهم‬ ‫والى موقع كل واحد ضمن الطبقة التً ٌنتمً الٌها والفئة التً ٌنضوي تحتها بشكل قد ٌجعل المقبول والمستحسن من‬ ‫االحكام االخالقٌة عند فئة مرفوض ومستهجن فً اخالق المنتسبٌن الى الطبقة االخرى ‪..‬فالخٌر والعدل عند القوي‬ ‫المستبد هو ؼٌره عند الضعٌؾ المستبد به ‪..‬والفتك بالضعٌؾ وااحتقاره او اذالله امر ٌدعو الى الفخر واالعتزاز عند ا‬ ‫االرستقراط االقوٌاء لكنه ظلم وشر عند المستضفٌن ‪.....،‬‬

‫ارجع نٌتشه االخالق الى منبعٌن رئٌسٌٌن ‪ ،‬اخالق ((السادة) واخالق ((العبٌد)) ‪ .‬والسادة هم الطبقة الممتازة فً المجتمع‬ ‫صاحبة االخالق العلٌا والقوة والجرءة وهم المسٌطرون الفخورون بما امتازوا به من صفات والحرٌصون على بقاء‬ ‫الحاجز الذي ٌمنع امتزاجهم بطبقة العبٌد المنحطٌن المستضعفٌن المتصفٌن بصفات الضعة والضعؾ والخنوع ‪.‬‬

‫حركة التارٌخ‬

‫لما كان تارٌخ االنسان ٌصنعه االنسان نفسه فان حركة هذا التارٌخ ((عند نٌتشه )) مبنٌة على سلوك هاتٌن الطبقتٌن من‬ ‫البشر ‪.‬ولو رجعنا الى الوراء واطلعنا على ما فعله االنسان لراٌنا ان من صنع الحضارات العظٌمة انما هم اولئك السادة‬ ‫االرستقراط االبطال االشداء حٌنما جابوا االرض وساحوا فٌها ‪ ،‬مؽٌرٌن على بلدانها‪ ،‬فاخضعوا الشعوب الضعٌفة‬ ‫واستعبدوا اهالٌها وآمنوا بمبادئ القوة واحتقار الضعفاء ‪ .. .‬من هنا نشات احكام االخالق وتوضحت تفاصٌلها فكانت‬ ‫تدور فً جوهرها (( عند االقوٌاء ))على محبة الؽزو و تمجٌد القوة والتحلً بصفاة البطولة والفتك باالعداء‬ ‫و((االشمئزاز من عالمات الضعؾ والضعة واالستخذاء )) واحتقار الضعفاء والتسلً بمبارٌات القوة والقتال والتحلً‬ ‫بمزاٌا النشاط البدنً وسرعة الحركة وقوة العضالت وحب الصٌد والرقص وااللعاب البدنٌة العنٌفة وكل (( ما ٌكشؾ‬ ‫عن حٌوٌة فٌاضة حرة مسرورة)) واذا ما ابدى احدهم شٌئا من العفو على االخرٌن فالنه قوي ٌفٌض علٌهم بقوته لكنه‬ ‫ٌرفض العفو عنهم اذ لو كان له حق عندهم الخذه منهم بالقوة واالجبار ‪ ..‬وهو ((ٌشعر بسرور عمٌق حٌنما ٌعذب ؼرٌمه‬ ‫وما دونه من الضعفاء)) ‪ ..‬ومن هنا نلمس فً هذه الطبقة حبهم للماضً والسلؾ وتوقٌر االجداد لدرجة ألهوا البعض‬ ‫منهم وقدموا الرواحهم القرابٌن‪ ،‬ثم انهم حافظوا على نقاوة صفاتهم وتجنبوا االختالط بمن هم دونهم ((بما ٌحفظ لهم‬ ‫استمرار السٌادة والبقاء))‪.‬‬

