You are on page 1of 323

‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ájó≤f äGAGôb‬‬
‫‘‬
‫‪É¡àeƒµMh ¢SɪM áHôŒ‬‬
‫‪2007-2006‬‬

‫حترير‬
‫د‪ .‬محسن محمد صالح‬

‫املشاركون‬
‫أسامة حمدان‬ ‫أحمد احليلة‬
‫جواد احلمد‬ ‫د‪ .‬جاسم سلطان‬
‫د‪ .‬رائد نعيرات‬ ‫د‪ .‬حسني أبو النمل‬
‫سامي خاطر‬ ‫رأفت مرة‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد الستار قاسم‬ ‫شفيق احلوت‬
‫د‪ .‬فريد أبو ضهير‬ ‫صقر أبو فخر‬
‫محمد جمعة‬ ‫عدنان أبو عامر‬
‫معني مناع‬ ‫ماجد أبو دياك‬
‫وائل سعد‬ ‫محمد داود‬
‫وليد محمد علي‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬وليد عبد احلي‬

‫مركز الزيتونة للدرا�شات واال�شت�شارات ‪ÒH -‬وت‬

‫‪1‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪Critical Assesments of the Experience‬‬


‫‪of Hamas & its Government‬‬
‫‪2006 - 2007‬‬

‫‪Edited By:‬‬
‫‪Dr. Mohsen M. Saleh‬‬

‫حقوق الطبع حمفوظة‬


‫الطبعة أالوىل‬
‫‪ 2007‬م ‪ 1428 -‬هـ‬
‫بريوت ‪ -‬لبنان‬
‫‪ISBN 978 - 9953 - 500 - 00 - 3‬‬

‫تعب بال�رضورة عن وجهة نظر مركز الزيتونة للدرا�سات واال�ست�شارات)‬ ‫آ‬


‫(الراء الواردة يف الكتاب ال رّ‬

‫مركز الزيتونة للدرا�سات واال�ست�شارات‬


‫�ص‪.‬ب‪ ،14-5034 :‬بريوت ‪ -‬لبنان‬
‫تلفون‪+961 1 303 644 :‬‬
‫تليفاك�س‪+961 1 303 643 :‬‬
‫بريد �إلكرتوين‪info@alzaytouna.net :‬‬
‫املوقع‪www.alzaytouna.net :‬‬

‫ت�صميم الغالف‪:‬‬
‫احلارث عدلوين‬

‫ت�صميم و�إخراج وطباعة‪:‬‬


‫‪Golden Vision sarl +961 1 362987‬‬

‫‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫فهر�س املحتويات‬
‫فهرس احملتويات ‪3 .........................................................................‬‬
‫املقدمة‪ :‬د‪ .‬محسن صالح ‪5 ...............................................................‬‬
‫اجلزء األول‬
‫حلقة نقاش‪ :‬جتربة حماس وآفاق اخلروج‬
‫من املأزق الوطني الفلسطيني‬
‫الكلمة الرئيسية‪ :‬شفيق احلوت ‪9 ........................................................‬‬
‫احملور األول‪ :‬تقييم املسار السياسي حلركة حماس ‪2007-2006‬‬
‫مقدمة مدير اجللسة‪ :‬د‪ .‬عدنان السيد حسني ‪15 ...................................‬‬
‫الورقة األولى‪ :‬تقييم املسار السياسي‬
‫حلركة حماس ‪ ... 2007-2006‬سامي خاطر ‪17 ..................‬‬ ‫ ‬
‫الورقة الثانية‪ :‬حماس من املعارضة إلى السلطة‬
‫أو من األيديولوجية إلى السياسة ‪ ...‬د‪ .‬حسني أبو النمـل ‪24 .....‬‬ ‫ ‬
‫ُمع ّقب أول‪ :‬دوائر اجلدل ‪ ...‬محمود حيدر ‪34 ......................................‬‬
‫املداخـالت ‪38 ..........................................................................‬‬
‫تعقيبات مقدمي األوراق ‪46 ..........................................................‬‬

‫احملور الثاني‪ :‬تقييم إدارة حماس لعالقاتها الداخلية واخلارجية‬


‫مقدمة مدير اجللسة‪ :‬جابر سليمان ‪53 ..............................................‬‬
‫الورقة األولى‪ :‬إدارة حماس لعالقاتها الداخلية ‪ ...‬أسامة حمـدان ‪54 ...........‬‬
‫الورقة الثانية‪ :‬حماس وفتح ومنظمة التحرير‪،‬‬
‫شقاء األخوة ‪ ...‬صقر أبو فخر ‪62 ...................................‬‬ ‫ ‬
‫الورقة الثالثة‪ :‬حماس والدائرة العربية ‪ ...‬محمد جمعة ‪74 .......................‬‬
‫ُمع ّقب أول‪ :‬ماجد عـزام ‪93 ...........................................................‬‬
‫املداخـالت ‪99 ..........................................................................‬‬
‫تعقيبات مقدمي األوراق ‪107 .........................................................‬‬
‫احملور الثالث‪ :‬آفاق اخلروج من املأزق الوطني الفلسطيني‬
‫مقدمة مدير اجللسة‪ :‬نافـذ أبو حسنة ‪113 ..........................................‬‬

‫‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الورقة األولى‪ :‬آفاق اخلروج من املأزق‬


‫الوطني الفلسطيني ‪ ...‬جـواد احلمـد ‪114 ...........................‬‬ ‫ ‬
‫الورقة الثانية‪ :‬لنعمل لتحويل املأزق الراهن‬
‫ليصبح فرصة ‪ ...‬وليد محمد علي ‪120 ..............................‬‬ ‫ ‬
‫ُمع ّقب أول‪ :‬د‪ .‬محسن صالح ‪125 ...................................................‬‬
‫املداخالت ‪129 .........................................................................‬‬
‫تعقيبات مقدمي األوراق ‪138 .........................................................‬‬

‫اجلزء الثاني‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها ‪2007-2006‬‬
‫متهيد‪ :‬حماس من املعارضة إلى السلطة‪ :‬أسئلة برسم اإلجابة ‪143 .................‬‬
‫‪ .1‬تأثير املشاركة السياسية حلماس على برنامجها السياسي‬
‫وعالقاتها الفلسطينية ‪ ...‬ماجد أبو دياك ‪149 .......................................‬‬
‫‪ .2‬تقييم البرنامج السياسي حلماس في انتخابات‬
‫سنة ‪ ... 2006‬د‪ .‬جاسم سلطان ‪161 ...............................................‬‬
‫‪ .3‬األداء احلكومي حلركة حماس‪ :‬تطبيق برنامج‬
‫اإلصالح والتغيير ‪ ...‬د‪ .‬رائد نعيرات ‪177 ...........................................‬‬
‫‪ .4‬برنامج املقاومة بعد دخول حماس إلى حكومة السلطة ‪ ...‬معني مـناع ‪190 ......‬‬
‫‪ .5‬حماس والسلطة‪ :‬من يغ ّير من؟؟ ‪ ...‬محمد داود ‪199 ................................‬‬
‫‪ .6‬العالقات احلمساوية الداخلية بعد االنتخابات ‪ ...‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد الستار قاسم ‪219 ....‬‬
‫‪ .7‬حركة حماس وتشكيل احلكومة‪ :‬إدارة امللف األمني ‪ ...‬وليد محمد علي ‪228 ......‬‬
‫‪ .8‬جتربة حماس واحلكومة العاشرة‪:‬‬
‫في إدارة امللف األمني الداخلي‪ ...‬أحمد احليلة ‪241 ................................‬‬
‫فك احلصار ‪ ...‬وائل سعد ‪259 ....................................‬‬ ‫‪ .9‬جتربة حماس في ّ‬
‫‪ .10‬جتربة حماس في احلكم‪:‬‬
‫العالقة وتسوية الصراع مع “إسرائيل” ‪ ...‬عدنان أبو عامر ‪273 ...............‬‬
‫‪ .11‬األداء اإلعالمي حلماس في “عهد السلطة” ‪ ...‬د‪ .‬فريد أبو ضهير ‪290 .........‬‬
‫‪ .12‬تقييم األداء اإلعالمي حلركة حماس واحلكومة‬
‫الفلسطينية ‪ ... 2007-2006‬رأفت مرة ‪305 ......................................‬‬
‫‪ .13‬حماس والبيئة الدولية‪ :‬تقييم عام في السلطة ‪ ...‬أ‪ .‬د‪ .‬وليد عبد احلي ‪313 ......‬‬

‫‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املقدمة‬

‫نـحاول في هذا الكتاب االستفادة من القراءات النقدية ملجموعة من اخلبراء‬


‫واألكادمييني واملتخصصني حول جتربة حماس منذ فوزها في االنتخابات التشريعية‬
‫في كانون الثاني‪ /‬يناير ‪ 2006‬وحتى منتصف سنة ‪.2007‬‬
‫كانت جتربة حماس في تلك الفترة جتربة تستحق التأمل واملراجعة‪ ،‬وتستحق‬
‫القراءة النقدية املوضوعية البعيدة عن الشحن العاطفي اإليجابي والسلبي‪ ،‬والذي‬
‫امتألت به الساحة طوال الفترة املاضية‪.‬‬
‫م ّثلت حماس خيار ًا وطني ًا للكثير من أبناء الشعب الفلسطيني‪ ،‬وفازت بأغلبية‬
‫مريحة في املجلس التشريعي الفلسطيني‪ ،‬وحققت شرعية شعبية لنفسها ولبرنامجها‬
‫في املقاومة‪ .‬غير أن النموذج اإلصالحي والتغييري الذي أرادت تقدميه اصطدم‬
‫بحقائق وجود االحتالل الصهيوني على األرض بوصفه العب ًا رئيسي ًا في املعادلة‪،‬‬
‫وبحقائق عدم استيعاب العديد من قيادة السلطة وفتح للتحول إلى حزب معارض‪،‬‬
‫وسعي بعض تياراتها (وخصوص ًا األمنية) إلى إفشال حكومة حماس وإسقاطها‬
‫بالسرعة املمكنة‪ ،‬كما اصطدمت حماس بعداء أو حتفظ أو انزعاج عدد من األنظمة‬
‫العربية وخصوص ًا تلك التي تدور في الفلك األمريكي‪.‬‬
‫أصرت حماس على احلفاظ على مواقعها في مواجهة القوى التي استهدفتها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وحاولت كسر احلصار‪ ،‬كما حاولت أن ترفع من سقف البرنامج الوطني الفلسطيني‪،‬‬
‫ورفضت أن تستسلم لعمليات اإلفشال‪ ،‬وسعت أن تختار هي بنفسها الوقت املناسب‬
‫لترك احلكومة أو السلطة؛ حيث كانت تُق ّدر أن الثمن الذي ستدفعه ال يستهدف منها‬
‫فقط مجرد التخلي عن املناصب الوزارية‪ ،‬وإمنا كان سيتبعه عمليات تشويه وإقصاء‬
‫وحمالت أمنية تستهدف وجودها ذاته‪ ،‬متهيد ًا لعقد تسوية سلمية نهائية‪ ،‬وطي امللف‬
‫الفلسطيني‪.‬‬
‫وفي خضم الصراعات والضغوط والضربات التي كانت تأتي من كل جانب لم‬
‫تستطع حماس تنفيذ برنامجها اإلصالحي‪ ،‬كما تعرض أداؤها احلكومي للعديد من‬
‫االنتقادات‪ .‬ووجهت الكثير من األسئلة عن مدى واقعية حماس في التقدم لقيادة سلطة‬
‫تعمل حتت االحتالل‪ ،‬أو عمل برامج إصالحية في بيئة ال متلك فيها مفاتيح القرار‬
‫احلقيقي أو التغيير على األرض‪.‬‬
‫يقدم هذا الكتاب قراءات نقدية لتجربة حماس في تطبيق برنامجها السياسي‪،‬‬

‫‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وأدائها احلكومي‪ ،‬وسلوكها األمني‪ ،‬وعالقاتها الداخلية والعربية والدولية‪ .‬والزمالء‬


‫املشاركون يقدمون رؤاهم من زوايا مختلفة‪ ،‬وهم ميثلون أطياف مختلفة‪ ،‬وتخصصات‬
‫مختلفة‪ ،‬وزوايا نظر مختلفة‪ ،‬ولكن يجمعهم االهتمام بأن يقف املشروع الوطني‬
‫الفلسطيني على رجليه‪ ،‬وأن ترتفع سويته ليتمكن من حتقيق آمال وطموحات الشعب‬
‫الفلسطيني‪.‬‬
‫هذا الكتاب ينقسم إلى جزئني‪ ،‬اجلزء األول‪ :‬يحوي أعمال حلقة النقاش التي‬
‫نظمها املركز يوم ‪ 2007/7/25‬بعنوان‪“ :‬جتربة حماس وآفاق اخلروج من املأزق‬
‫الفلسطيني”‪ .‬وقد ُقدمت فيه كلمة افتتاح رئيسية‪ ،‬وسبع أوراق عمل توزعت على ثالث‬
‫ال عن مداخالت الزمالء‬ ‫جلسات‪ .‬وقد تضمن هذا اجلزء ثالثة تعقيبات رئيسية‪ ،‬فض ً‬
‫املناقشني‪ ،‬وردود وتوضيحات مقدمي األوراق‪.‬‬
‫وتضمن اجلزء الثاني مجموعة من القراءات النقدية لعدد من املتخصصني الذين‬
‫قام املركز باستكتابهم في عدد من احملاور املختلفة‪.‬‬
‫وكان املركز قد بدأ هذا املشروع في منتصف أيار‪ /‬مايو ‪ ،2007‬قبل سيطرة‬
‫حماس على قطاع غزة بنحو شهر‪ .‬ولذلك يجب التنبيه إلى أن عدد ًا من األوراق قد‬
‫مت إجنازه بشكل مبكر ُقبيل األحداث‪ ،‬كما أجنز بعضه بعدها‪ .‬وعندما انعقدت حلقة‬ ‫ّ‬
‫النقاش آثر املركز أال يتركز احلوار على نقد جتربة حماس فقط‪ ،‬فأضاف املوضوع‬
‫املتعلق باخلروج من املأزق الفلسطيني‪ .‬وهكذا‪ ،‬متّت االستفادة من أوراق عدد من‬
‫الزمالء ممن سبق أن استكتبهم املركز في نقد التجربة وهي حتديد ًا أوراق د‪ .‬حسني‬
‫أبو النمل‪ ،‬وصقر أبو فخر‪ ،‬ومحمد جمعة؛ فانتقل مكانها إلى اجلزء األول من الكتاب‪.‬‬
‫ولذلك فإن الورقة الوحيدة التي تغطي البعد العربي لألستاذ محمد جمعة نُقلت إلى‬
‫مت عرضها ومناقشتها في حلقة النقاش‪.‬‬ ‫اجلزء األول‪ ،‬حيث ّ‬
‫ومركز الزيتونة إذ يقدم هذه املجموعة من الكتابات والدراسات ليؤكد احترامه‬
‫للتنوع والتعدد في اآلراء‪ ،‬كما ينظر إلى اختالف وجهات نظر املشاركني باعتبارها‬
‫عملية إغناء حلالة النقد والتفكير التي تعني على تكوين نظرة شاملة للموضوع‪ .‬كما‬
‫يؤكد املركز أن اآلراء الواردة في الكتاب ال متثل بالضرورة وجهة نظر املركز‪.‬‬
‫والله املوفق‬ ‫ ‬
‫احملرر‬ ‫ ‬
‫د‪ .‬محسن صالح‬ ‫ ‬

‫‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫اجلزء أ‬
‫الول‬

‫حلقة نقاش‬
‫جتربة حما�س‬
‫و�آفاق اخلروج من امل أ�زق الوطني الفل�سطيني‬

‫‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الكلمة الرئي�سية‬
‫شفيق احلوت‬
‫‪1‬‬

‫أيها اإلخوة األعزاء‪ ،‬السالم عليكم ورحمة اللّه وبركاته‪ .‬أصافحكم فرد ًا فرد ًا‬
‫فكلكم أصدقاء‪ .‬أعترف أنه لوال مكانة الدكتور محسن صالح في قلبي‪ ،‬ومكانة مركز‬
‫الزيتونة‪ ،‬ملا رأيتموني اليوم هنا‪ .‬لقد ترددت كثير ًا قبل املوافقة على املشاركة‪ ،‬ولكني‬
‫كما ترون لم أستطع في النهاية إال أن أقول نعم لهذا الصديق العزيز‪.‬‬
‫كنت متردد ًا ألنني كنت أخشى أن أعكس بعض ما في نفسي عليكم‪ ،‬رغم ثقتي‬
‫بأنكم مثقلون مثلي‪ ،‬بأعباء هذه املرحلة احملبطة‪ ،‬حيث نواجه حقائق ووقائع وأحداث‬
‫ال ميكن لعقل‪ ،‬مهما كان متواضع ًا‪ ،‬أن يدرك أسبابها أو يجد أي مبرر لها‪ .‬كما أنني‬
‫كنت متردد ًا ألنني أعرفكم جميع ًا‪ ،‬وسبق أن قرأت لكم‪ ،‬وسمعت لكم‪ ،‬وأعرف أفكاركم‬
‫واجتهاداتكم‪ ،‬وليس لدي من جديد أضيفه ملا متلكونه من آراء ومعلومات‪ .‬ولكنني‬
‫سأحاول أن أعطي بعض املالحظات املستنبطة من جتربة امتدت قرابة نصف قرن‬
‫من الزمن‪.‬‬
‫ال داعي للقول بأن القضية الفلسطينية هي أعقد قضية شهدها التاريخ‬
‫احلديث‪ ،‬إذ ال يوجد في العالم كله مشكلة تشبه القضية الفلسطينية‪ ،‬مبا في ذلك‬
‫قضايا األوطان التي تعرضت لالستعمار االستيطاني الكولونيالي‪ ،‬وهي تختلف‬
‫عما شهدناه في فيتنام واجلزائر وأفريقيا وأماكن أخرى من العالم‪ .‬وأكاد أقول‬
‫بأنني وصلت إلى قناعة أن القيادة التي حتقق النصر في فلسطني‪ ،‬ال ب ّد أن‬
‫تكون قيادة غير عادية خالقة مبدعة‪ ،‬يجب أن تتميز وبفارق كبير عن القيادة‬
‫ال فيما نعرفه‬ ‫املضا ّدة‪ ،‬وأعني بذلك قيادة احلركة الصهيونية‪ .‬لذلك لن نتحدث طوي ً‬
‫جميع ًا عن عدونا‪ .‬وألني أريد أن أتكلم عن عدو آخر لنا‪ ،‬هو فينا‪ ،‬نـحن عرب ًا‬
‫وفلسطينيني‪ .‬ميكن أن نقول إننا في كثير من املواقف في جزء من تاريخنا‪ ،‬كنا‬
‫أعداء لقضيتنا وحركتنا ونضالنا‪ .‬وال أقصد بهذا أعداءنا الذين انـحرفوا عن‬
‫مندسني وعمالء‪ ،‬ولكنني أقصد كذلك‪ ،‬وأضيف إليهم أولئك‬ ‫ّ‬ ‫وعي‪ ،‬من مخترقني أو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 1‬عضو اللجنة التنفيذية وممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان سابق ًا‪.‬‬

‫‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الذين ارتكبوا من األخطاء ما يعادل اجلرائم في حقّ النضال الفلسطيني‪.‬‬


‫إنها مناسبة لدعوة حركة حماس لدراسة جتربتها بشكل مختلف عما زعمنا أنه‬
‫كان دراسة لتجارب الفصائل األخرى في املاضي‪ ،‬والتي اتضح فيما بعد أنها لم تكن‬
‫على املستوى النقدي املطلوب‪ ،‬وهنا أح ّمل املثقفني جزء ًا من املسؤولية‪ ،‬إذ كان ثمة‬
‫نفاق لقيادات الفصائل على اختالف أنواعها‪ ،‬فكان أن وصل بنا احلال إلى ما نـحن‬
‫عليه اليوم‪.‬‬
‫ومن املالحظات التي أريد أن ألفت النظر إليها؛ أو ًال ضرورة التدقيق في‬
‫املصطلحات‪ ،‬إذ أصبحت أشعر أننا في القضية الفلسطينية نتكلم‪ ،‬بعض املرات‪،‬‬
‫ال سمينا أنفسنا حركة حترر‪،‬‬ ‫بألفاظ ومصطلحات ال يوجد لها مسميات‪ .‬نـحن مث ً‬
‫وتارة كنا ثورة‪ ،‬ثم حتولنا إلى حركة استقالل وطني‪ ،‬وحتدثنا عن عمل فدائي‪ ،‬ثم‬
‫حتدثنا عن مقاومة‪ ،‬ثم بدأنا نتحدث عن قيام دولة؟ ماذا نـحن؟ وهذا الذي يجري في‬
‫الساحة الفلسطينية اليوم ما هو عنوانه احلقيقي؟ وأقول نـحن‪ ،‬وأشمل اجلميع من‬
‫أصغر فصيل فلسطيني إلى أكبر الفصائل‪ .‬هل نـحن مقاومة؟ هل نـحن حركة حترر‬
‫وطني؟ هل نـحن حركة استقالل وطني؟ هل نـحن بصدد التوصل لدولة‪ ،‬ألية دولة‬
‫فلسطينية‪ .‬إذا كنا نـحن‪ ،‬مثقفني أو مناضلني مسؤولني‪ ،‬في حيرة في وصف وضعيتنا‬
‫وموقعنا من احلركة السياسية العاملية‪ ،‬فما بال إخوتنا املواطنني العاديني‪ ،‬الذين كانوا‬
‫مثا ًال للعطاء السخي جلميع الفصائل الوطنية الفلسطينية؟ لذلك أرجو منكم التدقيق‬
‫في املصطلحات‪ ،‬والقضية ليست قضية لغوية‪ ،‬بل ألن لكل تعبير من هذه التعبيرات‬
‫معناه ومقوماته وأساليب التعامل معه‪.‬‬
‫املالحظة الثانية‪ ،‬تتعلق مبوضوع األيديولوجيات والنضال السياسي‪ .‬في رأيي‬
‫أنه لم يكن بني الفصائل الفلسطينية‪ ،‬قبل ظهور حماس واجلهاد اإلسالمي‪ ،‬ثمة‬
‫خالفات أيديولوجية حقيقية‪ ،‬وإمنا كانت عناوين لتبرر القبليات اجلديدة التي ظهرت‬
‫ال‪ ،‬كانت جت ّمع ًا لكل األفكار السائدة؛ ففيها اليمني‪ ،‬وفيها اليسار‪،‬‬
‫في الساحة‪ .‬فتح مث ً‬
‫وفيها املتدين‪ ،‬وفيها امللحد‪ ،‬فكانت جتمع ًا وطني ًا غير مهتم مبسألة األيديولوجيات‬
‫ويع ّدها كالم ًا فارغ ًا‪ .‬أنا أذكر األخ املرحوم خليل الوزير‪ ،‬الذي سألته ذات مرة عن‬
‫اخللفية الفكرية التي تعمل فتح على أساسها؟ فقال‪ :‬الثورة تصنع أفكارها‪ .‬أبو جهاد‬
‫ال من أبطال الثورة الفلسطينية‪ ،‬لكن من الناحية الثقافية لم يكن على املستوى‬ ‫كان بط ً‬
‫تفرع منها ثالث جبهات‪ :‬القيادة العامة‪ ،‬اجلبهة الشعبية‪،‬‬ ‫نفسه‪ .‬واجلبهة الشعبية ّ‬
‫واجلبهة الدميوقراطية‪ ،‬ما هي اخلالفات األيديولوجية بينها؟ كلهم كانوا عروبيني‬

‫‪10‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ثم حتولوا إلى املاركسية‪ ،‬وبعدها احتاروا في أمرهم‪ .‬في احلقيقة‪ ،‬كنا كمن يترجم‬
‫ويستعير مصطلحات كانت في الستينيات شائعة في أوروبا‪ ،‬ونـحاول أن نل ّبسها على‬
‫واقعنا الفلسطيني‪ ،‬ولكن دون جدوى‪ .‬واآلن دخلت حماس ‪ -‬وليعذرني إخوتي في‬
‫حماس ‪ -‬وتكاد تختصر في سنوات نضالها األخيرة‪ ،‬املشوار نفسه الذي خاضه‬
‫وصب‬
‫ّ‬ ‫غيرها‪ ،‬وأخشى أن يصيبها ما أصاب فتح وغيرها؛ إذ نبع الكل في التطرف‬
‫أخير ًا في االعتدال‪ ،‬والكل تكلم عن الكفاح املسلح‪ ،‬وانتهى بالتفاوض السياسي‪ .‬هذه‬
‫اإلشكالية بني األيديولوجية واملمارسة السياسية قضية بحاجة إلى إخوتنا املثقفني لكي‬
‫يتدخلوا فيها وبقوة‪ .‬وأقول إنني‪ ،‬إذا نسبت نفسي إلى املثقفني‪ ،‬وأشمل معي إخوتي‬
‫قصرنا كثير ًا‪ .‬وأكاد أقول إن املثقف الفلسطيني‪،‬‬ ‫املنتسبني إلى هذا اللقب‪ :‬نـحن ّ‬
‫كان جبان ًا أمام الفصائل الثورية الفلسطينية‪ ،‬إذ استطاعت البندقية الفلسطينية أن‬
‫ترهب الفكر واملفكر الفلسطيني باستثناء قلة‪ ،‬استطاعوا أن يجهروا برأيهم‪ ،‬وأن‬
‫يقولوا كلمتهم الشجاعة في الوقت املناسب‪ ،‬عندما كانت الكلمة مطالبة بأن تفصح عن‬
‫نفسها‪ .‬املثقفون اآلن مطالبون بدور أكثر جرأة في نقد الواقع السياسي احلالي‪.‬‬
‫املالحظة األخيرة‪ ،‬إني أدعوكم وأرجوكم أن نركز في هذا اللقاء محاوراتنا على‬
‫هدي املصلحة الوطنية‪ .‬أنا أضع املصلحة الوطنية فوق املوضوعية‪ ،‬وأفترض أنه‬
‫من غير اجلائز أن يكون هناك تعارض بني املصلحة الوطنية واملوضوعية‪ .‬املصلحة‬
‫الوطنية اليوم ودائم ًا وأبد ًا تدعو إلى وحدة وطنية‪ ،‬بل إلى نوع مميز من الوحدة‬
‫الوطنية‪ .‬ال أقول وحدة وطنية على طريقة منظمة التحرير الفلسطينية السابقة‪ ،‬نـحن‬
‫بحاجة إلى وحدة وطنية أكثر وعي ًا وأكثر استيعاب ًا للتجربة‪ ،‬أي وحدة وطنية ّ‬
‫تقر‬
‫وتعترف أو ًال‪ ،‬بأن املناضل الفلسطيني ال يناضل من أجل قطعة أرض فقط‪ ،‬وإمنا‬
‫لتحرير وطننا فلسطني لكي نعيش أحرار ًا فوق ترابها‪ ،‬ولكي نقرر مصيرنا دون تأثير‬
‫خارجي‪ .‬ونـحن نشاهد اآلن اقتتا ًال حول مصيرنا في فلسطني قبل أن نـحرر فلسطني‪.‬‬
‫أنا ال أناضل‪ ،‬وال أعطي حياتي من أجل قطعة أرض ورثتها عن أبي في فلسطني‪،‬‬
‫ليست أرضي التي أناضل من أجلها‪ ،‬وإمنا الوطن‪ ،‬هو قطعة أرض أكون فوق ترابها‬
‫حر ًا في قول ما أشاء والتعبير عن نفسي كما أريد‪ .‬نـحن نريد وحدة وطنية ّ‬
‫تقر بوجود‬
‫اآلخر وبحتمية التعدد‪ .‬نـحن نريد االعتراف بسنة اللّه في خلقه‪ ،‬أي اختالف ألسنتكم‬
‫وألوانكم‪ .‬ال ميكن أن نصبح كلنا تنظيم ًا واحد ًا‪ ،‬أو على أيديولوجية واحدة‪ ،‬أو على‬
‫عقيدة واحدة‪ ،‬وقد آن لنا أن نتعلم‪ ،‬فلقد جتاوزت حركتنا الوطنية الفلسطينية عمر ذلك‬
‫الطفل الصغير الذي كناه في الستينيات‪ ،‬وأصبحنا منوذج ًا من املفترض أن يعطي‬

‫‪11‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الناس دروس ًا في العمل السياسي وفي العمل الوطني‪ .‬فال ب ّد أن ّ‬


‫نقر بأن االختالف‬
‫نقر بهذه احلقيقة‪ ،‬وبالتالي نوجد الصيغ‬‫في الرأي أمر في منتهى الطبيعة‪ .‬فدعونا ّ‬
‫التي ميكن أن نتعاون على أساسها‪.‬‬
‫ما أبشع احلركة الوطنية عندما تكرر أخطائها‪ .‬نـحن ارتكبنا أخطاء رهيبة ومعيبة‬
‫منر في جتربة‪ ،‬بل بالغنا في‬‫في تكرارها‪ .‬في األردن أو ًال‪ ،‬ث ّم في لبنان وكأننا لم ّ‬
‫اإليغال في األخطاء‪ .‬وحتى في الوطن كذلك خضنا التجربة نفسها من األخطاء‪.‬‬
‫أيها اإلخوان ال ب ّد من العمل املشترك‪ ،‬وحتى اآلن ال أعرف من سبيل عملي إلنقاذ‬
‫السفينة الفلسطينية من الهالك غير العودة إلى منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬املصادرة‬
‫والرهينة حالي ًا في يد حركة فتح‪ .‬إنها أسيرة‪ ،‬سجينة‪ ،‬معتقلة‪ ،‬لدى حركة فتح‪ ،‬يجب‬
‫أن نـحررها من فتح‪ .‬ويجب أن يفهم إخوتنا في حماس واجلهاد اإلسالمي أنه ال‬
‫مفر لهم من العمل اجلا ّد والصادق والصحيح لر ّد الروح واملشاركة في إعادة بناء‬ ‫ّ‬
‫منظمة التحرير الفلسطينية‪ .‬ساعتئذ ٍ يتحول املجلس الوطني الفلسطيني إلى ساحة‬
‫حلل املشاكل والتناقضات بدل أن تكون ساحات الوغى في غزة وغيرها إطار ًا ّ‬
‫حلل‬ ‫ّ‬
‫الصراعات واخلالفات‪ .‬أرجو من اللّه أن يوفقكم في هذا اللقاء وأشكر لكم حسن‬
‫االستماع‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫احملور األول‬
‫تقييم امل�سار ال�سيا�سي حلركة حما�س‬

‫‪2007-2006‬‬

‫‪13‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪14‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مقدمة مدير اجلل�سة‬


‫د‪ .‬عدنان السيد حسني‬
‫‪2‬‬

‫السالم عليكم ورحمة اللّه وبركاته‪ ،‬أيها السيدات والسادة‪ ،‬يشرفني‪ ،‬أن أدير‬
‫هذه اجللسة األولى حتت عنوان تقييم املسار السياسي حلركة حماس للسنتني‬
‫األخيرتني‪ ،2007-2006 ،‬وأن يتحدث في هذه اجللسة كل من األستاذ سامي‬
‫خاطر‪ ،‬عضو املكتب السياسي حلركة حماس‪ ،‬والدكتور حسني أبو النمل الكاتب‬
‫والباحث الفلسطيني‪ ،‬وهناك تعقيب للباحث األستاذ محمود حيدر‪ ،‬رئيس حترير‬
‫ال عن املناقشة العامة التي سوف تكون في آخر هذه‬ ‫مجلة مدارات غربية‪ .‬فض ً‬
‫اجللسة‪ .‬بكلمة موجزة‪ ،‬أو ًال أشكر مركز الزيتونة الذي تفضل في عقد هذه الندوة‪،‬‬
‫وأشكر رئيس املركز الدكتور محسن صالح‪ ،‬كما أتوقف عند ما تفضل به األستاذ‬
‫الكبير شفيق احلوت في كلمته االفتتاحية‪ ،‬التي تعني للفلسطينيني واللبنانيني‬
‫معان كثيرة‪ ،‬إذا ما أردنا االنتقال من مرحلة التراشق بالتهم‬
‫ٍ‬ ‫والعرب اآلخرين‬
‫والتخلف‪ ،‬إلى مرحلة البناء واالنطالق في برامجنا الوطنية‪ .‬وأشير إلى أنني أفهم‬
‫أن قضية فلسطني هي أهم من فكرة الدولة؛ فإذا تراجعت القضية أو أجهضت لن‬
‫تقوم قائمة للدولة‪ ،‬ثم إن الدولة أية دولة‪ ،‬هي أهم وأبقى من األحزاب‪ ،‬فكرة الدولة‬
‫أهم من احلركات احلزبية فكيف إذا كانت هذه احلركات احلزبية حركات قبلية‪،‬‬
‫شخصه العالمة الكبير ابن خلدون منذ أكثر من ‪ 600‬عام‪.‬‬ ‫لم تتغير نوعي ًا عما ّ‬
‫واألحزاب كما أفهمها أهم من أشخاصها‪ ،‬أهم من القائد األول أو الثاني أو الثالث‪،‬‬
‫إذا كانت تريد أن تشتغل كمؤسسة‪ ،‬أما أن تُختصر القضية والدولة واألحزاب في‬
‫مرحلة معينة بشخص أو بآخر‪ ،‬ونلتف نـحن حول هذا الشخص أو ذاك‪ ،‬فستكون‬
‫كارثة كبرى في العمل العربي العام‪ ،‬وخصوص ًا قضية فلسطني التي ما زلنا‬
‫وسنبقى نراها قضية العرب األولى‪ ،‬شاءت مؤمترات القمة العربية أم لم تشأ‪.‬‬
‫شاء ت منظمة املؤمتر اإلسالمي أم لم تشأ‪ ،‬شاءت األمم املتحدة أم لم تشأ‪ .‬لم‬
‫نفهم القضايا العربية وفكرة العروبة وفكرة التقدم‪ ،‬إال من خالل بوابة فلسطني‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 2‬أستاذ العالقات الدولية في اجلامعة اللبنانية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وقضيتها مبا ترمز وجتسد‪ .‬من خالل هذا املنطلق‪ ،‬أترك املجال للسادة املتحدثني‪،‬‬
‫وأعتقد أنهم أكثر إملام ًا بهذا املوضوع املصيري الفلسطيني‪ ،‬من خالل تقييم جتربة‬
‫حماس‪ ،‬والكلمة األولى لألخ األستاذ سامي خاطر فليتفضل‪.‬‬

‫ ‬

‫‪16‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الورقة ا ألوىل‪:‬‬
‫تقييم امل�سار ال�سيا�سي حلركة حما�س‬
‫‪2007-2006‬‬

‫سامي خاطر‬
‫‪3‬‬

‫احلمد للّه والصالة والسالم على رسول اللّه‪ ،‬أو ّد أن أشكر الدكتور محسن ومركز‬
‫الزيتونة على تنظيم حلقة النقاش هذه‪ ،‬التي نأمل من خالل املشاركة فيها أن نسهم‬
‫جميع ًا في العنوان الذي وضع لهذه احللقة‪ ،‬وهو كيفية اخلروج من املأزق الفلسطيني‪،‬‬
‫ولم كان من الصعب‬ ‫وأنا أحتدث إليكم اليوم عن املسار السياسي حلــركة حمــاس‪َ ِ ،‬‬
‫على من يرسم هذا املسار ويشارك في ترتيبه أن يق ّيمه‪ ،‬خصوص ًا أن الفترة هي فترة‬
‫ظل الظروف‬ ‫سنة ونصف تقريب ًا‪ ،‬وهي فترة غير كافية لتقييم أي مسار سياسي في ّ‬
‫التي حتيط بالقضية الفلسطينية محلي ًا وإقليميا ودولي ًا‪ ،‬ولذلك اسمحوا لي أن أرك ّز‬
‫في حديثي على الرؤية التي كانت لدى حركة حماس في مسارها السياسي‪ ،‬ذلك أن‬
‫وضعكم في صورة هذه الرؤية ال يهدف فقط إلى وضعكم في هذه الصورة وتفاصيلها‪،‬‬
‫وإمنا يساعد أيض ًا في تقييمكم ومقترحاتكم للخروج من املأزق الفلسطيني‪.‬‬
‫كمقدمة‪ ،‬تعلمون أن حركة املقاومة اإلسالمية حماس كان برنامجها السياسي‬
‫يدور أو ًال‪ :‬حول برنامج املقاومة‪ ،‬ومقتضيات هذا البرنامج‪ .‬وثاني ًا‪ :‬كان يدور على‬
‫خدمة الشعب الفلسطيني في اجلانب املدني‪ .‬وثالث ًا‪ :‬كان يسعى إلى مواجهة أو‬
‫ظل هذا هو برنامج احلركة‬ ‫مقاومة مشاريع التفريط في القضية الفلسطينية‪ ،‬وقد ّ‬
‫السياسي ومسارها‪ ،‬إلى أن دخلنا سنة ‪ ،2006‬واتخذت احلركة قرار ًا باملشاركة في‬
‫انتخابات املجلس التشريعي‪ ،‬وكلكم واكب هذه االنتخابات والفوز الكبير الذي حققته‬
‫حركة حماس‪ ،‬ثم شكلت حكومة‪ ،‬وبالتالي انتقلت حركة حماس من برنامج املقاومة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 3‬عضو املكتب السياسي حلركة حماس‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ومقتضياته إلى مسار احلكم وتشكيل احلكومة‪ ،‬وهذه النقلة التي حصلت عند حماس‬
‫كما هو واضح هي نقلة من غير مرحلة انتقالية‪ ،‬أي مباشرة‪ ،‬من املقاومة واملعارضة‬
‫إلى احلكم‪ .‬وهذه النقلة‪ ،‬السريعة‪ ،‬بالتأكيد سيكون لها انعكاسات على أداء احلركة‬
‫سواء في عملها التشريعي أو في أدائها من خالل احلكومة‪ .‬ومن البديهي في هذا‬
‫املقام أن أوضح لكم‪ ،‬ما هي رؤية حركة حماس عندما اتخذت هذا املسار‪.‬‬
‫ولعل البداية في اإلجابة على التساؤل‪ ،‬الذي يطرح كثير ًا‪ ،‬وهو ملاذا اختارت‬
‫حماس املشاركة السياسية في سلطة نشأت عن اتفاق أوسلو‪ ،‬الذي عارضته احلركة‬
‫منذ توقيعه حتى اآلن؟ ملاذا هذه املشاركة؟ وأبادر إلى اإلجابة من خالل ع ّدة نقاط‪،‬‬
‫ال‪ ،‬وهي اجلدال الذي يدور أحيان ًا حول اتفاق أوسلو‪،‬‬
‫النقطة األولى ولن ألبث فيها طوي ً‬
‫هل اتفاق أوسلو مات وألغي وأبطل أم ما يزال حي ًا يتنفس؟ كلكم يتابع ويعرف أن‬
‫جتربة أوسلو فشلت‪ ،‬ونـحن كنا في حركة حماس‪ ،‬والحظنا أيض ًا أن اتفاق أوسلو‬
‫كاتفاق انتقالي‪ ،‬أيض ًا قد طويت صفحته‪ ،‬وأول من طوى صفحته هو العدو الصهيوني‪.‬‬
‫ّ‬
‫احلل االنتقالي طويل‬ ‫مت مشروع آخر هو خريطة الطريق‪ .‬ثم من بعدها‬ ‫وتعرفون أنه ّ‬
‫احلل أحادي اجلانب‪ ،‬والذي جاء‬‫ّ‬ ‫األمد على يدي شارون‪ ،‬والذي بلوره فيما بعد إلى‬
‫في سياقه االنسحاب من قطاع غزة‪ ،‬واليوم هناك أفكار مطروحة أقل بكثير حتى من‬
‫ال قد مات‪ ،‬وقد انتهى وطويت صفحته‪ ،‬ولكن‬ ‫أوسلو‪ ،‬فإذن أوسلو في هذا املفهوم فع ً‬
‫الذي بقي من اتفاق أوسلو هو هذا الشكل من السلطة التي قامت للشعب الفلسطيني‬
‫في الضفة الغربية وقطاع غزة‪ .‬هذه السلطة نشأت كما تعرفون منذ سنة ‪،1994‬‬
‫وأصبحت هذه السلطة فاعلة ومؤثرة في احلياة السياسية للشعب الفلسطيني‪ ،‬كما‬
‫أصبحت فاعلة ومؤثرة في إدارة الصراع مع العدو الصهيوني‪ ،‬ويؤسفني أن أقول‬
‫إن دور هذه السلطة كانت سلبياته في اجلانبني أكثر بكثير من إيجابياته‪ ،‬ويؤسفني‬
‫ويؤسفكم ويؤسفنا جميع ًا أن هذا الدور الذي قامت به السلطة‪ ،‬خصوص ًا في اجلانب‬
‫األمني‪ ،‬والتنسيق مع العدو الصهيوني‪ ،‬ورفع شعار سالح واحد وسلطة واحدة؛ من‬
‫أجل نزع سالح املقاومة‪ ،‬وحرمانها من حقها املشروع في مقاومة االحتالل‪ .‬إذن‬
‫تخرب على املشروع الوطني الفلسطيني القائم على املقاومة‬ ‫هذه السلطة أصبحت ّ‬
‫من جهة‪ ،‬ثم من جهة أخرى‪ ،‬فإنها اتسمت من الناحية اإلدارية بالفساد‪ ،‬وأظن أن‬
‫الكل على علم بهذا الفساد وقصصه‪ ،‬التي كتبت رسمي ًا من خالل هياكل السلطة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬وأولّها في املجلس التشريعي‪.‬‬
‫ومن هنا أمام هذا الواقع كان ال ب ّد أن تفكر حماس في كيفية التعامل مع هذا‬

‫‪18‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الواقع املوجود‪ ،‬ثم إن حركة حماس كما تتابعون مع األيام أخذت تنمو وتكبر وتتوسع‬
‫شعبيتها‪ ،‬وهذا ال يخفى على أي متابع أو أي مراقب‪ .‬وأمام هذا النمو وهذا التوسع‪،‬‬
‫وحقيقة واقع هذه السلطة‪ ،‬وجدت حماس نفسها أمام ثالثة خيارات‪ ،‬اخليار األول أن‬
‫ترضخ لهذا الواقع وتستجيب لكل مطالبه؛ وأولها طبع ًا وكما هو معروف نزع سالح‬
‫املقاومة‪ ،‬والتخلي عن برنامج املقاومة‪ ،‬إلى آخر قائمة الشروط التي عرفت فيما بعد‬
‫بشروط الرباعية الدولية‪ .‬واخليار الثاني هو أن تتحاشى هذا الواقع‪ ،‬وتتجنبه وكأنه‬
‫ال يعنيها في شيء وهذا أيض ًا له سلبياته‪ .‬واخليار الثالث أن تنقلب على هذا الواقع‬
‫بكل ما يعنيه هذا االنقالب‪ ،‬من الوصول إلى فتنة داخلية وسفك دماء فلسطيني‪ .‬أمام‬
‫هذه اخليارات الصعبة اختارت حماس خيار ًا آخر‪ ،‬وهو أن حتاول التأثير في هذا‬
‫الواقع القائم؛ من خالل الدخول فيه بصورة سلمية ودميوقراطية على قاعدة وهدف‬
‫التأثير في هذا الواقع‪ .‬بحيث يعود لينسجم مع املشروع الوطني الفلسطيني‪ ،‬واحلفاظ‬
‫على الثوابت الفلسطينية والعمل على إجناز حقوق الشعب الفلسطيني؛ ولذلك كان‬
‫القرار أن تشارك في انتخابات املجلس التشريعي في ‪ .2006/6/25‬والسؤال الذي‬
‫يطرح ملاذا لم تشارك حماس في انتخابات ‪ 1996‬وشاركت اآلن‪ ،‬اجلواب في ثنايا ما‬
‫قدمت‪ ،‬وأنه حصلت هنالك تغيرات‪ ،‬ولكن أهم هذه التغيرات هو ما ترتب على انتفاضة‬
‫األقصى سنة ‪ .2000‬حيث اضطرت بعض أجزاء السلطة ورئيسها بشكل خاص‪،‬‬
‫ياسر عرفات‪ ،‬بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد سنة ‪ 2000‬إلى العودة مرة أخرى‬
‫إلى برنامج املقاومة‪ ،‬وإن كانت هذه العودة بهدف حتسني أوراق املفاوض الفلسطيني‪،‬‬
‫عندما يجلس على طاولة املفاوضات‪ ،‬ولكن العودة إلى برنامج املقاومة‪ ،‬وما ترتب عليه‬
‫كذلك من عودة بعض الفصائل التي كانت توقفت قبل ذلك التاريخ إلى املقاومة‪ ،‬أنتج‬
‫حالة فلسطينية فيها إجماع على برنامج املقاومة‪ ،‬والتمسك بهذا احلق وهذا البرنامج‬
‫ال إلى مرحلة التحرر ورحيل االحتالل‪ .‬هذه التغيرات إذن مهدت ويسرت‬ ‫حتى نصل فع ً‬
‫للخيار الذي اختارته حركة حماس‪ ،‬وهو التعامل مع هذا الواقع من خالل الدخول‬
‫فيه بصورة سلمية ودميوقراطية بهدف تغييره نـحو األفضل‪ .‬والسبب الثالث أيض ًا‪،‬‬
‫هو أن هذه السلطة التي مضى على نشأتها أكثر من عشر سنوات‪ ،‬وكما أسلفت‪ ،‬قد‬
‫اتسمت مع كل أسف بصورة مزرية من الفساد في النواحي اإلدارية‪ ،‬هذه احلالة من‬
‫التساؤل انتقلت إلى عامة الشعب الفلسطيني‪ ،‬بحيث حتولت إلى ضغط من القواعد‬
‫الشعبية على قيادة حركة حماس‪ ،‬بأنه ال يجوز حلركة كبيرة ومتسعة ونامية مثل‬
‫حركة حماس أن تنأى بنفسها عن إصالح هذا الفساد وهذا الوضع‪ .‬وبالتالي‪ ،‬أيض ًا‬

‫‪19‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حماس عندما قررت املشاركة في العملية السياسية‪ ،‬وضعت نصب عينها مصالح‬
‫الشعب الفلسطيني‪ ،‬ولذلك هي أيض ًا هدفت من خالل هذه املشاركة‪ ،‬التجاوب مع هذه‬
‫املطالب‪ ،‬وخدمة أهداف الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫عموم ًا ولالختصار‪ ،‬أو ّد أن أوفي املوضوع من خالل عناوين رئيسة‪ .‬كان هذا‬
‫العنوان األول‪ ،‬ملاذا املشاركة‪ ،‬أما العنوان الثاني‪ ،‬فهو حماس واملشاركة السياسية‬
‫والوحدة الوطنية‪ ،‬وحتت هذا العنوان أو ّد أن أؤكد على أنه وإن جاء فوز حماس‬
‫بأغلبية نيابية مريحة‪ ،‬قادرة على أن تشكل احلكومة بنفسها‪ ،‬إال أنها كانت منذ البداية‬
‫حترص على أن تشكل هذه احلكومة من خالل أوسع قاعدة شعبية‪ ،‬وأن تض ّم كل‬
‫الفصائل والكتل النيابية‪ ،‬ولكن هذا املسعى مع األسف لم ينجح‪ ،‬ليس بسبب موقف‬
‫حركة حماس‪ ،‬وإمنا بسبب موقف آخر‪ ،‬تبناه التيار السلطوي األوسلوي في حركة‬
‫فتح‪ ،‬والذي رفع في حينها شعار‪“ :‬من العار على فتح أن تشارك في حكومة ترأسها‬
‫حماس”‪ .‬ولكن األمر لم يقتصر على هذا وإمنا كانت هنالك تدخالت خارجية بالضغط‬
‫على بعض األطراف الفلسطينية بعدم املشاركة مع حكومة حماس‪ ،‬ذلك أن هذا الفوز‬
‫الذي كسبته حماس في االنتخابات جاء مفاجئ ًا لكل املراقبني‪ ،‬سواء كانوا محليني‬
‫أو إقليميني أو دوليني‪ ،‬وال أظنه يخفى عليكم أن اإلدارة األمريكية التي رفعت شعار‬
‫ال ومؤثر ًا في إجراء االنتخابات‬ ‫الدميوقراطية في الشرق األوسط‪ ،‬وكان رأيها فاع ً‬
‫الفلسطينية قد فوجئت بهذه النتائج‪ ،‬ولذلك اتخذت استراتيجية محددة من حلظة‬
‫خروج نتائج االنتخابات‪ ،‬وهي العمل على إفشال حكومة حماس وعلى إخراجها من‬
‫احلكومة‪ .‬هذه االستراتيجية مع األسف لقيت جتاوب ًا فلسطيني ًا وعربي ًا‪ ،‬ومنذ ذلك‬
‫التاريخ وحتى اآلن‪ ،‬ظلت املساعي تتوالى إلفشال حماس وإخراجها من احلكومة‪.‬‬
‫العنوان الثالث هو حماس بني املقاومة واحلكومة‪ ،‬السؤال الذي يطرح دائم ًا‪ :‬هل‬
‫ميكن املزاوجة بني املقاومة واحلكومة؟ إذا أردنا أن نتقيد بحذافير اتفاق أوسلو‪ ،‬فإنه‬
‫بالتأكيد ال ميكن اجلمع بني احلكومة واملقاومة؛ ألن اتفاق أوسلو الذي أنشأ السلطة‬
‫فرض عليها عندما أنشأها أن متارس التنسيق األمني مع االحتالل الصهيوني‪ ،‬وأن‬
‫تالحق املجاهدين وأن تصادر سالحهم‪ ،‬وأن ال تتبنى أي سياسة ال توافق عليها‬
‫احلكومة اإلسرائيلية‪ .‬إذا سلمنا بهذا‪ ،‬فاملقولة صحيحة ال ميكن اجلمع بني املقاومة‬
‫واحلكومة‪ ،‬ولكن نـحن في حماس عندما شاركنا‪ ،‬وكما أشرت في البداية‪ ،‬لم نشارك‬
‫على أساس التسليم باتفاق أوسلو‪ ،‬وإمنا من خالل العمل على التأثير في هذا الواقع‬
‫الذي وجدناه‪ ،‬بحيث نعمل على إصالحه وعلى نقل الواقع السياسي‪ ،‬لكي يصبح‬

‫‪20‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مدافع ًا عن حقوق الشعب الفلسطيني‪ ،‬وفي مقدمتها املقاومة‪ .‬من الناحية النظرية‬
‫أيض ًا‪ ،‬طاملا أن املقاومة تستهدف االحتالل وهو حقّ مشروع‪ ،‬وطاملا أن احلكومة تدير‬
‫الشأن الفلسطيني فليس هناك أي تضارب أو تناقض بني املوضوعني‪ ،‬لكن وجدنا في‬
‫التجربة العملية‪ ،‬أن احلفاظ على احلكومة واملقاومة يواجه صعوبات كبيرة جد ًا‪ ،‬هذه‬
‫ال من فريق في السلطة يؤمن بأوسلو وضرورة تطبيق أوسلو‪،‬‬ ‫الصعوبات نابعة أص ً‬
‫كما أنه ما يزال يراهن على املفاوضات‪ ،‬واملفاوضات التي تقوم على أساس استبعاد‬
‫املقاومة‪ ،‬والرهان على مجرد املفاوضات واحلوار‪ ،‬وإيجاد احللول من خالل األفكار‬
‫السياسية‪ ،‬ثم إن هناك جو ًا إقليمي ًا ما زال مؤيد ًا ملثل هذا التوجه‪.‬‬
‫الصعوبة األخرى‪ ،‬وهذا يأتي في باب تقييم املسار السياسي‪ ،‬أن حركة حماس‪،‬‬
‫تصر على برنامج املقاومة‪ ،‬ومتارس هذه املقاومة‪ ،‬إال أنها في‬ ‫ّ‬ ‫وإن كانت ما تزال‬
‫فترة من الفترات دخلت مبا يسمى بالتهدئة‪ ،‬أي وقف أشكال العمل املقاوم‪ .‬ولكن‬
‫للموضوعية أيض ًا‪ ،‬فإن هذه التهدئة‪ ،‬وافقت عليها حركة حماس ووافقت عليها جميع‬
‫الفصائل‪ ،‬قبل أن تصل حركة حماس إلى احلكومة‪ ،‬فقد وافقت عليها الفصائل بشكل‬
‫مجتمع في إعالن القاهرة في آذار‪ /‬مارس ‪ ،2005‬وكانت أيض ًا الفصائل‪ ،‬ومن بينها‬
‫حماس‪ ،‬قد عقدت هدنة ومن جانب واحد قبل ذلك التاريخ أيض ًا‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ال ميكن‬
‫أن جنزم بأن من مقتضيات احلكم أن يكون هناك تهدئة‪ ،‬وإن كان من الصحيح أيض ًا‬
‫أن احلفاظ على احلكومة يقتضي أحيان ًا الدخول في تهدئة‪.‬‬
‫العنوان الرابع‪ ،‬ملن األولوية للحكومة أم للمقاومة؟ نـحن في حماس‪ ،‬قلناها من‬
‫البداية أن األولوية لبرنامج املقاومة‪ ،‬وطاملا أننا تعاملنا مع العمل السياسي وش ّكلنا‬
‫احلكومة من باب التعامل مع األمر الواقع‪ ،‬وليس بناء على خطة وهدف مسبق سعينا‬
‫إليجاد سلطة وألن نكون فيها‪ ،‬لذلك‪ ،‬كانت املقاومة وبرنامجها هي التي حتتل هذه‬
‫األولوية‪ ،‬وسيبقى هذا إلى حني حترير فلسطني‪ ،‬إن شاء اللّه‪ ،‬كل فلسطني‪.‬‬
‫النقطة األخيرة‪ ،‬ونـحن نتحدث عن تقومي املسار السياسي‪ ،‬أريد أن أتوقف عند‬
‫اجتاهات الذين ُيق ِّومون مسار جتربة حماس السياسية‪ ،‬أقول‪ ،‬الفريق األول يرى أن‬
‫مشاركة حماس السياسية وتشكيلها للحكومة ودخولها البرملان فشلت وستفشل ما‬
‫لم تستجب للشروط الدولية‪ ،‬واالستجابة لروح اتفاق أوسلو امليت‪ ،‬ومع األسف هذا‬
‫الفريق‪ ،‬يض ّم فلسطينيني وعرب باإلضافة إلى العدو الصهيوني واإلدارة األمريكية‪.‬‬
‫والفريق الثاني‪ ،‬وفي معظمه هو فريق الناصح والغيور على حماس وجتربتها السياسية‪،‬‬
‫يقول إن مشاركة حماس السياسية قد أ ّثرت على برنامجها في املقاومة‪ ،‬ثم إنه جعل‬

‫‪21‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حركة حماس تدخل في أحد احملرمات التي كانت دائم ًا تتجنبها‪ ،‬وهي حرمة االقتتال‬
‫الفلسطيني‪ ،‬إذن على حماس أن تترك احلكومة وتعود إلى مربع املقاومة‪ .‬وفي داخل‬
‫هذا الفريق من يرى أن تكتفي حماس باملشاركة في املجلس التشريعي‪ ،‬وهذا الرأي‬
‫سمعناه من غيورين ومن مخلصني ومن أصدقاء‪ ،‬كما قرأناه كذلك في الصحف وفي‬
‫نشرات لكتّاب معروفني ومشهورين‪.‬‬
‫ولكن أيها اإلخوة أين يكمن الصواب‪ ،‬هل هو في االستمرار باملشاركة في‬
‫العملية السياسية أم بالعودة عنها‪ ،‬وهنا تبرز عدة مسائل وإشكاليات‪ ،‬أحد األفكار‬
‫التي رمبا كثير من احلاضرين يتبنونها‪ ،‬وهي أن هذه السلطة من أصلها‪ ،‬طاملا أنها‬
‫حتت االحتالل ال ميكن أن ينتج عنها شيء للصالح الوطني الفلسطيني‪ ،‬ولذلك ال ب ّد‬
‫حل هذه السلطة أيها اإلخوة‪ ،‬ال ميكن أن يت ّم إال من‬‫حل هذه السلطة‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫من ّ‬
‫خالل توافق وطني فلسطيني‪ ،‬أما أن يقوم فصيل واحد أو فصيالن بتبني مثل هذا‬
‫اخليار فال ميكن أن يت ّم‪ ،‬بل سيترتب عليه صراع أش ّد من بعض احملطات املؤسفة‬
‫التي مررنا بها‪ .‬أمام هذه اإلشكالية‪ ،‬يصعب االستسالم لهذه النظرية والتسليم بها‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإني أحب أن أقول للذين ينصحون حماس بترك احلكومة‪ ،‬بأن‬
‫ترك حماس للحكومة في مثل هذه الظروف التي نشهدها سيعني أمور ًا كثيرة‪ ،‬لكن‬
‫أهمها أن هذا الفريق السلطوي األوسلوي سيكون مسرور ًا وطليق اليد في أن يواصل‬
‫ظل اختالل كبير في ميزان القوى‪،‬‬ ‫رهانه على املفاوضات مع العدو الصهيوني‪ ،‬في ّ‬
‫وفي ظل أنه مستعد للتسليم واالستجابة لكل الشروط الصهيونية‪ .‬إذن‪ ،‬اخلروج‬
‫من السلطة سيسهل األمور على هذا الفريق‪ .‬ومع األسف‪ ،‬أقول إن هذا الفريق‬
‫اآلن أصبح مغطى من قبل رئيس السلطة الفسلطينية محمود عباس‪ ،‬وبعد إجراءاته‬
‫األخيرة ومراسيمه املتتالية غير القانونية‪ ،‬أصبح خيار رئيس السلطة وفريق السلطة‬
‫األوسلوي‪ ،‬هو املراهنة على الطرف الصهيوني واإلدارة األمريكية في إنصاف الشعب‬
‫ال عن‬ ‫الفلسطيني‪ .‬ولو سألت أي صغير أو كبير في أوساط الشعب الفلسطيني‪ ،‬فض ً‬
‫املثقفني‪ ،‬سيجيب بأن هذه املراهنة خاسرة وباطلة وال آفاق لها‪ .‬ثم إن الواقع يقول إن‬
‫حاضر الوضع اإلسرائيلي كله ليس في وارد الدخول في حلول فيما يتعلق بالقضايا‬
‫النهائية في املوضوع الفلسطيني‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن اخلروج من احلكومة يعني إطالق‬
‫يد هذا التيار في هذا االجتاه‪ ،‬ثم إنه يعني أيض ًا عودة التيار الذي هزم مؤخر ًا في‬
‫غزة في احلسم العسكري الذي استهدف بعض األجهزة األمنية‪ ،‬خصوص ًا األمن‬
‫مقار ملمارسة هذا املخطط الرهيب‪ ،‬الذي‬ ‫ّ‬ ‫الوقائي واملخابرات التي كانت عبارة عن‬

‫‪22‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫كان ميارسه هذا التيار‪ .‬وبالتالي يجب أن نضع باحلسبان أن انسحاب حماس من‬
‫املشهد السياسي ستكون سلبياته أكثر من إيجابياته كما هو واضح‪.‬‬
‫أخير ًا‪ ،‬تبقى نقطة تقومي األداء‪ ،‬سواء أداء احلكومة أو أداء املجلس التشريعي‪،‬‬
‫أقر أمامكم‪ ،‬فإن صورة األداء كما حصلت على أرض الواقع‪ ،‬كشفت عن‬ ‫وهنا أنا ّ‬
‫بعض أوجه النقص أو القصور سواء في أداء احلكومة التي أدارتها حماس وحدها أو‬
‫حكومة الوحدة الوطنية‪ .‬كان هناك قصور في بعض األوجه خصوص ًا البعد اإلعالمي‬
‫وفي إدارة املسألة الوطنية برمتها‪ .‬ولكنني أقول إن هذا القصور منطقي وطبيعي‬
‫بسبب ما أسلفته وقلته‪ ،‬بأن حركة حماس انتقلت مرة واحدة من املعارضة واملقاومة‬
‫إلى السلطة واحلكم‪ ،‬ومثل هذه النقلة السريعة واملفاجئة ال ب ّد أن حتمل في ثناياها‬
‫بعض أوجه القصور واألخطاء‪.‬‬
‫وأختم باإلجابة عن سؤال كيفية اخلروج من املأزق الفلسطيني‪ ،‬فأقول‪ ،‬مع‬
‫اخلالصة التي أشار إليها أستاذنا الكبير شفيق احلوت‪ ،‬وهي أن املخرج ينحصر في‬
‫العودة إلى احلوار الوطني الشامل‪ ،‬نعم الشامل وليس فقط بني فتح وحماس‪ ،‬وإن‬
‫كانت حركتا فتح وحماس هما أكبر الفصائل الفلسطينية‪ ،‬ينبغي أن يكون احلوار‬
‫جاد ًا ومستمر ًا وهادف ًا إلى التوصل إلى رؤية وطنية شاملة للخروج من هذا الوضع‬
‫الذي نـحن فيه‪ .‬وهنالك مبادئ‪ ،‬ومن هذه املبادئ‪ ،‬وحدة القضية‪ ،‬ووحدة الوطن أرض ًا‬
‫وشعب ًا وجغرافية‪ .‬ثم البند الثاني هو إعادة بناء السلطة‪ ،‬وأه ّمها األجهزة األمنية‬
‫على أسس مهنية ووطنية بعيد ًا عن احملاصصة الفصائلية‪ .‬وثالث ًا‪ ،‬وهذا ما أ ّكد عليه‬
‫األستاذ شفيق احلوت‪ ،‬هو إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بناء على أسس‬
‫دميوقراطية وسياسية جديدة؛ بحيث تشارك فيها مختلف القوى والفصائل‪ ،‬وتصبح‬
‫بالفعل هي املرجعية العليا للشعب الفلسطيني في الداخل واخلارج‪ ،‬ويجب أن تكون‬
‫احلر املباشر‪ ،‬وليس احملاصصة‬ ‫ّ‬ ‫قاعدة البناء وبناء الهياكل من جديد هي االنتخاب‬
‫والكعكات التي كانت سائدة من قبل‪ .‬وأما تفعيل املنظمة كما يسعى إليه أبو مازن‬
‫مؤخر ًا‪ ،‬فهو هروب من استحقاق االنتخابات ونتائجها‪ ،‬إلى شيء غير قانوني وغير‬
‫قادر على أن يع ّبر بصدق وبحقّ عن آمال الشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الورقة الثانية‪:‬‬
‫حما�س من املعار�ضة �إىل ال�سلطة‬
‫أ�و‬
‫اليديولوجية �إىل ال�سيا�سة‬ ‫من أ‬
‫‪4‬‬
‫د‪ .‬حسني أبو النمل‬

‫مدخل‪:‬‬
‫ش ّكل ظهور حركة حماس في كانون األول‪ /‬ديسمبر ‪ ،1987‬إضافة كفاحية‪ ،‬كمية‬
‫ونوعية‪ ،‬ملنظمات املقاومة الفلسطينية العاملة حينذاك في الساحة الفلسطينية‪ .‬متثلت‬
‫زج الكتلة اجلماهيرية الكبيرة التي تدين بالوالء حلماس‪ ،‬في‬ ‫اإلضافة الكمية في ّ‬
‫الكفاح املشتعل واملتوالي فصو ًال ض ّد “إسرائيل”‪ ،‬أما اإلضافة النوعية فإننا جندها‬
‫الحق ًا في أسلوب العمليات االستشهادية‪ .‬ويسجل حلماس أيض ًا أنها ق ّدمت عند‬
‫ظهورها خطاب ًا سياسي ًا إسالمي ًا مبدئي ًا ضد نهج التسوية‪.‬‬

‫وحدة في االنتفاضة صراع حول التسوية‪:‬‬


‫تشاركت جميع األطراف الفلسطينية في مختلف فعاليات االنتفاضة األولى‪ ،‬ولكنها‬
‫اختلفت في نظرتها الستمرارية االنتفاضة‪ ،‬وكيفية توظيفها سياسي ًا‪ .‬ففي حني رأت‬
‫فتح ضرورة إيقاف االنتفاضة‪ ،‬واستثمارها في التوصل إلى تسوية‪ ،‬رأى آخرون‬
‫ضرورة املضي باالنتفاضة حتى حتقيق هدف الدولة في الضفة والقدس والقطاع‪ .‬أما‬
‫حماس واجلهاد فرأتا بالتحرير سقف ًا لالنتفاضة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬لم تكن تعنيهما ال تسوية‬
‫على طريقة فتح وال سواها‪.‬‬
‫كان توقيع اتفاق أوسلو مناسبة جديدة وجدية الختبار مواقف القوى السياسية‪،‬‬
‫التي رفضت مبعظمها االتفاق املذكور‪ ،‬ولو ضمن مستويني مختلفني نوعي ًا‪ :‬أولهما‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 4‬باحث وخبير في الشؤون الفلسطينية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫معارضة االتفاق وفي الوقت نفسه االستفادة منه حزبي ًا وفردي ًا‪ ،‬حيث كان ذلك ممكن ًا‪.‬‬
‫ال‪،‬‬‫أما املستوى الثاني ملعارضة أوسلو فمثلته حماس واجلهاد وقد عارضتاه قو ًال وفع ً‬
‫ولم يسجل عليهما تعاط مع إفرازات أوسلو‪ .‬لقد عارضتا حتى عمل أعضاء فرديني‬
‫منهما في السلطة‪ ،‬ومن ً كان بحاجة لعمل أمنتا له ح ً‬
‫ال مي ّكنه من املمانعة‪.‬‬
‫تُظهِ ر الفقرات السابقة موقف حركة حماس غير القابل لإللتباس جتاه مختلف‬
‫العناوين السياسية ذات الصلة‪ ،‬وعلى رأسها املوقف احلاسم من اتفاق أوسلو‬
‫وإفرازاته‪ .‬تكرر املوقف نفسه جتاه االنتخابات األولى للمجلس التشريعي في سنة‬
‫‪ .1996‬إذا جاز لنا اتخاذ خبرة وجتربة العقد األول من عمر حماس‪،1996-1987 ،‬‬
‫مت الحق ًا‪ ،‬فإن جتربة حماس خالل أواخر العقد الثاني‪،‬‬ ‫معيار ًا يقاس بناء عليه ما ّ‬
‫وأوائل العقد الثالث من عمرها‪ ،2007-2005 ،‬تقول ما يستحق توقف ًا‪.‬‬

‫لي النسق املقاوم‪:‬‬


‫تهدئة ‪ 2005‬أو بدء ّ‬
‫لعل أولى املسائل التي كانت خارج النسق العام لسياق مسيرة حماس‪ ،‬هو‬
‫مشاركتها املقررة في اتفاق التهدئة الذي ُأجنز في ربيع ‪ 2005‬بالقاهرة‪ ،‬والذي‬
‫مازال مع ِّمر ًا نسبي ًا‪ .‬ورمبا ش ّكلت تهدئة سنة ‪ 2005‬إسهام ًا في جعل انسحاب‬
‫“إسرائيل” من غزة في صيف ‪ 2005‬هادئ ًا‪ .‬توقف الكثيرون أمام قيام حماس‬
‫في حينه‪ ،‬وضمن احتفاالتها بانسحاب “إسرائيل” من قطاع غزة‪ ،‬بإشهار أسماء‬
‫وإظهار صور قادة حماس امليدانيني في مختلف مناطق القطاع‪ .‬وإذ نظر البعض لتلك‬
‫اخلطوة على أنها إعالن انتهاء احلرب املفتوحة مع “إسرائيل” على جبهة قطاع غزة‪.‬‬
‫بينما نظر بعض آخر لتلك اخلطوة كتمهيد خلطوة أكبر تنوي حماس اتخاذها‪ ،‬وهي‬
‫املشاركة في انتخابات املجلس التشريعي سنة ‪ 2006‬وهو ما كان‪ .‬شاركت حماس‪،‬‬
‫وسواها من مقاطعي انتخابات دورة ‪ ،1996‬باستثناء حركة اجلهاد اإلسالمي‪ ،‬في‬
‫انتخابات ‪ .2006‬دون جدل حول ما إذا كان موقف ‪ 1996‬أم موقف ‪ 2006‬من‬
‫االنتخابات التشريعية هو الصحيح‪ ،‬ولكن املؤكد أن ما حدث سنة ‪ 2006‬يعاكس ما‬
‫حدث سنة ‪ .1996‬وبناء عليه‪ ،‬فإنه إذا كان أحد املوقفني صحيح ًا فاآلخر كان خاطئ ًا‪.‬‬
‫وال جنازف لو استنتجنا أيض ًا‪ ،‬أن تب ّد ًال الفت ًا في موقف حماس حدث‪ ،‬ليس على‬
‫صعيد املوقف من االنتخابات فحسب‪ ،‬بل أيض ًا على صعيد املقاومة حيث استبدلت‪،‬‬
‫ولو مؤقت ًا‪ ،‬باملقاومة والعمليات االستشهادية التهدئة املديدة نسبي ًا مع تلميحات بأن‬
‫تصير التهدئة هدنة لعشرات السنني‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫من حرب على الفساد والفاسدين إلى تعاون معهم‪:‬‬


‫مبا أن العبرة ليست في خطوة معتدلة معزولة هنا أو هناك‪ ،‬بل في السياق العام‬
‫لألحداث‪ ،‬فإننا نضيف للتهدئة وقرار املشاركة في االنتخابات خوض األخيرة حتت‬
‫اسم وبرنامج “اإلصالح والتغيير”‪ ،‬الذي فازت حماس على أساسه‪ .‬وعلى ما يالحظ‪،‬‬
‫خال اسم القائمة من تعبير املقاومة‪ ،‬والوعد مبزيد منها لصالح وعد مختلف‪ ،‬شكل‬
‫مضمون احلملة‪ ،‬أال وهو محاربة الفساد عبر شعار “االصالح والتغيير”‪ .‬رمبا‪ ،‬لو‬
‫كان عنوان املعركة “التغيير والتحرير واإلصالح” لبدا األمر أكثر توازن ًا مع اخلطاب‬
‫التاريخي حلماس‪.‬‬
‫ال ريب أن حكمة انتخابية كبيرة كانت وراء إيالء حماس ما أولته من أهمية حملاربة‬
‫الفساد‪ ،‬ألنها بذلك الشعار حاصرت فتح‪ ،‬كما ورثت‪ ،‬من خالل رفعه‪ ،‬جوهر اخلطاب‬
‫التاريخي لليسار‪ ،‬حيث احلضور الغالب للبعد االجتماعي عليه عادة‪ .‬تساءل البعض‪:‬‬
‫هل كان ذلك تكتيك ًا من حماس حملاصرة فتح ومصادرة خطاب اليسار‪ ،‬أم كان رسالة‬
‫سياسية من حماس للخارج تقول فيها إن مشاركتها في االنتخابات هو تعبير عن‬
‫حت ّول عميق في نظرتها واستراتيجيتها وبالتالي تب ّدل أولوياتها؟‪.‬‬
‫فازت حماس فوز ًا كبير ًا في انتخابات املجلس التشريعي حيث حصلت على‬
‫أغلبية فائضة‪ ،‬متكنها ولو منفردة من تشكيل احلكومة‪ ،‬ووضع برنامج “اإلصالح‬
‫والتغيير” موضع التطبيق العملي‪ .‬بد ًال من املضي في ذلك‪ ،‬سعت حماس إلى‬
‫تشكيل حكومة وحدة وطنية عموم ًا‪ ،‬ومبشاركة فتح خصوص ًا‪ .‬من ناحية‪ ،‬بدا‬
‫هذا األمر استجابة أمينة لتقليد فلسطيني راسخ في تشكيل هيئات تعكس وحدة‬
‫وطنية‪ ،‬ولكن من ناحية أخرى بدت الدعوة عجيبة‪ ،‬إذ كيف تقام حكومة لوضع ح ٍّد‬
‫للفساد‪ ،‬تشارك فيها فتح الطرف املتهم بالفساد‪ ،‬والذي كانت حماس قد شنت‬
‫عليه حملتها ض ّد الفساد!‬
‫ال يخطئ من يستنتج مما تقدم أنه إذا كان خطاب حماس األول‪ ،‬االصالحي ‪-‬‬
‫ض ّد الفساد‪ ،‬الذي كان خالل االنتخابات‪ ،‬صائب ًا‪ ،‬فإن اخلطاب الثاني‪ ،‬اإلئتالقي‪،‬‬
‫بعد النجاح في االنتخابات وخالل تشكيل احلكومة‪ ،‬كان خاطئ ًا‪ ،‬والعكس بالعكس‪.‬‬
‫وإذ ننتقل إلى تشكيل احلكومة األولى حلماس واحلوارات بشأنها واألسباب التي‬
‫حالت دون مشاركة فتح فيها‪ ،‬نكتشف أن الفشل في ذلك ال يرجع لالختالف حول‬
‫موضوع الفساد‪ ،‬الذي طوي‪ ،‬بل لالفتراق السياسي بني فتح وحماس‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ائتالف مستحيل في غزة ائتالف ممكن في مكة‪:‬‬


‫في حينه‪ ،‬عللت فتح رفضها املشاركة في حكومة حماس األولى بعدم توفر‬
‫املشترك السياسي بينهما‪ ،‬والذي ميكن بناء عليه جتنب احلصار املالي‪ .‬جرت نقاشات‬
‫ووساطات كثيرة لتوفير وفاق سياسي وقاسم مشترك بني الطرفني‪ ،‬ولعل أهم ما أجنز‬
‫على هذا الصعيد كان وثيقة األسرى ووثيقة اإلجماع الوطني‪...‬الخ من مقترحات‪،‬‬
‫تلغ كل الفوارق السياسية بني احلركتني‪ .‬ما تقدم صار ممكن ًا‬ ‫قربت املسافة لكنها لم ِ‬
‫بعد لقاء واتفاق مكة الذي و ّفر العناصر الالزمة لتشكيل حكومة وحدة وطنية أبصرت‬
‫النور خالل فترة معقولة بعد اتفاق مكة‪.‬‬
‫واحلال هذه فإنه إذا كان احل ّد السياسي األول‪ ،‬أي ما قبل اتفاق مكة‪ ،‬والذي لم‬
‫يكن كافي ًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية‪ ،‬هو الصائب سياسي ًا‪ ،‬فإن احل ّد السياسي‬
‫املع ّدل الحق ًا‪ ،‬املتضمن وثيقة األسرى في مرحلة أولى ووثيقة مكة املكرمة في مرحلة‬
‫ثانية‪ ،‬هو غير صائب سياسي ًا‪ ،‬والعكس بالعكس‪ .‬قد ال يكون من السهل االتفاق على‬
‫أي من الوضعني هو الصائب‪ ،‬وذلك تبع ًا لزاوية النظر لألمور‪ ،‬ولكن ما ال خالف حوله‬
‫هو أن تبد ًال سياسي ًا هام ًا حدث‪ ،‬سواء أكان التبدل من الصواب إلى اخلطأ أو من‬
‫اخلطأ الى الصواب‪ ،‬تبع ًا لزاوية النظر‪ ،‬واخللفية السياسية والفكرية للناظر‪.‬‬
‫لم يكن ما حدث في مكة خطوة معزولة‪ ،‬بل كان نقطة جديدة على اخلط الرئيسي‬
‫لألحداث‪ ،‬والتبدالت املتوالية فصو ًال على مواقف حماس خالل السنوات الثالث‬
‫األخيرة‪ .‬نستعيد في هذا السياق‪:‬‬
‫‪ .1‬التهدئة املع ِّمرة‪.‬‬
‫‪ .2‬املشاركة في انتخابات ‪ 2006‬مقابل مقاطعة انتخابات ‪.1996‬‬
‫‪ .3‬تقدمي شعارات اإلصالح والتغيير ومحاربة الفساد على شعارات املقاومة‬
‫والتحرير في انتخابات ‪.2006‬‬
‫‪ .4‬بعد الفوز‪ ،‬طويت شعارات اإلصالح وبدأ البحث عن قواسم مشتركة مع فتح‬
‫وسواها؛ لتشكيل حكومة وحدة وطنية‪ ،‬وتوفير برنامج قد يلقى قبو ًال من‬
‫الرباعية‪.‬‬
‫‪ .5‬إدخال مفردات جديدة إلى لغة حماس؛ كاملرحلية والتهدئة والهدنة والدولة في‬
‫الضفة والقطاع‪ /‬في حدود ‪.1967‬‬

‫‪27‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫اعتدال نـحو الصواب أم عن الصواب؟‬


‫بعض من أن “يفضي اعتدال حماس في طرحها إلى اقترابها من طروحات‬ ‫يتخوف ٌ‬
‫بعض آخر في التغيرات املشار لها في الفقرة السابقة تكرار ًا‬ ‫ٌ‬ ‫منافسيها”‪ ،‬كما يرى‬
‫حرفي ًا لـ“حالة التغير التي حتدث مع األحزاب واحلركات‪ ،‬وحتديد ًا حركات املقاومة‪،‬‬
‫عندما تنتقل من املعارضة إلى السلطة”؛ وهو ما يتطابق تقريب ًا مع الرأي املعروف‬
‫ملوريس دوفرجيه عن ميل األحزاب واألفراد لالعتدال تبع ًا لتقدم اخلبرة أو األعمار‪،‬‬
‫أي أنها تصبح أكثر محافظة‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫إن السؤال الذي يطرح نفسه واحلال هذه هو‪ :‬هل القول السابق هو لصالح‬
‫حركة حماس أم ض ّدها؟ هل حتمل تعبيرات “التغير” أو “االعتدال”‪ ...‬الخ معنى‬
‫التراجع عن اخلطأ أم عن الصواب؟ هل تشير إلى رخاوة وقابلية للعصر‪ ،‬أم إلى املرونة‬
‫واحلكمة؟ هل يجوز النظر إلى أطروحات اخلصوم واملنافسني على أنها ش ٌّر مطلق‪،‬‬
‫أم علينا أن نقرأها على نـحو تفكيكي مييز بني أطروحة وأخرى‪ ،‬ويقرأ كل موقف أو‬
‫ممارسة ارتباط ًا بالشروط الذاتية واملوضوعية التي أحاطت بها وأنتجتها‪.‬‬
‫تقع في هذا السياق أسئلة مثل‪ :‬هل كان التغير موضوعي ًا تسوغه التطورات‪ ،‬أم‬
‫فرضته الشروط واخلوف من العزلة والرغبة في االستمرار في احلكومة؟ لعل أخطر‬
‫األسئلة‪ ،‬والذي يوحي بالكثير‪ ،‬هو ما تردده أوساط حريصة على حماس ويقول‪ :‬هل‬
‫يستحق البقاء في احلكومة األثمان السياسية التي دفعتها حماس‪ ،‬وهل أجدى لها أن‬
‫تترك السلطة وتعود للتركيز على ّ‬
‫خطها املقاوم؟‪.‬‬
‫إن األسئلة املطروحة حساسة‪ ،‬وتقوم على فرضية هي أن حتو ًال جرى على صعيد‬
‫حماس‪ .‬عبث ًا نق ّيم الذي حدث ما لم نقرر منهج القراءة من ناحية‪ ،‬هل نـحن أمام تنظيم‬
‫أيديولوجي ال تنفع معه إال قراءة أيديولوجية‪ ،‬وبنا ًء ملعايير أيديولوجية وقاعدة احلقّ‬
‫بغض النظر عن ربح وخسارة آنيني‪ ،‬أم أننا أمام تنظيم سياسي ال جتوز‬ ‫ّ‬ ‫ض ّد الباطل‬
‫قراءته إال على نـحو سياسي وبنا ًء على معايير سياسية وقاعدة الربح واخلسارة‪ ،‬رغم‬
‫اخللفية‪ /‬االلتزام الديني الصريح لبرنامج وخطاب وممارسة حركة حماس؟‪.‬‬

‫حماس‪ :‬حركة أيديولوجية مجاهدة أم تنظيم سياسي مقاوم؟‬


‫يوجد أكثر من دليل على أن حماس‪ ،‬ورغم بداياتها ونشأتها وبرنامجها الديني‪ ،‬هي‬
‫تنظيم سياسي حتكم ممارسته معايير سياسية وضعية قابلة للقياس تسمح له باحلركة‬
‫والتحول استجابة للمعطيات املوضوعية‪ ،‬التي جندها حاضرة في القائمة التي أوردنا‬

‫‪28‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫فيها ما شهدته مواقف حماس من حتوالت ومخارج من هذا املأزق أو ذاك‪ .‬وباملعنى‬
‫املشار إليه‪ ،‬فإن قراءة صائبة ملسيرة حماس تستدعي الوقوف أمام كل خطوة اتخذتها‪،‬‬
‫ثم أخذت عكسها في مرحلة الحقة‪ ،‬مثل املوقف من انتخابات املجلس التشريعي سنة‬
‫‪ ،1996‬والذي يختلف عن موقف سنة ‪ .2006‬لقد كان األول صائب ًا ارتباط ًا بالشروط‬
‫الذاتية واملوضوعية السائدة حينذاك‪ ،‬أما موقف سنة ‪ ،2006‬فكان صائب ًا بدوره‪ ،‬برأي‬
‫حماس‪ ،‬وذلك ارتباط ًا بالشروط الذاتية واملوضوعية السائدة سنة ‪.2006‬‬
‫ثمة ضرورة إلستدراكني‪ ،‬أولهما أن الطبيعة امللتبسة حلماس‪ ،‬وعما إذا كانت‬
‫تنظيم ًا أيديولوجي ًا أم تنظيم ًا سياسي ًا‪ ،‬تفسر لنا أن معظم االنتقادات التي توجه‬
‫حلراك حماس السياسي‪ ،‬تأتي من أوساط محسوبة على حماس‪ ،‬وترى في األخيرة‬
‫تنظيم ًا أيديولوجي ًا يجب أن يتقيد بصراط مستقيم ال يحيد عنه‪ .‬أما االستدراك الثاني‪،‬‬
‫فهو أن اخلالف داخل حماس ال يقع بني الداخل واخلارج‪ ،‬كما يقال‪ ،‬بل بني من يرون‬
‫في حماس تنظيم ًا أيديولوجي ًا مجاهد ًا‪ ،‬وبني من يروها تنظيم ًا سياسي ًا مقاوم ًا‪.‬‬
‫إن أسئلة مثل‪ :‬هل يستحق البقاء في احلكومة األثمان السياسية التي دفعتها حماس؟‬
‫خطها املقاوم؟ وكذلك‬ ‫وهل من األجدى حلماس أن تترك السلطة‪ ،‬وتعود للتركيز على ّ‬
‫احلديث عن “الرغبة في االستمرار في احلكومة”‪ ،‬توحي بأن دخول احلكومة يعكس‪،‬‬
‫كلي ًا أو جزئي ًا‪ ،‬رغبات ومصالح أنانية‪ ،‬وأنه املسؤول عن أزمة العمل املقاوم في حماس‪.‬‬
‫واقع األمر أن العكس صحيح‪ ،‬وهذا ما جنده في أن الدعوة وإعالن التهدئة سنة ‪2005‬‬
‫سبقت االنتخابات‪ ،‬ودخول احلكومة سنة ‪ 2006‬بحوالي عام‪ .‬رمبا هنالك من قد يساجل‬
‫ال بأن قرار التهدئة كان متهيد ًا أو تسهي ً‬
‫ال للمشاركة في االنتخابات‪ ...‬إلخ!‪.‬‬ ‫قائ ً‬

‫هل واجهت حماس خطر اإلبادة؟‬


‫احلر املتبادل بني العسكري والسياسي على النحو‬
‫ّ‬ ‫لم متلك حماس ترف التوظيف‬
‫الذي يوحي به البعض‪ .‬لقد كانت تهدئة سنة ‪ 2005‬على خلفية الضربات القاسية التي‬
‫تعرضت لها حماس‪ ،‬وخصوص ًَا خالل السنوات القليلة التي سبقت ذلك القرار‪ .‬لم‬
‫توجه الضربات للجهاز العسكري فقط‪ ،‬بل طالت املستوى السياسي أيض ًا‪ .‬لقد اعتقل‬
‫أو اغتيل منذ ‪ 2001‬أبرز قادة حماس في الضفة مثل القادة الشهداء؛ جمال منصور‪،‬‬
‫وجمال سليم‪ .‬استهدفت أعمال القتل اإلسرائيلية في غزة خالل ‪ ،2004–2002‬مؤسس‬
‫حماس وزعيمها الشهيد الشيخ أحمد ياسني‪ ،‬وأربعة من قادة غزة‪ ،‬وهم الشهداء‪ :‬عبد‬
‫العزيز الرنتيسي‪ ،‬وإسماعيل أبو شنب‪ ،‬وإبراهيم مقادمة‪ ،‬وصالح شحادة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫واحلال هذه‪ ،‬فإننا أمام مدخلني لقراءة حتوالت حماس منذ سنة ‪ 2005‬وصعود ًا؛‬
‫مدخل سهل يحيل كل شيء إلى الرغبة في السلطة واحلكم‪ ،‬مقابل مفهوم تاريخي‬
‫يضع األحداث في سياقاتها املوضوعية وأسبابها احلقيقية‪ .‬مفهوم يستوعب أسئلة‬
‫مثل‪ :‬ملاذا صارت األمور بعد ‪ 2001/9/11‬أكثر دموية واستهداف ًا للقادة السياسيني؟‬
‫ملاذا كان توقيت طرح التهدئة وقبولها في سنة ‪ 2005‬واملشاركة في االنتخابات في‬
‫‪2006‬؟ دون إطالة‪ ،‬كانت حماس تواجه خطر إبادة بكل ما حتمل الكلمة من معنى‪،‬‬
‫وكانت مسؤولية قيادتها مواجهة هذه املرحلة دون حماسة زائدة أو انفعال فائض‪.‬‬
‫وإذا ما انطلقنا من هذا املدخل‪ /‬املفهوم التاريخي فإننا نضع هدنة سنة ‪2005‬‬
‫في مكانها الصحيح‪ ،‬كخطوة ارتأت قيادة حماس أنها ضرورية الستيعاب خطة‬
‫جهنمية إلبادتها‪ .‬تقع في السياق نفسه مشاركة حماس في االنتخابات التشريعية‬
‫سنة ‪ ،2006‬والتي كانت جلملة أسباب يأتي في رأسها حتصني أمن احلركة‪ ،‬من‬
‫خالل الشرعية االنتخابية في مرحلة أولى والشرعية احلكومية في مرحلة تالية‪ .‬ثمة من‬
‫مستها بعمق على ما هو معروف‪،‬‬ ‫يستهني بالشرعيات املذكورة‪ ،‬نظر ًا ألن “إسرائيل” ّ‬
‫لكن‪ ،‬وعلى ما هو معروف أيض ًا‪ ،‬كان ميكن أن يكون املساس بها أش ّد دون وجود‬
‫الشرعيات املشار لها‪.‬‬
‫لم تكن حماس تقاتل على اجلبهة اخلارجية فقط‪ ،‬بل على اجلبهة الداخلية‪ ،‬وض ّد‬
‫تطل برأسها‪ ،‬بني الفترة واألخرى‪ ،‬حاصدة عشرات‬ ‫ّ‬ ‫خطر حرب أهلية فلسطينية‬
‫القتلى واجلرحى أيض ًا‪ .‬تتعدد أسباب احلال املشار له‪ ،‬ولكن التوتر زاد كثير ًا بعد‬
‫خسارة فتح للسلطة‪ .‬أزعم أن أحد أبرز األسباب وراء عدم مضي حماس في تطبيق‬
‫برنامجها لإلصالح والتغيير والفتح اجلدي مللفات الفساد‪ ،‬كان عدم رغبة حماس في‬
‫صب مزيد من الزيت في طاحونة محفزات احلرب األهلية الفلسطينية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫تقييم‪:‬‬
‫عرضنا في األقسام السابقة جملة التحوالت التي تعرضت لها حماس‪ ،‬خالل‬
‫الفترة التي مضت‪ ،‬وهو ما يسمح لنا بتسجيل التقييم التالي لتجربة حماس عموم ًا‬
‫وفي السلطة خصوص ًا‪:‬‬
‫‪ .1‬يسجل حلماس قدرتها على حفظ البقاء واالستمرارية والنمو‪ ،‬بحيث أضحت‬
‫الظاهرة األكبر في احلركة السياسية الفلسطينية الراهنة‪ ،‬وهو ما كان ليت ّم‬
‫لوال األداء عالي املستوى حلماس‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .2‬أضافت حماس عبر فوزها في االنتخابات التشريعية شرعية دستورية إلى‬


‫شرعية ثورية كانت تتمتع بها‪ .‬متكنت أيض ًا من حفظ انتصارها االنتخابي؛‬
‫فشكلت حكومتها األولى منفردة‪ ،‬والتي استمرت إلى أن استبدلت بحكومة‬
‫وحدة وطنية ترأستها حماس أيض ًا‪.‬‬
‫‪ .3‬عقد اتفاق مكة وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة حماس منح األخيرة‬
‫وحكومتها اعتراف منافسها الرئيسي‪ ،‬فتح‪ ،‬بقيادتها للحكومة والعمل‬
‫الوطني الفلسطيني‪ ،‬ناهيك عما أضافه اتفاق مكة لها من اعتراف بوجودها‬
‫وشرعيتها من قبل أكثر من مركز سياسي عربي ودولي‪.‬‬
‫‪ .4‬قدمت حماس للمجلس التشريعي واحلكومة‪ ،‬نخبة من الكفاءات العلمية‬
‫العالية‪ ،‬واملتخرجة من أفضل اجلامعات العاملية‪ ،‬وهو ما كان رد ًا على‬
‫اعتقاد شائع بأن العكس سيحدث‪.‬‬
‫‪ .5‬على الرغم من احلصار االقتصادي‪ ،‬والذي كان البعض ينتظر أن يكون‬
‫سبب ًا في إسقاط حكومة حماس في الشارع‪ ،‬متكنت حماس من وضع‬
‫األمور في نصابها من ناحية أن “إسرائيل” والرباعية هما املسؤولتان‬
‫عن األزمات األمنية السياسية‪ ،‬واالقتصادية واالجتماعية التي يعاني منها‬
‫الفلسطينيون‪.‬‬
‫ّ‬
‫الرف؛ ألن الظروف‬ ‫‪ .6‬وضعت حكومة حماس برنامجها لإلصالح والتغيير على‬
‫ال تسمح مبزيد من تفجير وضع متفجر مع فتح‪ ،‬ناهيك عن استحالة خوض‬
‫معركتي احلصار والفساد في آن‪.‬‬
‫ال عن‬‫‪ .7‬كانت حماس تدرك أنها تتعرض خلطر اإلبادة من “إسرائيل”‪ ،‬فض ً‬
‫خطر احلرب األهلية التي تواجهها‪ .‬ش ّكل هذان اخلطران ناظم سلوك‬
‫حماس‪ ،‬التي ناورت على نـحو كفء الستيعاب وتفويت ما كان يخطط لها‬
‫من ضربات بأقل اخلسائر املمكنة‪.‬‬
‫‪ .8‬إن ما اتخذته حماس من إجراءات ومواقف في املوقع اجلديد أي احلكومة‪ ،‬لم‬
‫يكن من أجل احلكومة وهدف البقاء فيها‪ ،‬بل كانت تلك اإلجراءات واملواقف‪،‬‬
‫مبا فيها دخول االنتخابات واحلكومة وإعالن التهدئة‪ ،‬من أجل بقاء وحماية‬
‫حماس نفسها من خطر جسيم وليس العكس‪.‬‬
‫‪ .9‬ينطبق ما تقدم على سؤال من نوع؛ هل يستحق البقاء في احلكومة األثمان‬
‫السياسية التي دفعتها‪ ،‬وهل من األجدى حلماس أن تترك السلطة‪ ،‬وتعود‬

‫‪31‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫للتركيز على خطها املقاوم؟ لم تكن األثمان السياسية املدفوعة من أجل‬


‫احلكومة‪ ،‬بل كانت ومعها دخول احلكومة من أجل تعزيز حصانة حماس‬
‫ال عن هذا وذاك‪ ،‬فإن التذرع بالعودة إلى املقاومة من أجل‬ ‫وحمايتها‪ .‬فض ً‬
‫الدعوة لترك السلطة‪ ،‬يتجاهل حقيقة أن الهدنة لم تكن قبل دخول احلكومة‬
‫فحسب‪ ،‬بل قبل االنتخابات التشريعية أيض ًا‪.‬‬
‫‪ .10‬في إطار املناورة السياسية الدفاعية املشروعة والواجبة ميكن النظر الى ما‬
‫طرأ من تغيير‪ ،‬يبدو مبعايير أيديولوجية مجردة تراجع ًا في حني أنه ومبعايير‬
‫األداء السياسي القائم على الربح واخلسارة‪ ،‬خطوة تكتيكية محسوبة‬
‫ملواجهة ظروف وتطورات محتملة صعبة‪ ،‬وال ب ّد من املناورة لتفويتها‪.‬‬
‫‪ .11‬لقد أملت ظروف معينة التهدئة‪ ،‬والتي ال ب ّد وأن تستمر ما دام ثمة مصلحة‬
‫في استمرارها أو أن الظروف التي أملتها مازالت قائمة‪ .‬إن القرار واحلكم‬
‫بشأن مصير التهدئة هو رهن حسابات دقيقة ال ب ّد أن يجريها من هو على‬
‫بينة كافية منها‪ .‬من نافل القول إن وتيرة العمل املقاوم ليس في سنة ‪2006‬‬
‫قرت التهدئة‪ ،‬هي دون ما كانت عليه‬ ‫فقط‪ ،‬بل في سنة ‪ 2005‬أيض ًا‪ ،‬ومنذ ُأ ّ‬
‫في األعوام السابقة‪ .‬إن السؤال الذي يطرح نفسه واحلال هذه هو‪ :‬إذا كان‬
‫عطل عمل سواها‬ ‫عطل عمل حماس املقاوم‪ ،‬فما الذي ّ‬ ‫دخول احلكومة قد ّ‬
‫ممن لم يدخل احلكومة يوم ًا؟‍‍!‪.‬‬
‫‪ .12‬تواجه حماس معضلة ثنائية برنامجي السلطة واملقاومة‪ ،‬واستحالة عملية‬
‫اجلمع بينهما‪ .‬ويبقى السؤال الذي تردد آنف ًا قائم ًا‪ :‬هل كان دخول السلطة‬
‫هو سبب أزمة العمل املقاوم‪ ،‬أم أنها بدأت قبل ذلك‪ ،‬بل‪ ،‬قبل والدة حماس‬
‫سنة ‍‪ !1987‬إن قبول هذا الرأي يستدعي البحث ملي ًا في أزمة العمل‬
‫ومتس تطال اجلميع وليس حركة حماس أو فرقاء السلطة فقط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املقاوم‪،‬‬
‫‪ .13‬إننا في حاجة إلى الفكرة التي تقول بضرورة تدقيق السؤال مبقدار تدقيق‬
‫اجلواب‪ .‬أقول هذا الكالم حتت مفعول أسئلة من نوع‪ :‬هل ميكن تطوير‬
‫السلطة الى “سلطة مقاومة”؟ أزعم أننا بحاجة أو ًال إلى تطوير “السلطة”‬
‫احلالية إلى سلطة فعلية أيض ًا قبل تكليفها باملقاومة‪.‬‬
‫‪ .14‬ثمة فكرة ضاغطة جندها في سؤال‪ :‬هل ميكن تطوير برنامج املقاومة في‬
‫ظل املشاركة في السلطة‪ ،‬أم أنه يستوجب اخلروج منها؟ أرجو تذكر حقيقة‬ ‫ّ‬
‫أن التهدئة‪ ،‬بوصفها تعبير ًا عن أزمة املقاومة‪ ،‬كانت قبل ولوج حماس‬

‫‪32‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مست أيض ًا من لم تطأ رجله‬ ‫السلطة بحوالي عام‪ .‬كما ونذكر بأن األزمة ّ‬
‫أرض جنة املجلس التشريعي أو تراب فردوس احلكومة العتيدة‪ .‬ليت مركز‬
‫الزيتونة يبادر إلى تخصيص معضلة السلطة واملقاومة بندوة خاصة بها‪،‬‬
‫كجزء من توصيف عالجي ألزمة العمل املقاوم‪.‬‬
‫متس األزمة املقاومة فقط بل التسوية أيض ًا‪ .‬وال يجازف من يقول إن‬‫ّ‬ ‫‪ .15‬ال‬
‫السؤال الواجب ليس حول ما إذا كانت التسوية جائزة أو عادلة أم ال‪ ،‬بل‬
‫حول هل كان في يوم من األيام من تسوية مطروحة على اجلبهة الفلسطينية؟‬
‫دون تناقض مع النقطة السابقة‪ ،‬يجب مالحظة أن املناورة اجلارية حتت‬
‫عنوان التسوية لم تعد تدور حول تسوية في فلسطني‪ ،‬بل حول تسوية في‬
‫الضفة الغربية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ُمع ّقب أول‪:‬‬


‫دوائر اجلدل‬
‫‪5‬‬
‫محمود حيدر‬

‫تتصف املداخلتان بطابع التوصيف والتحليل الظرفي أكثر مما ترصدان العوامل‬
‫البعيدة‪ ،‬التي يولّدها احلدث الفلسطيني‪ ،‬سواء كان هذا احلدث الذي حصل قبل‬
‫بضعة أسابيع‪ ،‬أو ذاك املمتد منذ ما قبل توقيع اتفاق أوسلو‪ .‬هناك عناصر مشتركة‬
‫بني الورقتني‪ ،‬وهي عناصر تسعى إلى اإلحاطة قدر اإلمكان‪ ،‬مبا سبق وأشرت إليه‪،‬‬
‫فيما يتعلق بتوصيف مسار األحداث‪ .‬هناك بتقديري نقطتان مركزيتان جرى التطرق‬
‫إليهما بطريقة عارضة‪ ،‬وهما على جانب مهم من التأثير‪ ،‬وقد يشكالن نقطة انطالق‬
‫في احلديث عن استراتيجية فلسطينية جديدة‪:‬‬
‫اجلانب األول‪ :‬هو أن احلادث اآلن في فلسطني يدخل‪ ،‬دخو ًال ب ّين ًا وعميق ًا مبا‬
‫ميكن أن نس ّميه باجليوستراتيجيا اإلقليمية والدولية‪ .‬وتفترض واقعية النظر إلى‬
‫املنطق اإلجمالي‪ ،‬الذي يحكم حركة موازين القوى على الصعيد الدولي‪ ،‬أنه ال ميكن‬
‫الكالم عن أي توجه‪ ،‬أو رسم أي برنامج لهذه القوة أو تلك‪ ،‬أو هذه السلطة أو تلك‬
‫من دون األخذ باالعتبار‪ ،‬جدلية اآلثار اجليوسياسية في تعيني اجتاهات الواقع‬
‫الفلسطيني وشروط تطوره‪ .‬فالعامل اإلقليمي‪ ،‬وكذلك الدولي‪ ،‬هما عامالن يفترضان‬
‫حت ّكم ًا تفصيلي ًا في كل ما يجري في املنطقة‪ ،‬ولسوف تشتد عملية التحكم هذه‪،‬‬
‫خصوص ًا بعد أحداث ‪ 11‬أيلول‪ /‬سبتمبر‪ ،‬والوجود العسكري االستراتيجي املباشر‬
‫للقوة األعظم‪ ،‬وهي الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬التي تتدخل بأدقّ التفاصيل‪ ،‬فض ً‬
‫ال‬
‫عن احلالة االستثنائية التي تعيشها القضية الفلسطينية في مواجهة العدو االستثنائي‬
‫“إسرائيل”‪.‬‬
‫أما اجلانب اآلخر‪ ،‬واملتعلق بتجربة حماس‪ ،‬فيمكن القول إن حركة املقاومة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬بلغت حقل السلطة في ظرف انتقالي شديد احلساسية والتعقيد‪ .‬أي‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 5‬رئيس حترير مجلة مدارات غربية‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫في اللحظة التي لم ُينجز فيها التحرير الوطني بعد‪ ،‬كل ما ُأجنز هو اتفاق سياسي‬
‫أوجد للحركة الوطنية الفلسطينية أرض ًا سياسية‪ ،‬وهو بالضبط ما ميكن أن نسميه‬
‫“اجليوبولوتيكا الفلسطينية” التي أسفر عنها اتفاق أوسلو‪ .‬هذا الواقع جرى التعامل‬
‫معه من جانب حماس في البداية بالكثير من االرتباك‪ ،‬وكذلك األمر من جانب القوى‬
‫الفلسطينية املعارضة‪ ،‬لقد كانت املعادلة صعبة‪ .‬وكان السؤال الذي طرحته قوى‬
‫أمر واقع جاء به اتفاق‬ ‫املقاومة على نفسها‪ ،‬هو التالي‪ :‬كيف ميكن لنا التعامل مع ٍ‬
‫ال؟ وبالتالي هل تنسحب هذه القوى أم ينبغي لها أن متضي بعيد ًا في‬ ‫رفضناه أص ً‬
‫تفاصيل هذا االتفاق؟‪.‬‬
‫الواقع أن حماس تعاملت مع اتفاق أوسلو بشيء من الرؤية املر ّكبة‪ ،‬فمن جهة‬
‫أخذت باجلانب البراجماتي؛ حيث تعاملت مع تأسيساته السياسية بإيجابية الواقعية‬
‫متمسكة باجلانب األيديولوجي الرافض لهذا االتفاق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املتك ّيفة‪ ،‬ومن جهة أخرى ظلّت‬
‫لكن بعد عقد من الزمن تب ّينت آثار وتعقيدات هذه املفارقة بصورة واضحة‪ ،‬فهذا‬
‫االتفاق بقدر ما ولّد جغرافيا سياسية فلسطينية متارس القوى الفلسطينية أفعالها‬
‫السياسية عليها‪ ،‬فإنه أسس‪ ،‬وألول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية‪ ،‬إطار ًا جغرافي ًا‬
‫ميارس الفلسطينيون عليه مباشرة تفاعلهم وحراكهم السياسي‪ .‬وهذا ما ولّد بالفعل‬
‫ال خصيب ًا إلمكان حتويل الصراع السياسي الدميوقراطي إلى‬ ‫ما ميكن أن ُيع ّد حق ً‬
‫حرب أهلية‪ ،‬محورها النزاع على السلطة‪.‬‬
‫على كل حال‪ ،‬رمبا كان املخططون التفاق أوسلو يريدون أن يصلوا إلى هذه‬
‫النتيجة التي وصلت إليها‪ .‬فلو كانت حركتا فتح وحماس في أي مكان آخر‪ ،‬رمبا لم‬
‫يكن األمر ليصل إلى هذا احل ّد من االحتدام األهلي املسلّح‪ ،‬إذ ألول مرة تقع احلركة‬
‫الوطنية الفلسطينية في دراما “حرب أهلية”‪ ،‬ما كانت لتنفجر على هذا النحو‪ ،‬لوال أن‬
‫الكل على “يقني” أنها أرض الدولة الفلسطينية املفترضة‪.‬‬ ‫أرض بات ُّ‬‫ٌ‬ ‫توافرت لها‬
‫مت عموم ًا‪ ،‬بشكل قيمي أخالقي‬ ‫أنا أتصور أن التعامل مع رؤية أو جتربة حماس‪ّ ،‬‬
‫من دون النظر إلى العوامل الواقعية التي حتكمها‪ .‬وبتقديري إنه إذا كان ال ب ّد من‬
‫كالم على مخرج ما‪ ،‬فال ب ّد من العمل على صياغة نوع من التالؤم واملصاحلة بني‬
‫فكر حماس األيديولوجي‪ ،‬واحلراك السياسي التقليدي الذي َأ ِل َفتْه احلركة الوطنية‬
‫الفلسطينية منذ والدتها املعاصرة‪ ،‬وحتديد ًا العمل على تفعيل الشرعية الرمزية‬
‫التي تأسست عليها منظمة التحرير‪ .‬لقد كانت منظمة التحرير الفلسطينية بالنسبة‬

‫‪35‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫للفلسطينيني بنية رمزية ومعنى أكثر من كونها مؤسسة‪ .‬واآلن ال ب ّد من العودة إلى‬
‫املعنى واملؤسسة مع ًا وتفعيلهما‪ ،‬على قاعدة تعددية القوى ومبدأ املشاركة‪.‬‬
‫كان االستئثار السياسي في مراحل سابقة ظاهرة متعلقة بـ“فتح” بالدرجة األولى‪،‬‬
‫بقطع النظر عن األسباب املوضوعية واخلاصة امل ُفضية إلى ذلك‪ .‬لكن مع التموضع‬
‫ضمن جغرافية السلطة التي جاء بها اتفاق أوسلو حت ّول إلى استئثار من نوع‬
‫آخر‪ ،‬تعكسه ثنائية فتح وحماس‪ ،‬أما بقية القوى الفلسطينية سواء كانت فصائل‬
‫سياسية أو مجتمع مدني‪ ،‬فكانت مغيبة تغييب ًا شبه كامل عن مركزية وصناعة القرار‬
‫السياسي‪ .‬وهنا لن تتسع املساحة في عجالة كهذه لتفصيل ما نذهب إليه‪ .‬وسنتركه‬
‫إلى فرصة أخرى‪.‬‬
‫لكنني أتصور أن هذه النقاط العامة الكلية التي ذكرناها‪ ،‬قد تفتح نقاش ًا ضروري ًا‬
‫حول موضوع ارتباط احلدث الفلسطيني مبحيطه اجليو ‪ -‬استراتيجي‪ ،‬حتديد ًا فيما‬
‫يتعلق بإشكالية الكالم عن الزمن السياسي‪ ،‬الذي ُيفترض أن تسعى حماس في غضونه‬
‫وثناياه ملا ُيفترض أن تفعله‪ ،‬أي مبا يتطابق مع شروط العمل الوطني الفلسطيني‪،‬‬
‫احملاط بكمية هائلة من تعقيدات الظروف اجلديدة املتصلة بتطورات الصراع العربي‬
‫شك أن الزمن السياسي الضاغط الذي تعيشه كل من حماس وفتح‪،‬‬ ‫اإلسرائيلي‪ .‬ال ّ‬
‫ظل هذا االحتدام الذي تعيشه املنطقة ويعيشه العالم‪،‬‬ ‫ال مي ّكنهما من العمل براحة في ّ‬
‫هناك شروط واقعية يجب أن تُستدرك وتؤخذ باالعتبار‪ .‬هذا يعني أن أي استراتيجية‬
‫فلسطينية مقبلة يجب أن تلحظ احلقائق اجلديدة التي تعيشها املنطقة والعالم‪ ،‬مبا‬
‫هي عليه من احتدام استراتيجي بني مشروع املقاومة والتحرير واملمانعة‪ ،‬ومشروع‬
‫ال قد أدرنا الظهر‬ ‫الهيمنة واحلروب املفتوحة على العرب واملسلمني‪ .‬وإال نكون فع ً‬
‫جلوهر املواجهة مع املشروع اإلسرائيلي األمريكي في حلظة جنونه القصوى‪.‬‬
‫ظل‬‫إن الكالم عن عودة حماس إلى املقاومة املسلحة‪ ،‬ومغادرة لعبة السلطة في ّ‬
‫االنقسام احلا ّد للوضع الفلسطيني حتت االحتالل‪ ،‬هو كالم يجانب التعقل مثلما‬
‫يجانب فهم حقائق الصراع الراهن على فلسطني‪ .‬بل يجوز القول إن تخلي حماس‬
‫عما قطعته إلى اآلن‪ ،‬على الرغم من كل الشوائب واملالحظات التفصيلية‪ ،‬هو أدنى‬
‫إلى خطيئة سياسية استراتيجية منه إلى مراجعة أخالقية ال طائل منها‪ .‬وهو ما‬
‫كان يدعوها إليه كثيرون من حكومات وأحزاب ومثقفني‪ ،‬بصرف النظر عن حسن‬
‫النيات أو سوئها‪ ،‬ال ب ّد إذن من االنطالق من النقطة التي بلغتها وتوقفت عندها‬

‫‪36‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ّ‬
‫احملل الذي وصلت إليه حركة األحداث‪ ،‬والتعامل‬ ‫املواجهات‪ .‬وبالتالي‪ ،‬التحرك من‬
‫برؤية قوامها أن العمل الفلسطيني املقبل ال ميكن أن يكون إال ضمن دائرة متعددة‬
‫األقطاب‪ ،‬يشترك فيها املجتمع املدني مع سائر القوى الفلسطينية‪ ،‬والعمل على‬
‫حتصني استراتيجية الكفاح الفلسطيني على قاعدة التحرير واالستقالل الوطني‪ ،‬مع‬
‫ما تفترضه هذه الرحلة الشاقة من فضيلة كظم الغيظ‪ ،‬وممارسة الصبر السياسي‪،‬‬
‫والتخلي عن هذه االحتقانات‪ ،‬والعودة إلى احلوار وصو ًال إلى رأب الصدع احلاصل‪،‬‬
‫وحتقيق اإلجماع الوطني‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املداخالت‬
‫جواد احلمد‪:‬‬
‫هناك بعض املسائل في مسار حماس السياسي لم يت ّم التطرق إليها في احلديث‪،‬‬
‫وأعتقد أنها من املسائل املهمة في تقييم املسار‪ ،‬وميكن أن ترسم معالم املرحلة‬
‫القادمة ملا فيه مصلحة اجلميع‪ .‬املسألة األولى‪ :‬كيف تعاملت حكومة حماس وحماس‬
‫مع شروط اللجنة الرباعية‪ ،‬هناك آليات اعت ُِم َدت‪ ،‬وتصريحات ُأطلقت‪ ،‬ومواقف ُأخذت‪،‬‬
‫آمل أن يت ّم توضيحها‪ .‬املسألة الثانية‪ :‬هي التعامل مع اتفاقات أوسلو عملي ًا‪ ،‬صحيح‪،‬‬
‫أن املداخلة األولى لألستاذ سامي حتدثت عن جدلية أن أوسلو انتهت أو لم تنته‪ ،‬لكن‬
‫في الواقع جند أن الكثير من التطبيقات‪ ،‬الواقعية‪ ،‬العملية هي تطبيقات اتفاقيات‬
‫أوسلو‪.‬‬
‫كيف تعاملت حماس سياسي ًا مع هذا املوضوع؟ وهل جنحت أم لم تنجح؟ ثم‬
‫موضوع التفاوض السياسي مع “إسرائيل”‪ ،‬الذي واجه حركة حماس بشكل مبكر‪،‬‬
‫وكان سؤا ًال صعب ًا‪ ،‬لم يت ّم حلّه إال من خالل وثيقة االتفاق الوطني بعد عدة أشهر من‬
‫استالم احلكم‪ .‬كيف تعاملت حماس معه‪ ،‬وأين وصل؟ ما هي العبر املستفادة من‬
‫مت حتقيق إجناز تاريخي في الساحة الفلسطينية‪ ،‬وهو التوصل إلى‬ ‫هذا؟ أيض ًا‪ّ ،‬‬
‫برنامج سياسي عند احل ّد األدنى في ثالث محطات رئيسة ال ميكن إنكارها؛ احملطة‬
‫األولى‪ :‬كانت إعالن القاهرة وهو قبل استالم حماس للحكومة‪ ،‬ولكنه تزامن مع بدايات‬
‫الصعود لالنتخابات البلدية الفلسطينية‪ ،‬والثانية‪ :‬كانت وثيقة الوفاق الوطني‪ ،‬التي‬
‫شكلت أيض ًا جامع ًا فلسطيني ًا مشترك ًا وجديد ًا‪ ،‬وألول مرة‪ ،‬خصوص ًا وأنها ضمت‬
‫تيار ًا إسالمي ًا مع التيار الوطني اآلخر‪ .‬احملطة الثالثة‪ :‬كانت في اتفاق مكة عندما‬
‫ّ‬
‫بغض النظر عن التقييم‬ ‫حتولت وثيقة الوفاق الوطني إلى آلية عمل قبل اتفاق مكة‪،‬‬
‫مت في‬‫التفصيلي التطبيقي الحق ًا‪ ،‬نـحن نتكلم عن املضمون العام‪ .‬هذا إجناز كبير ّ‬
‫الساحة الفلسطينية كبرنامج سياسي عند احل ّد األدنى‪ ،‬لم يت ّم التطرق إليه‪ ،‬وكيف‬
‫كان أداء حماس فيه‪.‬‬
‫األمر اآلخر إن برنامج احلكومة الفلسطينية األولى في عهد حماس (وهي احلكومة‬
‫العاشرة)؛ لوحظ فيها مالحظتان رئيسيتان‪ ،‬املالحظة األولى‪ :‬أنها لم تطرح برنامج ًا‬

‫‪38‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أيديولوجي ًا في برنامجها الكلي في املجلس التشريعي‪ ،‬وهي مفارقة تاريخية في غاية‬


‫األهمية جتاه التيار اإلسالمي السياسي املستنير‪ ،‬الذي أصبح يتقدم للحكم‪ ،‬يجب أن‬
‫نتوقف عنده كثير ًا‪ ،‬وننظر هل حماس طالبان‪ ،‬كما كان البعض يشير في كثير من‬
‫الكالم‪ ،‬أم أن حماس هي شيء جديد في التيار اإلسالمي السياسي املستنير‪ ،‬ينبغي‬
‫أن ننظر إليه نظرة مبيزان جديد؟‪.‬‬
‫ثم موضوع األسلمة التي طرحت في فكر حماس األول منذ انطالقتها سنة‬
‫‪ ،1988/1987‬الحظنا أن برنامج احلكومة قد غاب عنه ذكر ذلك‪ ،‬بل إنها لم تقم‬
‫مبحاربة رموز مهمة جد ًا تتناقض معها في اجلانب الديني باملطلق‪ ،‬ولم تقف عندها‬
‫كثير ًا‪ ،‬ليس فقط في ملفات الفساد‪ ،‬بل حتى في امللفات الدينية‪ ،‬ويع ّد هذا أيض ًا‬
‫مؤشر ًا مهم ًا في كيفية أداء حماس السياسي‪ ،‬أعتقد أنه كان يجب أن يؤخذ بعني‬
‫االعتبار في التقييم؛ سواء من قبل األستاذ سامي خاطر بصفته عضو املكتب‬
‫السياسي حلركة حماس‪ ،‬أو األستاذ حسني أبو النمل بوصفه مراقب ًا وخبير ًا قدمي ًا‬
‫في الساحة الفلسطينية‪ .‬هناك سؤاالن أريد أن أضيفهما إلى املوضوع‪ :‬ما هي‬
‫الدروس والعبر التي استقتها حماس في العام املاضي (‪ ،)2006‬أي العام األول‬
‫للحكومة العاشرة‪ ،‬وما هي أبرز هذه املعالم التي استفادت منها السلطة؟ ما هي‬
‫أهم مالمح املسار السياسي املتوقع حلماس خالل املرحلة القادمة في ضوء هذه‬
‫الدروس؟‪.‬‬
‫النقطة ما قبل األخيرة تتعلق باعتقادي بأن وصول حركة حماس إلى السلطة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬كان حلظة تاريخية مهمة جد ًا في منع االنزالق احلا ّد للقضية الفلسطينية‪،‬‬
‫ظل ضعف املقاومة السياسية‬ ‫إذ كانت ستعاني من تصفية حقيقية‪ ،‬في تلك اللحظة‪ ،‬في ّ‬
‫ظل ضعف‬ ‫مت من تنازالت‪ ،‬وإن كان هناك بعض احملافظني‪ ،‬وفي ّ‬ ‫داخل حركة فتح ملا ّ‬
‫ال في وجه‬ ‫فصائل املقاومة األخرى املشاركة في مشروع التحرير‪ ،‬وفي أن تقف أص ً‬
‫فتح‪ ،‬باستثناء انتقادات عامة هنا وهناك‪ ،‬لم تفعل هذا ملا لها من مصالح مرتبطة‬
‫بفتح؛ مما يجعلها غير قادرة على أن توقفها عند حدها‪ .‬فانتقال القيادة من فتح إلى‬
‫حماس في احلكومة الفلسطينية‪ ،‬أوقف هذا التيار املد ّمر الذي كان قادم ًا للقضية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬وهو ما يشير إليه اإلخوة في حماس‪ .‬أيض ًا‪ ،‬وضوح نهج املقاومة‪ ،‬ألول‬
‫مرة في تاريخ القضية الفلسطينية‪ ،‬ال تطارد فيه السلطة املقاومني‪ ،‬وال متنع املقاومة‬
‫ال‪ ،‬هذا أيض ًا موضوع في غاية األهمية‪.‬‬
‫بل تغطيها غطاء كام ً‬

‫‪39‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫األمر اآلخر‪ ،‬في احلقيقة‪ ،‬هو أن هيمنة حركة فتح على القرار الفلسطيني قد ُك ِسر‬
‫وألول مرة‪ .‬ما كنت أسمعه‪ ،‬وما زلت‪ ،‬من كل الفصائل الفلسطينية هو الشكوى؛ فالكل‬
‫يشكو‪ ،‬وقد استمعت ذات مرة إلى أحد القيادات الكبرى في الفصائل الفلسطينية‪،‬‬
‫الذي قال‪ :‬كتبت مذكرة للرئيس ياسر عرفات مضى عليها ‪ 15‬عام ًا ولم ير ّد علي حتى‬
‫اليوم‪ .‬هذه مهزلة‪ ،‬حماس جاءت إلى السلطة بعد أن انتخبها الشعب طبع ًا‪ ،‬وقالت‬
‫ال‪ ،‬وتقدمت لتكسر هذا االحتكار الطويل حلركة فتح على القرار الفلسطيني‪ ،‬ولعل‬
‫هذا درس لفتح أيض ًا‪ ،‬التي أصابها الترهل والشيخوخة والكهولة والضعف والعجز‬
‫والتراجع السياسي‪ ،‬فلعله درس لها لكي تصحو ثانية‪ ،‬وهو ما لم يحدث حتى اآلن‬
‫كما تلحظون‪.‬‬
‫وقبل أن أختم لي مالحظتني على ورقة الدكتور حسني أبو النمل؛ إذ الحظت أن‬
‫هناك تقييم ًا حاسم ًا جد ًا بني املصيب واملخطئ‪ ،‬ففي سنة ‪ ،1996‬لم تكن مشاركة‬
‫وفي سنة ‪ 2006‬كانت مشاركة‪ ،‬وكأن إحداهما خاطئة‪ ،‬إن هذا ليس منهج ًا صحيح ًا‬
‫في علم االجتماع السياسي حسب معلوماتي‪.‬‬
‫املالحظة األخيرة‪ ،‬موضوع التهدئات التي متّت في الساحة الفلسطينية‪ ،‬الذي‬
‫سعى لها هو قيادة السلطة املرتبطة ببرنامج التسوية وليس الفصائل‪ ،‬بل كانت‬
‫السلطة متارس ضغط ًا على الفصائل لقبول هذه التهدئات‪ .‬ولذلك لم تكن تع ِّبر عن‬
‫خط‬ ‫أزمة املقاومة‪ ،‬بل كانت تع ِّبر عن أزمة في السلطة الفلسطينية منبعها أساس ًا ّ‬
‫التسوية وليس ّ‬
‫خط املقاومة‪.‬‬

‫صالح صالح‪:‬‬
‫سأورد ع ّدة نقاط‪ ،‬مبتدئ ًا بالنقطة األولى التي تتعلق بالوقفة األولى التي وقفتها‬
‫حماس لتتساءل حول إمكانية أن تشارك في السلطة أم ال؟ هل وقفت حماس أمام‬
‫الثمن الذي ستدفعه في حال مشاركتها في السلطة؟ هل طرحت أسئلة توضح عملي ًا‬
‫أنه سيكون عليها أن توقف املقاومة‪ ،‬وتقلل مستوى اخلطاب السياسي‪ ،‬وأنها ستكون‬
‫في حكومة‪ ،‬اسمها عملي ًا حكومة فتحاوية؟ هذا األمر الذي سيحدث تناقضات حقيقية‬
‫في قدرة احلكومة على اتخاذ القرار وتنفيذه‪ ،‬ومن حيث الضغط اخلارجي الذي‬
‫ستواجهه وتتعرض له سواء إقليمي ًا أو دولي ًا‪.‬‬
‫وهنا أنتقل للسؤال الثاني‪ :‬في حال طرحت حماس ذلك على نفسها‪ ،‬وتساءلت‬

‫‪40‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫عن الثمن الذي ستدفعه في حال مشاركتها في السلطة‪ ،‬ومعرفتها أن الثمن سيكون‬
‫باهظ ًا‪ ،‬خصوص ًا أن تقييمهم للتسوية أنها فاشلة‪ ،‬وأنها وصلت إلى طريق مسدود‪،‬‬
‫ال بأن يضعهم أمام اخليار اآلخر؟ اخليار البديل عن املفاوضات‬ ‫ألم يكن ذلك كفي ً‬
‫والسالم‪ ،‬وهو التأكيد على خيار الوحدة الوطنية الفلسطينية‪ ،‬وخيار العودة إلى‬
‫منظمة التحرير‪ ،‬والتأكيد على موضوع املقاومة وضرورة استئناف املقاومة‪ ،‬ألم يكن‬
‫هذا هو اخليار األفضل؟‪.‬‬
‫السؤال الثالث‪ :‬في إطار احلديث عن التفرد‪ ،‬تفرد فتح‪ ،‬والذي كان ممجوج ًا‪،‬‬
‫أال تشعر حماس أنها ارتكبت خطأ بتكرار جتربة فتح املن َتقَدة‪ ،‬وأنها عندما أرادت‬
‫أن تعالج عملية التفرد دخلت في موضوع احملاصصة مع فتح؟ وهل كانت دعوتها‬
‫لآلخرين للمشاركة دعوة حقيقية؟‪.‬‬
‫السؤال الرابع‪ :‬باحلديث عن إطار عقائدي متارسه حماس‪ ،‬ومحاولة احلركة طرح‬
‫فكرة حكم الشريعة‪ ،‬هل الوضع الفلسطيني يستوعب ويتقبل فكرة نظام حكم عقائدي؟‬
‫وهل هذا يخدم احلديث عن وحدة وطنية فلسطينية‪ ،‬وإعادة تشكيل مؤسسات السلطة‬
‫وعلى رأسها منظمة التحرير؟‪.‬‬

‫صقر أبو فخر‪:‬‬


‫تعقيب ًا على فكرة سامي خاطر‪ ،‬حول احتمال أو التفكير ّ‬
‫بحل السلطة الفلسطينية‬
‫ما دام اتفاق أوسلو وعمليات التسوية لم تصل إلى أي نتيجة‪ ،‬يقول البعض‪ ،‬ما دامت‬
‫نـحل السلطة ونصبح جميعنا حتت االحتالل اإلسرائيلي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عملية التسوية قد فشلت‪،‬‬
‫ال لنذهب إلى ّ‬
‫حل السلطة‬ ‫ولنذهب إلى دولة ثنائية القومية‪ .‬لو كان هذا األمر ممكن ًا فع ً‬
‫حل السلطة الفلسطينية لن‬ ‫الفلسطينية‪ .‬لكن على األرجح‪ ،‬بحسب ما أظن‪ ،‬في حال ّ‬
‫يكون هناك دولة ثنائية القطبية‪ ،‬بل سيكون هناك دولة تشبه إلى ح ٍّد كبير‪ ،‬مع فارق‬
‫التجربة‪ ،‬نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا‪ .‬لقد ناضل املؤمتر اإلفريقي طوي ً‬
‫ال‬
‫حل السلطة الفلسطينية سوف يجعل‬ ‫من أجل أن يكتسب شرعية متثيلية أصيلة‪ .‬اآلن ّ‬
‫جردين من أي صفة متثيلية على اإلطالق‪ .‬لقد ناضل الفلسطينيون‬ ‫الفلسطينيني ُم َّ‬
‫ال‪ ،‬حسب ما أعتقد‪ ،‬من أجل أن يكون لهم كيان فلسطيني أولي‪ ،‬له بعض‬ ‫طوي ً‬
‫مؤسسات الدولة‪ ،‬وكان هناك رهان على أن يتحول هذا الكيان بالدينامية الوطنية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬إلى دولة حقيقية مبوجب البرنامج املرحلي ملنظمة التحرير الفلسطينية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أما النقطة الثانية التي طرحها األخ سامي خاطر‪ ،‬حول إعادة تفعيل منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ال على أساس احملاصصة‪ ،‬بل على أساس االنتخابات الدميوقراطية‪.‬‬
‫ففي احلقيقة منذ أكثر من شهرين عقد لقاء هنا في هذا الشأن‪ ،‬في موضوع إعادة‬
‫تكوين املجلس الوطني الفلسطيني على أساس دميوقراطي‪ ،‬واكتشفنا أن هذا في‬
‫صلب النظام الداخلي للمجلس‪ ،‬حيث إن النظام الداخلي يقول بإعادة تشكيل املجلس‬
‫الوطني الفلسطيني على أساس االنتخابات‪ ،‬وليس على أساس احملاصصة‪ ،‬كما‬
‫كان شائع ًا‪ .‬وللتذكير‪ ،‬فإن حماس نفسها في مفاوضاتها مع فتح في السودان سنة‬
‫‪ ،1993‬طلبت ‪ %.40‬من مقاعد املجلس الوطني الفلسطيني‪ ،‬وهذه أيض ًا محاصصة‪.‬‬
‫لكن ما أريد التركيز عليه أنه حتى فكرة االنتخابات املنصوص عليها‪ ،‬في النظام‬
‫الداخلي في املجلس الوطني الفلسطيني‪ ،‬فإنها مسألة ليست عملية كثير ًا؛ ألن‬
‫الفلسطينيني في أراضي الـ ‪ 1948‬ال ميكنهم خوض انتخابات لتشكيل املجلس‬
‫الوطني الفلسطيني‪ ،‬وفي الضفة والقطاع املنتخبون في املجلس التشريعي هم حكم ًا‬
‫أعضاء في املجلس الوطني الفلسطيني‪ .‬يبقى الفلسطينيون في األردن‪ ،‬ومن الصعب‬
‫إجراء انتخابات على أساس فلسطيني في األردن‪ ،‬وفي لبنان وسورية والعالم‪ ،‬يوجد‬
‫فقط ‪ % 20‬من الشعب الفلسطيني‪ ،‬مبعنى لو أجرينا انتخابات دميوقراطية‪ ،‬لكانت‬
‫هذه االنتخابات قادرة على متثيل ‪ %.20‬فقط من الشعب الفلسطيني‪ ،‬وهذه ليست‬
‫عملية شديدة اإلغراء‪.‬‬

‫جابر سليمان‪:‬‬
‫قسم ورقته إلى قسمني؛ في القسم األول طرح‬ ‫املالحظة حول ورقة د‪ .‬حسني‪ ،‬فقد ّ‬
‫مجموعة أسئلة‪ ،‬ولم يقدم إجابات حاسمة على هذه األسئلة‪ ،‬وهذه منهجية صائبة‪،‬‬
‫حيث ح ّفز تفكيرنا‪ ،‬لكي نفكر أكثر حول عمق املأزق الوطني الفلسطيني‪ .‬وفي القسم‬
‫الثاني ق ّدم تقييم ًا من ‪ 15‬نقطة‪ ،‬غلب على التقييم الطابع اإليجابي‪ ،‬وكأنه أجاب عن‬
‫األسئلة التي طرحها‪ ،‬كنت أمتنى أن يتبع املنهجية ذاتها التي اتبعها في القسم األول‪،‬‬
‫وأرى أن تقييمه كان صائب ًا في معظمه‪ ،‬حني َغ ِلَّب اجلانب اإليجابي في جتربة حماس‬
‫على اجلانب السلبي‪.‬‬
‫حل السلطة من أجل‬ ‫حل السلطة يجب أن يطرح بجدية‪ ،‬ليس ّ‬ ‫أرى أن موضوع ّ‬
‫إقامة دولة ثنائية‪ ،‬بل من أجل وضع املجتمع الدولي واحلركة الوطنية من جديد على‬

‫‪42‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املسار الصحيح مجدد ًا‪ ،‬بحيث يكون الوصف‪ :‬حركة حترر وطني‪ ،‬وشعب حتت‬
‫االحتالل‪.‬‬
‫إن متثيل املؤمتر الوطني األفريقي مختلف عن متثيل منظمة التحرير‪ ،‬فعندما ّ‬
‫حتل‬
‫السلطة الوطنية الفلسطينية‪ ،‬فإن منظمة التحرير هي املمثل الشرعي والوحيد للشعب‬
‫الفلسطيني‪ ،‬والتي يجب إعادة بنائها‪.‬‬

‫وائل أبو هالل‪:‬‬


‫انطالق ًا من القناعة بأن احلركة الوطنية الفلسطينية ليست فتح وحماس فقط‪ ،‬وأن‬
‫فلسطني ليست الضفة وغزة فقط‪ ،‬لدي ثالث مالحظات‪ ،‬األولى‪ :‬عن موقف الفصائل‬
‫حول ما كان يجري في الداخل الفلسطيني‪ ،‬في أحسن أحواله كان يتسم باحلياد‬
‫السلبي‪ ،‬وفي كثير من األحيان باالنتهازية السياسية‪ .‬فمثال على ذلك‪ ،‬لم تسهم‬
‫هذه الفصائل في فضح الفساد واملفسدين‪ ،‬ولم تساعد في تطوير برنامج اإلصالح‬
‫والتغيير‪ .‬النقطة الثانية‪ :‬موقف اخلارج الفلسطيني‪ ،‬أيض ًا‪ ،‬بشرائحه من مثقفني‬
‫وسياسيني وفصائل كان ضعيف ًا أيض ًا‪ ،‬ودور حماس حتديد ًا كان ضعيف ًا في تفعيل‬
‫دور اخلارج الفلسطيني‪ .‬وهذا أمر خطير‪ ،‬حيث إنه يحصر القضية الفلسطينية‬
‫بشمولية األرض واإلنسان‪ ،‬بقطاع غزة والضفة الغربية كجغرافيا‪ ،‬وبسلطة منقوصة‬
‫هي السلطة الوطنية الفلسطينية‪ .‬النقطة الثالثة‪ :‬حول حماس‪ ،‬وهي عدم انسجام‬
‫اخلطاب اإلعالمي حلماس مع أدائها السياسي‪ ،‬حيث كان هذا اخلطاب قاصر ًا عن‬
‫متابعة األداء السياسي‪.‬‬

‫أسامة حمدان‪:‬‬
‫منر مبرحلة شبيهة بتلك‬
‫احلقيقة هناك ثالث مالحظات‪ ،‬املالحظة األولى‪ :‬أعتقد أننا ّ‬
‫مرت بها منظمة التحرير الفلسطينية سنة ‪ ،1968‬مع فارق أساسي أن الفاعل‬ ‫التي ّ‬
‫األساسي في تلك املرحلة كان املوقف العربي‪ ،‬وبتحديد أكثر‪ ،‬موقف الرئيس جمال‬
‫عبد الناصر‪ ،‬فيما الفاعل األساسي في هذه املرحلة على ما يبدو هو فاعل دولي‪،‬‬
‫وبشكل أخص أوملرت ورايس‪ .‬وهذا الفارق يعني الكثير‪.‬‬
‫املالحظة الثانية‪ :‬أريد أن أسأل سؤا ًال‪ ،‬عندما تتقدم حركة كحركة حماس عبر‬
‫صناديق االقتراع‪ ،‬يتحدث الكثيرون عن مخاطر حكم الشريعة‪ ،‬أنا أتساءل‪ ،‬لم ال‬

‫‪43‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تتحدث حماس عن مخاطر حكم الفكر اليساري أو العلماني‪ ،‬أو أي شيء من هذا‬
‫القبيل؟ من الضرورة مبكان أن نقرأ بوضوح ملاذا يحكم حزب ديني مسيحي في‬
‫دولة أوروبية‪ ،‬ويتقبل اجلميع ذلك‪ ،‬ويت ّم التعامل مع األمر على أنه دميوقراطية‪ ،‬فيما‬
‫ال يتقبل البعض أن تتقدم حركة إسالمية كحماس حتمل فكر ًا إسالمي ًا للحكم؛ على‬
‫الرغم من أنها لم تطرح فرض أيديولوجيتها الفكرية على املجتمع‪ ،‬بقدر ما طرحت‬
‫تقدمي مشروع فكر سياسي‪ ،‬ميكن أن يقبله املجتمع وميكن أن ال يقبله‪.‬‬
‫املسألة األخيرة‪ :‬تتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير واحملاصصة السياسية‪ ،‬حركة‬
‫حماس لم تطرح احملاصصة للتصويت‪ ،‬وهذا اخلطأ سمعته أكثر من مرة‪ ،‬وعلّقت عليه‪،‬‬
‫أكثر من مرة‪ ،‬ولكن يبدو أن هذا اخلطأ مقصود‪ .‬حركة حماس طرحت االنتخابات في‬
‫املنظمة قبل احملاصصة‪ ،‬ولكن اإلجابة كانت جاهزة‪ ،‬بعدم إمكانية عقد االنتخابات‪،‬‬
‫حتى دون بحث املسألة بجدية حتى اآلن‪ ،‬فعلى الرغم من الكثير من التحوالت‪،‬‬
‫وعلى الرغم من املناخ الدميوقراطي السائد في املنطقة والعالم‪ ،‬كانت اإلجابة بأن‬
‫االنتخابات غير ممكنة‪ .‬لذلك‪ ،‬ليس من حقّ أحد أن يفرض احملاصصة التي يريد‪،‬‬
‫ملاذا يحدد شخص ما أو طرف ما محاصصة‪ ،‬ويرفض أن نقترح نـحن حصص ًا من‬
‫بغض النظر‬‫ّ‬ ‫طرفنا؟ إذا كان مبدأ احملاصصة مقبو ًال‪ ،‬فيجب االستماع إلى اجلميع‪،‬‬
‫عن حجم احلصص التي يفترض أن تكون ألي طرف‪ ،‬أو نلجأ إلى خيار آخر طالبت‬
‫به حماس مبكر ًا وهو خيار االنتخابات‪ .‬وأنا أقول‪ ،‬عندما طرحنا االنتخابات‪ ،‬لم نكن‬
‫نتوقع في أحسن األحوال أكثر من ‪ %20‬من أصوات الناخبني‪ ،‬رمبا اآلن املعادلة‬
‫تغيرت‪ ،‬ورمبا يلجأ البعض اآلن إلى احملاصصة قلق ًا من االنتخابات‪ ،‬وخوف ًا من أن‬
‫تختفي تنظيمات شغلت الساحة الفلسطينية كثير ًا إذا ما أجريت انتخابات‪.‬‬

