You are on page 1of 1055

‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬

‫ابن رشد‬

‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬


‫للمام ابن رشد القرطبي‬
‫الجزء الثاني من هذا الكتاب‬
‫‪ .‬وهو النظر في أحكام الجارات‪.‬‬
‫@‪-‬وأحكام الجارات كثيرة‪ ،‬ولكنهيا بالجملة تنحصير فيي جملتيين‪:‬‬
‫الجملة الولى فييي موجبات هذا العقييد ولوازمييه ميين غييير حدوث‬
‫طارئ عليييه‪ .‬الجملة الثانييية‪ :‬فييي أحكام الطوارئ‪ .‬وهذه الجملة‬
‫تنقسم في الشهر إلى معرفة موجبات الضمان وعدمه‪ ،‬ومعرفة‬
‫وجوب الفسخ وعدمه‪ ،‬ومعرفة حكم الختلف‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الولى) ومن مشهورات هذا الباب متى يلزم المكري‬
‫دفيع الكراء إذا أطلق العقيد ولم يشترط قبيض الثمين؟ فعنيد مالك‬
‫وأبيي حنيفية‪ :‬أن الثمين إنميا يلزم جزءا فجزءا بحسيب ميا يقبيض‬
‫من المنافع‪ ،‬إل أن يشترط ذلك أو يكون هنالك ما يوجب التقديم‪،‬‬
‫مثيييل أن يكون عوضيييا معينيييا أو يكون كراء فيييي الذمييية‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬يجيب علييه الثمين بنفيس العقيد‪ .‬فمالك رأى أن الثمين‬
‫إنما يستحق منه بقدر ما يقبض من العوض؛ والشافعي كأنه رأى‬
‫أن تأخره من باب الدين بالدين‪ .‬ومن ذلك اختلفهم فيمن اكترى‬
‫دابيية أو دارا ومييا أشبييه ذلك‪ ،‬هييل له أن يكري ذلك بأكثيير ممييا‬
‫اكتراه؟ فأجازه مالك والشافعيي وجماعية قياسيا على البييع‪ ،‬ومنيع‬
‫ذلك أبو حنيفة وأصحابه‪ .‬وعمدتهم أنه من باب ربح ما لم يضمن‪،‬‬
‫لن ضمان الصل هو من ربه‪ :‬أعني من المكري‪ ،‬وأيضا فإنه من‬
‫باب بيييع مييا لم يقبييض‪ ،‬وأجاز ذلك بعييض العلماء إذا أحدث فيهييا‬
‫عمل‪ .‬ومميين لم يكره ذلك إذا وقييع بهذه الصييفة سييفيان الثوري‬
‫والجمهور‪ ،‬رأوا أن الجارة فيي هذا شبيهية بالبييع‪ ،‬ومنهيا أن يكري‬
‫الدار من الذي أكراها منه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجوز‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل‬
‫يجوز‪ ،‬وكأنيه رأى أنيه إذا كان التفاضيل بينهميا فيي الكراء فهيو مين‬
‫باب أكييل المال بالباطييل‪ .‬ومنهييا إذا اكترى أرضييا ليزرعهييا حنطيية‬
‫فأراد أن يزرعهيا شعيرا‪ ،‬أو ميا ضرره مثيل ضرر الحنطية أو دونيه‪،‬‬
‫فقال مالك له ذلك‪ ،‬وقال داود‪ :‬ليس له ذلك‪ .‬ومنها اختلفهم في‬
‫كنيس مراحييض الدور المكتراة‪ ،‬فالمشهور عين ابين القاسيم أنيه‬
‫على أرباب الدور‪ ،‬وروي عنيييييه أنيييييه على المكتري‪ ،‬وبيييييه قال‬
‫الشافعي؛ واستثنى ابن القاسم من هذه الفنادق التي تدخلها قوم‬
‫وتخرج قوم‪ ،‬فقال‪ :‬الكنييييس فييييي هذه على رب الدار‪ .‬ومنهييييا‬
‫اختلف أصحاب مالك في النهدام اليسير من الدار‪ ،‬هل يلزم رب‬
‫الدار إصيلحه‪ ،‬أم لييس يلزم؟ وينحيط عنيه مين الكراء ذلك القدر؟‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقال ابيين القاسييم‪ :‬ل يلزمييه‪ ،‬وقال غيره ميين أصييحابه يلزمييه‪.‬‬
‫وفروع هذا الباب كثيرة‪ ،‬وليس قصدنا التفريع في هذا الكتاب‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثانية‪ :‬وهي النظر في أحكام الطوارئ)‬
‫*‪*3‬الفصل الول منه‪ ،‬وهو النظر في الفسوخ‪.‬‬
‫@‪-‬فنقول‪ :‬إن الفقهاء اختلفوا فيي عقيد الجارة؛ فذهيب الجمهور‬
‫إلى أنيه عقيد لزم‪ ،‬وحكيي عين قوم أنيه عقيد جائز تشبيهيا بالجعيل‬
‫والشركيية‪ .‬والذييين قالوا إنيه عقييد لزم اختلفوا فيميا ينفسييخ بيه؛‬
‫فذهيب جماعية فقهاء المصيار مالك والشافعيي وسيفيان الثوري‬
‫وأبييو ثور وغيرهييم إلى أنييه ل ينفسييخ إل بمييا تنفسييخ بييه العقود‬
‫اللزمة من وجود العيب بها أو ذهاب محل استيفاء المنفعة‪ .‬وقال‬
‫أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬يجوز فسيخ عقيد الجارة للعذر الطارئ على‬
‫المستأجر‪ ،‬مثل أن يكري دكانا يتجر فيه فيحترق متاعه أو يسرق‪.‬‬
‫وعمدة الجمهور قوله تعالى {أوفوا بالعقود} لن الكراء عقيييييييد‬
‫على منافيع فأشبيه النكاح‪ ،‬ولنيه عقيد على معاوضية فلم ينفسيخ‬
‫أصيله البييع‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية أنيه شبيه ذهاب ميا بيه تسيتوفي‬
‫المنفعية بذهاب العيين التيي فيهيا المنفعية‪ .‬وقيد اختلف قول مالك‬
‫إذا كان الكراء فيي غيير مخصيوص على اسيتيفاء منفعية مين جنيس‬
‫مخصوص؛ فقال عبد الوهاب الظاهر من مذهب أصحابنا أن محل‬
‫ا ستيفاء المنافع ل يتعين في الجارة‪ ،‬وإن عين فذلك كالوصف ل‬
‫ينفسيخ بيبيعه أو ذهابيه‪ ،‬بخلف العيين المسيتأجرة إذا تلفيت قال‪:‬‬
‫وذلك مثيل أن يسيتأجر على رعايية غنيم بأعيانهيا أو خياطية قمييص‬
‫بعينيييه فتهلك الغنيييم ويحترق الثوب فل ينفسيييخ العقيييد‪ ،‬وعلى‬
‫المسيتأجر أن يأتيي بغنيم مثلهيا ليرعاهيا أو قمييص مثله ليخيطيه‪،‬‬
‫قال‪ :‬وقيد قييل إنهيا تتعيين بالتعييين فينفسيخ العقيد بتلف المحيل‪.‬‬
‫وقال بعيض المتأخريين‪ :‬إن ذلك لييس اختلفيا فيي المذهيب وإنميا‬
‫ذلك على قسييمين‪ :‬أحدهمييا أن يكون المحييل المعييين لسييتيفاء‬
‫المنافع مما تقصد عينه أو مما ل تقصد عينه‪ ،‬فإن كان مما تقصد‬
‫عينيه انفسيخت الجارة كالظئر إذا مات الطفيل‪ ،‬وإن كان مميا ل‬
‫يقصيد عينيه لم تنفسيخ الجارة على رعايية الغنيم أو بييع طعام فيي‬
‫حانوت وما أشبه ذلك‪ .‬واشتراط ابين القاسيم فيي المدونة أنه إذا‬
‫اسيتأجر على غنيم بأعيانهيا فإنيه ل يجوز إل أن يشترط الخلف هيو‬
‫التفات منه إلى أنها تنفسخ بذهاب محل استيفاء المعين‪ ،‬لكن لما‬
‫رأى التلف سييائقا إلى الفسييخ رأى أنييه ميين باب الغرر‪ ،‬فلم يجييز‬
‫الكراء علي ها إل باشتراط الخلف‪ .‬ومن نحو هذا اختلفهم في هل‬
‫ينفسيخ الكراء بموت أحيد المتعاقديين‪ :‬أعنيي المكري والمكتري؛‬
‫فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور‪ :‬ل ينفسخ ويورث‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عقد الكراء؛ وقال أبو حنيفة والثوري والليث‪ :‬ينفسخ‪ .‬وعمدة من‬
‫لم يقييل بالفسييخ أنييه عقييد معاوضيية‪ ،‬فلم ينفسييخ بموت أحييد‬
‫المتعاقدييين أصييله البيييع‪ .‬وعمدة الحنفييية أن الموت نقلة لصييل‬
‫الرقبية المكتراة مين ملك إلى ملك‪ ،‬فوجيب أن يبطيل أصيله البييع‬
‫فيي العيين المسيتأجرة مدة طويلة‪ :‬أعنيي أنيه ل يجوز فلميا كان ل‬
‫يجتميع العقدان معيا غلب ههنيا انتقال الملك وإل بقيي الملك لييس‬
‫له وارث‪ ،‬وذلك خلف الجماع‪ ،‬وربميييييا شبهوا الجارة بالنكاح إذ‬
‫كان كلهما استيفاء منافع‪ ،‬والنكاح يبطل بالموت وهو بعيد‪ ،‬وربما‬
‫احتجوا على المالكيييية فقيييط بأن الجرة عندهيييم تسيييتحق جزءا‬
‫فجزءا بقدر ميا يقبيض مين المنفعية‪ ،‬قالوا‪ :‬وإن كان هذا هكذا فإن‬
‫مات المالك وبقيييت الجارة‪ ،‬فإن المسييتأجر يسييتوفي فييي ملك‬
‫الوارث حقا بموجب عقد في غير ملك العاقد وذلك ل يصح‪ ،‬وإن‬
‫مات المستأجر فتكون الجرة مستحقة عليه بعد موته‪ ،‬والميت ل‬
‫يثبيت علييه ديين بإجماع بعيد موتيه‪ .‬وأميا الشافعيية فل يلزمهيم هذا‬
‫لن اسيتيفاء الجرة يجيب عندهيم بنفيس العقيد على ميا سيلف مين‬
‫ذلك‪ ،‬وعنييد مالك أن أرض المطيير إذا أكريييت فمنييع القحييط ميين‬
‫زراعتهيييا أو زرعهيييا فلم ينبيييت الزرع لمكان القحيييط أن الكراء‬
‫ينفسخ‪ ،‬وكذلك إذا استعذرت بالمطر حتى انقضى زمن الزراعة‪،‬‬
‫فلم يتمكين المكتري مين أن يزرعهيا وسيائر الجوائح التيي تصييب‬
‫الزرع ل يحط عنه من الكراء شيء‪ ،‬وعنده أن الكراء الذي يتعلق‬
‫بوقت ما أنه إن كان ذلك الوقت مقصودا مثل كراء الرواحل في‬
‫أيام الحيج فغاب المكري عين ذلك الوقيت أ نه ينفسخ الكراء‪ .‬وأميا‬
‫إن لم يكيين الوقييت مقصييودا فإنييه ل ينفسييخ‪ ،‬هذا كله عنده فييي‬
‫الكراء الذي يكون فيي العيان‪ .‬فأميا الكراء الذي يكون فيي الذمية‬
‫فإنه ل ينفسخ عنده بذهاب العين التي قبض المستأجر ليستوفي‬
‫منها المنفعة إذ كان لم ينعقد الكراء على عين بعينها وإنما انعقد‬
‫على موصيوف فيي الذمية‪ .‬وفروع هذا الباب كثيرة‪ ،‬وأصيوله هيي‬
‫هذه التي ذكرناها‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثاني وهو النظر في الضمان‪.‬‬
‫@‪-‬والضمان عنييييييد الفقهاء على وجهييييييين‪ :‬بالتعدي‪ ،‬أو لمكان‬
‫المصيييلحة وحفيييظ الموال‪ .‬فأميييا بالتعدي فيجيييب على المكري‬
‫باتفاق‪ ،‬والخلف إنمييا هييو فييي نوع التعدي الذي يوجييب ذلك أو ل‬
‫يوجبييه وفييي قدره؛ فميين ذلك اختلف العلماء فييي القضاء فيميين‬
‫اكترى دابييية إلى موضيييع ميييا فتعدى بهيييا إلى موضيييع زائد على‬
‫الموضيع الذي انعقيد علييه الكراء‪ ،‬فقال الشافعيي وأحميد‪ :‬علييه‬
‫الكراء الذي التزمه إلى المسافة المشترطة‪ ،‬ومثل كراء المسافة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫التي تعدى فيها؛ وقال مالك‪ :‬رب الدابة بالخيار في أن يأخذ كراء‬
‫دابته في المسافة التي تعدى فيها أو يضمن له قيمة الدابة؛ وقال‬
‫أبيو حنيفية‪ :‬ل كراء علييه فيي المسيافة المتعداة‪ ،‬ول خلف أنهيا إذا‬
‫تلفيت فيي المسيافة المتعداة أنيه ضامين لهيا‪ .‬فعمدة الشافعيي أنيه‬
‫تعدى على المنفعية فلزميه أجرة المثيل أصيله التعدي على سيائر‬
‫المنافيع‪ .‬وأميا مالك فكأنيه لميا حبيس الدابية عين أسيواقها رأى أنيه‬
‫قيد تعدى عليهيا فيهيا نفسيها فشبهيه بالغاصيب‪ ،‬وفييه ضعيف‪ .‬وأميا‬
‫مذهييب أبييي حنيفيية فبعيييد جدا عمييا تقتضيييه الصييول الشرعييية‪،‬‬
‫والقرب إلى الصيول فيي هذه المسيألة هيو قول الشافعيي‪ .‬وعنيد‬
‫مالك أن عثار الدابية لو كانيت عثور تعيد مين صياحب الدابية يضمين‬
‫بهييا الحمييل‪ ،‬وكذلك إن كانييت الحبال رثيية‪ ،‬ومسييائل هذا الباب‬
‫كثيرة‪ .‬وأميا الذيين اختلفوا فيي ضمانهيم مين غيير تعيد إل مين جهية‬
‫المصيلحة فهيم الصيناع‪ ،‬ول خلف عندهيم أن الجيير لييس بضامين‬
‫لمييا هلك عنده ممييا اسييتؤجر عليييه إل أن يتعدى مييا عدا حامييل‬
‫الطعام والطحان‪ ،‬فإن مالكيا ضمنيه ميا هلك عنده‪ ،‬إل أن تقوم له‬
‫بينة على هلكه من غير سببه‪ .‬وأما تضمين الصناع ما ادعوا هلكه‬
‫مين المصينوعات المدفوعية إليهيم‪ ،‬فإنهيم اختلفوا فيي ذلك‪ ،‬فقال‬
‫مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف‪ :‬يضمنون ما هلك عندهم‪ ،‬وقال‬
‫أبييو حنيفيية‪ :‬ل يضميين ميين عمييل بغييير أجيير ول الخاص‪ ،‬ويضميين‬
‫المشترك وميين عمييل بأجيير‪ .‬وللشافعييي قولن فييي المشترك‪.‬‬
‫والخاص عندهيم هيو الذي يعميل فيي منزل المسيتأجر‪ ،‬وقييل هيو‬
‫الذي لم ينت صب للناس‪ ،‬وهو مذهب مالك في الخاص‪ ،‬وهو عنده‬
‫غيير ضامين‪ ،‬وتحصييل مذهيب مالك على هذا أن الصيانع المشترك‬
‫يضمن‪ ،‬وسواء عمل بأجر أو بغير أجر‪ ،‬وبتضمين الصناع قال علي‬
‫وعمير‪ ،‬وإن كان قيد اختلف عين علي فيي ذلك‪ .‬وعمدة مين لم يير‬
‫الضمان عليهيم أنيه شبيه الصيانع بالمودع عنده والشرييك والوكييل‬
‫وأجير الغنم ومن ضمنه فل دليل له إل النظر إلى المصلحة وسد‬
‫الذريعيية‪ .‬وأمييا ميين فرق بييين أن يعملوا بأجيير أو ل يعملوا بأجيير‪،‬‬
‫فلن العاميل بغيير أجير إنميا قبيض المعمول لمنفعية صياحبه فقيط‬
‫فأشبيه المودع‪ ،‬وإذا قبض ها بأجير فالمنفعية لكليهميا‪ ،‬فغلبيت منفعية‬
‫القابيض‪ ،‬أصيله القرض والعاريية عنيد الشافعيي‪ ،‬وكذلك أيضيا مين‬
‫لم ينصيب نفسيه لم يكين فيي تضمينيه سيد ذريعية‪ ،‬والجيير عنيد‬
‫مالك كما قلنا ل يضمن إل أنه استحسن تضمين حامل القوت وما‬
‫يجري مجراه‪ ،‬وكذلك الطحان وميييا عدا غيرهيييم فل يضمييين إل‬
‫بالتعدي‪ ،‬وصياحب الحمام ل يضمين عنده‪ ،‬هذا هيو المشهور عنيه‪،‬‬
‫وقد قيل يضمن‪ .‬وشذ أشهب فضمن الصناع ما قامت البينة على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هلكه عندهم من غير تعد منهم ول تفريط و هو شذوذ‪ ،‬ول خلف‬


‫أن الصيييناع ل يضمنون ميييا لم يقبضوا فيييي منازلهيييم‪ .‬واختلف‬
‫أصيييحاب مالك إذا قاميييت البينييية على هلك المصييينوع وسيييقط‬
‫الضمان عنهم هل تجب لهم الجرة أم ل‪ ،‬إذا كان هلكه بعد إتمام‬
‫الصنعة أو بعد تمام بعضها؟ فقال ابن القاسم‪ :‬ل أجرة لهم‪ ،‬وقال‬
‫ابين المواز‪ :‬لهيم الجرة؛ ووجيه ميا قال ابين المواز أن المصييبة إذا‬
‫نزلت بالمستأجر فوجب أن ل يمضي عمل الصانع باطل؛ ووجه ما‬
‫قال ابيين القاسييم أن الجرة إنمييا اسييتوجبت فييي مقابلة العمييل‪،‬‬
‫فأشبيه ذلك إذا هلك بتفر يط مين الجيير‪ ،‬وقول ا بن المواز أقييس‪،‬‬
‫وقول ابين القاسيم أكثير نظرا إلى المصيلحة لنيه رأى أن يشتركوا‬
‫فييي المصيييبة‪ .‬وميين هذا الباب اختلفهييم فييي ضمان صيياحب‬
‫السييفينة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل ضمان عليييه‪ ،‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬عليييه‬
‫الضمان إل ميين الموج‪ ،‬وأصييل مذهييب مالك أن الصييناع يضمنون‬
‫كيل ميا أتيى على أيديهيم مين حرق أو كسير فيي المصينوع أو قطيع‬
‫إذا عمله فييي حانوتييه‪ ،‬وإن كان صيياحبه قاعدا معييه‪ ،‬إل فيمييا كان‬
‫فيييه تغرييير ميين العمال‪ ،‬مثييل ثقييب الجواهيير ونقييش الفصييوص‬
‫وتقويييم السيييوف واحتراق الخبييز عنييد الفران والطييبيب يموت‬
‫العلييل مين معالجتيه وكذلك البيطار إل أن يعلم أنيه تعدى فيضمين‬
‫حينئذ‪ .‬وأما الطبيب وما أشبهه إذا أخطأ في فعله‪ ،‬وكان من أهل‬
‫المعرفية فل شييء علييه فيي النفيس‪ ،‬والديية على العاقلة فيميا‬
‫فوق الثلث وفييي ماله فيمييا دون الثلث‪ ،‬وإن لم يكيين ميين أهييل‬
‫المعرفة فعليه الضرب والسجن والدية‪ ،‬قيل في ماله‪ ،‬وقيل على‬
‫العاقلة‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث في معرفة حكم الختلف‪.‬‬
‫@‪-‬وهيو النظير فيي الختلف‪ ،‬وفيي هذا الباب أيضيا مسيائل‪ :‬فمنهيا‬
‫أنهيم اختلفوا إذا اختلف الصيانع ورب المصينوع فيي صيفة الصينعة‪،‬‬
‫فقال أبيو حنيفية‪ :‬القول قول رب المصينوع‪ ،‬وقال مالك وابين أبيي‬
‫ليلى‪ :‬القول قول الصانع‪ .‬وسبب الخلف من المدعي منهما على‬
‫صيياحبه‪ ،‬وميين المدعييى عليييه؟‪ .‬ومنهييا إذا ادعييى الصييناع رد مييا‬
‫اسيتصنعوا فييه وأنكير ذلك الدافيع‪ ،‬فالقول عنيد مالك قول الدافيع‪،‬‬
‫وعلى الصناع البينة لنهم كانوا ضامنين لما في أيديهم؛ وقال ابن‬
‫الماجشون‪ :‬القول قول الصيناع إن كان ميا دفيع إليهيم دفيع بغيير‬
‫بينية‪ ،‬وإن كان دفيع إليهيم ببينية فل ييبرءون إل ببينية‪ .‬وإذا اختلف‬
‫الصيانع ورب المتاع فيي دفيع الجرة‪ ،‬فالمشهور فيي المذهيب أن‬
‫القول قول الصيييانع ميييع يمينيييه إن قام يحدثان ذلك‪ ،‬وإن تطاول‬
‫فالقول قول رب المصينوع‪ ،‬وكذلك إذا اختلف المكري والمكتري‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقييييل بيييل القول قول الصيييانع وقول المكري وإن طال‪ ،‬وهيييو‬
‫الصيل‪ .‬وإذا اختلف المكري والمكتري أو الجيير والمسيتأجر فيي‬
‫مدة الزمان الذي وقييع فيييه اسييتيفاء المنفعيية إذا اتفقييا على أن‬
‫المنفعييية لم تسيييتوف فيييي جمييييع الزمان المضروب فيييي ذلك‪،‬‬
‫فالمشهور فيي المذهيب أن القول قول المكتري والمسيتأجر لنيه‬
‫الغارم‪ ،‬والصييييييييول على أن القول قول الغارم؛ وقال ابيييييييين‬
‫الماجشون‪ :‬القول قول المكتري له والمسييتأجر إذا كانييت العييين‬
‫المسيتوفاة منهيا المنافيع فيي قبضهميا مثيل الدار وميا أشبيه ذلك‪.‬‬
‫وأميا ميا لم يكين فيي قبضيه مثيل الجيير فالقول قول الجيير‪ .‬ومين‬
‫مسائل المذهب المشهورة في هذا الباب اختلف المتكاريين في‬
‫الدواب وفيي الرواحيل‪ ،‬وذلك أن اختلفهميا ل يخلو أن يكون فيي‬
‫قدر المسافة أو نوعها‪ ،‬أو قدر الكراء أو نوعه‪ ،‬فإن كان اختلفهما‬
‫فيييي نوع المسيييافة‪ ،‬أو فيييي نوع الكراء‪ ،‬فالتحالف والتفاسيييخ‬
‫كاختلف المتبايعين في نوع الثمن‪ ،‬قال ابن القاسم‪ :‬انعقد أو لم‬
‫ينعقد‪ ،‬وقال غيره‪ :‬القول قول رب الدابة إذا انعقد وكان يشبه ما‬
‫قال‪ .‬وإن كان اختلفهما في قدر المسافة‪ ،‬فإن كان قبل الركوب‬
‫أو بعييد ركوب يسييير‪ ،‬فالتحالف والتفاسييخ‪ ،‬وإن كان بعييد ركوب‬
‫كثيير‪ ،‬أو بلوغ المسيافة التيي يدعيهيا رب الدابية فالقول قول رب‬
‫الدابية فيي المسيافة إن انتقيد وكان يشبيه ميا قال‪ ،‬وإن لم ينتقيد‬
‫وأشبيه قوله تحالفيا ويفسيخ الكراء على أعظيم المسيافتين‪ ،‬فميا‬
‫جعييل منييه للمسييافة التييي ادعاهييا رب الدابيية أعطيييه‪ ،‬وكذلك إن‬
‫انتقيد ولم يشبيه قوله وإن اختلفيا فيي الثمين واتفقيا على المسيافة‬
‫فالقول قول المكتري نقد أو لم ينقد لنه مدعى عليه‪ .‬وإن اختلفا‬
‫في المرين جميعا في المسافة والثمن مثل أن يقول رب الدابة‬
‫بقرطبية‪ :‬اكترييت منيك إلى قرمونية بديناريين ويقول المكتري بيل‬
‫بدينار إلى إشبيلييية‪ ،‬فإن كان أيضييا قبييل الركوب أو بعييد ركوب ل‬
‫ضرر عليهما في الرجوع تحالفا وتفاسخا‪ ،‬وإن كان بعد سير كثير‬
‫أو بلوغ المسيييافة التيييي يدعيهيييا رب الدابييية‪ ،‬فإن كان لم ينقيييد‬
‫المكتري شيئا كان القول قول رب الدابيية فييي المسييافة‪ ،‬والقول‬
‫قول المكتري في الثمن‪ ،‬ويغرم من الثمن ما يجب له من قرطبة‬
‫إلى قرمونيية‪ ،‬على أنييه لو كان الكراء بييه إلى إشبيلييية وذلك أنييه‬
‫أشبيه قول المكتري‪ ،‬وإن لم يشبيه ميا قال وأشبيه رب الدابية غرم‬
‫ديناريين وإن كان المكتري نقيد الثمين الذي يدعيى أنيه للمسيافة‬
‫الكييبرى وأشبييه قول رب الدابيية كان القول قول رب الدابيية فييي‬
‫المسيافة ويبقيى له ذلك الثمين الذي قبضيه ل يرجيع علييه بشييء‬
‫منيه إذ هيو مدعيي علييه فيي بعضيه‪ ،‬وهيو يقول‪ :‬بيل هيو لي وزيادة‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيقبيل قوله فييه لنيه قبضيه‪ ،‬ول يقبيل قوله فيي الزيادة‪ ،‬ويسيقط‬
‫عنه ما لم يقرب به من المسافة أشبه ما قال أو لم يشبه‪ ،‬إل أنه‬
‫إذا لم يشبييه قسييم الكراء الذي أقيير بييه المكتري على المسييافة‬
‫كلهيا‪ ،‬فيأخيذ رب الدابية مين ذلك ميا ناب المسيافة التيي ادعاهيا‪،‬‬
‫وهذا القدر كاف في هذا الباب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الجعل‪.‬‬
‫@‪-‬والجعيييل هيييو الجارة على منفعييية مظنون حصيييولها‪ ،‬مثيييل‬
‫مشارطية الطيبيب على البرء والمعلم على الحذاق والناشيد على‬
‫وجود العبييد البييق‪ .‬وقييد اختلف العلماء فييي منعييه وجوازه؛ فقال‬
‫مالك‪ :‬يجوز ذلك في اليسير بشرطين‪ :‬أحدهما أن ل يضرب لذلك‬
‫أجل‪ .‬والثانيي أن يكون الثمين معلوميا؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يجوز؛‬
‫وللشافعييي قولن وعمدة ميين أجازه قوله تعالى {ولميين جاء بييه‬
‫حمل بعير وأنا به زعيم} وإجماع الجمهور على جوازه في الباق‬
‫والسييؤال‪ .‬ومييا جاء فييي الثيير ميين أخييذ الثميين على الرقييية بأم‬
‫القرآن‪ ،‬وقيد تقدم ذلك‪ .‬وعمدة مين منعيه الغرر الذي فييه قياسيا‬
‫على سييائر الجارات‪ ،‬ول خلف فييي مذهييب مالك أن الجعييل ل‬
‫يسيتحق شييء منه إل بتمام العميل وأ نه لييس بعقيد لزم‪ .‬واختلف‬
‫مالك وأصيحابه فيي هذا الباب فيي كراء السيفينة‪ ،‬هيل هيو جعيل أو‬
‫إجارة فقول مالك‪ :‬لييس لصياحبها كراء إل بعيد البلوغ‪ ،‬وهيو قول‬
‫ابن القاسم ذهابا إلى أن حكمها حكم الجعل‪ .‬وقال ابن نافع من‬
‫أصيييحابه‪ :‬له قدر ميييا بلغ مييين المسيييافة‪ ،‬فأجرى حكميييه مجرى‬
‫الكراء‪ .‬وقال أصبغ‪ :‬إن لجج فهو جعل وإن لم يلجج فهو إجارة له‬
‫بحسييب الموضييع الذي وصييل إليييه‪ .‬والنظيير فييي هذا الباب فييي‬
‫جوازه ومحله وشروطه وأحكامه ومحله هو ما كان من الفعال ل‬
‫ينتفيع الجاعيل بجزء منيه‪ ،‬لنيه إذا انتفيع الجاعيل بجزء مميا عميل‬
‫الملتزم للجعيل (هكذا بالنسيخ‪ ،‬ولعله للعميل‪ ،‬لن الملتزم للجعيل‬
‫هيو المنتفيع‪ ،‬أو تجعيل اللم للعلة‪ ،‬تأميل ا هيي مصيححه)‪ ،‬ولم يأت‬
‫بالمنفعة التي انعقد الجعل علي ها‪ ،‬وقلنا على حكم الجعيل إنه إذا‬
‫لم يأت بالمنفعية التيي انعقيد الجعيل عليهيا لم يكين له شييء‪ ،‬فقيد‬
‫انتفيع الجاعيل بعميل المجعول مين غيير أن يعوضيه مين عمله بأجير‬
‫وذلك ظلم‪ ،‬ولذلك يختلف الفقهاء فيي كثيير مين المسيائل هيل هيو‬
‫جعيل أو إجارة مثيل مسيألة السيفينة المتقدمية هيل هيي مميا يجوز‬
‫فيهييا الجعييل أول يجوز مثييل اختلفهييم فييي المجاعلة على حفيير‬
‫البار‪ ،‬وقالوا في المغارسة إن ها تشبه الجعل من جهة والبيع من‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫جهيية‪ ،‬وهييي عنييد مالك أن يعطييي الرجييل أرضييه لرجييل على أن‬
‫يغرس فيييه عددا ميين الثمار معلومييا‪ ،‬فإذا اسييتحق الثميير كان‬
‫للغارس جزء من الرض متفق عليه‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القراض‪.‬‬
‫@‪-‬ول خلف بين المسلمين في جواز القراض‪ ،‬وأنه مما كان في‬
‫الجاهلية فأقره السلم‪ .‬وأجمعوا على أن صفته أن يعطي الرجل‬
‫الرجل المال على أن يتجر به على جزء معلوم يأخذه العامل من‬
‫ربيح المال‪ ،‬أي جزء كان مميا يتفقان علييه ثلثيا أو ربعيا أو نصيفا‪،‬‬
‫وأن هذا مسييتثنى ميين الجارة المجهولة‪ ،‬وأن الرخصيية فييي ذلك‬
‫إنميا هيي لموضيع الرفيق بالناس‪ ،‬وأنيه ل ضمان على العاميل فيميا‬
‫تلف مين رأس المال إذا لم يتعيد‪ ،‬وإن كان اختلفوا فيميا هيو تعيد‬
‫ممييا ليييس بتعييد‪ .‬وكذلك أجمعوا بالجملة على أنييه ل يقترن بييه‬
‫شرط يزيييد فييي مجهلة الربييح أو فييي الغرر الذي فيييه وإن كان‬
‫اختلفوا فيمييا يقتضييي ذلك ميين الشروط ممييا ل يقتضييي‪ .‬وكذلك‬
‫اتفقوا على أنيه يجوز بالدنانيير والدراهيم‪ ،‬واختلفوا فيي غيير ذلك‪.‬‬
‫وبالجملة فالنظير فييه‪ :‬فيي صيفته وفيي محله وفيي شروطيه وفيي‬
‫أحكاميييه‪ ،‬ونحيين نذكيير فييي باب باب ميين هذه الثلثيية البواب‬
‫مشهورات مسائلهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في محله‪.‬‬
‫@‪-‬أميا صيفته فقيد تقدميت وأنهيم أجمعوا عليهيا‪ .‬وأميا محله فإنهيم‬
‫أجمعوا على أنيه جائز بالدنانيير والدراهيم‪ ،‬واختلفوا فيي العروض‬
‫فجمهور فقهاء المصيييييار على أنيييييه ل يجوز القراض بالعروض‪،‬‬
‫وجوزه ابييين أبيييي ليلى‪ .‬وحجييية الجمهور أن رأس المال إذا كان‬
‫عروضا كان غررا لنه يقبض العرض وهو يساوي قيمة ما‪ ،‬ويرده‬
‫وهو يساوي قيمة غيرها‪ ،‬فيكون رأس المال والربح مجهول‪ .‬وأما‬
‫إن كان رأس المال مييييا بييييه يباع العروض‪ ،‬فإن مالكييييا منعييييه‬
‫والشافعي أيضا‪ ،‬وأجازه أبو حنيفة‪ .‬وعمدة مالك أنه قارضه على‬
‫مييا بيعييت بييه السييلعة وعلى بيييع السييلعة نفسييها‪ ،‬فكأنييه قراض‬
‫ومنفعة‪ ،‬مع أن ما يبيع به السلعة مجهول‪ ،‬فكأنه إنما قارضه على‬
‫رأس مال مجهول‪ ،‬ويشبه أن يكون أيضا إنما منع المقارضة على‬
‫قيييم العروض لمكان مييا يتكلف المقارض فييي ذلك ميين البيييع‪،‬‬
‫وحينئذ ينيض رأس مال القراض‪ ،‬وكذلك إن أعطاه العرض بالثمين‬
‫الذي اشتراه بيه‪ ،‬ولكنيه أقرب الوجوه إلى الجواز‪ ،‬ولعيل هذا هيو‬
‫الذي جوزه ابن أبي ليلى‪ ،‬بل هو الظاهر من قولهم؛ فإنهم حكوا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عنيه أنيه يجوز أن يعطيي الرجيل ثوبيا ييبيعه‪ ،‬فميا كان فييه مين ربيح‬
‫فهيو بينهميا‪ ،‬وهذا إنميا هيو على أن يجعل أصيل المال الثمين الذي‬
‫اشترى به الثوب‪ ،‬ويشبه أيضا إن جعل رأس المال الثمن أن يتهم‬
‫المقارض فيي تصيديقه رب المال بخرصيه على أخيذ القراض منيه‪.‬‬
‫واختلف قول مالك في القراض بالنقد من الذهب والفضة‪ ،‬فروي‬
‫عنييه أشهييب منييع ذلك‪ ،‬وروى ابيين القاسييم جوازه‪ ،‬ومنعييه فييي‬
‫المصييوغ‪ ،‬وبالمنييع فييي ذلك قال الشافعييي والكوفييي‪ ،‬فميين منييع‬
‫القراض بالنقييد شبههييا بالعروض‪ ،‬وميين أجازه شبههييا بالدراهييم‬
‫والدنانيير لقلة اختلف أسيواقها‪ .‬واختلف أيضيا أصيحاب مالك فيي‬
‫القراض بالفلوس‪ ،‬فمنعيه ابين القاسيم‪ ،‬وأجازه أشهيب‪ ،‬وبيه قال‬
‫محميد بين الحسين؛ وجمهور العلماء مالك والشافعيي وأبيو حنيفية‬
‫على أنييه إذا كان لرجييل على رجييل دييين لم يجييز أن يعطيييه له‬
‫قراضييا قبييل أن يقبضييه؛ أمييا العلة عنييد مالك فمخافيية أن يكون‬
‫أعسير بماله‪ ،‬فهيو يرييد أن يؤخره عنيه على أن يزييد فييه‪ ،‬فيكون‬
‫الربيا المنهيي عنيه‪ .‬وأميا العلة عنيد الشافعيي وأبيي حنيفية‪ ،‬فإن ميا‬
‫فييي الذميية ل يتحول ويعود أمانيية‪ .‬واختلفوا فيميين أميير رجل أن‬
‫يقبيض دينيا له على رجيل آخير‪ ،‬ويعميل فييه على ج هة القراض فلم‬
‫يجيز ذلك مالك وأصيحابه‪ ،‬لنيه رأى أنيه ازداد على العاميل كلفية‪،‬‬
‫وهيو ميا كلفيه مين قبضيه‪ ،‬وهذا على أصيله أن مين اشترط منفعية‬
‫زائدة فييي القراض أنييه فاسييد؛ وأجاز ذلك الشافعييي والكوفييي‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬لنييه وكله على القبييض‪ ،‬ل أنييه جعييل القبييض شرطييا فييي‬
‫المصارفة‪ ،‬فهذا هو القول في محله‪ .‬وأما صفته فهي الصفة التي‬
‫قدمناها‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في مسائل الشروط‪.‬‬
‫@‪-‬وجملة ما ل يجوز من الشروط عند الجميع هي ما أدى عندهم‬
‫إلى غرر أو إلى مجهلة زائدة‪ .‬ول خلف بيييييين العلماء أنيييييه إذا‬
‫اشترط أحدهميا لنفسيه مين الربيح شيئا زائدا غيير ميا انعقيد علييه‬
‫القراض أن ذلك ل يجوز‪ ،‬لنه يصير ذلك الذي انعقد عليه القراض‬
‫مجهول‪ ،‬وهذا هو الصل عند مالك في أن ل يكون مع القراض بيع‬
‫ول كراء ول سيلف ول عميل ول مرفيق يشترطيه أحدهميا لصياحبه‬
‫ميع نفسيه‪ ،‬فهذه جملة ميا اتفقوا علييه وإن كانوا قيد اختلفوا فيي‬
‫التفصيييل؛ فميين ذلك اختلفهييم إذا شرط العامييل الربييح كله له‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يجوز‪ ،‬وقال الشافعيي‪ :‬ل يجوز‪ ،‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬هيو‬
‫قرض ل قراض؛ فمالك رأى أنه إحسان من رب المال وتطوع‪ ،‬إذ‬
‫كان يجوز له أن يأخيييذ منيييه الجزء القلييييل مييين المال الكثيييير‬
‫والشافعييي رأى أنييه غرر‪ ،‬لنييه إن كان خسييران فعلى رب المال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وبهذا يفارق القرض‪ ،‬وإن كان ربيح فلييس لرب المال فييه شييء‪.‬‬
‫ومنهييا إذا شرط رب المال الضمان على العامييل‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل‬
‫يجوز القراض وهييو فاسييد‪ ،‬وبييه قال الشافعييي؛ وقال أبييو حنيفيية‬
‫وأصحابه؛ القراض جائز والشرط باطل‪ .‬وعمدة مالك أن اشتراط‬
‫الضمان زيادة غرر فيي القراض ففسيد؛ وأميا أبيو حنيفية فشبهيه‬
‫بالشرط الفاسد في البيع على رأيه أن البيع جائز والشرط باطل‬
‫اعتمادا على حدييييييث بريرة المتقدم‪ .‬واختلفوا فيييييي المقارض‬
‫يشترط رب المال علييه خصيوص التصيرف‪ ،‬مثيل أن يشترط علييه‬
‫تعيين جنس ما من السلع‪ ،‬أو تعيين جنس ما من البيع‪ ،‬أو تعيين‬
‫موضيع ما من التجارة‪ ،‬أو تعيين صينف ما من الناس يتجير معهم‪.‬‬
‫فقال مالك والشافعييي فييي اشتراط جنييس ميين السييلع‪ :‬ل يجوز‬
‫ذلك إل أن يكون ذلك الجنيس مين السيلع ل يختلف وقتيا ميا مين‬
‫أوقات السيينة؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬يلزمييه مييا اشترط عليييه‪ ،‬وإن‬
‫تصرف في غير ما اشترط عليه ضمن‪ .‬فمالك والشافعي رأيا أن‬
‫هذا الشتراط مييين باب التضيييييق على المقارض فيعظيييم الغرر‬
‫بذلك؛ وأبيييو حنيفييية اسيييتخف الغرر الموجود فيييي ذلك‪ ،‬كميييا لو‬
‫اشترط عليه أن ل يشتري جنسا ما من السلع لكان على شرطه‬
‫فيي ذلك باجماع‪ .‬ول يجوز القراض المؤجيل عنيد الجمهور‪ ،‬وأجازه‬
‫أبيو حنيفية إل أن يتفاسيخا؛ فمين لم يجزه رأى أن فيي ذلك تضييقيا‬
‫على العاميل يدخيل علييه مزييد غرر‪ ،‬لنيه ربميا بارت عنده سيلع‬
‫فيضطير عنيد بلوغ الجيل إلى بيعهيا فيلحقيه فيي ذلك ضرر؛ ومين‬
‫أجاز الجيل شبيه القراض بالجارة ومين هذا الباب اختلفهيم فيي‬
‫جواز اشتراط رب المال زكاة الربيح على العاميل فيي حصيته مين‬
‫الربيح‪ ،‬فقال مالك فيي الموطيأ‪ :‬ل يجوز‪ ،‬ورواه عنيه أشهيب؛ وقال‬
‫ابيييين القاسييييم‪ :‬ذلك جائز‪ ،‬ورواه عيييين مالك‪ ،‬وبقول مالك قال‬
‫الشافعييي‪ .‬وحجيية ميين لم يجزه أنييه تعوض حصيية العامييل ورب‬
‫المال مجهولة‪ ،‬لنييه ل يدري كييم يكون المال فييي حييين وجوب‬
‫الزكاة فييه‪ ،‬وتشبيهيا باشتراط زكاة أصيل المال علييه‪ :‬أعنيي على‬
‫العامل‪ ،‬فإنه ل يجوز باتفاق وحجة ابن القاسم أنه يرجع إلى جزء‬
‫معلوم النسيييبة وإن لم يكييين معلوم القدر‪ ،‬لن الزكاة معلومييية‬
‫النسبة من المال المزكى‪ ،‬فكأنه اشترط عليه في الربح الثلث إل‬
‫ربيع العشير‪ ،‬أو النصيف إل ربيع العشير‪ ،‬أو الربيع إل ربيع العشير‪،‬‬
‫وذلك جائز ولييييس مثيييل اشتراطيييه زكاة رأس المال‪ ،‬لن ذلك‬
‫معلوم القدر غييير معلوم النسييبة‪ ،‬فكان ممكنييا أن يحيييط بالربييح‬
‫فيبقيييييى عميييييل المقارض باطل‪ ،‬وهيييييل يجوز أن يشترط ذلك‬
‫المقارض على رب المال؟ فيي المذهيب فييه قولن‪ :‬قييل بالفرق‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بين العامل ورب المال‪ ،‬وقيل يجوز أن يشترطه العامل على رب‬
‫المال‪ ،‬ول يجوز أن يشترطه رب المال على العامل؛ وقيل عكس‬
‫هذا‪ .‬واختلفوا فييي اشتراط العامييل على رب المال غلمييا بعينييه‬
‫على أن يكون للغلم نصيييب ميين المال‪ ،‬فأجازه مالك والشافعييي‬
‫وأبيو حنيفية؛ وقال أشهيب مين أصيحاب مالك‪ :‬ل يجوز ذلك‪ ،‬فمين‬
‫أجاز ذلك شبهيه بالرجيل يقارض الرجليين‪ ،‬ومين لم يجيز ذلك رأى‬
‫أنها زيادة ازدادها العامل على رب المال‪ .‬فأما إن اشترط العامل‬
‫غلمييه‪ ،‬فقال الثوري‪ :‬ل يجوز‪ ،‬وللغلم فيمييا عمييل أجرة المثييل‪،‬‬
‫وذلك أن حظ العامل يكون عنده مجهول‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في أحكام القراض‪.‬‬
‫@‪-‬والحكام‪ ،‬منهيا ميا هيي أحكام القراض الصيحيح‪ ،‬ومنهيا ميا هيي‬
‫أحكام القراض الفاسد‪ .‬وأحكام القراض الصحيح‪ ،‬منها ما هي من‬
‫موجبات العقد‪ ،‬أعني أنها تابعة لموجب العقد‪ ،‬ومختلف فيها هل‬
‫هي تابعة أو غير تابعة؟ ومنها أحكام طوارئ تطرأ على العقد مما‬
‫لم يكن موجبه من نفس العقد‪ ،‬مثل التعدي والختلف وغير ذلك‪.‬‬
‫ونحن نذكر من هذه الوصاف ما اشتهر عند فقهاء المصار‪ .‬ونبدأ‬
‫من ذلك بموجبات العقد فنقول‪ :‬إنه أجمع العلماء على أن اللزوم‬
‫ليس من موجبات عقد القراض‪ ،‬وأن لكل واحد منهما فسخه ما‬
‫لم يشرع العامييل فييي القراض‪ .‬واختلفوا إذا شرع العامييل‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬هيو لزم‪ ،‬وهيو عقيد يورث‪ ،‬فإن مات وكان للمقارض بنون‬
‫أمناء كانوا فيي القراض مثيل أبيهيم‪ ،‬وإن لم يكونوا أمناء كان لهيم‬
‫أن يأتوا بأمييين؛ وقال الشافعييي وأبييو حنيفيية‪ :‬لكييل واحييد منهييم‬
‫الفسخ إذا شاء‪ ،‬وليس هو عقد يورث‪ .‬فمالك ألزمه بعد الشروع‬
‫في العمل لما فيه من ضرر‪ ،‬ورآه من العقود الموروثة‪ .‬والفرقة‬
‫الثانية شبهت الشروع في العمل بما بعد الشروع في العمل‪ .‬ول‬
‫خلف بينهيم أن المقارض إنميا يأخيذ حظيه مين الربيح بعيد أن ينيض‬
‫جمييع رأس المال‪ ،‬وأنيه إن خسير ثيم أتجير ثيم ربيح جيبر الخسيران‬
‫من الربح‪ .‬واختلفوا في الرجل يدفع إلى رجل مال قراضا فيهلك‬
‫بعضه قبل أن يعمل فيه‪ ،‬ثم يعمل فيه فيربح‪ ،‬فيريد المقارض أن‬
‫يجعيل رأس المال بقيية المال بعيد الذي هلك‪ ،‬هيل له ذلك أم ل؟‬
‫فقال مالك وجمهور العلماء‪ :‬إن صييدقه رب المال‪ ،‬أو دفييع رجييل‬
‫مال قراضييا لرجييل فهلك منييه جزء قبييل أن يعمييل فأخييبره بذلك‬
‫فصيييدقه ثيييم قال له يكون الباقيييي عندك قراضيييا على الشرط‬
‫المتقدم لم يجييز حتييى يفاصييله ويقبييض منييه رأس ماله وينقطييع‬
‫القراض الول‪ .‬وقال ابين حيبيب مين أصيحاب مالك إنيه يلزميه فيي‬
‫ذلك القول‪ ،‬ويكون الباقيي قراضيا‪ ،‬وهذه المسيألة هيي مين أحكام‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الطوارئ‪ ،‬ولكين ذكرناهيا هنيا لتعلقهيا بوقيت وجوب القسيمة‪ ،‬وهيي‬


‫من أحكام العقد‪ .‬واختلفوا هل للعامل نفقته من المال المقارض‬
‫عليه أم ل؟ على ثلثة أقوال‪ :‬فقال الشافعي في أشهر أقواله‪ :‬ل‬
‫نفقية له أصيل إل أن يأذن له رب المال؛ وقال قوم‪ :‬له نفقتيه‪ ،‬وبيه‬
‫قال إبراهييم النخعيي والحسين‪ ،‬وهيو أحيد ميا روي عين الشافعيي؛‬
‫وقال آخرون‪ :‬له النفقة في السفر من طعامه وكسوته‪ ،‬وليس له‬
‫شييء فيي الحضير‪ ،‬وبيه قال مالك وأبيو حنيفية والثوري وجمهور‬
‫العلماء‪ ،‬إل أن مالكييييييا قال‪ :‬إذا كان المال يحمييييييل ذلك؛ وقال‬
‫الثوري‪ :‬ينفييق ذاهبييا ول ينفييق راجعييا؛ وقال الليييث‪ :‬يتغدى فييي‬
‫المصر ول يتعشى؛ وروي عن الشافعي أن له نفقته في المرض‪،‬‬
‫والمشهور عنييه مثييل قول الجمهور‪ :‬أن ل نفقيية له فييي المرض‪.‬‬
‫وحجية مين لم يجزه أن ذلك زيادة منفعية فيي القراض فلم يجيز‪.‬‬
‫أصله المنافع‪ .‬وحجة من أجازه أن عليه العمل في الصدر الول‪،‬‬
‫ومن أجازه في الحضر شبهه بالسفر‪ .‬وأجمع علماء المصار على‬
‫أنييه ل يجوز للعامييل أن يأخييذ نصيييبه ميين الربييح إل بحضرة رب‬
‫المال‪ ،‬وأن حضور رب المال شرط فييييي قسييييمة المال وأخييييذ‬
‫العاميل حصيته‪ ،‬وأنيه لييس يكفيي فيي ذلك أن يقسيمه بحضور بينية‬
‫ول غيرها‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في أحكام الطوارئ‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا إذا أخيذ المقارض حصيته مين غيير حضور رب المال‪،‬‬
‫ثييم ضاع المال أو بعضييه؛ فقال مالك‪ :‬إن أذن له رب المال فييي‬
‫ذلك فالعامل مصدق فيما ادعاه من الضياع؛ وقال الشافعي وأبو‬
‫حنيفية والثوري‪ :‬ميا أخيذ العاميل يرده ويجيبر بيه رأس المال‪ ،‬ثيم‬
‫يقتسمان فضل إن كان هنالك‪ .‬واختلفوا إذا هلك مال القراض بعد‬
‫أن اشترى العامل به سلعة ما وقبل أن ينقده البائع‪ .‬فقال مالك‪:‬‬
‫البييع لزم للعاميل‪ ،‬ورب المال مخيير إن شاء دفيع قيمية السيلعة‬
‫مرة ثانيية‪ ،‬ثيم تكون بينهميا على ميا شرطيا مين المقارضية‪ ،‬وإن‬
‫شاء تيبرأ عنهيا؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬بيل يلزم ذلك الشراء رب المال‬
‫شبييه بالوكيييل‪ ،‬إل أنييه قال‪ :‬يكون رأس المال فييي ذلك القراض‬
‫الثمنيين‪ ،‬ول يقتسيمان الربيح إل بعيد حصيوله عينيا‪ :‬أعنيي ثمين تلك‬
‫السييلعة التييي تلفييت أول‪ ،‬والثميين الثانييي الذي لزمييه بعييد ذلك‪.‬‬
‫واختلفوا في بيع العامل من رب المال بعض سلع القراض‪ ،‬فكره‬
‫ذلك مالك‪ ،‬وأجازه أبيييو حنيفييية على الطلق‪ ،‬وأجازه الشافعيييي‬
‫بشرط أن يكونيا قيد تبايعيا بميا ل يتغابين الناس بمثله‪ .‬ووجهية ميا‬
‫كره مين ذلك مالك أن يكون يرخيص له فيي السيلعة مين أجيل ميا‬
‫قارضه‪ ،‬فكأن رب المال أخذ من العامل منفعة سوى الربح الذي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اشترط علييه‪ .‬ول أعرف خلفيا بيين فقهاء المصيار أنيه إن تكارى‬
‫العاميل على السيلع إلى بلد فاسيتغرق الكراء قييم السيلع وفضيل‬
‫عليييه فضلة أنهييا على العامييل ل على رب المال‪ ،‬لن رب المال‬
‫إنميا دفيع ماله إلييه ليتجير بيه‪ ،‬فميا كان مين خسيران فيي المال‬
‫فعليه‪ ،‬وكذلك ما زاد على المال واستغرقه‪ .‬واختلفوا في العامل‬
‫يستدين مال فيتجر به مع مال القراض‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ذلك ل يجوز؛‬
‫وقال الشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬ذلك جائز‪ ،‬ويكون الربيح بينهميا على‬
‫شرطهميييا‪ .‬وحجييية مالك أنيييه كميييا ل يجوز أن يسيييتدين على‬
‫المقارضية‪ ،‬كذلك ل يجوز أن يأخيذ دينيا فيهيا‪ .‬واختلفوا هيل للعاميل‬
‫أن ييبيع بالديين إذا لم يأمره بيه رب المال؟ فقال مالك‪ :‬لييس له‬
‫ذلك‪ ،‬فإن فعييل ضميين‪ ،‬وبييه قال الشافعييي؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬له‬
‫ذلك‪ .‬والجمييع متفقون على أن العاميل إنميا يجيب له أن يتصيرف‬
‫فيي عقيد القراض ميا يتصيرف فييه الناس غالبيا فيي أكثير الحوال؛‬
‫فمين رأى أن التصيرف بالديين خارج عميا يتصيرف فييه الناس فيي‬
‫الغلب لم يجزه؛ وميين رأى أنييه ممييا يتصييرف فيييه الناس أجازه‪.‬‬
‫واختلف مالك والشافعيي وأبيو حنيفية واللييث فيي العاميل يخلط‬
‫ماله بمال القراض مين غيير إذن رب المال‪ ،‬فقال هؤلء كلهيم ميا‬
‫عدا مالكيا‪ :‬هيو تعيد ويضمين؛ وقال مالك‪ :‬لييس بتعيد‪ .‬ولم يختلف‬
‫هؤلء المشاهيير مين فقهاء المصيار أنيه إن دفيع العاميل رأس مال‬
‫القراض إلى مقارض آخيير أنييه ضاميين إن كان خسييران‪ ،‬وإن كان‬
‫ربيح فذلك على شرطيه‪ ،‬ثيم يكون للذي عميل شرطيه على الذي‬
‫دفيع إلييه‪ ،‬فيوفييه حظيه مميا بقيي مين المال‪ .‬وقال المزنيي عين‬
‫الشافعي‪ :‬ليس له إل أجرة مثله‪ ،‬لنه عمل على فساد‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في حكم القراض الفاسد‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن حكيم القراض الفاسيد فسيخه ورد المال إلى‬
‫صيياحبه مييا لم يفييت بالعمييل‪ .‬واختلفوا إذا فات بالعمييل مييا يكون‬
‫للعاميل فييه فيي واجيب عمله على أقوال‪ :‬أحدهيا أنيه يرد جميعيه‬
‫إلى قراض مثله‪ ،‬وهي رواية ابن الماجشون عن مالك‪ ،‬وهو قوله‬
‫وقول أشهييب‪ .‬والثانييي أنييه يرد جميعييه إلى إجارة مثله‪ ،‬وبييه قال‬
‫الشافعيي وأبيو حنيفية وعبيد العزييز بين أبيي سيلمة مين أصيحاب‬
‫مالك‪ ،‬وحكيى عبيد الوهاب أنهيا روايية عين مالك‪ .‬والثالث أنيه يرد‬
‫إلى قراض مثله ميا لم يكين أكثير مميا سيماه‪ ،‬وإنميا له القيل مميا‬
‫سيمي أو مين قراض مثله إن كان رب المال هيو مشترط الشرط‬
‫على المقارض‪ ،‬أو الكثييير مييين قراض مثله‪ ،‬أو مييين الجزء الذي‬
‫سيييمى له إن كان المقارض هيييو مشترط الشرط الذي يقتضيييي‬
‫الزيادة التييي ميين قبلهييا فسييد القراض‪ ،‬وهذا القول يتخرج رواييية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عيين مالك‪ .‬والرابييع أنييه يرد إلى قراض مثله فييي كييل منفعيية‬
‫اشترطها أحد المتقارضين على صاحبه في المال مما ليس ينفرد‬
‫أحدهما بها عن صاحبه‪ ،‬وإلى إجارة مثله في كل منفعة اشترطها‬
‫أحيد المتقارضيين خالصية لمشترطهيا مميا ليسيت فيي المال وفيي‬
‫كيل قراض فاسيد مين قبيل الغرر والجهيل‪ ،‬وهيو قول مطرف وابين‬
‫نافع وابن عبد الحكم وأصبغ‪ ،‬واختاره ابن حبيب؛ وأما ابن القاسم‬
‫فاختلف قوله فيي القراضات الفاسيدة‪ ،‬فبعضهيا وهيو الكثير قال‪:‬‬
‫إن فيها أجرة المثل‪ ،‬وفي بعضها قال‪ :‬فيها قراض المثل‪ .‬فاختلف‬
‫الناس فيي تأوييل قوله؛ فمنهيم مين حميل اختلف قوله فيهيا على‬
‫الفرق الذي ذهيب إلييه ابين عبيد الحكيم ومطرف‪ ،‬وهيو اختيار ابين‬
‫حييبيب واختيار جدي رحميية الله عليييه‪ .‬ومنهييم ميين لم يعلل قوله‬
‫وقال‪ :‬إن مذهبيه أن كيل قراض فاسيد ففييه أجرة المثيل إل تلك‬
‫التييي نييص فيهييا قراض المثييل وهييي سييبعة‪ :‬القراض بالعروض‪،‬‬
‫والقراض بالضمان‪ ،‬والقراض إلى أجيييل‪ ،‬والقراض المبهيييم‪ ،‬وإذا‬
‫قال له اعميييييل على أن لك فيييييي المال شركيييييا‪ ،‬وإذا اختلف‬
‫المتقارضان وأتييا بميا ل يشبيه فحلفيا على دعواهميا‪ ،‬وإذا دفيع إلييه‬
‫المال على أن ل يشتري بيه إل بالديين فاشترى بالنقيد‪ ،‬أو على أن‬
‫ل يشتري إل سيلعة كذا وكذا والسيلعة غيير موجودة فاشترى غيير‬
‫ميا أمير بيه‪ .‬وهذه المسيائل يجيب أن ترد إلى علة واحدة‪ ،‬وإل فهيو‬
‫اختلف من قول ابن القاسم‪ ،‬وحكى عبد الوهاب عن ابن القاسم‬
‫أنيه فصييل فقال‪ :‬إن كان الفسياد مين جهية العقيد رد إلى قراض‬
‫المثل‪ ،‬وإن كان من جهة زيادة ازدادها أحدهما على الخر رد إلى‬
‫أجرة المثييل‪ ،‬والشبييه أن يكون المير فييي هذا بالعكييس‪ .‬والفرق‬
‫بين الجرة وقراض المثل أن الجرة تتعلق بذمة رب المال سواء‬
‫كان فييي المال ربييح أو لم يكيين‪ ،‬وقراض المثييل هييو على سيينة‬
‫القراض إن كان فيه ربح كان للعامل منه‪ ،‬وإل فل شيء له‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في اختلف المتقارضين‪.‬‬
‫@‪-‬واختلف الفقهاء إذا اختلف العاميييل ورب المال فيييي تسيييمية‬
‫الجزء الذي تقارضييا عليييه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬القول قول العامييل لنييه‬
‫عنده مؤتمين‪ ،‬وكذلك المير عنده فيي جمييع دعاوييه إذا أتيى بميا‬
‫يشبييه‪ ،‬وقال الليييث‪ :‬يحمييل على قراض مثله‪ ،‬وبييه قال مالك إذا‬
‫أتييى بمييا ل يشبييه؛ وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه‪ :‬القول قول رب‬
‫المال‪ ،‬وبييه قال الثوري؛ وقال الشافعييي‪ :‬يتحالفان ويتفاسييخان‪،‬‬
‫ويكون له أجرة مثله‪ .‬وسيبب اختلف مالك وأبيو حنيفية اختلفهيم‬
‫في سبب ورود النص بوجوب اليمين على المدعى عليه‪ ،‬هل ذلك‬
‫لنيه مدعيى علييه‪ ،‬أو لنيه فيي الغلب أقوى شبهية؛ فمين قال لنيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مدعيى علييه قال القول قول رب المال؛ ومين قال لنيه أقواهميا‬
‫شبهة في الغلب قال‪ :‬القول قول العامل لنه عنده مؤتمن؛ وأما‬
‫الشافعييي فقاس اختلفهمييا على اختلف المتبايعييين فييي ثميين‬
‫السلعة‪ .‬وهذا كاف في هذا الباب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‬
‫*‪*2‬كتاب المساقاة‪.‬‬
‫*‪*3‬القول فييي المسيياقاة‪ .‬أمييا أول ففييي جوازهييا‪ .‬والثانييي‪ :‬فييي‬
‫معرفة الفساد والصحة فيها‪ .‬والثالث‪ :‬في أحكامها‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في جواز المساقاة‪.‬‬
‫@‪-‬فأمييا جوازهييا فعليييه جمهور العلماء مالك والشافعييي والثوري‬
‫وأبيو يوسيف ومحميد بين الحسين صياحبا أبيي حنيفية وأحميد وداود‪،‬‬
‫وهيي عندهيم مسيتثناة بالسينة مين بييع ميا لم يخلق‪ ،‬ومين الجارة‬
‫المجهولة؛ وقال أبيييو حنيفييية‪ :‬ل تجوز المسييياقاة أصيييل‪ .‬وعمدة‬
‫الجمهور في إجازتها حديث ابن عمر الثابت "أن رسول الله صلى‬
‫الله علييه وسيلم دفيع إلى يهود خييبر نخيل خييبر وأرضهيا على أن‬
‫يعملوهيا من أموالهيم‪ ،‬ولر سول الله صلى الله علييه وسيلم شطير‬
‫ثمرها" خرجه البخاري ومسلم وفي بعض رواياته "أنه صلى الله‬
‫علييه وسيلم سياقاهم على نصيف ميا تخرجيه الرض والثمرة" وميا‬
‫رواه مالك أيضيا مين مرسيل سيعيد بين المسييب أن رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم قال ليهود خييبر يوم افتتيح خييبر "أقركيم‬
‫على ما أقركيم الله على أن التمر بيننا وبينكم" قال وكان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه‬
‫وبينهم‪ ،‬ثم يقول "إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي" وكذلك مرسله‬
‫أيضيا عين سيليمان بين يسيار فيي معناه‪ ،‬وأميا أبيو حنيفية ومين قال‬
‫بقوله فعمدتهم مخالفة هذا الثر للصول مع أنه حكم مع اليهود‪،‬‬
‫واليهود يحتمل أن يكون أقرهم على أنهم عبيد‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫أقرهييم على أنهييم ذميية‪ ،‬إل أنييا إذا أنزلنييا أنهييم ذميية كان مخالفييا‬
‫للصيول‪ ،‬لنيه بييع ميا لم يخلق؛ وأيضيا فإنيه مين المزابنية‪ ،‬وهيو بييع‬
‫التمر بالتمر متفاضل‪ ،‬لن القسمة بالخرص بيع الخرص‪ ،‬واستدلوا‬
‫على مخالفته للصول بما روي في حديث عبد الله بن رواحة أنه‬
‫كان يقول لهييم عنييد الخرص "إن شئتييم فلكييم وتضمنون نصيييب‬
‫المسيلمين‪ ،‬وإن شئتيم فلي وأضمين نصييبكم" وهذا حرام بإجماع‪.‬‬
‫وربمييا قالوا إن النهييي الوارد عيين المخابرة هييو مييا كان ميين هذا‬
‫الفعل بخيبر‪ .‬والجمهور يرون أن المخابرة هي كراء الرض ببعض‬
‫مييا يخرج منهييا‪ ،‬قالوا‪ :‬وممييا يدل على نسييخ هذا الحديييث‪ ،‬أو أنييه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خاص باليهود ميا ورد مين حدييث رافيع وغيره مين النهيي عين كراء‬
‫الرض بمييا يخرج منهييا‪ ،‬لن المسيياقاة تقتضييي جواز ذلك‪ ،‬وهييو‬
‫خاص أيضا في بعض روايات أحاديث المساقاة‪ ،‬ولهذا المعنى لم‬
‫يقل بهذه الزيادة مالك ول الشافعي‪ ،‬أعني بما جاء من "أنه صلى‬
‫الله علييه وسيلم سياقاهم على نصيف ميا تخرجيه الرض والثمرة"‬
‫وهي زيادة صحيحة وقال بها أهل الظاهر‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في صحة المساقاة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي الصيحة راجيع إلى النظير فيي أركانهيا‪ ،‬وفيي وقتهيا‪،‬‬
‫وفيي شروطهيا المشترطية فيي أركانهيا‪ .‬وأركانهيا أربعية‪ :‬المحيل‬
‫المخصييوص بهييا‪ .‬والجزء الذي تنعقييد عليييه‪ .‬وصييفة العمييل الذي‬
‫تنعقد عليه‪ .‬والمدة التي تجوز فيها وتنعقد عليها‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الول‪ :‬فييي محييل المسيياقاة) واختلفوا فييي محييل‬
‫المسيياقاة‪ ،‬فقال داود‪ :‬ل تكون المسيياقاة إل فييي النخيييل فقييط؛‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬فيي النخيل والكرم فقيط؛ وقال مالك‪ :‬تجوز فيي‬
‫كيل أصيل ثابيت كالرمان والتيين والزيتون وميا أشبيه ذلك مين غيير‬
‫ضرورة‪ ،‬وتكون فيي الصيول غيير الثابتية كالمقاثيئ والبطييخ ميع‬
‫عجيز صياحبها عنهيا‪ ،‬وكذلك الزرع‪ ،‬ول تجوز فيي شييء مين البقول‬
‫عنييد الجميييع إل ابيين دينار‪ ،‬فإنييه أجازهييا فيييه إذا نبتييت قبييل أن‬
‫تسيتغل؛ فعمدة مين قصيره على النخيل أنهيا رخصية‪ ،‬فوجيب أن ل‬
‫يتعدى بهييا محلهييا الذي جاءت فيييه السيينة‪ .‬وأمييا مالك فرأى أنهييا‬
‫رخصية ينقدح فيهيا سيبب عام‪ ،‬فوجيب تعديية ذلك إلى الغيير‪ .‬وقيد‬
‫يقاس على الرخييص عنييد قوم إذا فهييم هنالك أسييباب أعييم ميين‬
‫الشياء التيي علقيت الرخيص بالنيص بهيا؛ وقوم منعوا القياس على‬
‫الرخييص؛ وأمييا داود فهييو يمنييع القياس على الجملة‪ ،‬فالمسيياقاة‬
‫على أصيوله مطردة؛ وأميا الشافعيي فإنميا أجازهيا فيي الكرم مين‬
‫قبيل أن الحكيم فيي المسياقاة هيو بالخرص‪ ،‬وقيد جاء فيي حدييث‬
‫عتاب بين أسييد الحكيم بالخرص فيي النخيل والكرم وإن كان ذلك‬
‫في الزكاة‪ ،‬فكأنه قاس المساقاة في ذلك على الزكاة‪ ،‬والحديث‬
‫الذي ورد عن عتاب بن أسيد هو "أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بعثه وأمره أن يخرص العنب وتؤدى زكاته زبيبا‪ ،‬كما تؤدى‬
‫زكاة النخيل تمرا" ودفيع داود حدييث عتاب ابين أسييد لنيه مرسيل‪،‬‬
‫ولنيه انفرد بيه عبيد الرحمين بين إسيحاق ولييس بالقوي‪ .‬واختلفوا‬
‫إذا كان ميع النخيل أرض بيضاء أو ميع الثمار‪ ،‬هيل يجوز أن تسياقى‬
‫الرض ميع النخيل بجزء مين النخيل أو بجزء مين النخيل وبجزء مميا‬
‫يخرج مين الرض؟ فذهيب إلى جواز ذلك طائفية‪ ،‬وبيه قال صياحبا‬
‫أبيي حنيفية واللييث وأحميد والثوري وابين أبيي ليلى وجماعية؛ وقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشافعيي وأهيل الظاهير‪ :‬ل تجوز المسياقاة إل فيي التمير فقيط؛‬


‫وأما مالك فقال‪ :‬إذا كانت الرض تبعا للثمر وكان الثمر أكثر ذلك‬
‫فل بأس بدخولهيا فيي المسياقاة اشترط جزءا خارجيا منهيا أو لم‬
‫يشترطييه‪ ،‬وحييد ذلك الجزء بأن يكون الثلث فمييا دونييه‪ ،‬أعنييي أن‬
‫يكون مقدار كراء الرض الثلث مين الثمير فميا دونيه‪ ،‬ولم يجيز أن‬
‫يشترط رب الرض أن يزرع البياض لنفسييه‪ ،‬لنهييا زيادة ازدادهييا‬
‫عليييه؛ وقال الشافعييي‪ :‬ذلك جائز (هكذا بالنسييخ‪ ،‬ولعله متناقييض‬
‫فيي النقيل عين الشافعيي‪ ،‬فإنيه نقيل عنيه أول أنيه ل يجوز إل فيي‬
‫الثمرة وهنيا أنيه تجوز المسياقاة فيي الرض والنخيل معيا فلعيل له‬
‫قوليين‪ ،‬تأميل ا هيي مصيححه)‪ .‬وحجية مين أجاز المسياقاة عليهميا‬
‫جميعيا‪ ،‬أعنيي على الرض بجزء مميا يخرج منهيا حدييث ابين عمير‬
‫المتقدم‪ .‬وحجيية ميين لم يجييز ذلك مييا روي ميين النهييي عيين كراء‬
‫الرض ب ما يخرج منهيا فيي حدييث رافيع بن خدييج‪ ،‬وقيد تقدم ذلك؛‬
‫وقال أحمد بن حنبل‪ :‬أحاديث رافع مضطربة اللفاظ‪ ،‬وحديث ابن‬
‫عمر أصح‪ .‬وأما تحديد مالك ذلك بالثلث فضعيف‪ ،‬وهو استحسان‬
‫مبنييي على غييير الصييول‪ ،‬لن الصييول تقتضييي أنييه ل يفرق بييين‬
‫الجائز مين غيير الجائز بالقلييل والكثيير مين الجنيس الواحيد‪ .‬ومنهيا‬
‫اختلفهييم فييي المسيياقاة فييي البقييل؛ فأجازهييا مالك والشافعييي‬
‫وأصيحابه ومحميد بين الحسين؛ وقال اللييث‪ :‬ل تجوز المسياقاة فيي‬
‫البقل‪ ،‬وإنما أجازها الجمهور لن العامل وإن كان ليس عليه فيها‬
‫سيقي فيبقيى علييه أعمال أخير‪ ،‬مثيل البار وغيير ذلك؛ وأميا اللييث‬
‫فيرى السييقي بالماء هييو الفعييل الذي تنعقييد عليييه المسيياقاة‪،‬‬
‫ولمكانه وردت الرخصة فيه‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الثانييي) وأمييا الركيين الذي هييو العمييل‪ ،‬فإن العلماء‬
‫بالجملة أجمعوا على أن الذي يجيييب على العاميييل هيييو السيييقي‬
‫والبار‪ .‬واختلفوا فييي الجذاذ على ميين هييو؟ وفييي سييد الحظار‬
‫وتنقيية العيين والسيانية‪ .‬أميا مالك فقال فيي الموطيأ‪ :‬السينة فيي‬
‫المسياقاة التيي يجوز لرب الحائط أن يشترطيه سيد الحظار وخيم‬
‫العيين وشرب الشراب وإبار النخيل وقطيع الجرييد وجيذ الثمير‪ ،‬هذا‬
‫وأشباهه هو على العامل‪ ،‬وهذا الكلم يحتمل أن يفهم منه دخول‬
‫هذه فيي المسياقاة بالشرط‪ ،‬ويمكين أن يفهيم منيه دخولهيا فيهيا‬
‫بنفيس العقيد‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬لييس علييه سيد الحظار لنيه لييس‬
‫مين جنيس ميا يؤثير فيي زيادة الثمرة مثيل البار والسيقي‪ .‬وقال‬
‫محمد بن الحسن‪ :‬ليس عليه تنقية السواني والنهار‪ .‬وأما الجذاذ‬
‫فقال مالك والشافعييي‪ :‬هييو على العامييل‪ ،‬إل أن مالكييا قال‪ :‬إن‬
‫اشترطييه العامييل على رب المال جاز؛ وقال الشافعييي‪ :‬ل يجوز‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شرطييه وتنفسييخ المسيياقاة إن وقييع؛ وقال محمييد بيين الحسيين‪:‬‬


‫الجذاذ بينهمييا نصييفان؛ وقال المحصييلون ميين أصييحاب مالك‪ :‬إن‬
‫العميل فيي الحائط على وجهيين‪ :‬عميل لييس له تأثيير فيي إصيلح‬
‫الثمرة‪ ،‬وعميل له تأثيير فيي إصيلحها‪ .‬والذي له تأثيير فيي إصيلحها‬
‫منيه ميا يتأبيد ويبقيى بعيد الثمير‪ ،‬ومنيه ميا ل يبقيى بعيد الثمير‪ .‬فأميا‬
‫الذي لييس له تأثيير فيي إصيلح الثمير فل يدخيل فيي المسياقاة ل‬
‫بنفيس العقيد ول بالشرط إل الشييء اليسيير منيه‪ .‬وأميا ماله تأثيير‬
‫فييي إصييلح الثميير ويبقييى بعييد الثميير فيدخييل عنده بالشرط فييي‬
‫المسياقاة ل بنفيس العقيد‪ ،‬مثيل إنشاء حفير بئر‪ ،‬أو إنشاء ظفيرة‬
‫للماء‪ ،‬أو إنشاء غرس‪ ،‬أو إنشاء بييت يجنيي فييه الثمير‪ .‬وأميا ميا له‬
‫تأثير في إصلح الثمر ول يتأبد‪ ،‬فهو لزم بنفس العقد‪ ،‬وذلك مثل‬
‫الحفير والسيقي وزبر الكرم وتقلييم الشجير والتذكيير والجذاذ وميا‬
‫أشبيييه ذلك؛ وأجمعوا على أن مييا كان فيييي الحائط مييين الدواب‬
‫والعبيد أنه ليس من حق العامل‪ .‬واختلفوا في شرط العامل ذلك‬
‫على المساقي‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجوز ذلك فيما كان منها في الحائط‬
‫قبيل المسياقاة‪ .‬وأميا إن اشترط فيهيا ميا لم يكين فيي الحائط فل‬
‫يجوز؛ وقال الشافعيي‪ :‬لبأس بذلك وإن لم يكين فيي الحائط‪ ،‬وبيه‬
‫قال ابن نافع من أصحاب مالك؛ وقال محمد بن الحسن‪ :‬ل يجوز‬
‫أن يشترطه العامل على رب المال‪ ،‬ولو اشترطه رب المال على‬
‫العامل جاز ذلك؛ ووجه كراهيته ذلك ما يلحق في ذلك من الجهل‬
‫بنصييب رب المال؛ ومين أجازه رأى أن ذلك تافيه ويسيير‪ ،‬ولتردد‬
‫الحكيم بيين هذيين الصيلين اسيتحسن مالك ذلك فيي الرقييق الذي‬
‫يكون فييي الحائط فييي وقييت المسيياقاة ومنعييه فييي غيرهييم‪ ،‬لن‬
‫اشتراط المنفعة في ذلك أظهر‪ ،‬وإنما فرق محمد بن الحسن لن‬
‫اشتراطهمييا على العامييل هييو ميين جنييس مييا وجييب عليييه ميين‬
‫المسياقاة‪ ،‬وهيو العميل بيده‪ .‬واتفيق القائلون بالمسياقاة على أنيه‬
‫إن كانيت النفقية كلهيا على رب الحائط ولييس على العاميل إل ميا‬
‫يعمييل بيده أن ذلك ل يجوز‪ ،‬لنهييا إجارة بمييا لم يخلق‪ ،‬فهذه هييي‬
‫صفات هذا الركن والشروط الجائزة فيه من غير الجائزة‪.‬‬
‫@‪(-‬الركن الثالث) وأجمعوا على أن المساقاة تجوز بكل ما اتفقا‬
‫علييه مين أجزاء الثمير‪ ،‬فأجاز مالك أن تكون الثمرة كلهيا للعاميل‬
‫كما فعل في القراض‪ ،‬وقد قيل إن ذلك منحة ل مساقاة‪ ،‬وقيل ل‬
‫يجوز‪ .‬واتفقوا على أنييه ل يجوز فيهييا اشتراط منفعيية زائدة‪ ،‬مثييل‬
‫أن يشترط أحدهمييا على صيياحبه زيادة دراهييم أو دنانييير ول شيئا‬
‫مين الشياء الخارجية عين المسياقاة إل الشييء اليسيير عنيد مالك‬
‫مثييل سييد الحظار وإصييلح الظفيرة وهييي مجتمييع الماء؛ ول يجوز‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عنييد مالك أن يسيياقي على حائطييين‪ :‬أحدهمييا على جزء‪ ،‬والخيير‬


‫على جزء آخر‪ ،‬واحتج بفعله عليه الصلة والسلم في خيبر‪ ،‬وذلك‬
‫أنيه سياقي على حوائط مختلفية بجزء واحيد‪ ،‬وفييه خلف‪ .‬وأكثير‬
‫العلماء على أن القسمة بين العامل والمساقي في الثمر ل تكون‬
‫إل بالكيل‪ ،‬وكذلك في الشركة‪ ،‬وأنها ل تجوز بالخرص؛ وأجاز قوم‬
‫قسييمتها بالخرص‪ .‬واختلف فييي ذلك أصييحاب مالك‪ ،‬واختلفييت‬
‫الروايية عنيه‪ ،‬فقييل يجوز‪ ،‬وقييل ل يجوز مين الثمار فيي الربويية‬
‫ويجوز فيييي غيييير ذلك‪ ،‬وقييييل يجوز بلطلق إذ اختلفيييت حاجييية‬
‫الشريكيييين‪ .‬وحجييية الجمهور أن ذلك يدخله الفسييياد مييين جهييية‬
‫المزابنية ويدخله بييع الرطيب بالتمير‪ ،‬وبييع الطعام بالطعام نسييئة‪.‬‬
‫وحجية مين أجاز قسيمتها بالخرص تشبيههيا بالعريية وبالخرص فيي‬
‫الزكاة‪ ،‬وفيه ضعف‪ .‬وأقوى ما اعتمدوا عليه في ذلك ما جاء من‬
‫الخرص في مساقاة خيبر من مرسل سعيد ابن المسيب وعطاء‬
‫بن يسار‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الرابييع) وأمييا اشتراط الوقييت فييي المسيياقاة فهييو‬
‫صينفان‪ :‬وقيت هيو مشترط فيي جواز المسياقاة‪ ،‬ووقيت هيو شرط‬
‫فيي صيحة العقيد‪ ،‬وهيو المحدد لمدتهيا‪ .‬فأميا الوقيت المشترط فيي‬
‫جواز عقدهيييا فإنهيييم اتفقوا على أنهيييا تجوز قبيييل بدو الصيييلح‪.‬‬
‫واختلفوا فييي جواز ذلك بعييد بدو الصييلح‪ ،‬فذهييب الجمهور ميين‬
‫القائليين بالمسياقاة على أنيه ل يجوز بعيد الصيلح‪ .‬وقال سيحنون‪:‬‬
‫من أصحاب مالك ل بأس بذلك‪ .‬واختلف قول الشافعي في ذلك؛‬
‫فمرة قال‪ :‬ل يجوز‪ ،‬ومرة قال‪ :‬يجوز‪ ،‬وقيد قييل عنيه إنهيا ل تجوز‬
‫إذا خلق الثمير‪ .‬وعمدة الجمهور أن المسياقاة ميا بدا صيلحه مين‬
‫الثميير ليييس فيييه عمييل ول ضرورة داعييية إلى المسيياقاة إذ كان‬
‫يجوز بيعييه فييي ذلك الوقييت‪ .‬قالوا‪ :‬وإنمييا هييي إجارة إن وقعييت‪.‬‬
‫وحجة من أجازها أنه إذا جازت قبل أن يخلق الثمر فهي بعد بدو‬
‫الصيلح أجوز‪ ،‬ومين هنيا لم تجيز عندهيم مسياقاة البقول لنيه يجوز‬
‫بيعهييا‪ ،‬أعنييي عنييد الجمهور‪ .‬وأمييا الوقييت الذي هييو شرط فييي‬
‫المسييياقاة‪ ،‬فإن الجمهور على أنيييه ل يجوز يكون مجهول‪ :‬أعنيييي‬
‫مدة غير مؤقتة‪ ،‬وأجاز طائفة أن يكون إلى مدة غير مؤقتة منهم‬
‫أهل الظاهر‪ .‬وعمدة الجمهور ما يدخل في ذلك من الغرر قياسا‬
‫على الجارة؛ وعمدة أهيل الظاهير ميا وقيع فيي مرسيل مالك مين‬
‫قوله صيلى الله علييه وسيلم "أقركيم ميا أقركيم الله" وكره مالك‬
‫المساقاة في ما طال مين السينين‪ ،‬وانقضاء السينين فيهيا هيو بالجيذ‬
‫ل بالهلة‪ .‬وأمييا هييل اللفييظ شرط فييي هذا العقييد‪ ،‬فاختلفوا فييي‬
‫ذلك؛ فذهب ابن القاسم إلى أن من شرط صحتها أن ل تنعقد إل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بلفييظ المسيياقاة‪ ،‬وأنييه ليييس تنعقييد بلفييظ الجارة‪ ،‬وبييه قال‬


‫الشافعييي؛ وقال غيرهييم‪ :‬تنعقييد بلفييظ الجارة‪ ،‬وهييو قياس قول‬
‫سحنون‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في أحكام الصحة‪.‬‬
‫@‪-‬والمسيياقاة عنييد مالك ميين العقود اللزميية باللفييظ ل بالعمييل‬
‫بخلف القراض عنده الذي ينعقييد بالعمييل ل باللفييظ‪ ،‬وهييو عنييد‬
‫مالك عقيد موروث‪ ،‬ولورثية المسياقي أن يأتوا بأميين يعميل إن لم‬
‫يكونوا أمناء‪ ،‬وعليييه العمييل إن أبييى الورثيية ميين تركتييه؛ وقال‬
‫الشافعي إذا لم يكن له تركة سلم إلى الورثة رب المال أجرة ما‬
‫عميل وفسيد العقيد‪ ،‬وإن كانيت له تركية لزمتيه المسياقاة؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬تنفسيخ المسياقاة بالعجيز ولم يفصييل؛ وقال مالك إذا‬
‫عجيز وقيد حيل بييع الثمير لم يكين له أن يسياقي غيره ووجيب علييه‬
‫أن يسيتأجر مين يعميل وإن يكين له شييء اسيتؤجر مين حظيه مين‬
‫الثمير‪ ،‬وإن كان العاميل لصيا أو ظالميا لم ينفسيخ العقيد بذلك عنيد‬
‫مالك‪ .‬وحكي عن الشافعي أنه قال‪ :‬يلزمه أن يقيم غيره للعمل؛‬
‫وقال الشافعيييي‪ :‬إذا هرب العاميييل قبيييل تمام العميييل اسيييتأجر‬
‫القاضيي علييه مين يعميل عمله‪ ،‬ويجوز عنيد مالك أن يشترط كيل‬
‫واحيد منهميا على صياحبه الزكاة بخلف القراض‪ ،‬ونصيابهما عنده‬
‫نصياب الرجيل الواحيد بخلف قوله فيي الشركاء‪ .‬وإذا اختلف رب‬
‫المال والعاميل فيي مقدار ميا وقعيت علييه المسياقاة مين الثمير‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬القول قول العامل مع يمينه إذا أتى بما يشبه؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬يتحالفان ويتفاسييخان‪ ،‬وتكون للعامييل الجرة شبهيية‬
‫بالبييع؛ وأوجيب مالك اليميين فيي حيق العاميل لنيه مؤتمين‪ ،‬ومين‬
‫أصيله أن اليميين تجيب على أقوى المتداعييين شبهية‪ .‬وفروع هذا‬
‫الباب كثيرة‪ ،‬لكين التيي اشتهير الخلف فيهيا بيين الفقهاء هيي هذه‬
‫التي ذكرناها‪.‬‬
‫*‪*4‬أحكام المساقاة الفاسدة‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن المسيياقاة إذا وقعييت على غييير الوجييه الذي‬
‫جوزهيا الشرع أنهيا تنفسيخ ميا لم تفيت بالعميل‪ .‬واختلفوا إذا فاتيت‬
‫بالعميل ماذا يجيب فيهيا؟ فقييل إنهيا ترد إلى إجارة المثيل فيي كيل‬
‫نوع ميين أنواع الفسيياد‪ ،‬وهييو قياس قول الشافعييي وقياس إحدى‬
‫الروايتين عن مالك؛ وقيل إنها ترد إلى مساقاة المثل بإطلق‪ ،‬هو‬
‫قول ابين الماجشون وروايتيه عين مالك؛ وأميا ابين القاسيم فقال‬
‫في بعضها‪ :‬ترد إلى مساقاة مثلها‪ ،‬وفي بعضها‪ :‬إلى إجارة المثل‪.‬‬
‫واختلف التأويل عنه في ذلك‪ ،‬فقيل في مذهبه إنها ترد إلى إجارة‬
‫المثيل إل فيي أربيع مسيائل فإنهيا ترد إلى مسياقاة مثلهيا‪ :‬إحداهيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المسيياقاة فييي حائط فيييه تميير قييد أطعييم‪ .‬والثانييية إذا اشترط‬
‫المسياقي على رب المال أن يعميل معيه‪ .‬والثالثية المسياقاة ميع‬
‫البييع فيي صيفقة واحدة‪ .‬والرابعية إذا سياقاه فيي حائط سينة على‬
‫الثلث وسيينة على النصييف؛ وقيييل إن الصييل عنده فييي ذلك أن‬
‫المسيياقاة إذا لحقهييا الفسيياد ميين قبييل مييا دخلهييا ميين الجارة‬
‫الفاسيدة أو مين بييع الثمير مين قبيل أن يبدو صيلحه‪ ،‬وذلك مميا‬
‫يشترطه أحدهما على صاحبه من زيادة رد فيها إلى أجرة المثل‪،‬‬
‫مثيل أن يسياقيه على أن يزييد أحدهميا صياحبه دنانيير أو دراهيم‪،‬‬
‫وذلك أن هذه الزيادة إن كانيييت مييين رب الحائط كانيييت إجارة‬
‫فاسدة‪ ،‬وإن كانت من العامل كانت بيع الثمر قبل أن يخلق‪ .‬وأما‬
‫فسياده مين قبيل الغرر مثيل المسياقاة على حوائط مختلفية فيرد‬
‫إلى مسيياقاة المثييل‪ ،‬وهذا كله اسييتحسان جار على غييير قياس‪.‬‬
‫وفي المسألة قول رابع‪ ،‬وهو أنه يرد إلى مساقاة مثله ما لم يكن‬
‫أكثير مين الجزء الذي شرط علييه إن كان للمسياقي‪ ،‬أو أقيل إن‬
‫كان الشرط للمساقي‪ ،‬وهذا كاف بحسب غرضنا‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الشركة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظر في الشركة‪ ،‬في أنواعها‪ ،‬وفي أركانها الموجبة للصحة‬
‫فييي الحكام ونحيين نذكيير ميين هذه البواب مييا اتفقوا عليييه‪ ،‬ومييا‬
‫اشتهيير الخلف فيييه بينهييم على مييا قصييدناه فييي هذا الكتاب‪.‬‬
‫والشركيية بالجملة عنييد فقهاء المصييار على أربعيية أنواع‪ :‬شركيية‬
‫العنان‪ :‬وشركييية البدان‪ .‬وشركييية المفاوضييية‪ .‬وشركييية الوجوه‪.‬‬
‫واحدة منها متفق عليها‪ ،‬وهي شر كة العنان‪ ،‬وإن كان بعضهم لم‬
‫يعرف هذا اللفيظ ‪ ،‬وإن كانوا اختلفوا فيي بعيض شروطهيا على ميا‬
‫سييأتي بعيد‪ .‬والثلثية مختلف فيهيا‪ ،‬ومختلف فيي بعيض شروطهيا‬
‫عند من اتفق منهم عليها‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في شركة العنان‪.‬‬
‫@‪-‬وأركان هذه الشركة ثلثة‪ :‬الول‪ :‬محلها من الموال‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫فيي معرفية قدر الربيح مين قدر المال المشترك فييه‪ .‬والثالث فيي‬
‫معرفة قدر العمل من الشريكين من قدر المال‪.‬‬
‫@‪(-‬الركن الول) فأما محل الشركة‪ ،‬فمنه ما اتفقوا عليه‪ ،‬ومنه‬
‫مييا اختلفوا فيييه؛ فاتفييق المسييلمون على أن الشركيية تجوز فييي‬
‫الصنف الواحد من العين‪ :‬أعني الدنانير والدراهم‪ ،‬وإن كانت في‬
‫الحقيقة بيعا ل تقع فيه مناجزة‪ ،‬ومن شرط البيع في الذهب وفي‬
‫الدراهم المناجزة‪ ،‬لكن الجماع خصص هذا المعنى في الشركة‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وكذلك اتفقوا فيمييا أعلم على الشركيية بالعرضييين يكونان بصييفة‬


‫واحدة واختلفوا فيييي الشركييية بالعرضيييين المختلفيييين وبالعيون‬
‫المختلفة‪ ،‬مثل الشركة بالدنانير‪ .‬من أحدها والدراهم من الخر‪،‬‬
‫وبالطعام الربوي إذا كان صنفا واحدا‪ ،‬فههنا ثلث مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسألة الولى) فأما إذا اشتركا في صنفين من العروض‪ ،‬أو‬
‫فيي عروض ودراهيم ودنانيير‪ ،‬فأجاز ذلك ابين القاسيم‪ ،‬وهيو مذهيب‬
‫مالك‪ ،‬وقييد قيييل عنييه إنييه كره ذلك‪ .‬وسييبب الكراهييية اجتماع‬
‫الشركية فيهيا والبييع‪ ،‬وذلك أن يكون العرضان مختلفيين‪ ،‬كأن كيل‬
‫واحيد منهميا باع جزءا مين عرضيه بجزء مين العرض الخير؛ ومالك‬
‫يعتييبر فييي العروض إذا وقعييت فيهييا الشركيية القيييم؛ والشافعييي‬
‫يقول‪ :‬ل تنعقيد الشركية إل على أثمان العروض؛ وحكيى أبيو حاميد‬
‫أن ظاهير مذهيب الشافعيي يشيير إلى أن الشركية مثيل القراض ل‬
‫تجوز إل بالدراهيم والدنانيير‪ ،‬قال‪ :‬والقياس أن الشاعية فيهيا تقوم‬
‫مقام الخلط‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) وإمييا إن كان الصيينفان ممييا ل يجوز فيهمييا‬
‫الن َّيساء مثل الشركية بالدنانيير من عنيد أحدهميا والدراهيم من عند‬
‫الخيير‪ ،‬أو بالطعامييين المختلفييين‪ ،‬فاختلف فييي ذلك قول مالك‪،‬‬
‫فأجازه مرة‪ ،‬ومنعيه مرة‪ ،‬وذلك لميا يدخيل الشركية بالدراهيم مين‬
‫عنيد أحدهميا والدنانيير مين عنيد الخير مين الشركية والصيرف معيا‬
‫وعدم التناجز‪ ،‬ولما يدخل الطعامين المختلفين من الشركة وعدم‬
‫التناجييز؛ وبالمنييع قال ابيين القاسييم‪ ،‬وميين لم يعتييبر هذه العلل‬
‫أجازها‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) وأمييا الشركيية بالطعام ميين صيينف واحييد‪،‬‬
‫فأجازهييا ابيين القاسييم قياسييا على إجماعهييم على جوازهييا فييي‬
‫الصينف الواحيد من الذهب أو الف ضة ومنعهيا مالك فيي أحيد قوليه‬
‫وهيو المشهور بعدم المناجزة الذي يدخيل فييه‪ ،‬إذ رأى أن الصيل‬
‫هيو أن ل يقاس على موضيع الرخصية بالجماع؛ وقيد قييل إن وجيه‬
‫كراهيية مالك لذلك أن الشركية تفتقير إلى السيتواء فيي القيمية‪،‬‬
‫والبييييع يفتقييير إلى السيييتواء فيييي الكييييل‪ ،‬فافتقرت الشركييية‬
‫بالطعاميين مين صينف واحيد إلى اسيتواء القيمية والكييل وذلك ل‬
‫يكاد يوجد‪ ،‬فكره مالك ذلك‪ ،‬فهذا هو استواء القيمة والكيل وذلك‬
‫ل يكاد يوجيد‪ ،‬فكره مالك ذلك فهذا هيو اختلفهيم فيي جنيس محيل‬
‫الشركيية‪ .‬واختلفوا هييل ميين شرط مال الشركيية أن يختلطييا إمييا‬
‫حسا وإما حكما‪ ،‬مثل أن يكونا في صندوق واحد وأيديهما مطلقة‬
‫عليهمييا؛ وقال الشافعييي‪ :‬ل تصييح الشركيية حتييى يخلطييا ماليهمييا‬
‫خلطيا ل يتمييز بيه مال أحدهميا مين مال الخير؛ وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تصييح الشركيية وإن كان مال كييل واحييد منهمييا بيده‪ .‬فأبييو حنيفيية‬
‫اكتفييييى فييييي انعقاد الشركيييية بالقول؛ ومالك اشترط إلى ذلك‬
‫اشتراك التصيييرف فيييي المال؛ والشافعيييي اشترط إلى هذيييين‬
‫الختلط‪ .‬والفقه أن بالختلط يكون عمل الشريكين أفضل وأتم‪،‬‬
‫لن النصيح يوجيد منيه لشريكيه كميا يوجيد لنفسيه‪ ،‬فهذا هيو القول‬
‫في هذا الركن وفي شروطه‪.‬‬
‫@‪(-‬فأما الركن الثاني) وهو وجه اقتسامهما الر بح‪ ،‬فإنهم اتفقوا‬
‫على أنيه إذا كان الربيح تابعيا لرؤوس الموال‪ ،‬أعنيي إن كان أصيل‬
‫مال الشركية متسياويين كان الربيح بينهميا نصيفين‪ .‬واختلفوا هيل‬
‫يجوز أن يختلف رؤوس أموالهمييا ويسييتويان فييي الربييح؟ فقال‬
‫مالك والشافعييييي‪ :‬ذلك ل يجوز؛ وقال أهييييل العراق‪ :‬يجوز ذلك‪.‬‬
‫وعمدة ميين منييع ذلك أن تشييبيه الربييح بالخسييران‪ ،‬فكمييا أنييه لو‬
‫اشترط أحدهمييا جزءا ميين الخسييران لم يجييز كذلك إذا اشترط‬
‫جزءا من الربح خارجا عن ماله وربما شبهوا الربح بمنفعة العقار‬
‫الذي بيين الشريكيين‪ :‬أعنيي أن المنفعية بينهميا تكون على نسيبة‬
‫أصل الشركة‪ .‬وعمدة أهل العراق تشبيه الشركة بالقراض‪ ،‬وذلك‬
‫أنيه لميا جاز فيي القراض أن يكون للعاميل مين الربيح ميا اصيطلحا‬
‫عليه‪ ،‬والعامل ليس يجعل مقابله إل عمل فقط كان في الشركة‬
‫أحرى أن يجعيل للعميل جزء مين المال إذا كانيت الشركية مال مين‬
‫كل واحد منهما وعمل‪ ،‬فيكون ذلك الجزء من الربح مقابل لفضل‬
‫عمله على عمييل صيياحبه‪ ،‬فإن الناس يتفاوتون فييي العمييل كمييا‬
‫يتفاوتون في غير ذلك‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا الركين الثالث) الذي هيو العميل‪ ،‬فإنيه تابيع كميا قلنيا عنيد‬
‫مالك للمال فل يعتبر بنفسه‪ ،‬وهو عند أبي حنيفة يعتبر مع المال؛‬
‫وأظين أن مين العلماء مين ل يجييز الشركية إل أن يكون مالهميا‬
‫متسياويين التفاتيا إلى العميل‪ ،‬فإنهيم يرون أن العميل فيي الغالب‬
‫مسييتو فإذا لم يكيين المال بينهمييا على التسيياوي كان هنالك غبيين‬
‫على أحدهمييا فييي العمييل‪ ،‬ولهذا قال ابيين المنذر‪ :‬أجمييع العلماء‬
‫على جواز الشركية التيي يخرج فيهيا كيل واحيد مين الشريكيين مال‬
‫مثل مال صاحبه من نوعه‪ :‬أعنيي دراهم أو دنانير‪ ،‬ثم يخلطانهما‬
‫حتى يصيرا مال واحدا ل يتميز‪ .‬على أن يبيعا ويشتريا ما رأيا من‬
‫أنواع التجارة‪ ،‬وعلى أن ميا كان مين فضيل فهيو بينهميا بنصيفين‪،‬‬
‫وميا كان مين خسيارة فهيو كذلك‪ ،‬وذلك إذا باع كيل واحيد منهميا‬
‫بحضرة صيياحبه‪ ،‬واشتراطييه هذا الشرط يدل على أن فيييه خلفييا‬
‫والمشهور عند الجهمور أ نه ليس من شرط الشركاء أن يبيع كل‬
‫واحد منهما بحضرة صاحبه‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬القول في شركة المفاوضة‪.‬‬


‫@‪-‬واختلفوا فييي شركيية المفاوضيية؛ فاتفييق مالك وأبييو حنيفيية‬
‫بالجملة على جوازهيا‪ ،‬وإن كان اختلفوا فيي بعيض شروطهيا؛ وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬ل تجوز‪ .‬ومعنيى شركية المفاوضية أن يفوض كيل واحيد‬
‫من الشريكين إلى صاحبه التصرف فيي ماله ميع غيبتيه وحضوره‪،‬‬
‫وذلك واقيع عندهيم فيي جمييع أنواع الممتلكات‪ .‬وعمدة الشافعيي‬
‫أن اسييم الشركيية إنمييا ينطلق على اختلط الموال‪ ،‬فإن الرباح‬
‫فروع‪ ،‬ول يجوز أن تكون الفروع مشتركييية إل باشتراك أصيييولها؛‬
‫وأميا إذا اشترط كيل واحيد منهميا ربحيا لصياحبه فيي ملك نفسيه‬
‫فذلك من الغرر ومما ل يجوز‪ ،‬وهذه صفة شركة المفاوضة‪ .‬وأما‬
‫مالك فيرى أن كيل واحيد منهميا قيد باع جزءا مين ماله بجزء مين‬
‫مال شريكيه‪ ،‬ثيم وكيل واحيد منهميا صياحبه على النظير فيي الجزء‬
‫الذي بقيي فيي يده‪ .‬والشافعيي يرى أن الشركية ليسيت هيي بيعيا‬
‫ووكالة‪ .‬وأما أبو حنيفة فهو ههنا على أصله في أنه ل يراعي في‬
‫شركة العنان إل النقد فقط‪ .‬وأما ما يختلف فيه مالك وأبو حنيفة‬
‫ميين شروط هذه الشركيية‪ ،‬فإن أبييا حنيفيية يرى أن ميين شرط‬
‫المفاوضيية التسيياوي فييي رؤوس الموال؛ وقال مالك‪ :‬ليييس ميين‬
‫شرطهييا ذلك تشبيهييا بشركيية العنان؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬ل يكون‬
‫لحدهمييا شيييء إل أن يدخييل فييي الشركيية‪ .‬وعمدتهييم أن اسييم‬
‫المفاوضية يقتضيي هذيين المريين‪ ،‬أعنيي تسياوي الماليين وتعمييم‬
‫ملكهما‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في شركة البدان‪.‬‬
‫@‪-‬وشركة البدان بالجملة عند أبي حنيفة والمالكية جائزة‪ ،‬ومنع‬
‫منها الشافعي‪ .‬وعمدة الشافعية أن الشركة إنما تختص بالموال‬
‫ل بالعمال‪ ،‬لن ذلك ل ينضبط فهو غرر عندهم‪ ،‬إذ كان عمل كل‬
‫واحد منهما مجهول عند صاحبه‪ .‬وعمدة المالكية اشتراك الغانمين‬
‫في الغنيمة‪ ،‬وهم إنما استحقوا ذلك بالعمل‪ .‬وما روي من أن ابن‬
‫مسيعود شارك سيعدا يوم بدر‪ ،‬فأصياب سيعد فرسيين ولم يصيب‬
‫ابين مسيعود شيئا‪ ،‬فلم ينكير النيبي صيلى الله علييه وسيلم عليهميا‪.‬‬
‫وأيضيا فإن المضاربية إنميا تنعقيد على العميل فجاز أن تنعقيد علييه‬
‫الشركية؛ وللشافعيي أن المفارضية خارجية عين الصيول فل يقاس‬
‫عليهيا‪ ،‬وكذلك يشبيه أن يكون حكيم الغنيمية خارجيا عين الشركية؛‬
‫وميين شرطهييا عنييد مالك اتفاق الصيينعتين والمكان؛ وقال أبييو‬
‫حنيفييييية‪ :‬تجوز ميييييع اختلف الصييييينعتين‪ ،‬فيشترك عنده الدباغ‬
‫والقصيار‪ ،‬ول يشتركان عنيد مالك‪ .‬وعمدة مالك زيادة الغرر الذي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يكون عند اختلف الصنعتين أو اختلف المكان‪ .‬وعمدة أبي حنيفة‬


‫جواز الشركة على العمل‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في شركة الوجوه‪.‬‬
‫@‪-‬وشركية الوجوه عنيد مالك والشافعيي باطلة؛ وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫جائزة‪ .‬وهذه الشركية هيي الشركية على الذميم مين غيير صينعة ول‬
‫مال‪ .‬وعمدة مالك والشافعيي أن الشركية إنميا تتعلق على المال‬
‫أو على العميل‪ ،‬وكلهميا معدومان فيي هذه المسيألة ميع ميا فيي‬
‫ذلك مين الغرر‪ ،‬لن كيل واحيد منهميا عاوض صياحبه بكسيب غيير‬
‫محدود بصيناعة ول عميل مخصيوص؛ وأبيو حنيفية يعتميد أنيه عميل‬
‫من العمال فجاز أن تنعقد عليه الشركة‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في أحكام الشركة الصحيحة‪.‬‬
‫@‪-‬وهييي ميين العقود الجائزة ل ميين العقود اللزميية‪ :‬أي لحييد‬
‫الشريكييين أن ينفصييل ميين الشركيية متييى شاء‪ ،‬وهييي عقييد غييير‬
‫موروث‪ ،‬ونفقتهمييا وكسييوتهما ميين مال الشركيية إذا تقاربييا فييي‬
‫العيال ولم يخرجييا عيين نفقيية مثلهمييا ويجوز لحييد الشريكييين أن‬
‫يبضييع وأن يقارض وأن يودع إذا دعييت إلى ذلك ضرورة‪ ،‬ول يجوز‬
‫له أن يهيب شيئا مين مال الشركية‪ ،‬ول أن يتصيرف فييه إل تصيرفا‬
‫يرى أنه نظر لهما؛ وأما من قصر في شيء أو تعدى فهو ضامن‬
‫مثييل أن يدفييع مال ميين التجارة فل يشهييد وينكره القابييض‪ ،‬فإنييه‬
‫يضمين لنيه قصير إذ لم يشهيد‪ ،‬وله أن يقبيل الشييء المعييب فيي‬
‫الشراء وإقرار أحيد الشريكيين فيي مال لمين يتهيم علييه ل يجوز‪،‬‬
‫وتجوز إقالته وتوليته‪ ،‬ول يضمن أحد الشريكين ما ذهب من مال‬
‫التجارة باتفاق‪ ،‬ول يجوز للشريييييك المفاوض أن يقارض غيره إل‬
‫بإذن شريكيه ويتنزل كيل واحيد منهميا منزلة صياحبه فيميا له وفيميا‬
‫عليه في مال التجارة‪ ،‬وفروع هذا الباب كثيرة‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم)‬
‫*‪*2‬كتاب الشفعة‬
‫@‪-‬والنظير فيي الشفعية أول قسيمين‪ :‬القسيم الول‪ :‬فيي تصيحيح‬
‫هذا الحكم وفي أركانه‪ .‬القسم الثاني‪ :‬في أحكامه‪.‬‬
‫*‪(*3‬القسم الول)‬
‫@‪-‬فأميا وجوب الحكيم بالشفعية‪ ،‬فالمسيلمون متفقون علييه‪ ،‬لميا‬
‫ورد فيي ذلك مين الحادييث الثابتية‪ ،‬إل ميا يتأميل على مين ل يرى‬
‫شقِييص‪:‬‬ ‫شق ص وال َّ‬ ‫بييع الشقيص المشاع [قال فيي النهايية‪ ... :‬ال ّ ِ‬
‫ُي‬
‫شتركيية ميين كييل شيييء‪ .‬دار الحديييث]‪،‬‬ ‫م ْ‬
‫ب فييي العييين ال ُ‬
‫النصييي ُ‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأركانهيا أربعية‪ :‬الشافيع‪ ،‬والمشفوع علييه‪ ،‬والمشفوع فييه‪ ،‬وصيفة‬


‫الخذ بالشفعة‪.‬‬
‫*‪(*4‬الركين الول) وهيو الشافيع‪ ،‬وذهيب مالك والشافعيي وأهيل‬
‫المدينيية إلى أن ل شفعيية إل للشريييك مييا لم يقاسييم؛ وقال أهييل‬
‫العراق‪ :‬الشفعية مرتبية‪ ،‬فأولى الناس بالشفعية الشرييك الذي لم‬
‫يقاسم‪ ،‬ثم الشريك المقاسم إذا بقيت في الطرق أو في الصحن‬
‫شركية‪ ،‬ثم الجار الملصيق؛ وقال أهل المدينة‪ :‬ل شفعية للجار ول‬
‫للشرييك المقاسيم‪ .‬وعمدة أهيل المدينية مرسيل مالك عين ابين‬
‫شهاب عين أبيي سيلمة بين عبيد الرحمين وسيعيد بين المسييب أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في ما لم يقسم‬
‫بيين الشركاء‪ ،‬فإذا وقعيت الحدود بينهيم فل شفعية‪ ،‬وحدييث جابر‬
‫أيضيا "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قضيى بالشفعية فيميا‬
‫لم يقسم‪ ،‬فإذا وقعت الحدود فل شفعة" خرجه مسلم والترمذي‬
‫وأبيو داود‪ .‬وكان أحميد بين حنبيل يقول‪ :‬حدييث معمير عين الزهري‬
‫عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أصح ما روي في الشفعة‪ .‬وكان‬
‫ابين معيين يقول‪ :‬مرسيل مالك أحيب إلي‪ ،‬إذ كان مالك إنميا رواه‬
‫عين ابين شهاب موقوفيا‪ ،‬وقيد جعيل قوم هذا الختلف على ابين‬
‫شهاب في إسناده توهينا له‪ ،‬وقد روي عن مالك في غير الموطأ‬
‫عن ابن شهاب عن أبي هريرة‪ ،‬ووجه استدللهم من هذا الثر ما‬
‫ذكير فييه مين أنيه إذا وقعيت الحدود فل شفعية‪ ،‬وذلك أنيه إذا كانيت‬
‫الشفعيية غييير واجبيية للشريييك المقاسييم‪ ،‬فهييي أحرى أن ل تكون‬
‫واجبيية للجار‪ ،‬وأيضييا فإن الشريييك المقاسييم هييو جار إذا قاسييم‪.‬‬
‫وعمدة أهل العراق حديث رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنييه قال "الجار أحييق بصييقبه" وهييو حديييث متفييق عليييه‪ ،‬وخرج‬
‫الترمذي وأبيو داود عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "جار الدار‬
‫أحيق بدار الجار" وصيححه الترمذي ومين طرييق المعنيى لهيم أيضيا‬
‫أنه لما كانت الشفعة إنما المق صود منها دفع الضرر الداخل من‬
‫الشركية‪ ،‬وكان هذا المعنيى موجودا فيي الجار وجيب أن يلحيق بيه؛‬
‫ولهيل المدينية أن يقولوا‪ :‬وجود الضرر فيي الشركية أعظيم منيه‬
‫فييي الجوار‪ .‬وبالجملة فعمدة المالكييية أن الصييول تقتضييي أن ل‬
‫يخرج ملك أحد من يده إل برضاه‪ ،‬وأن من اشترى شيئا فل يخرج‬
‫من يده إل برضاه حتى يدل الدليل على التخصيص‪ ،‬وقد تعارضت‬
‫الثار في هذا الباب‪ ،‬فوجب أن يرجح ما شهدت له الصول‪ ،‬ولكل‬
‫القولين سلف متقدم لهل العراق من التابعين لهل المدينة من‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪(*4‬الركين الثانيي) وهيو المشفوع فييه‪ ،‬اتفيق المسيلمون على أن‬


‫الشفعية واجبية فيي الدور والعقار والرضيين كلهيا‪ ،‬واختلفوا فيميا‬
‫سييوى ذلك‪ ،‬فتحصيييل مذهييب مالك أنهييا فييي ثلثيية أنواع‪ :‬احدهييا‬
‫مقصيود‪ ،‬وهيو العقار مين الدور والحوانييت والبسياتين‪ .‬والثانيي ميا‬
‫يتعلق بالعقار مما هو ثابت ل ينقل ول يحول‪ ،‬وذلك كالبئر ومحال‬
‫النخل‪ ،‬ما دام الصل فيها على صفة تجب فيها الشفعة عنه‪ ،‬وهو‬
‫أن يكون الصيل الذي هيو الرض مشاعيا بينيه وبيين شريكيه غيير‬
‫مقسيم‪ ،‬والثالث ميا تعلق بهذه كالثمار‪ ،‬وفيهيا عنيه خلف‪ ،‬وكذلك‬
‫كراء الرض للزرع وكتابة المكاتب‪ .‬واختلف عنه في الشفعة في‬
‫الحمام والرحا‪ ،‬وأما ما عدا هذا من العروض والحيوان فل شفعة‬
‫فيهييا عنده‪ ،‬وكذلك ل شفعيية عنده فييي الطريييق ول فييي عرصيية‬
‫الدار‪ .‬واختلف عنيه فيي أكريية الدور وفيي المسياقاة وفيي الديين‪،‬‬
‫هيل يكون الذي علييه الديين أحيق بيه‪ ،‬وكذلك الذي علييه الكتابية‪،‬‬
‫وبيه قال عمير بين عبيد العزييز‪ .‬وروى "أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم قضييى بالشفعيية فييي الدييين" وبييه قال أشهييب ميين‬
‫أصحاب مالك؛ وقال ابن القاسم‪ :‬ل شفعة في الدين‪ .‬ولم يختلفا‬
‫فيي إيجابهيا فيي الكتابية لحرمية العتيق‪ ،‬وفقهاء المصيار على أن ل‬
‫شفعية إل فيي العقار فقيط‪ .‬وحكيي عين قوم أن الشفعية فيي كيل‬
‫شييء ميا عدا المكييل والموزون؛ ولم يجيز أبيو حنيفية الشفعية فيي‬
‫البئر والفحيل‪ ،‬وأجازهيا فيي العرصية والطرييق؛ ووافيق الشافعيي‬
‫مالكيا فيي العرصية وفيي الطرييق وفيي البئر‪ ،‬وخالفاه جميعيا فيي‬
‫الثمار‪ .‬وعمدة الجمهور في قصر الشفعة على العقار ما ورد في‬
‫الحدييث الثابيت مين قوله علييه الصيلة والسيلم "الشفعية فيميا لم‬
‫يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فل شفعة" فكأنه قال‪:‬‬
‫الشفعة فيما تمكن فيه القسمة ما دام لم يقسم‪ ،‬وهذا استدلل‬
‫بدلييل الخطاب‪ ،‬وقيد أجميع علييه فيي هذا الموضيع فقهاء المصيار‬
‫ميع اختلفهيم فيي صيحة السيتدلل بيه‪ .‬وأميا عمدة مين أجازهيا فيي‬
‫كيل شييء فميا خرجيه الترمذي عين ابين عباس "أن رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم قال "الشرييك شفييع والشفعية فيي كيل‬
‫شييء" ولن معنيى ضرر الشركية والجوار موجود كيل شييء وإن‬
‫كان فيي العقار أظهير؛ ولميا لحيظ هذا مالك أجرى ميا يتبيع العقار‬
‫مجرى العقار‪ .‬واسيتدل أبيو حنيفية على منيع الشفعية فيي البئر بميا‬
‫روى "ل شفعة في بئر" ومالك حمل هذا الثر على آبار الصحاري‬
‫التي تعمل في الرض الموات‪ ،‬ل التي تكون في أرض متمكلة‪.‬‬
‫*‪(*4‬الركن الثالث) وأما المشفوع عليه فإنهم اتفقوا على أنه من‬
‫انتقيل إلييه الملك بشراء مين شرييك غيير مقاسيم أو مين جار عنيد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ميين يرى الشفعيية للجار‪ .‬واختلفوا فيميين انتقييل إليييه الملك بغييير‬
‫شراء‪ ،‬فالمشهور عند مالك‪ .‬أن الشفعة إنما تجب إذا كان انتقال‬
‫الملك بعوض كالبيييع والصييلح والمهيير وأرش الجنايات وغييير ذلك‪،‬‬
‫وبيه قال الشافعيي؛ وعنيه روايية ثانيية أنهيا تجيب بكيل ملك انتقيل‬
‫بعوض أو بغييير عوض‪ ،‬كالهبيية لغييير الثواب والصييدقة‪ ،‬مييا عدا‬
‫الميراث فإنييه ل شفعيية عنييد الجميييع فيييه باتفاق‪ .‬وأمييا الحنفييية‬
‫فالشفعيية عندهييم فييي المييبيع فقييط‪ ،‬وعمدة الحنفييية ظاهيير‬
‫الحادييث‪ ،‬وذلك أن مفهومهيا يقتضيي أنهيا فيي الميبيعات بيل ذلك‬
‫نص فيها ل في بعضها فل يبع حتى يستأذن شريكه‪ .‬وأما المالكية‬
‫فرأت أن كل ما انتقل بعوض فهو في معنى البيع‪ ،‬ووجه الرواية‬
‫الثانية أنها اعتبرت الضرر فقط‪ .‬وأما الهبة للثواب فل شفعة فيها‬
‫عنيد أبيي حنيفية ول الشافعيي؛ وأميا أبيو حنيفية فلن الشفعية عنده‬
‫فييي المييبيع‪ ،‬وأمييا الشافعييي فلن هبيية الثواب عنده باطلة‪ ،‬وأمييا‬
‫مالك فل خلف عنده وعنيد أصيحابه فيي أن الشفعية فيهيا واجبية‪.‬‬
‫واتفيق العلماء على أن الميبيع الذي بالخيار أنيه إذا كان الخيار فييه‬
‫للبائع أن الشفعة ل تجب حتى يجب البيع‪ .‬واختلفوا إذا كان الخيار‬
‫للمشتري؟ فقال الشافعيي والكوفيون‪ :‬الشفعية واجبية علييه لن‬
‫شق ِيص‪:‬‬ ‫شق ص وال َّ‬‫البائع قد صرم الشقص [قال في النهاية‪ ... :‬ال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫شتركية مين كيل شييء‪ .‬دار الحدييث] عين‬ ‫م ْ‬
‫ب فيي العيين ال ُ‬
‫النصيي ُ‬
‫ملكه وأبانه منه‪ ،‬وقيل إن الشفعة غير واجبة عليه لنه غير ضامن‬
‫وبييه قال جماعيية ميين أصييحاب مالك‪ .‬واختلف فييي الشفعيية فييي‬
‫المسيياقاة‪ ،‬وهييي تبديييل أرض بأرض‪ ،‬فعيين مالك فييي ذلك ثلث‬
‫روايات‪ :‬الجواز‪ ،‬والمنييع‪ ،‬والثالث أن تكون المناقلة بييين الشراك‬
‫والجانب فلم يرها في الشراك ورآها في الجانب‪.‬‬
‫*‪(*4‬الركين الرابيع فيي الخيذ بالشفعية) والنظير فيي هذا الركين‬
‫بماذا يأخذ الشفيع‪ ،‬وكم يأخذ‪ ،‬ومتى يأخذ؟ فإنهم اتفقوا على أنه‬
‫يأخييذ فييي البيييع بالثميين إذا كان حال؛ واختلفوا إذا كان البيييع إلى‬
‫أجيل هيل يأخذه الشفييع بالثمين إلى ذلك الجيل‪ ،‬أو يأخيذ الميبيع‬
‫بالثمين حال‪ ،‬وهيو مخيير؟ فقال مالك‪ :‬يأخذه بذلك الجيل إذا كان‬
‫ملييا أو يأتيي بضامين ملييء‪ ،‬وقال الشافعيي‪ :‬الشفييع مخيير‪ ،‬فإن‬
‫عجيل تعجلت الشفعية وإل تتأخير إلى وقيت الجيل‪ ،‬وهيو نحيو قول‬
‫الكوفيييين؛ وقال الثوري ل يأخذهييا إل بالنقييد لنهييا قييد دخلت فييي‬
‫ضمان الول‪ ،‬قال‪ :‬ومنيا مين يقول تبقيى فيي ييد الذي باعهيا‪ ،‬فإن‬
‫بلغ الجيييل أخذهيييا الشفييييع‪ .‬والذيييين رأوا الشفعييية فيييي سيييائر‬
‫المعاوضات ممييا ليييس بييبيع‪ ،‬فالمعلوم عنهييم أنييه يأخييذ الشفعيية‬
‫بقيميية الشقييص إن كان العوض ممييا ليييس يتقدر‪ ،‬مثييل أن يكون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫معطيى فيي خلع‪ .‬وإميا أن يكون معطيى فيي شييء يتقدر ولم يكين‬
‫دنانيير ول دراهيم ول بالجملة مكيل ول موزونيا‪ ،‬فإنيه يأخذه بقيمية‬
‫ذلك الشيء الذي دفع الشقص فيه؛ وإن كان ذلك الشيء محدود‬
‫القدر بالشرع أخيييذ ذلك الشقيييص بذلك القدر‪ ،‬مثيييل أن يدفيييع‬
‫الشقييص فييي موضحيية وجبييت عليييه أو منقلة‪ ،‬فإنييه يأخذه بدييية‬
‫الموضحة أو المنقلة‪ .‬وأما كم يأخذ؟ فإن الشفيع ل يخلو أن يكون‬
‫واحدا أو أكثيير‪ ،‬والمشفوع عليييه أيضييا ل يخلو أن يكون واحدا أو‬
‫أكثير‪ .‬فأميا أن الشفييع واحيد والمشفوع علييه واحدا فل خلف فيي‬
‫أن الواجييب على الشفيييع أن يأخييذ الكييل أو يدع‪ ،‬وأمييا إذا كان‬
‫المشفوع علييه واحدا والشفعاء أكثير مين واحيد فإنهيم اختلفوا مين‬
‫ذلك في موضعين‪ :‬أحدهما في كيفية قسمة المشفوع فيه بينهم‪.‬‬
‫والثاني إذا اختلفت أسباب شركتهم هل يحجب بعضهم بعضا عن‬
‫الشفعيية أم ل؟ مثييل أن يكون بعضهييم شركاء فييي المال الذي‬
‫ورثوه‪ ،‬لنهم أهل سهم واحد‪ ،‬وبعضهم لنهم عصبة‪.‬‬
‫@‪(-‬فأميا المسيألة الولى) وهيي كيفيية توزييع المشفوع فييه‪ ،‬فإن‬
‫مالكيا والشافعيي وجمهور أهيل المدينية يقولون‪ :‬إن المشفوع فييه‬
‫يقتسيمونه بينهيم على قدر حصيصهم‪ ،‬فمين كان نصييبه مين أصيل‬
‫المال الثلث مثل أخيذ مين الشقيص بثلث الثمين‪ ،‬ومين كان نصييبه‬
‫الربييع أخييذ الربييع‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬هييي على عدد الرؤوس على‬
‫السييواء‪ ،‬وسييواء فييي ذلك الشريييك ذو الحييظ الكييبر وذو الحييظ‬
‫الصيغر‪ .‬وعمدة المدنييين أن الشفعية حيق يسيتفاد وجوبيه بالملك‬
‫المتقدم‪ ،‬فوجيب أن يتوزع على مقدار الصيل‪ ،‬أصيله الكريية فيي‬
‫المسيتأجرات المشتركية والربيح فيي شركية الموال؛ وأيضيا فإن‬
‫الشفعة إنما هي لزالة الضرر‪ ،‬والضرر داخل على كل واحد منهم‬
‫على غيير اسيتواء‪ ،‬لنيه إنميا يدخيل على كيل واحيد منهيم بحسيب‬
‫حصييته‪ ،‬فوجييب أن يكون اسييتحقاقهم لدفعييه على تلك النسييبة‪.‬‬
‫وعمدة الحنفيييية أن وجوب الشفعييية إنميييا يلزم بنفيييس الملك‬
‫فيسييتوفي ذلك أهييل الحظوظ المختلفيية لسييتوائهم فييي نفييس‬
‫الملك‪ ،‬وربميا شبهوا ذلك بالشركاء فيي العبيد يعتيق بعضهيم نصييبه‬
‫أنه يقوم على المعتقين على السوية‪ :‬أعني حظ من لم يعتق‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثانية) فإن الفقهاء اختلفوا في دخول الشراك‬
‫الذين هم عصبة في الشفعة مع الشراك الذين شركتهم من قبل‬
‫السيهم الواحيد فقال مالك‪ :‬أهيل السيهم الواحيد أحيق بالشفعية إذا‬
‫باع أحدهم من الشراك معهم في المال من قبل التعصيب‪ ،‬وأنه‬
‫ل يدخييل ذو العصييبة فييي الشفعيية على أهييل السييهام المقدرة‬
‫ويدخييل ذوو السييهام على ذوي التعصيييب‪ ،‬مثييل أن يموت ميييت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيترك عقارا ترثييه عنييه بنتان وابنييا عييم ثييم تييبيع البنييت الواحدة‬
‫حظها‪ ،‬فإن البنت الثانية عند مالك هي التي تشفع في ذلك الحظ‬
‫الذي باعتيه أختهيا فقيط دون ابنيي العيم‪ ،‬وإن باع أحيد ابنيي العيم‬
‫نصييبه يشفيع فييه البنات وابين العيم الثانيي‪ ،‬وبهذا القول قال ابين‬
‫القاسيم‪ ،‬وقال أهيل الكوفية‪ :‬ل يدخيل ذوو السيهام على العصيبات‬
‫ول العصبات على ذوي السهام‪ ،‬ويتشافع أهل السهم الواحد فيما‬
‫بينهيم خاصية‪ ،‬وبيه قال أشهيب‪ ،‬وقال الشافعيي فيي أحيد قولييه‪:‬‬
‫يدخيل ذوو السيهام على العصيبات والعصيبات على ذوي السيهام‪،‬‬
‫وهييو الذي اختاره المزنييي‪ ،‬وبييه قال المغيرة ميين أصييحاب مالك‪.‬‬
‫وعمدة مذهييب الشافعييي عموم قضائه صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫بالشفعية بيين الشركاء‪ ،‬ولم يفصيل ذوي سيهم مين عصيبة‪ .‬ومين‬
‫خصيص ذوي السيهام من العصيبات فلنيه رأى أن الشركية مختلفية‬
‫السيباب‪ :‬أعني بين ذوي السهام وبين العصبات فشبه الشركات‬
‫المختلفية السيباب بالشركات المختلفية مين قبيل محالهيا الذي هيو‬
‫المال بالقسيمة بالموال‪ .‬ومين أدخيل ذوي السيهام على العصيبة‬
‫ولم يدخيل العصيبة على ذوي السيهام فهيو اسييتحسان على غيير‬
‫قياس‪ ،‬ووجييه السييتحسان أنييه رأى أن ذوي السييهام أقعييد ميين‬
‫العصيبة‪ .‬وأميا إذا كان المشفوع عليهميا اثنيين فأكثير فأراد الشفييع‬
‫أن يشفييع على أحدهمييا دون الثانييي‪ ،‬فقال ابيين القاسييم‪ :‬إمييا أن‬
‫يأخيذ الكيل أو يدع؛ وقال أبيو حنيفية وأصيحابه والشافعيي‪ :‬له أن‬
‫يشفييع على أيهمييا أحييب‪ ،‬وبييه قال أشهييب‪ .‬فأمييا إذا باع رجلن‬
‫شقصييا ميين رجييل‪ ،‬فأراد الشفيييع أن يشفييع على أحدهمييا دون‬
‫الثانيي‪ ،‬فإن أبيا حنيفية منيع ذلك‪ ،‬وجوزه الشافعيي‪ .‬وأميا إذا كان‬
‫الشافعون أكثر من واحد‪ :‬أعني الشراك‪ ،‬فأراد بعضهم أن يشفع‬
‫وسيييلم له الباقيييي فيييي البيوع‪ ،‬فالجمهور على أن للمشتري أن‬
‫يقول للشريك إما أن تشفع في الجميع أو تترك‪ ،‬وأنه ليس له أن‬
‫يشفع بحسب حظه إل أن يوافقه المشتري على ذلك‪ ،‬وأنه ليس‬
‫له أن يبعيض الشفعية على المشتري إن لم يرض بتبعيضهيا‪ .‬وقال‬
‫أصبغ من أصحاب مالك‪ :‬إن كان ترك بعضهم الخذ بالشفعة رفقا‬
‫بالمشتري لم يكن للشفيع إل أن يأخذ حصته فقط‪ .‬ول خلف في‬
‫مذهييب مالك أنييه إذا كان بعييض الشفعاء غائبييا وبعضهييم حاضرا‪،‬‬
‫فأراد الحاضير أن يأخيذ حصيته فقيط أنيه لييس له ذلك‪ ،‬إل أن يأخيذ‬
‫الكيييييل أو يدع‪ ،‬فإذا قدم الغائب فإن شاء أخيييييذ وإن شاء ترك‪.‬‬
‫واتفقوا على أن مييين شرط الخيييذ بالشفعييية أن تكون الشركييية‬
‫متقدمية على البييع‪ .‬واختلفوا هيل مين شرطهيا أن تكون موجودة‬
‫في حال البيع‪ ،‬وأن تكون ثابتة قبل البيع؟‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬فأما المسألة الولى) وهي إذا لم يكن شريكا في حال البيع‪،‬‬


‫وذلك يتصيور بأن يكون يتراخيى عين الخيذ بالشفعية بسيبب مين‬
‫السيباب التيي ل يقطيع له الخيذ بالشفعية حتيى ييبيع الحيظ الذي‬
‫كان بييه شريكييا‪ .‬فروى أشهييب أن قول مالك اختلف فييي ذلك‪،‬‬
‫فمرة قال‪ :‬له الخييذ بالشفعيية‪ ،‬ومرة قال‪ :‬ليييس له ذلك؛ واختار‬
‫أشهب أنه ل شفعة له‪ ،‬وهو قياس قول الشافعي والكوفيين‪ ،‬لن‬
‫المقصيود بالشفعية إنميا هيو إزالة الضرر مين جهية الشركية‪ ،‬وهذا‬
‫لييس بشرييك‪ .‬وقال ابين القاسيم‪ :‬له الشفعية إذا كان قياميه فيي‬
‫أثره‪ ،‬لنه يرى أن الحق الذي وجب له لم يرتفع ببيعه حظه‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثانية) فصورتها أن يستحق إنسان شقصا في‬
‫أرض قد بيع منها قبل وقت الستحقاق شقص ما‪ ،‬هل له أن يأخذ‬
‫بالشفعية أم ل؟ فقال قوم‪ :‬له ذلك‪ ،‬لنيه وجبيت له الشفعية بتقدم‬
‫شركتيه قبيل البييع‪ ،‬ول فرق فيي ذلك كانيت يده علييه أو لم تكين؛‬
‫وقال قوم‪ :‬ل تجب له الشفعة‪ ،‬لنه إنما ثبت له مال الشركة يوم‬
‫السيتحقاق‪ ،‬قالوا‪ :‬أل ترى أنيه ل يأخيذ الغلة مين المشتري؛ فأميا‬
‫مالك فقال‪ :‬إن طال الزمان فل شفعيييية‪ ،‬وإن لم يطييييل ففيييييه‬
‫الشفعية‪ ،‬وهيو اسيتحسان‪ .‬وأميا متيى يأخيذ وهيو له الشفعية؟ فإن‬
‫الذي له الشفعيية رجلن حاضيير أو غائب‪ .‬فأمييا الغائب فأجمييع له‬
‫العلماء على أن الغائب على شفعتييه مييا لم يعلم بييبيع شريكييه؛‬
‫واختلفوا إذا علم وهييو غائب؛ فقال قوم‪ :‬تسييقط شفعتييه؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬ل تسيقط‪ ،‬وهيو مذهيب مالك‪ ،‬والحجية له ميا روي عين النيبي‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم ميين حديييث جابر أنييه قال "الجار أحييق‬
‫بصييقبه" أو قال "بشفعتييه ينتظيير بهييا إذا كان غائبييا" وأيضييا فإن‬
‫الغائب فييي الكثيير معوق عيين الخييذ بالشفعيية‪ ،‬فوجييب عذره‪.‬‬
‫وعمدة الفرييق الثانيي أن سيكوته ميع العلم قرينية تدل على رضاه‬
‫بإسيقاطها‪ .‬وأميا الحاضير‪ ،‬فإن الفقهاء اختلفوا فيي وقيت وجوب‬
‫الشفعية له‪ ،‬فقال الشافعيي وأ بو حنيفية‪ :‬هيي واجبية له على الفور‬
‫بشرط العلم وإمكان الطلب‪ ،‬فإن علم وأمكييييييييين الطلب‪ ،‬ولم‬
‫يطلب بطلت شفعتيه‪ ،‬إل أن أبيا حنيفية قال‪ :‬إن أشهيد بالخيذ لم‬
‫تبطيل وإن تراخى‪ .‬وأ ما مالك فليست عنده على الفور‪ ،‬بل وقيت‬
‫وجوبها متسع‪ ،‬واختلف قوله في هذا الوقت هل هو محدود أم ل؟‬
‫فمرة قال‪ :‬هو غير محدود وأنها ل تنقطع أبدا إل أن يحدث المبتاع‬
‫بناء أو تغييرا كثيرا بمعرفتيه وهيو حاضير عالم سياكت؛ ومرة حدد‬
‫هذا الوقيت‪ ،‬فروى عنيه السينة وهيو الشهير‪ ،‬وقييل أكثير مين سينة‪،‬‬
‫وقيد قييل عنيه إن الخمسية أعوام ل تنقطيع فيهيا الشفعية‪ .‬واحتيج‬
‫الشافعيي بميا روي أنيه علييه الصيلة والسيلم قال "الشفعية كحيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العقال" وقيد روي عن الشافعيي أن أمدهيا ثلثة أيام‪ .‬وأ ما من لم‬


‫يسقط الشفعة بالسكوت واعتمد على أن السكوت ل يبطل حق‬
‫امرئ مسلم ما لم يظهر من قرائن أحواله ما يدل على إسقاطه‪،‬‬
‫وكان هذا أشبيه بأصييول الشافعييي‪ ،‬لن عنده أنيه ليييس يجييب أن‬
‫ينسييب إلى سيياكت قول قائل‪ ،‬وإن اقترنييت بييه أحوال تدل على‬
‫رضاه‪ ،‬ولكنيه فيميا أحسيب اعتميد الثير‪ ،‬فهذا هيو القول فيي أركان‬
‫الشفعة وشروطها المصححة لها وبقي القول في الحكام‪.‬‬
‫*‪*3‬القسم الثاني القول في أحكام الشفعة‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه الحكام كثيرة‪ ،‬ولكين نذكير منهيا ميا اشتهير فييه الخلف‬
‫بين فقهاء المصار‪ ،‬ف من ذلك اختلفهم فيي ميراث حق الشفعة‪،‬‬
‫فذهييب الكوفيون إلى أنييه ل يورث كمييا أنييه ل يباع؛ وذهييب مالك‬
‫والشافعي وأهل الحجاز إلى أنها موروثة قياسا على الموال وقد‬
‫تقدم‪ .‬سيبب الخلف فيي هذه المسيائل فيي مسيألة الرد بالعييب‪،‬‬
‫ومنها اختلفهم في عهدة الشفيع هل هي على المشتري أو على‬
‫البائع؟ فقال مالك والشافعي‪ :‬هي على المشتري؛ وقال ابن أبي‬
‫ليلى‪ :‬هيييي على البائع‪ .‬وعمدة مالك أن الشفعييية إنميييا وجبيييت‬
‫للشريييك بعييد حصييول ملك المشتري وصييحته‪ ،‬فوجييب أن تكون‬
‫عليييه العهدة‪ .‬وعمدة الفريييق الخيير أن الشفعيية إنمييا وجبييت‬
‫للشرييك بنفيس البييع‪ ،‬فطروؤهيا على البييع فسيخ له وعقيد لهيا‪.‬‬
‫وأجمعوا على أن القالة ل تبطيل الشفعية مين رأى أنهيا بييع‪ ،‬ومين‬
‫رأى أنهييا فسييخ‪ :‬أعنييي القالة‪ .‬واختلف أصييحاب مالك على ميين‬
‫عهدة الشفيييع فييي القالة؟ فقال ابيين القاسييم‪ :‬على المشتري؛‬
‫وقال أشهيب‪ :‬هيو مخيير‪ .‬ومنهيا اختلفهيم إذا أحدث المشتري بناء‬
‫أو غرسييا أو مييا يشبييه فييي الشقييص قبييل قيام الشفيييع‪ ،‬ثييم قام‬
‫الشفييييع يطلب شفعتيييه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل شفعييية إل أن يعطيييي‬
‫المشتري قيمة ما بنى وما غرس؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬هو‬
‫متعييد وللشفيييع أن يعطيييه قيميية بنائه مقلوعييا أو يأخذه بنقضييه‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم تردد تصرف المشفوع عليه العالم بوجوب‬
‫الشفعة عليه بين شبهة تصرف الغاصب وتصرف المشتري الذي‬
‫يطرأ عليييه السييتحقاق وقييد بنييي فييي الرض وغرس‪ ،‬وذلك أنييه‬
‫وسط بينهما‪ ،‬فمن غلب عليه شبه الستحقاق لم يكن له أن يأخذ‬
‫القيمية‪ ،‬ومين غلب علييه شبيه التعدي قال‪ :‬له أن يأخذه بنقضيه أو‬
‫يعطييييه قيمتيييه منقوضيييا‪ .‬ومنهيييا اختلفهيييم إذا اختلف المشتري‬
‫والشفيع في مبلغ الثمن‪ ،‬فقال المشتري‪ :‬اشتريت الشقص بكذا‪،‬‬
‫وقال الشفيع‪ :‬بل اشتريته بأقل‪ ،‬ولم يكن لواحد منهما بينة‪ ،‬فقال‬
‫جمهور الفقهاء‪ :‬القول قول المشتري‪ ،‬لن الشفيييييييييييييييع مدع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والمشفوع عليييه مدعييى عليييه وخالف فييي ذلك بعييض التابعييين‬


‫فقالوا‪ :‬القول قول الشفييييع‪ ،‬لن المشتري قيييد أقييير له بوجوب‬
‫الشفعية وادعيى علييه مقدارا مين الثمين لم يعترف له بيه‪ .‬وأميا‬
‫أصييحاب مالك فاختلفوا فييي هذه المسييألة‪ ،‬فقال ابيين القاسييم‪:‬‬
‫القول قول المشتري إذا أتيى بميا يشبيه باليميين‪ ،‬فإن أتيى بميا ل‬
‫يشبه فالقول قول الشفيع وقال أشهب‪ :‬إذا أتى بما يشبه فالقول‬
‫قول المشتري بل يميين وفيميا ل يشبيه باليميين‪ .‬وحكيي عين مالك‬
‫أنيه قال‪ :‬إذا كان المشتري ذا سيلطان يعلم بالعادة أنيه يزييد فيي‬
‫الثمين قبيل قول المشتري بغيير يميين وقييل إذا أتيى المشتري بميا‬
‫ل يشبيه رد الشفييع إلى القيمية‪ ،‬وكذلك فيميا أحسيب إذا أتيى كيل‬
‫واحيد منهميا بميا ل يشبيه‪ .‬واختلفوا إذا أتيى كيل واحيد منهميا ببينية‬
‫وتسيياوت العدالة فقال ابيين القاسييم يسييقطان معييا ويرجييع إلى‬
‫الصييل ميين أن القول قول المشتري مييع يمينييه‪ .‬وقال أشهييب‪:‬‬
‫البينة بينة المشتري لنها زادت علما‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القسمة‪.‬‬
‫@‪-‬والصيييل فيييي هذا الكتاب قوله {وإذا حضييير القسيييمة أولوا‬
‫القربييى} وقوله {ممييا قييل منييه أو كثيير نصيييبا مفروضييا} وقول‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيما دار قسمت في الجاهلية‬
‫فهيي على قسيم الجاهليية وأيميا دار أدركهيا السيلم ولم تقسيم‬
‫فهيي على قسيم السيلم" والنظير فيي هذا الكتاب فيي القاسيم‬
‫والمقسيوم علييه والقسمة والنظير فيي القسيمة فيي أبواب‪ .‬الباب‬
‫الول‪ :‬فيي أنواع القسيمة‪ .‬الثانيي‪ :‬فيي تعييين محيل نوع نوع مين‬
‫أنواعها‪ :‬أعني ما يقبل القسمة وما ل يقبلها‪ ،‬وصفة القسمة فيها‬
‫وشروطها أعني فيما يقبل القسمة‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفة أحكامها‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في أنواع القسمة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي القسيمة ينقسيم أول إلى قسيمين‪ :‬قسيمة رقاب‬
‫الموال‪ .‬والثاني‪ :‬منافع الرقاب‪.‬‬
‫(القسم الول من هذا الباب) فأما قسمة الرقاب التي ل تكال ول‬
‫توزن‪ ،‬فتنقسم بالجملة إلى ثلثة أقسام‪ :‬قسمة قرعة بعد تقويم‬
‫وتعديل‪ .‬وقسمة مراضاة بعد تقويم وتعديل‪ .‬وقسمة مراضاة بغير‬
‫تقويم ول تعديل‪ .‬وأما ما يكال أو يوزن فبالكيل والوزن‪.‬‬
‫(القسم الثاني) وأما الرقاب‪ ،‬فإنها تنقسم إلى ثلثة أقسام‪ :‬ما ل‬
‫ينقيل ول يحول‪ ،‬وهيي الرباع والصيول‪ .‬وميا ينقيل ويحول‪ ،‬وهذان‬
‫قسيمان‪ :‬إميا غيير مكييل ول موزون‪ ،‬وهيو الحيوان والعروض؛ وإميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مكييل أو موزون‪ .‬ففيي هذا الباب ثلثية فصيول‪ :‬الول‪ :‬فيي الرباع‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬في العروض‪ .‬والثالث‪ :‬في المكيل والموزون‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في الرباع‪.‬‬
‫@‪-‬فأما الرباع والصول‪ ،‬فيجوز أن تقسم بالتراضي وبالسهمة إذا‬
‫عدلت بالقيمة‪ ،‬اتفق أهل العلم على ذلك اتفاقا مجمل‪ ،‬وإن كانوا‬
‫اختلفوا فيي محيل ذلك وشروطيه‪ .‬والقسيمة ل تخلو أن تكون فيي‬
‫محييل واحيد أو فييي محال كثيرة‪ ،‬فإذا كانييت فييي محيل واحيد فل‬
‫خلف فيي جوازهيا إذا انقسيمت إلى أجزاء متسياوية بالصيفة ولم‬
‫تنقص منفعة الجزاء بالنقسام ويجبر الشركاء على ذلك‪ .‬وأما إذا‬
‫انقسيمت إلى ميا ل منفعية فييه‪ ،‬فاختلف فيي ذلك مالك وأصيحابه‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬إنها تقسم بينهم إذا دعا أحدهم إلى ذلك ولو لم يصر‬
‫لواحد منهم إل ما ل منفعة فيه مثل قدر القدم‪ ،‬وبه قال ابن كنانة‬
‫من أصحابه فقط‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة والشافعي‪ ،‬وعمدتهم في‬
‫ذلك قوله تعالى {مميا قيل منيه أو كثير نصييبا مفروضيا} وقال ابين‬
‫القاسم‪ :‬ل يقسم إل أن يصير لكل واحد في حظه ما ينتفع به من‬
‫غيير مضرة داخلة علييه فيي النتفاع مين قبيل القسيمة‪ ،‬وإن كان ل‬
‫يراعيي فيي ذلك نقصيان الثمين‪ .‬وقال ابين الماجشون‪ :‬يقسيم إذا‬
‫صار لكل واحد منهم ما ينتفع به‪ ،‬وإن كان من غير جنس المنفعة‬
‫التييي كانييت فييي الشتراك أو كانييت أقييل‪ .‬وقال مطرف ميين‬
‫أصحابه‪ :‬إن لم يصر في حظ كل واحد ما ينتفع به لم يقسم وإن‬
‫صار في حظ بعضهم ما ينتفع به‪ ،‬وفي حظ بعضهم ما ل ينتفع به‬
‫قسييم وجييبروا على ذلك سييواء دعييا إلى ذلك صيياحب النصيييب‬
‫القلييل أو الكثيير‪ ،‬وقييل يجيبر إن دعيا صياحب النصييب القلييل‪ ،‬ول‬
‫يجييبر إن دعييا صيياحب النصيييب الكثييير‪ ،‬وقيييل بعكييس هذا وهييو‬
‫ضعيف‪ .‬واختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى‬
‫منفعية أخرى مثيل الحمام‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يقسيم إذا طلب ذلك أحيد‬
‫الشريكيين‪ ،‬وبيه قال أشهيب؛ وقال ابين القاسيم‪ :‬ل يقسيم‪ ،‬وهيو‬
‫قول الشافعييي‪ .‬فعمدة ميين منييع القسييمة قوله صييلى الله عليييه‬
‫وسييلم "ل ضرر ول ضرار" وعمدة ميين رأى القسييمة قوله تعالى‬
‫{مميا قيل منيه أو كثير نصييبا مفروضيا} ومين الحجية لمين لم يير‬
‫القسيمة حدييث جابر عين أبييه "ل تعضيية على أهيل الميراث إل ما‬
‫حمل القسم" والتعضية‪ :‬التفرقة‪ ،‬يقول‪ :‬ل قسمة بينهم‪ .‬وأما إذا‬
‫كانيت الرباع أكثير مين واحيد فإنهيا ل تخلو أيضيا أن تكون مين نوع‬
‫واحيييد أو مختلفييية النواع‪ ،‬فإذا كانيييت متفقييية النواع فإن فقهاء‬
‫المصيار فيي ذلك مختلفون؛ فقال مالك‪ :‬إذا كانيت متفقية النواع‬
‫قسمت بالتقويم والتعديل والسهيمة‪ ،‬وقال أبو حنيفة والشافعي‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بييل يقسييم كييل عقار على حدتييه؛ فعمدة مالك أنييه أقييل للضرر‬
‫الداخيل على الشركاء من القسمة‪ .‬وعمدة الفريق الثانيي أن كل‬
‫عقار تعينيه بنفسيه لنيه تتعلق بيه الشفعية‪ .‬واختلف أصيحاب مالك‬
‫إذا اختلفت النواع المتفقة في النفاق وإن تباعدت مواضعها على‬
‫ثلثية أقوال؛ وأميا إذا كانيت الرباع مختلفية مثيل أن يكون منهيا دور‬
‫ومنهييا حوائط ومنهييا أرض‪ ،‬فل خلف أنييه ل يجمييع فييي القسييمة‬
‫بالسيهمة‪ .‬ومين شرط قسييمة الحوائط المثمرة أن ل تقسييم مييع‬
‫الثمرة إذا بدا صيلحها باتفاق فيي المذهيب‪ ،‬لنيه يكون بييع الطعام‬
‫بالطعام على رؤوس الثمير وذلك مزابنية‪ .‬وأميا قسيمتها قبيل بدو‬
‫الصلح ففيه اختلف بين أصحاب مالك‪ :‬أما ابن القاسم فل يجيز‬
‫ذلك قبيل البار بحال مين الحوال‪ ،‬ويعتيل لذلك لنيه يؤدي إلى بييع‬
‫طعام بطعام متفاضل‪ ،‬ولذلك زعيم أنيه لم يجيز مالك شراء الثمير‬
‫الذي لم يطيب بالطعام ل نسييئة ول نقدا؛ وأميا إن كان بعيد البار‪،‬‬
‫فإنه ل يجوز عنده إل بشرط أن يشترط أحدهما على الخر أن ما‬
‫وقيع مين الثمير فيي نصييبه فهيو داخيل فيي القسيمة‪ ،‬وميا لم يدخيل‬
‫في نصيبه فهم فيه على الشركة‪ ،‬والعلة في ذلك عنده أنه يجوز‬
‫اشتراط المشتري الثمييير بعيييد البار ول يجوز قبيييل البار‪ ،‬فكأن‬
‫أحدهما اشترى حظ صاحبه من جميع الثمرات التي وقعت له في‬
‫القسيمة بحظيه مين الثمرات التيي وقعيت لشريكيه واشترط الثمير‬
‫وصيفة القسيم بالقرعية أن تقسيم الفريضية وتحقييق وتضرب إن‬
‫كان فيي سيهامها كسير إلى أن تصيح السيهام‪ ،‬ثيم يقوم كيل موضيع‬
‫منها وكل نوع من غراساتها‪ ،‬ثم يعدل على أقل السهام بالقيمة‪،‬‬
‫فربما عدل جزء من موضع ثلثة أجزاء من موضيع آخر على قييم‬
‫الرضين ومواضعها‪ ،‬فإذا قسمت على هذه الصفات وعدلت كتبت‬
‫في بطائق أسماء الشراك وأسماء الجهات‪ ،‬فمن خرج اسمه في‬
‫جهية أخيذ منهيا‪ ،‬وقييل يرميي بالسيماء فيي الجهات‪ ،‬فمين خرج‬
‫اسمه في جهة أخذ منها‪ ،‬فإن كان أكثر من ذلك السهم ضوعف‬
‫له حتييى يتييم حظييه‪ ،‬فهذه هييي حال قرعيية السييهم فييي الرقاب‪.‬‬
‫والسيييهمة إنميييا جعلهيييا الفقهاء فيييي القسيييمة تطييبيييا لنفوس‬
‫المتقاسيمين‪ ،‬وهيي موجودة فيي الشرع فيي مواضيع‪ :‬منهيا قوله‬
‫تعالى {فساهم فكان من المدحضين} وقوله {وما كنت لديهم إذ‬
‫يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم} ومن ذلك الثر الثابت الذي جاء‬
‫فييه " أن رجل أعتيق سيتة أعبيد عنيد موتيه‪ ،‬فأسيهم رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم بينهييم‪ ،‬فأعتييق ثلث ذلك الرقيييق"‪ .‬وأمييا‬
‫الق سمة بالتراضيي سواء كانيت بعيد تعديل وتقوييم‪ ،‬أو بغير تقوييم‬
‫وتعديييل‪ ،‬فتجوز فييي الرقاب المتفقيية والمختلفيية لنهييا بيييع ميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البيوع‪ ،‬وإنما يحرم فيها ما يحرم في البيوع‪.‬‬


‫*‪*4‬الفصل الثاني في العروض‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييييا الحيوان والعروض‪ ،‬فاتفييييق الفقهاء على أنييييه ل يجوز‬
‫قسيمة واحيد منهميا للفسياد الداخيل فيي ذلك‪ .‬واختلفوا إذا تشاح‬
‫الشريكان فييي العييين الواحدة منهمييا‪ ،‬ولم يتراضيييا بالنتفاع بهييا‬
‫على الشياع‪ ،‬وأراد أحدهميييا أن ييييبيع صييياحبه معيييه‪ ،‬فقال مالك‬
‫وأصييحابه‪ :‬يجييبر على ذلك‪ ،‬فإن أراد أحدهمييا أن يأخذه بالقيميية‬
‫التيي أعطيى فيهيا أخذه‪ ،‬وقال أهيل الظاهير‪ :‬ل يجيبر‪ ،‬لن الصيول‬
‫تقتضيي أن ل يخرج ملك أحيد مين يده إل بدلييل مين كتاب أو سينة‬
‫أو إجماع‪ .‬وحجيية مالك أن فييي ترك الجبار ضررا‪ ،‬وهذا ميين باب‬
‫القياس المرسيل‪ ،‬وقيد قلنيا فيي غيير ميا موضيع إنيه لييس يقول بيه‬
‫أحييد ميين فقهاء المصييار إل مالك‪ ،‬ولكنييه كالضروري فييي بعييض‬
‫الشياء‪ .‬وأمييا إذا كانييت العروض أكثيير ميين جنييس واحييد‪ ،‬فاتفييق‬
‫العلماء على قسيييمتها على التراضيييي؛ واختلفوا فيييي قسيييمتها‬
‫بالتعدييل والسيهمة‪ ،‬فأجازهيا مالك وأصيحابه فيي الصينف الواحيد‬
‫ومنييع ميين ذلك عبييد العزيييز ابيين أبييي سييلمة وابيين الماجشون‪.‬‬
‫واختلف أصيحاب مالك فيي تميييز الصينف الواحيد الذي تجوز فييه‬
‫السييهمة ميين التييي ل تجوز فاعتييبره أشهييب بمييا ل يجوز تسييليم‬
‫بعضيه فيي بعيض‪ .‬وأميا ابين القاسيم فاضطرب‪ ،‬فمرة أجاز القسيم‬
‫بالسيهمة فيميا ل يجوز تسيليم بعضيه فيي بعيض‪ ،‬فجعيل القسيمة‬
‫أخيف مين السيلم‪ ،‬ومرة منيع القسيمة فيميا منيع فييه السيلم؛ وقيد‬
‫قيل إن مذهبه أن القسمة في ذلك أخف‪ ،‬وأن مسائله التي يظن‬
‫مين قبلهيا أن القسيمة عنده أشيد مين السيلم تقبيل التأوييل على‬
‫أصيله الثانيي‪ .‬وذهيب ابين حيبيب إلى أنيه يجميع فيي القسيمة ميا‬
‫تقارب مين الصينفين مثيل الخيز والحريير والقطين والكتان‪ .‬وأجاز‬
‫أشهيب جميع صينفين فيي القسيمة بالسيهمة ميع التراضيي‪ ،‬وذلك‬
‫ضعيف لن الغرر ل يجوز بالتراضي‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في معرفة أحكامها‪.‬‬
‫@‪-‬فأمييا المكيييل والموزون فل تجوز فيييه القرعيية باتفاق إل مييا‬
‫حكييى اللخمييي‪ ،‬والمكيييل أيضييا ل يخلو أن يكون صييبرة واحدة أو‬
‫صيبرتين فزائدا‪ ،‬فإن كان صينفا واحدا‪ ،‬فل يخلو أن تكون قسيمته‬
‫على العتدال بالكييل أو الوزن إذا دعيا إلى ذلك أحيد الشريكيين‪،‬‬
‫ول خلف فييي جواز قسييمته على التراضييي على التفضيييل البييين‬
‫كان ذلك مين الربوي أو مين غيير الربوي‪ :‬أعنيي الذي ل يجوز فييه‬
‫التفاضل‪ ،‬ويجوز ذلك بالكيل المعلوم والمجهول‪ ،‬ول يجوز قسمته‬
‫جزافيا بغيير كييل ول وزن‪ .‬وأميا إن كانيت قسيمته تحرييا‪ ،‬فقييل ل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يجوز فييي المكيييل ويجوز فييي الموزون‪ ،‬ويدخييل فييي ذلك ميين‬
‫الخلف ميا يدخيل فيي جواز بيعيه تحرييا‪ .‬وأميا إن لم يكين ذلك مين‬
‫صيييبرة واحدة وكانيييا صييينفين‪ ،‬فإن كان ذلك مميييا ل يجوز فييييه‬
‫التفاضييل فل تجوز قسييمتها على جهيية الجمييع إل بالكيييل المعلوم‬
‫فيميا يكال‪ ،‬وبالوزن بالصينجة المعروفية فيميا يوزن‪ ،‬لنيه إذا كان‬
‫بمكيال مجهول لم يدر كم يحصل فيه من الصنف الواحد إذا كانا‬
‫مختلفييين ميين الكيييل المعلوم‪ ،‬وهذا كله على مذهييب مالك‪ ،‬لن‬
‫أصل مذهبه أنه يحرم التفاضل في الصنفين إذا تقاربت منافعهما‬
‫مثييل القمييح والشعييير‪ ،‬وأمييا إن كان ممييا ل يجوز فيييه التفاضييل‬
‫فيجوز قسيمته على العتدال والتفاضيل البيين المعروف بالمكيال‬
‫المعروف أو الصينجة المعروفية‪ :‬أعنيي على جهية الجميع وإن كانيا‬
‫صنفين‪ ،‬وهذا الجواز كله في المذهب على جهة الرضا‪ .‬وأما فيي‬
‫واجب الحكم فل تنقسم كل صبرة إل على حدة وإذا قسمت كل‬
‫صييييبرة على حدة جازت قسييييمتها بالمكيال المعلوم والمجهول‪،‬‬
‫فهذا كله هو حكم القسمة التي تكون في الرقاب‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في القسم الثاني وهو قسمة المنافع‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا قسيمة المنافيع‪ ،‬فإنهيا ل تجوز بالسيهمة على مذهيب ابين‬
‫القاسيم‪ ،‬ول يجيبر عليهيا مين أباهيا‪ ،‬ول تكون القرعية على قسيمة‬
‫المنافيع‪ .‬وذهيب أبيو حنيفية وأصيحابه إلى أنيه يجيبر على قسيمة‬
‫المنافييع‪ ،‬وقسييمة المنافييع هييي عنييد الجميييع بالمهايأة‪ ،‬وذلك إمييا‬
‫بالزمان وإما بالعيان‪ .‬وأما قسمة المنافع بالزمان فهو أن ينتفع‬
‫كيل واحيد منهميا بالعيين مدة متسياوية لمدة انتفاع صياحبه‪ .‬وأميا‬
‫قسيم العيان بأن يقسيما الرقاب على أن ينتفيع كيل واحيد منهميا‬
‫بمييا حصييل له مدة محدودة والرقاب باقييية على أصييل الشركيية‪.‬‬
‫وفييي المذهييب فييي قسييمة المنافييع بالزمان اختلف فييي تحديييد‬
‫المدة التيي تجوز فيهيا القسيمة لبعيض المنافيع دون بعيض للغتلل‬
‫أو النتفاع مثييل اسييتخدام العبييد وركوب الدابيية وزراعيية الرض‪،‬‬
‫وذلك أيضا فيما ينقل ويحول‪ ،‬أو ل ينقل ول يحول‪ .‬فأما فيما ينقل‬
‫ويحول فل يجوز عند مالك وأصحابه في المدة الكثيرة ويجوز في‬
‫المدة اليسييرة‪ ،‬وذلك فيي الغتلل والنتفاع وأميا فيميا ل ينقيل ول‬
‫يحول‪ ،‬فيجوز في المدة البعيدة والجل البعيد‪ ،‬وذلك في الغتلل‬
‫والنتفاع واختلفوا فييي المدة اليسيييرة فيمييا ينقييل ويحول فييي‬
‫الغتلل فقييل اليوم الواحيد ونحوه‪ ،‬وقييل ل يجوز ذلك فيي الدابية‬
‫والعبد‪ .‬وأما الستخدام فقيل يجوز في مثل الخمسة اليام‪ ،‬وقيل‬
‫فيي الشهير وأكثير مين الشهير قليل‪ .‬وأميا التهاييؤ فيي العيان بأن‬
‫يسييتعمل هذا دارا مدة ميين الزمان‪ ،‬وهذا دارا تلك المدة بعينهييا‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقييل يجوز فيي سيكنى الدار وزراعية الرضيين‪ ،‬ول يجوز ذلك فيي‬
‫الغلة والكراء إل فيييي الزمان اليسيييير‪ ،‬وقييييل يجوز على قياس‬
‫التهايؤ بالزمان‪ ،‬وكذلك القول في استخدام العبد والدواب يجري‬
‫القول فيييه على الختلف فييي قسييمتها بالزمان‪ .‬فهذا هييو القول‬
‫فييي أنواع القسييمة فييي الرقاب‪ ،‬وفييي المنافييع وفييي الشروط‬
‫المصححة والمفسدة‪ .‬وبقي من هذا الكتاب القول في الحكام‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬والقسيمة مين العقود اللزمية ل يجوز للمتقاسيمين نقضهيا ول‬
‫الرجوع فيهييا إل بالطوارئ عليهييا‪ .‬والطوارئ ثلثيية غبيين؛ أو وجود‬
‫عييب‪ ،‬أو اسيتحقاق‪ .‬فأميا الغبين فل يوجيب الفسيخ إل فيي قسيمة‬
‫القرعية باتفاق فيي المذهيب إل على قياس مين يرى له تأثيير فيي‬
‫البييع‪ ،‬فيلزم على مذهبيه أن يؤثير فيي القسيمة‪ .‬وأميا الرد بالعييب‪،‬‬
‫فإنه ل يخلو عن مذهب ابن القاسم أن يجد العيب في جل نصيبه‬
‫أو فييي أقله‪ ،‬فإن وجده فييي جييل نصيييبه‪ ،‬فإنييه ل يخلو أن يكون‬
‫النصييب الذي حصيل لشريكيه قيد فات أو لم يفيت‪ ،‬فإن كان قيد‬
‫فات رد الواجييد للعيييب نصيييبه على الشركيية وأخييذ ميين شريكييه‬
‫نصف قيمة نصيبه يوم قبضه‪ ،‬وإن كان لم يفت انفسخت القسمة‬
‫وعادت الشركة إلى أصلها‪ ،‬وإن كان العيب في أقل ذلك رد ذلك‬
‫القيل على أصيل الشركية فقيط‪ ،‬سيواء فات نصييب صياحبه أو لم‬
‫يفت‪ ،‬ورجع على شريكه بنصف قيمة الزيادة ول يرجع في شيء‬
‫مميا فيي يده وإن كان قائميا بالعييب‪ .‬وقال أشهيب‪ :‬والذي يفييت‬
‫الرد قيد تقدم فيي كتاب البيوع‪ .‬وقال عبيد العزييز بين الماجشون‪:‬‬
‫وجود العيييب يفسييخ القسييمة التييي بالقرعيية ول يفسييخ التييي‬
‫بالتراضيي‪ ،‬لن التيي بالتراضيي هيي بييع‪ ،‬وأميا التيي بالقرعية فهيي‬
‫تمييييز حييق‪ ،‬وإذا فسييخت بالغبيين وجييب أن تفسييخ بالرد بالعيييب‪.‬‬
‫وحكييم السييتحقاق عنييد ابيين القاسييم حكييم وجود العيييب إن كان‬
‫المستحق كثيرا وحظ الشريك لم يفت رجع معه شريكا فيما في‬
‫يدييه‪ ،‬وإن كان قيد فات رجيع علييه بنصيف قيمية ميا فيي يدييه‪ ،‬وإن‬
‫كان يسييرا رجيع علييه بنصيف قيمية ذلك الشييء‪ .‬وقال محميد‪ :‬إذا‬
‫استحق ما في يد أحدهما بطلت القسمة في قسمة القرعة‪ ،‬لنه‬
‫قيد تيبين أن القسيمة لم تقيع على عدل كقول ابين الماجشون فيي‬
‫العييب وأميا إذا طرأ على المال حيق فييه مثيل طوارئ الديين على‬
‫التركية بعيد القسيمة أو طرو الوصيية أو طرو وارث‪ ،‬فإن أصيحاب‬
‫مالك اختلفوا في ذلك‪ .‬فأما إن طرأ الدين قيل في المشهور في‬
‫المذهيب وهيو قول ابين القاسيم‪ :‬إن القسيمة تنتقيض إل أن يتفيق‬
‫الورثة على أن يعطوا الد ين من عندهيم‪ ،‬وسواء كانت حظوظهم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫باقية بأيديهم أو لم تكن‪ ،‬هلكت بأمر من السماء أو لم تهلك‪ .‬وقد‬


‫قيل إن القسمة أيضا إنما تنتقض بيد من بقي في يده حظه ولم‬
‫تهلك بأمير مين السيماء‪ ،‬وأميا مين هلك حظيه بأمير مين السيماء فل‬
‫يرجيع علييه بشييء مين الديين‪ ،‬ول يرجيع هيو على الورثية بميا بقيي‬
‫بأيديهم بعد أداء الدين؛ وقيل بل تنتقض القسمة ول بد لحق الله‬
‫تعالى لقوله {من بعد وصية يوصى بها أو دين} وقيل بل تنتقض‬
‫إل فيي حيق مين أعطيى منيه ميا ينوي بيه مين الديين‪ ،‬وهكذا الحكيم‬
‫فيييي طرو الموصيييى له على الورثييية‪ .‬وأميييا طرو الوارث على‬
‫الشركية بعيد القسيمة وقبيل أن يفوت حيظ كيل واحيد منهيم فل‬
‫تنتقيض القسيمة وأخيذ مين كيل واحيد حظيه إن كان ذلك مكيل أو‬
‫موزونيا وإن كان حيوانيا أو عروضيا انتقضيت القسيمة‪ ،‬وهيل يضمين‬
‫كيل واحيد منهيم ميا تلف فيي يده بغيير سيبب منيه؟ فقييل يضمين‪،‬‬
‫وقيل ل يضمن‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الرهون‪.‬‬
‫@‪-‬والصيل فيي هذا الكتاب قوله تعالى {ولم تجدوا كاتبيا فرهان‬
‫مقبوضيية} والنظيير فييي هذا الكتاب فييي الركان وفييي الشروط‬
‫وفيييي الحكام‪ ،‬والركان هيييي النظييير فيييي الراهييين والمرهون‬
‫والمرتهن والشيء الذي فيه الرهن وصفة عقد الرهن‪.‬‬
‫@‪(-‬الركين الول) فأميا الراهين فل خلف أن مين صيفته أن يكون‬
‫غير محجور عليه من أهل السداد‪ ،‬الوصي يرهن لمن يلي النظر‬
‫علييه إذا كان ذلك سيدادا ودعيت إلييه الضرورة عنيد مالك؛ وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬يرهين لمصيلحة ظاهرة ويرهين المكاتيب والمأذون عنيد‬
‫مالك‪ .‬قال سحنون‪ :‬فإن ارتهن في مال أسلفه لم يجز‪ ،‬وبه قال‬
‫الشافعيي‪ .‬اتفيق مالك والشافعيي على أن المفلس ل يجوز رهنيه؛‬
‫وقال أبيو حنيفية يجوز؛ واختلف قول مالك فيي الذي أحاط الديين‬
‫بماله هيل يجوز رهنيه؟ أعنيي هيل يلزم أم ل يلزم؟ فالمشهور عنيه‬
‫أنييه يجوز‪ :‬أعنييي قبييل أن يفلس‪ ،‬والخلف آيييل إلى هييل المفلس‬
‫محجور علييه أم ل؟ وكيل مين صيح أن يكون راهنيا صيح أن يكون‬
‫مرتهنا‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الثانييي) وهييو الرهيين‪ ،‬وقالت الشافعييية‪ :‬يصييح بثلثيية‬
‫شروط‪ :‬الول أن يكون عينا‪ ،‬فإنه ل يجوز أن يرهن الدين‪ .‬الثاني‬
‫أن ل يمتنييع إثبات يييد الراهيين المرتهيين عليييه كالمصييحف؛ ومالك‬
‫يجييز رهين المصيحف ول يقرأ فييه المرتهين‪ ،‬والخلف مبنيي على‬
‫البييع‪ .‬الثالث أن تكون العيين قابلة للبييع عنيد حلول الجيل؛ ويجوز‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عنيد مالك أن يرتهين ميا ل يحيل بيعيه فيي وقيت الرتهان كالزرع‬
‫والثميير لم يبييد صييلحه ول يباع عنده فييي أداء الدييين إل إذا بدا‬
‫صلحه وإن حل أجل الدين؛ وعند الشافعي قولن في رهن الثمر‬
‫الذي لم يبييد صييلحه‪ ،‬ويباع عنده عنييد حلول الدييين على شرط‬
‫القطيع؛ قال أبيو حاميد‪ :‬والصيح جوازه؛ ويجوز عنيد مالك رهين ميا‬
‫لم يتعييين كالدنانييير والدراهييم إذا طبييع عليهييا‪ ،‬وليييس ميين شرط‬
‫الرهين أن يكون ملكيا للراهين ل عنيد مالك ول عنيد الشافعيي‪ ،‬بيل‬
‫قيد يجوز عندهميا أن يكون مسيتعارا‪ .‬واتفقوا على أن مين شرطيه‬
‫أن يكون إقراره فيي ييد المرتهين مين قبيل الراهين‪ .‬واختلفوا إذا‬
‫كان قبيض المرتهين له بغصيب ثيم أقره المغصيوب منيه فيي يده‬
‫رهنيا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يصيح أن ينقيل الشييء المغصيوب مين ضمان‬
‫الغصييب إلى ضمان الرهيين‪ ،‬فيجعييل المغصييوب منييه الشيييء‬
‫المغصوب رهنا في يد الغاصيب قبيل قبضيه منه؛ وقال الشافعيي‪:‬‬
‫ل يجوز بيل يبقيى على ضمان الغصيب إل أن يقبضيه‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫رهن المشاع‪ ،‬فمنعه أبو حنيفة وأجازه مالك والشافعي‪ .‬والسبب‬
‫في الخلف هل تمكن حيازة المشاع أم ل تمكن‪.‬‬
‫@‪(-‬الركن الثالث) وهو الشيء المرهون فيه‪ ،‬وأصل مذهب مالك‬
‫فيي هذا أنيه يجوز أن يؤخيذ الرهين فيي جمييع الثمان الواقعية فيي‬
‫جمييييع البيوعات إل الصيييرف ورأس المال فيييي السيييلم المتعلق‬
‫بالذميية‪ ،‬وذلك لن الصييرف ميين شركييه التقابييض‪ ،‬فل يجوز فيييه‬
‫عقدة الرهييييين‪ ،‬وكذلك رأس مال السيييييلم وإن كان عنده دون‬
‫الصرف في هذا المعنى‪ .‬وقال قوم من أهل الظاهر‪ :‬ل يجوز أخذ‬
‫الرهين إل فيي السيلم خاصية‪ :‬أعنيي فيي السيلم فييه‪ ،‬وهؤلء ذهبوا‬
‫إلى ذلك لكون آييية الرهيين واردة فييي الدييين فييي المييبيعات وهييو‬
‫السلم عندهم‪ ،‬فكأنهم جعلوا هذا شرطا من شروط صحة الرهن‪،‬‬
‫لنيه قال فيي أول اليية {ييا أيهيا الذيين آمنوا إذا تداينتيم بديين إلى‬
‫أجيل مسيمى فاكتبوه} ثيم قال {وإن كنتيم على سيفر ولم تجدوا‬
‫كاتبيا فرهان مقبوضية} فعلى مذهيب مالك يجوز أخيذ الرهين فيي‬
‫السلم وفي القرض وفي الغصب وفي قيم المتلفات وفي أروش‬
‫الجنايات فييييي الموال‪ ،‬وفييييي جراح العمييييد الذي ل قود فيييييه‬
‫كالمأموميية والجائفيية‪ .‬وأمييا قتييل العمييد والجراح التييي يقاد منهييا‬
‫فيتخرج في جواز أخذ الرهن في الدية فيها إذا عفا الولي قولن‪:‬‬
‫أحدهميييا أن ذلك يجوز‪ ،‬وذلك على القول بأن الولي مخيييير فيييي‬
‫العمييد بييين الدييية والقود‪ .‬والقول الثانييي أن ذلك ل يجوز‪ ،‬وذلك‬
‫أيضا مبني على أن ليس للولي إل القود فقط إذا أبى الجاني من‬
‫إعطاء الديية‪ ،‬ويجوز فيي قتيل الخطيأ أخيذ الرهين ممين يتعيين مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العاقلة وذلك بعد الحول‪ ،‬ويجوز في العارية التي تضمن‪ ،‬ول يجوز‬
‫فيميا ل يضمين‪ ،‬ويجوز أخذه فيي الجارات‪ ،‬ويجوز فيي الجعيل بعيد‬
‫العمييل‪ ،‬ول يجوز قبله‪ ،‬ويجوز الرهيين فييي المهيير‪ ،‬ول يجوز فييي‬
‫الحدود ول فيي القصياص ول فيي الكتابية‪ ،‬وبالجملة فيميا ل تصيح‬
‫فييييه الكفالة‪ .‬وقالت الشافعيييية‪ :‬المرهون فييييه له شرائط ثلث‪:‬‬
‫أحدهيا أن يكون دينيا‪ ،‬فإنيه ل يرهين فيي عيين‪ .‬والثانيي أن يكون‬
‫واجبيييا‪ ،‬فإنيييه ل يرهييين قبيييل الوجوب‪ ،‬مثيييل أن يسيييترهنه بميييا‬
‫يسيييتقرضه‪ ،‬ويجوز ذلك عنيييد مالك‪ .‬والثالث أن ل يكون لزوميييه‬
‫متوقعيا أن يجيب‪ ،‬وأن ل يجيب كالرهين فيي الكتابية‪ ،‬وهذا المذهيب‬
‫قريب من مذهب مالك‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الشروط‪.‬‬
‫@‪-‬وأميييا شروط الرهييين‪ ،‬فالشروط المنطوق بهيييا فيييي الشرع‬
‫ضربان‪ :‬شروط صيييحة‪ ،‬وشروط فسييياد‪ .‬فأميييا شروط الصيييحة‬
‫المنطوق بها في الرهن‪ :‬أعني في كونه رهنا فشرطان‪ :‬أحدهما‬
‫متفيق علييه بالجملة ومختلف فيي الجهية التيي هيو بهيا شرط وهيو‬
‫القبييض‪ .‬والثانييي مختلف فييي اشتراطييه‪ ،‬فأمييا القبييض فاتفقوا‬
‫بالجملة على أنيييييه شرط فيييييي الرهييييين لقوله تعالى {فرهان‬
‫مقبوضيية} واختلفوا هييل هييو شرط تمام أو شرط صييحة؟ وفائدة‬
‫الفرق أن مين قال شرط صيحة قال‪ :‬ميا لم يقيع القبيض لم يلزم‬
‫الرهيين الراهيين؛ وميين قال شرط تمام قال‪ :‬يلزم بالعقييد ويجييبر‬
‫الراهين على القباض إل أن يتراخيى المرتهين عين المطالبية حتيى‬
‫يفلس الراهييين أو يمرض أو يموت‪ ،‬فذهيييب مالك إلى أنيييه مييين‬
‫شروط التمام‪ ،‬وذهب أبو حنيفة والشافعي وأهل الظاهر إلى أنه‬
‫من شروط ال صحة‪ .‬وعمدة مالك قياس الرهن على سائر العقود‬
‫اللزمييية بالقول‪ .‬وعمدة الغيييير قوله تعالى {فرهان مقبوضييية}‬
‫وقال بعيض أهيل الظاهير‪ :‬ل يجوز الرهين إل أن يكون هنالك كاتيب‬
‫لقوله تعالى {ولم تجدوا كاتبييا فرهان مقبوضيية} ول يجوز أهييل‬
‫الظاهر أن يوضع الرهن على يدي عدل‪ ،‬وعند مالك أن من شرط‬
‫صيحة الرهين اسيتدامة القبيض‪ ،‬وأنيه متيى عاد إلى ييد الراهين بإذن‬
‫المرتهين بعاريية أو وديعية أو غيير ذلك‪ ،‬فقيد خرج مين اللزوم وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬لييس اسيتدامة القبيض مين شرط الصيحة‪ ،‬فمالك عميم‬
‫الشرط على ظاهره‪ ،‬فألزم ميين قوله تعالى {فرهان مقبوضيية}‬
‫وجود القبيض واسيتدامته‪ .‬والشافعيي يقول‪ :‬إذا وجيد القبيض فقيد‬
‫صح الرهن وانعقد‪ ،‬فل يحل ذلك إعارته ول غير ذلك من التصرف‬
‫فييه كالحال فيي البييع‪ ،‬وقيد كان الولى بمين يشترط القبيض فيي‬
‫صيحة العقيد أن يشترط السيتدامة‪ ،‬ومين لم يشترط فيي الصيحة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن ل يشترط السييييتدامة‪ .‬واتفقوا على جوازه فييييي السييييفر‪.‬‬


‫واختلفوا فييي الحضيير؛ فذهييب الجمهور إلى جوازه؛ وقال أهييل‬
‫الظاهيير ومجاهييد‪ :‬ل يجوز فيي الحضير لظاهيير لقوله تعالى {وإن‬
‫كنتيم على سيفر} اليية‪ .‬وتمسيك الجمهور بميا ورد مين "أنيه صيلى‬
‫الله عليييه وسييلم رهيين فييي الحضيير" والقول فييي اسييتنباط منييع‬
‫الرهين فيي الحضير مين اليية هيو مين باب دلييل الخطاب‪ .‬وأميا‬
‫الشرط المحرم الممنوع بالنيص فهيو أن يرهين الرجيل رهنيا على‬
‫أنييه إن جاء بحقييه عنييد أجله وإل فالرهيين له فاتفقوا على أن هذا‬
‫الشرط يوجيب الفسيخ‪ ،‬وأنيه معنيى قوله علييه الصيلة والسيلم "ل‬
‫يغلق الرهن"‪.‬‬
‫*‪*3‬القول فييي الجزء الثالث ميين هذا الكتاب‪ ،‬وهييو القول فييي‬
‫الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الجزء ينقسييم إلى معرفيية ميا للراهيين مين الحقوق فييي‬
‫الرهين وميا علييه‪ ،‬وإلى معرفية ميا للمرتهين فيي الرهين وميا علييه‪،‬‬
‫وإلى معرفية اختلفهميا فيي ذلك‪ ،‬وذلك إميا مين نفيس العقيد‪ ،‬وإميا‬
‫لمور طارئة على الرهين‪ ،‬ونحين نذكير مين ذلك ميا اشتهير الخلف‬
‫فيه بين فقهاء المصار والتفاق‪ .‬أما حق المرتهن في الرهن فهو‬
‫أن يمسكه حتى يؤدي الراهن ما عليه‪ ،‬فإن لم يأت به عند الجل‬
‫كان له أن يرفعيه إلى السيلطان‪ ،‬فييبيع علييه الرهين وينصيفه منيه‬
‫إن لم يجبييه الراهيين إلى البيييع‪ ،‬وكذلك إن كان غائبييا‪ ،‬وإن وكييل‬
‫الراهين المرتهين على بييع الرهين عنيد حلول الجيل جاز؛ وكرهيه‬
‫مالك إل أن يرفييع الميير إلى السييلطان‪ .‬والرهيين عنييد الجمهور‬
‫يتعلق بجملة الحيق المرهون فييه وببعضيه‪ ،‬أعنيي أنيه إذا رهنيه فيي‬
‫عدد ما فأدى منه بعضه‪ ،‬فإن الرهن بأسره يبقى بعد بيد المرتهن‬
‫حتيى يسيتوفي حقيه وقال قوم‪ :‬بيل يبقيى مين الرهين بييد المرتهين‬
‫بقدر ما يبقى من الحق‪ .‬وحجة الجمهور أنه محبوس بحق‪ ،‬فوجب‬
‫أن يكون محبوسيا بكيل جزء منيه أصيله حبيس التركية على الورثية‬
‫حتييى يؤدوا الدييين الذي على الميييت‪ .‬وحجيية الفريييق الثانييي أن‬
‫جميعيييه محبوس بجميعيييه‪ ،‬فوجيييب أن يكون أبعاضيييه محبوسييية‬
‫بأبعاضه‪ ،‬أصله الكفالة‪.‬‬
‫وميين مسييائل هذا الباب المشهورة اختلفهييم فييي نماء الرهيين‬
‫المنفصيل‪ ،‬مثيل الثمرة فيي الشجير المرهون‪ ،‬ومثيل الغلة‪ ،‬ومثيل‬
‫الولد هل يدخل في الرهن أم ل؟ فذهب قوم إلى أن نماء الرهن‬
‫المنفصيل ل يدخيل شييء منيه فيي الرهين‪ :‬أعنيي الذي يحدث منيه‬
‫فيي ييد المرتهين‪ ،‬وممين قال بهذا القول الشافعيي؛ وذهيب آخرون‬
‫إلى أن جمييع ذلك يدخيل فيي الرهين‪ ،‬وممين قال بهذا القول أبيو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حنيفييية والثوري؛ وفرق مالك فقال‪ :‬ميييا كان مييين نماء الرهييين‬
‫المنفصييل على خلقتييه وصييورته‪ ،‬فإنييه داخييل فييي الرهيين كولد‬
‫الجارية مع الجارية وأما ما لم يكن على خلقته فإنه ل يدخل في‬
‫الرهيين كان متولدا عنييه كثميير النخييل أو غييير متولد ككراء الدار‬
‫وخراج الغلم‪ .‬وعمدة من رأى أن نماء الرهن وغلته للراهن قوله‬
‫عليييه الصييلة والسييلم "الرهيين محلوب ومركوب" قالوا‪ :‬ووجييه‬
‫الدليييل ميين ذلك أنييه لم يرد بقوله "مركوب ومحلوب" أي يركبييه‬
‫الراهين ويحلبيه‪ ،‬لنيه كان يكون غيير مقبوض‪ ،‬وذلك مناقيض لكونيه‬
‫رهنيا‪ ،‬فإن الراهين مين شرطيه القبيض‪ ،‬قالوا‪ :‬ول يصيح أيضيا أن‬
‫يكون معناه أن المرتهييين يحلبيييه ويركبيييه‪ ،‬فلم يبيييق إل أن يكون‬
‫المعنى في ذلك أن أجرة ظهرة لربه ونفقته عليه‪ .‬واستدلوا أيضا‬
‫بعموم قوله علييه الصيلة والسيلم "الرهين ممين رهنيه له غنميه‬
‫وعليه غرمه" قالوا‪ :‬ولنه نماء زائد على مارضيه رهنا‪ ،‬فوجب أن‬
‫ل يكون له إل بشرط زائد‪ .‬وعمدة أبييي حنيفيية أن الفروع تابعيية‬
‫للصول فوجب لها حكم الصل‪ ،‬ولذلك حكم الولد تابع لحكم أمه‬
‫فيي التدبيير والكتابية‪ .‬وأميا مالك فاحتيج بأن الولد حكميه حكيم أميه‬
‫في البيع‪ :‬أي هو تابع لها‪ ،‬وفرق بين الثمر والولد في ذلك بالسنة‬
‫المفرقية فيي ذلك‪ ،‬وذلك أن الثمير ل يتبيع بييع الصيل إل بالشرط‬
‫وولد الجاريية يتبيع بغيير شرط‪ .‬والجمهور على أن لييس للمرتهين‬
‫أن ينتفييع بشيييء ميين الرهيين؛ وقال قوم‪ :‬إذا كان الرهيين حيوانييا‬
‫فللمرت هن أن يحلبيه ويرك به بقدر ما يعل فه وينفيق علييه‪ ،‬وهو قول‬
‫أحمد وإسحق‪ ،‬واحتجوا بما رواه أبو هريرة عن النبي عليه الصلة‬
‫والسيييلم أنيييه قال "الرهييين محلوب ومركوب" ومييين هذا الباب‬
‫اختلفهم في الرهن يهلك عند المرتهن ممن ضمانه؟ فقال قوم‪:‬‬
‫الرهن أمانة وهو من الراهن‪ ،‬والقول قول المرتهن مع يمينه أنه‬
‫مييا فرط فيييه ومييا جنييى عليييه‪ ،‬ومميين قال بهذا القول الشافعييي‬
‫وأحمييد وأبييو ثور وجمهور أهييل الحديييث؛ وقال قوم‪ :‬الرهيين ميين‬
‫المرتهين ومصييبته منيه‪ ،‬وممين قال بهذا القول أبيو حنيفية وجمهور‬
‫الكوفيين‪.‬‬
‫والذييين قالوا بالضمان انقسييموا قسييمين‪ :‬فمنهييم ميين رأى أن‬
‫الرهين مضمون بالقيل مين قيمتيه أو قيمية الديين‪ ،‬وبيه قال أبيو‬
‫حنيفة وسفيان وجماعة‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬هو مضمون بقيمته قلت‬
‫أو كثرت‪ ،‬وإنييه إن فضييل للراهيين شيييء فوق دينييه أخذه ميين‬
‫المرتهيين‪ ،‬وبييه قال علي ابيين أبييي طالب وعطاء وإسييحق‪ .‬وفرق‬
‫قوم بييين مييا ل يغاب عليييه مثييل الحيوان والعقار ممييا ل يخفييى‬
‫هلكيه‪ ،‬وبيين ميا يغاب علييه مين العروض‪ ،‬فقالوا‪ :‬هيو ضامين فيميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يغاب عليييه ومؤتميين فيمييا ل يغاب عليييه‪ ،‬ومميين قال بهذا القول‬
‫مالك والوزاعيييي وعثمان البتيييي‪ ،‬إل أن مالكيييا يقول‪ :‬إذا شهيييد‬
‫الشهود بهلك ميا يغاب علييه مين غيير تضيييع ول تفرييط‪ ،‬فإنيه ل‬
‫يضمين وقال الوزاعيي وعثمان البتيي‪ :‬بيل يضمين على كيل حال‬
‫قامييت بينيية أو لم تقييم‪ ،‬وبقول مالك قال ابيين القاسييم‪ ،‬وبقول‬
‫عثمان والوزاعيييي قال أشهيييب‪ .‬وعمدة مييين جعله أمانييية غيييير‬
‫مضمون حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى‬
‫الله علييه وسيلم قال "ل يغلق الرهين وهيو ممين رهنيه له غنميه‬
‫وعلييه غرميه"‪ :‬أي له غلتيه وخراجيه‪ ،‬وعلييه افتكاكيه مصييبته منيه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد رضي الراهن أمانته فأشبه المودع عنده‪ .‬وقال المزني‬
‫ميين أصييحاب الشافعييي محتجييا له‪ :‬قييد قال مالك ومين تابعييه إن‬
‫الحيوان وميا ظهير هلكيه أمانية‪ ،‬فوجيب أن يكون كله كذلك‪ .‬وقيد‬
‫قال أبيو حنيفية‪ :‬إن ميا زاد مين قيمية الرهين على قيمية الديين فهيو‬
‫أمانيية فوجييب أن يكون كله أمانيية‪ ،‬ومعنييى قوله عليييه الصييلة‬
‫والسييلم عنييد مالك وميين قال بقوله "وعليييه غرمييه" أي نفقتييه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ومعنييى ذلك قوله عليييه الصييلة والسييلم "الرهيين مركوب‬
‫ومحلوب" أي أجرة ظهره لربه‪ ،‬ونفقته عليه‪،‬‬
‫وأميا أبيو حنيفية وأصيحابه فتأولوا قوله علييه الصيلة والسيلم "له‬
‫غنمه وعليه غرمه" أن غنمه ما فضل منه على الدين‪ ،‬وغرمه ما‬
‫نقص‪ .‬وعمدة من رأى أنه مضمون من المرتهن أنه عين تعلق بها‬
‫حيق السيتيفاء ابتداء فوجيب أن يسيقط بتلفيه‪ ،‬أصيله تلف الميبيع‬
‫عنيد البائع إذا أمسيكه حتيى يسيتوفي الثمين‪ ،‬وهذا متفيق علييه مين‬
‫الجمهور‪ ،‬وإن كان عند مالك كالرهين؛ وربميا احتجوا بما روي عن‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم "أن رجل ارتهين فرسيا مين رجيل‪،‬‬
‫فنفق في يده‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم للمرتهن‪ :‬ذهب حقك"‬
‫وأميا تفرييق مالك بيين ميا يغاب علييه وبيين ميا ل يغاب علييه فهيو‬
‫اسييتحسان‪ ،‬ومعنييى ذلك أن التهميية تلحييق فيمييا يغاب عليييه‪ ،‬ول‬
‫تلحق فيما ل يغاب عليه‪ .‬وقد اختلفوا في معنى الستحسان الذي‬
‫يذهيب إلييه مالك كثيرا‪ ،‬فضعفيه قوم وقالوا‪ :‬إنيه مثيل اسيتحسان‬
‫أبييي حنيفيية‪ ،‬وحدوا السييتحسان بأنييه قول بغييير دليييل‪ .‬ومعنييى‬
‫السيتحسان عنيد مالك هيو جميع بيين الدلة المتعارضية‪ ،‬وإذا كان‬
‫ذلك كذلك فلييس هيو قول بغيير دلييل‪ .‬والجمهور على أنيه ل يجوز‬
‫للراهين بييع الرهين ول هبتيه‪ ،‬وأنيه إن باعيه فللمرتهين الجارة أو‬
‫الفسيخ‪ .‬قال مالك‪ :‬وإن زعيم أن إجارتيه ليتعجيل حقيه حلف على‬
‫ذلك وكان له‪ .‬وقال قوم‪ :‬يجوز بيعه‪ .‬وإن كان للرهن غلما أو أمة‬
‫فأعتقهيا الراهين فعنيد مالك أنيه إن كان الراهين موسيرا جاز عتقيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وعجيل للمرتهين حقيه‪ ،‬وإن كان معسيرا بيعيت وقضيي الحيق مين‬
‫ثمنهييا وعنييد الشافعييي ثلثيية أقوال‪ :‬الرد‪ ،‬والجازة‪ ،‬والثالث مثييل‬
‫قول مالك وأمييا اختلف الراهيين والمرتهيين فييي قدر الحييق الذي‬
‫وجب به الرهن‪ ،‬فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬القول‬
‫قول المرتهين فيميا ذكره مين قدر الحيق ميا لم تكين قيمية الرهين‬
‫أقييل ميين ذلك‪ ،‬فمييا زاد على قيميية الرهيين فالقول قول الراهيين‪.‬‬
‫وقال الشافعيييي وأبيييو حنيفييية والثوري وجمهور فقهاء المصيييار‪:‬‬
‫القول في قدر الحق قول الراهن‬
‫وعمدة الجمهور أن الراهين مدعيى علييه‪ ،‬والمرتهين مدع‪ ،‬فوجيب‬
‫أن تكون اليميييين على الراهييين على ظاهييير السييينة المشهورة‪.‬‬
‫وعمدة مالك ههنييا أن المرتهيين وإن كان مدعيييا فله ههنييا شبهيية‬
‫بنقيل اليميين إلى حيزه‪ ،‬وهيو كون الرهين شاهدا له‪ ،‬ومين أصيوله‬
‫أن يحلف أقوى المتداعيين شبهة‪ ،‬وهذا ل يلزم عند الجمهور‪ ،‬لنه‬
‫قيد يرهن الراهين الشيء وقيمتيه أكثير من المرهون فييه‪ .‬وأما إذا‬
‫تلف الرهيين واختلفوا فييي صييفته‪ ،‬فالقول ههنييا عنييد مالك قول‬
‫المرتهين لنيه مدعيى علييه‪ ،‬وهيو مقير ببعيض ميا ادعيى علييه وهذا‬
‫على أصوله‪ ،‬فإن المرتهن أيضا هو الضامن فيما يغاب عليه‪ .‬وأما‬
‫على أصول الشافعي‪ ،‬فل يتصور على المرتهن يمين إل أن يناكره‬
‫الراهن في إتلفه‪ .‬وأما عند أبي حنيفة فالقول قول المرتهن في‬
‫قيمة الرهن‪ ،‬وليس يحتاج إلى صفة‪ ،‬لن مالك يحلف على الصفة‬
‫وتقوييم تلك الصيفة‪ .‬وإذا اختلفوا فيي المريين جميعيا‪ ،‬أعنيي فيي‬
‫صفة الرهن وفي نقدار الرهن كان القول قول المرتهن في صفة‬
‫الرهن‪ ،‬وفي الحق ما كنت قيمة الصفة التي حلف عليها شاهدة‬
‫له‪ ،‬وفييه ضعيف‪ ،‬وهيل يشهيد الحيق لقيمية الرهين إذا اتفقيا فيي‬
‫الحق واختلفا في قيمة الرهن؟ في المذهب فيه قولن‪ ،‬والقيس‬
‫الشهادة‪ ،‬لنه إذا شهد الرهن للدين شهد الدين للمرهون‪ .‬وفروع‬
‫هذا الباب كثيرة‪ ،‬وفيما ذكرناه كفاية في غرضنا‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الحجر‬
‫@‪-‬والنظيير فييي هذا الكتاب فييي ثلثيية أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬فييي‬
‫أصييناف المحجورييين‪ .‬الثانييي‪ :‬متييى يخرجون ميين الحجيير‪ ،‬ومتييى‬
‫يحجيير عليهييم‪ ،‬وبأي شروط يخرجون‪ .‬الثالث‪ :‬فييي معرفيية أحكام‬
‫أفعالهم في الرد والجازة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في أصناف المحجورين‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬أجميع العلماء على وجوب الحجير على اليتام الذيين لم يبلغوا‬


‫الحلم لقوله تعالى {وابتلوا اليتامييى حتييى إذا بلغوا النكاح} الييية‪.‬‬
‫واختلفوا فييي الحجيير على العقلء الكبار إذا ظهيير منهييم تبذييير‬
‫لموالهيم‪ ،‬فذهيب مالك والشافعيي وأهيل المدينية وكثيير مين أهيل‬
‫العراق إلى جواز ابتداء الحجر عليهم بحكم الحاكم‪ ،‬وذلك إذا ثبت‬
‫عنده سيفههم وأعذر إليهيم فلم يكين عندهيم مدفيع‪ ،‬وهيو رأي ابين‬
‫عباس وابن الزبير‪ .‬وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل العراق إلى‬
‫أنيه ل يبتدأ الحجير على الكبار‪ ،‬وهيو قول ابراهييم وابين سييرين‪،‬‬
‫وهؤلء انقسيموا قسيمين‪ :‬فمنهيم مين قال‪ :‬الحجير ل يجوز عليهيم‬
‫بعييد البلوغ بحال وإن ظهيير منهييم التبذييير‪ .‬ومنهييم ميين قال‪ :‬إن‬
‫استصحبوا التبذير من الصغر يستمر الحجر عليهم وإن ظهر منهم‬
‫رشد بعد البلوغ ثم ظهر منهم سفه‪ ،‬فهؤلء ل يبدأ بالحجر عليهم‪.‬‬
‫وأبييو حنيفيية يحييد فييي ارتفاع الحجيير وإن ظهيير سييفهه خمسيية‬
‫وعشرييين عامييا‪ .‬وعمدة ميين أوجييب على الكبار ابتداء الحجيير أن‬
‫الحجير على الصيغار إنميا وجيب لمعنيى التبذيير الذي يوجيد فيهيم‬
‫غالبيا‪ ،‬فوجيب أن يجيب الحجير على مين وجيد فييه هذا المعنيى وإن‬
‫لم يكين صيغيرا‪ ،‬قالوا‪ :‬ولذلك اشترط فيي رفيع الحجير عنهيم ميع‬
‫ارتفاع الصييغر إيناس الرشييد‪ ،‬قال الله تعالى {فإن آنسييتم منهييم‬
‫رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} فدل هذا على أن السبب المقتضي‬
‫للحجير هيو السيفه‪ .‬وعمدة الحنفيية حدييث حبان بين منقيذ "إذ ذكير‬
‫فيييه لرسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم أنييه يخدع فييي البيوع‪،‬‬
‫فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار ثلثا ولم يحجر‬
‫علييه"‪ .‬وربميا قالوا‪ :‬الصيغر هيو المؤثير فيي منيع التصيرف بالمال‪،‬‬
‫بدلييل تأثيره فيي إسيقاط التكلييف‪ ،‬وإنميا اعتيبر الصيغر لنيه الذي‬
‫يوجد فيه السفه غالبا‪ ،‬كما يوجد نقص العقل غالبا‪ ،‬ولذلك جعل‬
‫البلوغ علمية وجوب التكلييف وعلمية الرشيد‪ ،‬إذ كانيا يوجدان فييه‬
‫غالبيا‪ ،‬أعنيي العقيل والرشيد‪ ،‬وكميا لم يعتيبر النادر فيي التكلييف‪،‬‬
‫أعني أن يكون قبل البلوغ عاقل فيكلف‪ ،‬كذلك لم يعتبر النادر في‬
‫السفه‪ ،‬وهو أن يكون بعد البلوغ سفيها فيحجر عليه‪ ،‬كما لو يعتبر‬
‫كونييه قبييل البلوغ رشيدا‪ .‬قالوا‪ :‬وقوله تعالى {ول تؤتوا السييفهاء‬
‫أموالكيم} اليية‪ ،‬لييس فيهيا أكثير مين منعهيم مين أموالهيم‪ ،‬وذلك ل‬
‫يوجب فسخ بيوعها وإبطالها‪.‬‬
‫والمحجورون عنيييد مالك سيييتة‪ :‬الصيييغير ‪ ،‬والسيييفيه‪ ،‬والعبيييد‪،‬‬
‫والمفلس‪ ،‬والمرييض‪ ،‬والزوجية‪ .‬وسييأتي ذكير كيل واحيد منهيم فيي‬
‫بابه‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬الباب الثانيي‪ .‬متيى يخرجون مين الحجير‪ ،‬ومتيى يحجير عليهيم‪،‬‬


