Professional Documents
Culture Documents
لم ٌكن الوهم الذي عشش فً راس نٌتشه كالوهم الذي ٌتملك عقول المجانٌن ...حقا ان مسحة االعجاب التً ابداها فً نفسه عندما قال عنها ما قال وهو ٌمتدح اسلوب كتابته وفرادة افكاره والحكمة الطافحة التً تفٌض بها بحور علمه وان التارٌخ الفكري سٌشهد انعطافة حادة فً النقطة التً ظهر هو فٌها ،وسٌقسم تارٌخ الفكر الى مرحلتٌن احداهما تلك التً سبقت ظهوره اما الثانٌة فهً التً بدات منذ ان اشعت شمس افكاره لتنٌر لالنسانٌة ظلمة دنٌاها وتهدٌها الى طرٌق النجاح والنجاة ،قد كان فٌها شًء من المبالؽة كبٌر وخصوصا حٌنما ذهب به الزهو الى وصؾ احد كتبه بانه اعظم كتاب ظهر فً العالم ،وان الفكرالذي جاء به هو اعلى من المستوى الفكري الشائع ذلك الوقت ولن ٌفهم الناس افكاره اال بعد مرور مائة عام اخرى .
وصحٌح ان من االحتماالت الممكنة ان تكون هذه االندفاعات (( المبالؽة )) مظاهر اختالل طارئ على كٌمٌاء دماؼه والسبب الذي انهى حٌاته الفكرٌة واطفا جذوة االبداع ومخاٌل العبقرٌة فً راسه فعاش بعدها سنٌنا طوٌلة ؼارقا فً بحر لجً من الجنون ..وربما بعث هذا االختالل برسائله فطرقت ابواب وعً نٌتشه فً شكل خفً كما تطرق االحساسات الخفٌفة الصادرة من االعضاء المعتلة فً جسم االنسان ابواب وعً صاحبها فتبدوا له على هٌئة احالم سماها فروٌد بال (( تنبإٌة )) ٌرى فٌها ((على سبٌل المثال))ان عملٌة جراحٌة تجرى له فً احد اعضاءه وهو ال ٌدري انها رسائل استؽاثة بعثها عضوه المعتل ذاك ،لكنها من الخفة التً لم تحرك ملكة االنتباه فٌه ،وان الصورة التً بدت فٌها عند نٌتشه كانت فً ادراكه للواقعة الطبٌة الصحٌحة التً عبر عنها بقوله (( ان قطرة من الدم تزٌد او تنقص فً المخ قد تسبب لحٌاتنا من الشقاء وااللم ما ٌجعلنا نقاسً اكثر مما قاسى برومٌثٌوس فً عقابه .. ))...قد ٌكون كل هذا صحٌحا لكنه ال ٌنفً ان نٌتشه كان (( واحدا من اعظم الشخصٌات المصٌرٌة فً التارٌخ الروحً للؽرب )) وفٌلسوؾ له من التاثٌر العمٌق والواسع ما نلمسه فً كثٌر من النظرٌات النفسٌة واالجتماعٌة والمدارس الفلسفٌة والسٌاسٌة وقد قٌل عنه (( رجل اقدار ٌرؼمنا على اتخاذ قرارات نهائٌة )) حٌنما دعى الى رفض كل ماهو(( مقدس ))و((خٌر)) و((حق )) فً حٌاتنا والعودة بالفكر الى بداٌاته االولى واخضاع نشاطات العقل وما ولده من اعتقادات واخالق وافكار الى تحلٌل جدٌد ووزنها بمٌزان ؼٌر الذي كنا نزن فٌه ونستند الٌه ..وعلى الرؼم من مبالؽاته التً ذكرت فقد شهدوا له ((بان سناء الفلسفة االوربٌة قد صفا وراق جوها بعد ان كتب فٌها نٌتشه )) وشهدوا له ببراعته الفائقة فً كتابة النثر االلمانً وتمٌز اسلوبه فً الكتابه حٌنما خلط المداد بالروح وكتب بقلم كانه مطرقة .
راى بعضهم ان نٌتشه ((صاحب قلب مإمن وان كان عقله كافرا )) وقالوا ان االله الذي قال عنه(( قد مات)) لم ٌعنً به هللا (( تعالى هللا عما ٌصفون )) بل اله الناس الذي رسموه باٌدٌهم وعبدوه بما ٌتماشى مع الموازٌن الخاطئة التً عندهم ، وراى اخرون ان نٌتشه ملحد القلب والعقل ،و من ٌعتقد ان له اساسا متٌنا من الروح الدٌنٌة المإمنة فهو مخطئ ،واذا كان له عمر قضاه فً رعاٌة ابوٌن متدٌنٌن واب قسٌس حرٌص على نشر التعلٌم والتربٌة الدٌنٌة الملتزمة ،فان ما خلفة من اثار فً قلب نٌتشه كان سلبٌا تماما وقد ولد فٌه ردة فعل عنٌفة لدرجة انفجر فٌها ؼٌضه وانطلق لسانه فقال الذي لم ٌجرإ على قوله احد من الذٌن امتالت قلوبهم الحادا وكفرا .