‫اما الضعفاء فلهم احكام اخالقٌة اخرى تختلؾ عن تلك التً عند المتسلطٌن ‪،‬ولدها فٌهم ما عانوه من المآسً واالالم التً‬ ‫كابدوها حٌنما رزحوا تحت نٌر اولئك المتسلطٌن وظلمهم واكتووا بنارالذل واالستعباد وتجرعوا مرارة الخذالن والهوان‬ ‫ولم ٌتسن لهم صد الهجمة وتحرٌر انفسهم لما كانوا ٌعانونه من عجز فً القوة واحباط فً الهمة وخوؾ على الحٌاة ولم‬ ‫ٌكن لهم اال الخضوع والخنوع والقبول باالمر الواقع واضمار مشاعر الحقد المدفون فً االعماق ‪ ،‬ولو وقعنا على اعمق‬ ‫اعماق مشاعرهم لراٌنا اٌمانهم الراسخ ووعٌهم الواضح بان القوة والسطوة هً القٌمة الحقٌقٌة التً تنشدها النفس والهدؾ‬ ‫والؽاٌة التً ٌسعى الٌها االنسان اال ان الضعؾ فً القوة والخور فً العزٌمة والعجز فً االنجازلدٌهم دفعهم الن ((ٌخلقوا‬ ‫النفسهم قٌما اخالقٌة جدٌدة صارفٌها معٌار الخٌر الذي فً اخالق اولئك المتسلطٌن شرا عندهم والعكس من ذلك اٌضا‬ ‫صحٌح فبدال من ان ٌكون الرجل (( محاربا مؽامرا ٌنشد السٌطرة والؽزو وٌحتقر التواضع والجبن فال ٌعرؾ رحمة وال‬ ‫تلطؾ وٌفٌض قوة وشدة ٌحتقر العبد وٌرهقه وٌنكل به وٌعذبه وٌحط من كرامته ومركزه )) صار على االنسان فً نظر‬ ‫هإالء الضعفاء التحلً بصفاة ((التواضع والسماحة والتعاطؾ والرحمة والعزوؾ عن نشدان البطولة ومحاربة االخرٌن‬ ‫واحتقار الحٌاة والسعً لها ونكران النفس والرؼبة فً الزهد والتقشؾ ‪ ))...‬لقد آمن(( دٌوجنس)) بالذي امنت به‬

‫((الرواقٌة )) و(( الكلبٌة)) فدعى الى االكتفاء بالذات والعٌش بالحد االدنى من مقومات البقاء وامتهن التسول والنوم فً‬ ‫الطرقات وحسد الحٌوان على طرٌقة حٌاته البسٌطة لدرجة ان تقبل لقب ((الكلب )) الذي اطلقوه علٌه دون تذمر مع ان‬ ‫ما ٌتمتع به من االمكان والقدرات كفٌل الن ٌٌسر له العٌش فً صورة اخرى على عكس التً هوفٌها ولتمتع بالسمعة‬ ‫العالٌة والدرجة المرموقة والثراء الفاحش بكل تاكٌد ‪ ،‬قٌل انه لما بٌع عبدا من قبل قراصنة قبضوا علٌه اثناء تجواله ‪،‬‬ ‫اوكل الٌه سٌده الذي اشتراه تربٌة ابناءه واالشراؾ على شإون قصره فاحسن القٌام بالمهمتٌن احسانا ادهش السٌد‬ ‫فاطلق علٌه ((العبقري الصالح )) وهو قبل كل هذا رجل مصرفً لكنه افلس فجره افالسه الى السٌر على الطرٌق الجدٌد‬ ‫‪ ،‬وقٌل عنه ((صاحب جدل بارع )) مكنه من التؽلب على كل من خالفه الراي فً حٌاته كلها ‪ .‬لقد كان دٌوجٌنس مثاال‬ ‫واضحا وصورة حٌة للمثل الذي اراد نٌتشه وصفه لنا عند الحدٌث عن اخالق (( العبٌد )) واي مثل اكثر بالؼة من‬ ‫اعجاب دٌوجنس بمعٌشة الحٌوان فقام بتقلٌده ونام مثله فً الطرقات وقضى حاجته ((على مراى من الناس اجمعٌن )) ‪،‬‬ ‫راى طفال ٌشرب الماء بٌدٌه فرمى هو بكوب الماء الذي ٌحمله وبدا شرب الماء كالطفل بٌدٌه‪ ...‬وصار الفقر صفة‬ ‫حمٌدة تقرب المخلوق الى خالقه وتزٌد الحسنات فً رصٌده ‪..‬‬