‫وبأي شروط يخرجون؟‬
‫@‪-‬والنظير فيي هذا الباب فيي موضعيين‪ :‬فيي وقيت خروج الصيغار‬
‫ميين الحجيير‪ ،‬ووقييت خروج السييفهاء‪ .‬فنقول‪ :‬إن الصييغار بالجملة‬
‫صينفان‪ :‬ذكور‪ ،‬وإناث‪ ،‬وكيل واحيد مين هؤلء إميا ذو أب‪ ،‬وإميا ذو‬
‫وصي‪ ،‬وإما مهمل‪ ،‬وهم الذين يبلغون ول وصي لهم ول أب‪ .‬فأما‬
‫الذكور الصغار ذوو الباء فاتفقوا على أنهم ل يخرجون من الحجر‬
‫إل ببلوغ سن التكليف وإيناس الرشد منهم‪ ،‬وإن كانوا قد اختلفوا‬
‫فيي الرشيد ميا هيو‪ ،‬وذلك لقوله تعالى {وابتلوا اليتاميى حتيى إذا‬
‫بلغوا النكاح فإن آنسيييتم منهيييم رشدا فادفعوا إليهيييم أموالهيييم}‬
‫واختلفوا فييي الناث‪ ،‬فذهييب الجمهور إلى أن حكمهيين فييي ذلك‬
‫حكم الذكور أعني بلوغ المحيض وإيناس الرشد؛ وقال مالك‪ :‬هي‬
‫فيي وليية أبيهيا فيي المشهور عنيه حتيى تتزوج ويدخيل بهيا زوجهيا‬
‫ويؤنيس رشدهيا‪ ،‬وروى عنيه مثيل قول الجمهور؛ ولصيحاب مالك‬
‫في هذا أقوال غير هذه قيل إنها في ولية أبيها حتى يمر بها سنة‬
‫بعد دخول زوجها بها‪ ،‬وقييل حتى يمر بها عامان‪ ،‬وقييل حتى تمر‬
‫سيبعة أعوام‪ .‬وحجية مالك أن إيناس الرشيد ل يتصيور مين المرأة‬
‫إل بعد اختبار الرجال‪ .‬وأما أقاويل أصحابه فضعيفة مخالفة للنص‬
‫والقياس؛ أميا مخالفتهيا النيص‪ ،‬فإنهيم لم يشترطوا الرشيد؛ وأميا‬
‫مخالفتها للقياس‪ ،‬فلن الرشد ممكن تصوره منها قبل هذه المدة‬
‫المحدودة‪ ،‬وإذا قلنيييييييا على قول مالك ل على قول الجمهور إن‬
‫العتبار فييييي الذكور ذوي الباء البلوغ وإيناس الرشييييد‪ ،‬فاختلف‬
‫قول مالك إذا بلغ ولم يعلم سيفهه مين رشده وكان مجهول الحال‬
‫فقيييل عنييه إنييه محمول على السييفه حتييى يتييبين رشده وهييو‬
‫المشهور؛ وقييل عنيه إنيه محمول على الرشيد حتيى يتيبين سيفهه‪.‬‬
‫فأما ذوو الوصياء فل يخرجون من الولية في المشهور عن مالك‬
‫إل بإطلق وصييه له مين الحجير‪ :‬أي يقول فييه إنيه رشييد إن كان‬
‫مقدما من قبل الب بل خلف أو بإذن القاضي مع الوصي إن كان‬
‫مقدميا مين غيير الب على اختلف فيي ذلك‪ .‬وقيد قييل فيي وصيي‬
‫الب أنه ل يقبل قوله في أنه رشيد إل حتى يعلم رشده وقد قيل‬
‫إن حاله ميع الوصيي كحاله ميع الب يخرجيه مين الحجير إذا آنيس‬
‫منيه الرشيد وإن لم يخرجيه وصييه بالشهاد‪ ،‬وإن المجهول الحال‬
‫فيي هذا حكميه حكيم المجهول الحال ذي الب‪ .‬وأميا ابين القاسيم‬
‫فمذهبيه أن الوليية غيير معتيبر ثبوتهيا إذا علم الرشيد‪ ،‬ول سيقوطها‬
‫إذا علم السيفه‪ ،‬وهيي روايية عين مالك‪ ،‬وذلك مين قوله فيي اليتييم‬
‫ل فيي البكير‪ ،‬والفرق بيين المذهيبين أن مين يعتيبر الوليية يقول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أفعاله كلهيا مردودة وإن ظهير رشده حتيى يخرج مين الوليية‪ ،‬وهيو‬
‫قول ضعيف‪ ،‬فإن المؤثر هو الرشد ل حكم الحاكم‪ .‬وأما اختلفهم‬
‫فييي الرشيد ميا هيو؟ فإن مالكيا يرى أن الرشيد هيو تثميير المال‬
‫وإصيلحه فقيط‪ ،‬والشافعيي يشترط ميع هذا صيلح الديين‪ .‬وسيبب‬
‫اختلفهيم هل ينطلق اسم الرشد على غير صالح الدين؟ ؟ وحال‬
‫البكير ميع الوصيي كحال الذكير ل يخرج مين الوليية إل بالخراج ميا‬
‫لم تعنيس على اختلف فيي ذلك‪ ،‬وقييل حالهيا ميع الوصيي كحالهيا‬
‫مع الب وهو قول ابن الماجشون‪ .‬ولم يختلف قولهم إنه ل يعتبر‬
‫فيهيا الرشيد كاختلفهيم فيي اليتييم‪ .‬وأميا المهميل مين الذكور فإن‬
‫المشهور أن أفعاله جائزة إذا بلغ الحلم كان سيفيها متصيل السيفه‬
‫أو غيير متصيل السيفه‪ ،‬معلنيا بيه أو غيير معلن‪ .‬وأميا ابين القاسيم‬
‫فيعتييبر نفييس فعله إذا وقييع‪ ،‬فإن كان رشدا جاز وإل رده‪ .‬فأمييا‬
‫اليتيمية التيي ل أب لهيا ول وصيي فإن فيهيا فيي المذهيب قوليين‪:‬‬
‫أحدهميا أن أفعالهيا جائزة إذا بلغيت المحييض‪ .‬والثانيي أن أفعالهيا‬
‫مردودة ما لم تعنس وهو المشهور‪.‬‬
‫الباب الثالث في معرفة أحكام أفعالهم في الرد والجازة‪.‬‬
‫والنظير فيي هذا الباب فيي شيئيين‪ :‬أحدهميا ميا يجوز لصينف صينف‬
‫مين المحجوريين مين الفعال‪ ،‬وإذا فعلوا فكييف حكيم أفعالهيم فيي‬
‫الرد والجازة‪ ،‬وكذلك أفعال المهملين وهم الذين بلغوا الحلم من‬
‫غيير أب ول وصيي‪ ،‬وهؤلء كميا قلنيا إميا صيغار وإميا كبار متصيلو‬
‫الحجر من الصغر وإما مبتدأ حجرهم‪ .‬فأما الصغار الذين لم يبلغوا‬
‫الحلم من الرجال ول المحيض من النساء فل خلف في المذهب‬
‫في أنه ل يجوز له في ماله معروف من هبة ول صدقة ول عطية‬
‫ول عتيق وإن أذن له الب فيي ذلك أو الوصيي‪ ،‬فإن أخرج مين يده‬
‫شيئا بغير عوض كان موقوفا على نظر وليه إن كان له ولي‪ ،‬فإن‬
‫رآه رشدا أجازه وإل أبطله‪ ،‬وإن لم يكييييييين له ولي قدم له ولي‬
‫ينظر في ذلك‪ ،‬وإن عمل في ذلك حتى يلي أمره كان النظر إليه‬
‫فيي الجازة أو الرد‪ .‬واختلف إذا كان فعله سيدادا ونظرا فيميا كان‬
‫يلزم الولي أن يفعله هييل له أن ينقضييه إذا آل الميير إلى خلف‬
‫بحوالة السيييواق أو نماء فيميييا باعيييه أو نقصيييان فيميييا ابتاعيييه‪،‬‬
‫فالمشهور أن ذلك له‪ ،‬وقييل إن ذلك لييس له‪ ،‬ويلزم الصيغير ميا‬
‫أفسيد فيي ماله مميا لم يؤتمين علييه‪ .‬واختلف فيميا أفسيد وكسير‬
‫مما اؤتمن عليه‪ ،‬ول يلزمه بعد بلوغه رشده عتق ما حلف بحريته‬
‫في صغره وحنث به في صغره‪ .‬واختلف فيما حنث فيه في كبره‬
‫وحلف بيه فيي صيغره‪ ،‬فالمشهور أنيه ل يلزميه‪ .‬وقال ابين كنانية‪:‬‬
‫يلزمه ول يلزمه فيما ادعى عليه يمين‪ .‬واختلف إذا كان له شاهد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واحيد هيل يحلف معيه؟ فالمشهور أنيه ل يحلف‪ ،‬وروي عين مالك‬
‫واللييث أنيه يحلف‪ .‬وحال البكير ذات الب والوصيي كالذكير ميا لم‬
‫تعنس على مذهب من يعتبر تعنيسها‪ .‬أما السفيه البالغ‪ ،‬فجمهور‬
‫العلماء على أن المحجور إذا طلق زوجتيه أو خالعهيا مضيى طلقيه‬
‫وخلعيه‪ ،‬إل ابين أبيي ليلى وأبيا يوسيف‪ ،‬وخالف ابين أبيي ليلى فيي‬
‫العتق فقال‪ :‬إنه ينفذ‪ ،‬وقال الجمهور‪ :‬إنه ل ينفذ‪ .‬وأما وصيته فل‬
‫أعلم خلفيا فيي نفوذهيا‪ ،‬ول تلزميه هبية ول صيدقة ول عطيية ول‬
‫عتيق ولشييء مين المعروف إل أن يعتيق أم ولده‪ ،‬فيلزميه عتقهيا‪،‬‬
‫وهذا كله فيي المذهيب‪ ،‬وهيل يتبعهيا مالهيا؟ فييه خلف‪ ،‬قييل يتبيع‪،‬‬
‫وقييل ل يتبيع‪ ،‬وقييل بالفرق بيين القلييل والكثيير‪ .‬وأميا ميا يفعله‬
‫بعوض‪ ،‬فهو أيضا موقوف على نظر وليه إن كان له ولي‪ ،‬فإن لم‬
‫يكييين له ولي قدم له ولي‪ ،‬فإن رد بيعيييه الولي وكان قيييد أتلف‬
‫الثمن لم يتبع من ذلك بشيء‪ ،‬وكذلك إن أتلف عين المبيع‪.‬‬
‫وأمييا أحكام أفعال المحجورييين أو المهملييين على مذهييب مالك‬
‫فإنهييا تنقسييم إلى أربعيية أحوال‪ :‬فمنهييم ميين تكون أفعاله كلهييا‬
‫مردودة‪ ،‬وإن كان فيها ما هو رشد‪ .‬ومنهم ضد هذا‪ ،‬وهو أن تكون‬
‫أفعاله كلهييا محمولة على الرشييد وإن ظهيير فيهييا مييا هييو سييفه‪.‬‬
‫ومنهييم ميين تكون أفعاله كلهييا محمولة على السييفه مييا لم يتييبين‬
‫رشده‪ .‬وعكيس هذا أيضيا وهيو أن تكون أفعاله كلهيا محمولة على‬
‫الرشيد حتيى يتيبين سيفهه‪ .‬فأميا الذي يحكيم له بالسيفه وإن ظهير‬
‫رشده فهيو الصيغير الذي لم يبلغ‪ ،‬والبكير ذات الب‪ ،‬والوصيي ميا‬
‫لم تعنييس على مذهييب ميين يعتييبر التعنيييس‪ .‬واختلف فييي حده‬
‫اختلفا كثيرا من دون الثلثين إلى الستين‪ ،‬والذي يحكم له بحكم‬
‫الرشد وإن علم سفهه‪ ،‬فمنها السفيه إذا لم تثبت عليه ولية من‬
‫قبل أبيه‪ ،‬ول من قبل السلطان على مشهور مذهب مالك‪ ،‬خلفا‬
‫لبين القاسيم الذي يعتيبر نفيس الرشيد ل نفيس الوليية‪ ،‬والبكير‬
‫اليتيميية المهملة على مذهييب سييحنون‪ .‬وأمييا الذي يحكييم عليييه‬
‫بالسفه بحكم ما لم يظهر رشده‪ :‬فالبن بعد بلوغه في حياة أبيه‬
‫على المشهور فيي المذهيب‪ ،‬وحال البكير ذات الب التيي ل وصيي‬
‫لها إذا تزوجت ودخل بها زوجها ما لم يظهر رشدها‪ ،‬وما لم تبلغ‬
‫الحيد المعتيبر فيي ذلك مين السينين عنيد مين يعتيبر ذلك‪ ،‬وكذلك‬
‫اليتيمة التي ل وصي لها على مذهب من يرى أن أفعالها مردودة‪.‬‬
‫وأما الحال التي يحكم فيها بحكم الرشد حتى يتبين السفه‪ :‬فمنها‬
‫حال البكير المعنيس عنيد مين يعتيبر التعنييس‪ ،‬أو التيي دخيل بهيا‬
‫زوجهيا ومضيى لدخوله الحيد المعتيبر مين السينين عنيد مين يعتيبر‬
‫الحيد‪ ،‬وكذلك حال البين ذي الب إذا بلغ وجهلت حاله على إحدى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الروايتين‪ ،‬والبنة البكر بعد بلوغها على الرواية التي ل تعتبر فيها‬
‫دخولها مع زوجها‪ .‬فهذه هي جمل ما في الكتاب والفروع كثيرة‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب التفليس‪.‬‬
‫@‪-‬والنظر في هذا الكتاب فيما هو الفلس‪ ،‬وفي أحكام المفلس‪،‬‬
‫فنقول‪ :‬إن الفلس فييي الشرع يطلق على معنيييين‪ :‬أحدهمييا أن‬
‫يسييتغرق الدييين مال المدييين‪ ،‬فل يكون فييي ماله وفاء بديونييه‪.‬‬
‫والثانييي أن ل يكون له مال معلوم أصييل‪ ،‬وفييي كل الفلسييين قييد‬
‫اختلف العلماء فيي أحكامهميا‪ .‬فأميا الحالة الولى وهيي إذا ظهير‬
‫عنيد الحاكيم مين فلسيه ميا ذكرنيا‪ ،‬فاختلف العلماء فيي ذلك هيل‬
‫للحاكم أن يحجر عليه التصرف في ماله حتى يبيعه عليه ويقسمه‬
‫على الغرماء على نسبة ديونهم‪ ،‬أم ليس له ذلك؟ بل يحبس حتى‬
‫يدفيع إليهيم جمييع ماله على أي نسيبة اتفقيت أو لمين اتفيق منهيم‪،‬‬
‫وهذا الخلف بعينيه يتصيور فيمين كان له مال يفيي بدينيه‪ ،‬فأبيى أن‬
‫ينصف غرماءه‪ ،‬هل يبيع عليه الحاكم فيقسمه عليهم‪ ،‬أم يحبسه‬
‫حتيى يعطيهيم بيده ميا علييه؟ فالجمهور يقولون‪ :‬ييبيع الحاكيم ماله‬
‫علييه‪ ،‬فينصيف منيه غرماءه أو غريميه إن كان ملييا‪ ،‬أو يحكيم علييه‬
‫بالفلس إن لم ييف ماله بديونيه ويحجير علييه التصيرف فييه‪ ،‬وبيه‬
‫قال مالك والشافعيي‪ ،‬وبالقول الخير قال أبيو حنيفية وجماعية مين‬
‫أهل العراق‪ .‬وحجة مالك والشافعي حديث معاذ بن جبل "أنه كثر‬
‫دينيه فيي عهيد رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فلم يزد غرماءه‬
‫على أن جعله لهم من ماله‪ ،‬وحديث أبي سعيد الخدري" أن رجل‬
‫أصيييب على عهييد رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم فييي ثميير‬
‫ابتاعهييا فكثيير دينييه فقال رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‪:‬‬
‫تصدقوا عليه‪ ،‬فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء بدينه‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬خذوا ما وجدتم وليس لكم إل‬
‫ذلك" وحدييث عمير فيي القضاء على الرجيل المفلس فيي حبسيه‬
‫وقوله فييه‪ :‬أميا بعيد‪ ،‬فإن السييفع "أسييفع جهينية" رضيي مين دينيه‬
‫وأمانتيه بأن يقال سيبق الحاج‪ ،‬وأنيه ادان معرضيا فأصيبح قدريين‬
‫علييه‪ ،‬فمين كان له علييه ديين فليأتينيا‪ .‬وأيضيا مين طرييق المعنيى‬
‫فإنييه إذا كان المريييض محجورا عليييه لمكان ورثتييه‪ ،‬فأحرى أن‬
‫يكون المدييييين محجورا عليييييه لمكان الغرماء‪ ،‬وهذا القول هييييو‬
‫الظهير‪ ،‬لنيه أعدل والله أعلم‪ .‬وأميا حجيج الفرييق الثانيي الذيين‬
‫قالوا بالحبييس حتييى يعطييي مييا عليييه أو يموت محبوسييا‪ ،‬فيييبيع‬
‫القاضيي حينئذ ماله ويقسيمه على الغرماء‪ ،‬فمنهيا حدييث جابر بين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عبد الله حين استشهد أبوه بأحد وعليه دين‪ ،‬فلما طالبه الغرماء‬
‫قال جابر "فأتييت النيبي صيلى الله علييه وسيلم فكلمتيه‪ ،‬فسيألهم‬
‫أن يقبلوا منييي حائطييي‪ ،‬ويحللوا أبييي‪ ،‬فأبوا‪ ،‬فلم يعطهييم رسييول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حائطي قال‪ :‬ولكن سأغدو عليك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فغدا علينا حين أصبح فطاف بالنخل فدعا في ثمرها بالبركة قال‪:‬‬
‫فجذذتها فقضيت منها حقوقهم‪ ،‬وبقي من ثمرها بقية" وبما روي‬
‫أيضيا أنيه مات أسييد بين الحضيير وعلييه عشرة آلف درهيم‪ ،‬فدعيا‬
‫عمير بين الخطاب غرماءه‪ ،‬فقبلهيم أرضيه أربيع سينين مميا لهيم‬
‫علييه‪ .‬قالوا‪ :‬فهذه الثار كلهيا لييس فيهيا أنيه بييع أصيل فيي ديين‬
‫ي الواجيد‬‫قالوا‪ :‬يدل على حبسيه قوله صيلى الله علييه وسيلم "ل ُّي‬
‫يحيل عرضيه وعقوبتيه" قالوا‪ :‬العقوبية هيي حبسيه‪ .‬وربميا شبهوا‬
‫اسييتحقاق أصييول العقار عليييه باسييتحقاق إجازتييه‪ ،‬وإذا قلنييا إن‬
‫المفلس محجور علييه‪ ،‬فالنظير فيي ماذا يحجير علييه‪ ،‬وبأي ديون‬
‫تكون المحاصة في ماله وفي أي شيء من ماله تكون المحاصة؟‬
‫وكيييف تكون؟‪ .‬فأمييا المفلس فله حالن‪ :‬حال فييي وقييت الفلس‬
‫قبيل الحجير علييه‪ ،‬وحال بعيد الحجير‪ .‬فأميا قبيل الحجير فل يجوز له‬
‫إتلف شييء مين ماله عنيد مالك بغيير عوض إذا كان مميا ل يلزميه‬
‫ومميا ل تجري العادة بفعله‪ ،‬وإنميا اشترط إذا كان مميا ل يلزميه‪،‬‬
‫لن له أن يفعيل ميا يلزم بالشرع وإن لم يكين بعوض كنفقتيه على‬
‫الباء المعسيرين أو البناء‪ ،‬وإنميا قييل مميا لم تجير العادة بفعله‪،‬‬
‫لن له إتلف اليسيير مين ماله بغيير عوض كالضحيية والنفقية فيي‬
‫العييد والصيدقة اليسييرة‪ ،‬وكذلك تراعيي العادة فيي إنفاقيه فيي‬
‫عوض كالتزوج والنفقية على الزوجية‪ ،‬ويجوز بيعيه وابتياعيه ميا لم‬
‫تكين فييه محاباة‪ ،‬وكذلك يجوز إقراره بالديين لمين ل يتهيم علييه‪.‬‬
‫واختلف قول مالك في قضاء بعض غرمائه دون بعض وفي رهنه‪.‬‬
‫وأما جمهور من قال بالحجر على المفلس فقالوا‪ :‬هو قبل الحكم‬
‫كسييائر الناس‪ ،‬وإنمييا ذهييب الجمهور لهذا لن الصييل هييو جواز‬
‫الفعال حتيى يقيع الحجير‪ ،‬ومالك كأنيه اعتيبر المعنيى نفسيه‪ ،‬وهيو‬
‫إحاطية الديين بماله لكين لم يعتيبره فيي كيل حال‪ ،‬لنيه يجوز بيعيه‬
‫وشراؤه إذا لم يكين فييه محاباة‪ ،‬ول يجوزه للمحجور علييه‪ .‬وأميا‬
‫حاله بعييد التفليييس فل يجوز له فيهييا عنييد مالك بيييع ول شراء ول‬
‫أخييذ ول عطاء‪ ،‬ل يجوز إقراره بدييين فييي ذمتييه لقريييب ول بعيييد‪،‬‬
‫قيل إل أن يكون لواحد منهم بينة‪ ،‬وقيل يجوز لمن يعلم منه إليه‬
‫تقاض‪ .‬واختلف فييي إقراره بمال معييين مثييل القراض والوديعيية‬
‫على ثلثيية أقوال فييي المذهييب‪ :‬بالجواز‪ ،‬والمنييع‪ ،‬والثالث بالفرق‬
‫بييين أن يكون على أصييل القراض أو الوديعيية ببينيية أو ل تكون‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقييل إن كانيت صيدق وإن لم تكين لم يصيدق‪ .‬واختلفوا مين هذا‬


‫الباب فيييي ديون المفلس المؤجلة هيييل تحيييل بالتفلييييس أم ل؟‬
‫فذهيب مالك إلى أن التفلييس فيي ذلك كالموت‪ ،‬وذهيب غيره إلى‬
‫خلف ذلك‪ ،‬وجمهور العلماء على أن الديون تحيييييل بالموت‪ .‬قال‬
‫ابن شهاب‪ :‬مضت السنة بأن دينه قد حل حين مات‪ .‬وحجتهم أن‬
‫الله تبارك وتعالى لم يبييح التوارث إل بعييد قضاء الدييين‪ ،‬فالورثيية‬
‫في ذلك بين أحد أمرين‪ :‬إما أن ل يريدوا أن يؤخروا حقوقهم في‬
‫الموارييث إلى محيل أجيل الديين فيلزم أن يجعيل الديين حال‪ ،‬وإميا‬
‫أن يرضوا بتأخيير ميراثهيم حتيى تحيل الديون فتكون الديون حينئذ‬
‫فيي التركية خاصية ل فيي ذممهيم‪ ،‬بخلف ميا كان علييه الديين قبيل‬
‫الموت‪ ،‬لنييه كان فييي ذميية الميييت‪ ،‬وذلك يحسيين فييي حييق ذي‬
‫الدييين‪ .‬ولذلك رأى بعضهييم أنييه إن رضييي الغرماء بتحمله فييي‬
‫ذممهييم أبقيييت الديون إلى أجلهييا‪ ،‬ومميين قال بهذا القول ابيين‬
‫سيرين واختاره أبو عبيد من فقهاء المصار‪ ،‬لكن ل يشبه الفلس‬
‫فييي هذا المعنييى الموت كييل الشبييه‪ ،‬وإن كانييت كل الذمتييين قييد‬
‫خربت فإن ذمة المفلس يرجى المال لها بخلف ذمة الميت‪ .‬وأما‬
‫النظير فيميا يرجيع بيه أصيحاب الديون مين مال المفلس فإن ذلك‬
‫يرجع إلى الجنس والقدر‪ .‬أما ما كان قد ذهب عين العوض الذي‬
‫اسييتوجب ميين قبله الغريييم على المفلس فإن دينييه فييي ذميية‬
‫المفلس‪ .‬وأميا إذا كان عيين العوض باقييا بعينيه لم يفيت إل أنيه لم‬
‫يقبض ثمنه‪،‬‬
‫فاختلف فيييي ذلك فقهاء المصيييار على أربعييية أقوال‪ :‬الول أن‬
‫صيياحب السييلعة أحييق بهييا على كييل حال إل أن يتركهييا ويختار‬
‫المحاصة؛ وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور‪ .‬والقول الثاني ينظر‬
‫إلى قيمة السلعة يوم الحكم بالتفليس فإن كانت أقل من الثمن‬
‫خيير صياحب السيلعة بيين أن يأخذهيا أو يحاص الغرماء‪ ،‬وإن كانيت‬
‫مسيياوية للثميين أخذهييا بعينهييا‪ ،‬وبييه قال مالك وأصييحابه‪ .‬والقول‬
‫الثالث تقوم السييلعة بييين التفليييس‪ ،‬فإن كانييت قيمتهييا مسيياوية‬
‫للثمن أو أقل منه قضى له بها‪ :‬أعني للبائع‪ ،‬وإن كانت أكثر دفع‬
‫إلييه مقدار ثمنيه ويتحاصيون فيي الباقيي‪ ،‬وبهذا القول قال جماعية‬
‫مين أهيل الثير‪ .‬والقول الرابيع أنيه أسيوة الغرماء فيهيا على كيل‬
‫حال‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة وأهل الكوفة والصل في هذه المسألة‬
‫ميا ثبيت مين حدييث أبيي هريرة أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم قال "أيميا رجيل أفلس فأدرك الرجيل ماله بعينيه فهيو أحيق‬
‫بيييه مييين غيره" وهذا الحدييييث خرجيييه مالك والبخاري ومسيييلم‪،‬‬
‫وألفاظهم متقاربة‪ ،‬وهذا اللفظ لمالك؛ فمن هؤلء من حمله على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عمومه وهو الفريق الول؛ ومنهم من خصصه بالقياس وقالوا‪ :‬إن‬


‫معقوله إنما هو الرفق بصاحب السلعة لكون سلعته باقية‪ ،‬وأكثر‬
‫ما في ذلك أن يأخذ الثمن الذي باعها به‪ ،‬فإما أن يعطي في هذه‬
‫الحال الذي اشترك في ها مع الغرماء أكثر من ثمن ها فذلك مخالف‬
‫لصيول الشرع‪ ،‬وبخاصية إذا كان للغرماء أخذهيا بالثمين كميا قال‬
‫مالك‪ .‬وأمييا أهييل الكوفيية فردوا هذا الحديييث بجملتييه لمخالفتييه‬
‫للصيول المتواترة على طريقتهيم فيي رد الخيبر الواحيد إذا خالف‬
‫الصييول المتواترة لكون خييبر الواحييد مظنونييا‪ ،‬والصييول يقينييية‬
‫مقطوع بهيا‪ ،‬كميا قال عمير فيي حدييث فاطمية بنيت قييس‪ :‬ميا كنيا‬
‫لندع كتاب الله وسيينة نبينييا لحديييث امرأة‪ .‬ورواه عيين علي أنييه‬
‫قضييى بالسييلعة للمفلس‪ ،‬وهييو رأى ابيين سيييرين وإبراهيييم ميين‬
‫التابعين‪.‬‬
‫وربميييا احتجوا بأن حدييييث أبيييي هريرة مختلف فييييه‪ ،‬وذلك أن‬
‫الزهري روى عين أبيي بكير بين عبيد الرحمين عين أبيي هريرة أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال "أيميا رجيل مات أو فلس‬
‫فوجيد بعيض غرمائه ماله بعينيه فهيو أسيوة الغرماء" وهذا الحدييث‬
‫أولى لنيه موافيق للصيول الثابتية‪ .‬قالوا‪ :‬وللجميع بيين الحديثيين‬
‫وجييه‪ ،‬وهييو حمييل ذلك الحديييث على الوديعيية والعارييية‪ ،‬إل أن‬
‫الجمهور دفعوا هذا التأوييل بميا ورد فيي لفيظ حدييث أبيي هريرة‬
‫في بعض الروايات من ذكر البيع‪ ،‬وهذا كله عند الجميع بعد قبض‬
‫المشتري السلعة‪ ،‬فأما قبل القبض فالعلماء متفقون أهل الحجاز‬
‫وأهييل العراق أن صيياحب السييلعة أحييق بهييا لنهييا فييي ضمانييه‪،‬‬
‫واختلف القائلون بهذا الحدييث إذا قبيض البائع بعيض الثمين‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬إن شاء أن يرد مييا قبييض ويأخييذ السييلعة كلهييا‪ ،‬وإن شاء‬
‫حاص الغرماء فيميا بقيي مين سيلعته؛ وقال الشافعيي‪ :‬بيل يأخيذ ميا‬
‫بقي من سلعته بما بقي من الثمن؛ وقالت جماعة من أهل العلم‬
‫داود وإسحق وأحمد‪ :‬إن قبض من الثمن شيئا فهو أسوة الغرماء‪.‬‬
‫وحجتهييم مييا روى مالك عيين ابيين شهاب عيين أبييي بكيير بيين عبييد‬
‫الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أيما رجل باع‬
‫متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه شيئا فوجده بعينه‬
‫فهيييو أحييق بييه‪ ،‬وإن مات الذي ابتاعييه فصيياحب المتاع أسييوة‬
‫الغرماء" وهيو حدييث وإن أرسيله مالك فقيد أسينده عبيد الرزاق‪،‬‬
‫وقد روي من طريق الزهري عن أبي هريرة فيه زيادة بيان‪ ،‬وهو‬
‫قوله فيه "فإن كان قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء" ذكره‬
‫أبيو عبييد فيي كتابيه فيي الفقيه وخرجيه‪ .‬وحجية الشافعيي أن كيل‬
‫سييلعة أو بعضهييا فييي الحكييم الواحييد‪ ،‬ولم يختلفوا أنييه إذا فوت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المشتري بعضهيا أن البائع أحيق بالمقدار الذي أدرك مين سيلعته‪،‬‬


‫إل عطاء فإنييه قال‪ :‬إذا فوت المشتري بعضهييا كان البائع أسييوة‬
‫الغرماء‪ .‬واختلف الشافعييي ومالك فييي الموت هييل حكمييه حكييم‬
‫الفلس أم ل؟‬
‫فقال مالك‪ :‬هيو فيي الموت أسيوة الغرماء‪ ،‬بخلف الفلس؛ وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬المير فيي ذلك واحيد‪ .‬وعمدة مالك ميا رواه عين ابين‬
‫شهاب عين أبيي بكير وهيو نيص فيي ذلك وأيضيا مين جهية النظير إن‬
‫فرقيا بيين الذمية فيي الفلس والموت‪ ،‬وذلك أن الفلس ممكين أن‬
‫تثرى حاله فيتبعيه غرماؤه بميا بقيي علييه وذلك غيير متصيور فيي‬
‫الموت‪ .‬وأميا الشافعيي فعمدتيه ميا رواه ابين أبيي ذئب بسينده عين‬
‫أبييي هريرة قال‪ :‬قال رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم "أيمييا‬
‫رجييل مات أو فلس فصيياحب المتاع أحييق بييه" فسييوى فييي هذه‬
‫الرواية بين الموت والفلس‪ .‬قال‪ :‬وحديث ابن أبي ذئب أولى من‬
‫حديييث ابيين شهاب‪ ،‬لن حديييث ابيين شهاب مرسييل وهذا مسييند‪،‬‬
‫ومن طريق المعنى فهو مال ل تصرف فيه لمالكه إل بعد أداء ما‬
‫عليييييه‪ ،‬فأشبييييه مال المفلس؛ وقياس مالك أقوى ميييين قياس‬
‫الشافعيي‪ ،‬وترجييح حديثيه على حدييث ابين أبيي ذئب مين جهية أن‬
‫موافقييية القياس له أقوى‪ ،‬وذلك أن ميييا وافيييق مييين الحادييييث‬
‫المتعارضيية قياس المعنييى فهييو أقوى ممييا وافقييه قياس الشبييه‪:‬‬
‫أعنييي أن القياس الموافييق لحديييث الشافعييي هييو قياس شبييه‪،‬‬
‫والموافيق لحدييث مالك قياس معنيى‪ ،‬ومرسيل مالك خرجيه عبيد‬
‫الرزاق‪ .‬فسبب الخلف تعارض الثار في هذا المعنى والمقاييس‪،‬‬
‫وأيضا فإن الصل يشهد لقول مالك في الموت‪ ،‬أعني أن من باع‬
‫شيئا فلييس يرجيع إلييه فمالك رح مه الله أقوى فيي هذه الم سألة‪،‬‬
‫والشافعي إنما ضعف عنده فيها قول مالك لما روي من المسند‬
‫المرسيل عنده ل يجيب العميل بيه‪ .‬واختلف مالك والشافعيي فيمين‬
‫وجيد سيلعته بعينهيا عنيد المفلس وقيد أحدث زيادة مثيل أن تكون‬
‫أرضيا يغرسيها أو عرصية يبنيهيا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬العميل الزائد فيهيا هيو‬
‫فوت ويرجيع صياحب شرييك الغرماء‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬بيل يخييير‬
‫البائع بين أن يعطي قيمة ما أحدث المشتري في سلعته ويأخذها‪،‬‬
‫أو أن يأخيذ أصيل السيلعة ويحاص الغرماء فيي الزيادة‪ ،‬وميا يكون‬
‫فوتييا ممييا ل يكون فوتييا فييي مذهييب مالك منصييوص فييي كتبييه‬
‫المشهورة‪.‬‬
‫وتحصيييل مذهييب مالك فيمييا يكون الغريييم بييه أحييق ميين سييائر‬
‫الغرماء فيييييي الموت والفلس‪ ،‬أو فيييييي الفلس دون الموت أن‬
‫الشياء المبيعية بالديين تنقسيم فيي التفلييس ثلثية أقسيام‪ :‬عرض‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يتعيين‪ ،‬وعيين اختلف فييه هيل يتعيين فييه أم ل؟ وعميل ل يتعيين‪.‬‬


‫فأميييا العرض فإن كان فيييي ييييد بائعيييه لم يسيييلمه حتيييى أفلس‬
‫المشتري‪ ،‬فهييو أحييق بييه فييي الموت والفلس‪ ،‬وهذا مييا ل خلف‬
‫فيييه‪ ،‬وإن كان قييد دفعييه إلى المشتري ثييم أفلس وهييو قائم بيده‬
‫فهيو أحيق بيه مين الغرماء فيي الفلس دون الموت‪ ،‬ولهيم عنده أن‬
‫يأخذوا سلعته بالثمين وقال الشافعيي‪ :‬ليس لهم‪ ،‬وقال أشهب‪ :‬ل‬
‫يأخذونها إل بالزيادة يحطونها عن المفلس؛ وقال ابن الماجشون‪:‬‬
‫إن شاءوا كان الثمين مين أموالهيم أو مين مال الغرييم؛ وقال ابين‬
‫كنانية‪ :‬بيل يكون مين أموالهيم وأميا العيين فهوأحيق بهيا فيي الموت‬
‫أيضييا‪ ،‬والفلس مييا كان بيده‪ .‬واختلف إذا دفعييه إلى بائعييه فيييه‬
‫ففلس أو مات وهييو قائم بيده يعرف بعينييه‪ ،‬فقيييل إنييه أحييق بييه‬
‫كالعروض فيي الفلس دون الموت وهيو قول ابين القاسيم‪ ،‬وقييل‬
‫إنييه ل سييبيل له عليييه‪ ،‬وهييو أسييوة الغرماء‪ ،‬وهييو قول أشهييب‪،‬‬
‫والقولن جاريان على الختلف فييي تعيييين العييين؛ وأمييا إن لم‬
‫يعرف بعينيه فهيو أسيوة الغرماء فيي الموت والفلس‪ .‬وأميا تعميل‬
‫الذي ل يتعين فإن أفلس المستأجر قبل أن يستوفي عمل الجير‬
‫كان الجيير أحيق بميا عمله فيي الموت والفلس جميعيا‪ ،‬كالسيلعة‬
‫إذا كانييت بيييد البائع فييي وقييت الفلس‪ ،‬وإن كان فلسييه بعييد أن‬
‫استوفى عمل الجير‪ ،‬فالجير أسوة الغرماء بأجرته التي شارطه‬
‫عليهيا فيي الفلس والموت جميعيا على أظهير القوال‪ ،‬إل أن تكون‬
‫بيده السييلعة التييي اسييتؤجر على عملهييا‪ ،‬فيكون أحييق بذلك فييي‬
‫الموت والفلس جميعيا‪ ،‬لنيه كالرهين بيده‪ ،‬فإن أسيلمه كان أسيوة‬
‫الغرماء بعمله‪ ،‬إل أن يكون له فييه شييء أخرجيه فيكون أحيق بيه‬
‫فيييي الفلس دون الموت‪ ،‬وكذلك المييير عنده فيييي فلس مكتري‬
‫الدواب إن استكرى أحق بما عليه من المتاع في الموت والفلس‬
‫جميعا‪ ،‬وكذلك مكتري السفينة‪،‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابييع‪- :)1 ...‬والنظيير فييي هذا الكتاب فيمييا هييو الفلس‪ ،‬وفييي‬
‫أحكام المفلس‪ ،‬فنقول‪ :‬إن‪... ...‬‬
‫وهذا كله شبهييه مالك بالرهيين وبالجملة فل خلف فييي مذهبييه أن‬
‫البائع أحييق بمييا فييي يديييه فييي الموت والفلس‪ ،‬وأحييق بسييلعته‬
‫القائميية الخارجيية عيين يده فييي الفلس دون الموت‪ ،‬وأنييه أسييوة‬
‫الغرماء فييي سييلعته إذا فاتييت‪ ،‬وعندمييا يشبييه حال الجييير عنييد‬
‫أصييييحاب مالك‪ .‬وبالجملة البائع منفعيييية بالبائع الرقبيييية‪ ،‬فمرة‬
‫يشبهون المنفعية التيي عميل بالسيلعة التيي لم يقبضهيا المشتري‬
‫فيقولون‪ :‬هيو أحيق بهيا فيي الموت والفلس‪ ،‬ومرة يشبهونيه بالتيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خرجت من يده ولم يمت فيقولون‪ :‬هو أحق بها في الفلس دون‬
‫الموت‪ ،‬ومرة يشبهون ذلك بالموت الذي فاتيت فييه فيقولون‪ :‬هيو‬
‫أسييوة الغرماء ومثال ذلك اختلفهييم فيميين اسييتؤجر على سييقي‬
‫حائط فسيقاه حتيى أثمير الحائط ثيم أفلس المسيتأجر فإنهيم قالوا‬
‫فيه الثلثة القوال‪ .‬وتشبيه بيع المنافع في هذا الباب ببيع الرقاب‬
‫هو شيء ‪ -‬فيما أحسب ‪ -‬انفرد به مالك دون فقهاء المصار‪ ،‬وهو‬
‫ضعييف لن قياس الشبيه المأخوذ مين الموضيع المفارق للصيول‬
‫يضعييف‪ ،‬ولذلك ضعييف عنييد قوم القياس على موضييع الرخييص‪،‬‬
‫ولكين انقدح هنالك قياس علة‪ ،‬فهيو أقوى؛ ولعيل المالكيية تدعيى‬
‫وجود هذا المعنييى فييي القياس‪ ،‬ولكيين هذا كله ليييس يليييق بهذا‬
‫المختصر‪ .‬ومن هذا الباب اختلفهم في العبد المفلس المأذون له‬
‫فيي التجارة هيل يتبيع بالديين فيي رقبتيه أم ل؟ فذهيب مالك وأهيل‬
‫الحجاز إلى أنه إنما يتبع بما في يده ل في رقبته‪ ،‬ثم إن أعتق بما‬
‫بقيي علييه ورأى قوم أنيه يباع‪ ،‬ورأى قوم أن الغرماء يخيرون بيين‬
‫بيعيه وبيين أن يسيعى فيميا بقيي علييه مين الديين‪ ،‬وبيه قال شرييح‪،‬‬
‫وقالت طائفية‪ :‬بيل يلزم سييده ميا علييه وإن لم يشترطيه‪ ،‬فالذيين‬
‫لم يروا بيع رقبته قالوا‪ :‬إنما عامل الناس على ما في يده فأشبه‬
‫الحيير‪ ،‬والذييين رأوا بيعييه شبهوا ذلك بالجنايات التييي يجنييي‪ ،‬وأمييا‬
‫الذيين رأوا الرجوع على السييد بميا علييه مين الديين فإنهيم شبهوا‬
‫ماله بمال السيد إذ كان له انتزاعه‪.‬‬
‫فسيبب الخلف هيو تعارض أقيسية الشبيه فيي هذه المسيألة‪ ،‬ومين‬
‫هذا المعنى إذا أفلس العبد والمولى معا بأي يبدأ‪ ،‬هل بدين العبد‪،‬‬
‫أم بديين المولى؟ فالجمهور يقولون‪ :‬بديين العبيد‪ ،‬لن الذيين داينوا‬
‫العبيد إنميا فعلوا ذلك ثقية بميا رأوا عنيد العبيد مين المال‪ ،‬والذيين‬
‫داينوا المولى لم يعتدوا بمال العبيد‪ ،‬ومين رأى البدء بالمولى قال‪:‬‬
‫لن مال العبيد هيو فيي الحقيقية للمولى‪ .‬فسيبب الخلف تردد مال‬
‫العبيد بيين أن يكون حكميه حكيم مال الجنيبي أو حكيم مال السييد‪.‬‬
‫وأميا قدر ما يترك للمفلس من ماله فقيل في المذهيب‪ :‬يترك له‬
‫ميا يعييش بيه هيو وأهله وولده الصيغار اليام؛ وقال فيي الواضحية‬
‫والعتبيية‪ :‬الشهير ونحوه‪ ،‬ويترك له كسيوة مثله؛ وتوقيف مالك فيي‬
‫كسيوة زوجتيه لكونهيا هيل تجيب لهيا بعوض مقبوض‪ ،‬وهيو النتفاع‬
‫بهيا أو بغيير عوض؛ وقال سيحنون ل يترك له كسيوة زوجتيه؛ وروى‬
‫ابن نافع عن مالك أنه ل يترك له إل ما يواريه‪ ،‬وبه قال ابن كنانة‪.‬‬
‫واختلفوا فيي بييع كتيب العلم علييه على قوليين‪ :‬وهذا مبنيي على‬
‫كراهية بيع الكتب الفقه أو ل كراهية ذلك‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا معرفية الديون التيي يحاص بهيا مين الديون التيي ل يحاص بهيا‬
‫على مذهييب مالك فإنهييا تنقسييم أول إلى قسييمين‪ :‬أحدهمييا أن‬
‫تكون واجبية عين عوض‪ .‬والثانيي أن تكون واجبية مين غيير عوض‪.‬‬
‫فأميا الواجبية عين عوض‪ ،‬فإنهيا تنقسيم إلى عوض مقبوض وإلى‬
‫عوض غييير مقبوض‪ ،‬فأمييا مييا كانييت عيين عوض مقبوض‪ ،‬وسييواء‬
‫كانييت مال أو أرش جناييية‪ ،‬فل خلف فييي المذهييب أن محاصيية‬
‫الغرماء بها واجبة‪ .‬وأما ما كان عن عوض غير مقبوض‪ ،‬فإن ذلك‬
‫ينقسييم خمسيية أقسييام‪ :‬أحدهييا أن ل يمكنييه دفييع العوض بحال‬
‫كنفقيية الزوجات لمييا يأتييي ميين المدة‪ ،‬والثانييي أن ل يمكنييه دفييع‬
‫العوض‪ ،‬ولكن يمكنه دفع ما يستوفي فيه‪ ،‬مثل أن يكتري الرجل‬
‫الدار بالنقيد‪ ،‬أو يكون العرف فييه النقيد‪ ،‬ففلس المكتري قبيل أن‬
‫يسييكن أو بعييد مييا سييكن بعييض السييكنى وقبييل أن يدفييع الكراء‪.‬‬
‫والثالث أن يكون دفيع العوض يمكنيه وطرحيه كرأس مال السيلم‬
‫إذا أفلس المسيلم إلييه قبيل دفيع رأس المال‪ .‬والرابيع أن يمكنيه‬
‫دفيع العوض ول يلزميه مثيل السيلعة إذا باعهيا ففلس المبتاع قبيل‬
‫أن يدفعهييا إليييه البائع‪ .‬والخامييس أن ل يكون إليييه تعجيييل دفييع‬
‫العوض‪ ،‬مثيل أن يسيلم الرجيل إلى الرجيل دنانيير فيي عروض إلى‬
‫أجييل فيفلس المسييلم قبييل أن يدفييع رأس المال وقبييل أن يحييل‬
‫أجل السلم‪ .‬فأما الذي ل يمكنه دفع العوض بحال فل محاصة في‬
‫ذلك إل فيييي مهور الزوجات إذا فلس الزوج قبيييل الدخول‪ .‬وأمييا‬
‫الذي ل يمكنيه دفيع العوض ويمكنيه دفيع ميا يسيتوفي منيه‪ ،‬مثيل‬
‫المكتري يفلس قبيل دفيع الكراء‪ ،‬فقييل للمكري المحاصية بجمييع‬
‫الثمن وإسلم الدار للغرماء‪ ،‬وقيل ليس له إل المحاصة بما سكن‬
‫ويأخيذ داره‪ ،‬وإن كان لم يسيكن فلييس له إل أخيذ داره‪ .‬وأميا ميا‬
‫يمكنه دفع العوض ويلزمه وهو إذا كان العوض عينا‪ ،‬فقيل يحاص‬
‫بيه الغرماء فيي الواجيب له بالعوض ويدفعيه‪ ،‬فقييل هيو أحيق بيه‬
‫وعلى هذا ل يلزميه دفيع العوض‪ .‬وأميا ميا يمكنيه دفيع العوض ول‬
‫يلزمييه فهييو بالخيار بييين المحاصيية والمسيياك‪ ،‬وذلك هييو إذا كان‬
‫العوض عينيا‪ .‬وأميا إذا لم يكين إلييه تعجييل العوض مثيل أن يفلس‬
‫المسيلم قبيل أن يدفيع رأس المال‪ ،‬وقبيل أن يحيل أجيل السيلم‪،‬‬
‫فإن رضييي المسييلم إليييه أن يعجييل العروض ويحاصييص الغرماء‬
‫برأس مال السييلم فذلك جائز إن رضييي بذلك الغرماء‪ ،‬فإن أبييى‬
‫ذلك أحد الغرماء حاص الغرماء برأس المال الواجب له فيما وجد‬
‫للغرييم مين مال وفيى العروض التيي علييه إذا حلت لنهيا مين مال‬
‫المفلس‪ ،‬وإن شاءوا أن يبيعوهييا بالنقييد ويتحاصييوا فيهييا كان ذلك‬
‫لهم‪ .‬وأما ما كان من الحقوق الواجبة عن غير عوض فإن ما كان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫منهييا غييير واجييب بالشرع بييل باللتزام كالهبات والصييدقات فل‬


‫محاصة فيها‪ .‬وأما ما كان منها واجبا بالشرع كنفقة الباء والبناء‪،‬‬
‫ففيهييا قولن‪ :‬أحدهمييا أن المحاصيية ل تجييب بهييا‪ ،‬وهييو قول ابيين‬
‫القاسم‪ .‬والثاني أنها تجب بها إذا لزمت بحكم من السلطان‪ ،‬وهو‬
‫قول أشهب‪ .‬وأما النظر الخامس وهو معرفة و جه التحاص‪ ،‬فإن‬
‫الحكيم فيي ذلك أن يصيرف مال الغرييم مين جنيس ديون الغرماء‪،‬‬
‫وسيواء كان مال الغرماء مين جنيس واحيد أو مين أجناس مختلفية‪،‬‬
‫إذ كان ل يقتضيي فيي الديون إل ميا هيو مين جنيس الديين إل أن‬
‫يتفقوا من ذلك على شيء يجوز‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في فرع‬
‫طارئ‪ ،‬وهيو إذا هلك مال المحجور علييه بعيد الحجير وقبيل قبيض‬
‫الغرماء‪ :‬ممن مصيبته؟ فقال أشهب‪ :‬مصيبته من المفلس‪ ،‬وقال‬
‫ابيين الماجشون‪ :‬مصييبته مين الغرماء إذا وقفيه السييلطان‪ .‬وقال‬
‫ابن القاسم‪ :‬ما يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغريم لنه إنما يباع‬
‫على ملكيه‪ ،‬وميا ل يحتاج إلى بيعيه فضمانيه مين الغرماء مثيل أن‬
‫يكون المال عينيا والديين عينيا‪ ،‬كلهيم روى قوله عين مالك‪ .‬وفرق‬
‫أصبغ بين الموت والفلس فقال‪ :‬المصيبة في الموت من الغرماء‪،‬‬
‫وفييي الفلس ميين المفلس‪ .‬فهذا هييو القول فييي أصييول أحكام‬
‫المفلس الذي له من المال ما ل يفي بديونه‪ .‬وأما المفلس الذي‬
‫ل مال له أصيييل‪ ،‬فإن فقهاء المصيييار مجمعون على أن العدم له‬
‫تأثير في إسقاط الدين إلى وقت ميسرته‪ ،‬إل ما حكي عن عمر‬
‫بيين عبييد العزيييز أن لهييم أن يؤاجروه‪ ،‬وقال بييه أحمييد ميين فقهاء‬
‫المصيار‪ ،‬وكلهيم مجمعون على أن المديين إذا ادعيى الفلس ولم‬
‫يعلم صيدقه أنيه يحبيس حتيى يتيبين صيدقه أو يقير له بذلك صياحب‬
‫الدييين‪ ،‬فإذا كان ذلك خلي سييبيله‪ .‬وحكييي عيين أبييي حنيفيية أن‬
‫لغرمائه أن يدوروا معييه حيييث دار‪ ،‬وإنمييا صييار الكييل إلى القول‬
‫بالحبييس فييي الديون‪ ،‬وإن كان لم يأت فييي ذلك أثيير صييحيح‪ ،‬لن‬
‫ذلك أمر ضروري في اسيتيفاء الناس حقوقهم بعضهم من بعض‪،‬‬
‫وهذا دليل على القول بالقياس الذي يقتضي المصلحة‪ ،‬وهو الذي‬
‫يسييمى بالقياس المرسييل‪ .‬وقييد روي أن النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسييلم حبييس رجل فييي تهميية‪ ،‬خرجييه فيمييا أحسييب أبييو داود‬
‫والمحجورون عنيد مالك‪ :‬السيفهاء والمفلسيون والعبييد والمرضيى‬
‫والزوجيية فيمييا فوق الثلث لنييه يرى أن للزوج حقييا فييي المال‪،‬‬
‫وخالفيه فيي ذلك الكثير‪ .‬وهذا القدر كاف بحسيب غرضنيا فيي هذا‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*2‬كتاب الصلح‪.‬‬
‫@‪-‬والصيل فيي هذا الكتاب قوله تعالى {والصيلح خيير} وميا روي‬
‫عيين النييبي عليييه الصييلة والسييلم مرفوعييا وموقوفييا على عميير‬
‫"إمضاء الصيلح جائز بيين المسيلمين إل صيلحا أحيل حراميا أو حرم‬
‫حلل" واتفييق المسييلمون على جوازه على القرار‪ ،‬واختلفوا فييي‬
‫جوازه على النكار‪ ،‬فقال مالك وأبيييو حنيفييية‪ :‬يجوز على النكار؛‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬ل يجوز على النكار لنيه مين أكيل المال بالباطيل‬
‫من غير عوض؛ والمالكية تقول فيه عوض‪ ،‬وهو سقوط الخصومة‬
‫واندفاع اليميين عنيه‪ ،‬ول خلف فيي مذهيب مالك أن الصيلح الذي‬
‫يقيع على القرار يراعيي فيي صيحته ميا يراعيي فيي البيوع‪ ،‬فيفسيد‬
‫بمييا تفسييد بييه البيوع ميين أنواع الفسيياد الخاص بالبيوع ويصييح‬
‫بصحته‪ ،‬وهذا هو مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فيصالحه‬
‫عليها بعد القرار بدنانير نسيئة‪ ،‬وما أشبه هذا من البيوع الفاسدة‬
‫من قبل الربا والغرر‪ .‬وأما الصلح على النكار فالمشهور فيه عن‬
‫مالك وأصيحابه أنيه يراعيي فييه مين الصيحة ميا يراعيي فيي البيوع‪،‬‬
‫مثيل أن يدعيي إنسيان على آخير دراهيم فينكير ثيم يصيالحه عليهيا‬
‫بدنانيير مؤجلة‪ ،‬فهذا ل يجوز عنيد مالك وأصيحابه؛ وقال أصيبغ‪ :‬هيو‬
‫جائز‪ ،‬لن المكروه فيه من الطرف الواحد‪ ،‬وهو من جهة الطالب‬
‫لنه يعترف أنه أخذ دنانير نسيئة في دراهم حلت له‪ .‬وأما الدافع‬
‫فيقول‪ :‬هي هبة مني‪ .‬وأما إن ارتفع المكروه من الطرفين‪ ،‬مثل‬
‫أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه دنانير أو دراهم فينكر كل‬
‫واحد منهما صاحبه‪ ،‬ثم يصطلحان على أن يؤخر كل واحد منهما‬
‫صياحبه فيميا يدعييه قبله إلى أجيل‪ ،‬فهذا عندهيم هيو مكروه‪ ،‬أميا‬
‫كراهيتييه فمخافيية أن يكون كييل واحييد منهمييا صييادقا‪ ،‬فيكون كييل‬
‫واحيد منهميا قيد أنظير صياحبه لنظار الخير إياه فيدخله أسيلفني‬
‫وأسيلفك‪ .‬وأميا وجيه جوازه فلن كيل واحيد منهميا إنميا يقول ميا‬
‫فعلت إنميا هيو تيبرع منيي‪ ،‬وميا كان يجيب علي شييء‪ ،‬وهذا النحيو‬
‫مين البيوع قييل إنيه يجوز إذا وقيع‪ ،‬وقال ابين الماجشون يفسيخ إذا‬
‫وقيع علييه أثير عقده‪ ،‬فإن طال مضيى‪ ،‬فالصيلح الذي يقيع فييه مميا‬
‫ل يجوز فيي البيوع هيو فيي مذهيب مالك على ثلثية أقسيام‪ :‬صيلح‬
‫يفسيخ باتفاق‪ ،‬وصيلح يفسيخ باختلف‪ ،‬وصيلح ل يفسيخ باتفاق إن‬
‫طال وإن لم يطل فيه اختلف‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الكفالة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬واختلف العلماء فييي نوعهييا وفييي وقتهييا‪ ،‬وفييي الحكييم اللزم‬


‫عنها‪ ،‬وفي شروطها‪ ،‬وفي صفة لزومها‪ ،‬وفي محلها‪ .‬ولها أسماء‪:‬‬
‫كفالة‪ ،‬وحمالة‪ ،‬وضمانيية‪ ،‬وزعاميية‪ .‬فأمييا أنواعهييا فنوعان‪ :‬حمالة‬
‫بالنفس‪ ،‬وحمالة بالمال‪ .‬أما الحمالة بالمال فثابتة بالسنة ومجمع‬
‫عليهيا مين الصيدر الول ومين فقهاء المصيار‪ .‬وحكيي عين قوم أنهيا‬
‫ليسيت لزمية تشبيهيا بالعدة وهيو شاذ‪ .‬والسينة التيي صيار إليهيا‬
‫الجمهور فيي ذلك هيو قوله علييه الصيلة والسيلم "الزعييم غارم"‪.‬‬
‫وأمييا الحمالة بالنفيس وهييي التيي تعرف بضمان الوجيه‪ ،‬فجمهور‬
‫فقهاء المصيار على جواز وقوعهيا شرعيا إذا كانيت بسيبب المال‪.‬‬
‫وحكييي عيين الشافعييي فييي الجديييد أنهييا ل تجوز‪ ،‬وبييه قال داود‪،‬‬
‫وحجتهمييا قوله تعالى {معاذ الله أن نأخييذ إل ميين وجدنييا متاعنييا‬
‫عنده} ولنهييا كفالة بنفييس فأشبهييت الكفالة فييي الحدود‪ .‬وحجيية‬
‫ميين أجازهييا عموم قوله عليييه الصييلة والسييلم "الزعيييم غارم"‬
‫وتعلقوا بأن فيي ذلك مصيلحة‪ ،‬وأنيه مروي عين الصيدر الول وأميا‬
‫الحكم اللزم عنها‪ ،‬فجمهور القائلين بحمالة النفس متفقون على‬
‫أن المتحميل عنيه إذا مات لم يلزم الكفييل بالوجيه شييء‪ ،‬وحكيي‬
‫عين بعضهيم لزوم ذلك‪ .‬وفرق ابين القاسيم بيين أن يموت الرجيل‬
‫حاضرا أو غائبا فقال‪ :‬إن مات حاضرا لم يلزم الكفيل شيء‪ ،‬وإن‬
‫مات غائبيا نظير‪ ،‬فإن كانيت المسيافة التيي بيين البلديين مسيافة‬
‫يمكن الحميل فيها إحضاره في الجل المضروب له في إحضاره‪،‬‬
‫وذلك فيييي نحيييو اليوميييين إلى الثلثييية ففرط غرم وإل لم يغرم‪.‬‬
‫واختلفوا إذا غاب المتحمل عنه ما حكم الحميل بالوجه على ثلثة‬
‫أقوال‪ :‬القول الول‪ :‬أنيييه يلزميييه أن يحضره أو يغرم‪ ،‬وهيييو قول‬
‫مالك وأصيحابه وأهيل المدينية‪ .‬والقول الثانيي إنيه يحبيس الحمييل‬
‫إلى أن يأتي به أو يعلم موته‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق‪.‬‬
‫والقول الثالث إنييه ليييس عليييه إل أن يأتييي بييه إذا علم موضعييه‪،‬‬
‫ومعنييييييى ذلك أن ل يكلف إحضاره إل مييييييع العلم بالقدرة على‬
‫إحضاره‪ ،‬فإن ادعيى الطالب معرفية موضعيه على الحمييل‪ ،‬وأنكير‬
‫الحميييل كلف الطالب بيان ذلك‪ .‬قالوا‪ :‬ول يحبييس الحميييل إل إذا‬
‫كان المتحمييل عنييه معلوم الموضييع‪ ،‬فيكلف حينئذ إحضاره‪ ،‬وهذا‬
‫القول حكاه أبيو عبييد القاسيم ابين سيلم فيي كتابيه فيي الفقيه عين‬
‫جماعة من الناس واختاره‪.‬‬
‫وعمدة مالك أن المتحمييل بالوجييه غارم لصيياحب الحييق فوجييب‬
‫عليه الغرم إذا غاب‪ ،‬وربما احتج لهم بما روي عن ابن عباس "أن‬
‫رجل سييأل غريمييه أن يؤدي إليييه ماله أو يعطيييه حميل‪ ،‬فلم يقدر‬
‫حتى حاكمه إلى النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬فتحمل عنه رسول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الله صيلى الله علييه وسيلم ثيم أدى المال إلييه" قالوا‪ :‬فهذا غرم‬
‫فيي الحمالة المطلقية‪ .‬وأميا أهيل العراق فقالوا‪ :‬إنميا يجيب علييه‬
‫إحضار ميا تحميل بيه وهيو النفيس‪ ،‬فلييس يجيب أن يعدى ذلك إلى‬
‫المال إل لو شرطيه على نفسيه‪ ،‬وقيد قال علييه الصيلة والسيلم‬
‫"المؤمنون عند شروطهم" فإنما عليه أن يحضره أو يحبس فيه‪،‬‬
‫فكميا أنيه إذا ضمين المال فإنميا علييه أن يحضير المال أو يحبيس‬
‫فيه‪ ،‬كذلك المر في ضمان الوجه‪ .‬وعمدة الفريق الثالث أنه إنما‬
‫يلزميه إحضاره إذا كان إحضاره له مميا يمكين‪ ،‬وحينئذ يحبيس إذا‬
‫لم يحضره‪ ،‬وأميا إذا علم أن إحضاره له غيير ممكين فلييس يجيب‬
‫علييه إحضاره كميا أنيه إذا مات لييس علييه إحضاره‪ .‬قالوا‪ :‬ومين‬
‫ضميين الوجييه فأغرم المال فهييو أحرى أن يكون مغرورا ميين أن‬
‫يكون غارا‪ .‬فأمييا إذا اشترط الوجييه دون المال وصييرح بالشرط‬
‫فقيييد قال مالك‪ :‬إن المال ل يلزميييه‪ ،‬ول خلف فيييي هذا فيميييا‬
‫أحسيب‪ ،‬لنيه كان يكون قيد ألزم ضيد ميا اشترط‪ ،‬فهذا هيو حكيم‬
‫ضمان الوجيه‪ .‬وأميا حكيم ضمان المال فإن الفقهاء متفقون على‬
‫أنييييه إذا عدم المضمون أو غاب أن الضاميييين غارم‪ .‬واختلفوا إذا‬
‫حضير الضامين والمضمون وكلهميا موسير‪ ،‬فقال الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفة وأصحابهما والثوري والوزاعي وأحمد وإسحق‪ :‬للطالب أن‬
‫يؤاخييذ ميين شاء ميين الكفيييل أو المكفول؛ وقال مالك فييي أحييد‬
‫قوليه‪ :‬ليس له أن يأخذ الكفيل مع وجود المتكفل عنه‪ .‬وله قول‬
‫آخيير مثييل قول الجمهور‪ .‬وقال أبييو ثور‪ :‬الحمالة والكفالة واحدة‪،‬‬
‫وميين ضميين عيين رجييل مال لزمييه وبرئ المضمون‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫يكون مال واحيد على اثنيين‪ ،‬وبيه قال ابين أبيي ليلى وابين شبرمية‪.‬‬
‫وميين الحجيية لمييا رأى أن الطالب يجوز له مطالبيية الضاميين كان‬
‫المضمون عنيه غائبيا أو حاضرا‪ ،‬غنييا أو عديميا حدييث قبيصية بين‬
‫المخارقي قال "تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فسيألته عنهيا‪ ،‬فقال‪ :‬تخرجهيا عنيك مين إبيل الصيدقة ييا قبيصية إن‬
‫المسيألة ل تحيل إل فيي ثلث‪ ،‬وذكير رجل تحميل حمالة رجيل حتيى‬
‫يؤديها"‬
‫ووجيه الدلييل مين هذا النيبي صيلى الله علييه وسيلم أباح المسيألة‬
‫للمتحميل دون اعتبار حال المتحميل عنيه‪ .‬وأميا محيل الكفالة فهيي‬
‫الموال عنيييد جمهور أهيييل العلم لقوله علييييه الصيييلة والسيييلم‬
‫"الزعييم غارم" أعنيي كفالة المال وكفالة الوجيه‪ ،‬وسيواء تعلقيت‬
‫الموال من قبل أموال أو من قبل حدود مثل المال الواجب في‬
‫قتل الخطأ أو الصلح في قتل العمد أو السرقة التي ليس يتعلق‬
‫بهيا قطيع وهيي ميا دون النصياب أو مين غيير ذلك‪ .‬وروي عين أبيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حنيفية إجازة الكفالة فيي الحدود القصياص‪ ،‬أو فيي القصياص دون‬
‫الحدود وهيو قول عثمان البتيي‪ :‬أعنيي كفالة النفيس‪ .‬وأميا وقيت‬
‫وجوب الكفالة بالمال أعني مطالبته بالكفيل‪ ،‬فأجمع العلماء على‬
‫أن ذلك بعد ثبوت الحق على المكفول إما بإقرار وإما ببينة‪ .‬وأما‬
‫وقيت وجوب الكفالة بالوجيه‪ ،‬فاختلفوا هيل تلزم قبيل إثبات الحيق‬
‫أم ل؟ فقال قوم‪ :‬إنها ل تلزم قبل إثبات الحق بوجه من الوجوه‪،‬‬
‫وهو قول شريح القاضي والشعبي‪ ،‬وبه قال سحنون من أصحاب‬
‫مالك‪ .‬وقال قوم‪ :‬بيل يجيب أخيذ الكفييل بالوجيه على إثبات الحيق‪،‬‬
‫وهؤلء اختلفوا متيى يلزم ذلك؟‪ ،‬وإلى كيم مين المدة يلزم؟ فقال‬
‫قوم‪ :‬إن أتى بشبهة قوية مثل شاهد واحد لزمه أن يعطي ضامنا‬
‫بوجهييه حتييى يلوح حقييه وإل لم يلزمييه الكفيييل إل أن يذكيير بينيية‬
‫حاضرة في المصر فيعطيه حميل من الخمسة اليام إلى الجمعة‪،‬‬
‫وهيو قول ابين القاسيم مين أصيحاب مالك‪ ،‬وقال أهيل العراق‪ :‬ل‬
‫يؤخذ عليهم حميل قبل ثبوت الحق إل أن يدعي بينة حاضرة في‬
‫المصيير نحييو قول ابيين القاسييم‪ ،‬إل أنهييم حدوا ذلك بالثلثيية اليام‬
‫يقولون إنه أن أتى بشبهة لزمه أن يعطيه حميل حتى يثبت دعواه‬
‫أو تبطييل‪ ،‬وقييد أنكروا الفرق فييي ذلك والفرق بييين الذي يدعييي‬
‫البينة الحاضرة والغائبة‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يؤخذ حميل على أحد إل ببينة‪،‬‬
‫وذلك إلى بيان صدق دعواه أو إبطالها‪.‬‬
‫وسيبب هذا الختلف تعارض وجيه العدل بيين الخصيمين فيي ذلك‪،‬‬
‫فإنيه إذا لم يؤخيذ علييه ضامين بمجرد الدعوى لم يؤمين أن يغييب‬
‫بوجهيه فيعنيت طالبيه‪ ،‬وإذا أخيذ علييه لم يؤمين أن تكون الدعوى‬
‫باطلة فيعنييت المطلوب‪ ،‬ولهذا فرق ميين فرق بييين دعوى البينيية‬
‫الحاضرة والغائبية‪ .‬وروي عين عراك بين مالك قال "أقبيل نفير مين‬
‫العراب معهيم ظهير فصيحبهم رجلن فباتيا معهيم‪ ،‬فأصيبح القوم‬
‫وقيد فقدوا كذا وكذا مين إبلهيم‪ ،‬فقال رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم لحد الرجلين‪ :‬اذهب واطلب وحبس الخر‪ ،‬فجاء بما ذهب‪،‬‬
‫فقال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم لحيد الرجليين‪ :‬اسيتغفر‬
‫لي‪ ،‬فقال‪ :‬غفيير الله لك‪ ،‬قال‪ :‬وأنييت فعفيير الله لك وقتلك فييي‬
‫سيبيله" خرج هذا الحدييث أبيو عبييد فيي كتابيه بالفقيه قال‪ :‬وحمله‬
‫بعييض العلماء على أن ذلك كان ميين رسييول الله حبسييا قال‪ :‬ول‬
‫يعجبني ذلك‪ ،‬لنه ل يجب الحبس بمجرد الدعوى‪ ،‬وإنما هو عندي‬
‫ميين باب الكفالة بالحييق الذي لم يجييب إذا كانييت هنالك شبهيية‬
‫لمكان صيحبتهما لهيم‪ .‬فأميا أصيناف المضمونيين فلييس يلحيق مين‬
‫قبييل ذلك اختلف مشهور لختلفهييم فييي ضمان الميييت إذا كان‬
‫عليييه دييين ولم يترك وفاء بدينييه‪ ،‬فأجازه مالك والشافعييي‪ ،‬وقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أبيو حنيفية‪ :‬ل يجوز‪ .‬واسيتدل أبيو حنيفية مين قبيل أن الضمان ل‬
‫يتعللق بمعلوم قطعا‪ ،‬وليس كذلك المفلس‪ .‬واستدل من رأى أن‬
‫الضمان يلزميه بميا روي أن النيبي علييه الصيلة والسيلم كان فيي‬
‫صدر السلم ل يصلي على من مات وعليه دين حتى يضمن عنه‪.‬‬
‫والجمهور يصييح عندهييم كفالة المحبوس والغائب‪ ،‬ول يصييح عنييد‬
‫أبيييي حنيفييية‪ .‬وأميييا شروط الكفالة فإن أبيييا حنيفييية والشافعيييي‬
‫يشترطان فيي وجوب رجوع الضا من على المضمون بما أدى عنه‬
‫أن يكون الضمان بإذنييييه‪ ،‬ومالك ل يشترط ذلك‪ ،‬ول تجوز عنييييد‬
‫الشافعيي كفالة المجهول ول الحيق الذي لم يجيب بعيد‪ ،‬وكيل ذلك‬
‫لزم وجائز عنيد مالك وأصيحابه‪ .‬وأميا ميا تجوز فييه الحمالة بالمال‬
‫مما ل تجوز‪ ،‬فإنها ل تجوز عند مالك بكل مال ثابت في الذمة إل‬
‫الكتابيية ومييا ل يجوز فيييه التأخييير‪ ،‬ومييا يسييتحق شيئا فشيئا مثييل‬
‫النفقات على الزواج‪ ،‬وما شاكلها‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الحوالة‪.‬‬
‫@‪-‬والحوالة معاملة صييحيحة مسييتثناة ميين الدييين بالدييين‪ ،‬لقوله‬
‫علييه الصيلة والسيلم "مطيل الغنيي ظلم وإذا أحييل أحدكيم على‬
‫غني فليستحل" والنظر في شروطها وفي حكمها‪ ،‬فمن الشروط‬
‫اختلفهيم فيي اعتبار رضيا المحال والمحال علييه‪ ،‬فمين الناس مين‬
‫اعتيبر رضيا المحال ولم يعتيبر رضيا المحال علييه‪ ،‬وهيو مالك؛ ومين‬
‫الناس ميين اعتييبر رضاهمييا معييا؛ ميين الناس ميين لم يعتييبر رضييا‬
‫المحال واعتيبر رضيا المحال علييه‪ ،‬وهيو نقييض مذهيب مالك‪ ،‬وبيه‬
‫قال داود‪ ،‬فمين رأى أنهيا معاملة اعتيبر رضيا الصينفين‪ ،‬ومين أنزل‬
‫المحال علييه مين المحال منزلتيه مين المحييل لم يعتيبر رضاه معيه‬
‫ك ما ل يعتبره مع المحيل إذا طلب منه ح قه ولم يحل علييه أحدا‪.‬‬
‫وأمييا داود فحجتييه ظاهيير قوله عليييه الصييلة والسييلم "إذا أحيييل‬
‫أحدكييم على ملئ فليتبييع" والميير على الوجوب‪ ،‬وبقييي المحال‬
‫علييه مين الصيل‪ ،‬وهيو اشتراط اعتبار رضاه‪ .‬ومين الشروط التيي‬
‫اتفيق عليهيا فيي الجملة كون ميا على المحال علييه مجانسيا لميا‬
‫على المحييل قدرا ووصيفا‪ ،‬إل أن منهيم مين أجازهيا فيي الذهيب‬
‫والدراهيم فقيط ومنعهيا فيي الطعام‪ ،‬والذيين منعوهيا فيي ذلك رأوا‬
‫أنهيا مين باب بييع الطعام قبيل أن يسيتوفي‪ ،‬لنيه باع الطعام الذي‬
‫كان له على غريمييييه بالطعام الذي كان عليييييه‪ ،‬وذلك قبييييل أن‬
‫يسييتوفيه مين غريمييه؛ وأجاز ذلك مالك إذا كان الطعامان كلهمييا‬
‫ميين قرض إذا كان دييين المحال حال‪ .‬وأمييا إن كان أحدهمييا ميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سيلم فإنيه ل يجوز إل أن يكون الدينان حاليين؛ وعنيد ابين القاسيم‬


‫وغيره من أصحاب مالك يجوز ذلك إذا كان الدين المحال به حال؛‬
‫ولم يفرق بيين ذلك الشافعيي‪ ،‬لنيه كالبييع فيي ضمان المسيتقرض‬
‫وإنما رخص مالك في القرض لنه يجوز عنده بيع القرض قبل أن‬
‫يستوفي‪ .‬وأما أبو حنيفة فأجاز الحوالة بالطعام وشبهها بالدراهم‬
‫وجعلهيا خارجية عين الصيول كخروج الحوالة بالدراهيم‪ ،‬والمسيألة‬
‫مبنييية على أن مييا شييذ عيين الصييول هييل يقاس عليييه أم ل؟‬
‫والمسيألة مشهورة فيي أصيول الفقيه‪ ،‬وللحوالة عنيد مالك ثلثية‬
‫شروط‪ :‬أحدهييا أن يكون دييين المحال حال‪ ،‬لنييه إن لم يكيين حال‬
‫كان دينيا بديين‪ .‬والثانيي أن يكون الديين الذي يحيله بيه مثيل الذي‬
‫يحيله عليه في القدر والصفة‪ ،‬لنه إذا اختلفا في أحدهما كان بيعا‬
‫ولم يكن حوالة‪ ،‬فخرج من باب الرخصة إلى باب البيع‪ ،‬وإذا خرج‬
‫ميين باب البيييع دخله الدييين بالدييين‪ .‬والشرط الثالث أن ل يكون‬
‫الديين طعاميا مين سيلم أو أحدهميا ولم يحيل الديين المسيتحال بيه‬
‫على مذهيب ابين القاسيم‪ ،‬وإذا كان الطعامان جميعيا مين سيلم فل‬
‫تجوز الحوالة بأحدهميا على الخير حلت الجال أو لم تحيل‪ ،‬أو حيل‬
‫أحدهميا ولم يحيل الخير‪ ،‬لنيه يدخله بييع الطعام قبيل أن يسيتوفي‬
‫كميا قلنيا‪ ،‬لكين أشهيب يقول إن اسيتوت رؤوس أموالهميا جازت‬
‫الحوالة وكانيييت توليييية؛ وابييين القاسيييم ل يقول ذلك كالحال إذا‬
‫اختلفييت ويتنزل المحال فييي الدييين الذي أحيييل عليييه منزلة ميين‬
‫أحاله‪ ،‬ومنزلته في الدين الذي أحاله به‪ ،‬وذلك فيما يريد أن يأخذ‬
‫بذله منه أو يبيعه له من غيره‪ ،‬أعني أنه ل يجوز له من ذلك إل ما‬
‫يجوز له مع الذي أحاله وما يجوز للذي أحال مع الذي أحاله عليه‪،‬‬
‫ومثال ذلك إن احتال بطعام كان له مييين قرض فيييي طعام مييين‬
‫سلم أو بطعام من سلم في طعام من قرض لم يجز له أن يبيعه‬
‫ميين غيره قبييل قبضييه منييه‪ ،‬لنييه إن كان احتال بطعام كان ميين‬
‫قرض فيي طعام مين سيلم نزل منزلة المحييل فيي أنيه ل يجوز له‬
‫بييع ميا على غريميه قبيل أن يسيتوفيه لكونيه طعاميا مين بييع‪ ،‬وإن‬
‫كان احتال بطعام من سلم في طعام من قرض نزل من المحتال‬
‫عليييه منزلتييه مييع ميين أحاله‪ ،‬أعنييي أنييه مييا كان يجوز له أن يييبيع‬
‫الطعام الذي كان على غريمه المحيل له قبل أن يستوفيه‪ ،‬كذلك‬
‫ل يجوز أن يبيع الطعام الذي أحيل عليه وإن كان من قرض‪ ،‬وهذا‬
‫كله مذهيب مالك‪ ،‬وأدلة هذه الفروق ضعيفية‪ .‬وأمييا أحكامهييا فإن‬
‫جمهور العلماء على أن الحوالة ضييد الحمالة‪ ،‬فييي أنييه إذا أفلس‬
‫المحال علييه لم يرجيع صياحب الديين على المحييل بشييء؛ قال‬
‫مالك وأصيييحابه‪ :‬إل أن يكون المحييييل غره فأحاله على عدييييم؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال أبييو حنيفيية‪ :‬يرجييع صيياحب الدييين على المحيييل إذا مات‬
‫المحال عليه مفلسا أو جحد الحوالة وإن لم تكن له بينة‪ ،‬وبه قال‬
‫شرييح وعثمان البتيي وجماعية‪ .‬وسيبب اختلفهيم مشابهية الحوالة‬
‫للحمالة‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الوكالة‬
‫@‪-‬وفيهيا ثلثية أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬فيي أركانهيا‪ ،‬وهيي النظير فيميا‬
‫فييه التوكييل‪ ،‬وفيي الموكيل‪ .‬والثانيي فيي أحكام الوكالة‪ .‬والثالث‪:‬‬
‫في مخالفة الموكل للوكيل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول فيي أركانهيا‪ ،‬وهيي النظير فيميا فييه التوكييل‪ ،‬وفيي‬
‫الموكِل‪ ،‬وفي الموَكل‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيييين الول‪ :‬فييييي الموكييييل) واتفقوا على وكالة الغائب‬
‫والمريييض والمرأة المالكييين لمور أنفسييهم‪ ،‬واختلفوا فييي وكالة‬
‫الحاضير الذكير الصيحيح‪ ،‬فقال مالك‪ :‬تجوز وكالة الحاضير الصيحيح‬
‫الذكر‪ ،‬وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل تجوز وكالة الصحيح‬
‫الحاضر ول المرأة إل أن تكون برزة‪ .‬فمن رأى أن الصل ل ينوب‬
‫فعييل الغييير عيين فعييل الغييير إل مييا دعييت إليييه الضرورة وانعقييد‬
‫الجماع علييه قال‪ :‬ل تجوز نيابية مين اختلف فيي نيابتيه؛ ومين رأى‬
‫أن الصيل هيو الجواز قال‪ :‬الوكالة فيي كيل شييء جائزة إل فيميا‬
‫أجمع على أنه ل تصح فيه من العبادات وما جرى مجراها‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الثانييي‪ :‬فييي الوكيييل) وشروط الوكيييل أن ل يكون‬
‫ممنوعيا بالشرع من تصيرفه فيي الشييء الذي وكيل فييه‪ ،‬فل يصيح‬
‫توكييل الصيبي ول المجنون ول المرأة عنيد مالك والشافعيي على‬
‫عقيد النكاح‪ .‬أميا عنيد الشافعيي فل بمباشرة ول بواسيطة‪ :‬أي بأن‬
‫توكل هي من يلي عقد النكاح‪ ،‬ويجوز عند مالك بالواسطة الذكر‪.‬‬
‫@‪(-‬الركين الثالث‪ :‬فيميا فييه التوكييل) وشرط محيل التوكييل أن‬
‫يكون قابل للنيابيية مثييل البيييع والحوالة والضمان وسييائر العقود‬
‫والفسييوخ والشركيية والوكالة والمصييارفة والمجاعلة والمسيياقاة‬
‫والطلق والنكاح والخلع والصييلح‪ .‬ول تجوز فييي العبادات البدنييية‪،‬‬
‫وتجوز في المالية كالصدقة والزكاة والحج‪ ،‬وتجوز عند مالك في‬
‫الخصومة على القرار والنكار؛ وقال الشافعي في أحد قوليه‪ :‬ل‬
‫تجوز على القرار‪ ،‬وشبيييه ذلك بالشهادة واليمان‪ ،‬وتجوز الوكالة‬
‫على اسييتيفاء العقوبات عنييد مالك وعنييد الشافعييي مييع الحضور‬
‫قولن‪ :‬والذيييين قالوا إن الوكالة تجوز على القرار اختلفوا فيييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مطلق الوكالة على الخصييومة هييل يتضميين القرار أم ل؟ فقال‬


‫مالك‪ :‬ل يتضمن‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يتضمن‪.‬‬
‫@‪(-‬الركين الرابيع) وأميا الوكالة فهيي عقيد يلزم باليجاب والقبول‬
‫كسائر العقود‪ ،‬وليست هي من العقود اللزمة بل الجائزة على ما‬
‫نقوله في أحكام هذا العقد‪ ،‬وهي ضربان عند مالك عامة وخاصة‪،‬‬
‫فالعامية هيي التيي تقيع عنده بالتوكييل العام الذي ل يسيمى فييه‬
‫شيييء دون شيييء وذلك أنييه إن سييمي عنده لم ينتفييع بالتعميييم‬
‫والتفوييض؛ وقال الشافعيي‪ :‬ل تجوز الوكالة بالتعمييم وهيي غرر‪،‬‬
‫وإنميا يجوز منهيا ميا سيمي وحدد ونيص علييه‪ ،‬وهيو القييس إذ كان‬
‫الصل فيها المنع‪ ،‬إل ما وقع عليه الجماع‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا الحكام‪ :‬فمنهيا أحكام العقيد‪ ،‬ومنهيا أحكام فعيل الوكييل‪.‬‬
‫فأما هذا العقد فهو كما قلنا عقد غير لزم للوكيل أن يدع الوكالة‬
‫متيى شاء عنيد الجمييع‪ ،‬لكين أبيو حنيفية يشترط فيي ذلك حضور‬
‫الموكييل‪ ،‬وللموكييل أن يعزله متييى شاء قالوا‪ :‬إل أن تكون وكالة‬
‫في خصومة‪ .‬وقال أصبغ‪ :‬له ذلك ما لم يشرف على تمام الحكم‪،‬‬
‫وليس للوكيل أن يعزل نفسه في الموضع الذي ل يجوز أن يعزله‬
‫الموكيل‪ ،‬ولييس مين شروط انعقاد هذا العقيد حضور الخصيم عنيد‬
‫مالك والشافعي‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ذلك من شروطه‪ .‬وكذلك ليس‬
‫من شرط إثباتها عند الحاكم حضوره عند مالك‪ .‬وقال الشافعي‪:‬‬
‫ميين شرطييه‪ .‬واختلف أصييحاب مالك هييل تنفسييخ الوكالة بموت‬
‫الموكيل على قوليين‪ ،‬فإذا قلنيا تنفسيخ بالموت كميا تنفسيخ بالعزل‬
‫فمتى يكون الوكيل معزول‪ ،‬والوكالة منفسخة في حق من عامله‬
‫فيي المذهيب فييه ثلثية أقوال‪ :‬الول أنهيا تنفسيخ فيي حيق الجمييع‬
‫بالموت والعزل‪ .‬والثانييي أنهييا تنفسييخ فييي حييق كييل واحييد منهييم‬
‫بالعلم‪ ،‬فمن علم انفسخت في حقه ومن لم يعلم لم تنفسخ في‬
‫حقه‪ .‬والثالث أنها تنفسخ في حق من عامل الوكيل بعلم الوكيل‬
‫وإن لم يعلم هيو‪ ،‬ول تنفسيخ فيي حيق الوكييل بعلم الذي عامله إذا‬
‫لم يعلم الوكيل‪ ،‬ولكن من دفع إليه شيئا بعد العلم بعزله ضمنه‪،‬‬
‫لنه دفع إلى من يعلم أنه ليس بوكيل‪.‬‬
‫وأميا أحكام الوكييل ففيهيا مسيائل مشهورة‪ :‬أحدهيا إذا وكيل على‬
‫بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟ فقال مالك‪ :‬يجوز‪ ،‬وقد‬
‫قيييل عنييه‪ :‬ل يجوز؛ وقال الشافعييي‪ :‬ل يجوز‪ ،‬وكذلك عنييد مالك‬
‫الب والوصيي‪ .‬ومنهيا إذا وكله فيي البييع وكالة مطلقية لم يجيز له‬
‫عنيد مالك أن ييبيع إل بثمين مثله نقدا بنقيد البلد‪ ،‬ول يجوز إن باع‬
‫نسييئة‪ ،‬أو بغيير نقيد البلد‪ ،‬أو بغيير ثمين المثيل‪ ،‬وكذلك المير عنده‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فييي الشراء؛ وفرق أبييو حنيفيية بييين البيييع والشراء لمعييين فقال‪:‬‬
‫يجوز في البيع أن يبيع بغير ثمن المثل‪ ،‬وأن يبيع نسيئة‪ ،‬ولم يجز‬
‫إذا وكله فييي شراء عبييد بعينييه أن يشتريييه إل بثميين المثييل نقدا‪،‬‬
‫ويشبه أن يكون أبو حنيفة إنما فرق بين الوكالة على شراء شيء‬
‫بعينه‪ ،‬لن من حجته أنه كما أن الرجل قد يبيع الشيء بأقل من‬
‫ثمن مثله ونساء لمصلحة يراها في ذلك كله‪ ،‬كذلك حكم الوكيل‬
‫إذ قييد أنزله منزلتييه‪ ،‬وقول الجمهور أبييين‪ ،‬وكييل مييا يعتدي فيييه‬
‫الوكييل ضمين عنيد مين يرى أنيه تعدى‪ ،‬وإذا اشترى الوكييل شيئا‬
‫وأعلم أن الشراء للموكييل فالملك ينتقييل إلى الموكييل؛ وقال أبييو‬
‫حنيفة‪ :‬إلى الوكيل أول ثم إلى الموكل‪ ،‬وإذا دفع الوكيل دينا عن‬
‫الموكل ولم يشهد فأنكر الذي له الدين القبض ضمن الوكيل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في مخالفة الموكل للوكيل‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا اختلف الوكييل ميع الموكيل‪ ،‬فقيد يكون فيي ضياع المال‬
‫الذي اسيتقر عنيد الوكييل‪ ،‬وقيد يكون فيي دفعيه إلى الموكيل‪ ،‬وقيد‬
‫يكون فييي مقدار الثميين الذي باع بييه أو اشترى إذا أمره بثميين‬
‫محدود‪ ،‬وقيد يكون فيي المثمون‪ ،‬وقيد يكون فيي تعييين مين أمره‬
‫بالدفيع إلييه‪ ،‬وقيد يكون فيي دعوى التعدي‪ .‬فإذا اختلفيا فيي ضياع‬
‫المال فقال الوكيييل ضاع منييي‪ ،‬وقال الموكييل لم يضييع‪ ،‬فالقول‬
‫قول الوكيييل إن كان لم يقبضييه ببينيية‪ ،‬فإن كان المال قييد قبضييه‬
‫الوكييل مين غرييم الموكيل لم يشهيد الغرييم على الدفيع لم ييبرأ‬
‫الغرييم بإقرار الوكييل عنيد مالك وغرم ثانيية‪ ،‬وهيل يرجيع الغرييم‬
‫على الوكييل؟ فييه خلف‪ ،‬وإن كان قيد قبضيه ببينية برئ ولم يلزم‬
‫الوكيل شيء‪ .‬وأما إذا اختلفا في الدفع فقال الوكيل دفعته إليك‪،‬‬
‫وقال الموكييل‪ :‬ل‪ ،‬فقيييل القول قول الوكيييل‪ .‬وقيييل القول قول‬
‫الموكل‪ .‬وقيل إن تباعد ذلك فالقول قول الوكيل‪ .‬وأمر اختلفهم‬
‫في مقدار الثمن الذي به أمره بالشراء؛ فقال ابن القاسم‪ :‬إن لم‬
‫تفيييت السيييلعة فالقول قول المشتري‪ ،‬وإن فاتيييت فالقول قول‬
‫الوكييييل‪ ،‬وقييييل يتحالفان وينفسيييخ البييييع ويتراجعان وإن فاتيييت‬
‫بالقيمية وإن كان اختلفهييم فييي مقدار الثمين الذي أمره بيه فيي‬
‫البيع‪ ،‬فعند ابن القاسم أن القول فيه قول الموكل‪ ،‬لنه جعل دفع‬
‫الثميين بمنزلة فوات السييلعة فييي الشراء‪ .‬وأمييا إذا اختلفييا فيميين‬
‫أمره بالدفييع ففييي المذهييب فيييه قولن‪ :‬المشهور أن القول قول‬
‫المأمور‪ ،‬وقييل القول قول المير‪ .‬وأميا إذا فعيل الوكييل فعل هيو‬
‫تعيد وزعيم أن الموكيل أمره‪ ،‬فالمشهور أن القول قول الموكيل‪،‬‬
‫وقد قيل إن القول قول الوكيل إنه أمره قد ائتمنه على الفعل‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب اللقطة‬
‫@‪-‬والنظير فيي اللقطية فيي جملتيين‪ :‬الجملة الولى‪ :‬فيي أركانهيا‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬في أحكامها‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الولى) والركان ثلثة‪ :‬اللتقاط‪ ،‬والملتقط‪ ،‬واللقطة‪.‬‬
‫فأميا اللتقاط فاختلف العلماء هيل هيو فضيل أم الترك؟ فقال أبيو‬
‫حنيفة‪ :‬الفضل اللتقاط‪ ،‬لنه من الواجب على المسلم أن يحفظ‬
‫مال أخيييه المسييلم‪ ،‬وبييه قال الشافعييي؛ وقال مالك وجماعيية‬
‫بكراهييية اللتقاط‪ ،‬وروي عيين ابيين عميير وابيين عباس‪ ،‬وبييه قال‬
‫أحميد‪ ،‬وذلك لمريين‪ :‬أحدهميا ميا روي أنيه صيلى الله علييه وسيلم‬
‫قال "ضالة المؤمن حرق النار" ولما يخاف أيضا من التقصير في‬
‫القيام بما يجب لها من التعريف وترك التعدي عليها‪ ،‬وتأول الذين‬
‫رأوا اللتقاط أول الحدييث وقالوا‪ :‬أراد بذلك النتفاع بهيا ل أخذهيا‬
‫للتعريف؛ وقال قوم‪ :‬بل لقطها واجب‪ .‬وقد قيل إن هذا الختلف‬
‫إذا كانييت اللقطيية بييين قوم مأمونييين والمام عادل‪ .‬قالوا‪ :‬وإن‬
‫كانييت اللقطيية بييين قوم غييير مأمونييين والمام عادل فواجييب‬
‫التقاطهيا‪ .‬وإن كانيت بيين قوم مأمونيين والمام جائر فالفضيل أن‬
‫ل يلتقطهيا‪ .‬وإن كانيت بيين قوم غيير مأمونيين والمام غيير عادل‬
‫فهيو مخيير بحسيب ميا يغلب على ظنيه مين سيلمتها أكثير مين أحيد‬
‫الطرفين‪ ،‬وهذا كله ما عدا لقطة الحاج‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا على‬
‫أنه ل يجوز التقاطها لنهيه عليه الصلة والسلم عن ذلك‪ ،‬ولقطة‬
‫مكيية أيضييا ل يجوز التقاطهييا إل لمنشييد لورود النييص فييي ذلك‪،‬‬
‫والمروي فيي ذلك لفظان‪ :‬أحدهميا أنيه ل ترفيع لقطتهيا إل لمنشيد‪.‬‬
‫الثانيي ل يرفيع لقطتهيا إل منشيد‪ ،‬فالمعنيى الواحيد أنهيا ل ترفيع إل‬
‫لمين ينشدهيا‪ ،‬والمعنيى الثانيي ل يلتقطهيا إل لمين ينشدهيا ليعرف‬
‫الناس‪ .‬وقال مالك‪ :‬تعرف هاتان اللقتطان أبدا‪ ،‬فأميييا الملتقيييط‬
‫فهيو كيل حير مسيلم بالغ لنهيا وليية‪ ،‬واختلف عين الشافعيي فيي‬
‫جواز التقاط الكافيير‪ .‬قال أبييو حامييد‪ :‬والصييح جواز ذلك فييي دار‬
‫السيلم‪ .‬قال‪ :‬وفيي أهليية العبيد والفاسيق له قولن‪ :‬فوجيه المنيع‬
‫عدم أهلييية الولييية‪ ،‬ووجييه الجواز عموم أحاديييث اللقطيية‪ .‬وأمييا‬
‫اللقطيية بالجملة فإنهييا كييل مال لمسييلم معرض للضياع كان ذلك‬
‫فيي عامير الرض أو غامرهيا‪ ،‬والجماد والحيوان فيي ذلك سيواء إل‬
‫البيل باتفاق‪ .‬والصيل فيي اللقطية حدييث يزييد بين خالد الجهنيي‪،‬‬
‫وهيو متفيق على صيحته أنيه قال "جاء رجيل إلى رسيول الله صيلى‬
‫الله عليييه وسييلم فسييأله عيين اللقطيية‪ ،‬فقال‪ :‬اعرف عفاصييها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ووكاءهيا ثيم عرفهيا سينة‪ ،‬فإن جاء صياحبها وإل فشأنيك بهيا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فضالة الغنييم يييا رسييول الله؟ قال‪ :‬هييي لك أو لخيييك أو للذئب‪،‬‬
‫قال‪ :‬فضالة البييل‪ ،‬قال‪ :‬مالك ولهييا معهييا سييقاؤها وحذاؤهييا ترد‬
‫الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها" وهذا الحديث يتضمن معرفة‬
‫ميا يلتقيط مميا ل يلتقيط‪ ،‬ومعرفية حكيم ميا يلتقيط كييف يكون فيي‬
‫العام وبعده وبماذا يسيتحقها مدعيهيا‪ .‬فأميا البيل فاتفقوا على أنهيا‬
‫ل تلتقييط‪ ،‬واتفقوا على الغنييم أنهييا تلتقييط‪ ،‬وترددوا فييي البقيير‪،‬‬
‫والنيص عين الشافعيي أنهيا كالبيل‪ ،‬وعين مالك أنهيا كالغنيم‪ ،‬وعنيه‬
‫خلف‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثانية)‬
‫@‪-‬وأما حكم التعريف‪ ،‬فاتفق العلماء على تعريف ما كان منها له‬
‫بال سينة ميا لم تكين مين الغنيم‪ .‬واختلفوا فيي حكمهيا بعيد السينة‪،‬‬
‫فاتفيييق فقهاء المصيييار مالك والثوري والوزاعيييي وأبيييو حنيفييية‬
‫والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور إذا انقضت كان له أن يأكلها‬
‫إن كان فقيرا‪ ،‬أو يتصيدق بهيا إن كان غنييا‪ ،‬فإن جاء صياحبها كان‬
‫مخيرا بيين أن يجيييز الصييدقة فينزل على ثوابهيا أو يضمنيه إياهيا‪.‬‬
‫واختلفوا فيي الغنيي هيل له أن يأكلهيا أو ينفقهيا بعيد الحول؟ فقال‬
‫مالك والشافعيي‪ :‬له ذلك؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬لييس له أن يأكلهيا أو‬
‫يتصيدق بهيا؛ وروي مثيل قوله عين علي وابين عباس وجماعية مين‬
‫التابعيين؛ وقال الوزاعيي‪ :‬إن كان مال كثيرا جعله فيي بييت المال؛‬
‫وروي مثيل قول مالك والشافعيي عين عمير وابين مسيعود وابين‬
‫عمير وعائشية‪ .‬وكلهيم متفقون على أنيه إن أكلهيا ضمنهيا لصياحبها‬
‫إل أهييل الظاهيير‪ .‬واسييتدل مالك والشافعييي بقوله عليييه الصييلة‬
‫والسيلم "فشأنيك بهيا" ولم يفرق بيين غنيي وفقيير‪ .‬ومين الحجية‬
‫لهميا ميا رواه البخاري والترمذي عين سيويد بين غفلة قال "لقييت‬
‫أوييس بين كعيب فقال‪ :‬وجدت صيرة فيهيا مائة دينار‪ ،‬فأتييت النيبي‬
‫صيلى الله علييه وسيلم فقال‪ :‬عرفهيا حول‪ ،‬فعرفتهيا فلم أجيد‪ ،‬ثيم‬
‫أتيتييه ثلثييا فقال‪ :‬احفييظ وعاءهييا ووكاءهييا فإن جاء صيياحبها وإل‬
‫فاسييتمتع بهييا" وخرج الترمذي وأبييو داود "فاسييتنفقها"‪ .‬فسييبب‬
‫الخلف معارضة ظاهر لفظ حديث اللقطة لصل الشرع‪ ،‬وهو أنه‬
‫ل يحيل مال امرئ مسيلم إل عين طييب نفيس منيه‪ ،‬فمين غلب هذا‬
‫الصل على ظاهر الحديث‪ ،‬وهو قوله بعد التعريف "فشأنك بها"‬
‫قال‪ :‬ل يجوز فيها تصرف إل بالصدقة فقط على أن يضمن إن لم‬
‫يجيز صياحب اللقطية الصيدقة؛ ومين غلب ظاهير الحدييث على هذا‬
‫الصيل ورأى أنيه مسيتثنى منيه قال‪ :‬تحيل له بعيد العام وهيي مال‬
‫من ماله ل يضمنها إن جاء صاحبها‪ ،‬ومن توسط قال‪ :‬يتصرف بعد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العام فيهييا وإن كانييت عينييا على جهيية الضمان‪ .‬وأمييا حكييم دفييع‬
‫اللقطية لمين ادعاهيا‪ ،‬فاتفقوا على أنهيا ل تدفيع إلييه إذا لم يعرف‬
‫العفاص ول الوكاء‪،‬‬
‫واختلفوا إذا عرف ذلك هييل يحتاج مييع ذلك إلى بينيية أم ل؟ فقال‬
‫مالك‪ :‬يسيييتحق بالعلمييية ول يحتاج إلى بينييية؛ وقال أبيييو حنيفييية‬
‫والشافعيي‪ :‬ل يسيتحق إل ببينية‪ .‬وسيبب الخلف معارضية الصيل‬
‫في اشتراط الشهادة في صحة الدعوى لظاهر هذا الحديث؛ فمن‬
‫غلب الصل قال‪ :‬ل بد من البينة؛ ومن غلب ظاهر الحديث قال‪:‬‬
‫ل يحتاج إلى بينية‪ .‬وإنميا اشترط الشهادة فيي ذلك الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفية لن قوله علييه الصيلة والسيلم "اعرف عفاصيها ووكاءهيا‬
‫فإن جاء صيياحبها وإل فشأنييك بهييا" يحتمييل أن يكون إنمييا أمره‬
‫بمعرفييية العفاص والوكاء لئل تختلط عنده بغيرهيييا‪ ،‬ويحتميييل أن‬
‫يكون إنمييا أمره بذلك ليدفعهييا لصيياحبها بالعفاص والوكاء‪ ،‬فلمييا‬
‫وقييع الحتمال وجييب الرجوع إلى الصييل‪ ،‬فإن الصييول ل تعارض‬
‫بالحتمالت المخالفيية لهيا إل أن تصيح الزيادة التيي نذكرهيا بعيد؛‬
‫وعنييد مالك وأصييحابه أن على صيياحب اللقطيية أن يصييف مييع‬
‫العفاص والوكاء صييفة الدنانييير والعدد‪ ،‬قالوا‪ :‬وذلك موجود فييي‬
‫بعيض روايات الحدييث ولفظيه "فإن جاء صياحبها ووصيف عفاصيها‬
‫ووكاءها وعددها فادفعها إليه" قالوا‪ :‬ولكن ل يضره الجهل بالعدد‬
‫إذا عرف العفاص والوكاء‪ ،‬وكذلك إن زاد فييه‪ .‬واختلفوا إن نقيص‬
‫مييين العدد على قوليييين‪ ،‬وكذلك اختلفوا إذا جهيييل الصيييفة وجاء‬
‫بالعفاص والوكاء‪ .‬وأميا إذا غلط فيهيا فل شييء له‪ .‬وأميا إذا عرف‬
‫إحدى العلمتين اللتين وقع النص عليهما وجهل الخرى فقيل إنه‬
‫ل شييء له إل بمعرفتهميا جميعيا‪ ،‬وقييل يدفيع إلييه بعيد السيتبراء‪،‬‬
‫وقييل إن ادعيى الجهالة اسيتبرئ‪ ،‬وإن غلط لم تدفيع إلييه‪ .‬واختلف‬
‫المذهيب إذا أتيى بالعلمية المسيتحقة هيل يدفيع إلييه بيميين أو بغيير‬
‫يميين؟ فقال ابين القاسيم بغيير يميين‪ :‬وقال أشهيب‪ :‬بيميين‪ .‬وأميا‬
‫ضالة الغنييم‪ ،‬فإن العلماء اتفقوا على أن لواجييد ضالة الغنييم فييي‬
‫المكان القفيير البعيييد ميين العمران أن يأكلهييا لقوله عليييه الصييلة‬
‫والسلم في الشاة "هي لك أو لخيك أو للذئب"‬
‫واختلفوا هيل يضمين قيمتهيا لصياحبها أم ل؟ فقال جمهور العلماء‬
‫إنييه يضميين قيمتهييا؛ وقال مالك فييي أشهيير القاويييل عنييه‪ :‬إنييه ل‬
‫يضمين‪ .‬وسيبب الخلف معارضية الظاهير كميا قلنيا للصيل المعلوم‬
‫ميين الشريعيية‪ ،‬إل أن مالكييا هنييا غلب الظاهيير فجرى على حكييم‬
‫الظاهير‪ ،‬ولم يجيز كذلك التصيرف فيميا وجيب تعريفيه بعيد العام‬
‫لقوة اللفظ ههنا؛ وعنه رواية أخرى أنه يضمن‪ ،‬وكذلك كل طعام‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ل يبقى إذا خشي عليه التلف إن تركه‪ .‬وتحصيل مذهب مالك عند‬
‫أصييحابه فييي ذلك أنهييا على ثلثيية أقسييام‪ :‬قسييم يبقييى فييي يييد‬
‫ملتقطييه ويخشييى عليييه ميين التلف إن تركييه‪ ،‬كالعييين والعروض‪.‬‬
‫وقسيم ل يبقيى فيي ييد ملتقطيه ويخشيى علييه مين التلف إن ترك‬
‫كالشاة فيي القفير‪ ،‬والطعام الذي يسيرع إلييه الفسياد‪ .‬وقسيم ل‬
‫يخشيى علييه مين التلف‪ .‬فأميا القسيم الول‪ ،‬وهيو ميا يبقيى فيي ييد‬
‫ملتقطيه ويخشيى علييه التلف فإنيه ينقسيم ثل ثة أقسيام‪ :‬أحدهيا أن‬
‫يكون يسيييرا ل بال له ول قدر لقيمتييه ويعلم أن صيياحبه ل يطلبييه‬
‫لتفاهته‪ ،‬فهذا ل يعرف عنده وهو لمن وجده‪ .‬والصل في ذلك ما‬
‫روي "أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم ميير بتمرة فييي‬
‫الطرييق فقال‪ :‬لول أن تكون مين الصيدقة لكلتهيا" ولم يذكير فيهيا‬
‫تعري فا‪ ،‬وهذا مثيل العصيا وال سوط‪ ،‬وإن كان أشهيب قيد اسيتحسن‬
‫تعرييف ذلك‪ .‬والثانيي أن يكون يسييرا إل أن له قدر ومنفعية‪ ،‬فهذا‬
‫ل اختلف فيي المذهيب فيي تعريفيه‪ .‬واختلفوا فيي قدر ميا يعرف‪،‬‬
‫فقيل سنة‪ ،‬وقيل أياما‪ .‬وأما الثالث فهو أن يكون كثيرا أو له قدر‪،‬‬
‫فهذا ل اختلف فيي وجوب تعريفيه حول‪ .‬وأميا القسيم الثانيي وهيو‬
‫ميا ل يبقيى بييد ملتقطيه ويخشيى علييه التلف‪ ،‬فإن هذا يأكله كان‬
‫غنييا أو فقيرا‪ ،‬وهيل يضمين؟ فييه روايتان كميا قلنيا الشهير أن ل‬
‫ضمان‪ .‬واختلفوا إن وجييد مييا يسييرع إليييه الفسيياد فييي الحاضرة‬
‫فقييل ل ضمان علييه‪ ،‬وقييل علييه الضمان‪ ،‬وقييل بالفرق بيين أن‬
‫يتصدق به فل يضمن‪ ،‬أو يأكله فيضمن‪.‬‬
‫وأما القسم الثالث فهو كالبل‪ ،‬أعني أن الختيار عنده فيه الترك‬
‫للنيص الوارد فيي ذلك‪ ،‬فإن أخذهيا وجيب تعريفهيا‪ ،‬والختيار تركهيا؛‬
‫وقييل فيي المذهيب هيو عام فيي جمييع الزمنية؛ وقييل إنميا هيو فيي‬
‫زمان العدل‪ ،‬وأن الفضييل فييي زمان غييير العدل التقاطهييا‪ .‬وأمييا‬
‫ضمانهييا فييي الذي تعرف فيييه‪ ،‬فإن العلماء اتفقوا على أن ميين‬
‫التقطهييا وأشهييد على التقاطهييا فهلكييت عنده أنييه غييير ضاميين‪،‬‬
‫واختلفوا إذا لم يشهد‪ ،‬فقال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد‬
‫بين الحسين‪ :‬ل ضمان علييه إن لم يضييع وإن لم يشهيد؛ وقال أبيو‬
‫حنيفييية وزفييير‪ :‬يضمنهيييا إن هلكيييت ولم يشهيييد‪ .‬اسيييتدل مالك‬
‫والشافعيي بأن اللقطية وديعية فل ينقلهيا ترك الشهاد مين المانية‬
‫إلى الضمان‪ ،‬قالوا‪ :‬وهيي وديعية بميا جاء مين حدييث سيليمان بين‬
‫بلل وغيره أنييه قال‪ :‬إن جاء صيياحبها وإل فلتكيين وديعيية عندك‪.‬‬
‫واسيتدل أبيو حنيفية وزفير بحدييث مطرف بين الشخيير عين عياض‬
‫بن حمار قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من التقط‬
‫لقطيية فليشهييد ذوي عدل عليهييا ول يكتييم ول يعنييت‪ ،‬فإن جاء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫صاحبها فهو أحق بها‪ ،‬وإل فهو مال الله يؤتيه من يشاء"‪ .‬وتحصيل‬
‫المذهيب فيي ذلك أن واجيد اللقطية عنيد مالك ل يخلو التقاطيه لهيا‬
‫مين ثلثية أوجيه‪ :‬أحدهيا أن يأخذهيا على جهية الغتيال لهيا‪ .‬والثانيي‬
‫أن يأخذهييا على جهيية اللتقاط‪ .‬والثالث أن يأخذهييا ل على جهيية‬
‫اللتقاط ول على جهييية الغتيال‪ ،‬فإن أخذهيييا على جهييية اللتقاط‬
‫فهي أمانة عنده عليه حفظها وتعريفها‪ ،‬فإن ردها بعد أن التقطها‬
‫فقال ابين القاسيم‪ :‬يضمين؛ وقال أشهيب‪ :‬ل يضمين إذا ردهيا فيي‬
‫موضعها‪ ،‬فإن ردها في غير موضعها ضمن كالوديعة‪ ،‬والقول قوله‬
‫فيي تلفهيا دون يميين إل أن يتهيم‪ .‬وأميا إذا قبضهيا مغتال لهيا فهيو‬
‫ضامين لهيا‪ ،‬ولكين ل يعرف هذا الوجيه إل مين قبله‪ .‬وأميا الوجيه‬
‫الثالث فهيو مثيل أن يجيد ثوبيا فيأخذه‪ ،‬وهيو يظنيه لقوم بيين يدييه‬
‫ليسيألهم عنيه‪ ،‬فهذا إن لم يعرفوه ول ادعوه كان له أن يرد حييث‬
‫وجده ول ضمان علييييه باتفاق عنيييد أصيييحاب مالك‪ .‬وتتعلق بهذا‬
‫الباب مسييألة اختلف العلماء فيهييا‪ ،‬وهييو العبييد يسييتهلك اللقطيية‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬إنهيا فيي رقبتيه إميا أن يسيلمه سييده فيهيا‪ ،‬وإميا أن‬
‫يفدييه بقيمتهيا‪ ،‬هذا إذا كان اسيتهلكه قبيل الحول‪ ،‬فإن اسيتهلكها‬
‫بعيد الحول كانيت دينيا علييه ولم تكين فيي رقبتيه؛ وقال الشافعيي‪:‬‬
‫إن علم بذلك السييد فهيو الضامين‪ ،‬وإن لم يعلم بهيا السييد كانيت‬
‫في رقبة العبد‪ .‬واختلفوا هل يرجع الملتقط بما أنفق على اللقطة‬
‫على صيييياحبها أم ل؟ فقال الجمهور‪ :‬ملتقييييط اللقطيييية متطوع‬
‫بحفظهييا فل يرجييع بشيييء ميين ذلك على صيياحب اللقطيية‪ .‬وقال‬
‫الكوفيون‪ :‬ل يرجيع بميا أنفيق إل أن تكون النفقية عين إذن الحاكيم‪،‬‬
‫وهذه المسيألة هيي مين أحكام اللتقاط‪ ،‬وهذا القدر كاف بحسيب‬
‫غرضنا في هذا الباب‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في اللقيط‪.‬‬
‫@‪-‬والنظيير فييي أحكام اللتقاط وفييي الملتقييط واللقيييط وفييي‬
‫أحكامه‪.‬‬
‫وقال الشافعيي كيل شييء ضائع ل كافيل له فالتقاطيه مين فروض‬
‫الكفايات‪ ،‬وفييي وجوب الشهاد عليييه خيفيية السييترقاق خلف‪،‬‬
‫والخلف فييييه مبنيييي على الختلف فيييي الشهاد على اللقطييية‪.‬‬
‫واللقيط‪ :‬هو الصبي الصغير غير البالغ‪ ،‬وإن كان مميزا‪ ،‬ففيه في‬
‫مذهب الشافعي تردد‪ ،‬والملتقط‪ :‬هو كل حر عدل رشيد‪ ،‬وليس‬
‫العبد والمكاتب بملتقط‪ ،‬والكافر يلتقط الكافر دون المسلم‪ ،‬لنه‬
‫ل وليية له علييه‪ ،‬ويلتقيط المسيلم الكافير‪ ،‬وينزع مين ييد الفاسيق‬
‫والمبذر‪ ،‬وليس من شرط الملتقط الغنى‪ ،‬ول تلزم نفقة الملتقط‬
‫على مين التقطيه‪ ،‬وإن أنفيق لم يرجيع علييه بشييء‪ .‬وأميا أحكاميه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فإنه يحكم له بحكم السلم إن التقطه في دار المسلمين ويحكم‬


‫للطفيل بالسيلم بحكيم أبييه عنيد مالك‪ .‬وعنيد الشافعيي بحكيم مين‬
‫أسيلم منهميا‪ ،‬وبيه قال ابين وهيب مين أصيحاب مالك‪ .‬وقيد اختلف‬
‫في اللقيط فقيل إنه عبد لمن التقطه‪ ،‬وقيل إنه حر وولؤه لمن‬
‫التقطه‪ ،‬وقيل إنه حر وولؤه للمسلمين‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ .‬والذي‬
‫تشهد له الصول إل أن يثبت في ذلك أثر تخصص به الصول مثل‬
‫قوله علييه الصيلة والسيلم‪ :‬ترث المرأة ثلثية‪ :‬لقيطهيا وعتيقهيا‬
‫وولدها الذي ل عنت عليه‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الوديعة‪.‬‬
‫@‪-‬وجيل المسيائل المشهورة بيين فقهاء المصيار فيي هذا الكتاب‬
‫هييي فييي أحكام الوديعيية‪ :‬فمنهييا أنهييم اتفقوا على أنهييا أمانيية ل‬
‫مضمونيية‪ ،‬إل مييا حكييي عيين عميير ابيين الخطاب‪ .‬قال المالكيون‪:‬‬
‫والدلييييل على أنهيييا أمانييية أن الله أمييير برد المانات ولم يأمييير‬
‫بالشهاد‪ ،‬فوجيب أن يصيدق فيي المسيتودع فيي دعواه رد الوديعية‬
‫ميع يمينيه إن كذبيه المودع‪ ،‬قالوا‪ :‬إل أن يدفعهيا إلييه ببينية فإنيه ل‬
‫يكون القول قوله‪ ،‬قالوا‪ :‬لنييه إذا دفعهييا إليييه ببينيية فكأنييه ائتمنييه‬
‫على حفظهيا ولم يأتمنيه على ردهيا‪ ،‬فيصيدق فيي تلفهيا ول يصيدق‬
‫على ردهيا‪ ،‬هذا هيو المشهور عين مالك وأصيحابه؛ وقيد قييل عين‬
‫ابيين القاسييم إن القول قوله وإن دفعهييا إليييه ببينيية‪ ،‬وبييه قال‬
‫الشافعيي وأبيو حنيفية‪ ،‬وهيو القياس‪ ،‬لنيه فرق بيين التلف ودعوى‬
‫الرد‪ ،‬ويبعد أن تنتقد المانة وهذا فيمن دفع المانة إلى اليد التي‬
‫دفعتها إليه‪ .‬وأما من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه‪ ،‬فعليه‬
‫ميا على ولي اليتييم مين الشهاد عنيد مالك وإل ضمين‪ ،‬يرييد قول‬
‫الله عيز وجيل {فإذا دفعتيم إليهيم أموالهيم فأشهدوا عليهيم} فإن‬
‫أنكير القابيض القبيض فل يصيدق المسيتودع فيي الدفيع عنيد مالك‬
‫وأصحابه إل ببينة‪ ،‬وقد قيل إنه يتخرج من المذهب أنه يصدق في‬
‫ذلك‪ ،‬وسييواء عنييد مالك أميير صيياحب الوديعيية بدفعهييا إلى الذي‬
‫دفعهيا أو لم يأمير؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن كان ادعيى دفعهيا إلى مين‬
‫أمره بدفعهيا فالقول قول المسيتودع ميع يمينيه‪ ،‬فإن أقير المدفوع‬
‫إليه بالوديعة‪ ،‬أعني إذا كان غير المودع وادعى التلف فل يخلو أن‬
‫يكون المسييتودع دفعهييا إلى أمانيية وهييو وكيييل المسييتودع أو إلى‬
‫ذمية‪ ،‬فإن كان القابيض أمينيا فاختلف فيي ذلك قول ابين القاسيم‬
‫فقال مرة‪ :‬يبرأ الدافع بتصديق القابض‪ ،‬وتكون المصيبة من المر‬
‫الوكييل بالقبيض‪ ،‬ومرة قال‪ :‬ل ييبرأ الدافيع إل بإقامية البينية على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الدفييع أو يأتييي القابييض بالمال‪ .‬وأمييا إن دفييع إلى ذميية‪ ،‬مثييل أن‬
‫يقول رجييل للذي عنده الوديعيية ادفعهييا إلي سييلفا أو تسييلفا فييي‬
‫سيلعة أو ميا أشبيه ذلك‪ ،‬فإن كانيت الذمية قائمية برئ الدافيع فيي‬
‫المذهب من غير خلف‪ ،‬وإن كانت الذمة خربة فقولن‪.‬‬
‫والسيبب فيي هذا اختلفهيم كله أن المانية تقوي دعوى المدعيي‬
‫حتييى يكون القول قوله مييع يمينييه؛ فميين شبييه أمانيية الذي أمره‬
‫المودع أن يدفعهييا إليييه‪ ،‬أعنييي الوكيييل بأمانيية المودع عنده قال‪:‬‬
‫يكون القول قوله في دعواه التلف كدعوى المستودع عنده؛ ومن‬
‫رأى أن تلك المانة أضعف قال‪ :‬ل يبرأ الدافع بتصديق القابض مع‬
‫دعوى التلف؛ ومييين رأى المأمور بمنزلة المييير قال‪ :‬القول قول‬
‫الدافيع للمأمور كميا كان القول قوله ميع المير‪ ،‬وهيو مذهيب أبيي‬
‫حنيفة؛ ومن رأى أنه أضعف منه قال‪ :‬الدافع ضامن إل أن يحضر‬
‫القابيض المال‪ ،‬وإذا أودعهيا بشرط الضمان فالجمهور على أنيه ل‬
‫يضمن‪ ،‬وقال الغير‪ :‬يضمن‪ .‬وبالجملة فالفقهاء يرون بأجمعهم أنه‬
‫ل ضمان على صياحب الوديعية إل أن يتعدى ويختلفون فيي أشياء‬
‫هيل هيي تعيد أم لييس بتعيد؟ فمين مسيائلهم المشهورة فيي هذا‬
‫الباب إذا أنفيق الوديعية ثيم رد مثلهيا أو أخرجهيا لنفقتيه ثيم ردهيا‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يسيقط عنييه الضمان بحالة مثييل إذا ردهييا؛ وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬إن ردهيا بعينهيا قبيل أن ينفقهيا لم يضمين‪ ،‬وإن رد مثلهيا‬
‫ضمين؛ وقال عبيد الملك والشافعيي‪ :‬يضمين فيي الوجهيين جميعيا؛‬
‫فمن غلظ المر ضمنه إياها بتحريكها ونية استنفاقها؛ ومن رخص‬
‫لم يضمنهيا إذا أعاد مثلهيا‪ .‬ومنهيا اختلفهيم فيي السيفر بهيا‪ ،‬فقال‬
‫مالك لييس له أن يسيافر بهيا إل أن تعطيى له فيي سيفر؛ وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬له أن يسيافر بهيا إذا كان الطرييق آمنيا ولم ينهيه صياحب‬
‫الوديعية‪ .‬ومنهيا أنيه لييس للمودع عنده أن يودع الوديعية غيره مين‬
‫غيير عذر‪ ،‬فإن فعيل ضمين؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن أودعهيا عنيد مين‬
‫تلزمه نفقته لم يضمن‪ ،‬لنه شبهه بأهل بيته‪.‬‬
‫وعنيد مالك له أن يسيتودع ميا أودع عنيد عياله الذيين يأمنهيم وهيم‬
‫تحت غلقه من زوج أو ولد أو أمة أو من أشبههم‪ .‬وبالجملة فعند‬
‫الجمييع أنيه يجيب علييه أن يحفظهيا مميا جرت بيه عادة الناس أن‬
‫تحفيظ أموالهيم‪ ،‬فميا كان بينيا مين ذلك أنيه حفيظ اتفيق علييه‪ ،‬وميا‬
‫كان غيير بيين أنيه حفيظ اختلف فييه‪ ،‬مثيل اختلفهيم فيي المذهيب‬
‫فيمن جعل وديعة في جيبه فذهبت‪ ،‬والشهر أنه يضمن‪ .‬وعند ابن‬
‫وهيب أن مين أودع وديعية فيي المسيجد فجعلهيا على نعله فذهبيت‬
‫أنيه ل ضمان علييه‪ ،‬ويختلف فيي المذهيب فيي ضمانهيا بالنسييان‪،‬‬
‫مثل أن ينساها في موضع أو أن ينسى من دفعها إليه‪ ،‬أو يدعيها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رجلن‪ ،‬فقييل يحلفان وتقسيم بينهميا‪ ،‬وقييل إنيه يضمين لكيل واحيد‬
‫منهما‪ ،‬وإذا أراد السفر فله عند مالك أن يودعها عند ثقة من أهل‬
‫البلد ول ضمان علييييه قدر على دفعهيييا إلى الحاكيييم أو لم يقدر‪.‬‬
‫واختلف في ذلك أصحاب الشافعي‪ ،‬فمنهم من يقول‪ :‬إن أودعها‬
‫لغيير الحاكيم ضمين‪ .‬وقبول الوديعية عنيد مالك ل يجيب فيي حال‪،‬‬
‫ومين العلماء مين يرى أنيه واجيب إذا لم يجيد المودع مين يودعهيا‬
‫عنده‪ ،‬ول أجير للمودع عنده على حفيظ الوديعية‪ ،‬وميا تحتاج إلييه‬
‫مين مسيكن أو نفقية فعلى ربهيا‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي فرع‬
‫مشهور‪ ،‬وهو فيمن أودع مال فتعدى فيه واتجر به فربح فيه‪ ،‬هل‬
‫ذلك الربيييح حلل له أم ل؟ فقال مالك واللييييث وأبيييو يوسيييف‬
‫وجماعية‪ :‬إذا رد المال طاب له الربيح وإن كان غاصيبا للمال فضل‬
‫عين أن يكون مسيتودعا عنده؛ وقال أبيو حنيفية وزفير ومحميد بين‬
‫الحسين‪ :‬يؤدي الصيل ويتصيدق بالربيح؛ وقال قوم‪ :‬لرب الوديعية‬
‫الصييل والربييح؛ وقال قوم‪ :‬هييو مخييير بييين الصييل والربييح؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬البيع الواقع في تلك التجارة فاسد‪ ،‬وهؤلء هم الذين أوجبوا‬
‫التصيييدق بالربيييح إذا مات‪ .‬فمييين اعتيييبر التصيييرف قال‪ :‬الربيييح‬
‫للمتصيرف؛ ومين اعتيبر الصيل قال‪ :‬الربيح لصياحب المال‪ .‬ولذلك‬
‫لميا أمير عمير رضيي الله عنيه ابنييه عبيد الله وعبييد الله أن يصيرفا‬
‫المال الذي أسلفهما أبو موسى الشعري من بيت المال‪ ،‬فتجروا‬
‫فييه فربحيا‪ ،‬قييل له‪ :‬لو جعلتيه قراضيا‪ ،‬فأجاب إلى ذلك‪ ،‬لنيه قيد‬
‫روي أنييه قييد حصييل للعامييل جزء ولصيياحب المال جزء‪ ،‬وأن ذلك‬
‫عدل‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب العارية‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي العاريية فيي أركانهيا وأحكامهيا‪ .‬وأركانهيا خمسية‪:‬‬
‫العارة‪ ،‬والمعير‪ ،‬والمستعير‪ ،‬والمعار‪ ،‬والصيغة‪ .‬أما العارة فهي‬
‫فعيل محيير ومندوب إلييه‪ ،‬وقيد شدد فيهيا قوم مين السيلف الول‪.‬‬
‫روي عن عبد الله بن عباس وعبد الله ابن مسعود أنهما قال في‬
‫قوله تعالى {ويمنعون الماعون} أنيييه متاع البييييت الذي يتعاطاه‬
‫الناس بينهييم ميين الفأس والدلو والحبييل والقدر ومييا أشبييه ذلك‪.‬‬
‫وأما المعير فل يعتبر فيه إل لكونه مالكا للعارية إما لرقبتها وإما‬
‫لمنفعتها‪ ،‬والظهر أنها ل تصح من المستعير أعني أن يعيرها‪ .‬وأما‬
‫العاريية فتكون فييي الدور والرضيين والحيوان‪ ،‬وجميييع ميا يعرف‬
‫بعينييه إذا كانييت منفعتييه مباحيية السييتعمال‪ ،‬ولذلك ل تجوز إباحيية‬
‫الجوار للسييتمتاع‪ .‬ويكره للسييتخدام إل أن تكون ذا محرم‪ .‬وأمييا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫صيغة العارة‪ ،‬فهي كل لفظ يدل على الذن‪ ،‬وهي عقد جائز عند‬
‫الشافعي وأبي حنيفة‪ :‬أي للمعير أن يسترد عاريته إذا شاء؛ وقال‬
‫مالك فيي المشهور‪ :‬لييس له اسيترجاعها قبيل النتفاع‪ ،‬وإن شرط‬
‫مدة ميا لزمتيه تلك المدة‪ ،‬وإن لم يشترط مدة لزمتيه مين المدة‬
‫ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك العارية‪ .‬وسبب الخلف ما يوجد‬
‫فيهيا مين شبيه العقود اللزمية وغيير اللزمية‪ .‬وأميا الحكام فكثيرة‪،‬‬
‫وأشهرهييا هييل هييي مضمونيية أو أمانيية؟ فمنهييم ميين قال‪ :‬إنهييا‬
‫مضمونييية وإن قاميييت البينييية على تلفهيييا‪ ،‬وهيييو قول أشهيييب‬
‫والشافعيي‪ ،‬وأحيد قولي مالك؛ ومنهيم مين قال نقييض هذا‪ ،‬وهيو‬
‫أنها ليست مضمونة أصل‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة؛ ومنهم من قال‪:‬‬
‫يضمين فيميا يغاب علييه إذا لم يكين على التلف بينية‪ ،‬ول يضمين‬
‫فيميا ل يغاب علييه‪ ،‬ول فيميا قاميت البينية على تلفيه‪ ،‬وهيو مذهيب‬
‫مالك المشهور وابيين القاسييم وأكثيير أصييحابه‪ .‬وسييبب الخلف‬
‫تعارض الثار فيي ذلك‪ ،‬وذلك أنيه ورد فيي الحدييث الثابيت أنيه قال‬
‫عليييه الصييلة والسييلم لصييفوان بيين أمييية "بييل عارييية مضمونيية‬
‫مؤداة" وفيي بعضهيا "بيل عاريية مؤداة" وروي عنيه أنيه قال "لييس‬
‫على المستعير ضمان" فمن رجح وأخذ بهذا أسقط الضمان عنه‪،‬‬
‫ومين أخيذ بحدييث صيفوان ابين أميية ألزميه الضمان؛ ومين ذهيب‬
‫مذهييب الجمييع فرق بييين مييا يغاب عليييه وبييين مييا ل يغاب عليييه‪،‬‬
‫فحمل هذا الضمان على ما يغاب عليه‪ ،‬والحديث الخر على ما ل‬
‫يغاب علييه‪ ،‬إل أن الحد يث الذي فيه لييس على المستعير ضمان‪،‬‬
‫غيير مشهور‪ ،‬وحدييث صيفوان صيحيح‪ ،‬ومين لم يير الضمان شبههيا‬
‫بالوديعيية؛ وميين فرق قال‪ :‬الوديعيية مقبوضيية لمنفعيية الدافييع‪،‬‬
‫والعارية لمنفعة القابض‪.‬‬
‫واتفقوا فيي الجارة على أنهيا غيير مضمونية‪ :‬أعنيي الشافعيي وأبيا‬
‫حنيفية ومالكيا‪ ،‬ويلزم الشافعيي إذا سيلم أنيه ل ضمان علييه فيي‬
‫الجارة أن ل يكون ضمان فيي العاريية إن سيلم أن سيبب الضمان‬
‫هو النتفاع‪ ،‬لنه إذا لم يضمن حيث قبض لمنفعتهما فأحرى أن ل‬
‫يضمين حييث قبيض لمنفعتيه إذا كانيت منفعية الدافيع مؤثرة فيي‬
‫إسيقاط الضمان‪ .‬واختلفوا إذا شرط الضمان‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يضمين؛‬
‫وقال قوم‪ :‬ل يضمين‪ ،‬والشرط باطيل؛ ويجيئ على قول مالك إذا‬
‫اشترط الضمان فيي الموضيع الذي ل يجيب فييه علييه الضمان أن‬
‫يلزم إجارة المثل في استعماله العارية لن الشرط يخرج العارية‬
‫عيين حكييم العارييية إلى باب الجارة الفاسييدة إذا كان صيياحبها لم‬
‫يرض أن يعيرهيا إل بأن يخرجهيا فيي ضمانيه‪ ،‬فهيو عوض مجهول‬
‫فيجب أن يرد إلى معلوم‪ .‬واختلف عن مالك والشافعي إذا غرس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المسيتعير وبنيى ثيم انقضيت المدة التيي اسيتعار إليهيا‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫المالك بالخيار إن شاء أخييذ المسييتعير بقلع غراسييته وبنائه‪ ،‬وإن‬
‫شاء أعطاه قيمته مقلوعا إذا كان مما له قيمة بعد القلع‪ ،‬وسواء‬
‫عنيد مالك انقضيت المدة المحدودة بالشرط أو بالعرف أو العادة؛‬
‫وقال الشافعييي‪ :‬إذا لم يشترط عليييه القلع فليييس له مطالبتييه‬
‫بالقلع‪ ،‬بل يخير المعير بأن يبقيه بأجر يعطاه‪ ،‬أو ينقض بأرش‪ ،‬أو‬
‫يتملك ببدل‪ ،‬فأيهميا أراد المعيير أجيبر عليييه المسييتعير‪ ،‬فإن أبييى‬
‫كلف تفريييغ الملك‪ .‬وفييي جواز بيعتييه للنقييض عنده خلف‪ ،‬لنييه‬
‫معرض للنقييض‪ ،‬فرأى الشافعييي أن آخذه المسييتعير بالقلع دون‬
‫أرش هو ظلم؛ ورأى مالك أن عليه إخلء المحل‪ ،‬وأن العرف في‬
‫ذلك يتنزل منزلة الشروط‪ ،‬وعنييد مالك أنييه إن اسييتعمل العارييية‬
‫اسيتعمال ينقصيها عين السيتعمال المأذون فييه ضمين ميا نقصيها‬
‫بالسيتعمال‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي الرجيل يسيأل جاره أن‬
‫يعيره جداره ليغرز فيييه خشبيية لمنفعيية ول تضيير صيياحب الجدار‬
‫وبالجملة في كل ما ينتفع به المستعير ول ضرر على المعير فيه‪،‬‬
‫فقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬ل يقضي عليه به إذ العارية ل يقضى بها‪،‬‬
‫وقال الشافعييي وأحمييد وأبييو ثور وداود وجماعيية أهييل الحديييث‪:‬‬
‫يقضى بذلك‪ ،‬وحجتهم ما خرجه مالك عن ابن شهاب عن العرج‬
‫عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ل يمنع‬
‫أحدكييم جاره أن يغرز خشبيية فييي جداره" ثييم يقول أبييي هريرة‪:‬‬
‫مالي أراكم عنها معرضين‪ ،‬والله لرمين بها بين أكتافكم‪.‬‬
‫واحتجوا أيضا بما رواه مالك عن عمر بن الخطاب أن الضحاك بن‬
‫قييس سياق خليجيا له مين العرييض‪ ،‬فأرادوا أن يمير بيه فيي أرض‬
‫محميد بين مسيلمة‪ ،‬فأبيى محميد‪ ،‬فقال له الضحاك‪ :‬أنيت تمنعنيي‬
‫وهيو لك منفعية‪ ،‬تسيقي منيه أول وآخرا ول يضرك؟ فأبيى محميد‪،‬‬
‫فكلم فيييه الضحاك عميير بيين الخطاب‪ ،‬فدعييا عميير محمييد بيين‬
‫مسييلمة‪ ،‬فأمره أن يخلي سييبيله‪ ،‬قال محمييد‪ :‬ل‪ ،‬فقال عميير‪ :‬ل‬
‫تمنع أخاك ما ينفعه ول يضرك‪ ،‬فقال محمد‪ :‬ل‪ ،‬فقال عمر‪ :‬والله‬
‫ليمرن به ولو على بطنك‪ ،‬فأمره عمر أن يمر به‪ ،‬ففعل الضحاك‪.‬‬
‫وكذلك حديث عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال‪ :‬كان في‬
‫حائط جدي ربيييع لعبييد الرحميين بيين عوف‪ ،‬فأراد أن يحوله إلى‬
‫ناحية من الحائط‪ ،‬فمنعه صاحب الحائط‪ ،‬فكلم عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫فقضيى لعبيد الرحمين بين عوف بتحويله وقيد عذل الشافعيي مالكيا‬
‫لدخاله هذه الحادييث فيي موطئه‪ ،‬وتركيه الخيذ بهيا‪ .‬وعمدة مالك‬
‫وأبي حنيفة قوله عليه الصلة والسلم "ل يحل مال امرئ مسلم‬
‫إل عين طييب نفيس منيه" وعنيد الغيير أن عموم هذا مخصيص بهذه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحادييث‪ ،‬وبخاصية حدييث أبيي هريرة‪ .‬وعنيد مالك أنهيا محمولة‬


‫على الندب‪ ،‬وأنيييه إذا أمكييين أن تكون مختصييية وأن تكون على‬
‫الندب فحملهييا على الندب أولى‪ ،‬لن بناء العام على الخاص إنمييا‬
‫يجيب إذا لم يمكين بينهميا جميع ووقيع التعارض‪ .‬وروى أصيبغ عين‬
‫ابين القاسيم‪ :‬أ نه ل يؤخيذ بقضاء عمر على محميد بن مسلمة فيي‬
‫الخلييج‪ ،‬ويؤخيذ بقضائه لعبيد الرحمين بين عوف فيي تحوييل الربييع‪،‬‬
‫وذلك أنه رأى أن تحويل الربيع أيسر من أن يمر عليه بطريق لم‬
‫يكن قبل‪ ،‬وهذا القدر كاف بحسب غرضنا‪.‬‬
‫بسييم الله الرحميين الرحيييم‪ ،‬وصييلى الله على سيييدنا محمييد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما‬
‫*‪*2‬كتاب الغصب‬
‫@‪-‬وفييييه بابان‪ :‬الول‪ :‬فيييي الضمان‪ ،‬وفييييه ثلثييية أركان‪ :‬الول‪:‬‬
‫الموجييب للضمان‪ .‬والثانييي‪ :‬مييا فيييه الضمان‪ .‬والثالث‪ :‬الواجييب‪.‬‬
‫وأما الباب الثاني‪ :‬فهو في الطوارئ على المغصوب‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في الضمان‪.‬‬
‫@‪(-‬الركن الول) وأما الموجب للضمان‪ ،‬فهو إ ما المباشرة لخذ‬
‫المال المغصيوب أو إتلفيه‪ ،‬وإميا المباشرة للسيبب المتلف‪ ،‬وإميا‬
‫إثبات اليييد عليييه‪ .‬واختلفوا فييي السييبب الذي يحصييل بمباشرتييه‬
‫الضمان إذا تناول التلف بواسطة سبب آخر‪ ،‬هل يحصل به ضمان‬
‫أم ل؟ وذلك مثل أن يفتح قفصا فيه طائر فيطير بعد الفتح‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬يضمنيه هاجيه على الطيران أو لم يهجيه‪ .‬وقال أبيو حنيفية ل‬
‫يضمن على حال؛ وفرق الشافعي بين أن يهيجه على الطيران أو‬
‫ل يهيجيه‪ ،‬فقال‪ :‬يضمين إن هاجيه‪ ،‬ول يضمين إن لم يهيجيه؛ ومين‬
‫هذا ميين حفيير بئرا فسييقط فيييه شيييء فهلك؛ فمالك والشافعييي‬
‫يقولن‪ :‬إن حفره بحييث أن يكون حفره تعدييا ضمين ميا تلف فييه‬
‫وإل لم يضمين‪ ،‬ويجييء على أصيل أبيي حنيفية أنيه ل يضمين فيي‬
‫مسيألة الطائر‪ ،‬وهيل يشترط فيي المباشرة العميد أو ل يشترط؟‬
‫فالشهر أن الموال تضمن عمدا وخطأ‪ ،‬وإن كانوا قد اختلفوا في‬
‫مسائل جزئية من هذا الباب‪ ،‬وهل يشترط فيه أن يكون مختارا؟‬
‫فالمعلوم عين الشافعيي أنيه يشترط أن يكون مختارا‪ ،‬ولذلك رأى‬
‫على المكره الضمان‪ :‬أعني المكره على التلف‪.‬‬
‫@‪(-‬الركن الثاني) وأما ما يجب فيه الضمان فهو كل مال أتلفت‬
‫عينه أو تلفت عند الغاصب عينه بأمر من السماء أو سلطت اليد‬
‫عليييه وتملك‪ ،‬وذلك فيمييا ينقييل ويحول باتفاق‪ .‬واختلفوا فيمييا ل‬
‫ينقيل ول يحول مثيل العقار‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬إنهيا تضمين بالغصيب‪،‬‬
‫أعنييي أنهييا إن انهدمييت للدار ضميين قيمتهييا؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬ل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يضمين‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل كون ييد الغاصيب على العقار مثيل‬
‫كون يده على ميا ينقيل ويحول؟ فمين جعيل حكيم ذلك واحدا قال‬
‫بالضمان؛ ومن لم يجعل حكم ذلك واحدا قال‪ :‬ل ضمان‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الثالث) وهييو الواجييب فييي الغصييب‪ ،‬والواجييب على‬
‫الغاصييييب إن كان المال قائمييييا عنده بعينييييه لم تدخله زيادة ول‬
‫نقصيان أن يرده بعينيه‪ ،‬وهذا ل خلف فييه‪ ،‬فإذا ذهبيت عينيه فإنهيم‬
‫اتفقوا على أنيه إذا كان مكيل أو موزونيا أن على الغاصيب المثيل‪،‬‬
‫أعنيي مثيل ميا اسيتهلك صيفة ووزنيا واختلفوا فيي العروض فقال‬
‫مالك‪ :‬ل يقضيى فيي العروض مين الحيوان وغيره إل بالقيمية يوم‬
‫استهلك؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة وداود‪ :‬الواجب في ذلك مثل‬
‫ول تلزم القيميية إل عنييد عدم المثييل‪ .‬وعمدة مالك حديييث أبييي‬
‫هريرة المشهور عيين النييبي صييلى الله عليييه وسييلم "ميين أعتييق‬
‫شقصا له في عبد قوم عليه الباقي قيمة العدل" الحديث‪ .‬ووجه‬
‫الدلييل منيه أنيه لم يلزميه المثيل وألزميه القيمية‪ .‬وعمدة الطائفية‬
‫الثانيية قوله تعالى {فجزاء مثيل ميا قتيل مين النعيم} ولن منفعية‬
‫الشييء قيد تكون هيي المقصيودة عنيد المتعدى علييه‪ .‬ومين الحجية‬
‫لهيم ميا خرجيه أبيو داود مين حدييث أنيس وغيره "أن رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم كان عنييد بعييض نسييائه‪ ،‬فأرسييلت إحدى‬
‫أمهات المؤمنين جارية بقصعة لها فيها طعام‪ ،‬قال‪ :‬فضربت بيدها‬
‫فكسيرت القصيعة‪ ،‬فأخيذ النيبي صيلى الله علييه وسيلم الكسيرتين‬
‫فضييم إحداهمييا إلى الخرى وجعييل فيهييا جميييع الطعام ويقول‪:‬‬
‫غارت أمكم كلوا كلوا‪ ،‬حتى جاءت قصعتها التي في بيتها‪ ،‬وحبس‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم القصييعة حتييى فرغوا‪ ،‬فدفييع‬
‫الصيحفة الصيحيحة إلى الرسيول‪ ،‬وحبيس المكسيورة فيي بيتيه"‬
‫وفي حديث آخر "أن عائشة كانت هي التي غارت وكسرت الناء‪،‬‬
‫وأنهييا قالت لرسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‪ :‬مييا كفارة مييا‬
‫صنعت؟ قال‪ :‬إناء مثل إناء‪ ،‬وطعام مثل طعام"‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في الطوارئ‪.‬‬
‫@‪-‬والطوارئ على المغصوب إما بزيادة وإما بنقصان‪ ،‬وهذان إما‬
‫ميين قبييل المخلوق‪ ،‬وإمييا ميين قبييل الخالق‪ .‬فأمييا النقصييان الذي‬
‫يكون بأميير ميين السييماء فإنييه ليييس له إل أن يأخذه ناقصييا‪ ،‬أو‬
‫يضمنه قيمته يوم الغصب؛ وقيل إن له أن يأخذ ويضمن الغاصب‬
‫قيمية العييب‪ .‬وأميا إن كان النقيص بجنايية الغاصيب فالمغصيوب‬
‫مخيير فيي المذهيب بيين أن يضمنيه القيمية يوم الغصيب أو يأخذه‪،‬‬
‫وما نقصته الجناية يوم الجناية عند ابن القاسم وعند سحنون ما‬
‫نقصيته الجنايية يوم الغصيب؛ وذهيب أشهيب إلى أنيه مخيير بيين أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يضمنيه القيمية أو يأخذه ناقصيا‪ ،‬ول شييء له فيي الجنايية كالذي‬


‫يصاب بأمر من السماء‪ ،‬وإليه ذهب ابن المواز‪ .‬والسبب في هذا‬
‫الختلف أن مين جعيل المغصيوب مضمونيا على الغاصيب بالقيمية‬
‫يوم الغصب جعل ما حدث فيه من نماء أو نقصان‪ ،‬كأنه حدث في‬
‫ملك صيحيح‪ ،‬فأوجيب له الغلة ولم يوجيب علييه فيي النقصيان شيئا‬
‫سواء كان من سببه أو من عند الله‪ ،‬وهو قياس قول أبي حنيفة‪.‬‬
‫وبالجملة فقياس قول مين يضمنيه قيمتيه يوم الغصيب فقيط‪ .‬ومين‬
‫جعل المغصوب مضمونا على الغاصب بقيمته في كل أوان كانت‬
‫يده علييييه آخذة بأرفيييع القييييم‪ ،‬وأوجيييب علييييه رد الغلة وضمان‬
‫النقصان‪ ،‬سواء كان من فعله أو من عند الله‪ ،‬وهو قول الشافعي‬
‫أو قياس قوله‪ .‬ومين فرق بيين الجنايية التيي تكون مين الغاصيب‪،‬‬
‫وبيين الجنايية التيي تكون بأمير مين السيماء‪ ،‬وهيو مشهور مذهيب‬
‫مالك؛ وابيين القاسييم فعمدتييه قياس الشبييه‪ ،‬لنييه رأى أن جناييية‬
‫الغاصيب على الشييء الذي غصيبه هيو غصيب ثان متكرر منيه‪ ،‬كميا‬
‫لو جنيى علييه وهيو فيي ملك صياحبه‪ ،‬فهذا هيو نكتية الختلف فيي‬
‫هذا الباب فقف عليه‪.‬‬
‫وأمييا إن كانييت الجناييية عنييد الغاصييب ميين غييير فعييل الغاصييب‪،‬‬
‫فالمغصيوب مخيير بيين أن يضمين الغاصيب القيمية يوم الغصيب‬
‫ويتبع الغاصب الجاني‪ ،‬وبين أن يترك الغاصب ويتبع الجاني بحكم‬
‫الجنايات‪ ،‬فهذا حكيم الجنايات على العيين فيي ييد الغاصيب‪ .‬وأميا‬
‫الجنايية على العيين مين غيير أن يغصيبها غاصيب‪ ،‬فإنهيا تنقسيم عنيد‬
‫مالك إلى قسيمين‪ :‬جنايية تبطيل يسييرا مين المنفعية‪ ،‬والمقصيود‬
‫مين الشييء باق‪ ،‬فهذا يجيب فييه ميا نقيص يوم الجنايية‪ ،‬وذلك بأن‬
‫يقوم صيحيحا ويقوم بالجنايية‪ ،‬فيعطيي ميا بيين القيمتيين‪ .‬وأميا إن‬
‫كانييت الجناييية ممييا تبطييل الغرض المقصييود‪ ،‬فإن صيياحبه يكون‬
‫مخيرا إن شاء أسيلمه للجانيي وأخيذ قيمتيه‪ ،‬وإن شاء أخيذ قيمية‬
‫الجنايية؛ وقال الشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬لييس له إل قيمية الجنايية‪.‬‬
‫وسيييبب الختلف اللتفات إلى الحميييل على الغاصيييب‪ ،‬وتشيييبيه‬
‫إتلف أكثير المنفعية بإتلف العيين‪ .‬وأميا النماء فإنيه على قسيمين‪:‬‬
‫أحدهمييا أن يكون بفعييل الله كالصييغير يكييبر والمهزول يسييمن‬
‫والعييب يذهيب‪ .‬والثانيي أن يكون مميا أحدثيه الغاصيب‪ .‬فأميا الول‬
‫فإنييه ليييس بفوت‪ .‬وأمييا النماء بمييا أحدثييه الغاصييب فييي الشيييء‬
‫المغصييوب فإنييه ينقسييم فيمييا رواه ابيين القاسييم عيين مالك إلى‬
‫قسمين‪ :‬أحدهما أن يكون قد جعل فيه من ماله ما له عين قائمة‬
‫كالصبغ في الثوب والنقش في البناء وما أشبه ذلك‪ .‬والثاني أن ل‬
‫يكون قييد جعييل فيييه ميين ماله سييوى العمييل كالخياطيية والنسييج‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وطحين الحنطية والخشبية يعميل منهيا توابييت‪ .‬فأميا الوجيه الول‪،‬‬


‫وهيو أن يجعيل فييه مين ماله ميا له عيين قائمية‪ ،‬فإنيه ينقسيم إلى‬
‫قسيمين‪ :‬أحدهميا أن يكون ذلك الشييء مميا يمكنيه إعادتيه على‬
‫حاله كالبقعة يبنيها وما أشبه ذلك‪ .‬والثاني أن ل يقدر على إعادته‬
‫كالثوب يصيبغه والسيويق يلتيه فأميا الوجيه الول فالمغصيوب منيه‬
‫مخيير بيين أن يأمير الغاصيب بإعادة البقعية على حالهيا وإزالة ماله‬
‫فيهيا مميا جعله مين نقيض أو غيره‪ ،‬وبيين أن يعطيي الغاصيب قيمية‬
‫ماله فيهيا مين النقيض مقلوعيا بعيد حيط أجير القلع‪ ،‬وهذا إذا كان‬
‫الغاصب ممن ل يتولى ذلك بنفسه ول بغيره‪ ،‬وإنما يستأجر عليه؛‬
‫وقيل إنه ل يحط من ذلك أجر القلع‪ ،‬هذا إن كانت له قيمة‪ ،‬وأما‬
‫إن لم تكين له قيمية لم يكين للغاصيب على المغصيوب فييه شييء‪،‬‬
‫لن مين حيق المغصيوب أن يعييد له الغاصيب ميا غصيب منيه على‬
‫هيئته‪ ،‬فإن لم يطالبه بذلك لم يكن له مقال‪.‬‬
‫وأميا الوجيه الثانيي فهيو فييه مخيير بيين أن يدفيع قيمية الصيبغ وميا‬
‫أشبهه ويأخذ ثوبه وبين أن يضمنه قيمة الثوب يوم غصبه‪ ،‬إل في‬
‫السيويق الذي يلتيه فيي السيمن وميا أشبيه ذلك مين الطعام‪ ،‬فل‬
‫يخيير فييه لميا يدخله مين الربيا ويكون ذلك فوتيا يلزم الغاصيب فييه‬
‫المثيل‪ ،‬أو القيمية فيميا ل مثيل له‪ .‬وأميا الوجيه الثانيي مين التقسييم‬
‫الول‪ ،‬وهيو أن ل يكون أحدث الغاصيب فيميا أحدثيه فيي الشييء‬
‫المغصيوب سيوى العميل‪ ،‬فإن ذلك أيضيا ينقسيم قسيمين‪ :‬أحدهميا‬
‫أن يكون ذلك يسيييرا ل ينتقييل بييه الشيييء عيين اسييمه بمنزلة‬
‫الخياطة في الثوب أو الرفولة (‪ )1‬والثا ني أن يكون العمل كثيرا‬
‫ينتقل به الشيء المغصوب عن اسمه كالخشبة يعمل منها تابوتا‬
‫والقميح يطحنيه والغزل ينسيجه والفضية يصيوغها حلييا أو دراهيم‬
‫فأميا الوجيه الول فل حيق فييه للغاصيب‪ ،‬ويأخيذ المغصيوب منيه‬
‫الشيييء المغصييوب معمول‪ ،‬وأمييا الوجييه الثانييي فهييو فوت يلزم‬
‫الغاصيب قيمية الشييء المغصيوب يوم غصيبه أو مثله فيميا له مثيل‬
‫هذا تفصييل مذهيب ابين القاسيم فيي هذا المعنيى؛ وأشهيب يجعيل‬
‫ذلك كله للمغصييوب‪ ،‬أصييله مسييألة البنيان فيقول‪ :‬إنييه ل حييق‬
‫للغاصييب فيمييا ل يقدر على أخذه ميين الصييبغ والرفييو والنسييج‬
‫والدباغ والطحين‪.‬‬
‫وقييد روي عيين ابيين عباس أن الصييبغ تفويييت يلزم الغاصييب فيييه‬
‫القيمية يوم الغصيب‪ ،‬وقيد قييل إنهميا يكونان شريكيين‪ ،‬هذا بقيمية‬
‫الصبغ‪ ،‬وهذا بقيمة الثوب إن أبى رب الثوب أن يدفع قيمة الصبغ‪،‬‬
‫وإن أبييى الغاصييب أن يدفييع قيميية الثوب‪ ،‬وهذا القول أنكره ابيين‬
‫القاسم في المدونة في كتاب اللقطة وقال‪ :‬إن الشركة ل تكون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إل فيميا كان بوجيه شبهية جليية‪ .‬وقول الشافعيي فيي الصيبغ مثيل‬
‫قول ابين القاسيم إل أنيه يجييز الشركية بينهميا ويقول‪ :‬إنيه يؤمير‬
‫الغاصيييب بقلب الصيييبغ إن أمكنيييه وإن نقيييص الثوب‪ ،‬ويضمييين‬
‫للمغصيوب مقدار النقصيان‪ ،‬وأصيول الشرع تقتضيي أن ل يسيتحل‬
‫ماله الغاصيب مين أجيل غصيبه‪ ،‬وسيواء كان منفعية أو عينيا‪ ،‬إل أن‬
‫يحتيج محتيج بقوله علييه الصيلة والسيلم "لييس لعرق ظالم حيق"‬
‫لكين هذا مجميل‪ ،‬ومفهوميه الول أنيه لييس له منفعية متولدة بيين‬
‫ماله وبيين الشييء الذي غصيبه‪ ،‬أعنيي ماله المتعلق بالمغصيوب‪،‬‬
‫فهذا هو حكم الواجب في عين المغصوب تغير أو لم يتغير‪ .‬وأما‬
‫حكم غلته‪ ،‬فاختلف في ذلك في المذهب على قولين‪ :‬أحدهما أن‬
‫حكيم الغلة حكيم الشييء المغصيوب‪ ،‬والثانيي أن حكمهميا بخلف‬
‫الشيييء المغصييوب؛ فميين ذهييب إلى أن حكمهمييا حكييم الشيييء‬
‫المغصيوب وبيه قال أشهيب مين أصيحاب مالك يقول‪ :‬إنميا تلزميه‬
‫الغلة يوم قبضهيا أو أكثير مميا انتهيت إلييه بقيمتهيا على قول مين‬
‫يرى أن الغاصب يلزمه أرفع القيم من يوم غصبها ل قيمة الشيء‬
‫المغصوب يوم الغصب‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫(‪"[ )1‬الرفولة"‪ :‬الصل غير واضح‪ ،‬فليتنبه‪ .‬دار الحديث‪].‬‬
‫‪----------‬‬
‫وأميييا الذيييين ذهبوا إلى أن حكيييم الغلة بخلف حكيييم الشييييء‬
‫المغصيوب‪ ،‬فاختلفوا فيي حكمهيا اختلفيا كثيرا بعيد اتفاقهيم على‬
‫أنهييا إن تلفييت ببينيية أنييه ل ضمان على الغاصييب‪ ،‬وأنييه إن ادعييى‬
‫تلفها لم يصدق وإن كان مما ل يغاب عليه‪ .‬وتحصيل مذهب هؤلء‬
‫في حكم الغلة هو أن الغلل تنقسم إلى ثلثة أقسام‪ :‬أحدها غلة‬
‫متولدة عن الشيء المغصوب على نوعه وخلقته وهو الولد‪ ،‬وغلة‬
‫متولدة عن الشيء ل على صورته‪ ،‬وهو مثل الثمر ولبن الماشية‬
‫وجبنهيا وصيوفها‪ ،‬وغلل غيير متولدة بيل هيي منافيع‪ ،‬وهيي الكريية‬
‫والخراجات وميا أشبيه ذلك‪ .‬فأميا ميا كان على خلقتيه وصيورته فل‬
‫خلف أعلمه أن الغا صب يرده كالولد مع الم المغصوبة وإن كان‬
‫ولد الغاصيب‪ .‬وإنميا اختلفوا فيي ذلك إذا ماتيت الم‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫هييو مخييير بييين الولد وقيميية الم؛ وقال الشافعييي‪ :‬بييل يرد الولد‬
‫وقيميية الم وهييو القياس‪ .‬وأمييا إن كان متولدا على غييير خلقيية‬
‫الصييل وصييورته ففيييه قولن‪ :‬أحدهمييا أن للغاصييب ذلك المتولد‪.‬‬
‫والثانييي أنييه يلزمييه رده مييع الشيييء المغصييوب إن كان قائمييا أو‬
‫قيمتهييا إن ادعييى تلفهييا ولم يعرف ذلك إل ميين قوله‪ ،‬فإن تلف‬
‫الشييء المغصيوب كان مخيرا بيين أن يضمنيه بقيمتيه ول شييء له‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي الغلة‪ ،‬وبين أن يأخذه بالغلة ول شيء له من القيمة‪ .‬وأ ما ما‬


‫كان غييير متولد‪ ،‬فاختلفوا فيييه على خمسيية أقوال‪ :‬أحدهييا أنييه ل‬
‫يلزمه رده جملة من غير تفصيل‪ .‬والثاني أنه يلزمه رده من غير‬
‫تفصييل أيضيا‪ .‬والثالث أنيه يلزميه الرد إن أكرى‪ ،‬ول يلزميه الرد إن‬
‫انتفييع أو عطييل‪ .‬والرابييع يلزمييه إن أكرى أو انتفييع‪ .‬ول يلزمييه إن‬
‫عطل‪.‬‬
‫والخامس الفرق بين الحيوان والصول‪ ،‬أعني أنه يرد قيمة منافع‬
‫الصييول‪ ،‬ول يرد قيمية منافييع الحيوان‪ ،‬وهذا كله فيميا اغتيل مين‬
‫العييين المغصييوبة مييع عينهييا وقيامهييا‪ .‬وأمييا ميين مييا اغتييل منهييا‬
‫بتصييريفها وتحويييل عينهييا كالدنانييير فيغتصييبها فيتجيير بهييا فيربييح‪،‬‬
‫فالغلة قول واحدا في المذهب؛ وقال قوم‪ :‬الربح للمغصوب وهذا‬
‫أيضييا إذا قصييد غصييب الصييل‪ .‬وأمييا إذا قصييد غصييب الغلة دون‬
‫الصيل فهيو ضامين للغلة بإطلق‪ ،‬ول خلف فيي ذلك سيواء عطيل‬
‫أو انتفيع أو أكرى‪ ،‬كان مميا يزال بيه أو بميا ل يزال بيه؛ وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬إنيه مين تعدى على دابية رجيل فركبهيا أو حميل عليهيا فل‬
‫كراء عليه في ركوبه إياها ول في حمله‪ ،‬لنه ضامن لها إن تلفت‬
‫فيي تعدييه‪ ،‬وهذا قوله فيي كيل ميا ينقيل ويحول‪ ،‬فإنيه لميا رأى أنيه‬
‫قيد ضمنيه بالتعدي وصيار فيي ذمتيه جازت له المنفعية كميا تقول‬
‫المالكية فيما تجر به من المال المغصوب‪ ،‬وإن كان الفرق بينهما‬
‫أن الذي تجيير بييه تحولت عينييه‪ ،‬وهذا لم تتحول عينييه‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهييم فييي هييل يرد الغاصييب الغلة أو ل يردهييا اختلفهييم فييي‬
‫تعمييم قوله علييه الصيلة والسيلم "الخراج بالضمان" وقوله علييه‬
‫الصييلة والسييلم "ليييس لعرق ظالم حييق" وذلك أن قوله عليييه‬
‫الصييلة والسييلم هذا خرج على سييبب‪ ،‬وهييو فييي غلم قيييم فيييه‬
‫بعييب‪ ،‬فأراد الذي صيرف علييه أن يرد المشتري غلتيه‪ ،‬وإذا خرج‬
‫العام على سيبب هيل يقصير على سيببه أم يحميل على عموميه؟‬
‫فيه خلف بين فقهاء المصار مشهور‪ ،‬فمن قصر ههنا هذا الحكم‬
‫على سيببه قال‪ :‬إنميا تجيب الغلة مين قبيل الضمان فيميا صيار إلى‬
‫النسان بشبهة‪ ،‬مثل أن يشتري شيئا فيستغله فيستحق منه‪ .‬وأما‬
‫ميا صيار إلييه بغيير وجيه شبهية فل تجوز له الغلة لنيه ظالم‪ ،‬ولييس‬
‫لعرق ظالم حييق‪ ،‬فعمييم هذا الحديييث فييي الصييل والغلة‪ :‬أعنييي‬
‫عموم هذا الحدييث وخصيص الثانيي‪ .‬وأميا مين عكيس المير فعميم‬
‫قوله عليييه الصييلة والسييلم "الخراج بالضمان" على أكثيير ميين‬
‫السييبب الذي خرج عليييه‪ ،‬وخصييص قوله عليييه الصييلة والسييلم‬
‫"ليس لعرق ظالم حق" بأن جعل ذلك في الرقبة دون الغلة قال‪:‬‬
‫ل يرد الغلة الغاصب‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا مين المعنيى كميا تقدم مين قولنيا فالقياس أن تجري المنافيع‬
‫والعيان المتولدة مجرى واحدا‪ ،‬وأن يعتييبر التضميين أو ل يعتييبر‪.‬‬
‫وأمييا سييائر القاويييل التييي بييين هذييين فهييي اسييتحسان‪ .‬وأجمييع‬
‫العلماء على أن مين اغترس نخل أو ثمرا بالجملة ونباتيا فيي غيير‬
‫أرضيه أنيه يؤمير بالقلع لميا ثبيت مين حدييث مالك عين هشام بين‬
‫عروة عين أبييه أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال "مين‬
‫أحييا أرضيا ميتية فهيي له ولييس لعرق ظالم حيق" والعرق الظالم‬
‫عندهيم هيو ميا اغترس فيي أرض الغيير‪ .‬وروى أبيو داود فيي هذا‬
‫الحدييث زيادة عين عروة‪ :‬ولقيد حدثنيي الذي حدثنيي هذا الحدييث‬
‫"أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس‬
‫أحدهما نخل في أرض الخر‪ ،‬فقضى لصاحب الرض بأرضه‪ ،‬وأمر‬
‫صاحب النخل أن يخرج نخلة منها" قال‪ :‬فلقد رأيتها وإنما لتضرب‬
‫أصيولها بالفؤوس وإنهيا لنخيل عيم حتيى أخرجيت منهيا‪ ،‬إل ميا روي‬
‫فيي المشهور عين مالك "أن مين زرع زرعيا فيي أرض غيره وفات‬
‫أوان زراعتييه لم يكيين لصيياحب الرض أن يقلع زرعييه‪ ،‬وكان على‬
‫الزراع كراء الرض‪ .‬وقيد روي عنيه ميا يشبيه قياس قول الجمهور‪،‬‬
‫وعلى قوله‪ :‬إن كيل ميا ل ينتفيع الغاصيب بيه إذا قلعيه وأزاله أنيه‬
‫للمغصيييوب يكون الزرع على هذا للزارع‪ .‬وفرق قوم بيييين الزرع‬
‫والثمار فقالوا‪ :‬الزارع في أرض غيره له نفقته وزريعته‪ ،‬وهو قول‬
‫كثير من أهل المدينة‪ ،‬وبه قال أبو عبيد وروي عن رافع بن خديج‬
‫أنه قال عليه الصلة والسلم "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم‬
‫فله نفقتييه وليييس له ميين الزرع شيييء"‪ .‬واختلف العلماء فييي‬
‫القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال‪ :‬أحدها‬
‫أن كيل دابية مرسيلة فصياحبها ضامين لميا أفسيدته‪ .‬والثانيي أن ل‬
‫ضمان علييييه‪ .‬والثالث أن الضمان على أرباب البهائم باللييييل‪ ،‬ول‬
‫ضمان عليهم فيما أفسدته بالنهار‪.‬‬
‫والرابع وجوب الضمان في غير المنفلت ول ضمان في المنفلت‪،‬‬
‫ومميين قال‪ :‬يضميين بالليييل ول يضميين بالنهار مالك والشافعييي؛‬
‫وبأن ل ضمان عليهييم أصييل قال أبييو حنيفيية وأصييحابه؛ وبالضمان‬
‫بإطلق قال الليييث‪ ،‬إل أن الليييث قال‪ :‬ل يضميين أكثيير ميين قيميية‬
‫الماشيية‪ ،‬والقول الرابيع مروي عين عمير رضيي الله عنيه‪ .‬فعمدة‬
‫مالك والشافعييييي فييييي هذا الباب شيئان‪ :‬أحدهمييييا قوله تعالى‬
‫{وداود وسييليمان إذ يحكمان فييي الحرث إذ نفشييت فيييه غنييم‬
‫القوم} والنفيش عنيد أهيل اللغية ل يكون إل باللييل‪ ،‬وهذا الحتجاج‬
‫على مذهييب ميين يرى أنييا مخاطبون بشرع ميين قبلنييا‪ .‬والثانييي‬
‫مرسييله عيين ابيين شهاب "أن ناقيية للبراء بيين عازب دخلت حائط‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قوم فأفسدت فيه‪ ،‬فقضى ر سول الله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫على أهييل الحوائط بالنهار حفظهييا‪ ،‬وإن مييا أفسييدته المواشييي‬
‫باللييل ضامين على أهلهيا" أي مضمون‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية قوله‬
‫عليييه الصييلة والسييلم "العجماء جرحهييا جبار" وقال الطحاوي‪:‬‬
‫وتحقيق مذهب أبي حنيفة أنه ل يضمن إذا أرسلها محفوظة‪ ،‬فأما‬
‫إذا لم يرسييلها محفوظيية فيضميين؛ والمالكييية تقول‪ :‬ميين شرط‬
‫قولنا أن تكون الغنم في المسرح وأما إذا كانت في أرض مزرعة‬
‫ل مسيرح فيهيا فهيم يضمنون ليل ونهارا وعمدة مين رأى الضمان‬
‫فيمييا أفسييدت ليل ونهارا شهادة الصييول له‪ ،‬وذلك أنييه تعييد ميين‬
‫المرسييل‪ ،‬والصييول على أن على المتعدي الضمان‪ ،‬ووجييه ميين‬
‫فرق بيييين المنفلت وغيييير المنفلت بيييين‪ ،‬فإن المنفلت ل يملك‪.‬‬
‫فسيبب الخلف فيي هذا الباب معارضية الصيل للسيمع‪ ،‬ومعارضية‬
‫السييماع بعضييه لبعييض‪ ،‬أعنييي أن الصييل يعارض "جرح العجماء‬
‫جبار" ويعارض أيضييا التفرقيية التييي فييي حديييث البراء‪ ،‬وكذلك‬
‫التفرقية التيي فيي حدييث البراء تعارض أيضيا قوله "جرح العجماء‬
‫جبار"‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابيييع‪- :)1 ...‬والطوارئ على المغصيييوب إميييا بزيادة وإميييا‬
‫بنقصان‪ ،‬وهذان إما من قبل‪... ...‬‬
‫ومين مسيائل هذا الباب المشهورة اختلفهيم فيي حكيم ميا يصياب‬
‫مين أعضاء الحيوان‪ ،‬فروي عين عمير بين الخطاب أنيه قضيى فيي‬
‫عيين الدابية بربيع ثمنهيا‪ ،‬وكتيب إلى شرييح فأمره بذلك‪ ،‬وبيه قال‬
‫الكوفيون‪ ،‬وقضى به عمر بن عبد العزيز؛ وقال الشافعي ومالك‪:‬‬
‫يلزم فيمييا أصيييب ميين البهيميية مييا نقييص فييي ثمنهييا قياسييا على‬
‫التعدي فيي الموال؛ والكوفيون اعتمدوا فيي ذلك على قول عمير‬
‫رضييي الله عنييه وقالوا‪ :‬إذا قال الصيياحب قول ول مخالف له ميين‬
‫الصيحابة وقوله ميع هذا مخالف للقياس وجيب العميل بيه لنيه يعلم‬
‫أنه إن ما صار إلى القول به من جهة التوقيف‪ ،‬فسبب الخلف إذا‬
‫معارضيية القياس لقول الصيياحب‪ .‬وميين هذا الباب اختلفهييم فييي‬
‫الجميل الصيئول وميا أشبهيه يخاف الرجيل على نفسيه فيقتله‪ ،‬هيل‬
‫يجيب علييه غرميه أم ل؟ فقال مالك والشافعيي‪ :‬ل غرم علييه إذا‬
‫بان أنه خافه على نفسه؛ وقال أبو حنيفة والثوري‪ :‬يضمن قيمته‬
‫على كيل حال‪ .‬وعمدة مين لم يير الضمان القياس على مين قصيد‬
‫رجل فأراد قتله‪ ،‬فدافيع المقصيود عين نفسيه فقتيل فيي المدافعية‬
‫القاصيد المتعدي أنيه لييس علييه قود‪ ،‬وإذا كان ذلك فيي النفيس‬
‫كان في المال أحرى‪ ،‬لن النفس أعظم حرمة من المال‪ ،‬وقياسا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أيضيا على إهدار دم الصييد الحرميي إذا صيال وتمسيك بيه حذاق‬
‫أصيييحاب الشافعيييي‪ .‬وعمدة أبيييي حنيفييية أن الموال تضمييين‬
‫بالضرورة إليهيا‪ ،‬أصيله المضطير إلى طعام الغيير ول حرمية للبعيير‬
‫مين جهية ميا هيو ذو نفيس‪ .‬ومين هذا الباب اختلفهيم فيي المكرهية‬
‫على الزنيى‪ ،‬هيل على مكرههيا ميع الحيد صيداق أم ل؟ فقال مالك‬
‫والشافعيي واللييث‪ :‬علييه الصيداق والحيد جميعيا؛ وقال أبيو حنيفية‬
‫والثوري‪ :‬عليييه الحييد ول صييداق عليييه‪ ،‬وهييو قول ابيين شبرميية‪.‬‬
‫وعمدة مالك أنيه وجيب علييه حقان‪ :‬حيق لله وحيق للدميي‪ ،‬فلم‬
‫يسيقط أحدهميا الخير‪ ،‬أصيله السيرقة التيي يجيب بهيا عندهيم غرم‬
‫المال والقطييع‪ .‬وأمييا ميين لم يوجييب الصييداق‪ ،‬فتعلق فييي ذلك‬
‫بمعنيييين‪ :‬أحدهمييا أنييه إذا اجتمييع حقان‪ :‬حييق لله وحييق للمخلوق‬
‫سقط حق المخلوق لحق الله‪ ،‬وهذا على رأي الكوفيين في أنه ل‬
‫يجمع على السارق غرم وقطع‪ .‬والمعنى الثاني أن الصداق ليس‬
‫مقابل البضع‪ ،‬وإنما هو عبادة إذ كان النكاح شرعيا‪ ،‬وإذا كان ذلك‬
‫كذلك فل صداق في النكاح الذي على غير الشرع‪ .‬ومن مسائلهم‬
‫المشهورة فييي هذا الباب ميين غصييب أسييطوانة فبنييى عليهييا بناء‬
‫يسياوي قائميا أضعاف قيمية السيطوانة‪ ،‬فقال مالك والشافعيي‪:‬‬
‫يحكم على الغاصب بالهدم ويأخذ المغصوب منه أسطونته؛ وقال‬
‫أبييو حنيفيية‪ :‬تفوت بالقيميية كقول مالك فيميين غييير المغصييوب‬
‫بصناعة لها قيمة كثيرة؛ وعند الشافعي ل يفوت المغصوب بشيء‬
‫من الزيادة‪ .‬وهنا انقضى هذا الكتاب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الستحقاق‪.‬‬
‫@‪-‬وجييل النظيير فييي هذا الكتاب هييو فييي أحكام السييتحقاق‪،‬‬
‫وتحصييل أصيول هذا الكتاب أن الشييء المسيتحق مين ييد إنسيان‬
‫بمييا تثبييت بييه الشياء فييي الشرع لمسييتحقها إذا صييار إلى ذلك‬
‫النسييان الذي اسييتحق ميين يده الشيييء المسييتحق بشراء أنييه ل‬
‫يخلو مين أن يسيتحق مين ذلك الشييء أقله أو كله أو جله‪ ،‬ثيم إذا‬
‫اسيتحق منيه كله أو جله فل يخلو أن يكون قيد تغيير عنيد الذي هيو‬
‫بيده بزيادة أو نقصان أو يكون لم يتغير‪ ،‬ثم ل يخلو أيضا أن يكون‬
‫المسيتحق منيه قيد اشتراه بثمين أو مثمون‪ .‬فأميا إن كان اسيتحق‬
‫منيه أقله‪ ،‬فإنيه إنميا يرجيع عنيد مالك على الذي اشتراه منيه بقيمية‬
‫مييا اسييتحق ميين يده‪ ،‬وليييس له أن يرجييع بالجميييع‪ .‬وأمييا إن كان‬
‫اسييتحق كله أو جله‪ ،‬فإن كان لم يتغييير أخذه المسييتحق ورجييع‬
‫المستحق من يده على الذي اشتراه منه بثمن ما اشتراه منه إن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كان اشتراه بثمن‪ ،‬وإن كان اشتراه بالمثمون رجع بالمثمون بعينه‬
‫إن كان لم يتغير‪ ،‬فإن تغير تغيرا يوجب اختلف قيمته رجع بقيمته‬
‫يوم الشراء‪ ،‬وإن كان المال المستحق قد بيع‪ ،‬فإن للمستحق أن‬
‫يمضي البيع ويأخذ الثمن أو يأخذه بعينه‪ ،‬فهذا هو حكم المستحق‬
‫والمسييتحق ميين يده مييا لم يتغييير الشيييء المسييتحق‪ ،‬فإن تغييير‬
‫الشيييء المسييتحق فل يخلو أن يتغييير بزيادة أو نقصييان‪ .‬فأمييا إن‬
‫كان تغيير بزيادة فل يخلو أن يتغيير بزيادة مين قبيل الذي اسيتحق‬
‫من يده الشيء‪ ،‬أو بزيادة من ذات الشيء‪ .‬فأما الزيادة من ذات‬
‫الشيء فيأخذها المستحق‪ ،‬مثل أن تسمن الجارية أو يكبر الغلم‪.‬‬
‫وأما الزيادة من قبل المستحق منه‪ ،‬فمثل أن يشتري الدار فبنى‬
‫فيهييا فتسييتحق ميين يده‪ ،‬فإنييه مخييير بييين أن يدفييع قيميية الزيادة‬
‫ويأخيذ ميا اسيتحقه وبيين أن يدفيع إلييه المسيتحق مين يده قيمية ميا‬
‫اسيتحق أو يكونيا شريكيين‪ ،‬هذا بقدر قيمية ميا اسيتحق مين يده‪،‬‬
‫وهذا بقدر قيمية ميا بنيى أو غرس‪ ،‬وهيو قضاء عمير بين الخطاب‪.‬‬
‫وأمييا إن كانييت الزيادة ولدة ميين قبييل المسييتحق منييه‪ ،‬مثييل أن‬
‫يشتري أميية فيولدهييا ثييم تسييتحق منييه أو يزوجهييا على أنهييا حرة‬
‫فتخرج أميية‪ ،‬فإنهييم اتفقوا على أن المسييتحق ليييس له أن يأخييذ‬
‫أعيان الولد‪ ،‬واختلفوا فييي أخييذ قيمتهييم‪ .‬وأمييا الم فقيييل يأخذهييا‬
‫بعينهييا‪ ،‬وقيييل يأخييذ قيمتهييا‪ .‬وأمييا إن كان الولد بنكاح فاسييتحقت‬
‫بعبوديية فل خلف أن لسييدها أن يأخذهيا ويرجيع الزوج بالصيداق‬
‫على ميين غره‪ ،‬وإذا ألزمناه قيميية الولد لم يرجييع بذلك على ميين‬
‫غره‪ ،‬لن الغرر لم يتعلق بالولد‪ .‬وأما غلة الشيء المستحق‪ ،‬فإنه‬
‫إذا كان ضامنييا بشبهيية ملك فل خلف أن الغلة للمسييتحق منييه‪،‬‬
‫وأعنيي بالضمان أنهيا تكون مين خسيارته إذا هلكيت عنده‪ .‬وأميا إذا‬
‫كان غييير ضاميين‪ ،‬مثييل أن يكون وارثييا فيطرأ عليييه وارث آخيير‬
‫فيستحق بعض ما في يده فإنه يرد الغلة‪ .‬وأما إن كان غير ضامن‬
‫إل أنيه ادعيى فيي ذلك ثمنيا مثيل العبيد يسيتحق بحريية‪ ،‬فإنيه وإن‬
‫هلك عنده يرجع بالثمن ففيه قولن‪ :‬أنه ل يضمن إذا لم يجد على‬
‫مين يرجيع‪ ،‬ويضمين إذا وجيد على مين يرجيع‪ .‬وأميا مين أي وقيت‬
‫تصييح الغلة للمسييتحق؟ فقيييل يوم الحكييم‪ ،‬وقيييل ميين يوم ثبوت‬
‫الحيق‪ ،‬وقييل مين يوم توقيفيه‪ .‬وإذا قلنيا إن الغلة تجيب للمسيتحق‬
‫فيي أحيد هذه الوقات الثلثية فإذا كانيت أصيول فيهيا ثمرة فأدرك‬
‫هذا الوقيت الثمير ولم يقطيف بعده‪ ،‬فقييل إنهيا للمسيتحق ميا لم‬
‫تقطيف‪ ،‬وقييل ميا لم تيبيس‪ ،‬وقييل ميا لم يطيب ويرجيع علييه بميا‬
‫سييقى وعالج المسيتحق مين يدييه‪ ،‬وهذا إن كان اشترى الصيول‬
‫قبل البار‪ .‬وأما إن كان اشتراها بعد البار فالثمرة للمستحق عند‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ابين القاسيم إن جذت ويرجيع بالسيقي والعلج؛ وقال أشهيب‪ :‬هيي‬


‫للمسييتحق مييا لم تجييذ‪ .‬والرض إذا اسييتحقت‪ ،‬فالكراء إنمييا هييو‬
‫للمسييتحق إن وقييع السييتحقاق فييي إبان زريعيية الرض‪ .‬وأمييا إذا‬
‫خرج البان فقيد وجيب كراء الرض للمسيتحق منيه‪ .‬وأميا إن كان‬
‫بغير نقصان‪ ،‬فإن كان من غير سبب المستحق من يديه فل شيء‬
‫على المسيتحق مين يدييه‪ .‬وأميا إن كان أخيذ له ثمنيا مثيل أن يهدم‬
‫الدار فيبيع نقضها ثم يستحقها من يده رجل آخر‪ ،‬فإنه يرجع عليه‬
‫بثمين ميا باع مين النقيض‪ .‬قال القاضيي‪ :‬ولم أجيد فيي هذا الباب‬
‫خلفا يعتمد عليه فيما نقلته فيه من مذهب مالك وأصحابه‪ ،‬وهي‬
‫أصولهم في هذا الباب‪ ،‬ولكن يجيء على أصول الغير أنه إذا كان‬
‫المسيييتحق مشتري بعرض‪ ،‬وكان العرض قيييد ذهيييب أن يرجيييع‬
‫المسيتحق مين يده بعرض مثله ل بقيمتيه‪ ،‬وهيم الذيين يرون فيي‬
‫جمييع المتلفات المثيل؛ وكذلك يجييء على أصيول الغيير أن يرجيع‬
‫على المشتري إذا اسيتحق منيه قلييل أو كثيير‪ ،‬لنيه لم يدخيل على‬
‫الباقيييي ول انعقيييد علييييه بييييع ول وقيييع بيييه تراض‪ .‬كميييل كتاب‬
‫الستحقاق بحمد الله‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الهبات‬
‫@‪-‬والنظير فيي الهبية‪ :‬فيي أركانهيا‪ ،‬وفيي شروطهيا‪ ،‬وفيي أنواعهيا‪،‬‬
‫وفيي أحكامهيا‪ .‬ونحين إنميا نذكير مين هذه الجناس ميا فيهيا مين‬
‫المسائل المشهورة‪.‬‬
‫@‪-‬فنقول‪ :‬أميا الركان فهيي ثلثية‪ :‬الواهيب والموهوب له‪ ،‬والهبية‪.‬‬
‫وأمييا الواهييب فإنهييم اتفقوا على أنييه تجوز هبتييه إذا كان مالكييا‬
‫للموهوب صيييحيح الملك‪ ،‬وذلك إذا كان فيييي حال الصيييحة وحال‬
‫إطلق اليد‪ .‬واختلفوا في حال المرض وفي حال السفه والفلس‪.‬‬
‫أميا المرييض فقال الجمهور‪ :‬إنهيا فيي ثلثيه تشبيهيا بالوصيية‪ ،‬أعنيي‬
‫الهبية التامية بشروطهيا‪ .‬وقالت طائفية مين السيلف وجماعية أهيل‬
‫الظاهير‪ :‬أن هبتيه تخرج مين رأس ماله إذا مات‪ ،‬ول خلف بينهيم‬
‫أنيه إذا صيح مين مرضيه أن الهبية صيحيحة‪ .‬وعمدة الجمهور حدييث‬
‫عمران بين حصيين عين النيبي علييه الصيلة والسيلم "فيي الذي‬
‫أعتيق سيتة أعبيد عنيد موتيه‪ ،‬فأمره رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم فأعتق ثلثهم وأرق الباقي" وعمدة أهل الظاهر استصحاب‬
‫الحال‪ :‬أعنيي حال الجماع‪ ،‬وذلك أنهيم لميا اتفقوا على جواز هبتيه‬
‫في الصحة وجب استصحاب حكم الجماع في المرض إل أن يدل‬
‫دليييل ميين كتاب أو سيينة بينيية‪ ،‬والحديييث عندهييم محمول على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الوصيية‪ ،‬والمراض التيي يحجيز فيهيا عنيد الجمهور هيي المراض‬


‫المخوفيية‪ ،‬وكذلك عنييد مالك الحالت المخوفيية‪ ،‬مثييل الكون بييين‬
‫الصيفين‪ ،‬وقرب الحاميل مين الوضيع‪ ،‬وراكيب البحير المرتيج‪ ،‬وفييه‬
‫اختلف‪ .‬وأما الرض المزمنة فليس عندهم فيها تحجير‪ ،‬وقد تقدم‬
‫هذا فيي كتاب الحجير‪ .‬وأميا السيفهاء والمفلسيون فل خلف عنيد‬
‫مين يقول بالحجير عليهيم أن هبتهيم غيير ماضيية‪ .‬وأميا الموهوب‬
‫فكيل شييء صيح ملكيه‪ .‬واتفقوا على أن للنسيان أن يهيب جمييع‬
‫ماله للجنبي‪.‬‬
‫واختلفوا فيي تفضييل الرجيل بعيض ولده على بعيض فيي الهبية‪ ،‬أو‬
‫فييي هبيية جميييع ماله لبعضهييم دون البعييض‪ ،‬فقال جمهور فقهاء‬
‫المصيار بكراهيية ذلك له‪ ،‬ولكين إذا وقيع عندهيم جاز؛ وقال أهيل‬
‫الظاهير‪ :‬ل يجوز التفضييل فضل عين أن يهيب بعضهيم جمييع ماله؛‬
‫وقال مالك يجوز التفضييل ول يجوز أن يهيب بعضهيم جمييع المال‬
‫دون بعيض‪ .‬ودلييل أهيل الظاهير حدييث النعمان بين بشيير‪ ،‬وهيو‬
‫حديييث متفييق على صييحته‪ ،‬وإن كان قييد اختلف فييي ألفاظييه‪،‬‬
‫والحدييث أنيه قال "إن أباه بشيرا أتيى بيه إلى رسيول الله صيلى‬
‫الله علييه وسيلم فقال‪ :‬إنيي نحلت ابنيي هذا غلميا كان لي‪ ،‬فقال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬أكيل ولدك نحلتيه مثيل هذا؟‬
‫قال‪ :‬ل قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬فارتجعيه" واتفيق‬
‫مالك والبخاري ومسيلم على هذا اللفيظ‪ ،‬قالوا‪ :‬والرتجاع يقتضيي‬
‫بطلن الهبة‪ .‬وفي ب عض ألفاظ روايات هذا الحديث أنه قال عليه‬
‫الصييلة والسييلم "هذا جور"‪ .‬وعمدة الجمهور أن الجماع منعقييد‬
‫على أن للرجييل أن يهييب فييي صييحته جميييع ماله للجانييب دون‬
‫أولده‪ ،‬فإذا كان ذلك للجنييبي فهييو للولد أحرى‪ .‬واحتجوا بحديييث‬
‫أ بي بكر المشهور أنه كان نحل عائشة جذاذ وعشرين وسقا من‬
‫مال الغابية فلميا حضرتيه الوفاة قال‪ :‬والله ييا بنيية ميا مين الناس‬
‫أحييد أحييب إلي غنييى بعدي منييك‪ ،‬ول أعييز علي فقرا بعدي منييك‪،‬‬
‫وإنيي كنيت نحلتيك جذاذ عشريين وسيقا فلو كنيت جذذتييه واحتزتييه‬
‫كان لك‪ ،‬وإنما هواليوم مال وارث‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك الحديث المراد به‬
‫الندب‪ ،‬والدلييل على ذلك أن فيي بعيض رواياتيه‪" :‬ألسيت ترييد أن‬
‫يكونوا لك فيي البر واللطيف سيواء؟ قال‪ :‬نعيم‪ ،‬قال‪ :‬فأشهيد على‬
‫هذا غيري"‪.‬‬
‫وأمييا مالك فإنييه رأى أن النهييي عيين أن يهييب الرجييل جميييع ماله‬
‫لواحيد مين ولده هيو أحرى أن يحميل على الوجوب‪ ،‬فأوجيب عنده‬
‫مفهوم هذا الحديييث النهييي عيين أن يخييص الرجييل بعييض أولده‬
‫بجمييع ماله‪ .‬فسيبب الخلف فيي هذه المسيألة معارضية القياس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫للفيظ النهيي الوارد‪ ،‬وذلك أن النهيي يقتضيي عنيد الكثير بصييغته‬


‫التحرييم‪ ،‬كميا يقتضيي المير الوجوب؛ فمين ذهيب إلى الجميع بيين‬
‫السماع والقياس حمل الحديث على الندب‪ ،‬أو خصصه في بعض‬
‫الصيور كميا فعيل مالك‪ ،‬ول خلف عنيد القائليين بالقياس أنيه يجوز‬
‫تخصييص عموم السينة بالقياس‪ ،‬وكذلك العدول بهيا عين ظاهرهيا‬
‫أعنيييي أن يعدل بلفيييظ النهيييي عييين مفهوم الحظييير إلى مفهوم‬
‫الكراهييية‪ .‬وأمييا أهييل الظاهيير فلمييا لم يجييز عندهييم القياس فييي‬
‫الشرع اعتمدوا ظاهر الحديث وقالوا‪ :‬بتحريم التفضيل في الهبة‪.‬‬
‫واختلفوا ميين هذا الباب فييي جواز هبيية المشاع غييير المقسييوم‪،‬‬
‫فقال مالك والشافعيي وأحميد وأبيو ثور‪ :‬تصيح؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل‬
‫تصيح‪ .‬وعمدة الجماعية أن القبيض فيهيا يصيح كالقبيض فيي البييع‪.‬‬
‫وعمدة أبيي حنيفية أن القبيض فيهيا ل يصيح إل مفردة كالرهين‪ ،‬ول‬
‫خلف فييي المذهييب فييي جواز هبيية المجهول والمعدوم المتوقييع‬
‫الوجود‪ ،‬وبالجملة كيل ميا ل يصيح بيعيه فيي الشرع من جهة الغرر؛‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ما جاز بيعه جازت هبته كالدين‪ ،‬وما لم يجز بيعه‬
‫لم تجيز هبتيه‪ ،‬وكيل ميا ل يصيح قبضيه عنيد الشافعيي ل تصيح هبتيه‬
‫كالديين والرهين‪ ،‬وأميا الهبية فل بيد مين اليجاب فيهيا والقبول عنيد‬
‫الجمييييع‪ .‬ومييين شرط الموهوب له أن يكون ممييين يصيييح قبوله‬
‫وقبضه‪ .‬وأما الشروط فأشهرها القبض‪ ،‬أعني أن العلماء اختلفوا‬
‫هل القبض شرط في صحة العقد أم ل؟ فاتفق الثوري والشافعي‬
‫وأبو حنيفة أن من شرط صحة الهبة القبض‪ ،‬وأنه إذا لم يقبض لم‬
‫يلزم الواهيييب؛ وقال مالك‪ :‬ينعقيييد بالقبول ويجيييبر على القبيييض‬
‫كالبيع سواء‪ ،‬فإن تأنى الموهوب له عن طلب القبض حتى أفلس‬
‫الواهيب أو مرض بطلت الهبية‪ ،‬وله إذا باع تفصييل إن علم فتوانيى‬
‫لم يكن له إل الثمن‪ ،‬وإن قام في الفور كان له الموهوب‪.‬‬
‫فمالك‪ :‬القبيض عنده فيي الهبية مين شروط التمام ل مين شروط‬
‫الصحة‪ ،‬وهو عند الشافعي وأبي حنيفة من شروط الصحة‪ .‬وقال‬
‫أحميد وأبيو ثور‪ :‬تصيح الهبية بالعقيد‪ ،‬ولييس القبيض مين شروطهيا‬
‫أصييل‪ ،‬ل ميين شرط تمام ول ميين شرط صييحة‪ ،‬وهييو قول أهييل‬
‫الظاهر‪ .‬وقد روي عن أحمد بن حنبل أن القبض من شروطها في‬
‫المكيييل والموزون‪ .‬فعمدة ميين لم يشترط القبييض فييي الهبيية‬
‫تشبيههيا بالبييع‪ ،‬وأن الصيل فيي العقود أن ل قبيض مشترط فيي‬
‫صييحتها حتييى يقوم الدليييل على اشتراط القبييض‪ .‬وعمدة ميين‬
‫اشترط القبيض أن ذلك مروي عين أبيي بكير رضيي الله عنيه فيي‬
‫حدييث هبتيه لعائشية المتقدم‪ ،‬وهيو نيص فيي اشتراط القبيض فيي‬
‫صيحة الهبية‪ .‬وميا روى مالك عين عمير أيضيا أنيه قال‪ :‬ميا بال رجال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ينحلون أبناءهييم نحل ثييم يمسييكونها‪ ،‬فإن مات ابيين أحدهييم قال‪:‬‬
‫مالي بيدي لم أعطييه أحدا‪ ،‬وإن مات قال هييو لبنييي قييد كنييت‬
‫أعطيتيه إياه فمين نحيل نحلة فلم يحزهيا الذي نحلهيا للمنحول له‬
‫وأبقاهيا حتيى تكون إن مات لورثتيه فهيي باطلة‪ ،‬وهيو قول علي‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وهييو إجماع ميين الصييحابة‪ ،‬لنييه لم ينقييل عنهييم فييي ذلك‬
‫خلف‪ .‬وأ ما مالك فاعتمد المر ين جميعا‪ :‬أعني القياس وما روي‬
‫عين الصيحابة‪ ،‬وجميع بينهميا‪ ،‬فمين حييث هيي عقيد مين العقود لم‬
‫يكن عنده شرطا من شروط صحتها القبض‪ ،‬ومن حيث شرطت‬
‫الصيحابة فييه القبيض لسيد الذريعية التيي ذكرهيا عمير جعيل القبيض‬
‫فيهيا مين شرط التمام‪ ،‬ومين حيق الموهوب له‪ ،‬وأنيه إن تراخيى‬
‫حتييى يفوت القبييض بمرض أو إفلس على الواهييب سييقط حقييه‪.‬‬
‫وجمهور فقهاء المصار على أن الب يجوز لبنه الصغير الذي في‬
‫ولية نظره وللكبير السفيه الذي ما وهبه كما يجوز لهما ما وهبه‬
‫غيره لهييم‪ ،‬وأنييه يكفييي فييي الحيازة له إشهاده بالهبيية والعلن‬
‫بذلك‪ ،‬وذلك كله فيما عدا الذهب والفضة وفيما ل يتعين‪.‬‬
‫والصل في ذلك عندهم ما رواه مالك عن ابن شهاب عن سعيد‬
‫بين المسييب أن عثمان بين عفان قال‪ :‬مين نحيل ابنيا له صيغيرا لم‬
‫يبلغ أن يحوز نحلتيييه فأعلن ذلك وأشهيييد علييييه فهيييي حيازة وإن‬
‫وليهييا؛ وقال مالك وأصييحابه‪ :‬لبييد ميين الحيازة فييي المسييكون‬
‫والملبوس‪ ،‬فإن كانت دارا سكن فيها خرج منها‪ ،‬وكذلك الملبوس‬
‫إن لبسييه بطلت الهبيية‪ ،‬وقالوا فييي سييائر العروض بمثييل قول‬
‫الفقهاء‪ ،‬أعنيي أنيه يكفيي فيي ذلك إعلنيه وإشهاده‪ .‬وأميا الذهيب‬
‫والورق فاختلفت الرواية فيه عن مالك‪ ،‬فروي عنه أنه ل يجوز إل‬
‫أن يخرجييه الب عيين يده إلى يييد غيره‪ ،‬وروي عنييه أنييه يجوز إذا‬
‫جعلهييا فييي ظرف أو إناء وختييم عليهييا بخاتييم وأشهييد على ذلك‬
‫الشهود‪ .‬ول خلف بييين أصييحاب مالك أن الوصييي يقوم فييي ذلك‬
‫مقام الب‪ .‬واختلفوا فييي الم؛ فقال ابيين القاسييم‪ :‬ل تقوم مقام‬
‫الب‪ ،‬ورواه عيين مالك؛ وقال غيره ميين أصييحابه‪ :‬تقوم‪ ،‬وبييه قال‬
‫أبيو حنيفية؛ وقال الشافعيي‪ :‬الجيد بمنزلة الب‪ ،‬والجدة عنيد ابين‬
‫وهب أم الم تقوم مقام الم‪ ،‬والم عنده تقوم مقام الب‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في أنواع الهبات‪.‬‬
‫@‪-‬والهبية منهيا ميا هيي هبية عيين‪ ،‬ومنهيا ميا هيي هبية منفعية‪ .‬وهبية‬
‫العيين منهيا ميا يقصيد بهيا الثواب‪ ،‬ومنهيا ميا ل يقصيد بهيا الثواب‪.‬‬
‫والتيي يقصيد بهيا الثواب منهيا ميا يقصيد بهيا وجيه الله‪ ،‬ومنهيا ميا‬
‫يقصيد بيه وجيه المخلوق‪ .‬فأميا الهبية لغيير الثواب فل خلف فيي‬
‫جوازهييا‪ ،‬وإنمييا اختلفوا فييي أحكامهييا‪ .‬وأمييا هبيية الثواب فاختلفوا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيهيا؛ فأجازهيا مالك وأبيو حنيفية؛ ومنعهيا الشافعيي‪ ،‬وبيه قال داود‬
‫وأبيو ثور‪ .‬وسيبب الخلف هيل هيي بييع مجهول الثمين أو لييس بيعيا‬
‫مجهول الثمن؟ فمن رآه بيعا مجهول الثمن قال هو من نوع بيوع‬
‫الغرر التيي ل تجوز‪ ،‬ومين لم يير أنهيا بييع مجهول قال‪ :‬يجوز وكأن‬
‫مالكيا جعيل العرف فيهيا بمنزلة الشرط وهيو ثواب مثلهيا‪ ،‬ولذلك‬
‫اختلف القول عندهييم إذا لم يرض الواهييب بالثواب مييا الحكييم؟‬
‫فقييل تلزميه الهبية إذا أعطاه الموهوب القيمية‪ ،‬وقييل ل تلزميه إل‬
‫أن يرضييه‪ ،‬وهيو قول عمير على ميا سييأتي بعيد‪ ،‬فإذا اشترط فييه‬
‫الرضييا فليييس هنالك بيييع انعقييد‪ ،‬والول هييو المشهور عيين مالك‪.‬‬
‫وأميا إذا ألزم القيمية فهنالك بييع انعقيد‪ ،‬وإنميا يحميل مالك الهبية‬
‫على الثواب إذا اختلفوا فيي ذلك‪ ،‬وخصيوصا إذا دلت قرينية الحال‬
‫على ذلك مثيل أن يهيب الفقيير للغنيي‪ ،‬أو لمين يرى أنيه إنميا قصيد‬
‫بذلك الثواب‪ .‬وأمييا هبات المنافييع فمنهييا مييا هييي مؤجلة‪ ،‬وهذه‬
‫تسيمى عاريية ومنحية وميا أشبيه ذلك‪ ،‬ومنهيا ميا يشترط فيهيا ميا‬
‫بقيت حياة الموهوب له‪ ،‬وهذه تسمى العمري‪ ،‬مثل أن يهب رجل‬
‫رجل سكنى دار حياته‪ ،‬وهذه اختلف العلماء فيها على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫أحدهيا أنهيا هبية مبتوتية‪ :‬أي هبية للرقبية‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفية والثوري وأحميد وجماعية‪ .‬والقول الثانيي أنيه لييس للمعمير‬
‫مر أو إلى ورثته‪ ،‬وبه‬ ‫فيها إل المنفعة‪ ،‬فإذا مات عادت الرقبة للمع ِ‬
‫قال مالك وأصيحابه‪ ،‬وعنده أنيه إن ذكير العقيب عادت إذا انقطيع‬
‫مر أو إلى ورثتيه‪ .‬والقول الثالث أنيه إذا قال‪ :‬هيي‬‫العقيب إلى المع ِي‬
‫عمري لك ولعقبييك كانييت الرقبيية ملكييا للمعميير‪ ،‬فإذا لم يذكيير‬
‫مر أو لورثته‪ ،‬وبه قال‬ ‫العقب عادت الرقبة بعد موت المعمر للمع ِ‬
‫داود وأبيييييو ثور وسيييييبب الخلف فيييييي هذا الباب اختلف الثار‬
‫ومعارضيية الشرط والعمييل للثيير‪ .‬أمييا الثيير ففييي ذلك حديثان‪:‬‬
‫أحدهما متفق على صحته‪ ،‬وهو ما رواه مالك عن جابر أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال "أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه‬
‫فإنهييا للذي يعطاهييا ل ترجييع إلى الذي أعطاهييا أبدا" لنييه أعطييى‬
‫عطاء وقعيت فييه الموارييث‪ .‬والحدييث الثانيي حدييث أبيي الزبيير‬
‫عين جابر قال‪ :‬قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "ييا معشير‬
‫النصييار أمسييكوا عليكييم أموالكييم ول تعمروهييا فميين أعميير شيئا‬
‫حياتيه فهيو له حياتيه ومماتيه" وقيد روي عين جابر بلفيظ آخير "ل‬
‫تعمروا ول ترقبوا فمين أعمير شيئا أو أرقبيه فهيو لورثتيه" فحدييث‬
‫أبيي الزبيير عين جابر مخالف لشرط المعمير‪ .‬وحدييث مالك عنيه‬
‫مخالف أيضيا لشرط المعمير إل أنيه يخييل أنيه أقيل فيي المخالفية‪،‬‬
‫وذلك أن ذكر العقب يوهم تبتيت العطية‪ ،‬فمن غلب الحديث على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشرط قال بحديث أبي الزبير عن جابر‪ ،‬وحديث مالك عن جابر‬


‫ومييين غلب الشرط قال بقول مالك؛ وأميييا مييين قال إن العمرى‬
‫تعود إلى المعمير إن لم يذكير العقيب‪ ،‬ول تعود إن ذكير‪ ،‬فإنيه أخيذ‬
‫بظاهير الحدييث‪ .‬وأميا حدييث أبيي الزبيير عين جابر فمختلف فييه‪،‬‬
‫أعنيي روايية أبيي الزبيير عين جابر‪ .‬وأميا إذا أتيى بلفيظ السيكان‬
‫فقال‪ :‬أسيييكنتك هذه الدار حياتيييك‪ ،‬فالجمهور على إن السيييكان‬
‫عندهم أو الخدام بخلف العمرى وإن لفظ بالعقب‪ ،‬فسوى مالك‬
‫بيين التعميير والسيكان‪ .‬وكان الحسين وعطاء وقتادة يسيوون بيين‬
‫السكنى والتعمير في أنها ل تنصرف إلى المسكن أبدا على قول‬
‫الجمهور في العمري‪ .‬والحق أن السكان والتعمير معنى المفهوم‬
‫منهميا واحيد‪ ،‬وأنيه يجيب أن يكون الحكيم إذا صيرح بالعقيب مخالفيا‬
‫له إذا لم يصرح بذكر العقب على ما ذهب إليه أهل الظاهر‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬ومين مسيائلهم المشهورة فيي هذا الباب جواز العتصيار فيي‬
‫الهبية‪ ،‬وهيو الرجوع فيهيا‪ .‬فذهيب مالك وجمهور علماء المدينية أن‬
‫للب أن يعتصير ميا وهبيه لبنيه ميا لم يتزوج البين أو لم يسيتحدث‬
‫دينيا أو بالجملة ميا لم يترتيب علييه حيق الغيير‪ ،‬وأن للم أيضيا أن‬
‫تعتصيير مييا وهبييت إن كان الب حيييا‪ ،‬وقييد روي عيين مالك أنهييا ل‬
‫تعتصيير؛ وقال أحمييد وأهييل الظاهيير‪ :‬ل يجوز لحييد أن يعتصيير مييا‬
‫وهبيه؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬يجوز لكيل أحيد أن يعتصير ميا وهبيه إل ميا‬
‫وهيب لذي رحيم محرمية علييه‪ .‬وأجمعوا على أن الهبية التيي يراد‬
‫بهيا الصيدقة أي وجيه الله أنيه ل يجوز لحيد الرجوع فيهيا‪ .‬وسيبب‬
‫الخلف فيي هذا الباب تعارض الثار؛ فمين لم يير العتصيار أصيل‬
‫احتييج بعموم الحديييث الثابييت‪ ،‬وهييو قوله عليييه الصييلة والسييلم‬
‫"العائد فييي هبتييه كالكلب يعود فييي قيئه" وميين اسييتثنى البوييين‬
‫احتييج بحديييث طاوس أنييه قال عليييه الصييلة والسييلم "ل يحييل‬
‫لواهب أن يرجع في هبته إل الوالد" وقاس الم على الوالد؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬لو اتصييل حديييث طاوس لقلت بييه؛ وقال غيره‪ :‬قييد‬
‫اتصل من طريق حسين المعلم‪ ،‬وهو ثقة‪ .‬وأما من أجاز العتصار‬
‫إل لذوي الرحييم المحرميية‪ ،‬فاحتييج بمييا رواه مالك عيين عميير بيين‬
‫الخطاب رضيي الله عنيه أنيه قال‪ :‬مين وهيب هبية لصيلة رحيم أو‬
‫على جهية صيدقة فإنيه ل يرجيع فيهيا‪ ،‬ومين وهيب هبية يرى أنيه إنميا‬
‫أراد الثواب بها فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها‪ .‬وقالوا‬
‫أيضيا فإن الصيل أن مين وهيب شيئا عين غيير عوض أنيه ل يقضيي‬
‫عليييه بييه كمييا لو وعييد‪ ،‬إل مييا اتفقوا عليييه ميين الهبيية على وجييه‬
‫الصييدقة‪ .‬وجمهور العلماء على أن ميين تصييدق على ابنييه فمات‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البيين بعييد أن حازهييا فإنييه يرثهييا‪ .‬وفييي مرسييلت مالك أن رجل‬


