Professional Documents
Culture Documents
غيفارا
مقالت العسكرية
حرب الغوار
(حرب العصابات)
أرنستو تشي غيفارا
إهداء
سه
سد قراءتس
سيانفويغوس .1كان مفروضا أن يعيس
نهدي هذا الكتاب إلى ذكرى كاميلو سس
ويُجري ف يه الت صحيحات اللز مة ،إل أن القدر لم ي تح له ذلك .ويم كن اعتبار هذه ال سطور
إلى رائده الكبير ،إلى أعظم قائد مغاور 3أنجنبته هذه الثورة ،إلى 2
تكريما من الجيش الثائر
الثوري الناصع ،إلى الصديق الخ.
كان كاميلو رف يق مئة قتال ،كان مو ضع ث قة فيدل في اللحظات الع صبية من الحرب،
كان المنا ضل المف عم نكرانا للذات ،الذي أت خذ الفداء دوما أداة ل سقاط طب عه وت صليب طباع
الجنود .أعت قد أ نه كان قمينا أن يوا فق على هذا الكتاب الوج يز الذي جم عت ف يه تجارب نا في
حرب الغوار ،4لن ها نتاج الحياة ذات ها .إل أ نه كان خليقا أن ير فد هذه ال صفحات بالحيو ية
-كان كاميلو سيانفويغوس Camilo Cienfuegosأحد قادة الجيش الثائر الكوبي .ومن أكثر 1
مجاهدين شعبية في حرب التحرر الكوبية .هو أحد أفراد الرعيل الول الذي أبجر من المكسيك مع فيدل
كاستررو على متن السفينة "غرانما" .ونزل إلى البر في 56 / 12 / 2في منطقة سييرا مايسترا الجبلية
شرقي كوبا لبدء الثورة المسلحة .وقد توفي سيانفويغوس عام 1959في حادث طائرة.
-الجيش الثائر :هو السم لجيش الثورة الكوبية. 2
-حرب الغوار :نمط من الحرب الشعبية يؤلف الثوار فيها فرقا صغيرة نسبيا .يكون شكل عملها 4
الرئيسي هو شن الغارات المتكررة على قوات العدو لبادته شيئا فشيئا .وهي الشكل= =الرئيسي للحرب
في المرحلة الولى من الحرب الشعبية الثورية .ويوليها المؤلف أهمية خاصة وله فيها آراء يعرضها في
الكتاب.
(تسمى ايضا حرب العصابات .وحرب النتصار .تجاوزا).
5
مقالت العسكرية
العميقة التي يفيض بها خلقه وذكاؤه وإقدامه ،تلك الصفات التي ل تبلغ مثل هذا الكمال إل
في نفر من شخصيات التاريخ.
بيد أنه ل ينبغي للمرء أن يتصور كاميلو كبطل أسطوري ،يحقق مآثر خارقة بحافز من
عبقريته وحدها .يجب النظر إليه كفيض من الشعب الذي صنعه ،على نحو ما يصنع أبطاله
وشهداءه وقادته ،في الصطفاء العظيم إبان النضال وظروفه القاسية.
ل ادري هسل كان كاميلو يعرف قولة دانتون بصسدد الحركات الثوريسة" :القدام ،ثسم
القدام ،القدام أبدا!" .على أيسة حال ،كان كاميلو قسد مارسسها فسي أعماله بعسد أن قرنهسا
بالضرورات الخا صة بالمغاور ،و هي تحل يل الو ضع بد قة و سرعة ،ومل كة التن بؤ بالم سائل
التي يطرحها المستقبل.
وإذا كانت هذه السطور بمثابة تكريم شخصي وتكريم شعب بأسره لبطلنا في آن ،فهي
ل ت ستهدف أن تروي سيرته وت قص مآثره ،إل أن ني أقول إن كاميلو كان ر جل ألف مأثرة،
كان يرسلها بصورة طبيعية ،إذ كان ،إلى جرأته واحترامه للشعب ،يجمع شخصيته الخاصة،
ذلك العن صر الذي كثيرا ما يُن سى ويُن كر شأ نه ،والذي كان كاميلو يط بع به كل ما يخ صه.
إنها الصالة الثمينة التي قلما تجد رجالً يدمغون بها كل عمل من أعمالهم .لقد قالها فيدل
مرة :لم تأ ته ثقاف ته من الك تب ،بل كان له ذكاء الش عب الفطري ،فاختاره الش عب ب ين ألف
ر جل ليرف عه إلى المكا نة الممتازة ال تي تبوّأ ها بف ضل إقدام و صلبة وذكاء واجتهاد ل مث يل
لها.
كان كاميلو يمارس الصسدق دينا ،وقسد نذر نفسسه له :الصسدق تجاه فيدل الذي يجسسد
بشخ صه إرادة الش عب ،وال صدق تجاه الش عب ذا ته .كا نت هاتان العاطفتان ل تنف صمان لدى
هذا المغاور الغلّب ،تتلحمان تلحم فيدل والشعب.
حرّي بنسا أن نتسساءل :مسن الذي أزال كيانسه الجسسماني مسن الوجود؟ لن حياة أمثاله
تتمادى في الشعب ول تنتهي إل عندما يقرر الشعب ذلك.
إن العدو هو الذي قتله ،ل نه كان يب غي مو ته ،ل نه ل يس ث مة طائرات مضمو نة ،لن
ملحي ها ل ي ستطيعون اكت ساب كل ال خبرة اللز مة ،ول نه و هو مث قل بالعمال ،كان ير يد
6
أرنستو تشي غيفارا
الو صول إلى ل هابانا 5بأ سرع و قت ...وإن ما قتله هو طب عه أيضا ،لم ي كن كاميلو يرزن
الخطر ،كان يستخدمه الللهاء ،يداعبه ،ويثيره كما تثار ثيران الحلبة ،يجتذبه ويداوره .ففي
عقليته الغوارية لم تكن هناك عثرة تستطيع إيقاف أو تشويه الخط الذي ارتسمه لنفسه.
ذ هب عند ما كان شعب بأ سره قد عر فه وأع جب به وأح به .كان من المم كن أن يحدث
ذلك فسي وقست أبكسر وكانست سسيرته عندئذ لن تعدو سسيرة أي قائد مغاور .قال فيدل :سسوف
يجيء كثير من مثال كاميلو ،ويمكن ني الضافة أ نه ظهر كثير من م ثل كاميلو ،و قد انتهت
حيات هم قبل أن يتموا ذات الدورة الرائعة ال تي أدخلت هم في التار يخ .إن كاميلو ،والكاميلوي ين
الخرين (الذين لم يحققوا أنفسهم ،والقادمين) ،هم البرهان على قوة الشعب ،والتعبير السمى
عما يمكن أن تنجبه أمة شاكية السلح دفاعا عن أصفى مثلها العليا وعن إيمانها في إنجاز
أنبل غاياتها.
لن نثبّ ته لنحب سه في قالب ،ف في ذلك قتله .لند عه هكذا ،على هيئة مل مح ،دون تحد يد
دق يق لفكرانه 6الجتما عي والقتصادي الذي لم ي كن محددا تماما .ولنتذ كر ف قط أ نه لم يو جد
في هذه الحرب التحررية جندي يضارع كاميلو .ثوري مكتمل ،رجل شعبي ،صنّاع في هذه
الثورة ال تي صنعتها ال مة الكوب ية لنف سها ،لم ي كن عقله ليت صور أ قل ه نة من العياء أو
القنوط .إن كاميلو المغاور هو موضوع دائم للتخ يل كل يوم .إ نه الذي ف عل هذا أو ذاك من
العمال" ،شيئا من كاميلو" ،إنه الذي طبع الثورة الكوبية بسمته الدقيقة التي ل تَمحي ،والذي
يبقى حاضرا في قلوب كل من لم يحققوا أنفسهم والقادمين.
ل هابانا :عاصمة كوبا باللفظ السباني ،وهي التي تسمى بالنكليزية "هافانا". 5
الفكران :ميدان الفكر ،وما يمت إليه من نظريات علمية( .اليديولوجية). 6
7
مقالت العسكرية
مدخل
إنقضى عام على كتابة هذه المقدمة .ومن نافلة القول إنه لو قدر لي أن
أكتبها اليوم لفعلت بشكل آخر .فموت تشي غيفارا في الظروف المثيرة التي
نعرف ،يكاد يضفسي على كسل شيسء معنسى جديدا كسل الجدة ،وبالتالي على
ب عض هذه ال سطور البائ سة .وأول ها ،مثلً ،لح ظة ،أت صوره في ها يقرأ هذه
الصسفحات بانتقاده اللذع الذي عرف عنسه عسل الدوام ،أو السسطور التسي
تتحدث عن رحيله عن كوبا ،وقد كتبت عندما كان العداء ينشرون عن هذا
بدأ 1966 الرح يل الشاعات المتجن ية ،واليوم نعرف أ نه في تشر ين الثا ني
يكتب يوميّته الخيرة ،في الغوار البولفي .لقد سمع العالم ،في ربيع ،1967
رسالته الرائعة إلى مؤتمر القارات الثلث التي سحقت ،في جملة ما سحقت،
تلك الفتراءات ،وأكدت بعسد نظرتسه ،وعمسق فكره وتلحمسه وشجاعتسه
العجيبة.
"إن الساس الول الذي يجب أن تبنى عليه الحركة (حركة الغوار) هو
الكتمان المطلق ،وإنعدام تسسرب المعلومات إلى العدو" ،هذا مسا كتبسه فسي
8
أرنستو تشي غيفارا
حرب الغوار الذي ظهسر عام ،1960المقدم أرنسستو غيفارا ،الذي ندعوه فسي
كوبسا تشسي ،للسسبب ذاتسه الذي حملنسا على أن ندعسو أنتونيوميل A. Mella
الشيكو عندما كان منفيا في المكسيك .إن ما يمنع تشي من أن يرتّب بنفسه
هذه الوراق ويقدّم المنشود واقعسة أنسه انقطسع منسذ عام لمهمسة ثوريسة جديدة
يرافقها ،حسب نصيحته هو" ،كتمان مطلق" و "انعدام في تسرب المعلومات
إلى العدو".
وإذا كان هذا التف سير يبرر ه نا غياب ا سمه ،فل ش يء يبرر ،بالمقا بل،
وجود اسسمي ،ويؤسسفني أل يكون التواضسع التاكتيكسي المعتاد فسي حالت
مماثلة هو الذي يحملني على هذا القول .يجب علي ،لسباب سأوضحها في
الحال ،أن أضسع الورقسة على الطاولة ولو أدى ذلك إلى ملل القارىء .فإذا
كنست قسد قبلت دعوة الناشريسن لكتابسة هذه المقدمسة فلنسي عوّلت منسذ زمسن
طو يل على الم ساهمة في ن شر ف كر العالم الثالث (عدا عن ال سرور ال ساذج
لن أرى ا سمي يقترن ب صورة ما با سم ر جل أ كن له أ كبر العجاب)؛ لن
هذا النشسر يجسب أن يتسم فسي الوقست الذي ندُل فيسه على أصسالة هذا الفكسر،
وأخيرا ،لنسي اقترحست نشسر هذه النصسوص إذ وجدت نشرهسا نافعا ،ممسا
أجبرني بصورة من الصور على كتابة هذه الكلمات .إن للقارىء ملء الحق
أن يتساءل عن سبب هذه التصريحات .وها إني أقدم له ورقتي الخيرة .لقد
كتبتهسا على الخسص للمقدم غيفارا ،ليرى ،عندمسا يصسله هذا الكتاب ،أنسي
نب شت أورا قه ،فتخيرت من ها ما تخيرت وطر حت ماطر حت ،بل وقد مت
بعض الكلمات .وإني أتخيل بسهولة ابتسامتك وتعليقك .وأسمح لنفسي ،أيها
المقدم ،بأن أجي بك أنّ ما فعل ته كان ي جب أن يفغله غيري ،وأ نك على أ ية
9
مقالت العسكرية
حال سستستاء مسن هذا الفعسل ،وأنسك ،إذا أسسفت لغياب نسص أو بدا لك غيره
عد يم الجدوى ،فلدي من ال سباب ما يك في ل تبرير هذا النتقاء .لم أ سترسل
فسي هذا الع مل بدافسع من رأيسي وحده ،ر غم أن هذا الرأي كان ،فسي نها ية
المطاف أكثر الراء مسؤولية :ف قد استشرت أصدقاء أفضل مرانا مني في
الم سائل ال سياسية (وبعض هم يعرفو نك) ،ح تى انت هى ب نا ال مر إلى البقاء
على هذا النتقاء .أعدت قراءتهسسا دفعسسة واحدة فبدت لي جيدة ،وبدت لي
مجدية.
سي
ستو غيفارا فس
سه إلى القارىء :ولد أرنسس
سب علي أن أتوجس
والن يجس
بوينوس ايرس ،عام ،1928في أسرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة .كان أبوه
مهند سا .فثق فه الثقا فة المتنا سبة مع وض عه :تعلّم ل غة ثان ية (الل غة الفرن سية)
ومهنتسه رفيعسة :الطسب ،هذه المهنسة التسي يقول عنهسا الناس جميعا ويؤمسن
البعض إنها كهنوت .قرأ كثيرا ،الدب والسياسة وهو في القناصة ،كما قرأ
سبنغلر وفرو يد .و قد يكون فرو يد هو الذي وج هه ن حو ال طب .كان يرتاد
الجماعات الطلب ية المتمردة دون أن ينا ضل في أي اتجاه خاص .وكان قد
شعر ،حتى قبل أن ينهي دروسه بأن شيئا آخر يجذبه إليه .مارس الطب في
مسستشفى للبرص فسي سسانتياغو ديسل أسستيرو .وأراد أن يتعرف إلى القارة
فانطلق لسستكشافها ،على دراجسة ناريسة ،مسع أحسد الصسدقاء ،وقطعهسا مسن
الرجنتيسن إلى فنزويل وتوقسف فسي ميامسي حيسث أعيسد إلى الرجنتيسن فسي
طائرة كا نت تن قل خيول سباق .والر جح أ نه تجلى له في ذلك الو قت ما
تجلى لمار تي Martiفي زم نه :وحدة بلد نا وحدة عمي قة ل تتح طم ،وحدة
تتجاوز الحدود المصطنعة .والرجح أنه بدأ في تلك اللحظة يشعر بأميركيته
10
أرنستو تشي غيفارا
وإذا كان الوضسع الخاص للبلد التسي ولد فيهسا يبدو له مبهما وبدفعسه
للبحسث عسن سسماوات أخرى (كان ذلك أيام البيرونيسة) ،فإن هذه السسماوات
ستتبناه و ستحوله .والغر يب أن الذ ين كانوا يتحدثون إل يه ،كانوا يجدون أن
لهجتسه ليسست أرجنتينيسة ،ول مكسسيكية ،ول كوبيسة .دون أن تكون بطبيعسة
الحال ،تلك اللهجة السبانية المجردة الشاحبة ،لهجة بعض أستاذة اللغة في
بلد أجنب ية :إن ها في الوا قع ،ما كان أدنامو نو يقترح ،بالن سبة لقارت نا ،في
مجال الل غة :فوق الكا ستيلنية .ف كل وا حد م نا يعترف ب ها ل غة له ر غم أن
لديه في الوقت ذاته شيئا ما من مكان آخر .وهذا المكان الثاني قد ل يكون
شيئا آخسر سسوى الشمول ذاتسه ،سسوى أميركتنسا بمجموعهسا .أل نسستطيع
التخميسن بأن لغسة مارتسي السسبانية يجسب أن تكون كذلك؟ لغسة ل تصسطبغ
بال صبغة الكوب ية قدر صبغتها ال سبانية – الميرك ية؟ (ح تى لو كان التأث ير
الكوبي سائدا .إذ تحدث أوربينا عن لهجته الساحلية).
توقفت عند هذه النقطة لني أعتقد أن هذه دللة إضافية على أن "تشي"،
كمار تي ،يف كر ،بل ويش عر أيضا أ نه أمير كي – لتي ني ويتكلم كأمير كي –
لتينسي تماما كمسا يشعسر غيره أنسه ينتمسي إلى بلد مسن البلدان أو حتسى إلى
منط قة من هذه البلد .لم ي كن لد يه أي صلف قو مي ،بل نوع من المرارة
القار ية الم سؤولة :فكل ما يفرق نا كان يبدو له عبثا حيال المشكلت الواقع ية
11
مقالت العسكرية
كان أرنستو غيفارا في غواتيمال .جذبته إليها المكانيات 1954 في عام
الثورية التي كانت تعيشها تلك البلد .هذه المكانيات حصدتها بقسوة جيوش
كاسستيلو آرماس ،أجيرة حكو مة أميركسا الشمال ية .وكانست هذه الحكو مة قد
تعاونت مع أجرائها في كاراكاس على القضاء على نظام لم يكن (كما نراه
اليوم) سوى نظام خجول في تقدمي ته .كان غيفارا ب ين أولئك الذ ين اجتازوا
الحدود المكسسيكية بعسد أن انتظروا عبثا وصسول السسلحة ليقاتلوا ،وبعسد أن
شعروا في لحم هم بغل ظة حكو مة لتد ين بمبدأ :هذه الحكو مة هي ال تي قدر
لها بعد سبع سنوات أن ترسل مرتزقة آخرين ضد كوبا ،وأن تُنزل مباشرة
بعد ستع سنين جيوشها في سان دومينيك ..وفي المكسيك كان غيفارا يكسب
عيشه من أعمال تافهة ،فعمل ،مثلً ،مصورا متجولً .وفي ذلك الوقت التقى
بفيدل كاسترو .وقد روى مقابلته معه كما يلي:
( ...إن كا تب هذه ال سطور ،الذي تقاذف ته أمواج الحركات الجتماع ية
التي تهز أميركا اللتينية ،قد أُتيحت له فرصة اللتقاء ،لهذه السباب ذاتها
بمنفي أميركي آخر :هو فيدل كاسترو.
وقال أيضا" :كان المر يستحق أن أموت على شاطىء أجنبي في سبيل
مثل أعلى طاهر كهذا المثل" أما بقية حياة تشي فهي من شأن مؤرخي القارة
12
أرنستو تشي غيفارا
يجب أن ألفت النتباه إلى بعض السفار التي قام بها تشي بعد انتصار
في جام عة مونتيفيد يو – 1961 الثورة .كان يعرف – ك ما قال هو نف سه عام
زار بلدانا أخرى :ليرى 1959 جميسع بلدان أميركسا اللتينيسة تقريبا .فسي عام
مشكلت نا " من الشر فة ال سيوية – الفريق ية" :الجمهور ية العرب ية المتحدة،
وأندونيسيا ،والهند.
13
مقالت العسكرية
ولقسد بدأ هذا الفكسر يعبّر عن نفسسه علنا منسذ اليام الولى ،فسي خطابسه
بتاريسخ ،1959 / 1 / 28مثلً ،الذي نشسر تحست عنوان "الدور الجتماعسي
للجيش المتمرد".
في هذا الخطاب ،يشرح لنا تشي كيف بدأت في الجيش المتمرد ،انطلقا
مسسن فشسسل إضراب نيسسسان ،1958الجهود الولى لعطاء الثورة عقيدة
ونظريسة .بيسد أن هذه الهتمامات ،بطبيعسة الحال ،ل تتضمسن أبدا أن يكون
تشسي باحثا نظريا محضا .فهسو يقول فسي هذا الخطاب ذاتسه إن مسن أكسبر
صسفات الثورة التسي اسستولت لتوهسا على الحكسم هسو أنهسا "حطمست جميسع
نظريات الصالونات" .ول ينوي مطلقا إعاداتها إلى ما كانت عليه .إن هدفه
يختلف عن هذا اختلفا تاما ،فيك تب في ال صفحات الولى من حرب الغوار
( :)1960رسسالتنا الحاليسة أن نجعسل مسن الواقعات نظريسة ،وأن نبنسي هذه
التجربسة ونعممهسا ليسستفيد منهسا الخرون" هذا التعريسف ل بديسل له فكومسة
الواقعات الثور ية ،بالن سبة للمرا قب الذي تعوزه الد قة ،ح تى لو كان ن صيرا
سا مهمتان نظريتان،
س .إنهمس
سة وأن تعمّمس
سا بنيس
مندفعا ،تحتاج لن تكون لهس
ت صلحان ل ما دعاه التو سر Althusserوب حق الممار سة النظر ية :ي جب أن
14
أرنستو تشي غيفارا
إن الق صد الذي يد فع ت شي إلى الت ساؤل عن نظر ية الثورة في تنميت ها
ليس أقل قيمة عملية .لكن قبل أن نتحدث عنه ،يحسن بنا أن نشير هنا إلى
15
مقالت العسكرية
كتاب آخسر يتعلق بحرب الغوار مسن جهسة أخرى :هسو كتاب "ذكريات عسن
الحرب الثور ية" .لم ت كن العتبارات الفكر ية وحد ها هي ال تي دف عت ت شي
إلى كتابته بذلك السلوب النثري العجيب الذي عرف عنه ،السلوب الجامع
المألوف ،بل ي جب القول أيضا إ نه الفنان الذي يك تب .ون حن ه نا ل "نع مم"،
بسل نضسع اليسد ،والذاكرة على شيسء ملموس .وإذا كان الكتاب السسابق دليلً
للعمسل وهيكله العظمسي ،فإن الذكريات هسي الجسسم ذاتسه لذلك العمسل ،مسع
كائنات بشر ية بطول ية أو مترددة ،سامية أو حقيرة – حقيق ية في أ ية حال.
إ نه أك ثر الك تب ال تي نشرت في كو با في هذه ال سنوات الخيرة ،وقعا في
النفس.
إن الكتاب ين اللذ ين يعالجان الحرب الثور ية – نظريت ها وممار ستها ،إذا
صسح القول – همسا الكتابان الوحيدان اللذان كتبهمسا تشسي بصسفتهما كتابيسن
بنائين .لكنهما لم يكونا كل ما كتب تشي – وقال .بالعكس :اهتم منذ البداية
بالوجه الخرى للثورة ،وعبر عن هذه الهتمامات سواء بشكل خطب ،أو
بشكسل مقالت أو محاولت .وعالج ،فسي كتبسه ،مسسائل تتعلق بالتمرد ،أي
بالثورة قبل أن تستلم الحكم ،في أول كانون الثاني ،1959وتصدى في خطبه
ومقال ته ،ب صورة عا مة ،للمشكلت ال تي كا نت تعترض الثورة ب عد ت سلمها
الحكسم .ولم تكسن هذه المشكلت ،مسن وجهسة نظسر فكريسة ،أقسل تعقيدا مسن
سابقاتها ،وي حق ل نا أن نعت قد أن ها أك ثر تعقيدا وتتطلب من القادة دأبا كبيرا
في التخمين النظري وفي التطبيق العملي المناسب .وكان هؤلء القادة ،من
جهسة أخرى ،قسد وصسلوا إلى السسلطة فسي ريعان الشباب .فلم يكسن فيدل
يتجاوز الثلث ين من الع مر إل قليلًُ .و سيقدم ل نا 1959 كا سترو نف سه ،عام
16
أرنستو تشي غيفارا
هؤلء الرجال مشهدا غيسر معتاد :فبدلً مسن أن يعيسش هؤلء الشباب طسي
الكتمان تطورا فكريا قلما يكون غيرهم مطلعا عليه لحظة العمل التاري خي،
سسيتطورون على مرأى ومسسمع مسن الجميسع .وسسينهون تكوينهسم عراة
الجذور .ل لنهسم وصسلوا إلى السسلطة دون صسفات كافيسة – للتثبست مسن
الصسلبة التسي انطلقوا بهسا إلى القتال .نعيسد إلى الذاكرة فقسط الدفاع الرائع
الذي ألقاه فيدل كاسسترو عام " .1952سسينصفني التاريسخ" ، -بسل إن هذه
الصفات ستنضج في الحكم ،بمجابهة المشكلت الجديدة الهائلة .وسط واقع
معقد ،دولي وقومي على السواء ،سيكون من الواجب جلء غوامضه واحدا
بعد الخر .فكان السؤال الول الذي وجب إذا أن يطرحوه على أنفسهم هو
ما هي الثورة .ما هي النظرية الثورية لهذا العمل الثوري؟
قال فيدل كاسسترو ،عام ،1953إن المسسؤول المثقسف عسن الهجوم على
ثكنة مونكادا -وبالتالي عن الحداث التي سيثيرها هذا الهجوم في السنوات
التسي أعقبتسه – كان جوزيسه مارتسي .وقال تشسي غيفارا الذي كان يعلم عام
أن هذه الثورة تنقش في إطار مكافحة الستعمار المعاصرة ،في خط 1959
"كان مارتي المرشد المباشر لثورتنا ،الرجل الذي كان يجب على الدوام
أن نرجسع إلى كلمسه لتفسسير الظاهرات التسي نحياهسا تفسسيرا صسحيحا .لن
جوزيه مارتي أكثر من كوبي :إنه أميركي .إنه ملك البلدان العشرين كلها
ال تي تضم ها قارت نا ..ويعود ل نا الشرف بإحياء كلمات جوز يه مار تي ،في
وطنه ،حيثما ولد" .كان تشي يخمن دون شك بأن مارتي هو أول مفكر في
العالم الثالث وي صح هذا الت صريح ،إذ يؤ كد ما قاله كا سترو ق بل ذلك ب ست
17
مقالت العسكرية
سسنوات ،لثورة مسن ثورات البلدان الناميسة .بيسد أن ثمسة أمرا آخسر فسي هذه
الكلمات يسستحق أن نعيره انتباهنسا هسو اسستخدام الماضسي .قال تشسي :كان
مارتي مرشدنا وكان يجب الرجوع إلى كلمه ..ل لنه أنكر هذا الكلم ،بل
بالعكس .وكلمه ،كان يجب أن نتذكر أنه نصحنا هو ذاته بأن نفعل "في كل
لحظة ما هو ضروري في كل لح ظة" .وكان الواقع ،أخيرا ،قد طرح على
ثورتنا التي كانت قد وصلت إلى الحكم مشكلت ل يمكن أن تكون بالضبط
هي ذاتها المشكلت التي طرحت على مارتي ،يوم لم يكن قد توصل إلى أن
يرى بلده حرة سسياسيا .كانست هذه المشكلت المختلفسة تتطلب منسا أن
نتصدى لها تصديا أصيلً .وكانت ،بالتالي تقتضي منا إضفاء النظرية على
هذه المقار بة ال تي لم ت عد تلك ال تي عرف ها مار تي .فم نذ ا ستلمها ال سلطة
كانت الثورة تتأصل في تبادل مأساوي للعمال التأديبية الميركية الشمالية
والردود الكوبيسة .وقسد اسستطاع تشسي أن يقول إن القانون الول للصسلح
الزراعي كان على الرجح التدبير الوحيد الذي اتخذ مباشرة دون أن يكون
جوابا على عدوان أمير كي – شمالي .وفي ما ب عد ،بدءا من المقاو مة العنيدة
التسي وجهتهسا الوليات المتحدة لهذا القانون الذي كانست كوبسا تمارس بسه
سسيادتها – والذي يكاد يكون فاتحسة أعمالهسا ، -سستكون القرارت الكسبرى
التي اتخذتها الحكومة الثورية هجمات كوبية مضادة للعتداءات الميركية،
وقسد بدأت هذه العتداءات بشكسل حملة صسحفية شعواء تبعتهسا تصسريحات
رسمية حتى وصلت إلى العدوان المادي وإلى الحصار ،مرورا بما سبقه من
و قف مشتريات ال سكر ور فض تكر ير الن فط الذي تشتر يه كو با من خارج
الدائرة الميركيسة الشماليسة .وفسي هذه الثناء ،وجدت الثورة الكوبيسة فسي
18
أرنستو تشي غيفارا
" ...إذا سئلت ما إذا كا نت هذه الثورة ال تي ترون ثورة شيوع ية...
فسأقول إن هذه الثورة ،إذا ما صارت ماركسية – وأقول ماركسية – فلنها
اكتشفت أيضا ،بأساليبها الخاصة ،الطرق التي أشار إليها ماركس".
إثر هذا الكتشاف ،وجوابا للدانة التي فرضتها على كوبا منظمة الدول
الميركية ،في سان جوزيه ،قرأ فيدل كاسترو على الشعب الذي اجتمع في
مسا وجسب أن يصسير 1960 ايلول 2 تلك المناسسبة فسي سساحة الثورة بتاريسخ
ت صريح هافا نا الول .و قد عبر هذا الت صريح ت عبيرا مضمرا عن ال صفة
الشتراكية التي أخذتها الثورة على عاتقها .بعد ذلك بما ينوف عن الشهر،
تشرين الول ،نشر تشي مذكراته بعنوان "مذكرات لدراسة إيديولوجية 8 في
19
مقالت العسكرية
الثورة الكوب ية" ،و هي درا سة عمي قة للموضوع .ف هل أف سدت ال صفة غ ير
المهذ بة في ظاهر ها ال تي الت صقت بالثورة المبدأ الليني ني القائل :ل حر كة
دون نظرية ثورية؟ ويجيب تشي متسائلً:
20
أرنستو تشي غيفارا
21
مقالت العسكرية
في بونتاديل إيسته ،وجنيف ،والمم المتحدة ،أو الجزائر ،كناطق فوق
العادي باسم العالم الثالث .إن الثورة الكوبية لم تكّون فكرا دون أن تكّونه
في الوقت نفسه للبدان الخرى التي تجتاز ظروفا مماثلة لتلك التي تمر فيها
كوبا :وفي طليعتها بلدان أميركتنا ،وكذلك بلدان قارتين أخريين ناميتين.
وإذا كانت الثورة الكوبية قد وجدت بمساعيها هي فكرا أصيلً ،فإن ذلك
المر يقتضي منا أن نجابه بهذا الفكر جملة من المشكلت ،ستحمل بدورها
هذا الفكر على الغتناء .وسيكون تشي الممثل والشاهد الستثنائي لهذا
التفاعل في بناء الشتراكية اليومي في بلد نام.
هذا الطبيب التائه الذي أقنعه فيدل كاسترو ،في ليلة باردة من ليالي
المكسيك ،بأن يرافقه لتحرير بلده ،هذا المغاور الذي كلفه فيدل بشن
الحرب الثورية من أول الجزيرة إلى آخرها ،هذا المحول الذكي الذي حول
الممارسة العملية إلى نظرية ،هو الذي سيوكل إليه فيدل بعد تسلم السلطة
مراكز رئيسية في الحكومة .أولً رئاسة البنك الوطني ،لدخال الستقرار
على الوضع الخطير للقطع النادر ،ثم وزارة الصناعة المكلفة بتنسيق
وتكبير الصناعة التي أممت فجأة في بلد قليل التنمية ،والذي قُطع ،بالضافة
إلى هذا ،قطعا فظا عن المصدر الذي يكاد يكون المصدر الوحيد للمنتوجات
المصنوعة .كانت القضية أن تظل المة واقفة على قدميها وأن تكون في
حالة تمكنها من العمل.
كان على تشي أن يتصدى لمشكلت اقتصادية ملموسة في سبيل إنجاز
هذه المهام الجديدة التي سيخرج منها أيضا ظافرا .فالثورية ،بطبيعة الحال،
ل تأتي جاهزة :أنها على الدوام سلسلة من المهام التي يجب على الناس
22
أرنستو تشي غيفارا
تحقيقها ،تحقيقا حسنا أو سيئا .ول توجد صيغ يجب تطبيقها بصورة آلية.
إن الثورة تثبت ،بمعنى مختلف عن المعنى الذي فكر به كروتشه ،Croce
أن التاريخ هو فعلً "مأثرة من مآثر الحرية" .فأمام كل مشكلة جديدة تنبجس
المسألة اللينينية :ما العمل؟ ول جدوى من البحث عن الجواب في أي كتاب.
بل يجب أن يأتي الجواب ،كما نصح لينين بالذات ،من "التحليل الملموس
للوضاع الملموسة" .فتشي يجد نفسه إذا مرغما على أن يأخذ بعين العتبار
وقائع مثل طبيعة التخطيط الشتراكي ،تبعا لوضع كوبا الملموس ،وحسب
الصلة الديناميكية لهذا الوضع مع العالم أجمع ،ويستنتج من هذا التحليل
مميزات نظام التمويل في الميزانية على الحساب القتصادي ،وهذا يجره
إلى مهاترات سياسية مع شارل بيتلهايم ذاته .وللسباب ذاتها يصر على
أولوية الحافز الخلقي على الحافز المادي إذا أردنا حقا بناء مجتمع
اشتراكي ،لكنه طبعا ل يقول بالحافز الخلقي حصرا :فنحن ل نرى كيف
يمكن التوصل إلى هذا المجتمع الشتراكي إذا حرضنا لدى الناس الشهوات
التي تقوم عليها الرأسمالية .وليس هذا ما يقترحه تشي" :ل ننكر الضرورة
الموضوعية للحافز المادي ،لكننا نرفض فعلً أن نستخدمه كدافع أساسي"
("حول نظام الميزانية .)"...وبالمقابل ،ليس من الخيال في تشي ،بل ل بد
منه لهذا البناء الجديد أن نحفز النسان إلى اتخاذ موقف جديد تجاه العمل")،
موقف يتيح تطمين شاعر تشي المفضل ،ليون فيليبه ،L. Felipeالذي رأى
بقلق تعارض العمل واللعب .فهل من الضروري أن نصر على النفعال
الذي نعانيه ونحن نرى هذا الرجل ،هذا تشي يبدأ خطابا في عمال مثاليين
وينشد أبياتا للشاعر السباني الكبير؟ إن ما لم ينسه تشي أبدا ،وهو غارق
23
مقالت العسكرية
في عمله ،أو في نظرياته ،هو الغائية الحقيقية لثورة ما :خلق كائن بشري
أفضل" ،إنسان جديد" ،حسب تعبيره هو .وإذا كان تشي يناقش قانون القيمة،
وخطر البيروقراطية ،والطار الثوري ،وصفات الشيوعي الشاب ،وبناء
الحزب ،فهذه الفكرة هي التي تجوب شواغله كلها .ما أهمية عنف العمل أو
ضحالة الفكرة ،فهذه أو ذاك ،لدى الثوري ،مسخّران لخدمة النسان .وإذا
كان العداء يستطيعون طمس هذه الحقيقة ،فإن واجب الثوريين ،أن
يرددوها ويشرحوها.
"إن وزن هذا البناء ،بناء العقل النساني ] كتاب رأس المال[ يبلغ حدا
يجعلنا ننسى في الغالب الصفة النسانية (بالمعنى الفضل للكلمة) لقلقه...
فالنسان هو الذي يهمنا الن ...كان ماركس يفكر بتحرير النسان ،وكان
يرى الشيوعية حلً للتناقضات التي أنتجت انحطاطه"...
وقد بلغ هذا الموقف الذي وقفه تشي تعبيره الصفى والوضح في
النص الخير الذي كتبه قبل رحيله عن كوبا في الرسالة الرائعة التي
وجهها إلى كارلوس كويجانو ،مدير الصحيفة السبوعية مارشا ،والتي
نشرت تحت عنوان "الشتراكية والنسان في كوبا" :لقد كانت ،بمقدار ما،
تلخيصا ،وحصيلة .وعندما نشر هذا النص في كوبا (وأذيع على نطاق
واسع جدا) كان تشي قد غادر البلد.
يستحيل أن نتجنب في هذه الصفحات المسألة التي يطرحها كثير من
الناس في العالم أجمع والمتعلقة بتشي :لماذا غادر كوبا؟ أعتقد أن على هذه
المسألة أن تدخل في حسابها أمورا عديدة :هي أن تشي فعلً أميركي –
لتيني ،مثل الفنزويلي سيمون بوليفار،والرجنتيني جوزيه دوسان مارتان،
والدومينيكي ماكسيمو غوميز – أو المارتينيكي فرانتز فانون الذي كان تشي
24
أرنستو تشي غيفارا
يحبه كثيرا – الذين ناضلوا كلهم في سبيل بلد أخرى غير تلك التي ولدوا
فيها ،وغالبا في سبيل عدة بلدان ،وأن كوبا هي واحدة من بلدان عديدة في
أميركا اللتينية التي عاش فيها تشي ،وأن الثورة الكوبية هي إحدى ثورتين
أمركيتين – لتينيتين اشترك فيهما تشي (الثورة الثانية هي الثورة
الغواتيمالية) ،وأنه ما يزال في أميركا اللتينية – وفي العالم النامي بصورة
عامة – كثير من الثورات تنتظر التفجير .وأن هذه الثورات الجديدة التي
تطالب الشعوب بها بإلحاح هي كالثورة الكوبية فصول لثورة واحدة .وفي
عام ،1959عندما نزل الجيش المتمرد من الجبال كان الناس البسطاء في
كوبا مقتنعين أن تشي سينطلق بين لحظة وأخرى للشتراك في تحرير بلد
آخر مستبعد .بيد أن الثورة الكوبية التي بدأت لتوها كانت بحاجة إليه
لتوطيد كيانها .وكان آنذاك مثالً للعامل المتفاني ،وبطل البناء .وبعد ست
سنوات ،عندما خاضت هذه الثورة معركتها الولى ،وعندما عرفت جيرون،
وتطهير إيسكامبري ،وأزمة تشرين أول ،عندما نظمت معاملها وأريافها
على أساس النتاج من أجل الشعب ،اعتبر تشي أن هنالك "أراضي أخرى
في العالم" بحاجة أمس إليه.
إن أولئك الذين يتهمون الثوريين بأنهم تقييديون بشكل أعمى هم أول من
يرفض عنصر الحرية .والجدة ،والبداع في التاريخ .فما أن رأوا تشي
يغادر كوبا حتى نبشوا من القبر أزواجا شهيرة زعموا استخدامها لتجنب
التفكير في ظاهرة لم يتوقعوها وفهم هذه الظاهرة ،فالعاطفيون أخذوا
يتحدثون عن بوليفار وسان مارتان ،وسيّئو النية اقترحوا أسماء أخرى..
الحقيقة أن التاريخ يمتلك الن تشاركا جديرا ل تستطيع التشاركات السابقة
تفسيره بأي شكل ول تستطيع رده إلى تبسيطات سابقة :إنه فيدل كاسترو
وأرنستو غيفارا .وإنه لمر رائع أن نرى كم يكمل هذان الرجلن أحدهما
الخر :فمن جهة الهزة البركانية للرجل الذي يعتبره تشي ذاته "تلك القوة
25
مقالت العسكرية
من قوى الطبيعة المسماة كاسترو روز" ومن جهة أخرى تلك الرغبة
الجامحة لدى تشي في صنع المفاهيم .إن اللحظة التي تتداخل فيها هاتان
الوظيفتان – واللحظة التي نعيشها واحدة منهما – ليست أقل ما في هذا
الحوار من جمال :فنحن نرى فيدل يثبت فكره ( وهذا يقوده إلى الدخول في
مهاترات من أجل توضيح فكره) لنه على وجه الضبط الزعيم الول للثورة
ونرى تشي يندفع في العمل ،ليكون مرة أخرى ،أمينا لنظريته .وهكذا يسعد
الثورة الميركية – اللتينية الحالية أن يكون على رأسها رجلن يختفي
لديهما التفرع الثنائي القديم الرأس المفكر – والذراع المسلح ،ويذوب في
واقع جديد ملتهب .فلماذا قرر أحد الرجلين ،ذاك الذي لم يولد في كوبا لكنه
خدمها خدمة لم يؤدها إل القلة من الكوبيين ،أن يعود من جديد إلى القتال،
في سبيل حرية أرض أخرى هذه المرة؟ إن القراء ل يملكون كما ل أملك
أنا معطيات كافية للجابة .بيد أن الرجل الذي يستطيع التحدث عن هذا
الموضوع ،في الوقت النسب :فيدل كاسترو ،قال في ختام مؤتمر القارات
الثلث الذي يجسدا تجسيدا رائعا المثل العلى لفيدل وتشي على السواء:
"إنضم إلينا الرفيق غيفارا عندما كنا منفيين في المكسيك .ومنذ اليوم
الول لم تكن تفارقه الفكرة التي عبر عنها بوضوح ،وهي أنه عندما ينتهي
الكفاح في كوبا ،فإن عليه واجبات أخرى يجب أن يقوم بها في أمكنة
أخرى ،ولقد قطعنا له على أنفسنا وعدا بأننا لن نطلب منه البقاء في بلدنا،
من أجل أية مصلحة للدولة ،وأية مصلحة قومية ،وأي ظرف ،ولن نمنعه
من تحقيق هذه الرغبة أو هذه الدعوة .وقد وفينا وفاء تاما مخلصا بهذا
الوعد الذي قطعناه .للرفيق غيفارا".
روبرتو فرناندزريتامار
26
أرنستو تشي غيفارا
27
مقالت العسكرية
مقدمة المترجم
ل ،لم يمت غيفارا
مات غيفارا...
حيسن حملت أمواج الثيسر هذا النبسأ الليسم رفسض الناس الطيبون فسي جميسع أنحاء
العالم ،وبخا صة في تلك البلدان ح يث يحتدم ال صراع ضد ال ستعمار بمختلف الشكال،
تارة بالحد يد والنار ك ما في فيتنام أو الشرق الو سط أو ب عض أقطار أمير كا اللتين ية،
وتارة أخرى بمختلف الو سائل المتراو حة ب ين النضال الشر عي والن عف المتفاوت الشدة
ك ما في كث ير من البلدان السيوية والفريق ية ،ر فض الناس الطيبون أن ي صدقوا ،ل ،لم
يمت غيفارا ،ول يمكن أن يموت ...إن غيفارا أكبر من ذلك ،أكبر من الموت ،أكبر من
أن يصرعه الرصاص الغادر يطلقه أعداء الشعوب ،أكبر من أن يسقط والرسالة العظيمة
التي نذر لها نفسه لّما تتحقق...
وكانست النباء قسد تواترت مرات عديدة قبسل ذلك ،تبثهسا مكاتسب السستخبارات
السستعمارية والعميلة ،عسن مصسرع الثوري الكسبير ،لكنسه سسرعان مسا يفتضسح كذبهسا
وبطلنها خلل ساعات معدودة أو أيام قلئل ...ما يمنع أن يكون الخبر كاذبا هذه المرة،
رغما عن تكاثر الدلئل على صحته؟ لكنه حين أعلن فيدل كاسترو ،زعيم رفيق البطل
الثائر الراحسل وبسل أقرب الرفاق إليسه فسي النضال ،مسن راديسو هافانسا وتلفزيونهسا ،ليلة
الخامس عشر من تشرين الول ،1967أن النبأ الفاجع صحيح بصورة أليمة ،كان لبدّ
للناس الذ ين يؤمنون بالحقي قة الواق عة أن ي صدقوا ،رغما عن كل ما يثيره هذا الت صديق
في قلوب هم من مرارة ولو عة وحزن .ولم ت كن تلك هي المرة الولى ال تي يتألمون في ها
لفقدان رفيق بطل ،كما أنها لن تكون المرة الخيرة.
28
أرنستو تشي غيفارا
* *
كان أبوه مهندسا معماريا أرجنتيني التبعة ،أي من تلك الطبقة البرجوازية الميسورة
التي يمكن أن تتوفر لها جميع مسرات الحياة العصرية .ولقد أصيب أرنستو في طفولته
الولى بمرض الربو ،المر الذي جعله موضع العناية الصحية الفائقة ،هذه العناية التي
29
مقالت العسكرية
تمرد عليهسا حيسن اشتسد سساعده ،فجعسل يمارس مختلف ضروب الرياضسة ،حتسى أشدهسا
ارهاقا ،في محاولة للتغلب على ذلك المرض الذي يفرض عل يه ب عض القيود .ول عل هذا
هو ال سبب في تفضيله درا سة ال طب على أ ية درا سة أخرى ،لن ال طب فن يم كن أن
يخلّص النسسان مسن بعسض القيود القاسسية التسي تفرضهسا عليسه الطبيعسة المناوئة.بيسد أن
مطالعاتسه علمتسه فسي تلك الثناء أن ثمسة قيودا أقسسى مسن سسلسل المرض ،ومسن أكبال
الظروف الطبيعيسة المناوئة ،قيودا ماديسة تئيسد على السسواد العظسم مسن البشسر ،وقيودا
روحية تكبل نفوسهم وتنأى بهم عن الطبيعة النسانية الحقيقية ،قيودا ،طالعته من آلف
عيون الناس البائسسين الجياع ،العاطليسن عسن العمسل ،الرازحيسن تحست نيسر الكبست
والضطهاد ،الطامحين إلى لقمة العيش وإلى الكرامة من وراء لقمة العيش .ولقد طالعه
من قرار هذه العيون اليأس كله ،والخوف كله ،والذل كله ،وطالع ته في الو قت نف سه قوة
ل تغلب ،قوة عات ية ،جبارة ،ساحقة ،سوف يتحول إلي ها اليأس والذل والخوف ذات يوم،
وعندئذ لن يعترض أحد أو مشيء سبيلها .أليس ذلك ما حدث دائما في التاريخ ،منذ أيام
روما القديمة؟ أو ليس ذلك ما حدث مؤخرا في روسيا حيث انقلب الخوف واليأس والذل
إلى تلك القوة الجار فة ال تي اكت سحت عالم القيا صرة الع فن ،وجعلت تب ني على أنقا ضه
عالما جديدا يبشر بالمل ،وبالحرية ،وبالكرامة وبالغد السعيد؟
وإن غيفارا ليشعسر إذا أن مكانسه ليسس فسي بيست أبيسه ،ول فسي عيادة يسستقبل فيهسا
المر ضى كل يوم ،ول ح تى في وط نه الرجنت ين ح يث ل ي ستطيع أن يع مل شيئا في
الو قت الحا ضر .إن "حيا ته تبدأ وراء الحدود" ،ومكا نه هو العالم الف سيح ،وموط نه هو
كل موضع في هذه الدنيا تحول فيه اليأس والخوف والذل على قوة تناضل في سبيل حياة
أف ضل ...و هذا هو في قلب المعر كة ،حيث ما تحتدم ،في تشيلي و في كولومب يا ،و في
بوليفيا وفنزويل ،وفي غواتيمال حيث كان شعب صغير ،رازح منذ مئات السنين تحت
نير الستعمار والستعباد والستغلل ،قد صنع ثورة وهو يكافح عنها ضد قوى القارتين
مجتمعة ،وعلى رأسها الوليات المتحدة الميركية واحتكاراتها الغاشمة.
أ جل ،إن في قل به نارا تشت عل ،تدف عه لن يكون إلى جا نب المظلوم ين ،إلى جا نب
البائسين ،إلى جانب المعذبين في الرض .وهذا ما يعبر عنه في رسالة إلى والديه كتبها
30
أرنستو تشي غيفارا
مؤخرا" :ول يس ال حب الحقي قي الذي يروي ني حب الو طن والزو جة والولد وال صدقاء،
بل هو أكبر من ذلك كثيرا ،فهو الشعلة التي تحترق في باطن المليين من بؤساء العالم
المحرومين ،شعلة البحث عن الحرية والحق والعدالة .إني أؤمن بأن النضال المسلح هو
الطريسق الوحيدة أمام الشعوب السسامية إلى التحرر .ويعتسبرني الكثيرون مغامرا ،وأنسا
مغا مر حقا ،لكن من غ ير طراز أولئك المغامرين المن ساقين وراء نزوات فرد ية عابرة.
وإني أضحي بكل شيء من أجل الثورة والنضال المتصل".
وهكذا ،ح ين سقط النظام الش عبي في غواتيمال ت حت الضربات ال ستعمارية المهيأة
ب كل خ بث ،غادر غيفارا إلى المك سيك ،مل جأ جم يع الثوري ين في أمير كا اللتين ية ،و من
هناك بدأت قصسته مسع فيدل كاسسترو ،واشتراكسه فسي حملة غرانمسا التسي نزلت على
الشاطىء الكو بي ،دوره في ملح مة سييرا ماي سترا ال تي انت هت إلى ا سقاط نظام باتي ستا
الدكتاتوري وإقامة نظام شعبي ثوري يسير بخطى حثيثة نحو الشتراكية.
* *
يقول فيدل كاسترو في معرض حديثه عن أرنستو "تشي" غيفارا" :نحن الذين نعرف
أرن ستو غيفارا ب صورة وثي قة – وأقول "نعرف" ل نه ل يم كن قط الحد يث عن أرن ستو
غيفارا بصيغة الماضي – ل بد لنا أن نقول إن لدينا خبرة عظيمة بخلقه ومزاجه .ومهما
يكن من الصعب أن نتصور أن مثل هذا الرجل ،بمثل هذه السمعة وبمثل هذه الشخصية،
قد قضى في معركة دارت بين دورية من المغاورين وقوات من الجيش النظامي ،حتى
إذا بدا ذلك أب عد ما يكون عن المن طق ،فإن نا نعرف أن ل يس ف يه ش يء فوق عادي .ذلك
أنه تميز دائما ،خلل كل الوقت الذي عرفناه فيه ،ببسالة عجيبة ،بازدراء مطلق للخطر،
ف هو ي صنع في جم يع الوقات ال شد خطرا والع ظم صعوبة الشياء الع ظم صعوبة
وال شد خطرا .هكذا كان سلوكه في منا سبات عديدة أثناء نضال نا في سييرا ما ي سترا،
وفي لس فيلس ،وكثيرا ما اضطررنا ،بطريقة أو أخرى ،إلى اتخاذ بعض التدابير من
أ جل حماي ته ،و قد عارض نا أك ثر من مرة تنف يذ ب عض العمال ال تي كان ير يد انجاز ها،
وذلك بقدر ما كنسا نتسبين فيسه تلك ال صفات الرائعسة التسي يتحلى ب ها المقاتسل والمكانات
31
مقالت العسكرية
المتوفرة لديه من أجل خدمة الثورة في واجبات أو مهمات ذات أهمية استراتيجية أعظم،
بحيث كنا نحميه من خطر السقوط في معركة ذات أهمية أقل.
"ولنعترف بأن نا ك نا نخاف دائما من أن يقود هذا المزاج ،هذه المبادرة الخا صة به،
الحا صرة في جم يع أوقات الخ طر ،إلى الموت في أ ية معر كة .و ما كان في قدرة أي
إنسان أن يكون على يقين من أنه سيتخذ على القل حدا أدنى من تدابير الحماية .وكثيرا
ما كان يتقدم في طليعة دورية استكشافية عادية...
"ولعله كان يف كر ،و هو واع تماما للر سالة ال تي أخذ ها على عات قه ولهمية النشاط
الذي يقوم به ،لعله كان يف كر – ك ما ف كر على الدوام – ب ما للب شر من قي مة ن سبية و ما
للقدرة من قيمة ل تدحض .كانت هذه الشياء تشكل جزءا من شخصيته..
"وإ نه لمنط قي أن يكون من المحال ،بالن سبة إلي نا جميعا ن حن الذ ين ن كن له حبا
عميقا ،أن نر ضى بأن نشاهده و قد انقلب إلى رائد فح سب ،إلى قدوة ل نرتاب مطلقا في
أ نه سيكون ل ها و قع هائل .إ نه لمنط قي أن يتألم كل كائن إن ساني ح ين يتعرض م ثل هذا
الخلق وهذا الذكاء وهذه الستقامة للدمار الحكمي".
أجل ،لقد كان غيفارا رائدا لنتصارات الشعوب ،وكان صانعا لهذه النتصارات في
الوقست نفسسه .وإن هذا الخلص الذي كان ينطوي عليسه لمثله العلى ،وللهدف السسامي
الذي كرس نف سه من أجله ،هو الذي حمله على مغادرة كو با ،ب عد ما تح قق الظ فر في ها
للشعب ،كيما يذهب مرة أخرى إلى "ما وراء الحدود" إلى ميادين جديدة للنضال يواصل
الرسسالة التسي يحملهسا .ولذا كان غيفارا قدوة ،قدوة للثورة فسي كسل مكان ،قدوة لطلئع
32
أرنستو تشي غيفارا
الشعوب المناضلة في كل صقع من أجل حقها في الحياة ،من أجل مكان ها اللئق تحت
الشمس ،من أجل غدها المشرق السعيد...
وإن هذه القدوة الرائ عة ،هذه القدوة ال تي هي ملء الب صار وال سماع والفئدة ،هذه
القدوة التي وضعها الثوار في كل مكان ،في أميركا اللتينية وفي آسيا وإفريقيا ،نصب
أعينهسم ،هسي بالضبسط مسا سسعى المسستعمرون وأجراؤهسم ،ول يزالون يسسعون ،للقضاء
عليهسا .فمنسذ غادر غيفارا كوبسا جعلت المخسبرات الميركيسة كلهسا البحسث عنسه والسسعي
للقضاء عليسه ،وكان العملء فسي منظمسة الشعوب الميركيسة الخاضعسة لشرافهسا أدوات
التنفيذ في هذه المؤامرة الجرامية .وإذا هم نجحوا أخيرا ،بفعل المصادقات والخيانة ،في
القضاء على جسد غيفارا ،فإنهم لن ينجحوا قط في القضاء على روحه ،على عمله ،على
القدوة التي صنعها من أجل الخرين.