ولنٌتشه اهتمام كبٌر فً اوساطنا الفكرٌة وبشكل اخص عند الشرائح المنفتحة على مدارس الفكر الؽربً الحدٌث ،ولهم اعجاب وتقدٌر بالثورة التً اعلنها على االصنام المصنوعة من الوهم ودعوته الى رفض الموروث الثقافً كله ، الموروث المبنً على فكرة الثبات والمركزٌة ((الواقعة خارج االنسان او داخله )) بالشكل الذي ٌجعل من المكونات المادٌة للوجود ((الفٌزٌائً)) واالنساق الفكرٌة واالجتماعٌة التً ٌنتظم فٌها االنسان ،كٌانا متوحدا ومتماسكا ٌدور حول مركز ٌضفً علٌها صفات الدوام والثبات ،ومثلما ابدى نٌتشه انكاره للموروث وتهكمه من القناعات التً امن بها الناس ابدى مثقفونا و مفكرونا انكارهم لموروثنا الفكري وتهكموا من القناعات السائدة عندنا ،اذ الشبه كبٌر بٌن حالٌنا ،حال اوربا اٌام نٌتشه وحالنا الذي نحن علٌه فً ٌومنا هذا ،وكما انكر نٌتشه االله ونبذ الدٌن فعل اصحابنا مثله ،وان من ٌتصفح مواقع االنترنٌت على اطالع وبٌنه من الكم الهائل من المواضٌع المدبجة باقالم هذه الشرٌحة المثقفة ،تعلن االنكار وتثٌر الشكوك وتظهر التهكم بكل مكونات ثقافتنا الموروثة بما فٌها نصوص كتاب هللا ((تعالى)) وسٌرة نبٌه ((صلى هللا علٌه وسلم )) ،انهم ٌثٌرون التساإالت وٌعرضون النصوص بما ٌعجز عن رده المإمنون .
وهذا ال ٌعنً ان الحقٌقة هً فً الجانب الذي وقفت على صعٌده هذه الطبقة من ابناء امتنا ،فان ممن ٌقؾ فً الجانب االخر ،اناس امنوا باهلل واقروا شرٌعته.والتزموا احكام الدٌن فً حٌاتهم لكنهم فً ذات الوقت ٌنظرون الى العالم نظرة التنكر التقدم وال تنفً التطور فً مفهومه الصحٌح ،ولهم اطالع ومعرفة بمدارس الفكر الؽربً فً وضوح اكبرومعرفة ادق ،وان منهم من امتهن العلم ومارس تدرٌسه فً بالد الؽرب .ومنهم علماء ابدعوا فً مجاالت علمهم ومنهم اصحاب اعمال حققوا نجاحات وجمعوا ثروات وفً صدورهم قلوب ٌملإها االٌمان ومحبة الخٌر .
فعلى كال جانبً الطرٌق ٌقؾ اناس تفتخر االنسانٌة بنتاجاتهم وتبعث فً نفوس االخرٌن االعجاب بذكاءهم وعلو همتهم ..ولن ٌنفً هذا تلك االستثناءات التً ٌحلو ذكرها عند من عزم على رمً المقابل بسهام نقده .
وال ادري ان كان لً مسوغ للكتابة عن نٌتشه فاقول فٌه اقواال قد قالها االخرون اذ لم ٌترك مثقفونا شٌئا اال ومروا به وقالوا فٌه قولتهم ،ولم ٌدع اساتذتنا ممتهنو الفلسفة وكتابها جانبا دون اضاءة فاناروا لنا المظلم وكشفوا المبهم وابدعوا لنا فكرا وادبا ٌلزمنا بالسكوت تادبا وباالصؽاء الٌهم تعلما منهم ،لكن عذري ان ممن كتبوا اناس امتالت رإوسهم باالفكار وفاضت ،وصار حالهم كحال النحلة التً اثقلها العسل الذي تحمله ،او كحال الشجرة التً نضجت ثمارها ولم ٌعد لها االان تسقطه ،وهإالء هم صناع الحضارة والعجالت التً تتدحرج علٌها عربة التطور .
وان ممن كتبوا اناس جعلوا من الكتابة وسٌلة لالستزادة والتعلم بما ٌنتشلهم من هوة الجهل التً هم فٌها وانا واحد منهم .