‫أنصاريا من الخزرج تصدق على أبويه بصدقة فهلكا فورث ابنهما‬
‫المال وهييو نخييل‪ ،‬فسييأل عيين ذلك النييبي عليييه الصييلة والسييلم‬
‫فقال‪" :‬قيد أجرت فيي صيدقتك وخذهيا بميراثيك" وخرج أبيو داود‬
‫عين عبيد الله بن بريدة عين أبيه عين امرأة أتيت ر سول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقالت "كنت قد تصدقت على أمي بوليدة‪ ،‬وإنها‬
‫ماتت وتركت لي تلك الوليدة‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم‪ :‬وجب‬
‫أجرك ورجعيييت إلييييك بالميراث" وقال أهيييل الظاهييير‪ :‬ل يجوز‬
‫العتصيار لحيد لعموم قوله علييه الصيلة والسيلم لعمير "ل تشتره‬
‫في الفرس الذي تصدق به‪ ،‬فإن العائد في هبته كالكلب يعود في‬
‫قيئه" والحديييث متفييق على صييحته‪ .‬قال القاضييي‪ :‬والرجوع فييي‬
‫الهبية لييس مين محاسين الخلق‪ ،‬والشارع علييه الصيلة والسيلم‬
‫إنما بعث ليتمم محاسن الخلق‪ .‬وهذا القدر كاف في هذا الباب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الوصايا‬
‫@‪-‬والنظيير فيهييا أول ينقسييم قسييمين القسييم الول‪ :‬النظيير فييي‬
‫الركان‪ .‬والثانيي‪ :‬فيي الحكام‪ .‬ونحين فإنميا نتكلم مين هذه فيميا‬
‫وقع فيها من المسائل المشهورة‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الركان‪.‬‬
‫@‪-‬والركان أربعييية‪ :‬الموصيييي والموصيييى له‪ ،‬والموصيييى بيييه‪،‬‬
‫والوصيية‪ .‬أميا الموصيي فاتفقوا على أنيه كيل مالك صيحيح الملك‪،‬‬
‫ويصح عند مالك وصية السفيه والصبي الذي يعقل القرب؛ وقال‬
‫أبييو حنيفيية ل تجوز وصييية الصييبي الذي لم يبلغ‪ ،‬وعيين الشافعييي‬
‫القولن وكذلك وصييية الكافيير تصييح عندهييم إذا لم يوص بمحرم‪.‬‬
‫وأمييا الموصييى له فإنهييم اتفقوا على أن الوصييية ل تجوز لوارث‬
‫لقوله علييه الصيلة والسيلم "ل وصيية لوارث" واختلفوا هيل تجوز‬
‫لغيير القرابية؟ فقال جمهور العلماء‪ :‬إنهيا تجوز لغيير القربيين ميع‬
‫الكراهيية‪ ،‬وقال الحسين وطاوس‪ :‬ترد الوصيية على القرابية‪ ،‬وبيه‬
‫قال إسييحق‪ ،‬وحجيية هؤلء ظاهيير قوله تعالى {الوصييية للوالدييين‬
‫والقربين} واللف واللم تقتضي الحصر‪ .‬واحتج الجمهور بحديث‬
‫عمران بن حصين المشهور وهو "أن رجل أعتق ستة أعبد له في‬
‫مرضيه عنيد موتيه لمال له غيرهيم‪ ،‬فأقرع رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم بينهم‪ ،‬فأعتق اثنين وأرق أربعة" والعبيد غير القرابة‪.‬‬
‫وأجمعوا ‪ -‬كمييا قلنييا ‪ -‬أنهييا ل تجوز لوارث إذا لم يجزهييا الورثيية‪.‬‬
‫واختلفوا ‪ -‬كمييا قلنييا ‪ -‬إذا أجازتهييا الورثيية‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬تجوز‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال أهيل الظاهير والمزنيي‪ :‬ل تجوز‪ .‬وسيبب الخلف هيل المنيع‬
‫لعلة الورثيية أو عبادة؟ فميين قال عبادة قال‪ :‬ل تجوز وإن أجازهييا‬
‫الورثية؛ ومين قال بالمنيع لحيق الورثية أجازهيا الورثية؛ وتردد هذا‬
‫الخلف راجيع إلى تردد المفهوم مين قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"ل وصييية لوارث" هييل هييو معقول المعنييى أم ليييس بمعقول؟‬
‫واختلفوا فيي الوصيية للمييت‪ ،‬فقال قوم‪ :‬تبطيل بموت الموصيى‬
‫له‪ ،‬وهيم الجمهور؛ وقال قوم‪ :‬ل تبطيل وفيي الوصيية للقاتيل خطيأ‬
‫وعمدا وفييي هذا الباب فرع مشهور‪ ،‬وهييو إذا أذن الورثيية للميييت‬
‫هيل لهيم أن يرجعوا فيي ذلك بعيد موتيه؟ فقييل لهيم‪ ،‬وقييل لييس‬
‫لهييم‪ ،‬وقيييل بالفرق بييين أن يكون الورثيية فييي عيال الميييت أو ل‬
‫يكونوا‪ ،‬أعنيي إنهيم إن كانوا فيي عياله كان لهيم الرجوع‪ ،‬والثلثية‬
‫القوال في المذهب‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الموصى به والنظر في جنسه وقدره‪.‬‬
‫@‪-‬أميييا جنسيييه فإنهيييم اتفقوا على جواز الوصيييية فيييي الرقاب‪،‬‬
‫واختلفوا فيييي المنافيييع فقال جمهور فقهاء المصيييار‪ :‬ذلك جائز؛‬
‫وقال ابين أبيي ليلى وابين شبرمية وأهيل الظاهير‪ :‬الوصيية بالمنافيع‬
‫باطلة‪ .‬وعمدة الجمهور أن المنافييع فييي معنييى الموال‪ .‬وعمدة‬
‫الطائفية الثانيية أن المنافيع متنقلة إلى ملك الوارث‪ ،‬لن المييت ل‬
‫ملك له فل تصييح له وصييية بمييا يوجييد فييي ملك غيره‪ ،‬وإلى هذا‬
‫القول ذهيب أبيو عمير بين عبيد البر‪ .‬وأميا القدر فإن العلماء اتفقوا‬
‫على أنييه ل تجوز الوصييية فييي أكثيير ميين الثلث لميين ترك ورثيية‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن لم يترك ورثة وفي القدر المستحب منها‪ ،‬هل هو‬
‫الثلث أو دونه؟ وإنما صار الجميع إلى أن الوصية ل تجوز في أكثر‬
‫من الثلث لمن له وارث بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم "أنه‬
‫عاد سييعد بيين أبييي وقاص فقال له يييا رسييول الله‪ :‬قييد بلغ منييي‬
‫الوجيع ميا ترى وأنيا ذو مال ول يرثنيي إل ابنية لي‪ ،‬أفأتصيدق بثلثيي‬
‫مالي؟ فقال له رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬ل ‪ ،‬فقال له‬
‫سييعد‪ :‬فالشطيير؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ثييم قال رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم‪ :‬الثلث والثلث كثيير إنيك أن تذر ورثتيك أغنياء خيير مين أن‬
‫تذرهييم عالة يتكففون الناس" فصييار الناس لمكان هذا الحديييث‬
‫إلى أن الوصيية ل تجوز بأكثير مين الثلث‪ ،‬واختلفوا فيي المسيتحب‬
‫مين ذلك‪ ،‬فذهيب قوم إلى أنيه ميا دون الثلث‪ ،‬لقوله علييه الصيلة‬
‫والسييلم فييي هذا الحديييث "والثلث كثييير" وقال بهذا كثييير ميين‬
‫السلف‪ .‬قال قتادة‪ :‬أوصى أبو بكر بالخمس‪ ،‬وأوصى عمر بالربع‪،‬‬
‫والخميس أحيب إلي‪ .‬وأميا مين ذهيب إلى أن المسيتحب هيو الثلث‬
‫فإنهيم اعتمدوا على ميا روي عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم أنيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قال "إن الله جعييل لكييم فييي الوصييية ثلث أموالكييم زيادة فييي‬
‫أعمالكم" وهذا الحديث ضعيف عند أهل الحديث‪ .‬وثبت عن ابن‬
‫عباس أنيه قال‪ :‬لوغيض الناس فيي الوصيية مين الثلث إلى الربيع‬
‫لكان أحييب إلي‪ ،‬لن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم قال‬
‫"الثلث والثلث كثيير"‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي جواز الوصيية بأكثير مين‬
‫الثلث لمييين ل وارث له‪ ،‬فإن مالكيييا ل يجييييز ذلك والوزاعيييي‪،‬‬
‫واختلف فييه قول أحميد‪ ،‬وأجاز ذلك أبيو حنيفية وإسيحق‪ ،‬وهيو قول‬
‫ابيين مسييعود‪ .‬وسييبب الخلف هييل هذا الحكييم خاص بالعلة التييي‬
‫علله بهييا الشارع أم ليييس بخاص‪ ،‬وهييو أن ل يترك ورثتييه عالة‬
‫يتكففون الناس‪ .‬كمييا قال عليييه الصييلة والسييلم "إنييك أن تذر‬
‫ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" فمن جعل‬
‫هذا السبب خاصا و جب أن يرتفع الحكيم بارتفاع هذه العلة؛ ومن‬
‫جعيييل الحكيييم عبادة وإن كان قيييد علل بعلة‪ ،‬أو جعيييل جمييييع‬
‫المسييلمين فييي هذا المعنييى بمنزلة الورثيية قال‪ :‬ل تجوز الوصييية‬
‫بإطلق بأكثر من الثلث‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية‪.‬‬
‫@‪-‬والوصيييية بالجملة هيييي هبييية الرجيييل ماله لشخيييص آخييير أو‬
‫لشخاص بعد موته أو عتق غلمه سواء صرح بلفظ الوصية أو لم‬
‫يصرح به‪ ،‬وهذا العقد عندهم هو من العقود الجائزة باتفاق‪ ،‬أعني‬
‫أن للموصي أن يرجع فيما أوصى به‪ ،‬إل المدبر فإنهم اختلفوا فيه‬
‫على مييا سيييأتي فييي كتاب التدبييير‪ ،‬وأجمعوا على أنييه ل يجييب‬
‫للموصيى له إل بعيد موت الموصيي‪ .‬واختلفوا فيي قبول الموصيى‬
‫له هل هو شرط في صحتها أم ل؟ فقال مالك‪ :‬قبول الموصى له‬
‫إياهييا شرط فييي صييحة الوصييية؛ وروي عيين الشافعييي أنييه ليييس‬
‫القبول شرطا في صحتها‪ ،‬ومالك شبهها بالهبة‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه الحكام منها لفظية‪ ،‬ومنها حسابية‪ ،‬ومنها حكمية‪ .‬فمن‬
‫مسائلهم المشهورة الحكمية اختلفهم في حكم من أوصى بثلث‬
‫ماله لرجيل وعيين ميا أوصيى له بيه فيي ماله مميا هيو الثلث‪ ،‬فقال‬
‫الورثييية‪ :‬ذلك الذي عيييين أكثييير مييين الثلث‪ ،‬فقال مالك‪ :‬الورثييية‬
‫مخيرون بيين أن يعطوه ذلك الذي عينيه الموصيي أو يعطوه الثلث‬
‫من جميع مال الميت؛ وخالفه في ذلك أبو حنيفة والشافعي وأبو‬
‫ثور وأحمييد وداود‪ .‬وعمدتهييم أن للوصييية قييد وجبييت للموصييى له‬
‫بموت الموصيي وقبوله إياهيا باتفاق‪ ،‬فكييف ينقيل عين ملكيه ميا‬
‫وجب له بغير طيب نفس منه وتغير الوصية‪ .‬وعمدة مالك إمكان‬
‫صدق الورثة فيما ادعوه‪ ،‬وما أحسن ما رأى أبو عمر بن عبد البر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في هذه المسألة‪ ،‬وذلك أنه قال‪ :‬إذا ادعى الورثة ذلك كلفوا بيان‬
‫ميا ادعوا‪ ،‬فإن ثبيت ذلك أخيذ منيه الموصيى له قدر الثلث مين ذلك‬
‫الشييء الموصيى بيه وكان شريكيا للورثية‪ ،‬وإن كان الثلث فأقيل‬
‫جبروا على إخراجه‪ ،‬وإذا لم يختلفوا في أن ذلك الشيء الموصى‬
‫بيه هيو فرق الثلث‪ ،‬فعنيد مالك أن الورثية مخيرون بيين أن يدفعوا‬
‫إليه ما وصى له به‪ ،‬أو يفرجوا له عن جميع ثلث مال الميت‪ ،‬إما‬
‫في ذلك الشيء بعينه‪ ،‬وإما في جميع المال على اختلف الرواية‬
‫عن مالك في ذلك؛ وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬له ثلث تلك العين‬
‫ويكون بباقيييه شريكييا للورثيية فييي جميييع مييا ترك الميييت حتييى‬
‫يسيتوفي تمام الثلث‪ .‬وسيبب الخلف أن المييت لميا تعدى فيي أن‬
‫جعيل وصييته فيي شييء بعينيه‪ ،‬فهيل العدل فيي حيق الورثية أن‬
‫يخيروا بيين إمضاء الوصيية أو يفرجوا له إلى غايية ميا يجوز للمييت‬
‫أن يخرج عنهيييم مييين ماله أو يبطيييل التعدي ويعود ذلك الحيييق‬
‫مشتركا‪ ،‬وهذا هو الولى إذا قلنا إن التعدي هو في التعيين لكونه‬
‫أكثير مين الثلث‪ ،‬أعنييي أن الواجيب أن يسيقط التعييين‪ .‬وإميا أن‬
‫يكلف الورثيية أن يمضوا التعيييين أو يتخلوا عيين جميييع الثلث فهييو‬
‫حميل عليهيم‪ .‬ومين هذا الباب اختلفهيم فيمين وجبيت علييه زكاة‬
‫فمات ولم يوص بهيا وإذا وصيى بهيا فهيل هيي مين الثلث‪ ،‬أو مين‬
‫رأس المال؟ فقال مالك‪ :‬إذا لم يوص بهييييا لم يلزمييييه الورثيييية‬
‫إخراجهيا‪ ،‬وقال الشافعيي‪ :‬يلزم الورثية إخراجهيا مين رأس المال‪،‬‬
‫وإذا وصيى بهيا‪ ،‬فعنيد مالك يلزم الورثية إخراجهيا وهيي عنده مين‬
‫الثلث‪ ،‬وهيي عنيد الشافعيي فيي الوجهيين مين رأس المال شبههيا‬
‫بالديين لقول رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "فديين الله أحيق‬
‫أن يقضى" وكذلك الكفارات الواجبة والحج الواجب عنده‪ ،‬ومالك‬
‫يجعلهييا ميين جنييس الوصييايا بالتوصييية بإخراجهييا بعييد الموت‪ ،‬ول‬
‫خلف أنه لو أخرجها في الحياة أنها من رأس المال ولو كان في‬
‫السيياق‪ ،‬وكأن مالكيا اتهميه هنيا على الورثية‪ ،‬أعنيي فيي توصييته‬
‫بإخراجهيا‪ ،‬قال‪ :‬ولو أجييز هذا لجاز للنسيان أن يؤخير جمييع زكاتيه‬
‫طول عمره إذا دنييا ميين الموت وصييى بهييا فإذا زاحمييت الوصييايا‬
‫الزكاة قدمت عند مالك على ما هو أضعف منها؛ وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫هي وسائر الوصايا سواء‪ ،‬يريد في المحاصة‪ .‬واتفق مالك وجميع‬
‫أصحابه على أن الوصايا التي يضيق عنها الثلث إذا كانت مستوية‬
‫أنها تتحاص في الثلث‪ ،‬وإذا كان بعضها أهم من بعض قدم الهم‪.‬‬
‫واختلفوا فييي الترتيييب على مييا هييو مسييطور فييي كتبهييم‪ .‬وميين‬
‫مسييائلهم الحسييابية المشهورة فييي هذا الباب إذا أوصييى لرجييل‬
‫بنصف ماله ولخر بثلثيه ورد للورثة الزائد‪ ،‬فعند مالك والشافعي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أنهمييا يقتسييمان الثلث بينهمييا أخماسييا؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬بييل‬


‫يقتسييمان الثلث بالسييوية‪ .‬وسييبب الخلف هييل الزائد على الثلث‬
‫الساقط هل يسقط العتبار به في القسمة كما يسقط في نفسه‬
‫بإسيقاط الورثية؟ فمين قال يبطيل فيي نفسيه ول يبطيل العتبار بيه‬
‫فيي القسيمة إذا كان مشاعيا قال‪ :‬يقتسيمون المال أخماسيا؛ ومين‬
‫قال يبطيل العتبار بيه كميا لو كان معينيا قال‪ :‬يقتسيمون الباقيي‬
‫على السيواء‪ .‬ومين مسيائلهم اللفظيية فيي هذا الباب إذا أوصيى‬
‫بجزء مين ماله وله مال يعلم بيه ومال ل يعلم بيه‪ ،‬فعنيد مالك أن‬
‫الوصية تكون فيما علم به دون ما لم يعلم‪ ،‬وعند الشافعي تكون‬
‫في المالين‪ .‬وسبب الخلف هل اسم المال الذي نطق به يتضمن‬
‫ميا علم وميا لم يعلم‪ ،‬أو ميا علم فقيط؟ والمشهور عين مالك أن‬
‫المدبر يكون فيي المالين إذا لم يخرج من المال الذي يعلم‪ .‬وفيي‬
‫هذا الباب فروع كثيرة وكلهيا راجعية إلى هذه الثلثية الجناس‪ ،‬ول‬
‫خلف بينهم أن للرجل أن يوصي بعد موته بأولده وأن هذه خلفة‬
‫جزئية كالخلفة العظمى الكلية التي للمام أن يوصي بها‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الفرائض‪.‬‬
‫@‪-‬والنظر في هذا الكتاب‪ ،‬فيمن يرث‪ ،‬وفيمن ل يرث‪ .‬ومن يرث‬
‫هيل يرث دائميا‪ ،‬أو ميع وارث دون وارث؛ وإذا ورث ميع غيره فكيم‬
‫يرث وكذلك إذا ورث وحده كييم يرث؟ وإذا ورث مييع وارث‪ ،‬فهيل‬
‫يختلف ذلك بحسيب وارث وارث أو ل يختلف؟‪ .‬والتعلييم فيي هذا‬
‫يمكين على وجوه كثيرة قيد سيلك أكثرهيا أهيل الفرائض‪ ،‬والسيبيل‬
‫الحاضرة في ذلك بأن يذكر حكم جنس جنس من أجناس الورثة‬
‫إذا انفرد ذلك الجنييس وحكمييه مييع سييائر الجناس الباقييية‪ ،‬مثال‬
‫ذلك أن ينظير إلى الولد إذا انفرد كيم ميراثيه‪ ،‬ثيم ينظير حاله ميع‬
‫سيائر الجناس الباقيية مين الوارثيين‪ .‬فأميا الجناس الوارثية فهيي‬
‫ثلثية‪ :‬ذو نسيب وأصيهار‪ ،‬وموالي‪ .‬فأميا ذوو النسيب‪ ،‬فمنهيا متفيق‬
‫عليها‪ ،‬ومنها مختلف فيها‪ .‬فأما المتفق عليها فهي الفروع‪ :‬أعني‬
‫الولد‪ ،‬والصيول‪ :‬أعنيي الباء والجداد ذكورا كانوا أو إناثيا‪ ،‬وكذلك‬
‫الفروع المشاركة للميت في الصل الدنى‪ :‬أعني الخوة ذكورا أو‬
‫إناثيا‪ ،‬أو المشاركية الدنيى أو البعيد فيي أصيل واحيد وهيم العمام‬
‫وبنييو العمام‪ ،‬وذلك الذكور ميين هؤلء خاصيية فقييط‪ ،‬وهؤلء إذا‬
‫فصيلوا كانوا مين الرجال عشرة ومين النسياء سيبعة؛ أميا الرجال‪:‬‬
‫فالبين وابين البين وإن سيفل والب والجيد أبيو الب وإن عل والخ‬
‫ميين أي جهيية كان‪ :‬أعنييي للم والب أو لحدهمييا وابيين الخ وإن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سيفل والعيم وابين العيم وإن سيفل والزوج ومولى النعمية‪ .‬وأميا‬
‫النسيياء‪ :‬فالبنيية وابنيية البيين وإن سييفلت والم والجدة وإن علت‬
‫والخت والزوجة والمولة‪ .‬وأما المختلف فيهم فهم ذوو الرحام‪،‬‬
‫وهم من ل فرض لهم في كتاب الله ول هم عصبة‪ ،‬وهم بالجملة‬
‫بنيو البنات وبنات الخوة وبنيو الخوات وبنات العمام والعيم أخيو‬
‫الب للم فقييييط وبنييييو الخوة للم والعمات والخالت والخوال؛‬
‫فذهيب مالك والشافعيي وأكثير فقهاء المصيار وزييد بين ثابيت مين‬
‫الصييحابة إلى أنييه ل ميراث لهييم؛ وذهييب سييائر الصييحابة وفقهاء‬
‫العراق والكوفية والبصيرة وجماعية العلماء مين سيائر الفاق إلى‬
‫توريثهم‪ .‬والذين قالوا بتوريثهم اختلفوا في صفة توريثهم؛ فذهب‬
‫أبيو حنيفية وأصيحابه إلى توريثهيم على ترتييب العصيبات‪ ،‬وذهيب‬
‫سيائر مين ورثهيم إلى التنزييل‪ ،‬وهيو أن ينزل كيل مين أدلى منهيم‬
‫بذي سييهم أو عصييبة بمنزلة السييبب الذي أدلى بييه‪ .‬وعمدة مالك‬
‫ومين قال بقوله أن الفرائض لميا كانيت ل مجال للقياس فيهيا كان‬
‫الصيل أن ل يثبيت فيهيا شييء إل بكتاب أو سينة ثابتية أو إجماع‪،‬‬
‫وجميع ذلك معدوم في هذه المسألة‪ .‬وأما الفرقة الثانية‪ ،‬فزعموا‬
‫أن دليلهييم على ذلك ميين الكتاب والسيينة والقياس‪ .‬أمييا الكتاب‬
‫فقوله تعالى {وأولوا الرحام بعضهييم أولى ببعييض} وقوله تعالى‬
‫{للرجال نصيييب ممييا ترك الوالدان والقربون} واسييم القرابيية‬
‫ينطلق على ذوي الحارم‪ ،‬ويرى المخالف أن هذه مخصييييييييوصة‬
‫بآيات المواريث‪ .‬وأما السنة فاحتجوا بما خرجه الترمذي عن عمر‬
‫بين الخطاب أنيه كتيب إلى أبيي عيبيدة أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم قال "الله ورسييوله مولى ميين ل مولى له‪ ،‬والخال‬
‫وارث مين ل وارث له"‪ .‬وأميا مين طرييق المعنيى فإن القدماء مين‬
‫أصيحاب أبيي حنيفية قالوا‪ :‬إن ذوي الرحام أولى مين المسيلمين‬
‫لنهم قد اجتمع لهم سببان‪ :‬القرابة والسلم‪ ،‬فأشبهوا تقديم الخ‬
‫الشقيق على الخ للب‪ ،‬أعني أن من اجتمع له سببان أولى ممن‬
‫له سييبب واحييد‪ .‬وأمييا أبييو زيييد ومتأخرو أصييحابه فشبهوا الرث‬
‫بالوليية وقالوا‪ :‬لميا كانيت وليية التجهييز والصيلة والدفين للمييت‬
‫عنييد فقييد أصييحاب الفروض والعصييبات لذوي الرحام وجييب أن‬
‫يكون لهيييم وليييية الرث‪ ،‬وللفرييييق الول اعتراضات فيييي هذه‬
‫المقايييس فيهيا ضعيف‪ .‬وإذ قيد تقرر هذا فلنشرع فيي ذكير جنيس‬
‫جنييس ميين أجناس الوارثييين‪ ،‬ونذكيير ميين ذلك مييا يجري مجرى‬
‫الصول من المسائل المشهورة المتفق عليها والمختلف فيها‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الصيلب) وأجميع المسيلمون على أن ميراث الولد مين‬
‫والدهم ووالدتهم إن كانوا ذكورا وإناثا معا هو أن للذكر منهم مثل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حييظ النثيييين‪ ،‬وأن البيين الواحييد إذا انفرد فله جميييع المال‪ ،‬وأن‬
‫البنات إذا انفردن فكانت واحدة أن لها النصف‪ ،‬وإن كن ثلثا فما‬
‫فوق ذلك فلهن الثلثان‪ .‬واختلفوا في الثنتين فذهب الجمهور إلى‬
‫أن لهميا الثلثيين‪ ،‬وروي عين ابين عباس أنيه قال‪ :‬للبنتيين النصيف‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم تردد المفهوم فيي قوله تعالى {فإن كين‬
‫نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} هل حكم الثنتين المسكوت‬
‫عنه يلحق بحكم الثلثة أو بحكم الواحدة؟ والظهر من باب دليل‬
‫الخطاب أنهميا لحقان بحكيم الواحدة؛ وقيد قييل إن المشهور عين‬
‫ابيين عباس مثييل قول الجمهور وقييد روي عيين ابيين عبييد الله بيين‬
‫محمد بن عقيل عن حاتم بن عبد الله وعن جابر "أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أعطى البنتين الثلثين" قال فيما أحسب أبو عمر‬
‫ابين عبد البر وعبيد الله بن عقييل‪ :‬قد قبيل جماعية من أهل العلم‬
‫حديثييه وخالفهييم آخرون‪ .‬وسييبب التفاق فييي هذه الجملة قوله‬
‫تعالى {يوصييكم الله فيي أولدكيم للذكير مثيل حيظ النثييين} إلى‬
‫قوله {وإن كانييت واحدة فلهييا النصييف} وأجمعوا ميين هذا الباب‬
‫على أن بنيي البنيين يقومون مقام البنيين عنيد فقيد البنيين يرثون‬
‫كميا يرثون ويحجبون كميا يحجبون‪ ،‬إل شييء روي عين مجاهيد أنيه‬
‫قال‪ :‬ولد البن ل يحجبون الزوج من النصف إلى الربع كما يحجب‬
‫الولد نفسيه ول الزوجية مين الربيع إلى الثمين‪ ،‬ول الم مين الثلث‬
‫إلى السدس‪ .‬وأجمعوا على أنه ليس لبنات البن ميراث مع بنات‬
‫الصيلب إذا اسيتكمل بنات المتوفيي الثلثيين‪ .‬واختلفوا إذا كان ميع‬
‫بنات البن ذكر ابن ا بن في مرتبتهن أو أبعد منهن‪ ،‬فقال جمهور‬
‫فقهاء المصار‪ :‬إنه يعصب بنات البن فيما فضل عن بنات الصلب‬
‫فيقسيمون المال للذكير مثيل حيظ النثييين‪ ،‬وبيه قال علي رضيي‬
‫الله عنه وزيد بن ثابت من الصحابة‪ .‬وذهب أبو ثور وداود أنه إذا‬
‫اسيتكمل البنات الثلثيين أن الباقيي لبين البين دون بنات البين كين‬
‫فيي مرتبية واحدة ميع الذكير أو فوقيه أو دونيه‪ .‬وكان ابين مسيعود‬
‫يقول فيي هذه {للذكير مثيل حيظ النثييين} إل أن يكون الحاصيل‬
‫للنساء أكثر من السدس فل تعطي إل السدس‪ .‬وعمدة الجمهور‬
‫عموم قوله تعالى {يوصيييكم الله فييي أولدكييم للذكيير مثييل حييظ‬
‫النثييين} وأن ولد الولد ولد مين طرييق المعنيى‪ ،‬وأيضيا لميا كان‬
‫ابيين البيين يعصييب ميين فييي درجتييه فييي جملة المال فواجييب أن‬
‫يعصيب فيي الفاضيل مين المال‪ .‬وعمدة داود وأبيي ثور حدييث ابين‬
‫عباس أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "اقسيموا المال بيين‬
‫أهييل الفرائض على كتاب الله عييز وجييل‪ ،‬فمييا أبقييت الفرائض‬
‫فلولى رجل ذكر" ومن طريق المعنى أيضا أن بنت البن لما لم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ترث مفردة ميين الفاضييل عيين الثلثييين كان أحرى أن ل ترث مييع‬
‫غيرها‪ ،‬وسبب اختلفهم تعارض القياس والنظر في الترجيح‪ .‬وأما‬
‫قول ابين مسيعود فمبنيي على أصيله فيي أن بنات البين لميا كين ل‬
‫يرثن مع عدم البن أكثر من السدس لم يجب لهن مع الغير أكثر‬
‫مميا وجيب لهين ميع النفراد‪ ،‬وهيي حجية قريبية مين حجية داود‪،‬‬
‫والجمهور على أن ذكيير ولد البيين يعصييبهن كان فييي درجتهيين أو‬
‫أطرف من هن‪ .‬و شذ بعض المتأخر ين فقال‪ :‬ل يعصيبهن إل إذا كان‬
‫فييي مرتبتهيين‪ .‬وجمهور العلماء على أنييه إذا ترك المتوفييي بنتييا‬
‫لصيلب وبنيت ابين أو بنات ابين لييس معهين ذكير أن لبنات البين‬
‫السيدس تكملة الثلثيين‪ ،‬وخالفيت الشيعية فيي ذلك فقالت‪ :‬ل ترث‬
‫بنييت البيين مييع البنييت شيئا كالحال فييي ابيين البيين مييع البيين‪،‬‬
‫فالختلف في بنات البن في موضعين‪ :‬مع بني البن‪ ،‬ومع البنات‬
‫فيما دون الثلثين وفوق النصف‪ .‬فالمتحصل فيهن إذا كن مع بني‬
‫البين أنيه قييل يرثين‪ ،‬وقييل ل يرثين؛ وإذا قييل يرثين فقييل يرثين‬
‫تعصيبا مطلقا‪ ،‬وقيل يرثن تعصيبا إل أن يكون أكثر من السدس؛‬
‫وإذا قييل يرثين فقييل أيضيا إذا كان ابين البين فيي درجتهين وقييل‬
‫كيفما كان‪ ،‬والمتحصل في وراثتهن مع عدم ابن البن فيما فضل‬
‫عن النصف إلى تكملة الثلثين قيل يرثن‪ ،‬وقيل ل يرثن‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الزوجات) وأجميع العلماء على أن ميراث الرجيل مين‬
‫امرأتييه إذا لم تترك ولدا ول ولد ابيين النصييف ذكرا كان الولد أو‬
‫أنثى‪ ،‬إل ما ذكرنا عن مجاهد‪ ،‬وأنها إن تركت ولدا فله الربع‪ ،‬وأن‬
‫ميراث المرأة مييين زوجهيييا إذا لم يترك الزوج ولد ول ولد ابييين‬
‫الربيع‪ ،‬فإن ترك ولدا أو ولد ابين فالثمين‪ ،‬وأنيه لييس يحجبهين أحيد‬
‫عيين الميراث ول ينقصييهن إل الولد‪ ،‬وهذا لورود النييص فييي قوله‬
‫تعالى {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد} الية‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الب والم) وأجمييييييع العلماء على أن الب إذا انفرد‬
‫كان له جميييع المال‪ ،‬وأنييه إذا انفرد البوان كان للم الثلث وللب‬
‫الباقيي لقوله تعالى {وورثيه أبواه فلميه الثلث} وأجمعوا على أن‬
‫فرض البوييين ميين ميراث ابنهمييا إذا كان للبيين ولد أو ولد ابيين‬
‫السييدسان‪ ،‬أعنييي أن لكييل واحييد منهمييا السييدس لقوله تعالى‬
‫{ولبويييه لكييل واحييد منهمييا السييدس ممييا ترك إن كان له ولد}‬
‫والجمهور على أن الولد هيو الذكير دون النثيى وخالفهيم فيي ذلك‬
‫مين شيذ؛ وأجمعوا على أن الب ل ينقيص ميع ذوي الفرائض مين‬
‫السيدس وله ميا زاد؛ وأجمعوا مين هذا الباب على أن الم يحجبهيا‬
‫الخوة مييين الثلث إلى السيييدس لقوله تعالى {فإن كان له أخوة‬
‫فلمه السدس} ‪ .‬واختلفوا في أقل ما يحجب الم من الثلث إلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫السدس من الخوة‪ ،‬فذهب علي رضي الله عنه وابن مسعود إلى‬
‫أن الخوة الحاجبين هما اثنان فصاعدا‪ ،‬وبه قال مالك وذهب ابن‬
‫عباس إلى أنهييم ثلثيية فصيياعدا‪ ،‬وأن الثنييين ل يحجبان الم ميين‬
‫الثلث إلى السيدس‪ ،‬والخلف آييل إلى أقيل ميا ينطلق علييه اسيم‬
‫الجمييع؛ فميين قال أقييل مييا ينطلق عليييه اسييم الجمييع ثلثيية قال‪:‬‬
‫الخوة الحاجبون ثلثية فميا فوق؛ ومين قال أقيل ميا ينطلق علييه‬
‫اسم الجمع اثنان قال‪ :‬الخوة الحاجبون هما اثنان أعني في قوله‬
‫تعالى {فإن كان له أخوة} ول خلف أن الذكييير والنثيييى يدخلن‬
‫تحييت اسييم الخوة فييي الييية وذلك عنييد الجمهور‪ .‬وقال بعييض‬
‫المتأخرييييين ل أنقييييل الم ميييين الثلث إلى السييييدس بالخوات‬
‫المنفردات‪ ،‬لنيه زعيم أنيه لييس ينطلق عليهين اسيم الخوة إل أن‬
‫يكون معهيين أخ لموضييع تغليييب المذكيير على المؤنييث‪ ،‬إذ اسييم‬
‫الخوة هييو جمييع أخ‪ ،‬والخ مذكيير‪ .‬واختلفوا ميين هذا الباب فيميين‬
‫يرث السييييدس الذي تحجييييب عنييييه الم بالخوة‪ ،‬وذلك إذا ترك‬
‫المتوفييي أبوييين وأخوة‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ذلك السييدس للب مييع‬
‫الربعية السيداس‪ .‬وروي عين ابين عباس أن ذلك السيدس للخوة‬
‫الذ ين حجبوا‪ ،‬وللب الثلثان لنه ليس في الصول من يحجب ول‬
‫يأخذ ما حجب إل الخوة مع الباء‪ ،‬وضعف قوم السناد بذلك عن‬
‫ابين عباس‪ ،‬وقول ابين عباس هيو القياس‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب‬
‫في التي تعرف بالغراوين‪ ،‬وهي فيمن ترك زوجة وأبوين‪ ،‬أو زوجا‬
‫وأبويين؛ فقال الجمهور‪ :‬فيي الولى للزوجية الربيع‪ ،‬وللم ثلث ميا‬
‫بقيي‪ ،‬وهيو الربيع مين رأس المال‪ ،‬وللب ميا بقيي وهيو النصيف‪،‬‬
‫وقالوا في الثانية‪ :‬للزوج النصف وللم ثلث ما بقي وهو السدس‬
‫مين رأس المال‪ ،‬وللب ميا بقيي وهيو السيدسان‪ ،‬وهيو قول زييد‬
‫والمشهور ميين قول علي رضييي الله عنييه‪ .‬وقال ابيين عباس فييي‬
‫الولى‪ :‬للزوجة الربع من رأس المال‪ ،‬وللم الثلث منه أيضا لنها‬
‫ذات فرض‪ ،‬وللب ميا بقيي لنيه عاصيب؛ وقال أيضيا فيي الثانيية‪:‬‬
‫للزوج النصييف‪ ،‬وللم الثلث لنهييا ذات فرض مسييمى‪ ،‬وللب مييا‬
‫بقي‪ ،‬وبه قال شريح القاضي وداود وابن سيرين وجماعة‪ .‬وعمدة‬
‫الجمهور أن الب والم لمييا كانييا إذا انفردا بالمال كان للم الثلث‬
‫وللب الباقيي‪ ،‬وجيب أن يكون الحال كذلك فيميا بقيي مين المال‪،‬‬
‫كأنهم رأوا أن يكون ميراث الم أكثر من ميراث الب خروجا عن‬
‫الصيول‪ .‬وعمدة الفرييق الخير أن الم ذات فرض مسيمى والب‬
‫عاصييب‪ ،‬والعاصييب ليييس له فرض محدود مييع ذي الفروض‪ ،‬بييل‬
‫يقل ويكثر‪ ،‬وما عليه الجمهور من طريق التعليل أظهر‪ ،‬وما عليه‬
‫الفرييق الثانيي ميع عدم التعلييل أظهير‪ ،‬وأعنيي بالتعلييل ههنيا أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يكون أحق سببي النسان أولى باليثار‪ :‬أعني الب من الم‪.‬‬


‫@‪(-‬ميراث الخوة للم) وأجميييييع العلماء على أن الخوة للم إذا‬
‫انفرد الواحييد منهييم أن له السييدس ذكرا كان أو أنثييى وأنهييم إن‬
‫كانوا أكثير مين واحيد فهيم شركاء فيي الثلث على السيوية‪ ،‬للذكير‬
‫منهييم مثييل حييظ النثييى سييواء‪ .‬وأجمعوا على أنهييم ل يرثون مييع‬
‫أربعييية‪ :‬وهيييم الب والجيييد أبيييو الب وإن عل‪ ،‬والبنون ذكرانهيييم‬
‫وإناثهيم‪ ،‬وبنيو البنيين وإن سيفلوا ذكرانهيم وإناثهيم‪ ،‬وهذا كله لقوله‬
‫تعالى {وإن كان رجييييل يورث كللة أو امرأة وله أخ أو أخييييت}‬
‫الييية‪ ،‬وذلك أن الجماع انعقييد على أن المقصييود بهذه الييية هييم‬
‫الخوة للم فقييط‪ .‬وقييد قرئ "وله أخ أو أخييت ميين أمييه" وكذلك‬
‫أجمعوا فيمييا أحسييب ههنييا على أن الكللة هييي فقييد الصييناف‬
‫الربعية التيي ذكرناهيا مين النسيب‪ :‬أعنيي الباء والجداد والبنيين‬
‫وبني البنين‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الخوة للب والم أو للب) وأجميييييع العلماء على أن‬
‫الخوة للب والم أو للب فقيييط يرثون فيييي الكللة أيضيييا‪ .‬أميييا‬
‫الخت إذا انفردت فإن لها النصف وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان‪،‬‬
‫كالحال فيي البنات‪ ،‬وإنهيم إن كانوا ذكورا وإناثيا فللذكير مثيل حيظ‬
‫النثيين كحال البنين مع البنات‪ ،‬وهذا لقوله تعالى {يستفتونك قل‬
‫الله يفتيكيم فيي الكللة} إل أنهيم اختلفوا فيي معنيى الكللة ههنيا‬
‫في أشياء واتفقوا منها في أشياء يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى ؛‬
‫فمين ذلك أنهيم أجمعوا مين هذا الباب على أن الخوة للب والم‬
‫ذكرانا كانوا أو إناثا أنهم ل يرثون مع الولد الذكر شيئا‪ ،‬ول مع ولد‬
‫الولد ول مييع الب شيئا‪ .‬واختلفوا فيمييا سييوى ذلك؛ فمنهييا أنهييا‬
‫اختلفوا فيي ميراث الخوة للب والم ميع البنيت أو البنات‪ ،‬فذهيب‬
‫الجمهور إلى أنهن عصبة يعطون ما فضل عن البنات؛ وذهب داود‬
‫بين علي الظاهري وطائفية إلى أن الخيت ل ترث ميع البنيت شيئا‪.‬‬
‫وعمدة الجمهور في هذا الحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله‬
‫علييه وسيلم أنيه قال فيي ابنية وابنية ابين وأخيت "إن للبنيت النصيف‬
‫ولبنة البن السدس تكميلة الثلثين وما بقي فللخت"‪ .‬وأيضا من‬
‫جهيية النظيير لمييا أجمعوا على توريييث الخوة مييع البنات‪ ،‬فكذلك‬
‫الخوات‪ .‬وعمدة الفرييق الخير ظاهير قوله تعالى {إن امرو هلك‬
‫ليس له ولد وله أخت} فلم يجعل للخت شيئا إل مع عدم الولد‪،‬‬
‫والجمهور حملوا اسيم الولد ههنيا على الذكور دون الناث‪ .‬وأجميع‬
‫العلماء ميين هذا الباب على أن الخوة للب والم يحجبون الخوة‬
‫للب عن الميراث قياسا على بني البناء مع بني الصلب‪ .‬قال أبو‬
‫عمير‪ :‬وقيد روي ذلك فيي حدييث حسين مين روايية الحاد العدول‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عين علي رضيي الله عنيه قال "قضيى رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيييلم أن أعيان بنيييي الم يتوارثون دون بنيييي العلت" وأجميييع‬
‫العلماء على أن الخوات للب والم إذا اسييتكملن الثلثييين فإنييه‬
‫لييس للخوات للب معهين شييء كالحال فيي بنات البين ميع بنات‬
‫الصيلب‪ ،‬وأنيه إن كانيت الخيت للب والم واحدة فللخوات للب‬
‫ميا كين بقيية الثلثيين وهيو السيدس‪ .‬واختلفوا إذا كان ميع الخوات‬
‫للب ذكير‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬يعصيبهن ويقتسيمون المال للذكير مثيل‬
‫حيظ النثييين‪ ،‬كالحال فيي بنات البين ميع بنات الصيلب؛ واشترط‬
‫مالك أن يكون فييي درجتهيين؛ وقال ابيين مسييعود‪ :‬إذا اسييتكمل‬
‫الخوات الشقائق الثلثييين فالباقييي للذكور ميين الخوة للب دون‬
‫الناث‪ ،‬وبييه قال أبييو ثور؛ وخالفييه داود فييي هذه المسييألة‪ ،‬مييع‬
‫موافقتيييه له فيييي مسيييألة بنات الصيييلب وبنيييي البنيييين‪ ،‬فإن لم‬
‫يسيتكملن الثلثيين‪ ،‬فللذكير عنده مين بنيي الب مثيل حيظ النثييين‪،‬‬
‫إل أن يكون الحاصيل للنسياء أكثير مين السيدس كالحال فيي بنيت‬
‫الصيلب ميع بنيي البين‪ .‬وأدلة الفريقيين فيي هذه المسيألة هيي تلك‬
‫الدلة بأعيانهييييييييييا‪ .‬وأجمعوا على أن الخوة للب يقومون مقام‬
‫الخوة للب والم عند فقدهم‪ ،‬كالحال في بني البنين مع البنين‪،‬‬
‫وأنيه إذا كان معهين ذكير عصيبهن‪ ،‬بأن يبدأ بمين له فرض مسيمى‪،‬‬
‫ثم يرثون الباقي للذكر مثل حظ النثيين كالحال في البنين إل في‬
‫موضيع واحيد وهيي الفريضية التيي تعرف بالمشركية‪ ،‬فإن العلماء‬
‫اختلفوا فيهيا‪ ،‬وهيي امرأة توفييت وتركيت زوجهيا وأمهيا وإخوتهيا‬
‫لمهييا وإخوتهييا لبيهييا وأمهييا‪ ،‬فكان عميير وعثمان وزيييد بيين ثابييت‬
‫يعطون للزوج النصييييييف وللم السييييييدس وللخوة للم الثلث‪،‬‬
‫فيسيييتغرقون المال فيبقيييى الخوة للب والم بل شييييء‪ ،‬فكانوا‬
‫يشركون الخوة للب والم فيي الثلث ميع الخوة للم يقتسيمونه‬
‫بينهم للذكر مثل حظ النثيين‪ .‬وبالتشريك قال من فقهاء المصار‬
‫مالك والشافعييي والثوري‪ .‬وكان علي رضييي الله عنييه وأبييي بيين‬
‫كعيييب وأبييو موسييى الشعري ل يشركون إخوة الب والم فيييي‬
‫الثلث مع إخوة الم في هذه الفريضة‪ ،‬ول يوجبون لهم شيئا فيها‪،‬‬
‫وقال به من فقهاء المصار‪ :‬أبو حنيفة وابن أبي ليلى وأحمد وأبو‬
‫ثور وداود وجماعييية‪ .‬وحجييية الفرييييق الول أن الخوة للب والم‬
‫يشاركون الخوة للم في السبب الذي به يستوجبون الرث وهي‬
‫الم فوجيب أن ل ينفردوا بيه دونهيم‪ ،‬لنيه إذا اشتركوا فيي السيبب‬
‫الذي بيه يورثون وجيب أن يشتركوا فيي الميراث‪ .‬وحجية الفرييق‬
‫الثانييي أن الخوة الشقائق عصييبة‪ ،‬فلشيييء لهييم إذا أحاطييت‬
‫فرائض ذوي السيهام بالميراث‪ .‬وعمدتهيم باتفاق الجمييع على أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين ترك زوجيا وأميا وأخيا واحدا لم وإخوة شقائق عشرة أو أكثير‬
‫أن الخ للم يسيتحق ههنيا السيدس كامل‪ ،‬والسيدس الباقيي بيين‬
‫الباقين مع أنهم مشاركون له في الم‪ .‬فسبب الختلف في أكثر‬
‫مسائل الفرائض هو تعارض المقاييس واشتراك اللفاظ فيما فيه‬
‫نص‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الجيد) وأجميع العلماء على أن الب يحجيب الجيد وأنيه‬
‫يقوم مقام الب عنيد عدم الب ميع البنيين وأنيه عاصيب ميع ذوي‬
‫الفرائض‪ .‬واختلفوا هييييل يقوم مقام الب فييييي حجييييب الخوة‬
‫الشقائق‪ ،‬أو حجييب الخوة للب؟ فذهييب ابيين عباس وأبييو بكيير‬
‫رضيي الله عنهميا وجماعية إلى أنيه يحجبهيم‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية‬
‫وأبييو ثور والمزنييي وابيين سييريج ميين أصييحاب الشافعييي وداود‬
‫وجماعة‪ .‬واتفق علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن ثابت‬
‫وابين مسيعود على تورييث الخوة ميع الجيد‪ ،‬إل أنهيم اختلفوا فيي‬
‫كيفية ذلك على ما أقوله بعد‪ .‬وعمدة من جعل الجد بمنزلة الب‬
‫اتفاقهميا فيي المعنيى‪ ،‬أعنيي مين قبيل أن كليهميا أب للمييت‪ ،‬ومين‬
‫اتفاقهميا فيي كثيير مين الحكام التيي أجمعوا على اتفاقهميا فيهيا‬
‫حتى إنه قد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال‪ :‬أما يتقي‬
‫الله زيد ابن ثابت يجعل ابن البن ابنا‪ ،‬ول يجعل أب الب أبا‪ .‬وقد‬
‫أجمعوا على أنييه مثله فييي أحكام أخيير سييوى الفروض‪ ،‬منهييا أن‬
‫شهادتييه لحفيده كشهادة الب وأن الجييد يعتييق على حفيده كمييا‬
‫يعتيق الب على البين‪ ،‬وأنيه ل يقتيص له مين جيد كميا ل يقتيص له‬
‫من أب‪ .‬وعمدة من ورث الخ مع الجد أن الخ أقرب إلى الميت‬
‫من الجيد‪ ،‬لن الجيد أبو أبي المييت‪ ،‬والخ ابين أبيي الميت‪ ،‬والبين‬
‫أقرب مين الب‪ .‬وأيضيا فميا أجمعوا علييه مين أن ابين الخ يقدم‬
‫على العم‪ ،‬وهو يدلي بالب‪ ،‬والعم يدلي بالجد‪.‬‬
‫فسيييبب الخلف تعارض القياس فيييي هذا الباب‪ .‬فإن قييييل‪ :‬فأي‬
‫القياسيين أرجيح بحسيب النظير الشرعيي؟ قلنيا‪ :‬قياس مين سياوى‬
‫بيين الب والجيد‪ ،‬فإن الجيد أب فيي المرتبية الثانيية أو الثالثية‪ ،‬كميا‬
‫أن البين ابين فيي المرتبية الثانيية أو الثالثية‪ ،‬وإذا لم يحجيب البين‬
‫الجد وهو يحجب الخوة فالجد يجب أن يحجب من يحجب البن‪،‬‬
‫والخ ليييس بأصييل للميييت ول فرع‪ ،‬وإنمييا هييو مشارك له فييي‬
‫الصل‪ ،‬والصل أحق بالشيء من المشارك له في الصل‪ ،‬والجد‬
‫ليس هو أصل للميت من قبل الب بل هو أصل أصله‪ ،‬والخ يرث‬
‫مين قبيل أنيه فرع لصيل المييت‪ ،‬فالذي هيو أصيل لصيله أولى مين‬
‫الذي هيو فرع لصيله‪ ،‬ولذلك ل معنيى لقول مين قال إن الخ يدلي‬
‫بالبنوة‪ ،‬والجيد يدلي بالبوة‪ ،‬فإن الخ لييس ابنيا للمييت وإنميا هيو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ابين أبييه‪ ،‬والجيد أبيو المييت‪ ،‬والبنوة إنميا هيي أقوى فيي الميراث‬
‫مين البوة فيي الشخيص الواحيد بعينيه أعنيي الموروث‪ .‬وأميا البنوة‬
‫التيي تكون لب موروث‪ ،‬فلييس يلزم أن تكون فيي حيق الموروث‬
‫أقوى ميين البوة التييي تكون لب الموروث‪ ،‬لن البوة التييي لب‬
‫الموروث هيي أبوة ميا للموروث‪ :‬أعنيي بعيدة‪ ،‬ولييس البنوة التيي‬
‫لب الموروث بنوة ما للموروث ل قريبة ول بعيدة‪ ،‬فمن قال الخ‬
‫أحيييق مييين الجيييد‪ ،‬لن الخ يدلي بالشييييء الذي مييين قبله كان‬
‫الميراث بالبنوة وهيييو الب والجيييد يدلي بالبوة هيييو قول غالط‬
‫مخييل‪ ،‬لن الجيد أب ميا‪ ،‬ولييس الخ ابنيا ميا‪ .‬وبالجملة الخ لحيق‬
‫مين لواحيق المييت‪ ،‬وكأنيه أمير عارض والجيد سيبب مين أسيبابه‪،‬‬
‫والسيبب أملك للشييء مين لحقيه‪ .‬واختلف الذيين ورثوا الجيد ميع‬
‫الخوة فيي كيفيية ذلك‪ .‬فتحصييل مذهيب زييد فيي ذلك أنيه ل يخلو‬
‫أن يكون معيه سيوى الخوة ذو فرض مسيمى أو ل يكون‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن معه ذو فرض مسمى أعطى الفضل له من اثنين‪ ،‬إما ثلث‬
‫المال‪ ،‬وإميييا أن يكون كواحيييد مييين الخوة الذكور‪ ،‬وسيييواء كان‬
‫الخوة ذكرانييا أو إناثييا أو المرييين جميعييا فهييو مييع الخ الواحييد‬
‫يقاسمه المال‪ ،‬وكذلك مع الثنين ومع الثلثة والربعة يأخذ الثلث‪،‬‬
‫وهييو ميع الخييت الواحدة إلى الربيع يقاسيمهن للذكير مثييل حيظ‬
‫النثيييين‪ ،‬ومييع الخمييس أخوات له الثلث‪ ،‬لنييه أفضييل له ميين‬
‫المقاسمة‪ ،‬فهذه هي حاله مع الخوة فقط دون غيرهم‪.‬‬
‫وأمييا إن كان معهييم ذو فرض مسييمى فإنييه يبدأ بأهييل الفروض‬
‫فيأخذون فروضهم‪ ،‬فما بقي أعطى الفضل له من ثلث‪ :‬إما ثلث‬
‫ما بقي بعد حظوظ ذوي الفرائض‪ ،‬وإما أن يكون بمنزلة ذكر من‬
‫الخوة‪ ،‬وإما أن يعطي السدس من رأس المال ل ينقص منه‪ ،‬ثم‬
‫ما بقي يكون للخوة للذكر مثل حظ النثيين في الكدرية على ما‬
‫سنذكر مذهبه فيها مع سائر مذاهب العلماء‪ .‬وأما علي رضي الله‬
‫عنيه فكان يعطيي الجيد الحظيى له مين السيدس أو المقاسيمة‪،‬‬
‫وسييواء كان مييع الجييد والخوة غيرهييم ميين ذوي الفرائض أو لم‬
‫يكين‪ ،‬وإنميا لم ينقصيه مين السيدس شيئا‪ ،‬لنهيم لميا أجمعوا أن‬
‫البناء ل ينقصييييونه منييييه شيئا كان أحرى أن ل ينقصييييه الخوة‪.‬‬
‫وعمدة قول زييد أنيه لميا كان يحجيب الخوة للم فلم يحجيب عميا‬
‫يجيب لهيم وهيو الثلث‪ ،‬وبقول زييد قال مالك والشافعيي والثوري‬
‫وجماعييية‪ ،‬وبقول علي رضيييي الله عنيييه قال أبيييو حنيفييية‪ .‬وأمييا‬
‫الفريضية التيي تعرف بالكدريية وهيي امرأة توفييت وتركيت زوجيا‬
‫وأمييا وأختييا شقيقيية وجدا فإن العلماء اختلفوا فيهييا‪ ،‬فكان عميير‬
‫رضي الله عنه وابن مسعود يعطيان للزوج النصف وللم السدس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وللخييت النصييف وللجييد السييدس‪ ،‬وذلك على جهيية العول‪ .‬وكان‬


‫علي بين أبيي طالب رضيي الله عنيه وزييد يقولن للزوج النصيف‬
‫وللم الثلث وللخيت النصيف وللجيد السيدس فريضية‪ ،‬إل أن زيدا‬
‫يجميع سيهم الخيت والجيد‪ ،‬فيقسيم ذلك بينهيم للذكير مثيل حيظ‬
‫النثيين‪ ،‬وزعم بعضهم أن هذا ليس من قول زيد‪،‬‬
‫وضعييف الجميييع التشريييك الذي قال بييه زيييد فييي هذه الفريضيية‪،‬‬
‫وبقول زييد قال مالك؛ وقييل إنميا سيميت الكدريية لتكدر قول زييد‬
‫فيهيا‪ ،‬وهذا كله على مذهيب مين يرى العول‪ ،‬وبالعول قال جمهور‬
‫الصيحابة وفقهاء المصيار‪ ،‬إل ابين عباس فإنيه روي عنيه أنيه قال‪:‬‬
‫أعال الفرائض عمير بين الخطاب‪ ،‬واييم الله لو قدم مين قدم الله‬
‫وأخير مين أخير الله ميا عالت فريضية‪ ،‬وقييل له‪ :‬وأيهيا قدم الله‪،‬‬
‫وأيهيا أخير الله؟ قال‪ :‬كيل فريضية لم يهبطهيا الله عيز وجيل عين‬
‫موجبهيا إل إلى فريضية أخرى فهيي ميا قدم الله‪ ،‬وكيل فريضية إذا‬
‫زالت عيين فرضهييا لم يكيين لهييا إل مييا بقييي فتلك التييي أخيير الله‬
‫فالول مثيل الزوجية والم‪ ،‬والمتأخير مثيل الخوات والبنات‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فإذا اجتمع الصنفان بدئ من قدم الله‪ ،‬فإن بقي شيء فلمن أخر‬
‫الله‪ ،‬وإل فل شييء له‪ ،‬وقييل له‪ :‬فهل قلت هذا القول لعمير‪ :‬قال‪:‬‬
‫هبته‪ .‬وذهب زييد إلى أنه إذا كان مع الجيد والخوة الشقائق إخوة‬
‫لب‪ ،‬أن الخوة الشقائق يعادون الجد بالخوة للب‪ ،‬فيمنعونه بهم‬
‫كثرة الميراث‪ ،‬ول يرثون ميييييع الخوة الشقائق شيئا إل أن يكون‬
‫الشقائق أختييا واحدة‪ ،‬فإنهييا تعادي الجييد بأخوتهييا للب مييا بينهمييا‬
‫(هكذا هذه العبارة بالصول‪ ،‬ولينظر ما معناها ا هي مصححه)‪.‬‬
‫وبيين أن تسيتكمل فريضتهيا وهيي النصيف‪ ،‬وإن كان فيميا يحاز لهيا‬
‫ولخوتها لبيها فضل عن نصف رأس المال كله‪ ،‬فهو لخوتها لبيها‬
‫للذكير مثيل حيظ النثييين‪ ،‬فإن لم يفضيل شييء على النصيف فل‬
‫ميراث لهيم‪ ،‬فأميا علي رضيي الله عنيه فكان ل يلتفيت هنيا للخوة‬
‫للب للجماع‪ ،‬على أن الخوة الشقائق يحجبونهييييييييم‪ ،‬ولن هذا‬
‫الفعييل أيضييا مخالف للصييول‪ ،‬أعنييي أن يحتسييب بميين ل يرث‪،‬‬
‫واختلف الصييحابة رضييي الله عنهييم ميين هذا الباب فييي الفريضيية‬
‫التييي تدعييى الخرقاء‪ ،‬وهييي أم وأخييت وجييد على خمسيية أقوال‪.‬‬
‫فذهييب أبييو بكيير رضييي الله عنييه وابيين عباس إلى أن للم الثلث‬
‫والباقي للجد وحجبوا به الخت‪ ،‬وهذا على رأيهم في إقامة الجد‬
‫مقام الب‪ .‬وذهب علي رضي الله عنه إلى أن للم الثلث وللخت‬
‫النصيف وميا بقيي للجيد‪ .‬وذهيب عثمان إلى أن للم الثلث وللخيت‬
‫الثلث وللجيد الثلث‪ ،‬وذهيب ابين مسيعود إلى أن للخيت النصيف‬
‫وللجيد الثلث وللم السيدس‪ ،‬وكان يقول معاذ الله أن أفضيل أميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫على جد‪ .‬وذهب زيد إلى أن للم الثلث وما بقي بين الجد والخت‬
‫للذكر مثل حظ النثيين‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الجدات) وأجمعوا على أن للجدة أم الم السيدس ميع‬
‫عدم الم‪ ،‬وأن للجدة أيضيا أم الب عنيد فقيد الب السيدس‪ ،‬فإن‬
‫اجتمعا كان السدس بينهما‪ .‬واختلفوا فيما سوى ذلك؛ فذهب زيد‬
‫وأهيل المدينية إلى أن الجدة أم الم يفرض لهيا السيدس فريضية‪،‬‬
‫فإذا اجتمعت الجدتان كان السدس بينهما إذا كان قعددهما سواء‪،‬‬
‫أو كانييت أم الب أقعييد‪ ،‬فإن كانييت أم الم أقعييد‪ :‬أي أقرب إلى‬
‫الميت كان لها السدس‪ ،‬ولم يكن للجدة أم الب شيء‪ ،‬وقد روي‬
‫عنيه أيهميا أقعيد كان لهيا السيدس‪ ،‬وبيه قال علي رضيي الله عنيه‪،‬‬
‫وميين فقهاء المصييار أبييو حنيفيية والثوري وأبييو ثور‪ ،‬وهؤلء ليييس‬
‫يورثون إل هاتين الجدتين المجتمع على توريثهما‪ ،‬وكان الوزاعيي‬
‫وأحميد يورثان ثلث جدات واحدة مين قبيل الم واثنتان مين قبيل‬
‫الب أم الب وأم أبيي الب‪ :‬أعنيي الجيد‪ ،‬وكان ابين مسيعود يورث‬
‫أربيع جدات‪ :‬أم الم وأم الب وأم أبيي الب‪ :‬أعنيي الجيد وأم أبيي‬
‫الم‪ :‬أعني الجد‪ ،‬وبه قال الحسن وابن سيرين‪ .‬وكان ابن مسعود‬
‫يشرك بيين الجدات فيي السيدس دنياهين وقصيواهن ميا لم تكين‬
‫تحجبها بنتها أو بنت بنتها‪ .‬وقد روي عنه أنه كان يسقط القصوى‬
‫بالدنييا إذا كانتيا مين جهية واحدة‪ .‬وروي عين ابين عباس أن الجدة‬
‫كالم إذا لم تكين أم‪ ،‬وهيو شاذ عنيد الجمهور‪ ،‬ولكين له حيظ مين‬
‫القياس‪ .‬فعمدة زييد وأهيل المدينية والشافعيي‪ ،‬ومين قال بمذهيب‬
‫زييد ميا رواه مالك أنيه قال "جاءت الجدة إلى أبيي بكير رضيي الله‬
‫عنيه تسيأله عين ميراثهيا‪ ،‬فقال أبيو بكير‪ :‬مالك فيي كتاب الله عيز‬
‫وجيل شييء وميا علميت لك فيي سينة رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسييلم شيئا فارجعييي حتييى أسييأل الناس‪ ،‬فقال له المغيرة بيين‬
‫شعبييية‪ :‬حضرت رسيييول الله صييلى الله علييييه وسييلم أعطاهييا‬
‫السييدس‪ ،‬فقال أبييو بكيير‪ :‬هييل معييك غيرك؟ فقال‪ :‬محمييد بيين‬
‫مسلمة‪ ،‬فقال مثل ما قال المغيرة‪ ،‬فأنفذه أبو بكر لها‪ ،‬ثم جاءت‬
‫الجدة الخرى إلى عمير ابين الخطاب تسيأله ميراثهيا‪ ،‬فقال لهييا‪:‬‬
‫مالك فيي كتاب الله عز وجل شييء‪ ،‬و ما كان القضاء الذي قضيى‬
‫به إل لغيرك‪ ،‬وما أنا بزائد في الفرائض‪ ،‬ولكنه ذلك السدس‪ ،‬فإن‬
‫اجتمعتما فيه فهو لكما‪ ،‬وأيتكما انفردت به فهو لها" وروى مالك‬
‫أيضا أنه أتت الجدتان إلى أبي بكر‪ ،‬فأراد أن يجعل السدس للتي‬
‫من قبل الم‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي‬
‫كان إياهيا يرث‪ ،‬فجعيل أبيو بكير السيدس بينهميا‪ .‬قالوا‪ :‬فواجيب أن‬
‫ل يتعدى فييي هذا هذه السيينة وإجماع الصييحابة‪ .‬وأمييا عمدة ميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ورث الثلث جدات فحدييث ابين عيينية عين منصيور عين إبراهييم "‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلث جدات‪ :‬اثنتين من قبل‬
‫الب‪ ،‬وواحدة من قبل الم" وأما ابن مسعود فعمدته القياس في‬
‫تشبيههيا بالجدة للب لكين الحدييث يعارضيه‪ .‬واختلفوا هيل يحجيب‬
‫الجدة للب ابنهيا وهيو الب؛ فذهيب زييد إلى أنيه يحجيب‪ ،‬وبيه قال‬
‫مالك والشافعيي وأبيو حنيفية وداود؛ وقال آخرون‪ :‬ترث الجدة ميع‬
‫ابنهيا‪ ،‬وهيو مروي عين عمير وابين مسيعود وجماعية مين الصيحابة‪،‬‬
‫وبييه قال شريييح وعطاء وابيين سيييرين وأحمييد‪ ،‬وهييو قول الفقهاء‬
‫المصييريين‪ .‬وعمدة ميين حجييب الجدة بابنهييا أن الجييد لمييا كان‬
‫محجوبا بالب وجب أن تكون الجدة أولى بذلك‪ .‬وأيضا فلما كانت‬
‫أم الم ل ترث بإجماع مييع الم شيئا كان كذلك أم الب مييع الب‪.‬‬
‫وعمدة الفريق الثاني ما روى الشعبي عن مسروق عن عبد الله‬
‫قال‪ :‬أول جدة أعطاهيا رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم سيدسا‬
‫جدة ميع ابنهيا وابنهيا حيي قالوا‪ :‬ومين طرييق النظير لميا كانيت الم‬
‫وأم الم ل يحجبن بالذكور كان كذلك حكم جميع الجدات‪ ،‬وينبغي‬
‫أن يعلم أن مالكا ل يخالف زيدا إل في فريضة واحدة‪ ،‬وهي امرأة‬
‫هلكيت وتركيت زوجيا وأميا وإخوة لم وإخوة لب وأم وجدا‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬للزوج النصيف‪ ،‬وللم السيدس وللجيد ميا بقيي وهيو الثلث‪،‬‬
‫وليييس للخوة الشقائق شيييء؛ وقال زيييد‪ :‬للزوج النصييف‪ ،‬وللم‬
‫السدس‪ ،‬وللجد السدس‪ ،‬وما بقي للخوة الشقائق‪ ،‬فخالف مالك‬
‫في هذه المسألة أصله من أن الجد ل يحجب الخوة الشقائق ول‬
‫الخوات للب‪ .‬وحجتيه أنيه لميا حجيب الخوة للم عين الثلث الذي‬
‫كانوا يسيتحقونه دون الشقائق كان هيو أولى بيه‪ .‬وأميا زييد فعلى‬
‫أصله في أنه ل يحجبهم‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في الحجب‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمييع العلماء على أن الخ الشقيييق يحجييب الخ للب‪ ،‬وأن‬
‫الخ للب يحجيييب بنيييي الخ الشقييييق‪ ،‬وأن بنيييي الخ الشقييييق‬
‫يحجبون أبناء الخ للب‪ ،‬وبنييو الخ للب أولى ميين بنييي ابيين الخ‬
‫للب والم‪ ،‬وبنيو الخ للب أولى مين العيم أخيي الب‪ ،‬وإبين العيم‬
‫أخي الب الشقيق أولى من ابن العم أخي الب للب‪ ،‬وكل واحد‬
‫من هؤلء يحجبون بنيهم‪ ،‬ومن حجب منهم صنفا فهو يحجب من‬
‫يحجبيه ذلك الصينف‪ .‬وبالجملة‪ ،‬أميا الخوة فالقرب منهيم يحجيب‬
‫البعيد‪ ،‬فإذا اسيتووا حجيب منهيم مين أدلى بسيببين أم وأب مين‬
‫أدلى بسييبب واحييد وهييو الب فقييط؛ وكذلك العمام القرب منييه‬
‫يحجب البعد‪ ،‬فإن استووا حجب منهم من يدلي منهم إلى الميت‬
‫بسيببين مين يدلي بسيبب واحيد‪ ،‬أعنيي أنيه يحجيب العيم أخيو الب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لب وابيين العييم الذي هييو أخييو الب لب فقييط‪ .‬وأجمعوا على أن‬
‫الخوة الشقائق والخوة للب يحجبون العمام‪ ،‬لن الخوة بنيييييو‬
‫أب المتوفييي‪ ،‬والعمام بنييو جده‪ ،‬والبناء يحجبون بنيهييم‪ ،‬والباء‬
‫أجدادهم‪ ،‬والبنون وبنوهم يحجبون الخوة‪ ،‬والجد يحجب من فوقه‬
‫ميين الجداد بإجماع‪ ،‬والب يحجييب الخوة ويحجييب ميين تحجبييه‬
‫الخوة‪ ،‬والجييد يحجييب العمام بإجماع والخوة للم‪ ،‬ويحجييب بنييو‬
‫الخوة الشقائق وبنيي الخوة للب‪ ،‬والبنات وبنات البنيين يحجبين‬
‫الخوة للم‪ .‬واختلف العلماء فيمن ترك ابني عم أحدهما أخ للم‪،‬‬
‫فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري‪ :‬للخ للم السدس من‬
‫جهة ما هو أخ لم وهو في باقي المال مع ابن العم الخر عصبة‬
‫يقتسمونه بينهم على السواء‪ ،‬وهو قول علي رضي الله عنه وزيد‬
‫وابن عباس؛ وقال قوم‪ :‬المال كله لبن العم الذي هو أخ لم يأخذ‬
‫سيدسه بالخوة وبقيتيه بالتعصييب‪ ،‬لنيه قيد أدلى بسيببين‪ .‬وممين‬
‫قال بهذا القول من الصحابة ابن مسعود‪ ،‬ومن الفقهاء داود وأبو‬
‫ثور والطبري‪ ،‬وهو قول الحسن وعطاء‪.‬‬
‫واختلف العلماء فيييي رد ميييا بقيييي مييين مال الورثييية على ذوي‬
‫الفرائض إذا بقييييت مييين المال فضلة لم تسيييتوفها الفرائض ولم‬
‫يكين هناك مين يعصيب‪ ،‬فكان زييد ل يقول بالرد ويجعيل الفاضيل‬
‫فييي بيييت المال‪ ،‬وبييه قال مالك والشافعييي؛ وقال جييل الصييحابة‬
‫بالرد على ذوي الفرائض ما عدا الزوج والزوجة وإن كانوا اختلفوا‬
‫فيي كيفيية ذلك‪ ،‬وبيه قال فقهاء العراق مين الكوفييين والبصيريين‪.‬‬
‫وأجمع هؤلء الفقهاء على أن الرد يكون لهم بقدر سهامهم‪ ،‬فمن‬
‫كان له نصييف أخييذ النصييف ممييا بقييي‪ ،‬وهكذا فييي جزء جزء‪.‬‬
‫وعمدتهيم أن قرابية الديين والنسيب أولى مين قرابية الديين فقيط‪:‬‬
‫أي أن هؤلء اجتميع لهيم سيببان وللمسيلمين سيبب واحيد‪ .‬وهناك‬
‫مسييائل مشهورة الخلف بيييين أهيييل العلم فيهيييا تعلق بأسيييباب‬
‫الموارييث يجيب أن نذكرهيا هنيا‪ ،‬فمنهيا أنيه أجميع المسيلمون على‬
‫أن الكافر ل يرث المسلم لقوله تعالى {ولن يجعل الله للكافرين‬
‫على المؤمنيين سيبيل} ولميا ثبيت مين قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"ل يرث المسلم الكافر‪ ،‬ول الكافر المسلم" واختلفوا في ميراث‬
‫المسييلم الكافيير‪ ،‬وفييي ميراث المسييلم المرتييد‪ ،‬فذهييب جمهور‬
‫العلماء ميين الصييحابة والتابعييين وفقهاء المصييار إلى أنييه ل يرث‬
‫المسيلم الكافير بهذا الثير الثابيت؛ وذهيب معاذ بين جبيل ومعاويية‬
‫من الصحابة وسعيد ابن المسيب ومسروق من التابعين وجماعة‬
‫إلى أن المسيلم يرث الكافير‪ ،‬وشبهوا ذلك بنسيائهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬كميا‬
‫يجوز لنيا أن ننكيح نسياءهم ول يجوز لنيا أن ننكحهيم نسياءنا كذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الرث‪ ،‬ورووا في ذلك حديثا مسندا‪ ،‬قال أبو عمر‪ :‬وليس بالقوى‬
‫عنيد الجمهور‪ ،‬وشبهوه أيضيا بالقصياص فيي الدماء التيي ل تتكافيأ‪.‬‬
‫وأميا مال المرتيد إذا قتيل أو مات‪ ،‬فقال جمهور فقهاء الحجاز هيو‬
‫لجماعة المسلمين ول يرثه قرابته‪ ،‬وبه قال مالك والشافعي وهو‬
‫قول زيد من الصحابة‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية والثوري وجمهور الكوفييين وكثيير مين البصيريين‬
‫يرثيه ورثتيه مين المسيلمين وهيو قول ابين مسيعود مين الصيحابة‬
‫وعلي رضييي الله عنهمييا‪ .‬وعمدة الفريييق الول عموم الحديييث‪،‬‬
‫وعمدة الحنفيية تخصييص العموم بالقياس‪ ،‬وقياسيهم فيي ذلك هيو‬
‫أن قرابتييه أولى ميين المسييلمين لنهييم يدلون بسييببين‪ :‬بالسييلم‬
‫والقرابة‪ ،‬والمسلمون بسبب واحد‪ ،‬وهو السلم‪ ،‬وربما أكدوا بما‬
‫يبقيى لميا له مين حكيم السيلم بدلييل أنيه ل يؤخيذ فيي الحال حتيى‬
‫يموت فكانييت حياتييه معتييبرة فييي بقاء ماله على ملكييه‪ ،‬وذلك ل‬
‫يكون إل بأن يكون لماله حرميية إسييلمية‪ ،‬ولذلك لم يجييز أن يقيير‬
‫على الرتداد‪ ،‬بخلف الكافير‪ ،‬وقال الشافعيي وغيره يؤخيذ بقضاء‬
‫الصيلة إذا تاب من الردة فيي أيام الردة‪ ،‬والطائفية الخرى تقول‪:‬‬
‫يوقيف ماله لن له حرمية إسيلمية‪ ،‬وإنميا وقيف رجاء أن يعود إلى‬
‫السيلم‪ ،‬وأن اسيتيجاب المسيلمين لماله لييس على طرييق الرث‬
‫وشذت طائفيية فقالت‪ :‬ماله للمسييلمين عندمييا يرتييد‪ ،‬وأظيين أن‬
‫أشهب ممن يقول بذلك‪ .‬وأجمعوا على توريث أهل الملة الواحدة‬
‫بعضهيم بعضيا‪ .‬واختلفوا فيي تورييث الملل المختلفية‪ ،‬فذهيب مالك‬
‫وجماعييييية إلى أن أهيييييل الملل المختلفييييية ل يتوارثون كاليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬وبه قال أحمد وجماعة؛‬
‫وقال الشافعييي وأبييو حنيفيية وأبييو ثور والثوري وداود وغيرهييم‪:‬‬
‫الكفار كلهيييم يتوارثون‪ ،‬وكان شريييح وابيين أبييي ليلى وجماعيية‬
‫يجعلون الملل التييي ل تتوارث ثلثييا‪ :‬النصييارى واليهود والصييابئين‬
‫ملة‪ ،‬والمجوس ومن ل كتاب له ملة‪ ،‬والسلم ملة‪ .‬وقد روي عن‬
‫ابين أبيي ليلى مثيل قول مالك‪ .‬وعمدة مالك ومين قال بقوله ميا‬
‫روى الثقات عين عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده أن النيبي‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم قال "ل يتوارث أهييل ملتييين"‪ .‬وعمدة‬
‫الشافعيية والحنفيية قوله علييه الصيلة والسيلم "ل يرث المسيلم‬
‫الكافيير ول الكافيير المسييلم" وذلك أن المفهوم ميين هذا بدليييل‬
‫الخطاب أن المسيلم يرث المسيلم والكافير يرث الكافير‪ .‬والقول‬
‫بدليييل الخطاب فيييه ضعييف وخاصيية هنييا‪ .‬واختلفوا فييي توريييث‬
‫الحملء‪ ،‬والحملء هييم الذييين يتحملون بأولدهييم ميين بلد الشرك‬
‫إلى بلد السيلم‪ ،‬أعنيي أنهيم يولدون فيي بلد الشرك ثيم يخرجون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إلى بلد السيلم وهيم يدعون تلك الولدة الموجبية للنسيب‪ ،‬وذلك‬
‫على ثلثة أقوال‪ :‬قول إنهم يتوارثون بما يدعون من النسب‪ ،‬وهو‬
‫قول جماعيية ميين التابعييين وإليييه ذهييب إسييحاق‪ .‬وقول إنهييم ل‬
‫يتوارثون إل ببينية تشهيد على أنسيابهم‪ ،‬وبيه قال شرييح والحسين‬
‫وجماعيية‪ .‬وقول إنهييم ل يتوارثون أصييل وروي عيين عميير الثلثيية‬
‫القوال‪ ،‬إل أن الشهير عنيه أنيه كان ل يورث إل مين ولد فيي بلد‬
‫العرب وهو قول عثمان وعمر بن عبد العزيز‪ .‬وأما مالك وأصحابه‬
‫فاختلف فيي ذلك قولهيم‪ ،‬فمنهيم مين رأى أن ل يورثون إل ببينية‪،‬‬
‫وهييو قول ابيين القاسييم‪ :‬ومنهييم ميين رأى أن ل يورثون أصييل ول‬
‫بالبينيية العادلة؛ ومميين قال بهذا القول ميين أصييحاب مالك عبييد‬
‫الملك بيين الماجشون‪ ،‬وروى ابيين القاسييم عيين مالك فييي أهييل‬
‫حصيين نزلوا على حكييم السييلم‪ ،‬فشهييد بعضهييم لبعييض أنهييم‬
‫يتوارثون‪ ،‬وهذا يتخرج منييه أنهييم يتوارثون بل بينيية‪ ،‬لن مالكييا ل‬
‫يجوز شهادة الكفار بعضهييم على بعييض قال‪ :‬فأمييا إن سييبوا فل‬
‫يقبيييل قولهيييم فيييي ذلك وبنحيييو هذا التفصييييل قال الكوفيون‬
‫والشافعيي وأحميد وأبيو ثور‪ ،‬وذلك أنهيم قالوا‪ :‬إن خرجوا إلى بلد‬
‫السلم وليس لحد عليهم يد قبلت دعواهم في أنسابهم‪ ،‬وأما إن‬
‫أدركهيم السيبي والرق فل يقبيل قولهيم إل ببينية‪ .‬ففيي المسيألة‬
‫أربعة أقوال‪ :‬اثنان طرفان‪ ،‬واثنان مفرقان‪.‬‬
‫وجمهور العلماء ميين فقهاء المصييار وميين الصييحابة علي وزيييد‬
‫وعميير أن ميين ل يرث ل يحجييب مثييل الكافيير والمملوك والقاتييل‬
‫عمدا‪ ،‬وكان ابيين مسييعود يحجييب بهؤلء الثلثيية دون أن يورثهييم‬
‫أعنيي بأهيل الكتاب وبالعبييد وبالقاتليين عمدا‪ ،‬وبيه قال داود وأبيو‬
‫ثور‪ .‬وعمدة الجمهور أن الحجييييب فييييي معنييييى الرث وأنهمييييا‬
‫متلزمان‪ .‬وحجية الطائفية الثانيية أن الحجيب ل يرتفيع إل بالموت‪.‬‬
‫واختلف العلماء فيي الذيين يفقدون فيي حرب أو غرق أو هدم ول‬
‫يدري ميين مات منهييم قبييل صيياحبه كيييف يتوارثون إذا كانوا أهييل‬
‫ميراث؟ فذهب مالك وأهل المدينة إلى أنهم ل يورث بعضهم من‬
‫بعض‪ ،‬وأن ميراثهم جميعا لمن بقي من قرابتهم الوارثين أو لبيت‬
‫المال إن لم تكين لهيم قرابية ترث‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأبيو حنيفية‬
‫وأصيحابه في ما حكى عنه الطحاوي‪ .‬وذهيب علي وعمر رضي الله‬
‫عنهمييا وأهييل الكوفيية وأبييو حنيفيية فيمييا ذكيير غييير الطحاوي عنييه‬
‫وجمهور البصييريين إلى أنهييم يتوارثون‪ ،‬وصييفة تواريثهييم عندهييم‬
‫أنهيم يورثون كيل واحيد مين صياحبه فيي أصيل ماله دون ميا ورث‬
‫بعضهم من بعض‪ ،‬أعني أنه ل يضم إلى مال المورث ما ورث من‬
‫غيره‪ ،‬فيتوارثون الكل على أنه مال وا حد كالحال في الذ ين يعلم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ميين تقدم بعضهييم على بعييض‪ ،‬مثال ذلك زوج وزوجيية توفيييا فييي‬
‫حرب أو غرق أو هدم ولكل واحد منهما ألف درهم‪ ،‬فيورث الزوج‬
‫من المرأة خم سمائة درهيم‪ ،‬وتورث المرأة من اللف التيي كانت‬
‫بيييد الزوج دون الخمسييمائة التييي ورث منهييا ربعهييا وذلك مائتان‬
‫وخمسون‪ .‬ومن مسائل هذا الباب اختلف العلماء في ميراث ولد‬
‫الملعنية وولد الزنيى‪ .‬فذهيب أهيل المدينية وزييد بين ثابيت إلى أن‬
‫ولد الملعنة كما يورث غير ولد الملعنة‪ ،‬وأنه ليس لمه إل الثلث‬
‫والباقيي لبييت المال‪ ،‬إل أن يكون له إخوة لم‪ ،‬فيكون لهيم الثلث‬
‫أو تكون أمه مولة فيكون باقي مالها لمواليها‪ ،‬وإل فالباقي لبيت‬
‫مال المسيلمين‪ ،‬وبيه قال مالك والشافعيي وأبيو حنيفية وأصيحابه‪،‬‬
‫إل أن أبيا حنيفية على مذهبيه يجعيل ذوي الرحام أولى مين جماعية‬
‫المسيلمين‪ .‬وأيضيا على قياس مين يقول بالرد يرد على الم بقيية‬
‫المال؛ وذهب علي وعمر وابن مسعود إلى أن عصبته عصبة أمه‬
‫أعني الذي يرثونها‪ .‬وروي عن علي وابن مسعود أنهم ل يجعلونه‬
‫عصيبته عصيبة أ مه إل ميع فقد الم وكانوا ينزلون الم بمنزلة الب‬
‫وبه قال الحسن وابن سيرين والثوري وابن حنبل وجماعة‪.‬‬
‫وعمدة الفريييييق الول عموم قوله تعالى {فإن لم يكيييين له ولد‬
‫وورثييه أبواه فلمييه الثلث} فقالوا‪ :‬هذه أم وكييل أم لهييا الثلث‪،‬‬
‫فهذه لهيا الثلث‪ .‬وعمدة الفرييق الثانيي ميا روي مين حدييث ابين‬
‫عمير عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم "أنيه ألحيق ولد الملعنية‬
‫بأميه" وحدييث عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده قال "جعيل‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم ميراث ابين الملعنية لميه ولورثتيه"‬
‫وحدييث واثلة بين السيقع عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال‬
‫"المرأة تحوز ثلثية أموال‪ :‬عتيقهيا‪ ،‬ولقيطهيا وولدهيا الذي لعنيت‬
‫عليه" وحديث مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك‬
‫خرج جمييع ذلك أبيو داود وغيره‪ .‬قال القاضيي‪ :‬هذه الثار المصيير‬
‫إليهيا واجيب لنهيا قيد خصيصت عموم الكتاب‪ .‬والجمهور على أن‬
‫السيينة يخصييص بهييا الكتاب‪ ،‬ولعييل الفريييق الول لم تبلغهييم هذه‬
‫الحادييث أو لم تصيح عندهيم‪ ،‬وهذا القول مروي عين ابين عباس‬
‫وعثمان‪ ،‬وهيو مشهور فيي الصيدر الول‪ ،‬واشتهاره فيي الصيحابة‬
‫دليل على صحة هذه الثار‪ ،‬فإن هذا ليس يستنبط بالقياس‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ومن مسائل ثبوت النسب الموجب للميراث اختلفهم فيمن ترك‬
‫ابنين وأقر أحدهم بأخ ثالث وأنكر الثاني؛ فقال مالك وأبو حنيفة‪:‬‬
‫يجيب علييه أن يعطييه حقيه مين الميراث يعنون المقير‪ ،‬ول يثبيت‬
‫بقوله نسبه‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ل يثبت النسب ول يجب على المقر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن يعطيه من الميراث شيئا‪ .‬واختلف مالك وأ بو حنيفة فيي القدر‬


‫الذي يجيب على الخ المقير‪ ،‬فقال مالك يجيب علييه ميا كان يجيب‬
‫عليه لو أقر الخ الثاني وثبت النسب؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يجب عليه‬
‫أن يعطييه نصيف ميا بيده‪ ،‬وكذلك الحكيم عنيد مالك وأبيي حنيفية‬
‫فيمين ترك ابنيا واحدا فأقير بأخ له آخير‪ ،‬أعنيي أنيه ل يثبيت النسيب‬
‫ويجييب الميراث؛ وأميا الشافعييي فعنييه فييي هذه المسيألة قولن‪:‬‬
‫أحدهمييا أنييه ل يثبييت النسييب ول يجييب الميراث‪ .‬والثانييي يثبييت‬
‫النسييب ويجييب الميراث‪ ،‬وهييو الذي عليييه تناظيير الشافعييية فييي‬
‫المسيائل الطبلوليية ويجعلهيا مسيألة عامية‪ ،‬وهيو أن كيل مين يحوز‬
‫المال يثبيييت النسيييب بإقراره وإن كان واحدا أخيييا أو غيييير ذلك‪.‬‬
‫وعمدة الشافعيية فيي المسيألة الولى؛ وفيي أحيد قولييه فيي هذه‬
‫المسييألة‪ ،‬أعنييي القول الغييير المشهور أن النسييب ل يثبييت إل‬
‫بشاهدي عدل‪ ،‬وحييييث ل يثبيييت فل ميراث‪ ،‬لن النسيييب أصيييل‬
‫والميراث فرع‪ ،‬وإذا لم يوجد الصل لم يوجد الفرع‪ .‬وعمدة مالك‬
‫وأبي حنيفة أن ثبوت النسب حق متعد إلى الخ المنكر‪ ،‬فل يثبت‬
‫عليه إل بشاهدين عدلين‪ ،‬وأما حظه من الميراث الذي بيد المقر‬
‫فإقراره فيه عامل لنه حق أقر به على نفسه‪ .‬والحق أن القضاء‬
‫عليه ل يصح من الحاكم إل بعد ثبوت النسب وأنه ل يجوز له بين‬
‫الله تعالى وبين نفسه أن يمنع من يعرف أنه شريكه في الميراث‬
‫حظه منه‪ .‬وأما عمدة الشافعية في إثباتهم النسب بإقرار الواحد‬
‫الذي يحوز له الميراث فالسماع والقياس‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابيع‪- :)1 ...‬وأجميع العلماء على أن الخ الشقييق يحجيب الخ‬
‫للب‪ ،‬وأن الخ للب يحجب‪... ...‬‬
‫أميا السيماع فحدييث مالك عين ابين شهاب عين عروة عين عائشية‬
‫المتفق على صحته قالت "كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه‬
‫سعد بن أبي وقاص أن ا بن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك‪ ،‬فلما‬
‫كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال‪ :‬ابن أخي قد كان‬
‫عهيد إلي فييه‪ ،‬فقام إلييه عبيد بين زمعية‪ ،‬فقال‪ :‬أخيي وابين وليدة‬
‫أبيي ولد على فراشيه‪ ،‬فتسياوقاه إلى رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم‪ ،‬فقال سعد‪ :‬يا رسول الله ابن أخي قد كان عهد إلي فيه‪،‬‬
‫فقام إليه عبد بن زمعة فقال‪ :‬أخي وابن وليدة أبي على فراشه‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬هو لك يا عبد بن زمعة‪،‬‬
‫ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬الولد للفراش وللعاهر‬
‫الحجير‪ ،‬ثيم قال لسيودة بنيت زمعية‪ :‬احتجيبي منيه‪ ،‬لميا رأى مين‬
‫شبهيه بعتبية بين أبيي وقاص قالت‪ :‬فميا رآهيا حتيى لقيي الله عيز‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجيل‪ ،‬فقضيى رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم لعبيد بين زمعية‬
‫بأخيه وأثبت نسبه بإقراره إذا لم يكن هنالك وارث منازع له" وأما‬
‫أكثر الفقهاء فقد أشكل عليهم معنى هذا الحديث لخروجه عندهم‬
‫عيين الصييل المجمييع عليييه فييي إثبات النسييب‪ ،‬ولهييم فييي ذلك‬
‫تأويلت‪ ،‬وذلك أن ظاهير هذا الحدييث أنيه أثبيت نسيبه بإقرار أخييه‬
‫بيييه‪ ،‬والصيييل أن ل يثبيييت نسيييب إل بشاهدي عدل‪ ،‬ولذلك تأول‬
‫الناس فيي ذلك تأويلت‪ ،‬فقالت طائفية‪ :‬إنيه إنميا أثبيت نسيبه علييه‬
‫الصلة والسلم بقول أخيه‪ ،‬لنه يمكن أن يكون قد علم تلك المة‬
‫كان يطؤهيا زمعية بين قييس‪ ،‬وأنهيا كانيت فراشيا له‪ ،‬قالوا‪ :‬ومميا‬
‫يؤكيد ذلك أنيه كان صيهره‪ ،‬وسيودة بنيت زمعية كانيت زوجتيه علييه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬فيمكن أن ل يخفى عليه أمرها‪ ،‬وهذا على القول‬
‫بأن للقاضي أن يقضي بعلمه‪ ،‬ول يليق هذا التأويل بمذهب مالك‪،‬‬
‫لنه ل يقضي القاضي عنده بعلمه‪ ،‬ويليق بمذهب الشافعي على‬
‫قوله الخيير‪ ،‬أعنييي الذي ل يثبييت فيييه النسييب‪ .‬والذييين قالوا بهذا‬
‫التأويل قالوا‪ :‬إنما أمر سودة بالحجبة احتياطا لشبهة الشبه‪ ،‬ل أن‬
‫ذلك كان واجبييا‪ ،‬وقال لمكان هذا بعييض الشافعييية‪ :‬إن للزوج أن‬
‫يحجيب الخيت عين أخيهيا؛ وقالت طائفية‪ :‬أمره بالحتجاب لسيودة‬
‫دليل على أنه لم يلحق نسبه بقول عتبة ول بعلمه بالفراش‪.‬‬
‫وافترق هؤلء فييي تأويييل قوله عليييه الصييلة والسييلم "هييو لك"‬
‫فقالت طائفة‪ :‬إنما أراد هو عبدك إذا كان ابن أمة أبيك‪ ،‬وهذا غير‬
‫ظاهير لتعلييل رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم حكميه فيي ذلك‬
‫بقوله "الولد للفراش وللعاهيير الحجيير" وقال الطحاوي‪ :‬إنمييا أراد‬
‫بقوله علييه الصيلة والسيلم "هيو لك ييا عبيد بين زمعية" أي يدك‬
‫عليه بمنزلة ما هو يد اللقط على اللقطة‪ ،‬وهذه التأويلت تضعف‬
‫لتعليله علييييه الصيييلة والسيييلم حكميييه بأن قال "الولد للفراش‬
‫وللعاهيير الحجيير"‪ .‬وأمييا المعنييى الذي يعتمده الشافعييية فييي هذا‬
‫المذهييب‪ ،‬فهييو أن إقرار ميين يحوز الميراث هييو إقرار خلفيية‪ :‬أي‬
‫إقرار من حاز خلفة الميت‪ ،‬وعند الغير أنه إقرار شهادة ل إقرار‬
‫خلفية‪ ،‬يرييد أن القرار الذي كان للمييت انتقيل إلى هذا الذي حاز‬
‫ميراثيه‪ .‬واتفيق الجمهور على أن أولد الزنيى ل يلحقون بآبائهيم إل‬
‫في الجاهلية على ما روي عن عمر بن الخطاب على اختلف في‬
‫ذلك بييين الصييحابة؛ وشييذ قوم فقالوا‪ :‬يلتحييق ولد الزنييى فييي‬
‫السيلم‪ ،‬أعنيي الذي كان عين زنيى فيي السيلم‪ .‬واتفقوا على أن‬
‫الولد ل يلحيق بالفراش فيي أقيل مين سيتة أشهير‪ ،‬إميا مين وقيت‬
‫العقيد‪ ،‬وإميا مين وقيت الدخول‪ ،‬وأنيه يلحيق مين وقيت الدخول إلى‬
‫أقصير زمان الحميل‪ ،‬أو إن كان قيد فارقهيا واعتزلهيا‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أطول زمان الحميييل الذي يلحيييق بيييه الوالد الولد‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫خميس سينين؛ وقال بعيض أصيحابه‪ :‬سيبع؛ وقال الشافعيي‪ :‬أربيع‬
‫سيينين؛ وقال الكوفيون‪ :‬سيينتان‪ :‬وقال محمييد بيين الحكييم‪ :‬سيينة؛‬
‫وقال داود‪ :‬سييتة أشهيير‪ ،‬وهذه المسييألة مرجوع فيهييا إلى العادة‬
‫والتجربة‪ .‬وقول ابن عبد الحكم والظاهرية هو أقرب إلى المعتاد‪،‬‬
‫والحكيييم إنميييا يجيييب أن يكون بالمعتاد ل بالنادر‪ ،‬ولعله أن يكون‬
‫مستحيل‪.‬‬
‫وذهيب مالك والشافعيي إلى أن مين تزوج امرأة ولم يدخيل بهيا أو‬
‫دخل بها بعد الوقت وأتت بولد لستة أشهر من وقت العقد ل من‬
‫وقت الدخول أنه ل يلحق به إل إذا أتت به لستة أشهر فأكثر من‬
‫ذلك مين وقيت الدخول‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬هيي فراش له ويلحقيه‬
‫الولد‪ .‬وعمدة مالك أنهيا ليسيت بفراش إل بإمكان الوطيء وهيو ميع‬
‫الدخول‪ .‬وعمدة أبييي حنيفيية عموم قوله عليييه الصييلة والسييلم‬
‫"الولد للفراش" وكأنيه يرى أن هذا تعبيد بمنزلة تغلييب الوطيء‬
‫الحلل على الوطييييء الحرام فييييي إلحاق الولد بالوطييييء الحلل‪.‬‬
‫واختلفوا مين هذا الباب فيي إثبات النسيب بالقافية‪ ،‬وذلك عندميا‬
‫يطييأ رجلن فييي طهيير واحييد بملك يمييين أو بنكاح‪ ،‬ويتصييور أيضييا‬
‫الحكيم بالقافية فيي اللقييط الذي يدعييه رجلن أو ثلثية‪ .‬والقافية‬
‫عند العرب‪ :‬هم قوم كانت عندهم معرفة بفصول تشابه أشخاص‬
‫الناس‪ ،‬فقال بالقافية مين فقهاء المصيار مالك والشافعيي وأحميد‬
‫وأبيو ثور والوزاعيي وأبيي الحكيم بالقافية‪ ،‬الكوفيون وأكثير أهيل‬
‫العراق‪ ،‬والحكييم عنييد هؤلء أنييه إذا ادعييى رجلن ولدا كان الولد‬
‫بينهما‪ ،‬وذلك إذا لم يكن لحدهما فراش‪ ،‬مثل أن يكون لقيطا‪ ،‬أو‬
‫كانت المرأة الواحدة لكل واحد منهما فراشا مثل المة أو الحرة‬
‫يطؤهيا رجلن فيي طهير واحيد؛ وعنيد الجمهور مين القائليين بهذا‬
‫القول أنيه يجوز أن يكون عندهيم للبين الواحيد أبوان فقيط؛ وقال‬
‫محمييد صيياحب أبييي حنيفيية‪ :‬يجوز أن يكون ابنييا لثلثيية إن ادعوه‪،‬‬
‫وهذا كله تخليط وإبطال للمعقول والمنقول‪ .‬وعمدة استدلل من‬
‫قال بالقافية ميا رواه مالك عين سيليمان بين يسيار أن عمير ابين‬
‫الخطاب كان يليط أولد الجاهلية بمن استلطهم‪ :‬أي بمن ادعاهم‬
‫فييي السييلم فأتييى رجلن كلهمييا يدعييي ولد امرأة‪ ،‬فدعييا قائفييا‬
‫فنظر إليه فقال القائف‪ :‬لقد اشتركا فيه‪ ،‬فضربه عمر بالدرة‪ ،‬ثم‬
‫دعا المرأة فقال‪ :‬أخبرني ب خبرك‪ ،‬فقالت‪ :‬كان هذا لحد الرجلين‬
‫يأتي في إبل لهلها فل يفارقها حتى يظن ونظن أنه قد استمر بها‬
‫حميل‪ ،‬ثيم انصيرف عنهيا فأهريقيت علييه دميا‪ ،‬ثيم خلف هذا عليهيا‪:‬‬
‫تعنيي الخير‪ ،‬فل أدري أيهميا هيو‪ ،‬فكيبر القائف‪ ،‬فقال عمير للغلم‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وال أيهما شئت‪ .‬قالوا‪ :‬فقضاء عمر بمحضر من الصحابة بالقافة‬


‫من غير إنكار من واحد منهم هو كالجماع‪.‬‬
‫وهذا الحكم عند مالك إذا قضى القافة بالشتراك أن يؤخر الصبي‬
‫حتيى يبلغ‪ ،‬ويقال له‪ :‬وال أيهميا شئت‪ ،‬ول يلحيق واحيد باثنيين‪ ،‬وبيه‬
‫قال الشافعي؛ وقال أبو ثور‪ :‬يكون ابنا لهما إذا زعم القائف أنهما‬
‫اشتركيا فييه؛ وعنيد مالك أنيه لييس يكون ابنيا للثنيين لقوله تعالى‬
‫{يييا أيهييا الناس إنييا خلقناكييم ميين ذكيير وأنثييى} واحتييج القائلون‬
‫بالقافيية أيضييا بحديييث ابيين شهاب عيين عروة عيين عائشيية قالت‬
‫"دخيل رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم مسيرورا تيبرق أسيارير‬
‫وجهيه فقال‪ :‬ألم تسيمعي ميا قال مجزز المدلجيي لزييد وأسيامة‬
‫ورأى أقدامهمييا فقال‪ :‬إن هذه القدام بعضهييا ميين بعييض" قالوا‪:‬‬
‫وهذا مروي عين ابين عباس وعين أنيس بين مالك‪ ،‬ول مخالف لهيم‬
‫ميين الصييحابة‪ .‬وأمييا الكوفيون فقالوا‪ :‬الصييل أن ل يحكييم لحييد‬
‫المتنازعين في الولد إل أن يكون هنالك فراش لقوله عليه الصلة‬
‫والسييلم "الولد للفراش" فإذا عدم الفراش أو اشتركييا الفراش‬
‫كان ذلك بينهمييا‪ ،‬وكأنهييم رأوا ذلك بنوة شرعييية ل طبيعييية‪ ،‬فإنييه‬
‫لييس يلزم مين قال‪ :‬إنيه ل يمكين أن يكون ابين واحيد عين أبويين‬
‫بالعقيل أن ل يجوز وقوع ذلك فيي الشرع‪ .‬وروي مثيل قولهيم عين‬
‫عمير‪ ،‬ورواه عبيد الرزاق عين علي؛ وقال الشافعيي‪ :‬ل يقبيل فيي‬
‫القافة إل رجلن‪ .‬وعن مالك في ذلك روايتان‪ :‬إحداهما مثل قول‬
‫الشافعييي‪ ،‬والثانييية أنييه يقبييل قول قائف واحييد‪ .‬والقافيية فييي‬
‫المشهور عين مالك إنميا يقضيي بهيا فيي ملك اليميين فقيط ل فيي‬
‫النكاح؛ وروى ابين وهيب عنيه مثيل قول الشافعيي؛ وقال أبيو عمير‬
‫بن عبد البر‪ :‬في هذا حديث حسن مسند أخذ به جماعة من أهل‬
‫الحديييث وأهييل الظاهيير‪ ،‬رواه الثوري عيين صييالح بيين حييي عيين‬
‫الشعيبي عين زييد بين أرقيم قال "كان علي باليمين فأتيى بامرأة‬
‫وطئهيا ثلثية أناس فيي طهير واحيد‪ ،‬فسيأل كيل واحيد منهيم أن يقير‬
‫لصيياحبه بالولد فأبييى‪ ،‬فأقرع بينهييم وقضييى بالولد للذي أصييابته‬
‫القرعية وجعيل علييه ثلثيي الديية‪ ،‬فرفيع ذلك إلى النيبي صيلى الله‬
‫علييه وسيلم فأعجبيه وضحيك حتيى بدت نواجذه "وفيي هذا القول‬
‫إنفاذ الحكم بالقافة وإلحاق الولد بالقرعة"‪.‬‬
‫واختلفوا فيي ميراث القاتيل على أربعية أقوال‪ :‬فقال قوم‪ :‬ل يرث‬
‫القاتييل أصييل ميين قتله‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يرث القاتييل وهييم القييل‪.‬‬
‫وفرق قوم بييين الخطييأ والعمييد فقالوا‪ :‬ل يرث فييي العمييد شيئا‬
‫ويرث فيي الخطيأ إل مين الديية‪ ،‬وهيو قول مالك وأصيحابه‪ .‬وفرق‬
‫قوم بين أن يكون في العمد قتل بأمر واجب أو بغير واجب‪ ،‬مثل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن يكون مين له إقامية الحدود‪ ،‬وبالجملة بيين أن يكون ممين يتهيم‬
‫أو ل يتهيم‪ .‬وسيبب الخلف معارضية أصيل الشرع فيي هذا المعنيى‬
‫للنظير المصيلحي‪ ،‬وذلك أن النظير المصيلحي يقتضيي أن ل يرث‬
‫لئل يتذرع الناس مين الموارييث إلى القتيل واتباع الظاهير‪ ،‬والتعبيد‬
‫يوجيب أن ل يلتفيت إلى ذلك‪ ،‬فإنيه لو كان ذلك مميا قصيد للتفيت‬
‫إلييه الشارع {وميا كان ربيك نسييا} كميا تقول الظاهريية‪ .‬واختلفوا‬
‫فييي الوارث الذي ليييس بمسييلم يسييلم بعييد موت مورثييه السييلم‬
‫وقبيييل قسيييم الميراث‪ ،‬وكذلك إن كان مورثيييه على غيييير ديييين‬
‫السييلم‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬إنمييا يعتييبر فييي ذلك وقييت الموت‪ ،‬فإن‬
‫كان اليوم الذي مات فيييه المسييلم وارثييه ليييس بمسييلم لم يرثييه‬
‫أصييل سييواء أسييلم قبييل الميراث أو بعده‪ ،‬وكذلك إن كان مورثييه‬
‫على غيير ديين السيلم وكان الوارث يوم مات غيير مسيلم ورثيه‬
‫ضرورة سييواء كان إسييلمه قبييل القسييم أو بعده‪ .‬وقالت طائفيية‬
‫منهييم الحسيين وقتادة وجماعيية‪ :‬المعتييبر فييي ذلك يوم القسييم‪،‬‬
‫وروي ذلك عن عمر بن الخطاب‪ .‬وعمدة كل الفريقين قوله صلى‬
‫الله عليه وسلم "أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على‬
‫قسم الجاهلية‪ ،‬وأيما دار أو أرض أدركها السلم ولم تقسم فهي‬
‫على قسم السلم" فمن اعتبر وقت القسمة حكم للمقسوم في‬
‫ذلك الوقيت بحكيم السيلم‪ ،‬ومين اعتيبر وجوب القسيمة حكيم فيي‬
‫وقيت الموت للمقسيوم بحكيم السيلم‪ .‬وروي مين حدييث عطاء‬
‫"أن رجل أسلم على ميراث على عهد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قبل أن يقسم‪ ،‬فأعطاه ر سول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫نصييبه‪ ،‬وكذلك الحكيم عندهيم فيمين أعتيق مين الورثية بعيد الموت‬
‫وقبييل القسييم‪ .‬فهذه هييي المسييائل المشهورة التييي تتعلق بهذا‬
‫الكتاب‪ .‬قال القاضييي‪ :‬ولمييا كان الميراث إنمييا يكون بأحييد ثلثيية‬
‫أسييباب‪ :‬إمييا بنسييب‪ ،‬أو صييهر‪ ،‬أو ولء‪ ،‬وكان قييد قيييل فييي الذي‬
‫يكون بالنسيب والصيهر‪ ،‬فيجيب أن نذكير ههنيا الولء‪ ،‬ولمين يجيب‪،‬‬
‫ومن يجب فيه ممن ل يجب‪ ،‬وما أحكامه؟‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في الولء‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا مين يجيب له الولء‪ ،‬ففييه مسيائل مشهورة تجري مجرى‬
‫الصول لهذا الباب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) أجميع العلماء على أن مين أعتيق عبده عين‬
‫نفسه فإن ولءه له وأنه يرثه إذا لم يكن له وارث‪ ،‬وأنه عصبة له‬
‫إذا كان هنالك ورثيية ل يحيطون بالمال‪ .‬فأمييا كون الولء للمعتييق‬
‫عين نفسيه‪ ،‬فلميا ثبيت مين قوله علييه الصيلة والسيلم فيي حدييث‬
‫بريرة "إنميا الولء لمين أعتيق" واختلفوا إذا أعتيق عبيد عين غيره؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقال مالك الولء للمعتييق عنييه ل الذي باشيير العتييق‪ ،‬وقال أبييو‬
‫حنيفة والشافعي‪ :‬إن أعتقه عن علم المعتق عنه‪ ،‬فالولء للمعتق‬
‫عنيه‪ ،‬وإن أعتقيه عين غيير علميه‪ ،‬فالولء للمباشير للعتيق‪ .‬وعمدة‬
‫الحنفيية والشافعيية ظاهير قوله علييه الصيلة والسيلم "الولء لمين‬
‫أعتق" وقوله عليه الصلة والسلم "الولء لحمة كلحمة النسب"‬
‫قالوا‪ :‬فلما لم يجز أن يلحق نسب بالحر بغير إذنه‪ ،‬فكذلك الولء‪،‬‬
‫ومين طرييق المعنيى فلن عتقيه حريية وقعيت فيي ملك المعتيق‪،‬‬
‫فوجييب أن يكون الولء له‪ ،‬أصييله إذا أعتقييه ميين نفسييه‪ .‬وعمدة‬
‫مالك أنيه إذا أعتقيه عنيه فقيد ملكيه إياه‪ ،‬فأشبيه الوكييل؛ ولذلك‬
‫اتفقوا على أنيه إذا أذن له المعتيق عنيه كان ولءه له ل للمباشير‪.‬‬
‫وعند مالك أنه من قال لعبده‪ :‬أنت حر لوجه الله وللمسلمين أن‬
‫الولء يكون للمسلمين‪ ،‬وعندهم يكون للمعتق‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) اختلف العلماء فيمين أسيلم على يدييه رجيل‬
‫هييييييل يكون ولءه له؟ فقال مالك والشافعييييييي والثوري وداود‬
‫وجماعية‪ :‬ل ولء له؛ وقال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬له ولءه إذا واله‪،‬‬
‫وذلك أن مذهبهم أن للرجل أن يوالي رجل آخر فيرثه ويعقل عنه‪،‬‬
‫وأن له أن ينصييرف ميين ولءه إلى ولء غيره مييا لم يعقييل عنييه؛‬
‫وقال غيره‪ :‬بنفيييس السيييلم على يدييييه يكون له ولءه‪ .‬فعمدة‬
‫الطائفيية الولى قوله صييلى الله عليييه وسييلم "إنمييا الولء لميين‬
‫أعتييق" وإنمييا هذه هييي التييي يسييمونها الحاصييرة‪ ،‬وكذلك اللف‬
‫واللم هيي عندهيم للحصير‪ ،‬ومعنيى الحصير هيو أن يكون الحكيم‬
‫خاصيا بالمحكوم علييه ل يشاركيه فييه غيره‪ :‬أعنيي أن ل يكون ولء‬
‫بحسيييب مفهوم هذا القول إل للمعتيييق فقيييط المباشييير‪ .‬وعمدة‬
‫الحنفية في إثبات الولء بالموالة قوله تعالى {ولكل جعلنا موالي‬
‫ممييييا ترك الوالدان والقربون} وقوله تعالى {والذييييين عاقدت‬
‫أيمانكيم فآتوهيم نصييبهم} ‪ .‬وحجية مين قال‪ :‬الولء يكون بنفيس‬
‫السيلم فقيط حدييث تمييم الداري قال "سيألت رسيول الله صيلى‬
‫الله علييه وسيلم عين المشرك يسيلم على ييد مسيلم؟ فقال هيو‬
‫أحييق الناس وأولهييم بحياتييه ومماتييه" وقضييى بييه عميير بيين عبييد‬
‫العزييييز‪ .‬وعمدة الفرييييق الول أن قوله تعالى {والذيييين عاقدت‬
‫أيمانكييم} منسييوخة بآييية المواريييث‪ ،‬وأن ذلك كان فييي صييدر‬
‫السيلم‪ ،‬وأجمعوا على أنيه ل يجوز بييع الولء ول هبتيه لثبوت نهييه‬
‫عليه الصلة والسلم عن ذلك إل ولء السائبة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) اختلف العلماء إذا قال السيييد لعبده أنييت‬
‫سييائبة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ولءه وعقله للمسييلمين وجعله بمنزلة ميين‬
‫أعتيق عين المسيلمين إل أن يرييد بيه معنيى العتيق فقيط‪ ،‬فيكون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ولءه له؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ولءه للمعتق على كل حال‪،‬‬
‫وبيه قال أحميد وداود وأبيو ثور؛ وقالت طائفية‪ :‬له أن يجعيل ولءه‬
‫حييييث شاء‪ ،‬وإن لم يوال أحدا كان ولءه للمسيييلمين‪ ،‬وبيييه قال‬
‫الليييث والوزاعييي؛ وكان إبراهيييم والشعييبي يقولن‪ :‬ل بأس بييبيع‬
‫ولء السييائبة وهبتييه‪ ،‬وحجتييه هؤلء هييي الحجييج المتقدميية فييي‬
‫المسألة التي قبلها‪ .‬وأما من أجاز بيعه فل أعرف له حجة في هذا‬
‫الوقت‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) اختلف العلماء فيي ولء العبيد المسيلم إذا‬
‫أعتقيه النصيراني قبيل أن يباع لمين يكون؟ فقال مالك وأصيحابه‪:‬‬
‫ولؤه للمسيلمين‪ ،‬فإن أسيلم موله بعيد ذلك لم يعيد إلييه ولؤه ول‬
‫ميراثيه؛ وقال الجمهور‪ :‬ولؤه لسييده‪ ،‬فإن أسيلم كان له ميراثيه‪.‬‬
‫وعمدة الجمهور أن الولء كالنسيييب‪ ،‬وأنيييه إذا أسيييلم الب بعيييد‬
‫إسلم البن أنه يرثه‪ ،‬فكذلك العبد‪ .‬وأما عمدة مالك فعموم قوله‬
‫تعالى {ولن يجعييل الله للكافرييين على المؤمنييين سييبيل} فهييو‬
‫يقول‪ :‬أنيه لميا لم يجيب له الولء يوم العتيق لم يجيب له فيميا بعيد‪.‬‬
‫وأميا إذا وجيب له يوم العتيق ثيم طرأ علييه مانيع مين وجوبيه فلم‬
‫يختلفوا أنيه إذا ارتفيع ذلك المانيع أنيه يعود الولء له‪ .‬ولذلك اتفقوا‬
‫أنييه إذا أعتييق النصييراني الذمييي عبده النصييراني قبييل أن يسييلم‬
‫أحدهميا ثيم أسيلم العبيد أن الولء يرتفيع‪ ،‬فإن أسيلم المولى عاد‬
‫إليه‪ .‬وإن كانوا اختلفوا في الحربي يعتق عبده وهو على دينه‪ ،‬ثم‬
‫يخرجان إلينييا مسييلمين‪ ،‬فقال مالك‪ :‬هييو موله يرثييه؛ وقال أبييو‬
‫حنيفية‪ :‬ل ولء بينهميا‪ ،‬وللعبيد أن يوالي مين شاء على مذهبيه فيي‬
‫الولء والتحالف؛ وخالف أشهيب مالكيا فقال‪ :‬إذا أسيلم العبيد قبيل‬
‫المولى لم يعييد إلى المولى ولءه أبدا؛ وقال ابيين القاسييم‪ :‬يعود‪،‬‬
‫وهيييو معنيييى قول مالك‪ ،‬لن مالكيييا يعتيييبر وقيييت العتيييق‪ ،‬وهذه‬
‫المسائل كلها هي مفروضة في القول ل تقع بعد‪ ،‬فإنه ليس من‬
‫ديين النصيارى أن يسيترق بعضهيم بعضيا‪ ،‬ول مين ديين اليهود فيميا‬
‫يعتقدونه في هذا الوقت ويزعمون أنه من مللهم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الخامسيية) أجمييع جمهور العلماء على أن النسيياء‬
‫ليس لهن مدخل في رواثة الولء إل من باشرن عتقه بأنفسهن أو‬
‫ميا جير إليهين مين باشرن عتقيه‪ ،‬إميا بولء أو بنسيب‪ ،‬مثيل معتيق‬
‫معتقها أو ابن معتقها‪ ،‬وأنهن ل يرثن معتق من يرثنه إل ما حكي‬
‫عين شرييح‪ .‬وعمدتيه أنيه لميا كان لهيا ولء ميا أعتقيت بنفسيها كان‬
‫لهييا ولء مييا أعتقييه مورثهييا قياسييا على الرجييل‪ ،‬وهذا هييو الذي‬
‫يعرفونيه بقياس المعنيى‪ ،‬وهيو أرفيع مراتيب القياس‪ ،‬وإنميا الذي‬
‫يوهنيه الشذوذ‪ .‬وعمدة الجمهور أن الولء إنميا وجيب للنعمية التيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كانيت للمعت َيق على المعت ِيق‪ ،‬وهذه النعمية إنميا توجيد فيمين باشير‬
‫العتييق‪ ،‬أو كان ميين سييبب قوي ميين أسييبابه‪ ،‬وهييم العصييبة‪ .‬قال‬
‫القاضي‪ :‬وإذ قد تقرر من له ولء ممن ليس له ولء‪ ،‬فبقي النظر‬
‫فيي ترتييب أهيل الولء فيي الولء‪ .‬فمين أشهير مسيائلهم فيي هذا‬
‫الباب المسألة التي يعرفونها بالولء للكبر‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬رجل أعتق‬
‫عبدا ثييم مات ذلك الرجييل وترك أخوييين أو ابنييين‪ ،‬ثييم مات أحييد‬
‫الخوييين وترك ابنييا‪ ،‬أو أحييد البنييين‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬فييي هذه‬
‫المسألة أن حظ الخ الميت من الولء ل يرثه عنه ابنه‪ ،‬وهو راجع‬
‫إلى أخييه لنيه أحيق بيه مين ابنيه بخلف الميراث‪ ،‬لن الحجيب فيي‬
‫الميراث يعتييبر بالقرب ميين الميييت‪ ،‬وهنييا بالقرب ميين المباشيير‬
‫العتييق‪ ،‬وهييو مروي عيين عميير ابيين الخطاب وعلي وعثمان وابيين‬
‫مسعود وزيد بن ثابت من الصحابة‪ .‬وقال شريح وطائفة من أهل‬
‫البصيرة‪ :‬حيق الخ المييت فيي هذه المسيألة لبنييه‪ .‬وعمدة هؤلء‬
‫تشيييبيه الولء بالميراث‪ .‬وعمدة الفرييييق الول أن الولء نسيييب‬
‫مبدؤه ميين المباشيير‪ .‬وميين مسييائلهم المشهورة فييي هذا الباب‬
‫المسيألة التيي تعرف بجير الولء‪ ،‬وصيورتها أن يكون عبيد له بنون‬
‫ميين أمية‪ ،‬فأعتقييت الميية ثييم أعتييق العبييد بعييد ذلك‪ ،‬فإن العلماء‬
‫اختلفوا لميين يكون ولء البنييين إذا أعتييق الب‪ ،‬وذلك أنهييم اتفقوا‬
‫على أن ولءهم بعد عتق الم إذا لم يمس المولود الرق في بطن‬
‫أميه‪ ،‬وذلك يكون إذا تزوجهيا العبيد بعيد العتيق وقبيل عتيق الب هيو‬
‫لموالي الم‪ .‬واختلفوا إذا أعتيق الب هيل يجير ولءه بنييه لموالييه‬
‫أم ل يجييير؟ فذهيييب الجمهور ومالك وأبيييو حنيفييية والشافعيييي‬
‫وأصييحابهم إلى أنييه يجيير‪ ،‬وبييه قال علي رضييي الله عنييه وابيين‬
‫مسييعود والزبييير وعثمان ابيين عفان‪ .‬وقال عطاء وعكرميية وابيين‬
‫شهاب وجماعية‪ :‬ل يجير ولءه‪ .‬وروي عين عمير‪ ،‬وقضيى بيه عبيد‬
‫الملك بين مروان لميا حدثيه بيه قبيضية بين ذؤييب عين عمير بين‬
‫الخطاب‪ ،‬وإن كان قيد روي عين عمير مثيل قول الجمهور‪ .‬وعمدة‬
‫الجمهور أن الولء مشبييييه بالنسييييب‪ ،‬والنسييييب للب دون الم‪.‬‬
‫وعمدة الفريق الثاني أن البنين لما كانوا في الحرية تابعين لمهم‬
‫كانوا فيي موجيب الحريية تابعيين لهيا‪ ،‬وهيو الولء‪ ،‬وذهيب مالك إلى‬
‫أن الجيد يجير ولء حفدتيه إذا كان أبوهيم عبدا‪ ،‬إل أن يعتيق الب‪،‬‬
‫وبيه قال الشافعيي وخالفيه فيي ذلك الكوفيون واعتمدوا فيي ذلك‬
‫على أن ولء الجيد إنميا يثبيت لمعتيق الجيد على البنيين مين جهية‬
‫الب‪ ،‬وإذا لم يكييين للب ولء فأحرى أن ل يكون للجيييد‪ .‬وعمدة‬
‫الفريق الثاني أن عبودية الب هي كموته فوجب أن ينتقل الولء‬
‫إلى أبييي الب‪ ،‬ول خلف بييين ميين يقول بأن الولء للعصييبة فيمييا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أعلم أن البناء أحق من الباء‪ ،‬وأنه ل ينتقل إلى العمود العلى إل‬
‫إذا فقيد العمود السيفل بخلف الميراث‪ ،‬لن البنوة عندهيم أقوى‬
‫تعصيبا من البوة‪ ،‬والب أضعف تعصيبا‪ ،‬والخوة وبنوهم أقعد عند‬
‫مالك مين الجيد‪ ،‬وعنيد الشافعيي وأبيي حنيفية الجيد أقعيد منهيم‪.‬‬
‫وسبب الخلف من أقرب نسبا وأقوى تعصيبا وليس يورث بالولء‬
‫جزء مفروض وإنميا يورث تعصييبا‪ ،‬فإذا مات المولى السيفل ولم‬
‫يكييين له ورثييية أصيييل‪ ،‬أو كان له ورثييية ل يحيطون بالميراث كان‬
‫عاصييبه المولى العلى‪ ،‬وكذلك يعصييب المولى العلى كييل ميين‬
‫للمولى العلى عليييه ولدة نسييب‪ :‬أعنييي بناتيه وبنيييه وبنييي بنيييه‪.‬‬
‫وفيي هذا الباب مسيألة مشهورة وهيي‪ :‬إذا ماتيت امرأة ولهيا ولء‬
‫وولد وعصييبة لميين ينتقييل الولء؟ فقالت طائفيية‪ :‬لعصييبتها لنهييم‬
‫الذييين يعقلون عنهييا‪ ،‬والولء للعصييبة‪ ،‬وهييو قول علي ابيين أبييي‬
‫طالب؛ وقال قوم‪ :‬لبنهييا‪ ،‬وهييو قول عميير بيين الخطاب‪ ،‬وعليييه‬
‫فقهاء المصييار‪ ،‬وهييو مخالف لهييل هذا السييلف‪ ،‬لن ابيين المرأة‬
‫ليس من عصبتها‪.‬‬
‫تم كتاب الفرائض والولء والحمد لله حق حمده‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب العتق‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي هذا الكتاب فيمين يصيح عتقيه ومين ل يصيح‪ ،‬ومين‬
‫يلزمييه وميين ل يلزمييه‪ :‬أعنييي بالشرع‪ ،‬وفييي ألفاظ العتييق‪ ،‬وفييي‬
‫اليمان به‪ ،‬وفي أحكامه وفي الشروط الواقعة ف يه‪ .‬ونحن فإنما‬
‫نذكر من هذه البواب ما فيها من المسائل المشهورة التي يتعلق‬
‫أكثرهيا بالمسيموع‪ .‬فأميا مين يصيح عتقيه‪ ،‬فإنهيم أجمعوا على أنيه‬
‫يصييح عتييق المالك التام الملك الصييحيح الرشيييد القوي الجسييم‬
‫الغني غير العديم‪ .‬واختلفوا في عتق من أحاط الدين بماله وفي‬
‫عتيق المرييض وحكميه‪ .‬فأميا مين أحاط الديين بماله‪ ،‬فإن العلماء‬
‫اختلفوا فيي جواز عتقيه‪ ،‬فقال أكثير أهيل المدينية‪ :‬مالك وغيره‪ :‬ل‬
‫يجوز ذلك‪ ،‬وبيه قال الوزاعيي واللييث؛ وقال فقهاء العراق‪ :‬وذلك‬
‫جائز حتى يحجر عليه الحاكم‪ ،‬وذلك عند من يرى التحجير منهم‪،‬‬
‫وقد يتخرج عن مالك في ذلك الجواز قياسا على ما روي عنه في‬
‫الرهن أ نه يجوز‪ ،‬وإن أحاط الدين بمال الراهن ما لم يحجر عليه‬
‫الحاكيم‪ .‬وعمدة مين منيع عتقيه أن ماله فيي تلك الحال مسيتحق‬
‫للغرماء‪ ،‬فليييس له أن يخرج منييه شيئا بغييير عوض‪ ،‬وهييي العلة‬
‫التي بها يحجر الحاكم عليه التصرف والحكام يجب أن توجد مع‬
‫وجود عللها‪ ،‬وتحجير الحاكم ليس بعلة وإنما هو حكم واجب من‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫موجبات العلة فل اعتبار بوقوعييه‪ .‬وعمدة الفريييق الثانييي أنييه قييد‬


‫انعقييد بالجماع على أن له أن يطييأ جاريتييه ويحبلهييا ول يرد شيئا‬
‫مميا أنفقيه مين ماله على نفسيه وعياله حتيى يضرب الحاكيم على‬
‫يدييه فوجيب أن يكون حكيم تصيرفاته هذا الحكيم‪ ،‬وهذا هيو قول‬
‫الشافعي ول خلف عند الجميع أنه ل يجوز أن يعتق غير المحتلم‬
‫مييا لم تكيين وصييية منييه‪ ،‬وكذلك المحجور؛ ول يجوز عنييد العلماء‬
‫عتقيه لشييء مين مماليكيه إل مالكيا وأكثير أصيحابه‪ ،‬فإنهيم أجازوا‬
‫عتقييه لم ولده‪ .‬وأمييا المريييض فالجمهور على أن عتقييه إن صييح‬
‫وقيع وإن مات كان مين الثلث؛ وقال أهيل الظاهير‪ :‬هيو مثيل عتيق‬
‫الصييحيح‪ .‬وعمدة الجمهور حديييث عمران بيين الحصييين أن رجل‬
‫أعتق ستة أعبد له‪ ،‬الحديث على ما تقدم‪ .‬وأما من يدخل عليهم‬
‫العتق كرها فهم ثلثة من بعض العتق‪ ،‬وهذا متفق عليه في أحد‬
‫قسيميه واثنان مختلف فيهميا وهميا مين ملك مين يعتيق علييه ومين‬
‫مثل بعبده‪.‬‬
‫فأميا مين بعيض العتيق فإنيه ينقسيم قسيمين‪ :‬أحدهميا مين وقيع‬
‫تبعييض العتيق منيه ولييس له مين العبيد إل الجزء المعتيق‪ .‬والثانيي‬
‫أن يكون يملك العبد كله ولكن بعض عتقه اختيارا منه‪ .‬فأما العبد‬
‫بيين الرجليين يعتيق أحدهميا حظيه منيه فإن الفقهاء اختلفوا فيي‬
‫حكييم ذلك‪ ،‬فقال مالك والشافعييي وأحمييد بيين حنبييل‪ :‬إن كان‬
‫المعتيق موسيرا قوم علييه نصييب شريكيه قيمية العدل‪ ،‬فدفيع ذلك‬
‫إلى شريكييه وعتييق الكييل عليييه وكان ولؤه له‪ ،‬وإن كان المعتييق‬
‫معسرا لم يلزمه شيء وبقي المعتق بعضه عبدا وأحكامه أحكام‬
‫العبيد؛ وقال أبيو يوسيف ومحميد‪ :‬إن كان معسيرا سيعى العبيد فيي‬
‫قيمته للسيد الذي لم يعتق حظه منه وهو حر يوم أعتق حظه منه‬
‫الول ويكون ولؤه للول‪ ،‬وبيه قال الوزاعيي وابين شبرمية وابين‬
‫أبيي ليلى وجماعية الكوفييين‪ ،‬إل أن ابين شبرمية وابين أبيي ليلى‬
‫جعل للعبيد أن يرجيع على المعتيق بميا سيعى فييه متيى أيسير‪ .‬وأميا‬
‫شريييك المعتييق فإن الجمهور على أن له الخيار فييي أن يعتييق أو‬
‫يقوم نصييبه على المعتيق؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬لشرييك الموسير ثلث‬
‫خيارات‪ :‬أحدهيا أن يعتيق كميا أعتيق شريكيه ويكون الولء بينهميا‪،‬‬
‫وهذا ل خلف فيييه بينهييم‪ .‬والخيار الثانييي أن تقوم عليييه حصييته‪.‬‬
‫والثالث أن يكلف العبييد السييعي فييي ذلك إن شاء ويكون الولء‬
‫بينه ما وللسييد المعتيق عبده عنده إذا قوم علييه شريكيه نصييبه أن‬
‫يرجيع على العبيد فيسيعى فييه ويكون الولء كله للمعتيق‪ .‬وعمدة‬
‫مالك والشافعيي حدييث ابين عمير أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم قال "مين أعتيق شركيا له فيي عبيد وكان له مال يبلغ ثمين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العبيد قوم علييه قيمية العدل‪ ،‬فأعطيى شركاءه حصيصهم وعتيق‬


‫عليييه العبييد وإل فقييد عتييق منييه مييا عتييق"‪ .‬وعمدة محمييد وأبييي‬
‫يوسيف صياحبي أبيي حنيفية ومين يقول بقولهيم حدييث أبيي هريرة‬
‫أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "مين أعتيق شقصيا له فيي‬
‫عبده فخلصيييه فيييي ماله إن كان له مال‪ ،‬فإن لم يكييين له مال‬
‫اسييتسعى العبييد غييير مشقوق عليييه" وكل الحديثييين خرجييه أهييل‬
‫الصيحيح البخاري ومسيلم وغيرهميا‪ ،‬ولكيل طائفية منهيم قول فيي‬
‫ترجييح حديثيه الذي أخيذ بيه‪ ،‬فمميا وهنيت فييه الكوفيية حدييث ابين‬
‫عمير أن بعيض رواتيه شيك فيي الزيادة المعارضية فييه لحدييث أبيي‬
‫هريرة‪ ،‬وهو قوله "وإل فقد عتق منه ما عتق" فهل هو من قوله‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬أم من قول نافع "وإن في ألفاظه أيضا بين‬
‫رواتيه اضطرابيا‪ .‬ومميا وهين بيه المالكيون حدييث أبيي هريرة أنيه‬
‫اختلف أصيحاب قتادة فييه على قتادة فيي ذكير السيعاية‪ .‬وأميا مين‬
‫طريييق المعنييى فاعتمدت المالكييية فييي ذلك على أنييه إنمييا لزم‬
‫السيييد التقويييم إن كان له مال للضرر الذي أدخله على شريكييه‬
‫والعبيد لم يدخيل ضررا فلييس يلزميه شييء‪ .‬وعمدة الكوفييين مين‬
‫طرييق المعنيى أن الحريية حيق شرعيي ل يجوز تبعيضيه‪ ،‬فإذا كان‬
‫الشرييك المعتيق موسيرا عتيق الكيل علييه‪ ،‬وإذا كان معسيرا سيعى‬
‫العبيد فيي قيمتيه وفييه ميع هذا رفيع الضرر الداخيل على الشرييك‬
‫وليس فيه ضرر على العبد‪،‬‬
‫وربميا أتوا بقياس شبهيي وقالوا‪ :‬لميا كان العتيق يوجيد منيه فيي‬
‫الشرع نوعان‪ :‬نوع يقييع بالختيار‪ ،‬وهييو إعتاق السيييد عبده ابتغاء‬
‫ثواب الله‪ .‬ونوع يقيع بغيير اختبار‪ ،‬و هو أن يعتق على السييد من ل‬
‫يجوز له بالشريعيية ملكييه وجييب أن يكون العتييق بالسييعي كذلك‪.‬‬
‫فالذي بالختيار منيه هيو الكتابية‪ .‬والذي هيو داخيل بغيير اختيار هيو‬
‫السيعي‪ .‬واختلف مالك والشافعيي فيي أحيد قولييه إذا كان المعتيق‬
‫موسرا هل يعتق عليه نصيب شريكه بالحكم أو بالسراية؟ أعني‬
‫أنيه يسيري وجوب عتقيه علييه بنفيس العتيق؟ فقالت الشافعيية‪:‬‬
‫يعتق بالسراية؛ وقالت المالكية بالحكم؛ واحتجت المالكية بأنه لو‬
‫كان واجبا بالسراية لسرى مع العدم واليسر‪.‬‬
‫واحتجيت الشافعيية باللزم عين مفهوم قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"قوم علييه قي مة العدل" فقالوا‪ :‬ما يجيب تقويمه فإن ما يجيب بعيد‬
‫إتلفيه فإذن بنفيس العتيق أتلف حيظ صياحبه فوجيب علييه تقويميه‬
‫فييي وقييت التلف‪ ،‬وإن لم يحكييم عليييه بذلك حاكييم‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فلييس للشرييك أن يعتيق نصييبه‪ ،‬لنيه قيد نفيذ العتيق وهذا بيين‪.‬‬
‫وقول أبي حنيفة في هذه المسألة مخالف لظاهر الحديثين‪ ،‬وقد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫روي فيهييا خلف شاذ‪ ،‬فقيييل عيين ابيين سيييرين إنييه جعييل حصيية‬
‫الشريك في بيت المال؛ وقيل عن ربيعة فيمن أعتق نصيبا له في‬
‫عبييد أن العتييق باطييل؛ وقال قوم‪ :‬ل يقوم على المعسيير الكييل‪،‬‬
‫وينفيذ العتيق فيميا أعتيق؛ وقال قوم بوجوب التقوييم على المعتيق‬
‫موسييرا أو معسييرا ويتبعييه شريكييه‪ ،‬وسييقط العسيير فييي بعييض‬
‫الروايات فيي حدييث ابين عمير‪ ،‬وهذا كله خلف الحادييث‪ ،‬ولعلهيم‬
‫لم تبلغهم الحاديث‪ .‬واختلف قول مالك من هذا في فرع وهو إذا‬
‫كان معسرا فأخر الحكم عليه بإسقاط التقويم حتى أيسر‪ ،‬فقيل‬
‫يقوم‪ ،‬وقيل ل يقوم‪ .‬وات فق القائلون بهذه الثار على أن من ملك‬
‫باختياره شقصا يعتق عليه من عبد‪ :‬أنه يعتق عليه الباقي إن كان‬
‫موسرا إل إذا ملكه بوجيه ل اختيار له فيه‪ ،‬وهيو أن يملكيه بميراث‬
‫‪ -‬فقال قوم‪ :‬يعتيق علييه فيي حال اليسير ‪ -‬وقال قوم‪ :‬ل يعتيق‬
‫عليييه؛ وقال قوم‪ :‬فييي حال اليسيير بالسييعاية؛ وقال قوم‪ :‬ل‪ .‬وإذا‬
‫ملك السيييد جميييع العبييد فأعتييق بعضييه؛ فجمهور علماء الحجاز‬
‫والعراق مالك والشافعييي والثوري والوزاعييي وأحمييد وابيين أبييي‬
‫ليلى ومحميد بين الحسين وأبيو يوسيف يقولون‪ :‬يعتيق علييه كله‪،‬‬
‫وقال أبيو حنيفية وأهيل الظاهير‪ :‬يعتيق منيه ذلك القدر الذي عتيق‬
‫ويسييعى العبييد فييي الباقييي‪ ،‬وهييو قول طاوس وحماد‪ .‬وعمدة‬
‫استدلل الجمهور أنه لما ثبتت السنة في إعتاق نصيب الغير على‬
‫الغير لحرمة العتق كان أحرى أن يجب ذلك عليه في ملكه‪.‬‬
‫وعمدة أبي حنيفة أن سبب وجوب العتق على المبعض للعتق هو‬
‫الضرر الداخييل على شريكييه‪ ،‬فإذا كان ذلك كله ملكييا له لم يكيين‬
‫هنالك ضرر‪ .‬فسييبب الخلف ميين طريييق المعنييى هييل علة هذا‬
‫الحكييم حرميية العتييق‪ ،‬أعنييي أنييه ل يقييع فيييه تبعيييض‪ ،‬أو مضرة‬
‫الشريك؟‪ .‬واحتجيت الحنفية بما رواه إسماعيل بن أمية عين أبيه‬
‫عين جده أنيه أعتيق نصيف عبده‪ ،‬فلم ينكير رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم عتقه‪ .‬ومن عمدة الجمهور ما رواه النسائي وأبو داود‬
‫عين أبي الملييح عين أبيه "أن رجل من هذيل أعتيق شقصا له من‬
‫مملوك فتميم النيبي علييه الصيلة والسيلم عتقيه وقال‪ :‬لييس لله‬
‫شر يك" وعلى هذا فقيد نص على العلة التي تمسك ب ها الجمهور‪،‬‬
‫وصيييارت علتهيييم أولى‪ ،‬لن العلة المنصيييوص عليهيييا أولى مييين‬
‫المستنبطة‪ .‬فسبب اختلفهم تعارض الثار في هذا الباب وتعارض‬
‫القياس‪ .‬وأمييييييا العتاق الذي يكون بالمثلة‪ ،‬فإن العلماء اختلفوا‬
‫فييه‪ ،‬فقال مالك واللييث والوزاعيي‪ :‬مين مثيل بعبده أعتيق علييه؛‬
‫وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬ل يعتيق علييه؛ وشيذ الوزاعيي فقال‪:‬‬
‫من مثل بعبد غيره أعتق عليه والجمهور على أنه يضمن ما نقص‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين قيمية العبيد‪ ،‬فمالك ومين قال بقوله اعتميد حدييث عمرو بين‬
‫شعييب عين أبييه عين جده "أن زنباعيا وجيد غلميا له ميع جاريية‪،‬‬
‫فقطيع ذكره وجدع أن فه‪ ،‬فأتيى النيبي صلى الله علييه وسيلم فذكير‬
‫ذلك له‪ ،‬فقال له النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬ميا حملك على ميا‬
‫فعلت؟ فقال‪ :‬فعيل كذا وكذا‪ ،‬فقال النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪:‬‬
‫اذهييب فأنييت حيير‪ .‬وعمدة الفريييق الثانييي قوله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم فيي حدييث ابين عمير "مين لطيم مملوكيه أو ضربيه فكفارتيه‬
‫عتقيه" قالوا‪ :‬فلم يلزم العتيق فيي ذلك وإنميا ندب إلييه‪ .‬ولهيم مين‬
‫طرييق المعنيى أن الصيل فيي الشرع هيو أنيه ل يكره السييد على‬
‫عتييق عبده إل مييا خصييصه الدليييل‪ .‬وأحاديييث عمرو بيين شعيييب‬
‫مختلف فيي صيحتها‪ ،‬فلم تبلغ مين القوة أن يخصيص بهيا مثيل هذه‬
‫القاعدة‪.‬‬
‫وأمييا هيل يعتييق على النسيان أحييد مين قرابتيه‪ ،‬وإن عتييق فمين‬
‫يعتييق؟ فإنهييم اختلفوا فييي ذلك‪ ،‬فجمهور العلماء على أنييه يعتييق‬
‫على الرجييل بالقرابيية إل داود وأصييحابه‪ ،‬فإنهييم لم يروا أن يعتييق‬
‫أحيد على أحيد مين قبيل قربيى‪ ،‬والذيين قالوا بالعتيق اختلفوا فيمين‬
‫يعتيق ممين ل يعتيق بعيد اتفافهيم على أنيه يعتيق على الرجيل أبوه‬
‫وولده؛ فقال مالك‪ :‬يعتيق على الرجيل ثلثية‪ :‬أحدهيا أصيوله‪ :‬وهيم‬
‫الباء والجداد والجدات والمهات وآباؤهم وأمهاتهم‪ ،‬وبالجملة كل‬
‫ميين كان له على النسييان ولدة‪ .‬والثانييي فروعييه‪ ،‬وهييم‪ :‬البناء‬
‫والبنات وولدهييم مييا سييفلوا‪ ،‬وسييواء فييي ذلك ولد البنييين وولد‬
‫البنات‪ ،‬وبالجملة كييل ميين للرجييل عليييه ولدة بغييير توسييط أو‬
‫بتوسييط‪ ،‬ذكيير أو أنثييى‪ .‬والثالث الفروع المشاركيية له فييي أصييله‬
‫القرييب وهيم الخوة‪ ،‬وسيواء كانوا لب وأم‪ ،‬أو لب فقيط‪ ،‬أو لم‬
‫فقييط؛ واقتصيير ميين هذا العمود على القريييب فقييط‪ ،‬فلم يوجييب‬
‫عتييق بنييي الخوة‪ .‬وأمييا الشافعييي فقال مثييل قول مالك فييي‬
‫العمودين العلى والسفل‪ ،‬وخالفه في الخوة فلم يوجب عتقهم‪.‬‬
‫وأميا أبيو حنيفية فأوجيب عتيق كيل ذي رحيم محرم بالنسيب كالعيم‬
‫والعمية والخال والخالة وبنات الخ‪ ،‬ومين أشبههيم ممين هيو مين‬
‫النسييان ذو محرم‪ .‬وسييبب اختلف أهييل الظاهيير مييع الجمهور‬
‫اختلفهييم فييي مفهوم الحديييث الثابييت‪ ،‬وهييو قوله عليييه الصييلة‬
‫والسييلم "ل يجزي ولد عيين والده إل أن يجده مملوكييا فيشتريييه‬
‫فيعتقيييه" خرجيييه مسيييلم والترمذي وأبيييو داود وغيرهيييم‪ ،‬فقال‬
‫الجمهور‪ :‬يفهيم مين هذا أنيه إذا اشتراه وجييب علييه عتقيه‪ ،‬وأنيه‬
‫لييس يجيب علييه شراؤه‪ .‬وقالت الظاهريية‪ :‬المفهوم مين الحدييث‬
‫أنه ليس يجب عليه شراؤه ول عتقه إذا اشتراه‪ ،‬قالوا‪ :‬لن إضافة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عتقه إليه دليل على صحة ملكه له‪ ،‬ولو كان ما قالوا صوابا‪ ،‬لكان‬
‫اللفيظ إل أن يشترييه فيعتيق علييه‪ .‬وعمدة الحنفيية ميا رواه قتادة‬
‫عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من‬
‫ملك ذا رحييم محرم فهييو حيير" وكأن هذا الحديييث لم يصييح عنييد‬
‫مالك والشافعيييييييي؛ وقاس مالك الخوة على البناء والباء‪ ،‬ولم‬
‫يلحقهييم بهييم الشافعييي واعتمييد الحديييث المتقدم فقييط‪ ،‬وقاس‬
‫البناء على الباء‪.‬‬
‫وقيد راميت المالكيية أن تحتيج لمذهبهيا بأن البنوة صيفة هيي ضيد‬
‫العبودية‪ ،‬وأنه ليس تجتمع معها لقوله تعالى {وما ينبغي للرحمن‬
‫أن يتخيذ ولدا‪ .‬إن كيل مين فيي السيموات والرض إل آتيي الرحمين‬
‫عبدا} وهذه العبوديية هيي معنيى غيير العبوديية التيي يحتجون بهيا‪،‬‬
‫فإن هذه العبودييية معقولة وبنوة معقولة‪ .‬والعبودييية التييي بييين‬
‫المخلوقين والموليية هي عبودية بالشرع ل بالطبع أعني بالوضع‬
‫ل مجال للعقييل كمييا يقولون فيهييا عندهييم‪ ،‬وهييو احتجاج ضعيييف‪.‬‬
‫وإنما أراد الله تعالى أن البنوة تساوي البوة في جنس الوجود أو‬
‫في نوعه‪ ،‬أعني أن الموجودين اللذين أحدهما أب والخر ابن هما‬
‫متقاربان جدا‪ ،‬حتيى أنهميا إميا أن يكونيا مين نوع واحيد أو جنيس‬
‫واحيد‪ ،‬وميا دون الله مين الموجودات فلييس يجتميع معيه سيبحانه‬
‫فيي جنيس قرييب ول بعييد‪ ،‬بيل التفاوت بينهميا غايية التفاوت‪ ،‬فلم‬
‫يصيح أن يكون فيي الموجودات التيي ههنيا شييء نسيبته إلييه نسيبة‬
‫الب إلى البن‪ ،‬بل إن كان نسبة الموجودات إليه نسبة العبد إلى‬
‫السييد كان أقرب إلى حقيقية المير مين نسيبة البين إلى الب لن‬
‫التباعد الذي بين السيد والعبد في المرتبة أشد من التباعد الذي‬
‫بيين الب والبين‪ ،‬وعلى الحقيقية فل شبيه بيين النسيبتين؛ لكين لميا‬
‫لم يكين فيي الموجودات نسيبة أشيد تباعدا من هذه النسيبة‪ ،‬أعنيي‬
‫تباعييد طرفيهمييا فييي الشرف والخسيية ضرب المثال بهييا‪ ،‬أعنييي‬
‫نسييبة العبييد للسيييد‪ ،‬وميين لحييظ المحبيية التييي بييين الب والبيين‬
‫والرحمة والرأفة الشفقة أجاز أن يقول في الناس إنهم أبناء الله‬
‫على ظاهير شريعية عيسيى‪ .‬فهذه جملة المسيائل المشهورة التيي‬
‫تتعلق بالعتق الذي يدخل على النسان بغير اختياره‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابيع‪- :)1 ...‬والنظير فيي هذا الكتاب فيمين يصيح عتقيه ومين ل‬
‫يصح‪ ،‬ومن يلزمه ومن ل‪... ...‬‬
‫وقيييد اختلفوا مييين أحكام العتيييق فيييي مسيييألة مشهورة تتعلق‬
‫بالسييماع‪ ،‬وذلك أن الفقهاء اختلفوا فيميين أعتييق عييبيدا له فييي‬
‫مرضييه أو بعييد موتييه ول مال له غيرهييم‪ ،‬فقال مالك والشافعييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأصييحابهما وأحمييد وجماعيية‪ :‬إذا أعتييق فييي مرضييه ول مال له‬


‫سيواهم قسيموا ثلثية أجزاء وعتيق منهيم جزء بالقرعية بعيد موتيه‪،‬‬
‫وكذلك الحكيم فيي الوصيية بعتقهيم‪ .‬وخالف أشهيب وأصيبغ مالكيا‬
‫فييي العتييق المبتييل فييي المرض فقال جميعييا إنمييا القرعيية فييي‬
‫الوصية‪ .‬وأما حكم العتق المبتل فهو كحكم المدبر‪ .‬ول خلف في‬
‫مذهيب مالك أن المدبريين فيي كلمية واحدة إذا ضاق عنهيم الثلث‬
‫أنيه يعتيق مين كيل واحيد منهيم بقدر حظيه مين الثلث‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفية وأصيحابه فيي العتيق المبتيل‪ :‬إذا ضاق عنيه الثلث أنيه يعتيق‬
‫مين كيل واحيد منيه ثلثيه‪ .‬وقال الغيير‪ :‬بيل يعتيق مين الجمييع ثلثيه‪.‬‬
‫فقوم من هؤلء اعتبروا في ثلث الجميع القيمة‪ ،‬وهو مذهب مالك‬
‫والشافعيي؛ وقوم اعتيبروا العدد‪ .‬فعنيد مالك إذا كانوا سيتة أعبيد‪:‬‬
‫مثل عتق منهم الثلث بالقيمة كان الحاصل في ذلك اثنين منهم أو‬
‫أقيل أو أكثير‪ ،‬وذلك أيضيا بالقرعية بعيد أن يجيبروا على القسيمة‬
‫أثلثييا؛ وقال قوم‪ :‬بييل المعتييبر العدد‪ ،‬فإن كانوا سييتة عتييق منهييم‬
‫اثنان وإن كانوا مثل سييبعة عتييق منهييم اثنان وثلث‪ .‬فعمدة أهييل‬
‫الحجاز ميا رواه أهيل البصيرة عين عمران بين الحصيين "أن رجل‬
‫أعتييق سييتة مملوكييين عنييد موتيه ولم يكيين له مال غيرهييم فدعييا‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فجزأهيم أثلثيا ثيم أقرع بينهيم‬
‫فأعتق اثنين وأرق أربعة" خرجه البخاري ومسلم مسندا‪ ،‬وأرسله‬
‫مالك‪.‬‬
‫وعمدة الحنفية ما جرت به عادتهم من رد الثار التي تأتي بطرق‬
‫الحاد إذا خالفتها الصول الثابتة بالتواتر‪ .‬وعمدتهم أنه قد أوجب‬
‫السييد لكيل واحيد منهيم العتيق تاميا‪ ،‬فلو كان له مال لنفيد بإجماع‪،‬‬
‫فإذا لم يكين له مال وجيب أن ينفيذ لكيل واحيد منهيم بقدر الثلث‬
‫الجائز فعلى السيد فيه‪ ،‬وهذا الصل ليس بيننا من قواعد الشرع‬
‫في هذا الموضع‪ ،‬وذلك أنه يمكن أن يقال له إنه إذا أعتق من كل‬
‫واحد منهم الثلث دخل الضرر على الورثة والعبيد المعتقين‪ ،‬وقد‬
‫ألزم الشرع مبعيض العتيق أن يتيم علييه‪ ،‬فلميا لم يمكين ههنيا أن‬
‫يتميم علييه جميع فيي أشخاص بأعيانهيم لكين متيى اعتيبرت القيمية‬
‫فيي ذلك دون العدد أفضيت إلى هذا الصيل‪ ،‬وهيو تبعييض العتيق‪،‬‬
‫فلذلك كان الولى أن يعتبر العدد وهو ظاهر الحديث‪ ،‬وكان الجزء‬
‫المعتيق فيي كيل واحيد منهيم هيو حيق لله فوجيب أن يجميع فيي‬
‫أشخاص بأعيانهيم أصيله حيق الناس‪ .‬واختلفوا فيي مال العبيد إذا‬
‫أعتييق لميين يكون‪ ،‬فقالت طائفيية‪ :‬المال للسيييد؛ وقالت طائفيية‪:‬‬
‫ماله تبيع له‪ ،‬وبالول قال ابين مسيعود مين الصيحابة‪ ،‬ومين الفقهاء‬
‫أبييو حنيفيية والثوري وأحمييد وإسييحق‪ ،‬وبالثانييي قال ابيين عميير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وعائشيية والحسيين وعطاء ومالك وأهييل المدينيية‪ .‬والحجيية لهييم‬


‫حدييث ابين عمير أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "مين أعتيق‬
‫عبدا فماله له إل أن يشترط السييد ماله" وأميا ألفاظ العتيق‪ ،‬فإن‬
‫منهيا صيريحا ومنهيا كنايية عنيد أكثير فقهاء المصيار‪ .‬أميا اللفاظ‬
‫الصيريحة‪ ،‬فهيو أن يقول‪ :‬أنيت حير‪ ،‬أو أنيت عتييق وميا تصيرف مين‬
‫هذه‪ ،‬فهذه اللفاظ تلزم السييد بإجماع مين العلماء‪ .‬وأميا الكنايية‬
‫فهييي مثييل قول السيييد لعبده‪ :‬ل سييبيل لي عليييك‪ ،‬أو ل ملك لي‬
‫علييك‪ ،‬فهذه ينوي فيهيا سييد العبيد‪ ،‬هيل أراد بيه العتيق أم ل؟ عنيد‬
‫الجمهور‪ .‬ومما اختلفوا فيه في هذا الباب إذا قال السيد لعبده‪ :‬يا‬
‫بنيي‪ ،‬أو لمتيه ييا بنتيي‪ ،‬أو قال‪ :‬ييا أبيي‪ ،‬أو ييا أميي‪ ،‬فقال قوم وهيم‬
‫الجمهور‪ :‬ل عتيق يلزميه؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬يعتيق علييه؛ وشيذ زفير‬
‫فقال‪ :‬لو قال السيد لعبده‪ :‬هذا ابني‪ ،‬عتق عليه وإن كان العبد له‬
‫عشرون سنة وللسيد ثلثون سنة‪ .‬ومن هذا الباب اختلفهم فيمن‬
‫قال لعبده‪ :‬ميا أنيت إل حير‪ ،‬فقال قوم‪ :‬هيو ثناء علييه وهيم الكثير؛‬
‫وقال قوم‪ :‬هيو حير‪ ،‬وهيو قول الحسين البصيري‪ .‬ومين هذا الباب‬
‫من نادى عبدا من عبيده باسمه‪ ،‬فاستجاب له عبد آخر‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫أنت حر‪ ،‬وقال‪ :‬إنما أردت الول‪ ،‬فقيل يعتقان عليه جميعا‪ ،‬وقيل‬
‫ينوي‪ .‬واتفيق على أن مين أعتيق ميا فيي بطين أمتيه فهيو حير دون‬
‫الم‪.‬‬
‫واختلفوا فيمين أعتيق أمية واسيتثنى ميا فيي بطنهيا‪ ،‬فقالت طائفية‪:‬‬
‫له اسييتثناؤه؛ وقالت طائفيية‪ :‬همييا حران‪ .‬واختلفوا فييي سييقوط‬
‫العتيق بالمشيئة‪ ،‬فقالت طائفية‪ :‬ل اسيتثناء فييه كالطلق‪ ،‬وبيه قال‬
‫مالك؛ وقال قوم‪ :‬يؤثير فييه السيتثناء كقولهيم فيي الطلق‪ ،‬أعنيي‬
‫قول القائل لعبده‪ :‬أنيييت حييير إن شاء الله‪ .‬وكذلك اختلفوا فيييي‬
‫وقوع العتيييق بشرط الملك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يقيييع؛ وقال الشافعيييي‬
‫وغيره‪ :‬ل يقع‪ ،‬وحجتهم قوله عليه الصلة والسلم‪" :‬ل عتق فيما‬
‫ل يملك ابيين آدم" وحجيية الفرقيية الثانييية تشييبيههم إياه باليمييين‪.‬‬
‫وألفاظ هذا الباب شبيهيية بألفاظ الطلق‪ ،‬وشروطييه كشروطييه‪،‬‬
‫وكذلك اليمان فيييه شبيهيية بأيمان الطلق‪ .‬وأمييا أحكامييه فكثيرة‪:‬‬
‫منها أن الجمهور على أن البناء تابعون في العتق والعبودية للم‪،‬‬
‫وشييذ قوم فقالوا‪ :‬إل أن يكون الب عربيييا‪ .‬ومنهييا اختلفهييم فييي‬
‫العتق إلى أجل؛ فقال قوم‪ :‬ليس له أن يطأها إن كانت جارية ول‬
‫ييبيع ول يهيب‪ ،‬وبيه قال مالك؛ وقال قوم‪ :‬له جمييع ذلك‪ ،‬وبيه قال‬
‫الوزاعيييي والشافعيييي واتفقوا على جواز اشتراط الخدمييية على‬
‫المعتيق مدة معلومية بعيد العتيق وقبيل العتيق‪ .‬واختلفوا فيمين قال‬
‫لعبده‪ :‬إن بعتيك فأنيت حير؛ فقال قوم‪ :‬ل يقيع علييه العتيق لنيه إذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫باعيه لم يملك عتقيه‪ ،‬وقال‪ :‬إن باعيه يعتيق علييه‪ ،‬أعنيي مين مال‬
‫البائع إذا باعيه‪ ،‬وبيه قال مالك والشافعيي‪ ،‬وبالول قال أبيو حنيفية‬
‫وأصحابه والثوري‪ .‬وفروع هذا الباب كثيرة‪ ،‬وفي هذا كفاية‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الكتابة‬
‫@‪-‬والنظيير الكلي فييي الكتابيية ينحصيير فييي أركانهييا وشروطهييا‬
‫وأحكامهيا‪ .‬أميا الركان فثلثية‪ :‬العقيد وشروطيه وصيفته‪ ،‬والعاقيد‪،‬‬
‫والمقعود علييه وصيفاتهما ونحين نذكير المسيائل المشهورة لهيل‬
‫المصار في جنس جنس من هذه الجناس‪.‬‬
‫القول في مسائل العقد‪.‬‬
‫@‪-‬فمن مسائل هذا الجنس المشهورة اختلفهم في عقد الكتابة‪:‬‬
‫هيل هيو واجيب أو مندوب إلييه؟ فقال فقهاء المصيار‪ :‬إنيه مندوب؛‬
‫وقال أهيييل الظاهييير‪ :‬هيييو واجيييب‪ ،‬واحتجوا بظاهييير قوله تعالى‬
‫{فكاتبوهييم إن علمتييم فيهييم خيرا} والميير على الوجوب‪ .‬وأمييا‬
‫الجمهور فإنهيم لميا رأوا أن الصيل هيو أن ل يجيبر أحيد على عتيق‬
‫مملوكيييه حملوا هذه اليييية على الندب لئل تكون معارضييية لهذا‬
‫الصيل‪ ،‬وأيضيا فإنيه لميا لم يكين للعبيد أن يحكيم له على سييده‬
‫بالبييع له وهيو خروج رقبتيه عين ملكيه بعوض‪ ،‬فأحرى أن ل يحكيم‬
‫له عليه بخروجه عن غير عوض هو مال كه‪ ،‬وذلك أن كسب العبد‬
‫هيو للسييد‪ ،‬وهذه المسيألة هيي أقرب أن تكون مين أحكام العقيد‬
‫من أن تكون من أركانه‪ ،‬وهذا العقد بالجملة هو أن يشتري العبد‬
‫نفسييه وماله ميين سيييده بمال يكتسييبه العبييد‪ .‬فأركان هذا العقييد‬
‫الثميين والمثمون والجييل واللفاظ الدالة على هذا العقييد‪ .‬فأمييا‬
‫الثميين‪ ،‬فإنهييم اتفقوا على أنييه يجوز إذا كان معلومييا بالعلم الذي‬
‫يشترط في البيوع‪ .‬واختلفوا إذا كان في لفظه إبهام ما‪ ،‬فقال أبو‬
‫حنيفية ومالك‪ :‬يجوز أن يكاتيب عبده على جاريية أو عبيد مين غيير‬
‫أن يصفهما ويكون له الوسط من العبيد؛ وقال الشافعي‪ :‬ل يجوز‬
‫حتى يصفه؛ فمن اعتبر في هذا طلب المعاينة شبهه بالبيوع؛ ومن‬
‫رأى أن هذا العقييد مقصييوده المكارميية وعدم التشاح جوز فيييه‬
‫الغرر اليسير كحال اختلفهيم فيي الصيداق؛ ومالك يجييز بين العبد‬
‫وسيده من جنس الربا ما ل يجوز بين الجنبي والجنبي من مثل‬
‫بييع الطعام قبيل قبضيه‪ ،‬وفسيخ الديين فيي الديين‪ ،‬وضيع وتعجيل؛‬
‫ومنييع ذلك الشافعييي وأحمييد وعيين أبييي حنيفيية القولن جميعييا‪.‬‬
‫وعمدة مين أجازه أنيه لييس بيين السييد وعبده ربيا‪ ،‬لنيه وماله له‪،‬‬
‫وإنميا الكتابية سينة على حدتهيا‪ .‬وأميا الجيل فإنهيم اتفقوا على أنيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يجوز أن تكون مؤجلة‪ ،‬واختلفوا فييي هييل تجوز حالة‪ ،‬وذلك أيضييا‬
‫بعييد اتفاقهييم على أنهييا تجوز حالة على مال موجود عنييد العبييد‪،‬‬
‫وهييي التييي يسييمونها قطاعييه ل كتابيية‪ .‬وأمييا الكتابيية فهييي التييي‬
‫يشتري العبيد فيهيا ماله ونفسيه مين سييده بمال يكتسيبه‪ .‬فموضيع‬
‫الخلف إنميا هيو هيل يجوز أن يشتري نفسيه مين سييده بمال حال‬
‫ليس هو بيده؟ فقال الشافعي‪ :‬هذا الكلم لغو‪ ،‬وليس يلزم السيد‬
‫شيء منه؛ وقال متأخروا أصحاب مالك‪ :‬قد لزمت الكتابة للسيد‬
‫ويرفعيه العبيد إلى الحاكيم فينجيم علييه المال بحسيب حال العبيد‪.‬‬
‫وعمدة المالكية أن السيد قد أوجب لعبده الكتابة‪ ،‬إل أنه اشترط‬
‫فيهييا شرطييا يتعذر غالبييا‪ ،‬فصييح العقييد وبطييل الشرط‪ .‬وعمدة‬
‫الشافعيية أن الشرط الفاسيد يعود ببطلن أصيل العقيد كمين باع‬
‫جاريتيه واشترط أن ل يطأهيا‪ ،‬وذلك أنيه إذا لم يكين له مال حاضير‬
‫أدى إلى عجزه‪ ،‬وذلك ضد مقصود الكتابة‪ .‬وحاصل قول المالكية‬
‫يرجع إلى أن الكتابة من أركانها أن تكون منجمة‪ ،‬وأنه إذا اشترط‬
‫فيهيا ضيد هذا الركين بطيل الشرط وصيح العقيد‪ .‬واتفقوا على أنيه‬
‫إذا قال السيد لعبده‪ :‬لقد كاتبتك على ألف درهم فإذا أديتها فأنت‬
‫حر أنه إذا أداها حر‪.‬‬
‫واختلفوا إذا قال له‪ :‬قد كاتبتك على ألف درهم وسكت هل يكون‬
‫حرا دون أن يقول له‪ :‬فإذا أديتهييا فأنييت حيير؟ فقال مالك وأبييو‬
‫حنيفة‪ :‬هو حر‪ ،‬لن اسم الكتابة لفظ شرعي‪ ،‬فهو يتضمن جميع‬
‫أحكامه؛ وقال قوم‪ :‬ل يكون حرا حتى يصرح بلفظ الداء‪ .‬واختلف‬
‫في ذلك قول الشافعي‪ .‬ومن هذا الباب اختلف قول ابن القاسم‬
‫ومالك فيمييين قال لعبده‪ :‬أنيييت حييير وعلييييك ألف دينار‪ ،‬فاختلف‬
‫المذهب في ذلك؛ فقال مالك‪ :‬يلزمه وهو حر؛ وقال ابن القاسم‪:‬‬
‫هو حر ول يلزمه‪ .‬وأما إن قال‪ :‬أنت حر على أن عليك ألف دينار‪،‬‬
‫فاختلف المذهب في ذلك فقال مالك‪ :‬هو حر والمال عليه كغريم‬
‫مين الغرماء؛ وقييل العبيد بالخيار‪ ،‬فإن اختار الحريية لزمييه المال‬
‫ونفذت الحريية وإل بقيي عبدا؛ وقييل إن قبيل كانيت كتابية يعتيق إذا‬
‫أدى‪ ،‬والقولن لبين القاسيم؛ وتجوز الكتابية عنيد مالك على عميل‬
‫محدود‪ ،‬وتجوز عنده الكتابيية المطلقيية‪ ،‬ويرد إلى أن كتابيية مثله‬
‫كالحال فييي النكاح‪ ،‬وتجوز الكتابيية عنده على قيميية العبييد‪ ،‬أعنييي‬
‫كتابيية مثله فييي الزمان والثميين‪ ،‬وميين هنييا قيييل إنييه تجوز عنده‬
‫الكتابية الحالة‪ .‬واختلف هيل مين شرط هذا العقيد أن يضيع السييد‬
‫مين آخير أنجيم الكتابية شيئا عين المكاتيب لختلفهيم فيي مفهوم‬
‫قوله تعالى {وآتوهيم مين مال الله الذي آتاكيم} وذلك أن بعضهيم‬
‫رأى أن السييادة هييم المخاطبون بهذه الييية؛ ورأى بعضهييم أنهييم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫جماعة المسلمين ندبوا لعون المكاتبين‪ ،‬والذين رأوا ذلك اختلفوا‬


‫هيل ذلك على الوجوب أو على الندب؟ والذيين قالوا بذلك اختلفوا‬
‫فيي القدر الواجيب‪ ،‬فقال بعضهيم‪ :‬ميا ينطلق علييه اسيم شييء‪،‬‬
‫وبعضهم حده‪ .‬وأما المكاتب ففيه مسائل‪ :‬إحداها هل تجوز كتابة‬
‫المراهيق؟ وهيل يجميع فيي الكتابية الواحدة أكثير مين عبيد واحيد؟‬
‫وهل تجوز كتابة من يملك في العبد بعضه بغير إذن شريكه؟ وهل‬
‫تجوز كتابية مين ل يقدر على السيعي؟ وهيل تجوز كتابية مين فييه‬
‫بقية رق؟‪.‬‬
‫فأميييا كتابييية المراهيييق القوي على السيييعي الذي لم يبلغ الحلم‪،‬‬
‫فأجازها أبو حنيفة‪ ،‬ومنعها الشافعي إل للبالغ‪ ،‬وعن مالك القولن‬
‫جميعيا‪ .‬فعمدة مين اشترط البلوغ تشبيههيا بسيائر العقود‪ .‬وعمدة‬
‫ميين لم يشترطييه أنييه ل يجوز بييين السيييد وعبده مييا ل يجوز بييين‬
‫الجانييب‪ ،‬وأن المقصييود ميين ذلك هييو القوة على السييعي‪ ،‬وذلك‬
‫موجود في غير البالغ‪ .‬وأما هل يجمع في الكتابة الواحدة أكثر من‬
‫عبد واحد؟ فإن العلماء اختلفوا في ذلك‪ ،‬ثم إذا قلنا بالجمع فهل‬
‫يكون بعضهيم حملء عين بعيض بنفيس الكتابية حتيى ل يعتيق واحيد‬
‫منهيم إل بعتيق جميعهيم؟ فييه أيضيا خلف‪ .‬فأميا هيل يجوز الجميع؟‬
‫فإن الجمهور على جواز ذلك‪ ،‬ومنعييييه قوم‪ ،‬وهييييو أحييييد قولي‬
‫الشافعي‪ .‬وأما هل يكون بعضهم حملء عن بعض؟ فإن فيه لمن‬
‫أجاز الجميع ثلثية أقوال‪ :‬فقالت طائفية‪ :‬ذلك واجيب بمطلق عقيد‬
‫الكتابية‪ ،‬أعنيي حمالة بعضهيم عين بعيض‪ ،‬وبيه قال مالك وسيفيان؛‬
‫وقال آخرون‪ :‬ل يلزمييه ذلك بمطلق العقييد ويلزم بالشرط‪ ،‬وبييه‬
‫قال أبيو حنيفية وأصيحابه؛ وقال الشافعيي‪ :‬ل يجوز ذلك ل بالشرط‬
‫ول بمطلق العقييد‪ ،‬ويعتييق كييل واحييد منهييم إذا أدى قدر حصييته‪.‬‬
‫فعمدة مين منيع الشركية ميا فيي ذلك مين الغرر‪ ،‬لن قدر ميا يلزم‬
‫واحدا واحدا مين ذلك مجهول‪ .‬وعمدة مين أجازه أن الغرر اليسيير‬
‫يستخف في الكتابة‪ ،‬لنه بين السيد وعبده‪ ،‬والعبد وماله لسيده‪.‬‬
‫وأمييا مالك فحجتييه أنييه لميا كانييت الكتابية واحدة وجييب أن يكون‬
‫حكمهييم كحكييم الشخييص الواحييد‪ .‬وعمدة الشافعييية أن حمالة‬
‫بعضهم عن بعض ل فرق بينها وبين حمالة الجنبيين؛ فمن رأى أن‬
‫حمالة الجنييييبيين فييييي الكتابيييية ل تجوز قال‪ :‬ل تجوز فييييي هذا‬
‫الموضع‪ .‬وإنما منعوا حمالة الكتابة لنه إذا عجز المكاتب لم يكن‬
‫للحميل شيء يرجع عليه‪ ،‬وهذا كأنه ليس يظهر في حمالة العبيد‬
‫بعضهيم عين بعيض‪ ،‬وإنميا الذي يظهير فيي ذلك أن هذا الشرط هيو‬
‫سيبب لن يعجيز مين يقدر على السيعي بعجيز مين ل يقدر علييه‪،‬‬
‫فهييو غرر خاص بالكتابيية‪ ،‬إل أن يقال أيضييا إن الجمييع يكون سييببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لنيه يخرج حرا مين ل يقدر مين نفسيه أن يسيعى حتيى يخرج حرا‬
‫فهو كما يعود برق من يقدر على السعي‪ ،‬كذلك يعود بحرية من ل‬
‫يقدر على السعي‪.‬‬
‫وأميا أبيو حنيفية فشبههيا بحمالة الجنيبي ميع الجنيبي فيي الحقوق‬
‫التيي تجوز فيهيا الحمالة فألزمهيا بالشرط ولم يلزمهيا بغيير شرط‪،‬‬
‫وهو مع هذا أيضا ل يجير حمالة الكتابة‪ .‬وأما العبد بين الشريكين‬
‫فإن العلماء اختلفوا هيييل لحدهميييا أن يكاتيييب نصييييبه دون إذن‬
‫صاحبه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬ليس له ذلك والكتابة مفسوخة‪ ،‬وما قبض‬
‫منهييا هييي بينهييم على قدر حصييصهم؛ وقالت طائفيية‪ :‬ل يجوز أن‬
‫يكاتب الرجل نصيبه من عبده دون نصيب شريكه؛ وفرقت فرقة‬
‫فقالت‪ :‬يجوز بإذن شريكييه ول يجوز بغييير إذن شريكييه‪ ،‬وبالقول‬
‫الول قال مالك‪ ،‬وبالثاني قال ابن أبي ليلى وأحمد‪ ،‬وبالثالث قال‬
‫أبيو حنيفيية والشافعييي فييي أحييد قولييه‪ ،‬وله قول آخيير مثييل قول‬
‫مالك‪ .‬وعمدة مالك أنيه لو جاز ذلك لدى إلى أن يعتيق العبيد كله‬
‫بالتقوييم على الذي كاتيب حظيه منيه‪ ،‬وذلك ل يجوز إل فيي تبعييض‬
‫العتيق؛ ومين رأى أن له أن يكاتبيه رأى أن علييه أن يتيم عتقيه إذا‬
‫أدى الكتابية إذا كان موسيرا‪ ،‬فاحتجاج مالك هنيا هيو احتجاج بأصيل‬
‫ل يوافقيه علييه الخصيم‪ ،‬لكين لييس يمنيع مين صيحة الصيل أن ل‬
‫يوافقيه علييه الخصيم‪ .‬وأميا اشتراط الذن فضعييف‪ ،‬وأبيو حنيفية‬
‫يرى فييي كيفييية أداء المال للمكاتييب إذا كانييت الكتابيية عيين إذن‬
‫شريكيه أن كيل ميا أدى للشرييك الذي كاتبيه يأخيذ منيه الشرييك‬
‫الثاني نصيبه‪ ،‬ويرجع بالباقي على العبد فيسعى له فيه حتى يتم‬
‫له ميا كان كاتبيه علييه‪ ،‬وهذا فييه بعيد عين الصيول‪ .‬وأميا هيل تجوز‬
‫مكاتبيية ميين ل يقدر على السييعي فل خلف فيمييا أعلم بينهييم أن‬
‫شرط المكاتيييب أن يكون قوييييا على السيييعي لقوله تعالى {إن‬
‫علمتيم فيهيم خيرا} وقيد اختلف العلماء ميا الخيير الذي اشترطيه‬
‫الله فيييي المكاتيييبين فيييي قوله {إن علمتيييم فيهيييم خيرا} فقال‬
‫الشافعي‪ :‬الكتساب والمانة؛ وقال بعضهم‪ :‬المال والمانة؛ وقال‬
‫آخرون‪ :‬الصييلح والدييين‪ .‬وأنكيير بعييض العلماء أن يكاتييب ميين ل‬
‫حرفية له مخافية السيؤال‪ ،‬وأجاز ذلك بعضهيم لحدييث بريرة "أنهيا‬
‫كوتبيت أن تسيأل الناس" وكره أن تكاتيب المية التيي ل اكتسياب‬
‫لهييا بصييناعة مخافيية أن يكون ذلك ذريعيية إلى الزنييا؛ وأجاز مالك‬
‫كتابية المدبرة وكيل مين فييه بقيية رق إل أم الولد إذ لييس له عنيد‬
‫مالك أن يستخدمها‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في المكاتب‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬وأمييا المكاتييب فاتفقوا على أن ميين شرطييه أن يكون مالكييا‬


‫صييحيح الملك غييير محجور عليييه صييحيح الجسييم‪ .‬واختلفوا هييل‬
‫للمكاتب أن يكاتب عنده أم ل؟ وسيأتي هذا فيما يجوز من أفعال‬
‫المكاتيب مميا ل يجوز؛ ولم يجيز مالك أن يكاتيب العبيد المأذون له‬
‫فييي التجارة‪ ،‬لن الكتابيية عتييق ول يجوز له أن يعتييق؛ وكذلك ل‬
‫يجوز كتابيية ميين أحاط الدييين بماله‪ ،‬إل أن يجيييز الغرماء ذلك إذا‬
‫كان فيي ثمين كتابتيه إن بيعيت (هكذا ببعيض النسيخ‪ ،‬وفيي بعضهيا‬
‫إسيقاط لفيظ‪ :‬إن بيعيت‪ .‬ا هيي مصيححه)‪ .‬مثيل ثمين رقبتيه‪ .‬وأميا‬
‫كتابية المرييض‪ ،‬فإنهيا عنده فيي الثلث توقيف حتيى يصيح فتجوز أو‬
‫يموت فتكون مين الثلث كالعتيق سيواء‪ ،‬وقيد قييل‪ :‬إن حابيى كان‬
‫ذلك وإن لم يحاب سيعى‪ ،‬فإن أدى وهيو فيي المرض عتيق‪ ،‬وتجوز‬
‫عنده كتابية النصيراني المسيلم‪ ،‬ويباع علييه كميا يباع علييه العبيد‬
‫المسلم عنده فهذه هي مشهورات المسائل التي تتعلق بالركان‪،‬‬
‫أعنيي المكاتيب والمكاتيب والكتابية‪ .‬وأميا الحكام فكثيرة‪ ،‬وكذلك‬
‫الشروط التييي تجوز فيهييا ميين التييي ل تجوز‪ .‬ويشبييه أن تكون‬
‫أجناس الحكام الولى فييي هذا العقييد هييو أن يقال متييى يعتييق‬
‫المكا تب ومتى يعجيز فيرق‪ ،‬وكييف حاله إن مات قبل أن يعتيق أو‬
‫يرق‪ ،‬ومين يدخيل معيه فيي حال الكتابية ممين ل يدخيل‪ ،‬وتميييز ميا‬
‫بقيي علييه مين حجير الرق مميا لم يبيق علييه‪ .‬فلنبدأ بذكير مسيائل‬
‫الحكام المشهورة التي في جنس من هذه الجناس الخمسة‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الول‪.‬‬
‫فأ ما متيى يخرج من الرق؟ فإنهم اتفقوا على أ نه يخرج من الرق‬
‫إذا أدى جميييع الكتابيية‪ ،‬واختلفوا إذا عجييز عيين البعييض وقييد أدى‬
‫البعيض‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬هيو عبيد ميا بقيي مين كتابتيه شييء‪ ،‬وإنيه‬
‫يرق إذا عجيز عين البعيض‪ .‬وروي عين السيلف المتقدم سيوى هذا‬
‫القول الذي علييه الجمهور أقوال أربعية‪ :‬أحدهيا أن المكاتيب يعتيق‬
‫بنفيس الكتابية‪ .‬والثانيي أنيه يعتيق منيه بقدر ميا أدى‪ .‬والثالث أنيه‬
‫يعتيق إن أدى النصيف فأكثير‪ .‬والرابيع إن أدى الثلث وإل فهيو عبيد‪.‬‬
‫وعمدة الجمهور ما خرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه‬
‫عين جده أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "أيميا عبيد كاتيب‬
‫على مائة أوقيية فأداهيا إل عشرة أواق فهيو عبيد‪ ،‬وأيميا عبيد كاتيب‬
‫على مائة دينار فأداهيا إل عشرة فهيو عبيد"‪ .‬وعمدة مين رأى أنيه‬
‫يعتق بنفس عقد الكتابة تشبيهه إياه بالبيع‪ ،‬فكأن المكاتب اشترى‬
‫نفسه من سيده‪ ،‬فإن عجز لم يكن له إل أن يتبعه بالمال‪ ،‬كما لو‬
‫أفلس مين اشتراه منيه إلى أجيل وقيد مات‪ .‬وعمدة مين رأى أنيه‬
‫يعتق منه بقدر ما أدى ما رواه يحيى بن كثير عن عكرمة عن ابن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عباس أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "يؤدي المكاتيب بقدر‬
‫مييا أدى دييية حيير وبقدر مييا رق منييه دييية عبييد" خرجييه النسييائي‪،‬‬
‫والخلف فيه من قبل عكرمة‪ ،‬كما أن الخلف في أحاديث عمرو‬
‫بين شعييب مين قبيل أنيه روى مين صيحيفة‪ ،‬وبهذا القول قال علي‪،‬‬
‫أعني بحديث ابن عباس‪ .‬وروي عن عمر بن الخطاب أنه إذا أدى‬
‫الشطيير عتييق‪ .‬وكان ابيين مسييعود يقول‪ :‬إذا أدى الثلث‪ .‬وأقوال‬
‫الصحابة وإن لم تكن حجة‪ ،‬فالظاهر أن التقدير إذا صدر منهم أنه‬
‫محمول على أن فيييي ذلك سييينة بلغتهيييم‪ .‬وفيييي المسيييألة قول‬
‫خامس‪ :‬إذا أدى الثلثة الرباع عتق‪ ،‬وبقي عديما في باقي المال‪.‬‬
‫وقيد قييل إن أدى القيمية فهيو غرييم‪ ،‬وهيو قول عائشية وابين عمير‬
‫وزيييد بيين ثابييت‪ .‬والشهيير عيين عميير وأم سييلمة هييو مثييل قول‬
‫الجمهور‪ ،‬وقول هؤلء هيو الذي اعتمده فقهاء المصيار‪ ،‬وذلك أنيه‬
‫صيحت الروايية فيي ذلك عنهيم صيحة ل شيك فيهيا‪ ،‬روى ذلك مالك‬
‫فيييي موطئه‪ .‬وأيضيييا فهيييو أحوط لموال السيييادات‪ ،‬ولن فيييي‬
‫المبيعات يرجع في عين المبيع له إذا أفلس المشتري‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الثاني‪.‬‬
‫وأميا متيى يرق‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أنيه إنميا يرق إذا عجيز إميا عين‬
‫البعيض وإميا عين الكيل بحسيب ميا قدمنيا اختلفهيم‪ .‬واختلفوا هيل‬
‫للعبيد أن يعجيز نفسيه إذا شاء مين غيير سيبب‪ ،‬أم لييس له ذلك إل‬
‫بسبب؟ فقال الشافعي‪ :‬الكتابة عقد لزم في حق العبد وهي في‬
‫حيق السييد غيير لزمية؛ وقال مالك وأبيو حنيفية‪ :‬الكتابية عقيد لزم‬
‫مين الطرفيين‪ :‬أي بيين العبيد والسييد‪ .‬وتحصييل مذهيب مالك فيي‬
‫ذلك أن العبد والسيد ل يخلو أن يتفقا على التعجييز أو يختل فا‪ ،‬ثم‬
‫إذا اختلفيا فإميا أن يرييد السييد التعجييز ويأباه العبيد‪ ،‬أو بالعكيس‪،‬‬
‫أعنيي أن يرييد بيه السييد البقاء على الكتابية‪ ،‬ويرييد العبيد التعجييز‪.‬‬
‫فأما إذا اتفقا على التعجيز فل يخلو المر من قسمين‪ :‬أحدهما أن‬
‫يكون دخييل فييي الكتابيية ولد أو ل يكون‪ ،‬فإن كان دخييل ولد فييي‬
‫الكتابيية فل خلف عنده أنييه ل يجوز التعجيييز‪ .‬وإن لم يكيين له ولد‬
‫ففيي ذلك روايتان‪ :‬إحداهميا أنيه ل يجوز إذا كان له مال‪ ،‬وبيه قال‬
‫أبو حنيفة؛ والخرى أنه يجوز له ذلك‪ .‬فأما إن طلب العبد التعجيز‬
‫وأبيى السييد لم يكين ذلك للعبيد إن كان معيه مال أو كانيت له قوة‬
‫على السييعي‪ .‬وأمييا إن أراد السيييد التعجيييز وأباه العبييد‪ ،‬فإنييه ل‬
‫يعجزه عنده إل بحكم حاكم‪ ،‬وذلك بعد أن يثبت السيد عند الحاكم‬
‫أنه ل مال له ول قدرة على الداء‪.‬‬
‫ونرجيع إلى عمدة أدلتهيم فيي أصيل الخلف فيي المسيألة‪ ،‬فعمدة‬
‫الشافعييي مييا روي أن بريرة جاءت إلى عائشيية تقول لهييا‪" :‬إنييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أريد أن تشتريني تعتقيني فقالت لها‪ :‬إن أراد أهلك‪ ،‬فجاءت أهلها‬
‫فباعوهيا وهيي مكاتبية" خرجيه البخاري‪ .‬وعمدة المالكيية تشيبيههم‬
‫الكتابة بالعقود اللزمة‪ ،‬ولن حكم العبد في هذا المعنى يجب أن‬
‫يكون كحكييم السيييد وذلك أن العقود ميين شأنهييا أن يكون اللزوم‬
‫فيهييا أو الخيار مسييتويا فييي الطرفييين‪ ،‬وأمييا أن يكون لزمييا ميين‬
‫طرف وغيير لزم مين الطرف الثانيي فخارج عين الصيول‪ ،‬وعللوا‬
‫حدييث بريرة بأن الذي باع أهلهيا كانيت كتابتهيا ل رقبتهيا‪ .‬والحنفيية‬
‫تقول‪ :‬لمييا كان المغلب فييي الكتابيية حييق العبييد‪ ،‬وجييب أن يكون‬
‫العقد لزما في حق الخر المغلب عليه وهو السيد أصله النكاح‪،‬‬
‫لنيه غيير لزم فيي حيق الزوج لمكان الطلق الذي بيده وهيو لزم‬
‫فيي حيق الزوجية‪ ،‬والمالكيية تعترض هذا بأن تقول إنيه عقيد لزم‬
‫فيما وقع به العوض‪ ،‬إذ كان ليس له أن يسترجع الصداق‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الثالث‪.‬‬
‫وأمييا حكمييه إذا مات قبييل أن يؤدي الكتابيية‪ ،‬فاتفقوا على أنييه إذا‬
‫مات دون ولد قبييل أن يؤدي مين الكتابيية شيئا أنييه يرق‪ .‬واختلفوا‬
‫إذا مات عيين ولد فقال مالك‪ :‬حكييم ولده كحكمييه‪ ،‬فإن ترك مال‬
‫فييه وفاء للكتابية أدوه وعتقوا‪ ،‬وإن لم يترك مال وكانيت لهيم قوة‬
‫على السعي بقوا على نجوم أبيهم حتى يعجزوا أو يعتقوا‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن عندهم ل مال ول قدرة على السعي رقوا‪ ،‬وأنه إن فضل عن‬
‫الكتابة شيء من ماله ورثوه على حكم ميراث الحرار‪ ،‬وأنه ليس‬
‫يرثيه إل ولده الذيين هيم فيي الكتابية معيه دون سيواهم مين وارثييه‬
‫إن كان له وارث غييير الولد الذي معييه فييي الكتابيية‪ .‬وقال أبييو‬
‫حنيفية‪ :‬إنيه يرثيه بعيد أداء كتابتيه مين المال الذي ترك جمييع أولده‬
‫الذييين كاتييب عليهييم أو ولدوا فييي الكتابيية وأولده الحرار وسييائر‬
‫ورثته‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل يرثه بنوه الحرار ول الذين كاتب عليهم‬
‫أو ولدوا فييي الكتابيية‪ ،‬وماله لسيييده وعلى أولده الذييين كاتييب‬
‫عليهيم أن يسيعوا مين الكتابية فيي مقدار حظوظهيم منهيا‪ ،‬وتسيقط‬
‫حصيية الب عنهييم‪ ،‬وبسييقوط حصيية الب عنهييم قال أبييو حنيفيية‬
‫وسييائر الكوفيييين‪ .‬والذييين قالوا بسييقوطها قال بعضهييم‪ :‬تعتييبر‬
‫القيميية‪ ،‬وهييو قول الشافعييي؛ وقيييل بالثميين؛ وقيييل حصييته على‬
‫مقدار الرءوس‪ .‬وإنميا قال هؤلء بسيقوط حصية الب عين البناء‬
‫الذين كاتب عليهم ل الذين ولدوا في الكتابة‪ ،‬لن من ولد له أولد‬
‫فييي الكتابيية فهييم تبييع لبيهييم‪ .‬وعمدة مالك أن المكاتييبين كتابيية‬
‫واحدة بعضهم حملء عن بعض‪ ،‬ولذلك من عتق منهم أو مات لم‬
‫تسيقط حصييته عين الباقيي‪ .‬وعمدة الفريييق الثانيي أن الكتابية ل‬
‫تضمين‪ .‬وروى مالك عين عبيد الملك بين مروان فيي موطئه مثيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قول الكوفييين‪ .‬وسيبب اختلفهيم ماذا يموت علييه المكاتيب؟ فعنيد‬


‫مالك أنييه يموت مكاتبييا؛ وعنييد أبييي حنيفيية أنييه يموت حرا؛ وعنييد‬
‫الشافعييي أنييه يموت عبدا‪ .‬وعلى هذه الصييول بنوا الحكييم فيييه‪.‬‬
‫فعمدة الشافعييية أن العبودييية والحرييية ليييس بينهمييا وسييط‪ ،‬وإذا‬
‫مات المكاتيب فلييس حرا بعيد‪ ،‬لن حريتيه إنميا تجيب بأداء كتابتيه‬
‫وهيو لم يؤدهيا بعيد‪ ،‬فقيد بقيي أنيه مات عبدا لنيه ل يصيح أن يعتيق‬
‫المييت‪ .‬وعمدة الحنفيية أن العتيق قيد وقيع بموتيه ميع وجود المال‬
‫الذي كاتيب علييه‪ ،‬لنيه لييس له أن يرق نفسيه‪ ،‬والحريية يجيب أن‬
‫تكون حاصييلة له بوجود المال ل بدفعييه إلى السيييد‪ .‬وأمييا مالك‬
‫فجعييل موتييه على حالة متوسييطة بييين العبودييية والحرييية وهييي‬
‫الكتابيية‪ ،‬فميين حيييث لم يورث أولده الحرار منييه جعييل له حكييم‬
‫العبييد‪ ،‬ومين حييث لم يورث سييده ماله حكيم له بحكيم الحرار‪،‬‬
‫والمسألة في حد الجتهاد‪ .‬ومما يتعلق بهذا الجنس اختلفهم في‬
‫أم ولد المكاتيييب إذا مات المكاتيييب وترك بنيييين ل يقدرون على‬
‫السعي وأرادت الم أن تسعى عليهم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬لها ذلك؛ وقال‬
‫الشافعييي والكوفيون‪ :‬ليييس لهييا ذلك‪ .‬وعمدتهييم أن أم الولد إذا‬
‫مات المكاتييب مال ميين مال السيييد؛ وأمييا مالك فيرى أن حرميية‬
‫الكتابيية التييي لسيييدها صييائرة إليهييا وإلى بنيهييا‪ .‬ولم يختلف قول‬
‫مالك أن المكاتييب إذا ترك بنييين صييغارا ل يسييتطيعون السييعي‪،‬‬
‫وترك أم ولد ل تسيييتطيع السيييعي أنهيييا تباع ويؤدي منهيييا باقيييي‬
‫الكتابية‪ .‬وعنيد أبيي يوسيف ومحميد بين الحسين أنيه ل يجوز بييع‬
‫المكاتييب لم ولده‪ ،‬ويجوز عنييد أبييي حنيفيية والشافعييي‪ .‬واختلف‬
‫أصيحاب مالك فيي أم ولد المكاتيب إذا مات المكاتيب وترك بنيين‬
‫ووفاه كتابته‪ ،‬هل تعتق أم ولده أم ل؟ فقال ابن القاسم‪ :‬إذا كان‬
‫معهييا ولد عتقييت وإل رقييت؛ وقال أشهييب‪ :‬تعتييق على كييل حال؛‬
‫وعلى أصل الشافعي كل ما ترك المكاتب مال من مال سيده ل‬
‫ينتفيع بيه البنون فيي أداء ميا علييه مين كتابتيه كانوا معيه فيي عقيد‬
‫الكتابية‪ ،‬أو كانوا ولدوا فيي الكتابية‪ ،‬وإنميا عليهيم السيعي؛ وعلى‬
‫أصييل أبييي حنيفيية يكون حرا ولبييد؛ ومذهييب ابيين القاسييم كأنييه‬
‫استحسان‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الرابع‪.‬‬
‫وهيو النظير فيمين يدخيل معيه فيي عقيد الكتابية ومين ل يدخيل‪.‬‬
‫واتفقوا ميين هذا الباب على أن ولد المكاتييب ل يدخييل فييي كتابيية‬
‫المكاتييب إل بالشرط‪ ،‬لنييه عبييد آخيير لسيييده‪ .‬وكذلك اتفقوا على‬
‫دخول ميا ولد له فيي الكتابية فيهيا‪ .‬واختلفوا فيي أم الولد على ميا‬
‫تقدم‪ .‬وكذلك اختلفوا فييي دخول ماله أيضييا بمطلق العقييد‪ ،‬فقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مالك‪ :‬يدخييل ماله فييي الكتابيية؛ وقال الشافعييي وأبييو حنيفيية‪ :‬ل‬
‫يدخيييل؛ وقال الوزاعيييي‪ :‬يدخيييل بالشرط‪ ،‬أعنيييي إذا اشترطيييه‬
‫المكاتيب‪ ،‬وهذه المسيألة مبنيية على‪ :‬هيل يملك العبيد أم ل يملك‪،‬‬
‫وعلى هل يتبعه ماله في العتق أم ل؟ وقد تقدم ذلك‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الخامس‪.‬‬
‫وهيو النظير فيميا يحجير فييه على المكاتيب مميا ل يحجير‪ ،‬وميا بقيي‬
‫من أحكام العبد فيه‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬إنييه قييد أجمييع العلماء ميين هذا الباب على أنييه ليييس‬
‫للمكاتيب أن يهيب مين ماله شيئا له قدر ول يعتيق ول يتصيدق بغيير‬
‫إذن سيده‪ ،‬فإنه محجور عليه في هذه المور وأشباهها‪ ،‬أعني أنه‬
‫لييس له أن يخرج مين يده شيئا مين غيير عوض‪ .‬واختلفوا مين هذا‬
‫الباب في فروع منها أنه إذا لم يعلم السيد بهبته أو بعتقه إل بعد‬
‫أداء كتابتيه‪ ،‬فقال مالك وجماعية مين العلماء إن ذلك نافيذ ومنعيه‬
‫بعضهيم‪ .‬وعمدة مين منعيه أن ذلك وقيع فيي حالة ل يجوز وقوعيه‬
‫فيهيا فكان فاسيدا‪ .‬وعمدة مين أجازه أن السيبب المانيع مين ذلك‬
‫قيد ارتفيع وهيو مخافية أن يعجيز العبيد‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل إذن‬
‫السيد من شرط لزوم العقد أو من شرط صحته؟ ف من قال من‬
‫شرط الصحة لم يجزه وإن عتق؛ ومن قال من شرط لزومه قال‬
‫يجوز إذا عتيق لنيه وقيع عقدا صيحيحا‪ ،‬فلميا ارتفيع الذن المرتقيب‬
‫فييه صيح العقيد كميا لو أذن هذا كله عنيد مين أجاز عتقيه إذا أذن‬
‫السييد‪ ،‬فإن الناس اختلفوا أيضيا فيي ذلك بعيد اتفاقهيم على أنيه ل‬
‫يجوز عتقييه إذا لم يأذن السيييد‪ ،‬فقال قوم‪ :‬ذلك جائز؛ وقال قوم‪:‬‬
‫ل يجوز‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية‪ ،‬وبالجواز قال مالك؛ وعين الشافعيي‬
‫فيييي ذلك القولن جميعييا‪ .‬والذييين أجازوا ذلك اختلفوا فييي ولء‬
‫المعتيق لمين يكون‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إن مات المكاتيب قبيل أن يعتيق‬
‫كان ولء عبده لسييده‪ ،‬وإن مات وقيد عتيق المكاتيب كان له ولؤه‬
‫له؛ وقال قوم مين هؤلء‪ :‬بيل ولؤه على كيل حال لسييده‪ .‬وعمدة‬
‫مين لم يجيز عتيق المكاتيب أن الولء يكون للمعتيق‪ ،‬لقوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "إنميا الولء لمين أعتيق" ول ولء للمكاتيب فيي‬
‫حيين كتابتيه فلم يصيح عتقيه‪ .‬وعمدة مين رأى أن الولء للسييد أن‬
‫عبد عبده بمنزلة عبده؛ ومن فرق بين ذلك فهو استحسان‪ .‬ومن‬
‫هذا الباب اختلفهم في هل للمكاتب أن ينكح أو يسافر بغير إذن‬
‫سييده؟ فقال جمهورهيم‪ :‬لييس له أن ينكيح إل بإذن سييده؛ وأباح‬
‫بعضهم النكاح له‪ .‬وأما السفر فأباحه له جمهورهم ومنعه بعضهم‪،‬‬
‫وبه قال مالك وأباحه سحنون من أصحاب مالك‪ ،‬ولم يجز للسيد‬
‫أن يشترطييه على المكاتييب‪ ،‬وأجازه ابيين القاسييم فييي السييفر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القريب‪ .‬والعلة في منع النكاح أنه يخاف أن يكون ذلك ذريعة إلى‬
‫عجزه‪ .‬والعلة فييي جواز السييفر أن بييه يقوى على التكسييب فييي‬
‫أداء كتابتييه‪ .‬وبالجملة فللعلماء فييي هذه المسييألة ثلثيية أقوال‪:‬‬
‫أحدها أن للمكاتب أن يسافر بإذن سيده وبغير إذنه‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫يشترط عليه أن ل يسافر‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة والشافعي‪ .‬والقول‬
‫الثانييي إنييه ليييس له أن يسييافر إل بإذن سيييده‪ ،‬وبييه قال مالك‪.‬‬
‫والثالث أن بمطلق عقيد الكتابية له أن يسيافر إل أن يشترط علييه‬
‫سييده أن ل يسيافر‪ ،‬وبيه قال أحميد والثوري وغيرهميا‪ .‬ومين هذا‬
‫الباب اختلفهيم فيي هيل للمكاتيب أن يكاتيب عبدا له؟ فأجاز ذلك‬
‫مالك ميييا لم يرد بيييه المحاباة‪ ،‬وبيييه قال أبيييو حنيفييية والثوري‪.‬‬
‫وللشافعيي قولن‪ :‬أحدهميا إثبات الكتابية‪ ،‬والخير إبطالهيا‪ .‬وعمدة‬
‫الجماعة أنها عقد معاوضة المقصود منه طلب الربح فأشبه سائر‬
‫العقود المباحيية ميين البيييع والشراء‪ .‬وعمدة الشافعييية أن الولء‬
‫لمين أعتيق ول ولء للمكاتيب‪ ،‬لنيه لييس بحير‪ .‬واتفقوا على أنيه ل‬
‫يجوز للسييييد انتزاع شييييء مييين ماله ول النتفاع منيييه بشييييء‪.‬‬
‫واختلفوا فيي وطيء السييد أمتيه المكاتبية‪ ،‬فصيار الجمهور إلى منيع‬
‫ذلك؛ وقال أحمد وداود وسعيد بن المسيب من التابعين ذلك جائز‬
‫إذا اشترطه عليها‪ .‬وعمدة الجمهور أنه وطء تقع الفرقة فيه إلى‬
‫أجيل آت فأشبيه النكاح إلى أجيل‪ .‬وعمدة الفرييق الثانيي تشبيههيا‬
‫بالمدبرة‪ .‬وأجمعوا على أنهيييا إن عجزت حيييل وطؤهيييا‪ .‬واختلف‬
‫الذيين منعوا ذلك إذا وطئهيا هيل علييه حيد أم ل؟ فقال جمهورهيم‪:‬‬
‫ل حيد علييه لنيه وطيء بشبهية؛ وقال بعضهيم‪ :‬علييه الحيد‪ .‬واختلفوا‬
‫فيي إيجاب الصيداق لهيا‪ ،‬والعلماء فيميا أعلم على أنيه فيي أحكاميه‬
‫الشرعية على حكم العبد مثل الطلق والشهادة والحد وغير ذلك‬
‫مميا يختيص بيه العبييد‪ .‬ومين هذا الباب اختلفهيم فيي بيعيه؛ فقال‬
‫الجمهور‪ :‬ل يباع المكاتييب إل بشرط أن يبقييى على كتابتييه عنييد‬
‫مشترييه؛ وقال بعضهيم‪ :‬بيعيه جائز ميا لم يؤد شيئا مين كتابتيه‪ ،‬لن‬
‫بريرة بيعييت ولم تكيين أدت ميين كتابتهييا شيئا؛ وقال بعضهييم‪ :‬إذا‬
‫رضيي المكاتيب بالبييع جاز‪ ،‬وهيو قول الشافعيي‪ ،‬لن الكتابية عنده‬
‫ليسيت بعقيد لزم فيي حيق العبيد‪ ،‬واحتيج بحدييث بريرة إذ بيعيت‬
‫وهيي مكاتبية‪ .‬وعمدة مين لم يجيز بييع المكاتيب ميا فيي ذلك مين‬
‫نقيض العهيد‪ ،‬وقيد أمير الله تعالى بالوفاء بيه‪ ،‬وهذه المسيألة مبنيية‬
‫على هيل الكتابية عقيد لزم أم ل؟ وكذلك اختلفوا فيي بييع الكتابية‪،‬‬
‫فقال الشافعييي وأبييو حنيفيية‪ :‬ل يجوز ذلك‪ ،‬وأجازهييا مالك ورأى‬
‫الشفعة فيها للمكاتب‪ ،‬ومن أجاز ذلك شبه بيعها ببيع الدين‪ ،‬ومن‬
‫لم يجيز ذلك رآه مين باب الغرر؛ وكذلك شبيه مالك الشفعية فيهيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالشفعية فيي الديين‪ ،‬وفيي ذلك أثير عين النيبي صيلى الله علييه‬
‫وسلم‪ ،‬أعني في الشفعة في الدين؛ ومذهب مالك في بيع الكتابة‬
‫أنهيا إن كانيت بذهيب أنهيا تجوز بعرض معجيل ل مؤجيل لميا يدخيل‬
‫في ذلك من الدين بالدين‪ .‬وإن كانت الكتابة بعرض كان شراؤها‬
‫بذهيييب أو فضييية معجليييين أو بعرض مخالف‪ ،‬وإذا أعتيييق فولؤه‬
‫للمكاتييب ل للمشتري‪ .‬وميين هذا الباب اختلفهييم هييل للسيييد أن‬
‫يجبر العبد على الكتابة أم ل؟‪.‬‬
‫وأميا شروط الكتابية فمنهيا شرعيية هيي مين شروط صيحة العقيد‪،‬‬
‫وقييد تقدمييت عنييد ذكيير أركان الكتابيية‪ .‬ومنهييا شروط بحسييب‬
‫التراضييي‪ ،‬وهذه الشروط منهييا مييا يفسييد العقييد‪ ،‬ومنهييا مييا إذا‬
‫تمسيك بيه أفسيدت العقيد وإذا تركيت صيح العقيد‪ ،‬ومنهيا شروط‬
‫جائزة غيير لزمية‪ ،‬ومنهيا شروط لزمية‪ ،‬وهذه كلهيا هيي مبسيوطة‬
‫فيي كتيب الفروع‪ ،‬ولييس كتابنيا هذا كتاب فروع‪ ،‬وإنميا هيو كتاب‬
‫أصيول‪ .‬والشروط التيي تفسيد العقيد بالجملة هيي الشروط التيي‬
‫هي ضد شروط الصحة المشروعة في العقد‪ .‬والشروط الجائزة‬
‫هيييي التيييي ل تؤدي إلى إخلل بالشروط المصيييححة للعقيييد ول‬
‫تلزمهييا‪ ،‬فهذه الجملة ليييس يختلف الفقهاء فيهييا‪ ،‬وإنمييا يختلفون‬
‫في الشروط لختلفهم فيما هو منها شرط من شروط الصحة أو‬
‫ليس منها‪ ،‬وهذا يختلف بحسب القرب والبعد من إخللها بشروط‬
‫الصييحة‪ ،‬ولذلك جعييل مالكييا جنسييا ثالثييا ميين الشروط‪ ،‬وهييي‬
‫الشروط التييي إن تمسييك بهييا المشترط فسييد العقييد‪ ،‬وإن لم‬
‫يتمسك بها جاز‪ ،‬وهذا ينبغي أن تفهمه في سائر العقود الشرعية‪.‬‬
‫فمين مسيائلهم المشهورة فيي هذا الباب إذا اشترط فيي الكتابية‬
‫شرطيا مين خدمية أو سيفر أو نحوه وقوي على أداء نجوميه قبيل‬
‫محييل أجييل الكتابيية هييل يعتييق أم ل؟ فقال مالك وجماعيية‪ :‬ذلك‬
‫الشرط باطل‪ ،‬ويعتق إذا أدى جميع المال؛ وقالت طائفة‪ :‬ل يعتق‬
‫حتى يؤدي جميع المال‪ ،‬ويأتي بذلك الشرط وهو مروي عن عمر‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه أنه أعتق رقيق المارة وشرط عليهم‬
‫أن يخدموا الخليفيية بعييد ثلث سيينين‪ .‬ولم يختلفوا أن العبييد إذا‬
‫أعتقه سيده على أن يخدمه سنين أنه ل يتم عتقه إل بخدمة تلك‬
‫السييينين‪ ،‬ولذلك القياس قول مييين قال‪ :‬إن الشرط لزم‪ .‬فهذه‬
‫المسائل الواقعة المشهورة في أصول هذا الكتاب‪.‬‬
‫وههنيا مسيائل تذكير فيي هذا الكتاب وهيي مين كتيب أخرى‪ ،‬وذلك‬
‫أنهيييا إذا ذكرت فيييي هذا الكتاب ذكرت على أنهيييا فروع تابعييية‬
‫للصول فيه‪ ،‬وإذا ذكرت في غيره ذكرت على أنها أصول‪ ،‬ولذلك‬
‫كان الولى ذكرهييا فييي هذا الكتاب‪ .‬فميين ذلك اختلفهييم إذا زوج‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫السييد بنتيه مين مكاتبيه‪ ،‬ثيم مات السييد وورثتيه البنيت‪ ،‬فقال مالك‬
‫والشافعييي‪ :‬ينفسييخ النكاح لنهييا ملكييت جزءا منييه‪ ،‬وملك يمييين‬
‫المرأة محرم عليهييا بإجماع؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬يصييح النكاح‪ ،‬لن‬
‫الذي ورثت إنما هو مال في ذمة المكاتب ل رقبة المكاتب‪ ،‬وهذه‬
‫المسييألة هييي أحييق بكتاب النكاح‪ .‬وميين هذا الباب اختلفهييم إذا‬
‫مات المكاتب وعليه دين وبعض الكتابة هل يحاص سيده الغرماء‬
‫أم ل؟ فقال الجمهور‪ :‬ل يحاص الغرماء؛ وقال شريييح وابيين أبييي‬
‫ليلى وجماعييية‪ :‬يضرب السييييد ميييع الغرماء‪ .‬وكذلك اختلفوا إذا‬
‫أفلس وعليييه دييين يغترق مييا بيده‪ ،‬هييل يتعدى ذلك إلى رقبتييه؟‬
‫فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ل سبيل لهم إلى رقبته؛ وقال‬
‫الثوري وأحميد‪ :‬يأخذونيه إل أن يفتكيه السييد‪ .‬واتفقوا على أنيه إذا‬
‫عجيز عين عقيل الجنايات أنيه يسيلم فيهيا إل أن يعقيل عنيه سييده‪،‬‬
‫والقول فيي هيل يحاص سييده الغرماء أو ل يحاص هيو مين كتاب‬
‫التفلييس‪ ،‬والقول فيي جنايتيه هيو مين باب الجنايات‪ .‬ومين مسيائل‬
‫القضيية التيي هيي فروع فيي هذا الباب وأصيل فيي باب القضيية‬
‫اختلفهييم فييي الحكييم عنييد اختلف السيييد والمكاتييب فييي مال‬
‫الكتابييية؛ فقال مالك وأبيييو حنيفييية‪ :‬القول قول المكاتيييب؛ وقال‬
‫الشافعيي ومحميد وأبيو يوسيف يتحالفان ويتفاسيخان قياسيا على‬
‫المتبايعييين‪ ،‬وفروع هذا الباب كثيرة‪ ،‬لكيين الذي حضيير منهييا الن‬
‫فيي الذكير هيو ميا ذكرناه‪ ،‬ومين وقعيت له مين هذا الباب مسيائل‬
‫مشهورة الخلف بيين فقهاء المصيار وهيي قريبية مين المسيموع‪،‬‬
‫فينبغيي أن تثبيت فيي هذا الموضيع إذ كان القصيد إنميا هيو إثبات‬
‫المسائل المشهورة التي وقع الخلف فيها بين فقهاء المصار مع‬
‫المسييائل المنطوق بهيييا فيييي الشرع وذلك أن قصيييدنا فيييي هذا‬
‫الكتاب كما قلنا غير مرة‪ :‬إنما هو أن نثبت المسائل المنطوق بها‬
‫فيي الشرع المتفيق عليهيا والمختلف فيهيا‪ ،‬ونذكير مين المسيائل‬
‫المسيكوت عنهيا التيي شهير الخلف فيهيا بيين فقهاء المصيار‪ ،‬فإن‬
‫معرفية هذيين الصينفين مين المسيائل هيي التيي تجري للمجتهيد‬
‫مجرى الصيول فيي المسيكوت عنهيا وفيي النوازل التيي لم يشتهير‬
‫الخلف فيها بين فقهاء المصار سواء نقل فيها مذهب عن واحد‬
‫منهيم أو لم ينقيل‪ ،‬ويشبيه أن يكون مين تدرب فيي هذه المسيائل‬
‫وفهم أصول السباب التي أوجبت خلف الفقهاء فيها أن يقول ما‬
‫يجييب فييي نازلة نازلة ميين النوازل‪ ،‬أعنييي أن يكون الجواب فيهييا‬
‫على مذهيب فقييه فقييه مين فقهاء المصيار‪ ،‬أعنيي فيي المسيألة‬
‫الواحدة بعينهييا‪ ،‬ويعلم حيييث خالف ذلك الفقيييه أصييله وحيييث لم‬
‫يخالف‪ ،‬وذلك إذا نقيل عنيه فيي ذلك فتوى‪ .‬فأميا إذا لم ينقيل عنيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في ذلك فتوى أو لم يبلغ ذلك الناظر في هذه الصول فيمكنه أن‬
‫يأتييي بالجواب بحسييب أصييول الفقيييه الذي يفتييي على مذهبييه‪،‬‬
‫وبحسيب الحيق الذي يؤدييه إلييه اجتهاده‪ ،‬ونحين نروم إن شاء الله‬
‫بعيد فراغنيا مين هذا الكتاب أن نضيع فيي مذهيب مالك كتابيا جامعيا‬
‫لصيول مذهبيه ومسيائله المشهورة التيي تجري فيي مذهبيه مجرى‬
‫الصييول للتفريييع عليهييا‪ ،‬وهذا هييو الذي عمله ابيين القاسييم فييي‬
‫المدونيية‪ ،‬فإنييه جاوب فيمييا لم يكيين عنده فيهييا قول مالك على‬
‫قياس ميا كان عنده فيي ذلك الجنيس مين مسيائل مالك التيي هيي‬
‫فيهييا جارييية مجرى الصييول لمييا جبييل عليييه الناس ميين التباع‬
‫والتقليد في الحكام والفتوى‪ ،‬بيد أن في قوة هذا الكتاب أن يبلغ‬
‫به النسان كما قلنا رتبة الجتهاد إذا تقدم‪ ،‬فعلم من اللغة العربية‬
‫وعلم مين أصيول الفقيه ميا يكفييه فيي ذلك‪ ،‬ولذلك رأينيا أن أخيص‬
‫السماء بهذا الكتاب أن نسميه كتاب‪:‬‬
‫[بداية المجتهد وكفاية المقتصد]‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب التدبير‬
‫@‪-‬والنظر في التدبير‪ :‬في أركانه‪ ،‬وفي أحكامه‪ .‬أما الركان فهي‬
‫أربعة‪ :‬المعنى‪ ،‬واللفظ‪ ،‬والمدبِر‪ ،‬والمدبَر‪ .‬وأما الحكام فصنفان‪:‬‬
‫أحكام العقد‪ ،‬وأحكام المدبر‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الول) فنقول‪ :‬أجمييع المسييلمون على جواز التدبييير‪،‬‬
‫وهييو أن يقول السيييد لعبده‪ :‬أنييت حيير عيين دبر منييي‪ ،‬أو يطلق‬
‫فيقول‪ :‬أنيييت مدبر‪ ،‬وهذان هميييا عندهيييم لفظيييا التدبيييير باتفاق‪.‬‬
‫والناس فييي التدبييير والوصييية على صيينفين‪ :‬منهييم ميين لم يفرق‬
‫بينهميا‪ ،‬ومنهيم مين فرق بيين التدبيير والوصيية بأن جعيل التدبيير‬
‫لزما والوصية غير لزمة‪ .‬والذين فرقوا بينهما اختلفوا في مطلق‬
‫لفييظ الحرييية بعييد الموت هييل يتضميين معنييى الوصييية؟ أو حكييم‬
‫التدبيير؟ أعنيي إذا قال‪ :‬أنيت حير بعيد موتيي‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إذا قال‬
‫وهو صحيح‪ :‬أنت حر بعد موتي فالظاهر أنه وصية‪ ،‬والقول قوله‬
‫في ذلك؛ ويجوز رجوعه فيها إل أن يريد التدبير‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫الظاهيير ميين هذا القول التدبييير وليييس له أن يرجييع فيييه‪ ،‬وبقول‬
‫مالك قال ابين القاسيم‪ ،‬وبقول أبيي حنيفة قال أشهب قال‪ :‬إل أن‬
‫يكون هنالك قرينية تدل على الوصيية‪ ،‬مثيل أن يكون على سيفر أو‬
‫يكون مريضييا‪ ،‬ومييا أشبييه ذلك ميين الحوال التييي جرت العادة أن‬
‫يكتيب الناس فيهيا وصياياهم‪ ،‬فعلى قول مين ل يفرق بيين الوصيية‬
‫والتدبيير‪ ،‬وهيو قول الشافعيي ومين قال بقوله هذا اللفيظ هيو مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ألفاظ صيريح التدبيير‪ .‬وأميا على مذهيب مين يفرق فهيو إميا مين‬
‫كنايات التدبير‪ ،‬وإما ليس من كناياته ول من صريحه‪ ،‬وذلك أن ما‬
‫يحمله على الوصيية فلييس هيو عنده مين كناياتيه ول مين صيريحه‪،‬‬
‫ومن يحمله على التدبير وينويه في الوصية فهو عنده من كناياته‪.‬‬
‫وأميا المدبر فإنهيم اتفقوا على أن الذي يقبيل هذا العقيد هيو كيل‬
‫عبييد صييحيح العبودييية ليييس يعتييق على سيييده سييواء ملك كله أو‬
‫بعضييه‪ .‬واختلفوا فييي حكييم ميين ملك بعضييا فدبره‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫يجوز ذلك‪ ،‬وللذي لم يدبر حظييييه خياران‪ :‬أحدهمييييا أن يتقاوماه‪،‬‬
‫فإن اشتراه الذي دبره كان مدبرا كله‪ ،‬وإن لم يشتره انتقيييييييض‬
‫التدبيير والخيار الثانيي أن يقوميه علييه الشرييك؛ وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫للشريييك الذي لم يدبر ثلث خيارات‪ :‬إن شاء اسييتمسك بحصييته‪،‬‬
‫وإن شاء اسيتسعى العبيد فيي قيمية الحصية التيي له فييه وإن شاء‬
‫قومهيا على شريكيه إن كان موسيرا‪ ،‬وإن كان معسيرا اسيتسعى‬
‫العبيد؛ وقال الشافعيي‪ :‬يجوز التدبيير ول يلزم شييء مين هذا كله‪،‬‬
‫ويبقييى العبييد المدبر نصييفه أو ثلثييه على مييا هييو عليييه‪ ،‬فإذا مات‬
‫مدبره عتييق منييه ذلك الجزء ولم يقوم الجزء الباقييي منييه على‬
‫السييد على ميا يفعيل فيي سينة العتيق‪ ،‬لن المال قيد صيار لغيره‬
‫وهم الورثة‪ ،‬وهذه المسألة هي من الحكام ل من الركان‪ ،‬أعني‬
‫أحكام المدبر فلتثبييت فييي الحكام‪ .‬وأمييا المدبر فاتفقوا على أن‬
‫مين شروطيه أن يكون مالكيا تام الملك غيير محجور علييه سيواء‬
‫كان صيحيحا أو مريضيا‪ ،‬وإن مين شرطيه أن ل يكون ممين أحاط‬
‫الديين بماله‪ ،‬لنهيم اتفقوا على أن الديين يبطيل التدبيير‪ .‬واختلفوا‬
‫فييي تدبييير السييفيه‪ .‬فهذه هييي أركان هذا الباب‪ .‬وأمييا أحكامييه‬
‫فأصولها راجعة إلى أجناس خمسة‪ :‬أحدها‪ :‬مما يخرج المدبر‪ ،‬هل‬
‫من رأس المال أو الثلث؟‪ .‬والثاني‪ :‬ما يبقى فيه من أحكام الرق‬
‫مميا لييس يبقيى فييه‪ ،‬أعنيي ميا دام مدبرا‪ .‬والثالث‪ :‬ميا يتبعيه فيي‬
‫الحريية مميا لييس يتبعيه‪ .‬والرابيع‪ :‬مبطلت التدبيير الطارئة علييه‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬في أحكام تبعيض التدبير‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الول‪.‬‬
‫فأميا مماذا يخرج المدبر إذا مات المدبر‪ ،‬فإن العلماء اختلفوا فيي‬
‫ذلك؟ فذهب الجمهور إلى أنه يخرج من الثلث؛ وقالت طائفة‪ :‬هو‬
‫مين رأس المال معظمهيم أهيل الظاهير؛ فمين رأى أنيه مين الثلث‬
‫شبهيه بالوصيية‪ ،‬لنيه حكيم يقيع بعيد الموت‪ .‬وقيد روي حدييث عين‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم أنيه قال "المدبر مين الثلث" إل أنيه‬
‫أثير ضعييف عنيد أهيل الحدييث‪ ،‬لنيه رواه علي بين طيبان عين نافيع‬
‫عن عبد الله بن عمر‪ ،‬وعلي بن طيبان متروك الحديث عند أهل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحديث‪ .‬ومن رآه من رأس المال شبهه بالشيء يخرجه النسان‬