لقد كانوا يخافونه ..كانوا يخافونه حيا ،وهو ل يبرحون يخافون الن ،بعدما توصلوا
إلى حذف جسسده .ولقسد أشارت جميسع الدلة إلى أن غيفارا وقسع أسسيرا ،بعدمسا أصسيب
بجروح بلي غة ،وبعد ما تعطلت بندقي ته من جراء إ صابتها بطلق ناري ،في معر كة جرت
ب ين بض عة ثوار بوليفي ين وقوات نظام ية تفوق اللف وخم سمائة جندي في عدد ها .و ما
كان يمكن ليغيفارا ،كما يقول كاسترو ،أن يستسلم حيا ..لكن رفاقه القلئل حين شاهدوه
جريحا ،ا ستماتوا في المقاو مة و في الدفاع ع نه ،فا ستمرت المعر كة ب ين هؤلء الرجال
الستة عشر وقوات الجيش النظامي البوليفي قرابة ست ساعات ،وهو شيء ل يمكن أن
يحدث فسي حرب النصسار مطلقا .لكسن غيفارا جرح جروحا بليغسة بحيسث ل يسستطيع
النسحاب ،وتعطلت بندقيته بحيث ل يستطيع أن يضع حدا لحياته بنفسه .بيد أن الحكومة
الدكتاتورية في بوليفيا ،التي أسرته حيا ،قد أجهزت عليه ،وبعدما أجهزت عليه رفضت
أن ت سلم جث ته لخ يه ،ك ما رف ضت أن تطلع كائنا ما علي ها ،أو على مكان وجود ها .ل قد
دفنوه في مكان مجهول ،ولعلهم أحرقوا الجثة وذروا رمادها في الرياح ،حتى يزيلوا من
الوجود كل أثر له ،فيما يعتقدون ،فل يتحول قبره ،في المستقبل ،إلى محجة للثوريين في
كل مكان ،إلى هيكل يقصده الناس الشرفاء من أنحاء المعمورة الربع ،كي يعبروا عن
جلهم وتقديرهم واحترامهم للثائر الراحل ،وعن حقدهم على القتلة وإدانتهم لهم.
33
مقالت العسكرية
إن المسستعمرين وأذنابهسم ،هؤلء يعرفون بغريزتهسم أن التاريسخ قسد أصسدر حكمسه
عليهم م سبقا على حد تعبير فيدل كا سترو ،يخافون غيفارا حتى ب عد وفاته ،ف هم يريدون
أن يحرموا الحر كة الثور ية – وبالخا صة في أمير كا اللتين ية – من الر مز ،يريدون أن
يطفئوا الشعلة ،ويحسبون أنهم بذلك يضربون الحركة الثورية ويزعزعونها.
ويقول فيدل كاسسترو بالنسص الواحسد" :مسن ذا يسستطيع أن ينكسر شدة الضربسة التسي
تعر ضت ل ها الحر كة الثور ية من جراء موت ت شي ،و من جراء انعدام إمكان ية العتماد
على خبرته ،وعلى إلها مه وعلى قوة سمعته ال تي كان الرجعيون يرتعشون من ها ذعرا!
إنها ضربة شديدة ،ضربة بالغة القسوة .لكننا على يقين مع ذلك من أنه أشد قناعة من
أي إنسان آخر بأن حياة البشر الحكمية ليست الشيء الهم ،بل إن سلوكهم هو الذي يأتي
فسي المرتبسة الولى ..وهذا وحده هسو مسا يفسسر ازدراءه المطلق للخطسر ،وهسو الشيسء
الوحيد الذي يتلءم مع شخصيته ومع عمله"...
ولذا فإن الحر كة الثور ية ،انطلقا من هذه الحقي قة ،ستعرف ك يف تحول هذه القدرة
إلى قوة ل تقهسر ،وكيسف تسستلهمها لتسسير قدما إلى المام ،دونمسا تردد ،وبصسلبة أشسد
وعزيمة أمضى.
34
أرنستو تشي غيفارا
ل ،لم ي مت غيفارا ،بل هو حي في أفئدة جم يع الثوري ين ،جم يع الناس الط يبين،
جميسع الناس الشرفاء فسي سسائر أنحاء العالم ،وإن صسرخته لتدوي فسي أسسماع الجميسع،
هادرة ،شاحذة الهمم ،وحافزة إلى العمل المستمر:
"ل يهمني أين ومتى سأموت ،لكنه يهمني أن يبقى الثوار قائمين ،يملون ضجيجا
حتى ل ينام العالم بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين؟
35
مقالت العسكرية
القسم الول
36
أرنستو تشي غيفارا
لم يكن الظفر المسلح الذي أحرزه الشعب الكوني على طغيان باتيستا 7لينحصر فقط
فسي النصسر الملحمسي الذي سسجله المراقبون فسي العالم أجمسع ،بسل كان كذلك انقلبا فسي
العقائد القديمسة حول سسلوك الجماهيسر الشعبيسة فسي أمريكسا اللتينيسة .وقسد برهسن بشكسل
ملموس أن شعبا يستطيع ،بالغوار ،أن يتحرر من حكومة تضطهده.
ونحن نرى أن الثورة الكوبية قد رفدت الحركة الثورة في أمريكا بثلثة إسهامات إذ
أثبتت ما يلي:
ثانيا – ل ينبغسي النتظار دوما حتسى تجتمسع كافسة الظروف للقيام بالثورة ،إذ يمكسن
للبؤرة الثورية أن تفجّر هذه الظروف الثورية.
ثالثا – ينب غي في النحاء المتخل فة من أمري كا ،اتخاذ الر يف ميدانا أ ساسيا للنضال
المسلح.
تتعارض النقطتان الوليان مع المو قف التريّ ثي الذي يق فه ثوريون أو أشباه ثوري ين
م من يتذرعون لعطالت هم بدعوى أن شيئا ل يم كن محاول ته ضد الج يش النظا مي ،ناه يك
عسن أولئك الذيسن ينتظرون أن يلقوا كافسة الظروف الموضوعيسة والذاتيسة وقسد اجتمعست
ب صورة آل ية ،دون ما اهتمام بتعجيل ها .إن هات ين الحقيقت ين اللت ين ل مجال لنكاره ما قد
كان باتيستا Fulgencio Batistaرقيبا في الجيش الكوبي ،تزعم حركة رجعية عام ،1952 7
فاستولى على السلطة وفرض طغيانا عسكريا داميا على كوبا دام 7سنوات ،حتى اضطر إلى الفرار يوم
،1959 / 1 / 1أمام زحف الجيش الثائر ومد الثورة الشعبية.
37
مقالت العسكرية
غدتا واضحتين تماما ،إل أنهما قد نوقشتا في كوبا في الماضي وربما هما تُناقشان الن
في أمريكا اللتينية.
ومسن الطسبيعي أن الحافسز الذي تشكله بؤرة الغوار ل يكفسي وحده لسستجماع كافسة
الظروف اللزمسة للثورة .بسل ينبغسي العتبار دوما بأن إنشاء البؤرة الولى وتوطيدهسا
يقتضيان حدا أدنسى مسن الظروف المؤاتيسة .فينبغسي إذا أن يسبرهن للشعسب بوضوح تعذر
الستمرار في النضال المطالبي في إطار الشرعية .إن ما يخل بالسلم هو بالضبط أن
قوى الضطهاد تحتفظ لنفسها بالسلطة ضد الحق.
وسسوف يجسد اسستياء الشعسب ،في مثسل هذه الظروف ،تعسبيرا عسن ذاتسه يزداد قوة،
وسيأتي الوقت الذي تتبلور فيه المقاومة في نطفة 8من نضال يثيرها في الصل موقف
السلطات.
عندما تصل إحدى الحكومات إلى السلطة عن طريق استشارة شعبية ،مزيفة أو غير
مزي فة ،وتحا فظ ولو في الظا هر على الشرع ية الد ستورية ،فإن بذرة الغوار ل يم كن أن
تنتش 9لن كافة إمكانات النضال الشرعي لما تستنفد بعد.
أمسا السسهام الثالث ،فهسو على الصسعيد الريادي .10ويجسب اعتباره تحذيرا للذيسن
ي ستندون إلى مقاي يس عقيدية ،11فيدّعون ترك يز نضال الجماه ير على الحركات المدن ية،
نا سين تماما م ساهمة الفلح ين العظي مة في حياة كا فة البلدان المتخل فة من أمري كا .ل يس
المسر اسستصغارا لنضال الجماهيسر العماليسة المنظمسة ،إنمسا هسو تحليسل إمكانانتسا تحليلً
واقعيا ،في ظروف النضال المسلح الصعبة ،حيث تصاب الضمانات التي ترافق دساتيرنا
عادة ،بالتعط يل أو التجا هل .ينب غي عندئذ أن تغدو الحركات العمال ية سرية وأن توا جه
النطفة :الشكل الولي للكائن الحي ،قبل ظهور معالم خلقه. 8
الريادة :الخطة التوجيهية العامة المؤدية إلى الظفر بالهداف الحيوية في مرحلة معينة من التاريخ. 10
وتستعمل الكلمة في مختلف ميادين الحياة العامة كالقتصاد والسياسة والحرب( .الستراتيجية).
العقيدة :نسبة إلى العقيدة .والعقيدة هي ما يؤمن به المرء دون النظر في البرهان عليه( .الجمود 11
العقائدي ،الدوغمائية).
38
أرنستو تشي غيفارا
دون سلح أخطارا هائلة في و ضع عدم الشرع ية .أ ما في الر يف ،فالمو قف ل يس على
ذات القدر من الصعوبة ،لن المغاوير المسلحين يدعمون السكان ،في أماكن يستحيل أن
تطالها قوى القمع.
سوف نتوسع في التحليل بدقة في ما بعد .ولنلحظ منذ الن في مطلع هذا الكتاب،
الستنتاجات الثلثة النفة ،التي تؤلف في رأينا ،الشيء الساسي في مساهمتنا.
تتصسف حرب الغوار ،أسساس النضال الشعسبي ،بمميزات ووجوه متباينسة جدا ،وإن
كانت تستمد دوما من إرادة التحرر ذاتها .من الواضح – وقد قالها النظريون جيدا – أن
الحرب تستجيب إلى سلسلة معينة من القوانين العلمية ،وأن من يخالفها يتحتم فشله .إن
الغوار هو أحد أطوار الحرب النهجية ،12وينبغي أن تحكمه قوانينها كافة ،إلَ أنه يشتمل
إضافة ،وبسبب طابعه الخاص ،على قوانين لحقة ينبغي الرضوخ لها .من الطبيعي أن
تحدد الظروف الجغرافيسة والجتماعيسة لكسل بلد مسا هسي القوالب الخاصسة التسي ترتديهسا
حرب الغوار فيه ،غير أن هذه القوانين الساسية صحيحة لكل نضال من هذا النمط.
نقصد الن إلى إيجاد السس التي يقوم عليها هذا النمط من النضال ،والقواعد التي
ينب غي أن تتبع ها الشعوب الباح ثة عن تحرر ها .إن مق صدنا هو تحو يل الممار سة إلى
نظرية واتسجلء بنية هذه التجربة وتعميمها لفائدة الخرين.
النهجي :ما يسير عليه اللحقون على نهج السابقين( .التباعي ،الكلسيكي). 12
الضباطة :التقيد الطوعي بالنظمة والقرارات ،وذلك بصورة متبادلة بين الجماهير والهيئات المسؤولة. 13
(النضباط ،الديسيبلين).
الغوّارة :الوحدة الساسية في جيش الغوار. 14
39
مقالت العسكرية
عدديا مسن الجيسش النظامسي الذي تقاتله ،رغسم أن قوّة نارهسا اضعسف منسه .لذلك ينبغسي
اللجوء إلى حرب الغوار لد فع الضطهاد ،م تى تو فر تأي يد غالب ية ال سكان ،مع كم ية من
السلحة في منته الضآلة.
تتم تع الغوارة حينئذ بالتأي يد الشا مل من ال سكان المحل ين وهذا شرط ل تقوم بدو نه.
يبدو ذلك واضحا إذا أخذ نا مثال ع صابات قطاع الطرق ال تي تع مل في منط قة ما .لهذه
الع صابات كا فة مميزات ج يش الغوار :التما سك ،واحترام الرئ يس ،والشجا عة ،ومعر فة
الرض ،وفي أحيان كثيرة ،تقدير جريء لل صِيالة15الواجب اتباعها ،ول ينقصها إل تأييد
الشعب :فل مفر لهذه العصابات من أن تعزلها الضابِطة أو تبيدها.
ب عد أن حلّل نا صِيالة العمليات في حرب الغوار ،وش كل الكفاح في ها ،وب عد أن فهم نا
أن الشعسب هسو مسستندها ،بقسي أن نتسساءل :مسن أجسل ماذا يناضسل المغاور؟ فنصسل إلى
النتيجسة المحتومسة وهسي أن المغاور مصسلح اجتماعسي ،وأنسه يحمسل السسلح اسستجابة
لستنكار الشعب الكامن ضد مضطهِديه ،وأنه يقاتل لتغيير النظام الجتماعي الذي يبقي
على إخواته العزّل في الهوان والبؤس .إنه يهاجم المؤسسات الخاصة بعصر معين ،لكي
يحطم بنيانها ،بكل ما تتيح له الظروف من قوة.
سوف نرى متى حللنا صِيالة حرب الغوار بعمق أكبر ،أنه ينبغي للمغاور أن يعرف
الرض تمام المعرفسة ،وكذلك مسسالك القدوم والنكفاء ،وإمكانات المراوغسة السسريعة،
وأمكنسة الختباء ،والتأييسد الشعسبي طبعا .يدل كسل ذلك على أن المغاور سسوف يمارس
عمله في بيئة ريفية قليلة السكان ،وفي المكان المفضل لكفاح الشعب من أجل مطاليبه،
كل ذلك في تطلع يكاد ينحصر بتغيير البنيان الجتماعي لملكية الراضي .بعبارة أخرى،
إن المغاور هو قبل كل ش يء ثائر زراعي .إنه يتر جم رغبة جماه ير الفلح ين ال كبرى
في امتلك الرض ،امتلك و سائل إنتاج هم ودواب هم و كل ما رغبوا ف يه سنوات طوالً،
وما يؤلف حياتهم كما يؤلف الرض التي سوف يموتون فيها.
الصيالة :كيفية الوثوب على العدو واللتحام به ،في الحرب والسياسة ،وجملة الساليب والفنون 15
40
أرنستو تشي غيفارا
ينبغي التدقيق في أن ثمة نمطين مختلفين من حرب الغوار :أحدهما وهو حالة ذلك
النضال الذي يتمم عمل الجيوش النظامية الكبرى – مثل نضال النصار الوكرانيين في
التحاد السسوفياتي ،ول يتناوله تحليلنسا .النمسط الخسر وحده هسو الذي يهمنسا :إنسه حالة
جماعسة مسسلحة تتقدم فسي النضال ضسد السسلطة القائمسة ،سسواء أكانست اسستعمارية أم ل،
وت ستقر في مأرز 16وح يد ،وتنت شر في الو ساط الريف ية .ومه ما كان البناء الفكري الذي
يلهم النضال ،فإن أمنية امتلك الرض هي ما يؤلف أساسه القتصادي.
بدأت صين ماوتسي تونغ في الجنوب بنضال نَوَى عمالية منيت بالهزيمة وأشرفت
على البادة .إنهسا لم تترسسخ وتشرع فسي سسيرها الصساعد إل بعسد المسسيرة الكسبرى فسي
مقاطعة يونّان ،عندما استندت إلى الرياف واعتمدت الصلح الزراعي أساسا لمطالبها.
وكان نضال هوشسي منسه فسي الهنسد الصسينية يسستند إلى الفلحيسن زارعسي الرز الذيسن
يضطهدهم النير الستعماري الفرنسي ،وأخذ هذا النضال يتقدم بمؤازرة هذه القوى حتى
هزم ال ستعماريين .و في كل الحال ين ،وعلى الر غم من المعتر ضة ال تي شكلت ها الحرب
الوطنية ضد المعتدين اليابانيين ،فإن الساس القتصادي ،وهو النضال من أجل الرض،
لم يختفسِ .وفسي حالة الجزائر ،فإن اسستثمار مليون مسستعمر فرنسسي لراضسي الجزائر
القابلة للزراعة كلها تقريبا ،هو الملحق القتصادي بالفكرة العظيمة للقومية العربية .وفي
بلدان أخرى مثسل بورتوريكسو ،حيسث لم تسسمح الظروف الخاصسة بهذه الجزيرة بنشوء
حرب الغوار ،فإن الروح القومسي الذي يجرحسه التمييسز كسل يوم أبلغ الجراح ،يقوم على
تطلع الفلح (وإن تسم اسستكداحه 17فسي أحيان كثيرة) إلى الرض التسي سسلبه إيا ها الغزاة
اليانكي 18وكانت هذه الفكرة المركزية ذاتها ،في ظروف مختلفة ،هي التي تلهب صغار
المأرز :مكان العتصام ،المنطقة التي تتخذها الثورة قاعدة تقيم فيها الحكم قبل غيرها وتستند إليها 16
اليانكي :كناية عن سكان الوليات المتحدة المريكية ،بمظهرهم الستعماري تجاه الشعوب الخرى. 18
41
مقالت العسكرية
المالكيسن ،والفلحيسن ،والعبيسد ،فسي مزارع كوبسا الشرقيسة ،عندمسا تنادوا للدفاع معا عسن
حقهم في امتلك الرض إبان حرب التحرر ذات العوام الثلثين.19
الحرب هي دوما صراع ي سعى كل خ صم ف يه لفناء ال خر .وللو صول إلى ذلك
يلجأ ،إضافة إلى القوة ،لكافة الساليب ،كافة الحيل الممكنة.
ول تعدو الريادة والمهانة 22أبدا إيضاح الهداف التسي ارتسسمها كسل مسن الخصسمين
لنف سه ،والو سائل ال تي ي ستعملنها لبلوغ الهداف .وتشت مل هذه الو سائل على ا ستعمال
كا فة نقاط الض عف لدى العدو .فإذا ما حلّل المرء واحدة من حروب التحا صُن ل حظ أن
خاض الشعب الكوبي حروبا طوال القرن التاسع عشر للتحرر من الستعمار السباني ،كانت تغرق 19
كل مرة بالدماء .وأهمها هي حرب التحرر الكبرى التي دامت ثلثين عاما ،بين 1868و ،1898وأنتهت
بزوال السيطرة السبانية عن كوبا.
حرب التحاصُن :شكل حرب النهجية بين الجيوش النظامية ،حيث يسعى كل من الفريقين إلى تحصين 20
نفسه والستيلء على حصن عدوه .ويظهر هذا الشكل من الحرب بالنسبة للجيش الثوري في المرحلة
الثالثة من الحرب الشعبية الثورية( .حرب المواضع ،حرب الخنادق).
نسبة إلى الرهبنة اليسوعية (الجزويت أو "جمعية يسوع") ،التي يعزى إليها مثل ذلك. 21
المهانة :جملة الوسائل والفنون الخاصة بمهنة أو صناعة( .التكنيك ،التكنولوجيا). 22
42
أرنستو تشي غيفارا
كسل سسرية فيهسا مأخوذة على انفراد يتميسز عملهسا بمميزات حرب الغوار ذاتهسا :تأثيسر
المفاجأة ،الخداع ،العمل الليلي .وإذا لم تستعمل هذه الصيالة ،فمرد ذلك إلى تعذر مداهمة
العداء الساهرين .ولما كانت الغوارة بحد ذاتها جماعة مسلحة وإن ثمة مناطق واسعة
ل يراقبها العدو ،فيمكن إحداث تأثير المفاجأة دوما ،ومن واجب المغاوير أن يفعلوا ذلك.
من الثابت أن حرب الغوار تؤلف أحد أطوار الحرب ،فل يستطيع هذا الطور وحده
أن يؤدي إلى الظ فر .إ نه أ حد الطوار الولى من الحرب ،و سوف يتطور ح تى يكت سب
الج يش الثائر ،إبان نموه الم ستمر ،مميزات ج يش نظا مي .يكون قد ته يأ ع ند ذلك لن
يكيسل الضربات النهائيسة للعدو وأن يظفسر .فإذا كان النضال فسي البدء مسن شأن غوّارة
واحدة ،فالظفر سيكون دائما من شأن جيش نظامي.
ومثل ما ينب غي في الحرب الحدي ثة ،أن ل يموت اللواء قائد فر قة على رأس جنوده،
ينبغي كذلك للمغاور الذي هو لواء نفسه ،أن يصون حياته .إنه مستعد لعطائها ،غير أن
الوجه اليجابي من حرب الغوار هو بالدقة أن كل مغاور مستعد للموت ليس دفاعا عن
مثسل أعلى ،بسل لتحويسل المثسل العلى إلى حقيقسة .هذه هسي قاعدة نضال الغوار وعيسن
جوهره :إنها المعجزة التي تجترح ها جماعة صغيرة من الر جل ،و هم الطليعة الم سلحة
للجمهرة الشعبيسة الكسبرى التسي تؤازرهسم ،إذ يتطلعون إلى مسا وراء الهدف الصسيالي
المباشسر ،ويجهدون بثبات لتحقيسق مثسل أعلى ،لهدم البنيان القديسم ،لقامسة مجتمسع جديسد
وإحقاق العدالة الجتماعية أخيرا.
وإذا ما نظر نا لل مر من هذه الزاو ية ،فإن كل ما كان مدعاة لحكام مشو بة بالذم،
ي ستنير بنور جد يد وي جد تبريره في عظمة الغا ية التي ي صبو إلي ها المغاو ير .فل يس في
43
مقالت العسكرية
ال مر و سائل ملتو ية لبلوغ ها .فهذا ال سلوك في النضال الذي ي جب أن ل يخ بو لح ظة،
وهذه الصسرامة فسي مواجهسة المسسائل الكسبرى المرتبطسة بالهدف النهائي ،همسا عظمسة
المغاوير.
44
أرنستو تشي غيفارا
يُق صد بالريادة ،في ال صطلح الع سكري ،تحل يل الهداف ال تي ي جب بلوغ ها،تبعا
لوضع عسكري عام ،والوسائل المؤدية إلى هذه الهداف.
ولتقديسر الريادة تقديرا صسحيحا ،مسن وجهسة نظسر حرب الغوار ،يلزم القيام بتحليسل
أ ساسي ل سلوك العدو .فإذا ما ات ضح أن الهدف النهائي للج يش النظا مي هو إفناء القوى
ل نهجيا ينب غي للعدو أن
المعاد ية له ،فإن حربا أهل ية من هذا الن مط تم ثل ال مر ل نا تمثي ً
يعمسد إلى إفناء كافسة أعضاء الغوارة إفناءً شاملً .وبالمقابسل ينبغسي للمغاور أن يحلل
الوسائل التي يعتد بها العدو لدراك هذا الحل ،الوسائل التي يستطيع العدو اعتمادها من
رجال ،وجؤول ،23وتأييسد شعسبي ،وتسسلح ،وحسسن قيادة ينبغسي ان تتكيسف ريادتنسا
باسستنتاجات هذا التحليسل ،دون أن تُسسقِط مسن اعتبارهسا أبدا أن الهدف النهائي هسو إنزال
الهزيمة بالعدو.
ثمسة أوجسه أسساسية ينبغسي درسساتها ،مثلً :السسلح ،وكيفيسة اسستعماله ،والتحليسل
المضبوط لدر جة فعال ية دبا بة أو طائرة في صراع من هذا النوع ،والب حث عن معر فة
أسسلحة العدو وذخائرة وعاداتسه .فالسسلح الموجود لدى العدو هسو بالضبسط منبسع تمويسن
الغوار وإذا أم كن الختيار ،في سفضل ن مط ال سلح الذي ي ستخدمه الج يش النظا مي ،لن
أكبر أعداء الغوار هو فقدان الذخيرة ،وهو ما ينبغي تداركه من العدو ذاته.
بعد تحليل وتدريج الهداف التي يجب بلوغها ،يلزم تحديد المراحل لتحقيق الهدف
النهائي ،و هي مرا حل يو ضع توقّ ع ب ها ،إل أن ها تتعدل إبان ال صراع وتتك يف بالظروف
غير المتوقعة التي يحتمل نشوؤها.
45
مقالت العسكرية
الش يء الجوهري بالن سبة للمغاور ،في الطور الول ،هو أن ل يدع نف سه ُيبَاد .من
ثسم ورويدا ،يزداد يُسسرا لعضاء الغوارة أو الغوارات المختلفسة أن يتكيفوا بطراز الحياة
هذا ويعتادوا الهروب بسسهولة وتخليسف القوى المرسسلة فسي أعقابهسم .بعسد بلوغهسم هذا
الهدف ،الذي يتم سوية مع اتخاذ المواقع التي تعصم المغاوير من أن تطالهم يد العدو (أو
مع النجاح في تأليب 24قوى كافية ل َفلّ عزيمة العدو من أي هجوم) ،ينبغي الشروع عندئذ
بإضعاف العدو تدريجا .أولً في أقرب المكنة إلى مواضع المكافحة العنيفة ضد الغوار،
ثسم فسي أرض العدو ،بمهاجمسة مواصسلته ،وإرهاق مآرِز عملياتسه أو مآرِزه المركزيسة،
والكثار من التخريب جهد المستطاع ،تبعا للوسائل المتوفرة.
ينبغسي الضرب باسستمرار .يجسب عدم ترك جندي العدو يغمسض جفنسه فسي منطقسة
العمليات .يجب مهاجمة المخافر وتصفيتها بطريقة منهجية .يجب إعطاء العدو النطباع
ل في الرض
شجِرة ،ولي ً
بأنه مطوّق في كل لحظة ،ويتم ذلك نهارا في الرض الوعرة ال َ
المنب سطة أو سهلة الم سلك للدوريات .يقت ضي كل ذلك تعاون ال سكان تعاونا كليا ،ك ما
يقت ضي معر فة كاملة بالرض .يتبادر هذان الشرطان إلى الن ظر في كل دقي قة من حياة
المغاور .لذلك ينبغسي إقامسة مراكسز دراسسة لمناطسق العمليات الحاليسة أو المسستقبلة،
والنهوض فسي الوقست ذاتسه بعمسل جماهيري كثيسف ،مسع شرح دواعسي الثورة وغاياتهسا،
ونشر الحقيقة التي ل مراء فيها وهي أنه يستحيل ،في النهاية ،الظ فر على الشعب .إن
من ل يشعر بهذه الحقيقة المطلقة ل يمكن أن يكون مغاورا.
يجب في البدء أن يحمل هذا العمل محمل الكتمان .يجب أن يطلب من كل فلح من
كل فرد من المجت مع الذي نع مل ف يه ،أن ل يبدي أي تعل يق ع ما يرى أو ي سمع .وي تم
البحث في وقت لحق عن مساعدة السكان الذين تتوافر أمتن الضمانات عن إخلصهم
للثورة .ويُسستخدمون مسن ثسم فسي مهمات الرتباط ونقسل البضائع أو السسلحة ،ويفيدون
كأدِلء فسي المناطسق التسي يعرفونهسا .ويمكسن الوصسول أخيرا إلى عمسل جماهيسر سسبق
تنظيمها في مناطق النشاط ،وتكون نتيجته النهائية الضراب العام.
اللب :الجماعة المجتمعة على غاية واحدة ول سيما في الخصومة لفريق آخر.
46
أرنستو تشي غيفارا
الضراب عامل في المقام الول من الهمية في الحرب الهلية .لكن الوصول إليه
يستلزم سلسلة من العوامل الثانوية .وهذه العوامل ليست حاضرة دائما ول تتوفر بصورة
عفوية إل في حالت قليلة جدا .ينبغي استحداثها بشرح دواعي الثورة ،بالتدليل على قوة
الشعب الحقيقية وإمكاناته.
ويم كن ال ستعانة أيضا بجماعات معي نة ،شديدة التجا نس .فب عد أن تكون قد أثب تت
فعاليت ها في أعمال أ قل خطرا ،تبدأ بأعمال التخر يب .إ نه سلح ماض آ خر في حرب
الغوار :يمكسن بسه إنزال الشلل بجيوش كاملة ،والضراب فسي الحياة الصسناعية لحدى
المنا طق ،وحرمان سكان مدي نة من الع مل والماء والمو صلت وإرغام هم على هجران
الشوارع إل في ساعات معينة.
فإذا مسا تسم التوصسل إلى ذلك تدنست معنويات العدو أكثسر فأكثسر ،ومعهسا معنويات
وحداته المقاتلة ،وتماثلت الثمرة إلى النضج لقطافها في اللحظة المرغوبة.
يفترض ذلك أن تكون الرض التسي أدركهسا نشاط الغوار قسد اتسسعت سسابقا ،لكنسه
ل يبالغ أبدا في تو سيعها .ي جب الحتفاظ دوما بمأرِز عمليات قوي والسستمرار
ينبغسي أ ّ
في توطيده طوال مدة الحرب .ي جب تلق ين سكان المنط قة ،والحتراز من أعداء الثورة
الِلدّة ،واسستكمال كافسة الوسسائل الدفاعيسة البحتسة ،دا خل هذه الرض ،كالخنادق واللغام
والموصلت.
ومتسى بلغست الغوار قِواما ذا شأن مسن سسلح ورجال ،عليهسا أن تجنسح إلى تشكيسل
أرتال جديدة .وعلى نحو ما يحصل في خلية النحل ،حيث تنفصل ملكة جديدة في وقت
معين ،وتذهب في جزء من الثول ،فإن الخلية الم في الغوارة ،مع أهم قائد فيها ،تمكث
في المنط قة ال قل خطرا ،بين ما تتو غل الرتال الجديدة في منا طق عدوة أخرى ،و فق
النهوج 25الذي وصفناه.
ويأتسي وقست تصسبح فيسه الرض التسي تحتلهسا الرتال المختلفسة أصسغر مسن أن
تستوعبها ،في حين توجه هذه الرتال قوى عاتية إبان تقدمها نحو المناطق التي يقبض
النهوج :التقدم على نهج .والمقصود به سير حادثة إبان تطورها. 25
47
مقالت العسكرية
عليها العدو قبضا شديدا .في هذه الحالة ،تتألب الرتال ،وتكافح في جبهة متراصة ،فإذا
بهسا حرب تحاصسن ،حرب جيوش نظاميسة ،غيسر أن جيسش الغوار القديسم ل يسستطيع
النفصسال عسن مأرِزه .ينبغسي عندئذ تشكيسل أرتال غواريسة جديدة وراء خطوط العدو،
تنهج مثل سابقتها وتتوغل شيئا فشيئا في هذه المنطقة الجديدة حتى تسيطر عليها.
وبذلك نصسل على مرحلة الهجوم ،محاصسرة المواضسع ،وإنزال الهزيمسة بإمدادات
العدو ،ن صل على نشاط الجماه ير المتزا يد شدّ ًة كل يوم في سائر أرجاء الو طن ،وإلى
هدف الحرب النهائي :الظفر.
48
أرنستو تشي غيفارا
إن ها مت مم الريادة و هي ،على ن حو ما ،وضع ها مو ضع التنف يذ .فالو سائل ال صيالية
أكثر قابلية للتحول وأكثر مرونة بكثير من الهداف النهائية ،وعليها أن تتكيف بكل واحد
مسن ظروف الصسراع .وخلل حرب واحدة ،توجسد ثمسة أهداف صسيالية ثابتسة وأخرى
متحولة .وينبغي قبل كل شيء مراعاة تصويب نشاط الغوّارة على نشاط العدو.
جؤول الغوارة هو مائزتها 26الساسية ،وهو يسمح لها أن تصل بدقائق معدودة بعيدا
عن مكان العمل ،وإذا لزم المر ،أن تغدو في بضع ساعات بعيدة عن منطقة العمليات،
فيت يح ل ها ذلك أن تغ ير جبهت ها با ستمرار وتتج نب كل تطو يق .وح سب أطوار الحرب
المختلفسة ،تسستطيع الغوارة أن تمارس التراجسع فقسط للفلت مسن الطوق .التطويسق هسو
الو سيلة الوحيدة لرغام الغوارة على خوض معر كة حا سمة تكون غ ير مؤات ية ل ها على
نحو بليغ .كما يمكّن الغوارة أيضا أن تخوض قتالت لتضاد التطويق :يدع فريق صغير
من الرجال نفسه ليطوقه العدو في الظاهر ،بينما يجد العدو نفسه فجأة وقد طوقته قوى
تفو قه عدّا .أو يُ ستخدَم الفر يق ال صغير من الرجال المتح صّن في مو ضع من يع ،كط عم،
بينمسا يتسم تطويسق وإبادة العتاد وكافسة الجنود التيسن لنجدة الجيسش النظامسي .تسسمى هذه
الحرب الجائلة "مينوي تو" ت شبيها ل ها بالرق صة ال تي تح مل ال سم ذا ته .يحا صر المغاو ير
ل عدوا إبان ال سير ،واضع ين خم سة أو ستة رجال في كل من الجهات الر بع،
مثلً رت ً
بعيد ين عن بعض هم بعضا بكفا ية ل كي ل يقعوا في التطو يق .تبا شر إحدى هذه الز مر
القتال .فيتركز الرتل العدو عليها تلقائيا .يتراجع هؤلء المغاوير وعندئذ ،مع بقائهم في
49
مقالت العسكرية
تماس بالعدو ويبدأ الهجوم ثانية من زمرة أخرى ،فيجدد الجيش حركته السابقة ويتراجع
المغاو ير ثان ية .يم كن على هذا الن حو دون خ طر كبير ،تجم يد ر تل عدو وجعله ي ستنفد
كمية كبيرة من الذخيرة وتحطيم معنوياته.
تطبق المهانة ذاتها في الليل ،لكن بمزيد من القتراب ،ومن الهجومية ،لن التطويق
آنئذ أ صعب .الع مل الليلي هو مائزة ها مة أخرى لحرب الغوار :إ نه ي سمح بالتقدم أقرب
ما يم كن من الموا ضع المز مع مهاجمت ها ،وبالتجول في المنا طق غ ير المعرو فة جيدا
ح يث تو جد مخا طر الوشا ية .من المفهوم ،نظرا لقلة العدد ،أن هذه الهجمات ل بد من
وقوعها دوما بالمفاجأة ،وهذا ما يهب تفوقا عظيما ويتيح للمغاوير إنزال الخسائر بالعدو
دون مقا بل في صفوفهم .ف في قتال ي قف ف يه مئة ر جل في جا نب وعشرة في الجا نب
الخر ،ل يمكن أن تتعادل الخسائر .خسائر العدو قابلة التعويض في كل لحظة ،وهي،
إذا استرسلنا في مثالنا ،توافق % 10من العدد .أما خسائر الغوارة فإن تعويضها يستلزم
وقتا أطول لن المغاور جندي ذو تخصسص عال وخسسارته تعادل % 10مسن مجموع
العدد.
ل يُترك جندي ميست مسن الغوار أبدا طريحا بسسلحه وذخيرتسه ،ومسا أثمنهمسا فسي
النضال .إن واجسب كسل مغاور ،عندمسا يصسرع أحسد رفاقسه ،هسو أن يسستعيد السسلح
والذخيرة .فالعنا ية ال تي تبذل للذخيرة ،والمدارة ال تي تحاط ب ها ،ه ما بالض بط مم يز آ خر
لحرب الغوار .فيمكسن فسي قتال بيسن غوارة وقوة نظاميسة ،تحديسد هويسة الطرفيسن مسن
طريقتيهما في إطلق النار :تركيز كبير للنار لدى الجيش النظامي ،ورمي متباعد ودقيق
لدى المغاوير.
وقد حدث أن أحد أبطالنا ،وهو متوفى الن ،قد استعمل رشاشه حوالي خمس دقائق
في الر مي 27
دون مباعدة ب ين الرشّات ،فاختلط ال مر على قوات نا من جراء هذه الوهازة
التسي حملتهسم على الظسن أن ذلك الموضسع المفتاح قسد سسقط فسي أيدي العدو .إنهسا إحدى
المناسبات النادرة التي لم نحاول فيها توفير الذخيرة ،نظرًا لهمية النقطة المدافع عنها.
50
أرنستو تشي غيفارا
هناك مائزة جوهرية أخرى للمغاور ،هي قابليته للتكيف بكل الظروف ولتحويل كل
الحوادث العارضسة إلى عناصسر مؤاتيسة .فالمغاور ،إزاء جمود طرائق القتال النهجيسة،
يرتجل صيالته في كل لحظة من النضال ويفاجىء العدو باستمرار.
إن مواضع المغاور هي مطاطة قبل كل شيء .إنها نقاط محددة ل يستطيع العدو أن
يجوز ها ،ونقاط إلهاء .كثيرا ما تل حظ الده شة تعتري العدو عند ما ي تبين له ،من ب عد
تقدمه بانتظام واجتيازه المعاثر بسهولة ،أنه قد أوقف فجأة وتعذر عليه السير ُقدُما .مرد
ذلك إلى أن المغاويسر يتخذون مواضسع ل تُنَال ،إذا مسا أتيسح لهسم إجراء دراسسة جديسة
للرض .ليس المهم هو عدد المهاجمين ،بل المهم عدد المدافعين .فإذا كان عددهم كافيا
أمكن هم أن يقوموا كتي بة ،والنجاح حليف هم في أغلب الحيان ،إن لم ن قل دائما .إن مه مة
القادة ال كبرى هي الحكمة في اختيار المكان والزمان اللذين يمكن الدفاع فيه ما عن أ حد
المواضع حتى النهاية.
تختلف مِهانسة الهجوم هسي الخرى بالنسسبة للغوارة :يبدأ الهجوم مفاجئا ،حانقا ،ل
يرحم ،ليتجمد بغتة في سلبية مطبقة .يتماثل من بقي حيا من العداء إلى الطمئنان ،ظنا
منهسم أن العدو قسد انقلع ،فيرتاحون ويعودون إلى حياة منتظمسة داخسل الثكنسة أو المدينسة
المحا صرة ،فإذا بهجوم جد يد ينف جر ،في نق طة أخرى ،مت صفا بالموائز عين ها .هذا في
حيسن تقبسع معظسم قوى الغوارة تراقسب نجدات العدو المحتملة .وقسد يُشسن هجوم عنيسف
أحيانا على مخ فر يحرس حيا في سقط ب ين أيدي المغاو ير .المفاجأة وال سرعة ه ما الش يء
الجوهري في الهجوم.
إن أعمال التخر يب ذات أهم ية عظي مة جدا .ينب غي التمي يز بوضوح ب ين التخر يب
كوسيلة ثورية عالية النجاعة وبين الرهاب وهو وسيلة يغلب عليها عدم النجاعة بصورة
عا مة و هي ذات نتائج ل يم كن التن بؤ ب ها ،وكثيرا ما تحدث ضحا يا ب ين الناس البرياء،
وتكلف عددا كسبيرا مسن الرواح المفيدة للثورة .يمكسن اعتبار الرهاب وسسيلة مقبولة إذا
استخدم لمعاقبة قائد مرموق من قوى الضطهاد ،إشتهر ببغيه وبفعاليته في القمع وعُرف
51
مقالت العسكرية
أن ثمة فائدة في إزالته من الوجود .ولن يلجأ أبدا إلى إعدام أفراد قليلي الهمية ،يستتبع
موتهم مزيدا من القمع.
هناك نقطة يختلف حولها كثيرون في تقدير الرهاب .يعتبر بعضهم أن مجرد إثارة
الضطهاد المباحثي واستمضائه يعيق كل اتصال علني إلى حد ما – أو نصف سري –
مع الجماهير ،فيجعل إعادة تأليب الجماهير مستحيلة ،من أجل اعمال تضحى ضرورية
في حينها .هذا صحيح بحد ذاته .ولكنه يتفق خلل حرب أهلية ،ولدى سكان معينين ،أن
يكون القمع قد بلغ مبلغا من الشدة ينتفي معه في الواقع أي نوع من العمال الشرعية.
يسستحيل العمسل الجماهيري عندئذ مسا لم يكسن مدعوما بالسسلح .ينبغسي إذا إعارة اهتمام
كبير لختيار الو سائل ال تي ستتّبع ،وتحل يل النتائج المؤات ية ال تي يم كن أن تجر ها هذه
الوسسائل على الثورة .فالتخريسب ،بكسل حال ،هسو دوما مسن أمضسى السسلحة إذا أُحسسِن
استعماله .يجب عدم استخدامه لتعطيل وسائل إنتاجية تدع قطاعا من السكان مشلول ،أي
تحدث البطالة ،دون أن تشل حركة المجتمع المنتظمة .بعبارة أخرى ،فمن المضحك مثلً
تخريب معمل للمرطبات ،28بينما يكون تخريب مركز كهربائي ناجعا ومنصوحا به.
ففسي الحالة الولى يحصسل ترحيسل بضعسة عمال ،لكسن ذلك ل يغيسر مجرى الحياة
ال صناعية في ش يء .أ ما في الحالة الثان ية ،فيح صل ترح يل العمال أيضا ،إلّ أ نه ي جد
تبريره الكامل في الشلل التام لحياة المنطقة .سوف نعود في ما بعد إلى مِهانة التخريب.
الطيران سلح ذو حظوة في الجيش ،لكن ليس له عمل حقيقي في الطور الول من
حرب الغوار ،عندمسا يكون الرجال قلة مبعثرة فسي منطقسة وعرة .يغدو الطيران ناجعا
عندما يخرب بصورة منهجية وسائل الدفاع المنظمة والمرئية ،وليس هذا واقعا في نمط
حرب نا .إ نه نا جع أيضا أثناء سير الرتال ،في الرض ال سهلة أو رديئة الوقا ية ،ولك نه
يمكسن اسستبعاد هذه المسسألة بسسهولة بإجراء السسير ليلً .إن النقسل ،على الطرق أو على
السسكك الحديديسة ،هسو إحدى نقاط ضعسف العدو .يسستحيل عمليا مراقبسة طريسق أو سسكة
حديدية مترا مترا .يمكن وضع شحنة كبيرة من المتفجرات في أي مكان ،فتعطل السبيل،
52
أرنستو تشي غيفارا
أو تنفجر عند مرور ناقلة 29عليها ،فتحدث بالضافة إلى تعطيل السبيل خسارة كبيرة في
الرجال والعتاد.
مصادر المتفجرات متنوعة جدا :يمكن استقدامها من الخارج ،واستعمال القنابل التي
أطلق ها العدو ولم تنف جر ،أو صناعتها في معا مل خف ية دا خل منط قة الغوار .والمِهانات
المتبعة لتفجيرها متنوعة أيضا .وتتعلق صناعة المتفجرات كذلك بظروف الغوارة.
كنا نصنع في معاملنا البارود ونستخدمه كمتفجر ،وقد اخترعنا عدة أجهزة لتفجير
هذه اللغام في الوقت المرغوب .كانت أفضل النتائج تحصل من الجهزة الكهربائية .إلّ
أن أول لغسم فجرناه كان قنبلة ألقتهسا طائرات العدو ،وقسد حشوناهسا بمتفجرات مختلفسة.
أ سنِدَت هذه القنبلة ببندقيسة ربسط بزناد ها مرس .فل ما مرت مدرعسة عدوة شدد نا المرس
ففجرت الطلقة القنبلة.
يمكن إتقان هذه المِهانات إلى حد بع يد ،وقد علم نا أن هم في الجزائر مثلً ي ستعملون
حاليا ضد الح كم ال ستعماري الفرن سي ،ألغاما م سيرة عن ب عد تنف جر على م سافة كبيرة
من نقطة إطلقها باللسلكي.
إن الختباء فسي الدروب لتفجيسر اللغام ثسم إبادة مسن يبقسى حيا هسو مهانسة عظيمسة
المردود للتمون بالسسلح والذخيرة ،لنسه ل يبقسى للعدو وقست لسستخدامها ول للهروب،
فيمكن بلوغ نتائج ذات شأن باستعمال ذخيرة ضئيلة جدا.
تضطر هذه العمال المرهقة العدو إلى تعديل صيالته .وسوف يطفق يجري تنقلته
بأرتال آل ية حقيق ية ول يس في ناقلت منفردة .إلّ أ نه يم كن ،إذا أح سن اختيار الرض،
الو صول إلى ذات النتي جة ،بتقط يع أو صال الر تل وترك يز القوى على ناقلة واحدة م نه.
ينبغسي فسي هذه الحالة عدم التجاوز عسن العناصسر الجوهريسة لصسيالة حرب الغوار:
المعروفة الكاملة بالرض ،ومراقبة سبل التملّص وكافة الدروب الثانوية ،ومعرفة سكان
المنط قة وحيازة تأييد هم الكا مل من أ جل التمو ين والن قل وإيواء الرفاق الجر حى خفيةً،
53
مقالت العسكرية
بصورة مؤقتة أو دائمة ،وأخيرا ،التفوق العددي في نقطة معينة ،وقابلية عظيمة للجؤول،
وتوفر الحتياطات.
فإذا مسا اجتمعست كسل هذه الشروط ،أعطسى الهجوم المفاجىء على سسبل مواصسلت
العدو نتائج ذات شأن.
يؤلف المو قف الوا جب التزا مه تجاه ب ني الن سان كا فة عن صرا جوهريا في صيالة
الغوار .إن كيف ية معاملة العدو ها مة ب حد ذات ها :ي جب أن يكون الهجوم صارما ل هوادة
فيسه ،ومثله الموقسف إزاء كافسة العناصسر الحقيرة التسي تتعاطسى الوشايسة والغيلة .إل أنسه
ينبغي التوسع في الرحمة جهد المستطاع إزاء الجنود الذين يذهبون للقتال قياما – أو ظنا
من هم أن هم يقومون – بواجب هم الع سكري .ل أ سرى ع ند عدم وجود مآرِز عمليات كبيرة
أو أمك نة مني عة .ي جب عندئذ إعادة الحر ية إلى الباق ين أحياء ،ومعال جة الجر حى من هم
بكا فة الوسائل الممكنة .يجب أن يرت كز ال سلوك نحو ال سكان المدنيين على احترام كبير
لكافسة تقاليسد وعادات أهالي المنطقسة ،للتدليسل العملي على تفوق المغاور أخلقيا على
الجندي المضطهِد .و في ما عدا حالت خا صة ،ينب غي عدم إجراء العدالة مجرا ها دون
إعطاء المذنب إمكان الدفاع عن نفسه.
54
أرنستو تشي غيفارا
قلنا في ما سبق إن نضال الغوار لن يجري دائما في الرض الكثر مؤاتاة لتطبيق
صيالة الغوار .إلّ أن الصيالة العامة يجب أن تكون هي هي دائما ،قائمة على المسلّمات
الساسية لحرب الغوار ،عندما يوجد الفريق المغاور في مناطق صعبة المسالك ،كالجبال
الشجِرة أو الوعرة ،أو القفار الممتنعة على السير ،أو المرازغ.30
النقطة المهمة هي :ك يف العثور على التماس بالعدو؟ ك يف الشتباك به؟ فإذا كانت
المنط قة متا هة للج يش النظا مي مناوئة له لدر جة أ نه ل ي ستطيع دخول ها ينب غي أن تتقدم
الغوّارة حتى المناطق السالكة بالنسبة للجيش النظامي ،حيث يمكن القتال.
وم تى انق ضى الطور الول ،و مذ أن تؤ من الغوارة أود ها ،علي ها أن تقا تل .علي ها
لهذه الغاية أن تخرج باستمرار من ملجئها ،لكن ليس لزاما أن تكون عظيمة الجؤول كما
في الرض غ ير المؤات ية ل ها .ي جب أن تتك يف بظروف العدو ،لكن ها ل تحتاج أن تتن قل
ك ما في الرا ضي ال تي ي ستطيع العدو أن يح شد في ها سريعا عددا كبيرا من جنوده .ول
يتحتم أن تكون العمليات ليلية .وفي حالت كثيرة ،يمكن القيام بالعمليات نهارا ،ول سيما
التنقسل .يتعلق كسل ذلك طبعا بيقظسة العدو ،برا وجوا .ويمكسن أن يطول أمسد القتال ،ول
سسيما فسي الجبسل .ويمكسن القيام بقتالت طويلة المسد بعناصسر ضئيلة ،ويُرجّحس جدا أن
يُستطاع منع وصول نجدات العدو إلى ميدان العمليات.
إن مراقبسة المسسالك هسي قاعدة ل يجوز أن ينسساها المغاور أبدا .إلّ أن مصساعب
العدو في تلقي النجدات هي بالذات ما يزيد من هجومية المغاور ،إذ يستطيع أن يدنو من
55
مقالت العسكرية
العدو أك ثر ،وأن يهاج مه بمز يد من المباشرة ،وأن يقاتله جبهيا ول مد أطول .يتعلق كل
ذلك طبعا بظروف شتَى ،بكمية الذخيرة مثلً.
وعلى الر غم م ما للحرب في الرض المؤات ية ،ول سيما في الج بل ،من ح سنات
عديدة ،ثمة محذور يعتريها هو كونها ل تسمح بالستيلء بعملية واحدة على كمية كبيرة
ل ينسسى
مسن السسلح والذخيرة ،لن العدو يتخسذ احتياطات في مثسل هذه البقاع (ينبغسي أ ّ
المغاور أبدا أن العدو هسو مصسدر تموينسه بالسسلح والذخيرة) .وبالمقابسل ،فإن الغوارة
تستطيع أن تستقر في هذه الرض وتتحضر بسرعة أكبر منها في الرض غير المؤاتية،
لتنشىء مأرِزا مركزيا قادرا على الضطلع بحرب التحا صن .إنها تستطيع أن تقيم في
هذه الرض المنشآت الصسغيرة التسي تحتاج إليهسا ،وأن تحميهسا بالشكسل الملئم مسن أذى
الطيران والمدفعيسة بعيدة المدى ،كالمشافسي ومراكسز التعليسم أو التدريسب ،بالضافسة إلى
المخازن ووسائل النشر ...إلخ.
لل
وتستطيع الغوارة في هذه الظروف أن تزيد من قوامها وتستطيع أن تضم رجا ً
يقاتلون ،وح تى أن ت سدي التدر يب للذ ين سوف ي ستلمون ال سلح الذي سوف ي قع ب ين
أيديها في المستقبل.
يتبع عدد الرجال في الغوارة الواحدة لمقاييس مرنة ،وفقا للمكان ،وسهولة التموين،
وفرار الناس المضطهَديسن جماهيريا مسن المناطسق المجاورة ،وتوفسر السسلح ،وحاجات
المنظمة ذاتها .ورفد المقاتلين الجدد هو بكل حال مما يسهل كثيرا عملية التحضر.
يمكسن أن يتسسع قطسر نشاط غوارة مسن هذا النمسط بقدر مسا تسسمح بذلك عمليات
الغوارات الخرى فسي المناطسق المجاورة .غيسر أن هذا القطسر يحسد منسه الزمسن اللزم
ل ليلً ،لن
للذهاب مسن مكان عمليسة إلى منطقسة آمنسة .فإذا حسسبنا أن المسسير ل يجوز إ ّ
ت ستطيع الغوارة أن تقوم بعمل ية على أب عد من خ مس أو ست ساعات من نق طة أمان ها
الدنى .وت ستطيع ز مر صغيرة من المغاوير أن تنت شر طبعا ،منطلقة من منطقة المان
هذه ،وتستشري تدريجيا في المنطقة المجاورة.
56
أرنستو تشي غيفارا
إن السلحة ذات المدى البعيد والستهلك القليل من الذخيرة هي المنصوح بها لهذا
النمط من الحرب .وتدعم بمجموعة من السلحة ذاتية الحركة أو نصف ذاتية الحركة.
و من جملة البنادق والرشيشات المتوفرة في ال سوق المريك ية الشمال ية ،تجدر التو صية
ب صورة خا صة بالبندق ية م – 1ال سماة "غارا ند" ،ال تي ينب غي أن ي ستعملها أناس على
جانب من الخبرة ،إذ من محاذيرها أنها تستهلك كثيرا من الذخيرة .ويمكن في الرض
المؤات ية ا ستخدام أ سلحة ن صف ثقيلة م ثل الرشاشات ذات المن صب الثل ثي ،ال تي تو فر
لسدنتها مجال أمان أكبرَ .بيْ َد أنه ينبغي أن تكون دائما أسلحة للدفاع وليس للهجوم.
والمثل ،من أجل غوارة قوامها خمسة وعشرون رجلً ،هو وجود عشر إلى خمس
عشرة بندق ية من ذات الطل قة الواحدة ،وحوالي عشرة ا سلحة ذات ية الحر كة ،تتدرج من
"الغاراند" إلى المسدسات الرشاشة ،تدعمها أسلحة ذاتية الحركة خفيفة وسهلة الحمل ،مثل
الرشيشات "براوني نغ" أو ال س"ف .أ .ل ".البلجيك ية وال س"م "14 .وه ما أحدث نمطا .و من
بيسن المسسدسات الرشاشسة ،فإن ذات 9مسم هسي المفضلة لنهسا تسسمح بنقسل مزيسد مسن
الذخيرة .وكل ما كان صنعها أب سط كل ما زاد الن صح ب ها ل سهولة تبد يل قطع ها في هذه
الحالة .وبكسل حال ،ينبغسي أن يكون التسسلح مماثلً لتسسلح العدو إذ أن الذخيرة التسي
يستخدمها هو ،هي التي سوف نستخدمها نحن متى وقعت أسلحته في أيدينا .وتهمل على
وجه العموم ال سلحة الثقيلة التي يمكن أن يستخدمها العدو فالطيران ل طائل له ،لنعدام
الرؤية لديه ،والدبابات والمدافع ل كبير جدوى منها لصعوبة التوغل التي تعترضها في
هذه المناطق.