‫د‪ .‬عدنان السيد حسني‪:‬‬


‫أنا مع األستاذ شفيق احلوت فيما حتدث عنه اليوم‪ ،‬ومنذ مدة‪ ،‬ال معنى وال شرعية‬
‫أي سلطة تتحقق‬ ‫لسلطة سياسية في ّ‬
‫ظل االحتالل‪ ،‬إال بشكل محدود جد ًا‪ .‬إن قيمة ّ‬
‫من خالل خدمتها لهدف إزالة االحتالل‪ .‬أنا ال أشاطر املناقشات التي تتحدث عن‬
‫محاصصات‪ ،‬وعن نسب‪ ،‬وعن نتيجة انتخابات‪ ،‬على الرغم من أهمية فوز حماس في‬
‫انتخابات شعبية‪ .‬لو ُسئلتم وسئل غيري‪ ،‬هل تفضل أن تشكل حماس حكومة مبفردها‬
‫بعد فوزها في انتخابات حرة‪ ،‬باعتراف كارتر‪ ،‬أقول ال‪ ،‬فلتشرك معها فتح وغير‬

‫‪44‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫فتح‪ ،‬وإذا رفضت هذه الفصائل حكومة ائتالفية‪ ،‬فاخليار اآلخر‪ ،‬حكومة شخصيات‬
‫وطنية فلسطينية‪ ،‬بحيث ال تتحمل حماس مسؤولية السلطة التنفيذية مبفردها‪ ،‬فنحن‬
‫ال ندير دولة مستقلة‪ ،‬وهنا الفارق الكبير‪ ،‬نـحن في مرحلة إزالة االحتالل‪ .‬أخير ًا في‬
‫رأيي أن التعددية هي خيار حتمي للفلسطينيني‪ ،‬خيار ذهبي‪ ،‬خيار مق ّدس‪ ،‬ال أحد‬
‫يلغي أحد‪ ،‬وأعتقد‪ ،‬أنها كذلك ليس للفلسطينيني وحدهم‪ ،‬بل للبنانيني‪ ،‬وللفلسطينيني‪،‬‬
‫وللمصريني‪ ،‬وللعرب اآلخرين‪ .‬والكلمة اآلن لألستاذ سامي خاطر‪ ،‬مع اإلشارة إلى‬
‫أن معظم األسئلة تركزت على مداخلته‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تعقيبات مقدمي أ‬
‫الوراق‬

‫سامي خاطر‪:‬‬
‫أبدأ بالتأكيد من املالحظة التي لفت إليها الدكتور عدنان‪ .‬في احلقيقة إنه في إطار‬
‫إجابة حركة حماس‪ ،‬وعن سؤال‪ :‬هل نـحن في مرحلة حترر وطني‪ ،‬أو بناء دولة‪،‬‬
‫أو استقالل؟ فإننا نعتقد بعيد ًا عن املدلوالت الدقيقة لهذه األلفاظ‪ ،‬أننا في مرحلة‬
‫التحرر الوطني‪ ،‬مبعنى أننا ما زلنا حتت االحتالل‪ ،‬وطاملا أننا حتت االحتالل‪ ،‬فإن‬
‫االستراتيجية األساسية التي نؤمن بها‪ ،‬أنه ال ب ّد أن يكون هنالك وحدة موقف وطني‬
‫فلسطيني‪ .‬وتأسيس ًا على هذه الرؤيا فإننا عندما خضنا االنتخابات‪ ،‬على الرغم من‬
‫أننا كنا مهيئني لتشكيل حكومة مبفردنا‪ ،‬فإننا كنا حريصني جد ًا على أن ال ننفرد‬
‫باحلكم‪ ،‬تأسيس ًا على هذه النظرة االستراتيجية‪ .‬وإذا كان األستاذ صالح صالح‬
‫قد تساءل حول جد ّية عرضنا للمشاركة‪ ،‬فإنني أستميحه عذر ًا وأقول إن العرض‬
‫كان جاد ًا جد ًا‪ ،‬مائة باملائة‪ ،‬وكنا حريصني عليه‪ .‬لكن كانت هناك عوامل خارجية‪،‬‬
‫وعوامل داخلية فئوية هي التي حالت دون مشاركة اآلخرين‪ ،‬وعندما رفضت الفصائل‬
‫املشاركة‪ ،‬شارك معنا بعض املستقلني‪ .‬أحببت أن أؤكد على هذه النقطة‪ ،‬ولذلك‪،‬‬
‫فنحن حريصون دائم ًا على أن يكون هناك موقف فلسطيني موحد‪ ،‬قدر اإلمكان‪ ،‬ولكن‬
‫املوقف الفلسطيني املوحد ال يعني التماثل بني كل املكونات الفلسطينية‪ ،‬فكل مك ِّون‬
‫فلسطيني له خلفيته الفكرية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬ولكن عندما نبحث في املوضوع الوطني‪ ،‬في‬
‫مرحلة من املراحل‪ ،‬فيجب أن يكون هناك وحدة توجه فلسطيني‪ ،‬هذه النقطة األولى‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ ،‬أنا ذكرت في مداخلتي أني سأر ّكز على موضوع رؤية حماس‬
‫ملسارها السياسي‪ ،‬ور ّكزت على هذا املوضوع‪ ،‬ولم أر ّكز على التطورات‪ ،‬وكيف‬
‫صحت مالحظات األستاذ جواد احلمد‪ ،‬في بعض‬ ‫حدثت على أرض الواقع‪ ،‬ولذلك هنا ّ‬
‫القضايا املهمة التي لم ُأشر لها‪ ،‬ال بسبب جتاهلي لها‪ ،‬وعدم إدراكنا ألهميتها‪ ،‬وإمنا‬
‫لرغبتي في هذه اجللسة‪ ،‬أن أر ّكز على الرؤية الكلية الناظمة للمسار السياسي حلركة‬
‫ال في أن تسهم في شحذ أذهانكم ومقترحاتكم‪.‬‬ ‫حماس‪ ،‬أم ً‬
‫هناك قضية أجاب عنها أخي األستاذ أسامة حمدان‪ ،‬وهي قضية احملاصصة‬
‫في املجلس الوطني سنة ‪ ،1996‬وقبلها سنة ‪ .1991‬في احلقيقة‪ ،‬عندما ُعرِ ض على‬

‫‪46‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حماس املشاركة في املجلس الوطني‪ ،‬كان عرض ًا ملجرد الديكور‪ ،‬حتى يبدو أن املجلس‬
‫الوطني ميثل كل األطياف السياسية الفلسطينية‪ ،‬وهذه حقيقة تاريخية‪ .‬ولذلك‪ ،‬كان‬
‫ر ّد حماس حينها‪ ،‬أننا ال نريد حصة من ثالثة أو أربعة أو خمسة مقاعد‪ ،‬وإمنا‬
‫نريد انتخابات؛ وفي حال إصراركم على رفض االنتخابات نـحن نعتقد‪ ،‬أن النصيب‬
‫الذي مي ّثل حصة حماس هو كذا وكذا‪ .‬وكان ذلك مبثابة الشرط الذي يدفع باجتاه‬
‫االنتخابات وليس باجتاه احملاصصة‪ .‬أما فيما يتعلق مبا يحكى عن حركة حماس‬
‫حول خطابها العقائدي السلفي‪ ،‬وحكم الشريعة‪ ...‬وإلخ‪ .‬أو ًال؛ الذي يتابع خطاب حركة‬
‫حماس‪ ،‬ال يجد فيه هذا االجتاه‪ ،‬وكما أشار األستاذ جواد احلمد‪ ،‬فإن حكومة حماس‬
‫األولى‪ ،‬عندما كانت لوحدها لم حتاول أن تفرض ما يسمى باألسلمة‪ ،‬وذلك ألسباب‬
‫متعددة‪ ،‬من أهم هذه األسباب‪ ،‬هو أن الوضع الفلسطيني الناشئ‪ ،‬الذي ُيع ّد سلطة‬
‫حتت االحتالل‪ ،‬غير مؤهل أن يتبنى طرح ًا فكري ًا وسياسي ًا متفق ًا عليه‪ ،‬إذ ال ب ّد أن يت ّم‬
‫هذا من خالل اآللية الدميوقراطية‪ .‬أما أن حماس فكرها إسالمي‪ ،‬نعم‪ ،‬حماس حركة‬
‫إسالمية تستمد أفكارها من الفكر اإلسالمي‪ ،‬ومدرسة حماس‪ ،‬معروف أنها تنتمي‬
‫إلى ما يعرف باملدرسة الوسطية اإلسالمية‪.‬‬
‫حل السلطة‪ ،‬علّق عليه بعض اإلخوة‪ ،‬ولكنني أضيف أيض ًا أنه في‬ ‫موضوع ّ‬
‫حل السلطة‪ ،‬هناك واقع جديد حدث في غزة وهو موضوع االنسحاب‬ ‫موضوع ّ‬
‫اإلسرائيلي من قطاع غزة‪ ،‬ولذلك سنكون في وضع فيه احتالل في الضفة الغربية‪،‬‬
‫ومظاهر احتالل غير كاملة في قطاع غزة‪ ،‬فكيف سيكون الوضع ما بني الضفة‬
‫والقطاع؟ مالحظة األخ وائل أبو هالل‪ ،‬صحيحة فيما يتعلق باملوقف اإلعالمي‪ ،‬وأنا‬
‫أشملت ذلك بوصف عام‪ ،‬وهو أن القصور في اجلانب اإلعالمي عند حماس‪ ،‬ناشئ‬
‫عن النقلة املفاجئة من املقاومة واملعارضة إلى السلطة‪ ،‬فمثل هذه النقلة املفاجئة نتوقع‬
‫أن يحصل فيها بعض اإلشكاالت وبعض القصور‪.‬‬
‫النقطة األخيرة التي أو ّد أن أشير إليها‪ ،‬خصوص ًا فيما يتعلق بالطرح حول‬
‫األثمان السياسية التي قدمتها حركة حماس‪ ،‬من أجل املشاركة في السلطة‪ .‬أحب‬
‫أن أوضح‪ ،‬أن مشاركة حماس في السلطة هو من باب التعامل مع الواقع والتأثير‬
‫عليه؛ بحيث ينتقل من الوضع السيئ أو الدور السيئ إلى الدور اإليجابي أو الدور‬
‫اجليد‪ ،‬ولذلك لم يكن وارد ًا في البال أن هناك أثمان ًا سياسية ال ب ّد من دفعها‪ ،‬ثم إن‬
‫ما س ّمي بالتراجع في طرح حماس السياسي‪ ،‬سواء في وثيقة الوفاق الوطني أو في‬
‫اتفاق مكة‪ ،‬أو في التهدئة التي حصلت سنة ‪ ،2005‬فقد كان الدافع األساسي عند‬

‫‪47‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حركة حماس هو احلرص على املوقف الوطني الفلسطيني ووحدته‪ ،‬وعدم الدخول في‬
‫إشكاالت قد تصل إلى ح ّد االقتتال كما حصل‪ .‬ولذلك‪ ،‬فكما أوضح األستاذ جواد‬
‫أصرت على موضوع التهدئة‪ ،‬وأنها كانت‬ ‫ّ‬ ‫احلمد‪ ،‬فإن السلطة سنة ‪ 2005‬هي التي‬
‫بصدد اتخاذ إجراءات غير إيجابية جتاه الفصائل التي تتبنى ّ‬
‫خط املقاومة‪ ،‬وبالتالي‪،‬‬
‫كان سيبدو كأنه ثمة انشقاق وخالف فلسطيني‪ .‬من أجل تطويق هذا املوضوع‪ ،‬وافقت‬
‫حماس على التهدئة املؤقتة‪ ،‬وفي مقابل ذلك طرحت أنه ال ب ّد من وجود إجنازات على‬
‫األرض في املوضوع الوطني الفلسطيني‪ ،‬وهي التي أصرت على موضوع إعادة‬
‫تفعيل منظمة التحرير وبنائها في إعالن القاهرة‪.‬‬

‫د‪ .‬حسني أبو النمل‪:‬‬


‫حول املالحظات التي أبداها الزميل جواد احلمد‪ ،‬صحيح أنه في موضوع املقارنة‬
‫واملقاربة‪ ،‬يكون عرض أي موقف سياسي من خالل عرض الوقائع‪ ،‬وإذا ما حدث أي‬
‫تغ ّير يجب علينا تسجيله‪ ،‬والغرض من هذه الورقة هو القول بأن هناك تغيرات طالت‬
‫معظم املسائل املطروحة‪ .‬اآلن‪ ،‬هل هذه التغيرات التي حدثت كانت محل توضيح‬
‫كاف؟ هل شرحت الظروف التي متت فيها؟ مع األسف الشديد‪ ،‬جند أنه في تاريخ‬
‫العمل الفلسطيني كله‪ ،‬وليس فقط تاريخ حماس‪ ،‬أن أي إنسان يستطيع أن يتخذ أي‬
‫موقف ثم يتخلى عنه في اليوم التالي‪ ،‬دون أن يكلف نفسه ويوضح هذا األمر للجمهور‪.‬‬
‫وهذا األمر يعود تاريخه إلى ما قبل الثورة الفلسطينية‪ .‬أما فيما يتعلق مبوضوع‬
‫التهدئة‪ ،‬أؤكد أن التهدئة هي تعبير عن أزمة العمل املقاوم‪ ،‬سواء عند حماس‪ ،‬أو فتح؛‬
‫فالتهدئة‪ ،‬وقبلها التسوية هي تعبير عن أزمة في العمل املقاوم‪ .‬لو أن العمل املقاوم لم‬
‫يكن في أزمة لم يذهب أحد إلى تسوية أو إلى تهدئة‪ .‬أما فيما يتعلق باملالحظات التي‬
‫أبداها األستاذ جابر سليمان‪ ،‬فأقول إنني في القسم األول من ورقتي لم أكن أعرض‬
‫فقط‪ ،‬إذ إن العناوين في ح ّد ذاتها مواقف‪.‬‬
‫يبقى السؤال‪ ،‬هل جنحت التجربة أم فشلت؟ دون الدخول في التفاصيل‪ ،‬وأن ّوه‬
‫إلى أنه في األحكام العامة تُقرأ احلقائق اإلجمالية‪ ،‬هناك حقيقة إجمالية تاريخية‬
‫متثلت بانتقال العمل الفلسطيني‪ ،‬بعد أربعة عقود‪ ،‬من يد حركة التحرير الوطني‬
‫الفلسطيني فتح إلى يد حركة حماس‪ .‬قد يكون هناك فشل هنا أو هناك‪ ،‬ولكن‬
‫حماس جنحت في االنتخابات‪ ،‬وأضافت إلى شرعيتها الثورية شرعية انتخابية‪،‬‬
‫وشكلت احلكومة األولى‪ ،‬واألهم منها حكومة الوحدة الوطنية التي شاركت فيها‬

‫‪48‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫فتح‪ ،‬كطرف ثانوي‪ ،‬مما يعني إقرار ًا بنجاح حماس‪ .‬ترى هل هناك معيار آخر‬
‫لقياس النجاح والفوز؟ أنا لألسف الشديد ليس عندي معيار آخر‪ .‬وبالتالي‪ ،‬نعم‬
‫حماس جنحت‪ ،‬واآلخرين هم الذين فشلوا‪ ،‬وأنا أسجل هنا حلركة فتح أنها توقفت‬
‫أمام فشلها وتساءلت‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬هي حتاول أن تصلح أمورها‪ ،‬وهناك أطراف أخرى‬
‫تراجع دورها بعد أن كانت عنوان ًا من عناوين الساحة الفلسطينية حري بها أيض ًا‬
‫أن تطرح سؤا ًال على نفسها‪ :‬ملاذا تراجعت؟‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪50‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫احملور الثاني‬
‫تقييم �إدارة حما�س لعالقاتها‬
‫الداخلية واخلارجية‬

‫‪51‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪52‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مقدمة مدير اجلل�سة‬


‫جابر سليمان‬
‫‪6‬‬

‫أشكر مركز الزيتونة والدكتور محسن صالح‪ ،‬على تشريفي بإدارة هذه اجللسة‪،‬‬
‫أو اجللسة الثانية من حلقة النقاش‪ ،‬في البداية أو ّد فقط أن آخذ دقيقة أو رمبا أقل‬
‫للتعقيب على النقاش الدائر في الساحة الفلسطينية على أكثر من صعيد بخصوص‬
‫اخلروج من مأزق العمل الوطني الفلسطيني‪ .‬أعطى أينشتاين تالميذه مرة امتحان ًا‬
‫كان قد أعطاه لهم من قبل‪ ،‬فنبهه أحد معاونيه إلى هذا األمر‪ ،‬فابتسم أينشتاين‬
‫وقال‪ :‬ال‪ ،‬إن األجوبة قد تغيرت!! أعتقد أننا بحاجة إلى أجوبة جديدة على األسئلة‬
‫نفسها‪ ،‬التي دأبنا على طرحها منذ فترة‪ ،‬وخصوص ًا فيما يتعلق مبأزق العمل الوطني‬
‫الفلسطيني‪ ،‬آمل أن تخرج هذه الندوة وهذه اجللسة وكافة جلسات احللقة بأجوبة‬
‫خالقة ومبدعة‪ ،‬حول مأزق العمل الوطني الفلسطيني‪ ،‬تعبر عن ديناميكية املثقف‬
‫الفلسطيني‪ ،‬والفكر السياسي الفلسطيني‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 6‬كاتب وباحث فلسطيني‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الورقة ا ألوىل‪:‬‬
‫�إدارة حما�س لعالقاتها الداخلية‬
‫‪7‬‬
‫أسامة حمدان‬

‫أو ّد أن أشير في بداية حديثي إلى أنني سأركز حول إدارة حركة حماس لعالقاتها‬
‫السياسية في الشأن الداخلي الفلسطيني‪ ،‬دون إغفال إشارات سريعة للعالقات‬
‫العربية والدولية في نهاية احلديث‪ .‬غير أنني سأبدأ باحلديث بشكل محدد حول املناخ‬
‫تأت في مناخات طبيعية‪ ،‬بل أتت في سياق‬ ‫الذي جاءت فيه االنتخابات‪ ،‬إذ أنها لم ِ‬
‫محاولة النظام العاملي ‪ -‬الذي تقوده الواليات املتحدة ‪ -‬االنقضاض على املقاومة‬
‫الفلسطينية في الداخل الفلسطيني؛ والتي استمرت ألكثر من ست سنوات متتالية‬
‫ّ‬
‫ينقض‬ ‫منذ عام ‪ ،2000‬وجاءت كذلك في سياق منح شرعية محددة ملن ُيراد له أن‬
‫على املقاومة‪ .‬وكان املفترض لنتائج هذه االنتخابات أن تكون على غير ما جاء ت به‪،‬‬
‫كان املفترض أو املق ّدر أن تكون لصالح الفريق الذي حتالف مع اإلدارة األمريكية‬
‫ملواجهة املقاومة‪ .‬وأذ ّكر هنا أن السيد أبو مازن لم يأت كي يواجه املقاومة فقط‪ ،‬بل‬
‫جيء به كرئيس للحكومة كي يواجه أبا عمار رحمه اللّه‪ ،‬عندما لم يستجب للشروط‬
‫مقره محاصر ًا‪،‬‬
‫األمريكية ‪ -‬اإلسرائيلية‪ ،‬وعندما ُفرِ ض احلصار عليه‪ ،‬وصمد في ّ‬
‫كان املطلوب أن ينهي أبو مازن ما بدأه الذين فرضوا احلصار‪ .‬وللتذكير أيض ًا فإن‬
‫أبا مازن هو من أوغل كثير ًا في عملية التسوية‪ ،‬والكل يعلم دوره في اتفاق أوسلو‪،‬‬
‫ودوره في وثيقة جنيف للتنازل عن حقّ العودة لالجئني الفلسطينيني‪ ،‬ويعلم أيض ًا‬
‫دوره في وثيقة بيلني ‪ -‬أبو مازن التي َش ّكلت تناز ًال جوهري ًا في مدينة القدس‪ ،‬للمرة‬
‫األولى في التاريخ الفلسطيني‪ .‬كان يراد لهذا البرنامج أن يستمر وأن يتقدم‪ ،‬ولكن‬
‫جرت الرياح مبا ال تشتهي السفن‪ ،‬وجاءت االنتخابات لتق ِّوض ما أراده البعض أن‬
‫يكون فرصة جديدة للقضاء على املقاومة‪ ،‬بل إن هذه االنتخابات بنتائجها شكلت‬
‫فرصة جديدة للمقاومة في فلسطني‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 7‬ممثل حركة حماس في لبنان‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫بالتأكيد كان هناك مناخ إقليمي يتشكل في هذا االجتاه أيض ًا‪ ،‬لكنني لن أتطرق‬
‫إليه وسأترك هذا املوضوع إما للمتحدثني اآلخرين أو للمعقب‪.‬‬
‫هذه النتيجة املفاجئة دفعت إلى إعالن العقوبات ض ّد الشعب الفلسطيني مباشرة‪،‬‬
‫مت إعالن احلصار قبل أن ُيعلن عمن سيكون رئيس‬ ‫وقبل أن تتشكل احلكومة‪ ،‬و ّ‬
‫الوزراء‪ ،‬وقبل اإلعالن بالتالي حتى عن برنامج احلكومة اجلديدة‪ .‬واجتمع العالم‬
‫ليفرض شروط اللجنة الرباعية املتمثلة باالعتراف بـ“إسرائيل”‪ ،‬واالعتراف بنتائج‬
‫التسوية‪ ،‬وإنهاء املقاومة من خالل إعالن نبذ العنف‪ .‬وهكذا بدأت حركة حماس فور‬
‫فوزها في االنتخابات مبواجهة استحقاقات هذا الفوز‪ ،‬الذي جاء على غير ما كانت‬
‫تشتهيه املخططات الدولية‪.‬‬

‫كيف أدارت حركة حماس العالقات الداخلية؟‬


‫نقسم هذه اإلدارة إلى ثالث مراحل؛ املرحلة األولى‪ :‬ما بني نتائج‬ ‫ميكن أن ّ‬
‫االنتخابات وإعالن تشكيل احلكومة‪ .‬املرحلة الثانية‪ :‬ما بني احلكومة األولى “حكومة‬
‫حماس” واحلكومة الثانية “حكومة الوحدة الوطنية”‪ .‬واملرحلة الثالثة‪ :‬هي مرحلة ما‬
‫بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وصو ًال إلى الظرف الراهن‪.‬‬

‫املرحلة األولى‪ :‬ما بني نتائج االنتخابات وتشكيل احلكومة‪:‬‬


‫أو ّد أن أبدأ من نقطة مهمة‪ ،‬كيف بنت حماس موقفها؟ لنكون قادرين على تفسير‬
‫تصرف حركة حماس على هذا النحو‪ .‬لقد بنت حماس موقفها لتشكيل احلكومة‬
‫انطالق ًا من أربع نقاط وهي‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬حماس ترى أن الشعب الفلسطيني يعيش في مرحلة حترر وطني‪ ،‬وهذا‬
‫يتطلب مشاركة اجلميع في جهوده ملواجهة املشروع الصهيوني ومواجهة االحتالل‪،‬‬
‫وترى حركة حماس أن مشروع التسوية لم يعد له مكان‪ ،‬وأن املشروع اآلن هو كيف‬
‫ندير الصراع مع االحتالل‪ .‬وفي إدارة الصراع لشعب يعيش حتت االحتالل ال ب ّد من‬
‫تضافر كل اجلهود والطاقات إلدارة هذا الصراع‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬قناعة حركة حماس بأن فوزها في االنتخابات‪ ،‬وفرصة تشكيل حكومة‬
‫منفردة‪ ،‬ال يعني أن التاريخ يبدأ من فوز حركة حماس‪ ،‬وأن احلركة بنا ًء على ذلك‬
‫مطالبة بأن تلغي كل ما سبق من جهود‪ ،‬حتى ولو كان هناك أخطاء أو فساد يحتاج إلى‬
‫إصالح‪ ،‬فإن املسيرة يجب تستمر تقدم ًا إلى األمام‪ ،‬بناء على ما بني من إيجابيات‪،‬‬

‫‪55‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وتصويب ًا ملا نرى أنه سلبي‪ ،‬أو ملا نعتقد أنه س ّبب أزمة في الواقع الفلسطيني‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬إن السلطة الفلسطينية واحلكومة الفلسطينية ليست ذات سيادة حقيقية‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬نحن بحاجة ملشاركة اجلميع ملواجهة االحتالل الذي ما يزال ينتزع السيادة‬
‫من يد هذه احلكومة‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬نحن ندرك أنه لم يكن هناك نظام سياسي فلسطيني حقيقي‪ ،‬طوال العقود‬
‫األربعة املاضية‪ ،‬بقدر ما كان هناك حالة سياسية يقودها فرد وتنظيم بعينه‪ ،‬يريد‬
‫اآلخر الفلسطيني كملحق له ولسياساته‪ .‬ونحن نرجو بعد نتائج االنتخابات أن نسهم‬
‫مع اجلميع في بناء نظام سياسي يعطي الفرصة للجميع؛ للمشاركة في صناعة القرار‬
‫وحتمل املسؤوليات‪.‬‬
‫على هذا األساس‪ ،‬أعلنت احلركة موقفها بالدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية‪ ،‬فما‬
‫الذي حصل؟ الذي حصل هو أنه خالل هذه الدعوة أطلقنا تطمين ًا واضح ًا حلركة فتح‬
‫بالذات‪ ،‬بأننا وإن كنا نسعى لتحقيق اصالح وملواجهة الفساد‪ ،‬فإن هذا ال يعني بحال‬
‫من األحوال إلغاء كل ما سبق كما أسلفت‪ ،‬بل إن االصالح يشكل فرصة لفتح كما‬
‫هو حلماس‪ ،‬بل هو ُفرصة للشعب الفلسطيني بأسره‪ .‬وسعت احلركة‪ ،‬إلشراك فتح في‬
‫احلكومة‪ ،‬ودارت حوارات فلسطينية معها ومع غيرها من الفصائل ملدة خمسة أسابيع‪،‬‬
‫لم تخلص إلى نتيجة‪ ،‬بل إن تكتيك حركة فتح كان كسب الوقت لوضع الرئيس املكلف‬
‫في مأزق دستوري وقانوني‪ ،‬يفشل مبوجبه في تشكيل احلكومة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬يحال تشكيل‬
‫احلكومة إلى شخص آخر‪.‬‬
‫إن جزء ًا مهم ًا من األزمة كان يتمثل فيما قامت به حركة فتح طوال السنوات‬
‫املاضية‪ ،‬لقد بنت حركة فتح السلطة كمؤسسة فتحاوية‪ ،‬وليس كمؤسسة وطنية‬
‫فلسطينية‪ .‬األجهزة األمنية كلها من عناصر فتح‪ ،‬املوظفون املدنيون بنسبة تزيد عن‬
‫‪ %80‬من عناصر فتح‪ ،‬كما ُش ّكلت في السلطة الوطنية جلنة سميت جلنة السالمة األمنية‪،‬‬
‫كانت تفصل من وظائف السلطة املدنية (التعليم‪ ،‬والصحة‪ ،‬والشؤون االجتماعية‪...‬‬
‫إلخ) كل من يشتبه بأن له عالقة بتنظيم فلسطيني مقاوم‪ ،‬وهذا األمر جرت مراجعته‬
‫مرار ًا مع األخ أبي عمار (رحمه اللّه) ومع أبي مازن بعد ذلك‪ .‬لقد كانت حركة‬
‫فتح مست َفزَّة نتيجة لالنتخابات‪ ،‬وأعلنت مباشرة أنها لن تشارك في أي حكومة‪،‬‬
‫وطالبت خالل احلوار أن يتضمن برنامج احلكومة شروط الرباعية‪ ،‬وانسجمت في‬
‫خطابها مع برنامج احلصار‪ ،‬بل فعلت أكثر من ذلك‪ ،‬إذ أوصلت رسائل إلى القوى‬
‫والفصائل والشخصيات التي حاورتها حماس للمشاركة في احلكومة‪ ،‬بأن مشاركتها‬

‫‪56‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫في حكومة وحدة وطنية مع حماس‪ ،‬يعني أن الواليات املتحدة ستعاملها كما تعامل‬
‫حركة حماس‪ ،‬أي أنها ستدرج على قائمة اإلرهاب‪ .‬أضف إلى ذلك‪ ،‬ممارسة رئيس‬
‫السلطة الفلسطينية حالة عدائية جتاه رئيس وزرائه املكلّف‪ ،‬إذ رفض أن يصطحبه‬
‫معه إلى القمة العربية في اخلرطوم في آذار‪ /‬مارس ‪ ،2006‬على الرغم من طلب‬
‫األخير منه ذلك‪ .‬وبدا واضح ًا أن هذه اللحظة هي حلظة توتر‪ ،‬وأن األمور تذهب‬
‫باجتاه أن تتشكل حكومة من لون واحد‪ ،‬خصوص ًا وأن اجلبهة الشعبية‪ ،‬وإن تعاملت‬
‫مع نتائج االنتخابات بإيجابية‪ ،‬إال أنها اعتذرت عن املشاركة‪ ،‬بسبب عدم إدراج بند‬
‫في برنامج احلكومة يشير إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية هي املمثل الشرعي‬
‫والوحيد للشعب الفلسطيني‪ .‬بينما اعتذرت اجلبهة الدميوقراطية أيض ًا عن املشاركة‪،‬‬
‫وإن هاجم بعض رموزها اإلعالميني فوز حماس‪ ،‬وحتدثوا عن قلق يسود املجتمع‬
‫الفلسطيني بعد فوز احلركة‪ .‬أما اإلخوة في حركة اجلهاد اإلسالمي‪ ،‬فاعتذروا عن‬
‫املشاركة منسجمني مع قرارهم مبقاطعة االنتخابات من حيث املبدأ‪.‬‬

‫املرحلة الثانية‪ :‬ما بني احلكومتني األولى والثانية‪:‬‬


‫دعت احلركة للتفاهم حول البرنامج الوطني على قاعدة املقاومة‪ ،‬ودارت‬
‫حوارات طويلة‪ ،‬أبرزها حوار وثيقة الوفاق الوطني‪ ،‬وأخرى قبل اتفاق مكة‪،‬‬
‫وقد كانت العقدة األساس في هذه احلوارات البرنامج الدولي الذي تبنته اللجنة‬
‫الرباعية‪ ،‬أكثر بكثير من أي قضية أخرى‪ .‬كما واجهت احلركة أيض ًا حالة‬
‫من الفلتان األمني املبرمج‪ ،‬فرضتها بعض األجهزة األمنية‪ ،‬ال سيما مجموعة‬
‫الضباط الكبار‪ ،‬وعلى الرغم من أن أبا مازن هو قائد حركة فتح‪ ،‬إال أن حركة‬
‫حماس تعاملت معه كرئيس للسلطة‪ ،‬له صالحياته ودوره‪ ،‬ولم تتعامل معه كرئيس‬
‫فتحاوي فقط‪ ،‬متغاضية أنه لم يكن يتصرف على هذا النحو‪.‬‬
‫من جانب آخر إن احلركة تعاملت في هذه املرحلة بني احلكومتني مع كل‬
‫محاوالت االستدراج للفتنة‪ ،‬من زاويتني أو على قاعدتني؛ األولى‪ :‬التركيز على‬
‫أهمية احلوار السياسي وضرورته‪ ،‬بهدف الوصول إلى تفاهم جدي وحقيقي‪.‬‬
‫واملسألة الثانية‪ :‬نزع فتائل التفجير على الرغم من كل االغتياالت والقتل‬
‫واالشتباكات التي كانت حتصل أو بعبارة أدق تفتعل‪ .‬ومن أكثر املسائل داللة‬
‫على ذلك‪ ،‬تعامل حركة حماس بحكمة وحذر مع قرارات أصدرها أبو مازن‪ ،‬نقل‬
‫مبوجبها صالحيات العديد من املؤسسات من مجلس الوزراء إلى رئيس السلطة‪،‬‬

‫‪57‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫في انتهاك واضح للدستور والقانون‪ .‬وعلى الرغم من ذلك لم تفتعل حركة حماس‬
‫أي مشكلة‪ ،‬إذ كانت تسعى لصون الوضع الداخلي الفلسطيني‪ ،‬أكثر من حرصها‬
‫على انتزاع صالحيات هنا أو هناك‪ .‬كما أن تعامل احلركة مع موضوع وثيقة‬
‫األسرى التي استخدمها أبو مازن للتهديد بالدعوة إلى انتخابات مبكرة‪ ،‬كان‬
‫هادئ ًا؛ إذ تعاملت احلركة معها باحلكمة أيض ًا‪ ،‬ووصلنا إلى صيغة مناسبة من‬
‫خالل احلوار‪ ،‬ووقعت وثيقة الوفاق الوطني من قبل الفصائل جميعها‪ .‬كما دعت‬
‫احلركة خالل هذه املرحلة الستعادة دور الفصائل‪ ،‬سواء جلنة املتابعة العليا أو‬
‫جلنة التنسيق للقوى الوطنية واإلسالمية في الضفة وقطاع غزة‪ ،‬ومع ذلك لم يكن‬
‫هنالك جتاوب حقيقي‪ ،‬بل إن موقف الفصائل جميع ًا‪ ،‬ما عدا فتح‪ ،‬كان موقف‬
‫احملايد أو املنتقد حلماس وفتح على ح ٍّد سواء‪ ،‬وذهب البعض من هذه الفصائل‬
‫العتبار أنه غير معني سوى بانتظار نتيجة الصراع بني حماس وفتح‪ ،‬والبعض‬
‫النتصار لفتح املدعومة‬
‫ٍ‬ ‫لم يكن ميلك اجلرأة سوى إلدانة مواقف حماس حتسب ًا‬
‫دولي ًا‪ ،‬وما ميكن أن يعنيه هذا االنتصار‪ .‬فيما دأب فريق ثالث على انتقاد‬
‫الفريقني وإدانتهما على ح ّد سواء ليخرج من املأزق‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن بعض‬
‫الفصائل وبعض الشخصيات املستقلة بذلت جهود ًا للتوسط‪ ،‬ولكن هذه اجلهود‬
‫حلل إشكاالت آنية‪ ،‬ولم تتفاعل الفصائل مع محاوالت‬ ‫ّ‬ ‫كانت جهود ًا موضعية‬
‫احلركة لتفعيل إطار وطني عام‪ ،‬على الرغم من عدم املشاركة في احلكومة‪.‬‬
‫ما الذي كان عليه موقف فتح في هذه املرحلة؟ لقد انخرطت حركة فتح في حصار‬
‫احلكومة اجلديدة وفي تكريس هذا احلصار‪ ،‬وجال عدد من رموزها على عواصم‬
‫القرار الدولي للتأكيد على ضرورة اإلسهام في هذا احلصار‪ ،‬وقام الرئيس بسحب‬
‫صالحيات املؤسسات إلى الرئاسة مثل‪ :‬اإلعالم‪ ،‬واملعابر‪ ،‬واألجهزة األمنية‪ .‬وتطورت‬
‫حالة األمن إلى فلتان مبرمج‪ ،‬وأدارت‪ ،‬وبشكل مكشوف‪ ،‬ممارسات من االبتزاز‬
‫السياسي كوثيقة األسرى التي سلف ذكرها‪.‬‬
‫وقد بدا واضح ًا أن جزء ًا مهم ًا من قيادات فتح تنحى جانب ًا‪ ،‬وتقدم فريق حركة‬
‫فتح املتحالف مع اإلدارة األمريكية‪ ،‬واملدعوم سياسي ًا ومالي ًا‪ .‬أما األجهزة األمنية فقد‬
‫كانت تعمل وكأنها تنفذ قرارات تنظيمية‪ ،‬وال تنفذ قرار ًا سياسي ًا صادر ًا عن مرجعية‬
‫سياسية وطنية فلسطينية‪ .‬هذا األمر قاد إلى حالة من التوتر الشديد‪ ،‬وحصلت‬
‫تدخالت عربية عديدة ووصلنا إلى اتفاق مكة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املرحلة الثالثة‪ :‬ما بعد اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية‪:‬‬
‫سعت حركة حماس في هذه املرحلة‪ ،‬وعلى الصعيد الداخلي‪ ،‬لتحقيق عدة أمور‪.‬‬
‫ميكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬االرتكاز على اتفاق مكة‪ ،‬وحكومة الوحدة الوطنية لفتح آفاق إيجابية للعالقات‬
‫الداخلية الفلسطينية‪ ،‬متثلت على سبيل املثال في تشكيل جلنة مشتركة للحوار بني‬
‫احلركتني‪ ،‬حماس وفتح‪ ،‬على أمل أن تتسع لتشمل كل الفصائل الحق ًا‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬عملت احلركة على معاجلة الوضع األمني في سياق وطني عام‪ ،‬متثل‬
‫في وضع خطة أمنية اعتمدتها احلكومة بكل وزرائها‪ ،‬ثم اعتمدها رئيس السلطة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬لكن من عرقل تنفيذ هذه اخلطة كان قادة األجهزة األمنية‪ ،‬أو أمراء‬
‫احلرب في السلطة الفلسطينية‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬كان هناك حوار صريح وواضح لألخ املجاهد خالد مشعل رئيس املكتب‬
‫السياسي للحركة‪ ،‬مع رئيس السلطة الفلسطينية‪ ،‬وحول ممارسات هذا الفريق في‬
‫لقاء ُع ِقد في نيسان‪ /‬أبريل ‪ 2007‬في القاهرة‪ ،‬وطرحت األمور بوضوح‪ ،‬بأن السعي‬
‫لتطبيق خطـة اجلنرال كيث دايتون لـن تؤدي إلى نتائج إيجابيـة‪ .‬في هذا السياق أيض ًا‬
‫جرى العمل ملعاجلة واستيعاب تداعيات تردي العالقات في املرحلة السابقة‪ ،‬وجرى‬
‫فتح قنوات لالتصال مع عدد غير قليل من قيادات فتح في الضفة وغزة‪ ،‬بل وأيض ًا‬
‫داخل السجون؛ بهدف الوصول إلى قاعدة تفاهم مع أكبر عدد ممكن من الكوادر‬
‫الفاعلة في حركة فتح‪ .‬لألسف لم يحصل تغيير جوهري في موقف الفريق الذي يقود‬
‫الوضع في حركة فتح‪ ،‬بل إن جتاوب بعض القيادات الفتحاوية مع احلوار الذي فتحته‬
‫حماس تعرقلت نتائجه‪ ،‬ضمن جهود اجلنرال دايتون‪ ،‬الذي دعا حثيث ًا لقطع كل عالقة‬
‫واتصال‪ .‬أما اخلطة األمنية البديلة التي وضعت حتت اسم (مهمات الرئاسة للعام‬
‫‪)2007‬؛ فقد كانت تهدف إلى االنقالب على اتفاق مكة ونتائج االنتخابات وفرض حالة‬
‫مت تكثيف االغتياالت الداخلية على يد األجهزة التي حكمها هذا الفريق‬ ‫طوارئ‪ ،‬فيما ّ‬
‫في الشهور الثالثة التي سبقت أحداث غزة‪ .‬فبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية جرى‬
‫قتل أكثر من ‪ 300‬مواطن فلسطيني‪ ،‬وقتل خالل آخر ثالثة أسابيع منها ‪ 83‬شخص ًا‪،‬‬
‫أكثر من نصفهم من حركة حماس‪.‬‬
‫وعلى الرغم من تشكيل حكومة وحدة وطنية وزير ماليتها سالم فياض‪ ،‬فقد استمر‬
‫احلصار االقتصادي‪ ،‬وأسهم بعض رموز هذا الفريق في تكريسه من خالل اتصاالت‬
‫أوروبية وإقليمية‪ ،‬واستمر رئيس السلطة الفلسطينية في التعامل مع وزراء حماس‬

‫‪59‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫في احلكومة على أنهم وزراء غير مرغوب فيهم‪ ،‬ولم يكن يقبل باصطحاب أي وزير من‬
‫حركة حماس معه‪ ،‬على الرغم من أنه اصطحب وزراء عديدين آخرين‪ .‬أما الفصائل‬
‫األخرى فقد انتقدت اتفاق مكة واعتبرته تكريس ًا للثنائية‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬شاركت‬
‫معظم القوى في احلكومة‪ ،‬باستثناء حركة اجلهاد التي ثبتت على موقفها الذي أشرت‬
‫إليه‪ ،‬أما اجلبهة الشعبية فقط أعلنت أنها لن تشارك في حكومة سلطة أوسلو!!‪.‬‬
‫خالصة القول في العالقات الداخلية‪ ،‬إن احلركة واجهت في إدارتها للعالقات‬
‫الداخلية أزمة أساسية متيزت بشعور حركة فتح بأنها فقدت شيئ ًا خاص ًا بها كانت‬
‫متلكه‪ ،‬وهي املؤسسات‪ ،‬ولم تهتم ملاذا أعطى الشعب ثقته وصوته لغيرها‪ ،‬فيما كانت‬
‫الفصائل األخرى تظهر حالة إما من الالمباالة أو شعور ًا بالعجز‪ .‬فيما دعت احلركة‬
‫إلى أن تكون هذه العالقات قائمة على أساس محاولة بناء نظام سياسي فلسطيني‬
‫فاعل‪ ،‬يعطي الفرصة للجميع للمشاركة في بناء الوطن وصناعة القرار‪.‬‬
‫في املوضوع العربي‪ ،‬أقول بصراحة‪ ،‬لقد مثل الفوز حالة مفاجأة عند اجلميع‪،‬‬
‫سواء من أ ّيد حماس ووقف إلى جانب مقاومتها‪ ،‬أو من لم تعجبه حركة حماس‬
‫ولم يكن سعيد ًا ببرنامجها‪ ،‬وإزاء ذلك قامت احلركة بجولة واسعة من الزيارات‬
‫واالتصاالت على املستوى العربي واإلسالمي‪ ،‬وحرصت في جولتها على حتقيق‬
‫مجموعة من األهداف‪ ،‬نشير إلى ثالثة منها‪:‬‬
‫‪ .1‬شرح برنامج احلركة في املرحلة التالية‪.‬‬
‫ظل إعالن حرب أمريكية ض ّدها حتت عنوان اللجنة‬ ‫‪ .2‬التوطئة لقبول احلكومة في ّ‬
‫الرباعية‪.‬‬
‫‪ .3‬حتميل اجلميع مسؤولياته في دعم الشعب الفلسطيني ودعم خياراته‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن املناخ اإلقليمي لم يكن مواتي ًا نتيجة الضغوط األمريكية على‬
‫وجه اخلصوص‪ ،‬إال أن احلركة جنحت في احلفاظ على عالقات طيبة على مستوى‬
‫املنطقة‪ ،‬لكن هذه العالقات لم تؤ ِّد إلى كسر احلصار الذي وقعت احلكومة حتت وطئته‪،‬‬
‫غير أن هذه العالقات جنحت في تخفيف ح ّدة التوتر الفلسطيني الداخلي‪ ،‬وظهر ذلك‬
‫من خالل دور الوفد األمني املصري في غزة‪ ،‬والدور السعودي في إبرام اتفاق مكة‪،‬‬
‫عالوة على الدور القطري في الوساطة بني الطرفني‪ ،‬والدور السوري الداعم للحوار‬
‫واالتفاق الفلسطيني الداخلي‪.‬‬
‫في املوضوع الدولي‪ ،‬جاءت املبادرة الدولية‪ ،‬فور ًا‪ ،‬رافضة للتعامل مع حركة‬
‫حماس قبل البحث في تشكيل احلكومة‪ ،‬ولهذا اجتمعت الرباعية وأطلقت شروطها‬

‫‪60‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الثالثة حتى قبل االتصال بحركة حماس‪ ،‬واالستماع إلى برنامج احلكومة السياسي‪،‬‬
‫وعلى الرغم من سلسلة االتصاالت واللقاءات التي حصلت على املستوى الدولي‪ ،‬فإن‬
‫أي ًا من ذلك‪ ،‬لم يؤ ِّد إلى كسر احلصار‪ .‬كما ر ّكزت احلركة في اتصاالتها‪ ،‬ليس على‬
‫توضيح موقفها فقط‪ ،‬وإمنا كان املهم بالنسبة لها أن تقول للعالم إنها لن تستسلم‬
‫للمناخ الدولي املعادي والضاغط‪ ،‬على الرغم من إدراكها لتعقيدات هذا الوضع‬
‫الدولي‪ ،‬سواء من حيث وجود طرف فلسطيني يبدي‪ ،‬وما زال‪ ،‬استعداده للتنازل أمام‬
‫موقف حماس غير املرضي للمجتمع الدولي‪ ،‬أو دور “إسرائيل” أيض ًا على املستوى‬
‫الدولي‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الورقة الثانية‪:‬‬
‫حما�س وفتح ومنظمة التحرير‪� ،‬شقاء أ‬
‫الخوة‬
‫‪8‬‬
‫صقر أبو فخر‬

‫يحار الباحث في التاريخ السياسي املعاصر للحركة الوطنية الفلسطينية في تفسير‬


‫املعادلة املتعاكسة الطرفني التي تكشف كيف أن األهداف الكبرى للشعب الفلسطيني‬
‫كانت تتضاءل باستمرار‪ ،‬وتتجه نزو ًال‪ ،‬في الوقت الذي كان النضال الفلسطيني‬
‫يشتد ويتجذر ويحقق الكثير من التقدم‪ .‬أي أن األهداف كانت تتراجع بالتدريج‪،‬‬
‫بينما اخلط البياني للجهد الثوري يتجه صعود ًا بثبات‪ .‬ففي سنة ‪ 1965‬مع انطالقة‬
‫“العاصفة” كان البرنامج السياسي حلركة فتح هو برنامج التحرير الكامل لفلسطني‬
‫من البحر املتوسط إلى نهر األردن‪ .‬وفتح‪ ،‬آنذاك‪ ،‬لم تكن إال مجموعات متناثرة‬
‫غير مرئية من مقاتلي حرب العصابات‪ .‬وفي السنة ‪ 1971‬بعد أن اشتد عود الثورة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬وال س ّيما بعد معركة الكرامة في سنة ‪ ،1968‬وبعد أن مترست باحملن‬
‫السياسية املتعددة في األردن ولبنان‪ ،‬ظهر في التفكير السياسي الفلسطيني فكرة‬
‫“الدولة الفلسطينية” على الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬وهي أدنى من شعار التحرير‬
‫الكامل لفلسطني‪ .‬وقد كانت هذه الفكرة حتتاج إلى حدث كبير ليخرجها من حال‬
‫القوة إلى حال الفعل‪ .‬وجاء ت حرب تشرين األول‪ /‬أكتوبر ‪ 1973‬لتجعل من هذه‬
‫الفكرة برنامج ًا سياسي ًا اكتسب شكله النهائي في صيغة “برنامج النقاط العشر”‬
‫أو “البرنامج املرحلي” الذي وافق عليه املجلس الوطني الفلسطيني في دورته الـ ‪12‬‬
‫في القاهرة سنة ‪ .1974‬وكانت منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬بفصائلها املتعددة‪ ،‬قد‬
‫رسخت وجودها في تلك احلقبة‪ ،‬وصارت العب ًا مهم ًا في سياسات املنطقة وال س ّيما‬ ‫ّ‬
‫في الفترة التي أعقبت خروجها من األردن ومشاركتها في حرب ‪ ،1973‬ثم اعتراف‬
‫ال شرعي ًا للشعب الفلسطيني في قمة الرباط ‪ ،1974‬واعتراف معظم‬ ‫العرب بها ممث ً‬
‫دول العالم بها أيض ًا بعد خطاب ياسر عرفات في األمم املتحدة في السنة نفسها‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 8‬باحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ومع ذلك فإن السنة ‪ 1988‬التي أذاع فيها ياسر عرفات وثيقة االستقالل بعد اندالع‬
‫االنتفاضة األولى‪ ،‬شهدت أيض ًا االعتراف بالقرار ‪ .242‬وعلى هذا الغرار تدهورت‬
‫البرامج السياسية من برنامج االستقالل سنة ‪ 1988‬إلى خط مدريد في سنة ‪،1991‬‬
‫ثم إلى إعالن املبادئ في أوسلو سنة ‪ ،1993‬فإلى خريطة الطريق سنة ‪.2002‬‬
‫ملاذا كانت األمور جتري على مثل هذا النحو؟ هل هي الواقعية؟ أم أن االصطدام‬
‫بالواقع يرغم احلركات السياسية على االستجابة لهذا الواقع‪ ،‬وإال فإنها ستخسر‬
‫ال إلى الوراء من شأنها أن متنحنا أداة‬ ‫ما راكمته من أوراق؟ ولعل العودة قلي ً‬
‫منهجية إلعادة تقومي السلوك السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية‪ ،‬فبني ‪1965‬‬
‫و‪ 1970‬قاتلت الفصائل الفلسطينية‪ ،‬كلها تقريب ًا‪ ،‬حتت شعار “كل شيء أو ال شيء”‪.‬‬
‫وكانت النتيجة السياسية “ال شيء”‪ .‬وبني ‪ 1970‬و‪ 1974‬مارست منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية القتال والعمل السياسي والدبلوماسي في امليدان العربي ومع دول العالم‬
‫الثالث والدول االشتراكية‪ ،‬فوقفت على تخوم حتقيق إجناز سياسي ما‪ ،‬لوال اندالع‬
‫احلرب األهلية في لبنان‪ .‬ومع ذلك متكنت منظمة التحرير الفلسطينية من اقتحام‬
‫املجال الدولي باقتدار بني ‪ 1974‬و‪ ،1988‬غير أنها لم حتصد إال الوعود‪ .‬وحاولت بني‬
‫‪ 1988‬و‪ 1993‬استثمار أوراق االنتفاضة‪ ،‬ثم حتويل هذه الوعود إلى حقائق واقعية‬
‫فكانت النتيجة اتفاق أوسلو‪.‬‬
‫إن عدم الفهم الواقع السياسي يجعل السياسة الواقعية أمر ًا مستحي ً‬
‫ال‪ .‬فمث ً‬
‫ال‪،‬‬
‫إن برنامج الدولة الفلسطينية املستقلة في الضفة والقطاع‪ ،‬وهو واحد من األهداف‬
‫املرحلية للشعب الفلسطيني‪ ،‬ما زال ممكن ًا وجدير ًا بالسعي نـحوه‪ ،‬لكنه يحتاج لتحقيقه‬
‫إلى سياسة واقعية متام ًا‪ .‬إال أن عدم فهم الواقع السياسي‪ ،‬وحدود هذا الواقع‪ ،‬يجعل‬
‫من هذا االحتمال أمر ًا محا ًال وغير ممكن‪ ،‬ألن التجاهل املتمادي للحقائق السياسية‬
‫وسوء القراءة السياسية الصحيحة للواقع يغ ِّيب السياسة‪ ،‬ويفسح في املجال لهيمنة‬
‫“الالسياسة” في العمل الثوري‪.9‬‬
‫إن جميع احلركات السياسية تع ِّدل برامجها وتكتيكاتها ومواقفها بحسب األحوال‬
‫املتبدلة‪ ،‬وبحسب فهمها ملوازين القوى املتغيرة باستمرار‪ .‬وحركة حماس واحدة‬
‫من احلركات السياسية التي اصطدمت بالواقع في احلقبة األخيرة‪ ،‬وكان عليها إما‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 9‬هناك من يعتقد‪ ،‬استناد ًا على مرويات وأحاديث ضعيفة‪ ،‬أن “إسرائيل” ستزول في سنة ‪ 2017‬أو رمبا‬
‫‪ .2027‬وهذا الضرب من التفكير خير برهان على التفكير الالسياسي والالواقعي‪ .‬انظر على سبيل‬
‫املثال‪ :‬يوسف األسطل في حوار مع قدس برس نقلته مجلة األمان‪ ،‬بيروت‪.2005/9/2 ،‬‬

‫‪63‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أن تتشبث باملرحلة الرومانسية‪ ،‬أو أن تنتقل إلى املرحلة الواقعية بجدارة‪ .‬واخليار‬
‫األول سيورثها الفشل بالتأكيد مثلما صارت إليه حال التجربة األفغانية والتجربة‬
‫السودانية‪ .‬أما اخليار الثاني فسيرتب عليها بعض اإلرباك واالضطراب‪ ،‬وهو شأن‬
‫ال ب ّد منه في جميع األحوال‪.‬‬
‫إن احلركات اإلسالمية ليست فاشلة بالضرورة كما هو شائع في بعض الكتابات‬
‫التحليلية‪ .‬لكنها فشلت‪ ،‬حتى اآلن على األقل‪ ،‬في تقدمي طراز معاصر من احلكم‪ .‬ولعل‬
‫السبب كامن ال في تكوين هذه احلركات بذاتها‪ ،‬بل في الواقع نفسه‪ ،‬أي في عدم‬
‫إمكان الوصول على أهدافها‪ ،‬ومنها تأسيس الدولة اإلسالمية مث ً‬
‫ال‪ .‬وتقدم التجربتان‬
‫األفغانية والسودانية أفضل برهان على هذه الفرضية‪ .10‬وأبعد من ذلك‪ ،‬فإن معظم‬
‫احلركات السياسية اإلسالمية تبدو غير قادرة على التحول من حركات مقاومة إلى‬
‫سلطة قادرة على إدارة شؤون املجتمع املعاصر بأفكار عصرية‪ .‬وهذا ما حدث متام ًا‬
‫حلركة حماس؛ فانتقالها من القتال إلى السياسة‪ ،11‬ومن العمل بني الناس إلى العمل‬
‫على شؤون الناس‪ ،‬وهي ليست ذات جتربة في هذا احلقل‪ ،‬أوقعها في سلسلة من‬
‫اإلرباكات والتناقضات اجل ّمة‪ ،‬وحتى اإلحراجات السياسية‪ .‬وقد جتلى ذلك في اخللط‬
‫بني البرنامج االنتخابي وميثاق احلركة‪ ،‬ثم في العالقة بحركة فتح‪ ،‬عالوة على قضايا‬
‫ذات حساسية عالية مثل التفاوض املباشر مع “إسرائيل” وغيرها‪.‬‬

‫قصور النظام السياسي‪:‬‬


‫النظام السياسي الفلسطيني ليس نظام ًا رئاسي ًا واضح املعالم‪ ،‬وليس نظامي ًا‬
‫برملاني ًا على اإلطالق‪ .‬إمنا هو نظام مختلط‪ ،‬والصالحيات الدستورية موزعة بني‬
‫رئيس السلطة ورئيس احلكومة‪ ،‬مع أرجحية لرئيس السلطة‪ .‬فإذا كانت الرئاستان‬
‫منسجمتني‪ ،‬كأن تكونا من تيار سياسي واحد‪ ،‬فال مشكلة عند ذلك في إدارة الشؤون‬
‫العامة‪ .‬غير أن املشكالت ستظهر بالتأكيد حينما تكون كل رئاسة منضوية في‬
‫تيار سياسي مغاير‪ .‬وتزداد املشكالت عندما يتعارض برنامج السلطة مع برنامج‬
‫احلكومة‪ .‬وهذا األمر لم يحدث في الواقع الفلسطيني إال مع احلكومة التي شكلتها‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 10‬ثمة فارق جوهري بني التجربتني األفغانية والسودانية‪ ،‬وحتى اإليرانية‪ ،‬وجتربة حركة حماس‪.‬‬
‫فالسودان وأفغانستان دولتان قائمتان‪ .‬بينما يسعى الفلسطينيون إلى تأسيس دولة لهم‪ ،‬وهذا األمر‬
‫يجعل حماس حركة حترر وطني ذات أيديولوجية إسالمية‪.‬‬
‫‪ 11‬السياسة هنا تعني إدارة شؤون املجتمع في الداخل‪ ،‬وإدارة مصاحله في اخلارج‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حماس في سنة ‪ .2006‬واملعروف أن احلكومة في النظام السياسي الفلسطيني هي‬


‫مؤسسة دستورية‪ ،‬لكنها أدنى‪ ،‬بالترتيب‪ ،‬من املرجعية األعلى التي هي منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ .‬وغرابة احلال في الوضع الفلسطيني أن املؤسسة الدنيا ال تعترف‪،‬‬
‫متام ًا‪ ،‬باملرجعية العليا‪ ،‬حتى اآلن على األقل‪ ،‬تتحفظ عن النظام األساسي الذي‬
‫تألفت احلكومة بناء عليه‪ .‬ورمبا ألول مرة في تاريخ الدميوقراطيات احلديثة يكون‬
‫فيها برنامج احلكومة مخالف ًا للنظام األساسي الذي يقوم الدستور مقامه في البلدان‬
‫الطبيعية‪ .‬ففي فرنسا حدث مرة أن االنتخابات أسفرت عن صعود جاك شيراك‬
‫اليميني لرئاسة احلكومة‪ ،‬وكان مختلف ًا مع رئيس اجلمهورية االشتراكي فرانسوا‬
‫ميتران‪ .‬وقد تعطل الكثير من وسائل احلكم‪ .‬ورمبا يحدث ذلك في أي دولة أخرى‬
‫برملانية‪ ،‬أي أن يكون رئيس احلكومة مختلف ًا مع رئيس اجلمهورية‪ .‬لكن من احملال أن‬
‫يكون برنامج احلكومة مختلف ًا مع دستور الدولة‪.‬‬
‫لقد جرى تفصيل هيكل النظام السياسي الفلسطيني ليستوعب احلركة الوطنية‬
‫الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية‪ ،‬أي ليستوعب فتح‬
‫والفصائل األخرى والشخصيات واملؤسسات ذات احلضور‪ .‬لكن‪ ،‬بانضمام حماس إلى‬
‫هذا النظام السياسي بعد عشر سنوات على أول انتخابات تشريعية (‪)1996/1/20‬‬
‫صار الهيكل القدمي غير مالئم الستيعاب حركة حماس‪ .‬وكان ال ب ّد من إعادة الهيكلة‬
‫بالضرورة‪ .‬وفي سياق اجلدال احملتدم حول هذه العملية‪ ،‬وبد ًال من أن يكون احلوار‬
‫الدميوقراطي هو القاعدة‪ ،‬انفجرت الصراعات على الصالحيات واملؤسسات‪ ،‬وتطاير‬
‫النظام السياسي برمته‪.‬‬
‫لقد اعتقد البعض‪ ،‬مع تأليف إسماعيل هنية حكومته األولى في سنة ‪ ،2006‬أن‬
‫النظام السياسي الفلسطيني قد شرع في التطور من حالة شبه االحتكار في املرحلة‬
‫السابقة‪ ،‬إلى حالة املشاركة‪ ،‬األمر الذي يشير إلى قدر من التقدم ولو خطوة واحدة‬
‫إلى األمام‪ .‬غير أن ما جرى في غزة في حزيران‪ /‬يونيو ‪ 2007‬برهن عن أن مثل‬
‫هذا االعتقاد مجرد وهم‪ ،‬وأن الواقع الفلسطيني لم يتطور كفاية ليستوعب التعددية‬
‫واملشاركة في السلطة‪.‬‬
‫ومنذ البداية‪ ،‬كان هناك خلط في اخلطاب السياسي حلركة حماس بني ثالثة عناصر‬
‫مشتركة ومفترقة في آن‪ :‬فتح والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية‪ .‬وقد‬
‫تعاملت حركة حماس مع هذه العناصر الثالثة كأنها واحد إلى حد كبير‪ .‬وهذا ما فعلته‬
‫فتح أيض ًا‪ .‬ومهما يكن األمر‪ ،‬فإن حماس لم تقدم نفسها‪ ،‬حتى سنة ‪ ،2006‬على أنها‬

‫‪65‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حركة سياسية بديلة من السلطة الفلسطينية‪ ،‬لكنها تقدمت بأيديولوجية بديلة وتكتيكات‬
‫بديلة أيض ًا‪ .‬أما بعد االنتخابات التشريعية فقد راحت حماس تسعى إلى أن تصبح‬
‫حركة سياسية بديلة من السلطة بالفعل‪ .‬ومع أن هذه الفكرة كانت موجودة دائم ًا‪ ،‬لكن‬
‫قلما جرى التعبير عنها بوضوح‪ ،‬فقد أشار إليها موسى أبو مرزوق عندما سئل عن رغبة‬
‫حماس في الوصول إلى السلطة بقوله‪“ :‬نـحن حركة سياسية‪ .‬وأي حركة مثل حماس‬
‫يجب أن يكون لديها طموح السعي إلى السلطة”‪ .12‬والواضح أن املوقف من السلطة‬
‫كان يتأرجح باستمرار تبع ًا للوضع السياسي املضطرب‪ .‬فالشيخ أحمد ياسني كان‬
‫موقفه في سنة ‪ 2002‬مخالف ًا ملوقف موسى أبو مرزوق في سنة ‪2003‬؛ فهو يقول‪“ :‬ال‬
‫نؤمن أن هناك سلطة حرة في ظل االحتالل‪ .‬لذلك ال نفكر وال نريد وال نطلب سلطة في هذا‬
‫الواقع”‪ .13‬بينما محمد نزال يذهب بعيد ًا في الغلو ليقول‪“ :‬السلطة الفلسطينية أصبحت‬
‫مشروع ًا أمني ًا حلماية إسرائيل”‪ .14‬أما إسماعيل هنية فيطمئن اجلميع عشية االنسحاب‬
‫اإلسرائيلي من قطاع غزة إلى “أن حركة حماس ليس سلطة داخل سلطة‪ ،‬وال هي في‬
‫مواجهتها‪ ،‬وال فوق القانون‪ ،‬وال تنازع أحد ًا في ذلك”‪ .15‬غير أن األمور سارت على‬
‫غير هذا املنوال‪ .‬فقد حتولت حركة حماس‪ ،‬بالفعل‪ ،‬إلى سلطة تتنازع والسلطة السابقة‬
‫على الصالحيات‪ .‬وهذا األمر بديهي ما دامت حماس قررت االنتقال من حركة مقاومة‬
‫متارس القتال حين ًا والتهدئة حين ًا آخر‪ ،‬إلى حركة سياسية متارس التهدئة أو ًال والقتال‬
‫حينما تتطلب األحوال ذلك‪ .‬وليس في هذا التحول نقيصة على اإلطالق‪ ،‬لكن هذا التحول‬
‫املتدرج تسر َب َل باالرتباك والتناقض احمل ِّير‪ .‬وفي هذا املناخ السدميي غابت السياسة‬
‫وحضر اخلطــاب التعبـوي‪ ،‬وفي النهاية وصلت األمور إلى سلطة برأسني‪ .‬ومبا أن‬
‫سلطة برأسني غير ممكنة عملي ًا‪ ،‬فاملمكن إذن سلطة بإقليمني‪ .‬وهذه النتيجة هي أفضل‬
‫تعبير عن غياب التفكير السياسي واالستعاضة عنه باخلطاب الشعبوي‪ .‬وتتحمل حماس‬
‫وفتح مع ًا املسؤولية عن هذا املصير‪.‬‬
‫كان املوقف من االنتخابات التشريعية إحدى عالمات اإلرباك والتناقض لدى‬
‫حماس‪ ،‬األمر الذي أ ّثر سلب ًا‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬في عالقتها بالسلطة الناشئة وبحركة فتح‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 12‬جريدة الرأي العام‪ ،‬الكويت‪.2003/12/13 ،‬‬


‫‪ 13‬انظر‪ :‬محمد أبو خضير في حوار مع الشيخ أحمد ياسني نشرته الرأي العام‪.2002/6/7 ،‬‬
‫‪ 14‬محاضرة في االحتاد الوطني لطلبة الكويت في ‪ ،2002/10/7‬ونشرت الرأي العام مقتطفات منها‬
‫في ‪.2002/10/9‬‬
‫‪ 15‬جريدة احلياة‪ ،‬لندن‪.2005/8/14 ،‬‬

‫‪66‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫على حد سواء‪ .‬ومع أن الشيخ أحمد ياسني ردد مرار ًا “أن االنتخابات هي الطريقة‬
‫الوحيدة ملعرفة املمثل احلقيقي للشعب”‪ ،16‬إال أن احلركة طاملا ترددت في حسم هذا‬
‫التأرجح‪ .‬فالسيد إبراهيم غوشة شدد على رفض حماس املشاركة في انتخابات‬
‫سلطة احلكم الذاتي واملؤسسات الناجتة عنها‪ .17‬وقاطعت احلركة االنتخابات الرئاسية‬
‫والتشريعية التي جرت في ‪ .18 1996/1/20‬لكنها شاركت في االنتخابات البلدية سنة‬
‫‪ ،2005‬لتعود فتشارك في االنتخابات التشريعية سنة ‪ .2006‬وال ب ّد من اإلشارة إلى‬
‫أن تأسيس السلطة الفلسطينية جاء في سياق تسوية أوسلو التي رفضتها حركة‬
‫حماس‪ .‬ففي دورته املنعقدة في تونس بني ‪ ،1993/10/12-10‬اتخذ املجلس املركزي‬
‫الفلسطيني قرار تأليف السلطة‪ .‬وقد رفضت حماس االعتراف بالسلطة في البداية‪،‬‬
‫ثم نظرت إليها كأمر واقع من دون أن تنخرط في مؤسساتها‪ .‬ثم إنها لم تكن راغبة‪،‬‬
‫في األساس‪ ،‬في االلتحاق بالنظام السياسي الفلسطيني الذي كانت منظمة التحرير‬
‫هي التعبير القانوني والتعاقدي واملؤسسي له‪ .‬وفي املمارسة اليومية بذلت حماس‬
‫جهد ًا إلعاقة نهج السلطة الناشئة في التسوية‪ ،‬وطاملا استخدمت حماس العمليات‬
‫اخلاصة إلفشال اجلهد السياسي للسلطة‪ ،‬وال س ّيما حينما كان األمر يتعلق بالتفاهم‬
‫مع “إسرائيل” على هذه املسألة أو تلك‪ .‬وفجأة‪ ،‬غ ّيرت حماس موقفها‪ ،‬وانخرطت في‬
‫النظام السياسي إياه‪ ،‬وقبلت االنتخابات التشريعية‪ ،‬ثم أصبحت هي احلكومة‪.‬‬
‫إن “فقه الضرورة” صار‪ ،‬بالتدريج‪ ،‬أداة لتفسير‪ ،‬أو لتبرير‪ ،‬املواقف املتبدلة واملتناقضة‬
‫ّ‬
‫أحيان ًا‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬فإن حماس التي رفضت االنخراط في النظام السياسي الناجم‬
‫عن اتفاق أوسلو في سنة ‪ ،1996‬عادت لتشارك في االنتخابات التشريعية استناد ًا إلى‬
‫القانون األساسي للسلطة املنبثقة من إعالن املبادئ بني “إسرائيل” ومنظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ .‬وملزيد من عدم االنسجام‪ ،‬على الرغم من التفسيرات املتعددة والتبريرات‬
‫الكثيرة‪ ،‬فإن حماس وافقت على تأليف حكومتها األولى بناء على خطاب التكليف الذي‬
‫صاغه الرئيس محمود عباس والذي ال يشذ‪ ،‬إطالق ًا‪ ،‬عن اإلطار العام التفاق أوسلو‪.‬‬
‫وقبل ذلك‪ ،‬حاول بعض أعضاء حركة حماس االنخراط في املؤسسات الناشئة من‬
‫اتفاق أوسلو‪ ،‬فأعلن عماد الفالوجي وإسماعيل هنية وخالد الهندي وسعيد النمروطي‬
‫ترشيحهم النتخابات ‪ .1996/1/20‬لكن الثالثة األخيرين سحبوا ترشيحاتهم‪ ،‬واستمر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 16‬أحمد ياسني في مقابلة مع إحدى محطات التلفزة اإلسرائيلية‪.1989/1/30 ،‬‬


‫‪ 17‬انظر‪ :‬تصريحه إلبراهيم حميدي‪ ،‬احلياة‪.1994/1/7 ،‬‬
‫‪ 18‬أعلنت مقاطعتها االنتخابات قبل أربعة أيام فقط‪ ،‬وذلك في بيان للحركة أصدرته في ‪.1996/1/16‬‬

‫‪67‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫عماد الفالوجي‪ 19‬مع عدد من اإلسالميني الذين فاز منهم في تلك االنتخابات ستة‪.20‬‬
‫وكان محمود الزهار‪ ،‬آنذاك‪ ،‬م ّيا ًال إلى املشاركة في هذه العملية‪ .‬وهذا يعني أن رفض‬
‫حماس املشاركة في االنتخابات التشريعية سنة ‪ 1996‬لم يكن يعبر عن رأي عقائدي‪،‬‬
‫ولكنه كان يعبر عن موقف سياسي مرتبط بتقدير املصلحة آنذاك‪ .‬ولهذا لم تُصدر‬
‫“فتوى” بتحرمي االنتخابات‪ ،‬بل أصدرت “قرارات” باملقاطعة‪.‬‬

‫السلطة املوازية‪:‬‬
‫منذ ظهور حركة حماس في ‪ 1987/12/14‬وحتى توقيع اتفاق أوسلو في‬
‫‪ 1993/9/13‬ميكن حصر اخلالفات بني حركة فتح وحماس في إطار التنافس بني‬
‫تيارين سياسيني موجودين على أرض واحدة ومتعارضني في الوقت نفسه‪.‬‬
‫ومنذ سنة ‪ 1994‬فصاعد ًا أدار كل تيار تناقضه مع التيار اآلخر بخطوات مدروسة‬
‫بحيث ال يخرج الصراع عن قدرة كل فريق على التحكم به‪ .‬ومع أن العديد من‬
‫املشكالت ذات الطابع األمني تفاقمت بعد قيام السلطة الفلسطينية في سنة ‪،1996‬‬
‫إال أن حضور ياسر عرفات كان يحول دون انتشار هذه املشكالت إلى املدى الذي تهدد‬
‫فيه األمن العام‪ .‬لكن‪ ،‬في ما بعد‪ ،‬راحت حماس تؤكد نفسها كسلطة موازية للسلطة‬
‫الفلسطينية وال س ّيما بعد االنسحاب اإلسرائيلي من قطاع غزة في سنة ‪،2005‬‬
‫وبعد رفض فتح األخذ باقتراح حماس تأليف مرجعية عليا إلدارة شؤون القطاع‪.21‬‬
‫ومارست حماس في تلك الفترة أدوار ًا جتحف باملسؤوليات العائدة إلى السلطة مثل‬
‫تسيير الدوريات األمنية‪ ،‬والقيام بعمليات التفتيش واملداهمة‪ ،‬واعتقال املواطنني خارج‬
‫القانون‪ ،‬وأخذ احلق باليد‪ ...‬الخ‪ .‬ثم جاءت نتائج االنتخابات التشريعية في سنة‬
‫‪ 2006‬لتثير قلق ًا متزايد ًا في صفوف حركة فتح التي لم متارس دور املعارضة في‬
‫تاريخها النضالي والسياسي الطويل‪.‬‬
‫وفي خضم هذه الوقائع املتالحقة‪ ،‬لم تتمكن حماس (وال فتح أيض ًا) من إدارة هذا‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 19‬أسس عماد الفالوجي “حزب اخلالص الوطني اإلسالمي” في تشرين الثاني‪ /‬نوفمبر ‪ 1995‬في‬
‫محاولة للتكيف مع النظام السياسي اجلديد‪ .‬لكنه ُفصل من احلركة في ‪ 1995/12/10‬بعدما تغلب‬
‫تيار املقاطعة‪.‬‬
‫‪ 20‬الستة الفائزون هم‪ :‬عماد الفالوجي‪ ،‬وسليمان الرومي‪ ،‬ويوسف الشنطي‪ ،‬وموسى الزعموط‪ ،‬ووجيه‬
‫ياغي‪ ،‬ومعاوية املصري‪.‬‬
‫‪ 21‬هذا االقتراح اعتبرته السلطة الفلسطينية انتقاص ًا من مسؤوليتها‪ ،‬وافتئات ًا على مرجعية منظمة‬
‫التحرير الفلسطينية‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫التعارض باألسلوب الدميوقراطي وبالقدر الكافي من املسؤولية‪ ،‬بل تخلل ذلك انفالت‬
‫غير محسوب على اإلطالق للروح القبلية والعشائرية‪ ،‬ما أرخى ظال ًال من الرثاثة‬
‫االجتماعية على املجتمع الفلسطيني في قطاع غزة‪ .‬فإذا كانت أطراف في حركة‬
‫فتح قد حاولت وضع العصي في دواليب احلكومة منذ فوز حماس في االنتخابات‬
‫التشريعية‪ ،‬فإن حماس طاملا مارست هذه العملية في السابق عندما كانت تقوم‬
‫بإفشال العديد من اخلطوات السياسية حلركة فتح باللجوء إلى العمليات اخلاصة عند‬
‫أي منعطف سياسي أو تفاوضي مهم‪ .‬واألمر من اجلهتني متشابه إلى حد بعيد‪ ،‬وهو‬
‫غياب فكرة قبول اآلخر‪ ،‬أي غياب املسلك الدميوقراطي‪ .‬وهذا هو إحدى علل النظام‬
‫السياسي الفلسطيني والتجربة السياسية الفلسطينية‪.‬‬
‫في املجتمعات الطبيعية يجوز للمعارضة أن تعمد إلى إفشال السلطة ما استطاعت‪.‬‬
‫فهذا هو حق التنافس‪ .‬أما في احلالة الفلسطينية حيث املجتمع برمته حتت االحتالل‪،‬‬
‫فإن مثل ذلك املسلك هو خطر أكيد على الوحدة الوطنية الضرورية لعملية التحرر‬
‫الوطني‪ .‬وإذا كانت حركة فتح قبلت‪ ،‬على مضض‪ ،‬هزميتها في االنتخابات‪ ،‬ورفضت‬
‫اقتراحات عدة بإلغاء نتائج هذه االنتخابات وإعالن حال الطوارئ‪ ،‬إال أن حماس لم‬
‫تتحمل معارضة فتح‪ ،‬بل أرادت إلغاءها بالكامل في قطاع غزة‪ .‬وهذا أمر خطر جد ًا‪،‬‬
‫ألنه ميس‪ ،‬في الصميم‪ ،‬الوحدة الوطنية‪ .‬ومنذ البداية خاضت حماس صراع ًا مسلح ًا‬
‫ضد “إسرائيل”‪ ،‬وصراع ًا سياسي ًا تنافسي ًا مع فتح‪ .‬لكن‪ ،‬الحق ًا‪ ،‬في الوقت الذي‬
‫كانت متارس فيه التهدئة مع “إسرائيل” بادرت إلى احلسم العسكري مع فتح‪ .‬ومنذ‬
‫فوز حماس في االنتخابات التشريعية لم ترغب في تأليف حكومة وحدة وطنية بتات ًا‪،‬‬
‫بل رغبت دائم ًا في أن تكون فتح ملحقة بها‪ ،‬أي أن تتولى حماس احلقائب األساسية‪،‬‬
‫األمنية والسياسية واخلدمية‪ ،‬وتترك لفتح احلقائب التي تتطلب “تسليك” األقنية اليومية‬
‫مع “إسرائيل”‪ .‬وهذا من احملال أن تقبل به فتح‪ .‬فإذا كان من العسير الوصول إلى‬
‫اتفاق مع فتح بتلك الشروط‪ ،‬فلماذا فشلت حماس في التوصل إلى اتفاق مع الفصائل‬
‫األخرى؟‪.‬‬
‫لقد حاولت اجلبهة الشعبية لتحرير فلسطني االنضمام إلى حكومة حماس األولى‪،‬‬
‫لكن هذا السعي لم يصل إلى خواتيمه اإليجابية حينما رفضت حماس االعتراف بأن‬
‫منظمة التحرير الفلسطينية هي املمثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني‪ .22‬وهذا‬
‫النقطة ما زالت تعيق الكثير من التفاهمات حتى مع الفصائل الفلسطينية األخرى‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 22‬انظر‪ :‬عزام األحمد في حوار مع مجلة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬العدد ‪ ،67‬صيف ‪.2006‬‬

‫‪69‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫لنتذكر أن حماس اقترحت‪ ،‬عشية مؤمتر مدريد في سنة ‪ 1991‬إنشاء “حتالف وطني‬
‫مواز ملنظمة التحرير‪ ،‬ففشل هذا االقتراح‪ ،‬مثلما فشل في السياق‬ ‫إسالمي عريض” ٍ‬
‫نفسه اقتراح بعض األطراف في املعارضة الفلسطينية‪ ،‬مثل “فتح ‪ -‬االنتفاضة”‬
‫وجل ما متكنت املعارضة من إجنازه آنذاك هو‬ ‫إنشاء منظمة حترير فلسطينية جديدة‪ّ .‬‬
‫صيغة “الفصائل العشر” التي أعلن عنها في طهران خالل املؤمتر العاملي ملناصرة‬
‫الثورة اإلسالمية في فلسطني في ‪ .23 1991/10/22‬أما مشروع “حتالف القوى‬
‫الفلسطينية” الذي جرى احلديث عنه في أيلول‪ /‬سبتمبر ‪ 1993‬فتناثر جراء اخلالف‬
‫على نسب التمثيل‪.24‬‬
‫لم تتمكن حماس‪ ،‬عندما كانت في املعارضة‪ ،‬وحينما باتت في السلطة‪ ،‬من حتقيق‬
‫أي شكل من أشكال الوحدة الوطنية أرقى من الصيغة املتمثلة في منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ ،‬مع أن حماس منظمة حديثة نسبي ًا‪ ،‬ولها الكثير من املالحظات والتحفظات‬
‫على املؤسسة القدمية‪ ،‬ومتتلك‪ ،‬عالوة على ذلك‪ ،‬أفكار ًا إلعادة تفعيل املنظمة‪.‬‬
‫ملاذا‪ ،‬إذن‪ ،‬فشلت حماس في ابتداع صيغة أكثر حيوية وفاعلية للوحدة الوطنية‪،‬‬
‫َأكانت هذه الصيغة باالشتراك مع فتح أو من دونها؟ وملاذا لم تتمكن من إقامة شكل‬
‫جديد من الوحدة الوطنية مع بقية الفصائل‪َ ،‬أكان من خالل احلكومة‪ ،‬أم من خالل‬
‫امليدان السياسي؟‪.‬‬
‫دونكم ما يلي‪:‬‬

‫ضد علمانية املنظمة‪:‬‬


‫تأرجح موقف حماس من منظمة التحرير الفلسطينية سلب ًا وإيجاب ًا‪ .‬فهي رفضت‬
‫ال وحيد ًا للشعب الفلسطيني‪ .‬ورفضت‪ ،‬في البدايات‪ ،‬االنضمام إلى‬ ‫االعتراف بها ممث ً‬
‫املنظمة بذريعة علمانيتها (إذن‪ ،‬ألسباب عقائدية)‪ .‬لكنها‪ ،‬الحق ًا‪ ،‬قبلت االنضمام إليها‬
‫بشرط حصولها على ‪ % 40‬من مقاعد املجلس الوطني الفلسطيني‪( 25‬إذن‪ ،‬ألسباب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 23‬صدر البيان األول للفصائل العشر في ‪ .1991/10/24‬أما الفصائل فهي‪ :‬حماس‪ ،‬اجلبهة الشعبية‪،‬‬
‫اجلبهة الدميوقراطية‪ ،‬حركة اجلهاد اإلسالمي‪ ،‬فتح ‪ -‬االنتفاضة‪ ،‬فتح ‪ -‬املجلس الثوري‪ ،‬اجلبهة‬
‫الشعبية ‪ -‬القيادة العامة‪ ،‬الصاعقة‪ ،‬جبهة النضال الشعبي‪ ،‬احلزب الشيوعي الفلسطيني الثوري‪.‬‬
‫‪ 24‬عرضت حماس تأليف قيادة مركزية للتحالف من ‪ 40‬عضو ًا‪ ،‬يكون حلماس ‪ % 40‬منهم وللفصائل‬
‫األخرى ‪ %40‬وللمستقلني ‪.%20‬‬
‫‪ 25‬طالبت حماس في مذكرة رفعتها إلى الشيخ عبد احلميد السائح في ‪ 1990/4/7‬بأن يكون متثيلها‬
‫في املجلس الوطني ما بني ‪ %40‬و‪ ،%50‬وأن حتصل على حقها املتناسب مع حجمها وثقلها في جميع‬
‫مؤسسات املنظمة وأجهزتها‪ ،‬راجع‪ :‬الدراسات الفلسطينية‪ ،‬العدد ‪ ،13‬شتاء ‪.1993‬‬

‫‪70‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫عملية)‪ ،‬ووافقت قيادة حماس في إحدى املراحل باالنضمام إلى املنظمة إذا سحبت‬
‫املنظمة اعترافها بالقرار ‪( 26 242‬إذن‪ ،‬ألسباب سياسية)‪.‬‬
‫احلقيقة أن هناك تباعد ًا أساسي ًا وتأسيسي ًا بني حماس ومنظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ .‬فحماس تتحفظ عن التزام م‪.‬ت‪.‬ف‪ .‬فكرة الدولة ال َعلمانية‪ ،‬ألنها تعتقد أن‬
‫الفكرة ال َعلمانية مناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامة‪ .27‬وفي رسالة بعث بها الشيخ‬
‫أحمد ياسني إلى حركة حماس قال إن املرحلة املقبلة التي تخطط لها “إسرائيل”‬
‫هي تسليم قيادة املجتمع الفلسطيني إلى املنظمة‪ ،‬وبناء أسسه على ال َعلمانية ملواجهة‬
‫اإلسالم واملسلمني‪ .28‬فإذا كانت حماس مناوئة للعلمانية‪ ،‬وهي كذلك‪ ،‬فهذا يعني‬
‫أنها رمبا تخوض صراع ًا أيديولوجي ًا وغير أيديولوجي ضد الفصائل العلمانية مثل‬
‫اجلبهة الشعبية واجلبهة الدميوقراطية وحزب الشعب ومجموعات مختلفة من املنظمات‬
‫األهلية والسياسية‪.‬‬
‫إن هذا املوقف يعيق حماس عن التقدم نـحو إرساء أسس متينة للوحدة الوطنية‪،‬‬
‫ويحول دون إمتام حتالف جدي مع الفصائل غير اإلسالمية‪ .‬وهذا ما جرى اإلفصاح‬
‫عنه بفصيح الكالم إبان أحداث غزة في حزيران‪ /‬يونيو ‪ ،2007‬عندما وصف القيادي‬
‫في حركة حماس نزار ريان بأن ما يجري في غزة هو “حرب بني اإلسالم والعلمانية”‪،‬‬
‫ووصف أعضاء حركة فتح بـ“الزنادقة”‪.‬‬

‫بني برنامجني‪:‬‬
‫ال أجازف كثير ًا في االستنتاج إذا قلت إن حماس لم تفز في االنتخابات التشريعية‬
‫األخيرة بناء على األيديولوجية اإلسالمية وحدها‪ ،‬بل استناد ًا إلى برنامج انتخابي‬
‫معتدل أيض ًا قوامه مكافحة الفساد وتقدمي خدمات اجتماعية أفضل‪ .‬وقد انـحسر‬
‫الناخبون عن فتح ال بسبب برنامجها السياسي بل بسبب سوء اإلدارة وفشل اتفاق‬
‫أوسلو في الوصول إلى إجناز وطني ميكن الركون إليه‪ .29‬والبرنامج السياسي حلركة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 26‬في اجتماعات اخلرطوم‪ ،1993/1/4 ،‬بني حماس وفتح بحضور ياسر عرفات وموسى أبو مرزوق‬
‫وإبراهيم غوشة ومحمد صيام وعماد العملي وحسن الترابي قال إبراهيم غوشة إن حماس مستعدة‬
‫ال شرعي ًا وحيد ًا للشعب الفلسطيني مقابل سحب االعتراف بالقرار ‪،242‬‬‫لالعتراف باملنظمة ممث ً‬
‫انظر‪ :‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ 27‬انظر‪“ :‬ميثاق حركة حماس”‪ ،‬الباب الرابع‪ ،‬الفقرة ج‪.1988/8/18 ،‬‬
‫‪ 28‬مجلة الوسط‪.1993/11/1 ،‬‬
‫‪ 29‬في استطالع جرى بعد االنتخابات التشريعية قال ‪ % 73‬من الذين شملهم االستطالع إنهم يدعمون‬
‫معاهدة سالم مع “إسرائيل” وح ً‬
‫ال يقوم على أساس دولتني‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حماس ينص على أن حركة حماس حركة مقاومة‪ .‬بينما برنامجها االنتخابي آثر‬
‫االبتعاد عن السياسة؛ فلم يتطرق إلى منظمة التحرير الفلسطينية أو إلى حل الدولتني‬
‫أو إلى قرارات الشرعية الدولية‪ ،‬واكتفى بالكالم على الشؤون االجتماعية والصحية‬
‫والتعليمية واالقتصادية واملرأة‪ ...‬الخ‪ ،‬وهو ما لم تتمكن حكومة حماس من حتقيق‬
‫أي جانب منه‪ .‬لكن‪ ،‬ما هو جدير بالتنبيه عليه هو اخللط بني البرنامج االنتخابي‬
‫وميثاق احلركة‪ .‬فقد اعتبرت حماس أن فوزها في االنتخابات مينحها الشرعية لتطبيق‬
‫ميثاقها‪ .‬وهذا أمر شديد اخلطر على عالقاتها بالقوى السياسية األخرى‪ .‬صحيح أن‬
‫الفوز في االنتخابات مينحها احلق في تطبيق برنامجها االنتخابي‪ ،‬لكنه ال مينحها‬
‫أي شرعية في تغيير “العقد االجتماعي” الذي هو أعلى من الدستور في حال وجود‬
‫الدستور‪ .‬وفكرة العقد االجتماعي موجودة في “امليثاق الوطني الفلسطيني” املعلَّق‪،‬‬
‫واملوجودة في مشروع الدستور الفلسطيني املؤجل‪ ،‬وموجودة في بدهيات الفكر‬
‫السياسي املعاصر‪ ،‬وهي أن املجتمع تعددي‪ ،‬والنظام السياسي يعكس هذه التعددية‬
‫في مؤسساته الدستورية بحيث ال ميكن أي قوة سياسية أن تنقلب على هذا العقد‬
‫بذريعة أن الناس يريدون ذلك من خالل االنتخابات متام ًا كاستخدام الدميوقراطية‬
‫مرة واحدة؛ على غرار ما حدث في أملانيا النازية وفي إيطاليا الفاشية‪ ،‬وهو أمر‬
‫حدث مرة واحدة أيض ًا‪ ،‬وال ميكن أن يتكرر في النظم الدميوقراطية‪ .‬وفي أي حال‪،‬‬
‫فإن االنتخابات التي منحت حماس شرعية متثيلية‪ ،‬ال متنحها‪ ،‬بأي وجه من الوجوه‪،‬‬
‫شرعية فرض تصورها على املجتمع‪ .‬فإذا كان اإلسالم مبدأ إمياني‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬
‫أداة تعبوية‪ ،‬فإن اخللط بني البرنامج االنتخابي وميثاق احلركة سيح ِّول اإلسالم‪ ،‬في‬
‫هذه احلال‪ ،‬إلى أداة حكم‪ ،‬وهو شأن رمبا يجر حماس‪ ،‬بالتدريج‪ ،‬إلى االصطدام‬
‫بأجزاء من املجتمع‪ .‬ولألسف‪ ،‬فإن بعض قادة حماس لم يتورعوا عن إثارة املخاوف‬
‫في هذا األمر؛ فقد أعلن محمود الزهار‪ ،‬جواب ًا عن سؤال يتعلق بتأسيس دولة‬
‫إسالمية في غزة بقوله‪“ :‬بالطبع نريد أن نفعل ذلك‪ ،‬لكن بدعم كامل من الشعب‪....‬‬
‫ومبا أننا ال منلك دولة حالي ًا‪ ،‬فسنحاول تكوين مجتمع إسالمي”‪ .‬ورد ًا على سؤال‬
‫آخر عن عدم مهاجمة “إسرائيل” في اآلونة األخير قال محمود الزهار‪“ :‬نعم‪ .‬في‬
‫هذه اللحظة ال ميكننا أن نتعامل مع عدوين في الوقت نفسه”‪ .30‬وكان يقصد بعبارة‬
‫“العدوين”‪ :‬فتح و“إسرائيل”‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 30‬محمود الزهار في حوار مع مجلة دير شبيغل األملانية‪ ،‬نقلت جريدة األخبار مقتطفات منه في‬
‫‪.2007/6/25‬‬

‫‪72‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫لنعترف إن خط التفاوض بحسب اتفاق أوسلو قد فشل منذ زمن طويل‪ .‬ولنعترف‬
‫أيض ًا أن خط طرد االحتالل بالعمليات اخلاصة وحدها فشل أيض ًا‪ .‬وها إن املجتمع‬
‫الفلسطيني قد بات اليوم بال قيادة تاريخية مقتدرة بعد غياب ياسر عرفات‪ ،‬وبال‬
‫مؤسسات جدية خلدمة هذا املجتمع‪ ،‬وبال نظام سياسي واضح املعالم يحوز ثقة‬
‫املواطنني‪ .‬وفي خضم هذه األحوال باتت حماس سلطة‪ .‬وعليها مسؤولية إدارة‬
‫املجتمع في جميع األحوال ومهما تكن العوائق‪ .‬وأعتقد أن من احملال أن تتمكن‬
‫حماس من تولي شؤون املجتمع الفلسطيني وحدها حتى لو فازت الحق ًا بالرئاسة‪.‬‬
‫ال‪ .‬غير أن من الصعب جد ًا أن‬ ‫ال أم آج ً‬
‫وال ب ّد من املشاركة السياسية للجميع عاج ً‬
‫نتجه إلى املشاركة‪ ،‬أي إلى املزيد من الدميوقراطية‪ ،‬بأفكار تستبعد اآلخرين بذريعة‬
‫العلمانية تارة‪ ،‬وبذرائع أخرى تارة ثانية‪ .‬وفي هذا امليدان يكمن االختبار األخير‬
‫حلركة حماس‪ :‬إما أن تتجه إلى الوحدة الوطنية واالنضواء في منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ ،‬أو أن تنفرد باملجتمع وحدها‪ ،‬وهذا هو االستبداد بعينه‪ .‬وأكثر ما ُيخشى‬
‫اليوم هو أن يتم تنفيذ شعار “إمنا العاجز َمن ال يستبد”‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الورقة الثالثة‪:‬‬
‫حما�س والدائرة العربية‬
‫‪31‬‬
‫محمد جمعة‬

‫مالحظات بني يدي حلقة النقاش‪:‬‬


‫احلل‪ ،‬فال فتح راغبة في هضم‬ ‫ّ‬ ‫أضحت األزمة السياسية الراهنة عص ّية على‬
‫تآكل مكانتها في القيادة والسلطة‪ ،‬وال حماس استطاعت ممارسة السلطة‪ ،‬بسبب‬
‫احتكامها للعوامل واحملددات التالية‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬األزمة الفلسطينية الراهنة‪ ،‬هي مبثابة إرهاصات النتهاء مرحلة قدمية‪،‬‬
‫هيمنت فيها حركة فتح على األطر التنفيذية العليا للنظام السياسي الفلسطيني‪ ،‬سواء‬
‫كان ذلك في عهد منظمة التحرير املمتد‪ ،‬أو في مرحلة ما بعد أوسلو ووالدة السلطة‬
‫الوطنية الفلسطينية سنة ‪ ،1994‬وحتى تشكيل حماس للحكومة الفلسطينية في آذار‪/‬‬
‫مارس ‪ ،2006‬ووالدة مرحلة جديدة يت ّم فيها وقف استئثار فتح بقيادة د ّفة القرار‬
‫الفلسطيني‪ ،‬ويفرض عليها فيها مفهوم الشراكة السياسية مع أه ّم منافس لها في‬
‫الساحة احمللية املتمثل في حركة حماس‪ .‬واملشكلة أن إرهاصات املوت والوالدة تلك‪،‬‬
‫ال تقتصر فقط على ُأفول قيادة قدمية ووالدة قيادة جديدة‪ ،‬وإمنا تشمل أيض ًا مجمل‬
‫ُبنَى الساحة الفلسطينية وشعاراتها‪ ،‬وأشكال عملها‪ .‬واملشكلة أيض ًا‪ ،‬أن هذا األمر‬
‫ظل تنافسات وصراعات بني‬ ‫يت ّم من دون توافقات فلسطينية داخلية‪ ،‬ويت ّم كذلك في ّ‬
‫القوى املعنية في هذه الساحة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬هذه األزمة ال تطال فقط اخلالف السياسي البرنامجي‪ ،‬وإمنا هي فوق هذا‬
‫وذاك ترتبط بأزمة هاتني احلركتني فتح وحماس‪ .‬فمشكلة فتح أنها وعلى الرغم من‬
‫دورها الريادي لهذا العمل‪ ،‬فهي لم تنجح في خيار التسوية‪ ،‬وال في جتربة بناء الكيان‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 31‬كاتب مصري‪ ،‬مدير حترير مجلة القدس‪ ،‬القاهرة‪ ،‬وباحث في مركز األهرام للدراسات االستراتيجية‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الفلسطيني‪ ،‬وكذلك أخفقت في إدارة االنتفاضة‪ ،‬ولم تستطع التحكم مبسار املقاومة‪،‬‬
‫تع‬
‫ناهيك عن أنها‪ ،‬أي فتح‪ ،‬لم تستوعب املتغيرات احلاصلة في الساحة الفلسطينية‪ ،‬ولم ِ‬
‫أهمية إجراء مراجعة نقدية لبناها وشعاراتها وطرائق عملها‪ ،‬إلدخال التجديد عليها‪.‬‬
‫ومن ناحية حماس‪ ،‬فإن هذه احلركة لم تنجح في فرض صدقيتها في إدارة الوضع‬
‫الفلسطيني‪ ،‬فهي لم تستطع اخلروج من عباءة املعارضة‪ ،‬ومن الروح الشعاراتية‬
‫التي متتلكها‪ .‬وهي ش ّكلت حكومة السلطة في آذار‪ /‬مارس ‪ ،2006‬على الرغم من‬
‫معارضتها التفاق أوسلو ‪ ،1993‬وقبلت بهذه املسؤولية على الرغم من ارتهان تلك‬
‫احلكومة للمساعدات اخلارجية‪ ،‬وكل ذلك وضع حماس في مأزق أيديولوجي وسياسي‪،‬‬
‫أصرت هي على جتاهله طوال الفترة املاضية‪ ،‬وما تزال‪ ،‬بدعوى ص ّد “التآمر” على‬ ‫ّ‬
‫مكانتها‪.‬‬
‫ظل انسداد اخليارات السياسية للفلسطينيني؛ فخيار‬ ‫ثالث ًا‪ :‬هذه األزمة تأتي في ّ‬
‫املضي في عملية التسوية في ّ‬
‫ظل التملصات وااللتفاتات واإلمالءات اإلسرائيلية‪ ،‬بات‬
‫صيغة لـ“مضيعة الوقت”‪ ،‬في حني أن اإلبقاء على الوضع الراهن بات مبثابة فرصة‬
‫مناسبة لـ“إسرائيل” لفرض األمر الواقع‪ ،‬من خالل التوسع في سياسة االستيطان‪،‬‬
‫واستكمال بناء اجلدار العازل‪ ،‬واإلمعان في تهويد القدس‪ ،‬وتأزمي األوضاع احلياتية‬
‫على الفلسطينيني‪ ،‬وتقويض الكيان الفلسطيني‪ .‬أما التوجه النتفاضة جديدة؛ فهو خيار‬
‫ظل إنهاك حال الفلسطينيني طوال السنوات املاضية‪ ،‬نتيجة للممارسات‬ ‫صعب في ّ‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬والصراعات الفلسطينية الفلسطينية‪ ،‬واستمرار احلصار‪ .‬في حني أن‬
‫ظل األوضاع الدولية‬ ‫الولوج في خيار املقاومة املسلحة يبدو خيار ًا باهظ الثمن في ّ‬
‫واإلقليمية الراهنة‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬األزمة الفلسطينية مرهونة‪ ،‬هذه املرة وأكثر من السابق‪ ،‬للعوامل اخلارجية‪،‬‬
‫بحكم ارتهان ‪ 160‬ألف موظف للدعم املادي الذي تقدمه الدول املانـحة (أوروبا‪،‬‬
‫والواليات املتحدة‪ ،‬وكندا‪ ،‬واليابان‪ ...‬إلخ)‪ ،‬التي حتتضن الكيان الفلسطيني وفق‬
‫معايير سياسية معينة‪ ،‬وضمنها التزام عملية التسوية مع “إسرائيل”‪ ،‬وليس أية‬
‫عملية أخرى‪ .‬كذلك األزمة الفلسطينية باتت محكومة بالتطورات الدولية واإلقليمية‪،‬‬
‫خصوص ًا بكيفية تنفيذ اإلدارة األمريكية لسياستها في املنطقة‪ ،‬من العراق إلى لبنان‬
‫إلى إيران‪ ،‬وبكيفية تعاطي القوى اإلقليمية الفاعلة من إيران إلى سورية إلى حزب‬
‫اللّه مع هذا األمر‪ ،‬ومبعنى آخر‪ ،‬فإن هذه األزمة باتت محكومة بالصراع في الشرق‬
‫األوسط‪ ،‬وبالصراع على الشرق األوسط‪ ،‬بني القوى املعنية‪ ،‬بحيث أنها باتت مرتبطة‬

‫‪75‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫بدرجة كبيرة‪ ،‬مبا سيحصل في هذا الشرق األوسط‪ ،‬وخصوص ًا في لبنان والعراق‪،‬‬
‫مما يص ّعب على القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية التحكم بهذه األزمة‪ ،‬وإيجاد‬
‫حلول مناسبة لها‪ ،‬ما يعني في التحليل األخير أن محاوالت الفلسطينيني حلل األزمة‬
‫أو السيطرة عليها لم تعد بأيديهم فقط‪ .‬ومن كل ما سبق ميكن االستنتاج بأن األزمة‬
‫الفلسطينية الراهنة لن جتد حلها مبجرد حوارات هنا أو اتفاقات هناك‪ ،‬على أهمية‬
‫ذلك‪ ،‬وإمنا حتتاج إلى معاجلات ومعطيات وحتوالت نوعية وتاريخية‪.‬‬

‫نص الورقة املقدمة‪:‬‬


‫صعود حركة حماس إلى قمة النسق السياسي الفلسطيني عقب فوزها بانتخابات‬
‫كانون الثاني‪ /‬يناير ‪ 2006‬لم يكن باملستجد قليل األهمية‪ ،‬سواء على صعيد عالقات‬
‫حركة حماس ومستقبلها‪ ،‬أو على صعيد طبيعة النظام السياسي الفلسطيني‪ ،‬وأحوال‬
‫حركة التحرر الوطني الفلسطيني عموم ًا‪.‬‬
‫صحيح أن حماس خاضت قبل أن تطأ أقدامها املعترك السياسي على هذا النحو‪،‬‬
‫مسالك ودروب ًا وعرة‪ ،‬وتخطت فى مسيرتها الكثير من الصعاب‪ ،‬إال أن مشهد السلطة‬
‫فى تاريخ احلركة ال ميكن مقارنته بأي حال مبا سبق‪.‬‬
‫فمقارنة املشهد الراهن مبا سبق‪ ،‬ال يستقيم بحال‪ ،‬إذا ما نظرنا إلى حجم‬
‫املستجدات واملتغيرات التي أحاطت مع مشهد غاية في الصعوبة والتعقيد‪ ،‬إلى‬
‫احل ّد الذي ميكن معه القول ودون مبالغة‪ :‬إن محدودية النتائج واحلسابات لن تكون‬
‫محصورة في سجل تلك التجربة‪ ،‬وإمنا ستصاحبها في رسم نتائجها‪ :‬إذ جند‬
‫اجلذرية في التحوالت‪ ،‬والضخامة في حجم التأثيرات‪ ،‬على نـحو ميكن معه‪ ،‬وبلغه‬
‫التحقيب التاريخي‪ ،‬وضع هذا املفصل فى عداد احملطات الزمنية الفارقة‪ ،‬التي تفصل‬
‫في رصيد حسابها اخلتامي ما قبلها عما بعدها‪.‬‬

‫أو ًال‪ :‬حماس وقرار املشاركة‪ ...‬مقاربات متناقصة ونتائج مورطة‪:‬‬


‫منذ البداية كان من الواضح‪ ،‬بالنظر إلى احلسابات املوضوعية‪ ،‬أن حماس‬
‫سيعترض طريقها الكثير من التحديات‪ ،‬وأن بانتظارها إعاقات ومعوقات‪ .‬بل إن‬
‫حجم التداخل فى مفاعيل العناصر واحملددات‪ ،‬لم يكن ليسمح إلى ح ٍّد كبير بالتجزئة‪،‬‬
‫وحساب معادلة كل عنصر على حده‪ ،‬وإمنا تشابكت وتداخلت‪ ،‬إلى ح ِّد التعقيد‪،‬‬
‫العوامل الذاتية واملوضوعية مع منظومة اجلهوي واإلقليمي والدولي‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ووفق التداخل السالف‪ ،‬بدا وبشكل حتمي‪ ،‬أن حماس ستسير وهي تخوض غمار‬
‫تلك التجربة‪ ،‬على حبل مشدود‪ ،‬وستضطر إلى املواجهة مع مقتضيات متعارضة‪،‬‬
‫وهذا ما حدث بالفعل‪ .‬فبني استراتيجية التحرير وواجب البناء‪ ،‬وكذا جدلية املقاومة‬
‫أو الفتنة‪ ،‬وكذا جدلية البقاء أو املوت السياسي‪ ...‬بني كل ذلك وجدت حماس‬
‫نفسها في اختيارات غاية في الصعوبة‪ ،‬تفاصل فيها بني السيء واألسوأ‪ .‬ولم تكن‬
‫تلك املواء مة العجيبة إال تعبير ًا عن إشكالية ومأزق دخول حماس السلطة‪ ،‬التي‬
‫أنشأتها اتفاقات رفضتها حماس‪.‬‬
‫بهذه اخلصوصية أصبحت حماس في وضع سمته “االزدواجية” في مصادر‬
‫الشرعية‪ ،‬واملرجعية القانونية ملمارسة الفعل السياسي‪ .‬وتلك االزدواجية جعلت‬
‫حماس حلظة دخولها املجلس التشريعي داخل إطار “ضيق” على صعيد نشاطها في‬
‫السلطة‪ ،‬ومتعارض في “مقاساته” السياسية مع أهدافها التكتيكية واالستراتيجية‬
‫من خالل املقاومة‪ ،‬وهنا بدا أن حماس تعيش تناقض ًا بني “اإلطار السياسي الذي‬
‫تفرضه االتفاقيات التي نظمت وجود السلطة‪ ،‬وحددت أفقها وصالحياتها”‪ ،‬وبني‬
‫“األهداف التي تسعى إليها‪ ،‬وعلى رأسها حترير كل فلسطني”‪ .‬من ذلك على سبيل‬
‫املثال‪ ،‬ما جاء في البند الرابع من املادة ‪ 18‬من اتفاقية واشنطن املعقودة بني‬
‫الفلسطينيني واإلسرائيليني بتاريخ ‪ ،1995/9/28‬أنه ال يجوز للمجلس التشريعي‪،‬‬
‫وال حتى لرئيس السلطة إصدار تشريعات تلغي القوانني السارية املفعول‪ ،‬أو‬
‫األوامر العسكرية اإلسرائيلية‪ ،‬أو تلك التي تخالف االتفاقيات املعقودة بني الطرفني‪.‬‬
‫وكذلك الفقرة السادسة من املادة نفسها أعطت للجانب اإلسرائيلي في اللجنة‬
‫القانونية املشتركة‪ ،‬صالحية االعتراض على القوانني والتشريعات!‪ .‬وبذلك تكون‬
‫صالحيات املجلس التشريعي في حدود ما حددته وضبطته االتفاقات املوقعة‪ .‬أكثر‬
‫من هذا‪ ،‬أن والية املجلس التشريعي تتعلق مبا ينقل للسلطة من صالحيات في‬
‫الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬وبالتالي فليس لالجئني احلقّ في االنتخاب‪ ،‬ناهيك عن‬
‫أن آلية انتخابات أهالي القدس كما بينتها املادة السادسة من البروتوكول اخلاص‬
‫باالنتخابات‪ ،‬تشير إلى جلنة إشراف مشتركة مع اإلسرائيليني‪ ،‬وبآلية تصويت تت ّم‬
‫بطريقة غير مباشرة من خالل مكاتب البريد‪ ،‬أي أشبه بتصويت سكان فلسطينيني‬
‫في أرض أخرى‪ ،‬بل وحتى تعداد املقدسني املشاركني في العملية االنتخابية يخضع‬
‫لضوابط إسرائيلية‪.‬‬
‫كل تلك اإلشكاليات كانت تتناقض مع التصريحات املتفائلة التي حتدثت بها‬

‫‪77‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫قيادات حماس عشية اتخاذ قرار بخوض انتخابات التشريعي‪ ،‬والتي كانت تتحدث‬
‫عن إمكانيات لتغيير قواعد اللعبة‪ ،‬و“تسخير” التشريعي؛ لتعزيز املقاومة الفلسطينية‬
‫ومنع التنازالت السياسية‪ .‬بل إن تلك اإلشكاليات بدأت وكأنها مبثابة ألغام أرضية‬
‫تنتظر حلظة وصول حماس إلى محطة التشريعي كي تنفجر في وجهها!‪.‬‬
‫وهو ما كان “يبشر” ومنذ البداية بأن دخول حماس للتشريعي لن يكون محفوف ًا‬
‫بالورود‪ ،‬وأن محاولة حماس املزج بني الفعل السياسي والعسكري من خالل ممارسة‬
‫املقاومة‪ ،‬وكأنها ليست في البرملان‪ .‬وممارسة استحقاقات البرملان وكأن املقاومة ال‬
‫تؤثر على ذلك‪ ...‬هذه املعادلة من الصعب‪ ،‬إن لم يكن من املستحيل متريرها‪ ،‬ألن‬
‫وجود احلركة في التشريعي يلزمها أن تكون جزء ًا من املعادلة السياسية‪ ،‬شاء ت ذلك‬
‫أم أبت‪ ،‬وجزء ًا من منظومة ملزمة بأن تكون فيها ضمن استراتيجية التسوية‪.‬‬
‫والغريب أن قيادات حماس التي كانت تدرك حجم تلك اإلشكاليات أصرت بني‬
‫يدى قرار املشاركة على التمسك برفض حتول احلركة إلى حزب سياسي؛ على‬
‫الرغم من أنها متارس احلزبية السياسية بكل مكوناتها في حالة دخولها للتشريعي‪،‬‬
‫بدعوى احلفاظ على املقاومة‪ ،‬مع أن احلفاظ على املقاومة رمبا يتطلب العكس‪ ،‬إذ إن‬
‫اإلشكالية ليست بالتسمية‪ ،‬بقدر ما هي مرتبطة بالدور الذي تؤديه احلركة‪ ،‬أو أحد‬
‫أجهزتها‪.‬‬
‫وإفراز حزب سياسي‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬كان سيمكن حماس من تفادي أي‬
‫إفرازات سلبية لتجربة التشريعي‪ ،‬بحيث ال تنعكس على مشروع املقاومة وبالتالي‬
‫على القضية ككل‪ .‬كذلك وجود احلزب السياسي كان سيعطي ميزات للحركة‪ ،‬من‬
‫حيث توليد االنضباط احلزبي‪ ،‬وجتميع شخصيات أكادميية وشعبية مؤثرة‪ ،‬وليست‬
‫بالضرورة حركية‪ ،‬وهذا بالضبط ما كان سيجعل حماس وجسدها التنظيمي أكثر‬
‫انشغا ًال مبعادلة “املقاومة واالحتالل” من انشغالها مبفاعيل السياسية واملجتمع‪،‬‬
‫واألهم أنه سيحمي مشروع املقاومة من أي صور سلبية‪ ،‬وأضرار مستقبلية قد تلحق‬
‫باحلركة نتاج إغراءات السلطة املورطة‪.‬‬
‫وليت األمر اقتصر على ذلك فحسب‪ ...‬بل تفاقمت إشكاليات املشهد وازدادت‬
‫تعقيد ًا حلظة إعالن نتائج االنتخابات‪ ...‬فبينما قصدت حماس من املشاركة ممارسة‬
‫التكتيك السياسي في إطار املعارضة اخلانقة‪ ،‬فإذا بنتائج اإلنتخابات تصل بحماس‬
‫إلى قمة النسق السياسي اضطرار ًا ال اختيار ًا‪ ،‬لتجد حماس نفسها قبالة أغلبية‬
‫ساحقة جتبرها على ممارسة السلطة وهي لم تتهيأ بعد‪ .‬وبد ًال من أن تسعى حماس‬

‫‪78‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫إلى دفع وجوه أكادميية ومستقلة لقيادة السلطة‪ ،‬مبا يؤدي إلى تخفيف أعباء السلطة‬
‫واستحقاقاتها السياسية‪ ،‬دفعت حماس بقيادتها وص ّفها األول نـحو املراكز األولى‬
‫في قيادة السلطة‪.‬‬
‫وكان معنى هذا أنه لم يعد هناك من خيار أمام حماس سوى السعي نـحو‬
‫توسيع إطار السلطة ليتناسب مع أهدافها‪ ،‬وإحداث تغييرات في منط مفاهيم قيام‬
‫تلك السلطة وأهدافها وأسسها‪ ،‬لتطوير األداء باجتاه طرح رؤية سياسية جديدة‪،‬‬
‫وصفها خالد مشعل باللغة واملمارسة السياسية اجلديدة‪ ،‬مع السعي كذلك إلقامة حالة‬
‫“مزاوجة” دقيقة بني ممارسة املقاومة وممارسة أعمال السلطة‪ .‬وكان الالفت آنذاك من‬
‫جهة حماس‪ ،‬أنها سعت منذ توليها مسؤولية السلطة إلى تثبيت التهدئة التي كانت قد‬
‫وافقت عليها قبل االنتخابات بفترة‪ ،‬وكان املقصد من ذلك أن تصبح التهدئة إطار ًا‬
‫ظل ممارسة السلطة‪ ،‬ناهيك عن أنها كانت‬ ‫سياسي ًا رسمي ًا الستمرار املقاومة في ّ‬
‫بسعيها هذا توجه رسالة لطمأنة األطراف اخلارجية والداخلية حول سلوكها وهي في‬
‫السلطة‪.‬‬
‫بيد أن األطراف اخلارجية خصوص ًا “إسرائيل”‪ ،‬والواليات املتحدة‪ ،‬وأوروبا‪،‬‬
‫والدول العربية‪ ،‬واألطراف الداخلية مثل حركة فتح‪ ،‬اندفعت بعد فوز حماس بأغلبية‬
‫املقاعد البرملانية ملواجهة حادة معها لتحويل “خطتها القائمة على املزاوجة بني احلكم‬
‫واملقاومة”‪ ،‬إلى “تناقض” ومأزق ذي طبيعة استراتيجية بني ممارسة السلطة وممارسة‬
‫املقاومة‪ .‬لتجد حماس نفسها حتت الضغط‪ ،‬أو أمام حل في اجتاه واحد هو التخلي‬
‫عن املقاومة لصالح البقاء في السلطة‪.‬‬
‫وهنا ووجهت حماس بخطة مقابلة من القوى الداخلية واخلارجية‪ ،‬استهدفت تطويع‬
‫إرادتها داخل السلطة ضمن حدود اتفاقات أوسلو وآفاقها‪ ،‬كما استهدفت إجبارها‬
‫حل مشكلة املزاوجة‪ ،‬بعد حتويلها إلى مأزق‪ ،‬بتحويلها حلالة تنتصر فيها حماس‬ ‫على ّ‬
‫للسلطة على حساب املقاومة‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار امتنعت القوى السياسية الداخلية ال س ّيما حركة فتح عن‬
‫مشاركة حماس في احلكومة‪ ،‬أي رفضت تغطية السلطة احلمساوية‪ ،‬فيما حتركت‬
‫األطراف اخلارجية ملنع حدوث اعتراف دولي بحكومة حماس‪ ،‬ومنع وصول األموال‬
‫واملساعدات‪ ...‬الخ‪ .‬ولم يتأخر اإلسرائيليون على الصعيد العسكري‪ ،‬إذ باتوا يشنون‬
‫االعتداءات الواحدة تلو األخرى‪ ،‬وأغلقوا املناطق الفلسطينية بشكل شبه دائم‬
‫ملنع وصول الغذاء والدواء‪ ،‬ولتشديد العقاب على الشعب الفلسطيني على اختياره‬

‫‪79‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حلماس‪ ،‬وجلعله عنصر ضغط عليها‪ .‬واحلال هذه‪ ،‬شهدنا صدام ًا وصراع ًا بني‬
‫استراتيجيتني‪ :‬حماس تستهدف توسيع إطار السلطة باجتاه يتجاوز سقف أوسلو‬
‫والتزاماته الضاغطة‪ ،‬بينما املتنفذين من حركة فتح‪ ،‬و“إسرائيل”‪ ،‬والواليات املتحدة‪،‬‬
‫وبعض األنظمة العربية يستهدفون محاصرة حماس بالسلطة إلجبارها على االعتراف‬
‫بـ“إسرائيل”‪ ،‬وااللتزام باالتفاقات املوقعة معها‪ ،‬ونبذ خيار املقاومة‪.‬‬
‫وتتابعت األحداث والصدامات بني حماس والتيار االنقالبي في حركة فتح حتى‬
‫وصل األمر إلى حلظة احلسم العسكري خالل الفترة من ‪ ،2007/6/14-8‬وما‬
‫تبعها من إجراءات مضادة من قبل قيادة السلطة متمثلة في أبي مازن والفريق املتنفذ‬
‫في فتح‪ ،‬لتنقسم على إثرها أراضي السلطة الفلسطينية سياسي ًا‪ ،‬بني بقايا حكومة‬
‫الوحدة الوطنية في غزة بإدارة حمساوية‪ ،‬وحكومة طوارئ في الضفة الغربية بإدارة‬
‫فتحاوية‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أن تتباين الرؤى جتاه جتربة حماس التي ما تزال فصولها تتوالى بعد‪،‬‬
‫وتتنوع التوقعات بشأن مآل تلك التجربة‪ ،‬لكن ما يعنينا في هذا املقام‪ ،‬بعد تلك املقدمة‬
‫التي طالت بعض الشيء‪ ،‬الوقوف على أداء حماس عربي ًا وإسالمي ًا‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬حماس والسلطة‪ ...‬من منطق الثورة إلى منطق الدولة‪:‬‬
‫شكل انتقال حركة حماس إلى خانة ممارسة السلطة واحلكم أمر ًا فاص ً‬
‫ال على‬
‫صعيد قضية العالقات اخلارجية‪ .‬إذ إن عالقات حركة حترر وطني تختلف بكل تأكيد‬
‫عن عالقات نظامية بني احلكومات أو اجلهات الرسمية‪ .‬فبينما يتاح في احلالة األولى‬
‫مساحة أوسع من التحرك أو التعبير صراحة عن املبادئ واملواقف والثوابت‪ ،‬تتسم‬
‫حالة العالقات اخلارجية الرسمية بقدر أكبر من القيود ومراعاة اعتبارات أخرى‪.‬‬
‫هذا اخلالف بني منطق الثورة ومنطق الدولة‪ ،‬يوضح كيف أن حماس مبمارستها‬
‫للسلطة دخلت خبرة جديدة‪ ،‬في بعض جوانبها على األقل‪ ،‬وهذا أمر ال يخلو من‬
‫مزايا‪ ،‬بقدر ما ال يخلو أيض ًا من محاذير‪.‬‬
‫قدر من التغيير في منط إدارة‬‫فقد أتاحت تلك التجربة الفرصة حلماس إلدخال ٍ‬
‫العالقات اخلارجية الفلسطينية الذي ساد منذ بداية عقد التسعينيات‪ ،‬والذي اتسم‬
‫عموم ًا مبحاولة القفز على الترتيب الصحيح لدوائر احلركة اخلارجية‪ .‬بدليل تقدمي‬
‫متطلبات متتني العالقة مع الواليات املتحدة على حساب العالقة مع أطراف دولية أخرى‪.‬‬
‫وليس املقصد هنا هو السعي إلغالق باب العالقات الفلسطينية األمريكية أو حتى‬

‫‪80‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫توتيرها‪ ،‬وإمنا فتح الباب أمام مبدأ “تنويع العالقات اخلارجية” بشكل يسمح بزيادة‬
‫القدرة التساومية في العالقات مع الواليات املتحدة‪ .‬ال س ّيما وأن ثمة مؤشرات واضحة‬
‫على وجود حالة من التململ إزاء السياسة األمريكية في أنـحاء مختلفة من العالم‪.‬‬
‫وحالة التقارب األمريكي الراهنة مع بعض العواصم األوروبية الرئيسية‪ ،‬وكذلك‬
‫محدودية النتائج التي متخضت عنها زيارتا قادة حماس لروسيا‪ ،‬ال تنفيان أبد ًا تلك‬
‫احلقيقة‪ ،‬مثلما ال تنفيان كذلك ما تشي به حالة التململ هذه‪ ،‬عن استعداد بعض‬
‫األطراف الدولية‪ ،‬في حدود معينة‪ ،‬إلى “إزعاج” السياسة األمريكية‪ ،‬وانتقاد تفردها‪.‬‬
‫املقصد إذن أن صانع القرار اخلارجي الفلسطيني يحتاج بالفعل إلى تنشيط عالقاته‬
‫بالقوى اآلسيوية كالصني والهند‪ ،‬ودول أمريكا الالتينية مثل‪ :‬فنزويال‪ ،‬والبرازيل‪،‬‬
‫واألرجنتني‪ ،‬وكوبا‪ ،‬وبعض دول القارة األفريقية؛ مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا‪.‬‬
‫لكن حماس وعلى أهمية هذه الدائرة الدولية‪ ،‬يبدو أنها لم تكن قد استعدت بعد‪،‬‬
‫أو بلورت تصور ًا ما خلريطة عالقاتها أو حتالفاتها على صعيد تلك القوى الدولية‪،‬‬
‫وكيفية االستفادة منها‪.‬‬
‫وعلى العكس من ذلك‪ ،‬بدت حماس‪ ،‬ومنذ حلظة تسلمها مسؤولية السلطة‪ ،‬وكأنها‬
‫يخص العالقات مع الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬كونها‬ ‫ّ‬ ‫متلك رؤية أكثر تبلور ًا فيما‬
‫سعت منذ البداية إلى استعادة دعم عمقها العربي واإلسالمي للقضية الفلسطينة‪،‬‬
‫وهذا ما ميكن إدراكه من اهتمام قادة احلركة بالقيام بجولة خارجية شملت دو ًال‬
‫عربية وإسالمية‪ :‬مصر‪ ،‬والسعودية‪ ،‬وسورية‪ ،‬وقطر‪ ،‬وليبيا‪ ،‬والسودان‪ ،‬والبحرين‪،‬‬
‫واإلمارات‪ ،‬والكويت‪ ،‬وعمان‪ ،‬واليمن‪ ،‬وكذلك تركيا‪ ،‬وإيران‪ ،‬مبجرد فوزها في‬
‫االنتخابات التشريعية‪.‬‬
‫وخالل تلك املرحلة‪ ،‬منذ حلظة إعالن نتائج االنتخابات‪ ،‬وحتى حلظة احلسم‬
‫العسكري في غزة وما بعدها‪ ،‬لم يستمر أداء حماس على وتيرة واحدة‪ ،‬وإمنا اختلفت‬
‫طبيعة األداء احلمساوي على هذا الصعيد‪ ،‬باختالف طبيعة املرحلة‪ .‬وميكننا في هذا‬
‫نفرق بني ثالث محطات رئيسية؛ األولى‪ :‬إبان فترة حكومة حماس من‬ ‫السياق أن ّ‬
‫آذار‪ /‬مارس ‪ 2006‬وحتى آذار‪ /‬مارس ‪ .2007‬والثانية‪ :‬خالل الفترة التي استمرت‬
‫فيها حكومة الوحدة‪ ،‬أي من آذار‪ /‬مارس ‪ 2007‬وحتى الثامن من حزيران‪ /‬يونيو‬
‫حلظة اندالع املواجهات العسكرية في غزة‪ .‬والثالثة‪ :‬من حلظة احلسم العسكري وما‬
‫بعده‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املرحلة األولى‪ :‬حكومة حماس والدائرة العربية‪:‬‬


‫كان من الواضح منذ أن بدأ إسماعيل هنية مشارواته لتشكيل احلكومة عقب‬
‫ظل‬‫فوز احلركة باالنتخابات‪ ،‬أن احلركة تبحث عن معني قوي يساعدها‪ ،‬خاصة في ّ‬
‫التهديدات األمريكية واألوروبية واإلسرائيلية بفرض احلصار على الشعب الفلسطيني‪،‬‬
‫ولهذا قامت قيادة احلركة في اخلارج بجولة خارجية شملت إحدى عشرة دولة عربية‬
‫باإلضافة إلى تركيا وإيران‪ ،‬حيث عكست تلك الزيارات رغبة حماس في إحالل الدعم‬
‫محل الدعم الدولي‪ ،‬بهدف توسيع‬ ‫ّ‬ ‫االقتصادي العربي واإلسالمي (الرسمي والشعبي)‬
‫هامش املناورة أمام احلركة‪ ،‬وهي تخوض غمار جتربة جديدة‪.‬‬
‫شك أن تبدل املواقع في صناعة السياسة الفلسطينية‪ ،‬فرض من الناحية‬ ‫وال ّ‬
‫املوضوعية على كل من حماس واألنظمة العربية املعنية إعادة ترتيب لعدد من القضايا‪،‬‬
‫تظل أو تتجمد عالقات حماس باألنظمة العربية عند سابق‬ ‫ولهذا كان من الطبيعي أال ّ‬
‫مستواها‪ ،‬بل طرأت عليها تطورات رفعت من الرغبة في تبادل وجهات النظر وجه ًا‬
‫لوجه‪ ،‬ورمبا للقبول اجلزئي املتبادل املؤقت على األقل‪.‬‬
‫لكن ثمة إشكاليات حتكمت في درجة انفتاح حماس على األنظمة العربية أهمها‪:‬‬
‫أن حركة هذه األنظمة تخضع حملددات وعوامل داخلية وخارجية من بينها‪ :‬التوافق‬
‫الرسمي العربي على املضي في عملية التسوية كخيار استراتيجي‪ ،‬واحلملة األمريكية‬
‫على “اإلسالم السياسي” وقوى املقاومة عموم ًا‪ ،‬حتت ذريعة “محاربة اإلرهاب”‪،‬‬
‫ناهيك عن أن بعض النظم العربية وهي تقارب حماس تأثرت بخصومتها السياسية‬
‫املزمنة مع جماعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬التي متثل املرجعية التنظيمية األولى لهذه‬
‫احلركة‪.‬‬
‫فمن ناحية التوافق الرسمي على خيار التسوية‪ ،‬بدت حماس كطرف مناوئ للتوجه‬
‫العربي العام بشأن الصراع والتسوية مع “إسرائيل”‪ ،‬ولهذا لم ت ُِك ّن معظم العواصم‬
‫العربية و ّد ًا كبير ًا للحركة‪ ،‬وإن كانت قد التزمت الصمت واحلذر في التعبير عن هذا‬
‫املكنون‪ ،‬أو اكتفت بتوجيه رسائل للحركة عبر اتصاالت غير علنية أو رسمية‪.‬‬
‫وألن حماس كانت على دراية فيما يبدو باملعلن واملخبوء من املواقف العربية‬
‫جتاهها‪ ،‬وألنها في الوقت ذاته تدرك حجم العامل العربي في حتديد توجهات‬
‫السياسة الفلسطينية‪ ،‬وإكساب أو سحب الشرعية الدولية بالنسبة ألية قوة في النظام‬
‫الفلسطيني‪ ،‬فقد التزمت بدورها التعامل مع األنظمة العربية في حدود هذا اإلدراك‪.‬‬
‫وكانت هذه معاجلة حكيمة منها بحيث أنها لم تطلب من محيطها العربي سوى ما‬

‫‪82‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫يستشعر إمكانية التجاوب معه‪ .‬ومن احملتمل أن تكون حماس وحكومتها قد أضمرت‬
‫امتعاض ًا أو مرارة‪ ،‬من االصطفاف العربي خلف توجهات احلصار‪ ،‬الذي ضربته‬
‫عليها‪ ،‬وحرضت اآلخرين عليه‪ ،‬الواليات املتحدة و“إسرائيل”‪ .‬لكن دبلوماسية حماس‬
‫لم تعمد إلى التشهير بهذا املوقف‪ ،‬وال حاولت تأليب الرأي العام العربي ضده‪ ،‬رغم‬
‫معرفتها بالتعاطف الشعبي معها‪.‬‬
‫ّ‬
‫التحرش بحماس أو تفتعل‬ ‫وحتى عندما بدا أن دو ًال عربية رئيسية تسعى إلى‬
‫أزمات معها‪ ،‬أو أن هناك جهات إقليمية ضالعة في محاولة توتير عالقة احلركة بكل‬
‫من مصر واألردن‪ ،‬عاجلت حماس األزمة بروية‪ ،‬ولم تس َع إلى التصعيد اإلعالمي‪ .‬بدا‬
‫ذلك واضح ًا خالل أزمتي “خلية حماس” التي اتهمت فيها السلطات األردنية حركة‬
‫حماس مبحاولة إدخال أسلحة داخل حدود اململكة‪ ،‬وتعريض أمن اململكة للخطر‪.‬‬
‫والثانية عندما اتهمت وزارة الداخلية املصرية أربعة فلسطينني (بينهم شقيقني من‬
‫حركة حماس) بالتورط في تفجيرات “دهب” في سيناء في ‪.2006/4/24‬‬
‫فتجاه األزمة األولى اكتفت حماس بنفي التهمة عن نفسها‪ ،‬وابتعدت إعالمي ًا‬
‫عن كل ما يفاقم األزمة‪ .‬كما طالب رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية‪،‬‬
‫عبر وسطاء‪ ،‬العاهل األردني بالتدخل شخصي ًا الحتوائها‪ .‬وقام هنية وبرفقته وفد‬
‫قيادي من حماس بزيارة منزل رئيس مكتب التمثيل األردني لدى السلطة في غزة‪،‬‬
‫معلن ًا استنكاره وإدانته وحركة حماس‪ ،‬للتهديدات التي تعرض لها الدبلوماسيون‬
‫األردنيون في غزة‪.‬‬
‫وجتاه األزمة الثانية‪ ،‬سارعت حماس بإيفاد وزير الداخلية سعيد صيام إلى‬
‫القاهرة‪ ،‬وهناك التقى مدير املخابرات عمر سليمان‪ ،‬ووزير الداخلية حبيب العادلي‬
‫ووعد بتحري األمر‪.‬‬
‫في كلتا احلالتني قدمت حماس منوذج ًا “لكظم الغيظ” مع الذين جتاهلوا مكانتها‬
‫اجلديدة غداة االنتخابات‪ ،‬وآثرت االصطبار والتروي‪ ،‬رغم املدى البعيد الذي ذهبت‬
‫إليه بعض األنظمة العربية في مقاطعة احلركة‪ ،‬واالنصهار التا ّم في املطالب األمريكية‬
‫املتشددة حيال التعامل معها مالي ًا وسياسي ًا‪.‬‬

‫حماس وجدل احملاور األقليمية‪:‬‬


‫مع استمرار مقاطعة حكومة حماس سياسي ًا واقتصادي ًا‪ ،‬واملدى البعيد الذي‬
‫ذهبت إليه بعض األنظمة العربية في مقاطعة حماس‪ ،‬واالنصهار التا ّم مع املطالب‬

‫‪83‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫األمريكية واإلسرائيلية‪ ،‬كان طبيعي ًا أن تتوجه حماس نـحو اجلمهورية اإلسالمية‬


‫اإليرانية‪ ،‬طالبة الدعم املادي بشكل يخفف من وطأة احلصار االقتصادي عليها‪ .‬لكن‬
‫ومع زيادة النفوذ اإلقليمي إليران‪ ،‬وحديث بعض الزعماء العرب عن “مخاطر الهالل‬
‫ال عن الصراع األمريكي اإليراني على خليفة البرنامج اإليراني‪ ،‬بدت‬ ‫الشيعي”‪ ،‬فض ً‬
‫املنطقة وكأنها قد انقسمت بني محورين‪ :‬محور املعتدلني‪ ،‬ومحور املتشددين بحسب‬
‫التسمية األمريكية‪ .‬ومع أن احلرب األمريكية ‪ -‬اإلسرائيلية على لبنان لم تكن العامل‬
‫الذي أطلق هذه احلالة من االستقطاب السياسي احلا ّد‪ ،‬الذي شهده الوضع اإلقليمي‬
‫في املنطقة‪ ،‬إال أنها أخذته إلى حدود بعيدة في حدة االصطفاف بني معسكرين‬
‫وموقفني‪ ،‬وفي هذه األثناء جادل البعض في عالقة حماس بإيران بحيث بدت حماس‬
‫خالل ذلك وكأنها محسوبة على احملور اإليراني ‪ -‬السوري‪.‬‬
‫واحلاصل أنه وباستثناء موقفها من العملية االستشهادية الذي نقدتها حركة‬
‫اجلهاد اإلسالمي في تل أبيب في نيسان‪ /‬أبريل ‪ ،2006‬وذهاب حماس بعيد ًا في‬
‫“تبرير وتسويق” تلك العملية (وكان يسعها آنذاك عدم اإلدانة فقط‪ ،‬ال أكثر وال‬
‫أقل من ذلك) دون أن تكون على يقني إذا ما كانت تلك العملية املثيرة لاللتباس‪ ،‬قد‬
‫ال‪ ،‬في سياق الصراع الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي‪ ،‬أم‬ ‫اندرجت تخطيط ًا وتوقيت ًا ومتوي ً‬
‫أنها واحدة من “األعراض اجلانبية” للصراع اإليراني ‪ -‬األمريكي على خلفية برنامج‬
‫طهران النووي‪.‬‬
‫ورمبا كان يتعني على حماس أن تدرك أن تلك العملية في أهدافها ووظيفتها كانت‬
‫موجهة ض ّدها باألساس‪ ،‬وتندرج في سياق رغبة “محور إيران ‪ -‬سورية” في تصعيد‬
‫وتيرة التوتر في املنطقة‪ ،‬وتوجيه أكثر من رسالة في أكثر من اجتاه‪ ،‬في وقت سعت‬
‫فيه حماس نـحو تثبيت التهدئة‪.‬‬
‫نقول‪ ،‬باستثناء املوقف من تلك العملية‪ ،‬جنحت حماس إلى ح ٍّد كبير‪ ،‬ومن موقع‬
‫السلطة أن ترسم بوضوح‪ ،‬الفواصل والتخوم التي متيزها عن هذين احملورين‪ .‬وكان‬
‫ذلك استمرار ًا لنهجها املعروف حتى قبل السلطة‪ ،‬والقائم على قاعدة سياسية بسيطة‬
‫“تكثير معسكر األصدقاء‪ ،‬وتقليل معسكر األعداء”‪ ،‬واالبتعاد عن كل احملاور الطائفية‬
‫والسياسية واإلقليمية‪ .‬وبذلك حافظت على مسافة مع اجلميع‪ ،‬وخرجت من كل العصبيات‬
‫السياسية واحلسابات الضيقة‪ ،‬واستطاعت بفضل ذلك أن تأخذ موقف ًا متوازن ًا من‬
‫مسألة احلرب العراقية ض ّد الكويت‪ ،‬ومن احلساسيات الطائفية في لبنان والعراق‪ ،‬ومن‬
‫التوترات املذهبية ما بني الشيعة والسنة‪ ،‬واملشاكل احلدودية بني كل الدول العربية‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حماس بعد السلطة كانت أكثر وعي ًا لرهانات سورية على استخدامها في مواجهة‬
‫الضغوط اخلارجية‪ ،‬وأدركت (أي حماس) أن استحقاقات الداخل الفلسطيني تتطلب‬
‫منها االبتعاد قدر اإلمكان عن اللعب بأي ورقة إقليمية من شأنها تأليب األطراف‬
‫العربية الداعمة ض ّدها‪ ،‬وفقدان تأييدها‪ ،‬أو على األقل فقدان موقفها احليادي‪ .‬وبقدر‬
‫ما راهنت سورية وإيران على إستخدام ورقة حماس في تدعيم نفوذها اإلقليمي‪،‬‬
‫سعت أطراف عربية أخرى مثل السعودية ومصر؛ لفك االرتباط بني الطرفني‪ ،‬أو على‬
‫األقل على مستوى التأثير‪ ،‬وهو ما تنبهت إليه حماس‪ ،‬وتعاطت معه بواقعية بعيد ًا عن‬
‫املفردات “العنترية”‪.‬‬