من الصفات التً ٌمتاز بها العبقري وتبدو فً سلوكه بوضوح ،رفضه للمالوؾ وحبه الشدٌد للتؽٌٌر وسعٌه الحثٌث نحو التفرد واالبتكارو المعاناة والتوتر النفسً الشدٌدٌن المفضٌٌن الى الجنون عند الكثٌر من االشخاص الحائزٌن على درجات مرتفعة فً مستوٌات الذكاء والمقدرة العالٌة على االبداع ،وهو ٌرى العالم بشكل ؼٌر الشكل الذي فً عٌون الباقٌن وٌتعامل مع ماٌدور حوله وٌعالج مشاكله بصورة قد تبدو شاذة ومستنكرة وقد تبعث فً نفوس مشاهدٌه مشاعر االسى والعطؾ المبنٌة على االعتقاد فً كونه من المتخلفٌن فً عقولهم والعاجزٌن عن ادارة شإونهم والفاشلٌن فً اقامة العالقات االجتماعٌة مع اقرانهم ..وٌذكر لنا كتابنا ،المختصون ان فكرة الربط بٌن االعراض النفسٌة المنحرفة والخلل العقلً عند الناس بشكل عام لٌست ولٌدة اٌامنا هذه بل لها جذور عمٌقة واؼوار بعٌدة فً تارٌخنا االجتماعً وبالتاكٌد انها سابقة على العهد الذي نبػ فٌه فالسفة الٌونان لكنها مع ذلك اصبحت فً فكر افالطون ومن بعده ارسطو من المظاهر الموضوعة على مسطبة التشرٌح الفلسفً ومبضع الفٌلسوؾ الحاذق فً صنعته (( لقد ركز افالطون على ظاهرة االنفعال والؽضب الواضحة لدى هذه الشرٌحة من الناس وكٌؾ انهم ٌخرجون بسهولة عن اطوارهم وكؤنهم ٌعٌشون خارج الزمن والوجود ،واكد ارسطو على مشاعر االكتئاب والنظر السوداوي لدٌهم)) ولم تزل هذه المعانً تدور بدوران عجلة الزمن ورافقت الفكر البشري فً رحلته التارٌخٌة حتى ٌومنا هذا ،ولم تخرج عن الثوابت التً اقرتها دراسات علمائنا ومفكرٌنا المحدثٌن ،فقد اٌدت االحصاءات التً اجروها على عٌنات تارٌخٌة معروفة او مختارة من المجتمع الحالً ،العالقة الموجبة التً تقرن الزٌادة فً نسبة االنحرافات التفسٌة واالختالالت االنفعالٌة بازدٌاد معدالت الذكاء والسلوك االبداعً لكنها رفضت ان ٌكون الجنون امرا محتوما عند هإالء العباقرة وفسرها احد اعالم الفكر الحدٌث بان الجنون كان سٌقع لهم حتما لوال مسارب االبداع التً طرقوها ،وان االعمال االبداعٌة التً انتجوها واالستؽراق فٌها هً التً قطعت طرٌق الخطر وانقذتهم من السقوط فً هاوٌة الجنون .
لقد توفرت فً شخصٌة نٌتشه كل مقومات العبقرٌة التً ذكروها لنا ،فقد كان ذكٌا بشكل الفت لالنتباه نال شهادة الدكتوراه وهو فً سن الخامسة والعشرٌن وشؽل كرسً االستاذٌة الداب اللؽة االلمانٌة وتارٌخها فً جامعة بازل السوٌسرٌة وتمٌز باسلوب فنً رائع وملكة تحلٌلٌة دقٌقة وقدرة على السخرٌة الالذعة حتى عد ((من اعظم فالسفة القرن العشرٌن تاثٌرا)) وقالوا انه قد شكل مع كل من ماركس وفروٌد الركائز التً قام علٌها بناء فكر القرن العشرٌن كله ، وكان حساسا ،كئٌبا متشائما ،رفض المالوؾ من القناعات التً امن بها الناس فً وقته وتحدى االقوٌاء وطالب بالحرٌة ورفض الدٌن واعلن االلحاد ودعا الناس الى انكار ذواتهم والعمل على االرتقاء بانفسهم وتهٌئتها لمرحلة ٌحل فٌها ((االنسان االعلى )) باعتباره الهدؾ من وجودهم ،ثم عاش حٌاته فً معاناة والم نفسً وجسدي دائمٌن حتى انتهى به الحال لٌنضم الى قائمة المجانٌن مدة االحد عشر عاما الباقٌة من عمره.
على عكس ما امن به نٌتشه طوال اٌام طفولته وما تلقاه من ابوٌه من تعالٌم وافكار ،تبنى نٌتشه افكاره الجدٌدة ومبادئ فلسفته على صورة اخرى مناقضة ،كان ابواه مإمنٌن بالرب ومن عائلتٌن متدٌنتٌن اذ كان ابوه واعض بروتستانتً ومنحدر من اباء امتهنوا الدٌن وكذلك امه التً عرؾ عنها تدٌنها العمٌق والتزامها الصادق بتعالٌم الدٌن وشرائعه فتمسك
هو اٌضا بما تمسك به ابواه واراد ان ٌصٌر قسٌسا كما كان ابوه ،لقد عاش طفولة هادئة وادعة تختلؾ كثٌرا عما كان علٌه اطفال الحارة اجمع ،فلم ٌهتم بالعابهم ولم ٌرتضً فٌهم قسوتهم على الحٌونات بل احب القراءة والتامل واستمتع بقراءة نصوص توراته وكثٌرا ما كان ٌتلو على مسامع االخرٌن بعض هذه النصوص بصوت شجً ممٌز طافح بنبرات الصدق واالٌمان ٌبعث العٌون لترسل دموعها فً سخاء وخشوع ولقد اطلق علٌه اصدقاءه لقب ((القس الصؽٌر )) ووصفه احدهم (( كؤنه المسٌح فً المعبد )) ،وفً وقت مر سرٌعا و على حٌن فجؤة انقلب مٌزان عقله ودارت عجلة فكره فانكر الرب وقال عنه قد مات وتهكم من تعالٌم الدٌن واعتبره من االصنام التً صنعها االنسان من الوهم وانقلب طبعه وتؽٌرت هواٌاته فبدال من االهتمام الذي كان ٌبدٌه فً قراءة االنجٌل والترنم به (( فصار الدٌن قلب حٌاته ولبها)) انؽمر مع رفاق له من طلبة الجامعة التً انتسب الٌها اخٌرا لدراسة الفلسفة مرحلة شبابه ((فً حٌاة داعرة و بحر من الخمور والفجور)) عاشر فٌها النساء واحتسى الخمور وتعود التدخٌن ..