التمويسن أمسر عظيسم الهميسة .فللمناطسق الوعرة ،على العموم ،وبحكسم وعورتهسا
محاذير ،إذ أن الفلحين (وبالتالي التموين المباشر بالمنتجات الزراعية واللحم) فيها قليلو
العدد .ولجتناب فترات الضيسق المزعسج ،ينبغسي الحتفاظ بطرق مواصسلت مسستقرة
لمكان التعويل باستمرار على حد أدنى من الزاد مخزون في أمكنة احتياطية.
57
مقالت العسكرية
وتقسل عموما فسي منطقسة العمليات هذه إمكانات التخريسب الواسسعة النطاق .فهذه
المنطقة ،بحكم قلة مسالكها ،تقل فيها البنية والخطوط الهاتفية وأنابيب المياه التي يمكن
إلحاق الذى بها بالعمل المباشر.
وثمسة وسسائل ارتباط أخرى لم يسستخدمها الغوار فسي كوبسا ،مثسل إشارات الدخان
والمرايا العاكسة للشمس ،الحمام الزاجل.
ينبغي أن يعنى المغاوير بصيانة السلحة والذخائر ،وفوق كل شيء ،أن تكون لهم
أحذ ية جيدة .إن ها ضرورة حيو ية .و هي ما ينب غي أن ت ستهدفه الجهود الولى في الع مل
الحرفي لديهم .لن تكون المعامل في البدء ،إلّ منشآت لتسكيف الحذية العتيقة .ومن ثم،
إبان تنظ يم الع مل ،يم كن إنشاء عدة ورشات ت ستطيع إنتاج الحذ ية بمعدل يو مي ح سن.
إن صناعة البارود بسيطة نوعا ما ،ويمكن إنتاج الكثير منه إذا وجد معمل صغير وإذا
جلبست العدة اللزمسة مسن الخارج .تؤلف الراضسي الملغومسة خطرا بالغا للعدو .فإذا مسا
انفجرت في آن واحد مساحات كبيرة ملغومة ،أمكنها إزهاق مئات الرجال.
58
أرنستو تشي غيفارا
ي ستطيع الر جل أن يق طع في ليل ته ب ين ثلث ين وخم سين كيلو مترا ولك نه ي ستطيع
أيضا أن يسير في ساعات النهار الولى ،إلّ إذا كانت مناطق العمليات غير تابعة تماما
لحمى الغوارة وإذا كان أهل المحلة يشكلون خطرا باحتمال إفشائهم وضع الفرقة والجهة
ال تي اتجهت ها إلى الج يش المعادي .ف في هذه الحال يف ضل دائما الع مل ليلً ،في صمت
مرين قبل العمل وبعده ،ويتم اختبار الهزيع الول من الليل للقيام بالعمل وهنا أيضا قد
تتك شف الح سابات عن خطأ إذ يم كن وجود حالت تف ضل في ها ساعات الف جر .ل يجوز
بأ ية حال تعو يد العدو على ش كل محدد من الحرب ،بل ينب غي تنو يع المك نة وال ساعات
وطرائق العمل باستمرار.
ذكر نا آنفا أن الع مل ل يم كن أن يكون طو يل ال مد ،بل سريعا وبالغ الفعال ية يدوم
بضع دقائق ،ويعقبه النسحاب فورا .ل تكون السلحة المستعملة في هذه الحالة مثلها في
الرض المؤاتية ،ويفضل توفّر أكبر عدد من السلحة ذاتية الحركة :ففي الهجمات الليلية
59
مقالت العسكرية
ليست الدقة هي العامل الحاسم ،بل تركيز الرمي .فكلما كان رمي السلحة ذاتية الحركة
أكثب ،31كلما ازداد احتمال القضاء على العدو.
ثسم إن انفجارات اللغام فسي الطرقات وهدم الجسسور هسي عوامسل رئيسسية .تكون
الهجمات أق صر وأ قل تواترا ،ول كن يم كن أن تكون عني فة جدا .وت ستخدم أ سلحة مختل فة
مثل اللغام السابق وصفها وبارودة الصيد .بارودة الصيد سلح فتاك للناقلت المكشوفة
المستخدمة لنقل الجنود ،أو للناقلت ذات الغشاية التي ليس لها حماية خاصة ،كالشاحنات
مثلً .والبارورة ذات الفشك المحشو بالخردق الغليظ 32فعالة للغاية .ليست سلحا خاصا
بالغوار ،فهي تستخدم ايضا في الحروب النهجية ،وقد كان للمريكيين سرايا من المشاة
ذات بنادق رفيعة الجودة مجهزة بحراب ،لتطهير ملجىء الرشاشات.
ثمة مسألة هامة هي مسألة الذخيرة .إنها تغنم من العدو دائما تقريبا .ل ينبغي كيل
الضربات إلّ حيث يتم التأكد تماما من إمكان تعويض الذخيرة المستعملة ،إل إذا توفرت
مخزونات كبيرة مخبوءة في حرز أمين .بعبارة اخرى ،ل يسوغ شن هجوم على جماعة
من الرجال إذا كلف ذلك كل الذخيرة المتوفرة ،دون إمكان تعويض ها .ينب غي دائما ،في
صيالة الغوار ،أن يحسب الحساب للمسألة الخطيرة التي يشكلها التموين بالعتاد الحربي،
وهسو الجوهري لمتابعسة النضال .ينبغسي إذا أن تكون السسلحة مماثلة لسسلحة العدو،
باستثناء المسدسات والبنادق التي يمكن الحصول على ذخيرتها في المدينة أو في منطقة
الغوار ذاتها.
يجسب أل يتجاوز قوام غوارة مسن هذا النوع عشرة او خمسسة عشرة رجلً .ويكون
في غا ية الهم ية أن يؤ خذ بالح سبان دوما تحد يد قوام الوحدة المقاتلة :فيم كن لعشرة أو
أث ني ع شر أو خم سة ع شر رجلً أن يختبئوا في أي مكان ،و هم يكافحون العدو بمقاو مة
فعالة متعاون ين في ما بين هم .ورب ما كان أرب عة أو خم سة غ ير كاف ين .أ ما إذا تجوز العدد
العشرة ،يتفاقم كثيرا إمكان تحديد موضعهم من جانب العدو إبان السير أو في مأرِزهم.
60
أرنستو تشي غيفارا
تذكروا أن سرعة الغوارة إبان ال سير ت ساوي سرعة أب طأ رجال ها .وي صعب إيجاد
وهّازة سسير واحدة لدى عشريسن أو ثلثيسن او أربعيسن رجلً ،أكثسر منسه لدى عشرة.
وينبغسي أن يكون مغاور السسهل إطلقا ،عدّاءً سسريعا ،فينبغسي أن تتجلى فسي السسهل
ممارسة مبدأ "إضرب واهرب" بأكمل تعبير لها .ولغوارات السهل محذور بالغ هو إمكان
تطويق ها بسسرعة ،وافتقار ها لحروز أمي نة ت ستطيع أن تبدي من ها مقاو مة فعالة .فعلي ها
بسبب ذلك أن تعيش في خفاء مطلق إبان جزء كبير من الطور البتدائي ،فل تستطيع أن
تثسق بأي جار لم تختسبر أمانتسه اختبارا تاما .إن أعمال قمسع العدو تبلغ على العموم مبلغا
من الع نف والوحش ية ،وت صيب ل يس رب ال سرة ف قط ،بل الن ساء والطفال في أحياء
كثيرة بحيسث يمكسن أن تحدو بهسم إلى "التخاذل" وإعطاء المعلومات عسن مكان وجود
الغوارة وطرائق عملهسا ،ممسا يسسبب تطويقا ذا نتائج مزعجسة دوما وإن لم تكسن مميتسة
بالضرورة بالنسبة للغوارة .وينبغي أن تنشط الغوارة متى سمح التموين بالسلح أو حالة
الشعسب الثوريسة بزيادة عدد الرجال .وتسستطيع الغوارات المختلفسة ،إذا لزم المسر ،أن
تجمتع في وقت ما لكيل ضربة هامة ،لكن بحيث تعود لتوّها تنقسم إلى جماعات صغيرة
ل تتبعثر باتجاه مناطقها المعتادة.
من عشرة إلى خمسة عشر رج ً
سة ،دون
سة ،ذات قيادة واحدة تحوز الحترام والطاعس
سم جيوش حقيقيس
سن تنظيس
يمكس
الضطرار إلى البقاء فسي جماعسة واحدة .وهذا مسا يولي أهميسة عظمسى لنتخاب قائد
ل كليا مسن الناحيسة الفكريسة
الغوارة ،إذ ينبغسي التأكسد مسن أن هذا القائد سسيكون مسسؤو ً
والشخصية ،أمام أعلى قائد في المنطقة.
البازوكة هي أحد السلحة التي يمكن استخدمها في الغوار .إنها سلح ثقيل ،عظيم
الفائدة نظرا لسهولة نقله واستعماله .ويمكن أن يستعاض عنه إذا اقتضى المر ،بالرمانة
ضد الدرع .البازو كة طبعا سلح يغ نم من العدو :إ نه سلح أم ثل للر مي على الناقلت
المدرعسة ،والناقلت غيسر المدرعسة المحملة بالجنود وللسستيلء بسسرعة على مراكسز
عسكرية صغيرة ذات حاميات قليلة .لكنه ينبغي التنويه بأنه يتعذر لرجل واحد أن يحمل
أكثر من ثلث صِمامات ،إذ تشكل هذه لوحدها مجهودا بالغا.
61
مقالت العسكرية
وفي ما يتعلق بالسحلة الثقيلة التي تغنم من العدو ،ينبغي الجتهاد لعدم إضاعة أي
منها .بَ ْيدَ أن بعض هذه السلحة ،مثل الرشاش المنصوب والرشاش من عيار ،50يمكن
إذا مسا غنمست ،اسستخدامها بشيسء مسن عدم الكتراث لخسسارتها :فلن نقاتسل فسي ظروف
مجافية لنا ،ذودا عن رشاش ثقيل أو سلح من هذا القبيل ،بل سيستخدم بكل بساطة حتى
اللحظة التي يتحتم فيها تركه في موضع ما .كان التخلي عن سلح في حربنا التحررية
يشكل جنحة خطيرة ولم يصدف قط أن قُبل العذر الذي نوهنا عنه .غير أننا نلحظ ذلك،
مؤكد ين على هذه الحالة الفريدة ال تي ل يكون في ها التخلي عن ال سلح مدعاة للن قد .إن
سلح المغاور في الرض المجافية ،هو سرعة رميه.
إذا كا نت منط قة ما سهلة الم سلك ،ف هي على العموم مأهولة وت صادف في ها كثا فة
فلحيسة كثيرة .يتأتسى هذا الواقسع بشكسل ملموس مسع إمكانات التمويسن .فبتوفسر أناس
موثوق ين ،ذوي صلت مع مرا كز توز يع المؤن ،ت ستطيع الغوارة أن تقوم بأود ها ،دون
تخصسيص الوقست والمال لقامسة خطوط التمويسن الطويلة المحفوفسة بالخطسر .ويحسسن
بالمرء التذكسر أنسه كلمسا كان عدد الرجال صسغيرا كلمسا تأمسن الغذاء بسسهولة .والمؤن
الجوهريسة ،مثسل شِباك النوم والبطانيات والقمشسة الكتيمسة للماء والكلِل 33والحذيسة
والدوية والغذاء ،متوفرة في المنطقة مباشرة ما دامت هي حاجات شائعة الستعمال لدى
السكان.
وتضحى الموصلت أسهل كثيرا إذ يمكن العتماد على عدد أكبر من الرجال ومن
خطوط المو صلت ،إل أن المان الضروري لن قل الر سائل إلى نق طة بعيدة يتضاءل ،إذ
يلزم هذه الحالة عدد من عمال الرتباط يقت ضى الوثوق ب هم .ويب قى احتمال الق بض على
أ حد هؤلء الر سلء الذ ين يجوبون المنا طق العدوة با ستمرار ،خطرا دائما .فإذا لم ت كن
الرسائل غاية في الهمية ،يفضل استخدام الصيغة الشفهية .أما إذا كانت بالغة الهمية،
فينب غي كتابت ها بالر مز .و قد أثب تت التجر بة أن الن قل الشف هي من فم إلى ُأذُن يشوه كل
مخابرة تشويها تاما.
ال ِكلَّة (ج كلل) :غشاء رقيق يُتوقّى به من البعوض .وتعرف في بلد الشام بس"الناموسية". 33
62
أرنستو تشي غيفارا
ولهذه السباب ذاتها تفقد الصناعات من أهميتها .ولن يستطاع إنشاء معامل للحذية
أو السسلح .ويجسب القتصسار عمليا على ورشات صسغيرة حسسنة التمويسه ،حيسث يمكسن
إعادة حشو فشك البنادق ،وصنع نمط ما من اللغام وقطع من السلح وكل ما يحتاج إليه
فسي الحال .وبالمقابسل ،يمكسن العتماد للقيام بالعمال الضروريسة ،على كسل الورشات
الصديقة في المنطقة.
ن صل إلى النتيجت ين اللت ين تنتجان منطقيا م ما أ سلفنا .النتج ية الولى هي أ نه ،في
إطار حرب الغوار ،تتنا سب شروط التحضّ ر عك سا مع در جة تطور المنط قة المعن ية.
فالمرافق تدفع النسان إلى التحضر ،ولكن العكس هو الذي يحدث بصدد الغوار :فكلما
لقى المغاور رفاها أكبر أصبحت حياته أقل ثباتا وأكبر بداوة .إن عنوان هذا الفصل هو
بالض بط "الحرب في الرض المجاف ية" لن كل ما هو لحياة الن سان و ما ين تج ع نه من
مواصلت ،ومراكز مدينة ،أو نصف مدنية ،وتجمعات السكان الكبرى ،والراضي التي
يسهل شغلها باللة ،كل ذلك مما يجافي وضع المغاور.
والنتجيسة الثانيسة :إذاكان الغوار يسستلزم بالضرورة عملً جماهيريا هاما ،فإن هذا
الع مل يزداد أهم ية في المنا طق المجاف ية ،ح يث يم كن لهجوم وا حد من العدو أن ي سبب
نكبسة .ينبغسي ههنسا أن تكون الدعايسة مسستمرة لتحقيسق وحدة العمال والفلحيسن وسسائر
الطبقات الجتماع ية في المنط قة ،للتو صل إلى جب هة داخل ية متجان سة تماما ومتف قة مع
المغاو ير .والن ظر إلى هذا الع مل الجماهيري الدائب ب صفته العا مة كعلقات ب ين الغوارة
وبين سكان المنطقة ،ل يجيز نسيان الفردية لعدو مكابر ينبغي إزالته بل ندم إذا ما شكّل
خطرا .وينبغي أن تكون الغوارة صارمة بهدا الصدد .فل يمكن بقاء أعداء داخل منطقة
العمليات ،في أماكن غير أمنية.
63
مقالت العسكرية
إذا مسا صسار المسر فسي مرحلة معينسة مسن حرب الغوار ،إلى مهاجمسة المدن ،بعسد
التو غل في الر يف المجاور على ن حو يت يح إنشاء الغوارات ف يه بش يء من المان ،يلزم
عندئذ تزويدها بتنظيم خاص.
ينبغي التنويه بأن الغواراة ل يمكن أن تنشأ عفويا في منطقة مدنية .لن تقوم إل بعد
أن تن شأ ب عض الشروط الضرور ية لوجود ها .يش ير هذا الوا قع من ذا ته إلى أن الغوارة
في ضاحية المدينة توضع مباشرة تحت إمرة قادة موجودين في منطقة أخرى .على أن
وظيفتها لن تكون القيام بمعمل مستقل ،بل على العكس ،تقع في نطاق مخططات ريادية
محددة سلفا .و ستكون وظيفت ها هي ردف ع مل جماعات أك ثر أهم ية في منط قة أخرى،
والسسهام فسي نجاح فكرة صسيالية معينسة ،دون أن تبلغ اتسساع عمليات الغوارات غيسر
المدنية .لن تستطيع غوارة في منطقة مدنية أن تختار بين تخريب المواصلت أو القيام
بالغتيالت أو مداه مة دور ية جنود على طر يق نائ ية ،بل سوف تقوم ب ما يطلب من ها
بالضبط ،فإذا كان دورها هو قطع العمدة ،أو السلك الكهربائية ،أو الخطوط الحديدية
أو أنابيب المياه ،فعليها القتصار على تنفيذ هذه المهمات بدقة.
ل يتجاوز قوامهسا أربعسة أو خمسسة رجال .إن هذا التحديسد هام لنسه ينبغسي
ينبغسي أ ّ
ض تبلغ مبلغا استثنائيا من المجافاة لها.
اعتبار الغوارة في ضاحية المدينة قائمة في أر ٍ
فالعدو هنسا بالغ اليقظسة .وتزداد إمكانات التنكيسل والوشايسة إلى حسد عظيسم .وثمسة ظرف
مشدّد ل صعوبتها ،إذ ل ينب غي ن سيان أن الغوارة في ضاح ية المدي نة ل ت ستطيع البتعاد
عن مواضع عملياتها .فإلى سرعة عملها وتنقلها ينبغي أن يضاف البتعاد الضئيل نسبيا
64
أرنستو تشي غيفارا
عن مكان الع مل .ف هي غوارة ليل ية بالدر جة الولى .ولن ت ستطيع تعد يل عمل ها ما لم
يسمح تقدم الثورة بمحاضرة المدينة واشتراك الغوارة في الحصار كمقاتلة عاملة.
ينب غي أن تكون ال صفات الجوهر ية لدى هذا المغاور :مزيدا من الضبا طة ع ما لدى
ل على بيتين
المغاوير الخرين إذا كان ذلك ممكنا بعد ،والكتمان .ولن يستطيع التعويل إ ّ
أو ثل ثة بيوت صديقة ليوائه .إ نه على م ثل اليق ين من أن التطو يق في هذه الظروف
يعدل الموت .ولن يكون السسلح مثله لدى الزمسر الخرى .سسوف تكون أسسلحة دفاعيسة
فردية يمكن إخفاؤها ول تعميق هروبا سريعا .لن يكون لدى الزمرة إل بندقية واحدة أو
اثنتين في الحد القصى (أو بنادق مقصورة القناة) ،ولدى أعضاء الزمرة مسدسات.
ويسسلتزم التخريسب عتادا هاما :مناشيسر ،ديناميست ،معاول ورفوشا وأدوات لرفسع
ال سكك ،وأخيرا ،تجهيزا آليا منا سبا للمهمات المطلو بة ،مخبوءا في حرز أم ين ،إل أ نه
في متناول اليد عند الحاجة.
وإذا وجدت أكثسر مسن زمرة واحدة ،فسسوف ترتبسط جميعا بقائد واحسد ،يوجسه كسل
المهمات الضرور ية بوا سطة عمال ارتباط مدني ين موثوق ين كل الث قة .ي ستطيع المغاور
في بعض الحالت أن يحافظ على العمل الذي كان يزاوله زمن السلم ،ولكنه أمر عسير
جدا .سسوف تكون الحرب فسي ضواحسي المدن عمليا واقسع فريسق مسن الرجال قسد لزموا
الختفاء ،منظمين مثل الجيش ،وموجودين في الظروف المجافية لهم كما وصفناها.
لقد أبخس النضال في المنطقة المدنية قدره كثيرا ،إلّ أنه في غاية الهمية .إن عملً
جيدا واسسع النطاق يشسل الحياة التجاريسة والصسناعية فسي القطاع شلً شبسه تام ويضسع
ال سكان كا فة في و ضع من عدم الطمئنان والقنوط والقلق بح يث يتمنون حوادث عني فة
للخروج من هذا النتظار .فإذا ما جرى التفكير بالمستقبل منذ ابتداء الحرب ،وتم تكوين
اختصاصيين لهذا النمط من القتال ،فسوف يتم ضمان عمل أكثر سرعة بكثير ،وبالتالي
اقتصاد ثمين للمة في الرواح والزمن.
65
مقالت العسكرية
القسم الثاني
الغوار
66
أرنستو تشي غيفارا
لقد أكدنا أن الريف في أمريكا اللتينية وفي كافة البلدان المتخلفة تقريبا ،هو الذي
يش كل ميدان النضال الم ثل ،في الظروف الراه نة .لذا فإن أ ساس المطال يب الجتماع ية
التي سوف يثيرها المغاور سيكون تغيير بنية الملكية الزراعية.
سيدور النضال إذا با ستمرار ت حت ال صلح الزرا عي .ويم كن في البدء ألّ تكون
أهداف هذا الصسلح وحدوده محددة تماما ،وأن يقسف عنسد رغبسة الفلح ،القائمسة منسذ
قرون خلت ،في امتلك الرض التي يشتغلها أو التي يرغب في اشتغالها.
تتعلق شروط تحقيق الصلح الزراعي بالشروط القائمة قبل بدء النضال وبالتساع
الجتماعسي لهذا النضال .إلّ أن المغاور ،بصسفته عنصسرا واعيا مسن الطليعسة الشعبيسة،
ينبغي أن يكون سلوكه الخلقي بحيث يستوثقه خادما حقيقيا للصلح الذي ينشده .فإلى
الشدة الكراه ية الناج مة عن شروط الحرب القا سية ،ينب غي أن يض يف الشدة الناشئة عن
الرقابسة الصسارمة على النفسس ،التسي تقاوم كسل غلواء ،كسل جنوح يمكسن أن تسستدرجه
الظروف .ينبغي أن يكون المغاور ناسكا.
أمسا العلقات الجتماعيسة ،فسسوف تتغيسر مسع تطور الحرب .ففسي البدء ،ل يزال
المغاويسر مسستجدين ،فلن يسستطيعوا ولن يحاولوا حتسى تغييسر أي شيسء فسي البنيات
67
مقالت العسكرية
الجتماعية المحلية .أما البضائع التي ل ي ستطيعون تأدية قيمت ها ،ف سوف يشترون ها لقاء
سندات تسدد في أول فرصة سانحة.
ينبغسي أن يسساعد المغاور الفلح دوما ،مِهانيا واقتصساديا ومعنويا وثقافيا .ومنسذ
لحظات الحرب الولى سيكون حاضرا دوما لم ساعدة الفق ير ،مع فرض أ قل قدر مم كن
من الزعاج للغ ني .إلّ أن المور تأ خذ مجرا ها ،وتزداد التناقضات حدة ،و سوف يأ تي
وقت يأخذ فيه كثيرون ممن كانوا ينظرون إلى الثورة بشيء من العطف يقلبون لها ظهر
المجنّ ،وسوف يخطون خطوتهم الولى في الصراع ضد القوى الشعبية .في هذه اللحظة
ينبغي أن ينقلب المغاور فيغدو حامل راية قضية الشعب ،ويعاقب كل خيانة .وفي منطقة
القتال ،تق صر الملك ية الخا صة على حدود وظيفت ها الجتماع ية :أي أن الرض الفائ ضة
والدواب غير الضرورية لعائلة غنية تنتقل إلى أيدي الشعب وتوزع بالعدل.
وي حق للمالك الذي ي حل هذا الم صير بأرزا قه أن يتقا ضى تعويضا وينب غي احترام
34
هذا ال حق .إلّ أن الت سديد ي تم ب سندات (" سندات ال مل" ،ك ما دعا ها ا ستاذنا اللواء بايو
عند الكلم عن هذا النوع من القرار بالدين).
وتنتقسل أراضسي وأملك وصسناعات أعداء الثورة البارزيسن والمباشريسن فورا إلى
أيدي القوى الثور ية ،وينب غي الفادة من مناخ الحرب ،من هذه اللحظات ال تي تبلغ في ها
الخوة النسانية أسمى قيمتها ،لبتعاث كل نمط من العمل التعاوني يمكن أن تتقبله ذهنية
المنطقة.
كان بايو Bayoضابطا محترفا في الجيش السباني ،انضم إلى القوات الشعبية في الحرب الهلية 34
السبانية عام ،1936وقد اقترح على الحكومة الجمهورية مخططا لتقوية ومساعدة جبهات الغوار التي
نشأت خلل هذه الحرب في مؤخرات الجيوش الفاشية ،إلّ أن هيئة أركان الجيش الجمهوري رفضت
مخططه ،وكان رفض هذا المخطط من معالم الجمود وضعف التطلع الثوري الذي أدى إلى انهيار
الجمهورية السبانية وانتصار القوى الفاشية عليها بمساعدة التحالف الفاشي العالمي آنذاك.
بعد هزيمة 1939في أسبانيا ذهب بايو إلى المكسيك ليقيم فيها منفيا .وهناك أصبح فيما بعد مدرب
كاسترو ورفاقه أفراد الرعيل الول الذي أبحر على السفينة "غرانما" إلى كوبا لبدء الثورة المسلحة فيها.
68
أرنستو تشي غيفارا
ل يكت في المغاور ،الم صلح الجتما عي ،بأن يضرب الم ثل ب سلوكه ،بل ينب غي أن
يسسدي توجيها فكريا مسستمرا ،بفضسل معارفسه ،وأمانيسه ،والتجربسة التسي يكتسسبها خلل
شهور الحرب أو سنواتها .إن هذه التجربة تفيد الثوري إذ تنير مفاهيمه بقدر ما يتأكد له
بأس ال سلح ،وبقدر ما ي عي ظروف أهالي المنط قة .يدرك الثوري عندئذ ال ساس ال حق
والضرورة الحيويسة لكثيسر مسن التغييرات التسي كان يرى أهميتهسا النظريسة فيمسا مضسى،
ولكنه غالبا ما لم يفطن لطابعها العملي الملِح.
يكثر هذا الموقف نظرا لن بادئي حرب الغوار وقادتها ليسوا أناسا ينوءون كل يوم
بفلحة القَراح ،35إنهم رجال يفهمون ضرورة تغيير وضع الفلحين الجتماعي ولكنهم لم
يتألموا ،في جملت هم ،من شرور حالة الفلح .فيح صل عندئذ – وأتكلم هه نا عن التجربة
الكوب ية – تفا عل حقي قي ب ين أولئك القادة الذ ين يعلّمون الش عب ،بالوقائع ،أهم ية النضال
المسلح الساسية ،وبين الشعب ذاته الذي يكبر شأنه إبان النضال ،ويُري القادة بدوره ما
هي الضرورات العمل ية .و من هذا التفا عل ب ين المغاور وشع به ين شأ تجاذر 36تدري جي
يقوي الموائز الثورية للحركة شيئا فشيئا ،ويعطيها بُعدها القومي.
التجاذر :الميل إلى الرأي والعمل الذي يعالج المر من جذوره أي عميقا( .الراديكالية). 36
69
مقالت العسكرية
-2المغاور مقاتلً
تتطلب حياة المغاور ومميزاتها التي رسمنا معالمها باقتضاب ،مجموعة من الشروط
الجسسمية والعقليسة والخلقيسة ليتكيسف المرء بهذه الحياة وينجسز المهمات التسي تقتضيهسا
بنجاح.
وأول سؤال يتبادر هو التي :ماذا يُطلب من المغاور؟ ينبغي الجابة أولً أنه يُفضّل
أن يكون المغاور من أهالي المنط قة .إذ يكون له في محل ته علقات يمك نه الت صال ب ها
مباشرة ،ويكون عارفا بهذه المنط قة إذ هو من ها( .إن معر فة الرض هي أ حد العوا مل
الها مة في نضال الغوار) .وي ستطيع أن ين جز عملً أف ضل لعتياده مواج هة صعوبات
منطق ته .ويض يف إلى ذلك الحماس في الدفاع عن حِماه الخاص أو في النضال لتغي ير
النظام الجتماعي الذي يُسيء إلى عالمه الشخصي.
المغاور مقاتسل ليلي :نقصسد بذلك أنسه يجوز كافسة الصسفات اللزمسة للعمسل الليلي.
ينبغي أن يكون ماكرا ،وأن يسير في الوهاد والنجاد إلى مكان القتال دون أن يشعر أحد
بتنقل ته ،وينق ضّ على العدو با ستعمال المفاجأة ،ف هي عن صر رئي سي في هذا الن مط من
الحرب .ينبغي له أن يفيد من الذ عر الحا صل ،فيلقي بنفسه في القتال جامحا ،ل يحتمل
أدنسى توان لدى رفاقسه ،مسستفيدا مسن أدنسى معالم الوهسن لدى العدو .يصسل المغاور
ل ما تمل يه الظروف ،يق تل ع ند القتضاء،
كالع صار ،يهدم كل ش يء ،ل رح مة لد يه إ ّ
ويزرع الرعب بين المقاتلين العداء .إلّ أنه في آن ،يعامل المهزومين العزّل بالحسنى،
ويحترم الموتى.
70
أرنستو تشي غيفارا
خطرا على أمن السكان المحليين وعلى تشكيلة الغوار ذاتها ،بسبب المعلومات التي يمكن
أن يقدمها إذا ما عاد إلى فرقته الصلية .فإذا لم يكن مجرما ،أطلِق سراحه بعد توبيخه.
ينب غي أن يجازف المغاور بحيا ته كل ما لزم ذلك ،وأن يكون م ستعدا ليجود ب ها دون
تردد فسي اللحظسة المطلوبسة .لكسن عليسه أن يكون حذرا فسي آن والّ يعرّض نفسسه بل
ضرورة .ينبغي اتخاذ كافة الحتياطات الممكنة لجتناب النهاية غير الموفقة أو الهلك.
لذلك ي هم جدا في كل قتال ،أن ترا قب كا فة النقاط ال تي يم كن أن يتل قى العدو النجدات
من ها .ويم كن بذلك اجتناب التطو يق أيضا ،ف هو نك بة ماد ية بال غة الخطورة ،إلّ أ نه نك بة
معنوية أشد خطورة ،إذ يُفقد اليمان بمستقبل النضال.
َبيْدَ أنه ينبغي أن يكون المغاور مقداما ،أن يحلّل الخطر وإمكانات العمل ببرود ،أن
يكون جاهزا دوما لتخاذ موقسف متفائل مهمسا كانست الظروف ،أن يجسد مخرجا موفقا،
ح تى في اللحظات ال تي ل تترك في ها المقار نة ب ين العنا صر المؤات ية والمجاف ية له غ ير
أمل ضئيل.
ولكسي يفوز المغاور بالحياة ،ينبغسي أن يثبست قدرة كافيسة على التكيسف ليسستطيع
الندماج بالبيئة ال تي يع يش في ها وا ستخدامها إلى ال حد الق صى حلي فة له .ثم ينب غي أن
يكون حادّ الدراك ،ذا قدرة عفويسة على البداع ،تسسمح له باتخاذ القرارات فسي غمرة
العمل.
إن قدرات التكيسف والبداع هذه لدى الجيوش الشعبيسة تُفشسل كسل حسسابات أمراء
الحرب وتكبح جماحهم.
ل يسوغ للمغاور في أية حال أن يترك رفيقا جريحا إلى رحمة جنود العداء إذ أن
مصيره شبه المؤكد هو الموت .يلزم إبعاده عن مناطق القتال مهما كلف المر ،لنقله إلى
حرز أم ين ،وينب غي احتمال أ شد المتا عب لهذه الغاية ومعاناة أع ظم المخا طر :في جب ان
يكون جندي الغوار رفيقا ل يضارع.
وهو بالضافة إلى ذلك ،أبكم .كل ما يقال أو يجري أمامه ل يعرفه غيره .ل يسمح
لنفسسه أبدا بكلمسة زائدة ،حتسى مسع رفاقسه فسي القتال ،فالعدو سسوف يحاول باسستمرار أن
71
مقالت العسكرية
يدخل رجاله إلى قلب تشكيلة الغوار ،للتعرف إلى مخططات ها وإلى أما كن وو سائل الحياة
التي تستخدمها.
وبالضافة إلى الصفات الخلقية التي ذكرناها ،ينبغي أن يتمتع بعدد من الصفات
الجسمية الهامة جدا .ينبغي أن يكون غير تعوب ،فيجد "نَفَسا ثانيا" عندما يبدو أنه بلغ من
العياء مبلغا ل يطاق .فكل حركة من حركاته بطولية تخرج من أعماق إيمانه ،فترغمه
على أن يخطسسو خطوة أخرى ،لن تكون هسسي الخيرة ،إذ يفوز بأخرى ،ثسسم أخرى،
وأخرى ،باستمرار إلى أن يبلغ المكان الذي حدده القائد.
ولكي يحقق هذه الشروط ينبغي أن يتمتع المغاور أيضا بصحة من حديد ،تسمح له
باحتمال كل الخطوب دون أن ي صيبه مرض ،ك ما ت سمح له بالتعا في إبان حياة الو حش
الطريد هذه ،حتى يغدو ،إذا أمكنني القول ،جزءا ل يتجزأ من الرض التي يقاتل عليها،
بفعل من التكيف الطبيعي.
تحدو ب نا كل هذه العتبارات إلى الت ساؤل :ما هي ال سن المثلى للمرء ل كي يكون
مغاورا؟ يصعب جدا تدقيق حدود السن .ثمة مائزات اجتماعية أو فردية من شتى النواع
يمكن أن تغير منها .فسوف يكون الفلح مثلً أجلد كثيرا من ابن المدينة .والمدني الذي
اعتاد التمار ين الج سمية والحياة ال صحية سيكون أف عل بكث ير من ر جل ق ضى عمره كله
خلف المك تب .إلّ أ نه يم كن القول بإيجاز إن ال سن الق صوى للمقا تل ،في مرحلة البداوة
التامسة مسن الغوار ،ل ينبغسي أن تتجاوز الربعيسن ،مسع بعسض اسستثناءات قليلة ت صادف
خاصسة لدى الفلحيسن .لقسد التحسق أحسد أبطال نضالنسا ،هسو المقدم كريشنثيسو بيريسز،
بال س" سييرا" 37وله من الع مر خ مس و ستون ،وكان من أك ثر الرجال فائدة في الج يش.
سييرا :Sierraكلمة إسبانية تعني الجبل ،ويكنّى بها عن أرض الغوار. 37
72
أرنستو تشي غيفارا
ون ستطيع الت ساؤل هل ينب غي أن ينت مي أعضاء تشكيلة مغاورة إلى فئة اجتماع ية معي نة.
وقد قيل إنه ينبغي أن تتفق فئتهم الجتماعية مع فئة المنطقة التي تختار مركزا للعمليات،
أعني أن تكون النواة المقاتلة فلحية .الفلح هو وضوحا أفضل جندي ،لكن هذا ل يعني
أنه ينبغي ن في عنا صر السكان الخرين وحرمان هم من فر صة النضال في سبيل قضية
عادلة .وفي هذا الصدد أيضا ليس من قاعدة ل استثناء لها.
لم نحدد بعد السن الدنيا .نعتقد أنه ل يجوز قبول عناصر لم يبلغوا السادسة عشرة،
ل في ظروف خاصة جدا هنا أيضا .فهؤلء المراهقون ،الذين يكادون أن يكونوا أولدا،
إّ
ليسوا بعامّتهم على ما يكفي من النمو لحتمال المشاق والمتاعب واللم التي سيرغمون
عليها.
يمكن القول إن السن المثلى للمغاور تقع بين خمس وعشرين وخمس وثلثين سنة.
فالحياة في هذه المرحلة قد اتخذت لدى الجم يع وجهت ها النهائ ية ،و من يذ هب مخلّفا بي ته
وعال مه قد ف كر مليا في م سؤولياته ،ويف عل ذلك و قد حزم أمره على ألّ يترا جع خطوة.
ثمة بين الولد أيضا حالت لمقاتلين غير عاديين قد بلغوا أسمى تقديرات جيشنا الثائر.
ل أنها استثناءات فقط .وازاء كل مراهق أثبت صفات المقاتل الرفيعة ،ثمة عشرات لزم
إّ
ل خطيرا على تشكيلة الغوار.
إعادتهم إلى ديارهم وشكّلوا لوقت طويل ثق ً
والمغاور ،ك ما قل نا ،جندي يح مل بي ته على ظهره ،م ثل الحلزون .فينب غي له إذا أن
يجهز حقيبته بحيث أن أقل كمية ممكنة من المتاع تؤدي له أعظم الفائدة .لن يصطحب
ل ما ل غنى عنه ،لكنه سوف يحتفظ به خلل كل الظروف كأثمن ما عنده ،فهو ما ل
إّ
يسوغ فقده إلّ في حالت يائسة حقا.
وسوف يقتصر تسلّحه إذا على ما يستطيع اصطحابه بنفسه حصرا .سيكون تجديد
التموين بالسلح صعبا جدا ،وأصعب منه التموين بالذخيرة :فالتعليمات العسكرية هي إذا
عدم ابتلل الرصساص ،وصسيانته ،وعدّه واحدة واحدة لجتناب فقدان شيسء منسه .أمسا
البندق ية فتب قى نظي فة دائما ،مشح مة جيدا ،لم عة القناة ،و من المف يد أن يعا قب قائد كل
جماعة أولئك الذين ل يسهرون على صيانة سلحهم.
73
مقالت العسكرية
ولكي يتحلى هؤلء الرجال بمثل هذه الصفات من إخلص وحزم ،تسمح لهم بالعمل
في هذه الظروف المناوئة ،ينب غي أن يكون ل هم م ثل أعلى .إن هذا الم ثل ب سيط ،مبا شر،
ل أنسه على قدر مسن الحزم
ليسس فيسه كسبير ادعاء ،ول يرمسي بعيدا على وجسه العموم ،إ ّ
والوضوح يمكسن معسه التضحيسة بالحياة فسي سسبيله ،دون تردد .إنسه لدى كافسة الفلحيسن
تقريبا ،حق امتلك قطعة أرض تخصهم لشغلها والستمتاع بوضع اجتماعي عادل .إنه
لدى العمال ،الحصول على عمل وتقاضي أجر لئق ،والستمتاع أيضا بوضع اجتماعي
عادل .وتصسادف لدى الطلب وأهسل المهسن الحرة ،أفكار أكثسر تجريدا ،مثسل الشعور
بالحرية التي يكافحون من أجلها.
يحدو بنسا كسل ذلك إلى التسساؤل :كيسف يعيسش المغاور؟ إن حياتسه النظاميسة هسي أن
شجِرة ،يطارده العدو باستمرار.
يجوب الطرق .لنأخذ مثلً مغاورا في الجبل في منطقة َ
تنتقسل تشكيلة غواريسة فسي هذه الظروف نهارا ،دون أن تأخسذ وقتا للطعام .ومتسى تدانسى
الل يل ت حط الرحال في فر جة من الغاب ،قرب مورد ماء ،و فق التنظ يم المعتاد ،فتجت مع
كل جماعة للطعام سوية ،ومتى ران الليل تشعل النيران بما يتوفر لذلك.
يأكسل المغاور متسى اسستطاع ،وكسل مسا يسستطيع .تختفسي وجبات خياليسة فسي بطون
المقاتلين ،ويعانون أحيانا أخرى صيام يومين أو ثلثة دون هوادة في إجهادهم .إن سقف
المغور هسو السسماء المكشوفسة :وسسوف يداخسل بيسن السسماء وبيسن شبكسة نومسه رقا مسن
النايلون كتيما للماء ،وي ضع ت حت شبك ته حقيب ته وبندقي ته ور صاصه ال تي هي كنوزه.
ي ستحسن أحيانا عدم نزع الحذ ية خش ية حدوث هجوم مفاجىء من العدو .الحذ ية هي
ك نز آ خر للمغاور و من يملك زوجا من ها يضمن لنف سه حياة سعيدة في نطاق الم صاعب
اليومية.
هكذا يسير المغاور يوما بعد يوم ،دون اقتراب من أي مكان آهل ،مجتنبا كل تماس
لم يقصده هو ،عائشا في أوعر المناطق ،دون طعام أحيانا وحتى دون شراب ،في الحر
وال قر .يتف صد عر قه في الم سيرات الدائ بة وي جف عل يه ممتزجا بالعرق ال سبق ،دون
توفر النظافة بانتظام (غير أن ذلك يتعلق كما هو المر دائما ،بمزاج كل واحد).
74
أرنستو تشي غيفارا
حدث فسي الحرب الخيرة ،عندمسا أوشكنسا على دخول بلدة "أل أوفيرو" ،بعسد السسير
سستة ع شر كيلو مترا والقتال ساعتين وخ مس وأربعيسن دقي قة فسي ع ين الش مس ،وبعسد
عشرة أيام ون يف قضينا ها في ظروف مجاف ية ل نا ،أن وُجد نا قرب الب حر ت حت ش مس
محر قة .كا نت أج سامنا تفوح برائ حة مميزة مؤذ ية إلى حد أن ها ت صد كل من يقترب.
وكانت حاسة الشم لدينا قد تكيفت بهذا النمط من الحياة ،وكانت شبكة كل مغاور تعرف
عن سواها من رائحتها الخاصة.
ينبغي أن تكون المعسكرات سهلة المغادرة وألّ يبقى فيها أثر يشي بها ،وأن تكون
اليقظسة فسي غايتهسا .ولكسل عشرة رجال ينامون ،يجسب أن يكون ثمسة واحسد أو اثنان
ساهرين .ينبغي تبديل الحرس مرات عديدة ومراقبة كافة مداخل المعسكر مراقبة وثيقة.
تعلَّم حياة الحرب كثيرا من الح يل لتهيئة الطعام ولطب خه ب سرعة وتطيي به ب كل ما
ي صادف في الج بل ،أو لبتكار ألوان جديدة وتنو يع أشكاله ال تي تتألف ب صورة أ ساسية،
فسي المنطقسة المداريسة ،مسن النباتات الدَرَنيسة ،والحبوب ،والملح ،وقليسل مسن الزيست أو
الزبدة ،وفي مناسبات متباعدة جدا ،من أحد صنوف اللحم.
المعركسة هسي أكثسر الحداث إثارة للهتمام ،إبان حياة القتال .وهسي مسا يحمسل فرح
الجميسع إلى أوجسه ويجعلهسم ي ِغذّون السسير بحماس متجدد .تشسن المعركسة – ذروة حياة
الغوار – في اللح ظة المؤات ية ح يث تم تحد يد مو ضع مخ يم عدو ضع يف بكفا ية للقضاء
عليه ،وتم التعرف إليه ،أو عندما يتقدم رتل عدو حتى الرض التي تشرف عليها القوى
التحررية مباشرة .الحالتان مختلفتان .يتم العمل ضد المخيم بشكل جماهيري ،ويرمي في
الساس إلى طرد الرتال التية لفك الطوق .فالعدو المختبىء ليس أبدا هدفا مفضلً لدى
المغاور.
إن العدو الجائل ،النزق ،الجاهسل بأوصساف المنطقسة ،المرتاع ،المفتقسر إلى حمايسة
طبيعية ،هو العدو المثل .مهما ساء وضع عدو معتصم ،فإن لديه أسلحة قوية يصد بها
الهجوم ،ولن يجد نفسه أبدا في ذات الظروف التي يقع فيها رتل كبير يفاجأ بالهجوم في
75
مقالت العسكرية
نقطتين مختلفتين أو ثلث ،وتقطّع أوصاله ،وينسحب مهاجموه قبل صدور أي رد ضدهم
إذا ما تعذر عليهم تطويق الرتل أو إبادته.
وإذا تعذر ق هر المعت صمين بالجوع أو بالع طش أو بهجوم مبا شر ،ينب غي الن سحاب
متسى أتاح التطويسق إنزال الخسسائر بالرتسل العدو .وإذا كان رتسل المغاويسر أضعسف ممسا
ينبغي ،أو رتل الغزاة أقوى مما ينبغي ،يتم تركيز الهجوم على المقدمة .فمتى تم ضرب
المقد مة عددا من المرات واقت نع الجنود بحتم ية موت الذ ين يحتلون ال صفوف المام ية،
يم كن لخشيت هم من النخراط في ها أن تُحدث تمردات حقيق ية ،لذا ينب غي توج يه الضرب
إليها دائما .ول يمنع ذلك من توجيه الضربات إلى نواح سواها أيضا.
تتوقف طلقة المغاور في العمل وإمكانات تكيفه بالبيئة على تجهيزه .فالمغاور وإن
كان مندمجا في ز مر عاملة صغيرة ،يحت فظ بموائز فرد ية .ينب غي أن يحوز في حقيب ته
كل ما يلز مه للع يش ،ح تى مأواه الفردي ،ل نه قد يض طر للبقاء وحيدا لمدة من الز من.
وعند ما نورد م ساقا بالتجه يز ،نش ير ب صورة جوهر ية إلى ما ي ستطيع الفرد أن يحمله
و هو خا ضع لظروف حرب في طور ها الول ،يطارده العدو ،في أرض وعرة ممطرة
باردة نسبيا ،أي أننا نضعه في مثل الوضع الذي حصل لدى بدء حرب التحرر الكوبية.
ينبغي التمييز في هذا التجهيز ،بين ما هو جوهري وما هو متمم .نصنّف في ما هو
جوهري شب كة النوم ال تي ت سمح بالرا حة على ن حو ملئم .ي جد المرء دوما شجرت ين ل مد
الشبكة بينهما ،ويمكن اتخاذها بساطا إذا نام على اليابسة .ل بديل عن الشبكة عند هطول
المطر أو عندما يوجد المرء في أرض رطبة ،وهي حالة متواترة في المناطق المدارية.
تتم الشبكة بقطعة من رق النايلون الكتيم للماء .يكون النايلون كبيرا بكفاية لتغطية الشبكة
وير بط بأرب عة أمراس مثب تة بزواياه الر بع .وي شد مرس من مر كز الرق إلى الشجار
ال تي تح مل الشب كة فيف يد في تحد يد م سال المياه وير بط الرق من زواياه بشجيرة قري بة،
مشكّلً على هذا النحو خيمة صغيرة.
ل غنسى عسن البطانيسة ،لن البرد شديسد جدا ،فسي الجبسل ،متسى سسجا الليسل .ومسن
الضروري أيضا توفسر قطعسة لباس دافئة تسسمح بمواجهسة تغيرات الحرارة القصسوى.
76
أرنستو تشي غيفارا
يشتمسل اللباس على بنطال وقميسص مسن كتان سسميك ،موحسد أو غيسر موحسد .ينبغسي أن
تكون الحذ ية على أح سن ما يم كن من الجودة ،و هي من أولى ال صناف ال تي ينب غي
حيازة احتياط منها؛ إذ بدونها يصبح السير شاقا جدا.
ولما كان المغاور يحمل مأواه في حقيبته ،فهذه الخيرة ذاتها هامة جدا .يمكن صنع
أبسط الحقائب من جيب ما ،يركب له سيران من الحبل ،إلّ أن الحقائب المصنوعة من
الكتان الغل يظ والمتوفرة في ال سوق أو تلك ال تي ي صنعها ال سراّجون ،تفضل ها .ينب غي أن
يحمل المغاور دائما مؤونة فردية بالضافة إلى تموين الفرقة كلها .المواد التي ل غنى
عنهسا هسي :أولً الزبدة أو الزيست ،الضروريان لسستهلك الجسسم مسن الدسسم ،وعلب
ل عندمسا يتعذر الحصسول على غذاء للطبسخ ،أو
المحفوظات التسي ل يجوز اسستعمالها إ ّ
عندما تتوفر كثرة من العلب فيعيق ثقلها السير ،ومحفوظات السمك ذات القدرة الغذائية
العظي مة ،والحل يب المك ثف و هو غذاء ممتاز سيما لكم ية ال سكر العظي مة ال تي يحوي ها،
وهو ايضا تفكهة حقيقية .يمكن حيازة حليب مسحوق أيضا .ثمة عنصر أساسي آخر هو
ال سكر ومثله الملح الذي تغدو الحياة بدو نه عذابا .ولنخ تم ف صل المواد ال ساسية بب عض
التوابل التي أكثرها شيوعا البصل والثوم ،ويمكن أن يوجد غيرهما ،حسب المناطق .هذا
هو الجوهري.
ينبغي أن يحمل المغاور في حقيبته صحنا وملعقة وسكينا متعدد النصال .يمكن أن
يكون ال صحن ق صعة أو كَفتا أو عل بة محفوظات .تت يح ط هي قط عة ل حم أو مالنغا 38أو
رأس بطاطا أو شاي أو قهوة.
يلزم لصسيانة البندقيسة شحوم خاصسة ينبغسي اسستعمالها بعنايسة فائقسة .وإذا لم يتوفسر
ق لتلميع السلح با ستمرار ،وقض يب
الزيت الخاص ،فزيت آلة الخياطة .يلزم أيضا خِر َ
لتنظيف داخله ،وهو عمل ينبغي إتيانه بتواتر كا فٍ .تكون جعبة الفشك من صنع نظامي
أو محلي حسسب المكان ،لكنسه ينبغسي أن تكون جيدة بكفايسة لعدم فقدان أي رصساصة.
الرصاص هو أساس النضال .كل شيء سواه عبث بدونه .إنه ثمين كالذهب.
77
مقالت العسكرية
يجسب أن يحمسل المرء معسه مَطَرة أو صسفيحة ماء ،إذ ل غنسى عسن الشرب الوافسر ول
يسستطيع دوما أن يحصسل على الماء فسي اللحظسة المرغوبسة .ينبغسي حيازة الدويسة ذات
الستعمال العام أيضا كالبنسلين أو أي دواء آخر مضاد للحيوية ،وبصورة رئيسية ما يؤخذ
منها بالفم ،وكذلك مسكنات للحمى ،واسبرين ،وأدوية مضادة للمراض المستوطنة الخاصة
بالمنطقة .كما يمكن توفر حبوب ضد البرداء وأدوية ضد السهال وضد الطفيليات من كل
نوع .وفي المناطق التي تعيش فيها حيوانات سامة ،يسوغ وجود المصل الموافق لها .ويكون
باقسي التجهيسز جراحيا .وينبغسي بالضافسة وجود حقائب للسسعاف الوّلي لجراء المعالجات
القل أهمية.
الت بغ مت مم عادي ،ذو أهم ية خا صة في حياة المغاور .ينب غي تو فر اللفائف وال سيكار
وتبغ الغليون ،لن التبغ رفيق عظيم للجندي المنفرد في حالة الراحة .الغليون مفيد جدا لنه
يسمح زمن العوز بالفادة القصوى من كل التبغ وأعقاب اللفائف والسيكار .ليس الثقاب هاما
لشعال السسيكار فقسط ،بسل لقدح النار أيضا .فهذه مسن أصسعب المعضلت فسي الجبسل وقست
المطر .ويستحسن بالضافة إلى القدّاحة توفر الثقاب الذي ينوب عنها إذا فقد وقود القداحة.
يلزم توفر الصابون ليس لنظافة الجسم بقدر ما هو لتنظيف الواني .إذ متى بقيت هذه
وسخة ،لوحظ توافر في التعفنات المعوية وحدثت التهابات تسببها بقايا الطعام المتخمرة التي
تستهلك مع الطعام الجديد .يستطيع المغاور ،بهذا التجهيز ،أن يأمن الحياة في الجبل في أي
ظرف مجافٍ له ،وللمدة اللزمة حتى يسيطر على الموقف مهما بلغ من السوء.
ثمسة متممات قسد تكون مربكسة أحيانا ،إلّ أنهسا ذات فائدة عظمسى على وجسه العموم.
حقّة 39هسي مسن هذا القبيسل .تسستخدم كثيرا فسي البدء لحكام التوجيسه ،لكسن معرفسة الرض
ال ُ
تج عل هذه الداة ،شيئا فشيئا ،غ ير ذات جدوى .ثم إن ها صعبة ال ستعمال جدا في الرض
الجبل ية لن الطر يق ال تي تش ير إلي ها لي ست هي الفضلى بالضرورة ،إذ أن ال خط الم ستقيم
تعترضه عادة عقبات ل تُجاز .قطعة إضافية من رق النايلون هي شيء مفيد آخر ،لتغطية
التجهيز كله وقت المطر .ينبغي التذكر أن المطر في البلدان المدارية شبه مستمر في بعض
حقّّة :العلبة الصغيرة التي تحوي إبراة مغناطيسية وتفيد في التوجيه( .البوصلة).
ال ُ 39
78
أرنستو تشي غيفارا
الشهور ،وأن الماء عدو لكسل تجهيسز المغاور ،مسن طعام وتسسليح وأدويسة وأوراق وملبسس
داخلية.
يمكسن حيازة ملبسس داخليسة للغيار ،إلّ أنهسا عامسة ،مسن أحمال الغرار .يمكسن توفسر
بنطال للغيار ،على الكثسر ،وحذف الملبسس الداخليسة والمناشسف ...الخ .فعلى المغاور،
بالحياة ال تي يعيش ها ،أن يقت صد من طاق ته ح ين يح مل متا عه .سوف يتخلى هكذا شيئا فشيئا
عن كل ما ليس ذا قيمة جوهرية.
المتعة المتممة الخاصة باللياقة البدنية هي :قطعة صابون تستخدم لغسل الثياب ولنظافة
سنُون .40ويحسن توفر بعض الكتب يتعايرها أعضاء الغوارة :سيرة
الجسم ،فرشاة للسنان و َ
جيدة لبطال سالفين ،ك تب تار يخ أو جغراف ية اقت صادية ،والف ضل عن البلد ذا ته ،وب عض
العمال ذات الطابع العام التي ترمي إلى رفع مستوى الجنود الثقافي وتُنقص من ميلهم إلى
الميسر ،إذ ربما وجد وقت فراغ زائد أحيانا في حياة المغاور.