‫من ماله في حياته فأشبه الهبة‪ .‬واختلف القائلون بأنه من الثلث‬
‫فيي فروع‪ ،‬وهيو إذا دبر الرجيل غلميا له فيي صيحته‪ ،‬وأعتيق فيي‬
‫مرضيه الذي مات عنيه غلميا آخير فضاق الثلث عين الجميع بينهميا؛‬
‫فقال مالك‪ :‬يقدم المدبر لنييه كان فييي الصييحة؛ وقال الشافعييي‪:‬‬
‫يقدم المعتيق المبتيل‪ ،‬لنيه ل يجوز له رده‪ ،‬ومين أصيله أنيه يجوز‬
‫عنده رد التدبير‪ ،‬وهذه المسألة هي أحق بكتاب الوصايا‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الجنس الثاني‪.‬‬
‫فأشهير مسيألة فييه هييي هيل للمدبر أن ييبيع المدبر أم ل؟ فقال‬
‫مالك وأبيو حنيفية وجماعية مين أهيل الكوفية‪ :‬لييس للسييد أن ييبيع‬
‫مدبره؛ وقال الشافعي وأحمد وأهل الظاهر وأبو ثور‪ :‬له أن يرجع‬
‫فيييبيع مدبره؛ وقال الوزاعييي‪ :‬ل يباع إل ميين رجييل يريييد عتقييه‪.‬‬
‫واختلف أبو حنيفة ومالك من هذه المسألة في فروع وهو إذا بيع‬
‫فأعتقييه المشتري‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ينفييذ العتييق؛ وقال أبييو حنيفيية‬
‫والكوفيون البييع مفسيوخ سيواء أعتقيه المشتري أو لم يعتقيه وهيو‬
‫أقييس مين جهية أنيه ممنوع عبادة‪ .‬فعمدة مين أجاز بيعيه ميا ثبيت‬
‫من حديث جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا" وربما‬
‫شبهوه بالوصيية‪ .‬وأميا عمدة المالكيية فعموم قوله تعالى {ييا أيهيا‬
‫الذيين آمنوا أوفوا بالعقود} لنيه عتيق إلى أجيل فأشبيه أم الولد أو‬
‫أشبيه العتيق المطلق‪ .‬فكان سيبب الختلف ههنيا معارضية القياس‬
‫للنييص‪ ،‬أو العموم للخصييوص‪ .‬ول خلف بينهييم أن المدبر أحكامييه‬
‫فييي حدوده وطلقييه وشهادتييه وسييائر أحكامييه أحكام العبيييد‪.‬‬
‫واختلفوا مين هذا الباب فيي جواز وطيء المدبرة‪ ،‬فجمهور العلماء‬
‫على جواز وطئها؛ وروي عن ابن شهاب منع ذلك؛ وعن الوزاعي‬
‫كراهييية ذلك إذا لم يكيين وطئهييا قبييل التدبييير‪ .‬وعمدة الجمهور‬
‫تشبيههيا بأم الولد؛ ومين لم يجيز ذلك شبههيا بالمعتقية إلى أجيل؛‬
‫ومنيع وطيء المعتقية إلى أجيل شبههيا بالمنكوحية إلى أجيل‪ ،‬وهيي‬
‫المتعية‪ .‬واتفقوا على أن السييد فيي المدبر الخدمية‪ ،‬ولسييده أن‬
‫ينتزع ماله منييه متييى شاء كالحال فييي العبييد؛ قال مالك‪ :‬إل أن‬
‫يمرض مرضا مخوفا فيكره له ذلك‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الثالث‪.‬‬
‫فأميا ميا يتبعيه فيي التدبيير مميا ل يتبعيه‪ ،‬فإن مسيائلهم المشهورة‬
‫فيي هذا الباب اختلفهيم فيي ولد المدبرة الذيين تلدهيم بعيد تدبيير‬
‫سيييدها ميين نكاح أو زنييى‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ولدهييا بعييد تدبيرهييا‬
‫بمنزلتهيا يعتقون بعتقهيا ويرقون برقهيا‪ :‬وقال الشافعيي فيي قوله‬
‫المختار عنيد أصيحابه إنهيم ل يعتقون بعتقهيا‪ .‬وأجمعوا على أنيه إذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أعتقهيا سييدها فيي حياتيه أنهيم يعتقون بعتقهيا‪ .‬وعمدة الشافعيية‬


‫أنهييم إذا لم يعتقوا فييي العتييق المنجييز فأحرى أن ل يعتقوا فييي‬
‫العتيق المؤجل بالشرط‪ .‬واحتيج أي ضا بإجماعهم على أن الموصيي‬
‫لها بالعتق ل يدخل فيه بنوها؛ والجمهور رأوا أن التدبير حرمة ما‪،‬‬
‫فأوجبوا اتباع الولد تشبيهيييا بالكتابييية‪ ،‬وقول الجمهور مروي عييين‬
‫عثمان وابين مسيعود وابين عمير‪ ،‬وقول الشافعيي مروي عين عمير‬
‫ابين عبيد العزييز وعطاء بين أبيي رباح ومكحول‪ .‬وتحصييل مذهيب‬
‫مالك فيي هذا أن كيل امرأة فولدهيا تبيع لهيا‪ ،‬إن كانيت حرة فحرة‪،‬‬
‫وإن كانت مكاتبة فمكاتب وإن كانت مدبرة فمدبر‪ ،‬أو معتقة إلى‬
‫أجييل فمعتييق إلى أجييل‪ ،‬وكذلك أم الولد ولدهييا بمنزلتهييا‪ ،‬وخالف‬
‫فيي ذلك أهيل الظاهير‪ ،‬وكذلك المعتيق بعضيه عنيد مالك‪ .‬وأجميع‬
‫العلماء على أن كييل ولد ميين تزويييج فهييو تابييع لمييه فييي الرق‬
‫والحرية وما بينهما من العقود المفضية إلى الحرية إل ما اختلفوا‬
‫فيه من التدبير ومن أمة زوجها عربي‪ .‬وأجمعوا على أن كل ولد‬
‫مين ملك يميين أنيه تابيع لبييه‪ ،‬إن حرا فحرا‪ ،‬وإن عبدا فعبدا‪ ،‬وإن‬
‫مكاتبيييا فمكاتبيييا‪ .‬واختلفوا فيييي المدبر إذا تسيييرى فولد له فقال‬
‫مالك‪ :‬حكميه حكيم الب‪ :‬يعنيي أنيه المدبر؛ وقال الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفية‪ :‬لييس يتبعيه ولده فيي التدبيير‪ .‬وعمدة مالك الجماع على‬
‫أن الولد مين ملك اليميين تابيع للب ميا عدا المدبر‪ ،‬وهيو مين باب‬
‫قياس موضييع الخلف على موضييع الجماع‪ .‬وعمدة الشافعييية أن‬
‫ولد المدبر مال مين ماله‪ ،‬ومال المدبر للسييد انتزاعيه منيه ولييس‬
‫يسلم له أنه مال من ماله‪ ،‬ويتبعه في الحرية ماله عند مالك‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الرابع‪.‬‬
‫وأميا النظير فيي تبعييض التدبيير فقيد قلنيا فيمين دبر له حظيا فيي‬
‫عبده دون أن يدبر شريكييه ونقله إلى هذا الموضييع أول‪ ،‬فلينقييل‬
‫إلييه‪ .‬وأميا مين دبر جزءا مين عبيد هيو له كله‪ ،‬فإنيه يقضيي علييه‬
‫بتدبير الكل‪ ،‬قياسا على من بعض العتق عند مالك‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الجنس الخامس وهو مبطلت التدبير‪.‬‬
‫فميين هذا الباب اختلفهييم فييي إبطال الدييين للتدبييير؛ فقال مالك‬
‫والشافعيي‪ :‬الديين يبطله؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬لييس يبطله ويسيعى‬
‫فيي الديين‪ ،‬وسيواء كان الديين مسيتغرقا للقيمية أو لبعضهيا‪ .‬ومين‬
‫هذا الباب اختلفهيم فيي النصيراني يدبر عبدا له نصيرانيا‪ ،‬فيسيلم‬
‫العبيد قبيل موت سييده‪ ،‬فقال الشافعيي‪ :‬يباع علييه سياعة يسيلم‬
‫ويبطييل تدبيره؛ وقال مالك‪ :‬يحال بينييه وبييين سيييده ويخارج على‬
‫سييده النصيراني‪ ،‬ول يباع علييه حتيى ييبين أمير سييده‪ ،‬فإن مات‬
‫عتق المدبر ما لم يكن عليه دين يحيط بماله؛ وقال الكوفيون‪ :‬إذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أسلم مدبر النصراني قوِّم وسعى العبد في قيمته‪ ،‬ومدبر الصحة‬


‫يقدم عند مالك على مدبر المرض إذا ضاق الثلث عنهما‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب أمهات الولد‬
‫@‪-‬وأصييول هذا الكتاب النظيير فييي هييل تباع أم الولد أم ل؟ وإن‬
‫كانيت ل تباع فمتيى تكون أم ولد‪ ،‬وبماذا تكون أم ولد‪ ،‬وميا يبقيى‬
‫فيها لسيدها من أحكام العبودية‪ ،‬ومتى تكون حرة؟‪.‬‬
‫@‪(-‬أميييا المسيييألة الولى) فإن العلماء اختلفوا فيهيييا سيييلفهم‬
‫وخلفهيم‪ ،‬فالثابيت عين عمير رضيي الله عنيه أنيه قضيى بأنهيا ل تباع‬
‫وأنهييا حرة ميين رأس مال سيييدها إذا مات‪ .‬وروي مثييل ذلك عيين‬
‫عثمان‪ ،‬وهيو قول أكثير التابعيين وجمهور فقهاء المصيار‪ ،‬وكان أبيو‬
‫بكير الصيديق وعلي رضوان الله عليهميا وابين عباس وابين الزبيير‬
‫وجابر بين عبيد الله وأبيو سيعيد الخدري يجيزون بييع أم الولد‪ ،‬وبيه‬
‫قالت الظاهريية مين فقهاء المصيار‪ .‬وقال جابر وأبيو سيعيد‪" :‬كنيا‬
‫نيبيع أمهات الولد والنيبي علييه الصيلة والسيلم فينيا ل يرى بذلك‬
‫بأسيا" واحتجوا بميا روي عين جابر أنيه قال "كنيا نيبيع أمهات الولد‬
‫على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من‬
‫خلفية عمير‪ ،‬ثيم نهانيا عمير عين بيعهين" ومميا اعتميد علييه أهيل‬
‫الظاهييير فيييي هذه المسيييألة النوع مييين السيييتدلل الذي يعرف‬
‫باسييتصحاب حال الجماع‪ ،‬وذلك أنهييم قالوا‪ :‬لمييا انعقييد الجماع‬
‫على أنهيا مملوكية قبيل الولدة‪ ،‬وجيب أن تكون كذلك بعيد الولدة‬
‫إلى أن يدل الدليل على غير ذلك‪ ،‬وقد تبين في كتب الصول قوة‬
‫هذا السيتدلل‪ ،‬وأنيه ل يصيح عنيد مين يقول بالقياس‪ ،‬وإنميا يكون‬
‫ذلك دليل بحسييب رأي ميين ينكيير القياس‪ ،‬وربمييا احتييج الجمهور‬
‫عليهييم بمثييل احتجاجهييم‪ ،‬وهييو الذي يعرفونييه بمقابلة الدعوى‬
‫بالدعوى‪ ،‬وذلك أنهم يقولون‪ :‬أليس تعرفون أن الجماع قد انعقد‬
‫على منع بيعها في حال حملها‪ ،‬فإذا كان ذلك وجب أن يستصحب‬
‫حال هذا الجماع بعييد وضييع الحمييل‪ ،‬إل أن المتأخرييين ميين أهييل‬
‫الظاهير أحدثوا فيي هذا الصيل نقضيا‪ ،‬وذلك أنهيم ل يسيلمون منيع‬
‫بيعهييا حامل‪ .‬وممييا اعتمده الجمهور فييي هذا الباب ميين الثيير مييا‬
‫روي عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه قال فيي ماريية سيريته لميا‬
‫ولدت إبراهييم "أعتقهيا ولدهيا" ومين ذلك حدييث ابين عباس عين‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "أيما امرأة ولدت من سيدها‬
‫فإنهييا حرة إذا مات" وكل الحديثييين ل يثبييت عنييد أهييل الحديييث‪،‬‬
‫حكيى ذلك أبيو عمير ابين عبيد البر رحميه الله‪ ،‬وهيو مين أهيل هذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشأن‪ ،‬وربميا قالوا أيضيا مين طرييق المعنيى أنهيا قيد وجبيت لهيا‬
‫حرمية وهيو اتصيال الولد بهيا وكونيه بعضيا منهيا‪ ،‬وحكيو هذا التعلييل‬
‫عيين عميير رضييي الله عنييه حييين رأى أن ل يبعيين فقال‪ :‬خالطييت‬
‫لحومنا لحومهن‪ ،‬ودماؤنا دماؤهن‪ .‬وأ ما متى تكون أم ولد‪ ،‬فإنهم‬
‫اتفقوا على أنهيا تكون أم ولد إذا ملكهيا قبيل حملهيا منيه‪ .‬واختلفوا‬
‫إذا ملكهيا وهيي حاميل منيه أو بعيد أن ولدت منيه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل‬
‫تكون أم ولد إذا ولدت منه قبل أن يملكها ثم ملكها وولدها؛ وقال‬
‫أبيييو حنيفييية‪ :‬تكون أم ولد‪ .‬واختلف قول مالك إذا ملكهيييا وهيييي‬
‫حاميل‪ ،‬والقياس أن تكون أم ولد فيي جمييع الحوال إذ كان لييس‬
‫مين مكارم الخلق أن ييبيع المرء أم ولده‪ ،‬وقيد قال علييه الصيلة‬
‫والسييلم "بعثييت لتمييم مكارم الخلق" وأمييا بماذا تكون أم ولد؟‬
‫فإن مالكيا قال‪ :‬كيل ميا وضعيت مميا يعلم أنيه ولد كانيت مضغية أو‬
‫علقية؛ وقال الشافعيي‪ :‬لبيد أن يؤثير فيي ذلك شييء مثيل الخلقية‬
‫والتخطييط‪ .‬واختلفهيم راجيع إلى ميا ينطلق علييه اسيم الولدة أو‬
‫ما يتحقق أنه مولود‪ .‬وأما ما يبقى فيها من أحكام العبودية‪ ،‬فإنهم‬
‫اتفقوا على أنهييا فييي شهادتهييا وحدودهييا وديتهييا وأرش جراحهييا‬
‫كالمية‪ .‬وجمهور مين منيع بيعهيا لييس يرون ههنيا سيببا طارئا عليهيا‬
‫يوجب بيعها إل ما روي عن عمر بن الخطاب أنها إذا زنت رقت‪.‬‬
‫واختلف قول مالك والشافعي هل لسيدها استخدامها طول حياته‬
‫واغتلله إياهييا؟ فقال مالك‪ :‬ليييس له ذلك‪ ،‬وإنمييا له فيهييا الوطييء‬
‫فقييط؛ وقال الشافعييي‪ :‬له ذلك وعمدة مالك أنييه لمييا لم يملك‬
‫رقبتها بالبيع لم يملك إجارتها‪ ،‬إل أنه يرى أن إجارة بنيها من غيره‬
‫جائزة‪ ،‬لن حرمتهييييم عنده أضعييييف‪ .‬وعمدة الشافعييييي انعقاد‬
‫الجماع على أنييه يجوز له وطؤهييا‪ .‬فسييبب الخلف تردد إجارتهييا‬
‫بين أصلين‪ :‬أحدهما وطؤها‪ .‬والثاني بيعها‪ .‬فيجب أن يرجح أقوى‬
‫الصيلين شبهيا‪ .‬وأميا متيى تكون حرة‪ ،‬فإنيه ل خلف بينهيم أن آن‬
‫ذلك الوقيت هيو إذا مات السييد‪ ،‬ول أعلم الن أحدا قال تعتيق مين‬
‫الثلث‪ ،‬وقياسيييها على المدبر ضعييييف على قول مييين يقول‪ :‬إن‬
‫المدبر يعتق من الثلث‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الجنايات‪.‬‬
‫@‪-‬والجنايات التيي لهيا حدود مشروعية أربيع جنايات على البدان‬
‫والنفوس والعضاء وهيييو المسيييمى قتل وجرحيييا‪ ،‬وجنايات على‬
‫الفروج وهيو الم سمى زنيى وسيفاحا‪ ،‬وجنايات على الموال‪ ،‬وهذه‬
‫ميا كان منهيا مأخوذا بحرب سيمى حرابية إذا كان بغيير تأوييل‪ ،‬وإن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كان بتأويييل سييمى بغيييا مأخوذا على وجييه المغافصيية [قال فييي‬
‫خذ َيييه ُ على ِغَّرة‪ .‬وقال (فيييي باب‬ ‫َييي‬
‫ه‪ :‬فاجأ هُ‪ ،‬وأ َ‬ ‫القاموس‪ :‬غافَييي َ‬
‫ص ُ‬
‫"هزؤ")‪ ... :‬غافيييص الرجيييل مغافصييية وغفاصيييا‪ :‬أخذه على غرة‬
‫بمساءة‪ .‬دار الحديث] من حرز يسمى سرقة‪ ،‬وما كان منها بعلو‬
‫مرتبية وقوة سيلطان سيمى غصيبا؛ وجنايات على العراض‪ ،‬وهيو‬
‫المسيمى قذفيا؛ وجنايات بالتعدي على اسيتباحة ميا حرميه الشرع‬
‫ميين المأكول والمشروب‪ ،‬وهذه إنمييا يوجييد فيهييا حييد فييي هذه‬
‫الشريعة في الخمر فقط‪ ،‬وهو حد متفق عليه بعد صاحب الشرع‬
‫صيلوات الله علييه‪ ،‬فلنبتدئ منهيا بالحدود التيي فيي الدماء فنقول‪:‬‬
‫إن الواجب في إتلف النفوس والجوارح هو إما قصاص وإما مال‪،‬‬
‫وهيو الذي يسيمى الديية‪ ،‬فإذا النظير أول فيي هذا الكتاب ينقسيم‬
‫إلى قسمين‪ :‬النظر في القصاص‪ ،‬والنظر في الدية‪ .‬والنظر في‬
‫القصياص ينقسيم إلى القصياص فيي النفوس‪ ،‬وإلى القصياص فيي‬
‫الجوارح‪ .‬والنظير أيضيا فيي الديات ينقسيم إلى النظير فيي ديات‬
‫النفوس‪ ،‬وإلى النظير فيي ديات قطيع الجوارح والجراح‪ .‬فينقسيم‬
‫أول هذا الكتاب إلى كتابيين‪ :‬أولهميا يرسيم علييه كتاب القصياص‪.‬‬
‫والثاني يرسم عليه كتاب الديات‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القصاص‬
‫@‪-‬وهذا الكتاب ينقسيم إلى قسيمين‪ :‬الول‪ :‬النظير فيي القصياص‬
‫فيي النفوس‪ .‬والثانيي‪ :‬النظير فيي القصياص فيي الجوارح‪ ،‬فلنبدأ‬
‫من القصاص في النفوس‪.‬‬
‫*‪*3‬كتاب القصاص في النفوس‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير أول فيي هذا الكتاب ينقسيم إلى قسيمين‪ :‬إلى النظير‬
‫في الموجب‪ ،‬أعني الموجب للقصاص‪ .‬وإلى النظر في الواجب‪،‬‬
‫أعني القصاص وفي إبداله إن كان له بدل‪ .‬فلنبدأ أول بالنظر في‬
‫الموجيب‪ ،‬والنظير فيي الموجيب يرجيع إلى النظير فيي صيفة القتيل‬
‫والقاتيل التيي يجيب بمجموعهيا والمقتول القصياص‪ ،‬فإنيه لييس أي‬
‫قاتل اتفق يقتص منه‪ ،‬ول بأي قتل اتفق‪ ،‬ول من أي مقتول اتفق‪،‬‬
‫بيييل مييين قاتيييل محدود بقتيييل محدود ومقتول محدود‪ ،‬فإذ كان‬
‫المطلوب فييي هذا الباب إنمييا هييو العدل‪ .‬فلنبدأ ميين النظيير فييي‬
‫القاتل‪ ،‬ثم في القتل‪ ،‬ثم في المقتول‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في شروط القاتل‪.‬‬
‫@‪-‬فنقول‪ :‬إنهم اتفقوا على أن القاتل الذي يقاد منه يشترط فيه‬
‫باتفاق أن يكون عاقل بالغيا مختارا للقتيل مباشرا غيير مشارك له‬
‫فييييييه غيره واختلفوا فيييييي المكَره والمكرِه‪ ،‬وبالجملة المييييير‬
‫والمباشييير‪ ،‬فقال مالك والشافعيييي والثوري وأحميييد وأبيييو ثور‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجماعية‪ :‬القتيل على المباشير دون المير‪ ،‬ويعاقيب المير؛ وقالت‬


‫طائفية‪ :‬يقتلن جميعيا‪ ،‬وهذا إذا لم يكين هنالك إكراه ول سيلطان‬
‫للميير على المأمور‪ .‬وأمييا إذا كان للميير سييلطان على المأمور‪،‬‬
‫أعنييي المباشيير‪ ،‬فإنهييم اختلفوا فييي ذلك على ثلثيية أقوال‪ :‬فقال‬
‫قوم‪ :‬يقتييل الميير دون المأمور‪ ،‬ويعاقييب المأمور‪ ،‬وبييه قال داود‬
‫وأبيو حنيفية‪ ،‬وهيو أحيد قولي الشافعيي‪ .‬وقال قوم‪ :‬يقتيل المأمور‬
‫دون المر وهو أحد قولي الشافعي وقال قوم‪ :‬يقتلن جميعا‪ ،‬وبه‬
‫قال مالك‪ .‬فمين لم يوجيب حدا على المأمور اعتييبر تأثيير الكراه‬
‫فيي إسيقاط كثيير مين الواجبات فيي الشرع‪ ،‬لكون المكره يشبيه‬
‫مين ل اختيار له‪ .‬ومين رأى علييه القتيل غلب علييه حكيم الختيار‪،‬‬
‫وذلك أن المكره يشبيييه مييين جهييية المختار‪ ،‬ويشبيييه مييين جهييية‬
‫المضطيير المغلوب‪ ،‬مثييل الذي يسييقط ميين علو‪ ،‬والذي تحمله‬
‫الريييح ميين موضييع إلى موضييع‪ .‬وميين رأى قتلهييم جميعييا لم يعذر‬
‫المأمور بالكراه ول الميير بعدم المباشرة‪ .‬وميين رأى قتييل الميير‬
‫فقيط شبيه المأمور باللة التيي ل تنطيق‪ .‬ومين رأى الحيد على غيير‬
‫المباشير اعتميد أنيه لييس ينطلق علييه اسيم قاتيل إل بالسيتعارة‪.‬‬
‫وقييد اعتمدت المالكييية فيييي قتييل المكره على القتيييل بالقتيييل‬
‫بإجماعهم على أنه لو أشرف على الهلك من مخمصة لم يكن له‬
‫أن يقتيل إنسيانا فيأكله‪ .‬وأميا المشارك للقاتيل عمدا فيي القتيل‪،‬‬
‫فقييد يكون القتييل عمدا وخطييأ‪ ،‬وقييد يكون القاتييل مكلفييا وغييير‬
‫مكلف‪ ،‬وسنذكر العمد عند قتل الجماعة بالواحد‪ .‬وأما إذا اشترك‬
‫في القتل عامد ومخطئ أو مكلف وغير مكلف‪ ،‬مثل عامد وصبي‬
‫أو مجنون‪ ،‬أو حير وعبيد فيي قتيل عبيد عنيد مين ل يقييد مين الحير‬
‫بالعبد‪ ،‬فإن العلماء اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال مالك والشافعي‪ :‬على‬
‫العامييد القصيياص‪ ،‬وعلى المخطييئ والصييبي نصييف الدييية؛ إل أن‬
‫مالكييا يجعله على العاقلة؛ والشافعييي فييي ماله على مييا يأتييي‪،‬‬
‫وكذلك قال فييي الحيير والعبييد يقتلن العبييد عمدا أن العبييد يقتييل‪،‬‬
‫وعلى الحيير نصييف القيميية‪ ،‬وكذلك الحال فييي المسييلم والذمييي‬
‫يقتلن جميعا‪ .‬وقال أبو حنيفة إذا اشترك من يجب القصاص عليه‬
‫مييع ميين ل يجييب عليييه القصيياص‪ ،‬فل قصيياص على واحييد منهمييا‬
‫وعليهما الدية‪ ،‬وعمدة الحنفية أن هذه شبهة‪ ،‬فإن القتل ل يتبعض‬
‫وممكيين أن تكون إفاتيية نفسييه ميين فعييل الذي ل قصيياص عليييه‬
‫كإمكان ذلك ممن عليه الق صاص‪ ،‬وقد قال عليه الصلة والسلم‬
‫"ادرءوا الحدود بالشبهات" وإذا لم يكييين الدم وجيييب بدله‪ ،‬وهيييو‬
‫الديية‪ .‬وعمدة الفرييق الثانيي النظير إلى المصيلحة التيي تقتضيي‬
‫التغلييظ لحوطية الدماء‪ ،‬فكأن كيل واحيد منهميا انفرد بالقتيل فله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حكيم نفسيه‪ ،‬وفييه ضعيف فيي القياس‪ .‬وأميا صيفة الذي يجيب بيه‬
‫القصيياص‪ ،‬فاتفقوا على أنييه العمييد‪ ،‬وذلك أنهييم أجمعوا على أن‬
‫القتل صنفان‪ :‬عمد‪ ،‬وخطأ‪ .‬واختلفوا في هل بينهما وسط أم ل؟‬
‫وهيو الذي يسيمونه شبيه العميد‪ ،‬فقال بيه جمهور فقهاء المصيار‪.‬‬
‫والمشهور عين مالك نفييه إل فيي البين ميع أبييه؛ وقيد قييل أنيه‬
‫يتخرج عنيه فيي ذلك روايية أخرى‪ ،‬وبإثباتيه قال عمير ابين الخطاب‬
‫وعلي وعثمان وزييد بين ثابيت وأبيو موسيى الشعري والمغيرة‪ ،‬ول‬
‫مخالف لهيم مين الصيحابة؛ والذيين قالوا بيه فرقوا فيميا هيو شبيه‬
‫العمد مما ليس بعمد‪ ،‬وذلك راجع في الغلب إلى اللت التي يقع‬
‫بهيا القتيل‪ ،‬وإلى الحوال التيي كان مين أجلهيا الضرب؛ فقال أبيو‬
‫حنيفة‪ :‬كل ما عدا الحديد من القضب أو النار وما يشبه ذلك فهو‬
‫شبه العمد؛ وقال أبو يوسف ومحمد‪ :‬شبه العمد ما ل يقتل مثله؛‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬شبيه العميد ميا كان عمدا فيي الضرب خطيأ فيي‬
‫القتييل‪ :‬أي مييا كان ضربييا لم يقصييد بييه القتييل فتولد عنييه القتييل‪.‬‬
‫والخطيأ ميا كان خطيأ فيهميا جميعيا‪ .‬والعميد ميا كان عمدا فيهميا‬
‫جميعا‪ ،‬وهو حسن‪ .‬فعمدة من نفى شبه العمد أنه ل واسطة بين‬
‫الخطأ والعمد‪ ،‬أعني بين أن يقصد القتل أو ل يقصده‪ .‬وعمدة من‬
‫أثبيت الوسيط أن النيات ل يطلع عليهيا إل الله تبارك وتعالى وإنميا‬
‫الحكيم بميا ظهير‪ .‬فمين قصيد ضرب آخير بآلة ل تقتيل غالبيا كان‬
‫حكمه كحكم الغالب‪ ،‬أعني حكم من قصد القتل فقتل بل خلف‪.‬‬
‫ومين قصيد ضرب رجيل بعينيه بآلة ل تقتيل غالبيا كان حكميه مترددا‬
‫بيين العميد والخطيأ هذا فيي حقنيا ل فيي حيق المير نفسيه عنيد الله‬
‫تعالى‪ .‬أميا شبهية العميد فمين جهية ميا قصيد ضربيه‪ .‬وأميا شبهيه‬
‫للخطأ فمن جهة أنه ضرب بما ل يقصد به القتل‪ .‬وقد روي حديث‬
‫مرفوع إلى النييبي صييلى الله عليييه وسييلم أنييه قال "أل إن قتييل‬
‫الخطيأ شبيه العميد ميا كان بالسيوط والعصيا والحجير ديتيه مغلظية‬
‫مائة مين البيل منهيا أربعون فيي بطونهيا أولدهيا" إل أنيه حدييث‬
‫مضطرب عنيد أهيل الحدييث ل يثبيت مين جهية السيناد فيميا ذكره‬
‫أبيو عمير بين عبيد البر‪ ،‬وإن كان أبيو داود وغيره قيد خرجيه‪ ،‬فهذا‬
‫النحو من القتل عند من ل يثبته يجب به القصاص‪ ،‬وعند من أثبته‬
‫تجيب بيه الديية‪ ،‬ول خلف فيي مذهيب مالك أن الضرب يكون على‬
‫وجه الغضب والنائرة يجب به القصاص‪.‬‬
‫واختلف فييي الذي يكون عمدا على جهيية اللعييب‪ ،‬أو على جهيية‬
‫الدب لمين أبييح له الدب‪ .‬وأميا الشرط الذي يجيب بيه القصياص‬
‫فيي المقتول‪ ،‬فهيو أن يكون مكافئا لدم القاتيل‪ .‬والذي بيه تختلف‬
‫النفوس هو السلم والكفر والحرية والعبودية والذكورية والنوثية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والواحيد والكثيير‪ .‬واتفقوا على أن المقتول إذا كان مكافئا للقاتيل‬


‫في هذه الربعة أنه يجب القصاص‪ .‬واختلفوا في هذه الربعة إذا‬
‫لم تجتمع‪ .‬أما الحر إذا قتل العبد عمدا‪ ،‬فإن العلماء اختلفوا فيه‪،‬‬
‫فقال مالك والشافعييي والليييث وأحمييد وأبييو ثور‪ :‬ل يقتييل الحيير‬
‫بالعبد؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬يقتل الحر بالعبد إل عبد نفسه؛‬
‫وقال قوم‪ :‬يقتيل الحير بالعبيد سيواء كان عبيد القاتيل أو عبيد غيير‬
‫القاتل‪ ،‬وبه قال النخعي؛ فمن قال ل يقتل الحر بالعبد احتج بدليل‬
‫الخطاب المفهوم ميين قوله تعالى {كتييب عليكييم القصيياص فييي‬
‫القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد} ومن قال يقتل الحر بالعبد احتج‬
‫بقوله علييه الصيلة والسيلم "المسيلمون تتكافيأ دماؤهيم‪ ،‬ويسيعى‬
‫بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم" فسبب الخلف معارضة‬
‫العموم لدلييل الخطاب‪ ،‬ومين فرق فضعييف‪ .‬ول خلف بينهيم أن‬
‫العبد يقتل بالحر‪ ،‬وكذلك النقص بالعلى‪.‬‬
‫ومن الحجة أيضا لمن قال‪ :‬يقتل الحر بالعبد ما رواه عن سمرة‬
‫أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "مين قتيل عبده قتلناه بيه"‬
‫وميين طريييق المعنييى قالوا‪ :‬ولمييا كان قتله محرمييا كقتييل الحيير‪،‬‬
‫وجييب أن يكون القصيياص فيييه كالقصيياص فييي الحيير‪ ،‬وأمييا قتييل‬
‫المؤميين بالكافيير الذمييي‪ ،‬فاختلف العلماء فييي ذلك على ثلثيية‬
‫أقوال‪ :‬فقال قوم‪ :‬ل يقتيل مؤمين بكافير‪ ،‬وممين قال بيه الشافعيي‬
‫والثوري وأحميد وداود وجماعية‪ .‬وقال قوم‪ :‬يقتيل بيه‪ ،‬وممين قال‬
‫بذلك أبيو حنيفية وأصيحابه وابين أبيي ليلى‪ .‬وقال مالك واللييث‪ :‬ل‬
‫يقتل به إل أن يقتله غيلة‪ ،‬وقتل الغيلة أن يضجعه فيذبحه وبخاصة‬
‫على ماله‪ .‬فعمدة الفريق الول ما روي من حديث علي أنه سأله‬
‫قيس بن عبادة والشتر هل عهد إليه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسييلم عهدا لم يعهده إلى الناس قال‪ :‬ل‪ ،‬إل مييا فييي كتابييي هذا‪،‬‬
‫وأخرج كتابيا مين قراب سييفه فإذا فييه "المؤمنون تتكافيأ دماؤهيم‬
‫ويسييعى بذمتهييم أدناهييم وهييم يييد على ميين سييواهم‪ ،‬أل ل يقتييل‬
‫مؤمن بكافر‪ ،‬ول ذو عهد في عهده‪ ،‬من أحدث حدثا أو آوى محدثا‬
‫فعليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين" خرجه أبو داود‪ .‬وروي‬
‫أيضيا عين عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده أن النيبي صيلى الله‬
‫علييييه وسيييلم قال "ل يقتيييل مؤمييين بكافييير" واحتجوا فيييي ذلك‬
‫بإجماعهم على أنه ل يقتل مسلم بالحربي الذي أمن‪.‬‬
‫وأما أصحاب أبي حنيفة فاعتمدوا في ذلك آثارا منها حديث يرويه‬
‫ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن السلماني قال "قتل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أهل القبلة برجل من‬
‫أهل الذمة وقال‪ :‬أنا أحق من وفى بعهده" ورووا ذلك عن عمر‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قالوا‪ :‬وهذا مخصيص لعموم قوله علييه الصيلة والسيلم "ل يقتيل‬
‫مؤمن بكافر" أي أنه أريد به الكافر الحربي دون الكافر المعاهد‪،‬‬
‫وضعف أهل الحديث حديث عبد الرحمن السلماني وما رووا من‬
‫ذلك عن عمر‪ .‬وأما من طريق القياس فإنهم اعتمدوا على إجماع‬
‫المسيلمين فيي أن ييد المسيلم تقطيع إذا سيرق مين مال الذميي‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬فإذا كانييت حرمية ماله كحرمية مال المسيلم فحرمية دميه‬
‫كحرميية دمييه‪ ،‬فسييبب الخلف تعارض الثار والقياس‪ .‬وأمييا قتييل‬
‫الجماعية بالواحيد‪ ،‬فإن جمهور فقهاء المصيار قالوا تقتيل الجماعية‬
‫بالواحيد‪ ،‬منهيم مالك وأبيو حنيفية والشافعيي والثوري وأحميد وأبيو‬
‫ثور وغيرهيم‪ ،‬سيواء كثرت الجماعية أو قلت‪ ،‬وبيه قال عمير حتيى‬
‫روي أنه قال‪ :‬لو تمال عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا‪ .‬وقال داود‬
‫وأهل الظاهر ل تقتل الجماعة بالواحد‪ ،‬وهو قول ابن الزبير‪ ،‬وبه‬
‫قال الزهري‪ ،‬وروي عين جابر‪ .‬وكذلك عنيد هذه الطائفية ل تقطيع‬
‫أييد بييد‪ ،‬أعنيي إذا اشترك اثنان فميا فوق ذلك فيي قطيع ييد؛ وقال‬
‫مالك والشافعي‪ :‬تقطع اليدي باليد؛ وفرقت الحنفية بين النفس‬
‫والطراف فقالوا‪ :‬تقتييل النفييس بالنفييس‪ ،‬ول يقطييع بالطرف إل‬
‫طرف واحيد‪ ،‬وسييأتي هذا فيي باب القصياص مين العضاء‪ .‬فعمدة‬
‫مين قتيل بالواحيد الجماعية النظير إلى المصيلحة‪ ،‬فإنيه مفهوم أن‬
‫القتل إنما شرع لنفي القتل كما نبه عليه الكتاب في قوله تعالى‬
‫{ولكيم فيي القصياص حياة ييا أولي اللباب} وإذا كان ذلك كذلك‬
‫فلو لم تقتل الجماعة بالواحد لتذرع الناس إلى القتل بأن يتعمدوا‬
‫قتيل الواحيد بالجماعية‪ ،‬لكين للمعترض أن يقول‪ :‬إن هذا إنميا كان‬
‫يلزم لو لم يقتل من الجماعة أحد‪ ،‬فأما إن قتيل منهم واحد وهيو‬
‫الذي مين قتله يظين إتلف النفيس غالبيا على الظين‪ ،‬فلييس يلزم‬
‫أن يبطل الحد حتى يكون سببا للتسليط على إذهاب النفوس‪.‬‬
‫وعمدة من قتل الواحد بالواحد قوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أن‬
‫النفس بالنفس والعين بالعين} وأما قتل الذكر بالنثى‪ ،‬فإن ابن‬
‫المنذر وغيره ممن ذكر الخلف حكى أنه إجماع‪ ،‬إل ما حكي عن‬
‫علي مين الصيحابة‪ ،‬وعين عثمان البتيي أنيه إذا قتيل الرجيل بالمرأة‬
‫كان على أولياء المرأة نصييف الدييية‪ .‬وحكييى القاضييي أبييو الوليييد‬
‫الباجييي فييي المنتقييى عيين الحسيين البصييري‪ ،‬أنييه ل يقتييل الذكيير‬
‫بالنثى‪ ،‬وحكاه الخطابي في معالم السنن‪ ،‬وهو شاذ‪ ،‬ولكن دليله‬
‫قوي لقوله تعالى {والنثييييى بالنثييييى} وإن كان يعارض دليييييل‬
‫الخطاب ههنا للعموم الذي في قوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أن‬
‫النفييس بالنفييس} لكيين يدخله أن هذا الخطاب وارد فييي غييير‬
‫شريعتنيا‪ ،‬وهيي مسيألة مختلف فيهيا‪ ،‬أعنيي هيل شرع مين قبلنيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شرع لنيا أم ل؟ والعتماد فيي قتيل الرجيل بالمرأة هيو النظير إلى‬
‫المصيلحة العامية‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي الب والبين‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬ل يقاد الب بالبين إل أن يضجعييه فيذبحييه‪ ،‬فأمييا إن حذفييه‬
‫بسيييف أو عصييا فقتله لم يقتييل‪ ،‬وكذلك الجييد عنده مييع حفيده‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية والشافعيي والثوري‪ :‬ل يقاد الوالد بولده ول الجيد‬
‫بحفيده إذا قتله بأي وجيه كان مين أوجيه العميد‪ ،‬وبيه قال جمهور‬
‫العلماء‪ .‬وعمدتهييم حديييث ابيين عباس أن النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسلم قال "ل تقام الحدود في المساجد ول يقاد بالولد الوالد"‪.‬‬
‫وعمدة مالك عموم القصاص بين المسلمين‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم مييا رووه عيين يحيييى بيين سييعيد عيين عمرو بيين‬
‫شعيب أن رجل من بني مدلج يقال له قتادة حذف ابنا له بالسيف‬
‫فأصاب ساقه‪ ،‬فنزى جرحه فمات‪ ،‬فقدم سراقة بن جعشم على‬
‫عميير ابيين الخطاب فذكيير ذلك له‪ ،‬فقال له عميير‪ :‬اعدد على ماء‬
‫قدييد عشريين ومائة بعيير حتيى أقدم علييك‪ ،‬فلميا قدم علييه عمير‬
‫أخيذ مين تلك البيل ثلثيين حقية وثلثيين جذعية وأربعيين خلفية‪ ،‬ثيم‬
‫قال‪ :‬أيين أخيو المقتول‪ ،‬فقال‪ :‬هيا أنيا ذا‪ ،‬قال‪ :‬خذهيا‪ ،‬فإن رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم قال "لييس لقاتيل شييء" فإن مالكيا‬
‫حمل هذا الحديث على أنه لم يكن عمدا محضا‪ ،‬وأثبت منه شبه‬
‫العميد فيميا بيين البين والب‪ .‬وأميا الجمهور فحملوه على ظاهره‬
‫من أنه عمد لجماعهم أن من حذف آخر بسيف فقتله فهو عمد‪.‬‬
‫وأمييا مالك فرأى مييا للب ميين التسييلط على تأديييب ابنييه وميين‬
‫المحبة له أن حمل القتل الذي يكون في أمثال هذه الحوال على‬
‫أنيه لييس بعميد‪ ،‬ولم يتهميه إذ كان لييس بقتيل غيلة‪ ،‬فإنميا يحميل‬
‫فاعله على أنيه قصيد القتيل مين جهية غلبية الظين وقوة التهمية‪ ،‬إذ‬
‫كانييت النيات ل يطلع عليهييا إل الله تعالى‪ ،‬فمالك لم يتهييم الب‬
‫حيث اتهم الجنبي‪ ،‬لقوة المحبة التي بين الب والبن‪ .‬والجمهور‬
‫إنمييا عللوا درء الحييد عيين الب لمكان حقييه على البيين‪ ،‬والذي‬
‫يجيييء على أصييول أهييل الظاهيير أن يقاد‪ ،‬فهذا هييو القول فييي‬
‫الموجب‪.‬‬
‫*‪*4‬وأما القول في الموجب‪.‬‬
‫@‪-‬فاتفقوا على أن لولي الدم أحد شيئين‪ :‬القصاص‪ ،‬أو العفو إما‬
‫على الدييية وإميييا على غيييير الديييية‪ .‬واختلفوا هيييل النتقال مييين‬
‫القصاص إلى العفو على أخذ الدية هو حق واجب لولي الدم دون‬
‫أن يكون في ذلك خيار للمقتص منه‪ ،‬أم ل تثبت الدية إل بتراضي‬
‫الفريقيين‪ ،‬أعنيي الولي والقاتيل‪ ،‬وأنيه إذا لم يرد المقتيص منيه أن‬
‫يؤدي الدية لم يكن لولي الدم إل القصاص مطلقا أو العفو‪ ،‬فقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مالك‪ :‬ل يجييب للولي إل أن يقتييص أو يعفييو عيين غييير دييية إل أن‬
‫يرضى بإعطاء الدية للقاتل‪ ،‬وهي رواية ابن القاسم عنه‪ ،‬وبه قال‬
‫أبيو حنيفية والثوري والوزاعيي وجماعية؛ وقال الشافعيي وأحميد‬
‫وأبو ثور وداود وأكثر فقهاء المدينة من أصحاب مالك وغيره‪ :‬ولي‬
‫الدم بالخيار إن شاء اقتيص وإن شاء أخيذ الديية‪ ،‬رضيي القاتيل أو‬
‫لم يرض‪ ،‬وروى ذلك أشهيب عين مالك‪ ،‬إل أن المشهور عنيه هيي‬
‫الروايية الولى‪ .‬فعمدة مالك فيي الروايية المشهورة حدييث أنيس‬
‫ابين مالك فيي قصية سين الربييع أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم قال "كتاب الله القصياص" فعلم بدلييل الخطاب أنيه لييس‬
‫له إل القصياص‪ .‬وعمدة الفرييق الثانيي حدييث أبيي هريرة الثابيت‬
‫"من قتل له قتيل فهو بخير النظرين بين أن يأخذ الدية وبين أن‬
‫يعفو" هما حديثان متفق على صحتهما‪ ،‬لكن الول ضعيف الدللة‬
‫فييي أنييه ليييس له إل القصيياص‪ .‬والثانييي نييص فييي أن له الخيار‬
‫والجميع بينهميا يمكين إذا رفيع دلييل الخطاب مين ذلك‪ ،‬فإن كان‬
‫الجمييع واجبييا وممكنييا فالمصييير إلى الحديييث الثانييي واجييب؛‬
‫والجمهور على أن الجمع واجب إذا أمكن وأنه أولى من الترجيح‪،‬‬
‫وأيضيا فإن الله عيز وجيل يقول {ول تقتلوا أنفسيكم} وإذا عرض‬
‫على المكلف فداء نفسيه بمال فواجيب علييه أن يفديهيا‪ ،‬أصيله إذا‬
‫وجد الطعام في مخمصة بقيمة مثله وعنده ما يشتريه‪ ،‬أعني أنه‬
‫يقضى عليه بشرائه فكيف بشراء نفسه؟ ويلزم على هذه الرواية‬
‫إذا كان للمقتول أولياء صيغار وكبار أن يؤخير القتيل إلى أن يكيبر‬
‫الصييغار فيكون لهييم الخيار‪ ،‬ول سيييما إذا كان الصييغار يحجبون‬
‫الكبار مثيل البنيين ميع الخوة‪ .‬وقال القاضيي‪ :‬وقيد كانيت وقعيت‬
‫هذه المسيألة بقرطبية حياة جدي رحميه الله‪ ،‬فأفتيى أهيل زمانيه‬
‫بالروايية المشهورة‪ ،‬وهيو أن ل ينتظير الصيغير‪ ،‬فأفتيى هيو رحميه‬
‫الله بانتظاره على القياس‪ ،‬فشنيع أهيل زمانيه ذلك علييه لميا كانوا‬
‫علييه مين شدة التقلييد حتيى اضطير أن يضيع فيي ذلك قول ينتصير‬
‫فيه لهذا المذهب وهو موجود بأيدي الناس‪،‬‬
‫والنظير فيي هذا الباب هيو فيي قسيمين‪ :‬فيي العفيو والقصياص‪.‬‬
‫والنظر في العفو في شيئين‪ :‬أحدهما فيمن له العفو ممن ليس‬
‫له‪ ،‬وترتيب أهل الدم في ذلك‪ ،‬وهل يكون له العفو على الدية أم‬
‫ل؟ وقد تكلمنا في‪ :‬هل له العفو على الدية‪ .‬وأما من لهم العفو‬
‫بالجملة فهم الذين لهم القيام بالدم‪ ،‬والذين لهم القيام بالدم هم‬
‫العصيبة عنيد مالك وعنيد غيره‪ :‬كيل مين يرث‪ ،‬وذلك أنهيم أجمعوا‬
‫على أن المقتول عمدا إذا كان له بنون بالغون فعفيييا أحدهيييم أن‬
‫القصياص قيد بطيل ووجبيت الديية‪ .‬واختلفوا فيي اختلف البنات ميع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البنييين فييي العفييو أو فييي القصيياص‪ .‬وكذلك الزوجيية أو الزوج‬


‫والخوات‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ليييس للبنات ول الخوات قول مييع البنييين‬
‫والخوة فييي القصيياص أو ضده‪ ،‬ول يعتييبر قولهيين مييع الرجال‪،‬‬
‫وكذلك المر في الزوجة والزوج؛ وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد‬
‫والشافعييي كييل وارث يعتييبر قوله فييي إسييقاط القصيياص وفييي‬
‫إسقاط حظه من الدية‪ ،‬وفي الخذ به قال الشافعي الغائب منهم‬
‫والحاضيير والصييغير والكييبير سييواء‪ .‬وعمدة هؤلء اعتبارهييم الدم‬
‫بالدييية‪ .‬وعمدة الفريييق الول أن الولييية إنمييا هييي للذكران دون‬
‫الناث‪ .‬واختلف العلماء فيي المقتول عمدا إذا عفيا عين دميه قبيل‬
‫أن يموت هييل ذلك جائز على الولياء؟ وكذلك فييي المقتول خطييأ‬
‫إذا عفا عن الدية‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إذا عفا المقتول عن دمه في العمد‬
‫مضيى ذلك‪ ،‬وممين قال بذلك مالك وأبيو حنيفية والوزاعيي‪ ،‬وهذا‬
‫أحد قولي الشافعي؛ وقالت طائفة أخرى‪ :‬ل يلزم عفوه‪ ،‬وللولياء‬
‫القصيياص أو العفييو‪ ،‬ومميين قال بييه أبييو ثور وداود‪ ،‬وهييو قول‬
‫الشافعييي بالعراق‪ .‬وعمدة هذه الطائفيية أن الله خييير الولي فييي‬
‫ثلث‪ :‬إميا العفيو‪ ،‬وإميا القصياص‪ ،‬وإميا الديية‪ .‬وذلك عام فيي كيل‬
‫مقتول سييواء عفييا عيين دمييه قبييل الموت أو لم يعييف‪ .‬وعمدة‬
‫الجمهور أن الشيء الذي جعل للولي إنما هو حق المقتول‪ ،‬فناب‬
‫فيه منابه وأقيم مقامه‪ ،‬فكان المقتول أحق بالخيار من الذي أقيم‬
‫مقاميه بعيد موتيه‪ .‬وقيد أجميع العلماء على أن قوله تعالى {فمين‬
‫تصيدق بيه فهيو كفارة له} أن المراد بالمتصيدق ههنيا هيو المقتول‬
‫يتصدق بدمه‪ .‬وإنما اختلفوا على من يعود الضمير في قوله {فهو‬
‫كفارة له} فقييييل على القاتيييل لمييين رأى له توبييية‪ ،‬وقييييل على‬
‫المقتول من ذنوبه وخطاياه‪.‬‬
‫وأمييا اختلفهييم فييي عفييو المقتول خطييأ عيين الدييية فقال مالك‬
‫والشافعي وأبو حنيفة وجمهور فقهاء المصار‪ :‬إن عفوه من ذلك‬
‫فييي ثلثييه إل أن يجيزه الورثيية؛ وقال قوم‪ :‬يجوز فييي جميييع ماله‪،‬‬
‫وممن قال به طاوس والحسن‪ .‬وعمدة الجمهور أنه واهب مال له‬
‫بعيد موتيه فلم يجيز إل فيي الثلث‪ ،‬أصيله الوصيية‪ .‬وعمدة الفرقية‬
‫الثانيية أنيه إذا كان له أن يعفيو عين الدم فهيو أحرى أن يعفيو عين‬
‫المال‪ ،‬وهذه المسألة هي أخص بكتاب الديات‪.‬‬
‫واختلف العلماء إذا عفيا المجروح عين الجراحات‪ ،‬فمات منهيا هيل‬
‫للولياء أن يطالبوا بدميه أم ل؟ فقال مالك‪ :‬لهيم ذلك إل أن يقول‬
‫عفوت عين الجراحات وعميا تئول إلييه؛ وقال أبيو يوسيف ومحميد‬
‫إذا عفيا عين الجراحية ومات فل حيق لهيم‪ ،‬والعفيو عين الجراحات‬
‫عفو عن الدم؛ وقال قوم‪ :‬بل تلزمهم الدية إذا عفا عن الجراحات‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مطلقيا‪ ،‬وهؤلء اختلفوا‪ ،‬فمنهيم مين قال‪ :‬تلزم الجارح الديية كلهيا‪،‬‬
‫واختاره المزنيي مين أقوال الشافعيي؛ ومنهيم مين قال‪ :‬يلزم مين‬
‫الدية ما بقي منها بعد إسقاط دية الجرح الذي عفا عنه‪ ،‬وهو قول‬
‫الثوري‪ .‬وأميا مين يرى أنيه ل يعفيو عين الدم فلييس يتصيور معيه‬
‫خلف في أنه ل يسقط ذلك طلب الولي الدية‪ ،‬لنه إذا كان عفوه‬
‫عيين الدم ل يسييقط حييق الولي‪ ،‬فأحرى أن ل يسييقط عفوه عيين‬
‫الجرح‪ .‬واختلفوا في القاتل عمدا يعفى عنه‪ ،‬هل يبقى للسلطان‬
‫فييه حيق أم ل؟ فقال مالك واللييث‪ :‬إنيه يجلد مائة ويسيجن سينة‪،‬‬
‫وبييه قال أهييل المدينيية‪ ،‬وروي ذلك عيين عميير؛ وقالت طائفيية‪:‬‬
‫الشافعيي وأحميد وإسيحاق وأبيو ثور‪ :‬ل يجيب علييه ذلك؛ وقال أبيو‬
‫ثور‪ :‬إل أن يكون يعرف بالشيير فيؤدبييه المام على قدر مييا يرى‪.‬‬
‫ول عمدة للطائفية الولى إل أثير ضعييف‪ .‬وعمدة الطائفية الثانيية‬
‫ظاهر الشرع وأن التحديد في ذلك ل يكون إل بتوقيف‪ ،‬ول توقيف‬
‫ثابت في ذلك‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في القصاص‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي القصياص هيو فيي صيفة القصياص‪ ،‬وممين يكون؟‬
‫ومتييى يكون؟ فأمييا صييفة القصيياص فييي النفييس‪ ،‬فإن العلماء‬
‫اختلفوا فيي ذلك‪ ،‬فمنهيم مين قال‪ :‬يقتيص مين القاتيل على الصيفة‬
‫التيي قتيل‪ ،‬فمين قتيل تغريقيا قتيل تغريقيا‪ ،‬ومين قتيل بضرب بحجير‬
‫قتييل بمثييل ذلك‪ ،‬وبييه قال مالك والشافعييي‪ ،‬قالوا‪ :‬إل أن يطول‬
‫تعذيبه بذلك فيكون السيف له أروح‪ .‬واختلف أصحاب مالك فيمن‬
‫حرق آخيير‪ ،‬هييل يحرق مييع موافقتهييم لمالك فييي احتذاء صييورة‬
‫القتل؟ وكذلك فيمن قتل بالسهم؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬بأي‬
‫وجيه قتله لم يقتيل إل بالسييف‪ .‬وعمدتهيم ميا روى الحسين عين‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم أنيه قال "لقود إل بحديدة"‪ .‬وعمدة‬
‫الفرييق الول حدييث أنيس "أن يهودييا رضيخ رأس امرأة بحجير‪،‬‬
‫فرضيخ النيبي صيلى الله علييه وسيلم رأسيه بحجير‪ ،‬أو قال‪ :‬بيين‬
‫حجريين" وقوله {كتيب عليكيم القصياص فيي القتلى} والقصياص‬
‫يقتضيي المماثلة وأميا ممين يكون القصياص فالظاهير أنيه مين ولي‬
‫الدم‪ ،‬وقيد قييل إنيه ل يمكين منيه لمكان العداوة مخافية أن يجور‬
‫فييه‪ .‬وأميا متيى يكون القصياص فبعيد ثبوت موجباتيه‪ ،‬والعذار إلى‬
‫القاتيييل فيييي ذلك إن لم يكييين مقرا‪ .‬واختلفوا هيييل مييين شرط‬
‫القصاص أن ل يكون الموضع الحرم‪ .‬وأجمعوا على أن الحامل إذا‬
‫قَتَلت عمدا أنه ل يقاد منها حتى تضع حملها‪ .‬واختلفوا في القاتل‬
‫بالسييييف والجمهور على وجوب القصييياص؛ وقال بعيييض أهيييل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الظاهر‪ :‬ل يقتص منه من أجل أنه عليه الصلة والسلم سم هو‬
‫وأصحابه‪ ،‬فلم يتعرض لمن سمه‪.‬‬
‫كمل كتاب القصاص في النفس‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*3‬كتاب الجراح‪.‬‬
‫@‪-‬والجراح صنفان‪ :‬منها ما فيه القصاص أو الدية أو العفو‪ .‬ومنها‬
‫ما فيه الدية أو العفو‪ .‬ولنبدأ بما فيه القصاص‪ ،‬والنظر أيضا ها هنا‬
‫فييي شروط الجارح والجرح الذي بييه يحييق القصيياص والمجروح‪،‬‬
‫وفييي الحكييم الواجييب الذي هييو القصيياص‪ ،‬وفييي بدله إن كان له‬
‫بدل‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في الجارح‪.‬‬
‫@‪-‬ويشترط فييي الجارح أن يكون مكلفييا كمييا يشترط ذلك فييي‬
‫القاتيل‪ ،‬وهيو أن يكون بالغيا عاقل‪ ،‬والبلوغ يكون بالحتلم والسين‬
‫بل خلف‪ ،‬وإن كان الخلف فييي مقداره‪ ،‬فأقصيياه ثمانييية عشيير‬
‫سينة‪ ،‬وأقله خمسية عشير سينة‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‪ ،‬ول خلف أن‬
‫الواحيد إذا قطيع عضيو إنسيان واحيد اقتيص منيه إذا كان مميا فييه‬
‫القصيياص‪ .‬واختلفوا إذا قطعييت جماعيية عضوا واحدا‪ ،‬فقال أهييل‬
‫الظاهيير‪ :‬ل تقطييع يدان فييي يييد؛ وقال مالك والشافعييي‪ :‬تقطييع‬
‫اليدي بالييد الواحدة‪ ،‬كميا تقتيل عندهيم النفيس بالنفيس الواحدة؛‬
‫وفرقيت الحنفيية بيين النفيس والطراف‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل تقطيع أعضاء‬
‫بعضو‪ ،‬وتقتل أنفس بنفس‪ ،‬وعندهم أن الطراف تتبعض‪ ،‬وإزهاق‬
‫النفيس ل يتبعيض‪ .‬واختلف فيي النبات‪ ،‬فقال الشافعيي‪ :‬هيو بلوغ‬
‫بإطلق‪ .‬واختلف المذهيب فييه فيي الحدود‪ ،‬هيل هيو بلوغ فيهيا أم‬
‫ل؟ والصيل فيي هذا كله حدييث بنيي قريظية "أنيه صيلى الله علييه‬
‫وسلم قتل منهم من أنبت وجرت عليه المواسي" كما أن الصل‬
‫فيي السين حدييث ابين عمير أنيه عرضيه يوم الخندق وهيو ابين أربيع‬
‫عشرة سيينة فلم يقبله وقبله يوم أحييد وهييو ابيين خمييس عشرة‬
‫سنة‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في المجروح‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا المجروح فإنييه يشترط فيييه أن يكون دمييه مكافئا لدم‬
‫الجارح والذي يؤثير فيي التكافيؤ العبوديية والكفير‪ .‬أميا العبيد والحير‬
‫فإنهم اختلفوا في وقوع القصاص بينهما في الجرح كاختلفهم في‬
‫النفس؛ فمنهم من رأى أنه ل يقتص من الحر للعبد‪ ،‬ويقتص للحر‬
‫من العبد كالحال في النفس؛ ومنهم من رأى أنه يقتص لكل واحد‬
‫منهميا مين كيل واحيد‪ ،‬ولم يفرق بيين الجرح والنفيس؛ ومنهيم مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فرق فقال‪ :‬يقتيص من العلى للدنيى فيي النفيس والجرح؛ ومنهيم‬


‫ميين قال‪ :‬يقتييص ميين النفييس دون الجرح‪ ،‬وعيين مالك الروايتان‪.‬‬
‫والصواب كما يقتص من الن فس أن يقتص من الجرح‪ ،‬فهذه هي‬
‫حال العبييد ميع الحرار‪ .‬وأميا حال العبييد بعضهيم ميع بعيض‪ ،‬فإن‬
‫للعلماء فيهيم ثلثية أقوال‪ :‬أحدهيا أن القصياص بينهيم فيي النفيس‬
‫و ما دون ها‪ ،‬وهو قول الشافعي وجماعية‪ ،‬وهو مروي عين عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬وهيو قول مالك‪ .‬والقول الثانيي أنيه ل قصياص بينهيم ل‬
‫في النفس ول في الجرح وأنهم كالبهائم‪ ،‬وهو قول الحسن وابن‬
‫شبرمية وجماعية‪ .‬والثالث أن القصياص بينهيم فيي النفيس دون ميا‬
‫دونهيا‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية والثوري‪ ،‬وروي ذلك عين ابين مسيعود‪.‬‬
‫وعمدة الفريييييق الول قوله تعالى {والعبييييد بالعبييييد} ‪ .‬وعمدة‬
‫الحنفييية مييا روي عيين عمران بيين الحصييين "أن عبدا لقوم فقراء‬
‫قطييع أذن عبييد لقوم أغنياء‪ ،‬فأتوا رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسلم فلم يقتص منه" فهذا هو حكم النفس‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في الجرح‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الجرح فإنه يشترط فيه أن يكون على وجه العمد‪ ،‬أعني‬
‫الجرح الذي يجييب فيييه القصيياص‪ ،‬والجرح ل يخلو أن يكون يتلف‬
‫جارحة من جوارح المجروح أو ل يتلف‪ ،‬فإن كان مما يتلف جارحة‬
‫فالعمد فيه هو أن يقصد ضربه على وجه الغضب بما يجرح غالبا‪.‬‬
‫وأميا إن جرحيه على وجيه اللعيب أو اللعيب ب ما ل يجرح به غالبيا أو‬
‫على وجه الدب‪ ،‬فيشبه أن يكون فيه الخلف الذي يقع في القتل‬
‫الذي يتولد عين الضرب فيي اللعيب والدب بميا ل يقتيل غالبيا‪ ،‬فإن‬
‫أبيا حنيفية يعتيبر اللة حتيى يقول إن القاتيل بالمثقيل ل يقتيل وهيو‬
‫شذوذ منييه‪ ،‬أعنييي بالخلف هييل فيييه القصيياص أو الدييية إن كان‬
‫الجرح مميا فييه الديية‪ .‬وأميا إن كان الجرح قيد أتلف جارحية مين‬
‫جوارح المجروح‪ ،‬ف من شرط القصاص فيه العميد أي ضا بل خلف‪،‬‬
‫وفيي تميييز العميد منيه مين غيير العميد خلف‪ .‬أميا إذا ضربيه على‬
‫العضيو نفسيه فقطعيه وضربيه بآلة تقطيع العضيو غالبيا‪ ،‬أو ضربيه‬
‫على وجييه النائرة فل خلف أن فيييه القصيياص‪ .‬وأمييا إن ضربييه‬
‫بلطمية أو سيوط أو ميا أشبيه ذلك مميا الظاهير منيه أنيه لم يقصيد‬
‫إتلف العضو مثل أن يلطمه فيفقأ عينه‪ ،‬فالذي عليه الجمهور أنه‬
‫شبيه العميد ول قصياص فييه‪ ،‬وفييه الديية مغلظية فيي ماله وهيي‬
‫روايية العراقييين عين مالك‪ ،‬والمشهور فيي المذهيب أن ذلك عميد‬
‫وفيه القصاص إل في الب مع ابنه؛ وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف‬
‫ومحمد إلى أن شبه العمد إنما هو في النفس ل في الجرح‪ .‬وأما‬
‫إن جرحييه فأتلف عضوا على وجييه اللعييب ففيييه قولن‪ :‬أحدهمييا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجوب القصاص‪ ،‬والثاني نفيه‪ .‬وما يجب على هذين القولين ففيه‬
‫القولن قبل الدية مغلظة‪ ،‬وقيل دية الخطأ‪ ،‬أعني فيما فيه دية‪،‬‬
‫وكذلك إذا كان على وجيه الدب ففييه الخلف‪ .‬وأميا ميا يجيب فيي‬
‫جراح العميد إذا وقعيت على الشروط التيي ذكرناهيا فهيو القصياص‬
‫لقوله تعالى {والجروح قصياص} وذلك فيميا أمكين القصياص فييه‬
‫منها‪ ،‬وفيما وجد منه محل القصاص ولم يخش منه تلف النفس‪،‬‬
‫وإنما صاروا لهذا لما روي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫رفع القود في المأمومة والمنقلة والجائفة" فرأى مالك ومن قال‬
‫بقوله أن هذا حكيم ميا كان فيي معنيى هذه مين الجراح التيي هيي‬
‫متالف‪ ،‬مثل كسر عظم الرقبة والصلب والصدر والفخذ وما أشبه‬
‫ذلك‪ .‬وقييد اختلف قول مالك فييي المنقلة‪ ،‬فمرة قال بالقصيياص‪،‬‬
‫ومرة قال بالدييية؛ وكذلك الميير عنييد مالك فيمييا ل يمكيين فيييه‬
‫التسياوي فيي القصياص مثيل القتصياص مين ذهاب بعيض النظير أو‬
‫بعض السمع‪ ،‬ويمنع القصاص أيضا عند مالك عدم المثل مثل أن‬
‫يفقيأ أعميى عيين بصيير‪ .‬واختلفوا مين هذا فيي العور يفقيأ عيين‬
‫الصيحيح عمدا‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬إن أحيب الصيحيح أن يسيتقيد منيه‬
‫فله القود‪ ،‬واختلفوا إذا عفييا عيين القود‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إن أحييب فله‬
‫الدية كاملة ألف دينار‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ ،‬وقيل ليس له إل نصف‬
‫الدييية‪ ،‬وبييه قال الشافعييي‪ ،‬وهييو أيضييا منقول عيين مالك‪ ،‬ويقول‬
‫الشافعييي قال ابيين القاسييم‪ ،‬وبالقول الخيير قال المغيرة ميين‬
‫أصييحابه وابيين دينار‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬ليييس للصييحيح الذي فقئت‬
‫عينه إل القود أو ما اصطلحا عليه؛ وقد قيل ل يستقيد من العور‬
‫وعليييه الدييية كاملة‪ ،‬روي هذا عيين ابيين المسيييب وعيين عثمان‪.‬‬
‫وعمدة صيياحب هذا القول أن عييين العور بمنزلة عينييين‪ ،‬فميين‬
‫فقأها في واحدة فكأنه اقتص من اثنين في واحدة‪ ،‬وإلى نحو هذا‬
‫ذهيب مين رأى أنيه إذا ترك القود أنيه له ديية كاملة‪ ،‬ويلزم حاميل‬
‫هذا القول أن ل يسييتقيد ضرورة؛ وميين قال بالقود وجعييل الدييية‬
‫نصف الدية فهو أحرز لصله‪ ،‬فتأمله فإنه بين بنفسه والله أعلم‪.‬‬
‫وأما هل المجروح مخير بين القصاص وأخذ الدية‪ ،‬أم ليس له إل‬
‫القصياص فقيط إل أن يصيطلحا على أخيذ الديية ففييه القولن عين‬
‫مالك مثل القولين في القتل‪ ،‬وكذلك أحد قولي مالك في العور‬
‫يفقيأ عيين الصيحيح‪ :‬أن الصيحيح يخيير بيين أن يفقيأ عيين العور أو‬
‫يأخذ الدية ألف دينار أو خمسمائة على الختلف في ذلك‪.‬‬
‫وأميا متيى يسيتقاد مين الجرح؟ فعنيد مالك أنيه ل يسيتقاد مين جرح‬
‫إل بعييد اندماله‪ ،‬وعنييد الشافعييي على الفور؛ فالشافعييي تمسييك‬
‫بالظاهير‪ ،‬ومالك رأى أن يعتيبر ميا يئول إلييه أمير الجرح مخافية أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يفضي إلى إتلف النفس‪ .‬واختلف العلماء في المقتص من الجرح‬


‫يموت المقتيييص مييين ذلك الجرح‪ ،‬فقال مالك والشافعيييي وأبيييو‬
‫يوسف ومحمد ل شيء على المقتص‪ ،‬وروي عن علي وعمر مثل‬
‫ذلك‪ ،‬وبه قال أحمد وأبو ثور وداود؛ وقال أبو حنيفة والثوري وابن‬
‫أبييي ليلى وجماعيية‪ :‬إذا مات وجييب على عاقلة المقتييص الدييية؛‬
‫وقال بعضهيم‪ :‬هيي فيي ماله‪ .‬وقال عثمان البتيي‪ :‬يسيقط عنيه مين‬
‫الدييية قدر الجراحيية التييي اقتييص منهييا‪ ،‬وهييو قول ابيين مسييعود‪.‬‬
‫فعمدة الفريق الول إجماعهم على أن السارق إذا مات من قطع‬
‫يده أنيه ل شييء على الذي قطيع يده‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية أنيه قتيل‬
‫خطيأ وجبيت فييه الديية؛ ول يقاد عنيد مالك فيي الحير الشدييد ول‬
‫البرد الشدييد‪ ،‬ويؤخير ذلك مخافية أن يموت المقاد منيه؛ وقيد قييل‬
‫إن المكان شرط فييي جواز القصيياص وهييو غييير الحرم‪ ،‬فهذا هييو‬
‫حكيم العميد فيي الجنايات على النفيس وفيي الجنايات على أعضاء‬
‫البدن‪ ،‬وينبغيي أن نصيير إلى حكيم الخطيأ فيي ذلك‪ ،‬ونبتدئ بحكيم‬
‫الخطأ في النفس‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الديات في النفوس‪.‬‬
‫@‪-‬والصييل فييي هذا الباب قوله تعالى {وميين قتييل مؤمنييا خطييأ‬
‫فتحرييير رقبيية مؤمنيية ودييية مسييلمة إلى أهله إل أن يصييدقوا}‬
‫والديات تختلف فييي الشريعيية بحسييب اختلف الدماء‪ .‬وبحسييب‬
‫اختلف الذين تلزمهم الدية‪ ،‬وأيضا تختلف بحسب العمد إذا رضي‬
‫بهيا إميا الفريقان‪ ،‬وإميا مين له القود على ميا تقدم مين الختلف‪.‬‬
‫والنظر في الدية هو في موجبها‪ ،‬أعني في أي قتل تجب‪ ،‬ثم في‬
‫نوعها وفي قدرها‪ ،‬وفي الوقت الذي تجب فيه‪ ،‬وعلى من تجب‪.‬‬
‫فأميا فيي أي قتيل تجيب‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أنهيا تجيب فيي قتيل‬
‫الخطييأ وفييي العمييد الذي يكون ميين غييير مكلف مثييل المجنون‬
‫والصيبي‪ ،‬وفيي العميد الذي تكون حرمية المقتول فييه ناقصية عين‬
‫حرمية القاتيل‪ ،‬مثيل الحير والعبيد ومين قتيل الخطيأ ميا اتفقوا على‬
‫أنه خطأ‪ .‬ومنه ما اختلفوا فيه‪ ،‬وقد تقدم صدر من ذلك‪ ،‬وسيأتي‬
‫بعد ذلك اختلفهم في تضمين الراكب والسائق والقائد‪.‬‬
‫وأميا قدرهيا ونوعهيا‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أن ديية الحير المسيلم على‬
‫أهل ال بل مائة من ال بل‪ ،‬وهي في مذهب مالك ثلث ديات‪ :‬دية‬
‫الخطيأ‪ ،‬وديية العميد إذا قبلت‪ ،‬وديية شبيه العميد‪ .‬وهيي عنيد مالك‬
‫فيي الشهير عنيه مثيل فعيل المدلجيي بابنيه‪ .‬وأميا الشافعيي فالديية‬
‫عنده اثنان فقيييط‪ :‬مخففييية ومغلظييية‪ .‬فالمخففييية ديييية الخطيييأ‪،‬‬
‫والمغلظية ديية العميد وديية شبيه العميد‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فالديات‬
‫عنده اثنان أيضيا‪ :‬ديية الخطيأ‪ ،‬وديية شبيه العميد‪ ،‬ولييس عنده ديية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي العميد‪ ،‬وإنميا الواجيب عنده فيي العميد ميا اصيطلحا علييه وهيو‬
‫حال عليه غير مؤجل‪ ،‬وهو معنى قول مالك المشهور‪ ،‬لنه إذا لم‬
‫تلزمه الد ية عنده إل باصطلح فل معنى لتسميتها دية إل ما روي‬
‫عنيه أنهيا تكون مؤجلة كديية الخطيأ فههنيا يخرج حكمهيا عين حكيم‬
‫المال المصيطلح علييه‪ ،‬وديية العميد عنده أرباع‪ :‬خميس وعشرون‬
‫بنييت مخاض‪ ،‬وخمييس وعشرون بنييت لبون‪ ،‬وخمييس وعشرون‬
‫حقيية‪ ،‬وخمييس وعشرون جذعيية‪ ،‬وهييو قول ابيين شهاب وربيعيية‪،‬‬
‫والديية المغلظية عنده أثلثيا‪ :‬ثلثون حقية‪ ،‬وثلثون جذعية‪ ،‬وأربعون‬
‫خلفيية وهييي الحوامييل‪ ،‬ول تكون المغلظيية عنده فييي المشهور إل‬
‫في مثل فعل المدلجي بابنه؛ وعند الشافعي أنها تكون في شبه‬
‫العميد أثلثيا أيضيا‪ ،‬وروى ذلك أيضا عين عمير وزييد بين ثابيت؛ وقال‬
‫أبيو ثور‪ :‬الديية فيي العميد إذا عفيا ولي الدم أخماسيا كديية الخطيأ‪.‬‬
‫واختلفوا في أسنان البل في دية الخطأ‪ ،‬فقال مالك والشافعي‪:‬‬
‫هيييييي أخماس‪ :‬عشرون ابنييييية مخاض‪ ،‬وعشرون ابنييييية لبون‪،‬‬
‫وعشرون ابين لبون ذكرا‪ ،‬وعشرون حقية‪ ،‬وعشرون جذعية‪ ،‬وهيو‬
‫مروي عن ابن شهاب وربيعة‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬أعني‬
‫التخمييس‪ ،‬إل أنهيم جعلوا مكان ابين لبون ذكير ابين مخاض ذكرا‪،‬‬
‫وروي عن ابن مسعود الوجهان جميعا؛ وروي عن سيدنا علي أنه‬
‫جعلهيا أرباعيا‪ ،‬أسيقط منهيا الخميس والعشريين بنيي لبون‪ .‬وإلييه‬
‫ذهيب عمير بين عبيد العزييز‪ ،‬ول حدييث فيي ذلك مسيند‪ ،‬فدل على‬
‫الباحيية ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬كمييا قال أبييو عميير بيين عبييد البر‪ .‬وخرج‬
‫البخاري والترمذي عين ابيين مسيعود عيين النييبي صييلى الله علييه‬
‫وسيلم أنيه قال "فيي ديية الخطيأ عشرون بنيت مخاض وعشرون‬
‫ابين مخاض ذكور وعشرون بنات لبون وعشرون جذعية وعشرون‬
‫حقة"‬
‫واعتيل لهذا الحدييث أبيو عمير بأنيه روى عين حنييف ابين مالك عين‬
‫ابين مسيعود وهيو مجهول قال‪ :‬وأحيب إلي فيي ذلك الروايية عين‬
‫علي‪ ،‬ل نه لم يختلف في ذلك عليه كما اختلف على ا بن مسعود‪.‬‬
‫وخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من‬
‫البيييل‪ :‬ثلثون بنيييت مخاض‪ ،‬وثلثون بنيييت لبون‪ ،‬وثلثون حقييية‪،‬‬
‫وعشرة بني لبون ذكر" قال أبو سليمان الخطابي هذا الحديث ل‬
‫أعرف أحدا ميين الفقهاء المشهورييين قال بييه وإنمييا قال أكثيير‬
‫العلماء إن دييية الخطييأ أخماس‪ ،‬وإن كانوا اختلفوا فييي الصييناف؛‬
‫وقيد روي أن ديية الخطيأ مربعية عين بعيض العلماء وهيم الشعيبي‬
‫والنخعييي والحسيين البصييري‪ ،‬وهؤلء جعلوهييا‪ :‬خمسييا وعشرييين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫جذعيية‪ ،‬وخمسييا وعشرييين حقيية‪ ،‬وخمسييا وعشرييين بنات لبون‪،‬‬


‫وخمسيا وعشريين بنات مخاض‪ ،‬كميا روي عين علي وخرجيه أبيو‬
‫داود‪ ،‬وإن ما صيار الجمهور إلى تخمييس دية الخطيأ‪ :‬عشرون حقية‪،‬‬
‫وعشرون جذعيية‪ ،‬وعشرون بنييت مخاض‪ ،‬وعشرون بنييت لبون‪،‬‬
‫وعشرون بني مخاض ذكر‪ ،‬وإن كان لم يتفقوا على بني المخاض‬
‫لنها لم تذكر في أسنان فيها‪ ،‬وقياس من أخذ بحديث التخميس‬
‫فيي الخطيأ وحدييث التربييع فيي شبيه العميد إن ثبيت هذا‪ .‬النوع‬
‫الثالث أن يقول فيييي ديييية العميييد بالتثلييييث كميييا قيييد روي ذلك‬
‫الشافعيي‪ ،‬ومين لم يقيل بالتثلييث شبيه العميد بميا دونيه‪ .‬فهذا هيو‬
‫مشهور أقاويلهيم فيي الديية التيي تكون مين البيل على أهيل البيل‪.‬‬
‫وأميا أهيل الذهيب والورق فإنهيم اختلفوا أيضيا فيميا يجيب مين ذلك‬
‫عليهيييم؛ فقال مالك‪ :‬على أهيييل الذهيييب ألف دينار‪ ،‬وعلى أهيييل‬
‫الورق اثنيا عشير ألف درهيم؛ وقال أهيل العراق‪ :‬على أهيل الورق‬
‫عشرة آلف درهييم؛ وقال الشافعييي بمصيير‪ :‬ل يؤخييذ ميين أهييل‬
‫الذهيب ول مين أهيل الورق إل قيمية البيل بالغية ميا بلغيت‪ ،‬وقوله‬
‫بالعراق مثييل قول مالك‪ .‬وعمدة مالك تقويييم عميير بيين الخطاب‬
‫المائة مين البيل على أهيل الذهيب بألف دينار‪ ،‬وعلى أهيل الورق‬
‫باثني عشر ألف درهم‪ .‬وعمدة الحنفية ما رووا أيضا عن عمر أنه‬
‫قوم الدينار بعشرة دراهم‪ ،‬وإجماعهم على تقويم المثقال بها في‬
‫الزكاة‪.‬‬
‫وأميا الشافعيي فيقول‪ :‬إن الصيل فيي الديية إنميا هيو مائة بعيير‪،‬‬
‫وعمير إنميا جعيل فيهيا ألف دينار على أهيل الذهيب‪ ،‬واثنيي عشير‬
‫ألف درهيم على أهيل الورق‪ ،‬لن ذلك كان قيمية البيل من الذهيب‬
‫والورق فيي زمانيه‪ ،‬والحجية له ميا روي عين عمرو بين شعييب عين‬
‫أبييه عين جده أنيه قال كانيت الديات على عهيد رسيول الله صيلى‬
‫الله عليييه وسييلم ثمانمائة دينار وثمانييية آلف درهييم‪ ،‬ودييية أهييل‬
‫الكتاب على النصييف ميين دييية المسييلمين‪ .‬قال‪ :‬فكان ذلك حتييى‬
‫اسييتخلف عميير‪ ،‬فقام خطيبييا فقال‪ :‬إن البييل قييد غلت‪ ،‬ففرضهييا‬
‫عمير على أهيل الورق اثنيي ألف درهيم‪ ،‬وعلى أهيل الذهيب ألف‬
‫دينار‪ ،‬وعلى أهل البقر مائتي بقرة‪ ،‬وعلى أهل الشاة ألفي شاة‪،‬‬
‫وعلى أهيل الحلل مائتيي حلة‪ ،‬وترك ديية أهيل الذمية لم يرفيع فيهيا‬
‫شيئا‪ .‬واحتيج بعيض الناس لمالك لنيه لو لو كان تقوييم عمير بدل‬
‫لكان دينييا بدييين‪ ،‬لجماعهييم أن الدييية فييي الخطييأ مؤجلة لثلث‬
‫سنين؛‬
‫ومالك وأ بو حنيفية وجماعية متفقون على أن الديية ل تؤخيذ إل مين‬
‫البيل أو الذهيب أو الورق‪ .‬وقال أبيو يوسيف ومحميد بين الحسين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والفقهاء السييبعة المدنيون‪ :‬يوضييع على أهييل الشاة ألفييا شاة‪،‬‬


‫وعلى أهيييل البقييير مائتيييا بقرة‪ ،‬وعلى أهيييل البرود مائتيييا حلة‪،‬‬
‫وعمدتهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المتقدم‪ ،‬وما‬
‫أسنده أبو بكر بن أبي شبية عن عطاء "أن رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم وضيع الديية على الناس فيي أموالهيم ميا كانيت على‬
‫أهل البل مائة بعير‪ ،‬وعلى أهل الشاة ألفا شاة‪ ،‬وعلى أهل البقر‬
‫مائتيا بقرة‪ ،‬وعلى أهيل البرود مائتيا حلة" وميا روي عين عمير بين‬
‫عبيد العزييز أنيه كتيب إلى الجناد أن الديية كانيت على عهيد رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم مائة بعيير‪ .‬قال‪ :‬فإن كان الذي أصيابه‬
‫من العراب فديته من البل ل يكلف العرابي الذهب ول الورق‪،‬‬
‫فإن لم يجد العرابي مائة من البل فعد لها من الشاة ألف شاة‪.‬‬
‫ولن أهل العراق أيضا رووا عن عمر مثل حديث عمرو بن شعيب‬
‫عين أبييه عين جده نصيا‪ .‬وعمدة الفرييق الول أنيه لو جاز أن تقوم‬
‫بالشاة والبقير لجاز أن تقوم بالطعام على أهيل الطعام‪ ،‬وبالخييل‬
‫على أهل الخيل‪ ،‬وهذا ل يقول به أحد‪ .‬والنظر في الدية كما قلت‬
‫هو في نوعها‪ ،‬وفي مقدارها‪ ،‬وعلى من تجب‪ ،‬وفيما تجب‪ ،‬ومتى‬
‫تجيب؟‪ .‬أميا نوعهيا ومقدارهيا فقيد تكلمنيا فييه فيي الذكور الحرار‬
‫المسيلمين‪ .‬وأميا على مين تجيب؟ فل خلف بينهيم أن ديية الخطيأ‬
‫تجييب على العاقلة وأنييه حكييم مخصييوص ميين عموم قوله تعالى‬
‫{ول تزر وازرة وزر أخرى} ومن قوله عليه الصلة والسلم لبي‬
‫زمنيية لولده "ل يجنييي عليييك ول تجنييي عليييه"‪ .‬وأمييا دييية العمييد‬
‫فجمهورهم على أنها ليست على العاقلة لما روي عن ابن عباس‬
‫ول مخالف له ميين الصييحابة أنييه قال‪ :‬ل تحمييل العاقلة عمدا ول‬
‫إعترافيا ول صيلحا فيي عميد‪ ،‬وجمهورهيم على أنهيا ل تحميل مين‬
‫أصياب نفسيه خطيأ؛ وشيذ الوزاعيي فقال‪ :‬مين ذهيب يضرب العدو‬
‫فقتل نفسه فعلى عاقلته الدية‪ ،‬وكذلك عندهم في قطع العضاء‪.‬‬
‫وروي عين عمير أن رجل فقيأ عيين نفسيه خطيأ‪ ،‬فقضيى له عمير‬
‫بديتهييا على عاقلتييه‪ .‬واختلفوا فييي دييية شبييه العمييد‪ ،‬وفييي الدييية‬
‫المغلظة على قولين‪ :‬واختلفوا في دية ما جناه المجنون والصبي‬
‫على مين تجيب؟ فقال مالك وأبيو حنيفية وجماعية إنيه كله يحميل‬
‫على العاقلة؛ وقال الشافعي عمد الصبي في ماله‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم تردد فعيل الصيبي بيين العاميد والمخطيئ؛ فمين‬
‫غلب عليه شبه العمد أوجب الدية في ماله؛ ومن غلب عليه شبه‬
‫الخطيأ أوجبهيا على العاقلة‪ ،‬وكذلك اختلفوا إذا اشترك فيي القتيل‬
‫عاميد وصيبي‪ ،‬والذيين أوجبوا على العاميد القصياص وعلى الصيبي‬
‫الدييية اختلفوا على ميين تكون؟ فقال الشافعييي‪ :‬على أصييله فييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مال الصبي؛ وقال مالك‪ :‬على العاقلة؛ وأما أبو حنيفة فيرى أن ل‬
‫قصاص بينهما‪ .‬وأ ما متى تجب؟ فإنهم اتفقوا على أن دية الخطأ‬
‫مؤجلة في ثلث سنين‪ ،‬وأما دية العمد فحالة إل أن يصطلحا على‬
‫التأجيل‪ .‬وأما من هم العاقلة‪ ،‬فإن جمهور العلماء من أهل الحجاز‬
‫اتفقوا على أن العاقلة هيي بالقرابية مين قبيل الب‪ ،‬وهيم العصيبة‬
‫دون أهييل الديوان‪ ،‬وتحمييل الموالي العقييل عنييد جمهورهييم إذا‬
‫عجزت عنيه العصيبة‪ ،‬إل داود فإنيه لم يير الموالي عصيبة‪ ،‬ولييس‬
‫فيميا يجيب على واحيد واحيد منهيم حيد عنيد مالك؛ وقال الشافعيي‪:‬‬
‫على الغنيي دينار وعلى الفقيير نصيف دينار‪ ،‬وهيي عنيد الشافعيي‬
‫مرتبة على القرابة بحسب قربهم‪ ،‬فالقرب من بني أبيه‪ ،‬ثم من‬
‫بني جده‪ ،‬ثم من بني أبية؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬العاقلة هم‬
‫أهل ديوانه إن كان من أهل ديوان‪ .‬وعمدة أهل الحجاز أنه تعاقل‬
‫الناس فيي زمان رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم وفيي زمان‬
‫أبيي بكير ولم يكين هناك ديوان؛ وإنميا كان الديوان فيي زمين عمير‬
‫بين الخطاب‪ .‬واعتميد الكوفيون حدييث جيبير بين مطعيم عين النيبي‬
‫صيلى الله علييه وسيلم أنيه قال "ل حلف فيي السيلم‪ ،‬وأيميا حلف‬
‫كان فيي الجاهليية فل يزيده السيلم إل قوة"‪ .‬وبالجملة فتمسيكوا‬
‫في ذلك بنحو تمسكهم في وجوب الولء للحلفاء‪.‬‬
‫واختلفوا فيي جنايية مين ل عصيبة له ول موالي وهيم السيائبة إذا‬
‫جنوا خطأ هل يكون عليه عقل أم ل؟‪ ،‬وإن كان فعلى من يكون؟‬
‫فقال مين لم يجعيل لهيم موالي‪ :‬لييس على السيائبة عقيل‪ ،‬وكذلك‬
‫من لم يجعل العقل على الموالي‪ ،‬وهو داود وأصحابه‪ .‬وقال‪ :‬من‬
‫جعيييل ولءه لمييين أعتقيييه علييييه عقله‪ ،‬وقال‪ :‬مييين جعيييل ولءه‬
‫للمسيلمين عقله فيي بييت المال‪ ،‬ومين قال إن للسيائبة أن يوالي‬
‫مين شاء جعيل عقله لمين وله‪ ،‬وكيل هذه القاوييل قيد حكييت عين‬
‫السلف‪ .‬والديات تختلف بحسب اختلف المودى فيه‪ ،‬والمؤثر في‬
‫نقصيان الديية هيي النوثية والكفير والعبوديية‪ .‬أميا ديية المرأة فإنهيم‬
‫اتفقوا على أنهيا على النصيف مين ديية الرجيل فيي النفيس فقيط‪.‬‬
‫واختلفوا فيميا دون النفيس مين الشجاج والعضاء على ميا سييأتي‬
‫القول فييه فيي ديات الجروح والعضاء‪ .‬وأميا ديية أهيل الذمية إذا‬
‫قتلوا خطيأ‪ ،‬فإن للعلماء فيي ذلك ثلثية أقوال‪ :‬أحدهيا ديتهيم على‬
‫النصييف ميين دييية المسييلم ذكرانهييم على النصييف ميين ذكران‬
‫المسيلمين‪ ،‬ونسياؤهم على النصيف مين نسيائهم‪ ،‬وبيه قال مالك‬
‫وعمر بن عبيد العزيز‪ ،‬وعلى هذا تكون ديية جراحهم على النصيف‬
‫من دية المسلمين‪ .‬والقول الثاني أن ديتهم ثلث دية المسلم‪ ،‬وبه‬
‫قال الشافعييي‪ ،‬وهييو مروي عيين عميير بيين الخطاب وعثمان ابيين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عفان‪ ،‬وقال بييه جماعيية ميين التابعييين‪ .‬والقول الثالث‪ :‬أن ديتهييم‬
‫مثيل ديية المسيلمين‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية والثوري وجماعية‪ ،‬وهيو‬
‫مروي عيين ابين مسييعود‪ ،‬وقييد روي عيين عميير وعثمان‪ ،‬وقال بيه‬
‫جماعية مين التابعيين‪ .‬فعمدة الفرييق الول ميا روي عين عمرو بين‬
‫شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‬
‫"دية الكافر على النصف من دية المسلم" وعمدة الحنفية عموم‬
‫قوله تعالى {وإن كان مين قوم بينكيم وبينهيم ميثاق فديية مسيلمة‬
‫إلى أهله وتحريير رقبية مؤمنية} ‪.‬ومين السينة ميا رواه معمير عين‬
‫الزهري قال‪ :‬ديييية اليهودي والنصيييراني وكيييل ذميييي مثيييل ديييية‬
‫المسلم‪ .‬قال‪ :‬وكانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي حتى كان معاوية‪ ،‬فجعل في بيت‬
‫المال نصفها‪ ،‬وأعطى أهل المقتول نصفها‪ ،‬ثم قضى عمر بن عبد‬
‫العزيز بنصف الد ية ألغى الذي جعله معاو ية في بيت المال‪ ،‬قال‬
‫الزهري‪ :‬فلم يقض لي أن أذكر بذلك عمر بن عبد العزيز فأخبره‬
‫أن الدية كانت تامة لهل الذمة‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابييع‪- :)1 ...‬والصييل فييي هذا الباب قوله تعالى {وميين قتييل‬
‫مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة‪... ...‬‬
‫وأميا إذا قتيل العبيد خطيأ أو عمدا على مين ل يرى القصياص فييه‪،‬‬
‫فقال قوم‪ :‬علييه قيمتيه بالغية ميا بلغيت وإن زادت على ديية الحير‪،‬‬
‫وبييه قال مالك والشافعييي وأبييو يوسييف‪ ،‬وهييو قول سييعيد ابيين‬
‫المسيب وعمر بن عبد العزيز‪ .‬وقال أبو حنيفة ومحمد‪ :‬ل يتجاوز‬
‫بقيمية العبيد الديية؛ وقالت طائفية مين فقهاء الكوفية‪ :‬فييه الديية‪،‬‬
‫ولكين ل يبلغ بيه ديية الحير ينقيص منهيا شيئا‪ .‬وعمدة الحنفيية أن‬
‫الرق حال نقيص‪ ،‬فوجيب أن ل تزييد قيمتيه على ديية الحير‪ .‬وعمدة‬
‫من أوجب فيه الدية ولكن ناقصة عن دية الحر أنه مكلف ناقص‪،‬‬
‫فوجيب أن يكون الحكيم ناقصيا عين الحير لكين واحدا بالنوع أصيله‬
‫الحد في الزنى والقذف والخمر والطلق‪ ،‬ولو قيل فيه إنها تكون‬
‫على النصييف ميين دييية الحيير لكان قول له وجييه‪ :‬أعنييي فييي دييية‬
‫الخطييأ‪ ،‬لكيين لم يقييل بييه أحييد‪ .‬وعمدة مالك أنييه مال قييد أتلف‬
‫فوجب فيه القيمة‪ ،‬أصله سائر الموال‪ .‬واختلف في الواجب في‬
‫العبد على من يجب؟ فقال أبو حنيفة‪ :‬هو على عاقلة القاتل‪ ،‬وهو‬
‫الشهر عن الشافعي؛ وقال مالك‪ :‬هو على القاتل نفسه‪ .‬وعمدة‬
‫مالك تشيبيه العبيد بالعروض‪ .‬وعمدة الشافعيي قياسيه على الحير‪.‬‬
‫ومما يدخل في هذا الباب من أنواع الخطأ دية الجنين‪ ،‬وذلك لن‬
‫سقوط الجنين عن الضرب ليس هو عمدا محضا‪ ،‬وإنما هو عمد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في أمه خطأ فيه‪ .‬والنظر في هذا الباب هو أيضا في الواجب في‬
‫ضروب الجنية وفيي صيفة الجنيين الذي يجيب فييه الواجيب‪ ،‬وعلى‬
‫مين تجيب‪ ،‬ولمين يجيب‪ ،‬وفيي شروط الوجوب‪ .‬فأميا الجنية فإنهيم‬
‫اتفقوا على أن الواجيب فيي جنيين الحرة وجنيين المية مين سييدها‬
‫هو غرة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة‬
‫وغيره "أن امرأتييين ميين هذيييل رمييت إحداهمييا الخرى فطرحييت‬
‫جنينها" فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو‬
‫وليدة" واتفقوا على أن قيمة الغرة الواجبة في ذلك عند من رأى‬
‫أن الغرة فييي ذلك محدودة بالقيميية وهييو مذهييب الجمهور هييي‬
‫نصيف عشير ديية أميه؛ إل أن مين رأى أن الديية الكاملة على أهيل‬
‫الدراهم هي عشرة آلف درهم قال‪ :‬دية الجنين خمسمائة درهم؛‬
‫ومن رأى أنها اثنا عشر ألف درهم قال‪ :‬ستمائة درهم؛‬
‫والذييين لم يحدوا فييي ذلك حدا أو لم يحدوهييا ميين جهيية القيميية‬
‫وأجازوا إخراج قيمتهييا عنهييا قالوا‪ :‬الواجييب فييي ذلك قيميية الغرة‬
‫بالغية ميا بلغيت؛ وقال داود وأهيل الظاهير‪ :‬كيل ميا وقيع علييه اسيم‬
‫غرة أجزأ‪ ،‬ول يجزئ عنده القيمية فيي ذلك فيميا أحسيب‪ .‬واختلفوا‬
‫فيي الواجيب فيي جنيين المية وفيي جنيين الكتابيية؛ فذهيب مالك‬
‫والشافعيي إلى أن جنيين المية عشير قيمية أميه ذكرا كان أو أنثيى‬
‫يوم يجنييى عليييه؛ وفرق قوم بييين الذكيير والنثييى‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إن‬
‫كان أنثى فيه عشر قيمة أمه‪ ،‬وإن كان ذكرا فعشر قيمته لو كان‬
‫حيييا‪ ،‬وبييه قال أبييو حنيفيية‪ ،‬ول خلف عندهييم أن جنييين الميية إذا‬
‫سيقط حييا أن فييه قيمتيه؛ وقال أبيو يوسيف‪ :‬فيي جنيين المية إذا‬
‫سقط ميتا من ها ما نقص من قيمة أمه‪ .‬وأما جنين الذمية‪ ،‬فقال‬
‫مالك والشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬فييه عشير ديية أميه‪ ،‬لكين أبيو حنيفية‬
‫على أصله في أن دية الذمي دية المسلم‪ ،‬والشافعي على أصله‬
‫في أن دية الذمي ثلث دية المسلم‪ ،‬ومالك على أصله في أن دية‬
‫الذمي نصف دية المسلم‪ .‬وأما صفة الجنين الذي تجب فيه فإنهم‬
‫اتفقوا على أن مين شروطيه أن يخرج الجنيين ميتيا ول تموت أميه‬
‫من الضرب‪ .‬واختلفوا إذا ماتت أمه من الضرب ثم سقط الجنين‬
‫ميتييا‪ ،‬فقال مالك والشافعييي‪ :‬ل شيييء فيييه؛ وقال أشهييب‪ :‬فيييه‬
‫الغرة‪ ،‬وبييه قال الليييث وربيعيية والزهري‪ .‬واختلفوا ميين هذا الباب‬
‫فييي فروع‪ ،‬وهييي العلميية التييي تدل على سييقوطه حيييا أو ميتييا‪.‬‬
‫فذهيب مالك وأصيحابه إلى أن علمية الحياة السيتهلل بالصيياح أو‬
‫البكاء؛ وقال الشافعيي وأبيو حنيفية والثوري وأكثير الفقهاء‪ :‬كيل ميا‬
‫علمييت بييه الحياة فييي العادة ميين حركيية أو عطاس أو تنفييس‬
‫فأحكاميه أحكام الحيي‪ ،‬وهيو الظهير‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الخلقة التي توجب الغرة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬كل ما طرحته من مضغة‬


‫أو علقية مميا يعلم أنيه ولد ففييه الغرة‪ ،‬وقال الشافعيي‪ :‬ل شييء‬
‫فيه حتيى تسيتبين الخلقية‪ .‬والجود أن يعتيبر نفخ الروح فييه‪ ،‬أعنيي‬
‫أن يكون تجب فيه الغرة إذا علم أن الحياة قد كانت وجدت فيه‪.‬‬
‫وأما على من تجب؟ فإنهم اختلفوا في ذلك؛ فقالت طائفة منهم‬
‫مالك والحسين بين حيي والحسين البصيري‪ :‬هيي فيي مال الجانيي؛‬
‫وقال آخرون‪ :‬هيي على العاقلة‪ ،‬وممين قال بذلك الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفية والثوري وجماعية‪ .‬وعمدتهيم أنهيا جنايية خطيأ فوجبيت على‬
‫العاقلة‪ .‬وما روي أيضا عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله‬
‫عليييه وسييلم جعييل فييي الجنييين غرة على العاقلة الضارب وبدأ‬
‫بزوجهيا وولدهيا"‪ .‬وأميا مالك فشبههيا بديية العميد إذا كان الضرب‬
‫عمدا‪ .‬وأميا لمين تجيب؟ فقال مالك والشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬هيي‬
‫لورثية الجنيين‪ ،‬وحكمهيا حكيم الديية فيي أنهيا موروثية؛ وقال ربيعية‬
‫والليييث‪ :‬هييي للم خاصيية‪ ،‬وذلك أنهييم شبهوا جنينهييا بعضييو ميين‬
‫أعضائهيا‪ ،‬ومين الواجيب الذي اختلفوا فييه فيي الجنيين ميع وجوب‬
‫الغرة وجوب الكفارة‪ ،‬فذهييييب الشافعييييي إلى أن فيييييه الكفارة‬
‫واجبية؛ وذهيب أبيو حنيفية إلى أنيه لييس فييه كفارة واسيتحسنها‬
‫مالك ولم يوجبهيا‪ .‬فأميا الشافعيي فإنيه أوجبهيا لن الكفارة عنده‬
‫واجبية فيي العميد والخطيأ‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فإنيه غلب علييه حكيم‬
‫العميد‪ ،‬والكفارة ل تجيب عنده فيي العميد‪ .‬وأميا مالك فلميا كانيت‬
‫الكفارة ل تجييب عنده فييي العمييد وتجييب فييي الخطييأ‪ ،‬وكان هذا‬
‫مترددا عنده بين العمد والخطأ استحسن فيه الكفارة ولم يوجبها‪.‬‬
‫ومين أنواع الخطيأ المختلف فييه‪ ،‬اختلفهيم فيي تضميين الراكيب‬
‫والسيائق والقائد؛ فقال الجمهور‪ :‬هيم ضامنون لميا أصيابت الدابية‪،‬‬
‫واحتجوا في ذلك بقضاء عمر على الذي أجرى فرسه فوطئ آخر‬
‫بالعقل‪ .‬وقال أهل الظاهر‪ :‬ل ضمان على أحد في جرح العجماء‪،‬‬
‫واعتمدوا الثير الثابيت فييه عنيه صيلى الله علييه وسيلم مين حدييث‬
‫أبييي هريرة أنييه قال عليييه الصييلة والسييلم "جرح العجماء جبار‪،‬‬
‫والبئر جبار‪ ،‬والمعدن جبار‪ ،‬وفيي الركاز الخمس" فحمل الجمهور‬
‫الحدييث على أنيه لم يكين بالدابية راكيب ول سيائق ول قائد‪ ،‬لنهيم‬
‫رأوا أنه إذا أصابت الدابة أحدا وعليها راكب أو لها قائد أو سائق‪،‬‬
‫فإن الراكب لها أو السائق أو القائد هو المصيب ولكن خطأ‪.‬‬
‫واختلف الجمهور فيما أصابت الدابة برجلها‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل شيء‬
‫فيييه إن لم يفعييل صيياحب الدابيية بالدابيية شيئا يبعثهييا بييه على أن‬
‫ترمح برجلها؛ وقال الشافعي‪ :‬يضمن الراكب ما أصابت بيدها أو‬
‫برجلهيا‪ ،‬وبيه قال ابين شبرمية وابين أبيي ليلى‪ ،‬وسيويا بيين الضمان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫برجلها أو بغيير رجل ها‪ ،‬وبه قال أ بو حنيفية‪ ،‬إل أنيه اسيتثنى الرمحية‬
‫بالرجل أو بالذنب‪ ،‬وربما احتج من لم يضمن رجل الدابة بما روي‬
‫عنيه صيلى الله علييه وسيلم "الرجيل جبار" ولم يصيح هذا الحدييث‬
‫عنيد الشافعيي ورده‪ .‬وأقاوييل العلماء فيمين حفير بئرا فوقيع فييه‬
‫إنسان متقاربة؛ قال مالك‪ :‬إن حفر في موضع جرت العادة الحفر‬
‫فيي مثله لم يضمين وإن تعدى فيي الحفير ضمين؛ وقال اللييث‪ :‬إن‬
‫حفير فيي أرض يملكهيا لم يضمين وإن حفير فيميا ل يملك ضمين‪،‬‬
‫فمين ضمين عنده فهيو مين نوع الخطيأ‪ .‬وكذلك اختلفوا فيي الدابية‬
‫الموقوفية‪ ،‬فقال بعضهيم‪ :‬إن أوقفهيا بحييث يجيب له أن يوقفهيا لم‬
‫يضمن‪ ،‬وإن لم يفعل ضمن‪ ،‬وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫يضمن على كل حال‪ ،‬وليس يبرئه أن يربطها بموضع يجوز له أن‬
‫يربطهيا فييه‪ ،‬كميا ل ييبرئه ركوبهيا مين ضمان ميا أصيابته وإن كان‬
‫الركوب مباحييا‪ .‬واختلفوا فييي الفارسييين يصييطدمان فيموت كييل‬
‫واحد منهما؛ فقال مالك وأبو حنيفة وجماعة‪ :‬على كل واحد منهما‬
‫دية الخر وذلك على العاقلة؛ وقال الشافعي وعثمان البتي‪ :‬على‬
‫كيل واحيد منهميا نصيف ديية صياحبه‪ ،‬لن كيل واحيد منهميا مات مين‬
‫فعييل نفسييه وفعييل صيياحبه‪ .‬وأجمعوا على أن الطييبيب إذا أخطييأ‬
‫لزمتيه الديية‪ ،‬مثيل أن يقطيع الحشفية فيي الختان‪ ،‬وميا أشبيه ذلك‪،‬‬
‫لنيه فيي معنيى الجانيي خطيأ؛ وعين مالك روايية‪ :‬أنيه لييس علييه‬
‫شييء‪ ،‬وذلك عنده إذا كان مين أهيل الطيب‪ ،‬ول خلف أنيه إذا لم‬
‫يكين مين أهيل الطيب أنيه يضمين لنيه متعيد‪ ،‬وقيد ورد فيي ذلك ميع‬
‫الجماع حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم قال "مين تطبيب ولم يعلم منيه قبيل ذلك‬
‫الطب فهو ضامن" والدية فيما أخطأه الطبيب عند الجمهور على‬
‫العاقلة‪ ،‬ومن أهل العلم من جعله في مال الطبيب‪ ،‬ول خلف أنه‬
‫إذا لم يكن من أهل الطب أنها في ماله على ظاهر حديث عمرو‬
‫بن شعيب‪.‬‬
‫ول خلف بينهيم أن الكفارة التيي نيص الله عليهيا فيي قتيل الحير‬
‫خطيأ واجبية‪ .‬واختلفوا فيي قتيل العميد هيل فييه كفارة؟ وفيي قتيل‬
‫العبيد خطيأ‪ ،‬فأوجبهيا مالك فيي قتيل الحير فقيط فيي الخطيأ دون‬
‫العميد وأوجبهيا الشافعيي فيي العميد مين طرييق الولى والحرى؛‬
‫وعنيد مالك أن العميد فيي هذا حكميه حكيم الخطيأ‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫تغليييظ الدييية فييي الشهيير الحرام وفييي البلد الحرام؛ فقال مالك‬
‫وأبيو حنيفية وابين أبيي ليلى‪ :‬ل تغلظ الديية فيهميا؛ وقال الشافعيي‪:‬‬
‫تغلظ فيهما في النفس وفي الجراح‪ .‬وروي عن القاسم بن محمد‬
‫وابن شهاب وغيرهم أنه يزاد فيها مثل ثلثها‪ ،‬وروي ذلك عن عمر‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وكذلك عين الشافعيي مين قتيل ذا رحيم محرم‪ .‬وعمدة مالك وأبيي‬
‫حنيفية عموم الظاهير فيي توقييت الديات‪ ،‬فمين ادعيى فيي ذلك‬
‫تخصيييصا فعليييه الدليييل مييع أنهييم قييد أجمعوا على أنييه ل تغلظ‬
‫الكفارة فيمين قتيل فيهميا‪ .‬وعمدة الشافعيي أن ذلك مروي عين‬
‫عمير وعثمان وابين عباس‪ ،‬وإذا روي عين الصيحابة شييء مخالف‬
‫للقياس وجييب حمله على التوقيييف‪ ،‬ووجييه مخالفتييه للقياس أن‬
‫التغلييظ فيميا وقيع خطيأ بعييد عين أصيوال الشرع‪ ،‬وللفرييق الثانيي‬
‫أن يقول إنيه قيد ينقدح فيي ذلك قياس لميا ثبيت فيي الشرع مين‬
‫تعظيم الحرم واختصاصه بضمان الصيود فيه‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الديات فيما دون النفس‪.‬‬
‫@‪-‬والشياء التيي تجيب فيهيا الديية فيميا دون النفيس هيي شجاج‬
‫وأعضاء‪ ،‬فلنبدأ بالقول فييي الشجاج‪ ،‬والنظيير فييي هذا الباب فييي‬
‫محيل الوجوب وشرطيه وقدره الواجيب‪ ،‬وعلى مين تجيب؟ ومتيى‬
‫تجيب؟ ولمين تجيب؟ فأميا محيل الوجوب فهيي الشجاج أو قطيع‬
‫العضاء‪ ،‬والشجاج عشرة فيي اللغية والفقيه‪ :‬أولهيا الداميية وهيي‬
‫التي تدمي الجلد‪ ،‬ثم الخارصة وهي التي تشق الجلد‪ ،‬ثم الباضعة‬
‫وهي التي تبضع اللحم‪ :‬أي تشقه‪ ،‬ثم المتلحمة وهي التي أخذت‬
‫فيي اللحيم‪ ،‬ثيم السيمحاق وهيي التيي تبلغ السيمحاق وهيو الغشاء‬
‫الرقيق بين اللحم والعظم ويقال لها‪ :‬الملطاء بالمد والقصر‪ ،‬ثم‬
‫الموضحة وهي التي توضح العظم‪ :‬أي تكشفه‪ ،‬ثم الهاشمة وهي‬
‫التيي تهشيم العظيم‪ ،‬ثيم المنقلة وهيي التيي يطيير العظيم منهيا‪ ،‬ثيم‬
‫المأمومة وهي التي تصل أم الدماغ‪ ،‬ثم الجائفة وهي التي تصل‬
‫إلى الجوف‪ ،‬وأسيماء هذه الشجاج مختصية بميا وقيع بالوجيه منهيا‬
‫والرأس دون سييائر البدن‪ ،‬واسييم الجرح يختييص بمييا وقييع فييي‬
‫البدن‪ ،‬فهذه أسييماء هذه الشجاج‪ .‬فأمييا أحكامهييا أعنييي الواجييب‬
‫فيهيا‪ ،‬فاتفيق العلماء على أن العقيل واقيع فيي عميد الموضحية وميا‬
‫دون الموضحية خطيأ‪ .‬واتفقوا على أنيه لييس فيميا دون الموضحية‬
‫خطأ عقل‪ ،‬وإنما فيها حكومة‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬أجرة الطبيب‪ ،‬إل ما‬
‫روي عيين عميير وعثمان أنهمييا قضيييا فييي السييمحاق بنصييف دييية‬
‫الموضحية‪ ،‬وروي عين علي أنيه قضيى فيهيا بأربيع مين البيل‪ ،‬وروي‬
‫عن زيد بن ثابت أنه قال‪ :‬في الدامية بعير‪ ،‬وفي الباضعة بعيران‪،‬‬
‫وفيي المتلحمية ثل ثة أبعرة‪ ،‬وفيي السيمحاق أربعية‪ ،‬والجمهور من‬
‫فقهاء المصيييار على ميييا ذكرنيييا؛ وذلك أن الصيييل فيييي الجراح‬
‫الحكوميية إل مييا وقتييت فيييه السيينة حدا؛ ومالك يعتييبر فييي إلزام‬
‫الحكومة فيما دون الموضحة أن تبرأ على شين‪ ،‬والغير من فقهاء‬
‫المصار يلزم فيها الحكومة برئت على شين أو لم تبرأ فهذه هي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أحكام ميا دون الموضحية‪ .‬فأميا الموضحية فجمييع الفقهاء على أن‬
‫فيهيا إذا كانيت خطيأ خمسيا مين البيل‪ ،‬وثبيت ذلك عين رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم فيي كتابيه لعمرو بين حزم‪ ،‬ومين حدييث‬
‫عمرو بيين شعيييب عيين أبيييه عيين جده أن النييبي صييلى الله عليييه‬
‫وسييلم قال "فييي الموضحيية خمييس" يعنييي ميين البييل‪ .‬واختلف‬
‫العلماء في موضع الموضحة من الجسد بعد اتفاقهم على ما قلنا‪،‬‬
‫أعنيي على وجوب القصياص فيي العميد ووجوب الديية فيي الخطيأ‬
‫منهيا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل تكون الموضحية إل فيي جهية الرأس والجبهية‬
‫والخديين واللحيى العلى‪ ،‬ول تكون فيي اللحيى السيفل لنيه فيي‬
‫حكيم العنيق ول فيي النيف؛ وأميا الشافعيي وأبيو حنيفية فالموضحية‬
‫عندهما في جميع الوجه والرأس؛ والجمهور على أنها ل تكون في‬
‫الجسيد وقال اللييث وطائفية‪ :‬تكون فيي الجنيب؛ وقال الوزاعيي‪:‬‬
‫إذا كانيت فيي الجسيد كانيت مين دينهيا فيي الوجيه والرأس‪ .‬وروي‬
‫عين عمير أنيه قال‪ :‬فييي موضحية الجسيد نصيف عشير ديية ذلك‬
‫العضيو‪ .‬وغلظ بعيض العلماء فيي موضحية الوجيه تيبرأ على شيين‪،‬‬
‫فرأى فيهيا مثيل نصيف عقلهيا زائدا على عقلهيا‪ ،‬وروى ذلك مالك‬
‫عين سيليمان بين يسيار‪ ،‬واضطرب قول مالك فيي ذلك‪ ،‬فمرة قال‬
‫بقول سييليمان بيين يسييار‪ ،‬ومرة قال‪ :‬ل يزاد فيهييا على عقلهييا‬
‫شييء‪ ،‬وبيه قال الجمهور؛ وقيد قييل عين مالك إنيه قال‪ :‬إذا شانيت‬
‫الوجيه كان فيهيا حكومية مين غيير توقييف‪ ،‬ومعنيى الحكومية عنيد‬
‫مالك ميا نقيص مين قيمتيه أن لو كان عمدا‪ .‬وأميا الهاشمية ففيهيا‬
‫عنييد الجمهور عشيير الدييية‪ ،‬وروي ذلك عيين زيييد بيين ثابييت‪ ،‬ول‬
‫مخالف له من الصحابة ؛وقال بعض العلماء‪ :‬الهاشمة هي المنقلة‬
‫وشيذ‪ .‬وأميا المنقلة فل خلف أن فيهيا عشير الديية ونصيف العشير‬
‫إذا كانييت خطييأ‪ ،‬فأمييا إذا كانييت عمدا‪ ،‬فجمهور العلماء على أن‬
‫ليس فيها قود لمكان الخوف‪ .‬وحكي عن ابن الزبير أنه أقاد منها‬
‫ومن المأمومة‪ .‬وأ ما الهاشمة فيي العمد‪ .‬فروى ابن القاسم عن‬
‫مالك أنيه لييس فيهيا قود‪ .‬ومين أجاز القود مين المنقلة كان أحرى‬
‫أن يجييز ذلك مين الهاشمية‪ .‬وأميا المأمومية فل خلف أنيه ل يقاد‬
‫منها وأن فيها ثلث الدية إل ما حكي عن ابن الزبير‪ .‬وأما الجائفة‬
‫فاتفقوا على أنهييا مين جراح الجسييد ل مين جراح الرأس وأنهيا ل‬
‫يقاد منهيا وأن فيهيا ثلث الديية وأنهيا جائفية متيى وقعيت فيي الظهير‬
‫والبطيين‪ .‬واختلفوا إذا وقعييت فييي غييير ذلك ميين العضاء فنفذت‬
‫إلى تجويفيه‪ ،‬فحكيى مالك عين سيعيد بين المسييب أن فيي كيل‬
‫جراحة نافذة إلى تجويف عضو من العضاء ‪ -‬أي عضو كان ‪ -‬ثلث‬
‫دية ذلك العضو‪ .‬وحكى ابن شهاب أنه كان ل يرى ذلك وهو الذي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختاره مالك لن القياس عنده فيي هذا ل يسيوغ؛ وإنميا سينده فيي‬
‫ذلك الجتهاد ميين غييير توقيييف وأمييا سييعيد فإنييه قاس ذلك على‬
‫الجائفية على نحيو ميا روي عين عمير فيي موضحية الجسيد‪ .‬وأميا‬
‫الجراحات التيي تقيع فيي سيائر الجسيد فلييس فيي الخطيأ منهيا إل‬
‫الحكومة‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في ديات العضاء‪.‬‬
‫@‪-‬والصل فيما فيه من العضاء إذا قطع خطأ مال محدود‪ ،‬وهو‬
‫الذي يسييمى دييية‪ ،‬وكذلك ميين الجراحات والنفوس حديييث عمرو‬
‫بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لعمرو بن حزم في العقول "إن في النفس مائة من‬
‫البييل‪ ،‬وفييي النييف إذا اسييتوعب جدعييا مائة ميين البييل‪ ،‬وفييي‬
‫المأمومية ثلث الديية‪ ،‬وفيي الجائفية مثلهيا وفيي العيين خمسيون‪،‬‬
‫وفيي الييد خمسيون‪ ،‬وفيي الرجيل خمسيون‪ ،‬وفيي كيل أصيبع مميا‬
‫هناك عشير مين البيل‪ ،‬وفيي السين والموضحية خميس" وكيل هذا‬
‫مجمييع عليييه إل السيين والبهام‪ ،‬فإنهييم اختلفوا فيهييا على مييا‬
‫سينذكره‪ ،‬ومنهيا ميا اتفقوا علييه مميا لم يذكير ههنيا قياسيا على ميا‬
‫نذكييير فنقول‪ :‬إن العلماء أجمعوا على أن فيييي الشفتيييين الديييية‬
‫كاملة‪ ،‬والجمهور على أن فييي كييل واحدة منهمييا نصييف الدييية؛‬
‫وروي عيين قوم ميين التابعييين أن فييي السييفلى ثلثييي الدييية لنهييا‬
‫تحبييس الطعام والشراب‪ ،‬وبالجملة فإن حركتهييا والمنفعيية بهييا‬
‫أعظم من حركة الشفة العليا‪ ،‬وهو مذهب زيد بن ثابت‪ .‬وبالجملة‬
‫فجماعية العلماء وأئمية الفتوي متفقون على أن فيي كيل زوج مين‬
‫النسان الدية ما خل الحاجبين وثديي الرجل‪ .‬واختلفوا في الذنين‬
‫متييى تكون فيهمييا الدييية؟ فقال الشافعييي وأبييو حنيفيية والثوري‬
‫واللييييث‪ :‬إذا اصيييطلمتا كان فيهميييا الديييية‪ ،‬ولم يشترطوا إذهاب‬
‫السييمع‪ ،‬بييل جعلوا فييي ذهاب السييمع الدييية مفردة‪ .‬وأمييا مالك‬
‫فالمشهور عنده أنيييه ل تجيييب فيييي الذنيييين الديييية إل إذا ذهيييب‬
‫سيمعهما‪ ،‬فإن لم يذهيب ففييه حكومية‪ .‬وروي عين أبيي بكير أنيه‬
‫قضى في الذنين بخمس عشرة من البل وقال‪ :‬إنهما ل يضران‬
‫السمع ويسترهما الشعر أو العمامة‪ .‬وروي عن عمر وعلي وزيد‬
‫أنهم قضوا في الذن إذا اصطلمت نصف الدية‪ .‬وأما الجمهور من‬
‫العلماء فل خلف عندهيييم أن فيييي ذهاب السيييمع الديييية‪ .‬وأميييا‬
‫الحاجبان ففيهميا عنيد مالك والشافعيي حكومية؛ وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫فيهميا الديية‪ ،‬وكذلك فيي أشفار العيين؛ ولييس عنيد مالك فيي ذلك‬
‫إل حكومة‪ .‬وعمدة الحنفية ما روي عن ابن مسعود أنه قال‪ :‬في‬
‫كيل اثنيين مين النسيان الديية وتشبيههميا بميا أجمعوا علييه مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العضاء المثناة‪ .‬وعمدة مالك أنيييه ل مجال فييييه للقياس وإنميييا‬


‫طريقيه التوقييف‪ ،‬فميا لم يثبيت مين قبيل السيماع فييه ديية فالصيل‬
‫أن فيه حكومة‪ ،‬وأيضا فإن الحواجب ليست أعضاء لها منفعة ول‬
‫فعيل بيين‪ ،‬أعنيي ضرورييا فيي الخلقية‪ .‬وأميا الجفان فقييل فيي كيل‬
‫جفين منهيا ربيع الديية‪ ،‬وبيه قال الشافعيي والكوفيي‪ ،‬لنيه ل بقاء‬
‫للعيين دون الجفان‪ ،‬وفيي الجفنيين السيفلين عنيد غيرهميا الثلث‬
‫وفيي العلييين الثلثان‪ .‬وأجمعوا على أن مين أصييب مين أطرافيه‬
‫أكثير مين ديتيه أن له ذلك‪ ،‬مثيل أن تصياب عيناه وأنفيه فله ديتان‪.‬‬
‫وأميا النثيان فأجمعوا أيضيا على أن فيهميا الديية‪ ،‬وقال جميعهيم‪:‬‬
‫إن فيي كيل واحدة منهميا نصيف الديية‪ ،‬إل ميا روي عين سيعيد بين‬
‫المسييب أنيه قال‪ :‬فيي البيضية اليسيرى ثلثيا الديية لن الولد يكون‬
‫منها وفي اليمنى ثلث الدية‪،‬‬
‫فهذه مسييائل العضاء المزدوجيية‪ .‬وأمييا المفردة فإن جمهورهييم‬
‫على أن في اللسان خطأ الدية‪ ،‬وذلك مروي عن النبي صلى الله‬
‫علييه وسيلم‪ ،‬وذلك إذا قطيع كله أو قطيع منيه ميا يمنيع الكلم‪ ،‬فإن‬
‫لم يقطع منه ما منع الكلم ففيه حكو مة‪ .‬واختلفوا في القصاص‬
‫فيه عمدا؛ فمنهم من لم ير فيه قصاصا وأوجب الدية‪ ،‬وهم مالك‬
‫والشافعيي والكوفيي‪ ،‬لكين الشافعيي يرى الديية فيي مال الجانيي‪،‬‬
‫والكوفييي ومالك على العاقلة؛ وقال الليييث وغيره‪ :‬فييي اللسييان‬
‫عمدا القصيياص‪ .‬وأمييا النييف فأجمعوا على أنييه إذا أوعييب جدعييا‬
‫على أن فييه الديية على ميا فيي الحدييث وسيواء عنيد مالك ذهيب‬
‫الشيم أو لم يذهيب‪ ،‬وعنده أنه إذا ذهيب أحدهما ففيه الدية‪ ،‬وفيي‬
‫ذهاب أحدهمييا بعييد الخيير الدييية الكاملة‪ .‬وأجمعوا على أن فييي‬
‫الذكير الصيحيح الذي يكون بيه الوطيء الديية كاملة‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫ذكير العنيين والخصيي‪ ،‬كميا اختلفوا فيي لسيان الخرس وفيي الييد‬
‫الشلء؛ فمنهم من جعل فيها الدية؛ ومنهم من جعل فيها حكومة؛‬
‫ومنهم من قال‪ :‬في ذكر الخصي والعنين ثلث الدية؛ والذي عليه‬
‫الجمهور أن فيه حكومة‪ .‬وأقل ما تجب فيه الدية عند مالك قطع‬
‫الحشفية؛ ثيم فيي باقيي الذكير حكومية وأميا عيين العور فللعلماء‬
‫فيه قولن أحدهما أن فيه الدية كاملة‪ ،‬وإليه ذهب مالك وجماعة‬
‫من أهل المدينة‪ ،‬وبه قال الليث‪ ،‬وقضى به عمر بن عبد العزيز‬
‫وهيو قول ابين عمير؛ وقال الشافعيي وأبيو حنيفية والثوري‪ :‬فيهيا‬
‫نصيف الديية كميا فيي عيين الصيحيح وهيو مروي عين جماعية مين‬
‫التابعييين‪ .‬وعمدة الفريييق الول أن العييين الواحدة للعور بمنزلة‬
‫العينيين جميعيا لغيير العور‪ .‬وعمدة الفرييق الثانيي حدييث عمرو‬
‫ابين حزم‪ :‬أعنيي عموم قوله "وفيي العيين نصيف الديية‪ ،‬وقياسيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أيضيا على إجماعهيم أنيه لييس على مين قطيع ييد مين له ييد واحدة‬
‫إل نصييف الدييية‪ .‬فسييبب اختلفهييم فييي هذا معارضيية العموم‬
‫للقياس‪ ،‬ومعارضة القياس للقياس‬
‫ومن أحسن ما قيل فيمن ضرب عين رجل فأذهب بعض بصرها‬
‫ميا روي مين ذلك عين علي رضيي الله عنيه أنيه أمير بالذي أصييب‬
‫بصره بأن عصبت عينه الصحيحة‪ ،‬وأعطى رجل بيضة فانطلق بها‬
‫وهيو ينظير إليهيا حتيى لم يبصيرها‪ ،‬فخيط عنيد أول ذلك خطيا فيي‬
‫الرض ثم أمر بعينه المصابة فعصبت وفتحت الصحيحة‪ ،‬وأعطى‬
‫رجل البيضية بعينهيا فانطلق بهيا وهيو ينظير إليهيا حتيى خفييت عنيه‪،‬‬
‫فخيط أيضيا عنيد أول ميا خفييت عنيه فيي الرض خطيا‪ ،‬ثيم علم ميا‬
‫بييين الخطييين ميين المسييافة‪ ،‬وعلم مقدار ذلك ميين منتهييى رؤييية‬
‫العيين الصيحيحة‪ ،‬فأعطاه قدر ذلك مين الديية‪ .‬ويختيبر صيدقه فيي‬
‫مسيافة إدراك العيين العليلة والصيحيحة بأن يختيبر ذلك منيه مرارا‬
‫شتى في مواضع مختلفة‪ ،‬فإن خرجت مسافة تلك المواضع التي‬
‫ذكر واحدة علمنا أنه صادق‪.‬‬
‫واختلف العلماء في الجناية على العين القائمة الشكل التي ذهب‬
‫بصرها؛ فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة‪ :‬فيها حكومة؛ وقال زيد‬
‫بين ثابيت‪ :‬فيهيا عشير الديية مائة دينار؛ وحميل ذلك الشافعيي على‬
‫أنه كان ذلك من زيد تقويما ل تقويتا‪ .‬وروي عن عمر بن الخطاب‬
‫وعبيد الله بين عباس أنهميا قضييا فيي العيين القائمية الشكيل والييد‬
‫الشلء والسين السيوداء فيي كيل واحدة منهميا ثلث الديية‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬تتم ديية السين باسودادها ثم فيي قلع ها بعد اسودادها ديية‪.‬‬
‫واختلف العلماء فيييي العور يفقيييأ عيييين الصيييحيح عمدا؛ فقال‬
‫الجمهور‪ :‬فله القود‪ ،‬وإن عفيا فله الديية‪ ،‬وقال قوم‪ :‬كاملة؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬ن صفها‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وابين القاسيم‪ ،‬وبكل القوليين قال‬
‫مالك‪ ،‬وبالدييية كاملة قال المغيرة ميين أصييحابه وابيين دينار‪ .‬وقال‬
‫الكوفيون‪ :‬ليييييس للصييييحيح الذي فقئت عينييييه إل القود أو مييييا‬
‫اصيطلحوا علييه‪ .‬وعمدة مين رأى جمييع الديية علييه إذا عفيا عين‬
‫القود أنه يجب عليه دية ما ترك له وهي العين العوراء‪ ،‬وهي دية‬
‫كاملة عنيد كثيير مين أهيل العلم‪ .‬ومذهيب عمير وعثمان وابين عمير‬
‫أن عين العور إذا فقئت وجب فيها ألف دينار‪ ،‬لنها في حقه في‬
‫معنى العينين كليتهما إل العين الواحدة‪ ،‬فإذا تركها له وجبت عليه‬
‫ديتهييا‪ .‬وعمدة أولئك البقاء على الصييل؛ أعنييي أن فييي العييين‬
‫الواحدة نصيف الديية‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية أن العميد لييس فييه ديية‬
‫محدودة‪ ،‬وهذه المسألة قد ذكرت في باب القود في الجراح‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال جمهور العلماء وأئمية الفتوى‪ :‬مالك وأبيو حنيفية والشافعيي‬


‫والثوري وغيرهيم‪ :‬إن فيي كيل أصيبع عشرا مين البيل وإن الصيابع‬
‫في ذلك سواء وإن في كل أنملة ثلث العشر إل ماله من الصابع‬
‫أنملتان كالبهام؛ ففي أنملته خمس من البل‪ ،‬وعمدتهم في ذلك‬
‫ميا جاء فيي حدييث عمرو بين حزم أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم‪" :‬قال وفيي كيل أصيبع مميا هنالك عشير مين البيل" وخرج‬
‫عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده "أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم قضى في الصابع بعشر العشر" وهو قول علي وابن‬
‫مسعود وابن عباس وهي عندهم على أهل الورق بحسب ما يرى‬
‫واحد واحد منهم في الدية من الورق‪ ،‬فهي عند من يرى أنها اثنا‬
‫عشر ألف درهم عشرها‪ ،‬وعند من يرى أنها عشرة آلف عشرها‪.‬‬
‫وروي عين السيلف المتقدم اختلف فيي عقيل الصيابع‪ ،‬فروي عين‬
‫عمير بين الخطاب أنيه قضيى فيي البهام والتيي تليهيا بعقيل نصيف‬
‫الدية‪ ،‬وفي الوسطى بعشر فرائض‪ ،‬وفي التي تليها بتسع‪ ،‬وفي‬
‫الخنصر بست‪ .‬وروي عن مجاهد أنه قال في البهام خمسة عشر‬
‫من البل‪ ،‬وفي التي تليها عشر‪ ،‬وفي الوسطى عشر‪ ،‬وفي التي‬
‫تليهيا ثمان‪ ،‬وفيي الخنصير سيبع وأميا الترقوة والضلع‪ ،‬ففيهميا عنيد‬
‫جمهور فقهاء المصييار حكوميية‪ ،‬وروي عيين بعييض السييلف فيهييا‬
‫توقيت‪ .‬وروي عن مالك أن عمر بن الخطاب قضى في الضرس‬
‫بجميل‪ ،‬والضلع بجميل‪ ،‬وفيي الترقوة بجميل‪ .‬وقال سيعيد بين جيبير‬
‫فيييييي الترقوة بعيران‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أربعييييية أبعرة‪ .‬وعمدة فقهاء‬
‫المصيار أن ميا لم يثبيت فييه عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم‬
‫توقيت فليس فيه إل حكومة‪ .‬وجمهور فقهاء المصار على أن في‬
‫كيل سين مين أسينان الفيم خمسيا مين البيل‪ ،‬وبيه قال ابين عباس‪.‬‬
‫وروى مالك عن عمر أنه قضى في الضرس بجمل وذلك فيما لم‬
‫يكن منها في مقدم الفم‪ .‬وأما التي في مقدم الفم فل خلف أن‬
‫فيهيا خمسيا مين البيل‪ .‬وقال سيعيد بين المسييب‪ :‬فيي الضراس‬
‫بعيران‪ .‬وروي عيين عبييد الملك بيين مروان أن مروان بيين الحكييم‬
‫اعترض فييي ذلك على ابيين عباس فقال‪ :‬أتجعييل مقدم السيينان‬
‫مثييل الضراس؟ فقال ابيين عباس‪ :‬لو لم يعتييبر ذلك إل بالصييابع‬
‫عقلها سواء‪،‬‬
‫وعمدة الجمهور فيي مثيل ذلك ميا ثبيت عين النيبي علييه الصيلة‬
‫والسيلم أنيه قال "فيي السين خميس" وذلك مين حدييث عمرو بين‬
‫شعييب عين أبييه عين جده‪ ،‬واسيم السين ينطلق على التيي فيي‬
‫مقدم الفيم ومؤخره‪ ،‬وتشبيههيا أيضيا بالصيابع التيي اسيتوت ديتهيا‬
‫وإن اختلفيت منافعهيا‪ .‬وعمدة مين خالف بينهميا أن الشرع يوجيد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فييه تفاضيل الديات لتفاضيل العضاء ميع أنيه يشبيه أن يكون مين‬
‫صار إلى ذلك من الصدر الول إنما صار إليه عن توقيف‪ ،‬وجميع‬
‫هذه العضاء التيي تثبيت الديية فيهيا خطيأ فيهيا القود فيي قطيع ميا‬
‫قطع وقلع ما قلع‪.‬‬
‫واختلفوا في كسر ما كسر منها مثل الساق والذراع هل فيه قود‬
‫أم ل؟ فذهب مالك وأصحابه إلى أن القود في كسر جميع العظام‬
‫إل الفخيذ والصيلب‪ ،‬وقال الشافعيي واللييث‪ :‬ل قصياص فيي عظيم‬
‫من العظام يكسر‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة إل أنه استثنى السن‪ .‬وروي‬
‫عن ابن عباس أنه ل قصاص في عظم‪ ،‬وكذلك عن عمر‪ .‬قال أبو‬
‫عمير بين عبيد البر‪ :‬ثبيت أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم أقاد فيي‬
‫السن المكسورة من حديث أنس قال‪ :‬وقد روي من حديث آخر‬
‫أن النيبي علييه الصيلة والسيلم لم يقدر مين العظيم المقطوع فيي‬
‫غيير المفصيل إل أ نه لييس بالقوي‪ .‬وروي عن مالك أن أ با بكر بن‬
‫محميد بين عمرو بين حزم أقاد مين كسير الفخيذ‪ .‬واتفقوا على أن‬
‫دييية المرأة نصييف دييية الرجييل فييي النفييس‪ .‬واختلفوا فييي ديات‬
‫الشجاج وأعضائهييا؛ فقال جمهور فقهاء المدينيية‪ :‬تسيياوي المرأة‬
‫الرجيل فيي عقلهيا مين الشجاج والعضاء إلى أن تبلغ ثلث الديية‪،‬‬
‫فإذا بلغيت ثلث الديية عادت ديتهيا إلى النصيف مين ديية الرجيل‪،‬‬
‫أعنيي ديية أعضائهيا مين أعضائه‪ ،‬مثال ذلك أن فيي كيل أصيبع مين‬
‫أصيابعها عشرا مين البيل‪ ،‬وفيي اثنيين منهيا عشرون‪ ،‬وفيي ثلثية‬
‫ثلثون‪ ،‬وفيي أربعية عشرون‪ ،‬وبيه قال مالك وأصيحابه واللييث بين‬
‫سيعد‪ ،‬ورواه مالك عين سيعيد بين المسييب وعين عروة بين الزبيير‪،‬‬
‫وهييو قول زيييد بيين ثابييت ومذهييب عميير بيين عبييد العزيييز؛ وقالت‬
‫طائفيية‪ :‬بييل دييية جراحيية المرأة مثييل دييية جراحيية الرجييل إلى‬
‫الموضحة‪ ،‬ثم تكون ديتها على النصف من دية الرجل وهو الشهر‬
‫مين قولي ابين مسيعود‪ ،‬وهيو مروي عين عثمان‪ ،‬وبيه قال شرييح‬
‫وجماعية؛ وقال قوم‪ :‬بيل ديية المرأة فيي جراحهيا وأطرافهيا على‬
‫النصييف ميين دييية الرجييل فييي قليييل ذلك وكثيره‪ ،‬وهييو قول علي‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬وروي ذلك عن ابن مسعود‪ ،‬إل أن الشهر عنه ما‬
‫ذكرناه أول‪ ،‬وبهذا القول قال أبيييو حنيفييية والشافعيييي والثوري‪.‬‬
‫وعمدة قائل هذا القول أن الصييل هييو أن دييية المرأة نصييف دييية‬
‫الرجيل فواجيب التمسيك بهذا الصيل حتيى يأتيي دلييل مين السيماع‬
‫الثابييييت‪ ،‬إذ القياس فييييي الديات ل يجوز وبخاصيييية لكون القول‬
‫بالفرق بييين القليييل والكثييير مخالفييا للقياس ولذلك قال ربيعيية‬
‫لسعيد ما يأتي ذكره عنه‪ ،‬ول اعتماد للطائفة الولى إل مراسيل‪،‬‬
‫وميا روي عين سيعيد بين المسييب حيين سيأله ربيعية بين أبيي عبيد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الرحمن كم في أربع من أصابعها؟ قال عشرون‪ ،‬قلت حين عظم‬


‫جرحهيا واشتدت بليتهيا نقيص عقلهيا‪ ،‬قال‪ :‬أعراقيي أنيت؟ قلت بيل‬
‫عالم متثبت أو جاهل متعلم‪ ،‬قال‪ :‬هي السنة‪.‬‬
‫وروي أيضا عن النبي عليه الصلة والسلم من مرسل عمرو ابن‬
‫شعيييب عيين أبيييه وعكرميية‪ .‬وقييد رأى قوم أن قول الصييحابي إذا‬
‫خالف القياس وجب العمل به‪ ،‬لنه يعلم أنه لم يترك القول به إل‬
‫عين توقييف‪ ،‬لكن فيي هذا ضعف إذ كان يمكين أن يترك القول بيه‬
‫إميا لنيه ل يرى القياس‪ ،‬وإميا لنيه عارضيه فيي ذلك قياس ثان أو‬
‫قلد فيي ذلك غيره‪ .‬فهذه حال ديات جراح الحرار والجنايات على‬
‫أعضائهيا الذكور منهيا والناث‪ .‬وأميا جراح العبييد وقطيع أعضائهيم‪،‬‬
‫فإن العلماء اختلفوا فيهييا على قولييين‪ :‬فمنهييم ميين رأى أن فييي‬
‫جراحهم وقطع أعضائهم ما نقص من ثمن العبد؛ ومنهم من رأى‬
‫أن الواجب في ذلك من قيمته قدر ما في ذلك الجراح من ديته‪،‬‬
‫فيكون فيي موضحته نصف عشر قيمته‪ ،‬وفيي عينه نصف قيمته‪،‬‬
‫وبه قال أبو حنيفة والشافعي‪ ،‬وهو قول عمر وعلي؛ وقال مالك‪:‬‬
‫يعتييبر فييي ذلك كله مييا نقييص ميين ثمنييه إل موضحتييه ومنقلتييه‬
‫ومأمومته‪ ،‬ففيها من ثمنه قدر ما فيها في الحر من ديته‪ .‬وعمدة‬
‫الفريييق الول تشييبيهه بالعروض‪ .‬وعمدة الفريييق الثانييي تشييبيهه‬
‫بالحر إذ هو مسلم ومكلف ول خلف بينهم أن دية الخطأ من هذه‬
‫إذا جاوزت الثلث على العاقلة‪ .‬واختلف فيميييييييا دون ذلك‪ ،‬فقال‬
‫مالك وفقهاء المدينيية السييبعة وجماعيية‪ :‬إن العاقلة ل تحمييل مين‬
‫ذلك إل الثلث فميا زاد؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬تحميل مين ذلك العشير‬
‫فما فوقه من الدية الكاملة؛ وقال الثوري وابن شبرمة‪ :‬الموضحة‬
‫فما زاد على العاقلة وقال الشافعي وعثمان البتي‪ :‬تحمل العاقلة‬
‫القليل والكثير من دية الخطأ‪ .‬وعمدة الشافعي هي أن الصل هو‬
‫أن العاقلة هي التي تحمل دية الخطأ فمن خصص من ذلك شيئا‬
‫فعليييه الدليييل‪ ،‬ول عمدة للفريييق المتقدم إل أن ذلك معمول بييه‬
‫ومشهور‪ ،‬وهنا انقضى هذا الكتاب والحمد لله حق حمده‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القسامة‪.‬‬
‫@‪-‬اختلف العلماء فيي القسيامة فيي أربعية مواضيع تجري مجرى‬
‫الصييول لفروع هذا الباب‪ :‬المسييألة الولى‪ :‬هييل يجييب الحكييم‬
‫بالقسيامة أم ل؟‪ .‬الثانيية؛ إذا قلنيا بوجوبهيا هيل يجيب بهيا الدم أو‬
‫الفديية أو دفيع مجرد الدعوى‪ .‬المسيألة الثالثية‪ :‬هيل يبدأ باليمان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيها المدعون أو المدعى عليهم‪ ،‬وكم عدد الحالفين من الولياء؟‬


‫المسألة الرابعة‪ :‬فيما يعد لوثا يجب به أن يبدأ المدعون باليمان‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) أميا وجوب الحكيم بهيا على الجملة فقال بيه‬
‫جمهور فقهاء المصيييار‪ :‬مالك والشافعيييي وأبيييو حنيفييية وأحميييد‬
‫وسيفيان وداود وأصيحابهم وغيير ذلك مين فقهاء المصيار؛ وقالت‬
‫طائفية مين العلماء سيالم بين عبيد الله وأبيو قلبية وعمير بين عبيد‬
‫العزيز وابن علية‪ :‬ل يجوز الحكم بها‪ .‬عمدة الجمهور ما ثبت عنه‬
‫علييه الصيلة والسيلم مين حدييث حويصية ومحيصية وهيو حدييث‬
‫متفق على صحته من أهل الحديث‪ ،‬إل أنهم مختلفون في ألفاظه‬
‫على ما سيأتي بعد‪ .‬وعمدة الفريق النافيي لوجوب الحكم ب ها أن‬
‫القسيامة مخالفية لصيول الشرع المجميع على صيحتها‪ :‬فمنهيا أن‬
‫الصل في الشرع أن ل يحلف أحد إل على ما علم قطعا أو شاهد‬
‫حسييا‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فكيييف يقسييم أولياء الدم وهيييم لم‬
‫يشاهدوا القتل بل قد يكونون في بلد والقتل في بلد آخر‪ ،‬ولذلك‬
‫روى البخاري عين أبيي قلبية أن عمير بين عبيد العزييز أبرز سيريره‬
‫يومييا للناس ثييم أذن لهييم فدخلوا عليييه فقال‪ :‬مييا تقولون فييي‬
‫القسيامة؟ فأضيب القوم وقالوا‪ :‬نقول أن القسيامة القود بهيا حيق‬
‫قيد أقاد بهيا الخلفاء‪ ،‬وقال ميا تقول ييا أبيا قلبية ونصيبني للناس‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يييا أمييير المؤمنييين عندك أشراف العرب ورؤسيياء الجناد‪،‬‬
‫أرأيت لو أن خمسين رجل شهدوا على رجل أنه زنى بدمشق ولم‬
‫يروه أكنييت ترجمييه؟ قال‪ :‬ل قلت‪ :‬أفرأيييت لو أن خمسييين رجل‬
‫شهدوا عندك على رجيييل أنيييه سيييرق بحميييص ولم يروه أكنيييت‬
‫تقطعه؟ قال‪ :‬ل‪ .‬وفي بعض الروايات‪ :‬قلت‪ :‬فما بالهم إذا شهدوا‬
‫أنه قتله بأرض كذا وهم عندك أقدت بشهادتهم؟ قال‪ :‬فكتب عمر‬
‫بيين عبييد العزيييز فييي القسييامة‪ :‬إنهييم إن أقاموا شاهدي عدل أن‬
‫فلنييا قتله فأقده‪ ،‬ول يقتييل بشهادة الخمسييين الذييين أقسييموا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ومنها أن من الصول أن اليمان ليس لها تأثير في إشاطة‬
‫الدماء‪ .‬ومنهيا أن مين الصيول "أن البينية على مين ادعيى واليميين‬
‫على مين أنكير" ومين حجتهيم أنهيم لم يروا فيي تلك الحادييث أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم حكيم بالقسيامة وإنميا كانيت‬
‫حكمييا جاهليييا فتلطييف لهييم رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫ليريهيم كييف ل يلزم الحكيم بهيا على أصيول السيلم‪ ،‬ولذلك قال‬
‫لهييم‪ :‬أتحلفون خمسييين يمينييا‪ :‬أعنييي لولة الدم وهييم النصييار؟‬
‫قالوا‪ :‬كيييف نحلف ولم نشاهييد؟ قال‪ :‬فيحلف لكييم اليهود‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫كيييف نقبييل أيمان قوم كفار؟ قالوا‪ :‬فلو كانييت السيينة أن يحلفوا‬
‫وإن لم يشهدوا لقال لهيم رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم هيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫السينة‪ .‬قال‪ :‬وإذا كانيت هذه الثار غيير نيص فيي القضاء بالقسيامة‬
‫والتأوييل يتطرق إليهيا فصيرفها بالتأوييل إلى الصيول أولى‪ .‬وأميا‬
‫القائلون بهيا وبخاصية مالك فرأى أن سينة القسيامة سينة منفردة‬
‫بنفسيها مخصيصة للصيول كسيائر السينن المخصيصة‪ ،‬وزعيم أن‬
‫العلة فيي ذلك حوطية الدماء‪ ،‬وذلك أن القتيل لميا كان يكثير وكان‬
‫يقيل قيام الشهادة علييه لكون القاتيل إنميا يتحرى بالقتيل مواضيع‬
‫الخلوات جعلت هذه السينة حفظيا للدماء‪ ،‬لكين هذه العلة تدخيل‬
‫عليييه فييي قطاع الطريييق والسييراق‪ ،‬ذلك أن السييارق تعسيير‬
‫الشهادة عليييه‪ ،‬وكذلك قاطييع الطريييق‪ ،‬فلهذا أجاز مالك شهادة‬
‫المسييلوبين على السييالبين مييع مخالفيية ذلك للصييول‪ ،‬وذلك أن‬
‫المسلوبين مدعون على سلبهم والله أعلم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية) اختلف العلماء القائلون بالقسامة فيما يجب‬
‫بهيا‪ ،‬فقال مالك وأحميد يسيتحق بهيا الدم فيي العميد والديية فيي‬
‫الخطأ؛ وقال الشافعي والثوري وجماعة‪ :‬تستحق بها الدية فقط؛‬
‫وقال بعيض الكوفييين‪ :‬ل يسيتحق بهيا إل دفيع الدعوى على الصيل‬
‫فيي أن اليميين إنميا تجيب على المدعيى علييه؛ وقال بعضهيم‪ :‬بيل‬
‫يحلف المدعى عليه ويغرم الدية‪ ،‬فعلى هذا إنما يستحق منها دفع‬
‫القود فقط‪ ،‬فيكون فيها يستحق المقسمون أربعة أقوال‪ .‬فعمدة‬
‫مالك ومن قال بقوله ما رواه من حديث ابن أبي ليلى عن سهل‬
‫بين أبيي حثمية وفييه فقال لهيم رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫"تحلفون وتسييتحقون دم صيياحبكم" وكذلك مييا رواه ميين مرسييل‬
‫بشيير بين بشار وفييه‪ :‬فقال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫"أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم"‪ .‬وأما‬
‫عمدة مين أوجيب بهيا الديية فقيط‪ ،‬فهيو أن اليمان يوجيد لهيا تأثيير‬
‫فيي اسيتحقاق الموال أعنيي فيي الشرع مثيل ميا ثبيت مين الحكيم‬
‫فييي الموال باليمييين والشاهييد‪ ،‬ومثييل مييا يجييب المال بنكول‬
‫المدعى عليه أو بالنكول وقلبها على المدعي عند من يقول بقلب‬
‫اليميين ميع النكول ميع أن حدييث مالك عين ابين أبيي ليلى ضعييف‬
‫لنيه رجيل مجهول لم يروا عنيه غيير مالك‪ .‬وقييل فييه أيضيا أنيه لم‬
‫يسمع من سهل‪ .‬وحديث بشير ابن بشار قد اختلف في إسناده‪،‬‬
‫فأرسييله مالك وأسيينده غيره‪ .‬قال القاضييي‪ :‬يشبييه أن تكون هذه‬
‫العلة هييي السييبب فييي أن لم يخرج البخاري هذيييين الحديثييين‪،‬‬
‫واعتضيد عندهيم القياس فيي ذلك بميا روي عين عمير رضيي الله‬
‫عنه أنه قال‪ :‬ل قود بالقسامة‪ ،‬ولكن يستحق بها الدية‪ .‬وأما الذين‬
‫قالوا إنما يستحق بها دفع الدعوى ف قط‪ ،‬فعمدتهم أن الصل هو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن اليمان على المدعيى علييه‪ ،‬والحادييث التيي نذكرهيا فيميا بعيد‬
‫إن شاء الله‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) واختلف القائلون بالقسييامة‪ ،‬أعنييي الذييين‬
‫قالوا إنهيا يسيتوجب بهيا مال أو دم فيمين يبدأ باليمان الخمسيين‬
‫على مييا ورد فييي الثار؛ فقال الشافعييي وأحمييد وداود بيين علي‬
‫وغيرهيم‪ :‬يبدأ المدعون؛ وقال فقهاء الكوفية والبصيرة وكثيير مين‬
‫أهييل المدينيية‪ :‬بييل يبدأ المدعييى عليهييم باليمان وعمدة ميين بدأ‬
‫بالمدعين حديث مالك عن ابن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة‬
‫ومرسيله عين بشيير بين يسيار‪ .‬وعمدة مين رأى التبدئة بالمدعيى‬
‫عليهم ما خرجه البخاري عن سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن‬
‫يسيار أن رجل مين النصيار يقال له سيهل بين حثمية وفييه "فقال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬تأتون بالبينية على مين قتله"‬
‫قالوا‪ :‬مييا لنييا بينيية‪ ،‬قال‪ :‬فيحلفون لكييم‪ ،‬قالوا‪ :‬مييا نرضييى بأيمان‬
‫يهود‪ ،‬وكره رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم أن يبطييل دمييه‪،‬‬
‫فواداه بمائة بعيير مين إبيل الصيدقة" قال القاضيي‪ :‬وهذا نيص فيي‬
‫أنه ل يستوجب باليمان الخمسين إل دفع الدعوى فقط‪ .‬واحتجوا‬
‫أيضا بما خرجه أبو داود أيضا عن أبي سلمة بن أبي عبد الرحمن‬
‫وسيليمان بين يسيار عين رجال مين كيبراء النصيار "أن رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ليهود وبدأ بهم‪ :‬أيحلف منكم خمسون‬
‫رجل خمسيين يمينيا؟ فأبوا‪ ،‬فقال للنصيار‪ :‬احلفوا‪ ،‬فقالوا‪ :‬أنحلف‬
‫على الغييب ييا رسيول الله؟ فجعلهيا رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم ديية على يهود" لنيه وجيد بيين أظهرهيم‪ ،‬وبهذا تمسيك مين‬
‫جعل اليمين في حق المدعى عليه وألزمهم الغرم مع ذلك‪ ،‬وهو‬
‫حديييث صييحيح السييناد‪ ،‬لنييه رواه الثقات عيين الزهري عيين أبييي‬
‫سييلمة‪ ،‬وروى الكوفيون ذلك عيين عميير‪ ،‬أعنييي أنييه قضييى على‬
‫المدعيى عليهيم باليميين والديية‪ .‬وخرج مثله أيضيا مين تبدئة اليهود‬
‫باليمان عين رافيع بين خدييج‪ ،‬واحتيج هؤلء القوم على مالك بميا‬
‫روي عين ابين شهاب الزهري عين سيليمان بين يسيار وعراك بين‬
‫مالك أن عمير بين الخطاب قال للجهنيي الذي ادعيى دم ولييه على‬
‫رجل من بني سعد وكان أجرى فرسه فوطئ على أصبع الجهني‬
‫فترى فيهييا فمات‪ ،‬فقال عميير للذي ادعييى عليهييم‪ :‬أتحلفون بالله‬
‫خمسييين يمينييا مييا مات منهييا؟ فأبوا أن يحلفوا وتحرجوا‪ ،‬فقال‬
‫للمدعيييين‪ :‬احلفوا‪ ،‬فأبوا فقضيييى عليهيييم بشطييير الديييية‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وأحاديثنيا هذه أولى مين التيي روي فيهيا تبدئة المدعيين باليمان‪،‬‬
‫لن الصل شاهد لحاديثنا من أن اليمين على المدعى عليه‪ .‬قال‬
‫أبو عمر‪ :‬والحاديث المتعارضة في ذلك مشهورة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) وهيي موجيب القسيامة عنيد القائليين بهيا‪،‬‬


‫أجمع جمهور العلماء القائلون بها أنها ل تجب إل بشبهة‪ .‬واختلفوا‬
‫في الشبهة ما هي؟ فقال الشافعي‪ :‬إذا كانت الشبهة في معنى‬
‫الشبهيية التييي قضييى بهييا رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫بالقسيامة وهيو أن يوجيد قتييل فيي محلة قوم ل يخالطهيم غيرهيم‪،‬‬
‫وبييين أولئك القوم‪ ،‬وبيين قوم المقتول عداوة كمييا كانيت العداوة‬
‫بيين النصيار واليهود‪ ،‬وكانيت خييبر دار اليهود مختصية بهيم‪ ،‬ووجيد‬
‫فيها القتيل من النصار‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك لو وجد في ناحية قتيل وإلى‬
‫جانبيه رجيل مختضيب بالدم‪ ،‬وكذلك لو دخيل على نفير فيي بييت‬
‫فوجييد بينهييم قتيل ومييا أشبييه هذه الشبييه ممييا يغلب على ظيين‬
‫الحكام أن المدعي محق لقيام تلك الشبهة؛ وقال مالك بنحو من‬
‫هذا‪ ،‬أعني إن القسامة ل تجب إل بلوث والشاهد الواحد عنده إذا‬
‫كان عدل لوث باتفاق عنيييد أصيييحابه‪ ،‬واختلفوا إذا لم يكييين عدل‪.‬‬
‫وكذلك وافيق الشافعيي فيي قرينية الحال المخيلة مثيل أن يوجيد‬
‫قتيييل متشحطييا بدمييه وبقربييه إنسييان بيده حديدة مدماة‪ ،‬إل أن‬
‫مالكييا يرى أن وجود القتيييل فييي المحلة ليييس لوثييا‪ ،‬وإن كانييت‬
‫هنالك عداوة بين القوم الذين منهم القتيل وبين أهل المحلة‪ ،‬وإذا‬
‫كان ذلك كذلك لم يبيق ههنيا شييء يجيب أن يكون أصيل لشتراط‬
‫اللوث فييي وجوبهييا‪ ،‬ولذلك لم يقييل بهييا قوم؛ وقال أبييو حنيفيية‬
‫وصياحباه‪ :‬إذا وجيد قتييل فيي محلة قوم وبيه أثير وجبيت القسيامة‬
‫على أهيل المحلة؛ ومين أهيل العلم مين أوجيب القسيامة بنفيس‬
‫وجود القتييييل فيييي المحلة دون سيييائر الشرائط التيييي اشترط‬
‫الشافعي‪ ،‬ودون وجود الثر بالقتيل الذي اشترطه أبو حنيفة‪ ،‬وهو‬
‫مروي عين عمير وعلي وابين مسيعود‪ ،‬وقال بيه الزهري وجماعية‬
‫من التابعين وهو مذهب ابن حزم قال‪ :‬القسامة تجب متى وجد‬
‫قتييل ل يعرف مين قتله أينميا وجيد‪ ،‬فادعيى ولة الدم على رجيل‬
‫وحلف منهييم خمسييون رجل خمسييين يمينييا‪ ،‬فإن هييم حلفوا على‬
‫العميد فالقود وإن حلفوا على الخطيأ فالديية‪ ،‬ولييس يحلف عنده‬
‫أقييل ميين خمسييين رجل‪ ،‬وعنييد مالك رجلن فصيياعدا ميين أولئك‪.‬‬
‫وقال داود‪ :‬ل أقضي بالقسامة إل في مثل السبب الذي قضى به‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ .‬وانفرد مالك واللييث مين بيين‬
‫فقهاء المصيييار القائليييين بالقسيييامة‪ ،‬فجعل قول المقتول فلن‬
‫قتلنيي لوثيا يوجيب القسيامة‪ ،‬وكيل قال بميا غلب على ظنيه أنيه‬
‫شبهييية يوجيييب القسيييامة ولمكان الشبهييية رأى تبدئة المدعيييين‬
‫باليمان مين رأى ذلك منهيم‪ ،‬فإن الشبيه عنيد مالك تنقيل اليميين‬
‫ميين المدعييى عليييه إلى المدعييي‪ ،‬إذ سييبب تعليييق الشرع عنده‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اليمين بالمدعى عليه‪ ،‬إنما هو لقوة شبهته فيما ينفيه عن نفسه‪،‬‬


‫وكأنيه شبيه ذلك اليميين ميع الشاهيد فيي الموال‪ .‬وأميا القول بأن‬
‫نفس الدعوى شبهة فضعيف ومفارق للصول والنص لقوله عليه‬
‫الصلة والسلم "لو يعطى الناس بدعاويهم لدعى قوم دماء قوم‬
‫وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه" وهو حديث ثابت من‬
‫حدييث ابين عباس‪ ،‬وخرجيه مسيلم فيي صيحيحه‪ ،‬وميا احتجيت بيه‬
‫المالكييية ميين قصيية بقرة بنييي إسييرائيل فضعيييف‪ ،‬لن التصييديق‬
‫هنالك أسيييند إلى الفعيييل الخارق للعادة‪ .‬واختلف الذيييين أوجبوا‬
‫القود بالقسامة هل يقتل بها أكثر من واحد؟ فقال مالك‪ :‬ل تكون‬
‫القسيامة إل على واحيد‪ ،‬وبيه قال أحميد بين حنبيل؛ وقال أشهيب‪:‬‬
‫يقسم على الجماعة ويقتل منها واحد يعينه الولياء‪ ،‬وهو ضعيف؛‬
‫وقال المغيرة المخزوميي‪ :‬كيل مين أقسيم علييه قتيل؛ وقال مالك‬
‫واللييييث‪ :‬إذا شهيييد اثنان عدلن أن إنسيييانا ضرب آخييير وبقيييي‬
‫المضروب أياميا بعيد الضرب ثيم مات أقسيم أولياء المضروب إنيه‬
‫مات مين ذلك الضرب وقييد بيه‪ ،‬وهذا كله ضعييف‪ .‬واختلفوا فييي‬
‫القسامة في العبد‪ ،‬فبعض أثبتها‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة تشبيها بالحر‪،‬‬
‫وبعيض نفاهيا تشبيهيا بالبهيمية‪ ،‬وبهيا قال مالك‪ ،‬والديية عندهيم فيهيا‬
‫فيي مال القاتيل‪ ،‬ول يحلف فيهيا أقيل مين خمسيين رجل خمسيين‬
‫يمينيا عنيد مالك‪ ،‬ول يحلف عنده أقيل مين اثنيين فيي الدم ويحلف‬
‫الواحيد فيي الخطيأ‪ ،‬وإن نكيل عنده أحيد مين ولة الدم بطيل القود‬
‫وصييحت الدييية فييي حييق ميين لم ينكييل‪ ،‬أعنييي حظييه منهييا‪ .‬وقال‬
‫الزهري‪ :‬إن نكيل منهيم أحيد بطلت الديية فيي حيق الجمييع‪ ،‬وفروع‬
‫هذا الباب كثيرة‪ .‬قال القاضييي‪ :‬والقول فييي القسييامة هييو داخييل‬
‫فيميا ثبتيت بيه الدماء‪ ،‬وهيو فيي الحقيقية جزء مين كتاب القضيية‪،‬‬
‫ولكيين ذكرناه هنييا على عادتهييم‪ ،‬وذلك أنييه إذا ورد قضاء خاص‬
‫بجنيس مين أجناس المور الشرعيية رأوا أن الولى أن يذكير فيي‬
‫ذلك الجنيس‪ .‬وأميا القضاء الذي يعيم أكثير مين واحيد مين أجناس‬
‫الشياء التييي يقييع فيهييا القضاء فيذكيير فييي كتاب القضييية‪ ،‬وقييد‬
‫تجدهيم يفعلون المريين جميعيا كميا فعيل مالك فيي الموطيأ‪ ،‬فإنيه‬
‫ساق فيه القضية من كل كتاب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب في أحكام الزنى‬
‫@‪-‬والنظير فيي أصيول هذا الكتاب فيي حيد الزنيا‪ ،‬وفيي أصيناف‬
‫الزناة‪ ،‬وفي العقوبات لكل صنف صنف منهم‪ ،‬وفيما تثبت به هذه‬
‫الفاحشة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬الباب الول في حد الزنى‪.‬‬


‫@‪-‬فأميا الزنيى فهيو كيل وطيء وقيع على غيير نكاح ول شبهية نكاح‬
‫ول ملك يميين‪ ،‬وهذا متفيق علييه بالجملة مين علماء السيلم‪ ،‬وإن‬
‫كانوا اختلفوا فيميا هيو شبهية تدرأ الحدود مميا لييس بشبهية دارئة‪،‬‬
‫وفي ذلك مسائل نذكر منها أشهرها‪ ،‬فمنها المة يقع عليها الرجل‬
‫وله فيها شرك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يدرأ عنه الحد وإن ولدت ألحق الولد‬
‫به وقومت عليه‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وقال بعضهم يعزر؛ وقال أبو‬
‫ثور‪ :‬علييه الحيد كامل إذا علم الحرمية‪ .‬وحجية الجماعية قوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "ادرءوا الحدود بالشبهات" والذيين درءوا الحدود‬
‫اختلفوا هييل يلزمييه ميين صييداق المثييل بقدر نصيييبه أم ل يلزم‪.‬‬
‫وسبب الخلف‪ :‬هل ذلك الذي يغلب منها حكمه على الجزء الذي‬
‫ل يملك أم حكييم الذي ل يملك يغلب على حكييم الذي يملك؟ فإن‬
‫حكم ما ملك الحلية‪ ،‬وحكم ما لم يملك الحرمية‪ .‬ومنها اختلفهم‬
‫في الرجل المجاهد يطأ جارية من المغنم‪ ،‬فقال قوم‪ :‬عليه الحد؛‬
‫ودرأ قوم عنه الحد وهو أشبه‪ .‬والسبب في هذه وفي التي قبلها‬
‫واحيد‪ ،‬والله أعلم‪ .‬ومنهيا أن يحيل رجيل لرجيل وطيء خادميه‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬يدرأ عنييه الحييد؛ وقال غيره‪ :‬يعزر؛ وقال بعييض الناس‪ :‬بييل‬
‫هيي هبية مقبوضية والرقبية تابعية للفرج‪ .‬ومنهيا الرجيل يقيع على‬
‫جارية ابنه أو ابنته‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ل حد عليه لقوله عليه الصلة‬
‫والسيلم لرجيل خاطبيه‪" :‬أنيت ومالك لبييك" ولقوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "ل يقاد الوالد بالولد" ولجماعهيم على أنيه ل يقطيع فيميا‬
‫سرق من مال ولده‪ ،‬ولذلك قالوا‪ :‬تقوم عليه حملت أم لم تحمل‬
‫لن ها قد حرمت على ابنه فكأنه اسيتهلكها‪ .‬ومين الحجة لهم أيضيا‬
‫إجماعهيم على أن الب لو قتيل ابين ابنيه لم يكين للبين أن يقتيص‬
‫مين أبييه‪ ،‬وكذلك كيل مين كان البين له ولييا‪ .‬ومنهيا الرجيل يطيأ‬
‫جاريية زوجتيه‪ ،‬اختلف العلماء فييه على أربعية أقوال‪ ،‬فقال مالك‬
‫والجمهور‪ :‬عليه الحد كامل؛ وقالت طائفة ليس عليه الحد وتقوم‬
‫علييه فيغرمهيا لزوجتيه إن كانيت طاوعتيه‪ ،‬وإن كانيت اسيتكرهها‬
‫قوميت علييه وهيي حرة‪ ،‬وبيه قال أحميد وإسيحاق‪ ،‬وهيو قول ابين‬
‫مسييعود‪ ،‬والول قول عميير‪ ،‬ورواه مالك فييي الموطييأ عنييه‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬علييه مائة جلدة فقيط سيواء كان محصينا أم ثيبيا‪ :‬وقال قوم‪:‬‬
‫عليه التعزير‪ .‬فعمدة من أوجب عليه الحد أنه وطئ دون ملك تام‬
‫ول شركة ملك ول نكاح فوجب الحد‪ .‬وعمدة من درأ الحد ما ثبت‬
‫أن رسول الله عليه الصلة والسلم قضى في رجل وطئ جارية‬
‫امرأته أنه إن كان استكرهها فهي حرة وعليه مثلها لسيدتها‪ ،‬وإن‬
‫كانت طاوعته فهي له‪ ،‬وعليه لسيدتها مثلها‪ ،‬وأيضا فإن له شبهة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي مالهيا بدلييل قوله علييه الصيلة والسيلم‪ :‬تنكيح المرأة لثلث‪،‬‬
‫فذكيير مالهييا" ويقوى هذا المعنييى على أصييل ميين يرى أن المرأة‬
‫محجور عليها من زوجها فيما فوق الثلث‪ ،‬أو في الثلث فما فوقه‪،‬‬
‫وهيو مذهيب مالك‪ .‬ومنهيا ميا يراه أبيو حنيفية مين درء الحيد عين‬
‫واطييئ المسييتأجرة‪ ،‬والجمهور على خلف ذلك‪ ،‬وقوله فييي ذلك‬
‫ضعييف ومرغوب عنيه‪ ،‬وكأنيه رأى أن هذه المنفعية أشبهيت سيائر‬
‫المنافع التي استأجرها عليها‪ ،‬فدخلت الشبهة وأشبه نكاح المتعة‪.‬‬
‫ومنهيا درء الحيد عمين امتنيع اختلف فييه أيضيا‪ .‬وبالجملة فالنكحية‬
‫الفاسدة داخلة في هذا الباب‪ ،‬وأكثرها عند مالك تدرأ بالحد إل ما‬
‫انعقد منها على شخص مؤبد التحريم بالقرابة مثل الم وما أشبه‬
‫ذلك‪ ،‬مما ل يعذر فيه بالجهل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في أصناف الزناة وعقوباتهم‪.‬‬
‫@‪-‬والزناة الذيييين تختلف العقوبييية باختلفهيييم أربعييية أصيييناف‪:‬‬
‫محصيييينون ثيييييب وأبكار وأحرار وعبيييييد وذكور وإناث‪ .‬والحدود‬
‫السيييلمية ثلثييية‪ :‬رجيييم‪ ،‬وجلد‪ ،‬وتغرييييب‪ .‬فأميييا الثييييب الحرار‬
‫المحصيينون‪ ،‬فإن المسييلمين أجمعوا على أن حدهييم الرجييم إل‬
‫فرقة من أهل الهواء فإنهم رأوا أن حد كل زان الجلد‪ ،‬وإنما صار‬
‫الجمهور للرجيم لثبوت أحادييث الرجيم‪ ،‬فخصيصوا الكتاب بالسينة‬
‫أعني قوله تعالى {الزانية والزاني} الية‪ .‬واختلفوا في موضعين‪:‬‬
‫أحدهما هل يجلدون مع الرجم أم ل؟ والموضع الثاني في شروط‬
‫الحصان‪.‬‬
‫@‪(-‬أميا المسيألة الولى) فإن العلماء اختلفوا هيل يجلد مين وجيب‬
‫عليييه الرجييم قبييل الرجييم أم ل؟ فقال الجمهور‪ :‬ل جلد على ميين‬
‫وجب عليه الرجم؛ وقال الحسن البصري وإسحاق وأحمد وداود‪:‬‬
‫الزانيي المحصين يجلد ثيم يرجيم‪ .‬عمدة الجمهور "أن رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا‪ ،‬ورجم امرأة من جهينة‪ ،‬ورجم‬
‫يهودييين وامرأة مين عامير مين الزد‪ ،‬كيل ذلك مخرج فيي الصيحاح‬
‫ولم يروا أنيه جلد واحدا منهيم‪ .‬ومين جهية المعنيى أن الحيد الصيغر‬
‫ينطوي فيي الحيد الكيبر‪ ،‬وذلك أن الحيد إنميا وضيع للزجير فل تأثيير‬
‫للزجيير بالضرب مييع الرجييم‪ .‬وعمدة الفريييق الثانييي عموم قوله‬
‫تعالى {الزانيية والزانيي فاجلدوا كيل واحيد منهميا مائة جلدة} فلم‬
‫يخيص محصين مين غيير محصين‪ .‬واحتجوا أيضيا بحدييث علي رضيي‬
‫الله عنه‪ ،‬خرجه مسلم وغيره أن عليا رضي الله عنه جلد شراحة‬
‫الهمذانيي يوم الخمييس ورجمهيا يوم الجمعية وقال‪ :‬جلدتهيا بكتاب‬
‫الله‪ ،‬ورجمتها بسنة رسوله‪ .‬وحديث عبادة بن الصامت‪ ،‬وفيه أن‬
‫النيبي علييه الصيلة والسيلم قال "خذوا عنيي قيد جعيل الله لهين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سبيل البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام‪ ،‬والثيب بالثيب جلد مائة‬
‫والرجم بالحجارة" وأما الحصان فإنهم اتفقوا على أنه من شرط‬
‫الرجيييم‪ .‬واختلفوا فيييي شروطيييه فقال مالك‪ :‬البلوغ والسيييلم‬
‫والحرييية والوطييء فييي عقييد صييحيح‪ ،‬وحالة جائز فيهييا الوطييء‪،‬‬
‫والوطء المحظور عنده هو الوطء في الحيض أو في الصيام‪ ،‬فإذا‬
‫زنيى بعيد الوطيء الذي بهذه الصيفة وهيو بهذه الصيفات فحده عنده‬
‫الرجيم‪ ،‬ووافيق أبيو حنيفية مالكيا فيي هذه الشروط إل فيي الوطيء‬
‫المحظور؛ واشترط فيي الحريية أن تكون مين الطرفيين‪ ،‬أعنيي أن‬
‫يكون الزانييي والزانييية حرييين‪ ،‬ولم يشترط السييلم الشافعييي‪.‬‬
‫وعمدة الشافعييي مييا رواه مالك عيين نافييع عيين ابيين عميير‪ ،‬وهييو‬
‫حديث متفق عليه "أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهودية‬
‫واليهودي اللذييين زنيييا" إذ رفييع إليييه أمرهمييا اليهود‪ ،‬والله تعالى‬
‫يقول {وإن حكميت فاحكيم بينهميا بالقسيط} ‪ .‬وعمدة مالك مين‬
‫طرييييق المعنيييى أن الحصيييان عنده فضيلة ول فضيلة ميييع عدم‬
‫السيلم‪ ،‬وهذا مبناه على أن الوطيء فيي نكاح صيحيح هيو مندوب‬
‫إليييه‪ ،‬فهذا هييو حكييم الثيييب‪ .‬وأمييا البكار فإن المسييلمين أجمعوا‬
‫على أن حييد البكيير فييي الزنييى الجلد مائة لقوله تعالى {الزانييية‬
‫والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}‬
‫واختلفوا فييي التغريييب مييع الجلد؛ فقال أبييو حنيفيية وأصييحابه‪ :‬ل‬
‫تغرييب أصيل؛ وقال الشافعيي‪ :‬ل بيد مين التغرييب ميع الجلد لكيل‬
‫زان ذكرا كان أو أنثيييييييييى‪ ،‬حرا كان أو عبدا؛ وقال مالك‪ :‬يغرب‬
‫الرجل ول تغرب المرأة‪ ،‬وبه قال الوزاعي؛ ول تغريب عند مالك‬
‫على العبيد‪ .‬فعمدة من أوجب التغريب على الطلق حديث عبادة‬
‫بين الصيامت المتقدم وفييه "البكير بالبكير جلد مائة وتغرييب عام"‬
‫وكذلك مييا خرج أهييل الصييحاح عيين أبييي هريرة وزيييد بيين خالد‬
‫الجهنيي أنهميا قال "إن رجل مين العراب أتيى النيبي علييه الصيلة‬
‫والسييلم قال‪ :‬يييا رسييول الله أنشدك الله إل قضيييت لي بكتاب‬
‫الله‪ ،‬فقال الخصييم وهييو أفقييه منييه‪ :‬نعييم اقييض بيننييا بكتاب الله‬
‫وائذن لي أن أتكلم‪ ،‬فقال له النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬قيل‪،‬‬
‫قال‪ :‬إن ابنيي كان عسييفا على هذا فزنيى بامرأتيه‪ ،‬وإنيي أخيبرت‬
‫أن على ابنييي الرجييم فافتديتييه بمائة شاة ووليدة‪ ،‬فسييألت أهييل‬
‫العلم فأخيبروني أنميا على ابنيي جلد مائة وتغرييب عام‪ ،‬وأن على‬
‫امرأة هذا الرجم‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬والذي‬
‫نفسييي بيده لقضييين بينكمييا بكتاب الله‪ :‬أمييا الوليدة والغنييم فرد‬
‫عليييك‪ ،‬وعلى ابنييك جلد مائة وتغريييب عام‪ ،‬واغييد يييا أنيييس على‬
‫امرأة هذا فإن اعترفييت فارجمهييا‪ ،‬فغدا عليهييا أنيييس فاعترفييت‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فأمير النيبي علييه الصيلة والسيلم بهيا فرجميت"‪ .‬ومين خصيص‬


‫المرأة من هذا العموم فإنما خصصه بالقياس‪ ،‬لنه رأى أن المرأة‬
‫تعرض بالغربة لكثر من الزنى‪ ،‬وهذا من القياس المرسل‪ ،‬أعني‬
‫المصييلحي الذي كثيرا مييا يقول بييه مالك‪ .‬وأمييا عمدة الحنفييية‬
‫فظاهر الكتاب‪ ،‬وهو مبني على رأيهم أن الزيادة على النص نسخ‬
‫وأنيه لييس ينسيخ الكتاب بأخبار الحاد‪ .‬ورووا عين عمير وغيره أنيه‬
‫حيد ولم يغرب‪ .‬وروى الكوفيون عين أبيي بكير وعمير أنهيم غربوا‪.‬‬
‫وأميا حكيم العبييد فيي هذه الفاحشية‪ ،‬فإن العبييد صينفان‪ :‬ذكور‪،‬‬
‫وإناث أمييا الناث فإن العلماء أجمعوا على أن الميية إذا تزوجييت‬
‫وزنت أن حدها خمسون جلدة لقوله تعالى {فإذا أحصن فإن أتين‬
‫بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} واختلفوا‬
‫إذا لم تتزوج‪ ،‬فقال جمهور فقهاء المصيار‪ :‬حدهيا خمسيون جلدة؛‬
‫وقالت طائفية‪ :‬ل حيد عليهيا‪ ،‬وإنميا عليهيا تعزيير فقيط‪ ،‬وروي ذلك‬
‫عن عمر بن الخطاب؛ وقال قوم‪ :‬لحد على المة أصل‪ ،‬والسبب‬
‫فيي اختلفهيم الشتراك الذي فيي اسيم الحصيان فيي قوله تعالى‬
‫{فإذا أحصيين} فميين فهييم ميين الحصييان التزوج وقال بدليييل‬
‫الخطاب قال‪ :‬ل تجلد غييير المتزوجيية؛ وميين فهييم ميين الحصييان‬
‫السلم جعله عاما في المتزوجة وغيرها‪.‬‬
‫واحتج من لم ير على غير المتزوجة حدا بحديث أبي هريرة وزيد‬
‫بن خالد الجهني أن النبي عليه الصلة والسلم سئل عن المة إذا‬
‫زنت ولم تحصن‪ ،‬فقال‪" :‬إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها‬
‫ثم بيعوها ولو بضفير"‪.‬‬
‫وأما الذكر من العبيد‪ ،‬ففقهاء المصار على أن حد العبد نصف حد‬
‫الحير قياسيا على المية؛ وقال أهيل الظاهير‪ :‬بيل حده مائة جلدة‬
‫مصيييرا إلى عموم قوله تعالى {فاجلدوا كييل واحييد منهمييا مائة‬
‫جلدة} ولم يخصص حرا من عبد‪ .‬ومن الناس من درأ عنه قياسا‬
‫على المية وهيو شاذ‪ .‬وروي عين ابين عباس‪ .‬فهذا هيو القول فيي‬
‫أصناف الحدود وأصناف المحدودين والشرائط الموجبة للحد في‬
‫واحييد واحييد منهييم‪ ،‬ويتعلق بهذا القول فييي كيفييية الحدود‪ ،‬وفييي‬
‫وقتها‪ .‬فأما كيفيتها فمن مشهور المسائل الواقعة في هذا الجنس‬
‫اختلفهييم فييي الحفيير للمرجوم‪ ،‬فقالت طائفيية‪ :‬يحفيير له‪ ،‬وروي‬
‫ذلك عن علي في شراحة الهمدانية حين أمر برجمها‪ ،‬وبه قال أبو‬
‫ثور‪ ،‬وفيييه "فلمييا كان يوم الجمعيية أخرجهييا فحفيير لهييا حفيرة‬
‫فأدخلت في ها وأحدق الناس بها يرمونها‪ ،‬فقال‪ :‬ليس هكذا الرجم‬
‫إني أخاف أن يصيب بعضكم بعضا‪ ،‬ولكن صفوا كما تصفون في‬
‫الصلة‪ ،‬ثم قال‪ :‬الرجم رجمان‪ :‬رجم سر ورجم علنية‪ ،‬فما كان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫منيه إقرار فأول مين يرجيم المام ثيم الناس؛ وميا كان ببينية فأول‬
‫مين يرجيم البينية ثيم المام ثيم الناس‪ .‬وقال مالك وأبيو حنيفية‪ :‬ل‬
‫يحفر للمرجوم‪ ،‬وخير في ذلك الشافعي؛ وقيل عنه‪ :‬يحفر للمرأة‬
‫فقط‪.‬‬
‫وعمدتهيم ميا خرج البخاري ومسيلم مين حدييث جابر‪ ،‬قال جابر‪:‬‬
‫ه الحجارة فيير‪ ،‬فأدركناه بالحرة‬ ‫فرجمناه بالمصييلى‪ ،‬فلمييا أذ ْلَقَت ْيي ُ‬
‫فرضخناه‪ .‬وقيد روى مسيلم أنيه حفير له فيي اليوم الرابيع حفير‪.‬‬
‫وبالجملة فالحادييث فيي ذلك مختلفية‪ .‬قال أحميد‪ :‬أكثير الحادييث‬
‫على أن ل حفييير؛ وقال مالك‪ :‬يضرب فيييي الحدود الظهييير وميييا‬
‫يقاربيه؛ وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬يضرب سيائر العضاء ويتقيى‬
‫الفرج والوجيه؛ وزاد أبيو حنيفية الرأس؛ ويجرد الرجيل عنيد مالك‬
‫في ضرب الحدود كلها‪ ،‬وعند الشافعي وأبي حنيفة ما عدا القذف‬
‫على ميا سييأتي بعيد؛ ويضرب عنيد الجمهور قاعدا ول يقام قائميا‬
‫لمين قال‪ :‬إنيه يقام لظاهير اليية‪ ،‬ويسيتحب عنيد الجمييع أن يحضير‬
‫المام عند إقامة الحدود طائفة من الناس لقوله تعالى {وليشهد‬
‫عذابهميا طائفية مين المؤمنيين} ‪ .‬واختلفوا فيميا يدل علييه اسيم‬
‫الطائفة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬أربعة‪ ،‬وقيل ثلثة‪ ،‬وقيل اثنان‪ ،‬وقيل سبعة‪،‬‬
‫وقييل ميا فوقهيا‪ .‬أميا الوقيت‪ ،‬فإن الجمهور على أنيه ل يقام فيي‬
‫الحيير الشديييد ول فييي البرد‪ ،‬ول يقام على المريييض؛ وقال قوم‪:‬‬
‫يقام‪ ،‬وبه قال أحمد وإسحاق‪ ،‬واحتجا بحديث عمر أنه أقام الحد‬
‫على قدامية وهيو مرييض‪ .‬وسيبب الخلف معارضية أهيل الظواهير‬
‫للمفهوم مين الحيد‪ ،‬وهيو أن يقام حييث ل يغلب على ظين المقييم‬
‫له فوات نفييس المحدود؛ فميين نظيير إلى الميير بإقاميية الحدود‬
‫مطلقييا ميين غييير اسييتثناء قال‪ :‬يحييد المريييض؛ وميين نظيير إلى‬
‫المفهوم مين الحيد قال‪ :‬ل يحيد المرييض حتيى ييبرأ‪ ،‬وكذلك المير‬
‫في شدة الحر والبرد‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث وهو معرفة ما تثبت به هذه الفاحشة‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمييييع العلماء على أن الزنييييى يثبييييت بالقرار وبالشهادة‪.‬‬
‫واختلفوا في ثبوته بظهور الحمل في النساء الغير المتزوجات إذا‬
‫ادعييين السييتكراه‪ .‬وكذلك اختلفوا فييي شروط القرار وشروط‬
‫الشهادة‪ .‬فأميا القرار فإنهيم اختلفوا فييه فيي موضعيين‪ :‬أحدهميا‬
‫عدد مرات القرار الذي يلزم بيه الحيد‪ .‬والموضيع الثانيي هيل مين‬
‫شرطيه أن ل يرجيع عين القرار حتيى يقام علييه الحيد؟ أميا عدد‬
‫القرار الذي يجيب بيه الحيد‪ ،‬فإن مالكيا والشافعيي يقولن‪ :‬يكفيي‬
‫فيي وجوب الحيد علييه اعترافيه بيه مرة واحدة‪ ،‬وبيه قال أبيو داود‬
‫وأبيو ثور والطيبري وجماعية؛ وقال أبيو حنيفية وأصيحابه وابين أبيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ليلى‪ :‬ل يجب الحد إل بأقارير أربعة مرة بعد مرة‪ ،‬وبه قال أحمد‬
‫وإسيحاق‪ ،‬وزاد أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬فيي مجالس متفرقية‪ .‬وعمدة‬
‫مالك والشافعيي ما جاء فيي حدييث أبي هريرة وزيد بن خالد من‬
‫قوله عليييه الصييلة والسييلم "اغييد يييا أنيييس على امرأة هذا‪ ،‬فإن‬
‫اعترفييت فارجمهييا‪ ،‬فاعترفييت فرجمهييا" ولم يذكيير عددا‪ .‬وعمدة‬
‫الكوفييين ميا ورد مين حدييث سيعيد بين جيبير عين ابين عباس عين‬
‫النبي عليه الصلة والسلم "أنه رد ماعزا حتى أقر أربع مرات ثم‬
‫أمير برجميه" وفيي غيره مين الحادييث قالوا‪ :‬وميا ورد فيي بعيض‬
‫الروايات أنيه أقير مرة ومرتيين وثلثيا تقصيير‪ ،‬ومين قصير فلييس‬
‫بحجة على من حفظ‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسلة الثانية) وهيي من اعترف بالزنى ثم رجع‪ ،‬فقال‬
‫جمهور العلماء يقبييل رجوعييه‪ ،‬إل ابيين أبييي ليلى وعثمان البتييي؛‬
‫وفصل مالك فقال‪ :‬إن رجع إلى شبهة قبل رجوعه‪ .‬وأما إن رجع‬
‫إلى غير شبهة فعنه في ذلك روايتان‪ :‬إحداهما يقبل وهي الرواية‬
‫المشهورة‪ .‬والثانية ل يقبل رجوعه‪ ،‬وإنما صار الجمهور إلى تأثير‬
‫الرجوع فيي القرار لميا ثبيت مين تقريره صيلى الله علييه وسيلم‬
‫ماعزا وغيره مرة بعييد مرة لعله يرجييع‪ ،‬ولذلك ل يجييب على ميين‬
‫أوجب سقوط الحد بالرجوع أن يكون التمادي على القرار شرطا‬
‫ميين شروط الحييد‪ .‬وقييد روي ميين طريييق "أن ماعزا لمييا رجييم‬
‫ومسته الحجارة هرب فاتبعوه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬ردوني إلى رسول الله‬
‫علييه الصيلة والسيلم‪ ،‬فقتلوه رجميا وذكروا ذلك إلى النيبي علييه‬
‫الصيلة والسيلم فقال‪ :‬هل تركتموه لعله يتوب فيتوب الله علييه"‬
‫ومن هنا تعلق الشافعي بأن التوبة تسقط الحدود‪ ،‬والجمهور على‬
‫خلفيه‪ ،‬وعلى هذا يكون عدم التوبية شرطيا ثالثيا فيي وجوب الحيد‪.‬‬
‫وأما ثبوت الزنى بالشهود فإن العلماء اتفقوا على أنه يثبت الزنى‬
‫بالشهود‪ ،‬وأن العدد المشترط فييي الشهود أربعيية بخلف سييائر‬
‫الحقوق لقوله تعالى {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} وأن من صفتهم‬
‫أن يكونوا عدول‪ ،‬وأن ميين شرط هذه الشهادة أن تكون بمعاينيية‬
‫فرجيه فيي فرجهيا‪ ،‬وأنهيا تكون بالتصيريح ل بالكنايية‪ ،‬وجمهورهيم‬
‫على أن من شرط هذه الشهادة أن ل تختلف ل في زمان ول في‬
‫مكان إل ميا حكيي عين أبيي حنيفية مين مسيألة الزواييا المشهورة‪،‬‬
‫وهيو أن يشهيد كيل واحيد من الربعية أنيه رآهيا فيي ركين مين البييت‬
‫يطؤهيا غيير الركين الذي رآه فييه الخير‪ .‬وسيبب الخلف هيل تلفيق‬
‫الشهادة المختلفيييية بالمكان أم ل تلفييييق كالشهادة المختلفيييية‬
‫بالزمان؟ فإنهيم أجمعوا على أنهيا ل تلفيق‪ ،‬والمكان أشبيه شييء‬
‫بالزمان‪ .‬والظاهيير ميين الشرع قصييده إلى التوثييق فييي ثبوت هذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحد أكثر منه في سائر الحدود‪ .‬وأما اختلفهم في إقامة الحدود‬