‫املرحلة الثانية‪ :‬حماس وحكومة الوحدة واالنفتاح العربي‪:‬‬


‫واقعية حماس تلك‪ ،‬وعدم شرودها بعيد ًا عن السربني العربي والفلسطيني‬
‫برزت بني يدي اتفاق مكة‪ ،‬ثم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينة‪ .‬وكان ذلك‬
‫مبعث ارتياح عربي نسبي كبير إلى سياسات احلركة‪ ،‬التي بدت كاملؤثر على نفسه‪،‬‬
‫الذي تنحى جانب ًا كي يفسح الطريق أمام القضية الوطنية وفك احلصار فلسطيني ًا‪،‬‬
‫وكذا ليتيح فرصة أخرى للحاضنة العربية التى دخلت آنذاك (ال س ّيما املوقف‬
‫السعودي واملصري) مرحلة جديدة اختلفت عن مرحلة سنة ‪ 2001‬حتى أواخر‬
‫صيف ‪ ،2006‬وكان هذا انعكاس ًا ملا حدث من تغير في ميزان القوى في غير‬
‫مصلحة واشنطن وتل أبيب‪ ،‬واألهم في مصلحة قوى املقاومة واملمانعة فلسطيني ًا‬
‫ولبناني ًا وعراقي ًا وعربي ًا وإسالمي ًا‪ .‬إلى جانب ما واجهته الدول العربية من تدهور‬
‫خطير متثل في تعمق االنقسامات الداخلية‪ ،‬والعربية ‪ -‬العربية وأخطرها كان‬
‫إثارة الفتنة الطائفية بني السنة والشيعة‪ .‬األمر الذي دفع إلى مجموعة خطوات؛‬
‫لتدارك التدهور ومعاجلة الفراغ الناجم بسبب االختالل في ميزان القوى‪ ،‬نتيجة‬
‫سلسلة اإلخفاقات األمريكية ‪ -‬اإلسرائيلية‪.‬‬
‫متثلت اخلطوات املذكورة بلقاء مكة ثم بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية‪ ،‬ومن ثم وضع‬
‫مسألة تفكيك احلصار على رأس األجندة العربية والفلسطينية‪ ،‬وتبعها مساعي سعودية‬
‫إلجناح حوار لبناني ‪ -‬لبناني (لم يكتب لها النجاح)‪ .‬وأخرى موازية ملصاحلة سعودية‬
‫‪ -‬سعودية‪ ،‬وحتسني العالقات املصرية ‪ -‬السورية‪ .‬وأخير ًا وليس آخر ًا عقد قمة عربية‬
‫في الرياض ألقيت فيها خطابات غير مألوفة سابق ًا‪ ،‬مثل التعرض الحتالل العراق‪،‬‬
‫وللتداخالت اخلارجية في املنطقة وضرورة أن تتولى الدول العربية املبادرة وتستعيد‬

‫‪85‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تضامنها‪ ،‬وتدرأ الفنت الداخلية واالنقسامات العربية ‪ -‬العربية‪ ،‬وحتسني العالقات‬


‫العربية ‪ -‬اإليرانية‪ ،‬والتي بدأتها مفاوضات سعودية ‪ -‬إيرانية ناجحة نسبي ًا‪.‬‬
‫وفي خضم تلك اخلطوات اإليجابية جنحت حماس من خالل اتفاق مكة‪ ،‬وبعد‬
‫سنة من املقاطعة والتحفظ العربي عن التعامل معها‪ ،‬سواء حلسابات عربية خاصة‬
‫أو حلسابات دولية‪ ،‬في احلصول على الشرعية العربية الكاملة‪ ،‬شرعية األنظمة‪،‬‬
‫وكانت تلك خطوة مهمة حلماس لتصبح العب ًا إقليمي ًا مهم ًا‪ .‬كذلك جنحت حماس‪،‬‬
‫وباعتراف عربي أيض ًَا في فرض مفهوم الشراكة في القيادة‪ ،‬على حركة فتح‪ ،‬بحيث‬
‫لم تعد حماس جزء ًا من املشهد الفلسطيني‪ ،‬وإمنا أصبحت جزء ًا ال يتجزأ من القيادة‬
‫الفلسطينية وصناعة القرار الفلسطيني‪.‬‬
‫لكن هذه اخلطوات العربية التي كان يفترض بها أن تشقّ طريق ًا في املنطقة ينقذها‬
‫من التدهور ومخاطر االنقسامات الداخلية‪ ،‬ويبعد التدخالت اخلارجية‪ ،‬أو يسد الفراغ‬
‫الناجم عن هزائم أمريكا و“إسرائيل”‪ ،‬حملت موقف ًا سلبي ًا مشوه ًا‪ ،‬سواء من جهة ما‬
‫مي بإعادة إحياء مبادرة السالم العربية وتفعيلها‪ ،‬بد ًال من أن يشدد اخلناق على‬ ‫ُس ّ‬
‫حكومة أوملرت وإدارة بوش‪ ،‬وفرض التنازالت عليهما‪ ،‬أو من جهة عجز العرب عن‬
‫تصديع احلصار املطبق على احلالة الفلسطينية في ثوبها الوحدوي اجلديد‪.‬‬
‫شك أن هذه االنتكاسات أثارت لغط ًا داخل حركة حماس حول ما إذا كانت‬ ‫وال ّ‬
‫تنازالتها ومرونتها ذهبت بال ثمن‪ ،‬وما إن كان من األجدى النكوص عنها إلى برنامج‬
‫حماس قبل التعديل‪ .‬وخالل ذلك بدا لبعض الوقت أن تيار االصطبار والتروي‪،‬‬
‫ومحاولة استدراك نواقص اتفاق مكة‪ ،‬عبر حوارات مضافة في القاهرة‪ ،‬كانت له‬
‫الغلبة قي تضعيف احلركة‪ ،‬إال أن أحداث احلسم العسكري في غزة أكدت بعد ذلك‬
‫أن جتاوب احلركة مع جهود القاهرة جلولة حوار فلسطيني شامل‪ ،‬لم يكن أكثر من‬
‫تكتيك أو وقت مستقطع‪ ،‬وأن احلركة كانت قد قررت بالفعل امتالك زمام املبادرة وأخذ‬
‫زمام غزة بيدها‪.‬‬

‫املرحلة الثالثة‪ :‬حماس ومشهد احلسم العسكري في غزة‪:‬‬


‫ما قامت به حركة حماس في قطاع غزة خالل الفترة ما بني ‪ 2007/6 /14-8‬ال‬
‫ميكن اعتباره بأي معنى انقالب ًا ض ّد الشرعية‪ .‬ذلك أن الشرعية الدستورية والسياسية‬
‫في األراضي الفلسطينية تقوم سواء في الرئاسة‪ ،‬أو في املجلس التشريعي‪ ،‬أو في‬
‫حكومة الوحدة الوطنية على الطرفني مع ًا‪ .‬ومن هنا يصعب القول بأن أحدهما قد‬

‫‪86‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ال فيها‪ ،‬إال‬‫انقلب على نفسه باالنقالب على الشرعية‪ ،‬التي يع ّد كل منهما طرف ًا أصي ً‬
‫والفر بينهما حول األجهزة األمنية‪ ،‬هو ذلك املقصود‬ ‫ّ‬ ‫والكر‬
‫ّ‬ ‫إذا اعتبرنا أن التقاتل‬
‫باالنقالب كما ذهب البعض‪ .‬وهنا يكمن اخلطأ الفادح في التحليل واملوقف‪ ،‬فاألجهزة‬
‫األمنية ليست هي جوهر مؤسسات الشرعية السياسية والدستورية والشعبية التي‬
‫يستند إليها الطرفان ويشكالنها مع ًا‪ ،‬بل هي مجرد أدوات لضبط املجتمع وحماية‬
‫أمنه الداخلي واخلارجي‪ ،‬باالستناد إلى تلك الشرعية‪ ،‬وهنا يظهر اخلطأ الثاني في‬
‫مقولة “االنقالب” الرائجة‪ ،‬فإذا كانت الشرعية السياسية والدستورية موزعة بني فتح‬
‫مقار األجهزة‬
‫ّ‬ ‫وحماس شعبي ًا ومؤسسي ًا‪ ،‬فلماذا يرى البعض‪ ،‬في سيطرة حماس على‬
‫املقار السياسية في قطاع غزة “انقالب ًا”‪ ،‬بينما ال يرى في سيطرة فتح‬ ‫ّ‬ ‫األمنية وبعض‬
‫على نظيراتها في الضفة الغربية “انقالبا” أيض ًَا‪.‬‬
‫املقصد إذن‪ ،‬أن ما قامت به حماس في غزة ال يعدو كونه عملية حسم عسكري‬
‫مع األجهزة األمنية‪ ،‬بل مع جهازين أمنيني هما‪ :‬األمن الوقائي واملخابرات‪ ،‬وليس‬
‫مع جسم السلطة ككل‪ ،‬اللّهم إال إذا اعتبرنا أن السلطة ميكن اختصارها بعدد من‬
‫أجهزتها األمنية‪.‬‬
‫وإذا كان البعض ما يزال يرى أن مبررات احلسم الذي قامت به حماس ض ّد‬
‫األجهزة األمنية محل جدل‪ ،‬فإن املوضوعية أيض ًا تقتضي عدم جتاهل املؤشرات‬
‫املتزايدة منذ مطلع سنة ‪ ،2007‬على تبلور مخطط عمل كانت تتعهده قطاعات أمنية‬
‫في جسد السلطة‪ ،‬بدعم مادي ولوجستي أمريكي‪ ،‬ورمبا أوروبي‪ ،‬وتعاون بعض الدول‬
‫العربية‪ ،‬لتقويض نفوذ حماس في قطاع غزة‪ .‬ناهيك عن أنه يصعب جتاهل حقيقة أن‬
‫األجهزة األمنية بقيت كأنها إقطاعيات مستقلة‪ ،‬بعد أن عجزت أو فشلت كل التفاهمات‬
‫الفلسطينية الداخلية‪ ،‬بدء ًا من اتفاق القاهرة‪ ،‬إلى وثيقة الوفاق الوطني‪ ،‬وصو ًال إلى‬
‫اتفاق مكة وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية‪ ،‬في إخضاع تلك األجهزة لقرار احلكومة‬
‫بغض النظر عن هوية احلكومة‪ ،‬وهوية وزير داخليتها‪ .‬وال ننسى في هذا‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطينية‪،‬‬
‫السياق كيف هدد أحمد قريع رئيس وزراء السلطة السابق في سنة ‪ 2005‬باالستقالة‪،‬‬
‫إذا لم تتوقف كل مظاهر االنفالت األمني التي تسببت بها تلك األجهزة‪ ،‬ناهيك عن‬
‫الشهادة التى أدلى بها اللواء نصر يوسف وزير الداخلية األسبق‪ ،‬أمام املجلس‬
‫التشريعي يوم ‪ ،2005/10/19‬عندما أكد على أن قيادات بعض األجهزة األمنية‬
‫املدعومون من اخلارج‪ ،‬وال يستجيبون لتعليماته‪ ،‬وبأن هناك مرتكز ًا قوي ًا داخل تلك‬
‫األجهزة لصالح تلك القوى اخلارجية‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫لكن‪ ،‬ومع التسليم بكل تلك املعطيات التى تصب في خانة التأييد ملا أقدمت عليه‬
‫حماس‪ ،‬وتفنيد كل أو بعض االنتقادات التى وجهت إليها‪ ،‬بعد إقدامها على تلك‬
‫اخلطوة‪ ،‬إال أن ذلك ال ينفي في الوقت ذاته أن حماس رمبا أغفلت اعتبارات عربية‬
‫وإسالمية كثيرة وهي تتخذ قرارها بحسم معركة غزة‪ ،‬رمبا ميكن معه وصف هذا‬
‫القرار بعدم الرشد‪ ،‬أو التعجل على غير ما هو معروف عن احلركة من ضبط النفس‪،‬‬
‫وإنضاج اخلطوات‪ ،‬والتحسب ملواطئ األقدام‪.‬‬
‫فمشاهد غزة وأحداثها وتوابعها أحلقت باملقاربة العربية حلماس‪ ،‬العديد من‬
‫اجلوانب السلبية‪ ،‬وأعادت إلى الواجهة من جديد التخوفات واألراجيف التى توارت‬
‫نسبي ًا جتاه احلركة في العواصم العربية‪ ،‬بعد أن بدت حماس وكأن لها أجندتني؛‬
‫ظاهرة وباطنة‪ .‬فهي كانت حتاور في القاهرة‪ ،‬وجتأر بالشكوى من ممارسات “تيار‬
‫اإلفشال” الفتحاوي‪ ،‬وتعطيله لبرنامج حكومة الوحدة‪ ،‬فيما أظهرت األحداث أنها‬
‫كانت في الوقت ذاته تعد العدة ألخذ زمام غزة بيدها‪ ،‬دون انتظار نتائج احلوار‬
‫ووساطة القاهرة‪.‬‬
‫وليس باليسير بالنسبة للموقف من حماس أن تشعر القاهرة بهذه االزدواجية‬
‫إلى ح ِّد املخادعة‪ .‬ثم أن العواصم العربية عموم ًا لديها ما تتحفظ به إزاء العنف‬
‫الذي تستخدمه بعض جماعات اجلهادية السلفية في الداخل‪ ،‬وليس ثمة ما يحول‬
‫اآلن دون بسط هذا التحفظ ليمتد إلى حماس‪ ،‬على محمل أنه منوذج قد يحتذى‪.‬‬
‫وبالتداعي املنطقي سيجد املرجفون بأجندة حماس ما يتكئون عليه في دعوتهم‬
‫لعزلها‪ ،‬بزعم أنها ال تعرض منوذج ًا مغاير ًا‪ .‬وليس بال مغزى أن تقفز آنذاك عبارات‬
‫“الظالمني”‪“ ،‬حماسستان” إلى صدارة املشهد اإلعالمي املرئي واملقروء في العديد‬
‫من العواصم العربية‪ ،‬وعلى ألسنة املعلقني والسياسيني من املعسكر املناوئ حلماس‬
‫وفريقها السياسي في املنطقة‪ ،‬في محاولة لتصوير غزة وكأنها “أفغانستان” جديدة‪،‬‬
‫ولتجويف املجتمع الدولي من وجود “حماسستان” كـ“قاعدة فلسطينية” تهدد األمن‬
‫القومي املصري‪ ،‬بل واألمن والسلم العاملي!‪.‬‬
‫صحيح أن قيادة حماس في غزة كان خطابها متزن ًا حلظة مشاهد السيطرة‪ ،‬بيد‬
‫أن التصرفات االنفعالية والثأرية من قبل بعض أفراد حماس قللت من فاعلية اخلطاب‬
‫احلمساوي‪ ،‬وأدت لنتائج عكسية في مراحل السيطرة على مقرات األجهزة األمنية‪.‬‬
‫وعلى الرغم من حماس لم تكن تقصد االنقالب على معطيات واقع غزة السياسي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬لكن إيضاح رسائل حماس لم يكن كافي ًا سياسي ًا وإعالمي ًا‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫فسياسي ًا رمبا لم متارس حماس اتصاالت كافية مع الدول العربية املعنية ال س ّيما‬
‫مصر والسعودية‪ ،‬بهدف توضيح الصورة‪ ،‬وتقدمي األعذار الكافية‪ ،‬ورمبا ال نذهب‬
‫بعيد ًا إذا قلنا أنه كان من األنسب أن يكون الفرقاء اآلخرين في حركة فتح املناكفون‬
‫“لتيارات اإلفشال” لتجربة حماس جزء ًا من خطة االتصاالت‪.‬‬
‫أما إعالمي ًا‪ ،‬فكان يجب أن متارس فضائية “األقصى” التابعة حلماس فلسفة‬
‫إعالمية أخرى في تغطية املشاهد‪ ،‬غير تلك التي اتبعتها بالفعل‪ ،‬بحيث تبتعد عن إثارة‬
‫املشاعر‪ ،‬وتقلل من استعراض مشاهد القوة‪.‬‬
‫والواقع أنه ما يثير األسى والدهشة في الوقت ذاته‪ ،‬أن كل مشاهد املمارسات‬
‫ال عن‬‫االنفعالية والثأرية التي بثتها وسائل اإلعالم في أركان املعمورة األربع‪ ،‬جاء ت نق ً‬
‫فضائية األقصى‪ ،‬ال من وسائل اإلعالم املعادية حلماس!‪ .‬مما يؤكد أنه لم تكن هناك‬
‫ثمة استراتيجية إعالمية جرى اعتمادها من قبل حماس بالتزامن مع اتخاذ قرر احلسم‬
‫العسكري‪ ،‬هذا في الوقت الذي دخل فيه اإلعالم ساحة املعارك العسكرية بشكل عملي‪،‬‬
‫وأصبح التخطيط لتلك املعارك يتضمن وضع خطط بالوسائل اإلعالمية التي سيعتمدها‬
‫كل فريق‪ ،‬ويت ّم أيض ًا دراسة ردود فعل وجتاوب وسائل اإلعالم مع توجهات الفرق‬
‫املتصارعة‪ ،‬وقد يصل التقييم في بعض املراحل إلى أن العملية العسكرية ليست أكثر‬
‫أهمية من الرأي العام الدولي‪ ،‬والتصورات الرائجة في وسائل اإلعالم‪.‬‬
‫نقول هذا ونـحن نعلم أن األحداث في غزة كانت أكبر من قراءة العقل‪ ،‬ألن املشاعر‬
‫كانت ملتهبة جد ًا في القطاع‪ ،‬بعد أن حتملت حماس الكثير‪ ،‬وقتل العشرات من‬
‫أبنائها وعلمائها وقادتها أمام أعني أطفالهم‪ ،‬ومن ثم لم تكن السيطرة على فصولها‬
‫متوفرة أو في متناول اليد‪ .‬لكن ونظر ًا ملفصلية تلك األحداث وتوابعها السياسية‬
‫واالستراتيجية فلسطين ًا وعربي ًا وإسالمي ًا‪ ،‬فمن املهم استحضارها وتقليب أوراقها‬
‫في إطار التقييم وقراءة املستقبل‪.‬‬

‫األفق‪:‬‬
‫بيد أن ما سبق ال ينفي حقيقة أن األطراف العربية بوارد السماح حلماس الستدراك‬
‫ما فاتها‪ ،‬وأن الغضب العربي قابل لألفول‪ ،‬كون تلك األطراف مدركة لصعوبة‪ ،‬بل‬
‫الستحالة‪ ،‬استبعاد حماس من املشهد الفلسطيني‪.‬‬
‫ولعل تأجيل لقاء العاهل السعودي امللك عبد اللّه بن عبد اللّه والرئيس الفلسطيني‬
‫محمود عباس في عمان أوائل متوز‪ /‬يوليو ‪ ،2007‬يع ّد إشارة إلى عدم الرضا العربي‬

‫‪89‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫عن ذهاب أبي مازن بعيد ًا وراء املتشددين في فتح‪ ،‬متسلح ًا بالوعود واملساعدات‬
‫األمريكية واألوروبية واإلسرائيلية‪.‬‬
‫فمحور “االعتدال العربي” وإن كان قد أعلن عقب أحداث غزة‪ ،‬أنهم داعمون‬
‫للرئيس الفلسطيني‪ ،‬وأكدوا على شرعيته‪ ،‬وع ّدوا سيطرة حماس على غزة خروج ًا‬
‫عن الشرعية‪ ،‬إال أنهم في الوقت ذاته تلمسوا أن ثمة تيار ًا في فتح ميلك النفوذ‪،‬‬
‫ويقود امللف الفلسطيني إلى حالة الفوضى‪ .‬وهذا التيار كشف عن نفسه بعد اتفاق‬
‫مكة‪ .‬حيث إنه ال يحترم وال يعبأ بالعواصم العربية‪ ،‬وأنه أقرب ما يكون لشركة أمنية‬
‫يديرها املال األمريكي ‪ -‬اإلسرائيلي‪.‬‬
‫وانطالق ًا من هذه القراءة ترك العرب الباب مفتوح ًا أمام أعذار حماس‪ ،‬وأعلنوا‬
‫عن جلنة تقصي احلقائق‪ ،‬كما أطلق الرئيس املصري حسني مبارك دعوة مفاجئة عقب‬
‫قمة شرم الشيخ األخيرة‪ ،‬تدعو إلى ضرورة إعادة احلوار بني الفرقاء الفلسطينيني‪،‬‬
‫كمخرج لألزمة وسبيل إلعادة الهدوء إلى املشهد الفلسطيني‪.‬‬
‫وإذا كان عباس قد أظهر تشدد ًا في رفض احلوار‪ ،‬وأدار ظهره للدعوات‬
‫العربية التي طالبت به‪ ،‬مما يعني اإلصرار على املضي قدم ًا في املخطط املرسوم‪،‬‬
‫واملدعوم أمريكي ًا وإسرائيلي ًا‪ ،‬والقائم على االستمرار في رفض احلوار مع حماس‪،‬‬
‫مبا يؤدي إلى إزاحتها عن املشهد السياسي واالجتماعي الفلسطيني‪ ،‬إال أن ثمة‬
‫عوائق موضوعية ستصطدم بتلك الرؤية‪ ،‬في مقدمتها املوقف العربي الرافض‬
‫لوضع حماس في الزاوية الضيقة‪ ،‬وخنقها اقتصادي ًا وأمني ًا‪ ،‬ألن مثل هذا سيناريو‬
‫بأمس احلاجة لتجنبها في هذا‬ ‫ّ‬ ‫سيعرض دول “االعتدال العربي” ملخاطر أمنية هي‬
‫التوقيت‪ .‬ذلك أن مشروع عباس املتشدد قد يولد انفجار ًا في الضفة‪ ،‬واقتتا ًال آخر‬
‫بني الفرقاء‪ ،‬ومثل هذه احلالة تواجه مبخاوف واحترازات أردنية كبيرة‪ ،‬كما أن‬
‫الضغوط على حماس أو حصارها‪ ،‬مبا يؤدي إلى إخضاعها دور املرور مبرحلة‬
‫انتقالية مما يولد فراغ ًا‪ ،‬يخدم وجود “القاعدة” في األراضي الفلسطينية‪ ،‬وهو بديل‬
‫غير مرغوب فيه سعودي ًا ومصري ًا‪.‬‬
‫كما أنه ال يسع الدول العربية املعنية مساندة حصار غزة‪ ،‬ألن األمر مرهون بضغط‬
‫جماهيرى شعبي وأخالقي‪ ،‬وهذا مما ال ترغب به “دول االعتدال العربي”‪ ،‬ناهيك عن‬
‫أن ما يصدر عن حماس من دعوات إيجابية باجتاه احلوار‪ ،‬وإشارات توحي بشرعية‬
‫أبي مازن‪ ،‬كل ذلك ميثل من وجهة تلك الدول فرصة سانـحة إلدخال حماس في‬
‫محضنها‪ ،‬أو على األقل إخراجها من إشكالية إيران واملشروع النووي‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املقصد إذن أن األجواء تشير في املدى املنظور إلى أن دول االعتدال العربي‪،‬‬
‫بالنظر إلى مصاحلها‪ ،‬ستشكل ضغط ًا على قيادة السلطة للذهاب إلى احلوار‪ ،‬وكذلك‬
‫استثمار ما جرى من أجل بناء فتح جديدة مختلفة‪ ،‬تستطيع مواجهة نفوذ حماس‪،‬‬
‫ولكن بشرط أن يت ّم ذلك بهدوء ودون الدخول في فوضى جديدة‪.‬‬

‫مراجع مختارة‪:‬‬
‫منير شفيق‪“ ،‬في الوضع الدولي والعربي‪ ”،‬سلسلة كتب موازين‪ ،‬العدد ‪،11‬‬
‫نيسان‪ /‬أبريل ‪.2007‬‬
‫طلعت رميح‪“ ،‬بني السلطة واملقاومة‪ ...‬هل جنحت مزاوجة حماس‪ ”،‬انظر‪:‬‬
‫‪www.islamonline.net‬‬
‫إبراهيم أبو الهيجاء‪“ ،‬حماس والتشريعي‪ ...‬جدلية السياسة واملقاومة‪ ”،‬انظر‪:‬‬
‫‪www.aljazeera.net‬‬
‫أمجد جبريل‪“ ،‬حكومة حماس وحتديات إدارة الصراع‪ ”،‬مجلة القدس‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مركز اإلعالم العربي‪ ،‬العدد ‪ ،88‬نيسان‪ /‬أبريل ‪.2006‬‬
‫عالء النادي‪“ ،‬حماس وحسابات اليوم التالي‪ ”،‬مجلة القدس‪ ،‬العدد ‪،86‬‬
‫شباط‪ /‬فبراير ‪.2006‬‬
‫عبد الستار قاسم‪“ ،‬حماس والدوران في فلك األنظمة العربية‪ ”،‬انظر‪:‬‬
‫‪www.islamonline.net‬‬
‫فهمي هويدي‪“ ،‬فتش عن املؤامرة في توتير عالقة حماس بالدول العربية‪”،‬‬
‫جريدة اخلليج‪ ،‬اإلمارات‪.2006/2/6 ،‬‬
‫حسن نافعة‪“ ،‬مصر وحماس واحلاجة إلى صياغة جديدة ألسس بعالقة‪ ”،‬مجلة‬
‫القدس‪ ،‬العدد ‪ ،98‬شباط‪ /‬فبراير ‪.2007‬‬
‫التقرير االستراتيجي الفلسطيني لسنة ‪ ،2006‬مركز الزيتونة للدراسات‬
‫واالستشارات‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫محمد خالد األزعر‪“ ،‬حماس والعرب‪ ...‬عالقة على حد السيف‪ ”،‬مجلة القدس‪،‬‬
‫العدد ‪ ،103‬متوز‪ /‬يوليو ‪.2007‬‬
‫عريب الرنتاوي‪“ ،‬حماس‪ ...‬من تل أبيب إلى وزير ستان‪ ”،‬جريدة الدستور‪،‬‬
‫األردن‪.2006/4/25 ،‬‬
‫عمر عياصرة‪“ ،‬تشدد عباس ومشروع تصفية القضية الفلسطينية‪ ”،‬موقع‬

‫‪91‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫جريدة العصر اإللكترونية‪.2007/6/30 ،‬‬


‫محمد جمعة‪“ ،‬اتفاق مكة‪ ...‬قراءة النزاعات السياسية وحدود الشراكة‪ ”،‬مجلة‬
‫السياسة الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬نيسان‪ /‬أبريل ‪.2007‬‬
‫إبراهيم أبو الهيجا‪“ ،‬حماس وإيران‪ ”،‬انظر‪www.amine.org :‬‬
‫ضياء رشوان‪“ ،‬إلى مشعلي الفتنة في فلسطني‪ ”،‬جريدة املصري اليوم‪،‬‬
‫القاهرة‪.2007/6/22 ،‬‬
‫إبراهيم أبو الهيجا‪“ ،‬حذار من “ريجيم” غزاوي و “انتفاخ” ضفاوي‪ ”،‬انظر‪:‬‬
‫‪www.islamonline.net‬‬
‫بشير موسى نافع‪“ ،‬اتفاق مكة مؤشر على القدرات الذاتية للسياسة العربية‪”،‬‬
‫جريدة القدس العربي‪ ،‬لندن‪.2007/2/15 ،‬‬
‫سعد محيو‪“ ،‬حماس تدفع ثمن “حمام أوسلو”‪ ”،‬انظر‪:‬‬
‫‪www.swissinfo.org‬‬
‫باملضي في الوضع العربي‪”،‬‬
‫ّ‬ ‫عبد إالله بلقزيز‪“ ،‬وهن في عالقة القرار الفلسطيني‬
‫انظر‪www.al-akhbar.com :‬‬

‫‪92‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ُمع ّقب أول‪:‬‬

‫ماجد عزام‬
‫‪32‬‬

‫علي الدكتور محسن صالح عندما‬ ‫سوف أبدأ بنقاط منهجية سريعة‪ ،‬وقد س ّهل ّ‬
‫وضع اجللستني األولى والثانية في سلة واحدة‪ ،‬وزاد األستاذ جابر سليمان األمر‬
‫سهولة‪ ،‬حني اقتبس عن أينشتاين‪ ،‬ليس هناك مانع من محاولة تقدمي إجابات ألسئلة‬
‫قد طرحت من قبل‪ .‬النقطة األولى‪ :‬أننا عندما نتكلم عن حماس‪ ،‬فمهما كانت قراءتنا‬
‫نقدية أو قاسية‪ ،‬ولكنني أعتقد مع ذلك أننا نتكلم عن اجلزء األكثر عافية في اجلسم‬
‫املعتل‪ .‬النقطة الثانية‪ :‬أنا حزين على املستوى الشخصي والوطني لغياب‬‫ّ‬ ‫الفلسطيني‬
‫فتحي أبو العردات‪ ،‬وزمالئه‪ ،‬وآمل أن يشاركوا في الندوة املقبلة وأن ال نخسر أناس ًا‬
‫آخرين‪ .‬النقطة الثالثة‪ :‬أنا مستقل ولست محايد ًا‪ ،‬كان بودي أن أقول أنا أقف على‬
‫مربع منظمة التحرير ومربع الوفاق الوطني‪ ،‬ومع املقاومة واجلهاد املدني من بلعني‬
‫وحتى كرم أبو سالم‪.‬‬
‫أرغب أن أبدأ من التهدئة‪ ،‬على الرغم من أن البعض تعاطى معها بشكل منفصل؛‬
‫الهدنة كانت ضمن سياق وطني فلسطيني‪ ،‬لترتيب الساحة الفلسطينية بعد فاجعة‬
‫غياب الرئيس ياسر عرفات‪ ،‬الذي متحورت حوله املنظومة السياسية الفلسطينية‪.‬‬
‫كانت هناك رغبة عند الرئيس محمود عباس الذي كان يشعر على الرغم من أنه‬
‫فاز بـ ‪ % 62‬من أصوات الناخبني‪ ،‬بعد مقاطعة فئات واسعة لالنتخابات الرئاسية‪،‬‬
‫بأن الشرعية التي اكتسبها منقوصة‪ ،‬وأن الشرعية تكتمل بانتخابات تشريعية‪ ،‬كان‬
‫يظن أنه فائز فيها حتم ًا‪ .‬وكان هناك أيض ًا تيار في حركة فتح هو التيار املهيمن أو‬
‫املختطف للحركة‪ ،‬حيث كان يريد بعد غياب الرئيس ياسر عرفات شرعية لقمع املقاومة‬ ‫ِ‬
‫الفلسطينية‪ .‬املقاومة‪ ،‬وحتديد ًا حركة حماس‪ ،‬كانت تريد أن تشارك في القرار‪ ،‬وأن‬
‫تثبت نفسها رقم ًا صعب ًا على الساحة الفلسطينية‪ ،‬على الرغم من أنني أعتقد أن‬
‫موضوع األزمة كان حاضر ًا بشكل نسبي في كل الساحة الفلسطينية املأزومة‪ .‬أما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 32‬مدير مركز شرق املتوسط للخدمات الصحفية‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫السبب األساسي حلضوره عند املقاومة‪ ،‬فهو كونها أوغلت في الكفاح املسلح أكثر‬
‫تتعاط مع املقاومة مبفهومها الشامل وبشكل استراتيجي‪ ،‬وركضت‬ ‫َ‬ ‫من الالزم‪ ،‬ولم‬
‫بأقصى سرعة في املسافة األولى من املاراثون‪ ،‬ثم كانت مضطرة إلى وقفة وإلى تقدمي‬
‫تنازالت‪ .‬لكن اتفاق القاهرة كان خريطة طريق كاملة‪ ،‬شمل الهدنة واالنتخابات البلدية‬
‫والتشريعية وإعادة بناء منظمة التحرير‪.‬‬
‫نصل إلى االنتخابات التشريعية‪ ،‬هذه االنتخابات كانت قرار ًا فلسطيني ًا‪ ،‬لكن ما‬
‫لم يعرفه الكثيرون في البداية‪ ،‬أن االنتخابات التشريعية الفلسطينية كانت أيض ًا قرار ًا‬
‫أمريكي ًا‪ .‬ففي نهاية سنة ‪ 2005‬تبلورت قناعة في اإلدارة األمريكية‪ ،‬خصوص ًا في‬
‫مكتب ديك تشيني‪ ،‬نتج عنها وضع النواة األساسية “حملور املعتدلني” في ذلك الوقت‬
‫مت النظر إلى االنتخابات التشريعية الفلسطينية كجزء من عملية إعادة ترتيب‬ ‫بالذات‪ ،‬و ّ‬
‫املنطقة‪ ،‬حيث استضافوا باحثني فلسطينيني وأصحاب مراكز استطالعات‪ ،‬وقيل لهم‬
‫إن فتح فائزة حتم ًا‪ .‬كان املخطط يض ّم االنتخابات‪ ،‬وتوجيه الضربة للمقاومني في‬
‫لبنان‪ ،‬وتهميش وإضعاف سورية‪ ،‬بعد إزاحة ورقة املقاومة الفلسطينية واللبنانية‪،‬‬
‫ثم االستفراد بإيران أو توجيه ضربة لها‪ .‬وهذا كله ضمن سياق تغيير استراتيجي‬
‫أمريكي‪ .‬القاعدة التي حكمت التفكير االستراتيجي األمريكي منذ سنة ‪ ،2003‬هي‬
‫أن التغيير سوف يع ّم املنطقة انطالق ًا من العراق‪ ،‬انقلبت لصالح فكرة أخرى‪ ،‬هي‬
‫أن التأثير إيجاب ًا على كل األوضاع في العراق‪ ،‬سيت ّم انطالق ًا من مجموعة تغييرات‬
‫ستحدثها أمريكا في املنطقة‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬كان هناك قرار فلسطيني بإجراء االنتخابات التشريعية‪ ،‬وفي “إسرائيل”‬
‫ما زال جدل كبير دائر ًا حتى اآلن‪ ،‬وهو لو أن أريل شارون كان موجود ًا‪ ،‬هل كان‬
‫سيسمح بإجراء االنتخابات ومشاركة حماس فيها؟ لكن أوملرت الضعيف ما كان‬
‫ليجرؤ على الوقوف في وجه اإلدارة األمريكية‪ .‬أجريت االنتخابات‪ ،‬وأقول إن املقارنة‬
‫بني عامي ‪ 1996‬و‪ 2005‬فيما يتعلق مبشاركة حماس‪ ،‬لها عالقة بالقوالب املسبقة‬
‫التي يوضع فيها اإلسالميون أحيان ًا‪ ،‬ورمبا لها عالقة بنوع من الكسل الفكري أو‬
‫الذهني عن اإلسالميني‪ ،‬إذ يسهل دائم ًا امليل إلى هامش االتهام بالعمالة والكفر‪ .‬إن‬
‫األطروحة السياسية بحاجة إلى عصف فكري‪ ،‬ملاذا قاطعنا‪ ،‬وملاذا شاركنا‪ ،‬ولألسف‬
‫الشديد‪ ،‬بعد عشر سنوات من محاولة إضفاء الطابع الشرعي على انتخابات ‪،1996‬‬
‫حتدث الدكتور نزار ريان في فترة األحداث األخيرة‪ ،‬فقال إن مشكلتنا مع العمالء‬
‫ومع العلمانيني‪ ،‬وها نـحن مرة ثانية أمام هاجس العمالة والكفر بعيد ًا عن العصف‬

‫‪94‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الذهني واخلالف السياسي‪ .‬أجريت االنتخابات التشريعية‪ ،‬وفي رأيي كان قرار‬
‫حماس باملشاركة قرار ًا صائب ًا‪ .‬وعلى الرغم من أنه كان من املفترض أن تكون‬
‫االنتخابات حجر ًا يحرك املياه السياسية الفلسطينية الراكدة‪ ،‬لكنها كانت في بعض‬
‫أوجهها مظهر ًا من مظاهر العلّة؛ فقد أجريت وفق نظام انتخابي هجني‪ُ ،‬فرِ ض فئوي ًا‪،‬‬
‫على الرغم من أن فئات واسعة في الشارع الفلسطيني كانت تريد نظام ًا نسبي ًا‬
‫تصر بشكل قاطع‬ ‫ّ‬ ‫بالكامل‪ .‬أخطأت حماس كحركة كبيرة عندما قبلت باملناصفة ولم‬
‫أصر‬‫ّ‬ ‫على النظام النسبي‪ .‬واملشكلة كانت في حركة فتح‪ ،‬على الرغم من أن أبا مازن‬
‫وظن التيار الشاب في فتح‬ ‫ّ‬ ‫على النظام النسبي‪ ،‬فإنه فشل كقائد في فرض نفسه‪،‬‬
‫أن القائمة النسبية سوف جتعل أبا مازن يضع احلرس القدمي‪ ،‬أو ما بقي منهم‪،‬‬
‫الذين نقلوا والءهم ألبي مازن‪ ،‬في رأس القائمة إلى جانب تيار دحالن‪ .‬أجريت‬
‫االنتخابات وأنا ما زلت مصر ًا على قراء ة االنتخابات في نتيجتها النسبية ونظام‬
‫الدوائر اجلغرافية‪ ،‬في النظام النسبي لم حتصل حماس على النصف بل حصلت‬
‫على ‪ % 44‬من األصوات‪ ،‬مقابل ‪ % 41‬لفتح‪ .‬إن معلوماتي املوثوقة واملتواضعة تقول‬
‫بأنه حتى صباح االنتخابات‪ ،‬كان هناك قرار عند حماس بعدم املشاركة في حكومة‬
‫وحدة وطنية مع فتح‪ ،‬على فرض أن حماس ستفوز بحدود ‪ % 40‬أو ‪ % 45‬فقط‬
‫وليس باألغلبية‪ .‬وما لبثت حماس بعد ساعات من االنتخابات حتى قررت أن تشكل‬
‫حكومة‪ ،‬ويع ّد هذا‪ ،‬رمبا‪ ،‬إجابة على سؤال طرح سابق ًا لألسف الشديد‪ ،‬لم يكن‬
‫هناك متعن‪ ،‬وال قراء ة ‪ ،‬وال عقل استراتيجي‪ ،‬يقرأ إمكانية وصول حركة املقاومة‬
‫إلى السلطة‪ .‬وهنا أعتقد أنه كان يجب التعامل وفق مستويني‪ ،‬أحدهما استراتيجي‪،‬‬
‫واآلخر تكتيكي‪ ،‬االستراتيجي له عالقة بأن السلطة هي وليدة اتفاق أوسلو‪ ،‬وحتى لو‬
‫أن االتفاق مات‪ ،‬وهذا كالم فيه جدل كثير؛ فالذي “خلّف ما مات” فالسلطة هي بنت‬
‫اتفاق أوسلو‪ ،‬والسلطة موجودة نتيجة اتفاق أوسلو‪ ،‬ناهيك عن املنظومة اإلقليمية‬
‫والدولية التي تنظر إلى السلطة من منظار أوسلو‪ .‬وميكنك أن تتخيل ما الذي يعنيه‬
‫أن تصل حركة مقاومة إلى السلطة من خالل أوسلو‪.‬‬
‫النقطة األخيرة التي تعرض لها األستاذ صقر أبو فخر‪ ،‬وتتعلق بروح الدستور‬
‫مت‬‫والقانون األساسي الفلسطيني‪ ،‬والعقد الوطني املوجود في امليثاق‪ ،‬حتى الذي ّ‬
‫تعليقه‪ ،‬على الرغم من أن تيار ًا مهم ًا في حماس كان مستعد ًا ألن يتعاطى مع هذا‬
‫األمر إيجابي ًا‪ ،‬لكن التيار اآلخر الذي بدأ صغير ًا في احلركة‪ ،‬وحتول إلى تيار كبير‬
‫جد ًا‪ ،‬لم يكن مستعد ًا ألكثر من البحث عن دولة إسالمية‪ ،‬وإذا لم نصل إليها فإننا‬

‫‪95‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫لن نصبر حتى نصل‪ ،‬بل نقيم مجتمع ًا إسالمي ًا وهو يوصلنا إلى الدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫ش ّكلت حماس حكومتها على املستوى التكتيكي‪ ،‬وبعد شهرين تقريب ًا من املعاناة‬
‫والعثرات والقراءة التكتيكية اخلاطئة؛ ففي هذين الشهرين كان التصريح الشهير‪:‬‬
‫“إذا أقفلت أبواب الغرب تفتح أبواب الشرق”‪ .‬والتصريح الشهير أيض ًا أو خطاب‬
‫“الشاي والسكر” الذي فتح هال ًال كبير ًا في الشارع الفلسطيني‪ ،‬أخشى أن يكون أغلق‬
‫بخطاب “القبر والظفر” الذي كان منذ أيام‪ .‬كان هناك تصريح أيض ًا لوزير اخلارجية‬
‫آنذاك‪ ،‬في نهاية شهر أيار‪ /‬مايو على ما أعتقد مفاده أن حماس لن تشكل حكومة‬
‫وحدة وطنية إال عندما تنجح‪ ،‬على الرغم من أن التيار الذي كان مستعد ًا للقراءة‬
‫االستراتيجية في حركة حماس ما زال معافى حتى اليوم‪ ،‬وقد وصل بعد مائة يوم‬
‫إلى القناعة بضرورة تشكيل وحدة حكومة وحدة وطنية‪.‬‬
‫في يوم توقيع الوثيقة أو قبلها بيوم‪ ،‬نفذت عملية كرم أبو سالم التي ُأ ِسر فيها‬
‫اجلندي جلعاد شاليط‪ .‬أنا متأكد متام ًا أنه طوال االنتفاضة وحتى قبل ذلك‪ ،‬لم يكن‬
‫هناك نقاش ذو طابع سياسي استراتيجي ألي عملية تقوم بها املقاومة الفلسطينية‪،‬‬
‫حتى لو كانت هذه العملية ذات طابع استراتيجي‪ ،‬لكنني ال أعرف إذا ما طرح تأثير‬
‫هذه العملية على أعضاء حلركة حماس موجودين في املجلس التشريعي‪ ،‬الذي يفترض‬
‫أن يشكل نواة منظومة سياسية جديدة ومعافاة‪.‬‬
‫اآلن في األداء التكتيكي ميكن احلديث عن أداء معقول بعد التوقيع على وثيقة‬
‫الوفاق الوطني‪ ،‬كانت حماس منفتحة على توقيع اتفاق مكة وتنفيذه‪ ،‬وهي رمبا‬
‫انتظرت هذه الفرصة لكي تؤكد ما نعرفه جميع ًا‪ ،‬أو يعرفه بعضنا‪ ،‬بأن حماس أبد ًا‬
‫ما كانت ولن تكون جزء ًا من محور‪ ،‬أو جزء ًا عضوي ًا من احملور اإليراني السوري‪،‬‬
‫فال بيئتها الطبيعية‪ ،‬وال نشأتها‪ ،‬وال عقلها السياسي‪ ،‬وال قراراتها اجليوسياسية‬
‫مت توقيع اتفاق مكة وقدمت‬ ‫تسمح لها بأن تكون عضو ًا في احملور السوري اإليراني‪ .‬و ّ‬
‫حماس تنازالت على الرغم من أنني هنا ض ّد ما يقال عن عدم استالم حماس لوزارات‬
‫سيادية‪ ،‬ولكن احلركة تنازلت على اخلارجية واملالية واإلعالم‪ .‬وحتى أكون دقيق ًا‪ ،‬فإن‬
‫اجلزء األكبر من حماس تعاطى بشكل جيد وكان مستعد ًا إلجناح اتفاق مكة‪.‬‬
‫في هذا الوقت‪ ،‬تدخلت أمريكا مرة أخرى لكي حتاول أن تعيد ترتيب ما “أفسدته”‬
‫حلظة االنتخابات‪ .‬تدخل اجلنرال كيث دايتون‪ ،‬وبدأ احلديث عن ماليني‪ ،‬وبدأ احلديث‬
‫عن تدريب حرس رئاسي‪ ،‬واستفزاز مستمر حلركة حماس من تيار‪ ،‬أي ًا كانت رؤيتنا‬
‫له‪ ،‬فهو تيار يتمتع بحماية الرئيس محمود عباس وتغطيته؛ وهو الرئيس الشرعي‬

‫‪96‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املنتخب من قبل الشعب الفلسطيني‪ .‬وأنا أعتقد أن دايتون لو صرف‪ ،‬كما يقال في‬
‫“إسرائيل”‪ ،‬ثمانني مليون دوالر‪ ،‬وليس ثمانية ماليني ما كان ليستطيع‪ ،‬ال هو وال‬
‫املرتزقة أن يهزموا حركة حماس؛ فاحلركة قبل ذلك بوقت قصير‪ ،‬أوقفت قافلة حرس‬
‫رئاسي قادمة من مصر بتغطية عربية‪ ،‬وجنراالت حماس لم يوقفهم شيء‪ ،‬فتشوا‬
‫القافلة‪ ،‬وأخذوا ما أرادوا‪ ،‬أي ًا كان ما سيقوم به دايتون‪ ،‬لم يكن ليهزم حماس في‬
‫غزة‪ .‬لكن في ذلك الوقت‪ ،‬كان اجلنراالت على األرض يتعاملون مع املوضوع بشكل‬
‫ضيق‪ ،‬وال يرون أن العالم ميتد من فنزويال حتى طنجة‪ ،‬بل يرون العالم من رفح حتى‬
‫بيت الهيا‪ ،‬ويقولون نـحن أقوى من دحالن‪ ،‬ومن دايتون‪ ،‬ومن احلرس الرئاسي‪ ،‬ومن‬
‫األمن الوقائي‪ ،‬ونـحن منلك الشرعية‪ ،‬ف ِل َم نصبر على ما يقوم به هذا التيار؟‪.‬‬
‫ولألسف الشديد في رأيي أنه لم يكن هناك قراءة استراتيجية‪ ،‬ويجب أن نتذكر‬
‫ّ‬
‫املعتل‪ .‬وهنا حصل‬ ‫أننا ما زلنا نتحدث عن اجلزء األكثر عافية في اجلسم الفلسطيني‬
‫جنون هروبي إلى األمام أيض ًا‪ ،‬في مكتب تشيني‪ ،‬إذ كان األمريكان يقولون‪ ،‬إذا نـحن‬
‫لم نستطع أن نزيح حماس باحلصار واملجاعة واحلرب األهلية‪ ،‬إذن نسلمها السلطة‬
‫كلها في غزة‪ ،‬ونوجد منوذج ًا آخر في الضفة الغربية‪ ،‬فإذا جنح‪ ،‬تكون حماس في‬
‫مأزق مع الناس في غزة‪ ،‬وإذا فشل‪ ،‬تكون هناك تصفية حقيقية للقضية الفلسطينية‪.‬‬
‫وهناك من حماس من يقول إن هذا املخطط كان موجود ًا‪ ،‬السؤال‪ ،‬هل الر ّد على‬
‫املخطط كان بحجم املخطط نفسه؟ أنا أعتقد أن الذي ر ّد على املخطط هم العسكر‪،‬‬
‫واعتقدوا‪ ،‬لألسف الشديد‪ ،‬أن عملية حترير السلطة سياسي ًا في آذار‪ /‬مارس ‪،2006‬‬
‫ال ب ّد أن تكتمل بعملية حترير عسكري في حزيران‪ /‬يونيو ‪ .2007‬أنا أعتقد أن‬
‫هناك شيء مهم جد ًا‪ ،‬أن نناقش ِل َم وصلنا إلى ما وصلنا إليه في خطط‪ ،‬هناك خطط‬
‫أمريكية‪ ،‬وأخرى إسرائيلية‪ ،‬لكن هناك غياب للمؤسسات السياسية الفلسطينية‪ ،‬وحالة‬
‫اهتراء تعيشها هذه املؤسسات‪ .‬هناك اهتراء عند حركة فتح وانقسام في داخلها‪.‬‬
‫وأنا أو ّد أن أحتدث عن نقطة ال يتحدث عنه الكثيرون هناك عسكرة غير معقولة في‬
‫قطاع غزة‪ ،‬هناك شباب في عمر الورود يعيشون منذ ست سنوات وهم ال يحتكمون إال‬
‫إلى السالح‪ ،‬يعرفون التصرف فقط من خالل السالح‪ ،‬هناك تقديس للسالح والكفاح‬
‫املسلح‪ ،‬بغياب أي تقديس لثقافة املقاومة‪ .‬أنا استغربت جد ًا عندما رأيت أطفا ًال في‬
‫غزة‪ ،‬حديثهم عن السالح‪ ،‬فقط‪ ،‬ليس هناك حديث عن ثقافة أو علم أو الذهاب إلى‬
‫املدرسة‪ ،‬وهي كلها جزء مهم من املعركة الوطنية‪ ،‬وهي ما تربينا عليه‪ ،‬ولكنها لم تعد‬
‫موجودة‪ .‬وعندما يكون في حوزة آالف الشباب في العشرينات‪ ،‬بنادق وأسلحة‪ ،‬يكون‬

‫‪97‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫هناك أزمة ذات طابع سياسي‪ ،‬أو دستوري‪ ،‬وعليه فمن الواضح‪ ،‬كيف ستكون طريقة‬
‫احلكم‪ ،‬هناك احلصار‪ ،‬والضعف العربي‪ ،‬والتقاعس الدولي‪.‬‬
‫القاعدة التي حتكم العالم العربي واإلسالمي‪ ،‬ما زالت صاحلة‪ ،‬من ال يريد حماس‪،‬‬
‫وال يريد اإلخوان‪ ،‬كتيار رئيس في العالم العربي واإلسالمي‪ ،‬سيحصل على “تنظيم‬
‫القاعدة”‪ ،‬والقاعدة خطر جدي في فلسطني‪ ،‬وأنا سأحكي عن قصة نقلها أحد القيادات‬
‫في حماس‪ ،‬حيث التقى مع قادة وكوادر من كتائب القسام‪ ،‬وكان أحدهم يرتدي‬
‫“مزرق”‪ .‬لم يفهم القيادي ما معناها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قلنسوة زرقاء‪ ،‬سأله القيادي عنها‪ ،‬فقال له‬
‫فقال له أي اقتداء بالزرقاوي‪ .‬إذا لم يكن هناك تعاط حكيم من قبل حركة حماس‪،‬‬
‫ٍ‬
‫القاعدة قوية في غزة وفلسطني‪ ،‬وقد‬ ‫وإذا لم يكن هناك تدخل عربي حقيقي‪ ،‬فستكون‬
‫تصل إلى مرحلة يحصل فيها ما حصل في العراق‪ ،‬أي يكون هناك تسليح إسرائيلي‬
‫أو أمريكي ملناضلني فلسطينيني لكي يقاوموا القاعدة‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املداخالت‬

‫شفيق احلوت‪:‬‬
‫أتعرض إلى ما لم يقل‪ ،‬وليس إلى ما قيل‪ ،‬فما قيل‪ ،‬قد نتفق وقد نختلف‬ ‫ّ‬ ‫أود أن‬
‫حوله‪ ،‬ولكل منا قناعاته‪ .‬األزمة يا إخوان ليست أزمة حماس وال أزمة فتح‪ ،‬األزمة هي‬
‫أزمة احلركة الوطنية الفلسطينية كلها‪ ،‬وأي فصيل يزعم أنه ليس أمام مأزق هو إما‬
‫مختل عقلي ًا‪ ،‬أو أنه إنسان يفتري على احلقيقة بوقاحة‪ .‬نـحن ال عرفنا كيف نـحارب‪،‬‬
‫وال كيف نفاوض‪.‬‬
‫فتح محتارة‪ ،‬وقائد فتح أبو مازن‪ ،‬ال يعرف ماذا يفعل غد ًا‪ ،‬إال إذا جاءه اتصال‬
‫من تل أبيب أو من واشنطن‪ ،‬لينظ ّم له جدول أعمال األسبوع القادم‪ .‬ليس هناك‬
‫استراتيجية تفاوضية واضحة لدى الشعب الفلسطيني‪ .‬صائب عريقات أصبح يظهر‬
‫على الشاشة مبتسم ًا‪ ،‬وهو كبير املفاوضني‪ ،‬ملجرد أنه سمع من سكرتيرة أوملرت أنه‬
‫هناك احتمال أن يعطي أوملرت موعد ًا ألبي مازن؛ للقاء بعد أسبوعني‪ ،‬وهذا اللقاء‬
‫ميزته عن اللقاءات السابقة أنه ذو أفق سياسي!‬
‫أي بعد من أبعاد‬ ‫الكفاح املسلح أيض ًا موضوع يحتاج إلى بحث‪ ،‬أنا ال ألغي ّ‬
‫النضال‪ ،‬ولكن الكفاح املسلح أسير للقيادة‪ ،‬وليس القائد أسير ًا للكفاح املسلح‪ .‬أسمع‬
‫أي صعلوك فلسطيني‬ ‫بألوية (‪ ،)...‬وألوية (‪ ،)...‬واآلن ألوية فتح اإلسالم‪ ،‬أي أن ّ‬
‫أو منتحل صفة تقربه من مخيم فلسطيني صار جنم ًا من جنوم الشرق األوسط‪.‬‬
‫مضى ‪ 90‬يوم ًا على أزمة نهر البارد‪ ،‬وال أدري ما الذي استفاده الشعب الفلسطيني‬
‫واإلسالم مما جرى في الـ ‪ 90‬يوم ًا املاضية في نهر البارد‪ ،‬غير أنه يوجد ‪ 50‬ألف‬
‫فلسطيني جتددت مأساتهم‪ ،‬واختفى مخيم بأكمله من الوجود‪.‬‬
‫كل تفكيري في موضوع فلسطني‪ ،‬كل مسؤول فلسطيني ينطق بكلمة وليس في‬
‫ذهنه العرب املوجودون في األراضي احملتلة سنة ‪ ،1948‬وأهلنا في الضفة والقطاع‪،‬‬
‫معرض للوقوع‬‫وأهلنا في الشتات‪ ،‬إن لم يكونوا جميع ًا في ذهنه عندما يتكلم فهو ّ‬
‫في اخلطأ‪ .‬أصحبنا بأولويات مختلفة‪ ،‬وغد ًا في غزة‪ ،‬قد تختلف أولوياتنا بعد كل ما‬
‫جرى‪ ،‬فيصبح إدخال كمية من املازوت إلى القطاع انتصار ًا‪ .‬أزمة العمل الوطني‬
‫الفلسطيني لم تظهر بصعود حماس‪ ،‬بل كان هناك حديث عن دولة فلسطينية قبل‬

‫‪99‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أن توجد حماس‪ ،‬وكسينجر كان يقول‪ ،‬هذه دولة لن نسمح بها؛ ألنها ستكون دويلة‬
‫عميلة لالحتاد السوفياتي في ذلك الوقت‪ ،‬اآلن هي عميلة إليران‪ ،‬ودائم ًا الغرب والعدو‬
‫سيجدون لنا بدي ً‬
‫ال‪.‬‬
‫اآلن فيما يتعلق بأطروحات البعض‪ ،‬يجب أن نتكلم أين جنحت وأين فشلت‬
‫حماس‪ ،‬أو ًال ما هو املعيار؟ جناح مباذا؟ وفشل مباذا؟ صلب املأساة يا إخوان‪ ،‬وكم‬
‫هي إغريقية هذه املأساة‪ ،‬أننا كلنا مهزومون‪ ،‬املنتصر مهزوم‪ ،‬وحماس ازداد ه ّمها‬
‫اآلن بعد أن انتصرت عسكري ًا في قطاع غزة‪ ،‬وأبو مازن أصبح في مأزق أكبر‪ ،‬إال‬
‫إذا كان سينتهزها فرصة ملزيد من االنطالق نـحو أي تسوية من أي نوع كان‪ .‬وها‬
‫أنتم ترون املعادلة اآلن “الولد الشاطر ماذا سنعطيه في الضفة؟ والولد الشقي ما‬
‫سيحل به في غزة؟” اآلن أصبح شغل توني بلير الشاغل االقتصاد في الضفة الغربية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫حيث “الولد الشاطر”‪ ،‬أما الولد الشقي في غزة “فسوف نلعن والد والده”‪ ،‬وأخشى‬
‫أن تفكر القيادات بعقلية ميدانية‪ ،‬إخواننا في الضفة والقطاع نسوا اخلارج‪ ،‬نسوا‬
‫أن الثورة الفلسطينية قامت إلعادة الالجئ الفلسطيني‪ ،‬الذي ُش ِّرد سنة ‪ .1948‬نـحن‬
‫منسيون‪ ،‬أصبحنا نع ّد صفر ًا‪ ،‬ثالثة أرباع الشعب الفلسطيني في اخلارج‪ ،‬وإن لم‬
‫حتل مشكلتنا‪ ،‬فلن حتل مشكلة الداخل‪ ،‬سنكون قد حللنا مشكلة “إسرائيل” وليس‬ ‫ّ‬
‫مشكلة الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫ال في املجال‬‫نقطة أخيرة‪ ،‬ما هي أولوياتنا اآلن؟ ال أعرف‪ ،‬أنا رجل أعمل قلي ً‬
‫اإلعالمي هذه األيام‪ ،‬وأنا ال أعرف ما هي أولوياتنا‪ ،‬قولوا لي ماذا أقول؟ ما هي‬
‫أولويات الشعب الفلسطيني وقياداته؟ ضاعت البوصلة واألجندة عندي كفلسطيني‪،‬‬
‫لم أعد أعرف ما هو برنامجي اليومي وال برنامجي السياسي طويل املدى‪ ،‬لذلك يا‬
‫إخوان نـحن في سياق هذا البحث اجلا ّد‪ ،‬يجب أن نستفيد منه؛ إلعطاء جرعة لكل‬
‫إخوتنا العاملني في الساحة الفلسطينية‪.‬‬
‫ستظل الفصائل األخرى تعيش على حساب فتح؟ أال يأخذ هؤالء‬ ‫ّ‬ ‫وأتساءل إلى متى‬
‫مخصصاتهم من املنظمة‪ ،‬أين هي منظمة التحرير؟ إلى متى سيستمر ياسر عبد ربه‪،‬‬
‫وعلي إسحق‪ ،‬وأبو إسماعيل‪ ،‬وأبو فالن ي ّدعون أنهم ميثلون الشعب الفلسطيني ومنظمة‬
‫التحرير؟ أحتدى الفلسطينيني املوجودين هنا أن يسموا لي خمسة من أعضاء اللجنة‬
‫التنفيذية‪ ،‬من ميثل هؤالء؟ والفصائل كلها ساكتة ومتواطئة؛ ألنه حتى املغالني من‬
‫فتح‪ ،‬عندما يحشرون في زاوية النقاش يقولون‪ ،‬فتح لم توقع على اتفاق أوسلو‪ ،‬منظمة‬
‫التحرير هي التي وقعت‪ ،‬وبالتالي أكون أنا في منظمة التحرير اخلائن املنحرف‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫يا أخي صقر أبو فخر‪ ،‬صحيح أن أبا مازن أخذ ‪ % 60‬من األصوات‪ ،‬ولكن أين؟‬
‫هناك‪ ،‬هو ميثل السلطة‪ ،‬وهنا يجب أن ننتبه‪ ،‬وها نـحن نعود للحديث عن املصطلحات‪،‬‬
‫السلطة بلدية أو مجلس بلدي بالنسبة ملنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬أما القضية‬
‫الوطنية فهي منظمة التحرير‪ ،‬ولكن لألسف قيادة السلطة‪ ،‬ومن يعمل معها‪ ،‬طغوا‬
‫على املنظمة‪.‬‬

‫تيسير اخلطيب‪:‬‬
‫بات من لوازم احلديث أن نتكلم دائم ًا عن مرحلة االستحقاقات‪ ،‬ولكن يبدو أن‬
‫الوضع الفلسطيني دائم ًا أمام استحقاقات‪ ،‬اآلن نستطيع أن نقول إنه ال ب ّد لنا ونـحن‬
‫في مجلس يض ّم باحثني ومفكرين أن ننظر إلى أنه ال ب ّد بعد فشل أوسلو‪ ،‬أصبح من‬
‫الضروري إعادة تقييم جتربة املقاومة‪ ،‬ما لها وما عليها‪ ،‬وكذلك بعد فشل ما سمي‬
‫باملزاوجة بني املقاومة والسلطة‪ ،‬والتي أسالت دماء كثيرة في الشارع الفلسطيني‪ .‬ال‬
‫ب ّد أن نتلمس رغبة الشعب الفلسطيني الذي يتمنى إعادة النظر في مجموعة من الرؤى‬
‫التي حكمت الساحة الفلسطينية لفترة طويلة‪ .‬لعل الوقت مناسب اآلن ألن تولد جتربة‬
‫متسك به لفترات طويلة‪ ،‬ومبا‬ ‫يتمسك كل طرف مبا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ورؤية فلسطينية جديدة‪ ،‬دون أن‬
‫أثبت الواقع خطأه في مرات كثيرة‪.‬‬
‫هناك اعتقاد عن حماس وجتربتها‪ ،‬وما زال هذا االعتقاد موجود ًا في الشارع‬
‫الفلسطيني‪ ،‬وهو أن حماس ميكن أن تلعب دور ًا مهم ًا في الساحة الفلسطينية‪ ،‬على‬
‫الرغم من بعض األخطاء االستراتيجية‪ .‬وعلى اإلخوة في حماس أن يستفيدوا من‬
‫هذه القناعة من أجل اخلروج أمام الشعب بنقد ذاتي موضوعي واضح وشفاف‪،‬‬
‫سيكون في مصلحة حماس وفي مصلحة الشعب الفلسطيني‪ .‬وأنا أقول بكل محبة أن‬
‫التبرير ال يصنع سياسة‪ ،‬وأن السياسة الذكية ال حتتاج إلى مشروع ودفاع وتبرير‬
‫واستدالالت‪ ،‬وأمتنى في املرحلة املقبلة أن نفكر مع ًا كفلسطينيني مع إخواننا العرب‬
‫املهتمني في قضيتنا‪ ،‬وأن نعيد النظر في كل شيء‪ .‬ال ب ّد من إعادة النظر في كل‬
‫شيء‪ ،‬وال ب ّد من التوقف على املسائل التي تصورناها صحيحة‪ ،‬في رؤيتنا الوطنية‬
‫والسياسية‪ ،‬وإعادة النظر في أوسلو‪ ،‬وفي جتربة املقاومة‪ ،‬واملزاوجة بني املقاومة‬
‫والسلطة‪.‬‬
‫في النهاية أمتنى من مراكز الدراسات‪ ،‬ومركز الزيتونة الذي يلقى الكثير من‬
‫االحترام والتقدير‪ ،‬أن يشرع في تخصيص ندوات ولقاءات متعددة ومستمرة من‬

‫‪101‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أجل بلورة رؤية فلسطينية جديدة‪ ،‬ال تتقيد بالوقائع السابقة في الفكر واملمارسة‬
‫في الساحة الفلسطينية‪ .‬ولعلنا نهتدي إلى شيء يكون من ضمن االحتماالت‪ ،‬لعله‬
‫يكون التفكير في ّ‬
‫حل السلطة‪ ،‬أو التفكير في كيفية املقاومة‪ .‬ال ب ّد من تغيير ألن هذه‬
‫املرحلة التي وصلنا إليها‪ ،‬على الرغم من أهمية املراحل السابقة‪ ،‬متتاز بأن الشعب‬
‫الفلسطيني اشتبك ببعضه في قتال ودموية وتشويه للصورة‪ ،‬كان من املفترض أن‬
‫نبذل جهد ًا كبير ًا حتى ال نصل إلى ما وصلنا إليها‪.‬‬

‫العميد (م) وليد سكرية‪:‬‬


‫سأترك االنتقادات التي وجهت إلى حماس بأن املقاومة والسلطة ال يلتقيان‪،‬‬
‫واألفضل لها لو أنها بقيت مقاوِ َمة ولم تستلم السلطة‪ ،‬كما سأترك االنتقادات حول‬
‫أدائها في السلطة ونظامها‪ ،‬وكالم آخر أرى أنها أقدر في أن تر ّد عليه‪ ،‬لكن االنقسام‬
‫في الشرق األوسط ليس في الساحة الفلسطينية وحدها‪ ،‬االنقسام في كل موضع‪،‬‬
‫أرادت أمريكا أن جتعل منه منطلق ًا لدفع مشروعها في السيطرة على الشرق األوسط‪.‬‬
‫االنقسام موجود في العراق ولبنان وعلى الساحة الفلسطينية‪ ،‬وموجود على الساحة‬
‫القومية لألمة العربية جميع ًا‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق مبا ما ذكر حول االنقسام الذي حصل نتيجة صعود حماس‬
‫إلى السلطة‪ ،‬أريد أن أضيف إلى ما تفضل به األستاذ أسامة حمدان حول ظروف‬
‫مجيء حماس إلى السلطة‪ ،‬أن أمريكا تبنت السالم املنفرد بالشروط اإلسرائيلية‬
‫كلها‪ .‬ونتذكر جيد ًا أنه في عهد نتنياهو كانت املفاوضات مع عرفات على ‪ % 30‬فقط‬
‫من أرض الضفة الغربية‪ ،‬وكان املوقف األمريكي إلى جانب “إسرائيل”‪ .‬وبفعل قوى‬
‫املمانعة الرافضة للتسوية بالشروط اإلسرائيلية‪ ،‬وبفعل حترير جنوب لبنان‪ ،‬وبفعل‬
‫االنتفاضة التي قامت‪ ،‬انعقد مؤمتر القمة العربية في بيروت‪ ،‬وأجمع العرب على‬
‫خط الرابع من حزيران‪ /‬يونيو‪ ،‬فكان اجتياح‬ ‫املبادرة العربية‪ ،‬أي االنسحاب حتى ّ‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬ومجزرة جنني‪ ،‬وكان احتالل العراق‪ .‬أمريكا احتلت العراق لتفرض‬
‫على العرب التنازل عن املبادرة العربية والقبول بالتسوية التي ترضى بها “إسرائيل”؛‬
‫ألن أمريكا ال تستطيع أن تفرض تسوية بالشروط العربية على الكيان الصهيوني‪.‬‬
‫فكانت نتيجة التسوية أن أمريكا وجدت نفسها بعد حني أنها وقعت في مستنقع في‬
‫ال لدفع مشروعها في املنطقة سوى تسوية املسار الفلسطيني‪.‬‬ ‫العراق‪ ،‬ولم جتد مدخ ً‬
‫وجاء وفد من الكوجنرس وأبلغ ذلك لشارون وناقش املوضوع‪ .‬ومن أجل دفع املشروع‬

‫‪102‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫قدم ًا‪ ،‬كان ال ب ّد من إضعاف الساحة الفلسطينية لتقبل بالشروط التي ترضى بها‬
‫“إسرائيل”‪ ،‬والتي متثلت أخير ًا برسائل الضمانات التي أرسلها بوش إلى شارون‪،‬‬
‫خلط الرابع من حزيران‪ /‬يونيو‪ ،‬وأن‬‫والتي حدد فيها أن ال عودة لالجئني‪ ،‬وال عودة ّ‬
‫الكتل االستيطانية أمر واقع‪ ،‬وحتدث عن ترتيبات أمنية على نهر األردن يبقى اجليش‬
‫اإلسرائيلي مبوجبها منتشر ًا على ضفته‪ ،‬وعلى وضمانات أمنية أمريكية‪ .‬هذا هو‬
‫إطار احلل الذي ارتضى بوش بعد تعثره في العراق أن ميون به على اإلسرائيليني‪،‬‬
‫ولكن بشرط أن يقبل الفلسطينيون‪ ،‬ولكي يقبل الفلسطينيون‪ ،‬كان من املفترض‬
‫إسقاط االنتفاضة وضربها‪ ،‬فكان القرار ‪ 1559‬إلخراج السوريني من لبنان‪ ،‬ونزع‬
‫كلي‪ .‬وأعلن األردن أنه على استعداد إلرسال‬
‫السالح من الساحة الفلسطينية بشكل ّ‬
‫لواء بدر إلى الضفة الغربية لدعم السلطة بفرض النظام‪ ،‬وهذا يعني أنه لن يكون لقتال‬
‫“إسرائيل” وحترير القدس‪ ،‬بل لضرب من سيقول ال للتسوية السلمية‪ .‬في هذه الظروف‬
‫جاءت حماس إلى السلطة بعد ما حصل كل ذلك‪ ،‬وبعد اغتيال عرفات‪ ،‬واملجيء بأبي‬
‫مازن إلى السلطة لينفذ املشروع‪ .‬عندما أتت حماس إلى السلطة‪ ،‬وال أعرف إذا كانت‬
‫قد صعدت إلى السلطة نتيجة تخطيطها ودراستها أو أن الصدف أتت بها‪ ،‬ولكن‬
‫بكل األحوال‪ ،‬لوال صعودها إلى السلطة‪ ،‬كان محمود عباس سيدخل في التسوية‪،‬‬
‫وبالشروط التي رسمها جورج بوش في رسائل الضمانات مع أريل شارون‪ .‬كان‬
‫اجليش األردني سيدخل الضفة‪ ،‬وكان على حماس وقوى االنتفاضة حتى تقول ال‬
‫للتسوية أن تدخل في معركة عسكرية مع قوات السلطة واجليش األردني في الضفة‬
‫الغربية‪ .‬مجيء حماس إلى السلطة أجهض ذلك؛ فكانت رمية صائبة‪ ،‬سواء كان‬
‫مخطط ًا لها أم جاءت بالصدفة‪ ،‬كانت نتائجها جيدة ألنها أجهضت مشروع الدخول‬
‫في التسوية بهذه الشروط اإلسرائيلية‪ ،‬وأجهض مشروع دخول القوات األمنية إلى‬
‫الضفة الغربية لضرب االنتفاضة‪.‬‬
‫ظل هذا االنقسام‪ ،‬ليس على الساحة الفلسطينية فحسب‪ ،‬بل حتى في لبنان‪،‬‬ ‫في ّ‬
‫حيث االنقسام بني حكم أتت به اإلدارة األمريكية لتنفيذ املشروع األمريكي‪ ،‬وبني قوى‬
‫حل وال يوجد له تسوية‪ ،‬كذلك‬‫ممانعة واقفة في وجه املشروع األمريكي‪ ،‬ال يوجد له ّ‬
‫في فلسطني أستبعد أن يكون هناك تسوية بني حكم أتت به اإلدارة األمريكية لدفع‬
‫املشروع األمريكي للسالم بالشروط اإلسرائيلية‪ ،‬وبني انتفاضة ترفض ذلك‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫املأزق ليس فلسطيني ًا فقط‪ ،‬بل مأزق األمة العربية في كل مكان‪ .‬ما هي خياراتنا‬
‫للسالم؟ أقول بأن التوازن بني الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني ال يعيد للشعب‬

‫‪103‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الفلسطيني من أرض فلسطني شيئ ًا‪ ،‬التوازن الذي يعيد للشعب الفلسطيني ح ّقه في‬
‫فلسطني‪ ،‬هو حتقيق التوازن االستراتيجي مع الكيان الصهيوني‪ ،‬وتوازن الرعب‬
‫بالسالح النووي مع هذا الكيان‪ ،‬وإفشال املخطط األمريكي في الشرق األوسط‪،‬‬
‫وإجباره على تقدمي التنازالت لقوى املمانعة‪ ،‬وأن ال يرى الشرق األوسط بالعني‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬بل أن يراه بعني أخرى‪ ،‬بحيث يراعي حقوق شعوب املنطقة‪ .‬والتعاون‬
‫يجب أن يكون مع قوى املمانعة في وجه هذا املشروع‪ ،‬وقد تتغير األوضاع في‬
‫الساحة الفلسطينية وفي املنطقة‪ ،‬مع تغير الوضع األمريكي‪ ،‬أو بعد حرب إقليمية‬
‫ثانية‪ ،‬قد ال تكون بعيدة‪.‬‬

‫جواد احلمد‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬النظام السياسي الفلسطيني ليس نظام ًا مختلط ًا إطالق ًا كما ُذ ِكر‪ .‬النصوص‬
‫واضحة‪ ،‬فهو نظام برملاني دميوقراطي وليس نظام ًا رئاسي ًا‪ ،‬وهو صيغة من صيغ‬
‫النظام السياسي التركي‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬هناك فصل دستوري بني صالحيات‬
‫نص القانون‬
‫الرئيس وصالحيات احلكومة‪ ،‬وصالحيات الرئيس هي احملدودة وذلك وفق ّ‬
‫بنص القانون األساسي‪.‬‬ ‫األساسي‪ ،‬في حني أن صالحيات احلكومة هي املفتوحة ّ‬
‫ثاني ًا‪ :‬التحليل إلدارة عالقات حماس الداخلية الفلسطينية من منطلق أيديولوجي‪،‬‬
‫مع عدم فهم أيديولوجية حماس الدينية واإلسالمية‪ ،‬ودون حتليل الوقائع على األرض‪،‬‬
‫أعتقد أنه سيسبب عمى في التحليل السياسي‪ .‬وأنا أنصح أن ال نلجأ لهذا‪ .‬األخ‬
‫ماجد عزام مارس دور خلط األوراق واملعلومات‪ ،‬حيث خلط بني التحليل واإلشاعات‬
‫املبالغ فيها‪ ،‬فرسم مشهد ًا سريالي ًا مرعب ًا للمستقبل ال أؤيده إطالق ًا‪.‬‬
‫حول ورقة األستاذ أسامة حمدان‪ ،‬أقول إن حماس لم تستطع كسب فصائل‬
‫منظمة التحرير جلانبها في مواجهة فتح‪ ،‬وال أعادت بناء منظمة التحرير الفلسطينية‪،‬‬
‫ولم تستثمر في اختراقات أحدثتها في الدول العربية وفي املوقف العربي وفي املوقف‬
‫الدولي جتاهها‪.‬‬

‫صالح صالح‪:‬‬
‫سأحاول اإليجاز بنقاط محددة‪ ،‬أو ًال‪ :‬أعتقد أن جوهر أزمتنا األساسي في هذه‬
‫املرحلة هو فقدان املرجعية الفلسطينية‪ ،‬ليس عندنا قيادة فلسطينية‪ ،‬فمنظمة التحرير‪،‬‬
‫التي كانت مرجعية في السابق‪ ،‬لم تعد موجودة‪ ،‬واآلن السلطة لم تعد مرجعية‪ ،‬بل‬

‫‪104‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أصبح لدينا سلطتني‪ ،‬وهناك قيادات في الداخل وقيادات في اخلارج‪ .‬وبالتالي‪ ،‬قبل‬
‫اخلروج من هذه األزمة لن نستطيع أن نعالج أي مشكلة‪ .‬أنا أعتقد أنه يجب السعي‬
‫إليجاد إطار وطني موحد‪ ،‬يجمع كل مواقع الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أنا أشارك األستاذ سامي خاطر‪ ،‬واألستاذ أسامة حمدان‪ ،‬بأن املرحلة هي‬
‫مرحلة حترر وطني‪ ،‬نعم‪ ،‬لكن يا إخوان‪ ،‬عندما تقولون إن هذه مرحلة حترر وطني‪،‬‬
‫يجب أن تلتزموا مبتطلبات مرحلة التحرر الوطني‪ .‬مرحلة التحرر الوطني أولويتها‬
‫املقاومة‪ ،‬ثم إنشاء جبهة وطنية جتمع كل القوى الفاعلة في إطار املقاومة‪ ،‬باالهتمام‬
‫بجماهيرها وتوعيتهم وتأطيرهم واستقطابهم؛ لدعم هذه املرحلة‪ ،‬وإيجاد حتالفات‬
‫تقوم على أساس دعم هذه املقاومة في مرحلة القرار الوطني‪ .‬كل ما يجري اآلن‬
‫خارج هذا اإلطار متام ًا‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬نعم‪ ،‬إن فتح قد َبنَت مؤسسات‪ ،‬وأنتم أيض ًا في غزة تبنون مؤسسات‬
‫حلماس‪ ،‬وبالتالي أنتم متساوون مع فتح في اخلطأ نفسه الذي ارتكبته‪ .‬أخير ًا سألني‬
‫أحد اإلخوة في االستراحة هل تعتقد أن حماس تستفيد من كل هذه اجللسات التي‬
‫عقدت وما عقد قبلها‪ ،‬وما قيل فيها وطرح؟ أقول إذا لم تستفد حماس سأشعر مبرارة‬
‫شديدة جد ًا؛ ألنها ستسهم في إنهاء مرحلة طويلة جد ًا من العمل الوطني الفلسطيني‪،‬‬
‫لتبدأ مرحلة جديدة ال أعرف كيف ستكون معاملها‪.‬‬

‫وليد محمد علي‪:‬‬


‫في موضوع العقد االجتماعي أتفق مع األستاذ صقر أبو فخر أن العقد االجتماعي‬
‫هو األساس‪ ،‬لكن ما هو العقد االجتماعي في الساحة الفلسطينية؟ العقد االجتماعي‬
‫في الساحة الفلسطينية أن هناك فلسطني محتلة ويجب أن نـحررها‪ .‬من الذي خرج‬
‫على هذا العقد االجتماعي؟ هذا هو السؤال‪ ،‬االنقالب على العقد االجتماعي كان‬
‫عندما أسقط برنامج التحرير‪ ،‬ودخلنا في وهم التسوية التي لم جتلب شيئ ًا سوى دولة‬
‫شارون املؤقتة‪.‬‬

‫محمد أبو يحيى‪:‬‬


‫أريد أن أعلق أيض ًا على موضوع العقد االجتماعي‪ ،‬وأتساءل‪ ،‬ملاذا نضحك على‬
‫أنفسنا في الكثير من األحيان ونتبنى قضايا غير واقعية؟ في املجتمع الفلسطيني‬
‫ال يوجد لدينا حتى اآلن حركة واضحة املعالم ميكن أن تسمى حركة دينية‪ ،‬فحركة‬

‫‪105‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حماس‪ ،‬كما تقول أدبياتها هي حركة حترر وطني ذات مرجعية دينية‪ ،‬ويحقّ ألي‬
‫تنظيم سياسي أن يكون له مرجعيات دينية‪ .‬والعالم الغربي الذي يتغنى بالدميوقراطية‬
‫قس يشغل منصب رئيس حكومة في‬ ‫بعض أحزابه السياسية دينية‪ ،‬وهناك حالي ًا ّ‬
‫أحد الدول الغربية‪ .‬أنا أستغرب‪ ،‬ملاذا ال نتحدث عن تغير العقد االجتماعي عندما‬
‫تتولى العلمانية السلطة‪ .‬وأريد أن أقول إن هناك أنظمة سياسية غ ّيرت في االقتصاد‬
‫واالجتماع والدين والسياسة ضمن الدميوقراطية‪ ،‬فلماذا ننكر ذلك على أنفسنا‪ ،‬في‬
‫حني يفعل غيرنا ذلك دون حرج‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تعقيبات مقدمي أ‬
‫الوراق‬

‫أسامة حمدان‪:‬‬
‫أنا عندي بعض املالحظات السريعة‪ ،‬أبدأ من سؤال مهم‪ ،‬ملاذا عندما ال تتحرك‬
‫حماس سياسي ًا يقال يا حماس يجب أن تشتغلي في السياسة؟ وإذا حتركت حماس‬
‫سياسي ًا يجري مهاجمتها على أساس أنها حركة أيديولوجية؟ وملاذا إذا طورت احلركة‬
‫برنامجها يجري شتمها بأنها تغيرت‪ ،‬وإذا متسكت بهذا البرنامج يقال إنها خشبية‬
‫اللغة والسلوك؟ عندما يكون هناك محتكر للسلطة نشتمه‪ ،‬وعندما يتدخل من يرفض‬
‫االحتكار ويتكلم عن الشراكة ُي ْشتَم؛ ألن الشراكة تسبب أزمة!! نـحن نتحدث عن أن‬
‫انتخاب أبي مازن كان صحيح ًا‪ ،‬لكن ملاذا ُي ِّخول االنتخاب أبا مازن أن يفعل كل‬
‫شيء‪ ،‬بينما من غير املسموح حلماس وحكومة حماس أن تفعل شيئ ًا إذا ما انتخبت؟‬
‫وإذا كان أبو مازن رئيس ًا منتخب ًا للسلطة‪ ،‬فما الذي ر ّكبه على منظمة التحرير؟ أعتقد‬
‫أننا في مشكلة حقيقية‪ ،‬حتى اآلن ال نريد أن نتقبل أن هناك تغير ًا حقيقي ًا يجري في‬
‫الواقع السياسي الفلسطيني‪ ،‬وأن هذا التغيير يجب أن ينضج ويكتمل في أفضل‬
‫ظرف طبيعي‪ ،‬وهذا التغيير ال يعني شطب أحد‪ ،‬وال حذف أحد‪ ،‬وإمنا يعني استكمال‬
‫املشروع الوطني الفلسطيني‪ .‬أنا أنزعج كثير ًا عندما يشكو أحد في فتح بأن حركة‬
‫حماس اليوم حتمل ما حمله قبل أربعني سنة‪ ،‬ملاذا؟‪.‬‬
‫في موضوع بعض املصطلحات التي تستخدم كالدولة اإلسالمية‪ ،‬نـحن أيض ًا‬
‫ميكننا أن نر ّد فنقول‪ :‬دولة دايتون‪ .‬أرجو أن ال تُقذف حماس بعبارات لم تقلها‬
‫وقضايا لم تفعلها‪ ،‬ومسائل لم تتكلم عنها‪ ،‬في محاولة خللط األوراق وفي محاولة‬
‫إلرباك املوقف‪ .‬نـحن هنا نق ّيم‪ ،‬وهنا َأ ِص ُل للكالم الذي قاله األستاذ صالح صالح‪،‬‬
‫وأقول له بصراحة‪ ،‬نعم نـحن نستفيد‪ ،‬ولوال رغبتنا باالستفادة ملا جئنا إلى هنا‪ .‬وفيما‬
‫مضى من ندوات استفدنا وأرجو أن نستفيد هنا أيض ًا‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ ،‬أريد أن أروي لكم مشهد ًا‪ :‬آالف الناس يهتفون‪“ :‬يا أبو مازن ويا‬
‫دحالن‪ ،‬يا عمالء األمريكان” هذا الهتاف لم تطلقه حركة حماس‪ ،‬ولم يطلقه شخص‬
‫متحمس حلماس‪ ،‬هذا الهتاف أطلقته حركة فتح‪ ،‬وآالف املتظاهرين في الشتات‬
‫الفلسطيني‪ ،‬وفي مخيمات لبنان على وجه التحديد‪ .‬هذا كان عندما تولى أبو مازن‬

‫‪107‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫رئاسة احلكومة‪ ،‬وعندما حاول دحالن االنقالب على أبي عمار‪ .‬السؤال‪ ،‬ملاذا قيل إنهم‬
‫عمالء في تلك املرحلة‪ ،‬واليوم يبكي البعض عندما جنحت حماس في إزاحة بعضهم‬
‫عن صدر الشعب الفلسطيني؟‬
‫ال كان هناك اقتتال فلسطيني في غزة‪،‬‬ ‫في موضوع االقتتال الفلسطيني‪ ،‬هل فع ً‬
‫ماذا عن زكريا اآلغا‪ ،‬وذياب اللوح‪ ،‬وأحمد حلس‪ ،‬وهشام عبد الرازق‪ ،‬كلهم كانوا في‬
‫غزة‪ ،‬والباقون في غزة لم يتعرض لهم أحد‪ ،‬ولم تطلق عليهم النار‪ ،‬وال توجد مؤسسة‬
‫لفتح جرى التعرض لها‪ ،‬مقابل أكثر من ‪ 180‬مؤسسة حلماس ُأحرقت في الضفة‬
‫الغربية‪ .‬وال يوجد شخص من فتح جرت محاسبته ألنه من فتح‪ ،‬ملاذا ال يرى الناس‬
‫هذا اجلزء اآلخر من املشهد بطريقة حقيقية؟‬
‫العقد االجتماعي‪ ،‬ما هو العقد االجتماعي الفلسطيني؟ حترير األرض الفلسطينية‪،‬‬
‫ومن الذي خرج عليه؟ من خرج عليه هو من خرج ببرنامج التسوية مع “إسرائيل”‪.‬‬
‫اليوم نـحن نستعيد العقد االجتماعي الفلسطيني‪ ،‬والبعض ال يريد ذلك‪ ،‬كان ال ب ّد من‬
‫شيء يحدث على األرض‪.‬‬
‫املسألة ما قبل األخيرة‪ ،‬ملاذا شاركنا سنة ‪ 2006‬وقاطعنا سنة ‪1996‬؟ املسألة‬
‫نـحرم املشاركة‬ ‫ّ‬ ‫أنه ال يريد أحد أن يقتنع أن األمر ال عالقة له باأليديولوجيا‪ ،‬نـحن لم‬
‫سنة ‪ ،1996‬ولم نـحلّل املشاركة سنة ‪ ،2006‬وال أصدرنا فتوى بالتحليل والتحرمي‪ ،‬ال‬
‫هنا وال هناك‪ .‬املسألة كانت قرار ًا سياسي ًا ناجت ًا عن قراءة للواقع السياسي‪ ،‬وتقدير‬
‫موقف سياسي معينّ ‪ ،‬وبنينا على هذا األساس موقف ًا محدد ًا وواضح ًا اقتضى أن‬
‫نقاطع سنة ‪ ،1996‬وأن نشارك سنة ‪ .2006‬وأنا أقول بصراحة‪ ،‬نـحن حتى اللحظة‬
‫ما زلنا مقتنعني أن قرار املقاطعة سنة ‪ ،1996‬خدم القضية الوطنية الفلسطينية‪ ،‬ولم‬
‫وع ّذبنا واغتيل عدد من قياداتنا ورجالنا‪ ،‬ورمبا لو‬ ‫يخدم حماس ألننا دخلنا السجون‪ُ ،‬‬
‫كنا في املجلس التشريعي لكان وضعنا أقل سوء ًا‪ .‬وفي سنة ‪ ،2006‬كان قرارنا يهدف‬
‫أيض ًا إلى خدمة املشروع الوطني الفلسطيني‪ ،‬وإلى اآلن نعتقد ذلك‪ .‬أما أن هناك أخطاء‬
‫وقعت‪ ،‬أقول بصراحة‪ ،‬في املمارسة ال يوجد أحد ال يخطئ‪ ،‬ونـحن لم ن ّد ِع يوم ًا أننا‬
‫معصومون أو ال نخطئ‪ ،‬نـحن مستعدون لسماع النصيحة والنقد‪ ،‬ومحاولة تصويب‬
‫املسار؛ ألنه في النهاية أي شيء يصوب املسار الوطني الفلسطيني يخدمنا جميع ًا‪.‬‬
‫أخير ًا في موضوع األزمة‪ ،‬أتفق مع األستاذ شفيق احلوت‪ ،‬أن األزمة هي‬
‫أزمة املشروع الوطني الفلسطيني‪ ،‬أعتقد أنها أو ًال أزمة حتديد الهدف‪ ،‬هل نريد‬
‫ظل وجود “إسرائيل”‬ ‫إنشاء دولة‪ ،‬أم نريد أن نـحرر‪ ،‬هل سيعود الالجئون في ّ‬

‫‪108‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أم بعد التحرير‪ ،‬هناك ضياع للهدف‪ ،‬وهناك أزمة اختراق فلسطيني‪ ،‬حيث هناك من‬
‫الفلسطينيني من يحمل شيئ ًا يتناقض مع املشروع الوطني الفلسطيني العام‪ .‬وهناك‬
‫ال أن نتحدث فيها‪ ،‬إذا أردنا أن‬ ‫أزمة قيادة لهذا املشروع‪ ،‬هذه املسائل يجب فع ً‬
‫ّ‬
‫نـحل املسألة‪ ،‬ألن القضايا األخرى من نتاج هذه األزمة‪ ،‬وهي ناجت طبيعي‪ ،‬إذا لم‬
‫يجرِ حلّها بشكل جذري فإنها ستتضاعف‪ ،‬وأعتقد أن اخلروج منها يت ّم فع ً‬
‫ال بإعادة‬
‫بناء النظام السياسي الفلسطيني مرة أخرى‪ ،‬سواء بإصالح املنظمة‪ ،‬وإذا متترس‬
‫وراء ها أحد‪ ،‬أعتقد أنه يجب أن يكون لدينا اجلرأة لنبحث كيف نبني نظام ًا سياسي ًا‪،‬‬
‫كما بنيت منظمة التحرير متجاوزة نظام ًا سبقها قبل ذلك‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪110‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫احملور الثالث‬

‫�آفاق اخلروج من امل أ�زق الوطني الفل�سطيني‬

‫‪111‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪112‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مقدمة مدير اجلل�سة‬


‫نافذ أبو حسنة‬
‫‪33‬‬

‫اسمحوا لي بكلمة قصيرة‪ ،‬قبل أن أبدأ بتقدمي الزمالء املداخلني‪ ،‬رمبا ألن العنوان‬
‫الذي سنتحدث فيه اآلن يبدو الفت ًا‪ ،‬وهو احلديث عن آفاق اخلروج من املأزق الوطني‬
‫الفلسطيني‪ ،‬ما يلفت املرء أن حتويل االرجتال إلى برنامج لطاملا سيطر على مجرى‬
‫النضال الوطني الفلسطيني‪ .‬ولعلي ال أضيف كثير ًا على ما قاله األستاذ شفيق احلوت‬
‫حول االفتقار إلى اخلطة والبرنامج‪ ،‬ولكني رمبا أستطيع الزعم أن السمة األبرز‬
‫للعمل الوطني الفلسطيني كانت غياب اخلطة الواضحة‪ ،‬سواء إذا اتصل األمر بالعمل‬
‫السياسي أم حتى في العمل العسكري‪ ،‬ورمبا تبرز هذه السمة بشكل أوضح‪ ،‬حيث‬
‫إنه لم تكن هناك أجندة توضحها وال خطط واضحة‪ ،‬ومن يتذكر ما كان يسمى بغرف‬
‫العمليات املركزية‪ ،‬يتذكر مجموعة من املوظفني الكسالى الذين لم يكن أمامهم تلك‬
‫اخلرائط املفرودة؛ لتحريك الوحدات املقاتلة من مكان إلى مكان‪ ،‬هذا االفتقار للخطط‬
‫األمثلة عليه أكثر من أن تع ّد أو حتصى‪ .‬آفاق اخلروج من املأزق الوطني الفلسطيني‬
‫آمل أن تتوفر له نوايا صادقة؛ من أجل تبني مالمح خطة أو برنامج تفتح تلك اآلفاق‪،‬‬
‫التي تبدو ولألسف موصدة على نـحو مفجع‪ ،‬ولعل مقياس الوطنية احلقة‪ ،‬يكمن في‬
‫التوجه نـحو احلوار بن ّية صادقة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 33‬باحث وإعالمي فلسطيني‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الورقة ا ألوىل‪:‬‬
‫�آفاق اخلروج من امل أ�زق الوطني الفل�سطيني‬
‫‪34‬‬
‫جـواد احلمـد‬

‫بسم اللّه الرحمن الرحيم‪ ،‬بداية أشكر مركز الزيتونة للدراسات على هذه الندوة‬
‫وعلى دعوتي للمشاركة فيها‪ ،‬كما أشكر الدكتور محسن‪ ،‬وأشكر مدير اجللسة على‬
‫التقييم‪ .‬املوضوع الذي بني يدي أيها اإلخوة كما قال وتفضل األستاذ نافذ‪ ،‬يتعلق‬
‫باآلفاق املتاحة للخروج من املأزق الفلسطيني‪ ،‬وهل ثمة اقتراحات أو اجتاهات أو‬
‫فلسفات أو سياسات ميكن تبنيها من قبل أي من فصائل العمل الوطني‪ ،‬أو منها‬
‫مجتمعة من أجل اخلروج من املأزق الوطني الفلسطيني القائم اآلن‪ ،‬ال ميكن الولوج‬
‫في هذا املوضوع إال بأن نربط املاضي باحلاضر‪ ،‬املاضي القريب أقصد‪ ،‬حتى نتمكن‬
‫من أن نستشرف بعض من مالمح املرحلة القادمة‪ ،‬وكيف ميكن التعامل معها‪.‬‬
‫منذ توقيع اتفاق أوسلو والقضية الفلسطينية تدخل في مآزق متالحقة‪ ،‬ودخلت‬ ‫ ‬
‫معها الوحدة الوطنية في مراحل اخلطر الكبير‪ ،‬وش ّكلت تبعات أوسلو والتزاماته سبب ًا‬
‫دائم ًا للشقاق في الساحة الفلسطينية‪ ،‬وذلك منذ سنة ‪ ،1994‬وبعد اغتيال الرئيس‬
‫ظل الضعف‪ ،‬الذي‬ ‫ياسر عرفات في سنة ‪ ،2004‬تفاقمت أزمة الساحة الفلسطينية في ّ‬
‫أصاب قيادة حركة فتح من جهة وقيادة منظمة التحرير من جهة أخرى‪ ،‬وكان ملشاركة‬
‫حماس في االنتخابات البلدية والنتائج التي حققتها دور ًا مهم ًا في تفاقم خالفات‬
‫احمليط الفلسطيني السياسي مع مواقف احلركة واجتاهاتها‪ ،‬خصوص ًا حركة فتح‬
‫التي عانت من خسائر فادحة في هذه االنتخابات في معاقلها األساسية‪ ،‬أمام حركة‬
‫حماس التي نالت أكثر من ‪ % 42‬من أصوات الناخبني‪ ،‬في الضفة والقطاع‪ ،‬في‬
‫مت إجراء االنتخابات فيها حتى نهاية سنة ‪.2005‬‬‫البلديات التي ّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 34‬مدير مركز دراسات الشرق األوسط‪ ،‬األردن‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وعلى الرغم من التوصل إلى إطار سياسي ناظم للعالقات الفلسطينية في آذار‪/‬‬
‫مارس ‪ 2005‬في القاهرة‪ ،‬إال أن تردد قيادة حركة فتح في تقدمي التنازالت إزاء‬
‫إعادة بناء منظمة التحرير لصالح حركة حماس واجلهاد اإلسالمي‪ ،‬أفقد االتفاق‬
‫معناه الواقعي‪ ،‬حيث إن إعادة البناء سوف ُت ْف ِقد فتح امليزة النسبية القاضية بالهيمنة‬
‫والتفرد في قيادة الساحة الفلسطينية ومنظمة التحرير‪ ،‬وبسبب اإلشكال الذي سببته‬
‫نتائج االنتخابات البلدية‪ ،‬انتاب اجلو الفتحاوي‪ ،‬وبعض األطراف املتحالفة معها‪ ،‬هلع‬
‫كبير من تواصل تقدم حركة حماس على الصعيد السياسي على حساب حركة فتح‪،‬‬
‫في خطوة رمبا تكون مفصلية في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني‪ ،‬وبالفعل ومع‬
‫قرار حماس في املشاركة في االنتخابات التشريعية تزايد اخلطر األكبر‪ ،‬وكانت نتائج‬
‫االنتخابات أكثر مفاجأة من كل التوقعات اإلحصائية والسياسية واالستطالعية‪ ،‬مما‬
‫أدخل الساحة الفلسطينية في أزمة ومأزق جديد؛ بسبب رفض حركة فتح التسليم‬
‫الواقعي بنتائج االنتخابات‪ ،‬وذلك على الرغم من تسليمها الرسمي بذلك‪ ،‬عبر تكليف‬
‫الرئيس محمود عباس إلسماعيل هنية بتشكيل احلكومة‪ ،‬ومن ثم نيل الثقة حلكومة‬
‫بقيادة حماس والشروع بالعمل‪.‬‬
‫استمرت اجلهود والتفاعالت املتعددة املنابع واألهداف واالجتاهات‪ ،‬واملتقاطعة‬
‫مع أطراف ومصالح خارجية؛ في محاولة إلفشال حماس‪ ،‬وعزلها عن احلكم من‬
‫ووسع دائرة األزمة‬
‫ّ‬ ‫ِق َبل حركة فتح بشكل أو بآخر‪ ،‬وهو ما زاد من عمق املأزق‪،‬‬
‫الفلسطينية إلى ح ّد استخدام السالح‪ ،‬والتمرد العسكري‪ ،‬والعصيان املدني املدمر‬
‫مت التواطؤ مع مخططات أمريكية وإسرائيلية‬ ‫للحياة الفلسطينية‪ ،‬بل وحسب املعلومات‪ّ ،‬‬
‫لإلطاحة بحكومة حماس على مراحل متعددة من ِق َبل البعض‪ ،‬وملا انفجرت األوضاع‬
‫في وجه حركة حماس في أيار‪ /‬مايو ‪ ،2007‬في قطاع غزة‪ ،‬واتخذت حماس قراراها‬
‫مت تشخيصه بدقة على ما يبدو‪ ،‬حسب‬ ‫بحسم املواجهة األمنية مع تيار محدد‪ّ ،‬‬
‫النتائج التي وقعت بدقة متناهية‪ ،‬إذ قادت إلى تصفية التيار وحتجيمه في قطاع غزة‬
‫وإسقاطه كخيار فتحاوي أساسي في الضفة الغربية أيض ًا‪ ،‬وهو ما تسبب بتفاعالت‬
‫كبيرة ما تزال نتائجها تتواصل في صفوف حركة فتح‪ ،‬األمر الذي يقود حركة فتح‬
‫إلى واقع جديد رمبا يفضي إلى تراجع مكانتها الفلسطينية من الدرجة الثانية إلى‬
‫الدرجة الثالثة‪ ،‬خصوص ًا وأن بعض القوى قد تكون مؤهلة أو تع ّد نفسها لتأخذ املوقع‬
‫الثاني‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن الصدمة الكبرى املتمثلة في جناح حماس في استئصال تيار‬

‫‪115‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الفلتان األمني داخل األجهزة األمنية بأقل اخلسائر املتوقعة‪ ،‬إال أن السلوك السياسي‬
‫حلركة فتح مبجموعها ولقيادتها األولى ‪ -‬وبالذات الرئيس محمود عباس ‪ -‬كان أكثر‬
‫مفاجأة عندما نـحى منحى املقاطعة واحلرب واحلصار والعقاب اجلماعي لكل من‬
‫يؤيد خطوة حماس أو يعيش في قطاع غزة‪ ،‬ناهيك عن تخلي الرئيس عن مسؤولياته‬
‫إزاء السلطة في القطاع؛ بحجة أن حماس خطفته‪ ،‬ورفضه إدارة الشؤون العامة‬
‫مقره فيها‪ ،‬حتى إن الكثير من حلفاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس‬ ‫في غزة من ّ‬
‫استهجنوا التطرف الذي بدى فيه موقفه‪ ،‬وخصوص ًا استخدام مؤسسات منظمة‬
‫التحرير املتبقية‪ ،‬ومبا هي عليه‪ ،‬لالستقواء على السلطة في قطاع غزة‪ ،‬وعلى املجلس‬
‫التشريعي وبشكل خارج عن القانون‪.‬‬
‫بذلك تراكمت املآزق الفلسطينية؛ لتش ّكل حالة من األزمة املتفاقمة متعددة األبعاد‬
‫ّ‬
‫اخلط‬ ‫واألجنحة‪ ،‬وهو ما أعطى الفرصة لدخول األمريكيني واإلسرائيليني بقوة على‬
‫في محاولة لعزل محمود عباس عن قوته الطبيعية‪ ،‬بقيادة السلطة ومنظمة التحرير‬
‫وحركة فتح في الضفة والقطاع‪ ،‬والسعي للضغط عليه لتقدمي املزيد من التنازالت‪،‬‬
‫في ذلك الوقت الذي ُيع ّمق فيه الشرخ الفلسطيني ويزيد من أزماته الداخلية إلضعاف‬
‫الكل الفلسطيني أمام االحتالل اإلسرائيلي‪ ،‬ضعيف احلكومة ومهزوم اجليش‪ ،‬وهو‬
‫ما و ّفر األجواء ملمارسات بقايا تيار الفلتان األمني في األجهزة األمنية في الضفة‬
‫الغربية‪ ،‬مع بعض العصابات املسلحة؛ لتقوم بجرائم كثيرة ومتواصلة ومتصاعدة ض ّد‬
‫أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية‪ ،‬مبا في ذلك اقتحام اجلامعات واملساجد‬
‫واملؤسسات املدنية واالستيالء على البلديات‪ ،‬وليعيش الشعب الفلسطيني في رعب‬
‫رش األموال احملدودة على قطاعات‬ ‫وخوف وفقدان تا ٍّم لألمن‪ ،‬حيث لم تفلح جهود ّ‬
‫متعددة‪ ،‬ووعود االزدهار التي حملها سالم فياض لتش ّكل شبكة أمان ال يحميها‬
‫األمن‪ ،‬وال تشكل احلرية أداة أساسية فيها‪.‬‬
‫إن التشخيص املوضوعي لألحداث‪ ،‬بل وصفها كما هي‪ ،‬يثير حفيظة األطراف‬
‫على احملللني ورمبا يتهمهم باالنـحياز‪ ،‬وهو ما نضطر كباحثني إلى جتاوزه‪ ،‬حيث‬
‫إن االعتداء على القانون‪ ،‬وسلب الصالحيات‪ ،‬وسحب املؤسسات التنفيذية‪ ،‬وقيادة‬
‫التمرد العسكري‪ ،‬والعصيان املدني وقصف مقرات السلطة املركزية في الضفة وغزة‬
‫وحرقها‪ ،‬وإشهار السالح في وجه الوزراء والنواب وخطفهم وإطالق النار على بيوتهم‬
‫وأهلهم‪ ،‬وكذلك استخدام القوة املسلحة حلسم اخلالفات الداخلية‪ ،‬هي أمور ال ميكن‬
‫جتاوزها عند تناول املأزق الفلسطيني واألزمة الفلسطينية‪ ،‬ولكن املهم في هذه املرحلة‬

‫‪116‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫هو القدرة على تقدمي رؤية واقعية وعملية‪ ،‬ميكن لها أن تفرج عن جزء من األزمة‪ ،‬أو‬
‫تفتح الباب أمام حراك وطني لبلورة واقع فلسطيني جديد يعتبر من التجربة الصعبة‪،‬‬
‫ويخرج الشعب من األزمة بأقل اخلسائر‪ ،‬ودون الرجوع إلى الوراء عن اتفاقات ّ‬
‫مت‬
‫التوصل إليها بصعوبة بالغة‪.‬‬
‫ولذلك ترى الورقة بعض مالمح للخروج من املأزق الفلسطيني القائم اليوم‪ ،‬وهي‬
‫مفر منه‪ ،‬ولكن‬
‫تنطلق من نظرية تفاؤلية‪ ،‬تعتقد بأن اخلروج من املأزق أمر حتمي ال ّ‬
‫الزمن جزء من العالج كما يقولون‪ ،‬وأهم هذه املالمح‪:‬‬
‫‪ .1‬الشروع باحلوار بني فتح وحماس للتوافق على اخلروج من املأزق احلالي وفق‬
‫رؤية وطنية مشتركة‪ ،‬وميكن أن يت ّم ذلك برعاية سعودية بالتعاون مع مصر‬
‫وسورية‪.‬‬
‫‪ .2‬اعتماد مرجعيات أساسية في احلوار للتعامل مع احلالة القائمة‪ ،‬ومعاجلة املأزق‬
‫مت التوصل إليها بعد معاناة طويلة‬ ‫احلالي بناء على اآلليات واالتفاقات التي ّ‬
‫وأهمها‪ :‬القانون األساسي للسلطة‪ ،‬ووثيقة الوفاق الوطني في ‪ ،2006‬واتفاق‬
‫القاهرة في ‪ ،2005‬واتفاق مكة في ‪.2007‬‬
‫‪ .3‬وقف أعمال االنتقام‪ ،‬والتخريب‪ ،‬والفلتان األمني‪ ،‬وانتهاك حقوق اإلنسان في‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬وأي مثيل لها في قطاع غزة‪.‬‬
‫‪ .4‬حتييد اخلدمات اإلنسانية واألمن واملؤسسات املدنية من أي خالفات تؤ ّثر على‬
‫مصالح املواطن الفلسطيني‪.‬‬
‫‪ .5‬إلغاء حالة الطوارئ‪ ،‬واستئناف احلياة املدنية والسياسية املعتادة‪ ،‬واالبتعاد عن‬
‫املس باملؤسسة التشريعية حتت أي ذريعة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪ .6‬العمل على تفعيل دور املجلس التشريعي‪ ،‬بطريقة مبتكرة تراعي احلالة الفلسطينية‬
‫وتتناسب مع واقع االعتقال واالحتالل‪ ،‬كما تتناسب مع توزع اجلغرافيا‬
‫واحلواجز‪ ...‬إلخ؛ ليأخذ املجلس دوره الطبيعي وليمارس صالحياته كاملة؛‬
‫والسعي في الوقت نفسه لإلفراج عن النواب والوزراء السابقني املعتقلني لدى‬
‫سلطات االحتالل بأسرع وقت ممكن‪.‬‬
‫‪ .7‬السعي لتشكيل حكومة توافقية جديدة‪ ،‬خالف ًا للحكومتني القائمتني وفق اتفاق‬
‫مكة‪ ،‬وعلى أساس وثيقة الوفاق الوطني‪.‬‬
‫‪ .8‬استكمال تطبيق اتفاق مكة‪ ،‬وتفاصيله املتعلقة بالبنود التي لم تستكمل بعد‬
‫تشكيل احلكومة‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .9‬إعادة بناء األجهزة األمنية وفق ما يلي‪:‬‬


‫بناء جهاز “الشرطة واألمن العام” وتقويته‪ ،‬وض ّم مختلف األقسام التي تلزم‬
‫يخص ضبط األمن والنظام‬ ‫ّ‬ ‫األمن الوطني واالستخباري الفلسطيني‪ ،‬فيما‬
‫الداخلي وخدمة املواطنني‪ ،‬بوصفه جهاز ًا لألمن الداخلي‪ ،‬وتدمج فيه القوة‬
‫التنفيذية متام ًا مع إلغاء مسماها احلالي‪.‬‬
‫إنشاء “قوات الدفاع الوطني” املختصة مبواجهة عدوان االحتالل على األراضي‬
‫الفلسطينية والشعب الفلسطيني‪ ،‬وتتشكل نواتها أساس ًا من فصائل املقاومة‪،‬‬
‫ويفتح فيها باب التجنيد التطوعي الدوري لبقية أبناء الشعب الفلسطيني‪،‬‬
‫خصوص ًا ألبناء الشهداء‪.‬‬
‫إلغاء كافة األجهزة األمنية األخرى وفي أي مستوى‪.‬‬
‫تتبع األجهزة األمنية لوزير الداخلية‪ ،‬واألمن الوطني مباشرة‪.‬‬
‫تعديل القوانني النافذة املتعلقة بذلك‪ ،‬وفق هذه الرؤية‪.‬‬

‫إن مسؤولية السعي لتحقيق جزء من هذه الرؤية أو بديل أفضل منها‪ ،‬إمنا‬
‫يقع أساس ًا على النخب الفلسطينية؛ السياسية واألكادميية واإلعالمية‪ ،‬وخصوص ًا‬
‫ومضرة من ِق َبل البعض لطرف‬‫ّ‬ ‫الفصائلية منها‪ ،‬وإن ما تب ّدى من حتيزات غير واقعية‬
‫ض ّد طرف آخر‪ ،‬ال يخدم اجتاهات احلوار واملصاحلة الوطنية البنّاءة‪ ،‬بل يع ِّمق‬
‫األزمة ويزيد من دائرة املأزق‪ ،‬ويجعل اجلميع طرف ًا في املأزق واألزمة‪ ،‬والورقة بذلك‬
‫ال تدعو إلى احلياد املطلق أو الكلي أو السلبي من قبل هذه الفصائل والشخصيات‪،‬‬
‫بل تدعو إلى احلياد اإليجابي الذي يتعامل مع احلقائق‪ ،‬ويسعى إلى الصالح العام‪،‬‬
‫وال يقف عند اجلزئيات واألخطاء الصغيرة التي تع ّد من التداعيات البديهية في مثل‬
‫احلالة التي وصلت إليها العالقات الفلسطينية الداخلية اليوم‪ ،‬ولذلك فإن اخلطوة‬
‫األولى نـحو جناح مثل هذه التوجهات‪ ،‬هي إعادة التموضع الفصائلي والشخصي‬
‫في الساحة الفلسطينية بتعريف وطني واسع‪ ،‬وبعيد ًا عن اإلغراءات أو التهديدات من‬
‫ِق َبل أي طرف‪ ،‬ومن ثم السعي إليجاد حاضنة عربية من النوع الشعبي نفسه وعلى‬
‫األسس نفسها جلمع الفرقاء‪ ،‬والشروع بحوار مسؤول بينهم‪ ،‬وهو أمر ال يتعارض‬
‫مع جهود الدول العربية؛ القائمة على توفير الغطاء العربي ألي اتفاق يت ّم التوصل إليه‬
‫في مواجهة “إسرائيل” وبعض أطراف املجتمع الدولي‪ ،‬وتوفير مستلزمات جناح هذه‬
‫االتفاقات‪ ،‬ولعل بعض املواقف العربية تق ّدمت على مواقف أطراف فلسطينية في هذا‬

‫‪118‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫السياق‪ ،‬خصوص ًا موقف البرملان العربي‪ ،‬ومواقف عدد من احلكومات العربية ذات‬
‫الصلة‪ ،‬كما يشار إلى أن بناء مشروع وطني متكامل‪ ،‬هو مسؤولية احلوار املتواصل‪،‬‬
‫وليس مجرد ورقة يطرحها البعض ل ُت ْقبل أو تُرفض‪ .‬وتشير هذه الورقة بالتحذير من‬
‫اخلطر الذي حتمله فكرة إعادة األوضاع في غزة إلى ما كانت عليه‪ ،‬حيث يعني ذلك‬
‫العودة إلى حالة الفوضى والفلتان األمني‪ ،‬وفقدان األمن للمواطنني‪ ،‬ولكن املطلوب‬
‫هو إعادة توحيد السلطة برئيسها ومجلسها التشريعي وحكومتها‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪،‬‬
‫القبول املبدئي بإعادة الهيكلة والبناء لألجهزة األمنية التي كانت مصدر اخلالف‬
‫الكبير‪ ،‬وإعادة تنظيم الصالحيات بني السلطات وتفسيرها‪ ،‬التي كانت مصدر ًا لألزمة‬
‫السياسية أيض ًا‪ ،‬ومن هنا فإن اللجوء إلى حتكيم العقل واملصلحة الوطنية‪ ،‬هو‬
‫األساس في وضع جدول أعمال احلوار املفترض؛ لتتوفر له أسباب النجاح على‬
‫مستوييه؛ الشعبي والرسمي‪ ،‬ووفق املالمح التي أوردتها هذه الورقة آنف ًا‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الورقة الثانية‪:‬‬
‫لنعمل لتحويل امل أ�زق الراهن لي�صبح فر�صة‬
‫‪35‬‬
‫وليد محمد علي‬

‫ما أسعى لطرحه في هذه الورقة‪ ،‬خطوط عامة ال تنطلق من وهم سهولة جتاوز‬
‫األزمة الراهنة‪ ،‬وال سهولة االتفاق على مشروع وطني جامع لطاقات الشعب‬
‫الفلسطيني وإمكاناته؛ الستكمال معركة التحرر الوطني‪ ،‬بل تنطلق من خشية كبيرة‬
‫على منجزات صمود شعبنا‪ ،‬ومقاومته التي امتدت ألكثر من قرن من الزمان‪ ،‬وعلى‬
‫رأسها احلفاظ على هويته من التبديد‪ .‬وتنطلق أيض ًا من قلق عميق على مستقبل‬
‫القضية الفلسطينية‪ ،‬جراء ما حدث في قطاع غزة‪ ،‬وما تاله في الضفة الغربية‬
‫أسس له‪ .‬فما جرى كان بسبب‬ ‫أواسط حزيران‪ /‬يونيو ‪ ،2007‬وما ترتب عليه وما ّ‬
‫تعارضات عميقة في البرامج السياسية واألجندات العملية في الساحة الفلسطينية‪،‬‬
‫مع غياب القواسم املشتركة واالحتكام إليها‪.‬‬
‫كما تنطلق الورقة من وجود إمكانية واقعية؛ لتحويل املأزق الراهن إلى فرصة‬
‫تاريخية تعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها عند أبناء األمة العربية واإلسالمية وأحرار‬
‫العالم‪ .‬فال خيار أمامنا إال خيار استمرار العمل املتراكم؛ لتجاوز املط ّبات‪ ،‬وتصويب‬
‫املسار‪ ،‬والتقدم مع ًا في معركة احلرية والتحرير‪.‬‬
‫متر في مخاض عسير‪ .‬ومن الطبيعي أن‬ ‫من نافل القول إن القضية الفلسطينية ّ‬
‫يسعى كل طرف من طرفي الصراع لكسب نتيجته‪ .‬فاحللف الصهيو ‪ -‬أمريكي يريد‬
‫االستفادة من التطورات لفرض تصفية‪ /‬تسوية ظاملة للقضية الفلسطينية‪ ،‬تع ّوضه عن‬
‫فشل مشاريعه في أجزاء أخرى من العالم‪ ،‬خصوص ًا في العالم العربي واإلسالمي‪،‬‬
‫ولكن املشروع العنصري الصهيوني كمشروع اقتالعي إحاللي ال ميكن أن يعطي‬
‫للشعب الفلسطيني “تسوية” تشكل احل ّد األدنى املقبول من أبناء فلسطني‪ ،‬أو حتى‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 35‬مدير عام مركز باحث للدراسات‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫من جزء معتبر منه‪ ،‬األمر الذي يضع أصحاب املشروع واملتساوقني معه في مأزق‬
‫يتعمق باستمرار‪.‬‬
‫في الطرف اآلخر‪ ،‬فإن أهل خيار املقاومة؛ فلسطينيني وعرب ومسلمني وسواهم‬
‫من أحرار العالم‪ ،‬لم يتمكنوا من التغلب على تعارضاتهم وخالفاتهم‪ ،‬واالتفاق على‬
‫قواسم مشتركة مت ّكنهم من توحيد إمكاناتهم وطاقاتهم في مواجهة العدو املشترك‪.‬‬
‫إن األفكار الواردة في السطور التالية‪ ،‬تهدف لإلسهام في اخلروج من املأزق‬
‫موحد‪ ،‬وفق آلية مفتوحة على أفق‬
‫الراهن‪ ،‬وحتويله إلى فرصة لصياغة برنامج وطني ّ‬
‫استراتيجي‪ ،‬يلبي طموحات الشعب الفلسطيني والدول العربية واإلسالمية وأحرار‬
‫العالم وأهدافهم‪.‬‬

‫أفكار للنقاش والتطوير‪:‬‬


‫أو ًال‪ :‬قضايا إجرائية‪:‬‬
‫االبتعاد عن املهاترات اإلعالمية‪ ،‬ووقف احلمالت اإلعالمية الداخلية‪ ...‬مع التركيز‬
‫على التناقض األساسي مع العدو الصهيوني‪ ،‬وعلى القضايا اجلوهرية‪ :‬القدس‪،‬‬
‫والالجئني‪ ،‬وحق العودة‪ ،‬وجدار الض ّم والعزل العنصري‪ ...‬إلخ؛ والعمل على كشف‬
‫طبيعة املخطط الصهيو ‪ -‬أمريكي الهادف إلى تزييف طبيعة الصراع‪ ،‬والتأكيد على‬
‫حترر‪ ،‬وحترير بني املحُ تل ومن وقع عليه االحتالل‪.‬‬
‫حقيقة كونه صراع ّ‬
‫إنزال األعالم احلزبية عن املؤسسات الرسمية والعامة كافة‪ ،‬ورفع علم‬
‫فلسطني‪.‬‬
‫تخص السلطة والقطاع العام‪ ،‬وإعادة‬ ‫ّ‬ ‫وقف التصرف في كافة املمتلكات‪ ،‬التي‬
‫مت التصرف به‪ ،‬وصونه واحلفاظ عليه‪ ،‬واالستعداد لتسليمه إلى هيئة وطنية‬ ‫ما ّ‬
‫متفق عليها‪.‬‬
‫مدان مبمارسات‬
‫ٍ‬ ‫اإلعالن عن االستعداد للتعاون مع جلان التحقيق وإحالة كل‬
‫أسس لها‪ ،‬إلى‬ ‫وجرائم أو التحريض عليها خالل األحداث األخيرة‪ ،‬أو ما ّ‬
‫محاكمة علنية عادلة لينال جزاءه‪.‬‬
‫االعتذار عن كل املمارسات املدانة‪ ،‬واالستعداد لتعويض كل الضحايا عن‬
‫اإلصابات واألضرار املادية واملعنوية‪.‬‬
‫العمل على إجناز املصاحلات العائلية واألسرية‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫موحد‪:‬‬
‫تؤسس لصياغة برنامج سياسي ّ‬ ‫ثاني ًا‪ :‬القواسم املشتركة التي ّ‬
‫إن فلسطني من بحرها إلى نهرها ما زالت خاضعة لالحتالل‪ ،‬والقضية الفلسطينية‪،‬‬
‫كقضية حترر وطني بحاجة موضوعية حلشد كافة القوى والهيئات والكفاءات‬
‫احلية املستعدة للعمل‪ ،‬واإلسهام في صياغة البرامج العلمية‪ ،‬والتضحية في‬
‫سبيل إجنازها‪.‬‬
‫إن حترير فلسطني واجب قومي وديني وإنساني‪ ،‬األمر الذي يستدعي أن تكون‬
‫البرامج وآليات العمل كافة‪ ،‬منسجمة مع تلك القناعة‪.‬‬
‫التوافق على برنامج سياسي موحد قائم على أساس الدعوة لتنفيذ‬
‫القرارات الدولية‪ ،‬األمر الذي سيزيد في كشف الطبيعة العدوانية العنصرية‬
‫للمشروع الصهيوني‪ ،‬وفي حشد التأييد العاملي إلى جانب الهدف الذي‬
‫حددته القوى الفلسطينية النتفاضة األقصى منذ انطالقها (دحر االحتالل‪،‬‬
‫وتفكيك املستوطنات‪ ،‬وإقامة دولة فلسطينية على األراضي احملتلة سنة‬
‫‪ 1967‬عاصمتها القدس‪ ،‬وعودة الالجئني)؛ مع احتفاظ كل طرف برؤيته‬
‫االستراتيجية لطبيعة الصراع‪.‬‬
‫حل إنساني للصراع تكون قائمة‬ ‫إطالق حمالت من النقاش واحلوار حول ٍّ‬
‫على فكرة دولة فلسطني الواحدة ‪ -‬لكل أبنائها من مسلمني ومسيحيني ويهود‬
‫وسواهم كما كانت عليه قبل املشروع الصهيوني (كنقيض للطرح العنصري‬
‫الصهيوني ‪ -‬الدولة اليهودية الدميوقراطية)‪ .‬تلك الرؤية ستجد قبو ًال ودعم ًا‬
‫واسع ًا من تيارات عاملية معادية للعنصرية‪ ،‬ومؤيدة حلقوق اإلنسان‪ ،‬ورافضة‬
‫للعوملة األمريكية املتوحشة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬تأسيس الشراكة الوطنية‪:‬‬


‫شك أن تأسيس شراكة سياسية بني قوى سياسية تنتمي إلى تيارات فكرية‬ ‫ال ّ‬
‫متعددة‪ ،‬يجب أن ينطلق أو ًال من تغليب عوامل الوحدة املتمثلة في مرحلة التحرر‬
‫الوطني بقبول التعددية الفكرية والسياسية‪ ،‬وتذليل كافة التعارضات واخلالفات‬
‫الثانوية ملواجهة التناقض األساسي مع املحُ تل‪ .‬لألسف الشديد‪ ،‬فإن التطورات‬
‫أشرت إلى العكس متام ًا؛ فالتعصب التنظيمي األعمى فاق كل‬ ‫املأساوية األخيرة ّ‬
‫خيال (نـحن على حقّ ‪ ،‬وكل ما عدانا باطل)‪ ،‬وهو األمر الذي سهل حتويل التعارضات‬
‫حتل إال بشطب اآلخر (حتى لو كان‬‫ّ‬ ‫واخلالفات الثانوية إلى تناقضات تناحرية‪ ،‬ال‬

‫‪122‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫اآلخر شقيق ًا أو ابن ًا أو والد ًا) هذه القضية بالغة احلساسية واخلطورة‪ ،‬وهي حتتاج‬
‫إلى جهد مركب وممتد‪ ،‬ولكنه جراحي باتر‪ ،‬ال ب ّد من القيام به بالتوازي مع‪:‬‬
‫املبادرة بشكل حيوي وبتضحية من ِق َبل حركة حماس؛ الستعادة الثقة والتعاون‬
‫مع أبناء حركة فتح‪ ،‬الذين كان لرفضهم املشاركة في االحتراب الداخلي دور‬
‫حاسم في سرعة وقف االحتراب‪ ،‬وعدم حتويله إلى حرب أهلية مدمرة‪.‬‬
‫وضع تصور لتفعيل هياكل السلطة الفلسطينية وإعادة بنائها‪ ،‬بشكل يتناسب‬
‫مع كونها معنية فقط بإدارة شؤون أبناء املناطق التي انكفأ عنها االحتالل‪،‬‬
‫مع األخذ بعني االعتبار واقع استمرار حت ّكم احملتل في الكثير من مفاصلها‪،‬‬
‫األمر الذي يزيد من أهمية اعتماد الدميوقراطية والشفافية‪ ،‬في إدارة شؤون‬
‫املوظفني‪ ،‬والعمل لتكون السلطة القائمة في خدمتهم ال عبئ ًا عليهم‪.‬‬
‫اإلعالن عن برنامج إعادة املؤسسة األمنية على أسس و طنية‪ ،‬بعيدة عن‬
‫االستئثار والتجيير والتعصب التنظيمي‪ ،‬وبناء نظرية أمنية تقوم على أساس‬
‫أن ما حتتاجه‪ ،‬مدن الضفة والقطاع وأريافها واملخيمات‪ ،‬ال يعدو عن تشكيالت‬
‫شرطية‪ ،‬وأمن عام حلفظ األمن والنظام وتطبيق القانون‪ .‬أما الدفاع عن‬
‫املناطق التي انكفأ عنها االحتالل فهو مهمة املقاومة كونها الوحيدة القادرة على‬
‫ذلك (ويكفي أن نذ ّكر بحزيران‪ /‬يونيو ‪ ،1967‬ومتوز‪ /‬يوليو ‪.)2006‬‬
‫العمل بالتعاون مع ممثلي فصائل املقاومة كافة‪ ،‬على تأسيس قيادة موحدة‬
‫ألجنحة املقاومة‪ ،‬من أجل تنسيق العمل وتنظيمه مع أخذ خصوصيات كل‬
‫فصيل بعني االعتبار‪ .‬مع الفصل الواضح بني العمل املقاوم السري جد ًا‬
‫بطبيعته‪ ،‬وكل عمل استعراضي عبثي‪.‬‬
‫العمل اجلا ّد لتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬عبر إعادة بناء هياكلها‬
‫ومؤسساتها‪ ،‬كصيغة جبهوية حتررية مت ّثل الفلسطينيني جميعهم‪ ،‬وتشكل‬
‫تصب فيه كافة الطاقات واإلمكانات‪ .‬وهناك‬ ‫ّ‬ ‫حاضنة ملشروع وطني جامع‬
‫مت التوافق املبدئي حولها (غزة‪ ،‬ودمشق‪ ،‬والقاهرة‪،‬‬ ‫العديد من الصيغ التي ّ‬
‫ومكة)‪ .‬إذ ميكن التأسيس عليها واالنطالق منها‪.‬‬
‫إن املبادرة بقبول املقترحات السابقة (القابلة للتطوير واإلغناء)؛ سيس ّهل تشكيل‬
‫قوة ضغط تعمل على إطالق احلوار‪ ،‬وحتقيق املصاحلة الوطنية‪ ،‬من أجل تشكيل كتلة‬
‫توحد جهود قوى املقاومة‪ ،‬وهيئات املجتمع األهلي‪ ،‬واملثقفني امللتزمني بقضايا‬
‫تاريخية ّ‬
‫شعبهم‪ .‬وتطلق ورشة وطنية شاملة تخدم جتديد املشروع الوطني الفلسطيني‪ ،‬انطالق ًا‬

‫‪123‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫من بناء السلطة الوطنية‪ ،‬وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كجبهة وطنية متّحدة‬
‫على أسس دميوقراطية ثورية‪ ،‬بعيد ًا عن االستئثار والكوتا‪ ،‬والعصبيات التنظيمية‪،‬‬
‫على طريق بناء املجتمع الفلسطيني املقاوم‪ .‬فقدر شعب فلسطني وطريقه اإلجباري‪،‬‬
‫إدامة املقاومة وتطويرها‪ ،‬ليحرر وطنه ويستعيد حقوقه‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ُمع ّقب أول‪:‬‬

‫د‪ .‬محسن صالح‬


‫‪36‬‬

‫أظن أن األستاذين الكرميني قدما ورقتني جيدتني ميكن االستفادة منهما‪ ،‬والبناء‬
‫عليهما للخروج من املأزق الوطني الفلسطيني‪ ،‬إن كان هناك إرادة جادة وفعلية لذلك‪.‬‬
‫كنت أتساءل قبل فترة عندما وقعت بني يدي وثيقة تعود تقريب ًا إلى سنة ‪ ،1920‬أي‬
‫قبل حوالي ‪ 87‬سنة‪ ،‬وثيقة محتواها أن بعض القيادات الفلسطينية ترفع عريضة‬
‫تقول فيها إن هناك في فلسطني سنة ‪ 1920‬نـحو ألف خريج جامعي؛ فإذا كان‬
‫تقديرهم صحيح ًا لعدد اخلريجني اجلامعيني في تلك الفترة‪ ،‬فرمبا تكون هذه واحدة‬
‫من أفضل النسب في العالم كله‪ ،‬بالنسبة لعدد الفلسطينيني في ذلك الوقت‪ .‬وبالكاد‬
‫مع بداية االحتالل البريطاني‪ ،‬تخيلوا أيها الزمالء والزميالت هذا‪ .‬إذن هل لدى‬
‫الفلسطينيني مشكلة ثقافة؟ هل لديهم مشكلة علم وتعلّم؟ لقد كان الشعب الفلسطيني‬
‫شعب ًا متعلم ًا ومثقف ًا منذ وقت طويل‪ .‬ومع الزمن‪ ،‬وطوال السنوات التي تلت ذلك‪،‬‬
‫حافظ الفلسطينيون‪ ،‬حتى في أقسى أوضاعهم وحتت أصعب الظروف وفي أجواء‬
‫التشرد‪ ،‬على كونهم يحملون أفضل نسب التعليم في العالم العربي‪ ،‬بل ضاهوا‬
‫مستويات أوروبية عالية‪ ،‬وهذا على األقل في بعض الدراسات التي تتحدث عن سنوات‬
‫الستينيات والسبعينيات‪ .‬ال توجد إحصائيات في الفترة احلالية‪ ،‬لكن على األقل رمبا‬
‫استطيع أن أ ّدعي أنه ليس لدينا مشكلة في وجود املتعلمني واملثقفني أو أنه يوجد‬
‫لدينا مشكلة في املعلومات‪.‬‬
‫إذن أين املشكلة؟ هل املشكلة هي في التضحية‪ ،‬انظروا إلى تاريخ الشعب الفلسطيني‪،‬‬
‫أول حركة مقاومة أو أول عمل مقاوم‪ ،‬مع احترامي الشديد جلهد فتح الكبير والهائل‬
‫في قيادة العمل الوطني الفلسطيني لسنوات طويلة منذ سنة ‪ ،1965‬لم تكن رصاصته‬
‫األولى سنة ‪ 1965‬بل أول عمل مقاوم كان في سنة ‪ ،1886‬قبل أن تنشأ فتح بـ ‪80‬‬
‫سنة‪ ،‬عندما هاجم الفالحون الذين اغتصبت أراضيهم‪ ،‬في منطقة اخلضيرة‪ ،‬جتمعات‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 36‬مدير عام مركز الزيتونة للدراسات واالستشارات‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫استيطانية يهودية أخذت حقوقهم‪ ،‬وأرادوا أن يستردوها‪ .‬عندما نتكلم عن املقاومة‬


‫جند أن املقاومة والتضحيات أصيلة في شعبنا‪ ،‬فأول حركة فدائية سرية ومقاوِ َمة تعود‬
‫السري احلاج أمني احلسيني‪ ،‬قبل أن‬‫ّ‬ ‫إلى سنة ‪ ،1919‬حركة “الفدائية” كان قائدها‬
‫يكون مفتي ًا لفلسطني‪ ،‬وقبل أن يضع العمامة على رأسه‪ .‬إذن الدماء تسيل‪ ،‬والثورات‬
‫شرد الشعب‪ ،‬وتغتصب األرض‪ ،‬وتُه َّود‪ ،‬وتبنى‬ ‫ِتلْو الثورات‪ ،‬واجلهود ِتلْو اجلهود‪ .‬و ُي ّ‬
‫املستوطنات‪ ،‬ويظن العدو أن األمر قد انتهى وأغلق امللف‪ ،‬وتفتح ملفات التسوية‪ .‬ثم بعد‬
‫ذلك تأتي موجة أخرى تعيده إلى املربع األول‪ ،‬وتبدأ املقاومة من جديد‪ .‬كان هناك موجة‬
‫ما بعد سنة ‪ 1967‬في العصر الذهبي للثورة الفلسطينية‪ ،‬ما بني ‪ ،1970-1967‬وموجة‬
‫االنتفاضة املباركة ما بني ‪ ،1990-1987‬وموجة انتفاضة األقصى‪ ،‬كل مرة ُيعاد العدو‬
‫إلى املربع األول‪ ،‬والشعب الفلسطيني يعود إلى تألقه‪ ،‬ويقدم التضحيات والدماء وكأنه‬
‫بدأ من جديد‪ .‬إذن ليست عندنا مشكلة‪ ،‬أيض ًا‪ ،‬في التضحيات‪ ،‬أين املشكلة؟ إذا لم يكن‬
‫لدينا مشكلة في التعليم‪ ،‬وال في الثقافة‪ ،‬وليست عندنا مشكلة في التضحيات‪ ،‬كما أن‬
‫قدرة هذا الشعب على البذل والعطاء املتجدد والكبير والهائل دون حساب‪.‬‬
‫إذن أين مشكلتنا‪ ،‬يفترض بنا أن نسأل هذه السؤال‪ .‬بعض الكتاب والباحثني‬
‫يقولون رمبا تكون املشكلة في القيادة‪ .‬وكان أحمد الشقيري يقول‪ :‬إن الشعب‬
‫شعب يقود قيادته؛ دائم ًا هو الذي يتقدم على القيادة‪ ،‬هو الذي‬ ‫ٌ‬ ‫الفلسطيني هو‬
‫يفرض عليها واقع ًا على األرض‪ ،‬فتأتي وتلحقه‪ .‬حدث هذا في ثورة ‪ 1936‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬يقدم التضحيات ويفرض عليها واقع ًا جديد ًا؛ فتأتي وتصدر القرارات بناء‬
‫على التوجهات الشعبية التي فرضت نفسها فرض ًا على القيادة‪.‬‬
‫هذا هو تساؤلي في موضوع اخلروج من املأزق‪ ،‬إذا لم نضع أيدينا على اجلروح‪،‬‬
‫نظل نتكلم في البرامج‪ ،‬وأنا أرى أن هناك‬ ‫ونضع أيدينا على مواضع األلم فسوف ّ‬
‫مشكالت حقيقية في املوضوع املتعلق بجدية تطبيق البرامج على األرض؛ ألن األفكار‬
‫كثيرة وموجودة‪ ،‬وألن اإلمكانات والطاقات كثيرة وموجودة‪ ،‬وألن العلم والوعي كبير‬
‫وموجود‪ ،‬وألن االستعداد للتضحية أيض ًا هائل وموجود‪ .‬لكن هناك عجز ًا كبير ًا في‬
‫إرادة إدارة الصراع‪ ،‬وفق منظومة وطنية متكاملة‪ .‬هناك مشكلة أيض ًا في قدرنا على‬
‫فرز حالة شعبية ناضجة‪ ،‬تؤدي إلى إفراز دائم ومتجدد حلالة قيادية وطنية‪ ،‬تستطيع‬
‫أن تقود البرنامج دون أن تتنازل عنه‪ .‬عندنا مشكلة بأن الذي يصعد لألعلى ال ينزل‬
‫لألسفل‪ ،‬هذا يعني أن السلم يصعد لألعلى فقط‪ ،‬أي أنه عندنا مشكلة في تداول‬
‫وتبادل السلطة‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫بالنسبة لألفكار التي تكلم فيها اإلخوة‪ ،‬فأظن أننا دائم ًا نتكلم في أربعة قواسم‬
‫أساسية في موضوع اخلروج من األزمة‪ ،‬وهي؛ أو ًال‪ :‬فكرة احلوار‪ .‬ثاني ًا‪ :‬فكرة‬
‫االلتقاء على القواسم الوطنية املشتركة وعلى البرنامج الوطني املشترك‪ .‬أما الفكرة‬
‫الثالثة‪ :‬فهي إعادة بناء منظمة التحرير‪ ،‬وإعادة بناء املؤسسات الوطنية على أسس‬
‫سليمة وصحيحة‪ .‬والفكرة الرابعة‪ :‬هي قضية القيادة؛ أي الوصول إلى شكل قيادي‬
‫فلسطيني فاعل وناضج‪ ،‬ويقبل موضوع التداول السلمي للسلطة‪ ،‬وفق عقد اجتماعي‬
‫سليم وصحيح‪ .‬أنا أظن أن كل األفكار تتحرك حول هذه النقاط األربع‪ ،‬لكن كل هذا‬
‫الكالم سيبقى في اإلطار العام إذا لم يكن هناك إرادات جادة‪ ،‬ولم تكن هناك جهود‬
‫حقيقية على األرض؛ من املؤسسات ومن املفكرين ومن الفاعلني واملفكرين‪ ،‬وحتى من‬
‫أفراد املنظمات والتنظيمات‪ ،‬بحيث يفرضوا هذا على منظماتهم وتنظيماتهم‪ ،‬ويخرج‬
‫اإلنسان من إطاره التنظيمي الذاتي‪ ،‬أو من مصلحته الذاتية الشخصية‪ ،‬أو من‬
‫حساباته الشخصية الذاتية إلى املشروع الوطني األكبر‪ ،‬الذي يخدم القضايا الكبرى‬
‫للوطن ولألمة‪.‬‬
‫أنا أظن أيض ًا أن هناك مشكلة يجب أن نخرج منها في التعامل مع األزمة‬
‫الوطنية؛ موضوع االحتكار‪ ،‬احتكار الوطنية يجب أن ينتهي‪ ،‬الوطنية ليست حكر ًا‬
‫على أحد‪ ،‬واملوضوع الوطني يجب أن يفتح للجميع وأن يكون التنافس في مقاومة‬
‫ال الشرعية الشعبية ميكن أن تختلف باالنتخابات من فترة إلى أخرى‪،‬‬ ‫احملتل‪ .‬فمث ً‬
‫تعطي أنت الشعبية جلهة مع ّينة في هذه السنة وبعد أربع سنوات ميكن أن تسقط‪،‬‬
‫يجب أن تكون عندك قابلية حقيقية بأنك رمبا تستبدل بغيرك‪ ،‬فالشرعية الشعبية هي‬
‫عملية متغيرة‪ .‬الشرعية النضالية أيض ًا على العني والرأس‪ ،‬كل الفصائل الفلسطينية‬
‫وضحت‪ ،‬ويجب أن ُيحترم نضالها و ُيق ّدر و ُيعطى مكانته‪ ،‬لكن ليس‬
‫ّ‬ ‫ق ّدمت وأعطت‬
‫باسم الشرعية النضالية ميكن أن يت ّم التنازل عن فلسطني أو عن جزء من فلسطني‪.‬‬
‫الشرعية النضالية لها قيمتها في ذاتها‪ ،‬عندما كنت أنت تضحي كان هذا من خالل‬
‫العمل لقضية مقدسة‪ ،‬وهو واجب قبل أن يكون ميزة ألي إنسان؛ فالشرعية النضالية‬
‫ميزة لكنها ال تعطي حق ًا في تقدمي التنازالت‪ .‬الشرعيات التاريخية يجب أن نط ّبق‬
‫عليها املعايير نفسها‪ ،‬ولذلك فسواء كانت شرعيات مؤسسات أم شرعية نضالية أو‬
‫شرعية تاريخية أم شرعية شعبية أم أي شرعية من الشرعيات‪ ،‬فيفترض أن تكون في‬
‫إطار خدمة قضية فلسطني باعتبارها قضية مقدسة‪ ،‬وباعتبارها مشروع حترر وطني‬
‫يجب أن ينتهي بتحرير هذه األرض املقدسة من العدو احملتل‪ .‬وال يجوز أن تستخدم‬