كل ما ب قي ث مة مكان في الحقي بة ،ينب غي ملؤه بالزاد ،إلّ في المنا طق ال تي تح سن في ها
شروط التموين .يمكن حيازة السكاكر ،أو الطعمة القل ضرورة ،التي تشكّل تكملة للغذية
الجوهرية .البسكويت هو من هذا القبيل ،وإن كان كبير الحجم ويتكسر حتى يغدو مسحوقا.
ويف يد في الجبال ذات النبات المداري ،حوز مُد ية "ماشي ته" ،ك ما تف يد في المك نة الرط بة
جدا ،قنينة بنزين صغيرة أو خشب راتنجي ،لشعال النار عندما يكون الحطب مبلولً.
79
مقالت العسكرية
ل يمكن تنظيم الغوار وفق مخطط جامد .فهناك فروق ل تحصى تبعا للبيئات التي
ينب غي أن تتك يف ب ها .و سوف نفترض ،تب سيطا لعرض نا ،أن تجربت نا الخا صة هي ذات
قيمة عامةَ ،بيْدَ أنه ينبغي التذكير دائما أنه يمكن تنظيم غوارة بطرق أخرى أكثر مؤاتاة
لخصائص جماعة مسلحة أخرى.
إن عدد الرجال الذيسن يؤلفون الغوارة هسو مسن أعسسر المسسائل حسسما .يتفاوت هذا
العدد ،ومثله بنيسة الفرقسة ذاتهسا ،كمسا شرحنسا آنفا .وإذا قبلنسا أن الجماعسة قوة تجول فسي
أرض مؤات ية ل ها ،جبل ية ،في شروط لي ست من ال سوء بح يث تلوذ بفرار دائم ،ول من
الجودة بحيث تتخذ لها مأرِز عمليات ،ففي هذه الحالة ينبغي أل تعد جماعة مسلحة أكثر
ل في كل وحدة مقاتلة .إنه عدد مرتفع نوعا ما .والمثل أن ت ضم
من مئة وخم سين رج ً
ل يقوده مقدم ،و فق ت سلسل الر تب الكوب ية .ويح سن التذك ير
مئة ر جل .هذا ما يش كل رت ً
بأن رتب العريف والرقيب التي كانت تعتبر مميزة للطغيان ،كانت قد أُلغيت في حربنا.
يتولى إذا مقدّم قيادة جملة القوى التسي عددهسا مئة إلى مئة وخمسسين رجلً .وسسوف
يكون عدد النقباء بعدد ما يوجد من مجموعات قوامها ثلثون إلى أربعين رجلً .إن دور
النق يب هو قيادة مجموع ته وتأليب ها ،وجعل ها تقا تل بتما سك ،وتولي توزيع ها وتنظيم ها
العام .إن الوحدة الوظيف ية في حرب الغوار هي الزمرة .قوام الزمرة حوالي ثمان ية إلى
اثني عشر رجلً ،وعلى رأسها ملزم يقوم من أجل زمرته بوظائف النقيب ذاتها ،إلّ أنه
يبقى تحت إمرة الخير.
إن م يل الغوارة إلى الع مل في جماعات صغيرة يج عل من الزمرة الوحدة الحقيق ية
في ها .فيؤلف ثمان ية رجال إلى عشرة ال حد الق صى للقتال المتما سك .تع مل هذه الزمرة
تحت إمرة قائدها المباشر ،الذي كثيرا ما يكون منفصلً عن النقيب ،وإن كان في جبهة
80
أرنستو تشي غيفارا
ل فسي بعسض الظروف الخاصسة .إن مسا ل يجوز عمله أبدا هسو تجزئة
واحدة معسه ،إ ّ
الوحدة .يُعيسن فسي كسل فصسيلة وكسل زمرة خَلَف مباشسر للقائد ،فسي حالة فقدان الخيسر.
وينبغي أن يكون الخلف ذا تهيئة كافية لتولي مسؤولياته الجديدة مباشرة.
التغذية م سألة أ ساسية في هذه الفر قة حيث ينب غي أن يح ظى الجميع ،من آ خر ن فر
إلى القائد ،بذات المعاملة .تتخذ التغذية أهميتها القصوى ليس فقط من جراء نقص التغذية
المز من ،بل لن توزيع ها يش كل الحدث اليو مي الوح يد أيضا .الفر قة شديدة الح ساسية
بالعدالة ،فتَ ْرزِن الجِرَايات 41بفكسر نقاد .ينبغسي عدم السسماح بأيسة حظوة لحسد أبدا .فإذا
أجرى توزيع الطعام ،لسبب ما ،على الرتل كله ،ينبغي وضع نظام والتقيد به بصرامة،
مع احترام كميّات الطعام المقدم ل كل فرد وجودته .أ ما توز يع المل بس ،فم سألة مختل فة.
ل درجة احتياج
هذه أمتعة ذات استعمال فردي .هناك عاملن يتقدمان في هذه الحالة :أو ً
الطالب ين ،وغالبا ما يكون عدد هم أك ثر من المت عة المعدة للتوز يع ،وثانيا ِقدَم كل فرد
وا ستحقاقه .يصسعب تحديسد نظام ال ِقدَم وال ستحقاق ،وي جب أن يضعسه أحسد الم سؤولين،
ويخضع هذا بدوره إلى رقابة قائد الرتل المباشر .ينبغي أن يتم التوزيع على ذات النحو
من أجل الشياء الخرى الطارئة والتي ليست ذات استعمال جماعي .ينبغي توزيع التبغ
والسيكار بالعدل بين الجميع.
يجب تكليف رجال خاصين بعمل التوزيع هذا .ويفضل أن يكونوا تابعين إلى القيادة
مباشرة .تضطلع القيادة بالمهمات الدار ية وبالرتباطات ،وه ما أمران جد هام ين ،ك ما
تضطلع بسسائر المهمات التسي تخرج على العادة .ينبغسي أن يشترك بالقيادة أشسد الضباط
ذكاء .وينبغسي أن يكون جنودهسم نابهيسن ومفعميسن بروح تضحيسة قصسوى ،إذ كثيرا مسا
يطلب من هم أك ثر م ما يطلب من سائر الفر قة .أ ما الطعام فلن يكون ل هم ف يه حق بأي
معاملة خاصة.
الجراية :كمية الطعام المخصصة لكل فرد .الرَزِن :القيام بتقدير كمية الشيء .والرَزِن هنا تقدير يتم 41
بمجرد النظر.
81
مقالت العسكرية
يح مل كل مغاور تجهيزه الكا مل ،إل أ نه ينب غي بالضا فة ،توز يع عدة أشياء ها مة
تخص الرتل كله توزيعا عادلً .توجد لذلك طريقتان .يتعلق تفضيل أحديهما بعدد الرجال
الذيسن ل يحملون سسلحا .تقوم الطريقسة الولى على توزيسع كسل الشياء مثسل الدويسة
والدوات الجراحية والسنية ،والجرايات الضافية ،والملبس والواني المختلفة الزائدة،
والتسليح الثقيل ،بصورة متكافئة بين الفصائل كافة ،وهي التي تكون مسؤولة عندئذ عن
العتاد المخصسص لهسا .يوزع كسل نقيسب هذه الشياء بيسن الزمسر ،وكسل آمسر زمرة بيسن
رجاله .ت ستخدم الطري قة الثان ية عند ما ل تكون الفر قة كل ها م سلحة ت سليحا كاملً ،فتقوم
على تشكيل زمر أو فصائل مكلفة بالنقل بصورة خاصة :تكون هذه الطريقة عادة أحسن
مردودا إذ أن أحمال جنود هذه الزمر والفصائل أخف وزنا ،ما دام العزّل منهم خالصين
مسن ثقسل البندقيسة ومسسؤوليتها .والعدة فسي هذه الحالة أكثسر تمركزا ،فيقسل عليهسا خطسر
الضياع .ويكون جزاء الحامل ين منح هم قط عة سلح ،فتدب بين هم روح المباراة ويريدون
مزيدا مسن الحمسل ويبدون حماسسا أعظسم .تسسير هذه الفصسائل فسي المؤخرة ،عليهسا ذات
الواجبات ولها حق في ذات المعاملة كبقية الفرقة.
تتنوع المهمات داخل الرتل تبعا لنشاطه .فإذا لم يبارح الرتل المعسكر ،تؤلف زمرة
خاصسة للحراسسة ،ينبغسي أن تتألف مسن جنود متمرسسين بالقتال ،مختصسين ،ينالون لهذه
المه مة مكافأة خا صة ،هي ب صورة عا مة ،مز يد من ال ستقلل ،أو توز يع فائض من
الحلوى أو الت بغ .فإذا كان ثمة مئة ر جل مثلً ،ومئة وخ مس عشرة علبة سيكارة ،يم كن
توزيع هذه العلب الخمس عشرة الفائضة بين أفراد هذه الزمر .تكلف المقدمة والمؤخرة،
والمتمايزتان نهارا على م ساحة مت سعة ،وي صعب بلوغ ها ليلً .وإذا و جب المكوث في ها
عدة أيام ،لزم إنشاء وسسائل دفاع فعالة تحسسبا لحالة تعرضهسا للهجوم .يمكسن ضرب
وسسائل الدفاع هذه عنسد انسسحاب الغوارة ،أو تركهسا إذا لم تفرض الظروف ضرورة
تعفية 42كل أثر عن مرور الرتل.
ينب غي أن ت قع الما كن المختارة للحرس على مرتفعات ،ت سمح بالشراف تماما عن
بقية الفرقة بمهام الحراسة الرئيسية إلّ أن كل فصيلة ينبغي أن يكون لها حرّاسها وكلما
التعفية :إزالة معالم الثر. 42
82
أرنستو تشي غيفارا
كان الحرس مبتعدا عسن المعسسكر ،ل سسيما فسي المنطقسة المحررة ،كلمسا ازداد أمان
الجماعة.
و في حال إقا مة مع سكر دائم ،يلزم ا ستكمال .جملة و سائل الدفاع با ستمرار .ينب غي
ل في المنط قة الجبل ية
التذ كر أن مد فع الهاون هو ال سلح الثق يل الوح يد الذي يكون فعا ً
وعلى أرض ُأحِ كم اختيار ها .وبا ستخدام سقوف منا سبة من المواد المحل ية ،كالخ شب،
والحجر ...إلخ ،يمكن إنشاء ملجىء ممتازة توقف اقتراب جنود العدو وتقي شر قذائفه.
من الم هم جدا في المع سكر أن يحا فظ على الضبا طة ،ال تي ينب غي أن تر مي إلى
أهداف تربويسة :إجبار المغاويسر على الهجوم والنهوض بسساعات محددة ،ومنعهسم مسن
ممارسة اللعاب التي ل صفة اجتماعية لها والتي تستدرج معنويات الفرقة إلى النحلل،
ومنع استهلك المشاريب الغَوْلية ...43إلخ .وتكلف لجنة بالنظام الداخلي ،تنتخب من بين
المقاتلين المتحلّين بأعظم الجدارات الثورية :لتقوم بتحقيق هذه المهمات كافة .ويكون من
مهماتها أيضا منع إيقاد النيران في المكنة المكشوفة أو تصاعد الدخان قبل حلول الليل،
والعناية بتنظيف المعسكر قبل مغادرته ،لصون السر المطلق حول وجود الغوارة.
ينبغسي النتباه جدا إلى مواقسد النار التسي يسستمر جمرهسا متقدا لمدة طويلة ،فتغطسى
بالتراب ،كمسا تدفسن الوراق وعلب المحفوظات والفضلت الغذائيسة .يجسب أن يريسن
ال صمت المطلق تماما على الر تل إبان ال سير .تنت قل الوا مر إيما ًء أو هم سا ،سارية من
فم إلى ُأذُ نْ حتى آخر رجل .وإذا ما اجتازت الغوارة مناطق مجهولة وهي تشق طريقها
أو تتبع دليلً ،تسير المقدمة على مسافة حوالي مئة أو مئتي متر إلى المام ،تبعا لموائز
الرض .و في المنا طق ال تي يحت مل في ها الت يه ،يُترك ر جل ع ند كل منع طف لينت ظر
التالي ،وهكذا حتى آخر رجل في المؤخرة .وتسير المؤخرة منفصلة هي أيضا عن سائر
الر تل ،ترا قب المؤخرات وتحاول م حو آثار المرور قدر المكان .وإذا كان ث مة دروب
جانبية يلوح منها خطر ،يجب أن تحرسها زمرة حتى مرور آخر رجل في الفرقة عنها.
ويكون من الي سر أن تفرز هذه الزمرة من ف صيلة خا صة ،ب يد أ نه يم كن تشكيل ها أيضا
سكِر"( .الكحول").
ال َغوْل :المُ ْ 43
83
مقالت العسكرية
من عنا صر تنت مي إلى كل الف صائل .ي جب أن تنت ظر هذه الزمرة ح تى تعقب ها الزمرة
التالية ،قبل أن تعود إلى فصيلتها ،وهكذا دواليك إلى أن يتم مرور الفرقة كلها.
ل ينبغي فقط أن يتم السير على نمط واحد بترتيب مقرر ،بل أن يستمر هذا الترتيب
دوما ،ليعرف أن الف صيلة ر قم 1هي المقد مة ،والف صيلة ر قم 2هي ال تي تلي ها ،و في
الو سط الف صيلة ر قم 3ال تي يم كن أن تكون ف صيلة القيادة ،ثم الر قم ،4ثم المؤخرة أي
الفصيلة رقم .5ينبغي الحفاظ على هذا الترتيب دوما .ويجب في السير الليلي أن يكون
الصمت أكثر إطباقا بعد ،وأن تخفض المسافة بين كل مقاتلين اثنين ،لكي ل يتيه أحد ول
ل هي عدوة المغاور.
يضطر امرؤ إلى رفع الصوت أو اشعال ما يضيء ،فالضاءة لي ً
سة كالحقائب
سر اللزمس
سا ،تترك الحمال غيس
سير توطئة لهجوم مس
وإذا كان هذا السس
والقدور ...إلخ في المكان المحدد كنق طة ازدلف 44عا مة بعسد بلوغ الهدف ،وتتا بع كل
فصسيلة حاملة سسلحها وتجهيزهسا الحربسي فقسط .يجسب أن يقوم أناس موثوقون ،سسلفا،
بدراسة النقطة المزمع مهاجمتها ،فيجرون التصالت ويرسلون تقريرا عن حرس العدو
وأوصساف معسسكره وعدد حماتسه .تقرر عندئذ خطسة الهجوم النهائيسة ،ويُوزع المقاتلون،
على أن يحسب دوما تخصيص قسم كبير من الرجال لمكافحة النجدات المحتملة.
نقطة الزدلف :النقطة المحددة للقتراب منها واللتقاء فيها بعد العمل. 44
84
أرنستو تشي غيفارا
85
مقالت العسكرية
وإذا كا نت مهاج مة المع سكر لي ست إلّ إلهاء ل ستدراج قدوم النجدات (تض طر هذه
النجدات أن تمر في دروب مؤاتية للكمائن) ،وجب أن ينقل رجل من الكمين نتيجة المر
بسسرعة إلى القائد ،مسع إشعاره إذا اقتضسى فسك الحصسار لكسي ل يتعرض المحاصسِرون
لهجوم خل في .وبأ ية حال ،ي جب دائما ،خلل الح صار أو الهجوم المبا شر ،وجود حرس
على الدروب المؤدية إلى مكان القتال.
ويفضسل الهجوم المباشسر دائما إذا كان الوقست ليلً .ويمكسن السستيلء حتسى على
المعسكر دون كبير خطر ،إذا ما توفرت الشجاعة وسرعة الخاطر اللزمتان.
تولّد حياة المغاور البدو ية في هذه المرحلة ح سا من الخوة مرهفا جدا ب ين الرفاق،
لكن ها تولد أيضا أحيانا خ صومات ب ين الجماعات ،فإذا لم تهذب هذه الخ صومات وتحوّل
86
أرنستو تشي غيفارا
إن للمَثَل قي مة تربو ية كبرى ،وعلى القادة أن يضربوا بأنف سهم م ثل حياة ل صدع
في ها وهبو ها للقض ية .ت ستند ترق ية الجندي على شجاع ته وكفاءا ته وروح فدائه .ف من ل
يو فر هذه الشروط مليا ل يمك نه ا ستلم الم سؤوليات ،ل نه سوف يت سبب ،إن عاجلً أو
آجلً ،بطوارىء مؤسفة.
ما إن يقترب أحد المغاوير من بيت ،إلّ ويقع سلوكه تحت المراقبة :فبحسب طريقته
فسي طلب خدمسة مسا ،أو تمويسن ،وبحسسب السساليب التسي يسستخدمها للحصسول عليهمسا،
يستخلص الهلون عن تشكيلة الغوار استنتاجاتهم ،مؤاتية أو مجافية لها.
يقتضسي الحذر إذا أن يشرح القائد هذه المسسائل بالتفصسيل ،ويوليهسا الهميسة التسي
تستأهلها .ينبغي أن يقنع الرجال أيضا بمثاله الخاص .وإذا اتفق الدخول إلى قرية ،يجب
ل ممكنا من الضبا طة،
م نع المشار يب الغول ية م سبقا ،وتحض يض الفر قة ،وإعطاؤ ها مثا ً
ومراقبة دخول الرجال إلى القرية وخروجهم منها باستمرار.
ل بسد أن تتعرض تشكيلة الغوار لمحنسة التطويسق لمعرفسة تنظيمهسا وقيمتهسا القتاليسة
وبطولتهسا وروحهسا ،لن التطويسق أخطسر وضسع فسي الحرب .كان مغاورونسا أثناء الحرب
يطلقون في لغت هم " سُحْنة الح صار" على الو جه القا نط لدى ب عض الجنود المذعور ين .كان
زعماء العهسد المباد يدعون حملتهسم بفخار "تطويقا" و"إبادة" .أمسا بالنسسبة لتشكيلة غواريسة
خبيرة بأرض ها ،مرتب طة فكريا وعضويا بقائد ها ،فلي ست هذه م سألة عظي مة الخ طر .يك في
عندهسا التحصسّن ،ومحاولة اجتناب تقدم العدو الذي تدعمسه السسلحة الثقيلة ،وانتظار الليسل،
حليف المغاور الطبيعي .وعند الغسق ،في أشد تكتم ممكن ،وبعد التعرف إلى أفضل الدروب
واختياره ،تتخذ أكثر وسائل النسحاب ملءمة ،مع التزام أطبق الصمت .ويصعب للغاية في
هذه الظروف الحؤول بين جماعة من الرجال وبين الفلت من الطوق ليلً.
87
مقالت العسكرية
– القتال 4
ذكر نا آنفا أن الهجوم ي جب أن ي تم مع ضمان تام لنجا حه .علي نا أن نشرح الخطوط
العريضة للصيالة الواجب اتباعها ،ولعمل الهجوم ذاته ،مع الموائز المختلفة التي يمكن
أن تتبادر في كل عملية .سوف نصف النضال في الرض المؤاتية في المقام الول ،لنه
في حرب الغوار ،ول نه ينب غي أن ت ستخدم ف يه مبادىء سابقة لكت ساب 46
المثال ال َنمَطي
التجربسة العمليسة ،بغيسة حسل بعسض المسسائل( .أمسا حرب السسهل فهسي دائما نتيجسة تقدم
الغوّرات بف ضل اشتداد بأ سها وبف ضل الظروف الخا صة بالبيئة ،وهذا يع ني أ نه أ صبح
لدى المغاوير تجربة غنية يمكنهم أن يفيدوا منها).
تتو غل الرتال المعاد ية عميقا في الرض الثائرة ،خلل الطور الول من الحرب.
وتبعا لقوى هذه الرتال ،يمارس نمطان من الهجوم .يؤدي الن مط الول ب صورة منهجية
وعلى مدى بضعسة شهور ،إلى إفقاد هذه الرتال كفاءتهسا الهجوميسة .إنسه يسسبق النمسط
الخر زمنيا يسدد هذا الهجوم على المقدمات :فالراضي المجافية تمنع الرتال من التقدم
مع تغطية كافية على جناحيها .لذا وجب أن تكون لها دوما مقدمة هي التي تدخل أولً،
فتعرض حياة رجالهسا لتضمسن بذلك سسلمة بقيسة الرتسل .فعندمسا ل يكون عدد المغاويسر
كافيا ،ول يمكسن التعويسل على احتياطات ،ويكون العدو بالضافسة إلى ذلك قويا ،ينبغسي
ل قدرا من
استهداف إبادة هذا الرأس المتقدم دوما .جملة هذا العمل بسيطة ،ول تتطلب إ ّ
88
أرنستو تشي غيفارا
التنسيق .عندما يَذُ ّر 47رأس المقدمة في المكان المقرر – وهو المكان الكثر حُزونة- 48
يُ سمح لق سم من المقد مة بولوج الطر يق ويُ صْلى نارا فتّا كة .هذا بين ما ت ستوقف جما عة
صغيرة بقية الرتل هنيهة بحيث يُستطاع وضع اليد على السلحة والذخائر والتجهيزات.
ينبغي أن تحضر لذهن المغاور دوما فكرة أن منبع تموينه بالسلح هو العدو .يجب عدم
خوض المعركة إلّ ِلغَنم العتاد ،عدا حالت الستثناء.
يجري تطويسق الرتسل تماما عندمسا تسسمح قوى تشكيلة الغوار بذلك ،أو يخلق هذا
النطباع على ال قل .و في هذه الحالة الخيرة ينب غي أن تكون مقدمة تشكيلة الغوار قوية
49
ومتحصسنة بقدر كاف لمقاومسة هجمات العدو الجبهيسة .وعندمسا يتسم إيقاف العدو ،تَ ْنتََل
قوى المؤخرة لمهاجمة العدو من خلفه .ولما كان المكان قد اختير سلفا بحيث ل يستطيع
العدو التصرف بجناحيه ،يسهل إرباض قناصين يبقون على الرتل كله في منطقة النار،
ولو بلغ ثمان ية إلى عشرة أضعاف عدد هم .في جب في هذه الحالة ،وبفرض كفا ية القوى،
نصسب كمائن تراقسب كافسة الدروب ،لوقسف النجدات .يُشسد الطوق تدريجا ،وخاصسة فسي
ل بسه ،فإن الليسل يدع قوة المغاور
الليسل .ولمسا كان المغاور خسبيرا بالمكان والعدو جاه ً
تزداد ،ومثلها رعب العدو.
يم كن بهذه الطري قة وعلى جا نب من ال سهولة ،إبادة ر تل أو ت كبيده الخ سائر بح يث
يلزمه زمن طويل قبل أن يعاد تأليبه.
وعند ما تكون قوى الغوارة ضئيلة ويراد مع ذلك تأخ ير تقدّم الر تل العدو أو صدّه،
توزع قوى الغوارة إلى زمسر قوامهسا اثنيسن إلى عشرة رماة ،فسي الجهات الربسع ،حول
الرتل .يمكن الشروع مثلً بالقتال على الميمنة .وعندما يوجه العدو عمله إلى هذا الجناح
ويهجم منه ،يبدأ الرمي على الميسرة ،ثم في المؤخرة أو المقدمة ،وهكذا .يمكن على هذا
النحو جعل العدو في حالة إنذار دائمة ،باستعمال ذخيرة قليلة جدا.
89
مقالت العسكرية
ينبغسي أن تُكيّفس مِهانسة الهجوم على قافلة أو على موضسع للعدو ،بظروف الرض
المختارة .وينب غي الع مل بعا مة ،بح يث ي تم أول اقتحام ل حد الموا ضع ،في الل يل ،فجأة،
مستهدفا أحد المراكز المامية .يمكن لهجوم مفاجىء يشنه مغاوير متمرسون أن يصفي
أحسد المواضسع بسسهولة ،مسع احتسساب التفوق الحاصسل بتأثيسر الفجاء .ومسن أجسل القيام
بتطويسق منظّمس ،يمكسن مراقبسة منا طق الهروب بقلة مسن الرجال ،وحما ية م سالك القدوم
بكمائن تنصب بحيث أن العدو إذا مر عن أحدها ،استطاع المغاوير النكفاء وبقي هناك
كم ين ثا نٍ .وعند ما ل يؤ ثر عن صر المفاجأة ،يتو قف الظ فر أو الهزي مة ،و قت احتلل
المع سكر ،على كفاءة قوى التطو يق في إيقاف و صول النجدات .يتو فر للعدو ،عا مة في
هذه الحالة ،دعم المدفعية ومدفعية الهاون والطيران والدبابات .الدبابة سلح قليل الخطر
في الرض المؤاتية للغوارة :علي ها أن ت مر في دروب ضي قة يسهل أن ت قع فيها فري سة
اللغام .ثم أن كفاءة الدبابات الهجوم ية تف قد هه نا من قيمت ها ما دا مت تض طر أن ت سير
رتلً أحاديا أو على الكثر ثنائيا .اللغم هو أفضل السلحة وآمنها ضد الدبابات .أما في
اللتحامات التي يسهل تحقيقها في الراضي الوعرة ،فيغدو "كوكتيل مولوتوف" سلحا ذا
فعالية خارقة .ول نتكلم عن البازوكة التي تكون سلحا دفاعيا جديا لقوى الغوار ،إلّ أنه
ي صعب توفيره ،في بداية النضال على ال قل .أما مدفع الهاون ،فيم كن اللجوء ضده إلى
الخندق المسسقوف .والهاون سسلح عظيسم الفعاليسة ضسد موضسع مطوق ،غيسر أن قدرتسه
تنقسص بالمقابسل ،إزاء مهاجميسن جائليسن .ليسس للمدفعيسة دور كسبير فسي هذا النوع مسن
ال صراع ل نه ينب غي ن صبها في موا ضع سهلة المنال ،و هي عاجزة ضد أهداف جائلة.
ل أن فعاليتسه تتضاءل كثيرا بقدر مسا
الطيران هسو السسلح الرئيسسي لقوى الضطهاد ،إ ّ
تغدو أهدافسه الوحيدة هسي خنادق صسغيرة ل ترى .سسوف يرمسي الطيران قنابسل شديدة
البأس ،يكون صوتها أعظم من أذاها .ثم إنه كلما ازداد القتراب من خطوط دفاع العدو،
كلما عسر على طيرانه مهاجمة هذه النقاط.
اللغم المسيّر عن بعد هو أكثر أنماط اللغام فعالية ،إلّ أنه يتطلب معلومات مِهانية
ل تتو فر دائما .غ ير أن اللغام ذات الض غط ،وذات الفت يل ،وخا صة اللغام الكهربائ ية،
90
أرنستو تشي غيفارا
بالغسة الفائدة أيضا ،وتؤلف بالنسسبة للقوى الشعبيسة ،على الدروب الجبليسة ،وسسائل دفاع
تكاد ل ترام.
الخندق المائل ،المن شأ على عرض الطر يق ،بح يث تَلِ جه الدبا بة ب سهولة ،ولكن ها ل
ل بصعوبة ،هو وسيلة دفاع حسنة ضد المركبات المدرعة .يمكن
تستطيع الخروج منه إ ّ
تمويسه هذه الخنادق بسسهولة إبان تقدم العدو ليلً ،أو عندمسا تحول مقاومسة الغوارة دون
إرسال العدو مشاته أمام المدرعات.
الشاحنة هي وسيلة نهجية أخرى يتقدم بها العدو في الرض السالكة .وتسبق بعض
المركبات المدرعة أرتال شاحنات العدو .تستطيع تشكيلة الغوار ،تبعا لقوتها ،إما تطويق
الر تل بأكمله ،أو الف تك به بمهاج مة ب عض الشاحنات مع تفج ير اللغام في آن .ينب غي
العمل بسرعة في هذه الحالة ،وغنم أسلحة العداء ال صرعى ،والنسحاب .وإذا سنحت
الظروف ،يمكن محاولة التطويق الشامل الذي شرحنا قواعده العامة آنفا.
بارودة الصيد هي سلح عظيم الفعالية لمهاجمة الشاحنات المكشوفة .فيمكن لخردق
بارودة ذات عيار 16أن يغطي حقلً قدره عشرة أمتار ،أي بمدى طول الشاحنة كلها،
فيق تل ب عض ركاب ها ،ويجرح غير هم ،ويحدث اضطرابا شديدا .وإذا ما توافرت ب عض
الرمّانات ،تكون أسلحة ممتازة في هذه المناسبة.
إن تأثير المفاجأة هو الشيء الجوهري في هذه الهجمات كافة .وهو مائزة في المقام
الول لصسيالة الغوار .ول يمكسن حدوث هذا التأثيسر إذا كان فلحسو المنطقسة على علم
ل لرجال
بوجود الجيش الثائر .لهذا السبب ينبغي إجراء كافة التحركات ليلً ول يسوغ إ ّ
شديدي الكتمان ذوي إخلص مخبور ،أن يعلموا بها ويجروا الرتباطات .يجب أن تكون
الحقائب مملوءة زادا لهذه المسسيرات ،لكسي يسستطاع الصسمود يوميسن أو ثلثسة أو حتسى
أربعة في مكان الكمين.
91
مقالت العسكرية
أن يتكلموا أك ثر مما ينب غي ،فيقدمون بذلك معلومات جوهر ية .ول جل ن صب كمين ،ي تم
اختيار مكان يبعسد على العموم ،مسا ل يقسل عسن مسسير يوم واحسد عسن مآرز الغوارة
المعتادة ،والتي يعرفها العدو دائما بكثير أو قليل من التقريب.
لقد أكدنا آنفا أن كيفية الرمي في القتال تدل على مواضع المتقاتلين ،فمن جهة رمي
الجندي النظامسي ،حاميا ،سخيا ،معتادا أن تتوفسر له الذخيرة كيفيا ،و من الج هة الخرى
رمي المغاور ،منهجيا ،منجّما ،50عارفا قيمة كل رصاصة ،يستعملها بحرص ول يرمي
أبدا أكثر مما يلزم .ولما كان من غير المنطق أن يترك العدو يفلت ،اقتصادا للذخيرة ،أو
ل يستنجز الكمين عمله مليا ،لذا وجب توقع كمية الذخيرة التي ينبغي استعمالها في كل
أّ
مناسبة ،وتسيير القتال وفقا لهذه الحسابات المسبقة.
الذخيرة هسي مسسألة المغاور الكسبرى .يتوفسر السسلح دائما ،ومسا يُملك منسه ل يعود
يفارق الغوارة .أ ما الذخيرة فتن فد .وإذا كان ال سلح يغ نم بعا مة ،مع ذخير ته ،فل تغ نم
الذخيرة وحد ها أبدا إلّ نادرا .ول يف يد ال سلح الذي يغ نم مع ذخير ته في تمو ين أ سلحة
أخرى ،إذ ليس ثمة سلح فائض .لذلك يغدو المبدأ ال صِيالي القائل بالقتصاد في الرمي
مبدأ أساسيا في هذا النمط من الحرب.
ل يسع القائد المغاور الذي يعتد بهذه الصفة لنفسه ،أن يهمل شأن النسحاب .ينبغي
إجراء الن سحابات في الو قت المجدي ،وأن تكون مر نة ،وت سمح بإنقاذ كل عتاد تشكيلة
الغوار ،والجر حى .ل يجوز للثائر أبدا أن يفاجئه العدو أثناء النسحاب ،ول يستطيع قط
أن يسمح لنفسه بترف مطاوعة الطوق الذي يُشد حوله.
ينبغي إذا حراسة الطر يق المختارة في كافة النقاط ال تي يحتمل أن يُقبل العدو منها
بجنوده في محاولة للتطويق .وإذا ما وقعت محاولة التطويق ،وجب أن تكون هناك جملة
ارتباط تتيح إشعار الرفاق سريعا بالمحاولة.
ينبغي دائما توفر رجال غير مسلحين ،يلتقطون بنادق الرفاق الجرحى أو الصرعى،
أو سلح ال سرى ،ويعنون بال سرى ،وبن قل الجر حى ،بالرتباطات .وي جب أن يتو فر
ال ُمنَجّم :الذي يكون وروده قليلً ،متقطعا ،تتخلله فواصل زمنية. 50
92
أرنستو تشي غيفارا
إن عدد هؤلء الردفاء ن سبي ،ل كن يم كن تحديده باثن ين إلى ثل ثة في العشرة :إن هم
يشهدون القتال ،وينجزون المهمات المقتضاة فسي المؤخرة ،مدافعيسن عسن المواضسع إبان
النسحاب ،وقائمين على مصالح الرتباط التي ذكرناها.
عند ما تمارس تشكيلة الغوار حربا من الن مط الدفا عي – أع ني عند ما تؤ من حما ية
م سالك منط قة معي نة ضد ر تل من الغزاة – يتحول القتال إلى حرب تحا صن .غ ير أ نه
ينبغي دائما عند بدء الشتباك ،العناية بتأثير المفاجأة التي تكلمنا عنها آنفا .وإذا تم حفر
خنادق أو جمل دفاعية أخرى يسهل على فلحي المنطقة تمييزها ،ينبغي التأكد أن هؤلء
الفلحين باقون خلف الخطوط .إذ أن الحكومة ،في هذا النمط من الحرب ،تقيم الحصار
على المنط قة ،ويض طر الفلحون الذ ين لم يلوذوا بالفرار إلى الذهاب لمنا طق بعيدة عن
منط قة ح مى الغوّارة ،بق صد التمو ين .و في اللحظات الحر جة ال تي ن صفها ،يض حى كل
رجسل يغادر منطقسة الغوار خطرا بالغا ،نظرا للمعلومات التسي يمكسن أن يسسديها للعدو.
وعلى الجيسش الثائر ،فسي الحرب الدفاعيسة ،أن يتخسذ صسيالة الرض المحروقسة مبدأ
أساسيا.
ينب غي بناء الجهاز الدفا عي كله بح يث ت قع مقد مة العدو دائما في كم ين .من الم هم
جدا على ال صعيد النف سي ،أن يكون رجال المقد مة هم الذ ين يُ صرعون ،دون ريب ،في
كل قتال .ينب غي خلق و عي لهذا الوا قع يتفا قم حدّة كل مرة لدى ج يش العدو ،فيبلغ م نه
ل بل مقدمة
مبلغا ل يبقى معه أحد يرضى أن يكون في المقدمة .ولما كان واضحا أن رت ً
ل يستطيع التقدم ،فل بد إذا أن يتحمل أحد هذه المسؤولية...
وإذا مسا رُئي المسر مجديا ،أمكسن القيام بمراوغات لللهاء ،أو تطويقات أو هجمات
جناح ية ،أو مجرد صد العدو جبهيا .إلّ أ نه ينب غي في كل الحالت تقو ية النقاط الخلي قة
أن تستهدفها هجمات العدو الجناحية.
93
مقالت العسكرية
يفترض ذلك توفر رجال وسلح أكثر مما في القتالت النف وصفها ،فمن الواضح
أنه يلزم كثير من الرجال لرصد كافة الدروب المتواردة إلى منطقة ما .وقد تكون عديدة.
ينبغي ههنا زيادة عدد الفخاخ والهجمات على الناقلت المدرعة ،في آن مع ضمان أعظم
سلمة ممك نة لجملة الخنادق الثاب تة ال تي يم كن للعدو ،بح كم ثبات ها ،أن يحدد مواضع ها.
وإذا كان المر العسكري في هذا النمط من الحرب ،هو بعامة ،الصمود بوسائل الدفاع
ح تى الموت ،ي جب مع ذلك أن يض من ل كل من الحماة ال حد الق صى من فرص البقاء
حيا.
كلمسا كان الخندق مسستخفيا للمراقبسة عسن بعسد .كان أمينا .ويحسسن تغطيتسه بسسقف
لبطال تأثير مدافع الهاون .إن مدافع الهاون المستخدمة في الميدان عامة هي ذات عيار
60أو حتى 85مم ،وهي ل تستطيع خرق سقف جيد مبني بالمواد المحلية ،كالخشب أو
الحجسر ،ومحكسم التمويسه .ينبغسي الحتياط دائما بإنشاء مخرج يسسمح للمرء فسي الحالة
الق صوى ،أن يفلت دون تعر يض حيا ته كثيرا .ل قد أنشأ نا م ثل هذه الو سائل الدفاع ية في
سييرا ماسترا حيث كانت فعالة لوقايتنا من رمي مدافع الهاون .تشير كل هذه العتبارات
بوضوح إلى انعدام وجود خطوط نار محددة .إن خط النار هو شيء نظري إلى حد بعيد
أو قريب ،يتثبت في بعض اللحظات الحرجة ،إلّ أنه مطاط ومتنافذ بين المعسكرين .وما
هو موجود إنما هو أرض سائبة 51واسعة بينهما .إلّ أن الرض السائبة تتميز في الغوار
بأن ث مة سكانا مدني ين يعيشون في ها ،ويتعاونون إلى حد ما مع أ حد المع سكرين .وت قف
أكثرية باهرة منهم ،في الواقع ،إلى جانب الثورة .ل يمكن ترحيل هؤلء السكان حشرا،
إذ أن أي المتنازعين يحاول ذلك ،يختلق لنفسه معضلة تموينية ل حل لها .تمر في هذه
الرض السسائبة غزوات دوريسة ،نهاريسة على وجسه العموم لقوى القمسع ،وليليسة لقوى
الغوار .وتجسد قوى الغوار فسي هذه الغزوات مصسدرا هاما للتمويسن ينبغسي تداركسه على
الصعيد السياسي بإقامة أحسن العلقات مع الفلحين والتجار.
إن عمل الذين ل يقاتلون مباشرة هام جدا في هذا النمط من الحرب .لقد أشرنا آنفا
إلى بعسض مميزات الرتباط فسي أماكسن القتال ،إلّ أن الرتباط هسو مؤسسسة تقوم داخسل
الرض السائبة :أرض ل يسيطر أحد الفريقين عليها. 51
94
أرنستو تشي غيفارا
تنظ يم الغوارة .وينب غي بناء الرتباطات ح تى أبعد جما عة من المغاو ير ،بح يث ت ستطيع
النتقال دائما من نقطة لخرى بأسرع وسيلة معروفة في المنطقة ،هذا حتى في الرض
المجافية لنا .ل يرد مثلً ،لغوارة تعمل في أرض مجافية ،أن تدع جمل موصلت حديثة
قائمة ،كالبرق ،والطرقات ..إلخ ،عدا بعض الجمل اللسلكية التي يتعذر تخريبها والتي
ل تفيسد إلّ حاميات عسسكرية قويسة تذود عنهسا .وهسي بأيسة حالة ،لو سسقطت فسي أيدي
الغوارة ،لحتاجت إلى تغيير الرموز والتوترات ،وهو عمل على جانب من الصعوبة في
بعض الحيان.
نقول ونحن نتذكر تجربتنا الخاصة خلل حرب التحرر :إن الختبار اليومي المين
عسن كافسة نشاطات العدو يُسستكمل بالختبار الذي تؤديسه ارتباطاتنسا .ينبغسي درس جملة
المخابرات در سا كثيرا ،واختيار رجال ها بأ كبر عنا ية .فل يم كن تقد ير مبلغ الذى الذي
يسستطيع أن يؤتيسه عميسل مزدوج .وإذا لم نذهسب إلى هذا الحسد ،فإن اختبارا مبالغا فيسه،
يسستعظم الخطسر أو يسستصغره ،يمكسن أن تنجسم عنسه متاعسب جمسة :ويندر أن يسستصغر
الخ طر ،إذ أن م يل الفلح العام يحدو به إلى تضخ يم النباء .إن الذهن ية الجبتية 52ال تي
تستحضر أشباحا وكائنات غيبية شتى هي ذاتها التي تختلق جيوشا جبارة أيضا عندما ل
يعدو ال مر ف صيلة أو دور ية عدوة .ك ما ينب غي أن يبدو الجا سوس محايدا قدر المكان،
ل يظ هر في ع ين العدو ،على أ ية صلة بقوى التحرر .لي ست هذه المه مة صعبة بقدر
وأ ّ
مسا تتراءى ،ويصسادف أناس كثيرون ،تجار أو أصسحاب مهسن حرة وحتسى رجال ديسن،
يستطيعون السهام فيها وتقديم المعلومات.
إن الفرق الشاسع بين المعلومات التي تحصل عليها القوى الثائرة ومعلومات الجيش
النظا مي ،هو من أ هم موائز حرب الغوار .يض طر الج يش النظا مي أن يجوب منا طق
ل صمت الفلحين المر ،بينما تعتد تشكيلة الغوار بصديق
مناوئة له إطلقا ،ل يلقى فيها إ ّ
في كل بيت ،إن لم يكن في صفوفها أحد أعضاء السرة ،وتتداول النباء باستمرار خلل
جملة ارتباطاتها ،حتى الركان العامة أو مركز قيادة الغوار في المنطقة.
95
مقالت العسكرية
عندما يتوغل العدو في أرض قد جاهرت بالثورة ،حيث انضوى الفلحون كافة إلى
قض ية الش عب ،تن شأ م سألة بال غة الخطورة .يحاول مع ظم الفلح ين أن يفروا مع الج يش
الشعسبي ،مخلّفيسن أطفالهسم ومشاغلهسم ،ويحاول غيرهسم اصسطحاب عيالهسم بقضّهسا
وقضيضها ،وأخيرا يمكث غيرهم مكانه بانتظار الحداث .إن أبلغ نتائج توغل العدو هو
زج أُ سَر كثيرة في وضع صعب ،إن لم يكن يائساً .ينبغي إسداء الحد القصى من الدعم
لهم ،لكنه ينبغي تحذيرهم أيضا من أن الفرار صوب مناطق غير آهلة ،بعيدا عن أماكن
التموين المعتادة ،يعرضهم بالتأكيد إلى الِلزَن.53
ل يسوغ الحديث عن "نمط من القمع" من جانب أعداء الشعب :ففي كل مكان ،يعمل
أعداء الشعب تبعا للظروف النوعية من تاريخية واجتماعية واقتصادية ،على نحو يزداد
أو يقل إجراما ،وإن كانت طرائق القمع العامة متماثلة على الدوام .ثمة أماكن ل يستثير
في ها فرار الر جل إلى منط قة الغوار ،مخلفا أ سرته في الب يت ،رد ف عل كبيرَ .بيْ َد أن هذا
الفرار كاف ،في أما كن أخرى ،لم صادرة أرزا قه وإحراق ها وللت سبب بق تل ال سرة كل ها.
لذا فمسن الطسبيعي أن يتسم تنظيسم الفلحيسن الذيسن سسوف يتأثرون بتقدم العدو ،على خيسر
وجه ،تبعا لما يعرف عن قواعد الحرب في هذه المنطقة بالذات.
واضسح أنسه ينبغسي التأهسب لطرد العدو خارج المنطقسة المصسابة ،بقطسع خطوط
مواصلته ،ومنع تمونيه بواسطة غوارات صغيرة ترغمه على أن يلقي في القتال أعدادا
كبيرة جدا من الرجال.
إن استخدام الحتياط على نحو حكيم في كل لقاء هو أهم العوامل في هذه المعارك.
يندر أن يسستطيع الجيسش الثائر ،بحكسم طسبيعته ،أن يعتمسد احتياطات ،لن عمسل أبسسط
المشتركين فيه منظم ومستخدم مليا في كل قتال .غير أنه يحسن أن يحتفظ الجيش الثائر
برجال موزعيسن ،يسستطيعون السستجابة لطارىء مسا ،أو شسن هجوم معاكسس ،أو تثسبيت
وضع ما .ويمكن وفقا لتنظيم الغوارة وتبعا لمكانات الساعة ،أن يحتفظ بفصيلة متأهبة
"صسالحة لكسل عمسل" ،تكون مهمتهسا هسي النتقال إلى أشسد النقاط خطرا .يمكسن تسسميتها
اللِزْن ،ج لَزْنة :الشدة والضيق من جوع أو برد أو خوف ..إلخ. 53
96
أرنستو تشي غيفارا
"الف صيلة النتحار ية" ،أو أي ا سم آ خر .إن ها تقوم جيدا في الوا قع بالوظائف ال تي تش ير
هذه التسمية إليها .يجب إرسال هذه "الفصيلة النتحارية" إلى كافة النقاط التي يحسم فيها
القتال ،وإلى الهجمات المفاجئة على المقدمات ،وللدفاع عسسن المكنسسة الشسسد خطورة
وعر ضة لل صابة ،وأخيرا إلى كل مكان يهدد ف يه العدو ا ستقرار خط النار .يترك كل
امرىء حرا أن ينخرط في هذه الف صيلة ،ال تي ي جب أن تغدو جائزة ينال ها من يختار ها.
والجندي من ها خل يق أن ي صبح على مر الز من مثالً ل كل ر تل غواري ،ويتم تع المغاور
الذي يتشرف بالنتساب إلى هذه القطعة بإعجاب واحترام رفاقه كافة.
97
مقالت العسكرية
لقد عرّفنا بإسهاب ما هي حرب الغوار .وسوف نعيد الن وصف تطورها المثل،
في الرض المؤات ية ،م نذ ولدت ها بدءا من نواة وحيدة ،أي أن نا سوف نؤلف نظريت ها،
اعتمادا على التجربة الكوبية.
ثمسة فسي البدء جماعسة قليلة أو كثيرة التسسلح ،متفاوتسة التجانسس ،تحاول بصسورة
حصرية تقريبا ،أن تختبىء في أماكن وعرة ،ل يُهتدى إليها ،في حين أنها تحافظ على
صلة ضعي فة بالفلح ين .تن جح هذه الجما عة في ك يل ضر بة ،فتبدأ شهرت ها آنئذ .يأ تي
بعض الفلحين الذين سُلبوا أراضيهم أو الذين يناضلون للحفاظ عليها ،وبعض المثاليين
الناشئ ين في طب قة أخرى ،فيرفدون صفوفها .تكت سب الجما عة مزيدا من القدام للتجول
في المنا طق الهلة ،و صلة أو ثق بأ هل المنط قة ،فتبا شر ب عض الهجمات ،يلي ها الهروب
توا .وسرعان ما يصل بها المر إلى الشتباك في قتال مع رتل فتبيد مقدمته .تستمر في
تجن يد الرجال في ها ،ويتض خم عدد ها ،إلّ أن تنظيم ها يبقى هو هو ،عدا أن ها تلتزم حذرا
أقل وتغامر في مناطق أكثر سكانا.
ثم تأخذ الجماعة تقيم معسكرات مؤقتة لبضعة أيام ،تبارحها مذ تعلم باقتراب العدو،
أو إذا حدث قصف ،أو لمجرد ظنها في أحد هذه الخطار .تتزايد الغوارة عدديا ،ويقترن
ذلك بالعمسل الجماهيري الذي يجعسل مسن كسل فلح نصسيرا لحرب التحرر .تختار أخيرا
منطقة في منأى عن يد العدو ،وتبدأ الحياة الحضرية وتشرع بإقامة الصناعات الصغيرة
الولى :الحذ ية ،لفائف الت بغ ،صناعة ال سلح ،الخبازة ،ش يء من الخيا طة ،المشا في،
الذاعة ،الطباعة ...إلخ.
أ صبح للغوارة تنظ يم جد يد ،وبن ية جديدة .إن ها رأس حر كة كبيرة تظ هر في ها ،على
هيئة ملمح ،كافة مميزات الحكومة .تقام محكمة لدارة العدالة ،وإذا أمكن ،تنشر بعض
98
أرنستو تشي غيفارا
القوانيسن ،مسع متابعسة توعيسة الجماهيسر الفلحيسة سسياسيا ،وكذلك الجماهيسر العماليسة إن
وجدت في المنط قة .ي تم هزم هجوم من جا نب العدو ،فيزداد عدد البنادق ،وبالتالي عدد
رجال الغوارة .غير أنه يحين وقت ل يتسع فيه قطر عملها بنسبة عدد رجالها .فينفصل
عندئذ رتل عن الجماعة ويذهب لخلق منطقة قتال جديدة .تعاود هذه النواة الجديدة العمل
مرة أخرى ،لكن بموائز مختلفة نوعا ما ،نظرا للتجربة المكتسبة ولتوغل جيوش التحرر
في منا طق الحرب .وتتا بع النواة المركز ية ا ستفحالها في هذه الثناء ،و قد تل قت أرفادا
هامسة مسن التمويسن ومسن البنادق أحيانا ،مسن مناطسق بعيدة ،ويسستمر قدوم الرجال إليهسا،
وتتابع المهمات الدارية بابرام القوانين ،وتفتح مدارس تسمح بنشر الوعي السياسي بين
المجند ين وبتدريب هم .ويتعلم القادة بقدر ما تتطور الحرب ،وتتح سن كفاءت هم القياد ية في
آن مع تزايد القوى كمّا وكيفا.
غير أن ثمة أرضا معادية ،أرضا مجافية لحرب الغوار .فتتوغل فيها زمرة صغيرة
لمهاجمسة المواصسلت وتخريسب الجسسور وبسث اللغام وبذر عدم الطمئنان .وتسستمر
الحركة تتطور مع المد والجزر الخاصين بالحرب .ل يلبث العمل الجماهيري الواسع أن
يت يح للقوى بالتجول في الرا ضي المجاف ية ،فيبلغ المرحلة الخيرة و هي مرحلة الغوار
في ضواحي المدن.
يزداد التخريسب بشكسل محسسوس فسي المنطقسة كلهسا .وتصساب الحياة بالشلل ،فقسد
أصسبحت قيسد رقابسة الغوار .يسستهدف الغوار مناطسق أخرى ،ويقاتسل العدو على جبهات
محددة ،وقد تم غنم أ سلحة ثقيلة (حتى بعض الدبابات) ،وصار النضال بين ندّ وندّ .يتم
م صرع العدو عند ما يتحول تتا بع الظفار الجزئ ية إلى ظ فر نهائي ،عند ما ي صل ال مر
بالغوار أن يحمل العدو على القتال ضمن الشروط التي يفرضها الغوار ،ويتم عندها قهر
العدو وإرغامه على الستسلم.
99
مقالت العسكرية
100
أرنستو تشي غيفارا
القسم الثالث
101
مقالت العسكرية
– التموين 1
إن تمويسن تشكيلة الغوار على نحسو صسحيح هسو أمسر جوهري .ينبغسي أن تسستطيع
الجماعة إيجادها أودها من منتجات الرض ،بينما هي تمكّن الفلحين الذين يقدمون هذه
المنتجات أن يجدوا أودهسم فيهسا أيضا .ل يسستطيع المغاور ،فسي النضال الشاق الذي
يخو ضه – ول سيما في البدء – أن ين تج بنف سه أي ش يء ،خا صة إذا و جد في أرض
سالكة لرتال الق مع .وبقدر ما تن مو تشكيلة الغوار ،علي ها أن تؤمّن لنف سها منا بع تمو ين
54
بعيدة عن منا طق القتال .تع يش في البدء م ما ينت جه الفلحون ف قط .قد ت ستطيع المِيرة
من بعض المراكز ،ولكنها ل تستطيع أبدا أن تنشىء شبكات تموينية لنها تفتقر بعد إلى
الرض التسي تقيمهسا عليهسا .إذن تتكيسف شبكسة التمويسن ومثلهسا تخزيسن المؤن بتطور
الصراع.
يجب أن يكون الخط المتبع مرنا وصلبا في آن .يكون مرنا بانتهاج التعاون العفوي
مع كل الذين يعطفون باخلص على الحركة الثورية .ويكون صلبا تجاه الذين يهاجمون
الحركة الثورية مباشرة ،مثيرين التفرقة أو ناقلين معلومات هامة إلى جيش العدو.
يتم الشراف على المنطقة شيئا فشيئا ويمكن عندها اعتماد حرية حركة أكبر .يجب
اتخاذ مبدأ أسساسي هسو دفسع أثمان البضائع المأخوذة مسن الصسدقاء دوما ،سسواء أكانست
منتجات زراع ية أو سلعا تجار ية .كثيرا ما تكون هذه البضائع هدا يا ،غ ير أن ظروف
102
أرنستو تشي غيفارا
حياة الفلح تحول أحيانا دون هذه الهبات .و قد تفرض ضرورات الحرب مهاج مة ب عض
المتاجر ،دون إمكان الدفع .يجب دوما في هذه الحالت إعطاء التاجر إيصالً ،سند إقرار
بالدين ،من "سندات المل" التي ذكرناها آنفا .ولكنه يفضّل استخدام هذه الوسيلة مع أناس
موجودين خارج حدود المنطقة المحررة ،وتسديدها في أسرع وقت ولو جزئيا.
ومتسى تحسسنت الظروف بكفايسة لتسسمح بالحتفاظ بصسورة دائمسة بأرض ل يطالهسا
جيش العدو ،أمكننا أن نعمد عندئذ إلى البذار بصورة جماعية .يشتغل الفلحون الرض
لصالح جيش الغوار ،فيضمنون بذلك مصدرا ثابتا للتموين.
وإذ كان عدد المغاويسر المتطوعيسن يتجاوز عدد السسلحة ،وإذا كانست الظروف
السسياسية تحول دون نزول هؤلء الرجال إلى المناطسق الخاضعسة للعدو ،يمكسن للجيسش
الثائر أن يدع رجاله وكافسة المجنديسن فيسه يشتغلون الرض ،ويجنون المنتجات التسي
تضمسن التمويسن .يمل هؤلء المتطوعون بذلك سسجلت خدمتهسم التسي تفيسد فيمسا بعسد
لترقيت هم إلى صفوف المقاتل ين .غ ير أ نه يُفضّ ل أن ي تم البذار على يد الفلح ين أنف سهم،
لنهم ينجزون العمل بحماس أكبر وكفاءة أعظم .ويمكن التوصل ،في مرحلة أكثر تقدما،
إلى شراء محا صيل برمت ها وتخزين ها ل ستعمال الج يش ،سواء في الهواء الطلق أو في
المخازن ،حسب طبيعة السلع.