‫بظهور الحميل مع دعوى السيتكراه‪ ،‬فإن طائفة أوجبيت فييه الحد‬
‫على ميا ذكره مالك فيي الموطيأ مين حدييث عمير‪ ،‬وبيه قال مالك‪،‬‬
‫إل أن تكون جاءت بأمارة على اسيييتكراهها‪ ،‬مثيييل أن تكون بكرا‬
‫فتأتيي وهيي تدميى‪ ،‬أو تفضيح نفسيها بأثير السيتكراه‪ ،‬وكذلك عنده‬
‫الميير إذا ادعييت الزوجييية إل أن تقيييم البينيية على ذلك‪ ،‬مييا عدا‬
‫الطارئة‪ ،‬فإن ابين القاسيم قال‪ :‬إذا ادعيت الزوجيية وكانيت طارئة‬
‫قبل قولها؛ وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬ل يقام عليها الحد بظهور‬
‫الحميل ميع دعوى السيتكراه وكذلك ميع دعوى الزوجيية‪ ،‬وإن لم‬
‫تأت فييي دعوى السييتكراه بأمارة‪ ،‬ول فييي دعوى الزوجييية ببينيية‬
‫لنها بمنزلة من أقر ثم ادعى الستكراه‪ .‬ومن الحجة لهم ما جاء‬
‫فيي حدييث شراحية أن علييا رضيي الله عنيه قال لهيا‪ :‬اسيتكرهت؟‬
‫قالت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فلعييل رجل أتاك فييي نومييك‪ .‬قالوا‪ :‬وروى الثبات‬
‫عيين عميير أنييه قبييل قول امرأة دعييت أنهييا ثقيلة النوم وإن رجل‬
‫طرقهييا فمضييى عنهييا ولم تدر ميين هييو بعييد‪ .‬ول خلف بييين أهييل‬
‫السييلم أن المسييتكرهة ل حييد عليهييا‪ ،‬وإنمييا اختلفوا فييي وجوب‬
‫الصيداق لهيا‪ .‬وسيبب الخلف هيل الصيداق عوض عين البضيع أو هيو‬
‫نحلة؟ فمين قال عوض عين البضيع أوجبيه فيي البضيع فيي الحليية‬
‫والحرمية؛ ومن قال إنه نحلة خص الله به الزواج لم يوجبه‪ .‬وهذا‬
‫الصل كاف في هذا الكتاب‪ ،‬والله الموفق للصواب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القذف‪.‬‬
‫@‪-‬والنظيير فييي هذا الكتاب‪ :‬فييي القذف‪ ،‬والقاذف‪ ،‬والمقذوف‪،‬‬
‫وفيي العقوبية الواجبية فييه‪ ،‬وبماذا تثبيت‪ .‬والصيل فيي هذا الكتاب‬
‫قوله تعالى {والذيييين يرمون المحصييينات ثيييم لم يأتوا بأربعييية‬
‫شهداء} الييية‪ .‬فأمييا القاذف فإنهييم اتفقوا على أن ميين شرطييه‬
‫وصيفين‪ :‬وهميا البلوغ والعقيل‪ ،‬وسيواء كان ذكرا أو أنثيى‪ ،‬حرا أو‬
‫عبدا‪ ،‬مسيلما أو غيير مسيلم‪ .‬وأميا المقذوف فاتفقوا على أن مين‬
‫شرطييه أن يجتمييع فيييه خمسيية أوصيياف وهييي البلوغ والحرييية‬
‫والعفاف والسلم‪ ،‬وأن يكون معه آلة الزنى‪ ،‬فإن انخرم من هذه‬
‫الوصياف وصيف لم يجيب الحيد‪ ،‬والجمهور بالجملة على اشتراط‬
‫الحريية فيي المقذوف‪ ،‬ويحتميل أن يدخيل فيي ذلك خلف‪ ،‬ومالك‬
‫يعتبر في سن المرأة أن تطيق الوطء‪ .‬وأما القذف الذي يجب به‬
‫الحيد‪ ،‬فاتفقوا على وجهيين‪ :‬أحدهميا أن يرميي القاذف المقذوف‬
‫بالزنيى‪ ،‬والثانيي أن ينفييه عين نسيبه إذا كانيت أميه حرة مسيلمة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلفوا إن كانيت كافرة أو أمية‪ ،‬فقال مالك‪ :‬سواء كانيت حرة أو‬
‫أمة أو مسلمة أو كافرة يجب الحد‪ .‬وقال إبراهيم النخعي‪ :‬ل حد‬
‫علييييه إذا كانيييت أم المقذوف أمييية أو كتابيييية‪ ،‬وهيييو قياس قول‬
‫الشافعي وأبي حني فة‪ .‬واتفقوا أن القذف إذا كان بهذين المعنيين‬
‫أنيه إذا كان بلفيظ صيريح وجيب الحيد‪ ،‬واختلفوا إن كان بتعرييض‪،‬‬
‫فقال الشافعيي وأبيو حنيفية والثوري وابين أبيي ليلى‪ :‬ل حيد فيي‬
‫التعرييض‪ ،‬إل أن أبيا حنيفية والشافعيي يريان فييه التعزيير‪ ،‬وممين‬
‫قال بقولهيم مين الصيحابة ابين مسيعود؛ وقال مالك وأصيحابه‪ :‬فيي‬
‫التعرييض الحيد‪ ،‬وهيي مسيألة وقعيت فيي زمان عمير‪ ،‬فشاور عمير‬
‫فيهيا الصيحابة‪ ،‬فاختلفوا فيهيا علييه‪ ،‬فرأى عمير فيهيا الحيد‪ .‬وعمدة‬
‫مالك أن الكنايية قيد تقوم بعرف العادة‪ ،‬والسيتعمال مقام النيص‬
‫الصيريح‪ ،‬وإن كان اللفيظ فيهيا مسيتعمل فيي غيير موضعيه أعنيي‬
‫مقول بالسييتعارة‪ .‬وعمدة الجمهور أن الحتمال الذي فييي السييم‬
‫المسيتعار شبهية‪ ،‬والحدود تدرأ بالشبهات‪ ،‬والحيق أن الكنايية قيد‬
‫تقوم فيي مواضع مقام النص‪ ،‬وقيد تضعف فيي مواضيع‪ ،‬وذلك أنيه‬
‫إذا لم يكثير السيتعمال لهيا والذي يندرئ بيه الحيد عين القاذف أن‬
‫يثبيت زنيى المقذوف بأربعية شهود باجماع‪ ،‬والشهود عنيد مالك إذا‬
‫كانوا أقيل من أربعية قذفية وعنيد غيره ليسوا بقذفية‪ ،‬وإن ما اختلف‬
‫المذهب في الشهود الذين يشهدون على شهود الصل‪ .‬والسبب‬
‫فيي اختلفهيم هيل يشترط فيي نقيل شهادة كيل واحيد منهيم عدد‬
‫شهود الصيل أم يكفيي فيي ذلك اثنان على الصيل المعتيبر فيميا‬
‫سيوى القذف إذ كانوا ممين ل يسيتقل بهيم نقيل الشهادة مين قبيل‬
‫العدد‪.‬‬
‫وأميا الحيد فالنظير فييه فيي جنسيه وتوقيتيه ومسيقطه أميا جنسيه‪،‬‬
‫فإنهيييم اتفقوا على أنيييه ثمانون جلدة للقاذف الحييير لقوله تعالى‬
‫{ثمانين جلدة} ‪ .‬واختلفوا في العبد يقذف الحر‪ :‬كم حده؟ فقال‬
‫الجمهور مين فقهاء المصيار حده نصيف حيد الحير‪ ،‬وذلك أربعون‬
‫جلدة‪ ،‬وروي ذلك عيين الخلفاء الربعيية‪ ،‬وعيين ابيين عباس‪ :‬وقالت‬
‫طائفة‪ :‬حده حد الحر‪ ،‬وبه قال ابن مسعود من الصحابة وعمر بن‬
‫عبيد العزييز وجماعية مين فقهاء المصيار‪ :‬أبيو ثور والوزاعيي وداود‬
‫وأصيييحابه ميين أهييل الظاهيير‪ .‬فعمدة الجمهور قياس حده فييي‬
‫القذف على حده في الزنى‪ .‬وأما أهل الظاهر فتمسكوا في ذلك‬
‫بالعموم ولمييا أجمعوا أيضييا أن حييد الكتابييي ثمانون‪ ،‬فكان العبييد‬
‫أحرى بذلك‪ .‬وأما التوقيت فإنهم اتفقوا على أنه إذا قذف شخصا‬
‫واحدا مرار كثيرة‪ ،‬فعليه حد واحد إذا لم يحد بواحد منها‪ ،‬وأنه إذ‬
‫قذف فحيد ثيم قذفيه ثانيية حيد حدا ثانييا واختلفوا إذا قذف جماعية‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقالت طائفيية‪ :‬ليييس عليييه إل حييد واحييد جمعهييم فييي القذف أو‬
‫فرقهيم‪ ،‬وبيه قال مالك وأبيو حنيفية والثوري وأحميد وجماعية وقال‬
‫قوم‪ :‬بل عليه لكل واحد حد‪ ،‬وبه قال الشافعي والليث وجماعة‬
‫حتى روي عن الحسن بن حيى أنه قال‪ :‬إن قال إنسان‪ :‬من دخل‬
‫هذه الدار فهيو زان جلد الحيد لكيل مين دخلهيا؛ وقالت طائفية إن‬
‫جمعهم في كلمة واحدة مثل أن يقول لهم يا زناة فحد واحد‪ ،‬وإن‬
‫قال لكل واحد منهم يا زاني فعليه لكل إنسان منهم حد‪ .‬فعمدة‬
‫ميين لم يوجييب على قاذف الجماعيية إل حدا واحدا حديييث أنييس‬
‫وغيره أن هلل بين أميية قذف امرأتيه بشرييك بين سيحماء‪ ،‬فرفيع‬
‫ذلك إلى النييبي عليييه الصييلة والسييلم فلعيين بينهمييا ولم يحده‬
‫لشرييك‪ ،‬وذلك إجماع مين أهيل العلم فيمين قذف زوجتيه برجيل‪.‬‬
‫وعمدة مين رأى أن الحيد لكيل واحيد منهيم أنيه حيق للدمييين‪ ،‬وأنيه‬
‫لو عفا بعضهم ولم يعف الكل لم يسقط الحد‪ .‬وأما من فرق بين‬
‫قذفهييم فييي كلميية واحدة أو كلمات أو فييي مجلس واحييد أو فييي‬
‫مجالس‪ ،‬فلنيه رأى أنيه واجيب أن يتعدد الحيد بتعدد القذف‪ ،‬لنيه‬
‫إذا اجتمع تعدد المقذوف وتعدد القذف كان أوجب أن يتعدد الحد‪،‬‬
‫وأميا سيقوطه فإنهيم اختلفوا فيي سيقوطه بعفيو القاذف‪ ،‬فقال أبيو‬
‫حنيفيية والثوري والوزاعييي‪ :‬ل يصييح العفييو‪ :‬أي ل يسييقط الحييد؛‬
‫وقال الشافعي‪ :‬يصح العفو أي يسقط الحد بلغ المام أو لم يبلغ؛‬
‫وقال قوم‪ :‬إن بلغ المام لم يجيز العفيو‪ ،‬وإن لم يبلغيه جاز العفيو‪.‬‬
‫واختلف قول مالك فيييي ذلك‪ ،‬فمرة قال بقول الشافعيييي‪ ،‬ومرة‬
‫قال‪ :‬يجوز إذا لم يبلغ المام‪ ،‬وإن بلغ لم يجيييز إل أن يرييييد بذلك‬
‫المقذوف الستر على نفسه‪ ،‬وهو المشهور عنه‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم هيل هيو حيق لله؟ أو حيق للدمييين‪ ،‬أو حيق‬
‫لكليهميا؟ فمين قال حيق لله لم يجيز العفيو كالزنيى؛ ومين قال حيق‬
‫للدميين أجاز العفو؛ ومن قال لكليهما وغلب حق المام إذا وصل‬
‫إليه قال بالفرق بين أن يصل المام أو ل يصل‪ ،‬وقياسا على الثر‬
‫الوارد في السرقة‪ .‬وعمدة من رأى أنه حق للدميين وهو الظهر‬
‫أن المقذوف إذا صيدقه فيميا قذفيه بيه سيقط عنيه الحيد‪ .‬وأميا مين‬
‫يقيم الحد فل خلف أن المام يقيمه في القذف‪ .‬واتفقوا على أنه‬
‫يجيب على القاذف ميع الحيد سيقوط شهادتيه ميا لم يتيب‪ .‬واختلفوا‬
‫إذا تاب؛ فقال مالك‪ :‬تجوز شهادتيه‪ ،‬وبيه قال الشافعيي؛ وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬ل تجوز شهادتيه أبدا‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم هيل السيتثناء‬
‫يعود إلى الجملة المتقدميية أو يعود إلى أقرب مذكور‪ ،‬وذلك فييي‬
‫قوله تعالى {ول تقبلوا لهيم شهادة أبدا وأولئك هيم الفاسيقون إل‬
‫الذيين تابوا} فمين قال يعود إلى أقرب مذكور قال‪ :‬التوبية ترفيع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الفسيق ول تقبيل شهادتيه؛ ومين رأى أن السيتثناء يتناول المريين‬


‫جميعيييا قال‪ :‬التوبييية ترفيييع الفسيييق ورد الشهادة‪ .‬وكون ارتفاع‬
‫الفسيق ميع رد الشهادة أمير غيير مناسيب فيي الشرع‪ :‬أي خارج‬
‫عن الصول‪ ،‬لن الفسق متى ارتفع قبلت الشهادة‪ .‬واتفقوا على‬
‫أن التوبية ل ترفيع الحيد‪ .‬وأميا بماذا يثبيت؟ فإنهيم اتفقوا على أنيه‬
‫يثبيت بشاهديين عدليين حريين ذكريين‪ .‬واختلف فيي مذهيب مالك‪:‬‬
‫هيل يثبت بشاهد ويمين وبشهادة النساء؟ وهل تلزم فيي الدعوى‬
‫فيه يمين؟ وإن نكل فهل يحد بالنكول ويمين المدعي؟ فهذه هي‬
‫أصول هذا الباب التي تنبني عليه فروعه‪ .‬قال القاضي‪ :‬وإن أنسأ‬
‫الله فيي العمير فسينضع كتابيا فيي الفروع على مذهيب مالك بين‬
‫أنيس مرتبيا ترتيبيا صيناعيا‪ ،‬إذ كان المذهيب المعمول بيه فيي هذه‬
‫الجزيرة‪ ،‬التيي هيي جزيرة الندلس حتيى يكون بيه القارئ مجتهدا‬
‫فيي مذهيب مالك‪ ،‬لن إحصياء جمييع الروايات عندي شييء ينقطيع‬
‫العمر دونه‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في شرب الخمر‪.‬‬
‫@‪-‬والكلم في هذه الجناية‪ :‬في الموجب‪ ،‬والواجب‪ ،‬وبماذا تثبت‬
‫هذه الجنايية؟ فأميا الموجيب‪ ،‬فاتفقوا على أنيه شرب الخمير دون‬
‫إكراه قليلهيا وكثيرهيا واختلفوا فيي المسيكرات مين غيرهيا؛ فقال‬
‫أهيل الحجاز‪ :‬حكمهيا حكيم الخمير فيي تحريمهيا وإيجاب الحيد على‬
‫ميين شربهييا قليل كان أو كثيرا أو لم يسييكر؛ وقال أهييل العراق‪:‬‬
‫المحرم منها هو السكر‪ ،‬وهو الذي يوجب الحد‪ .‬وقد ذكرنا عمدة‬
‫أدلة الفريقيين فيي كتاب الطعمية والشربية‪ .‬وأميا الواجيب فهيو‬
‫الحيد والتفسييق إل أن تكون التوبية‪ ،‬والتفسييق فيي شارب الخمير‬
‫باتفاق وإن لم يبلغ حيد السيكر‪ ،‬وفيمين بلغ حيد السيكر فيميا سيوى‬
‫الخمير‪ .‬واختلف الذيين رأوا تحرييم قلييل النبذة فيي وجوب الحيد‪،‬‬
‫وأكثر هؤلء على وجوبه‪ ،‬إل أنهم اختلفوا في مقدار الحد الواجب؛‬
‫فقال الجمهور‪ :‬الحييد فييي ذلك ثمانون؛ وقال الشافعييي وأبييو ثور‬
‫وداود‪ :‬الحيد فيي ذلك أربعون‪ ،‬هذا فيي حيد الحير‪ .‬وأميا حيد العبيد‬
‫فاختلفوا فيه؛ فقال الجمهور‪ :‬هو على النصف من حد الحر؛ وقال‬
‫أهل الظاهر‪ :‬حد الحر والعبد سواء‪ ،‬وهو أربعون؛ وعند الشافعي‬
‫عشرون؛ وعنييد ميين قال ثمانون أربعون‪ .‬فعمدة الجمهور تشاور‬
‫عمير والصيحابة لميا كثير فيي زمانيه شرب الخمير‪ ،‬وإشارة علي‬
‫عليه بأن يجعل الحد ثمانين قياسا على حد الفرية‪ ،‬فإنه كما قيل‬
‫عنيه رضيي الله عنيه "إذا شرب سيكر‪ ،‬وإذا سيكر هذى‪ ،‬وإذا هذى‬
‫افترى" وعمدة الفرييق الثانيي أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم لم‬
‫يحيد فيي ذلك حدا‪ ،‬وإنميا كان يضرب فيهيا بيين يدييه بالنعال ضربيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫غير محدود‪ ،‬وأن أبا بكر رضي الله عنه شاور أصحاب رسول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬كيم بلغ ضرب رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫شراب الخميير؟ فقدروه بأربعييين‪ .‬وروي عيين أبييي سييعيد‬ ‫وسييلم ل ُ‬
‫الخدري "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم ضرب فيي الخمير‬
‫بنعليين أربعيين" فجعيل عمير مكان كيل نعيل سيوطا‪ .‬وروي مين‬
‫طريق آخر عن أبي سعيد الخدري ما هو أثبت من هذا‪ ،‬وهو "أن‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم ضرب فييي الخميير أربعييين"‬
‫وروي هذا عين علي عين النيبي علييه الصيلة والسيلم مين طرييق‬
‫أثبت‪ ،‬وبه قال الشافعي وأما من يقيم هذا الحد فاتفقوا على أن‬
‫المام يقيميه‪ ،‬وكذلك المير فيي سيائر الحدود واختلفوا فيي إقامية‬
‫السييادات الحدود على عييبيدهم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يقيييم السيييد على‬
‫عبده حد الزنى وحد القذف إذا شهد عنده الشهود‪ ،‬ول يفعل ذلك‬
‫بعلم نفسييه‪ ،‬ول يقطييع فييي السييرقة إل المام‪ ،‬وبييه قال الليييث‪،‬‬
‫وقال أبيييو حنيفييية‪ :‬ل يقييييم الحدود على العبييييد إل المام؛ وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬يقييم السييد على عبده جمييع الحدود‪ ،‬وهيو قول أحميد‬
‫وإسييحاق وأبييي ثور‪ .‬فعمدة مالك الحديييث المشهور "أن رسييول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم سيئل عين المية إذا زنيت ولم تحصين‬
‫فقال‪ :‬إن زنييت فاجلدوهييا‪ ،‬ثييم إن زنييت فاجلدوهييا‪ ،‬ثييم إن زنييت‬
‫فاجلدوها‪ ،‬ثم بيعوها ولو بضفير" وقوله عليه الصلة والسلم "إذا‬
‫زنييت أميية أحدكييم فليجلدهييا"‪ .‬وأمييا الشافعييي فاعتمييد مييع هذه‬
‫الحادييث ميا روي عنيه صيلى الله علييه وسيلم مين حدييث عنيه أنيه‬
‫قال "أقيموا الحدود على مييا ملكييت أيمانكييم" ولنييه أيضييا مروي‬
‫عين جماعية مين الصيحابة ول مخالف لهيم‪ ،‬منهيم ابين عمير وابين‬
‫مسيعود وأنيس‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية الجماع على أن الصيل فيي‬
‫إقامية الحدود هيو السيلطان‪ .‬وروي عين الحسين وعمير بين عبيد‬
‫العزييز وغيرهيم أنهيم قالوا‪ :‬الجمعية والزكاة والفيئ والحكيم إلى‬
‫السلطان‪.‬‬
‫@‪(-‬فصييل) وأمييا بماذا يثبييت هذا الحييد‪ ،‬فاتفييق العلماء على أنييه‬
‫يثبت بالقرار وبشهادة عدلين‪ .‬واختلفوا في ثبوته بالرائحة‪ ،‬فقال‬
‫مالك وأصحابه وجمهور أهل الحجاز‪ :‬يجب الحد بالرائحة إذا شهد‬
‫بهيا عنيد الحاكيم شاهدان عدلن؛ وخالفيه فيي ذلك الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفيية وجمهور أهييل العراق وطائفيية ميين أهييل الحجاز وجمهور‬
‫علماء البصييرة فقالوا‪ :‬ل يثبييت الحييد بالرائحيية‪ .‬فعمدة ميين أجاز‬
‫الشهادة على الرائحيية تشبيههييا بالشهادة على الصييوت والخييط‪.‬‬
‫وعمدة من لم يثبتها اشتباه الروائح‪ ،‬والحد يدرأ بالشبهة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب السرقة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظييير فيييي هذا الكتاب فيييي حيييد السيييرقة‪ ،‬وفيييي شروط‬
‫المسيروق الذي يجيب بيه الحيد‪ ،‬وفيي صيفات السيارق الذي يجيب‬
‫عليييه الحييد‪ ،‬وفييي العقوبيية‪ ،‬وفيمييا تثبييت بييه هذه الجناييية‪ .‬فأمييا‬
‫السيرقة‪ ،‬فهيي أخيذ مال الغيير مسيتترا مين غيير أن يؤتمين علييه‪،‬‬
‫وإنما قلنا هذا لنهم أجمعوا أنه ليس في الخيانة ول في الختلس‬
‫قطيع إل إياس بين معاويية‪ ،‬فإنيه أوجيب فيي الخلسية القطيع‪ ،‬وذلك‬
‫مروي عين النيبي علييه الصيلة والسيلم‪ .‬وأوجيب أيضيا قوم القطيع‬
‫على ميين اسييتعار حليييا أو متاعييا ثييم جحده لمكان حديييث المرأة‬
‫المخزوميية المشهور "أنهيا كانيت تسيتعير الحلى‪ ،‬وأن رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم قطعهيا لموضيع جحودهيا" وبيه قال أحميد‬
‫وإسيحاق والحدييث حدييث عائشية قالت "كانيت امرأة مخزوميية‬
‫تسيتعير المتاع وتجحده‪ ،‬فأمير النيبي علييه الصيلة والسيلم بقطيع‬
‫يدها‪ ،‬فأتى أسامة أهلها فكلموه‪ ،‬فكلم أسامة النبي عليه الصلة‬
‫والسييلم‪ ،‬فقال النييبي عليييه الصييلة والسييلم‪ :‬يييا أسييامة ل أراك‬
‫تتكلم فيي حيد مين حدود الله‪ ،‬ثيم قام النيبي علييه الصيلة والسيلم‬
‫خطيبييا فقال‪" :‬وإنمييا أهلك ميين كان قبلكييم أنييه إذا سييرق فيهييم‬
‫الشرييف تركوه‪ ،‬وإذا سيرق الضعييف قطعوه‪ ،‬والذي نفسيي بيده‬
‫لو كانيت فاطمية بنيت محميد لقطعتهيا" ورد الجمهور هذا الحدييث‬
‫لنيه مخالف للصيول‪ ،‬وذلك أن المعار مأمون وأنيه لم يأخيذ بغيير‬
‫إذن فضل أن يأخيذ مين حرز‪ ،‬قالوا‪ :‬وفيي الحدييث حذف‪ ،‬وهيو أنهيا‬
‫سيييرقت ميييع أنهيييا جحدت‪ ،‬ويدل على ذلك قوله علييييه الصيييلة‬
‫والسيلم "إنميا أهلك مين كان قبلكيم أنيه إذا سيرق فيهيم الشرييف‬
‫تركوه" قالوا‪ :‬وروى هذا الحديييث الليييث بيين سييعد عيين الزهري‬
‫بإسناده‪ ،‬فقال فييه‪ :‬إن المخزوميية سرقت‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذا يدل على‬
‫أنهيا فعلت المريين جميعيا الجحيد والسيرقة‪ .‬وكذلك أجمعوا على‬
‫أنييه ليييس على الغاصييب ول على المكابر المغالب قطييع إل أن‬
‫يكون قاطع طريق شاهرا للسلح على المسلمين مخيفا للسبيل‪،‬‬
‫فحكميه حكيم المحارب على ميا سييأتي فيي حيد المحارب‪ .‬وأميا‬
‫السيارق الذي يجيب علييه حيد السيرقة‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أن مين‬
‫شرطه أن يكون مكلفا‪ ،‬وسواء كان حرا أو عبدا‪ ،‬ذكرا أو أنثى‪ ،‬أو‬
‫مسيلما‪ ،‬أو ذميييا‪ ،‬إل ميا روي فييي الصييدر الول مين الخلف فييي‬
‫قطع يد العبد البق إذا سرق‪ ،‬وروي ذلك عن ابن عباس وعثمان‬
‫ومروان وعميير ابيين عبييد العزيييز‪ ،‬ولم يختلف فيييه بعييد العصيير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المتقدم؛ فمييين رأى أن الجماع ينعقيييد بعيييد وجود الخلف فيييي‬


‫العصيير المتقدم كانييت المسييألة عنده قطعييية‪ ،‬وميين لم ييير ذلك‬
‫تمسيك بعموم المير بالقطيع‪ ،‬ول عيبرة لمين لم يير القطيع على‬
‫العبيد البيق إل تشيبيهه سيقوط الحيد عنيه بسيقوط شطره‪ ،‬أعنيي‬
‫الحدود التي تتشطر في حق العبيد‪ ،‬وهو تشبيه ضعيف‪.‬‬
‫وأمييا المسييروق فإن له شرائط مختلفييا فيهييا؛ فميين أشهرهييا‬
‫اشتراط النصيياب‪ ،‬وذلك أن الجمهور على اشتراطييه‪ ،‬إل مييا روي‬
‫عن الحسن البصري أنه قال‪ :‬القطع في قليل المسروق وكثيره‪،‬‬
‫لعموم قوله تعالى {والسيارق والسيارقة فاقطعوا أيدهميا} اليية‪.‬‬
‫وربما احتجوا بحديث أبي هريرة خرجه البخاري ومسلم عن النبي‬
‫علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "لعين الله السيارق يسيرق البيضية‬
‫فتقطييع يده‪ ،‬ويسييرق الحبييل فتقطييع يده" وبييه قالت الخوارج‬
‫وطائفة من المتكلمين‪ .‬والذين قالوا باشتراط النصاب في وجوب‬
‫القطيييع وهيييم الجمهور اختلفوا فيييي قدره اختلفيييا كثيرا‪ ،‬إل أن‬
‫الختلف المشهور مييين ذلك الذي يسيييتند إلى أدلة ثابتييية‪ ،‬وهيييو‬
‫قولن‪ :‬أحدهميييا قول فقهاء الحجاز مالك والشافعيييي وغيرهيييم‪.‬‬
‫والثاني قول فقهاء العراق‪ .‬وأما فقهاء الحجاز فأوجبوا القطع في‬
‫ثلثية دراهيم مين الفضية‪ ،‬وربيع دينار مين الذهيب‪ .‬واختلفوا فيميا‬
‫تقوم بيه سيائر الشياء المسيروقة مميا عدا الذهيب والفضية‪ ،‬فقال‬
‫مالك فيييي المشهور‪ :‬تقوم بالدراهيييم ل بالربيييع دينار‪ ،‬أعنيييي إذا‬
‫اختلفيت الثلثية دراهيم ميع الربيع دينار لختلف الصيرف‪ ،‬مثيل أن‬
‫يكون الربييع دينار فييي وقييت درهمييين ونصييفا؛ وقال الشافعييي‪:‬‬
‫الصل في تقويم الشياء هو الربع دينار‪ ،‬وهو الصل أيضا للدراهم‬
‫فل يقطيع عنده فيي الثلثية دراهيم إل أن تسياوي ربيع دينار‪ .‬وأميا‬
‫مالك فالدنانيير والدراهيم عنيد كيل واحيد منهميا معتيبر بنفسيه وقيد‬
‫روى بعييض البغداديييين عنييه أنييه ينظيير فييي تقويييم العروض إلى‬
‫الغالب فيي نقود أهيل ذلك البلد‪ ،‬فإن كان الغالب الدراهيم قوميت‬
‫بالدراهيم‪ ،‬وإن كان الغالب الدنانيير قوميت بالربيع دينار‪ ،‬وأظين أن‬
‫في المذهب من يقول إن الربع دينار يقوم بالثلثة دراهم‪ ،‬وبقول‬
‫الشافعيي فيي التقوييم قال أبيو ثور والوزاعيي وداود‪ ،‬وبقول مالك‬
‫المشهور قال أحميد‪ :‬أعنيي بالتقوييم بالدراهيم‪ .‬وأميا فقهاء العراق‬
‫فالنصاب الذي يجب القطع فيه هو عندهم عشرة دراهم ل يجب‬
‫في أقل منه‪ .‬وقد قال جماعة منهم ابن أبي ليلى وابن شبرمة‪ :‬ل‬
‫تقطع اليد في أقل من خمسة دراهم‪ ،‬وقد قيل في أربعة دراهم‪،‬‬
‫وقال عثمان البتييي‪ :‬فييي درهمييين‪ .‬فعمدة فقهاء الحجاز مييا رواه‬
‫مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي عليه الصلة والسلم قطع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في مجن قيمته ثلثة دراهم "وحديث عائشة أوقفه مالك وأسنده‬
‫البخاري ومسيلم إلى النيبي علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "تقطيع‬
‫اليد في ربع دينار فصاعدا" وأما عمدة فقهاء العراق فحديث ابن‬
‫عمير المذكور‪ ،‬قالوا‪ :‬ولكين قيمية المجين هيو عشرة دراهيم وروي‬
‫ذلك في أحاديث‪.‬‬
‫وقد خالف ابن عمر في قيمة المجن من الصحابة كثير ممن رأى‬
‫القطع في المجن كابن عباس وغيره‪ .‬وقد روى محمد بن إسحاق‬
‫عين أيوب بين موسيى عين عطاء عين ابين عباس قال‪ :‬كان ثمين‬
‫المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإذا وجد الخلف في ثمن المجن وجب أن ل تقطع اليد إل‬
‫بيقيين‪ ،‬وهذا الذي قالوه هيو كلم حسين لول حدييث عائشية‪ ،‬وهيو‬
‫الذي اعتمده الشافعيي فيي هذه المسيألة وجعيل الصيل هيو الربيع‬
‫دينار‪ .‬وأميا مالك فاعتضيد عنده حدييث ابين عمير بحدييث عثمان‬
‫الذي رواه‪ ،‬وهييو أنييه قطييع فييي أترجيية قومييت بثلثيية دراهييم‪،‬‬
‫والشافعييي يعتذر عيين حديييث عثمان ميين قبييل أن الصييرف كان‬
‫عندهييم فييي ذلك الوقييت اثنييا عشرة درهمييا (هكذا هذه العبارة‬
‫بجميع الصول‪ ،‬ولينظر ما معناها ا هي مصححه) والقطع في ثلثة‬
‫دراهيم أحفيظ للموال‪ ،‬والقطيع فيي عشرة دراهيم أدخيل فيي باب‬
‫التجاوز والصييفح عيين يسييير المال وشرف العضييو‪ ،‬والجمييع بييين‬
‫حديث ابن عمر وحديث عائشة وفعل عثمان ممكن على مذهب‬
‫الشافعيي وغيير ممكين على مذهيب غيره‪ ،‬فإن كان الجميع أولى‬
‫ميين الترجيييح فمذهييب الشافعييي أولى المذاهييب‪ ،‬فهذا هييو أحييد‬
‫الشروط المشترطيية بالقطييع‪ .‬واختلفوا ميين هذا الباب فييي فرع‬
‫مشهور وهو إذا سرقت الجماعة ما يجب فيه القطع‪ ،‬أعني نصابا‬
‫دون أن يكون حيييظ كيييل واحيييد منهيييم نصيييابا‪ ،‬وذلك أن يخرجوا‬
‫النصياب مين الحرز معيا‪ ،‬مثيل أن يكون عدل أو صيندوقا يسياوي‬
‫النصياب؛ فقال مالك‪ :‬يقطعون جميعيا‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأحميد‬
‫وأبو ثور؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل قطع عليهم حتى يكون ما أخذه كل‬
‫واحد منهم نصابا؛ فمن قطع الجميع رأى العقوبة إنما تتعلق بقدر‬
‫مال المسييروق‪ :‬أي أن هذا القدر ميين المال المسييروق هييو الذي‬
‫يوجيب القطيع لحفيظ المال؛ ومين رأى أن القطيع إنميا علق بهذا‬
‫القدر ل بميا دونيه لمكان حرمية الييد قال‪ :‬ل تقطيع أييد كثيرة فيميا‬
‫أوجب فيه الشرع قطع يد واحدة‪.‬‬
‫واختلفوا متييى يقدر المسييروق؛ فقال مالك‪ :‬يوم السييرقة؛ وقال‬
‫أبييو حنيفيية‪ :‬يوم الحكييم عليييه بالقطييع‪ .‬وأمييا الشرط الثانييي فييي‬
‫وجوب هذا الحيد فهيو الحرز‪ ،‬وذلك أن جمييع فقهاء المصيار الذيين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تدور عليهييم الفتوى وأصييحابهم متفقون على اشتراط الحرز فييي‬


‫وجوب القطع‪ ،‬وإن كان قد اختلفوا فيما هو حرز مما ليس بحرز‪.‬‬
‫والشبه أن يقال في حد الحرز إنه ما شأنه أن تحفظ به الموال‬
‫كييي يعسيير أخذهييا مثييل الغلق والحظائر ومييا أشبييه ذلك‪ ،‬وفييي‬
‫الفعيل الذي إذا فعله السيارق اتصيف بالخراج مين الحرز على ميا‬
‫سينذكره بعيد؛ وممين ذهيب إلى هذا مالك وأبيو حنيفية والشافعيي‬
‫والثوري وأصحابهم؛ وقال أهل الظاهر وطائفة من أهل الحديث‪:‬‬
‫القطيع على مين سيرق النصياب وإن سيرقه مين غيير حرز‪ .‬فعمدة‬
‫الجمهور حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه‬
‫الصيلة والسيلم أنيه قال "ل قطيع فيي ثمير معلق ول فيي حريسية‬
‫جبيل‪ ،‬فإذا أواه المراح أو الجريين فالقطيع فيميا بلغ ثمين المجين"‬
‫ومرسل مالك أيضا عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين‬
‫المكي بمعنى حديث عمرو بن شعيب‪ .‬وعمدة أهل الظاهر عموم‬
‫قوله تعالى {والسيارق والسيارقة فاقطعوا أيديهميا} اليية‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫فوجب أن تحمل الية على عمومها‪ ،‬إل ما خصصته السنة الثابتة‬
‫من ذلك‪ ،‬وقد خصصت السنة الثابتة المقدار الذي يقطع فيه من‬
‫الذي ل يقطيييع فييييه‪ .‬وردوا حدييييث عمرو بييين شعييييب لموضيييع‬
‫الختلف الواقع في أحاديث عمرو بن شعيب‪ ،‬وقال أبو عمر بن‬
‫عبيد البر‪ :‬أحادييث عمرو بين شعييب العميل بهيا واجيب إذا رواهيا‬
‫الثقات‪ .‬وأمييا الحرز عنييد الذييين أوجبوه فإنهييم اتفقوا منييه على‬
‫أشياء واختلفوا في أشياء‪ ،‬مثل اتفاقهم على أن باب البيت وغلقه‬
‫حرز‪ ،‬واختلفهيم فيي الوعيية‪ .‬ومثيل اتفاقهيم على أن مين سيرق‬
‫مين دار غيير مشتركية السيكنى أنيه ل يقطيع حتيى يخرج مين الدار‪،‬‬
‫واختلفهيم فيي الدار المشتركية‪ ،‬فقال مالك وكثيير ممين اشترط‬
‫الحرز‪ :‬تقطع يده إذا أخرج من البيت؛ وقال أبو يوسف ومحمد‪ :‬ل‬
‫قطع عليه إل إذا أخرج من الدار‪ .‬ومنها اختلفهم في القبر هل هو‬
‫حرز حتيى يجيب القطيع على النباش‪ ،‬أو لييس بحرز؟ فقال مالك‬
‫والشافعيي وأحميد وجماعية‪ :‬هيو حرز‪ ،‬وعلى النباش القطيع‪ ،‬وبيه‬
‫قال عمير بين عبيد العزييز؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل قطيع علييه‪ ،‬وكذلك‬
‫قال سيفيان الثوري‪ ،‬وروي ذلك عين زييد بين ثابيت‪ .‬والحرز عنيد‬
‫مالك بالجملة هييو كييل شيييء جرت العادة بحفييظ ذلك الشيييء‬
‫المسروق فيه‪ ،‬فمرابط الدواب عنده أحراز‪ ،‬وكذلك الوعية‪ ،‬وما‬
‫على النسييان ميين اللباس‪ ،‬فالنسييان حرز لكييل مييا عليييه أو هييو‬
‫عنده‪.‬‬
‫وإذا توسد النائم شيئا فهو حرز له على ما جاء في حديث صفوان‬
‫بيين أمييية وسيييأتي بعييد‪ ،‬ومييا أخذه ميين المنتبييه فهييو اختلس‪ .‬ول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يقطع عند مالك سارق ما كان على الصبي من الحلي أو غيره إل‬
‫أن يكون معييه حافييظ يحفظييه؛ وميين سييرق ميين الكعبيية شيئا لم‬
‫يقطيع عنده‪ ،‬وكذلك مين المسياجد؛ وقيد قييل فيي المذهيب إنيه أن‬
‫سيرق منهيا ليل قطيع‪ .‬وفروع هذا الباب كثيرة فيميا هيو حرز وميا‬
‫ليس بحرز‪ .‬واتفق القائلون بالحرز على أن كل من سمي مخرجا‬
‫للشيء من حرزه وجب عليه القطع‪ ،‬وسواء كان داخل الحرز أو‬
‫خارجيه‪ .‬وإذا ترددت التسيمية وقيع الخلف‪ ،‬مثيل اختلف المذهيب‬
‫إذا كان سييارقان‪ :‬أحدهمييا داخييل البيييت‪ ،‬والخيير خارجييه‪ ،‬فقرب‬
‫أحدهما المتاع المسروق إلى ثقب في البيت فتناوله الخر‪ ،‬فقيل‬
‫القطيع على الخارج المتناول له؛ وقييل‪ :‬ل قطيع على واحيد منهميا؛‬
‫وقييل القطيع على المقرب للمتاع مين الثقيب‪ .‬والخلف فيي هذا‬
‫كله آييل إلى انطلق اسييم المخرج مين الحرز علييه أو لنطلقييه‪.‬‬
‫فهذا هييو القول فييي الحرز واشتراطييه فييي وجوب القطييع‪ ،‬وميين‬
‫رمى بالمسروق من الحرز ثم أخذه خارج الحرز قطع‪ ،‬وقد توقف‬
‫مالك فييه إذا أخيذ بعيد رمييه وقبيل أن يخرج؛ وقال ابين القاسيم‪:‬‬
‫يقطع‪.‬‬
‫@‪(-‬فصل) وأما جنس المسروق‪ ،‬فإن العلماء اتفقوا على أن كل‬
‫متملك غيير ناطيق يجوز بيعيه وأخيذ العوض منيه‪ ،‬فإنيه يجيب فيي‬
‫سييرقته القطييع مييا عدا الشياء الرطبيية المأكولة‪ ،‬والشياء التييي‬
‫أصييلها مباحيية فإنهييم اختلفوا فييي ذلك‪ ،‬فذهييب الجمهور إلى أن‬
‫القطييع فييي كييل متموَّل يجوز بيعييه وأخييذ العوض فيييه؛ وقال أبييو‬
‫حنيفية‪ :‬ل قطيع فيي الطعام ول فيميا أصيله مباح كالصييد والحطيب‬
‫والحشييش‪ .‬فعمدة الجمهور عموم اليية الموجبية للقطيع وعموم‬
‫الثار الواردة فيي اشتراط النصياب‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية فيي منعيه‬
‫القطيع فيي الطعام الرطيب قوله علييه الصيلة والسيلم "ل قطيع‬
‫في ثمر ول كُث ْر" وذلك أن هذا الحديث روي هكذا مطلقا من غير‬
‫زيادة‪ .‬وعمدته أيضا في منع القطع فيما أصله مباح الشبهة التي‬
‫فييه لكيل مالك‪ ،‬وذلك أنهيم اتفقوا على أن مين شرط المسيروق‬
‫الذي يجييب فيييه القطييع أن ل يكون للسييارق فيييه شبهيية ملك‪.‬‬
‫واختلفوا فيما هو شبهة تدرأ الحد مما ليس بشبهة‪ ،‬وهذا هو أيضا‬
‫أحد الشروط المشترطة في المسروق هو في ثلثة مواضع‪ :‬في‬
‫جنسييه‪ ،‬وقدره‪ ،‬وشروطييه‪ ،‬وسييتأتي هذه المسييألة فيمييا بعييد‪.‬‬
‫واختلفوا من هذا الباب أعني من النظر في جنس المسروق في‬
‫المصحف فقال مالك والشافعي‪ :‬يقطع سارقه؛ وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫ل يقطيع‪ ،‬ولعيل هذا مين أبيي حنيفية بناء على أنيه ل يجوز بيعيه‪ ،‬أو‬
‫أن لكل أحد فيه حقا إذ ليس بمال‪ .‬واختلفوا من هذا الباب فيمن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سرق صغيرا مملوكا أعجميا ممن ل يفقه ول يعقل الكلم‪ ،‬فقال‬


‫الجمهور‪ :‬يقطع‪ .‬وأما إن كان كبيرا يفقه فقال مالك‪ :‬يقطع‪ ،‬وقال‬
‫أبيو حنيفية‪ :‬ل يقطيع‪ .‬واختلفوا فيي الحير الصيغير‪ ،‬فعنيد مالك أن‬
‫سارقه يقطع؛ ول يقطع عند أبي حنيفة‪ ،‬وهو قول ابن الماجشون‬
‫مين أصيحاب مالك‪ .‬واتفقوا كميا قلنيا أن شبهية الملك القويية تدرأ‬
‫هذا الحد‪ .‬واختلفوا في ما هو شب هة يدرأ من ذلك مما ل يدرأ منها‪،‬‬
‫فمنها العبد يسرق مال سيده؛ فإن الجمهور من العلماء على أنه‬
‫ل يقطييع؛ وقال أبييو ثور‪ :‬يقطييع ولم يشترط شرطييا؛ وقال أهييل‬
‫الظاهيير‪ :‬يقطييع إل أن يأتمنييه سيييده‪ .‬واشترط مالك فييي الخادم‬
‫الذي يجب أن يدرأ عنه الحد أن يكون يلي الخدمة لسيده بنفسه؛‬
‫والشافعييي مرة اشترط هذا ومرة لم يشترطييه‪ .‬وبدرء الحييد قال‬
‫عمير رضيي الله عنيه وابين مسيعود ول مخالف لهميا مين الصيحابة‪.‬‬
‫ومنهيا أحيد الزوجيين يسيرق مين مال الخير‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إذا كان‬
‫كل واحد ينفرد ببيت فيه متاعه فالقطع على من سرق من مال‬
‫صياحبه؛ وقال الشافعيي‪ :‬الحتياط أن ل قطيع على أحيد الزوجيين‬
‫لشبهيية الختلط وشبهيية المال‪ ،‬وقييد روي عنييه مثييل قول مالك‪،‬‬
‫واختاره المزنيي‪ .‬ومنهيا القرابات‪ ،‬فمذهيب مالك فيهيا أن ل يقطيع‬
‫الب في ما سيرق من مال البن فقيط لقوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"أنيت ومالك لبييك" ويقطيع كيل ميا سيواهم مين القرابات؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬ل يقطييع عمود النسييب العلى والسييفل‪ :‬يعنييي الب‬
‫والجداد والبناء وأبناء البناء؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يقطيع ذو الرحيم‬
‫المحرمية‪ ،‬وقال أبيو ثور‪ :‬تقطيع ييد كيل مين سيرق إل ميا خصيصه‬
‫الجماع‪ .‬ومنها اختلفهم فيمن سرق من الغنم أو من بيت المال؛‬
‫فقال مالك‪ :‬يقطيع؛ وقال عبيد الملك مين أصيحابه‪ :‬ل يقطيع‪ .‬فهذا‬
‫هو القول في الشياء التي يجب بها ما يجب في هذا الجناية‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الواجب‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الواجب في هذه الجناية إذا وجدت بالصفات التي ذكرنا‪،‬‬
‫أعنيي الموجودة فيي السيارق وفيي الشييء المسيروق وفيي صيفة‬
‫السيرقة‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أن الواجيب فييه القطيع من حييث هيي‬
‫جنايية‪ ،‬والغرم إذا لم يجيب القطيع‪ .‬واختلفوا هيل يجميع الغرم ميع‬
‫القطييع؟ فقال قوم‪ :‬عليييه الغرم مييع القطييع‪ ،‬وبييه قال الشافعييي‬
‫وأحميد واللييث وأبيو ثور وجماعية؛ وقال قوم‪ :‬لييس علييه غرم إذا‬
‫لم يجيد المسيروق منيه متاعيه بعينيه‪ ،‬وممين قال بهذا القول أبيو‬
‫حنيفيية والثوري وابيين أبييي ليلى وجماعيية؛ وفرق مالك وأصييحابه‬
‫فقال‪ :‬إن كان موسييرا أتبييع السييارق بقيميية المسييروق‪ ،‬وإن كان‬
‫معسيرا لم يتبيع بيه إذا أثرى‪ ،‬واشترط مالك دوام اليسير إلى يوم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القطع فيما حكى عنه ابن القاسم‪ .‬فعمدة من جمع بين المرين‬
‫أنه اجتمع في السرقة حقان‪ :‬حق لله‪ ،‬وحق للدمي‪ ،‬فاقتضى كل‬
‫حق موجبه‪ ،‬وأيضا فإنهم لما أجمعوا على أخذه منه إذا وجد بعينه‬
‫لزم إذا لم يوجييد بعينييه عنده أن يكون فييي ضمانييه قياسييا على‬
‫سيائر الموال الواجبية‪ .‬وعمدة الكوفييين حدييث عبيد الرحمين بين‬
‫عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ل يغرم السارق‬
‫إذا أقيم عليه الحد" وهذا الحديث مضعف عند أهل الحديث‪ .‬قال‬
‫أبيو عمير‪ :‬لنيه عندهيم مقطوع‪ ،‬قال‪ :‬وقيد وصيله بعضهيم وخرجيه‬
‫النسييائي‪ .‬والكوفيون يقولون‪ :‬إن اجتماع حقييين فييي حييق واحييد‬
‫مخالف للصول‪ ،‬ويقولون إن القطع هو بدل من الغرم‪ ،‬ومن هنا‬
‫يرون أنه إذا سرق شيئا ما فقطع فيه ثم سرقه ثانيا أنه ل يقطع‬
‫فييه‪ .‬وأميا تفرقية مالك فاسيتحسان على غيير قياس‪ .‬وأميا القطيع‬
‫فالنظر في محله وفيمن سرق وقد عدم المحل‪ .‬أما محل القطع‬
‫فهو اليد اليمنى باتفاق من الكوع‪ ،‬وهو الذي عليه الجمهور؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬الصابع فقط‪ .‬فأما إذا سرق من قد قطعت يده اليمنى في‬
‫السيييرقة‪ ،‬فإنهيييم اختلفوا فيييي ذلك فقال أهيييل الحجاز والعراق‪:‬‬
‫تقطيع رجله اليسيرى بعيد الييد اليمنيى؛ وقال بعيض أهيل الظاهير‬
‫وبعض التابعين‪ :‬تقطع اليد اليسرى بعد اليمنى‪ ،‬ول يقطع منه غير‬
‫ذلك‪ .‬واختلف مالك والشافعي وأبو حنيفة بعد اتفاقهم على قطع‬
‫الرجيل اليسيرى بعيد الييد اليمنيى‪ ،‬هيل يقيف القطيع إن سيرق ثالثية‬
‫أم ل؟ فقال سيفيان وأبيو حنيفية‪ :‬يقيف القطيع فيي الرجيل‪ ،‬وإنميا‬
‫علييه فيي الثالثية الغرم فقيط؛ وقال مالك والشافعيي‪ :‬إن سيرق‬
‫ثالثيية قطعييت يده اليسييرى‪ ،‬ثييم إن سييرق رابعيية قطعييت رجله‬
‫اليمنى‪ ،‬وكل القولين مروي عن عمر وأبي بكر‪ ،‬أعني قول مالك‬
‫وأبي حنيفة‪ .‬فعمدة من لم ير إل قطع اليد قوله تعالى {والسارق‬
‫والسيارقة فاقطعوا أيديهميا} ولم يذكير الرجيل إل فيي المحاربيين‬
‫فقيط‪ .‬وعمدة مين قطيع الرجيل بعيد الييد ميا روي "أن النيبي صيلى‬
‫الله علييه وسيلم أتيى بعبيد سيرق فقطيع يده اليمنيى‪ ،‬ثيم الثانيية‬
‫فقطع رجله‪ ،‬ثم أتى به في الثالثة فقطع يده اليسرى‪ ،‬ثم أتى به‬
‫في الرابعة فقطع رجله" وروي هذا من حديث جابر بن عبد الله‪،‬‬
‫وفييه "ثيم أخذه الخامسية فقتله" إل أنيه منكير عنيد أهيل الحدييث‪،‬‬
‫ويرده قوله علييه الصيلة والسيلم "هين فواحيش وفيهين عقوبية"‬
‫ولم يذكر قتل‪ .‬وحديث ابن عباس "أن النبي عليه الصلة والسلم‬
‫قطيع الرجيل بعيد الييد" وعنيد مالك أنيه يؤدب فيي الخامسية‪ ،‬فإذا‬
‫ذهب محل القطع من غير سرقة بأن كانت اليد شلء‪ ،‬فقيل في‬
‫المذهييب ينتقييل القطييع إلى اليييد اليسييرى‪ ،‬وقيييل إلى الرجييل‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلف فيي موضيع القطيع مين القدم‪ ،‬فقييل يقطيع مين المفصيل‬
‫الذي فيي أصيل السياق‪ ،‬وقييل يدخيل الكعبان فيي القطيع‪ ،‬وقييل ل‬
‫يدخلن‪ ،‬وقييل إنهيا تقطيع مين المفصيل الذي فيي وسيط القدم‪.‬‬
‫واتفقوا على أن لصيياحب السييرقة أن يعفييو عيين السييارق مييا لم‬
‫ير فع ذلك إلى المام لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن‬
‫جده أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم قال "تعافوا الحدود‬
‫بينكم فما بلغني من حد فقد وجب" وقوله عليه الصلة والسلم‬
‫"لو كانيت فاطمية بنيت محميد لقميت عليهيا الحيد" وقوله لصيفوان‬
‫"هل كان ذلك قبيل أن تأتينيي بيه؟"‪ .‬واختلفوا فيي السيارق يسيرق‬
‫ميا يجيب فييه القطيع فيرفيع إلى المام وقيد وهبيه صياحب السيرقة‬
‫مييا سييرقه‪ ،‬أو يهبييه له بعييد الرفييع وقبييل القطييع؛ فقال مالك‬
‫والشافعيي‪ :‬علييه الحيد‪ ،‬لنيه قيد رفيع إلى المام وقال أبيو حنيفية‬
‫وطائفة‪ :‬ل حد عليه‪ .‬فعمدة الجمهور حديث مالك عن ابن شهاب‬
‫عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية أنه قيل له "إن من‬
‫لم يهاجيير هلك‪ ،‬فقدم صييفوان بيين أمييية إلى المدينيية‪ ،‬فنام فييي‬
‫المسيجد وتوسيد رداءه فجاء سيارق فأخييذ رداءه‪ ،‬فأخييذ صيفوان‬
‫السارق فجاء به إلى ر سول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأمر به‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أن تقطيع يده‪ ،‬فقال صيفوان‪:‬‬
‫لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬فهل قبل أن تأتيني به"‪.‬‬
‫*‪*3‬القول فيما تثبت به السرقة‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن السييرقة تثبييت بشاهدييين عدلييين‪ ،‬وعلى أنهييا‬
‫تثبيت بإقرار الحير‪ .‬واختلفوا فيي إقرار العبيد؛ فقال جمهور فقهاء‬
‫المصييار‪ :‬إقراره على نفسييه موجييب لحده‪ ،‬وليييس يوجييب عليييه‬
‫غرميا؛ وقال زفير‪ :‬ل يجيب إقرار العبيد على نفسيه بميا يوجيب قتله‬
‫ول قطع يده لكونه مال لموله‪ ،‬وبه قال شريح والشافعي وقتادة‬
‫وجماعية‪ ،‬وإن رجيع عين القرار إلى شبهية قبيل رجوعيه‪ .‬وإن رجيع‬
‫إلى غير شبهة فعن مالك في ذلك روايتان‪ ،‬هكذا حكى البغداديون‬
‫عيين المذهييب‪ ،‬وللمتأخرييين فييي ذلك تفصيييل ليييس يليييق بهذا‬
‫الغرض‪ ،‬وإنما هو لئق بتفريع المذهب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الحرابة‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في هذا الكتاب قوله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون‬
‫الله ورسييوله} الييية‪ .‬وذلك أن هذه الييية عنييد الجمهور هييي فييي‬
‫المحاربيين‪ .‬وقال بعيض الناس‪ :‬إنهيا نزلت فيي النفير الذيين ارتدوا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي زمان النيبي علييه الصيلة والسيلم واسيتاقوا البيل‪ ،‬فأمير بهيم‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم فقطعييت أيديهييم وأرجلهييم‬
‫وسيملت أعينهيم‪ ،‬والصيحيح أنهيا فيي المحاربيين لقوله تعالى {إل‬
‫الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} وليس عدم القدرة عليهم‬
‫مشترطية فيي توبية الكفار فبقيي أنهيا فيي المحاربيين‪ .‬والنظير فيي‬
‫أصيول هذا الكتاب ينحصير فيي خمسية أبواب‪ :‬أحدهيا‪ :‬النظير فيي‬
‫الحرابية‪ .‬والثانيي‪ :‬النظير فيي المحارب‪ .‬والثالث‪ :‬فيميا يجيب على‬
‫المحارب‪ .‬والرابييع‪ :‬فييي مسييقط الواجييب عنييه وهييي التوبيية‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬بماذا تثبت هذه الجناية‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في النظر في الحرابة‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا الحرابية‪ ،‬فاتفقوا على أنهيا إشهار السيلح وقطيع السيبيل‬
‫خارج المصيير‪ ،‬واختلفوا فيميين حارب داخييل المصيير‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫داخييل المصيير وخارجييه سييواء؛ واشترط الشافعييي الشوكيية‪ ،‬وإن‬
‫كان لم يشترط العدد‪ ،‬وإنمييا معنييى الشوكيية عنده قوة المغالبيية‪،‬‬
‫ولذلك يشترط فيهيا البعيد عين العمران‪ ،‬لن المغالبية إنميا تتأتيى‬
‫بالبعيييد عييين العمران؛ وكذلك يقول الشافعيييي‪ :‬أنيييه إذا ضعيييف‬
‫السيلطان ووجدت المغالبية فيي المصير كانيت محاربية‪ ،‬وأميا غيير‬
‫ذلك فهيو عنده اختلس؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل تكون المحاربية فيي‬
‫المصر‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في النظر في المحارب‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا المحارب‪ :‬فهيو كيل مين كان دميه محقونيا قبيل الحرابية‪،‬‬
‫وهو المسلم والذمي‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث فيما يجب على المحارب‪.‬‬
‫@‪-‬وأما ما يجب على المحارب‪ ،‬فاتفقوا على أنه يجب عليه حق‬
‫لله وحيق للدمييين واتفقوا على أن حيق الله هيو القتيل والصيلب‬
‫وقطيع اليدي وقطيع الرجيل مين خلف‪ ،‬والنفيي على ميا نيص الله‬
‫تعالى فيي آيية الحرابية‪ .‬واختلفوا فيي هذه العقوبات هيل هيي على‬
‫التخييير أو مرتبية على قدر جنايية المحارب؛ فقال مالك‪ :‬إن قتيل‬
‫فل بد من قتله‪ ،‬وليس للمام تخيير في قطعه ول في نفيه‪ ،‬وإنما‬
‫التخييير فيي قتله أو صيلبه‪ .‬وأميا إن أخيذ المال ولم يقتيل فل تخييير‬
‫فيي نفييه‪ ،‬وإنميا التخييير فيي قتله أو صيلبه أو قطعيه مين خلف‪.‬‬
‫وأما إذا أخاف السبيل فقط فالمام عنده مخير في قتله أو صلبه‬
‫أو قطعيه أو نفييه‪ .‬ومعنيى التخييير عنده أن المير راجيع فيي ذلك‬
‫إلى اجتهاد المام‪ ،‬فإن كان المحارب مميييين له الرأي والتدبييييير‪،‬‬
‫فوجيه الجتهاد قتله أو صيلبه‪ ،‬لن القطيع ل يرفيع ضرره‪ .‬وإن كان‬
‫ل رأي له وإنما هو ذو قوة وبأس قطعه من خلف‪ .‬وإن كان ليس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فييه شييء مين هاتيين الصيفتين أخيذ بأيسير ذلك فييه وهيو الضرب‬
‫والنفي‪ .‬وذهب الشافعي وأبو حنيفة وجماعة من العلماء إلى أن‬
‫هذه العقوبة هي مرتبة على الجنايات المعلوم من الشرع ترتيبها‬
‫علييه‪ ،‬فل يقتيل مين المحاربيين إل مين قتيل‪ ،‬ول يقطيع إل مين أخيذ‬
‫المال‪ ،‬ول ينفييي إل ميين لم يأخييذ المال ول قتييل؛ وقال قوم‪ :‬بييل‬
‫المام مخييير فيهييم على الطلق‪ ،‬وسييواء قتييل أم لم يقتييل‪ ،‬أخييذ‬
‫المال أو لم يأخذه‪ .‬وسيييبب الخلف هيييل حرف "أو" فيييي اليييية‬
‫للتخييير أو للتفصييل على حسيب جناياتهيم؟ ومالك حميل البعيض‬
‫مين المحاربيين على التفصييل والبعيض على التخييير‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫معنى قوله {أو يصلبوا} فقال قوم‪ :‬إنه يصلب حتى يموت جوعا؛‬
‫وقال قوم‪ :‬بل معنى ذلك أنه يقتل ويصلب معا‪ ،‬وهؤلء منهم من‬
‫قال‪ :‬يقتل أول ثم يصلب‪ ،‬وهو قول أشهب‪ ،‬وقيل إنه يصلب حيا‬
‫ثيم يقتيل فيي الخشبية‪ ،‬وهيو قول ابين القاسيم وابين الماجشون؛‬
‫ومين رأى أنيه يقتيل أول ثيم يصيلب صيلى علييه عنده قبيل الصيلب؛‬
‫ومن رأى أنه يقتل في الخشبة فقال بعضهم‪ :‬ل يصلى عليه تنكيل‬
‫له‪ ،‬وقيل يقف خلف الخشبة ويصلى عليه؛ وقال سحنون‪ :‬إذا قتل‬
‫فيي الخشبية أنزل منهيا وصيلى علييه‪ .‬وهيل يعاد إلى الخشبية بعيد‬
‫الصيلة؟ فييه قولن عنيه؛ وذهيب أبيو حنيفية وأصيحابه أنيه ل يبقيى‬
‫على الخشبيية أكثيير ميين ثلثيية أيام‪ .‬وأمييا قوله {أو تقطييع أيديهييم‬
‫وأرجلهييييم ميييين خلف} فمعناه أن تقطييييع يده اليمنييييى ورجله‬
‫اليسيرى‪ ،‬ثيم إن عاد قطعيت يده اليسيرى ورجله اليمنيى‪ .‬واختلف‬
‫إذا لم تكيين له اليمنييى؛ فقال ابيين القاسييم‪ :‬تقطييع يده اليسييرى‬
‫ورجله اليمنيى؛ وقال أشهيب‪ :‬تقطيع يده اليسيرى ورجله اليسيرى‪.‬‬
‫واختلف أيضيا فيي قوله أو ينفوا مين الرض‪ ،‬فقييل إن النفيي هيو‬
‫السجن‪ ،‬وقيل إن النفي هو أن ينفى من بلد إلى بلد فيسجن فيه‬
‫إلى أن تظهر توبته‪ ،‬وهو قول ابن القاسم عن مالك‪ ،‬ويكون بين‬
‫البلديين أقيل ميا تقصير فييه الصيلة‪ ،‬والقولن عين مالك‪ ،‬وبالول‬
‫قال أبو حنيفة؛ وقال ابن الماجشون‪ :‬معنى النفي هو فرارهم من‬
‫المام لقامية الحيد عليهيم‪ ،‬فأميا أن ينفيى بعيد أن يقدر علييه فل؛‬
‫وقال الشافعيييي‪ :‬أميييا النفيييي فغيييير مقصيييود‪ ،‬ولكييين إن هربوا‬
‫شردناهيم فيي البلد بالتباع‪ ،‬وقييل هيي عقوبية مقصيودة‪ ،‬فقييل‬
‫على هذا ينفى ويسجن دائما‪ ،‬وكلها عن الشافعي؛ وقيل معنى أو‬
‫ينفوا‪ :‬أي من أرض السلم إلى أرض الحرب‪ .‬والذي يظهر هو أن‬
‫النفيي تغريبهيم عين وطنهيم لقوله تعالى {ولو أنيا كتبنيا عليهيم أن‬
‫اقتلوا أنفسيكم أو اخرجوا مين دياركيم} اليية‪ .‬فسيوى بيين النفيي‬
‫والقتييل‪ ،‬وهييي عقوبيية معروفيية بالعادة ميين العقوبات كالضرب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والقتيل‪ ،‬وكيل ميا يقال فييه سيوى هذا فلييس معروفيا ل بالعادة ول‬
‫بالعرف‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في مسقط الواجب عنه من التوبة‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا ميا يسيقط الحييق الواجييب عليييه‪ ،‬فإن الصييل فيييه قوله‬
‫تعالى {إل الذييين تابوا ميين قبييل أن تقدروا عليهييم} واختلف ميين‬
‫ذلك في أربعة مواضع‪ :‬أحدها‪ :‬هل تقبل توبته؟‪ .‬والثاني‪ :‬إن قبلت‬
‫فميا صيفة المحارب الذي تقبيل توبتيه؟ فإن لهيل العلم فيي ذلك‬
‫قوليين‪ :‬قول إنيه تقبيل توبتيه وهيو أشهير لقوله تعالى {إل الذيين‬
‫تابوا مين قبيل أن تقدروا عليهيم} وقول‪ :‬إنيه ل تقبيل توبتيه‪ ،‬قال‬
‫ذلك مين قال إن اليية لم تنزل فيي المحاربيين‪ .‬وأميا صيفة التوبية‬
‫التي تسقط الحكم فإنهم اختلفوا فيها على ثلثة أقوال‪ :‬أحدها أن‬
‫توبتيه تكون بوجهيين‪ :‬أحدهميا أن يترك ميا هيو علييه وإن لم يأت‬
‫المام؛ والثانيي أن يلقيي سيلحه ويأتيي المام طائعيا‪ ،‬وهيو مذهيب‬
‫ابين القاسيم‪ .‬والقول الثانيي أن توبتيه إنميا تكون بأن يترك ميا هيو‬
‫عليه ويجلس في موضعه ويظهر لجيرانه‪ ،‬وإن أتى المام قبل أن‬
‫تظهيير توبتييه أقام عليييه الحييد‪ ،‬وهذا هييو قول ابيين الماجشون‪.‬‬
‫والقول الثالث إن توبتييه إنمييا تكون بالمجييئ إلى المام‪ ،‬وإن ترك‬
‫ما هو عليه لم يسقط ذلك عنه حكما من الحكام إن أخذ قبل أن‬
‫يأتيي المام‪ ،‬وتحصييل ذلك هيو أن توبتيه قييل إنهيا تكون بأن يأتيي‬
‫المام قبيل أن يقدر علييه‪ ،‬وقييل إنهيا إنميا تكون إذا ظهرت توبتيه‬
‫قبييل القدرة فقييط‪ ،‬وقيييل تكون بالمرييين جميعييا‪ .‬وأمييا صييفة‬
‫المحارب الذي تقبييل توبتييه‪ ،‬فإنهييم اختلفوا فيهييا أيضييا على ثلثيية‬
‫أقوال‪ :‬أحدهيييا أن يلحيييق بدار الحرب‪ .‬والثانيييي أن تكون له فئة‪.‬‬
‫والثالث كيفمييا كانييت له فئة أو لم تكيين لحييق بدار الحرب أو لم‬
‫يلحق‪ .‬واختلف في المحارب إذا امتنع فأمنه المام على أن ينزل‪،‬‬
‫فقييل له المان ويسيقط عنيه حيد الحرابية‪ ،‬وقييل‪ :‬ل أمان له لنيه‬
‫إنما يؤمن المشرك‪ .‬وأما ما تسقط عنه التوبة‪ ،‬فاختلفوا في ذلك‬
‫على أربعية أقوال‪ :‬أحدهيا أن التوبية إنميا تسيقط عنيه حيد الحرابية‬
‫فقط‪ ،‬ويؤخذ بما سوى ذلك من حقوق الله وحقوق الدميين‪ ،‬وهو‬
‫قول مالك‪ .‬والقول الثانييي إن التوبيية تسييقط عنييه حييد الحرابيية‬
‫وجميييع حقوق الله ميين الزنييى والشراب والقطييع فييي السييرقة‪،‬‬
‫ويتبييييع بحقوق الناس ميييين الموال والدماء إل أن يعفييييو أولياء‬
‫المقتول‪ .‬والثالث أن التوبة ترفع جميع حقوق الله‪ ،‬ويؤخذ بالدماء‬
‫وفيي الموال بميا وجيد بعينيه فيي أيديهيم ول تتبيع ذممهيم‪ .‬والقول‬
‫الرابيع إن التوبية تسيقط جمييع حقوق الله وحقوق الدمييين مين‬
‫مال ودم إل ما كان من الموال قائم العين بيده‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬الباب الخامس بماذا تثبت هذه الجناية‪.‬‬


‫@‪-‬وأمييا بماذا يثبييت هذا الحييد فبالقرار والشهادة‪ ،‬ومالك يقبييل‬
‫شهادة المسييلوبين على الذييين سييلبوهم؛ وقال الشافعييي‪ :‬تجوز‬
‫شهادة أهل الرفقة عليهم إذا لم يدعوا لنفسهم ول لرفقائهم مال‬
‫أخذوه‪ ،‬وتثبت عند مالك الحرابة بشهادة السماع‪.‬‬
‫*‪*4‬فصل في حكم المحاربين على التأويل‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا حكيم المحاربيين على التأوييل‪ ،‬فإن محاربهيم المام‪ ،‬فإذا‬
‫قدر على واحييد منهييم لم يقتييل إل إذا كانييت الحرب قائميية‪ ،‬فإن‬
‫مالكيا قال‪ :‬إن للمام أن يقتله إن رأى ذلك لميا يخاف مين عونيه‬
‫لصيحابه على المسيلمين‪ .‬وأميا إذا أسير بعيد انقضاء الحرب‪ ،‬فإن‬
‫حكميه حكيم البدعيي الذي ل يدعيو إلى بدعتيه‪ ،‬وقييل يسيتتاب فإن‬
‫تاب وإل قتيل‪ ،‬وقييل يسيتتاب فإن لم يتيب يؤدب ول يقتيل‪ ،‬وأكثير‬
‫أهييل البدع إنمييا يكفرون بالمآل‪ .‬واختلف قول مالك فييي التكفييير‬
‫بالمآل ومعنيى التكفيير بالمآل‪ :‬أنهيم ل يصيرحون بقول هيو كفير‪،‬‬
‫ولكيين يصييرحون بأقوال يلزم عنهييا الكفيير وهييو ل يعتقدون ذلك‬
‫اللزوم‪ .‬وأميا ميا يلزم هؤلء مين الحقوق إذا ظفير بهيم‪ ،‬فحكمهيم‬
‫إذا تابوا أن ل يقام عليهيم حيد الحرابية‪ ،‬ول يؤخيذ منهيم ميا أخذوا‬
‫من المال إل أن يوجد بيده فيرد إلى ربه‪ .‬وإن ما اختلفوا هل يقتل‬
‫قصيياصا بميين قتييل؟ فقيييل يقتييل وهييو قول عطاء وأصييبغ؛ وقال‬
‫مطرف وابيين الماجشون عيين مالك‪ :‬ل يقتييل‪ ،‬وبييه قال الجمهور‪،‬‬
‫لن كييل ميين قاتييل على التأويييل فليييس بكافيير بتيية‪ ،‬أصييله قتال‬
‫الصحابة‪ ،‬وكذلك الكافر بالحقيقة هو المكذب ل المتأول‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في حكم المرتد‪.‬‬
‫@‪-‬والمرتييد إذا ظفيير بييه قبييل أن يحارب‪ ،‬فاتفقوا على أن يقتييل‬
‫الرجييل لقوله عليييه الصييلة والسييلم "ميين بدل دينييه فاقتلوه"‬
‫واختلفوا فييي قتييل المرأة وهييل تسييتتاب قبييل أن تقتييل؟ فقال‬
‫الجمهور‪ :‬تقتيل المرأة؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل تقتيل وشبههيا بالكافرة‬
‫الصييلية‪ ،‬والجمهور اعتمدوا العموم الوارد فييي ذلك؛ وشييذ قوم‬
‫فقالوا‪ :‬تقتل وإن راجعت السلم وأما الستتابة فإن مالكا شرط‬
‫فيي قتله ذلك على ميا راوه عين عمير؛ وقال قوم‪ :‬ل تقبيل توبتيه‪،‬‬
‫وأمييا إذا حارب المرتييد ثييم ظهيير عليييه فإنييه يقتييل بالحرابيية ول‬
‫يسيتتاب‪ ،‬كانيت حرابتيه بدار السيلم أو بعيد أن لحيق بدار الحرب‪،‬‬
‫إل أن يسيلم‪ .‬وأميا إذا أسيلم المرتيد المحارب بعيد أن أخيذ أو قبيل‬
‫أن يؤخييذ‪ ،‬فإنييه يختلف فييي حكمييه‪ ،‬فإن كانييت حرابتييه فييي دار‬
‫الحرب فهو عند مالك كالحربي يسلم لتباعه عليه في شيء مما‬
‫فعل في حال ارتداده‪ .‬وأما إن كانت حرابته في دار السلم‪ ،‬فإنه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يسقط إسلمه عنه حكم الحرابة خاصة‪ ،‬وحكمه فيما جنى حكم‬
‫المرتيد إذا جنيى فيي ردتيه فيي دار السيلم ثيم أسيلم؛ وقيد اختلف‬
‫أصييحاب مالك فيييه فقال‪ :‬حكمييه حكييم المرتييد ميين اعتييبر يوم‬
‫الجنايية؛ وقال‪ :‬حكميه حكيم المسيلم مين اعتيبر يوم الحكيم‪ .‬وقيد‬
‫اختلف فيي هذا الباب فيي حكيم السياحر؛ فقال مالك‪ :‬يقتيل كفرا؛‬
‫وقال قوم‪ :‬ل يقتل‪ ،‬والصل أن ل يقتل إل مع الكفر‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القضية‬
‫@‪-‬وأصول هذا الكتاب تنحصر في ستة أبواب‪ :‬أحدها‪ :‬في معرفة‬
‫مين يجوز قضاؤه‪ .‬والثانيي‪ :‬فيي معرفية ميا يقضيي بيه‪ .‬والثالث فيي‬
‫معرفة ما يقضي فيه‪ .‬والرابع‪ :‬في معرفة من يقضي عليه أو له‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬في كيفية القضاء‪ .‬والسادس‪ :‬في وقت القضاء‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في معرفة من يجوز قضاؤه‪.‬‬
‫@‪-‬والنظيير فييي هذا الباب فيميين يجوز قضاؤه‪ ،‬وفيمييا يكون بييه‬
‫أفضييل‪ .‬فأمييا الصييفات المشترطيية فييي الجواز‪ :‬فأن يكون حرا‬
‫مسيلما بالغيا ذكرا عاقل عدل‪ .‬وقيد قييل فيي المذهيب إن الفسيق‬
‫يوجيب العزل ويمضيي ميا حكيم بيه‪ .‬واختلفوا فيي كونيه مين أهيل‬
‫الجتهاد؛ فقال الشافعيي‪ :‬يجيب أن يكون مين أهيل الجتهاد ومثله‬
‫حكييى عبييد الوهاب عيين المذهييب؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬يجوز حكييم‬
‫العاميي‪ .‬قال القاضيي‪ :‬وهيو ظاهير ميا حكاه جدي رحمية الله علييه‬
‫فييي المقدمات عيين المذهييب لنييه جعييل كون الجتهاد فيييه ميين‬
‫الصييفات المسييتحبة‪ .‬وكذلك اختلفوا فييي اشتراط الذكورة؛ فقال‬
‫الجمهور‪ :‬هيي شرط فيي صيحة الحكيم؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬يجوز أن‬
‫تكون المرأة قاضييييا فيييي الموال؛ قال الطيييبري‪ :‬يجوز أن تكون‬
‫المرأة حاكميا على الطلق فيي كيل شييء؛ قال عبيد الوهاب‪ :‬ول‬
‫أعلم بينهييم اختلفييا فييي اشتراط الحرييية؛ فميين رد قضاء المرأة‬
‫شبهيه بقضاء المامية الكيبرى‪ ،‬وقاسيها أيضيا على العبيد لنقصيان‬
‫حرمتها؛ ومن أجاز حكمها في الموال فتشبيها بجواز شهادتها في‬
‫الموال؛ ومن رأى حكمها نافذا في كل شيء قال‪ :‬إن الصل هو‬
‫أن كييل ميين يتأتييى منييه الفصييل بييين الناس فحكمييه جائز إل مييا‬
‫خصييصه الجماع ميين الماميية الكييبرى‪ .‬وأمييا اشتراط الحرييية فل‬
‫خلف فييه‪ ،‬ول خلف فيي مذهيب مالك أن السمع والبصير والكلم‬
‫مشترطة في استمرار وليته وليس شرطا في جواز وليته‪ ،‬وذلك‬
‫أن مين صيفات القاضيي فيي المذهيب ميا هيي شرط فيي الجواز‪،‬‬
‫فهذا إذا ولي عزل وفسيخ جمييع ميا حكيم بيه ومنهيا ميا هيي شرط‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي السيتمرار وليسيت شرطيا فيي الجواز‪ ،‬فهذا إذا ولى القضاء‬
‫عزل ونفذ ما حكم به إل أن يكون جورا‪ .‬ومن هذا الجنس عندهم‬
‫هذه الثلث صفات‪ .‬ومن شرط القضاء عند مالك أن يكون واحدا‪.‬‬
‫والشافعي يجيز أن يكون في المصر قاضيان اثنان إذا رسم لكل‬
‫واحيد منهميا ميا يحكيم فييه‪ ،‬وإن شرط اتفاقهميا فيي كيل حكيم لم‬
‫يجييز‪ ،‬وإن شرط السييتقلل لكييل واحييد منهمييا فوجهان‪ :‬الجواز‬
‫والمنييع‪ ،‬قال‪ :‬وإذا تنازع الخصييمان فييي اختيار أحدهمييا وجييب أن‬
‫يقترعيا عنده‪ .‬وأميا فضائل القضاء فكثيرة‪ ،‬وقيد ذكرهيا الناس فيي‬
‫كتبهيم‪ .‬وقد اختلفوا في المي هل يجوز أن يكون قاضيا؟ والبين‬
‫جوازه لكونه عليه الصلة والسلم أميا؛ وقال قوم‪ :‬ل يجوز؛ وعن‬
‫الشافعييي القولن جميعييا‪ ،‬لنييه يحتمييل أن يكون ذلك خاصييا بييه‬
‫لموضيع العجيز‪ ،‬ول خلف فيي جواز حكيم المام العظيم وتوليتيه‬
‫للقاضي شرط في صحة قضائه ل خلف أعرف فيه‪ .‬واختلفوا من‬
‫هذا الباب فيي نفوذ حكيم مين رضييه المتداعيان ممين لييس بوال‬
‫على الحكام‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجوز؛ وقال الشافعيي‪ :‬فيي أحيد قولييه‬
‫ل يجوز؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز إذا وافق حكمه حكم قاضي البلد‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في معرفة ما يقضي به‪.‬‬
‫@‪-‬وأما فيما يحكم‪ ،‬فاتفقوا أن القاضي يحكم في كل شيء من‬
‫الحقوق كان حقييا لله أو حقييا للدميييين‪ ،‬وأنييه نائب عيين المام‬
‫العظيم في هذا المعنى وأنه يعقد النكحة ويقدم الوصياء‪ ،‬وهيل‬
‫يقدم الئميية فييي المسيياجد الجامعيية؟ فيييه خلف‪ ،‬وكذلك هييل‬
‫يسيتخلف فييه خلف فيي المرض والسيفر إل أن يؤذن له‪ ،‬ولييس‬
‫ينظير فيي الجباة ول فيي غيير ذلك مين الولة‪ ،‬وينظير فيي التحجيير‬
‫على السفهاء عند من يرى التحجير عليهم‪ .‬ومن فروع هذا الباب‬
‫هيل ميا يحكيم فييه الحاكيم تحلة للمحكوم له بيه‪ ،‬وإن لم يكين فيي‬
‫نفسييه حلل‪ ،‬وذلك أنهييم أجمعوا على أن حكييم الحاكييم الظاهيير‬
‫الذي يعترييييه ل يحيييل حراميييا ول يحرم حلل‪ ،‬وذلك فيييي الموال‬
‫خاصة لقوله عليه الصلة والسلم "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون‬
‫إلي فلعيل بعضكيم أن يكون ألحين بحجتيه مين بعيض فأقضيي له‬
‫على نحو ما أسمع منه‪ ،‬فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فل‬
‫يأخذ منه شيئا‪ ،‬فإنما أقطع له قطعة من النار"‪ .‬واختلفوا في حل‬
‫عصمة النكاح أو عقده بالظاهر الذي يظن الحاكم أنه حق وليس‬
‫بحيق‪ ،‬إذ ل تحيل حرام‪ ،‬ول يحرم حلل بظاهير حكيم الحاكيم دون‬
‫أن يكون الباطييين كذلك هيييل يحيييل ذلك أم ل؟ فقال الجمهور‪:‬‬
‫الموال والفروج في ذلك سواء‪ ،‬ل يحل حكم الحاكم منها حراما‬
‫ول يحرم حلل‪ ،‬وذلك مثل أن يشهد شاهدا زورا في امرأة أجنبية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أنهيا زوجية لرجيل أجنيبي ليسيت له بزوجية؛ فقال الجمهور‪ :‬ل تحيل‬
‫له وإن أحلهييا الحاكييم بظاهيير الحكييم؛ وقال أبييو حنيفيية وجمهور‬
‫أصحابه‪ :‬تحل له‪ .‬فعمدة الجمهور عموم الحديث المتقدم‪ ،‬وشبهة‬
‫أبييو حنيفيية أن الحكييم باللعان ثابييت بالشرع‪ ،‬وقييد علم أن أحييد‬
‫المتلعنيييين كاذب‪ ،‬واللعان يوجيييب الفرقييية‪ ،‬ويحرم المرأة على‬
‫زوجهيا الملعين لهيا ويحلهيا لغيره‪ ،‬فإن كان هيو الكاذب فلم تحرم‬
‫علييه إل بحكيم الحاكيم‪ ،‬وكذلك إن كانيت هيي الكاذبية‪ ،‬لن زناهيا ل‬
‫يوجب فرقتها على قول أكثر الفقهاء؛ والجمهور أن الفرقة ها هنا‬
‫إنما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث فيما يكون به القضاء‪.‬‬
‫@‪-‬والقضاء يكون بأربع‪ :‬بالشهادة‪ ،‬وباليمين‪ ،‬وبالنكول‪ ،‬وبالقرار‪،‬‬
‫أو بما تركب من هذه ففي هذا الباب أربعة فصول‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في الشهادة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي الشهود فيي ثلثية أشياء‪ :‬فيي الصيفة‪ ،‬والجنيس‪،‬‬
‫والعدد‪ .‬فأمييا عدد الصييفات المعتييبرة فييي قبول الشاهييد بالجملة‬
‫فهيي خمسية‪ :‬العدالة‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والسيلم‪ ،‬والحريية‪ ،‬ونفيي التهمية‪.‬‬
‫وهذه منهييا متفييق عليهييا‪ ،‬ومنهييا مختلف فيهييا‪ .‬أمييا العدالة‪ ،‬فإن‬
‫المسيلمين اتفقوا على اشتراطهيا فيي قبول شهادة الشاهيد لقوله‬
‫تعالى {ممن ترضون من الشهداء} ولقوله تعالى {وأشهدوا ذوي‬
‫عدل منكم} واختلفوا فيما هي العدالة؛ فقال الجمهور‪ :‬هي صفة‬
‫زائدة على السييييلم‪ ،‬وهييييو أن يكون ملتزمييييا لواجبات الشرع‬
‫ومسييتحباته‪ ،‬مجنبييا للمحرمات والمكروهات؛ وقال أبييو حنيفيية‪:‬‬
‫يكفيي فيي العدالة ظاهير السيلم‪ ،‬وأن ل تعلم منيه جرحية‪ .‬وسيبب‬
‫الخلف كميييا قلنيييا ترددهيييم فيييي مفهوم اسيييم العدالة المقابلة‬
‫للفسيق‪ ،‬وذلك أنهيم اتفقوا على أن شهادة الفاسيق ل تقبيل لقوله‬
‫تعالى {يييا أيهييا الذييين آمنوا إن جاءكييم فاسييق بنبييأ} الييية‪ .‬ولم‬
‫يختلفوا أن الفاسيق تقبيل شهادتيه إذا عرفيت توبتيه‪ ،‬إل مين كان‬
‫فسقه من قبل القذف‪ .‬فإن أبا حنيفة يقول‪ :‬ل تقبل شهادته وإن‬
‫تاب‪ .‬والجمهور يقولون‪ :‬تقبيل‪ .‬وسيبب الخلف هيل يعود السيتثناء‬
‫فييييييي قوله تعالى {ول تقبلوا لهييييييم شهادة أبدا وأولئك هييييييم‬
‫الفاسيقون‪ .‬إل الذيين تابوا مين بعيد ذلك} إلى أقرب مذكور إلييه‪،‬‬
‫أو على الجملة إل ميا خصيصه الجماع‪ ،‬وهيو أن التوبية ل تسيقط‬
‫عنييه الحييد‪ ،‬وقييد تقدم هذا‪ .‬وأمييا البلوغ فإنهييم اتفقوا على أنييه‬
‫يشترط حييييث تشترط العدالة‪ .‬واختلفوا فيييي شهادة الصيييبيان‬
‫بعضهيم على بعيض فيي الجراح وفيي القتيل‪ ،‬فردهيا جمهور فقهاء‬
‫المصيار لميا قلناه مين وقوع الجماع على أن مين شرط الشهادة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العدالة‪ ،‬وميين شرط العدالة البلوغ‪ ،‬ولذلك ليسييت فييي الحقيقيية‬


‫شهادة عند مالك‪ ،‬وإنما هي قرينة حال‪ ،‬ولذلك اشترط فيها أن ل‬
‫يتفرقوا لئل يجبنوا‪ .‬واختلف أصحاب مالك هل تجوز إذا كان بينهم‬
‫كييبير أم ل؟ ولم يختلفوا أنييه يشترط فيهييا العدة المشترطيية فييي‬
‫الشهادة‪ ،‬واختلفوا هيل يشترط فيهيا الذكورة أم ل؟ واختلفوا أيضيا‬
‫هل تجوز في القتل الواقع بينهم؟ ول عمدة لمالك في هذا إل أنه‬
‫مروي عين ابين الزبيير‪ .‬قال الشافعيي‪ :‬فإذا احتيج محتيج بهذا قييل‬
‫له‪ :‬إن ابيين عباس قييد ردهييا‪ ،‬والقرآن يدل على بطلنهييا؛ وقال‬
‫بقول مالك ابين أبيي ليلى وقوم مين التابعيين‪ ،‬وإجازة مالك لذلك‬
‫هو من باب إجازته قياس المصلحة‪.‬‬
‫وأمييا السييلم فاتفقوا على أنييه شرط فييي القبول‪ ،‬وأنييه ل تجوز‬
‫شهادة الكافير‪ ،‬إل ميا اختلفوا فييه مين جواز ذلك فيي الوصيية فيي‬
‫السيفر لقوله تعالى {ييا أيهيا الذيين آمنوا شهادة بينكيم إذا حضير‬
‫أحدكييم الموت حييين الوصييية اثنان ذوا عدل منكييم أو آخران ميين‬
‫غيركييم} الييية‪ .‬فقال أبييو حنيفيية‪ :‬يجوز ذلك على الشروط التييي‬
‫ذكرهييا الله؛ وقال مالك والشافعييي‪ :‬ل يجوز ذلك‪ ،‬ورأوا أن الييية‬
‫منسيوخة‪ .‬وأميا الحريية فإن جمهور فقهاء المصيار على اشتراطهيا‬
‫فييي قبول الشهادة؛ وقال أهييل الظاهيير‪ :‬تجوز شهادة العبييد‪ ،‬لن‬
‫الصل إنما هو اشتراط العدالة‪ ،‬والعبودية ليس لها تأثير في الرد‪،‬‬
‫إل أن يثبييت ذلك ميين كتاب الله أو سيينة أو إجماع‪ ،‬وكأن الجمهور‬
‫رأوا أن العبوديية أثير مين أثير الكفير فوجيب أن يكون لهيا تأثيير فيي‬
‫رد الشهادة‪ .‬وأميا التهمية التيي سيببها المحبية‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا‬
‫على أنهييا مؤثرة فييي إسييقاط الشهادة‪ .‬واختلفوا فييي رد شهادة‬
‫العدل بالتهميية لموضييع المحبيية أو البغضيية التييي سييببها العداوة‬
‫الدنيويية‪ ،‬فقال بردهيا فقهاء المصيار‪ ،‬إل أنهيم اتفقوا فيي مواضيع‬
‫على أعمال التهميية‪ ،‬وفييي مواضييع على إسييقاطها‪ ،‬وفييي مواضييع‬
‫اختلفوا فيها فأعملها بعضهم وأسقطها بعضهم‪ .‬فمما اتفقوا عليه‬
‫رد شهادة الب لبنييه والبيين لبيييه‪ ،‬وكذلك الم لبنهييا وابنهييا لهييا‪.‬‬
‫وممييا اختلفوا فييي تأثييير التهميية فييي شهادتهييم شهادة الزوجييين‬
‫أحدهما للخر‪ ،‬فإن مالكا ردها وأبا حنيفة‪ ،‬وأجازها الشافعي وأبو‬
‫ثور والحسين؛ وقال ابين أبيي ليلى‪ :‬تقبيل شهادة الزوج لزوجيه ول‬
‫تقبل شهادتها له‪ ،‬وبه قال النخعي‪ .‬ومما اتفقوا عليه على إسقاط‬
‫التهمة فيه شهادة الخ لخيه مالم يدفع بذلك عن نفسه عارا على‬
‫ميا قال مالك‪ ،‬ومالم يكين منقطعيا إلى أخييه يناله بره وصيلته‪ ،‬ميا‬
‫عدا الوزاعييي فإنييه قال‪ :‬ل تجوز‪ .‬وميين هذا الباب اختلفهييم فييي‬
‫قبول شهادة العدو على عدوه؛ فقال مالك والشافعييي‪ :‬ل تقبييل؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬تقبل‪ .‬فعمدة الجمهور في رد الشهادة بالتهمة ما‬


‫روي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "ل تقبل شهادة خصم ول‬
‫ظنيين" وميا خرجيه أبيو داود مين قوله علييه الصيلة والسيلم "ل‬
‫تقبيل شهادة بدوي على حضري" لقلة شهود البدوي ميا يقيع فيي‬
‫المصير‪ ،‬فهذه هيي عمدتهيم مين طرييق السيماع‪ .‬وأميا مين طرييق‬
‫المعنيى فلموضيع التهمية‪ ،‬وقيد أجميع الجمهور على أن تأثيرهيا فيي‬
‫الحكام الشرعية مثل اجتماعهم على أنه ل يرث القاتل المقتول‪،‬‬
‫وعلى وريث المبتوتة في المرض وإن كان فيه خلف‪.‬‬
‫وأما الطائفة الثانية وهم شريح وأبو ثور وداود فإنهم قالوا‪ :‬تقبل‬
‫شهادة الب لبنيه فضل عمين سيواه إذا كان الب عدل‪ :‬وعمدتهيم‬
‫قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله‬
‫ولو على أنفسكم أو الوالدين والقربين} والمر بالشيء يقتضي‬
‫إجزاء المأمور به إل ما خصصه الجماع من شهادة المرء لنفسه‪.‬‬
‫وأميا مين طرييق النظير‪ ،‬فإن لهيم أن يقولوا رد الشهادة بالجملة‬
‫إنميا هيو لموضيع اتهام الكذب‪ ،‬وهذه التهمية إنميا اعتملهيا الشرع‬
‫فييي الفاسييق ومنييع إعمالهييا فييي العادل‪ ،‬فل تجتمييع العدالة مييع‬
‫التهميية‪ .‬وأمييا النظيير فييي العدد والجنييس‪ ،‬فإن المسييلمين اتفقوا‬
‫على أنه ل يثبت الزنى بأقل من أربعة عدول ذكور‪ ،‬واتفقوا على‬
‫أ نه تثبيت جمييع الحقوق ما عدا الزنيى بشاهد ين عدليين ذكر ين ما‬
‫خل الحسين البصيري‪ ،‬فإنيه قال‪ :‬ل تقبيل بأقيل مين أربعية شهداء‬
‫تشبيها بالرجم‪ ،‬وهذا ضعيف لقوله سبحانه {واستشهدوا شهيدين‬
‫مين رجالكيم} وكيل متفيق أن الحكيم يجيب بالشاهديين مين غيير‬
‫يمين المدعي‪ ،‬إل ابن أبي ليلى فإنه قال‪ :‬ل بد من يمينه‪ .‬واتفقوا‬
‫على أنييه تثبييت الموال بشاهييد عدل ذكيير وامرأتييين لقوله تعالى‬
‫{فرجييل وامرأتان مميين ترضون ميين الشهداء} واختلفوا فييي‬
‫قبولهمييا فييي الحدود‪ ،‬فالذي عليييه الجمهور أنييه ل تقبييل شهادة‬
‫النسياء فيي الحدود ل ميع رجيل ول مفردات؛ وقال أهيل الظاهير‪:‬‬
‫تقبيل إذا كان معهين رجيل وكان النسياء أكثير مين واحدة فيي كيل‬
‫شييء على ظاهير اليية؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬تقبيل فيي الموال وفيميا‬
‫عدا الحدود مييين أحكام البدان مثيييل الطلق والرجعييية والنكاح‬
‫والعتيق؛ ول تقبيل عنيد مالك فيي حكيم مين أحكام البدن‪ :‬واختلف‬
‫أصييحاب مالك فييي قبولهيين فييي حقوق البدان المتعلقيية بالمال‪،‬‬
‫مثيل الوكالت والوصيية التيي ل تتعلق إل بالمال فقيط؛ فقال مالك‬
‫وابن القاسم وابن وهب‪ :‬يقبل فيه شاهد وامرأتان؛ وقال أشهب‬
‫وابن الماجشون‪ :‬ل يقبل فيه إل رجلن‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأمييا شهادة النسيياء مفردات‪ ،‬أعنييي النسيياء دون الرجال فهييي‬


‫مقبولة عنيييد الجمهور فيييي حقوق البدان التيييي ل يطلع عليهيييا‬
‫الرجال غالبييا مثييل الولدة والسييتهلل وعيوب النسيياء‪ .‬ول خلف‬
‫في شيء من هذا إل في الرضاع‪ ،‬فإن أبا حنيفة قال‪ :‬ل تقبل فيه‬
‫شهادتهين إل ميع الرجال‪ ،‬لنيه عنده مين حقوق البدان التيي يطلع‬
‫عليها الرجال والن ساء‪ .‬والذين قالوا بجواز شهادتهن مفردات في‬
‫هذا الجنييس اختلفوا فييي العدد المشترط فييي ذلك منهيين؛ فقال‬
‫مالك‪ :‬يكفي في ذلك امرأتان‪ ،‬قيل مع انتشار المر‪ ،‬وقيل إن لم‬
‫ينتشير؛ وقال الشافعيي‪ :‬لييس يكفيي فيي ذلك أقيل مين أربيع‪ ،‬لن‬
‫الله عيز وجيل قيد جعيل عدييل الشاهيد الواحيد امرأتيين‪ ،‬واشترط‬
‫الثنينييية؛ وقال قوم‪ :‬ل يكتفييي بذلك أقييل ميين ثلث وهييو قول ل‬
‫معنى له؛ وأجاز أبو حنيفة شهادة المرأة فيما بين السرة والركبة‪،‬‬
‫وأحسيييب أن الظاهريييية أو بعضهيييم ل يجيزون شهادة النسييياء‬
‫مفردات في كل شيء كما يجيزون شهادتهن مع الرجال في كل‬
‫شييء وهيو الظاهير‪ .‬وأميا شهادة المرأة الواحدة بالرضاع‪ ،‬فإنهيم‬
‫أيضا اختلفوا فيها لقوله عليه الصلة والسلم في المرأة الواحدة‬
‫التيي شهدت بالرضاع "كيف وقيد أرضعتك ما" وهذا ظاهره النكار‪،‬‬
‫ولذلك لم يختلف قول مالك في أنه مكروه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا اليمان‪ ،‬فإنهييم اتفقوا على أنهييا تبطييل بهييا الدعوى عيين‬
‫المدعي عليه إذا لم تكن للمدعي بينة‪ .‬واختلفوا هل يثبت بها حق‬
‫المدعيي؛ فقال مالك‪ :‬يثبيت بهيا حيق المدعيي فيي إثبات ميا أنكره‬
‫المدعيي علييه وإبطال ميا ثبيت علييه مين الحقوق إذا ادعيى الذي‬
‫ثبيت علييه إسيقاطه فيي الموضيع الذي يكون المدعيي أقوى سيببا‬
‫وشبهية مين المدعيى علييه؛ وقال غيره ل تثبيت للمدعيي باليميين‬
‫دعوى سيواء كانيت فيي إسيقاط حيق عين نفسيه قيد ثبيت علييه‪ ،‬أو‬
‫إثبات حق أنكره فيه خصمه‪ .‬وسبب اختلفهم ترددهم في مفهوم‬
‫قوله علييه الصيلة والسيلم "البينية على مين ادعيى واليميين على‬
‫من أنكير" هل ذلك عام فيي كيل مدعيى علييه ومدع‪ ،‬أم إنميا خص‬
‫المدعي بالبينة والمدعى عليه باليمين‪ ،‬لن المدعي في الكثر هو‬
‫أضعف شبهة من المدعى عليه والمدعى عليه بخلفه؟ فمن قال‬
‫هذا الحكيم عام فيي كيل مدع ومدعيى علييه ولم يرد بهذا العموم‬
‫خ صوصا قال‪ :‬ل يثبت باليمين حق‪ ،‬ول يسقط به حق ثبت؛ ومن‬
‫قال إنميا خيص المدعيى علييه بهذا الحكيم مين جهية ميا هيو أقوى‬
‫شبهية قال‪ :‬إذا اتفيق أن يكون موضيع تكون فييه شبهية المدعيي‬
‫أقوى يكون القول قوله‪ ،‬واحتيييج هؤلء بالمواضيييع التيييي اتفيييق‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجمهور فيهيا على أن القول فيهيا قول المدعيي ميع يمينيه‪ ،‬مثيل‬
‫دعوى التلف فيي الوديعية وغيير ذلك إن وجيد شييء بهذه الصيفة‪،‬‬
‫ولولئك أن يقولوا‪ :‬الصيل ميا ذكرنيا إل ميا خصيصه التفاق‪ ،‬وكلهيم‬
‫مجتمعون على أن اليمييين التييي تسييقط الدعوى أو تثبتهييا هييي‬
‫اليمين بالله‪ ،‬الذي ل إله إل هو‪ ،‬وأقاويل فقهاء المصار في صفتها‬
‫متقاربية؛ وهيي عنيد مالك‪ :‬بالله الذي ل إله إل هيو‪ ،‬ل يزييد عليهيا‪،‬‬
‫ويزييد الشافعيي الذي يعلم مين السير ميا يعلم مين العلنيية‪ .‬وأميا‬
‫هل تغلظ بالمكان؟ فإنهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فذهب مالك إلى أنها‬
‫تغلظ بالمكان وذلك فييييي قدر مخصييييوص‪ ،‬وكذلك الشافعييييي‪.‬‬
‫واختلفوا فيي القدر‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إن مين ادعيى علييه بثلثية دراهيم‬
‫فصاعدا وجبت عليه اليمين في المسجد الجامع‪ ،‬فإن كان مسجد‬
‫النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬فل خلف أنه يحلف على المنبر‪ ،‬وإن‬
‫كان فييي غيره ميين المسيياجد ففييي ذلك روايتان‪ :‬إحداهمييا حيييث‬
‫اتفيق مين المسيجد‪ ،‬والخرى عنيد المنيبر‪ .‬وروى عنيه ابين القاسيم‬
‫أنييه يحلف فيمييا له بال فييي الجامييع ولم يحدد؛ وقال الشافعييي‪:‬‬
‫يحلف فيي المدينية عنيد المنيبر‪ ،‬وفيي مكية بيين الركين والمقام‪،‬‬
‫وكذلك عنده فيي كيل بلد يحلف عنيد المنيبر‪ ،‬والنصياب عنده فيي‬
‫ذلك عشرون دينارا؛ وقال داود‪ :‬يحلف على المنييبر فييي القليييل‬
‫والكثير؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل تغلظ اليمين بالمكان‪.‬‬
‫وسيبب الخلف هيل التغلييظ الوارد فيي الحلف على منيبر النيبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يفهم منه وجوب الحلف على المنبر أم ل؟‬
‫فمين قال إنيه يفهيم منيه ذلك قال‪ :‬لنيه لو لم يفهيم منيه ذلك لم‬
‫يكن للتغليظ في ذلك معنى؛ ومن قال للتغليظ معنى غير الحكم‬
‫بوجوب اليمييين على المنييبر قال‪ :‬ل يجييب الحلف على المنييبر‪.‬‬
‫والحديث الوارد في التغليظ هو حديث جابر بن عبد الله النصاري‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من حلف على منبري‬
‫آثميا تبوأ مقعده مين النار" واحتيج هؤلء بالعميل فقالوا‪ :‬هيو عميل‬
‫الخلفاء‪ ،‬قال الشافعييي‪ :‬لم يزل عليييه العمييل بالمدينيية وبمكيية‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولو كان التغلييظ ل يفهيم منيه إيجاب اليميين فيي الموضيع‬
‫المغلظ لم يكيين له فائدة إل تجنييب اليمييين فييي ذلك الموضييع‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وكميا أن التغلييظ الوارد فيي اليميين مجردا مثيل قوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "مين اقتطيع حيق امرئ مسيلم بيمينيه حرم الله‬
‫علييه الجنية وأوجيب له النار" يفهيم منيه وجوب القضاء باليميين‪،‬‬
‫وكذلك التغلييظ الوارد فيي المكان‪ .‬وقال الفرييق الخير‪ :‬ل يفهيم‬
‫ميين التغليييظ باليمييين وجوب الحكييم باليمييين‪ ،‬وإذ لم يفهييم ميين‬
‫تغلييظ اليميين وجوب الحكيم باليميين لم يفهيم مين تغلييظ اليميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالمكان وجوب اليميين بالمكان ولييس فييه إجماع مين الصيحابة‪،‬‬


‫والختلف فييه مفهوم مين قضيية زييد بين ثابيت؛ وتغلظ بالمكان‬
‫عنييد مالك فييي القسييامة واللعان‪ ،‬وكذلك بالزمان لنييه قال فييي‬
‫اللعان أن يكون بعيد صيلة العصير على ميا جاء فيي التغلييظ فيمين‬
‫حلف بعيد العصير‪ ،‬وأميا القضاء باليميين ميع الشاهيد فإنهيم اختلفوا‬
‫فييييه؛ فقال مالك والشافعيييي وأحميييد وداود وأبيييو ثور والفقهاء‬
‫السييبعة المدنيون وجماعيية‪ :‬يقضييى باليمييين مييع الشاهييد فييي‬
‫الموال‪ .‬وقال أبيييو حنيفييية والثوري والوزاعيييي وجمهور أهيييل‬
‫العراق‪ :‬ل يقضيى باليميين ميع الشاهيد فيي شييء‪ ،‬وبيه قال اللييث‬
‫من أصحاب مالك‪.‬‬
‫وسييبب الخلف فييي هذا الباب تعارض السييماع‪ .‬أمييا القائلون بييه‬
‫فإنهم تعلقوا في ذلك بآثار كثيرة‪ ،‬منها حديث ابن عباس‪ ،‬وحديث‬
‫أبي هريرة‪ ،‬وحديث زيد ابن ثابت‪ ،‬وحديث جابر‪ ،‬إل أن الذي خرج‬
‫مسلم من ها حديث ابن عباس‪ ،‬ولفظيه "إن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد" خرجه مسلم ولم يخرجه‬
‫البخاري‪ .‬وأميا مالك فإنميا اعتميد مرسيله فيي ذلك عين جعفير بين‬
‫محمييد عيين أبيييه "أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم قضييى‬
‫باليمين مع الشاهد" لن العمل عنده بالمراسيل واجب‪.‬‬
‫وأمييا السييماع المخالف لهييا فقوله تعالى {فإن لم يكونييا رجلييين‬
‫فرجيل وامرأتان ممين ترضون مين الشهداء} قالوا‪ :‬وهذا يقتضيي‬
‫الحصيير فالزيادة عليييه نسييخ‪ ،‬ول ينسييخ القرآن بالسيينة الغييير‬
‫متواترة‪ ،‬وعنيد المخالف أنيه لييس بنسيخ بيل زيادة ل تغيير حكيم‬
‫المزيد‪ .‬وأما من السنة ف ما خرجه البخاري ومسلم عن الشعث‬
‫بن قيس قال "كان بيني وبين رجل خصومة في شيء‪ ،‬فاختصمنا‬
‫إلى النييبي عليييه الصييلة والسييلم‪ ،‬فقال‪" :‬شاهداك أو يمينييه"‬
‫فقلت‪ :‬إذا يحلف ول يبالي‪ ،‬فقال النييبي صييلى الله عليييه وسييلم"‬
‫مين حلف على يميين يقتطيع بهيا مال امرئ مسيلم هيو فيهيا فاجير‬
‫لقي الله وهو عليه غضبان" قالوا‪ :‬فهذا منه عليه الصلة والسلم‬
‫حصر للحكم ونقض لحجة كل واحد من الخصمين‪ ،‬ول يجوز عليه‬
‫صلى الله عليه وسلم أل يستوفي أقسام الحجة للمدعي‪ .‬والذين‬
‫قالوا باليمين مع الشاهد هم على أصلهم في أن اليمين هي حجة‬
‫أقوى المتداعييين شبهية‪ ،‬وقيد قوييت ههنيا حجية المدعيي بالشاهيد‬
‫كميا قوييت فيي القسيامة‪ .‬وهؤلء اختلفوا فيي القضاء باليميين ميع‬
‫المرأتيين‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجوز لن المرأتيين قد أقيمتيا مقام الواحيد؛‬
‫وقال الشافعييي‪ :‬ل يجوز له‪ ،‬لنييه إنمييا أقيمييت مقام الواحييد مييع‬
‫الشاهيد الواحيد ل مفردة ول ميع غيره‪ ،‬وهيل يقتضيي باليميين فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحدود التي هي حق للناس مثل القذف والجراح؟ فيه قولن في‬


‫المذهب‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا ثبوت الحيق على المدعيى علييه بنكوله‪ ،‬فإن الفقهاء أيضيا‬
‫اختلفوا فيييي ذلك‪ ،‬فقال مالك والشافعيييي وفقهاء أهيييل الحجاز‬
‫وطائفية مين العراقييين‪ :‬إذا نكيل المدعيى علييه لم يجيب للمدعيي‬
‫شيييء بنفييس النكول‪ ،‬إل أن يحلف المدعييي أو يكون له شاهييد‬
‫واحييد؛ وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه وجمهور الكوفيييين‪ :‬يقضييي‬
‫للمدعي على المدعى عليه بنفس النكول وذلك في المال بعد أن‬
‫يكرر عليه اليمين ثلثا وقلب اليمين عند مالك يكون في الموضع‬
‫الذي يقبل فيه شاهد وامرأتان‪ ،‬وشاهد ويمين؛ وقلب اليمين عند‬
‫الشافعيي يكون فيي كيل موضيع يجيب فييه اليميين؛ وقال ابين أبيي‬
‫ليلى‪ :‬أردها في غير التهمة ول أردها في التهمة‪ .‬وعند مالك في‬
‫يميين التهمية هيل تنقلب أم ل؟ قولن‪ .‬فعمدة مين رأى أن تنقلب‬
‫اليميين ميا رواه مالك مين "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫رد فييي القسييامة اليمييين على اليهود بعييد أن بدأ بالنصييار" وميين‬
‫حجة مالك أن الحقوق عنده إنما تثبت بشيئين‪ :‬إما بيمين وشاهد‪،‬‬
‫وإميا بنكول وشاهيد‪ ،‬وإميا بنكول ويميين‪ ،‬أصيل ذلك عنده اشتراط‬
‫الثنينية في الشهادة؛ وليس يقتضي عند الشافعي بشاهد ونكول‪.‬‬
‫وعمدة مين قضيى بالنكول أن الشهادة لميا كانيت لثبات الدعوى‪،‬‬
‫واليمييين لبطالهييا وجييب إن نكييل عيين اليمييين أن تحقييق عليييه‬
‫الدعوى‪ .‬قالوا‪ :‬وأميا نقلهيا مين المدعيى علييه إلى المدعيي فهيو‬
‫خلف للنيص‪ ،‬لن اليميين قيد نيص على أنهيا دللة المدعيى علييه‪،‬‬
‫فهذه أصيول الحجيج التيي يقضيي بهيا القاضيي‪ .‬ومميا اتفقوا علييه‬
‫فيي هذا الباب أنيه يقضيي القاضيي بوصيول كتاب قاض آخير إلييه‪،‬‬
‫لكيين هذا عنييد الجمهور مييع اقتران الشهادة بييه‪ ،‬أعنييي إذا أشهييد‬
‫القاضيي الذي يثبيت عنده الحكيم شاهديين عدليين أن الحكيم ثابيت‬
‫عنده‪ ،‬أعنيييي المكتوب فيييي الكتاب الذي أرسيييله إلى القاضيييي‬
‫الثاني‪ ،‬فشهدا عند القاضي الثاني أنه كتابه‪ ،‬وأنه أشهدهم بثبوته‪،‬‬
‫وقد قيل إنه يكتفي فيه بخط القاضي‪ ،‬وأنه كان به العمل الول‪.‬‬
‫واختلف مالك والشافعي وأبو حنيفة إن أشهدهم على الكتابة ولم‬
‫يقرأه عليهييم؛ فقال مالك‪ :‬يجوز؛ وقال الشافعييي وأبييو حنيفيية‪ :‬ل‬
‫يجوز ول تصح الشهادة‪.‬‬
‫واختلفوا فييي العفاص والوكاء هييل يقضييي بييه فييي اللقطيية دون‬
‫شهادة‪ ،‬أم ل بيد فيي ذلك مين شهادة؟ فقال مالك‪ :‬يقضيي بذلك؛‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ل بد من الشاهدين‪ ،‬وكذلك قال أبو حنيفة؛ وقول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مالك هيييو أجرى على نيييص الحادييييث‪ ،‬وقول الغيييير أجرى على‬
‫الصيول‪ .‬ومميا اختلفوا فييه مين هذا الباب قضاء القاضيي بعلميه‪،‬‬
‫وذلك أن العلماء أجمعوا على أن القاضيييي يقضيييي بعلميييه فيييي‬
‫التعدييل والتجرييح‪ ،‬وأنيه إذا شهيد الشهود بضيد علميه لم يقيض بيه‪،‬‬
‫وأنيه يقضيي بعلميه فيي إقرار الخصيم وإنكاره‪ ،‬إل مالكيا فإنيه رأى‬
‫أن يحضر القاضي شاهدين لقرار الخصم وإنكاره‪ ،‬وكذلك أجمعوا‬
‫على أنيه يقضيي بعلميه فيي تغلييب حجية أحيد الخصيمين على حجية‬
‫الخير إذا لم يكين فيي ذلك خلف‪ .‬واختلفوا إذا كان فيي المسيألة‬
‫خلف‪ ،‬فقال قوم‪ :‬ل يرد حكميييه إذا لم يخرق الجماع؛ وقال قوم‬
‫إذا كان شاذا؛ وقال قوم‪ :‬يرد إذا كان حكميييييييييا بقياس‪ ،‬وهنالك‬
‫سيماع مين كتاب أو سينة تخالف القياس وهيو العدل‪ ،‬إل أن يكون‬
‫القياس تشهيد له الصيول والكتاب محتميل والسينة غيير متواترة‪،‬‬
‫وهذا هيو الوجيه الذي ينبغيي أن يحميل علييه مين غلب القياس مين‬
‫الفقهاء في موضع من المواضع على الثر مثل ما ينسب إلى أبي‬
‫حنيفيية باتفاق‪ ،‬وإلى مالك باختلف‪ .‬واختلفوا هييل يقضييي بعلمييه‬
‫على أحييد دون بينيية أو إقرار‪ ،‬أو ل يقضييي إل بالدليييل والقرار؟‬
‫فقال مالك وأكثيير أصييحابه‪ :‬ل يقضييي إل بالبينات أو القرار‪ ،‬وبييه‬
‫قال أحميد وشرييح؛ وقال الشافعيي والكوفيي وأبيو ثور وجماعية‪:‬‬
‫للقاضيي أن يقضيي بعلميه‪ ،‬ولكل الطائفتيين سيلف مين الصيحابة‬
‫والتابعيين‪ ،‬وكيل واحيد منهميا اعتميد فيي قوله السيماع والنظير‪ .‬أما‬
‫عمدة الطائفيية التييي منعييت ميين ذلك‪ ،‬فمنهييا حديييث معميير عيين‬
‫الزهري عين عروة عين عائشية "أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم‬
‫بعيث أبيا جهيم على صيدقة فلحاه رجيل فيي فريضية‪ ،‬فوقيع بينهميا‬
‫شجاج‪ ،‬فأتوا النييبي صييلى الله عليييه وسييلم فأخييبروه‪ ،‬فأعطاهييم‬
‫الرش‪ ،‬ثيييم قال علييييه الصيييلة والسيييلم "إنيييي خاطيييب الناس‬
‫ومخيبرهم أنكيم قيد رضيتيم‪ ،‬أرضيتيم؟ قالوا‪ :‬نعيم‪ ،‬فصيعد رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم المنيبر‪ ،‬فخطيب الناس وذكير القصية‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أرضيتيم؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬فهيم بهيم المهاجرون‪ ،‬فنزل رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فأعطاهم‪ ،‬ثم صعد المنبر فخطب‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫أرضيتم؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فهذا بين في أنه لم يحكم عليهم بعلمه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬وأما من جهة المعنى فللتهمة اللحقة في‬
‫ذلك للقاضي‪.‬‬
‫وقيد أجمعوا أن للتهمية تأثيرا فيي الشرع‪ :‬منهيا أن ل يرث القاتيل‬
‫عمدا عند الجمهور من قتله‪ .‬ومنها ردهم شهادة الب لبنه‪ ،‬وغير‬
‫ذلك مما هو معلوم من جمهور الفقهاء‪ .‬وأما عمدة من أجاز ذلك‪،‬‬
‫أميا مين طرييق السيماع فحدييث عائشية فيي قصية هنيد بنيت عتبية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ابين ربيعية ميع زوجهيا أبيي سيفيان بين حرب حيين قال لهيا علييه‬
‫الصيلة والسيلم وقيد شكيت أبيا سيفيان "خذي ميا يكفييك وولدك‬
‫بالمعروف" دون أن يسمع قول خصمها‪.‬‬
‫وأميا مين طرييق المعنيى فإنيه إذا كان له أن يحكيم بقول الشاهيد‬
‫الذي هيو مظنون فيي حقيه فأحرى أن يحكيم بميا هيو عنده يقيين‪.‬‬
‫وخصص أبو حنيفة وأصحابه ما يحكم فيه الحاكم بعلمه فقالوا‪ :‬ل‬
‫يقضي بعلمه في الحدود ويقضي في غير ذلك؛ وخصص أيضا أبو‬
‫حنيفية العلم الذي يقضيي بيه فقال‪ :‬يقضيي بعلميه الذي علميه فيي‬
‫القضاء‪ ،‬ول يقضيي بميا علميه قبيل القضاء‪ .‬وروي عين عمير أنيه‬
‫قضى بعلمه على أبي سفيان لرجل من بني مخزوم‪ .‬وقال بعض‬
‫أصحاب مالك‪ :‬يقضي بعلمه في المجلس أعني بما يسمع وإن لم‬
‫يشهيد عنده بذلك‪ ،‬وهيو قول الجمهور كميا قلنيا‪ ،‬وقول المغيرة هيو‬
‫أجرى على الصييول‪ ،‬لن الصييل فييي هذه الشريعيية ل يقضييي إل‬
‫بدلييل وإن كانيت غلبية الظين الواقعية بيه أقوى مين الظين الواقيع‬
‫بصدق الشاهدين‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في القرار‪.‬‬
‫@‪-‬وأما القرار إذا كان بينا فل خلف في وجوب الحكم به‪ ،‬وإنما‬
‫النظيير فيميين يجوز إقراره مميين ل يجوز‪ ،‬وإذا كان القرار محتمل‬
‫رفيع الخلف‪ .‬أميا مين يجوز إقراره ممين ل يجوز فقيد تقدم‪ .‬وأميا‬
‫عدد القرارات الموجبييية فقيييد تقدم فيييي باب الحدود‪ ،‬ول خلف‬
‫بينهم أن القرار مرة واحدة عامل في المال‪ .‬وأما المسائل التي‬
‫اختلفوا فيهييا ميين ذلك فهييو ميين قبييل احتمال اللفييظ‪ ،‬وأنييت إن‬
‫أحببت أن تقف عليه فمن كتاب الفروع‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع‪[ .‬على من يقضي‪ ،‬ولمن يقضي]‬
‫@‪-‬وأما على من يقضي؟ ولمن يقضي؟ فإن الفقهاء اتفقوا على‬
‫أنيه يقضيي لمين لييس يتهيم علييه‪ .‬واختلفوا فيي قضائه لمين يتهيم‬
‫عل يه؛ فقال مالك‪ :‬ل يجوز قضاؤه على من ل تجوز عليه شهاد ته؛‬
‫وقال قوم‪ :‬يجوز لن القضاء يكون بأسيباب معلومية ولييس كذلك‬
‫الشهادة‪ .‬وأمييا على ميين يقضييي؟ فإنهييم اتفقوا على أنييه يقضييي‬
‫على المسييلم الحاضيير‪ .‬واختلفوا فييي الغائب وفييي القضاء على‬
‫أهيل الكتاب فأميا القضاء على الغائب‪ ،‬فإن مالكيا والشافعيي قال‪:‬‬
‫يقضيي على الغائب البعييد الغيبية؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يقضيي على‬
‫الغائب أصييل‪ ،‬وبييه قال ابيين الماجشون؛ وقييد قيييل عيين مالك ل‬
‫يقضيي فيي الرباع المسيتحقة‪ .‬فعمدة مين رأى القضاء حدييث هنيد‬
‫المتقدم ول حجية فييه‪ ،‬لنيه لم يكين غائبيا عين المصير‪ .‬وعمدة مين‬
‫لم ير القضاء قوله عليه الصلة والسلم "فإنما أقضي له بحسب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ميا أسيمع" وميا رواه أبيو داود وغيره عين علي أن النيبي صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم قال له حييين أرسييله إلى اليميين "ل تقييض لحييد‬
‫الخصيمين حتيى تسيمع مين الخير" وأميا الحكيم على الذميي‪ ،‬فإن‬
‫فييي ذلك ثلثيية أقوال‪ :‬أحدهييا أنييه يقضييي بينهييم إذا ترافعوا إليييه‬
‫بحكيم المسيلمين‪ ،‬وهيو مذهيب أبيي حنيفية؛ والثانيي أنيه مخيير‪ ،‬وبيه‬
‫قال مالك‪ ،‬وعن الشافعي القولن؛ والثالث أنه واجب على المام‬
‫أن يحكم بينهم وإن لم يتحاكموا إليه‪ .‬فعمدة من اشترط مجيئهم‬
‫للحاكييم قوله تعالى {فإن جاؤك فاحكييم بينهييم أو اعرض عنهييم}‬
‫وبهذا تمسك من رأى الخيار‪ ،‬ومن أوجبه اعتمد قوله تعالى {وأن‬
‫احكييم بينهييم} ورأى أن هذا ناسييخ لييية التخيييير‪ .‬وأمييا ميين رأى‬
‫وجوب الحكيم عليهيم وإن لم يترافعوا‪ ،‬فإنيه احتيج بإجماعهيم على‬
‫أن الذمي إذا سرق قطعت يده‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس‪[ .‬كيف يقضي القاضي]‬
‫@‪-‬وأما كيف يقضي القاضي‪ ،‬فإنهم أجمعوا على أنه واجب عليه‬
‫أن يسوي بين الخصمين في المجلس وأل يسمع من أحدهما دون‬
‫الخير‪ ،‬وأن يبدأ بالمدعيي فيسيأله البينية إن أنكير المدعيى علييه‪.‬‬
‫وإن لم يكن له بينة فإن كان في مال وجبت اليمين على المدعى‬
‫عليييه باتفاق‪ ،‬وإن كانييت فييي طلق أو نكاح أو قتييل وجبييت عنييد‬
‫الشافعيي بمجرد الدعوى؛ وقال مالك‪ :‬ل تجيب إل ميع شاهيد؛ وإذا‬
‫كان فييي المال فهييل يحلفييه المدعييى عليييه بنفييس الدعوى أو ل‬
‫يحلفييه حتييى يثبييت المدعييي الخلطيية؟ اختلفوا فييي ذلك‪ ،‬فقال‬
‫جمهور فقهاء المصيار‪ :‬اليميين تلزم المدعيى علييه بنفيس الدعوى‬
‫لعموم قوله علييه الصيلة والسيلم مين حدييث ابين عباس "البينية‬
‫على المدعيي واليميين على المدعيى علييه" وقال مالك‪ :‬ل تجيب‬
‫اليمين إل بالمخالطة؛ وقال بها السبعة من فقهاء المدينة‪ .‬وعمدة‬
‫ميين قال بهييا النظيير إلى المصييلحة لكيل يتطرق الناس بالدعاوي‬
‫إلى تعنييت بعضهيم بعضيا‪ ،‬وإذايية بعضهيم بعضيا‪ ،‬ومين هنيا لم يير‬
‫مالك إحلف المرأة زوجهييا إذا ادعييت عليييه الطلق إل أن يكون‬
‫معهيا شاهيد‪ ،‬وكذلك إحلف العبيد سييده فيي دعوى العتيق علييه‪،‬‬
‫والدعوى ل تخلو أن تكون فييي شيييء فييي الذميية أو فييي شيييء‬
‫بعينييه‪ ،‬فإن كانييت الذميية فادعييى المدعييى عليييه البراءة ميين تلك‬
‫الدعوى وأن له بينيية سييمعت منييه بينتييه باتفاق‪ .‬وكذلك إن كان‬
‫اختلف في عقد وقع في عين مثل بيع أو غير ذلك‪ .‬وأما إن كانت‬
‫الدعوى فيي عيين وهيو الذي يسيمى اسيتحقاقا‪ ،‬فإنهيم اختلفوا هيل‬
‫تسمع بينة المدعى عليه؟ فقال أبو حنيفة‪ :‬ل تسمع بينة المدعى‬
‫علييه إل فيي النكاح وميا ل يتكرر؛ وقال غيره‪ :‬ل تسيمع فيي شييء؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال مالك والشافعيي‪ :‬تسيمع أعنيي فيي أن يشهيد للمدعيي بينية‬


‫المدعييى عليييه أنييه مال له وملك‪ .‬فعمدة ميين قال ل تسييمع أن‬
‫الشرع قد جعل البينة في حيز المدعي واليمين في حيز المدعى‬
‫عليه‪ ،‬فوجب أن ل ينقلب المر‪ ،‬وكان ذلك عندهما عبادة‪ .‬وسبب‬
‫الخلف‪ :‬هل تفيد بينة المدعى عليه معنى زائدا على كون الشيء‬
‫المدعى فيه موجودا بيده‪ ،‬أم ليست تفيد ذلك؟ فمن قال‪ :‬ل تفيد‬
‫معنى زائدا قال‪ :‬ل معنى لها؛ ومن قال تفيد‪ :‬اعتبرها‪ .‬فإذا باعتبار‬
‫بينية المدعيى علييه فوقيع التعارض بيين البينتيين ولم تثبيت إحداهميا‬
‫أمرا زائدا مما ل يمكن أن يتكرر في ملك ذي الملك؛ فالحكم عند‬
‫مالك أن يقضيي بأعدل البينتيين ول يعتيبر الكثير؛ وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫بينيية المدعييي أولى على أصييله ول تترجييح عنده بالعدالة كمييا ل‬
‫تترحيييج عنيييد مالك بالعدد‪ ،‬وقال الوزاعيييي‪ :‬تترجيييح بالعدد وإذا‬
‫تساوت في العدالة فذلك عند مالك كل بينة يحلف المدعى عليه‪،‬‬
‫فإن نكييل حلف المدعييي ووجييب الحييق‪ ،‬لن يييد المدعييي عليييه‬
‫شاهدة له‪ ،‬ولذلك جعل دليله أضعف الدليلين‪ :‬أعني اليمين‪ .‬وأما‬
‫إذا أقر الخصم فإن كان المدعى فيه عينا فل خلف أنه يدفع إلى‬
‫مدعيه‪ .‬وأما إذا كان مال في الذمة‪ ،‬فإنه يكلف المقر غرمه فإن‬
‫ادعييى العدم حبسييه القاضييي عنييد مالك حتييى يتييبين عدمييه‪ ،‬إمييا‬
‫بطول السيجن والبينية إن كان متهميا فإذا لح عسيره خلي سيبيله‬
‫لقوله تعالى {وإن كان ذو عسييييرة فنظرة إلى ميسييييرة} وقال‬
‫قوم‪ :‬يؤاجره‪ ،‬وبيه قال أحميد‪ .‬وروي عين عمير بين عبيد العزييز‪،‬‬
‫وحكيي عين أبيي حنيفية أن لغرمائه أن يدوروا معيه حييث دار‪ ،‬ول‬
‫خلف أن البينة إذا جرحها المدعى عليه أن الحكم يسقط إذا كان‬
‫التجرييح قبيل الحكيم‪ ،‬وإن كان بعيد الحكيم لم ينتقيض عنيد مالك؛‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬ينتقيض وأميا إن رجعيت البينية عين الشهادة‪ ،‬فل‬
‫يخلو أن يكون ذلك قبييل الحكييم أو بعده‪ ،‬فإن كان قبييل الحكييم‬
‫فالكثر أن الحكم ل يثبت؛ وقال بعض الناس‪ :‬يثبت‪ .‬وإن كان بعد‬
‫الحكم فقال مالك‪ :‬يثبت الحكم؛ وقال غيره‪ :‬ل يثبت الحكم‪ ،‬وعند‬
‫مالك أن الشهداء يضمنون مييييا أتلفوا بشهادتهييييم‪ ،‬فإن كان مال‬
‫ضمنوه على كييل حال؛ قال عبييد الملك‪ :‬ل يضمنون فييي الغلط؛‬
‫وقال الشافعييي‪ :‬ل يضمنون فييي المال‪ .‬وإن كان دمييا فإن ادعوا‬
‫الغلط ضمنوا الديية‪ ،‬وإن أقروا أقييد منهيم على قول أشهيب‪ ،‬ولم‬
‫يقتص منهم على قول ابن القاسم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس‪[ .‬متي يقضي]‬
‫@‪-‬وأما متى يقضي؟ فمنها ما يرجع إلى حال القاضي في نفسه‪،‬‬
‫ومنها ما يرجع إلى وقت إنفاذ الحكم وفصله‪ ،‬ومنها ما يرجع إلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقت توقيف المدعى فيه وإزالة اليد عنه إذا كان عينا‪ .‬فأما متى‬
‫يقضيي القاضيي؟ فإذا لم يكين مشغول النفيس لقوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "ل يقضيي القاضيي حيين يقضيي وهيو غضبان" ومثيل هذا‬
‫عنييد مالك أن يكون عطشانييا أو جائعييا أو خائفييا أو غييير ذلك ميين‬
‫العوارض التي تعوقه عن الفهم‪ ،‬لكن إذا قضى في حال من هذه‬
‫الحوال بالصيييواب‪ ،‬فاتفقوا فيميييا أعلم على أنيييه ينفيييذ حكميييه‪،‬‬
‫ويحتمل أن يقال‪ :‬ل ينفذ فيما وقع عليه النص وهو الغضبان‪ ،‬لن‬
‫النهيي يدل على فسياد المنهيى عنيه‪ .‬وأميا متيى ينفيذ الحكيم علييه‬
‫فبعيد ضرب الجيل والعذار إلييه‪ ،‬ومعنيى نفوذ هذا‪ ،‬هيو أن يحيق‬
‫حجة المدعي أو يدحضها وهل له أن يسمع حجة بعد الحكم؟ فيه‬
‫اختلف من قول مالك‪ ،‬والشهر أنه يسمع فيما كان حقا لله مثل‬
‫الحباس والعتق ول يسمع في غير ذلك‪ .‬وقيل ل يسمع بعد نفوذ‬
‫الحكم وهو الذي يسمى التعجيز قيل ل يسمع منهما جميعا‪ ،‬وقيل‬
‫بالفرق بين المدعي والمدعى عليه‪ ،‬وهو ما إذا أقر بالعجز‪ .‬وأما‬
‫وقت التوقيف فهو عند الثبوت وقبل العذار‪ ،‬وهو إذا لم يرد الذي‬
‫اسييتحق الشيييء ميين يده أن يخاصييم فله أن يرجييع بثمنييه على‬
‫البائع‪ ،‬وإن كان يحتاج فيي رجوعيه بيه على البائع أن يوافقيه علييه‬
‫فيثبت شراءه منه إن أنكره‪ ،‬أو يعترف له به إن أقره فللمستحق‬
‫ميين يده أن يأخييذ الشيييء ميين المسييتحق ويترك قيمتييه بيييد‬
‫المسييتحق؛ وقال الشافعييي‪ :‬يشتريييه منييه‪ ،‬فإن عطييب فييي يييد‬
‫المسييتحق فهييو ضاميين له‪ ،‬وإن عطييب فييي أثناء الحكييم‪ :‬مميين‬
‫ضمانه؟ اختلف في ذلك‪ ،‬فقيل إن عطب بعد الثبات فضمانه من‬
‫المستحق وقيل إنما يضمن المستحق بعد الحكم؛ وأما بعد الثبات‬
‫وقبل الحكم فهو من المستحق منه‪ .‬قال القاضي رضي الله عنه‪:‬‬
‫وينبغييي أن تعلم أن الحكام الشرعييية تنقسييم قسييمين‪ :‬قسييم‬
‫يقضيي بيه الحكام وجيل ميا ذكرناه فيي هذا الكتاب هيو داخيل فيي‬
‫هذا القسم‪ ،‬وقسم ل يقضي به الحكام‪ ،‬وهذا أكثره هو داخل في‬
‫المندوب إليييه‪ .‬وهذا الجنييس ميين الحكام هييو مثييل رد السييلم‬
‫وتشميت العاطس وغير ذلك مما يذكره الفقهاء في أواخر كتبهم‬
‫التيي يعرفونهيا بالجواميع‪ .‬ونحين فقيد رأينيا أن نذكير أيضيا مين هذا‬
‫الجنيس المشهور منيه إن شاء الله تعالى‪ .‬وميا ينبغيي قبيل هذا أن‬
‫تعلم أن السينن المشروعية العمليية المقصيود منهيا هيو الفضائل‬
‫النفسيانية‪ ،‬فمنهيا ميا يرجيع إلى تعظييم مين يجيب تعظيميه وشكير‬
‫ميين يجييب شكره‪ ،‬وفييي هذا الجنييس تدخييل العبادات‪ ،‬وهذه هييي‬
‫السينن الكراميية‪ .‬ومنهيا ميا يرجيع إلى الفضيلة التيي تسيمى عفية‬
‫وهذه صينفان‪ :‬السينن الواردة فيي المطعيم والمشرب‪ ،‬والسينن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الواردة في المناكح‪ .‬ومن ها ما يرجع إلى طلب العدل والكف عن‬


‫الجور‪ .‬فهذه هيي أجناس السينن التيي تقتضيي العدل فيي الموال‪،‬‬
‫والتيييي تقتضيييي العدل فيييي البدان‪ ،‬وفيييي هذا الجنيييس يدخيييل‬
‫القصييياص والحروب والعقوبات‪ ،‬لن هذه كلهيييا إنميييا يطلب بهيييا‬
‫العدل‪ .‬ومنهيا السينن الواردة فيي العراض‪ .‬ومنهيا السينن الواردة‬
‫فيي جمييع الموال وتقويمهيا‪ ،‬وهيي التيي يقصيد بهيا طلب الفضيلة‬
‫التيي تسمى السخاء‪ ،‬وتجنب الرذيلة التيي تسمى البخل‪ .‬والزكاة‬
‫تدخل في هذا الباب من وجه‪ ،‬وتدخل أيضا في باب الشتراك في‬
‫الموال‪ ،‬وكذلك الميير فييي الصييدقات‪ .‬ومنهييا سيينن واردة فييي‬
‫الجتماع الذي هو شرط في حياة النسان وحفظ فضائله العملية‬
‫والعلميية‪ ،‬وهيي المعيبر عنهيا بالرياسية‪ ،‬ولذلك لزم أيضيا أن تكون‬
‫سنن الئمة والقوام بالدين‪ .‬ومن السنة المهمة في حين الجتماع‬
‫السيينن الواردة فييي المحبيية والبغضيية والتعاون على إقاميية هذه‬
‫السينن‪ ،‬وهيو الذي يسيمى‪ :‬النهيي عين المنكير والمير بالمعروف‪،‬‬
‫وهي المحبة والبغضة‪ :‬أي الدينية التي تكون إما من قبل الخلل‬
‫بهذه السنن‪ ،‬وإما من قبل سوء المعتقد في الشريعة‪.‬‬
‫وأكثر ما يذكر الفقهاء في الجوامع من كتبهم ما شذ عن الجناس‬
‫الربعية التيي هيي فضيلة العفية وفضيلة العدل وفضيلة الشجاعية‬
‫وفضيلة السييخاء‪ ،‬والعبادة التييي هييي كالشروط فييي تثييبيت هذه‬
‫الفضائل‪.‬‬
‫كمييل كتاب القضييية‪ ،‬وبكماله كمييل جميييع الديوان‪ ،‬والحمييد لله‬
‫كثيرا على ذلك كما هو أهله‪.‬‬
‫ترجمة المؤلف منقولة من الديباج‪.‬‬
‫هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد (الشهير بالحفيد)‬
‫مين أهيل قرطبية وقاضيي الجماعية بهيا‪ ،‬يكنيى أبيا الولييد‪ ،‬روى عين‬
‫أبييه أبيي القاسيم اسيتظهر علييه الموطيأ حفظيا‪ ،‬وأخيذ الفقيه عين‬
‫أبيي القاسيم بين بشكوال وأبيي مروان بين مسيرة وأبيي بكير بين‬
‫سمحون وأبي جعفر بن عبد العزيز وأبي عبد الله المازري‪.‬‬
‫وأخذ علم الطب عن أبي مروان بن جريؤل‪ ،‬وكانت الدراية أغلب‬
‫علييه مين الروايية‪ ،‬ودرس الفقيه والصيول وعلم الكلم‪ .‬ولم ينشيأ‬
‫بالندلس مثله كمال وعلميا وفضل‪ ،‬وكان على شرفيه أشيد الناس‬
‫تواضعا وأخفضهم جناحا‪ ،‬وعني بالعلم من صغره إلى كبره‪ ،‬حتى‬
‫حكيى أنيه لم يدع النظير ول القراءة منيذ عقيل إل ليلة وفاة أبييه‪،‬‬
‫وليلة بنائه على أهله‪ ،‬وأنييه سييود فيمييا صيينف وقيييد وألف وهذب‬
‫واختصيير نحييو ميين عشرة آلف ورقيية‪ .‬ومال إلى علوم الوائل‪،‬‬
‫وكانت له فيها المامة دون أهل عصره‪ ،‬وكان يفزع إلى فتياه في‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الطييب كمييا يفزع إلى فتياه فييي الفقييه مييع الحييظ الوافيير ميين‬
‫العراب والداب والحكميية‪ .‬حكييي عنييه أنييه كان يحفييظ شعيير‬
‫المتنييبي وحييبيب‪ .‬وله تآليييف جليلة الفائدة‪ ،‬منهييا كتاب "بداييية‬
‫المجتهيد‪ ،‬ونهايية المقتصيد" فيي الفقيه (هيو هذا الكتاب الذي أبان‬
‫عين مقدار معرفية الرجيل بالشريعية‪ ،‬فإنيه ذكير فييه أقوال فقهاء‬
‫المية مين الصيحابة فمين بعدهيم‪ ،‬ميع بيان مسيتند كيل مين الكتاب‬
‫والسينة‪ ،‬والقياس ميع الترجييح‪ ،‬وبيان الصيحيح‪ ،‬فخاض فيي بحير‬
‫عجاج ملتطيم المواج‪ ،‬واهتدى فييه للسيلوك‪ ،‬ونظيم جواهره فيي‬
‫صحائف تلك السلوك‪ ،‬فرحمه الله رحمة واسعة) ذكر فيه أسباب‬
‫الخلف وعلل وجهيه‪ ،‬فأفاد وأمتيع بيه‪ ،‬ول يعلم فيي وقتيه أنفيع منيه‬
‫ول أحسيييين سييييياقا‪ ،‬وكتاب الكليات فييييي الطييييب‪ ،‬ومختصيييير‬
‫المسييتصفى فييي الصييول‪ ،‬وكتابييه فييي العربيييه الذي وسييمه‬
‫بالضروري‪ ،‬وغير ذلك تنيف على ستين تأليفا‪ ،‬وحمدت سيرته في‬
‫القضاء بقرطبييية‪ ،‬وتأثلت له عنيييد الملوك وجاهييية عظيمييية‪ ،‬ولم‬
‫يصيرفها فيي ترفييع حال ول جميع مال‪ ،‬إنميا قصيرها على مصيالح‬
‫أهل بلده خاصة ومنافع أهل الندلس‪ .‬وحدث وسمع منه أبو بكر‬
‫بين جهور وأبيو محميد بين حوط الله وأبيو الحسين بين سيهل ابين‬
‫مالك وغيرهيم‪ .‬وتوفيي سينة خميس وتسيعين وخمسيمائة‪ ،‬ومولده‬
‫سينة عشريين وخمسيمائة‪ ،‬قبيل وفاة القاضيي جده أبيي الولييد بين‬
‫رشد بشهر‪.‬‬
‫تقريظ‬
‫وعنييد تمام طبعتييه الولى قرظييه حضرة الديييب السييتاذ الشيييخ‬
‫محمييد أحمييد عرفيية بهذه الكلميية‪ ،‬فأحببنييا إثباتهييا حرصييا على‬
‫محاسنها ونشرا لعلو مكانتها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫إلى الحكييم الراقيد فيي جد ته‪ ،‬الها نئ بمضجعيه‪ ،‬تحفه مسيحة من‬
‫النور اللهي‪ ،‬وعليه حارس من المهابة وسياج من الجلل‪ ،‬أهدي‬
‫غاديات مين الدعوات واسيتمطر له وابل مين صييب الرحمات‪ .‬لله‬
‫أنيت أيتهيا الروح الخالدة العائدة إلى محلهيا الرفيع‪ ،‬فقيد هبطيت‬
‫علينيا مين عالميك العالي‪ ،‬وطلعيت علينيا طلوع القمير على خابيط‬
‫لييل ضيل السيبيل وخانيه الدلييل‪ ،‬طلعيت والهدى‪ ،‬فكنيت كالغييث‬
‫أصاب أرضا قابلة فأنبتت الكل والعشب وأصاب منها الكثير أقمت‬
‫فينا ما شاء الله لك أن تقومي‪ ،‬وخلفت لك آثارا جعلت لك مقعد‬
‫صيدق فيي كيل نفيس‪ ،‬ثيم عدت سييرتك الولى‪ .‬بسيم الله مجراك‬
‫ومرسيياك وطلوعتييك ومأواك وتأويبييك ومسييراك‪ ،‬أي جييو حواك‪،‬‬
‫وأي آمال وسعتك‪ ،‬وأي جسم تحمل ما ترومين‪.‬‬
‫وإذا كانت النفوس كبارا * تعبت في مرادها الجسام‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بينيا نراك بيين يدي فيثاغورس وأرسيطو قيد حنيت علييك الحكمية‪،‬‬
‫وأرضعتيك أفاويقهيا‪ ،‬وأعلتيك درهيا‪ ،‬وأنهلتيك خيرهيا‪ ،‬فل يظين أنيك‬
‫تعلمين غيرها‪ ،‬إذا أنت وقد وضعتك الشريعة بين الحشا والفؤاد‪،‬‬
‫وسييهلت لك حنونهييا‪ ،‬ووردت منهل عذبييا زاخرا عبابييه‪ ،‬وسييائغا‬
‫شرابيه‪ .‬وهذا كتابيك قيد خالط أجزاء النفيس وهيش إلييه الحيس‪،‬‬
‫فهو الحق إل أنه حكم قد ضمن الدر إل أنه كلم‪.‬‬
‫أنزه في رياض العلم نفسي * وأغدو في مسارحها وأمسي‬
‫أمتع ناظري فيما حوته * وأقطف زهرة من كل غرس‬
‫وأحسن من كئوس الراح عندي * ومن خد الظبا خدود طرس‬
‫وقد ردت الرياض فشمت روضا * به قد غبت عن نفسي وحسي‬
‫كأن خلل أسطره بحارا * تدفق بالمعارف بعد رمسي‬
‫كتاب حاكه فكر (ابن رشد) * وأخرج آية في كل درس‬
‫ومزق من ظلم الشك ثوبا * كما طرد الدجنة ضوء شمس‪.‬‬

‫فإن غرضييي فييي هذا الكتاب أن أثبييت فيييه لنفسييي (فييي نسييخة‬
‫فاس‪ :‬التنيبيه لنفسيي بدل أن أثبيت) (انظير ترجمية المؤلف آخير‬
‫الكتاب) على جهيية التذكرة ميين مسييائل الحكام المتفييق عليهييا‬
‫والمختلف فيهيا بأدلتهيا‪ ،‬والتنيبيه على نكيت الخلف فيهيا‪ ،‬ميا يجري‬
‫مجرى الصييول والقواعييد لمييا عسييى أن يرد على المجتهييد ميين‬
‫المسيائل المسيكوت عنهيا فيي الشرع‪ ،‬وهذه المسيائل فيي الكثير‬
‫هييي المسييائل المنطوق بهييا فييي الشرع أو تتعلق بالمنطوق بييه‬
‫تعلقيا قريبيا‪ ،‬وهيي المسيائل التيي وقيع التفاق عليهيا‪ ،‬أو اشتهير‬
‫الخلف فيهيا بيين الفقهاء السيلميين مين لدن الصيحابة رضيي الله‬
‫عنهم إلى أن فشا التقليد‪.‬‬
‫وقبيل ذلك فلنذكير كيم أصيناف الطرق التيي تتلقيي منهيا الحكام‬
‫الشرعيية‪ ،‬وكيم أصيناف الحكام الشرعيية‪ ،‬وكيم أصيناف السيباب‬
‫التي أوجبت الختلف بأوجز ما يمكننا في ذلك‪ .‬فنقول‪:‬‬
‫إن الطرق التييي منهييا تلقيييت الحكام عيين النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسيلم بالجنيس ثلثية‪ :‬إميا لفيظ‪ ،‬وإميا فعيل‪ ،‬وإميا إقرار‪ .‬وأميا ميا‬
‫سيييكت عنيييه الشارع مييين الحكام فقال الجمهور‪ :‬إن طرييييق‬
‫الوقوف عليه هو القياس‪ .‬وقال أهل الظاهر‪ :‬القياس في الشرع‬
‫باطيل‪ ،‬وميا سيكت عنيه الشارع فل حكيم له‪ .‬ودلييل العقيل يشهيد‬
‫ثبوتيييه [أي ثبوت القياس‪ .‬دار الحدييييث]‪ ،‬وذلك أن الوقائع بيييين‬
‫أشخاص الناسييي غييير متناهييية‪ ،‬والنصييوص والفعال والقرارات‬
‫متناهية‪ ،‬ومحال أن يقابل ما ل يتناهى بما يتناهى‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأصناف اللفاظ التي تتلقى منها الحكام من السمع أربعة‪ :‬ثلثة‬


‫متفيق عليهيا‪ ،‬ورابيع مختلف فييه‪ .‬أميا الثلثية المتفيق عليهيا فلفيظ‬
‫عام يحميل على عموميه‪ ،‬أو خاص يحميل على خصيوصه‪ ،‬أو لفيظ‬
‫عام يراد بيه الخصيوص‪ ،‬أو لفيظ خاص يراد بيه العموم‪ ،‬وفيي هذا‬
‫يدخييييل التنييييبيه بالعلى على الدنييييى‪ ،‬وبالدنييييى على العلى‪،‬‬
‫وبالمسييياوي على المسييياوى؛ فمثال الول قوله تعالى {حرميييت‬
‫عليكيم الميتية والدم ولحيم الخنزيير} فإن المسيلمين اتفقوا على‬
‫أن لفيظ الخنزيير متناول لجمييع أصيناف الخنازيير ميا لم يكين مميا‬
‫يقال علييه السيم بالشتراك‪ ،‬مثيل خنزيير الماء‪ ،‬ومثال العام يراد‬
‫به الخاص قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم‬
‫بهييا} فإن المسييلمين اتفقوا على أن ليسييت الزكاة واجبيية فييي‬
‫جميييع أنواع المال‪ ،‬ومثال الخاص يراد بييه العام قوله تعالى {فل‬
‫تقيل لهميا أف} وهيو مين باب التنيبيه بالدنيى على العلى‪ ،‬فإنيه‬
‫يفهم من هذا تحريم الضرب والشتم وما فوق ذلك‪ ،‬وهذه إما أن‬
‫يأتي المستدعى بها فعله بصيغة المر‪ ،‬وإما أن يأتي بصيغة الخبر‬
‫يراد به المر‪ ،‬وكذلك المستدعي تركه‪ ،‬إما أن يأتي بصيغة النهي‪،‬‬
‫وإميا أن يأتيي بصييغة الخيبر يراد بيه النهيي‪ ،‬وإذا أتيت هذه اللفاظ‬
‫بهذه الصيغ‪ ،‬فهل يحمل استدعاء الفعل بها على الوجوب أو على‬
‫الندب على ما سييقال فيي حيد الواجيب والمندوب إلييه‪ ،‬أو يتوقيف‬
‫حتيى يدل الدلييل على أحدهميا‪ ،‬فييه ب ين العلماء خلف مذكور فيي‬
‫كتيب أصيول الفقيه‪ ،‬وكذلك الحال فيي صييغ النهيي هيل تدل على‬
‫الكراهييية أو التحريييم‪ ،‬أو ل تدل على واحييد منهمييا‪ ،‬فيييه الخلف‬
‫المذكور أيضيا‪ ،‬والعيان التيي يتعلق بهيا الحكيم إميا أن يدل عليهيا‬
‫بلفيظ يدل على معنيى واحيد فقيط‪ ،‬وهيو الذي يعرف فيي صيناعة‬
‫أصول الفقه بالنص‪ ،‬ول خلف في وجوب العمل به‪ ،‬وإما أن يدل‬
‫عليها بلفظ يدل على أكثر من معنى واحد‪ ،‬وهذا قسمان‪ :‬إما أن‬
‫تكون دللتييه على تلك المعانييي بالسييواء‪ ،‬وهييو الذي يعرف فييي‬
‫أصول الفقه بالمجمل‪ ،‬ول خلف في أنه ل يوجب حكما‪ ،‬وإما أن‬
‫تكون دللته على بعض تلك المعاني أكثر من بعض‪ ،‬وهذا يسمى‬
‫بالضافيية إلى المعانييي التييي دللتييه عليهييا أكثيير ظاهرا‪ ،‬ويسييمى‬
‫بالضافيية إلى المعانييي التييي دللتييه عليهييا أقييل محتمل‪ ،‬وإذا ورد‬
‫مطلقيا حميل على تلك المعانيي التيي هيو أظهير فيهيا حتيى يقوم‬
‫الدليييل على حمله على المحتمييل‪ ،‬فيعرض الخلف للفقهاء فييي‬
‫أقاويل الشارع‪ ،‬لكن ذلك من قبل ثلثة معان‪ :‬من قبل الشتراك‬
‫فيي لفيظ العيين الذي علق بيه الحكيم‪ ،‬ومين قبيل الشتراك فيي‬
‫اللف واللم المقرونية بجنيس تلك العيين‪ ،‬هيل أرييد بهيا الكيل أو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البعيض؟ ومين قبيل الشتراك الذي فيي ألفاظ الوامير والنواهيي‪.‬‬


‫وأما الطريق الرابع فهو أن يفهم من إيجاب الحكم لشيء ما نفي‬
‫ذلك الحكم عما عدا ذلك الشيء أو من نفى الحكم عن شيء ما‬
‫إيجابييه لمييا عدا ذلك الشيييء الذي نفييي عنييه‪ ،‬وهييو الذي يعرف‬
‫بدلييل الخطاب‪ ،‬وهيو أصيل مختلف فييه‪ ،‬مثيل قوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "فيي سيائمة الغنيم الزكاة" فإن قوميا فهموا منيه أن ل‬
‫زكاة فيي غيير السيائمة‪ ،‬وأميا القياس الشرعيي فهيو إلحاق الحكيم‬
‫الواجييب لشيييء مييا بالشرع بالشيييء‪ ،‬المسييكوت عنييه لشبهييه‬
‫بالشييء الذي أوجيب الشرع له ذلك الحكيم أو لعلة جامعية بينهميا‪،‬‬
‫ولذلك كان القياس الشرعييي صيينفين قياس شبييه‪ ،‬وقياس علة؛‬
‫والفرق بيين القياس الشرعييي واللفيظ الخاص يراد بيه العام‪ :‬أن‬
‫القياس يكون على الخاص الذي أريد به الخاص‪ ،‬فيلحق به غيره‪،‬‬
‫أعني أن المسكوت عنه يلحق بالمنطوق به من جهة الشبه الذي‬
‫بينهميييا ل مييين جهييية دللة اللفيييظ لن إلحاق المسيييكوت عنيييه‬
‫بالمنطوق به من جهة تنبيه اللفظ ليس بقياس‪ ،‬وإنما هو من باب‬
‫دللة اللفيظ‪ ،‬وهذان الصينفان يتقاربان جدا لنهميا إلحاق مسيكوت‬
‫عنييه بمنطوق بييه‪ ،‬وهمييا يلتبسييان على الفقهاء كثيرا جدا‪ ،‬فمثال‬
‫القياس إلحاق شارب الخمر بالقاذف في الحد والصداق بالنصاب‬
‫فييييي القطييييع‪ ،‬وأمييييا إلحاق الربويات بالمقتات أو بالمكيييييل أو‬
‫بالمطعوم فميين باب الخاص أريييد بييه العام‪ ،‬فتأمييل هذا فإن فيييه‬
‫غموضيا‪ .‬والجنيس الول هيو الذي ينبغيي للظاهريية أن تنازع فييه‪،‬‬
‫وأميا الثانيي فلييس ينبغيي لهيا أن تنازع فييه لنيه مين باب السيمع‪،‬‬
‫والذي يرد ذلك يرد نوعا من خطاب العرب‪ ،‬وأما الفعل فإنه عند‬
‫الكثير مين الطرق التيي تتلقيي منهيا الحكام الشرعيية‪ ،‬وقال قوم‬
‫الفعال‪ :‬ليسيت تفييد حكميا إذ لييس لهيا صييغ‪ ،‬والذيين قالوا إنهيا‬
‫تتلقي منهيا الحكام اختلفوا فيي نوع الحكيم الذي تدل عليه‪ ،‬فقال‬
‫قوم‪ :‬تدل على الوجوب‪ ،‬وقال قوم‪ :‬تدل على الندب‪ ،‬والمختار‬
‫عنييد المحققييين أنهييا إن أتييت بيانييا لمجمييل واجييب دلت على‬
‫الوجوب‪ ،‬وإن أتت بيانا لمجمل مندوب إليه دلت على الندب؛ وإن‬
‫لم تأت بيانييا لمجمييل‪ ،‬فإن كانييت ميين جنييس القربيية دلت على‬
‫الندب وإن كانييت ميين جنييس المباحات دلت على الباحيية‪ ،‬وأمييا‬
‫القرار فإنييه يدل على الجواز فهذه أصييناف الطرق التييي تتلقييى‬
‫منها الحكام أو تستنبط‪.‬‬
‫وأميا الجماع فهيو مسيتند إلى أحيد هذه الطرق الربعية‪ ،‬إل أنيه إذا‬
‫وقيع فيي واحيد منهيا ولم يكين قطعييا نقيل الحكيم مين غلبية الظين‬
‫إلى القطع وليس الجماع أصل مستقل بذاته من غير استناد إلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واحييد ميين هذه الطرق‪ ،‬لنييه لو كان كذلك لكان يقتضييي إثبات‬
‫شرع زائد بعيد النيبي صيلى الله علييه وسيلم إذ كان ل يرجيع إلى‬
‫أصل من الصول المشروعة‪ .‬وأما المعاني المتداولة المتأدية من‬
‫هذه الطرق اللفظية للمكلفين‪ ،‬فهي بالجملة‪ :‬إما أمر بشيء وإما‬
‫نهييي عنييه‪ ،‬وإمييا تخيييير فيييه‪ .‬والميير إن فهييم منييه الجزم وتعلق‬
‫العقاب بتركييه سييمي واجبييا‪ ،‬وإن فهييم منييه الثواب على الفعييل‬
‫وانتفيى العقاب ميع الترك سيمي ندبيا‪ .‬والنهيي أيضيا إن فهيم منيه‬
‫الجزم وتعلق العقاب بالفعييل سييمي محرمييا ومحظورا‪،‬وإن فهييم‬
‫منيه الحيث على تركيه مين غيير تعلق عقاب بفعله سيمي مكروهيا‪،‬‬
‫فتكون أصييييناف الحكام الشرعييييية الملتقاة ميييين هذه الطرق‬
‫الخميس‪ :‬واجيب‪ ،‬ومندوب‪ ،‬ومحظور‪ ،‬ومكروه‪ ،‬ومخيير فييه وهيو‬
‫المباح‪ .‬وأميا أسيباب الختلف بالجنيس فسيتة‪ :‬أحدهيا تردد اللفاظ‬
‫بيين هذه الطرق الربيع‪ :‬أعنيي بيين أن يكون اللفيظ عاميا يراد بيه‬
‫الخاص‪ ،‬أو خاصييا يراد بييه العام‪ ،‬أو عامييا يراد بييه العام‪ ،‬أو خاصييا‬
‫يراد بيه الخاص‪ ،‬أو يكون له دلييل خطاب‪ ،‬أو ل يكون له‪ .‬والثانيي‬
‫الشتراك الذي فيي اللفاظ‪ ،‬وذلك إميا فيي اللفيظ المفرد كلفيظ‬
‫القرء الذي ينطلق على الطهار وعلى الحيض‪ ،‬وكذلك لفظ المر‬
‫هيل يحميل على الوجوب أو الندب‪ ،‬ولفيظ النهيي هيل يحميل على‬
‫التحرييم أو على الكراهيية‪ ،‬وإميا فيي اللفيظ المركيب مثيل قوله‬
‫تعالى {إل الذيين تابوا} فإنيه يحتميل أن يعود على الفاسيق فقيط‪،‬‬
‫ويحتمييل أن يعود على الفاسييق والشاهييد‪ ،‬فتكون التوبيية رافعيية‬
‫للفسق ومجيزة شهادة القاذف‪ .‬والثالث اختلف العراب‪ .‬والرابع‬
‫تردد اللفيظ بيين حمله على الحقيقية أو حمله على نوع مين أنواع‬
‫المجاز‪ ،‬التيي هيي‪ :‬إميا الحذف‪ ،‬وإميا الزيادة‪ ،‬وإميا التقدييم وإميا‬
‫التأخيير‪ ،‬وإميا تردده على الحقيقية أو السيتعارة‪ .‬والخاميس إطلق‬
‫اللفييظ تارة وتقييده تارة‪ ،‬مثييل إطلق الرقبيية فييي العتييق تارة‪،‬‬
‫وتقييدها باليمان تارة‪ .‬والسادس التعارض في الشيئين في جميع‬
‫أصيناف اللفاظ التيي يتلقيى منهيا الشرع الحكام بعضهيا ميع بعيض‬
‫وكذلك التعارض الذي يأتيييي فيييي الفعال أو فيييي القرارات‪ ،‬أو‬
‫تعارض القياسيييات أنفسيييها‪،‬أو التعارض الذي يتركيييب مييين هذه‬
‫الصيييناف الثلثييية‪ :‬أعنيييي معارضييية القول للفعيييل أو للقرار أو‬
‫للقياس‪ ،‬ومعارضيية الفعييل للقرار أو للقياس‪ ،‬ومعارضيية القرار‬
‫للقياس‪.‬‬
‫قال القاضي رضي الله عنه‪:‬‬
‫وإذ قيييد ذكرنيييا بالجملة هذه الشياء‪ ،‬فلنشرع فيميييا قصيييدنا له‪،‬‬
‫مستعينين بالله‪ ،‬ولنبدأ من ذلك بكتاب الطهارة على عاداتهم‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*2‬كتاب الطهارة من الحدث‪.‬‬


‫@‪-‬فنقول‪ :‬إنيييه اتفيييق المسيييلمون على أن الطهارة الشرعيييية‬
‫طهارتان‪ :‬طهارة ميين الحدث‪ ،‬وطهارة ميين الخبييث‪ ،‬واتفقوا على‬
‫أن الطهارة من الحدث ثلثة أصناف‪ :‬وضوء‪ ،‬وغسل‪ ،‬وبدل منهما‬
‫وهييو التيمييم‪ ،‬وذلك لتضميين ذلك آييية الوضوء الواردة فييي ذلك‪،‬‬
‫فلنبدأ من ذلك بالقول في الوضوء‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫*‪*3‬كتاب الوضوء‪.‬‬
‫@‪-‬إن القول المحيييط بأصييول هذه العبادة ينحصيير فييي خمسيية‬
‫أبواب‪ :‬الباب الول فييي الدليييل على وجوبهييا‪ ،‬وعلى ميين تجييب‬
‫ومتيى تجيب‪ .‬الثانيي فيي معرفية أفعالهيا‪ .‬الثالث فيي معرفية ميا بيه‬
‫تفعل وهو الماء‪ .‬الرابع في معرفة نواقضها‪ .‬الخامس في معرفة‬
‫الشياء التي تفعل من أجلها‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول‪.‬‬
‫@‪-‬فأما الدليل على وجوبها فالكتاب والسنة والجماع‪ .‬أما الكتاب‬
‫فقوله تعالى {ييا أيهيا الذيين آمنوا إذا قمتيم إلى الصيلة فاغسيلوا‬
‫وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} الية‪ .‬فإنه اتفق المسلمون على‬
‫أن امتثال هذا الخطاب واجب على كل من لزمته الصلة إذا دخل‬
‫وقتها‪ .‬وأما السنة فقوله عليه الصلة والسلم "ل يقبل الله صلة‬
‫بغيير طهور ول صيدقة مين غلول" وقوله علييه الصيلة والسيلم "ل‬
‫يقبييل الله صييلة ميين أحدث حتييى يتوضييأ" وهذان الحديثان ثابتان‬
‫عنييد أئميية النقييل‪ .‬وأمييا الجماع‪ ،‬فإنييه لم ينقييل عيين أحييد ميين‬
‫الم سلمين في ذلك خلف‪ ،‬ولو كان هناك خلف لنقيل‪ ،‬إذ العادات‬
‫تقتضيي ذلك‪ .‬وأميا مين تجيب علييه فهيو البالغ العاقيل‪ ،‬وذلك أيضيا‬
‫ثابيت بالسينة والجماع‪ .‬أميا السينة فقوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"رفيع القلم عين ثلث‪ ،‬فذكير‪ :‬الصيبي حتيى يحتلم‪ ،‬والمجنون حتيى‬
‫يفيييق" وأمييا الجماع‪ ،‬فإنييه لم ينقييل فييي ذلك خلف‪ ،‬واختلف‬
‫الفقهاء هيل مين شرط وجوبهيا السيلم أم ل؟ وهيي مسيألة قليلة‬
‫الغناء في الفقه‪ ،‬لنها راجعة إلى الحكم الخروي‪ .‬وأما متى تجب‬
‫فإذا دخييل وقييت الصييلة‪ ،‬أو أراد النسييان الفعييل الذي الوضوء‬
‫شرط فيه‪ ،‬وإن لم يكن ذلك متعلقا بوقت‪ ،‬أما وجوبه عند دخول‬
‫وقييت الصييلة على المحدث فل خلف فيييه لقوله تعالى {يييا أيهييا‬
‫الذييين آمنوا إذا قمتييم إلى الصييلة} الييية‪ ،‬فأوجييب الوضوء عنييد‬
‫القيام إلى الصيلة‪ ،‬ومين شروط الصيلة دخول الوقيت‪ ،‬وأميا دلييل‬
‫وجوبيه عنيد إرادة الفعال التيي هيو شرط فيهيا فسييأتي ذلك عنيد‬
‫ذكيير الشياء التييي يفعييل الوضوء ميين أجلهييا واختلف الناس فييي‬
‫ذلك‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الباب الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا معرفية فعيل الوضوء فالصيل فييه ميا ورد مين صيفته فيي‬
‫قوله تعالى {ييا أيهيا الذييين آمنوا إذا قمتييم إلى الصييلة فاغسييلوا‬
‫وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى‬
‫الكعيبين} ‪ .‬وميا ورد مين ذلك أيضيا فيي صيفة وضوء النيبي صيلى‬
‫الله عليييه وسييلم فييي الثار الثابتيية‪ ،‬ويتعلق بذلك مسييائل اثنتييا‬
‫عشرة مشهورة تجري مجرى المهات‪ ،‬وهييي راجعيية إلى معرفيية‬
‫الشروط والركان وصيفة الفعال وأعدادهيا وتعيينهيا وتحدييد محال‬
‫أنواع أحكام جميع ذلك‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الولى من الشروط)‪:‬‬
‫اختلف علماء المصار هل النية شرط في صحة الوضوء أم ل بعد‬
‫اتفاقهم على اشتراط النية في العبادات لقوله تعالى {وما أمروا‬
‫إل ليعبدوا الله مخلصيين له الديين} ولقوله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫"إنما العمال بالنيات" الحديث المشهور‪ .‬فذهب فريق منهم إلى‬
‫أنهيا شرط‪ ،‬وهيو مذهيب الشافعيي ومالك وأحميد وأبيي ثور وداود‪.‬‬
‫وذهب فريق آخر إلى أنها ليست بشرط‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة‬
‫والثوري‪ .‬وسييييبب اختلفهييييم تردد الوضوء بييييين أن يكون عبادة‬
‫محضية‪ :‬أعنيي غيير معقولة المعنيى‪ ،‬وإنميا يقصيد بهيا القربية فقيط‬
‫كالصييلة وغيرهييا‪ ،‬وبييين أن يكون عبادة معقولة المعنييى كغسييل‬
‫النجاسة‪ ،‬فإنهم ل يختلفون أن العبادة المحضة مفتقرة إلى النية‪،‬‬
‫والعبادة المفهومية المعنيى غيير مفتقرة إلى النيية‪ ،‬والوضوء فييه‬
‫شبه من العبادتين‪ ،‬ولذلك وقع الخلف فيه‪ ،‬وذلك أنه يجمع عبادة‬
‫ونظافة‪ ،‬والفقه أن ينظر بأيهما هو أقوى شبها فيلحق به‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية من الحكام)‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء فييي غسييل اليييد قبييل إدخالهييا فييي إناء الوضوء‪،‬‬
‫فذهيب قوم إلى أنيه مين سينن الوضوء بإطلق‪ ،‬وإن تيقين طهارة‬
‫الييد‪ ،‬وهيو مشهور مذهيب مالك والشافعيي‪ .‬وقييل إنيه مسيتحب‬
‫للشاك فييي طهارة يده؛ وهييو أيضييا مروي عيين مالك‪ .‬وقيييل إن‬
‫غسل الييد واجيب على المنتبه من النوم‪ ،‬وبيه قال داود وأصيحابه‪.‬‬
‫وفرق قوم بين نوم الليل ونوم النهار‪ ،‬فأوجبوا ذلك في نوم الليل‬
‫ولم يوجبوه فييي نوم النهار‪ ،‬وبييه قال أحمييد‪ ،‬فتحصييل فييي ذلك‬
‫أربعية أقوال‪ :‬قول إنيه سينة بإطلق‪ ،‬وقوله إنيه اسيتحباب للشاك‬
‫وقول إنييه واجييب على المنتبييه ميين نوم وقول أنييه واجييب على‬
‫المنتبيه مين نوم اللييل دون نوم النهار‪ ،‬والسيبب فيي اختلفهيم فيي‬
‫ذلك اختلفهيم فيي مفهوم الثابيت مين حدييث أبيي هريرة أنيه علييه‬
‫الصيلة والسيلم قال "إذا اسيتيقظ أحدكيم مين نوميه فليغسيل يده‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قبيل أن يدخلهيا الناء‪ ،‬فإن أحدكيم ل يدري أيين باتيت يده" وفيي‬
‫بعض رواياته "فليغسلها ثلثا" فمن لم ير بين الزيادة الواردة في‬
‫هذا الحدييث على ميا فيي آيية الوضوء معارضية‪ ،‬وبيين آيية الوضوء‬
‫حمل لفظ المر ههنا على ظاهره من الوجوب‪ ،‬وجعل ذلك فرضا‬
‫ميين فروض الوضوء‪ ،‬وميين فهييم ميين هؤلء ميين لفييظ البيات نوم‬
‫اللييل أوجيب ذلك مين نوم اللييل فقيط‪ ،‬ومين لم يفهيم منيه ذلك‬
‫وإنميا فهيم منيه النوم فقيط أوجيب ذلك على كيل مسيتيقظ مين‬
‫النوم نهارا أو ليل‪ ،‬ومين رأى أن بيين هذه الزيادة واليية تعارضيا إذ‬
‫كان ظاهيير الييية المقصييود منييه حصيير فروض الوضوء كان وجييه‬
‫الجمييع بينهمييا عنده أن يخرج لفييظ الميير عيين ظاهره الذي هييو‬
‫الوجوب إلى الندب‪ ،‬وميين تأكييد عنده هذا الندب لمثابرتييه عليييه‬
‫الصيلة والسيلم على ذلك قال إنيه مين جنيس السينن‪ ،‬ومين لم‬
‫يتأكييييييد عنده هذا الندب قال إن ذلك ميييييين جنييييييس المندوب‬
‫المسييتحب‪ ،‬وهؤلء غسييل اليييد عندهييم بهذه الحال إذا تيقنييت‬
‫طهارتهيا‪ :‬أعنيي مين يقول إن ذلك سينة‪ ،‬مين يقول إنيه ندب‪ ،‬ومين‬
‫لم يفهم من هؤلء من هذا الحديث علة توجب عنده أن يكون من‬
‫باب الخاص أرييد بيه العام كان ذلك عنده مندوبيا للمسيتيقظ مين‬
‫النوم فقط‪ ،‬ومن فهم منه علة الشك وجعله من باب الخاص أريد‬
‫بيه العام كان ذلك عنده للشاك‪ ،‬لنيه فيي معنيى النائم‪ ،‬والظاهير‬
‫مين هذا الحدييث أنيه لم يقصيد بيه حكيم الييد فيي الوضوء‪ ،‬وإنميا‬
‫قصيد بيه حكيم الماء الذي يتوضيأ بيه‪ ،‬إذا كان الماء مشترطيا فييه‬
‫الطهارة وأما من نقل من غسله صلى الله عليه وسلم يديه قبل‬
‫إدخالهميا فيي الناء فيي أكثير أحيانيه‪ ،‬فيحتميل أن يكون مين حكيم‬
‫اليد على أن يكون غسلها في البتداء من أفعال الوضوء‪ ،‬ويحتمل‬
‫أن يكون مين حكيم الماء‪ ،‬أعنيي أن ل ينجيس أو يقيع فييه شيك إن‬
‫قلنا إن الشك مؤثر‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثالثة من الركان)‪:‬‬
‫اختلفوا في المضمضة والستنشاق في الوضوء على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫قول إنهميا سينتان فيي الوضوء‪ ،‬وهيو قول مالك والشافعيي وأبيي‬
‫حنيفة‪ ،‬وقول إنهما فرض فيه‪ ،‬وبه قال ابن أبي ليلى وجماعة من‬
‫أصيحاب داود‪ ،‬وقول إن السيتنشاق فرض والمضمضية سينة‪ ،‬وبيه‬
‫قال أبو ثور وأبو عبيدة وجماعة من أهل الظاهر‪ ،‬وسبب اختلفهم‬
‫فيي كونهيا فرضيا أو سينة اختلفهيم فيي السينن الواردة فيي ذلك‪،‬‬
‫هييل هييي زيادة تقتضييي معارضيية آييية الوضوء أو ل تقتضييي ذلك؛‬
‫فميييييين رأى أن هذه الزيادة إن حملت على الوجوب اقتضييييييت‬
‫معارضية اليية‪ ،‬إذ المقصيود مين اليية تأصييل هذا الحكيم وتيبيينه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أخرجها من باب الوجوب إلى باب الندب‪ ،‬ومن لم ير أنها تقتضي‬


‫معارضة حملها على الظاهر من الوجوب ومن استوت عنده هذه‬
‫القوال والفعال فيييييي حملهيييييا على الوجوب لم يفرق بيييييين‬
‫المضمضييية والسيييتنشاق‪ ،‬ومييين كان عنده القول محمول على‬
‫الوجوب والفعيييييل محول على الندب فرق بيييييين المضمضييييية‬
‫والسييتنشاق‪ ،‬وذلك أن المضمضيية نقلت ميين فعله عليييه الصييلة‬
‫والسييلم ولم تنقييل مين أمره وأمييا السييتنشاق فميين أمره عليييه‬
‫الصلة والسلم وفعله‪ ،‬وهو قوله عليه الصلة والسلم "إذا توضأ‬
‫أحدكيم فليجعيل فيي أنفيه ماء ثيم لينثير‪ ،‬ومين اسيتجمر فليوتير"‬
‫خرجيه مالك فيي موطئه‪ ،‬والبخاري فيي صيحيحه مين حدييث أبيي‬
‫هريرة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الرابعة من تحديد المحال)‪:‬‬
‫اتفييق العلماء على أن غسييل الوجييه بالجملة ميين فرائض الوضوء‬
‫لقوله تعالى {فاغسلوا وجوهكم} واختلفوا منه في ثلثة مواضع‪:‬‬
‫فيي غسل البياض الذي بين العذار والذن‪ ،‬وفي غسل ما انسدل‬
‫مين اللحيية‪ ،‬وفيي تخلييل اللحيية‪ ،‬فالمشهور مين مذهيب مالك أنيه‬
‫لييس البياض الذي بيين العذار والذن مين الوجيه‪ ،‬وقيد قييل فيي‬
‫المذهيب بالفرق بيين المرد والملتحيي فيكون فيي المذهيب فيي‬
‫ذلك ثلثة أقوال‪ .‬وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬هو من الوجه‪ .‬وأما‬
‫ميا انسيدل مين اللحيية‪ ،‬فذهيب مالك إلى وجوب إمرار الماء علييه‪،‬‬
‫ولم يوجبييه أبييو حنيفيية ول الشافعييي فييي أحييد قوليييه؛ وسييبب‬
‫اختلفهيم في هاتين المسئلتين هو خفاء تناول اسيم الوجه لهذين‬
‫الموضعيين‪ ،‬أعنيي هيل يتناولهميا أو ل يتناولهميا وأميا تخلييل اللحيية‬
‫فمذهيب مالك أنيه لييس واجبيا‪ ،‬وبه قال أبيو حنيفية والشافعيي فيي‬
‫الوضوء‪ ،‬وأوجبييه ابيين عبييد الحكييم ميين أصييحاب مالك؛ وسييبب‬
‫اختلفهيم فيي ذلك اختلفهيم فيي صيحة الثار التيي ورد فيهيا المير‬
‫بتخليل اللحية والكثر على أنها غير صحيحة مع أن الثار الصحاح‬
‫التي ورد فيها صفة وضوئه عليه الصلة والسلم ليس في شيء‬
‫منها التخليل‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الخامسة من التحديد)‪:‬‬
‫اتفق العلماء على أن غسل اليدين والذراعين من فروض الوضوء‬
‫لقوله تعالى {وأيديكييييم إلى المرافييييق} واختلفوا فييييي إدخال‬
‫المرافيق فيهيا؛ فذهيب الجمهور ومالك والشافعيي وأبيو حنيفية إلى‬
‫وجوب إدخالها‪ ،‬وذهب بعض أهل الظاهر وبعض متأخري أصحاب‬
‫مالك والطبري إلى أنه ل يجب إدخالها في الغسل؛ والسبب في‬
‫اختلفهيم فيي ذلك الشتراك الذي فيي حرف إلى‪ ،‬وفيي اسيم الييد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيييي كلم العرب وذلك أن حرف إلى مرة يدل فيييي كلم العرب‬
‫على الغايية‪ ،‬ومرة يكون بمعنيى ميع‪ ،‬والييد أيضيا فيي كلم العرب‬
‫تطلق على ثلثيية معان على الكييف فقييط‪ ،‬وعلى الكييف والذراع‪،‬‬
‫وعلى الكيف والذراع والعضيد‪ ،‬فمين جعيل "إلى" بمعنيى ميع (هنيا‬
‫فييي نسيخة فاس بمعنيى مين)‪ ،‬أو فهييم مين الييد مجموع الثلثيية‬
‫العضاء أوجيب دخولهيا فيي الغسيل (فيهيا هنيا زيادة لن إلى عنده‬
‫تكون بمعنى من ومبدأ الشيء من الشيء)‪ ،‬ومن فهم من "إلى"‬
‫الغايية ومين الييد ميا دون المرفيق ولم يكين الحيد عنده داخل فيي‬
‫المحدود لم يدخلهميا فيي الغسيل‪ ،‬وخرج مسيلم فيي صيحيحه عين‬
‫أبييي هريرة أنييه غسييل يده اليمنييى حتييى أشرع فييي العضييد ثييم‬
‫اليسرى كذلك‪ ،‬ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق‪ ،‬ثم‬
‫غسيل اليسيرى كذلك‪ ،‬ثيم قال هكذا رأييت رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم يتوضأ‪ .‬وهو حجة لقول من أوجب إدخالها في الغسل‪،‬‬
‫لنيه إذا تردد اللفيظ بيين المعنييين على السيواء وجيب أن ل يصيار‬
‫إلى أحييد المعنيييين إل بدليييل‪ ،‬وإن كانييت "إلى" فييي كلم العرب‬
‫أظهر في معنى الغاية منها في معنى مع‪ ،‬وكذلك اسم اليد أظهر‬
‫في ما دون العضيد منه في ما فوق العضيد‪ ،‬فقول من لم يدخل ها من‬
‫جهية الدللة اللفظيية أرجيح‪ ،‬وقول مين أدخلهيا مين جهية هذا الثير‬
‫أبيين‪ ،‬إل أن يحميل هذا الثير على الندب‪ ،‬والمسيألة محتملة كميا‬
‫ترى‪ ،‬وقييد قال قوم‪ :‬إن الغاييية إذا كانييت ميين جنييس ذي الغاييية‬
‫دخلت فيه‪ ،‬وإن لم تكن من جنسه لم تدخل فيه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة السادسة من التحديد)‪:‬‬
‫اتفيق العلماء على أن مسيح الرأس مين فروض الوضوء‪ ،‬واختلفوا‬
‫في القدر المجزئ منه‪ .‬فذهب مالك إلى أن الواجب مسحه كله‪،‬‬
‫وذهيب الشافعيي وبعيض أصيحاب مالك وأبيو حنيفية إلى أن مسيح‬
‫بعضه هو الفرض‪ ،‬ومن أصحاب مالك من حد هذا البعض بالثلث‪،‬‬
‫ومنهم من حده بالثلثين‪ ،‬وأما أبو حنيفة فحده بالربع‪ ،‬وحد مع هذا‬
‫القدر مين الييد الذي يكون بيه المسيح‪ ،‬فقال‪ :‬إن مسيحه بأقيل مين‬
‫ثلثة أصابع لم يجزه‪ .‬وأما الشافعي فلم يحد في الماسح ول في‬
‫الممسيوح حدا‪ .‬وأصيل هذا الختلف فيي الشتراك الذي فيي الباء‬
‫فيييي كلم العرب‪ ،‬وذلك أنهيييا مرة تكون زائدة مثيييل قوله تعالى‬
‫{تنبت بالدهن} على قراءة من قرأ تنبت بضم التاء وكسر الباء‬
‫من أنبت‪ ،‬ومرة تدل على التبعيض مثل قول القائل‪ :‬أخذت بثوبه‬
‫وبعضده‪ ،‬ول معنييى لنكار هذا فييي كلم العرب‪ ،‬أعنييي كون الباء‬
‫مبعضة‪ ،‬وهو قول الكوفيين من النحويين‪ ،‬فمن رآها زائدة أوجب‬
‫مسيح الرأس كله؛ ومعنيى الزائدة ههنيا كونهيا مؤكدة‪ ،‬ومين رآهيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مبعضيية أوجييب مسييح بعضييه‪ ،‬وقييد احتييج ميين رجييح هذا المفهوم‬
‫بحديييث المغيرة "أن النييبي عليييه الصييلة والسييلم توضييأ فمسييح‬
‫بناصييته وعلى العمامية" خرجيه مسيلم‪ .‬وإن سيلمنا أن الباء زائدة‬
‫بقي ههنا أيضا احتمال آخر‪ ،‬وهو هل الواجب الخذ بأوائل السماء‬
‫أو بأواخرها‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة السابعة من العداد)‪:‬‬
‫اتفيق العلماء على أن الواجيب مين طهارة العضاء المغسيولة هيو‬
‫مرة مرة إذا أسيبغ‪ ،‬وإن الثنيين والثلث مندوب إليهميا‪ ،‬لميا صيح‬
‫"أنيه صيلى الله علييه وسيلم توضيأ مرة مرة وتوضيأ مرتيين مرتيين‬
‫وتوضيأ ثلثيا ثلثيا" ولن المير لييس يقتضيي إل الفعيل مرة مرة‪،‬‬
‫أعني المر الوارد في الغسل في آية الوضوء‪ ،‬واختلفوا في تكرير‬
‫مسيح الرأس هيل هيو فضيلة أم لييس فيي تكريره فضيلة‪ .‬فذهيب‬
‫الشافعي إلى أنه من توضأ ثلثا ثلثا يمسح رأسه أيضا ثلثا‪ ،‬وأكثر‬
‫الفقهاء يرون أن المسيح ل فضيلة فيي تكريره؛ وسيبب اختلفهيم‬
‫فيي ذلك اختلفهيم فيي قبول الزيادة الواردة فيي الحدييث الواحيد‬
‫إذا أتت من طريق واحد ولم يرها الكثر‪ ،‬وذلك أن أكثر الحاديث‬
‫التيي روي فيهيا أنيه توضيأ ثلثيا ثلثيا مين حدييث عثمان وغيره لم‬
‫ينقييل فيهييا إل أنييه مسييح واحدة فقييط‪ .‬فييي بعييض الروايات عيين‬
‫عثمان فيي صيفة وضوئه أنيه علييه الصيلة والسيلم مسيح برأسيه‬
‫ثلثيا‪ ،‬وعضيد الشافعيي وجوب قبول هذه الزيادة بظاهير عموم ميا‬
‫روي أنييه عليييه الصييلة والسييلم توضييأ مرة مرة ومرتييين مرتييين‬
‫وثلثيا ثلثيا‪ ،‬وذلك أن المفهوم مين عموم هذا اللفيظ وإن كان مين‬
‫لفييظ الصييحابي هييو حمله على سييائر أعضاء الوضوء‪ ،‬إل أن هذه‬
‫الزيادة ليست في الصحيحين‪ ،‬فإن صحت يجب المصير إليها‪ ،‬لن‬
‫من سكت عن شيء ليس هو بحجة على من ذكره‪ .‬وأكثر العلماء‬
‫أوجييب تجديييد الماء لمسييح الرأس قياسييا على سييائر العضاء‪.‬‬
‫وروى عن ابن الماجشون أنه قال‪ :‬إذا نفذ الماء مسح رأسه ببلل‬
‫لحيته‪ ،‬وهو اختيار ابن حبيب ومالك والشافعي‪.‬‬
‫ويسيتحب فيي صيفة المسيح أن يبدأ بمقدم رأسيه فيمير يدييه إلى‬
‫قفاه ثم يردهما إلى حيث بدأ على ما في حديث عبد الله بن زيد‬
‫الثابت‪ .‬وبعض العلماء يختار أن يبدأ من مؤخر الرأس‪ ،‬وذلك أيضا‬
‫مروي مين صيفة وضوئه علييه الصيلة والسيلم مين حدييث الربييع‬
‫بنت معوذ‪ ،‬إل أنه لم يثبت في الصحيحين‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثامنة من تعيين المحال)‪:‬‬
‫اختلف العلماء فييي المسييح على العماميية‪ ،‬فأجاز ذلك أحمييد بيين‬
‫حنبل وأبو ثور والقاسم بن سلم وجماعة‪ ،‬ومنع من ذلك جماعة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫منهييم مالك والشافعييي وأبييو حنيفيية‪ ،‬وسييبب اختلفهييم فييي ذلك‬


‫اختلفهييم فييي وجوب العمييل بالثيير الوارد فييي ذلك ميين حديييث‬
‫المغيرة وغيره "أنيه علييه الصيلة والسيلم مسيح بناصييته وعلى‬
‫العمامة" وقياسا على الخف‪ ،‬ولذلك اشترط أكثرهم لبسهما على‬
‫طهارة‪ ،‬وهذا الحدييث إنميا رده مين رده‪ ،‬إميا لنيه لم يصيح عنده‪،‬‬
‫وإمييا لن ظاهيير الكتاب عارضييه عنده‪ ،‬أعنييي الميير فيييه بمسييح‬
‫الرأس‪ ،‬وإميا لنيه لم يشتهير العميل بيه عنيد مين يشترط اشتهار‬
‫العمييل فيمييا نقييل ميين طريييق الحاد وبخاصيية فييي المدينيية على‬
‫المعلوم ميين مذهييب مالك أنييه يرى اشتهار العمييل‪ ،‬وهييو حديييث‬
‫خرجيه مسيلم‪ ،‬وقال فييه أبيو عمير بين عبيد البر إنيه حدييث معلول‪،‬‬
‫وفييي بعييض طرقييه أنييه مسييح على العماميية ولم يذكيير الناصييية‪،‬‬
‫ولذلك لم يشترط بعيض العلماء فيي المسح على العما مة المسح‬
‫على الناصية‪ ،‬إذ ل يجتمع الصل والبدل في فعل واحد‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة التاسعة من الركان)‪:‬‬
‫اختلفوا في مسح الذنين هل هو سنة أو فريضة‪ ،‬وهل يجدد لهما‬
‫الماء أم ل؟ فذهيب بعيض الناس إلى أنيه فريضية‪ ،‬وأنيه يجدد لهميا‬
‫الماء وممين قال بهذا القول جماعية مين أصيحاب مالك ويتأولون‬
‫ميع هذا أنيه مذهيب مالك لقوله فيهميا إنهميا مين الرأس‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفة وأصحابه مسحهما فرض كذلك (انظر هذا‪ ،‬فإن المقرر في‬
‫مذهيب أبيي حنفيية أن مسيحهما سينة ل فرض) إل أنهميا يمسيحان‬
‫ميع الرأس بماء واحيد‪ .‬وقال الشافعيي مسيحهما سينة ويجدد لهميا‬
‫الماء‪ .‬وقال بهذا القوم جماعية أيضيا مين أصيحاب مالك؛ ويتأولون‬
‫أيضييا أنييه قوله لمييا روي عنييه أنييه قال حكييم مسييحهما حكييم‬
‫المضصيمضة؛ وأصيل اختلفهيم فيي كون مسيحهما سينة أو فرضيا‬
‫اختلفهييم فييي الثار الواردة بذلك‪ ،‬أعنييي مسييحه عليييه الصييلة‬
‫والسلم أذنيه هل هي زيادة على ما في الكتاب من مسح الرأس‬
‫فيكون حكمهما أن يحمل على الندب لمكان التعارض الذي يتخيل‬
‫بينهيا وبيين اليية إن حملت على الوجوب‪ ،‬أم هيي مبينية لمجميل‬
‫الذي في الكتاب فيكون حكمهما حكم الرأس في الوجوب‪ ،‬فمن‬
‫أوجبهمييا جعلهييا مبينيية لمجمييل الكتاب‪ ،‬وميين لم يوجبهمييا جعلهييا‬
‫زائدة كالمضمضة‪ ،‬والثار الواردة بذلك كثيرة‪ ،‬وإن كانت لم تثبت‬
‫فيي الصيحيحين فهيي قيد اشتهير العميل بهيا‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي‬
‫تجدييد الماء لهميا فسيببه تردد الذنيين بيين أن يكونيا عضوا مفردا‬
‫بذاته من أعضاء الوضوء‪ ،‬أو يكونا جزءا من الرأس‪ .‬وقد شذ قوم‬
‫فذهبوا إلى أنهما يغسلن مع الوجه‪ ،‬وذهب آخرون إلى أنه يمسح‬
‫باطنهميا ميع الرأس ويغسيل ظاهرهميا ميع الوجيه‪ ،‬وذلك لتردد هذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الع ضو بين أن يكون جزءا من الوجه أو جزءا من الرأس‪ ،‬وهذا ل‬


‫معنيى له ميع اشتهار الثار فيي ذلك بالمسيح واشتهار العميل بيه‪.‬‬
‫والشافعي يستحب فيهما التكرار كما يستحبه في مسح الرأس‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة العاشرة من الصفات)‪:‬‬
‫اتفيق العلماء على أن الرجليين مين أعضاء الوضوء‪ ،‬واختلفوا فيي‬
‫نوع طهارتهما‪ ،‬فقال قوم‪ :‬طهارتهما الغسل‪ ،‬وهم الجمهور‪ ،‬وقال‬
‫قوم‪ :‬فرضهميا المسيح‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بيل طهارتهميا تجوز بالنوعيين‪:‬‬
‫الغسيييل والمسيييح‪ ،‬وإن ذلك راجيييع إلى اختيار المكلف‪ ،‬وسيييبب‬
‫اختلفهم القراءتان المشهورتان في آية الوضوء‪ :‬أعني قراءة من‬
‫قرأ‪ ،‬وأرجلكييم بالنصييب عطفييا على المغسييول‪ ،‬وقراءة ميين قرأ‬
‫وأرجلكيم بالخفيض عطفيا على المم سوح‪ ،‬وذلك أن قراءة النصيب‬
‫ظاهرة فيي الغسيل‪ ،‬وقراءة الخفيض ظاهرة فيي المسيح كظهور‬
‫تلك فيي الغسيل‪ ،‬فمين ذهيب إلى أن فرضهميا واحيد مين هاتيين‬
‫الطهارتين على التعيين إما الغسل وإما المسح ذهب إلى ترجيح‬
‫ظاهيير إحدى القراءتييين على القراءة الثانييية‪ ،‬وصييرف بالتأويييل‬
‫ظاهيير القراءة الثانييية إلى معنييى ظاهيير القراءة التييي ترجحييت‬
‫عنده؛ ومن اعتقد أن دللة كل واحدة من القراءتين على ظاهرها‬
‫على السيواء‪ ،‬وأنيه ليسيت إحداهميا على ظاهرهيا أدل مين الثانيية‬
‫على ظاهرهيا أيضيا جعيل ذلك مين الواجيب المخيير ككفارة اليميين‬
‫وغيير ذلك‪ ،‬وبيه قال الطيبري وداود‪ .‬وللجمهور تأويلت فيي قراءة‬
‫الخفيض‪ ،‬أجودهيا أن ذلك عطيف على اللفيظ ل على المعنيى‪ ،‬إذ‬
‫كان ذلك موجودا في كلم العرب مثل قول الشاعر‪:‬‬
‫لعب الزمان بها وغيرها * بعدي سوا في المحور والقطر‪.‬‬
‫بالخفض‪ ،‬ولو عطف على المعنى لرفع القطر‪.‬‬
‫وأما الفريق الثاني‪ ،‬وهم الذين أوجبوا المسح‪ ،‬فإنهم تأولوا قراءة‬
‫النصيب على أنهيا عطيف على الموضيع كميا قال الشاعير‪ :‬فلسينا‬
‫بالجبال ول الحديدا‪.‬‬
‫وقد رجح الجمهور قراءتهم هذه بالثابت عنه عليه الصلة والسلم‬
‫إذ قال فيي قوم لم يسيتوفوا غسيل أقدامهيم فيي الوضوء "وييل‬
‫للعقاب ميين النار" قال فهذا يدل على أن الغسييل هييو الفرض‪،‬‬
‫لن الواجيب هيو الذي يتعلق بتركيه العقاب‪ ،‬وهذا لييس فييه حجية‪،‬‬
‫لنه إنما وقع الوعيد على أنهم تركوا أعقابهم دون غسل‪ ،‬ول شك‬
‫أن من شرع في الغسل ففرضه الغسل في جميع القدم كما أن‬
‫من شرع في المسح ففرضه المسح عند من يخير بين المرين‪،‬‬
‫وقد يدل هذا على ما جاء في أثر آخر خرجه أيضا مسلم أنه قال‪:‬‬
‫فجعلنيا نمسيح على أرجلنيا فنادى "وييل للعقاب مين النار" وهذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الثر وإن كانت العادة قد جرت بالحتجاج به في منع المسح‪ ،‬فهو‬


‫أدل على جوازه منيه على منعيه‪ ،‬لن الوعييد إنميا تعلق فييه بترك‬
‫التعمييم ل بنوع الطهارة‪ ،‬بيل سيكت عين نوعهيا‪ ،‬وذلك دلييل على‬
‫جوازهييا‪ ،‬وجواز المسييح هييو أيضييا مروي عيين بعييض الصييحابة‬
‫والتابعييين‪ ،‬ولكيين ميين طريييق المعنييى‪ ،‬فالغسييل أشييد مناسييبة‬
‫للقدميين مين المسيح كميا أن المسيح أشيد مناسيبة للرأس مين‬
‫الغسل‪ ،‬إذ كانت القدمان ل ينقى دنسهما غالبا إل بالغسل‪ ،‬وينقى‬
‫دنييس الرأس بالمسييح وذلك أيضييا غالب‪ ،‬والمصييالح المعقولة ل‬
‫يمتنييع أن تكون أسييبابا للعبادات المفروضيية حتييى يكون الشرع‬
‫لحييظ فيهمييا معنيييين‪ :‬معنييى مصييلحيا‪ ،‬ومعنييى عباديييا‪ ،‬وأعنييي‬
‫بالمصييلحي مييا رجييع إلى المور المحسييوسة‪ ،‬وبالعبادي مييا رجييع‬
‫"إلى" زكاة الن فس‪ .‬وكذلك اختلفوا فيي الكعبين هل يدخلن فيي‬
‫المسيح أو فيي الغسيل عنيد مين أجاز المسيح؟ وأصيل اختلفهيم‬
‫الشتراك الذي فييي حرف إلى أعنييي فييي قوله تعالى {وأرجلكييم‬
‫إلى الكعبين} وقد تقدم القول في اشتراك هذا الحرف في قوله‬
‫تعالى {إلى المرفقين} لكن الشتراك وقع هنالك من جهتين من‬
‫اشتراك اسم اليد‪ ،‬ومن اشتراك حرف إلى وهنا من قبل اشتراك‬
‫حرف إلى فقيط‪ .‬وقيد اختلفوا فيي الكعيب ميا هيو‪ ،‬وذلك لشتراك‬
‫اسيم الكعيب واختلف أهيل اللغية فيي دللتيه‪ ،‬فقييل هميا العظمان‬
‫اللذان عنيد معقيد الشراك وقييل هميا العظمان الناتئان فيي طرف‬
‫ال ساق‪ ،‬ول خلف فيما أحسب فيي دخولهميا فيي الغسل عنيد من‬
‫يرى أنهميا عنيد معقيد الشراك إذا كانيا جزءا مين القدم‪ ،‬لذلك قال‬
‫قوم‪ :‬إنه إذا كان الحد من جنس المحدود دخلت الغاية فيه‪ :‬أعني‬
‫الشيء الذي يدل عليه حرف إلى‪ ،‬إذا لم يكن من جنس المحدود‬
‫لم يدخل فيه مثل قوله تعالى {ثم أتموا الصيام إلى الليل} ‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الحادية عشرة من الشروط)‪:‬‬
‫اختلفوا فييي وجود ترتيييب أفعال الوضوء على نسييق الييية‪ .‬فقال‬
‫قوم‪ :‬هو سنة‪ ،‬وهو الذي حكاه المتأخرون من أصحاب مالك عن‬
‫المذهييب‪ ،‬وبييه قال أبييو حنيفيية والثوري وداود‪ .‬وقال قوم‪ :‬هييو‬
‫فريضة‪ ،‬وبه قال الشافعي وأحمد وأبو عبيد‪ ،‬وهذا كله في ترتيب‬
‫المفروض مييع المفروض‪ ،‬وأمييا ترتيييب الفعال المفروضيية مييع‬
‫الفعال المسينونة فهيو عنيد مالك مسيتحب؛ وقال أبيو حنيفية هيو‬
‫سيينة؛ وسييبب اختلفهييم شيئان‪ :‬أحدهمييا الشتراك الذي فييي واو‬
‫العطيف‪ ،‬وذلك أنيه قيد يعطيف بهيا الشياء المترتبية بعضهيا على‬
‫بعض‪ ،‬وقد يعطف بها غير المرتبة‪ ،‬وذلك ظاهر من استقراء كلم‬
‫العرب‪ ،‬ولذلك انقسم النحويون فيها قسمين‪ ،‬فقال نحاة البصرة‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لييس تقتضيي نسيقا ول ترتيبيا‪ ،‬وإنميا تقتضيي الجميع فقيط‪ ،‬وقال‬


‫الكوفيون‪ :‬بيل تقتضيي النسيق والترتييب؛ فمين رأى أن الواو فيي‬
‫آية الوضوء تقتضي الترتيب قال بإيجاب الترتيب‪ ،‬ومن رأى أنها ل‬
‫تقتضيي الترتييب لم يقيل بإيجابيه‪ .‬والسيبب الثانيي اختلفهيم فيي‬
‫أفعاله علييه الصيلة والسيلم‪ ،‬هيل هيي محمولة على الوجوب أو‬
‫على الندب؟ فمن حملها على الوجوب قال بوجوب الترتيب‪ ،‬لنه‬
‫لم يرو عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه توضيأ قيط إل مرتبيا‪ ،‬ومين‬
‫حملها على الندب قال إن الترتيب سنة‪ ،‬ومن فرق بين المسنون‬
‫والمفروض مين الفعال قال‪ :‬إن الترتييب الواجيب إنميا ينبغيي أن‬
‫يكون فيييي الفعال الواجبييية‪ ،‬ومييين لم يفرق قال‪ :‬إن الشروط‬
‫الواجبة قد تكون في الفعال التي ليست واجبة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية عشرة من الشروط)‪:‬‬
‫اختلفوا فيييي الموالة فيييي أفعال الوضوء‪ ،‬فذهيييب مالك إلى أن‬
‫الموالة فرض ميع الذكير وميع القدرة سياقطة ميع النسييان وميع‬
‫الذكير عنيد العذر ميا لم يتفاحيش التفاوت‪ .‬وذهيب الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفية إلى أن الموالة ليسيت مين واجبات الوضوء‪ ،‬والسيبب فيي‬
‫ذلك الشتراك الذي فييي الواو أيضييا‪ ،‬وذلك أنييه قييد يعطييف بهييا‬
‫الشياء المتتابعية المتلحقية بعضهيا على بعيض‪ ،‬وقيد يعطيف بهيا‬
‫الشياء المتراخييية بعضهييا عيين بعييض‪ .‬وقييد احتييج قوم لسييقوط‬
‫الموالة بما ثبت عنه عليه الصلة والسلم أنه كان يتوضأ في أول‬
‫طهوره ويؤخير غسيل رجلييه إلى آخير الطهير‪ ،‬وقيد يدخيل الخلف‬
‫فييي هذه المسييألة أيضييا فييي الختلف فييي حمييل الفعال على‬
‫الوجوب أو على الندب‪ ،‬وإنمييا فرق مالك بييين العمييد والنسيييان‪،‬‬
‫لن الناسيي الصيل فييه فيي الشرع أنيه معفيو عنيه إلى أن يقوم‬
‫الدليل على غير ذلك‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم "رفع عن أمتي‬
‫الخطأ والنسيان" وكذلك العذر يظهر من أمر الشرع أن له تأثيرا‬
‫في التخفيف‪ ،‬وقد ذهب قوم إلى أن التسمية من فروض الوضوء‬
‫واحتجوا لذلك بالحدييث المرفوع‪ ،‬وهيو قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"ل وضوء لمين لم يسيم الله" وهذا الحدييث لم يصيح عنيد أهيل‬
‫النقيل‪ ،‬وقيد حمله بعضهيم على أن المراد بيه النيية‪ ،‬وبعضهيم حمله‬
‫على الندب فيميا أحسيب‪ ،‬فهذه مشهورات المسيائل التيي تجري‬
‫مين هذا الباب مجرى الصيول‪ ،‬وهيي كميا قلنيا متعلقية إميا بصيفات‬
‫أفعال هذه الطهارة‪ ،‬وإما بتحديد مواضعها‪ ،‬وإما بتعريف شروطها‬
‫وأركانهيا وسيائر ميا ذكير‪ ،‬ومميا يتعلق بهذا الباب مسيح الخفيين إذ‬
‫كان من أفعال الوضوء‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪(*4‬والكلم المحيييط بأصييوله يتعلق بالنظيير فييي سييبع مسييائل)‬