‫‪127‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أي شرعية من تلك الشرعيات ض ّد املشروع ذاته أو لعرقلته أو لتأخيره أو لتعويقه‪.‬‬


‫النقطة التي أيض ًا أريد أن أن ّبه لها أننا ونـحن نذكر موضوع اخلروج من األزمة‬
‫الوطنية الفلسطينية‪ ،‬في كثير من األحيان ما نخلط بني قدراتنا وإمكاناتنا الذاتية في‬
‫موضوع التغيير‪ ،‬وبني العوامل األخرى املفروضة علينا‪ .‬مهما وضعنا برامج ممتازة‪،‬‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬في الداخل الفلسطيني سيبقى الداخل الفلسطيني في سجن‪ ،‬فمهما‬
‫كانت القدرة اإلبداعية للفلسطيني في الضفة والقطاع سوف يبقى هو رهني السجن‬
‫املوضوع فيه؛ فهي عملية مبدعة لكن ضمن سجن‪ ،‬والذي وضع املعايير والشروط‬
‫هو اآلخر‪ ،‬أي العدو‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يجب أن ندرك ونـحن نقوم بعملية اإلصالح مجموعة‬
‫أو منظومة التحديات اخلارجية األخرى‪ ،‬التي يجب أن نضعها في االعتبار‪ ،‬وأن نقلل‬
‫قدر اإلمكان من تأثيرها في قرارنا الذاتي‪ ،‬فالعامل اإلسرائيلي‪ ،‬والعوامل األمريكية‬
‫والغربية السلبية‪ ،‬حتى العوامل العربية في جانبها السلبي‪ ،‬يجب أن يت ّم التعامل معها‬
‫والتنبه لها؛ بحيث ال تكون هي املعطى األساسي الذي يحرك القرار الذاتي‪ .‬ثم بعد‬
‫ذلك نضع في اعتباراتنا كيف ميكن أن نتعامل مع إمكاناتنا الذاتية ونتحاسب عليها‪،‬‬
‫حيث نأتي للعوامل الذاتية ونقول نـحن قصرنا هنا‪ ،‬ويجب أن نعمل كذا هنا‪ ،‬وبإمكاننا‬
‫أن نعمل كذا‪ .‬وعلى ذلك فيجب أن نفصل بني جانبني؛ اجلانب األول‪ :‬إمكاناتنا الذاتية‬
‫وما الذي ميكن أن نبنيه عليها‪ ،‬ثم نرى العوامل اخلارجية وكيف تؤثر علينا‪ ،‬وبالتالي‬
‫نخفف قدر اإلمكان من تأثيرها بحيث نستطيع أن نتجاوزها‪ .‬وشكر ًا‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املداخالت‬

‫سهيل الناطور‪:‬‬
‫سأورد عدد ًا من النقاط السريعة‪ :‬النقطة األولى‪ :‬إنه حتى اآلن‪ ،‬وأن ّوه إلى أنني‬
‫أنظر إلى املوضوع بالوقائع التي على األرض‪ ،‬هناك قطاع غزة‪ ،‬حتكمه سلطة رئيسية‬
‫اسمها حماس‪ ،‬وهناك ضفة حتكمها سلطة أخرى تقول إنها الشرعية‪ ،‬وال أريد أن‬
‫أناقش موضوع القانونية والشرعية‪ ،‬وهناك القدس التي يجري تهويدها‪ ،‬وطرد العرب‬
‫منها وليس فقط قضية البناء فيها‪ .‬إن املشروع الفلسطيني لدولة وطنية مستقلة‪،‬‬
‫أجده اآلن مقسم ًا‪ .‬ونـحن كما قلت ذات مرة كنا نقول إن العوملة تفتت الدول ونـحن‬
‫قبل أن نصبح دولة وصلنا إلى التفتيت‪ .‬إذا كان مشروعنا الوطني هو دولة وعودة‬
‫الجئني‪ ،‬وهذا كما رأيناه في اجللسات الصباحية يحتاج إلى حركة حترر‪ ،‬وإن حركة‬
‫التحرر متثلت لدينا مبنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬وهي بحاجة في الوضع الداخلي‬
‫الفلسطيني‪ ،‬إلى جبهة وطنية موحدة جتمع كل القوى‪ .‬أنا أعتقد أن اإلجراءات التي‬
‫جتري‪ ،‬والكلمات‪ ،‬أحيان ًا‪ ،‬واملواقف واملصطلحات املستخدمة تؤشر إلى شيء ال يبشر‬
‫بخير‪ ،‬دعونا نقول ببعض املرارة الواقعية إن حماس عندما تقول لبلير إنه “ال أحد‬
‫يتجاوزني”‪ ،‬أال تسوق نفسها على أنها مفاوض ال يجب على أحد أن يتجاوزه؟ إذن‬
‫ال يجب أن نبرر ألنفسنا بعض الكلمات والتالعب بها‪ ،‬أنا برأيي يوجد لدينا تعريف‬
‫تعلمناه في املدرسة وهو “إن كل حزب يجب أن يسعى إلى السلطة”‪ ،‬فمكابرة وكذب‬
‫إن ا ّدعينا أن أي حزب ال يسعى إلى السلطة‪ .‬يستخدم احلزب هذه احلجج أو يستخدم‬
‫تلك احلجج‪ ،‬يستخدم هذه الوسائل لذهابه للسلطة وتلك الوسائل‪ ،‬الكالم اجلميل علينا‬
‫أن نضعه جانب ًا‪.‬‬
‫ثمة شيء‪ ،‬نـحن لدينا قدرة فلسطينية محدودة ذات أثر محدد‪ ،‬وكل التجارب‬
‫ترينا أنه يجب التنبه إلى ما كنا نقوله حول العظمة الكبيرة للقضية الفلسطينية‪ ،‬وبأنها‬
‫مركز الشرق األوسط‪ .‬هذا صحيح‪ ،‬ولكن القرار الفلسطيني والقدرة الفلسطينية‬
‫ليسا مركز الشرق األوسط‪ ،‬بل نـحن الفلسطينيني نتلقى التأثيرات العربية ونتلقى‬
‫التأثيرات اإلقليمية ونتلقى التأثيرات الدولية‪ ،‬وندفع الثمن‪ .‬لنأخذ كلمة منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ ،‬والكثير من الذين كانوا يناقشون يقولون‪ ،‬واآلن حماس رمبا تكون‬

‫‪129‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫هي أكثر من يقول‪ ،‬إعادة إصالح وبناء منظمة التحرير الفلسطينية‪ .‬أي منظمة‬
‫حترير فلسطينية؟ أوليس إعادة اإلصالح والبناء قرار ذاتي فلسطيني؟ هل تضاءلت‬
‫منظمة التحرير وأفرغت من مضمونها الفلسطيني لقرار ذاتي فلسطيني حتى اآلن‪،‬‬
‫نصحو على أنه اخلالص؟ ثمة شيء اسمه منظمة التحرير أفرغت بأداء فلسطيني‬
‫وبتأثيرات إقليمية وباتفاق أوسلو وبتأثيرات دولية‪ ،‬ألنه كان يوجد دور ملنظمة التحرير‬
‫الفلسطينية في مرحلة التحرر‪ ،‬وعندما رسم أوسلو رسم لها دور آخر‪ ،‬مثل ما تُشير‬
‫إليه إحدى الكتابات بأن ميزانيتها أصبحت من جملة ميزانية السلطة‪ .‬اآلن عندما‬
‫نقول البديل؛ أنت كيف ستقنعني بأنك تعمل لبديل توحيدي‪ ،‬وإعادة بناء وإنهاض‬
‫مشروع فلسطيني‪ ،‬عندما تقول لي إن ‪ 700‬مليون دوالر دخلوا إلى فلسطني‪ ،‬ولم‬
‫تدخلهم حماس إلى اخلزينة املركزية‪ .‬ثم يقال بعد ذلك‪ ،‬منظمة التحرير الفلسطينية‬
‫نريد أن نـحييها‪ ،‬ومنظمة التحرير الفلسطينية غير موجودة إال بالعنوان األدائي‬
‫للتوقيع‪ .‬وأنت تقول يا أيها الذين تفاوضون ال تذهبوا إلى املفاوضات وتعبروا عني‪.‬‬
‫ماذا تريد حماس؟ هذا هو السؤال اجلوهري‪ ،‬وصلت حماس إلى السلطة‪ ،‬وصارت‬
‫مسؤولة أمام شعبها أن تقدم برنامج ًا واضح ًا‪ ،‬ماذا تريد؟ أي سلطة تريد؟ أي أفق‬
‫للقضية تريد‪ ،‬أال يحقّ لي أن أسأل نفسي وأنا أمام هذا املأزق الوطني للخروج منه‪.‬‬
‫ملاذا تريد حماس أن تتواضع‪ ،‬وهي التي حققت أول نقطة إذ دخلت االنتخابات‪،‬‬
‫وثاني نقطة أخذت غزة‪ ،‬ملاذا تريد أن تقول أريد أن أترك الضفة الغربية لهذا النمط‬
‫من العبث األمني جلماعات فتح وغيرها في السلطة‪ ،‬ملاذا ال تعمل من جديد بالطريقة‬
‫نفسها التي عملت بها في غزة؟ أنا الفلسطيني أال أقلق على مصير الضفة أن يعاد‬
‫اللعب األمني فيه مرة ثانية‪ ،‬ولو بوجود االحتالل ليكون اخلراب أكثر؟ ماذا ُيط ْم ِئن؟‬
‫إذا لم تقدم حماس مشروع ًا تقول فيه أنا هنا مسؤولة عن كذا‪ ،‬ومشروعي كذا‪ ،‬لتقل‬
‫لي كيف؟‪.‬‬
‫مرت صباح ًا‪ ،‬ولنخرج من لغة املجامالت مع بعضنا‬ ‫أنا سأر ّد على مالحظة ّ‬
‫بعض ًا‪ ،‬ولنخرج من لغة التالعب على بعض‪ .‬عندما يقال‪ ،‬وتُذكر بعض األسماء قيادات‬
‫س‪ ،‬ما هذا‬ ‫فتحاوية‪ ،‬أنها ما تزال موجودة في غزة مثل حلس وغيره وأنها لم تمُ ّ‬
‫التالعب؟ هل هذه هي العالقات السياسية التي تضع حدود ًا للمأزق واخلروج منه؟‬
‫ال‪ ،‬كلكم‪ ،‬من فتح إلى‬ ‫ملاذا ال ننظر لألمر بالوجه اآلخر؟ يا أيها الذين حكمتم غزة قب ً‬
‫حماس وغيره‪ ،‬لقد نزعتم كل جذور الوطنية الفلسطينية العامة وتراجع الوضع إلى‬
‫العائلية والتخلف الرجعي‪ ،‬وإلى األسرية والعشائرية إلى درجة أنكم لم تستطيعوا أن‬

‫‪130‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تتجاوزوا بعض الرموز الفتحاوية؛ خوف ًا من أن هذه العشائر التي أنتم سلحتموها‪،‬‬
‫يوجد لها في املقابل عشائر أخرى سلحتها فتح‪ ،‬واآلن األمر يع ّد توازن ًا عشائري ًا أكثر‬
‫منه توازن ًا وطني ًا‪ .‬ملاذا ال نعترف أن هذه هي املشكالت الكبرى‪.‬‬
‫أنا أقول هذه الكلمات ألنه في املقابل لدينا الضفة‪ .‬إلغاء املشروع الوطني‬
‫الفلسطيني يت ّم بقضيتني‪ ،‬حتى اآلن ألنه ال توجد بدائل‪ ،‬إلغاء مشروع إقامة الدولة ال‬
‫يوجد بديل اسمه دولة دميوقراطية موحدة في “إسرائيل”‪ ،‬هذا غير صحيح‪ ،‬وال حتى‬
‫جدار الفصل العنصري‪ ،‬نـحن ما نزال في أول خطوة انشقاقية فلسطينية ما بني‬
‫الشقني‪ ،‬وصعوبتها تكمن في وجود جغرافيا تفصلها‪ ،‬أي أننا نـحن في فلسطني مهما‬
‫فعلنا بالضفة الغربية وغزة لسنا قادرين أن نوصلهم ببعض‪ .‬إذن‪ ،‬إذا كنا غير قادرين‬
‫على إعادة هذه اللحمة‪ ،‬فحتى نستكمل التحرير ستكون الصراعات الفلسطينية ‪-‬‬
‫الفلسطينية هي العنوان لألفق املستقبلي أمامنا‪ ،‬ويا ويلنا إذا لم نطرح هذا السؤال‬
‫على أنفسنا في كثير من القضايا‪ ،‬وشكر ًا‪.‬‬

‫صقر أبو فخر‪:‬‬


‫في احلقيقة سأطرح نوع ًا من االستفسار من األخ وليد محمد علي‪ ،‬ففي ورقته أنا‬
‫أوافقه مائة باملائة على النقاط اخلمس اإلجرائية‪ ،‬وحبذا لو أنه لم يذكر وقف التصرف‬
‫في املمتلكات وتسليمها إلى هيئة وطنية متفق عليها‪ ،‬فطاملا ستُلغي كل ما جرى من‬
‫تصرفات‪ ،‬فيجب أن تسلم املمتلكات إلى أصحابها في إطار توافق وطني‪ ،‬ولكن هذه‬
‫مالحظة عابرة‪ .‬املالحظة األصلية‪ :‬أنت تتحدث عن إقامة دولة فلسطينية على األراضي‬
‫احملتلة سنة ‪ 1967‬عاصمتها القدس وعودة الالجئني‪ ،‬طبع ًا هذه هي األهداف املرحلية‬
‫سطر‬
‫ٍ‬ ‫حل الدولة الفلسطينية املستقلة‪ ،‬أي ّ‬
‫حل الدولتني‪ .‬وبعد‬ ‫للشعب الفلسطيني‪ ،‬أي ّ‬
‫واحد مباشرة‪ ،‬تطرح فكرة دولة فلسطني الواحدة‪ ،‬وهنا وقعنا في حيرة‪ ،‬فإما فكرة‬
‫حل الدولتني‪ ،‬وبحسب ما أعرف‪ ،‬فإن فكرة الدولة‬ ‫فلسطني الدولة الواحدة‪ ،‬أو فكرة ّ‬
‫الواحدة الذي طرحها هو األخ خالد احلسن في بداية التسعينيات‪ ،‬أي منذ حوالي‬
‫حل الدولتني غير ممكن‪ ،‬ألنه ال‬‫‪ 15‬عام ًا‪ ،‬وهي قامت على أساس محدد‪ ،‬وهو أن ّ‬
‫اإلسرائيلي مستعد أن يتخلى عن االستيطان‪ ،‬وال الفلسطيني مستعد أن يتخلى عن‬
‫حقّ العودة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ال يوجد قائد فلسطيني يستطيع أن يتخلى عن حقّ العودة‪ ،‬وال‬
‫وحلل هذه املعضلة طرح‬ ‫ّ‬ ‫يوجد قائد إسرائيلي يستطيع أن يتخلى عن االستيطان‪.‬‬
‫خالد احلسن فكرة الدولة الواحدة‪ ،‬يبقى االستيطان في مكانه‪ ،‬ويحقّ لليهودي في‬

‫‪131‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الدولة الواحدة أن يسكن أينما شاء‪ ،‬حتى في القدس أو على حدود األردن‪ ،‬وأيض ًا‬
‫يت ّم تطبيق حقّ العودة للفلسطينيني‪ ،‬ويعود الفلسطيني إلى دولته ويسكن أينما شاء‪،‬‬
‫حتى ولو في تل أبيب‪ ،‬وهو على أي حال اقتراح غير ممكن‪ .‬طاملا أن ّ‬
‫حل الدولتني‬
‫حل الدولة الواحدة هو نوع من التمرين الذهني‪ ،‬مثل الدولة الثنائية‬‫غير ممكن‪ ،‬فإن ّ‬
‫القومية‪ ،‬التي طرحها األستاذ عزمي بشارة‪ ،‬وغير ذلك غير ممكن‪ ،‬إال إذا كنت تقصد‬
‫ّ‬
‫بحل الدولة الواحدة أمر ًا آخر‪ ،‬عند ذلك فإنه يتوجب عليك أن تغير املصطلح حتى ال‬
‫يلتبس املعنى وشكر ًا‪.‬‬

‫عاطف اجلوالني‪:‬‬
‫ال خالف على أن اخلروج من املأزق احلالي الراهن‪ ،‬على األقل‪ ،‬هو باحلوار؛‬
‫فالكل يتحدث عن احلوار‪ ،‬ولكن يبرز تساؤالن ما هي املعوقات التي تقف في وجه‬
‫هذا احلوار؟ وإذا حصل‪ ،‬ما هي الضمانات املوجودة ألن يختلف عن احلوارات‬
‫السابقة‪ ،‬وأن يكتب ألي اتفاق قادم النجاح واالستمرارية ض ّد املعوقات‪ ،‬وال يكون‬
‫مصيره كمصير احلوارات واالتفاقات السابقة؟ في ظني أن هناك ثالثة معوقات‬
‫أساسية تعيق احلوار بني األطراف الفلسطينية‪ ،‬وبالتحديد بني فتح وحماس‪ ،‬وحني‬
‫نتحدث عن فتح وحماس‪ ،‬فهو ليس من قبيل إلغاء األطراف األخرى‪ ،‬ولكن هناك‬
‫أمر واقع‪ ،‬قائم وموجود‪ ،‬إذا لم يحصل التوافق بني هذين الطرفني‪ ،‬من الصعب‬
‫أن يكون هناك حالة توافق فلسطيني‪ .‬املعوق األول‪ :‬هو معوق نفسي‪ ،‬يتعلق بنتيجة‬
‫احلسم الذي حصل في غزة‪ ،‬فمن الواضح أن هناك طرف ًا يشعر أنه تعرض إلى‬
‫ظل هذه الصدمة التي حصلت أن يقبل‬ ‫هزمية عسكرية‪ ،‬كان من الصعب عليه في ّ‬
‫أن يعود إلى طاولة احلوار‪ ،‬وهذه املسألة الزمن كفيل بحلها‪ ،‬ورمبا يكون هذا أسهل‬
‫املعوقات‪ .‬املعوق الثاني‪ :‬يتعلق باجلانب األمريكي أو اإلسرائيلي وكال الطرفني‬
‫يرفضان ويضعان الشروط‪ ،‬حتى بوادر حسن النية احملدودة التي قدمت في قمة‬
‫شرم الشيخ من قبل اجلانب اإلسرائيلي‪ ،‬كانت مشروطة بأن ال يكون هناك توافق‬
‫ال‪ .‬املعوق الثالث‪ :‬وهو كذلك معوق‬‫فلسطيني ‪ -‬فلسطيني بني حماس وفتح مستقب ً‬
‫مهم يتعلق مبوازين القوى اجلديدة التي نشأت بعد احلسم في غزة‪ ،‬في الساحة‬
‫الفلسطينية هناك ميزان قوى مختلف عن السابق‪ ،‬وأظن أن الرئاسة وحركة فتح ال‬
‫يحبذان في هذا الوقت حوار ًا في إطار موازين قوى‪ ،‬لم تعد تعمل لصاحلهم‪ ،‬ورمبا‬
‫يكون هذا املعوق الضمانة أو ما يدفع إلى التفاؤل بأن أي حوار جديد‪ ،‬رمبا يكون‬

‫‪132‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مختلف ًا عما سبق‪ .‬ميزان القوى اجلديد هو مع ّوق وعامل جناح في الوقت نفسه‪.‬‬
‫وفي تقديري إن أي حوار جديد بني الطرفني سيقوم على قواعد جديدة‪ ،‬حيث سيقوم‬
‫على الن ّدية‪ ،‬وعلى قناعة كل طرف بعدم قدرته على التفرد وإلغاء اآلخر‪ ،‬وبالتالي‪،‬‬
‫في ظني‪ ،‬إذا حصل أي حوار وتوافق جديد‪ ،‬رمبا يكتب له النجاح واالستمرارية‬
‫لفترة أطول مما مضى‪.‬‬
‫حركة فتح أعتقد أن عليها أن تتنبه إلى مسألة في غاية اخلطورة‪ ،‬قبل احلسم‪،‬‬
‫أنا تابعت نتائج االنتخابات في اجلامعات الثالثة الكبرى في الضفة الغربية‪ ،‬بير زيت‪،‬‬
‫والنجاح‪ ،‬واخلليل‪ ،‬وبعد سنة وثالثة شهور من احلصار الذي أريد أن تتحمل حركة‬
‫حماس مسؤوليته‪ ،‬كانت حماس في الترتيب األول‪ ،‬أي أنها تقدمت في اجلامعات‬
‫الثالثة‪ ،‬مبعنى أن الشعب الفلسطيني لم يح ِّمل حماس وحكومتها مسؤولية احلصار‬
‫والوضع االقتصادي الضاغط والصعب‪ ،‬وإمنا كان يدرك أن هناك مخطط ومؤامرة‬
‫إلسقاط حكومة حماس‪ .‬وبالتالي‪ ،‬حني ُع ِّبر في صناديق االقتراع‪ ،‬وأعتقد أن الطبقة‬
‫واع عن توجهات الشارع الفلسطيني‪ ،‬وهذا يجب أن يكون مبثابة‬ ‫الطالبية تعبر بشكل ٍ‬
‫جرس إنذار‪ ،‬بأن ما حدث لم يحقق ما كان مرجو ًا منه‪ .‬اآلن نالحظ عملية تبني من‬
‫قبل اجلانب األمريكي واإلسرائيلي لعباس‪ ،‬وباحملصلة حلركة فتح‪ ،‬وهذا تبني في‬
‫ظني نتائجه لن تكون في صاحلهم‪ ،‬املبالغة في التبني‪ ،‬واملبالغة بالدعم سيضع احلركة‬
‫في موقف ال تريده‪.‬‬
‫كيف سنصل إلى احلوار‪ ،‬هذه مهمة صعبة لكن بالنسبة حلركة حماس؛ فهي‬
‫مطالبة باإلصرار ليس فقط على قبول احلوار بل إلى السعي نـحو احلوار‪ ،‬يحاول‬
‫البعض تصوير هذا احلرص على أنه حالة ضعف‪ ،‬وهذا ليس صحيح ًا‪ ،‬ورغم هذه‬
‫اإلشكالية‪ ،‬أعتقد أنها مطالبة بالتوجه نـحو احلوار‪ .‬أما حركة فتح‪ ،‬فال أعول عليها‪،‬‬
‫لألسف‪ ،‬فهي اجلانب الذي ما زال خاضع ًا للعامل النفسي وللضغوط اخلارجية‪ ،‬وإمنا‬
‫أعتقد أن األغلبية الصامتة في حركة فتح مطالبة بأن تخرج عن صمتها‪ ،‬وأن يكون‬
‫لها رأي باجتاه أن يكون هناك حوار‪ .‬بالنسبة للفصائل واملثقفني ما زال املوقف في‬
‫خانة السلبية واحلياد السلبي‪ ،‬وال أعتقد أن هناك حياد إيجابي في هذا املوضوع‪،‬‬
‫املطلوب أن تضغط هذه األطراف باجتاه احلوار‪ ،‬وليس تأييد ًا لطرف على حساب‬
‫ظل وجود ضغوط أمريكية أن حتدث نوع ًا‬ ‫آخر‪ .‬الدول العربية مطلوب منها أيض ًا في ّ‬
‫من التوازن؛ من خالل ضغط عربي رسمي للضغط على األطراف الفلسطينية‪ ،‬وإال‬
‫فإننا سنكون في مأزق حقيقي‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫علي بركة‪:‬‬
‫ما ورد في املداخلة بخصوص العودة إلى االتفاقيات‪ ،‬املشكلة ليست في االتفاقات‪،‬‬
‫وال في التفاهمات الفلسطينية؛ فقد حصلت تفاهمات سابقة‪ ،‬من اتفاق القاهرة إلى‬
‫وثيقة الوفاق الوطني إلى اتفاق مكة‪ ،‬املشكلة هي في عدم التنفيذ وعدم االلتزام‪ .‬السؤال‬
‫نشخص من هو املسؤول عن عدم تنفيذ هذه االتفاقيات‪ ،‬خصوص ًا البند‬ ‫ّ‬ ‫هنا يجب أن‬
‫مت االلتزام بالتهدئة وتركت‬ ‫الذي ُي ّ‬
‫عطل دائم ًا‪ ،‬وهو بند املنظمة‪ .‬ففي اتفاق القاهرة‪ّ ،‬‬
‫املنظمة‪ ،‬وفي اتفاق مكة وصلنا إلى احلكومة‪ ،‬وتركت املنظمة‪ .‬واضح أن هناك جهات‬
‫ال قرار‬ ‫ال تريد إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية‪ .‬السؤال هنا هل يوجد فع ً‬
‫مستقل لدى رئاسة السلطة وقيادة فتح في مللمة الوضع‪ ،‬واحلفاظ على وحدة الشعب‬
‫الفلسطيني‪ ،‬وعلى وحدة العمل الفلسطيني املشترك‪ .‬أم أصبح قرار فتح مرتهن ًا بيد‬
‫اإلدارة األمريكية وبيد “إسرائيل”؟ احلل اليوم ال يكون فقط باحلوار والتوصل إلى‬
‫احلل يبدأ من داخل حركة فتح‪ ،‬وباعتبار أن حركة فتح متسك بزمام‬ ‫ّ‬ ‫اتفاقات جديدة‪،‬‬
‫رئاسة السلطة ورئاسة منظمة التحرير‪ .‬يجب أن تتحرر فتح من فريق التسوية الذي‬
‫يأسرها اآلن‪ ،‬وإال فإن احلديث عن آفاق للحوار بني فتح وحماس أو بني الفصائل‬
‫مت التوصل‬ ‫كافة؛ للخروج من املأزق‪ ،‬لن يكون أفضل من التفاهمات واالتفاقيات التي ّ‬
‫إليها؛ ألن األزمة أزمة سياسية بامتياز‪ .‬هناك انقسام في الساحة الفلسطينية؛ فهناك‬
‫فريق تسوية‪ ،‬وهناك فريق مقاومة‪ ،‬وال ب ّد أن يسود فريق على فريق في النهاية‪ ،‬حتى‬
‫يقود املشروع الوطني الفلسطيني‪ ،‬وأنا آمل أن يأخذ الشعب الفلسطيني قراره‪ ،‬وأن‬
‫يسود مشروع املقاومة‪ ،‬وأن يقود املشروع الوطني الفلسطيني‪ ،‬ويحقق األهداف‬
‫الفلسطينية املتمثلة بالتحرير والعودة‪.‬‬

‫محمود حيدر‪:‬‬
‫أحب أن أغادر التفاصيل وأتكلم باملفاهيم واملفاتيح‪ ،‬التي ميكن من خاللها اإلضاءة‬
‫ّ‬
‫على اخلريطة اإلجمالية الالزمة‪ ،‬نـحن اآلن بصدد املأزق الوطني الفلسطيني‪ .‬إذا‬
‫كان لي أن أرسم صورة إجمالية لهذه الندوة املطولة‪ ،‬فستكون النتيجة أننا و ّثقنا‬
‫التجربة‪ ،‬مبعنى أننا قطعنا النصف األول من مهمة هذه الندوة‪ ،‬وبقي النصف الثاني‪،‬‬
‫رمبا إلى أجل غير مسمى غير قابل للتوصيف والتحليل‪ ،‬وأحتدث هنا عن آفاق‬
‫اخلروج من املأزق‪ ،‬رمبا السبب في ذلك أن الدكتور محسن صالح طرح مجموعة‬
‫من التساؤالت تأخذ الطابع الرومانسي‪ ،‬إال أنها في عمقها وفي جوهرها تالمس‬

‫‪134‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫احلقائق الواقعية والتاريخية للتجربة الفلسطينية املديدة‪ .‬دائم ًا نبدأ من البديهيات‬


‫وعندما نبدأ بالتفاصيل ننسى البديهيات‪ ،‬كما وكأننا في وعاء مثقوب‪ ،‬هناك بديهيات‬
‫نتحدث عنها دائم ًا؛ إن “إسرائيل” هي صنيعة استعمارية‪ ،‬وإنها ظاهرة استثنائية‬
‫في القرن العشرين‪ ،‬وإنها بنت احلداثة الغربية‪ ،‬وهي التجلي األعظم للحداثة في بالد‬
‫العرب واملسلمني‪ ،‬وعندما نناقش حدث ًا مثل هذا احلدث الذي نعيشه اليوم‪ ،‬نستغرق‬
‫أفصل ما أردت تفصيله في‬ ‫في التفاصيل‪ ،‬وال نرى البديهيات‪ ،‬وأنا لم أستطع أن ّ‬
‫تعقيبي‪ ،‬من أن احلدث الفلسطيني إذا ُطرِ ح مبعزل عما حوله فقراءته قراءة باطلة‪.‬‬
‫إذا كنا عقالنيني وواقعيني يجب أن ننظر إلى اخلريطة من داخلها ومن خارجها‪ ،‬ال‬
‫شك أن كل املخارج التفصيلية التي طرحت جيدة‪ ،‬ولكنها أقرب إلى العظات منها إلى‬ ‫ّ‬
‫إيجاد املخرج احلقيقي الواقعي واملتالئم مع احمليط اجلغرافي السياسي‪ ،‬أو احمليط‬
‫اإلقليمي والدولي‪.‬‬
‫أتصور أن هناك قضاء وقدر ًا يعيشه الشعب الفلسطيني منذ النكبة الثانية‪،‬‬
‫هذا القضاء والقدر يبدو أنه ينبغي أن ينطلق من التكيف مع هذا الوضع‪ ،‬ألن‬
‫صعود املشروع الوطني الفلسطيني متالزم منطقي ًا وجوهري ًا مع هبوط املشروع‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬واستطراد ًا مع هبوط املشروع االستعماري في املنطقة‪ .‬هذا أمر‬
‫ال ميكن الفكاك منه على اإلطالق‪ .‬وإذا أدركنا هذه احلقائق‪ ،‬نستطيع أن منسك‬
‫باخليوط ونتعامل بكثير من الواقعية مع هذه العواصف التي تعيشها القضية‬
‫الوطنية الفلسطينية‪ ،‬كما لم تعشها أي قضية سياسية في العصر احلديث‪ .‬لنغادر‬
‫ّ‬
‫حتل بفترة قصيرة جد ًا‪ ،‬رمبا باشتباك إيجابي‬ ‫التفاصيل؛ ألن التفاصيل ميكن أن‬
‫إقليمي أو دولي ّ‬
‫حتل هذه املسائل بشكل آلي عملي ًا‪ ،‬ويتحقق وفاق قد يظن أنه جاء‬
‫عن طريق الصدفة‪ ،‬ولكن شبكة العالقات الدولية واإلقليمية املستحكمة في هذه‬
‫ّ‬
‫اخلط السياسي العام لالجتاه الفلسطيني املقبل‪ ،‬وما على‬ ‫املنطقة هي التي ستقرر‬
‫القيادات الفلسطينية إال أن تتجنب احلرب األهلية‪.‬‬

‫أسامة حمدان‪:‬‬
‫تعليق ًا على مسألة اإلعالم‪ :‬هناك من شطب فلسطني كلها‪ ،‬ذهب إلى أوسلو ووقع‬
‫بالتنازل عن ‪ % 77‬من فلسطني‪ ،‬ذهب إلى جنيف وتنازل عن حقّ العودة‪ ،‬ذهب مع‬
‫بيلني وتنازل عن ثالثة أرباع القدس‪ ،‬وأخذ يفاوض‪“ ،‬السطح لنا أم القبو؟” ثم يأتي‬
‫املقرات‪ ،‬فيمأل الدنيا ضجيج ًا بدعوى أنهم أنزلوا رمز‬
‫عندما ينزل علم فلسطني عن أحد ّ‬

‫‪135‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫السيادة الفلسطينية‪ ،‬ولكن هل أبقيت أنت شيئ ًا اسمه سيادة؟‪.‬‬


‫ملاذا أتكلم عن هذا اجلانب؟ موقف حماس الذي أعلنته رسمي ًا هو أنها ض ّد إنزال‬
‫العلم الفلسطيني‪ ،‬ولكنني أتكلم بهذه الطريقة‪ ،‬ألن الناس أحيان ًا ال ترى من اجلمل‬
‫إال أذنه‪ ،‬وتختفي حقائق كثيرة‪ ،‬من ضمنها ما يجري اليوم على أرض فلسطني‪ .‬نـحن‬
‫نتكلم عن إعادة بناء منظمة التحرير‪ ،‬نعم‪ ،‬نـحن عندنا إطار لبناء املؤسسة‪ ،‬وليس‬
‫لتفعيلها‪ .‬فما معنى أن ال يجتمع املجلس الوطني الفلسطيني منذ سنة ‪ 1991‬وحتى‬
‫سنة ‪ 2007‬إال مرة واحدة سنة ‪1996‬؛ وكانت إللغاء امليثاق الوطني الفلسطيني‬
‫أو إلغاء أهم بنود فيه؟ ما معنى أن ال يستدعى املجلس املركزي إال عندما نريد‬
‫تطبيق قرار ال ميكن متريره من خالل مؤسسة السلطة الوطنية الفلسطينية واملجلس‬
‫التشريعي‪ ،‬وهي املؤسسة التي أقمنا الدنيا ولم نقعدها من أجلها؟ ما معنى مصطلح‬
‫القيادة الفلسطينية الذي سوقه لنا أبو عمار؟ جلنة تنفيذية‪ ،‬واألمناء العامني في‬
‫الفصائل‪ ،‬وأعضاء اللجنة املركزية حلركة فتح‪ ،‬والوزراء في أي حكومة‪ ،‬ورؤساء الكتل‬
‫النيابية‪ ،‬ثم يقول هذه هي القيادة الفلسطينية‪ ،‬ثم ال نعرف من ص ّوت ومن تكلم ومن‬
‫لب األزمة‪ ،‬أبو عمار كان ممسك ًا بكل اخليوط‪ ،‬اغتيل أبو عمار‪،‬‬‫اتخذ القرار‪ .‬هذا هو ّ‬
‫جاء من بعده من ال يستطيع اإلمساك باخليوط‪ ،‬من ال يعرف ثالثة أرباع اخليوط‪،‬‬
‫ويريد أن ميارس املمارسة ذاتها التي مارسها أبو عمار‪.‬‬
‫بصراحة ووضوح‪ ،‬هذا األمر غير ممكن بعد اليوم‪ .‬وأريد أن أكون أكثر صراحة‪،‬‬
‫فأقول‪ :‬إذا لم يحصل اتفاق‪ ،‬فأنا أقول لكم إن أبا مازن سيكون آخر رئيس للسلطة‬
‫الفلسطينية باملطلق‪ ،‬وآخر رئيس ملنظمة التحرير من حركة فتح‪ ،‬إن بقيت منظمة‬
‫نشخص الذي جرى حقيقة‪ ،‬وهذا ليس هروب ًا مما جرى‬ ‫ّ‬ ‫التحرير‪ .‬إذن‪ ،‬املسألة في أن‬
‫في غزة‪ ،‬وال محاولة للتغطية على بعض األخطاء التي وقعت‪ ،‬وقد كان عندنا جرأة‬
‫نقر بأي خطأ وقع‪ ،‬وليس عندنا مانع أن نفتح صفحتنا للمحاسبة‪ ،‬لكن‬ ‫أدبية في أن ّ‬
‫الذي يريد أن يحاسبنا نقول له‪ ،‬فلتفتح كل الدفاتر ولنحاسب بعضنا‪.‬‬
‫ال هناك أفق للخروج من األزمة؟ أعتقد أن األفق املتاح هو أن يفشل فع ً‬
‫ال‬ ‫هل فع ً‬
‫الرهان الذي يحمله فريق أبي مازن على “إسرائيل” وأمريكا؛ إلخراجهم من املأزق‬
‫الذي وجدوا أنفسهم فيه منذ سنة ‪ ،2004‬بعد استشهاد أبي عمار وحتى اآلن‪ .‬حتى‬
‫اآلن يظنون أن أمريكا قادرة على فعل ذلك‪ ،‬أو أن “إسرائيل” ميكن أن تعطي ذلك‪ .‬لكن‬
‫راقبوا املشهد‪ ،‬كيف ميكن للشعب الفلسطيني أن يرى أبا مازن وفريقه عندما يقرر‬
‫الكوجنرس ميزانيات فقط ألبي مازن وأجهزته األمنية؟ وعندما يكون املهنئ ومانح‬

‫‪136‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املنظر آللية إعادة هيكلة فتح هو‬ ‫ِّ‬ ‫الشرعية الوحيد هو رايس وبوش‪ ،‬وعندما يكون‬
‫دنيس روس‪ ،‬وليس أي قيادي في فتح‪ ،‬وال رئيس مجلس وطني أو تشريعي فلسطيني‪.‬‬
‫هل ميكن بعد ذلك كله أن يقال إن أبا مازن وفريقه هم فريق يقود الشعب الفلسطيني‪،‬‬
‫وأنهم يشكلون فريق ًا قراره مستقل؟ ال أعتقد ذلك‪ .‬ولذلك فإن اخلروج من األزمة يكون‬
‫بأن يدرك هذا الفريق أن الذي مينحه الشرعية هو الشعب الفلسطيني‪ ،‬وأن الذي‬
‫ميكن أن يراهن عليه هو الشعب الفلسطيني‪ ،‬وأن أي خيار آخر وأي رهان آخر هو‬
‫رهان فاشل‪ .‬عندها سينفتح األفق للخروج من املأزق‪ .‬ودون ذلك أعتقد أننا سنستمر‬
‫لفترة ما في األزمة‪ .‬نـحن بحاجة للتسليم بأن هناك تغير ًا فعلي ًا في الواقع الفلسطيني‪،‬‬
‫وهذا ليس عيب ًا‪ ،‬وليس خط ًأ‪ ،‬ألن التغير سيفرض نفسه في النهاية‪ .‬وأرجو أن ال يفهم‬
‫هذا على أنه نوع من التهديد‪ ،‬هذا واقع‪ ،‬هذا التغيير الطبيعي سيفرض نفسه‪ ،‬وخير‬
‫لنا أن نتفاهم على آليات ترتيب وضعنا‪ ،‬بدل أن نتعسف في استخدام هذه اآلليات‪،‬‬
‫ويجد فريق نفسه خارج املعادلة الوطنية بشكل كامل‪.‬‬
‫في موضوع الدعوة إلى احلوار‪ ،‬أنا ال أحتدث عن حوار على طريقة احلوارات‬
‫التي كانت تت ّم سابق ًا‪ .‬نـحن نتحدث عن حوار استراتيجي معمق يحدد ما هو الهدف‬
‫الوطني الفلسطيني العام‪ ،‬وليس البرنامج السياسي املرحلي‪ ،‬وكيف نبني النظام‬
‫السياسي الفلسطيني كله‪ ،‬وكيف ميكن مأل هذا النظام وتشكيله‪ ،‬وعند ذلك نستطيع‬
‫أن نقول إننا خطونا خطوات باالجتاه الصحيح‪ .‬ما قيمة النظام السياسي؟ إن النظام‬
‫هو الذي يحدد املسار والبرنامج واخليارات السياسية‪ ،‬وهو وحده يؤكد جدية العمل‬
‫دون البحث عن ضمانات خارجية‪.‬‬
‫أخير ًا‪ ،‬عندما نقول في حماس ال أحد ميكنه أن يتجاوزنا‪ ،‬فهذا ألنه كانت هناك‬
‫محاوالت لتجاوز الشعب الفلسطيني كله منذ أوسلو‪ .‬هذا ليس تكبر ًا على شعبنا‪ ،‬وال‬
‫على أهلنا‪ ،‬ألننا أيض ًا ال نرفض نقد ًا يوجه إلينا‪ .‬ما الذي تريده حماس؟ أرجو أن‬
‫يكون جوابي قد أصبح واضح ًا‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تعقيبات مقدمي أ‬
‫الوراق‬

‫جواد احلمد‪:‬‬
‫ال ّ‬
‫شك أن بناء الدولة الفلسطينية في بدايتها كان بناء لكيانية فلسطينية أولية‪،‬‬
‫تصل إلى إقامة دولة مستقلة‪ ،‬نواة كما كان يحلم ياسر عرفات رحمه اللّه‪ ،‬كان هذا‬
‫هو املشروع األساسي لها‪ ،‬ولذلك كان وضع منظمة التحرير صاحل ًا للسلطة على‬
‫قاعدة أن الدولة قادمة‪ .‬في موضوع إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ال أرى‬
‫هناك نية لدى حركة فتح واملجلس التنفيذي واملجلس الثوري بأن تعيد بناء منظمة‬
‫التحرير من جديد على أي أسس‪ ،‬بل ستظل “هي كما هي”‪ ،‬كما قال أبو مازن‬
‫مؤخر ًا‪ ،‬وكما كان يقول دائم ًا‪ .‬ولذلك يجب البحث بطريقة أخرى في املوضوع‪،‬‬
‫ّ‬
‫احلل على مشجب إعادة بناء املنظمة‪ ،‬الذي لن يت ّم‬ ‫وال تعلقوا كل القصة‪ ،‬وكل‬
‫ال اليوم وال غد ًا‪ ،‬ألن القرار بذلك ليس فلسطيني ًا وال فتحاوي ًا‪ .‬أما في موضوع‬
‫احلل الفلسطيني وارتباطاته اخلارجية‪ ،‬فإن التفكير املنهجي يقول؛ في التحليل‬ ‫ّ‬
‫السياسي نلجأ إلى معطيات ووقائع‪ ،‬وال نـحلم وال نتخيل وال نشكك وال نلجأ إلى‬
‫امليتافيزيقيا؛ فنفرضها على الواقع بشكل غير منهجي‪ .‬ليس كل ما يحدث في‬
‫الساحة الفلسطينية‪ ،‬وراءه الناس من اخلارج‪ ،‬هناك أحداث فلسطينية ‪ -‬فلسطينية‬
‫وهناك أحداث مرتبطة باآلخرين‪.‬‬

‫وليد محمد علي‪:‬‬


‫سوف أر ّكز على موضوع الدولة الفلسطينية‪ ،‬أقول إن هذا برنامج مرحلي للعمل‬
‫السياسي‪ ،‬ولكن مع اجلدار واملستوطنات ومع املشروع الصهيوني؛ فالدولة‬
‫الفلسطينية غير ممكنة إال بهزمية املشروع الصهيوني‪ .‬إن طرح مشروع الدولة‬
‫الواحدة هدفه متعلق بإطار إدارة املعركة‪ ،‬في إطار مشروع مقاوم يحتاج إلى‬
‫معسكر أصدقاء على املستوى الدولي‪ ،‬من ِق َبل أولئك املعادين للعنصرية وللعوملة‬
‫األمريكية‪ ،‬بحاجة إلى معسكر يدعم توجهي ويحتضن مشروعي‪ .‬وهذا األمر ينسجم‬
‫متام ًا مع عقيدتنا وحضارتنا ولم يكن يوم ًا لنا مشكلة مع اليهود في فلسطني أو‬

‫‪138‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫غير فلسطني قبل املشروع العنصر الصهيوني‪ ،‬مشكلتنا هي مع هذا املشروع‪،‬‬


‫ونـحن ال نخترع هذا؛ فهذا أمر أصيل كان في دولتنا عبر مئات السنني‪ .‬طرح هذا‬
‫ال االصطفاف وبناء جبهة عاملية‪ ،‬حيث تبلور جزء منها اآلن‪ ،‬تكون‬ ‫األمر يستدعي فع ً‬
‫مناهضة للعنصرية وللعوملة األمريكية‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪140‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫اجلزء الثاين‬

‫قراءات نقدية يف جتربة حما�س وحكومتها‬


‫‪2007-2006‬‬

‫‪141‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪142‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫متهيد‬

‫حما�س من املعار�ضة �إىل ال�سلطة‪:‬‬


‫الجابة‬ ‫أ��سئلة بر�سم إ‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫منذ أن ظهرت حركة حماس في كانون األول‪ /‬ديسمبر ‪ 1987‬وهي تقوم بفعالياتها‬
‫النضالية والسياسية‪ ،‬دون أن تشارك في ُأطر القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫غير أن مشاركتها في االنتخابات التشريعية في كانون الثاني‪ /‬يناير ‪ ،2006‬وفوزها‬
‫فيها بأغلبية كبيرة‪ ،‬وتشكيلها للحكومة الفلسطينية‪ ،‬جعلها شريك ًا في إدارة السلطة‬
‫الفلسطينية‪ .‬وقد تطلب وجودها في املوقع اجلديد أن تتخذ سلسلة من اإلجراءات‬
‫واملواقف التي تستحق الرصد والتحليل في ضوء أيديولوجية احلركة وفكرها‪ ،‬وفي‬
‫ضوء برنامجها لإلصالح والتغيير‪ ،‬الذي فازت في االنتخابات على أساسه‪.‬‬
‫تكمن أهمية هذه الدراسات في أنها حتاول أن ترصد حالة التغ ّير التي حتدث مع‬
‫األحزاب واالجتاهات (وحتديد ًا حركات املقاومة) عندما تنتقل من املعارضة إلى السلطة‪.‬‬
‫كما حتاول أن ترصد احلالة اخلاصة التي وجدت حماس فيها نفسها‪ ،‬من حيث العمل في‬
‫إدارة سلطة حتت االحتالل وفي أجواء احلصار‪ ،‬ومن حيث مواجهة التوترات الداخلية‪،‬‬
‫ومحاوالت اإلسقاط واإلفشال‪ .‬وإلى أي ح ٍّد جنحت في التعامل مع هذه التعقيدات‪ ،‬وهل‬
‫يستحق البقاء في احلكومة األثمان السياسية التي دفعتها‪ ،‬وهل من األجدى حلماس أن‬
‫تترك السلطة وتعود للتركيز على خطها املقاوم؟‪.‬‬

‫احملاور‪:‬‬
‫ّ‬
‫تغطي هذه الدراسات واملقاالت عدد ًا من احملاور‪ ،‬والتي يشارك في كتابتها مجموعة‬
‫من اخلبراء والباحثني واملتخصصني في الشأن الفلسطيني‪ .‬وتستهدف القيام بدراسة‬
‫تقييمية ونقدية جادة لتجربة حماس منذ فوزها في االنتخابات وحتى اآلن (منتصف‬
‫سنة ‪.)2007‬‬

‫‪143‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وفيما يلي احملاور التي ستت ّم دراستها‪ ،‬مع بعض األفكار التي ميكن أن تناقش‬
‫حتت كل محور‪:‬‬
‫‪ .1‬البرنامج السياسي‪:‬‬
‫ما هو الثابت واملتغير في البرنامج السياسي حلماس‪ ،‬وفي فكرها‬
‫ومواقفها؟‪.‬‬
‫ما الذي تغ ّير في برنامج حماس السياسي؟‪.‬‬
‫وهل كان التغ ُّير موضوعي ًا تس ّوغه الظروف والتطورات‪ ،‬أم فرضته الشروط‬
‫واإلمالءات واخلوف من العزلة‪ ،‬والرغبة في االستمرار في احلكومة؟‪.‬‬
‫أي حد اقتربت حماس في طرحها من خصومها ومنافسيها؟‪.‬‬ ‫وإلى ّ‬
‫وإلى أي حد يخدم ذلك برنامج حماس؟ أو املشروع الوطني الفلسطيني؟‪.‬‬
‫وإلى أين تسير حماس إذا ما استمرت في سلوكها بالطريقة نفسها؟‪.‬‬
‫‪ ...‬وغير ذلك‪.‬‬

‫‪ .2‬األداء احلكومي (تطبيق برنامج اإلصالح والتغيير)‪:‬‬


‫تشكيل احلكومة‪ ،‬وطبيعة الكفاءات املشاركة‪ ،‬وإمكاناتها وخبراتها‪.‬‬
‫الشفافية في املمارسة والتعيني ومحاربة الفساد‪.‬‬
‫ّ‬
‫وحل مشكلة املوظفني‪.‬‬ ‫توفير الرواتب‪،‬‬
‫األداء في بعض القطاعات وخصوص ًا‪:‬‬
‫‪ -‬الصحة ‬ ‫‪ -‬االقتصاد ‬
‫‪ -‬اإلعالم‬ ‫ ‬
‫‪ -‬التعليم‬

‫‪ .3‬إدارة حماس لعالقاتها الفلسطينية الداخلية‪ ،‬وخصوص ًا مع فتح‪:‬‬


‫هل لدى حماس استراتيجية واضحة في إدارة عالقاتها الداخلية؟‪.‬‬
‫ما هي املشاكل والعقبات الذاتية واملوضوعية التي تعترض إقامة حماس‬
‫لعالقات داخلية صحية ومتطورة؟‪.‬‬
‫ما هي األسباب احلقيقية ألزمة العالقات مع فتح؟ أو إلى أي مدى تتحمل‬
‫حماس املسؤولية؟‪.‬‬
‫ما هو التقييم العام إلدارة حماس عالقاتها الداخلية؟‪.‬‬
‫وكيف ميكن اخلروج من املأزق الداخلي؟‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .4‬برنامج املقاومة‪:‬‬
‫هل من املصلحة االستمرار في “التهدئة”؟‪.‬‬
‫وما هو تقييم العمل املقاوم حلماس وفتح واجلهاد وغيرها منذ مطلع‬
‫‪2006‬؟‪.‬‬
‫هل هناك إمكانية عملية للجمع بني برنامجي السلطة واملقاومة؟‪.‬‬
‫وهل ميكن تطوير السلطة إلى “سلطة مقاومة”؟‪.‬‬
‫وهل ميكن تطوير برنامج املقاومة في ظل املشاركة في السلطة؟ أم أنه‬
‫يستوجب اخلروج منها؟‪.‬‬

‫‪ .5‬العالقة وتسوية الصراع مع “إسرائيل”‪:‬‬


‫ما هو تصور حماس ألقصى تنازل ميكن أن تقدمه بشأن مشروع‬
‫الدولتني؟‪.‬‬
‫وهل حماس ما زالت قابلة للضغط لتحصيل املزيد من التنازالت منها؟‪.‬‬
‫وهل التنازالت الشكلية أو الفعلية التي ق ّدمتها حماس خدمت برنامجها أو‬
‫حسنت من صورتها أو أسهمت في رفع السقف الوطني الفلسطيني؟‪.‬‬ ‫ّ‬
‫هل من مصلحة حماس االستمرار في لعبة طرح التصورات واحللول؟ أم‬
‫أنها حتتاج استراتيجية سياسية مختلفة في طرح رؤاها؟‪.‬‬

‫‪ .6‬إدارة امللف األمني الداخلي‪:‬‬


‫إلى أي مدى جنحت حماس في إدارة امللف األمني الداخلي؟‪.‬‬
‫ال ضحية استفزازات‬ ‫وهل تصرفت بشكل منطقي ومعقول؟ أم كانت فع ً‬
‫اآلخرين؟‪ .‬أم أنها وقعت في الفخ الذي نُصب لها؟‪.‬‬
‫وإلى أي ح ّد ش ّوه ذلك صورة حماس؟‪.‬‬
‫أين أخطأت حماس في هذا امللف؟‪.‬‬
‫وهل هناك احتمال لنجاحها في إدارة هذا امللف طاملا استمر االحتالل؟‬
‫وطاملا استمرت في منافستها مع فتح؟‪.‬‬
‫وأين تقع قاعدة أهون الضررين‪ ،‬وحرمة الدم الفلسطيني‪ ،‬إذا ما خرجت‬
‫حماس من السلطة‪ ،‬وكانت هي نفسها ضحية محتملة للمالحقة األمنية‬
‫والتصفيات؟‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .7‬السعي لفك احلصار‪:‬‬


‫احلصار وخلفياته وآثاره‪...‬‬
‫ما هو تقييم جهود حماس في فك احلصار عن الشعب الفلسطيني؟‪.‬‬
‫وهل ميكن عملي ًا كسر احلصار في حال استمرار حماس في السلطة؟‪.‬‬
‫وما هي انعكاسات احلصار على شعبية حماس ونظرة الناس إليها؟‪.‬‬
‫وهل املصلحة الوطنية تقتضي خروج حماس من السلطة أو احلكومة لفك‬
‫احلصار؟‪.‬‬

‫‪ .8‬األداء اإلعالمي‪:‬‬
‫ما هو تقييم األداء اإلعالمي حلماس وحكومتها؟ محلي ًا‪ ،‬وعربي ًا‪ ،‬وإسالمي ًا‪،‬‬
‫ودولي ًا؟‪.‬‬
‫ما هي جوانب النقص والقصور؟ وما هي املجاالت التي لم يتم استغاللها‬
‫بشكل مناسب؟‪.‬‬
‫هل هناك تغ ُّير في اخلطاب اإلعالمي حلماس؟ وما هي معامله؟‪.‬‬
‫وهل اللغة املستخدمة في اخلطاب مناسبة‪ :‬محلي ًا وعربي ًا وإسالمي ًا ودولي ًا؟‪.‬‬

‫‪ .9‬العالقات العربية واإلسالمية‪:‬‬


‫ما هو تقييم التطور في عالقات حماس وحكومتها مع البلدان العربية‬
‫واإلسالمية؟‪.‬‬
‫ما هو تقييم التطور في ِصالت حماس على املستويات الشعبية‪ ،‬ومع األحزاب‪،‬‬
‫واجلمعيات‪ ،‬والشخصيات العربية واإلسالمية؟‪.‬‬
‫هل كان تطور عالقات حماس الرسمية على حساب شعبيتها ومكانتها بني‬
‫الناس؟‪.‬‬

‫‪ .10‬العالقات الدولية‪:‬‬
‫ما هو تقييم التطور في عالقات حماس وحكومتها على املستوى الدولي؟‪.‬‬
‫وهل تعاملت حماس بكفاءة مع الفرص املُتاحة (إن ُوجدت)؟‪.‬‬
‫وإلى أي حد تُع ّد حماس مؤهلة لبناء عالقات دولية ترفع السقف الوطني‬
‫الفلسطيني؟‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وهل اللغة السياسية التي تستخدمها حماس مناسبة للتعامل الدولي؟‪.‬‬


‫وما الذي يجب تغييره أو احلفاظ عليه من هذه اللغة؟‪.‬‬

‫إن النقاط والتساؤالت املوجودة حتت العناوين هي مجرد أفكار مساعدة أرسلت‬
‫للزمالء املشاركني‪ ،‬لالسترشاد بها عند الكتابة‪ ،‬غير أنهم كانوا أحرار ًا في كتابة‬
‫مقاالتهم بالشكل الذي يرونه مناسب ًا‪.‬‬
‫ال في هذا اجلزء‪،‬‬‫جتدر اإلشارة إلى أن عدد ًا من املقاالت التي كان موضعها أص ً‬
‫مت نقلها إلى اجلزء األول‪ ،‬ألنها ُعرضت في حلقة النقاش‪ ،‬وتتضمن مقاالت األساتذة‬ ‫ّ‬
‫صقر أبو فخر‪ ،‬وحسني أبو النمل‪ ،‬ومحمد جمعة‪ .‬هذه الدراسات واملقاالت مهمة‬
‫بالتأكيد‪ ،‬ألنها تتميز باملوضوعية‪ ،‬واملنهجية العلمية‪ ،‬والصراحة‪ .‬وتتجاوز في مجملها‬
‫األطر احلزبية‪ ،‬لتقدم رؤيتها من منظور علمي‪ .‬غير أن هذه الدراسات األكادميية ّ‬
‫تظل‬
‫تع ّبر عن نظرة خارجية؛ وبالتالي فإن جانب ًا ال بأس به من األسئلة هو برسم اإلجابة‬
‫لدى حماس نفسها؛ خصوص ًا عندما يتعلق األمر بشؤونها الداخلية واخلاصة‪.‬‬

‫احملرر‬ ‫ ‬
‫د‪ .‬محسن صالح‬ ‫ ‬

‫‪147‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪148‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ت أ�ثري امل�شاركة ال�سيا�سية حلما�س على برناجمها‬


‫ال�سيا�سي وعالقاتها الفل�سطينية‬
‫‪37‬‬

‫ماجد أبو دياك‬


‫‪38‬‬

‫تقييم عام للتجربة‪:‬‬


‫جنحت حركة حماس ألول مرة في تاريخها‪ ،‬في تشكيل حكومة فلسطينية إثر‬
‫فوزها باالنتخابات التشريعية سنة ‪ 2006‬التي حققت فيها نصر ًا أقصى حركة فتح عن‬
‫اجلزء األهم من دورها في السلطة الفلسطينية‪.‬‬
‫وجاء الفوز الكاسح حلماس مفاجئ ًا للجميع‪ ،‬مبا فيها قيادة احلركة التي سعت‬
‫من وراء دخول االنتخابات إلى تشكيل معارضة سياسية قوية في املجلس التشريعي‪،‬‬
‫حتمي من خاللها برنامج املقاومة الذي أنهى االحتالل اإلسرائيلي لقطاع غزة‪،‬‬
‫وتعزز مكانتها ودورها السياسي في الساحة الفلسطينية وصو ًال إلى قيادة الشعب‬
‫الفلسطيني‪.‬‬
‫ولكن ضغط االنتصار الكاسح واملفاجئ رتب على حماس أن تدخل املشاركة‬
‫السياسية من أوسع أبوابها‪ ،‬وحرمها من فرصة التدرج الطبيعي في هذا العمل‪،‬‬
‫الذي يتميز في فلسطني عنه في أي بلد آخر بأنه محدود بسقف اتفاقات لم تسهم‬
‫حماس في بلورتها بل وكانت معارض ًا شرس ًا لها‪.‬‬
‫كما أن واقع االحتالل الذي يعيشه الشعب الفلسطيني يض ِّيق إلى ح ٍّد بعيد من‬
‫مساحة أي عمل سياسي‪ ،‬ذلك أن االحتالل يسيطر على املعابر واحلدود‪ ،‬ويخنق‬
‫األراضي الفلسطينية في غزة‪ ،‬ويسيطر على كل شيء في الضفة الغربية باستثناء‬
‫بعض الصالحيات املدنية‪.‬‬
‫ُ‬
‫االحتالل السلط َة اجلديدة من نفوذها في الضفة الغربية‪ ،‬من‬ ‫ومنذ اليوم األول حرم‬
‫خالل منعه سفر أعضاء احلكومة واملجلس التشريعي من غزة إلى الضفة وبالعكس‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 37‬مالحظة‪ُ :‬كتب هذا املقال ُقبيل سيطرة حماس على قطاع غزة‪.‬‬
‫‪ 38‬كاتب فلسطيني‪ ،‬اجلزيرة نت‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫قبل أن يقدم على اعتقال عدد كبير من نواب التشريعي ووزراء احلكومة‪.‬‬
‫كما واجهت سلطة حماس اجلديدة حتدي ًا جديد ًا متثل بتوسيع الرئاسة الفلسطينية‬
‫لصالحياتها؛ لتشمل اإلعالم واخلارجية والسفارات واألمن وغيرها‪ ،‬مما كبل يد‬
‫احلكومة وحرمها من تنفيذ الكثير من برامجها‪.‬‬
‫وزاد على هذا كله فرض حصار سياسي واقتصادي‪ ،‬قادته الواليات املتحدة‬
‫والكيان الصهيوني على حكومة حماس والشعب الفلسطيني‪ ،‬وشاركت فيه أطراف‬
‫فلسطينية وعربية‪.‬‬
‫وهكذا واجهت احلكومة اجلديدة حصار ًا داخلي ًا وخارجي ًا شاركت فيه كل األطراف‬
‫الرسمية‪ ،‬بدء ًا بالرئاسة وحركة فتح‪ ،‬ومرور ًا مبعظم األنظمة العربية‪ ،‬وليس انتهاء‬
‫بالواليات املتحدة والكيان الصهيوني‪.‬‬
‫وحتى تلك اللحظة لم تتأثر شعبية حماس سلب ًا‪ ،‬إذ رأى الشعب الفلسطيني حجم‬
‫املعوقات التي وضعت في وجهة احلركة‪ ،‬ورأى ألول مرة في تاريخه حكومة نظيفة‬
‫تناضل من أجل تأمني حياة كرمية له‪ ،‬ويتحمل وزراؤها عبء جمع األموال وإدخالها‬
‫باحلقائب لرفع احلصار الظالم املفروض على الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫ومع ذلك فلم يكن من املتوقع أن يتحمل الشعب الفلسطيني الضغوط إلى ما ال‬
‫نهاية‪ ،‬كما لم تتوقف األطراف التي أسهمت في احلصار على الشعب الفلسطيني عند‬
‫هذا احل ّد‪ ،‬بل بدأت بوضع املزيد من العقبات أمام احلكومة‪.‬‬
‫وكان من أصعب هذه العقبات وأثقلها على اإلطالق تلك املتعلقة منها بج ِّر احلركة‬
‫إلى صراع داخلي مع حركة فتح‪ ،‬وهو ما جنحت فيه هذه األطراف إلى ح ٍّد ما‪ ،‬ومع‬
‫استمرار املواجهات التي قتل وجرح فيها املئات من الطرفني‪ ،‬إضافة إلى مواطنني‬
‫أبرياء بدأت صورة حماس تهتز في الشارع الفلسطيني‪.‬‬
‫وحتى ما قبل توقيع ما أطلق عليه اسم وثيقة األسرى‪ ،‬كانت حماس بتشكيلها‬
‫حكومة فلسطينية وحدها غير مضطرة إلى تقدمي تنازالت في برنامجها السياسي‬
‫تتطلبها املشاركة مع اآلخرين في تشكيل احلكومة‪ ،‬ولكن الوثيقة التي احتوت احترام‬
‫جرت حركة حماس إلى مربع لم تكن تقبل به سابق ًا‪ ،‬وأمضت سنني طويلة‬ ‫االتفاقات ّ‬
‫في رفض اتفاقيات أوسلو ومقاومتها سياسي ًا‪ .‬ووجدت حماس نفسها في موقف‬
‫تدافع فيه عن الوثيقة‪ ،‬في الوقت الذي بدأت فتح بالتملص منها‪ ،‬األمر الذي رتّب موقف ًا‬
‫ال‬‫مت تضمينه في اتفاق مكة باعتماد عربي‪ ،‬فض ً‬ ‫جديد ًا على حماس تكرس مع الوقت‪ ،‬و ّ‬

‫‪150‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫عن إضافة موقف جديد باالعتراف بالشرعية العربية “أي مبادة السالم العربية التي‬
‫تدعو للسالم والتطبيع”‪.‬‬
‫وهكذا فقد كان أكبر التنازالت التي قدمتها حماس في تاريخها‪ ،‬تلك املتعلقة‬
‫باحترام اتفاقات تسوية سياسية انتقصت من حقّ الشعب الفلسطيني وكرست‬
‫االعتراف باالحتالل‪.‬‬
‫صحيح أن حماس استمرت في الدفاع عن حقّ املقاومة‪ ،‬وبررت اتفاق حكومة‬
‫الوحدة وبيانها الوزاري بحقن الدم الفلسطيني‪ ،‬وقالت إن االحترام ال يعني‬
‫االعتراف‪ ،‬كما أنه ال يحمل أية دالالت أو مسؤوليات قانونية‪ .‬ولكن ذلك يبقى خطوة‬
‫تنازلية في موقف احلركة الذي أمضت سنني طويلة في التمسك به‪ ،‬وحتملت أذى‬
‫السلطة الفلسطينية وبطش “إسرائيل” من أجله‪ .‬وهي من جهة أخرى‪ ،‬خطوة ما كان‬
‫حلماس أن تُقدم عليها لوال أنها وجدت نفسها في وضع املضطر‪ ،‬في سبيل إعادة‬
‫وفك احلصار‪ ،‬وحتقيق املصالح العليا‬‫ترتيب البيت الفلسطيني وفق أجندة وطنية‪ّ ،‬‬
‫للشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫أثر املشاركة على البرنامج السياسي حلماس‪:‬‬


‫يستند البرنامج السياسي حلماس على حتقيق هدف أساسي‪ ،‬يتمثل بالسعي نـحو‬
‫قيادة الشعب الفلسطيني واحلفاظ على ثوابته‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن سلبيات املشاركة في االنتخابات التشريعية وقيادة احلكومة‪،‬‬
‫فإن هاتني اخلطوتني‪ ،‬جنب ًا إلى جنب مع املقاومة املسلحة‪ ،‬كان يفترض أن تقدما‬
‫احلركة‪ ،‬نظري ًا على األقل‪ ،‬خطوة كبيرة نـحو هدف قيادة الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫وباالنتخابات التشريعية‪ ،‬توفرت حلماس فرصة تاريخية الستثمار برنامجها‪ ،‬نـحو‬
‫حتقيق مكاسب سياسية وغيرها‪.‬‬
‫وبالفعل انتقلت حماس فجأة من املعارضة إلى السلطة‪ ،‬إال أنها وجدت نفسها‬
‫مضطرة حلمل عبء السلطة وحدها بعد أن اعتذر حلفاؤها السياسيون‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن‬
‫املستقلني نسبي ًا عن مشاركتها‪ ،‬وهذا ش ّكل واحد ًا من عوائق قيادة الشعب الفلسطيني‪،‬‬
‫إذ ال ميكن لتنظيم واحد قيادة هذه الساحة ما لم ميلك ائتالف ًا سياسي ًا‪ ،‬أو على األقل‬
‫سياسي مع مجموعة قوى فاعلة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫توافق ًا على برنامج‬
‫وفي اإلطار العربي واإلسالمي كان هناك تأكيد على احترام الدميوقراطية‬
‫ونتائجها‪ ،‬ولقيت حماس ترحيب ًا ظاهر ًا في سورية وقطر واليمن والسودان‪ ،‬كما لقيت‬

‫‪151‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫دعم ًا إيراني ًا كبير ًا‪ .‬غير أن سقف الدعم الذي كان ميكن أن تقدمه البلدان العربية‬
‫كان محدود ًا بحساباتها الداخلية واخلارجية املختلفة‪ ،‬وحتديد ًا بالضغوط األمريكية‪،‬‬
‫واملخاوف املتعلقة بصعود اإلسالميني إلى السلطة‪ ...‬وغير ذلك‪ .‬ولم تكن مصر سعيدة‬
‫بانتصار حماس‪ ،‬غير أنها حاولت التوفيق بني األطراف الفلسطينية‪ ،‬وسعت للدفع‬
‫باجتاه مسيرة التسوية‪ .‬ومارست السعودية سياسة حيادية‪ ،‬ووصل دورها اإليجابي‬
‫إلى قمته في اتفاق مكة‪ .‬أما األردن فاتخذ موقف ًا سلبي ًا جتاه حماس وقيادتها‪.‬‬
‫وحتى مع تشكيل حكومة الوحدة‪ ،‬فإن برنامج حماس السياسي لم يتقدم باجتاه‬
‫قيادة الشعب الفلسطيني‪ ،‬إذ إن احلركة‪ ،‬وفي سبيل احملافظة على احلكومة‪ ،‬خ ّفضت‬
‫سقف مواقفها لتتالقى مع مواقف فتح والدول العربية‪ ،‬وهي مواقف ال حتظى بشعبية‬
‫فلسطينية‪.‬‬
‫وجاء اتفاق مكة ليخفف التدهور األمني في الداخل؛ وليضع ح ّد ًا بالتالي‪ ،‬بشكل‬
‫مؤقت‪ ،‬لتراجع رصيد احلركة الشعبي‪ ،‬ولكنه في املقابل أسهم في تقدمي برنامج‬
‫السالم العربي‪ ،‬وزاد من شرعيته‪.‬‬
‫ودولي ًا لم يختلف املوقف األوروبي عن األمريكي في احلصار‪ ،‬ولم تنفع كل‬
‫الصياغات اللفظية في برنامج احلكومة في إقناع الغرب بحدوث تغيير كبير على‬
‫صعيد برنامج احلركة ما لم تعترف صراحة بـ“إسرائيل”‪.‬‬
‫واستغلت تلك الدول حكومة الوحدة لتقنني حوارها‪ ،‬الذي كان يت ّم من أبواب‬
‫خلفية‪ ،‬مع فتح ومستقلني يدعون للتسوية‪ ،‬متجاهلة وزراء احلكومة من حماس دون‬
‫أن تقنع “إسرائيل” بتخفيف حصارها على احلكومة‪ ،‬ودون أن تخفف من حصارها‬
‫هي االقتصادي على احلكومة‪ ،‬باستثناء السماح مبرور املساعدات عبر وزير املالية‬
‫الفلسطيني سالم فياض‪.‬‬
‫ويسجل على هذا الصعيد أن دو ًال مثل روسيا والنرويج وتركيا وجنوب أفريقيا‬
‫ش ّذت عن املوقف الدولي احملاصر للحركة بزعامة أمريكية‪ ،‬ولكن هذه املواقف بقيت‬
‫غير قادرة على إخراج السلطة من عزلتها‪ ،‬كما أنها استندت إلى التعامل مع السلطة‬
‫لدفعها لتقدمي تنازالت أخرى وليس قبو ًال بتنازالتها احلالية‪.‬‬
‫وهكذا لم مي ِّكن احلصار السياسي واملالي‪ ،‬إضافة إلى اخلزائن الفارغة التي‬
‫تسلمتها احلكومة‪ ،‬حركة حماس من تطبيق برنامج إصالحي واقتصادي كان يشكل‬
‫أحد أولويات عملها‪ ،‬في ضوء عدم قدرتها على فرض رؤيتها السياسية في الصراع مع‬
‫“إسرائيل”‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وواجهت حماس في احلكومتني األولى والثانية حصار ًا دولي ًا حرمها من إمكانية‬


‫استخدام األموال لصالح الشعب الفلسطيني‪ ،‬وأوقعها في أزمة دفع الرواتب ملوظفي‬
‫السلطة الذين ينتمون في غالبية حلركة فتح‪.‬‬
‫واستغلت فتح األزمة املالية للتحشيد ض ّد احلكومة‪ ،‬فيما واصلت في مساعيها‬
‫ملفاقمة األزمة الداخلية للساحة الفلسطينية وإلقاء اللوم في ذلك على حماس‪.‬‬
‫على صعيد آخر‪ ،‬عزز فوز حماس باالنتخابات مطالبها بأن يكون لها متثيل حقيقي‬
‫ووازن في منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬ولكن فتح باملقابل التي أعادت استخدام بعض‬
‫مواقعها في م‪.‬ت‪.‬ف‪ .‬إلضعاف دور احلكومة‪ ،‬لم تكن لتقبل خسارة معقل مهم لها دون‬
‫أن يفرض عليها بانتخابات‪.‬‬
‫كما أن الدول العربية وخصوص ًا مصر لم تشأ تكرار جتربة انتخابات الداخل‬
‫الفلسطيني على م‪.‬ت‪.‬ف‪ ،‬ألنها قد جتازف بإضعاف نفوذها على قيادة املنظمة‪ ،‬من‬
‫خالل السماح بالسيطرة لقوة (حماس) ترفض اتفاقات التسوية السياسية مع الكيان‬
‫الصهيوني‪.‬‬
‫وبغض النظر عن التصريحات اإلعالمية لقادة فتح‪ ،‬فإن فتح ترفض عملي ًا دخول‬
‫حماس في م‪.‬ت‪.‬ف‪ .‬وفق وزنها احلقيقي‪ ،‬كما تتجنب عملي ًا أية إعادة بناء أو تفعيل‬
‫حقيقية لـ م‪.‬ت‪.‬ف‪ ،‬وذلك بسبب خوفها على نفوذها‪ ،‬أما مصر فيهمها قبول حماس‬
‫باتفاقات التسوية‪ ،‬قبل أن يت ّم احلديث عن تفاصيل مشاركتها في منظمة التحرير‪.‬‬
‫ظل هذين املوقفني أن تنجح أي حوارات بني فتح وحماس إلعادة‬ ‫وال يتوقع في ّ‬
‫مت االتفاق عليه في القاهرة‬‫تشكيل املنظمة‪ ،‬وفق أسس جديدة على الرغم من أن ذلك ّ‬
‫ومكة‪.‬‬
‫وبهذا تكون حماس قد فقدت أحد عناصر التأثير املهمة في القرار الفلسطيني‪،‬‬
‫ومتطلب ًا أساسي ًا من متطلبات قيادة الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫وعلى الصعيد األمني متكنت احلكومة من تشكيل قوة أمنية بديلة عن تلك التي‬
‫تسيطر عليها فتح‪ .‬وكان تشكيل القوة التنفيذية من عناصر مقاومة سابقة‪ ،‬وأفراد‬
‫لهم تاريخ نضالي جيد‪ ،‬وهذا هو أهم مكسب حلماس وللشعب الفلسطيني من خالل‬
‫ال نظيف ًا عن فساد األجهزة‬ ‫تشكيل احلكومة اجلديدة‪ .‬فقد ش ّكل هذا اجلهاز بدي ً‬
‫ال مهم ًا حلماس ملعادلة نفوذ األجهزة األمنية املتخمة بعناصر فتح‪.‬‬
‫األمنية‪ ،‬ومدخ ً‬
‫وسريع ًا عمدت فتح إلى ضرب اجلهاز‪ ،‬وافتعال املعارك معه‪ ،‬والسعي إلى تشويه‬
‫سمعته‪ ،‬كما رفض محمود عباس دمجه باألجهزة األمنية للسلطة‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وكان ميكن حلماس من خالل هذا اجلهاز أن تضع ح ّد ًا للفلتان األمني في غزة‪ ،‬وأن‬
‫تستخدمه الحق ًا كقوة مدربة ملواجهة االعتداءات اإلسرائيلية‪ ،‬ودعم عناصر املقاومة‪،‬‬
‫ولكن هذا اجلهاز حيل بينه وبني هذه املهمة ألنه انشغل بالر ّد على اعتداءات فتح‬
‫واألجهزة األمنية األخرى‪ُ ( .‬كتب هذا املقال قبل سيطرة حماس على قطاع غزة)‪.‬‬
‫وميكن القول إن حماس لم تتمكن من جعل هذه القوة نظامية عبر استخدام قوة‬
‫االعتقال وليس املواجهة بالسالح‪ ،‬إذ انساقت هذه القوة وراء إغراء السالح‪ ،‬والر ّد‬
‫املباشر على النيران دون أن تنجح محاوالت قيادتها السياسية المتصاص محاوالت‬
‫جرها ملعركة تؤدي إلى إضعاف احلكومة بالدرجة األولى‪.‬‬ ‫ّ‬
‫إال أن ذلك ال مينع من اإلشارة إلى أنه من الصعب استخدام سياسة االعتقال‬
‫ض ّد أفراد أجهزة أمنية أخرى على نطاق واسع‪ ،‬ما لم يكن ذلك ضمن تفاهم داخلي‬
‫ظل الوضع احلالي‪.‬‬‫مع فتح‪ ،‬وهو أمر مستحيل في ّ‬
‫وهكذا غرقت الساحة الفلسطينية في اشتباكات داخلية كانت في أغلب األحيان‬
‫جتبر حماس وقوات احلكومة على املشاركة فيها رد ًا على اعتداءات تتعرض لها‪.‬‬
‫ودخلت الساحة الفلسطينية في ثنائية جديدة بني فتح وحماس‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫اختالط األوراق على الفلسطينيني الذين لم يفهموا ذلك إال باإلطار السلبي‪ .‬ويالحظ‬
‫أن اجلماهير لم تنحز بالضرورة في املواجهات إلى حماس‪ ،‬كما أن الدم الفلسطيني‬
‫استدرج ثارات عائلية سيكون لها وبال وخيم على الطرفني‪ ،‬خصوص ًا على حماس‬
‫التي تع ّد التأييد الشعبي رأسمالها األهم‪.‬‬
‫وأ ّدت مشاركة حماس في االشتباكات‪ ،‬إلى تآكل في شعبية حماس في الداخل‬
‫واخلارج‪ ،‬إذ ال يستطيع رجل الشارع العادي أن مييز في هذه احلالة من الفوضى‬
‫بني املعتدي واملعتدى عليه‪.‬‬
‫صحيح أنه ليس باإلمكان قراءة موقف الشارع بدقة في ضوء تالحق األحداث‬
‫واختالط األوراق‪ ،‬وصحيح أن اجلمهور الفلسطيني ما يزال يتعاطف مع احلركة‬
‫من خالل استمرار خدمتها له على الصعيد الشعبي‪ ،‬إال أن ثنائية احلصار والتأزم‬
‫الداخلي تركت أثارها السلبية على احلركة‪.‬‬
‫وفي اآلونة األخيرة أصبحت القوة التنفيذية املكشوفة أمام العدو هدف ًا مفض ً‬
‫ال‬
‫لضرباته اجلوية‪ ،‬محاو ًال بذلك أن مينع حركة حماس من تطوير قوتها العسكرية‬
‫واألمنية‪ ،‬سواء لتنفيذ هجمات مستقبلية ض ّد االحتالل أو في الهيمنة على قطاع غزة‬
‫وإضعاف قوة فتح فيه‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫كما أن هذه القوة لم تتمكن من م ّد نفوذها إلى الضفة الغربية بسبب العقبات التي‬
‫ال عن ثقل الوجود األمني والعسكري‬ ‫وضعت في وجهها من قبل الرئاسة وفتح‪ ،‬فض ًَ‬
‫لالحتالل هناك‪.‬‬
‫وكان للتدخل املباشر لالحتالل عبر توجيه ضربات متتالية للقوة التنفيذية‪ ،‬واعتقال‬
‫وزراء ونواب احلركة وقياداتها السياسية وامليدانية في الضفة أثره الواضح على‬
‫احلركة‪.‬‬
‫فعلى الرغم من الثمن السياسي الذي دفعته احلركة باملشاركة في احلكومة‪ ،‬إال أن‬
‫ذلك لم يخفف من الضرر األمني الشديد عليها‪ ،‬سواء بتصفية قياداتها العسكرية في‬
‫غزة باالقتتال‪ ،‬أو باعتقال رموزها السياسية وقياداتها وكوادرها التنظيمية والعسكرية‬
‫بالضفة‪.‬‬
‫وبذلك فإن دخول احلكومة لم يحقق احلماية لرموز احلركة وقياداتها من البطش‬
‫اإلسرائيلي كما كان يعتقد زعماء احلركة‪ ،‬وما تهديدات “إسرائيل” املتواصلة وآخرها‬
‫تهديدات أوملرت إال دليل على ما نقول‪.‬‬
‫وجاء أسر اجلندي اإلسرائيلي كمكسب مهم للحركة‪ ،‬عبر املطالبة مببادلتها‬
‫باألسرى في سجون االحتالل‪ ،‬ولكن إعطاء دور كبير ملصر إلدارة التفاوض بشأنه‪،‬‬
‫والسماح للرئاسة الفلسطينية بالتدخل فيه دون حتى احلصول على مقابل‪ ،‬سيقلل‬
‫من حجم املكاسب التي ستجنيها احلركة‪ ،‬وسيعطي الطرف اآلخر فرصة لالستفادة‬
‫منه دون أن يكون لها أي دور إيجابي جتاه القوة التنفيذية‪ ،‬أو صالحيات احلكومة‬
‫املنتزعة منها‪.‬‬
‫ض ْع َف الدور املقاوم للحركة في الضفة تساوق مع الطبيعة‬ ‫فإن َ‬
‫من ناحية ثانية ّ‬
‫السياسية للمرحلة‪ ،‬وغابت طوال أكثر من سنة عمليات حماس‪ ،‬فيما استمرت حركة‬
‫اجلهاد اإلسالمي وبعض أجنحة كتائب األقصى في مناوشة العدو‪ ،‬وهذا دفع الناس‬
‫للتساؤل عن برنامج مقاومة احلركة‪ ،‬وما إذا كان ذلك نتيجة قرار سياسي أم ال‪.‬‬
‫ومن امللفت‪ ،‬أن حماس التزمت بالتهدئة في غزة‪ ،‬فيما استمر العدوان اإلسرائيلي‬
‫على الضفة‪ ،‬وكأن مقاومة احلركة اختزلت في الر ّد على االعتداءات على غزة قبل أن‬
‫تتدارك قيادة احلركة ذلك مؤقت ًا‪ ،‬وتعلن إصرارها على تهدئة شاملة ومتبادلة‪ .‬ولكن‬
‫حتى اآلن ال يعرف ما إذا كانت قيادة احلركة ستثبت على هذا املوقف أم ال‪.‬‬
‫وعلى الصعيد الداخلي انغمست احلركة بأكملها في برنامج السلطة‪ ،‬وأصبحت‬
‫احلركة السياسية منشغلة بها مع أنه كان يفترض أن تكون أحد برامج احلركة‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ويبدو أن حجم احلكومة ومتطلباتها كان أكبر بكثير من حجم احلركة التي لم‬
‫تستعد لهذا اخليار‪ ،‬فوجدت القيادة السياسية نفسها في سباق مع الزمن‪ ،‬ملالحقة‬
‫وفك احلصار عنها‪ ،‬بد ًال من أن تتصدى للقضايا الكلية للشعب‬ ‫قضايا احلكومة ّ‬
‫الفلسطيني متمثلة باالحتالل واالستيطان واملقاومة‪.‬‬
‫كما لم نلمس وجود تيار معارض داخل احلركة لتوجهات قيادتها السياسية‪ ،‬مبا‬
‫يسهم في تعزيز وتصويب املسيرة‪ ،‬فكانت حماس ترمي عن قوس واحدة وعن بكرة‬
‫أبيها لدعم برنامج احلكومة ومواقفها دون أن نسمع صوت ًا واحد ًا معارض ًا أو انتقاد ًا‬
‫علني ًا ّ‬
‫يحرك مياه احلركة الداخلية‪.‬‬
‫وإذا كان هذا يحتمل في وجهه اإليجابي قوة احلركة ومتاسكها وحسم أمورها‬
‫وقراراتها داخلي ًا‪ ،‬دومنا حاجة لنشر خالفاتها في اخلارج؛ غير أنه من املهم وجود‬
‫أصوات أخرى في أي حركة‪ ،‬ترى األمور من زوايا مختلفة‪ ،‬بحيث تسهم في تصويب‬
‫املواقف وترشيدها‪ ،‬ومتنع وجود نظرات أحادية‪.‬‬

‫املشاركة وإدارة العالقات الداخلية‪:‬‬


‫عززت نتائج االنتخابات ضعف تنظيم فتح وتفتيته‪ ،‬ولكن املجموعة التي ارتبطت‬
‫باالحتالل ومصاحله كانت األقوى تنظيمي ًا ومالي ًا‪ ،‬وهذه هي التي تصدت حلماس‬
‫بكل ما متلك من إمكانيات ملنعها من تنفيذ برنامجها على الساحة الفلسطينية من‬
‫خالل احلكومة فيما رفضت قيادة احلركة املشاركة في احلكومة األولى سعي ًا منها‬
‫إلفشالها‪.‬‬
‫وسعت احلركة قبل الفوز باالنتخابات إلى استقطاب عناصر شريفة من فتح‬
‫لصاحلها‪ ،‬ولكن عناصر قليلة مرتبطة بكتائب شهداء األقصى هي التي جتاوبت مع‬
‫هذه املساعي‪ .‬ولذلك لم جتد حماس سند ًا من قيادات في فتح تكون قادرة على كسر‬
‫قرار القيادة بعدم املشاركة في احلكومة‪.‬‬
‫أما بالنسبة لبقية التنظيمات الفلسطينية‪ ،‬فعلى الرغم من التوافق االستراتيجي‬
‫واأليديولوجي مع حركة اجلهاد اإلسالمي‪ ،‬إال أن حركة اجلهاد رفضت التجاوب مع‬
‫التهدئة مع “إسرائيل”‪ ،‬التي جتاوبت فيها حماس مع الرئاسة الفلسطينية وكمحاولة‬
‫حلماية احلكومة اجلديدة‪ ،‬وتوفير األجواء املناسبة لنجاحها‪.‬‬
‫كما لم تقبل اجلهاد املشاركة في احلكومتني األولى والثانية ألنهما جاءتا حتت‬
‫سقف أوسلو‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أما اجلبهة الشعبية التي كان لها ثقل نسبي في الداخل؛ فقد رفضت أيض ًا‬
‫املشاركة في احلكومتني للسبب نفسه‪ ،‬فيما رفضت اجلبهة الدميوقراطية املشاركة‬
‫بسبب عدم رضاها عن برنامج حماس السياسي في احلكومة األولى‪ ،‬ولكنها عادت‬
‫وشاركت في احلكومة الثانية‪.‬‬
‫وهكذا لم تتمكن حماس من إقناع حلفائها في اجلهاد والشعبية في املشاركة‬
‫في احلكومة‪ .‬وباملقابل شارك في احلكومة الثانية (حكومة الوحدة) تنظيمات تتبنى‬
‫املشاركة السياسية وال تتبنى املقاومة في برامجها العملية‪ .‬وهذا ليس مكسب ًا كما‬
‫يظهر للوهلة األولى‪ ،‬ألن املشاركة لم تت ّم إال ببرنامج سياسي ال يتناسب مع ثوابت‬
‫حماس‪ ،‬كما أن هذه املشاركة حسبت على الطرف الثاني وهي حركة فتح فلوالها ما‬
‫شارك هؤالء‪.‬‬
‫وبالنسبة للمستقلني غير املرتبطني بأي تنظيم أو أجندة خارجية‪ ،‬فلم جتدهم‬
‫حماس حينما لبت ما كان ينادي به بعضهم من التعامل الواقعي‪.‬‬
‫وهكذا مضت حماس باحلكومة إما وحيدة أو في تنافس ثنائي مع فتح‪ .‬ومع‬
‫أن هذا وضع ال تالم عليه حماس وحدها‪ ،‬كما أنه موجود حتى في الدول األكثر‬
‫دميوقراطية في العالم‪ ،‬إال أن خصوصية الوضع الفلسطيني جعل من ذلك عائق ًا‪،‬‬
‫في الوقت الذي يحتاج فيه الفلسطينيون إلى تكتل وطني يخوض معركة التحرر من‬
‫االحتالل‪ ،‬ويوفر احلماية السياسية لبرنامج املقاومة ويحمي الساحة الفلسطينية من‬
‫االنزالق نـحو اقتتال داخلي‪.‬‬
‫إن أي تنظيم فلسطيني غير قادر وحده على قيادة الساحة بأي برنامج كان‪ ،‬التسوية‬
‫أو املقاومة‪ ،‬كما أن تعايش البرنامجني مع ًا ممكن‪ ،‬لكن مع أعراف دميوقراطية تلتزم‬
‫بها كل األطراف‪ .‬وحتى لو توفرت هذه األعراف‪ ،‬فإن وجود تنظيمات مسلحة ّ‬
‫يظل‬
‫يشكل تهديد ًا لذلك‪ .‬وعلى الرغم من أن حماس جتنبت في أثناء معارضتها ألوسلو‬
‫استخدام السالح ض ّد السلطة‪ ،‬إال أنها تواجه اآلن حتديد ًا حقيقي ًا يتمثل بعدم التزام‬
‫فتح بهذا املبدأ مما يهدد الساحة باالجنرار حلرب أهلية‪.‬‬
‫واألخطر من هذا أن فتح تخوض املعركة ض ّد الشرعية الفلسطينية ليس بسبب‬
‫اخلالف في البرنامج السياسي فقط‪ ،‬ولكن األهم من ذلك‪ ،‬هو رغبتها في استعادة‬
‫السلطة بكل ما أوتيت من قوة‪ ،‬وبدفع وحتريض من الواليات املتحدة و“إسرائيل”‪.‬‬
‫ومن هنا فإن جناح حماس في عالقاتها الفلسطينية لتحقيق الوحدة واملقاومة مع ًا‪،‬‬
‫واجهت عقبات حقيقية كانت أصعب من تلك التي واجهتها عندما كانت في املعارضة‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وإذا اعتبرنا أن حتقيق توافق وطني حول املزج بني املشاركة في السلطة‪،‬‬
‫واالستمرار في برنامج املقاومة غير ممكن اآلن بسبب عوامل داخلية وخارجية كما‬
‫أشرنا‪ ،‬فإن احلفاظ على وحدة الشعب ومنع انزالقه نـحو حرب أهلية أصبح هو اآلخر‬
‫هدف ًا ال يقل صعوبة‪.‬‬
‫وقد حاولت وثيقة األسرى املزج بني السلطة واملقاومة من خالل الغموض في‬
‫الصياغات‪ ،‬ولكنها ومع تطبيقها كبرنامج حلكومة الوحدة‪ ،‬لم متنع من االقتتال‬
‫فك احلصار عن الشعب الفلسطيني‪.‬‬ ‫الداخلي‪ ،‬كما لم تفلح في ّ‬

‫خالصات‪:‬‬
‫‪ .1‬أثبتت التجربة العملية خالل أكثر من عام على عمر حماس في احلكومة‪،‬‬
‫ومن املشاركة في السلطة التي جاءت وفق ًا ألوسلو‪ ،‬وحتت سطوة االحتالل‪،‬‬
‫أنه من غير املمكن عملي ًا املزج بني املشاركة في السلطة واالستمرار في‬
‫املقاومة على األرض‪.‬‬
‫‪ .2‬ومن هنا فإن الفرضية التي بنت عليها قيادة حماس في املشاركة‪ ،‬عبرت عن‬
‫قصور في إدراك حجم التناقض الذي ينطوي عليه هذا القرار‪ ،‬أو مبالغة في‬
‫تقدير استيعاب برنامج احلركة لهذه املعادلة شبه املستحيلة أو حتى قبول‬
‫األطراف األخرى بها‪.‬‬
‫‪ .3‬إن املشاركة في احلكومة حققت للحركة إيجابيات أهمها تكريس دورها‬
‫كحركة فلسطينية قائدة للمشروع الوطني الفلسطيني‪ ،‬وليست مجرد حركة‬
‫معارضة قوية للسلطة ومقاومة لـ“إسرائيل”‪ ،‬ولكن في املقابل قدمت حماس‬
‫تنازالت في خطها السياسي‪ ،‬وظهرت بصورة مشوهة عبر الدخول في‬
‫مواجهات دموية مع فتح مما أسهم في التأثير سلب ًا على شعبيتها في‬
‫الداخل واخلارج‪.‬‬
‫‪ .4‬إن املشاركة السياسية في ّ‬
‫ظل استمرار االحتالل تشكل منزلق ًا خطير ًا نـحو‬
‫االعتراف به‪ ،‬ال س ّيما وأن املشاركة جاء ت ضمن أشكال‪ ،‬وارتباطات‬
‫سياسية‪ ،‬وأمنية فرضتها اتفاقات ظاملة بحقّ الشعب الفلسطيني‪ .‬ولذلك‬
‫فإن املشاركة احلقيقية يجب أن تت ّم في إطار تكتل وطني غير مرتبط‬
‫باتفاقات مع العدو‪ ،‬ويسعى هذا التكتل لتشكيل غطاء سياسي للمقاومة‪،‬‬
‫ويعمل على فرض مؤسسات جتبر العدو على االعتراف بها أو القبول بها‬

‫‪158‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫كأمر واقع وصو ًال إلى حتقيق اخلالص من االحتالل ولو تدريجي ًا‪.‬‬
‫‪ .5‬إن استمرار املقاومة ممكن دون توافق وطني شامل مع ثمن أغلى مما لو‬
‫كانت ضمنه‪ ،‬ولكنه في النهاية محتمل‪ ،‬كما أنه يضعف بالضرورة برنامج‬
‫ال عن أن رغبة‬ ‫التسوية الذي لم يحصل من العدو إال على األوهام‪ ،‬فض ً‬
‫البرنامج احلاكم في احلفاظ على سلطته‪ ،‬في حال امتلك زمامها‪ ،‬متنعه من‬
‫إشعال اقتتال داخلي‪.‬‬
‫‪ .6‬وفي املقابل فإن مشاركة املقاومة في احلكومة سيؤدي حتم ًا إلى صدام مع‬
‫فتح التي تضاعفت لديها مبررات إسقاط احلكومة عبر افتعال املواجهات‬
‫معها (مثل‪ :‬الرغبة في استعادة حكمها ولو بالقوة‪ ،‬وليس لديها سلطة‬
‫لتخسرها‪ ،‬والتجاوب أو التناغم مع الضغوط واملطالب اخلارجية) في الوقت‬
‫الذي غ ّيرت فيه حماس أولوياتها لضمان استمرارية املشاركة واحلفاظ على‬
‫احلكومة‪.‬‬
‫‪ .7‬إن الواليات املتحدة و“إسرائيل” تفرضان واقع ًا في الساحة الفلسطينية من‬
‫خالل شبكة مصالح تربطهما مع أطراف فلسطينية‪ ،‬لم يعد يهمها جناح‬
‫التسوية بقدر بقاء هذه األطراف مهيمنة ومسيطرة على مقدرات الشعب‬
‫الفلسطيني‪ .‬ولذلك فإن التعامل مع هذا الواقع يجب أن يت ّم بعزله تدريجي ًا‬
‫عن التأثير في الشعب الفلسطيني‪ ،‬وجعل بقائه في السلطة مكلف ًا شعبي ًا له‪،‬‬
‫متهيد ًا لعزله بالكامل‪.‬‬
‫‪ .8‬ضرورة إعادة النظر في فلسفة اجلمع بني السلطة واملقاومة كخيار ثبت‬
‫فشله على أرض الواقع‪ ،‬وتبني خيار بناء جتمع وطني للمقاومة يتولى إدارة‬
‫مشروع املقاومة مبعناها الواسع ومتثيل الشعب الفلسطيني من خالل‬
‫مؤسسات مقاومة‪ ،‬وليس من خالل سلطة ال متلك شيئ ًا على أرض الواقع‪.‬‬

‫توصيات‪:‬‬
‫للخروج من األزمة احلالية نقترح عقد صفقة تبادلية مع فتح برعاية عربية مصرية‬
‫سورية على وجه اخلصوص تتضمن خروج حماس من احلكومة‪ ،‬والبقاء كمعارضة‬
‫حلكومة تكنوقراط ينزع منها أي دور سياسي أو أمني (تعطى الثقة على أساس‬
‫برنامج داخلي بحت) مقابل مشاركة فاعلة للحركة في منظمة التحرير الفلسطينية‬
‫وفق ًا لألساس العددي‪ ،‬على أن يترك االتفاق على البرنامج السياسي الحق ًا شريطة‬

‫‪159‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫خضوع الرئيس والسلطة لهذه املرجعية‪.‬‬


‫وبهذه احلالة‪:‬‬
‫حتافظ احلركة على شرعية متثيلها في املجلس التشريعي دون املساس‬
‫بها‪.‬‬
‫حتتفظ من داخل املجلس بقوة تأثيرها االجتماعي واالقتصادي وغيره‪.‬‬
‫تستمر ببرنامج املقاومة ضمن إطار وطني‪.‬‬
‫تتمكن من إيجاد متثيل سياسي حرمت منه لسنوات عدة في املنظمة‪ ،‬ويتيح‬
‫لها مستقب ً‬
‫ال إعادة بناء املنظمة على األساس السياسي الذي تؤمن به‪.‬‬
‫تعلن احلركة مبادرة لالنسحاب من احلكومة حقن ًا لدماء الشعب الفلسطيني‪،‬‬
‫مع تأكيد متسكها بتمثيل الشعب الفلسطيني وحتمل الطرف اآلخر مسؤولية‬
‫فشل هذا اخليار في حال رفضه‪.‬‬

‫أما البديل عن هذه الصفقة بعد استنفاد كل الوسائل املمكنة لتحقيقها؛ هو عدم‬
‫إبراز ممانعة عنيفة إلقصاء احلركة من احلكومة‪ ،‬مع االستمرار في التأكيد على أن‬
‫أي وضع ينشأ خارج إطار شرعية املجلس التشريعي‪ ،‬هو إطار باطل وانقالبي ال‬
‫تعترف به احلركة‪ .‬وفي هذه احلالة يجب أن تستعد احلركة جيد ًا لتفعيل خيار املقاومة‬
‫لالحتالل‪ ،‬واملعارضة للسلطة وفق قواعد تستفيد من سلبيات املاضي وتبني على‬
‫إيجابياته‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تقييم الربنامج ال�سيا�سي حلما�س‬


‫يف انتخابات �سنة ‪2006‬‬
‫د‪ .‬جاسم سلطان‬
‫‪39‬‬

‫في إطار الدعوة التي وجهت إلينا من مركز الزيتونة للدراسات واالستشارات إلعداد‬
‫ورقة حول دراسة علمية نقدية لتجربة حلماس منذ فوزها في االنتخابات التشريعية‬
‫وتكوينها للحكومة‪ ،‬فإننا نتقدم بهذه الورقة حول محور “البرنامج السياسي” املطروح‬
‫للحركة‪.‬‬
‫وقد مت إعداد هذه الورقة وفق العناصر التالية‪:‬‬

‫التمهيد‪:‬‬
‫ويشمل‪:‬‬
‫مقدمة عن السلطة الفلسطينية‬
‫مقدمة عن البرنامج السياسي حلركة حماس‬

‫حتليل األفكار األساسية في البرنامج االنتخابي‪:‬‬


‫وتشمل‪:‬‬
‫املقدمة‬
‫الثوابت‬
‫السياسة الداخلية‬
‫العالقات اخلارجية‬
‫اإلصالح اإلداري ومكافحة الفساد‬
‫السياسة التربوية والتعليمية‬
‫املواصالت واملعابر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 39‬كاتب قطري‪ ،‬ورئيس مجلس إدارة بيت اخلبرة للتدريب والتطوير‪ ،‬الدوحة‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تقييم عام للبرنامج‪:‬‬


‫اخلالصة‪:‬‬
‫وقد حتدثنا عن تقييم األداء العام حلماس في بند “تقييم عام للبرنامج”‪.‬‬

‫التمهيد‪:‬‬
‫إننا في هذه الورقة جند أننا مشتبكني مع عنوانني أساسيني‪:‬‬
‫احلكومة “السلطة الوطنية الفلسطينية”‬
‫البرنامج االنتخابي‬
‫لذلك نبدأ مبقدمة عن احلكومة “السلطة الفلسطينية” ومالبسات تكونها‪ ،‬ثم البرنامج‬
‫االنتخابي وأهم النقاط التي يراعى كتابتها في أي برنامج انتخابي‪.‬‬

‫مقدمة حول السلطة‪:‬‬


‫تكونت السلطة الوطنية الفلسطينية مبوجب اتفاق أوسلو الذي وقعته “إسرائيل”‬
‫ومنظمة التحرير الفلسطينية سنة ‪1993‬؛ لتكون أداة مؤقتة للحكم الذاتي للفلسطينيني‬
‫القاطنني في الضفة الغربية وقطاع غزة‪.‬‬
‫والسلطة الوطنية هي كيان إداري وسياسي لتنفيذ اتفاق حلكم ذاتي محدود‬
‫في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬ومبوجب اتفاق ‪ 1995‬بني السلطة‬
‫الفلسطينية و“إسرائيل” قسمت الضفة إلى ثالث مناطق‪:‬‬
‫مناطق (أ)‪ :‬وتخضع أمني ًا وإداري ًا بالكامل للسلطة الفلسطينية‪.‬‬
‫مناطق (ب)‪ :‬وتخضع إداري ًا للسلطة الفلسطينية وأمني ًا لـ“إسرائيل”‪.‬‬
‫مناطق (ج)‪ :‬وتخضع للسيطرة اإلسرائيلية فقط‪.‬‬
‫وقد احتفظت “إسرائيل” بسيطرتها على احلدود واألمن اخلارجي والقدس‬
‫واملستوطنات‪.‬‬
‫أي أن إجمالي السيطرة للسلطة الوطنية على مناطق (أ) من الضفة‪.‬‬
‫وقد أنشئت السلطة ملهام محددة مبوجب اتفاقية أسلو‪ ،‬حيث تنص الوثيقة على‬
‫أن للسلطة حق الوالية على كل الضفة وغزة في مجاالت الصحة والتربية والثقافة‬
‫والشؤون االجتماعية والضرائب املباشرة والسياحة إضافة إلى اإلشراف على القوة‬
‫الفلسطينية اجلديدة‪ ،‬ما عدا القضايا املتروكة ملفاوضات احلل النهائي مثل‪ :‬القدس‪،‬‬
‫واملستوطنات‪ ،‬واملواقع العسكرية‪ ،‬واإلسرائيليني املتواجدين في األرض احملتلة‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫التمويل‪:‬‬
‫وتتلقى السلطة التمويل عبر مساعدات دولية تصل إلى ‪ 800‬مليون دوالر‬
‫سنوي ًا‪ .‬وقد أشار التقرير االقتصادي العربي لسنة ‪ 2005‬أن نـحو ‪% 7‬‬
‫من إجمالي املساعدات الدولية منذ سنة ‪ 1994‬وحتى سنة ‪ 2000‬أسهمت به‬
‫الدول العربية وخاصة اململكة العربية السعودية ودولة اإلمارات‪ ،‬وازدادت‬
‫مساهمة الدول العربية لتصل إلى ‪ %63.5‬خالل سنوات االنتفاضة‬
‫(‪ .)2005-2000‬والالفت أن املساعدات األمريكية التي ال تتعدى ‪% 10‬‬
‫من إجمالي املساعدات الدولية كانت مشروطة في متويل مشاريع أمريكية‬
‫حتت مسميات تنشيط الدميوقراطية ومشاركة املرأة‪.40‬‬
‫اململكة املتحدة تسهم مببلغ ‪ 33‬مليون جنيه إسترليني سنوي ًا بشكل مباشر‪،‬‬
‫وحوالي ‪ 49‬مليون يورو ضمن الدعم الذي تقدمه املفوضية األوروبية البالغ‬
‫‪ 280‬مليون يورو سنوي ًا‪ .‬وتع ّد من أكبر اجلهات املتبرعة للفلسطينيني‪ ،‬إلى‬
‫جانب كونها ثاني أكبر متبرع لوكالة األمم املتحدة إلغاثة وتشغيل الالجئني‬
‫الفلسطينيني‪ .‬وقد أعلن وزير التنمية الدولية البريطاني في ‪2006/4/25‬‬
‫عن تقدمي مبلغ إضافي ‪ 15‬مليون جنيه إسترليني لهذه الوكالة‪.41‬‬

‫تطورات تعامل “إسرائيل” مع السلطة‪:‬‬


‫في أيلول‪ /‬سبتمبر ‪ 2000‬تعرضت بنية السلطة الفلسطينية للتدمير وقصفت‬
‫املقار األمنية التابعة لها في محاولة من احلكومة اإلسرائيلية لوقف اخلسائر التي‬
‫تتعرض لها منذ اندالع انتفاضة األقصى‪ ،‬وتعتقد أن عرفات مسؤول بشكل مباشر‬
‫عن العمليات االستشهادية التي تتم‪ .‬ولم يجد رئيس الوزراء اإلسرائيلي أريل شارون‬
‫في املوقف العربي أو الدولي رادع ًا يثنيه عن االستمرار في مخططه إلنهاء السلطة‬
‫الفلسطينية‪.‬‬
‫مقر رئيس السلطة الفلسطينية ياسر‬
‫وكانت أخطر عمليات القصف ما تعرض له ّ‬
‫عرفات في ‪ ،2002/3/29‬فقد أعلن شارون أن رئيس السلطة الفلسطينية ياسر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪http://www.alzaytouna.net/arabic/?c=619&a=29569 40‬‬
‫‪http://www.fco.gov.uk/servlet/Front?pagename=OpenMarket/Xcelerate/ 41‬‬
‫ ‬ ‫‪ShowPage&c=Page&cid=1099137505648‬‬

‫‪163‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫عرفات “عدو” لـ“إسرائيل”‪ ،‬ومن ثم فرض عليه حصار ًا‪ ،‬وأعاد اجليش اإلسرائيلي‬
‫احتالل كل مناطق السلطة‪ ،‬ومنعت القوات اإلسرائيلية الصحفيني من دخول مدينة رام‬
‫اللّه التي تع ّد حالي ًا العاصمة السياسية واالقتصادية للسلطة الفلسطينية‪.‬‬
‫من هذه النبذة السريعة ملالبسات نشأة السلطة ومهامها وتطور التعامل اإلسرائيلي‬
‫معها نخرج بالنقاط التالية‪:‬‬
‫السلطة الوطنية ميكن أن نطلق عليها أنها مؤسسة إلدارة شؤون الفلسطينني‬
‫في مناطق محددة وال ميلك السيادة الكاملة على هذه األراضي‪ ،‬أو استقاللية‬
‫كاملة في القرار‪ .‬حتى أن وثيقة أوسلو تقول بأنه “لن يكون األمن اخلارجي‬
‫والعالقات اخلارجية واملستوطنات من مهام السلطة الفلسطينية في املناطق‬
‫التي سينسحب اجليش اإلسرائيلي منها”‪.‬‬
‫أنشأت السلطة ملهام محددة ليست منها مقاومة احملتل‪ ،‬بل هي أحد منتجات‬
‫أوسلو في سبيل التسوية السلمية‪ ،‬والتداول السلمي لها يعني أن يأتي من‬
‫يستطيع إدارتها وفق ما صممت من أجله بكامل أشكال التعامل والتعاون‬
‫والتنسيق مع “إسرائيل”‪ .‬ومن ثم فهي ليست األداة التي ميكن استخدامها‬
‫في غير ما صنعت من أجله‪ ،‬وهي ليست أداة للمقاومة‪ ،‬وعلى من يتقدم‬
‫لاللتحاق بها أو العمل من خاللها أن يدرك ما هو سقفها وما األسباب التي‬
‫وجدت من أجلها‪.‬‬
‫تعتمد السلطة بشكل كامل على التمويل األجنبي‪ ،‬لذلك فهي خاضعة سياسي ًا‬
‫لألطراف األجنبية سواء العربية أم األوروبية واألمريكية‪ .‬ومن يحاول العمل‬
‫من خاللها عليه أن يصوغ برنامج ًا يناسب األطراف الداعمة‪ ،‬وإال فليبحث عن‬
‫أداة أخرى وجهاز ًا آخر يعمل من خالله‪ ،‬ألن مالك هذه املؤسسة “السلطة”‬
‫هو رأس املال األجنبي‪ .‬أي أنها مؤسسة تتكون من رأس املال األجنبي‬
‫والعمالة الفلسطينية‪ ،‬وال شك أن رأس املال هو املتحكم في القرار‪.‬‬
‫الدخول في السلطة الفلسطينية يعني بالضرورة التعامل املباشر مع‬
‫“إسرائيل”‪ ،‬فقرارات فتح املمرات وإغالقها كلها قرارات إسرائيلية‪ ،‬كما‬
‫أن وصول رأس املال وتسليح قوى األمن يت ّم عبر احلكومة اإلسرائيلية‪ ،‬كما‬
‫أن هناك بعض املناطق تخضع إداري ًا للسطة وأمني ًا لـ“إسرائيل”‪ ،‬وهذا‬
‫يؤدي إلى استحالة استمرار النبرة اإلستعالئية ضد “إسرائيل” ملن سيدير‬
‫مت حصار ياسر عرفات من قبل‪.‬‬ ‫السلطة‪ ،‬وإال يتعرض للحصار كما ّ‬

‫‪164‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مقدمة حول صياغة البرنامج السياسي‪:‬‬


‫حتى ميكننا أن نقيم أهم ما جاء في البرنامج السياسي حلركة حماس نـحتاج‬
‫أن نذكر ابتداء عدة نقاط أساسية عند صياغة رؤية سياسية تتبلور في شكل برنامج‬
‫سياسي‪.‬‬
‫البرنامج السياسي ال يتحدث عن شعارات‪ ،‬وإمنا يتحدث عن نقاط محددة‬
‫جد ًا سيتم تطبيقها في فترة الفعل السياسي في حالة الفوز‪.‬‬
‫البرنامج السياسي ينطلق مما ميكن تطبيقه في الفترة املطروح فيها‪ ،‬وليس‬
‫مما يؤمل ويرجى‪.‬‬
‫لغة صياغة البرنامج يجب أن تتماشى مع روح العصر ومفرداته لتعكس‬
‫عقلية ناضجة متطورة‪.‬‬

‫حتليل األفكار األساسية في البرنامج‪:‬‬


‫أو ًال‪ :‬املقدمة‪:‬‬
‫الرؤية الشاملة‪:‬‬
‫جاء في مقدمة البرنامج‪:‬‬
‫إن قائمة التغيير واإلصالح تعتقد أن مشاركتها في االنتخابات التشريعية‬
‫ظل الواقع الذي تعيشه القضية الفلسطينية تأتي‬‫في هذا التوقيت وفي ّ‬
‫في إطار البرنامج الشامل لتحرير فلسطني‪ ،‬وعودة الشعب الفلسطيني‬
‫إلى أرضه ووطنه وإقامة دولته املستقلة وعاصمتها القدس‪ .‬لتكون هذه‬
‫املشاركة إسناد ًا ودعم ًا لبرنامج املقاومة واالنتفاضة الذي ارتضاه الشعب‬
‫الفلسطيني خيار ًا استراتيجي ًا إلنهاء االحتالل‪.‬‬
‫سنلحظ هنا في املقدمة حديث ًا عن وجود برنامج شامل لتحرير فلسطني كانت‬
‫املشاركة االنتخابية جزء ًا منه‪ .‬ترى ما هو هذا البرنامج الشامل لتحرير فلسطني؟‬
‫ال لتحرير فلسطني؟ وإن كان موجود ًا فمتى‬ ‫فهل متتلك حركة حماس برنامج ًا شام ً‬
‫متت برمجته؟ ومتى عرض هذا البرنامج على الشعب الفلسطيني حتى ميكن القول‬
‫إن هذا البرنامج التحرير الشامل مت دعمه من قبل الشعب الفلسطيني؟‬
‫فإن كانت أجوبة األسئلة السابقة بالنفي‪ ،‬نفي أن تكون حلركة حماس رؤية متكاملة‬
‫وبرنامج ًا شام ً‬
‫ال للتحرير متضح املعالم واملراحل‪ ،‬حينها فإن مبرر املشاركة االنتخابية‬
‫فقد مرتكزه األساس الذي ذكر في املقدمة “إن قائمة التغيير واإلصالح تعتقد أن‬

‫‪165‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مشاركتها في االنتخابات التشريعية في هذا التوقيت‪ ...‬تأتي في إطار البرنامج‬


‫الشامل لتحرير فلسطني”‪.‬‬

‫األهداف‪:‬‬
‫مت حتديد األهداف من البرنامج السياسي ابتداء في املقدمة‪ ،‬والتي تتلخص في‪:‬‬ ‫ّ‬
‫تخفيف املعاناة‬
‫تعزيز الصمود‬
‫احلماية من الفساد‬
‫تعزيز الوحدة الوطنية‬
‫كما ذكر في مقدمة البرنامج كذلك السعي إلقامة مجتمع مدني فلسطيني متطور‬
‫يقوم على التعددية السياسية وتداول السلطة‪.‬‬
‫وانطالق ًا من املقدمة التي ذكرناها حول صياغة البرنامج السياسي‪ ،‬فإن األهداف‬
‫ظل رفض دولي‬ ‫هنا مطاطة‪ ،‬فما األدوات التي ستمكن حماس من تخفيف املعاناة في ّ‬
‫“للمقاومة املسلحة”‪ ،‬وكيف ستت ّم احلماية من الفساد‪ ،‬أو بناء مجتمع مدني متطور‪،‬‬
‫وما هي الشروط املوضوعية لقيام هذا املجتمع املدني املتطور؟ وهل ميكن أن يوجد‬
‫ظل احتالل؟ خصوص ًا وأن احلكومة ال متتلك سيادة فعلية‬ ‫مجتمع مدني متطور في ّ‬
‫وإمنا هي حكومة منتدبة من قبل االحتالل‪.‬‬
‫إننا نلحظ هنا طغيان اجلانب الشعاراتي في األهداف‪ ،‬فهي كلها أهداف مشروعة‬
‫ال ينكرها عاقل‪ ،‬لكن يبقى سؤال إمكانية أن تكون هذه األهداف واقع ًا وأن تترجم‬
‫ظل مجتمع دولي داعم لـ“إسرائيل”‪.‬‬ ‫إلى فعل في ّ‬

‫االستدعاء الديني‪:‬‬
‫ثم انتهت املقدمة بقول اللّه تعالى‪} :‬وأن هذا صراطي مستقيم ًا فاتبعوه وال تتبعوا‬
‫السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون{ (األنعام‪.)153 :‬‬
‫وتأتي هنا إشكالية االستدعاء الديني وأن هذا هو الصراط املستقيم الواجب االتباع‪،‬‬
‫فبقية السبل تضل عن سبيل اللّه‪ ،‬ترى‪ ..‬ماذا لو لم يعمل البرنامج كما تصورت حماس‬
‫‪ -‬هذا ما حدث بالفعل؟ هل املشكلة في هذا الصراط املستقيم املستلهم من القرآن؟‬
‫أم املشكلة في املجتمع الدولي والعمالء‪ ،‬وهل هذا الصراط املستقيم عاجز أن يضع‬
‫تصور ًا للتعامل مع األطراف املختلفة‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫إن استدعاء الدين هنا‪ ،‬وهذه اآلية حتديد ًا التي متايز بني السبل‪ ،‬وتوحي بقدسية‬
‫خيار حماس املنزل من السماء‪ ،‬ال يعكس للقارئ أن عقلية من صاغ البرنامج تؤمن‬
‫أن اجتهادها هو اجتهاد بشري محض‪ ،‬ال بأس أن ينطلق حزب أو حركة من منطلق‬
‫إسالمي‪ ،‬لكنه يحسن اختيار اآلية مثل } وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله‬
‫واملؤمنون{‪ ،‬كما جاء في آخر البرنامج‪ ،‬أو }وفي ذلك فليتنافس املتنافسون{‪ ،‬كان‬
‫من املمكن اختيار آية ال تعكس أحادية القطب املستحوذ على احلق‪ ،‬بل تعكس ضرورة‬
‫العمل والتنافس في احلياة الدنيا‪ ،‬فلغة اخلطاب ضرورية جد ًا ألنها تعكس جزء ًا مهم ًا‬
‫جد ًا ومستبطن في البرنامج رمبا لم يكتب مباشرة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬الثوابت‪:‬‬


‫إذا ألقينا نظرة على ما كتب في برنامج احلركة حتت عنوان “أو ًال‪ :‬ثوابتنا“ بعد‬
‫املقدمة سنجد التالي‪:‬‬
‫فلسطني التاريخية (البند ‪ :)2‬أي األرض كل األرض للفلسطينني‪ ،‬فما الدافع‬
‫اإلسرائيلي ألن يتعامل مع حكومة تطالب بحدود فلسطني التاريخية جملة واحدة‪ .‬وما‬
‫مبرر أن تدعم هذه احلكومة وتسمح لها بتسيير شؤون الشعب‪ ،‬هل يعقل أن يترك‬
‫اإلسرائيليون حماس لتزداد قوتها ثم تعمل على إقامة الدولة التاريخية‪ .‬هنا يظهر‬
‫أن البرنامج هو برنامج حركة مقاومة وفقط‪ ،‬وليس حركة سياسية تتقدم بأهداف‬
‫مرحلية‪.‬‬
‫املقاومة املسلحة (البند ‪ :)4‬حتدث البند عن أن من الثوابت إنهاء االحتالل بكافة‬
‫الوسائل متضمنة املقاومة املسلحة‪ ،‬ولم يحدد البرنامج ما هو دور هذا السالح؟ هل‬
‫هو‪:‬‬
‫سالح حترير‪ :‬قادر بالفعل على حترير األرض كما يذكر البرنامج‪.‬‬
‫سالح حتريك‪ :‬يستخدم للضغط لتحسني الوضع التفاوضي كلما لزم األمر‪.‬‬
‫سالح مشاغلة‪ :‬إلشغال العدو عن جتهيزات وإعدادات وفق البرنامج‪.‬‬
‫سالح إنهاك‪ :‬إلنهاك قدرة العدو واستنزافه‪.‬‬
‫أم كل ذلك‪ ...‬وفي هذا ما ال يخفى من التناقض‪ ...‬فلكل خيار توابعه من الفعل‬
‫تختلف عن اآلخر‪ ...‬وبالتالي‪:‬‬
‫لم يتحدد أي دور سيمارسه السالح الذي ستتبناه املقاومة‪.‬‬
‫التمسك بكامل احلقوق (البند ‪ :)6‬حتدث البند عن التمسك بكامل حقوق الشعب‪،‬‬

‫‪167‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫واألرض‪ ،‬والقدس‪ ،‬واملقدسات‪ ،‬ودولة فلسطينية عاصمتها القدس‪ .‬فهذا هو حقّ‬


‫الفلسطينني‪ ...‬لكن ترى ما هو حقّ الطرف اآلخر من وجهة نظر املجتمع الدولي‪ ...‬أم‬
‫مت إهماله في مثل هذا الطرح عمد ًا مما يعيدنا لسؤال هل البرنامج للدخول في‬ ‫أنه قد ّ‬
‫عملية سياسية أم للخروج منها؟ وأي األطراف أقوى حتى يفرض شروطه؟‪.‬‬
‫تعزيز وحماية الوحدة الفلسطينية (البند ‪ :)7‬كيف يحدث ذلك في ظل اختالف‬
‫البرامج‪.‬‬
‫يظهر لنا في البرنامج أزمة الثوابت وعدم حتديد حزمة التبادالت املمكنة مع العالم‪،‬‬
‫فإن لم يكن لدى حماس فكرة عن برنامج تفاوضي تتقدم به فما مبرر تبنيها لبرنامج‬
‫سياسي‪ ،‬أليس العمل السياسي يعني فن تقدمي التنازالت بحسب موازين القوى؟ فما‬
‫هي حزمة التبادالت املمكنة في هذه احلالة؟‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬السياسة الداخلية‪:‬‬


‫حتدث البرنامج في النقاط السياسة الداخلية عن‪:‬‬
‫احملافظة على الثوابت الوطنية (بند ‪ :)1‬حتدثنا عن الثوابت سابق ًا وأن كتابتها‬
‫بهذه الطريقة لم توجد مبرر ًا ملمارسة فعل سياسي من خالل احلكومة‪.‬‬
‫احلريات السياسية والتعددية وتشكيل األحزاب (بند ‪ :)3‬الوقوع في وهم‬
‫وجود دولة حقيقية أو حكومة سيادية‪ ،‬فكيف لهذه األمور أن تطبق في مجتمع حتت‬
‫االحتالل‪ ،‬حتدثنا عن دور احلكومة الفلسطينية فيه سابق ًا في التميهد كمندوب يدير‬
‫شؤون الشعب‪.‬‬
‫تعميق أواصر الوحدة الوطنية ولغة احلوار (بند ‪ :)4‬كيف يحدث هذا في ّ‬
‫ظل‬
‫انشطار عمودي ملعسكرين يرون العالم بصورة مختلفة متام ًا‪ ،‬وكل يشد القضية في‬
‫اجتاه مضاد لآلخر‪.‬‬
‫تصويب وترشيد دور األجهزة األمنية حلماية املواطنني (بند ‪ :)9‬وهل توجد‬
‫باألساس دولة قادرة على حماية مواطنيها أمام االجتياحات والقصف اجلوي؟؟!!‪.‬‬
‫اعتبار التعاون األمني أو ما يسمى “التنسيق األمني” مع االحتالل جرمية وطنية‬
‫ودينية كبرى (بند ‪ :)10‬أال يوجد متييز بني التعاون أو التنسيق كحاجة والتمييز بينه‬
‫وبني اخليانة‪ ،‬فعندما ر ّد الرسول أبا بصير إلى معسكر الكفر في احلديبية وفق اتفاق‬
‫أمني ييشترط ذلك‪ ،‬هل كان هذا تنسيق أم تعاون أم خيانة أم حاجة‪.‬‬
‫كما عادت احلركة في خطابها لتستدعي الدين في قضية اجتهادية ليصبح التعاون‬

‫‪168‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أو التنسيق “جرمية دينية كبرى”‪ ،‬وماذا عن التنسيق في صرف الرواتب‪ ،‬وفي‬
‫تسليح األمن‪ ،‬وفي دخول اإلغاثات واخلدمات‪ ،‬وفي إصادر تصريحات للصحفيني‬
‫ووكاالت األنباء‪ ،‬هل هذا يعد جرمية دينية؟؟!!‬
‫األموال العامة حق جلميع الشعب (بند ‪ :)15‬فأين هي هذه األموال التي ستأتي‬
‫بعد حزمة الثوابت السالفة‪ ،‬فمن أين ستأتي وكيف ستمر؟ ووفق أي شروط؟‬

‫رابع ًا‪ :‬العالقات اخلارجية‪:‬‬


‫بناء عالقات سياسية متوازنة مع األسرة الدولية (بند ‪ :)4‬إن البرنامج املطروح‬
‫وفق الثوابت ال يفتح أي مساحة للحوار مع األسرة الدولية الداعمة سلف ًا للكيان‬
‫الصهيوني‪ ،‬واملهيمنة على السياسة العاملية وعمق الدعم العربي‪.‬‬
‫رفض املنح املشروطة بتنازالت عن الثوابت الوطنية (بند ‪ :)10‬ولم ستقدم املنح‬
‫إذن‪ ،‬وإن لم تكن مشروطة فنحن نتحدث عن منح عربية أو من دول معادية للهيمنة‬
‫األمريكية‪ ،‬وهنا تظل فكرة تأمني مرور هذه املنح وتفعيلها وفق رفض إسرئيل وحلفائها‬
‫هي املعضلة الكبرى أمام تفعيل هذا البند عملي ًا‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬اإلصالح اإلداري ومكافحة الفساد‪:‬‬


‫احلديث عن محاربة الفساد بكل أشكاله وتعزيز الشفافية والرقابة وحتديث‬
‫التشريعات والنظم‪ ...‬والفساد في فلسطني جزء بنيوي تغلغل عبر عقود في بنية‬
‫منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬وأصبح هدمه هو عني هدم السلطة ومؤسساتها وبالتالي‬
‫ينطرح عدد من االسئلة على هذا املوضوع مثل الواقعية وتوفر االمكانية للقيام به دون‬
‫التضحية باملشروع األكبر وهو املشروع الفلسطيني وإدخاله في نفق جديد‪ ...‬ليس‬
‫من الصعب احلديث عن أي شعار ولكن األهم إمكانية تنزيله على أرض الواقع دون‬
‫مضاعفات تقتل املريض‪.‬‬

‫سادس ًا‪ :‬السياسة التربوية والتعليمية‪:‬‬


‫استقطاب الكفاءات املهاجرة (بند ‪ :)11‬ما عملية هذا الطرح‪ ،‬وما إمكانية تطبيقه‬
‫ظل أوضاع ال يسودها‬ ‫لتعود الكفاءات املهاجرة خلدمة حكومة ال متتلك سيادة وفي ّ‬
‫احل ّد األدنى من الشروط املوضوعية لالستقرار‪ ...‬اللّهم إال إذا كنا نتكلم عن قوى ذات‬
‫هم وطني نضالي وبالتالي فهي قادمة قادمة مهما كثرت العقبات‪ ،‬وهم ليسوا موضع‬

‫‪169‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫السؤال هنا حيث احلديث عن مهاجرين دفعت بهم الظروف غير املستقرة للخروج‪،‬‬
‫وشرط عودتهم هو االستقرار‪ ...‬وال يخفى ما في ذلك من تناقض مع فكرة حمل‬
‫السالح واملقاومة والتي جوهرها خلق حالة عدم استقرار لالحتالل‪ ،‬وبالتالي تتوقع‬
‫االستجابة نفسها وأقوى من العدو!‪.‬‬

‫سابع ًا‪ :‬املواصالت واملعابر‪:‬‬


‫فتح املعابر احلرة وامليناء واملطار ورفض أي تدخل خارجي (بند ‪ 4‬و‪ :)5‬ما قيمة‬
‫هذا البند في وجود االحتالل‪ ،‬ومن الذي ميلك فتح املعابر أو غلقها‪ ،‬وهل دول اجلوار‬
‫ستتجاوب بفاعلية مع قرارات مخالفة لإلرادة الصهيونية‪ ،‬وهل ستتفرج “إسرائيل”‬
‫على املعابر وهي تفتح لدخول املال والسالح دون أي تدخل (رفض أي تدخل أجنبي)‪.‬‬
‫وماذا يعني الرفض هنا في حالة التدخل‪ ،‬كيف سيترجم عملي ًا؟؟‪.‬‬

‫تقييم عام للبرنامج‪:‬‬


‫في ضوء القراءة الكلية للبرنامج ميكن تقييم البرنامج السياسي كالتالي‪:‬‬

‫عدم نضج نظرية العمل‪:‬‬


‫من حيث احلديث عن برنامج التحرير الشامل‪ ،‬وعدم وضوح املراحل املتتابعة التي‬
‫تؤدي إلى هذا التحرير‪.‬‬

‫الدخول املبكر‪:‬‬
‫إن البرنامج االنتخابي شمل مفردات املقاومة والتحرير‪ ،‬وعدم التنازل عن فلسطني‬
‫التاريخية‪ ،‬إذن فالبرنامج األساسي هو برنامج مقاومة وليس برنامج سياسي‪ ،‬فما‬
‫هي اإلضافة التي سيضيفها دخول حماس في احلكومة على برنامج املقاومة‪،‬‬
‫خصوص ًا وأن أي حكومة “منتدبة” يجب أن تتعامل مع االحتالل‪ ،‬حيث أنها ليست‬
‫موجودة من باب سيادة‪ ،‬وإمنا كأجير يدير شؤون الشعب‪.‬‬
‫وهذا يدفعنا للوقوف أمام مهام احلكومة بغض النظر عن الطرف الذي سيفوز بها‪.‬‬
‫فنحن هنا لسنا في دولة مستقلة لها سيادة قادرة على اتخاذ القرار‪ ،‬وإمنا نـحن‬
‫أمام مؤسسة فلسطينية تدير شؤون الشعب وفق البرنامج اإلسرائيلي‪ ،‬إنه انتداب‬
‫إسرائيلي حلزب أو مجموعة فلسطينية تتولى إدارة شؤون العباد‪ ،‬فاملمول للحكومة‬

‫‪170‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫هو “إسرائيل”‪ ،‬والذي يوفر مقومات احلياة هو “إسرائيل”‪ ،‬ورغم إدراك جميع القوى‬
‫لذلك ظاهري ًا إال أن هناك خلط وتوهم لوجود حكومة ميكن محاربة الفساد فيها‪ ،‬بل‬
‫ميكن لطرف يعلن عن فلسطني التاريخية ليأتي في السلطة ثم تدعمه “إسرائيل”؛‬
‫ليدير شؤون املجتمع‪ ،‬وهو أمر يصعب للعقل تخيله‪ ،‬أن تترك “إسرائيل” طرف ًا يسعى‬
‫بإزالتها ليقوم بدور املندوب‪ ،‬فاملال الذي تدار به احلكومة يأتي من “إسرائيل”‪ ،‬ومقومات‬
‫قيام املجتمع من بنى حتتية أو رواتب أو خدمات إنسانية متررها “إسرائيل”‪ ،‬فكيف‬
‫يعقل سياسي ًا أن تأتي حكومة مقاومة تنادي باحلق التاريخي إلدارة شؤون الشعب‪،‬‬
‫كوسيط بني “إسرائيل” والشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫ضعف التمييز بني األيديولوجية والعمل السياسي‪:‬‬


‫أكثرت احلركة تاريخي ًا من احلديث عن الثوابت حتى اختلط الهدف بالعقيدة‪ ،‬والثابت‬
‫باملتغير مرحلي ًا‪ ،‬وامتداد ًا ألزمة االستدعاء الديني فإن “ال يجوز” كانت هي الطاغية‬
‫تاريخي ًا على خطوات ومراحل ميكن القبول بها مرحلي ًا‪ ،‬والشرع تعامل بواقعية مع‬
‫األحداث‪ ،‬فال يجوز شرب اخلمر إال من اضطر لذلك‪ ،‬وال يجوز القتال في الشهر احلرام‬
‫لكن أيد اللّه موقف من قاتلوا فيه‪ ،‬وهنا متيز احلركات السياسية بني ما هو حكم وما‬
‫هو من باب الضرورة‪ ،‬فالقاعدة األصولية تقول إن الضرورات تبيح احملظورات وأن‬
‫الضرورة تقدر بقدرها‪ .‬لذلك وجد في السياسة ما ميكن أن نسميه الطاولة السياسية‪.‬‬
‫ففكرة العمل السياسي أقرب ما تكون إلى الطاولة‪ ،‬التي رمبا تتحمل ‪ 100‬كغ‪ ،‬لكننا‬
‫إذا حاولنا حتميلها ‪ 200‬كغ فإنها ستنكسر‪.‬‬
‫ووظيفة رجل السياسة أن يحسن صناعة الطاوالت‪ ،‬وال ُي َح ِّمل أي طاولة أكثر مما‬
‫حتتمل‪ ،‬فليست براعته في أن يحمل أوزان ًا ثقيلة‪ ،‬بل براعته أن تصمد طاولته حتت‬
‫وزنه حتى يتمكن من الوصول إلى غيرها‪.‬‬
‫ونلحظ حضور الطاولة السياسية في احلديبية‪ ،‬حني لم يتوقف الرسول عند‬
‫األيديولوجية‪ ،‬بل حترك من املمكن نـحو هدفه‪ ،‬وراعى ما حتتمله املرحلة‪ ،‬فوافق أن‬
‫تشطب التسمية في العقد وتظل صيغة اجلاهلية “باسمك اللّهم”‪ ،‬ثم وافق أن يحذف‬
‫لقبه كرسول ليكون العقد من محمد بن عبد اللّه‪ ،‬وليس من محمد رسول اللّه‪ ،‬ثم وضع‬
‫على طاولته ما تتحمله‪ ،‬فوافق أن يرد الكافر إذا أتاه من مكة‪ ،‬ووافق أال ترد له قريش‬
‫مسلم ًا أتاها‪ ،‬ثم كان اختبار الطاولة حني أتاه أبا بصير فرده الرسول وأمره أن يرجع‬
‫مع الكفار‪ ،‬فقال أبو بصير‪:‬‬