وعندما يتم إنشاء هيئات مكلفة بتموين السكان الفلحين أيضا ،يتم تجميع كل السلع
لدى هذه الهيئات ،لجراء عمليات مقايضة بين الفلحين ،بوساطة الجيش الثائر.
وإذا تحسنت الظروف أكثر ،أمكن تحديد الضرائب .يجب أن تكون أخف ما يمكن،
ل سيما على المن تج ال صغير .وي جب ال سهر ،فوق كل ش يء ،على العلقات الطي بة ب ين
طبقة الفلحين وبين الجيش الثائر الذي هو فيض منها.
يمكسن أن تُجْب َى الضرائب نقدا أو بشكسل حصسص مسن المحصسول تأتسي لترفسد
الحتياطات .اللحسم مثلً سسلعة فسي المقام الول مسن الضرورة ،فيجسب ضمان إنتاجسه
وحفظسه .ويتسم بالتعاون مسع الفلحيسن إنشاء مزارع لتربيسة الدجاج والماعسز والخنازيسر،
شتَرى مسن كبار الملك أو تُصسَادر منهسم ،وإذا كانست المنطقسة غيسر آمنسة ،يبدو
التسي تُ ْ
103
مقالت العسكرية
الفلحون فيها بمظهر مَن ل علقة له بالغوارة .ومن المعتاد في مناطق الملكيات الكبرى
أن تتو فر الماش ية بكميات كبيرة ،فتذ بح وتملّح .فإذا ما ح فظ الل حم بهذه الشروط ،ب قي
صالحا للستهلك مدة طويلة.
تنتج الماشية الجلد أيضا .يمكن إقامة صناعة دباغة بدائية إلى حد ما ،تسمح بتوفير
المادة الولية للحذية ،وهي لوازم ل يستغني المغاور عنها .يمكن القول ،بصورة عامة،
إن الغذ ية ال تي ل غ نى عن ها هي :الل حم ،الملح ،ب عض الخضار أو الدران أو البذور.
ينتج الفلح الغذاء الساسي دائما ،وهو المالنغا في المناطق الجبلية من مقاطعة أوريينته
(كوبا) ،والذرة في المناطق الجبلية من المكسيك وأمريكا الوسطى والبيرو ،والبطاطا في
البيرو أيضا ،وهو الماشية في بلدان أخرى كالرجنتين ،وهو القمح في سواها .يجب بأية
حال ضمان تمو ين الفر قة بالغذاء ال ساسي ،وبب عض المواد الد سمة الحيوان ية أو النبات ية
التي تسمح بإغناء التغذية.
الملح حا جة ل غ نى عن ها .عند ما نكون على مقر بة من الب حر ون ستطيع بلو غه،
جفّات 55صسغيرة للملح فورا ،لتكويسن احتياط منسه .ول يسسعنا نسسيان أنسه
ينبغسي إنشاء مَ َ
يسهل فرض الحصار على المنطقة الجبلية ،التي تكاد ل تنتج شيئا ،فيؤدي الحصار إلى
إفقار المنط قة على ن حو بالغ .وي ستحسن أن تتو قع المنظ مة الفلح ية والمنظمات المدن ية
عامسة هذا الحتمال .يجسب أن تتوفسر لدى الفلحيسن احتياطات غذائيسة ليسستطيعوا البقاء
خلل أشد فترات النضال قسوة .يجب الجتهاد بسرعة لتكوين مخزونات من السلع غير
التال فة كالحبوب :ذرة ،ق مح ،ارز ...إلخ ،والدق يق ،والملح ،وال سكر ،والمحفوظات بكا فة
أنواعها ،ويجب القيام بالبذار الضروري أيضا.
سوف يأتي يوم يتم فيه حل كافة المسائل الغذائية في المنطقة ،غير أن كمية كبيرة
مسن المنتجات الخرى تبقسى ضروريسة ،كالجلد مثلً للحذيسة (إذا تعذر إنشاء صسناعة
للجلد) ،والكتّان لللبسة ،ولوازم أخرى كالورق وآلت الطباعة للصحف والحبر ...إلخ.
جفّة :المكان الذي يجفف فيه ماء البحر لستخراج الملح منه.
الم َ 55
104
أرنستو تشي غيفارا
وكلمسا اسستكملت الغوارة تنظيمهسا ،ازدادت حاجتهسا لصسناف تأتسي مسن العالم
الخارجسي .فيصسبح ضروريا عندئذ أن تؤدي منظمسة خطوط التمويسن عملهسا على وجسه
الكمال .تقوم هذه المنظمة بصورة أساسية بواسطة الفلحين الصدقاء .ويجب أن تكون
بنيتها ذات قطبين ،أي تكون لها نهاية في المدينة من جهة ،ونهاية في جبهة الغوار من
الجهسة الخرى .وتجتاز خطوط التمويسن ،ابتداء مسن مناطسق الغوار ،كسل الرض التسي
يمكن أن يمر فيها العتاد .وسوف يألف الفلحون الخطر شيئا فشيئا (يمكنهم إتيان العجب
العجاب إذا عملوا في جماعات صغيرة) ،فينقلون العتاد إلى المكان المحدد دون أن يعانوا
أخطارا بال غة .يم كن إجراء هذه التنقلت ليلً على البغال أو أ ية زوامِل 56أخرى ،وح تى
ب سيارات الش حن في ب عض المنا طق ،في تم بذلك ضمان تمو ين منت ظم .والمق صود هه نا
نمط من خطوط التموين وارد من النحاء القريبة من أمكنة العمليات.
تعيش المنظمة من ِهبَات الصدقاء المباشرة ،وتعطي لقاءها إيصالت سرية ،ويجب
أن يكون القائمون على تعاطي هذه المور خاضعين لرقابة شديدة .وعندما تخرج غوارة
مسن مأرِز عملياتهسا لتداهسم منطقسة جديدة ،يمكنهسا تسسديد مشترياتهسا نقدا أو بسس"سسندات
المل" .وفي هذه الحالة ،ليس ثمة حل غير أخذ بضائع التجار .ويتبع التسديد عندئذ إلى
أمانة الغوارة أو إلى إمكاناتها المالية.
105
مقالت العسكرية
106
أرنستو تشي غيفارا
إن التنظيم المدني للحركة النتفاضية أمر بالغ الهمية ،وذلك على الجبهتين الداخلية
والخارجيسة .وللجبهتيسن طبعا ،موائز ووظائف متباينسة إلى حسد بعيسد ،وإن تسم تصسنيف
مهماتهما تحت تسمية واحدة .فجباية المال التي يمكن أن تقوم بها الجبهة الخارجية مثلً
تختلف عن جباية الجبهة الداخلية .ومثلها شأن الدعاية ،أو التموين .وسوف نصف أولً
مهمات الجبهة الداخلية.
نقصد بالجبهة الداخلية منطقة واقعة ولو جزئيا تحت إشراف قوى التحرر ،ومؤاتية
للغوار .أما عندما ينتشر قتال الغوار في أرض مجافية له ،فل يتوطد تنظيم الغوار فيها
عمقا ،بل اتساعا ،لنه يصيب نقاطا متزايدة العدد ،ولكنه ل يستطيع تحقيق تنظيم داخلي،
لن العدو متوغل في المنطقة .ويمكن في الجبهة الداخلية توفر سلسلة من المنظمات التي
تؤدي وظائف نوعيسة لتحسسين عمسل الدارة .تعود الدعايسة ،بصسورة عامسة ،مباشرة إلى
الجيش ،غير أنه يمكن فصلها مع بقائها تحت إشرافه (وهذه المسألة ،بأية حال ،هامة إلى
حد يجعل ني أعالج ها على حدة في ما ب عد) .وتعود جبا ية الضرائب إلى المنظ مة المدن ية،
ومثلهسا تنظيسم الفلحيسن بصسورة عامسة (والعمال إن وجدوا) ،وينبغسي أن يخضسع هذان
المران إلى إشراف محكمة.
وك ما أوضح نا في الف صل السابق ،يمكن تحق يق الجباية بأشكال شتى ،من ضرائب
مباشرة وغير مباشرة و ِهبَات ومصادرات .يؤلف كل ذلك جزءا من الفصل الهام المتعلق
بتموين جيش الغوار.
ينب غي النتباه بشدة كي ل يؤدي ع مل الج يش الثائر إلى إملق 57المنط قة ،وإن كان
ل عن ذلك ب صورة غ ير مباشرة ب سبب ح صار العدو .إن ها ح جة ت ستخدمها
عمله م سؤو ً
107
مقالت العسكرية
دعا ية العدو با ستمرار .فينب غي لهذا ال سبب بالض بط ،عدم إثارة أي سبب مبا شر للنزاع.
فيجب مثلً أن ل يكون هناك أي نظام يمنع مالك محصول في المنطقة المحررة من بيع
ل في حالت قصوى وبصورة مؤقتة ،مع شرح السباب
محصوله خارج هذه المنطقة ،إ ّ
بوضوح للفلحين .وخلل كل عمل يقوم به الجيش الثائر ،ينبغي أن يشرح قسم الدعاية
دائما أسسباب هذا العمسل ،وسسوف يفهمسه الفلح بعامسة فهما تاما ،فقسد صسار هذا الجيسش
جي شه ،طال ما أن له ف يه إبنا أو أخا أو قريبا .ونظرا لهم ية العلقات مع الفلح ين ي جب
إنشاء هيئات تسسيّر هذه العلقات فسي مجرى محدد وتنظّمهسا .تقوم هذه الهيئات فسي
المناطسق المحررة ،ولكنهسا تنشىء علقات بالمناطسق المجاورة أيضا .وتسستطيع هذه
الهيئات ،عسن طريسق المناطسق المجاورة بالتحديسد ،أن تتوغسل شيئا فشيئا فتسسمح بذلك
بتو سيع جب هة الغوار .يذ يع الفلحون الدعا ية الشفه ية والمكتو بة ،ويحكون ك يف يع يش
الناس في المنط قة الخرى ،والقوانين التي أُب ِرمَت فيها لحماية صغار الفلحين ،وروح
الفِداء لدى الجيش الثائر ،فيخلقون بذلك الجو الملئم لدعم هذا الجيش.
يجب أن تكون لمنظمات الفلحين أيضا تفرعات تسمح للجيش الثائر ،عندما يرغب
في ذلك ،أن ينقل بعض المنتجات لبيعها في أرض العدو ،عن طريق سلسلة من الوسطاء
الذ ين يعملون مجانا إلى حد متفاوت .ذلك أن التا جر ،إذا كان تعل قه بالقض ية يدف عه إلى
معاناة ب عض المخا طر ،فإن ث مة تعلقا بالمال أيضا يدف عه إلى الفادة من المخا طر عين ها
لجني الربح.
أشرنسا عندمسا تكلمنسا عسن التمويسن إلى أهميسة مصسلحة إنشاء الطرق .فعندمسا تبلغ
الغوارة درجة معينة من التطور ،تنشىء مآرز ثابتة إلى حد ما ،ول تعود تتيه بل موئل
في منا طق مختل فة .يجب عندئذ إنشاء سلسلة من الدروب ال تي تتفاوت بين درب البغّالة
والطر يق المعبّدة .ينب غي الن ظر طبعا في كفاءة الج يش الثائر للتنظ يم ،و في قابل ية العدو
الهجومية ،لنه يستطيع تدمير طرق المواصلت هذه ،كما يستطيع استخدام الدروب التي
أنشأ ها المغاو ير ،لبلوغ مع سكراتهم ب سهولة .ي جب اعتماد مبدأ جوهري هو أن الدروب
ل إذا تم
معدة لت سهيل تمو ين الموا ضع ال تي ل يس ل ها حل آخر ،وأنه ل يجوز إنشاؤها إ ّ
التأكد تقريبا من إمكان الصمود في الموضع أمام هجوم عنيف من جانب العدو .ويمكن
108
أرنستو تشي غيفارا
القبول باستثناء من أجل الدروب التي تيسّر التصال بين نقطتين ولكنها ليست حيوية فل
يؤلف إنشاؤها خطرا.
َبيْدَ أن ث مة و سائل موا صلت أخرى ،كالها تف مثلً ،الذي يم كن إقام ته في الج بل
بسهولة أكبر بقدر ما يمكن اتخاذ الشجار أعمدة له ،وهذا ما يستحيل على مراقبة العدو
ل في منطقة ليس للعدو إليها سبيل.
الجوية أن تميزه .ولكنه واضح أن ذلك ل يجوز إ ّ
المحكمسة هسي الهيئة المركزيسة للعدالة والدارة والقوانيسن الثوريسة ،ول غنسى عنهسا
لجيش غوار تم بناؤه في أرض محررة .يجب أن يتبوأ مسؤولية المحكمة شخص مطلع
على قوانيسن البلد ،والفضسل منسه شخسص يعرف الضرورات القانونيسة فسي المنطقسة
ويسستطيع وضسع سسلسلة مسن المراسسيم والنظمسة تسساعد الفلح على نَظْم الحياة وإقامسة
مؤسساتها داخل المنطقة الثائرة.
لقسد وضعنسا ،إبان حرب غوارنسا الكوبيسة ،قانون عقوبات ،وقانونا مدنيا ،ونظاما
لل صلح الزرا عي ،ونظاما لتمو ين الفلح ،و في ما ب عد قانون ال صلح الزرا عي في
سييرا ماسترا .كما تتولى المحكمة ،بالضافة لما سبق ،كل محاسبة الجماعات المسلحة
المختلفسة ،وتشرف على مشاكلهسا الماليسة كافسة ،فتتدخسل مباشرة أحيانا حتسى فسي مسسائل
تموينها.
لنلحسظ أن كسل هذه التوصسيات السسياسية ليسست جامدة .إنهسا نتاج تجربسة محددة
طيَات الواقعية لبيئة أخرى.
جغرافيا وتاريخيا ،ويمكن تعديلها وفق الُمعْ َ
وينبغسي مسن جهسة أخرى بذل أكسبر عنايسة بصسحة سسكان المنطقسة .تقدم المشافسي
الع سكرية المركز ية العنا ية ل كل فلح على أ تم و جه مم كن .ويتعلق ذلك أيضا بالمرحلة
التي بلغتها القوى الثورية.
تتعلق المشافي المدنية وصحة السكان المدنيين ،بالجيش الثائر اللذي يضطلع بمهمة
مزدوجة هي إسداء المعالجة للشعب وتثقيفه في ما يخص تحسين صحته .إن الجهل التام
بأكثر أمور الصحة بداهة هو ما يجعل المسائل الصحية صعبة الحل لدى السكان ،وهو
ما يشدد الخطورة في وضع بائس أصلً.
109
مقالت العسكرية
وعندمسا تتحضسر الغوارة ،عليهسا أن تنشىء المخازن ،بأحسسن إدارة ممكنسة ،لتؤمسن
حدا أدنى من الرقابة على البضائع ،وبخاصة ،لتتيح مراقبتها لكي توزع توزيعا عادلً.
تختلف المهمات في الجبهة الخارجية طبيعة واتساعا .ينبغي أن تكون الدعاية ،مثلً،
قومية وتعليمية في آن .يجب أن تشرح المظافر التي حققها رفاق الغوار ،وتدعو العمال
والفلحيسن إلى خوض نضالت جماهيريسة فعليسة ،وتقدم المعلومات عندمسا يمكسن ذلك،
حول الظفار التي تم إحرازها في هذه الجبهة .يجب جباية الموال بصورة سرية تماما،
ومع أعظم الحتراز ،وإقامة الفواصل في الخط الواصل بين الجابي الول وبين خزينة
المنظمسة .ويجسب تقسسيم هذه المنطقسة إلى مناطسق تتكامسل لتشكسل كلً واحدا .ويمكسن أن
تكون هذه المنا طق مقاطعات ،أو مدنا أو قرى ،بح سب ات ساع الحر كة .وي جب أن تو جد
لج نة مال ية في كل من هذه المنا طق لتوج يه ا ستخدام الواردات .وعند ما ي صبح نُهوج
النضال متقدما بما فيه الكفاية ،يمكن جباية الضرائب ،وسوف يدفعها حتى الصناعيون،
إزاء القوة التي يؤلفها الجيش الثائر .يتم تنظيم التموين وفق حاجات الغوارات ،بخطوط
تمو ين متعددة ،بح يث ي ستطاع توف ير البضائع الشائ عة من الجوار ،بين ما تجلب البضائع
النادرة من المراكز الكبرى .يجب الجتهاد في اختصار خط التموين إلى الحد القصى،
وأن يعرفه أقل عدد ممكن من الناس ،ففي ذلك ضمان لديمومته.
110
أرنستو تشي غيفارا
وي جب لهذه الغا ية عدم إهمال منظمات العمال والفلحين الثور ية ،ف هي تن شر الم ثل
العلى الثوري فسي صسفوفها ،وتُقرىء منشورات الثورة وتنشرهسا ،وتعلّم الحقيقسة ،إذ
ينبغي أن تكون الحقيقة أحد موائز الدعاية الثورية .يتم الفوز بالجماهير على هذا النحو
شيئا فشيئا ،ويمكسن اصسطفاء الذيسن يؤدون أحسسن عمسل لتجنيدهسم فسي الجيسش الثائر أو
تسليمهم مسؤولية هامة.
هذا هو مخطط التنظيم المدني ،داخل وخارج الرض التي يشرف عليها الغوار في
لحظة معينة من النضال الشعبي .ويمكن استكمال هذه العناصر إلى الحد القصى ،لني
أكرر ،أن هذه لي ست إلّ تجربت نا الكوب ية ال تي أ عبر عن ها هه نا .ويم كن أن تأ تي تجارب
جديدة فتغير من هذه الطرائق وتحسنها .فنحن نقدم مخططا ،ل توراة.
111
مقالت العسكرية
تسستطيع المرأة أن تقوم ،إبان تطور النهوج الثوري ،بدور خارق الهميسة .ويحسسن
التذكير بذلك ،لنه يوجد في كل بلداننا ذات الذهنية الستعمارية استصغار واضح لشأن
المرأة ،يصل حتى التمييز الحقيقي.
تسستطيع المرأة أن تؤدي أصسعب العمال وأن تقاتسل إلى جانسب الرجال ،ول تخلق
في فرقة الجنود ،كما يزعمون ،نزاعا من النمط الجنسي.
والمرأة رفي قة ،تأ تي في حياة القتال الشا قة بال صفات الخا صة بجن سها ،ولكن ها م ثل
ل وت ستطيع النجاح
الر جل ت ستطيع الع مل والقتال .إن ها أض عف ولكن ها لي ست أ قل احتما ً
مثل الرجل بإنجاز طائفة من المهمات القتالية .وقد شغلت المرأة في كوبا دورا في المقام
الول في أوقات مختلفة من النضال.
النساء المقاتلت هن القل عددا بطبيعة الحال .وعندما يتم إنشاء جبهة داخلية متينة
ونسسعى قدر المكان إلى اسستبعاد المقاتليسن الذيسن ل تتوفسر فيهسم الصسفات الجسسمية
الضرور ية ،يم كن توج يه المرأة إلى عدد كبير من المهمات .و من أهم ها ع مل الرتباط
ب ين القوى المقاتلة المختل فة ،ول سيما في منط قة العدو .ينب غي ت سليم ن قل الر سائل أو
المال ،والشياء ذات الحجم الصغير والهمية الكبرى ،إلى النساء المتمتعات بثقة مطلقة.
أنهن يستطعن نقلها باستعمال ألف حيلة .وإذا كان القمع وحشيا ،فإن معاملة المرأة تكون
على العموم أقل قسوة من معاملة الرجل وتستطيع بذلك أن تنجح أكثر منه.
تتمتع المرأة التي تؤدي وظيفة عامل ارتباط بحرية أعظم بكثير من الرجل لنجاز
مهمتهسا .إنهسا أقسل مجلبسة للنظار ،وأقسل إيحاء بالخطسر لجندي العدو .علما بأن خشيسة
الخ طر هذه هي ال تي كثيرا ما تحدو بجندي العدو أن يرت كب أعماله الوحش ية خوفا من
المجهول .ويمكن للنساء أن ينقلن الرسائل بين الوحدات المنعزلة ،والرسائل الموجهة إلى
112
أرنستو تشي غيفارا
خارج الخطوط ،وحتسى إلى خارج الوطسن ،والشياء ذات الحجسم الصسغير نوعا مسا
كالرصاص مثلً ،كل ذلك في أحزمة خاصة تختفي تحت التنورة.
وتسستطيع المرأة إبان هذه الفترة ،أن تؤدي مهماتهسا المعتادة ،كمسا فسي حالة السسلم.
و كم يكون الجندي سعيدا ،و هو يعا ني ظروف حرب الغوار القا سية جدا ،أن يتم كن من
العتداد بغذاء لذيذ ،ذي طعم واضح (إن إحدى ضرورات الحرب المزعجة هي ازدراد
طسبيخ بشسع لزج بارد ،عديسم الطعسم) .تسستطيع طاهيسة أن تجوّد الطعام بشكسل محسسوس
ويسهل إبقاؤها في وظيفتها ،لن إحدى المسائل التي ينبغي مواجهتها هي أن الرجال ل
يكترثون بالعمال المدنيسة كلهسا ويحاولون دائما أن يتخلوا عنهسا للنضمام إلى القوى
المقاتلة فعلً.
و من أ هم مهمات المرأة تعل يم القراءة وال سياسة لفل حي المنط قة وللجنود الثوري ين
أنفسهم .ويجب أن يرتكز تسيير المدارس ،وهو جزء من التنظيم المدني ،بصورة أساسية
على النساء اللواتي يستطعن إيحاء مزيد من الحماس للولد ومزيد من العطف للسكان.
وعندمسا تكون الجبهات قسد اسستقرت وأضحست المؤخرة أمينسة ،تسستطيع المرأة أن
تمارس وظيفسة السسعاف الجتماعسي ،فتحاول تلطيسف الرزاء القتصسادية والجتماعيسة
قدر المكان في المنطقة.
تضطلع المرأة فسي الميدان الصسحي بدور هام كممرضسة ،وأحيانا كطبيبسة ،تؤديسه
بلطف فائق ل يدانيها فيه رفيق السلح الخشن .يقدّر هذا اللطف كثيرا في اللحظات التي
ي قف في ها الن سان تجاه نف سه ُمعْوزا ،محروما من الرفاه ،يعا ني آلما قد تكون شديدة،
ومعرضا للمخاطر الكثيرة الخاصة بحرب الغوار.
وإذا مسا تسم بلوغ مرحلة إنشاء الصسناعات الصسغيرة ،تسستطيع المرأة هنسا أيضا أن
تدلي بدلوهسا ،ول سسيما لصسنع الملبسس ،وهسو دور تقليدي للنسساء فسي بلدان أمريكسا
اللتينية .وتستطيع إتيان العجب بآلة خياطة بسيطة وبعض النماذج .هذا وتستطيع المرأة
أن تقوم مقام الر جل على أك مل و جه ،وإن ها لفاعلة ،في سائر قطاعات التتنظ يم المد ني،
وكذلك في حال الفتقار إلى من يح مل ال سلح (وإن كا نت هذه الحالة شديدة الندرة في
113
مقالت العسكرية
حرب الغوار) .يجسب إسسداء التهيئة الملئمسة للرجال والنسساء لجتناب كسل نوع مسن
التجاوزات التي قد تُ ْفسِد أخلق التشكيلة .غير أنه يجب السماح للشخاص الذين يتحابون
وهم غير متزوجين ،وبعد أداء الشكليات البسيطة التي يقتضيها قانون الغوار ،أن يعقدوا
قرانهم في السييرا ويعيشوا الحياة الزوجية.
114
أرنستو تشي غيفارا
– الصحة 4
إن إحدى الم سائل الخطيرة ال تي توا جه الغوارة هي افتقار ها إلى ما تد فع به كل
الطوارىء التي تنشأ إبان وجودها ،ول سيما الجراح والمراض ،وما أكثرها في حرب
الغوار .يؤدي ال طبيب وظي فة بال غة الهم ية ،ف هو ل ين قذ الرواح وح سب (كثيرا ما ل
تكون وظيفتسه العمليسة ههنسا ذات بال ،نظرا لضآلة العتاد الذي يتوفسر له عامسة) ،بسل
يضطلع أيضا باستنهاض معنويات المريض ،ويشعره أن بجانبه من يعنى بتخفيف آلمه
والسهر عليه حتى زوال الخطر.
يتعلق تنظ يم المشا في بالمرحلة التي بلغ ها الغوار ،ويمكن تعداد ثلثة أنماط أ ساسية
من مؤسسات الشفاء ،يوافق كل منها إحدى المراحل.
لدينا في ترتيب التطور التاريخي مرحلة بداوة أولى ،حيث يتنقل الطبيب ،إن وجد،
مع رفاقه باستمرار .إنه رجل في عدادهم ،يؤدي كافة وظائف المغاور الخرى ،بما فيها
وظي فة المقا تل .ويضطلع بمه مة مضن ية ومقن طة أحيانا ،إذ يعالج حالت يفت قر في ها إلى
الدواء الذي ي سمح له بانقاذ حياة بشر ية .إن ها المرحلة ال تي يتم تع في ها ال طبيب بأع ظم
التأثير على الفرقة ،وأعظم الهمية بالنسبة لمعنوياتها .إنه يؤدي في هذه المرحلة مِهانته
أدا ًء كاملً ،ويحمل في حقيبته المعوزة كل العون الذي يمكن أن يقدمه للناس .فإن قرص
ال سبيرين الب سيط ي ستحوذ الهم ية لدى الن سان المتألم ،إذا ما قدم ته يد ال صديق الذي
يتح سس آلم الر جل ويشاطره إيا ها .ي جب أن يند مج ال طبيب تماما بالم ثل العل يا للثورة،
في هذه المرحلة الولى ،لن كلمه سوف ينفذ أعمق من أي فرد سواه في الفرقة.
يم كن و صف المرحلة التال ية بمرحلة ن صف بدو ية .إن ها مرحلة المع سكرات ال تي
تعرّج الغوارة عليها ،والبيوت الصديقة ،المينة تماما ،التي يمكن ترك العتاد فيها ،وحتى
الرفاق .ف قد أخذت الفر قة تن حو من حى التح ضر .إن مه مة ال طبيب في هذه المرحلة أ قل
115
مقالت العسكرية
مشقسة .ويمكنسه أن يحوز فسي حقيبتسه تجهيزا جراحيا للمعالجسة الضروريسة الولى ،وأن
تتو فر له حقيبة أخرى ،أ هم شأنا ،تودع في ب يت صديق ،للعمليات ال قل إلحاحا .ويمكن
ترك المر ضى والجر حى ليعنى ب هم الفلحون الذين ي سهرون علي هم برعاية ،ك ما يمكن
تخزين مزيد من الدوية المصنفة تصنيفا جيدا ،في حرز أمين .ويمكن في هذه المرحلة
نصف البدوية ،وفي المناطق التي تثبت منعتها ،إقامة مشافي في بعض البيوت ،ليترك
فيها المرضى والجرحى.
عندما يسقط رجل في الخط المامي ،يحمله النقّالون – إن وجدوا – إلى أول مركز.
وإلّ ،فيتولى رفا قه ذلك بأنف سهم .ينطوي ن قل الجر حى في المنط قة الجبل ية على مداراة
بالغة الدقة .وربما كان نقل الجريح أصعب بسبب آلمه أكثر مما هو بسبب الجرح ذاته
مهمسا كان بليغا .ويمكسن إجراء النقسل بطرق مختلفسة ،تبعا لوصساف الرض .ل يمكسن
السسير إلّ رتلً أحاديا فسي الراضسي الوعرة الشَجِرة ،التسي هسي المثلى لحرب الغوار،
وأفضل نقالة تكون شبكة نوم معلقة بعصا طويلة.
وينبغي أن يتناوب الرجال كثيرا ،لن أكتافهم سوف تؤلمهم ألما عظيما وسرعان ما
يملّون حمسل ثقسل كسبير وبالغ الرقسة .وعندمسا يجتاز الجريسح هذا المأزق الول ،يصسل
وإضبارتسه إلى مركسز يوجسد فيسه جرّاحون وأخصسائيون (تبعا لمكانات الفرقسة طبعا)
يؤمنون كل العمليات الهامة.
116
أرنستو تشي غيفارا
أمّا الفئة الثالثة ،فهي المشافي المقامة مع أجود و سائل الترفيه الممكنة ،للبحث في
أسباب المراض التي يمكن أن تصيب سكان المنطقة وفي آثارها .توافق هذه المشافي
حياة تامسة التحضسر وهسي ليسست مراكسز عمليات ونقاهسة وحسسب ،لكنهسا أيضا منشآت
متصلة بالسكان المدنيين ،يقوم فيها خبراء صحيون بدورهم التوجيهي .كما ينبغي إنشاء
م ستوصفات تقوم بالرقا بة الطب ية على كل فرد .ويم كن بح سب إمكانات تمو ين المنظ مة
المدنيسة ،أن تتوفسر لمشافسي الفئة الثالثسة هذه تجهيزات تتيسح لهسا التشخيسص المخسبري
والشعاعي.
المعاونون ال طبيون مفيدون جدا ،إلى جا نب ال طبيب .إن هم فتيان في أغلب الحيان،
و هم أ صحاب ر سالة إلى حد ما ،وتتو فر لدي هم ب عض المعلومات ،وقوة ج سمية كاف ية،
لكنهم غير مسلحين ،إما بسبب عقيدتهم الشخصية ،أو – وهذا هو الغلب – لن السلح
سة والنقّالت والشبكات
سؤولية الدويس
سع .يتولى هؤلء المعاونون مسس
سر كاف للجميس
غيس
بمجموعها ،وعليهم أن يعنوا بالجرحى في كل قتال.
إن عمال الرتباط المت صلون بمنظمات ال صحة الموجودة في مؤخرة خطوط العدو،
هم الذ ين يؤمّنون الدو ية اللز مة ،ح تى لو أم كن الح صول علي ها أحيانا بو سائل أخرى
بواسسطة الصسليب الحمسر الدوليَ .ب ْيدَ أنسه ل يجوز التعويسل على هذا الحتمال الخيسر،
سيما في بدء النضال .لذا يجب تنظيم جملة قادرة على نقل الدوية ذات الضرورة الملحة
بسسرعة ،وعلى تلبيسة حاجات المشافسي العسسكرية والمدنيسة على السسواء .كمسا ينبغسي،
بالضافة ،إقامة الصلت مع أطباء القصبات المجاورة ،الخليقين باجراء إحدى العمليات،
عندما تعوز طبيب الغوارة الوسائل أو الكفاءة لجرائها بنفسه.
يسستلزم هذا النمسط مسن الحرب فئات مختلفسة مسن الطباء :الطسبيب المقاتسل ،رفيسق
الرجال ،وهسو نموذج طسبيب المرحلة الولى .وتتضاءل وظيفتسه بقدر مسا يغدو عمسل
الغوارة أكثر تعقيدا وبقدر ما يمكن بناء سلسلة من الهيئات الملحقة بها ،فيغدو الجرّاحون
العامون عندئذ أفضسل المجنّديسن فسي الجيسش الثائر .والمثسل وجود اختصساصي فسي
التخدير ،حتى لو كانت العمليات تجرى اعتمادا على اللرغاكتيل أو البانتوتال الصودي،
117
مقالت العسكرية
اللذيسن همسا أسسهل إعطاءً للمريسض مسن المخدرات الغازيسة وأسسهل توفيرا وحفظا.
وبالضافة إلى الجراحين العامين ،فإن المجبّرين مفيدون جدا ،لن طبيعة الرض الجبلية
تسبب كسورا كثيرة .كما ينبغي للطبيب أن يعالج جماهير الفلحين أيضا ،إذ أن أمراض
جيوش المغاوير هي ،بعامة ،سهلة التشخيص ،أما المراض الناجمة عن سوء التغذية،
فهي أصعب علجا بكثير.
ويمكسن فسي مرحلة أكثسر تقدما بكثيسر ،أن يتاح اسستخدام المخَبريين ،إذا مسا توفرت
مشاف جيدة ،بغية القيام بعمل أكثر كمالً .ينبغي استدعاء قطاعات الختصاص كافة عند
الحا جة إلي ها ،وكثيرا ما تُل بى هذه الدعوة .وي جب ا ستدعاء أطباء ال سنان ،ويو ضح ل هم
أن عليهم اللتحاق مزودين بأجهزة ميدان بسيطة.
118
أرنستو تشي غيفارا
– التخريب 5
التخريب سلح ل يُقّدر ثمنه لدى الشعوب التي تخوض حرب الغوار .يتعلق تنظيمه
مباشرة بالمنظمة المدنية السرية ،إذ أن التخريبات ل تتم إلّ خارج المناطق التي يشرف
عليهسا الجيسش الثوري .غيسر أنسه ينبغسي وضسع هذه المنظمسة مباشرة تحست إمرة أركان
حرب الغوار ،وهسي المخوّلة تحديسد الصسناعات والمواصسلت والهداف التسي يفضسل
إصابتها.
ل يمست التخريسب بصسلة إلى الرهاب .فالرهاب والغتيال الفردي طرق تختلف
عسن التخريسب اختلفا مطلقا .نحسن على يقيسن صسادق مسن أن الرهاب سسلح سسلبي ل
يعطي الثار المرغوبة أبدا وإطلقا .ويمكن أن يبعد الشعب عن حركة ثورية ،في حين
يت سبب لدى ممار سيه بخ سائر بشر ية ل تتنا سب مع النتائج الحا صلة .غ ير أ نه يم كن
اللجوء ،بالمقا بل ،إلى اغتيالت فرد ية ،ول كن في ب ضع حالت خا صة جدا ،مثلً لزالة
أ حد رؤ ساء الق مع .ولك نه ل يجوز في أ ية حال ا ستخدام عتاد بشري متخ صص لزالة
قاتل صغير يمكن أن يتسبب موته في القضاء على كل العناصر الثوريين الذين اشتركوا
في مقتله ،بالضافة إلى ضحايا النتقام اللحق.
ثمسة نمطان ضروريان مسن التخريسب :التخريسب على النطاق الوطنسي ،ضسد أهداف
معينة ،والتخريب على مقربة من خطوط القتال .يجب أن يستهدف التخريب على النطاق
الوطنسي بصسورة أسساسية تدميسر المواصسلت .يمكسن تدميسر كسل نوع مسن المواصسلت
بطريقسة مختلفسة ،بيسد أنهسا عرضسة للصسابة كلهسا .يسسهل تدميسر أعمدة البرق والهاتسف
بنشرها حتى ما قبل آخرها ،بحيث أنها تظهر ليلً بمظهر سليم ،ثم يسقط أحدها فجأة،
فيجرّ سائرها في سقوطه ،مسببا تعطيلً واسعا.
119
مقالت العسكرية
كما يمكن تخريب الجسور بنسفها بالديناميت .وإذا لم يتوفر الديناميت ،يمكن تدمير
حمْلج اكسسجيني ايدروجينسي .يجسب قطسع الجائز الرئيسسي والجائز
الجسسور الحديديسة ب ِ
العلى اللذ ين يحملن الج سر الحديدي .وم تى تمّ ق طع هذ ين الجائز ين بالحملج ،يع مل
مثل ذلك من الطرف الخر أيضا .هكذا ينقلب الجسر على جنبه ،فيلتوي ثم يهوي .إنها
أن جع و سيلة لتدم ير ج سر فلزي بل دينام يت .ي جب تدم ير ال سكك الحديد ية والطرقات
أيضا ،وكذلك الكهاريسز .ويمكسن أحيانا بسث اللغام فسي القطارات .يتعلق ذلك دائما بقوة
الغوارة.
كذلك يسسمح عتاد ملئم بتدميسر الصسناعات الحيويسة فسي كسل منطقسة عندمسا تأزف
ال ساعة .ينب غي أن تؤلف م سألة التخر يب موضوع خ طة شاملة ،فل يجوز تدم ير مجال
عمسل إلّ فسي اللحظسة الحاسسمة ،لن تدميرا كهذا يسستتبع نزوحا جماهيريا بيسن العمال
ويؤدي للمجاعة .يجب القضاء على الصناعات التي تخص شخصيات العهد ،وبذل الجهد
ل إذا أدى القضاء عليهسا إلى عواقسب اجتماعيسة فائقسة
لقناع العمال بضرورة ذلك ،إ ّ
الخطورة.
إن نا نلح على أهم ية تخر يب طرق الموا صلت .إن الموا صلة ال سريعة هي ال سلح
ال كبر لدى ج يش العدو ضد الثائر ين ،في الرض غ ير الوعرة .لذا يتو جب علي نا أن
نحاول تدم ير هذا ال سلح با ستمرار بن سف ج سور ال سكك الحديد ية والكهار يز والعمدة
الكهربائية والهواتف وحتى أنابيب المياه ،وبكلمة ،تدمير كل ما ل يستغنى عنه في الحياة
الحديثة.
التخريسب ضروري أيضا قرب خطوط القتال ،على النحسو ذاتسه ،لكسن بإقدام وتفان
وتواتر أعظم بكثير .يمكن التعويل في هذه الحالة على عون فائق القيمة ،هو الذي تقدمه
الدوريات الجوّالة التابعة للغوارة ،والتي يمكنها هبوط المناطق المعنية ومساعدة أعضاء
المنظ مة المدن ية في أداء مهمت هم .وه نا أيضا ي ستهدف التخر يب الموا صلت ق بل كل
شيء .ينبغي تصفية كافة المعامل ومراكز النتاج القمينة بتزويد العدو بما يلزمه لمتابعة
هجومه على القوى الشعبية.
120
أرنستو تشي غيفارا
ي جب ال ستيلء على مخزونات العدو ،وقَطْع تموي نه ،وإذا لزم ال مر ،ي جب إخا فة
مُلّك الراضي الذين يودون بيعه منتجات زراعتهم وحيواناتهم ،وإحراق السيارات التي
تتجول على الطرق واستخدامها لسد الطرق .ولدى كل عمل تخريبي ،وفي نقاط معينة،
على ب عد كبير أو صغير من مو ضع إجراء الع مل ،ي جب إحداث مناوشات متكررة مع
العدو ،باستخدام طريقة الضرب والهروب على الدوام .ل ضرورة لبداء مقاومة كبيرة.
يك في مجرد إراءة العدو أ نه حيث ما يح صل تخر يب ،ث مة قوى غوار ية على أه بة القتال،
ل يتنقل إلّ متألبا محترزا.
لجباره بذلك على أ ّ
وهكذا يتم إنزال الشلل شيئا فشيئا بكل المدن القريبة من مناطق نشاط الغوار.
121
مقالت العسكرية
إن الصسناعة الحربيسة ،فسي منظور حرب الغوار ،هسي نتاج تطور طويسل نوعا مسا،
وهي تثبت أن الغوار قائم في وضع جغرافي مؤات .لقد قلنا سابقا إنه عندما تكون ثمة
مناطق محررة ويكون العدو قد بسط حصارا شاملً على التموين ،ينبغي تنظيم صناعات
58
مختلفسة ل غنسى عنهسا .ومسن بيسن هذه الصسناعات ،ثمسة اثنتان أسساسيتان همسا الحِذاوة
شجِرة الوعرة ،المفروشة
وال سِراجة :ل تستطيع فرقة أن تسير بل أحذية ،في المناطق ال َ
حجارة وشوكا .يصسعب جدا أن يتنقسل المرء فسي هذه الظروف ،ول يطيسق ذلك إلّ أبناء
المحلة ،وليس جميعهم .أما الخرون ،فيجب أن ينتعلوا .تنقسم هذه الصناعة إلى فرعين:
صسناعة الحذيسة الجديدة ،وتسسكيف وإصسلح الحذيسة المعطوبسة .يسستلزم إنشاء هذه
ال صناعة الحرف ية تجهيزا كاملً لش غل الجلود .وتل حق ب ها ال سِراجة ل صنع كل اللوازم
الشائ عة كج عب الف شك وحقائب الظ هر ،ويم كن صنعها من الكتان أو الجلد ،و هي وإن
كانت غير أساسية ،إنما تساعد على راحة الفرقة وتعطيها انطباع الكتفاء الذاتي.
إن السسِلحة 59هسي صسناعة أسساسية أخرى .ووظائفهسا متباينسة ،مسن مجرد إصسلح
القطع المعطوبة لكافة البنادق والسلحة الخرى ،إلى صناعة بعض أنماط أ سلحة القتال
التسي يبدعهسا روح الختراع الشعسبي ،إلى صسنع اللغام ذات الليات المختلفسة .وإذا مسا
أتاحت الظروف ،تستكمل بورشة مكلفة ب صناعة الباردو .فإذا أمكن صنع المتف جر ذاته
في المنطقة المحررة ،إضافة إلى الصاعق ،أمكن التوصل إلى منجزات عظيمة في هذا
الصسدد ذي الهميسة البالغسة ،إذ أن اسستخداما حكيما لللغام يسسمح بشسل الطرقات شلً
كاملً.
122
أرنستو تشي غيفارا
هناك صف آخر من ال صناعات الهامة ،هي الحِدادة وال صِفاحة .يجري في الحدادة
إنعال البغال ،كمسا يمكسن أن تصسنع فيهسا النعال ذاتهسا .أمسا فسي صسناعة الحاجات مسن
الصسفيح ،فتجري أعمال صسنع الطباق ،وخاصسة الصسفائح .ويمكسن أن يلحسق بهسا قسسم
لل سِباكة .فإذا تم صهر الفلزّات الطر ية ،أم كن إنشاء مع مل لرمّانات ال يد ،ي سهم بش كل
رئيسسي فسي تسسليح الفرقسة .كمسا ينبغسي وجود ورشسة مِهانيسة مختصسة بالصسلحات
والنشاءات عامسة ،تتولى وظائف مختلفسة ومحددة تماما ،وهسي مسا تسسمى فسي الثكنات
"بطار ية الخد مة" ،غ ير أن ها تكون ه نا خال صة من روح المداونة ،60ومكل فة بتلب ية كل
الحاجات على نحو فعلي.
كمسا ينبغسي وجود مسسؤول عسن المواصسلت .ل يكون مسسؤولً فقسط عسن الدعايسة
الل سلكية الموج هة إلى الخارج ،بل م سؤولً أيضا عن الهوا تف والطرقات ،وينب غي أن
س أن نا محتربون ،ويم كن أن ي قع علي نا هجوم،
يع مل مترابطا مع المنظ مة المدن ية .ل نن َ
وأنه كثيرا ما يتوقف حفظ أرواح كثيرة على مخابرة أُ ْرسِلَت في حينها.
ويَحْسسُن ،مرضاة للفرقسة ،أن توجسد صسناعة للسسيكار أو للفائفُ .ت ْبتَاع لهذه الغايسة
أوراق التبسغ وتنقسل إلى المنطقسة المحررة حيسث تحول إلى مادة صسالحة للسستهلك.
الدِباغة صناعة أخرى عظيمة الشأن .هذه الصناعات كلها منشآت بسيطة يمكن تحقيقها
تماما في أي مكان مع التك يف بظروف الغوار .ت ستلزم الدبا غة ب عض البن ية ال سمنتية
ال صغيرة ،و هي تتطلب خا صة ،كثيرا من الملح .غ ير أن ها ت سمح ل صناعة الحذ ية أن
تتوفر لها مادتها الولية محليا وفي ذلك المر إفادة عظيمة .يجب استحضار الملح محليا
وتركيز كميات كبيرة منه ،ويجب بلوغ أمكنة فيها تركيز ملحي كبير لهذه الغاية ،وجعل
الماء يستبخر .البحر هو بوضوح خير مصدر للملح ،لكن ثمة مصادر أخرى .ول حاجة
لتخليص الملح من كل الملح المرافقة له ،فيمكن استهلكه على حاله ،وإن كان طعمه
ليس سائغا جدا لدى الوهلة الولى.
المُداونة :أسلوب لمعالجة المور من جانب المسؤولين في المكاتب والدواوين ،يتميز بالتعالي على 60
الشعب واستغلله واعتباره مسخرا دون الحكام لتنفيذ الوامر الصادرة إليه( .البيروقراطية ،المكتبية).
123
مقالت العسكرية
يجسب حفسظ اللحسم مملحا ،وهذا مسا يُسسهّل عمله ويُمكَّنس مسن إنقاذ أرواح كثيرة فسي
حالت الشدة القصسوى .يُمكسن حفسظ اللحسم مدة طويلة نوعا مسا فسي براميسل تُمل ملحا،
ويُمكن استعماله على هذا الشكل مهما كانت الظروف.
124
أرنستو تشي غيفارا
– الدعاية 7
يجب القيام ببث الفكار الثورية بالوسائل الملئمة وعلى أعمق نحو ممكن ويتطلب
ذلك إسهام فريق كامل من المتعاملين ،وإسهام منظمة تعضدهم.
وينبغي أن تتألف هذه المنظمة من قسمين متكاملين ،يغطيان نطاق الوطن كله .يجب
أن ت تم الدعا ية من الخارج ،أي ض من المنظ مة المدن ية الوطن ية ،و من الدا خل ،أي في
ل توجد سوى هيئة إدارية واحدة لهما ،بغية تنسيق هذين العملين
وسط الغوار .ويجب أ ّ
الدعائيين المتلزمين تلزما وثيقا.
ي جب أن ت تم الدعا ية في النطاق الوط ني ال صادرة عن المنظمات المدن ية الموجودة
خارج الرض المحررة ،عن طريق الصحف والنشرات والعلنات .تُعنى أهم الصحف
بمسسائل البلد العامسة ،وتخسبر الجمهور بوضسع قوى الغوار المضبوط ،ول تغفسل لحظسة
المبدأ الساسي القائل إن الحقيقة ،في المدى البعيد ،ل بد أن تؤتي الخير للشعوب .وإلى
جا نب هذه المنشورات ذات الطا بع العام ،تو جه منشورات سواها ،أك ثر تخ صصا ،إلى
قطاعات ال سكان المختل فة .فعلى المنشورات الموجهة للفلح ين أن تح مل إلى هذه الطب قة
ر سالة رفاق هم في الرض المحررة ،الذ ين لم سوا آثار الثورة المنع شة ،فتن طق على هذا
النحو بأماني الفلحين .وتتميز الجريدة العمالية بذات الطابع ،ولكنها قد ل تتضمن دائما
رسسالة المقاتليسن مسن هذه الطبقسة ،إذ يحتمسل ألّ توجسد قبسل المرحلة الخيرة ،منظمات
عمالية في نطاق حرب الغوار.
يجسب إيضاح الشعارات الكسبرى للحركسة الثوريسة مثسل شعار الضراب العام فسي
الو قت المنا سب ،وشعار م ساعدة القوى الثائرة ،وشعار وحدة ال صف ...إلخ .ويم كن أن
ل مهمسة سسائر العناصسر فسي البلد الذيسن ل يقاتلون فسي
تشرح صسحف كفاحيسة أخرى مث ً
125
مقالت العسكرية
الغوار ،ولكنهم يعنون بشتى أعمال التخريب والغيلة .ويمكن في داخل المنظمة ،إصدار
سا .هذا وتكون النشرات
سم وقائع يجهلونهس
سة إلى جنود العدو ،تشرح لهس
سحف موجهس
صس
والعلنات المتعلقة بحياة الحركة مفيدة جدا.
إن أنجسع دعايسة هسي التسي تعود إلى داخسل منطقسة الغوار ،إذ تطال سسكان المنطقسة
وتشرح ل هم نظر ية النتفاض ال تي ل يعرفون من ها غ ير وجه ها العملي .ويتض من هذا
القسم ،إلى جانب الذاعة اللسلكية ،الصحيفة المركزية الناطقة باسم قوى الغوار كافة،
كما يتضمن صحفا فلحية ،ومنشورات وإعلنات.
تشرح الذاعة اللسلكية كافة المسائل ،ومنها م سائل درء الهجمات الجوية ،ومكان
وجود قوى العدو ،وتذكر السماء المألوفة .وتوزع الدعاية ذات النطاق الوطني صحفٌ
مماثلة تصسف الوقائع والمعارك التسي تثيسر اهتماما عميقا لدى القارىء ،تضاف إليهسا
معلومات أكثر جدّية ودقة بكثير .أما العلم الدولي ،فينحصر أو يكاد في التعليق على
الوقائع المتصلة مباشرة بنضال التحرر.
الدعاية الشفهية ،باللسلكي ،تفوق كل شيء ،فهي الدعاية الكثر فعالية ،التي تؤتي
تأثيرها بأعظم قسط من الحرية في أرض الوطن قاطبة ،وتطال عقل الشعب ومشاعره.
إن للسلكي أهمية حاسمة .ففي الوقت الذي يتلظى به سكان منطقة أو بلد على درجات
مختلفسة بحمّىس القتال ،تأتسي قوة الكلمسة فتزيسد الحمسى ضراما وتفرضهسا على المقاتليسن
العتاد جميعا .إنهسا تشرح ،وتعلّم ،وتحرّض ،وتحدد لدى الصسدقاء والعداء مواقفهسم
المقبلة .ول كن الذا عة ينب غي أن تخ ضع إلى المبدأ ال ساسي في الدعا ية الشعب ية و هو
الحقيقة .إن حقيقة صغيرة ،ولو كان تأثيرها ضئيلً ،هي خير من أكذوبة كبيرة يكسوها
ثوب دليصس .61يجسب أن تقدم الذاعسة على الخسص معلومات حيسة عسن المعارك
والشتباكات من كل نوع ،وعن الغتيالت التي يرتكبها القمع .كما ينبغي إعطاء السكان
المدنيين توجيهات فكرية ،وتعاليم عملية ،ومن وقت لخر خطابات لقادة الثورة.
126
أرنستو تشي غيفارا
نعتقد أنه مفيدة أن تحمل الصحيفة المركزية للحركة اسما يرمز إلى العظمة ووحدة
الصف ،كاسم أحد أبطال البلد مثلً .كما ينبغي أن تشرح دائما في مقالت رئيسية أهداف
الحركة المسلحة وأن تجعل الناس يدركون القضايا الوطنية الكبرى ،في حين تبقى فيها
طائفة من الركان التي تحظى من القارىء باهتمام مباشر أكبر.
127
مقالت العسكرية
"إعرف نفسسك واعرف خصسمك ،تسستطيع هكذا أن تخوض مئة معركسة بل هزيمسة
واحدة" .تعادل هذه الحكمة الصينية بالنسبة للغوار ،قيمة مزمور من التوارة .ليس للقوى
المقاتلة مسن عون أثمسن مسن الخبار الصسحيح .سسوف يكون هذا الخبار عفويا ،إذ يأتسي
سكان المنطقة إلى الجيش الصديق وإلى حلفائه ،يروون لهم كل ما يحدث في كل مكان.
62
غ ير أن هذا الخبار ي جب أن يكون منظما تنظيما كاملً .ومثل ما ل ي ستغنى عن البُرُد
والر سلء دا خل منط قة الغوار وخارج ها لقا مة الت صالت الضرور ية ون قل البضائع،
كذلك ينبغي أن تكون دائرة ال ستخبار على تماس مبا شر بجبهة العدو .ويجب أن يت سلل
الرجال والن ساء إلى هذه الجب هة ،ول سيما الن ساء ،ل كي يكونوا على تماس دائم بالجنود
ويتحققوا من كل ما يمكن .كما ينبغي إقامة منهج من التعاون مع رجال العدو لكي يتم
اجتياز الخطوط بل صدام.
فإذا ما تم تحقيق ذلك ،وتوفر العملء الكفّاء ،أمكن أن ينام معسكر الثوار أنعم بالً.
كما قلتها آنفا ،سوف يكون الهدف الساسي لمصلحة الستخبار هو خط النار الول
بأجمعسه ،أو أولى معسسكرات العدو المتاخمسة للرض السسائبة .ويجسب أن تتقدم هذه
المصلحة بقدر ما يتقدم الغوار ،وسوف يزداد دورها حتى يشمل توقع تحركات الوحدات
الوسسع نطاقا التسي يمكسن أن تحدث حتسى فسي مؤخرة العدو .وحيثمسا تُشرف الغوارة أو
تُغ ير ،يكون ال سكان كا فة عملء إخبار ها .غ ير أ نه يَحْ سُن تو فر أُناس يخت صون بمه مة
الستخبار ،إذ ل يمكن الوثوق بكلم الفلح الذي اعتاد أن يضخم كل شيء ولم يألف دقة
اللغة العسكرية .وإذا تم الوصول إلى تخليق وتنظيم الشكال العفوية التي يتخذها التعاون
الشعبي ،أمكن عندها جعل جهاز الستخبار ليس أهم عون لنا وحسب ،وهو شأنه أصلً،
128
أرنستو تشي غيفارا
ل لهجومنا المعاكس أيضا ،بفضل "باذرات الرعب" مثلً .فتستطيع أولئك النسوة
بل عام ً
أن تنشرن بين الجند معلومات تحطم معنوياتهم ،وهنّ ،إذ يتظاهرن بالتواطؤ معهم ،إنما
يبذرن الرعب والقلق بين جنود العدو .ويمكن تنمية الجؤول ،وهو مبدأنا الساسي ،إلى
الحد القصى ،فإذا ما عرفت المواضع التي يتأهب جيش العدو ليهاجم منها ،يكون في
غاية السهولة اجتنابها ومهاجمته بالمقابل من أبعد المواضع توقعا لديه.