‫ومع كل هذا فان رؼبة ااالنتقام والثار باقٌة على شدتها تؽلً وتفور فً اعماق نفوسهم مهما اهالوا علٌها من اتربة‬ ‫التقادم والنسٌان او برروا وعللوا اوفلسفوا ‪ ،‬اواخضعوا هذه االندفاعات لتحوالت النفس من تسامً و كبت ‪ ،‬وتحوٌل بٌن‬ ‫وسائل االشباع ودٌنامٌات النفس‪ ،‬وكم مرة شهد التارٌخ انفالت بعض هذا المدفون فٌخرج من بٌن ركام هائل وصبر نافد‬ ‫واالم التحتمل فٌطفوعلى السطح فً شكل متخفً تارة (( كانكارهم للقٌم واالفكار السائدة السائرة على درب تركٌز‬ ‫مصالح الطبقة المسٌطرة واستمرارٌة وجودهم )) وتارة اخرى فً صورة رفض واستنكار ومقاومة وثؤر‪ ،‬تلك الصورة‬ ‫التً اسمٌناها (( بثورات العبٌد))‬

‫واذا كانت الصراحة والصدق ومواجهة االخرٌن بما ٌختلج فً النفس من مشاعر وافكار سمات واضحة وسجاٌا ٌتحلى بها‬ ‫القوي‪ ،‬فقد صارت المراوؼة والمكر والمداورة والنفاق بدائل موفقة واخالق فاضلة ٌحفظ بها الضعفاء العاجزون عن‬ ‫المواجهة ماء وجوههم وٌداروا جبنهم وٌعفون بها انفسهم من الزامات الدفاع عن النفس وحفظ الكرامة ورد االعتداء بعد‬ ‫ان ابدلوا تسمٌة ((العجز))الذي فٌهم(( باالحسان والطٌبة والصبروالرحمة والتواضع )) لٌقروا فً نهاٌة االمر ((قٌم‬ ‫الضعؾ والذلة والخنوع والعجز ))‬

‫من الصور التً جمعت بٌن القوي والضعٌؾ او السٌد والعبد ذلك المشهد الذي جمع بٌن (( االسكندر االكبر )) بكل ما‬ ‫ٌحمله من روح ارستقراطٌة واحساس بالسمو وهمة عالٌة وشدة بالؽة لدرجة انه لم ٌخسر حربا واحدة طٌلة احد عشر سنة‬ ‫قضاها فً الحرب ضد قوات فاقته عدة وعددا وتمكن من توحٌد الشرق والؽرب مما ترك اثرا بالؽا وتارٌخا (( مشرفا ))‬ ‫عند من امن بمبادئ الشجاعة والجرءة واالقدام ‪ ..‬وبٌن (( دٌوجنس الكلب )) الذي ذكرناه حٌنما كان نائما تحت اشعة‬ ‫الشمس على طرٌقته التً اعتاد علٌها فً تشبهه بمعٌشة الحٌوان وقٌل انه اتخذ لنفسه دنا (( وعاء كبٌر )) ٌنام فٌه ‪ ..‬وقؾ‬ ‫االمبراطور العظٌم على راس دٌوجنس معرفا نفسه بانه (( االسكندر االكبر))وعرؾ االخر نفسه بانه ((دٌوجنس الكلب‬ ‫)) وقٌل ان االسكندر لما سال ((الكلب)) عن جدوى سلوكه المهٌن هذا وقبوله حٌاة االبتذال والكسل فً طلب مقومات‬ ‫الحٌاة ‪ ،‬كان جواب دٌوجنس مسبوقا بسإال وجهه الى االسكندر عن الحكمة من سعٌه فً دنٌاه وطلبه الرفعة والسمو‬ ‫والقوة ومن تجٌٌش الجٌوش وخوض المعارك دون اشفاق على االرواح التً تزهق والخراب الذي ٌتخلؾ ‪ ،‬وكان‬ ‫الجواب هو انه سٌقوم بؽزو دول واحتالل اراضً وتكوٌن امبراطورٌة تضم االرض كلها ‪ ،‬اال ان ((الكلب)) عاود‬ ‫السإال عن الذي سٌفعله لو حقق كل ذلك ‪..‬فاجاب االسكندر بما معناه انه سٌجلس عندئذ مرتاحا سعٌدا (( على اعتبار ان‬ ‫هذا هو الهدؾ )) اجاب دٌوجنس بقوله ‪ ..‬ها انا جالس وكلً سعادة وارتٌاح ‪...... ،‬كانت الصورة تجسٌدا موفقا الخالق‬ ‫وسلوك كل من طبقتً االسٌاد والعبٌد ‪.‬‬