‫‪171‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫“يا رسول اللّه تردني إلى املشركني يفتنونني في ديني‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا بصير إنا قد‬
‫أعطينا هؤالء القوم ما قد علمت‪ ،‬وال يصلح لنا في ديننا الغدر‪”...‬‬
‫فقد رأى الرسول أن نبذ العهد ال تتحمله طاولة األهداف اآلنية‪ ،‬فالتحرك هنا يكون‬
‫في ضوء املمكن‪ ،‬من أجل حتريك األوضاع خطوة لألمام‪ ،‬وليس إجناز احلل على‬
‫شكله املثالي‪ ،‬فالشكل املثالي يقول إن املسلم أخو املسلم ال يظلمه وال يسلمه‪ ،‬ويقول‬
‫ال‪ ،‬خصوص ًا وقد أتى الدين حتى ال‬ ‫أن رد شخص إلى الكفار ليفتنوه ليس مقبو ًال عق ً‬
‫تكون فتنة ويكون الدين للّه‪.‬‬
‫هنا جند أن ما يتنزل من األيديلوجيا الصلبة احلاملة على الواقع يكون بالقدر الذي‬
‫حتتمله الطاولة‪ ،‬بعيد ًا عن الشعارات واخلطابة التي ال تنجز نصر ًا‪ ،‬وال تبني قدرة‬
‫الفاعل السياسي على أن يزيد من قوة حتمل طاولته لتتحمل أوزان ًا أقوى‪.‬‬
‫إن رجل السياسة عادة ما يبدأ ‪ -‬إن كان يصارع خصم ًا قوي ًا ‪ -‬من ضعف‬
‫استراتيجي‪ ،‬ثم ينتقل إلى مرحلة التعادل االستراتيجي‪ ،‬ثم مرحلة التفوق االستراتيجي‪،‬‬
‫واأليديولوجية تتنزل على الواقع بحسب املرحلة‪ ،‬فكلما زادت قوة الفاعل السياسي‬
‫االستراتيجية‪ ،‬زادت قدرته على حتميل طاولته مزيد ًا من األيديولوجية‪.‬‬
‫لقد رأينا جورج بوش عقب أحداث ‪ 11‬أيلول‪ /‬سبتمبر يتحدث عن حرب صليبية‪،‬‬
‫مستند ًا إلى اخلطاب الديني ليحشد العواطف والدعم‪ ،‬وهو هنا يتحدث من منطلق‬
‫املتفوق استراتيجي ًا‪ ،‬القادر على مخالفة األمم املتحدة‪ ،‬وحتميل طاولته باألهداف‬
‫السياسية الثقيلة‪.‬‬
‫بينما نرى األتراك بقيادة “أردوغان” وهم يحاولون التخفيف من هيمنة العسكر‪ ،‬ال‬
‫يتحدثون مطلق ًا عن أيديولوجية دينية‪ ،‬على الرغم من أنهم يفترض أن يفكروا أنهم‬
‫باألساس دولة اخلالفة اإلسالمية‪ .‬أو على األقل دولة تطبق اإلسالم‪ ،‬لكنهم راعوا‬
‫طاوالتهم االستراتيجية‪ ،‬فصمموا سلم األهداف على اعتبار أن الهدف األول هو‬
‫التحول من دولة علمانية معادية للدين إلى دولة علمانية غير معادية للدين‪ .‬فإن لم يكن‬
‫فالدولة العادلة‪ ،‬والعدل من أسمى ما جاءت به الشريعة‪ ،‬ولو لم يقل من يطبقه أنه‬
‫يطبق الشريعة‪.‬‬
‫وبذلك صمم طاولته على هذا األساس‪ ،‬وحاول قدر اإلمكان أال يحرق املراحل‪ ،‬أو‬
‫يحمل طاولته ما ال تتحمل‪ .‬فاملنطق يقول إنه رمبا ينجح لو فعل ذلك‪ ،‬لكنه بالتأكيد‬
‫خاسر إن ل ّوح باأليديوجيا مثلما فعل من قبل “أربكان”‪.‬‬
‫عدم التمييز بني الثوابت ومتطلبات املرحلة‪:‬‬

‫‪172‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫إن التأكيد الدائم على الثوابت ال يعني استردادها‪ ،‬وكتابتها في برنامج سياسي يفترض‬
‫أن يسعى لتحسني شروط التفاوض الحق ًا يغلق الباب أمام الفاعل السياسي ليناور‪ ،‬أليس‬
‫من الثوابت أن محمد ًا رسول اللّه لكن الرسول قبل بشطب لقب النبوة في احلديبية‬
‫ليستبدله مبحمد بن عبد اللّه‪ ،‬إنه لم ينكر الثابت قلبي ًا‪ ،‬ولكنه أمام قضية عملية‪ ،‬ويريد‬
‫االنتقال من الضعف االستراتيجي إلى التعادل االستراتيجي إلى التفوق االستراتيجي‪،‬‬
‫وهذا ال يتأتى بتكرار الثوابت‪ ،‬بل بوضع خطة عمل ممنهجة جلعلها واقع ًا‪.‬‬

‫عدم انضباط الرسائل املوجهة لألطراف املختلفة‪:‬‬


‫فالبرنامج صمم لينال رضا قواعد احلركة وجماهير الشعب الفلسطيني‪ ،‬لكنه لم‬
‫يراع الرسائل املوجهة من خالل هذا البرنامج إلى شركاء الوطن وعلى رأسهم حركة‬
‫فتح‪ ،‬إلى “إسرائيل”‪ ،‬إلى املجتمع الدولي‪ ،‬والدول العربية‪.‬‬
‫فالرسائل املوجهة لألطرف األخرى تبدو مخيفة‪ ،‬عازمة “في املرحلة احلالية” على‬
‫التحرير الكامل‪ ،‬ترى ما الذي كان متوقع ًا من مثل هذا البرنامج جتاه حكومة ال متلك‬
‫سيادة‪ ،‬ويعتقل أفرادها من قبل االحتالل‪.‬‬
‫وإذا كانت الرسالة األساسية هي سنظل نقاوم‪ ،‬فما جدوى الدخول في لعبة سياسية‬
‫عدمية املمول فيها هو “إسرائيل” واملجتمع الدولي‪ ،‬فكيف تقول لهم سأقاومكم وحقكم‬
‫علي أن متولوني؟‪.‬‬

‫عدم التمييز بني الروافع احلقيقية والروافع احملتملة لتحقيق األهداف‪:‬‬


‫يجب أن يتأكد رجل السياسة أن هدفه سياسي‪ ،‬وإن كان يشك في أن حتصيل‬
‫الهدف ال يتم إال عبر ممارسة السياسة فعليه أن يتمهل‪ ،‬ويقطع شكوكه باليقني‪،‬‬
‫فاللعبة السياسية‪ ،‬خصوص ًا في العالم الثالث عادة ما تكون صفرية‪ ،‬إما منتصر أو‬
‫مهزوم‪ ،‬فاخلاسر يخرج من اللعبة السياسية‪ ،‬وقد يتطلب عودته إلى املشهد السياسي‬
‫جهد ًا كبير ًا وسنوات مديدة‪.‬‬
‫فإذا حتقق رجل السياسة من أنه جاد في دخول اللعبة‪ ،‬فعليه أن يحدد الهدف‬
‫بدقة‪ ،‬وعندما يصمم رجل السياسة سلم األهداف فإنه ال يتحرك بشكل ارجتالي أو‬
‫عاطفي‪ ،‬أو ينطلق بناء على ما ينبغي أن يكون‪ ،‬بل يصممه على اعتبار الروافع املتوفرة‬
‫التي تسمح بتحقيق هذه األهداف‪ ،‬أو الروافع التي يتوقع أنه قادر على إيجادها وفق‬
‫دراسات‪ ،‬ونعني بالروافع هنا األرجل والدعامات القادرة على حمل هذه األهداف‬

‫‪173‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫والتحرك بها‪ ،‬من موارد وعالقات وفرصة وقدرة على التخطيط‪ ...‬إلخ‪ .‬فعندما تريد‬
‫أن تشتري عمارة مبليون دوالر‪ ،‬بينما ال متتلك سوى عشرة دوالرات‪ ،‬حينها يجب أن‬
‫يكون لديك تصور عن الطريقة التي ستحصل بها على املبلغ‪ ،‬وإال فأنت واهم‪.‬‬
‫لذلك على رجل السياسة أن ينتبه ومييز بني الروافع احلقيقية والروافع املتوهمة‪.‬‬
‫ترى ما هي الروافع احلقيقية التي كانت نصب عني حركة حماس وهي تتحدث عن‬
‫إقامة وحدة وطنية‪ ،‬وتخفيف املعاناة‪ ،‬وتعزيز الصمود‪ ،‬واحلماية من الفساد‪ ،‬ما هي‬
‫روافعها للتعامل مع املجتمع الدولي‪ ،‬ما هي روافعها للتعامل مع فتح‪ ،‬ما هي روافعها‬
‫لتطهير بؤر الفساد؟ كلها أسئلة إن لم تتوفر إجابة عليها يصبح البرنامج أمنية وليس‬
‫برنامج ًا سياسي ًا‪.‬‬
‫رمبا ارتكبت خطأ فادح ًا عندما بنت أهدافها على روافع محتملة‪ ،‬كأن يدعمها‬
‫العرب أو الروس‪ .‬إن الفاعل السياسي ال يخطط على رافعة محتملة‪ ،‬ولكنه يخطط‬
‫على رافعة حاضرة بني يديه‪ ،‬أو يوقن بإمكانية إحضارها‪.‬‬

‫سقف األهداف أعلى من سقف املمكن‪:‬‬


‫فهل كان يتوقع أن يغير املجتمع الدولي موقفه إزاء حركة تنادي بحقها التاريخي‪،‬‬
‫وإن كانت احلركة ال تعبأ باملجتمع الدولي‪ -‬وهذا غير مرجح‪ ،‬ألم يتم التفكير في كيفية‬
‫تعامله مع حكومة حتمل هذا السقف املرتفع من األهداف؟ وإذا كان هناك تصور‬
‫أن العرب هم الذين سيدعمون تطبيق البرنامج فما هي مؤشرات هذا االستعداد‪...‬‬
‫وتاريخ التعاطي مع هذا امللف‪ ،‬وهل كان للحركة دراية بآلية نقل األموال على مستوى‬
‫الدول حتى تفاجئت بعجز الدول العربية مجتمعة عن كسر احلصار املالي وذلك هو‬
‫احل ّد األدنى في الدعم؟‪.‬‬

‫اخلالصة‪:‬‬
‫إن على حركة املقاومة اإلسالمية حماس أن تعي عدة أمور وهي في مسارها على‬
‫طريق التحرير‪.‬‬

‫ماذا تريد من السياسة؟‬


‫إذا كان برنامج احلركة باألساس هو برنامج مقاومة‪ ،‬وهو برنامج قائم على التمسك‬
‫بالثوابت في أقصى حدودها‪ ،‬فما الذي تريده حتديد ًا من دخول لعبة سياسية قائمة‬
‫على تقدمي التنازالت حتى ميكن التفاوض؟!‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وإذا كان الهدف هو محاربة الفساد‪ ،‬وإن كان وال ب ّد من الدخول في احلكومة فهذا‬
‫سيتطلب تخفيف األهداف الكبرى بشكل كبير‪ .‬فلن يحصل العب سياسي على كل‬
‫ما يريد دون أن يقدم لألطراف األخرى شيئ ًا ثمين ًا يتركه‪ ،‬خصوص ًا وإن كانت هذه‬
‫األطراف هي املالكة لرأس املال‪.‬‬
‫فعلى حركة حماس أن تبدأ في صياغة مشروع حقيقي له مراحلة وسلم أهدافه التي‬
‫تبدأ من املمكن‪ ،‬ومن الروافع احلقيقية وليست احملتملة‪.‬‬

‫النجاح التكتيكي ال قيمة له في ظل الفشل االستراتيجي‪:‬‬


‫فإذا كانت الرؤية االستراتيجية لرجل السياسة ال توصل إلى األهداف التي ينادي‬
‫بها‪ ،‬فإن النجاح على مستوى التكتيكات من أنشطة ووسائل يصبح عدمي القيمة‪،‬‬
‫واالنشغال بتطوير االستراتيجية الناجحة أهم من التصفيق واالحتفال بأنشطة ال‬
‫توصل إلى الهدف املطلوب‪.‬‬

‫مثال‪:‬‬
‫يع ّد جناح حماس في االنتخابات هو جناح تكتيكي‪ ،‬لكنه جاء في إطار ضبابية في‬
‫الرؤية االستراتيجية األكبر‪ ،‬مما قاد إلى األوضاع التي رأيناها‪ ،‬حيث لم جتب في‬
‫الرؤية االستراتيجية على األسئلة احلرجة مثل‪:‬‬
‫ما هو البرنامج الشامل للتحرير الذي تتحدث عنه حماس وما مراحله؟‪.‬‬
‫ما إمكانية اجلمع بني املقاومة والسياسة‪ ،‬خصوص ًا وأن الطرف املمول لنجاح‬
‫العملية السياسية (السلطة الفلسطينية) داعم باألساس للخصم؟‪.‬‬
‫ما دور السالح املقاومة؟ هل هو سالح حترير أم حتريك أم مشاغلة أم إنهاك؟‪.‬‬

‫السياسي احملنك ال يشكو تعقيد الواقع‪:‬‬


‫فالوضع السياسي عادة ما يكون معقد ًا‪ ،‬حيث يشتبك الوضع احمللي باإلقليمي‬
‫بالدولي‪ ،‬وعادة ما تتحرك أطراف أخرى لتلقي بثقلها في الصراع غير اخلصم‬
‫املباشر‪ ،‬لذلك فرجل السياسة ال يتذرع ويبرر فشله بتعقيد الوضع‪ ،‬ولو أن الفعل‬
‫السياسي ‪ -‬في حاالت الصراع ‪ -‬يتم وفق ظروف مثالية ملا احتاج األمر إلى قيادات‬
‫قوية واعية لديها رؤية‪ ،‬فدور القيادة هي أن حتسن املرور والتحرك بأهدافها عبر هذا‬
‫التعقيد‪ ،‬والتعقيد ليس مفاجأة بالنسبة لها‪ ،‬بل أن تسير األمور بدون أي تعقيد هو‬
‫األمر الذي يبدو معجزة ال حتدث‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫فها هو ماوتسي توجن في الصني يخترق األوضاع املعقدة داخلي ًا وخارجي ًا‪،‬‬
‫وينجح في ثورته‪ ،‬دون أن يعزي إخفاقه في محاولته األولى لتعقيد األوضاع‪ ،‬بل‬
‫غير استراتيجيته وأعد جيش احلفاة لتحرير الصني‪.‬‬
‫إن القادة ال يطالبون الواقع أن يتغير‪ ،‬بل يطورون استراتيجيات كفيلة بتغييره على‬
‫الرغم من تعقيده البالغ‪ ،‬ويرون أن في برامجهم قدرة عملية لفعل ذلك‪.‬‬

‫قصة للتأمل‪:‬‬
‫العقيدة أم رجلي الناقة‪:‬‬
‫ال أراد أن ينقل أغراض منزله القدمي إلى املنزل اجلديد‪ ،‬وجاءه‬ ‫يروى أن رج ً‬
‫الشخص الذي سينقل األغراض على ناقته‪ ،‬ففوجئ بوزن األغراض التي سيتم حملها‬
‫على ظهر الناقة‪ .‬حينها اعتذر عن أداء املهمة‪ ،‬فألح عليه صاحب األغراض قائ ً‬
‫ال له‪:‬‬
‫توكل على اللّه واحمل األغراض‪ ،‬حينها رد عليه صاحب الناقة‪ ،‬ليست عندي مشكلة‬
‫في التوكل‪ ،‬ولكن املشكلة في قدمي الناقة التي لن تتحمل‪.‬‬
‫وهذا هو عني املشكلة املطروحة على أرض الواقع اليوم‪ ...‬والتي تلخص تقومي‬
‫البرنامج‪.‬‬

‫مراجع مختارة‪:‬‬
‫إعداد محمد عبد العاطي‪ ،‬املعرفة‪ ،‬اجلزيرة‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0B089B62-AA97-‬‬
‫‪4C3B-9622-9FAAB582C4F1.htm#TOP‬‬
‫اتفاقية أوسلو‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/NR/exeres/CD86FF37-A086-‬‬
‫‪4B2B-802E-C04EDB850AF0.htm‬‬
‫‪http://www.pnic.gov.ps/arabic/gover/plo-9.html‬‬
‫‪http://www.fco.gov.uk/servlet/Front?pagename=OpenMarket‬‬
‫‪/Xcelerate/ShowPage&c=Page&cid=1099137505648‬‬
‫‪http://www.alzaytouna.net/arabic/?c=619&a=29569‬‬

‫‪176‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أ‬
‫الداء احلكومي حلركة حما�س‪:‬‬
‫ال�صالح والتغيري‬
‫تطبيق برنامج إ‬
‫د‪ .‬رائد نعيرات‬
‫‪42‬‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫إن حتليل جتربة األداء احلكومي حلركة حماس في احلكم‪ ،‬يشوبه العديد من‬
‫اإلشكاليات‪ ،‬مما يشوش على قدرة الباحث واملراقب في تقييم التجربة‪ ،‬وذلك لعدة‬
‫أسباب‪ :‬التداخل الذي حدث ُبعيد تشكيل احلكومة بشهرين بني احلكومة واحلركة‪،‬‬
‫ففي البداية حاولت احلركة أن تفصل بني جسمها التنظيمي‪ ،‬وجسم احلكومة إال أنها‬
‫عادت ودمجت بني اجلسمني‪ ،‬هذا أو ًال‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬لم يكن موضوع إدارة السلطة بالكامل مناط ًا باحلكومة حيث أن هناك‬
‫تقاسم صالحيات بني الرئيس واحلكومة‪ ،‬وهذا كذلك أضعف من قدرة احلكومة على‬
‫تطبيق برنامجها‪ ،‬حيث أن امللف لم يكن بيد احلكومة بالكامل‪ .‬ثالث ًا‪ :‬االعتمادية الكاملة‬
‫للنظام السياسي الفلسطيني على “إسرائيل” والدعم اخلارجي‪ ،‬خصوص ًا إذا أخذ‬
‫بعني االعتبار أن برنامج حماس قائم على رفض هذه الصفة ومحاولة تغييرها‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬حماس لم تكن موجودة في مؤسسات إدارة السلطة السياسية‪ ،‬عالوة على‬
‫ما يعانيه تنظيم فتح من عدم رتابة تنظيمية‪ ،‬شكلت انعكاس ًا على عدم رتابة العالقة‬
‫احلزبية الفلسطينية مبجموعها الحق ًا‪ ،‬سواء في إدارة احلكم كون فتح تُع ّد القابض‬
‫ال التنظيم الثاني من ناحية الوزن السياسي‪.43‬‬ ‫األساسي على املؤسسات‪ ،‬وكونها أص ً‬
‫خامس ًا‪ :‬البيئة اجلغرافية املقسمة ما بني قطاع غزة؛ اخلالي من التواجد االحتاللي‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 42‬رئيس قسم العلوم السياسية‪ ،‬جامعة النجاح‪ ،‬نابلس‪.‬‬


‫‪ 43‬للمزيد حول إشكاليات حركة فتح‪ ،‬انظر‪ :‬جبريل الرجوب‪“ ،‬فتح‪ :‬أمجاد املاضي وآالم احلاضر‬
‫وآمال املستقبل‪ ”،‬احلياة‪2007/1/5 ،‬؛ وتيسير نصر اللّه‪“ ،‬حركة فتح إلى أين؟‪ ”،‬اجلزيرة نت‪،‬‬
‫‪2006/5/17‬؛ وعبد اإلله بلقزيز‪“ ،‬العوامل التنظيمية في أزمة فتح‪ ”،‬مجلة احملرر‪ ،‬العدد ‪ ،238‬في‪:‬‬
‫‪http://www.al-moharer.net/moh238/belqzizi238b.htm‬‬

‫‪177‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫على األرض‪ ،‬والضفة الغربية التي ما زال االحتالل موجود ًا فيها على األرض‪.‬‬
‫لذا فإن حتليل جتربة حركة املقاومة اإلسالمية حماس في احلكم من جانبها‬
‫ال عن نصفه املك ِّمل املتمثل بالبيئة السياسية‬ ‫اإلداري واخلدماتي‪ ،‬ال يأتي منفص ً‬
‫العامة‪ ،‬سواء النظام السياسي الفلسطيني بهيكليته املزدوجة كنظام‪ ،‬أو بازدواجية‬
‫الواقع اجلغرافي ومتايزه‪ ،‬عالوة على البعد السياسي وفلسفة احلكم التي شكلت‬
‫الناظم األساسي لإلدارة احلكومية في عهد حماس‪ ،‬سواء في تقدمي حماس نفسها‬
‫للجماهير والعالم باعتبارها نقيض ًا التفاق أوسلو‪ ،‬أو في تعامل العالم مع حماس‬
‫وحكومتها‪.44‬‬
‫ظل حكومة حماس أتى متأثر ًا‬ ‫ومن هنا فإن األداء احلكومي وإدارة السلطة في ّ‬
‫بالفلسفة والسلوك السياسي للحركة بشكل عام‪ ،‬بل إنه أحيان ًا غلبت السياسات‬
‫االستراتيجية على األداء اخلدماتي لظروف موضوعية تارة وألسباب ذاتية تارة‬
‫أخرى؛ فالفصل الرقمي بني ما هو سياسي وما هو متعلق بإدارة الشؤون اليومية‬
‫للمواطنني أمر أثبتت التجربة العملية صعوبة تطبيقه في الواقع‪.‬‬
‫وتأسيس ًا على عدم إمكانية الفصل بني شقي احلكم‪ ،‬فإن لتوضيح األداء السياسي‬
‫للحكومة والبيئة السياسية التي تعمل فيها‪ ،‬دور ًا مهم ًا في جالء الصورة‪ ،‬لكن لدواعي‬
‫مت تغطيته في دراسات سابقة‪،‬‬ ‫حتديد الدراسة‪ ،‬وانطالق ًا من أن اجلانب السياسي ّ‬
‫فإن الباحث سيكتفي إيضاح املالمح العامة للوضع السياسي الذي سمته األساسية‬
‫هي أن حصار ًا سياسي ًا فرض على احلكومة الفلسطينية األولى بقيادة حماس‪ ،‬تاله‬
‫ظل احتقان سياسي داخلي‪ ،‬وتوتر سياسي‬ ‫حصار جزئي على حكومة الوحدة‪ ،‬في ّ‬
‫لدى اجلانب اإلسرائيلي‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن احلكومة العاشرة جاءت نتاج ًا لفوز كتلة التغيير واإلصالح‪،‬‬
‫التابعة حلركة حماس في انتخابات املجلس التشريعي‪ ،‬وعلى الرغم من أن األسباب‬
‫الرئيسة لذلك الفوز تتعلق باقتناع الشارع ببرنامج تلك الكتلة‪ ،‬إال أن سبب ًا ال ميكن‬
‫إنكاره دفع بالعديد من أبناء الشعب الفلسطيني ليدلي بصوته للخيار األخضر‪،‬‬
‫وخصوص ًا ممن عرفوا بأنهم أغلبية صامتة في الشارع‪ ،‬ذلك السبب كان االقتناع‬
‫الداخلي بأن حماس نقيض ًا للفساد‪ ،‬وحليف ًا إلدارة جديدة شفافة عادلة‪.‬‬
‫االقتناع الداخلي بكون حماس ستؤسس ملرحلة جديدة خالية من الفساد‪ ،‬لم يكن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 44‬عالء حللوح‪“ ،‬فوز حماس في االنتخابات التشريعية ‪ -‬األسباب والنتائج‪ ”،‬خليل الشقاقي وجهاد حرب‬
‫(محرران)‪ ،‬االنتخابات الفلسطينية الثانية ‪ -‬الرئاسية والتشريعي واحلكم احمللي ‪2006-2005‬‬
‫(رام اللّه‪ :‬املركز الفلسطيني للبحوث السياسية واملسحية‪ ،)2007 ،‬ص ‪.177‬‬

‫‪178‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫متن غير واقعي؛ فقد كانت بنود برنامج حماس االنتخابي‬ ‫مجرد طموح شعبي‪ ،‬أو ٍّ‬
‫معززة لفرضية الشارع‪ ،‬وجازمة بأن معيار النجاح سيكون رضى الشارع عن حياة‬
‫اجتماعية واقتصادية وتعليمية‪ ،‬ركزت بنود البرنامج على إيالئها أهمية‪ .‬والصورة‬
‫مت الضغط على حكومة حماس من أجل إفشالها في حتقيق هذه اجلزئيات‪،‬‬ ‫هكذا ّ‬
‫التي يراها الشارع جزئية مهمة باتت تشكل ثقل تفكيره‪ ،‬وتوجهاته حيال النظام‬
‫السياسي للسلطة الفلسطينية‪ ،‬وهنا عملت حماس جاهدة كي توجه النظر إليها من‬
‫زاوية إخفاقاتها في حتقيق دميومة التطور في أداءها اخلدماتي إلى زاوية إجنازاتها‬
‫السياسية االستراتيجية‪ ،‬التي ال تدرك معاملها إال لفترات بعيدة املدى‪ ،‬أطول بكثير‬
‫من عمر دورة انتخابية قد يعني انتهاؤها ميالد ًا لتجربة حكم جديدة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن حتليل التجربة من شقها اآلخر غير السياسي‪ ،‬وانطالق ًا من‬
‫الصورة العامة للمجتمع الفلسطيني‪ ،‬سيكون األقسى على حماس‪ ،‬ورمبا يكون عام ً‬
‫ال‬
‫آخر من عوامل الضغط عليها‪ ،‬حيث أن املمارسات التي وجهت للحركة‪ ،‬كانت تأتي‬
‫في هذا السياق‪ ،‬ضغط في الدعم املالي من اخلارج‪ ،‬وضغط داخلي قام على عدم‬
‫السماح للحركة بأن حتكم بشكل رتيب ومنتظم‪ ،‬إال أن احلرص على تقييم التجربة‪،‬‬
‫ومحاولة الوقوف على طبيعة املسارات السياسية للحكومة‪ ،‬يتطلب من الباحث دراسة‬
‫التجربة ضمن الواقع البيئي وقدرة احلكومة على التعامل معه‪ ،‬وكذلك العامل الذاتي‬
‫وإبراز معالم القوة واإلخفاقات‪.‬‬

‫التشكيلة احلكومية والتشريعية‪:‬‬


‫قبل البدء في معاجلة األداء احلكومي للقطاعات املكونة حلياة املواطن الفلسطيني‪،‬‬
‫فإن املرور على طبيعة العناصر املشكلة للحكومة والتشريعي؛ من حيث كفاءتها‬
‫ال مهم ًا ومحدد ًا ملدى جناح أو إخفاق تلك‬
‫وخبرتها ومدى اختصاصها‪ ،‬سيكون عام ً‬
‫احلكومة‪ ،‬في إدارة احلياة اليومية للمواطن‪ ،‬وبشكل عام ميكن الوقوف على هذه‬
‫القضية من خالل اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬االختصاص األكادميي‪.‬‬
‫‪ .2‬اخللفية الفكرية والسياسية‪.‬‬
‫‪ .3‬اخلبرة في العمل العام‪.‬‬
‫وبالعودة إلى املعلومات الدقيقة عن أعضاء احلكومة‪ ،‬وأعضاء املجلس التشريعي‬
‫من كتلة التغيير واإلصالح الذين ميثلون الظهير القانوني للحكومة‪ ،‬استنتج الباحث‬

‫‪179‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مايلي‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬قدمت حماس في حكومتها العاشرة شخصيات تكنوقراطية من الدرجة‬
‫األولى‪ ،‬وعلى مختلف املستويات‪ ،‬إال أن جزء واسع ًا من الشخصيات طغت صفتهم‬
‫احلزبية على كفاءتهم العلمية‪ ،‬نتيجة ملواقعهم القيادية في احلركة وهذا ما ظهر جلي ًا‬
‫في قطاع غزة‪.45‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬شعبوية الوزراء بشكل عام‪ ،‬حيث كان الوزراء حتى بعد ممارستهم للحكم‬
‫ملتصقني بالشارع‪ ،‬ولم يحدث هناك انفصام بني الشارع والوزراء‪ ،‬إال أن هذا أ ّثر‬
‫بشكل سلبي الحق ًا‪ ،‬نتيجة للوضع األمني غير املستقر‪ ،‬حيث أصبح الوزراء عرضة‬
‫لالستهداف نتيجة غياب صفة القدسية عن مواقعهم‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬اعتمدت حركة حماس منذ البداية على رموز حركية ساطعة‪ ،‬أدرجتها ضمن‬
‫العمل البرملاني الفلسطيني‪ ،‬والعمل احلكومي وهذا أ ّثر باجتاهني على احلركة واملؤسسات‬
‫الرسمية؛ حيث يصعب الفصل مع مثل هذه الشخصيات بني ما هو حزبي وما هو حكومي‪،‬‬
‫وهذا ش ّكل استحالة الفصل بني احلكومة واحلركة الحق ًا‪ ،‬وبالذات إذا أخذ بعني االعتبار‬
‫الشخصيات املركزية التي دمجت بني العمل التشريعي والعمل احلكومي‪.46‬‬
‫رابع ًا‪ :‬وباعتبار التشريعي هو األساس الذي تستند عليه احلكومة‪ ،‬فإن طبيعة‬
‫أعضاء التشريعي وخلفياتهم ستؤثر على طبيعة األداء احلكومي‪ ،‬وفي حالة الدورة‬
‫احلالية للمجلس التشريعي‪ ،‬جند أن حركة حماس كان لها النصيب األعلى من بني‬
‫احلاصلني على الدرجات العلمية العليا‪ ،‬باملقارنة مع الكتل األخرى املشاركة في‬
‫املجلس التشريعي الفلسطيني‪ ،‬حيث أن ‪ % 61‬من األعضاء احلاصلني على شهادة‬
‫الدكتوراة في املجلس التشريعي‪ ،‬هم من كتلة التغيير واإلصالح التابعة حلماس‪ ،‬فيما‬
‫‪ % 61‬من احلاصلني على املاجستير‪ ،‬و‪ % 55‬من احلاصلني على البكالوريوس هم من‬
‫حركة حماس أيض ًا‪.47‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 45‬ومن األمثلة على هذه الشخصيات‪ :‬رئيس الوزراء إسماعيل هنية‪ ،‬ووزير اخلارجية محمود الزهار‪،‬‬
‫ووزير الداخلية سعيد صيام‪ .‬حيث شكلت هذه الشخصيات الوجوه األساسية للحركة قبل دخولها‬
‫للحكومة وبعدها‪.‬‬
‫‪ 46‬لالطالع على تشكيلة احلكومة الفلسطينية العاشرة‪ ،‬انظر مركز املعلومات الوطني الفلسطيني‪:‬‬
‫‪http://www.pnic.gov.ps/arabic/gover/ministry2.asp?option=2&gover=10‬‬
‫‪ 47‬جهاد حرب‪“ ،‬البنية السياسية واالجتماعية للمجلس التشريعي الثاني‪ ”،‬خليل الشقاقي وجهاد حرب‬
‫(محرران)‪ ،‬االنتخابات الفلسطينية الثانية ‪ -‬الرئاسية والتشريعي واحلكم احمللي ‪2006-2005‬‬
‫(رام اللّه‪ :‬املركز الفلسطيني للبحوث السياسية واملسحية‪ ،)2007 ،‬ص ‪.214-213‬‬

‫‪180‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مت قياس ذلك من‬ ‫وفي هذا األمر ما يوحي بإيجابية حلركة حماس‪ ،‬لكن إذا ما ّ‬
‫منحى آخر نـحو جانب سلبي‪،‬‬‫ً‬ ‫منظور النوعيات األكادميية‪ ،‬سنجد أن األمر بدأ يأخذ‬
‫وهو مدى تنوع اخللفيات األكادميية لألعضاء مبا يخدم عملهم في املجلس‪ ،‬بحيث‬
‫توفر سند ًا قوي ًا للحكومة‪ ،‬خصوص ًا في قضية توزيع األعضاء على جلان املجلس‪،‬‬
‫التي حتتاج إلى تخصصات تتواءم مع طبيعة عمل تلك اللجان‪ ،‬ومبا يجعل من أعضاء‬
‫حماس‪ ،‬وهم جدد في املجلس على قدر من الكفاءة تسهم في تعزيز دورهم أمام كتلة‬
‫فتح صاحبة اخلبرة في ذلك‪.‬‬
‫وللتأشير على هذه القضية بلغة رقمية ميكن اإلضافة على ما ذكرناه سابق ًا من‬
‫أمثلة‪ ،‬أن من أصل ‪ 22‬نائب ًا يحملون شهادات علمية في مجال العلوم السياسية ال‬
‫يوجد سوى أربعة نواب من حماس‪ ،‬مقارنة بـ ‪ 14‬نائب ًا من فتح‪ .‬بينما ال يوجد مث ً‬
‫ال‬
‫سوى نائب واحد من حماس يحمل شهادة علمية في احلقوق‪ ،‬في حني أن جميع‬
‫املختصني في العلوم الدينية هم من حركة حماس ونسبتهم ‪.48%26‬‬
‫أما بالنسبة خلبرة أعضاء املجلس التشريعي في العمل العام‪ ،‬وهي عامل مهم في‬
‫تعزيز كفاءة األعضاء في تواصلهم مع اجلمهور‪ ،‬مبا يضمن جتديد الثقة لهم بشكل‬
‫دوري‪ ،‬ولعب دورهم التمثيلي بشكل حقيقي‪ .‬يالحظ أن نسبة من كان لهم خبرة في‬
‫العمل العام من أعضاء كتلة التغيير واإلصالح التابعة حلركة حماس أقل من فصيلها‬
‫املنافس حيث ال تتجاوز نسبتهم ‪ ،% 38‬بينما حركة فتح لديها ‪ % 59‬من أعضائها‬
‫أصحاب خبرة في العمل العام‪.49‬‬
‫هذه األرقام‪ ،‬إذا ما حولناها إلى واقع عملي في ضوء حداثة التجربة حلركة‬
‫حماس في املجلس التشريعي‪ ،‬مقابل اخلبرة عند الفصيل املنافس‪ ،‬سنجد أنها تعطي‬
‫دالالت ال تقع حتت قبة التشريعي فقط‪ ،‬وإمنا تتسع لتشمل مجلس الوزراء‪ ،‬وما يتفرع‬
‫عنها من عمل رسمي داخل مؤسسات السلطة‪.‬‬
‫إضافة لطبيعة أعضاء املجلس التشريعي وأعضاء احلكومة فإن جملة أخرى من‬
‫العوامل التي مثلت البيئة‪ ،‬التي عملت بها احلكومة وتع ّد محددات لألداء احلكومي‪ ،‬من أهمها‬
‫احلصار السياسي واالقتصادي‪ ،‬والسياسات اإلسرائيلية؛ خصوص ًا اعتقال الوزراء‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 48‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 49‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪ 50‬للمزيد من املعلومات‪ ،‬انظر‪ :‬وائل سعد‪ ،‬احلصار‪ :‬دراسة حول معاناة الشعب الفلسطيني ومحاوالت‬
‫إسقاط قانون حماس (بيروت‪ :‬مركز الزيتونة للدراسات واإلستشارات ‪.)2006‬‬

‫‪181‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫واحلسابات الداخلية‪ ،‬وبالذات العالقات مع حركة فتح إلى جانب ضغط الشارع‪.50‬‬
‫بعد هذه اخللفية العامة ميكن التوجه نـحو دراسة األداء احلكومي حلركة حماس‬
‫في املجاالت التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬الشفافية في املمارسة والتعيني ومحاربة الفساد‪:‬‬


‫على الرغم من حالة الفوضى التي تعيشها الساحة الفلسطينية اآلن‪ ،‬وعدم‬
‫االستقرار السياسي‪ ،‬إال أن جانب ًا مهم ًا من جوانب األداء احلكومي بدأ في‬
‫التحسن قياس ًا بحكومات ما قبل العاشرة منها‪ ،‬أي ما قبل دخول حماس إلى‬
‫املؤسسة الرسمية في السلطة‪ .‬هذا اجلانب متعلق مبدى شفافية النشاط اإلداري‬
‫واملالي ملؤسسات السلطة‪ ،‬لكن عدم إظهاره صدى قوي ًا في الشارع‪ ،‬متعلق بعدم‬
‫االهتمام اإلعالمي بهذه القضايا قياس ًا بالشؤون السياسية‪ ،‬إضافة لضعف األداء‬
‫اإلعالمي للحكومة الذي لم يروج إلجنازه في هذا املجال‪ ،‬وهو ما سيناقش الحق ًا‬
‫ضمن األداء اإلعالمي‪ .‬فبالعودة إلى تقرير أكبر منظمة دولية‪ ،‬األمم املتحدة‪ ،‬جند‬
‫أنها أشارت في تقريرها اخلاص بالشفافية لسنة ‪ ،2006‬إلى التطور الكبير على‬
‫ذلك الصعيد ‪.51‬‬
‫وفي اإلطار نفسه‪ ،‬أي التقدم على صعيد الشفافية ومحاربة الفساد‪ ،‬فإن‬
‫األداء احلكومي وعلى الرغم من تعثره بسبب العوامل السياسية واالقتصادية غير‬
‫االعتيادية‪ ،‬إال أنها حققت بعض اخلطوات غير املعتادة في التحقيق في قضايا‬
‫الفساد‪ ،‬واحملاسبة‪ ،‬وهذا ما ظهر أيض ًا في تقرير األمم املتحدة ذاته‪ ،‬حيث أورد‬
‫عدة أمثلة على مثل هذه اخلطوات؛ من بينها تقدمي العديد من مديري املؤسسات‬
‫االحتكارية كهيئة البترول للتحقيق اجلنائي‪ .52‬ومثل هذه اخلطوات حديثة العهد في‬
‫مؤسسات السلطة‪.‬‬
‫التقارير األممية التي أشارت بوضوح إلى مجاالت محاربة الفساد في مؤسسات‬
‫السلطة بعد قدوم حماس للحكم‪ ،‬لم تقتصر على اجلانب االقتصادي‪ ،‬وإمنا تع ّدته‬
‫للجوانب األمنية واإلدارية‪ ،‬ومنها تقرير األمم املتحدة اإلمنائي لسنة ‪ ،2006‬املختص‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 51‬برنامج األمم املتحدة اإلمنائي‪ ،‬برنامج إدارة احلكم في الدول العربية‪ ،‬احلكم الرشيد‪ ،‬الشفافية املالية‪،‬‬
‫فلسطني‪ ،‬في‪:‬‬
‫‪http://www.pogar.org/arabic/countries/finances.asp?cid=14‬‬
‫‪ 52‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫بحقوق اإلنسان‪ ،‬الذي أشار إلى التقدم في إصالح مختلف أجهزة السلطة‪ ،‬معتبر ًا‬
‫أن الضغوط التي تواجهها السلطة هي التي ال توفر بيئة لظهور تلك اإلجنازات‪.53‬‬
‫ليست املنظمات الدولية وحدها التي أشارت إلى ما أورده الباحث‪ ،‬فالعديد من‬
‫مراكز الدراسات واألبحاث واملنظمات غير احلكومية احمللية‪ ،‬ألقت الضوء على بعض‬
‫اخلطوات التي أقدمت عليها السلطة في مجال محاربة الفساد‪ ،‬وخصوص ًا قضية‬
‫التحقيق في ‪ 50‬ملف فساد من قبل النائب العام‪ ،‬واعتقال املشتبه بهم‪.54‬‬
‫كما أن النيابة العامة شهدت منذ تسلم حماس احلكومة الفلسطينية حراك ًا ملحوظ ًا‬
‫وتقدم ًا غير مألوف في طبيعة عملها‪ ،‬حيث أشار املدعي العام إلى أنه جرى التنسيق‬
‫مع “اإلنتربول” للقبض على املتهمني بقضايا فساد في مؤسسات السلطة‪ ،‬وذكر أنهم‬
‫جنحوا في القبض على العديد منهم‪ ،‬مشير ًا إلى أن جزء ًا منهم من أصحاب النفوذ‬
‫واملواقع املتقدمة‪ ،‬ومن بني القضايا التي متّت إثارتها فور استالم حماس احلكومة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ملف اإلسمنت املستخدم في بناء اجلدار الفاصل‪ ،‬إضافة إلى شركة‬
‫األنابيب‪ ،‬وهي شركة وهمية تبينّ أن للسلطة حصة فيها مببلغ أربعة ماليني دوالر‪،‬‬
‫كذلك بدأ التحقيق في قضية الهيئة العامة للبترول‪ ،‬والهيئة العامة للتبغ‪ .‬وهذا امللفات‬
‫ظلّت لسنوات سابقة في ّ‬
‫طي الكتمان‪.55‬‬
‫وضمن ملفات الفساد التي حاولت حماس فتحها منذ وصولها إلى احلكم‪،‬‬
‫قضية االمتيازات الشخصية ألصحاب املناصب العليا في مؤسسات السلطة‪ ،‬ومنها‬
‫تقرير أصدرته حول السيارات احلكومية التي ميتلكها املسؤولني‪ ،‬حيث يتمتع كل‬
‫مسؤول بأكثر من سيارة حكومية ينتفع منها أفراد أسرته‪ ،‬وحتسب مصاريف تلك‬
‫السيارات من صيانة ووقود بشكل شهري من ميزانية السلطة‪ ،‬حيث بلغ عددها‬
‫سبع آالف سيارة بتكلفة ‪ 700‬دوالر شهري ًا‪ .56‬مبعنى أن السيارات املسجلة حكومي ًا‬
‫تستهلك ما يقارب راتب ‪ 14‬ألف موظف شهري ًا‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 53‬برنامج األمم املتحدة اإلمنائي‪ ،‬برنامج إدارة احلكم في الدول العربية‪ ،‬احلكم الرشيد‪ ،‬حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫فلسطني‪ ،‬في‪:‬‬
‫‪http://www.pogar.org/arabic/countries/humanrights.asp?cid=14‬‬
‫‪ 54‬جهاد حرب‪ ،‬مستقبل اإلصالح السياسي في السلطة الفلسطينية في ظل حكومة حماس‪ ،‬املركز‬
‫الفلسطيني للبحوث السياسية واملسحية‪ ،‬دائرة السياسة واحلكم‪ ،‬رام اللّه‪ ،‬نيسان‪ /‬أبريل ‪،2006‬‬
‫ص ‪.4‬‬
‫‪ 55‬احلياة‪.2006/2/6 ،‬‬
‫‪ 56‬احلياة‪.2006/3/25 ،‬‬

‫‪183‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫في هذا الصدد جتدر اإلشارة إلى أن كل ما ذكر‪ ،‬وإن كان يؤشر ايجابي ًا على‬
‫مستويات اإلصالح قياس ًا مبا قبل دخول حكومة حماس إلى احلكم‪ ،‬إال أنه يبقى‬
‫تطور ًا محدود ًا وفي إطار ض ّيق‪ ،‬مقارنة مبا طمح له الشعب أو مبا أشارت إليه‬
‫حماس سواء في برنامجها االنتخابي أو احلكومي؛ فملفات الفساد في مؤسسات‬
‫السلطة تتعدى قضية بعض االختالسات املالية‪ ،‬أو غموض األنشطة الداخلية‪ ،‬فهي‬
‫قضية بنيوية وهيكلية في املؤسسات الرسمية بحاجة إلى إعادة تنسيق مبا يضمن‬
‫استيعابها ملتطلبات اإلصالح‪ ،‬وهذا غير متاح متام ًا في ظل وضع سياسي متوتر‪،‬‬
‫على الصعيدين‪ :‬الداخلي واخلارجي‪.57‬‬
‫يخص قضايا التعيني في الوظيفة العمومية‪ ،‬فإن األنظار كانت موجهة إلى‬ ‫ّ‬ ‫فيما‬
‫حماس منذ تسلمها السلطة‪ ،‬ملراقبة كيفية إدراج مؤيديها إلى املؤسسة الرسمية‬
‫كاستحقاق طبيعي النضمام حماس إلى العمل الرسمي‪ .‬فمن املعلوم أن أعضاء حركة‬
‫حماس يكادون ال يتواجدون في أي مؤسسة رسمية في السلطة‪ ،‬عدا وزارة التعليم‬
‫والصحة واألوقاف‪ ،‬وحتى هذه املؤسسات كانت تخلوا من التواجد في املناصب‬
‫العليا‪ ،‬في حني كانت الوزارات السيادية فارغة من أي تواجد لهم‪.‬‬
‫شكلت سياسة التعيني معضلة كبرى أمام احلكومة العاشرة‪ ،‬وذلك على عدة‬
‫أصعدة‪ ،‬أو ًال‪ :‬أن مؤسسات السلطة متخمة بالبطالة املقنعة؛ فهي ال تستوعب أي‬
‫طواقم جديدة‪ ،‬وفي الوقت نفسه احلكومة ال ميكنها أن تعمل فقط بوزرائها بدون‬
‫طواقم مساندة لهم‪ ،‬ثاني ًا‪ :‬قانون اخلدمة املدنية‪ ،‬وبالذات منحه صالحيات للرئيس‬
‫في التعيني في املناصب العليا بإصدار املراسيم‪ ،‬أوجد مشكلة كبرى أمام احلكومة‬
‫العاشرة ملن صدر بحقهم قرارات مجلس وزراء ولم يصدر لهم مرسوم رئاسي؛‬
‫حيث قامت احلكومة بتعيني أشخاص بعقود خاصة‪ ،‬ولغاية اآلن لم يت ّم تثبيتهم في‬
‫وظائفهم‪ .58‬ثالث ًا‪ :‬اإلضراب العام‪.‬‬
‫إن القراءة املوضوعية للسياسة التي انتهجتها حماس في هذا املجال‪ ،‬تقود إلى ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫عدم وجود خطة مدروسة لدمج عناصر حماس في املؤسسة الرسمية‪ ،‬بشكل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 57‬اإلئتالف من أجل النزاهة واملساءلة (أمان)‪ ،‬معيار نزاهة املرشح وأثره في سلوك الناخب الفلسطيني‪،‬‬
‫في‪:‬‬
‫‪http://www.aman-palestine.org/Arabic/Documents/Election/VoterTrans.doc‬‬
‫‪ 58‬مقابلة مع سمير أبو عيشة‪ ،‬وزير التخطيط الفلسطيني‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تدريجي ومتوازن‪.‬‬
‫سعت حماس وخاصة في املجال األمني إلى االستقالل بعناصرها في جسم‬
‫جديد‪ ،‬بد ًال من دمجهم في املؤسسات القائمة‪ ،‬وهذا يتناقض مع الدعوة‬
‫إلصالح األجهزة األمنية بتقليص عددها‪ ،‬وأقسامها‪.59‬‬
‫مت‬‫دفع اإلضراب العام احلكومة إلى االعتماد على الشخصيات التي ّ‬
‫تعيينها بعقود خاصة‪ ،‬والتي تتمتع بدرجات علمية ومؤهلة‪ ،‬إال أن العامل‬
‫املوضوعي‪ ،‬ونتيجة لألحداث مت االستعانة بالكادر التنظيمي‪ ،‬وهذا ولد‬
‫جملة من املشاكل ومن أبرزها شعور املوظفني بتكرار جتربة حركة فتح‬
‫في التعيينات‪ ،‬مما ولّد نوعا من االزدواجية‪ ،‬وخلق حالة من التوتر داخل‬
‫املؤسسات النعدام األمان الوظيفي‪.60‬‬
‫مت اإلشارة إليه حول سياسات التعيني عند حركة حماس‪ ،‬إال أنها لم‬ ‫ورغم ما ّ‬
‫تنجح في عكس املوازنات احلقيقية للشارع داخل املؤسسات‪ ،‬مبا يضمن متثيلية تلك‬
‫املؤسسات للكل الفلسطيني‪ ،‬ويصبغها بطابع وطني‪ ،‬كي تخرج من الدائرة احلزبية‬
‫ال واضح ًا‬
‫ألي فصيل عامل على الساحة‪ ،‬وهذا يؤكد وجهة نظر الباحث‪ ،‬من أن خل ً‬
‫انتاب قضية التعيينات‪.‬‬
‫ال ملا هو إيجابي في هذا املجال‪ ،‬فيمكن استنباط‬‫هذه املثالب ال تعني غياب ًا كام ً‬
‫قضيتني أساسيتني شكلتا سمة مهمة لسياسة التوظيف التي اتبعتها حماس في‬
‫احلكم‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫رغم البعد السياسي في قضايا التوظيف‪ ،‬إال أن شريحة ال يستهان بها‬
‫منهم كانوا من حملة الشهادات العليا‪ ،‬وأصحاب االختصاص‪.‬‬
‫تخفيف ح ّدة البعد العشائري كأساس للتوظيف في كثير من املناطق‪.‬‬

‫‪ .2‬االقتصاد‪ ،‬توفير الرواتب‪ ،‬والقضايا اخلدماتية‪:‬‬


‫يخص النظام االقتصادي‬
‫ّ‬ ‫احلركات اإلسالمية عموم ًا‪ ،‬تبدو غير محددة املالمح فيما‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪“ 59‬أضواء على القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية الفلسطينية‪ ”،‬جريدة التجديد‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪ ،2007/1/15‬نق ً‬
‫ال عن املركز الفلسطيني لإلعالم‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.attajdid.ma/def.asp?codelangue=6&infoun=31083‬‬
‫‪ 60‬تقرير حول سياسة التوظيف التي انتهجتها حركة حماس‪ ،‬في‪:‬‬
‫‪http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=3394‬‬

‫‪185‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الذي تتبناه‪ ،‬فما زال احلديث العام عن نظام مختلط يجمع الرأسمالية واالشتراكية‬
‫هو السائد‪ .‬حركة حماس بدت مختلفة نوع ًا ما في هذا اجلانب‪ ،‬وأعلنت منذ حلظة‬
‫فوزها أنها ستدعم اقتصاد السوق احلر‪ ،‬وأعلنت أن من سلم أولوياتها في مرحلة‬
‫حكمها‪ ،‬اآلتي‪:61‬‬
‫‪ .1‬دعم القطاع اخلاص باعتباره عماد التنمية‪.‬‬
‫‪ .2‬تطوير أداء سوق فلسطني لألوراق املالية‪ ،‬وزيادة االستثمارات فيه‪.‬‬
‫‪ .3‬توفير احلماية للقطاع اخلاص‪ ،‬من خالل التشريعات‪ ،‬واألنظمة‪ ،‬والقضاء‪.‬‬
‫‪ .4‬تشجيع املستثمرين العرب واملسلمني؛ إلقامة مشاريع ضخمة في األراضي‬
‫الفلسطينية‪.‬‬
‫كما اتضح من أن احلركة تطمح إلى توفير االستقاللية لالقتصاد الفلسطيني عن‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬وإقامة عالقات مع األطراف العربية واإلسالمية‪ ،‬ويستشف من برنامجها‬
‫االنتخابي‪ ،‬أنها ركزت على قضايا اإلدارة الرشيدة واالقتصاد املقاوم‪ ،‬وتوزيع القوى‬
‫العاملة وفق الكفاءة‪.‬‬
‫هذه التصريحات من حماس أو هذه اخلطط‪ ،‬لم تلقَ طريقها للتنفيذ‪ ،‬لعدة عوامل‬
‫أهمها؛ احلصار السياسي واالقتصادي الذي فرض عليها‪ ،‬على الرغم من أنها أكدت‬
‫كحكومة أن أموال املانـحني لن تذهب حلماس‪ ،‬وأنها مستعدة لقبول رقابة دولية على‬
‫أموال السلطة كما أشار ناصر الدين الشاعر‪ ،‬نائب رئيس الوزراء حينها‪.62‬‬
‫ظل وجودها في احلكم أن توفر رواتب موظفي‬ ‫التأثير متثل في إخفاق حماس في ّ‬
‫السلطة بشكل منتظم وكامل‪ ،‬وهذا ما أعلنته احلكومة العاشرة في نهاية سنة ‪،2006‬‬
‫حيث تبني أن ‪ % 30‬من مستحقات املوظفني املدنيني لذلك العام لم تدفع بعد‪ ،‬فيما لم‬
‫يحصل العسكريون على ‪ %50‬تقريب ًا من رواتبهم‪ .63‬هذا من وجهة نظر اقتصادية‪ ،‬لكن‬
‫مبنطق السياسة فإن بقاء احلكومة ملدة عام دون دفع رواتب املوظفني بشكل كامل‪ ،‬هو‬
‫تأسيس لفكرة االقتصاد املقاوم التي أشارت إليها حماس في برنامجها االنتخابي‪.‬‬
‫لفك االرتباط مع االقتصاد اإلسرائيلي اتفقت السلطة‬ ‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬وفي محاولة ّ‬
‫في عهد احلكومة العاشرة مع مصر على استبدال السلع املصرية باإلسرائيلية‪ ،‬حيث‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 61‬غازي بني عودة‪“ ،‬حماس تؤكد التمسك بالنظام االقتصادي السائد‪ ”،‬شبكة اإلنترنت لإلعالم العربي‬
‫(أمني)‪.2006/1/30 ،‬‬
‫‪ 62‬احلياة‪.2006/3/29 ،‬‬
‫ال عن وزير التخطيط د‪ .‬سمير أبو عيشة‪.‬‬‫‪ 63‬نشرة وزارة اإلعالم اإلخبارية‪ ،‬العدد ‪ ،2006/12/23 ،43‬نق ً‬
‫‪ 64‬احلياة‪.2006/3/13 ،‬‬

‫‪186‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫بلغ حجم الواردات في قطاع غزة من “إسرائيل” ‪ 1.2‬مليار دوالر‪.64‬‬


‫كما جتدر اإلشارة هنا إلى جزء من املشكلة االقتصادية الفلسطينية‪ ،‬سابقة‬
‫لوجود حماس في احلكم‪ ،‬ظهرت جلي ًا في تصريحات وزير االقتصاد في احلكومة‬
‫التاسعة‪ ،‬وقبيل انتهاء والية حكومته؛ حيث أشار إلى أن أزمة مالية خانقة تنتظر أي‬
‫حكومة مقبلة‪ ،‬حيث يبلغ العجز التراكمي ما يصل إلى ‪ 700‬مليون دوالر‪ ،‬وأشار إلى‬
‫أقرها للسلطة لم يصل‬‫أن من أصل ‪ 1.2‬مليار دوالر كان مؤمتر لندن للمانـحني قد ّ‬
‫منها سوى ‪ 350‬مليون دوالر‪ ،‬مشير ًا إلى مشكلة العمالة الفلسطينية في املشاريع‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬والتي كانت تستوعب ‪ 130‬ألف عامل قررت “إسرائيل” وقفهم عن العمل‬
‫في ّ‬
‫ظل انتفاضة األقصى‪.65‬‬

‫‪ .3‬الوضع األمني‪:‬‬
‫يشكل الوضع األمني الداخلي على املستوى الفلسطيني أزمة واضحة‪ ،‬عانت منها‬
‫مؤسسات السلطة مبستويات مختلفة‪ ،‬وبروز حاالت الفلتان األمني هي ليست ظاهرة‬
‫مرتبطة بقدوم حكومة أو زوال أخرى‪ ،‬فهي بنيوية في هيكلة األجهزة األمنية‪ ،‬وطبيعة‬
‫الفصائل العسكرية العاملة على الساحة الفلسطينية‪ .‬فقبل وصول حماس إلى احلكم‬
‫كان ملف الفلتان األمني هو أحد القضايا املطروحة كإشكاليات تعاني منها السلطة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬والذي ّ‬
‫مت إلقاء الضوء عليه في أكثر من تقرير ملؤسسات املجتمع املدني‪،‬‬
‫أه ّمها الهيئة املستقلة حلقوق املواطن‪ ،‬التي أشارت سنة ‪ ،2005‬إلى تزايد حاالت‬
‫الفلتان األمني وضحاياه‪.66‬‬
‫األمر تعدى دائرة النقاش لدى املؤسسات األهلية ومؤسسات املجتمع املدني‪،‬‬
‫بحيث انتقلت هذه املسألة إلى املجلس التشريعي في دورته السابقة‪ ،‬حيث ق ّدمت‬
‫مقترحات بسحب الثقة عن حكومة أحمد قريع بسبب إخفاقها في معاجلة الفلتان‬
‫األمني‪ ،‬الذي ظهر في تقرير أحد جلان املجلس التشريعي املختصة باألمن واحلكم‬
‫احمللي‪.67‬‬
‫هذا األمر ورثته حركة حماس بعد فوزها في االنتخابات التشريعية‪ ،‬وتفاقم أكثر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 65‬احلياة‪.2006/2/11 ،‬‬
‫‪ 66‬بيان للهيئة الفلسطينية املستقلة حلقوق املواطن “قانون” حول الفلتان األمني‪.2005/3/7 ،‬‬
‫‪ 67‬للمزيد من املعلومات‪ ،‬انظر جلسات املجلس التشريعي من موقع املجلس على االنترنت‪:‬‬
‫‪http://www.pal-plc.org‬‬

‫‪187‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حني أصبح هناك توتر سياسي داخلي ش ّكل بيئة خصبة لنمو ظاهرة الفلتان األمني‪.‬‬
‫مبعنى أن الشكل احلالي للفلتان األمني ليس قضية أمنية أو عسكرية فحسب؛ وإمنا‬
‫ال توافقية حلله‪ ،‬أو اخلروج‬ ‫هو عامل تابع خلالف سياسي لم يجد القائمون عليه سب ً‬
‫بصيغة تقارب بني التوجهات السياسية املتعارضة على الساحة‪.‬‬
‫وفي هذه اجلزئية فقد تطور الفلتان األمني في عهد احلكومة العاشرة إلى اقتتال‬
‫سياسي‪ ،‬ومن أه ّم العوامل التي أسهمت في ذلك ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬حالة الترهل التي تعيشها األجهزة األمنية منذ فترة طويلة‪ ،‬وعدم االنضباط‬
‫بحيث تعددت مرجعيات تلك األجهزة بحسب القيادات التي ترأسها‪،‬‬
‫وتعاظمت املشكلة بعد مجيء حماس فيما عرف بأزمة الصالحيات‪.‬‬
‫ب‪ .‬احلياة الدميوقراطية الفلسطينية ما زالت مبتورة‪ ،‬فالفلسطينيون‬
‫جنحوا في تطبيق أحد املظاهر الدميوقراطية اإلجرائية‪ ،‬وهي الدخول‬
‫في انتخابات‪ ،‬لكن ما قبلها من ضرورة التأسيس لثقافة دميوقراطية‬
‫مجتمعية‪ ،‬وما بعدها من ضرورة تكريس العمل الدميوقراطي عبر القبول‬
‫بخيار الشعب وتطبيق مبدأ التداول السلمي للسلطة‪ ،‬ما زالت أمر ًا نظري ًا‪،‬‬
‫ولم يطبقها الفلسطينيون بشكل يتواءم مع قبولهم بالدميوقراطية كناظم‬
‫حلياتهم السياسية‪.‬‬
‫ج‪ .‬جزء مهم من أسباب ظهور التطرف في العالقات الداخلية‪ ،‬يتعلق بسوء‬
‫احلياة اليومية للمواطن‪ ،‬والتي في أساسها ناجمة عن سياسيات االحتالل‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬وهذا عامل سابق لوجود حماس في احلكم‪ ،‬لكن ما جعل منه‬
‫أمر ًا أكثر فاعلية في تغذيته لالقتتال الداخلي‪ ،‬هو احلصار الدولي املفروض‬
‫على الفلسطينيني‪ ،‬وخاصة احلصار االقتصادي الذي أسهم في تضييق‬
‫حياة الفلسطينيني مبا يعزز التوجه املتطرف‪.‬‬

‫‪ .4‬أداء احلكومة اإلعالمي‪:‬‬


‫يالحظ املراقب‪ ،‬منذ تشكيل احلكومة العاشرة حتى اآلن‪ ،‬تراجع ًا في األداء‬
‫اإلعالمي حلركة حماس‪ ،‬وخاصة أداءها داخل احلكومة‪ ،‬األمر الذي أحدث إرباك ًا‬
‫لدى املؤسسات اإلعالمية‪ ،‬نتيجة غموض بعض التصريحات أو جزئيتها أو طرحها‬
‫ومن ثم املسارعة بنفيها‪ ،‬وكل ذلك وإن جاء نتيجة لعدة عوامل أهمها عدم االستقرار‬
‫الداخلي مما يجعل من وضوح الصورة أمر ًا معقد ًا‪ ،‬إال أن هذا ال يعفي حماس من‬

‫‪188‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مسؤوليتها جتاه تقدمي إعالم متوازن يتالءم مع األزمة احلالية‪ ،‬مبعنى أن يت ّم تطوير‬
‫ما ميكن تسميته “إعالم األزمة” الذي يقوم على رسائل إعالمية مختصرة وواحدة‪،‬‬
‫وأحادية املصدر‪.‬‬
‫وبنظرة فاحصة لواقع األداء اإلعالمي للحكومة العاشرة نستنتج اآلتي‪:‬‬
‫لم يكن لوزراء الضفة الغربية حضور إعالمي متوازن باملقارنة مع وزراء غزة‪،‬‬
‫وهذا أدى إلى تغييب إجنازات تلك الوزارات عن عامة الناس‪ ،‬خصوص ًا أن‬
‫وزراء الضفة هم من يتولون حقائب الوزارات اخلدماتية واملالصقة لشؤون‬
‫املواطن‪ ،‬مثل وزارة التربية والتعليم واحلكم احمللي‪.‬‬
‫حزبية األداة اإلعالمية‪ ،‬وهذا اتضح من بقاء املؤسسات اإلعالمية التابعة‬
‫للحركة هي ذاتها منبر احلكومة‪ ،‬وهذا أفقدها جزء ًا من املصداقية‪ ،‬في حني‬
‫لم تعتمد احلكومة بتات ًا على مؤسسات السلطة اإلعالمية‪.‬‬
‫إعالم احلكومة العاشرة بدا في كثير من األحيان وكأنه إعالم املعارضة‪،‬‬
‫وليس إعالم احلكومة‪ ،‬واعتماده على منطية دفاعية في عرضه ألفكاره‪،‬‬
‫بحيث حصر نفسه في موقع ر ّد الفعل وابتعد عن إيضاح الصورة للشارع‬
‫حول الكثير من القضايا اخلالفية‪ ،‬أو حتى ما يتعلق مبا أجنزته احلكومة‬
‫ولم يظهر للعيان‪.‬‬
‫كان هناك خلط واضح بني خطاب احلكومة‪ ،‬وخطاب احلركة‪ ،‬خصوص ًَا‬
‫أن العديد من الناطقني باسم احلركة كانوا يتكلمون نيابة عن احلكومة‬
‫وباسمها مما أربك املشاهد العام‪.‬‬
‫لم يكن هناك سياسة اعالمية واضحة لدى احلكومة‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬كان‬
‫هناك تناقض واضح في التصريحات اإلعالمية‪ ،‬وفي التعقيبات على االحداث‬
‫السياسية وبالذات عند الدخول في معترك العالقة مع مؤسسة الرئاسة‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫برنامج املقاومة بعد دخول حما�س‬


‫�إىل حكومة ال�سلطة‬
‫‪68‬‬
‫معني مناع‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫ع َّدت حركة املقاومة اإلسالم َّية حماس املقاومة بكا ّفة الوسائل‪ ،‬حق ًا مشروع ًا‬
‫يهدف إلى دحر االحتالل وحماية احلقوق واملق َّدسات‪ ،‬ورأت احلركة من خالل برنامج‬
‫أن عمل َّية التَّحرير هي مهمة عربية وإسالمية‪ .‬وأ َّكدت احلركة‬ ‫كتلة التغيير واإلصالح َّ‬
‫على أهم َّية التَّف ُّهم ال ُّدولي للحقّ الفلسطيني‪ ،‬ودعم مقاومته إلقامة دولته املستقلَّة‪،‬‬
‫وعودة الالجئني‪ .‬وجعلت حماس الوحدة الوطن َّية وحتصني اجلبهة ال َّداخل َّية مق ِّدمة‬
‫الشعب الفلسطيني من ممارسة كا َّفة أشكال املقاومة مبا فيها‬ ‫ضرور َّية؛ لتمكني َّ‬
‫املقاومة َّ‬
‫الشعب َّية‪.‬‬
‫السلطة الفلسطين َّية‪،‬‬ ‫لذلك‪ ،‬فقد استقبلت احلركة مرحلة املشاركة في مؤسسات ُّ‬
‫باملوافقة على استمرار ال ّتَّهدئة مع “إسرائيل”‪ ،‬مقابل إعادة االعتبار إلى منظمة‬
‫للشعب الفلسطيني‪ ،‬و“دعم احلياة‬ ‫الشرعي والوحيد َّ‬ ‫التحرير الفلسطين َّية بصفتها املم ِّثل َّ‬
‫السياس َّية الفلسطين َّية‪ ،‬وعقد االنتخابات التَّشريع َّية‪.‬‬
‫الساحة ِّ‬ ‫الدميوقراط َّية” على َّ‬

‫املقاومة خياراً وحيداً‪:‬‬


‫تلحظ حركة حماس في أدبياتها تغ ّير الظروف والواقع‪ ،‬وتراعي املرحلية التي‬
‫تقتضي تغيير ًا في األساليب واآلليات؛ فقد طرح مؤسسها الشيخ أحمد ياسني في‬
‫سنة ‪“ ،1988‬إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود ‪ 1967‬في الضفة الغربية وقطاع‬
‫غزة” مقابل هدنة مع “إسرائيل”‪ ،‬وق ِبل برنامج احلكومة العاشرة التي شكلتها حركة‬
‫حماس‪“ ،‬النظر في آلية التفاوض” مع “دولة اإلحتالل”‪ ،‬في حال انسحبت بشكل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 68‬كاتب فلسطيني‪ ،‬مركز الزيتونة للدراسات واإلستشارات‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫شامل “من األراضي الفلسطينية التي احتلتها في سنة ‪.”1967‬‬


‫لذلك جلأت حماس إلى تغيير وسائلها وتكتيكاتها‪ ،‬بعد أن رأت أن فوزها في‬
‫االنتخابات التشريعية ميثل مرحلة جديدة تستدعي تطوير خطابها املقاوم‪ .‬فبعد أن كانت‬
‫تطرح في ميثاقها خطاب ًا مبدئي ًا ترى فيه أن “ال حل للقضية الفلسطينية إال باجلهاد”‪،‬‬
‫أي املقاومة املسلحة‪ ،‬وترى في املبادرات والطروحات واملؤمترات الدولية “مضيعة للوقت‪،‬‬
‫وعبث”‪ ،‬بدأت تبحث عن القواسم املشتركة مع الداخل الفلسطيني‪ ،‬وسكتت عن بعض‬
‫استراتيجياتها‪ ،‬من غير تنازل‪ ،‬مراعاة لضرورات املرحلية واحتياجاتها‪.‬‬
‫ومبا أن حماس تسعى بجدية إلى حتقيق اإلجماع الوطني‪ ،‬فقد أبدت مرونة‬
‫في التعامل مع استراتيجيتي‪“ :‬املقاومة” و“السياسة”؛ لتحرير األرض‪ ،‬وحماية‬
‫املق َّدسات‪ ،‬وإطالق األسرى‪ ،‬وإقامة الدولة‪ .‬ومبا أن استراتيج َّية التَّفاوض مطلب دولي‬
‫وعربي وفلسطيني‪ ،‬فقد استجابت حماس لهذا املطلب؛ وقد جتلّى ذلك عندما وافقت‬
‫على استمرار التَّهدئة مع االحتالل “مقابل التزام إسرائيلي متبادل بوقف كا َّفة أشكال‬
‫العدوان على أرضنا وشعبنا‪ ...،‬وكذلك اإلفراج عن جميع األسرى واملعتقلني” وهذه‬
‫االلتزامات تع ّد أهداف ًا جوهرية للمقاومة املسلحة‪.‬‬
‫ثم صاغت حماس هذه النظرة بلغة تبحث عن القواسم املشتركة ونقاط االتفاق‪،‬‬
‫وتبدو أكثر قبو ًال في التعبيرات السياسية الفلسطينية والعربية‪ .‬وكان اتفاق القاهرة في‬
‫‪ ،2005/3/17‬إحدى جتلياتها‪ .‬ثم ظهرت في برنامج كتلة التغيير واإلصالح لالنتخابات‬
‫التشريعية‪ ،‬حيث أ ّكدت على شرعية املقاومة بالوسائل السياسية واجلهادية كافة‪.‬‬

‫املقاومة بحدود الـ ‪:1948‬‬


‫تالشت الشعارات التي كانت تدعو فيها حركة حماس إلى “إزالة إسرائيل من‬
‫الوجود”‪ ،‬من خالل اعتماد استراتيجية املقاومة املسلحة لتحرير كامل التراب الوطني‬
‫الفلسطيني‪ ،‬من تصريحات قادتها وبرامجها االنتخابية‪ ،‬أو برامج احلكومات التي‬
‫ال عن أدبياتها الراهنة‪ .‬وحلّت محلها عبارة “إزالة االحتالل”‬
‫شكلتها وقادتها‪ ،‬فض ً‬
‫عن كافة األراضي الفلسطينية احملتلة سنة ‪ .1967‬وأخذ هذا اخلطاب يتطور شيئ ًا‬
‫فشيئ ًا‪ ،‬لدواعي الوحدة الوطنية وضروراتها‪ ،‬وبسبب املوقف الدولي الذي يرفض‬
‫العمل العسكري داخل األراضي الفلسطينية احملتلة سنة ‪ ،1948‬وخاصة العمليات‬
‫أراض إسرائيلية‪ ،‬وألن معظم ضحايا تلك العمليات كانوا‬
‫ٍ‬ ‫االستشهادية‪ ،‬ألنه يعتبرها‬
‫ممن يع ُّدهم املجتمع الدولي “مدنيني”؛ فوافقت حركة حماس‪ ،‬في وثيقة الوفاق الوطني‪،‬‬

‫‪191‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫على تركيز املقاومة في األراضي احملتلة سنة ‪.1967‬‬


‫املقاومة بكافة الوسائل املشروعة‪:‬‬
‫إن نظرة حركة حماس ملهمة العالم العربي واإلسالمي في عملية التحرير‪ ،‬والدور‬
‫الذي يجب أن يؤديه املجتمع الدولي في دعم الشعب الفلسطيني للحصول على‬
‫حقوقه الوطنية‪ ،‬ومتكينه من إقامة دولته املستقلة‪ ،‬جعلها تتقبل إضافة كافة الوسائل‬
‫املشروعة‪ ،‬واملقاومة بجميع أشكالها وصورها لتحقيق غاياتها الوطنية‪ .‬فكانت النتيجة‬
‫أن تبنّت حركة حماس التعامل مع أشكال متعددة للمقاومة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أقرها مؤمتر احلوار الوطني في القاهرة‪ ،‬إللزام “إسرائيل”‬ ‫أ‪ .‬التهدئة‪ :‬التي ّ‬
‫بوقف العدوان على األرض والشعب‪ ،‬واإلفراج عن كافة األسرى واملعتقلني‪.‬‬
‫وهذه كلها أهداف كانت تسعى حركة حماس لتحقيقها باملقاومة املسلحة‪.‬‬
‫ب‪ .‬التفاوض‪ :‬على الرغم من أن موقف حركة حماس املبدئي يرفض التفاوض‬
‫على أساس استراتيجية التسوية‪ ،‬وعدم قناعتها بجدوى العملية السياسية‬
‫القائمة بني الفلسطينيني و“إسرائيل”‪ ،‬إال أنها تقبلت فكرة اعتماد األسلوب‬
‫التفاوضي خيار ًا وطني ًا مك ِّم ً‬
‫ال‪ ،‬يتناوب مع مهمة النضال باملقاومة املسلحة‪،‬‬
‫ولهذا‪ ،‬دعت وثيقة الوفاق الوطني‪ ،‬التي وقعتها كافة فصائل العمل الوطني‬
‫الفلسطيني وفي مقدمتها حركتا حماس وفتح‪ ،‬إلى “التمسك بخيار املقاومة‬
‫إلى جانب التفاوض”‪.‬‬
‫ج‪ .‬املقاومة الشعبية‪ :‬إن شمولية فكر حركة حماس جعلها تؤمن باملقاومة‬
‫املسلحة خيار ًا استراتيجي ًا تقف إلى جانبها باقي أشكال املقاومة؛‬
‫السياسية‪ ،‬والدبلوماسية‪ ،‬واجلماهيرية‪ ،‬واإلعالمية‪ ،‬واإلجتماعية‪ .‬هذا‬
‫الفهم الذي أطلقه رئيس املكتب السياسي للحركة‪ ،‬عكسته حماس في‬
‫مختلف الوثائق واإلتفاقات التي وقعتها مع رئيس السلطة وفتح وباقي‬
‫القوى والفصائل الفلسطينية‪.‬‬
‫فأقرت وثيقة الوفاق الوطني‪ ،‬بأن الشعب الفلسطيني ما يزال مير في مرحلة‬
‫“التحرر”‪ ،‬األمر الذي يقتضي أن تكون األولوية للمقاومة املسلحة على‬
‫غيرها من املقاومات‪ .‬أك ّد هذا املذهب ورود قرينة “إلى جانب العمل‬
‫السياسي والتفاوضي” بعد اإلشارة إلى أن املقاومة حق يجب أن تتركز‬
‫في األراضي احملتلة سنة ‪.1967‬‬
‫جتدر اإلشارة إلى أن ضرورات العمل الفلسطيني املشترك‪ ،‬وسعي حماس‬

‫‪192‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫لتجسيد الوحدة الوطنية من جهة‪ ،‬واصرار فتح على جلب حماس إلى‬
‫مربعها من جهة ثانية‪ ،‬هما وراء اعتماد الصياغات اللغوية العامة التي تثير‬
‫االلتباس وتفسح املجال للتفسير والتأويل‪.‬‬
‫وتضع حماس املقاومة الشعبية كأحد أشكال املقاومة وهي تدرك بأنها قد تقدمت‬
‫أشواط ًا في طريق املقاومة املسلحة‪ ،‬وبات يتوفر لدى جناحها العسكري التجهيزات‬
‫والقدرات التي مكنتها من إحلاق ضرر بالغ في العدو خالل انتفاضة األقصى‪ ،‬وقد‬
‫رأى الشعب الفلسطيني آثار هذا اخليار على العدو‪ ،‬ونتائجه في هروب قوات جيش‬
‫االحتالل ومستوطنيه عن قطاع غزة‪.‬‬

‫بني أولويات احلكومة وكتائب القسام‪:‬‬


‫منذ أن تسلمت حركة حماس مفاتيح حكومة السلطة العاشرة‪ ،‬تزايدت التساؤالت‬
‫عن الطبيعة التي سوف تدير بها هذه احلركة ملفاتها‪ ،‬وكيف سترتب أولوياتها؟‬
‫يعج باألولويات اخلارجية‪،‬‬
‫وماذا سيكون مصير جناحها العسكري؟ فبرنامج احلكومة ّ‬
‫واإلصالحية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والداخلية‪ ،‬إضافة إلى أن احلركة باتت تدرك بأنها ستكون‬
‫بحاجة إلى فسحة‪ ،‬غير قصيرة‪ ،‬من الوقت لكي تنجز جملة ترتيبات وتفاهمات مع رئاسة‬
‫السلطة‪ ،‬ولكي تتمكن من التموضع داخل األجهزة واملؤسسات التابعة للحكومة‪.‬‬

‫أ‪ .‬القسام‪ ...‬مرحلة جديدة‪:‬‬


‫تعاملت قيادة حماس السياس َّية مع وصولها إلى س َّدة احلكومة على أنَّها مرحلة‬
‫جديدة‪ ،‬تمُ لي عليها رسم وجهة جلناحها العسكري تتفادى فيها دخوله حالة “استراحة‬
‫احملارب”‪ ،‬التي غالب ًا ما تؤ ِّدي إلى فتور اله َّمة وضياع “البوصلة”‪.‬‬
‫القسام قد دخلت مرحلة “التَّطوير‪ ،‬وصقل قدرات‬ ‫َّ‬ ‫أن كتائب‬ ‫فت َّم اإلعالن عن َّ‬
‫العناصر بالعلوم والتَّدريبات العسكر َّية واألمن َّية وفق أحدث األساليب”‪ ،‬وذلك بحسب‬
‫ما أعلنه أبو حذيفة أحد القادة العسكريني في غزة‪ .‬بذلك تكون حماس قد ح َّددت هدف ًا‬
‫لق َّواتها ال يؤ ِّثر على أولو َّيات حكومتها‪ ،‬ويسمح لها باالستفادة من بعض الوقت‪ ،‬الذي‬
‫حتتاجه ملخاطبة اخلارج ال ِّدولي والعربي والداخل الفلسطيني‪.‬‬

‫مهمته‪:‬‬
‫ب‪ .‬صالحيات القسام وحدود َّ‬
‫اتضح منذ األ َّيام األولى من عمر احلكومة الفلسطين َّية التي ش َّكلتها حركة حماس‪،‬‬

‫‪193‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أن حالة “الفوضى األمن ّية” سوف تتفاقم‪ ،‬بل ستكون العائق احلقيقي والهاجس‬
‫األ َّول لهذه احلكومة‪ .‬وحرص ًا من كتائب القسام على عدم تضييع البوصلة واختالط‬
‫بي أحد قادتها حدود مهام جناح حماس العسكري‪ ،‬فقال‪“ :‬نـحن لن‬ ‫املهام؛ فقد ّنّ‬
‫َّ‬
‫ولعل‬ ‫حل مشاكل الفوضى املنتشرة في األراضي الفلسطين َّية”‪.‬‬ ‫نتدخل إطالق ًا في ِّ‬‫َّ‬
‫الصائب هو خلفية قرار وزير داخل َّية احلكومة العاشرة‪ ،‬سعيد صيام‪،‬‬ ‫َّوجه َّ‬‫هذا الت ُّ‬
‫بتشكيل الق َّوة التَّنفيذ َّية التَّابعة لوزارته مباشرة‪ ،‬بعد تفاقم الفوضى وانتشارها في‬
‫قطاع غزة‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد شهدت التَّط ُّورات األمن َّية داخل ساحة قطاع غزة بعض الت ُّ‬
‫َّدخالت‬
‫القسام‪ ،‬وإن كانت تأتي جميعها بحدود “ال ِّدفاع عن النَّفس‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫التي ن َّفذتها كتائب‬
‫ومالحقة املتَّهمني في كشف أسرار الكتائب ومالحقة مجاهديها”‪ .‬إ ّال أن َّ‬
‫الشأن‬
‫ال َّداخلي بقي من اختصاص الق َّوة التَّنفيذ َّية واألجهزة األمن َّية إلى ح ٍّد بعيد‪.‬‬
‫إن أزمة الصالحيات وتوزيع املهام لم تبقَ حكر ًا على املؤسسات السياسية أو‬
‫اإلدارية‪ ،‬وإمنا امتدت إلى األجهزة األمنية‪ ،‬وهذا ما جعل اخلوف كبير ًا من تدخل‬
‫تضيع‬ ‫كتائب القسام في صالحيات أجهزة أمن السلطة‪ ،‬واخلوف عليها من أن ّ‬
‫بوصلتها وتستنزف جهدها في شأن داخلي‪ ،‬أو يت ّم اخللط بني ما هو حلماس وما‬
‫هو للحكومة‪ .‬لذلك أجاب أحد القادة العسكريني بالنفي عندما ُس ِئل عن إمكانية قيام‬
‫ال “إن هذه من مهام األجهزة األمنية‬ ‫كتائب القسام بدور في الشأن الداخلي‪ ،‬قائ ً‬
‫الرسمية”‪ ،‬بل أشار إلى ما هو أبعد من ذلك عندما بينّ بأن كتائب القسام سوف تعمل‬
‫على “توفير اجلو املناسب لهم للقيام مبهامهم”‪.‬‬
‫اجنرت كتائب‬ ‫ّ‬ ‫شهدت السنة ‪ 2006‬عدة جوالت من التوترات األمنية الداخلية‪،‬‬
‫القسام إلى بعضها بشكل جزئي وآني‪ ،‬إال أن رئيس املكتب السياسي حلركة حماس‬
‫خالد مشعل عاد وأك َّد بأن مهمة سالح املقاومة هي “الدفاع عن حقوق الشعب‬
‫الفلسطيني” فقط‪ .‬أما احلكومة التي تتولى الشأن الداخلي فإن لها “أجهزتها األمنية”‪،‬‬
‫وعلّق ضمن ًا على اجنرار كتائب القسام‪ ،‬وبينّ أنه “في املرحلة القادمة سنكون قادرين‬
‫على إيجاد التناغم بني التشكيالت بحيث يخدم كل منها مساحته الطبيعية”‪.‬‬

‫ج‪ .‬عودة القسام إلى املقاومة‪:‬‬


‫أعلنت كتائب املقاومة الفلسطينية انتهاء مرحلة التهدئة بشكل رسمي بتاريخ‬
‫‪ ،2005/12/31‬إال أن فوز حركة حماس باالنتخابات التشريعية‪ ،‬حال دون استئناف‬

‫‪194‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫القسام عملياتها العسكرية ضد االحتالل‪ ،‬وذلك بالنظر إلى حاجة احلكومة لفترة هدوء‬
‫حتى تتمكن خاللها من تشكيل نفسها‪ ،‬وإطالق برامجها الداخلية‪ ،‬وإجالء صورتها‬
‫اخلارجية‪ .‬ومن جهة أخرى باعد احلصار السياسي واالقتصادي‪ ،‬الذي تعرضت له‬
‫احلكومة بشكل مبكر‪ ،‬من إمكانية استئناف جناح حماس العسكري ألي عمل عسكري‬
‫ذي بال‪.‬‬
‫ثم اعتمدت “إسرائيل” سياسة إسقاط احلكومة بكافة الوسائل مبا فيها استخدام‬
‫القوة العسكرية؛ بالقصف والتدمير والتوغالت واالغتياالت‪ ،‬لم تسلم منها الضفة‬
‫الغربية وال قطاع غزة‪ ،‬ولم يجد النواب والوزراء وأعضاء املجالس البلدية في صفتهم‬
‫الدميوقراطية شفاع ًة حتميهم من االعتقال واالختطاف‪ ،‬الذي مارسته أجهزة األمن‬
‫أخر من إمكانية استئناف كتائب القسام‬ ‫اإلسرائيلية مبختلف تشكيالتها‪ ،‬وهذا أيض ًا ّ‬
‫العمل العسكري إلى وقت بعيد نسبي ًا‪.‬‬
‫وعلى الرغم من كل ذلك‪ ،‬بقيت كتائب القسام ملتزمة بالتهدئة الفعلية‪ ،‬واستمرت في‬
‫ذلك لغاية اغتيال املشرف العام على القوة التنفيذية جمال أبو سمهدانة‪ ،‬واستشهاد‬
‫‪ 14‬فلسطين َّي ًا بينهم سبعة من عائلة غالية (مجزرة الشاطئ) بقذائف االحتالل بتاريخ‬
‫القسام انتهاء التَّهدئة فعل َّي ًا‪ .‬ومنذ ذلك التاريخ‪ ،‬بدأت تظهر‬
‫َّ‬ ‫‪ ،2006/6/9‬حيث أعلنت‬
‫مشاركة كتائب عز الدين القسام العسكرية من خالل القصف الصاروخي‪ ،‬والدوريات‪،‬‬
‫واملواجهات‪ ،‬على حدود القطاع مع القوات الصهيونية املتمركزة هناك‪ ،‬يضاف إليها‬
‫قيام االستشهادية فاطمة عمر النجار بتنفيذ عملية بتاريخ ‪ 2006/11/23‬باسم‬
‫حماس‪.‬‬
‫إال أن أهم ر ّد عسكري متثل في عملية “الوهم املتبدد”‪ ،‬التي نفذتها كتائب القسام‬
‫مع جلان املقاومة الشعبية وجيش اإلسالم‪ ،‬والتي ر ّد عليها اجليش اإلسرائيلي بعملية‬
‫“أمطار الصيف”‪ ،‬إذ قام بإمطار قطاع غزة بوابل من القصف املدفعي‪ ،‬وقصف‬
‫الطيران احلربي‪ ،‬وقام بتوغالت محدودة نفذتها الدبابات اإلسرائيلية‪ ،‬في شمالي‬
‫القطاع وشرقيه‪ .‬وكان لكتائب القسام دور أساسي في التصدي‪ ،‬واستخدام القصف‬
‫الصاروخي‪ ،‬الذي استهدف عدة بلدات ومستوطنات صهيونية أبرزها سديروت‪.‬‬

‫املقاومة في أجندة حماس وحكومتها‪:‬‬


‫أ‪ .‬في االتفاقات السياسية‪:‬‬
‫كرر قادة حركة حماس هدفهم الرئيس من وراء اتخاذ حركتهم قرار املشاركة في‬
‫صرح أكثر من مسؤول في حماس بأنهم قرروا املشاركة‬ ‫االنتخابات التشريعية؛ فقد ّ‬

‫‪195‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫من أجل حتصني شرعية املقاومة بالشرعية االنتخابية أو الشرعية الدميوقراطية‪.‬‬


‫ومع أن رئيس السلطة محمود عباس ُيع ّد من أكبر املناهضني لفكرة املقاومة‬
‫املسلحة‪ ،‬ولطاملا سعى إلى إنهاء حالة “العسكرة”‪ ،‬وكثير ًا ما استخدم عبارات القدح‬
‫والذم بحقّ املقاومني والعمليات االستشهادية‪ ،‬إال أن بند املقاومة بقي ثابت ًا في برنامج‬
‫احلكومة التي كلف عباس رئيس الوزراء إسماعيل هنية بتشكيلها‪ ،‬مع وجود وقفات‬
‫أساسية أعاقت التكليف‪ ،‬بل كادت تعطله‪.‬‬
‫ومع كل ذلك‪ ،‬فقد أكدت وثيقة الوفاق الوطني بأننا “[ما] زلنا في مرحلة التحرر”‪،‬‬
‫وهذا اإلقرار يعطي عمق ًا وطني ًا وشرعية ميثاقية للمقاومة‪ ،‬خصوص ًا أن كافة املواثيق‬
‫وتقر بحقّ الشعوب في تقرير مصيرها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الدولية تؤكد شرعية املقاومة ض ّد االحتالل‪،‬‬
‫وأكدت الوثيقة “متسك الشعب الفلسطيني بخيار املقاومة”‪ ،‬مع أنها ر ّكزت هذه‬
‫املقاومة ضمن أراضي الـ‪ ،1967‬ولكن ميكن إخراج هذا االلتباس من خالل فهمه على‬
‫قاعدة األهداف املرحلية‪ ،‬لكون استراتيجية املقاومة بقيت محل توافق وطني‪.‬‬
‫ثم تعزز هذا التوافق بالدعوة إلى تشكيل “جبهة مقاومة موحدة”‪ ،‬يكون اسمها‬
‫“جبهة املقاومة الوطنية”‪ .‬جاء اإلتفاق على التسمية للتأكيد بأن التوافق الوطني على‬
‫تشكيل مرجعية تتولى قيادة املقاومة املسلحة سياسي ًا وميداني ًا أمر محتم‪ ،‬تنقصه‬
‫فقط اإلجراءات اإلدارية حتى تأخذ هذه اجلبهة دورها بني باقي مؤسسات العمل‬
‫الوطني القائمة‪.‬‬
‫وبسبب تداعيات التطورات األمنية بني فتح وحماس‪ ،‬خصوص ًا تلك التي حدثت‬
‫في قطاع غزة خالل شهري كانون الثاني‪ /‬يناير وشباط‪ /‬فبراير ‪ ،2007‬و ّقع رئيس‬
‫املكتب السياسي حلركة حماس ورئيس احلكومة إسماعيل هنية مع رئيس السلطة‬
‫الفلسطينية محمود عباس‪ ،‬اتفاق مكة في ‪ ،2007/2/8‬واتفقوا على املضي قدم ًا في‬
‫إجراءات تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وتطويرها؛ فهي عنوان التحرر‪ ،‬والبيت‬
‫الوطني الذي يض ّم حتت سقفه فصائل املقاومة فيعطيها الشرعية ويحميها‪.‬‬
‫وما لبث أن انبثق عن اتفاق مكة حكومة الوحدة الوطنية‪ ،‬التي أكدت على شرعية‬
‫املقاومة املسلحة وجعلتها مرهونة بانتهاء االحتالل‪ ،‬وعودة الالجئني‪ ،‬وإقامة الدولة‬
‫املستقلة‪ .‬وفي ذلك أيض ًا ضمانة مبدئية وتكتيكية للمقاومة الفلسطينية‪.‬‬

‫ب‪ .‬في السياسة الرسمية‪:‬‬


‫بينّ رئيس املكتب السياسي حلركة حماس خالد مشعل‪ ،‬الطريقة التي سوف تدير‬
‫بها حركته املقاومة‪ ،‬فصرح في حوار مع مجلة األهرام العربي بتاريخ ‪،2006/2/11‬‬

‫‪196‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ال “إن حماس ستدير املقاومة بقرارنا الذاتي انطالق ًا من مراعاة مصالح شعبنا‬ ‫قائ ً‬
‫وإمكاناته على األرض وفي ظل اإلحتالل”‪ ،‬فجاء هذا املوقف مبثابة السياسة العامة‬
‫التي نظمت أداء كل من “احلركة واحلكومة”‪.‬‬
‫تعاملت حركة حماس مع املقاومة على مرحلتني‪ ،‬متت خالل املرحلة األولى عملية‬
‫تشكيل احلكومة‪ ،‬واستمرار جناح حماس العسكري بإلتزام التهدئة فعلي ًا‪ .‬في حني‬
‫استأنفت باقي األجنحة العسكرية فعاليات املقاومة املسلحة؛ نفذت كتائب سرايا‬
‫القدس خالل هذه املرحلة ثالث عمليات استشهادية‪ ،‬وكان لها ولكتائب شهداء‬
‫األقصى وغيرهما من أجنحة املقاومة املسلحة‪ ،‬عدد من عمليات إطالق صواريخ‪.‬‬
‫كانت احلكومة تبارك كل رد عسكري‪ ،‬وتع ّده في خانة الدفاع املشروع عن النفس‬
‫أمام العدوان اإلسرائيلي املتكرر على األرض واإلنسان واملقدسات‪ ،‬وتتهم االعتداءات‬
‫اإلسرائيلية باملسؤولية‪.‬‬
‫وبقي املوقف الفلسطيني الرسمي منقسم ًا جتاه املقاومة املسلحة‪ ،‬ففي الوقت الذي‬
‫كان رئيس السلطة محمود عباس ينعت العمليات االستشهادية بـ“احلقيرة” ويدين عمليات‬
‫إطالق الصواريخ ويراها “عبثية”‪ ،‬وكان يطالب مبالحقة مطلقيها ويدعو إلجراء التحقيقات‬
‫للكشف عنهم‪ .‬كانت احلكومة الفلسطينية كثير ًا ما تكرر بأننا لن نعتقل املقاومني‪.‬‬
‫يستثنى من توجه احلكومة هذا‪ ،‬موقف الناطق الرسمي باسمها غازي حمد‪ ،‬الذي‬
‫أدان بتاريخ ‪ ،2006/11/26‬إطالق الصواريخ على “إسرائيل”‪ .‬جاء هذا اإلعالن‬
‫بعد اتفاق كافة الفصائل الفلسطينية االلتزام بتهدئة‪ ،‬ودخول وقف إطالق النار حيز‬
‫التنفيذ‪ .‬ولكن حمد أبقى إدانته اليتيمة بحدود التصريح اإلعالمي بينما انـحصر ر ّد‬
‫احلكومة على كل فصيل ينتهك هذا االتفاق املوقف بحدود “املناقشة”‪.‬‬
‫ونظر ًا لعدم تكرار مثل هذا املوقف من قبل أي من قيادات حركة حماس أو‬
‫املسؤولني في احلكومة‪ ،‬يظهر بأن هذا التصريح لم يكن معتمد ًا‪ ،‬أو على األقل لم تتبناه‬
‫السياسات املرسومة سواء في أطر حماس القيادية أو في مؤسسات احلكومة‪.‬‬
‫وفي املرحلة الثانية‪ ،‬التي بدأت بتاريخ ‪ ،2006/6/9‬عندما أعلنت كتائب القسام‬
‫انتهاء التهدئة فعلي ًا‪ ،‬ليكون قد اكتمل بذلك عقد فصائل املقاومة املنخرطة في فعاليات‬
‫الرد على مجازر وانتهاكات االحتالل‪ .‬اجلدير ذكره في هذه املرحلة هو أن عملية‬
‫“الوهم املتبدد”‪ ،‬باكورة عمليات القسام‪ ،‬نُفذت عشية توقيع وثيقة الوفاق الوطني‪،‬‬
‫التي تع ّد األساس السياسي ألي وحدة وطنية قادمة‪ ،‬وكانت هذه الوثيقة قد أكدت في‬
‫أحد بنودها “التمسك في خيار املقاومة مبختلف الوسائل”‪.‬‬
‫ومبا أن رئيس السلطة محمود عباس ومن خلفه حركة فتح قد وقعا على هذه الوثيقة بعد‬

‫‪197‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫معنى عملي ًا لهذه “الوسيلة” وأكسباها‬


‫ً‬ ‫تنفيذ العملية‪ ،‬فإن حماس والقسام يكونان قد أعطيا‬
‫الشرعية الوطنية عبر أهم وأحدث وثيقة “إجماع وطني”‪ ،‬وباملمارسة السياسية‪.‬‬

‫خالصة واستنتاج‪:‬‬
‫أدى فوز حركة حماس في االنتخابات التشريعية وتشكيلها للحكومة‪ ،‬إلى حصول‬
‫الكثير من اإلحتكاكات السياسية وامليدانية مع فتح‪ ،‬األمر الذي عكر صفو العالقات‬
‫الفلسطينية ‪ -‬الفلسطينية‪ ،‬وأوقع الساحة الداخلية في مخاض سياسي وأمني عسير‪،‬‬
‫جعل حماس تسعى إلى إيجاد احلد املشترك لتحقيق حلمة الصف الوطني‪ ،‬فلجأت‬
‫إلى تبني صياغات مقبولة فلسطيني ًا و ُمتفهمة عربي ًا ودولي ًا‪ .‬وبعد جتربة عام تقريب ًا‪،‬‬
‫ميكن تلخيص نتيجتها مبا يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬مت التأكيد على أن املقاومة املسلحة ليست هي اخليار الوطني الوحيد لتحرير‬
‫األرض واستعادة احلقوق‪ ،‬بل أصبحت أحد اخليارات الوطنية‪ ،‬تشاركها‬
‫في ذلك “التسوية السياسية”‪ ،‬والتفاوض‪ ،‬واملقاومة الشعبية‪ ،‬مما يعني‬
‫بأن اإلجماع الوطني الفلسطيني قد انعقد على مقاومة العدو احملتل من‬
‫أجل إقامة “دولتنا احملتلة”‪ ،‬كما لم تعد املقاومة املسلحة مطلقة اليد في‬
‫كامل التراب الوطني احملتل‪ ،‬بل انـحصرت ضمن حدود األراضي احملتلة‬
‫سنة ‪.1967‬‬
‫ب‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬حصل التوافق الوطني على إعادة االعتبار إلى املقاومة املسلحة‬
‫واعتبارها “حق ًا مشروع ًا” ملواجهة العدوان‪ .‬وتكرست هذه املشروعية من‬
‫خالل “وثيقة الوفاق الوطني” و“برنامج حكومة الوحدة الوطنية”‪ ،‬مما يعني‬
‫بأن املقاومة لم تعد خيار ًا فصائلي ًا‪ ،‬بل أصبحت خيار ًا وطني ًا تبنّته مؤسسات‬
‫السلطة‪ ،‬مع أن هذه السلطة قامت على أساس أن تكون “التسوية” خيار ًا‬
‫استراتيجي ًا وحيد ًا‪.‬‬
‫مت االتفاق على إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وتطويرها‪ ،‬لتأخذ‬ ‫و ّ‬
‫دورها في النضال الوطني؛ فتعيد االعتبار إلى وحدة الشعب الفلسطيني‪ ،‬وإلى‬
‫استراتيجية املقاومة الزمة “التحرير” ليت ّم االرتقاء من حالة االتفاق على خيار املقاومة‬
‫إلى مأسسته عبر أعلى مؤسسة فلسطينية؛ حيث أن املنظمة هي مرجعية السلطة‪.‬‬
‫ومن ثم متت الدعوة إلى العمل على تشكيل “جبهة مقاومة موحدة” تكون املرجعية‬
‫السياسية والعملياتية للمقاومة املسلحة‪ ،‬في خطوة متقدمة للتأكيد على أن املقاومة‬
‫املسلحة برنامج وطني‪ ،‬يسير جنب ًا إلى جنب مع برنامج “الوحدة” السياسي‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫يغي من؟؟‬
‫حما�س وال�سلطة‪ :‬من رّ‬
‫محمد داود‬
‫‪69‬‬

‫ش ّكل دخول حركة املقاومة اإلسالمية حماس في االنتخابات التشريعية الفلسطينية‪،‬‬


‫وفوزها الساحق فيها مطلع سنة ‪ 2006‬نقلة نوعية كبيرة في مسار احلركة‪.‬‬
‫فالفوز غير املتوقع كما أعلن عدد من قادة حماس مرار ًا‪ ،‬وضع احلركة أمام مرحلة‬
‫جديدة وفرض عليها حتديات مختلفة‪ ،‬وهي حتديات أخذت تتصاعد بعد أن شكلت‬
‫حكومتها األولى‪ ،‬واحلكومة العاشرة لسلطة احلكم الذاتي‪.‬‬

‫مقاعد املعارضة أكثر راحة أحيان ًا‪:‬‬


‫قبل املشاركة في احلياة السياسية جنحت حماس في احتالل دور القوة الفلسطينية‬
‫ضرها غالب ًا‪.‬‬
‫الثانية غير الرسمية وهو دور استفادت منه أحيان ًا‪ ،‬لكنه ّ‬
‫منحها موقع القوة الثانية دور ًا غير رسمي في احلالة الفلسطينية‪ ،‬وإن كان هذا‬
‫الدور عرضة مل ٍّد وجزر تبع ًا لطبيعة املرحلة وعالقات أطرافها‪.‬‬
‫ال أساسي ًا من مكونات اخلريطة الفلسطينية‪.‬‬ ‫كما منحها شرعية شعبية لكونها فصي ً‬
‫وفرض على صناع القرار في منظمة التحرير سماع صوت آخر بنبرة إسالمية‪ ،‬وهو‬
‫صوت غاب عن ساحات الفعل الفلسطينية سنني عديدة‪ ،‬لكنه في الوقت نفسه لم‬
‫يفرض على تلك القيادة االستجابة العتراضات حركة حماس أو تصوراتها؛ فقد‬
‫جوبهت مرار ًا بحجة أنها تعمل خارج الشرعية الفلسطينية املمثلة آنذاك مبنظمة‬
‫التحرير ومؤسساتها‪ ،‬وخارج إطار السلطة‪ ،‬بعد أن رفضت املشاركة في انتخابات‬
‫املجلس التشريعي األولى‪ ،‬وقاطعت كل مكوناتها باعتبارها إفراز ًا التفاقات أوسلو‬
‫وما تالها‪ ،‬وهي اتفاقات رفضتها احلركة بشدة‪.‬‬
‫ذلك املوقع منح خطاب حماس أيض ًا‪ ،‬طهرانية ثورية افتقدتها معظم الفصائل‬
‫وظل خطابها مستند ًا على الثوابت الفلسطينية في‬ ‫ّ‬ ‫التي شاركت في لعبة السياسة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 69‬كاتب فلسطيني‪ ،‬ومدير اجلزيرة نت‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ظل خطاب حماس يتحدث عن‬ ‫ال ّ‬


‫صورتها األقرب للشعارات منها لبرامج العمل؛ فمث ً‬
‫حترير فلسطني التاريخية‪ ،‬ورفض التفاوض مع “إسرائيل”‪ ،‬ورفض قرارات املنظمات‬
‫ال سوى املقاومة املسلحة‪ .‬وهو بديل لم تنتظمه برامج‬ ‫الدولية‪ ،‬دون أن يعرض بدي ً‬
‫ظل ظروف غربية وعربية ضاغطة وخلل كبير في ميزان‬ ‫مرحلية‪ ،‬وال بدا أن له أفق ًا في ّ‬
‫القوة بني املنادين به و“إسرائيل”‪.‬‬
‫غير أن موقع القوة الثانية ومقاطعة العملية السياسية سلب حماس أشياء عدة؛‬
‫فعلى سبيل املثال‪ :‬سلبها احلقّ في املشاركة بتوجيه املسار السياسي والقانوني‬
‫للصراع مع “إسرائيل”‪ ،‬كما سلبها أي غطاء شرعي؛ سواء ألطروحاتها السياسية‬
‫أو لتحركها امليداني‪ ،‬وسلبها أيض ًا االعتراف بها كقوة فلسطينية شرعية‪.‬‬
‫ظلت حماس قبل االنتخابات قوة مقاومة‪ ،‬بخطاب ثوري‪ ،‬وتضحيات مقدرة ال ُتنْكر‪،‬‬
‫ذات أثر فاعل في الر ّد على املمارسات اإلسرائيلية‪ ،‬وبقيت حركة معارضة بنقاء ثوري‬
‫يستند إلى ثوابت احلقّ الفلسطيني‪ ،‬كما كانت حماس قبل االنتخابات شبكة خدمات‬
‫اجتماعية تطوعية‪ ،‬إن قدمت شكرت وإن أحجمت لم تنتقد؛ فالعمل االجتماعي بطبيعته‬
‫تطوعي يقع على قدر االستطاعة‪ ،‬وليس للمستفيدين منه أي حقوق ثابتة على اجلهة‬
‫املانـحة‪.‬‬
‫قلب الفوز في االنتخابات وتشكيل حكومة فلسطينية معادالت كثيرة؛ منها ما‬
‫أصاب حماس نفسها‪ ،‬التي شكلت أول حكومة لها برئاسة إسماعيل هنية‪ ،‬وضمت‬
‫وزراء من حماس وبعض املستقلني‪ .‬بعد أن رفضت كل القوى الفلسطينية مبن فيها‬
‫تلك املتحالفة مع حماس في اخلارج؛ مثل اجلبهة الشعبية لتحرير فلسطني‪ ،‬وحركة‬
‫اجلهاد اإلسالمي املشاركة في احلكومة‪ ،‬حتت ذرائع مختلفة تراوحت بني ضرورة‬
‫ال شرعي ًا جلميع الفلسطينيني‪ ،‬واالعتراف باتفاقاتها‬ ‫قبول حماس منظمة التحرير ممث ً‬
‫مع اإلسرائيليني كما كانت اجلبهة الشعبية تقول في تبرير رفضها املشاركة باحلكومة‪.‬‬
‫وبني رفض املشاركة في سلطة تستند إلى مرجعية اتفاقات أوسلو كما بررت اجلهاد‬
‫موقفها‪.‬‬
‫وباختصار تركت جميع القوى الفلسطينية حماس لتغرق في جناحها‪ ،‬ولم تضع في‬
‫اعتبارها أن في غرق حماس إضعاف ًا للمشروع الوطني الفلسطيني برمته‪ ،‬ولعل حسابات‬
‫الفصيل تغلبت لدى جميع من رفضوا املشاركة على حساب الشعب وقضيته‪.‬‬
‫بقيت حماس وحيدة دون أي سند حقيقي‪ ،‬وغدت حركة املعارضة املقاومة سلط ًة‬

‫‪200‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مطالب ًة بعرض برنامج‪ ،‬وتبرير املسار‪ ،‬وحمل أعباء شعب محتل‪ .‬وهكذا لم يعد خطاب‬
‫الشعارات كاف؛ فالشعارات تبدو أقرب إلجابات معلبة على أسئلة سابقة‪ ،‬أما البرامج‬
‫ٍ‬
‫فهي ردود آنية تثير تساؤالت مع كل خطوة‪.‬‬
‫وحركة املقاومة غدت مطالبة باملزاوجة بني مقاومتها وحياة الناس ومسار السلطة‪.‬‬
‫في السابق لم تكن النتائج االقتصادية للهجمات العسكرية ض ّد “إسرائيل” تعني‬
‫مقاتلي حماس كثير ًا؛ فهناك سلطة يجب عليها البحث عن حلول لألزمات املعيشية‪،‬‬
‫ظل وجود قادة احلركة في احلكومة كان ال ب ّد من تغيير في احلسابات أو على‬ ‫لكن في ّ‬
‫األقل إعادة النظر للمعادلة من زاوية جديدة‪.‬‬
‫أما اجتماعي ًا؛ فاحلركة التي استندت على الدوام إلى شبكة الدعم االجتماعي‬
‫لم تعد متطوعة بل صارت مكلفة‪ ،‬ومطالبة باالهتمام باحتياجات الناس اليومية؛ من‬
‫ظل بنية حتتية متداعية‪ ،‬وحصار إسرائيلي‪ ،‬ومعونات‬ ‫تعليم وعالج ومعيشة‪ ،‬في ّ‬
‫أثمان سياسية‪ ،‬وهي تدفع باألقساط لضمان إبقاء القرار‬ ‫ٍ‬ ‫غربية ال تقدم إال بعد دفع‬
‫الفلسطيني مرتهن ًا لها‪ .‬وفي الدائرة األقرب إطار عربي يراوح بني العجز واالنخراط‬
‫في مشروع التسوية بأي ثمن‪.‬‬
‫بعد عام من البداية‪ ...‬كان السؤال األقوى عندما شكلت حماس حكومتها‪ :‬هل‬
‫ستنجح رغم الظروف؟‬
‫كانت الظروف دائم ًا حاضرة في خلفية املشهد‪ ،‬بل في خلفية كل مشهد‪ ،‬كانت‬
‫الظروف حاضرة في املشهد االقتصادي‪ ،‬وفي املشهد السياسي‪ ،‬وبالطبع في مشهد‬
‫املقاومة الفلسطينية‪ ،‬التي صار لها خاصرة طرية ميكن ممارسة الضغط عليها كلما‬
‫امتدت ذراع املقاومة لتضرب‪.‬‬
‫توقع كثيرون أن تسقط احلكومة وتنهار حتت وطأة احلصار االقتصادي‪ ،‬لكنها لم‬
‫ظل انفالت أمني يستند لقوى محلية‪ ،‬وزعامات‬ ‫تفعل‪ .‬وكان من املتوقع أن تسقط في ّ‬
‫تنظيمية خسرت االنتخابات‪ ،‬ورفضت أن ترخي قبضتها عن السلطة؛ فانخرطت‬
‫العتبارات شخصية وإقليمية في مشروع صدامات محدودة‪ ،‬تفضي لزيادة معاناة‬
‫احلكومة وإفشال جتربتها‪ ،‬لكن احلكومة عبرت تلك األزمة في كل مرة باحلوارات‬
‫واالتفاقات‪ ،‬التي كان أبرزها اتفاقيتي القاهرة ومكة املكرمة‪.‬‬
‫وعبرتها في املرة األخيرة‪ ،‬أي في حزيران‪ /‬يونيو ‪ ،2007‬بحسم الصراع مع‬
‫احملور املتورط في االنفالت األمني‪ ،‬واملدعوم من أطراف عربية أهمها األردن ومصر‪،‬‬

‫‪201‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وكذلك من “إسرائيل” والواليات املتحدة‪.‬‬


‫عانت حماس‪ ،‬طوال عام وشهور ظلت تقود بها احلكومة الفلسطينية املعترف بها‬
‫ُدع الجتماعات‪،‬‬‫فلسطيني ًا وعربي ًا ودولي ًا‪ ،‬من احلصار االقتصادي والسياسي؛ فلم ت َ‬
‫ولم يشارك وزراؤها في معظم املؤمترات العربية التي عقدت للبحث في املواضيع‬
‫وظل محمود عباس ومستشاروه‪ ،‬وغالبيتهم وزراء في احلكومات السابقة‬ ‫الفلسطينية‪ّ ،‬‬
‫أو أعضاء في تنفيذية منظمة التحرير‪ ،‬ميثلون الفلسطينيني في االجتماعات العربية‬
‫والدولية‪ ،‬مع استثناءات قليلة ال تذكر‪ ،‬بحجة أن احلكومة الفلسطينية في مناطق‬
‫السلطة الفلسطينية تقوم بإدارة شؤون الفلسطينيني في تلك املناطق‪ ،‬لكن القرار‬
‫السياسي هو قرار منظمة التحرير دون غيرها‪ ،‬والتمثيل مهمة مؤسسة الرئاسة‪ ،‬التي‬
‫عادت لتنتفش بأكثر مما كانت عليه أيام الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات‪،‬‬
‫واستند عباس ومستشاروه في تبرير دورهم الذي أسهم في تهميش احلكومة وعزلها‬
‫سياسي ًا‪ ،‬إلى حجة القبول الدولي للتعامل معه ومع مستشاريه‪.‬‬
‫وجدت حماس باختصار نفسها محشورة في مجموعة مآزق أبرزها‪:‬‬
‫‪ .1‬املأزق االقتصادي‪ :‬إذ عجزت عن تأمني الرواتب الالزمة؛ إلدارة دفة احلياة‬
‫في املناطق اخلاضعة للسلطة الفلسطينية‪ ،‬ناهيك عن تأمني األموال الالزمة‬
‫لالستثمار ومشاريع البنية التحتية‪.‬‬
‫‪ .2‬املأزق السياسي‪ :‬وجدت احلكومة التي تقودها احلركة نفسها مهمشة عربي ًا‬
‫ودولي ًا‪ ،‬ومن ذلك رفض األردن ومصر‪ ،‬وهما طرفان على صلة يومية ومباشرة‬
‫بالوضع الفلسطيني‪ ،‬استقبال رئيس الوزراء إسماعيل هنية‪ ،‬كما أصرت‬
‫الدول الغربية على التعامل مع عباس مباشرة دون املرور باحلكومة‪.‬‬
‫‪ .3‬املأزق األمني‪ :‬إذ لم تستطع احلكومة فرض األمن في مناطقها‪ ،‬وظلت أجهزة‬
‫األمن التابعة حلركة فتح‪ ،‬التي يسيطر عليها‪ ،‬حتديد ًا‪ ،‬محمد دحالن ورجاله‪،‬‬
‫مصدر ًا من مصادر االضطراب في مناطق احلكم الذاتي‪ .‬كما لم تستطع‬
‫توفير احلماية للفلسطينيني من الهجمات اإلسرائيلية املتكررة‪.‬‬

‫لكن احلركة في املقابل حققت عبر املشاركة في االنتخابات‪ ،‬ثم الفوز فيها‪ ،‬وتشكيل‬
‫احلكومة جملة جناحات لعل أبرزها‪:‬‬
‫‪ .1‬جنحت في نقل رأيها السياسي ومشروعها من مرحلة مشروع معارض‪ ،‬إلى‬

‫‪202‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مشروع يحكم أو على األقل يحاول أن يحكم‪.‬‬


‫مكن الفوز الساحق احلركة من احلصول على شرعية قانونية‪ ،‬حاول املجتمع‬ ‫‪ّ .2‬‬
‫الغربي املسمى باملجتمع الدولي وأطراف عربية عدة االلتفاف عليه‪ ،‬غير‬
‫أنهم فشلوا بسبب حجم الفوز الذي منح احلركة أقل بقليل من أغلبية ثلثي‬
‫أعضاء املجلس التشريعي‪.‬‬
‫‪ .3‬قطعت الطريق على أي محاولة ملواصلة عملية التسوية على القواعد‪ ،‬التي‬
‫استقرت عليها منذ إنشائها‪.‬‬
‫‪ .4‬قطعت الطريق على أي قرارات من شأنها جترمي املقاومة‪ ،‬ومتهد لنزع‬
‫سالحها‪ ،‬حتت حجة وقف االنفالت األمني‪.‬‬
‫‪ .5‬من بني ثمار صعود حماس واستالم السلطة‪ ،‬عودة الروح ملنظمة التحرير‪ ،‬إذ‬
‫لم يعد مطلوب ًا تصفيتها في املرحلة الراهنة‪ .‬بل باتت مظلة‪ ،‬تستمد شرعيتها‬
‫من التاريخ‪ ،‬حتمي من انكشف عنهم الغطاء الشعبي في االنتخابات‪ ،‬وهي‬
‫ثمرة قد ال تؤتي أكلها قريب ًا‪ ،‬لكن نصب أشرعة املنظمة في بحر األحداث‬
‫املتالطمة سيفضي على األرجح إلى إحدى نتيجتني؛ إما إصالح املنظمة‬
‫على قاعدة التغييرات الكبيرة‪ ،‬التي شهدها املجتمع الفلسطيني منذ ّ‬
‫مت‬
‫حتنيط املنظمة وحفظها بعهدة حركة فتح‪ ،‬أو حتطيم آخر أصنام شرعيات‬
‫تاريخية‪ ،‬ماتت في الواقع‪ ،‬وظلت منتصبة في اخليال تقاوم اجلديد ومتنع‬
‫ميالده‪.‬‬
‫‪ .6‬أفضى فوز حماس إلى حثّ اإلدارة األمريكية على استنفار كل حلفائها في‬
‫املنطقة‪ ،‬ومنهم دول عربية دأبت منذ سنني عدة على التأكيد أنها تقبل مبا‬
‫يقبل به الفلسطينيون‪ ،‬في وقت كانت القيادة الفلسطينية تطحن حتت وطأة‬
‫ظل ضغوط أمريكية وإسرائيلية‬ ‫فسادها‪ ،‬وتصلّب خيالها السياسي‪ ،‬وفي ّ‬
‫وأوروبية ال ترحم‪ ،‬وكان الشعب محشور ًا بني قيادة شاخت وتقاوم املوت‪،‬‬
‫ومعارضات عاجزة إال عن رفع العقيرة مع ضغوط االحتالل‪ .‬لكن فوز‬
‫حماس أعاد الروح للموقف العربي فقد بدا لزام ًا على اجلميع املشاركة بقوة‬
‫في تدجني حماس‪ ،‬ودفعها لتمرير ما سبق ملنظمة التحرير أن مررته‪ ،‬ورمبا‬
‫داعبت نسائم اخليال اإلدارة األمريكية و“إسرائيل” بأن تلك فرصة سانـحة‬
‫لتدجني احلركة بعد أن سقطت في فخّ السلطة الذي ال يرحم‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫صحيح أن البوابة التي عاد منها العرب لفلسطني وقضيتها هي بوابة أمريكية‪،‬‬
‫تبحث عن مزيد من األسلحة في مواجهة حماس‪ ،‬وصحيح أن مواقف معظم األطراف‬
‫العربية وخصوص ًا مصر واألردن واململكة العربية السعودية بدرجة أقل‪ ،‬ركزت على‬
‫محاوالت احتواء حماس‪ ،‬وحماية ما تبقى من شرعية لرئاسة عباس؛ إال أن عودة‬
‫العرب للساحة الفلسطينية أعاد للقضية زخم ًا إقليمي ًا فقدته حتى قبل اتفاقات أوسلو‪.‬‬
‫وإن كانت هذه إعالن ًا رسمي ًا بأن الصراع مع “إسرائيل” تقزّم؛ ليصبح مجرد خالف‬
‫بني جارين ال صلة للعرب به‪.‬‬
‫عودة العرب لفلسطني ثمرة‪ ،‬لم تنضج‪ ،‬من ثمار سيطرة حماس على جزء من‬
‫القرار الفلسطيني‪ ،‬لكنها ثمرة واعدة؛ إن جنحت حماس في الصمود حينها سيجد‬
‫العرب أنفسهم أمام أسئلة أكبر من مجرد دعم السالم‪ ،‬أو احلفاظ على محمود عباس‬
‫وبقايا حركة فتح طافيني بني أمواج األحداث املتالطمة في املنطقة‪.‬‬

‫مقاومة حتت مظلة السلطة‪:‬‬


‫قبل أي تقييم لتأثير مشاركة املقاومة في السلطة‪ ،‬ودراسة أثر االنتقال من مرحلة‬
‫الطهرانية الثورية املتحفزة في صفوف املعارضة إلى مرحلة املشاركة السياسية‪ ،‬ال ب ّد‬
‫ال) ملوقع املقاومة الفلسطينية من‬‫من استعراض سريع (يأمل الكاتب أن ال يكون مخ ً‬
‫القرار الوطني‪ ،‬منذ حتولت مشاريع التسوية السياسية من أفكار محلقة في سماوات‬
‫اخليال والوعود البراقة‪ ،‬إلى واقع منتصب في عالم احلقائق القاسية‪.‬‬
‫غدت املقاومة الفلسطينية عرضة ملساومات الساسة في إطار السعي للبحث عن‬
‫تسوية للصراع‪ ،‬حتى قبل توقيع اتفاقات أوسلو‪ ،‬وعمقت مسيرة التسوية من مدريد‬
‫وحتى أوسلو جراح املقاومة‪ ،‬حتى أضحت إرهاب ًا في العرف الفلسطيني الرسمي‬
‫وبالتالي العربي‪.‬‬
‫أصرت فيها “إسرائيل” على‬ ‫ّ‬ ‫ومع توقيع اتفاق أوسلو وما تاله من اتفاقات‪،‬‬
‫وجترمها‪ُ ،‬ر ِفع غطاء الشرعية الفلسطينية عن‬
‫ّ‬ ‫تضمينها جميع ًا عبارات تدين املقاومة‬
‫هجمات املقاومة ض ّد اإلسرائيليني‪ ،‬وغدت مكشوفة للنقد واإلدانة العربية والدولية‪،‬‬
‫وأضحت املقاومة في مواجهة السلطة الفلسطينية‪.‬‬
‫وعلى مدى سنوات ستة امتدت من سنة ‪ 1994‬وحتى سنة ‪( 2000‬وهو عام‬
‫َتف َُّجر انتفاضة األقصى)‪ ،‬بات اخلطاب الرسمي الفلسطيني يرى في هجمات فصائل‬

‫‪204‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املقاومة الفلسطينية ض ّد “إسرائيل”‪ ،‬مجرد محاوالت إلعاقة عملية التسوية؛ نتيجة‬


‫تدخالت إقليمية بأيد فلسطينية‪ ،‬لضرب املشروع الوطني الفلسطيني‪.‬‬
‫بل إن حركة حماس دفعت ثمن ًا باهظ ًا لعمليات الثأر‪ ،‬التي نفذتها خاليا تابعة‬
‫لكتائب الشهيد عز الدين القسام‪ ،‬انتقام ًا الغتيال املهندس يحيى عياش‪ ،‬ففي سنة‬
‫‪ 1996‬وبعد سلسلة تفجيرات أودت بحياة نـحو ‪ 70‬إسرائيلي ًا‪ ،‬عقدت الواليات املتحدة‬
‫وبقية رعاة مسيرة التسوية اجتماع ًا في شرم الشيخ‪ُ ،‬خصص للبحث في سبل‬
‫تصدي أطراف التسوية ملا ُع ّد إرهاب ًا حينها‪ .‬وشاركت السلطة الفلسطينية‪ ،‬واألردن‪،‬‬
‫ومصر‪ ،‬وأطراف عربية أخرى في اجتماعات كانت األولى من نوعها‪ ،‬التي حشدت‬
‫أطراف ًا عربية مع “إسرائيل” حتت مظلة أمريكية‪ ،‬ملواجهة فصيل فلسطيني مقاوم ع ّده‬
‫املشاركون إرهابي ًا‪ .‬تلت تلك االجتماعات التي ترأسها الرئيس املصري حسني مبارك‪،‬‬
‫رئيس أكبر دولة عربية‪ ،‬سلسلة إجراءات أمنية ض ّد حماس ومصادر متويلها‪.‬‬
‫لم تفلح احلركة بعد احلملة‪ ،‬التي شملت اعتقاالت وعمليات تعذيب لنشطائها في‬
‫سجون السلطة الفلسطينية‪ ،‬في تنفيذ هجمات كبيرة‪ ،‬باستثناء محاوالت محدودة‪،‬‬
‫كان أبرزها عمليتي تفجير؛ إحداهما مزدوجة‪ ،‬والثانية ثالثية لم تتسببا على الرغم‬
‫من التخطيط الظاهر فيهما في خسائر كبيرة‪ ،‬وأمكن امتصاص أثرهما سريع ًا من‬
‫جانب “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية‪ ،‬بل بدا أن املزاج الفلسطيني العام مييل‬
‫ّ‬
‫احلل النهائي‪ ،‬ولتجنب العقوبات اجلماعية‬ ‫للتهدئة‪ ،‬بانتظار ما ستسفر عنه محادثات‬
‫واحلصار االقتصادي‪ ،‬الذي كان يلي كل هجوم‪ ،‬ويدفع السلطة الفلسطينية الرسمية‬
‫لتحميل املقاومة الفلسطينية مسؤولية اآلثار الناجمة عنه‪ ،‬واتهامها بتخريب املشروع‬
‫الوطني الفلسطيني‪.‬‬
‫ومع تراجع أثرها العسكري وحصارها السياسي بدت حماس في السنة ‪1999‬‬
‫مكشوفة متام ًا‪ ،‬ومرشحة ملزيد من الضغوط لتغييرها أو إنهاكها أكثر‪ ،‬وبلغ التضييق‬
‫مداه عندما أقدمت السلطات األردنية على اعتقال غالبية أعضاء املكتب السياسي‬
‫مقار احلركة‪ ،‬منهية‬
‫ّ‬ ‫املقيمني فوق األراضي األردنية في آب‪ /‬أغسطس ‪ 1999‬وداهمت‬
‫اتفاق ًا غير معلن بني اجلانبني‪ ،‬يقضي مبمارسة احلركة أنشطة سياسية وإعالمية على‬
‫الساحة األردنية مقابل جتنب حشد سكان املخيمات فوق األراضي األردنية‪ ،‬أو شن‬
‫هجمات انطالق ًا من األراضي األردنية باجتاه أهداف إسرائيلية‪.‬‬
‫وعشية إبعاد رئيس املكتب السياسي للحركة خالد مشعل‪ ،‬وعدد من أقرب‬

‫‪205‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مساعديه من حملة اجلنسية األردنية عن األردن‪ ،‬بدت احلركة مكشوفة وعرضة ملزيد‬
‫من الضغوط‪ ،‬وعاجزة عن الر ّد‪ ،‬ناهيك عن التأثير على مجريات األحداث على الساحة‬
‫الفلسطينية‪.‬‬
‫استمر وضع احلركة غير شرعي (رسمي ًا) وغير قانوني وغير قادر على حتقيق‬
‫اختراق على الرغم من تعثر املسار السياسي‪ ،‬حتى جاءت قمة كامب ديفيد التي‬
‫حضرها الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات‪ ،‬ورئيس الوزراء اإلسرائيلي األسبق‬
‫إيهود باراك‪ ،‬برعاية الرئيس األمريكي السابق بيل كلينتون‪ ،‬وهي قمة علّق عليها‬
‫املشاركون في التسوية أما ًال عريضة‪ ،‬باعتبارها بوابة كلينتون نـحو املجد واخللود‬
‫وجائزة نوبل‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ختام ًا مدوي ًا لرئاسة صاخبة‪ ،‬وباعتبار الوضع الفلسطيني قد‬
‫نضج وبات الفلسطينيون محاصرون سياسي ًا وعسكري ًا واقتصادي ًا‪ ،‬ومنقسمون على‬
‫أنفسهم‪ ،‬وهو وضع من شأنه أن يقنع أو يرغم عرفات على تقدمي آخر أوراقه حول‬
‫القدس والالجئني‪ ،‬ويفتت بالتالي أي ممانعة فلسطينية للوصول إلى تسوية نهائية‬
‫خطط لها اإلسرائيليون واألمريكيون طوي ً‬
‫ال‪.‬‬
‫خ ّيب عرفات آمال معارضيه‪ ،‬ورهانات شركائه‪ ،‬ورفض التنازل عن آخر أوراقه؛‬
‫لتفشل القمة املرتقبة ويخرج كلينتون من بوابات البيت األبيض دون مجده املنشود‪،‬‬
‫ولتفتح ثغرة في جدار احلصار املفروض على املقاومة الفلسطينية باعتبارها من يعرقل‬
‫املسيرة‪ ،‬ويخرب املشروع الوطني الفلسطيني املستند ملرجعيات اتفاقات أوسلو‪ ،‬وما‬
‫اصطلح على تسميته بالشرعية الدولية‪.‬‬
‫الثغرة التالية في جدار احلصار صنعها زعيم املعارضة اإلسرائيلية آنذاك أريل‬
‫شارون حني قرر دخول املسجد األقصى متح ٍّد الفلسطينيني ونداءات احلكومة‬
‫فجرت في نهاية أيلول‪ /‬سبتمبر‬ ‫اإلسرائيلية بزعامة باراك‪ ،‬أثار شارون موجة غضب ّ‬
‫‪ 2000‬االنتفاضة الثانية‪ ،‬التي عرفت بانتفاضة األقصى‪.‬‬
‫ومع َتف َُّجر االنتفاضة عاد الغطاء الفلسطيني الرسمي للمقاومة‪ ،‬فقد أدرك عرفات‬
‫في كامب ديفيد أنه بحاجة لتحسني شروطه التفاوضية‪ ،‬وفتح أفق جديد ملسيرة‬
‫التسوية‪ ،‬فانخرطت فتح التي ظلّت حزب السلطة ستة أعوام في املقاومة املسلحة‪ ،‬بل‬
‫تقدمت أجهزة الشرطة واألمن للدفاع عن اجلماهير في مراحل معينة من االنتفاضة‬
‫بعد أن فشلت في ص ّد موجاتها األولى‪.‬‬
‫ظل أجواء الصدام والقمع اإلسرائيلي‪ ،‬عاد الزخم الشعبي لدعم املقاومة‬ ‫وفي ّ‬

‫‪206‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الفلسطينية‪ ،‬ولم يستطع حتى أش ّد العرب تطرف ًا في “واقعيته”‪ ،‬وإصرار ًا على‬


‫“السالم” كاستراتيجية للعالقة مع “إسرائيل”‪ ،‬أن ميتنع عن تأييد هجمات املقاومة‪،‬‬
‫مت النظر لها باعتبارها واحدة من أبشع جرائم‬ ‫بل إن العمليات االستشهادية‪ ،‬التي ّ‬
‫عي‬ ‫اإلرهاب بحقّ املدنيني‪ ،‬حظيت بدعم فتاوى علماء رسميني مثل شيخ األزهر املُ ّنً‬
‫من قبل السلطات املصرية‪ ،‬وهيئة كبار العلماء في العربية السعودية‪ .‬وح ّمل اجلميع‬
‫“إسرائيل” مسؤولية ما يجري‪ ،‬حتى أن دو ًال غربية باتت أكثر حذر ًا عند انتقاد‬
‫تلك الهجمات وغيرها‪ ،‬وباتت تدعو اجلانبني لضبط النفس مما ش ّكل نقلة نوعية في‬
‫التعاطي مع املقاومة الفلسطينية في تلك املرحلة‪.‬‬
‫في السنوات األولى لالنتفاضة بدا الفلسطينيون أقرب للوحدة‪ ،‬وإن ظلّت األهداف‬
‫املختلفة بارزة في خلفية املشهد املوحد من االنتفاضة؛ فبينما سعت حركة فتح‬
‫الستثمار االنتفاضة والدعم الدولي الناجم عنها لتحسني ظروف التفاوض‪ ،‬بدت‬
‫مصرة على استثمار االنتفاضة باعتبارها خيار ًا استراتيجي ًا‪ ،‬وللمشاركة‬ ‫ّ‬ ‫حماس‬
‫كذلك في توجيه مسار املشروع الوطني الفلسطيني مبا ينسجم مع تصوراتها‪.‬‬
‫بعد مرور السنوات األولى بدا اإلجماع الفلسطيني حول االنتفاضة آخذ ًا بالتصدع‪،‬‬
‫خصوص ًا في صفوف فتح التي انقسمت إلى قسمني؛ األول‪ :‬مؤيد ملواصلة االنتفاضة‪،‬‬
‫وفي مقدمتهم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات‪ ،‬الذي عاد ل ُيصنَّف أمريكي ًا وإسرائيلي ًا‬
‫باعتباره داعم ًا لإلرهاب‪ ،‬بعد سنوات قليلة من منحه جائزة نوبل للسالم‪ ،‬بالتشارك مع‬
‫رئيس الوزراء اإلسرائيلي إسحاق رابني‪ ،‬ووزير خارجيته شمعون بيريز‪ ،‬أما القسم‬
‫داع لوقف االنتفاضة ومتهيد األجواء الستئناف املفاوضات‪ ،‬وعلى رأس هؤالء‬ ‫الثاني‪ٍ :‬‬
‫كان محمود عباس‪ ،‬الرجل الثاني في السلطة ومو ّقع اتفاق أوسلو‪ ،‬ومعه رئيس جهاز‬
‫األمن الوقائي في غزة محمد دحالن‪ ،‬الذي ع ّده كثيرون رجل السلطة القادم وزعيم‬
‫الفلسطينيني القوي والشاب‪.‬‬
‫اتسع الشرخ الفتحاوي ووصل شارون إلى قمة السلطة في “إسرائيل”‪ ،‬وغاب‬
‫مقر املقاطعة‪،‬‬ ‫عرفات عن املشهد السياسي بعد أن ُغ ِّيب عن احلركة محاصر ًا داخل ّ‬
‫وبغيابه اختفى زعيم قوي‪ ،‬ورجل سعى الحتواء اجلميع‪ ،‬لكنه جتنب تغييب أي طرف‬
‫ال‪ .‬فقد صادم عرفات حماس مرار ًا‪ ،‬لكنه لم يس َع‬ ‫نهائي ًا‪ ،‬على أمل استثماره مستقب ً‬
‫لتصفيتها نهائي ًا‪ ،‬وفي فترات مختلفة أفسح لها ولغيرها املجال للحركة‪ ،‬كي يعود‬
‫الحق ًا فيستثمر تلك احلركة في حتقيق املشروع الوطني كما رآه هو‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫استثمر عرفات حركة حماس بطريقته‪ ،‬فإن قوي نفوذها استخدمها لتخويف‬
‫شركاء السالم‪ ،‬وإن تراجع أعلن أن مشروعه هو من كبح جماح احلركة‪ ،‬وح ّد من‬
‫قدرتها على تنفيذ برنامجها الرامي لتدمير “إسرائيل”‪.‬‬
‫تلك البراجماتية التي ميزت عرفات على الدوام وإصراره على أن يكون زعيم ًا لكل‬
‫الفلسطينيني‪ ،‬حالت دون املضي قدم ًا في خيارات الصدام مع حماس‪ ،‬على الرغم من‬
‫الضغوط اإلسرائيلية والدعوات األمريكية‪.‬‬
‫سبق غياب عرفات هجمات احلادي عشر من أيلول‪ /‬سبتمبر ‪ 2001‬وحتول املزاج‬
‫األمريكي واألوروبي جتاه الهجمات املسلحة واالنتفاضة عموم ًا‪ ،‬وتزايدت الضغوط‬
‫األمريكية على العرب والفلسطينيني؛ مما أضعف الدعم العربي للمقاومة‪ ،‬وأعاد وضعها‬
‫في دائرة االستهداف اإلسرائيلي واألمريكي‪ ،‬وسط صمت عربي في أحسن األحوال‪.‬‬
‫ومع انسداد األفق السياسي‪ ،‬وتضعضع التعاطف الدولي والدعم العربي‬
‫لالنتفاضة‪ ،‬وصل أبو مازن لسدة القيادة الفلسطينية خلف ًا لعرفات‪ .‬صعد الرجل‬
‫إلى قمة السلطة متسلح ًا بوعود إصالحية‪ ،‬وتعاطف طال حتى الفصائل اإلسالمية‪،‬‬
‫ومنها حماس‪ ،‬التي أكدت مرار ًا اختالفها مع عباس‪ ،‬لكنها أبدت مرونة كبيرة‬
‫لتوفير مظلة إجماع فلسطيني متكنه من إصالح السلطة املترهلة والفاسدة ومنظمة‬
‫التحرير املهمشة‪.‬‬
‫ظل عباس متمسك ًا بخياراته السياسية‪ ،‬وعلى‬ ‫على الرغم من وعود اإلصالح ّ‬
‫رأسها التسوية السياسية للصراع‪ ،‬ووقف الهجمات ض ّد “إسرائيل” مهما كان‬
‫الثمن‪ ،‬وميكن القول إن احلوارات التي خاضتها الفصائل مع عباس‪ ،‬كانت تعبر‬
‫ضمن ًا عن رغبة باإلصالح ومحاولة لتصديق وعود القيادة اجلديد‪ ،‬لكنها أيض ًا‬
‫كانت تخفي قلق ًا من خطوات قد يقدم عليها الرئيس الفلسطيني مدفوع ًا بضغوط‬
‫خارجية‪ ،‬وبعض احمليطني به وتفضي لصراع داخلي‪ .‬ولعل سبب هذا القلق قناعة‬
‫الفصائل الفلسطينية أن أبا مازن غير قادر‪ ،‬ورمبا أيض ًا غير راغب‪ ،‬بتكرار‬
‫املصرة على‬
‫ّ‬ ‫مناورات عرفات لتجنب الصدام الداخلي مع الفصائل الفلسطينية‬
‫خيار املقاومة‪.‬‬
‫يخف قناعته تلك أبد ًا ولم يتنكر لها‪ ،‬أن‬
‫ِ‬ ‫فقد رأى أبو مازن منذ زمن بعيد‪ ،‬ولم‬
‫ال‬ ‫املفاوضات وليست املقاومة هي القادرة على إجناز ّ‬
‫حل‪ ،‬وهي قناعة ع ّبر عنها مث ً‬
‫حني رفض أكثر من مرة عسكرة االنتفاضة حتى في أوج تفجرها‪ ،‬وعلى الرغم من‬