‫بالنظير فيي جوازه‪ ،‬وفيي تحدييد محله‪ ،‬وفيي تعييين محله‪ ،‬وفيي‬
‫صيفته‪ :‬أعنيي صيفة المحيل‪ ،‬وفيي توقيتيه‪ ،‬وفيي شروطيه‪ ،‬وفيي‬
‫نواقضه‪:‬‬
‫@‪(-‬المسيييألة الولى)‪ :‬فأميييا الجواز‪ ،‬ففييييه ثلثييية أقوال‪ :‬القول‬
‫المشهور أنيه جائز على الطلق‪ ،‬وبيه قال جمهور فقهاء المصيار‪.‬‬
‫والقول الثاني جوازه في السفر دون الح ضر‪ .‬والقول الثالث منع‬
‫جوازه بإطلق وهيو أشدهيا‪ .‬والقاوييل الثلثية مرويية عين الصيدر‬
‫الول وعن مالك‪ ،‬والسبب في اختلفهم ما يظن من معارضة آية‬
‫الوضوء الوارد فيهييا الميير بغسييل الرجييل للثار التييي وردت فييي‬
‫المسح مع تأخير آية الوضوء‪ ،‬وهذا الخلف كان بين الصحابة في‬
‫الصييدر الول‪ ،‬فكان منهييم ميين يرى أن آييية الوضوء ناسييخة لتلك‬
‫الثار‪ ،‬وهيو مذهيب ابين عباس‪ ،‬واحتييج القائلون بجوازه بميا رواه‬
‫مسييلم أنييه كان يعجبهييم حديييث جرييير‪ ،‬وذلك أنييه روى "أنييه رأى‬
‫النبي عليه الصلة والسلم يمسح على الخفين‪ ،‬فقيل له إنما كان‬
‫ذلك قبيل نزول المائدة‪ ،‬فقال‪ :‬ميا أسيلمت إل بعيد نزول المائدة"‬
‫وقال المتأخرون القائلون بجوزاه‪ :‬لييس بيين اليية والثار تعارض‪،‬‬
‫لن المير بالغسيل إنميا هيو متوجيه إلى مين ل خيف له‪ ،‬والرخصية‬
‫إنما هي للبس الخف‪ ،‬وقيل إن تأويل قراءة الرجل بالخفض هو‬
‫المسح على الخفين‪ ،‬وأما من فرق بين السفر والحضر فلن أكثر‬
‫الثار الصحاح الواردة في مسحه عليه الصلة والسلم إنما كانت‬
‫فيي السيفر‪ ،‬ميع أن السيفر مشعير بالرخصية والتخفييف‪ ،‬والمسيح‬
‫على الخفيين هيو مين باب التخفييف‪ ،‬فإن نزعيه مميا يشيق على‬
‫المسافر‪.‬‬
‫@‪(-‬الم سألة الثانيية)‪ :‬وأ ما تحدييد المحيل فاختلف فييه أي ضا فقهاء‬
‫المصار‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إن الواجب من ذلك مسح أعلى الخف‪ ،‬وإن‬
‫مسيح الباطين أعنيي أسيفل الخيف مسيتحب‪ ،‬ومالك أحيد مين رأى‬
‫هذا والشافعي‪ ،‬ومنهم من أوجب مسح ظهورهما وبطونهما‪ ،‬وهو‬
‫مذهييب ابيين نافييع ميين أصييحاب مالك‪ ،‬ومنهييم ميين أوجييب مسييح‬
‫الظهور ف قط ولم يستحب مسح البطون‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة‬
‫وداود وسييفيان وجماعيية‪ ،‬وشييذ أشهييب فقال‪ :‬إن الواجييب مسييح‬
‫الباطين‪ ،‬أو العلى أيهميا مسيح (نسيخة فاس‪ :‬والعلى مسيتحب)؛‬
‫وسييبب اختلفهييم تعارض الثار الواردة فييي ذلك وتشييبيه المسييح‬
‫بالغسييل‪ ،‬وذلك أن فييي ذلك أثرييين متعارضييين‪ :‬أحدهمييا حديييث‬
‫المغيرة بين شعبية وفييه "أنيه صيلى الله علييه وسيلم مسيح على‬
‫الخييف وباطنييه" والخيير حديييث علي "لو كان الدييين بالرأي لكان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أسييفل الخييف أولى بالمسييح ميين أعله" وقييد رأيييت رسييول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه‪ ،‬فمن ذهب مذهب‬
‫الجمييع بييين الحديثييين حمييل حديييث المغيرة على السييتحباب‪،‬‬
‫وحديييث علي على الوجوب‪ ،‬وهييي طريقيية حسيينة‪ .‬وميين ذهييب‬
‫مذهب الترجيح أخذ إما بحديث علي‪ ،‬وإما بحديث المغيرة‪ ،‬فمن‬
‫رجيح حدييث المغيرة على حدييث علي رجحيه مين قبيل القياس‪،‬‬
‫أعنيي قياس المسيح على الغسيل‪ ،‬ومين رجيح حدييث علي رجحيه‬
‫مين قبيل مخالفتيه للقياس أو مين جهية السيند‪ ،‬والسيعد فيي هذه‬
‫المسيألة هييو مالك‪ .‬وأميا ميين أجاز القتصييار على مسييح الباطيين‬
‫فقييط فل أعلم له حجيية‪ ،‬لنييه ل هذا الثيير اتبييع‪ ،‬ول هذا القياس‬
‫استعمل‪ ،‬أعني قياس المسح على الغسل‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثالثة)‪ :‬وأما نوع محل المسح فإن الفقهاء القائلين‬
‫بالمسييح اتفقوا على جواز المسييح على الخفييين‪ ،‬واختلفوا فييي‬
‫المسيح على الجوربيين‪ ،‬فأجاز ذلك قوم ومنعيه قوم‪ ،‬وممين منيع‬
‫ذلك مالك والشافعييي وأبييو حنيفيية‪ ،‬ومميين أجاز ذلك أبييو يوسييف‬
‫ومحمييد صيياحبا أبييي حنيفيية وسييفيان الثوري‪ .‬وسييبب اختلفهييم‬
‫اختلفهيم فيي صيحة الثار الواردة عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه‬
‫مسيح على الجوربيين والنعليين‪ .‬واختلفهيم أيضيا فيي هيل يقاس‬
‫على الخيييف غيره أم هيييي عبادة ل يقاس عليهيييا ول يتعدى بهيييا‬
‫محلهيا‪ ،‬فمين لم يصيح عنده الحدييث أو لم يبلغيه‪ ،‬ولم يير القياس‬
‫على الخييف قصيير المسييح عليييه‪ ،‬وميين صييح عنده الثيير‪ ،‬أو جوز‬
‫القياس على الخييف أجاز المسييح على الجوربييين‪ ،‬وهذا الثيير لم‬
‫يخرجه الشيخان أعني البخاري ومسلما وصححه الترمذي‪ ،‬ولتردد‬
‫الجوربيين المجلديين بيين الخيف والجورب غيير المجلد عين مالك‬
‫في المسح عليهما روايتان‪ :‬إحداهما بالمنع والخرى بالجواز‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية)‪ :‬وأميا صيفة الخيف‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على جواز‬
‫المسييح على الخييف الصييحيح‪ ،‬واختلفوا فييي المخرق‪ ،‬فقال مالك‬
‫وأصحابه‪ :‬يمسح عليه إذا كان الخرق يسيرا‪ ،‬وحدد أبو حنيفة بما‬
‫يكون الظاهير منيه أقيل مين ثلثية أصيابع‪ .‬وقال قوم بجواز المسيح‬
‫على الخييف المنخرق مييا دام يسييمى خفييا وإن تفاحييش خرقييه‪،‬‬
‫وممين روى عنيه ذلك الثوري‪ ،‬ومنيع الشافعيي أن يكون فيي مقدم‬
‫الخف خرق يظهر منه القدم ولو كان يسيرا في أحد القولين عنه‬
‫وسبب اختلفهم في ذلك اختلفهم في انتقال الفرض من الغسل‬
‫إلى المسح هل هو لموضع الستر أعني ستر خف القدمين‪ ،‬أم هو‬
‫لموضع المشقة في نوع الخفين؟ فمن رآه لموضع الستر لم يجز‬
‫المسيح على الخيف المنخرق‪ ،‬لنيه إذا انكشيف مين القدم شييء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫انتقيل فرضهميا مين المسيح إلى الغسيل‪ ،‬ومين رأى أن العلة فيي‬
‫ذلك المشقية لم يعتيبر الخرق ميا دام يسيمى خفيا‪ .‬وأميا التفرييق‬
‫بيييين الخرق الكثيييير واليسيييير فاسيييتحسان ورفيييع للحرج‪ .‬وقال‬
‫الثوري‪ :‬كانيت خفاف المهاجريين والنصيار ل تسيلم مين الخروق‬
‫كخفاف الناس‪ ،‬فلو كان فيي ذلك حظير لورد ونقيل عنهيم‪ .‬قلت‪:‬‬
‫هذه المسيألة هيي مسيكوت عنهيا‪ ،‬فلو كان فيهيا حكيم ميع عموم‬
‫البتلء بيه لبينيه صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬وقيد قال تعالى {لتيبين‬
‫للناس ما نزل إليهم} ‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الخامسية)‪ :‬وأميا التوقييت فإن الفقهاء أيضيا اختلفوا‬
‫فييه‪ ،‬فرأى مالك أن ذلك غيير مؤقيت‪ ،‬وأن لبيس الخفيين يمسيح‬
‫عليهما ما لم ينزعهما أو تصيبه جنابة؛ وذهب أبو حنيفة والشافعي‬
‫إلى أن ذلك مؤقت‪ .‬والسبب في اختلفهم اختلف الثار في ذلك‪،‬‬
‫وذلك أنه ورد في ذلك ثلثة أحاديث‪ :‬أحدها حديث علي عن النبي‬
‫علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "جعيل رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم ثلثية أيام ولياليهين للمسيافر ويوميا وليلة للمقييم" خرجيه‬
‫مسييلم‪ .‬والثانييي حديييث أبييي بيين عمارة "أنييه قال يارسييول الله‬
‫أأمسيح على الخيف؟ قال‪ :‬نعيم‪ ،‬قال‪ :‬يوميا؟ قال‪ :‬نعيم‪ ،‬ويوميين؟‬
‫قال‪ :‬نعيم‪ ،‬قال‪ :‬وثلثية؟ قال نعيم حتيى بلغ سيبعا‪ ،‬ثيم قال‪ :‬امسيح‬
‫ما بدا لك" خرجه أبو داود والطحاوي‪ .‬والثالث حديث صفوان بن‬
‫عسييال قال‪ :‬كنييا فييي سييفر فأمرنييا أن ل ننزع خفافنييا ثلثيية أيام‬
‫ولياليهن إل من جنابة‪ ،‬ولكن من بول أو نوم أو غائط (هكذا رواية‬
‫الترمذي ورواييية النسييائي "ثلثيية أيام بلياليهيين" ميين غائط وبول‬
‫ونوم إل من جنابة)‪ .‬قلت‪ :‬أما حديث علي فصحيح خرجه مسلم‪.‬‬
‫وأميا حدييث أبيي بين عمارة فقال فييه أبيو عمير بين عبيد البر إنيه‬
‫حديييث ل يثبييت وليييس له إسييناد قائم‪ ،‬ولذلك ليييس ينبغييي أن‬
‫يعارض بيه حدييث علي‪ .‬وأميا حدييث صيفوان بين عسيال فهيو وإن‬
‫كان لم يخرجيه البخاري ول مسيلم فإنيه قيد صيححه قوم مين أهيل‬
‫العلم بحدييث الترمذي وأ بو محميد بين حزم‪ ،‬وهيو بظاهره معارض‬
‫بدلييل الخطاب لحدييث أبيي كحدييث علي‪ ،‬وقيد يحتميل أن يجميع‬
‫بينهميا بأن يقال‪ :‬إن حدييث صيفوان وحدييث علي خرجيا مخرجيا‬
‫السييؤال عيين التوقيييت‪ ،‬وحديييث أبييي بيين عمارة نييص فييي ترك‬
‫التوقييت‪ ،‬لكين حدييث أبيي لم يثبيت بعيد‪ ،‬فعلى هذا يجيب العميل‬
‫بحديثيي علي وصيفوان‪ ،‬وهيو الظهير إل أن دلييل الخطاب فيهميا‬
‫يعارضه القياس‪ ،‬وهو كون التوقيت غير مؤثر في نقض الطهارة‪،‬‬
‫لن النواقض هي الحداث‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسألة السادسة)‪ :‬وأما شرط المسح على الخفين‪ ،‬فهو أن‬


‫تكون الرجلن طاهرتيين بطهير الوضوء‪ ،‬وذلك شييء مجميع علييه‬
‫إل خلفيا شاذا‪ .‬وقيد روي عين ابين القاسيم عين مالك ذكره ابين‬
‫لبابة في المنتخب‪ ،‬وإنما قال به الكثر لثبوته في حديث المغيرة‬
‫وغيره إذا أراد أن ينزع الخييف عنييه‪ ،‬فقال عليييه الصييلة والسييلم‬
‫"دعهمييا فإنييي أدخلتهمييا وهمييا طاهرتان" والمخالف حمييل هذه‬
‫الطهارة على الطهارة اللغويييية‪ ،‬واختلف الفقهاء مييين هذا الباب‬
‫فيمن غسل رجليه ولبس خفيه ثم أتم وضوءه هل يمسح عليهما؟‬
‫فمين لم يير أن الترتييب واجيب ورأى أن الطهارة تصيح لكيل عضيو‬
‫قبيل أن تكميل الطهارة لجمييع العضاء قال بجواز ذلك‪ ،‬ومين رأى‬
‫أن الترتيب واجب وأنه ل تصح طهارة العضو إل بعد طهارة جميع‬
‫أعضاء الطهارة لم يجييييز ذلك‪ ،‬وبالقول الول قال أبييييو حنيفيييية‪،‬‬
‫وبالقول الثانييي قال الشافعييي ومالك‪ ،‬إل أن مالكييا لم يمنييع ذلك‬
‫مين جهية الترتييب‪ ،‬وإنميا منعيه مين جهية أنيه يرى أن الطهارة ل‬
‫توجيد للعضيو إل بعيد كمال جمييع الطهارة‪ ،‬وقيد قال علييه الصيلة‬
‫والسييلم "وهمييا طاهرتان" فأخييبر عيين الطهارة الشرعييية‪ .‬وفييي‬
‫بعيييض روايات المغيرة "إذا أدخلت رجلييييك فيييي الخيييف وهميييا‬
‫طاهرتان فامسيييح عليهميييا" وعلى هذه الصيييول يتفرع الجواب‬
‫فيمن لبس أحد خفيه بعد أن غسل إحدى رجليه وقبل أن يغسل‬
‫الخرى؛ فقال مالك‪ :‬ل يمسح على الخفين لنه لبس للخف قبل‬
‫تمام الطهارة‪ ،‬وهييو قول الشافعييي وأحمييد وإسييحاق‪ .‬وقال أبييو‬
‫حنيفة والثوري والمزي والطبري وداود‪ :‬يجوز له المسح‪ ،‬وبه قال‬
‫جماعة من أصحاب مالك منهم مطرف وغيره‪ ،‬وكلهم أجمعوا أنه‬
‫لو نزع الخييف الول بعييد غسييل الرجييل الثانييية ثييم لبسييها جاز له‬
‫المسح‪ ،‬وهل من شرط المسح على الخف أن ل يكون على خف‬
‫آخير عين مالك فييه قولن‪ .‬وسيبب الخلف هيل كميا تنتقيل طهارة‬
‫القدم إلى الخييف إذا سييتره الخييف‪ ،‬كذلك تنتقييل طهارة الخييف‬
‫السييفل الواجبيية إلى الخييف العلى؟ فميين شبييه النقلة الثانييية‬
‫بالولى أجاز المسييح على الخييف العلى‪ ،‬وميين لم يشبههييا بهييا‬
‫وظهر له الفرق لم يجز ذلك‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيابعة)‪ :‬فأميا نواقيض هذه الطهارة‪ ،‬فإنهيم أجمعوا‬
‫على أنهيا نواقيض الوضوء بعينهيا‪ ،‬واختلفوا هيل نزع الخيف ناقيض‬
‫لهذه الطهارة أم ل؟ فقال قوم‪ :‬إن نزعيه وغسيل قدمييه فطهارتيه‬
‫باقييية‪ ،‬وإن لم يغسييلهما وصييلى أعاد الصييلة بعييد غسييل قدميييه‪،‬‬
‫ومميين قال بذلك مالك وأصييحابه والشافعييي وأبييو حنيفيية‪ ،‬إل أن‬
‫مالكيا رأى أ نه إن أخير ذلك اسيتأنف الوضوء على رأيه فيي وجوب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المولة على الشرط الذي تقدم‪ .‬وقال قوم‪ :‬طهارتييه باقييية حتييى‬
‫يحدث حدثيا ينقيض الوضوء ولييس علييه غسيل‪ ،‬وممين قال بهذا‬
‫القول داود وابين أبيي ليلى‪ .‬وقال الحسين بين حيي‪ :‬إذا نزع خفييه‬
‫فقييد بطلت طهارتييه‪ ،‬وبكييل واحييد ميين هذه القوال الثلثيية قالت‬
‫طائفيية ميين فقهاء التابعييين‪ ،‬وهذه المسييألة هييي مسييكوت عنهييا‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم هيل المسيح على الخفيين هيو أصيل بذاتيه فيي‬
‫الطهارة أو بدل مين غسيل القدميين عنيد غيبوبتهميا فيي الخفيين؟‬
‫فإن قلنيا هيو أصيل بذاتيه فالطهارة باقيية وإن نزع الخفيين كمين‬
‫قطعت رجله بعد غسلهما‪ ،‬وإن قلنا إنه بدل‪ ،‬فيحتمل أن يقال إذا‬
‫نزع الخيييف بطلت الطهارة وإن كنيييا نشترط الفور‪ ،‬ويحتميييل أن‬
‫يقال إن غسيييييلهما أجزأت الطهارة إذا لم يشترط الفور‪ .‬وأميييييا‬
‫اشتراط الفور ميين حييين نزع الخييف فضعيييف‪ ،‬وإنمييا هييو شيييء‬
‫يتخيل فهذا ما رأينا أن نثبته في هذا الباب‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثالث في المياه‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في وجوب الطهارة بالمياه قوله تعالى {وينزل عليكم‬
‫ميين السييماء ماءا ليطهركييم بييه} وقوله {فلم تجدوا ماء فتيمموا‬
‫صييعيدا طيبييا} وأجمييع العلماء على أن جميييع أنواع المياه طاهرة‬
‫فييي نفسييها مطهرة لغيرهييا‪ ،‬إل ماء البحيير‪ ،‬فإن فيييه خلفييا فييي‬
‫الصيدر الول شاذا‪ ،‬وهيم محجوبون بتناول اسيم الماء المطلق له‪،‬‬
‫وبالثيير الذي خرجييه مالك وهييو قوله عليييه الصييلة والسييلم فييي‬
‫البحير "هيو الطهور ماؤه الحيل ميتتيه" وهيو وإن كان حديثيا مختلفيا‬
‫في صحته‪ ،‬فظاهر الشرع يعضده‪ ،‬وكذلك أجمعوا على أن كل ما‬
‫يغييير الماء ممييا ل ينفييك عنييه غالبييا أنييه ل يسييلبه صييفة الطهارة‬
‫والتطهيير إل خلفيا شاذا‪ ،‬روي فيي الماء الجين عين ابين سييرين‪،‬‬
‫وهيو أيضيا محجوج بتناول اسيم الماء المطلق له‪ ،‬واتفقوا على أن‬
‫الماء الذي غيرت النجاسة إما طعمه أو لونه أو ريحه أو أكثر من‬
‫واحييد ميين هذه الوصيياف أنييه ل يجوز بييه الوضوء ول الطهور‪.‬‬
‫واتفقوا على أن الماء الكثير المسيتبحر ل تضره النجاسة التيي لم‬
‫تغير أحد أوصافه وأنه طاهر‪ ،‬فهذا ما أجمعوا عليه من هذا الباب‪،‬‬
‫واختلفوا مييين ذلك فيييي سيييت مسيييائل تجري مجرى القواعيييد‬
‫والصول لهذا الباب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) اختلفوا فييي الماء إذا خالطتييه نجاسيية ولم‬
‫تغيير أحيد أوصيافه‪ ،‬فقال قوم‪ :‬هيو طاهير سيواء كان كثيرا أو قليل‪،‬‬
‫وهي إحدى الروايات عن مالك‪ ،‬وبه قال أهل الظاهر‪ ،‬وقال قوم‪:‬‬
‫بالفرق بيين القلييل والكثيير‪ ،‬فقالوا إن كان قليل كان نجسيا‪ ،‬وإن‬
‫كان كثيرا لم يكيين نجسييا‪ .‬وهؤلء اختلفوا فييي الحييد بييين القليييل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والكثير‪ ،‬فذهب أبو حنيفة إلى أن الحد في هذا هو أن يكون الماء‬


‫من الكثرة بحيث إذا حركه آدمي من أحد طرفيه لم تسر الحركة‬
‫إلى الطرف الثانيي منيه‪ .‬وذهيب الشافعيي إلى أن الحيد فيي ذلك‬
‫هيو قلتان مين هجير‪ ،‬وذلك نحيو قلل مين خمسيمائة رطيل‪ ،‬ومنهيم‬
‫مين لم يجيد فيي ذلك حدا‪ ،‬ولكين قال‪ :‬إن النجاسية تفسيد قلييل‬
‫الماء وإن لم تغيير أحيد أوصيافه‪ ،‬وهذا أيضيا مروي عين مالك‪ ،‬وقيد‬
‫روي أيضيييا أن هذا الماء مكروه فيتحصيييل عييين مالك فيييي الماء‬
‫اليسييير تحله النجاسيية اليسيييرة ثلثيية أقوال‪ :‬قول إن النجاسيية‬
‫تفسيده‪ ،‬وقول إنهيا ل تفسيده إل أن يتغيير أحيد أوصيافه‪ ،‬وقول إنيه‬
‫مكروه‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي ذلك هيو تعارض ظواهير الحادييث‬
‫الواردة فيي ذلك‪ ،‬وذلك أن حدييث أبيي هريرة المتقدم وهيو قوله‬
‫علييه الصيلة والسيلم "إذا اسيتيقظ أحدكيم مين نوميه" الحدييث‪،‬‬
‫يفهييم ميين ظاهره أن قليييل النجاسيية ينجييس قليييل الماء‪ ،‬وكذلك‬
‫أيضا حديث أبي هريرة الثابت عنه عليه الصلة والسلم أنه قال‬
‫"ل يبولن أحدكييم فييي الماء الدائم ثييم يغتسييل فيييه" فإنييه يوهييم‬
‫بظاهره أيضا أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء‪.‬‬
‫وكذلك ميا ورد مين النهيي عين اغتسيال الجنيب فيي الماء الدائم‪.‬‬
‫وأميا حدييث أنيس الثابيت "أن أعرابييا قام إلى ناحيية مين المسيجد‬
‫فبال فيهييا‪ ،‬فصيياح بييه الناس‪ ،‬فقال رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم ‪ :‬دعوه‪ ،‬فلميا فرغ أمير رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫بذنوب ماء فصيب على بوله" فظاهره أن قلييل النجاسية ل يفسيد‬
‫قلييل الماء‪ ،‬إذ معلوم أن ذلك الموضيع قيد طهير مين ذلك الذنوب‪.‬‬
‫وحديييث أبييي سييعيد الخدري كذلك أيضييا خرجييه أبييو داود قال‪:‬‬
‫سيمعت رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يقال له "إنيه يتسيقى‬
‫ميين بئر بضاعيية‪ ،‬وهييي بئر يلقييى فيهييا لحوم الكلب والمحائض‬
‫وعذرة الناس‪ ،‬فقال النييبي عليييه الصييلة والسييلم‪ :‬إن الماء ل‬
‫ينسيجه شييء" فرام العلماء الجميع بيين هذه الحادييث واختلفوا‬
‫في طريق الجمع فاختلفت لذلك مذاهبهم؛ فمن ذهب إلى القول‬
‫بظاهير حدييث العرابيي وحدييث أبيي سيعيد قال‪ :‬إن حديثيي أبيي‬
‫هريرة غيير معقولي المعنيى‪ ،‬وامتثال ميا تضمناه عبادة ل لن ذلك‬
‫الماء ينجس‪ ،‬حتى إن الظاهرية أفرطت في ذلك فقالت‪ :‬لو صب‬
‫البول إنسان في ذلك الماء من قدح لما كره الغسل به والوضوء‪،‬‬
‫فجميع بينهميا على هذا الوجيه مين قال هذا القول‪ ،‬ومين كره الماء‬
‫القلييل تحله النجاسية اليسييرة جميع بيين الحادييث‪ ،‬فإنيه حميل‬
‫حديثي أبي هريرة على الكراهية‪ ،‬وحمل حديث العرابي وحديث‬
‫أبي سعيد على ظاهرهما‪ ،‬أعني على الجزاء‪ .‬وأما الشافعي وأبو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حنيفة‪ ،‬فجمعا بين حديثي أبي هريرة وحديث أبي سعيد الخدري‪،‬‬
‫بأن حمل حديثي أبي هريرة على الماء القليل‪ ،‬وحديث أبي سعيد‬
‫على الماء الكثييير‪ .‬وذهييب الشافعييي إلى أن الحييد فييي ذلك الذي‬
‫يجمع الحاديث هو ما ورد في حديث عبد الله بن عمر عن أبيه‪،‬‬
‫خرجه أبو داود والترمذي‪ ،‬وصححه أبو محمد بن حزم قال "سئل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع‬
‫والدواب؟ فقال‪ :‬إن كان الماء قلتييين لم يحمييل خبثييا" وأمييا أبييو‬
‫حنيفية فذهيب إلى أن الحيد فيي ذلك مين جهية القياس‪ ،‬وذلك أنيه‬
‫اعتيبر سيريان النجاسية فيي جمييع الماء بسيريان الحركية‪ ،‬فإذا كان‬
‫الماء بحيث يظن أن النجاسة ل يمكن فيها أن تسري في جميعه‬
‫فالماء طاهير‪ ،‬لكين مين ذهيب هذيين المذهيبين فحدييث العرابيي‬
‫المشهور معارض له ول بد‪ ،‬فلذلك لجأت الشافعية إلى أن فرقت‬
‫بيين ورود الماء على النجاسية وورودهيا على الماء‪ ،‬فقالوا إن ورد‬
‫عليهييا الماء كمييا فييي حديييث العرابييي لم ينجييس‪ ،‬وإن وردت‬
‫النجاسة على الماء كما في حديث أبي هريرة نجس‪.‬‬
‫وقال جمهور الفقهاء‪ :‬هذا تحكيم‪ ،‬وله إذا تؤميل وجيه مين النظير‪،‬‬
‫وذلك أنهيم إنميا صياروا إلى الجماع على أن النجاسية اليسييرة ل‬
‫تؤثيير فييي الماء الكثييير إذا كان الماء الكثييير بحيييث يتوهييم أن‬
‫النجاسة ل تسري في جميع أجزائه‪ ،‬وأنه يستحيل عينها عن الماء‬
‫الكثير‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فل يبعد أن قدرا ما من الماء لو حله‬
‫قدر ما من النجاسة لسرت فيه ولكان نجسا‪ ،‬فإذا ورد ذلك الماء‬
‫على النجاسية جزءا فجزءا فمعلوم أنيه تفنيى عيين تلك النجاسية‬
‫وتذهيب قبيل فناء ذلك الماء‪ ،‬وعلى هذا فيكون آخير جزء ورد مين‬
‫ذلك الماء قيد طهير المحيل لن نسيبته إلى ميا ورد علييه مميا بقيي‬
‫مين النجاسية نسيبة الماء الكثيير إلى القلييل مين النجاسية‪ ،‬ولذلك‬
‫كان العلم يقيع فيي هذه الحال بذهاب عيين النجاسية‪ ،‬أعنيي فيي‬
‫وقوع الجزء الخير الطاهر على آخر جزء يبقى من عين النجاسة‪،‬‬
‫ولهذا أجمعوا على أن مقدار مييا يتوضييأ بييه يطهيير قطرة البول‬
‫الواقعة في الثوب أو البدن‪.‬‬
‫واختلفوا إذا وقعيت القطرة مين البول فيي ذلك القدر مين الماء‪.‬‬
‫وأولى المذاهيب عندي وأحسينها طريقية فيي الجميع‪ ،‬هيو أن يحميل‬
‫حديييث أبييي هريرة ومييا فييي معناه على الكراهييية‪ ،‬وحديييث أبييي‬
‫سيعيد وأنيس على الجواز‪ ،‬لن هذا التأوييل يبقيى مفهوم الحادييث‬
‫على ظاهرها‪ ،‬أعني حديثي أبي هريرة من أن المقصود بها تأثير‬
‫النجاسة في الماء؛ وحد الكراهية عندي هو ما تعافه النفس وترى‬
‫أنيه ماء خيبيث‪ ،‬وذلك أن ميا يعاف النسيان شربيه يجيب أن يجتنيب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫استعماله في القربة إلى الله تعالى‪ ،‬وأن يعاف وروده على ظاهر‬
‫بدنه كما يعاف وروده على داخله‪ ،‬وأما من احتج بأنه لو كان قليل‬
‫النجاسية ينجيس قلييل الماء لميا كان الماء يطهير أحدا أبدا‪ ،‬إذ كان‬
‫يجيب على هذا أن يكون المنفصيل مين الماء عين الشييء النجيس‬
‫المقصيود تطهيره أبدا نجسيا‪ ،‬فقول ل معنيى له‪ ،‬لميا بيناه مين أن‬
‫نسيبة آخير جزء يرد مين الماء على آخير جزء يبقيى مين النجاسية‬
‫فييي المحييل نسييبة الماء الكثييير إلى النجاسيية القليلة‪ ،‬وإن كان‬
‫يعجيب بيه كثيير مين المتأخريين‪ ،‬فإنيا نعلم قطعيا أن الماء الكثيير‬
‫يحيييل النجاسيية ويقلب عينهييا إلى الطهارة‪ ،‬ولذلك أجمييع العلماء‬
‫على أن الماء اللكثير ل تفسده النجاسة القليلة‪ ،‬فإذا تابع الغاسل‬
‫صيب الماء على المكان النجيس أو العضيو النجيس‪ ،‬فيحييل الماء‬
‫ضرورة عيين النجاسية بكثرتيه‪ ،‬ول فرق بييين الماء الكثيير أن يرد‬
‫على النجاسية الواحدة بعينهيا دفعية‪ ،‬أو يرد عليهيا جزءا بعيد جزء‪،‬‬
‫فإذا هؤلء إنمييا احتجوا بموضييع الجماع على موضييع الخلف ميين‬
‫حيييث لم يشعروا بذلك‪ ،‬والموضعان فييي غاييية التباييين‪ ،‬فهذا مييا‬
‫ظهير لنيا فيي هذه المسيألة مين سيبب اختلف الناس فيهيا وترجييح‬
‫أقوالهيم فيهيا‪ ،‬ولوددنيا لو أن سيلكنا فيي كيل مسيألة هذا المسيلك‪،‬‬
‫لكيين رأينييا أن هذا يقتضييي طول وربمييا عاق الزمان عنييه‪ ،‬وأن‬
‫الحوط هييو أن نؤم الغرض الول الذي قصييدناه‪ ،‬فإن يسيير الله‬
‫تعالى فيه وكان لنا انفساح من العمر فسيتم هذا الغرض‪.‬‬
‫@‪ (-‬المسييألة الثانييية) الماء الذي خالطييه زعفران أو غيره ميين‬
‫الشياء الطاهرة التيي تنفيك منيه غالبيا متيى غيرت أحيد أوصيافه‪،‬‬
‫فإنيه طاهير عنيد جمييع العلماء غيير مطهير عنيد مالك والشافعيي‪،‬‬
‫ومطهيير عنييد أبييي حنيفيية مييا لم يكيين التغييير عيين طبييخ‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهييم هييو خفاء تناول اسييم الماء المطلق للماء الذي خالطييه‬
‫أمثال هذه الشياء‪ ،‬أعني هل يتناوله أو ل يتناوله؟ فمن رأى أنه ل‬
‫يتناوله اسيم الماء المطلق وإنميا يضاف إلى الشييء الذي خالطيه‬
‫فيقال ماء كذا ل ماء مطلق لم يجييز الوضوء بييه‪ ،‬إذ كان الوضوء‬
‫إنميييا يكون بالماء المطلق‪ ،‬ومييين رأى أنيييه يتناوله اسيييم الماء‬
‫المطلق أجاز بيييه الوضوء‪ ،‬ولظهور عدم تناول اسيييم الماء للماء‬
‫المطبوخ مييع شيييء طاهيير اتفقوا على أنييه ل يجوز الوضوء بييه‪،‬‬
‫وكذلك فييي مياه النبات المسييتخرجة منييه إل مييا فييي كتاب ابيين‬
‫شعبان ميين أجازة طهيير الجمعيية بماء الورد‪ .‬والحييق أن الختلط‬
‫يختلف بالكثرة والقلة‪ ،‬فقد يبلغ من الكثرة إلى حد ل يتناوله اسم‬
‫الماء المطلق مثييل مييا يقال ماء الغسييل‪ ،‬وقييد ل يبلغ إلى ذلك‬
‫الحد‪ ،‬وبخاصة متى تغيرت منه الريح فقط‪ ،‬ولذلك لم يعتبر الريح‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قوم ممين منعوا الماء المضاف‪ ،‬وقيد قال علييه الصيلة والسيلم‬
‫لم عطييية عنييد أمره إياهييا بغسييل ابنتييه "اغسييلنها بماء وسييدر‬
‫واجعلن فييي الخيرة كافورا أو شيئا ميين كافور" فهذا ماء مختلط‬
‫ولكنه لم يبلغ من الختلط بحيث يسلب عنه اسم الماء المطلق‪،‬‬
‫وقيد روي عين مالك باعتبار الكثرة فيي المخالطية والقلة والفرق‬
‫بينهمييا‪ ،‬فأجازه مييع القلة وإن ظهرت الوصيياف‪ ،‬ولم يجزه مييع‬
‫الكثرة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيلئة الثالثية) الماء المسيتعمل فيي الطهارة‪ .‬اختلفوا فييه‬
‫على ثلثة أقوال‪ :‬فقوم لم يجيزوا الطهارة به على كل حال‪ ،‬وهو‬
‫مذهب الشافعي وأبي حنيفة‪ ،‬وقوم كرهوه ولم يجيزوا التيمم مع‬
‫وجوده‪ ،‬وهو مذهب مالك وأصحابه‪ ،‬وقوم لم يروا بينه وبين الماء‬
‫المطلق فرقيا‪ ،‬وبيه قال أبيو ثور وداود وأصيحابه‪ ،‬وشيذ أبيو يوسيف‬
‫فقال إنيه نجيس‪ .‬وسيبب الخلف فيي هذا أيضيا ميا يظين مين أنيه ل‬
‫يتناوله اسييم الماء المطلق حتييى إن بعضهييم غل فظيين أن اسييم‬
‫الغسيالة أحيق بيه مين اسيم الماء‪ ،‬وقيد ثبيت أن النيبي صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم كان أصييحابه يقتتلون على فضييل وضوئه‪ ،‬ول بييد أن‬
‫يقييع ميين الماء المسييتعمل فييي الناء الذي بقييي فيييه الفضييل‪.‬‬
‫وبالجملة فهييو ماء مطلق لنييه فييي الغلب ليييس ينتهييي إلى أن‬
‫يتغير أحد أوصافه بدنس العضاء التي تغسل به‪ ،‬فإن انتهى إلى‬
‫ذلك‪ ،‬فحكميه حكيم الماء الذي تغيير أحيد أوصيافه بشييء طاهير‪،‬‬
‫وإن كان هذا تعافه النفوس أكثر‪ ،‬وهذا لحظ من كرهه‪ ،‬وأما من‬
‫زعم أنه نجس فل دليل معه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) اتفيق العلماء على طهارة أسيآر المسيلمين‬
‫وبهيمية النعام‪ ،‬واختلفوا فيميا عدا ذلك اختلفيا كثيرا‪ ،‬فمنهيم مين‬
‫زعيم أن كيل حيوان طاهير السيؤر‪ ،‬ومنهيم مين اسيتثنى مين ذلك‬
‫الخنزييير فقييط‪ ،‬وهذان القولن مرويان عيين مالك‪ ،‬ومنهييم ميين‬
‫اسيتثنى مين ذلك الخنزيير والكلب‪ ،‬وهيو مذهيب الشافعيي ومنهيم‬
‫مين اسيتثنى مين ذلك السيباع عامية‪ ،‬وهيو مذهيب ابين القاسيم‪،‬‬
‫ومنهيم مين ذهيب إلى أن السيآر تابعية للحوم‪ ،‬فإن كانيت اللحوم‬
‫محرمة فالسآر نجسة‪ ،‬وإن كانت مكروهة فالسآر مكروهة‪ ،‬وإن‬
‫كانت مباحة فالسآر طاهرة‪ .‬وأما سؤر المشرك فقيل إنه نجس‪،‬‬
‫وقيل إنه مكروه إذا كان يشرب الخمر‪ ،‬وهو مذهب ابن القاسم‪،‬‬
‫وكذلك عنده جمييع أسيآر الحيوانات التيي ل تتوقيى النجاسية غالبيا‬
‫مثيييل الدجاج المخلة والبيييل الجللة والكلب المخلة‪ .‬وسيييبب‬
‫اختلفهيم في ذلك هو ثلثة أشياء‪ :‬أحدها معارضة القياس لظاهير‬
‫الكتاب‪ .‬والثانييي معارضتييه لظاهيير الثار‪ .‬والثالث معارضيية الثار‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بعضها بعضا في ذلك‪ .‬أما القياس فهو أنه لما كان الموت من غير‬
‫ذكاة هو سبب نجاسة عين الحيوان بالشرع وجب أن تكون الحياة‬
‫هييي سييبب طهارة عييين الحيوان‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فكييل حييي‬
‫طاهر العين‪ ،‬وكل طاهر العين فسؤره طاهر‪ .‬وأما ظاهر الكتاب‬
‫فإنييه عارض هذا القياس فييي الخنزييير والمشرك‪ ،‬وذلك أن الله‬
‫تعالى يقول فيي الخنزيير {فإنيه رجيس} وميا هيو رجيس فيي عينيه‬
‫فهيو نجيس لعينيه‪ ،‬ولذلك اسيتثنى قوم مين الحيوان الحيي الخنزيير‬
‫فقييط‪ ،‬وميين لم يسييتثنه حمييل قوله "رجييس" على جهيية الذم له‪.‬‬
‫وأميا المشرك ففيي قوله تعالى {إنميا المشركون نجيس} فمين‬
‫حمل هذا أيضا على ظاهره استثنى من مقتضى ذلك في القياس‬
‫المشركين‪ ،‬ومن أخرجه مخرج الذم لهم طرد قياسه‪.‬‬
‫وأميا الثار فإنهيا عارضيت هذا القياس فيي الكلب والهير والسيباع‪.‬‬
‫أما الكلب فحديث أبي هريرة المتفق على صحته‪ ،‬وهو قوله عليه‬
‫الصيلة والسيلم "إذا ولغ الكلب فيي إناء أحدكيم فليرقيه وليغسيله‬
‫سييبع مرات" وفييي بعييض طرقييه "أولهيين بالتراب" وفييي بعضهييا‬
‫"وعفروه الثامنيية بالتراب" وأمييا الهيير فمييا رواه قرة عيين ابيين‬
‫سيييرين عيين أبييي هريرة قال‪ :‬قال رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسييلم "طهور الناء إذا ولغ فيييه الهيير أن يغسييل مرة أو مرتييين"‬
‫وقرة ثقيية عنييد أهييل الحديييث‪ .‬وأمييا السييباع فحديييث ابيين عميير‬
‫المتقدم عين أبييه قال "سيئل رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫عيين الماء ومييا ينوبييه ميين السييباع والدواب فقال‪ :‬إن كان الماء‬
‫قلتين لم يحمل خبثا"‪ .‬وأما تعارض الثار في هذا الباب‪ ،‬فمنها أنه‬
‫روي عنه "أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي بين‬
‫مكية والمدينية تردهيا الكلب والسيباع‪ ،‬فقال "لهيا ميا حملت فيي‬
‫بطونهيا ولكيم ميا غيبر شرابيا وطهورا" ونحيو هذا حدييث عمير الذي‬
‫رواه مالك في موطئه وهو قوله "يا صاحب الحوض ل تخبرنا فإنا‬
‫نرد على السيباع وترد علينيا" وحدييث أبيي قتادة أيضيا الذي خرجيه‬
‫مالك "أن كبشيييية سييييكبت له وضوء فجاءت هرة لتشرب منييييه‬
‫فأصيغى لهيا الناء حتيى شربيت‪ ،‬ثيم قال إن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪ :‬إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم‬
‫أو الطوافات"‬
‫فاختلف العلماء فييي تأويييل هذه الثار ووجييه جمعهييا مييع القياس‬
‫المذكور؛ فذهيب مالك فيي المير بإراقية سيؤر الكلب وغسيل الناء‬
‫منيه‪ ،‬إلى أن ذلك عبادة غيير معللة‪ ،‬وأن الماء الذي يلغ فييه لييس‬
‫بنجييس‪ ،‬ولم ييير إراقيية مييا عدا الماء ميين الشياء التييي يلغ فيهييا‬
‫الكلب فيي المشهور عنيه‪ ،‬وذلك كميا قلنيا لمعارضية ذلك القياس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫له‪ ،‬ولنه ظن أيضا أنه إن فهم منه أن الكلب نجس العين عارضه‬
‫ظاهير الكتاب وهيو قوله تعالى {فكلوا مميا أمسيكن عليكيم} يرييد‬
‫أنيه لو كان نجيس العيين لنجيس الصييد بمماسيته‪ ،‬وأييد هذا التأوييل‬
‫بما جاء في غسله من العدد والنجاسات ليس يشترط في غسلها‬
‫العدد فقال‪ :‬إن هذا الغسيل إنميا هيو عباده‪ ،‬ولم يعرج على سيائر‬
‫تلك الثار لضعفهييا عنده‪ .‬وأمييا الشافعييي فاسييتثنى الكلب ميين‬
‫الحيوان الحيي ورأى أن ظاهير هذا الحدييث يوجيب نجاسية سيؤره‪،‬‬
‫وأن لعابيه هيو النجيس ل عينيه فيميا أحسيب‪ ،‬وأنيه يجيب أن يغسيل‬
‫الصييد منيه‪ ،‬وكذلك اسيتثنى الخنزيير لمكان اليية المذكورة‪ .‬وأميا‬
‫أبيو حنيفية فإنيه زعيم أن المفهوم مين هذه الثار الواردة بنجاسية‬
‫سيؤر السيباع والهير والكلب هيو مين قبيل تحرييم لحومهيا‪ ،‬وأن هذا‬
‫من باب الخاص أريد به العام فقال‪ :‬السآر تابعة للحوم الحيوان‪،‬‬
‫وأميا بعيض الناس فاسيتثنى مين ذلك الكلب والهير والسيباع على‬
‫ظاهيير الحاديييث الواردة فييي ذلك‪ .‬وأمييا بعضهييم فحكييم بطهارة‬
‫سيؤر الكلب والهير‪ ،‬فاسيتثنى مين ذلك السيباع فقيط‪ .‬أميا سيؤر‬
‫الكلب فللعدد المشترط فيي غسيله‪ ،‬ولمعارضية ظاهير الكتاب له‬
‫ولمعارضيية حديييث أبييي قتادة له‪ ،‬إذ علل عدم نجاسيية الهرة ميين‬
‫قبيل أنهيا مين الطوافيين والكلب طواف‪ .‬وأميا الهرة فمصييرا إلى‬
‫ترجيح حديث أبي قتادة على حديث قرة عن ابن سيرين‪ ،‬وترجيح‬
‫حدييث ابين عمير على حدييث عمير‪ ،‬وميا ورد فيي معناه لمعارضية‬
‫حديييث أبييي قتادة له بدليييل الخطاب؛ وذلك أنييه لمييا علل عدم‬
‫النجاسية فيي الهرة بسيبب الطواف فهيم منيه أن ميا لييس بطواف‬
‫وهييي السيباع فأسيآرها محرمية‪ ،‬وممين ذهيب هذا المذهيب ابين‬
‫القاسم‪،‬‬
‫وأميا أبيو حنيفية فقال كميا قلنيا بنجاسية سيؤر الكلب‪ ،‬ولم يير العدد‬
‫في غسله شرطا في طهارة الناء الذي ولغ فيه لنه عارض ذلك‬
‫عنده القياس في غسل النجاسات‪ ،‬أعني أن المعتبر فيها إنما هو‬
‫إزالة العييين فقييط‪ ،‬وهذا على عادتييه فييي رد أخبار الحاد لمكان‬
‫معارضية الصيول لهيا‪ .‬قال القاضيي‪ :‬فاسيتعمل مين هذا الحدييث‬
‫بعضيا ولم يسيتعمل بعضيا‪ ،‬أعنيي أنيه اسيتعمل منيه ميا لم تعارضيه‬
‫عنده الصول‪ ،‬ولم يستعمل ما عارضته منه الصول‪ ،‬وعضد ذلك‬
‫بأنه مذهب أبي هريرة الذي روى الحديث‪ ،‬فهذه هي الشياء التي‬
‫حركيييت الفقهاء إلى هذا الختلف الكثيييير فيييي هذه المسيييألة‬
‫وقادتهيم إلى الفتراق فيهيا‪ ،‬والمسيألة اجتهاديية محضية يعسير أن‬
‫يوجيد فيهيا ترجييح ‪ ،‬ولعيل الرجيح أن يسيتثنى مين طهارة أسيآر‬
‫الحيوان الكلب والخنزيييير والمشرك لصيييحة الثار الواردة فيييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الكلب ولن ظاهير الكتاب أولى أن يتبيع فيي القول بنجاسية عيين‬
‫الخنزير والمشرك من القياس‪ ،‬وكذلك ظاهر الحديث‪ ،‬وعليه أكثر‬
‫الفقهاء‪ ،‬أعنيي على القول بنجاسية سيؤر الكلب‪ ،‬فإن المير بإراقية‬
‫ما ولغ فيه الكلب مخيل ومناسب في الشرع لنجاسة الماء الذي‬
‫ولغ فييه‪ ،‬أعنيي أن المفهوم بالعادة فيي الشرع مين المير بإراقية‬
‫الشيء وغسل الناء منه هو لنجاسة الشيء‪ ،‬وما اعترضوا به من‬
‫أنه لو كان ذلك لنجاسة الناء لما اشترط فيه العدد‪ ،‬فغير نكير أن‬
‫يكون الشرع يخيص نجاسية دون نجاسية بحكيم دون حكيم تغليظيا‬
‫لهييا‪ .‬قال القاضييي‪ :‬وقييد ذهييب جدي رحميية الله عليييه فييي كتاب‬
‫المقدمات إلى أن هذا الحديييث معلل معقول المعنييى ليييس ميين‬
‫سبب النجاسة‪ .‬بل من سبب ما يتوقع أن يكون الكلب الذي ولغ‬
‫في الناء كلبا‪ ،‬فيخاف من ذلك السم‪ .‬قال‪ :‬ولذلك جاء هذا العدد‬
‫الذي هو السبع في غسله‪ ،‬فإن هذا العدد قد استعمل في الشرع‬
‫فيي مواضيع كثيرة فيي العلج والمداواة مين المراض‪ ،‬وهذا الذي‬
‫قال رحمه الله هو وجه حسن على طريقة المالكية‪ ،‬فإنه إذا قلنا‬
‫إن ذلك الماء غيير نجيس‪ ،‬فالولى أن يعطيى علة فيي غسيله مين‬
‫أن يقول إنييه غييير معلل‪ ،‬وهذا طاهيير بنفسييه‪ ،‬وقييد اعترض عليييه‬
‫فيميا بلغنيي بعيض الناس بأن قال‪ :‬إن الكلب الكلب ل يقرب الماء‬
‫فييي حييين كلبييه‪ ،‬وهذا الذي قالوه هييو عنييد اسييتحكام هذه العلة‬
‫بالكلب‪ ،‬ل فيي مباديهيا وفيي أول حدوثهيا‪ ،‬فل معنيى لعتراضهيم‪.‬‬
‫وأيضيا فإنيه لييس فيي الحدييث ذكير الماء‪ ،‬وإنميا فييه ذكير الناء‪،‬‬
‫ولعييل فييي سييؤره خاصييية ميين هذا الوجييه ضارة‪ ،‬أعنييي قبييل أن‬
‫يستحكم به الكلب‪ ،‬ول يستنكر ورود مثل هذا في الشرع‪ ،‬فيكون‬
‫هذا مين باب ميا ورد فيي الذباب إذا وقيع فيي الطعام أن يغميس‪،‬‬
‫وتعليل ذلك بأن في أحد جناحيه داء وفي الخر دواء‪ .‬وأما ما قيل‬
‫فيي المذهيب مين أن هذا الكلب هيو الكلب المنهيي عين اتخاذه أو‬
‫الكلب الخضري فضعييييف وبعييييد مييين هذا التعلييييل‪ ،‬إل أن يقول‬
‫قائل‪ :‬إن ذلك أعني النهي من باب التحريج في اتخاذه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الخامسيية) اختلف العلماء فييي أسييآر الطهيير على‬
‫خمسيية أقوال‪ :‬فذهييب قوم إلى أن أسييآر الطهيير طاهرة بإطلق‪،‬‬
‫وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة‪ .‬وذهب آخرون إلى أنه ل‬
‫يجوز للرجييل أن يتطهيير بسييؤر المرأة‪ ،‬ويجوز للمرأة أن تتطهيير‬
‫بسؤر الرجل‪ ،‬وذهب آخرون إلى أنه يجوز للرجل أن يتطهر بسؤر‬
‫المرأة ما لم تكن المرأة جنبا أو حائضا‪ ،‬وذهب آخرون إلى أنه ل‬
‫يجوز لواحيد منهميا أن يتطهير بفضيل صياحبه إل أن يشرعيا معيا‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬ل يجوز وإن شرعيا معيا‪ ،‬وهيو مذهيب أحميد بين حنبيل‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسيبب اختلفهيم فيي هذا اختلف الثار‪ ،‬وذلك أن فيي ذلك أربعية‬
‫آثار‪ :‬أحدهييا أن النييبي صييلى الله عليييه وسييلم كان يغتسييل ميين‬
‫الجنابية هيو وأزواجيه مين إناء واحيد‪ ،‬والثانيي حدييث ميمونية أنيه‬
‫اغتسل من فضلها‪ ،‬والثالث حديث الحكم الغفاري أن النبي عليه‬
‫الصيلة والسيلم نهيى أن يتوضيأ الرجيل بفضيل المرأة‪ ،‬خرجيه أبيو‬
‫داود والترمذي‪ .‬والرابيع حدييث عبيد الله بين سيرجس قال "نهيى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة‬
‫والمرأة بفضيل الرجيل‪ ،‬ولكين يشرعان معيا"‪ .‬فذهيب العلماء فيي‬
‫تأويل هذه الحاديث مذهبين‪ :‬مذهب الترجيح‪ ،‬ومذهب الجمع في‬
‫بعض والترجيح في بعض‪ ،‬أما من رجح حديث اغتسال النبي صلى‬
‫الله علييه وسيلم ميع أزواجيه مين إناء واحيد على سيائر الحادييث‪،‬‬
‫لنه مما اتفق الصحاح على تخريجه‪ ،‬ولم يكن عنده فرق بين أن‬
‫يغتسيل معيا أو يغتسيل كيل منهميا بفضيل صياحبه‪ ،‬لن المغتسيلين‬
‫معا كل واحد منهما مغتسل بفضل صاحبه‪ ،‬وصحح حديث ميمونة‬
‫ميع هذا الحدييث ورجحيه على حدييث الغفاري فقال بطهير السيآر‬
‫على الطلق‪ .‬وأميا مين رجيح حدييث الغفاري على حدييث ميمونية‬
‫وهييو مذهييب أبييي محمييد بيين حزم‪ .‬وجمييع بييين حديييث الغفاري‬
‫وحدييث اغتسيال النيبي علييه الصيلة والسيلم ميع أزواجيه مين إناء‬
‫واحد بأن فرق بين الغتسال معا‪ ،‬وبين أن يغتسل أحدهما بفضل‬
‫الخر وعمل على هذين الحديثين فقط أجاز للرجل أن يتطهر مع‬
‫المرأة مين إناء واحيد‪ ،‬ولم يجيز أن يتطهير هيو مين فضيل طهرهيا‪،‬‬
‫وأجاز أن تتطهير هييي مين فضيل طهره‪ .‬وأميا مين ذهيب مذهيب‬
‫الجمع بين الحاديث كلها ما خل حديث ميمونة‪ ،‬فإنه أخذ بحديث‬
‫عبد الله بن سرجس‪ ،‬لنه يمكن أن يجتمع عليه حد يث الغفاري‪،‬‬
‫وحدييث غسيل النيبي صيلى الله علييه وسيلم ميع أزواجيه مين إناء‬
‫واحييد ويكون فيييه زيادة‪ ،‬وهييي أن ل تتوضييأ المرأة أيضييا بفضييل‬
‫الرجيل‪ ،‬لكين يعارضيه حدييث ميمونية‪ ،‬وهيو حدييث خرجيه مسيلم‪،‬‬
‫لكين قيد علله كميا قلنيا بعيض الناس مين أن بعيض رواتيه قال فييه‪:‬‬
‫أكثر ظني أو أكثر علمي أن أبا الشعثاء حدثني‪ ،‬وأما من لم يجز‬
‫لواحيد منهميا أن يتطهير بفضيل صياحبه ول يشرعان معيا‪ ،‬فلعله لم‬
‫يبلغيه مين الحادييث إل حدييث الحكيم الغفاري وقاس الرجيل على‬
‫المرأة‪ .‬وأميا مين نهيى عين سيؤر المرأة الجنيب والحائض فقيط‪،‬‬
‫فلسيت أعلم له حجية إل أنيه مروي عين بعيض السيلف أحسيبه عين‬
‫ابن عمر‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيادسة) صيار أبيو حنيفية مين بيين معظيم أصيحابه‬
‫وفقهاء المصار إلى إجازة الوضوء بنبيذ التمر في السفر لحديث‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ابين عباس "أن ابين مسيعود خرج ميع رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم ليلة الجن‪ ،‬فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫هل معك من ماء؟ فقال‪ :‬معي نبيذ في إداوتي‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬اصيبب فتوضيأ بيه‪ ،‬وقال‪ :‬شراب وطهور"‬
‫وحديث أبي رافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن مسعود بمثله‪،‬‬
‫وفييه قال رسيول الله صيلى الله علييه وسييلم "ثمرة طيبيية وماء‬
‫طهور" وزعموا أنيه منسيوب إلى الصيحابة علي وابين عباس‪ ،‬وأنيه‬
‫ل مخالف لهييم ميين الصييحابة‪ ،‬فكان كالجماع عندهييم‪ .‬ورد أهييل‬
‫الحدييث هذا الخيبر ولم يقبلوه لضعيف رواتيه‪ ،‬ولنيه قيد روي مين‬
‫طرق أوثيق مين هذه الطرق أن ابين مسيعود لم يكين ميع رسيول‬
‫الله صييلى الله عليييه وسييلم ليلة الجيين‪ .‬واحتييج الجمهور لرد هذا‬
‫الحديييث بقوله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيموا صييعيدا طيبييا} قالوا‬
‫فلم يجعيل ههنيا وسيطا بيين الماء والصيعيد‪ ،‬وبقوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "الصيعيد الطييب وضوء المسيلم وإن لم يجيد الماء إلى‬
‫عشير حجيج‪ ،‬فإذا وجيد الماء فليمسيه بشرتيه" ولهيم أن يقولوا إن‬
‫هذا قيد أطلق علييه فيي الحدييث اسيم الماء‪ ،‬والزيادة ل تقتضيي‬
‫نسيييخا فيعارضهيييا الكتاب‪ ،‬لكييين هذا مخالف لقولهيييم إن الزيادة‬
‫نسخ‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الرابع في نواقض الوضوء‪.‬‬
‫@‪-‬والصييل فييي هذا الباب قوله تعالى {أو جاء أحييد منكييم ميين‬
‫الغائط أو لمسيتم النسياء} وقوله علييه الصيلة والسيلم "ل يقبيل‬
‫الله صييلة ميين أحدث حتييى يتوضييأ" واتفقوا فييي هذا الباب على‬
‫انتقاض الوضوء مين البول والغائط والرييح والمذي والودي لصيحة‬
‫الثار في ذلك إذا كان خروجها على وجه الصحة‪.‬‬
‫@‪(-‬ويتعلق بهذا الباب مميا اختلفوا فييه سيبع مسيائل) تجري منيه‬
‫مجرى القواعد لهذا الباب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) اختلف علماء المصييار فييي انتقاض الوضوء‬
‫مما يخرج من الجسد من النجس على ثلثة مذاهب‪ :‬فاعتبر قوم‬
‫فيي ذلك الخارج وحده مين أي موضيع خرج وعلى أي جهية خرج‪،‬‬
‫وهييو أبييو حنيفيية وأصييحابه والثوري وأحمييد وجماعيية ولهييم ميين‬
‫الصحابة السلف فقالوا‪ :‬كل نجاسة تسيل من الجسد وتخرج منه‬
‫يجييب منهييا الوضوء كالدم والرعاف الكثييير والفصييد والحجاميية‬
‫والقييء إل البلغيم عنيد أبيي حنيفية‪ .‬وقال أبيو يوسيف مين أصيحاب‬
‫أبيي حنيفية‪ :‬إنيه إذا مل الفيم ففييه الوضوء‪ ،‬ولم يعتيبر أحيد مين‬
‫هؤلء اليسيير مين الدم إل مجاهيد‪ ،‬واعتيبر قوم آخرون المخرجيين‬
‫الذكر والدبر‪ ،‬فقالوا‪ :‬كل ما خرج من هذين السبيلين فهو ناقض‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫للوضوء من أي شيء خرج من دم أو حصا أو بلغم وعلى أي وجه‬


‫خرج كان خروجيييه على سيييبيل الصيييحة أو على سيييبيل المرض‪،‬‬
‫وممين قال بهذا القول الشافعيي وأصيحابه ومحميد بين عبيد الحكيم‬
‫ميين أصييحاب مالك‪ .‬واعتييبر قوم آخرون الخارج والمخرج وصييفة‬
‫الخروج‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيل ميا خرج مين السيبيلين مميا هيو معتاد خروجيه‬
‫وهييو البول والغائط والمذي والودي والريييح إذا كان خروجييه على‬
‫وجييه الصييحة فهييو ينقييض الوضوء‪ ،‬فلم يروا فييي الدم والحصيياة‬
‫والدود وضوءا ول في السلس‪ ،‬وممن قال بهذا القول مالك وجل‬
‫أصيحابه‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم أنيه لميا أجميع المسيلمون على‬
‫انتقاض الوضوء ممييا يخرج ميين السييبيلين ميين غائط وبول وريييح‬
‫ومذي لظاهيير الكتاب ولتظاهيير الثار بذلك‪ .‬تطرق إلى ذلك ثلث‬
‫احتمالت‪ :‬أحدهييا أن يكون الحكييم إنمييا علق بأعيان هذه الشياء‬
‫فقط المتفق عليها على ما رآه مالك رحمه الله‪ .‬الحتمال الثاني‬
‫أن يكون الحكيم إنميا علق بهذه مين جهية أنهيا أنجاس خارجية مين‬
‫البدن لكون الوضوء طهارة‪ ،‬والطهارة إنمييا يؤثيير فيهييا النجييس‪.‬‬
‫والحتمال الثالث أن يكون الحكم أيضا إنما علق بها من جهة أنها‬
‫خارجية مين هذيين السيبيلين‪ ،‬فيكون على هذيين القوليين الخيريين‬
‫ورود المير بالوضوء مين تلك الحداث المجميع عليهيا إنميا هيو مين‬
‫باب الخاص أرييد بيه العام ويكون عنيد مالك وأصيحابه إنميا هيو من‬
‫باب الخاص المحمول على خصوصه؛ فالشافعي وأبو حنيفة اتفقا‬
‫على أن المير بهيا هيو مين باب الخاص أرييد بيه العام‪ ،‬واختلفيا أي‬
‫عام هيو الذي قصيد بيه؟ فمالك يرجيح مذهبيه بأن الصيل هيو أن‬
‫يحمييل الخاص على خصييوصه حتييى يدل الدليييل على غييير ذلك‪،‬‬
‫والشافعيي محتيج بأن المراد بيه المخرج ل الخارج باتفاقهيم على‬
‫إيجاب الوضوء ميين الريييح الذي يخرج ميين أسييفل‪ ،‬وعدم إيجاب‬
‫الوضوء منه إذا خرج من فوق وكلهما ذات واحدة‪ ،‬والفرق بينهما‬
‫اختلف المخرجيين‪ ،‬فكان هذا تنبيهيا على أن الحكيم للمخرج وهيو‬
‫ضعييف لن الريحيين مختلفان فيي الصيفة والرائحية‪ ،‬وأبيو حنيفية‬
‫يحتج لن المقصود بذلك هو الخارج النجس لكون النجاسة مؤثرة‬
‫فييي الطهارة‪ ،‬وهذه الطهارة وإن كانييت طهارة حكمييية فإن فيهييا‬
‫شبها من الطهارة المعنوية‪ ،‬أعني طهارة النجس‪ ،‬وبحديث ثوبان‬
‫"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ" وبما روي عن‬
‫عميير وابيين عميير رضييي الله عنهمييا ميين إيجابهمييا الوضوء ميين‬
‫الرعاف وبميا روي مين أمره صيلى الله علييه وسيلم المسيتحاضة‬
‫بالوضوء لكيل صيلة‪ ،‬فكان المفهوم مين هذا كله عنيد أبيي حنيفية‬
‫الخارج النجييس‪ ،‬وإنمييا اتفييق الشافعييي وأبييو حنيفيية على إيجاب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الوضوء من الحداث المتفق عليها وإن خرجت على جهة المرض‬


‫لمره صيلى الله علييه وسيلم بالوضوء عنيد كيل صيلة للمسيتحاضة‬
‫والستحاضة مرض‪ .‬وأما مالك فرأى أن المرض له ههنا تأثير في‬
‫الرخصية قياسيا أيضيا على ميا روي أيضيا مين أن المسيتحاضة لم‬
‫تؤمير إل بالغسيل فقيط‪ ،‬وذلك أن حدييث فاطمية بنيت أبيي حيبيش‬
‫هذا هيو متفيق على صيحته‪ ،‬ويختلف فيي هذه الزيادة فييه‪ ،‬أعنيي‬
‫المير بالوضوء لكيل صيلة‪ ،‬ولكين صيححها أبيو عمير بين عبيد البر‪،‬‬
‫قياسيا على مين يغلبيه الدم مين جرح ول ينقطيع‪ ،‬مثيل ميا روي أن‬
‫عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يثعب دما‪.‬‬
‫@‪(-‬الم سألة الثانيية) اختلف العلماء في النوم على ثلثة مذاهيب‪:‬‬
‫فقوم رأوا أنيييه حدث‪ ،‬فأوجبوا مييين قليله وكثيره الوضوء‪ ،‬وقوم‬
‫رأوا أنيه لييس بحدث فلم يوجبوا منيه الوضوء إل إذا تيقين بالحدث‬
‫على مذهيب مين ل يعتيبر الشيك‪ ،‬وإذا شيك على مذهيب مين يعتيبر‬
‫الشيك حتيى إن بعيض السيلف كان يوكيل بنفسيه إذا نام مين يتفقيد‬
‫حاله‪ ،‬أعنييي هييل يكون منييه حدث أم ل؟ وقوم فرقوا بييين النوم‬
‫القليل الخفيف والكثيير المستثقل‪ ،‬فأوجبوا في الكثيير المستثقل‬
‫الوضوء دون القليييل‪ ،‬وعلى هذا فقهاء المصييار والجمهور‪ .‬ولمييا‬
‫كانيت بعيض الهيئات يعرض فيهيا السييتثقال مين النوم أكثير مين‬
‫بعيض‪ ،‬وكذلك خروج الحدث اختلف الفقهاء فيي ذلك‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫ميين نام مضطجعييا أو سيياجدا فعليييه الوضوء‪ ،‬طويل كان النوم أو‬
‫قصيييرا‪ .‬وميين نام جالسييا فل وضوء عليييه إل أن يطول ذلك بييه‪.‬‬
‫واختلف القول فييي مذهبييه فييي الراكييع‪ ،‬فمرة قال حكمييه حكييم‬
‫القائم‪ ،‬ومرة قال حكمه حكم الساجد‪ .‬وأما الشافعي فقال‪ :‬على‬
‫كييل نائم كيفمييا نام الوضوء إل ميين نام جالسييا‪ ،‬وقال أبييو حنيفيية‬
‫وأصحابه‪ :‬ل وضوء إل على من نام مضطجعا‪ ،‬وأصل اختلفهم في‬
‫هذه المسييييألة اختلف الثار الواردة فييييي ذلك‪ ،‬وذلك أن ههنييييا‬
‫أحادييث يوجيب ظاهرهيا أنيه لييس فيي النوم وضوء أصيل‪ ،‬كحدييث‬
‫ابين عباس "أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم دخيل إلى ميمونية‬
‫فنام عندها حتى سمعنا غطيطه ثم صلى ولم يتوضأ" وقوله عليه‬
‫الصلة والسلم "إذا نعس أحدكم في الصلة فليرقد حتى يذهب‬
‫عنيه النوم‪ ،‬فإنيه لعله يذهيب أن يسيتغفر ربيه فيسيب نفسيه" وميا‬
‫روي أيضيا "أن أصيحاب النيبي صيلى الله علييه وسيلم كانوا ينامون‬
‫في المسجد حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ول يتوضئون" وكلها‬
‫آثار ثابتيية وههنييا أيضييا أحاديييث يوجييب ظاهرهييا أن النوم حدث‪،‬‬
‫وأبينها في ذلك حديث صفوان بن عسال وذلك أنه قال "كنا في‬
‫سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن ل ننزع خفافنا من‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫غائط وبول ونوم ول ننزعهييا إل ميين جنابيية" فسييوى بييين البول‬


‫والغائط والنوم‪ ،‬صيييححه الترمذي‪ .‬ومنهيييا حدييييث أبيييي هريرة‬
‫المتقدم‪ ،‬وهو قوله عليه الصلة والسلم "إذا استيقظ أحدكم من‬
‫نومييه فليغسييل يده قبييل أن يدخلهييا فييي وضوئه" فإن ظاهره أن‬
‫النوم يوجيب الوضوء قليله وكثيره‪ ،‬وكذلك يدل ظاهير آيية الوضوء‬
‫عند من كان عنده المعنى في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫قمتيم إلى الصيلة} أي إذا قمتيم مين النوم على ميا روي عين زييد‬
‫بيين أسييلم وغيره ميين السييلف فلمييا تعارضييت ظواهيير هذه الثار‬
‫ذهب العلماء فيها مذهبين‪ :‬مذهب الترجيح‪ ،‬ومذهب الجمع؛ فمن‬
‫ذهيب مذهيب الترجييح إميا أسيقط وجوب الوضوء مين النوم أصيل‬
‫على ظاهر الحاديث التي تسقطه وإما أوجبه من قليله أو كثيره‬
‫على ظاهر الحاديث التي توجبه أيضا‪ ،‬أعني على حسب ما ترجح‬
‫عنده مين الحادييث الموجبية‪ ،‬أو مين الحادييث المسيقطة؛ ومين‬
‫ذهيب مذهيب الجميع حميل الحادييث الموجبية للوضوء منيه على‬
‫الكثييير والمسييقطة للوضوء على القليييل‪ ،‬وهييو كمييا قلنييا مذهييب‬
‫الجمهور‪ ،‬والجميع أولى مين الترجييح ميا أمكين الجميع عنيد أكثير‬
‫الصوليين‪ .‬وأما الشافعي فإنما حملها على أن استثنى من هيئات‬
‫النائم الجلوس فقيط لنيه قيد صيح ذلك عين الصيحابة‪ ،‬أعنيي أنهيم‬
‫كانوا ينامون جلوسا ول يتوضئون ويصلون‪ .‬وإنما أوجبه أبو حنيفة‬
‫في النوم والضطجاع فقط لن ذلك ورد في حديث مرفوع‪ ،‬وهو‬
‫أنيييه علييييه الصيييلة والسيييلم قال "إنميييا الوضوء على مييين نام‬
‫مضطجعيا" والروايية بذلك ثابتية عين عمير‪ .‬وأميا مالك فلميا كان‬
‫النوم عنده إنميا ينقيض الوضوء مين حييث كان غالبيا سيبب للحدث‬
‫راعى فيه ثلثة أشياء‪ :‬الستثقال أو الطول أو الهيئة‪ ،‬فلم يشترط‬
‫فيييي الهيئة التيييي يكون منهيييا خروج الحدث غالبيييا ل الطول ول‬
‫السيتثقال‪ ،‬واشترط ذلك فيي الهيئات التيي ل يكون خروج الحدث‬
‫منها غالبا‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثالثة) اختلف العلماء في إيجاب الوضوء من لمس‬
‫النساء باليد أو بغير ذلك من العضاء الحساسة‪ ،‬فذهب قوم إلى‬
‫أن مين لميس امرأة بيده مفضييا إليهيا لييس بينيه وبينهيا حجاب ول‬
‫ستر فعليه الوضوء‪ ،‬وكذلك من قبلها لن القبلة عندهم لمس ما‪،‬‬
‫سواء ال تذ أم لم يلتذ وبهذا القول قال الشافعي وأ صحابه‪ ،‬إل أنه‬
‫مرة فرق بيين اللميس والملموس‪ ،‬فأوجيب الوضوء على اللميس‬
‫دون الملموس‪ ،‬ومرة سييوى بينهمييا‪ ،‬ومرة أيضييا فرق بييين ذوات‬
‫المحارم والزوجية‪ ،‬فأوجيب الوضوء مين لميس الزوجية دون ذوات‬
‫المحارم‪ ،‬ومرة سييوى بينهمييا‪ .‬وذهييب آخرون إلى إيجاب الوضوء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين اللميس إذا قارنتيه اللذة أو قصيد اللذة فيي تفصييل لهيم فيي‬
‫ذلك وقع بحائل أو بغير حائل بأي عضو اتفق ما عدا القبلة‪ ،‬فإنهم‬
‫لم يشترطوا لذة فييي ذلك‪ ،‬وهييو مذهييب مالك وجمهور أصييحابه‪،‬‬
‫ونفييى قوم إيجاب الوضوء ميين لمييس النسيياء وهييو مذهييب أبييي‬
‫حنيفية‪ ،‬ولكيل سيلف مين الصيحابة إل اشتراط اللذة فإنيي ل أذكير‬
‫أحدا مين الصيحابة اشترطهيا‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي هذه المسيألة‬
‫اشتراك اسييم اللمييس فييي كلم العرب‪ ،‬فإن العرب تطلقييه مرة‬
‫على اللميس الذي هيو بالييد‪ ،‬ومرة تكنيي بيه عين الجماع‪ ،‬فذهيب‬
‫قوم إلى أن اللمس الموجب للطهارة في آية الوضوء هو الجماع‬
‫فييي قوله تعالى {أو لمسييتم النسيياء} وذهييب آخرون إلى أنييه‬
‫اللميس بالييد‪ ،‬ومين هؤلء مين رآه مين باب العام أرييد بيه الخاص‬
‫فاشترط فييه اللذة‪ ،‬ومنهيم مين رآه مين باب العام أرييد بيه العام‬
‫فلم يشترط اللذة فيه‪ ،‬ومن اشترط اللذه فإنما دعاه إلى ذلك ما‬
‫عارض عموم الية من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلمس‬
‫عائشة عند سجوده بيده وربما لمسته وخرج أهل الحديث حديث‬
‫حيبيب بين أبيي ثابيت عين عروة عين عائشية عين النيبي صيلى الله‬
‫عليه وسلم "أنه قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلة ولم يتوضأ‪،‬‬
‫فقلت من هي إل أنت؟ فضحكت" قال أبو عمر هذا الحديث وهنه‬
‫الحجازيون وصييححه الكوفيون‪ ،‬وإلى تصيحيحه مال أبيو عمير بين‬
‫عبد البر‪ ،‬قال‪ :‬وروى هذا الحديث أيضا من طريق معبد بن نباتة‪،‬‬
‫وقال الشافعي إن ثبت حديث معبد بن نباتة في القبلة لم أر فيها‬
‫ول في الل مس وضوءا‪ .‬وقد احتج من أوجب الوضوء من اللمس‬
‫بالييد بأن اللميس ينطلق حقيقية على اللميس بالييد وينطلق مجازا‬
‫على الجماع‪ ،‬وأنيه إذا تردد اللفيظ بيين الحقيقية والمجاز‪ ،‬فالولى‬
‫أن يحمل على الحقيقة حتى يدل الدليل على المجاز؛ ولولئك أن‬
‫يقولوا إن المجاز إذا كثر استعماله كان أدل على المجاز منه على‬
‫الحقيقية كالحال فيي اسيم الغائط الذي هيو أدل على الحدث الذي‬
‫هو فيه مجاز منه على المطمئن من الرض الذي هو فيه حقيقة‪.‬‬
‫والذي أعتقده أن اللمس وإن كانت دللته على المعنيين بالسواء‬
‫أو قريبيا مين السيواء أنيه أظهير عندي فيي الجماع وإن كان مجازا‪،‬‬
‫لن الله تبارك وتعالى قييد كنييى بالمباشرة والمييس عيين الجماع‬
‫وهما في معنى اللمس‪ ،‬وعلى هذا التأويل في الية يحتج بها في‬
‫إجازة التيمييم للجنييب دون تقدييير تقديييم فيهييا ول تأخييير على مييا‬
‫سييأتي بعيد‪ ،‬وترتفيع المعارضية التيي بيين الثار واليية على التأوييل‬
‫الخر‪ .‬وأما من فهم من الية اللمسين معا فضعيف‪ ،‬فإن العرب‬
‫إذا خاطبييت بالسييم المشترك إنمييا تقصييد بييه معنييى واحييد ميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المعانيي التيي يدل عليهيا السيم ل جمييع المعانيي التيي يدل عليهيا‪،‬‬
‫وهذا بين بنفسه في كلمهم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) ميس الذكير‪ .‬اختلف العلماء فييه على ثلثية‬
‫مذاهيب‪ ،‬فمنهيم مين رأى الوضوء فييه كيفميا مسيه‪ ،‬وهيو مذهيب‬
‫الشافعيي وأصيحابه وأحميد وداود‪ ،‬ومنهيم مين لم يير فييه وضوءا‬
‫أصل وهو أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬ولكل الفريقين سلف من الصحابة‬
‫والتابعيييين‪ .‬وقوم فرقوا بيييين أن يمسيييه بحال أو ل يمسيييه بتلك‬
‫الحال‪ ،‬وهؤلء افترقوا فيه فرقا‪ :‬فمنهم من فرق فيه بين أن يلتذ‬
‫أو ل يلتذ‪ .‬ومنهم من فرق بين أن يمسه بباطن الكف أو ل يمسه‪،‬‬
‫فأوجبوا الوضوء مييع اللذة ولم يوجبوه مييع عدمهييا‪ ،‬وكذلك أوجبييه‬
‫قوم ميع الميس بباطين الكيف ولم يوجبوه ميع الميس بظاهرهيا‪،‬‬
‫وهذان العتباران مرويان عيين أصييحاب مالك‪ ،‬وكان اعتبار باطيين‬
‫الكييف راجييع إلى اعتبار سييبب اللذة‪ .‬وفرق قوم فييي ذلك بييين‬
‫العميد والنسييان‪ ،‬فأوجبوا الوضوء منيه ميع العميد ولم يوجبوه ميع‬
‫النسيييان‪ ،‬وهييو مروي عين مالك‪ ،‬وهييو قول داود وأصييحابه‪ .‬ورأى‬
‫قوم أن الوضوء من مسه سنة ل واجب‪ ،‬قال أبو عمر‪ :‬وهذا الذي‬
‫اسيتقر مين مذهيب مالك عنيد أهيل المغرب مين أصيحابه‪ ،‬والروايية‬
‫عنييه فيييه مضطربيية‪ .‬وسييبب اختلفهييم فييي ذلك أن فيييه حديثييين‬
‫متعارضين‪ :‬أحدهما الحديث الوارد من طريق بسرة أنها سمعت‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يقول "إذا ميس أحدكيم ذكره‬
‫فليتوضييأ" وهييو أشهيير الحاديييث الواردة فييي إيجاب الوضوء ميين‬
‫ميس الذكير‪ ،‬خرجيه مالك فيي الموطيأ‪ ،‬وصيححه يحييى بين معيين‬
‫وأحميد بين حنبيل‪ ،‬وضعفيه أهيل الكوفية؛ وقيد روي أيضيا معناه مين‬
‫طرييق أم حبيبية‪ ،‬وكان أحميد بين حنبيل يصيححه‪ ،‬وقيد روي أيضيا‬
‫معناه من طريق أبي هريرة‪ ،‬وكان ابن السكن أيضا يصححه‪ ،‬ولم‬
‫يخرجيه البخاري ول مسيلم‪ .‬والحدييث الثانيي المعارض له حدييث‬
‫طلق بن علي قال "قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وعنده رجيل كأنيه بدوي‪ ،‬فقال‪ :‬ييا رسيول الله ميا ترى فيي ميس‬
‫الرجييل ذكره بعييد أن يتوضييأ؟ فقال‪ :‬وهييل هييو إل بضعيية منييك؟"‬
‫خرجييه أيضييا أبييو داود والترمذي‪ ،‬وصييححه كثييير ميين أهييل العلم‬
‫الكوفيون وغيرهيم؛ فذهيب العلماء فيي تأوييل هذه الحادييث أحيد‬
‫مذهيبين‪ :‬إميا مذهيب الترجييح أو النسيخ‪ ،‬وإميا مذهيب الجميع‪ ،‬فمين‬
‫رجييح حديييث بسييرة أو رآه ناسييخا لحديييث طلق بيين علي قال‬
‫بإيجاب الوضوء مين ميس الذكير‪ ،‬ومين رجيح حدييث طلق بين علي‬
‫أسقط وجوب الوضوء من مسه‪ ،‬ومن رام أن يجمع بين الحديثين‬
‫أوجيب الوضوء منيه فيي حال ولم يوجبيه فيي حال‪ ،‬أو حميل حدييث‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بسييييرة على الندب‪ ،‬وحديييييث طلق بيييين علي نفييييى الوجوب‬


‫والحتجاجات التيي يحتيج بهيا كيل واحيد مين الفريقيين فيي ترجييح‬
‫الحديييث الذي رجحييه كثيرة يطول ذكرهييا‪ ،‬وهييي موجودة فييي‬
‫كتبهم‪ ،‬ولكن نكتة اختلفهم هو ما أشرنا إليه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الخامسية) اختلف الصيدر الول فيي إيجاب الوضوء‬
‫من أكل ما مسته النار لختلف الثار الواردة في ذلك عن رسول‬
‫الله صييلى الله عليييه وسييلم‪ ،‬واتفييق جمهور فقهاء المصييار بعييد‬
‫الصييدر الول على سييقوطه‪ ،‬إذ صييح عندهييم أنييه عمييل الخلفاء‬
‫الربعة‪ ،‬ولما ورد من حديث جابر أنه قال‪" :‬كان آخر المرين من‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم ترك الوضوء مميا مسيت النار"‬
‫خرجه أبو داود‪ .‬ولكن ذهب قوم من أهل الحديث أحمد وإسحاق‬
‫وطائفيية غيرهييم أن الوضوء يجييب فقييط ميين أكييل لحييم الجزور‬
‫لثبوت الحديث الوارد بذلك عنه عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة السييادسة)‪ :‬شييذ أبييو حنيفيية فأوجييب الوضوء ميين‬
‫الضحك في الصلة لمرسل أبي العالية‪ ،‬وهو أن قوما ضحكوا في‬
‫الصييلة فأمرهييم النييبي صييلى الله عليييه وسييلم بإعادة الوضوء‬
‫والصييلة‪ .‬ورد الجمهور هذا الحديييث لكونييه مرسييل ولمخالفتييه‬
‫للصيول‪ ،‬وهيو أن يكون شييء ميا ينقيض الطهارة فيي الصيلة ول‬
‫ينقضها في غير الصلة وهو مرسل صحيح‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيابعة) وقيد شيذ قوم فأوجبوا الوضوء مين حميل‬
‫المييت‪ ،‬وفييه أثير ضعييف "مين غسيل ميتيا فليغتسيل‪ ،‬ومين حمله‬
‫فليتوضييأ" وينبغييي أن تعلم أن جمهور العلماء أوجبوا الوضوء ميين‬
‫زوال العقل بأي نوع كان من قبل إغماء أو جنون أو سكر‪ ،‬وهؤلء‬
‫كلهييم قاسييوه على النوم‪ ،‬أعنييي أنهييم رأوا أنييه إذا كان يوجييب‬
‫الوضوء فيي الحالة التيي هيي سيبب للحدث غالبيا وهيو السيتثقال‪،‬‬
‫فأحرى أن يكون ذهاب العقيل سيببا لذلك‪ ،‬فهذه هيي مسيائل هذا‬
‫الباب المجميع عليهيا‪ ،‬والمشهورات مين المختلف فيهيا‪ ،‬وينبغيي أن‬
‫نصير إلى الباب الخامس‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الخاميييس‪ .‬وهيييو معرفييية الفعال التيييي تشترط هذه‬
‫الطهارة في فعلها‪.‬‬
‫@‪-‬والصييل فييي هذا الباب قوله تعالى {يييا أيهييا الذييين آمنوا إذا‬
‫قمتم إلى الصلة} الية‪ ،‬وقوله عليه الصلة والسلم "ليقبل الله‬
‫صلة بغير طهور ول صدقة من غلول" فاتفق المسلمون على أن‬
‫الطهارة شرط ميين شروط الصييلة لمكان هذا‪ ،‬وإن كانوا اختلفوا‬
‫هيل هيي شرط مين شروط الصيحة أو مين شروط الوجوب‪ ،‬ولم‬
‫يختلفوا أن ذلك شرط فيي جمييع الصيلوات إل فيي صيلة الجنازة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وفي السجود‪ ،‬أعني سجود التلوة‪ ،‬فإن فيه خلفا شاذا‪ ،‬والسبب‬
‫فيي ذلك الحتمال العارض فيي انطلق اسيم الصيلة على الصيلة‬
‫على الجنائز وعلى السييجود‪ ،‬فميين ذهييب إلى أن اسييم الصييلة‬
‫ينطلق على صييلة الجنائز وعلى السييجود نفسييه وهييم الجمهور‬
‫اشترط هذه الطهارة فيهميا‪ :‬ومين ذهيب إلى أنيه ل ينطلق عليهميا‬
‫إذ كانيت صيلة الجنائز لييس فيهيا ركوع ول سيجود‪ ،‬وكان السيجود‬
‫أيضييا ليييس فيييه قيام ول ركوع لم يشترطوا هذه الطهارة فيهمييا‪،‬‬
‫ويتعلق بهذا الباب مع هذه المسألة أربع مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسألة الولى) هل هذه الطهارة شرط في مس المصحف‬
‫أم ل؟ فذهييب مالك وأبييو حنيفيية والشافعييي إلى أنهييا شرط فييي‬
‫ميس المصيحف‪ ،‬وذهيب أهيل الظاهير إلى أنهيا ليسيت بشرط فيي‬
‫ذلك‪ ،‬والسبب في اختلفهم تردد مفهوم قوله تعالى {ل يمسه إل‬
‫المطهرون} بيين أن يكون المطهرون هيم بنو آدم وبيين أن يكونوا‬
‫هيم الملئكية‪ ،‬وبيين أن يكون هذا الخيبر مفهموميه النهيي‪ ،‬وبيين أن‬
‫يكون خيبرا ل نهييا‪ ،‬فمين فهيم مين المطهرون بنيي آدم‪ ،‬وفهيم مين‬
‫الخبر النهي قال‪ :‬ل يجوز أن يمس المصحف إل طاهر‪ ،‬ومن فهم‬
‫منه الخبر فقط وفهم من لفظ المطهرون الملئكة قال‪ :‬إنه ليس‬
‫فيي اليية دلييل على اشتراط هذه الطهارة فيي ميس المصيحف‪،‬‬
‫وإذا لم يكن هنالك دليل ل من كتاب ول من سنة ثابتة بقي المر‬
‫على البراءة الصيلية وهيي الباحية؛ وقيد احتيج الجمهور لمذهبهيم‬
‫بحدييث عمرو بين حزم "أن النيبي علييه الصيلة والسيلم كتيب‪ :‬ل‬
‫يمييس القرآن إل طاهيير" وأحاديييث عمرو بيين حزم اختلف الناس‬
‫فيي وجوب العميل بهيا لنهيا مصيحفة‪ ،‬ورأييت ابين المفوز يصيححها‬
‫إذا روتهيا الثقات لنهيا كتاب النيبي علييه الصيلة والسيلم‪ ،‬وكذلك‬
‫أحاديييث عمرو بيين شعيييب عيين أبيييه عيين جده‪ ،‬وأهييل الظاهيير‬
‫يردونهميا‪ ،‬ورخيص مالك للصيبيان فيي ميس المصيحف على غيير‬
‫طهر لنهم غير مكلفين‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيييألة الثانييييية) اختلف الناس فييييي إيجاب الوضوء على‬
‫الجنييب فييي أحوال‪ :‬أحدهييا إذا أراد أن ينام وهييو جنييب؛ فذهييب‬
‫الجمهور إلى استحبابه دون وجوبه وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه‬
‫لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر "أنه‬
‫ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه جنابة من الليل‪،‬‬
‫فقال له رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬توضيأ واغسيل ذكرك‬
‫ثيم نيم" وهيو أيضيا مروي عنيه مين طرييق عائشية‪ .‬وذهيب الجهمور‬
‫إلى حميل المير بذلك على الندب والعدول بيه عين ظاهره لمكان‬
‫عدم مناسييييبة وجوب الطهارة لرادة النوم‪ ،‬أعنييييي المناسييييبة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشرعية‪ ،‬وقد احتجوا أيضا لذلك بأحاديث أثبتها حديث ابن عباس‬
‫"أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم خرج ميين الخلء فأتييي‬
‫بطعام‪ ،‬فقالوا‪ :‬أل نأتيك بطهر؟ فقال‪ :‬أأصلي فأتوضأ‪ .‬وفي بعض‬
‫رواياتييه‪ :‬فقيييل له‪ :‬أل تتوضييأ؟ فقال‪ :‬مييا أردت الصييلة فأتوضييأ"‬
‫والسيتدلل به ضعييف‪ ،‬فإنيه من باب مفهوم الخطاب من أضعيف‬
‫أنواعه‪ ،‬وقد احتجوا بحديث عائشة "أنه عليه الصلة والسلم كان‬
‫ينام وهييو جنييب ل يمييس الماء" إل أنييه حديييث ضعيييف‪ .‬وكذلك‬
‫اختلفوا فييي وجوب الوضوء على الجنييب الذي يريييد أن يأكييل أو‬
‫يشرب وعلى الذي يرييييد أن يعاود أهله‪ ،‬فقال الجمهور فيييي هذا‬
‫كله بإسييقاط الوجوب لعدم مناسييبة الطهارة لهذه الشياء‪ ،‬وذلك‬
‫أن الطهارة إنمييا فرضييت فييي الشرع لحوال التعظيييم كالصييلة‪،‬‬
‫وأيضييا فلمكان تعارض الثار فييي ذلك‪ ،‬وذلك أنييه روي عنييه عليييه‬
‫الصلة والسلم "أنه أمر الجنب إذا أراد أن يعاود أهله أن يتوضأ"‬
‫وروي عنيه أنيه كان يجاميع ثيم يعاود ول يتوضيأ‪ .‬وكذلك روي عنيه‬
‫منع الكل والشرب للجنب حتى يتوضأ‪ .‬وروي عنه إباحة ذلك‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) ذهيب مالك والشافعيي إلى اشتراط الوضوء‬
‫فيي الطواف‪ ،‬وذهيب أبيو حنيفية إلى إسيقاطه‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫تردد الطواف بين أن يلحق حكمه بحكم الصلة أو ل يلحق‪ ،‬وذلك‬
‫أنييه ثبييت "أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم منييع الحائض‬
‫الطواف كميا منعهيا الصيلة" فأشبيه الصيلة مين هذه الجهية‪ .‬وقيد‬
‫جاء فيي بعيض الثار تسيمية الطواف صيلة‪ ،‬وحجية أبيي حنيفية أنيه‬
‫ليس كل شيء منعه الحيض‪ ،‬فالطهارة شرط في فعله إذا ارتفع‬
‫الحيض كالصوم عند الجمهور‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) ذهيب الجمهور إلى أنيه يجوز لغيير متوضيئ‬
‫أن يقرأ القرآن ويذكييييييير الله‪ ،‬وقال قوم‪ :‬ل يجوز ذلك له إل أن‬
‫يتوضيأ‪ .‬وسيبب الخلف حديثان متعارضان ثابتان‪ :‬أحدهميا حدييث‬
‫أبيي جهيم قال "أقبيل رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم مين نحيو‬
‫بئر جمل‪ ،‬فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلم حتى أقبل‬
‫على الجدار‪ ،‬فمسح بوجهه ويديه‪ ،‬ثم إنه رد عليه الصلة والسلم‬
‫السيلم"‪ .‬والحدييث الثانيي حدييث علي "أن رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسييلم كان ل يحجبييه عين قراءة القرآن شييء إل الجنابية"‬
‫فصييار الجمهور إلى أن الحديييث الثانييي ناسييخ للول‪ ،‬وصييار ميين‬
‫أوجب الوضوء لذكر الله إلى ترجيح الحديث الول‪.‬‬
‫*‪*3‬كتاب الغسل‪.‬‬
‫@‪-‬والصييييل فييييي هذه الطهارة قوله تعالى {وإن كنتييييم جنبييييا‬
‫فاطهروا} والكلم المحيط بقواعدها ينحصر بعد المعرفة بوجوبها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وعلى من تجب‪ ،‬ومعرفة ما به تفعل‪ ،‬وهو الماء المطلق في ثلثة‬


‫أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬في معرفة العمل في هذه الطهارة‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫فييي معرفيية نواقييض هذه الطهارة‪ .‬والباب الثالث‪ :‬فييي معرفيية‬
‫أحكام نواقيض هذه الطهارة‪ .‬فأميا على مين تجيب؟ فعلى كيل مين‬
‫لزمتييه الصييلة ول خلف فييي ذلك‪ ،‬وكذلك ل خلف فييي وجوبهييا‬
‫ودلئل ذلك هيي دلئل الوضوء بعينهيا‪ ،‬وقيد ذكرناهيا‪ ،‬وكذلك أحكام‬
‫المياه‪ ،‬وقد تقدم القول فيها‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول فييي معرفيية العلم فييي هذه الطهارة‪ .‬وهذا الباب‬
‫يتعلق به أربع مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) اختلف العلماء هيل مين شرط هذه الطهارة‬
‫إمرار الييد على جمييع الجسيد كالحال فيي طهارة أعضاء الوضوء‪،‬‬
‫أم يكفيي فيهيا إفاضية الماء على جمييع الجسيد وإن لم يمير يدييه‬
‫على بدنييه؛ فأكثيير العلماء على أن إفاضيية الماء كافييية فييي ذلك‪.‬‬
‫وذهب مالك وجل أصحابه والمزني من أصحاب الشافعي إلى أنه‬
‫إن فات المتطهير موضيع واحيد مين جسيده لم يمير يده علييه أن‬
‫طهره لم يكمل بعد‪ .‬والسبب في اختلفهم اشتراك اسم الغسل‬
‫ومعارضيية ظاهيير الحاديييث الواردة فييي صييفة الغسييل لقياس‬
‫الغسييل على ذلك فييي الوضوء‪ ،‬وذلك أن الحاديييث الثابتيية التييي‬
‫وردت فيي صيفة غسيله علييه الصيلة والسيلم مين حدييث عائشية‬
‫وميمونية لييس فيهيا ذكير التدلك‪ ،‬وإنميا فيهيا إفاضية الماء فقيط‪.‬‬
‫ففي حديث عائشة قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إذا اغتسييل ميين الجنابيية يبدأ فيغسييل يديييه ثييم يفرغ بيمينييه على‬
‫شماله فيغسيل فرجيه‪ ،‬ثيم يتوضيأ وضوءه للصيلة‪ ،‬ثيم يأخيذ الماء‬
‫فيدخيل أصييابعه فييي أصييول الشعير‪ ،‬ثييم يصيب على رأسييه ثلث‬
‫غرفات‪ ،‬ثييم يفيييض الماء على جلده كله" والصييفة الواردة فييي‬
‫حديث ميمونة قريبة من هذا‪ ،‬إل أنه أخر غسل رجليه من أعضاء‬
‫الوضوء إلى آخير الطهير‪ ،‬وفيي حدييث أم سيلمة أيضيا‪ ،‬وقيد سيألته‬
‫علييه الصيلة والسيلم ‪" :‬هيل تنقيض ضفير رأسيها لغسيل الجنابية‪،‬‬
‫فقال علييه الصيلة والسيلم ‪ :‬إنميا يكفييك أن تحثيي على رأسيك‬
‫الماء ثلث حثيات‪ ،‬ثيم تفيضيي علييك الماء فإذا أنيت قيد طهرت"‬
‫وهيو أقوى فيي إسيقاط التدلك مين تلك الحادييث الخير‪ ،‬لنيه ل‬
‫يمكين هنالك أن يكون الواصيف لطهره قيد ترك التدلك‪ ،‬وأميا ههنيا‬
‫فإنمييا حصيير لهييا شروط الطهارة‪ ،‬ولذلك أجمييع العلماء على أن‬
‫صييفة الطهارة الواردة ميين حديييث ميمونيية وعائشيية هييي أكمييل‬
‫صفاتها‪ ،‬وأن ما ورد في حديث أم سلمة من ذلك فهو من أركانها‬
‫الواجبية‪ ،‬وأن الوضوء فيي أول الطهير لييس مين شرط الطهير إل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خلفا شاذا‪ ،‬روي عن الشافعي وفيه قوة من جهة الحاديث‪ ،‬وفي‬


‫قول الجمهور قوة مين جهية النظير‪ ،‬لن الطهارة ظاهير مين أمرهيا‬
‫أنهييا شرط فييي صييحة الوضوء‪ ،‬ل أن الوضوء شرط فييي صييحتها‪،‬‬
‫فهو من باب معارضة القياس لظاهر الحديث‪ ،‬وطريقة الشافعي‬
‫تغلييب ظاهير الحادييث على القياس؛ فذهيب قوم كميا قلنيا إلى‬
‫ظاهيييير الحاديييييث وغلبوا ذلك على قياسييييها على الوضوء‪ ،‬فلم‬
‫يوجبوا التدلك‪ ،‬وغلب آخرون قياس هذه الطهارة على الوضوء‬
‫على ظاهير الحادييث‪ ،‬فأوجبوا التدلك كالحال فيي الوضوء‪ ،‬فمين‬
‫رجيح القياس صيار إلى إيجاب التدلك‪ ،‬ومين رجيح ظاهير الحادييث‬
‫على القياس صييار إلى إسييقاط التدلك‪ ،‬وأعنييي بالقياس‪ :‬قياس‬
‫الطهر على الوضوء‪ .‬وأما الحتجاج من طريق السم ففيه ضعف‬
‫إذ كان اسييييم الطهيييير والغسييييل ينطلق فييييي كلم العرب على‬
‫المعنيين جميعا على حد سواء‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) اختلفوا هيل مين شروط هذه الطهارة النيية‬
‫أم ل؟ كاختلفهم في الوضوء‪ ،‬فذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو‬
‫ثور وداود وأصيحابه إلى أن النيية مين شروطهيا‪ ،‬وذهيب أبيو حنيفية‬
‫وأصييحابه والثوري إلى أنهييا تجزئ بغييير نييية كالحال فييي الوضوء‬
‫عندهم‪ .‬وسبب اختلفهم في الطهر هو بعينه سبب اختلفهم في‬
‫الوضوء‪ ،‬وقد تقدم ذلك‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثالثة) اختلفوا في المضمضة والستنشاق في هذه‬
‫الطهارة أيضا كاختلفهم فيهما في الوضوء‪ .‬أعني هل هما واجبان‬
‫فيهيا أم ل؟ فذهيب قوم إلى أنهميا غيير واجيبين فيهيا‪ ،‬وذهيب قوم‬
‫إلى وجوبهميا؛ وممين ذهيب إلى عدم وجوبهميا مالك والشافعيي‪،‬‬
‫وممين ذهيب إلى وجوبهميا أبيو حنيفية وأصيحابه‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫معارضية ظاهير حدييث أم سيلمة للحادييث التيي نقلت مين صيفة‬
‫وضوئه علييه الصيلة والسيلم فيي طهره وذلك أن الحادييث التيي‬
‫نقلت مين صيفة وضوئه فيي الطهير فيهيا المضمضية والسيتنشاق‪،‬‬
‫وحديث أم سلمة ليس فيه أمر ل بمضمضة ول باستنشاق‪ ،‬فمن‬
‫جعيل حدييث عائشية وميمونية مفسيرا لمجميل حدييث أم سيلمة‬
‫ولقوله تعالى {وإن كنتيييم جنبيييا فاطهروا} أوجيييب المضمضييية‬
‫والسيتنشاق‪ ،‬ومين جعله معارضيا جميع بينهميا بأن حميل حديثيي‬
‫عائشيية وميمونيية على الندب‪ ،‬وحديييث أم سييلمة على الوجوب‪،‬‬
‫ولهذا السيبب بعينيه اختلفوا فيي تخلييل الرأس هيل هيو واجيب فيي‬
‫هذه الطهارة أم ل؟ ومذهب مالك أنه مستحب‪ ،‬ومذهب غيره أنه‬
‫واجيب‪ ،‬وقيد عضيد مذهبيه مين أوجيب التخلييل بميا روي عنيه علييه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصيلة والسيلم أنيه قال " تحيت كيل شعرة جنابية فأنقوا البشرة‬
‫وبلوا الشعر"‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) اختلفوا هيل مين شرط هذه الطهارة الفور‬
‫والترتيييب‪ ،‬أم ليسييا ميين شروطهمييا كاختلفهييم ميين ذلك فييي‬
‫الوضوء؟‪ .‬وسييبب اختلفهييم فييي ذلك هييل فعله عليييه الصييلة‬
‫والسيلم محمول على الوجوب أو على الندب؟ فإنيه لم ينقيل عنيه‬
‫عليه الصلة والسلم أنه ما توضأ قط إل مرتبا متواليا‪ ،‬وقد ذهب‬
‫قوم إلى أن الترتيييب فييي هذه الطهارة أبييين منهييا فييي الوضوء‪.‬‬
‫وذلك بين الرأس وسائر الجسد‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم في‬
‫حدييث أم سيلمة "إنميا يكفييك أن تحثيي على رأسيك ثلث حثيات‪،‬‬
‫ثييم تفيضييي الماء على جسييدك" وحرف ثييم يقتضييي الترتيييب بل‬
‫خلف بين أهل اللغة‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني في معرفة نواقض هذه الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬والصيل فيي هذا الباب قوله تعالى {وإن كنتيم جنبيا فاطهروا}‬
‫وقوله {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} الية‪ .‬واتفق العلماء‬
‫على وجوب هذه الطهارة مين حدثيين‪ :‬أحدهميا خروج المنيي على‬
‫وجه الصحة في النوم أو اليقظة من ذكر كان أو أنثى‪ ،‬إل ما روي‬
‫عين النخعيي مين أنيه كان ل يرى على المرأة غسيل مين الحتلم‪،‬‬
‫وإنمييا اتفييق الجمهور على مسيياواة المرأة فييي الحتلم للرجييل‬
‫لحديث أم سلمة الثابت أنها قالت "يا رسول الله المرأة ترى في‬
‫المنام مثيل ميا يرى الرجيل هيل عليهيا غسيل؟ قال‪ :‬نعيم إذا رأت‬
‫الماء"‪ .‬وأمييا الحديييث الثانييي الذي اتفقوا عليييه فهييو دم الحيييض‪،‬‬
‫أعنيييي إذا انقطيييع‪ ،‬وذلك أيضيييا لقوله تعالى {ويسيييألونك عييين‬
‫المحيض} الية‪ ،‬ولتعليمه الغسل من الحيض لعائشة وغيرها من‬
‫النسيياء‪ .‬واختلفوا فييي هذا الباب ممييا يجري مجرى الصييول فييي‬
‫مسئلتين مشهورتين‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) اختلف الصيحابة رضيي الله عنهيم فيي سيبب‬
‫إيجاب الطهر من الوطء‪ ،‬فمنهم من رأى الطهر واجبا في التقاء‬
‫الختانيييين أنزل أم لم ينزل‪ ،‬وعلييييه أكثييير فقهاء المصيييار مالك‬
‫وأصيحابه والشافعيي وأصيحابه وجماعية مين أهيل الظاهير‪ ،‬وذهيب‬
‫قوم من أهل الظاهر إلى إيجاب الطهر مع النزال فقط والسبب‬
‫فيي اختلفهيم فيي ذلك تعارض الحادييث فيي ذلك‪ ،‬لنيه ورد فيي‬
‫ذلك حديثان ثابتان اتفيييق أهيييل الصيييحيح على تخريجهميييا‪ .‬قال‬
‫القاضيي رضيي الله عنيه‪ :‬ومتيى قلت ثابيت‪ ،‬فإنميا أعنيي بيه ميا‬
‫أخرجيه البخاري ومسيلم‪ ،‬أو ميا اجتمعيا علييه‪ :‬أحدهميا حدييث أبيي‬
‫هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "إذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قعيد بيين شعبهيا الربيع وألزق الختان بالختان فقيد أوجيب الغسيل"‬
‫والحدييث الثانيي حدييث عثمان أنيه سيئل فقييل له "أرأييت الرجيل‬
‫إذا جاميع أهله ولم يمين؟ قال عثمان‪ :‬يتوضيأ كميا يتوضيأ للصيلة‬
‫سيمعته مين رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم " فذهيب العلماء‬
‫فييي هذييين الحديثييين مذهييبين‪ :‬أحدهمييا مذهييب النسييخ‪ ،‬والثانييي‬
‫مذهيب الرجوع إلى ميا علييه التفاق عنيد التعارض الذي ل يمكين‬
‫الجمع فيه ول الترجيح‪ .‬فالجمهور رأوا أن حديث أبي هريرة ناسخ‬
‫لحدييث عثمان‪ ،‬ومين الحجية لهيم على ذلك ميا روي عين أبيي بين‬
‫كعيب أنيه قال‪ :‬إن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم إنميا جعيل‬
‫ذلك رخصة في أول السلم ثم أمر بالغسل‪ ،‬خرجه أبو داود‪ .‬وأما‬
‫مين رأى أن التعارض بيين هذيين الحديثيين هيو مميا ل يمكين الجميع‬
‫فييه بينهميا ول الترجييح فوجيب الرجوع عنده إلى ميا علييه التفاق‪،‬‬
‫وهو وجوب الماء من الماء‪ .‬وقد رحج الجمهور حديث أبي هريرة‬
‫ميين جهيية القياس‪ ،‬قالوا‪ :‬وذلك أنييه لمييا وقييع الجماع على أن‬
‫مجاورة الختانين توجب الحد وجب أن يكون هو الموجب للغسل‪،‬‬
‫وحكموا أن هذا القياس مأخوذ عيييين الخلفاء الربعيييية‪ ،‬ورجييييح‬
‫الجمهور ذلك أيضيا مين حدييث عائشية لخبارهيا ذلك عين رسيول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬خرجه مسلم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية) اختلف العلماء في الصفة المعتبرة في كون‬
‫خروج المنييي موجبييا للطهيير‪ .‬فذهييب مالك إلى اعتبار اللذة فييي‬
‫ذلك‪ .‬وذهيب الشافعيي إلى أن نفيس خروجيه هيو الموجيب للطهير‬
‫سواء خرج بلذة أو بغير لذة‪ .‬وسبب اختلفهم في ذلك هو شيئان‪:‬‬
‫أحدهما هل اسم الجنب ينطلق على الذي أجنب على الجهة الغير‬
‫المعتادة أم ليييس ينطلق عليييه؟ فميين رأى أنييه إنمييا ينطلق على‬
‫الذي أجنيب على طرييق العادة لم يوجيب الطهير فيي خروجيه مين‬
‫غييير لذة‪ ،‬وميين رأى أنييه ينطلق على خروج المنييي كيفمييا خرج‬
‫أوجيب منيه الطهير وإن لم يخرج ميع لذة‪ .‬والسيبب الثانيي تشيبيه‬
‫خروجه بغير لذة بدم الستحاضة‪ ،‬واختلفهم في خروج الدم على‬
‫جهة السيتحاضة هيل يوجب طهرا أم لييس يوجبه؟ فسنذكره فيي‬
‫باب الحيض وإن كان من هذا الباب‪.‬‬
‫وفي المذهب في هذا الباب فرع‪ ،‬وهو إذا انتقل من أصل مجاريه‬
‫بلذة ثيم خرج فيي وقيت آخير بغيير لذة مثيل أن يخرج مين المجاميع‬
‫بعيد أن يتطهير‪ ،‬فقييل يعييد الطهير‪ ،‬وقييل ل يعيده‪ ،‬وذلك أن هذا‬
‫النوع مين الخروج صيحبته اللذة فيي بعيض نقلتيه ولم تصيحبه فيي‬
‫بعيض‪ ،‬فمين غلب حال اللذة قال‪ :‬يجيب الطهير‪ ،‬ومين غلب حال‬
‫عدم اللذة قال‪ :‬ل يجب عليه الطهر‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الباب الثالث‪ .‬فيييي أحكام هذيييين الحدثيييين أعنيييي الجنابييية‬


‫والحيض‪.‬‬
‫*‪*5‬أما أحكام الحدث الذي هو الجنابة‪ ،‬ففيه ثلث مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) اختلف العلماء فييي دخول المسييجد للجنييب‬
‫على ثلثييية أقوال‪ :‬فقوم منعوا ذلك بإطلق‪ ،‬وهيييو مذهيييب مالك‬
‫وأصحابه؛ وقوم منعوا ذلك إل لعابر فيه ل مقيم ومنهم الشافعي؛‬
‫وقوم أباحوا ذلك للجميييع‪ ،‬ومنهييم داود وأصييحابه فيمييا أحسييب‪.‬‬
‫وسييبب اختلف الشافعييي وأهييل الظاهيير هييو تردد قوله تبارك‬
‫وتعالى {يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى} الية‪،‬‬
‫بين أن يكون في الية مجاز حتى يكون هنالك محذوف مقدر وهو‬
‫موضيع الصيلة‪ :‬أي ل تقربوا موضيع الصيلة‪ ،‬ويكون عابر السيبيل‬
‫اسييتثناء ميين النهييي عيين قرب موضييع الصييلة‪ ،‬وبييين أن ل يكون‬
‫هنالك محذوف أصيييل وتكون اليييية على حقيقتهيييا‪ ،‬ويكون عابر‬
‫السبيل هو المسافر الذي عدم الماء وهو جنب‪ ،‬فمن رأى أن في‬
‫الية محذوفا أجاز المرور للجنب في المسجد ومن لم ير ذلك لم‬
‫يكين عنده فيي اليية دلييل على منيع الجنيب القامية فيي المسيجد‬
‫وأميا مين منيع العبور فيي المسيجد فل أعلم له دليل إل ظاهير ميا‬
‫روي عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "ل أحيل المسيجد لجنيب‬
‫ول حائض" وهو حديث غير ثابت عند أهل الحديث‪ ،‬واختلفهم في‬
‫الحائض في هذا المعنى هو اختلفهم في الجنب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية‪ :‬مييس الجنييب المصييحف) ذهييب قوم إلى‬
‫إجازته وذهب الجهمور إلى منعه‪ ،‬وهم الذين منعوا أن يمسه غير‬
‫متوضييئ‪ .‬وسييبب اختلفهييم هييو سييبب اختلفهييم فييي منييع غييير‬
‫المتوضييئ أن يمسييه أعنييي قوله {ل يمسييه إل المطهرون} وقييد‬
‫ذكرنييا سييبب الختلف فييي الييية فيمييا تقدم‪ ،‬وهييو بعينييه سييبب‬
‫اختلفهم في منع الحائض مسه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية‪ :‬قراءة القرآن للجنييب) اختلف الناس فييي‬
‫ذلك‪ ،‬فذهيييب الجمهور إلى منيييع ذلك‪ ،‬وذهيييب قوم إلى إباحتيييه‪،‬‬
‫والسييبب فييي ذلك الحتمال المتطرق إلى حديييث علي أنييه قال‬
‫"كان علييه الصيلة والسيلم ل يمنعيه مين قراءة القرآن شييء إل‬
‫الجنابة" وذلك أن قوما قالوا‪ :‬إن هذا ل يوجب شيئا‪ ،‬لنه ظن من‬
‫الراوي‪ ،‬ومين أيين يعلم أحيد أن ترك القراءة كان لموضيع الجنابية‬
‫إل لو أخييبره بذلك؟ والجمهور رأوا أنييه لم يكيين علي رضييي الله‬
‫عنيه ليقول هذا عين توهيم ول ظين‪ ،‬وإنميا قاله عين تحقيق‪ ،‬وقوم‬
‫جعلوا الحائض فييييي هذا الختلف بمنزلة الجنييييب‪ ،‬وقوم فرقوا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بينهميا‪ ،‬فأجازوا للحائض القراءة القليلة اسيتحسانا لطول مقامهيا‬


‫حائضا‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ ،‬فهذه هي أحكام الجنابة‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا أحكام الدماء الخارجيية ميين الرحييم) فالكلم المحيييط‬
‫بأصييولها ينحصيير فييي ثلثيية أبواب‪ :‬الول‪ :‬معرفيية أنواع الدماء‬
‫الخارجيية ميين الرحييم‪ .‬والثانييي‪ :‬معرفيية العلمات التييي تدل على‬
‫انتقال الطهيير إلى الحيييض‪ ،‬والحيييض إلى الطهيير أو السييتحاضة‪،‬‬
‫والسييتحاضة أيضييا إلى الطهيير‪ .‬والثالث‪ :‬معرفيية أحكام الحيييض‬
‫والستحاضة‪ :‬أعني موانعهما وموجباتهما‪.‬‬
‫ونحن نذكر في كل باب من هذه البواب الثلثة من المسائل ما‬
‫يجري مجرى القواعيد والصيول لجمييع ميا فيي هذا الباب على ميا‬
‫قصدنا إليه مما اتفقوا عليه واختلفوا فيه‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول‪.‬‬
‫@‪-‬اتفيق المسيلمون على أن الدماء التيي تخرج مين الرحيم ثلثية‪:‬‬
‫دم حيييض‪ ،‬وهييو الخارج على جهيية الصييحة‪ ،‬ودم اسييتحاضة‪ ،‬وهييو‬
‫الخارج على جهة المرض‪ ،‬وأنه غير دم الحيض لقوله عليه الصلة‬
‫والسييلم "إنمييا ذلك عرق وليييس بالحيضيية"‪ .‬ودم نفاس‪ ،‬وهييو‬
‫الخارج مع الولد‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬أميييا معرفييية علمات انتقال هذه الدماء بعضهيييا إلى بعيييض‪،‬‬
‫وانتقال الطهر إلى الحيض‪ ،‬والحيض إلى الطهر‪ ،‬فإن معرفة ذلك‬
‫فيي الكثير تنبنيي على معرفية أيام الدماء المعتادة وأيام الطهار‪،‬‬
‫ونحن نذكر منها ما يجري مجرى الصول وهي سبع مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) اختلف العلماء فيي أكثير أيام الحييض وأقلهيا‬
‫وأقيل أيام الطهير‪ ،‬فروي عين مالك أن أكثير أيام الحييض خمسية‬
‫عشيير يومييا‪ ،‬وبييه قال الشافعييي‪ ،‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬أكثره عشرة‬
‫أيام‪ ،‬وأميا أقيل أيام الحييض فل حيد لهيا عنيد مالك‪ ،‬بيل قيد تكون‬
‫الدفعية الواحدة عنده حيضيا‪ ،‬إل أنيه ل يعتيد بهيا فيي القراء فييي‬
‫الطلق‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬أقله يوم وليلة‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬أقله‬
‫ثلثية أيام‪ .‬وأميا أقيل الطهير فاضطربيت فييه الروايات عين مالك‪،‬‬
‫فروي عنه عشرة أيام‪ ،‬وروي عنه ثمانية أيام‪ ،‬وروي خمسة عشر‬
‫يومييا‪ ،‬وإلى هذه الرواييية مال البغدايون ميين أصييحابه‪ ،‬وبهييا قال‬
‫الشافعيي وأبيو حنيفية‪ ،‬وقييل سيبعة عشير يوميا‪ ،‬وهيو أقصيى ميا‬
‫انعقييد عليييه الجماع فيمييا أحسييب‪ ،‬وأمييا أكثيير الطهيير فليييس له‬
‫عندهيم حيد؛ وإذا كان هذا موضوعيا مين أوقاويلهيم فمين كان لقيل‬
‫الحيييض عنده قدر معلوم وجييب أن يكون مييا كان أقييل ميين ذلك‬
‫القدر إذا ورد في سن الحيض عنده استحاضة‪ ،‬ومن لم يكن لقل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحيض عنده قدر محدود وجب أن تكون الدفعة عنده حيضا‪ ،‬ومن‬
‫كان أيضييا عنده أكثره محدودا وجييب أن يكون مييا زاد على ذلك‬
‫القدر عنده اسييتحاضة‪ ،‬ولكيين محصييل مذهييب مالك فييي ذلك أن‬
‫النسييياء على ضربيييين‪ :‬مبتدأة ومعتادة؛ فالمبتدأة تترك الصيييلة‬
‫برؤيية أول دم تراه إلى تمام خمسية عشير يوميا‪ ،‬فإن لم ينقطيع‬
‫صييلت وكانييت مسييتحاضة‪ ،‬وبييه قال الشافعييي‪ ،‬إل أن مالكييا قال‬
‫تصلي من حين تتيقن الستحاضة‪ ،‬وعند الشافعي أنها تعيد صلة‬
‫ما سلف لها من اليام‪ ،‬إل أقل الحيض عنده وهو يوم وليلة‪ .‬وقيل‬
‫عيين مالك بييل تعتييد أيام لداتهييا ثييم تسييتظهر بثلثيية ايام‪ ،‬فإن لم‬
‫ينقطييع الدم فهييي مسييتحاضة‪ .‬وأمييا المعتادة ففيهييا روايتان عيين‬
‫مالك‪ :‬إحداهميا بناؤهيا على عادتهيا وزيادة ثلثية أيام ميا لم تتجاوز‬
‫أكثر مدة الحييض‪ .‬والثانية جلو سها إلى انقضاء أكثر مدة الحييض‪،‬‬
‫أو تعميل على التميييز إن كانيت مين أهيل التميييز‪ .‬وقال الشافعيي‪:‬‬
‫تعمييل على أيام عادتهييا وهذه القاويييل لهييا المختلف فيهييا عنييد‬
‫الفقهاء فييي أقييل الحيييض وأكثره وأقييل الطهيير ل مسييتند لهييا إل‬
‫التجربيية والعادة‪ ،‬وكييل إنمييا قال ميين ذلك مييا ظيين أن التجربيية‬
‫أوقفتيييه على ذلك ولختلف ذلك فيييي النسييياء عسييير أن يعرف‬
‫بالتجربية حدود هذه الشياء فيي أكثير النسياء‪ ،‬ووقيع فيي ذلك هذا‬
‫الخلف الذي ذكرنيا وأجمعوا بالجملة على أن الدم إذا تمادى أكثير‬
‫مين مدة أكثير الحييض أنيه اسيتحاضة لقول رسيول الله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم الثابييت لفاطميية بنييت حييبيش "فإذا أقبلت الحيضيية‬
‫فاتركيي الصيلة‪ ،‬فإذا ذهبيت قدرهيا فاغسيلي عنيك الدم وصيلي"‬
‫والمتجاوزة لميد أكثير أيام الحييض قيد ذهيب عنهيا قدرهيا ضرورة‬
‫وإنميا صيار الشافعييي ومالك رحميه الله فييي المعتادة فييي إحدى‬
‫الروايتيين عنيه إلى أنهيا تبنيي على عادتهيا لحدييث أم سيلمة الذي‬
‫رواه فيي الموطيأ "أن امرأة كانيت تهراق الدماء على عهيد رسيول‬
‫الله صييلى الله عليييه وسييلم فقال لتنظيير إلى عدد الليالي واليام‬
‫التييي كانييت تحيضهيين ميين الشهيير قبييل أن يصيييبها الذي أصييابها‪،‬‬
‫فلتترك الصلة قدر ذلك من الشهر‪ ،‬فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم‬
‫لتسيتثفر بثوب ثيم لتصيلي" فألحقوا حكيم الحائض التيي تشيك فيي‬
‫الستحاضة بحكم المستحاضة التي تشك في الحيض‪ .‬وإنما رأى‬
‫أيضييا فييي المبتدأة أن يعتييبر أيام لداتهييا‪ ،‬لن أيام لداتهييا شبيهيية‬
‫بأيامهيا فجعيل حكمهميا واحدا‪ .‬وأميا السيتظهار الذي قال بيه مالك‬
‫بثلثيية أيام‪ ،‬فهييو شيييء انفرد بييه مالك وأصييحابه رحمهييم الله‬
‫وخالفهيم فيي ذلك جمييع فقهاء المصيار ميا عدا الوزاعيي‪ ،‬إذ لم‬
‫يكيين لذلك ذكيير فييي الحاديييث الثابتيية‪ ،‬وقييد روي فييي ذلك أثيير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ضعيف‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) ذهييب مالك وأصييحابه فييي الحائض التييي‬
‫تنقطيع حيضتهيا‪ ،‬وذلك بأن تحييض يوميا أو يوميين‪ ،‬وتطهير يوميا أو‬
‫يومييين إلى أنهييا تجمييع أيام الدم بعضهييا إلى بعييض وتلغييي أيام‬
‫الطهر وتغتسل في كل يوم ترى فيه الطهر أول ما تراه وتصلي‪،‬‬
‫فإنهيا ل تدري لعيل ذلك طهير فإذا اجتميع لهيا مين أيام الدم خمسية‬
‫عشيير يومييا فهييي مسييتحاضة‪ ،‬وبهذا القول قال الشافعييي‪ .‬وروي‬
‫عين مالك أيضيا أنهيا تلفيق أيام الدم وتعتيبر ذلك أيام عادتهيا فإن‬
‫سييياوتها اسيييتظهرت بثلثييية أيام‪ ،‬فإن انقطيييع الدم وإل فهيييي‬
‫مسيتحاضة‪ ،‬وجعيل اليام التيي ل تير فيهيا الدم غيير معتيبرة فيي‬
‫العدد ل معنييى له‪ ،‬فإنييه ل تخلو تلك اليام أن تكون أيام حيييض أو‬
‫أيام طهير‪ ،‬فإن كانيت أيام حييض فيجيب أن تلفقهيا إلى أيام الدم‪،‬‬
‫وإن كانيت أيام طهير فلييس يجيب أن تلفيق أيام الدم‪ ،‬إذ كان قيد‬
‫تخللها طهر‪ ،‬والذي يجيء على أصوله أنها أيام حيض ل أيام طهر‬
‫إذ أقيل الطهير عنده محدود وهيو أكثير مين اليوم واليوميين فتدبر‬
‫هذا فإنيييه بيييين إن شاء الله تعالى‪ .‬والحيييق أن دم الحييييض ودم‬
‫النفاس يجري ثم ينقطع يوما أو يومين ثم يعود حتى تنقضي أيام‬
‫الحيض أو أيام النفاس كما تجري ساعة أو ساعتين من النهار ثم‬
‫تنقطع‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) اختلفوا فييي أقييل النفاس وأكثره؛ فذهييب‬
‫مالك إلى أنيه ل حيد لقله‪ ،‬وبيه قال الشافعيي؛ وذهيب أبيو حنيفية‬
‫وقوم إلى أنه محدود‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬هو خمسة وعشرون يوما‪،‬‬
‫وقال أبو يوسف صاحبه‪ :‬أحد عشر يوما‪ ،‬وقال الحسن البصري‪:‬‬
‫عشرون يوميا‪ .‬وأميا أكثره فقال مالك مرة‪ :‬هيو سيتون يوميا‪ ،‬ثيم‬
‫رجع عن ذلك فقال‪ :‬يسأل عن ذلك النساء‪ ،‬وأصحابه ثابتون على‬
‫القول الول وبيه قال الشافعييي‪ .‬وأكثير أهييل العلم مين الصيحابة‬
‫على أن أكثره أربعون يوميا‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية وقيد قييل تعتيبر‬
‫المرأة فييي ذلك أيام أشباههييا ميين النسيياء‪ ،‬فإذا جاوزتهييا فهييي‬
‫مسييتحاضة‪ .‬وفرق قوم بييين ولدة الذكيير وولدة النثييى‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫للذكيير ثلثون يومييا وللنثييى أبعون يومييا وسييبب الخلف عسيير‬
‫الوقوف على ذلك بالتجربة لختلف أحوال النساء في ذلك‪ ،‬ولنه‬
‫ليس هناك سنة يعمل عليها كالحال في اختلفهم في أيام الحيض‬
‫والطهر‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الرابعة) اختلف الفقهاء قديما وحديثا هل الدم الذي‬
‫ترى الحامل هو حيض أم استحاضة؟ فذهب مالك والشافعي في‬
‫أصيح قولييه وغيرهميا إلى أن الحاميل تحييض؛ وذهيب أبيو حنيفية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأحميييد والثوري وغيرهيييم إلى أن الحاميييل ل تحييييض‪ ،‬وأن الدم‬


‫الظاهيير لهيا دم فسياد وعلة‪ ،‬إل أن يصييبها الطلق‪ ،‬فأجمعوا على‬
‫أنه دم نفاس‪ ،‬وأن حكمه حكم الحيض في منعه الصلة وغير ذلك‬
‫مين أحكاميه‪ ،‬ولمالك وأصيحابه فيي معرفية انتقال الحائض الحاميل‬
‫إذا تمادى بهيا الدم مين حكيم الحييض إلى حكيم السيتحاضة أقوال‬
‫مضطربية‪ :‬أحدهيا أن حكمهيا حكيم الحائض نفسيها؛ أعنيي إميا أن‬
‫تقعد أكثر أيام الحييض ثيم هي مسيتحاضة‪ ،‬وإ ما أن تستظهر على‬
‫أيامها المعتادة بثلثة أيام ما لم يكن مجموع ذلك أكثر من خمسة‬
‫عشر يوما‪ ،‬وقيل إنها تقعد حائضا ضعف أكثر أيام الحيض‪ ،‬وقيل‬
‫إنهيا تضعيف أكثير أيام الحييض بعدد الشهور التيي مرت لهيا ففيي‬
‫الشهير الثانيي مين حملهيا تضعيف أيام أكثير الحييض مرتيين‪ ،‬وفيي‬
‫الثالث ثلث مرات وفيييي الرابيييع أربيييع مرات وكذلك ميييا زادت‬
‫الشهيير‪ .‬وسيييبب اختلفهيييم فيييي ذلك عسييير الوقوف على ذلك‬
‫بالتجربة واختلط المرين‪ ،‬فإنه مرة يكون الدم الذي تراه الحامل‬
‫دم حيييض‪ ،‬وذلك إذا كانييت قوة المرأة وافرة والجنييين صييغيرا‪،‬‬
‫وبذلك أمكيين أن يكون حمييل على حمييل على مييا حكاه بقراط‬
‫وجالينوس وسيييائر الطباء‪ ،‬ومرة يكون الدم الذي تراه الحاميييل‬
‫لضعف الجنين ومرضه التابع لضعفها ومرضها في الكثر‪ ،‬فيكون‬
‫دم علة ومرض‪ ،‬وهو في الكثر دم علة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الخامسية) اختلف الفقهاء فيي الصيفرة والكدرة هيل‬
‫هيي حييض أم ل؟ فرأت جماعية أنهيا حييض فيي أيام الحييض‪ ،‬وبيه‬
‫قال الشافعييي وأبييو حنيفيية‪ ،‬وروي مثييل ذلك عيين مالك‪ .‬وفييي‬
‫المدونية عنيه‪ :‬أن الصيفرة والكدرة حييض فيي أيام الحييض وفيي‬
‫غييير أيام الحيييض رأت ذلك مييع الدم أم لم تره‪ .‬وقال داود وأبييو‬
‫يوسف‪ :‬إن الصفرة والكدرة ل تكون حيضة إل بأثر الدم‪ .‬والسبب‬
‫في اختلفهم مخالفة ظاهر حديث أم عطية لحديث عائشة‪ ،‬وذلك‬
‫أنيه روي عين أم عطيية أنهيا قالت‪ :‬كنيا ل نعيد الصيفرة ول الكدرة‬
‫بعيد الغسيل شيئا‪ ،‬وروي عين عائشية‪ :‬أن النسياء كين يبعثين إليهيا‬
‫بالدرجيية فيهييا الكرسييف فيييه الصييفرة والكدرة ميين دم الحيييض‬
‫يسيألنها عين الصيلة؛ فتقول‪ :‬ل تعجلن حتيى تريين القصية البيضاء‪،‬‬
‫فمين رجيح حدييث عائشية جعيل الصيفرة والكدرة حيضيا‪ ،‬سيواء‬
‫ظهرت فيي أيام الحييض أو فيي غيير أياميه ميع الدم أو بل دم‪ ،‬فإن‬
‫حكم الشيء الواحد في نفسه ليس يختلف‪ ،‬ومن رام الجمع بين‬
‫الحديثيين قال‪ :‬إن حدييث أم عطيية هيو بعيد انقطاع الدم‪ ،‬وحدييث‬
‫عائشة في أثر انقطاعه‪ ،‬أو إن حديث عائشة هو في أيام الحيض‪،‬‬
‫وحديث أم عطية في غير أيام الحيض‪ .‬وقد ذهب قوم إلى ظاهر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حديييث أم عطييية ولم يروا الصييفرة ول الكدرة شيئا ل فييي أيام‬


‫حيض ول في غيرها‪ ،‬ول بأثر الدم ول بعد انقطاعه‪ ،‬لقول رسول‬
‫الله صييلى الله عليييه وسييلم "دم الحيييض دم أسييود يعرف" ولن‬
‫الصفرة والكدرة ليست بدم‪ ،‬وإنما هي من سائر الرطوبات التي‬
‫ترخيها الرحم‪ ،‬وهو مذهب أبي محمد بن حزم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيادسة) اختلف الفقهاء فيي علمية الطهير‪ ،‬فرأى‬
‫قوم أن علمية الطهير رؤيية القصية البيضاء أو الجفوف‪ ،‬وبيه قال‬
‫ابن حبيب من أصحاب مالك وسواء كانت المرأة ممن عادتها أن‬
‫تطهر بالقصة البيضاء أو بالجفوف أي ذلك رأت طهرت به‪ .‬وفرق‬
‫قوم فقالوا‪ :‬إن كانيت المرأة ممين ترى القصية البيضاء فل تطهير‬
‫حتيى تراهيا‪ ،‬وإن كانيت ممين ل تراهيا فطهرهيا الجفوف‪ ،‬وذلك فيي‬
‫المدونية عين مالك‪ .‬وسيبب اختلفهيم أن منهيم مين راعيى العادة‬
‫ومنهيم مين راعيى انقطاع الدم فقيط‪ ،‬وقيد قييل إن التيي عادتهيا‬
‫الجفوف تطهيير بالقصيية البيضاء ول تطهيير التييي عادتهييا القصيية‬
‫البيضاء بالجفوف وقد قيل بعكس هذا وكله لصحاب مالك‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيابعة) اختلف الفقهاء فيي المسيتحاضة إذا تمادى‬
‫بها الدم متى يكون حكمها حكم الحائض‪ ،‬كما اختلفوا في الحائض‬
‫إذا تمادى بها الدم متى يكون حكمها حكم المستحاضة‪ ،‬وقد تقدم‬
‫ذلك‪ ،‬فقال مالك فيي المسيتحاضة أبدأ‪ :‬حكمهيا حكيم الطاهرة إلى‬
‫أن يتغير الدم إلى صفة الحيض‪ ،‬وذلك إذا مضى لستحاضتها من‬
‫اليام ما هو أكثر من أقل أيام الطهر‪ ،‬فحينئذ تكون حائضا‪ :‬أعني‬
‫إذا اجتميييع لهيييا هذان الشيئان تغيييير الدم وأن يمييير لهيييا فيييي‬
‫السيييتحاضة مييين اليام ميييا يمكييين أن يكون طهرا‪ ،‬وإل فهيييي‬
‫مسيتحاضة أبدا‪ .‬وقال أبيو حنيفية تقعيد أيام عادتهيا إن كانيت لهيا‬
‫عادة‪ ،‬وإن كانييت مبتدأة قعدت أكثيير الحيييض وذلك عنده عشرة‬
‫أيام‪ .‬وقال الشافعي تعمل على التمييز إن كانت من أهل التمييز‪،‬‬
‫وإن كانييت ميين أهييل العادة عملت على العادة‪ ،‬وإن كانييت ميين‬
‫أهلهمييا معييا فله فييي ذلك قولن‪ :‬أحدهمييا تعمييل على التمييييز‪،‬‬
‫والثانيي على العادة‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم أن فيي ذلك حديثيين‬
‫مختلفيين أحده ما حدييث عائشية عين فاطمية بنيت أبيي حيبيش "أن‬
‫النييبي عليييه الصييلة والسييلم أمرهييا وكانييت مسييتحاضة أن تدع‬
‫الصيلة قدر أيامهيا التيي كانيت تحييض فيهيا قبيل أن يصييبها الذي‬
‫أصييابها ثييم تغتسييل وتصييلي" وفييي معناه أيضييا حديييث أم سييلمة‬
‫المتقدم الذي خرجه مالك‪ ،‬والحديث الثاني ما خرجه أبو داود من‬
‫حدييث فاطمية بنيت أبيي حيبيش أنهيا كانيت اسيتحيضت فقال لهيا‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "إن دم الحيضية أسيود يعرف‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فإذا كان ذلك فامكثييي عيين الصييلة‪ ،‬وإذا كان الخيير فتوضيييء‬
‫وصيلي فإنميا هيو عرق" وهذا الحدييث صيححه أبيو محميد بين حزم‪،‬‬
‫فمين هؤلء مين ذهيب مذهيب الترجييح‪ ،‬ومنهيم مين ذهيب مذهيب‬
‫الجميع‪ ،‬فمين ذهيب مذهيب ترجييح حدييث أم سيلمة وميا ورد فيي‬
‫معناه قال باعتبار اليام‪ ،‬ومالك رضييي الله عنييه اعتييبر عدد اليام‬
‫فقيط فيي الحائض التيي تشيك فيي السيتحاضة‪ ،‬ولم يعتبرهيا فيي‬
‫المسيتحاضة التيي تشيك فيي الحييض‪ ،‬أعنيي ل عددهيا ول موضعهيا‬
‫ميين الشهيير إذا كان عندهييا ذلك معلومييا‪ ،‬والنييص إنمييا جاء فييي‬
‫المسيتحاضة التيي تشيك فيي الحييض‪ ،‬فاعتيبر الحكيم فيي الفرع‪،‬‬
‫ولم يعتييبره فييي الصييل وهذا غريييب فتأمله‪ .‬وميين رجييح حديييث‬
‫فاطمية بنيت أبيي حيبيش قال باعتبار اللون‪ ،‬ومين هؤلء مين راعيى‬
‫مييع اعتبار لون الدم مضييي مييا يمكيين أن يكون طهرا ميين أيام‬
‫السيتحاضة‪ ،‬وهيو قول مالك فيميا حكاه عبيد الوهاب‪ .‬ومنهيم مين‬
‫لم يراع ذلك‪ .‬ومن جمع بين الحديثين قال‪ :‬الحديث الول هو في‬
‫التيي تعرف عدد أيامهيا مين الشهير وموضعهيا‪ .‬والثانيي فيي التيي ل‬
‫تعرف عددهيا ول موضعهيا وتعرف لون الدم‪ ،‬ومنهيم مين رأى أنهيا‬
‫إن لم تكين مين أهيل التميييز ول تعرف موضيع أيامهيا مين الشهير‬
‫وتعرف عددهيا أو ل تعرف عددهيا إنهيا تتحرى على حدييث حمنية‬
‫بنت جحش‪ ،‬صححه الترمذي‪ ،‬وفيه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال لها "إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام‬
‫أو سيبعة أيام فيي علم الله ثيم اغتسيلي" وسييأتي الحدييث بكماله‬
‫عند حكم المستحاضة في الطهر‪ ،‬فهذه هي مشهورات المسائل‬
‫التي في هذا الباب‪ ،‬وهي بالجملة واقعة في أربعة مواضع‪ :‬أحدها‬
‫معرفية انتقال الطهير إلى الحييض‪ .‬والثانيي معرفية انتقال الحييض‬
‫إلى الطهييير‪ .‬والثالث معرفييية انتقال الحييييض إلى السيييتحاضة‪.‬‬
‫والرابيع معرفية انتقال السيتحاضة إلى الحييض‪ ،‬وهيو الذي وردت‬
‫فييه الحادييث‪ .‬وأميا الثلثية فمسيكوت عنهيا‪ :‬أعنيي عين تحديدهيا‪،‬‬
‫وكذلك المر في انتقال النفاس إلى الستحاضة‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثالث‪ .‬وهو معرفة أحكام الحيض والستحاضة‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في هذا الباب قوله تعالى {ويسئلونك عن المحيض}‬
‫اليييية‪ ،‬والحادييييث الواردة فيييي ذلك التيييي سييينذكرها‪ .‬واتفيييق‬
‫المسلمون على أن الحيض يمنع أربعة أشياء‪ :‬أحدها فعل الصلة‬
‫ووجوبهييا‪ ،‬أعنييي أنييه ليييس يجييب على الحائض قضاؤهييا بخلف‬
‫الصيوم‪ .‬والثانيي أنيه يمنيع فعيل الصيوم ل قضاءه‪ ،‬وذلك لحدييث‬
‫عائشة الثابت أنها قالت‪" :‬كنا نؤمر بقضاء الصوم ول نؤمر بقضاء‬
‫الصييلة" وإنمييا قال بوجوب القضاء عليهييا طائفيية ميين الخوارج‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والثالث فيميا أحسيب الطواف لحدييث عائشية الثابيت حيين أمرهيا‬


‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أن تفعيل كيل ميا يفعيل الحاج‬
‫غيييير الطواف بالبييييت‪ .‬والرابيييع الجماع فيييي الفرج لقوله تعالى‬
‫{فاعتزلوا النساء في المحيض} الية‪.‬‬
‫@‪(-‬واختلفوا مين أحكامهيا فيي مسيائل) نذكير منهيا مشهوراتهيا‪،‬‬
‫وهي خمس‪:‬‬
‫@‪(-‬المسيييألة الولى) اختلف الفقهاء فيييي مباشرة الحائض وميييا‬
‫يسيتباح منهيا‪ ،‬فقال مالك والشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬له منهيا ميا فوق‬
‫الزار فقط‪ .‬وقال سفيان الثوري وداود الظاهري‪ :‬إنما يجب عليه‬
‫أن يجتنيب موضيع الدم فقيط‪ .‬وسيبب اختلفهيم ظواهير الحادييث‬
‫الواردة فيي ذلك‪ ،‬والحتمال الذي فيي مفهوم آيية الحييض‪ ،‬وذلك‬
‫أنه ورد في الحاديث الصحاح عن عائشة وميمونة وأم سلمة أنه‬
‫علييه الصيلة والسيلم كان يأمير إذا كانيت إحداهين حائضيا أن تشيد‬
‫عليها إزارها ثم يباشرها‪ ،‬وورد أيضا من حديث ثابت بن قيس عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "اصنعوا كل شيء بالحائض‬
‫إل النكاح" وذكير أبيو داود عين عائشية أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم قال لهييا وهييي حائض "اكشفييي عيين فخذك‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫فكشفييت‪ ،‬فوضييع خده وصييدره على فخذي‪ ،‬وحنيييت عليييه حتييى‬
‫دفيئ‪ ،‬وكان قيد أوجعيه البرد‪ .‬وأميا الحتمال الذي فيي آيية الحييض‪،‬‬
‫فهيييو تردد قوله تعالى {قيييل هيييو أذى فاعتزلوا النسييياء فيييي‬
‫المحيض} بين أن يحمل على عمومه إل ما خصصه الدليل‪ ،‬أو أن‬
‫يكون مين باب العام أرييد بيه الخاص‪ ،‬بدلييل قوله تعالى فييه {قيل‬
‫هيو أذى} والذى إنميا يكون فيي موضيع الدم‪ ،‬فمين كان المفهوم‬
‫منيه عنده العموم‪ ،‬أعنيي أنيه إذا كان الواجيب عنده أن يحميل هذا‬
‫القول على عموميه حتيى يخصيصه الدلييل‪ ،‬اسيتثنى مين ذلك ميا‬
‫فوق الزار بالسنة‪ ،‬إذ المشهور جواز تخصيص الكتاب بالسنة عند‬
‫الصيوليين‪ ،‬ومين كان عنده مين باب العام أرييد بيه الخاص رجيح‬
‫هذه الييية على الثار المانعيية ممييا تحييت الزار‪ ،‬وقوي ذلك عنده‬
‫بالثار المعارضية للثار المانعية مميا تحيت الزار‪ ،‬ومين الناس مين‬
‫رام الجمييع بييين هذه الثار‪ ،‬وبييين مفهوم الييية على هذا المعنييى‬
‫الذي نبه عليه الخطاب الوارد فيها وهو كونه أذى‪ ،‬فحمل أحاديث‬
‫المنيع لميا تحيت الزار على الكراهيية وأحادييث الباحية‪ ،‬ومفهوم‬
‫الييية على الجواز‪ ،‬ورجحوا تأويلهييم هذا بأنييه قييد دلت السيينة أنييه‬
‫لييس مين جسيم الحائض شييء نجيس إل موضيع الدم وذلك "أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم سيأل عائشية أن تناوله الخمرة‬
‫وهيي حائض‪ ،‬فقالت‪ :‬إنيي حائض‪ ،‬فقال علييه الصيلة والسيلم‪ :‬إن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حيضتيك ليسيت فيي يدك" وميا ثبيت أيضيا مين ترجيلهيا رأسيه علييه‬
‫الصيلة والسيلم وهيي حائض‪ ،‬وقوله علييه الصيلة والسيلم "إن‬
‫المؤمن ل ينجس"‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) اختلفوا فيي وطيء الحائض فيي طهرهيا وقبيل‬
‫الغتسيال‪ ،‬فذهيب مالك والشافعيي والجمهور إلى أن ذلك ل يجوز‬
‫حتييى تغتسييل‪ ،‬وذهييب أبييو حنيفيية وأصييحابه إلى أن ذلك جائز إذا‬
‫طهرت لكثر مدة الحيض وهو عنده عشرة أيام‪ ،‬وذهب الوزاعي‬
‫إلى أنهيا إن غسيلت فرجهيا بالماء جاز وطؤهيا‪ ،‬أعنيي كيل حائض‬
‫طهرت متيييى طهرت‪ ،‬وبيييه قال أبيييو محميييد بييين حزم‪ .‬وسيييبب‬
‫اختلفهييم الحتمال الذي فييي قوله تعالى {فإذا تطهرن فاتوهيين‬
‫مين حييث أمركيم الله} هيل المراد بيه الطهير الذي هيو انقطاع دم‬
‫الحيض أم الطهر بالماء؟ ثم إن كان الطهر بالماء‪ ،‬فهل المراد به‬
‫طهير جمييع الجسيد أم طهير الفرج؟ فإن الطهير فيي كلم العرب‬
‫وعرف الشرع اسيم مشترك يقال على هذه الثلثية المعانيي‪ ،‬وقيد‬
‫رجييح الجمهور مذهبهييم بأن صيييغة التفعييل إنمييا تنطلق على مييا‬
‫يكون ميين فعييل المكلفييين‪ ،‬ل على مييا يكون ميين فعييل غيرهييم‪،‬‬
‫فيكون قوله تعالى {فإذا تطهرن} أظهر في معنى الغسل بالماء‬
‫منه في الطهر الذي هو انقطاع الدم‪ ،‬والظهر يجب المصير إليه‬
‫حتيى يدل الدلييل على خلفيه‪ ،‬ورجيح أو حنيفية مذهبيه بأن لفيظ‬
‫يفعلن في قوله تعالى {حتى يطهرن} هو أظهر في الطهر الذي‬
‫هو انقطاع دم الحيض منه في التطهر بالماء‪ .‬والمسألة كما ترى‬
‫محتملة‪ ،‬ويجيب على مين فهيم مين لفيظ الطهير فيي قوله تعالى‬
‫{حتيى يطهرن} معنيى واحدا مين هذه المعانيي الثلثية أن يفهيم‬
‫ذلك المعنيى بعينيه مين قوله تعالى {فإذا تطهرن} لنيه مميا لييس‬
‫يمكيين أو ممييا يعسيير أن يجمييع فييي الييية بييين معنيييين ميين هذه‬
‫المعاني مختلفين حتى يفهم من لفظه يطهرن النقاء‪ ،‬ويفهم من‬
‫لفيظ تطهرن الغسيل بالماء على ميا جرت بيه عادة المالكييين فيي‬
‫الحتجاج لمالك‪ ،‬فإنييه ليييس ميين عادة العرب أن يقولوا ل تعييط‬
‫فلنيا درهميا حتيى يدخيل الدار‪ ،‬فإذا دخيل المسيجد فأعطيه درهميا‪،‬‬
‫بل إن ما يقولون وإذا دخل الدار فأعطه دره ما‪ ،‬لن الجملة الثانيية‬
‫هيييي مؤكدة لمفهوم الجملة الولى‪ .‬ومييين تأول قوله تعالى {ول‬
‫تقربوهيين حتييى يطهرن} على أنييه النقاء‪ ،‬وقوله {فإذا تطهرن}‬
‫على أنيه الغسيل بالماء فهيو بمنزلة مين قال ل تعيط فلنيا درهميا‬
‫حتيى يدخيل الدار‪ ،‬فإذا دخيل المسيجد فأعطيه درهميا‪ ،‬وذلك غيير‬
‫مفهوم في كلم العرب‪ ،‬إل أن يكون هنالك محذوف ويكون تقدير‬
‫الكلم‪ :‬ول تقربوهين حتيى يطهرن ويتطهرن فإذا تطهرن فأتوهين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين حييث أمركيم الله‪ ،‬وفيي تقديير هذا الحذف بعيد أميا ول دلييل‬
‫علييه إل أن يقول قائل‪ :‬ظهور لفيظ التطهير فيي معنيى الغتسيال‬
‫هيو الدلييل علييه‪ ،‬لكين هذا يعارضيه ظهور عدم الحذف فيي اليية‪،‬‬
‫فإن الحذف مجاز‪ ،‬وحمييل الكلم على الحقيقيية أظهيير ميين حمله‬
‫على المجاز‪ ،‬وكذلك فرض المجتهد هنا إذا انتهى بنظره إلى مثل‬
‫هذا الموضع أن يوازن بين الظاهرين‪ ،‬فما ترجح عنده منهما على‬
‫صياحبه عميل علييه‪ ،‬وأعنيي بالظاهريين أن يقاييس بيين ظهور لفيظ‬
‫فإذا تطهرن في الغتسال بالماء وظهور عدم الحذف في الية إن‬
‫أحيييب أن يحميييل لفيييظ تطهرن على ظاهره مييين النقاء‪ ،‬فأي‬
‫الظاهريين كان عنده أرجيح عميل علييه‪ ،‬أعنيي إميا أن ل يقدر فيي‬
‫ال ية حذفا ويحمل لفظ فإذا تطهرن على النقاء أو يقدر في الية‬
‫حذفا ويحمل لفظ فإذا تطهرن على الغسل بالماء‪ ،‬أو يقايس بين‬
‫ظهور لفيظ فإذا تطهرن فيي الغتسيال وظهور يطهرن فيي النقاء‪،‬‬
‫فأي كان عنده أظهير أيضيا صيرف تأوييل اللفيظ الثانيي له وعميل‬
‫على أنهما يدلن في الية على معنى واحد‪ ،‬أعني إما على معنى‬
‫النقاء وإميا على معنيى الغتسيال بالماء‪ ،‬ولييس فيي طباع النظير‬
‫الفقهي أن ينتهي في هذه الشياء إلى أكثر من هذا فتأمله‪ ،‬وفي‬
‫مثيل هذه الحال يسيوغ أن يقال‪ :‬كيل مجتهيد مصييب‪ .‬وأميا اعتبار‬
‫أبي حنيفة أكثر الحيض في هذه المسألة فضعيف‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) اختلف الفقهاء فيي الذي يأتيي امرأتيه وهيي‬
‫حائض‪ ،‬فقال مالك والشافعي وأبو حني فة‪ :‬يستغفر الله ول شيء‬
‫عليه‪ .‬وقال أحمد بن حنبل‪ :‬يتصدق بدينار أو بنصف دينار‪ .‬وقالت‬
‫فرقة من أهل الحديث‪ :‬إن وطئ في الدم فعليه دينار‪ ،‬وإن وطئ‬
‫في انقطاع الدم فنصف دينار‪ .‬وسبب اختلفهم في ذلك اختلفهم‬
‫في صحة الحاديث الواردة في ذلك أو وهيها‪ ،‬وذلك أنه روي عن‬
‫ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته‬
‫وهييي حائض أن يتصييدق بدينار‪ .‬وروي عنييه بنصييف دينار‪ .‬وكذلك‬
‫روي أيضا في حديث ابن عباس هذا أنه إن وطئ في الدم فعليه‬
‫دينار‪ ،‬وإن وطييييئ فييييي انقطاع الدم فنصييييف دينار‪ .‬وروي هذا‬
‫الحديث يتصدق بخمسي دينار‪ ،‬وبه قال الوزاعي‪ ،‬فمن صح عنده‬
‫شيء من هذه الحاديث صار إلى العمل بها‪ ،‬ومن لم يصح عنده‬
‫شيييء منهييا وهييم الجمهور عمييل على الصييل الذي هييو سييقوط‬
‫الحكم حتى يثبت بدليل‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الرابعيية) اختلف العلماء فييي المسييتحاضة‪ ،‬فقوم‬
‫أوجبوا عليها طهرا واحدا فقط‪ ،‬وذلك عند ما ترى أنه قد انقضت‬
‫حيضتهييا بإحدى تلك العلمات التييي تقدمييت على حسييب مذهييب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هؤلء فييي تلك العلمات‪ ،‬وهؤلء الذييين أوجبوا عليهييا طهرا واحدا‬
‫انقسموا ق سمين‪ :‬فقوم أوجبوا علي ها أن تتوضأ لكل صلة‪ ،‬وقوم‬
‫اسييتحبوا ذلك لهييا ولم يوجبوه عليهييا‪ ،‬والذييين أوجبوا عليهييا طهرا‬
‫واحييد فقييط هييم مالك والشافعييي وأبييو حنيفيية وأصييحابهم وأكثيير‬
‫فقهاء المصار‪ ،‬وأكثر هؤلء أوجبوا أن تتوضأ لكل صلة‪ ،‬وبعضهم‬
‫لم يوجيب عليهيا إل اسيتحبابا وهيو مذهيب مالك‪ ،‬وقوم آخرون غيير‬
‫هؤلء رأوا أن على المسيتحاضة أن تتطهير لكيل صيلة‪ ،‬وقوم رأوا‬
‫أن الواجب أن تؤخر الظهر إلى أول العصر‪ ،‬ثم تتطهر وتجمع بين‬
‫الصييلتين‪ ،‬وكذلك تؤخيير المغرب إلى آخيير وقتهييا وهييو أول وقييت‬
‫العشاء‪ ،‬وتتطهير طهرا ثانييا وتجميع بينهميا ثيم تتطهير طهرا ثالثيا‬
‫لصيلة الصيبح‪ ،‬فأوجبوا عليهيا ثلثية أطهار فيي اليوم والليلة‪ ،‬وقوم‬
‫رأوا أن عليهييا طهرا واحدا فييي اليوم والليلة‪ ،‬وميين هؤلء ميين لم‬
‫يحد له وقتا‪ ،‬وهو مروي عن علي‪ .‬ومنهم من رأى أن تتطهر من‬
‫طهر إلى طهر‪ ،‬فيتحصل في المسألة بالجملة أربعة أقوال‪ :‬قول‬
‫إنه ليس عليها إل طهرا واحد فقط عند انقطاع دم الحيض‪ .‬وقول‬
‫إن عليها الطهر لكل صلة‪.‬‬
‫وقول إن عليهييا ثلثيية أطهار فييي اليوم والليلة‪ .‬وقول إن عليهييا‬
‫طهرا واحدا فييي اليوم والليلة‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم فييي هذه‬
‫المسيألة هيو اختلف ظواهير الحادييث الواردة فيي ذلك‪ ،‬وذلك أن‬
‫الوارد في ذلك من الحاديث المشهورة أربعة أحاديث‪ :‬واحد منها‬
‫متفيق على صيحته‪ ،‬وثلثية مختلف فيهيا‪ .‬أميا المتفيق على صيحته‬
‫فحدييث عائشية قالت "جاءت فاطمية ابنية أبيي حيبيش إلى رسيول‬
‫الله صييلى الله عليييه وسييلم فقالت‪ :‬يييا رسييول الله إنييي امرأة‬
‫أسيييتحاض فل أطهييير‪ ،‬أفأدع الصيييلة؟ فقال لهيييا علييييه الصيييلة‬
‫والسلم‪ :‬ل‪ ،‬إنما ذلك عرق وليست بالحيضة‪ ،‬فإذا أقبلت الحيضة‬
‫فدعي الصلة‪ ،‬وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" وفي بعض‬
‫روايات هذا الحديييييث "وتوضئي لكييييل صييييلة" وهذه الزيادة لم‬
‫يخرجهيا البخاري ول مسيلم‪ ،‬وخرجهيا أبيو داود وصيححها قوم مين‬
‫أهيل الحدييث‪ .‬والحدييث الثانيي حدييث عائشية عين أم حبيبية بنيت‬
‫جحييش امرأة عبييد الرحميين بيين عوف "أنهييا اسييتحاضت فأمرهييا‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أن تغتسيل لكيل صيلة" وهذا‬
‫الحدييث هكذا أسينده إسيحاق عين الزهري‪ ،‬وأميا سيائر أصيحاب‬
‫الزهري فإنمييا رووا عنييه‪ :‬أنهييا اسييتحيضت‪ ،‬فسييألت رسييول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال لها‪" :‬إنما هو عرق وليست بالحيضة"‬
‫وأمرها أن تغتسل وتصلي‪ ،‬فكانت تغتسل لكل صلة على أن ذلك‬
‫هيو الذي فهميت منيه‪ ،‬ل أن ذلك منقول مين لفظيه علييه الصيلة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والسيلم ‪ ،‬ومين هذا الطرييق خرجيه البخاري‪ ،‬وأميا الثالث فحدييث‬


‫أسماء بنت عميس "أنها قالت‪ :‬يا رسول الله إن فاطمة ابنة أبي‬
‫حييبيش اسييتحيضت‪ ،‬فقال رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم ‪:‬‬
‫لتغتسييل للظهيير والعصيير غسييل واحدا‪ ،‬وللمغرب والعشاء غسييل‬
‫واحدا‪ ،‬وتغتسيل للفجير وتتوضيأ فيميا بيين ذلك" خرجيه أبيو داود‪،‬‬
‫وصححه أبو محمد بن حزم‪.‬‬
‫وأما الرابع فحديث حمنة ابنة جحش‪ ،‬وفيه "أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم خيرها بين أن تصلي الصلوات بطهر واحد عند ما‬
‫ترى أنيه قيد انقطيع دم الحييض‪ ،‬وبيين أن تغتسيل فيي اليوم والليلة‬
‫ثلث مرات على حدييث أسيماء بنيت عمييس‪ ،‬إل أن هنالك ظاهره‬
‫على الوجوب وهنيييا على التخييييير‪ ،‬فلميييا اختلفيييت ظواهييير هذه‬
‫الحادييث ذهيب الفقهاء فيي تأويلهيا أربعية مذاهيب‪ :‬مذهيب النسيخ‪،‬‬
‫ومذهييب الترجيييح‪ ،‬ومذهييب الجمييع‪ ،‬ومذهييب البناء‪ ،‬والفرق بييين‬
‫الجميع والبناء أن البانيي لييس يرى أن هنالك تعارضيا فيجميع بيين‬
‫الحديثيين‪ ،‬وأميا الجاميع فهيو يرى أن هنالك تعارضيا فيي الظاهير‪،‬‬
‫فتأمل هذا‪ ،‬فإنه فرق بين‪.‬‬
‫أما من ذهب مذهب الترجيح فمن أخذ بحديث فاطمة بنة حبيش‬
‫لمكان التفاق على صيحته عميل على ظاهره‪ ،‬أعنيي مين أنيه لم‬
‫يأمرهيا صيلى الله علييه وسيلم أن تغتسيل لكيل صيلة ول أن تجميع‬
‫بيين الصيلوات بغسيل واحيد‪ ،‬ول بشييء مين تلك المذاهيب‪ ،‬وإلى‬
‫هذا ذهييب مالك وأبييو حنيفيية والشافعييي وأصييحاب هؤلء وهييم‬
‫الجمهور‪ ،‬ومين صيحت عنده مين هؤلء الزيادة الواردة فييه‪ ،‬وهيو‬
‫المير بالوضوء لكيل صيلة أوجيب ذلك عليهيا‪ ،‬ومين لم تصيح عنده‬
‫لم يوجب ذلك عليها‪ ،‬وأما من ذهب مذهب البناء فقال‪ :‬إنه ليس‬
‫بيين حدييث فاطمية وحدييث أم حبيبية الذي مين رواتيه ابين إسيحاق‬
‫تعارض أصيل‪ ،‬وأن الذي فيي حدييث أم حبيبية مين ذلك زيادة على‬
‫ميا فيي حدييث فاطمية‪ ،‬فإن حدييث فاطمية إنميا وقيع الجواب فييه‬
‫عين السيؤال‪ ،‬هيل ذلك الدم حييض يمنيع الصيلة أم ل؟ فأخبرهيا‬
‫عليه الصلة والسلم أن ها ليست بحيضة تمنع الصلة ولم يخبرها‬
‫فييه بوجوب الطهير أصيل لكيل صيلة ول عنيد انقطاع دم الحييض؛‬
‫وفي حديث أم حبيبة أمرها بشيء واحد وهو التطهر لكل صلة‪،‬‬
‫لكن للجمهور أن يقولوا إن تأخير البيان عن وقت الحاجة ل يجوز‪،‬‬
‫فلو كان واجبيا عليهيا الطهير لكيل صيلة لخبرهيا بذلك‪ ،‬ويبعيد أن‬
‫يدعيى مدع أنهيا كانيت تعرف ذلك ميع أنهيا كانيت تجهيل الفرق بيين‬
‫الستحاضة والحيض‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما تركه عليه الصلة والسلم إعلمها بالطهر لواجب عليها عند‬
‫انقطاع دم الحيض‪ ،‬فمضمن في قوله" إنها ليست بالحيضة" لنه‬
‫كان معلوميا مين سينته علييه الصيلة والسيلم أن انقطاع الحييض‬
‫يوجيب الغسيل‪ ،‬فإذا إنميا لم يخبرهيا بذلك لنهيا كانيت عالمية بيه‪،‬‬
‫وليس المر كذلك في وجوب الطهر لكل صلة إل أن يدعي مدع‬
‫أن هذه الزيادة لم تكين قبيل ثابتية وتثبيت بعيد‪ ،‬فيتطرق إلى ذلك‬
‫المسيألة المشهورة‪ ،‬هيي الزيادة نسيخ أم ل؟ وقيد روي فيي بعيض‬
‫طرق حديث فاطمة أمره عليه الصلة والسلم لها بالغسل‪ ،‬فهذا‬
‫هيو حال مين ذهيب مذهيب الترجييح ومذهيب البناء‪ ،‬وأميا مين ذهيب‬
‫مذهب النسخ فقال‪ :‬إن حديث أ سماء بنت عميس ناسخ لحديث‬
‫أم حبيبة‪ ،‬واستدل على ذلك بما روي عن عائشة "أن سهلة بنت‬
‫سييهيل اسييتحيضت وأن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم كان‬
‫يأمرهيا بالغسيل عنيد كيل صيلة‪ ،‬فلميا جهدهيا ذلك أمرهيا أن تجميع‬
‫بين الظهر والعصر في غسل واحد والمغرب والعشاء في غسل‬
‫واحد وتغتسل ثالثا للصبح" وأما الذين ذهبوا مذهب الجمع فقالوا‪:‬‬
‫إن حديييث فاطميية ابنيية حييبيش محمول على التييي تعرف أيام‬
‫الحييض من أيام السيتحاضة‪ ،‬وحديث أم حبيبة محمول على التيي‬
‫ل تعرف ذلك‪ ،‬فأمرت بالطهيير فييي كييل وقييت احتياطييا للصييلة‪،‬‬
‫وذلك أن هذه إذا قاميييت إلى الصيييلة يحتميييل أن تكون طهرت‬
‫فيجب عليها أن تغتسل لكل صلة‪ .‬وأما حديث أسماء ابنة عميس‬
‫فمحمول على التي ل يتميز لها أيام الحيض من أيام الستحاضة‪،‬‬
‫إل أنه قد ينقطع عنها في أوقات فهذه إذا انقطع عنها الدم وجب‬
‫عليهيا أن تغتسيل وتصيلي بذلك الغسيل صيلتين‪ .‬وهنيا قوم ذهبوا‬
‫مذهب التخيير بين حديثي أم حبيبة وأسماء واحتجوا لذلك بحديث‬
‫حمنية بنيت جحيش وفييه "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫خيرها" وهؤلء منهم من قال‪ :‬إن المخيرة هي التي ل تعرف أيام‬
‫حيضتها‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬بل هي المستحاضة على الطلق عارفة‬
‫كانيت أو غيير عارفية‪ ،‬وهذا هيو قول خاميس فيي المسيألة‪ ،‬إل أن‬
‫الذي فيي حدييث حمنية ابنية جحيش إنميا هيو التخييير بيين أن تصيلي‬
‫الصلوات كلها بطهر واحد‪ ،‬وبين أن تتطهر في اليوم والليلة ثلث‬
‫مرات‪ .‬وأما من ذهب إلى أن الواجب أن تطهر في كل يوم مرة‬
‫واحدة‪ ،‬فلعله إنميا أوجيب ذلك عليهيا لمكان الشيك ولسيت أعلم‬
‫في ذلك أثرا‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيييييألة الخامسييييية) اختلف العلماء فيييييي جواز وطيييييء‬
‫المستحاضة على ثلثة أقوال‪ :‬فقال قوم‪ :‬يجوز وطؤها‪ ،‬وهو الذي‬
‫عليييه فقهاء المصييار‪ ،‬وهييو مروي عيين ابيين عباس وسييعيد بيين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المسيب وجماعة من التابعين‪ .‬وقال قوم ليس يجوز وطؤها‪ ،‬وهو‬


‫مروي عين عائشية‪ ،‬وبيه قال النخعيي والحكيم‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يأتيهيا‬
‫زوجهييا إل أن يطول ذلك بهييا‪ ،‬وبهذا القول قال أحمييد بيين حنبييل‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم هيل إباحية الصيلة لهيا هيي رخصية لمكان تأكييد‬
‫وجوب الصييلة‪ ،‬أم إنمييا أبيحييت لهييا الصييلة لن حكمهييا حكييم‬
‫الطاهر؟ فمن رأى أن ذلك رخصة لم يجز لزوجها أن يطأها‪ ،‬ومن‬
‫رأى ذلك لن حكمهييا حكييم الطاهيير أباح لهييا ذلك‪ ،‬وهييي بالجملة‬
‫مسيييألة مسيييكوت عنهيييا‪ .‬وأميييا التفرييييق بيييين الطول ول طول‬
‫فاستحسان‪.‬‬
‫*‪*3‬كتاب التيمم‪.‬‬
‫@‪-‬والقول المحييييط بأصيييول هذا الكتاب يشتميييل بالجملة على‬
‫سيبعة أبواب‪ :‬الباب الول فيي معرفية الطهارة التيي هذه الطهارة‬
‫بدل منهيا‪ .‬الثانيي‪ :‬معرفية مين تجوز له هذه الطهارة‪ .‬الثالث‪ :‬فيي‬
‫معرفيييية شروط جواز هذه الطهارة‪ .‬الرابييييع‪ :‬فييييي صييييفة هذه‬
‫الطهارة‪ .‬الخاميس‪ :‬فيميا تصينع بيه هذه الطهارة‪ .‬السيادس‪ :‬فيي‬
‫نواقييض الطهارة‪ .‬السييابع‪ :‬فييي الشياء التييي هذه الطهارة شرط‬
‫في صحتها أو في استباحتها‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول في معرفة الطهارة التي هذه الطهارة بدل منها‪.‬‬
‫@‪-‬اتفيييق العلماء على أن هذه الطهارة هيييي بدل مييين الطهارة‬
‫الصيغرى‪ ،‬واختلفوا فيي الكيبرى‪ ،‬فروى عين عمير وابين مسيعود‬
‫أنهمييا كانييا ل يريانهييا بدل ميين الكييبرى‪ ،‬وكان علي وغيره ميين‬
‫الصحابة يرون أن التيمم يكون بدل من الطهارة الكبرى‪ ،‬وبه قال‬
‫عاميية الفقهاء‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم الحتمال الوارد فييي آييية‬
‫التيميم‪ ،‬وأنيه لم تصيح عندهيم الثار الواردة بالتيميم للجنيب‪ ،‬أميا‬
‫الحتمال الوارد فييييييي الييييييية فلن قوله تعالى {فلم تجدوا ماء‬
‫فتيمموا} يحتمييل أن يعود الضمييير الذي فيييه على المحدث حدثييا‬
‫أصييغر فقييط‪ ،‬ويحتمييل أن يعود عليهمييا معييا‪ ،‬لكيين ميين كانييت‬
‫الملمسية عنده فيي اليية الجماع فالظهير أنيه عائد عليهميا معيا‪ ،‬و‬
‫من كانت الملمسة عنده هي اللمس باليد‪ ،‬أعني قوله تعالى {أو‬
‫لمسييتم النسيياء} فالظهيير أنييه إنمييا يعود الضمييير عنده على‬
‫المحدث حدثييا أصييغر فقييط‪ ،‬إذ كانييت الضمائر إنمييا يحمييل أبدا‬
‫عودها على أقرب مذكور إل أن يقدر في الية تقديما وتأخير حتى‬
‫يكون تقديرهيا هكذا ييا أيهيا الذيين آمنوا إذا قمتيم إلى الصيلة‪ ،‬أو‬
‫جاء أحيد منكيم مين الغائط‪ ،‬أو لمسيتم النسياء‪ ،‬فاغسيلوا وجوهكيم‬
‫وأيديكم إلى المرافق‪ ،‬وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين‪،‬‬
‫وإن كنتييم جنبييا فاطهروا‪ :‬وإن كنتييم مرضييى أو على سييفر فلم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تجدوا ماء فتيمموا صيعيدا طيبيا‪ .‬ومثيل هذا لييس ينبغيي أن يصيار‬
‫إليييه إل بدليييل‪ ،‬فإن التقديييم والتأخييير مجاز وحمييل الكلم على‬
‫الحقيقة أولى من حمله على المجاز‪ ،‬وقد يظن أن في الية شيئا‬
‫يقتضييي تقديمييا وتأخيرا‪ ،‬وهييو أن حملهييا على ترتيبهييا يوجييب أن‬
‫المرض والسيفر حدثان‪ ،‬لكين هذا ل يحتاج إلييه إذا قدرت أو ههنيا‬
‫بمعنييييى الواو‪ ،‬وذلك موجود فييييي كلم العرب فييييي مثييييل قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وكان سيان أن ل يسرحوا نعما * أو يسرحوه بها واغبرت السرح‬
‫فإنيه إنميا يقال‪ :‬سييان زييد وعمرو‪ .‬وهذا هيو أحيد السيباب التيي‬
‫أوجبيت الخلف فيي هذه المسيألة‪ .‬وأميا ارتيابهيم فيي الثار التيي‬
‫وردت في هذا المعنى فبين مما خرجه البخاري ومسلم‪ :‬أن رجل‬
‫أتيى عمير رضيي الله عنيه فقال‪ :‬أجنبيت فلم أجيد الماء‪ ،‬فقال‪ :‬ل‬
‫تصيل‪ ،‬فقال عمار‪ :‬أميا تذكير ييا أميير المؤمنيين إذ أنيا وأنيت فيي‬
‫سييرية فأجنبنييا فلم نجييد الماء‪ ،‬فأمييا أنييت فلم تصييل‪ ،‬وأمييا أنييا‬
‫فتمعكت في التراب فصليت‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫إنميا كان يكفييك أن تضرب بيدييك ثيم تنفيخ فيهميا ثيم تمسيح بهميا‬
‫وجهيك وكفييك‪ ،‬فقال عمير‪ :‬اتيق الله ييا عمار‪ ،‬فقال‪ :‬إن شئت لم‬
‫أحدث به" وفي بعض الروايات‪ :‬أنه قال له عمر‪ :‬نوليك ما توليت‬
‫وخرج مسيلم عين شقييق (‪ )1‬قال‪ :‬كنيت جالسيا ميع عبيد الله بين‬
‫مسعود وأبي موسى فقال أ بو موسى‪ :‬يا أبا عبد الرحمن أرأيت‬
‫لو أن رجل أجنيب فلم يجيد الماء شهرا كييف يصينع بالصيلة؟ فقال‬
‫عبد الله لبي موسى‪ :‬ل يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا‪ ،‬فقال أبو‬
‫موسييى‪ :‬فكيييف بهذه الييية فييي سييورة المائدة {فلم تجدوا ماء‬
‫فتيمموا صعيدا طيبا} فقال عبد الله‪ :‬لو رخص لهم في هذه الية‬
‫لوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد‪ ،‬فقال أبو موسى‬
‫لعبد الله ألم تسمع لقول عمار؟ وذكر له الحديث المتقدم‪ ،‬فقال‬
‫له عبيد الله‪ :‬ألم تير عمير لم يقنيع بقول عمار؟ لكين الجمهور رأوا‬
‫أن ذلك قيد ثبيت مين حدييث عمار وعمران بين الحصيين‪ ،‬خرجهميا‬
‫البخاري‪ ،‬وإن نسييان عمير لييس مؤثرا فيي وجوب العميل بحدييث‬
‫عمار‪ ،‬وأي ضا فإنهيم اسيتدلوا بجواز التيميم للجنيب والحائض بعموم‬
‫قوله علييه الصيلة والسيلم "جعلت لي الرض مسيجدا وطهورا"‪.‬‬
‫وأميا حدييث عمران بين الحصيين فهيو "أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم رأى رجل معتزل لم يصل مع القوم فقال‪ :‬يا فلن أما‬
‫يكفييك أن تصيلي ميع القوم؟ فقال‪ :‬ييا رسيول الله أصيابتني جنابية‬
‫ول ماء فقال علييه الصيلة والسيلم‪ :‬علييك بالصيعيد فإنيه يكفييك"‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ولموضيع هذا الحتمال اختلفوا‪ :‬هيل لمين لييس عنده ماء أن يطيأ‬
‫أهله أم ل يطؤها؟ أعني من يجوز للجنب التيمم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫(‪")1‬شقيق"‪ :‬الصل غير واضح‪ ،‬والتصحيح من صحيح مسلم‪ .‬دار‬
‫الحديث]‬
‫‪----------‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني في معرفة من تجوز له الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬وأميييا مييين تجوز له هذه الطهارة‪ ،‬فأجميييع العلماء أنهيييا تجوز‬
‫لثنييين‪ :‬للمريييض والمسييافر إذا عدمييا الماء‪ .‬واختلفوا فييي أربييع‪:‬‬
‫المريييض يجييد الماء ويخاف ميين اسييتعماله‪ ،‬وفييي الحاضيير يعدم‬
‫الماء‪ ،‬وفي الصحيح المسافر يجد الماء فيمنعه من الوصول إليه‬
‫خوف‪ ،‬وفييي الذي يخاف ميين اسييتعماله ميين شدة البرد‪ .‬فأمييا‬
‫المريييض الذي يجييد الماء ويخاف ميين اسييتعماله‪ ،‬فقال الجمهور‪:‬‬
‫يجوز التيميييم له؛ وكذلك الصيييحيح الذي يخاف الهلك أو المرض‬
‫الشدييد مين برد الماء‪ ،‬وكذلك الذي يخاف مين الخروج إلى الماء‪،‬‬
‫إل أن معظمهم أوجب عليه العادة إذا وجد الماء‪ ،‬وقال عطاء‪ :‬ل‬
‫يتيمييم المريييض ول غييير المريييض إذا وجييد الماء‪ .‬وأمييا الحاضيير‬
‫الصيييحيح الذي يعدم الماء‪ ،‬فذهيييب مالك والشافعيييي إلى جواز‬
‫التيميم له‪ ،‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يجوز التيميم للحاضير الصيحيح وإن‬
‫عدم الماء‪ ،‬وسيبب اختلفهيم فيي هذه المسيائل الربيع التيي هيي‬
‫قواعييد هذا الباب؛ أمييا فييي المريييض الذي يخاف ميين اسييتعمال‬
‫الماء‪ ،‬فهو اختلفهم‪ :‬هل في الية محذوف مقدر في قوله تعالى‬
‫{وإن كنتيم مرضيى أو على سيفر} ‪ .‬فمين رأى أن فيي اليية حذفيا‬
‫وأن تقدييير الكلم وإن كنتييم مرضييى ل تقدرون على اسييتعمال‬
‫الماء‪ ،‬وأن الضمييير فييي قوله تعالى {فلم تجدوا ماء} إنمييا يعود‬
‫على المسيييافر فقيييط أجاز التيميييم للمرييييض الذي يخاف مييين‬
‫اسيتعمال الماء‪ .‬ومين رأى أن الضميير فيي "فلم تجدوا ماء" يعود‬
‫على المرييض والمسيافر معيا وأنيه لييس فيي اليية حذف لم يجيز‬
‫للمرييض إذا وجيد الماء التيميم‪ .‬وأميا سيبب اختلفهيم فيي الحاضير‬
‫الذي يعدم الماء‪ ،‬فاحتمال الضميييير الذي فيييي قوله تعالى "فلم‬
‫تجدوا ماء" أن يعود على أصييناف المحدثييين‪ :‬أعنييي الحاضرييين‬
‫والمسييافرين‪ ،‬أو على المسييافرين فقييط‪ .‬فميين رآه عائدا على‬
‫جمييع أصيناف المحدثيين أجاز التيميم للحاضريين‪ ،‬ومين رآه عائدا‬
‫على المسييافرين فقييط أو على المرضييى والمسييافرين لم يجييز‬
‫التيمم للحاضر الذي عدم الماء‪ ،‬وأما سبب اختلفهم في الخائف‬
‫من الخروج إلى الماء‪ ،‬فاختلفهم في قياسه على من عدم الماء‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وكذلك اختلفهم في الصحيح يخاف من برد الماء‪ ،‬السبب فيه هو‬


‫اختلفهييم فييي قياسييه على المريييض الذي يخاف ميين اسييتعمال‬
‫الماء‪ ،‬وقيد رجيح مذهبهيم القائلون بجواز التيميم للمرييض بحدييث‬
‫جابر فيييي المجروح الذي اغتسيييل فمات‪ ،‬فأجاز علييييه الصيييلة‬
‫والسيلم المسيح له وقال "قتلوه قتلهيم الله" وكذلك رجحوا أيضيا‬
‫قياس الصيحيح الذي يخاف مين برد الماء على المرييض بميا روي‬
‫أيضييا فييي ذلك عيين عمرو بيين العاص أنييه أجنييب فييي ليلة باردة‪،‬‬
‫فتيميم وتل قول الله تعالى {ول تقتلوا أنفسيكم إن الله كان بكيم‬
‫رحيما} فذكر ذلك للنبي عليه الصلة والسلم فلم يعنف‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثالث في معرفة شروط جواز هذه الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا معرفيية شروط هذه الطهارة‪ ،‬فيتعلق بهييا ثلث مسييائل‬
‫قواعد‪ :‬إحداها‪ :‬هل النية من شرط هذه الطهارة أم ل؟‪ .‬والثانية‪:‬‬
‫هيييل الطلب شرط فيييي جواز التيميييم عنيييد عدم الماء أم ل؟‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬هل دخول الوقت شرط في جواز التيمم أم ل؟‪.‬‬
‫@‪(-‬أميييا المسييألة الولى) فالجمهور على أن النييية فيهييا شرط‬
‫لكونهييا عبادة غييير معقولة المعنييى‪ ،‬وشييذ زفيير فقال‪ :‬إن النييية‬
‫ليسيت بشرط فيهيا‪ ،‬وأنهيا ل تحتاج إلى نيية‪ ،‬وقيد روى ذلك أيضيا‬
‫عن الوزاعي والحسن بن حي وهو ضعيف‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الثانييية) فإن مالكييا رضييي الله عنييه اشترط‬
‫الطلب وكذلك الشافعي‪ ،‬ولم يشترطه أبو حنيفة‪ .‬سبب اختلفهم‬
‫فيي هذا هيو هيل يسيمى مين لم يجيد الماء دون طلب غيير واجيد‬
‫للماء أم لييييس يسيييمى غيييير واجيييد للماء إل إذا طلب الماء فلم‬
‫يجده؟ لكين الحيق فيي هذا أن يعتقيد أن المتيقين لعدم الماء إميا‬
‫بطلب متقدم وإميا بغيير ذلك هيو عادم للماء‪ ،‬وأميا الظان فلييس‬
‫بعادم للماء‪ ،‬ولذلك يضعييييييف القول بتكرر الطلب الذي فييييييي‬
‫المذهيب فيي المكان الواحيد بعينيه ويقوى اشتراطيه ابتداء إذا لم‬
‫يكن هنالك علم قطعي بعدم الماء‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثالثية) وهيو اشتراط دخول الوقيت فمنهيم مين‬
‫اشترطيه وهيو مذهيب الشافعيي ومالك‪ ،‬ومنهيم مين لم يشترطيه‪،‬‬
‫وبه قال أبو حنيفة وأهل الظاهر وابن شعبان من أ صحاب مالك‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم هيو‪ :‬هيل ظاهير مفهوم آيية الوضوء يقتضيي أن ل‬
‫يجوز التيميم والوضوء إل عنيد دخول الوقيت لقوله تعالى {ييا أيهيا‬
‫الذيين آمنوا إذا قمتيم إلى الصيلة} اليية‪ ،‬فأوجيب الوضوء والتيميم‬
‫عند وجوب القيام إلى الصلة‪ ،‬وذلك إذا دخل الوقت‪ ،‬فوجب لهذا‬
‫أن يكون حكيم الوضوء والتيميم فيي هذا حكيم الصيلة‪ ،‬أعنيي أنيه‬
‫كما أن الصلة من شرط صحتها الوقت‪ ،‬كذلك من شروط صحة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الوضوء والتيميم الوقيت‪ ،‬إل أن الشرع خصيص الوضوء مين ذلك‪،‬‬


‫فبقيي التيميم على أصيله أم لييس يقتضيي هذا ظاهير مفهوم اليية‪،‬‬
‫وأن تقدير قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة}‬
‫أي إذا أردتييم القيام إلى الصييلة‪ ،‬وأيضييا فإنييه لو لم يكيين هنالك‬
‫محذوف لميا كان يفهيم مين ذلك إل إيجاب الوضوء والتيميم عنييد‬
‫وجوب الصييلة فقييط‪ ،‬ل أنيه ل يجزئ إن وقييع قبييل الوقييت إل أن‬
‫يقاسييا على الصييلة‪ ،‬فلذلك الولى أن يقال فييي هذا إن سييبب‬
‫الخلف فييه هيو قياس التيميم على الصيلة‪ ،‬لكين هذا يضعيف‪ ،‬فإن‬
‫قياسيه على الوضوء أشبيه‪ ،‬فتأميل هذه المسيألة‪ ،‬فإنهيا ضعيفية‪،‬‬
‫أعنيي مين يشترط فيي صيحته دخول الوقيت ويجعله مين العبادات‬
‫المؤقتة‪ ،‬فإن التوقيت في العبادة ل يكون إل بدليل سمعي‪ ،‬وإنما‬
‫يسييوغ القول بهذا إذا كان على رجاء ميين وجود الماء قبييل دخول‬
‫الوقت فيكون هذا ليس من باب أن هذه العبادة مؤقتة‪ ،‬لكن من‬
‫باب أنيه لييس ينطلق اسيم الغيير واجيد للماء إل عنيد دخول وقيت‬
‫الصيلة‪ ،‬لنيه ميا لم يدخيل وقتهيا أمكين أن يطرأ هيو على الماء‪،‬‬
‫ولذلك اختلف المذهيب متيى يتيميم؟‪ ،‬هيل فيي أول الوقيت أو فيي‬
‫وسيطه أو فيي آخره؟ لكين ههنيا مواضيع يعلم قطعيا أن النسيان‬
‫لييس بطارئ على الماء فيهيا قبيل دخول الوقيت‪ ،‬ول الماء بطارئ‬
‫عليييه‪ .‬وأيضييا فإن قدرنييا طرو الماء فليييس يجييب عليييه إل نقييض‬
‫التيميم فقيط ل منيع صيحته‪ ،‬وتقديير الطرو هيو ممكين فيي الوقيت‬
‫وبعده‪ ،‬فلم جعييل حكمييه قبييل دخول الوقييت خلف حكمييه فييي‬
‫الوقييت أعنييي أنييه قبييل الوقييت يمنييع انعقاد التيمييم‪ ،‬وبعييد دخول‬
‫الوقت ل يمنعه‪ ،‬وهذا كله ل ينبغي أن يصار إليه إل بدليل سمعي‪،‬‬
‫ويلزم على هذا أن ل يجوز التيمم إل في آخر الوقت فتأمله‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الرابع في صفة هذه الطهارة‬
‫@‪-‬وأميا صيفة هذه الطهارة فيتعلق بهيا ثلث مسيائل هيي قواعيد‬
‫هذا الباب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الولى) اختلف الفقهاء في حد اليدي التي أمر الله‬
‫بمسحها في التيمم في قوله {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه}‬
‫على أربعيية أقوال‪ :‬القول الول‪ :‬أن الحييد الواجييب فييي ذلك هييو‬
‫الحيد الواجيب بعينيه فيي الوضوء‪ ،‬وهيو إلى المرافيق‪ ،‬وهيو مشهور‬
‫المذهيب‪ ،‬وبيه قال فقهاء المصيار‪ .‬والقول الثانيي‪ :‬أن الفرض هيو‬
‫مسيح الكيف فقيط‪ ،‬وبيه قال أهيل الظاهير وأهيل الحدييث‪ .‬والقول‬
‫الثالث‪ :‬السييتحباب إلى المرفقييين‪ ،‬والفرض الكفان‪ ،‬وهييو مروي‬
‫عن مالك‪ .‬والقول الرابع‪ :‬أن الفرض إلى المناكب‪ ،‬وهو شاذ روي‬
‫عين الزهري ومحميد بين مسيلمة‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم اشتراك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اسيم الييد فيي لسيان العرب‪ ،‬وذلك أن الييد فيي كلم العرب يقال‬
‫على ثلثية معان‪ :‬على الكيف فقيط وهيو أظهرهيا اسيتعمال‪ ،‬ويقال‬
‫على الكف والذراع‪ ،‬ويقال على الكف والساعد والعضد‪ .‬والسبب‬
‫الثاني اختلف الثار في ذلك‪ ،‬وذلك أن حديث عمار المشهور فيه‬
‫مين طرقيه الثابتية "إنميا يكفييك أن تضرب بيدك ثيم تنفيخ فيهيا ثيم‬
‫تمسح بها وجهك وكفيك"‪ .‬وورد في بعض طرقه أنه قال له عليه‬
‫الصيلة والسيلم "وأن تمسيح بيدييك إلى المرفقيين"‪ .‬وروي أيضيا‬
‫عن ابن عمر أن النبي عليه الصلة والسلم قال "التيمم ضربتان‪:‬‬
‫ضربيية للوجييه‪ ،‬وضربيية لليدييين إلى المرفقييين" وروي أيضييا ميين‬
‫طرييق ابين عباس ومين طرييق غيره؛ فذهيب الجمهور إلى ترجييح‬
‫هذه الحادييث على حدييث عمار الثابيت مين جهية عضيد القياس‬
‫لهيا‪ :‬أعنيي مين جهية قياس التيميم على الوضوء وهيو بعينيه حملهيم‬
‫على أن عدلوا بلفظ اسم اليد عن الكف الذي هو فيه أظهر إلى‬
‫الكف والساعد‪ ،‬ومن زعم أنه ينطلق عليهما بالسواء‪ ،‬وأنه ليس‬
‫في أحدهما أظهر منه في الثاني فقط أخطأ‪ ،‬فإن اليد وإن كانت‬
‫اسيما مشتركيا فهيي فيي الكيف حقيقية‪ ،‬وفيميا فوق الكيف مجاز‪،‬‬
‫وليس كل اسم مشترك هو مجمل‪ ،‬وإنما المشترك المجمل الذي‬
‫وضيع مين أول أمره مشتركيا‪ ،‬وفيي هذا قال الفقهاء إنيه ل يصيح‬
‫السييتدلل بييه‪ ،‬ولذلك مييا نقول إن الصييواب هييو أن يعتقييد أن‬
‫الفرض إنما هو الكفان فقط‪ ،‬وذلك أن اسم اليد ل يخلو أن يكون‬
‫في الكف أظهر منه في سائر الجزاء أو يكون دللته على سائر‬
‫أجزاء الذراع والعضد بالسواء‪ ،‬فإن كان أظهر فيجب المصير إلى‬
‫الخييذ بالثيير الثابييت‪ ،‬فأمييا أن يغلب القياس ههنييا على الثيير فل‬
‫معنى له‪ ،‬ول أن ترجح به أيضا أحاديث لم تثبت بعد‪ ،‬فالقول في‬
‫هذه المسيألة بيين مين الكتاب والسينة فتأمله‪ .‬وأميا مين ذهيب إلى‬
‫الباط فإنميا ذهيب إلى ذلك‪ ،‬لنيه قيد روي فيي بعيض طرق حدييث‬
‫عمار أنييه قال "تيممنييا مييع رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب"‪ .‬ومن ذهب إلى أن يحمل‬
‫تلك الحاديث على الندب وحديث عمار على الوجوب فهو مذهب‬
‫حسن إذ كان الجمع أولى من الترجيح عند أهل الكلم الفقهي‪ ،‬إل‬
‫أن هذا إنما ينبغي أن يصار إليه إن صحت تلك الحاديث‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيييألة الثانيييية) اختلف العلماء فيييي عدد الضربات على‬
‫الصيعيد للتيميم‪ ،‬فمنهيم مين قال واحدة‪ ،‬ومنهيم مين قال اثنتيين‪،‬‬
‫والذيين قالوا اثنتيين منهيم مين قال‪ :‬ضربية للوجيه وضربية لليديين‪،‬‬
‫وهم الجمهور‪ ،‬وإذا قلت الجمهور فالفقهاء الثلثة معدودون فيهم‪:‬‬
‫أعنيي مالكيا والشافعيي وأبيا حنيفية‪ ،‬ومنهيم مين قال‪ :‬ضربتان لكيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واحيد منهميا‪ :‬أعنيي للييد ضربتان وللوجيه ضربتان‪ ،‬والسيبب فيي‬


‫اختلفهيم أن اليية مجملة فيي ذلك والحادييث متعارضية‪ ،‬وقياس‬
‫التيمم على الوضوء في جميع أحواله غير متفق عليه‪ ،‬والذي في‬
‫حديث عمار الثابت من ذلك إنما هو ضربة واحدة للوجه والكفين‬
‫معيييا‪ ،‬لكييين ههنيييا أحادييييث فيهيييا ضربتان‪ ،‬فرجيييح الجمهور هذه‬
‫الحاديث لمكان قياس التيمم على الوضوء‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) اختلف الشافعييي مييع مالك وأبييي حنيفيية‬
‫وغيرهمييا فييي وجوب توصيييل التراب إلى أعضاء التيمييم‪ ،‬فلم ييير‬
‫ذلك أبو حنيفة واجبا ول مالك‪ ،‬ورأى ذلك الشافعي واجبا‪ .‬وسبب‬
‫اختلفهيييم الشتراك الذي فيييي حرف "مييين" فيييي قوله تعالى‬
‫{فامسيييحوا بوجوهكيييم وأيديكيييم منيييه} وذلك أن مييين قيييد ترد‬
‫للتبعيييض‪ ،‬وقييد ترد لتمييييز الجنييس‪ ،‬فميين ذهييب إلى أنهييا ههنييا‬
‫للتبعيييض أوجييب نقييل التراب إلى أعضاء التيمييم‪ .‬وميين رأى أنهييا‬
‫لتمييز الجنس قال‪ :‬ليس النقل واجبا‪ .‬والشافعي إنما رجح حملها‬
‫على التبعييض مين جهية قياس التيميم على الوضوء‪ ،‬لكين يعارضيه‬
‫حدييث عمار المتقدم لن فييه ثيم تنفيخ فيهيا‪ ،‬وتيميم رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم على الحائط‪ ،‬وينبغيي أن تعلم أن الختلف‬
‫فييي وجوب الترتيييب فييي التيمييم ووجوب الفور فيييه هييو بعينييه‬
‫اختلفهم في ذلك في الوضوء وأسباب الخلف هنالك هي أسبابه‬
‫هنا فل معنى لعادته‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الخامس فيما تصنع به هذه الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬وفيييه مسييألة واحدة‪ ،‬وذلك أنهييم اتفقوا على جوازهييا بتراب‬
‫الحرث الطيييب‪ ،‬واختلفوا فييي جواز فعلهييا بمييا عدا التراب ميين‬
‫أجزاء الرض المتولدة عنها كالحجارة‪ ،‬فذهب الشافعي إلى أنه ل‬
‫يجوز التيمييم إل بالتراب الخالص وذهييب مالك وأصييحابه إلى أنييه‬
‫يجوز التيمييم بكييل مييا صييعد على وجييه الرض ميين أجزائهييا فييي‬
‫المشهور عنييه الحصييا والرمييل والتراب‪ .‬وزاد أبييو حنيفيية فقال‪:‬‬
‫وبكييل مييا يتولد ميين الرض ميين الحجارة مثييل النورة والزرنيييخ‬
‫والجص والطين والرخام‪ .‬ومنهم من شرط أن يكون التراب على‬
‫وجييه الرض وهييم الجمهور‪ .‬وقال أحمييد بيين حنبييل‪ :‬يتمييم بغبار‬
‫الثوب واللبد‪ .‬والسبب في اختلفهم شيئان‪ :‬أحدهما اشتراك اسم‬
‫ا لصعيد في لسان العرب‪ ،‬فإنه مرة يطلق على التراب الخالص‪،‬‬
‫ومرة يطلق على جمييييع أجزاء الرض الظاهرة‪ ،‬حتيييى إن مالكيييا‬
‫وأصحابه حملهم دللة اشتقاق هذا السم أعني الصعيد أن يجيزوا‬
‫فييي إحدى الروايات عنهييم التيمييم على الحشيييش وعلى الثلج‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬لنييه يسييمى صييعيدا فييي أصييل التسييمية‪ ،‬أعنييي ميين جهيية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫صيعوده على الرض‪ ،‬وهذا ضعييف‪ .‬والسيبب الثانيي إطلق اسيم‬


‫الرض فيي جواز التيميم بهيا فيي بعيض روايات الحدييث المشهور‪،‬‬
‫وتقييدهييا بالتراب فييي بعضهييا‪ ،‬وهييو قوله عليييه الصييلة والسييلم‬
‫"جعلت لي الرض مسيييجدا وطهورا" فإن فيييي بعيييض رواياتيييه‬
‫"جعلت لي الرض مسيييجدا وطهورا" وفيييي بعضهيييا "جعلت لي‬
‫الرض مسيجد وجعلت لي تربتهيا طهورا" وقيد اختلف أهيل الكلم‬
‫الفقهيييي هيييل يقضيييي بالمطلق على المقييييد أو بالمقييييد على‬
‫المطلق؟ والمشهور عندهم أن يقضي بالمقيد على المطلق وفيه‬
‫نظيير‪ ،‬ومذهييب أبييي محمييد بيين حزم أن يقضييي بالمطلق على‬
‫المقيييد‪ ،‬لن المطلق فيييه زيادة معنييى‪ ،‬فميين كان رأيييه القضاء‬
‫بالمقيد على المطلق وحمل اسم الصعيد الطيب على التراب لم‬
‫يجيز التيميم إل بالتراب‪ ،‬ومين قضيى بالمطلق على المقييد وحميل‬
‫اسييم الصييعيد على كييل مييا على وجييه الرض ميين أجزائهييا أجاز‬
‫التيمم بالرمل والحصى‪ .‬وأما إجازة التيمم بما يتولد منها فضعيف‬
‫إذ كان ل يتناوله اسم الصعيد فإن أعم دللة اسم الصعيد أن يدل‬
‫على مييا تدل عليييه الرض‪ ،‬ل أن يدل على الزرنيييخ والنورة‪ ،‬ول‬
‫على الثلج والحشيييش‪ ،‬والله الموفييق للصييواب‪ ،‬والشتراك الذي‬
‫في اسم الطيب أيضا من أحد دواعي الخلف‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب السادس في نواقض هذه الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا نواقيض هذه الطهارة فإنهيم اتفقوا على أنيه ينقضهيا ميا‬
‫ينقيض الصيل الذي هيو الوضوء أو الطهير‪ ،‬واختلفوا مين ذلك فيي‬
‫مسيألتين‪ :‬إحداهميا هيل ينقضهيا إرادة صيلة أخرى مفروضية غيير‬
‫المفروضية التيي تيميم لهيا؟‪ .‬والمسيألة الثانيية هيل ينقضهيا وجود‬
‫الماء أم ل؟‪.‬‬
‫@‪(-‬أميا المسيألة الولى) فذهيب مالك فيهيا إلى أن إرادة الصيلة‬
‫الثانية تنقض طهارة الولى‪ ،‬ومذهب غيره خلف ذلك‪ .‬وأصل هذا‬
‫الخلف يدور على شيئيين‪ :‬أحدهميا هيل فيي قوله تعالى {ييا أيهيا‬
‫الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة} محذوف مقدر‪ :‬أعني إذا قمتم‬
‫مين النوم‪ ،‬أو قمتيم محدثيين‪ ،‬أم لييس هنالك محذوف أصيل؟ فمين‬
‫راى أن ل محذوف هنالك قال‪ :‬ظاهيييير الييييية وجوب الوضوء أو‬
‫التيمييم عنييد القيام لكييل صييلة‪ ،‬لكيين خصييصت السيينة ميين ذلك‬
‫الوضوء فيبقييي التيمييم على أصييله‪ ،‬لكيين ل ينبغييي أن يحتييج بهذا‬
‫لمالك فإن مالكيا يرى أن فيي اليية محذوفيا على ميا رواه عين زييد‬
‫بين أسيلم فيي موطئه‪ .‬وأميا السيبب الثانيي فهيو تكرار الطلب عنيد‬
‫دخول وقيت كيل صيلة وهذا هيو ألزم لصيول مالك أعنيي أن يحتيج‬
‫له بهذا‪ ،‬وقيد تقدم القول فيي هذه المسيألة‪ ،‬ومين لم يتكرر عنده‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الطلب وقدر فيي اليية محذوفيا لم يير إرادة الصيلة الثانيية ميا لم‬
‫ينقض التيمم‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) فإن الجمهور ذهبوا إلى أن وجود الماء‬
‫ينقضهيا‪ .‬وذهيب قوم إلى أن الناقيض لهيا هيو الحدث‪ ،‬وأصيل هيذ‬
‫الخلف هييل وجود الماء يرفييع اسييتصحاب الطهرة التييي كانييت‬
‫بالتراب‪ ،‬أو يرفييع ابتداء الطهارة بييه؟ فميين رى أنييه يرفييع ابتداء‬
‫الطهارة بيييه قال‪ :‬ل ينقضهيييا إل الحدث‪ .‬ومييين رأى أنيييه يرفيييع‬
‫اسيتصحاب الطهارة قال‪ :‬إنيه ينقضهيا‪ ،‬فإن حيد الناقيض هيو الرافيع‬
‫للسيتصحاب‪ ،‬وقيد احتيج الجمهور لمذهبهيم بالحدييث الثابيت‪ ،‬وهيو‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "جعلت لي الرض مسجدا وطهورا ما‬
‫لم يجييد الماء" والحديييث محتمييل‪ ،‬فإنييه يمكيين أن يقال‪ :‬إن قوله‬
‫عليه الصلة والسلم "ما لم يجد الماء" يمكن أن يفهم منه‪ :‬فإذا‬
‫وجد الماء انقطعت هذه الطهارة وارتفعت‪ ،‬ويمكن أن يفهم منه‪:‬‬
‫فإذا وجييد الماء لم تصييح ابتداء هذه الطهارة‪ ،‬والقوى فييي عضييد‬
‫الجمهور هيو حدييث أبيي سيعيد الخدري‪ ،‬وفييه أنيه علييه الصيلة‬
‫والسييييلم قال "فإذا وجدت الماء فأمسييييه جلدك" فإن الميييير‬
‫محمول عنييد جمهور المتكلمييين على الفور‪ ،‬وإن كان أيضييا قييد‬
‫يتطرق إليييه الحتمال المتقدم فتأمييل هذا‪ .‬وقييد حمييل الشافعييي‬
‫تسيييييليمه على أن وجود الماء يرفيييييع هذه الطهارة أن قال‪ :‬إن‬
‫التيمييم ليييس رافعييا للحدث‪ :‬أي ليييس مفيدا للمتيمييم الطهارة‬
‫الرافعة للحدث‪ ،‬وإنما هو مبيح للصلة فقط مع بقاء الحدث‪ ،‬وهذا‬
‫ل معنييى له‪ ،‬فإن الله قييد سييماه طهارة‪ ،‬وقييد ذهييب قوم ميين‬
‫أصحاب مالك هذا المذهب فقالوا‪ :‬إن التيمم ل يرفع الحدث‪ ،‬لنه‬
‫لو رفعيييه لم ينقضيييه إل الحدث‪ .‬والجواب أن هذه الطهارة وجود‬
‫الماء فيي حقهيا هيو حدث خاص بهيا على القول بأن الماء ينقضهيا‪،‬‬
‫واتفييق القائلون بأن وجود الماء ينقضهييا على أنييه ينقضهييا قبييل‬
‫الشروع في الصلة وبعد الصلة‪ ،‬واختلفوا هل ينقضها طروه في‬
‫الصيلة؟ فذهيب مالك والشافعيي وداود إلى أنيه ل ينقيض الطهارة‬
‫فيي الصيلة‪ ،‬وذهيب أبيو حنيفية وأحميد وغيرهميا إلى أنيه ينقيض‬
‫الطهارة فيي الصيلة وهيم أحفيظ للصيل‪ ،‬لنيه أمير غيير مناسيب‬
‫الشرع أن يوجد شيء واحد ل ينقض الطهارة في الصلة وينقضها‬
‫فيي غيير الصيلة‪ ،‬وبمثيل هذا شنعوا على مذهيب أبيي حنيفية فيميا‬
‫يراه من أن الضحك في الصلة ينقض الوضوء‪ ،‬مع أنه مستند في‬
‫ذلك إلى الثيير فتأمييل هذه المسييألة فإنهييا بينيية‪ ،‬ول حجيية فييي‬
‫الظواهير التيي يرام الحتجاح بهيا بإرادتيه وإنميا أبطلهيا طرو الماء‬
‫كما لو أحدث‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الباب السابع في الشياء التي هذه الطهارة شرط في صحتها‬