وعند نٌتشه شهد المفهوم العام للعقل انعطافة شدٌدة وانحراؾ تام عكس فٌه االتجاه الى الجهة المعاكسة من رإٌته له فبعد ان كان الفكر الفلسفً العام ٌنظر الى العقل على انه المفتاح المناسب لفتح ابواب المعرفة و الشرفة العرٌضة المطلة على عالم الحقٌقة فقد سخؾ هو العقل وانكر قدرته على فهم الوجود بل اعتبره اداة ضالل ،ووسٌلة جهل وتضلٌل وانحطاط ،وما مبادئ الفكر التً ٌرتكز علٌها العقل فً بناء ٌقٌنٌاته وانشاء تصوراته تلك التً اسمٌناها ب ((الشٌئ)) و((الجوهر )) و ((الذات )) و((الموضوع)) و((العلٌة)) و((الؽائٌة)) اال اوهام لٌس لها وجود ماثل فً الخارج اخترعها لتعٌنه على التفكٌر وتمكنه من االمساك بالموجود .ومن الخطؤ زعمنا انها قوانٌن ومبادئ ٌتحرك على وفقها الوجود واالصح انها انشاءات وقوالب صنعها بنفسه لٌفرغ فٌها ما ٌطرق حواسه وٌومض فً خٌاله من رإى وافكار ..فلٌس للظواهر التً تعن لنا فً حٌاتنا تلك االطر والحدود التً تجعل منها صورا ثابتة ومفاهٌم ساكنة وجامدة التتحرك بل انها فً حقٌقة امرها فً تحرك دائم وتبدل مستمر وصٌرورة التنقطع ..
لقد بدا نٌتشه فً انعطافته هذه العقلٌا بالشكل الذي احرج المتنورٌن واصحاب االفكار العقالنٌة التً تزن االمور بمٌزان العقل والمنطق وترفض ما ٌثار امامهم من افكار بنٌت على اسس ؼٌر تجرٌبٌة واعتبارات ظنٌة وتاوٌالت خارجة عن حدود المقبول ،وعلل مفكرونا ثورتة هذه باعتبارها امر مبرر وله سبب مقبول اذ ان العصر الذي عاشه نٌتشه ؼٌر العصر الذي نعٌشه الٌوم ودعوات العقل واالحتكام الٌه ان كانت الٌوم مقبولة وصحٌحة تماما فانها على العكس منه اٌام نٌتشه حٌنما كان الجو الفكري العام السائر فً توافق مع مصالح المتنفذٌن واصحاب السلطة والقوة بشكل ٌجعل من العمل العقلً والتفكٌر خادما لالفكار التً تدعم وجودهم ،وتبرر استمرارهم وتضفً على هذه القناعات صفة الثبات والمطلق ..فاذا كان هذا صحٌحا فان سمة التباٌن فً نظرة العبقري الى العالم واختالفه عما هو معهود فً طرٌقة التفكٌرعند باقً الناس عموما ظاهرة وواضحة عند نٌتشه بشكل كبٌر .
لقد دعا نٌتشه الى العودة الى الوراء فً تارٌخنا واعادة النظرفً كل ما مر بنا او فعلناه فقد سلكنا طرٌقا خاطئا ابعدنا كثٌرا عن جادة الصواب واوؼل بنا فً درب الضالل ولم ٌعد لنا اال االنقالب على انفسنا ورفض كل منقول وهدم االصنام التً بنٌناها بانفسنا من مادة االوهام والتخارٌؾ ونصبناها داخل اروقة االخالق والسٌاسة والدٌن والفلسفة ،ورفض كل ماهو مقدس آمنا به منها االله ((استؽفر هللا تعالى ،وله بعض عذر فً ذلك سنبٌنه بعد حٌن)) والخٌر والشر والحق .....لقد كان تارٌخنا مبنٌا منذ البداٌة على خطؤ جسٌم
على خالؾ من نظرالى االخالق باعتبارها منظومة ((متعالٌة)) وقواعد سلوكٌة واحكام تقوٌمٌة صٌؽت من خارج العقل(( الفردي الجزئً)) لكً ٌهتدي بنورها االنسان فٌحفظ لنفسه حسن السلوك و طٌب المعٌشة ورضا الرب ،انكر نٌتشه ان لالخالق معاٌٌر عامة تختص بالنوع االنسانً فً ذاته ،ونظر الٌها على انها انتاج مرتبط بالشعوب واالجناس والطبقات ومكونات النوع االنسانً اجمع ،وهً ولٌدة التعامل مابٌن الناس ومحكومة بمصالحهم المختلفة فٌما بٌنهم والى موقع كل واحد ضمن الطبقة التً ٌنتمً الٌها والفئة التً ٌنضوي تحتها بشكل قد ٌجعل المقبول والمستحسن من االحكام االخالقٌة عند فئة مرفوض ومستهجن فً اخالق المنتسبٌن الى الطبقة االخرى ..فالخٌر والعدل عند القوي المستبد هو ؼٌره عند الضعٌؾ المستبد به ..والفتك بالضعٌؾ وااحتقاره او اذالله امر ٌدعو الى الفخر واالعتزاز عند ا االرستقراط االقوٌاء لكنه ظلم وشر عند المستضفٌن .....،
ارجع نٌتشه االخالق الى منبعٌن رئٌسٌٌن ،اخالق ((السادة) واخالق ((العبٌد)) .والسادة هم الطبقة الممتازة فً المجتمع صاحبة االخالق العلٌا والقوة والجرءة وهم المسٌطرون الفخورون بما امتازوا به من صفات والحرٌصون على بقاء الحاجز الذي ٌمنع امتزاجهم بطبقة العبٌد المنحطٌن المستضعفٌن المتصفٌن بصفات الضعة والضعؾ والخنوع .