‫‪208‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫قسوة القمع اإلسرائيلي‪ ،‬ومرة بالتهوين من آثار الهجمات على “إسرائيل” والتهويل‬
‫من ردود الفعل اإلسرائيلية‪ ،‬ولعل عبارات من قبيل “عملية حقيرة” و“صواريخ عبثية”‪،‬‬
‫والتي استخدمها لوصف هجمات املقاومة‪ ،‬تعكس قناعات راسخة لدى عباس أكثر‬
‫مما تع ّد تعبيرات آنية مرتبطة بالظرف السياسي‪ ،‬أو باملناورة للخروج من حتت‬
‫الضغوط اخلارجية‪.‬‬
‫وأثناء حملته للفوز بالرئاسة الفلسطينية أ ّكد عباس على وحدة السالح الفلسطيني‪،‬‬
‫في إشارة واضحة لعزمه نزع سالح املقاومة؛ وألن نزع األسلحة بدا غير منطقي‬
‫لشعب حتت االحتالل‪ ،‬فقد ربطه عباس باالنفالت األمني‪ ،‬وتلبية شروط الرباعية‬
‫الدولية‪ ،‬التي غدت أساس التحرك السياسي الفلسطيني الرسمي‪ ،‬وقاعدة االرتكاز‬
‫في فكر القيادة الفلسطينية في حقبة عباس‪.‬‬
‫على الرغم من مطالبه تلك ودعواته الصريحة لتسوية تتجاوز حتى السقف‪ ،‬الذي‬
‫حل سياسي؛ فإن الفصائل‬ ‫حترك ياسر عرفات حتته في إطار مساعيه للبحث عن ٍّ‬
‫الفلسطينية بدت ميالة لتجنب الصدام مع عباس الذي وصل سدة احلكم بدعم خارجي‬
‫محل إجماع الفلسطينيني‬‫ّ‬ ‫كبير‪ ،‬وتعاطف شعبي مع الرجل الذي خلف رمز ًا وطني ًا غدا‬
‫في سنوات احلصار‪ ،‬الذي تال رفضه التنازل عن آخر خطوط دفاعه في كامب‬
‫ديفيد‪.‬‬
‫وتعبير ًا عن رغبتها تلك‪ ،‬وافقت حماس وبقية الفصائل الفلسطينية في آذار‪/‬‬
‫مارس ‪ 2005‬على إعادة العمل بالتهدئة‪ ،‬التي كانت منحتها لعباس‪ ،‬إبان رئاسته‬
‫األولى لوزراء السلطة في ‪ ،2003‬والتي لم تصمد أمام االنتهاكات اإلسرائيلية‪.‬‬
‫في حوارات عباس مع الفصائل في القاهرة‪ ،‬بدا عباس متمسك ًا بإرغام الفصائل‬
‫على االلتزام بالتهدئة رغم عجزه الواضح عن احلصول على قرار إسرائيلي بتهدئة‬
‫متبادلة‪ ،‬ومقابل تعهده بالتمسك باحلقوق الفلسطينية الثابتة‪ ،‬ومنها حقّ العودة‬
‫لالجئني‪ ،‬وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس‪ ،‬وحقّ الشعب في مقاومة احملتل‪.‬‬
‫وافقت حماس على تهدئة حتى نهاية العام‪ ،‬مقابل وقف االعتداءات اإلسرائيلية‪ ،‬وفي‬
‫تلك احلوارات التي جرت برعاية مصرية تعهد أبو مازن بإجراء انتخابات تشريعية‬
‫عامة‪ ،‬وإصالح منظمة التحرير لتض ّم جميع الفصائل الفلسطينية‪.‬‬
‫في املرحلة التي سبقت االنتخابات‪ ،‬كان اإلسرائيليون يعيشون أفضل فتراتهم منذ‬
‫سنني فقد متكن رئيس الوزراء آنذاك أريل شارون من حشد دعم دولي كبير‪ ،‬بحجة‬

‫‪209‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مشاركته إلى جانب األمريكيني واألوروبيني في مكافحة اإلرهاب‪ ،‬واستثمر التمزق‬


‫العربي الشديد لفرض تصوراته؛ القائمة على إلغاء “الشريك الفلسطيني” في عملية‬
‫التسوية وإضعافه‪ ،‬وهو ما برز في االنسحاب اإلسرائيلي من غزة‪.‬‬
‫ولئن ش ّكل االنسحاب من غزة انتصار ًا لنهج املقاومة‪ ،‬فإن الزخم اإلعالمي‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬وانقسام الفلسطينيني‪ ،‬وصمت العرب املطبق أظهره وكأنه مجرد إجراء‬
‫إسرائيلي لتصفية الصراع والتخلص من التعهدات السابقة‪ ،‬التي نصت عليها اتفاقات‬
‫مت ترسيخها باعتبارها مرجعية‬ ‫سرية ومعلنة‪ ،‬شهد على بعضها العالم بأسره‪ ،‬و ّ‬
‫سياسية لتسوية الصراع بني الفلسطينيني (بعد أن استقال العرب من املواجهة أو‬
‫معظمهم حتت شعار نقبل ما يقبل به الفلسطينيون) و“إسرائيل”‪.‬‬
‫ظل محاوالت “إسرائيل” تهميش السلطة بذريعة ضعفها وتشرذم الفلسطينيني‪،‬‬ ‫في ّ‬
‫أبدى عباس وفريقه القيادي اجلديد استجابة أكبر للشروط اإلسرائيلية املدعومة‬
‫أمريكي ًا وأوروبي ًا‪ ،‬والتي متحورت حول نزع سالح املقاومة‪ ،‬تلك االستجابة دفعت‬
‫الساحة الفلسطينية لتوتر بلغ ح ّد الصدام أحيان ًا‪ ،‬فبحجة “وحدانية السلطة”‪ ،‬ومنع‬
‫االنفالت األمني‪ ،‬وضرورة االستجابة لشروط الرباعية الدولية‪ ،‬أدان عباس وحكومته‬
‫الهجمات املسلحة على الرغم من استمرار الهجمات اإلسرائيلية التي أحبطت اتفاق‬
‫التهدئة الثاني‪ .‬وقد أمكن بواسطة املصريني ووفدهم االستخباري‪ ،‬املقيم في غزة‬
‫بعد انسحاب “إسرائيل”‪ ،‬ضبط التوتر األمني ومنع تفاقمه‪ ،‬إال أن التوتر السياسي‬
‫كان يشي بأن االنتخابات التشريعية املقررة‪ ،‬ستكون استفتاء غير مباشر على نهج‬
‫املقاومة وسالحها املشرع في وجه “إسرائيل”‪.‬‬
‫وقد راهن فريق القيادة كما يبدو على أن شظايا االنفالت األمني‪ ،‬التي أصابت‬
‫الفلسطينيني أنفسهم‪ ،‬واالنقسام السياسي‪ ،‬الذي استحال جدران ًا تعوق االتفاق على‬
‫رؤية مشتركة للمسيرة الوطنية ومستقبل الصراع‪ ،‬سيتيح ملرشحي حركة فتح انتصار ًا‬
‫شعبي ًا مي ّكن فريق عباس من املضي قدم ًا في مشروع نزع السالح‪ ،‬وإثبات مصداقيته‬
‫أمام “الشريك اإلسرائيلي” وأنصاره الدوليني‪.‬‬
‫قررت حماس املشاركة في االنتخابات‪ ،‬وكانت تسعى حلضور مقنع في املجلس‬
‫التشريعي‪ ،‬يحول دون اتخاذ قرارات وطنية كبرى في غيابها عن ساحة القرار‬
‫الرسمي الفلسطيني‪ .‬لم تكن حماس تطمع بانتزاع القيادة أو حتى جزء معتبر منها‬
‫كما جرى الحق ًا‪ ،‬لكنها كانت تأمل لو أنها استطاعت أن حتظى بتمثيل مقنع لقوتها‬

‫‪210‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الشعبية في املجلس التشريعي‪ ،‬يشكل غطاء ألطروحاتها من مواقع املعارضة املكينة‬


‫في املجلس التشريعي‪ ،‬وقد تسلحت احلركة في قرارها خوض انتخابات مجلس أنشئ‬
‫على قاعدة اتفاق أوسلو مبوت غير معلن‪ ،‬لكنه ظاهر لعملية التسوية‪ ،‬على قاعدة‬
‫االتفاق ومضي اإلسرائيليني بقيادة شارون في إلغاء الشريك الفلسطيني ممث ً‬
‫ال في‬
‫قيادة السلطة‪ ،‬وتراجعهم عن جميع التزاماتهم جتاه االتفاق وأطرافه‪.‬‬
‫ال ب ّد من اإلشارة في هذا السياق إلى أن حماس في سنة ‪ ،2005‬الذي سبق‬
‫االنتخابات كانت تسعى عبر صواريخها الستحضار جتربة حزب اللّه في حتويل‬
‫الصواريخ البدائية‪ ،‬التي متكنت من تطويرها ببطء ولكن بحزم وإصرار إلى سالح‬
‫للردع؛ للوصول إلى توازن رعب من نوع ما مع “إسرائيل”‪ ،‬مع محاوالت دؤوبة لتعزيز‬
‫حضورها السياسي في املشهد الفلسطيني‪ ،‬عبر االنتخابات البلدية ثم التشريعية‪،‬‬
‫ولعل هذا يفسر تراجع عدد عملياتها املسلحة مقارنة بكتائب شهداء األقصى‪ ،‬وحركة‬
‫اجلهاد اإلسالمي في ذلك العام (خمسة لشهداء األقصى واجلهاد‪ ،‬مقابل هجومني‬
‫استشهاديني فقط حلماس)‪.‬‬

‫تصعيد أم تهدئة‪:‬‬
‫قبل الر ّد على أي استفسار بشأن األجدى‪ ،‬لصراع كبير وممتد ومتشعب في ثنايا‬
‫التاريخ واحلاضر يرسم معالم املستقبل‪ ،‬ال ب ّد من التنبه إلى صوت اللحظة التاريخية‬
‫التي يعبرها‪ ،‬فاملقاومة في جوهرها ليست إال ممارسة قوية للسياسة‪ ،‬وليست عنف ًا‬
‫عشوائي ًا مطلوب ًا لذاته‪ ،‬ولضمان جناحها واستمرارها ال ب ّد من التنبه ملعطيات الواقع‬
‫القائم‪ ،‬واآلليات القادرة على التأثير فيه‪.‬‬
‫في مطلع سنة ‪ 2005‬أي قبل عام على االنتخابات التشريعية بدا املشهد الفلسطيني‬
‫محكوم ًا بجهود إسرائيلية وأمريكية‪ ،‬تسعى الستثمار الضعف الكبير في القيادة‬
‫الفلسطينية بعد وصول دروب التسوية إلى طريق مسدود‪ ،‬وغياب عرفات‪ ،‬الذي جمع‬
‫بني يديه وحده جميع األوراق الفلسطينية أو معظمها على مدى أربعة عقود‪.‬‬
‫في مواجهة تلك الضغوط ومساعي التخلص من عبء القضية الفلسطينية‪ ،‬وصل‬
‫محمود عباس رئيس ًا جديد ًا لقيادة الشعب الفلسطيني‪ ،‬وصل عباس متسلح ًا بشرعية‬
‫شعبية وقبول غربي وإسرائيلي يصل ح ّد الرضا عما آل إليه الوضع الفلسطيني بعد‬
‫عرفات‪ ،‬لكن عباس كان يفتقد كاريزما الزعيم الراحل‪ ،‬وقدراته على املناورة‪ ،‬ويفتقد‬

‫‪211‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫لصبره أيض ًا‪ .‬وعلى الرغم من الوعود واألمنيات التي نثرها في حملته االنتخابية‪،‬‬
‫وحواراته التي لم تنقطع مع الفصائل؛ فإن عباس سرعان ما تكشف عن رئيس عاجز‬
‫ومصر في‬
‫ّ‬ ‫عن السيطرة على تنظيمه‪ ،‬ناهيك عن السيطرة على الفصائل األخرى‪،‬‬
‫الوقت ذاته على إثبات قدراته أمام األمريكيني باعتبارهم من ميلك كل أوراق اللعبة‪،‬‬
‫تبع ًا لفهمه‪ ،‬وكذلك أمام اإلسرائيليني وهم طرف ال ميكن التصدي له‪ ،‬في رأيه‬
‫أيض ًا‪.‬‬
‫أما الساحة الدولية فبدت محكومة لهيمنة أمريكية تعيش مأزق ًا عسكري ًا في العراق‬
‫وأفغانستان‪ ،‬وهو مأزق لتحوالت كبيرة ستترك بصمات ال تنمحي على الصراع مع‬
‫املشروع الصهيوني ووجود “إسرائيل” ذاته‪.‬‬
‫رمبا كان هذا الفهم إلى جانب عوامل أخرى؛ من قبيل حجم القمع اإلسرائيلي‪،‬‬
‫الذي طال جميع قادة الصف األول في الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬تقريب ًا‪ ،‬ما بني‬
‫االغتيال أو االعتقال‪ ،‬والقلق من الدخول في متاهة الصراع الداخلي مع سلطة‬
‫مرتبكة تسعى للبرهنة على قوتها وجدارتها تبع ًا ملعايير اآلخرين‪ ،‬وليس معايير‬
‫شعبها‪ ،‬هو ما دفع حركة حماس للموافقة على إعالن هدنة في محاولة المتصاص‬
‫جلس مقدار جدية دعواتها‬ ‫ّ‬ ‫أي خطوات متسرعة من قبل القيادة اجلديدة‪ ،‬ورمبا‬
‫للتوافق والبحث عن مشروع وطني يحفظ احلدود الدنيا من املطالب الفلسطينية‪،‬‬
‫وهي حدود أدركت الفصائل الفلسطينية بالتجربة العملية املمتدة‪ ،‬منذ أوسلو‪ ،‬أنها‬
‫ظل انعدام أوراق الضغط من يد املفاوض الفلسطيني‪.‬‬ ‫لن تتحقق في ّ‬
‫ويبدو للمراقب أن حماس مالت مع جتربة االنتفاضة إلى استثمار قوتها العسكرية‬
‫بطريقة حتقق قدر ًا من توازن الرعب مع “إسرائيل”‪ ،‬بينما سعت سياسي ًا‪ ،‬وقد‬
‫أغرتها التحوالت في احمليط الفلسطيني والتغيرات املرتبكة في الساحة الدولية مع‬
‫حالة انعدام وزن عربية‪ ،‬للبحث عن مسار ملشروعها في الوسط الرسمي الفلسطيني‬
‫والعربي‪ ،‬واستثمار رصيدها اجلماهيري في حلبة السياسة‪ .‬وكان ثمن هذه الرغبات‬
‫والتوقعات أن رضيت بإعالن هدنتني ظهرتا وكأنهما هدية لعباس أو دعم له‪.‬‬
‫ولم يظهر أن قبول احلركة إعالن هدنة في املرتني قد ش ّكل حتو ًال عن نظرية‬
‫املقاومة وال شرعيتها‪ ،‬وال قيمتها العالية في فكر احلركة وممارستها‪ ،‬بل إن استالم‬
‫احلركة للسلطة أظهر اعتماد احلركة أكثر وأكثر على سالحها؛ فقد أنشأت حكومتها‬
‫القوة التنفيذية لتكون جهاز أمن رسمي يحفظ األمن في مواجهة تراخي أجهزة األمن‬

‫‪212‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫التي تسيطر عليها حركة فتح‪.‬‬


‫وفي خضم معركتها في مواجهة االنفالت األمني كانت قوتها املسلحة هي من حسم‬
‫شك أن حماس باتت أكثر ثقة من أي وقت مضى بجهازها العسكري‪،‬‬ ‫الصراع‪ ،‬وال ّ‬
‫وأكثر اعتماد ًا عليه في مواجهة محاوالت جتاوزها أو تهميشها أو االلتفاف عليها‪.‬‬

‫السياسة ترسم مسارات الرصاص‪:‬‬


‫ومن الواضح أن حماس اجتهت‪ ،‬خالل العام األول من جتربتها في السلطة‪ ،‬لربط‬
‫العمل العسكري بأهداف سياسية من قبيل الر ّد على االعتداءات اإلسرائيلية خللق‬
‫حاجز ردع‪ ،‬وهي جتربة جنحت فيها احلركة ذات يوم‪ ،‬ففي سنة ‪ 1996‬على الرغم‬
‫من قمع احلركة الواسع ر ّد ًا على عمليات الثأر ليحيى عياش‪ ،‬إال أن “إسرائيل”‬
‫تراجعت عن تقدمي طلب الستالم موسى أبو مرزوق‪ ،‬رئيس املكتب السياسي حلماس‬
‫آنذاك املعتقل في الواليات املتحدة‪ ،‬وأفضى سحب الطلب إلطالق سراح أبو مرزوق‬
‫ونقله لألردن‪ ،‬وكان من الواضح أن قلق “إسرائيل” من ر ّد فعل احلركة (الذي بدا أنه‬
‫ال ميكن التنبؤ به وال معرفة حجمه)‪ ،‬كان الدافع األهم للتخلي عن محاولة استالم‬
‫أبو مرزوق‪.‬‬
‫ولعل احلركة باتت ترى أن النشاط العسكري مطلوب لتحقيق أهداف من قبيل جعل‬
‫االحتالل مكلف ًا أو ردعه أو حتقيق أهداف سياسية مختلفة‪ ،‬فالتهدئة أو التصعيد في‬
‫قرار احلركة سيكون رهن الظرف السياسي الذي يحكم الصراع‪.‬‬
‫وفي عام حماس األول في السلطة بدت هجماتها العسكرية محكومة بعدة عوامل‬
‫أهمها‪:‬‬
‫‪ .1‬الصدام مع أجهزة أمن السلطة‪ :‬فإلى جانب انشغال حماس بالصدام الداخلي‬
‫مع مجموعات وأجنحة يقودها محمد دحالن‪ ،‬وحتظى برعاية عباس‪ ،‬وهي‬
‫صدامات أدت الغتيال عدد من قادة القسام؛ فإن حماس سعت الستخدام‬
‫الهجمات ض ّد “إسرائيل” لتخفيف االحتقان الداخلي‪ ،‬وصرف األنظار‬
‫باجتاه العدو األساسي‪ ،‬ورمبا لضبط عناصرها في امليدان بد ًال من أن‬
‫يستهلكهم الصراع مع عناصر األمن الوقائي وأمن الرئاسة‪.‬‬
‫‪ .2‬الر ّد على االعتداءات اإلسرائيلية‪ :‬وهذا جزء من محاوالتها ببناء توازن رعب‬
‫مع اإلسرائيليني‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .3‬تخفيف الضغط اخلارجي والداخلي عن احلكومة‪ :‬ورمبا جاءت عملية “الوهم‬


‫املتبدد”‪ ،‬التي نفذها مقاتلو احلركة في ‪ 2006/6/25‬بالتعاون مع جيش‬
‫اإلسالم‪ ،‬الذي يعتقد أنه يسعى الستنساخ جتربة القاعدة في األراضي‬
‫الفلسطينية وجلان املقاومة الشعبية‪ ،‬في سياق التأكيد على مواصلة احلركة‬
‫نهج املقاومة‪ ،‬وعلى أنها ستلجأ لتلك املقاومة‪ ،‬للر ّد على الضغوط التي‬
‫تستهدفها‪.‬‬
‫في سنة ‪ 2006‬أعلنت كتائب القسام وبقية املجموعات الفلسطينية املسلحة انتهاء‬
‫الهدنة‪ ،‬وجاء ذلك رد ًا على االعتداءات اإلسرائيلية التي لم تتوقف‪ .‬وهو ما يؤكد أن‬
‫احلركة لم تتراجع عن خيار املقاومة بقدر ما سعت لتوظيفه سياسي ًا‪ ،‬وعندما ن ّفذت‬
‫حركة اجلهاد اإلسالمي في ‪ 17‬نيسان‪ /‬أبريل هجوم ًا فدائي ًا رد ًا على استهداف‬
‫قادتها امليدانيني‪ ،‬رأى فيه عباس “عملية حقيرة”‪ ،‬لكن رأي عباس لم يكن الرأي‬
‫الرسمي الفلسطيني الوحيد في امليدان‪ ،‬إذ أعلنت احلكومة أن تلك العملية ر ّد طبيعي‬
‫على جرائم االحتالل‪.‬‬
‫موقف احلكومة بقيادة حماس كان يرمي لإلعالن أن املقاومة املسلحة ليست‬
‫مجرد مشاغبات فصائل أو تدخالت إقليمية‪ ،‬بل هي خيار جزء معتبر من الشعب‬
‫الفلسطيني‪ ،‬وهو غطاء سياسي حتتاج إليه املقاومة‪.‬‬
‫تركزت غالبية هجمات احلركة سنة ‪ ،2006‬ومعها معظم الفصائل الفلسطينية‬
‫على عمليات إطالق الصواريخ من قطاع غزة رد ًا على االعتداءات اإلسرائيلية‪ ،‬وهي‬
‫صواريخ رأى فيها عباس “صواريخ عبثية”‪ ،‬وسعى بقوة إلقناع الفصائل بهدنة مع‬
‫أصرت على هدنة تشمل‬ ‫ّ‬ ‫“إسرائيل” طلبتها األخيرة في قطاع غزة‪ ،‬لكن الفصائل‬
‫الضفة والقطاع‪ .‬وعلى الرغم من أن عروض الهدنة ارتبطت بحرب “إسرائيل” على‬
‫لبنان‪ ،‬إال أنها ش ّكلت اعتراف ًا ضمني ًا بقوة املقاومة الفلسطينية‪ ،‬واستعداد “إسرائيل”‬
‫للتعاطي مع تلك القوة مبنطقها إذا جنحت تلك القوة في الصمود وإثبات فاعليتها‪.‬‬
‫وفي الطلب اإلسرائيلي‪ ،‬وما تاله من حشود إسرائيلية حول غزة‪ ،‬وتلويح بالعودة‬
‫للقطاع؛ لوقف صواريخ املقاومة مؤشر على فاعلية الصواريخ‪ ،‬التي شلّت جتمعات‬
‫يهودية قريبة من القطاع‪ ،‬وباتت تنذر مع تطورها وزيادة مداها بالتحول لشوكة‬
‫في قلب التجمعات اليهودية‪ ،‬وهي مشاعر قلق لم يستطع محللون إسرائيليون من‬
‫كتمها‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫السلطة واملقاومة‪ ...‬عالقة تكامل‪:‬‬


‫بداية يجب االعتراف أن السلطة الفلسطينية ليست سلطة طبيعية وال عادية؛‬
‫فهي سلطة وجدت منذ البداية في الفهم اإلسرائيلي على األقل لتتسلط ال لتحكم‪،‬‬
‫وهو ما يفسر منحها ‪ 11‬جهاز ًا أمني ًا وسلبها كل وسائل التطور واحلياة الطبيعية‬
‫فال تواصل جغرافي بني مناطقها‪ ،‬وال سيطرة على املعابر‪ ،‬وال أمن مي ّكنها من‬
‫بناء نواة دولتها‪ ،‬وظلّت “إسرائيل” على الدوام متارس ضغط ًا على السلطة حتى‬
‫في شهور العسل األولى؛ إلرغامها على الدخول في صدام مع فصائل املقاومة‪،‬‬
‫وحتى لتغيير الرواية الفلسطينية للصراع وتبني رواية محايدة تقترب مع الرواية‬
‫الصهيونية ملا جرى في فلسطني‪.‬‬
‫نصيب السلطة عندما سيطرت‬ ‫َ‬ ‫املمارسات اإلسرائيلية واحلصار املالي لم يكن‬
‫حماس على حكومتها فقط‪ ،‬وإمنا في عهد عرفات ومن بعده عباس ودحالن وفي قصة‬
‫االنسحاب من غزة ما يغني عن االستشهادات الكثيرة‪.‬‬
‫وقد سعت فصائل املقاومة في البداية لتجاهل تلك السلطة ومقاطعتها‪ ،‬ثم اضطرت‬
‫حتت وطأة الضغط اليومي والقمع األمني للتعاطي معها في محاولة لتخفيف غلوائها‪ ،‬ومع‬
‫تفجر االنتفاضة بدا أن للسلطة دور ًا أكبر في تأمني احتياجات الناس وحمايتهم‪ ،‬بينما‬
‫ّ‬
‫أفضى تهميش منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬عملي ًا‪ ،‬وهو تهميش مارسه عرفات وزاد عليه‬
‫عباس‪ ،‬ولم تكن حماس طرف ًا فيه إلى زيادة دور السلطة سياسي ًا‪.‬‬
‫فقد ه ّمش عرفات كل مؤسسات املنظمة ملا قرر التفرد وتوقيع اتفاقات أوسلو‪ ،‬بل‬
‫إنه عند شطب ميثاق تلك املنظمة‪ ،‬املنتصبة مثل صنم أو فزاعة ترفع فقط عند محاوالت‬
‫التلطي بظالل الشرعية‪ ،‬لم يس َع لعقد مؤمتر وطني حقيقي في منطقة محايدة‪ ،‬وإمنا‬
‫جعل التصويت في غزة مبن حضر احتفالي ًا برعاية الرئيس األمريكي السابق بيل‬
‫كلينتون‪ ،‬الذي شارك في التصويت ورفع اليد على شطب امليثاق في غزة‪.‬‬
‫مت جتاهل منظمة التحرير وانتزعت‬ ‫مت شطب امليثاق ولم يوضع ميثاق غيره‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬
‫صالحيات رئيس الدائرة السياسية فاروق القدومي‪ ،‬ومنحت لوزير خارجية السلطة‪،‬‬
‫وهكذا باتت السلطة يوم ًا بعد يوم ممثل الفلسطينيني وعنوانهم السياسي‪ ،‬وهو اجتاه‬
‫يتناسب مع املساعي اإلسرائيلية‪ ،‬وتواطؤ أطراف فلسطينية بحذف كل ما يربط بني‬
‫فلسطينيي الشتات وأي مشروع للتسوية‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ ،2005‬وعلى الرغم من الوعود املتصلة بإصالح هياكل املنظمة الهرمة‪،‬‬

‫‪215‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫والتي تعرضت للتخريب على يد أبنائها‪ ،‬كانت السلطة الفلسطينية العنوان السياسي‬
‫يبت بقرار احلرب والسالم‪ ،‬ووحدها من يختار‬ ‫الوحيد للفلسطينيني‪ ،‬وباتت وحدها من ّ‬
‫اآليات القرآنية واألشعار التي يتعلمها األطفال الفلسطينيون في الضفة والقطاع‪،‬‬
‫لذا فإن العويل‪ ،‬الذي عال حني دافعت حماس عن ح ّقها في إدارة السلطة‪ ،‬على دم‬
‫يراق على أعتاب جيفة اسمها السلطة بدا أقرب لعويل أم ثكلى منه لتحليل سياسي‬
‫حقيقي‪.‬‬
‫لتبت في مآالت الصراع‪ ،‬وتو ّقع‬
‫السلطة الفلسطينية على ضعفها وحصارها أقيمت ّ‬
‫باسم الفلسطينيني‪ ،‬وهذه حقيقة ال ب ّد من التنبه لها عند تقييم مشاركة حماس في‬
‫السلطة‪ ،‬أو باألحرى انتزاعها من بني براثن من تسيدوا باسم شرعيات تاريخية‪،‬‬
‫مضى التاريخ مبكوناتها‪ ،‬وظلت حاضرة لتحكم ومتنع أي تداول حقيقي على القيادة‬
‫الفلسطينية‪.‬‬
‫وتلك السلطة من زاوية ثانية هي من يدير شؤون الفلسطينيني‪ ،‬ويوفر لهم التعليم‬
‫أقرت بها كل‬ ‫والعالج ويجني أموال املساعدات ليوظفها كيفما شاء‪ .‬والسرقات التي ّ‬
‫جلنة حتقيق أقيمت لتحري مآل أموال املساعدات‪ ،‬دفع الشعب الفلسطيني ثمنها فقر ًا‬
‫شك أن في متتني قواعد بنيان املجتمع إسهام كبير في‬ ‫وعوز ًا وحقوق ًا سياسية‪ ،‬وال ّ‬
‫حماية املقاومة وضمان استمرارها‪.‬‬
‫تلك قواعد ال يجوز التغاضي عنها عند محاولة تقييم مشاركة حماس في السلطة‪،‬‬
‫وال التهوين منها عند إعمال الفكر في مستقبل املقاومة؛ فاملقاومة حرب استنزاف‬
‫طويلة يجب تأمني موارد احلياة لها‪ ،‬واملجتمع هو شريان احلياة الرئيسي الذي مي ّدها‬
‫باحلياة‪ ،‬والسلطة للمجتمع مثل العقل للجسد‪.‬‬
‫رمبا كان النموذج‪ ،‬الذي سعى اإلسرائيليون وشركاؤهم في مسيرة التسوية‪،‬‬
‫حاضر ًا بقوة في أذهان اجلميع عند تقييم عالقة السلطة باملقاومة‪ ،‬لكن ذلك ليس أكثر‬
‫متر‪ ،‬على الرغم من كل محاوالت نفخ الروح‬ ‫مرت أو توشك أن ّ‬ ‫من جتربة إنسانية ّ‬
‫في بقاياها‪ ،‬أما محاوالت حماس إلنشاء سلطة مقاومة فدونه مصاعب وعذابات لكنه‬
‫متاح وممكن‪.‬‬
‫ويكفي تأمل خريطة القوى احمليطة‪ ،‬ليصبح حلم إقامة سلطة فلسطينية مقاومة‬
‫قادرة على إدارة شؤون الفلسطينيني في الضفة والقطاع‪ ،‬وحماية املقاومة‪ ،‬وحتى‬
‫صنع أسس جديدة ألي تفاوض مستقبلي‪ ،‬هدف ًا قاب ً‬
‫ال للتحقق‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫إسرائيلي ًا‪:‬‬
‫متر “إسرائيل” بحالة اضطراب غير مسبوق‪ ،‬يظهر بصورة فضائح طالت كل‬ ‫ّ‬
‫الطبقة السياسية من جهة‪ ،‬وغياب كل شخصيات عصر تأسيس الدولة وصانعي‬
‫انتصاراتها الكبرى‪ ،‬مع عجز واضح في صناعة قادة جدد قادرين على إثارة مشاعر‬
‫ورص صفوفهم خلف أهداف وطنية من جهة أخرى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اإلسرائيليني‬
‫يترافق هذا العجز مع ميل املجتمع أكثر وأكثر لالنغماس في حياة على النمط‬
‫األمريكي واألوروبي‪ ،‬والتخلي عن األحالم التي داعبت جيل الرواد األوائل‪ ،‬كما‬
‫يترافق مع اهتزاز قوي للمؤسسة العسكرية بعد فشلها في حرب لبنان‪ ،‬والفضائح‬
‫التي أحاطت بقيادتها وأفضت لسلسلة استقاالت‪ ،‬ال ّ‬
‫شك أنها تشكل استنزاف ًا سريع ًا‬
‫ملواردها البشرية وخبراتها الكامنة‪.‬‬

‫أمريكي ًا‪:‬‬
‫تبدو اإلدارة األمريكية اليمينية ضعيفة في عامها األخير في البيت األبيض‪،‬‬
‫ومرشحة لالنشغال أكثر وأكثر في العراق وأفغانستان‪ ،‬وقد حتاول الفرار من‬
‫مشاكلها بتصعيد املشكلة مع إيران‪ ،‬لكنها في كل حاالتها لن تكون قادرة على التفرغ‬
‫للملف الفلسطيني‪ ،‬وال على حشد تأييد عربي أو غربي للتصدي بقوة كافية حلماس‪،‬‬
‫ويجب القول إن التصدي لنموذج سلطة حماس سيكون بدعم سلطة عباس امللتزمة‬
‫باملعايير اإلسرائيلية للسلطة‪ ،‬لكن ال مؤشر على أن لدى األمريكيني واإلسرائيليني‬
‫فائض قوة لدعم عباس بصورة متكنه من هزمية منوذج حماس‪ ،‬ولعل في رفضهم‬
‫االستجابة لطلبه توفير قوات دولية تعيد له السيطرة على غزة ما ينبئ بحجم الدعم‬
‫الذي ميكن لهم توفيره‪.‬‬

‫عربي ًا‪:‬‬
‫ال جديد على حالة التمزق واالرتباك‪ ،‬وعلى الرغم من الدعم املصري واألردني‬
‫الظاهر لعباس في مواجهة حماس‪ ،‬إال أن تصدعات مهمة بدت خالل سنة ‪2006‬‬
‫في جدار املساندة العربية التقليدية لقادة منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬وميكن تلمس‬
‫بوادر تغيير في مواقف أطراف عربية باتت ال ترى في عباس منوذج ًا وحيد ًا للشرعية‬
‫الفلسطينية‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وفي كل احلاالت فإن الطرف العربي قد يعرقل تغيير السلطة مستجيب ًا للضغوط‬
‫األمريكية‪ ،‬لكنه لن يكون احملرك األساسي ألي محاوالت تغيير للسلطة الفلسطينية‬
‫وطبيعتها‪ ،‬بل من املتوقع أن تسهم بعض أطرافه في توفير دعم حلماس في إطار‬
‫مساعيها لتغيير السلطة وطابعها‪.‬‬

‫فلسطيني ًا‪:‬‬
‫إن الوهن بلغ مداه في جسد القيادة التقليدية‪ ،‬والتي باتت محصورة برئيس ضعيف‬
‫يخف رغبته باالنسحاب من احلياة السياسية‪ ،‬ولوال الضغوط األمريكية عليه‬‫ومتعب لم ِ‬
‫الستقال فور فوز حماس باالنتخابات التشريعية‪ ،‬ومجموعة من املستشارين الفاقدين‬
‫ألي شرعية باستثناء شرعية مناصب قلدهم إياها الرئيس ملواجهة حكومة حماس‪،‬‬
‫إن شخصيات مثل ياسر عبد ربه‪ ،‬ونبيل عمرو‪ ،‬وصائب عريقات أعجز من أن تش ّكل‬
‫حالة ممانعة في وجه حركة صاعدة‪ ،‬ثم إن استنادها املكشوف وغير املبالي على الدعم‬
‫األمريكي واإلسرائيلي في مواجهة حماس‪ ،‬سيلحق بها ضرر ًا كبير ًا إن تواصل‪.‬‬
‫جملة املعطيات تشير إلى أن حالة احلراك قد تستمر عام ًا أو اثنني‪ ،‬لكنها ستفضي‬
‫إلى تغيير كبير في هرم القيادة الفلسطينية‪ ،‬وتغيير بالتالي في طبيعة السلطة ودورها‪،‬‬
‫لكن شيئ ًا من ذلك لم يكن ليغدو ممكن ًا حتى نظري ًا‪ ،‬لوال دخول حماس ذاك املعترك‬
‫وفوزها الكاسح وصمودها على مدى عام ونصف في وجه كل محاوالت تهميشها أو‬
‫شك أن القادم أصعب لكن التحوالت التي ستنجم عنه سترسم‬ ‫سرقة انتصارها‪ ،‬ال ّ‬
‫معالم الصراع لعقود‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫العالقات احلم�ساوية الداخلية بعد االنتخابات‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد الستار قاسم‬
‫‪70‬‬

‫ساد تفاؤل كبير في أوساط حماس والذين انتخبوها بعد فوزها في االنتخابات‪،‬‬
‫وتوقعوا سياسة فلسطينية جديدة خصوص ًا على الصعيد الداخلي‪ ،‬آملني أن يت ّم‬
‫وخربه‪ .‬لم ينتخب الناس‪ ،‬بصورة عامة وفي هذا الظروف‬ ‫ّ‬ ‫تصحيح ما أعطبه الفساد‬
‫الصعبة‪ ،‬بناء على متطلبات حترير فلسطني وطرد اليهود‪ ،‬وإمنا انتخبوا بصورة‬
‫أساسية بناء على رغبتهم في تصحيح األوضاع الداخلية الفلسطينية‪ ،‬التي أصابتها‬
‫سياسات الفساد‪ ،‬وأحلقت بها دمار ًا كبير ًا‪ .‬كان يتطلع الناس نـحو حتسني أوضاعهم‬
‫االجتماعية‪ ،‬والرقي باملستوى األخالقي‪ ،‬ومالحقة الفلتان األمني‪ ،‬وسارقي السيارات‪،‬‬
‫وترسيخ أخالقيات حمل السالح‪ ،‬وحتسني أوضاع التعليم والصحة‪ ،‬الخ‪.‬‬
‫لم يكن من بني املنتخبني من رفع صوته يطالب حماس بالعمل املباشر والسريع‬
‫على حترير فلسطني‪ ،‬بل رفعت جماهير الناس أصواتها مطالبة بالقضاء على‬
‫الفساد‪ ،‬وحتقيق العدالة من خالل اإلجراءات اإلدارية‪ ،‬ومن خالل إقامة قضاء‬
‫محترم‪ .‬كان الناس على وعي تا ّم بأن املجتمع املنهار‪ ،‬أو املتفكك ال يقوى على‬
‫مواجهة التحديات‪ ،‬وأن مسألة إعادة البناء تأتي أولوية وقبل مسألة التحرير‪.‬‬
‫كيف ملن يقع حتت طائلة الظلم‪ ،‬ويعاني من تردي أوضاع املؤسسات واألفراد‬
‫أن يحرر وطن ًا‪ ،‬أو أن يكون قادر ًا على القيام بأعمال مقاومة فعالة؟ ولهذا الناس‬
‫يتوقعون أمناط ًا جديدة من العالقات الداخلية‪ ،‬تختلف جذري ًا عن تلك التي سادت‬
‫في عهد سلطة فتح‪.‬‬

‫املتوقع من حماس‪:‬‬
‫من املتوقع ألي قائد سياسي يفوز باالنتخابات أن يهت ّم بصورة أولى بهموم الناس‪،‬‬
‫ومعاجلة القضايا التي انتخبه الناس وفقها‪ .‬عادة ما يت ّم تناول هاتني املسألتني في‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 70‬كاتب فلسطيني‪ ،‬قسم العلوم السياسية‪ ،‬جامعة النجاح‪ ،‬نابلس‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫البرنامج االنتخابي الذي يس ّوق املرشح نفسه من خالله‪ ،‬وال يوجد برنامج انتخابي‬
‫عاقل ال يخاطب الناس بهمومهم وطرق معاجلة هذه الهموم‪ .‬وعليه كان من املتوقع أن‬
‫تهتم حماس بداية باألمور التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬حتقيق أكبر مشاركة سياسية في احلكومة‪ ،‬بحيث تشمل كل من آزروها على‬
‫املستويات التنظيمية والشخصية واجلماهيرية‪ .‬بل كان من املتوقع‪ ،‬من‬
‫الزاوية العلمية التي تقول بضرورة تقليص األضرار ومتديد املنافع‪ ،‬أن‬
‫تكتفي حماس بالتشريعي‪ ،‬وأن تطلب من مؤيديها من املستقلني الذين تثق‬
‫بهم بتشكيل احلكومة‪ .‬كان من املمكن أن حتقق حماس عدد ًا من املنافع‬
‫من هكذا خطوة تتمثل في‪ :‬زيادة االحترام الشعبي لها‪ ،‬والهروب من تهمة‬
‫ُوجه للحكومة من قبل أطراف عدة‪،‬‬ ‫اإلرهاب التي كان من املتوقع أن ت ّ‬
‫وتوفير معاناة املالحقة الصهيونية ألقطاب احلكومة‪.‬‬
‫‪ .2‬خالل املشاورات لتشكيل احلكومة‪ ،‬كان من املتوقع‪ ،‬كما هي العادة في كل‬
‫الدول واملجتمعات‪ ،‬أن تل ّم حماس كل الذين دعموها‪ ،‬أي جمع شمل مؤيديها‬
‫ليكون لها بيت صلب وقوي‪.‬‬
‫‪ .3‬أن تهاجم الفساد بقوة وشجاعة‪ ،‬وبال تردد ودون البحث مبسألة من أين‬
‫تهاجم‪ .‬البالد غارقة متام ًا بالفوضى والفساد‪ ،‬وأي خطوة تتخذ ض ّد الفساد‬
‫تكون موفقة‪.‬‬
‫‪ .4‬التركيز بصورة أساسية على األوضاع الداخلية‪ ،‬والعمل على إلهاء احلكومات‬
‫العربية بهوامش األفكار السياسية‪ .‬الوضع الداخلي له أولوية ألن كل اجلهود‬
‫تضيع سدى في النهاية إذا لم يكن املجتمع متماسك ًا‪.‬‬
‫‪ .5‬وضع برنامج يقوم على التكافل والتضامن من منطلق إسالمي من أجل توفير‬
‫العيش الكرمي للناس‪ ،‬وللتغلب على احلصار املالي واالقتصادي املتوقع‪.‬‬
‫‪ .6‬أن تبحث بشؤون األعداد الهائلة من املوظفني‪ ،‬الذين ال يقدمون أي خدمات‬
‫للشعب الفلسطيني‪ ،‬وأن تقوم بإجراء ما للح ّد من سطوة األجهزة األمنية‬
‫وتضخم أعدادها‪.‬‬
‫‪ .7‬أن تقدم القدوة األخالقية من أجل تطوير قدراتها على قيادة الشارع‪ ،‬ولتقدم‬
‫الدليل للعالم بأن احلركات اإلسالمية رائدة في الفكر والعطاء والتقدم‪.‬‬
‫‪ .8‬أن جتعل من قضية الالجئني قضية عاملية‪ ،‬وأن تركز نشاطها العاملي فقط على‬
‫متس جوهر التعاليم الغربية احلالية‪،‬‬
‫قضية الالجئني‪ ،‬على اعتبار أنها قضية ّ‬

‫‪220‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫والتي تركز على حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫املتوقع من خصوم حماس‪:‬‬


‫منذ اللحظة األولى‪ ،‬كان من املتوقع أن تواجه حماس خصوم ًا عدة‪ ،‬ميكن تصنيفهم‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫‪ .1‬اخلصوم الفلسطينيون الذين ارتبطوا مع أمريكا و“إسرائيل”‪ ،‬وهم يرون‬
‫مصاحلهم مرتبطة مبصالح االحتالل‪ .‬هؤالء هم أصحاب أوسلو وكل قوى‬
‫‪ 13‬أيلول‪ /‬سبتمبر‪ ،‬مبن فيهم اجلبهات املرتبطة مبنظمة التحرير‪ .‬كان من‬
‫املتوقع أن يقوم هؤالء بكل احملرمات من أجل إفشال حماس‪ ،‬أو عرقلة‬
‫جهودها نـحو اإلصالح وإعادة البناء‪.‬‬
‫‪ .2‬احلكومات العربية املوالية للواليات املتحدة و“إسرائيل”‪ ،‬وهي الكثرة‪ ،‬بحيث تض ِّيق‬
‫اخلناق على حركة قادة حماس‪ ،‬وحتاصر احلكومة ومتنع عنها املاء والطعام‪.‬‬
‫‪“ .3‬إسرائيل” التي متلك خيارات كثيرة ووسائل متنوعة للتأثير على حماس‬
‫وحكومتها‪ ،‬وتكبيلها متام ًا وإضعافها‪.‬‬
‫‪ .4‬الواليات املتحدة وأوروبا اللتان تقدمان األموال‪ ،‬وتدعمان “إسرائيل” بكل‬
‫قوة على مختلف الصعد‪.‬‬
‫من الناحية اجلدلية‪ ،‬هذه الفئات تشكل محور ًا واحد ًا أو حتالف ًا‪ ،‬وال ب ّد أن تعمل‬
‫يخص شؤون املنطقة العربية اإلسالمية كفرقة موسيقية تتوزع فيها األدوار‬ ‫ّ‬ ‫فيما‬
‫وفق النغمات املطلوبة‪ .‬كان من املفهوم أن الفلسطينيني سيكونون احللقة األقوى في‬
‫مواجهة حماس؛ ألنهم أهل البيت وبإمكانهم لعب دور السوس في اخلشب‪.‬‬

‫أداء حماس‪:‬‬
‫يخص‬
‫ّ‬ ‫مجاالت األداء كثيرة ومتنوعة‪ ،‬وهنا يقتصر احلديث على أداء حماس فيما‬
‫العالقات الداخلية‪ ،‬بخاصة في ضوء ما كان متوقع ًا منها‪ ،‬وضوء الضغوط التي‬
‫مورست وما زالت تمُ ارس ض ّدها‪ .‬ال يفوتني هنا القول بأن املسائل املطروحة أدناه‬
‫جدلية وهي حتتمل الوزن والتقليب والتمحيص‪ ،‬لكنها بالتأكيد ال حتتمل التبرير‪.‬‬
‫سادت في الساحة الفلسطينية على مدى عقود عقلية التبرير‪ ،‬والتي تتهرب من‬
‫املسؤولية لتلقيها على آخرين وعلى ظروف خارج الذات اإلنسانية‪ ،‬وهي عقلية‬
‫انهزامية تعزز اخلسران والتراجع‪ ،‬وتفقد اإلنسان شعوره بدوره وأهميته‪ .‬لقد‬

‫‪221‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫كرست القيادة الفلسطينية عقلية التبرير من أجل حترير نفسها من املسؤولية‪،‬‬


‫واستعملت املال واإلعالم من أجل ترسيخها وتعميمها حتى تبدو نوع ًا من اإلبداع‬
‫اإلنساني‪.‬‬
‫يخص العالقات الداخلية من الزاويتني الشكلية‬
‫ّ‬ ‫أناقش مسألة أداء حماس فيما‬
‫والعملية؛ من الزاوية العملية أناقش عدة محاور‪ :‬وهي العالقة مع كل من األصدقاء‪،‬‬
‫واملنافسني‪ ،‬ومع جمهور الناس‪ ،‬ومعاجلة همومهم‪ ،‬ومع الفصائل الفلسطينية‪.‬‬

‫الزاوية الشكلية‪:‬‬
‫صنعت حكومة حماس منذ اليوم األول لتشكلها‪ ،‬وهو يوم أداء القسم‪ ،‬حاجز ًا‬
‫نفسي ًا بينها وبني جمهور الناس من ناحية الشكل‪ .‬إذ اصطف وزراء حماس وهم‬
‫يرتدون البزات املدنية الفاخرة‪ ،‬وربطات العنق احلمراء والقرمزية‪ .‬ولوحظ أن السيد‬
‫رئيس الوزراء قد وصل إلى مكان أداء القسم بسيارة فاخرة‪.‬‬
‫هذا السلوك كان يتماهى مع رغبات الدول الغربية‪ ،‬وحمل رسائل واضحة إلى‬
‫أهل الغرب بأن حماس راغبة في خوض العمل البروتوكولي الذي يتطلب دبلوماسية‬
‫في اللباس واخلطاب والسلوك‪ .‬املعنى أن حماس أعطت مؤشرات لعالقات خارجية‪،‬‬
‫ولم تأخذ باحلسبان العالقات الداخلية‪ ،‬وكأنها أرادت القول إنها جاهزة للنشاط‬
‫ّ‬
‫يتحل‬ ‫مت تعزيز هذا االنطباع من قبل السيد خالد مشعل الذي لم‬ ‫الدبلوماسي‪ّ .‬‬
‫بالصبر في إطالق التصريحات املوجهة إلى عالم الدبلوماسية‪.‬‬
‫كان يتوقع الفلسطيني رسائل شكلية مختلفة مثل اللباس املتواضع الذي يع ّبر‬
‫عن شعور املنتخبني اجلدد جتاه همومه ومشاكله‪ ،‬ومثل السيارات التي تبدو مقبولة‬
‫ولكن ليست فاخرة‪ .‬شعب فلسطني ال يحب كثير ًا أصحاب اللباس الرسمي الثمني‪،‬‬
‫والسيارات الفاخرة سببت لديه عقدة‪ ،‬ألنها تُع ّد رمز ًا للفساد وسرقة أموال الناس‪.‬‬
‫رمبا يطور الفلسطيني العادي ر ّد فعل غير واع ٍ جتاه هذه املسائل‪ ،‬لكن املثقف الذي‬
‫يسمع الناس آراءه وأقواله يحاول أن يحسب األمور بدقة‪.‬‬
‫ال أن أكتب فور ًا وعلن ًا مقا ًال بعنوان “ربطة عنق حماس”‪ .‬كان‬
‫هذا ما دفعني مث ً‬
‫السلوك بالنسبة لي خطير ًا جد ًا‪ ،‬ووجدت أنني يجب أن أنبه حماس علن ًا حتى ال تضيع‬
‫املسألة في أحاديث الهواتف‪ .‬لم يكن األمر بدافع عدائي وإمنا بدافع الدفاع عن‬
‫أحس آخرون معي بالشعور‬ ‫ّ‬ ‫صوتي الذي أعطيته حلماس‪ .‬شعرت أنني غبنت‪ ،‬ورمبا‬
‫ذاته‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫كان من املتوقع أيض ًا أن يعزف وزراء حماس عن سلوكيات وزراء فتح؛ فيتخلون‬
‫عن السيارات وعن بعض االمتيازات اخلاصة مثل املرافقني‪ ،‬لكن املواطن الحظ‬
‫أن السيارات ذاتها قد تغير سائقوها فقط‪ .‬اشتد االنطباع غير اإليجابي عندما‬
‫قام رئيس السلطة الفلسطينية بتوزيع نسخ في الشارع الفلسطيني عن كتاب‬
‫وجهه إليه رئيس املجلس التشريعي الدكتور عزيز دويك مطالب ًا إياه بالسيارة‬
‫املصفحة‪.‬‬

‫تشكيل احلكومة‪:‬‬
‫لم تكن حماس موفقة في محاوالتها لتشكيل احلكومة‪ ،‬وأعطت انطباع ًا قوي ًا بأنها‬
‫ال متلك معرفة حقيقية مبجمل العالقات الداخلية واخلارجية‪ ،‬التي يتمسك بها األفراد‬
‫والقوى السياسية‪ .‬لقد أشغلت احلركة نفسها كثير ًا ومطو ًال بتشكيل حكومة وحدة‬
‫وطنية‪ ،‬أو تشكيل حكومة مع حركة فتح‪ ،‬وكرست جهود ًا كبيرة‪ ،‬واستنزفت كل الوقت‬
‫القانوني بحث ًا عن صيغة تأتي بحركة فتح إلى احلكومة‪ .‬وفي النهاية لم توافق فتح‪،‬‬
‫وكذلك فعلت الفصائل األخرى‪.‬‬
‫املالحظ في مشاورات حماس لتشكيل احلكومة أنها جتاهلت أصدقاءها‪ ،‬وسعت‬
‫حثيث ًا نـحو منافسيها أو أعدائها‪ .‬هناك فصائل قليلة التواجد في الضفة وغزة‪ ،‬لكنها‬
‫وقفت مع حماس في االنتخابات مثل فتح ‪ -‬االنتفاضة‪ ،‬والقيادة العامة‪ ،‬وحزب البعث‪،‬‬
‫وهناك أشخاص لهم أثقال في الشارع الفلسطيني أكبر بكثير من ثقل بعض الفصائل‬
‫مثل بسام الشكعة‪ ،‬وحيدر عبد الشافي‪ ،‬وعبد اجلواد صالح لم تتم استشارتهم‬
‫في أي شيء‪ .‬لم تدرك حماس أنها لم تفز بجهودها فقط‪ ،‬ولم تعترف بأن هناك‬
‫من ساندوها ودعموها ووقفوا معها‪ .‬كنت أنا من الذين حتدثوا مع حماس بهذا‬
‫الشأن‪ ،‬لكن احلركة لم تقبل الرأي؛ وحسب إحدى ناشطات حماس‪“ :‬نـحن كسبنا‬
‫االنتخابات‪ ،‬ونـحن سنبقى في الصدارة”‪ .‬شكلت حماس حكومة حمساوية‪ ،‬وهي لم‬
‫تقم فقط بعدم مشورة الذين دعموها‪ ،‬بل جتاهلتهم متام ًا‪ .‬بينما استشارت الشعبية‬
‫والدميوقراطية وفتح‪ ،‬واستشارت اجلهاد اإلسالمي الذي قاطع االنتخابات‪ .‬هذا أمر‬
‫غريب في تاريخ البحث عن القوة؛ إذ أن املرء قوي أو ًال بنفسه ثم بأصدقائه‪ ،‬ثم بتحييد‬
‫أعدائه‪ ،‬ثم بكسب خصومه‪.‬‬
‫بعد اتفاق مكة‪ ،‬ظنّت حماس أن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية ستكون‬
‫الظن كان يجب أن يأخذ باحلسبان ركائز السياسة األمريكية‬ ‫ّ‬ ‫قارب جناة‪ ،‬لكن هذا‬

‫‪223‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫في املنطقة‪ ،‬ونوايا عمالء هذه السياسة‪ ،‬وسياسة “إسرائيل” نـحو الفلسطينيني‪.‬‬
‫كان من املتوقع أن يت ّم تهميش رئيس الوزراء الفلسطيني احملسوب على حماس‪،‬‬
‫والتعامل دولي ًا مع أشخاص في احلكومة يتصرفون مبعزل عنها كمؤسسة‪ .‬ال يبدو‬
‫أن النتائج تأتي اآلن وفق ما أرادت حماس أو ظنت أنها ستتمخض‪ ،‬ورمبا وصلت‬
‫اآلن إلى استنتاج بأن العالقات الدولية ال تقوم على النوايا احلسنة وطيبة القلب‪.‬‬
‫توقع عدد من قادة حماس بأن األنظمة العربية ستتخذ قرارات حاسمة بخصوص‬
‫احلصار‪ ،‬بعد توقيع اتفاق مكة‪ ،‬وتشكيل احلكومة الفلسطينية اجلديدة‪ .‬لكن يتضح‬
‫اآلن بأن هذا التوقع ليس إال مجرد وهم‪ ،‬وأن األنظمة العربية أعجز من أن متارس‬
‫سياسة مستقلة عن الواليات املتحدة‪ .‬لقد سبق لوزراء اخلارجية العرب أن اتخذوا‬
‫قرار ًا برفع احلصار فور ًا عن الفلسطينيني‪ ،‬لكن هذا “الفور ًا” لم يأت بعد‪ .‬يرفع‬
‫املوقف العربي من درجة اإلحباط أو االستياء لدى حماس‪.‬‬

‫التعيينات احلكومية‪:‬‬
‫كان هناك مأخذ كبير على حركة فتح بأنها تعينّ عناصرها في الوظائف احلكومية‪،‬‬
‫ومتثل املطلب اجلماهيري في ضرورة تقدير الكفاءة والتزام معايير العدالة‪ .‬لم تقم‬
‫حماس بتصحيح الوضع‪ ،‬وفاقمت األمور بأنها وظفت اآلالف من عناصرها في‬
‫اجلهاز اإلداري‪ ،‬وكان واضح ًا أنها تسابق الزمن من أجل أن تنافس فتح إداري ًا‪.‬‬
‫أساء هذا لصورة حماس‪ ،‬وعملت فتح على استغالل األمر لر ّد التهمة عن نفسها‬
‫وإلصاقها بحماس‪.‬‬
‫كان من الضروري أن تراعي حماس معيار الكفاءة والعدالة ذلك من أجل حتسني‬
‫أداء اجلهاز اإلداري الفاسد‪ ،‬ومن أجل تعزيز إجنازها االنتخابي‪ ،‬وكسب تأييد‬
‫جماهيري أوسع‪ .‬معيار القدوة هام في جناح أي قيادة سياسية‪ ،‬ويبدو أن حماس‬
‫أغفلت هذا األمر‪ ،‬وفضلت التصرف فئوي ًا‪ ،‬مما جعلها تتساوى في نظر الكثيرين في‬
‫هذا املضمار مع فتح‪.‬‬

‫الفساد‪:‬‬
‫توقع الناس أن حماس ستتخذ خطوات جريئة وقوية حملاربة الفساد وإقامة جهاز‬
‫إداري نظيف من الوساطات‪ ،‬واحملسوبيات‪ ،‬والرشوات‪ ،‬واالختالسات‪ ،‬وتعطيل‬
‫مصالح املواطنني‪ .‬هذا لم يحصل‪ ،‬إذ لم تقم حماس بتات ًا بأي حرب محدودة أو‬

‫‪224‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ال أن تقوم احلكومة بجمع السيارات الرسمية‬ ‫شاملة على الفساد‪ .‬كان من املتوقع مث ً‬
‫التي تستهلك املال الفلسطيني لكنها لم تفعل؛ وكان متوقع ًا أن تعمل على تقليص‬
‫اجلهاز اإلداري وتوسيع الوظائف اإلنتاجية‪ ،‬لكنها لم تفعل؛ وكان متوقع ًا أن توزع‬
‫املؤسسات الرسمية على مختلف قرى ومدن الضفة والقطاع بدل تركيزها في غزة‬
‫ورام اللّه‪ ،‬لكنها لم تفعل‪ ،‬الخ‪.‬‬
‫جدلية حماس بهذا الشأن تقول بأن محاربة الفساد تقود إلى الفتنة؛ ألن فتح‬
‫لن تستسلم بسهولة وستحارب من أجل بقاء الفساد‪ .‬هذه مقولة عجيبة‪ ،‬وال ترتكز‬
‫على أي منطق سياسي أو ديني‪ .‬قال سبحانه وتعالى بأن }الفتنة أشد من القتل{‬
‫البقرة‪ ،191:‬والشعب الفلسطيني قد ُفنت إلى درجة الدمار بسبب الفساد‪ .‬األولى أن‬
‫تُشن احلرب على الفساد ألن وجوده يقود إلى القتل‪ ،‬وواضح أن الساحة الفلسطينية‬
‫تشهد على الدم الفلسطيني النازف‪.‬‬
‫الفساد عبارة عن مطلب غربي وإسرائيلي‪ ،‬ذلك ألن االتفاقيات مع “إسرائيل” ال‬
‫يوقع عليها عرب أو فلسطينيون أو مسلمون محترمون وأوفياء ألمتهم‪ ،‬وال ينفذها إال‬
‫من كان عدمي الضمير‪ ،‬وال يه ّمه سوى مصاحله الشخصية ونزواته وشهواته‪ .‬لم يكن‬
‫باإلمكان إقامة السلطة الفلسطينية وفق اتفاقيتي أوسلو وطابا‪ ،‬بأناس غير فاسدين‬
‫ويرفضون التنسيق األمني مع “إسرائيل”‪ ،‬وكان من املتوقع أن حماس تستوعب هذه‬
‫اجلدلية متام ًا‪.‬‬
‫هذا باإلضافة إلى أن حماس استندت في برنامجها االنتخابي أساس ًا على‬
‫اإلصالح والتغيير‪ ،‬ومن حقّ الناس أن يسألوا عن تطبيق هذا البرنامج‪ .‬إنني أسمعها‬
‫باستمرار في الشارع الفلسطيني‪“ :‬أين هو اإلصالح؟” الوعد من أجل االلتزام‪ ،‬وإذا‬
‫كان املرء غير قادر على االلتزام فإن عليه أال يعد أص ً‬
‫ال‪.‬‬

‫األمن‪:‬‬
‫الفلتان األمني هو من أهم القضايا الصعبة التي ته ّم املواطن الفلسطيني‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬
‫يقض‬ ‫تصدت لها حماس في برنامجها االنتخابي ووعدت مبعاجلتها‪ .‬الفلتان األمني‬
‫مضاجع املواطنني‪ ،‬ويشعرهم باخلوف والرعب على النفس واملمتلكات واحلقوق بصورة‬
‫عامة‪ ،‬ومواجهته تُع ّد مطلب ًا حيوي ًا يجب أن يقوم به صاحب املسؤولية‪.‬‬
‫الفلتان األمني هو من اختصاص حركة فتح واألجهزة األمنية الفلسطينية‪ .‬ونادر‬
‫جد ًا أن جند فالت ًا أمني ًا من خارج دائرة حركة فتح‪ ،‬وما انبثق عنها من أجهزة‪ ،‬ومن‬

‫‪225‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املعروف أن القيادة الفلسطينية قد تركت الفوضى تع ّم بالساحة الفلسطينية ألنها‬


‫إحدى أدوات تركيز السلطة وتهديد املواطن‪ .‬وقد كان مضحك ًا عندما كان يتحدث‬
‫عرفات عن نيته حملاصرة الفالتني‪ ،‬ومن املضحك أكثر أن أبا مازن قدم وعود ًا كثيرة‬
‫بشأن هذا الوضع‪.‬‬
‫من املعروف أن حماس ال تستعمل السالح ض ّد املواطنني‪ ،‬وال جتده وسيلة حلل‬
‫أي نزاعات داخلية‪ ،‬لكن احلكومة ظنّت أنه من املمكن معاجلة الفلتان بإنشاء قوة‬
‫تنفيذية تساعد وزير الداخلية على ضبط األمن‪ .‬أخطأت حماس في تشكيل القوة‬
‫جلرها إلى االقتتال الداخلي‪ .‬لم‬‫التنفيذية؛ ألنها قدمت هدية لفتح واألجهزة األمنية ّ‬
‫يكن من املتوقع إطالق ًا أن حتترم حركة فتح نتائج االنتخابات‪ ،‬أو أن حتترم أوامر‬
‫وزير الداخلية‪ ،‬وكان من املتوقع أن تستخدم مواطن نفوذها لعرقلة حماس‪.‬‬
‫حماس أخطأت ألن فتح مدعومة أمريكي ًا وإسرائيلي ًا‪ ،‬وقد أعلن الرئيس األمريكي‬
‫مرار ًا وتكرار ًا عن دعمه املالي والعسكري للرئاسة الفلسطينية‪ ،‬وأعلنت “إسرائيل”‬
‫عن تقدمي أسلحة حلرس الرئاسة‪ ،‬وال يخفى أن “إسرائيل” تقدم أسلحة ومساعدات‬
‫ألشخاص يقولون عن أنفسهم إنهم قادة في حركة فتح‪ .‬حماس‪ ،‬مهما بلغت من قوة‪ ،‬ال‬
‫تستطيع مجاراة هذا الدعم‪ ،‬وتبقى معتمدة على جتار السالح الذين يحصلون على‬
‫السالح من املخابرات اإلسرائيلية‪ .‬ذهبت حماس في طريقها‪ ،‬وتورطت في االقتتال‬
‫في غزة‪ ،‬وجعلت نفسها مساوية لفتح في اإلدانة اجلماهيرية‪.‬‬
‫حل داخلي فلسطيني بقوة السالح‪ ،‬وإمنا بقوة األخالق‪ .‬كان من األفضل‬ ‫ال يوجد ّ‬
‫حلماس أن تتحمل أذى االعتداءات الفتحاوية على املؤسسات واألشخاص‪ ،‬وأن‬
‫تستعمل أعمالهم حلشد الرأي العام ض ّدهم‪ ،‬ومن ثم عزلهم مما سيمكن من السيطرة‬
‫عليهم‪ .‬الحظنا مع بداية تشكيل احلكومة تركيز اإلعالم على االعتداءات التي كانت‬
‫تقوم بها فتح مما أساء لها باملزيد‪ .‬األمور اآلن اختلفت‪ ،‬واملواطن العادي ال يخرج‬
‫إلى الشارع للبحث عمن بدأ االقتتال‪ ،‬وإمنا يكتفي بلعن املقتتلني‪.‬‬

‫اخلالصة‪:‬‬
‫لم تتصرف حماس منذ تشكيلها للحكومة بروح قيادية‪ ،‬وإمنا بروح املتشكك‬
‫واملتردد الذي ال يدري متام ًا ماذا يفعل‪ ،‬ولهذا بقيت في زاوية تتلقى الضربات من‬
‫كل القوى املعادية للحقوق الفلسطينية الداخلية واخلارجية‪ .‬الضغوط على حماس‬
‫كبيرة وهائلة‪ ،‬لكن القائد السياسي ال يقف عند هذا ليكون فقط را ّد ًا للفعل أو‬

‫‪226‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫متلقي ًا للضربات‪ ،‬بل يجب أن يبادر ويعمل على خلق ظروف التي جتبر اآلخرين على‬
‫ر ّد الفعل‪ .‬رأى الشعب الفلسطيني مع بداية حركة حماس كيف أخذت فتح تتخذ‬
‫االحتياطات إلخفاء الفساد‪ ،‬لكن هذه األعمال اختفت بعد حني‪ ،‬وبعد أن أيقنت فتح أن‬
‫حماس لن تصنع ًشيئ ًا‪ .‬أما حرقة املواطن نـحو مجتمع أفضل أخذت تخبو تدريجي ًا‬
‫ّ‬
‫ليحل يأس مكان األمل‪.‬‬
‫ظنت حماس أن أيد خارجية قد تساعد‪ ،‬لكن هذه األيدي املتمثلة بأنظمة عربية ال‬
‫ميكن أن تكون ض ّد أمريكا و“إسرائيل”‪ ،‬ولن تكون إال عون ًا ضد حماس وليس مع‬
‫حماس‪ ،‬وقد ثبت هذا بعد اتفاق مكة‪ .‬ورمبا ظنت حماس أنها ترأف بالفلسطينيني من‬
‫خالل تقدمي تنازالت في اتفاق مكة فتأتي األموال‪ .‬هذا كان خاطئ ًا أيض ًا ألن الذي‬
‫يعطي األموال لن يعطيها حلماس‪ ،‬ولن يعطيها إال للذي ينزع مالبسه ويسلخ جلده‪.‬‬
‫فازت حماس بقوة الشعب الفلسطيني على الرغم من وقوف قوى األرض ض ّدها في‬
‫االنتخابات‪ ،‬وإذا شاءت حماس أن تنجح فما عليها إال العودة إلى الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫لف ل ّفها لن تساعد‪.‬‬ ‫رمبا تساعد قوى خارجية أحيان ًا‪ ،‬لكن األنظمة العربية ومن ّ‬
‫ولهذا من املطلوب أن تعود حماس إلى املربع األول الذي انطلقت منه‪ ،‬وتعيد تقييم‬
‫سياساتها من أجل حتقيق االلتفاف اجلماهيري حولها‪ ،‬ولها في خسران حركة فتح‬
‫في االنتخابات عبرة‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حركة حما�س وت�شكيل احلكومة‬


‫المني‬‫�إدارة امللف أ‬
‫‪71‬‬
‫وليد محمد علي‬

‫على الرغم من أن املؤسسات التشريعية والتنفيذية في مناطق احلكم الذاتي نشأت‬


‫عن إتفاقيات تنا َز َل من وقعها عن الكثير من احلقوق‪ ،‬ولم تسفر إال عن حتويل االحتالل‬
‫من احتالل مباشر إلى احتالل غير مباشر‪ .‬وعلى الرغم من أن السلطة تفتقر إلى‬
‫السيادة‪ ،‬وال متارس مسؤوليتها احملدودة إال على املناطق التي أعاد االحتالل انتشاره‬
‫فيها‪ ،‬فإن القائمني عليها سعوا لتصبح البديل الفعلي عن م‪.‬ت‪.‬ف‪ ،‬التي وعلى الرغم‬
‫من أنها أصبحت بحاجة ماسه إلى إعادة بناء شاملة‪ ،‬إال أنها متثل الكيان املعنوي‬
‫املمثل رسمي ًا للفلسطينيني‪.‬‬
‫وجرت في النهر مياه كثيرة‪ ،‬وقررت حركة حماس املشاركة في االنتخابات انطالق ًا‬
‫من رؤيتها للتطورات التالية‪:‬‬
‫انتفاضة األقصى وتفاعالتها الشعبية والعسكرية متكنت عملي ًا من إسقاط‬
‫الكثير من مفاعيل اتفاقية أوسلو وملحقاتها‪.‬‬
‫العدو الصهيوني جتاوز االتفاقية وفرض وقائع وحتديات جديدة‪.‬‬
‫الظروف أصبحت مؤاتية؛ للتخفيف وبشكل كبير من ارتهان السلطة لإلرادة‬
‫األمريكية والتحكم الصهيوني‪.‬‬
‫تضر‬
‫ّ‬ ‫باإلمكان البناء على ما سبق مع بعض املرونة السياسية‪ ،‬التي ال‬
‫بجوهر القضية الفلسطينية‪ ،‬لكسب تأييد عربي‪ ،‬وإسالمي‪ ،‬ودولي‪ ،‬يعزز‬
‫عوامل الصمود والبناء لدولة على حدود الرابع من حزيران‪ /‬يونيو مقابل‬
‫هدنة قد متتد لسنوات‪.‬‬
‫كما أن حماس كانت ترى أنها متتلك من الكوادر املؤهلة في مختلف احلقول‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 71‬كاتب فلسطيني‪ ،‬ومدير مركز باحث للدراسات‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫واملجاالت‪ ،‬ما يؤهلها لقيادة مؤسسات السلطة؛ كيف ال وهي كانت قد أسست‬
‫مؤسسات مناظرة‪ ،‬بعضها سابق لوجود السلطة‪ ،‬في كافة احلقول واملجاالت‪ .‬وقد‬
‫اعتقدت قيادة حماس أن مشاركتها الفاعلة في السلطة ستمكنها من املشاركة في‬
‫إدارة األجهزة األمنية‪ ،‬مبا مينع العودة الستخدامها في مالحقة وقمع املقاومني‪.‬‬
‫وفازت حماس في االنتخابات‪ ،‬وش ّكلت حكومة‪ ،‬لكن ال جتري الرياح دائم ًا مبا‬
‫تشتهي السفن‪ ،‬فقيادات السلطة (فتح) لم تستوعب خسارة االنتخابات‪ ،‬وبدأت‬
‫بسلسلة ال تنتهي من املماحكات واملمارسات الكيدية كان أولها؛ إصدار املجلس‬
‫التشريعي املنتهية واليته عدة قرارات حلصار املجلس التشريعي اجلديد‪ ،‬أو أي‬
‫جردت‬‫حكومة قد يشكلها‪ .‬وكذلك فعل الرئيس عباس‪ ،‬الذي أصدر سلسلة قرارات ّ‬
‫احلكومة الكثير من صالحياتها‪.‬‬
‫األمر الذي أشعر حركة حماس أنها في موقع املستهدف‪ ،‬الذي ال يجد أمامه إال‬
‫البحث عن سبل احلفاظ عن خياراته‪ ،‬وعن خيارات الشعب الذي منح حماس ثقتة‪،‬‬
‫ظل تصاعد التأييد الشعبي‪.‬‬ ‫خاصة في ّ‬
‫ففي دراسة أعدها املركز الفلسطيني للبحوث السياسية واملسحية‪ ،‬ونشرتة صحيفة‬
‫احلياة في ‪ 2006/4/25‬سجلت شعبية احلركة أعلى مستوى منذ تأسيسها نهاية‬
‫سنة ‪ ،1987‬مع انطالق االنتفاضة األولى‪ .‬فقد قال ‪ % 47‬أنهم سيدلون بأصواتهم‬
‫لصالح حماس‪ ،‬فيما صوت ‪ %39‬لصالح حركة فتح‪ .‬وقبل ذلك بأيام ‪ 19‬نيسان‪ /‬أبريل‬
‫جرت انتخابات مجلس طلبة جامعة بير زيت (املعقل التقليدي حلركة فتح)؛ فح ّققت‬
‫كتلة حماس فوز ًا ساحق ًا حاصد ًة ‪ 23‬مقعد ًا‪ ،‬مقابل ‪ 18‬مقعد ًا لكتلة فتح‪ ،‬األمر ذاته‬
‫تكرر قبل فترة وجيزة في انتخابات جامعة اخلليل التي حصلت فيها حماس على ‪35‬‬
‫مقعد ًا من ‪ 41‬مقعد ًا‪.‬‬
‫املراقبة الدقيقة للسجال امليداني بني حركتي فتح وحماس كانت توحي أن الوضع‬
‫يسير نـحو التصادم بني الطرفني‪ ،‬فحركة حماس تشعر بأنها مستهدفة‪ ،‬وبأنها قادرة‬
‫على الدفاع عن نفسها‪ .‬أما حركة فتح فقد بدأت تخشى على ما تبقى لها من تأثير‬
‫شعبي مادي ومعنوي نتيجة رهاناتها اخلاطئة وممارساتها‪.‬‬

‫امللف األمني‪:‬‬
‫على الرغم من أن اتفاقية القاهرة املوقعة بني م‪.‬ت‪.‬ف والكيان الصهيوني يوم‬
‫‪ ،1994/5/4‬ال تعطي السلطة الفلسطينية احلقّ إال في إقامة جهاز شرطة قوي‬

‫‪229‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫قوامه تسعة آالف عنصر‪ ،‬توافقت على أسمائهم سلطات االحتالل من أجل حفظ األمن‬
‫الداخلي‪ ،‬ومالحقة اإلرهابيني (املقاومني)‪ .‬إال أنه سرعان ما تكاثرت األجهزة األمنية؛‬
‫فأصبح يوجد في فلسطني جهاز للمخابرات‪ ،‬واالستخبارات‪ ،‬واألمن الوطني‪ ،‬واألمن‬
‫الوقائي‪ ،‬والبحرية والقوة ‪ ...17‬إلخ‪ ،‬حيث بلغ عدد تلك األجهزة ‪ 14‬جهاز ًا‪.‬‬
‫‪ ‬السيطرة على األجهزة األمنية كانت أبرز قضايا اخلالف بني فتح وحماس‪ .‬كيف ال‬
‫وهذه األجهزة تستحوذ على ‪ %62‬من ميزانية السلطة‪ ،‬وتع ّد الركيزة األساسية لسلطة‬
‫تشكلت؛ لتتحمل مهام وأعباء أمنية أساس ًا‪ .‬فالقوى الدولية واإلقليمية التي أشرفت على‬
‫بناء مؤسسات السلطة وحتديد توجهاتها‪ ،‬ركزت وقبل أي شيء على بناء املؤسسات‬
‫األمنية؛ لتشكل الذراع الضارب للسلطة في مواجهة الرافضني التفاقية أوسلو‪ ،‬دون‬
‫التفات للقانون (وأعتقد أن الذاكرة احلية ما زالت تختزن ما تعرض له املوقعون على‬
‫ما عرف بوثيقة العشرين‪ ،‬وأسماء الذين اعتقلوا وعذبوا من قادة املقاومة)‪.‬‬
‫وكان من فضائل انتفاضة األقصى أن أطاحت بذلك‪ ،‬خصوص ًا وأن رئيس السلطة‬
‫الراحل ياسر عرفات وصل لقناعة بـ“أن العدو الصهيوني لن يعطي الفلسطينني أي‬
‫حقوق سيادية‪ ،‬إال عبر املقاومة ورفع كلفة استمرار االحتالل”‪ .‬وبدأ الكثير من منتسبي‬
‫األجهزة األمنية يخرجون من حالة الوهم التي سيطرت عليهم‪ ،‬وتأكدوا أن الخيار مع‬
‫هذا العدو إال خيار املقاومة؛ فتعاونوا مع املقاومني وقام بعضهم بعمليات مميزة‪.‬‬
‫عندها ارتفعت األصوات والضغوط على الرئيس عرفات مطالب ًة بإصالح األجهزة‬
‫األمنية‪ ،‬واحترام الدميوقراطية واحلريات‪ ،‬وترافقت تلك الضغوط مع مترد بعض تلك‬
‫األجهزة‪ .‬ويذكر اجلميع أن من ثمار تلك الدعوة للحرية والدميوقراطية كان حصار‬
‫الرئيس الراحل ياسر عرفات وصو ًال إلى تسميمه‪ ،‬وكان تدمير املؤسسات األمنية ّ‬
‫ودك‬
‫بنيتها التحتية والتنكيل مبنتسبيها‪.‬‬
‫بعد اغتيال الرئيس عرفات‪ ،‬وانتخاب أبي مازن لرئاسة السلطة‪ ،‬بدأت الواليات‬
‫املتحدة‪ ،‬واالحتاد األوروبي بالعمل إلعادة ترميم املؤسسة األمنية‪ ،‬وتعزيز قبضة‬
‫السلطة عليها‪ ،‬لتستأنف الدور الذي شكلت للقيام به‪.‬‬
‫لكن القرار املفاجئ حلركة حماس باملشاركة في اإلنتخابات وفوزها فيها‪ ،‬أربك‬
‫تلك املخططات‪ ،‬وكان ال ب ّد من التفكير بالسبل الكفيلة مبنع حماس من وضع يدها‬
‫على املؤسسة األمنية ومقدراتها‪ ،‬ألن السماح بإعادة هيكلة املؤسسات األمنية على‬
‫أسس وطنية ومهنية‪ ،‬بعيد ًا عن التزامات أوسلو يتناقض كلي ًا مع مصالح االحتالل‬
‫واإلدارة األمريكية ومخططاتهم‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املهيمنون على األجهزة األمنية‪ ،‬وخوف ًا على مصاحلهم بدؤوا باستغالل واقع مؤسف‬
‫ومزمن في الساحة الفلسطينية؛ وهو “التعصب التنظيمي” ‪ -‬الذي استفحل ألسباب‬
‫ال مجال لبحثها هنا ‪ -‬لتزييف وتشويه وعي منتسبي األجهزة األمنية‪ .‬فبدل أن تكون‬
‫غاية اجلميع وهدفهم العمل من أجل فلسطني‪ ،‬وأن فتح وحماس كما سواها من‬
‫التنظيمات ليست أكثر من وسائل للتحرير والعودة؛ قام هؤالء بالنفخ في العصبيات‬
‫التنظيمية بل واستغلوا أيض ًا العصبيات العائلية واحلمائلية‪.‬‬
‫التحدي األكبر الذي واجه احلكومة كان في كيفية التعامل مع أجهزة يتربع‬
‫على رأسها قادة جلهم ال يخفي تركيزه على تضخيم اخلالفات مع حركة حماس‪،‬‬
‫واالستعداد ألقصى درجات املرونة مع العدو الصهيوني‪ ،‬والتنسيق والتكامل مع‬
‫اإلدارة األمريكية؛ بهدف مرحلي محدد كان يت ّم اإلعالن عنه جهار ًا وهو؛ “إفشال‬
‫حماس” كحركة ما زالت ملتزمة بخيار املقاومة‪.‬‬
‫وازداد ذلك التحدي بعد التعديالت التي ُأجريت على صالحيات وزارة الداخلية‪،‬‬
‫فبعد أن كان اس ُمها وزارة الداخلية واألمن‪ .‬أصبحت “وزارة الداخلية” فقط‪ ،‬وقد‬
‫فسر اللواء يوسف وزير الداخلية األسبق ذلك بقوله “إن األمن الوطني ال يتبع وزارة‬
‫الداخلية‪ ،‬بل يتبع الرئاسة وبالتالي يأخذ صالحياته ومهامه من الرئيس محمود عباس”‪،‬‬
‫مت استحداثه لظروف معينة ألن‬ ‫وأضاف “إن مصطلح وزارة الداخلية واألمن الوطني ّ‬
‫هذا غير منصوص عليه في القانون األساسي”‪ .72‬وعلى الرغم من أنه كان واضح ًا‬
‫متام ًا للجميع أن الشرطة‪ ،‬واألمن الوقائي‪ ،‬والدفاع املدني تتبع لوزير الداخلية‪ ،‬وهذا‬
‫ما قال به اللواء يوسف في تصريحه السابق “أن الوزارة تختص بالشرطة‪ ،‬والدفاع‬
‫املدني واألمن الوقائي”‪ ،‬إال أن ذلك لم مينع الرئيس محمود عباس من تعيني مدير عام‬
‫لها وهو العقيد رشيد أبو شباك‪ ،‬األمر الذي ع ّده الناطق باسم احلكومة؛ “أنه يترك‬
‫وزير الداخلية بال صالحيات”‪ .‬ليس هذا فحسب بل إن مدير عام الشرطة الفلسطينية‬
‫العميد عالء حسني هدد بـ“قتال حركة حماس إذا قصف جناحها املسلح املواقع‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬انطالق ًا من قطاع غزة”‪ .73‬وبتاريخ ‪ 2006/3/18‬أصدر الرئيس عباس‬
‫مرسوم ًا رئاسي ًا قضى بأن “اإلدارة العامة للمعابر واحلدود إدارة مستقلة إداري ًا‬
‫وماليا‪ ،‬ومسؤولة عن خدمات احلدود مبا فيها نقاط احلدود واملعابر من النواحي‪:‬‬ ‫ً‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 72‬جريدة الدستور‪ ،‬األردن‪.2006/3/31 ،‬‬


‫‪ 73‬جريدة الغد‪ ،‬األردن‪.2006/1/30 ،‬‬

‫‪231‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫األمنية‪ ،‬واملالية‪ ،‬واإلدارية‪ ،‬والتجارية‪ ،‬وترتبط بعالقة متينة مع املخابرات العامة‬


‫وغيرها من األجهزة األمنية‪ ،‬وتتبع مباشرة لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية”‪.‬‬
‫احلكومة وجدت نفسها أمام حتدي حتديد النقاط التي يجب معاجلتها؛ إلنهاء هذا‬
‫واملضر مبصلحة الوطن واملواطن‪ ،‬فوجدت‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الوضع األمني الشا ّذ‬
‫تعدد األجهزة األمنية وتعدد والءاتها‪ ،‬وعدم استعداد قادتها للتنسيق مع‬
‫وزير الداخلية‪.‬‬
‫ال عن قيامها مبناكفته والعمل بشكل مستقل ومعاكس لقراراته‪،‬‬ ‫هذا فض ً‬
‫ينص على مسؤولية‬ ‫وهذا مناقض للمادة ‪ 70‬من القانون األساسي‪ ،‬الذي ّ‬
‫مجلس الوزراء عن حفظ النظام العام واألمن الداخلي‪.‬‬
‫تداخل الصالحيات بني األجهزة األمنية‪ ،‬والسلطات التنفيذية‪ ،‬واالنتشار‬
‫العشوائي لألسلحة‪ ،‬وغياب الدور الفاعل والنزيه للقضاء‪.‬‬
‫استمرار حالة الفوضى والفلتان األمني‪.‬‬
‫مراكز القوى ونفوذها الطاغي على األجهزة األمنية‪ ،‬وتدني الروح الوطنية‬
‫اجلامعة والوعي العام لدى منتسبي األجهزة‪.‬‬
‫كل ذلك وسواه كان وراء قرار قيادة حماس بتشكيل القوة التنفيذية‪ ،‬كقوة أمنية‬
‫تنفيذية تتبع وزير الداخلية‪ .‬انعكاس ًا للواقع امليداني فقد شكلت كتائب القسام العمود‬
‫الفقري للقوة‪ ،‬مع مشاركة فعلية من القوى الفلسطينية‪ ،‬فحسب اإلحصائية الواردة‬
‫من املكتب اإلعالمي للقوة التنفيذية يبلغ العدد اإلجمالي لعناصرها ‪ 6,300‬عنصر ًا‪،‬‬
‫منهم ‪ 4,300‬عنصر ًا من كتائب القسام‪ ،‬فيما توزع العدد الباقي على باقي الطيف‬
‫الفلسطيني وذلك حتى أواخر أيار‪ /‬مايو ‪ ،2007‬أي بعد مرور عام على تشكيلها‪.74‬‬
‫وأكدت حماس أن مهمة القوة‪ ،‬دعم وإسناد الشرطة في مهامها‪ .‬وكان من امللفت‬
‫تعيني رمز من رموز املقاومة‪ ،‬وهو املجاهد جمال أبو سمهدانه قائد جلان املقاومة‬
‫الشعبية مراقب ًا عام ًا‪ .‬وجتدر اإلشارة هنا إلى أن وزارة الداخلية هي املسؤولة عن حفظ‬
‫النظام العام‪ ،‬واألمن الداخلي أمام رئيس الوزراء‪ ،‬وأمام املجلس التشريعي حسبما‬
‫ورد باملادة ‪ 74‬من القانون األساسي‪ .‬ووزير الداخلية هو الذي يصدر القرارات‪،‬‬
‫نص املادة ‪ 10‬من قانون اخلدمة في قوى األمن الفلسطينية رقم‬ ‫وينظم عملها مبوجب ّ‬
‫‪ 8‬لسنة ‪ ،2005‬ونذكر في هذا السياق سابقة سنة ‪ 1999‬عندما قام اللواء غازي‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 74‬وكالة معا‪2007/5/28 ،‬؛ ودنيا الوطن (صحيفة فلسطينية يومية إلكترونية)‪.2007/5/28 ،‬‬

‫‪232‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫اجلبالي بتشكيل قوة الدوريات اخلارجية‪ ،‬وأدرجها ضمن إعادة هيكلة الشرطة ولم‬
‫تنص على‬
‫يعترض الرئيس الراحل ياسر عرفات‪ .‬كما أن املادة رقم ‪ 69‬فقرة ‪ 4‬التي ّ‬
‫“إعداد اجلهاز اإلداري” تنيط بالوزير املعني استحداث أي منصب إداري يسهل عليه‬
‫القيام مبهامه‪ .‬ومع ذلك فقد سارع الرئيس عباس في إصدار مرسوم رئاسي يلغي‬
‫مبوجبه قرار تشكيل هذه القوة األمنية‪ ،‬وتعيني مراقب عام للداخلية‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫ضعف إمكاناتها فقد متكنت القوة التنفيذية خالل سنتها األولى من القيام بالكثير من‬
‫املهام التي تسجل لها‪.‬‬
‫لكن املتضررين من استتباب األمن كانوا كثيرين‪ ،‬ومنذ أواسط الشهر األخير من‬
‫سنة ‪ ،2006‬بدأت مناطق سيطرة السلطة تشهد تطورات لها دالالت؛ فغداة تعرض‬
‫موكب رئيس الوزراء هنية إلطالق النار على معبر رفح‪ ،‬ومنع إدخال أموال كانت قد‬
‫جمعت بهدف التخفيف من احلصار‪ ،‬شهدت مدينة رام اللّه مواجهات بني أجهزة األمن‬
‫وأنصار حماس‪ ،‬إثر منعهم من التوجه لالحتفال في الذكرى التاسعة عشرة لتأسيس‬
‫حماس‪.‬‬
‫في مطلع السنة احلالية وبتاريخ ‪ ،2007/1/10‬وجه رئيس الوزراء إسماعيل هنية‬
‫كتاب ًا إلى الرئيس أبي مازن تضمن معلومات وصلت له تتحدث عن خطة أمنية تهدف‬
‫إلى االنقالب على احلكومة‪ ،‬وعن تشكيل قوات خاصة‪ ،‬توفرت لها اإلمكانات لتنفيذ تلك‬
‫اخلطة‪ ،‬وعن إجراءات إقالة لعدد من الضباط واستبدالهم‪ ،‬وكذلك تعيني محمد دحالن‬
‫شفوي ًا كقائد عام لألجهزة األمنية‪ ،‬مشير ًا إلى أن كل ما يجري مخالف للقانون‪ .‬ودعا‬
‫هنية الرئيس إلى اتخاذ التدابير الالزمة حماي ًة للشعب والقضية‪.‬‬
‫الهدف من وراء احلصار الدولي والعربي (لألسف) وتلك املمارسات واالستعدادات‬
‫كان واضح ًا وجلي ًا‪ :‬وهو “إسقاط حكومة حماس‪ ،‬وحتريض الشعب عليها” لكن ذلك لم‬
‫يفلح‪ .‬وجاء اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في شهر آذار‪ /‬مارس ‪2007‬‬
‫فك‬‫كمحاولة مفصلية لوقف الفوضى والفلتان األمني‪ ،‬وبدأت خطوات على طريق ّ‬
‫يرض ذلك البعض‪ ،‬وبدأت العراقيل توضع أمام احلكومة‪ ،‬خصوص ًا‬ ‫ِ‬ ‫احلصار‪ ،‬ولم‬
‫أمام وزير الداخلية وجهوده؛ إلنهاء حالة االنفالت األمني‪ ،‬والقضاء على التجاوزات‬
‫واجلرائم التي مارستها أطراف معروفة في األجهزة األمنية‪.‬‬
‫واقع احلال في مناطق سلطة احلكم الذاتي‪ ،‬وحتديد ًا في قطاع غزة كانت تؤشر‬
‫بوضوح إلى أنه ال اتفاق مكة وال أي اتفاق آخر مثل اتفاقات الضرورات األمنية‪ ،‬ميكن‬
‫أن يحل األزمة الداخلية؛ ألن تلك األزمة نابعة من تناقض عميق في البرامج السياسية‬

‫‪233‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫واألجندات العملية للفريقني (األجهزة األمنية وحماس)‪ .‬وكل ما عرفناه من تطورات‬


‫ميدانية‪ ،‬بعد اتفاق مكة كان يؤشر على أن االتفاق لم يكن أكثر من اتفاق هدنة مؤقت‪،‬‬
‫سيستغله الطرفان لتعزيز استعداداتهما‪ ،‬وتكريس نقاط قوتهما‪.‬‬
‫ومما زاد الطني بلة هو ما بدأت الصحف ووسائل اإلعالم بتداوله؛ فقد حصلت‬
‫صحيفة املجد األردنية على وثيقة نشرتها في العدد الذي كان من املقرر توزيعه‬
‫بتاريخ ‪ 30‬نيسان‪ /‬أبريل‪ ،‬و ُمنع من التوزيع‪ ،‬وكانت تشير بوضوح إلى خطة دولية‪،‬‬
‫إقليمية بالتعاون مع أجهزة السلطة بقصد االنقالب على احلكومة‪ ،‬وإعادة الوضع‬
‫إلى ما كان عليه قبل االنتخابات‪ .75‬كما جاء في صحيفة هآرتس في ‪2007/5/20‬؛‬
‫إن الواليات املتحدة متارس ضغوط ًا على الكيان الصهيوني لإلسراع في تنفيذ خطة‬
‫دايتون‪ ،‬وتعزيز قوات األمن التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية في قطاع غزة‪ ،‬حيث‬
‫التقى املنسق األمريكي كيت دايتون في األيام األخيرة مع شخصيات إسرائيلية رفيعة‬
‫املستوى‪ ،‬وحتدث معهم في هذا الشأن‪ ،...‬وثمة جدل في األوساط اإلسرائيلية حول‬
‫ما إذا كان ينبغي اإلسراع في تنفيذ خطة دايتون‪ ،‬وتقدمي الدعم لقوات عباس ودفع‬
‫رواتب رجال األمن أم ال‪ ،‬إذ يؤيدها وزير الدفاع أفرامي سنيه الذي قال في مقابلة‬
‫مع صحيفة “واشنطن بوست”‪ :‬إن “الفكرة هي تغيير ميزان القوى‪ ،‬الذي مال حتى‬
‫اآلن في صالح حماس”‪ ،‬مضيف ًا أن “قوات مدربة جيد ًا ميكنها أن تساعد في تعديل‬
‫ميزان القوى”‪.‬‬
‫وكان شعور حركة حماس باالستهداف يتنامى مع تنامي املعلومات حول األموال‬
‫التي أرسلتها الواليات املتحدة‪ ،‬والدعم املرسل من أكثر من دولة عربية وغربية‪،‬‬
‫لكن األهم من كل ذلك هو إصرار الرئاسة وقادة األجهزة على رفض تسهيل مهمة‬
‫وزير الداخلية‪ ،‬ورفض سيطرة وزارته على األجهزة املختصه بها؛ فإضافة الستمرار‬
‫رفض رشيد أبو شباك التعاون مع الوزير‪ ،‬جاء رفض عالء حسني مدير عام الشرطة‬
‫التعاون مع الوزير اجلديد فهد القواسمي‪ ،‬األمر الذي دفعه لالستقالة بعد أن تأكد‬
‫من استحالة تعاون األجهزة األمنية‪ ،‬التي ُش ِّكلت لتنفيذ اتفاقية أوسلو وملحقاتها‪ ،‬مع‬
‫أي وزير داخلية يريد احل ّد من الفساد والبلطجة‪ ،‬وإقامة سلم أهلي بعيد عن إمالءات‬
‫اتفاقية أوسلو واستحقاقاتها‪ .‬إزاء كل ذلك وترافقه مع املعلومات والوقائع عن تدفق‬
‫األسلحة‪ ،‬وبدء عودة العديد من ضباط ومنتسبي األجهزة ممن أجنزوا دورات في‬
‫أكثر من دولة وانتظار عودة الباقني‪ ،‬إضافة إلى بلوغ حالة الفوضى والفلتان األمني‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 75‬ميكن قراءة الوثيقة كاملة على موقع مركز باحث للدراسات في‪:‬‬
‫‪http://www.bahethcenter.net/A.W/index.htm‬‬

‫‪234‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫في مناطق السلطة عامة وفي قطاع غزة خاصة مستوى غير مسبوق؛ خصوص ًا في‬
‫ظل انتشار امليلشيات العائلية وممارستها املشينة‪ ،‬وعودة عادات وتقاليد كان املجتمع‬ ‫ّ‬
‫الفلسطيني قد أوشك على التخلص منها مثل االنتقام والثأر‪ ،‬ودخول بعض العادات‬
‫الغريبة عن فلسطني مثل اخلطف بغرض الفدية وفرض اخلوات‪ ...‬إلخ‪ .‬كان ال ب ّد من‬
‫العمل إليجاد آليه تعيد بناء األجهزة األمنية بطريقة مهنية‪ ،‬يشارك فيها كامل الطيف‬
‫السياسي واالجتماعي‪ .‬مهمتها خدمة الوطن واملواطن‪ .‬واحلفاظ على األمن الداخلي‪،‬‬
‫والقبض على العمالء واللصوص‪ ،‬والفاسدين‪ ،‬وضمان سيادة القانون‪ ،‬وذلك ال يحتاج‬
‫إلى تعدد األجهزة وال إلى عشرات األلوف من املسلحني‪ ،‬ولكن املطلوب آالف قليلة‬
‫من رجال الشرطة واألمن الداخلي‪ .‬أما مواجهة العدو فاملقاومة كفيلة بها والتجربة‬
‫العملية خير برهان؛ فمئات من املقاومني هزموا العدو الذي هزم ثالثة جيوش عربية‬
‫في ساعات قليلة (وجتربة األجهزة في مواجهة االجتياحات الصهيونية ناطقة وال‬
‫حتتاج إلى تعليق)‪.‬‬
‫حلل هذه العقدة املستعصية من‬ ‫وكانت احملاولة األخيرة من قبل رئيس احلكومة ّ‬
‫خالل طرحه تعيني اللواء الركن سعيد أبو فنونة‪ ،‬قائد ًا لغرفة العمليات املشتركة‪،‬‬
‫واللواء عالء حسني مساعد ًا لوزير الداخلية‪ .‬كان ذلك بهدف تطمني بعض قادة األجهزة‬
‫األمنية بالقول إن حماس ال تطلب تغيير قادة األجهزة األمنية‪ ،‬بل تطلب تعاونهم مع‬
‫احلكومة ووزير داخليتها‪ .‬مبا يضبط األمن الداخلي ويوقف الفوضى والفلتان األمني‬
‫ويؤمن االستقرار‪ .‬وبدا للمراقبني أن األمور تسير في االجتاه الصحيح‪.‬‬
‫فأكد اللواء برهان حماد‪ ،‬رئيس الوفد األمني املصري في قطاع غزة‪ ،‬أن فرص‬
‫جناح اخلطة األمنية‪ ،‬التي وضعت لضبط حالة الفلتان األمني في قطاع غزة‪ ،‬واملنوي‬
‫البدء في تطبيقها كبيرة‪ ،...‬وأضاف أن ذلك األمر سيت ّم من خالل تكوين قوة مركزية‬
‫مشتركة ستقوم على أساس اندماج قوتني أساسيتني؛ وهما القوة التنفيذية التابعة‬
‫حلماس‪ ،‬والقوة األخرى التي ُش ِّكلت حديث ًا واملسماة القوة التنفيذية لفتح‪ ،‬مشيرا إلى‬
‫أن هاتني القوتني سيكون لهما قائد واحد‪ ،‬وسيحدث انسجام واندماج بينهم بحيث‬
‫يتكلم اجلميع لغة وطنية مشتركة فقط‪ ،‬ليست بنفس حماس أو فتح‪.‬‬
‫الرئيس عباس صادق على ما طرحه رئيس احلكومة من تعيينات‪ ،‬واحلكومة‬
‫أقرت الشروع بتنفيذ اخلطة األمنية‪ ،‬التي‬ ‫التي اجتمعت مساء اإلثنني ‪ّ 2007/6/4‬‬
‫أع ّدتها وزارة الداخلية وأعلن املتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية أن اللواء سعيد‬
‫أبو فنونة رئيس الغرفة املشتركة املسؤولة عن تطبيق اخلطة األمنية سينتهي الليلة‬
‫من وضع تصور آلليات تنفيذ هذه اخلطة‪ ...‬وأن هذا التصور سيكون جاهز ًا خالل‬

‫‪235‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ 48‬ساعة لتقدميه لرئيس الوزراء‪ ،‬الذي بدوره سيجتمع مع الرئيس محمود عباس‬
‫إلقراره‪ ،‬وبذلك تكون اخلطة جاهزة للتطبيق‪ .‬وأضاف أن الرئيس ورئيس الوزراء أكدا‬
‫جاهزيتهما لتوفير احتياجات القوة املشتركة املكلفة بتطبيق اخلطة األمنية‪.‬‬
‫وبتاريخ ‪ 2007/6/8‬وزعت وكالة فرانس برس مبادرة من خمس نقاط طرحها‬
‫رئيس الوزراء‪ ،‬إسماعيل هنية‪ ،‬خالصتها‪:‬‬
‫‪ .1‬دعوة الدول العربية إلى الوقوف على مسافة واحدة من كل أطراف الساحة‬
‫الفلسطينية‪ ،...‬وعدم تزويد السالح ألي طرف‪.‬‬
‫مت التوقيع عليها من اتفاق القاهرة (‪ ،)2005‬إلى‬ ‫‪ .2‬احترام كل االتفاقات التي ّ‬
‫وثيقة الوفاق الوطني (‪ ،)2006‬إلى اتفاق مكة املكرمة (‪.)2007‬‬
‫‪ .3‬اإلميان بالشراكة السياسية‪.‬‬
‫‪ .4‬إعادة صياغة املؤسسة األمنية على أساس البعد عن التجاذبات السياسية‪،‬‬
‫وبناء نظرية أمنية تقوم على أساس حماية املواطن والوطن وليس االحتالل‪.‬‬
‫‪ .5‬عدم السماح بالتدخالت اخلارجية‪.‬‬
‫لكن على من تتلو مزاميرك يا داوود؛ فالواليات املتحدة مصرة على إبقاء‬
‫تشكيل األجهزة األمنية‪ ،‬متناسب ًا مع الهدف األساسي لتشكيلها‪ ،‬وهو حفظ األمن‬
‫الصهيوني‪ ،‬ووقف املقاومة‪ .‬فوفق تقرير نشرته صحيفة يوجناديفلت األملانية بتاريخ‬
‫‪:2007/6/14‬‬
‫إن واشنطن واملخابرات األمريكية‪ ،‬كانت تلعب دور ًا منذ البداية لدعم الرئيس‬
‫الفلسطيني محمود عباس‪ ،‬وإلجهاض جتربة حماس في احلكم؛ فواشنطن‬
‫هي املسؤولة على كل تصعيد للعنف بني فتح وحماس في قطاع غزة‪ ،‬وان‬
‫كل شيء مخطط له في واشنطن وهو ما تؤكده اعترافات اجلنرال األمريكي‬
‫(دايتون) أمام جلان الكوجنرس‪.76‬‬
‫كل تلك التطورات واملعلومات رسخت عند قيادة حماس قناعة‪ :‬أن كل ما يجري‬
‫له هدف محدد؛ وهو إبقاء حالة الفوضى والفلتان األمني وتصعيدهما‪ ،‬وصو ًال إلى‬
‫إفشال جتربة حماس في السلطة‪ .‬فمن غير املسموح به أن يشترك في قيادة األجهزة‬
‫األمنية من ال يوافق بوضوح على تنفيذ املطلوب من الفلسطينني في اتفاقية أوسلو‬
‫وملحقاتها (بغض النظر عن مدى التزام الكيان الصهيوني)‪ ،‬وهو ما ُش ّكلت األجهزة‬
‫األمنية لتنفيذه‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ 76‬لقراءة التقرير كام ً‬
‫ال انظر موقع مركز باحث‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الواليات املتحدة وآخرون كانوا يعدون العدة لالنقالب على احلكومة‪ ،‬وتفجير حرب‬
‫أهلية جتسد رؤيتهم في “الفوضى اخلالقة”؟! ولم جتد حماس من خيار أمامها إال‬
‫خيار الوقوف في وجه األجهزة التي تستعد لالنقالب على احلكومة‪ .‬فانفجر الصراع‬
‫العسكري في قطاع غزة‪ ،‬وخالل أيام قليلة استفاق من حلموا باحلرب األهلية على أن‬
‫غالبية الشعب الفلسطيني (ومنهم غالبية من يحملون السالح)‪ ،‬غير مستعدة للسقوط‬
‫ودام ال يخدم إال املخططات‬ ‫في فخّ احلرب األهلية‪ ،‬أو الدخول في صراع طويل مدمر ٍ‬
‫األمريكية والصهيونية‪.‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسة بإحلاح‪ ،‬أمام هذا الواقع املعقد جد ًا‪ ،‬فلسطيني ًا وإقليمي ًا‬
‫ودولي ًا ً‪ ،‬ما العمل؟‬
‫على الرغم من قناعتي بأن احلكمة عن بعد فيها شيء من عدم احلكمة‪ ،‬وموافقتي‬
‫على املثل الشعبي القائل “الذي يده في املاء ليس كمن يده في النار” (ال أرى أن يدي‬
‫خارج متام ًا)‪ .‬إال أنني أجرؤ على القول‪:‬‬
‫‪ .1‬إن التجربة العملية أكدت أن كل تضحيات انتفاضة األقصى وبطوالتها‬
‫تؤد إلى وقف مفاعيل اتفاقية أوسلو‪ ،‬بل إن كامل مفاصل‬ ‫وإجنازاتها‪ ،‬لم ِ‬
‫السلطة ومؤسساتها وآليات عملها خاضعة لذلك االتفاق‪ ،‬وإن الطرف‬
‫الفلسطيني الذي و ّقع تلك االتفاقية ليس مستعد ًا لتجاوز التزاماته‬
‫الواردة فيها‪ ،‬وهي التزامات أمنية أساس ًا‪ .‬أرادت فئة من ذلك الطرف أن‬
‫تتعاون مع آخرين في سبيل تصحيح املسار وجتاوز مفاعيل االتفاقية؛‬
‫فإن املعادلة التي أوجدتها االتفاقية جعلت احلاجات اليومية لشعبنا في‬
‫الضفة والقطاع مرتبطة كلي ًا بالعدو الصهيوني‪ ،‬األمر الذي يجعل القدرة‬
‫على جتاوز االتفاقية والتخلص منها‪ ،‬ال يتوقف على الرغبة فقط‪ ،‬بل على‬
‫توازنات جديدة ال ب ّد من العمل على توليدها‪ ،‬األمر الذي يحتاج إلى كثير‬
‫عال للبذل والعطاء‪.‬‬
‫من اجلهد والعمل بدراية وحنكة واستعداد ٍ‬
‫‪ .2‬إن االعتقاد بإمكانية أن تُش ّكل سلطة احلكم الذاتي نواة الدولة الفلسطينية‬
‫ظل موازين القوى القائمة‪ ،‬ال‬ ‫العتيدة على األراضي احملتلة سنة ‪ ،67‬في ّ‬
‫يعدو أن يكون سراب ًا‪ ،‬وال ب ّد من استبدال املرحلية السياسية التي اعتمدت‬
‫من قبل م‪.‬ت‪.‬ف منذ سنة ‪ ،1974‬واعتماد مرحلية ميدانية تنسجم مع نظرية‬
‫حرب الشعب‪.77‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ 77‬ملزيد من املعلومات انظر‪ :‬وليد محمد علي‪ ،‬مستقبل التسوية في ّ‬
‫ظل االنتفاضة‪ ،‬املركز االستشاري‬
‫للدراسات والتوثيق‪.2001/1/13 ،‬‬

‫‪237‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .3‬وهذا ال يعني جتاهـل حقيقــة أن العدو الصهيوني ُأجبر نتيجـة بطوالت‬


‫وتضحيات املقاومني على االنكفاء عن مناطق يقيم فيها مئات اآلالف من‬
‫الفلسطينيني‪ ،‬ومن حقهم على القوى السياسية عدم إدارة الظهر لهم‪،‬‬
‫وتركهم نهب ًا للفساد واملفسدين‪ .‬بل االشتراك الفاعل في إدارة شؤونهم‬
‫بشفافية‪ ،‬والعمل لتكون السلطة القائمة على شؤونهم في خدمتهم ال عبئ ًا‬
‫عليهم؛ سلطة تبذل ما تستطيع لتأمني العيش الكرمي لذلك اجلزء احلبيب‬
‫من أبناء فلسطني‪ ،‬ليستكمل دوره الريادي كرأس حربة في مقاومة الكيان‬
‫الصهيوني‪ ،‬وإدامة االشتباك معه ملنعه من حتقيق األمن واالستقرار‬
‫ملستوطنيه‪.‬‬
‫‪ .4‬االعتقاد أن االشتراك في العملية السياسية في ظروفها القائمة‪ ،‬سيمكن من‬
‫االشتراك في إدارة األجهزة األمنية‪ ،‬لم يكن أكثر من نظرة مثالية إرادوية‪،‬‬
‫وقد أكدت التجربة العملية ذلك‪.‬‬
‫‪ .5‬إن قطاع غزة ما زال حتت االحتالل غير املباشر سجن كبير مفتوح على بحر‬
‫محاصر‪ ،‬ومسيطر عليه إلكتروني ًا وبالنيران وغيره‪ ،‬لذا فإن إقامة معسكرات‬
‫التدريب واملواقع العسكرية ومنها نقاط متركز القوة التنفيذية‪ ،‬كانت خطوة‬
‫خاطئة متام ًا فقد سوى العدو ‪ 12‬موقع ًا من أصل ‪ 16‬من مواقع تلك القوة‬
‫باألرض‪ .‬كما أن تعيني املجاهد جمال أبو سمهدانة في موقع يحتاج املتابعة‬
‫اليومية‪ ،‬وهو املطلوب واملالحق لقوات االحتالل كان خط ًأ؛ فقد متكن العدو‬
‫من اغتيال القائد أبو سمهدانه بعد أن فشل في ذلك لسنوات‪.‬‬
‫أما الصدام األخير مع األجهزة األمنية ونتائجه‪ ،‬فيجب أن يدفع حركة حماس‬
‫للتفكير العميق بأي خطوة‪ ،‬أو تصريح‪ .‬كما أنه من الضروري الوقوف أمام الكثير‬
‫من املمارسات‪ ،‬والتصرفات واجلرائم امليلشياوية املدانة واملرفوضة مثل إعدام من‬
‫استسلم أو ُألقي القبض عليه‪ ،‬ال فرق‪ ،‬دون تقدميه حملاكمة عادلة‪ ،‬واالعتداء على‬
‫املؤسسات ونهبها وحرقها‪ ،‬واالعتداء على دور العبادة ورجال الدين مسيحيني‬
‫ومسلمني‪ ،‬واالعتداء على املؤسسات التعليمية‪ ،‬وكل ما هو بحكم ما سبق‪ .‬واخلطوة‬
‫األولى التي يجب اتخاذها للتخفيف من سلبية ذلك‪ ،‬تتمثل في الدعوة لوضع كافة‬
‫امللفات واملعلومات املتوفرة عن كل الذي جرى أمام جلنة تقصي احلقائق العربية‪،‬‬
‫والدعوة واإلعالن عن االستعداد إلحالة كل من تثبت إدانته باقتراف تلك املمارسات‬

‫‪238‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫واجلرائم أو التحرض عليها‪ ،‬كائن ًا من كان وإلى أي جهة انتمى إلى محاكمة علنية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لينال جزاءه‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬وعلى الرغم من األلم واألسى واإلدانة الشديدة‪ ،‬فإن ماحدث‬
‫في فلسطني من اقتتال داخلي أمر تكرر وحدث مثيل له في معظم ثورات العالم‪ ،‬ويأتي‬
‫متر‬ ‫في سياق التدافع الطبيعي‪ ،‬خصوص ًا في مرحلة مخاض املرحلة االنتقالية التي ّ‬
‫فيها الساحة الفلسطينية‪.‬‬
‫إن فلسطني من بحرها إلى نهرها ما زالت خاضعة لالحتالل الصهيوني‪ ،‬وما زالت‬
‫تعيش في مرحلة التحرر الوطني‪ .‬وبالتالي فإن على حركة حماس أن تبادر إلى طرح‬
‫مبادرة للعمل املشترك مع بقية الطيف السياسي‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬والثقافي الفلسطيني‪.‬‬
‫وهذا يستدعي أن تبذل حماس جهد ًا كبير ًا لبناء عالقات تعاون وتكامل مع أبناء فتح‪،‬‬
‫املتمسكني مبشروع املقاومة ولم تفسدهم املغريات‪ ،‬ويجب أن تكون تلك العالقة مع‬
‫قيادات مشهود لها‪ ،‬ولدورها وحتظى باالحترام في الساحة الفلسطينية وخصوص ًا‬
‫في أوساط كوادر فتح وقواعدها (أحمد حلس ورفاقه)‪ ،‬وليس من املصلحة الوطنية‬
‫بشيء اإلساءة لتلك العالقة باستقطاب هذا أو ذاك‪ ،‬واإلعالن عن فتح كذا وكذا‪ ،‬على‬
‫أن يكون هدف كل ذلك واضح ًا ومحدد ًا لبناء املجتمع الفلسطيني املقاوم‪ .‬فقدر شعب‬
‫فلسطني وطريقه اإلجباري هو‪ :‬إدامة املقاومة وتطويرها‪ ،‬لتعيد الصراع إلى حقيقته‬
‫كصراع وجود ال ميكن التعايش بني طرفيه‪.‬‬
‫وهذا اليعني إطالق ًا إغفال العمل السياسي‪ ،‬بل العكس متام ًا فإن مواجهة‬
‫احلصار‪ ،‬الذي تفرضه قوى الغرب االستعماري على شعبنا إلخضاعه وإجباره على‬
‫التكيف مع حاجات املشروع الصهيوني‪ ،‬يزيد من إحلاحية بذل املزيد من اجلهد‬
‫واالهتمام لنغ ّير العمل السياسي القائم على الفهلوة والعمل الفردي‪ ،‬إلى عمل علمي‬
‫تنتجه وتتابع تنفيذه مؤسسات مؤهلة‪ .‬عمل سياسي تراكمي‪ ،‬ال يتناقض مع املشروع‬
‫االستراتيجي لتحرير فلسطني‪ ،‬قائم على أساس االستفادة من كافة قرارات الشرعية‬
‫الدولية التي تخدم املصلحة الوطنية‪ ،‬بدل االندفاع وراء تصورات بعض األكادمييني‬
‫الذين لم تعركهم جتربة العمل الثوري‪ ،‬ومواجهة أالعيبه السياسية‪ ،‬وبالونات بعض‬
‫األكادمييني ومراكز البحث الغربية التي متتهن تسعير اخلالفات الثانوية‪ ،‬واحلرف عن‬
‫درب املراكمة الثورية‪.‬‬
‫فعلى الرغم مما تلحقه تلك القرارات بالشعب الفلسطيني من ظلم‪ ،‬وعلى الرغم من‬

‫‪239‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أن من اتخذ معظم تلك القرارات هو مجلس األمن‪ ،‬حيث الهيمنة األمريكية الغربية‪ ،‬إال‬
‫أن العمـل اجلـا ّد واملتابعـة احلثيثة والدعوة الدائمة إللزام الكيان الصهيوني بتنفيذ تلك‬
‫القرارات (بعيد ًا عن األوهام)‪ ،‬سكيشف طبيعته العدوانية العنصرية التي ال تتيح له‬
‫تنفيذ قرارات الشرعية الدولية‪ .‬فتنفيذ القرار ‪ 181‬الذي يعطي الشعب الفلسطيني احلقّ‬
‫في بناء دولته على نـحو نصف فلسطني‪ ،‬وكذلك القرار رقم ‪ 194‬املتعلق بحقّ العودة‪،‬‬
‫يعني إجناز خطوات هامة على طريق تصفية املشروع العنصري الصهيوني‪.‬‬
‫كذلك فإن الدعوة ‪ -‬على سبيل املثال ‪ -‬لتفعيل توصية قرار محكمة العدل الدولية‪،‬‬
‫القاضي بهدم جدار الض ّم والعزل العنصري‪ ،‬والتي تتحدث عن بطالن وعدم قانونية‬
‫كافة اإلجراءات التي اتخذتها قوات االحتالل الصهيوني منذ سنة ‪ ،1967‬ستساعد‬
‫في حشد التأييد العاملي إلى جانب الهدف‪ ،‬الذي حددته القوى الفلسطينية النتفاضة‬
‫األقصى منذ انطالقتها‪ ،‬وهو دحر االحتالل‪ ،‬وتفكيك املستوطنات‪ ،‬وإقامة دولة‬
‫فلسطينية على األراضي احملتلة سنة ‪ 1967‬وعاصمتها القدس‪ ،‬وعودة الالجئني‪.‬‬
‫للحل النهائي للقضية الفلسطينية قائمة على‬ ‫ّ‬ ‫كل ذلك يساعد على طرح رؤية‬
‫فكرة ‪ -‬دولة فلسطني الواحدة ‪ -‬لكل أبنائها من مسلمني ومسيحيني ويهود‪ ،‬كما‬
‫كانت عليه قبل املشروع العنصري الصهيوني‪ .‬تلك الرؤية ستجد قبو ًال ودعم ًا‬
‫واسع ًا من تيارات عاملية معادية للعنصرية‪ ،‬ومؤيدة حلقوق اإلنسان ورافضة‬
‫للهيمنة األمريكية املتوحشة‪.‬‬
‫متر في هذه املرحلة التاريخية في وضع حساس ومعقد‬ ‫إن القضية الفلسطينية ّ‬
‫ومتشابك‪ .‬وعلى القوى والفصائل والهيئات األهلية كافة أن تصيغ برامجها انطالق ًا‬
‫من هذه احلقيقة‪ ،‬وعلى وجه اخلصوص منها حركة حماس التي تتحمل مسؤولية قيادية‬
‫مميزة وكبرى في هذة املرحلة‪ ،‬التي تتيح فرصة ذهبية لقوى املقاومة وللمخلصني كافة‬
‫من أجل صياغة برنامج ثوري لقيادة املرحلة القادمة‪ .‬برنامج يشتمل على إعادة بناء‬
‫منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬كصيغة جبهوية حتررية تكون حاضنة ملشروع وطني‬
‫تصب فيه كل طاقات الشعب الفلسطيني وإمكاناته‪ ،‬ويعيد فلسطني‬ ‫ّ‬ ‫فلسطيني جامع‬
‫كقضية مركزية للعرب واملسلمني‪ ،‬وذات عمق إنساني شامل‪.78‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 78‬للتوسع في هذا الرأي‪ ،‬انظر‪ :‬وليد محمد علي‪“ ،‬األراضي الفلسطينية احملتلة عام ‪ 67‬وآفاق املرحلة‬
‫اجلديدة‪ ”،‬ورقة عمل مق ّدمة إلى املؤمتر الدولي للقدس ودعم حقوق الشعب الفلسطيني‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪.2006/4/16-14‬‬

‫‪240‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫جتربة حما�س واحلكومة العا�شرة‬


‫المني الداخلي‬‫يف �إدارة امللف أ‬

‫أحمد احليلة‬
‫‪79‬‬

‫خاضت حركة املقاومة اإلسالمية جتربة احلكم ألول مرة في تاريخها بتشكيلها‬
‫احلكومة الفلسطينية العاشرة‪ ،‬إثر فوزها في االنتخابات التشريعية في كانون الثاني‪/‬‬
‫يناير ‪ ،2006‬بنحو ‪ % 56‬من مقاعد املجلس التشريعي (‪ 74‬مقعد ًا من أصل ‪.)132‬‬
‫ُع َّدت هذه التجربة مبثابة انعطافة تاريخية في مسار القضية الفلسطينية‪ ،‬عندما‬
‫تقدم برنامج املقاومة املعارض التفاقات أوسلو‪ ،‬وتراجع برنامج التسوية السياسية‪،‬‬
‫الطرف األساس واألب الشرعي لتلك االتفاقية‪ ،‬التي جرت في ظلّها االنتخابات‬
‫التشريعية‪.‬‬
‫لقد كان لفوز حركة حماس في االنتخابات انعكاسات واستحقاقات سياسية كبيرة‬
‫على الصعيد الداخلي واخلارجي؛ فهذا الفوز م ّثل في نظر البعض انقالب ًا دميوقراطي ًا‬
‫على املوروث السياسي الذي عملت العديد من األطراف احمللية والعربية والدولية على‬
‫صياغته‪ ،‬وصناعته عبر عشرات السنني‪ ،‬على النحو الذي سبق صعود حركة حماس‬
‫إلى قمة الهرم السلطوي‪ .‬ولذلك سارعت تلك األطراف املتضررة من صعود احلركة‬
‫(برنامج املقاومة) إلى محاولة تثبيت الواقع السياسي األوسلوي بإحدى طريقتني أو‬
‫كليهما مع ًا‪:‬‬
‫الطريقة األولى‪ :‬محاولة إقناع حركة حماس‪ ،‬ترغيب ًا وترهيب ًا‪ ،‬بضرورة تغيير‬
‫موقفها السياسي مبا يتساوق مع شروط الرباعية‪ ،‬الداعية إلى االعتراف باالحتالل‪،‬‬
‫االعتراف باالتفاقيات السياسية املوقعة‪ ،‬ونبذ العنف (أي التخلي عن املقاومة)‪ ،‬أي‬
‫لتستظل بظالل أوسلو حتى تصبح احلركة طرف ًا‬ ‫ّ‬ ‫دعوة حماس للنزول عن شجرتها‬
‫فلسطيني ًا مقبو ًال من املجتمع الدولي‪.‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬العمل على تشويه احلركة‪ ،‬وإفشال جتربتها من خالل افتعال‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 79‬كاتب فلسطيني مقيم في دمشق‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مجموعة من األزمات السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واألمنية‪ ..‬إلسقاطها وإقصائها عن‬


‫احلكم‪.‬‬
‫هذا احلال أفرز واقع ًا معقد ًا أمام حركة حماس حديثة العهد والتجربة بإدارة‬
‫السلطة السياسية واحلكومة الفلسطينية‪ ،‬ووضعها أمام جملة من األزمات املوروثة عن‬
‫احلكومات السابقة‪ ،‬باإلضافة إلى التصدي ألزمات مفتعلة الحق ًا؛ فمنذ اللحظة األولى‬
‫لتسلمها السلطة تعرضت احلكومة ووزراؤها للعزلة السياسية‪ ،‬واحلصار االقتصادي‪،‬‬
‫وتفاقم الوضع األمني الداخلي املصاحب الستمرار االعتداءات اإلسرائيلية على الضفة‬
‫والقطاع‪.‬‬
‫ورغم حجم الضغوط تلك‪ ،‬فيمكن القول إن حركة حماس واحلكومة الفلسطينية‪،‬‬
‫استطاعتا الصمود وعدم التنازل سياسي ًا عن الثوابت الوطنية‪ ،‬وبالتالي عدم‬
‫االستجابة لشروط الرباعية‪ ،‬إضافة إلى النجاح النسبي في إحداث اختراقات‬
‫سياسية في جدار العزلة السياسية‪ ،‬من خالل التواصل مع العديد من الدول العربية‬
‫واإلسالمية مثل‪ :‬مصر‪ ،‬والسعودية‪ ،‬وسورية‪ ،‬وقطر‪ ،‬والسودان‪ ،‬واليمن‪ ،‬وإيران‪،‬‬
‫وماليزيا‪ ،‬وإندونيسيا‪ ..‬باإلضافة إلى م ّد جسر العالقة مع روسيا‪ ،‬وبعض النظم‬
‫الغربية واألجنبية‪ ،‬وإن بشكل غير مباشر مثل‪ :‬بريطانيا‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬وسويسرا‪،‬‬
‫والدامنارك‪ ،‬وجنوب إفريقيا‪..‬‬
‫في االجتاه ذاته سجلت احلركة واحلكومة جناح ًا ضعيف ًا في كسر احلصار‬
‫االقتصادي‪ ،‬الذي شاركت فيه أطراف فلسطينية وعربية لم ترغب في جناح التجربة‬
‫اإلسالمية في فلسطني؛ خوف ًا من انتقال التجربة إلى اجلوار العربي‪ ،‬هذا ناهيك عن‬
‫الضغط األمريكي املباشر الذي حال دون وصول املساعدات العربية (نـحو ‪ 50‬مليون‬
‫دوالر) املقررة في قمة الرياض آذار‪ /‬مارس ‪.2007‬‬
‫ويبدو أن احلكومة الفلسطينية وحركة حماس‪ ،‬قد تفاجأتا بحجم احلصار وقساوته‪،‬‬
‫ولم تتوقعا مدى العجز والوهن العربي‪ ،‬نتيجة سوء تقدير مسبق ع ّول كثير ًا على العمق‬
‫العربي واإلسالمي الرسمي‪ ،‬في دعم الشعب الفلسطيني وحكومته املنتخبة‪.‬‬
‫أما على مستوى امللف األمني الداخلي‪ ،‬والذي نـحن بصدد احلديث عنه‪ ،‬فاحلال‬
‫كان أسوأ من املتوقع‪ ،‬حيث انزلقت احلركة نفسها في شرك االضطراب األمني‬
‫الداخلي املع ّد لها من قبل أطراف رافضة للتعامل مع نتائج االنتخابات التشريعية‪.‬‬
‫وقبل احلديث عن التقييم واستشراف مستقبل الوضع األمني الداخلي في الضفة‬
‫والقطاع‪ ،‬ال ب ّد من احلديث أو ًال عن مسار وخط األحداث‪ ،‬التي أوصلت الساحة‬

‫‪242‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الفلسطينية إلى هذا املستوى املتدني أمني ًا‪ ،‬ومن ثم استنباط أسباب تفاقم وتدهور‬
‫الوضع األمني الداخلي‪ ،‬في محاولة لتشخيص الظاهرة سعي ًا للوصول إلى احلقيقة‬
‫التي تعيننا على استكشاف املستقبل املنظور‪.‬‬

‫مظاهر االضطراب األمني والصدام الداخلي‪:‬‬


‫ظاهرة الفلتان األمني‪ ،‬هي ظاهرة الزمت معظم احلكومات الفلسطينية السابقة‪،‬‬
‫وصو ًال إلى احلكومة التي شكلتها حركة حماس‪ ،‬أي أن الظاهرة لم تكن وليدة فوز‬
‫حركة حماس في االنتخابات‪ ،‬ولكن املالحظ أن هذه الظاهرة قد تفاقمت بعد تشكيل‬
‫حماس للحكومة الفلسطينية‪ ،‬فقد شهدت الساحة الفلسطينية في األشهر األولى من‬
‫ّ‬
‫يحضر له‬ ‫عمر احلكومة الفلسطينية العاشرة إرهاصات ومقدمات سلبية لعظيم ما‪،‬‬
‫من صدامات داخلية أودت فيما بعد‪ ،‬بسقوط عشرات القتلى‪ ،‬ومئات اجلرحى من‬
‫الفلسطينيني على أيد فلسطينية‪.‬‬
‫أججت التوتر ومهدت للفتنة الداخلية بني حركتي فتح وحماس‪،‬‬ ‫ومن املقدمات التي ّ‬
‫وبني الرئاسة واحلكومة‪ ،‬بروز ما ُعرف بصراع الصالحيات بني الرئاسة واحلكومة‬
‫منذ األيام األولى لفوز حركة حماس في االنتخابات‪ ،‬وفي هذا السياق ميكن رصد‬
‫مجموعة من القرارات األمنية واإلجراءات السياسية التي رفعت من مستوى التوتر‬
‫واالضطراب على الساحة الفلسطينية‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬
‫في ‪ ،2006/1/28‬أي بعد يوم واحد من إعالن نتائج االنتخابات‪ ،‬عقد‬
‫الرئيس أبو مازن اجتماع ًا لنقل مسؤولية ثالثة أجهزة أمنية من احلكومة‬
‫إلى الرئاسة‪ .‬مع العلم أن األجهزة األمنية الثالثة وهي األمن الوقائي‪،‬‬
‫ال من صالحيات وزارة الداخلية في‬ ‫والشرطة‪ ،‬والدفاع املدني كانت أص ً‬
‫احلكومة السابقة‪.‬‬
‫في ‪ ،2006/2/13‬انعقد املجلس التشريعي املنتهية واليته في جلسة استثنائية‬
‫مت ذلك بإصدار قانون‬‫لنقل مجموعة من الصالحيات للرئيس أبو مازن‪ ،‬وقد ّ‬
‫مينح الرئيس محمود عباس صالحية إنشاء احملكمة الدستورية برئيسها‬
‫وقضاتها‪ ،‬وكان الوضع السابق يشترط تصديق البرملان على ذلك التشكيل‪،‬‬
‫األمر الذي يعني أن القرار سلب املجلس التشريعي اختصاصه ووضع‬
‫األمر كله بيد الرئيس‪ .‬كما شملت املراسيم الرئاسية أيض ًا‪ ،‬التي صادق‬
‫عليها املجلس التشريعي‪ ،‬مرسوم ًا يقضي بتعيني رئيس لديوان املوظفني‬

‫‪243‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تابع للرئاسة‪ ،‬وهو ما مينح الرئيس‪ ،‬ومن خلفه حركة فتح‪ ،‬السيطرة على‬
‫قطاع املوظفني‪ .‬ومن املفارقة أن الرئيس محمود عباس خاض صراع ًا مع‬
‫الرئيس الراحل ياسر عرفات سنة ‪ 2003‬لتحويل منصب رئيس ديوان‬
‫املوظفني من سلطة الرئيس إلى سلطة رئيس الوزراء‪.‬‬
‫في ‪ ،2006/3/24‬يقرر الرئيس محمود عباس إنشاء هيئة لإلشراف‬
‫على املعابر برئاسة السيد صائب عريقات‪ ،‬بعد أن كانت من صالحيات‬
‫احلكومة‪.‬‬
‫في ‪ ،2006/4/6‬يقرر الرئيس محمود عباس تعيني السيد رشيد أبو شباك‬
‫مدير ًا عام ًا لألمن الوطني‪ ،‬دون التشاور مع احلكومة أو وزير الداخلية‪ .‬مع‬
‫ينص على أن الرئيس يصادق على من ينسبه‬ ‫العلم أن القانون األساسي ّ‬
‫وزير الداخلية لهذا املنصب‪ ،‬وال يعطي صالحية التعيني للرئيس دون موافقة‬
‫وزير الداخلية واحلكومة‪ .‬األمر الذي يعني مزيد ًا من السيطرة على األجهزة‬
‫األمنية‪ ،‬التي هي في عمومها مش ّكلة من عناصر منتمية أو مؤيدة حلركة‬
‫فتح‪ ،‬وذلك حسب سياسة التوظيف التي كانت قائمة سابق ًا‪.‬‬
‫في ‪ ،2006/4/21‬يصدر الرئيس أبو مازن مرسوم ًا بإلغاء قرار وزير‬
‫الداخلية الصادر في ‪ ،2006/4/20‬واملوافق عليه من احلكومة‪ ،‬والقاضي‬
‫باستحداث القوة التنفيذية‪ ،‬وهي وحدة أو تشكيل من املقاومني املنتمني‬
‫جلميع التنظيمات الفلسطينية ملساعدة جهاز الشرطة في ضبط األمن‬
‫املنفلت في قطاع غزة‪ .‬كما ألغى مرسوم الرئاسة قرار ًا لوزير الداخلية‬
‫بتعيني الشهيد جمال أبو سمهدانة‪ ،‬قائد املقاومة الشعبية في حينه‪ ،‬مراقب ًا‬
‫عام ًا في وزارة الداخلية‪ ،‬وذلك بذريعة أن احلكومة ال متلك الصالحيات‪،‬‬
‫وأن ذلك من صالحيات الرئيس فقط‪ .‬مع العلم أن منصب املراقب العام في‬
‫وزارة الداخلية لم يكن من ابتكار احلكومة احلالية‪ ،‬بل إن هذا املنصب كان‬
‫قد استحدث من قبل حكومة فلسطينية سابقة‪ ،‬وشغله سمير املشهراوي‬
‫عندما كان محمد دحالن وزير ًا لألمن الداخلي‪ ،‬في حكومة ش ّكلها السيد‬
‫محمود عباس في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات‪.‬‬
‫لقد كان ملرسوم الرئيس عباس القاضي بإلغاء تشكيل القوة التنفيذية‪ ،‬التي‬
‫شكلها وزير الداخلية سعيد صيام على خلفية مترد قادة األجهزة األمنية‪ ،‬وعدم‬
‫إنفاذهم لقراراته وتوصياته‪ ،‬أثر كبير في تأزم الوضع األمني‪ ،‬حيث ازدادت مظاهر‬

‫‪244‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الفلتان األمني‪ ،‬والقتل‪ ،‬واخلطف للضغط على احلكومة ّ‬


‫حلل القوة التنفيذية التي‬
‫ُح ّملت وزر التوتر وتفاقم االضطراب األمني‪ ،‬حتى بلغ األمر ببعض منتسبي األجهزة‬
‫مقر املجلس التشريعي في غزة‪ ،‬والتهجم على املؤسسات العامة‬ ‫األمنية االعتداء على ّ‬
‫واحلكومية‪ ،‬وإطالق النار‪ ،‬وإحداث أضرار مادية في املمتلكات بداعي املطالبة بصرف‬
‫الرواتب املتأخرة بسبب احلصار‪.‬‬
‫وفي هذا السياق نورد بعض األحداث الدموية التي أعقبت قرار الرئيس إلغاء‬
‫القوة التنفيذية‪ ،‬واعتبارها قوة غير شرعية‪ ،‬للداللة على أن هناك أيد خفية كانت‬
‫تعمل وتستغل اخلالفات لتأزمي الوضع األمني‪ ،‬ولوضع املزيد من العراقيل أمام وزير‬
‫الداخلية لتعجيزه‪ ،‬وإلفشال خطته في ضبط األمن باالستناد إلى القوة التنفيذية‪ ،‬ومن‬
‫هذه األحداث نذكر على سبيل املثال ما يلي‪:‬‬
‫خروج مسيرات لبعض املوظفني احملسوبني على حركة فتح‪ ،‬تطالب احلكومة‬
‫بتوفير الرواتب‪ ،‬رغم إدراك اجلميع أن السبب في أزمة الرواتب هو االحتالل‬
‫والواليات املتحدة‪ ،‬وتخاذل بعض األنظمة العربية‪.‬‬
‫وقوع اشتباكات مسلحة بتاريخ ‪ 2006/5/8‬بني عناصر من فتح وحماس‪،‬‬
‫على خلفية اختطاف عناصر من فتح ألعضاء من كتائب القسام شرق مدينة‬
‫خان يونس‪ ،‬املنطقة التي يحظى فيها العقيد محمد دحالن بنفوذ كبير‪ ،‬راح‬
‫ضحيتها ثالثة شهداء‪ ،‬وجرح ‪ 11‬آخرين‪.‬‬
‫استشهاد اثنني من كتائب القسام في غضون عشر ساعات فقط‪ ،‬األول في‬
‫غزة بتاريخ ‪ ،2006/5/16‬واآلخر في مخيم جباليا بتاريخ ‪2006/5/17‬‬
‫وإصابة آخرين‪ ،‬على أيدي مسلحني مجهولني‪.‬‬
‫محاولة اغتيال مدير املخابرات العامة اللواء طارق أبو رجب في مقره بتاريخ‬
‫‪ ،2006/5/20‬عبر عبوة ناسفة وضعت في مصعده اخلاص‪ ،‬وخروج‬
‫أصوات تتهم حماس باملسؤولية مباشرة وقبل الشروع في التحقيق‪.‬‬
‫محاولة اختطاف أخرى ألحد أعضاء حركة حماس‪ ،‬في قرية عبسان شرق‬
‫مدينة خانيونس بتاريخ ‪ ،2006/5/22‬ومقتل أحد املهاجمني أثناء تصدي‬
‫مجموعة من كتائب القسام للمهاجمني‪.‬‬
‫تلك األحداث وغيرها كانت املمهد لوقوع أحداث أكثر دموية بني حركتي فتح‬
‫واألجهزة األمنية من جهة‪ ،‬وبني حركة حماس والقوة التنفيذية من جهة أخرى؛‬
‫فمجموعات املصالح‪ ،‬املتضررة من فوز حماس‪ ،‬كانت معنية بتسخني الساحة‪ ،‬وخلط‬