129
مقالت العسكرية
إن خيسر تدريسب لجندي التحرر هسو حياة الغوار ذاتهسا ،والقائد الذي لم يتعلم مهنتسه
ال صعبة في ممار سة الحرب يوميا ل يس قائدا حقيقيا .يم كن أن تقوم جما عة من الرفاق
بتدريسب هذا الجندي ،فيعلمونسه شيئا مسن اسستعمال السسلح ،ويلقنونسه بعسض مبادىء
التوجيه ،ويعلمونه كيف يسلك مع السكان المدنيين ،وكيف يقاتل ..إلخ .غير أنه ل يجوز
تبذ ير و قت الغوار الثم ين في إعطاء تعل يم منه جي .ول يم كن ع مل ذلك إلّ إذا توفرت
منطقسة محررة واسسعة وإذا كا نت هناك حاجسة لزيادة عدد المقاتليسن زيادة كبيرة .يمكسن
عندئذ تأسيس مدارس للمجندين الغرار.
تؤدي هذه المدارس دورا هاما .إنهسا تخلق الجندي الجديسد ،الذي لمسا يجتسز بعسد
حرمانات حياة القتال القا سية ال تي تعر كه .إن معاناة الحرمانات ت صطفي المرء ا صطفاء
حقيقيا ،بعسد أن تجتاز المحسن العسسيرة التسي تسسمح له بأن ينخرط فسي هذا الجيسش الهائم
الذي ل يخلّف لمروره أثرا في أي مكان .وتكون التدريبات البدن ية في مدارس المجند ين
على نوعيسن :مسن جهسة ،رياضسة التلييسن مسع تماريسن المغاويسر ،والخفسة فسي الهجوم
والنسحاب ،ومن جهة أخرى ،مسيرات شاقة جدا ،وحتى مضنية ،تخشَّن المجند .يجب
أن يُحمل على الحياة في العراء ،واحتمال النواء ،والحياة على صلة وثيقة بالطبيعة ،كما
في حياة الغوار.
يجسب أن تؤم ّن مدرسسة المجنديسن تموينهسا بذاتهسا ،فتكون لهسا حظائر ماشيتهسا،
ومزارعها ،وبساتينها ،وملبنها ،وكل ما تحتاجه ،لكي ل تثقل ميزانية الغوارة .ويمكن
أن يتناوب الطلب أعمال السسخرة .ويمكسن أن يعهسد بهسا إلى أردأ الطلب ،على سسبيل
العقوبة ،أو إلى من يتطوع لها.
130
أرنستو تشي غيفارا
يتعلق كل ذلك بمميزات المنطقة التي تنشأ فيها المدرسة .نعتقد أنه مبدأ جيد أن يعهد
بأعمال السخرة لمن يتطوع لها ،وأن يُستكمَل عددهم ،إذا لزم المر ،بمن يكون سلوكهم
أكثر مدعاة للسف ،أو بمن يكونون أقل استعدادا للتدريب على الحرب.
يجب أن يكون للمدرسة منظمتها الصحية الخاصة ،وفيها حسب المكان ،طبيب أو
ممرض ،يراقب المجندين عن كثب قدر المكان.
الغارات الجوية هي من أهم امتحانات مدرسة التدريب .كان طيران العدو قد تعرف
تماما إلى مدرسستنا ،وكان العدو يركسز هجماتسه مرة أو اثنتيسن كسل يوم على المعسسكر.
وكان تصسنيف هؤلء الفتيان عمليا كمقاتليسن عتيديسن يتسم وفقا للنحسو الذي يقاوم بسه كسل
طالب صدمات هذا القصف المستمر.
ل يجوز أبدا أن تُهمسل مدرسسة المجنديسن التثقيسف السسياسي .لن أولئك الرجال
يتطوعون دون أن يكون لهم مفهوم واضح عن السباب التي تدفعهم .إنهم يفتقرون إلى
ال سس ،وي صلون إلي نا بمفاه يم مشو شة جدا عن الحر ية ،وحر ية ال صحافة ..إلخ .ي جب
السير بهذا التثقيف إلى أبعد حد وبأعظم عناية ممكنة .ويشتمل على مفاهيم ابتدائية عن
تار يخ البلد ،مع إعطاء تف سيرات واض حة جدا للوقائع القت صادية ،تلك الوقائع ال تي هي
منطلق كل حادثة تاريخية .ويتضمن الحديث عن أبطال الوطن ،وعن إرتكاساتهم 63أمام
أشكال الظلم المعينة التي كافحوها ،ثم ينفتح التثقيف على تحليل الوضع الوطني أو وضع
131
مقالت العسكرية
المنطقة .ويُعطى لكل أعضاء الجيش وجيز 64مبسط يدرسونه دراسة دقيقة ويفيدهم نهجا
للمستقبل.
وبالضافة إلى ذلك يكون للمدرّبين مدرسة إتقان خاصة بهم ،يشتركون فيها باختيار
النصوص ،وينسقون إسهامات كل منهم في أمور التثقيف.
يجب تشجيع المطالعة باستمرار مع محاولة اختيار كتب ل مضاعة للوقت فيها ،في
ح ين أن ها تمكَّ ن المج ند من ولوج أبواب الثقا فة والم سائل الوطن ية ال كبرى .قد ير غب
المجند على طبيعته في مزيد من المطالعة ،أو قد يدفعه وضع بيئته إلى ذلك بايقاظ وعيه
إلى مسائل جديدة .وسوف تنشأ هذه الحالة الذهنية من جراء العمل ،شيئا فشيئا ،وبقدر ما
تثبست مدارس المجنديسن تفوق طلبهسا على الجنود العادييسن ،سسواء فسي مضمار تحليسل
الوضاع ،أو في مضمار الضبَاطة.
يجب أن تكون الضباطة معللة دوما .فعندما ل تكون آلية ،تعطي ساعة القتال نتائج
مدهشة.
132
أرنستو تشي غيفارا
ينبغسي للجيسش الثوري الذي يمارس حرب الغوار ،أن يعول كذلك حسسبما أشرنسا،
ومهمسا كانست منطقسة العمليات ،على منظمسة غيسر مقاتلة يكون إسسنادها له أمرا رئيسسيا.
وتدور هذه المنظمسة كليا حول الجيسش ودعمسه ،إذ أن النضال المسسلح هسو طبعا العامسل
الجوهري في الظفر.
يستند التنظيم العسكري على آمر ،وفي حالة التجربة الكوبية ،على قائد أعلى يُعيّن
آمري المنا طق المختلف ين ،الذ ين ل هم سلطة تا مة لح كم مناطق هم وتعي ين آمري الرتال
و سائر الر تب الد نى من هم .يم كن أن يو جد دون القائد العلى آمرو منا طق ي قع ت حت
إمرت هم آمرو الرتال الذ ين يتفاوت دور هم ح سب الظروف .وي قع دون آمري الرتال،
النقباء ،وفسي تنظيمنسا الغواري ،يقسع دون النقباء الملزمون وهسم أدنسى الرتسب .وبعبارة
أخرى ،يرقى المرء من جندي إلى رتبة ملزم.
ل يس هذا نمطا يحتذى ،ولك نه و صف حقي قة ،إ نه الطري قة ال تي ا ستخدِمت في بلد
سسمح فيسه هذا التنظيسم بالتغلب على جيسش ل بأس بتنظيمسه وتجهيزه .وليسس هذا مثالً
مطلقا بأيسة حال ،ول سسيما فسي هذا الصسدد .إنمسا يقصسد فقسط إلى تسبيان كيسف تتسسلسل
الوقائع ،وكيف يمكن تنظيم قوة مسلحة .أما الرتب فليس لها من أهمية في نهاية التحليل.
المهسم هسو أن ل تمنسح رتبسة ل تتفسق مسع واقسع ،أو تخالف الخلق والعدالة ،أو ل تمسر
خلل غربال النضال والفداء.
ينط بق الو صف الذي قدمناه على ج يش ذي قوة ،قادر على مواج هة معارك جد ية،
وليس صورة غوّارة بدائية يستطيع قائدها أن يحمل الرتبة التي تعجبه ولكنه ل يأمر في
الواقع إلّ جماعة صغيرة من الرجال.
133
مقالت العسكرية
العقو بة الضبَاط ية هي من أ هم تداب ير التنظ يم الع سكري .ي جب أن تكون الضبَا طة
أحسد أسسس الغوار وينبغسي التذكيسر بذلك دائما .يجسب أن تكون الضباطسة قوة ناشئة عسن
قنا عة داخل ية ومعقولة ،تزوّد الفرد هكذا بضبا طة داخل ية .وعند ما تنق طع هذه الضبا طة،
ي جب إنزال العقو بة بالمرت كب ب صرامة ،مه ما كا نت رتب ته ،بت طبيق عقو بة تحدث أثرا
بليغا.
ملح ظة ها مة :ل يتح سس المغاور بذات العقوبات ال تي تؤ ثر في جندي الثك نة .إن
عشرة أيام فسي السسجن مثلً هسي عقوبسة للجندي ولكنهسا تؤلف راحسة اسستثنائية لحسد
المغاو ير .إن ها عشرة أيام دون سير ،دون ع مل ،دون نوبات الحرا سة المعتادة ،ي ستطيع
فيها أن يأكل وينام ملء جفونه ،ويطالع ويستريح .يفهم من ذلك تماما أن حرمان الحرية
ليس عقوبة منصوحة في الغوار.
عندما تكون أخلق المرء الثورية عالية ،وشعوره بكرامته عميقا ،ثمة حالت يمكن
فيها لحرمانه من حق حمل السلح أن يسبب ارتكاسا إيجابيا يكون بمثابة عقوبة حقيقية.
يكون تطبيقه إذ ذاك مناسبا.
حدث إبان الهجوم على مدي نة من مقاط عة لس فيلس ،في أوا خر أيام الحرب ،أن
ل قسد أغفسى على أريكسة أثناء الهجوم على مواضسع فسي وسسط المدينسة .ولدى
ألفينسا رج ً
الستجواب ،أفاد أنه قد نام لن سلحه قد نزع منه .فقلنا له إن هذا ليس سلوكا صحيحا
إزاء الموقسف .كان قسد عوقسب لعدم احترازه إذ ترك طلقسة تخرج عفوا ،وكان عليسه أن
يستعيد سلحه ،لكن ليس عن طريق النوم ،بل بوجوده في الخطوط المامية.
مرت بضعسة أيام ،وإبان الهجوم النهائي على مدينسة سسانتا كلرا ،عندمسا كنسا نزور
مر كز ن قل الدم ،مدّ محت ضر يده إلي نا وذكر نا بالحادث وأردف إ نه قد ا سترد حق ح مل
السلح .وقد مات بعد قليل.
ل قد حملت ممارسسة النضال المسسلح الم ستمرة قواتنسا إلى هذه المرتبسة مسن الخلق
الثور يةَ ،بيْدَ أ نه ل يم كن إدراك هذه المرت بة م نذ البدء ،عند ما ل يزال هناك كث ير من
134
أرنستو تشي غيفارا
الخوف ،كث ير من التيارات الذات ية ،تك بح تأث ير الثورة .إن ما تدرك هذه المرت بة بالع مل
والمثال.
يمكن لنوبات الحراسة الليلية الطويلة والمسيرات المضنية أن تشكل عقوبات أيضا،
ل معاقبة الفرد وإعياءه في آن مع المكلفين
ولكن الم سيرات ليست عملية لنها ل تفيد إ ّ
بحراسته .أما نوبات الحراسة الليلية فمحذورها أنها تستلزم وجود جنود لمراقبة المعاقَبين
الذين تكون أخلقهم الثورية ضعيفة.
ك نت قد أحد ثت ،في القوى الموضوع ية ت حت إمر تي المباشرة ،من أ جل الج نح
الطفي فة ،عقو بة التوق يف مع الحرمان من ال سكاكر والت بغ ،و من أ جل الحالت البال غة،
الصوم التام .وكانت النتائج ممتازة ،رغم هول العقوبة .فل ينبغي تطبيق هذه العقوبة إلّ
في حالت استثنائية حقا.
135
مقالت العسكرية
القسم الرابع
136
أرنستو تشي غيفارا
على الرغسم مسن أن حرب الغوار تخضسع لجملة مسن القوانيسن المشتقسة مسن قوانيسن
الحرب العامة ،كما تخضع لقوانين أخرى خاصة بها ،فمن الواضح ،حينما يراد الشروع
بالنضال المسلح بدءا من خارج الوطن أو من مناطق نائية ،أنه ينبغي حصر عمل التآمر
الصلي بنواة قليلة من المطلعين .أما إذا ولّدت حركة الغوار من النشاط العفوي لجماعة
من الناس ،ارتكاسا ضد بعض أساليب الكراه ،فقد يُحتمل أن يغدو التنظيم اللحق لنواة
سو أن يشرع قائد مرموق النفوذ
سن الغالب هس
سر البادة .ولكس
سا شس
الغوار هذه كافيا ليقيهس
بخوض حرب الغوار ،وقسد حزم أمره ،مسن أجسل خلص شعبسه ،وينبغسي أن يسستعد هذا
الرجل أولً خارج البلد في ظروف صعبة.
لقسد عانست معظسم الحركات الشعبيسة التسي قامست فسي الونسة الخيرة لمناوأة الحكام
الطغاة ،من خطيئة أساسية هي عدم كفاية التأهب .ول تُطبق طرق التآ مر ال تي تقتضي
عملً دقيقا وسريا .وغالبا ما تعلم السلطة سلفا ،من دوائر استخباراتها ،بنوايا الجماعة أو
الجماعات .يحصل ذلك أحيانا بسبب عدم الحتراز ،وأحيانا بسبب مظاهرات مباشرة كما
حدث في بلدنا حيث قال فيدل كاسترو" :عام 1956سنكون أحرارا أو شهداء" ،فجاهرت
هذه العبارة علنا بالنزول إلى البر.
إن أول مبدأ في أ ساس الحر كة هو ال سرية المطل قة ،وانعدام المعلومات تماما لدى
العدو .والمبدأ الثا ني هو ا صطفاء العتاد البشري ،و هو عظ يم الهم ية أيضا .قد ي تم هذا
الصسطفاء بسسهولة ،ولكنسه قسد يكون فسي غايسة الصسعوبة إذ ل يمكسن العتماد إلّ على
العناصر المتوفرين ،أي على منفيين قدامى يتقدمون عندما يدعوهم الداعي دون التمكن
137
مقالت العسكرية
من إجراء تحق يق تام عن كل من هم .وح تى لو ت سلل عملء النظام العدو ،فل يغت فر أن
يستطيعوا تقديم المعلومات ،إذ ينبغي قبل الشروع بالعمل ،أن يتم تأليب كافة المشتركين
بالحر كة في أما كن سرية ل يعرف ها إلّ ش خص أو اثنان ،وأن يرا قب القادة المشترك ين
مراق بة وثي قة ،ول تكون لهؤلء أ ية صلة بالعالم الخار جي .وينب غي دوما إبعاد العنا صر
جدُد ،والذين لما تكتمل معرفتهم ،عن النقاط الحساسة ،أثناء الستعداد والتدريب ولدى
ال ُ
الفرار من وجه الشرطة.
وينبغسي فسي العمسل السسري أن ل يعلم أحسد ،ل أحسد مطلقا ،بأي شيسء ليسست له
ضرورة ماسة ،وأن ل يثرثر أحد أبدا .وعند بلوغ مرحلة معينة من بناء الحركة ،ل بد
من مراق بة كل ش يء ،ح تى الر سائل ،بح يث تعرف تماما علقات كل وا حد .ينب غي ألّ
يعيسش كسل عضسو منفردا وألّ يخرج منفردا .وينبغسي منسع الصسلت الشخصسية للعضسو
العت يد في ج يش التحرر ،مه ما كان نوع ها وب كل الو سائل .ث مة عا مل ي جب ال صرار
عليسه ،وتأثيره فسي هذه المرحلة الولى سسلبي على العموم بقدر مسا يغدو إيجابيا فسي
النضال ،أل وهسو المرأة .إن ضعسف الرجال الشبان تجاه النسساء أمسر معروف ،عندمسا
يكونون بعيد ين عن بيئت هم المعتادة وموجود ين في أوضاع ا ستثنائية ح تى من الناح ية
النفسية .وكم يعرف الحكام الطغاة هذا الضعف ويحاولون استخدام جاسوساتهم .قد يسهل
أحيانا كشف علقات أولء النسوة بمن يستخدموهن ،ولكنه كثيرا ما يصعب كشف أدنى
صلة .من ثم ضرورة منع العلقات بالنساء.
على الثوري الذي يستعد في ال سر لخوض الحرب أن يكون نا سكا مكتملً ،وهذا ما
ي سمح من ج هة أخرى بالتح قق على ن حو مف يد من شي مة سوف تغدو في ما ب عد إحدى
أسس السلطة ،أل وهي الضباطة .فإذا تجاوز رجل تكرارا أوامر رؤسائه والتقى بنساء،
وعقد صداقات غير مباحة ،ينبغي النفصال عنه فورا ليس فقط بسبب الخطر المحتمل
في هذه الصلت ،بل لمجرد مخالفته الضباطة الثورية.
138
أرنستو تشي غيفارا
ينبغي عدم التعويل أبدا على مساعدة غير مشروطة من إحدى الحكومات عندما يتم
العمل في أرضيها ،سواء أكانت حليفة أو ل مبالية فقط .يجب أن يتصرف المرء دائما
كما لو وجد معسكر معاد تماما .يمكن طبعا أن توجد في هذا المعسكر استثناءات ،ولكنها
ل تعدو أن تصدق القاعدة العامة.
ل يم كن التحدث هه نا عن عدد الرجال الذ ين سوف ي تم إعداد هم ,يتعلق هذا ال مر
بعوامسل تتجاوز الحصسر .نسستطيع أن نتحدث فقسط عسن العدد الدنسى مسن الرجال الذيسن
يمكن شن حرب الغوار بهم .فإذا ما حسب حساب النسحابات وحالت الوهن التي ل بد
من ها ،ر غم ال صطفاء ال صارم ،ينب غي بح سب رأ يي ،اعتماد أ ساس يتراوح ب ين ثلث ين
وخمسسين رجلً .يك في هذا العدد للشروع بنضال م سلح في أي بلد أمريكسي لتينسي ،إذا
كانت الرض مؤايتة ،والرغبة في امتلك الرض متأججة لدى الفلحين ،والعدالة مبكّتة
باستمرار.
أشرنسا أن السسلحة ينبغسي أن تكون مسن النمسط ذاتسه الذي يسستخدمه العدو .وعلى
الجملة ،وباعتبار أن كسل حكومسة تقسف دائما فسي البدء ضسد نشاط عسسكري يصسدر عسن
أراضي ها ،فإن الجماعات ال تي ت ستعد ينب غي أن ل تتجاوز خم سين أو مئة ر جل في كل
وحدة .ليسس ثمسة محذور فسي أن يشرع بالحرب خمسسمئة رجسل مثلً ،ولكنسه ينبغسي ألّ
ل لن عددهسم الكسبير يسسترعى النتباه ،ثسم لنسه فسي حال وقوع
يجتمسع هؤلء معا .أو ً
خيانة ،تسقط الجماعة كلها .هذا في حين يصعب احتلل عدة أماكن في آن واحد.
يمكن أن تكون دار الجتماعات المركزية معروفة إلى حد ما .يرتادها المنفيون لعقد
ل يو جد
ل ا ستثناءً .وينب غي أ ّ
اجتماعات من ش تى النواع ،ول كن القادة ل يظهرون في ها إ ّ
س َتمْسَك .يجب أن يكون في تصرف القادة أكبر عدد من المنازل ،مستورة قدر
فيها أي مُ ْ
ل مسن شخسص أو اثنيسن ،وتوزع فسي أماكسن
المكان .ول تعرف مسستودعات السسلح إ ّ
متعددة.
139
مقالت العسكرية
ل قمعيا
ينبغي دائما ت سليم السلحة إلى الذين يستخدمونها في آخر دقي قة ،إذ أن عم ً
ضد الذيسن يتدربون ي سبب سجنهم ك ما ي سبب أيضا فقدان كا فة ال سلحة ال تي ي صعب
الحصول عليها جدا ،والتي تشكل نفقة ل يسع القوى الشعبية أن تتهاون بها.
ينبغي إيلء أهمية عظمى لعداد القوى من أجل النضالت القاسية القادمة :ضباطة
صارمة ،م ستوى معنوي رف يع ،تف هم كا مل للمه مة المراد تحقيق ها ،بل تب جج ول أوهام
خادعة ول آمال كاذبة في ظفر سهل .سوف يكون ال صراع مرا وطويلً .سوف تعا ني
الفرقسة مسن الهزائم ،وقسد تشارف النكبسة ،ولن ينقذهسا إلّ مسستواها المعنوي وضباطتهسا
وإيمانها في الظفر النهائي ،والصفات الستثنائية التي يتحلى بها قائدها .هذه هي تجربتنا
الكوبية ،حيث استطاع إثنا عشر رجلً أن يخلقوا جيشا لنهم كانوا يحققون هذه الشروط
كافة ولن الذي كان يقودهم اسمه فيدل كاسترو.
وبالضا فة إلى الستعداد الفكري والمعنوي ،ل بد من تدر يب ج سمي دقيق .سوف
يختار المغاو ير منط قة جبل ية للعمل فيها .ومه ما كا نت الرض ،فإن ال سير هو العن صر
ال ساسي في الغوار .فل ي سع الغوارة أن تتع ثر بأناس بطيئ ين أو ُمتْعَبين .يقوم التدر يب
الناجع على مسيرات مضنية نهارا وليلً ،تُزَاد فيها المسافة كل مرة ،وتصل بالرجال إلى
حافسة النهيار ،بينمسا هسي تركسز الجهسد على السسرعة .السسرعة والجَلَد همسا المائزتان
الج سميتان لجما عة الغوار ال صلية .ك ما يم كن تلق ين الرجال المعلومات النظر ية ،م ثل
التوجيسه ،وقراءة الخرائط ،ومِهانات التخريسب ،وتُجرى إن أمكسن ،تدريبات رمايسة كثيرة
ببندقية حربية ،وخاصة على الدريئة ،مع الصرار على كيفية استخدام الذخيرة.
ينبغي أن تحضر في ذهن المغاور دائما قاعدة شبه دينية ألّ وهي اقتصاد الذخيرة.
ينب غي أن يعرف الفادة من كل ر صاصة ،ح تى الخيرة .فإذا ما اتبِعَت هذه التعليمات
كافة ،استطاعت قوى الغوار أن تدرك هدفها بسهولة.
140
أرنستو تشي غيفارا
ما دم نا لم نن جح في تحط يم الج يش الذي كان يد عم النظام البائد تحطيما تاما ،ف من
الواضسح أن الظفسر ل يمكسن أن يكون نهائيا .وفوق ذلك ،فإنسه ينبغسي تصسفية كافسة
المؤ سسات ال تي كا نت تح مي هذا النظام على ن حو منه جي .غ ير أن هذا الكتاب ل يعدو
كونسه وجيزا تعليميا للغوار ،ولذلك سسوف نقتصسر على تحليسل الدفاع الوطنسي فسي حال
وقوع عدوان على النظام الجديد.
سوف يحصل الصدام بادىء ذي بدء بالرأي العام العالمي :فسوف تشرع "الصحافة
ال كبرى" ووكالت النباء "الموضوع ية" في الوليات المتحدة و سائر أوطان الحتكارات،
باعتداءات هجوميسة ومنهجيسة بقدر مسا تكون القوانيسن الشعبيسة فسي البلد المتحرر هسي
الخرى هجومية ومنهجية .لذلك يتوجب عدم البقاء على أية بنية من الجيش القديمَ .بيْدَ
أن النظام الع سكري ،والطا عة الل ية ،ومفاه يم الوا جب الع سكري والخلق على الن مط
القديم ل يمكن اجتثاثها دفعة واحدة ،كما أنه من الشد استحالة جعل الظافرين الحاذقين
فسي الحرب والمفتقريسن غالبا إلى كسل ثقافسة عامسة ،يتعايشون مسع العدو المغلوب ولكنسه
المغترّ بدرايته الحربية والحاقد بكل ما أوتي من قوة على أولئك المغاوير غير المثقفين.
وا ضح أن هناك حالت فرد ية ،ح يث يق طع ب عض الع سكريين كل صلة بماضي هم
ويدخلون النظام الجديسد بروح تعاون مطلق .إنهسم عندئذ مفيدون على مثليسن ،إذ أنهسم
يجمعون بين الرتباط بقضية الشعب ،وبين المعارف اللزمة لقامة بناء الجيش الشعبي
الجد يد .ينب غي تحط يم الج يش القد يم وتشتي ته وذلك با ستيلء الج يش الجد يد على كا فة
المرا كز ،وأن يع قب ذلك تنظ يم الج يش الجد يد فورا .ويم كن تعد يل بن ية الغوارة القدي مة
ستَفْرِدة 65والتي كانت متروكة تماما تقريبا إلى مبادرة كل قائد بل أي تخطيط .ولكنه
المُ ْ
141
مقالت العسكرية
في غاية الهمية أن يُعاد تنظيمها صدورا عن مفاهيم عمليات الغوار ،وذلك باضفاء بنية
الغوار العضويسة على الجيسش الشعسبي ،أي باضفاء تنظيسم على جيسش الغوار يُفصسّل له
تفصيلً بحسب أبعاده ،فيجد نفسه مرتاحا فيه .ينبغي عدم الوقوع في الخطيئة التي وقعنا
في ها خلل الش هر الول ،عند ما أرد نا إدخال الج يش الش عبي الجد يد في أُطُر الضبا طة
والتنظيسم العسسكري القديميسن .يمكسن أن تنجسم عسن ذلك صسدوع خطيرة تؤدي إلى بلبلة
التنظيم تماما.
ينبغسي الشروع بالسستعداد منسذ ذلك الوقست لحرب الدفاع الجديدة التسي ل بسد أن
66
يخوضهسا جيسش الشعسب ،وهسو الذي اعتاد فسي نطاق النضال المشترك ،حريسة اجتيال
كسبيرة كانست تترك مبادرة واسسعة لكسل جماعسة مسسلحة .يواجسه هذا الجيسش مسسألتين
مباشرت ين :الولى ،إن آلفا من ثور يي ال ساعة الخيرة ،ال صالحين أو الطالح ين ،سوف
ينخرطون في الجيش في موجة الظفر العارمة .ينبغي إمرارهم على صوارم حياة الغوار
وإعطاؤهم دروسا عجْلى وكثيفة في التهيئة الثورية .إن التهيئة الثورية .التي تمنح جيش
الش عب وحد ته الفكر ية ال تي ل بد من ها ،هي أ ساس ال من القو مي ،في المدى البع يد
والقريب على السواء .أما المسألة الثانية ،فتطرحها صعوبة التكيّف بالبنيات الجديدة.
ينبغي أن تضطلع هيئة خاصة يتم تشكيلها فورا ،بشرح الحقائق الثورية الجديدة في
كل وحدة من وحدات الجيش :فتشرح للجنود ،الفلحين والعمال ،عدالة وحقيقة كل واقعة
ثوريسة ،وأمانسي الثورة ،لماذا يقاتلون ،ولماذا قضسى كسل الرفاق الذيسن لم يروا الظفسر.
وبصسورة موازيسة ،تسسمح دروس مسستعجلة فسي التعليسم البتدائي بالتغلب على الميسة،
لتحويل الجيش الثوري ،تدريجا ،إلى أداة مِهانية متكاملة ،ذات تهيئة فكرية متينة وكفاءة
قتالية متقنة.
سوف تتح قق هذه ال صفات الثلث شيئا فشيئا مع الز من .ويم كن من ثم ا ستكمال
الجهاز العسسكري لكسي يسستطيع المقاتلون الحاذقون بالحرب أن يسستحيلوا عسسكريين
محترف ين ،بف ضل دورات خا صة ،فيهيئون بدور هم كل الش عب الذي يُدْعَى إلى الخد مة
142
أرنستو تشي غيفارا
عن طر يق التجن يد الطو عي أو اللزا مي .يتعلق ذلك بالمميزات القومية ول يم كن إثبات
قواعد عامة له.
إن نا نعبّر بهذا ال صدد و في كل ما يلي عن رأي قيادة الج يش الثائر حول ال سياسة
الوا جب اتباع ها في كو با ،في حال شخوص خ طر غزو أج نبي في المرحلة الحاضرة،
وهسو مسا حدث أواخسر 1959وأوائل .67 1960هسا نحسن قسد توقعنسا عدونسا ،ورزناه،
وننتظره بل خوف .إننسا لم نعسد نضسع ههنسا نظريسة لفادة الجميسع ،قائمسة على تجربتنسا
الخاصة الماضية ،بل على العكس ،فإننا نستند إلى تجربة الخرين لتطبيقها على دفاعنا
القومي.
ول ما كان علي نا أن نع تبر حالة كو با ،وأن نقدم فرضيت نا عن ها في علقات ها بالوقائع
المريكيسة المرافقسة ،فنجعسل الفرضيسة والوقائع المذكورة على وِفاق ،لذلك سسوف نقدم،
على سبيل الخاتمة ،تحليلً للوضع الكوبي ،حاضره ومستقبله.
لقد وقعت محاولة غزو فيما بعد ،في ،1961 / 4/ 16في موضع بليا خيرون ،Playa Gironوتم 67
143
مقالت العسكرية
هسا قسد مضست سسنة كاملة منسذ هروب الطاغية 68نتيجسة نضال أهلي مسسلح قام بسه
الش عب الكو بي .إن منجزات الحكو مة في المياد ين الجتماع ية والقت صادية وال سياسية
تتجاوز التقدير .ولربما كان ضروريا أن نقوم بالتحليل ،بإعطاء كل حد قيمته الصحيحة،
بسبيان أبعاد ثورتنسا الكوبيسة بدقسة إلى الشعسب .إن هذه الثورة ،وإن كانست زراعيسة فسي
الساس ،قد كسبت مساهمة حماسية من جانب العمال والطبقة الوسطى ،ونالت الن دعم
ال صناعيين .إن ت صميم شعب ها الذي ل يتزعزع ،والهداف ال تي تحر كه ،قد من حت هذه
الثورة أهمية قاريّة ،69بل عالمية.
ل يس موضوع نا هو إجراء ب حث ترك يبي مه ما كان موجزا ،لكا فة القوان ين المبر مة
ال تي هي جميعا مفيدة للش عب ول ر يب .سوف يكفي نا أن نشدد الشارة على ب عض هذه
القوانين ،مبينين التسلسل المنطقي الذي يقودنا من أولها إلى آخرها ،بمسيرة ذات خطى
متتابعة ولزمة ،مظهرين الهتمام الذي توليه الدولة لحاجات الشعب الكوبي.
لقسد لزمست الحكومسة بادىء ذي بدء أن تحطسم آمال الطبقات الطفيليسة فسي البلد،
فر سمت بخ طى سريعة ،قانون اليجارات ،وتخف يض أ سعار الكهرباء وتعر فة الها تف.
و ما ل بث الذ ين كانوا يريدون أن يروا في فيدل كا سترو و صحبه القائم ين بهذه الثورة،
بعسض السسياسيين على النمسط القديسم أو بعسض البُلهاء الذيسن تسسهل مداورتهسم ،إشارتهسم
المائزة الوحيدة هي اللحى في ذقونهم ،ما لبثوا حتى اعتراهم الظن بأن شيئا أعمق كان
يتفجر من صميم الشعب الكوبي ذاته ،وأن امتيازاتهم قد أحاق ب ها خطر الزوال .بدأت
الطاغية باتيستا حاكم كوبا السبق الذي فر من وجه الثورة يوم .1/1/1959 68
144
أرنستو تشي غيفارا
كلمسة شيوعييسن ترتسسم حول القادة ،حول المغاويسر الظافريسن ،وأخذت كلمسة معاداة
الشيوعية ،بالمقابل ،تؤلب الذين قد جُرّدوا من امتيازاتهم الجائرة.
وجاء قانون الراضسي البور ،وقانون البيسع لنسسيئة ،70فألحقسا شعور انزعاج لدى
رؤوس الموال المراب ية .ول كن الرجع ية ما كا نت لتعا ني ب عد إلّ مناوشات ،وكان كل
ش يء ل ما يزل ممكنا .كان ب عد با ستطاعة أمثال دوبوا أو بور تر أن ين صحوا "هذا الط فل
المجنون" فيدل كاسسترو و ُيهْدُوه إلى الطرق "الديمقراطيسة" الجيدة .كان الوثوق بالمسستقبل
لما يزل ممكنا.
جاء قانون الصسلح الزراعسي صسدمة بالغسة ،وانجلت المور واضحسة لكسل الذيسن
مسّهم القانون.
لقد كان غاستون باكويرو ،الناطق بلسان الرجعية ،قد توقع بدقة قبل هؤلء ماذا كان
يحدث ،وانسسحب إلى مياه الطغيان فسي اسسبانيا ،هسي أكثسر هدوءا .كان بعضهسم مسا زال
يحدث نف سه قائلً" :القانون ما هو إلّ قانون" ،وإن حكومات أخرى قد أ صدرت قوان ين
سواها ،ح سنة للش عب نظريا ،غ ير أن إنفاذ ها كان شأنا آ خر .وأخذوا في البدء ينظرون
ل مسن شارتسه "اينرا"،71
إلى هذا الطفسل الصساخب المعقسد ،الذي لم يكسن وجوده ليعرف إ ّ
72
شفِقسة ،مسن أعالي أسسوار علم المذاهسب الجتماعيسة المفاض
نظرة أبويسة ممجوجسة ومُ ْ
والنظريات الجليلة في المالية العامة ،التي ل تدانيها عقول المغاوير غير المثقفة .ولكن
الينرا أخذت تتقدم مثسل الجرارة ،أو كالدبابسة ،لنهسا دبابسة وجرارة فسي آن ،محطمسة
بطريق ها حوا جز الملكيات ال كبرى ،وخال قة علقات اجتماع ية جديدة لملك ية الرض .ل قد
أج مل هذا ال صلح الزرا عي الكو بي عددا من المميزات الها مة بالن سبة لمري كا .كان
معاديا للقطاع إذ أ نه ،بالضا فة إلى إزالة الملكيات ال كبرى (هذا في ظروف كو با) ،قد
النسيئة :تأخير الجل .البيع لنسيئة :البيع الذي يتم فيه سداد القيمة في آجال متأخرة .كالتقسيط، 70
145
مقالت العسكرية
ألغى كافة العقود التي تجبر على دفع الريع العقاري نقدا ،وصفّى علقات القنانة التي ما
بر حت قائ مة في منتجات نا الزراع ية الرئي سية ،ول سيما في مزارع ال بن والت بغ عند نا.
غ ير أ نه كان أيضا إ صلحا زراعيا ي تم في النظام الرأ سمالي ليح طم ض غط الحتكارات
التي تمنع الفلحين ،المنعزلين أو المتألبين ،من أن يشتغلوا في أرضهم بإخلص وينتجوا
دون خوف من المرابي أو المالك .فقد أخذ الصلح الزراعي منذ البدء يؤمن للفلحين
والعمال الزراعيين ملك ية الرض ،والد عم المِها ني الضروري ،بتوف ير العاملين الكفّاء،
والعتاد ،والدعسم المالي ،بفضسل تسسليفات الينرا ومصسارف الدولة و"رابطسة متاجسر
الش عب" .ل قد انتشرت هذه الخيرة انتشارا قويا في مقاط عة أوريين ته وأخذت تنت شر في
مقاطعات أخرى ،حيث ت حل متا جر الدولة ،م حل المرا بي القد يم ،فتد فع قي مة المحا صيل
ل عن الستثمار.
بسعر عادل ،معطية بذلك تعويضا عاد ً
وأهسم الموائز التسي تميزه عسن الصسلحات الزراعيسة الخرى الثلثسة فسي أمريكسا
(مكسيك ،غواتيمال ،بوليفيا) ،هي الرادة في السير به حتى النهاية ،دون مساومة من أي
نوع .ل يحترم هذا الصلح الزراعي الكامل إلّ حق الشعب ،ول يقف ل ضد طبقة ول
ضد قومية خاصة :يقع القانون بنحو واحد على "يونايتد فروت كومباني" 73و"كينغ رننش"
مثلما يقع على كبار الملك المولّدين.74
سي هذه
سن ،تزداد بشدة فس
سة والقطس
سل الرز والبذور الزيتيس
أخذت منتجات البلد مثس
الظروف ،فتصبح هي مركز نهوج التخطيط .غير أن المة لما ترض بعد .إنها مُ ْز ِمعَة
أن ت ستعيد ثروات ها كا فة .و قد تم عمليا ،بقانون الن فط ،إ سترداد با طن أرض ها التر يف،
ميدان الصسراع بيسن الحتكارات وموضوع نهمهسا .يسستجيب هذا القانون ،شأن كافسة
القوان ين ال تي أملت ها الثورة ،إلى ضرورات ل يم كن مراوغت ها ،إلى عوا جل لم ي عد في
هي "شركة الفواكه المتحدة" المريكية United Fruit Companyالمتنفذة في كل البلدان المحيطة 73
بالبحر الكاريبي ،والتي كان جون فوستر دالز يملك حصة كبيرة فيها.
قصدنا بكلمة "المولَّد" ما يسمى بالسبانية "كريولو" ،Criollo; Créoleوهم أحفاد المهاجرين 74
الوروبيين البيض الخالصين ،المولودين في المستعمرات الوروبية ولم يختلطوا بالعروق الخرى من
أهالي المستعمرات .وهم في كوبا من أصل اسباني.
146
أرنستو تشي غيفارا
ُمكْنَة الشعب أن يُرجِئ ها وقد عزم أن يكون حرا ،سيدا على اقتصاده ،وأن يزد هر ويبلغ
تطورا اجتماعيا مت صاعدا في الر قي .إن قانون الن فط هو ،من هذا القب يل ،مثال للقارة
بأسرها تحذره الحتكارات النفطية .إن كوبا ل تعيق الحتكارات النفطية مباشرة وبشكل
جوهري ،إذ ليس ثمة ما يدعو لعتبارها مركزا هاما جدا للوقود الثمين ،وإن كان هناك
أمل في إمكان الوصول إلى كفاية الحاجات الداخلية .غير أن ها تضرب المثل ،بقانونها،
إلى الشعوب الشقيقة في أمريكا ،بأنه يمكن إجراء ذلك في أمريكا ،في حين وقع كثير من
هذه الشعوب فري سة تلك الحتكارات ،ودُ فع ن فر آ خر من ها دفعا إلى الحروب مع بع ضه
بعضا ،مرضاة لحاجات أو نهما لحتكارات متناز عة .إ نه يبين في الو قت ذا ته في أ ية
لحظسة ينبغسي إجراء ذلك .لقسد أخذت الحتكارات الكسبرى هي الخرى تميسل بأب صارها
جبّارة
القلقة إلى كوبا :لم يجرؤ القوم في جزيرة الكاريبي 75الصغيرة أن يصفّوا التركة ال َ
ال تي خلف ها ال سيد فو ستر دالز إلى ورث ته ،و هي "يوناي تد فروت كومبا ني" ،بل إن الثورة
الشعبية في كوبا قد ضربت أيضا سلطان "روكفلر" ومجموعة "رويال دتش".76
هذا القانون ،مثله مثسل قانون المناجسم ،هسو جواب الشعسب على أولئك الذيسن يدّعون
إذلله ،بتظاهرات القوة ،والغزوات الجو ية ،والعقوبات المختل فة .يؤ كد بعض هم أن قانون
المنا جم ل ي قل أهم ية عن قانون ال صلح الزرا عي .إن نا ل نعت قد ،بعا مة ،أ نه يبلغ هذه
الهمية في اقتصاد البلد .غير أن ثمة ظاهرة جديدة :فالضرائب بنسبة %25على إجمال
المنتجات الم صدرة ،ال تي أ جبرت الشركات ال تي ت صدر معادن نا إلى الخارج على دفع ها
(فأخذت تخلّف الن شيئا غير الخواء في أراضينا) ،ل ت سهم في رفاه كو با وحسب ،بل
أع طت الحتكارات ال َكنَد ية منف عة في صراعها مع م ستثمري الني كل الحالي ين عند نا.
وبذلك أخذت الثورة الكوبيسسة ،التسسي تصسسفَّي الملكيات الكسسبرى ،تحدد أيضا أرباح
الكاريبي :البحر الواقع في أمريكا الوسطى ،وكوبا هي إحدى الجزر فيه. 75
روكفلر Rockefellerهي أكبر مجموعة من شركات النفط في الوليات المتحدة ،وما يرتبط بها من 76
مصارف ومؤسسات كثيرة أخرى ،ول سيما شركة "ستاندارد أويل كومباني" ومصرف "تشيز منهتان
بنك" .ورويال دتش Royal Dutchهي مجموعة شركات النفط البريطانية الهولندية المشهورة باسم "شل"
وما يرتبط بها من مصالح وتملك حوالي 500شركة مختلفة في أرجاء العالم.
147
مقالت العسكرية
الحتكارات والوسسطاء الجانسب ،وتطلق فسي أمريكسا سسياسة جديدة إذ جرؤت على شسق
النظام الحتكاري الذي أقام ته حاكرات 77المنا جم .في هذا ل فت جد يد لنتباه جيران نا في
بلد هو من أكبر أوطان الحتكارات ،ولكن للمر رجعا عميقا أيضا في أمريكا كلها .لقد
أخذت الثورة الكوبية تحطم حواجز منشآت العلم كافة ،وتذيع حقيقتها مثل نثار البارود
بيسن الجماه ير المريك ية اللتينيسة المتعطشسة إلى حياة أف ضل .كو با هي ر مز القوم ية
الجديدة ،وفيدل كاسترو رمز التحرر.
تعرف كوبا أمثلة الماضي ،تعرف المصاعب والهزائم ،ولكنها تعرف أيضا أنها عند
ف جر ع صر جد يد .ل قد ع صفت نه ضة النضالت القوم ية والشعب ية في آ سيا وأفريق يا
الحاكرة :الجماعة التي تنتظم أو تندمج لحتكار ميدان اقتصادي معيّن( .التروست ،الكونسورسيوم). 77
الكويتزال :Quetzalطائر تقليدي جميل يغلب فيه اللون الخضر ،يعيش في أمريكا الوسطى ،وله 78
148
أرنستو تشي غيفارا
بمعاقل الستعمار .ولم تعد وحدة هذه الشعوب من شأن الدين والتقاليد والطماع والُلفة
أو التما يز العرقي ين ،فلحمت ها تشا به الظروف القت صادية والجتماع ية ،والرغ بة الواحدة
في التقدم .ل قد ت صافحت آ سيا وأفريق يا في باندو نغ ،وه نا في لهايا نا ،من خلل كو با،
هاهما آسيا وأفريقيا تصافحان أمريكا اللتينية والهندية.79
تحل الرأسمالية المريكية الشمالية محل بعض الرأسماليات الستعمارية القديمة في
البلدان التي بدأت فيها الحياة المستقلة ،ولكنها ل تجهل أن هذا أمر موقوت وأنه لن يكون
ث مة تو سع حقي قي لمضاربات ها المال ية في هذا الميدان .سوف تقدر الوليات المتحدة أن
تم تص م صّ الخطبوط ،ل كن دون أن ت ستطيع إطباق محاجم ها بالثبات ذا ته .ل قد كلّت
مخالب النسر المبراطوري .مات الستعمار في أنحاء العالم كافة ،أو هو على وشك أن
يموت ميتته الطبيعية.
أما أمريكا ،فلها شأن آخر .لقد سحب السد النكليزي خطمه الشره من أمريكتنا منذ
زمسن بعيسد ،وأنشسأ الرأسسماليون الشبّان المحبّّبون ،اليانكسي ،صسيغتهم "الديمقراطيسة" مسن
النوادي النكليزية ،وفرضوا سلطانهم على كل واحدة من الجمهوريات العشرين.81
هذه الجمهوريات هسي القطاع السستعماري لحتكار أمريكسا الشماليسة ،إنهسا "الباحسة
الخلفيسة لبيتسه الخاص" ،إنهسا سسبب بقائه وسسبيل عيشسه .فلو كانست الشعوب المريكيسة
اللتينيسة كافسة ،تعزز مثسل كوبسا كرامتهسا ،لرتعدت فرائص الحتكارات واضطرت إلى
أمريكا الهندية :يقصد بها شعوب الهنود الحمر الذين يشكلون أساس السكان في أمريكا كلها قبل هجرة 79
الوروبيين إليها ،وقد بقي بعضها على سماته الصلية ،في حين امتزج غيرها بالوروبيين والزنوج .أو
اقتبس لغات الوروبيين ،أو ذاب فيهم .أو أبادوه إبادة.
إشارة إلى حرب الجزائر التي كانت مُحْتَ ِدمَة وقت تأليف الكتاب. 80
149
مقالت العسكرية
التكيف بوضع سياسي واقتصادي جديد وبتقلّص أرباحها .غير أن الحتكارات ل يعجبها
قسط أن ترى أرباحهسا فسي نكوص ،هذا بينمسا أخسذ مَثَل كوبسا -هذا "المثسل السسيء" فسي
الكرامسة الوطنيسة والدوليسة – يسستشري بيسن بلدان أمريكسا اللتينيسة .فكلمسا أطلق شعسب
صيحة تحرّره ،يَشْكون كوبا ،وكوبا هي مسؤولة حقا ،على نحو معين ،إذ أنها أهدت إلى
السسبيل ،سسبيل النضال الشعسبي المسسلح ضسد جيوش زعموا أنهسا ل تقهسر ،سسبيل حرب
الغوار ،وبكلمة ،سبيل الكرامة.
إن المثل الكوبي سيء ،وما أسوأه! ل يسع الحتكارات أن يغمض لها جفن ما دام
هذا المثسل قائما ،يكافسح الخطار ويسسير نحسو المسستقبل .لقسد أعلن الناطقون باسسم
سسدَنة الحتكارات المتنكرون كممثليسن فسي
الحتكارات :يجسب تدميسر هذا المثسل .وقال َ
المجلس النيا بي :ينب غي التد خل في هذا المع قل "الشيو عي" .وغم غم أم كر المدافع ين عن
الحاكرات :إن الوضع الكوبي يقلقنا كثيرا ،وكلنا يفهم أنهم يعنون" :ينبغي تدمير كوبا".
لنت ساءل ب عد هذا العرض ،ما هي إمكانات العدوان ،لتدم ير هذا الم ثل ال سيء؟ ث مة
إمكان اقت صادي ب حت :تضي يق العتمادات الم صرفية واعتمادات الم صدّرين في أمري كا
الشمال ية ل كل ما هو كو بي ،ب ما في ذلك م صرف كو با الوط ني .ويم كن أن يم تد هذا
التضييق ،بفضل الشركاء ،إلى بلدان أوروبا الغربية كافة .أما النفراد بالتضييق ،فليس
كافيا.
مسن شأن رفسض منسح العتمادات أن يسسدد ضربسة أولى شديدة القسسوة إلى اقتصساد
البلد ،ولكسن هذا القتصساد ل يلبسث أن يعيسد إحكام ذاتسه ويعود الميزان التجاري إلى
العتدال عند ما يعتاد البلد أن يع يش يوما بيوم .ي جب إبقاء الض غط .يد خل حل بة الر قص
هه نا نظام التح صيص المفروض على ال سكر :ن عم ،ل ،ل ،ن عم .تش ير اللت الحا سبة
لدى وكالت الحتكار ،على ع جل ،أن تخف يض ح صة كو با أ مر جد خط ير ،وأن إلغاء
هذه الحصة أمر محال .لماذا خطير جدا؟ لنه بالضافة إلى الخطأ السياسي الذي يشكله،
ف هو سوف يش حذ نَهَ مَ عشرة أو خم سة عشرة بلدا منتجا ،يحدث بين ها انزعاجا عميقا ،إذ
يع تبر كل من ها نف سه هو صاحب ال حق في المز يد .ك ما ي ستحيل التخلي عن الح صة
150
أرنستو تشي غيفارا
الكوب ية لن كو با هي أجود وأر خص مورّدي ال سكر إلى الوليات المتحدة ،ولن %60
من المصالح المرتبطة مباشرة بإنتاج السكر والتجار به تخ صّ الوليات المتحدة .ثم إن
الميزان يميل لصالح الوليات المتحدة .وإن من ل يبيع ل يمكنه الشراء ،وإنه لمثل سيء
حقا أن يتخلى المرء عن معاهدة .ولكن المر ل يقف عند هذا الحد :إن الهدية المريكية
من سعر 82
الشمال ية المزعو مة ،ال تي قوام ها أن هم يدفعون سعرا أعلى بثلث سنتافوات
ل نتيجسة عجزهسم عسن إنتاج السسكر بسسعر منخفسض .فمسستوى الجور
السسوق ليسست إ ّ
المرت فع وإنتاج ية الرض الضعي فة في الدولة ال كبرى يمنعان ها من إنتاج ال سكر بال سعر
الكوبسي .إنهسم يتسسترون وراء السسعر المرتفسع الذي يدفعون لهذا المنتوج ،لكسي يفرضوا
اتفاقات باه ظة ل يس على كو با ف قط ،بل على جم يع الم ستفيدين .محال علي هم أن يلغوا
الحصة الكوبية.
لن نتوقسف جديا عنسد إمكان لجوء الحتكارات إلى مسا يدّعون مسن قصسف حقول
القصب بالقنابل وإحراقها لخلق قحط في المحصول .تبدو هذه الدعوى في الغالب وسيلة
ل بث المخاوف في صفوف الحكو مة الثور ية (غ ير أن ج ثة المرتزق المري كي الشمالي
الممزقة تلطخ بالدم أكثر من دار كوبية ،83إنها تلطخ سياسة برمتها .فما بالك بالنفجار
الهائل الحادث في السلحة المرسلة إلى الجيش الثائر).84
ث مة نقاط ح ساسة أخرى يم كن ضرب القت صاد الكو بي من ها ،مثلً مشتريا ته من
المواد الولية ،كالقطن .ولكنه ل يخفى أن في العالم إنتاجا مفرطا من القطن ،فلن تكون
صسعوبة من هذا القب يل إلّ موقو تة .وماذا عن الوقود؟ إن نفاده قميسن بإنزال الشلل في
البلد ،وكو با ل تن تج من الن فط إلّ القل يل .ث مة ب عض صنوف القطران يم كن أن تغذي
السنتافو Centavoجزء من مئة من وحدة العملة الكوبية ،وهي البيزو .Peso 82
إشارة إلى إحدى الغارات الكثيرة التي شنتها طائرات تنطلق من أرض الوليات المتحدة على 83
بينما كانت تفرغ متفجرات بلجيكية المنشأ حملتها إلى الجيش الكوبي .وقتل في النفجار قرابة 100
شخص.
151
مقالت العسكرية
مراجلها ،وبعض الغول يمكن في النهاية ،أن يسيّر عرباتها .ثم إن في العالم نفطا كثيرا.
فمصسر ،والتحاد السسوفياتي يمكنهمسا أن يبيعسا منسه ،وربمسا العراق قريبا .لذلك يمكسن
الكتفاء بتطبيق ريادة اقتصادية بسيطة.
وإلى جا نب سلوكهم الفار قة القت صادية الن فة ،إذا ما أضف نا إلى م سالك العدوان
الممكنة ،تدخلت "دولة" من دول الجيب ،مثل سانتو دومينكو ،فسوف يغدو ال مر أكثر
إزعاجا بقليل ،ولكن المم المتحدة سوف تضطر للتدخل في النهاية ،ولن يؤدي المر إلى
شيء ملموس.
إن السبل الجديدة التي أخذت منظمة الدول المريكية تتبعها ،تخلق سابقة خطيرة في
موضوع التدخسل ،وكأن فسي المسر صسدفة .إنتحلت الحتكارات حجسة تروخيلّو ،85لكسي
تهيىء اعتداءات أخرى .لقسد أحرجتنسا ديمقراطيسة فنزويل فسي هذه القضيسة آسسفين لن
نقاوم مبدأ التدخل ضد تروخيلّو .يا لها من خدمة أسدوها إلى قراصنة هذه القارة!
ومسن بيسن المكانات الجديدة ،ثمسة إزالة وجود ذلك الذي كانوا يدعونسه "الشاب
المجنون" فيدل كاسسترو ،والذي أضحسى هدف غضبات الحتكارات .ينبغسي طبعا اتخاذ
الجراءات كذلك ضد "العميلين الدوليين" الخطيرين الخرين :راؤول كاسترو وكاتب هذه
جزٍ للرجعية،
السطر ،اللذين ينبغي إزالتهما من الوجود أيضا .إنه حل مرغوب فيه ومُ ْ
لو كان يع طي نتائج مرض ية في ع مل مثلث الوجهات في آن ،أو لو كان ي صيب الرأس
القائد على ال قل( .ول كن أي ها ال سادة الحتكاريون ،وأي ها ال سادة الجراء في الدا خل ،ل
تنسوا الشعب ،الشعب القادر على كل شيء ،الذي لو واجه مثل هذه الجريمة ،لسحق كل
ضالع على نحو مباشر أو غير مباشر في العتداء على قادة الثورة ،دون أن يستطيع أي
شيء أو أي أحد أن يوقفه).