حركة التارٌخ
لما كان تارٌخ االنسان ٌصنعه االنسان نفسه فان حركة هذا التارٌخ ((عند نٌتشه )) مبنٌة على سلوك هاتٌن الطبقتٌن من البشر .ولو رجعنا الى الوراء واطلعنا على ما فعله االنسان لراٌنا ان من صنع الحضارات العظٌمة انما هم اولئك السادة االرستقراط االبطال االشداء حٌنما جابوا االرض وساحوا فٌها ،مؽٌرٌن على بلدانها ،فاخضعوا الشعوب الضعٌفة واستعبدوا اهالٌها وآمنوا بمبادئ القوة واحتقار الضعفاء .. .من هنا نشات احكام االخالق وتوضحت تفاصٌلها فكانت تدور فً جوهرها (( عند االقوٌاء ))على محبة الؽزو و تمجٌد القوة والتحلً بصفاة البطولة والفتك باالعداء و((االشمئزاز من عالمات الضعؾ والضعة واالستخذاء )) واحتقار الضعفاء والتسلً بمبارٌات القوة والقتال والتحلً بمزاٌا النشاط البدنً وسرعة الحركة وقوة العضالت وحب الصٌد والرقص وااللعاب البدنٌة العنٌفة وكل (( ما ٌكشؾ عن حٌوٌة فٌاضة حرة مسرورة)) واذا ما ابدى احدهم شٌئا من العفو على االخرٌن فالنه قوي ٌفٌض علٌهم بقوته لكنه ٌرفض العفو عنهم اذ لو كان له حق عندهم الخذه منهم بالقوة واالجبار ..وهو ((ٌشعر بسرور عمٌق حٌنما ٌعذب ؼرٌمه وما دونه من الضعفاء)) ..ومن هنا نلمس فً هذه الطبقة حبهم للماضً والسلؾ وتوقٌر االجداد لدرجة ألهوا البعض منهم وقدموا الرواحهم القرابٌن ،ثم انهم حافظوا على نقاوة صفاتهم وتجنبوا االختالط بمن هم دونهم ((بما ٌحفظ لهم استمرار السٌادة والبقاء)).
اما الضعفاء فلهم احكام اخالقٌة اخرى تختلؾ عن تلك التً عند المتسلطٌن ،ولدها فٌهم ما عانوه من المآسً واالالم التً كابدوها حٌنما رزحوا تحت نٌر اولئك المتسلطٌن وظلمهم واكتووا بنارالذل واالستعباد وتجرعوا مرارة الخذالن والهوان ولم ٌتسن لهم صد الهجمة وتحرٌر انفسهم لما كانوا ٌعانونه من عجز فً القوة واحباط فً الهمة وخوؾ على الحٌاة ولم ٌكن لهم اال الخضوع والخنوع والقبول باالمر الواقع واضمار مشاعر الحقد المدفون فً االعماق ،ولو وقعنا على اعمق اعماق مشاعرهم لراٌنا اٌمانهم الراسخ ووعٌهم الواضح بان القوة والسطوة هً القٌمة الحقٌقٌة التً تنشدها النفس والهدؾ والؽاٌة التً ٌسعى الٌها االنسان اال ان الضعؾ فً القوة والخور فً العزٌمة والعجز فً االنجازلدٌهم دفعهم الن ((ٌخلقوا النفسهم قٌما اخالقٌة جدٌدة صارفٌها معٌار الخٌر الذي فً اخالق اولئك المتسلطٌن شرا عندهم والعكس من ذلك اٌضا صحٌح فبدال من ان ٌكون الرجل (( محاربا مؽامرا ٌنشد السٌطرة والؽزو وٌحتقر التواضع والجبن فال ٌعرؾ رحمة وال تلطؾ وٌفٌض قوة وشدة ٌحتقر العبد وٌرهقه وٌنكل به وٌعذبه وٌحط من كرامته ومركزه )) صار على االنسان فً نظر هإالء الضعفاء التحلً بصفاة ((التواضع والسماحة والتعاطؾ والرحمة والعزوؾ عن نشدان البطولة ومحاربة االخرٌن واحتقار الحٌاة والسعً لها ونكران النفس والرؼبة فً الزهد والتقشؾ ))...لقد آمن(( دٌوجنس)) بالذي امنت به
((الرواقٌة )) و(( الكلبٌة)) فدعى الى االكتفاء بالذات والعٌش بالحد االدنى من مقومات البقاء وامتهن التسول والنوم فً الطرقات وحسد الحٌوان على طرٌقة حٌاته البسٌطة لدرجة ان تقبل لقب ((الكلب )) الذي اطلقوه علٌه دون تذمر مع ان ما ٌتمتع به من االمكان والقدرات كفٌل الن ٌٌسر له العٌش فً صورة اخرى على عكس التً هوفٌها ولتمتع بالسمعة العالٌة والدرجة المرموقة والثراء الفاحش بكل تاكٌد ،قٌل انه لما بٌع عبدا من قبل قراصنة قبضوا علٌه اثناء تجواله ، اوكل الٌه سٌده الذي اشتراه تربٌة ابناءه واالشراؾ على شإون قصره فاحسن القٌام بالمهمتٌن احسانا ادهش السٌد فاطلق علٌه ((العبقري الصالح )) وهو قبل كل هذا رجل مصرفً لكنه افلس فجره افالسه الى السٌر على الطرٌق الجدٌد ،وقٌل عنه ((صاحب جدل بارع )) مكنه من التؽلب على كل من خالفه الراي فً حٌاته كلها .