‫‪245‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫األوراق‪ ،‬وممارسة االستفزاز بحق القوة التنفيذية واحلكومة‪ ،‬وذلك بالتقاطع مع‬
‫الضغط السياسي واالقتصادي اخلارجي املتمثل في احلصار‪ .‬وهذا بدوره خلق‬
‫أجوا ًء سلبية تعثرت على إثرها كل احملادثات واللقاءات حول تشكيل حكومة الوحدة‬
‫الوطنية‪ ،‬التي كان جناحها معلق ًا بشرط قبول حركة حماس لشروط الرباعية‪ ،‬التي‬
‫تبناها الرئيس عباس أثناء احلوارات مع قيادة حركة حماس‪ ،‬إضافة إلى تعثر‬
‫احملادثات بني حركتي فتح وحماس حول وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة األسرى)‪ ،‬التي‬
‫نشرت في صحيفة القدس املقدسية في ‪ ،2006/5/11‬والتي كادت احملادثات حولها‪،‬‬
‫واخلالفات حول العديد من نقاطها أن تفتح باب الصدام على مصراعيه‪ ،‬بسبب‬
‫إصرار الرئيس عباس على قبول الوثيقة كما هي دون تعديل‪ ،‬وإال التهديد بإجراء‬
‫يحظ باإلجماع الوطني‪.‬‬‫َ‬ ‫استفتاء عا ّم لم‬
‫مت التوافق الفلسطيني حول صيغة معدلة لوثيقة الوفاق الوطني‪ ،‬ودارت‬ ‫وبعد أن ّ‬
‫عجلة احلوارات الوطنية مسرعة نحو تشكيل حكومة الوحدة الوطنية‪ ،‬ومتخطية العديد‬
‫من املعوقات والعقبات‪ ،‬أعلن الرئيس عباس فجأة ودون مقدمات‪ ،‬عقب لقائه وزيرة‬
‫اخلارجية األمريكية السيدة كوندوليزا رايس في أريحا في ‪ ،2006/11/30‬عن‬
‫وصول احلوار الفلسطيني إلى “طريق مسدود”‪ ،‬ومن ثم أصدرت اللجنة التنفيذية‬
‫ملنظمة التحرير الفلسطينية توصية للرئيس عباس بإجراء انتخابات رئاسية وبرملانية‬
‫مبكرة‪ ،‬كانت مبثابة الشرارة التي آذنت باندالع موجة عارمة من الفوضى واألحداث‪،‬‬
‫التي استهدفت املؤسسات واملرافق العامة‪ ،‬والعديد من الوزراء والنواب املنتمني‬
‫حلركة حماس على النحو التالي‪:‬‬
‫املندسني إلى‬
‫ّ‬ ‫خروج مئات من مسلحي ومنتسبي األجهزة األمنية‪ ،‬وبعض‬
‫املقار الرسمية والعامة واملجلس‬
‫ّ‬ ‫الشوارع يعيثـون فسـاد ًا باالعتداء على‬
‫التشريعي‪ ،‬وإطالق النار بدعوى املطالبة بتوفير الرواتب‪.‬‬
‫إطالق النار على وزير الداخلية سعيد صيام في غزة بتاريخ‬
‫‪.2006/12/10‬‬
‫مهاجمة النائب محمد شهاب النائب عن كتلة التغيير واإلصالح‪ ،‬التابعة‬
‫حلركة حماس أثناء مرور سيارته في جباليا بتاريخ ‪.2006/12/12‬‬
‫مقتل ثالثة أطفال من أبناء العقيد بهاء بعلوشة ومرافقهم أثناء توجههم إلى‬
‫املدرسة بتاريخ ‪ ،2006/12/13‬واتهام حماس باملسؤولية مباشرة عن مقتل‬
‫األطفال‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫إطالق النار على وزير شؤون األسرى واحملررين؛ السيد وصفي قبها في رام‬
‫اللّه بتاريخ ‪.2006/12/13‬‬
‫اغتيال القاضي بسام الفرا بتاريخ ‪ ،2006/12/13‬وهو من أحد الدعاة‬
‫املعروفني بانتمائهم حلركة حماس‪ ،‬على مدخل احملكمة في قرية بني سهيال‬
‫في خانيونس‪.‬‬
‫محاولة اغتيال رئيس الوزراء السيد إسماعيل هنية بتاريخ ‪2006/12/14‬‬
‫أثناء دخوله معبر رفح‪ ،‬بعد عودته من جولة خارجية‪ ،‬أدت إلى استشهاد‬
‫مرافقه الشخصي‪ ،‬وإصابة ابنه‪ ،‬ومستشاره الدكتور أحمد يوسف‪.‬‬
‫وبالنظر إلى تسلسل األحداث وكثافتها‪ ،‬نالحظ مالمح انقالب أو محاولة تصفية‬
‫للحكومة الفلسطينية بالقوة‪ ،‬األمر الذي دفع حركة حماس والقوة التنفيذية إلى التصدي‬
‫لهذه التحركات لوضع ح ّد لهذا االنقالب والفلتان الذي بات يهدد حياة اجلميع‪.‬‬
‫وكان من نتائج هذا التدافع املسلح‪ ،‬والذي أبدت فيه حركة حماس إصرار ًا على‬
‫إنهاء مظاهر التمرد والنيل من مثيري الفتنة‪ ،‬أن انبعثت قناعة لدى الرئيس عباس‬
‫وقيادات األجهزة األمنية أن االنقالب قد فشل‪ ،‬وأن اجلمهور الفلسطيني مستاء من‬
‫األجهزة األمنية وتصرفاتها‪ ،‬خاصة بعد أن أقدم حرس الرئيس عباس على حرق‬
‫مكتبة اجلامعة اإلسالمية‪ ،‬وتدمير العديد من املرافق التعليمية فيها‪ ،‬إضافة إلى‬
‫اعتداء بعض عناصر األمن على مسجد الهداية في منطقة جباليا‪ ،‬وقتل بعض رواده‬
‫دون سبب يذكر سوى التعبير عن بعض احلقد الذي يحرق صدور البعض‪.‬‬
‫هذه األحداث الدموية التي خسر فيها اجلميع‪ ،‬ولّدت قناعة ما‪ ،‬لدى الرئيس‬
‫عباس بأهمية احلوار بد ًال من االقتتال‪ ،‬خاصة بعد أن أدرك الرئيس‪ ،‬بأن االحتالل‬
‫اإلسرائيلي يتعامل معه كأداة أمنية دون أفق سياسي يذكر‪ ،‬وهذا ما ع ّبر عنه لقاء‬
‫عباس ـ أوملرت األول بعد اتفاق مكة‪ ،‬عندما خاطب أوملرت عباس بالقول‪“ :‬لقد‬
‫تف بوعودك”‪.‬‬
‫خنتني”‪ ،‬فأجابه عباس بأنك “خذلتني ولم ِ‬
‫إذن هذه األحداث قادت الطرفني حماس وفتح إلى اتفاق مكة‪ ،‬الذي أسس ملرحلة‬
‫جديدة من العالقة التي متثلت في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية‪.‬‬

‫ما بعد اتفاق مكة‪:‬‬


‫تفاءل الشعب الفلسطيني باتفاق مكة‪ ،‬الذي أكد على حرمة الدم الفلسطيني‬
‫وأوقف االقتتال‪ ،‬وجمع األطراف في حكومة وحدة وطنية‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫لكن هذين اإلجنازين على أهميتهما (وقف االقتتال‪ ،‬وتشكيل حكومة الوحدة)‬
‫لم يكونا كافيني لتثبيت وقف االقتتال فيما بعد‪ ،‬ألنهما لم يستطيعا تغيير القناعة‪،‬‬
‫واملوقف السياسي لدى الرئيس عباس وبطانته‪ ،‬وقيادات األجهزة األمنية‪ ،‬إلخراج‬
‫حركة حماس من احلكم وإفشال أي حكومة تقودها حتى ولو كانت حكومة الوحدة‬
‫الوطنية‪ .‬مبعنى آخر فإن اتفاق مكة لم يكن سوى هدنة مؤقتة في قناعات الرئيس‬
‫عباس وقيادات األجهزة األمنية‪.‬‬
‫يقودنا لهذا االستنتاج مجموعة من القرائن التالية‪:‬‬
‫عدم توقف وسائل اإلعالم الفتحاوية عن مهاجمة حركة حماس‪ ،‬والتشهير‬
‫بها‪ ،‬وإثارة اجلمهور ض ّدها بقطع النظر عن اتفاق مكة‪ ،‬الذي من املفترض‬
‫أن ينهي حمالت التشهير اإلعالمي‪.‬‬
‫مماطلة الرئيس عباس في تعيني وزير الداخلية حيث رفض نـحو ثمانية‬
‫أشخاص رشحتهم حماس‪ ،‬وأخير ًا وافق على اسم هاني القواسمي‪،‬‬
‫وبعد املوافقة فاجأ عباس اجلميع بقرارين مناقضني لروح اتفاق مكة‪،‬‬
‫األول‪ :‬استحداث منصب مدير األمن الداخلي‪ ،‬وتعيني رشيد أبو شباك‬
‫ينص‬
‫ّ‬ ‫في هذا املنصب‪ ،‬على الرغم من أن القانون األساسي الفلسطيني‬
‫على أن وزير الداخلية هو قائد األجهزة األمنية‪ .‬أما القرار الثاني‪ :‬فكان‬
‫إصدار عباس قرار ًا بتعيني محمد دحالن‪ ،‬املتهم الرئيسي باملسؤولية عن‬
‫الفلتان األمني في قطاع غزة‪ ،‬مستشار ًا لألمن القومي‪ ،‬وفي ذلك مخالفة‬
‫للقانون األساسي الذي مينع اجلمع بني الوظيفة العامة والنيابة في املجلس‬
‫التشريعي‪ ،‬حيث أن دحالن ما زال يحتفظ بكال املنصبني مع ًا ولم يقدم‬
‫استقالته من التشريعي‪ .‬وبسبب ذلك فإن وزير الداخلية هاني القواسمي‬
‫وجد نفسه مقيد احلركة ومعزو ًال في وزارته ال يستطيع أن يوجه جهاز ًا أو‬
‫ضابط ًا إال من خالل ومبوافقة السيد رشيد أبو شباك‪ ،‬الذي عينه الرئيس‬
‫عباس في منصب مدير األمن الداخلي‪ ،‬هذا باإلضافة إلى عدم متتع الوزير‬
‫بالصالحيات‪ ،‬في الوقت الذي تقوم فيه بعض األجهزة األمنية بإدخال‬
‫السالح دون علمه‪ .‬كل هذه األسباب وغيرها هي التي دفعت وزير الداخلية‬
‫إلى تقدمي استقالته فيما بعد‪.‬‬
‫حني جرى التفاهم بني الرئيس عباس ورئيس الوزراء هنية في بداية أيار‪/‬‬

‫‪248‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مايو ‪ ،2007‬على تخفيف احلصار الذي تفرضه قيادات األمن الفتحاوية‬


‫على وزير الداخلية‪ ،‬وعد الرئيس عباس بالنظر في موقع رشيد أبو شباك‬
‫وصالحياته‪ ،‬باإلضافة على املوافقة على إبعاد مدير الشرطة العميد عالء‬
‫حسني على أن يشغل مكانه محافظ نابلس كمال الشيخ‪ ،‬ولكن أبا مازن‬
‫ماطل في إنفاذ االتفاق ولم يحدث أي تغيير‪.‬‬
‫مت االتفاق على تشكيل قيادة‬ ‫أثناء اجتماع عباس وهنية في ‪ّ ،2007/5/9‬‬
‫مشتركة بإمرة وزير الداخلية‪ ،‬ومبشاركة القوة التنفيذية وحرس الرئاسة؛‬
‫لتنفيذ اخلطة األمنية التي قدمها وزير الداخلية القواسمي‪ ،‬ولكن بعد‬
‫انفضاض املجتمعني فوجئ اجلميع بانتشار كثيف للشرطة وقوات األمن‬
‫الوطني في شوارع غزة‪ ،‬بأمر من مدير األمن الداخلي السيد رشيد أبو‬
‫شباك‪ ،‬دون علم لوزير الداخلية أو رئيس الوزراء األمر الذي ُع َّد إشارة‬
‫سيئة تهدف إلى خلط األوراق وإعاقة للخطة األمنية الرامية لضبط الوضع‬
‫األمني‪.‬‬
‫وفي يوم اجلمعة املوافق ‪ ،2007/5/11‬رفض رشيد أبو شباك إنفاذ األوامر‬
‫املوجهة من وزير الداخلية القواسمي إلى ضباط في األجهزة األمنية؛ للبدء في تنفيذ‬
‫ما اتفق عليه في اخلطة األمنية التي القت موافقة اجلميع مبن فيهم الرئيس عباس‪.‬‬
‫وقد حدث ذلك التمرد على األوامر من رشيد أبو شباك مبوازاة إعطائه أوامر أخرى‬
‫مت إطالق النار على‬ ‫لبعض الضباط املوالني له بالتصعيد وإشعال نار الفتنة‪ ،‬حيث ّ‬
‫السيارة التي ت ُِق ّل القيادي في حماس السيد خليل احلية‪ ،‬والذي كان برفقة أحد‬
‫ضباط الفريق األمني املصري املتواجد في غزة‪ ،‬والذي أصيب في يده جراء إطالق‬
‫مقر اجلوازات‪ ،‬األمر الذي أدى إلى االصطدام وعودة موجة‬ ‫النار الكثيف بالقرب من ّ‬
‫املواجهات الدموية من جديد‪.‬‬
‫دل على أن هناك نية مبيتة إلفشال اتفاق مكة‪ ،‬وإلفشال محاوالت ضبط‬ ‫ذلك ّ‬
‫األمن‪ ،‬واإلبقاء على حالة الفلتان األمني في الشارع‪ ،‬خدمة للفئة حتيط بالرئيس‬
‫عباس‪ ،‬وخدمة ملجموعات املصالح السياسية واألمنية التي ترى في االستقرار تهديد ًا‬
‫ملستقبلها‪ ،‬وملستقبل برنامجها املرتبط بقوى خارجية ترفض إفرازات صناديق‬
‫االقتراع‪ ،‬التي جلبت برنامج املقاومة إلى الصدارة‪ ،‬عبر آلية دميوقراطية نزيهة‬
‫مارسها الشعب الفلسطيني‪ ،‬وشهد لها العدو قبل الصديق‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أسباب الفلتان والفوضى األمنية‪:‬‬


‫عند النظر في أسباب الفلتان األمني‪ ،‬وأسباب تصاعد وتيرته في السنة األخيرة‪،‬‬
‫جند أنه يعود إلى عدة عوامل سياسية‪ ،‬وبنيوية‪ ،‬واجتماعية‪ ..‬على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ .1‬وجود مجموعات مصالح فلسطينية معنية بإثارة الفتنة‪:‬‬


‫وجود مجموعات سياسية وأمنية فتحاوية مستفيدة ومتنفذة حتيط بالرئيس عباس‪،‬‬
‫ترض عن نتائج االنتخابات‪ ،‬مما دفعها‬ ‫َ‬ ‫وأخرى تقود األجهزة األمنية‪ ،‬لم َيرِ ق لها‪ ،‬ولم‬
‫ملواجهة الواقع اجلديد بأدوات غير دميوقراطية (أداة الفلتان األمني واالضطراب‬
‫الداخلي)‪ ،‬سعي ًا إلعادة عقارب الساعة إلى الوراء‪ ،‬يساعدها في ذلك حجم النفوذ‬
‫الذي تتمتع به هذه املجموعات‪ ،‬وحجم الدعم السياسي واملادي الذي تتلقاه من جهات‬
‫خارجية‪ ،‬تلتقي معها على الهدف نفسه‪ .‬فمن املعلوم أن هناك عدد ًا كبير ًا من الضباط‬
‫واملسؤولني السياسيني ‪ -‬ال يتيح املقام لذكرهم ‪ -‬ضالعون في ملفات الفساد اإلداري‬
‫واملالي‪ ،..‬وقد استغلوا مواقعهم في التغطية على ممارساتهم ومخالفاتهم القانونية‬
‫واألخالقية‪ ،‬وبالتالي فوز حركة حماس في االنتخابات على قاعدة برنامج املقاومة‪،‬‬
‫وشعار التغيير واإلصالح‪ ،‬أثار اخلوف لدى تلك املجموعات التي ترى في مشروع‬
‫حماس السياسي واإلصالحي‪ ،‬سبب ًا إلغالق أبواب الفساد املشرعة أبوابها‪ ،‬هذا إن‬
‫لم يتعرضوا ملالحقة القضاء واحملاسبة القانونية‪.‬‬
‫ال عن بعض‬ ‫ونشير هنا إلى ما أوردته صحيفة احلقائق اللندنية ‪ ،2006/5/27‬نق ً‬
‫الكوادر الفتحاوية في املكاتب املهنية احلركية في الضفة الغربية بقولها‪:‬‬
‫“إن هناك قادة في احلركة [فتح]‪ ،‬من أعضاء اللجنة املركزية يسعون بشتى‬
‫الوسائل إلفشال حركة حماس‪ ،‬وإسقاطها متهيد ًا لعودتهم لس ّدة احلكم؛ خوف ًا من‬
‫فتح حكومة حماس بعض ملفات الفساد وكشف املتورطني فيها‪ ،‬إلى جانب العودة‬
‫إلى فرض سيطرتهم على السلطة ومكتسباتها من جديد‪.”...‬‬
‫ومن هنا فإن أداة الفلتان األمني تستعمل من قبل هذه املجموعات لالحتفاظ‬
‫مبواقعها وامتيازاتها‪ ،‬من خالل إشغال احلكومة عن فتح ملفات الفساد‪ ،‬هذا من‬
‫جانب ومن جانب آخر فإن أداة الفلتان األمني وسيلة إلفشال جتربة حماس اإلسالمية‬
‫بفض اجلمهور عنها‪ ،‬بعد تشويهها واتهامها بأنها عاجزة عن توفير األمن الفردي‬ ‫ّ‬
‫جرها إلى شرك‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬واالدعاء بأنها ضالعة في تهديد األمن بعد النجاح في ّ‬
‫االقتتال الداخلي‪ ،‬وهي احلركة التي اكتسبت شعبيتها بطهر سالحها املقاوم‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وفي هذا السياق نشير إلى موقف النائب محمد دحالن ‪ -‬الذي تتهمه حماس‪،‬‬
‫وقطاع عريض من الفلسطينيني باملسؤولية عن إثارة الفوضى والفتنة الداخلية ‪ -‬عقب‬
‫فوز حماس في االنتخابات‪ ،‬عندما قال بحضور عدد من الصحفيني في غزة‪“ :‬أنا قاعد‬
‫لهم ألربع سنوات وسأرقصهم خمسة بلدي‪ ...‬وحيات أبوكو إلّي بيشارك في حكومة‬
‫حماس سألعن سلسفيل أهله‪ ”...‬وفي تعليقه على مسألة املشاركة في حكومة وحدة‬
‫وطنية مع حماس قال‪ ،‬حسبما نقلت عنه صحيفة احلياة ‪“ :2006/1/30‬من العار‬
‫على حركة فتح املشاركة في حكومة وحدة ائتالفية مع حركة حماس”‪ .‬وفي معرض‬
‫تعليقه على محاولة اغتيال رئيس الوزراء هنية بتاريخ ‪ 2006/12/14‬قال دحالن‬
‫لتلفزيون فلسطني‪ ،‬عقب اتهامه باملسؤولية عن محاولة االغتيال‪ :‬إن هذه احملاولة‬
‫“شرف ال أدعيه”‪ .‬وفي تعليق لرئيس الدائرة السياسية لـ م‪.‬ت‪.‬ف السيد فاروق‬
‫القدومي ‪ ،2006/12/16‬فقد صرح عبر قناة اجلزيرة الفضائية على مجرى األحداث‬
‫بالقول‪“ :‬هناك عمالء لديهم مصلحة في تصعيد اخلالفات في الساحة الفلسطينية”‪.‬‬

‫‪ .2‬تدخل جهات خارجية لتأجيج االختالف السياسي واالضطراب األمني‪:‬‬


‫هناك جهات خارجية‪ ،‬خاصة واشنطن وتل أبيب‪ ،‬تسعى بشكل حثيث لتأجيج نار‬
‫الفتنة الداخلية بتحريضها‪ ،‬ودعمها طرف ًا على طرف‪ .‬فقد تواترت املعلومات واملواقف‬
‫املعلنة عن دعم واشنطن وتل أبيب للرئيس عباس واألجهزة األمنية التابعة له‪ ،‬حتى‬
‫يتسنى له التصدى حلركة حماس وإضعافها‪ ،‬فقد أعلنت وزيرة اخلارجية األمريكية‬
‫كوندوليزا رايس في مساء اجلمعة املوافق ‪ 2006/12/15‬عن عزمها توفير الدعم‬
‫املالي الكبير حلرس الرئاسة الفلسطيني؛ مؤكدة أنها ستطلب ماليني الدوالرات من‬
‫الكوجنرس األمريكي لدعم حرس عباس‪ ،‬مرجحة أنها ستجد دعم ًا من الكوجنرس‬
‫لهذه اخلطوة‪.80‬‬
‫وفي وقت الحق‪ ،‬صرح السيد شون ماكورماك الناطق باسم اخلارجية األمريكية‪:‬‬
‫“الكوجنرس وافق على حتويل ‪ 59‬مليون دوالر لألجهزة األمنية الفلسطينية التابعة‬
‫للرئيس عباس”‪.81‬‬
‫وفي تصريح للسيد أليستر كروك ‪ ،Alastair Crooke‬املندوب األمني السابق‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 80‬جاء هذا املوقف في ذروة التصعيد واالقتتال بني حركتي فتح وحماس الذي وقع قبل اتفاق مكة‪.‬‬
‫‪ 81‬جريدة القدس العربي‪ ،‬لندن‪.2007/4/12 ،‬‬

‫‪251‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫لالحتاد األوروبي في القدس‪ ،‬قال‪“ :‬هناك وثيقة أمريكية أع ّدها مساعد مستشار األمن‬
‫القومي األمريكي السيد أبرامز إليوت؛ إلشعال احلرب بني حماس وفتح‪ ،‬ولتقوم فتح‬
‫باالنقالب على حماس”‪.82‬‬
‫هذا وكانت وسائل إعالم متعددة قد نشرت أن الواليات املتحدة ستدعم الرئيس‬
‫عباس بنحو ‪ 86‬مليون دوالر ألغراض أمنية‪ ،‬فقد أوضحت وثائق نشرتها وكالة‬
‫رويترز في شباط‪ /‬فبراير ‪:2007‬‬
‫أن برنامج املساعدات الذي تبلغ قيمته ‪ 86.4‬مليون دوالر سيوجه لتدريب‬
‫‪ 13,500‬فرد‪ ،...‬ومبوجب البرنامج األمريكي سيخصص مبلغ ‪ 35.5‬مليون‬
‫دوالر لتقدمي معدات ملكافحة الشغب‪ ،‬ومعدات اتصال لنحو ‪ 8,500‬فرد من‬
‫قوات األمن الوطني التابعة مباشرة للرئيس عباس‪ ،‬فيما يخصص مبلغ ‪15‬‬
‫مليون دوالر إلنشاء وحدة جديدة من قوات األمن الوطني تقدر بنحو ‪668‬‬
‫فرد ًا‪ ،‬وسيخصص أيض ًا ‪ 25.9‬مليون دوالر لتقدمي معدات غير قتالية حلرس‬
‫الرئاسة التابع لعباس‪ ،‬والذي يتوقع أن يزداد قوامه إلى ‪ 4,700‬فرد ًا‪.‬‬
‫وأكدت الوثائق أن “هذه املشروعات يت ّم تطويرها بالتعاون مع مكتب رئيس السلطة‬
‫الفلسطينية كما أنها حتظى بتأييد احلكومة اإلسرائيلية”‪.‬‬
‫وفي أحدث ما نشر بهذا الصدد‪ ،‬نشير إلى الوثيقة التي ُمنعت صحيفة املجد‬
‫األردنية من نشرها بأمر من السلطات األردنية في ‪ 2007/4/30‬والتي تتحدث عن‬
‫خطة عربية أمريكية؛ إلشعال حرب أهلية فلسطينية بهدف إضعاف وتهميش دور‬
‫احلكومة الفلسطينية وحركة حماس في الساحة الفلسطينية‪ ،‬مقابل تقوية مراكز‬
‫ونفوذ الرئاسة الفلسطينية وحركة فتح‪ ،‬فيما يصار بعد ذلك إلجراء انتخابات تشريعية‬
‫مبكرة تضمن الفوز حلركة فتح والرئاسة الفلسطينية‪.‬‬
‫وفي شهادة للسيد هاني احلسن عضو اللجنة املركزية حلركة فتح أثناء اجتماع‬
‫للجنة املركزية بتاريخ ‪ ،2007/5/27‬قال‪“ :‬إن اخلوف هو من األموال األمريكية التي‬
‫تدفع إلى بعض (عليت) فتح” (مستخدم ًا كلمة عبرية “عليت” وهي تعني القادة أو‬
‫رفيعي املستوى)‪.83‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ 82‬جريدة السبيل‪ ،‬األردن‪ ،2007/1/30 ،‬نق ً‬
‫ال عن قناة اجلزيرة الفضائية‪.‬‬
‫‪ 83‬موقع أخبارنا اإللكتروني؛ وجريدة احلقائق‪ ،‬لندن‪.2007/5/27 ،‬‬

‫‪252‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .3‬الوالء السياسي لألجهزة األمنية‪:‬‬


‫لقد ُأنشئت األجهزة األمنية الفلسطينية منذ البدء‪ ،‬وفي عهد الرئيس الراحل أبو‬
‫عمار‪ ،‬على الوالء املطلق له وحلركة فتح‪ ،‬ولذلك كان التوظيف والتنسيب لهذه األجهزة‬
‫يت ّم عبر الفرز السياسي‪ .‬ففي مقابلة مع السيد هاني احلسن عضو اللجنة املركزية‬
‫حلركة فتح‪ ،‬عبر قناة اجلزيرة الفضائية‪ ،‬وفي برنامج بال حدود بتاريخ ‪،2007/1/9‬‬
‫فقد أ ّكد احلسن أن “‪ % 95‬من تشكيل السلطة املاضي كان فتحاوي ًا”‪.‬‬
‫ال في املؤسسة األمنية التي أضحت متثل تيار ًا سياسي ًا‪،‬‬ ‫وهذا بدوره أحدث خل ً‬
‫وتعبر عن مصالح حزبية ضيقة‪ ،‬وتسبب في مترد العديد من الضباط على تعليمات‬
‫وقرارات وزارة الداخلية بقيادة سعيد صيام‪ ،‬ومن ثم الوزير هاني القواسمي الذي ال‬
‫ينتمي ألي حزب سياسي‪ .‬أضف إلى ذلك أن األجهزة األمنية يتنازعها محاور داخلية‬
‫حتاول كل منها السيطرة‪ ،‬فلمعت أسماء وأضحت أشهر من أي شخصية سياسية‬
‫عامة كالسيد محمد دحالن رئيس جهاز األمن الوقائي سابق ًا‪ ،‬والسيد رشيد أبو‬
‫شباك مدير األمن الداخلي‪ ،‬والسيد عالء حسني مدير الشرطة‪ ...‬إلخ‪ ،‬وأصبح لهؤالء‬
‫القول الفصل في العديد من القضايا األمنية والسياسية على ح ًّد سواء‪ ،‬وهذا ما جعل‬
‫محط اهتمام لقوى خارجية مثل تل أبيب‪ ،‬وواشنطن‪ ،‬وبروكسل‪ ،‬وحتى‬ ‫ّ‬ ‫تلك األجهزة‬
‫بعض العواصم العربية كالقاهرة‪ ،‬وعمان‪.‬‬

‫‪ .4‬استمرار احلصار االقتصادي‪:‬‬


‫كان للحصار االقتصادي املضروب على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع‬
‫أثر كبير في توتير األجواء األمنية الداخلية؛ فالعوز والفقر دفع ببعض ضعاف النفوس‬
‫إلى السرقة‪ ،‬والسطو املسلح‪ ،‬واقتراف جرائم قتل أحيان ًا‪ ،‬مما عزز ثقافة الثأر‬
‫ظل غياب أو ضعف القضاء‪ .‬هذا باإلضافة إلى أن بعض‬ ‫العائلي واالجتماعي في ّ‬
‫املجموعات الصغيرة املسلحة‪ ،‬انحرفت بوصلتها وأصبحت تعمل أحيان ًا لصالح بعض‬
‫ظل انتشار الفوضى والفقر‪،‬‬ ‫العائالت‪ ،‬أو بعض األطراف‪ ،‬أو لصالح جنيها املال في ّ‬
‫وذلك كما حدث مع مجموعة ممتاز دغمش (جيش اإلسالم) التي اختطفت الصحافي‬
‫البريطاني آلن جونستون وتطالب بفدية تقدر مباليني الدوالرات‪ .‬األكثر من ذلك‪،‬‬
‫أن هذا احلصار و ّفر الذريعة ملجموعات املصالح واملتنفذين لرفع أصواتهم‪ ،‬واتهام‬
‫ومهاجمة احلكومة خدمة ألغراض سياسية‪ ،‬إلى درجة التمرد‪ ،‬ودفع بعض مسلحي‬
‫األجهزة األمنية إلثارة الفوضى والفتنة بحجة املطالبة بالرواتب‪ ،‬األمر الذي مهد‬
‫إلثارة الفتنة الداخلية‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .5‬ضعف شخص الرئيس الفلسطيني محمود عباس‪:‬‬


‫كان ضعف شخصية الرئيس عباس سبب ًا غير مباشر في استقواء ومترد بعض‬
‫مسؤولي وضباط األجهزة األمنية على األوامر العليا‪ ،‬وحتفيزهم على لعب أدوار‬
‫مشبوهة؛ فقد ذكرنا سابق ًا االتفاق بني عباس ‪ -‬هنية في أيار‪ /‬مايو ‪ 2007‬على عزل‬
‫قائد الشرطة عالء حسني استبداله مبحافظ نابلس السيد كمال الشيخ‪ ،‬وعدم التزام‬
‫عالء حسني بالقرار وبقائه في منصبه على أعني القوم‪ .‬أضف إلى ذلك أن الرئيس‬
‫عباس نفسه جلأ إلى االستقواء ببعض مسؤولي األجهزة األمنية ذوي النفوذ القوي‪،‬‬
‫كتعيينه للسيد رشيد أبو شباك مدير ًا لألمن الداخلي‪ ،‬وتعيينه للنائب محمد دحالن‬
‫مستشار ًا لألمن القومي‪ ،‬وإشراكه في العديد من املهام السياسية األمر الذي أثار‬
‫حفيظة واستنكار العديد من أعضاء اللجنة املركزية حلركة فتح‪ ،‬ورفضهم لسياسة‬
‫عباس التي تعطي دحالن أكثر مما يستحق‪.‬‬

‫‪ .6‬إنشاء القوة التنفيذية‪:‬‬


‫بسبب مترد ضباط األجهزة األمنية على أوامر وتعليمات وزير الداخلية السابق‬
‫سعيد صيام‪ ،‬ومن ثم مشاركة املئات من منتسبي األجهزة األمنية في الفلتان‬
‫األمني بأوامر وتوجيهات من بعض املسؤولني‪ ،‬اضطر الوزير صيام إلى استحداث‬
‫وحدة جديدة من كافة فصائل املقاومة (القوة التنفيذية)؛ ملساعدة جهاز الشرطة في‬
‫ضبط األمن‪ ،‬وتنفيذ القوانني املرعية‪ .‬لكن هذه اخلطة ووجهت بالرفض من الرئيس‬
‫عباس‪ ،‬ومسؤولي حركة فتح‪ ،‬واألجهزة األمنية‪ ،‬إذ ع ّدوها التفاف ًا على األجهزة‬
‫األمنية القائمة‪ ،‬فأصدر الرئيس عباس مرسوم ًا في ‪ 2006/4/21‬يلغي فيه قرار‬
‫وزير الداخلية الصادر في ‪ 2006/4/20‬القاضي بتشكيل القوة التنفيذية واملوافق‬
‫عليه من احلكومة‪ ،‬وبالتالي نشأت أزمة جديدة بني الرئاسة واحلكومة وجدل حول‬
‫الصالحيات بني الطرفني‪.‬‬
‫هذا الواقع بدأت تستغله مجموعات املصالح باجتاهني‪ ،‬األول‪ :‬تصعيد حجم‬
‫الفوضى واالعتداءات على املؤسسات العامة واخلاصة‪ ،‬وصو ًال إلى التصادم مع‬
‫عناصر القوة التنفيذية‪ ،‬واتهامها باالعتداء على عناصر األجهزة األمنية األخرى‪،‬‬
‫وحتميلها املسؤولية عن الفوضى عبر وسائل اإلعالم اخلاصة والرسمية‪ ،‬التي تسيطر‬
‫عليها حركة فتح‪ ،‬بهدف تشويهها والضغط على احلكومة للتراجع عن قرارها بتشكيل‬
‫تلك القوة‪ .‬االجتاه الثاني‪ :‬حتريض الرئاسة الفلسطينية على القوة التنفيذية‪ ،‬وتصويرها‬

‫‪254‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫على أنها خطوة ض ّد الرئيس ولسحب البساط من حتت أقدامه بصفته رئيس ًا ملجلس‬
‫األمن القومي‪ .‬وقد بلغ مستوى التحريض والهجوم على القوة التنفيذية بأن طالب‬
‫نائب رئيس الوزراء ورئيس كتلة حركة فتح في املجلس التشريعي النائب عزام األحمد‬
‫ّ‬
‫“بحل القوة التنفيذية بسبب‬ ‫أثناء الصدامات األخيرة بغزة في أيار‪ /‬مايو ‪2007‬‬
‫انتهاكها ألوامر أصدرها الرئيس عباس”‪ ،‬في الوقت الذي تعرض فيه خمسة من‬
‫القوة التنفيذية لإلعدام على أيد قوات الـ ‪ 17‬التابعة للرئاسة‪ ،‬وتعرض فيه موقع تابع‬
‫للتنفيذية في رفح بتاريخ ‪ 2007/5/18‬للقصف من طائرات حربية إسرائيلية أودت‬
‫بحياة ‪ 15‬شهيد ًا من التنفيذية وإصابة العشرات‪.‬‬

‫‪ .7‬املوقف الرمادي للفصائل الفلسطينية‪:‬‬


‫مشخصة من قبل املراقبني‪ ،‬وأضحى معلوم ٌة‬
‫ّ‬ ‫مع أن الفلتان األمني أصبح ظاهرة‬
‫أسبابه وأهدافه‪ ،‬ومعلوم من يقف وراءه إال أن الفصائل الفلسطينية بشكل عام‬
‫اتخذت موقف ًا بني املتفرج أو الوسيط أو الشامت أحيان ًا‪ ،‬رغم أن لظاهرة الفلتان‬
‫األمني انعكاسات كارثية على اجلميع‪ ،‬وعلى الشعب الفلسطيني بوجه اخلصوص‪.‬‬
‫هذا املوقف الرمادي للفصائل شجع مجموعات املصالح على املزيد من البغي‪،‬‬
‫أضر بجميع األطراف وفي‬ ‫ّ‬ ‫واقتراف احلماقات واملضي قدم ًا مبخططاتهم‪ ،‬مما‬
‫مقدمتهم الشعب الفلسطيني‪ ،‬الذي يستحق موقف ًا أكثر شجاعة من هذه الفصائل‪،‬‬
‫حلل اإلشكال‪ ،‬ولكن عندما يتمادى طرف في غيه‪،‬‬ ‫التي كان من واجبها أن تتوسط ّ‬
‫كان عليها أن تقف موقف ًا وطني ًا في كشف احلقيقة أمام اجلمهور‪ ،‬وحتميل املسؤولية‬
‫ملن يستحق دون خوف أو تردد‪.‬‬

‫خالصة وتقييم‪:‬‬
‫الفلتان األمني ظاهرة سابقة على فوز حركة حماس في االنتخابات التشريعية‪،‬‬
‫وهي ناجتة عن أسباب بنيوية تتعلق بتركيبة األجهزة األمنية‪ ،‬وارتباطها مبجموعات‬
‫مصالح أمنية وسياسية مرتبطة بأجندات خارجية‪.‬‬
‫أما االزدياد في مستوى التأزم والتعقيد في امللف األمني إثر فوز حركة حماس في‬
‫االنتخابات وتشكيلها احلكومة‪ ،‬فهو ناجت عن التحريض الرامي إلثارة الفتنة الداخلية‪،‬‬
‫شل عمل وزارة الداخلية وتشويهه‪ ،‬ومن ثم شل عمل احلكومة الفلسطينية‬ ‫بغية ّ‬
‫وإفشالها؛ فامللف األمني هو جزء من منظومة معوقات وأزمات تواجهها احلكومة‬

‫‪255‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الفلسطينية‪ ،‬وبالتوازي مع امللف األمني هناك حصار سياسي للوزراء الذين ينتمون‬
‫أو ترشحهم حركة حماس‪ ،‬باإلضافة إلى احلصار االقتصادي املستمر منذ أكثر من‬
‫‪ 15‬شهر ًا‪.‬‬
‫وميكن القول إن امللف األمني هو ملف مس ّيس داخلي ًا وخارجي ًا‪ ،‬وهو يتحرك‬
‫بأجندة مشتركة بني مجموعات مصالح فلسطينية سياسية وأمنية‪ ،‬وأطراف ًا عربية‪،‬‬
‫وأخرى دولية اجتمعت على هدف إسقاط احلكومة الفلسطينية‪ ،‬وتغيير قناعات الشعب‬
‫الفلسطيني‪ ،‬التي عبر عنها دميوقراطي ًا عبر صناديق االقتراع باختياره لبرنامج‬
‫املقاومة‪.‬‬
‫أما تقييم جتربة حماس كحكومة في إدارتها للملف األمني الداخلي‪ ،‬فهي مسألة‬
‫معقدة‪ ،‬ألن التقييم بحاجة إلى معايير علمية تتعلق باإلدارة‪ ،‬واإلمكانات املادية‪،‬‬
‫والعنصر البشري‪ ،‬والزمن‪ ،‬والسياسات العامة‪ ...‬إلخ‪ ،‬ومن العسير إسقاط تلك‬
‫املعايير على احلالة الفلسطينية؛ ألنها حالة استثنائية غير مستقرة لعدة أسباب‬
‫أهمها‪:‬‬
‫أن الشعب الفلسطيني يعيش حتت االحتالل‪.‬‬
‫أن هناك تدخالت خارجية مباشرة مؤثرة مادي ًا وسياسي ًا‪.‬‬
‫أن املشهد في فلسطني ميثل فسيفساء فصائلية‪ ،‬وبرامج سياسية متقاربة‬
‫أحيان ًا ومتعارضة أحيان ًا أخرى‪ ،‬باإلضافة إلى املوروث االجتماعي املتأثر‬
‫بعوامل ضغط االحتالل عبر عشرات السنني‪.‬‬
‫لكن ذلك ال يحول دون النظر والتقييم “السياسي” ألداء احلكومة الفلسطينية التي‬
‫شكلتها حركة حماس‪ ،‬وفي هذا الصدد ميكننا رصد مجموعة من املالحظات والقرائن‬
‫املتعلقة بسلوك احلركة واحلكومة‪ ،‬التي أثرت سلب ًا على امللف األمني الداخلي على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫‪ .1‬حركة حماس وحكومتها تعاملتا في البدء مع تعقيدات امللف األمني الداخلي‪،‬‬
‫وخاصة املؤسسة األمنية بشيء من التبسيط السياسي أو حسن النية إن‬
‫صح التعبير‪ ،‬وهذا عائد إلى حداثة التجربة في السلطة‪ ،‬وعدم الدراية‬ ‫ّ‬
‫بخفايا املؤسسة األمنية‪ ،‬األمر الذي أغرى وساعد العديد من األطراف‬
‫حلفر املزيد من املعوقات أمام وزير الداخلية اجلديد‪.‬‬
‫‪ .2‬إن وزارة الداخلية واحلكومة الفلسطينية لم تكن حاسمة في فتح ملفات‬

‫‪256‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الفساد‪ ،‬ومحاسبة املسؤولني عنها أمام القضاء واملجلس التشريعي‪ ،‬وهذا‬


‫أعطى زمام املبادرة ملجموعات املصالح بالتصدي للحكومة‪ ،‬وإثارة األزمات‬
‫الواحدة تلو األخرى في وجهها‪.‬‬
‫‪ .3‬األمر اآلخر واألهم أن حركة حماس ُج ّرت‪ ،‬وإن باإلكراه‪ ،‬إلى شرك االقتتال‬
‫الداخلي‪ ،‬وهذا ما سعى إليه الطرف اآلخر املسؤول عن الفوضى والفلتان‬
‫األمني‪ ،‬حيث أصبحت احلركة واحلكومة جزء ًا من الظاهرة واملشكلة وإن‬
‫بقراءة سطحية لألزمة العميقة‪.‬‬
‫‪ .4‬توقفت حركة حماس عن الفعل العسكري املقاوم ض ّد االحتالل اإلسرائيلي‬
‫منذ اتفاق القاهرة في آذار‪ /‬مارس ‪ 2005‬حتى اآلن (متوز‪ /‬يوليو ‪،)2007‬‬
‫عرض مصداقية‬ ‫في الوقت الذي دخلت فيه االقتتال الداخلي‪ ،‬األمر الذي ّ‬
‫احلركة للخدش‪ ،‬والتشوه في نظر قطاع من اجلمهور الفلسطيني‪ ،‬وهذا‬
‫كان له دور سيكولوجي مؤثر في إدارة امللف األمني‪ ،‬حيث أصبح التفسير‬
‫الشائع؛ أن حماس وحكومتها تقاتل من أجل املصالح احلزبية‪ ،‬وليس‬
‫من أجل أمن املواطن وحترير األرض من االحتالل‪ .‬وهذا هو السبب‬
‫الرئيس الذي دفع االحتالل اإلسرائيلي لعدم الر ّد في كثير من األحيان على‬
‫الصواريخ الفلسطينية التي سقطت على املستوطنات احملاذية لغزة‪ ،‬وذلك‬
‫حتى يستمر االقتتال الداخلي وال يتوحد الفلسطينيون على عدو خارجي‪.‬‬
‫اآلن يقف الفلسطينيون بخوف وحذر مما قد يحمله املستقبل القريب‪ ،‬بعد أن‬
‫انتُهكت حرمة اتفاق مكة‪ ،‬الذي شقّ اسمه من قداسة املكان وحرمته‪.‬‬
‫واآلن تتداعى األطراف الفلسطينية‪ ،‬وتتوسط بعض األطراف العربية كمصر علّها‬
‫تنجح في ل ّم الشمل الوطني لإلخوة في حركتي فتح وحماس‪ ،‬فهل تنجح تلك املساعي؟‬
‫وهل تتغلب احلكمة ولغة العقل على صوت السالح؟‪.‬‬
‫من خالل تتبع مسيرة األحداث‪ ،‬ومن خالل رصد مواقف األطراف املعنية فلسطيني ًا‪،‬‬
‫وعربي ًا‪ ،‬ودولي ًا نخلص إلى أن املستقبل املنظور يحمل نذر ًا وتصورات سلبية لواقع‬
‫األمن الداخلي الفلسطيني ولعموم القضية‪ ،‬وليس من املستبعد أن تشهد قادم األيام‬
‫صدامات أكثر عنف ًا ودموية‪ ،‬ألن هناك أطراف ًا فلسطينية وبالتحديد في حركة فتح‬
‫(مسؤولني سياسيني وأمنيني) ما زالت تراهن على إسقاط احلكومة الفلسطينية‪،‬‬
‫وإقصاء حركة حماس عن احلكم ولو بالقوة املسلحة‪ ،‬في الوقت الذي يلقى فيه هؤالء‬

‫‪257‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تصر‬
‫ّ‬ ‫دعم ًا سياسي ًا‪ ،‬ومادي ًا‪ ،‬وعسكري ًا من أطراف خارجية عربية وغربية‪ ،‬ما زالت‬
‫على استمرار احلصار السياسي واالقتصادي إلنهاء التجربة السياسية اإلسالمية‬
‫في فلسطني‪.‬‬
‫في اخلتام يبقى القول إنه ليس ذنب حماس أنها فازت في االنتخابات التشريعية‪،‬‬
‫وليس ذنبها أنها ورثت حالة أمنية سيئة وأجهزة أمنية مس ّيسة تعاني من الفساد‪،‬‬
‫ولكن ذنبها أنها حتولت أو أصبحت “حكومة” فلسطينية مسؤولة حتت االحتالل‪ ،‬وهذا‬
‫يقودنا إلى أن مشروع السلطة الفلسطينية باملواصفات التي هي عليه مسألة فيها‬
‫نظر‪ ،...‬ويقودنا أيض ًا إلى أن النجاح في اجلمع بني املقاومة والسلطة حتت االحتالل‬
‫مسألة فيها نظر أيض ًا‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫جتربة حما�س يف ّ‬
‫فك احل�صار‬
‫وائل سعد‬
‫‪84‬‬

‫أو ًال‪ :‬احلصار‪:‬‬


‫تعرضت حركة حماس بعد فوزها في االنتخابات التشريعية‪ ،‬وتشكيلها احلكومة‬
‫حلصار سياسي واقتصادي شديد‪ ،‬هدف إلى إفشال جتربتها األولى في‬ ‫ٍ‬ ‫العاشرة‬
‫احلكم‪ .‬وعلى خالف ما كانت تتوقع حركة حماس فقد شاركت أطراف عربية وفلسطينية‬
‫في حصار احلكومة‪ ،‬إلى جانب احلصار االسرائيلي والدولي‪.‬‬

‫على الصعيد الفلسطيني‪:‬‬


‫ظهرت بوادر احلصار الفلسطيني الداخلي‪ ،‬من خالل مجموعة من اإلجراءات التي‬
‫اتخذتها الرئاسة الفلسطينية وحركة فتح‪ ،‬استهدفت في مجملها إضعاف حماس‪،‬‬
‫ووضع العراقيل في وجهها‪ ،‬وإزالة الشروط املوضوعية املتاحة إلجناح عمل حكومتها‪.‬‬
‫وقد ظهرت البوادر األولى لذلك عند رفض فتح املشاركة في حكومة وحدة وطنية مع‬
‫ال شرعي ًا وحيد ًا للشعب‬ ‫حماس‪ ،‬ما لم تعترف حماس مبنظمة التحرير الفلسطينية ممث ً‬
‫الفلسطيني‪ ،‬وما لم تلتزم بقرارات الشرعية الدولية وباملبادرة العربية‪ ،‬وباالتفاقيات‬
‫ال بـ “إسرائيل”‪ .‬وكان هذا يعني‬ ‫املوقعة بني السلطة و“إسرائيل”‪ ،‬التي تعترف أص ً‬
‫خطها السياسي‪ ،‬وتتجاوب مع أحد الشروط‬ ‫من الناحية العملية أن تتنازل حماس عن ّ‬
‫الدولية التي وضعتها الرباعية و“إسرائيل”‪ ،‬وهو ما لم يكن ممكن ًا‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تبنت الرئاسة الفلسطينية وفتح إجراءات نزع صالحيات‬
‫احلكومة الفلسطينية‪ ،‬فقد قام املجلس التشريعي‪ ،‬املنتهية واليته‪ ،‬واملسيطر عليه‬
‫من ِق َبل فتح بعقد جلسة صادق فيها على مراسيم رئاسية وتعديالت متنح الرئيس‬
‫عباس حقّ تعيني رئيس وقضاة احملكمة الدستورية‪ ،‬وتعيني رئيس ديوان املوظفني‪،85‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 84‬باحث في مركز الزيتونة للدراسات واالستشارات‪ ،‬بيروت‪.‬‬


‫‪ 85‬احلياة‪.2006/2/14 ،‬‬

‫‪259‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وغيرها من الصالحيات التي اتخذت بطريقة كيدية من مجلس كان يقوم بجلسة‬
‫وداعية‪ ،‬بعد انتخاب املجلس اجلديد‪ ،‬وكان لديه قبل ذلك فرصة عشر سنوات‬
‫كاملة التخاذ ما يشاء من قرارات‪ .‬كما قام الرئيس عباس بنقل مهمة الشؤون‬
‫اخلارجية من وزارة اخلارجية‪ ،‬التابعة للسلطة الفلسطينية‪ ،‬إلى الدائرة السياسية‬
‫في منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬بعد أن كان هو نفسه قد سلمها للخارجية قبل‬
‫ذلك بحوالي ثالثة أشهر‪ ،‬وهو ما حرم حكومة حماس من التواصل مع السفراء‬
‫وتنفيذ سياستها اخلارجية أو بناء عالقات خارجية‪ .‬وأصدر الرئيس عباس مرسوم ًا‬
‫يضع كل األجهزة اإلعالمية التابعة للسلطة حتت اإلشراف املباشر للرئاسة‪ .‬وعلى‬
‫الصعيد األمني أصدر الرئيس عباس مرسوم ًا أحلق مبوجبه إدارة املعابر مبؤسسة‬
‫الرئاسة‪ ،‬كما قام بتعيني رشيد أبو شباك مدير ًا عام ًا لألمن الداخلي‪ ،‬ومشرف ًا‬
‫على األمن الوقائي‪ ،‬والدفاع املدني والشرطة‪ ،‬وهي األجهزة التي تتبع لوزارة‬
‫الداخلية‪ .86‬وعملي ًا فإن حكومة حماس ُمنعت من ممارسة صالحياتها في مجال‬
‫مت إغالق املؤسسات األمنية في وجهها‪ ،‬سواء من ناحية إصدار األوامر‪ ،‬أو‬ ‫األمن‪ ،‬و ّ‬
‫مت حتريض األجهزة‬ ‫تنفيذ السياسات‪ ،‬أو التعيينات‪ ،‬أو مكافحة الفساد داخلها‪ ،‬بل و ّ‬
‫األمنية للقيام باملظاهرات وخلخلة األوضاع األمنية في الساحة‪ .‬كما يسجل على‬
‫الرئيس الفلسطيني أنه طوال فترة احلكومة العاشرة‪ ،‬بل حتى بعد تشكيل حكومة‬
‫الوحدة الوطنية لم يقم باصطحاب رئيس وزرائه إسماعيل هنية معه في جوالته‬
‫العديدة‪ ،‬أو أي من وزراء حماس سواء إلى الدول األوروبية أو العربية‪ ،‬وهو ما يعني‬
‫عملي ًا أنه كان يشارك في حصار وعزل احلكومة الفلسطينية التي تقودها حركة‬
‫تسرب من توجيهات لكوادر حركة فتح في الوزارات والسفراء‬ ‫َّ‬ ‫حماس‪ .‬فض ً‬
‫ال عما‬
‫في اخلارج بعدم التعاون مع احلكومة اجلديدة‪.‬‬
‫على الصعيد االقتصادي قامت الرئاسة الفلسطينية باستغالل احلصار االقتصادي‬
‫املفروض على احلكومة‪ ،‬فعملت على تسييس أزمة الرواتب‪ ،‬وعلى الرغم من االتفاق‬
‫بني احلكومة والرئاسة على حتويل أموال املساعدات إلى حساب الرئيس عباس‪،‬‬
‫إال أن الرئاسة لم تتعاون في صرف رواتب املوظفني على الرغم من حتويل مبالغ‬
‫ضخمة حلساب الرئاسة الفلسطينية‪ ،‬والتي ق ّدرها وزير شؤون الالجئني‪ ،‬في احلكومة‬
‫العاشـرة عاطـف عدوان‪ ،‬بنـحو ‪ 300‬ملـيون دوالر‪ ،87‬ولكـن رئيـس ديـوان الرئاســة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 86‬جريدة السفير‪ ،‬بيروت‪ ،‬واحلياة‪.2006/2/23-22 ،15 ،‬‬


‫‪ 87‬املركز الفلسطيني لإلعالم‪.2006/9/24 ،‬‬

‫‪260‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫د‪ .‬رفيق احلسيني ر ّد على عدوان بأن هذا املبلغ ق ّدمته احلكومة الكويتية واململكة‬
‫العربية السعودية من أجل مشاريع تنموية‪ .88‬لكن احلسيني لم يوضح طبيعة هذه‬
‫املشاريع‪ ،‬وملاذا لم حت ّول هذه األموال إلى احلكومة التي هي جهة التنفيذ‪ .‬كما إن‬
‫خضوع البنوك الفلسطينية لالبتزاز األمريكي‪ ،‬ووقف التعامل مع احلكومة فرض‬
‫حصار ًا قاسي ًا على مؤسسات احلكومة الفلسطينية‪.‬‬
‫وفي مجمل ما تعرضت له حركة حماس من حصار داخلي‪ ،‬وما قامت به حركة فتح‬
‫من حتالفات داخلية وخارجية؛ إلفشال حكومة حماس‪ ،‬علّق الكاتب اللبناني الكبير‬
‫صاحب جريدة السفير طالل سلمان في ‪ ،2007/6/20‬بقوله‪:‬‬
‫ومن اإلنصاف حلماس القول‪ :‬إن قيادة فتح لم تستطع أن تقبل نتائج‬
‫حترضها على رفض الشراكة مع‬ ‫االنتخابات‪ ،‬وقد وجدت دول العالم جمعاء ّ‬
‫حماس‪ ،‬فخضعت لالبتزاز اإلسرائيلي‪ ،‬وقدمت املزيد من التنازالت اجلوهرية‪،‬‬
‫حتى لقد بدا في حلظة وكأنها حالفت السفاح أرييل شارون‪ ،‬ومن بعده إيهود‬
‫أوملرت‪ ،‬ومن خلفهما اإلدارة األميركية‪ ،‬ض ّد حماس‪ ...‬وإلى جهنم االنتخابات‬
‫واألصوات والدميوقراطية!‪.‬‬
‫كانت الكيدية حتكم مسلك سلطة فتح‪ ،‬ومعها االرتباطات والتعهدات التي‬
‫تورط في إعطائها أو اندفع إليها محمود عباس مع اإلسرائيليني‪ ،‬أساس ًا‪،‬‬
‫ّ‬
‫ومع اإلدارة األميركية التي أغرقته باملدائح والوعود وإغراء املساعدات‪ ،‬إذا‬
‫ما قطع مع حماس‪ ،‬وانقلب عليها مستفيد ًا من التأييد العربي (باإلجماع!!)‬
‫والدولي (مبا يشبه اإلجماع)‪ ،‬الذي اتخذ في حلظات محددة شكل التحريض‬
‫على احلرب األهلية‪...‬‬
‫ولعل مقاطعة محمود عباس حكومته‪ ،‬واحلجر عليها‪ ،‬وحجب املساعدات‪،‬‬
‫التي كانت تأتي للسلطة عنها‪ ،‬ورفض مطالبتها بالشراكة‪ ،‬سواء بالقرار‬
‫السياسي أو باإلجراءات والتعيينات األمنية‪ ،‬قد دفعت بحماس إلى إقامة‬
‫ظل حيث تقدر‪ ،‬أي في غزة‪.89‬‬‫سلطة ّ‬
‫ويشار إلى أن الكاتب طالل سلمان كان قد انتقد أيض ًا بح ّدة حركة حماس‪ ،‬إثر‬
‫سيطرتها على قطاع غزة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 88‬احلياة‪.2006/9/29 ،‬‬
‫‪ 89‬انظر‪ :‬طالل سلمان‪“ ،‬انقالبان على فلسطني‪ ”،‬في السفير‪.2007/6/20 ،‬‬

‫‪261‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫على الصعيد اإلسرائيلي‪:‬‬


‫رفضت “إسرائيل” مشاركة حماس في االنتخابات التشريعية إال بعد تطويعها‬
‫ونزع أسلحتها‪ .‬وكانت “إسرائيل” تنظر بعني القلق إلى النتائج التي حققتها‬
‫حماس في االنتخابات البلدية في سنة ‪ .2005‬وقد شكل فوز حماس في االنتخابات‬
‫التشريعية زلزا ًال ه ّز الكيان اإلسرائيلي بأسره‪ .‬فسعت “إسرائيل”‪ ،‬منذ اللحظة‬
‫األولى لتشكيل احلكومة العاشرة بقيادة حركة حماس‪ ،‬إلى محاصرتها سياسي ًا‪ ،‬فقد‬
‫ع ّد الكيان اإلسرائيلي حكومة حماس سلطة معادية‪ ،‬كما ع َّد وزراء احلكومة اجلديدة‬
‫أهداف ًا شرعية‪ .90‬ومنعت “إسرائيل” انتقال الوزراء والنواب التابعني حلماس من غزة‬
‫إلى الضفة أو العكس‪ ،‬كما قادت وزيرة اخلارجية اإلسرائيلية تسيبي ليفني حملة‬
‫دبلوماسية حملاصرة احلكومة اجلديدة ولتسويق شروطها‪ ،‬فعممت ليفني على جميع‬
‫سفرائها‪ ،‬وقالت بأن “إسرائيل لن جتري أي اتصال مع احلكومة‪ ،‬طاملا لم تعترف‬
‫[حماس] بإسرائيل‪ ،‬وتتنازل عن العنف واإلرهاب‪ ،‬وتنزع األسلحة من املنظمات‬
‫اإلرهابية‪ ،‬وتوافق على االتفاقات التي ّ‬
‫مت التوقيع عليها بني إسرائيل والسلطة”‪ ،91‬هذه‬
‫الشروط اإلسرائيلية أصبحت فيما بعد املعيار الدولي للتعامل مع حركة حماس‪ ،‬بعد‬
‫أن تبنتها أمريكا وباقي أعضاء الرباعية‪ .‬ومن جهة أخرى شنّت القوات اإلسرائيلية‬
‫حملة عسكرية لتقويض احلكومة التي تقودها حماس‪ ،‬فاعتقلت ‪ 39‬نائب ًا من حماس‪،92‬‬
‫إضافة إلى اعتقال نائب رئيس الوزراء ناصر الدين الشاعر أكثر من مرة‪ ،‬واعتقال‬
‫رئيس املجلس التشريعي الدكتور عزيز دويك‪ ،‬مما أعاق عمل احلكومة واملجلس‬
‫التشريعي أيض ًا‪.‬‬
‫لم يقتصر احلصار اإلسرائيلي على اجلانب السياسي فقط‪ ،‬بل لعبت “إسرائيل”‬
‫دور ًا كبير ًا في محاصرة الشعب الفلسطيني وحكومته اقتصادي ًا‪ ،‬فقد أوقفت دفع‬
‫مستحقات الضرائب التي تقدر بنحو ‪ 60‬مليون دوالر شهري ًا‪ ،‬أي أنها حرمت احلكومة‬
‫من نـحو ‪ 700‬مليون دوالر مستحقة للفلسطينيني‪ ،‬بينما لم يزد صافي اإليرادات‬
‫احمللية للحكومة خالل سنة ‪ 2006‬عن ‪ 352‬مليون دوالر تقريب ًا‪ ،‬واعتمدت في باقي‬
‫ميزانيتها على الدعم والتمويل اخلارجي‪ .‬كما أجبرت “إسرائيل” البنوك اإلسرائيلية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 90‬موقع عرب ‪.2006/3/31 ،48‬‬


‫‪ 91‬عرب ‪ ، 2006/1/31 ،48‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.arabs48.com/display.x?cid=6&sid=6&id=34523‬‬
‫‪ 92‬أمني‪.2007/7/7 ،‬‬

‫‪262‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫على وقف التعامل مع البنوك الفلسطينية‪ ،93‬وطالبت املجتمع الدولي بوقف تقدمي‬
‫املساعدات املالية للفلسطينيني‪ ،‬باإلضافة إلى التضييق على العمال الفلسطينيني‬
‫العاملني في “إسرائيل”‪ ،‬كما عمدت السلطات اإلسرائيلية إلى االستغالل البشع‬
‫لعملية حت ّكمها‪ ،‬بوصفها قوة احتالل‪ ،‬باملنافذ البرية والبحرية واجلوية؛ فقامت بإغالق‬
‫املعابر‪ ،‬ووضع الفلسطينيني في سجن كبير‪ ،‬وحتكمت بتوقيت عمل املعابر‪ ،‬وبكمية‬
‫ونوعية البضائع التي تدخل من األراضي الفلسطينية وتخرج منها‪.‬‬
‫وعلى سبيل املثال فإنه حسب تقرير أع ّده ماهر الط ّباع‪ ،‬مدير العالقات العامة‬
‫في الغرفة التجارية الفلسطينية‪ ،‬حول إغالق املعابر في قطاع غزة في الفترة من‬
‫‪ 2006/6/25‬وحتى ‪2007/7/31‬؛ فإنه من أصل ‪ 402‬يوم ًا‪ ،‬أغلق معبر بيت حانون‬
‫(إيرز) ملدة ‪ 324‬يوم ًا إغالق ًا كلي ًا‪ ،‬وأغلق معبر رفح ملدة ‪ 307‬أيام إغالق ًا كلي ًا‪ ،‬وملدة‬
‫‪ 68‬يوم ًا أخرى إغالق ًا جزئي ًا‪ ،‬وأغلق معبر املنطار (كارني) ملدة ‪ 116‬يوم ًا إغالق ًا‬
‫كلي ًا‪ ،‬وملدة ‪ 119‬يوم ًا أخرى إغالق ًا جزئي ًا‪ ،‬وأغلق معبر كرم أبو سالم ملدة ‪ 297‬يوم ًا‬
‫إغالق ًا كلي ًا‪.94‬‬

‫على الصعيد العربي‪:‬‬


‫تعاملت املواقف العربية بشكل عام على أساس احترام نتائج االنتخابات التي‬
‫فازت فيها حماس‪ ،‬والتي رأت أنها تعكس رغبة الشعب الفلسطيني وإرادته‪ ،95‬ولكن‬
‫ذلك لم يحل دون ممارسة الضغوط على حماس لقبول الشروط الدولية‪ .‬وبشكل عام‪،‬‬
‫فإن معظم الدول العربية واإلسالمية إن لم متارس احلصار املباشر على احلكومة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬إال أنها لم تسهم في رفعه‪ .‬وهناك حقيقة ال ب ّد من اإلشارة إليها‪ ،‬وهي أن‬
‫للعديد من هذه الدول مخاوفها وشكوكها جتاه احلركات اإلسالمية‪ ،‬حيث تنظر إليها‬
‫باعتبارها عنصر عدم استقرار في بالدها؛ ولذلك نظرت إلى حماس بعني حذرة‪ ،‬وجاء‬
‫فوزها في االنتخابات‪ ،‬وتشكيلها احلكومة إشارة لتلك احلكومات على مدى شعبية‬
‫احلركة اإلسالمية في الشارع العربي واإلسالمي‪.‬‬
‫لم مينع انفتاح حركة حماس على احلكومات العربية واإلسالمية‪ ،‬من توتر‬
‫األوضاع مع بعض هذه األنظمة‪ .‬فلم تكن مصر‪ ،‬التي أصيبت بالصدمة‪ ،‬سعيدة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 93‬جريدة الشرق األوسط‪ ،‬لندن‪.2006/4/6 ،‬‬


‫‪ 94‬إغالق معابر قطاع غزة بني العقاب اجلماعي والتخبط السياسي‪ ،‬وكالة فلسطني برس‪.2007/8/1 ،‬‬
‫‪ 95‬الغد‪.2006/1/28 ،‬‬

‫‪263‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫بفوز حماس‪ ،‬غير أنها لم تقطع كل خيوطها معها‪ ،‬حتى تتمكن من االستمرار في‬
‫لعب دورها في القضية الفلسطينية‪ ،‬وحتى تقوم مبمارسة بعض الضغوط على‬
‫خطها السياسي واملسار العام للتسوية‪ ،‬فقد أطلقت مصر‬ ‫احلكومة مبا يتوافق مع ّ‬
‫منذ اللحظة األولى لفوز حركة حماس تلميحات بضرورة التزام حكومة حماس‬
‫بالعمل وفق إطار اتفاقيات أوسلو‪ ،‬وخارطة الطريق‪ ،‬ومبدأ ّ‬
‫حل الدولتني ‪ ،96‬وبعد‬
‫تشكيل احلكومة الفلسطينية‪ ،‬قامت احلكومة املصرية ببعض التصرفات فسرت‬
‫على أنها مشاركة في احلصار‪ ،‬ففي نيسان‪ /‬أبريل ‪ 2006‬اعتذر وزير اخلارجية‬
‫ال ذلك بوجود‬ ‫املصري أحمد أبو الغيط عن لقاء وزير اخلارجية محمود الزهار معل ً‬
‫ارتباطات لديهم ‪.97‬‬
‫ال مع حركة حماس‪ ،‬وزاد من توتيرها‬ ‫أما األردن‪ ،‬فقد كانت عالقته متوترة أص ً‬
‫اتهام احلكومة األردنية للحركة بتهريب األسلحة إلى األردن‪ ،‬للقيام بعمليات عسكرية‬
‫ض ّد أهداف أردنية‪ .‬ولكن املوقف العربي بشكل عام حافظ على سلوكه احلذر في‬
‫التعامل مع حركة حماس وحكومتها‪ ،‬دون أخذ أي خطوة جدية لرفع احلصار عن‬
‫الشعب الفلسطيني‪ ،‬على الرغم من قرار وزراء اخلارجية العرب في آذار‪ /‬مارس‬
‫‪ ،2007‬القاضي برفع احلصار عن احلكومة الفلسطينية‪.98‬‬

‫على الصعيد الدولي‪:‬‬


‫تبنى املجتمع الدولي الشروط اإلسرائيلية التي فرضها على حكومة حماس للتعامل‬
‫معها‪ ،‬فقد أطلقت الرباعية الدولية (أمريكا‪ ،‬روسيا‪ ،‬مجلس األمن‪ ،‬واالحتاد األوروبي)‬
‫أيام لاللتزام بالشروط‬
‫اجتماع لها بعد فوز حركة حماس بعدة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تهديداتها في أول‬
‫املطروحة عليها‪ ،‬والتي متثلت بالتالي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن تعترف حماس بحقّ “إسرائيل” في الوجود‪.‬‬
‫‪ .2‬نبذ العنف واإلرهاب‪ ،‬والتخلي عن سالحها‪.‬‬
‫‪ .3‬االعتراف باالتفاقيات املوقعة بني السلطة و“إسرائيل”‪.‬‬
‫أي إما أن تط ّبق هذه الشروط أو أن توقف الرباعية الدولية املساعدات التي تشكل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 96‬املصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ 97‬جريدة الوفد‪ ،‬القاهرة‪.2006/4/11 ،‬‬
‫‪ 98‬وكالة األنباء األردنية (بترا)‪ ،2007/3/5 ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.petra.gov.jo/nepras/2007/Mar/04/169.htm‬‬

‫‪264‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫عصب االقتصاد الفلسطيني‪ .99‬وعلى الرغم من التباين في املواقف بني دول االحتاد‬
‫األوروبي والواليات املتحدة األمريكية جتاه بعض املمارسات اإلسرائيلية‪ ،‬إال أنهم‬
‫اتفقوا على محاصرة احلكومة الفلسطينية اقتصادي ًا وسياسي ًا؛ فخضعت روسيا‬
‫لقرار وقف املساعدات‪ ،‬كما فعل االحتاد األوروبي‪ ،‬باإلضافة إلى وقف االتصال‬
‫الدبلوماسي الرسمي من قبل دول االحتاد األوروبي مع احلكومة الفلسطينية‪.‬‬
‫كانت موافقة حماس على هذه الشروط‪ ،‬تعني إلغا ًء حلماس‪ ،‬وإنها ًء ملشروعها‬
‫وبرنامجها السياسي واجلهادي‪ ،‬وهو ما لم يكن متوقع ًا منها على اإلطالق أن تفعله‪.‬‬
‫غير أن اإلدارة األمريكية كانت معنية أساس ًا بإفشال احلكومة التي تقودها حماس‬
‫وإسقاطها‪ ،‬ولذلك عملت على وضع العقبات أمام حركة حماس؛ فوضعت اخلطط‬
‫والبرامج العملية‪ ،‬وم َّولت جهات فلسطينية باملال ودعمتهم بالسالح لالنقالب على‬
‫احلكومة‪ .100‬كما قامت اإلدارة األمريكية بتشريع قانون يحظر على املؤسسات‬
‫والهيئات األمريكية تقدمي مساعدات اقتصادية مباشرة للحكومة الفلسطينية‪ ،‬ومنع‬
‫تقدمي األموال للمنظمات والهيئات اخلاصة التي تعمل في مجال املساعدات اإلنسانية‬
‫في كل من قطاع غزة والضفة الغربية‪ .101‬كما مارست اإلدارة األمريكية ضغوطها‬
‫على البنوك الفلسطينية لوقف تعاملها مع حكومة حماس‪ ،‬إضافة إلى ضغطها على‬
‫البنك الدولي والدول العربية واإلسالمية لوقف مساعداتهم للسلطة الفلسطينية‪ ،‬وهي‬
‫ممارسة هدفت إلى خنق حكومة حماس مالي ًا‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬محاوالت حركة حماس ّ‬


‫لفك احلصار‪:‬‬
‫بدأت حركة حماس عملها ملواجهة احلصار الذي بدأت بذوره تظهر بعد فوزها‪،‬‬
‫فأطلقت حماس حملة دبلوماسية لشرح رؤيتها السياسية‪ ،‬وللحصول على الدعم‬
‫االقتصادي‪ ،‬فقد استلمت حركة حماس خزينة تعاني من مديونية مرتفعة بلغت نـحو‬
‫مليار و‪ 883‬مليون دوالر‪ .102‬وفي هذا املقال سنتناول بعض التحركات على الصعيدين‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 99‬احلياة‪.2006/9/11 ،‬‬
‫‪ 100‬جريدة النهار‪ ،‬بيروت‪.2007/7/17 ،‬‬
‫‪ 101‬جريدة عكاظ‪ ،‬الرياض‪.2006/5/24 ،‬‬
‫‪ 102‬املركز الفلسطيني لإلعالم‪ ، 2006/9/13 ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.palestine-info.info/arabic/palestoday/reports/report2006_1/‬‬
‫‪13 _9 _ 06 _2 .htm‬‬

‫‪265‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫الدبلوماسي واالقتصادي‪ ،‬التي قامت بهما حركة حماس ّ‬


‫لفك احلصار السياسي‬
‫واالقتصادي‪ ،‬مع التركيز على محطات رئيسية في حتركاتها‪.‬‬

‫أ‪ .‬على الصعيد السياسي‪:‬‬


‫استطاعت حركة حماس‪ ،‬بفوزها في االنتخابات التشريعية األخيرة‪ ،‬أن تكسر‬
‫االحتكار السياسي من ِق َبل حركة فتح‪ ،‬وهو ما فرض شراكتها على حركة فتح التي‬
‫تقود الرئاسة الفلسطينية و م‪.‬ت‪.‬ف؛ فواجهت قرارات الرئيس الفلسطيني بسحب‬
‫بعض الصالحيات السياسية منها في الشؤون اخلارجية‪ ،‬باستثمار عالقاتها اجليدة‬
‫مع بعض دول املنطقة‪ ،‬كسورية‪ ،‬وإيران‪ ،‬والسودان‪ ،‬وقطر وغيرها من الدول العربية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬مما ساعدها في كسر عزلتها السياسية‪ ،‬كما استفادت حماس من‬
‫شعبيتها الكبيرة واالحترام الذي حتظى به لدى الشعوب العربية واإلسالمية؛ فقام‬
‫وفد من احلركة برئاسة رئيس املكتب السياسي حلركة حماس خالد مشعل‪ ،‬بجولة‬
‫شملت عدة دول‪ ،‬في محاولة للحصول على الدعم السياسي واالقتصادي للحكومة‬
‫التي تقودها حماس‪.‬‬
‫بدأ الوفد زياراته من حيث تُقيم قياداته في سورية‪ ،‬التي رأت في فوز حماس‬
‫تخفيف ًا للضغوط التي تعرضت لها طوال الفترة املاضية‪ ،‬إذ أصبحت سورية حتتضن‬
‫يخف الرئيس السوري بشار األسد‬ ‫ِ‬ ‫السلطة املنتخبة وليس السلطة املعارضة‪ ،‬ولم‬
‫دعمه حلكومة حماس‪.103‬‬
‫وزار وفد حماس مصر‪ ،‬ومتثلت أهمية زيارته بلقاء أمني عام اجلامعة العربية عمرو‬
‫موسى‪ ،‬وهذا ما ع ّده وزير اخلارجية محمود الزهار مبثابة احلصول على االعتراف‬
‫العربي والدولي من بوابة األمانة العامة للجامعة العربية‪ .104‬واستكمل الوفد زيارته إلى‬
‫كل من قطر‪ ،‬والسودان‪ ،‬والسعودية‪ ،‬واإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬والكويت‪ ،‬والبحرين‪،‬‬
‫وعمان‪ .‬أما على الصعيد اإلسالمي فقد زار الوفد تركيا بشكل مفاجئ‪ ،‬والتقى‬ ‫وليبيا‪ُ ،‬‬
‫بالعديد من املسؤولني السياسيني واحلزبيني‪ ،‬وعلى رأسهم وزير اخلارجية عبد اللّه‬
‫يلتق رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان‪ ،‬الذي اعتذر عن اللقاء‬ ‫غول‪ ،‬لكنه لم ِ‬
‫بعد أن كان قد ّ‬
‫مت ترتيب له‪.105‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 103‬الدستور‪.2006/1/20 ،‬‬
‫‪ 104‬احلياة‪.2006/2/8 ،‬‬
‫‪ 105‬الشرق األوسط‪.2006/2/17 ،‬‬

‫‪266‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫كما قام وفد حماس بزيارة اجلمهورية اإليرانية في ‪ ،2006/2/19‬والتقى املرشد‬


‫األعلى للثورة اإلسالمية علي خامنئي والرئيس أحمدي جناد وغيرهم من املسؤولني‬
‫اإليرانيني‪ ،‬وتل ّقت حماس وعد ًا إيراني ًا بتقدمي ‪ 250‬مليون دوالر لتعويض وقف‬
‫املساعدات األمريكية ‪ -‬األوروبية‪.106‬‬
‫استطاعت حركة حماس أن تلعب جزئي ًا على التناقض الدولي؛ فخرقت جدار‬
‫احلصار السياسي الدولي عليها (ولو بشكل مؤقت)‪ ،‬من خالل قيام وفد حماس في‬
‫‪ 2006/3/3‬بزيارة ملدة ثالثة أيام لروسيا بدعوة من الرئيس بوتني‪ ،107‬حيث أجرى‬
‫الوفد سلسلة لقاءات مع وزير اخلارجية الروسية سيرغي الفروف‪ ،‬ونائبه ألكسندر‬
‫سلطانوف‪ ،‬وعدد من البرملانيني الروس‪ ،‬إضافة إلى رئيس مجلس الفتوى‪ ،‬وبطريرك‬
‫عموم روسيا ألكسي الثاني‪ .‬أما االختراق الثاني للحصار الدولي جاء من قبل الصني‪،‬‬
‫فقد شارك الزهار في منتدى التعاون الصيني العربي بدعوة من الصني نفسها‪.108‬‬
‫كانت قدرة حماس على إحداث اختراق في احلصار الدولي محدودة جد ًا؛ بسبب‬
‫النفوذ الهائل للواليات املتحدة و“إسرائيل”‪ ،‬وبسبب الضعف العربي واإلسالمي‪،‬‬
‫اخلط السياسي الذي تتبناه ال يتوافق مع التوجهات العامة خصوص ًا‬ ‫ّ‬ ‫فض ً‬
‫ال عن أن‬
‫جتاه التسوية عربي ًا ودولي ًا‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬سعت حماس لتوحيد اجلبهة الداخلية الفلسطينية‪ ،‬وتشكيل‬
‫حكومة وحدة وطنية‪ .‬واتسمت معظم فترة حكمها باتصاالت ومفاوضات مستمرة مع‬
‫حركة فتح؛ للوصول إلى تفاهمات مشتركة تسهم في ترتيب البيت الفلسطيني ومتكينه‬
‫من مواجهة احلصار وكسره‪ .‬فكان االتفاق على وثيقة األسرى املعدلة‪ ،‬واتفاق مكة‪...‬‬
‫غير أن ذلك لم يوقف التآمر املستمر على إسقاط احلكومة‪.‬‬

‫ب‪ .‬على الصعيد االقتصادي‪:‬‬


‫عملت حركة حماس منذ اليوم األول لنجاحها في االنتخابات التشريعية إلى إيجاد‬
‫بدائل عن املساعدات األمريكية واألوروبية‪ ،‬باللجوء إلى العالم العربي واإلسالمي في‬
‫سبيل س ّد هذه الثغرة‪ ،‬وبالفعل استطاعت حركة حماس أن حتشد عدد ًا كبير ًا من‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 106‬احلياة‪.2006/2/28 ،‬‬
‫‪ 107‬جريدة الرأي‪ ،‬ع ّمان‪.2006/2/10 ،‬‬
‫‪ 108‬جريدة اخلليج‪ ،‬اإلمارات‪.2006/6/1 ،‬‬

‫‪267‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املؤيدين لها في العالم العربي على املستويني الشعبي والرسمي‪ .‬كما قامت احلكومة‬
‫العاشرة بإجراءات اقتصادية ملواجهة احلصار‪ ،‬فعمدت إلى تخفيض النفقات العامة‪،‬‬
‫وإلى تغيير بعض العقود املوقعة مع شركات إسرائيلية‪ ،‬والتي كانت مجحفة بحقّ‬
‫الفلسطينيني‪.109‬‬

‫‪ .1‬الدعم الشعبي‪:‬‬
‫استفادت حركة حماس من عالقتها الوطيدة مع حركة اإلخوان املسلمني واألحزاب‬
‫املنبثقة عنها في الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬واملؤسسات اإلسالمية املتعاطفة والعاملة‬
‫في الدول األوروبية‪ ،‬وسنتطرق هنا إلى بعض مناذج التحركات الشعبية الداعمة‬
‫للحكومة الفلسطينية‪ ،‬بقيادة حماس‪ .‬انطلقت احلمالت الشعبية في املساجد‬
‫واالحتفاالت في سبيل جمع أكبر قدر من املال ملساعدة حكومة حماس؛ ففي اليمن ّ‬
‫مت‬
‫فتح حساب خاص جلمع األموال‪ ،110‬أما في العاصمة البريطانية لندن فقد نظ ّم مركز‬
‫العودة بالتعاون مع جمعية اجلالية الفلسطينية في بريطانيا‪ ،‬واملنتدى الفلسطيني‬
‫مت خاللها إطالق حملة جلمع األموال في سبيل دعم الشعب‬ ‫والنادي العربي‪ ،‬ندوة ّ‬
‫مت تقدمي ع ّدة اقتراحات من بينها إنشاء شركة تعمل على جمع األموال‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬و ّ‬
‫من فلسطينيي الشتات ‪ .‬كما أطلق ائتالف اخلير حملة املائة يوم ويوم الثانية جلمع‬
‫‪111‬‬

‫أموال للشعب الفلسطيني‪ .112‬كما قررت خمس هيئات مالية عربية‪ ،‬خالل اجتماع في‬
‫الرباط‪ ،‬تخصيص عشرة باملائة من عائداتها الصافية لعام ‪ 2005‬للفلسطينيني‪ ،‬ويصل‬
‫مجموع عائداتها إلى نـحو ‪ 50‬مليون دوالر‪ .113‬وأعلن احتاد الطالب السودانيني عن‬
‫تدشني حملة جلمع دوالر من كل طالب لدعم حماس‪ ،‬بعد التهديدات الغربية بقطع‬
‫املساعدات عنها‪ .‬أما احتاد الشباب السوداني فقد أعلن عن تبرعه بـ ‪ 200‬ألف دوالر‬
‫دعم ًا حلماس‪ ،‬ودعا إلى التخلي عن أي دعم غربي‪.114‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 109‬الدستور‪.2006/10/5 ،‬‬
‫‪ 110‬موقع نيوز مين‪ ،2006/3/21 ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.newsyemen.net/show_details.asp?sub_no=1_2006_03_21_8162‬‬
‫‪ 111‬القدس العربي‪.2006/3/23 ،‬‬
‫‪ 112‬جريدة أخبار اخلليج‪ ،‬البحرين‪.2006/4/11 ،‬‬
‫‪ 113‬اخلليج‪.2006/4/20 ،‬‬
‫‪ 114‬موقع إسالم أون الين‪ ،2006/2/14 ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.islam-online.net/Arabic/news/2006- 02/14/article07.shtml‬‬

‫‪268‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تتوان الشعوب العربية عن مساعدة الشعب الفلسطيني للخروج من أزمته‪ ،‬فقد‬ ‫َ‬ ‫لم‬
‫أقرت اجلمعية العمومية للجنة اإلمارات الوطنية ملقاومة التطبيع مع الكيان اإلسرائيلي‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫باإلجماع‪ ،‬اقتراحا بتشكيل جلنة وطنية برئاسة أو عضوية جلنة اإلمارات‪ ،‬وتض ّم في‬
‫عضويتها عدد ًا من مؤسسات املجتمع املدني أو أي جهات أخرى جلمع التبرعات لدعم‬
‫احلكومة والشعب الفلسطيني؛ ليتجاوز احلصار املفروض عليه عاملي ًا‪ .115‬أما جماعة‬
‫اإلخوان املسلمني في األردن فقد نظمت ملتق ًا وطني ًا ملساندة الشعب الفلسطيني‪،‬‬
‫وجمعت فيه نـحو ‪ 1.5‬مليون دينار أردني‪.116‬‬
‫ظهر التأييد الشعبي للحكومة اجلديدة باندفاع الشارع العربي في جمع األموال‬
‫مت جمع التبرعات‪ ،‬حتى إن العديد من النساء‬ ‫من أجل إخراجها من األزمة‪ ،‬ففي مصر ّ‬
‫تبرعن بحليهن الذهبية‪ ،‬كما أطلق احتاد األطباء العرب حملة حتت شعار “فلسطني‪...‬‬
‫أبد ًا لن جتوع” وهدفت احلملة إلى جمع مليار يورو خالل عام‪ .117‬وكذلك كان األمر‬
‫في سورية واليمن ودول اخلليج العربي واجلاليات العربية واإلسالمية في أوروبا‪.‬‬
‫وشارك العديد من اجلمعيات والقوى اللبنانية في جمع التبرعات للشعب الفلسطيني‪،‬‬
‫كما أطلقت اجلماعة اإلسالمية في لبنان “حملة إغاثة الشعب الفلسطيني”‪ .118‬وكذلك‬
‫أطلق حزب اللّه حملة باسم “عشرة الفجر”‪.119‬‬

‫‪ .2‬الدعم الرسمي‪:‬‬
‫عملت احلكومة الفلسطينية على جمع التبرعات وحشد التأييد السياسي للشعب‬
‫الفلسطيني من مختلف الدول‪ ،‬فقد قام وزير اخلارجية الفلسطيني الدكتور محمود‬
‫الزهار بزيارة العديد من الدول في سبيل حشد التأييد السياسي‪ ،‬باإلضافة إلى جمع‬
‫أكبر قدر من التبرعات لالستعاضة عن التبرعات األوروبية واألمريكية التي انقطعت‬
‫بعد فوز حماس‪.‬‬
‫استطاعت احلكومة انتزاع وعود من بعض الدول العربية بتسديد ما ّ‬
‫مت االتفاق‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 115‬اخلليج‪.2006/4/21 ،‬‬
‫‪ 116‬الدستور‪.2006/4/25 ،‬‬
‫‪ 117‬إسالم أون الين‪ ،2005/5/6 ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.islam-online.net/Arabic/news/2006- 05/ 06 /article04.shtml‬‬
‫‪ 118‬السفير‪.2006/5/17 ،‬‬
‫‪ 119‬السفير‪.2006/6/29 ،‬‬

‫‪269‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫عليه في القمة العربية في اخلرطوم‪ ،‬باإلضافة إلى احلصول على بعض املساعدات‬
‫األخرى‪ ،‬فاجلمهورية اإليرانية ق ّدمت مساعدة مالية للحكومة اجلديدة بقيمة ‪100‬‬
‫مليون دوالر‪ .120‬وفي أثناء زيارة الزهار للسعودية أك ّدت اململكة على أنها ملتزمة‬
‫مت االتفاق عليه في قمة اخلرطوم‪ ،‬وأن اململكة ستدفع ما عليها من حصص في‬ ‫مبا ّ‬
‫املساعدات العربية‪ ،‬أي ‪ 92.4‬مليون دوالر‪ .121‬كما تعهدت ليبيا مبساعدة احلكومة‬
‫الفلسطينية‪ .122‬وبالعودة إلى أرقام وزارة التخطيط الفلسطينية‪ ،‬فقد بلغ مجموع‬
‫املساعدات املقدمة للحكومة خالل العام ‪ 2006‬حوالي ‪ 719‬مليون دوالر‪ ،‬ق ّدمت‬
‫الدول العربية منها حوالي ‪ 260‬مليون دوالر أي ما نسبته ‪ % 36‬تقريب ًا من إجمالي‬
‫املساعدات‪.123‬‬
‫ومع ذلك لم ترقَ املساعدات العربية الرسمية إلى املستوى املطلوب؛ فالكارثة‬
‫التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني أكبر بكثير مما ق ّدمه النظام العربي الرسمي‪.‬‬
‫وعلى الرغم من محاوالت حماس احلثيثة في سبيل س ّد رمق الشعب الفلسطيني‪ ،‬عن‬
‫طريق إدخال مساعدات مالية عبر املعابر‪ ،‬وتقليص نفقات الوزراء والنواب وغيرها من‬
‫اإلجراءات‪ ،‬إال أنها واجهت عقبات أكثر تعقيد ًا مما كانت تظن‪ ،‬فعلى الرغم من قرار‬
‫وزراء اخلارجية العرب في ‪2007/3/4‬؛ القاضي برفع احلصار عن حكومة الوحدة‪،‬‬
‫إال أن شيئ ًا من هذا القبيل لم يحدث‪ ،‬واستمر احلصار االقتصادي على احلكومة‬
‫الفلسطينية‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬تقييم عام‪:‬‬


‫قد يؤخذ على حركة حماس أنها تعاملت مع مسألة احلصار بشيء من االرتباك‪،‬‬
‫الذي ظهر عليها منذ اللحظة األولى التي تلت فوزها في االنتخابات التشريعية‪،‬‬
‫حيث لم تكن تتوقع فوزها بأغلبية مقاعد املجلس التشريعي‪ ،‬وبالتالي لم يكن لديها‬
‫سيناريوهات مدروسة وفق رؤية استراتيجية ملواجهة التحديات التي ظهرت قبل‬
‫االنتخابات التشريعية‪ .‬فقد كان متوقع ًا من الكيان اإلسرائيلي‪ ،‬واإلدارة األمريكية‪،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 120‬جريدة الشرق‪ ،‬قطر‪.2006/4/17 ،‬‬


‫‪ 121‬السفير‪.2006/4/19 ،‬‬
‫‪ 122‬جريدة احلياة اجلديدة‪ ،‬فلسطني‪.2006/5/1 ،‬‬
‫‪ 123‬محسن صالح وآخرون‪ ،‬التقرير االستراتيجي الفلسطيني لسنة ‪( 2006‬بيروت‪ :‬مركز الزيتونة‬
‫للدراسات واالستشارات‪ ،)2007 ،‬ص ‪.308‬‬

‫‪270‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫والدول األوروبية أن حتاصر حماس وحكومتها‪ ،‬ولكن ما لم تكن تتوقعه حماس أن‬
‫تشارك جهات فلسطينية وعربية في هذا احلصار‪ ،‬حيث ع ّولت حماس على التعاون‬
‫العربي واإلسالمي لكسر احلصار‪ ،‬دون األخذ بني االعتبار الضغوط األمريكية على‬
‫الدول العربية واإلسالمية ملنع التعاون معها‪.‬‬
‫ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا‪ ،‬هل كان من املمكن ألي حركة أو حكومة أن‬
‫حتقق أكثر مما حققته حركة حماس طوال ‪ 16‬شهر ًا‪ ،‬في حكومة منزوعة الصالحيات‪،‬‬
‫ومرفوضة على املستوى الرسمي العربي‪ ،‬وفي بيئة متوترة أمني ًا‪ ،‬ومحاصرة بل‬
‫دول عظمى؟‪.‬‬‫محاربة من ٍ‬
‫لقد ُحملّت حركة حماس فوق ما حتتمل‪ ،‬فمسؤولية رفع احلصار كان ينبغي أن‬
‫تكون مسؤولية فلسطينية مشتركة‪ ،‬ولكن تخلي الرئاسة الفلسطينية عن مسؤوليتها‬
‫في دعم احلكومة املنتخبة‪ ،‬بل والعمل على إعاقتها‪ ،‬أعطى املبرر لألعداء ليلعبوا على‬
‫وتر اخلالفات الفلسطينية الداخلية‪ ،‬ويزيدوا من احلصار بالتعاون مع املجتمع الدولي‬
‫بشكل مباشر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جنحت حماس في اختراق هذا احلصار في بعض األماكن‪ ،‬مما مكنها من االستمرار‬
‫ملدة ‪ 16‬شهر ًا على رأس حكومتني فلسطينيتني‪ .‬لقد كانت حماس محكومة برغبة أال‬
‫تسقط حكومتها نتيجة احلصار‪ ،‬وأال يكسر األعداء إرادة الشعب الفلسطيني‪ ،‬وكانت‬
‫ترغب أن تختار هي بنفسها شكل خروجها من احلكومة ووقته‪ ،‬كما كانت تخشى أن‬
‫يكون خروجها من احلكم وجناح احلصار مرحلة أولى في ضربها وسحقها واإلجهاز‬
‫على برنامج املقاومة‪.‬‬
‫أصبح على حماس أن جتيب على أسئلة صعبة‪ ،‬فإلى أي مدى تتحمل هي مسؤولية‬
‫احلصار واملعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني‪ ،‬وإلى أي مدى تستطيع حماس أن‬
‫تستمر في عمل حكومي في أجواء احتالل وبيئة معادية‪ .‬وهل ثمن بقائها في احلكم هو‬
‫أهون من ثمن خروجها؟ وإذا ما قررت حماس العودة لبرنامج املقاومة هل ستتعرض‬
‫هي حملاوالت السحق والتهميش‪ ،‬وتستمر معاناة الفلسطينيني‪ ،‬وهل سيكون هناك‬
‫ثمن سياسي باهظ نتيجة أية تنازالت ميكن أن يقدمها الرئيس عباس والفريق املؤيد‬
‫ألوسلو؟‪.‬‬
‫كانت رغبة حركة حماس بعد فوزها في االنتخابات التشريعية ممارسة عمل‬
‫سياسي نظيف‪ ،‬إال أن التقاطعات الداخلية واإلقليمية والدولية حالت دون ذلك‪ .‬فحركة‬
‫فتح تطمح إلى استعادة السلطة من حماس‪ ،‬كما أن احمليط العربي‪ ،‬املتخوف من‬

‫‪271‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫صعود احلركات اإلسالمية‪ ،‬كان يرغب بفشل التجربة اإلسالمية في احلكم‪ .‬أما‬
‫أمريكا والدول األوروبية فتبنت سياسة احلصار واملقاطعة‪.‬‬
‫وقد يختلف خصوم حماس وأعداؤها في األهداف والوسائل‪ ،‬ولكنهم اتفقوا ولو‬
‫بشكل ضمني على إسقاط احلكومة التي تقودها حماس بشتى الوسائل‪ ،‬سياسية‬
‫كانت‪ ،‬أم عسكرية‪ ،‬أم اقتصادية‪ .‬وعلى الرغم من مناورة حركة حماس‪ ،‬وبذلها مجهود ًا‬
‫لفك احلصار‪ ،‬ولو على حساب شعبيتها‪ ،‬إال أن الضغوط التي تعرضت لها‬ ‫كبير ًا ّ‬
‫احلركة كانت أقوى‪ ،‬وهو ما عكس حقيقة اعتماد السلطة الفلسطينية على املساعدات‬
‫األمريكية ‪ -‬األوروبية‪ ،‬مما يعني االرتهان لإلرادة اخلارجية األمريكية واإلسرائيلية‪،‬‬
‫وألصحاب املشاريع التآمرية‪ ،‬ولذلك فإن عملية التحرير من القيود االقتصادية التي‬
‫فرضتها اتفاقيات أوسلو وما حلقها‪ ،‬والعودة إلى البيت العربي واإلسالمي الرسمي‬
‫والشعبي‪ ،‬يجب أن يكون أولوية العمل الوطني‪.‬‬
‫إذا كان ال ب ّد من خروج حماس من احلكومة لتخفيف احلصار عن الشعب‬
‫الفلسطيني‪ ،‬فال ب ّد أن يت ّم ذلك بنا ًء على توافق وطني تتعهد فيه فتح‪ ،‬حتديد ًا‪،‬‬
‫وأية قوى متارس السلطة باحترام التعددية السياسية‪ ،‬وعدم التعرض حلماس أو‬
‫برنامج املقاومة‪ ،‬وتفعيل م‪.‬ت‪.‬ف‪ .‬إن املطلوب اليوم هو إعادة ترتيب البيت الفلسطيني‬
‫ومؤسساته االقتصادية‪ ،‬واألمنية‪ ،‬ووضع برنامج وطني فلسطيني وفق القياسات‬
‫الفلسطينية‪ ،‬وليس وفق القياسات األمريكية واإلسرائيلية‪ .‬برنامج يحافظ على حقوق‬
‫الشعب الفلسطيني ويعيد القضية الفلسطينية إلى هدفها األساسي‪ ،‬وهو التخلص‬
‫من االحتالل وليس مجرد االهتمام في كيفية إدارة الوضع حتت االحتالل‪ ،‬وهنا ال ب ّد‬
‫أن تتحمل كافة الفصائل الفلسطينية مسؤولياتها الوطنية جتاه الشعب الفلسطيني‬
‫والقضية الوطنية‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫جتربة حما�س يف احلكم‪:‬‬


‫العالقة وت�سوية ال�صراع مع “�إ�سرائيل”‬
‫عدنان أبو عامر‬
‫‪124‬‬

‫مدخل تقييمي ألداء حماس “احلكومي والبرملاني”‪:‬‬


‫من الصعوبة مبكان اإلحاطة بقراءة تقييمية لسنة كاملة من جتربة حركة حماس‬
‫احلكومية والبرملانية عبر هذا املدخل املوجز‪ ،‬دون األخذ بعني االعتبار عدد ًا من‬
‫العوامل الداخلية واخلارجية التي أ ّثرت في جناح أو إخفاق حماس في جتربة اإلدارة‬
‫واحلكم‪ ،‬وأهمها‪:‬‬
‫‪ .1‬عملية التسوية‪ ،‬وموقف حماس الرافض لها؛ مما ش ّكل أمامها عقبة إلحكام‬
‫سيطرتها على السلطة‪ ،‬التي جاءت نتيجة طبيعية لتلك العملية‪.‬‬
‫‪ .2‬القطيعة الدولية‪ ،‬وإقدام املجتمع الدولي على قطع اتصاالته مع احلكومة‬
‫الوليدة‪ ،‬وما مارسه من ضغوط سياسية ومالية على احلركة‪.‬‬
‫‪ .3‬تردي الوضع االقتصادي‪ ،‬بسبب اإلغالقات اإلسرائيلية وارتفاع نسبة‬
‫البطالة‪ ،‬وتراجع النمو االقتصادي؛ مما وضع املجتمع الفلسطيني على‬
‫حافة االنهيار‪.‬‬
‫‪ .4‬تنازع الصالحيات مع رئيس السلطة‪ ،‬وبالتالي فقدان السيطرة على‬
‫األجهزة األمنية‪ ،‬لذا تب ّدى بصورة ج ّد واضحة عجز احلكومة عن إحداث‬
‫أي تغيير داخلها وفي بنيتها القيادية‪ ،‬ومن جهة أخرى “جنحت” هذه‬
‫شل عمل احلكومة وجعل قراراتها بحكم‬ ‫األجهزة‪ ،‬ويا للمفارقة‪ ،‬في ّ‬
‫الالغية عملي ًا‪.‬‬
‫ال بالهيئات الرسمية‬‫‪ .5‬صعوبة إحكام إدارتها للجهاز اإلداري املدني‪ ،‬ممث ً‬
‫والوزارات‪ ،‬حيث تتربع قيادات فتح على املناصب العليا فيها‪ ،‬بحيث‬
‫“أخفقت” احلكومة في تعيني جملة من الكوادر “التكنوقراطية” من جهة‪،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 124‬باحث فلسطيني في الشؤون اإلسرائيلية‪ ،‬وأستاذ التاريخ في اجلامعات الفلسطينية‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ولم تتمكن من إقالة مسؤولني ثبتت بحقهم تهم فساد‪ ،‬أو على األقل اتخاذ‬
‫إجراءات إدارية ضدهم‪.‬‬
‫أما عن تقييم جتربة حماس في السلطة‪ ،‬فباإلمكان تقسيمه‪ ،‬سلب ًا وإيجاب ًا‪ ،‬إلى‬
‫جزأين أساسيني‪:‬‬

‫التقييم الداخلي‪:‬‬
‫‪ .1‬استطاعت حماس ترجمة شعبيتها وجماهيريتها امليدانية من خالل صندوق‬
‫االقتراع‪ ،‬واإلثبات أنها الالعب األول على الساحة الفلسطينية‪ ،‬في ساحتي‬
‫املقاومة والسياسة مع ًا‪.‬‬
‫ال إلدارة دفة األمور في السلطة الفلسطينية‪،‬‬ ‫‪ .2‬مثلت احلركة منوذج ًا إداري ًا بدي ً‬
‫شفاف ًا نزيه ًا‪ ،‬وبعيد ًا عن مظاهر الفساد التي ميزت أكثر من عقد من الزمن‬
‫أداء حركة فتح‪.‬‬
‫‪ .3‬أثبتت حماس على الرغم من احلراك السياسي املتسارع الذي شهدته‪ ،‬أنها‬
‫عصية على االنقسام أو االنشقاق‪ ،‬على الرغم من ما قيل ويقال عن حاالت‬
‫االستقطاب التي حدثت داخل جسمها التنظيمي‪ ،‬بني تيار معتدل وآخر‬
‫متطرف‪ ،‬متشدد وبراجماتي‪ ،‬وهو أمر طبيعي طاملا بقي داخل الصف‬
‫الواحد‪.‬‬
‫‪ .4‬متكنت حماس بالفعل من حتقيق شعارها الذي رفعته حني بررت دخول‬
‫االنتخابات‪ ،‬وهو حماية املقاومة‪ ،‬فلم يشهد عهدها اعتقال مقاوم‪ ،‬أو مصادرة‬
‫سالح‪ ،‬على العكس من ذلك‪ ،‬كل التقديرات العسكرية اإلسرائيلية تؤكد أن‬
‫السنة التي حكمت فيه حماس شهدت تدفق ًا لألسلحة على قطاع غزة‪.‬‬
‫‪ .5‬في املقابل‪ ،‬شهد األداء البرملاني لنواب حماس انتكاسة كبيرة من خالل‬
‫تعطيل املجلس التشريعي‪ ،‬وتغييبه عن ساحة العمل السياسي والقانوني‬
‫ألكثر من خمسة شهور متواصلة‪ ،‬وما يعنيه من تعطيل لألداء الرقابي على‬
‫السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫الشك أن جتربة حماس في احلكم شهدت تضييق ًا اقتصادي ًا وحصار ًا مالي ًا‬ ‫ّ‬ ‫‪.6‬‬
‫لم يسبق له مثيل على الشعب الفلسطيني‪ ،‬عقاب ًا له على اختياره لها‪ ،‬ولم‬
‫تتمكن احلكومة من توفير ح ّد الكفاف للمواطنني‪ ،‬على الرغم من اجلهود‬
‫التي بذلها وزراؤها للبحث عن خيارات مالية أخرى‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫جسدته جملة من‬‫‪ .7‬باإلضافة لعوامل أخرى‪ ،‬شهدت السنة املاضية‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫األحداث األخيرة نشأة لفكر ديني سلفي في مجمله‪ ،‬ال س ّيما في قطاع‬
‫غزة‪ ،‬وأرجعت بعض املصادر إلى أن جزء ًا ال بأس به من قواعد هذا التيار‬
‫“القاعدي”‪ ،‬هم من عناصر حماس الذين لم “يرق” لهم السلوك السياسي‬
‫املرن لقيادة احلركة‪ ،‬وبالتالي وجدوا ضالتهم في هذا الفكر‪.‬‬

‫التقييم اخلارجي‪:‬‬
‫‪ .1‬شكل فوز حماس وتشكيلها حلكومة “خضراء فاقع لونها”‪ ،‬سابقة تاريخية‬
‫وسياسية خصوص ًا مبا بات يعرف بـ“مشروع اإلسالم السياسي”‪ ،‬ال‬
‫ظل احتالل‬ ‫س ّيما وهي حركة مقاومة إسالمية‪ ،‬تدير دفة األمور في ّ‬
‫ال يخفي رغبته بالقضاء عليها‪ ،‬على الرغم من املعاناة التي تكبدتها‬
‫احلركة واجلمهور الذي انتخبها على ح ٍّد سواء‪ ،‬علم ًا بأن بعض الشواهد‬
‫تشير إلى أن حماس في بعض األحيان “غلّبت” جانب “اإلسالم العاملي”‬
‫على حساب “الفلسطيني الوطني”‪ ،‬احلديث ال يدور هنا عن تعارض‬
‫بالضرورة بني املشروعني‪ ،‬لكن أنصار ذلك املشروع العاملي يبدو وكأنهم‬
‫ح ّملوا حماس ما ال تستطيع حمله‪ ،‬وإال فقد كان مطلوب ًا منهم أن يقدموا‬
‫ما ميكن تقدميه ملنح حماس القدرة والقوة على البقاء والتعمير في عهدها‬
‫“السلطوي” طوي ً‬
‫ال‪.‬‬
‫‪ .2‬للمرة األولى خاضت حماس جتربة العمل السياسي والدبلوماسي “على‬
‫أصوله”‪ ،‬فقد وطئت أقدام قادتها‪ ،‬في احلركة واحلكومة على ح ٍّد سواء‪،‬‬
‫الشر‬
‫ّ‬ ‫أراضي دول لم تتجاوز في فكر احلركة أنها دائرة من دوائر‬
‫العاملي واملؤامرة على القضية الفلسطينية‪ ،‬وجاءت التجربة السياسية‬
‫على احملك‪ ،‬لتثبت لها أن السياسة ال تعترف بالعدو املطلق‪ ،‬فالسياسة‬
‫مصالح في معظمها‪ ،‬بعيد ًا عن الشعارات الالزمة الستقطاب اجلمهور‬
‫وحتشيد األنصار في مراحل تاريخية بعينها‪.‬‬
‫‪ .3‬رمبا لم حتسن حكومة حماس قراءة بعض الرسائل الواردة من املجتمع‬
‫الدولي‪ ،‬حيث اعتقدت في كثير من األحيان أن االحتاد األوروبي مث ً‬
‫ال‪ ،‬بإمكانه‬
‫يشب عن الطوق األمريكي‪ ،‬ويتعاطى معها ويوقف احلصار‪ ،‬وهذا في‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫أحسن الظنون قراءة “تبسيطية” لطبيعة العالقات الدولية القائمة‪ ،‬وحتديد ًا‬

‫‪275‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫عدم دراية واسعة كافية بالعالقة التبعية‪ ،‬التي تربط “القارة القدمية” وفق ًا‬
‫لوصف وزير الدفاع األمريكي السابق “دونالد رامسفيلد” للقارة األوروبية‪،‬‬
‫بالقطب األمريكي األوحد‪ ،‬أكثر من ذلك فقد ع ّبر في بعض مناحيه عن‬
‫عدم إملام حماس جيد ًا بطبيعة العالقات الدولية الناجمة عن “تآكل الثنائية‬
‫القطبية”‪.125‬‬

‫العالقة مع “إسرائيل”‪:‬‬
‫منذ اليوم األول لفوز حركة حماس في االنتخابات التشريعية‪ ،‬أشعلت األضواء‬
‫احلمراء داخل أروقة مؤسسات صنع القرار اإلسرائيلي‪ ،‬السياسية والعسكرية منها‬
‫على ح ٍّد سواء‪ ،‬ففوز احلركة لم يعد شأن ًا فلسطيني ًا داخلي ًا‪ ،‬بل يصب في صميم‬
‫طبيعة العالقة بني الفلسطينيني واإلسرائيليني‪ ،‬مما استدعى عقد العديد من اللقاءات‬
‫واحلوارات داخل مؤسسات البحث والدراسات االستراتيجية ملعرفة ما ستؤول إليه‬
‫األمور داخل الساحة الفلسطينية التي غدت تسيطر عليها حماس‪.‬‬

‫أو ًال‪ :‬مسوغات التخوف من فوز حماس‪:‬‬


‫‪ .1‬تعزيز البيئة املعادية لـ“إسرائيل”‪:‬‬
‫أفضى صعود حماس لس ّدة احلكم إلى حدوث ارتباك في العقل االستراتيجي‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬خصوص ًا بعدما أصبحت البيئة االستراتيجية األمنية احمليطة بالدولة‬
‫العبرية غير مريحة خالل سنة ‪ ،2006‬عبر عدد من الشواهد‪ ،‬والعالقة بني صعود‬
‫حماس واحتماالت تغير موازين القوى في منطقة الشرق األوسط‪ ،‬ومدى استقاللية‬
‫احلركة أو تبعيتها للسياقات اإلقليمية‪ ،‬وفي املقابل‪ ،‬سبل جتنيد التأييد الدولي لتدعيم‬
‫سياسة عزل حكومتها‪ ،‬ومن أه ّم هذه الشواهد‪:‬‬
‫ال بحماس‪ ،‬التي غدت تكتسب شرعية دستورية‪ ،‬وخاضت‬ ‫أ‪ .‬العدو الداخلي ممث ً‬
‫معها حرب ًا أسمتها “أمطار الصيف”‪ ،‬بعد أسر مقاتلي احلركة للجندي‬
‫“جلعاد شاليط” في عملية الوهم املتبدد‪.‬‬
‫ب‪ .‬الهزمية التي ُمني بها اجليش خالل حرب متوز‪ /‬يوليو أمام حزب اللّه‪ ،‬التي‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 125‬عبارة شهيرة وردت على لسان املؤرخ األمريكي الشهير بول كينيدي في كتابه‪ :‬القوى العظمى‪:‬‬
‫التغيرات االقتصادية والصراع العسكري‪( ،‬الكويت‪ :‬دار الصباح‪ ،)1993 ،‬ص‪.547‬‬

‫‪276‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أطلق عليها “تغيير الوجهة”‪ ،‬ردا على عملية “الوعد الصادق” التي نفذها‬
‫احلزب وأسر اثنني من اجلنود‪.‬‬
‫ال باملشروع النووي‪ ،‬وافتتاح عهد جديد من‬ ‫ج‪ .‬تنامي اخلطر اإليراني ممث ً‬
‫العالقات الفلسطينية اإليرانية بعد الزيارات التي قام بها نواب حماس‬
‫ووزراؤها لطهران‪ ،‬وما قيل عن مساعدات مالية‪ ،‬وتدريبات قتالية لعناصر‬
‫احلركة هناك‪.‬‬
‫د‪ .‬تزايد احلديث بصورة مركزة أكثر من أي وقت مضى‪ ،‬عن قرب املواجهة‬
‫احلربية بني تل أبيب ودمشق‪ ،‬وهي أكثر املستفيدين واملرحبني بفوز حماس‬
‫في االنتخابات‪.126‬‬
‫هـ‪ .‬ربط مسيرة املقاومة الفلسطينية ببعض التيارات اإلسالمية التي تناصبها‬
‫“إسرائيل” والعالم الغربي العداء‪ ،‬خاصة تنظيم القاعدة‪ ،‬فلم تتورع عن‬
‫وضع صور الشيخ أحمد ياسني إلى جانب صور أسامة بن الدن‪ ،‬من قبيل‬
‫رسم الصورة الذهنية والنمطية أمام الرأي العام العاملي‪ ،‬بل أن فوز حماس‬
‫وتسلمها ملقاليد السلطة جاء فرصة ألن تعلن تل أبيب أن السلطة الفلسطينية‬
‫غدت توازي سلطة طالبان‪ ،‬وبدأنا نسمع نغمة دولة “حماستان”! كما روجت‬
‫“إسرائيل” ملقولة أن السلطة غدت مكون ًا رئيس ًا فيما يعرف بـ“قوس الشر”‬
‫املكون من إيران وسورية وحزب اللّه وحماس!‪.127‬‬
‫وهكذا تنامت البيئة املعادية لـ“إسرائيل” بصورة متسارعة أعقبت فوز حماس‪،‬‬
‫وأسفرت عن دخول متغيرات جديدة مؤثرة لم تستعد لها بالقدر الكافي‪ ،‬أو لم تتوقع‬
‫حدوثها أص ً‬
‫ال‪.‬‬

‫‪ .2‬وقف التفاوض واحلل أحادي اجلانب‪:‬‬


‫دعم انتصار حماس االنتخابي الشكوك اإلسرائيلية بشأن انسداد آفاق جتديد‬
‫الشراكة مع الفلسطينيني في املفاوضات‪ ،‬وأكد على عملية ّ‬
‫فك االرتباط أحادي‬
‫اجلانب‪ ،‬كما زاد من التشكيك في أن االنسحاب من الضفة الغربية سيتيح حلماس‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 126‬جاء ذلك صريح ًا واضح ًا في خطاب الرئيس السوري بشار األسد في أعقاب فوز حماس‪ ،‬وأشار فيه‬
‫تصريح ًا وليس تلميح ًا أن دمشق أكثر املستفيدين من فوزها في االنتخابات‪.‬‬
‫‪ 127‬منذ فوز حماس غدت اآللة الدعائية اإلسرائيلية تردد “سيمفونية” احللف الرباعي‪ ،‬الذي يبدأ من‬
‫ومير بدمشق وبيروت حيث حزب اللّه‪ ،‬وينتهي في غزة حيث حماس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫طهران‬

‫‪277‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫فرصة السيطرة على مناطق شديدة القرب من قلب “إسرائيل”‪ ،‬وعلى الرغم من عدم‬
‫وضوح ما إذا كان باستطاعة حماس التغلب على جميع املعوقات التي تواجهها‪ ،‬إال‬
‫أنها إذا فعلتها‪ ،‬فسوف تلعب دور ًا رئيس ًا في تطوير التفكير اإلسرائيلي‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من عدم تصديق معظم مفكري األمن اإلسرائيليني إلمكانية أن تصبح حماس شريك ًا‬
‫ال سيكون من احملتم إجراء‬ ‫لـ“إسرائيل” يوم ًا ما‪ ،‬فإن هناك من يرى أنه آج ً‬
‫ال أم عاج ً‬
‫محادثات مع حماس‪ ،‬ألنها قد تصبح موثوق ًا بها أكثر من الشركاء اآلخرين‪.‬‬
‫وهكذا تزايدت القناعة اإلسرائيلية وترسخت حالة الفصل مع الفلسطينيني‪ ،‬الذين‬
‫غدوا حتت سيطرة حماس‪ ،‬حيث شعرت “إسرائيل” أنها في حالة تأييد ملبدأ إنهاء‬
‫السيطرة على الفلسطينيني عبر اتخاذ خطوات يت ّم التفاوض بشأنها أو تت ّم بطريقة‬
‫أحادية‪ ،‬وتنتقل مبوجبها السلطات والصالحيات منها إلى السلطة الفلسطينية شريطة‬
‫أن تتولّى األخيرة املسؤولية الكاملة عن أراضيها وسكانها‪ ،‬مبعنى أكثر وضوح ًا‬
‫ساد مبدأ “اجلمود السياسي”‪ ،‬من خالل جلوء احلكومة اإلسرائيلية إلى زيادة ح ّدة‬
‫“املشكالت البنيوية” املتأصلة في العملية السياسية‪ ،‬عبر تفعيل خيار عدم التفاوض‪،‬‬
‫فقد عجز اجلانبان ‪ -‬حتى قبل وصول حماس للسلطة ‪ -‬عن ردم الهوة بني خالفاتهم‬
‫السياسية والتفاوضية‪ ،‬وجاء ت األيديولوجية التي تؤمن بها حماس لتزيد من صعوبة‬
‫تنفيذ االتفاقيات القائمة‪ ،‬أو إحراز تقدم في العملية السياسية‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإنه من املفارقات؛ أن الصدمة التي ع ّمت األوساط اإلسرائيلية بفعل‬
‫فوز حماس‪ ،‬أسفرت عن شيوع اعتقاد مفاده أنها قد تكون الشريك املناسب ّ‬
‫لفك‬
‫ارتباط أحادي من الضفة الغربية‪ ،‬ألن رفضها إجراء مفاوضات حول وضع دائم‬
‫ال عن اعتباراته السياسية واالستراتيجية‬ ‫يجعله خيار ًا أكثر فاعلية‪ ،128‬وهو فض ً‬
‫واألمنية‪ ،‬سيمنح اجلانبني الوقت الالزم‪ ،‬بالنسبة حلماس لتوحيد حكومتها وإثبات‬
‫نفسها‪ ،‬وبالنسبة لإلسرائيليني لدراسة حماس كحزب حاكم‪ ،‬مما دفع بكبير املعلقني‬
‫السياسيني عكيفا ألدار ‪ Akiva Eldar‬ذي العالقات الوطيدة مع احلكومة‪ ،‬أن‬
‫يعنون مقاله السياسي فور فوز حماس في هآرتس بـ‪ :‬كادميا وحماس‪ :‬جتسيد‬
‫لسياسة أحادية اجلانب!‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 128‬سادت هذه القناعة في أوساط حزب كادميا عموم ًا‪ ،‬قبل اندالع املواجهة مع حماس‪ ،‬ونشوب احلرب‬
‫فك االرتباط بصورة ملحوظة‪.‬‬ ‫اإلسرائيلية على لبنان‪ ،‬حيث أغلق ملف خطة ّ‬

‫‪278‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .3‬حتمية رفع السقف السياسي الفلسطيني‪:‬‬


‫رجع منبع القلق اإلسرائيلي باألساس من فوز حماس‪ ،‬إلى نفوذها املتصاعد في‬
‫الشارع الفلسطيني‪ ،‬بفعل تبنيها خطاب ًا وانتهاجها سلوك ًا ميداني ًا أكثر تعبوية في‬
‫ظل املخاوف اإلسرائيلية‬ ‫وجه االحتالل‪ ،‬وبعد الفوز مباشرة زاد منسوب القلق في ّ‬
‫من أن يؤدي دخول حماس للنظام السياسي؛ إلبداء املزيد من التعنت والص ّد أمام ما‬
‫تطرحه من شروط وحلول جزئية للقضية الفلسطينية‪.‬‬
‫وتبدى ذلك في ميدانني اثنني‪ :‬السياسي وامليداني‪ ،‬بحيث حافظت حماس‪ ،‬حركة‬
‫وحكومة‪ ،‬على مواقفها الثابتة‪ ،‬رافضة التسليم “الواضح والصريح” بالشروط التي رفعتها‬
‫الرباعية الدولية‪ ،‬وإن حاولت االستعانة باملفردات اللغوية من إيحاءات واستعارات‪،129‬‬
‫حاولت من خاللها عدم حتميل الشعب مسؤولية مواقفها وثوابتها‪ ،‬مما جعل “إسرائيل”‬
‫تزداد قناعة بتصلب املوقف الفلسطيني‪ ،‬أو على األقل الرفع من سقفه‪.‬‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬فقد تبدى خوف “إسرائيل” احلقيقي من قيام حماس وقادتها‬
‫حل السلطة الفلسطينية من أساسها‪،‬‬ ‫ووزرائها بني احلني واآلخر‪ ،‬بالتلويح بخيار ّ‬
‫وبغض النظر عن جدية التهديد من عدمه‪ ،‬فقد بات أن السلطة‪ ،‬وهي املشروع الدولي‬
‫الذي اتفق العالم كله على قيامه بدور وظيفي يحمي مصالح “إسرائيل” أصبحت رهينة‬
‫بيد أكبر عدو لها في املنطقة‪ ،‬مما جعلها تخوض حملة دعائية حتريضية جلميع دول‬
‫العالم؛ لتبني موقفها مبحاصرة حكومة حماس ومقاطعتها‪ ،‬وفرض القيود والشروط‬
‫عليها‪ ،‬بعد اإلعالن عن حتول السلطة الفلسطينية لـ“كيان إرهابي”! والسعي نـحو‬
‫إفقادها “الشرعية الدولية”!‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬خيارات “إسرائيل” جتاه عالقتها مع حكومة حماس‪:‬‬


‫بعد الصدمة التي أصيبت بها األوساط السياسية والعسكرية جتاه فوز حماس‪،‬‬
‫كان على “إسرائيل” أن تختار بني عدة طرق وخيارات للتعامل مع الواقع اجلديد‪،‬‬
‫مضطرة مكرهة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬سياسة كشف احلصار‪ ،‬من خالل السماح للسلطة الفلسطينية بأداء دورها في‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 129‬بدا ذلك واضح ًا في ما أطلق عليه “تراجع” من حماس في وثيقة األسرى التي عرفت باسم وثيقة‬
‫الوفاق الوطني‪ ،‬واعتبرتها حماس السقف السياسي الذي ميكن أن تتفق عليه مع باقي القوى‪ ،‬في‬
‫الوقت الذي أبدت فيه سابق ًا اعتراض ًا كبير ًا عليها‪ ،‬ثم جاء “تراجع” آخر بصورة أكثر جالء في‬
‫نصوص اتفاق مكة‪ ،‬الذي أعلنت من خالله “احترامها” لالتفاقيات املوقعة‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫احلكم‪ ،‬حتى وإن كانت حماس تسيطر عليها‪ ،‬أو تشارك فيها‪ ،‬وإدارة الصراع‬
‫ض ّد حماس باستخدام الوسائل السياسية‪ ،‬بحيث تضع هذه الوسائل‬
‫حاجات السكان الفلسطينيني في مواجهة أيديولوجية احلركة‪ ،‬واألمل بأن‬
‫يرتقي االعتراف بها لدى احلركة‪ ،‬من املستوى العملي الواقعي إلى املستوى‬
‫اخلطابي الرسمي‪.‬‬
‫‪ .2‬إدارة الظهر‪ ،‬وكأن شيئ ًا لم يتغير في اخلريطة السياسية‪ ،‬والتعامل مبنطق‬
‫“فك االرتباط”‪ ،‬واقتصار العالقة مع “اجليران اجلدد” على إدارة الشؤون‬ ‫ّ‬
‫اليومية‪ ،‬وما يتطلبه من اتصال هنا ولقاء هناك‪ ،‬ليس أكثر‪.‬‬
‫‪ .3‬اعتماد استراتيجية مؤقتة تقوم على عنصرين‪ :‬عدم التسبب في كارثة إنسانية‬
‫خالل فترة رئاسة أبو مازن‪ ،‬والسماح بتحويل قدر ضئيل من عائدات‬
‫الضرائب ملؤسسة الرئاسة‪ ،‬وإظهار الصالبة مع الفلسطينيني‪ ،‬حتى لو كان‬
‫الضرر الذي سيلحق بهم كبير ًا‪ ،‬خصوص ًا أن املوقف الدولي يساند هذه‬
‫اإلستراتيجية‪.‬‬
‫‪ .4‬احلاجة ملراجعة السياسة األمنية‪ ،‬وبلورة سياسة جديدة مبنية على نظرية‬
‫الردع‪ ،‬واستعمال القوة العسكرية من داخل احلدود واملناطق اإلسرائيلية‪،‬‬
‫مع منع حماس وعناصرها من السيطرة على معبر رفح حتى ال تتمكن من‬
‫نقل وإدخال األسلحة‪.‬‬
‫‪ .5‬سياسة املواجهة‪ ،‬من خالل افتعال أحداث داخلية بني اخلصوم املتنافسني‪ ،‬ال‬
‫س ّيما بتحريض “أصدقائها” الذين خسروا السلطة‪ ،‬ولم جتد تل أبيب حرج ًا‬
‫في إمكانية توجيه ضربة قوية ض ّد حماس‪ ،‬بالتعاون مع فتح ومصر واألردن‪،‬‬
‫بهدف ضمان إضعافها بالقدر الذي ميكن خصمها‪ ،‬في الضفة الغربية‬
‫حل املجلس التشريعي واحلكومة‪ ،‬ودعم أبو‬ ‫على األقل‪ ،‬لتصبح قادرة على ّ‬
‫مازن‪ ،‬وتثبيت استقرار النظام السياسي‪ ،‬وينبع املنطق الذي يقف خلف هذه‬
‫السياسة من إدراك “إسرائيل”‪ ،‬أنها عاجزة عن إسقاط حكومة حماس سواء‬
‫عبر الوسائل الدميوقراطية املتاحة‪ ،‬أو بإجبارها على تغيير أيديولوجيتها‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬حذر خبراء إسرائيليون عديدون من نقاط ضعف رئيسة تكتنف “سياسة‬
‫املواجهة” أهمها‪:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 130‬برزت هذه التحليالت والتخوفات عقب االشتباكات الدموية بني فتح وحماس في شهري كانون‬
‫الثاني‪ /‬يناير وأيار‪ /‬مايو ‪ ،2007‬حيث ح ّذر الشاباك في تقارير رسمية من تفوق واضح حلماس‪،‬‬
‫وأ ّكد ذلك بعض الكتّاب‪ :‬آفي سخاروف ‪ ،Avi Sakharov‬وعميت كوهني ‪ ، Amit Cohen‬وعميره‬
‫هاس ‪.Amira Hass‬‬

‫‪280‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أ‪ .‬خطر تداعي السلطة‪ ،‬وإلقاء املسؤولية على “إسرائيل”‪ ،‬ورحيل املنظمات‬
‫الدولية عن املنطقة‪ ،‬ومن املرشح أن يؤدي هذا التطور إللقاء املسؤولية على‬
‫كاهلها‪.‬‬
‫ب‪ .‬انتصار فتح غير مضمون‪ ،‬ورمبا كشفت املواجهة األخيرة مع حماس عن‬
‫ضعف فتح الناجت عن انقساماتها الداخلية‪ ،‬وهو أمر صرحت به احملافل‬
‫األمنية اإلسرائيلية التي ع ّبرت عن قلقها من أداء فتح امليداني في مواجهات‬
‫أيار‪ /‬مايو ‪ ،2007‬وفي املقابل إعجابها بـ“أداء حماس” املنظم‪.130‬‬
‫ج‪ .‬عودة حماس إلى “العمل املسلح”‪ ،‬فمن احملتمل أن تؤدي مواجهة فلسطينية‬
‫داخلية إلى حملها على إنهاء التزامها بضبط النفس الذي ألزمت به نفسها‬
‫وشن حملة كبيرة‬
‫ّ‬ ‫عندما تولّت السلطة‪ ،‬واللجوء بشكل كامل للصراع املسلّح‬
‫ال في خضم املواجهات مع حركة فتح‬ ‫مت فع ً‬
‫من املقاومة املسلحة‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫وإطالق مئات من صواريخ القسام جتاه البلدات املجاورة لقطاع غزة‪.‬‬
‫الشك في حتقيق فتح ملا هو متوقع منها‪ ،‬ألنها تشهد حالة من االنقسام‬ ‫ّ‬ ‫د‪.‬‬
‫وعدم االنضباط‪ ،‬والعديد من أعضائها لهم عالقة بالعمل املسلح‪ ،‬ولذلك‪ ،‬لن‬
‫يضمن انتصارها في هذه املواجهة بالضرورة إلى وضع ح ٍّد للعمل املسلح‪،‬‬
‫كما أن الدعم اإلسرائيلي املكشوف رمبا يدفعها لتنفيذ عمليات مسلحة‬
‫لتثبت أنها ليست لعبة بيد “إسرائيل”‪ ،‬وفي النهاية‪ ،‬رمبا تتأ ّذى شرعيتها‬
‫إذا ُع ّد نصرها ناجم ًا عن الدعم اإلسرائيلي‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬السلوك اإلسرائيلي جتاه حكومة حماس‪:‬‬


‫ظل القراءات “السوداوية” التي قدمتها مختلف األوساط اإلسرائيلية لفوز‬ ‫في ّ‬
‫حماس‪ ،‬الرسمية منها واإلعالمية والبحثية‪ ،‬آن األوان إللقاء نظرة فاحصة على‬
‫األداء السياسي وامليداني جتاه احلركة‪ ،‬التي شكلت احلكومة األولى من نوعها في‬
‫املنطقة العربية‪ ،‬أو ًال ألنها إسالمية التوجه والفكر‪ ،‬وثاني ًا وهو األهم ألنها ترفع‬
‫ال أساسي ًا للتخلص من االحتالل‪ ،‬وقد تركز السلوك اإلسرائيلي‬ ‫شعار املقاومة سبي ً‬
‫في هذه النواحي‪:131‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 131‬بادر توماس فريدمان ‪ ،Thomas Friedman‬الكاتب األمريكي الشهير‪ ،‬بتوجيه “النصح” للمجتمع‬
‫الدولي بانتهاج سياسة غير مسبوقة مع حكـومة حمـاس‪ ،‬لم تكتب بعد في كتب السياسة والتاريخ‪،‬‬
‫نظر ًا ألن فوزها وهي متمسكة مبواقفها في ّ‬
‫ظل موازين القوى السائدة لم يكتب في التاريخ سابق ًا‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .1‬الصعيد السياسي‪:‬‬
‫أ‪ .‬تعاملت “إسرائيل” مع صعود حماس للحكم من خالل استخدام مصطلحات‬
‫تاريخية في الذاكرة اجلماعية اليهودية‪ ،‬ذات صلة باملرحلة النازية‪ ،‬بغرض‬
‫حتشيد الرأي العام خلف السياسة الرسمية للحكومة‪ ،‬حيث ُع َّد فوزها مشابه ًا‬
‫لفوز النازيني في أملانيا‪ ،‬ومبثابة “هزة أرضية”‪ ،‬و“كارثة جديدة”‪ ،‬مما دعا‬
‫عدد ًا من السياسيني ملعاملة قادة حماس كما قادة النازية! وشبهوا ميثاقها‬
‫بكتاب “كفاحي” لهتلر‪ ،‬وهذا األمر نلحظه في استطالع للرأي أجري بني‬
‫اإلسرائيليني‪ ،‬إذ رأى ‪ % 55‬منهم أن فــوز حمــاس يشكـل خطـر ًا وجودي ًا‬
‫على الدولة‪ ،‬وقال ‪ % 42‬منهم أن سياستها جتاه حكومة حماس متساهلة‬
‫جد ًا!!‪.132‬‬
‫ب‪ُ .‬ع َّد هذا املوقف السياسي متهيد ًا لتقبل العالم ألي سلوك ميداني قد تقدم عليه‬
‫“إسرائيل” ضد احلكومة “احلمساوية”‪ ،‬التي أعلنت أنها ليست شريك ًا في‬
‫أي مفاوضات‪ ،‬بحيث أنها حني أقدمت على الكثير من التهديدات واإلجراءات‬
‫امليدانية‪ ،‬لم تقابل بردود فعل حقيقية باستثناء تصريحات إعالمية خجولة‪.‬‬
‫ج‪ .‬إرهاق احلكومة “الوليدة” بالعديد من املقترحات السياسية بني احلني‬
‫واآلخر‪ ،‬ال س ّيما إعالن الثالوث غير املقدس في وجه حماس وهو‪ :‬االعتراف‬
‫بـ“إسرائيل”‪ ،‬االلتزام باالتفاقات املوقعة‪ ،‬نبذ “اإلرهاب”! مما جعلها تدير‬
‫“اشتباكات” سياسية عديدة مع أطراف فلسطينية وعربية ودولية‪ ،‬ووقوعها‬
‫بالتالي في دائرة ر ّد الفعل على ما ميارس بحقها من ضغوط سياسية تشتد‬
‫بني يوم وآخر‪.‬‬

‫‪ .2‬الصعيد العسكري‪:‬‬
‫أ‪ .‬التصعيد امليداني غير املسبوق الذي ُع َّد “هدية” إسرائيلية حلكومة حماس‪،‬‬
‫من خالل تصعيد سياسة االغتياالت واالعتقاالت واالجتياحات‪ ،‬وقد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫غصت بها الصحافة اإلسرائيلية فور فوز حماس العديد‬ ‫‪ 132‬تضمنت العديد من املقاالت والتعليقات التي ّ‬
‫من املصطلحات في هذا االجتاه‪ ،‬ومن أبرز كتابها‪ :‬بن درور مييني ‪ ،Ben-Dror Yemini‬أرييه‬
‫إلداد ‪ ،Arie Eldad‬بنيامني نتنياهو ‪ ،Benjamin Netanyahu‬عوزي أراد‪ ،Uzi Arad‬دوري‬
‫غولد ‪ ،Dore Gold‬سيفر بلوتسكر ‪ ،Sever Plocker‬الذين عنونوا مقاالتهم مبثل هذه العبارات‪:‬‬
‫اخلميني وكاسترو في دولة حماس‪ ،‬فوز حماس‪ ..‬في خدمة اإلسالم العاملي‪ ،‬انتصار حماس يشكل‬
‫خطر ًا على “إسرائيل”‪ ،‬حماس الالشريك القادم‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫استبقت املصادقة على احلكومة في منتصف آذار‪ /‬مارس ‪ 2006‬بالعملية‬


‫العسكرية‪ ،‬التي استهدفت إلقاء القبض على أمني عام اجلبهة الشعبية‬
‫أحمد سعدات املعتقل في سجن أريحا‪ ،‬وأكثر من ذلك فقد سقط العشرات‬
‫من الشهداء‪ ،‬وأصيب املئات‪ ،‬واعتقل اآلالف خالل سنة كاملة من عمر‬
‫حكومة حماس‪ ،‬وهي السياسة املسماة “إبقاء األرض مشتعلة” حتت أقدام‬
‫احلكومة‪ .‬ومن اجلدير ذكره أن عدد الشهداء الفلسطينيني سنة ‪ 2006‬بلغ‬
‫‪ 692‬شهيد وبلغ عدد اجلرحى ‪ 3,126‬جريح‪ ،‬أما املعتقلون فبلغ عددهم‬
‫‪ 11,000‬معتقل‪.‬‬
‫شن حمالت اعتقال‬ ‫ب‪ .‬خطا اجليش اإلسرائيلي خطوات متقدمة حني بادر إلى ّ‬
‫بحقّ العشرات من نواب حكومة حماس ووزرائها‪ ،‬تفسير ًا ملا أعلنه سابق ًا‬
‫من أنه ال حصانة لها وملمثليها‪ ،‬وهو سابقة خطيرة لم تقدم عليها أي‬
‫من حكومات العالم في وقت سابق‪ ،‬بل والتهديد بتصفية رئيس احلكومة‬
‫ووزرائها التهامهم بـ“تلطخ أيديهم بالدماء اإلسرائيلية”! وزادت التهديدات‬
‫ح ّدة مؤخر ًا‪ ،‬مع تزايد سقوط صواريخ القسام على املستوطنات‪.‬‬
‫ج‪ .‬من خالل العناصر املرتبطة بها‪ ،‬واصلت تل أبيب برنامج الفلتان األمني‬
‫“املنظم”‪ ،‬عبر افتعال حوادث القتل واالختطاف والسطو‪ ،‬هادفة من ذلك‬ ‫ّ‬
‫إلشغال حكومة حماس بامللفات الطارئة بني احلني واآلخر‪ ،‬بد ًال من التفرغ‬
‫لتطبيق برنامجها االنتخابي “التغيير واإلصالح”‪ ،‬األمر الذي جنحت فيه‬
‫إلى ح ٍّد بعيد‪.133‬‬

‫‪ .3‬الصعيد االقتصادي‪:‬‬
‫أ‪ .‬أولت “إسرائيل” اهتمام ًا بالغ ًا للحصار االقتصادي واملالي الذي فرضته‬
‫على حكومة حماس‪ ،‬عبر تعطيل اتفاقية العائدات اجلمركية‪ ،‬في ّ‬
‫ظل وجود ما‬
‫يزيد عن ‪ 125‬ألف موظف في صفوف السلطة الفلسطينية‪ ،‬الذين يحتاجون‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 133‬العام الكامل من عمر حكومة حماس شهد تعطل املجلس التشريعي عن العمل‪ ،‬وعدم االنعقاد مدة‬
‫خمسة أشهر متواصلة بسبب الفوضى األمنية املتالحقة‪ ،‬وعلى صعيد احلكومة انشغلت الوزارات‬
‫بامللفات الطارئة واملستجدة‪ ،‬وكان أهمها التعيينات التي رفضها رئيس السلطة‪ ،‬والشلل الذي دب في‬
‫أروقة وزاراتها بسبب ما قالت عنه سحب ًا لصالحياتها من قبل هيئات وسلطات‪ ،‬أنشأها مكتب رئاسة‬
‫السلطة بصورة موازية لها‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫صبيحة كل آخر شهر ما قيمته ‪ 150‬مليون دوالر كرواتب شهرية‪.‬‬