‫اوهام الدٌن واصنامه‬

‫ومن الوسائل التً لجؤ الٌها الضعفاء لتبرٌر ما اقروه النفسم من انتهاج سلوك استسالمً وعجز فاضح اختلقوا للوجود‬ ‫تصورا ٌدعم الذي اقروه وٌجعل من اعمالهم واحكامهم التً تبنوها ((بقبولهم واستحسانهم الظاهري لكنهم فً حقٌقة‬ ‫االمر على النقٌض من ذلك)) ظواهر متوافقة وسجاٌا مستحسنة وردود افعال مترابطة تنتظم داخل تصور شمولً كلً‬ ‫للوجود ٌعطً لكل الذي اعتمدوه صورة منطقٌة وشكال عقالنٌا مقبوال ‪ ..‬فاصبح لالنسان وفق تصورهم الجدٌد روح‬ ‫مفارقة للجسد وارادة حرة بامكانها التحرك وفقا المالءاتها الذاتٌة المبنٌة على التفهم واالقتناع الذاتً وؼٌر محكومة باي‬ ‫الزام خارجً قاهر فصار العجز الذي عانوه والذل الذي رضخوا له اختٌارا حرا وسموا اخالقٌا رفٌعا تقره االخالق‬ ‫ومبادئ االنسانٌة التً امنوا بها اذ ان ما ٌنتظرهم فً اخر االمر جزاءا حسنا واجرا كبٌرا وربا رحٌما وجنة ونعٌما‬ ‫دائمٌن ‪..‬‬

‫لقد جعل نٌتشه من صراع طبقتً السادة والعبٌد االساس الذي قام علٌه تارٌخ االنسان االجتماعً كله ابتداء من انتشار‬ ‫االبطال االقوٌاء على بساط االرض فاخضعوا الضعٌؾ واذلوه واستعمروا االراضً واستباحوا خٌراتها النفسهم واقروا‬ ‫االخالق التً تناسب مواقعهم وسنوا القوانٌن التً تخدمهم ‪ ..‬ومرورا بردود افعال الضعفاء المستكٌنٌن عندما رضخوا‬ ‫للضؽوط القاهرة وامتثلوا لالوامر المجحفة واضمروا فً انفسهم مشاعر ((الذحل)) المنطوٌة على االندفاعات الدفٌنة فً‬ ‫صدورهم للرد واالنتقام والتحرر من سطوة االقوٌاء ‪ .‬تلك االندفاعات التً امكن لها ان تظهر على السطح فً ثورات‬ ‫العبٌد ومن هذه الثورات تلك التً قام بها الٌهود (( حٌنما تجاسروا على قلب معادلة القٌم )) ‪ ..‬لقد راى نٌتشه ان مشاعر‬ ‫((الذحل)) هذه تعٌش فً قلب الٌهودي فً اعنؾ صورها واشد تؤثٌراتها بعد تارٌخ عاشه فً ذل وخضوع ومن هنا كان‬ ‫الصراع المرٌر بٌن الٌهود والرومان‪ ،‬الصراع الذي انجب ((المسٌحٌة لتحمل لواء النضال ضد السادة )) ‪ ..‬لقد راى‬ ‫نٌتشه ان المسٌحٌة ابنة الٌهودٌة استقت منها التراث والقٌم ومنها استوردت رجاال كبارا واعالما بارزة منهم القدٌس‬ ‫بطرس والقدٌس بولس ‪..‬‬