الطاغية تروخيلو :Rafael Trujilloطاغية جمهورية سانتو دومينكو في البحر الكاريبي ،الشهيرة 85
بالدومينيكان .وقد حكمها منذ أيام الحرب العالمية الولى عندما كانت تحتلها قوات بحرية الوليات
المتحدة ،وحتى مقتله عام .1961
152
أرنستو تشي غيفارا
سسوف ترتسسم عندهسا للحتكارات ضرورة عدوان مباشسر (وسسوف يتناجزون عدة
إمكانات ويتدارسونها بكل التفاصيل على آلت أي .بي .أم .الحاسبة) .ولكنه يتبادر إلى
ذهننسا أنهسم يسستطيعون اسستخدام الفارقسة السسبانية :87يتخذون المبعديسن حجسة للبتداء،
ويدعمونهسم بمتطوعيسن ليسسوا طبعا إلّ مرتزقسة ،أو جنود دولة أجنبيسة تدعمهسم البحريسة
والطيران دعما قويا .ويمكسن أن يكون المسر أيضا عدوانا مباشرا مسن دول مثسل سسانتو
دومينكو ،ترسل بعض رجالها ،إخوتنا ،مع مرتزقة كثيرين ،للموت على شواطئنا ،بغية
خلق حالة واقعة ترغم أوطان الحتكار المباركة على التصريح بأنها ل تريد التدخل في
هذا الصراع "الكارث" بين الخوة ،وأنها سوف تكت في بإيقافه عند حد ،فتجعل بوارجها
وطرّادات ها ون سّافاتها وغوّا صاتها وحاملت طائرات ها وطيران ها ت سهر على بحار و سماء
ذلك الجزء مسن أمريكسا .ول يسستحيل أن يمنسع هؤلء الحراس الغيورون على السسلم فسي
القارة ،مرور أية سفينة تفيد كوبا ،في حين تنخدع يقظتهم "الحديدية" إزاء جميع أو أكثر
الذين يناصرون وطن تروخيلو المنكود .ويمكنهم التدخل كذلك بوساطة إحدى المنظمات
"المجيدة" القائمة ب ين الدول المريك ية ،لنهاء "الحرب الجنوب ية" ال تي أطلقت ها "الشيوع ية"
مسن عقالهسا فسي جزيرتنسا ،أو حتسى أن يتدخلوا مباشرة باسسم هذه المنظمسة لعادة السسلم
وحماية مصالح رعاياهم ،فينهجون بذلك فارقة من سلوكهم في كوريا.
إشارة إلى المسلك الذي سلكته الوليات المتحدة للطاحة بحكومة غواتيمال القومية المعتدلة عام 86
.1954
إشار إلى مسلك الدول الستعمارية إزاء اسبانيا عام :1936الدول الفاشية – ألمانيا وإيطاليا – تساعد 87
فرانكو عسكريا بصورة سافرة .والدول "الديمقراطية" – إنكلترا وفرنسا – تحاصر اسبانيا لمنع النجدات
عن شعبها تحت شعار عدم التدخل في اسبانيا.
153
مقالت العسكرية
قد ل توجه الضربة الولى إلينا ،بل إلى حكومة فينزويل الدستورية ،لتصفية آخر
مستند لنا في القارة .88وإذا ما حدث ذلك ،فيمكن أن ل تعود كوبا هي مركز النضال ضد
الستعمار ،بل يغدو وطن بوليفار 89الكبير هو ذلك المركز .وسوف يه بّ شعب فنزويل
ذائدا عسن حرياتسه .يحفزه حماس الذيسن يعلمون أنهسم يخوضون معركسة حاسسمة ،فمسع
الهزيمسة يريسن عليهسم أظلم ألوان الطغيان ،ومسع الظفسر يشرق عليهسم أخيرا مسستقبل
أمريكت نا ،حيث تستطيع هبّ ة من النضالت الشعبية أن ت شق صمت المقابر الستعمارية
التي استحالت إليها الجمهوريات الشقيقة المستعبدة.
يمكسن إتيان أسسباب كثيرة ضسد احتمال تغلّب العدو ،ولكسن ثمسة سسببين رئيسسيين:
أحدهمسا خارجسي ،وهسو أننسا عام ،1960عام الشعوب المتخلفسة النمسو ،الشعوب الحرة،
العام الذي سوف تفرض فيه احترامها أخيرا وإلى البد ،أصوات مليين الكائنات التي لم
يعد مصيرها أن يحكمها أصحاب وسائل القمع والثراء .ولكنه أيضا – وهذا سبب داخلي
أع ظم قوة من الول – العام الذي سوف يتنكّ ب ف يه ال سلح ج يش قوا مه ستة ملي ين
كو بي ،يقفون كالر جل الوا حد ،ذودا عن أراضي هم وثورت هم .لن يكون الج يش الثائر في
أرض الوغسى إلّ جزءا مسن شعسب شاكسي السسلح ،يقاتسل فسي كسل أرجاء البلد .سسوف
ي ستميت العمال أمام م صانعهم في المدن .و في الريف ،سوف يبذر الفلحون الموت في
شقّته المحاريث الجديدة التي زودتهم بها
صفوف الغزاة ،خلف كل شجرة ،وفي كل قرح َ
الثورة.
وفسي أرجاء العالم ،سسوف يخلق التضامسن الُممسي حاجزا قوامسه مئات ملييسن
ال صدور التي ت ستنكر العدوان .و سوف ترى الحتكارات كيف ت صطك دعائم ها النخرة،
وكيسف تعصسف نفخسة ريسح واحدة بنسسيج العنكبوت الذي حاكتسه وكالت النباء مسن
كانت حكومة فنزويل الدستورية عند كتابة هذا البحث لما تزل تقف إلى جانب حق الشعب الكوبي في 88
تقرير مصيره ،وتقاوم ضغط الحتكارات عليها .غير أنها انقلبت في ما بعد .بزعامة الرئيس السابق
رومولو بيتانكور ،إلى صفوف ألد أعداء الثورة الكوبية وقطعت علقاتها بكوبا.
سيمون بوليفار ،)Simon Bolivar (1783 – 1830أشهر أبطال حروب الستقلل عن الستعمار 89
السباني في كولومبيا وفينزويل وغيرهما من بلدان أمريكا اللتينية .وفنزويل هي مسقط رأسه.
154
أرنستو تشي غيفارا
أكاذيبها .ولنفترض مع ذلك أنهم لن يقيموا حسابا للستنكار الشعبي الممي :فماذا يحدث
ههنا في الداخل؟
إن أول عنصر يبرز للعيان ،تبعا لوضعنا كجزيرة صغيرة سهلة الصابة ،تعوزها
السسلحة الثقيلة ،وذات طيران وبحريسة ضعيفيسن جدا ،هسو تطسبيق مفهوم الغوار على
نضال الدفاع الوطني.
سوف تقاتل وحداتنا البرية بالعزيمة والحماس والحميّة التي يستطيعها أولد الثورة
الكوبية في هذه السنوات المجيدة من تاريخها .ولكننا في أسوأ الحوال ،وبعد تحطيم بنية
جيشنا في جبهة القتال ،سوف نبقى مستعدين لمتابعة النضال في وحدات مقاتلة .وبعبارة
أخرى ،إذا ما نجح التركيز الكبير لقوى العدو في تحطيم قوتنا ،سوف ينقلب جيشنا فورا
إلى جيش غوار ،عظيم الجؤول ،وتغدو سلطة قادته غير محدودة في مستوى الرتل ،في
ح ين تع طي القيادة العا مة الوا مر المنا سبة من نق طة ما في البلد وتحدد الريادة العا مة.
وتغدو الجبال آ خر معا قل الج يش الثائر ،و هو طلي عة الش عب المنظ مة ،في ح ين يتا بع
جيش المؤخرة العظيم وهو الشعب بأسره ،النضال في كل بيت قروي وكل درب وكل
فَ ْلذَة من أرض الوطن.
ولما كانت وحدات مشاتنا تعوزها السلحة الثقيلة ،فسوف يتركز عملها على الدفاع
ضد المدرعات و ضد الطيران .و سوف تغدو ال سلحة الوحيدة ذات القدرة المرمو قة هي
اللغام بكثرة ،والبازوكسة أو الرمّانات ضسد الدرع ،والمدافسع المضادة للطيران ،الجوّالة
جدا ،دون إغفال ب عض مدا فع الهاون .و سوف يعرف قُدا مى المشاة المزودون بال سلحة
الذات ية الحر كة ،قي مة الذخيرة ،ويعنون ب ها عنا ية كبيرة .وترا فق كل وحدة من جيش نا
منشأة خاصة لعادة حشو الفشك ،فتحافظ على احتياط الذخيرة في أشد الظروف حراجة.
سوف يصاب طيراننا ،على الرجح ،بعطب بالغ منذ اللحظات الولى في غزو من
هذا القب يل ،تش نه دولة أجنب ية كبرى ،أو يش نه مرتز قة أ ية دولة صغرى تدعم ها الدولة
الكسبرى سسرا أو علنيسة .سسوف يغدو الطيران الوطنسي إذا محطما أو يكاد ،وربمسا
155
مقالت العسكرية
اسستطاعت طائرات السستكشاف أن تتابسع العمسل ،ومثلهسا طائرات الرتباط ،ول سسيما
الطائرات العمودية.
سوف يعاد بناء البحرية أيضا تبعا لهذه الريادة الجائلة :الزوارق الصغيرة هي التي
تبدي للعدو أصغر سطح وأعظم اجتيال .وسوف يكون أشد مداعي اليأس لدى العدو في
هذه الحالة ،كما في الحالت السابقة كلها ،أنه ل يلقي شيئا صلبا يقاتله .لن يكون هناك
غير كتلة رخوة ،جائلة ،ل نفاذ فيها ،تتراجع ول تكافح بجبهة صلبة ،في حين هي تسدد
الضربات من كل صوب.
فح تى لو هزم ج يش الش عب في معر كة جبه ية ،لن يكون من ال سهل أن تراه يولي
الدبار .يقسف عنصسران هامان مسن السسكان إلى جانبسه :الفلحون والعمال .لقسد دلّل
الفلحون على فعاليتهم عندما ألقوا القبض على العصابة التي كانت تحوم حول بينار دل
ر يو .سوف ي تم تدريب هم محليا ،غ ير أن آمري الف صائل والر تب العلى سوف ُيدَرّبون
ك ما يجري الن ،في قواعد نا الع سكرية .و من ه نا سوف يوزعون على منا طق النماء
ل مسن مراكسز النضال
ُسسَم البلد إليهسا ،لكسي يشكلوا عددا مماث ً
الزراعسي الثلثيسن التسي ق ّ
الريفسي .سسوف يذود الفلحون عسن أراضيهسم ومكاسسبهم الجتماعيسة ودورهسم الجديدة
وأقنيتهم وسدودهم ومحاصيلهم الزاهرة ،أي عن استقللهم ،وبكلمة ،عن حقهم في الحياة.
سسوف يكافحون تقدم العدو بمقاومسة حازمسة فوريسة .أمسا إذا كان تقدمسه فائق القوة،
فسوف يتبعثرون ويغدو كل فلح مزارعا مسالما في النهار ،ومغاورا فعالً ،تخشى قوى
العداء بأسسه ليلً .ويكرر العمال هذا النهوج ذاتسه .سسوف يتسم تدريسب خيرتهسم لكسي
يتسنّموا 90من بعد قيادة رفاقهم فيتولوا تلقينهم معلومات الدفاع التي تلقوها .سوف تتولى
كل فئة اجتماعية ول ريب مهمات مختلفة :يقوم الفلح بنضال المغاور النهجي ،وينبغي
أن يتعلم إتقان الرمايسة والفادة مسن وعورة الرض والختفاء دون قتال جبهسي أبدا .أمسا
العامسل ،فله حسظ الوجود داخسل القلعسة الهائلة التسي تشكلهسا مدينسة حديثسة ،ولكنسه عديسم
156
أرنستو تشي غيفارا
الجؤول :فسسوف يتعلم تتريسس الشوارع على نحسو رشيسد ،واسستخدام كسل حِواء 91قلعسة،
متوا صلة من الدا خل بثغرات تفتسح في الجدران ،وا ستخدام سلح "كوكتيسل مولوتوف"
الدفا عي الره يب ،وتن سيق الر مي ال صادر عن النوا فد ال تي ل ح صر ل ها وال تي توفر ها
أبنية مدينة حديثة.
سسوف تشكسل جماهيسر العمال ،تدعمهسم الشرطسة الوطنيسة والقوى المسسلحة المكلفسة
بالدفاع عسن المدن ،جيشا جبّارا ولكنسه سسوف يصساب بأذى بالغ .ل يعدل النضال فسي
سقِط – كثيرين في هذا
المدن نضال الريف سهولة ومرونة .سوف يسقطون – أو سوف نُ ْ
النضال الش عبي .سوف ي ستخدم العدو دبابات سرعان ما ُتدَمّ ر عند ما يتعلم الش عب ألّ
يخشاها ويتعرف إلى مقاتلها .ولكن الشعب سوف يخلّف قبل ذلك قسطه من الضحايا.
تنضسم منظمات أخرى أيضا إلى منظمات العمال والفلحيسن .وفسي الصسف الول،
جواند 92الطلب ،التي ينسقها ويقودها الجيش الثائر ،والتي تضم خيرة الشباب الطلبي،
ثم منظمات الشباب عامة ،التي تشارك في القتال ،ومنظمات النساء التي تقدم حافزا هاما
هو وجود المرأة .سوف تُع نى منظمات الن ساء بأعمال عظي مة الشأن في مؤازرة رفاق
القتال ،مثسل الط هي ،والعنا ية بالجر حى ،ومؤا ساة المحتضريسن .وغ سل الثياب .سوف
يثبتن لرفاقهن في السلح أن حضورهن ل يخيب أبدا في الساعات العصيبة من الثورة.
هذا كله نتيجة عمل تنظيمي واسع للجماهير ،ونتيجة تربيتهم المتأنية الكاملة .تستند هذه
التربيسة إلى المعلومات البتدائيسة .لكسن ينبغسي تركيزهسا على شرح وقائع الثورة شرحا
عاقلً صحيحا.
ينبغي دراسة القوانين الثورية وشرحها والتعليق عليها في كل اجتماع ،وكل مجلس
وكل مكان يلتقي فيه المسؤولون عن الثورة .وينبغي ،لتوجيه الجماهير ،قراءة خطابات
القادة با ستمرار والتعليق علي ها ومناقشت ها ،وبالن سبة إلي نا ب صورة أ خص ،خطابات القائد
الحِواء من البنية :طائفة منها في المدينة ،تحف بها الشوارع من كل صوب ،كالجزيرة. 91
الجاندة :الرابطة التنظيمية التي يتطوع فيها أبناء الشعب ،فيتدربون على السلح ويؤدون بعض المهام 92
العسكرية المحلية على مقربة من أماكن اقامتهم ،فتكون الجاندة رديفا محليا لقوات الغوار والجيش النظامي
في الحرب الشعبية( .الجيش الشعبي ،الميليشيا).
157
مقالت العسكرية
الذي ل منازع له .ينبغسي الجتماع فسي الريسف ،للسستماع مسن الذاعسة أو للنظسر فسي
التلفزيون ،إلى هذه الدروس الشعبية التي اعتاد رئيس وزارئنا أن يلقيها.
ينبغسي أن يكون تماس الشعسب بالسسياسة مسستمرا ،فإنسه يعنسي تماس الشعسب بأعسز
رغباته ،بعد أن تم التعبير عنها ،فاستحالت قوانين ومراسيم ومقررات .ينبغي أن تكون
اليق ظة الثور ية دائ بة إزاء كل تظاهرة معاد ية للثورة .وي جب أن تكون يق ظة المرء إزاء
موق فه الخاص ،و سط الجماه ير الثوري ين ،أ شد صرامة بعسد من اليق ظة المطب قة إزاء
اللثوري أو اللمبالي .فأيا كانست مكا نة الثوري وأيا كا نت مفاهي مه ،ل يم كن السسماح،
لمجرد كونه ثوريا ،بالصفح عن أخطاء بالغة قد ارتكبها ضد الشرف أو الخلق ،وذلك
بطائلة انحدار الثورة فسي طريسق النتهاز الخطرة .قسد يؤدي واقسع الرجسل إلى السسماح
بتخف يف العقو بة ،و سوف تؤ خذ مناق به الماض ية بالح سبان ،غ ير أ نه ل بد من معاق بة
الرتكاب بحد ذاته دائما.
ينب غي دائما تنم ية احترام الع مل ،ول سيما الع مل الجما عي ذي المقا صد الجماع ية.
ينب غي إ سداء تنش يط عظ يم لكتائب المتطوع ين الذ ين يبنون الطرق والج سور والر صفة
وال سدود والمجمّعات المدر سية ،ويوطدون روح هم الل بي با ستمرار ،مبرهنين بالعمال
عن حبهم للثورة.
إن جيشا على مثل هذا الوفاق مع الشعب ،يتحسس فيه المرء مثل هذا الوثوق بالفلحين
والعمال الذي هو ف يض من هم ،ويعرف فضلً عن ذلك المِها نة الخا صة بحر به معر فة كل ية،
وقد تهيأ نفسيا لسوأ الحتمالت ،إن هذا الجيش ل يقهر .وسوف يزداد منعة كلما تبلورت
قولة خالد نا كاميلو سيانفويغوس" :الج يش هو الش عب في البزّة الع سكرية" ،فازدادت تج سيدا
في الج يش وا ستوطنت ف يه .وبف ضل كل ذلك ،ور غم حا جة الحتكارات إلى إزالة "الم ثل
السيء" الكوبي ،فإن مستقبلنا هو أكثر إشراقا منه في أي وقت مضى.
158
أرنستو تشي غيفارا
-1-
ما هو المغاور؟
من المؤ كد أ نه ل يس في العالم بلد وا حد ل تش كل ف يه كل مة "المغاور" ع ند الش عب
رمزا للرغبسة فسي الحريسة .وكانست كوبسا البلد الوحيسد الذي تملك فيسه هذه الكلمسة معنسى
منفرا .وان ثورت نا ،ال تي تملك فعلً محررا في جم يع امتدادات ها ،قد ردت العتبار إلى
هذه الكلمسة .ونحسن نعرف جميعا أن أولئك الذيسن تعاطفوا مسع النظام العبودي السسباني
وحملوا ال سلح كي يدافعوا عن التاج ال سباني قد كانوا مغاو ير؛ وم نذ ذلك الح ين ،هذه
الكل مة تش كل في كو با رمزا لجم يع الشياء الرديئة والمتخل فة والمتعف نة في البلد .و مع
ذلك ،فليس ذلك هو المغاور ،بل المر على النقيض من ذلك ،إذ أن المغاور هو المقاتل
الفضل من أجل الحرية ،هو المختار من قبل الشعب ،هو الطليعة المقاتلة لهذا الشعب
فسي نضاله التحرري .وليسست حرب الغوار ،على النقيسض ممسا يعتقسد الكثيرون ،حربا
هزيلة ،حرب جماعسة قليلة ضسد جيسش قوي ،ل ،أن حرب الغوار هسي حرب الشعسب
بأ سره ضد ال سيطرة ال ستعبادية وإن المغاور هو طليعت ها الم سلحة؛ وأ ما الج يش ،فإ نه
يتألف مسن جميسع أهالي منطقسة معينسة أو بلد بأكمله ،وهذا هسو السسبب فسي قوتهسا ،وفسي
ظفرها بعد أمد طويل أو قصير على جميع القوى التي تحاول اضطهاد الشعب؛ وبكلم
آخر ،فإن أساس حرب الغوار وقاعدتها موجودان في الشعب.
159
مقالت العسكرية
ول تنسوا أن هؤلء المجرمين يمثلون شيئا آخر بالنسبة إلى أهالي المنطقة .انهم يمثلون
نضالً من أجل الحرية ،حتى لو كان في شكل كاريكاتوري.
وي جب على ج يش الغوار ،هذا الج يش الشعسبي على أف ضل صورة ،أن يملك على
الصسعيد الفردي أفضسل الفضائل لفضسل جندي فسي العالم .ويجسب أن يقوم على أسساس
النضباط الصارم .وإذا كانت شكليات الحياة العسكرية ل تتكيف مع حرب الغوار ،فليس
هناك وقوف بوضع ية ال ستعداد ول تح ية مت صلبة ،ول تقد يم اليضاحات إلى الرئ يس،
فهذا ل يع ني انعدام النضباط .أن انضباط المغاور انضباط با طن و هو يأ تي عن قنا عة
الفرد العميقة بضرورة طاعة الرئيس من أجل تأمين فعالية هذه العضوية المسلحة التي
يشكل جزءا منها ،وفي الوقت نفسه من أجل الدفاع عن عضويته الخاصة .وفي الجيش
النظامي يكون أدنى إهمال من قبل أي جندي خاضعا لرقابة رفيقه القرب إليه .أما في
حرب الغوار ،حيسث يشكسل كسل جندي على حدة وحدة وجماعسة ،فأن كسل خطيئة تكون
قاضية ،فل يمكن لي إنسان أن يتهاون بأي إهمال ،كما ل يمكن لي أمرىء أن يخطو
خطوة فاسدة ،لن ذلك قد يؤدي بحياته وحياة رفاقه.
وغالبا مسا ل يلحسظ الناس هذا النضباط المجرد عسن الشكليات .ذلك أن المراقسبين
قليلي الطلع قسد يتوهمون أن الجندي النظامسي ،الذي يتمسسك بكسل مظاهسر الرتسب
المتدرجسة ،هسو أكثسر انضباطا مسن المغاور الذي يطيسع تعليمات رئيسسه باحترام بسسيط
وعاط في .و مع ذلك ف قد كان ج يش التحر ير جيشا خال صا من أك ثر الغراءات البشر ية
ابتذالً ،وذلك من دون أن يكون هنالك جهاز للق مع ،و من دون مك تب للمخابرات يفرض
رقابته على الفرد أمام الغراء .ان هذا الفرد يراقب نفسه بنفسه ،ووعيه الشديد بالواجب
والنضباط هو الرقيب عليه.
وأن الجندي المغاور ،بوصسفه جنديا انضباطيا ،هسو فسي الوقست نفسسه جندي عظيسم
الرشاقسة ،حكميا وذهنيا على حسد سسواء .أن حربا غواريسة جامدة هسي شيسء ل يمكسن
تصوره .أن الشياء جميعا تجري في الليل .فالمغاوير ،بفضل معرفتهم الجيدة بالرض،
160
أرنستو تشي غيفارا
ويكتفي المغاور بأن يوجه جبهة واحدة إلى العدو .وحين ينسحب قليلً ،وحين ينتظر
العدو ،وح ين يخوض غمار معر كة جديدة ،وح ين ين سحب من جد يد ،فأ نه ين فذ مهم ته
المخصوصة .وهكذا يمكن للجيش أن ينهك قواه خلل ساعات أو أيام كاملة .أن المغاور
الشعبي ينتظر في مواقعه التي يراقب منها ويهاجم العدو في اللحظة المناسبة.
ويشت مل تكت يك حرب الغوار على مبادىء أ ساسية أخرى ،معر فة الرض ي جب أن
تكون تامة وكاملة .فليس في مقدور المغاور أن يجهل المكان الذي سيهاجمه ،كما يجب
عليسه أن يعرف سسائر دروب التراجسع وجميسع مداخسل الطرقات فسي الجوار ،والمنازل
الصديقة والعدوة ،والماكن حيث يمكن إقامة معسكر مؤقت ،وباختصار يجب عليه أن
يعرف مسرح العمليات معرفته بجيبه .وأنه ليتوصل إلى هذه المعرفة لن الشعب ،الذي
هو قلب جيش الغوار ،يقف من وراء كل عملية.
إن أهالي المحلة ي سهمون في أعمال الن قل ويحملون الخبار ويبذلون العنا ية ،وأن هم
ليزودون الجيسش بالمقاتليسن :أنهسم يشكلون العناصسر المكملة البالغسة الهميسة لطليعتهسم
المسلحة.
أمام هذه التفاصيل جميعا ،أمام هذا التراكم للضرورات التكتيكية عند المغاور ،ل بد أن
نتسساءل "لماذا يناضسل"؟ وإليكسم الجواب العظيسم" :أن المغاور مصسلح اجتماعسي .أن المغاور
يمسك بالسلح كي يمثل الحتجاجات العنيفة للشعب ضد مضطهديه ،وهو يناضل كي يغير
النظام الجتما عي الذي يفرض على جم يع أخو ته المجرد ين من ال سلح أن يبقوا في حالة
الذل والبؤس .أنسه يقاتسل ضسد الشروط المخصسوصة للمؤسسسات القائمسة فسي لحظسة معينسة،
ويكرس نفسه كي يحطم قوالب هذه المؤسسات بكل القوة التي تسمح له الظروف بها".
161
مقالت العسكرية
أننا نلمس هنا نقطة هامة؛ فقد قلنا أنه يجب على المغاور ،على الصعيد التكتيكي،
أن يعرف الرض بمداخلهسا ومخارجهسا ،وأن يناور بسسرعة وأن يحصسل على تأييسد
الشعسب ،وأن يعرف أيسن يختسبىء .وهذا يعنسي أن المغاور سسيمارس عمله فسي مناطسق
متوح شة وقليلة ال سكان .و في هذه المنا طق يتر كز النضال الش عبي ب صورة مفضلة ،بل
بصورة قاطعة تقريبا ،على التحول الذي يجب أن يحدث في التركيب الجتماعي لملكية
الرض .وبكلم آخر ،فأن المغاور قبل كل شيء ثوري زراعي.
أنسه الناطسق بمطامسح الجماهيسر الفلحيسة الغفيرة التسي تريسد أن تكون سسيدة على
الرض ،سسيدة على وسسائل النتاج ،وحيواناتهسا ،وكسل الشياء التسي ناضلت مسن أجلهسا
طوال سنوات ،كل ما يصنع حياتها وما سوف يكون قبرها أيضا.
وهذا هو ال سبب في أن أفراد الج يش الجد يد الذي يم شي حاليا في كو با إلى الن صر
من جبال المقاط عة الشرق ية واي سكامبري ،و سهول المقاط عة الشرق ية وكاماغوي ،ن حو
جميع أرجاء البلد ،يحمل معه الصلح الزراعي بوصفه رايته الخفاقة.
وذلك نضال مسن المرجسح أن يطول بقدر إنشاء الملكيسة الفرديسة ،نضال خاضسه
الفلحون بشيء من النجاح يزيد أو ينقص في سياق التاريخ ،لكنه استنهض على الدوام
الحم ية الشعب ية .ول يس هو بملك ية موقو فة على الثورة .أن الثورة قد تناولت هذه الرا ية
من ب ين الجماه ير الشعب ية وجعلت من ها رايت ها الخا صة .لكن نا إذا عد نا إلى ما ق بل ذلك
بزمن طويل ،فمنذ انتفاضة المزارعين في هافانا ،ومنذ حاول السود الحصول على الحق
فسي الرض فسي حرب التحريسر الكسبرى التسي اسستمرت ثلثيسن عاما ،ومنسذ اسستولى
الفلحون ثوريا على ما ي سمى ريالن غو ،93 18كا نت الرض مر كز ال صراع من أ جل
حياة أفضل.
تعبير يطلق على الراضي التي كانت تخص التاج السباني ،وهي أراضي بائرة على العموم أو سيئة 93
الستثمار ،وكانت تثير حفيظة الفلحين الذين ل أرض لهم .وفي ،1959كانت عبارة ريالنغو باقية في
اللغة الفلحية لتميز الراضي التي تخص الدولة ،وكانت تؤجر للشركات الكبرى ويحظر ايجارها
للفلحين.
162
أرنستو تشي غيفارا
وأن هذا الصسلح الزراعسي ليتحقسق شيئا فشيئا؛ لقسد بدأ بصسورة حيسة فسي سسييرا
ماسترا ،وانتقل إلى الجبهة الشرقية الثانية إلى سلسلة ايكامبري .ومن بعد طواه النسيان
ب عض الو قت في الدراج الوزار ية وعاد فانب ثق ب صورة حاز مة مع قرار فيدل كا سترو
النهائي .وأن هذا الصسلح الزراعسي – وهذا مسا يجسب أن نكرره – هسو الذي سسيمنح
حركة السادس والعشرين من تموز تعريفها التاريخي.
ان هذه الحركة لم تخترع الصلح الزراعي ،لكنها ستحققه :ولسوف تحققه بصورة
كاملة ،ح تى ل يب قى فلح وا حد بدون أرض ول تب قى قط عة أرض واحدة بائرة .ول عل
الحركة في ذلك الحين تفقد كل مبرر لوجودها ،لكنها تكون قد قامت برسالتها التاريخية.
ن نصل إلى هذه النتيجة ،ومن ثم يقول المستقبل ما إذا كان ثمة أعمال
وأن واجبنا هو أ ْ
أخرى ينبغي القيام بها.
الثورة،
19شباط 1959
163
مقالت العسكرية
-2-
94
حرب الغوار :وسيلة
لقسد اسستخدمت حرب الغوار عددا ل يحصسى مسن المرات ،فسي ظروف تاريخيسة
مختلفسة ،لنيسل أهداف شتسى .وقسد اسستخدمت فسي حروب التحرر الشعبيسة فسي السسنوات
الخيرة ،إذ سلكت الطلئع الشعبية في حروبها التحررية طريق استخدام النضال المسلح
غ ير النظا مي لمقار عة عدو متفوق علي ها ع سكريا .كا نت آ سيا وأفريق يا وأمري كا دائما
مسرح حروب الغوار ،حيثما يسعى الشعب لتولي سلطة الدولة في نضاله ضد استغلل
القطاع والسستعمار القديسم والحديسث .وفسي أوروبسا ،تعتسبر الجيوش الوطنيسة النظاميسة
وجيوش حلفائها حرب الغوار وسيلة متممة.
لقسد شُن ّت حرب الغوار فسي أمريكسا فسي ظروف مختلفسة .كان سسيزار أوغسستو
ساندينو 95مثالً أخيرا ،غ ير مبا شر عن ها ،عند ما قا تل حملة ج يش الوليات المتحدة في
سيكوفيا من نيكاراغوا .وكانت حرب كوبا الثورية آخر المثلة ،فأصبحت حرب الغوار
منذ ذلك الحين موضوعا للنقاش النظري في صفوف الحزاب السياسية التقدمية في هذه
نشر هذا المقال في عدد أيلول 1963من مجلة Cuba Socialistaالكوبية. 94
حدثت انتفاضة تحررية عام 1926في نيكاراغوا إحدى جمهوريات أمريكا الوسطى ضد حكومة 95
شامورو الرجعية .وتدخلت الوليات المتحدة بجنود بحريتها لسناد الحكومة الرجعية ،مما أدى إلى نشوب
القتال بين الجنود المريكيين والجماهير الثورية .وقد برز في هذا الصراع اللواء سيزار أوغستو ساندينو
Cesar Augusto Sandinoقائدا عسكريا شعبيا ،خاض حرب غوار بطولية في الدغال لمدة خمس
سنوات ضد جنود بحرية الوليات المتحدة المتفوقين تدريبا وتجهيزا .ولم يهزم ،غير أنه وافق على
مشاورات الصلح التي استدرجوه إليها .وبعد ذلك بفترة قصيرة ،قتلوه غيلة في مكيدة نفذها العميل سوموزا
الذي أصبح فيما بعد دكتاتورا على نيكاراغوا.
164
أرنستو تشي غيفارا
القارة .وقسد أصسبحت معرفسة مسا إذا كان اسستخدام حرب الغوار ممكنا ومؤاتيا موضوعا
يحتدم له النقاش.
و سوف أحاول في هذا المقال أن أعرض أراء نا عن حرب الغوار وأن أشرح ك يف
يستخدم هذا التكتيك استخداما صحيحا.
يجسب أن نوضسح فسي المقام الول أن هذا الشكسل مسن النضال هسو وسسيلة ،وسسيلة
تستخدم لبلوغ هدف هو تولي سلطة الدولة .أنه هدف ضروري ول مناص منه للثوريين
كا فة .لذا ي جب علي نا ،عند ما نحلل الظروف الملمو سة في بلدان مختل فة من أمري كا ،أن
نقتصسر على المعنسى الضيسق لعبارة "حرب الغوار" ،أعنسي على اعتبارهسا وسسيلة للفوز
بسلطة الدولة.
قد يثار هذا ال سؤال فورا :هل حرب الغوار هي الش كل الوح يد لتولي سلطة الدولة
في أمريكا؟ هل هي الشكل الرئيسي ،أم هل هي مجرد شكل من أشكال النضال؟ وسوف
يسأل بعضهم أخيرا :هل يمكن تطبيق المثال الذي ضربته كوبا ،على الحقائق القائمة في
جهات أخرى من هذه القارة؟ كثيرا ما يكال ب عض الن قد ،إبّان النقاش ،إلى الذ ين يؤيدون
حرب الغوار ،فيؤخذ عليهم أنهم نسوا النضال الجماهيري ،وكأن نضال الجماهير وحرب
الغوار شكلن متضادان .أن نا نر فض ما في هذا التأك يد من دس .أن حرب الغوار هي
نوع من الحرب الشعبية ،نوع من النضال الجماهيري .ول تعني محاولة المضي في هذا
الشكل من الحرب دون تأييد السكان المحليين إلّ الهزيمة المؤكدة .المغاورون هم طلئع
الش عب الم سلحة ،المقاتلة ،العاملة في منط قة معي نة من بلد مع ين .أن هم ي ستهدفون شن
سلسلة من العمال القتالية ،في سبيل – الهدف الستراتيجي الوحيد الممكن – الستيلء
على سلطة الدولة .أنهم يحظون بتأييد جماهير العمال والفلحين في المنطقة التي يعملون
في ها ،أو ح تى في البلد قاط بة ول يم كن شن أ ية حرب غوار بدون تو فر هذه الشروط
المسبقة.
165
مقالت العسكرية
"أن نا نرى ،في الو ضع الرا هن في أمري كا ،أن الثورة الكوب ية قد رفدت الحر كة
الثورية فيها بثلثة اسهامات أساسية ،وهي:
ثانيا :أنه ل ينبغي ل نا النتظار حتى تنضج الظروف الثورية كافة ،إذ يمكن للبؤرة
الثورية أن تفجر هذه الظروف الثورية.
ثالثا" :إن ميدان النضال المسسلح ،فسي النحاء المتخلفسة مسن أمريكسا ،ينبغسي له على
العموم ،أن يكون في الريف"( .من كتاب "حرب الغوار" لغيفارا).
تلك هي اسهامات الثورة الكوبية في تطوير النضال الثوري في أمريكا ،وهي يمكن
أن يبلغها أي بلد في القارة إذا ما أمكن خوض حرب الغوار فيه.
ل قد أشار بيان هافا نا الثا ني إلى ما يلي" :يتضا فر في بلدان نا ظرفان ه ما ال صناعة
المتخلفة والنظام الزراعي ذو الطابع القطاعي .لذا فمهما كانت ظروف العمال المعايشة
في المدن قاسية ،فإن سكان الرياف يعانون ظروفا أشد هولً واضطهادا واستغللً منها.
غير أنهم ،ما عدا استثناءات قليلة ،يشكلون الكثرية المطلقة ،وأحيانا أكثر من %70من
السكان في أمريكا اللتينية.
"وإذا ما ا ستُثني مُلّك الرض الذ ين كثيرا ما يقطنون المدن ،فأن سائر هذه الكتلة
في المزارع لقاء أضأل الجور ،أو أن ها تزرع 96
ال كبيرة تك سب عيش ها بالع مل كأجراء
الرض بشروط استغلل ل تتميز عن شروط القرون الوسطى.
"تلك هي الظروف ال تي حت مت أن يؤلف سكان الر يف الفقراء قوة ثور ية كام نة
هائلة.
الجير هنا :تعريب ،Peonوهو أجير مرتبط بمزرعة ويتفاوت وضعه تبعا للزمان والمكان ،من 96
166
أرنستو تشي غيفارا
"إن الجيوش قسد انشئت وجهزت لتقوم بالحرب النظاميسة .وهسي القوة التسي تعتمدهسا
الطبقات المسستغلة لتثسبيت سسلطتها .فإذا مسا واجهست هذه الجيوش حربا غيسر نظاميسة
يخوضهسا الفلحون مسستندين إلى الرض التسي يقطنونهسا ،أضحست عاجزة عجزا مطلقا،
وفقدان 10رجال لقاء كسل مجاهسد ثوري يصسرع .ويسستفحل فسي صسفوفها انهيار الروح
المعنوية عندما يقض مضاجعها جيش غير مرئي ل يغلب ،ول يترك لها فرصة استخدام
خططها التكتيكية العسكرية الكاديمية وجعجعتها الحربية ،هذه المور التي طالما فاخرت
بها في قمع العمال والطلب في المدن.
"تأتسي قوى جديدة باسستمرار لترفسد النضال الصسلي الذي شنتسه وحدات مقاتلة
صسغيرة ،وتطفسق الحركسة الجماهيريسة تزداد جرأة ،وينهار النظام القديسم شيئا فشيئا شسر
انهيار .وتلك هي الساعة التي تحسم فيها الطبقة العاملة والجماهير المدنية المعركة.
"مسا الذي يجعسل هذه الوحدات ل تغلب ،منسذ لحظسة القتال الولى ،ومهمسا أوتسي
أعداؤهسا مسن تعداد وقوة وموارد؟ أنسه تأييسد الشعسب ،فبوسسعها أن تعول على تأييسد
جماهيري متزايد أبدا.
"غير أن الفلحين يشكلون طبقة تحتاج إلى القيادة الثورية السياسية من جانب الطبقة
العاملة والمثقف ين الثوري ين ،نظرا للج هل الذي أبق يت ف يه والعزلة ال تي تع يش في ها .ول
تستطيع هذه الطبقة أن تشن النضال وتظفر بدون ذلك.
"ل تستطيع البرجوازية الوطنية ،في الظروف التاريخية الراهنة في أمريكا اللتينية،
أن تقود النضال ضد القطاع و ضد البروليتار يا .و قد أثب تت التجر بة أن هذه الطب قة في
بلداننا -حتى عندما اصطدمت مصالحها بمصالح البروليتاريا اليانكي -لم تستطع مكافحة
ال ستعمار ،و قد انتاب ها الشلل خوفا من الثورة الجتماع ية ،وأرعب ها صخب الجماه ير
المستثمَرة"( .من بيان هافانا الثاني).
167
مقالت العسكرية
تم ثل هذه الموضوعات جو هر هذا البيان الثوري الخاص بأمري كا .وث مة ما يكمل ها
فسي فقرات أخرى مسن البيان" :بوسسع الظروف الذاتيسة فسي كسل بلد ،أي عوامسل الوعسي،
والتنظيم ،والقيادة ،أن تسارع أو تؤجل الثورة ،تبعا لحالة نمو هذه العوامل .ومع نضوج
الظروف الموضوعية عاجلً أو آجلً ،في كل حقبة تاريخية ،يتم اكتساب الوعي ،وبلوغ
التنظيم ،وبزوغ القيادة ،وانبلج الثورة.
"ل يتوقف على الثوريين أن يحدث ذلك سليما أو أن يولد بعد مخاض أليم .انه أمر
يتعلق بالقوى الرجعية في المجتمع القديم .أنه يتعلق بمقاومتها مولد المجتمع الجديد الذي
تنت جه تناقضات المجت مع القد يم .دور الثورة في التار يخ كدور ال طبيب الذي ي ساعد في
مولد الحياة الجديدة .ل تسستخدم الثورة العنسف إلّ عنسد الضرورة ،ولكنهسا تسستخدمه بل
تردد كمسا اقتضاهسا المخاض ذلك .أنسه المخاض الذي يحمسل ،إلى الجماهيسر المسستعبدة
والمستثمَرة المل في حياة أفضل.
"ل مناص من الثورة في بلدان عديدة من أمريكا اللتينية .لم تحتم ارادة أحد هذا
الواقع .ل قد حتمته ظروف الستغلل المرعبة التي يعانيها النسان في أمريكا ،ويحتمه
نمو الوعي الثوري لدى الجماهير ،وأزمة البروليتاريا العالمية ،وحركة النضال الشاملة
للشعوب المستعبدة في العالم"( .من بيان هافانا الثاني).
أن نا نرى أن حرب الغوار هي ش كل من أشكال النضال لبلوغ هدف مع ين .الم سألة
الولى في هذا ال صدد هي تحل يل وايجاد ما إذا كان ال ستيلء على سلطة الدولة ممكنا
في قارتنا المريكية بوسائل غير النضال المسلح.
يمكسن خوض النضالت السسلمية عسن طريسق الحركات الجماهيريسة .وفسي الظروف
الخاصسة حيسث تكون هناك أزمسة ،تسستطيع هذه النضالت أن ترغسم حكومسة مسا على
المسساومة .انهسا تتيسح لقوى الشعسب أن تسستولي على سسلطة الدولة وتقيسم دكتاتوريسة
168
أرنستو تشي غيفارا
البروليتار يا .كل هذا صحيح إذا تكلم نا من الناح ية النظر ية .ولكن نا إذا رح نا نحلل هذه
المسألة على ضوء الوضع القائم في أمريكا ،كانت النتيجة الحتمية أن ثمة في كل مكان
مسن هذه القارة ظروفا موضوعيسة ترغسم الجماهيسر على مقاومسة حكومات البرجوازيسة
وملك الرض بأعمال عنيفسة ،وأن بلدانا عديدة أخرى تعانسي أزمسة فسي الحكسم ،فتكون
الظروف الذاتيسة هسي الخرى حاضرة هناك .انهسا جريمسة ول ريسب أن ل يقدموا على
ا ستلم سلطة الدولة في البلدان ال تي تتحقق في ها هذه الشروط كافة .وفي البلدان التي ل
تتوفسر فيهسا الشروط النفسة يمكسن طبعا اختيار مسسالك مختلفسة ،وينبغسي الوصسول إلى
قرارات مناسبة في كل بلد على أساس التحليل النظري .الشيء الوحيد الذي ل يسمح به
التار يخ لمحللي ومنفذي ال سياسات البروليتار ية هو ارتكاب هم أخطاء في أحكام هم .لي ست
المؤهلت لدور الحزب ال سياسي الطلي عي كالمؤهلت لن يل شهادة جامع ية .ينب غي لم ثل
هذا الحزب أن يقود الطب قة العاملة في النضال من أ جل سلطة الدولة ،وأن يعرف ك يف
يهدي ها إلى ت سلم ال سلطة ،فيقود النضال إلى الظ فر بأ سرع ما يم كن .هذه مه مة أحزاب نا
الثورية كافة .ولجتناب الخطاء ،ينبغي أن يكون التحليل عميقا وشاملً.
169
مقالت العسكرية
وأن تخنق البروليتاريا مع اجتناب الصدام جبهيا .ال أن هذا السلوك يستثير التناقضات.
ل يعود بو سع الش عب أن يط يق مختلف التداب ير الزجر ية القدي مة والجديدة ال تي تتخذ ها
النظمة الدكتاتورية وهو يحاول إحباطها .ينبغي أل ننسى لحظة واحدة الطبيعة الطبقية
لدولة البروليتاريا ،وصفتها الزجرية ،وأفقها المحدود ،قال لينين وهو يناقش في الدولة:
"الدولة هي النتاج والت عبير عن الت صارعات الطبق ية ال تي ل م صالحة في ها .تن شأ الدولة
عندما وحيث ما وبقدر ما ل يمكن موضوعيا أن تت صالح الت صارعات الطبقية .وبالع كس،
فإن وجود الدولة يثبت أن التصارعات الطبقية ل يمكن أن تتصالح" ( .من كتاب :الدولة
والثورة).
بت عبير آ خر ل يجوز ل نا أبدا أن ن سمح با ستعمال كل مة "ديمقراط ية" ل تبييض و جه
دكتاتورية الطبقات المستثمِرة ،عندما تكون الديمقراطية فاقدة معناها العميق ول تعني إل
منسح المواطنيسن بعسض الحريات .إن مجرد السسعي لسسترداد شيسء مسن الشرعيسة
البرجوازيسة ،دون إثارة مسسألة سسلطة الدولة الثوريسة ،إنمسا يعدل السسعي لعادة نظام
الدكتاتوريسة الذي تفرضسه الطبقات الجتماعيسة الحاكمسة .وبكلمسة واحدة ،فأنسه ل يعدو
محاولة تزويد السجناء الذين يؤدون عقوبة ما بأغلل أخف.
دور العنف:
ورغم أن الطبقات الحاكمة تلجأ دائما وأبدا إلى وسائل بنيتها العليا التي أنشأتها لغاية
الق مع ،فأن ها في ظروف النزاع هذه ،سوف تمزق ما اتف قت عل يه إربا إربا ،وتنزع قناع
"ديمقراطيتها" ،وتهاجم الشعب .وينبغي في مثل هذه اللحظة طرح السؤال مرة أخرى :ما
الع مل؟ جواب نا هو أن الع نف ل يس حقا ارثيا للم ستثمِرين ،وأن الم ستثمَرين ي ستطيعون
وي جب علي هم أن ي ستخدموا الع نف في اللح ظة الملئ مة .قال مارتي" :97إذا كان مثيرو
حرب يم كن اجتناب ها في بلد مجرم ين ،فإن الذ ين يرفضون خوض حرب ل مناص من ها
هم أيضا مجرمون".
97خوزه مارتي ،(Jose Marti (1853-1895شاعر ومفكر وسياسي كوبي ،رائد الثورة الستقللية في
كوبا ضد الستعمار السباني في أواخر القرن التاسع عشر.
170
أرنستو تشي غيفارا
وفسي الفترة ذاتهسا أوضسح لينيسن ذلك بقوله" :لم تنظسر الشتراكيسة الديمقراطيسة إلى
الحرب قط ول تن ظر إلي ها مسن وج هة ن ظر عاطف ية .ف في ح ين ل تنسبري الشتراكيسة
الديمقراط ية تف ضح الحرب كو سيلة وحش ية لح سم خلفات ب ني الن سان ،ف هي تعِلم أيضا
أن الحرب ل مناص من ها ما دام المجت مع منق سما إلى طبقات ،ما دام ا ستثمار الن سان
للنسان موجودا .ولن نستطيع ،إبان إزالة هذا الستثمار ،أن نتجنب الحروب التي تبدأها
الطبقات الم ستثمِرة الم سيطرة المضطهِدة هي ذات ها دائما و في كل مكان" .قال لين ين هذا
عام ،1905وقد حلل مراكز الصراع الطبقي فيما بعد تحليلً ثاقبا عندما كتب في مقاله
"البرنا مج الع سكري لثورة البروليتار يا" " :كل من يعترف ب صراع الطبقات ل بد له أن
يعترف بالحروب الهل ية ،ف هي في كل مجت مع طب قي ا ستمرار وتثّور واشتداد طبيعي،
ول مناص منه في بعض الظروف للصراع الطبقي .وتثبت الثورات الكبرى كلها ذلك.
أنّ نبذ الحرب الهلية أو نسيانها يعنيان ال سقوط في منتهى النتهاز والتخلي عن الثورة
الشتراكية" .يعني هذا أنه ل ينب غي أن نخشى العنف ،و هو قابلية المجتمع الجديد .وما
ي جب مراعا ته هو أ نه ل ينب غي ا ستخدام الع نف إل عند ما يقرر قادة الش عب أن الو ضع
أشد ما يكون مؤاتاة.
ورغسم أن البلدان الشتراكيسة بعيدة ،فأن تأثيرهسا المؤاتسي محسسوس باسستمرار بيسن
الناس المناضلين في كل البلدان ،ومثال ها مثال تربوي متزا يد اللهام دون ر يب للشعوب
في كل مكان .قال فيدل كاسترو في 26تموز من هذا العام" ،ينبغي على الثوريين كافة،
171
مقالت العسكرية
سيما في الو قت الحا ضر ،أن يتعرفوا إلى التغي ير الذي تَمّ ح تى الن في ميزان القوى
العالمي ،وأن يفهموه جيدا ،ويدركوا أن مثل هذا التغيير هو في صالح نضال الشعب في
مختلف البلدان .بدلً من انتظار ثورة اجتماعية تحدث كالمعجزة في أمريكا اللتينية من
جراء هذا التغي ير في ميزان القوى ،فأن مه مة الثوري ين كا فة ،وثور يي أمري كا اللتين ية
على ال خص ،هي أن يفيدوا مليا من كل العوا مل المؤات ية للحر كة الثور ية في ميزان
القوى هذا ،وأن يصنعوا الثورة!".
ثمة من قد يقول" :نقبل أن الحرب الثورية هي ،في ظروف نوعية معينة ،وسيلة مناسبة
لتولي ال سلطة .ل كن أ ين ن ستطيع إيجاد أولئك القادة الكبار ،أمثال فيدل كا سترو ،الذ ين سوف
يقودوننسا إلى الظفسر؟" إن فيدل كاسسترو ،مثسل الخريسن جميعا ،هسو نتاج التاريسخ .والقادة
الحربيون والسياسيون الذين يقودون نضال الثورات في أمريكا ،لو أمكن إدغامهم ليصبحوا
رجلً واحدا ،سوف يتعلمون فن الحرب في ممارسة الحرب ذاتها .ليس هناك مهنة أو حرفة
يمكن اتقانها بالكتب الدراسية وحدها .النضال ،والحالة هذه ،هو المعلم الكبير.
لي ست هذه ،طبعا ،مه مة ب سيطة .ول بد من مواج هة ب عض المخا طر الجد ية على طول
هذا النهج.
ثمة لحظتان في نمو النضال المسلح قد تكونان في غاية الحراجة بالنسبة للمستقبل
الثوري .تحدث الولى في المرحلة التمهيد ية؛ وكيف ية ال سلوك في ها سوف تدل على مدى
تصسميم القوى الشعبيسة على القتال ،وهسل أن هدفهسا محدد جيدا .عندمسا تهاجسم الدولة
البرجوازية مواقع الشعب ،لبد من اللجوء إلى الدفاع الذاتي لنّ العدو يشن الهجوم في
لح ظة مؤات ية له ،فإذا تو فر ال حد الد نى والموضوع ية ،كان ل ُبدّ لقوى الش عب أن تنت قل
إلى الدفاع الذا تي ،ل كن ل يجوز ل ها أن ت سمح بزج ها في مو قف تل قي الضربات سلبيا.
كان ل يجوز ل ها اعتبار الدفاع الذا تي مجرد علج يائس للمضطهَد ين عند ما يُح صرون
في زاو ية .حرب الغوار هي حر كة دفاع ذا تي للش عب في و قت مع ين .أنّ ل ها قابل ية
لمهاجمة العدو وينبغي بذل جهود كبرى لنماء هذه القابلية ،سوف تحدد هذه القابلية ،مع
مر الزمن ،طابع حرب الغوار الخاص في تعبئة قوى الشعب .هذا يعني أن حرب الغوار
172
أرنستو تشي غيفارا
ليست دفاعا ذاتيا سلبيا ،بل دفاعا هجوميا ،ومنذ اللحظة التي تُرى فيها المور على هذا
النحو ،تؤدي حرب الغوار في النهاية إلى تولي السلطة السياسية.
أنهسا لحظسة هامسة .ل يمكسن فسي مجرى التقدم الجتماعسي قياس الفرق بيسن العنسف
واللعنسف بعدد الطلقات المتبادلة .إنسه يتعلق كليا بالوضسع الملموس والمختلج .ولكسي
يجتنب المرء استفحال وضع مناوئ ،ينبغي له أن يحسن القبض على الفرصة الصحيحة
ويعرف م تى ي ستخدم قوى الش عب ،أن يعرف ضعف ها الن سبي ،و في الو قت ذا ته قوت ها،
لكسي يرغسم العدو على اتخاذ الخطوات اللزمسة .ينبغسي للمرء على هذا النحسو أن يزيسح
التوازن القائم بيسن دكتاتوريسة الوليغارشيسة الحاكمسة والضغسط الشعسبي .يحاول النظام
الدكتاتوري دائما أن يبقي سلطانه في ظروف ل يضطر فيها لستخدام العنف على نطاق
واسسع .ينبغسي إرغامسه على الظهور بل قناع ،أي إرغامسه على الظهور على حقيقتسه:
دكتاتورية عنيفة للطبقة الرجعية .يساعد ذلك على نزع قناعه ويشدد النضال إلى نقطة ل
رج عة بعد ها .ان مه مة القوى الشعب ية هي إرغام النظام الدكتاتوري على تقر ير أمره.
وأن الطري قة ال تي تن جز ب ها القوى الشعب ية مهمت ها في ك شف قناع الدكتاتور ية -أ ما
التراجع وأما خوض النضال -هي التي تقرر البداية الحازمة لعمل مسلح وطويل المد.