‫أو في استباحتها‬
‫@‪-‬واتفيق الجمهور على أن الفعال التيي هذه الطهارة شرط فيي‬
‫صيحتها هيي الفعال التيي الوضوء شرط فيي صيحتها مين الصيلة‬
‫وميس المصيحف وغيير ذلك‪ ،‬واختلفوا هيل يسيتباح بهيا أكثير مين‬
‫صييلة واحدة فقييط؟ فمشهور مذهييب مالك أنييه ل يسييتباح بهييا‬
‫صيلتان مفروضتان أبدا‪ ،‬واختلف قوله فيي الصيلتين المقضيتيين‪،‬‬
‫والمشهور عنيه أنيه إذا كانيت إحدى الصيلتين فرضيا والخرى نفل‬
‫أنيه إذا قدم الفرض جميع بينهميا‪ ،‬وإن قدم النفيل لم يجميع بينهميا‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز الجمع بين صلوات مفروضة بتيمم‬
‫واحيد‪ .‬وأصيل هذا الخلف هيو‪ :‬هيل التيميم يجيب لكيل صيلة أم ل؟‬
‫إميا مين قبيل ظاهير اليية كميا تقدم‪ ،‬وإميا مين قبيل وجوب تكرار‬
‫الطلب‪ ،‬وإما من كليهما‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الطهارة من النجس‪.‬‬
‫@‪-‬والقول المحييط بأصيول هذه الطهارة وقواعدهيا ينحصير فيي‬
‫سيتة أبواب‪ .‬الباب الول‪ :‬فيي معرفية حكيم هذه الطهارة‪ :‬أعنيي‬
‫في الوجوب أو في الندب إما مطلقا وإما من جهة أنها مشترطة‬
‫فييي الصييلة‪ .‬الباب الثانييي‪ :‬فييي معرفيية أنواع النجاسييات‪ .‬الباب‬
‫الثالث‪ :‬فيي معرفية المحال التيي يجيب إزالتهيا عنهيا‪ .‬الباب الرابيع‪:‬‬
‫فييي معرفيية الشيييء الذي تزال بييه‪ .‬الباب الخامييس‪ :‬فييي صييفة‬
‫إزالتها في محل محل‪ .‬الباب السادس‪ :‬في آداب الحداث‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في معرفة حكم هذه الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬والصيل فيي هذا الباب إميا مين الكتاب‪ ،‬فقوله تعالى {وثيابيك‬
‫فطهر} وإما من السنة‪ ،‬فآثار كثيرة ثابتة‪ ،‬منها قوله عليه الصلة‬
‫والسلم "من توضأ فليستنثر‪ ،‬ومن استجمر فليوتر" ومنها "أمره‬
‫صلى الله عليه وسلم بغسل دم الحيض من الثوب‪ ،‬وأمره بصب‬
‫ذنوب مين ماء على بول العرابيي" وقوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫في صاحبي القبر "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير‪ ،‬أما أحدهما‬
‫فكان ل يسييييييتنزه ميييييين البول" واتفييييييق العلماء لمكان هذه‬
‫المسيييموعات على أن إزالة النجاسييية مأمور بهيييا فيييي الشرع‬
‫واختلفوا‪ :‬هيييل ذلك على الوجوب أو على الندب المذكور‪ ،‬وهيييو‬
‫الذي يعبر عنه بالسنة؟ فقال قوم‪ :‬إن إزالة النجاسات واجبة‪ ،‬وبه‬
‫قال أبو حنيفة والشافعي‪ ،‬وقال قوم‪ :‬إزالتها سنة مؤكدة وليست‬
‫بفرض‪ .‬وقال قوم‪ :‬هيي فرض ميع الذكير‪ ،‬سياقطة ميع النسييان‪،‬‬
‫وكل هذين القولين عن مالك وأصحابه‪ .‬وسبب اختلفهم في هذه‬
‫المسيألة راجيع إلى ثلثية أشياء‪ :‬أحدهيا اختلفهيم فيي قوله تبارك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وتعالى {وثيابيييك فطهييير} هيييل ذلك محمول على الحقيقييية أو‬


‫محمول على المجاز؟‪ .‬والسيبب الثانيي تعارض ظواهير الثار فيي‬
‫وجوب ذلك‪ ،‬والسييبب الثالث اختلفهييم فييي الميير والنهييي الوارد‬
‫لعلة معقولة المعنيى‪ ،‬هيل تلك العلة المفهومية مين ذلك المير أو‬
‫النهييي‪ ،‬قرينيية تنقييل الميير ميين الوجوب إلى الندب‪ ،‬والنهييي ميين‬
‫الحظر إلى الكراهة؟ أم ليست قرينة؟ وأنه ل فرق في ذلك بين‬
‫العبادة المعقولة وغيير المعقولة‪ ،‬وإنميا صيار مين صيار إلى الفرق‬
‫في ذلك لن الحكام المعقولة المعاني في الشرع أكثرها هي من‬
‫باب محاسين الخلق أو مين باب المصيالح‪ ،‬وهذه فيي الكثير هيي‬
‫مندوب إليها‪ ،‬فمن حمل قوله تعالى {وثيابك فطهر} على الثياب‬
‫المحسيوسة قال‪ :‬الطهارة مين النجاسية واجبية‪ ،‬ومين حملهيا على‬
‫الكنايية عين طهارة القلب لم يير فيهيا حجية‪ .‬وأميا الثار المتعارضية‬
‫في ذلك‪ ،‬فمنها حديث صاحبي القبر المشهور‪ ،‬وقوله فيهما صلى‬
‫الله عليه وسلم "إنهما ليعذبان‪ ،‬وما يعذبان في كبير‪ :‬أما أحدهما‬
‫فكان ل يسيتنزه مين بوله" فظاهير هذا الحدييث يقتضيي الوجوب‪،‬‬
‫لن العذاب ل يتعلق إل بالواجييب‪ ،‬وأمييا المعارض لذلك فمييا ثبييت‬
‫عنه عليه الصلة والسلم من أنه رمي عليه وهو في الصلة سل‬
‫جزور بالدم والفرث فلم يقطيع الصيلة‪ .‬وظاهير هذا أنيه لو كانيت‬
‫إزالة النجاسية واجبية كوجوب الطهارة مين الحدث لقطيع الصيلة‬
‫ومنها ما روي "أن النبي عليه الصلة والسلم كان في صلة من‬
‫الصيلوات يصيلي فيي نعلييه‪ ،‬فطرح نعلييه‪ ،‬فطرح الناس لطرحيه‬
‫نعلييه‪ ،‬فأنكير ذلك عليهيم علييه الصيلة والسيلم وقال "إنميا خلعتهيا‬
‫لن جبرييل أخيبرني أن فيهيا قذرا" فظاهير هذا أنيه لو كانيت واجبية‬
‫لميا بنيي على ميا مضيى مين الصيلة‪ ،‬فمين ذهيب فيي هذه الثار‬
‫مذهيب ترجييح الظواهير قال إميا بالوجوب إن رجيح ظاهير حدييث‬
‫الوجوب‪ ،‬أو بالندب إن رجيح ظاهير حدييث الندب‪ ،‬أعنيي الحديثيين‬
‫اللذييين يقضيان أن إزالتهييا ميين باب الندب المؤكييد‪ .‬وميين ذهييب‬
‫مذهييب الجمييع‪ ،‬فمنهييم ميين قال هييي فرض مييع الذكيير والقدرة‪،‬‬
‫سيياقطة مييع النسيييان وعدم القدرة‪ .‬ومنهييم ميين قال هييي فرض‬
‫مطلقييا وليسييت ميين شروط صييحة الصييلة وهييي قول رابييع فييي‬
‫المسيألة وهيو ضعييف‪ ،‬لن النجاسية إنميا تزال فيي الصيلة‪ ،‬وكذلك‬
‫مين فرق بيين العبادة المعقولة المعنيى والغيير معقولتيه‪ ،‬أعنيي أنيه‬
‫جعيل الغيير معقولة آكيد فيي باب الوجوب فرق بيين المير الوارد‬
‫فييي الطهارة ميين الحدث‪ ،‬وبييين الميير الوارد فييي الطهارة ميين‬
‫النجس‪ ،‬لن الطهارة من النجس معلوم أن المقصود بها النظافة‪،‬‬
‫وذلك من محاسن الخلق‪ .‬وأما الطهارة من الحدث فغير معقولة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المعنى مع ما اقترن بذلك من صلتهم في النعال مع أنها ل تنفك‬


‫من أن يوطأ بها النجاسات غالبا‪ ،‬وما أجمعوا عليه من العفو عن‬
‫اليسير في بعض النجاسات‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في معرفة أنواع النجاسات‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا أنواع النجاسييات‪ ،‬فإن العلماء اتفقوا ميين أعيانهييا على‬
‫أربعييية‪ :‬ميتييية الحيوان ذي الدم الذي لييييس بمائي‪ ،‬وعلى لحيييم‬
‫الخنزيير بأي سيبب اتفيق أن تذهيب حياتيه‪ ،‬وعلى الدم نفسيه مين‬
‫الحيوان الذي ليييس بمائي انفصييل ميين الحييي أو الميييت إذا كان‬
‫مسفوحا‪ ،‬أعني كثيرا‪ ،‬وعلى بول ابن آدم ورجيعه‪ ،‬وأكثرهم على‬
‫نجاسة الخمر‪ ،‬وفي ذلك خلف عن بعض المحدثين‪ ،‬واختلفوا في‬
‫غير ذلك‪ ،‬والقواعد من ذلك سبع مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) اختلفوا فييي ميتيية الحيوان الذي ل دم له‪،‬‬
‫وفيي ميتية الحيوان البحري‪ ،‬فذهيب قوم إلى أن ميتية ميا ل دم له‬
‫طاهرة‪ ،‬وكذلك ميتية البحير‪ ،‬وهيو مذهيب مالك وأصيحابه‪ ،‬وذهيب‬
‫قوم إلى التسييوية بييين ميتيية ذوات الدم والتييي ل دم لهييا فييي‬
‫النجاسة‪ ،‬واستثنوا من ذلك ميتة البحر‪ ،‬وهو مذهب الشافعي‪ ،‬إل‬
‫ما وقع التفاق على أنه ليس بميتة مثل دود الخل و ما يتولد في‬
‫المطعومات‪ ،‬وساوى قوم بين ميتة البر والبحر‪ ،‬واستثنوا ميتة ما‬
‫ل دم له‪ ،‬وهيو مذهيب أبيي حنيفية‪ .‬وسيبب اختلفهيم اختلفهيم فيي‬
‫مفهوم قوله تعالى {حرمييت عليكييم الميتيية} وذلك أنهييم فيمييا‬
‫أحسييب اتفقوا أنييه ميين باب العام أريييد بييه الخاص‪ ،‬واختلفوا أي‬
‫خاص أرييد بيه‪ ،‬فمنهيم مين اسيتثنى مين ذلك ميتية البحير وميا ل دم‬
‫له‪ ،‬ومنهيم مين اسيتثنى مين ذلك ميتية البحير فقيط‪ ،‬ومنهيم مين‬
‫اسيتثنى مين ذلك ميتية البحير فقيط‪ ،‬ومنهيم مين اسيتثنى مين ذلك‬
‫ميتية ما ل دم له فقط‪ .‬وسيبب اختلفهيم في هذه المسيتثنيات هو‬
‫سيبب اختلفهيم فيي الدلييل المخصوص‪ .‬أميا مين اسيتثنى من ذلك‬
‫ما ل دم له‪ ،‬فحجته مفهوم الثر الثابت عنه عليه الصلة والسلم‬
‫من أمره بمقل الذباب إذا وقع في الطعام‪ ،‬قالوا‪ :‬فهذا يدل على‬
‫طهارة الذباب وليس لذلك علة إل أنه غير ذي دم‪ .‬وأما الشافعي‬
‫فعنده أن هذا خاص بالذباب لقوله عليييه الصييلة والسييلم " فإن‬
‫فييي إحدى جناحييية داء وفييي الخرى دواء" ووهيين الشافعييي هذا‬
‫المفهوم مين الحدييث بأن ظاهير الكتاب يقتضيي أن الميتية والدم‬
‫نوعان ميين أنواع المحرمات‪ :‬أحدهمييا تعمييل فيييه التذكييية وهييي‬
‫الميتة‪ ،‬وذلك في الحيوان المباح الكل باتفاق‪ ،‬والدم ل تعمل فيه‬
‫التذكية فحكمهما مفترق‪ ،‬فكيف يجوز أن يجمع بينهما حتى يقال‪:‬‬
‫إن الدم هو سبب تحريم الميتة؟ وهذا قوي كما ترى‪ ،‬فإنه لو كان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الدم هيو السيبب فيي تحرييم الميتية لميا كانيت ترتقيع الحرميية عين‬
‫الحيوان بالذكاة‪ ،‬وتبقييى حرمييية الدم الذي لم ينفصييل بعييد عيين‬
‫المذكاة‪ ،‬وكانيت الحليية إنميا توجيد بعيد انفصيال الدم عنيه لنيه إذا‬
‫ارتفيع السيبب ارتفيع المسيبب الذي يقتضييه ضرورة‪ ،‬لنيه إن وجيد‬
‫السيبب والمسيبب غيير موجود فلييس له هيو سيببا‪ ،‬ومثال ذلك أنيه‬
‫إذا ارتفييع التحريييم عيين عصييير العنييب وجييب ضرورة أن يرتفييع‬
‫السيكار إن كنيا نعتقيد أن السيكار هيو سيبب التحرييم‪ .‬وأميا مين‬
‫اسيتثنى مين ذلك ميتية البحير فإنيه ذهيب إلى الثير الثابيت فيي ذلك‬
‫مين حدييث جابر‪ ،‬وفييه "أنهيم أكلوا مين الحوت الذي رماه البحير‬
‫أياما وتزودوا منه‪ ،‬وأنهم أخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسيلم فاسيتحسن فعلهيم‪ ،‬وسيألهم‪ :‬هيل بقيي منيه شييء؟" وهيو‬
‫دلييييل على أنيييه لم يجوز لهيييم لمكان ضروة خروج الزاد عنهيييم‪.‬‬
‫واحتجوا أيضا بقوله عليه الصلة والسلم "هو الطهور ماؤه الحل‬
‫ميتتيه"‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فرجيح عموم اليية على هذا الثير‪ ،‬إميا لن‬
‫اليية مقطوع بهيا‪ ،‬والثير مظنون‪ ،‬وإميا لنيه رأى أن ذلك رخصية‬
‫لهم‪ ،‬أعني حديث جابر أو لنه احتمل عنده أن يكون الحوت مات‬
‫بسيبب‪ ،‬وهيو رميي البحير بيه إلى السياحل‪ ،‬لن الميتية هيو ميا مات‬
‫مين تلقاء نفسيه مين غيير سيبب خارج‪ ،‬ولختلفهيم فيي هذا أيضيا‬
‫سيبب آخير وهيو احتمال عودة الضميير فيي قوله تعالى {وطعاميه‬
‫متاعيا لكيم وللسييارة} أعنيي أن يعود على البحير أو على الصييد‬
‫نفسييه‪ ،‬فميين أعاده على البحيير قال طعامييه هييو الطافييي‪ ،‬وميين‬
‫أعاده على الصيد قال هو الذي أحل فقط من صيد البحر‪ ،‬مع أن‬
‫الكوفيين أيضا تمسكوا في ذلك بأثر ورد فيه تحريم الطافي من‬
‫السمك وهو عندهم ضعيف‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيييألة الثانيييية) وكميييا اختلفوا فيييي أنواع الميتات كذلك‬
‫اختلفوا في أجزاء ما اتفقوا عليه أنه ميتة‪ ،‬وذلك أنهم اتفقوا على‬
‫أن اللحيم مين أجزاء الميتية ميتية‪ .‬واختلفوا فيي العظام والشعير‪،‬‬
‫فذهيب الشافعيي إلى أن العظيم والشعير ميتية‪ ،‬وذهيب أبيو حنيفية‬
‫إلى أنهميا ليسيا بميتية‪ ،‬وذهيب مالك للفرق بيين الشعير والعظيم‬
‫فقال‪ :‬إن العظيم ميتية ولييس الشعير ميتية‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيو‬
‫اختلفهيم فيميا ينطلق علييه اسيم الحياة مين أفعال العضاء‪ .‬فمين‬
‫رأى أن النميييو والتغذي هيييو مييين أفعال الحياة قال‪ :‬إن الشعييير‬
‫والعظام إذا فقدت النمييو والتغذي فهييي ميتيية‪ .‬وميين رأى أنييه ل‬
‫ينطلق اسيييم الحياة إل على الحيييس قال‪ :‬إن الشعييير والعظام‬
‫ليسيت بميتية لنهيا ل حيس لهيا‪ .‬ومين فرق بينهميا أوجيب للعظام‬
‫الحييس ولم يوجييب للشعيير‪ .‬وفييي حييس العظام اختلف‪ ،‬والميير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مختلف فييه بيين الطباء‪ ،‬ومميا يدل على أن التغذي والنميو ليسيا‬
‫هميا الحياة التيي يطلق على عدمهيا اسيم الميتية‪ ،‬أن الجمييع قيد‬
‫اتفقوا على أن ما قطع من البهيمة وهي حية أنه ميتة لو زود ذلك‬
‫في الحديث وهو قوله عليه الصلة والسلم "ما قطع من البهيمة‬
‫وهيي حيية فهيو ميتية" واتفقوا على أن الشعير إذا قطيع مين الحيي‬
‫أنيه طاهير‪ ،‬ولو انطلق اسيم الميتية على مين فقيد التغذي والنميو‬
‫لقييل فيي النبات المقلوع إنيه ميتية‪ ،‬وذلك أن النبات فييه التغذي‬
‫والنمييو‪ ،‬وللشافعييي أن يقول إن التغذي الذي ينطلق على عدمييه‬
‫اسم الموت هو التغذي الموجود في الحساس‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) اختلفوا فييي النتفاع بجلود الميتيية‪ ،‬فذهييب‬
‫قوم إلى النتفاع بجلودهيا مطلقيا دبغيت أو لم تدبيغ‪ ،‬وذهيب قوم‬
‫إلى خلف هذا‪ ،‬وهو أل ينتفع به أصل‪ ،‬وإن دبغت وذهب قوم إلى‬
‫الفرق بيين أن تدبيغ وأن ل تدبيغ‪ ،‬ورأوا أن الدباغ مطهير لهيا‪ ،‬وهيو‬
‫مذهييب الشافعييي وأبييي حنيفيية‪ ،‬وعيين مالك فييي ذلك روايتان‪:‬‬
‫إحداهميا مثيل قول الشافعيي‪ ،‬والثانيية أن الدباغ ل يطهرهيا‪ ،‬ولكين‬
‫تستعمل في اليابسات‪ ،‬والذين ذهبوا إلى أن الدباغ مطهر اتفقوا‬
‫على أنيه مطهير لميا تعميل فييه الذكاة مين الحيوان‪ :‬أعنيي المباح‬
‫الكل‪ ،‬واختلفوا فيما ل تعمل فيه الذكاة‪ ،‬فذهب الشافعي إلى أنه‬
‫مطهيير لمييا تعمييل فيييه الذكاة فقييط‪ ،‬وأنييه بدل منهييا فييي إفادة‬
‫الطهارة‪ .‬وذهييب أبييو حنيفيية إلى تأثييير الدباغ فييي جميييع ميتات‬
‫الحيوان مييا عدا الخنزييير‪ .‬وقال داود‪ :‬تطهيير حتييى جلد الخنزييير‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم تعارض الثار فيي ذلك‪ ،‬وذلك أنه ورد فيي حديث‬
‫ميمونة إباحة النتفاع بها مطلقا‪ ،‬وذلك أن فيه أنه مر بميتة‪ ،‬فقال‬
‫علييه الصييلة والسيلم "هل انتفعتييم بجلدهييا؟" وفييي حديييث ابيين‬
‫عكيم منع النتفاع بها مطلقا‪ ،‬وذلك أن فيه "أن رسول الله صلى‬
‫الله علييه وسيلم كتيب‪ :‬أل تنتفعوا مين الميتية بإهاب ول عصيب"‬
‫قال‪ :‬وذلك قبيل موتيه بعام‪ .‬وفيي بعضهيا المير بالتنفاع بهيا بعيد‬
‫الدباغ والمنيع قبيل الدباغ‪ ،‬والثابيت فيي هذا الباب هيو حدييث ابين‬
‫عباس أنيه علييه الصيلة والسيلم قال "إذا دبيغ الهاب فقيد طهير"‬
‫فلمكان اختلف هذه الثار اختلف الناس فيي تأويلهيا‪ ،‬فذهيب قوم‬
‫مذهييب الجمييع على حديييث ابيين عباس‪ ،‬أعنييي أنهييم فرقوا فييي‬
‫النتفاع بها بين المدبوغ وغير المدبوغ‪ .‬وذهب قوم مذهب النسخ‪،‬‬
‫فأخذوا بحديييث ابيين عكيييم لقوله فيييه موتييه بعام‪ .‬وذهييب قوم‬
‫مذهيب الترجييح لحدييث ميمونية‪ ،‬ورأوا أنيه يتضمين زيادة على ميا‬
‫في حديث ابن عباس‪ ،‬وأن تحريم النتفاع ليس يخرج من حديث‬
‫ابن عباس قبل الدباغ‪ ،‬لن التنفاع غير الطهارة‪ ،‬أعني كل طاهر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ينتفع به‪ ،‬وليس يلزم عكس هذا المعنى‪ ،‬أعني أن كل ما ينتفع به‬
‫هو طاهر‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الرابعيية) اتفييق العلماء على أن دم الحيوان البري‬
‫نجيس‪ ،‬واختلفوا فيي دم السيمك‪ ،‬وكذلك اختلفوا فيي الدم القلييل‬
‫مين دم الحيوان غيير البحري‪ ،‬فقال قوم‪ :‬دم السيمك طاهير‪ ،‬وهيو‬
‫أحييد قولي مالك ومذهييب الشافعييي‪ .‬وقال قوم‪ :‬هييو نجييس على‬
‫أصييل الدماء‪ ،‬وهييو قول مالك فييي المدونيية‪ .‬وكذلك قال قوم‪ :‬إن‬
‫قليل الدماء معفو عنه‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل القليل منها والكثير حكمه‬
‫واحييد‪ ،‬والول عليييه الجمهور‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم فييي دم‬
‫السيمك هيو اختلفهيم فيي ميتتيه‪ ،‬فمين جعيل ميتتيه داخلة تحيت‬
‫عموم التحريييم جعييل دمييه كذلك‪ ،‬وميين أخرج ميتتييه أخرج دمييه‬
‫قياسيا على الميتتية‪ ،‬وفيي ذلك أثير ضعييف وهيو قوله علييه الصيلة‬
‫والسيييييلم "أحلت لنيييييا ميتتان ودمان الجراد والحوت‪ ،‬والكبيييييد‬
‫والطحال"‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي كثيير الدم وقليله فسيببه اختلفهيم‬
‫فيي القضاء بالمقييد على المطلق أو بالمطلق على المقييد‪ ،‬وذلك‬
‫أنه ورد تحريم الدم مطلقا في قوله تعالى {حرمت عليكم الميتة‬
‫والدم ولحييم الخنزييير} وورد مقيدا فييي قوله تعالى {قييل ل أجييد‬
‫فيمييا أوحييي إلي محرمييا} إلى قوله {أو دمييا مسييفوحا أو لحييم‬
‫خنزييير} فميين قضييى بالمقيييد على المطلق وهييم الجمهور قال‬
‫المسيفوح هيو النجيس المحرم فقيط‪ ،‬ومين قضيى بالمطلق على‬
‫المقيد لن فيه زيادة قال‪ :‬المسفوح وهو الكثيير‪ ،‬وغير المسفوح‬
‫وهيو القلييل‪ ،‬كيل ذلك حرام‪ ،‬وأييد هذا بأن كيل ميا هيو نجيس لعينيه‬
‫فل يتبعض‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الخامسية) اتفيق العلماء على نجاسية بول ابين آدم‬
‫ورجيعه إل بول الصبي الرضيع‪ ،‬واختلفوا فيما سواه من الحيوان‪،‬‬
‫فذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أنها كلها نجسة‪ .‬وذهب قوم إلى‬
‫طهارتهييا بإطلق‪ ،‬أعنييي فضلتييي سييائر الحيوان البول والرجيييع‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬أبوالهيا وأرواثهيا تابعية للحومهيا‪ ،‬فميا كان منهيا لحومهيا‬
‫محرمية فأبوالهيا وأرواثهيا نجسية محرمية‪ ،‬وميا كان منهيا لحومهيا‬
‫مأكولة فأبوالهيا وأوراثهيا طاهرة‪ ،‬ميا عدا التيي تأكيل النجاسية‪ ،‬وميا‬
‫كان منها مكروهة فأبوالها وأوراثها مكروهة‪ ،‬وبهذا قال مالك كما‬
‫قال أبو حنيفة بذلك في السآر‪ .‬وسبب اختلفهم شيئان‪ :‬أحدهما‬
‫اختلفهييم فييي مفهوم الباحيية الواردة فييي الصييلة فييي مرابييض‬
‫الغنيم‪ ،‬وإباحتيه علييه الصيلة والسيلم للعرنييين شرب أبوال البيل‬
‫وألبانها‪ ،‬وفي مفهوم النهي عن الصلة في أعطان البل‪ .‬والسبب‬
‫الثانيي اختلفهيم فيي قياس سيائر الحيوان فيي ذلك على النسيان‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فمين قاس سيائر الحيوان على النسيان ورأى أنيه مين باب قياس‬
‫الولى والحرى لم يفهييم ميين إباحيية الصييلة فييي مرابييض الغنييم‬
‫طهارة أرواثها وأبوالها جعل ذلك عبادة‪ ،‬ومن فهم من النهي عن‬
‫الصيلة فيي أعطان البيل النجاسية وجعيل إباحتيه للعرنييين أبوال‬
‫البيل لمكان المداواة على أصيله فيي إجازة ذلك قال‪ :‬كيل رجييع‬
‫وبول ف هو نجس‪ ،‬ومن فهيم من حديث إباحة الصلة في مرابض‬
‫الغنيم طهارة أرواثهيا وأبوالهيا وكذلك مين حدييث العرنييين وجعيل‬
‫النهيي عين الصيلة فيي أعطان البيل عبادة أو لمعنيى غيير معنيى‬
‫النجاسييية‪ ،‬وكان الفرق عنده بيييين النسيييان وبهيمييية النعام أن‬
‫فضلتيي النسيان مسيتقذرة بالطبيع وفضلتيي بهيمية النعام ليسيت‬
‫كذلك جعييل الفضلت تابعيية للحوم والله أعلم‪ .‬وميين قاس على‬
‫بهيمية النعام غيرهيا جعيل الفضلت كلهيا ميا عدا فضلتيي النسيان‬
‫غير نجسة ول محرمة والمسألة محتملة‪ ،‬ولول أنه ل يجوز إحداث‬
‫قول لم يتقدم إليييه أحييد فييي المشهور‪ ،‬وإن كانييت مسييألة فيهييا‬
‫خلف لقيييل إن مييا ينتيين منهييا ويسييتقذر بخلف مييا ل ينتيين ول‬
‫يسيتقذر‪ ،‬وبخاصية ميا كان منهيا رائحتيه حسينة لتفاقهيم على إباحية‬
‫العنييبر وهييو عنييد أكثيير الناس فضلة ميين فضلت حيوان البحيير‪،‬‬
‫وكذلك المسيك‪ ،‬وهيو فضلة دم الحيوان الذي يوجيد المسيك فييه‬
‫فيما يذكر‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيادسة) اختلف الناس فيي قلييل النجاسيات على‬
‫ثلثيية أقوال‪ :‬فقوم رأوا قليلهييا وكثيرهييا سييواء‪ ،‬ومميين قال بهذا‬
‫القول الشافعي‪ .‬وقوم رأوا أن قليل النجاسات معفو عنه‪ ،‬وحدوه‬
‫بقدر الدرهييم البغلي‪ ،‬ومميين قال بهذا القول أبييو حنيفيية‪ ،‬وشييذ‬
‫محميد بين الحسين فقال‪ :‬إن كانيت النجاسية ربيع الثوب فميا دونيه‬
‫جازت بييه الصييلة‪ .‬وقال فريييق ثالث‪ :‬قليييل النجاسييات وكثيرهييا‬
‫سييواء إل الدم على مييا تقدم‪ ،‬وهييو مذهييب مالك‪ ،‬وعنييه فييي دم‬
‫الحيض روايتان والشهر مساواته لسائر الدماء‪ .‬وسبب اختلفهم‬
‫اختلفهييم فييي قياس قليييل النجاسيية على الرخصيية الواردة فييي‬
‫الستجمار للعلم بأن النجاسة هناك باقية‪ ،‬فمن أجاز القياس على‬
‫ذلك استجاز قليل النجاسة‪ ،‬ولذلك حدوه بالدرهم قياسا على قدر‬
‫المخرج‪ ،‬ومين رأى أن تلك رخصية والرخيص ل يقاس عليهيا منيع‬
‫ذلك‪ .‬وأميييا سيييبب اسيييتثناء مالك مييين ذلك الدماء‪ ،‬فقيييد تقدم‪،‬‬
‫وتفصيل مذهب أبي حنيفة أن النجاسات عنده تنقسم إلى مغلظة‬
‫ومخففية‪ ،‬وأن المغلظية هيي التيي يعفيى منهيا عين قدر الدرهيم‪،‬‬
‫والمخففة هي التي يعفى منها عن ربع الثوب‪ ،‬والمخففة عندهم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مثيل أرواث الدواب‪ ،‬وميا ل تنفيك منيه الطرق غالبيا‪ ،‬وتقسييمهم‬


‫إياها إلى مغلظة ومخففة حسن جدا‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيابعة) اختلفوا فيي المنيي‪ :‬هيل هيو نجيس أم ل؟‬
‫فذهبيت طائفية منهيم مالك وأبيو حنيفية إلى أنيه نجيس‪ ،‬وذهبيت‬
‫طائفية إلى أنيه طاهير‪ ،‬وبهذا قال الشافعيي وأحميد وداود وسيبب‬
‫اختلفهم فيه شيئان‪ :‬أحدهما اضطراب الرواية في حديث عائشة‬
‫وذلك أن في بعضها "كنت أغسل ثوب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسيلم مين المنيي فيخرج إلى الصيلة وإن فييه لبقيع الماء" وفيي‬
‫بعضها "أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي‬
‫بعضهيا "فيصيلي فييه" خرج هذه الزيادة مسيلم‪ .‬والسيبب الثانيي‬
‫تردد المنيي بيين أن يشبيه بالحداث الخارجية مين البدن‪ ،‬وبيين أن‬
‫يشبييييه بخروج الفضلت الطاهرة كاللبيييين وغيره‪ ،‬فميييين جمييييع‬
‫الحادييث كلهيا بأن حميل الغسيل على باب النظافية‪ ،‬واسيتدل مين‬
‫الفرك على الطهارة على أصييله فييي أن الفرك ل يطهيير نجاسيية‪،‬‬
‫وقاسيه على اللبين وغيره مين الفضلت الشريفية لم يره نجسيا‪،‬‬
‫ومين رجيح حدييث الغسيل على الفرك وفهيم منيه النجاسية وكان‬
‫بالحداث عنده أشبه منه مما ليس بحدث قال‪ :‬إنه نجس‪ ،‬وكذلك‬
‫أيضيا مين اعتقيد أن النجاسية تزول بالفرك قال‪ :‬الفرك يدل على‬
‫نجاسيته كميا يدل الغسيل وهيو مذهيب أبيي حنيفية‪ ،‬وعلى هذا فل‬
‫حجة لولئك في قولها فيصلي فيه‪ ،‬بل فيه حجة لبي حنيفة في‬
‫أن النجاسة تزال بغير الماء وهو خلف قول الماليكة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في معرفة المحال التي يجب إزالتها عنها‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا المحال التيي تزال عنهيا النجاسيات فثلثية ول خلف فيي‬
‫ذلك‪ :‬أحدهييا البدان‪ ،‬ثييم الثياب‪ ،‬ثييم المسيياجد ومواضييع الصييلة‪.‬‬
‫وإنميا اتفيق العلماء على هذه الثلثية لنهيا منطوق بهيا فيي الكتاب‬
‫والسنة‪ .‬أما الثياب ففي قوله تعالى {وثيابك فطهر} على مذهب‬
‫ميين حملهييا على الحقيقيية‪ ،‬وفييي الثابييت ميين أمره عليييه الصييلة‬
‫والسييلم بغسييل الثوب ميين دم الحيييض وصييبه الماء على بول‬
‫الصييبي الذي بال عليييه‪ .‬وأمييا المسيياجد فلمره عليييه الصييلة‬
‫والسييلم بصييب ذنوب مين ماء على بول العرابييي الذي بال فييي‬
‫المسيجد‪ ،‬وكذلك ثبيت عنيه علييه الصيلة والسيلم "أنيه أمير بغسيل‬
‫المذي ميين البدن وغسييل النجاسييات ميين المخرجييين" واختلف‬
‫الفقهاء هل يغسل الذكر كله من المذي أم ل؟ لقوله عليه الصلة‬
‫والسيلم فيي حدييث علي المشهور‪ ،‬وقيد سيئل عين المذي فقال‬
‫"يغسيل ذكره ويتوضيأ" وسيبب الخلف فييه هيو‪ :‬هيل الواجيب هيو‬
‫الخيذ بأوائل السيماء أو بأواخرهيا؟ فمين رأى أنيه بأواخرهيا‪ :‬أعنيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بأكثيير مييا ينطلق عليييه السييم قال يغسييل الذكيير كله‪ ،‬وميين رأى‬
‫الخيذ بأقيل ميا ينطلق علييه قال إنميا يغسيل موضيع الذى فقيط‬
‫قياسا على البول والمذي‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في الشيء الذي تزال به‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا الشيييء الذي بييه تزال‪ ،‬فإن المسييلمين اتفقوا على أن‬
‫الماء الطاهر المطهر يزيلها من هذه الثلثة المحال‪ ،‬واتفقوا أيضا‬
‫على أن الحجارة تزيلهيا مين المخرجيين‪ ،‬واختلفوا فيميا سيوى ذلك‬
‫مين المائعات والجامدات التيي تزيلهيا‪ .‬فذهيب قوم إلى أن ميا كان‬
‫طاهرا يزيييل عييين النجاسيية مائعييا كان أو جامدا فييي أي موضييع‬
‫كانيت‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل تزال النجاسية‬
‫بميا سيوى الماء إل فيي السيتجمار فقيط المتفيق علييه‪ ،‬وبيه قال‬
‫مالك والشافعي‪ .‬واختلفوا أيضا في إزالتها في الستجمار بالعظم‬
‫والروث‪ ،‬فمنيع ذلك قوم‪ ،‬وأجازه بغيير ذلك مميا ينقيي‪ ،‬واسيتثنى‬
‫مالك من ذلك ما هو مطعوم ذو حرمة كالخبز‪ ،‬وقد قيل ذلك فيما‬
‫في استعماله سرف كالذهب والياقوت‪ .‬وقوم قصروا النقاء على‬
‫الحجار فقيط‪ ،‬وهيو مذهيب أهيل الظاهير‪ .‬وقوم أجازوا السيتنجاء‬
‫بالعظم دون الروث وإن كان مكروها عندهم‪ .‬وشذ الطبري فأجاز‬
‫الستجمار بكل طاهر ونجس‪ .‬وسبب اختلفهم في إزالة النجاسة‬
‫بمييا عدا الماء فيمييا عدا المخرجييين هييو‪ :‬هييل المقصييود بإزالة‬
‫النجاسية بالماء هيو إتلف عينهيا فقيط فيسيتوي فيي ذلك ميع الماء‬
‫كيل ميا يتلف عينهيا؟ أم للماء فيي ذلك مزييد خصيوص لييس بغيير‬
‫الماء‪ ،‬فمن لم يظهر عنده للماء مزيد خصوص قال بإزالتها بسائر‬
‫المائعات والجامدات الطاهرة‪ ،‬وأييييييد هذا المفهوم بالتفاق على‬
‫إزالتهيا مين المخرجيين بغيير الماء‪ ،‬وبميا ورد مين حدييث أم سيلمة‬
‫أنهييا قالت "إنييي أمرأة أطيييل ذيلي وأمشييي فييي المكان القذر‪،‬‬
‫فقال لهييا رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم يطهره مييا بعده"‬
‫وكذلك بالثار التي خرجها أبو داود في هذا مثل قوله عليه الصلة‬
‫والسلم "إذا وطئ أحدكم الذى بنعليه فإن التراب له طهور" إلى‬
‫غيير ذلك مميا روي فيي هذا المعنيى‪ ،‬ومين رأى أن للماء فيي ذلك‬
‫مزيييد خصييوص منييع ذلك إل فييي موضييع الرخصيية فقييط‪ ،‬وهييو‬
‫المخرجان‪ ،‬ولما طالبت الحنفية الشافعية بذلك الخصوص المزيد‬
‫الذي للماء لجئوا فييي ذلك إلى أنهييا عبادة إذ لم يقدروا أن يعطوا‬
‫في ذلك سببا معقول‪ ،‬حتى أنهم سلموا أن الماء ل يزيل النجاسة‬
‫بمعنى معقول‪ ،‬وإنما إزالته بمعنى شرعي حكمي‪ ،‬وطال الخطب‬
‫والجدل بينهييم‪ :‬هييل إزالة النجاسيية بالماء عبادة أو معنييى معقول‬
‫خلفا عن سلف‪ ،‬واطرت الشافعية إلى أن تثبت أن في الماء قوة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شرعيية فيي رفيع أحكام النجاسيات ليسيت فيي غيره‪ ،‬وإن اسيتوى‬
‫مع سائر الشياء في إزالة العين‪ ،‬وأن المقصود إنما هو إزالة ذلك‬
‫الحكيم الذي اختيص بيه الماء لذهاب عيين النجاسية‪ ،‬بيل قيد يذهيب‬
‫العيين ويبقيى الحكيم فباعدوا المقصيد وقيد كانوا اتفقوا قبيل ميع‬
‫الحنفيين أن طهارة النجاسة ليست طهارة حكمية أعني شرعية‪،‬‬
‫ولذلك لم تحتييج إلى نييية ولو راموا النفصييال عنهييم بأنييا نرى أن‬
‫للماء قوة إحالة للنجاس والدناس وقلعهيييا مييين الثياب والبدان‬
‫ليسييت لغيره‪ ،‬ولذلك اعتمده الناس فييي تنظيييف البدان والثياب‬
‫لكان قول جيدا وغيره بعييد‪ ،‬بيل لعله واجيب أن يعتقييد أن الشرع‬
‫إنميا اعتميد فيي كيل موضيع غسيل النجاسية بالماء لهذه الخاصيية‬
‫التيي فيي الماء‪ ،‬ولو كانوا قالوا هذا لكانوا قيد قالوا فيي ذلك قول‬
‫هيو أدخيل فيي المذهيب الفقيه الجاري على المعانيي وإنميا يلجيأ‬
‫الفقيييه إلى أن يقول عبادة إذا ضاق عليييه المسييلك مييع الخصييم‪،‬‬
‫فتأمل ذلك فإنه بين من أمرهم في أكثر المواضع‪ .‬وأما اختلفهم‬
‫فيي الروث فسيببه اختلفهيم فيي المفهوم مين النهيي الوارد فيي‬
‫ذلك عنيه علييه الصيلة والسيلم‪ ،‬أعنيي أمره علييه الصيلة والسيلم‬
‫أن ل يستنجي بعظيم ول روث‪ ،‬فمن دل عنده النهيي على الفساد‬
‫لم يجييز ذلك‪ ،‬وميين لم ييير ذلك إذ كانييت النجاسيية معنييى معقول‬
‫حمييل ذلك على الكراهييية ولم يعده إلى إبطال السييتنجاء بذلك‪،‬‬
‫ومن فرق بين العظام والروث فلن الروث نجس عنده‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس في صفة إزالتها‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا الصييفة التييي بهييا تزول فاتفييق العلماء على أنهييا غسييل‬
‫ومسييح ونضييح لورود ذلك فييي الشرع وثبوتييه فييي الثار‪ .‬واتفقوا‬
‫على أن الغسيييل عام لجمييييع أنواع النجاسيييات ولجمييييع محال‬
‫النجاسيات‪ ،‬وأن المسيح بالحجار يجوز فيي المخرجيين ويجوز فيي‬
‫الخفييين وفييي النعلييين ميين العشييب اليابييس‪ ،‬وكذلك ذيييل المرأة‬
‫الطوييل اتفقوا على أن طهارتيه هيي على ظاهير حدييث أم سيلمة‬
‫ميين العشييب اليابييس‪ ،‬واختلفوا ميين ذلك فييي ثلث مواضييع هييي‬
‫أصيول هذا الباب‪ :‬أحدهيا فيي النضيح لي نجاسية هيو والثانيي فيي‬
‫المسييح لي محييل هييو ولي نجاسيية هييو بعييد أن اتفقوا على مييا‬
‫ذكرناه‪ .‬والثالث اشتراط العدد فيي الغسيل والمسيح‪ .‬أميا النضيح‬
‫فإن قومييييا قالوا‪ :‬هذا خاص بإزالة بول الطفييييل الذي لم يأكييييل‬
‫الطعام‪ .‬وقوم فرقوا بييين بول الذكيير فييي ذلك والنثييى‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫ينضيح بول الذكير ويغسيل بول النثيى‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬الغسيل طهارة‬
‫ما يتيقن بنجاسته‪ ،‬والنضح طهارة ما شك فيه‪ ،‬وهو مذهب مالك‬
‫بيين أنييس رضييي الله عنييه‪ .‬وسييبب اختلفهييم تعارض ظواهيير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحادييث فيي ذلك‪ ،‬أعنيي اختلفهيم فيي مفهومهيا‪ ،‬وذلك أن ههنيا‬


‫حديثيين ثابتيين فيي النضيح‪ :‬أحدهميا حدييث عائشية "أن النيبي علييه‬
‫الصلة والسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم‪ ،‬فأتى‬
‫بصيبي فبال علييه‪ ،‬فدعيا بماء فأتبعيه بوله ولم يغسيله" وفيي بعيض‬
‫رواياتيه "فنضحيه ولم يغسيله" خرجيه البخاري والخير حدييث أنيس‬
‫المشهور حين وصف صلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫بيتييه قال‪ :‬فقمييت إلى حصييير لنييا قييد أسييود ميين طول مييا لبييث‪،‬‬
‫فنضحته بالماء‪ .‬ف من الناس من صار إلى الع مل بمقتضى حديث‬
‫عائشية‪ .‬وقال‪ :‬هذا خاص ببول الصيبي واسيتثناه مين سيائر البول‪.‬‬
‫ومن الناس من رحج الثار الواردة في الغسل على هذا الحديث‪،‬‬
‫وهيو مذهيب مالك‪ ،‬ولم يير النضيح إل الذي فيي حدييث أنيس‪ ،‬وهيو‬
‫الثوب المشكوك فيييه على ظاهيير مفهومييه‪ .‬وأمييا الذي فرق فييي‬
‫ذلك بين بول الذكر والنثى‪ ،‬فإنه اعتمد على ما رواه أبو داود عن‬
‫أبيي السيمح مين قوله علييه الصيلة والسيلم "يغسيل بول الجاريية‬
‫ويرش بول الصيبي" وأميا مين لم يفرق فإنميا اعتميد قياس النثيى‬
‫على الذكير الذي ورد فييه الحدييث الثابيت‪ .‬وأميا المسيح فإن قوميا‬
‫أجازوه فيي أي محيل كانيت النجاسية إذا ذهيب عينهيا على مذهيب‬
‫أبييي حنيفيية‪ ،‬وكذلك الفرك على قياس ميين يرى أن كييل مييا أزال‬
‫العييين فقييد طهيير‪ ،‬وقوم لم يجيزوه إل فييي المتفييق عليييه وهييو‬
‫المخرج وفيي ذييل المرأة وفيي الخيف‪ ،‬وذلك مين العشيب اليابيس‬
‫ل ميين الذى غييير اليابييس وهييو مذهييب مالك‪ ،‬وهؤلء لم يعدوا‬
‫المسيح إلى غيير المواضيع التيي جاءت فيي الشرع‪ ،‬وأميا الفرييق‬
‫الخر فإنهم عدوه‪ .‬والسبب في اختلفهم في ذلك هل ما ورد من‬
‫ذلك رخصة أو حكم؟ فمن قال رخصة لم يعدها إلى غيرها‪ :‬أعني‬
‫لم يقييس عليهييا‪ ،‬وميين قال هييو حكييم ميين أحكام إزالة النجاسيية‬
‫كحكم الغسل عداه‪ .‬وأما اختلفهم في العدد‪ ،‬فإن قوما اشترطوا‬
‫البقاء فقييط فييي الغسييل والمسييح‪ ،‬وقوم اشترطوا العدد فييي‬
‫السيتجمار وفيي الغسيل‪ ،‬والذيين اشترطوه فيي الغسيل منهيم مين‬
‫اقتصيير على المحييل الذي ورد فيييه العدد فييي الغسييل بطريييق‬
‫السمع‪ ،‬ومنهم من عداه إلى سائر النجاسات‪ ،‬أما من لم يشترط‬
‫العدد ل في غسل ول في مسح فمنهم مالك وأبو حنيفة‪ ،‬وأما من‬
‫اشترط فيي السيتجمار العدد‪ :‬أعنيي ثلثية أحجار ل أقيل مين ذلك‪،‬‬
‫فمنهم الشافعي وأهل الظاهر‪ ،‬وأما من اشترط العدد في الغسل‬
‫واقتصير بيه على محله الذي ورد فييه وهيو غسيل الناء سيبعا مين‬
‫ولوغ الكلب‪ ،‬فالشافعيي ومن قال بقوله‪ .‬وأميا من عداه واشترط‬
‫السيبع فيي غسيل النجاسيات ففيي أغلب ظنيي أن أحميد بين حنبيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫منهييم‪ .‬وأبييو حنيفيية يشترط الثلثيية فييي إزالة النجاسيية الغييير‬


‫محسوسة العين أعني الحكمية‪ .‬وسبب اختلفهم في هذا تعارض‬
‫المفهوم مين هذه العبادة لظاهير اللفيظ فيي الحادييث التيي ذكير‬
‫فيهييا العدد‪ ،‬وذلك أن ميين كان المفهوم عنده ميين الميير بإزالة‬
‫النجاسيية إزالة عينهييا لم يشترط العدد أصييل‪ ،‬وجعييل العدد الوارد‬
‫من ذلك في الستجمار في حديث سلمان الثابت الذي فيه المر‬
‫أن ل يسيتنجي بأقيل مين ثلثية أحجار على سيبيل السيتحباب حتيى‬
‫يجمييع بييين المفهوم ميين الشرع والمسييموع ميين هذه الحاديييث‪،‬‬
‫وجعيل العدد المشترط فيي غسيل الناء مين ولوغ الكلب عبادة ل‬
‫لنجاسية كميا تقدم مين مذهيب مالك‪ .‬وأميا مين صيار إلى ظواهير‬
‫هذه الثار واسييييتثناها ميييين المفهوم فاقتصيييير بالعدد على هذه‬
‫المحال التي ورد العدد فيها‪ ،‬وأما من رجح الظاهر على المفهوم‬
‫فإنيه عدى ذلك إلى سيائر النجاسيات‪ .‬وأميا حجية أبيي حنيفية فيي‬
‫الثلثة فقوله عليه الصلة والسلم "إذا استيقظ أحدكم من نومه‬
‫فليغسل يده ثلثا قبل أن يدخلها في إنائه"‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس في آداب الستنجاء‪.‬‬
‫@‪-‬وأميييا آداب السيييتنجاء ودخول الخلء فأكثرهيييا محمولة عنيييد‬
‫الفقهاء على الندب‪ ،‬وهي معلومة من السنة كالبعد في المذهب‬
‫إذا أراد الحاجة وترك الكلم عليها‪ ،‬والنهي عن الستنجاء باليمين‪،‬‬
‫وأن ل يمييس ذكره بيمينييه‪ ،‬وغييير ذلك ممييا ورد فييي الثار‪ ،‬وإنمييا‬
‫اختلفوا من ذلك في مسألة واحدة مشهورة وهي استقبال القبلة‬
‫للغائط والبول واسييتدبارها‪ ،‬فإن للعلماء فيهييا ثلثيية أقوال‪ :‬أنييه ل‬
‫يجوز أن تسيتقبل القبلة لغائط ول بول أصيل‪ ،‬ول فيي موضيع مين‬
‫المواضييييع‪ ،‬وقول إن ذلك يجوز بإطلق‪ .‬وقول إنييييه يجوز فييييي‬
‫المبانييي والمدن ول يجوز ذلك فييي الصييحراء وفييي غييير المبانييي‬
‫والمدن‪ .‬والسيييبب فيييي اختلفهيييم هذا حديثان متعارضان ثابتان‪:‬‬
‫أحده ما حدييث أبيي أيوب النصاري أنه قال علييه الصلة والسلم‬
‫"إذا أتيتيم الغائط فل تسيتقبلوا القبلة ول تسيتدبروها ولكين شرقوا‬
‫أو غربوا"‪ .‬والحديييث الثانييي حديييث عبييد الله بيين عميير أنييه قال‬
‫"ارتقييت على ظهير بييت أختيي حفصية‪ ،‬فرأييت رسيول الله صيلى‬
‫الله علييييه وسيييلم قاعدا لحاجتيييه على لبنتيييين مسيييتقبل الشام‬
‫مسيتدبر القبلة" فذهيب الناس فيي هذيين الحديثيين ثلثية مذاهيب‪:‬‬
‫أحدهيا مذهيب الجميع‪ .‬والثانيي مذهيب الترجييح‪ .‬والثالث مذهيب‬
‫الرجوع إلى البراءة الصيييلية إذا وقيييع التعارض‪ ،‬وأعنيييي بالبراءة‬
‫الصيلية عدم الحكيم‪ ،‬فمين ذهيب مذهيب الجميع حميل حدييث أبيي‬
‫أيوب النصاري على الصحاري وحيث ل سترة‪ ،‬وحمل حديث ابن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عمر على السترة‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ .‬ومن ذهب مذهب الترجيح‬
‫رجيح حدييث أبيي أيوب‪ ،‬لنيه إذا تعارض حديثان أحدهميا فييه شرع‬
‫موضوع‪ ،‬والخيير موافييق للصييل الذي هييو عدم الحكييم ولم يعلم‬
‫المتقدم منهميا مين المتأخير وجيب أن يصيار إلى الحدييث المثبيت‬
‫للشرع‪ ،‬لنيه قيد وجيب العميل بنقله مين طرييق العدول‪ ،‬وتركيه‬
‫الذي ورد أيضا من طريق العدول يمكن أن يكون ذلك قبيل شرع‬
‫ذلك الحكييم‪ ،‬ويمكيين أن يكون بعده‪ ،‬فلم يجييز أن نترك شرعييا‬
‫وجب العمل به بظن لم نؤمر أن نوجب النسخ به إل لو نقل أنه‬
‫كان بعده‪ ،‬فإن الظنون التييييي تسييييتند إليهييييا الحكام محدودة‬
‫بالشرع‪ :‬أعني التي توجب رفعها أو إيجابها‪ ،‬وليست هي أي ظن‬
‫اتفيق‪ ،‬ولذلك يقولون إن العميل ميا لم يجيب بالظين وإنميا وجيب‬
‫بالصيييل المقطوع بيييه‪ ،‬يريدون بذلك الشرع المقطوع بيييه الذي‬
‫أوجيب العميل بذلك النوع مين الظين‪ ،‬وهذه الطريقية التيي قلناهيا‬
‫هيي طريقية أبيي محميد بين حزم الندلسيي‪ ،‬وهيي طريقية جيدة‬
‫مبنية على أصول أهل الكلم الفقهي‪ ،‬وهو راجع إلى أنه ل يرتفع‬
‫بالشيك ميا ثبيت بالدلييل الشرعيي‪ .‬وأميا مين ذهيب مذهيب الرجوع‬
‫إلى الصل عند التعارض فهو مبني على أن الشك يسقط الحكم‬
‫ويرفعه وأنه كل حكم‪ ،‬وهو مذهب داود الظاهري‪ ،‬ولكن خالفه أبو‬
‫محمد بن حزم في هذا الصل مع أنه من أصحابه‪ .‬قال القاضي‪:‬‬
‫فهذا هيو الذي رأينيا أن نثبتيه فيي هذا الكتاب مين المسيائل التيي‬
‫ظننيا أنهيا تجري مجرى الصيول‪ ،‬وهيي التيي نطيق بهيا فيي الشرع‬
‫أكثر ذلك‪ ،‬أعني أن أكثرها يتعلق بالمنطوق به‪ ،‬إما تعلقا قريبا‪ ،‬أو‬
‫قريبيا مين القرييب‪ ،‬وإن تذكرنيا لشييء مين هذا الجنيس أثبتناه فيي‬
‫هذا الباب‪ ،‬وأكثير ميا عولت فيميا نقلتيه مين نسيبة هذه المذاهيب‬
‫إلى أربابهيا هيو كتاب السيتذكار‪ ،‬وأنيا قيد أبحيت لمين وقيع مين ذلك‬
‫على وهم لي أن يصلحه‪ ،‬والله المعين والموفق‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الصلة‪.‬‬
‫@‪(-‬بسم الله الرحمن الرحيم) وصلى الله على سيدنا محمد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما‪.‬‬
‫الصييلة تنقسييم أول وبالجملة إلى فرض‪ ،‬وندب‪ .‬والقول المحيييط‬
‫بأ صول هذه العبادة ينحصر بالجملة في أربعة أجناس‪ :‬أعنيي أربع‬
‫جمل‪ :‬الجملة الولى‪ :‬في معرفة الوجوب وما يتعلق به‪ .‬والجملة‬
‫الثانيييية‪ :‬فيييي معرفييية شروطهيييا الثلث‪ :‬أعنيييي شروط الوجوب‬
‫وشروط الصييحة وشروط التمام والكمال‪ .‬والجملة الثالثيية‪ :‬فييي‬
‫معرفة ما تشتمل عليه من أفعال وأقوال‪ ،‬وهي الركان‪ .‬والجملة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الرابعة في قضائها ومعرفة إصلح ما يقع فيها من الخلل وجبره‪،‬‬


‫لنه قضاء ما إذا كان استدراكا لما فات‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الولى) وهذه الجملة فيها أربع مسائل هي في معنى‬
‫أُصول هذا الباب‪.‬‬
‫@‪-‬المسيييألة الولى‪ :‬فيييي بيان وجوبهيييا‪ .‬الثانيييية‪ :‬فيييي بيان عدد‬
‫الواجبات منهييا‪ .‬الثالثيية‪ :‬فييي بيان على ميين تجييب‪ .‬الرابعيية‪ :‬مييا‬
‫الواجب على من تركها متعمدا؟‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) أمييا وجوبهييا فييبين ميين الكتاب والسيينة‬
‫والجماع‪ ،‬وشهرة ذلك تغني عن تكلف القول فيه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) وأميا عدد الواجيب منهيا ففييه قولن‪ :‬أحدهميا‬
‫قول مالك والشافعييي والكثيير‪ ،‬وهييو أن الواجييب هييي الخمييس‬
‫صيلوات فقيط ل غيير‪ .‬والثانيي قول أبيي حنيفية وأصيحابه‪ ،‬وهيو أن‬
‫الوتير واجيب ميع الخميس‪ ،‬واختلفهيم هيل يسيمى ميا ثبيت بالسينة‬
‫واجبيييا أو فرضيييا ل معنيييى له؟‪ .‬وسيييبب اختلفهيييم الحادييييث‬
‫المتعارضة‪ .‬أما الحاديث التي مفهومها وجوب الخمس فقط بل‬
‫هيي نيص فيي ذلك فمشهورة وثابتية‪ ،‬ومين أبينهيا فيي ذلك ميا ورد‬
‫في حديث السراء المشهور "أنه لما بلغ الفرض إلى خمس قال‬
‫له موسى‪ :‬ارجع إلى ربك فإن أمتك ل تطيق ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فراجعته‪،‬‬
‫فقال تعالى‪ :‬هيييي خميييس وهيييي خمسيييون ل يبدل القول لدي"‬
‫وحديث العرابي المشهور الذي سأل النبي عليه الصلة والسلم‬
‫عن السلم فقال له‪" :‬خمس صلوات في اليوم والليلة‪ ،‬قال‪ :‬هل‬
‫علي غيرهيا؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إل أن تطوع" وأميا الحادييث التيي مفهومهيا‬
‫وجوب الوتر‪ ،‬فمنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال "إن الله قيد زادكيم صيلة‬
‫وهيي الوتير فحافظوا عليهيا" وحدييث حارثية بين حذافية قال "خرج‬
‫علينيا رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فقال‪" :‬إن الله أمركيم‬
‫بصلة هي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر وجعل ها لكم فيما‬
‫بيين صيلة العشاء إلى طلوع الفجير" وحدييث بريدة السيلمي أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال "الوتير حيق فمين لم يوتير‬
‫فليييس منييا" فميين رأى أن الزيادة هييي نسييخ ولم تقييو عنده هذه‬
‫الحاديييث قوة تبلغ بهييا أن تكون ناسييخة لتلك الحاديييث الثابتيية‬
‫المشهورة رجيح تلك الحادييث‪ ،‬وأيضيا فإنيه ثبيت مين قوله تعالى‬
‫فيي حدييث السيراء "إنيه ل يبدل القول لدي" وظاهره أنيه ل يزاد‬
‫فيها ول ينقص منها وإن كان هو في النقصان أظهر‪ ،‬والخبر ليس‬
‫يدخله النسييخ‪ ،‬وميين بلغييت عنده قوة هذه الخبار التييي اقتضييت‬
‫الزيادة على الخميس إلى رتبية توجيب العميل أوجيب المصيير الى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هذه الزيادة‪ ،‬ل سييييما إن كان ممييين يرى أن الزيادة ل توجيييب‬


‫نسخا‪ ،‬لكن ليس هذا من رأي أبي حنيفة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) وأميا على من تجيب فعلى المسيلم البالغ ول‬
‫خلف في ذلك‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الرابعة) وأما ما الواجب على من تركها عمدا وأمر‬
‫بهييا فأبييى أن يصييليها ل جحودا لفرضهييا‪ ،‬فإن قومييا قالوا‪ :‬يقتييل‪،‬‬
‫وقوميا قالوا‪ :‬يعزر ويحبيس‪ ،‬والذيين قالوا يقتيل منهيم مين أوجيب‬
‫قتله كفرا‪ ،‬وهيو مذهيب أحميد وإسيحاق وابين المبارك‪ ،‬ومنهيم مين‬
‫أوجبييه حدا وهييو مالك والشافعييي وأبييو حنيفيية وأصييحابه وأهييل‬
‫الظاهير ممين رأى حبسيه وتعزيره حتيى يصيلي‪ .‬والسيبب فيي هذا‬
‫الختلف اختلف الثار‪ ،‬وذلك أنيه ثبيت عنيه علييه الصيلة والسيلم‬
‫أنه قال "ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى ثلث‪ :‬كفر بعد إيمان‪،‬‬
‫أو زنيا بعيد إحصيان‪ ،‬أو قتيل نفيس بغيير نفيس" وروي عنيه علييه‬
‫الصلة والسلم من حديث بريدة أنه قال "العهد الذي بيننا وبينهم‬
‫الصيلة فمين تركهيا فقيد كفير" وحدييث جابر عين النيبي صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم أنييه قال "ليييس بييين العبييد وبييين الكفيير {أو قال‬
‫الشرك} إل ترك الصييلة" فميين فهييم ميين الكفيير ههنييا الكفيير‬
‫الحقيقييي جعييل هذا الحديييث كأنييه تفسييير لقوله عليييه الصييلة‬
‫والسلم "كفر بعد إيمان" ومن فهم ههنا التغليظ والتوبيخ أي أن‬
‫أفعاله أفعال كافر وأنه في صورة كافر كما قال "ل يزني الزاني‬
‫حييين يزنييي وهييو مؤميين‪ ،‬ول يسييرق السييارق حييين يسييرق وهييو‬
‫مؤمين" ولم يير قتله كفرا‪ .‬وأميا مين قال يقتيل حدا فضعييف ول‬
‫مسيتند له إل قياس شبيه ضعييف إن أمكين‪ ،‬وهيو تشيبيه الصيلة‬
‫بالقتل في كون الصلة رأس المأمورات‪ ،‬والقتل رأس المنهيات‪.‬‬
‫وعلى الجملة فاسيم الكفير إنميا ينطلق بالحقيقية على التكذييب‪،‬‬
‫وتارك الصلة معلوم أنه ليس بمكذب إل أن يتركها معتقدا لتركها‬
‫هكذا‪ ،‬فنحيين إذن بييين أحييد أمرييين‪ :‬إمييا إن أردنييا أن نفهييم ميين‬
‫الحديث الكفر الحقيقي يجب علينا أن نتأول أنه أراد عليه الصلة‬
‫والسيلم من ترك الصيلة معتقدا لتركهيا فقيد كفير‪ ،‬وإميا أن يحميل‬
‫على اسيييم الكفييير على غيييير موضوعيييه الول‪ ،‬وذلك على أحيييد‬
‫معنييين‪ :‬إميا على أن حكميه حكيم الكافير‪ :‬أعنيي فيي القتيل وسيائر‬
‫أحكام الكفار وإن لم يكن مكذبا‪ ،‬وإما على أن أفعاله أفعال كافر‬
‫على جهية التغلييظ والردع له‪ :‬أي أن فاعيل هذا يشبيه الكافير فيي‬
‫الفعال‪ ،‬إذ كان الكافر ل يصلي كما قال عليه الصلة والسلم "ل‬
‫يزنيي الزانيي حيين يزنيي وهيو مؤمين" وحمله على أن حكميه حكيم‬
‫الكافير فيي أحكاميه ل يجيب المصيير إلييه إل بدلييل لنيه حكيم لم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يثبت بعد في الشرع من طريق يجب المصير إليه‪ ،‬فقد يجب إذا‬
‫لم يدل عندنا على الكفر الحقيقي الذي هو التكذيب أن يدل على‬
‫المعنييى المجازي ل على معنييى يوجييب حكمييا لم يثبييت بعييد فييي‬
‫الشرع بل يثبت ضده‪ ،‬وهو أنه ل يحل دمه إذ هو خارج عن الثلث‬
‫الذيين نيص عليهيم الشرع فتأميل هذا‪ ،‬فإنيه بيين والله أعلم‪ .‬أعنيي‬
‫أنيه يجيب علينيا أحيد أمريين‪ :‬إميا أن نقدر فيي الكلم محذوفيا إن‬
‫أردنيا حمله على المعنيى الشرعيي المفهوم مين اسيم الكفير‪ ،‬وإميا‬
‫أن نحمله على المعنى المستعار‪ ،‬وأما حمله على أن حكمه حكم‬
‫الكافير فيي جمييع أحكاميه ميع أنيه مؤمين فشييء مفارق للصيول‪،‬‬
‫ميع أن الحدييث نيص فيي حيق مين يجيب قتله كفرا أو حدا‪ ،‬ولذلك‬
‫صار هذا القول مضاهيا لقول من يكفر بالذنوب‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثانية في الشروط)‬
‫@‪-‬وهذه الجملة فيهيييا ثمانيييية أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬فيييي معرفييية‬
‫الوقات‪ .‬الثانيي‪ :‬فيي معرفية الذان والقامية‪ .‬الثالث‪ :‬فيي معرفية‬
‫القبلة‪ .‬الرابيع‪ :‬فيي سيتر العورة واللباس فيي الصيلة‪ .‬الخاميس‪:‬‬
‫فييي اشتراط الطهارة ميين النجييس فييي الصييلة‪ .‬السييادس‪ :‬فييي‬
‫تعيين المواضع التي يصلي فيها من المواضع التي ل يصلي فيها‪.‬‬
‫السابع‪ :‬في معرفة الشروط التي هي شروط في صحة الصلة‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬في معرفة النية وكيفية اشتراطها في الصلة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في معرفة الوقات‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب ينقسم أول إلى فصلين‪ :‬الول في معرفة الوقات‬
‫المأمور بها‪ .‬الثاني في معرفة الوقات المنهي عنها‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في معرفة الوقات المأمور بها‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الفصييل ينقسييم إلى قسييمين أيضييا‪ :‬القسييم الول فييي‬
‫الوقات الموسعة والمختارة‪ .‬والثاني في أوقات أهل الضرورة‪.‬‬
‫@‪-‬القسييم الول ميين الفصييل الول ميين الباب الول ميين الجملة‬
‫الثانية‪.‬‬
‫والصيييل فيييي هذا الباب قوله تعالى {إن الصيييلة كانيييت على‬
‫المؤمنييين كتابييا موقوتييا} اتفييق المسييلمون على أن للصييلوات‬
‫الخمييس أوقاتييا خمسييا هييي شرط فييي صييحة الصييلة‪ ،‬وأن منهييا‬
‫أوقات فضيلة وأوقات توسعة‪ ،‬واختلفوا في حدود أوقات التوسعة‬
‫والفضيلة‪ ،‬وفيه خمس مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسيييألة الولى) اتفقوا على أن أول وقيييت الظهييير الذي ل‬
‫تجوز قبله هيو الزوال‪ ،‬إل خلفيا شاذا روي عين ابين عباس‪ ،‬وإل ميا‬
‫روي من الخلف في صلة الجمعة على ما سيأتي‪ ،‬واختلفوا منها‬
‫فيي موضعيين فيي آخير وقتهيا الموسيع وفيي وقتهيا المرغيب فييه‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فأما آخر وقتها الموسع فقال مالك والشافعي وأبو ثور وداود هو‬
‫أن يكون ظيل كيل شييء مثله‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬آخير الوقيت أن‬
‫يكون ظيل كيل شييء مثلييه فيي إحدى الروايتيين عنيه‪ ،‬وهيو عنده‬
‫أول وقيت العصير‪ .‬وقيد روي عنيه أن آخير وقيت الظهير هيو المثيل‪،‬‬
‫وأول وقت العصر المثلن‪ ،‬وأن ما بين المثل والمثلين ليس يصلح‬
‫لصلة الظهر‪ ،‬وبه قال صاحباه أبو يوسف ومحمد‪ .‬وسبب الخلف‬
‫فيي ذلك اختلف الحادييث وذلك أنيه ورد فيي إمامية جبرييل أنيه‬
‫صيلى بالنيبي صيلى الله علييه وسيلم الظهير فيي اليوم الول حيين‬
‫زالت الشميس‪ ،‬وفيي اليوم الثانيي حيين كان ظيل كيل شييء مثله‪،‬‬
‫ثيم قال‪" :‬الوقيت ميا بيين هذيين" وروي عنيه قال صيلى الله علييه‬
‫وسيلم‪" :‬إنميا بقاؤكيم فيميا سيلف قبلكيم مين الميم كميا بيين صيلة‬
‫العصيير إلى غروب الشمييس‪ ،‬أوتييي أهييل التوراة التوراة فعملوا‬
‫حتى إذا انتصف النهار ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا‪ ،‬ثم أوتي‬
‫أهل النجيل النجيل فعملوا إلى صلة العصر‪ ،‬ثم عجزوا فأعطوا‬
‫قيراطييا قيراطييا‪ ،‬ثييم أوتينييا القرآن فعملنييا إلى غروب الشمييس‬
‫فأعطينيا قيراطيين قيراطيين‪ ،‬فقال أهيل الكتاب أي ربنيا أعطييت‬
‫هؤلء قيراطيين قيراطيين وأعطينيا قيراطيا قيراطيا ونحين كنيا أكثير‬
‫عمل؟ قال الله تعالى‪ :‬هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا‪:‬‬
‫ل‪ ،‬قال‪ :‬فهيو فضلي أوتييه مين أشاء" فذهيب مالك والشافعيي إلى‬
‫حديث إمامة جبريل‪ ،‬وذهب أبو حنيفة إلى مفهوم ظاهر هذا‪ ،‬وهو‬
‫أنييه إذا كان ميين العصيير إلى الغروب أقصيير ميين أول الظهيير إلى‬
‫العصيير على مفهوم هذا الحديييث‪ ،‬فواجييب أن يكون العصير أكثير‬
‫من قامة‪ ،‬وأن يكون هذا هو آخر وقت الظهر‪ .‬وقال أبو محمد بن‬
‫حزم‪ :‬ولييس كميا ظنوا وقيد امتحنيت المير فوجدت القامية تنتهيي‬
‫مين النهار إلى تسيع سياعات وكسير‪ .‬قال القاضيي‪ :‬أنيا الشاك فيي‬
‫الكسير‪ ،‬وأظنيه قال‪ :‬وثلث حجية مين قال باتصيال الوقتيين‪ ،‬أعنيي‬
‫اتصيال ل بفصيل غيير منقسيم قوله علييه الصيلة والسيلم "ل يخرج‬
‫وقت صلة حتى يدخل وقت أخرى" وهو حديث ثابت‪ .‬وأما وقتها‬
‫المرغيب فييه والمختار فذهيب مالك إلى أنيه للمنفرد أول الوقيت‬
‫ويسيتحب تأخيرهيا عين أول الوقيت قليل فيي مسياجد الجماعات‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬أول الوقت أفضل إل في شدة الحر‪ .‬وروي مثل‬
‫ذلك عن مالك‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬أول الوقت أفضل بإطلق للمنفرد‬
‫والجماعيية وفييي الحيير والبرد‪ ،‬وإنمييا اختلفوا فييي ذلك لختلف‬
‫الحادييث‪ ،‬وذلك أن فيي ذلك حديثيين ثابتيين‪ :‬أحدهميا قوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "إذا اشتيد الحير فأبردوا عين الصيلة‪ ،‬فإن شدة‬
‫الحر من فيح جهنم" والثاني "أن النبي عليه الصلة والسلم كان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يصيلي الظهير بالهاجرة" وفيي حدييث خباب "أنهيم شكوا إلييه حير‬
‫الرمضاء فلم يشكهييم" خرجييه مسييلم‪ .‬قال زهييير رواي الحديييث‪:‬‬
‫قلت لبييي إسييحاق شيخييه أفييي الظهيير؟ قال‪ :‬نعييم‪ ،‬قلت‪ :‬أفييي‬
‫تعجليهيا؟ قال‪ :‬نعيم‪ ،‬فرجيح قوم حدييث البراد إذ هيو نيص‪ ،‬وتأولوا‬
‫هذه الحادييث إذ ليسيت بنيص‪ .‬وقوم رجحوا هذه الحادييث لعموم‬
‫ميا روي مين قوله علييه الصيلة والسيلم "وقيد سيئل‪ :‬أي العمال‬
‫أفضيل؟ قال‪ :‬الصيلة لول ميقاتهيا" والحدييث متفيق علييه‪ ،‬وهذه‬
‫الزيادة فيه‪ ،‬أعني "لول ميقاتها" مختلف فيه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) اختلفوا ميين صييلة العصيير فييي موضعييين‪:‬‬
‫أحدهما في اشتراك أول وقتها مع آخر وقت صلة الظهر‪ .‬والثاني‬
‫فييي آخيير وقتهييا‪ .‬فأمييا اختلفهييم فييي الشتراك فإنييه اتفييق مالك‬
‫والشافعي وداود وجماعة على أن أول وقت العصر هو بعينه آخر‬
‫وقت الظهر‪ ،‬وذلك إذا صار ظل كل شيء مثله‪ ،‬إل أن مالكا يرى‬
‫أن آخر وقت الظهر وأول وقت العصر هو وقت مشترك للصلتين‬
‫معيا‪ :‬أعنيي بقدر ميا يصيلي فييه أربيع ركعات‪ .‬وأميا الشافعيي وأبيو‬
‫ثور وداود فآخير وقيت الظهير عندهيم هيو الن الذي هيو أول وقيت‬
‫العصر هو زمان غير منقسم‪ .‬وقال أبو حنيفة كما قلنا أول وقت‬
‫العصيير إلى أن يصييير‪ ،‬ظييل كييل شيييء مثليييه‪ ،‬وقييد تقدم سييبب‬
‫اختلف أبيي حنيفية معهيم فيي ذلك‪ .‬وأميا سيبب اختلف مالك ميع‬
‫الشافعيي ومين قال بقوله فيي هذه فمعارضية حدييث جبرييل فيي‬
‫هذا المعنيى لحدييث عبيد الله بين عمير‪ ،‬وذلك أنيه جاء فيي إمامية‬
‫جبرييل أنيه صيلى بالنيبي علييه الصيلة والسيلم الظهير فيي اليوم‬
‫الثانيي فيي الوقيت الذي صيلى فييه العصير فيي اليوم الول‪ .‬وفيي‬
‫حديث ابن عمر أنه قال عليه الصلة والسلم "وقت الظهر ما لم‬
‫يحضر وقت العصر" خرجه مسلم‪ .‬فمن رجح حديث جبريل جعل‬
‫الوقييت مشتركييا‪ ،‬وميين رجييح حديييث عبييد الله لم يجعييل بينهمييا‬
‫اشتراكا‪ ،‬وحديث جبريل أمكن أن يصرف إلى حديث عبد الله من‬
‫حدييث عبيد الله إلى حدييث جبرييل‪ ،‬لنيه يحتميل أن يكون الراوي‬
‫تجوز فييي ذلك لقرب مييا بييين الوقتييين‪ ،‬وحديييث إماميية جبريييل‬
‫صيححه الترمذي‪ ،‬وحدييث ابين عمير خرجيه مسيلم‪ .‬وأميا اختلفهيم‬
‫فيي آخير وقيت العصير فعين مالك فيي ذلك روايتان إحداهميا‪ :‬أن‬
‫آخير وقتهيا أن يصيير ظيل كيل شييء مثلييه‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‪.‬‬
‫والثانيية أن آخير وقتهيا ميا لم تصيفر الشميس‪ ،‬وهذا قول أحميد بين‬
‫حنبل‪ .‬وقال أهل الظاهر‪ :‬آخر وقتها قبل غروب الشمس بركعة‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم أن في ذلك ثلثة أحاديث متعارضة‪ :‬الظاهر‬
‫أحدهيا حدييث عبيد الله بين عمير خرجيه مسيلم وفييه "فإذا صيليتم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العصير فإنيه وقيت إلى أن تصيفر الشميس" وفيي بعيض رواياتيه‬


‫"وقيت العصير ميا لم تصيفر الشميس"‪ .‬والثانيي حدييث ابين عباس‬
‫في إمامة جبريل‪ ،‬وفيه "أنه صلى به العصر في اليوم الثاني حين‬
‫كان ظيل كيل شييء مثلييه"‪ .‬والثالث حدييث أبيي هريرة المشهور‬
‫"مين أدرك ركعية مين العصير قبيل أن تغرب الشميس‪ ،‬فقيد أدرك‬
‫العصير‪ ،‬ومين أدرك ركعية مين الصيبح قبيل أن تطلع الشميس فقيد‬
‫أدرك الصبح" فمن صار إلى ترجيح حديث إمامة جبريل جعل آخر‬
‫وقتها المختار المثلين (ومن صار إلى ترجيح حديث ابن عمر جعل‬
‫آخيير وقتهيا اصييفرار الشميس) (ميا بيين القوسييين زائد بالنسيخة‬
‫المطبوعة بفاس أثبتناه لنه من الضروري) ومن صار إلى ترجيح‬
‫حديث أبي هريرة قال‪ :‬وقت العصر إلى أن يبقى منها ركعة قبل‬
‫غروب الشمييس‪ ،‬وهييم أهييل الظاهيير كمييا قلنييا‪ .‬وأمييا الجمهور‬
‫فسيلكوا فيي حدييث أبيي هريرة وحدييث ابين عمير ميع حدييث ابين‬
‫عباس إذ كان معارضييا لهمييا كييل التعارض مسييلك الجمييع‪ ،‬لن‬
‫حديثييي ابيين عباس وابيين عميير تتقارب الحدود المذكورة فيهمييا‪،‬‬
‫ولذلك قال مالك مرة بهذا‪ ،‬ومرة بذلك‪ .‬وأما الذي في حديث أبي‬
‫هريرة فبعييد منهميا ومتفاوت فقالوا‪ :‬حدييث أبيي هريرة إنميا خرج‬
‫مخرج أهل العذار‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) اختلفوا فيي المغرب هيل لهيا وقيت موسيع‬
‫كسييائر الصييلوات أم ل؟ فذهييب قوم إلى أن وقتهييا واحييد غييير‬
‫موسع‪ ،‬وهذا هو أشهر الروايات عن مالك وعن الشافعي‪ .‬وذهب‬
‫قوم إلى أن وقتها موسع وهو ما بين غروب الشمس إلى غروب‬
‫الشفيق‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية وأحميد وأبيو ثور وداود وقيد روي هذا‬
‫القول عين مالك والشافعيي‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي ذلك معارضية‬
‫حدييث إمامية جبرييل فيي ذلك لحدييث عبيد الله بين عمير وذلك أن‬
‫في حديث إمامة جبريل أنه صلى المغرب في اليومين في وقت‬
‫واحيد‪ ،‬وفيي حدييث عبيد الله "ووقيت صيلة المغرب ميا لم يغيب‬
‫الشفق" فمن رجح حديث إمامة جبريل جعل لها وقتا واحد‪ ،‬ومن‬
‫رجيح حدييث عبيد الله جعيل لهيا وقتيا موسيعا‪ ،‬وحدييث عبيد الله‬
‫خرجييه مسييلم ولم يخرج الشيخان حديييث إماميية جبريييل‪ :‬أعنييي‬
‫حديث ابن عباس الذي فيه أنه صلى بالنبي عليه الصلة والسلم‬
‫عشير صيلوات مفسيرة الوقات ثيم قال له‪ :‬الوقيت ميا بيين هذيين‪،‬‬
‫والذي فيي حدييث عبيد الله مين ذلك هيو موجود أيضيا فيي حدييث‬
‫بريدة السيلمي‪ ،‬خرجيه مسيلم‪ ،‬وهيو أصيل فيي هذا الباب‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وحدييث بريدة أولى لنيه كان بالمدينية عنيد سيؤال السيائل له عين‬
‫أوقات الصلوات‪ ،‬وحديث جبريل كان في أول الفرض بمكة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسيييألة الرابعييية) اختلفوا مييين وقيييت العشاء الخرة فيييي‬


‫موضعيين‪ :‬أحدهميا فيي أوله‪ ،‬والثانيي فيي آخره‪ .‬أميا أوله فذهيب‬
‫مالك والشافعي وجماعة إلى أنه مغيب الحمرة‪ ،‬وذهب أبو حنيفة‬
‫إلى أنيه مغييب البياض الذي يكون بعيد الحمرة‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫فيي هذه المسيألة اشتراك اسيم الشفيق فيي لسيان العرب فإنيه‬
‫كميا أن الفجير فيي لسيانهم فجران كذلك الشفيق شفقان‪ :‬أحمير‪،‬‬
‫وأبيض‪ .‬ومغيب الشفق البيض يلزم أن يكون بعده من أول الليل‬
‫(إميا بعيد الفجير المسيتدق مين آخير اللييل‪ :‬أعنيي الفجير الكاذب‪،‬‬
‫وإميا بعيد الفجير البييض المسيتطير وتكون الحمرة نظيير الحمرة‪،‬‬
‫فالطوالع إذا أربعيية‪ :‬الفجيير الكاذب‪ ،‬والفجيير الصييادق‪ ،‬والحميير‬
‫والشمييس‪ ،‬وكذلك يجييب أن تكون الغوارب ولذلك مييا ذكيير عيين‬
‫الخلييل مين أنيه رصيد الشفيق البييض فوجده يبقيى إلى ثلث اللييل‬
‫كذب بالقياس والتجربة (ما بين القوسين زيادة بالنسخة المصرية‬
‫غير موجودة بالنسخة الفاسية فأثبتناها كما هي ا هي))‪ ،‬وذلك أنه‬
‫ل خلف بينهم أنه قد ثبت في حديث بريدة وحديث إمامة جبريل‬
‫أنيه صيلى العشاء فيي اليوم الول حيين غاب الشفيق‪ ،‬وقيد رجيح‬
‫الجمهور مذهبهيم بميا ثبيت "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫كان يصلي العشاء عند مغييب القمر فيي الليلة الثالثية" ورجيح أبو‬
‫حنيفية مذهبية بميا ورد فيي تأخيير العشاء واسيتحباب تأخيره وقوله‬
‫"لول أن أشيق على أمتيي لخرت هذه الصيلة إلى نصيف اللييل"‬
‫وأمييا آخيير وقتهييا فاختلفوا فيييه على ثلثيية أقوال‪ :‬قول إنييه ثلث‬
‫الليل‪ .‬وقول إنه نصف الليل وقول إنه إلى طلوع الفجر‪ ،‬وبالول‪:‬‬
‫أعنيي ثلث اللييل‪ ،‬قال الشافعيي وأبيو حنيفية‪ ،‬وهيو المشهور مين‬
‫مذهيب مالك‪ ،‬وروي عين مالك القول الثانيي‪ :‬أعنيي نصيف اللييل‪،‬‬
‫وأمييا الثالث فقول داود‪ .‬وسييبب الخلف فييي ذلك تعارض الثار‪،‬‬
‫ففيي حد يث إمامة جبريل أ نه صيلها بالنيبي علييه الصلة والسلم‬
‫في اليوم الثاني ثلث الليل‪ .‬وفي حديث أنس أنه قال "أخر النبي‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم صييلة العشاء إلى نصييف الليييل" خرجييه‬
‫البخاري‪ .‬وروي أيضيا مين حدييث أبيي سيعيد الخدري وأبيي هريرة‬
‫عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "لول أن أشق على أمتي‬
‫لخرت العشاء إلى نصييف الليييل" وفييي حديييث أبييي قتادة ليييس‬
‫التفريط في النوم إنما التفريط أن تؤخر الصلة حتى يدخل وقت‬
‫الخرى‪ .‬فمن ذهب مذهب الترجيح لحديث إمامة جبريل قال ثلث‬
‫اللييل‪ ،‬ومين ذهيب مذهيب الترجييح لحدييث أنيس قال شطير اللييل‪.‬‬
‫وأميا أهيل الظاهير فاعتمدوا حدييث أبيي قتادة وقالوا هيو عام وهيو‬
‫متأخر عن حديث إمامة جبريل فهو ناسخ ولو لم يكن ناسخا لكان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تعارض الثار يسقط حكمها‪ ،‬فيجب أن يصار إلى استصحاب حال‬


‫الجماع‪ ،‬وقيد اتفقوا على أن الوقيت يخرج لميا بعيد طلوع الفجير‬
‫واختلفوا فيما قبل‪ ،‬فإنا روينا عن ابن عباس أن الوقت عنده إلى‬
‫طلوع الفجير فوجيب أن يسيتصحب حكيم الوقيت‪ ،‬إل حييث وقيع‬
‫التفاق على خروجه وأحسب أنه به قال أبو حنيفة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الخامسية) واتفقوا على أن أول وقيت الصيبح طلوع‬
‫الفجر الصادق وآخره طلوع الشمس‪ ،‬إل ما روي عن ابن القاسم‬
‫وعن بعض أصحاب الشافعي من أن آخر وقتها السفار‪ .‬واختلفوا‬
‫في وقتها المختار‪ ،‬فذهب الكوفيون وأبو حنيفة وأصحابه والثوري‬
‫وأكثييير العراقييييين إلى أن السيييفار بهيييا أفضيييل‪ ،‬وذهيييب مالك‬
‫والشافعييي وأصييحابه وأحمييد بيين حنبييل وأبييو ثور وداود إلى أن‬
‫التغلييس بهيا أفضيل‪ ،‬وسيبب اختلفهيم اختلفهيم فيي طريقية جميع‬
‫الحادييث المختلفية الظواهير فيي ذلك‪ ،‬وذلك أنيه ورد عنيه علييه‬
‫الصييلة والسييلم مين طريييق رافييع بين خديييج أنييه قال "أسييفروا‬
‫بالصبح فكلما أسفرتم فهو أعظم للجر" وروي عنه عليه الصلة‬
‫والسييلم أنييه قال وقييد سييئل أي العمال أفضييل؟ قال‪" :‬الصييلة‬
‫لول ميقاتهيا" وثبيت عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه كان يصيلي‬
‫الصييبح فتنصييرف النسيياء متلفعات بمروطهيين مييا يعرفيين ميين‬
‫الغلس" وظاهير الحدييث أنيه كان عمله فيي الغلب‪ ،‬فمين قال إن‬
‫حدييث رافيع خاص وقوله "الصيلة لول ميقاتهيا" عام‪ ،‬والمشهور‬
‫أن الخاص يقضيي عين العام إذا هيو اسيتثنى مين هذا العموم صيلة‬
‫الصبح وجعل حديث عائشة محمول على الجواز‪ ،‬وأنه إنما تضمن‬
‫الخبار بوقوع ذلك منييه ل بأنييه كان ذلك غالب أحواله صييلى الله‬
‫علييه وسيلم قال‪ :‬السيفار أفضيل مين التغلييس‪ .‬ومين رجيح حدييث‬
‫العموم لموافقية حدييث عائشية له‪ ،‬ولنيه نيص فيي ذلك أو ظاهير‪،‬‬
‫وحدييث رافيع بين خدييج محتميل‪ ،‬لنيه يمكين أن يرييد بذلك تيبين‬
‫الفجيير وتحققييه‪ ،‬فل يكون بينييه وبييين حديييث عائشيية ول العموم‬
‫الوارد فيي ذلك تعارض قال‪ :‬أفضيل الوقيت أوله‪ .‬وأميا مين ذهيب‬
‫إلى أن آخير وقتهيا السيفار فإنيه تأول الحدييث فيي ذلك أنيه لهيل‬
‫الضرورات‪ :‬أعني قوله عليه الصلة والسلم "من أدرك ركعة من‬
‫الصيبح قبيل أن تطلع الشميس فقيد أدرك الصيبح" وهذا شيبيه بميا‬
‫فعله الجمهور فيي العصير‪ .‬والعجيب أنهيم عدلوا عين ذلك فيي هذا‬
‫ووافقوا أهيل الظاهير‪ ،‬ولذلك لهيل الظاهير أن يطالبوهيم بالفرق‬
‫بين ذلك‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الثاني من الفصل الول من الباب الول‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فأما أوقات الضرورة والعذر فأثبتها كما قلنا فقهاء المصار ونفاها‬
‫أهيل الظاهير‪ ،‬وقيد تقدم سيبب اختلفهيم فيي ذلك‪ .‬واختلف هؤلء‬
‫الذيين أثبتوهيا فيي ثلثية مواضيع‪ :‬أحدهيا لي الصيلوات توجيد هذه‬
‫الوقات وليهييا ل؟ والثانييي فييي حدود هذه الوقات‪ .‬والثالث فييي‬
‫ميين هييم أهييل العذر الذييين رخييص لهييم فييي هذه الوقات وفييي‬
‫أحكامهم في ذلك‪ :‬أعني من وجوب الصلة ومن سقوطها‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) اتفيق مالك والشافعيي على أن هذا الوقيت‬
‫هييو لربييع صييلوات‪ :‬للظهيير والعصيير مشتركييا بينهمييا‪ ،‬والمغرب‬
‫والعشاء كذلك‪ ،‬وإنما اختلفوا في جهة اشتراكهما على ما سيأتي‬
‫بعيد‪ ،‬وخالفهيم أبيو حنيفية فقال‪ :‬إن هذا الوقيت إنميا هيو للعصير‬
‫فقط‪ ،‬وأنه ليس ههنا وقت مشترك‪ .‬وسبب اختلفهم في ذلك هو‬
‫اختلفهيم فيي جواز الجميع بيين الصيلتين فيي السيفر فيي وقيت‬
‫إحداهما على ما سيأتي بعد‪ ،‬فمن تمسك بالنص الوارد في صلة‬
‫العصير أعنيي الثابيت مين قوله علييه الصيلة والسيلم "مين أدرك‬
‫ركعية مين صيلة العصير قبيل مغييب الشميس فقيد أدرك العصير"‬
‫وفهم من هذا الرخصة‪ ،‬ولم يجز الشتراك في الجمع لقوله عليه‬
‫الصيلة والسيلم "ل يفوت وقيت صيلة حتيى يدخيل وقيت الخرى"‬
‫ولميا سينذكره بعيد فيي باب الجميع من حجيج الفريقيين قال‪ :‬إنيه ل‬
‫يكون هذا الوقت إل لصلة العصر فقط‪ .‬ومن أجاز الشتراك في‬
‫الجمع فيي السفر قاس عليه أهل الضرورات‪ ،‬لن المسافر أيضا‬
‫صياحب ضرورة وعذر‪ ،‬فجعيل هذا الوقيت مشتركيا للظهير والعصير‬
‫والمغرب والعشاء‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) اختلف مالك والشافعييي فييي آخيير الوقييت‬
‫المشترك لهميا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬هيو للظهير والعصير مين بعيد الزوال‪،‬‬
‫بمقدار أربييع ركعات للظهيير للحاضيير وركعتييين للمسييافر‪ ،‬إلى أن‬
‫يبقيى للنهار مقدار أربيع ركعات للحاضير وركعتيين للمسيافر فجعيل‬
‫الوقيت الخاص للظهير إنميا هيو مقدار أربيع ركعات للحاضير بعيد‬
‫الزوال‪ ،‬وإميا ركعتان للمسيافر‪ ،‬وجعيل الوقيت الخاص بالعصير إميا‬
‫أربيع ركعات قبيل المغييب للحاضير وإميا ثنتان للمسيافر‪ :‬أعنيي أنيه‬
‫مين أدرك الوقيت الخاص فقيط لم تلزميه إل الصيلة الخاصية بذلك‬
‫الوقييت إن كان مميين لم تلزمييه الصييلة قبييل ذلك الوقييت‪ ،‬وميين‬
‫أدرك أكثر من ذلك أدرك الصلتين معا أو حكم ذلك الوقت وجعل‬
‫آخيير الوقييت الخاص لصييلة العصيير مقدار ركعيية قبييل الغروب‪،‬‬
‫وكذلك فعيل فيي اشتراك المغرب والعشاء‪ ،‬إل أن الوقيت الخاص‬
‫مرة جعله للمغرب فقال‪ :‬هيييو مقدار ثلث ركعات قبيييل أن يطلع‬
‫الفجير‪ ،‬ومرة جعله للصيلة الخيرة كميا فعيل فيي العصير فقال هيو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مقدار أربييع ركعات وهييو القياس‪ ،‬وجعييل آخيير هذا الوقييت مقدار‬
‫ركعية قبيل طلوع الفجير‪ .‬وأميا الشافعيي فجعيل حدود أواخير هذه‬
‫الوقات المشتركييية حدا واحدا وهيييو إدراك ركعييية قبيييل غروب‬
‫الشمييس‪ ،‬وذلك للظهيير والعصيير معييا‪ ،‬ومقدار ركعيية أيضييا قبييل‬
‫انصيداع الفجير وذلك للمغرب والعشاء معيا‪ ،‬وقيد قييل عنيه بمقدار‬
‫تكييبيرة‪ :‬أعنييي أنييه ميين أدرك تكييبيرة قبييل غروب الشمييس فقييد‬
‫لزمته صلة الظهر والعصر معا‪ .‬وأما أبو حنيفة فوافق مالكا في‬
‫أن آخيير وقييت العصيير مقدار ركعيية لهييل الضرورات عنده قبييل‬
‫الغروب ولم يوافيق فيي الشتراك والختصياص‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫أعنيي مالكيا والشافعيي هيل القول باشتراك الوقيت للصيلتين معيا‬
‫يقتضي أن لهما وقتين‪ :‬وقت خاص بهما ووقت مشترك؟ أم إنما‬
‫يقتضيي أن لهميا وقتيا مشتركيا فقيط؟ وحجية الشافعيي أن الجميع‬
‫إنميييا دل على الشتراك فقيييط ل على وقيييت خاص‪ .‬وأميييا مالك‬
‫فقاس الشتراك عنده فيييي وقيييت الضرورة على الشتراك عنده‬
‫فييي وقييت التوسييعة‪ :‬أعنييي أنييه لمييا كان لوقييت الظهيير والعصيير‬
‫الموسع وقتان‪ ،‬وقت مشترك ووقت خاص‪ ،‬وجب أن يكون المر‬
‫كذلك فييي أوقات الضرورة‪ ،‬والشافعييي ل يوافقييه على اشتراك‬
‫الظهير والعصير فيي وقيت التوسيعة‪ ،‬فخلفهميا فيي هذه المسيألة‬
‫إنميا ينبنيي والله أعلم على اختلفهيم فيي تلك الولى فتأمله‪ ،‬فإنيه‬
‫بين والله أعلم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) وأميا هذه الوقات‪ :‬أعنييي أوقات الضرورة‪،‬‬
‫فاتفقوا على أنها لربع‪ :‬للحائض تطهر في هذه الوقات أو تحيض‬
‫في هذه الوقات وهي لم تصل‪ ،‬والمسافر يذكر الصلة في هذه‬
‫الوقات وهو حاضر‪ ،‬أو الحاضر يذكرها فيها وهو مسافر‪ ،‬والصبي‬
‫يبلغ فيهيا‪ ،‬والكافير يسيلم‪ .‬واختلفوا فيي المغميي علييه فقال مالك‬
‫والشافعييي‪ :‬هييو كالحائض ميين أهييل هذه الوقات لنييه ل يقضييي‬
‫عندهيم الصيلة التيي ذهيب وقتهيا‪ .‬وعنيد أبيي حنيفية أنيه يقضيي‬
‫الصييلة فيمييا دون الخمييس‪ ،‬فإذا أفاق عنده ميين إغمائه متييى مييا‬
‫أفاق قضيى الصيلة‪ .‬وعنيد الخير أنيه إذا أفاق فيي أوقات الضرورة‬
‫لزمتيه الصيلة التيي أفاق فيي وقتهيا‪ ،‬وإذا لم يفيق فيهيا لم تلزميه‬
‫الصيلة‪ ،‬وسيتأتي مسيألة المغميى علييه فيميا بعيد‪ ،‬واتفقوا على أن‬
‫المرأة إذا طهرت فيي هذه الوقات إنميا تجيب عليهيا الصيلة التيي‬
‫طهرت في وقتها‪ ،‬فإن طهرت عند مالك وقد بقي من النهار أربع‬
‫ركعات لغروب الشميس إلى ركعية فالعصير فقيط لزمية لهيا وإن‬
‫بقي خمس ركعات فالصلتان معا‪ .‬وعند الشافعي إن بقي ركعة‬
‫للغروب فالصلتان معا كما قل نا‪ ،‬أو تكبيرة على القول الثاني له‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وكذلك الميير عنييد مالك فييي المسييافر الناسييي يحضيير فييي هذه‬
‫الوقات‪ ،‬أو الحاضييير يسيييافر‪ ،‬وكذلك الكافييير يسيييلم فيييي هذه‬
‫الوقات‪ :‬أعنيي أنيه تلزمهيم الصيلة‪ ،‬وكذلك الصيبي يبلغ‪ ،‬والسيبب‬
‫فيي أن جعيل مالك الركعية جزءا لخير الوقيت‪ ،‬وجعيل الشافعيي‬
‫جزء الركعة حدا مثل التكبيرة‪ .‬منها أن قوله عليه الصلة والسلم‬
‫"مين أدرك ركعية مين العصير قبيل أن تغرب الشميس فقيد أدرك‬
‫العصير" وهيو عنيد مالك مين باب التنيبيه بالقيل على الكثير‪ ،‬وعنيد‬
‫الشافعيي مين باب التنيبيه بالكثير على القيل‪ ،‬وأييد هذا بميا روي‬
‫"مين أدرك سيجدة مين العصير قبيل أن تغرب الشميس فقيد أدرك‬
‫العصير" فإنيه فهيم مين السيجدة ههنيا جزء مين الركعية وذلك على‬
‫قوله الذي قال فيييه‪ :‬ميين أدرك منهييم تكييبيرة قبييل الغروب أو‬
‫الطلوع فقيد أدرك الوقيت‪ .‬ومالك يرى أن الحائض إنميا تعتيد بهذا‬
‫الوقيت بعيد الفراغ مين طهرهيا‪ ،‬وكذلك الصيبي يبلغ‪ .‬وأميا الكافير‬
‫يسلم فيعتد له بوقت السلم دون الفراغ من الطهر وفيه خلف‪.‬‬
‫والمغمييى عليييه عنييد مالك كالحائض‪ ،‬وعنييد عبييد الملك كالكافيير‬
‫يسيلم‪ .‬ومالك يرى أن الحائض إذا حاضيت فيي هذه الوقات وهيي‬
‫لم تصيل بعيد أن القضاء سياقط عنهيا‪ ،‬والشافعيي يرى أن القضاء‬
‫واجييب عليهييا‪ ،‬وهييو لزم لميين يرى أن الصييلة تجييب بدخول أول‬
‫الوقيت‪ ،‬لنهيا إذا حاضيت وقيد مضيى مين الوقيت ميا يمكين أن تقيع‬
‫فييه الصيلة فقيد وجبيت عليهيا الصيلة‪ ،‬إل أن يقال إن الصيلة إنميا‬
‫تجيب بآخير الوقيت‪ ،‬وهيو مذهيب أبيي حنيفية ل مذهيب مالك‪ ،‬فهذا‬
‫كميا ترى لزم لقول أبيي حنيفية أعنيي جارييا على أصيوله ل على‬
‫أصول قول مالك‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصييل الثانييي ميين الباب الول فييي الوقات المنهييي عيين‬
‫الصلة فيها‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه الوقات اختلف العلماء منهيا فيي موضعيين‪ :‬أحدهميا فيي‬
‫عددها‪ ،‬والثاني في الصلوات التي يتعلق النهي عن فعلها فيها‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) اتفييق العلماء على أن ثلثيية ميين الوقات‬
‫منهي عن الصلة فيها وهي‪ :‬وقت طلوع الشمس‪ ،‬ووقت غروبها‪،‬‬
‫ومين لَدُن تصيلي صيلة الصيبح حتيى تطلع الشميس‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫وقتيين‪ :‬فيي وقيت الزوال وفيي الصيلة بعيد العصير؛ فذهيب مالك‬
‫وأصيييحابه إلى أن الوقات المنهيييي عنهيييا هيييي أربعييية‪ :‬الطلوع‪،‬‬
‫والغروب‪ ،‬وبعيد الصيبح‪ ،‬وبعيد العصير‪ ،‬وأجاز الصيلة عنيد الزوال‪.‬‬
‫وذهيب الشافعيي إلى أن هذه الوقات خمسية كلهيا منهيي عنهيا إل‬
‫وقت الزوال يوم الجمعة فإنه أجاز فيه الصلة‪ .‬واستثنى قوم من‬
‫ذلك الصلة بعيد العصر‪ .‬وسيبب الخلف في ذلك أحيد شيئيين‪ :‬إما‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫معارضة أثر لثر‪ ،‬وإما معارضة الثر للعمل عند من راعى العمل‪:‬‬
‫أعنيي عميل أهيل المدينية‪ ،‬وهيو مالك بين أنيس‪ ،‬فحييث ورد النهيي‬
‫ولم يكيين هناك معارض ل ميين قول ول ميين عمييل اتفقوا عليييه‪،‬‬
‫وحيييث ورد المعارض اختلفوا‪ .‬أمييا اختلفهييم فييي وقييت الزوال‬
‫فلمعارضية العميل فييه للثير‪ ،‬وذلك أنيه ثبيت مين حدييث عقبية بين‬
‫عامير الجهنيي أنيه قال "ثلث سياعات كان رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا‪ :‬حين تطلع‬
‫الشمس بازغة حتى ترتفع‪ ،‬وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل‪،‬‬
‫وحيين تضييف الشميس للغروب" خرجيه مسيلم‪ ،‬وحدييث أبيو عبيد‬
‫الله الصنابحي في معناه‪ ،‬ولكنه منقطع‪ ،‬خرجه مالك في موطئه‪.‬‬
‫فمين الناس مين ذهيب إلى منيع الصيلة فيي هذه الوقات الثلثية‬
‫كلهيا‪ .‬ومين الناس مين اسيتثنى مين ذلك وقيت الزوال‪ ،‬إميا بإطلق‬
‫وهيو مالك‪ ،‬وإميا فيي يوم الجمعية فقيط وهيو الشافعيي‪ .‬وأميا مالك‬
‫فلن العمل عنده بالمدينة لما وجده على الوقتين فقط ولم يجده‬
‫على الوقت الثالث‪ :‬أعني الزوال أباح الصلة فيه‪ ،‬وأعتقد أن ذلك‬
‫النهيي منسيوخ بالعميل‪ .‬وأميا مين لم يير للعميل تأثيرا فبقيي على‬
‫أصله في المنع‪ ،‬وقد تكلمنا في العمل وقوته في كتابنا في الكلم‬
‫الفقهي‪ ،‬وهو الذي يدعى بأصول الفقه‪ .‬وأما الشافعي فلما صح‬
‫عنده ميا روى ابين شهاب عين ثعلبية بين أبيي مالك القرظيي أنهيم‬
‫كانوا فيي زمين عمير بين الخطاب يصيلون يوم الجمعية حتيى يخرج‬
‫عمير‪ ،‬ومعلوم أن خروج عمير كان بعيد الزوال على ميا صيح ذلك‬
‫من حديث الطنفسة التي كانت تطرح إلى جدار المسجد الغربي‪،‬‬
‫فإذا غشيي الطنفسية كلهيا ظيل الجدار خرج عمير بين الخطاب ميع‬
‫مييا رواه أيضييا عيين أبييي هريرة "أن رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم نهيى عين الصيلة نصيف النهار حتيى تزول الشميس إل يوم‬
‫الجمعيية" اسييتثنى ميين ذلك النهييي يوم الجمعيية‪ ،‬وقوي هذا الثيير‬
‫عنده العميل فيي أيام عمير بذلك وإن كان الثير عنده ضعيفيا‪ .‬وأميا‬
‫مين رجيح الثير الثابيت فيي ذلك فبقيي على أصيله فيي النهيي‪ .‬وأميا‬
‫اختلفهم في الصلة بعد صلة العصر فسببه تعارض الثار الثابتة‬
‫فيي ذلك‪ ،‬وذلك أن فيي ذلك حديثيين متعارضيين‪ :‬أحدهميا حدييث‬
‫أبيي هريرة المتفيق على صيحته "أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم نهيى عين الصيلة بعيد صيلة العصير حتيى تغرب الشميس‪،‬‬
‫وعين الصيلة بعيد الصيبح حتيى تطلع الشميس"‪ .‬والثانيي حدييث‬
‫عائشية قالت "ميا ترك رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم صيلتين‬
‫فيي بيتيي قيط سيرا ول علنيية‪ :‬ركعتيين قبيل الفجير‪ ،‬وركعتيين بعيد‬
‫العصيير" فميين رجييح حديييث أبييي هريرة قال بالمنييع‪ ،‬وميين رجييح‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حديث عائشة أو رآه ناسخا لنه العمل الذي مات عليه صلى الله‬
‫عليه وسلم قال بالجواز‪ ،‬وحديث أم سلمة يعارض حديث عائشة‪،‬‬
‫وفييه "أنهيا رأت رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يصيلي ركعتيين‬
‫بعييد العصيير‪ ،‬فسييألته عيين ذلك فقال‪ :‬إنييه أتانييي ناس ميين عبييد‬
‫القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر وهما هاتان"‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) اختلف العلماء فيي الصيلة التيي ل تجوز فيي‬
‫هذه الوقات فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنها ل تجوز في هذه‬
‫الوقات صلة بإطلق ل فريضة مقضية ول سنة ول نافلة إل عصر‬
‫يوميه‪ ،‬قالوا‪ :‬فإنيه يجوز أن يقضييه عنيد غروب الشميس إذا نسييه‪.‬‬
‫واتفيق مالك والشافعيي أنيه يقضيي الصيلوات المفروضية فيي هذه‬
‫الوقات‪ .‬وذهب الشافعي إلى أن الصلوات التي ل تجوز في هذه‬
‫الوقات هي النوافل فقط التي تفعل لغير سبب‪ ،‬وأن السنن مثل‬
‫صيلة الجنازة تجوز فيي هذه الوقات‪ ،‬ووافقيه مالك فيي ذلك بعيد‬
‫العصير وبعيد الصيبح‪ :‬أعنيي فيي السينن‪ ،‬وخالفيه فيي التيي تفعيل‬
‫لسبب مثل ركعتي المسجد‪ ،‬فإن الشافعي يجيز هاتين الركعتين‬
‫بعيد العصير وبعيد الصيبح‪ ،‬ول يجييز ذلك مالك‪ ،‬واختلف قول مالك‬
‫فييييي جواز السيييينن عنييييد الطلوع والغروب‪ .‬وقال الثوري فييييي‬
‫الصيلوات التيي ل تجوز فيي هذه الوقات هيي ميا عدا الفرض ولم‬
‫يفرق سيينة ميين نفييل‪ ،‬فيتحصييل فييي ذلك ثلثيية أقوال‪ :‬قول هييي‬
‫الصلوات بإطلق‪ .‬وقول إنها ما عدا الفروض سواء كانت سنة أو‬
‫نفل‪ .‬وقول إنهيا النفيل دون السينن‪ .‬وعلى الروايية التيي منيع مالك‬
‫فيهيا صيلة الجنائز عنيد الغروب قول رابيع‪ ،‬وهيو أنهيا النفيل فقيط‬
‫بعيد الصيبح والعصير والنفيل والسينن معيا عنيد الطلوع والغروب‪.‬‬
‫وسييبب الخلف فييي ذلك اختلفهييم فييي الجمييع بييين العمومات‬
‫المتعارضيية فييي ذلك أعنييي الواردة فييي السيينة‪ ،‬وأي يخييص بأي‪،‬‬
‫وذلك أن عموم قوله عليييه الصييلة والسييلم "إذا نسييي أحدكييم‬
‫الصييلة فليصييلها إذا ذكرهييا" يقتضييي اسييتغراق جميييع الوقات‪،‬‬
‫وقوله في أحاديث النهي في هذه الوقات "نهى رسول الله صلى‬
‫الله عليييه وسيلم عيين الصيلة فيهيا" يقتضيي أيضيا عموم أجناس‬
‫الصيلوات المفروضات والسينن والنوافيل‪ ،‬فمتيى حملنيا الحديثيين‬
‫على العموم فيي ذلك وقيع بينهميا تعارض هيو مين جنيس التعارض‬
‫الذي يقييع بييين العام والخاص‪ ،‬إمييا فييي الزمان‪ ،‬وإمييا فييي اسييم‬
‫الصييلة‪ .‬فميين ذهييب إلى السييتثناء فييي الزمان‪ :‬أعنييي السييتثناء‬
‫الخاص مين العام منيع الصيلوات بإطلق فيي تلك السياعات‪ ،‬ومين‬
‫ذهب إلى استثناء الصلة المفروضة المنصوص عليها بالقضاء من‬
‫عموم اسييم الصييلة المنهييي عنهييا منييع مييا عدا الفرض فييي تلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الوقات‪ ،‬وقد رجح مالك مذهبيه من استثناء الصيلوات المفروضة‬


‫مين عموم لفيظ الصيلة بميا ورد مين قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"مين أدرك ركعية مين العصير قبيل أن تغرب الشميس فقيد أدرك‬
‫العصيير" ولذلك اسيييتثنى الكوفيون عصيير اليوم ميين الصييلوات‬
‫المفروضية‪ ،‬لكين قيد كان يجيب عليهيم أن يسيتثنوا مين ذلك صيلة‬
‫الصييبح أيضييا للنييص الوارد فيهييا‪ ،‬ول يردوا ذلك برأيهييم ميين أن‬
‫المدرك لركعييية قبيييل الطلوع يخرج للوقيييت المحظور‪ ،‬والمدرك‬
‫لركعة قبيل الغروب يخرج للوقت المباح‪ .‬وأ ما الكوفيون فلهم أن‬
‫يقولوا إن هذا الحديييييث ليييييس يدل على اسييييتثناء الصييييلوات‬
‫المفروضية مين عموم اسيم الصيلة التيي تعلق النهيي بهيا فيي تلك‬
‫اليام لن عصر اليوم ليس في معنى سائر الصلوات المفروضة‪،‬‬
‫وكذلك كان لهيم أن يقولوا فيي الصيبح لو سيلموا أنيه يقضيى فيي‬
‫الوقييت المنهييي عنييه‪ ،‬فإذا الخلف بينهييم آيييل إلى أن المسييتثنى‬
‫الذي ورد به اللفظ هل هو من باب الخاص أريد به الخاص أم من‬
‫باب الخاص أريييد بييه العام؟ وذلك أن ميين رأى أن المفهوم ميين‬
‫ذلك هيي صيلة العصير والصيبح فقيط المنصيوص عليهميا فهيو عنده‬
‫مين باب الخاص أرييد بيه الخاص‪ ،‬ومين رأى أن المفهوم مين ذلك‬
‫ليييس هييو صييلة العصيير فقييط ول الصييبح بييل هييي جميييع الصييلة‬
‫المفروضيية‪ ،‬فهييو عنده ميين باب الخاص أريييد بييه العام‪ ،‬وإذا كان‬
‫ذلك كذلك فليس ها هنا دليل قاطع على أن الصلوات المفروضة‬
‫هيي المسيتثناة مين اسيم الصيلة الفائتية‪ ،‬كميا أنيه لييس ههنيا دلييل‬
‫أصييل ل قاطييع ول غييير قاطييع على اسييتثناء الزمان الخاص الوارد‬
‫في أحاديث النهي من الزمان العام الوارد في أحاديث المر دون‬
‫استثناء الصلة الخاصة المنطوق بها في أحاديث المر من الصلة‬
‫العامة المنطوق بها في أحاديث النهي‪ ،‬وهذا بين‪ ،‬فإنه إذا تعارض‬
‫حديثان فيي كيل واحيد منهميا عام وخاص لم يجيب أن يصيار إلى‬
‫تغليب أحدهما إل بدليل‪ :‬أعني استثناء خاص هذا من عام ذاك أو‬
‫خاص ذاك من عام هذا‪ ،‬وذلك بين والله أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في معرفة الذان والقامة‪.‬‬
‫@‪-‬هذا الباب ينقسيم أيضيا إلى فصيلين‪ :‬الول فيي الذان‪ .‬والثانيي‬
‫في القامة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول‪.‬‬
‫@‪-‬هذا الفصييل ينحصيير الكلم فيييه فييي خمسيية أقسييام‪ :‬الول‪:‬‬
‫صفته‪ .‬الثاني‪ :‬في حكمه‪ .‬الثالث‪ :‬في وقته‪ .‬الرابع‪ :‬في شروطه‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬فيما يقوله السامع له‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬القسيم الول مين الفصيل الول مين الباب الثانيي فيي صيفة‬
‫الذان‪.‬‬
‫اختلف العلماء في الذان على أربع صفات مشهورة‪ :‬إحداها تثنية‬
‫التكييبير فيييه وتربيييع الشهادتييين وباقيييه مثنييى‪ ،‬وهييو مذهييب أهييل‬
‫المدينيييية مالك وغيره‪ ،‬واختار المتأخرون ميييين أصييييحاب مالك‬
‫الترجييع‪ ،‬وهيو أن يثنيي الشهادتيين أول خفييا ثيم يثنيهميا مرة ثانيية‬
‫مرفوع الصوت‪ .‬والصفة الثانية أذان المكيين‪ ،‬وبه قال الشافعي‪،‬‬
‫وهيو تربييع التكيبير الول والشهادتيين وتثنيية باقيي الذان‪ ،‬والصيفة‬
‫الثالثة أذان الكوفيين‪ ،‬وهو تربيع التكبير الول وتثنية باقي الذان‪،‬‬
‫وبيه قال أبيو حنيفية‪ .‬والصيفة الرابعية أذان البصيريين وهيو تربييع‬
‫التكييبير الول وتثليييث الشهادتييين وحييي على الصييلة وحييي على‬
‫الفلح‪ ،‬ويبدأ بأشهييد أن ل إله إل الله حتييى يصييل إلى حييي على‬
‫الفلح‪ ،‬ثييم يعيييد كذلك مرة ثانييية‪ :‬أعنييي الربييع كلمات تبعييا‪ ،‬ثييم‬
‫يعيدهين ثالثية‪ ،‬وبيه قال الحسين البصيري وابين سييرين‪ .‬والسيبب‬
‫في اختلف كل واحد من هؤلء الربع فرق اختلف الثار في ذلك‬
‫واختلف اتصيال العميل عنيد كيل واحيد منهيم‪ ،‬وذلك أن المدنييين‬
‫يحتجون لمذهبهيم بالعميل المتصيل بذلك فيي المدينية‪ ،‬والمكيون‬
‫كذلك أيضييييا يحتجون بالعمييييل المتصييييل عندهييييم بذلك وكذلك‬
‫الكوفيون والبصريون ولكل واحد منهم آثار تشهد لقوله‪ .‬أما تثنية‬
‫التكبير في أوله على مذهب أهل الحجاز فروي من طرق صحاح‬
‫عن أبي محذورة وعبد الله بن زيد النصاري‪ ،‬وتربيعه أيضا مروي‬
‫عيين أبييي محذورة ميين طرق أخيير وعيين عبييد الله بيين زيييد‪ .‬قال‬
‫الشافعي‪ :‬وهي زيادات يجب قبولها مع اتصال العمل بذلك بمكة‪.‬‬
‫وأما الترجيع الذي اختاره المتأخرون من أصحاب مالك فروي من‬
‫طريق أبي قدامة‪ :‬قال أبو عمر‪ :‬وأبو قدامة عندهم ضعيف‪ .‬وأما‬
‫الكوفيون فبحدييث أبيي ليلى وفييه "أن عبيد الله بين زييد رأى فيي‬
‫المنام رجل قام على خرم حائط وعليييييييه بردان أخضران‪ ،‬فأذن‬
‫مثنييى وأقام مثنييى وأنييه أخييبر بذلك رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم‪ ،‬فقام بلل فأذن مثنيى وأقام مثنيى" والذي خرجيه البخاري‬
‫في هذا الباب إنما هو من حديث أنس فقط وهو "أن بلل أمر أن‬
‫يشفع الذان ويوتر القامة إل قد قامت الصلة‪ ،‬فإنه يثنيها" وخرج‬
‫مسيلم عين أبيي محذورة على صيفة أذان الحجازيين ولمكان هذا‬
‫التعارض الذي ورد فيي الذان رأى أحميد بين حنبيل وداود أن هذه‬
‫الصيفات المختلفية إنميا وردت على التخييير ل على إيجاب واحدة‬
‫منهييا‪ ،‬وأن النسييان مخييير فيهييا‪ ،‬واختلفوا فييي قول المؤذن فييي‬
‫صيلة الصيبح الصيلة خيير مين النوم هيل يقال فيهيا أم ل؟ فذهيب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجمهور إلى أنييه يقال ذلك فيهييا‪ .‬وقال آخرون‪ :‬إنييه ل يقال لنييه‬
‫لييس مين الذان المسينون‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫اختلفهم هل قيل ذلك في زمان النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو‬
‫إنما قيل في زمان عمر؟‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الثاني من الفصل الول من الباب الثاني‪.‬‬
‫اختلف العلماء في حكم الذان هل هو واحب أو سنة مؤكدة‪ ،‬وإن‬
‫كان واجبيا فهيل هيو مين فروض العيان أو مين فروض الكفايية؟‬
‫فقيييل عيين مالك إن الذان هييو فرض على مسيياجد الجماعات‪،‬‬
‫وقييل سينة مؤكدة‪ ،‬ولم يره على المنفرد ل فرضيا ول سينة‪ .‬وقال‬
‫بعيض أهيل الظاهير هيو واجيب على العيان‪ .‬وقال بعضهيم‪ :‬على‬
‫الجماعة كانت في سفر أو في حضر‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬في السفر‪.‬‬
‫واتفيق الشافعيي وأبيو حنيفية على أنيه سينة للمنفرد والجماعية إل‬
‫أنه آكد في حق الجماعة‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬واتفق الكل على أنه سنة‬
‫مؤكدة أو فرض على المصري لما ثبت "أن رسول الله صلى الله‬
‫عليييه وسييلم كان إذا سييمع النداء لم يغيير‪ ،‬وإذا لم يسييمعه أغار"‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم معارضية المفهوم مين ذلك لظواهير الثار‪،‬‬
‫وذلك أنيه ثبيت أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال لمالك‬
‫بن الحويرث ولصاحبه "إذا كنتما في سفر فأذنا وأقيما وليؤمكما‬
‫أكبركمييا" وكذلك مييا روي ميين اتصييال عمله بييه صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم فيي الجماعية‪ ،‬فمين فهيم مين هذا الوجوب مطلقيا قال إنيه‬
‫فرض على العيان أو على الجماعيييية‪ ،‬وهييييو الذي حكاه ابيييين‬
‫المغلس عن داود‪ ،‬ومن فهم منه الدعاء إلى الجتماع للصلة قال‬
‫إنييه سيينة المسيياجد أو فرض فييي المواضييع التييي يجتمييع إليهييا‬
‫الجماعة‪ .‬فسبب الخلف هو تردده بين أن يكون قول من أقاويل‬
‫الصلة المختصة بها أو يكون المقصود به هو الجتماع‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الثالث من الفصل الول في وقته‪.‬‬
‫وأمييا وقييت الذان فاتفييق الجميييع على أنييه ل يؤذن للصييلة قبييل‬
‫وقتهيا‪ ،‬ميا عدا الصيبح فإنيه اختلفوا فيهيا‪ ،‬فذهيب مالك والشافعيي‬
‫إلى أنه يجوز أن يؤذن لها قبل الفجر‪ ،‬ومنع ذلك أبو حنيفة‪ ،‬وقال‬
‫قوم‪ :‬ل بد للصبح إذا أذن لها قبل الفجر من أذان بعد الفجر‪ ،‬لن‬
‫الواجب عندهم هو الذان بعد الفجر‪ .‬وقال أبو محمد بن حزم‪ :‬ل‬
‫بييد لهييا مين أذان بعييد الوقييت‪ ،‬وإن أذن قبييل الوقييت جاز إذا كان‬
‫بينهما زمان يسير قدر ما يهبط الول ويصعد الثاني‪ .‬والسبب في‬
‫اختلفهييم أنييه ورد فييي ذلك حديثان متعارضان‪ :‬أحدهمييا الحديييث‬
‫المشهور الثابيت‪ ،‬وهيو قوله علييه الصيلة والسيلم "إن بلل ينادي‬
‫بلييل‪ ،‬فكلوا واشربوا حتيى ينادي ابين أم مكتوم‪ ،‬وكان ابين مكتوم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رجل أعميى ل ينادي حتيى يقال له أصيبحت أصيبحت‪ .‬والثانيي ميا‬


‫روي عين ابين عمير "أن بلل أذن قبيل طلوع الفجير‪ ،‬فأمره النيبي‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم أن يرجييع فينادي‪ :‬أل إن العبييد قييد نام"‬
‫وحدييث الحجازيين أثبيت‪ ،‬وحدييث الكوفييين أيضيا خرجيه أبيو داود‬
‫وصيححه كثيير مين أهيل العلم‪ ،‬فذهيب الناس فيي هذيين الحديثيين‬
‫إميا مذهيب الجميع‪ ،‬وإميا مذهيب الترجييح‪ ،‬فأميا مين ذهيب مذهيب‬
‫الترجيح فالحجازيون‪ ،‬فإنهم قالوا‪ :‬حديث بلل أثبت والمصير إليه‬
‫أوجب‪ .‬وأما من ذهب مذهب الجمع فالكوفيون‪ ،‬وذلك أنهم قالوا‪:‬‬
‫يحتميل أن يكون نداء بلل فيي وقيت يشيك فييه فيي طلوع الفجير‪،‬‬
‫لنيه كان فيي بصيره ضعيف‪ ،‬ويكون نداء ابين أم مكتوم فيي وقيت‬
‫يتيقين فييه طلوع الفجير‪ ،‬ويدل على ذلك ميا روي عين عائشية أنهيا‬
‫قالت "لم يكيين بييين أذانيهمييا إل بقدر مييا يهبييط هذا ويصييعد هذا"‬
‫وأميا مين قال إنيه يجميع بينهميا‪ :‬أعنيي أن يؤذن قبيل الفجير وبعده‬
‫فعلى ظاهر ماروي من ذلك في صلة الصبح خاصة أعني أنه كان‬
‫يؤذن لها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان بلل‬
‫وابن أم مكتوم‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الرابع من الفصل الول من الشروط‪.‬‬
‫وفيي هذا القسيم مسيائل ثمانيية‪ :‬إحداهيا هيل مين شروط مين أذن‬
‫أن يكون هو الذي يقيم أم ل؟ والثانية هل من شرط الذان أن ل‬
‫يتكلم فييي أثنائه أم ل؟ والثالثيية هييل ميين شرطييه أن يكون على‬
‫طهارة أم ل؟ والرابعيية هييل ميين شرطييه أن يكون متوجهييا إلى‬
‫القبلة أم ل؟ والخامسيية هييل ميين شرطييه أن يكون قائمييا أم ل؟‬
‫والسيادسة هيل يكره أذان الراكيب أم لييس يكره؟ والسيابعة هيل‬
‫من شرطه البلوغ أم ل؟ والثامنة هل من شرطه أن ل يأخذ على‬
‫الذان أجرا أم يجوز له أن يأخذه؟‪ .‬فأمييا اختلفهييم فييي الرجلييين‬
‫يؤذن أحدهما ويقيم الخر‪ ،‬فأكثر فقهاء الم صار على إجازة ذلك‪،‬‬
‫وذهب بعضهم إلى أن ذلك ل يجوز‪ ،‬والسبب في ذلك أنه ورد في‬
‫هذا حديثان متعارضان‪ :‬أحدهما حديث الصدائي قال "أتيت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فلما كان أوان الصبح أمرني فأذنت ثم‬
‫قام إلى الصييلة‪ ،‬فجاء بلل ليقيييم‪ ،‬فقال رسييول الله صييلى الله‬
‫علييه وسيلم إن أخيا صيداء أذن‪ ،‬ومين أذن فهيو يقييم"‪ .‬والحدييث‬
‫الثانيي ميا روي أن عبيد الله بين زييد حيين أري الذان رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم بلل فأذن‪ ،‬ثيم أمير عبيد الله فأقام‪ .‬فمين‬
‫ذهيب مذهيب النسيخ قال‪ :‬حدييث عبيد الله بين زييد متقدم وحدييث‬
‫الصدائي متأخر‪ .‬ومن ذهب مذهب الترجيح قال‪ :‬حديث عبد الله‬
‫بين زييد أثبيت‪ ،‬لن حدييث الصيدائي انفرد بيه عبيد الرحمين بين زياد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الفريقيي ولييس بحجية عندهيم‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي الجرة على‬


‫الذان فلمكان اختلفهيم فيي تصيحيح الخيبر الوارد فيي ذلك‪ :‬أعنيي‬
‫حدييث عثمان بين أبيي العاص أنيه قال "إن مين آخير ميا عهيد إلي‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أن أتخيذ مؤذنيا ل يأخيذ على‬
‫أذانيه أجرا" ومين منعيه قاس الذان فيي ذلك على الصيلة‪ .‬وأميا‬
‫سائر الشروط الخر فسبب الخلف فيها هو قياسها على الصلة‪،‬‬
‫فميين قاسييها على الصييلة أوجييب تلك الشروط الموجودة فييي‬
‫الصلة‪ ،‬ومن لم يقسها لم يوجب ذلك‪ .‬قال أبو عمر بن عبد البر‪:‬‬
‫قيد روينيا عين أبيي وائل بين حجير قال‪ :‬حيق وسينة مسينونة أن ل‬
‫يؤذن إل وهو قائم‪ ،‬ول يؤذن إل على طهر‪ ،‬قال‪ :‬وأبو وائل هو من‬
‫الصيحابة‪ ،‬وقوله سينة يدخيل فيي المسيند وهيو أولى مين القياس‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬وقد خرج الترمذي عن أبي هريرة أنه عليه الصلة‬
‫والسلم قال "ل يؤذن إل متوضئ"‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الخامس‪.‬‬
‫اختلف العلماء فيمييا يقوله السييامع للمؤذن‪ ،‬فذهييب قوم إلى أنييه‬
‫يقول ما يقول المؤذن كلمة بكلمة إلى آخر النداء‪ ،‬وذهب آخرون‬
‫إلى أنيه يقول مثيل ميا يقول المؤذن إل إذا قال حيي على الصيلة‬
‫حييي على الفلح‪ ،‬فإنييه يقول‪ :‬ل حول ول قوة إل بالله‪ .‬والسييبب‬
‫في الختلف في ذلك تعارض الثار‪ ،‬وذلك أنه قد روي من حديث‬
‫أبييي سييعيد الخدري أنييه عليييه الصييلة والسييلم قال "إذا سيمعتم‬
‫المؤذن فقولوا مثيل ميا يقول" وجاء مين طرييق عمير بين الخطاب‬
‫وحدييث معاويية أن السيامع يقول عنيد حيي على الفلح ل حول ول‬
‫قوة إل بالله‪ .‬فمين ذهيب مذهيب الترجييح أخيذ بعموم حدييث أبيي‬
‫سيعيد الخدري‪ ،‬ومين بنيى العام فيي ذلك على الخاص جميع بيين‬
‫الحديثين‪ ،‬وهو مذهب مالك بن أنس‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني من الباب الثاني من الجملة الثانية في القامة‪.‬‬
‫@‪-‬اختلفوا في القامة في موضعين في حكمها وفي صفتها‪ .‬أما‬
‫حكمها فإنها عند فقهاء المصار في حق العيان‪ ،‬والجماعات سنة‬
‫مؤكدة أكثر من الذان‪ ،‬وهي عند أهل الظاهر فرض ول أدري هل‬
‫هييي فرض عندهييم على الطلق أو فرض ميين فروض الصييلة؟‬
‫والفرق بينهما أن على القول الول ل تبطل الصلة بتركها‪ .‬وعلى‬
‫الثاني تبطل‪ .‬وقال ابن كنانة من أصحاب مالك‪ :‬من تركها عامدا‬
‫بطلت صلته‪ .‬وسبب هذا الختلف اختلفهيم هل هيي من الفعال‬
‫التي وردت بيانا لمجمل المر بالصلة فيحمل على الوجوب لقوله‬
‫علييه الصيلة والسيلم "صيلوا كميا رأيتمونيي أصيلي" أم هيي مين‬
‫الفعال التي تحمل على الندب؟ وظاهر حديث مالك بن الحويرث‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يوجب كونها فرضا إما في الجماعة وإما على المنفرد‪ .‬وأما صفة‬
‫القامية فإنهيا عنيد مالك والشافعيي‪ .‬إميا التكيبير الذي فيي أولهيا‬
‫فمثنيى‪ .‬وأميا ميا بعيد ذلك فمرة واحدة إل قوله قيد قاميت الصيلة‪،‬‬
‫فإنهيا عنيد مالك مرة واحدة‪ ،‬وعنيد الشافعيي مرتيين‪ .‬وأميا الحنفيية‬
‫فإن القامة عندهم مثنى مثنى‪ ،‬وخير أحمد بن حنبل بين الفراد‬
‫والتثنية على رأيه في التخيير في النداء‪ .‬وسبب الختلف تعارض‬
‫حديث أنس في هذا المعنى وحديث أبي ليلى المتقدم‪ ،‬وذلك أن‬
‫في حديث أنس الثابت أمر بلل أن يشفع الذان ويفرد القامة إل‬
‫قد قامت الصلة‪ .‬وفي حديث أبي ليلى أنه عليه الصلة والسلم‬
‫أ مر بلل فأذن مثنى وأقام مث نى‪ .‬والجمهور أنه ليس على النساء‬
‫أذان ول إقامة‪ .‬وقال مالك‪ :‬إن أقمن فحسن‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬إن‬
‫أذن وأقميين فحسيين‪ ،‬وقال إسييحاق‪ :‬إن عليهيين الذان والقاميية‪.‬‬
‫وروي عين عائشية أنهيا كانيت تؤذن وتقييم فيميا ذكره ابين المنذر‪،‬‬
‫والخلف آيل إلى هل تؤم المرأة أو ل تؤم؟ وقيل الصل أنها في‬
‫معنيى الرجيل فيي كيل عبادة‪ ،‬إل أن يقوم الدلييل على تخصييصها‪،‬‬
‫أم في بعضها هي كذلك وفي بعضها يطلب الدليل؟‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث من الجملة الثانية في القبلة‪.‬‬
‫@‪-‬اتفق المسلمون على أن التوجه نحو البيت شرط من شروط‬
‫صيحة الصيلة لقوله تعالى {ومين حييث خرجيت فول وجهيك شطير‬
‫المسجد الحرام} أما إذا أبصر البيت‪ ،‬فالفرض عندهم هو التوجه‬
‫إلى عيين البييت‪ ،‬ول خلف فيي ذلك‪ .‬وأميا إذا غابيت الكعبية عين‬
‫البصيار فاختلفوا مين ذلك فيي موضعيين‪ :‬أحدهميا هيل الفرض هيو‬
‫العيين أو الجهية؟ والثانيي هيل فرضيه الصيابة أو الجتهاد‪ :‬أعنييي‬
‫إصيابة الجهية أو العيين عنيد مين أوجيب العيين؟ فذهيب قوم إلى أن‬
‫الفرض هيو العيين‪ ،‬وذهيب آخرون إلى أنيه الجهية‪ .‬والسيبب فيي‬
‫اختلفهييم هييل فييي قوله تعالى {فول وجهييك شطيير المسييجد‬
‫الحرام} محذوف حتييى يكون تقديره‪ :‬وميين حيييث خرجييت فول‬
‫وجهيك شطير المسيجد الحرام أم لييس ههنيا محذوف أصيل وأن‬
‫الكلم على حقيقتييييه؟ فميييين قدر هنالك محذوفييييا قال‪ :‬الفرض‬
‫الجهة‪ ،‬ومن لم يقدر هنالك محذوفا قال‪ :‬الفرض العين‪ ،‬والواجب‬
‫حميييل الكلم على الحقيقييية حتيييى يدل الدلييييل على حمله على‬
‫المجاز‪ ،‬وقد يقال إن الدليل على تقديير هذا المحذوف قوله عليه‬
‫الصيلة والسيلم "ميا بيين المشرق والمغرب قبلة إذا توجيه نحيو‬
‫البيت" قالوا‪ :‬واتفاق المسلمين على الصف الطويل خارج الكعبة‬
‫يدل على أن الفرض ليييس هييو العييين أعنييي إذا لم تكيين الكعبيية‬
‫مب صرة‪ .‬والذي أوله إ نه لو كان واجبا قصد العين لكان حرجا‪ ،‬قد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قال تعالى {وميا جعيل عليكيم فيي الديين مين حرج} فإن إصيابة‬
‫العيييين شييييء ل يدرك إل بتقرييييب وتسيييامح بطرييييق الهندسييية‬
‫واسيتعمال الرصياد فيي ذلك‪ ،‬فكييف بغيير ذلك مين طرق الجتهاد‬
‫ونحن لم نكلف الجتهاد فيه بطريق الهندسة المبني على الرصاد‬
‫المستنبط منها طول البلد وعرضها‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الثانييية) فهييي هييل فرض المجتهييد فييي القبلة‬
‫الصييابة أو الجتهاد فقييط حتيى يكون إذا قلنيا إن فرضييه الصيابة‬
‫متى تبين له أنه أخطأ أعاد الصلة‪ .‬ومتى قلنا إن فرضه الجتهاد‬
‫لم يجيب أن يعييد إذا تيبين له الخطيأ‪ ،‬وقيد كان صيلى قبيل اجتهاده‪.‬‬
‫أميا الشافعيي فزعيم أن فرضيه الصيابة وأنيه إذا تيبين له أنيه أخطيأ‬
‫أعاد أبدا‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يعيييد وقييد مضييت صييلته مييا لم يتعمييد أو‬
‫صلى بغير اجتهاد‪ ،‬وبه قال مالك وأبو حنيفة‪ ،‬إل أن مالكا استحب‬
‫له العادة فييي الوقييت‪ .‬وسييبب الخلف فييي ذلك معارضيية الثيير‬
‫للقياس ميع الختلف أيضيا فيي تصيحيح الثير الوارد فيي ذلك‪ .‬أميا‬
‫القياس فهو تشبيه الجهة بالوقت‪ :‬أعني بوقت الصلة‪ ،‬وذلك أنهم‬
‫أجمعوا على أن الفرض فيه هو الصابة‪ ،‬وأنه إن انكشف للمكلف‬
‫أنيه صيلى قبيل الوقيت أعاد أبدا إل خلفيا شاذا فيي ذلك عين ابين‬
‫عباس وعيين الشعييبي‪ ،‬ومييا روي عيين مالك ميين أن المسييافر إذا‬
‫جهل فصلى العشاء قبل غيبوية الشفق ثم انكشف له أنه صلها‬
‫قبيل غيبوبية الشفيق أنيه قيد مضيت صيلته‪ ،‬ووجيه الشبيه بينهميا أن‬
‫هذا ميقات وقيت‪ ،‬وهذا ميقات جهية‪ .‬وأميا الثير فحدييث عامير بين‬
‫ربيعية قال "كنيا ميع رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فيي ليلة‬
‫ظلماء فيي سيفر‪ ،‬فخفييت علينيا القبلة‪ ،‬فصيلى كيل واحيد منيا إلى‬
‫َ‬
‫وجيه وعل ّمنيا‪ ،‬فلميا أصيبحنا فإذا نحين قيد صيلينا إلى غيير القبلة‪،‬‬
‫فسيألنا رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فقال‪ :‬مضيت صيلتكم‪،‬‬
‫ونزلت {ولله المشرق والمغرب فأينميييا تولوا فثيييم وجيييه الله}‬
‫وعلى هذا فتكون هذه الية محكمة‪ ،‬وتكون فيمن صلى فانكشف‬
‫له أنه صلى لغير القبلة‪ ،‬والجمهور على أنها منسوخة بقوله تعالى‬
‫{ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام} فمن لم‬
‫يصح عنده هذا الثر قاس ميقات الجهة على ميقات الزمان‪ ،‬ومن‬
‫ذهييب مذهييب الثيير لم تبطييل صييلته‪ .‬وفييي هذا الباب مسييألة‬
‫مشهورة‪ ،‬وهيي جواز الصيلة فيي داخيل الكعبية‪ .‬وقيد اختلفوا فيي‬
‫ذلك‪ ،‬فمنهييم ميين منعييه على الطلق‪ ،‬ومنهييم ميين أجازه على‬
‫الطلق‪ ،‬ومنهيم مين فرق بيين النفيل فيي ذلك والفرض‪ .‬وسيبب‬
‫اختلفهم تعارض الثار في ذلك‪ ،‬والحتمال المتطرق لمن استقبل‬
‫أحد حيطانها من داخل هل يسمى مستقبل للبيت كما يسمى من‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اسييتقبله ميين خارج أم ل؟ أمييا الثيير فإنييه ورد فييي ذلك حديثان‬
‫متعارضان كلهما ثابت‪ :‬أحدهما حديث ابن عباس قال "لما دخل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم‬
‫يصيل حتيى خرج‪ ،‬فلميا خرج ركيع ركعتيين فيي قبيل الكعبية وقال‪:‬‬
‫هذه القبلة" والثانييي حديييث عبييد الله بيين عميير "أن رسييول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وعثمان بن‬
‫طلحة وبلل بن رباح‪ ،‬فأغلقها عليه ومكث فيها‪ ،‬فسألت بلل حين‬
‫خرج ماذا صينع رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم؟ فقال‪ :‬جعيل‬
‫عمودا عيين يسيياره وعمودا عيين يمينييه وثلثيية أعمدة وراءه ثييم‬
‫صيلى" فمين ذهب مذهيب الترجييح أو النسيخ قال إ ما بمنع الصلة‬
‫مطلقيا إن رجيح حدييث ابين عباس‪ ،‬وإميا بإجازتهيا مطلقيا إن رجيح‬
‫حديث ابن عمر‪ ،‬ومن ذهب مذهب الجمع بينهما حمل حديث ابن‬
‫عباس على الفرض وحدييث ابين عمير على النفيل‪ ،‬والجميع بينهميا‬
‫فييه عسير‪ ،‬فإن الركعتيين اللتيين صيلهما علييه الصيلة والسيلم‬
‫خارج الكعبيية وقال "هذه القبلة" هييي نفييل‪ ،‬وميين ذهييب مذهييب‬
‫سقوط الثر عند التعارض‪ ،‬فإن كان ممن يقول باستصحاب حكم‬
‫الجماع والتفاق لم يجز الصلة داخل البيت أصل‪ ،‬وإن كان ممن‬
‫ل يرى اسييتصحاب حكييم الجماع عاد النظيير فييي انطلق اسييم‬
‫المسيتقبل للبييت على مين صيلى داخيل الكعبية‪ ،‬فمين جوزه أجاز‬
‫الصيلة‪ ،‬ومين لم يجوزه‪ ،‬وهيو الظهير‪ ،‬لم يجيز الصيلة فيي البييت‪،‬‬
‫واتفييق العلماء بأجمعهييم على اسييتحباب السييترة بييين المصييلي‬
‫والقبلة إذا صيلى‪ ،‬منفردا كان أو إماميا‪ ،‬وذلك لقوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "إذا وضيع أحدكيم بيين يدييه مثيل مؤخرة الرحيل فليصيل"‬
‫واختلفوا فيي الخيط إذا لم يجيد سيترة‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬لييس علييه‬
‫أن يخييط‪ .‬وقال أحمييد بيين حنبييل‪ :‬يخييط خطييا بييين يديييه‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهم اختلفهم في تصحيح الثر الوارد في الخط‪ ،‬والثر رواه‬
‫أبو هريرة أنه عليه الصلة والسلم قال "إذا صلى أحدكم فليجعل‬
‫تلقاء وجهيه شيئا‪ ،‬فإن لم يكين فلينصيب عصيا‪ ،‬فإن لم تكين معيه‬
‫عصيا فليخيط خطيا ول يضره مين مير بيين يدييه" خرجيه أبيو داود‬
‫وكان أحمد بن حنبل يصححه والشافعي ل يصححه وقد روي "أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم صلى لغير سترة" والحديث الثابت أنه كان‬
‫يخرج له العنزة‪ ،‬فهذه جملة قواعد هذا الباب وهي أربع مسائل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع من الجملة الثانية‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب ينقسييم إلى فصييلين‪ :‬أحدهمييا فييي سييتر العورة‬
‫والثاني فيما يجزئ من اللباس في الصلة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬اتفق العلماء على أن ستر العورة فرض بإطلق‪ ،‬واختلفوا هل‬


‫هو شرط من شروط صحة الصلة أم ل؟ وكذلك اختلفوا في حد‬
‫العورة مين الرجيل والمرأة‪ ،‬وظاهير مذهيب مالك أنهيا مين سينن‬
‫الصيلة‪ ،‬وذهيب أبيو حنيفية والشافعيي إلى أنهيا مين فروض الصيلة‬
‫وسيبب الخلف فيي ذلك تعارض الثار واختلفهيم فيي مفهوم قوله‬
‫تعالى {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} هل المر بذلك‬
‫على الوجوب أو على الندب؟ فميييييييين حمله على الوجوب قال‪:‬‬
‫المراد به ستر العورة‪ ،‬واحتج لذلك بأن سبب نزول هذه الية كان‬
‫أن المرأة كانت تطوف بالبيت عريانة وتقول‪:‬‬
‫اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فل أحله‬
‫فأنزلت هذه اليية "وأمير رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أن ل‬
‫يحيج بعيد العام مشرك ول يطوف بالبييت عريان" ومين حمله على‬
‫الندب قال‪ :‬المراد بذلك الزينة الظاهرة من الرداء وغير ذلك من‬
‫الملبس التي هي زينة‪ ،‬واحتج لذلك بما جاء في الحديث من أنه‬
‫كان رجال يصيلون ميع النيبي علييه الصيلة والسيلم عاقدي أزرهيم‬
‫على أعناقهيم كهيئة الصيبيان‪ ،‬ويقال للنسياء ل ترفعين رؤوسيكن‬
‫حتى يستوي الرجال جلوسا قالوا‪ :‬ولذلك من لم يجد ما به يستر‬
‫عورته لم يختلف في أنه يصلي‪ ،‬واختلف فيمن عدم الطهارة هل‬
‫يصلي أم ل يصلي؟‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) وهيي حيد العورة مين الرجيل فذهيب‬
‫مالك والشافعييي إلى أن حييد العورة منييه مييا بييين السييرة إلى‬
‫الركبية‪ ،‬وكذلك قال أبيو حنيفية وقال قوم‪ :‬العورة هميا السيوأتان‬
‫فقط من الرجل‪ .‬وسبب الخلف في ذلك أثران متعارضان كلهما‬
‫ثابيت‪ :‬أحدهميا حدييث جرهيد أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال‬
‫"الفخيذ عورة"‪ .‬والثانيي حدييث أنيس "أن النيبي صيلى الله علييه‬
‫وسييلم حسيير عيين فخذه وهييو جالس مييع أصييحابه" قال البخاري‬
‫وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط‪ ،‬وقد قال بعضهم العورة‬
‫الدبر والفرج والفخذ‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الثالثيية) وهييي حييد العورة فييي المرأة‪ ،‬فأكثيير‬
‫العلماء على أن بدنهيا كله عورة ميا خلى الوجيه والكفيين‪ ،‬وذهيب‬
‫أبيو حنيفية إلى أن قدمهيا ليسيت بعورة‪ ،‬وذهيب أبيو بكير بين عبيد‬
‫الرحميين وأحمييد إلى أن المرأة كلهييا عورة‪ .‬وسييبب الخلف فييي‬
‫ذلك احتمال قوله تعالى {ول يبد ين زينتهين إل ما ظهر منها} هيل‬
‫هذا المستثنى المقصود منه أعضاء محدودة‪ ،‬أم إنما المقصود به‬
‫ميا ل يملك ظهوره؟ فمين ذهيب إلى أن المقصيود مين ذلك ميا ل‬
‫يملك ظهوره عنييد الحركيية قال‪ :‬بدنهييا كله عورة حتييى ظهرهييا‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واحتج لذلك بعموم قوله تعالى {يا أيها النبي قل لزواجك وبناتك‬
‫ونساء المؤمنين} الية‪ ،‬ومن رأى أن المقصود من ذلك ما جرت‬
‫بيه العادة بأنيه ل يسيتر وهيو الوجيه والكفان ذهيب إلى أنهميا ليسيا‬
‫بعورة واحتج لذلك بأن المرأة ليست تستر وجهها في الحج‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصيل الثانيي مين الباب الرابيع فيميا يجزئ فيي اللباس فيي‬
‫الصلة‪.‬‬
‫@‪-‬أميا اللباس فالصيل فييه قوله تعالى {خذوا زينتكييم عنيد كيل‬
‫مسيجد} والنهيي الوارد عين هيئات بعيض الملبيس فيي الصيلة‪،‬‬
‫وذلك أنهيم اتفقوا فيميا أحسيب على أن الهيئات مين اللباس التيي‬
‫نهي عن الصلة فيها مثل اشتمال الصماء‪ ،‬وهو أن يحتبي الرجل‬
‫في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء‪ ،‬وأن يحتبي الرجل في‬
‫ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء‪ ،‬وسائر ما ورد من ذلك أن‬
‫ذلك كله سييد ذريعيية أل تنكشييف عورتييه‪ ،‬ول أعلم أن أحدا قال ل‬
‫تجوز صيلة على إحدى هذه الهيئات إن لم تنكشيف عورتيه‪ ،‬وقيد‬
‫كان على أصيول أهيل الظاهير يجيب ذلك واتفقوا على أنيه يجزئ‬
‫الرجيل مين اللباس فيي الصيلة الثوب الواحيد لقول النيبي صيلى‬
‫الله عليه وسلم وقد سئل أيصلي الرجل في الثوب الواحد؟ فقال‬
‫"أو لكلكيم ثوبان؟" واختلفوا فيي الرجيل يصيلي مكشوف الظهير‬
‫والبطيين‪ ،‬فالجمهور على جواز صييلته لكون الظهيير والبطيين ميين‬
‫الرجيل ليسيا بعورة‪ ،‬وشيذ قوم فقالوا‪ :‬ل تجوز صيلته لنهييه صيلى‬
‫الله علييه وسيلم أن يصيلي الرجيل فيي الثوب الواحيد لييس على‬
‫عاتقه منه شيء‪ ،‬وتمسك بوجوب قوله تعالى {خذوا زينتكم عند‬
‫كيل مسيجد} واتفيق الجمهور على أن اللباس المجزئ للمرأة فيي‬
‫الصلة هو درع وخمار‪ ،‬لما روي عن أم سلمة "أنها سألت رسول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬ماذا تصيلي فييه المرأة؟ فقال‪ :‬فيي‬
‫الخمار والدرع السييابغ إذا غيبييت ظهور قدميهييا" ولمييا روي أيضييا‬
‫عن عائشة عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يقبل الله‬
‫صلة حائض إل بخمار" وهو مروي عن عائشة وميمونة وأم سلمة‬
‫أنهم كانوا يفتون بذلك وكل هؤلء يقولون إنها إن صلت مكشوفة‬
‫أعادت في الوقت وبعده‪ ،‬إل مالكا فإنه قال‪ :‬إنها تعيد في الوقت‬
‫فقييط‪ .‬والجمهور على أن الخادم لهيا أن تصيلي مكشوفية الرأس‬
‫والقدميين‪ ،‬وكان الحسين البصيري يوجيب عليهيا الخمار واسيتحبه‬
‫عطاء‪ .‬وسيبب الخلف الخطاب المتوجيه إلى الجنيس الواحيد هيل‬
‫يتناول الحرار والعبييد معيا أم الحرار فقيط دون العبييد؟ واختلفوا‬
‫فيي صيلة الرجيل فيي الثوب الحريير فقال قوم‪ :‬تجوز صيلته فييه‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬ل تجوز‪ .‬وقوم اسيتحبوا له العادة فيي الوقيت‪ .‬وسيبب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلفهيم فيي ذلك هيل الشييء المنهيي عنيه مطلقيا اجتنابيه شرط‬
‫في صحة الصلة أم ل؟ فمن ذهب إلى أنه شرط‪ :‬قال إن الصلة‬
‫ل تجوز به‪ ،‬ومن ذهب إلى أنه يكون بلباسه مأثوما والصلة جائزة‬
‫قال‪ :‬لييس شرطيا فيي صيحة الصيلة كالطهارة التيي هيي شرط‪،‬‬
‫وهذه المسيألة هيي مين نوع الصيلة فيي الدار المغصيوبة والخلف‬
‫فيها مشهور‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الطهارة من النجس فمن قال إنها سنة مؤكدة فيبعد أن‬
‫يقول إنها فرض في الصلة أي من شروط صحتها‪ .‬ومن قال إنها‬
‫فرض بإطلق فيجوز أن يقول إنها فرض في الصلة‪ ،‬ويجوز أن ل‬
‫يقول ذلك؛ وحكييى عبييد الوهاب عيين المذهييب فييي ذلك قولييين‪:‬‬
‫أحدهما إن إزالة النجاسة شرط في صحة الصلة في حال القدرة‬
‫والذكير‪ ،‬والقول الخير إنهيا ليسيت شرطيا‪ .‬والذي حكاه مين أنهيا‬
‫شرط ل يتخرج على مشهور المذهب من أن غسل النجاسة سنة‬
‫مؤكدة‪ ،‬وإنمييا يتخرج على القول بأنهييا فرض مييع الذكيير والقدرة‪،‬‬
‫وقد مضت هذه المسألة في كتاب الطهارة‪ ،‬وعرف هنالك أسباب‬
‫الخلف فيها‪ ،‬وإنما الذي يتعلق به ههنا الكلم من ذلك‪ :‬هل ما هو‬
‫فرض مطلق مما يقع في الصلة يجب أن يكون فرضا في الصلة‬
‫أم ل؟ والحييق أن الشيييء المأمور بييه على الطلق ل يجييب أن‬
‫يكون شرطا في صحة شيء ما (آخر مأمور به‪ ،‬وإن وقع فيه إل‬
‫بأمير آخير‪ ،‬وكذلك المير فيي الشييء المنهيي عنيه على الطلق ل‬
‫يجب أن يكون شرطا في صحة شيء ما) (ما بين القوسين غير‬
‫موجود بالنسيخة المصيرية‪ ،‬لكنيه مثبيت فيي النسيخة الفاسيية اهيي)‬
‫إل بأمر آخر‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا المواضييع التييي يصييلي فيهييا‪ ،‬فإن ميين الناس ميين أجاز‬
‫الصلة في كل موضع ل تكون فيه نجاسة‪ ،‬ومنهم من استثنى من‬
‫ذلك سيييبعة مواضيييع‪ :‬المزبلة‪ ،‬والمجزرة‪ ،‬والمقيييبرة‪ ،‬وقارعييية‬
‫الطرييق‪ ،‬والحمام‪ ،‬ومعاطين البيل‪ ،‬وفوق ظهير بييت الله‪ ،‬ومنهيم‬
‫مين اسيتثنى مين ذلك المقيبرة فقيط‪ ،‬ومنهيم مين اسيتثنى المقيبرة‬
‫والحمام‪ ،‬ومنهيم مين كره الصيلة فيي هذه المواضيع المنهيي عنهيا‬
‫ولم يبطلهيا وهيو أحيد ميا روي عين مالك‪ ،‬وقيد روي عنيه الجواز‪،‬‬
‫وهذه روايية ابين القاسيم‪ .‬وسيبب اختلفهيم تعارض ظواهير الثار‬
‫فيييي هذا الباب‪ ،‬وذلك أن ههنيييا حديثيييين متفيييق على صيييحتهما‬
‫وحديثيين مختلف فيهميا‪ .‬فأميا المتفيق عليهميا فقوله علييه الصيلة‬
‫والسييلم "أعطيييت خمسييا لم يعطهيين أحييد قبلي‪ ،‬وذكيير فيهييا‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجعلت لي الرض مسجدا وطهورا فأينما أدركتني الصلة صليت"‬


‫وقوله علييه الصيلة والسيلم "اجعلوا مين صيلتكم فيي بيوتكيم ول‬
‫تتخذوهيا قبورا" وأميا الغيير المتفيق عليهميا فأحدهميا ميا روي "أنيه‬
‫علييه الصييلة والسيلم نهييى أن يصيلي فييي سيبعة مواطين‪ :‬فييي‬
‫المزبلة‪ ،‬والمجزرة‪ ،‬والمقييبرة‪ ،‬وقارعيية الطريييق‪ ،‬وفييي الحمام‬
‫وفييي معاطيين البييل‪ ،‬وفوق ظهيير بيييت الله" خرجييه الترمذي‪.‬‬
‫والثاني ما روي أنه قال عليه الصلة والسلم "صلوا في مرابض‬
‫الغنيييم ول تصييلوا فيييي أعطان البيييل" فذهييب الناس فيييي هذه‬
‫الحادييث ثلثية مذاهيب‪ :‬أحدهميا مذهيب الترجييح والنسيخ‪ ،‬والثانيي‬
‫مذهييييب البناء‪ :‬أعنييييي بناء الخاص على العام‪ ،‬والثالث مذهييييب‬
‫الجميع‪ .‬فأميا مين ذهيب مذهيب الترجييح والنسيخ فأخيذ بالحدييث‬
‫المشهور‪ ،‬وهييو قوله عليييه الصييلة والسييلم "جعلت لي الرض‬
‫مسيجدا وطهورا" وقال هذا ناسيخ لغيره‪ ،‬لن هذه هيي فضائل له‬
‫علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬وذلك مميا ل يجوز نسيخه‪ .‬وأميا مين ذهيب‬
‫مذهيب بناء الخاص على العام فقال‪ :‬حدييث الباحية عام‪ ،‬وحدييث‬
‫النهيي خاص‪ ،‬فيجيب أن يبنيي الخاص على العام‪ .‬فمين هؤلء مين‬
‫اسييتثنى السييبعة مواضييع‪ ،‬ومنهييم ميين اسييتثنى الحمام والمقييبرة‬
‫وقال‪ :‬هذا هو الثابت عنه عليه الصلة والسلم لنه قد روي أيضا‬
‫النهيي عنهميا مفرديين‪ .‬ومنهيم مين اسيتثنى المقيبرة فقيط للحدييث‬
‫المتقدم‪ .‬وأما من ذهب مذهب الجمع ولم يستثن خاصا من عام‬
‫فقال أحاديييث النهييي محمولة على الكراهيية‪ ،‬والول على الجواز‪.‬‬
‫واختلفوا فيي الصيلة فيي البييع والكنائس‪ ،‬فكرههيا قوم‪ ،‬وأجازهيا‬
‫قوم‪ ،‬وفرق قوم بيين أن يكون فيهيا صيور أو ل يكون‪ ،‬وهيو مذهيب‬
‫ابيين عباس لقول عميير‪ :‬ل تدخييل كنائسييهم ميين أجييل التماثيييل‪،‬‬
‫والعلة فيمين كرههيا ل مين أجيل التصياوير‪ ،‬حملهيا على النجاسية‪،‬‬
‫واتفقوا على الصيييلة على الرض‪ ،‬واختلفوا فيييي الصيييلة على‬
‫الطنافيس وغيير ذلك مميا يقعيد علييه على الرض‪ ،‬والجمهور على‬
‫إباحيية السييجود على الحصييير ومييا يشبهييه ممييا تنبييت الرض‪،‬‬
‫والكراهيية بعيد ذلك‪ ،‬وهيو مذهيب مالك بين أنيس (ل يخفيى ميا فيي‬
‫هذه العبارة فتدبر)‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السييابع‪ .‬فييي معرفيية الشروط التييي هييي شروط فييي‬
‫صحة الصلة‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا التروك المشترطية فيي الصيلة‪ ،‬فاتفيق المسيلمون على‬
‫أن منهييا قول‪ ،‬ومنهييا فعل‪ .‬فأمييا الفعال فجميييع الفعال المباحيية‬
‫التييي ليسييت ميين أفعال الصييلة‪ ،‬إل قتييل العقرب والحييية فييي‬
‫الصيلة‪ ،‬فإنهيم اختلفوا فيي ذلك لمعارضية الثير فيي ذلك للقياس‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واتفقوا فيما أحسب على جواز الفعل الخفيف‪ .‬وأما القوال فهي‬
‫أيضييا القوال التييي ليسييت ميين أقاويييل الصييلة‪ ،‬وهذه أيضييا لم‬
‫يختلفوا أنها تفسد الصلة عمدا لقوله تعالى {وقوموا لله قانتين}‬
‫ولما ورد من قوله عليه الصلة والسلم "إن الله يحدث من أمره‬
‫ميا يشاء" ومميا أحدث أن ل تكلموا فيي الصيلة‪ ،‬وهيو حدييث ابين‬
‫مسعود وحديث زيد بن أرقم أنه قال "كنا نتكلم في الصلة حتى‬
‫نزلت {وقوموا لله قانتيين} فأمرنيا بالسيكوت ونهينيا عين الكلم"‬
‫وحديث معاوية بن الحكم السلمي‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم يقول "إن صيلتنا ل يصيلح فيهيا شييء مين كلم الناس‬
‫إنمييا هييو التسييبيح والتهليييل والتحميييد وقراءة القرآن" إل أنهييم‬
‫اختلفوا من ذلك في موضعين‪ :‬أحدهما إذا تكلم ساهيا‪ ،‬والخر إذا‬
‫تكلم عامدا لصيلح الصيلة‪ .‬وشيذ الوزاعيي فقال‪ :‬مين تكلم فيي‬
‫الصلة لحياء نفس أو لمر كبير‪ ،‬فإنه يبنى‪ .‬والمشهور من مذهب‬
‫مالك أن التكلم عمدا على جهيييية الصييييلح ل يفسييييدها‪ .‬وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬يفسييدها التكلم كيييف كان إل مييع النسيييان‪ .‬وقال أبييو‬
‫حنيفية‪ :‬يفسيدها التكلم كييف كان‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم تعارض‬
‫ظواهير الحادييث فيي ذلك‪ ،‬وذلك أن الحادييث المتقدمية تقتضيي‬
‫تحرييييم الكلم على العموم‪ ،‬وحدييييث أبيييي هريرة المشهور "أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين‪ ،‬فقال له ذو‬
‫اليديين‪ :‬اقصيرت الصيلة أم نسييت ييا رسيول الله؟ فقال رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬أصيدق ذو اليديين؟ فقالوا‪ :‬نعيم‪ ،‬فقام‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم فصييلى ركعتييين أخريييين ثييم‬
‫سيلم" ظاهره أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم تكلم والناس معه‪،‬‬
‫وأنهيم بنوا بعيد التكلم‪ ،‬ولم يقطيع ذلك التكلم صيلتهم‪ ،‬فمين أخيذ‬
‫بهذا الظاهيير‪ ،‬ورأى أن هذا شيييء يخييص الكلم لصييلح الصييلة‬
‫اسيتثنى هذا مين ذلك العموم‪ ،‬وهيو مذهيب مالك بين أنيس‪ ،‬ومين‬
‫ذهب إلى أنه ليس في الحديث دليل على أنهم تكلموا عمدا في‬
‫الصيلة وإنميا يظهير منهيم أنهيم تكلموا وهيم يظنون أن الصيلة قيد‬
‫قصيرت‪ ،‬وتكلم النيبي علييه الصيلة والسيلم وهيو يظين أن الصيلة‬
‫قيد تميت‪ ،‬ولم يصيح عنده أن الناس قيد تكلموا بعيد قول رسيول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما قصرت الصلة وما نسيت" قال‪:‬‬
‫إن المفهوم مين الحدييث إنميا هيو إجازة الكلم لغيير العاميد‪ ،‬فإذا‬
‫السييبب فييي اختلف مالك والشافعييي فييي المسييتثنى ميين ذلك‬
‫العموم هييو اختلفهييم فييي مفهوم هذا الحديييث مييع أن الشافعييي‬
‫اعتميد أيضيا فيي ذلك أصيل عاميا‪ ،‬وهيو قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"رفيع عين أمتيي الخطيأ والنسييان" وأميا أبيو حنيفية فحميل أحادييث‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫النهيي على عمومهيا‪ ،‬ورأى أنهيا ناسيخة لحدييث ذي اليديين وأنيه‬


‫متقدم عليها‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثامن‪ .‬في معرفة النية وكيفية اشتراطها في الصلة‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا النيية فاتفيق العلماء على كونهيا شرطيا فيي صيحة الصيلة‬
‫لكون الصييلة هييي رأس العبادات التييي وردت فييي الشرع لغييير‬
‫مصيلحة معقولة‪ :‬أعنيي مين المصيالح المحسيوسة‪ ،‬واختلفوا هيل‬
‫مين شرط نيية المأموم أن توافييق نيية المام فييي تعيييين الصيلة‬
‫وفيي الوجوب حتيى ل يجوز أن يصيلي المأموم ظهرا بإمام يصيلي‬
‫عصرا؟ ول يجوز أن يصلي المام ظهرا يكون في حقة نفل‪ ،‬وفي‬
‫حيق المأموم فرضيا؟ فذهيب مالك وأبيو حنيفية إلى أنيه يجيب أن‬
‫توافييق نييية المأموم نييية المام‪ ،‬وذهييب الشافعييي إلى أنييه ليييس‬
‫يجيب‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم معارضية مفهوم قوله علييه الصيلة‬
‫والسلم "إنما جعل المام ليؤتم به" لما جاء في حديث معاذ من‬
‫أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يصلي بقومه‪،‬‬
‫فمن رأى ذلك خاصا لمعاذ‪ ،‬وأن عموم قوله عليه الصلة والسلم‬
‫"إنميا جعيل المام ليؤتيم بيه" يتناول النيية اشترط موافقية المام‬
‫للمأموم‪ .‬ومن رأى أن الباحة لمعاذ في ذلك هي إباحة لغيره من‬
‫سيائر المكلفيين وهيو الصيل قال‪ :‬ل يخلو المير فيي ذلك الحدييث‬
‫الثانييي ميين أحييد أمرييين‪ :‬إمييا أن يكون ذلك العموم الذي فيييه ل‬
‫يتناول النية لن ظاهره إنما هو في الفعال‪ ،‬فل يكون بهذا الوجه‬
‫معارضيا لحدييث معاذ‪ ،‬وإميا أن يكون يتناولهيا فيكون حدييث معاذ‬
‫قيد خصيص فيي ذلك العموم‪ .‬وفيي النيية مسيائل لييس لهيا تعلق‬
‫بالمنطوق بيه مين الشرع رأينيا تركهيا إذ كان غرضنيا على القصيد‬
‫الول إنميا هيو الكلم فيي المسيائل التيي تتعلق بالمنطوق بيه مين‬
‫الشرع‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثالثية مين كتاب الصيلة) وهيي معرفية ميا تشتميل‬
‫علييه مين القوال والفعال‪ ،‬وهيي الركان والصيلوات المفروضية‬
‫تختلف فييي هذييين بالزيادة والنقصييان‪ ،‬إمييا ميين قبييل النفراد‬
‫والجماعة‪ ،‬وإما من قبل الزمان‪ ،‬مثل مخالفة ظهر الجمعة لظهر‬
‫سيائر اليام‪ ،‬وإميا مين قبيل الحضير والسيفر‪ ،‬وإميا مين قبيل المين‬
‫والخوف‪ ،‬وإمييا ميين قبييل الصييحة والمرض‪ ،‬فإذا أريييد أن يكون‬
‫القول في هذه صناعيا وجاريا على نظام فيجب أن يقال أول فيما‬
‫تشترك فييه هذه كلهيا ثيم يقال فيميا يخيص واحدة واحدة منهيا‪ ،‬أو‬
‫يقال فيي واحدة واحدة منهيا وهيو السيهل وإن كان هذا النوع مين‬
‫التعليييم يعرض منييه تكرار مييا‪ ،‬وهييو الذي سييلكه الفقهاء ونحيين‬
‫نتبعهيم فيي ذلك‪ ،‬فنجعيل هذه الجملة منقسيمة إلى سيتة أبواب‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الباب الول‪ :‬فييي صييلة المنفرد الحاضيير الميين الصييحيح‪ .‬الباب‬


‫الثاني‪ :‬في صلة الجماعة‪ :‬أعني في أحكام المام والمأموم في‬
‫الصيلة‪ .‬الباب الثالث‪ :‬فيي صيلة الجمعية‪ .‬الباب الرابيع‪ :‬فيي صيلة‬
‫السيفر‪ .‬الباب الخاميس‪ :‬فيي صيلة الخوف‪ .‬الباب السيادس‪ :‬فيي‬
‫صلة المريض‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في صلة المنفرد الحاضر المن الصحيح‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب فيييه فصييلن‪ :‬الفصييل الول‪ :‬فييي أقوال الصييلة‪.‬‬
‫والفصل الثاني‪ :‬في أفعال الصلة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصيل الول فيي أقوال الصيلة‪ .‬وفيي هذا الفصيل مين قواعيد‬
‫المسائل تسع مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسيييألة الولى) اختلف العلماء فيييي التكيييبير على ثلثييية‬
‫مذاهييب‪ :‬فقوم قالوا‪ :‬إن التكييبير كله واجييب فييي الصييلة‪ .‬وقوم‬
‫قالوا‪ :‬إنه كله ليس بواجب وهو شاذ‪ .‬وقوم أوجبوا تكبيرة الحرام‬
‫فقيط‪ ،‬وهيم الجمهور‪ ،‬وسيبب اختلف مين أوجبيه كله ومين أوجيب‬
‫منه تكبيرة الحرام فقط‪ :‬معارضة ما نقل من قوله لما نقل من‬
‫فعله علييه الصيلة والسيلم‪ ،‬فأميا ميا نقيل مين قوله فحدييث أبيي‬
‫هريرة المشهور أن النيبي علييه الصيلة والسيلم قال للرجيل الذي‬
‫علميه الصيلة "إذا أردت الصيلة فأسيبغ الوضوء ثيم اسيتقبل القبلة‬
‫ثيم كيبر ثيم اقرأ" فمفهوم هذا هيو أن التكيبيرة الولى هيي الفرض‬
‫فقيط‪ ،‬ولو كان ميا عدا ذلك مين التكيبير فرضيا لذكره له كميا ذكير‬
‫سيائر فروض الصيلة‪ .‬وأميا ميا نقيل مين فعله فمنهيا حدييث أبيي‬
‫هريرة "أنيه كان يصيلي فيكيبر كلميا حفيض ورفيع‪ ،‬ثيم يقول‪ :‬إنيي‬
‫لشبهكيم صيلة بصيلة رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم" ومنهيا‬
‫حدييث مطرف بين عبيد الله بين الشخيير قال "صيليت أنيا وعمران‬
‫بين الحصيين خلف علي بين أبيي طالب رضيي الله عنيه‪ ،‬فكان إذا‬
‫سيجد كيبر‪ ،‬وإذا رفيع رأسيه مين الركوع كيبر‪ ،‬فلميا قضيى صيلته‬
‫وانصيرفنا أخيذ عمران بيده‪ ،‬فقال‪ :‬أذكرنيي هذا صيلة محميد صيلى‬
‫الله علييه وسيلم "فالقائلون بإيجابيه تمسيكوا بهذا العميل المنقول‬
‫فيي هذه الحادييث وقالوا‪ :‬الصيل أن تكون كيل أفعاله التيي أتيت‬
‫بيانييا لواجييب‪ ،‬محمولة على الوجوب كمييا قال صييلى الله عليييه‬
‫وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي" و"خذوا عني مناسككم" وقالت‬
‫الفرقة الولى ما في هذه الثار يدل على أن العمل عند الصحابة‬
‫إنمييا كان على إتمام التكييبير ولذلك كان أبييو هريرة يقول‪ :‬إنييي‬
‫لشبهكيم صيلة بصيلة رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ .‬وقال‬
‫عمران‪ :‬أذكرنيي هذا بصيلته صيلة محميد صيلى الله علييه وسيلم‪.‬‬
‫وأميا مين جعيل التكيبير كله نفل فضعييف‪ ،‬ولعله قاسيه على سيائر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الذكار التييي فييي الصييلة ممييا ليسييت بواجييب‪ ،‬إذ قاس تكييبيرة‬
‫الحرام على سيائر التكيبيرات‪ .‬قال أبيو عمير بين عبيد البر‪ :‬ومميا‬
‫يؤييد مذهيب الجمهور ميا رواه شعبية بين الحجاج عين الحسين بين‬
‫عمران عيين عبييد الله بين عبييد الرحميين بيين أبزي عيين أبيييه قال‪:‬‬
‫صيليت ميع النيبي صيلى الله علييه وسيلم فلم يتيم التكيبير‪ ،‬وصيليت‬
‫مع عمر بن عبد العزيز فلم يتم التكبير‪ .‬وما رواه أحمد بن حنبل‬
‫عين عمير رضيي الله عنيه أنيه كان ل يكيبر إذا صيلى وحده‪ ،‬وكأن‬
‫هؤلء رأوا أن التكييبير إنمييا هييو لمكان إشعار المام للمأمومييين‬
‫بقيامه وقعوده‪ ،‬ويشبه أن يكون إلى هذا ذهب من رآه نفل‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) قال مالك‪ :‬ل يجزئ مين لفيظ التكيبير إل الله‬
‫أكييبر‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬الله أكييبر والله الكييبر اللفظان كلهمييا‬
‫يجزئ‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬يجزئ مين لفيظ التكيبير كيل لفيظ فيي‬
‫معناه مثييل‪ :‬الله العظييم‪ ،‬والله الجييل‪ .‬وسييبب اختلفهييم‪ :‬هييل‬
‫اللفييظ هييو المتعبييد بييه فييي الفتتاح أو المعنييى‪ ،‬وقييد اسييتدل‬
‫المالكيون والشافعيون بقوله عليه الصلة والسلم "مفتاح الصلة‬
‫الطهور‪ ،‬وتحريمها التكبير‪ ،‬وتحليلها التسليم" قالوا‪ :‬واللف واللم‬
‫ههنيا للحصير‪ ،‬والحصير يدل على أن الحكيم خاص بالمنطوق بيه‪،‬‬
‫وأنيه ل يجوز بغيره‪ ،‬ولييس يوافقهيم أبيو حنيفية على هذا الصيل‪،‬‬
‫فإن هذا المفهوم هو عنده من باب دليل الخطاب‪ ،‬وهو أن يحكم‬
‫للمسيكوت عنيه بضيد حكيم المنطوق بيه‪ ،‬ودلييل الخطاب عنيد أبيي‬
‫حنيفة غير معمول به‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثالثة) ذهب قوم إلى أن التوجيه في الصلة واجب‪،‬‬
‫وهييو أن يقول بعييد التكييبير‪ :‬إمييا {وجهييت وجهييي للذي فطيير‬
‫السيموات والرض} وهيو مذهيب الشافعيي‪ ،‬وإميا أن يسيبح وهيو‬
‫مذهيب أبيي حنيفية‪ ،‬وإميا أن يجميع بينهميا وهيو مذهيب أبيي يوسيف‬
‫وصياحبه‪ .‬وقال مالك لييس التوجييه بواجيب فيي الصيلة ول بسينة‪.‬‬
‫وسبب الختلف معارضة الثار الواردة بالتوجيه للعمل عند مالك‪،‬‬
‫أو الختلف فيي صيحة الثار الواردة بذلك‪ .‬قال القاضيي‪ :‬قيد ثبيت‬
‫فيي الصيحيحين عين أبيي هريرة "أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم كان يسيكت بيين التكيبير والقراءة إسيكاتة‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬ييا‬
‫رسيول الله بأبيي أنيت وأميي‪ :‬إسيكاتك بيين التكيبير والقراءة ميا‬
‫تقول؟ قال‪ :‬أقول اللهيم باعيد بينيي وبيين خطاياي كميا باعدت بيين‬
‫المشرق والمغرب‪ ،‬اللهيم نقني من الخطاييا ك ما ينقى الثوب (‪)1‬‬
‫البييض مين الدنيس‪ ،‬اللهيم اغسيل خطاياي بالماء والثلج والبرد"‬
‫وقيد ذهيب قوم إلى اسيتحسان سيكتات كثيرة فيي الصيلة‪ ،‬منهيا‬
‫حيين يكيبر‪ ،‬ومنهيا حيين يفرغ مين قراءة أم القرآن وإذا فرغ مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القراءة قبييل الركوع‪ ،‬ومميين قال بهذا القول الشافعييي وأبييو ثور‬
‫والوزاعييي‪ ،‬وأنكيير ذلك مالك وأصييحابه وأبييو حنيفيية وأصييحابه‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم اختلفهيم فيي تصيحيح حدييث أبيي هريرة أنيه قال‬
‫"كانييت له عليييه الصييلة والسييلم فييي صييلته حييين يكييبر ويفتتييح‬
‫الصييلة وحييين يقرأ فاتحيية الكتاب‪ ،‬وإذا فرغ ميين القراءة قبييل‬
‫الركوع‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫(‪[ )1‬فييي نسييختنا "البرب" بدل "الثوب" وهييو خطييأ مطبعييي!‪.‬‬
‫وتصحيحنا موافق للروايات المشهورة لهذا الدعاء‪ .‬دار الحديث]‬
‫‪----------‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الرابعيية) اختلفوا فييي قراءة بسييم الله الرحميين‬
‫الرحيييم فييي افتتاح القراءة فييي الصييلة‪ ،‬فمنييع ذلك مالك فييي‬
‫الصلة المكتوبة جهرا كانت أو سرا‪ ،‬ل في استفتاح أم القرآن ول‬
‫فيي غيرهيا مين السيور‪ ،‬وأجاز ذلك فيي النافلة‪ .‬وقال أبيو حنيفية‬
‫والثوري وأحميد يقرؤهيا ميع أم القرآن فيي كيل ركعية سيرا‪ ،‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬يقرؤهيا ول بيد فيي الجهير جهرا وفيي السير سيرا‪ ،‬وهيي‬
‫عنده آيية مين فاتحية الكتاب‪ ،‬وبيه قال أحميد وأبيو ثور وأبيو عبييد‪.‬‬
‫واختلف قول الشافعيي هيل هيي آيية مين كيل سيورة؟ أم إنميا هيي‬
‫آييية ميين سييورة النمييل فقييط‪ ،‬وميين فاتحيية الكتاب؟ فروي عنييه‬
‫القولن جميعيا‪ .‬وسيبب الخلف فيي هذا آييل إلى شيئيين‪ :‬أحدهميا‬
‫اختلف الثار فييي هذا الباب‪ ،‬والثانييي اختلفهييم‪ :‬هييل بسييم الله‬
‫الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب أم ل؟ فأما الثار التي احتج‬
‫بها من أسقط ذلك فمنها حديث ابن مغفل قال "سمعني أبي وأنا‬
‫أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني إياك والحدث‪ ،‬فإني‬
‫صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم‬
‫أسيمع رجل منهيم يقرؤهيا "قال أبيو عمير بين عبيد البر‪ :‬ابين مغفيل‬
‫رجييل مجهول‪ .‬ومنهييا مييا رواه مالك ميين حديييث أنييس أنييه قال‪:‬‬
‫"قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم‪ ،‬فكلهم كان‬
‫ل يقرأ بسيم الله إذا افتتحوا الصيلة" قال أبيو عمير‪ :‬وفيي بعيض‬
‫الروايات أنييه قال‪" :‬خلف النييبي صييلى الله عليييه وسييلم فكان ل‬
‫يقرأ بسييم الله الرحميين الرحيييم" فقال أبييو عميير‪ :‬إل أن أهييل‬
‫الحديييث قالوا فييي حديييث أنييس هذا‪ :‬إن النقييل فيييه مضطرب‬
‫اضطرابيا ل تقوم بيه حجية‪ ،‬وذلك أن مرة روي عنيه مرفوعيا إلى‬
‫النييبي صييلى الله عليييه وسييلم ومرة لم يرفييع‪ ،‬ومنهييم مين يذكيير‬
‫عثمان ومين ل يذكره‪ ،‬ومنهيم مين يقول‪ :‬فكانوا يقرءون بسيم الله‬
‫الرحميين الرحيييم‪ ،‬ومنهييم ميين يقول‪ :‬فكانوا ل يقرءون بسييم الله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الرحمين الرحييم‪ .‬ومنهيم مين يقول‪ :‬فكانوا ل يجهرون ببسيم الله‬


‫الرحمن الرحيم‪ .‬وأما الحاديث المعارضة لهذا‪ ،‬فمنها حديث نعيم‬
‫بن عبد الله المجمر قال‪ :‬صليت خلف أبي هريرة فقرأ بسم الله‬
‫الرحمين الرحييم قبيل أم القرآن وقبيل السيورة وكيبر فيي الخفيض‬
‫والرفييع وقال‪ :‬أنييا أشبهكييم بصييلة رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم‪ .‬ومنهيا حدييث ابين عباس "أن النيبي علييه الصيلة والسيلم‬
‫كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" ومنها حديث أم سلمة أنها‬
‫قالت‪" :‬كان رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم يقرأ ببسييم الله‬
‫الرحمن الرحيم‪ .‬الحمد لله رب العالمين" فاختلف هذه الثار أحد‬
‫مييا أوجييب اختلفهييم فييي قراءة بسييم الله الرحميين الرحيييم فييي‬
‫الصييلة‪ .‬والسييبب الثانييي كمييا قلنييا هييو‪ :‬هييل بسييم الله الرحميين‬
‫الرحييم آ ية من أم الكتاب وحدها أو من كل سورة أم ليست آية‬
‫ل أم الكتاب ول من كل سورة؟ فمن رأى أنها آية من أم الكتاب‬
‫أوجيب قراءتهيا بوجوب قراءة أم الكتاب عنده فيي الصيلة‪ ،‬ومين‬
‫رأى أنهييا آييية ميين أول كييل سييورة وجييب عنده أن يقرأهييا مييع‬
‫السيورة‪ .‬وهذه المسيألة قيد كثير الختلف فيهيا والمسيألة محتملة‪،‬‬
‫ولكين مين أعجيب ميا وقيع فيي هذه المسيألة أنهيم يقولون‪ :‬ربميا‬
‫اختلف فيه هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن في غير‬
‫سورة النمل؟ أم إنما هي آية من القرآن في سورة النمل فقط؟‬
‫ويحكون على جهية الرد على الشافعيي أنهيا لو كانيت مين القرآن‬
‫في غير سورة النمل لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لن‬
‫القرآن نقيييييل تواترا‪ ،‬هذا الذي قاله القاضيييييي فيييييي الرد على‬
‫الشافعي وظن أنه قاطع وأما أبو حامد فانتصر لهذا بأن قال إنه‬
‫أيضيا لو كانيت مين غيير القرآن لوجيب على رسيول الله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم أن يييبين ذلك‪ ،‬وهذا كله تخبييط وشيييء غييير مفهوم‪،‬‬
‫فإنيه كييف يجوز فيي اليية الواحدة بعينهيا أن يقال فيهيا إنهيا مين‬
‫القرآن فيي موضيع وإنهيا ليسيت مين القرآن فيي موضيع آخير‪ ،‬بيل‬
‫يقال إن بسم الله الرحمن الرحيم قد ثبت أنها من القرآن حيثما‬
‫ذكرت‪ ،‬وأنهيا آيية مين سيورة النميل‪ ،‬وهيل هيي آيية مين سيورة أم‬
‫القرآن وميين كييل سييورة يسييتفتح بهييا‪ ،‬مختلف فيييه‪ ،‬والمسييألة‬
‫محتملة‪ ،‬وذلك أنها في سائر السور فاتحة‪ ،‬وهي جزء من سورة‬
‫النمل‪ ،‬فتأمل هذا فإنه بين‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الخامسية) اتفيق العلماء على أنيه ل تجوز صيلة بغيير‬
‫قراءة ل عمدا ول سيهوا‪ ،‬إل شيئا روي عين عمير رضيي الله عنيه‬
‫أنييه صييلى فنسييي القراءة‪ ،‬فقيييل له فييي ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬كيييف كان‬
‫الركوع والسييجود؟ فقيييل حسيين‪ ،‬فقال‪ :‬ل بأس إذا‪ ،‬وهييو حديييث‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫غريييب عندهييم‪ ،‬أدخله مالك فييي موطئه فييي بعييض الروايات وإل‬
‫شيئا روي عين ابين عباس أنيه ل يقرأ فيي صيلة السير وأنيه قال‬
‫"قرأ رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فيي صيلوات وسيكت فيي‬
‫أخرى" فنقرأ فيما قرأ ونسكت فيما سكت‪ .‬وسئل هل في الظهر‬
‫والعصر قراءة؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬وأخذ الجمهور بحديث خباب "أنه صلى‬
‫الله علييه وسيلم كان يقرأ فيي الظهير والعصير‪ ،‬قييل فبأي شييء‬
‫كنتييييم تعرفون ذلك؟ قال‪ :‬باضطراب لحيتييييه" وتعلق الكوفيون‬
‫بحدييييث ابييين عباس فيييي ترك وجوب القراءة فيييي الركعتيييين‬
‫الخيرتيين مين الصيلة لسيتواء صيلة الجهير والسير فيي سيكوت‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم فيي هاتيين الركعتيين‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫القراءة الواجبة في الصلة‪ ،‬فرأى بعضهم أن الواجب من ذلك أم‬
‫القرآن لمين حفظهيا‪ ،‬وأن ميا عداهيا لييس فييه توقييت‪ ،‬ومين هؤلء‬
‫مين أوجبهيا فيي كيل ركعية‪ ،‬ومنهيم مين أوجبهيا فيي أكثير الصيلة‪،‬‬
‫ومنهم من أوجبها في نصف الصلة‪ ،‬ومنهم من أوجبها في ركعة‬
‫ميين الصييلة‪ ،‬وبالول قال الشافعييي‪ ،‬وهييي أشهيير الروايات عيين‬
‫مالك‪ ،‬وقييد روي عنييه أنييه إن قرأهييا فييي ركعتييين ميين الرباعييية‬
‫أجزأته‪.‬‬
‫وأما من رأى أنها تجزئ في ركعة‪ ،‬فمنهم الحسن البصري وكثير‬
‫مين فقهاء البصيرة‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فالواجيب عنده إنميا هيو قراءة‬
‫القرآن أي آيية اتفقيت أن تقرأ‪ ،‬وحيد أصيحابه فيي ذلك ثلث آيات‬
‫قصيار أو آيية طويلة مثيل آيية الديين‪ ،‬وهذا فيي الركعتيين الولييين‪.‬‬
‫وأميا فيي الخيرتيين فيسيتحب عنده التسيبيح فيهميا دون القراءة‪،‬‬
‫وبيييه قال الكوفيون‪ .‬والجمهور يسيييتحبون القراءة فيهيييا كلهيييا‪.‬‬
‫والسبب في هذا الختلف تعارض الثار في هذا الباب‪ ،‬ومعارضة‬
‫ظاهر الكتاب للثر‪ .‬أما الثار المتعارضة في ذلك‪ ،‬فأحدها حديث‬
‫أبيي هريرة الثابيت "ان رجل دخيل المسيجد فصيلى ثيم جاء فسيلم‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فرد عليه النبي صلى الله عليه‬
‫وسيلم السيلم وقال‪ :‬ارجيع فصيل فإنيك لم تصيل‪ ،‬فصيلى ثيم أمره‬
‫بالرجوع‪ ،‬فعييل ذلك ثلث مرات‪ ،‬فقال‪ :‬والذي بعثييك بالحييق مييا‬
‫أحسين غيره‪ ،‬فقال علييه الصيلة والسيلم ‪ :‬إذا قميت إلى الصيلة‬
‫فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر‪ ،‬ثم اقرأ ما تيسر معك من‬
‫القرآن‪ ،‬ثيم اركيع حتيى تطمئن راكعيا‪ ،‬ثيم ارفيع حتيى تعتدل قائميا‪،‬‬
‫ثيم اسيجد حتيى تطمئن سياجدا‪ ،‬ثيم ارفيع حتيى تطمئن جالسيا‪ ،‬ثيم‬
‫اسجد حتى تطمئن ساجدا‪ ،‬ثم ارفع حتى تستوي قائما‪ ،‬ثم افعل‬
‫ذلك في صلتك كلها"‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا المعارض لهذا فحديثان ثابتان متفيق عليهميا‪ :‬أحدهميا حدييث‬


‫عبادة بن الصامت أنه عليه الصلة والسلم قال "ل صلة لمن ل‬
‫يقرأ بفاتحيية الكتاب" وحديييث أبييي هريرة أيضييا أن رسييول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم قال "ميين صييلى صييلة لم يقرأ فيهييا بأم‬
‫القرآن فهييي خداج‪ ،‬فهييي خداج‪ ،‬فهييي خداج ثلثييا" وحديييث أبييي‬
‫هريرة المتقدم ظاهره أنه يجزئ من القراءة في الصلة ما تيسر‬
‫من القرآن‪ ،‬وحديث عبادة وحديث أ بي هريرة الثاني يقتضيان أن‬
‫أم القرآن شرط فييي الصييلة‪ ،‬وظاهيير قوله تعالى {فاقرءوا مييا‬
‫تيسييير منيييه} يعضيييد حدييييث أبيييي هريرة المتقدم‪ ،:‬والعلماء‬
‫المختلفون فيي هذه المسيألة إميا أن يكونوا ذهبوا فيي تأوييل هذه‬
‫الحادييث مذهيب الجميع‪ ،‬وإميا أن يكونوا ذهبوا مذهيب الترجييح‪،‬‬
‫وعلى كل القولين يتصور هذا المعنى‪ ،‬وذلك أنه من ذهب مذهب‬
‫من أوجب قراءة ما تيسر من القرآن له أن يقول هذا أرجح‪ ،‬لن‬
‫ظاهير الكتاب يوافقيه‪ ،‬وله أن يقول على طرييق الجميع أنيه يمكين‬
‫أن يكون حدييث عبادة المقصيود بيه نفيي الكمال ل نفيي الجزاء‪،‬‬
‫وحدييث أبيي هريرة المقصيود منيه العلم بالمجزئ مين القراءة‪،‬‬
‫إذا كان المقصييود منييه تعليييم فرائض الصييلة‪ ،‬ولولئك أيضييا أن‬
‫يذهبوا هذين المذهبين بأن يقولوا هذه الحاديث أوضح لنها أكثر‪،‬‬
‫وأيضا فإن حديث أبي هريرة المشهور يعضده‪ ،‬وهو الحديث الذي‬
‫فيه يقول تعالى "قسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين‪ :‬نصفها‬
‫لي ونصييفها لعبدي ولعبدي مييا سييأل‪ ،‬يقول العبييد الحمييد لله رب‬
‫العالمين‪ ،‬يقول الله حمدني عبدي" الحديث‪ ،‬ولهم أن يقولوا أيضا‬
‫إن قوله عليييه الصييلة والسييلم "ثييم اقرأ مييا تيسيير معييك ميين‬
‫القرآن" مبهييم والحاديييث الخيير معينيية‪ ،‬والمعييين يقضييي على‬
‫المبهم‪ ،‬وهذا فيه عسر‪ ،‬فإن معنى حرف "ما" ههنا إنما هو معنى‬
‫أي شييء تيسير‪ ،‬وإنميا يسيوغ هذا إن دلت "ميا" فيي كلم العرب‬
‫على ميا تدل علييه لم العهيد‪ ،‬فكان يكون تقديير الكلم‪ :‬اقرأ الذي‬
‫تيسير معيك مين القرآن ويكون المفهوم منيه أم الكتاب‪ ،‬إذا كانيت‬
‫اللف واللم فيي الذي تدل على العهيد‪ ،‬فينبغيي أن يتأميل هذا فيي‬
‫كلم العرب‪ ،‬فإن وجدت العرب تفعل هذا أعني تتجوز في موطن‬
‫ميا‪ ،‬فتدل بميا على شييء معيين فليسيغ هذا التأوييل‪ ،‬وإل فل وجيه‬
‫له‪ ،‬فالمسألة كما ترى محتملة‪ ،‬وإنما كان يرتفع الحتمال لو ثبت‬
‫النسخ‪.‬‬
‫وأميا الختلف مين أوجيب أم الكتاب فيي الصيلة فيي كيل ركعية أو‬
‫فييي بعييض الصييلة فسييببه احتمال عودة الضمييير الذي فييي قوله‬
‫علييه الصيلة والسيلم "لم يقرأ فيهيا بأم القرآن" على كيل أجزاء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصيلة أو على بعضهيا‪ ،‬وذلك أن مين قرأ فيي الكيل منهيا أو فيي‬
‫الجزء‪ :‬أعنييي فييي ركعيية أو ركعتييين لم يدخييل تحييت قوله عليييه‬
‫الصلة والسلم "لم يقرأ فيها" وهذا الحتمال بعينه هو الذي أصار‬
‫أ با حنيفية إلى أن يترك القراءة أيضا فيي بعض الصيلة‪ :‬أعنيي فيي‬
‫الركعتيين الخرتيين‪ ،‬واختار مالك أن يقرأ فيي الركعتيين الولييين‬
‫من الرباعية بالحمد وسورة‪ ،‬وفي الخرتين بالحمد فقط‪ ،‬فاختار‬
‫الشافعيي أن تقرأ فييي الربيع مين الظهير بالحميد وسيورة إل أن‬
‫السيورة التيي تكون فيي الولييين تكون أطول‪ ،‬فذهيب مالك إلى‬
‫حدييث أبيي قتادة الثابيت "أنيه علييه الصيلة والسيلم كان يقرأ فيي‬
‫الوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة‪ ،‬وفي الخريين‬
‫منها بفاتحة الكتاب فقط‪ .‬وذهب الشافعي إلى ظاهر حديث ابي‬
‫سعيد الثابت أيضا أنه كان يقرأ في الركعتين الوليين من الظهر‬
‫قدر ثلثين آية‪ ،‬وفي الخريين قدر خمسة عشر آ ية‪ ،‬ولم يختلفوا‬
‫فيي العصير لتفاق الحديثيين فيهيا‪ ،‬وذلك أن فيي حدييث أبيي سيعيد‬
‫هذا "أنه كان يقرأ في الوليين من العصر قدر خمس عشرة آية‪،‬‬
‫وفي الخريين قدر النصف من ذلك"‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة السييادسة) اتفييق الجمهور على منييع قراءة القرآن‬
‫فيي الركوع والسيجود لحدييث علي فيي ذلك قال "نهانيي جبرييل‬
‫صيييلى الله علييييه وسيييلم أن أقرأ القرآن راكعيييا وسييياجدا" قال‬
‫الطيبري‪ :‬وهيو حدييث صيحيح‪ ،‬وبيه أخيذ فقهاء المصيار‪ ،‬وصيار قوم‬
‫ميين التابعييين إلى جواز ذلك‪ ،‬وهييو مذهييب البخاري لنييه لم يصييح‬
‫الحديييث عنده‪ ،‬والله أعلم‪ .‬واختلفوا‪ :‬هييل الركوع والسييجود قول‬
‫محدود يقوله المصيييلي أم ل؟ فقال مالك‪ :‬لييييس فيييي ذلك قول‬
‫محدود‪ .‬وذهيب الشافعيي وأبيو حنيفية وأحميد وجماعية غيرهيم إلى‬
‫أن المصيلي يقول فيي ركوعيه‪ :‬سيبحان ربيي العظييم ثلثيا‪ ،‬وفيي‬
‫السجود سبحان ربي العلى ثلثا على ما جاء في حديث عقبة بن‬
‫عامر‪ .‬وقال الثوري‪ :‬أحب إلى أن يقولها المام خمسا في صلته‬
‫حتى يدرك الذي خلفه ثلثة تسبيحات‪ .‬والسبب في هذا الختلف‬
‫معارضة حديث ابن عباس في هذا الباب لحديث عقبة بن عامر‪،‬‬
‫وذلك أن في حديث ابن عباس أنه عليه الصلة والسلم قال "أل‬
‫وإ ني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا‪ ،‬فأما الركوع فعظموا‬
‫فيييه الرب‪ ،‬وأمييا السييجود فاجتهدوا فيييه فييي الدعاء فقميين أن‬
‫يسيتجاب لكيم" وفيي حدييث عقبية بين عامير أنيه قال "لميا نزلت‬
‫فسيبح باسيم ربيك العظييم قال لنيا رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم‪ :‬اجعلوهيا فيي ركوعكيم‪ ،‬ولميا نزلت سيبح اسيم ربيك العلى‬
‫قال‪ :‬اجعلوهييا فييي سييجودكم" وكذلك اختلفوا فييي الدعاء فييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الركوع بعييد اتفاقهييم على جواز الثناء على الله‪ ،‬فكره ذلك مالك‬
‫لحدييث علي أنيه قال علييه الصيلة والسيلم‪" :‬أميا الركوع فعظموا‬
‫فييه الرب‪ ،‬وأميا السيجود فاجتهدوا فييه فيي الدعاء" وقالت طائفية‬
‫يجوز الدعاء فييي الركوع‪ ،‬واحتجوا بأحاديييث جاء فيهييا أنييه عليييه‬
‫الصييلة والسييلم دعييا فييي الركوع وهييو مذهييب البخاري‪ ،‬واحتييج‬
‫بحدييث عائشية قالت "كان النيبي علييه الصيلة والسيلم يقول فيي‬
‫ركوعيه وسيجوده‪ :‬سيبحانك اللهيم ربنيا وبحمدك اللهيم اغفير لي"‬
‫وأبو حنيفة ل يجيز الدعاء في الصلة بغير ألفاظ القرآن (وكذا ما‬
‫ورد ميين السيينة ا هي ي مصييححه)‪ ،‬ومالك والشافعييي يجيزان ذلك‪.‬‬
‫والسبب في ذلك اختلفهم فيه‪ ،‬هل هو كلم أم ل؟‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيابعة) اختلفوا فيي وجوب التشهيد وفيي المختار‬
‫منييه‪ ،‬فذهييب مالك وأبييو حنيفيية وجماعيية إلى أن التشهييد ليييس‬
‫بواجييب‪ ،‬وذهبييت طائفيية إلى وجوبييه‪ ،‬وبييه قال الشافعييي وأحمييد‬
‫وداود‪ .‬وسيبب اختلفهيم معارضية القياس لظاهير الثار‪ ،‬وذلك أن‬
‫القياس يقتضيي إلحاقيه بسيائر الركان التيي ليسيت بواجبية فيي‬
‫الصييلة‪ ،‬لتفاقهييم على وجوب القرآن‪ ،‬وأن التشهييد ليييس بقرآن‬
‫فيجيب‪ .‬وحدييث ابين عباس أنيه قال "كان رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن" يقتضي‬
‫وجوبييه مييع أن الصييل عنييد هؤلء أن أفعاله وأقواله فييي الصييلة‬
‫يجيييب أن تكون محمولة على الوجوب حتيييى يدل الدلييييل على‬
‫خلف ذلك‪ ،‬والصيل عنيد غيرهيم على خلف هذا‪ ،‬وهيو أن ميا ثبيت‬
‫وجوبيه فيي الصيلة مميا اتفيق علييه أو صيرح بوجوبيه فل يجيب أن‬
‫يلحييق بييه إل مييا صييرح بييه ونييص عليييه‪ ،‬فهمييا كمييا ترى أصييلن‬
‫متعارضان‪ .‬وأميا المختار مين التشهيد‪ ،‬فإن مالكيا رحميه الله اختار‬
‫تشهيد عمير رضيي الله عنيه الذي كان يعلميه الناس على المنيبر‪،‬‬
‫وهييو‪ :‬التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصييلوات لله‪ ،‬السييلم‬
‫علييك أيهيا النيبي‪ ،‬ورحمية الله وبركاتيه‪ ،‬السيلم علينيا وعلى عباد‬
‫الله الصيالحين أشهيد أن ل إله إل الله وحده ل شرييك له‪ ،‬وأشهيد‬
‫أن محمدا عبده ورسييوله‪ .‬واختار أهييل الكوفيية أبييو حنيفيية وغيره‬
‫تشهيد عبيد الله بين مسيعود‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬وبيه قال أحميد وأكثير‬
‫أهيل الحدييث‪ ،‬لثبوت نقله عين رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫وهيو‪" :‬التحيات لله والصيلوات والطيبات‪ ،‬السيلم علييك أيهيا النيبي‬
‫ورحميية الله وبركاتييه‪ ،‬السييلم علينييا وعلى عباد الله الصييالحين‪،‬‬
‫أشهيد أن ل إله إل الله‪ ،‬وأشهيد أن محمدا عبده ورسيوله" واختار‬
‫الشافعي وأصحابه تشهد عبد الله بن عباس الذي رواه عن النبي‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم قال "كان رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسيلم يعلمنيا التشهيد كميا يعلمنيا السيورة مين القرآن‪ ،‬فكان يقول‬
‫"التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله‪ ،‬سلم عليك أيها النبي‬
‫ورحمية الله وبركاتيه سيلم علينيا وعلى عباد الله الصيالحين‪ ،‬أشهيد‬
‫أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله" وسبب اختلفهم اختلف‬
‫ظنونهيم فيي الرجيح منهيا‪ ،‬فمين غلب على ظنيه رجحان حدييث ميا‬
‫مين هذه الحادييث الثلثية مال إلييه‪ ،‬وقيد ذهيب كثيير مين الفقهاء‬
‫إلى أن هذا كله على التخيييير كالذان والتكييبير على الجنائز وفييي‬
‫العيديين وفيي غيير ذلك مميا تواتير نقله‪ ،‬وهيو الصيواب والله أعلم‪.‬‬
‫وقيد اشترط الشافعيي الصيلة على النيبي صيلى الله علييه وسيلم‬
‫فييي التشهييد وقال‪ :‬إنهييا فرض لقوله تعالى {يييا أيهييا الذييين آمنوا‬
‫صييلوا عليييه وسييلموا تسييليما} ذهييب إلى أن هذا التسييليم هييو‬
‫التسيليم مين الصيلة‪ ،‬وذهيب الجمهور إلى أنيه التسيليم الذي يؤتيى‬
‫به عقب الصلة عليه‪ ،‬وذهب قوم من أهل الظاهر إلى أنه واجب‬
‫أن يتعوذ المتشهيد مين الربيع التيي جاءت فيي الحدييث مين عذاب‬
‫القييبر وميين عذاب جهنييم وميين فتنيية المسيييح الدجال وميين فتنيية‬
‫المحيا والممات‪ ،‬لنه ثبت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كان يتعوذ منهييا فييي آخيير تشهده" وفييي بعييض طرقييه "إذا فرغ‬
‫أحدكييم ميين التشهييد الخييير فليتعوذ ميين أربييع" الحديييث خرجييه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثامنيية) اختلفوا فييي التسييليم ميين الصييلة‪ ،‬فقال‬
‫الجمهور بوجوبه‪ ،‬وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬ليس بواجب‪ ،‬والذين‬
‫أوجبوه منهيييم مييين قال الواجيييب على المنفرد والمام تسيييليمة‬
‫واحدة‪ ،‬ومنهييم ميين قال اثنتان‪ ،‬فذهييب الجمهور مذهييب ظاهيير‬
‫حديييث علي‪ ،‬وهييو قوله عليييه الصييلة والسييلم فيييه "وتحليلهييا‬
‫التسيليم" ومين ذهيب إلى أن الواجيب مين ذلك تسيليمتان‪ ،‬فلميا‬
‫ثبيت مين "أنيه علييه الصيلة والسيلم كان يسيلم تسيليمتين" وذلك‬
‫عنيييييد مييييين حميييييل فعله على الوجوب‪ .‬واختار مالك للمأموم‬
‫تسيليمتين والمام واحدة‪ ،‬وقيد قييل عنيه إن المأموم يسيلم ثلثيا‪:‬‬
‫الواحدة للتحليل‪ ،‬والثانية للمام‪ ،‬والثالثة لمن هو عن يساره‪ .‬وأما‬
‫أبيو حنيفية فذهيب إلى ميا رواه عبيد الرحمين بين زياد الفريقيي أن‬
‫عبيد الرحمين بين رافيع وبكير بين سيوادة حدثاه عين عبيد الله بين‬
‫عمرو بن العاص قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا‬
‫جلس الرجيل فيي آخير صيلته فأحدث قبيل أن يسيلم فقيد تميت‬
‫صلته" قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬وحديث علي المتقدم أثبت عند‬
‫أهييل النقييل‪ ،‬لن حديييث عبييد الله بيين عمرو بين العاص انفرد بيه‬
‫الفريقي‪ ،‬وهو عند أهل النقل ضعيف‪ .‬قال القاضي‪ :‬إن كان أثبت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من طريق النقل فإ نه محتمل من طريق اللفظ‪ ،‬وذلك أ نه ليس‬