‫ولقد كان للصراع هذا مراحل وجوالت دارت بٌن الشد واالرخاء والنصر والهزٌمة ‪..‬كان اخرها انتصار الثورة الفرنسٌة‬ ‫التً اعدها انتصارا لقٌم العبٌد المبنٌة على مشاعر الذحل الممقوت (( وظهور نابلٌون كان من االمور الهائلة التً حدثت‬ ‫فً الفترة هذه و لم تكن مما ٌرد فً الحسبان اذ نهض بنهوضه المثل االعلى على قدمٌه فً جالل وجسارة امام اعٌن‬ ‫االنسانٌة وضمٌرها لٌسٌرمع نابلٌون بالعجلة على طرٌق القٌم التً بناها السادة االبطال ‪ ،‬لكنه سقط سرٌعا وؼاب‬ ‫فخفت معه نور الشعاع الذي اطلقته امجاد االبطال ))‬

‫العقل واوهامه‬

‫‪ ..‬لما كانت عقولنا تتعامل مع موضوعات الوجود الخارجً على انه متكون من معطٌات وموضوعات تمتاز بصفة‬ ‫االستمرار والثبات على الحال ذاته وهو امر خاطئ فً حقٌقته ومخالؾ له ‪ ،‬ولو اصؽٌنا الى ما تمده الحواس لنا الدركنا‬ ‫ان كل ما موجود فً العالم فً تؽٌر دائم ولٌس فٌه معلم واحد باقً على حاله دون تبدل‪ ،‬ولو نظرت الى نفسً كاقرب‬ ‫مثل واكثرها وضوحا لدي فانً انظر الى نفسً على انها اناي نفسها مهما مر بً الزمن وتوالت علً السنون واهمل كل‬ ‫التؽٌرات البٌلوجٌة والنفسٌة والعقلٌة التً طرات وستطرا ان امد هللا عمري دون ان اتنبه او قل انً اتناسى انً االن‬ ‫ؼٌري بعد لحظة اذ ماٌجري فً من تؽٌرات نفسٌة وفسلجٌة امر هائل وكبٌر جدا اذا ما اخذنا بالحسابات والمقاٌٌس‬ ‫الحدٌثة وكٌؾ سٌكون حجم التؽٌر بعد شهر وسنة او اكثر وخذ المثل نفسه فً رإٌتنا لالصدقاء وكل ما هو موجود حولنا‬

‫من حٌوان او جماد ‪ ،‬كلها فً تبدل وتؽٌر ان لم ٌكن فً الصورة الظاهرة ففً التركٌب الفٌزٌائً والكٌمٌائً ‪ ،‬وان ما‬ ‫قاله هٌراقلٌطس (( انك لن تنزل الى النهر مرتٌن فان مٌاها تتجدد من حولك دائما)) كان صحٌحا فكل ما موجود ؼٌر‬ ‫باق على حاله وهو فً تؽٌر وانتقال دائم من صورة الى صورة ومن حال الى حال اخر ولٌس فً الواقع اال التؽٌر‬ ‫والصٌرورة دون توقؾ ‪ ،‬لكن عقولنا هً التً تؽض النظر عن حقٌقة التطور وتضع للصورة اطارا وترمً بفكرة التبدل‬ ‫والتحول فتفترض ان الشًء الذي تدركه ((ماهٌة ثابتة )) لٌس لها تارٌخ متسلسل ٌحكً قصة التبدل والتحول والتؽٌر‬ ‫واالنتقال‪ ،‬وتعلٌل ذلك ان عقولنا ؼٌر مهٌئة الدراك هذا وان تصوراتنا فً حقٌقة االمر اوهام ال حقائق ‪ ،‬وهً من‬ ‫االخطار المحدقة بنا حٌنما توهمنا باالعتقاد فً اننا بالعقل قد فهمنا الذي فهمناه وبه سنفهم كل شًء ونمسك بمقالٌد‬ ‫الموجودات ونطوع ما استعصى منها وننجح فً التعامل مع الموجود مع اننا فً الواقع ((لم نعلم عن طرٌق العقل اال‬ ‫شٌئا ضئٌال ال ٌكفً للوفاء بمقتضٌات الحٌاة ))‬