يتوقف على نمو القوى الشعبية اليومي ما إذا كان بالمكان اجتناب اللحظة الحرجة
الخرى .أكدّ مار كس با ستمرار أ نه م تى بدأت العمل ية الثور ية ،و جب على البروليتار يا
أن تها جم وتها جم بل هوادة ،إذا لم تش تد الثورة با ستمرار ،يم كن أن تعود أدراج ها .أ ما
إذا اعترى العياء المقاتلين ،فسوف يأخذون بفقد الثقة ،ويحتمل أن تنجح المؤامرات التي
كثيرا ما تحيكها البرجوازية ضدنا .ربما كان من هذه المؤامرات إجراء انتخابات لتسليم
السسلطة إلى سسادة مرائيسن آخريسن أقدر مسن الدكتاتور السسبق على اسستعمال الكلم
المع سول ،أو قيام ب عض الرجعي ين بانقلب ،يرأ سهم على العموم الع سكريون ،وتدعم هم
قوى تقدمية ،على نحو مباشر أو غير مباشر .ثمة مؤامرات أخرى أيضا ،غير أن تحليل
خططها التكتيكية ليس موضوعنا ههنا.
173
مقالت العسكرية
ان اهتمامنا الرئيسي هنا هو لفت نظر الجمهور إلى مخططات النقلبات العسكرية
المشار إليها .كيف يستطيع أصحاب النزعة العسكرية أن يُسهموا في الديمقراطية الحقة؟
مسا داموا مجرد أدوات تبقسي بهسا الطبقات الرجعيسة والحتكار المسبريالي سسلطانها،
ومادا مت ،كفئة اجتماع ية ،ل تعرف شيئا إلّ ح مل ال سلح ،ول همّ ل ها إلّ الحفاظ على
امتيازاتها ،فكيف يمكن توقع إخلصها لبلدها؟
أحيانا ،لمسا يكون الطغاة فسي موقسف صسعب ،يصسمم العسسكريون انقلبا ويسسقطون
الدكتاتور الذي أصسبح فسي الحقيقسة شديسد الفتضاح .ينبغسي إدراك أنهسم يفعلون ذلك لن
الدكتاتور المباد أض حى عاجزا عن صون المتيازات الطبق ية دون ا ستخدام منت هى الع نف،
في حين أن ذلك ،ليس في الوقت الحاضر وعلى العموم ،بصالح الوليغارشية الحاكمة.
غيسر أن هذا القول ل يعنسي مطلقا رفسض اسستخدام رجال عسسكريين ،فسي حالت
فردية ،إذا كانوا قد قطعوا الصلة بطبقتهم الخاصة وخانوها في الواقع .لكن استخدامهم
جائز فقط عندما يكونون قد نقلوا ولءهم إلى القيادة الثورية ،وبصفة مقاتلين ،ل ممثلين
عن فئة اجتماعية.
تكرر هذا النوع من ال مد والجزر في العالم الرأ سمالي طوال عشرات ال سنين ،و قد
ت مت به من ح ين ل خر ب عض ال صلحات الشكل ية وث مة أيضا تراجعات ا ستراتيجية.
تنخدع البروليتار يا على هذه ال صورة با ستمرار بالخدع ذات ها ال تي ظهرت مرة ب عد مرة
في القرن الماضي.
174
أرنستو تشي غيفارا
ومسن الخطسر البالغ أيضا أن يكون قادة حزب تقدمسي مفرطسي الغيرة على اسستخدام
بعسض وجوه شرعيسة البرجوازيسة ،أملً فسي الحفاظ على أكثسر الظروف مؤاتاة للعمسل
الثوري فسي وقست مسا ،فيضيسع عليهسم بذلك الحسد الفاصسل (كمسا يُرى كثيرا فسي مجرى
العمل) ،وينسون أن هدفهم الستراتيجي النهائي هو تولي سلطة الدولة.
يمكن اجتناب هاتين اللحظتين ال صعبتين في الثورة ،اللتين حللناه ما بإيجاز ،ما دام
الحزب الماركسي اللينيني القائد يعرف الخطر معرفة تامة في حقبة معينة ،وما دام قادرا
على تعبئة الجماهيسر إلى أقصسى حسد ممكسن وعلى قيادتهسا فسي الطريسق الصسحيحة لحسل
التناقضات الساسية.
أولً :ما دام معلوما أن العدو سوف يقاتل لصون سلطته السياسية ،وجب النظر في
إزالة جيش القمع .لكن إزالة هذا الجيش تقتضي وجود جيش شعبي يناهضه .ل يأتي هذا
الجيش الشعبي إلى الوجود من تلقاء ذاته ،أنما ينبغي تسليحه بالسلح الذي يقدمه العدو.
هذا مسا يحدد للصسراع طابعسه الطاحسن والمديسد ،ذلك الصسراع الذي يتعرض فيسه جيسش
الشعسب وقادتسه إلى هجمات مسستمرة مسن قوة عدوة متفوقسة ،إذ تعوزهسم وسسائل الدفاع
والجؤول المناسبة.
من جهة أخرى ،فأن النواة الغوارية العاملة في مناطق مؤاتية للنضال سوف تضمن
سلمة واستمرار القيادة الثورية .ويمكن للمفارز المدنية التي تقودها قيادة الجيش الشعبي
ل فسي غايسة الهميسة .حتسى لو حدث أن دمرت هذه الوحدات
العامسة أن تؤدي أعما ً
ال صغيرة ،فلن ي تم سحق مر كز الثورة الع صبي (القيادة الثور ية) ،و سوف تم ضي قيادة
175
مقالت العسكرية
الثورة تبعسث روح الجماهيسر الثوريسة انطلقا مسن المآزر الريفيسة ،وتنظسم قوى جديدة
للمعركة القادمة.
ثم أن جهاز الدولة المقبل سوف يبدأ يتشكل في هذه المنطقة .وسوف يكون مسؤولً
عسن ممارسسة الدكتاتوريسة الطبقيسة الفعليسة فسي المرحلة النتقاليسة كلهسا .وكلمسا طال أمسد
الصسراع ،عظمست وتعقدت مسسألة الشؤون الداريسة .ينبغسي لحسل هذه المسسألة تدريسب
جماعة من الملكات لمعالجة هذه المهمة الصعبة وهي توطيد سلطة الدولة ،وفي مرحلة
لحقة ،تنمية القتصاد.
ثانيا :ينب غي الن ظر في الظرف العام لفل حي أمري كا اللتين ية ،و في طا بع نضال هم
الذي يزداد انفجارا ضد البنيات القطاعية ،في و ضع اجتما عي يتعاون فيه الم ستثمرون
المحليون مع المستثمرين الجانب.
لن عد إلى بيان هافا نا الثا ني" :تحررت شعوب أمري كا في مطلع القرن الما ضي من
السستثمار السسباني ،ولكنهسا لم تتحرر مسن السستثمار .اضطلع الملكون القطاعيون
بسلطة الحكام السبان ،وبقي الهنود يعانون عبوديتهم الشاقة ،وبقي إنسان أمريكا اللتينية
عبدا بش كل أو بآ خر ،وما تت أد نى آمال الشعوب من وطأة الفئات الوليغارش ية الحاك مة
وطغيان الرأ سمال الج نبي .هذه هي حقي قة أمري كا بدرجات متباي نة من الختلف .ت قع
أمري كا اللتين ية اليوم ت حت وطأة امبريال ية أك ثر وحش ية وعتّوا وشرا سة من المبريال ية
السبانية.
"مسا هسو موقسف المبرياليسة اليانكيسة مسن الثورة المريكيسة اللتينيسة ذات الحقيقسة
الموضوعية والمحتومة تاريخيا؟ انه التأهب لخوض حرب استعمارية ضد شعوب أمريكا
اللتينية .انه إنشاء جهاز من القوة ،وإقامة الذرائع السياسية والدوات شبه القانونية التي
يوقسع عليهسا ممثلو الفئات الوليغارشيسة الرجعيسة ،لذلل نضال شعوب أمريكسا اللتينيسة
بالحديد والنار".
176
أرنستو تشي غيفارا
لقد كشف لنا هذا الموقف الموضوعي أن لدى فلحينا ينابيع قوة كامنة لم يستنبطها
أحد ،وأنه ينبغي استخدام هذه القوة لتحرير أمريكا.
هل يم كن اعتبار هذه المرحلة الجديدة من تحرر أمري كا على أن ها نزاع على سلطة
الدولة ب ين قوت ين محليت ين في ب عض الرجاء؟ هيهات .سوف يكون هذا النضال معر كة
حياة أو موت بين قوى الشعب كافة وقوى القمع كافة .وتتوقع المقاطع المستشهد بها آنفا
هي الخرى ذلك.
سسوف يتدخسل اليانكيون لتدعيسم مصسالحهم ،إذ أنهسم يعتسبرون الصسراع فسي أمريكسا
حاسسما .انهسم فسي الواقسع قسد سساهموا منسذ الن فسي تنشئة قوى القمسع ،وأقاموا منظمسة
للمكافحة على نطاق القارة .و سوف يفعلون ذلك من الن فصاعدا بكل ما أُوتوا من قوة
ويحاولون قمع قوى الشعب بكل ما لديهم من أسلحة الفتك .لن يسمحوا بتوطيد أي نظام
ثوري ،وإذا ما اشتد ساعد أي نظام ثوري في أحد البلدان ،فسوف يهاجمونه ،ويرفضون
العتراف به ،ويسعون جهدهم لشق القوى الثورية ،ويرسلون كل صنوف المخربين إلى
داخله ،ويخلقون اضطرابات على الحدود ،ويعبئون بعسض البلدان الرجعيسة الخرى فسي
صف واحد لمناهضته ،ويحاولون خنق البلد الوليد اقتصاديا .وقصارى القول أنهم سوف
يسعون جهدهم لتدمير هذا البلد الوليد .وبالنظر لهذا الوضع في أمريكا ،يصعب جدا لبلد
واحسد أن يحرز الظفسر ويعززه .ينبغسي مقاومسة تحالف القوى القمعيسة بتحالف القوى
الشعب ية .و في كل البلدان ال تي بلغ في ها الق مع حدا ل يطاق ،ينب غي ر فع را ية النتفاض،
وسوف تتخذ هذه الراية ،نظرا للضرورة التاريخية ،صفة شمول نطاق القارة .فمثلما قال
فيدل إن جبال الندس سوف تتحول إلى سييرا ماسترا جديدة ،كذلك سوف تتحول أرض
هذه القارة الواسعة إلى حلبة صراع حياة أو موت مع الحكم المبريالي.
177
مقالت العسكرية
ل ن ستطيع التأك يد م تى سوف يأ خذ هذا ال صراع صفة قار ية ،و كم سوف يدوم،
ولكننا نستطيع التنبؤ أن هذا الصراع قادم ومظفر حتما ،لنه النتيجة المحتومة للظروف
التاريخية والقتصادية والسياسية وليس ثمة وسيلة لتغيير مجراه .إن مهمة القوى الثورية
فسي مختلف البلدان هسي المضسي قدما فسي النضال حالمسا تنضسج الظروف فسي بلدانهسا،
وب صرف الن ظر عن الو ضع في البلدان الخرى .ون شر النضال هو الذي سوف يحدد
الستراتيجية العامة بالتدرج .أما التنبؤ بأن النضال سوف يتخذ صفة قارية ،فهو نتيجة
تحليسل مختلف القوى المتصسارعة .انسه ل ينفسي أبدا وقوع انفجارات للصسراع بعضهسا
مستقل عن بعض .وكما أن الصراع الذي ينبثق في مكان من بلد لبد أن ينتشر إلى البلد
كله ،كذلك سوف يؤدي شن حرب ثورية إلى نشر ظروف جديدة في البلدان المجاورة.
يشتمل تطور الثورة المنتظم على تعاقب المد والجزر .المد في الثورة يعني الجزر
لتضاد الثورة ،وبالمقابسل ،لمسا تكون الثورة فسي نكوص يكون تضاد الثورة فسي نهوض.
يكون مو قف القوى الشعبية في م ثل هذه اللح ظة صعبا وعلي ها أن تبذل كل جهد لتخاذ
تداب ير دفاع ية بح يث تعا ني ال حد الد نى من الخ سائر .ول ما كان العداء في غا ية القوة
وحائزين الصفة القارية ،ينبغي أن نقتصر على تحليل نواحي ضعف البرجوازية النسبي
في منط قة محل ية وعلى صياغة قرارات ت خص نطاقا محدودا .ولنبت عد عن التفك ير بأن
الفئات الوليغارشية الحاكمة قد تشكل يوما تحالفا مع الشعب المسلح .لقد قرعت الثورة
الكوب ية جرس الخ طر .ث مة ا ستقطاب كا مل لمختلف القوى ،ح يث ي قف الم ستثمِرون في
أحد الطرفين ،والمستثمَرون في الطرف الخر .وسوف يميل سواد البرجوازية الصغيرة
إلى أي من هذ ين الطرف ين تبعا لم صلحة الخا صة ولكفاءة أي منه ما في اكت سابه سياسيا
إليه .وسوف يغدو الحياد حالة استثنائية .تلك هي الحرب الثورية.
178
أرنستو تشي غيفارا
تنت قي وحدات صغيرة ضئيلة القوام ب عض المك نة المؤات ية لنشاط الغوار ،ت ستطيع
التقدم منها للهجوم ،والنسحاب إليها ملذا ،وتبدأ أعمالها في هذه المكنة .لكن ثمة نقطة
ل بد من إيضاح ها تماما :ل ما تكون الغوارات ل ما تزل أميَل إلى الض عف ،في المرحلة
البدئ ية ،علي ها أن تر كز عمل ها ف قط على ت ثبيت أقدام ها ،والتآلف بالبيئة ،وإقا مة ال صلة
بالسكان ،وتوطيد الماكن التي يمكن تحويلها إلى مآرز.
وإذا ما أرادت وحدات الغوار أن تبقى حية في النضال بمثل هذه الظروف ،لبد لها
أن تحرز صسفات ثلثا :الجؤول الدائم ،واليقظسة الدائمسة ،والحتراز الدائم ،ويؤدي سسوء
تطبيق هذه العناصر من التكتيك الحربي إلى صعوبة بقاء الغوارات حية .ينبغي التذكر
أن بطولت المغاو ير في م ثل هذه ال ساعة تقوم على توسسيع الهدف الذي سبق تحديده،
وعلى اتيان تضحيات عظيمة في سبيل بلوغ الهدف.
ل تعني هذه التضحيات قتالً يوميا أو نضال العدو كشافا .انها أمرّ وأصعب احتمالً
على المغاوير ،جسميا وذهنيا.
قسد يتعرضون لضربات قاصسمة مسن قوى العدو ،ويمكسن أحيانا أن يهزموهسم أو
يقتلوهم بعد السر .وقد ي تم اصطيادهم مثل طرائد الوحش في المناطق التي اختاروها
لعملياتهم ،وابقاؤهم في حالة استنفار مستمرة ،خشية أن يكون العدو في أعقابهم .ينبغي
أن يحترزوا من السذاجة في تصديق أي شيء ،لن الفلحين المروعين ،إذا ما أعوزتهم
الذريعة أحيانا ورغبوا في التنصل بأنفسهم ،قد يسلمونهم إلى جيش القمع .أما الظفر أو
الموت .ليس ثمة احتمال آخر .الموت في هذه اللحظات حقيقة داهمة ،في حين أن الظفر
تُرهة ل يستطيع غير الثوري رؤياها.
تلك هسي بطولة المغاويسر .يتبسع ذلك أن جؤولهسم هسو أيضا شكسل مسن القتال ،وأن
اجتناب القتال ،في لحظة معينة ،هو أيضا شكل للقتال.
179
مقالت العسكرية
مذهب نا في و ضع الم سألة هو ،إزاء تفوق العدو العام ،ا ستخدام ش كل من التكت يك
ي ساعد على إحراز تفوق ن سبي في نق طة مختارة ،أ ما بترك يز قوة أك ثر عددا من العدو،
أو باحتلل أرض مؤاتيسة ،بحيسث يتغيسر ميزان القوى .ويمكسن ضمان إحراز الظفار
التكتيكيسة فسي مثسل هذه الظروف ،ويفضسل المتناع عسن العمسل عندمسا ل يكون التفوق
النسبي كثير الوضوح .وما دام ثمة مجال لختيار "كيف نقاتل" و"متى نقاتل" ،ينبغي عدم
خوض المعركة عندما ل يكون الظفر أكيدا.
ويأتي يوم يتغلب فيه المغاوير على المصاعب التكتيكية السياسية في أن ينبغي أل ينسوا
لحظة أنهم طلئع الشعب ،ول ينسوا المهمة الملقاة على عواتقهم .لذا وجب عليهم أن يخلقوا
المقدمات التسي تسسبق إقامسة نظام ثوري تؤيده الجماهيسر تأييدا تاما .ينبغسي إجابسة مطالب
الفلحين الهامة حسب الظروف ،بحيث يصبح السكان برمتهم متحدين كالبنيان المرصوص.
وإذا كان الوضع الحربي صعبا في المرحلة البتدائية ،فالوضع السياسي ل يقل عنه دقة.
فإذا كا نت خطيئة حرب ية واحدة قد تؤدي إلى تدم ير الغوارات ،فأن خطيئة سياسية قد
توقف نمو الغوارات لمدة طويلة جدا.
النضال حربي وسياسي معا ،ولذا يجب نشره وفهمه على هذا النحو.
ولمسا كانست الغوارة تنمسو بانتظام ،فسسوف يأتسي وقست تحوز فيسه عددا زائدا مسن
الرجال ،وتركيزا مفرطا للقوى فسي المنطقسة التسي ل تسستطيع قدرتهسا على العمسل أن
تغطي ها .يبدأ التأث ير عندئذ على ن مط تثو يل الن حل ،ح يث يق فز أ حد قادة الغوار ،ويكون
مغاورا بارزا ،على رأس رجاله ،إلى منطقسة أخرى ،ويعيسد نشسر سسلسلة حرب الغوار،
تحت القيادة المركزية طبعا.
180
أرنستو تشي غيفارا
والخلصة ،أنه ينبغي الشارة إلى عدم إمكان الظفر بدون بناء جيش شعبي .يمكن
تو سيع الغوارات عدديا إلى حد ما ويم كن أن تنزل قوى الشعب الذى بالعدو في بعض
المدن والمناطق التي يحتلها ،إلّ أن قوة الرجعيين العسكرية قد تبقى سالمة .ينبغي التذكر
دائما أن النتي جة النهائ ية ي جب أن تكون إزالة العدو .لذلك ينب غي أن تب قى منا طق الغوار
المفتتحة حديثا ،والمنا طق العميقة في مؤخرة العدو .والقوى العاملة في المدن الرئيسية،
كلهسا تحست امرة القيادة .ليسس هذا نظام مرؤوسسية ضيسق مسن رتبسة إلى أخرى كمسا فسي
الج يش النظامسي ،بسل علقسة مرؤوسسية فسي السستراتيجية .يترك للغوارة الواحدة بعسض
الت صرف في الع مل ،ل كن علي ها أن تن فذ كا فة ال ستراتيجية ال صادرة عن القيادة العا مة
الموجودة في أوثق وأمنع منطقة بغية تهيئة الظروف لستخدام القوى بشكل مركزي في
مرحلة معينة.
ب عد أن تبلغ حرب الغوار مرحلة التوازن لدى جيوش الطرف ين ،تت خذ صفات جديدة
إبّان تطورهسا اللحسق .يأخسذ مفهوم المناورة بالتكوّن ،وتظهسر الوحدات الكسبيرة القادرة
على مهاج مة المعا قل المح صنة جيدا ،وتبدأ ممار سة حرب الحر كة ال تي ت ستلزم تحر يك
عدد كبير من الجنود وشهر أ سلحة هجومية ،غير أن العدو ما زال قادرا على المقاومة
والهجوم المعاكس ،ولذا ل يمكن أن ت حل حرب الحركة كليا م حل حرب الغوار .انها ل
ل من العمليات في تطور حرب الغوار ،و هي أع ظم ترك يز لقوى الغوار ،ذلك
تعدو شك ً
181
مقالت العسكرية
إلى أن يتم تشكيل عدة جيوش من القوى الشعبية .وحتى بعد ذلك ،سوف تتابع الغوارات
استخدام طريقة قتال الغوار "البحتة" ،في عمل من سّق مع عمليات القوى الرئيسية ،لنسف
وسائل النقل والمواصلت ،وتخريب آلة دفاع العدو برمتها.
تنبأ نا أن الحرب سوف تكون ذات صفة قار ية .يع ني هذا أن ها سوف تكون مديدة
أيضا .سوف تكون هناك جبهات قتال كثيرة وسوف تكلف دماء كثيرة ونفوسا ل تحصى
لمدة طويلة .وفسق ذلك ،فأن ظاهرة اسستقطاب القوى التسي أخذت تتبادر فسي أمريكسا،
والنف صام الوا ضح ب ين الم ستثمِرين والم ستثمَرين في الحروب الثور ية المقبلة ،يشيران
إلى أن طليعة الشعب المسلحة ،متى هبت لتولي سلطة الدولة ،فأن البلد أو البلدان التي تم
فيهسا تولي سسلطة الدولة ،سسوف تزيسل فسي الوقست ذاتسه للمضطهِديسن ،مسن امسبرياليين
وم ستثمِرين محلي ين ،في تم تحق يق المرحلة الولى من الثورة الشتراك ية ،ويبادر الش عب
إلى تضميد الجراح ،ويشرع في البناء الشتراكي.
لقد تم تمزيق العالم منذ زمن بعيد ،وأخذت الوليات المتحدة حصة السد في قارتنا.
وراح ا مبرياليو العالم القد يم يهيئون عودة ل هم .وأخذت قوة ال سوق الوروب ية المشتر كة
العاتيسة تهدد حتسى الوليات المتحدة .يحدو كسل ذلك ببعسض الناس إلى العتقاد بأنسه قسد
يكون ث مة إمكان لتشك يل تحالف مع الدكتاتور ية الوطن ية ،و هي الك ثر قوة م نا ،لترقّ ب
الصسراع بيسن المسبرياليين بذراعيسن مكتوفتيسن ،بحثا عسن فرصسة لحراز بعسض التقدم.
يجسب أن نفهسم أن سسياسة سسلبية فسي الصسراع الطبقسي ل تؤتسي أبدا نتائج حسسنة .لن
الدكتاتورية ،مهما بدت ثورية في وقت من الوقات ،ل يمكن أن يكون التحالف معها إلّ
موقوتا .فإذا ما تجاوز المرء عن هاتين النقطتين ،سلك طريقا أخرى ،إذا ما أدخل العامل
الزمني في الحساب .لقد أخذت التناقضات الساسية في أمريكا اليوم تحتدم بسرعة كبيرة
182
أرنستو تشي غيفارا
إلى حد أنها طفقت تتداخل في تطور التناقضات "الطبيعي" بين المعسكرين الدكتاتوريين
المتناحرين على السواق.
اليقين بالنصر:
إن غالبية البرجوازية الوطنية مترابطة مع امبريالية الوليات المتحدة ،وتريد ربط
مصسيرها بهسا فسي كسل بلد .وحتسى لو حصسلت مسساومة واتفاق فسي التناقسض القائم بيسن
البرجواز ية الوطن ية و سائر المبريال ية من ج هة ،وب ين امبريال ية الوليات المتحدة من
ج هة أخرى ،فل يتعدى ذلك ب عد فلك ال صراع الرئي سي الذي ل بد أن يش مل الم ستثمِرين
والمستثمَرين كافة إبان تطوره .ان استقطاب القوى الطبقية المتصارعة أسرع كثيرا من
اسستفحال التناقضات بيسن المسستثمِرين على تقاسسم السسلب .المعسسكران متمايزان،
والختيار واضح لكل فرد وكل فئة.
غ ير أ نه ،بحال إحراز ال سوق الوروب ية المشتر كة ،أو ك تل امبريال ية أخرى ،تقدما
في السواق المريكية يتجاوز تطور التناقض الساسي ،يكون على القوى الشعبية عندئذ
أن ت شق طريق ها خلل الثغرة الحادثة ،وتخوض النضال كله وتف يد من المتدخلين الجدد،
متذكرة هدفها الخاص النهائي.
ينبغي عدم تسليم أي موضع أو سلح أو سر إلى العدو الطبقي ،وال خسرنا كل شيء.
الواقع أن النضال قائم منذ الن في أمريكا .ألن ته بّ أعاصير النضال في فينزويل
وغواتيمال وكولومبيا وبيرو واكوادور.؟ هل صحيح أن القتال الحالي فيها ل يعدو كونه
ت عبيرا عن اندفاع جا مح ل طائل ف يه؟ أن ثمرة نضال هذا اليوم لي ست شيئا ملمو سا .قد
تنقطع الحركة إلى حين ،ولكن ذلك طفيف الثر على النتيجة النهائية .المهم هو نضوج
"التحالف من أجل التقدم" :منهج المساعدة من الوليات المتحدة لبلدان أمريكا اللتينية ،الذي أعلن عنه 98
183
مقالت العسكرية
الت صميم على النضال يوما ب عد يوم ،وو عي ضرورة التغي ير الثوري ،والقتناع الرا سخ
بإمكان ذلك.
هذا تن بؤ .قناعت نا را سخة بأن التار يخ سوف يظ هر أن نا على حق .و قد أو ضح ل نا
تحليل العوامل الذاتية والموضوعية في أمريكا وفي عالم البروليتاريا ،أن التأكيدات التي
قدمناها على أساس بيان هافانا الثاني هي صحيحة.
99
الدور الجتماعي للجيش المتمرد
هذه الُمسية هي أُمسية الذكرى ،ولذا أود ان أُلخّص ما كانت عليه حركة 26تموز،
وما هي عليه الن ،قبل أن أدخل في صلب الموضوع أي في مغزاه التاريخي.
ل أسستطيع العودة إلى الوراء حتسى الهجوم على ثكنسة مونكادا ،وفسي 26تموز
.1953وإنما أريد أن أتحدث عما يختص بمشاركتي في الحداث المختلفة التي أدت إلى
انتصار الثورة في أول كانون الثاني الخير.
فلنبدأ إذا هذا التاريخ كما بدأ بالنسبة لي ،في المكسيك.
إنسه لمسر مهسم جدا بالنسسبة لنسا جميعا أن نعرف فكسر أولئك الذيسن يؤلفون جيشنسا
المتمرد؛ وف كر تلك الجما عة ال تي اندف عت في مغامرة غران ما ،وتطور هذا الف كر الذي
تولّد داخل حركة 26تموز وتحوّلته المتتالية تبعا لمراحل الثورة ،كي نصل إلى درس
هذا الفصل الخر الذي يختتم به الشطر التمردي.
خطاب أُُلقي في جمعية "نوتستر يتيمبو" بتاريخ 22كانون الثاني .1959 99
184
أرنستو تشي غيفارا
إنطلقا مسن تلك اللحظسة بدأت ترتسسم ملمسح الجماعسة التسي سستنطلق فمسا بعسد إلى
الغرانما؛ تكونت بصعوبة كبيرة لننا كنا ملحقين باستمرار من السلطات المكسيكية التي
توصلت إلى تعريض نجاح حملتنا لخطر شديد .لقد عملت بعض السباب الداخلية على
ل موقسف بعسض الفراد الذيسن كان يبدو أنهسم
التقليسل مسن عدد أعضاء حملتنسا؛ منهسا مث ً
يريدون فسي البدايسة الشتراك فسي المغامرة ثسم هجرهسا بحجسة مسن الحجسج .وفسي نهايسة
المطاف ،بقي 82رجلً للنزول في غرانما .أما تتمة القصة فمعروفة تماما لدى الشعب
الكوبي.
إن ما يهمني ،وما أجده هاما ،هو الفكر الجتماعي للذين ظلوا على قيد الحياة بعد
أليغريا ده بيو Alegria de pioوهي النكبة الولى والوحيدة التي حلت بالجيش المتمرد
طوال فترة التمرد .ك نا حوالي خم سة ع شر رجلً مضعضع ين ج سميا بل ومعنويا ،ولم
نسستطع مواصسلة الكفاح إلّ بفضسل الثقسة الكسبرى لدى فيدل كاسسترو فسي تلك اللحظات
الحاسمة ،وبفضل شخصيته القوية كزع يم ثوري وإيمانه بالشعب إيمانا ل يتزعزع .كنا
من رجال المدي نة نطوف بال سييرا ما سترا دون أن نكون ملت صقين ب ها .ك نا ننت قل من
كوخ إلى كوخ ،ولم ن كن ،بطبي عة الحال ،ن مس شيئا م ما ل نملك؛ ح تى أ نا لم ن كن نأ كل
شيئا ل نقدر على د فع ثم نه (وغالبا ما كان هذا المبدأ ي سلمنا للجوع) .ك نا جما عة تل قى
185
مقالت العسكرية
الت سامح من الناس لكن ها لم ت كن مندم جة ب هم؛ ودام هذا الحال زمنا طويلً ...ل قد قضي نا
عدة أشهر تائهين في أعالي القمم من جبال سييرا ماسترا حيث كنا نعود إلى الصعود بعد
القيام بعمليات متفرقة وكنا ننتقل من قمة إلى أخرى ،في منطقة خالية من الماء ،والحياة
فيها شاقة غاية المشقة.
تبدل شيئا فشيئا موقف الفلح منا بسبب القمع الذي تقوم به قوات باتيستا؛ فقد كانت
ل لولئك الذين كانوا يتصلون بجيشنا المتمرد أقل
تقتل وتدمر المنازل وتظهر عداءً شام ً
اتصال ،حتى لو كان عرضيا .ووجد هذا التبدل تعبيره بظهور قُبعة القش لدى مغاويرنا
وتحوّل تدريجيا جيش نا المؤلف مسن مدنييسن إلى جيسش فل حي .وعندمسا أنضسم الفلحون
(الغواخييروس) إلى النضال المسسلح للمطالبسة بالحريسة وبالعدالة الجتماعيسة ،ظهرت
الكل مة ال سحرية ال تي ستعبئ الجماه ير المضطهدة الكوب ية في النضال من أ جل امتلك
الرض :الصسلح الزراعسي .وهكذا تحدد المشروع الجتماعسي الكسبير الول الذي
سيصير لواء حركتنا ،رغم فترة القلق الشديد التي وجب أن نمر بها بسبب سياسة جارتنا
الشمالية الكبرى .في تلك الفترة ،كان حضور صحفي أجنبي ،والفضل أن يكون أمريكيا
أهم بالنسبة إلينا من تحقيق نصر عسكري .وكنا نهتم بالمناضلين المريكيين ،الذين يمكن
أن ينفعونا في تصدير دعايتنا الثورية ،أكثر من اهتمامنا بانضمام الفلحين الذين كانوا
يجلبون للثورة إيمانهم ومثلهم العلى.
وفي هذا الوقت بالذات وقع في سانتياغو حادث مؤسف :مصرع رفيقنا فرانك بايس
،F.Paisفكان انعطافا لبن ية الحر كة الثور ية كل ها .ل قد تأ ثر ش عب سانتياغو كو با تأثرا
س هذه المحاولة الولى
عميقا لموت فرانسك بايسس فنزل عفويا إلى الشارع :وقسد شَلّت ْ
للضراب السياسي العام شللً تاما مقاطعة أوريانته رغم غياب القيادة ،وترددت أصداؤه
في مقاطعتي كاماغواي ولس فيلس .وصفّت الديكتاتورية هذه الحركة التي انبثقت دون
تحض ير ودون إشراف ثوري .هذه الظاهرة الشعب ية قد أتا حت ل نا أن نلت فت إلى وجوب
إدخال الشغيلة في الكفاح لتحر ير كو با؛ و في الحال بدأت النشاطات ال سرية في المرا كز
العمالية للقيام بإضراب عام يساعد الجيش المتمرد على الستيلء على السلطة.
186
أرنستو تشي غيفارا
وهكذا بدأت حملة تنظيمات سرية بروح تمردية؛ بيد أن الذين شجعوا هذه الحركات
لم يكونوا يعرفون حقا مغزى النضال الجماهيري وتاكتيكسسه ،فقادوه فسسي طرق مضللة
إطلقا ،لنهسم لم يؤمنوا بالروح الثوريسة وبوحدة المقاتليسن ،ولنهسم حاولوا توجيسه
الضراب من القمة ،دون أن تكون لهم أية صلت بقاعدة المضربين.
إن انت صارات الج يش المتمرد والنشاطات ال سرية الضار ية قد هزت البلد وخل قت
غليانا كبيرا إلى حد إعلن الضراب العام في 9ني سان ،و قد ف شل الضراب ل سباب
تنظيميسة على وجسه الضبسط ،وخاصسة بسسبب انعدام الحتكاك بيسن الجماهيسر العماليسة
والقيادة .بيد أن التجربة كانت مفيدة وحدث في حركة 26تموز صراع إيديولوجي أثار
تبديلً جذريا في نظرتها إلى واقع البلد وفي تنظيم قطاعات نشاطها.
وفسي هذه الفترة وقعست محاولت الجيسش المتمرد الولى لعطاء الثورة نظريسة
وعقيدة بتقد يم البراه ين الملمو سة عن التنم ية والن ضج ال سياسي للحر كة التمرد ية .ف قد
انتقل نا من المرحلة التجريب ية إلى المرحلة البنّاءة ،و من المحاولت إلى الفعال النهائ ية.
وفي الحال أخذت "الصناعات الصغيرة" في السييرا ماسترا في الظهور .لقد حصل تحوّل
مماثل لذلك الذي كان أجدادنا قد عرفوه قبلنا بكثير :إذ انتقلنا من الحياة البدوية إلى الحياة
الحضر ية ،فن شأ مركزان للنتاج تبعا لحاجات نا المل حة .وهكذا أوجد نا م صنعا للحذ ية،
وم صنعا لل سلحة وور شة ك نا نع يد في ها ترك يب القنا بل ال تي كان الطغيان يرمي نا ب ها،
لنردها إلى جنود باتيستا بشكل ألغام.
إن رجال جيش نا المتمرد ون ساءه لم ين سوا قط ،ل في ال سييرا ما سترا ول في مكان
آ خر ،أن ر سالتهم الرئي سية هي تح سين شروط الفلح ،والندماج في الكفاح من أ جل
الرض ومساعدته بفضل المدارس التي أنشأها المعلمون المرتجلون في الماكن الكثر
187
مقالت العسكرية
وعورة من منط قة أوريان ته .ف في هذه الما كن جرت المحاولة الولى لتوز يع الرا ضي
وفسق نظام زراعسي حرّره بصسورة رئيسسية الدكتور هومسبرتو سسوري ماران وفيدل
كاسترو ،وكان لي شرف المعاونة في هذا العمل ،ووُزعت الراضي توزيعا ثوريا على
الفلح ين ،فاحتُّل تْ ملكيات كبيرة ت خص خدم الدكتاتور ية ووز عت ،و صارت شيئا فشيئا
جم يع أرا ضي الدولة ملكا لفل حي المنط قة .ل قد حان الو قت لن نحدد هويت نا تحديدا تاما
كحركة فلحية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالرض تحت راية الصلح الزراعي.
عرفنا فيما بعد نتائج إضراب 9نيسان الفاشل ،فقد بدأنا نشعر في نهاية أيار بالقمع
الوحشي الذي لجأ إليه باتيستا إذ أحدث بين كوادرنا المناضلة تراخيا خطيرا جدا كان من
شأنه أن يؤدي إلى نتائج مفجعة لقضيتنا .لقد هيأت الديكتاتورية هجومها الكثر وحشية.
فها جم عشرة آلف جندي مدجج ين بال سلح مواقع نا حوالي 25أيار من ال سنة الخيرة،
وركزوا هجومهم على الرتل رقم 1الذي كان يقوده شخصيا قائدنا العلى فيدل كاسترو.
كان الجيش المتمرد يحتل رقعة ضيقة جدا ولم يكن أحد يصدق أن نستطيع الصمود لهذه
الجمهرة المؤلفسة مسن عشرة ألف جندي بثلثمائة بندقيسة مسن بنادق الحريسة ،البنادق
الوحيدة التي كانت موجودة ذلك الوقت في السييرا ماسترا .وبفضل قيادة تكتيكية جيدة،
انت هى هجوم باتي ستا في 30تموز ،وانت قل المتمردون من الدفاع إلى الهجوم :فا ستولينا
على أكثر من ستمائة قطعة سلح جديدة (أي أكثر من ضعف عدد البنادق التي بدأنا بها
المعركة) وبلغت خسائر العدو أكثر من ألف رجل بين قتيل ،وجريح ،وهارب وأسير.
فسي نهايسة هذه المعركسة كان الجيسش المتمرد مسستعدا لن يبدأ هجوما فسي السسهل،
هجوما تكتيكيا وسيكولوجيا ،لن سلحنا لم يكن قادرا على منافسة سلح الدكتاتورية في
الكيف ية وأ قل قدرة على مناف سته في الكم ية .إن ها حرب اعتمد نا في ها دوما على الش عب،
بوزنس ول ثمسن .كانست أرتالنسا تسستطيع على الدوام أن تخدع
ٍ ذلك الحليسف الذي ل يُقدّر
العدو وتحتسل أفضسل المواقسع ،وبفضسل الميزات التكتيكيسة والمعنويات العاليسة لجنودنسا،
وكذلك بفضل مساعدة الفلحين مساعدة هامة جدا .فقد كان الفلح المتعاون غير المرئي
الذي يتك فل ب كل مالم ي كن ي ستطيع المتمرد فعله ،ين قل إلي نا المعلومات ،ويرا قب العدو،
ويتر صد نقا طه الضعي فة ،وين قل ب سرعة الر سائل العاجلة ،ويتج سس ح تى في صفوف
188
أرنستو تشي غيفارا
جيش باتيستا .لم يكن ذلك أعجوبة بل نتيجة لسياسة المطالب الزراعية التي شرعنا بها
بقوة .وأمام ع نف الهجوم وح صار الجوع اللذ ين طوّ قا ال سييرا ما سترا صعد إلى الج بل
ت في
خدِم ْ
جمِ عت من الملكيات المجاورة بأكمل ها ،و قد ا ستُ ْ
عشرة آلف رأس من الب قر ُ
تغذيسة الجيسش المتمرد ،لكنهسا وزّعست كذلك على الفلحيسن الفقراء الذيسن عرفوا الرخاء
لول مرة في هذه المنط قة القاحلة بش كل خاص ،ولول مرة أُت يح للفلح ين ال صغار أن
يشربوا الحليسب وأن يأكلوا لحسم البقسر .ولول مرة عرفوا محاسسن الثقافسة ،لن الثورة
جلبت معها المدارس .وهكذا تكوّن لدى الفلحين جميعا رأى محبذ لنظامنا.
في هذه الفترة بدأ السير على لس فيلس .وأتحدث عنها ل لني شاركت فيها ،بل
لننا رأينا لدى وصولنا إلى لس فيلس منظرا سياسيا واجتماعيا جديدا للثورة.
وصلنا إلى لس فيلس مع عَلَم 26تموز ،وكانت الدارة الثورية ،وجماعات جبهة
اليسسكامبري الثانيسة ،وجماعات الحزب الشتراكسي الشعسبي والجماعات الصسغيرة مسن
المنظمسة الصسلية تناضسل هناك ضسد الديكتاتوريسة .كان يجسب أن نُنجِز مهمسة سسياسية
خطيرة و قد بدا أك ثر من أي و قت م ضى أن الوحدة كا نت عن صرا أولويا من عنا صر
النضال الثوري .كانست على حركسة 26تموز وعلى رأسسها الجيسش المتمرد ،أن توحّدس
مختلف العناصسر المسستاءة التسي وجدت فسي عمسل السسييرا ماسسترا الحافسز الوحيسد إلى
الوحدة .كان يجب قبل كل شيء وضع خطة لهذه الوحدة التي كان عليها أن تجمع شمل
ب علينا أن ننصرف إلى
ج َ
منظمات السهل ومجموعات المحاربين على حد سواء .لقد وَ َ
189
مقالت العسكرية
فور وصولنا إلى لس فيلس ،كان أول عمل حكومي قمنا به -قبل إنشاء المدرسة
ص هذا الت صريح على بنود
الولى -ن شر ت صريح بت طبيق ال صلح الزرا عي ،و قد ن ّ
كثيرة من ها أ نّ على مال كي ق طع الرض ال صغيرة أن يمتنعوا عن د فع أجور هم ح تى
تفصل الثورة في كل حالة على حدة .لقد صار الصلح الزراعي رأس الحربة للجيش
المتمرد .ولم ي كن ذلك مناورة ديماغوج ية ،فب عد عشر ين ش هر ف قط من الثورة ،صارت
ال صلت ب ين القادة والجماه ير الفلح ية وثي قة إلى حد إن ها كا نت تد فع الثورة في بعض
الحيان إلى العمل بصورة غير متوقعة .لم نكن نحن الذين ابتكرنا الصلح الزراعي،
بل إن الفلحين هم الذين دفعونا إليه فقد أقنعناهم أن النصر مؤكد إذا تسلحوا ،وتنظموا،
وكفوا عن خش ية العدو .وفرض الفلحون ،من جانب هم ،على الثورة ،و قد كا نت لدي هم
أ سباب وجي هة لذلك ،ال صلح الزرا عي ،ومُ صَادرة قطعان الب قر ،وجم يع التداب ير ذات
الصفة الجتماعية التي اتخذت في السييرا ماسترا.
في ز من المهزلة النتخاب ية في 3تشر ين الثا ني ،ن شر القانون ر قم 3في ال سييرا
ما سترا ،كان ي نص على إجراء إ صلح زرا عي حقي قي وح تى لو لم ي كن تاما ف قد كان
يتضمسن نقاطا إيجابيسة جدا :توزيسع أراضسي الدولة ،وأراضسي خدم الديكتاتوريسة وأولئك
الذين يمتلكون سندات ملكية حصلوا عليها بواسطة مناورات دنيئة مثل ملتهمي الراضي
الذين احتكروا آلف الكاباليرياس ،وإعطاء صغار المزارعين الذين كانوا يدفعون أُجورا
تقل عن 2كاباليرياس ملكية الرض التي كانوا يشغلونها .كان كل ذلك بالمجان .فالمبدأ
كان ثوريا جدا .و قد ا ستفاد من ال صلح الزرا عي أك ثر من مائ تي ألف عائلة ب يد أن
الثورة الزراعية لم تنته بالقانون رقم .3فما يزال على الثورة أن تسن القوانين للحد من
الملك ية ال كبيرة ك ما ي نص على ذلك الد ستور .وي جب علي ها أن تحدّد بالض بط ما هي
الملكية الكبيرة التي تميز بنيتنا الزراعية .إن الملكية الزراعية الكبيرة ،العلة الكيدة لفقر
بلدنا ولجميع الشرور التي تعاني منها الجماهير الفلحية ،لم تمس بعد.
190
أرنستو تشي غيفارا
وسيكون على الجماهير الفلحية المنظمة أن تفرض قانونا ،يحظّر الملكية الكبرى،
تماما كمسا أرغمست الجيسش المتمرد على فرض مبدأ الصسلح الزراعسي المتضمسن فسي
القانون ر قم .3علي نا كذلك أن نأ خذ بع ين العتبار وجها آ خر للم سألة :فالد ستور ي نص
على أنّ كل نزع لملك ية الرض ي جب أن ي سبقه د فع تعو يض نقدي فإذا ن فذ ال صلح
الزراعسي حسسب هذا المبدأ ،كان بطيئا وباهسظ التكاليسف .إن العمسل الجماعسي للفلحيسن
الذين كسبوا الحق في الحرية منذ انتصار الثورة أمر ضروري كذلك للمطالبة ديمقراطيا
بالشذوذ عسن هذا المبدأ وليكون بمقدور الثورة أن تحقسق دون منازعسة إصسلحا زراعيا
حقيقيا وعميقا.100
وهكذا ن صل إلى الدور الجتما عي للج يش المتمرد ،ف قد حقق نا الديمقراط ية الم سلحة
وعندما وضعنا خطة الصلح الزراعي واحترمنا متطلبات القوانين الثورية الجديدة التي
تكملهسا وتجعلهسا قابلة للحياة وفوريسة ،كنسا نفكسر بالعدالة الجتماعيسة المتمثلة فسي إعادة
توزيع الرض كما كنا نفكر بخلق سوق داخلية واسعة وبتنويع الزراعات ،هذان الهدفان
الجوهريان واللذان لينف صلن عن الح كم الثوري ليم كن تأجيله ما ،باعتباره ما يمثلن
مصلحة الشعب.
إن جميسع الفاعليات القت صادية مرتبطسة فيمسا بينهسا .فعلينسا أن نمضسي فسي تصسنيع
البلد ،دون أن نهمل المشكلت العديدة التي تؤدي إليها .بيد أن سياسة التصنيع تقتضي
اتخاذ بعسض التدابيسر الجمركيسة الخاصسة بحمايسة الصسناعة الناشئة وإيجاد سسوق داخليسة
قادرة على امتصاص البضائع الجديدة .ونحن ل نستطيع توسيع هذه السوق إلّ إذا أدخلنا
إليهسا الجماهيسر الفلحيسة الواسسعة ،أولئك الفواخيروس الذيسن ل يملكون القدرة الشرائيسة
والذين ل يستطيعون حاليا شراء مايسدون به حاجاتهم.
أقر مجلس الوزراء الشذوذ عن هذا المبدأ الدستوري( .ملحظة تشي غيفارا). 100
191
مقالت العسكرية
مضادة ،خاصة التعريفة الجمركية والكثار من السواق الداخلية .فنحن بحاجة إلى خلق
أسسطول تجاري كوبسي لنقسل السسكر ،والتبسغ ،والبضائع الخرى ،وسسيؤثر امتلك هذا
ال سطول تأثيرا مشجعا جدا على كيف ية الن قل البحري الذي يرت بط به إلى حد كبير تقدم
البلدان النامية مثل كوبا.
فعلى أية موارد يجب أن نعتمد لننفذ على خير وجه مثل هذا البرنامج؟ لدينا الجيش
المتمرد ،وهسو الذي يجسب أن يكون أداتنسا الولى فسي الكفاح ،وسسلحنا الكثسر إيجابيسة
والشد مضاء؛ يجب أن نحطم كل ما تبقى من الجيش الباتيستي .ويجب أن ندرك جيدا
أنّ هذه الت صفية ل ت مت ب صلة إلى روح النتقام ول ح تى للعدالة وحد ها ،بل علي نا أن
نحيط أنفسنا بجميع الضمانات لتحقيق مكتسبات الشعب في أقصر المهل.
لقد قهرنا جيشا أكثر عددا من جيشنا بكثير بفضل مساهمة الشعب ،وتكتيك محكم،
وخلق ثوري .والن يجسب علينسا أن نسسلم بأن جيشنسا مسا زال غيسر مهيسأ لمسسؤولياته
ل عن الرض الكوب ية كل ها .وي جب أن نقوم سريعا بإعادة
الجديدة ،م ثل الدفاع دفاعاً فعا ً
النظر في بنية الجيش المتمرد لننا شكلنا أثناء الكفاح جيشا مسلحا من الفلحين والعمال،
معظمهم أُميّون ،وغير مثقفين ومحرومون من كل تكوين تقني .علينا إعداد هذا الجيش
للمهام العظيمة التي يجب على أفراده مواجهتها وتزويدهم بتكوين تقني وثقافي.
إن الجيسش المتمرد هسو طليعسة الشعسب الكوبسي ،وإذا كنسا نتحدث عسن التقدم التقنسي
والثقا في في جب علي نا أن نعرف المع نى الع صري لهذه الكلمات .ل قد بدأ نا تربي ته ترب ية
رمز ية في اجتماع ت سوده ب صورة تكاد تكون ح صرية روح مار تي وتعالي مه .إن إعادة
البناء القو مي ي جب أن تح طم كثيرا من المتيازات؛ فعلي نا إذا أن نكون م ستعدين للدفاع
192
أرنستو تشي غيفارا
عن ال مة ضد أعدائ ها ال صريحين أو المت سترين .وي جب أن يتآلف الج يش الجد يد مع
الشروط الجديدة المتولدة من هذه الحرب التحرير ية :ن حن نعلم أن نا إذا هوجم نا من ق بل
جزيرة صغيرة فإنما يعود الفضل لم ساندة دولة تكاد تشكل قارة؟ وعلي نا أن نتحمل على
أرضنا عدوانا عاتيا.
يجسب إذا أن نحترز وأن نعسد تقدمنسا بروح الغوار واسستراتيجيته ،بحيسث ل يتفكسك
دفاعنا لدى أول هجوم ،ويحتفظ بوحدته المركزية .يجب أن يتحول الشعب الكوبي بأسره
إلى ج يش من الغوار فالج يش المتمرد ج سم في أوج نموه ل يحدّه في تنمي ته سوى ر قم
وا حد هو الملي ين ال ستة من الكوبي ين وي جب أن يتعلم كل كو بي ا ستخدام ال سلحة وأن
يعرف متى يجب أن يستخدمها للدفاع عن نفسه.
ب قي أن أحدث كم في نها ية هذه الكل مة عن أ مر هام ،عن الم ثل الذي ج سدته ثورت نا
بالنسبة لمريكا اللتينية ،وعن تعاليمها التي حطمت جميع نظريات الصالونات :فقد أثبتنا
أن فئة صسغيرة مسن الرجال المصسممين ،الذيسن يسساندهم الشعسب والذيسن ل يخافون مسن
الموت ،يم كن أن تتو صل إلى فرض إرادت ها حيال ج يش نظا مي انضبا طي وإلى قهره.
ذلك هو الدرس ال ساسي .ين تج ع نه درس آ خر ي جب أن يف يد إخوان نا في أمري كا الذ ين
ي صنفون على ال صعيد القت صادي في زمرت نا الزراع ية ذات ها :هو أ نه ي جب علي هم أن
يقوموا بثورات زراعية ،وأن يناضلوا في الرياف ،وفي الجبال ،وأن يحملوا الثورة من
هناك إلى المدن وألّ يطمحوا إلى القيام بالثورة دون محتوى اجتماعي راسخ.
والن ،تطرح ،ب عد تجارب نا ،م سألة م ستقبلنا ،المرت بط ارتباطا وثيقا بم ستقبل جم يع
البلدان الناميسة فسي أمريكسا اللتينيسة .فالثورة ليسست مقصسورة على المسة الكوبيسة ،بسل
لمسست وعسي أمريكسا كلهسا واسستنفرت جديا أعداء شعوبنسا .ولذا أعلنّا أن كسل محاولة
للعدوان ستصدّ بقوة السلح .لقد أحدث مثال كوبا فَوَرَانا كبيرا في أمريكا اللتينية كلها
وفسي البلدان المضطهدة .إن الثورة أمهلت الطغاة فسي أمريكسا اللتينيسة ،أعداء النظمسة
193
مقالت العسكرية
الشعبية كما أمهلت الحتكارات الجنبية .وبما أننا بلد صغير ،فنحن بحاجة لمساندة جميع
الشعوب الديمقراطية ،وبخاصة في أمريكا اللتينية.
ي جب أن نعلن ب كل وضوح ،على العالم أج مع ،الهداف ال نبيلة للثورة الكوب ية وأن
نستعين بالشعوب الصديقة في هذه القارة ،شمالها وجنوبها .ويجب أن نخلق اتحادا روحيا
لبلداننسا كلهسا ،اتحادا يتجاوز الثرثرة والتعايسش البيروقراطسي ليترجسم إلى مسساعدة فعليسة
لخوتنا الذين نعرض عليهم تجربتنا.
وأخيرا ي جب أن نفت تح طرقا جديدة ن حو تعر يف الم صالح المشتر كة لبلدان نا النام ية
وأن نصسون أنفسسنا مسن جميسع المحاولت الهادفسة لتفريقنسا ،والنضال ضسد أولئك الذيسن
يطمعون فسي بذر الشقاق بيننسا ،ضسد أولئك الذيسن نعرف مناوراتهسم ،والذيسن يأملون فسي
الستفادة من خلفاتنا السياسية وإثارة أفكار قبلية غير مفهومة في بلدنا.
إن الشعسب الكوبسي بأسسره ،مسستعد ،اليوم ،للنضال ويجسب أن يظسل موحدا لكسي ل
يكون النصر على الديكتاتورية مؤقتا ،بل المرحلة الولى لنتصار القارة المريكية.
194
أرنستو تشي غيفارا
محتويات
إهداء 05 .............................................................................
القسم الول
المبادىء العامة لحرب الغوار
– 1جوهر حرب الغوار 31 .........................................................
– 2ريادة حرب الغوار 39 ..........................................................
– 3صيالة حرب الغوار 43 .........................................................
– 4الحرب في الرض المؤاتية 49 ..................................................
– 5الحرب في الراضي المجافية 53 ................................................
– 6الحرب في المناطق المدنية 58 ..................................................
القسم الثاني
الغوار
-1المغاور مصلحا اجتماعيا 61 .....................................................
ل 64 ................................................................
-2المغاور مقات ً
– 3تنظيم الغوارة 74 ................................................................
– 4القتال 82 .......................................................................
– 5ابتداء حرب الغوار وتطورها وانتهاؤها 92 ......................................
القسم الثالث
195
مقالت العسكرية
القسم الرابع
من تشكيل الغوارة الولى إلى الدفاع عن السلطة بعد الفوز بها
– 1تنظيم الغوّارة الصلية سرا 131 .................................................
– 2الدفاع عن السلطة بعد الفوز بها 135 ............................................
– 3تحليل الوضع الكوبي ،حاضره ومستقبله 138 ....................................
**
-1ما هو المغاور؟ 153 .............................................................
-2حرب الغوار :وسيلة 158 ........................................................
الدور الجتماعي للجيش المتمرد 179 ................................................
196