لقد كان دٌوجٌنس مثاال واضحا وصورة حٌة للمثل الذي اراد نٌتشه وصفه لنا عند الحدٌث عن اخالق (( العبٌد )) واي مثل اكثر بالؼة من اعجاب دٌوجنس بمعٌشة الحٌوان فقام بتقلٌده ونام مثله فً الطرقات وقضى حاجته ((على مراى من الناس اجمعٌن )) ، راى طفال ٌشرب الماء بٌدٌه فرمى هو بكوب الماء الذي ٌحمله وبدا شرب الماء كالطفل بٌدٌه ...وصار الفقر صفة حمٌدة تقرب المخلوق الى خالقه وتزٌد الحسنات فً رصٌده ..
ومع كل هذا فان رؼبة ااالنتقام والثار باقٌة على شدتها تؽلً وتفور فً اعماق نفوسهم مهما اهالوا علٌها من اتربة التقادم والنسٌان او برروا وعللوا اوفلسفوا ،اواخضعوا هذه االندفاعات لتحوالت النفس من تسامً و كبت ،وتحوٌل بٌن وسائل االشباع ودٌنامٌات النفس ،وكم مرة شهد التارٌخ انفالت بعض هذا المدفون فٌخرج من بٌن ركام هائل وصبر نافد واالم التحتمل فٌطفوعلى السطح فً شكل متخفً تارة (( كانكارهم للقٌم واالفكار السائدة السائرة على درب تركٌز مصالح الطبقة المسٌطرة واستمرارٌة وجودهم )) وتارة اخرى فً صورة رفض واستنكار ومقاومة وثؤر ،تلك الصورة التً اسمٌناها (( بثورات العبٌد))
واذا كانت الصراحة والصدق ومواجهة االخرٌن بما ٌختلج فً النفس من مشاعر وافكار سمات واضحة وسجاٌا ٌتحلى بها القوي ،فقد صارت المراوؼة والمكر والمداورة والنفاق بدائل موفقة واخالق فاضلة ٌحفظ بها الضعفاء العاجزون عن المواجهة ماء وجوههم وٌداروا جبنهم وٌعفون بها انفسهم من الزامات الدفاع عن النفس وحفظ الكرامة ورد االعتداء بعد ان ابدلوا تسمٌة ((العجز))الذي فٌهم(( باالحسان والطٌبة والصبروالرحمة والتواضع )) لٌقروا فً نهاٌة االمر ((قٌم الضعؾ والذلة والخنوع والعجز ))
من الصور التً جمعت بٌن القوي والضعٌؾ او السٌد والعبد ذلك المشهد الذي جمع بٌن (( االسكندر االكبر )) بكل ما ٌحمله من روح ارستقراطٌة واحساس بالسمو وهمة عالٌة وشدة بالؽة لدرجة انه لم ٌخسر حربا واحدة طٌلة احد عشر سنة قضاها فً الحرب ضد قوات فاقته عدة وعددا وتمكن من توحٌد الشرق والؽرب مما ترك اثرا بالؽا وتارٌخا (( مشرفا )) عند من امن بمبادئ الشجاعة والجرءة واالقدام ..وبٌن (( دٌوجنس الكلب )) الذي ذكرناه حٌنما كان نائما تحت اشعة الشمس على طرٌقته التً اعتاد علٌها فً تشبهه بمعٌشة الحٌوان وقٌل انه اتخذ لنفسه دنا (( وعاء كبٌر )) ٌنام فٌه ..وقؾ االمبراطور العظٌم على راس دٌوجنس معرفا نفسه بانه (( االسكندر االكبر))وعرؾ االخر نفسه بانه ((دٌوجنس الكلب )) وقٌل ان االسكندر لما سال ((الكلب)) عن جدوى سلوكه المهٌن هذا وقبوله حٌاة االبتذال والكسل فً طلب مقومات الحٌاة ،كان جواب دٌوجنس مسبوقا بسإال وجهه الى االسكندر عن الحكمة من سعٌه فً دنٌاه وطلبه الرفعة والسمو والقوة ومن تجٌٌش الجٌوش وخوض المعارك دون اشفاق على االرواح التً تزهق والخراب الذي ٌتخلؾ ،وكان الجواب هو انه سٌقوم بؽزو دول واحتالل اراضً وتكوٌن امبراطورٌة تضم االرض كلها ،اال ان ((الكلب)) عاود السإال عن الذي سٌفعله لو حقق كل ذلك ..فاجاب االسكندر بما معناه انه سٌجلس عندئذ مرتاحا سعٌدا (( على اعتبار ان هذا هو الهدؾ )) اجاب دٌوجنس بقوله ..ها انا جالس وكلً سعادة وارتٌاح ...... ،كانت الصورة تجسٌدا موفقا الخالق وسلوك كل من طبقتً االسٌاد والعبٌد .