‫ب‪ .‬بثت “إسرائيل” دعاية إعالمية موجهة باألساس للرأي العام الدولي‬
‫واملؤسسات املالية املانـحة‪ ،‬مفادها أن األموال التي تأتي لـ“سلطة حماس”‬
‫لن تذهب لرواتب املوظفني‪ ،‬ومشاريع البنية التحتية‪ ،‬وحتسني ظروف‬
‫الفلسطينيني‪ ،‬بل ستجد طريقها ملخازن السالح وتصنيع املتفجرات التي‬
‫متلكها احلركة‪ ،‬مما منع الكثير من الدول الغربية من دفع مستحقاتها‪،‬‬
‫وتلكؤ األطراف العربية عن اإليفاء بوعود قطعتها في قمم عربية‪ ،‬حتى في‬
‫ظل رؤيتها للفلسطينيني يتضورون جوع ًا‪ ...‬خشية اتهامهم باإلسهام في‬ ‫ّ‬
‫متويل “اإلرهاب” من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى قطع “األوكسجني” عن حكومة‬
‫حماس املتمثل باألموال‪.‬‬
‫ج‪ .‬استخدمت “إسرائيل” سيطرتها على املعابر التجارية من وإلى الضفة‬
‫الغربية‪ ،‬وقطاع غزة للضغط على احلكومة في إعاقة وصول البضائع والسلع‬
‫وشل حركة البناء وشيوع الركود االقتصادي‪ ،‬مبعنى‬ ‫ّ‬ ‫األساسية واألدوية‪،‬‬
‫ال عن احلصار املالي‪ ،‬مما أوقع‬‫أنها مارست عليهم حصار ًا غذائي ًا‪ ،‬فض ً‬
‫حكومة حماس في حرج أمام جماهيرها يتعلق بـ‪ :‬توفير لقمة العيش!‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬سياسة حماس إزاء العالقة مع “إسرائيل”‪:‬‬


‫‪ .1‬االحتفاظ مبواقفها السياسية املعلنة‪ ،‬على الرغم مما شابها في اآلونة األخيرة‬
‫من “متييع” واضح أنه مقصود من قبل قيادتها‪ ،‬كتصريح رئيس مكتبها‬
‫السياسي من أن حماس تتجه حالي ًا ملا وصفه بـ“اجلهاد املدني”‪ ،‬فيما‬
‫أكد رئيس وزرائها في برنامج حكومته أن احلكومة تدعم املقاومة بكل‬
‫أشكالها‪ ،‬وعلى رأسها “املقاومة الشعبية”‪ ،‬وهي مفردة غابت كثير ًا في‬
‫مفردات القاموس السياسي للحركة‪.‬‬
‫‪ .2‬رفض وقف املقاومة‪ ،‬بجميع أشكالها ومستوياتها‪ ،‬واتضح ذلك من‬
‫خالل‪:134‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 134‬من اجلدير ذكره أن من األسباب األساسية في فوز حماس عاد إلى قناعة الفلسطينيني بالدور الذي‬
‫لعبته احلركة في حتقيق االنسحاب اإلسرائيلي من قطاع غزة‪ ،‬حيث أظهر استطالع للرأي أجراه‬
‫املركز الفلسطيني للبحوث السياسية واملسحية أن ‪ % 84‬من الفلسطينيني يرون أن االنسحاب الذي ّ‬
‫مت‬
‫جاء انتصار ًا للمقاومة املسلحة التي تقودها حماس‪ ،‬انظر‪www.pcpsr.org :‬‬

‫‪284‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أ‪ .‬تصعيد موجة صواريخ القسام‪ ،‬ال س ّيما خالل املواجهة األخيرة التي‬
‫انطلقت في منتصف أيار‪ /‬مايو ‪ ،2007‬وتنفيذ عملية الوهم املتبدد‬
‫في أواخر حزيران‪ /‬يونيو ‪ ،2006‬وأسرها للجندي جلعاد شاليط‬
‫واحتفاظها به سن ًة كامل ًة مما شكل مفاجأة حمساوية لـ“إسرائيل” من‬
‫العيار الثقيل‪.‬‬
‫ب‪ .‬استمرار حماس في تخزين السالح والعتاد والتدريبات امليدانية‬
‫لعناصرها‪ ،135‬بل وإنتاجه وتصنيعه‪ ،‬وحتسينها لفعالية صواريخها‬
‫وقدرات قذائفها لتتمكن من ضرب مدن أساسية مثل عسقالن وأسدود‬
‫وغيرها‪ ،‬حيث تشير التقديرات إلى أن غزة حتتوي على مائة ألف رشاش‬
‫حربي تقريب ًا‪ ،‬مما يجعل سكان غزة األكثر تسلح ًا في الشرق األوسط‪،‬‬
‫وخالل عهد حكومة حماس متكنت فصائل املقاومة من إدخال ما يقارب‬
‫الثالثني طن من مادة ‪ ،TNT‬إلى داخل القطاع‪.‬‬
‫ّ‬
‫تشل قدرة‬ ‫ج‪ .‬السعي لبناء أنظمة مضادة للدبابات والطائرات‪ ،‬ميكنها أن‬
‫اجليش اإلسرائيلي احلالية على الدخول إلى غزة بسهولة‪ ،‬عبر استخدام‬
‫النوع اجلديد من الصورايخ الذي استخدم في لبنان‪.‬‬
‫بحل السلطة‪ ،‬وقناعة حماس بأن تفكيكها سيعزز “استراتيجية‬ ‫ّ‬ ‫‪ .3‬التهديد‬
‫االنفجار الداخلي”‪ ،‬بحيث جتد “إسرائيل” نفسها مضطرة لتولي املسؤولية‬
‫الكاملة عن مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬يضاف إلى ذلك أن ّ‬
‫حل‬
‫السلطة سيجعل الفصل الدائم بني “إسرائيل” والفلسطينيني صعب ًا‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬تقييم السياسة اإلسرائيلية جتاه العالقة مع حماس‪:‬‬


‫منذ اللحظة األولى إلطالق وصف “االنقالب” على فوز حماس‪ ،‬على الرغم من أنها‬
‫جاءت وفق انتخابات نزيهة شهد العالم بدميوقراطيتها وشفافيتها‪ ،‬واعتباره حتدي ًا‬
‫جديد ًا ملفهوم األمن اإلسرائيلي‪ ،‬وعلى وجه اخلصوص املوقف من اجليران اجلدد‪،‬‬
‫فقد استدعى من “إسرائيل” التعامل مع حماس “السلطة”‪ ،‬مبنطق ال ّ‬
‫يقل ش ّدة عن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 135‬بدا ذلك في دراسة بعنوان “إيران تبني حماس ستان في غزة” للجنرال شالوم هراري ‪Shalom‬‬
‫‪ Harari‬الصادرة عن مركز القدس للعالقات العامة ‪ ،JCPA‬في ‪ ،2007/3/11‬ترجمها مركز الزيتونة‬
‫للدراسات واالستشارات؛ وتقرير موسع آخر للمحلل العسكري اليكس فيشمان ‪Alex Fishman‬‬
‫بعنوان‪ :‬حماس تطور الصواريخ وتعد العدة ملا بعد االنتخابات‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫تعاملها مع حماس “احلركة”‪ ،‬في الوقت الذي توقع العديدون تغير املوقف بالعكس‪،‬‬
‫في محاولة الستدراجها ملواقف أكثر ليونة ومرونة‪ ،‬وتساوق ًا مع مطالبها وشروطها‪.‬‬
‫لذلك جاءت السياسة اإلسرائيلية احلالية جتاه سلطة حماس معلنة صراحة عن‬
‫هدفني أساسيني‪ :‬إما التسبب في إسقاط حكومتها‪ ،‬أو في إحداث حت ّول أيديولوجي‬
‫ال باالعتراف بها‪ ،‬واملصادقة على‬‫يوازي “االنقالب”‪ ،‬الذي فوجئت “إسرائيل” به‪ ،‬ممث ً‬
‫حل السلطة أو حدوث أزمة‬ ‫االتفاقيات السابقة‪ ،‬ووقف العمليات املسلحة‪ ،‬مع جتنب ّ‬
‫إنسانية‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ميكن تقييم العالقة مع حماس التي أرادتها “إسرائيل” تصعيدية‬
‫وصدامية‪ ،‬من خالل‪:‬‬
‫‪ .1‬إدراك أوساط إسرائيلية عديدة حقيقة مفادها أن الدولة تواجه ما تطلق عليها‬
‫“دونية” في استراتيجية مواجهة حركة حماس وحكومتها في آن واحد؛‬
‫فاألدوات التي تستخدمها لكي تضع حد ًا لسيطرتها على الفلسطينيني‪،‬‬
‫أقل فاعلية من األدوات التي تستخدمها حماس ملنع “إسرائيل” من إحداث‬ ‫ّ‬
‫اختراق على اجلبهة السياسية‪.‬‬
‫‪ .2‬فشل سياسة اإلعاقة بعد مرور سنة على تطبيقها‪ ،‬حيث لم تظهر حماس‬
‫أي إشارات “جدية” تفيد بأنها ستفي بـ“املطالب الثالثة”‪ ،‬وبدأ احلصار‬
‫االقتصادي الذي فرضته “إسرائيل” واملجتمع الدولي يتصدع‪ ،‬وأصبحت‬
‫السلطة الفلسطينية على شفير حرب أهلية‪ ،‬وهناك خطر متزايد من احتمال‬
‫انهيارها وحدوث أزمة إنسانية‪ ،‬إضافة لتراجع “إسرائيل” عن هدفها‬
‫بإنهاء السيطرة على الفلسطينيني وحتقيق اختراق سياسي‪ ،‬في حني تُعزز‬
‫حماس من روابطها باحملور اإلقليمي الذي حتدثت عنه األوساط اإلسرائيلية‬
‫وزاد اعتمادها عليه‪.‬‬
‫‪ .3‬وصول “إسرائيل” إلى قناعة “متأخرة” بعدم تصديق إمكانية تغيير حماس‬
‫التي تنتهج سياسة وصفتها بـ“امللتوية”‪ ،‬والقائمة على تقدمي خطاب إعالمي‬
‫مرن ومهادن عندما يتحدث مسؤولوها لوسائل إعالم غربية‪ ،‬وخطاب آخر‬
‫متشدد موجه للداخل الفلسطيني‪ ،‬كما نفت وثيقة مؤمتر هرتسيليا السادس‬
‫األخير إمكانية أن تتغير حماس بسبب مشاركتها في االنتخابات؛ نظر ًا مليل‬
‫ميزان القوى لصاحلها وضعف النظام السياسي الفلسطيني‪ ،‬ووصولها‬
‫ملواقع القوة والنفوذ دون أن تغ ِّير قيد أمنلة من مواقفها‪ ،‬مما جعل صعودها‬

‫‪286‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ميثل حتدي ًا استراتيجي ًا من الدرجة األولى لـ“إسرائيل”‪.‬‬


‫‪ .4‬القناعة التي بدأت تترسخ في بعض األوساط السياسية والنخب الثقافية‬
‫مفر من للدخول في حوار مع‬‫‪ -‬ولو في حدودها الدنيا ‪ -‬من ضرورة أنه ال ّ‬
‫حركات “اإلسالم السياسي”‪ ،‬وحماس كمثال‪ ،‬أما النبذ واملقاطعة‪ ،‬فهما‬
‫وصفة للكارثة‪ ،‬وبالتالي يأتي فتح املجال للنشاط السياسي الشرعي لها‪،‬‬
‫مبا في ذلك االعتراف بحقها في احلكم‪ ،‬أفضل السبل لتشجيع اعتدالها‪،‬‬
‫وعليه تنصح هذه النخب بأن تتجنب “إسرائيل” وأصدقاؤها سياسة‬
‫الهش مما تسميه “اجلهاد‬‫ّ‬ ‫السحق واإلبادة حلماس‪ ،‬بل بتثبيت انتقالها‬
‫الثوري” إلى “سياسة املساومات”‪.136‬‬

‫سادس ًا‪ :‬استخالصات‪:‬‬


‫‪ .1‬من الواضح أن حماس‪ ،‬حركة وحكومة‪ ،‬اتفقتا في احملور السياسي على‬
‫بحل الدولتني‪ ،‬إلى انسحاب‬‫ّ‬ ‫أن تصل آخر القراءات السياسية اخلاصة‬
‫إسرائيلي كامل من األراضي احملتلة في ‪ ،1967/6/5‬وتبدى ذلك بصورة‬
‫واضحة وجلية فيما أعلنته احلركة عقب اتفاق مكة أنها بصدد تقدمي لغة‬
‫سياسية جديدة‪ ،‬عنوانها األساسي‪ :‬القبول بدولة فلسطينية مستقلة كاملة‬
‫السيادة على الضفة الغربية‪ ،‬وقطاع غزة‪ ،‬والقدس الشرقية‪ ،‬ولذلك ليس‬
‫ثمة ما يلوح في األفق القريب واملتوسط والبعيد أن هناك “تناز ًال” آخر قد‬
‫تقدمه حماس في هذا امللف‪.‬‬
‫‪ .2‬جتربة سنة واحدة فقط‪ 12 ،‬شهر ًا‪ ،‬عاشتها حماس وحكومتها في ّ‬
‫ظل‬
‫ضغوط متواصلة ومتالحقة‪ ،‬وأزمات مالية وأمنية متفاقمة‪ ،‬واستدراجات‬
‫واستقطابات إقليمية ودولية‪ ،‬جعلتها في “عجلة من أمرها”‪ ،‬بحيث متكنت‬
‫تلك الضغوط وأصحابها‪ ،‬واألزمات ومفتعلوها‪ ،‬من أن حتدث في حماس‬
‫تغييرات ذات قيمة وأثر كبير‪ ،‬على األقل في مظهرها اخلارجي‪ ،‬وإن لم تغير‬
‫كما يبدو في املواقف السياسية التاريخية للحركة‪ ،‬فمن كان يتصور للحظة‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 136‬بدا ذلك واضح ًا في آخر مقال نشره وزير اخلارجية األسبق شلومو بن عامي ‪Shlomo Ben-‬‬
‫‪ ،Ami‬جريدة هآرتس‪ ،2007/4/20 ،‬كما جتلت هذه القناعات بصورة واضحة في حتليل موسع‬
‫ألفرامي ليفي ‪ ،Efraim Levy‬مدير مركز تامي شتاينمتس لبحوث السالم والباحث في مركز دايان‬
‫التابع جلامعة تل أبيب‪ ،‬هآرتس‪.2007/4/1 ،‬‬

‫‪287‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ما أن يغيب خطاب التعبئة الشعبية املمهور دائما بعبارة “فلسطني من‬
‫النهر إلى البحر”‪ ،‬واستبداله بدولة على حدود الـ‪ ،1967‬أكثر من ذلك‪ ،‬فقد‬
‫قالت حماس في املبادرة العربية ما لم يقل مالك في اخلمر‪ ،‬لكنها سرعان‬
‫ما قبلت بها‪ ،‬وع ّدتها السقف السياسي العربي الذي تقبل به‪ ،‬مبعنى أكثر‬
‫وضوح ًا أن ازدياد الضغط قد يسفر بني حني وآخر عن تنازل هنا‪ ،‬ومرونة‬
‫هناك‪.‬‬
‫‪ .3‬دون الدخول في تفاصيل ماهية التنازالت التي أقدمت عليها حماس‪ ،‬شكلية‬
‫كانت أو فعلية‪ ،‬فقد أسفرت عن عدد من املفاعيل‪ ،‬الداخلية واخلارجية‪ ،‬على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪ .‬مسيرة سنة من احلراك السياسي الذي خاضته احلركة ق ّدم خطاب ًا‬
‫ّ‬
‫الشك أنه فاجأ احمليط الدولي‬ ‫سياسي ًا إسالمي ًا جديد ًا حلركة مقاومة‪،‬‬
‫واإلقليمي‪ ،‬لكنه في الوقت ذاته “فتح شهيتهم” على مزيد من التنازالت‪،‬‬
‫حتى لو كانت شكلية ولفظية ال تقدم وال تؤخر‪.‬‬
‫ب‪ .‬لوحظ أن هناك تسارع ًا واضح ًا من قبل احلركة في التجاوب مع‬
‫ما يطرح محلي ًا وإقليمي ًا ودولي ًا‪ ،‬بدء ًا بوثيقة األسرى‪ ،‬مرور ًا باملبادرة‬
‫العربية‪ ،‬ورمبا انتهاء باحترام االتفاقيات التي كان رفضها باجلملة‬
‫معلم ًا بارز ًا من معالم اخلطاب السياسي التاريخي حلركة حماس طوال‬
‫خمسة عشر عام ًا‪.‬‬
‫ج‪ .‬القراءة الدقيقة لطبيعة اخلريطة السياسية في “إسرائيل”‪ ،‬احلالية‬
‫واملستقبلية‪ ،‬تشير بصورة ال تقبل التأويل‪ ،‬إلى انسداد أي أفق سياسي‬
‫“تفاوضي” مع الفلسطينيني‪ ،‬مما يعني ‪ -‬وهو كالم موجه حلماس‬
‫وباقي القوى السياسية ‪ -‬التوقف عن طرح أي تصورات أو مبادرات‬
‫أو مشاريع‪ ،‬ألنها ستصطدم بجدار الرفض اإلسرائيلي‪ ،‬على كل‬
‫األحوال‪.‬‬
‫أخير ًا‪ ...‬فإن عالقة حماس بـ“إسرائيل” والعكس‪ ،‬ميكن تلخيصها بأنه وعلى‬
‫الرغم من حجم الضغط الشديد الذي مورس عليها‪ ،‬والصعوبات التي واجهتها أول‬
‫حكومة تقودها حركة مقاومة وتعلن متسكها بها‪ ،‬إال أن سن ًة كامل ًة من السياسة‬
‫اإلسرائيلية كشف عن فشل إسرائيلي نسبي‪ ،‬يرتفع حين ًا وينخفض حين ًا آخر‪،‬‬
‫وفق ًا لطبيعة امليدان الذي حوربت فيه حماس وحكومتها‪ ،‬سياسي ًا كان أو اقتصادي ًا‬

‫‪288‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أو أمني ًا ميداني ًا‪ ،‬ولذلك جاء ت الدعوات من داخل “إسرائيل” إلعادة تقييم هذه‬
‫السياسة‪ ،‬وإجما ًال ميكن استخالص أن جتربة حماس في السلطة أظهرت قصور‬
‫الفكر االستراتيجي اإلسرائيلي الذي بات يدير الصراع بإجراءات عسكرية عاجزة‬
‫عن حتقيق أهداف سياسية؛ وهو قصور في إدراك معنى صعود حماس‪ ،‬وأفضى إلى‬
‫الفشل في توقع سلوكها‪ ،‬مما انعكس على إرباك التخطيط اإلسرائيلي في التعامل مع‬
‫القضية الفلسطينية عموم ًا‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫العالمي حلما�س يف “عهد ال�سلطة”‬ ‫أ‬


‫الداء إ‬
‫د‪ .‬فريد أبو ضهير‬
‫‪137‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫حماس‪“ ...‬حركة خرجت من رحم األمة” كما يقول البعض‪ ،‬ودخلت في تفاصيل‬
‫حياتها لتصبح الرمز الذي يترجم آمال الكثيرين وآالمهم وأحالمهم وطموحهم‪ .‬ليس‬
‫هذا الكالم من قبيل مبالغة‪ ،‬وإمنا هو توصيف بسيط لواقع معقد‪ .‬فالشعوب العربية‬
‫واإلسالمية‪ ،‬وحتديد ًا الشعب الفلسطيني‪ ،‬وقع كاجلثة الهامدة بعد سقوط اخلالفة‪،‬‬
‫وأخذ يغرق في بحار من الهزائم والكوارث‪ ،‬بل والذل‪ ،‬وغياب األمل‪ ،‬وانسداد األفق‬
‫في أي مستقبل‪ ،‬ووجد نفسه في تيه البحث عن الذات واملستقبل‪.‬‬
‫لم تنزل حماس كمعجزة من السماء؛ لتخرج الناس من ظالم اليأس إلى نور األمل‪.‬‬
‫متر بها األمة بأسرها‪ ،‬وتتجسد في األعراض‬ ‫ولكنها كانت تعبير ًا عن حالة متأزمة ّ‬
‫الصارخة ألمراضها‪ .‬هذه األعراض هي “امللحمة” الواقعة في فلسطني‪.‬‬
‫وعندما نتحدث عن حماس‪ ،‬فإننا ال نتحدث عن تنظيم ذي خبرة عريقة في العمل‬
‫ظل ظروف طبيعية‪ ،‬وقادر بالتالي على مراكمة‬ ‫السياسي‪ ،‬أو عن فصيل يعمل في ّ‬
‫التجربة وتطوير املؤسسات الالزمة لضبط إيقاع عمل هذه احلركة‪ ،‬حتى يتسنى‬
‫بالتالي محاسبتها على أي قصور أو كبوة‪ .‬ولكن مع ذلك‪ ،‬فإنه ال عذر ألي فصيل‬
‫فلسطيني‪ ،‬سواء كان حماس أو غيرها‪ ،‬ألن الوضع الطبيعي لـ“حركات التحرر” هو‬
‫أن يكون غير طبيعي‪.‬‬
‫األمر اآلخر الذي ينبغي اإلشارة إليه في هذه املقدمة‪ ،‬هو أن ممارسة حماس‬
‫في مرحلة املقاومة‪ ،‬أو حتديد ًا مرحلة ما قبل الفوز بالتشريعي‪ ،‬ميكن أن وضعها‬
‫في إطار يختلف عن اإلطار الذي أصبحت في ظلّه أغلبية في املجلس التشريعي‪،‬‬
‫ومش ّكلة للحكومة العاشرة وما بعدها‪ .‬فلم يكن مطلوب ًا من حماس أن يكون لها‬
‫موقف يتساوق مع املواقف الدولية والعربية‪ ،‬ولم يطلب منها أحد في السابق أن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 137‬كاتب فلسطيني‪ ،‬قسم الصحافة واإلعالم‪ ،‬جامعة النجاح‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ال بـ“إسرائيل” أو تدين العمليات الفدائية‪ ،‬أو غير ذلك‪ .‬فهي‪ ،‬عملي ًا‪،‬‬ ‫تعترف مث ً‬
‫لم تكن متثل أكثر من نفسها‪ ،‬مع أنها كانت ترى أنها متثل األمة في “نضالها”‬
‫ض ّد االحتالل‪ ،‬وض ّد املشروع الغربي‪ ،‬الذي متثل “إسرائيل” رأس حربته‪ ،‬في‬
‫املنطقة‪.‬‬
‫بعد أن فازت حماس في انتخابات املجلس التشريعي‪ ،‬وبعد أن شكلت احلكومة‬
‫العاشرة‪ ،‬كان عليها أن تنهج نهج ًا جديد ًا‪ ،‬ليس فقط على مستوى العمل السياسي‬
‫والعسكري‪ ،‬ولكن أيض ًا على مستوى اخلطاب اإلعالمي‪ ،‬والتعبير عن املواقف في‬
‫التعاطي مع املجتمع الدولي والدول العربية‪.‬‬
‫لقد كان قفز حماس إلى سدة احلكم في فترة قياسية أمر ًا مفاجئ ًا‪ ،‬كما قال‬
‫الكثيرون‪ ،‬للجميع‪ ،‬وحلماس على وجه اخلصوص‪ .138‬كان على حماس أن تبدأ بالتفكير‬
‫في قضايا جوهرية ستفرض نفسها على أجندتها منذ اليوم األول‪ .‬كان عليها أن تفكر‬
‫كيف ستتعامل مع شعارها “ي ٌد تبني‪ ...‬وي ٌد تقاوم”‪ ،‬وهي تعلم أن “إسرائيل” تهدم‬
‫كل ما يبنيه الشعب الفلسطيني‪ ،‬وتواجه بقسوة كل أساليب املقاومة‪ .‬وتعلم كذلك‬
‫بالتناقض القائم بني هذا الشعار وبني النهج الذي سارت عليها السلطة منذ قيامها‬
‫في السنة ‪ .1995‬وتدرك حماس كذلك أن احمليط العربي والدولي لن يتقبل بسهولة‬
‫حكومة تقودها حماس ألسباب كثيرة‪ ،‬ال مجال لذكرها في هذا املقام‪.‬‬
‫هذا غيض من فيض؛ فالتحديات التي واجهت احلكومة التي شكلتها حماس‬
‫كانت أكبر وأعمق وأقسى مما كان ميكن لها أن تتوقع وهي تخوض االنتخابات‬
‫التشريعية في السنة ‪ ،2005‬فاألوضاع الداخلية‪ ،‬والتي وصلت إلى مرحلة في‬
‫ظل احلكومات السابقة‪ ،‬كانت تشير إلى إمكانية انهيار األوضاع‬ ‫غاية السوء في ّ‬
‫مع صعود حماس إلى سدة احلكم‪ .‬ثم احلصار املالي واالقتصادي الذي لم تتوقع‬
‫حماس أن يصل إلى هذا احل ّد‪ ،‬خنق الشعب الفلسطيني‪ ،‬وزاد من حدة األزمة‪،‬‬
‫وهدد بانهيار كيان السلطة بالكامل‪ .‬ثم بالطبع احلصار السياسي‪ ،‬واملقاطعة غير‬
‫ال عن مقاطعة الدول الغربية‬ ‫املعلنة التي مارسها العرب ض ّد احلكومة العاشرة‪ ،‬فض ً‬
‫لها‪ ،‬كل ذلك دفع حماس إلى وضع ال حتسد عليه‪ .‬ولكنها صمدت‪ ،‬صمدت بشكل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 138‬كتبت الصحافة بإسهاب حول النتيجة املفاجئة في االنتخابات‪ ،‬ومن ضمن ما كتب ما جاء على لسان‬
‫تيسير خالد‪ ،‬عضو املكتب السياسي للجبهة الدميوقراطية وعضو اللجنة التنفيذية ملنظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ ،‬في مقال له على موقع الهيئة العامة لالستعالمات‪ ،‬املركز الصحافي الدولي‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.ipc.gov.ps/ipc_new/arabic/interview/print.asp?name=13641‬‬

‫‪291‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫رمبا يتجاوز قدرة أية حكومة أخرى على الصمود‪ ،‬وبخاصة في ّ‬


‫ظل األوضاع‬
‫الداخلية املتردية حتى النخاع‪.‬‬

‫خطاب جديد‪:‬‬
‫خطاب حماس ما قبل السلطة كان خطاب ًا معروف ًا‪ ،‬مألوف ًا‪ ،‬منسجم ًا مع طبيعة‬
‫احلركة “اإلسالمية” “اجلهادية” “املعارضة”‪ .‬فحماس هي ابنة احلركة اإلسالمية‬
‫التي تتخذ من اإلسالم قاعدة النطالقها في حتقيق أهدافها‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن اإلسالم‬
‫يشكل إطار ًا ثابت ًا خلطابها اإلعالمي‪ ،‬ويعطي هذا اخلطاب طابع ًا مميز ًا عن معظم‬
‫احلركات والتنظيمات الفلسطينية‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن الطابع اجلهادي م ّيز أيض ًا خطاب‬
‫حماس بشكل واضح وصارخ في فترة ما قبل السلطة‪ .‬ولم يشب هذا اخلطاب‬
‫أي شائبة فيما يتعلق بالتسويات السياسية‪ ،‬حيث ع ّدت حماس االتصاالت مع‬
‫اإلسرائيليني‪ ،‬واالتفاقات‪ ،‬مرفوضة‪ ،‬وال تخدم مصلحة الشعب الفلسطيني‪ .‬وكذلك‬
‫صبغ خطاب حماس الطابع املعارض‪ ،‬حيث كانت متثل املعارضة لتحركات السلطة‪،‬‬
‫ال عن املواقف الدولية اخلاصة‬ ‫وكذلك مواقف الدول العربية املتعلقة بالتسوية‪ ،‬فض ً‬
‫بالقضية الفلسطينية‪.‬‬
‫اليوم‪ ،‬وكما يقول معارضو حماس‪ ،‬تغيرت لهجة هذه احلركة‪ ،‬التي يحلو للبعض أن‬
‫يصفها بـ“الراديكالية”‪ .‬بل اتهمها هؤالء بأنها هبطت بخطابها لتصبح مبستوى حركة‬
‫فتح‪ ،‬إن لم تكن دون ذلك‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬ال ب ّد من توضيح أمرين اثنني‪:‬‬
‫املرحلة اجلديدة‪ ،‬مرحلة االنتقال من املعارضة إلى السلطة‪ ،‬ومن املقاومة إلى‬
‫السياسة “الرسمية”‪ ،‬رمبا فرضت على حركة حماس‪ ،‬وعلى رموزها املنتشرين في‬
‫أروقة السلطة‪ ،‬البحث عن أساليب جديدة في اخلطاب‪ ،‬توازن بني املبادئ واملستجدات‪.‬‬
‫خطاب ال ُيفقد احلركة قاعدتها الشعبية‪ ،‬ويفتح في الوقت نفسه هامش ًا لولوج العمل‬
‫السياسي الرسمي‪ ،‬مبا يفرضه هذا األمر من ضرورة التعامل مع النظامني العربي‬
‫والدولي‪.‬‬
‫جتسد ذلك بتصريحات رئيس املكتب السياسي حلركة حماس‪ ،‬خالد مشعل‪،‬‬
‫الذي أعلن مرار ًا أن احلركة ستتبنى خطاب ًا سياسي ًا جديد ًا‪ .‬وعلى الرغم من أنه‬
‫لم يقدم تفسير ًا لهذا التصريح‪ ،‬ولم يفصح عن فحوى اخلطاب اجلديد‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من تزايد التكهنات حول إمكانية أن يتضمن اخلطاب اجلديد مواقف جديدة‪ ،‬فإنه‬
‫ما لبث أن ظهر للمراقبني أن حماس تسعى لتقدمي رؤيتها‪ ،‬دون أي تغيير‪ ،‬من‬

‫‪292‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫خالل خطاب يتسم باملرونة والواقعية‪ .‬ويشير إلى ذلك ما نشرته صحيفة القدس‬
‫الفلسطينية في صفحتها األولى على لسان خالد مشعل قوله‪ :‬لدينا سلطة نشأت‬
‫على أساس أوسلو وسنتعامل مع هذا الواقع‪ ...‬بواقعية شديدة ‪.139‬‬
‫عندما نتحدث عن اخلطاب اإلعالمي حلركة حماس‪ ،‬فإننا نتحدث عن جوانب‬
‫إيجابية وأخرى سلبية في هذا اخلطاب‪ .‬فقد يكون هناك متاسك في بعض األحيان‬
‫في اخلطاب‪ ،‬وانسجام ًا مع املواقف السياسية‪ ،‬وترجمة ملشاعر الناس وتعبير ًا آلمالهم‬
‫وآالمهم‪ .‬ولكن هذا األمر‪ ،‬كما أشرنا‪ ،‬برز بشكل واضح في فترة ما قبل احلكومة‬
‫والتشريعي‪ .‬وعلى الرغم من أن هذه احلركة سعت إلى احلفاظ على خطابها هذا‪،‬‬
‫تأكيد ًا منها أنها لم تتغير بتحولها من مربع املعارضة إلى مربع السلطة‪ ،‬فإنها واجهت‬
‫واقع ًا جديد ًا جدير ًا بالدراسة والبحث والتمحيص‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬وبرصد خطاب حماس‪ ،‬وحتديد ًا من خالل متحدثيها الرسميني‪ ،‬ورموزها‬
‫في املجلس التشريعي وفي احلكومة‪ ،‬ميكننا أن نلمس االجتاهات التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬االجتاه نـحو الليونة في اخلطاب‪ ،‬وفي اجتاه احل ّد األدنى الذي تقبل به‬
‫احلركة‪.‬‬
‫‪ .2‬االرتباك بسبب احلصار الدولي‪ ،‬ومطالبة احلكومة بالتخلي عن ثوابتها‪،‬‬
‫وكذلك بسبب النقلة من لغة “التشدد” إلى لغة “الليونة”‪.‬‬
‫‪ .3‬االجنرار إلى احلرب اإلعالمية املصاحبة لتطورات األوضاع الداخلية‪.‬‬
‫‪ .4‬ندرة الشخصيات اإلعالمية الكاريزمية التي متتلك القدرة على جذب اجلمهور‬
‫والتأثير عليه بشكل نافذ‪.‬‬
‫‪ .5‬عدم امتالك األدوات الالزمة والكافية لتوصيل املعلومة والفكرة إلى‬
‫اجلمهور‪.‬‬
‫‪ .6‬فقدان اخلبرة اإلعالمية‪ ،‬والتركيز على سياسة ردود األفعال‪ ،‬وغياب الفعل‬
‫اإلعالمي في كثير من األحيان‪.‬‬
‫‪ .7‬تداخل األدوار بني املتحدثني احلكوميني واملتحدثني احلمساويني‪.‬‬

‫بني التشدد والليونة‪:‬‬


‫شهد خطاب حماس‪ ،‬كما أشرنا‪ ،‬في فترة ما قبل االنتخابات خطاب ًا يصفه‬
‫املراقبون بأنه متشدد‪ ،‬حيث كان يغلق السبل أمام أي خيار سوى املقاومة‪ .‬وكان‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 139‬جريدة القدس‪ ،‬فلسطني‪.2006/1/29 ،‬‬

‫‪293‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫خطاب ًا ناقد ًا بشدة للتسوية السياسية واللقاءات الفلسطينية مع الطرف اإلسرائيلي‪.‬‬


‫بل إن شعار “ي ٌد تبني وي ٌد تقاوم”‪ ،‬والذي رفعته حماس في االنتخابات‪ ،‬جسد هذا‬
‫التوجه‪.‬‬
‫بعد فوز حماس في االنتخابات‪ ،‬بدأ تغير ملحوظ في اخلطاب اإلعالمي‪ ،‬مع‬
‫السعي الواضح والقاطع بعدم التخلي عن الثوابت‪ .‬وعلى الرغم من أن “الثوابت”‬
‫أصبحت كلمة لها مدلوالت متفاوتة‪ ،‬حتديد ًا بني فتح وحماس‪ ،‬فإن األخيرة ترى أن‬
‫الثوابت تتمثل في اعتبار املقاومة خيار ًا استراتيجي ًا‪ ،‬وأنه ال تنازل عن أرض فلسطني‬
‫التاريخية‪ ،‬وال بديل عن حقّ العودة‪ ،‬وصو ًال إلى إقامة الدولة الفلسطينية املستقلة‪.‬‬
‫التغير الذي بدأ املراقبون يلمسونه في خطاب حماس‪ ،‬والذي اعترفت قيادتها‪،‬‬
‫على لسان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل‪ ،‬بشكل واضح بأنها ستتبنى خطاب ًا‬
‫سياسي ًا جديد ًا‪ ،‬قد متثل في فتح ملف الدولة الفلسطينية على حدود ‪ ،67‬واملوجود‬
‫ال في أجندة هذه احلركة منذ أن أعلن زعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسني قبل‬ ‫أص ً‬
‫أكثر من ‪ 15‬عام ًا أن حماس تقبل بدولة فلسطينية على حدود ‪ 67‬مقابل هدنة طويلة‬
‫األمد‪ .‬وكان هذا امللف قد أغلق عندما لم يجد آذان ًا صاغية من “إسرائيل” أو أي من‬
‫مت فتح هذا امللف بهدف‬ ‫دول العالم‪ .‬لهذا‪ ،‬ومع وصول حماس إلى سدة السلطة‪ّ ،‬‬
‫التعاطي مع التوجهات الدولية التي حتصر احلل في إقامة دولة فلسطينية إلى جانب‬
‫دولة “إسرائيل”‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن فتح هذا امللف هو محاولة لتخفيف حدة التباين بني‬
‫مواقف حماس وفتح‪ ،‬على اعتبار أنه ال ب ّد من توضيح القواسم املشتركة التي ميكن‬
‫من خاللها قيادة السلطة الفلسطينية‪ ،‬بوجود حماس في احلكومة وفتح في الرئاسة‪،‬‬
‫أو من خالل حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت إثر اتفاق مكة‪.140‬‬
‫وكانت حماس تخشى خسارة الشارع الفلسطيني إذا شعر الناخب أنها تخلت عن‬
‫شعاراتها وبرنامجها االنتخابي‪ ،‬بل تخشى أن تفقد هذه احلركة هويتها وشخصيتها‬
‫التي ميزتها طيلة السنوات السابقة عن حركة فتح واحلركات األخرى‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن‬
‫مسألة املوازنة بني “التشدد” و“الليونة” كانت في غاية التعقيد‪.‬‬
‫ولكن ال ب ّد من احلديث هنا عن خطاب احلكومة وخطاب احلركة؛ فقد ظهر خطاب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 140‬نشرت أمني تقرير ًا حول قبول خالد مشعل‪ ،‬رئيس املكتب السياسي حلركة حماس‪ ،‬لدولة على حدود‬
‫‪ 1967‬وردود حركة فتح على ذلك‪ ،‬وتوضيح حماس ومعلقني لهذا األمر‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.amin.org/look/amin/article.tpl?IdLanguage=17&IdPublication‬‬
‫‪=7&NrArticle=38217&Nr Issue=1&NrSection=1‬‬

‫‪294‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫أكثر دقة وبعد ًا عن التشدد في خطاب العديد من شخصيات احلكومة‪ ،‬وبخاصة‬


‫في الضفة الغربية التي ما تزال تقبع حتت االحتالل املباشر‪ .‬في غزة برز خطاب‬
‫رئيس الوزراء إسماعيل بشكل متزن إلى ح ٍّد كبير‪ ،‬على الرغم من بعض العبارات‬
‫تخل باالتزان الذي طغى على خطاب هنية‪ .‬لقد بهر هنية بخطابه‬ ‫احلماسية‪ ،‬والتي ال ّ‬
‫اإلنسان الفلسطيني البسيط‪ ،‬والسياسي‪ ،‬كما بهر املراقبني‪ ،‬مبن فيهم الغربيني‪ ،‬إلى‬
‫ح ٍّد كبير‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك‪ ،‬فقد ظهر بعض املتحدثني في احلكومة والتشريعي من حركة حماس‪،‬‬
‫الذين لم يغيروا في خطابهم من ناحية‪ ،‬وخلطوا بني موقف حماس كحركة مقاومة‪،‬‬
‫وبني احلكومة كجهة متثل الشعب الفلسطيني بأسره من ناحية أخرى‪ .‬قد يكون التأثير‬
‫السلبي لهذا اخللط محدود ًا على صورة حماس لدى املواطن‪ ،‬ولكن بالتأكيد فإن‬
‫التأثير السلبي على املستوى السياسي موجود‪ ،‬خصوص ًا إذا ما أخذنا في االعتبار‬
‫العالقات الداخلية واخلارجية واألبعاد املختلفة للصراع‪.‬‬
‫وهناك مسألة أخرى في قضية الليونة‪ ،‬حيث اتضح بعد اتفاق مكة للكثيرين‬
‫أن حماس لم تغير مواقفها املبدئية‪ ،‬وأن التغييرات مبجملها كانت تكتيكية إلى‬
‫ح ٍّد كبير‪ ،‬ولكنه يبقى تغيير ًا على كل حال‪ ،‬يثبت أن حماس متتلك املرونة الالزمة‬
‫للتعاطي مع املتغيرات‪ ،‬ويعطي هذه احلركة صفة القدرة على املزاوجة بني املقاومة‬
‫والعمل السياسي‪ ،‬مبا في ذلك إمكانية املشاركة في احلكم‪ ،‬وفي البحث عن حلول‬
‫سياسية‪.‬‬
‫ولذلك‪ ،‬فقد يكون من الالفت للنظر بشكل واضح أن حماس وافقت بشكل غير‬
‫مباشر على استمرار مسار املفاوضات بني مؤسسة الرئاسة ومنظمة التحرير‪ ،‬وبني‬
‫“إسرائيل”‪ .‬إذ لم يرد أي احتجاج على استمرار مثل هذه املفاوضات‪ ،‬بل ورد‬
‫على لسان عدد من وزراء حماس‪ ،‬أنه ال مانع من أن يحاول الرئيس عباس حتصيل‬
‫نص على أن املفاوضات‬ ‫أي نتائج إيجابية عن طريق املفاوضات‪ .‬بل إن اتفاق مكة ّ‬
‫هي من صالحية منظمة التحرير الفلسطيني‪ ،‬في إشارة واضحة إلى عدم اعتراض‬
‫حماس على مثل هذه املفاوضات‪ .‬وأكثر من ذلك هي تصريحات بعض الوزراء‬
‫احملسوبني على حماس‪ ،‬والذين أشاروا إلى أنه ال مانع لديهم من لقاء مسؤولني‬
‫إسرائيليني في قضايا تتعلق باألمور احلياتية الفلسطينية‪ ،‬وليس في املوضوع‬
‫السياسي‪ .‬ومن هؤالء وزير املالية السابق د‪ .‬عمر عبد الرازق‪ ،‬والقائم بأعمال وزير‬
‫املالية د‪ .‬سمير أبو عيشة‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫االرتباك‪:‬‬
‫في احلقيقة لم يكن خطاب املرونة السابق ناجم ًا فقط عن قناعة ذاتية من حماس‪،‬‬
‫نتيجة إدراكها لتطورات األحداث‪ ،‬والواقع اجلديد الذي وجدت نفسها في ظلّه في‬
‫السلطة‪ ،‬وإمنا كانت هناك عوامل خارجية ضاغطة دفعت هذه احلركة إلى التذبذب‬
‫بني “التشدد” و“املرونة”‪ .‬فقد سارعت الواليات املتحدة األمريكية إلى حشد املواقف‬
‫الدولية لفرض احلصار املالي والسياسي على احلكومة التي شكلتها حماس‪ ،‬ووضعت‬
‫أمامها ثالثة شروط تعجيزية‪ ،‬لو حتققت لنسفت ثوابت هذه احلركة‪ ،‬ولقضت على‬
‫أسباب وجودها واتساع شعبيتها‪.‬‬
‫اخلطاب اإلعالمي حلماس كان يركز على التمسك بالثوابت‪ ،‬في مسعى للحفاظ‬
‫على القاعدة الشعبية الواسعة التي متكنت حماس من بنائها منذ نشأتها‪ ،‬ولكن كان‬
‫هذا اخلطاب أيض ًا ينظر بعني أخرى إلى احلصار املفروض على الشعب الفلسطيني‪،‬‬
‫ويخاطب املجتمع الدولي بنوع من الليونة التي أشرنا إليها آنف ًا‪.‬‬
‫كان واضح ًا أن هناك ارتباك ًا في اخلطاب‪ ،‬عندما يصرح أحد مسؤولي حماس‬
‫حل يعيد للشعب الفلسطيني‬ ‫بأن احلركة ستعمل على التهدئة‪ ،‬وأنها تبحث عن ٍّ‬
‫حقوقه املشروعة (طبع ًا دون حتديد هذه احلقوق التي تستثير حفيظة األمريكيني‬
‫واإلسرائيليني)‪ ،‬في حني يصرح آخرون بأن املقاومة مستمرة‪ ،‬وأن الوصول إلى‬
‫السلطة لن يلغي هذا اخليار‪.141‬‬
‫بالطبع لم تكن “إسرائيل”‪ ،‬وال املراقبون الفلسطينيون والعرب والغربيون‪،‬‬
‫بغافلني عن هذا االرتباك‪ .‬بل كانت التحليالت تشير إلى أن هناك تضارب ًا في‬
‫تصريحات مسؤولي حماس‪ ،‬وإلى عدم وضوح برنامجها وسياستها في إدارة‬
‫السلطة‪ .‬وقد طالب عدد من القادة‪ ،‬وخصوص ًا من فتح‪ ،‬ومن دول أخرى‪ ،‬حماس‬
‫بأن حتدد مواقفها من قضايا املقاومة‪ ،‬والتسوية‪ ،‬واالعتراف بـ“إسرائيل”‪،‬‬
‫وغير ذلك من القضايا بشكل واضح‪ .‬وظلت حماس تتأرجح في خطابها بني‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 141‬يشير د‪ .‬خالد محمد صافي في مقالة مطولة بعنوان “تناقض اخلطاب اإلعالمي حلركة حماس‬
‫وسيناريوهات املستقبل” إلى وجود التناقض واالرتباك في خطاب حماس‪ ،‬ويع ّد ذلك إيجابي ًا‪ ،‬ألنه‬
‫يشير إلى وجود حراك داخل احلركة‪ ،‬وخالف في وجهات النظر‪ ،‬األمر الذي يعني أن احلركة في تطور‬
‫مستمر‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫&‪http://www.amin.org/look/amin/article.tpl?IdLanguage=17&IdPublication=7‬‬
‫‪NrArticle=20347&NrIssue =1&NrSection=2‬‬

‫‪296‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫“املرونة” و“التشدد”‪ .‬وعلى الرغم من أن األمر بدأ ُيحسم تدريجي ًا لصالح‬


‫تتخل عن املرونة في خطابها‪ ،‬وأضحى‬ ‫َّ‬ ‫الثوابت “احلمساوية”‪ ،‬إال أن حماس لم‬
‫َّ‬
‫تتخل عن مواقفها املبدئية‪ ،‬ولكنها مستعدة لكافة‬ ‫واضح ًا للعيان أن حماس لن‬
‫اخليارات التي ال تسقط حقوق الشعب الفلسطيني‪ ،‬وال تسقط خيار املقاومة الذي‬
‫تع ّده خيار ًا استراتيجي ًا‪ ،‬وترى أنه ال ميكن حتقيق احلقوق الوطنية الفلسطينية‬
‫بغير هذا اخليار‪.‬‬

‫االجنرار إلى احلرب اإلعالمية‪:‬‬


‫تعودت حماس في املعارضة أن توجه انتقادها إلى أداء السلطة الفلسطينية التي‬
‫تقودها فتح‪ .‬ولم جتد نفسها‪ ،‬إال في حاالت نادرة‪ ،‬في موقف الدفاع عن النفس‪،‬‬
‫محل إجماع فلسطيني‪ .‬ولكن األمر اختلف بعد‬ ‫ّ‬ ‫على اعتبار أن ّ‬
‫خطها “املقاوم” هو‬
‫‪ ،2006/1/25‬حني وجدت حماس نفسها في موقع املسؤول الذي عليه أن يقوم مبهام‬
‫صعبة‪ ،‬وفي إدارة دفة احلكم‪ .‬وهنا وجدت فتح‪ ،‬ومعها الفصائل األخرى‪ ،‬الفرصة‬
‫لتوجيه االنتقادات إلى أداء حركة حماس في التشريعي واحلكومة‪ .‬وبالطبع‪ ،‬ومع‬
‫احلصار اخلانق‪ ،‬وانعدام اخلبرة لدى حماس في إدارة احلكم‪ ،‬فإن االنتقادات كانت‬
‫شديدة وكثيفة لدرجة يصعب الرد عليها‪.‬‬
‫الرواتب‪ ،‬واإلضرابات‪ ،‬والتعيينات‪ ،‬والفوضى واالنفالت األمني‪ ،‬والتعامل مع‬
‫التضييق اإلسرائيلي املتصاعد‪ ،‬وغير ذلك من األمور التي ال ميكن التقليل من‬
‫مت التعبير عنها في خطاب قوي للتيارات‬ ‫أهميتها‪ .‬واجهت حماس هذه القضايا التي ّ‬
‫واملؤسسات والشخصيات الفلسطينية من غير حماس‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن احلملة اإلعالمية على حماس كانت شديدة في مختلف‬
‫املجاالت‪ ،‬إال أن احلملة كانت أش ّد عندما بدأت أحداث االقتتال الداخلي في غزة‬
‫والضفة‪ .‬فقد ُو ّظفت وسائل اإلعالم لتحميل حماس مسؤولية األحداث‪ ،‬وظهر‬
‫أسلوب ممنهج حلركة فتح في مجال اإلعالم يعكس قدرة كبيرة على ترتيب األوضاع‬
‫اإلعالمية وفق خطة وأسلوب مدروس‪ .‬وهذا األمر أربك حماس أكثر‪ ،‬إذ أنها انتقلت‬
‫إلى موقف املدافع عن النفس واملبرر للتصرفات والسياسات‪ ،‬وموقف احلركة التي‬
‫تدفع التهمة عن نفسها‪.‬‬
‫ولذلك‪ ،‬برز الدور اإلعالمي حلماس على أنه ميثل ردود ًا للفعل‪ ،‬وليس دور ًا مبادر ًا؛‬
‫فقد كانت تكال االتهامات كل يوم حلماس‪ ،‬مما يضطرها إلى الدفاع عن نفسها‪،‬‬

‫‪297‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وتبرير سلوكها‪ ،‬وهو أمر له انعكاسات سلبية على صورتها لدى املواطن العادي‪.142‬‬
‫أضف إلى ذلك‪ ،‬األمر األهم‪ ،‬وهو عدم تناسق العمل اإلعالمي حلماس واحلكومة‬
‫التي تقودها‪ ،‬وعدم القدرة على تغطية القضايا الكثيرة جد ًا‪ ،‬والتي من املستحيل‬
‫التعاطي معها إعالمي ًا دون خطة واضحة‪ ،‬ودون هيكلية إعالمية متماسكة‪ .‬واألمر‬
‫الذي يكاد يكون مؤكد ًا ألي مراقب ألداء حماس اإلعالمي هو عدم توفر أي من‬
‫األمرين‪.‬‬
‫ويبدو بشكل واضح أن احلرب اإلعالمية التي استهدفت حماس كانت جزء ًا من‬
‫الصراع السياسي بينها وبني القوى السياسية األخرى‪ ،‬وبخاصة فتح‪ ،‬التي كان من‬
‫الطبيعي أن تعمل على إسقاط حكومة حماس من خالل إثبات عدم قدرتها على إدارة‬
‫دفة احلكم‪ .‬وبالطبع‪ ،‬كان ال ب ّد من اللعب إعالمي ًا على الفشل في فك احلصار املالي‬
‫والسياسي‪ ،‬وعدم صرف الرواتب‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫غياب الكاريزما “النجومية” اإلعالمية‪:‬‬


‫مت تشكيل احلكومة من ‪24‬‬ ‫فاز في االنتخابات التشريعية ‪ 74‬مرشح ًا من حماس‪ ،‬و ّ‬
‫وزير ًا‪ ،‬بعضهم أعضاء في املجلس التشريعي‪ .‬معظم هؤالء األشخاص لم ميارسوا‬
‫العمل السياسي من قبل‪ ،‬ولم يؤدوا دور ًا إعالمي ًا‪ ،‬أو يقفوا أمام عدسات الكاميرا‪،‬‬
‫أو أمام حشود الصحفيني‪.‬‬
‫مير هؤالء “السياسيون اجلدد” بدورات إعالمية وسياسية‬ ‫كان من املفترض أن ّ‬
‫ال‪ ،‬ويتمرسوا مع األيام على التعامل مع وسائل اإلعالم‪ ،‬طبع ًا بعد أن يتمرسوا‬ ‫مث ً‬
‫على أسلوب التعاطي مع القضايا املختلفة من منظور جديد‪ ،‬هو منظور املسؤول في‬
‫السلطة‪.‬‬
‫ال نستطيع بالطبع اجلزم بأن هذا لم يحدث‪ ،‬ولكن ما نستطيع قوله‪ ،‬هو أنه لم‬
‫يظهر من بني هؤالء شخصيات إعالمية قوية لها حضور كبير‪ ،‬قادرة على التأثير‬
‫القوي على اجلمهور‪ ،‬وقادرة على التحكم باخلطاب واملعلومات التي تؤدي إلى انبهار‬
‫اجلمهور‪ .‬بالطبع ظهر عدد من املتحدثني القادرين على التعبير عن األفكار واملواقف‪،‬‬
‫وعرض األحداث بطريقة معقولة‪ .‬معظم هؤالء كانوا إما متحدثني باسم حماس قبل‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ 142‬من أمثلة ما كتب حول هذا املوضوع‪ ،‬ما نشره موقع شبكة األخبار الفلسطينية (مدار)‪ ،‬متهمة ك ً‬
‫ال‬
‫من فتح وحماس بالتورط في احلرب اإلعالمية‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫ ‬ ‫‪http://www.pal-news.net/arabic/news.php?maa=View&id=16076‬‬

‫‪298‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مرحلة احلكومة‪ ،‬أمثال مشير املصري‪ ،‬وسعيد صيام‪ ،‬والدكتور محمود الزهار‪،‬‬
‫وبالطبع إسماعيل هنية‪ ،‬رئيس الوزراء‪ ،‬األكثر حضور ًا وتأثير ًا في اإلعالم‪ ،‬أو كان‬
‫لهم ممارسة إعالمية وسياسية سابقة‪ ،‬أمثال الدكتور غازي حمد‪ ،‬والدكتور أحمد‬
‫يوسف‪ .‬ولكن الشخصيات اجلديدة كانت بعيدة عن أجواء السياسة واإلعالم‪ ،‬وأهمها‬
‫الدكتور عزيز الدويك‪ ،‬والدكتور عمر عبد الرازق‪ ،‬والدكتور ناصر الدين الشاعر‪،‬‬
‫وغيرهم‪ .‬ال نستطيع القول إن من كانت لهم خبرة سابقة أتقنوا في هذه املرحلة‬
‫مخاطبة اجلمهور عبر وسائل اإلعالم‪ ،‬وال نستطيع القول كذلك إن من دخلوا حديث ًا‬
‫ملجال اإلعالم فشلوا في التعامل معها‪.‬‬
‫لغاية اآلن يوجد لدى حماس عدد محدود من الشخصيات‪ ،‬التي ميكن أن نطلق‬
‫عليها كاريزمية‪ ،‬ذات حضور كبير في اإلعالم‪ ،‬وقادرة على التعامل معه بشكل متقدم‪،‬‬
‫ومن أهمهم رئيس الوزراء إسماعيل هنية‪ ،‬وممثل حماس في لبنان أسامة حمدان‪.‬‬
‫أما الشخصيات األخرى فتتراوح قدراتها بني اجليد جد ًا فما دون‪.‬‬

‫غياب األدوات اإلعالمية‪:‬‬


‫ثارت ثائرة املجلس التشريعي عندما ُأحيلت وكالة وفا والتلفزيون الفلسطيني إلى‬
‫مسؤوليات رئيس السلطة‪ ،‬على اعتبار أن هذه اخلطوة حترم احلكومة من األدوات‬
‫اإلعالمية الالزمة للقيام بعملها‪ .‬وأصبحت وزارة اإلعالم الفلسطينية ال متتلك أية‬
‫صالحيات على هاتني املؤسستني املهمتني‪ ،‬ولكن األمر الطبيعي أن تكون وسائل‬
‫اإلعالم مستقلة‪ ،‬وأن ال تتبع ألية جهة حكومية‪ ،‬هذا هو األمر السائد في معظم دول‬
‫العالم‪ .‬من املفترض أن ال تكون وكالة وفا‪ ،‬أو تلفزيون فلسطني‪ ،‬معبر ًا عن جهة‬
‫رسمية‪ ،‬بل يجب أن تكون من ضمن املؤسسات املستقلة التي تعالج القضايا على‬
‫درجة عالية من املوضوعية والنزاهة واحلياد‪ ،‬ال أن تكون أدوات لبث املواقف واآلراء‬
‫جلهة محددة‪.‬‬
‫واألمر من ذلك أن األمر‬
‫ّ‬ ‫لم يكن األمر كذلك بالنسبة لوكالة وفا أو تلفزيون فلسطني‪.‬‬
‫لم يكن كذلك بالنسبة ملعظم وسائل اإلعالم “املستقلة”‪ ،‬مثل الصحف اليومية ومواقع‬
‫اإلنترنت ووكاالت األنباء ومحطات التلفزة‪ .‬فمعظم وسائل اإلعالم وقفت موقف ًا سلبي ًا‬
‫جد ًا من حماس وحكومتها‪ ،‬وكانت متأثرة بشكل واضح بنفوذ حركة فتح وسلطة‬
‫الرئيس أبي مازن‪ .‬وسائل اإلعالم هذه حاولت أن تتخذ موقف ًا محايد ًا من خالل نشر‬
‫مواقف كافة األطراف‪ ،‬وكذلك من خالل اآلراء املطروحة في الصحيفة‪ .‬ورمبا برز‬

‫‪299‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫بشكل واضح موقف فتح نتيجة لتفوقها اإلعالمي‪ .‬ولكن هذا ال يعفي الصحافة من‬
‫مسؤوليتها في كشف احلقيقة‪ ،‬وفي التعاطي بإيجابية مع القضايا املختلفة‪.‬‬
‫ال‪ ،‬تقوم الصحافة بتضخيم اعتداء يتعرض له مسؤول كبير في فتح من قبل‬ ‫فمث ً‬
‫ناشطني من حماس في غزة‪ .‬بينما تتجاهل‪ ،‬أو تقلل من أهمية حوادث أكثر خطورة‬
‫من هذه‪ ،‬يتعرض لها أشخاص من حماس على أيدي ناشطني من فتح‪ ،‬واألمثلة على‬
‫ذلك كثيرة‪.‬‬
‫كان ال ب ّد حلماس أن تعوض هذا النقص من خالل أساليب مختلفة‪ ،‬أهمها‬
‫املؤمترات الصحفية‪ .‬وقد عملت جاهدة على تقدمي رؤيتها لألوضاع من خالل‬
‫املؤمترات الصحفية‪ .‬والواقع أن هذا األمر كان مجدي ًا إلى درجة كبيرة‪ ،‬اللّهم إال في‬
‫حالة االقتتال الداخلي‪ ،‬حيث كثرت املؤمترات الصحفية لكل من حماس وفتح‪ ،‬والتي‬
‫كانت بالطبع متناقضة‪ ،‬األمر الذي أفقدها أهميتها‪ ،‬وصرف وسائل اإلعالم عنها إلى‬
‫ح ٍّد كبير‪.‬‬
‫البديل اآلخر حلماس كان إنشاء مؤسسات إعالمية تابعة لها‪ ،‬أو موالية لها‪،‬‬
‫لكي تتمكن من توصيل وجهة نظرها‪ ،‬وتتجاوز بالتالي ما ميكن تسميته “احلصار‬
‫اإلعالمي” املفروض عليها‪ .‬فحماس ترى أنها مظلومة في موضوع التغطية اإلعالمية‬
‫لألحداث‪ ،‬ولذلك‪ ،‬قامت بإنشاء فضائية األقصى‪ ،‬وعملت على تشجيع تأسيس صحيفة‬
‫ال عن اإلذاعات والتلفزيونات احمللية في غزة والضفة الغربية‪.‬‬ ‫يومية مقربة منها‪ ،‬فض ً‬
‫هذه املؤسسات أصبحت منابر‪ ،‬وبشكل واضح‪ ،‬حلماس ورموزها‪ .‬وعلى الرغم‬
‫من أن هذه الطريقة كسرت احلواجز أمام حماس للوصول إلى اجلماهير‪ ،‬فقد بقيت‬
‫احلاجة ماسة إلى الوصول إلى اجلمهور من خالل وسائل اإلعالم العامة األخرى‪.‬‬
‫والسبب هو أن وسائل إعالم حماس وجدت طريقها بشكل أساس لدى أنصار هذه‬
‫احلركة‪ ،‬األمر الذي ميكن أن يسهم في عزلها عن اجلمهور العام‪.‬‬

‫فقدان اخلبرة اإلعالمية‪:‬‬


‫اخلبرة في املجال اإلعالمي تقتضي صياغة الرسالة املناسبة بالصيغة املثلى‪،‬‬
‫وتقدميها بالشكل املالئم‪ ،‬وفي الوقت املناسب‪ .‬وعندما نقول الرسالة املناسبة فإننا‬
‫نشير إلى أهمية حتديد القضية واملوضوع بناء على االحتياجات واملتطلبات‪ ،‬وليس‬
‫بناء على ردود األفعال‪ ،‬وهو األمر الذي وقعت فيه حماس‪ ،‬كما أشرنا سابق ًا‪ .‬فهذه‬
‫احلركة‪ ،‬ومن خالل وجودها في املجلس التشريعي‪ ،‬وفي احلكومة‪ ،‬وكذلك كونها‬

‫‪300‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫احلركة األكبر على الساحة الفلسطينية‪ ،‬فإنه يفترض أن تكون صاحبة فعل‪ ،‬وذات‬
‫حضور كبير‪ ،‬من خالل إجنازاتها وقراراتها ومواقفها‪.‬‬
‫لقد لوحظ خالل السنة التي جلست فيها حماس على سدة احلكم الضعف الواضح‬
‫في هذا املجال‪ ،‬نتيجة لفقدان اخلبرة‪ ،‬وقلة الكوادر اإلعالمية‪ .‬فعلى سبيل املثال‪،‬‬
‫عندما كان الوزير يستقبل وفد ًا أجنبي ًا‪ ،‬أو يجري محادثات مع مسؤولني فلسطينيني‬
‫أو عرب‪ ،‬أو يتخذ قرارات معينة‪ ،‬فإن عدد ًا من هذه األنشطة كانت ال حتظى بالتغطية‬
‫ال‪ .‬وقد حدث أن‬ ‫اإلعالمية‪ .‬وعند البحث عن السبب وجدنا أنه لم يت ّم كتابة اخلبر أص ً‬
‫وزراء قاموا بجوالت في مؤسسات رسمية في الضفة دون تبليغ وسائل اإلعالم بها‪،‬‬
‫األمر الذي أفقد هذه األنشطة قيمتها اإلعالمية‪.‬‬
‫من أبرز أسباب ذلك هو عدم وجود كوادر إعالمية ذات خبرة تعمل مع هؤالء‬
‫املسؤولني‪ ،‬وكذلك عدم وجود اخلبرة لدى املسؤولني أنفسهم‪ ،‬بحيث تكون هناك قنوات‬
‫تواصل بينهم وبني وسائل اإلعالم‪.‬‬
‫في احلاالت الطبيعية كان يفترض أن تقوم الدوائر املعنية بالوزارات واملؤسسات‬
‫ظل حالة‬‫الرسمية بهذا الدور‪ ،‬والعمل على متابعة الترتيبات اإلعالمية‪ .‬ولكن في ّ‬
‫الترهل التي سادت املؤسسات احلكومية الرسمية نتيجة لعدم تفاعل املوظفني‪ ،‬الذين‬
‫عينتهم حكومات فتح السابقة مع الوزراء اجلدد من حماس‪ ،‬ونتيجة لعدم وجود خبرة‬
‫سابقة لهؤالء الوزراء واملسؤولني في هذا اجلانب‪ ،‬برز الضعف اإلعالمي وغياب‬
‫التغطية الصحفية للكثير من األنشطة والفعاليات‪ ،‬وحتى املواقف‪ ،‬للمسؤولني‪.143‬‬

‫غياب توزيع األدوار‪:‬‬


‫أشرنا في السطور السابقة إلى التداخل بني األدوار للمتحدثني باسم احلكومة أو‬
‫التشريعي من جهة‪ ،‬وبني متحدثي حماس من جهة أخرى‪ .‬فقد كان واضح ًا أن هناك‬
‫صعوبة لدى املتحدثني باسم حركة حماس في التفريق بني التعبير عن موقف احلكومة‬
‫شك‪ .‬فقد نشرت صحيفة القدس‬ ‫وموقف احلركة‪ ،‬فكان التداخل واضح ًا دون أدنى ّ‬
‫في صفحتها األولى خبر ًا بعنوان “الزهار‪ :‬مستعدون إلرسال كتائب القسام حلماية‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 143‬هذه مالحظات كاتب املقال‪ ،‬من خالل اطالعه املباشر على أداء عدد من الوزراء‪ ،‬وبخاصة وزير التربية‬
‫والتعليم العالي د‪ .‬ناصر الدين الشاعر‪ ،‬ووزير التخطيط د‪ .‬سمير أبوعيشة في احلكومة املقالة‪ ،‬وكذلك‬
‫إقرار الوزيرين بهذا الواقع للكاتب‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫املسيحيني وكنائسهم‪ ،‬حتى يحني موعد تسلمنا جهاز الشرطة”‪ ،‬في إشارة واضحة‬
‫إلى خلط األدوار بني دور محمود الزهار كقيادي سابق في حركة حماس وعضو حالي‬
‫في املجلس التشريعي‪.144‬‬
‫رمبا يجد البعض تبرير ًا لذلك‪ ،‬وهو أن حماس هي التي فازت في االنتخابات‪،‬‬
‫وهي التي شكلت احلكومة‪ .‬ولكن ينبغي هنا التفريق بني حركة حماس التي خاضت‬
‫االنتخابات بصفتها التمثيلية لهذه احلركة من جهة‪ ،‬وبني الصفة التمثيلية التي تبوأتها‬
‫عندما دخلت املجلس التشريعي وقامت بتشكيل احلكومة‪ ،‬حيث أصبحت متثل الشعب‬
‫الفلسطيني بأسره‪ .‬من هنا‪ ،‬ما كان ينبغي لعضو مجلس تشريعي أو وزير أن يقول‬
‫ال‪“ :‬نـحن في حركة حماس نرى‪.”...‬‬ ‫مث ً‬
‫صحيح أيض ًا أن املسؤول في التشريعي واحلكومة ميثل جانبني‪ ،‬جانب حزبي‬
‫وجانب حكومي‪ ،‬ولكن من املهم أيض ًا احلديث إلى وسائل اإلعالم ضمن سياقات‬
‫متعلقة بهذا التمثيل‪ ،‬وبشكل واضح‪ .‬وهذا ال يعني بحال من األحول أن ُيحرم‬
‫املسؤول من التعبير عن نفسه بصفته احلزبية‪ ،‬شرط أن يكون ذلك في سياق متعلق‬
‫بهذه الصفة‪.‬‬
‫وهناك جانب آخر ال ب ّد من اإلشارة إليه‪ ،‬وهو خطاب احلكومة‪ ،‬وخطاب املعارضة‬
‫بالنسبة لقادة حماس ومتحدثيها الرسميني‪ ،‬حيث برز في بداية فوز هذه احلركة‬
‫في االنتخابات خطاب مستغرب‪ ،‬ين ّم عن ضعف في اخلبرة‪ ،‬ورمبا عدم استيعاب‬
‫التغير الكبير الذي حصل نتيجة هذا الفوز‪ .‬فقد كان يتردد على ألسنة عدد من هؤالء‬
‫املسؤولني عبارة‪“ :‬على السلطة أن تقوم بكذا وكذا‪ ،”..‬وكأنه ألـِف خطاب املعارضة‪،‬‬
‫ولم يستوعب أنه هو السلطة‪ ،‬وأن “ما يجب على السلطة أن تقوم به” يعني ما يجب أن‬
‫يقوم به هو‪ .‬ورمبا يكون السبب وراء ذلك أيض ًا‪ ،‬هو قيام الرئيس الفلسطيني بسحب‬
‫الصالحيات من أيدي احلكومة‪ ،‬وحتديد ًا السيطرة على اإلعالم وأجهزة األمن‪ .‬هذا‬
‫األمر رمبا دفع الكثيرين إلى تبني خطاب يبدو وكأنه منفصل عن السلطة‪ ،‬أي وكأن‬
‫السلطة هي أبو مازن‪ ،‬فيما متثل احلكومة إدارة محدودة الصالحيات‪.‬‬
‫وعلى كل األحوال‪ ،‬يبقى احلديث هنا محصور ًا في األداء اإلعالمي ملسؤولي حماس في‬
‫التشريعي واحلكومة‪ ،‬والذي‪ ،‬وبصرف النظر عن املبررات‪ ،‬عانى من عدم قدرة على التفريق‬
‫بني أدوارهم كممثلني حلركة‪ ،‬وكممثلني للشعب الفلسطيني في السلطة الفلسطينية‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 144‬جريدة القدس‪.2006/2/3 ،‬‬

‫‪302‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫كلمة أخيرة‪:‬‬
‫ال ب ّد قبل اخلروج من هذا املوضوع مبلخص‪ ،‬أن نقول ليس كل ما قامت به حماس‬
‫في أدائها اإلعالمي كان سلبي ًا‪ ،‬بل إن هناك أمور ًا كثيرة كانت إيجابية‪ .‬فاملرونة التي‬
‫حتدثنا عنها قد تظهر ارتباك ًا‪ ،‬كما أشرنا‪ ،‬ولكن رمبا كانت هذه اخلطوة مناسبة‬
‫للواقع الراهن‪ .‬والسؤال هو‪ :‬هل هيأت حماس قاعدتها الشعبية‪ ،‬وحتى محيطها‬
‫العربي لتقبل هذا اخلطاب؟ لو كان األمر كذلك فلن يكون هناك ارتباك على اإلطالق‪.‬‬
‫ولكن في الوقت نفسه‪ ،‬يقول الدكتور نشأت األقطش‪ ،‬احملاضر في قسم اإلعالم في‬
‫جامعة بيرزيت‪ ،‬إن حماس أربكت املجتمع الدولي‪ ،‬وحتديد ًا أوروبا وأمريكا‪ ،‬في خطابها‬
‫اإلعالمي‪ .‬فهي‪ ،‬وألول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني‪ ،‬كما يقول‪ ،‬تقدم مبادرة تقوم‬
‫على أساس إقامة دولة فلسطينية في الضفة وغزة‪ ،‬وهي املرة األولى التي تكون فيها‬
‫الكرة في امللعب اإلسرائيلي والدولي‪ ،‬حيث كان األسلوب املتبع قبل ذلك من قبل السلطة‬
‫الفلسطينية هو أسلوب االستجداء‪ .‬ويضيف د‪ .‬األقطش أن الرأي العام انتظر جواب ًا من‬
‫اإلسرائيليني واألمريكيني على “مرونة حماس” ومبادرتها دون جدوى‪.145‬‬
‫لقد استعرض هذا التقرير عدد ًا من األمور التي ميكن ع ّدها جوانب سلبية‪ ،‬بل‬
‫ثغرات كبيرة‪ ،‬في أداء حماس اإلعالمي‪ .146‬وقد أشرنا إلى أن اخلطاب ظهر بشكل‬
‫مرتبك ومتضارب في بعض األحيان‪ ،‬باإلضافة إلى اعتماده في الغالب على ردة‬
‫الفعل‪ .‬ويشير كل ذلك إلى عدم وجود تخطيط إعالمي‪ ،‬أو إلى ضعف التخطيط‬
‫اإلعالمي إن وجد‪ .‬كما أشرنا إلى أن ضعف األداء قد يعود إلى وجود ضعف في‬
‫الطاقات والكوادر اإلعالمية‪ ،‬وعدم توافر متخصصني ذوي كفاءات عالية في مجال‬
‫اإلعالم‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬يتضح من األداء اإلعالمي لوسائل اإلعالم التابعة حلماس‪ ،‬أو‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 145‬جاء حديث د‪ .‬األقطش في ورشة عمل حول حماس واإلعالم‪ ،‬في املركز الفلسطيني للدميوقراطية‬
‫والدراسات واألبحاث في نابلس‪ ،2007/4/29 ،‬انظر ملخص الورشة في‪:‬‬
‫‪http://paldsr.org/pages/news/show_news.php?subaction=showfull&id=117‬‬
‫‪8700139&archive=&tem=plate‬‬
‫‪ 146‬في دراسة غير منشورة للصحفي أمني أبو وردة‪ ،‬أع ّدها للمركز الفلسطيني للدميوقراطية والدراسات‬
‫واألبحاث في نابلس‪ ،‬أشار إلى جوانب أخرى سلبية تتعلق بأداء حماس اإلعالمي‪ ،‬منها على سبيل‬
‫املثال‪ ،‬وليس احلصر‪ ،‬عدم وجود متحدثني رسميني في الضفة الغربية بشكل مكافئ لغزة‪ .‬ومنها‬
‫أيض ًا رفض ممثلي حماس لعروض وسائل اإلعالم لتقدمي أحاديث إعالمية في الضفة‪ ،‬مقارنة بتهافت‬
‫شخصيات من االجتاهات األخرى على وسائل اإلعالم‪ ،‬ومنها أيض ًا عدم قدرة حماس على إقامة عالقة‬
‫وطيدة مع اإلعالميني‪ ،‬وصو ًال إلى تسويق مادتهم اإلعالمية‪ ،‬وغير ذلك من األمور السلبية التي نرى‬
‫أنها تفصيلية رمبا تدخل في إطار النقاط املذكورة في تقريرنا هذا‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫احملسوبة عليها أن هناك بالفعل غياب لألسلوب اإلعالمي املهني‪ .‬فقد اتضح مث ً‬
‫ال‬
‫هذا األمر في فضائية األقصى التابعة حلماس سواء قبل سيطرة حماس على قطاع‬
‫ّ‬
‫مصاف‬ ‫غزة أو بعدها‪ .‬لقد كان خطاب هذه الفضائية حا ّد ًا إلى درجة ال يجعلها في‬
‫وسائل اإلعالم املهنية‪ .‬كما أنها أخذت وجهة نظر واحدة دون التطرق لوجهة النظر‬
‫األخرى‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد عرضت هذه الفضائية صور ًا غير مقبولة من‬
‫متس املشاعر اإلنسانية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الناحية املهنية‪ ،‬مثل صور الدماء واألشالء التي‬
‫وهناك جانب أخير ال ب ّد من اإلشارة إليه‪ ،‬هو عدم قدرة حماس على الوصول‬
‫ال‪ ،‬ال يوجد لدى حماس متحدث واحد يتحدث اللغة‬ ‫إلى املجتمعات الغربية‪ .147‬فمث ً‬
‫اإلجنليزية بطالقة‪ ،‬ويكون وجه ًا مقبو ًال لها على شاشات الفضائيات الغربية‪ ،‬ويتحدث‬
‫إلى مراسلي وسائل اإلعالم الغربية‪ .‬رمبا يقول البعض إن هناك مطبوعات ومواقع‬
‫حلماس تتحدث اللغة اإلجنليزية ولغات أخرى‪ .‬ولكن في الواقع هذا ال يكفي‪ ،‬إذ ال ب ّد‬
‫من وجود متحدثني إعالميني ذوي قدرات فائقة على التعامل مع وسائل اإلعالم الغربية‪،‬‬
‫وعلى عرض القضية من وجهة نظر هذه احلركة وتسويقها في اإلعالم الغربي‪.‬‬
‫ورمبا يكون هذا الضعف غير مستغرب إذا تذكرنا أن هناك ضعف ًا واضح ًا في‬
‫ال‪ .‬ولكنها ثغرة موجودة على أية حال‪ ،‬واإلشارة إليها‬ ‫املتحدثني باللغة العربية أص ً‬
‫على درجة عالية من األهمية‪ ،‬حيث يشعر اإلعالميون الغربيون بغياب حماس في هذا‬
‫املجال‪ .‬وأعتقد جازم ًا أن اإلعالم الغربي يتطلع إلى س ّد هذه الثغرة‪ ،‬ألن اسم حماس‬
‫يتردد كثير ًا في الغرب‪ ،‬والرأي العام هناك يحتاج إلى معرفة أكبر عن هذه احلركة‬
‫ودورها في األحداث اجلارية‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 147‬يشير موقع باب إلى هذا األمر‪ ،‬في معرض خبر حول مقالني نشرا للدكتور أحمد يوسف‪ ،‬مستشار‬
‫رئيس الوزراء الفلسطيني املُقال إسماعيل هنية‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.bab.com/news/full_news.cfm?id=88857‬‬

‫‪304‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫العالمي‬ ‫تقييم أ‬
‫الداء إ‬
‫حلركة حما�س واحلكومة الفل�سطينية‬
‫‪2007-2006‬‬

‫رأفت مرة‬
‫‪148‬‬

‫دخلت حركة املقاومة اإلسالمية حماس مرحلة جديدة من عملها السياسي واجلهادي‬
‫إثر فوزها في االنتخابات التشريعية‪ ،‬التي جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة في‬
‫شهر كانون الثاني‪ /‬يناير ‪.2006‬‬
‫وانعكست هذه التجربة على األداء اإلعالمي حلركة حماس‪ ،‬وللحكومة الفلسطينية‬
‫األولى التي شكلتها احلركة‪ ،‬ومن ثم على حكومة الوحدة الوطنية‪ ،‬اللتني تعرفان في‬
‫الترقيم باحلكومتني العاشرة واحلادية عشرة‪.‬‬
‫وتع ّد جتربة حماس في األداء اإلعالمي طوال فترة دخولها السلطة‪ ،‬ومشاركتها‬
‫فيها جتربة فريدة وغنية‪ ،‬من حيث أدائها اخلاص كحركة سياسية‪ ،‬أو من حيث أدائها‬
‫كسلطة عامة مسؤولة عن احلكم‪ ،‬أو مشاركة فيه في اإلطارين التشريعي واحلكومي‪.‬‬
‫صح التعبير ‪ -‬نكهة خاصة‬ ‫ّ‬ ‫ويحمل األداء اإلعالمي حلركة حماس وحلكومتها ‪ -‬إن‬
‫لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬إن حركة حماس هي حركة إسالمية‪ ،‬من حيث العقيدة والفكر واملنهج‪ ،‬ويحكم‬
‫اإلسالم كافة مشاريع احلركة وبرامجها االجتماعية‪ .‬ووصول حماس إلى‬
‫احلكم في الضفة الغربية وقطاع غزة‪ُ ،‬ع َّد مؤشر ًا على قوة اإلسالميني‪ ،‬وحجم‬
‫التأييد الذي يلقونه في املجتمع الفلسطيني‪ ،‬الذي سمح بوصول قوة إسالمية‬
‫إلى حكم مجتمع تعددي كاملجتمع الفلسطيني‪ ،‬اعتاد منط ًا آخر من أنواع‬
‫احلكم‪ ،‬إذ سيطر على جزء منه‪ ،‬ولفترة طويلة أعقبت اتفاق أوسلو‪ ،‬التيار‬
‫العلماني الذي تتزعمه فتح‪ ،‬وتسانده قوى يسارية ومؤسسات أخرى‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 148‬كاتب فلسطيني‪ ،‬ورئيس حترير مجلة فلسطني املسلمة‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ُ .2‬ع َّد وصول حماس إلى السلطة‪ ،‬هو وصول للمعارضة إليها‪ ،‬ذلك أن حماس‬
‫صنفت بعد اتفاق أوسلو على أنها حركة معارضة للتسوية‪ ،‬ولالجتاه السياسي‬
‫ظل عدم اقتناع السلطة احلاكمة بنتائج‬‫للسلطة احلاكمة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬وفي ّ‬
‫االنتخابات‪ ،‬ومعارضتها اجلوهرية واملبدئية حلركة حماس‪ ،‬وما حتمله من‬
‫مشروع ديني واجتماعي‪ُ ،‬دف َعت السلطة احلاكمة التي تقودها فتح إلى عدم‬
‫تسليم جزء أساسي من السلطات القوية واحلساسة واملؤثرة إلى حماس‬
‫املعارِ ضة‪ ،‬ومن بينها سلطة اإلعالم‪ .‬إذ أصدر رئيس السلطة الفلسطينية‬
‫محمود عباس ع ّدة مراسيم قضت بتحويل تبعية أجهزة اإلعالم‪ ،‬خصوص ًا‬
‫تلفزيون فلسطني‪ ،‬ووكالة األنباء الفلسطينية “وفا”‪ ،‬إلى رئاسة السلطة‪،‬‬
‫علم ًا بأن أبا مازن دخل في صراع طويل مع الشهيد ياسر عرفات؛ من‬
‫أجل نقل تبعية أجهزة اإلعالم الفلسطينية من الرئيس عرفات إلى احلكومة‪،‬‬
‫حني تولى أبو مازن رئاسة الوزراء سنة ‪.2003‬‬

‫إعالم احلكومة ض ّد احلكومة‪:‬‬


‫بهذا الشكل أصبحت حماس تواجه مجتمع ًا إعالمي ًا يحمل اخلصائص التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬اإلعالم الرسمي يتبع رئاسة السلطة ورئاسة منظمة التحرير الفلسطينية‪،‬‬
‫اللتان تعارضان حماس في نهجها السياسي ونهجها املقاوم‪.‬‬
‫‪ .2‬ثمة عدد من وسائل اإلعالم التي تصدر أو تبثّ من الضفة وغزة‪ ،‬خصوص ًا‬
‫ال من السلطة الفلسطينية‪ ،‬وجزء منها يشبه اإلعالم‬ ‫الصحف تتلقى متوي ً‬
‫احلكومي في مضمون أخباره وحتليالته‪.‬‬
‫‪ .3‬النظام اإلعالمي في السلطة الفلسطينية بني‪ ،‬منذ اتفاق أوسلو‪ ،‬على أنه نظام‬
‫مؤيد للسلطة‪ ،‬التي جاءت مع اتفاق أوسلو‪ ،‬وانعكس ذلك على كل أشكال‬
‫احلرية التعبيرية‪ ،‬ومعاقبة الصحفيني وتهديدهم‪ ،‬وتعيني الكتّاب واملراسلني‬
‫واملديرين ومق ّدمي البرامج وكذلك التمويل‪.‬‬
‫وبالتالي حني وصلت حماس إلى احلكم وجدت نفهسا في مواجهة ليس مع السلطة‬
‫السياسية فقط‪ ،‬بل في مواجهة مع النظام اإلعالمي الفلسطيني الرسمي‪ ،‬أو القريب‬
‫منه واملوالي له‪ ،‬ودخلت حركة حماس في إشكالية لم يواجهها أي حزب حاكم ‪ -‬إن‬
‫صح التعبير ‪ -‬وهي أن أجهزة إعالم السلطة تهاجم رئيس الوزراء والوزراء‪ ،‬وترفض‬ ‫ّ‬
‫نقل املؤمترات الصحفية لرئيس احلكومة‪ ،‬وال تغطي جوالته اخلارجية‪ ،‬وال استقباالته‬

‫‪306‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وأنشطته‪ ،‬ال بل إن أجهزة اإلعالم الرسمية التابعة للسلطة كانت تتجاهل روايات‬
‫رئيس الوزراء لألحداث السياسية واألمنية وللوقائع امليدانية التي حتصل‪ ،‬وتتبنّى‬
‫روايات مخالفة لها متام ًا‪ ،‬كما حدث أثناء محاولة اغتيال رئيس احلكومة األستاذ‬
‫إسماعيل هنية عند دخوله إلى قطاع غزة في ‪.2006/12/14‬‬
‫ثم إن التلفزيون الفلسطيني لم يستضف رئيس الوزراء في برنامج خاص‪ ،‬إال رمبا‬
‫مرة واحدة‪ ،‬كما أنه نادر ًا ما استضاف وزراء من احلكومة أو مسؤولني من حركة‬
‫حماس‪ ،‬في حني كانت برامج تلفزيون فلسطني مفتوحة لكل من يريد إظهار عيوب‬
‫أو أخطاء احلكومة‪ ،‬أو يريد إطالق الرصاص على ما كان يسميه التلفزيون “حكومة‬
‫حماس”‪.‬‬
‫وهل يعقل أن ال يغطي تلفزيون فلسطني الزيارة التي قام بها رئيس احلكومة‬
‫الفلسطينية إسماعيل هنية إلى سورية‪ ،‬والسودان‪ ،‬والكويت‪ ،‬وقطر‪ ،‬وإيران وغيرها‬
‫من الدول‪ ،‬وأدت إلى حتقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية مهمة‪ ،‬إلى جانب املكاسب‬
‫االقتصادية واملالية‪ ،‬التي أثمرت بناء مشاريع‪ ،‬ومتويل مؤسسات‪ ،‬وتوفير رواتب‬
‫للموظفني الفلسطينيني احملاصرين بقيمة تقارب ‪ 500‬مليون دوالر‪ ،‬إلى جانب‬
‫املشاريع التنموية؟‪.‬‬

‫األداء اإلعالمي للحكومة‪:‬‬


‫عينّ رئيس الوزراء إسماعيل هنية وزير ًا لإلعالم في حكومته العاشرة؛ هو يوسف‬
‫رزقة‪ ،‬وناطق ًا إعالمي ًا باسم احلكومة؛ هو الدكتور غازي حمد‪.‬‬
‫وإذا كان غازي حمد هو صحافي‪ ،‬وكاتب سياسي‪ ،‬وعامل في صحيفة الرسالة في‬
‫قطاع غزة‪ ،‬وصاحب أهم زوايا الصحف الفلسطينية ولديه عالقات إعالمية واسعة‪ ،‬فإن‬
‫يوسف رزقة لم ُي ْظهِ ر أداء إعالمي ًا جيد ًا يتماشى مع موقعه كوزير لإلعالم‪ّ ،‬‬
‫وظل األداء‬
‫اإلعالمي لوزارة اإلعالم في حدوده الدنيا‪ ،‬وأقل من املطلوب من وزير إعالم جاء في‬
‫حكومة وصلت إلى السلطة‪ ،‬ممثلة حلماس وبشعبية كبيرة‪ ،‬وينتظر منها الناس كثير ًا‪.‬‬
‫أسهمت شخصية رئيس احلكومة إسماعيل هنية‪ ،‬وأداؤه السياسي والشعبي‪،‬‬
‫وحضوره اخلطابي في حتسني الصورة اإلعالمية للحكومة‪ ،‬وحافظت احلكومة على‬
‫صورة إعالمية جيدة على الرغم من اتساع احلمالت التي تعرضت لها وشمولها‬
‫وخطورتها‪ ،‬وكثرة االتهامات وتعدد أنواع احلصار‪ ،‬وكافة أشكال الفوضى األمنية‬
‫املنظمة‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫لكن يسجل للحكومة العاشرة‪ ،‬وحلركة حماس أنه على الرغم من خطأ تصرف‬
‫أبي مازن في استرداد تبعية أجهزة اإلعالم الرسمية إلى رئاسة السلطة واملنظمة‪،‬‬
‫وعلى الرغم من شراسة احلملة اإلعالمية املنظمة التي واجهتها احلكومة‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من االتهامات الكثيرة التي طالت الوزراء‪ ،‬إال أن احلكومة الفلسطينية التي ش ّكلها‬
‫إسماعيل هنية لم تقم بأي خطوة مخالفة للقانون‪ ،‬ولم متارس أي تصرف بشع ض ّد‬
‫نسجل لها التالي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الصحافة ووسائل اإلعالم‪ ،‬وهنا‬
‫‪ .1‬لم تقم احلكومة باالستيالء بالقوة على األجهزة اإلعالمية الرسمية‪.‬‬
‫‪ .2‬لم ته ّدد احلكومة رؤساء املؤسسات اإلعالمية الرسمية‪ ،‬ولم ترفع عليهم‬
‫دعاوى‪ ،‬ولم حتلهم إلى القضاء‪.‬‬
‫‪ .3‬لم تنشئ احلكومة وسائل إعالم جديدة‪ ،‬تتبع لها‪ ،‬تس ّيرها وفق سياساتها‬
‫وأوامرها‪ ،‬وظلّت احلكومة تتعاطى مع املؤسسات اإلعالمية القائمة‪.‬‬
‫‪ .4‬لم ته ّدد احلكومة الصحفيني واإلعالميني املعارضني لها‪ ،‬والذين كانوا‬
‫يتحركون بأوامر أو يخضعون لتهديدات األجهزة األمنية‪ ،‬ومن بني هؤالء‬
‫عدد من رؤساء مكاتب وكاالت أنباء‪ ،‬ومحطات تلفزيونية فضائية‪.‬‬
‫‪ .5‬لم تقم احلكومة بفضح ممارسات الفساد والسرقة وجرائمهما في الوزارات‬
‫السابقة‪ ،‬مع أنها وضعت يدها على مئات امللفات وقضايا الفساد‪ ،‬خصوص ًا‬
‫في وزارات الصحة واخلارجية واحلكم احمللي والشباب والرياضة والزراعة‪.‬‬

‫األداء اإلعالمي حلماس‪:‬‬


‫بعد فوزها في االنتخابات التشريعية سنة ‪ ،2006‬واجهت حركة حماس واقع ًا‬
‫جديد ًا مت ّثل في وصولها إلى احلكم‪ ،‬وهي حتمل نهج ًا إصالحي ًا‪ ،‬ومشروع مقاومة‬
‫لالحتالل‪.‬‬
‫من الناحية اإلعالمية‪ ،‬كانت حماس معنية بالتعامل مع الواقع اإلعالمي التالي‪:‬‬
‫‪ .1‬حتقيق برنامجها الذي انتخبت على أساسه وتنفيذه‪.‬‬
‫‪ .2‬تقدمي رموز إعالمية جديدة‪ ،‬يتحدثون باسمها كحركة سياسية‪ ،‬ويحلّون‬
‫مكان القيادات التي فازت في االنتخابات‪ ،‬وأصبحوا أعضاء في املجلس‬
‫التشريعي أو وزراء في احلكومة‪.‬‬
‫‪ .3‬وضع خطاب إعالمي جديد يتماشى مع مرحلة وصول حماس إلى السلطة‪.‬‬
‫‪ .4‬التعامل إعالمي ًا مع قضية اجلمع بني السلطة واملقاومة‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .5‬مواجهة احلمالت اإلعالمية املنظمة‪ ،‬والر ّد على االتهامات املتواصلة‪.‬‬


‫املراقب لألداء اإلعالمي حلماس طوال سنة ونصف‪ ،‬يالحظ أن احلركة جنحت‬
‫وخطها السياسي‬‫ّ‬ ‫إعالمي ًا في تثبيت نفسها‪ ،‬وفي الترويج لفكرها ونهجها‪،‬‬
‫ومشروعها املقاوم‪.‬‬
‫فقد جنحت حماس إعالمي ًا في النواحي التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬الثبات على املواقف األساسية املبدئية‪ ،‬من حيث التمسك بوحدة األرض‬
‫والشعب‪ ،‬وباملقاومة كحقّ شرعي ملواجهة االحتالل‪ .‬وظلّت عناوين رفض‬
‫االعتراف بالكيان الصهيوني ومعارضة السالم معه‪ ،‬ورفض االعتراف‬
‫بشرعيته‪ ،‬والدفاع عن القدس‪ ،‬وإطالق األسرى‪ ،‬والتمسك بحقّ العودة‪،‬‬
‫والوحدة الوطنية؛ واضحة في اخلطاب اإلعالمي للحركة‪.‬‬
‫‪ .2‬أبرزت حركة حماس رموز ًا إعالمية جديدة‪ ،‬بعد انضمام غالبية رموزها إلى‬
‫احلكومة أو التشريعي‪.‬‬
‫استمرت حماس في تنفيذ األنشطة اإلعالمية اجلماهيرية‪ ،‬وفي مواكبة قضايا‬ ‫ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫املجتمع‪ ،‬خصوص ًا قضايا التنمية واإلصالح واجلدار الفاصل‪.‬‬
‫‪ .4‬طورت حركة حماس أداءها اإلعالمي املعروف باسم “اإلعالم التعبوي” أو‬
‫“اإلعالم اجلماهيري”‪ ،‬وذلك من خالل أشكال التعبير والتواصل اإلنساني‬
‫كافة‪.‬‬

‫مؤسسات إعالمية جديدة‪:‬‬


‫وخالل وقت قصير نسبي ًا جنحت حركة حماس في إطالق التالي‪:‬‬
‫‪ .1‬صحيفة فلسطني‪ ،‬وهي صحيفة سياسية يومية‪ ،‬وأول صحيفة يومية في قطاع‬
‫غزة‪ .‬صدرت في ‪.2007/5/3‬‬
‫‪ .2‬فضائية األقصى‪ ،‬وقد بدأت تبثّ من قطاع غزة‪ ،‬على القمر الصناعي‬
‫عرب سات وتق ّدم برامج سياسية ودينية وثقافية منوعة‪ ،‬وبرامج لألطفال‬
‫واألسرة‪.‬‬

‫االستثمار اإلعالمي‪:‬‬
‫مت ّكنت حماس من استثمار مجموعة من األحداث والتطورات إعالمي ًا لصاحلها؛‬
‫فلقد استفادت حماس من الفوضى األمنية املنظمة‪ ،‬التي واجهت احلكومة العاشرة‬

‫‪309‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫واحلادية عشرة‪ ،‬وأظهرت هذه األحداث مدى الظلم الذي حلق باحلركة وبجمهورها‪.‬‬
‫كما استفادت حماس إعالمي ًا ‪ -‬بشكل ق ّوى حضورها وصورتها اإلعالمية في‬
‫الساحة ‪ -‬من الدعم األمريكي لرئيس السلطة الفلسطينية‪ ،‬والدعم املالي لألجهزة‬
‫األمنية‪ .‬واستثمرت حماس إعالمي ًا‪ ،‬وبشكل واسع‪ ،‬اللقاء الذي جمع في دمشق‬
‫رئيس السلطة محمود عباس ورئيس املكتب السياسي للحركة خالد مشعل في شهر‬
‫كانون الثاني‪ /‬يناير ‪.2006‬‬
‫مت التوقيع على اتفاق مكة‬ ‫لكن االستثمار اإلعالمي األهم كان في لقاء مكة‪ ،‬حيث ّ‬
‫في شباط‪ /‬فبراير ‪ ،2007‬إذ تف ّوقت حماس إعالمي ًا على فتح‪ ،‬وتف ّوق رئيس احلكومة‬
‫إسماعيل هنية على رئيس السلطة محمود عباس‪ ،‬بعدما جنح مشعل وهنية في ترتيب‬
‫اجللوس على طاولة احلوار‪ ،‬وفي خطابيهما املتماسكني‪ ،‬واملعبرين سياسي ًا وديني ًا‬
‫ولغوي ًا‪ ،‬وهو ما أظهر حماس حركة قوية مؤثرة متماسكة‪ ،‬تعرف ماذا تريد‪ ،‬وتع ّبر‬
‫بخطابها عن ما تريده‪.‬‬
‫وسبق لرئيس الوزراء إسماعيل هنية أن ملع إعالمي ًا من خالل مجموعة من‬
‫األحداث‪ ،‬سواء من خالل لعبه كرة القدم مع أطفال غزة‪ ،‬أو في زيارته ملنزل الطفلة‬
‫هدى غالية‪ ،‬التي قتل االحتالل عائلتها على شاطئ البحر في شهر أيار‪ /‬مايو ‪،2006‬‬
‫وأظهرت هدى غالية محبة وتعاطف ًا مع إسماعيل هنية‪ ،‬الذي زارها في منزلها‪ ،‬بعكس‬
‫مقر إقامته‪ ،‬الذي زارته هي‪ ،‬وظهرت خائفة‬ ‫الصورة التي ظهرت بها مع أبي مازن في ّ‬
‫ومبهورة‪.‬‬
‫وأحسنت حركة حماس إدارة املجالت والصحف واملواقع اإللكترونية واستثمارها‪،‬‬
‫سواء التابعة لها أو املقربة منها‪.‬‬
‫املقرب من احلركة‪ ،‬إلى‬
‫كما قامت بزيادة لغات موقع “املركز الفلسطيني لإلعالم”‪ّ ،‬‬
‫ووظف هذا املوقع قدراته لبثّ مواقف احلركة وآراءها والدفاع عنها‪،‬‬ ‫ثماني لغات‪ّ ،‬‬
‫وكشف وثائق تظهر مخططات اجلهات املعادية حلماس‪.‬‬
‫وجنحت حماس في إطالق أكثر من موقع إلكتروني في السنة والنصف املاضية‪،‬‬
‫واستخدمت مواقع شبكات احلوار لفضح املمارسات ض ّد احلكومة وض ّد حماس‪.‬‬
‫وأصبحت صحيفة الرسالة التابعة حلماس‪ ،‬والصادرة من قطاع غزة تصدر مرتني‬
‫في األسبوع‪ ،‬ونشرت مجلة فلسطني املسلمة املقربة من حماس عدة ملفات‪ ،‬تظهر‬
‫اخللل السياسي في أداء رئاسة السلطة‪ ،‬وتكشف عن اخللل املالي واإلداري في فريق‬
‫محمود عباس‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫بعض اخللل‪:‬‬
‫على الرغم من كل اإليجابيات التي حققتها حماس في أدائها اإلعالمي‪ ،‬إال أن ذلك‬
‫لم َي ُحل دون ارتكابها مجموعة من األخطاء‪.‬‬
‫فحركة حماس لم تقم بالدور اإلعالمي املطلوب للدفاع عن نفسها‪ ،‬أمام االتهامات‬
‫مقرات أمنية أو رسمية‪ ،‬أو‬‫مستها في بعض األحيان‪ ،‬مثل إطالق قذائف على ّ‬ ‫التي ّ‬
‫جرمية قتل األطفال الثالثة من آل بعلوشة‪ ،‬أو مصادرة أسلحة وعتاد من شاحنات‬
‫تابعة للحرس الرئاسي في كانون الثاني‪ /‬يناير ‪.2007‬‬
‫كما أخطأت حركة حماس إعالمي ًا بشكل كبير‪ ،‬حني قامت ببثّ ونقل عملية‬
‫سقوط بعض مواقع األجهزة األمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في غزة‪ ،‬خالل‬
‫شهر حزيران‪ /‬يونيو ‪ ،2007‬وفي تصوير عناصر أمنية فلسطينية يرفعون أيديهم‬
‫مستسلمني‪ ،‬وهم باملالبس الداخلية فقط‪.‬‬
‫كما أخطأت فضائية األقصى أيض ًا في نقل وبثّ عملية تصفية سميح املدهون‬
‫الضابط في األمن الوقائي‪ ،‬والتابع حملمد دحالن‪ ،‬واملسؤول عن تصفية واغتيال وقتل‬
‫عدد من كوادر حركة حماس ومن املدنيني واالعتداء على املؤسسات الرسمية‪.‬‬
‫شك أن صورة حركة حماس تضررت إعالمي ًا‪ ،‬بشكل كبير‪ّ ،‬‬
‫جراء هذه األخطاء‬ ‫وال ّ‬
‫التي حصلت في قطاع غزة‪ ،‬وهو ما يستدعي من احلركة العمل اجلا ّد والسريع على‬
‫تصحيح هذه الصورة‪ ،‬على قاعدة أن حركة حماس هي حركة إسالمية ذات قيم‬
‫يصح اخلروج عن هذه القيم مهما كان السبب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومبادئ‪ ،‬وأنه ال‬

‫ألن جونستون ‪:Alan Johnston‬‬


‫احلدث اإلعالمي املهم الذي حققته حماس خالل املرحلة األخيرة‪ ،‬كان مع قيام‬
‫حركة حماس والقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية باإلفراج‪ ،‬بتاريخ ‪،2007/7/4‬‬
‫عن الصحفي االسكتلندي ألن جونستون بعد ‪ 114‬يوم ًا على اختطافه‪ .‬وخاضت‬
‫حركة حماس مفاوضات شاقة مع ممتاز دغمش زعيم جماعة “جيش اإلسالم”‪ ،‬التي‬
‫اختطفت جونستون وهددت بقتله‪ ،‬حتى يت ّم إطالق سراح أبو قتادة من السجون‬
‫البريطانية‪ ،‬وساجدة الريشاوي من السجون األردنية‪.‬‬
‫وبذلت حماس وحكومة هنية جهود ًا سياسية واجتماعية مضنية؛ إلخراج جونستون‬
‫من االختطاف‪ ،‬حي ًا‪ ،‬في عملية شاقة كانت تواكبها السلطات البريطانية‪ ،‬من خالل‬
‫اتصال قنصلها العام في القدس احملتلة‪ ،‬بشكل مباشر‪ ،‬مع رئيس املكتب السياسي‬

‫‪311‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫للحركة خالد مشعل ورئيس الوزراء إسماعيل هنية‪.‬‬


‫وأعطت قضية إطالق جونستون حي ًا‪ ،‬صورة إعالمية جيدة حلماس‪ ،‬أثبتت من‬
‫خالل قدرتها على ضبط األمن في غزة‪ ،‬وحرصها على حرية وسائل اإلعالم‪ ،‬وأمن‬
‫وسالمة الصحفيني خصوص ًا األجانب‪ ،‬وتواصلها الدائم مع أكثر من جهة أوروبية‪.‬‬

‫مؤسسة إعالمية‪:‬‬
‫يتّضح للمراقب لألداء اإلعالمي حلركة حماس‪ ،‬أن احلركة متتلك استراتيجية إعالمية‬
‫تتفرع عنها خطط سنوية‪ ،‬تضطلع بتنفيذها مجموعة من املؤسسات والشخصيات‬
‫القيادية املركزية في احلركة‪ ،‬املكلفة بالتعبير اإلعالمي عن مواقف احلركة‪.‬‬
‫وكان واضح ًا أن حركة حماس عملت بديناميكية إعالمية مقبولة‪ ،‬فهي شكلت‬
‫مكتب ًا إعالمي ًا للنواب‪ ،‬وأفرزت متحدثني جدد‪ّ ،‬‬
‫ووطدت عالقاتها اإلعالمية الدولية‪ ،‬فيما‬
‫شكلت احلكومة فريق ًا إعالمي ًا يعمل إلى جانب رئيس الوزراء‪.‬‬
‫ويستطيع املراقب أن يلمس كل يوم عشرات املواقف الصادرة عن احلركة‪ ،‬سواء‬
‫من خالل البيانات الرسمية‪ ،‬أو التصريحات املباشرة‪ ،‬أو السرعة في الر ّد على‬
‫مجموعة من املواقف التي تستهدف احلركة‪ ،‬مثل اتهامها باالرتباط بإيران‪ ،‬أو أنها‬
‫متطرفة‪ ،‬أو ارتباطها بالقاعدة‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫حما�س والبيئة الدولية‬


‫تقييم عام يف ال�سلطة‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬وليد عبد احلي‬
‫‪149‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫حري بنا عند تقييم أداء حركة حماس في تفاعالتها الدولية منذ توليها احلكومة‬
‫الفلسطينية (وليس السلطة)‪ ،‬أن نضع في اعتبارنا عدد ًا من احملددات‪:‬‬
‫أولها‪ :‬الفترة الزمنية‪ ،‬فنحن نقيم أداء حركة في فترة سنة واحدة تقريب ًا‪ ،‬وهي‬
‫فترة ال أعتقد انها كافية لتقييم يرتكن إليه للحكم على مستوى أداء احلركة‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬حجم اإلرث الذي تسلمته احلركة وتعقيداته؛ نذكر منه‪ :‬فشل سياسي‬
‫للحكومات الفلسطينية السابقة‪ ،‬وبنية حكومية هي أقرب للمعادية حلماس‪ ،‬وشبكة من‬
‫االتفاقيات التي أصبح املجتمع الدولي ينظر لها كمسلمات يجب القبول بها من أي‬
‫طرف‪ ،‬واختالل هائل في موازين القوى اإلقليمية والدولية ليس من صالح مشروع‬
‫حماس‪ ،‬ناهيك عن أزمات اقتصادية‪ ،‬ونقاط توتر دولية أخرى تصرف االنتباه عن‬
‫املوضوع الفلسطيني من حني آلخر؛ كاألزمة النووية اإليرانية‪ ،‬أو املوضوع الكوري‬
‫الشمالي‪ ،‬أو أفغانستان أو العراق أو دارفور‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬الصورة “غير اإليجابية” للحركات اإلسالمية‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬في ذهن املجتمع‬
‫الدولي ال س ّيما في الدول ذات التأثير الدولي‪ ،‬على الرغم من الصورة االيجابية‬
‫حلماس لدى قاعدة شعبية عريضة في املجتمع الفلسطيني والعربي‪.‬‬

‫التحليل‪:‬‬
‫توحي املقدمة السابقة بسؤال محوري‪ ،‬ألم تكن حماس مدركة للمحددات سابقة‬
‫الذكر؟ فإن كانت مدركة لها‪ ،‬فمن غير املقبول منها أن تتذرع بها لتبرير تردي الوضع‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 149‬أستاذ العلوم السياسية‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬األردن‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫العام الفلسطيني؛ ألنها كانت تعرف أنها ستشكل حكومة في حال فوزها ضمن هذه‬
‫يدل على قصور‬‫الظروف غير املواتية‪ ،‬وإن كانت غير مدركة لها مبستوى أو آخر‪ ،‬فذلك ّ‬
‫عميق في الرؤيا‪ ،‬ويجعل االطمئنان لرشدها السياسي موضع ّ‬
‫شك عميق‪.‬‬
‫ويبدو لي أن حركة حماس كانت بني االحتمالني السابقني‪ ،‬فهي مدركة لها من‬
‫ناحية‪ ،‬ولكن هذا اإلدراك كانت تنقصه القدرة على الرؤيا املستقبلية لتداعيات تفاعل‬
‫هذه احملددات‪ ،‬مع وصول حركة حماس للحكومة‪ ،‬أي أن احلركة فشلت في توقع عمق‬
‫هذه احملددات من ناحية‪ ،‬وأن الرؤية األيديولوجية لها “ضببت” أو ش َّوشت الرؤية‬
‫السياسية من ناحية ثانية‪.‬‬
‫فإذا أردنا أن نحدد أهداف احلركة على املستوى الدولي‪ ،‬ثم نرصد مدى ما حتقق‬
‫من هذه األهداف‪ ،‬فإن مالمح الصورة تبدو على النحو التالي‪:‬‬
‫هدف شرعنة احلركة دولي ًا؛ كحركة حترر ومقاومة مشروعة‪ :‬لقد انقسم املجتمع‬
‫الدولي في موقفه من حماس إلى ثالثة تيارات‪:‬‬
‫أ‪ .‬تيار ع ّدها حركة إرهابية يجب مقاطعتها وإجبارها على تغيير كافة مواقفها‬
‫اخلاصة بالصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬وتقود هذه املجموعة الواليات املتحدة‬
‫وأوروبا‪ ،‬ولم تتمكن حماس من تغيير هذا املوقف قيد أمنلة‪ ،‬على الرغم‬
‫من كل التصريحات واإليحاءات الدبلوماسية من حماس‪ ،‬مثل احلديث عن‬
‫التهدئة‪ ،‬أو القبول بدولة فلسطينية في أراضي ‪ ...1967‬الخ‪.‬‬
‫ب‪ .‬تيار لم يع ّدها حركة إرهابية‪ ،‬ولكنه يطالبها بتغيير مواقفها والقبول بكافة‬
‫االتفاقيات الدولية املبرمة بني السلطة الفلسطينية و“إسرائيل” وخريطة‬
‫الطريق‪ ،‬ويتمثل هذا املوقف بشكل أساسي في املوقف الروسي‪ ،‬والصيني‪،‬‬
‫واألمم املتحدة‪ ،‬وعلى الرغم من جناح حماس في االتصال بهاتني الدولتني‬
‫في حدود ضيقة أحيان ًا‪ ،‬لكنها لم تتمكن من تطوير مواقف هاتني الدولتني‬
‫بأي مستوى من املستويات باجتاه موقفها‪.‬‬
‫ج‪ .‬تيار ع ّدها حركة حترر مشروعة‪ ،‬وعمل على مساندتها‪ ،‬وتقود إيران هذا‬
‫التيار‪ ،‬لكن العالقة بني حركة حماس وإيران وبالطبع سورية يضع احلركة‬
‫في دائرة الهواجس من قبل بعض الدول العربية من ناحية‪ ،‬ويضفي‬
‫“مشروعية” على الدعاية الغربية ض ّدها من ناحية ثانية‪ .‬ومن الواضح أن‬
‫حماس جنحت في استمرار هذه العالقة ليس نتيجة ملوقفها الذاتي فقط‪ ،‬بل‬
‫وللحاجة اإليرانية لهذه العالقة‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫من الواضح أن حركة حماس اعتقدت أن انتقالها إلى كرسي السلطة‪ ،‬سيساعدها‬
‫على حتقيق شرعيتها لدى املجتمع الدولي من خالل‪:‬‬
‫أ‪ .‬أنها وصلت إلى احلكم بطريقة دميوقراطية كما تطالب الدول الغربية‪،‬‬
‫وهو األمر الذي سيضع هذه الدول في موضع حرج‪ ،‬ال س ّيما أمام الرأي‬
‫العام‪ ،‬تضطر معه للتعامل مع احلركة كحكومة‪ ،‬وقد حققت حماس بعض‬
‫ال‪ ،‬لكن العنف الفلسطيني الداخلي أفسد صورة‬ ‫اإلحراج لهذه الدول فع ً‬
‫الدميوقراطية الفلسطينية‪ ،‬مما جعل احلرج الدبلوماسي الغربي يتوارى‬
‫تدريجي ًا‪.‬‬
‫ب‪ .‬اعتقدت حماس أن االعتراف الدولي باحلكومة الفلسطينية السابقة‪ ،‬سينتقل‬
‫إلى االعتراف بحركة حماس بشكل آلي‪ ،‬ولم تتنبه حماس إلى أن االعتراف‬
‫باحلكومة السابقة كان نتيجة ملواقف تلك احلكومة‪ ،‬أي أن املجتمع الدولي‬
‫ربط البعد القانوني بالبعد السياسي‪ ،‬وهو ما حاولت حماس ف ّكه دون‬
‫جدوى‪ ،‬أي أن حماس اعتقدت بإمكانية وراثة البعد القانوني‪ ،‬واالعتراف‬
‫الدبلوماسي باحلكومة دون أن يرتبط ذلك مبوقفها السياسي‪ ،‬وهو ما لم‬
‫يتحقق‪.‬‬
‫ج‪ .‬يبدو أن حماس اعتقدت بإمكانية “توزيع األدوار” في التعامل مع املجتمع‬
‫الدولي‪ ،‬بحيث تترك مها ّم العالقة املباشرة مع “إسرائيل” للرئيس‪ ،‬أو بعض‬
‫قيادات فتح ومنظمة التحرير‪ ،‬وتتولى هي العالقات مع بقية البيئة الدولية‬
‫مبا فيها الواليات املتحدة‪ ،‬وهو ما أدركته فتح ورفضت الدخول فيه‪.‬‬
‫د‪ .‬سعت حماس ألن تبدو أمام املجتمع الدولي أكثر “شفافية ونزاهة” في تسيير‬
‫األمور املالية للسلطة‪ ،‬ومع إقرار جهات أوروبية بذلك‪ ،‬إال أن احلصار املالي‬
‫يعط هذه الناحية اإليجابية املجال لتوظيفها أمام املجتمع الدولي لتأكيد‬ ‫لم ِ‬
‫مصداقية احلركة‪.‬‬
‫ولم تتنبه حماس في هذا التصور املفترض إلى مجموعة من العوامل‪:‬‬
‫أولها‪“ :‬الثأريون” في حركة فتح‪ ،‬الذين يريدون لها التعامل املباشر مع “إسرائيل”؛‬
‫ليفقدوها أحد أهم عناصر متيزها‪ ،‬وهو أمر شجعته الواليات املتحدة‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬التنسيق العميق بني الطرف اإلسرائيلي والواليات املتحدة‪ ،‬الذي لن يتيح‬
‫للحركة إقامة عالقة مع الواليات املتحدة دون عالقة مع “إسرائيل”‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬عدم التنبه إلى أن قنوات التدفق املالي واملساعدات ميكن أن تغلق إلى هذا‬

‫‪315‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫احل ّد في أسوا االحتماالت من قبل القوى الدولية‪ ،‬أو أن تذهب جلهات غير احلكومة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬كالرئيس أو أجهزته األمنية‪ ،‬في أحسن االحتماالت‪.‬‬
‫وللخروج من هذه املآزق‪ ،‬أبدت حماس قدر ًا كافي ًا من املرونة في تشكيل حكومة‬
‫وحدة وطنية‪ ،‬ال س ّيما بعد االشتباكات األولى مع حركة فتح‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فقد أدركت القوى الدولية عمق املأزق الذي تواجهه حماس‪،‬‬
‫وأدركت أن حكومة الوحدة الوطنية هي محاولة التفاف من جديد لضمان القبول‬
‫باحلركة خارج دائرة احلركات اإلرهابية‪ ،‬باملفهوم الذي تروجه هذه القوى الدولية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تواصلت سياسة القوى الدولية دون أي تغيير‪ ،‬سواء املجموعة التي ترفض‬
‫االعتراف باحلركة‪ ،‬أو تلك التي تعترف بها ولكنها تطالب بتغيير سياستها‪ ،‬أو تلك‬
‫التي تساندها ولكنها ال متلك أدوات حتسني الوضع القائم‪.‬‬
‫وقد أوصت دراسة ملجموعة األزمات الدولية بضرورة استغالل رغبة حماس في‬
‫إضفاء صفة الشرعية الدولية عليها “جلذبها نـحو التسوية”‪ ،150‬وهو ما نالحظه بشكل‬
‫جلي في كل املطالب الدولية‪.‬‬
‫وقد استثمرت “إسرائيل” هذا الوضع لدى املجتمع الدولي‪ ،‬فهي توظف‬
‫تعطل املسار‬‫ّ‬ ‫الصورة السلبية حلماس في الذهن الغربي؛ لتحميلها مسؤولية‬
‫السلمي في املنطقة‪ ،‬وذلك من خالل التأكيد على استمرار حماس في رفض‬
‫خريطة الطريق‪ ،‬أو االعتراف بـ“إسرائيل”‪ ،‬أو وقف العنف‪ ،‬أو اإلقرار باالتفاقيات‬
‫الدولية السابقة‪.‬‬
‫لكن التطور األخير املتمثل في عودة االشتباكات مرة أخرى بني فتح وحماس‪،‬‬
‫ظل حكومة الوحدة الوطنية الهشة‪ ،‬ع ّمق قناعة القوى الدولية‪ ،‬ال س ّيما الواليات‬ ‫في ّ‬
‫املتحدة‪ ،‬بأن استمرار املأزق هو اخليار األنسب إلضعاف قوى املقاومة‪ ،‬وتعزيز تيار‬
‫أوسلو التقليدي‪.‬‬
‫خالصة األمر في هذا اجلانب‪ ،‬أن حركة حماس لم تتمكن من حتقيق أي من‬
‫أهدافها اآلنية حتى هذه اللحظة‪ ،‬وبدأ ينعكس ذلك على أدبياتها السياسية في محاولة‬
‫للتقرب من املجتمع الدولي‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪International Crisis Group, Enter Hamas:The Challenges of Political Integration, 150‬‬


‫‪Middle East Report, no. 49, 18 /1/ 2006.‬‬

‫‪316‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫التداعيات املستقبلية‪:‬‬
‫من غير املمكن فصل التداعيات املستقبلية الدولية عن البنية الداخلية للقوى‬
‫الفلسطينية احلكومية‪ ،‬ومع اإلقرار بأن البعد اإلقليمي واإلسالمي لهما وزنهما في‬
‫هذه التداعيات‪ ،‬فإنني سأالمس هذه اجلوانب برفق لكي أبقى في حدود الورقة املعنية‬
‫بالبعد الدولي‪.‬‬
‫ال ب ّد من التنبه للتغيرات اآلنية والقريبة في البنية الدولية‪ ،‬ثم التعرف على انعكاساتها‬
‫على القضية الفلسطينية وبالتالي على حركة حماس واحلكومة الفلسطينية‪:‬‬
‫‪ .1‬التغير الرئاسي في فرنسا‪ ،‬والذي متثل في وصول ساركوزي إلى الرئاسة‪،‬‬
‫وهو ما يعني أن درجة التنسيق بني فرنسا والواليات املتحدة ستكون أقل‬
‫تباعد ًا من ناحية‪ ،‬كما أن املسافة السياسية بني فرنسا و“إسرائيل” قابلة‬
‫للتقلص من ناحية أخرى‪.‬‬
‫ال‪ ،‬وقد تلوح في األفق‬‫ذلك يعني أن رافعة الضغط على حماس ستزداد ثق ً‬
‫بشكل تدريجي تأزمات بني حركة حماس واحلكومة الفرنسية‪ ،‬مع ضرورة‬
‫التنبه إلى أن صالحيات الرئيس الفرنسي في نطاق السياسة اخلارجية‬
‫هي صالحيات واسعة‪.‬‬
‫‪ .2‬دخول الواليات املتحدة بعد شهور قليلة في حمالت التحضير للرئاسة اجلديدة‪،‬‬
‫وهو ما سيجعل التغيير بأي قدر أمر ًا غير محتمل إلى ح ٍّد بعيد‪ ،‬بل سنكون‬
‫أقرب إلى مزايدات داخلية نـحو املزيد من حصار حماس‪.‬‬
‫‪ .3‬نتائج االنتخابات الرئاسية القادمة في روسيا االحتادية‪ ،‬وسواء بقي بوتني‬
‫من خالل التجديد له أو فاز أي من املتسابقني القادمني (وال داعي للدخول‬
‫في تفاصيل توجهاتهم خلروجها عن املوضوع)‪ ،‬فإن أي موقف روسي قادم‬
‫من القضية الفلسطينية لن يتجاوز مواقف بوتني في أحسن األحوال‪ ،‬لكن‬
‫التراجع عنها نـحو الطرف اآلخر أمر غير مستبعد في أسوأ األحوال‪.‬‬
‫ويعتقد كل من برمياكوف ‪ Primacov‬والناطق بلسان جلنة السياسة‬
‫اخلارجية في الدوما الروسي كونسطنطني كوساشيف ‪Konstantin‬‬
‫‪ Kosachev‬أن السياسة الروسية تسعى الستدراج حماس بشكل هادئ‬
‫نـحو املفاوضات‪.151‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪Hamas delegation ends Moscow talks without concessions, in: 151‬‬


‫ ‬ ‫‪http://news.monstersandcritics.com‬‬

‫‪317‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪ .4‬إن التغير الذي أصاب حزب العمال البريطاني غير مقدر له أن يؤدي لتغير في‬
‫التوجهات العامة‪ ،‬ولعل االحتمال األكبر هو التراجع عن “أولوية” القضية‬
‫الفلسطينية التي تعهد بها بلير أكثر من مرة‪.‬‬
‫‪ .5‬ال توحي السياسة الصينية في املدى القريب بتغير في توجهاتها‪ ،‬وسيبقى‬
‫الطابع البراجماتي هو الطاغي على سلوك هذه الدولة‪ ،‬وهو أمر ليس في‬
‫صالح احلكومة الفلسطينية‪.‬‬
‫ظل هذه املعطيات البنيوية‪ ،‬قد تزداد األمور قتامة من خالل‪:‬‬ ‫وفي ّ‬
‫أ‪ .‬احتدام معركة احملكمة الدولية في قضية احلريري؛ مما يجعل النشاط‬
‫الدبلوماسي الدولي يتركز ولو لفترة معينة على هذا املوضوع‪.‬‬
‫ب‪ .‬تصاعد الضغوط على إيران‪ ،‬وهو أمر قد يجعل املواقف العربية من احلركة‬
‫تتأثر مبستوى العالقات العربية اإليرانية‪ ،‬على الرغم من أن حماس جنحت حتى‬
‫اآلن في احلفاظ على قدر من التوازن بني عالقاتها العربية وعالقاتها اإليرانية‪.‬‬
‫ج‪ .‬نتائج معركة العراق‪ ،‬والتي قد تؤدي إلى اتساع دائرة االضطراب بشكل‬
‫الظل‪ ،‬غير أن جناح املقاومة‬ ‫ّ‬ ‫يزيد من إزاحة القضية الفلسطينية نـحو‬
‫يحسن من البيئة‬ ‫ّ‬ ‫العراقية في التعجيل بانسحاب الواليات املتحدة‪ ،‬قد‬
‫اإلقليمية والدولية للحركة‪.‬‬
‫أمام الصورة السابقة‪ ،‬سيكون أمام حماس عدد من اخليارت‪:‬‬
‫أ‪ .‬التخلي عن احلكومة دون التخلي عن املشاركة في القرار‪ ،‬ال س ّيما من خالل‬
‫املجلس التشريعي‪ ،‬من خالل لعب دور القوة املعطلة ملزيد من التنازالت‪.‬‬
‫ب‪ .‬العودة إلى خندق املقاومة والعمل على التصعيد من جديد‪ ،‬ال س ّيما من‬
‫خالل جتديد االنتفاضة‪.‬‬
‫ج‪ .‬العمل بقوة على إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬واحلصول‬
‫على نسبة مقاعد في هياكلها املؤسسية‪ ،‬بشكل يجعل قرارات احلكومة‬
‫الفلسطينية أقل أهمية‪.‬‬
‫د‪ .‬التشبث بتجربة حكومة الوحدة الوطنية‪.‬‬
‫هـ‪ .‬حدوث انشقاقات داخل احلركة‪.‬‬
‫و‪ .‬انهيار السلطة وحلّها‪.‬‬
‫وفي تقديرنا‪ ،‬إن اخليارات السابقة‪ ،‬ستبقي املطالب الدولية (االتفاقيات الدولية‪،‬‬
‫وخريطة الطريق‪ ،‬وأوسلو‪ ...‬الخ) مرفوعة بوجه حماس‪ ،‬وهو ما سيجعلها أمام خيارين‬

‫‪318‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ال ثالث لهما‪ ،‬إما التخلي عن استراتيجيتها بشكل تدريجي وحتت عباءة حكومة وحدة‬
‫وطنية لكي ال يبدو التغير سافر ًا‪ ،‬أو العودة إلى املقاومة لتحسني شروط التفاوض‪،‬‬
‫ّ‬
‫وحل مشكلة الالجئني بشكل‬ ‫وسيتمحور توجه حماس حول أراضي ‪ 1967‬من ناحية‪،‬‬
‫“عادل” من ناحية أخرى‪ ،‬وهو التعبير الذي قد يجري تفسيره فيما بعد بأشكال عدة‪.‬‬
‫ومن الواضح أن امليل التدريجي نـحو “استرضاء” املجتمع الدولي يبدو من خالل‬
‫مقارنة ثالث وثائق للحركة‪ ،‬وهي‪ :‬برنامجها االنتخابي في خريف ‪ ،2005‬ومشروعها‬
‫لتشكيل حكومة وحدة وطنية في آذار‪ /‬مارس ‪ ،2006‬وبرنامج احلكومة الذي ق ّدمه‬
‫رئيس الوزراء إسماعيل هنية للمجلس التشريعي ‪ ،1522006/3/27‬وتدعم ذلك ببعض‬
‫ما ورد في اتفاق مكة في سنة ‪.2007‬‬
‫باملقابل فإن الواليات املتحدة ستعمل بالتعاون مع قوى إقليمية ودولية‪ ،‬و“إسرائيل”‬
‫على حتقيق ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬العمل على تأجيج نزاعات داخلية في حركة حماس‪ ،‬وقد تعمل على تطوير‬
‫جناح من حماس في الضفة الغربية أقل ارتباط ًا بحماس في غزة‪.‬‬
‫ب‪ .‬العمل على توظيف عمليات تفجيرية غامضة للربط بني حماس والقاعدة‪.‬‬
‫ج‪ .‬تشديد الضغط املالي واحلصار الدبلوماسي على احلركة؛ إلفقادها قاعدتها‬
‫الشعبية من ناحية‪ ،‬وخللق الظروف املبررة لبعض القيادات احملتملة في‬
‫حماس للدفع باجتاه القبول بتقدمي التنازالت من ناحية أخرى‪.153‬‬
‫ويشكل هذا البعد أحد مرتكزات القوى الدولية للضغط على حماس‪،‬‬
‫إذ أن حماس ال تستطيع التوفيق بني انتظار الدعم املالي من املجتمع‬
‫الدولي من ناحية‪ ،‬وعدم االستجابة للشروط املرتبطة بهذا الدعم من ناحية‬
‫ثانية‪.154‬‬
‫د‪ .‬توظيف العالقات األمريكية العربية ملزيد من الضغط على حماس‪.‬‬
‫ومن الواضح أن استراتيجية املجتمع الدولي بشكل عام والواليات املتحدة؛ هي‬
‫تعميق فكرة االعتراف بـ“إسرائيل” بني القوى الفلسطينية املركزية‪ ،‬فبعد اعتراف‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪What Hamas Really Wants?, Le monde diplomatique, January 2007.‬‬ ‫‪152‬‬

‫‪Michael Herzog, “Can Hamas be Tamed,” Foreign Affairs, March-April‬‬ ‫‪153‬‬

‫‪2006, pp. 83 - 94.‬‬


‫‪Peter Fedynsky, Will Hamas Renounce Violence?, Voice of America,‬‬ ‫‪154‬‬

‫‪1/2/ 2006, in: www.voanews.com‬‬

‫‪319‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫وتدل استطالعات الرأي للنخب الفكرية املهمة في‬ ‫ّ‬ ‫فتح ال ب ّد من اعتراف حماس‪،‬‬
‫الواليات املتحدة على أن هذه النخب متيل‪ ،‬وبشكل واضح‪ ،‬إلى االعتقاد بأن الضغط‬
‫سيؤدي تدريجي ًا إلى تنامي النزعة البراجماتية داخل حركة حماس‪ ،155‬فقد أشارت‬
‫نتائج أحد هذه االستطالعات على ‪ 31‬من نخبة الفكر السياسي األمريكي‪ ،‬من أمثال‬
‫جوزيف ني ‪ ،Joseph Nye‬وبريجنسكي ‪ ،Zbigniew Brzezinski‬ودوغالس فيث‬
‫‪ ،Douglas Feith‬وروبرت كيغان ‪ ...Robert Kagan‬إلخ إلى النتائج التالية‪:156‬‬
‫أ‪ % 54 .‬من املستطلعة آراؤهم يعتقدون أن حماس لن تبقى في السلطة لفترة‬
‫السنوات األربع‪.‬‬
‫ب‪ % 69 .‬من املستطلعة آراؤهم يعتقدون أن حماس ستميل تدريجي ًا نـحو‬
‫نهج أقل عنف ًا جتاه “إسرائيل”‪ ،‬وأنها ستبقى من الناحية النظرية تتحدث‬
‫عن املقاومة العسكرية‪ ،‬لكنها ستميل تدريجي ًا نـحو التهدئة من الناحية‬
‫العملية‪.‬‬
‫ويتفق أغلب كتاب الصحف الغربية‪ ،‬ال س ّيما صحف دول اللجنة الرباعية‪ ،‬على‬
‫أن وجود حماس في السلطة سيجعلها متيل نـحو البراجماتية بشكل متواصل‪،‬‬
‫وهو ما يعني أن هذه الدول تريد توظيف وصول حماس للحكومة باجتاه جعلها‬
‫توافق تدريجي ًا على الدخول في مسار التسوية بشكل أو آخر‪.157‬‬
‫ج‪ % 56 .‬من املستطلعة آراؤهم ال يعتقدون بأن انهيار حماس واحلكومة‬
‫سيضر بفكرة الدميوقراطية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفلسطينية‬
‫مما سبق ميكن حتديد مواقف املجتمع الدولي في ثالثة عناصر‪ ،‬وتقييم أداء حركة‬
‫حماس استناد ًا لهذه العناصر‪:‬‬
‫‪ .1‬اعتقاد املجتمع الدولي أن وصول حركة حماس إلى السلطة سيجعلها متيل‬
‫إلى االعتدال‪ ،‬وأن هذا االعتدال سيت ّم بشكل تدريجي‪ ،‬لكنه سينتهي بقبول‬
‫قدر كاف من املطالب الدولية‪ ،‬وتتفق في هذا التوجهات األوروبية واألمريكية‬
‫والروسية والصينية ودول أخرى من العالم النامي‪.158‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪Robert Malley and Hussein Agha, “Hamas: The Peril of Power,” in: 155‬‬
‫‪www.Nybooks. com/artides. 18789‬‬
‫‪The Atlantic Monthly, June 2006. 156‬‬
‫‪http://news. bc. co. uk/2/hi/europe/46595. stm 157‬‬
‫‪B. Raman, International Terrorism Monitor: Implications of Hamas 158‬‬
‫‪Victory, South Asia Analysis Group, paper no. 1689, 27 /1/ 2007.‬‬

‫‪320‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫ويعتقد قدر من القوى الدولية الفاعلة أن هذا االعتدال سيأخذ مجراه بداية‬
‫بشكل من التفاوض بني “إسرائيل” وحماس‪ ،‬ولكن عبر طرف ثالث بداية‪،‬‬
‫قد يكون طرف عربي أو دولي أو فلسطيني‪ ،159‬وستشكل احلكومة غطاء لهذا‬
‫املوقف‪.‬‬
‫ومن الواضح أن حركة حماس ما تزال متانع في هذا اجلانب‪ ،‬لكن اتفاق‬
‫مكة يوحي ببداية تناغم مع التوجه الدولي‪ ،‬ال س ّيما أن القبول بشكل‬
‫ضمني باملبادرة العربية‪ ،‬التي جرى التأكيد عليها في مؤمتر القمة العربية‬
‫األخيرة في السعودية يعزز ذلك‪ ،‬كما أن التوجهات العامة للرأي العام‬
‫الفلسطيني من مسألة القبول باالتفاقيات الدولية تدركه القوى الدولية‪،‬‬
‫وتسعى لتوظيفه في الضغط على حماس‪.160‬‬
‫‪ .2‬لن تغير القوى الدولية موقفها من الضغط املالي على حكومة حماس‪ ،‬ومن‬
‫الواضح أن حماس لم تنجح في خرق هذا احلصار إال في حدود ضيقة‬
‫للغاية‪ ،‬وعلى الرغم من الوعود العديدة باملساعدات التي حتدث عنها أكثر‬
‫من مرة قادة حركة حماس إال أن أثرها على الواقع املعيشي الفلسطيني‬
‫محدود جد ًا‪.‬‬
‫‪ .3‬لم تتمكن احلركة‪ ،‬إال مع بعض الدول األوروبية الصغيرة‪ ،‬من خلق قنوات‬
‫اتصال‪ ،‬كما أن صلتها مبنظمات املجتمع املدني في الدول األوروبية لم‬
‫يصل ملستوى فاعل‪.‬‬

‫اخلالصة‪:‬‬
‫من الصعب احلديث عن جناحات ذات أثر حلكومة حماس خالل ما يقارب عام على‬
‫توليها السلطة‪ ،‬وعلى الرغم من أن الفترة الزمنية ليست كافية للحكم النهائي‪ ،‬إال أن‬
‫تفسيرنا لتعثر حماس هو نتيجة‪ ،‬بشكل أساسي‪ ،‬خلذالن أغلب القوى الفلسطينية‪،‬‬
‫ال س ّيما حركة فتح‪ ،‬لفكرة حكومة الوحدة الوطنية‪ ،‬وما االشتباكات األولى قبل اتفاق‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪Yossi Ben Ari, The Future of Hamas-Israeli Relationship, Arab News, 159‬‬
‫‪22/ 2/ 2006.‬‬
‫‪ 160‬انظر استطالعات الرأي التالية‪:‬‬
‫‪ -‬استطالع رأي رقم ‪ ،28‬برنامج دراسات التنمية‪ ،‬جامعة بيرزيت‪.2006/9/20 ،‬‬
‫‪ -‬استطالع الرأي العام الفلسطيني رقم ‪ ،27‬مركز استطالعات الرأي والدراسات املسحية‪ ،‬جامعة‬
‫النجاح‪.2007/3/23-21 ،‬‬

‫‪321‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫مكة وبعده إال دليل على أن حركة التحرر الفلسطيني‪ ،‬وصلت مأزق ًا عميق ًا تتجلى‬
‫مالمحه في فشل نهج التسوية من ناحية‪ ،‬وعدم قدرة نهج املقاومة على جتسيد‬
‫نتائج ملموسة من ناحية أخرى‪ ،‬وإن العجز عن تكييف البيئة الدولية ألي حركة‬
‫سياسية يرتد إلى تنازع داخلي‪ ،‬وهو ما أدى إلى التوتر الداخلي الذي أعطى القوى‬
‫الدولية بيئة صاحلة جلعل ضغوطها تؤتي أكلها‪.‬‬
‫كذلك فإن ترابط القضية الفلسطينية مع أزمات املنطقة األخرى ال س ّيما العراقية‪،‬‬
‫واللبنانية‪ ،‬واإليرانية‪ ،‬يؤثر على املوقف الدولي من القضية الفلسطينية‪ .‬واملجتمع‬
‫حل قضايا املنطقة سيؤدي‬ ‫الدولي منقسم في هذه الناحية لتيارين‪ ،‬أحدهما يرى أن ّ‬
‫حلل القضية الفلسطينية؛ وتقود هذا التيار الواليات املتحدة على‬ ‫إلى تهيئة الظروف ّ‬
‫حل القضايا األخرى لصالح الواليات املتحدة‪ ،‬سيزيد االختالل في ميزان‬ ‫أساس أن ّ‬
‫القوى في املنطقة لصالح “إسرائيل”؛ مما يجعلها أكثر قدرة على حتقيق ما تريد‪،‬‬
‫والتيار الثاني يرى أن القضية الفلسطينية هي مصدر كل مشاكل املنطقة وال ب ّد من‬
‫حلّها أو ًال؛ وتتشارك أغلب الدول األوروبية‪ ،‬وروسيا‪ ،‬والصني في هذا التوجه‪ ،‬غير‬
‫أن هذا التيار يرى أن تطبيق تصوره هذا يستدعي تقدمي تنازالت‪ ،‬ال يبدو أن حماس‬
‫مهيئة لتقدميها في الظرف الزمني القريب‪ ،‬وهو ما س ُيبقي املأزق قائم ًا‪ ،‬بل لعله يعزز‬
‫النهج األول‪.‬‬
‫أخير ًا يبدو أن املوقف االستراتيجي حلماس على صحته‪ ،‬لم يتناغم مع خطتها‬
‫االستراتيجية املتعثرة‪ ،‬وهنا كان مركز الفشل الذي يخشى من انعكاسه على البنية‬
‫الداخلية حلركة حماس ذاتها‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫قراءات نقدية في جتربة حماس وحكومتها‬

‫‪323‬‬

You might also like