‫ان مفهوم(( العقل )) الذي تحدثنا عنه باعتباره اداة الزمة لتكوٌن القناعات والتصورات هو فرض اخر كباقً الفروض‬ ‫التً انشاناها‪ ،‬انه فكرة مفترضة و صورة متوهمة ‪ ..‬ولٌس فً الخارج (( عقال مطلقا وعاما )) ٌحل فً كل االفراد‬ ‫لٌجعل مما ٌكونونه من تخٌالت وتوهمات بمثابة نتاج موحد صادر عن عقل كلً مستقل ٌمثل االنسانٌة اجمع فلٌس فً‬ ‫الوجود سوى ((عقول صؽٌرة و كثٌرة بعدد ما موجود من الناس ٌتمٌز بعضها عن بعض ‪ ،‬وٌنتج عنها االختالؾ الذي‬ ‫نشهده فً الراي والنظر الى االمور‪ ،‬والعقل بعد هذا شًء نادر فً الوجود))‬

‫ومن االوهام الكبٌرة التً وقع فٌها فالسفة التارٌخ والوجود (( فً نظر نٌتشه )) زعمهم ان ما ٌسٌر االنسان‬ ‫والموجودات اجمع وما ٌحكم حركة الموجودات ومسار التارٌخ (( عقل كلً ))ٌخضع له الكون فً حركته‪ ،‬سواء كان‬ ‫عقال مفارقا للمادة (( هللا)) او كامنا فٌها‬

‫‪ ..‬لقد كان العقل عند نٌتشه صنما كبٌرا ووهما عظٌما له من االثار والنتائج ما له وقع شدٌد وضرركبٌر ‪.‬‬

‫لقد انتهى به الحال الن ٌقر ان دعوى (( برمنٌدس)) بعدم قدرة االنسان على تصور شًء لٌس له وجود‪ ،‬خطا ومناقض‬ ‫للواقع ‪ ،‬والصحٌح ان كل ما ٌتصوره العقل وهم الحقٌقة وخٌال ال واقع اذ ان تصوراتنا لالشٌاء تضفً علٌها صفة الثبات‬ ‫والدوام والهوٌة المحددة الجامدة فً وقت انها متحركة ومتؽٌرة وتجري فً صٌرورة مستمرة ال توقؾ فٌها عند نقطة‬ ‫معٌنة‬

‫ثم اتم ثورته على ما شاع فً زمنه من مفاهٌم فانكر القول بوجود مستقل للحقائق مفارق للعالم المدرك وان ما ندركه فً‬ ‫عقولنا من ظواهر ٌقابله شًء اخر مختلؾ هو ((الشًء فً ذاته ))على حد تعبٌر ((كانت)) ‪..‬‬

‫ثم ادى به حاله هذا الى هجوم شدٌد على اول من قدس العقل من الفالسفة وجعل منه اداة تقود االنسان الى الفضٌلة‬ ‫والكمال فجعل نٌتشة من سقراط بداٌة انحالل الفلسفة الٌونانٌة واضمحاللها بعد ان عاشت فترة من االزدهار واالبداع‬ ‫حٌنما كان الٌونان ((ملٌئٌن بالحٌاة االصٌلة والقوة الساذجة والشجاعة التً دفعتهم الى قبول الحٌاة وتحدي مخاطرها‬ ‫فرددوا االناشٌد وحكوا االساطٌر وقصص البطولة ونشدان الخلود وعمت التراجٌدٌا التً مجدت القوة ومؽالبة القدر ))‬

‫(( ٌتبع الحقا باذن هللا))‬

‫التعلٌقات‬

You might also like