ومن الوسائل التً لجؤ الٌها الضعفاء لتبرٌر ما اقروه النفسم من انتهاج سلوك استسالمً وعجز فاضح اختلقوا للوجود تصورا ٌدعم الذي اقروه وٌجعل من اعمالهم واحكامهم التً تبنوها ((بقبولهم واستحسانهم الظاهري لكنهم فً حقٌقة االمر على النقٌض من ذلك)) ظواهر متوافقة وسجاٌا مستحسنة وردود افعال مترابطة تنتظم داخل تصور شمولً كلً للوجود ٌعطً لكل الذي اعتمدوه صورة منطقٌة وشكال عقالنٌا مقبوال ..فاصبح لالنسان وفق تصورهم الجدٌد روح مفارقة للجسد وارادة حرة بامكانها التحرك وفقا المالءاتها الذاتٌة المبنٌة على التفهم واالقتناع الذاتً وؼٌر محكومة باي الزام خارجً قاهر فصار العجز الذي عانوه والذل الذي رضخوا له اختٌارا حرا وسموا اخالقٌا رفٌعا تقره االخالق ومبادئ االنسانٌة التً امنوا بها اذ ان ما ٌنتظرهم فً اخر االمر جزاءا حسنا واجرا كبٌرا وربا رحٌما وجنة ونعٌما دائمٌن ..
لقد جعل نٌتشه من صراع طبقتً السادة والعبٌد االساس الذي قام علٌه تارٌخ االنسان االجتماعً كله ابتداء من انتشار االبطال االقوٌاء على بساط االرض فاخضعوا الضعٌؾ واذلوه واستعمروا االراضً واستباحوا خٌراتها النفسهم واقروا االخالق التً تناسب مواقعهم وسنوا القوانٌن التً تخدمهم ..ومرورا بردود افعال الضعفاء المستكٌنٌن عندما رضخوا للضؽوط القاهرة وامتثلوا لالوامر المجحفة واضمروا فً انفسهم مشاعر ((الذحل)) المنطوٌة على االندفاعات الدفٌنة فً صدورهم للرد واالنتقام والتحرر من سطوة االقوٌاء .تلك االندفاعات التً امكن لها ان تظهر على السطح فً ثورات العبٌد ومن هذه الثورات تلك التً قام بها الٌهود (( حٌنما تجاسروا على قلب معادلة القٌم )) ..لقد راى نٌتشه ان مشاعر ((الذحل)) هذه تعٌش فً قلب الٌهودي فً اعنؾ صورها واشد تؤثٌراتها بعد تارٌخ عاشه فً ذل وخضوع ومن هنا كان الصراع المرٌر بٌن الٌهود والرومان ،الصراع الذي انجب ((المسٌحٌة لتحمل لواء النضال ضد السادة )) ..لقد راى نٌتشه ان المسٌحٌة ابنة الٌهودٌة استقت منها التراث والقٌم ومنها استوردت رجاال كبارا واعالما بارزة منهم القدٌس بطرس والقدٌس بولس ..
ولقد كان للصراع هذا مراحل وجوالت دارت بٌن الشد واالرخاء والنصر والهزٌمة ..كان اخرها انتصار الثورة الفرنسٌة التً اعدها انتصارا لقٌم العبٌد المبنٌة على مشاعر الذحل الممقوت (( وظهور نابلٌون كان من االمور الهائلة التً حدثت فً الفترة هذه و لم تكن مما ٌرد فً الحسبان اذ نهض بنهوضه المثل االعلى على قدمٌه فً جالل وجسارة امام اعٌن االنسانٌة وضمٌرها لٌسٌرمع نابلٌون بالعجلة على طرٌق القٌم التً بناها السادة االبطال ،لكنه سقط سرٌعا وؼاب فخفت معه نور الشعاع الذي اطلقته امجاد االبطال ))
العقل واوهامه
..لما كانت عقولنا تتعامل مع موضوعات الوجود الخارجً على انه متكون من معطٌات وموضوعات تمتاز بصفة االستمرار والثبات على الحال ذاته وهو امر خاطئ فً حقٌقته ومخالؾ له ،ولو اصؽٌنا الى ما تمده الحواس لنا الدركنا ان كل ما موجود فً العالم فً تؽٌر دائم ولٌس فٌه معلم واحد باقً على حاله دون تبدل ،ولو نظرت الى نفسً كاقرب مثل واكثرها وضوحا لدي فانً انظر الى نفسً على انها اناي نفسها مهما مر بً الزمن وتوالت علً السنون واهمل كل التؽٌرات البٌلوجٌة والنفسٌة والعقلٌة التً طرات وستطرا ان امد هللا عمري دون ان اتنبه او قل انً اتناسى انً االن ؼٌري بعد لحظة اذ ماٌجري فً من تؽٌرات نفسٌة وفسلجٌة امر هائل وكبٌر جدا اذا ما اخذنا بالحسابات والمقاٌٌس الحدٌثة وكٌؾ سٌكون حجم التؽٌر بعد شهر وسنة او اكثر وخذ المثل نفسه فً رإٌتنا لالصدقاء وكل ما هو موجود حولنا
من حٌوان او جماد ،كلها فً تبدل وتؽٌر ان لم ٌكن فً الصورة الظاهرة ففً التركٌب الفٌزٌائً والكٌمٌائً ،وان ما قاله هٌراقلٌطس (( انك لن تنزل الى النهر مرتٌن فان مٌاها تتجدد من حولك دائما)) كان صحٌحا فكل ما موجود ؼٌر باق على حاله وهو فً تؽٌر وانتقال دائم من صورة الى صورة ومن حال الى حال اخر ولٌس فً الواقع اال التؽٌر والصٌرورة دون توقؾ ،لكن عقولنا هً التً تؽض النظر عن حقٌقة التطور وتضع للصورة اطارا وترمً بفكرة التبدل والتحول فتفترض ان الشًء الذي تدركه ((ماهٌة ثابتة )) لٌس لها تارٌخ متسلسل ٌحكً قصة التبدل والتحول والتؽٌر واالنتقال ،وتعلٌل ذلك ان عقولنا ؼٌر مهٌئة الدراك هذا وان تصوراتنا فً حقٌقة االمر اوهام ال حقائق ،وهً من االخطار المحدقة بنا حٌنما توهمنا باالعتقاد فً اننا بالعقل قد فهمنا الذي فهمناه وبه سنفهم كل شًء ونمسك بمقالٌد الموجودات ونطوع ما استعصى منها وننجح فً التعامل مع الموجود مع اننا فً الواقع ((لم نعلم عن طرٌق العقل اال شٌئا ضئٌال ال ٌكفً للوفاء بمقتضٌات الحٌاة ))
ان مفهوم(( العقل )) الذي تحدثنا عنه باعتباره اداة الزمة لتكوٌن القناعات والتصورات هو فرض اخر كباقً الفروض التً انشاناها ،انه فكرة مفترضة و صورة متوهمة ..ولٌس فً الخارج (( عقال مطلقا وعاما )) ٌحل فً كل االفراد لٌجعل مما ٌكونونه من تخٌالت وتوهمات بمثابة نتاج موحد صادر عن عقل كلً مستقل ٌمثل االنسانٌة اجمع فلٌس فً الوجود سوى ((عقول صؽٌرة و كثٌرة بعدد ما موجود من الناس ٌتمٌز بعضها عن بعض ،وٌنتج عنها االختالؾ الذي نشهده فً الراي والنظر الى االمور ،والعقل بعد هذا شًء نادر فً الوجود))
ومن االوهام الكبٌرة التً وقع فٌها فالسفة التارٌخ والوجود (( فً نظر نٌتشه )) زعمهم ان ما ٌسٌر االنسان والموجودات اجمع وما ٌحكم حركة الموجودات ومسار التارٌخ (( عقل كلً ))ٌخضع له الكون فً حركته ،سواء كان عقال مفارقا للمادة (( هللا)) او كامنا فٌها
..لقد كان العقل عند نٌتشه صنما كبٌرا ووهما عظٌما له من االثار والنتائج ما له وقع شدٌد وضرركبٌر .
لقد انتهى به الحال الن ٌقر ان دعوى (( برمنٌدس)) بعدم قدرة االنسان على تصور شًء لٌس له وجود ،خطا ومناقض للواقع ،والصحٌح ان كل ما ٌتصوره العقل وهم الحقٌقة وخٌال ال واقع اذ ان تصوراتنا لالشٌاء تضفً علٌها صفة الثبات والدوام والهوٌة المحددة الجامدة فً وقت انها متحركة ومتؽٌرة وتجري فً صٌرورة مستمرة ال توقؾ فٌها عند نقطة معٌنة
ثم اتم ثورته على ما شاع فً زمنه من مفاهٌم فانكر القول بوجود مستقل للحقائق مفارق للعالم المدرك وان ما ندركه فً عقولنا من ظواهر ٌقابله شًء اخر مختلؾ هو ((الشًء فً ذاته ))على حد تعبٌر ((كانت)) ..
ثم ادى به حاله هذا الى هجوم شدٌد على اول من قدس العقل من الفالسفة وجعل منه اداة تقود االنسان الى الفضٌلة والكمال فجعل نٌتشة من سقراط بداٌة انحالل الفلسفة الٌونانٌة واضمحاللها بعد ان عاشت فترة من االزدهار واالبداع حٌنما كان الٌونان ((ملٌئٌن بالحٌاة االصٌلة والقوة الساذجة والشجاعة التً دفعتهم الى قبول الحٌاة وتحدي مخاطرها فرددوا االناشٌد وحكوا االساطٌر وقصص البطولة ونشدان الخلود وعمت التراجٌدٌا التً مجدت القوة ومؽالبة القدر ))
التعلٌقات