‫يدل على أن الخروج مين الصيلة ل يكون بغيير التسيليم إل بضرب‬
‫من دليل الخطاب وهو مفهوم ضعيف عند الكثر‪ ،‬ولكن للجمهور‬
‫أن يقولوا إن اللف واللم التيي للحصير أقوى مين دلييل الخطاب‬
‫في كون حكم المسكوت عنه بضد حكم المنطوق به‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة التاسيعة) اختلفوا فيي القنوت‪ ،‬فذهيب مالك إلى أن‬
‫القنوت في صلة الصبح مستحب‪ .‬وذهب الشافعي إلى أنه سنة‪،‬‬
‫وذهيب أبيو حنيفية إلى أنيه ل يجوز القنوت فيي صيلة الصيبح‪ ،‬وأن‬
‫القنوت إنميا موضعيه الوتير‪ .‬وقال قوم‪ :‬بيل يقنيت فيي كيل صيلة‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬ل قنوت إل فييي رمضان‪ .‬وقال قوم‪ :‬بييل فييي النصييف‬
‫الخيير منيه‪ .‬وقال قوم‪ :‬بيل فيي النصيف الول منيه‪ .‬والسيبب فيي‬
‫ذلك اختلف الثار المنقولة فييي ذلك عيين النييبي صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم‪ ،‬وقياس بعيض الصيلوات فيي ذلك على بعيض‪ :‬أعنيي التيي‬
‫قنيت فيهيا على التيي لم يقنيت فيهيا‪ .‬قال أبيو عمير بين عبيد البر‪:‬‬
‫والقنوت بلعيين الكفرة فييي رمضان مسييتفيض فييي الصييدر الول‬
‫اقتداء برسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فيي دعائه على رعيل‬
‫وذكوان‪ ،‬والنفير الذيين قتلوا أصيحاب بئر معونية‪ .‬وقال اللييث بين‬
‫سيعد‪ :‬ميا قنيت منيذ أربعيين عاميا أو خمسية وأربعيين عاميا إل وراء‬
‫إمام يقنيت‪ .‬قال اللييث‪ :‬وأخذت فيي ذلك بالحدييث الذي جاء عين‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرا أو أربعين يدعو لقوم‬
‫ويدعو على آخرين‪ ،‬حتى أنزل الله تبارك وتعالى معاتبا {ليس لك‬
‫من المير شييء أو يتوب عليهم أو يعذبهيم فإنهم ظالمون} فترك‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم القنوت فميا قنيت بعدهيا حتيى‬
‫لقيي الله‪ ،‬قال‪ :‬فمنيذ حملت هذا الحدييث لم أقنيت‪ ،‬وهيو مذهيب‬
‫يحيى بن يحيى‪ .‬قال القاضي‪ :‬ولقد حدثني الشياخ أنه كان العمل‬
‫عليه بمسجده عندنا بقرطبة‪ ،‬وأنه استمر إلى زماننا أو قريب من‬
‫زماننييا‪ .‬وخرج مسييلم عيين أبييي هريرة "أن النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسيلم قنيت فيي صيلة الصيبح‪ ،‬ثيم بلغنيا أنيه ترك ذلك لميا نزلت‬
‫{ليس لك من المر شيء أو يتوب عليهم} وخرج عن أبي هريرة‬
‫أنيه قنيت فيي الظهير والعشاء الخيرة وصيلة الصيبح‪ .‬وخرج عنيه‬
‫عليه الصلة والسلم "أنه قنت شهرا في صلة الصبح يدعو على‬
‫بنيي عصيية" واختلفوا فيميا يقنيت بيه‪ ،‬فاسيتحب مالك القنوت بيي‬
‫"اللهيم إنيا نسيتعينك ونسيتغفرك ونسيتهديك ونؤمين بيك ونخنيع لك‬
‫ونخلع ونترك ميين يكفرك‪ ،‬اللهييم إياك نعبييد ولك نصييلي ونسييجد‬
‫وإليييك نسييعى ونحفييد‪ ،‬نرجييو رحمتييك ونخاف عذابييك إن عذابييك‬
‫بالكافريين ملحيق" ويسيميها أهيل العراق السيورتين‪ ،‬ويروى أنهيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي مصيحف أبيي بين كعيب‪ .‬وقال الشافعيي وإسيحاق بيل يقنيت‬
‫"باللهيم اهدنيا فيمين هدييت وعافينيا فيمين عافييت‪ ،‬وقنيا شير ميا‬
‫قضيت‪ ،‬إنك تقضي ول يقضى عليك‪ ،‬تباركت ربنا وتعاليت" وهذا‬
‫يرويييه الحسيين بيين علي ميين طرق ثابتيية أن النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسلم علمه هذا الدعاء يقنت به في الصلة‪ .‬وقال عبد الله بن‬
‫داود‪ :‬مين لم يقنيت بالسيورتين فل يصيلي خلفيه‪ .‬وقال قوم‪ :‬لييس‬
‫في القنوت شيء موقوت‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصيل الثانيي فيي الفعال التيي هيي أركان وفيي هذا الفصيل‬
‫من قواعد المسائل ثماني مسائل‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) اختلف العلماء فيي رفيع اليديين فيي الصيلة‬
‫فيي ثلثية مواضيع‪ :‬أحدهيا فيي حكميه‪ .‬والثانيي فيي المواضيع التيي‬
‫يرفع فيها من الصلة‪ .‬والثالث إلى أن ينتهي برفعها‪ .‬فأما الحكم‪،‬‬
‫فذهب الجمهور إلى أنه سنة في الصلة‪ ،‬وذهب داود وجماعة من‬
‫أصيحابه إلى أن ذلك فرض‪ ،‬وهؤلء انقسيموا أقسياما فمنهيم مين‬
‫أوجيب ذلك فيي تكيبيرة الحرام فقيط‪ .‬ومنهيم مين أوجيب ذلك فيي‬
‫السيتفتاح وعنيد الركوع‪ :‬أعنيي عنيد النحطاط فييه وعنيد الرتفاع‬
‫منيه‪ ،‬ومنهيم من أوجيب ذلك فيي هذيين الموضعيين وعنيد السيجود‪،‬‬
‫وذلك بحسييب اختلفهييم فييي المواضييع التييي يرفييع فيهييا‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهم معارضة ظاهر حديث أبي هريرة الذي فيه تعليم فرائض‬
‫الصيلة لفعله علييه الصيلة والسيلم‪ ،‬وذلك أن حدييث أبيي هريرة‬
‫إنميا فييه أنيه قال له وكيبر ولم يأمره برفيع يدييه‪ ،‬وثبيت عنيه علييه‬
‫الصلة والسلم من حديث ابن عمر وغيره "أنه كان يرفع يديه إذا‬
‫افتتح الصلة" وأما اختلفهم في المواضع التي ترفع فيها فذهب‬
‫أهل الكوفة أبو حنيفة وسفيان الثوري وسائر فقهائهم إلى أنه ل‬
‫يرفيع المصيلي يدييه إل عنيد تكيبيرة الحرام فقيط‪ ،‬وهيي روايية ابين‬
‫القاسم عن مالك‪،‬‬
‫وذهب الشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور‪ ،‬وجمهور أهل الحديث‬
‫وأهيل الظاهير إلى الرفيع عنيد تكيبيرة الحرام وعنيد الركوع‪ ،‬وعنيد‬
‫الرفيع مين الركوع وهيو مروى عين مالك إل أنيه عنيد بعيض أولئك‬
‫فرض وعند مالك سنة‪ .‬وذهب بعض أهل الحديث إلى رفعها عند‬
‫السيجود وعنيد الرفيع منيه‪ .‬والسيبب فيي هذا الختلف كله اختلف‬
‫الثار الواردة فيي ذلك ومخال فة العميل بالمدينة لبعضها‪ ،‬وذلك أن‬
‫في ذلك أحاديث أحدها حديث عبد الله بن مسعود‪ ،‬وحديث البراء‬
‫بين عازب "أنيه كان علييه الصيلة والسيلم يرفيع يدييه عنيد الحرام‬
‫مرة واحدة ل يزييد عليهيا‪ ،‬والحدييث الثانيي حدييث ابين عمير عين‬
‫أبييه أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم كان إذا افتتيح الصيلة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رفيع يدييه حذو منكيبيه‪ ،‬وإذا رفيع رأسيه مين الركوع رفعهميا أيضيا‬
‫كذلك وقال "سيمع الله لمين حمده ربنيا ولك الحميد" كان ل يفعيل‬
‫ذلك في السجود‪ ،‬وهو حديث متفق على صحته وزعموا أنه روى‬
‫ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلثة عشر رجل من أصحابه‪.‬‬
‫والحدييث الثالث حدييث وائل بين حجير‪ ،‬وفييه زيادة على ميا فيي‬
‫حدييث عبيد الله بين عمير "أنيه كان يرفيع يدييه عنيد السيجود" فمين‬
‫حميل الرفيع ههنيا على أنيه ندب أو فريضية‪ ،‬فمنهيم مين اقتصير بيه‬
‫على الحرام فقيط ترجيحيا لحدييث عبيد الله بين مسيعود وحدييث‬
‫البراء بن عازب وهو مذهب مالك لموافقة العمل به‪ ،‬ومنهم من‬
‫رجيح حدييث عبيد الله بين عمير‪ ،‬فرأى الرفيع فيي الموضعيين أعنيي‬
‫فيي الركوع وفيي الفتتاح لشهرتيه‪ ،‬واتفيق الجمييع علييه ومين كان‬
‫رأييه مين هؤلء أن الرفيع فريضية حميل ذلك على الفريضية‪ ،‬ومين‬
‫كان رأيه أنه ندب حمل ذلك على الندب‪ ،‬ومنهم من ذهب مذهب‬
‫الجميع وقال‪ :‬إنيه يجيب أن تجميع هذه الزيادات بعضهيا إلى بعيض‬
‫على مييا فييي حديييث وائل بيين حجيير‪ ،‬فإذا العلماء ذهبوا فييي هذه‬
‫الثار مذهيبين‪ :‬إميا مذهيب الترجييح‪ ،‬وإميا مذهيب الجميع‪ .‬والسيبب‬
‫فيي اختلفهيم فيي حميل رفيع اليديين فيي الصيلة‪ :‬هيل هيو على‬
‫الندب أو على الفرض؟ هيو السيبب الذي قلناه قبيل مين أن بعيض‬
‫الناس يرى أن الصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم أن تحمل‬
‫على الوجوب حتى يدل الدليل على غير ذلك‪ ،‬ومنهم من يرى أن‬
‫الصيل ل يزاد فيميا صيح بدلييل واضيح مين قول ثابيت أو إجماع أنيه‬
‫مين فرائض الصيلة إل بدلييل واضيح‪ ،‬وقيد تقدم هذا مين قولنيا‪ ،‬ول‬
‫معنيى لتكريير الشييء الواحيد مرات كثيرة‪ ،‬وأميا الحيد الذي ترفيع‬
‫إليييه اليدان‪ ،‬فذهييب بعضهييم إلى أنييه المنكبان‪ ،‬وبييه قال مالك‬
‫والشافعيي وجماعية‪ ،‬وذهيب بعضهيم إلى رفعهميا إلى الذنيين‪ ،‬وبيه‬
‫قال أ بو حنيفية‪ ،‬وذهيب بعضهيم إلى رفعهميا إلى الصيدر‪ ،‬وكيل ذلك‬
‫مروي عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬إل أن أثبيت ميا فيي ذلك‬
‫أنيه كان يرفعهميا حذو منكيبيه وعلييه الجمهور‪ ،‬والرفيع إلى الذنيين‬
‫أثبت من الرفع إلى الصدر وأشهر‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية) ذهب أبو حنيفة إلى أن العتدال من الركوع‬
‫وفييي الركوع غييير واجييب‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬هييو واجييب‪ .‬واختلف‬
‫أصحاب مالك‪ :‬هل ظاهر مذهبه يقتضي أن يكون سنة أو واجبا إذ‬
‫لم ينقيل عنيه نيص فيي ذلك‪ :‬والسيبب فيي اختلفهيم‪ :‬هيل الواجيب‬
‫الخييذ ببعييض مييا ينطلق عليييه السييم أم بكييل ذلك الشيييء الذي‬
‫ينطلق عليييه السييم‪ ،‬فميين كان الواجييب عنده الخييذ ببعييض مييا‬
‫ينطلق عليييه السييم لم يشترط العتدال فييي الركوع‪ ،‬وميين كان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الواجيب عنده الخيذ بالكيل اشترط العتدال‪ ،‬وقيد صيح عين النيبي‬
‫صيلى الله علييه وسيلم أنيه قال فيي الحدييث المتقدم للرجيل الذي‬
‫علمييه فروض الصييلة "اركييع حتييى تطمئن راكعييا‪ ،‬وارفييع حتييى‬
‫تطمئن رافعيا" فالواجيب اعتقاد كونيه فرضيا‪ ،‬وعلى هذا الحدييث‬
‫عول كل من رأى أن الصل ل تحمل أفعاله عليه الصلة والسلم‬
‫في سائر أفعال الصلة مما لم ينص عليها في هذا الحديث على‬
‫الوجوب حتيى يدل الدلييل على ذلك‪ ،‬ومين قبيل هذا لم يروا رفيع‬
‫اليدييين فرضييا ول مييا عدا تكييبيرة الحرام والقراءة ميين القاويييل‬
‫التي في الصلة فتأمل هذا‪ ،‬فإنه أصل مناقض للصل الول وهو‬
‫سبب الخلف في أكثر هذه المسائل‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيييألة الثالثييية) اختلف الفقهاء فيييي هيئة الجلوس‪ ،‬فقال‬
‫مالك وأصييحابه يقضييي بأليتيييه إلى الرض وينصييب رجله اليمنييى‬
‫ويثنيي اليسيرى‪ ،‬وجلوس المرأة عنده كجلوس الرجيل‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفة وأصحابه‪ :‬ينصب الرجل اليمنى ويقعد على اليسرى‪ .‬وفرق‬
‫الشافعيي بيين الجلسية الوسيطى والخيرة‪ ،‬فقال فيي الوسيطى‬
‫بمثييل قول أبييي حنيفيية‪ ،‬وفييي الخيرة بمثييل قول مالك‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهييم فييي ذلك تعارض الثار‪ ،‬وذلك أن فييي ذلك ثلثيية آثار‪:‬‬
‫أحدهيا وهيو ثابيت باتفاق حدييث أبيي حمييد السياعدي الوارد فيي‬
‫وصييف صييلته عليييه الصييلة والسييلم‪ ،‬وفيييه "وإذا جلس فييي‬
‫الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى‪ ،‬وإذا جلس في‬
‫الركعيية الخيرة قدم رجله اليسييرى ونصييب اليمنييى وقعييد على‬
‫مقعدتيه"‪ .‬والثانيي حدييث وائل بين حجير‪ ،‬وفييه "أنيه كان إذا قعيد‬
‫فيي الصيلة نصيب اليمنيى وقعيد على اليسيرى"‪ .‬والثالث ميا رواه‬
‫مالك عين عبيد الله بين عمير أنيه قال "إنميا سينة الصيلة أن تنصيب‬
‫رجلك اليمنيى وتثنيي اليسيرى‪ ،‬وهيو يدخيل فيي المسيند لقوله فييه‪:‬‬
‫إنميا سينة الصيلة‪ .‬وفيي روايتيه عين القاسيم بين محميد أنيه أراهيم‬
‫الجلوس في التشهد ‪ ،‬فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس‬
‫على وركه اليسر ولم يجلس على قدمه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أراني هذا عبد‬
‫الله بن عبد الله بن عمر‪ ،‬وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك‪ ،‬فذهب‬
‫مالك مذهييب الترجيييح لهذا الحديييث‪ ،‬وذهييب أبييو حنيفيية مذهييب‬
‫الترجيح لحديث وائل‪ .‬وذهب الشافعي مذهب الجمع على حديث‬
‫أبييي حميييد‪ .‬وذهييب الطييبري مذهييب التخيييير‪ .‬وقال‪ :‬هذه الهيئات‬
‫كلهيا جائزة وحسين فعلهيا لثبوتهيا عين رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسييلم‪ ،‬وهييو قول حسيين‪ ،‬فإن الفعال المختلفيية أولى أن تحمييل‬
‫على التخييير منهيا على التعارض‪ ،‬وإنميا يتصيور ذلك التعارض أكثير‬
‫ذلك في الفعل مع القول أو في القول مع القول‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسييألة الرابعيية) اختلف العلماء فييي الجلسيية الوسييطى‬


‫والخيرة‪ ،‬فذهييب الكثيير فييي الوسييطى إلى أنهييا سيينة وليسييت‬
‫بفرض‪ ،‬وشيذ قوم وقالوا‪ :‬إنهيا فرض‪ ،‬وكذلك ذهيب الجمهور فيي‬
‫الجلسيية الخرى إلى أنهييا فرض وشييذ قوم فقالوا‪ :‬إنهييا ليسييت‬
‫بفرض‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم هييو تعارض مفهوم الحاديييث‪،‬‬
‫وقياس إحدى الجلسييتين على الثانييية‪ ،‬وذلك أن فييي حديييث أبييي‬
‫هريرة المتقدم "اجلس حتيييى تطمئن جالسيييا" فوجيييب الجلوس‬
‫على ظاهير هذا الحدييث فيي الصيلة كلهيا‪ ،‬فمين أخيذ بهذا قال‪ :‬إن‬
‫الجلوس كله فرض‪ ،‬ولميا جاء فيي حدييث ابين بحينية الثابيت "أنيه‬
‫عليه الصلة والسلم أسقط الجلسة الوسطى ولم يجبرها وسجد‬
‫لهيا" وثبيت عنيه أنيه أسيقط ركعتيين فجبرهميا‪ ،‬وكذلك ركعية‪ .‬فهيم‬
‫الفقهاء من هذا الفرق بين حكم الجلسة الوسطى وحكم الركعة‪،‬‬
‫وكانيت عندهيم الركعية فرضيا بإجماع‪ ،‬فوجيب أن ل تكون الجلسية‬
‫الوسيييطى فرضيييا‪ ،‬فهذا هيييو الذي أوجيييب أن فرق الفقهاء بيييين‬
‫الجلسيييتين‪ ،‬ورأوا أن سيييجود السيييهو إنميييا يكون للسييينن دون‬
‫الفروض‪ ،‬ومين رأى أنهيا فرض قال‪ :‬السيجود للجلسية الوسيطى‬
‫شيء يخصها دون سائر الفرائض‪ ،‬وليس في ذلك دليل على أنها‬
‫ليسييت بفرض‪ ،‬وأمييا ميين ذهييب إلى أنهمييا كليهمييا سيينة فقاس‬
‫الجلسيية الخيرة على الوسييطى بعييد أن اعتقييد فييي الوسييطى‬
‫بالدليييل الذي اعتقييد بييه الجمهور أنهييا سيينة‪ ،‬فإذا السييبب فييي‬
‫اختلفهيم هيو فيي الحقيقية آييل إلى معارضية السيتدلل لظاهير‬
‫القول أو ظاهيير الفعييل‪ ،‬فإن ميين الناس أيضييا ميين اعتقييد أن‬
‫الجلسييتين كليهمييا فرض ميين جهيية أن أفعاله عليييه الصييلة عنده‬
‫الصل في ها أن تكون فيي الصلة محمولة على الوجوب حتى يدل‬
‫الدلييل على غيير ذلك على ميا تقدم‪ ،‬فإذا ً الصيلن جميعيا يقتضيان‬
‫ههنا أن الجلوس الخير فرض‪ ،‬ولذلك عليه أكثر الجمهور من غير‬
‫أن يكون له معارض إل القياس‪ ،‬وأعنيي بالصيلين القول والعميل‪،‬‬
‫ولذلك أضعيف القاوييل مين رأى أن الجلسيتين سينة والله أعلم‪.‬‬
‫وثبيت عنيه علييه الصيلة والسيلم "أنيه كان يضيع كفيه اليمنيى على‬
‫ركبتيه اليمنيى وكفيه اليسيرى على ركبتيه اليسيرى ويشيير بإصيبعه"‬
‫واتفيق العلماء على أن هذه الهيئة مين هيئة الجلوس المسيتحسنة‬
‫فيي الصيلة‪ ،‬واختلفوا فيي تحرييك الصيابع لختلف الثير فيي ذلك‪،‬‬
‫والثابت أنه كان يشير فقط‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الخامسية) اختلف العلماء فيي وضيع اليديين إحداهميا‬
‫على الخرى فييي الصييلة‪ ،‬فكره ذلك مالك فييي الفرض‪ ،‬وأجازه‬
‫فييي النفييل‪ .‬ورأى قوم أن هذا الفعييل ميين سيينن الصييلة وهييم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجمهور‪ .‬والسبب في اختلفهم أنه قد جاءت آثار ثابتة نقلت فيها‬


‫صفة صلته عليه الصلة والسلم‪ ،‬ولم ينقل فيها أنه كان يضع يده‬
‫اليمنيى على اليسيرى‪ ،‬وثبيت أيضيا أن الناس كانوا يؤمرون بذلك‪.‬‬
‫وورد ذلك أيضيا من صيفة صيلته علييه الصلة والسلم في حدييث‬
‫أبي حميد فرأى قوم أن الثار التي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على‬
‫الثار التيي لم تنقيل فيهيا هذه الزيادة وأن الزيادة يجيب أن يصيار‬
‫إليهييا‪ .‬ورأى قوم أن الوجييب المصييير إلى الثار التييي ليييس فيهييا‬
‫هذه الزيادة‪ ،‬لنها أكثر‪ ،‬ولكون هذه ليست مناسبة لفعال الصلة‪،‬‬
‫وإنميا هيي مين باب السيتعانة‪ ،‬ولذلك أجازهيا مالك فيي النفيل ولم‬
‫يجزهييا فييي الفرض‪ ،‬وقييد يظهيير ميين أمرهييا أنهييا هيئة تقتضييي‬
‫الخضوع‪ ،‬وهو الولى بها‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيادسة) اختار قوم إذا كان الرجيل فيي وتير مين‬
‫صيلته أن ل ينهيض حتيى يسيتوي قاعدا‪ ،‬واختار آخرون أن ينهيض‬
‫مين سيجوده نفسيه‪ ،‬وبالول قال الشافعيي وجماعية‪ ،‬وبالثانيي قال‬
‫مالك وجماعيية‪ .‬وسييبب الخلف أن فييي ذلك حديثييين مختلفييين‪:‬‬
‫أحدهميا حدييث مالك بين الحويرث الثابيت "أنيه رأى رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم يصيلي" فإذا كان فيي وتير مين صيلته لم‬
‫ينهض حتى يستوي قاعدا وفي حديث أبي حميد في صفة صلته‬
‫علييه الصيلة والسيلم أنيه لميا رفيع رأسيه مين السيجدة الثانيية مين‬
‫الركعيية الولى قام ولم يتورك" فأخييذ بالحديييث الول الشافعييي‪،‬‬
‫وأخيذ بالثانيي مالك‪ ،‬وكذلك اختلفوا إذا سيجد‪ ،‬هيل يضيع يدييه قبيل‬
‫ركبتييه‪ ،‬أو ركبتييه قبيل يدييه؟ ومذهيب مالك وضيع الركبتيين قبيل‬
‫اليدييين‪ .‬وسييبب اختلفهييم أن فييي حديييث ابيين حجيير قال "رأيييت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه‪،‬‬
‫وإذا نهيض رفيع يدييه قبيل ركبتييه" وعين أبيي هريرة أن النيبي علييه‬
‫الصيلة والسيلم قال "إذا سيجد أحدكيم فل ييبرك كميا ييبرك البعيير‬
‫وليضيع يدييه قبيل ركبتييه" وكان عبيد الله بين عمير يضيع يدييه قبيل‬
‫ركبتييه‪ .‬وقال بعيض أهيل الحدييث‪ :‬حدييث وائل بين حجير أثبيت مين‬
‫حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيابعة) اتفيق العلماء على أن السيجود يكون على‬
‫سيبعة أعضاء‪ :‬الوجيه واليديين والركبتيين وأطراف القدميين‪ ،‬لقوله‬
‫عليييه الصييلة والسييلم "أمرت أن أسيييجد على سييبعة أعضاء"‬
‫واختلفوا فيمين سيجد على وجهيه ونقصيه السيجود على عضيو مين‬
‫تلك العضاء هيل تبطيل صيلته أم ل؟ فقال قوم‪ :‬ل تبطيل صيلته‬
‫لن اسيم السيجود إنميا يتناول الوجيه فقيط‪ .‬وقال قوم‪ :‬تبطيل إن‬
‫لم يسيجد على السيبعة العضاء للحدييث الثابيت‪ ،‬ولم يختلفوا أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من سجد على جبهته وأنفه فقد سجد على وجهه‪ ،‬واختلفوا فيمن‬
‫سيجد على أحدهميا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إن سيجد على جبهتيه دون أنفيه‬
‫جاز‪ ،‬وإن سجد على أنفه دون جبهته لم يجز‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬بل‬
‫يجوز ذلك‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬ل يجوز إل أن يسيجد عليهميا جميعيا‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم‪ :‬هيل الواجيب هيو امتثال بعيض ميا ينطلق علييه‬
‫السيم أم كله‪ ،‬وذلك أن فيي حدييث النيبي علييه الصيلة والسيلم‬
‫الثابت عن ابن عباس "أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء" فذكر‬
‫منها الوجه‪ ،‬فمن رأى أن الواجب هو بعض ما ينطلق عليه السم‪،‬‬
‫قال‪ :‬إن سييجد على الجبهيية أو النييف أجزأه‪ .‬وميين رأى أن اسييم‬
‫السيجود يتناول مين سيجد على الجبهية ول يتناول مين سيجد على‬
‫النييف أجاز السييجود على الجبهيية دون النييف‪ ،‬وهذا كأنييه تحديييد‬
‫للبعييض الذي هييو امتثاله‪ ،‬هييو الواجييب ممييا ينطلق عليييه السييم‪،‬‬
‫وكان هذا على مذهييب ميين يفرق بييين أبعاض الشيييء‪ ،‬فرأى أن‬
‫بعضهييا يقوم فييي امتثاله مقام الوجوب وبعضهييا ل يقوم مقامييه‬
‫فتأميل هذا فإنيه أصيل فيي هذا الباب‪ ،‬وإل جاز لقائل أن يقول‪ :‬إنه‬
‫إن ميس من أنفه الرض مثقال خردلة تيم سيجوده‪ ،‬وأميا مين رأى‬
‫أن الواجيب هيو امتثال كيل ميا ينطلق علييه السيم‪ ،‬فالواجيب عنده‬
‫أن يسجد على الجبهة والنف‪ .‬والشافعي يقول‪ :‬إن هذا الحتمال‬
‫الذي مين قبيل اللفيظ قيد أزاله فعله علييه الصيلة والسيلم وبينيه‪،‬‬
‫فإنه كان يسجد على النف والجبهة لما جاء من أنه انصرف من‬
‫صيلة مين الصيلوات وعلى جبهتيه وأنفيه أثير الطيين والماء‪ ،‬فوجيب‬
‫أن يكون فعله مفسيرا للحدييث المجميل‪ .‬قال أبيو عمير بين عبيد‬
‫البر‪ :‬وقيد ذكير جماعية مين الحفاظ حدييث ابين عباس فذكروا فييه‬
‫النييف والجبهيية‪ .‬قال القاضييي أبييو الوليييد‪ :‬وذكيير بعضهييم الجبهيية‬
‫فقيييط‪ ،‬وكل الروايتيييين فيييي كتاب مسيييلم‪ ،‬وذلك حجييية لمالك‪.‬‬
‫واختلفوا أيضيا هيل مين شرط السيجود أن تكون ييد السياجد بارزة‬
‫وموضوعيية على الذي يوضييع عليهييا الوجييه أم ليييس ذلك ميين‬
‫شروطييه؟ فقال مالك‪ :‬ذلك ميين شرط السييجود أحسييبه شرط‬
‫تماميه‪ .‬وقالت جماعية‪ :‬لييس ذلك مين شرط السيجود‪ .‬ومين هذا‬
‫الباب اختلفهيم فيي السيجود على طاقات العمامية‪ ،‬وللناس فييه‬
‫ثلثيية مذاهييب‪ :‬قول بالمنييع‪ ،‬وقول بالجواز‪ ،‬وقول بالفرق بييين أن‬
‫يسيجد على طاقات يسييرة مين العمامية أو كثيرة‪ ،‬وقول بالفرق‬
‫بين أن يمس من جبهته الرض شيء أو ل يمس منها شيء‪ ،‬وهذا‬
‫الختلف كله موجود فييي المذهييب وعنييد فقهاء المصييار‪ ،‬وفييي‬
‫البخاري وكانوا يسيجدون على القلنيس والعمائم‪ .‬واحتيج مين لم‬
‫يير إبراز اليديين فيي السيجود بقول ابين عباس "أمير النيبي صيلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الله علييه وسيلم أن نسيجد على سيبعة أعضاء ول نكفيت ثوبيا ول‬
‫شعرا" وقياسيا على الركبتيين وعلى الصيلة فيي الخفيين يمكين أن‬
‫يحتج بهذا العموم في السجود على العمامة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثامنيية) اتفييق العلماء على كراهييية القعاء فييي‬
‫الصلة لما جاء في الحديث من النهي أن يقعي الرجل في صلته‬
‫كما يقعي الكلب إل أنهم اختلفوا فيما يدل عليه السم‪ ،‬فبعضهم‬
‫رأى أن القعاء المنهييي عنييه هييو جلوس الرجييل على أليتيييه فييي‬
‫الصلة ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع ول خلف بينهم أن‬
‫هذه الهيئة ليسيت مين هيئات الصيلة‪ .‬وقوم رأوا أن معنيى القعاء‬
‫الذي نهيي عنيه هيو أن يجعيل أليتيه على عقيبيه بيين السيجدتين وأن‬
‫يجلس على صيدور قدمييه‪ ،‬وهيو مذهيب مالك لميا روي عين ابين‬
‫عمر أنه ذكر أنه إنما كان يفعل ذلك لنه كان يشتكي قدميه‪ .‬وأما‬
‫ابيين عباس فكان يقول‪ :‬القعاء على القدمييين فييي السييجود على‬
‫هذه الصيفة هيو سينة نيبيكم‪ ،‬خرجيه مسيلم‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيو‬
‫تردد اسييم القعاء المنهييي عنييه فييي الصييلة بييين أن يدل على‬
‫المعنى اللغوي أو يدل على معنى شرعي‪ :‬أعني على هيئة خصها‬
‫الشرع بهذا السيم‪ ،‬فمين رأى أنيه يدل على المعنيى اللغوي قال‪:‬‬
‫هيو إقعاء الكلب‪ .‬ومين رأى أنيه يدل على معنيى شرعيي قال‪ :‬إنميا‬
‫أرييد بذلك إحدى هيئات الصيلة المنهيي عنهيا‪ ،‬ولميا ثبيت عين ابين‬
‫عمير أن قعود الرجيل على صيدور قدمييه لييس مين سينة الصيلة‪،‬‬
‫سيبق إلى اعتقاده أن هذه الهيئة هيي التيي أرييد بالقعاء المنهيي‬
‫عنيه‪ ،‬وهذا ضعييف‪ ،‬فإن السيماء التيي لم تثبيت لهيا معان شرعيية‬
‫يجب أن تحمل على المعنى اللغوي حتى يثبت لها معنى شرعي‪،‬‬
‫بخلف المير فيي السيماء التيي ثبيت لهيا معان شرعيية‪ :‬أعنيي أنيه‬
‫يجييب أن يحمييل على المعانييي الشرعييية حتييى يدل الدليييل على‬
‫المعنى اللغوي‪ ،‬مع أنه قد عارض حديث ابن عمر في ذلك حديث‬
‫ابن عباس‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني من الجملة الثالثة‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب الكلم المحييط بقواعده فيه فصيول سبعة‪ :‬أحدها‪:‬‬
‫فييي معرفيية حكييم صييلة الجماعيية‪ .‬والثانييي فييي معرفيية شروط‬
‫المامية‪ ،‬ومين أولى بالتقدييم وأحكام المام الخاصية بيه‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫فيييي مقام المأموم مييين المام والحكام الخاصييية بالمأموميييين‪.‬‬
‫الرابيع‪ :‬فيي معرفية ميا يتبيع فييه المأموم المام مميا لييس يتبعيه‪.‬‬
‫الخامييس‪ :‬فييي صييفة التباع‪ .‬السييادس‪ :‬فيمييا يحمله المام عيين‬
‫المأموميين‪ .‬السيابع‪ :‬فيي الشياء التيي إذا فسيدت لهيا صيلة المام‬
‫يتعدى الفساد إلى المأمومين‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الفصل الول في معرفة حكم صلة الجماعة‪.‬‬


‫@‪-‬فيي هذا الفصيل مسيئلتان‪ :‬إحداهميا‪ :‬هيل صيلة الجماعية واجبية‬
‫على مين سيمع النداء أم ليسيت بواجبية‪ .‬المسيألة الثانيية إذا دخيل‬
‫الرجل المسجد وقد صلى‪ ،‬هل يجب عليه أن يصلي مع الجماعة‬
‫الصلة التي قد صلها أم ل؟‪.‬‬
‫@‪(-‬أميييا المسيييألة الولى) فإن العلماء اختلفوا فيهيييا‪ ،‬فذهيييب‬
‫الجمهور إلى أنهيا سينة أو فرض على الكفايية‪ .‬وذهبيت الظاهريية‬
‫إلى أن صلة الجماعة فرض متعين على كل مكلف‪ .‬والسبب في‬
‫اختلفهييم تعارض مفهومات الثار فييي ذلك وذلك أن ظاهيير قوله‬
‫علييه الصيلة والسيلم "صيلة الجماعية تفضيل صيلة الفيذ بخميس‬
‫وعشريين درجية أو بسيبع وعشريين درجية" يعنيي أن الصيلة فيي‬
‫الجماعات من جنس المندوب إليه‪ ،‬وكأنها كمال زائد على الصلة‬
‫الواجبية‪ ،‬فكأنيه قال علييه الصيلة والسيلم‪ :‬صيلة الجماعية أكميل‬
‫ميين صييلة المنفرد‪ .‬والكمال إنمييا هييو شيييء زائد على الجزاء‪،‬‬
‫وحدييث العميى المشهور حيين اسيتأذنه فيي التخلف عين صيلة‬
‫الجماعيية لنييه ل قائد له‪ ،‬فرخييص له فييي ذلك‪ ،‬ثييم قال له عليييه‬
‫الصيييلة والسيييلم‪ :‬أتسيييمع النداء؟ قال‪ :‬نعيييم‪ ،‬قال‪ :‬ل أجيييد لك‬
‫رخصة" هو كالنص في وجوبها مع عدم العذر‪ ،‬خرجه مسلم‪ .‬ومما‬
‫يقوي هذا حديث أبي هريرة المتفق على صحته‪ ،‬وهو "أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬والذي نفسي بيده لقد هممت أن‬
‫آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلة فيؤذن لها ثم آمر رجل فيؤم‬
‫الناس ثيم أخالف إلى رجال فأحرق عليهيم بيوتهيم‪ ،‬والذي نفسيي‬
‫بيده لو يعلم أحدهيم أنيه يجيد عظميا سيمينا أو مرماتيين حسينتين‬
‫لشهيد العشاء" وحدييث ابين مسيعود‪ ،‬وقال فييه "إن رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم علمنيا سينن الهدى‪ ،‬وإن مين سينن الهدى‬
‫الصييلة فييي المسييجد الذي يؤذن فيييه" وفييي بعييض رواياتييه "ولو‬
‫تركتيم سينة نيبيكم لضللتيم" فسيلك كيل واحيد مين هذيين الفريقيين‬
‫مسيلك الجميع بتأوييل حدييث مخالفيه‪ ،‬وصيرفه إلى ظاهير الحدييث‬
‫الذي تمسيك بيه‪ .‬فأميا أهيل الظاهير فإنهيم قالوا‪ :‬إن المفاضلة ل‬
‫يمتنع أن تقع في الواجبات أنفسها‪ :‬أي إن صلة الجماعة في حق‬
‫من فرضه صلة الجماعة تفضل صلة المنفرد في حق من سقط‬
‫عنيه وجوب صيلة الجماعية لمكان العذر بتلك الدرجات المذكورة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وعلى هذا فل تعارض بيييين الحديثيييين واحتجوا لذلك بقوله‬
‫عليييه الصييلة والسييلم‪" :‬صييلة القاعييد على النصييف ميين صييلة‬
‫القائم" وأميا أولئك فزعموا أنيه يمكين أن يحميل حدييث العميى‬
‫على نداء يوم الجمعيية‪ ،‬إذ ذلك هييو النداء الذي يجييب على ميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سييمعه التيان إليييه باتفاق وهذا فيييه بعييد والله أعلم‪ ،‬لن نييص‬
‫الحدييث هيو أن أبيا هريرة قال "أتيى النيبي صيلى الله علييه وسيلم‬
‫رجيل أعميى‪ ،‬فقال‪ :‬ييا رسيول الله إنيه لييس لي قائد يقودنيي إلى‬
‫المسييجد‪ ،‬فسييأل رسييول الله أن يرخييص له فيصييلي فييي بيتييه‪،‬‬
‫فرخص له‪ ،‬فلما ولى دعاه فقال‪ :‬هل تسمع النداء بالصلة‪ .‬قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأجب" وظاهر هذا يبعد أن يفهم منه نداء الجمعة‪ ،‬مع‬
‫أن التيان إلى صيلة الجمعية واجيب على كيل من كان فيي المصير‬
‫وإن لم يسيييمع النداء‪ ،‬ول أعرف فيييي ذلك خلفيييا‪ .‬وعارض هذا‬
‫الحدييث أيضيا حدييث عتبان بين مالك المذكور فيي الموطيأ‪ ،‬وفييه‬
‫أن عتبان بيين مالك كان يؤم وهييو أعمييى‪ ،‬وأنييه قال لرسييول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم "إنيه تكون الظلمية المطير والسييل وأنيا‬
‫رجيل ضريير البصير فصيل ييا رسيول الله فيي بيتيي مكانيا أتخذه‬
‫مصلى‪ ،‬فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬أين تحب‬
‫أن أصيلي فأشار له إلى مكان مين البييت فصيلى فييه رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) فإن الذي دخيل المسيجد وقيد صيلى ل‬
‫يخلو مين أحيد وجهيين‪ :‬إميا أن يكون صيلى منفردا‪ ،‬وإميا أن يكون‬
‫صيلى فيي جماعية‪ .‬فإن كان صيلى منفردا فقال قوم‪ :‬يعييد معهيم‬
‫كيييل الصيييلوات إل المغرب فقيييط‪ ،‬وممييين قال بهذا القول مالك‬
‫وأصييحابه‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬يعيييد الصييلوات كلهييا إل المغرب‬
‫والعصيير‪ .‬وقال الوزاعييي‪ :‬إل المغرب والصييبح‪ .‬وقال أبييو ثور‪ :‬إل‬
‫العصر والفجر‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬يعيد الصلوات كل ها‪ ،‬وإنما اتفقوا‬
‫على إيجاب إعادة الصيلة علييه بالجملة لحدييث بشير بين محميد‬
‫عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين دخل‬
‫المسيجد ولم يصيل معيه‪ :‬مالك لم تصيل ميع الناس‪ :‬ألسيت برجيل‬
‫مسيلم؟ فقال بلى ييا رسيول الله‪ ،‬ولكنيي صيليت فيي أهلي‪ ،‬فقال‬
‫عليييه الصييلة والسييلم‪ :‬إذا جئت فصييل مييع الناس وإن كنييت قييد‬
‫صيليت" فاختلف الناس لحتمال تخصييص هذا العموم بالقياس أو‬
‫بالدليل‪ ،‬فمن حمله على عمومه أوجب عليه إعادة الصلوات كلها‬
‫وهيو مذهيب الشافعيي‪ .‬وأميا مين اسيتثنى مين ذلك صيلة المغرب‬
‫فقيط فإنيه خصيص العموم بقياس الشبيه وهيو مالك رحميه الله‪،‬‬
‫وذلك أنيه زعيم أن صيلة المغرب هيي وتير‪ ،‬فلو أعيدت لشبهيت‬
‫صيلة الشفيع التيي ليسيت بوتير‪ ،‬لنهيا كانيت تكون بمجموع ذلك‬
‫سيت ركعات‪ ،‬فكأنهيا كانيت تنتقيل مين جنسيها إلى جنيس صيلة‬
‫أخرى وذلك مبطيل لهيا‪ ،‬وهذا القياس فييه ضعيف‪ ،‬لن السيلم قيد‬
‫فصل بين الوتار والتمسك بالعموم أقوى من الستثناء بهذا النوع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين القياس‪ ،‬وأقوى مين هذا ميا قاله الكوفيون مين أنيه إذا أعادهيا‬
‫يكون قد أوتر مرتين‪ ،‬وقد جاء في الثر " ل وتران في ليلة" وأما‬
‫أبييو حنيفيية فإنييه قال‪ :‬إن الصييلة الثانييية تكون له نفل‪ ،‬فإن أعاد‬
‫العصيير يكون قييد تنفييل بعييد العصيير‪ ،‬وقييد جاء النهييي عيين ذلك‪،‬‬
‫فخصيص العصير بهذا القياس والمغرب بأنهيا وتير‪ ،‬والوتير ل يعاد‪،‬‬
‫وهذا قياس جدييد إن سيلم لهيم الشافعيي أن الصيلة الخيرة لهيم‬
‫نفيل‪ .‬وأميا مين فرق بيين العصير والصيبح فيي ذلك فلنيه لم تختلف‬
‫الثار فيي النهيي عين الصيلة بعيد الصيبح‪ ،‬واختلف فيي الصيلة بعيد‬
‫العصير كميا تقدم‪ ،‬وهيو قول الوزاعيي‪ .‬وأميا إذا صيلى فيي جماعية‬
‫فهل يعيد في جماعة أخرى؟ فأكثر الفقهاء على أنه ل يعيد‪ ،‬منهم‬
‫مالك وأبيو حنيفية‪ ،‬وقال بعضهيم‪ :‬بيل يعييد‪ ،‬وممين قال بهذا القول‬
‫أحميد وداود وأهيل الظاهير‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم تعارض مفهوم‬
‫الثار فيي ذلك‪ ،‬وذلك أنيه ورد عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه قال‬
‫"ل تصلي صلة في يوم مرتين" وروي عنه "أنه أمر الذين صلوا‬
‫في جماعة أن يعيدوا مع الجماعة الثانية" وأيضا فإن ظاهر حديث‬
‫بشير يوجيب العادة على كيل مصيل إذا جاء المسيجد‪ ،‬فإن قوتيه‬
‫قوة العموم‪ ،‬والكثيير على أنييه إذا ورد العام على سييبب خاص ل‬
‫يقتصر به على سببه‪ ،‬وصلة معاذ مع النبي عليه الصلة والسلم‪،‬‬
‫ثييم كان يؤم قومييه فييي تلك الصييلة فيييه دليييل على جواز إعادة‬
‫الصيلة فيي الجماعية‪ ،‬فذهيب الناس فيي هذه الثار مذهيب الجميع‬
‫ومذهيب الترجييح‪ .‬أميا مين ذهيب مذهيب الترجييح فإنيه أخيذ بعموم‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "ل تصلى صلة واحدة في يوم مرتين"‬
‫ولم يسيتثن مين ذلك إل صيلة المنفرد فقيط لوقوع التفاق عليهيا‪.‬‬
‫وأميا مين ذهيب مذهيب الجميع فقالوا إن معنيى قوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم‪" :‬ل تصيلى صيلة واحدة فيي يوم مرتيين" إنميا ذلك أن ل‬
‫يصلي الرجل الصلة الواحدة بعينها مرتين‪ ،‬يعتقد في كل واحدة‬
‫منهميا أنهيا فرض‪ ،‬بيل يعتقيد فيي الثانيية أنهيا زائدة على الفرض‬
‫ولكنييه مأمور بهييا‪ .‬وقال قوم‪ :‬بييل معنييى هذا الحديييث إنمييا هييو‬
‫للمنفرد‪ :‬أعنييي أن ل يصييلي الرجييل المنفرد صييلة واحدة بعينهييا‬
‫مرتين‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصييل الثانييي‪ .‬فييي معرفيية شروط الماميية‪ ،‬وميين أولى‬
‫بالتقديييم‪ ،‬وأحكام المام الخاصيية بييه‪ .‬وفييي هذا الفصييل مسييائل‬
‫أربع‪:‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) اختلفوا فيميين أولى بالماميية‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫يؤم القوم أفقههم ل أقرؤهم‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ ،‬وقال أبو حنيفة‬
‫والثوري وأحمييد‪ :‬يؤم القوم أقرؤهييم‪ .‬والسييبب فييي هذا الختلف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلفهييم فييي مفهوم قوله عليييه الصييلة والسييلم "يؤم القوم‬


‫أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة‪،‬‬
‫فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة‪ ،‬فإن كانوا في الهجرة‬
‫سيواء‪ ،‬فأقدمهيم إسيلما‪ ،‬ول يؤم الرجيل الرجيل فيي سيلطانه ول‬
‫يقعد في بيته على تكرمته إل بإذنه" وهو حديث متفق على صحته‬
‫لكين اختلف العلماء فيي مفهوميه‪ ،‬فمنهيم مين حمله على ظاهره‬
‫وهيو أ بو حني فة‪ .‬ومنهيم من فهم من القرأ ههنيا الفقيه‪ .‬لنه زعيم‬
‫أن الحاجية إلى الفقيه فيي المامية أميس مين الحاجية إلى القراءة‪،‬‬
‫وأيضييا فإن القرأ ميين الصييحابة كان هييو الفقييه ضرورة‪ ،‬وذلك‬
‫بخلف ما عليه الناس اليوم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية) اختلف الناس في إمامة الصبي الذي لم يبلغ‬
‫الحلم إذا كان قارئا‪ ،‬فأجاز ذلك لعموم (هذا الثيييير) {مييييا بييييين‬
‫القوسيين زائدة فيي النسيخة المصيرية ميع أنيه لم يذكير أثرا‪ ،‬فلهذا‬
‫نبهنيا على زيادتيه} ولحدييث عمرو بين سيلمة أنيه كان يؤم قوميه‬
‫وهيو صيبي‪ .‬ومنيع ذلك قوم مطلقيا‪ ،‬وأجازه قوم فيي النفيل‪ ،‬ولم‬
‫يجيزوه فيي الفريضية‪ ،‬وهيو مروي عين مالك‪ .‬وسيبب الخلف فيي‬
‫ذلك هيل يؤم أحيد فيي صيلة غيير واجبية علييه مين وجبيت علييه؟‪،‬‬
‫وذلك لختلف نية المام والمأموم؟‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) اختلفوا فييي إماميية الفاسييق‪ ،‬فردهييا قوم‬
‫بإطلق‪ ،‬وأجازهييا قوم بإطلق‪ ،‬وفرق قوم بييين أن يكون فسييقه‬
‫مقطوعا به أو غير مقطوع به‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن كان فسقه مقطوعا به‬
‫أعاد الصييلة المصييلي وراءه أبدا‪ ،‬وإن كان مظنونييا اسييتحبت له‬
‫العادة في الوقت‪ ،‬وهذا الذي اختاره البهري تأول على المذهب‪،‬‬
‫ومنهيم مين فرق بيين أن يكون فسيقه بتأوييل أو يكون بغيير تأوييل‬
‫مثل الذي يشرب النبيذ ويتأول أقوال أهل العراق‪ ،‬فأجازوا الصلة‬
‫وراء المتأول ولم يجيزوها وراء غير المتأول‪ .‬وسبب اختلفهم في‬
‫هذا أنيه شييء مسيكوت عنيه فيي الشرع‪ ،‬والقياس فييه متعارض‪.‬‬
‫فمن رأى أن الفسق لما كان ل يبطل صحة الصلة ولم يكن من‬
‫يحتاج المأموم إماميه إل صحة صيلته فقط على قول من يرى أن‬
‫المام يحمل عن المأموم أجاز إمامة الفاسق‪ ،‬ومن قاس المامة‬
‫على الشهادة واتهيم الفاسيق أن يكون يصيلي صيلة فاسيدة كميا‬
‫يتهم في الشهادة أن يكذب لم يجز إمامته‪ ،‬ولذلك فرق قوم بين‬
‫أن يكون فسيقه بتأوييل أو بغيير تأوييل‪ ،‬وإلى قرييب مين هذا يرجيع‬
‫من فرق بين أن يكون فسقه مقطوعا به أو غير مقطوع به‪ ،‬لنه‬
‫إذا كان مقطوعيا بيه فكأنيه غيير معذور فيي تأويله‪ ،‬وقيد رام أهيل‬
‫الظاهييير أن يجيزوا إمامييية الفاسيييق بعموم قوله علييييه الصيييلة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والسيلم "يؤم القوم أقرؤهيم" قالوا‪ :‬فلم يسيتثن مين ذلك فاسيقا‬
‫مين غيير فاسيق‪ ،‬والحتجاج بالعموم فيي غيير المقصيود ضعييف‪،‬‬
‫ومنهم من فرق بين أن يكون فسقه في شروط صحة الصلة‪ ،‬أو‬
‫فيي أمور خارجية عين الصيلة بناء على أن المام إنميا يشترط فييه‬
‫وقوع صلته صحيحة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) اختلفوا فيي إمامية المرأة‪ ،‬فالجمهور على‬
‫أنييه ل يجوز أن تؤم الرجال واختلفوا فييي إمامتهييا النسيياء‪ ،‬فأجاز‬
‫ذلك الشافعييي‪ ،‬ومنييع ذلك مالك وشييذ أبييو ثور والطييبري‪ ،‬فأجازا‬
‫إمامتهييا على الطلق‪ ،‬وإنمييا اتفييق الجمهور على منعهييا أن تؤم‬
‫الرجال‪ ،‬لنه لو كان جائزا لنقل ذلك عن الصدر الول‪ ،‬ولنه أيضا‬
‫لميا كانيت سينتهن فيي الصيلة التأخيير عين الرجال علم أنيه لييس‬
‫يجوز لهين التقدم عليهيم‪ ،‬لقوله علييه الصيلة والسيلم "أخروهين‬
‫حيييث أخرهيين الله" ولذلك أجاز بعضهييم إمامتهييا النسيياء إذ كيين‬
‫متسياويات فيي المرتبية فيي الصيلة‪ ،‬ميع أنيه أيضيا نقيل ذلك عين‬
‫بعض الصدر الول‪ ،‬ومن أجاز إمامتها فإنما ذهب إلى ما رواه أبو‬
‫داود مين حدييث أم ورقية "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫كان يزورهيا فيي بيتهيا وجعيل لهيا مؤذنيا يؤذن لهيا‪ ،‬وأمرهيا أن تؤم‬
‫أهل دارها" وفي هذا الباب مسائل كثيرة أعني من اختلفهم في‬
‫الصيفات المشترطية فيي المام تركنيا ذكرهيا لكونهيا مسيكوتا عنهيا‬
‫فيي الشرع‪ .‬قال القاضيي‪ :‬وقصيدنا فيي هذا الكتاب إنميا هيو ذكير‬
‫المسائل المسموعة أو ماله تعلق قريب بالمسموع‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا أحكام المام الخاصية بيه) فإن فيي ذلك أربعية مسيائل‬
‫متعلقية بالسيمع‪ :‬إحداهيا هيل يؤمين المام إذا فرغ مين قراءة أم‬
‫القرآن؟ أم المأموم هييو الذي يؤميين فقييط‪ .‬والثانييية متييى يكييبر‬
‫تكييبيرة الحرام؟ والثالثيية إذا أرتييج عليييه هييل يفتييح عليييه أم ل؟‬
‫والرابعية هيل يجوز أن يكون موضعيه أرفيع مين موضيع المأموميين‪.‬‬
‫فأمييا هييل يؤميين المام إذا فرغ مين قراءة أم الكتاب‪ ،‬فإن مالكييا‬
‫ذهب في رواية ابن القاسم عنه والمصريين أنه ل يؤمن‪ ،‬وذهب‬
‫جمهور الفقهاء إلى أنيييه يؤمييين كالمأموم سيييواء‪ ،‬وهيييي روايييية‬
‫المدنييييين عييين مالك‪ ،‬وسيييبب اختلفهيييم أن فيييي ذلك حديثيييين‬
‫متعارضيي الظاهير‪ :‬أحدهميا حدييث أبيي هريرة المتفيق علييه فيي‬
‫الصحيح أنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أمن‬
‫المام فأمنوا" والحديييث الثانييي ميا خرجيه مالك عين أبييي هريرة‬
‫أيضا أنه قال عليه الصلة والسلم "إذا قال المام غير المغضوب‬
‫عليهم ول الضالين فقولوا أمين" فأما الحديث الول فهو نص في‬
‫تأميين المام‪ .‬وأميا الحدييث الثانيي فيسيتدل منيه على أن المام ل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يؤميين‪ ،‬وذلك أنييه لو كان يؤميين لمييا أميير المأموم بالتأمييين عنييد‬
‫الفراغ ميين أم الكتاب قبييل أن يؤميين المام‪ ،‬لن المام كمييا قال‬
‫عليه الصلة والسلم "إنما جعل المام ليؤتم به" إل أن يخص هذا‬
‫مين أقوال المام‪ :‬أعنيي أن يكون للمأموم أن يؤمين معيه أو قبله‪،‬‬
‫فل يكون فيييه دليييل على حكييم المام فييي التأمييين‪ ،‬ويكون إنمييا‬
‫تضميين حكييم المأموم فقييط‪ ،‬لكيين الذي يظهيير أن مالكييا ذهييب‬
‫مذهيب الترجييح للحدييث الذي رواه لكون السيامع هيو المؤمين ل‬
‫الداعيي‪ ،‬وذهيب الجمهور لترجييح الحدييث الول لكونيه نصيا‪ ،‬ولنيه‬
‫ليس فيه شيء من حكم المام‪ ،‬وإنما الخلف بينه وبين الحديث‬
‫الخر في موضع تأمين المأموم فقط ل في هل يؤمن المام أو ل‬
‫يؤمين فتأميل هذا‪ .‬ويمكين أيضيا أن يتأول الحدييث الول بأن يقال‪:‬‬
‫إن معنيى قوله "فإذا أمين فأمنوا" أي إذا بلغ موضيع التأميين‪ ،‬وقيد‬
‫قييل إن التأميين هيو الدعاء وهذا عدول عين الظاهير لشييء غيير‬
‫مفهوم من الحديث إل بقياس‪ :‬أعني أن يفهم من قوله "فإذا قال‬
‫غير المغضوب عليهم ول الضالين فأمنوا" أنه ل يؤمن المام‪ .‬وأما‬
‫متييى يكييبر المام فإن قومييا قالوا‪ :‬ل يكييبر إل بعييد تمام القاميية‬
‫واسيتواء الصيفوف‪ ،‬وهيو مذهيب مالك والشافعيي وجماعية‪ .‬وقوم‬
‫قالوا‪ :‬إن موضييع التكييبير هييو قبييل أن يتييم القاميية‪ ،‬واسييتحسنوا‬
‫تكبيره عند قول المؤذن قد قامت الصلة‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة‬
‫والثوري وزفر‪ .‬وسبب الخلف في ذلك تعارض ظاهر حديث أنس‬
‫وحديث بلل‪ .‬أما حديث أنس فقال‪" :‬أقبل علينا رسول الله صلى‬
‫الله علييه وسيلم قبيل أن يكيبر فيي الصيلة فقال‪ :‬أقيموا صيفوفكم‬
‫وتراصيوا فإنيي أراكيم مين وراء ظهري" وظاهير هذا أن الكلم منيه‬
‫كان بعيد الفراغ مين القامية‪ ،‬مثيل ميا روي عين عمير أنيه كان إذا‬
‫تمت القامة واستوت الصفوف حينئذ يكبر‪ .‬وأما حديث بلل فإنه‬
‫روى "أنيه كان يقييم للنيبي صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬فكان يقول له‪:‬‬
‫يا رسول الله ل تسبقني بآمين" خرجه الطحاوي‪ .‬قالوا‪ :‬فهذا يدل‬
‫على أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم كان يكيبر والقامية لم‬
‫تتم‪ .‬وأما اختلفهم في الفتح على المام إذا أرتج عليه‪ ،‬فإن مالكا‬
‫والشافعيي وأكثير العلماء أجازوا الفتيح علييه‪ ،‬ومنيع ذلك الكوفيون‪.‬‬
‫وسيبب الخلف فيي ذلك اختلف الثار‪ ،‬وذلك "أ نه روي أن رسول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم تردد فيي آيية‪ ،‬فلميا انصيرف قال‪ :‬أيين‬
‫أبيي ألم يكين فيي القوم؟" أي يرييد الفتيح علييه‪ .‬وروي عنيه علييه‬
‫الصيلة والسيلم أنيه قال "ل يفتيح على المام" والخلف فيي ذلك‬
‫في الصدر الول‪ ،‬والمنع مشهور عن علي‪ ،‬والجواز عن ابن عمر‬
‫مشهور‪ .‬وأميا موضيع المام فإن قوميا أجازوا أن يكون أرفيع مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫موضييع المأمومييين‪ ،‬وقوم منعوا ذلك‪ ،‬وقوم اسييتحبوا ميين ذلك‬


‫اليسييير‪ ،‬وهييو مذهييب مالك‪ .‬وسييبب الخلف فييي ذلك حديثان‬
‫متعارضان‪ :‬أحدهما الحديث الثابت‪" :‬أنه عليه الصلة والسلم أم‬
‫الناس على المنيبر ليعلمهيم الصيلة‪ ،‬وأنيه كان إذا أراد أن يسيجد‬
‫نزل من على المنبر"والثاني ما رواه أبو داود أن حذيفة أم الناس‬
‫على دكان‪ ،‬فأخييذ ابيين مسييعود بقميصييه فجذبييه‪ ،‬فلمييا فرغ ميين‬
‫صييلته قال‪ :‬ألم تعلم أنهييم كانوا ينهون عيين ذلك‪ ،‬أو ينهييى عيين‬
‫ذلك؟‪ .‬وقيد اختلفوا هيل يجيب على المام أن ينوي المامية أم ل؟‬
‫فذهب قوم إلى أنه ليس ذلك بواجب عليه لحديث ابن عباس أنه‬
‫أقام إلى جنيب رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم بعيد دخوله فيي‬
‫الصييلة‪ ،‬ورأى قوم أن هذا محتمييل‪ ،‬وأنييه لبييد ميين ذلك إذا كان‬
‫يحميل بعيض أفعال الصيلة عين المأموميين‪ ،‬وهذا على مذهيب مين‬
‫يرى أن المام يحمل فرضا أو نفل عن المأمومين‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصييييل الثالث‪ .‬فييييي مقام المأموم ميييين المام‪ ،‬والحكام‬
‫الخاصة بالمأمومين‪ .‬وفي هذا الباب خمس مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) اتفييق جمهور العلماء على أن سيينة الواحييد‬
‫المنفرد أن يقوم عيين يمييين المام لثبوت ذلك ميين حديييث ابيين‬
‫عباس وغيره‪ ،‬وأنهيييم إن كانوا ثلثييية سيييوى المام قاموا وراءه‪،‬‬
‫واختلفوا إذا كانيا اثنيين سيوى المام‪ ،‬فذهيب مالك والشافعيي إلى‬
‫أنهميا يقومان خلف المام‪ .‬وقال أبيو حنيفية وأصيحابه والكوفيون‪:‬‬
‫بل يقوم المام بينهما‪ .‬والسبب في اختلفهم أن في ذلك حديثين‬
‫متعارضييين‪ :‬أحدهمييا حديييث جابر بيين عبييد الله قال‪" :‬قمييت عيين‬
‫يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأخذ بيدي فأدارني حتى‬
‫أقامني عن يمينه‪ ،‬ثم جاء جابر بن صخر فتوضأ‪ ،‬ثم جاء فقام عن‬
‫يسييار رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم فأخييذ بأيدينييا جميعييا‪،‬‬
‫فدفعنيا حتيى قمنيا خلفيه" والحدييث الثانيي حدييث ابين مسيعود أنيه‬
‫صيلى بعلقمية والسيود فقام وسيطهما‪ ،‬وأسينده إلى النيبي صيلى‬
‫الله علييييه وسيييلم قال أبيييو عمييير‪ :‬واختلف رواة هذا الحدييييث‪،‬‬
‫فبعضهيم أوقفيه وبعضهيم أسينده‪ ،‬والصيحيح أنيه موقوف‪ ،‬وأميا أن‬
‫سينة المرأة أن تقيف خلف الرجيل أو الرجال إن كان هنالك رجيل‬
‫سيوى المام‪ ،‬أو خلف المام إن كانيت وحدهيا‪ ،‬فل أعلم فيي ذلك‬
‫خلفا لثبوت ذلك من حديث أنس الذي خرجه البخاري "أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته‪ ،‬قال‪ :‬فأقامني عن‬
‫يمينيه وأقام المرأة خلفنيا" والذي خرجيه عنيه أيضيا مالك أنيه قال‬
‫"فصيففت أنيا واليتييم وراءه علييه الصيلة والسيلم‪ ،‬والعجوز مين‬
‫ورائنييا" وسيينة الواحييد عنييد الجمهور أن يقييف عيين يمييين المام‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لحديييث ابيين عباس حييين بات عنييد ميمونيية‪ .‬وقال قوم‪ :‬بييل عيين‬
‫يساره‪ ،‬ول خلف في أن المرأة الواحدة تصلي خلف المام‪ ،‬وأنها‬
‫إن كانت مع الرجل صلى الرجل إلى جانب المام والمرأة خلفه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) أجميع العلماء على أن الصيف الول مرغيب‬
‫فيييه‪ ،‬وكذلك تراص الصييفوف وتسييويتها لثبوت الميير بذلك عيين‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واختلفوا إذا صلى إنسان خلف‬
‫الصييف وحده‪ ،‬فالجمهور على أن صييلته تجزئ‪ .‬وقال أحمييد وأبييو‬
‫ثور وجماعة صلته فاسدة‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم في تصحيح‬
‫حديث وابصة ومخالفة العمل له‪ ،‬وحديث وابصة هو أنه قال عليه‬
‫الصلة والسلم "ل صلة لقائم خلف الصف" وكان الشافعي يرى‬
‫أن هذا يعارضه قيام العجوز وحدها خلف الصف في حديث أنس‪.‬‬
‫وكان أحمييد يقول‪ :‬ليييس فييي ذلك حجيية‪ ،‬لن سيينة النسيياء هييي‬
‫القيام خلف الرجال‪ .‬وكان أحميد كميا قلنيا يصيحح حدييث وابصية‪.‬‬
‫وقال غيره‪ :‬هو مضطرب السناد ل تقوم به حجة‪ .‬واحتج الجمهور‬
‫بحديث أبي بكرة أنه ركع دون الصف فلم يأمره رسول الله صلى‬
‫الله علييه وسيلم بالعادة وقال له "زادك الله حرصيا ول تعيد" ولو‬
‫حميل هذا على الندب لم يكين تعارض‪ :‬أعنيي بيين حدييث وابصية‬
‫وحديث أبي بكرة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثالثة) اختلف الصدر الول في الرجل يريد الصلة‬
‫فيسيمع القامية هيل يسيرع المشيي إلى المسيجد أم ل مخافية أن‬
‫يفوته جزء من الصلة؟ فروي عن عمرو وابن مسعود أنهم كانوا‬
‫يسيرعون المشيي إذا سيمعوا القامية‪ .‬وروي عين زييد بين ثابيت‬
‫وأبيي ذر وغيرهيم مين الصيحابة أنهيم كانوا ل يرون السيعي‪ ،‬بيل أن‬
‫تؤتيييى الصيييلة بوقار وسيييكينة‪ ،‬وبهذا القول قال فقهاء المصيييار‬
‫لحديييث أبييي هريرة الثابييت "إذا ثوب بالصييلة فل تأتوهييا وأنتييم‬
‫تسيعون‪ ،‬وأتوهيا وعليكيم السيكينة" ويشبيه أن يكون سيبب الخلف‬
‫فييي ذلك أنييه لم يبلغهييم هذا الحديييث أو رأوا أن الكتاب يعارضييه‬
‫لقوله تعالى {فاسييتبقوا الخيرات} وقوله {السييابقون السييابقون‬
‫أولئك المقربون} وقوله {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} ‪.‬‬
‫وبالجملة فأصيول الشرع تشهيد بالمبادرة إلى الخيير‪ ،‬لكين إذا صيح‬
‫الحديث وجب أن تستثنى الصلة من بين سائر أعمال القرب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) متيى يسيتحب أن يقام إلى الصيلة‪ ،‬فبعيض‬
‫اسيتحسن البدء فيي أول القامية على الصيل فيي الترغييب فيي‬
‫المسارعة‪ ،‬وبعض عند قوله‪ :‬قد قامت الصلة‪ ،‬وبعضهم عند حي‬
‫على الفلح‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬حتى يروا المام‪ ،‬وبعضهم لم يحد في‬
‫ذلك حدا كمالك رضييي الله عنييه‪ ،‬فإنييه وكييل ذلك إلى قدر طاقيية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الناس‪ ،‬وليس في هذا شرع مسموع إل حديث أبي قتادة أنه قال‬
‫عليه الصلة والسلم‪" :‬إذا أقيمت الصلة فل تقوموا حتى تروني"‬
‫فإن صيح هذا وجيب العميل بيه‪ ،‬وإل فالمسيألة باقيية على أصيلها‬
‫المعفو عنه‪ :‬أعني أنه ليس فيها شرع‪ ،‬وأنه متى قام كل فحسن‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الخامسيية) ذهييب مالك وكثييير ميين العلماء إلى أن‬
‫الداخيل وراء المام إذا خاف فوات الركعية بأن يرفيع المام رأسيه‬
‫منهيا إن تمادى حتيى يصيل إلى الصيف الول أن له أن يركيع دون‬
‫الصف الول ثم يدب راكعا‪ ،‬وكره ذلك الشافعي‪ ،‬وفرق أبو حنيفة‬
‫بين الجماعة والواحد‪ ،‬فكرهه للواحد‪ ،‬وأجازه للجماعة‪ .‬وما ذهب‬
‫إليه مالك مروي عن زيد بن ثابت وابن مسعود‪ .‬وسبب اختلفهم‬
‫اختلفهيم فيي تصيحيح حدييث أبيي بكرة‪ ،‬وهيو "أنيه دخيل المسيجد‬
‫ورسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم يصييلي بالناس وهييم ركوع‪،‬‬
‫فركيع ثيم سيعى إلى الصيف‪ ،‬فلميا انصيرف رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪ :‬من الساعي؟ قال أبو بكرة أنا‪ ،‬قال‪ :‬زادك الله‬
‫حرصا ول تعد"‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الرابع‪ .‬في معرفة ما يجب على المأموم أن يتبع فيه‬
‫المام‪.‬‬
‫@‪-‬وأج مع العلماء على أ نه يجب على المأموم أن يتبع المام في‬
‫جميييع أقواله وأفعاله إل فييي قوله‪ :‬سييمع الله لميين حمده‪ ،‬وفييي‬
‫جلوسه إذا صلى جالسا لمرض عند من أجاز إمامة الجالس‪ .‬وأما‬
‫اختلفهيم فيي قوله سيمع الله لمين حمده‪ ،‬فإن طائفية ذهبيت إلى‬
‫أن المام يقول إذا رفيع رأسيه مين الركوع‪ :‬سيمع الله لمين حمده‬
‫فقييط‪ ،‬ويقول المأموم‪ :‬ربنييا ولك الحمييد فقييط‪ ،‬ومميين قال بهذا‬
‫القول مالك وأبييو حنيفيية وغيرهمييا‪ .‬وذهبييت طائفيية أخرى إلى أن‬
‫المام والمأموم يقولن جميعييا سييمع الله لميين حمده ربنييا ولك‬
‫الحميد‪ ،‬وإن المأموم يتبيع فيهميا معيا المام كسيائر التكيبير سيواء‪.‬‬
‫وقيد روي عين أبيي حنيفية أن المنفرد والمام يقولنهميا جميعيا‪ ،‬ول‬
‫خلف في المنفرد‪ :‬أعني أنه يقولهما جميعا‪ .‬وسبب الختلف في‬
‫ذلك حديثان متعارضان‪ :‬أحدهميا حدييث أنيس أن النيبي صيلى الله‬
‫علييه وسيلم قال "إنميا جعيل المام ليؤتيم بيه‪ ،‬فإذا ركيع فاركعوا‪،‬‬
‫وإذا رفييع فارفعوا‪ ،‬وإذا قال سييمع الله لميين حمده فقولوا‪ :‬ربنييا‬
‫ولك الحمد" والحديث الثاني حديث ابن عمر "أنه صلى الله عليه‬
‫وسلم كان إذا افتتح الصلة رفع يديه حذو منكبيه‪ ،‬وإذا رفع رأسه‬
‫مين الركوع رفعهميا أيضيا كذلك وقال‪ :‬سيمع الله لمين حمده ربنيا‬
‫ولك الحمد" فمن رجح مفهوم حديث أنس قال‪ :‬ل يقول المأموم‬
‫سييمع الله لميين حمده ول المام ربنييا ولك الحمييد‪ ،‬وهييو مين باب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫دليييل الخطاب‪ ،‬لنييه جعييل حكييم المسييكوت عنييه بخلف حكييم‬


‫المنطوق بيه‪ .‬ومين رجيح حدييث ابين عمير قال‪ :‬يقول المام ربنيا‬
‫ولك الحميد‪ ،‬ويجيب على المأموم أن يتبيع المام فيي قوله سيمع‬
‫الله لميين حمده لعموم قوله "إنمييا جعييل المام ليؤتييم بييه" وميين‬
‫جمع بين الحديثين فرق في ذلك بين المام والمأموم‪ .‬والحق في‬
‫ذلك أن حديث أنس يقتضي بدليل الخطاب أن المام ل يقول ربنا‬
‫ولك الحميد‪ ،‬وأن المأموم ل يقول سيمع الله لمين حمده‪ .‬وحدييث‬
‫ابين عمير يقتضيي نصيا أن المام يقول ربنيا ولك الحميد‪ ،‬فل يجيب‬
‫أن يترك النيييص بدلييييل الخطاب فإن النيييص أقوى مييين دلييييل‬
‫الخطاب‪ .‬وحدييث أنيس يقتضيي بعموميه أن المأموم يقول‪ :‬سيمع‬
‫الله لمين حمده بعموم قوله "إنميا جعيل المام ليؤتيم بيه" وبدلييل‬
‫خطابه أن ل يقولها‪ ،‬فوجب أن يرجح بين العموم ودليل الخطاب‪،‬‬
‫ول خلف أن العموم أقوى ميييين دليييييل الخطاب‪ ،‬لكيييين العموم‬
‫يختلف أيضا في القوة والضعف‪ ،‬ولذلك ليس يبعد أن يكون بعض‬
‫أدلة الخطاب أقوى مييين بعيييض أدلة العموم فالمسيييألة لعمري‬
‫اجتهادية‪ :‬أعني في المأموم‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) وهيي صيلة القائم خلف القاعيد‪ ،‬فإن‬
‫حاصيل القول فيهيا أن العلماء اتفقوا على أنيه لييس للصيحيح أن‬
‫يصيلي فرضيا قاعدا إذا كان منفردا أو إماميا لقوله تعالى {وقوموا‬
‫لله قانتييين} واختلفوا إذا كان المأموم صييحيحا فصييلى خلف إمام‬
‫مرييض يصيلي قاعدا على ثلثية أقوال‪ :‬أحدهيا أن المأموم يصيلي‬
‫خلفه قاعدا‪ ،‬وممن قال بهذا القول أحمد وإسحق‪ ،‬والقول الثاني‬
‫أنهيم يصيلون خلفيه قياميا‪ .‬قال أبيو عمير بين عبيد البر‪ :‬وعلى هذا‬
‫جماعية فقهاء المصيار الشافعيي وأصيحابه وأبيو حنيفية وأصيحابه‬
‫وأهيل الظاهير وأبيو ثور وغيرهيم‪ ،‬وزاد هؤلء فقال يصيلون وراءه‬
‫قيامييا وإن كان ل يقوى على الركوع والسييجود بييل يؤمييئ إيماء‪.‬‬
‫وروى ابين القاسيم أنيه ل تجوز إمامية القاعيد وأنيه إن صيلوا خلفيه‬
‫قياميا أو قعودا بطلت صيلتهم‪ ،‬وقيد روي عين مالك أنهيم يعيدون‬
‫الصيلة فيي الوقيت‪ ،‬وهذا إنميا بنيي على الكراهية ل على المنيع‪،‬‬
‫والول هيو المشهور عنيه‪ .‬وسيبب الختلف تعارض الثار فيي ذلك‬
‫ومعارضة العمل للثار‪ :‬أعني عمل أهل المدينة عند مالك‪ ،‬وذلك‬
‫أن فيي ذلك حديثيين متعارضيين‪ :‬أحدهميا حدييث أنيس‪ ،‬وهيو قوله‬
‫علييه الصيلة والسيلم "وإذا صيلى قاعدا فصيلوا قعودا" وحدييث‬
‫عائشية فيي معناه‪ ،‬وهيو "أنيه صيلى صيلى الله علييه وسيلم وهيو‬
‫شاك جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما‬
‫انصيرف قال "إنميا جعيل المام ليؤتيم بيه‪ ،‬فإذا ركيع فاركعوا‪ ،‬وإذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رفيع فارفعوا‪ ،‬وإذا صيلى جالسيا فصيلوا جلوسيا" والحدييث الثانيي‬


‫حدييث عائشية "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم خرج فيي‬
‫مرضيه الذي توفيي منيه‪ ،‬فأتيى المسيجد فوجيد أبيا بكير وهيو قائم‬
‫يصلي بالناس‪ ،‬فاستأخر أبو بكر فأشار إليه رسول الله صلى الله‬
‫عليييه وسييلم أن كمييا أنييت‪ ،‬فجلس رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسلم إلى جنب أبي بكر‪ ،‬فكان أبو بكر يصلي بصلة رسول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم‪ ،‬وكان الناس يصييلون بصييلة أبييي بكيير"‬
‫فذهب الناس في هذين الحديثين مذهبين‪ :‬مذهب النسخ‪ ،‬ومذهب‬
‫الترجييح‪ .‬فأميا مين ذهيب مذهيب النسيخ فإنهيم قالوا‪ :‬إن ظاهير‬
‫حديييث عائشيية وهييو "أن النييبي عليييه الصييلة والسييلم كان يؤم‬
‫الناس‪ ،‬وأن أبييا بكيير كان مسييمعا" لنييه ل يجوز أن يكون إمامان‬
‫فيي صيلة واحدة‪ ،‬وإن الناس كانوا قياميا‪ ،‬وإن النيبي علييه الصيلة‬
‫والسيلم كان جالسيا‪ ،‬فوجيب أن يكون هذا مين فعله علييه الصيلة‬
‫والسيلم‪ ،‬إذ كان آخير ميا فعله ناسيخا لقوله وفعله المتقدم‪ .‬وأميا‬
‫مين ذهيب مذهيب الترجييح فإنهيم رجحوا حدييث أنيس بأن قالوا إن‬
‫هذا الحدييث قيد اضطربيت الروايية عين عائشية فييه فيمين كان‬
‫المام‪ ،‬هيل رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أو أبيو بكير؟‪ .‬وأميا‬
‫مالك فلييس له مسيتند مين السيماع‪ ،‬لن كل الحديثيين اتفقيا على‬
‫جواز إمامة القاعد‪ ،‬وإنما اختلفا في قيام المأموم أو قعوده‪ ،‬حتى‬
‫إنيه لقيد قال أبيو محميد بين حزم إنيه لييس فيي حدييث عائشية أن‬
‫الناس صيلوا ل قياميا ول قعودا‪ ،‬ولييس يجيب أن يترك المنصيوص‬
‫علييه لشييء لم ينيص علييه‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬وقيد ذكير أبيو المصيعب‬
‫فييي مختصييره عيين مالك أنييه قال‪ :‬ل يؤم الناس أحييد قاعدا‪ ،‬فإن‬
‫أمهيم قاعدا فسيدت صيلتهم وصيلته لن النيبي صيلى الله علييه‬
‫وسيلم قال "ل يؤمين أحيد بعدي قاعدا" قال أبيو عمير وهذا حدييث‬
‫ل يصح عند أهل العلم بالحديث‪ ،‬لنه يرويه جابر الجعفي مرسل‪،‬‬
‫وليس بحجة فيما أسند فكيف فيما أرسل؟ وقد روى ابن القاسم‬
‫عين مالك أنه كان يحتج ب ما رواه ربيعية بن أبيي عبيد الرح من "أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهو مريض‪ ،‬فكان أبو بكر‬
‫هيو المام‪ ،‬وكان رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يصيلي بصيلة‬
‫أبي بكر وقال‪ :‬ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته" وهذا ليس‬
‫فيه حجة إل أن يتوهم أنه ائتم بأبي بكر لنه ل تجوز صلة المام‬
‫القاعييد‪ ،‬وهذا ظيين ل يجييب أن يترك له النييص مييع ضعييف هذا‬
‫الحديث‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس في صفة التباع‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬وفييه مسيئلتان‪ :‬إحداهميا فيي وقيت تكيبيرة الحرام للمأموم‪،‬‬


‫والثانيية فيي حكيم مين رفيع رأسيه قبيل المام‪ .‬أميا اختلفهيم فيي‬
‫وقييت تكييبير المأموم‪ ،‬فإن مالكييا اسييتحسن أن يكييبر بعييد فراغ‬
‫المام من تكبيرة الحرام‪ ،‬قال‪ :‬وإن كبر معه أجزأه‪ ،‬وقد قيل إنه‬
‫ل يجزئه‪ ،‬وأمييا إن كييبر قبله فل يجزئه‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬وغيره‬
‫يكييبر مييع تكييبيرة المام‪ ،‬فإن فرغ قبله لم يجزه‪ .‬وأمييا الشافعييي‬
‫فعنييه فييي ذلك روايتان‪ :‬إحداهمييا مثييل قول مالك وهييو الشهيير‪.‬‬
‫والثانيية أن المأموم إن كيبر قبيل المام أجزأه‪ .‬وسيبب الخلف أن‬
‫فيي ذلك حديثيين متعارضيين‪ :‬أحدهميا قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"فإذا كبر فكبروا" والثاني ما روي "أنه عليه الصلة والسلم كبر‬
‫في صلة من الصلوات‪ ،‬ثم أشار إليهم أن امكثوا فذهب ثم رجع‬
‫وعلى رأسيه أثير الماء" فظاهير هذا أن تكيبيره وقيع بعيد تكيبيرهم‬
‫لنيه لم يكين له تكيبير أول لمكان عدم الطهارة‪ ،‬وهيو أيضيا مبنيي‬
‫على أصله أن صلة المأموم غير مرتبطة بصلة المام‪ ،‬والحديث‬
‫ليس فيه ذكر هل استأنفوا التكبير أو لم يستأنفوه‪ ،‬فليس ينبغي‬
‫أن يحمييل على أحدهمييا إل بتوقيييف‪ ،‬والصييل هييو التباع وذلك ل‬
‫يكون إل بعيد أن يتقدم المام إميا بالتكيبير وإميا بافتتاحيه‪ .‬وأميا مين‬
‫رفيع رأسيه قبيل المام فإن الجمهور يرون أنيه أسياء ولكين صيلته‬
‫جائزة‪ ،‬وأنيه يجيب علييه أن يرجيع فيتبيع المام‪ .‬وذهيب قوم إلى أن‬
‫صيلته تبطيل للوعييد الذي جاء فيي ذلك‪ ،‬وهيو قوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "أميا يخاف الذي يرفيع رأسيه قبيل المام أن يحول الله‬
‫رأسه رأس حمار"؟‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس فيما حمله المام عن المأمومين‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أنه ل يحمل المام عن المأموم شيئا من فرائض‬
‫الصيلة ميا عدا القراءة‪ ،‬فإنهيم اختلفوا فيي ذلك على ثلثية أقوال‪:‬‬
‫أحدها أن المأموم يقرأ مع المام فيما أسر فيه ول يقرأ معه فيما‬
‫جهر به‪ .‬والثاني أنه ل يقرأ معه أصل‪ .‬والثالث أنه يقرأ فيما أسر‬
‫أم الكتاب وغيرها‪ ،‬وفيما جهر أم الكتاب فقط‪ ،‬وبعضهم فرق في‬
‫الجهيير بييين أن يسييمع قراءة المام أو ل يسييمع‪ ،‬فأوجييب عليييه‬
‫القراءة إذا لم يسيمع‪ ،‬ونهاه عنهيا إذا سيمع‪ ،‬وبالول قال مالك‪ ،‬إل‬
‫أنيه يسيتحسن له القراءة فيميا أسير فييه المام‪ .‬وبالثانيي قال أبيو‬
‫حنيفيية‪ ،‬وبالثالث قال الشافعييي‪ ،‬والتفرقيية بييين أن يسييمع أو ل‬
‫يسيمع هيو قول أحميد بين حنبيل‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم اختلف‬
‫الحاديييث فييي هذا الباب وبناء بعضهييا على بعييض‪ ،‬وذلك أن فييي‬
‫ذلك أربعة أحاديث‪ :‬أحدها قوله عليه الصلة والسلم "ل صلة إل‬
‫بفاتحة الكتاب" وما ورد من الحاديث في هذا المعنى مما ذكرناه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي باب وجوب القراءة‪ .‬والثانيي ميا روى مالك عين أبيي هريرة؟‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلة جهر فيها‬
‫بالقراءة فقال‪ :‬هيل قرأ معي منكيم أحيد آن فا‪ ،‬فقال رجل‪ :‬نعيم أنا‬
‫ييا رسيول الله‪ ،‬فقال رسيول الله‪ :‬إنيي أقول مالي أنازع القرآن"‬
‫فانتهيى الناس عين القراءة فيميا جهير فييه رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم‪ .‬والثالث حدييث عبادة بين الصيامت قال "صيلى بنيا‬
‫رسيول الله صيلة الغداة فثقلت علييه القراءة‪ .‬فلميا انصيرف قال‪:‬‬
‫إني لراكم تقرءون وراء المام‪ ،‬قلنا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فل تفعلوا إل بأم‬
‫القرآن" قال أبيو عمير‪ ،‬وحدييث عبادة بين الصيامت هنيا مين روايية‬
‫مكحول وغيره متصيل السيند صيحيح‪ .‬والحدييث الرابيع حدييث جابر‬
‫عن النبي عليه الصلة والسلم قال "من كان له إمام فقراءته له‬
‫قراءة" وفي هذا أيضا حديث خامس صححه أحمد بن حنبل‪ ،‬وهو‬
‫ميا روي أنيه قال علييه الصيلة والسيلم "إذا قرأ المام فأنصيتوا"‬
‫فاختلف الناس فييي وجييه جمييع هذه الحاديييث‪ .‬فميين الناس ميين‬
‫اسييتثنى مين النهيي عين القراءة فيميا جهير فييه المام قراءة أم‬
‫القرآن فقيط على حدييث عبادة بين الصيامت‪ .‬ومنهيم مين اسيتثنى‬
‫من عموم قوله عليه الصلة والسلم "ل صلة إل بفاتحة الكتاب"‬
‫المأموم فقيط فيي صيلة الجهير لمكان النهيي الوارد عين القراءة‬
‫فيما جهر فيه المام في حديث أبي هريرة‪ ،‬وأكد ذلك بظاهر قوله‬
‫تعالى {وإذا قرئ القرآن فاسيتمعوا له وأنصيتوا لعلكيم ترحمون}‬
‫قالوا‪ :‬وهذا إنمييا ورد فييي الصييلة‪ .‬ومنهييم ميين اسييتثنى القراءة‬
‫الواجبية على المصيلي المأموم فقيط سيرا كانيت الصيلة أو جهرا‪،‬‬
‫وجعيل الوجوب الوارد فيي القراءة فيي حيق المام والمنفرد فقيط‬
‫مصيييرا إلى حديييث جابر‪ ،‬وهييو مذهييب أبييي حنيفيية‪ ،‬فصييار عنده‬
‫حديث جابر مخصصا لقوله عليه الصلة والسلم "واقرأ ما تيسر‬
‫معك فقط" لنه ل يرى وجوب قراءة أم القرآن في الصلة‪ ،‬وإنما‬
‫يرى وجوب القراءة مطلقييا على مييا تقدم‪ ،‬وحديييث جابر لم يروه‬
‫مرفوعيا إل جابر الجعفيي‪ ،‬ول حجية فيي شييء مميا ينفرد بيه‪ .‬قال‬
‫أبو عمر‪ :‬وهو حديث ل يصح إل مرفوعا عن جابر‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصيل السيابع‪ .‬فيي الشياء التيي إذا فسيدت لهيا صيلة المام‬
‫يتعدى الفساد إلى المأمومين‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أنيه إذا طرأ علييه الحدث فيي الصيلة فقطيع أن‬
‫صيلة المأموميين ليسيت تفسيد‪ .‬واختلفوا إذا صيلى بهيم وهيو جنيب‬
‫وعلموا بذلك بعد الصلة‪ ،‬فقال قوم‪ :‬صلتهم صحيحة‪ ،‬وقال قوم‪:‬‬
‫صيلتهم فاسيدة‪ ،‬وفرق قوم بيين أن يكون المام عالميا بجنابتيه أو‬
‫ناسيا لها‪ ،‬فقالوا إن كان عالما فسدت صلتهم‪ ،‬وإن كان ناسيا لم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تفسيد صيلتهم‪ ،‬وبالول قال الشافعيي‪ ،‬وبالثانيي قال أبيو حنيفية‪،‬‬


‫وبالثالث قال مالك‪ .‬وسييبب اختلفهييم هييل صييحة انعقاد صييلة‬
‫المأموم مرتبطية بصيحة صيلة المام أم ليسيت مرتبطية؟ فمين لم‬
‫يرها مرتبطة قال‪ :‬صلتهم جائزة‪ ،‬ومن رآها مرتبطة قال‪ :‬صلتهم‬
‫فاسييدة‪ ،‬وميين فرق بييين السييهو والعمييد قصييد إلى ظاهيير الثيير‬
‫المتقدم وهييو "أنييه عليييه الصييلة والسييلم كييبر فييي صييلة ميين‬
‫الصلوات‪ ،‬ثم أشار إليهم أن امكثوا‪ ،‬فذهب ثم رجع وعلى جسمه‬
‫أثير الماء" فإن ظاهير هذا أنهيم بنوا على صيلتهم والشافعيي يرى‬
‫أنه لو كانت الصلة مرتبطة للزم أن يبدءوا بالصلة مرة ثانية‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث من الجملة الثالثة‪.‬‬
‫@‪-‬والكلم المحييط بقواعيد هذا الباب منحصير فيي أربعية فصيول‪:‬‬
‫الفصيل الول‪ :‬فيي وجوب الجمعية وعلى مين تجيب‪ .‬الثانيي‪ :‬فيي‬
‫شروط الجمعيية‪ .‬الثالث‪ :‬فييي أركان الجمعيية‪ .‬الرابييع‪ :‬فييي أحكام‬
‫الجمعة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في وجوب الجمعة ومن تجب عليه‪.‬‬
‫@‪-‬أما وجوب صلة الجمعة على العيان فهو الذي عليه الجمهور‬
‫لكونهيا بدل مين واجيب وهيو الظهير‪ ،‬ولظاهير قوله تعالى {ييا أيهيا‬
‫الذيين آمنوا إذا نودي للصيلة مين يوم الجمعية فاسيعوا إلى ذكير‬
‫الله وذروا البييييع} والمييير على الوجوب‪ ،‬ولقوله علييييه الصيييلة‬
‫والسلم "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على‬
‫قلوبهيم" وذهيب قوم إلى أنهيا مين فروض الكفايات‪ .‬وعين مالك‬
‫روايية شاذة أنهيا سينة‪ .‬والسيبب فيي هذا الختلف تشبيههيا بصيلة‬
‫العيييد لقوله عليييه الصييلة والسييلم "إن هذا يوم جعله الله عيدا"‬
‫وأميا على مين تجيب فعلى مين وجدت فييه شروط وجوب الصيلة‬
‫المتقدمة ووجد فيها زائدا عليها أربعة شروط اثنان باتفاق واثنان‬
‫مختلف فيهميا‪ .‬أميا المتفيق عليهميا فالذكورة والصيحة‪ ،‬فل تجيب‬
‫على امرأة ول على مريييض باتفاق‪ ،‬ولكيين إن حضروا كانوا ميين‬
‫أهييل الجمعيية‪ .‬وأمييا المختلف فيهمييا فهمييا المسييافر والعبييد‪،‬‬
‫فالجمهور على أنيه ل تجيب عليهميا الجمعية‪ ،‬وداود وأصيحابه على‬
‫أنيه تجيب عليهميا الجمعية‪ .‬وسيبب اختلفهيم اختلفهيم فيي صيحة‬
‫الثير الوارد فيي ذلك‪ ،‬وهيو قوله علييه الصيلة والسيلم "الجمعية‬
‫حق واجب على كل مسلم في جماعة إل أربعة‪ :‬عبد مملوك‪ .‬أو‬
‫امرأة‪ .‬أو صييبي أو مريييض" وفييي أخرى "إل خمسيية"وفيييه "أو‬
‫مسافر" والحديث لم يصح عند أكثر العلماء‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في شروط الجمعة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬وأمييييا شروط الجمعيييية فاتفقوا على أنهييييا شروط الصييييلة‬


‫المفروضة بعينها‪ :‬أعني الثمانية المتقدمة ما عدا الوقت والذان‪،‬‬
‫فإنهيم اختلفوا فيهميا‪ ،‬وكذلك اختلفوا فيي شروطهيا المختصية بهيا‪.‬‬
‫أميا الوقيت فإن الجمهور على أن وقتهيا وقيت الظهير بعينيه‪ :‬أعنيي‬
‫وقت الزوال‪ ،‬وأنها ل تجوز قبل الزوال‪ ،‬وذهب قوم إلى أنه يجوز‬
‫أن تصلى قبل الزوال وهو قول أحمد بن حنبل‪ .‬والسبب في هذا‬
‫الختلف فييي مفهوم الثار الواردة فييي تعجيييل الجمعيية مثييل مييا‬
‫خرجه البخاري عن سهل بن سعد أنه قال ما كنا نتغدى على عهد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ول نقيل إل بعد الجمعة‪ .‬ومثل‬
‫ميا روي أنهيم كانوا يصيلون وينصيرفون وميا للجدران أظلل‪ ،‬فمين‬
‫فهيم مين هذه الثار الصيلة قبيل الزوال أجاز ذلك‪ ،‬ومين لم يفهيم‬
‫منهيا إل التكيبير فقيط لم يجيز ذلك لئل تتعارض الصيول فيي هذا‬
‫الباب‪ ،‬وذلك أنيه قيد ثبيت مين حدييث أنيس بين مالك "أن النيبي‬
‫صيلى الله علييه وسيلم كان يصيلي الجمعية حيين تمييل الشميس"‬
‫وأيضيا فإنهيا لميا كانيت بدل مين الظهير وجيب أن يكون وقتهيا وقيت‬
‫الظهير‪ ،‬فوجيب مين طرييق الجميع بيين هذه الثار أن تحميل تلك‬
‫على التبكيير‪ ،‬إذ ليسيت نصيا فيي الصيلة قبيل الزوال‪ ،‬وهيو الذي‬
‫عليه الجمهور‪.‬‬
‫وأميا الذان فإن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن وقتيه هيو إذا جلس‬
‫المام على المنيبر واختلفوا هيل يؤذن بيين يدي المام مؤذن واحيد‬
‫فقيط أو أكثير مين واحيد؟ فذهيب بعضهيم إلى أنيه إنميا يؤذن بيين‬
‫يدي المام مؤذن واحيد فقيط‪ ،‬وهيو الذي يحرم بيه البييع والشراء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بييل يؤذن اثنان فقييط‪ .‬وقال قوم‪ :‬بييل إنمييا يؤذن‬
‫ثلثيية‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم اختلف الثار فييي ذلك‪ ،‬وذلك أنييه‬
‫روى البخاري عيين السييائب ابيين يزيييد أنييه قال "كان النداء يوم‬
‫الجمعية إذا جلس المام على المنيبر على عهيد رسيول الله صيلى‬
‫الله علييه وسيلم وأبيي بكير وعمير‪ ،‬فلميا كان زمان عثمان وكثير‬
‫الناس زاد النداء الثالث على الزوراء" وروي أيضا عن السائب بن‬
‫يزييد أنيه قال "لم يكين يوم الجمعية لرسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم إل مؤذن واحد" وروي أيضا عن سعيد بن المسيب أنه قال‬
‫"كان الذان يوم الجمعية على عهيد رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم وأبيي بكير وعمير أذانيا واحدا حيين يخرج المام فلميا كان‬
‫زمان عثمان وكثير الناس فزاد الذان الول ليتهييأ الناس للجمعية"‬
‫ورى ابن حبيب "أن المؤذنين كانوا يوم الجمعة على عهد رسول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم ثلثية" فذهيب قوم إلى ظاهير ميا رواه‬
‫البخاري‪ ،‬وقالوا‪ :‬يؤذن يوم الجمعة مؤذنان‪ .‬وذهب آخرون إلى أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المؤذن وا حد فقالوا‪ :‬إن معنى قوله‪ :‬فلما كان زمان عثمان وكثر‬
‫الناس زاد النداء الثالث أن النداء الثاني هو القامة‪.‬‬
‫وأخيذ آخرون بميا رواه ابين حيبيب‪ ،‬وأحادييث ابين حيبيب عنيد أهيل‬
‫الحديييث ضعيفيية ول سيييما بمييا انفرد بييه‪ .‬وأمييا شروط الوجوب‬
‫والصحة المختصة ليوم الجمعة فاتفق الكل على أن من شرطها‬
‫الجماعة‪ ،‬واختلفوا في مقدار الجماعة‪ ،‬فمنهم من قال‪ :‬واحد مع‬
‫المام وهيو الطيبري‪ .‬ومنهيم مين قال اثنان سيوى المام‪ .‬ومنهيم‬
‫ميين قال‪ :‬ثلثيية دون المام‪ ،‬وهييو قول أبييي حنيفيية‪ .‬ومنهييم ميين‬
‫اشترط أربعييين‪ ،‬وهييو قول الشافعييي وأحمييد‪ .‬وقال قوم ثلثييين‪.‬‬
‫ومنهيييم مييين لم يشترط عددا‪ ،‬ولكييين رأى أنيييه يجوز بميييا دون‬
‫الربعييين ول يجوز بالثلثيية والربعيية‪ ،‬وهييو مذهييب مالك‪ ،‬وحدهييم‬
‫بأنهم الذين يمكن أن تتقرى بهم قرية‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم فيي هذا اختلفهيم فيي أقيل ميا ينطلق علييه اسيم‬
‫الجمع هل ذلك ثلثة أو أربعة أو اثنان‪ ،‬وهل المام داخل فيهم أم‬
‫ليس بداخل فيهم؟ وهل الجمع المشترط في هذه الصلة هو أقل‬
‫ما ينطلق عليه اسم الجمع في غالب الحوال‪ ،‬وذلك هو أكثر من‬
‫الثلثية والربعية‪ ،‬فمين ذهيب إلى أن الشرط فيي ذلك هيو أقيل ميا‬
‫ينطلق عليه اسم الجمع وكان عنده أن أقل ما ينطلق عليه اسم‬
‫الجميع اثنان‪ ،‬فإن كان ممين يعيد المام فيي الجميع المشترط فيي‬
‫ذلك قال تقوم الجمعية باثنيين المام وواحيد ثان‪ ،‬وإن كان ممين ل‬
‫يرى أن يعد المام في الجمع قال تقوم باثنين سوى المام‪ ،‬ومن‬
‫كان أيضيا عنده أن أقيل الجميع ثلثية‪ ،‬فإن كان ل يعيد المام فيي‬
‫جملتهيم قال بثلثية سيوى المام‪ ،‬وإن كان ممين يعيد المام فيي‬
‫جملتهيم وافيق قول مين قال أقيل الجميع اثنان ولم يعيد المام فيي‬
‫جملتهييم‪ .‬وأمييا ميين راعييى مييا ينطلق عليييه فييي الكثيير والعرف‬
‫المستعمل اسم الجمع قال ل تنعقد بالثنين ول بالربعة ولم يحد‬
‫فيي ذلك حدا‪ ،‬ولميا كان مين شرط الجمعية السيتيطان عنده حيد‬
‫هذا الجميع بالقدر مين الناس الذيين يمكنهيم أن يسيكنوا على حدة‬
‫ميين الناس وهييو مالك رحمييه الله‪ .‬وأمييا ميين اشترط الربعييين‬
‫فمصيييرا إلى مييا روي أن هذا العدد كان فييي أول جمعيية صييليت‬
‫بالناس‪ ،‬فهذا هيييو أحيييد شروط صيييلة الجمعييية‪ :‬أعنيييي شروط‬
‫الوجوب وشروط الصحة فإن من الشروط ما هي شروط وجوب‬
‫فقيط‪ ،‬ومنهيا ميا يجميع المريين جميعيا‪ :‬أعنيي أنهيا شروط وجوب‬
‫وشروط صيحة‪ .‬وأميا الشرط الثانيي وهيو السيتيطان‪ ،‬فإن فقهاء‬
‫المصييار اتفقوا عليييه لتفاقهييم على أن الجمعيية ل تجييب على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مسييافر‪ ،‬وخالف فييي ذلك أهييل الظاهيير ليجابهييم الجمعيية على‬


‫المسافر‪.‬‬
‫واشترط أبو حنيفة المصر والسلطان مع هذا‪ ،‬ولم يشترط العدد‪.‬‬
‫وسيييبب اختلفهيييم فيييي هذا الباب هيييو الحتمال المتطرق إلى‬
‫الحوال الراتبية التيي اقترنيت بهذه الصيلة عنيد فعله إياهيا صيلى‬
‫الله علييه وسيلم هيل هيي شرط فيي صيحتها أو وجوبهيا أم ليسيت‬
‫بشرط؟ وذلك أنه لم يصلها صلى الله عليه وسلم إل في جماعة‬
‫ومصير ومسيجد جاميع‪ ،‬فمين رأى أن اقتران هذه الشياء بصيلته‬
‫مميا يوجيب كونهيا شرطيا فيي صيلة الجمعية اشترطهيا‪ ،‬ومين رأى‬
‫بعضهيا دون بعيض اشترط ذلك البعيض دون غيره كاشتراط مالك‬
‫المسييجد وتركييه اشتراط المصيير والسييلطان‪ ،‬وميين هذا الوضييع‬
‫اختلفوا فيي مسيائل كثيرة مين هذا الباب مثيل اختلفهيم هيل تقام‬
‫جمعتان فيي مصير واحيد أو ل تقام؟ والسيبب فيي اختلفهيم فيي‬
‫اشتراط الحوال والفعال المقترنة بها هو كون بعض تلك الحوال‬
‫أشد مناسبة لفعال الصلة من بعض‪ ،‬ولذلك اتفقوا على اشتراط‬
‫الجماعييية‪ ،‬إذ كان معلوميييا مييين الشرع أنهيييا حال مييين الحوال‬
‫الموجودة فيي الصيلة‪ ،‬ولم يير مالك المصير ول السيلطان شرطيا‬
‫فييي ذلك لكونييه غييير مناسييب لحوال الصييلة ورأى أن المسييجد‬
‫شرطييا لكونييه أقرب مناسييبة‪ ،‬حتييى لقييد اختلف المتأخرون ميين‬
‫أصيحابه هيل مين شرط المسيجد السيقف أم ل؟ وهيل مين شرطيه‬
‫أن تكون الجمعية راتبية فييه أم ل؟ وهذا كله لعله تعميق فيي هذا‬
‫الباب وديين الله يسير‪ .‬ولقائل أن يقول‪ :‬إن هذه لو كانيت شروطيا‬
‫فيي صيحة الصيلة لميا جاز أن يسيكت عنهيا علييه الصيلة والسيلم‪،‬‬
‫ول أن يترك بيانهييا لقوله تعالى {لتييبين للناس مييا نزل إليهييم}‬
‫ولقوله تعالى {لتيييبين لهيييم الذي اختلفوا فييييه} والله المرشيييد‬
‫للصواب‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصيل الثالث فيي الركان‪ .‬اتفيق المسيلمون على أنهيا خطبية‬
‫وركعتان بعيد الخطبية‪ ،‬واختلفوا فيي ذلك فيي خميس مسيائل هيي‬
‫قواعد هذا الباب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) فييي الخطبيية‪ ،‬هييل هييي شرط فييي صييحة‬
‫الصيلة وركين مين أركانهيا أم ل؟ فذهيب الجمهور إلى أنهيا شرط‬
‫وركن‪ .‬وقال قوم‪ :‬إنها ليست بفرض‪ ،‬وجمهور أصحاب مالك على‬
‫أنهيا فرض إل ابين الماجشون‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيو هيل الصيل‬
‫المتقدم ميين احتمال كييل مييا اقترن بهذه الصييلة أن يكون ميين‬
‫شروطهيييا أو ل يكون‪ .‬فمييين رأى أن الخطبييية حال مييين الحوال‬
‫المختصة بهذه الصلة‪ ،‬وبخاصة إذا توهم أنها عوض من الركعتين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اللتييين نقصييتا ميين هذه الصييلة قال‪ :‬إنهييا ركيين ميين أركان هذه‬
‫الصييلة وشرط فييي صييحتها‪ ،‬وميين رأى أن المقصييود منهييا هييو‬
‫الموعظة المقصودة من سائر الخطب رأى أنها ليست شرطا من‬
‫شروط الصيلة‪ ،‬وإنميا وقيع خلف فيي هذه الخطبية هيل هيي فرض‬
‫أم ل؟ لكونهيا راتبية مين سيائر الخطيب‪ ،‬وقيد احتيج قوم لوجوبهيا‬
‫بقوله تعالى {فاسعوا إلى ذكر الله} وقالوا هو الخطبة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) واختلف الذييين قالوا بوجوبهييا فييي القدر‬
‫المجزئ منهيا فقال ابين القاسيم‪ :‬هيو أقيل ميا ينطلق اسيم خطبية‬
‫فيييي كلم العرب مييين الكلم المؤلف المبتدأ بحميييد الله‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬أقيل ميا يجزئ مين ذلك خطبتان اثنتان يكون فيي كيل‬
‫واحدة منهميا قائميا يفصييل إحداهمييا مين الخرى بجلسية خفيفية‬
‫يحمييد الله فييي كييل واحدة منهمييا فييي أولهييا ويصييلي على النييبي‬
‫ويوصيي بتقوى الله ويقرأ شيئا مين القرآن فيي الولى ويدعيو فيي‬
‫الخرة والسييبب فييي اختلفهييم هييو هييل يجزئ ميين ذلك أقييل مييا‬
‫ينطلق عليييه السييم اللغوي أو السييم الشرعييي‪ ،‬فميين رأى أن‬
‫المجزئ أقيل ميا ينطلق علييه السيم اللغوي لم يشترط فيهيا شيئا‬
‫من القوال التي نقلت عنه صلى الله عليه وسلم فيها‪ .‬ومن رأى‬
‫أن المجزئ من ذلك أقل ما ينطلق عليه السم الشرعي اشترط‬
‫فيها أصول القوال التي نقلت من خطبه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫أعنيي القوال الراتبية الغيير مبتذلة‪ .‬والسيبب فيي هذا الختلف أن‬
‫الخطبية التيي نقلت عنيه فيهيا أقوال راتبية وغيير راتبية‪ ،‬فمين اعتيبر‬
‫القوال الغيير راتبية وغلب حكمهيا قال‪ :‬يكفيي مين ذلك أقيل ميا‬
‫ينطلق علييه السيم اللغوي‪ :‬أعنيي اسيم خطبية عنيد العرب‪ .‬ومين‬
‫اعتبر القوال الراتبة وغلب حكمها قال‪ :‬ل يجزئ من ذلك إل أقل‬
‫ما ينطلق عليه اسم الخطبة في عرف الشرع واستعماله‪ ،‬وليس‬
‫مين شرط الخطبية عنيد مالك الجلوس‪ ،‬وهيو شرط كميا قلنيا عنيد‬
‫الشافعيي‪ ،‬وذلك أنيه مين اعتيبر المعنيى المعقول منيه مين كونيه‬
‫اسيتراحة للخطييب لم يجعله شرطيا‪ ،‬ومين جعيل ذلك عبادة جعله‬
‫شرطا‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) اختلفوا فييي النصييات يوم الجمعيية والمام‬
‫يخطب على ثلثة أقوال‪ :‬فمنهم من رأى أن النصات واجب على‬
‫كل حال وأنه حكم لزم من أحكام الخطبة‪ ،‬وهم الجمهور ومالك‬
‫والشافعيي وأبيو حنيفية وأحميد بين حنبيل وجمييع فقهاء المصيار‪،‬‬
‫وهؤلء انقسموا ثلثة أقسام‪ ،‬فبعضهم أجاز التشميت ورد السلم‬
‫فيي وقيت الخطبية‪ ،‬وبيه قال الثوري والوزاعيي وغيرهيم وبعضهيم‬
‫لم يجيييز رد السيييلم ول التشمييييت‪ ،‬وبعيييض فرق بيييين السيييلم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والتشمييت فقالوا يرد السيلم ول يشميت‪ ،‬والقول الثانيي مقابيل‬


‫القول الول‪ ،‬وهيو أن الكلم فيي حال الخطبية جائز إل فيي حيين‬
‫قراءة القرآن فيهييا‪ ،‬وهييو مروي عيين الشعييبي وسييعيد بيين جييبير‬
‫وإبراهييم النخعيي‪ ،‬والقول الثالث الفرق بيين أن يسيمع الخطبية أو‬
‫ل يسيمعها‪ ،‬فإن سيمعها أنصيت وإن لم يسيمع جاز له أن يسيبح أو‬
‫يتكلم فييي مسييألة ميين العلم‪ ،‬وبييه قال أحمييد وعطاء وجماعيية‪،‬‬
‫والجمهور على أنه إن تكلم لم تفسد صلته‪ .‬وروي عن ابن وهب‬
‫أنيه قال‪ :‬مين لغيا فصيلته ظهير أربيع وإنميا صيار الجمهور لوجوب‬
‫النصيات لحدييث أبيي هريرة أن النيبي علييه الصيلة والسيلم قال‬
‫"إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والمام يخطب فقد لغوت"‬
‫وأميا مين لم يوجبيه فل أعلم لهيم شبهية إل أن يكونوا يرون أن هذا‬
‫المر قد عارضه دليل الخطاب في قوله تعالى {وإذا قرئ القرآن‬
‫فاسييتمعوا له وأنصييتوا لعلكييم ترحمون} أي أن مييا عدا القرآن‬
‫فليس يجب له النصات‪ ،‬وهذا فيه ضعف والله أعلم‪ .‬والشبه أن‬
‫يكون هذا الحديييث لم يصييلهم‪ .‬وأمييا اختلفهييم فييي رد السييلم‬
‫وتشميث العاطس‪ ،‬فالسبب فيه تعارض عموم المر بذلك لعموم‬
‫المير بالنصيات‪ ،‬واحتمال أن يكون كيل واحيد منهميا مسيتثنى مين‬
‫صاحبه‪ ،‬فمن استثنى من عموم المر بالصمت يوم الجمعة المر‬
‫بالسييلم وتشميييت العاطييس أجازهمييا‪ ،‬وميين اسييتثنى ميين عموم‬
‫المير برد السيلم والتشمييت المير بالصيمت فيي حيين الخطبية لم‬
‫يجز ذلك‪ ،‬ومن فرق فإنه استثنى رد السلم من النهي عن التكلم‬
‫فيي الخطبية‪ ،‬واسيتثنى مين عموم المير التشمييت وقيت الخطبية‪،‬‬
‫وإنما ذهب واحد واحد من هؤلء إلى واحد واحد من المستثنيات‬
‫لما غلب على ظنه من قوة العموم في أحدها وضعفه في الخر‪،‬‬
‫وذلك أن الميير بالصييمت هييو عام فييي الكلم خاص فييي الوقييت‪،‬‬
‫والميير برد السييلم والتشميييت هييو عام فييي الوقييت خاص فييي‬
‫الكلم‪ ،‬فمين اسيتثنى الزمان الخاص مين الكلم العام لم يجيز رد‬
‫السييلم ول التشميييت فييي وقييت الخطبيية‪ ،‬وميين اسييتثنى الكلم‬
‫الخاص ميين النهييي عيين الكلم العام أجاز ذلك‪ .‬والصييواب أن ل‬
‫يصيار لسييتثناء أحييد العمومييين بأحييد الخصيوصين إل بدليييل‪ ،‬فإن‬
‫عسير ذلك فبالنظير فيي ترجييح العمومات والخصيوصات‪ ،‬وترجييح‬
‫تأكييد الوامير بهيا والقول فيي تفصييل ذلك يطول‪ ،‬ولكين معرفية‬
‫ذلك بإيجاز أنييييه إن كانييييت الواميييير قوتهييييا واحدة والعمومات‬
‫والخصيوصات قوتهيا واحدة ولم يكين هنالك دلييل على أي يسيتثنى‬
‫من أي وقع التمانع ضرورة‪ ،‬وهذا يقل وجوده‪ ،‬وإن لم يكن فوجه‬
‫الترجيييح فييي العمومات والخصييوصات الواقعيية فييي أمثال هذه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المواضييع هييو النظيير إلى جميييع أقسييام النسييب الواقعيية بييين‬


‫الخصوصين والعمومين‪ ،‬وهي أربع‪ :‬عمومان في مرتبة واحدة من‬
‫القوة‪ ،‬وخصييوصان فييي مرتبيية واحدة ميين القوة‪ ،‬فهذا ل يصييار‬
‫لسيتثناء أحدهميا إل بدلييل‪ ،‬والثانيي مقابيل هذا‪ ،‬وهيو خصيوص فيي‬
‫نهاية القوة وعموم في نهاية الضعف‪ ،‬فهذا يجب أن يصار إليه ول‬
‫بد أعني أن يستثنى من العموم الخصوص‪ ،‬الثالث خصوصان في‬
‫مرتبية واحدة‪ ،‬وأحيد العموميين أضعيف مين الثانيي‪ ،‬فهذا ينبغيي أن‬
‫يخصيص فييه العموم الضعييف‪ ،‬الرابيع عمومان فيي مرتبية واحدة‬
‫وأحيد الخصيوصين أقوى مين الثانيي‪ ،‬فهذا يجيب أن يكون الحكيم‬
‫فيييه للخصييوص القوي‪ ،‬وهذا كله إذا تسيياوت الواميير فيهييا فييي‬
‫مفهوم التأكيييد‪ ،‬فإن اختلفييت حدثييت ميين ذلك تراكيييب مختلفيية‬
‫ووجبيت المقايسية أيضيا بيين قوة اللفاظ وقوة الوامير‪ ،‬ولعسير‬
‫انضباط هذه الشياء قييل إن كيل مجتهيد مصييب أو أقيل ذلك غيير‬
‫مأثوم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الرابعة) اختلفوا فيمن جاء يوم الجمعة والمام على‬
‫المنبر‪ :‬هيل يركع أم ل؟ فذهب بعض إلى أنه ل يركع وهو مذهب‬
‫مالك‪ ،‬وذهييب بعضهييم إلى أنييه يركييع‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم‬
‫معارضية القياس لعموم الثير‪ ،‬وذلك أن عموم قوله علييه الصيلة‬
‫والسلم "إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين" يوجب أن يركع‬
‫الداخيل فيي المسيجد يوم الجمعية وإن كان المام يخطيب‪ ،‬والمير‬
‫بالنصييات إلى الخطيييب يوجييب دليله أن ل يشتغييل بشيييء ممييا‬
‫يشغل عن النصات وإن كان عبادة‪ ،‬ويؤيد عموم هذا الثر ما ثبت‬
‫مين قوله علييه الصيلة والسيلم "إذا جاء أحدكيم المسيجد والمام‬
‫يخطب فليركع ركعتين خفيفتين" خرجه مسلم في بعض رواياته‪،‬‬
‫وأكثر رواياته "أن النبي عليه الصلة والسلم أمر الرجل الداخل‬
‫أن يركييع‪ ،‬ولم يقييل إذا جاء أحدكييم" الحديييث‪ .‬فيتطرق إلى هذا‬
‫الخلف فيي هيل تقبيل زيادة الراوي الواحيد إذا خالفيه أصيحابه عين‬
‫الشيييخ الول الذي اجتمعوا فييي الرواييية عنييه أم ل؟ فإن صييحت‬
‫الزيادة وجيب العميل بهيا‪ ،‬فإنهيا نيص فيي موضيع الخلف والنيص ل‬
‫يجيب أن يعارض بالقياس‪ ،‬لكين يشبيه أن يكون الذي راعاه مالك‬
‫في هذا هو العمل‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الخامسية) أكثيير الفقهاء على أن مين سينة القراءة‬
‫فيي صيلة الجمعية قراءة سيورة الجمعية فيي الركعية الولى لميا‬
‫تكرر ذلك مين فعله علييه الصيلة والسيلم‪ ،‬وذلك أنيه خرج مسيلم‬
‫عين أبيي هريرة "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم كان يقرأ‬
‫فييي الركعية الولى بالجمعية‪ ،‬وفيي الثانيية بإذا جاءك المنافقون"‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وروى مالك أن الضحاك بيين قيييس سييأل النعمان بيين بشييير ماذا‬
‫كان يقرأ بيه رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يوم الجمعية على‬
‫أثيير سييورة الجمعيية قال "كان يقرأ بهييل أتاك حديييث الغاشييية"‬
‫واستحب مالك العمل على هذا الحديث وإن قرأ عنده بسبح اسم‬
‫ربيك العلى كان حسينا‪ ،‬لنيه مروي عين عمير بين عبيد العزييز وأميا‬
‫أبيو حنيفية فلم يقيف فيهيا شيئا‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم معارضية‬
‫حال الفعيييل للقياس‪ ،‬وذلك أن القياس يوجيييب أن ل يكون لهيييا‬
‫سورة راتبة كالحال في سائر الصلوات‪ ،‬ودليل الفعل يقتضي أن‬
‫يكون لهيا سيورة راتبية‪ .‬وقال القاضيي‪ :‬خرج مسيلم عين النعمان‬
‫ابين بشيير "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم كان يقرأ فيي‬
‫العيديين وفيي الجمعية بسيبح اسيم ربيك العلى‪ ،‬وهيل أتاك حدييث‬
‫الغاشيية" قال فإذا اجتميع العييد والجمعية فيي يوم واحيد قرأ بهميا‬
‫فييي الصييلتين‪ ،‬وهذا يدل على أنييه ليييس هناك سييورة راتبيية وأن‬
‫الجمعة ليس كان يقرأ بها دائما‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في أحكام الجمعة‪.‬‬
‫@‪-‬وفيي هذا الباب أربيع مسيائل‪ .‬الولى‪ :‬فيي حكيم طهير الجمعية‪.‬‬
‫الثانييية‪ :‬على ميين تجييب مميين خارج المصيير‪ .‬الثالثيية‪ :‬فييي وقييت‬
‫الرواح المرغييب فيييه إلى الجمعيية‪ .‬الرابعيية‪ :‬فييي جواز البيييع يوم‬
‫الجمعة بعد النداء‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) اختلفوا فيي طهير الجمعية؛ فذهيب الجمهور‬
‫إلى أنيه سينة‪ ،‬وذهيب أهيل الظاهير إلى أنيه فرض ول خلف فيميا‬
‫أعلم أنيه لييس شرطيا فيي صيحة الصيلة‪ ،‬والسيبب فيي اختلفهيم‬
‫تعارض الثار وذلك أن فيي هذا الباب حدييث أبيي سيعيد الخدري‪،‬‬
‫وهو قوله عليه الصلة والسلم "طهر يوم الجمعة واجب على كل‬
‫محتلم كطهيير الجنابيية" وفيييه حديييث عائشيية قالت‪" :‬كان الناس‬
‫عمال أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم‪ ،‬فقيل لو اغتسلتم؟‬
‫والول صييحيح باتفاق‪ ،‬والثانييي خرجييه أبييو داود ومسييلم‪ .‬وظاهيير‬
‫حديث أبي سعيد يقتضي وجوب الغسل‪ ،‬وظاهر حديث عاشة أن‬
‫ذلك كان لموضيع النظافية وأنيه لييس عبادة‪ ،‬وقيد روي "مين توضيأ‬
‫يوم الجمعة فبها ونعمت‪ ،‬ومن اغتسل فالغسل أفضل" وهو نص‬
‫فيي سيقوط فرضيتيه إل أنيه حدييث ضعييف‪ .‬وأميا وجوب الجمعية‬
‫على ميين هييو خارج المصيير‪ ،‬فإن قومييا قالوا‪ :‬ل تجييب على ميين‬
‫خارج المصر‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬بل تجب‪ ،‬وهؤلء اختلفوا اختلفا كثيرا‪،‬‬
‫فمنهيم مين قال‪ :‬مين كان بينيه وبيين الجمعية مسييرة يوم وجيب‬
‫عليه التيان إليها وهو شاذ‪ ،‬ومنهم من قال يجب عليه التيان إليها‬
‫على ثلثية أميال‪ ،‬ومنهيم مين قال‪ :‬يجيب علييه التيان مين حييث‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ي سمع النداء فيي الغلب‪ ،‬وذلك مين ثل ثة أميال مين موضيع النداء‪،‬‬
‫وهذان القولن عييين مالك‪ ،‬وهذه المسيييألة ثبتيييت فيييي شروط‬
‫الوجوب‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي هذا الباب اختلف الثار‪ ،‬وذلك أنيه‬
‫ورد أن الناس كانوا يأتون الجمعيية ميين العوالي فييي زمان النييبي‬
‫صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬وذلك ثلثية أميال مين المدينية‪ .‬وروى أبيو‬
‫داود أن النيبي علييه الصيلة والسيلم قال "الجمعية على مين سيمع‬
‫النداء" وروي "الجمعيية على ميين آواه الليييل إلى أهله" وهييو أثيير‬
‫ضعيف وأما اختلفهم في الساعات التي وردت في فضل الرواح‪،‬‬
‫وهييو قوله عليييه الصييلة والسييلم "ميين راح فييي السيياعة الولى‬
‫فكأنما قرب بدنة‪ ،‬ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة‪،‬‬
‫ومين راح فيي السياعة الثالثية فكأنميا قرب كبشيا‪ ،‬ومين راح فيي‬
‫السيياعة الرابعيية فكأنمييا قرب دجاجيية‪ ،‬وميين راح فييي السيياعة‬
‫الخامسية فكأنميا قرب بيضية" فإن الشافعيي وجماعية مين العلماء‬
‫اعتقدوا أن هذه السيياعات هييي سيياعات النهار فندبوا إلى الرواح‬
‫ميين أول النهار‪ ،‬وذهييب مالك إلى أنهييا أجزاء سيياعة واحدة قبييل‬
‫الزوال وبعده‪ ،‬وقال قوم‪ :‬هيييي أجزاء سييياعة قبيييل الزوال وهيييو‬
‫الظهير لوجوب السيعي بعيد الزوال إل على مذهيب مين يرى أن‬
‫الواجيب يدخله الفضيلة‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي البييع والشراء وقيت‬
‫النداء فإن قوميا قالوا‪ :‬يفسيخ البييع إذا وقيع النداء‪ ،‬وقوميا قالوا ل‬
‫يفسيخ‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل النهيي عين الشييء الذي أصيله مباح‬
‫إذا تقيييد النهييي بصييفة يعود بفسيياد المنهييي عنييه أم ل؟‪ .‬وآداب‬
‫الجمعية ثلث الطييب والسيواك واللباس الحسين‪ ،‬ول خلف فييه‬
‫لورود الثار بذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في صلة السفر‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب فيييه فصييلن‪ :‬الفصييل الول فييي القصيير‪ .‬الفصييل‬
‫الثاني في الجمع‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في القصر‪.‬‬
‫@‪-‬والسيفر له تأثيير فيي القصير باتفاق‪ ،‬وفيي الجميع باختلف‪ .‬أميا‬
‫القصيير فإنييه اتفييق العلماء على جواز قصيير الصييلة للمسييافر إل‬
‫قول شاذ‪ ،‬وهييو قول عائشيية وهييو أن القصيير ل يجوز إل للخائف‬
‫لقوله تعالى {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} وقالوا‪ :‬إن النبي‬
‫عليه الصلة والسلم إنما قصر لنه كان خائفا‪ ،‬واختلفوا من ذلك‬
‫في خمسة مواضع‪ :‬أحدها في حكم القصر‪ ،‬والثاني في المسافة‬
‫التي يجب فيها القصر‪ ،‬والثالث في السفر الذي يجب فيه القصر‪،‬‬
‫والرابيع فيي الموضيع الذي يبدأ منيه المسيافر بالتقصيير‪ ،‬والخاميس‬
‫في مقدار الزمان الذي يجوز للمسافر فيه إذا أقام في موضع أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يقصير الصيلة‪ .‬فأميا حكيم القصير فإنهيم اختلفوا فييه على أربعية‬
‫أقوال‪ :‬فمنهييم ميين رأى أن القصيير هييو فرض المسييافر المتعييين‬
‫علييه‪ .‬ومنهيم مين رأى أن القصير والتمام كلهميا فرض مخيير له‬
‫كالخيار فييي واجييب الكفارة‪ .‬ومنهييم ميين رأى أن القصيير سيينة‪.‬‬
‫ومنهم من رأى أنه رخصة وأن التمام أفضل‪ ،‬وبالقول الول قال‬
‫أبيو حنيفية وأصيحابه والكوفيون بأسيرهم‪ :‬أعنيي أنيه فرض متعيين‪،‬‬
‫وبالثانيي قال بعيض أصيحاب الشافعيي وبالثالث "أعنيي أنيه سينة"‬
‫قال مالك فيي أشهير الروايات عنيه‪ .‬وبالرابيع "أعنيي أنيه رخصية"‬
‫قال الشافعييي فييي أشهيير الروايات عنييه‪ ،‬وهييو المنصييور عنييد‬
‫أصيحابه‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم معارضية المعنيى المعقول لصييغة‬
‫اللفييظ المنقول ومعارضيية دليييل الفعييل أيضييا للمعنييى المعقول‬
‫ولصيييغة اللفييظ المنقول‪ ،‬وذلك أن المفهوم ميين قصيير الصييلة‬
‫للمسيافر إنميا هيو الرخصية لموضيع المشقية كميا رخيص له فيي‬
‫الفطر وفي أشياء كثيرة‬
‫ويؤييد هذا حدييث يعلى بين أميية قال "قلت لعمير‪ :‬إنميا قال الله‬
‫{إن خفتيم أن يفتنكيم الذيين كفروا} يرييد فيي قصير الصيلة فيي‬
‫السيفر‪ ،‬فقال عمير "عجبيت مميا عجبيت منيه‪ ،‬فسيألت رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم عميا سألتني عنيه فقال‪ :‬صيدقة تصيدق الله‬
‫بهيا عليكيم‪ ،‬فاقبلوا صيدقته" فمفهوم هذا الرخصية‪ .‬وحدييث أبيي‬
‫قلبة عن رجل من بني عامر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله وضع عن المسافر‬
‫الصيوم وشطير الصيلة" وهميا فيي الصيحيح‪ ،‬وهذا كله يدل على‬
‫التخفييف والرخصية ورفيع الحرج‪ ،‬ل أن القصير هيو الواجيب ول أنيه‬
‫سينة‪ .‬وأميا الثير الذي يعارض بصييغته المعنيى المعقول ومفهوم‬
‫هذه الثار فحديييث عائشيية الثابييت باتفاق قالت "فرضييت الصييلة‬
‫ركعتيين ركعتيين‪ ،‬فأقرت صيلة السيفر‪ ،‬وزييد فيي صيلة الحضير"‬
‫وأمييا دليييل الفعييل الذي يعارض المعنييى المعقول ومفهوم الثيير‬
‫المنقول فإنه ما نقل عنه عليه الصلة والسلم من قصر الصلة‬
‫فيي كيل أسيفاره‪ ،‬وأ نه لم يصيح عنه عليه الصيلة والسلم أنه أتم‬
‫الصيلة قيط فمين ذهيب إلى أنيه سينة أو واجيب مخيير فإنميا حمله‬
‫على ذلك أنيه لم يصيح عنده "أن النيبي علييه الصيلة والسيلم أتيم‬
‫الصلة وما هذا شأنه"‬
‫فقد يجب أن يكون أحد الوجهين‪ :‬أعني إما واجبا مخيرا‪ ،‬وإما أن‬
‫يكون سينة‪ ،‬وإميا أن يكون فرضيا معينيا‪ ،‬لكين كونيه فرضيا معينيا‬
‫يعارضيه المعنيى المعقول‪ ،‬وكونيه رخصية يعارضيه اللفيظ المنقول‪،‬‬
‫فوجيب أن يكون واجبيا مخيرا أو سينة‪ ،‬وكان هذا نوعيا مين طرييق‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجميع‪ ،‬وقيد اعتلوا لحدييث عائشية بالمشهور عنهيا مين أنهيا كانيت‬
‫تتم‪ ،‬وروى عطاء "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتم الصلة‬
‫فيي السيفر ويقصير ويصيوم ويفطير ويؤخير الظهير ويعجيل العصير‬
‫ويؤخير المغرب ويعجيل العشاء" ومميا يعارضيه أيضيا حدييث أنيس‬
‫وأبي نجيح المكي قال‪ :‬اصطحبت أصحاب محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فكان بعضهم يتم وبعضهم يقصر وبعضهم يصوم وبعضهم‬
‫يفطيييير‪ ،‬فل يعيييييب هؤلء على هؤلء‪ ،‬ول هؤلء على هؤلء‪ ،‬ولم‬
‫يختلف فيي إتمام الصيلة عين عثمان وعائشية‪ ،‬فهذا هيو اختلفهيم‬
‫فييي الموضييع الول‪ .‬وأمييا اختلفهييم فييي الموضييع الثانييي وهييي‬
‫المسييافة التييي يجوز فيهييا القصيير‪ ،‬فإن العلماء اختلفوا فييي ذلك‬
‫أيضا اختلفيا كثيرا‪ ،‬فذهب مالك والشافعيي وأحمد وجماعة كثيرة‬
‫إلى أن الصيلة تقصير فيي أربعية برد‪ ،‬وذلك مسييرة يوم بالسيير‬
‫الوسط‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية وأصيحابه والكوفيون‪ :‬أقيل ميا تقصير فييه الصيلة‬
‫ثلثة أيام‪ ،‬وإن القصر إنما هو لمن سار من أفق إلى أفق‪ .‬وقال‬
‫أهيل الظاهير‪ :‬القصير فيي كيل سيفر قريبيا كان أو بعيدا‪ .‬والسيبب‬
‫في اختلفهم معارضة المعنى المعقول من ذلك اللفظ‪ ،‬وذلك أن‬
‫المعقول ميين تأثييير السييفر فييي القصيير أنييه لمكان المشقيية‬
‫الموجودة فييه مثيل تأثيره فيي الصيوم‪ ،‬وإذا كان المير على ذلك‬
‫فيجب القصر حيث المشقة‪ .‬وأما من ل يراعي في ذلك إل اللفظ‬
‫فقيط‪ ،‬فقالوا‪ :‬قيد قال النيبي علييه الصيلة والسيلم "إن الله وضيع‬
‫عين المسيافر الصوم وشطير الصيلة" فكيل من انطلق علييه اسيم‬
‫مسيافر جاز له القصير والفطير‪ ،‬وأيدوا ذلك بميا رواه مسيلم عين‬
‫عمر بن الخطاب "أن النبي عليه الصلة والسلم كان يقصر في‬
‫نحو السبعة عشير ميل" وذهب قوم إلى خاميس كما قلنا وهيو أن‬
‫القصييير ل يجوز إل للخائف لقوله تعالى {إن خفتيييم أن يفتنكيييم‬
‫الذين كفروا} وقد قيل إنه مذهب عائشة وقالوا‪ :‬إن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم إنما قصر لنه كان خائفا‪.‬‬
‫وأما اختلف أولئك الذين اعتبروا المشقة فسببه اختلف الصحابة‬
‫فيي ذلك‪ ،‬وذلك أن مذهيب الربعية برد مروي عين ابين عمير وابين‬
‫عباس‪ ،‬ورواه مالك‪ ،‬ومذهييب الثلثيية أيام مروي أيضييا عيين ابيين‬
‫مسعود وعثمان وغيرهما‪ .‬وأما الموضع الثالث وهو اختلفهم في‬
‫نوع السيييفر الذي تقتصييير فييييه الصيييلة‪ ،‬فرأى بعضهيييم أن ذلك‬
‫مقصيور على السيفر المتقرب بيه كالحيج والعمرة والجهاد‪ ،‬وممين‬
‫قال بهذا القول أحميد‪ .‬ومنهيم مين أجازه فيي السيفر المباح دون‬
‫سييفر المعصييية‪ ،‬وبهذا القول قال مالك والشافعييي‪ .‬ومنهييم ميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أجازه فيي كيل سيفر قربية كان أو مباحيا أو معصيية وبيه قال أبيو‬
‫حنيفة وأصحابه والثوري وأبو ثور‪ .‬والسبب في اختلفهم معارضة‬
‫المعنى المعقول أو ظاهر اللفظ لدليل الفعل‪ ،‬وذلك أن من اعتبر‬
‫المشقة أو ظاهر لفظ السفر لم يفرق بين سفر وسفر‪ .‬وأما من‬
‫اعتبر دليل الفعل قال‪ :‬إنه ل يجوز إل في السفر المتقرب به لن‬
‫النبي عليه الصلة والسلم لم يقصر قط إل في سفر متقرب به‪.‬‬
‫وأما من فرق بين المباح والمعصية فعلى جهة التغليظ‪،‬‬
‫والصييل فيييه‪ :‬هييل تجوز الرخييص للعصيياة أم ل؟ وهذه مسييألة‬
‫عارض فيهييا اللفييظ المعنييى‪ ،‬فاختلف الناس فيهييا لذلك‪ .‬وأمييا‬
‫الموضع الرابع وهو اختلفهم في الموضع الذي منه يبدأ المسافر‬
‫بقصير الصيلة‪ ،‬فإن مالكيا قال فيي الموطيأ‪ :‬ل يقصير الصيلة الذي‬
‫يرييد السيفر حتيى يخرج مين بيوت القريية ول يتيم حتيى يدخيل أول‬
‫بيوتهيا‪ .‬وقيد روي عنيه أنيه ل يقصير إذا كانيت قريية جامعية حتيى‬
‫يكون منهييا بنحييو ثلثيية أميال‪ ،‬وذلك عنده أقصييى مييا تجييب فيييه‬
‫الجمعيية على ميين كان خارج المصيير فييي إحدى الروايتييين عنييه‪،‬‬
‫وبالقول الول قال الجمهور‪ .‬والسيبب فيي هذا الختلف معارضية‬
‫مفهوم السيم لدلييل الفعيل‪ ،‬وذلك أنيه إذا شرع فيي السيفر فقيد‬
‫انطلق عليييه اسييم مسييافر فميين راعييى مفهوم السييم قال‪ :‬إذل‬
‫خرج من بيوت القرية قصر‪ .‬ومن راعى دليل الفعل‪ :‬أعني فعله‬
‫علييه الصيلة والسيلم قال‪ :‬ل يقصير إل إذا خرج مين بيوت القريية‬
‫بثلثية أميال لميا صيح مين حدييث أنيس قال "كان النيبي صيلى الله‬
‫علييه وسيلم إذا خرج مسييرة ثلثية أميال أو ثلثية فراسيخ {شعبية‬
‫الشاك} صييلى ركعتييين" وأمييا اختلفهييم فييي الزمان الذي يجوز‬
‫للمسيافر إذا قام فييه فيي بلد أن يقصير فاختلف كثيير حكيى فييه‬
‫أبو عمر نحوا من أحد عشر قول‪ ،‬إل أن الشهر منها هو ما عليه‬
‫فقهاء المصييار ولهييم فييي ذلك ثلثيية أقوال‪ :‬أحدهييا مذهييب مالك‬
‫والشافعييي إنييه إذا أزمييع المسييافر على إقاميية أربعيية أيام أتييم‪.‬‬
‫والثاني مذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري أنه إذا أزمع على إقامة‬
‫خمسية عشير يوميا أتيم‪ .‬والثالث مذهيب أحميد وداود أنيه إذا أزميع‬
‫على أكثير مين أربعية أيام أتيم‪ .‬وسيبب الخلف أنيه أمير مسيكوت‬
‫عنه في الشرع والقياس على التحديد ضعيف عند الجميع‪ ،‬ولذلك‬
‫رام هؤلء كلهم أن يستدلوا لمذهبهم من الحوال التي نقلت عنه‬
‫عليه الصلة والسلم أنه أقام فيها مقصرا‪ ،‬أو أ نه جعل لها حكم‬
‫المسييافر‪ .‬فالفريييق الول احتجوا لمذهبهييم بمييا روى "أنييه عليييه‬
‫الصلة والسلم أقام بمكة ثلثا يقصر في عمرته" وهذا ليس فيه‬
‫حجة على أنه النهاية للتقصير‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وإنميا فييه حجية على أنيه يقصير فيي الثلثية فميا دونهيا‪ .‬والفرييق‬
‫الثاني احتجوا لمذهبهم بما روي أنه أقام بمكة مقصرا وذلك نحوا‬
‫مين خمسية عشير يوميا فيي بعيض الروايات وقيد روي سيبعة عشير‬
‫يوما وثمانية عشر يوما وتسعة عشر يوما‪ ،‬رواه البخاري عن ابن‬
‫عباس‪ ،‬وبكل قال فريق‪ .‬والفريق الثالث احتجوا بمقامه في حجة‬
‫بمكة مقصرا أربعة أيام‪ ،‬وقد احتجت المالكية لمذهبها "أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم جعل للمهاجر ثلثة أيام بمكة مقام بعد‬
‫قضاء نسييكه" فدل هذا عندهييم على أن إقاميية ثلثيية أيام ليسييت‬
‫تسيلب عين المقييم فيهيا اسيم السيفر‪ ،‬وهيي النكتية التيي ذهيب‬
‫الجمييع إليهيا‪ ،‬وراموا اسيتنباطها مين فعله علييه الصيلة والسيلم‪:‬‬
‫أعنيي متيى يرتفيع عنيه بقصيد القامية اسيم السيفر‪ ،‬ولذلك اتفقوا‬
‫على أنيه إن كانيت القامية مدة ل يرتفيع فيهيا عنيه اسيم السيفر‬
‫بحسيب رأي واحيد منهيم فيي تلك المدة وعاقيه عائق عين السيفر‬
‫أنيه يقصير أبدا‪ ،‬وإن أقام ميا شاء الله‪ .‬ومين راعيى الزمان القيل‬
‫مين مقاميه تأول مقاميه فيي الزمان الكثير مميا ادعاه خصيمه على‬
‫هذه الجهيية؛ فقالت المالكييية مثل إن الخمسيية عشيير يومييا التييي‬
‫أقامهيا عليه الصيلة والسيلم عام الفتيح إنميا أقامها وهو أبدا ينوي‬
‫أنه ل يقيم أربعة أيام‪ ،‬وهذا بعينه يلزمهم في الزمان الذي حدوه‪،‬‬
‫والشبه في المجتهد في هذا أن يسلك أحد أمرين‪ :‬إما أن يجعل‬
‫الحكم لكثر الزمان الذي روي عنه عليه الصلة والسلم أنه أقام‬
‫فييه مقصيرا‪ ،‬ويجعيل ذلك حدا مين جهية الصيل هيو التمام فوجيب‬
‫أل يزاد على هذا الزمان إل بدليل‪ ،‬أو يقول إن الصل في هذا هو‬
‫أقل الزمان الذي وقع عليه الجماع‪ ،‬وما ورد من أنه عليه الصلة‬
‫والسييلم أقام مقصييرا أكثيير ميين ذلك الزمان‪ ،‬فيحتمييل أن يكون‬
‫أقاميه لنيه جائز للمسيافر‪ ،‬ويحتميل أن يكون أقاميه بنيية الزمان‬
‫الذي تجوز إقامتيه فييه مقصيرا باتفاق‪ ،‬فعرض له أن قام أكثير من‬
‫ذلك‪ ،‬وإذا كان الحتمال وجب التمسك بالصل‪ ،‬وأقل ما قيل في‬
‫ذلك يوم وليلة‪ ،‬وهيو قول ربيعية بين أبيي عبيد الرحمين‪ .‬وروي عين‬
‫الحسين البصيري أن المسيافر يقصير أبدا إل أن يقدم مصيرا مين‬
‫المصييار‪ ،‬وهذا بناء على أن اسييم السييفر واقييع عليييه حتييى يقدم‬
‫مصرا من المصار‪ ،‬فهذه أمهات المسائل التي تتعلق بالقصر‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في الجمع‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الجمع فإنه يتعلق به ثلث مسائل‪ :‬إحداها جوازه‪ .‬والثانية‬
‫فيي صيفة الجميع‪ .‬والثالثية فيي ميبيحات الجميع‪ .‬أميا جوازه فإنهيم‬
‫أجمعوا على أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة‬
‫سينة‪ ،‬وبيين المغرب والعشاء بالمزدلفية أيضيا فيي وقيت العشاء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سينة أيضيا‪ .‬واختلفوا فيي الجميع فيي غيير هذيين المكانيين‪ ،‬فأجازه‬
‫الجمهور على اختلف بينهم في المواضع التي يجوز فيها من التي‬
‫ل يجوز‪ ،‬ومنعيه أبيو حنيفية وأصيحابه بإطلق‪ .‬وسيبب اختلفهيم أول‬
‫اختلفهيم فيي تأو يل الثار التيي روييت في الجمع والستدلل منها‬
‫على جواز الجمع لنها كلها أفعال وليست أقوال‪ ،‬والفعال يتطرق‬
‫إليهيا الحتمال كثيرا أكثير مين تطرقيه إلى اللفيظ‪ .‬وثانييا اختلفهيم‬
‫أيضيا فيي تصيحيح بعضهيا‪ ،‬وثالثيا اختلفهيم فيي إجازة القياس فيي‬
‫ذلك فهييي ثلثيية أسييباب كمييا ترى‪ .‬أمييا الثار التييي اختلفوا فييي‬
‫تأويلهيا‪ ،‬فمنهيا حدييث أنيس الثابيت باتفاق أخرجيه البخاري ومسيلم‬
‫قال "كان رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم إذا ارتحيل قبيل أن‬
‫تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر‪ ،‬ثم نزل فجمع بينهما‪،‬‬
‫فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" ومنها‬
‫حدييث ابين عمير أخرجيه الشيخان أيضيا قال "رأييت رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم إذا عجييل بييه السييير فييي السييفر يؤخيير‬
‫المغرب حتيى يجميع بينهيا وبيين العشاء" والحدييث الثالث حدييث‬
‫ابن عباس خرجه مالك ومسلم قال "صلى رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم الظهير والعصير جميعيا والمغرب والعشاء جميعيا فيي‬
‫غير خوف ول سفر" فذهب القائلون بجواز الجمع في تأويل هذه‬
‫الحاديث إلى أنه أخر الظهر إلى وقت العصر المختص بها وجمع‬
‫بينهميا‪ .‬وذهيب الكوفيون إلى أنيه إنميا أوقيع صيلة الظهير فيي آخير‬
‫وقتها وصلة العصر في أول وقتها على ما جاء في حديث إمامة‬
‫جبريييل قالوا‪ :‬وعلى هذا يصييح حمييل حديييث ابيين عباس لنييه قييد‬
‫انعقييد الجماع أنييه ل يجوز هذا فييي الحضيير لغييير عذر‪ :‬أعنييي أن‬
‫تصيلى الصيلتان معيا فيي وقيت إحداهميا‪ ،‬واحتجوا لتأويلهيم أيضيا‬
‫بحدييث ابين مسيعود قال "والذي ل إله غيره ميا صيلى رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم صلة قط إل في وقتها إل صلتين جمع بين‬
‫الظهر والعصر بعرفة‪ ،‬وبين المغرب والعشاء بجمع" قالوا‪ :‬وأيضا‬
‫فهذه الثار محتملة أن تكون على ميا تأولناه نحين أو ميا تأولتموه‬
‫أنتيم‪ .‬وقيد صيح توقييت الصيلة وتبيانهيا فيي الوقات‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫تنتقيل عين أصيل ثابيت بأمير محتميل‪ .‬وأميا الثير الذي اختلفوا فيي‬
‫تصيحيحه‪ ،‬فميا رواه مالك مين حدييث معاذ بين جبيل "أنهيم أخرجوا‬
‫ميع رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم عام تبوك‪ ،‬فكان رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم يجميع بيين الظهير والعصير والمغرب‬
‫والعشاء‪ ،‬قال‪ :‬فأخر الصلة يوما‪ ،‬ثم خرج فصلى الظهر والعصر‬
‫جميعيا‪ ،‬ثيم دخيل ثيم خرج فصيلى المغرب والعشاء جميعيا" وهذا‬
‫الحديث لو صح لكان أظهر من تلك الحاديث في إجازة الجمع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لن ظاهره أنيه قدم العشاء إلى وقيت المغرب‪ ،‬وإن كان لهيم أن‬
‫يقولوا إنيه أخيير المغرب إلى آخير وقتهييا وصيلى العشاء فييي أول‬
‫وقتهيا لنيه لييس فيي الحدييث أمير مقطوع بيه على ذلك‪ ،‬بيل لفيظ‬
‫الراوي محتمل‪ .‬وأما اختلفهم في إجازة القياس في ذلك فهو أن‬
‫يلحيق سيائر الصيلوات فيي السيفر بصيلة عرفية والمزدلفية‪ ،‬أعنيي‬
‫أن يجاز الجمييع قياسييا على تلك‪ ،‬فيقال مثل‪ :‬صييلة وجبييت فييي‬
‫سيفر‪ ،‬فجاز أن تجميع أصيله جميع الناس بعرفية والمزدلفية‪ ،‬وهيو‬
‫مذهيب سيالم بين عبيد الله‪ :‬أعنيي جواز هذا القياس‪ ،‬لكين القياس‬
‫فيي العبادات يضعيف‪ ،‬فهذه هيي أسيباب الخلف الواقيع فيي جواز‬
‫الجمع‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) وهيي صيورة الجميع فاختلف فييه أيضيا‬
‫القائلون بالجمييع أعنييي فييي السييفر‪ .‬فمنهييم ميين رأى الختيار أن‬
‫تؤخير الصيلة الولى وتصيلى ميع الثانيية وإن جمعتيا معيا فيي أول‬
‫وقييت الولى جاز‪ ،‬وهييي إحدى الروايتييين عيين مالك‪ ،‬ومنهييم ميين‬
‫سييوى بييين المرييين‪ :‬أعنييي أن يقدم الخرة إلى وقييت الولى أو‬
‫يعكيس المير وهيو مذهيب الشافعيي وهيي روايية أهيل المدينية عين‬
‫مالك‪ ،‬والولى رواييية ابيين القاسييم عنييه‪ ،‬وإنمييا كان الختيار عنييد‬
‫مالك هذا النوع مين الجميع لنيه الثابيت مين حدييث أنيس‪ ،‬ومين‬
‫سوى بينهما فمصيرا إلى أنه ل يرجح بالعدالة‪ :‬أعني أنه ل تفضل‬
‫عدالة عدالة في وجوب العمل بها‪ ،‬ومعنى هذا أنه إذا صح حديث‬
‫معاذ وجييب العمييل بييه كمييا وجييب بحديييث أنييس إذا كان رواة‬
‫الحديثين عدول‪ ،‬وإن كان رواة أحد الحديثين أعدل‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثالثية) وهيي السيباب المبيحية للجميع‪ ،‬فاتفيق‬
‫القائلون بجواز الجميع على أن السيفر منهيا‪ ،‬واختلفوا فيي الجميع‬
‫في الحضر وفي شروط السفر المبيح له‪ ،‬وذلك أن السفر منهم‬
‫من جعله سببا مبيحا للجمع أي سفر كان وبأي صفة كان‪ ،‬ومنهم‬
‫مين اشترط فييه ضربيا مين السيير‪ ،‬ونوعيا مين أنواع السيفر‪ ،‬فأميا‬
‫الذي اشترط فيييه ضربييا ميين السييير فهييو مالك فييي رواييية ابيين‬
‫القاسييم عنييه‪ ،‬وذلك أنييه قال‪ :‬ل يجمييع المسييافر إل أن يجييد بييه‬
‫السيير‪ ،‬ومنهيم مين لم يشترط ذلك وهيو الشافعيي‪ ،‬وهيي إحدى‬
‫الروايتين عن مالك‪ ،‬ومن ذهب هذا المذهب فإنما راعى قول ابن‬
‫عمر "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير"‬
‫الحدييث‪ .‬ومين لم يذهيب هذا المذهيب فإنميا راعيى ظاهير حدييث‬
‫أنيس وغيره‪ ،‬وكذلك اختلفوا كميا قلنيا فيي نوع السيفر الذي يجوز‬
‫فييه الجميع‪ .‬فمنهيم مين قال‪ :‬هيو سيفر القربية كالحيج والغزو‪ ،‬وهيو‬
‫ظاهير رواية ابن القاسم‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬هو ال سفر المباح دون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سيفر المعصيية‪ ،‬وهيو قول الشافعيي وظاهير روايية المدنييين عين‬


‫مالك‪ .‬والسبب في اختلفهم في هذا هو السبب في اختلفهم في‬
‫السييفر الذي تقصيير فيييه الصييلة‪ ،‬وإن كان هنالك التعميييم‪ ،‬لن‬
‫القصير نقيل قول وفعل‪ ،‬والجميع إنميا نقيل فعل فقيط‪ ،‬فمين اقتصير‬
‫بيه على نوع السيفر الذي جميع فييه رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم لم يجزه فيي غيره‪ ،‬ومن فهيم منه الرخ صة للمسافر عداه‬
‫إلى غيره مين السيفار‪ .‬وأميا الجميع فيي الحضير لغيير عذر‪ ،‬فإن‬
‫مالكييا وأكثيير الفقهاء ل يجيزونييه‪ .‬وأجاز ذلك جماعيية ميين أهييل‬
‫الظاهر وأشهب من أصحاب مالك‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم في‬
‫مفهوم حديث ابن عباس‪ ،‬فمنهم من تأوله على أنه كان في مطر‬
‫كميا قال مالك‪ .‬ومنهيم مين أخيذ بعموميه مطلقيا‪ .‬وقيد خرج مسيلم‬
‫زيادة في حديثه‪ ،‬وهو قوله عليه الصلة والسلم "في غير خوف‬
‫ول سيفر ول مطير" وبهذا تمسيك أهيل الظاهير‪ .‬وأميا الجميع فيي‬
‫الحضيير لعذر المطيير فأجازه الشافعييي ليل كان أو نهارا ومنعييه‬
‫مالك فيي النهار وأجازه فيي اللييل‪ ،‬وأجازه أيضيا فيي الطيين دون‬
‫المطر في الليل‪ ،‬وقد عدل الشافعي مالكا في تفريقه من صلة‬
‫النهار فييي ذلك وصييلة الليييل‪ ،‬لنييه روى الحديييث وتأوله‪ :‬أعنييي‬
‫خصييص عمومييه ميين جهيية القياس‪ ،‬وذلك أنييه قال فييي قول ابيين‬
‫عباس "جمييع رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم بييين الظهيير‬
‫والعصر والمغرب والعشاء في غير خوف ول سفر" أرى ذلك كان‬
‫فيييي مطييير قال‪ :‬فلم يأخيييذ بعموم الحدييييث ول بتأويله‪ :‬أعنيييي‬
‫تخصيصه‪ ،‬بل رد بعضه وتأول بعضه‪ ،‬وذلك شيء ل يجوز بإجماع‪،‬‬
‫وذلك أنيه لم يأخيذ بقوله فييه "جميع بيين الظهير والعصير" وأخيذ‬
‫بقوله "والمغرب والعشاء" وتأوله وأحسييب أن مالكييا رحمييه الله‬
‫إنميا رد بعيض هذا الحدييث لنيه عارضيه العميل‪ ،‬فأخيذ منيه بالبعيض‬
‫الذي لم يعارضييه العمييل‪ ،‬وهييو الجمييع فييي الحضيير بييين المغرب‬
‫والعشاء على مييا روى أن ابيين عميير كان إذا جمييع المراء بييين‬
‫المغرب والعشاء جمع معهم لكن النظر في هذا الصل الذي هو‬
‫العمييل كيييف يكون دليل شرعيييا فيييه نظيير‪ ،‬فإن متقدمييي شيوخ‬
‫المالكيية كانوا يقولون إنيه مين باب الجماع‪ ،‬وذلك ل وجيه له‪ ،‬فإن‬
‫إجماع البعيض ل يحتيج بيه‪ ،‬وكان متأخروهيم يقولون إنيه مين باب‬
‫نقييل التواتيير‪ ،‬ويحتجون فييي ذلك بالصيياع وغيره ممييا نقله أهييل‬
‫المدينية خلفيا عين سيلف‪ ،‬والعميل إنميا هيو فعيل والفعيل ل يفييد‬
‫التواتير إل أن يقترن بالقول فإن التواتير طريقية الخيبر ل العميل‪،‬‬
‫وبأن جعيل الفعال تفييد التواتير عسيير بيل لعله ممنوع‪ ،‬والشبيه‬
‫عندي أن يكون من باب عموم البلوي الذي يذهب إليه أبو حنيفة‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وذلك أنييه ل يجوز أن يكون أمثال هذه السيينن مييع تكررهييا وتكرر‬
‫وقوع أسيبابها غير من سوخة‪ ،‬ويذهيب الع مل بها على أهل المدينة‬
‫الذين تلقوا العمل بالسنن خلفا عن سلف‪ ،‬وهو أقوى من عموم‬
‫البلوي الذي يذهيب إلييه أبيو حنيفية‪ ،‬لن أهيل المدينية أحرى أن ل‬
‫يذهب عليهم ذلك من غيرهم من الناس الذين يعتبرهم أبو حنيفة‬
‫فيي طرييق النقيل‪ ،‬وبالجملة العميل ل يشيك أنيه قرينية إذا اقترنيت‬
‫بالشيييء المنقول إن وافقتييه أفادت بييه غلبيية ظيين وإن خالفتييه‬
‫أفادت بيه ضعيف ظين‪ ،‬فأميا هيل تبلغ هذه القرينية مبلغيا ترد بهيا‬
‫أخبار الحاد الثابتية ففييه نظير‪ ،‬وعسيى أنهيا تبلغ فيي بعيض ول تبلغ‬
‫فيي بعيض لتفاضيل الشياء فيي شدة عموم البلوى بهيا‪ ،‬وذلك أنيه‬
‫كلمييا كانييت السيينة الحاجيية إليهييا أمييس وهييي كثيرة التكرار على‬
‫المكلفيين كان نقلهيا مين طرييق الحاد مين غيير أن ينتشير قول أو‬
‫عمل فيييه ضعييف‪ ،‬وذلك أنييه يوجييب ذلك أحييد أمرييين‪ :‬إمييا أنهييا‬
‫منسييوخة‪ ،‬وإمييا أن النقييل فيييه اختلل‪ ،‬وقييد بييين ذلك المتكلمون‬
‫كأبيي المعالي وغيره‪ .‬وأميا الجميع فيي الحضير للمرييض فإن مالكيا‬
‫أباحييه له إذا خاف أن يغمييى عليييه أو كان بييه بطيين ومنييع ذلك‬
‫الشافعييي‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم هييو اختلفهييم فييي تعدي علة‬
‫الجميع فيي السيفر‪ :‬أعنيي المشقية‪ ،‬فمين طرد العلة رأى أن هذا‬
‫ميين باب الولى والحرى‪ ،‬وذلك أن المشقيية على المريييض فييي‬
‫إفراد الصيلوات أشيد منهيا على المسيافر‪ ،‬ومين لم يعيد هذه العلة‬
‫وجعلهيا كميا يقولون قاصيرة‪ :‬أي خاصية بذلك الحكيم دون غيره لم‬
‫يجز ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامييس ميين الجملة الثالثيية‪ ،‬وهييو القول فييي صييلة‬
‫الخوف‪.‬‬
‫@‪-‬اختلف العلماء فيي جواز صيلة الخوف بعيد النيبي علييه الصيلة‬
‫والسيلم وفيي صيفتها‪ ،‬فأكثير العلماء على أن صيلة الخوف جائزة‬
‫لعموم قوله تعالى {وإذا ضربتييم فييي الرض فليييس عليكييم جناح‬
‫أن تقصروا} ال ية‪ .‬ولما ثبت ذلك من فعله عليه الصلة والسلم‬
‫وعميل الئمية والخلفاء بعده بذلك‪ ،‬وشيذ أبيو يوسيف مين أصيحاب‬
‫أبي حنيفة فقال‪ :‬ل تصلى صلة الخوف بعد النبي صلى الله عليه‬
‫وسيلم بإمام واحيد‪ ،‬وإنميا تصيلى بعده بإماميين يصيلي واحيد منهميا‬
‫بطائفيية ركعتييين ثييم يصييلي الخيير بطائفيية أخرى وهييي الحارسيية‬
‫ركعتيين أيضيا وتحرس التيي قيد صيلت‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم هيل‬
‫صلة النبي بأصحابه صلة الخوف هي عبادة أو هي لمكان فضل‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فمن رأى أنها عبادة لم ير أنها خاصة‬
‫بالنيبي علييه الصيلة والسيلم‪ ،‬ومين رآهيا لمكان فضيل النيبي علييه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصلة والسلم رآها خاصة بالنبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬وإل فقد‬
‫كان يمكننييا أن ينقسييم الناس على إمامييين‪ ،‬وإنمييا كان ضرورة‬
‫اجتماعهيم على إمام واحيد خاصية مين خواص النيبي علييه الصيلة‬
‫والسلم وتأيد عنده هذا التأويل بدليل الخطاب المفهوم من قوله‬
‫تعالى {وإذا كنييت فيهييم فأقمييت لهييم الصييلة} الييية‪ .‬ومفهوم‬
‫الخطاب أنه إذا لم يكن فيهم فالحكم غير هذا الحكم‪،‬‬
‫وقيد ذهبيت طائفية مين فقهاء الشام إلى أن صيلة الخوف تؤخير‬
‫عن وقت الخوف إلى وقت المن كما فعل رسول الله صلى الله‬
‫علييييه وسيييلم يوم الخندق‪ .‬والجمهور على أن ذلك الفعيييل يوم‬
‫الخندق كان قبيل نزول صيلة الخوف وأنيه منسيوخ بهيا‪ .‬وأميا صيفة‬
‫صلة الخوف فإن العلماء اختلفوا فيها اختلفا كثيرا لختلف الثار‬
‫في هذا الباب‪ :‬أعني المنقولة من فعله صلى الله عليه وسلم في‬
‫صييلة الخوف‪ ،‬والمشهور ميين ذلك سييبع صييفات‪ .‬فميين ذلك مييا‬
‫أخرجيه مالك ومسيلم مين حدييث صيالح بين خوات عمين صيلى ميع‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يوم ذات الرقاع صيلة الخوف‬
‫أن طائفية صيفت معيه وصيفت طائفية وجاه العدو‪ ،‬فصيلى بالتيي‬
‫معه ركعة‪ ،‬ثم ثبت قائما وأتموا لنفسهم ثم انصرفوا وجاه العدو‪،‬‬
‫وجاءت الطائفيية الخرى فصييلى بهييم الركعيية التييي بقيييت ميين‬
‫صييلتهم‪ ،‬ثييم ثبييت جالسييا وأتموا لنفسييهم ثييم سييلم بهييم‪ ،‬وبهذا‬
‫الحدييييث قال الشافعيييي‪ ،‬وروى مالك هذا الحدييييث بعينيييه عييين‬
‫القاسم بن محمد عن صالح بن خوات موقوفا كمثل حديث يزيد‬
‫بيين رومان أنييه لمييا قضييى الركعيية بالطائفيية الثانييية سييلم ولم‬
‫ينتظرهييم حتييى يفرغوا ميين الصييلة‪ ،‬واختار مالك هذه الصييفة‪،‬‬
‫فالشافعيي آثير المسيند على الموقوف‪ ،‬ومالك آثير الموقوف لنيه‬
‫أشبيه بالصيول‪ :‬أعنيي أنيه ل يجلس (قوله يجلس لعله يسيلم كميا‬
‫يظهير مين سيابقه اهيي مصيححه) المام حتيى تفرغ الطائفية الثانيية‬
‫مين صيلتها لن المام متبوع ل متبيع وغيير مختلف علييه‪ .‬والصيفة‬
‫الثالثة ما ورد في حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن‬
‫أبيه‪ ،‬رواه الثوري وجماعة وخرجه أبو داود قال‪ :‬صلى رسول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم صيلة الخوف بطائفية وطائفية مسيتقبلوا‬
‫العدو‪ ،‬فصلى بالذين معه ركعة وسجدتين وانصرفوا ولم يسلموا‬
‫فوقفوا بإزاء العدو‪ ،‬ثم جاء الخرون فقاموا معه فصلى بهم ركعة‬
‫ثييم سييلم فقام هؤلء فصييلوا لنفسييهم ركعيية ثييم سييلموا وذهبوا‪،‬‬
‫فقاموا مقام أولئك مسييتقبلي العدو‪ ،‬ورجييع أولئك إلى مراتبهييم‬
‫فصيلوا لنفسيهم ركعية ثيم سيلموا "وبهذه الصيفة قال أبيو حنيفية‬
‫وأصحابه ما خل أبا يوسف على ما تقدم"‪ .‬والصفة الرابعة الواردة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في حديث أبي عياش الزرقي قال "كنا مع رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم بعسيفان وعلى المشركيين خالد بين الولييد‪ ،‬فصيلينا‬
‫الظهر‪ ،‬فقال المشركون‪ :‬لقد أصبنا غفلة لو كنا حملنا عليهم وهم‬
‫فييي الصييلة‪ ،‬فأنزل الله آييية القصيير بييين الظهيير والعصيير‪ ،‬فلمييا‬
‫حضرت العصير قام رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم مسيتقبل‬
‫القبلة والمشركون أمامه فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسيلم صيف واحيد وصيف بعيد ذلك صيف آخير‪ ،‬فركيع رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعا ثم سجد وسجد الصف الذي‬
‫يليييه وقام الخيير يحرسييونهم فلمييا صييلى هؤلء سييجدتين وقاموا‬
‫سيجد الخرون الذيين كانوا خلفيه ثيم تأخير الصيف الذي يلييه إلى‬
‫مقام الخرين‪ ،‬وتقدم الصف الخر إلى مقام الصف الول ثم ركع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعا‪ ،‬ثم سجد وسجد‬
‫الصيف الذي يلييه‪ ،‬وقام الخرون يحرسيونهم‪ ،‬فلميا جلس رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم والصيف الذي يلييه سيجد الخرون ثيم‬
‫جلسيوا جميعيا فسيلم بهيم جميعيا" وهذه الصيلة صيلها بعسيفان‬
‫وصلها يوم بني سليم‪.‬‬
‫قال أبيو داود‪ :‬وروي هذا عين جابر وعين ابين عباس وعين مجاهيد‪،‬‬
‫وعن أبي موسى وعن هشام ابن عروة عن أبيه عن النبي صلى‬
‫الله علييه وسيلم‪ ،‬قال‪ :‬وهيو قول الثوري وهيو أحوطهيا يرييد أنيه‬
‫ليس في هذه الصفة كبير عمل مخالف لفعال الصلة المعروفة‪،‬‬
‫وقال بهذه الصيفة جملة مين أصيحاب مالك وأصيحاب الشافعيي‪،‬‬
‫وخرجهيا مسيلم عين جابر‪ ،‬وقال جابر‪ :‬كميا يصينع حرسيكم هؤلء‬
‫بأمرائكيم‪ .‬والصيفة الخامسية الواردة فيي حدييث حذيفية قال ثعلبية‬
‫بين زهدم قال كنيا ميع سيعيد بين العاصيي بطبرسيتان‪ ،‬فقام فقال‪:‬‬
‫أيكيم صيلى ميع رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم صيلة الخوف؟‬
‫قال حذيفيية‪ :‬أنييا‪ ،‬فصييلى بهؤلء ركعيية وبهؤلء ركعيية ولم يقضوا‬
‫شيئا"‬
‫وهذا مخالف للصييل مخالفيية كثيرة‪ .‬وخرج أيضييا عيين ابيين عباس‬
‫فيي معناه أنيه قال "الصيلة على لسيان نيبيكم فيي الحضير أربيع‬
‫وفي السفر ركعتان وفي الخوف ركعة واحدة" وأجاز هذه الصفة‬
‫الثوري‪ .‬والصيفة السيادسة الواردة فيي حدييث أبيي بكرة وحدييث‬
‫جابر عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم أنيه صيلى بكيل طائفية مين‬
‫الطائفتيين ركعتيين ركعتيين‪ ،‬وبيه كان يفتيي الحسين‪ ،‬وفييه دلييل‬
‫على اختلف نييية المام والمأموم لكونييه متمييا‪ ،‬وهييم مقصييرون‪،‬‬
‫خرجه مسلم عن جابر‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والصيفة السيابعة الواردة فيي حدييث ابين عمير عين النيبي علييه‬
‫الصيلة والسيلم أنيه كان إذا سيئل عين صيلة الخوف قال‪ :‬يتقدم‬
‫المام وطائفية مين الناس فيصيلي بهيم ركعية‪ .‬وتكون طائفية منهيم‬
‫بينيه وبيين العدو لم يصيلوا‪ ،‬فإذا صيلى الذيين معيه ركعية اسيتأخروا‬
‫مكان الذيين لم يصيلوا معيه ول يسيلمون‪ ،‬ويتقدم الذيين لم يصيلوا‬
‫فيصيلون معيه ركعية‪ ،‬ثيم ينصيرف المام وقيد صيلى ركعتيين تتقدم‬
‫كيل واحدة مين الطائفتيين فيصيلون لنفسيهم ركعية ركعية بعيد أن‬
‫ينصرف المام فتكون كل واحدة من الطائفتين قد صلت ركعتين‪،‬‬
‫فإن كان خوف أشيد مين ذلك صيلوا رجال قياميا على أقدامهيم‪ ،‬أو‬
‫ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها‪ ،‬وممن قال بهذه الصفة‬
‫أشهب عن مالك وجماعة‪ .‬وقال أبو عمر‪ :‬الحجة لمن قال بحديث‬
‫ابين عمير هذا أنيه ورد بنقيل الئمية أهيل المدينية وهيم الحجية فيي‬
‫النقيل على مين خالفهيم‪ ،‬وهيي أيضيا ميع هذا أشبيه بالصيول‪ ،‬لن‬
‫الطائفة الولى والثانية لم يقضوا الركعة إل بعد خروج رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم من الصلة وهو المعروف من سنة القضاء‬
‫المجتمع عليها في سائر الصلوات‪ ،‬وأكثر العلماء على ما جاء في‬
‫هذا الحديييث ميين أنييه إذا اشتييد الخوف جاز أن يصييلوا مسييتقبلي‬
‫القبلة وغيير مسيتقبليها‪ ،‬وإيماء مين غيير ركوع ول سيجود‪ .‬وخالف‬
‫فييي ذلك أبييو حنيفيية فقال‪ :‬ل يصييلي الخائف إل إلى القبلة‪ ،‬ول‬
‫يصيلي أحيد فيي حال المسيايفة‪ .‬وسيبب الخلف فيي ذلك مخالفية‬
‫هذا الفعيل للصيول‪ ،‬وقيد رأى قوم أن هذه الصيفات كلهيا جائزة‪،‬‬
‫وأن للمكلف أن يصلي أيتها أحب‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن هذا الختلف إنما‬
‫كان بحسب اختلف المواطن‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس من الجملة الثالثة في صلة المريض‪.‬‬
‫@‪-‬أجمييع العلماء على أن المريييض مخاطييب بأداء الصييلة‪ ،‬وأنييه‬
‫يسيقط عنيه فرض القيام إذا لم يسيتطعه ويصيلي جالسيا‪ ،‬وكذلك‬
‫يسيقط عنيه فرض الركوع والسيجود إذا لم يسيتطعهما أو أحدهميا‬
‫ويوميئ مكانهميا‪ .‬واختلفوا فيمين له أن يصيلي جالسيا وفيي هيئة‬
‫الجلوس وفيييييي هيئة الذي ل يقدر على الجلوس ول على القيام‪،‬‬
‫فأما من له أن يصلي جالسا فإن قوما قالوا‪ :‬هذا الذي ل يستطيع‬
‫القيام أصيل‪ ،‬وقوم قالوا هيو الذي يشيق علييه القيام مين المرض‪،‬‬
‫وهيو مذهيب مالك‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيو‪ :‬هيل يسيقط فرض القيام‬
‫ميع المشقية أو ميع عدم القدرة؟ ولييس فيي ذلك نيص‪ .‬وأميا صيفة‬
‫الجلوس فإن قوميا قالوا‪ :‬يجلس متربعيا‪ :‬أعنيي الجلوس الذي هيو‬
‫بدل مين القيام‪ ،‬وكره ابين مسيعود الجلوس متربعيا‪ ،‬فمين ذهيب‬
‫إلى التربييع فل فرق بينيه وبيين جلوس التشهيد‪ ،‬ومين كره فلنيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ليييس ميين جلوس الصييلة‪ .‬وأمييا صييفة صييلة الذي ل يقدر على‬
‫القيام ول على الجلوس‪ ،‬فإن قوميا قالوا يصيلي مضطجعيا‪ ،‬وقوم‬
‫قالوا‪ :‬يصيلي كيفميا تيسير له‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬يصيلي مسيتقبل رجله‬
‫إلى الكعبة‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬إن لم يستطع الجلوس صلى على جنبه‪،‬‬
‫فإن لم يسيتطع على جنبيه صيلى مسيتلقيا ورجله إلى القبلة على‬
‫قدر طاقته‪ ،‬وهو الذي اختاره ابن المنذر‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الرابعية) وهذه الجملة تشميل مين أفعال الصيلة على‬
‫التي ليست أداء‪ ،‬وهذه هي إما إعادة وإما قضاء وإما جبر لما زاد‬
‫أو نقيص بالسيجود ففيي هذه الجملة إذا ثلثية أبواب‪ .‬الباب الول‪:‬‬
‫في العادة‪ .‬الباب الثاني‪ :‬في القضاء‪ .‬الباب الثالث‪ :‬في الجبران‬
‫الذي يكون بالسجود‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في العادة‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب الكلم فيه في السباب التي تقتضي العادة‪ ،‬وهي‬
‫مفسدات الصلة‪ .‬واتفقوا على أن من صلى بغير طهارة أنه يجب‬
‫علييه العادة عمدا أو نسييانا‪ ،‬وكذلك مين صيلى لغيير القبلة عمدا‬
‫كان ذلك أو نسيانا‪.‬‬
‫وبالجملة فكيل مين أخيل بشرط مين شروط صيحة الصيلة وجبيت‬
‫عليييه العادة وإنمييا يختلفون ميين أجييل اختلفهييم فييي الشروط‬
‫المصححة‪.‬‬
‫(وهيا هنيا مسيائل تتعلق بهذا الباب خارجية عميا ذكير مين فروض‬
‫الصييلة اختلفوا فيهييا) فمنهييا أنهييم اتفقوا على أن الحدث يقطييع‬
‫الصيلة‪ ،‬واختلفوا هيل يقتضيي العادة مين أولهيا إذا كان قيد ذهيب‬
‫منها ركعة أو ركعتان قبل طرو الحدث أم يبني على ما قد مضى‬
‫مين الصيلة‪ ،‬فذهيب الجمهور إلى أنيه ل يبنيي ل فيي حدث ول فيي‬
‫غيره مما يقطع الصلة إل في الرعاف فقط‪ .‬ومنهم من رأى أنه‬
‫ل يبنييي ل فييي الحدث ول فييي الرعاف‪ ،‬وهييو الشافعييي‪ ،‬وذهييب‬
‫الكوفيون إلى أنه يبني في الحداث كلها‪ .‬وسبب اختلفهم أنه لم‬
‫يرد في جواز ذلك أثر عن النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬وإنما صح‬
‫عن ابن عمر أنه رعف في الصلة فبنى ولم يتوضأ‪ ،‬فمن رأى أن‬
‫هذا الفعل من الصحابي يجري مجرى التوقيف إذ ليس يمكن أن‬
‫يفعيل مثيل هذا بقياس أجاز هذا الفعيل‪ ،‬ومين كان عنده مين هؤلء‬
‫أن الرعاف ليييس بحدث أجاز البناء فييي الرعاف فقييط ولم يعده‬
‫لغيره‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ ،‬ومن كان عنده أنه حدث أجاز البناء في‬
‫سائر الحداث قياسا على الرعاف‪ ،‬ومن رأى أن مثل هذا ل يجب‬
‫أن يصيار إلييه إل بتوقييف مين النيبي علييه الصيلة والسيلم إذ قيد‬
‫انعقد الجماع على أن المصلي إذا انصرف إلى غير القبلة أنه قد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خرج مين الصيلة‪ ،‬وكذلك إذا فعيل فيهيا فعل كثيرا لم يجيز البناء ل‬
‫في الحدث ول في في الرعاف‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية) اختلف العلماء هل يقطع الصلة مرور شيء‬
‫بيين يدي المصيلي إذا صيلى لغيير سيترة أو مير بينيه وبيين السيترة؟‬
‫فذهيب الجمهور إلى أنيه ل يقطيع الصيلة شييء‪ ،‬وأنيه لييس علييه‬
‫العادة‪ ،‬وذهبييت طائفيية إلى أنييه يقطييع الصييلة‪ :‬المرأة والحمار‬
‫والكلب السيود‪ .‬وسيبب هذا الخلف معارضية القول للفعيل‪ ،‬وذلك‬
‫أنه خرج مسلم عن أبي ذر أنه عليه الصلة والسلم قال "يقطع‬
‫الصييلة المرأة والحمار والكلب السييود" وخرج مسييلم والبخاري‬
‫عن عائشة أنها قالت "لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم معترضية كاعتراض الجنازة وهيو يصيلي" وروي مثيل‬
‫قول الجمهور عيين علي وعيين أبييي‪ ،‬ول خلف بينهييم فييي كراهييية‬
‫المرور بيين يدي المنفرد والمام إذا صيلى لغيير سيترة أو مير بينيه‬
‫وبين السترة‪ ،‬ولم يروا بأسا أن يمر خلف السترة وكذلك لم يروا‬
‫بأسييا أن يميير بييين يدي المأموم لثبوت حديييث ابيين عباس وغيره‬
‫قال "لقييد أقبلت راكبييا على أتان وأنييا يومئذ قييد ناهزت الحتلم‬
‫ورسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يصيلي بالناس‪ ،‬فمررت بيين‬
‫يدي بعييض الصييفوف‪ ،‬فنزلت وأرسييلت التان ترتييع ودخلت فييي‬
‫الصيييف‪ ،‬فلم ينكييير علي ذلك أحيييد" وهذا عندهيييم يجري مجرى‬
‫المسند‪ ،‬وفيه نظر‪ ،‬وإنما اتفق الجمهور على كراهية المرور بين‬
‫يدي المصييلي‪ ،‬لمييا جاء فيييه ميين الوعيييد فييي ذلك‪ ،‬ولقوله عليييه‬
‫الصلة والسلم فيه "فليقاتله فإنما هو شيطان"‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) اختلفوا فييي النفييخ فييي الصييلة على ثلثيية‬
‫أقوال‪ :‬فقوم كرهوه ولم يروا العادة على ميييييييييين فعله‪ ،‬وقوم‬
‫أوجبوا العادة على ميين نفييخ‪ ،‬وقوم فرقوا بييين أن يسييمع أو ل‬
‫يسمع‪ .‬وسبب اختلفهم تردد النفخ بين أن يكون كلما أو ل يكون‬
‫كلما‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الرابعيية) اتفقوا على أن الضحييك يقطييع الصييلة‪،‬‬
‫واختلفوا فيي التبسيم وسيبب اختلفهيم تردد التبسيم بيين أن يلحيق‬
‫بالضحك أو ل يلحق به‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الخامسية) اختلفوا فيي صيلة الحاقين‪ ،‬فأكثير العلماء‬
‫يكرهون أن يصلي الرجل وهو حاقن‪ ،‬لما روي من حديث زيد بن‬
‫أرقيم قال‪ :‬سيمعت رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يقول "إذا‬
‫أراد أحدكيم الغائط فليبدأ بيه قبيل الصيلة" ولميا روي عين عائشية‬
‫عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يصلي أحدكم بحضرة‬
‫الطعام ول وهييو يدافييع الخبثان" يعنييي الغائط والبول‪ .‬ولمييا ورد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين النهيي عين ذلك عين عمير أيضيا‪ ،‬وذهيب قوم إلى أن صيلته‬
‫فاسيدة‪ ،‬وأنيه يعييد‪ .‬وروى ابين القاسيم عين مالك ميا يدل على أن‬
‫صيلة الحاقين فاسيدة‪ ،‬وذلك أنيه روي عنيه أنيه أمره بالعادة فيي‬
‫الوقيت وبعيد الوقيت‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم اختلفهيم فيي النهيي‪،‬‬
‫هل يدل على فساد المنهى عنه أم ليس يدل على فساده؟ وإنما‬
‫يدل على تأثيييم ميين فعله فقييط إذا كان أصييل الفعييل الذي تعلق‬
‫النهييي بييه واجبييا أو جائزا‪ ،‬وقييد تمسييك القائلون بفسيياد صييلته‬
‫بحدييث رواه الشاميون‪ ،‬منهيم مين يجعله عين ثوبان‪ ،‬ومنهيم مين‬
‫يجعله عين أبيي هريرة عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "ل‬
‫يحل لمؤمن أن يصلي وهو حاقن جدا" قال أبو عمر بن عبد البر‪:‬‬
‫هو حديث ضعيف السند ل حجة فيه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيادسة) اختلفوا فيي رد سيلم المصيلي على مين‬
‫سلم عليه‪ ،‬فرخصت فيه طائفة منهم سعيد بن المسيب والحسن‬
‫بين أبيي الحسين البصيري وقتادة‪ .‬ومنيع ذلك قوم بالقول وأجازوا‬
‫الرد بالشارة‪ ،‬وهييو مذهييب مالك والشافعييي‪ ،‬ومنييع آخرون رده‬
‫بالقول والشارة‪ ،‬وهو مذهب النعمان‪ ،‬وأجاز قوم الرد في نفسه‪،‬‬
‫وقوم قالوا يرد إذا فرغ مين الصيلة‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم‪ :‬هيل‬
‫رد السيلم نوع مين التكلم فيي الصيلة المنهيى عنيه أم ل؟ فمين‬
‫رأى أنيه مين نوع الكلم المنهيى عنيه‪ ،‬وخصيص المير برد السيلم‬
‫فييي قوله تعالى {وإذا حييتييم بتحييية فحيوا بأحسيين منهييا} الييية‬
‫بأحاديييث النهييي عيين الكلم فييي الصييلة قال‪ :‬ل يجوز الرد فييي‬
‫الصييلة‪ ،‬وميين رأى أنييه ليييس داخل فييي الكلم المنهييى عنييه‪ ،‬أو‬
‫خصيص أحادييث النهيي بالمير برد السيلم أجازه فيي الصيلة‪ .‬قال‬
‫أبيو بكير بين المنذر‪ ،‬ومين قال ل يرد ول يصيير فقيد خالف السينة‪،‬‬
‫فإنه قد أخبر حبيب أن النبي عليه الصلة والسلم رد على الذين‬
‫سلموا عليه وهو في الصلة بإشارة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في القضاء‪.‬‬
‫@‪-‬والكلم في هذا الباب على من يجب القضاء‪ ،‬وفي صفة أنواع‬
‫القضاء وفييي شروطييه‪ ،‬فأمييا على ميين يجييب القضاء؟ فاتفييق‬
‫المسييلمون على أنييه يجييب على الناسييي والنائم‪ ،‬واختلفوا فييي‬
‫العامد والمغمى عليه‪ ،‬وإنما اتفق المسلمون على وجوب القضاء‬
‫على الناسييي والنائم لثبوت قوله عليييه الصييلة والسييلم وفعله‪:‬‬
‫وأعنيي بقوله علييه الصيلة والسيلم "رفيع القلم عين ثلث" فذكير‬
‫النائم وقوله "إذا نام أحدكييم عيين الصييلة أو نسيييها فليصييلها إذا‬
‫ذكرهيا" وميا روي أنيه نام عين الصيلة حتيى خرج وقتهيا فقضاهيا‪.‬‬
‫وأميا تاركهيا عمدا حتيى يخرج الوقيت‪ ،‬فإن الجمهور على أنيه آثيم‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأن القضاء عليييه واجييب وذهييب بعييض أهييل الظاهيير إلى أنييه ل‬
‫يقضيي وأنيه آثيم‪ ،‬وأحيد مين ذهيب إلى ذلك أبيو محميد بين حزم‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم اختلفهيم فيي شيئيين‪ :‬أحدهميا فيي جواز القياس‬
‫في الشرع‪ .‬والثاني في قياس العامد على الناسي إذا سلم جواز‬
‫القياس‪ .‬فميين رأى أنييه إذا وجييب القضاء على الناسييي الذي قييد‬
‫عذره الشرع في أشياء كثيرة‪ ،‬فالمتعمد أحرى أن يجب عليه لنه‬
‫غييير معذور أوجييب القضاء عليييه‪ ،‬وميين رأى أن الناسييي والعامييد‬
‫ضدان‪ :‬والضداد ل يقاس بعضهيا على بعيض إذ أحكامهيا مختلفية‪،‬‬
‫وإنميا تقاس الشباه‪ ،‬لم يجيز قياس العاميد على الناسيي‪ ،‬والحيق‬
‫فييي هذا أنييه إذا جعييل الوجوب ميين باب التغليييظ كان القياس‬
‫سيائغا‪ .‬وأميا إن جعيل مين باب الرفيق بالناسيي والعذر له وأن ل‬
‫يفوتيه ذلك الخييير‪ ،‬فالعامييد فييي هذا ضييد الناسييي‪ ،‬والقياس غييير‬
‫سائغ لن الناسي معذور والعامد غير معذور‪ ،‬الصل أن القضاء ل‬
‫يجيب بأمير الداء‪ ،‬وإن ما يجب بأمر مجدد على ما قال المتكلمون‪،‬‬
‫لن القاضيي قيد فاتيه أحيد شروط التمكين مين وقوع الفعيل على‬
‫صحته‪ ،‬وهو الوقت إذ كان شرطا من شروط الصحة والتأخير عن‬
‫الوقت في قياس التقديم عليه‪ ،‬لكن قد ورد الثر بالناسي والنائم‬
‫وتردد العامييد بييين أن يكون شبيهييا أو غييير شييبيه‪ ،‬والله الموفييق‬
‫للحيق‪ .‬وأميا المغميى علييه‪ ،‬فإن قوميا أسيقطوا عنيه القضاء فيميا‬
‫ذهييب وقتييه‪ ،‬وقوم أوجبوا عليييه القضاء‪ .‬وميين هؤلء ميين اشترط‬
‫القضاء فيي عدد معلوم‪ ،‬وقالوا‪ :‬يقضيي فيي الخميس فميا دونهيا‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم تردده بيين النائم والمجنون‪ ،‬فمين شبهيه‬
‫بالنائم أوجييب عليييه القضاء‪ ،‬وميين شبهييه بالمجنون أسييقط عنييه‬
‫الوجوب‪ .‬وأمييييا صييييفة القضاء‪ ،‬فإن القضاء نوعان‪ :‬قضاء لجملة‬
‫الصيلة‪ ،‬وقضاء لبعضهيا‪ .‬أميا قضاء الجملة فالنظير فييه فيي صيفة‬
‫القضاء وشروطه ووقته‪ .‬فأما صفة القضاء فهي بعينها صفة الداء‬
‫إذا كانيت الصيلتان فيي صيفة واحدة مين الفرضيية وأميا إذا كانيت‬
‫في أحوال مختلفة مثل أن يذكر صلة حضرية في سفر أو صلة‬
‫سييفرية فييي حضيير‪ ،‬فاختلفوا فييي ذلك على ثلثيية أقوال‪ :‬فقوم‬
‫قالوا‪ :‬إنما يقضي مثل الذي عليه ولم يراعوا الوقت الحاضر‪ ،‬وهو‬
‫مذهيب مالك وأصيحابه‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬إنميا يقضيي أبدا أربعيا سيفرية‬
‫كانييت منسييية أو حضرييية‪ ،‬فعلى رأي هؤلء إن ذكيير فييي السييفر‬
‫حضرية صلها حضرية‪ ،‬وإن ذكر في الحضر سفرية صلها حضرية‬
‫وهيو مذهيب الشافعيي‪ .‬وقال قوم‪ :‬إنميا يقضيي أبدا فرض الحال‬
‫التي هو فيها فيقضي الحضرية في السفر سفرية‪ ،‬والسفرية في‬
‫الحضير حضريية‪ ،‬فمين شبيه القضاء بالداء راعيى الحال الحاضرة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجعيل الحكيم لهيا قياسيا على المرييض يتذكير صيلة نسييها فيي‬
‫الصييحة أو الصييحيح يتذكيير صييلة نسيييها فييي المرض‪ :‬أعنييي أن‬
‫فرضيه هيو فرض الصيلة فيي الحال الحاضرة‪ ،‬ومين شبيه القضاء‬
‫بالديون أوجب للمقضية صفة المنسية‪ .‬وأما من أوجب أن يقضي‬
‫أبدا حضرييية‪ ،‬فراعييى الصييفة فييي إحداهمييا والحال فييي الخرى‪،‬‬
‫أعني أنه إذا ذكر الحضرية في السفر راعى صفة المقضية‪ ،‬وإذا‬
‫ذكير السيفرية فيي الحضير راعيى الحال؛ وذلك اضطراب جار على‬
‫غير قياس إل أن يذهب مذهب الحتياط‪ ،‬وذلك بتصور فيمن يرى‬
‫القصر رخصة‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا شروط القضاء ووقتيه) فإن مين شروطيه الذي اختلفوا‬
‫فيييه الترتيييب وذلك أنهييم اختلفوا فييي وجوب الترتيييب فييي قضاء‬
‫المنسييات‪ :‬أعنيي بوجوب ترتييب المنسييات ميع الصيلة الحاضرة‬
‫الوقيت‪ ،‬وترتييب المنسييات بعضهيا ميع بعيض إذا كانيت أكثير مين‬
‫صييلة واحدة‪ ،‬فذهييب مالك إلى أن الترتيييب واجييب فيهييا فييي‬
‫الخميس صيلوات فميا دونهيا‪ ،‬وأنيه يبدأ بالمنسيية وإن فات وقيت‬
‫الحاضرة حتييى أنييه قال‪ :‬إن ذكيير المنسييية وهييو فييي الحاضرة‬
‫فسييدت الحاضرة عليييه‪ ،‬وبمثييل ذلك قال أبييو حنيفيية والثوري إل‬
‫أنهيم رأوا الترتييب واجبيا ميع اتسياع وقيت الحاضرة‪ ،‬واتفيق هؤلء‬
‫على سقوط وجوب الترتيب مع النسيان‪ .‬وقال الشافعي ل يجب‬
‫الترتييب‪ ،‬وإن فعيل ذلك إذا كان فيي الوقيت متسيع فحسين يعنيي‬
‫فيي وقيت الحاضرة‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم اختلف الثار فيي هذا‬
‫الباب واختلفهييم فييي تشييبيه القضاء بالداء‪ .‬فأمييا الثار فإنييه ورد‬
‫فييي ذلك حديثان متعارضان‪ :‬أحدهمييا مييا روي عنييه عليييه الصييلة‬
‫والسييلم أنييه قال "ميين نسييي صييلة وهييو مييع المام فييي أخرى‬
‫فليصيل ميع المام‪ ،‬فإذا فرغ مين صيلته فليعيد الصيلة التيي نسيي‬
‫ثييم ليعييد الصييلة التييي صييلى مييع المام" وأصييحاب الشافعييي‬
‫يضعفون هذا الحديث ويصححون حديث ابن عباس أن النبي عليه‬
‫الصيلة والسيلم قال "إذا نسيي أحدكيم صيلة فذكرهيا وهيو فيي‬
‫صييلة مكتوبيية فليتييم التييي هييو فيهييا‪ ،‬فإذا فرغ منهييا قضييى التييي‬
‫نسيي" والحدييث الصيحيح فيي هذا الباب هيو ميا تقدم مين قوله‬
‫عليييه الصييلة والسييلم‪ ،‬إذا نام أحدكييم عيين الصييلة أو نسيييها"‬
‫الحدييث‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي جهية تشيبيه القضاء بالداء فإن مين‬
‫رأى أن الترتيب في الداء إنما لزم من أجل أن أوقاتها المختصة‬
‫بصلة منها هي مرتبة في نفسها إذ كان الزمان ل يعقل إل مرتبا‬
‫لم يلحق بها القضاء‪ ،‬لنه ليس للقضاء وقت مخصوص ومن رأى‬
‫أن الترتييب فيي الصيلوات المؤداة هيو فيي الفعيل وإن كان الزمان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واحدا مثيل الجميع بيين الصيلتين فيي وقيت إحداهميا‪ ،‬شبيه القضاء‬
‫بالداء‪ :‬وقيد رأت المالكيية أن توجيب الترتييب للمقضيية مين جهية‬
‫الوقيت ل مين جهية الفعيل لقوله علييه الصيلة والسيلم‪" :‬فليصيلها‬
‫إذا ذكرهيا" قالوا‪ :‬فوقيت المنسيية وهيو وقيت الذكير‪ ،‬ولذلك وجيب‬
‫أن تفسييد عليييه الصييلة التييي هييو فيهييا فييي ذلك الوقييت‪ ،‬وهذا ل‬
‫معنيى له لنيه إن كان وقيت الذكير وقتيا للمنسيية فهيو بعينيه أيضيا‬
‫وقييت للحاضرة أو وقييت للمنسيييات إذا كانييت أكثيير ميين صييلة‬
‫واحدة‪ ،‬وإذا كان الوقييت واحدا فلم يبيق أن يكون الفسياد الواقيع‬
‫فيهيا إل مين قبيل الترتييب بينهيا كالترتييب الذي يوجيد فيي أجزاء‬
‫الصييلة الواحدة فإنييه ليييس إحدى الصييلتين أحييق بالوقييت ميين‬
‫صياحبتها إذ كان وقتيا لكليهميا إل أن يقوم دلييل الترتييب‪ ،‬ولييس‬
‫ههنييا عندي شيييء يمكيين أن يجعييل أصييل فييي هذا الباب لترتيييب‬
‫المنسيات إل الجمع عند من سلمه‪ ،‬فإن الصلوات المؤداة أوقاتها‬
‫مختلفة والترتيب في القضاء إنما يتصور في الوقت الواحد بعينه‬
‫للصلتين معا‪ ،‬فافهم هذا فإن فيه غموضا‪ ،‬وأظن مالكا رحمه الله‬
‫إنمييا قاس ذلك على الجمييع وإنمييا صييار الجميييع إلى اسييتحسان‬
‫الترتييب فيي المنسييات إذا لم يخيف فوات الحاضرة لصيلته علييه‬
‫الصيلة والسيلم الصيلوات الخميس يوم الخندق مرتبية‪ ،‬وقيد احتيج‬
‫بهذا مييين أوجيييب القضاء على العاميييد‪ ،‬ول معنيييى لهذا‪ ،‬فإن هذا‬
‫منسوخ‪ ،‬وأيضا فإنه كان تركا لعذر وأما التحديد في الخمس فما‬
‫دونهييا فليييس له وجييه إل أن يقال‪ :‬إنييه إجماع‪ ،‬فهذا حكييم القضاء‬
‫الذي يكون فيي فوات جملة الصيلة‪ ،‬وأميا القضاء الذي يكون فيي‬
‫فوات بعيض الصيلوات‪ ،‬فمنيه ميا يكون سيببه النسييان‪ ،‬ومنيه ميا‬
‫يكون سيببه سيبق المام للمأموم‪ :‬أعنيي أن يفوت المأموم بعيض‬
‫صلة المام‪ ،‬فأما إذا فات المأموم بعض الصلة‪ ،‬فإن فيه مسائل‬
‫ثلثا قواعد‪ :‬إحداها متى تفوت الركعة‪ .‬والثانية هل إتيانه بما فاته‬
‫بعيد صيلة المام أداء أو قضاء‪ .‬والثالثية متيى يلزميه حكيم صيلة‬
‫المام ومتيى ل يلزميه ذلك‪ .‬أميا متيى تفوتيه الركعية‪ ،‬فإن فيي ذلك‬
‫مسألتين‪ :‬إحداهما إذا دخل والمام قد أهوى إلى الركوع‪ ،‬والثانية‬
‫إذا كان مع المام في الصلة ف سها أن يتبعه في الركوع أو منعه‬
‫ذلك ما وقع من زحام أو غيره‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الولى) فإن فيهيا ثلثية أقوال‪ :‬أحدهيا وهيو الذي‬
‫عليه الجمهور أنه إذا أدرك المام قبل أن يرفع رأسه من الركوع‬
‫وركييع معييه فهييو مدرك للركعيية وليييس عليييه قضاؤهييا‪ ،‬وهؤلء‬
‫اختلفوا‪ :‬هييل ميين شرط هذا الداخييل أن يكييبر تكييبيرتين تكييبيرة‬
‫للحرام وتكييبيرة للركوع أو يجزيييه تكييبيرة الركوع؟‪ .‬وإن كانييت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تجزيه فهل من شرطها أن ينوي بها تكبيرة الحرام أم ليس ذلك‬


‫مين شرطهيا؟ فقال بعضهيم‪ :‬بيل تكيبيرة واحدة تجزييه إذا نوى بهيا‬
‫تكييبيرة الفتتاح‪ ،‬وهييو مذهييب مالك والشافعييي‪ ،‬والختيار عندهييم‬
‫تكبيرتان‪ ،‬وقال قوم‪ :‬ل بد من تكبيرتين‪ ،‬وقال قوم‪ :‬تجزى واحدة‬
‫وإن لم ينيو بهيا تكيبيرة الفتتاح‪ .‬والقول الثانيي أنيه إذا ركيع المام‬
‫فقد فاتته الركعة‪ ،‬وأنه ل يدركها ما لم يدركه قائما وهو منسوب‬
‫إلى أبييي هريرة‪ .‬والقول الثالث أنييه إذا انتهييى إلى الصييف الخيير‬
‫وقيد رفيع المام رأسيه ولم يرفيع بعضهيم‪ ،‬فأدرك ذلك أنيه يجزييه‬
‫لن بعضهيم أئمية لبعيض‪ ،‬وبيه قال الشعيبي‪ .‬وسيبب هذا الختلف‬
‫تردد اسم الركعة بين أن يدل على الفعل نفسه الذي هو النحناء‬
‫فقيط‪ ،‬أو على النحناء والوقوف معيا‪ ،‬وذلك أنيه قال علييه الصيلة‬
‫والسلم‪" :‬من أدرك من الصلة ركعة فقد أدرك الصلة" قال ابن‬
‫المنذر‪ :‬ثبيت ذلك عين رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬فمين‬
‫كان اسيم الركعية ينطلق عنده على القيام والنحناء معيا قال‪ :‬إذا‬
‫فاته قيام المام فقد فاتته الركعة‪ ،‬ومن كان اسم الركعة ينطلق‬
‫عنده على النحناء نفسييه جعيييل إدراك النحناء إدراكيييا للركعيية‪،‬‬
‫والشتراك الذي عرض لهذا السيم إنميا هيو مين قبيل تردده بيين‬
‫المعنيى اللغوي والمعنيى الشرعيي‪ ،‬وذلك أن اسيم الركعية ينطلق‬
‫لغيية على النحناء‪ ،‬وينطلق شرعييا على القيام والركوع والسييجود‬
‫فمين رأى أن اسيم الركعية ينطلق فيي قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"من أدرك ركعية" على الركعة الشرعية ولم يذهب مذهيب الخيذ‬
‫ببعيض ميا تدل علييه السيماء قال‪ :‬لبيد أن يدرك ميع المام الثلثية‬
‫الحوال أعنيي‪ :‬القيام‪ ،‬والنحناء‪ ،‬والسيجود‪ ،‬ويحتميل أن يكون مين‬
‫ذهيب إلى اعتبار النحناء فقيط أن يكون اعتيبر أكثير ميا يدل علييه‬
‫السيم ههنيا لن مين أدرك النحناء فقيد أدرك منهيا جزأيين‪ ،‬ومين‬
‫فاته النحناء إنما هو أدرك منها جزءا واحدا فقط‪ ،‬فعلى هذا يكون‬
‫الخلف آيل إلى اختلفهم في الخذ ببعض دللة السماء أو بكلها‪،‬‬
‫فالخلف يتصيور فيهيا مين الوجهيين جميعيا‪ .‬وأميا مين اعتيبر الركوع‬
‫من في الصف من المأمومين فلن الركعة من الصلة قد تضاف‬
‫إلى المام فقييط‪ ،‬وقييد تضاف إلى المام والمأمومييين‪ .‬فسييبب‬
‫الختلف هيو الحتمال فيي هذه الضافية‪ :‬أعنيي قوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "مين أدرك ركعية مين الصيلة" وميا علييه الجمهور أظهير‪.‬‬
‫وأميا اختلفهيم فيي‪ :‬هيل تجزييه تكيبيرة واحدة أو تكيبيرتان؟ أعنيي‬
‫المأموم إذا دخل في الصلة والمام راكيع‪ .‬فسببه هل من شرط‬
‫تكبيرة الحرام أن يأتي بها واقفا أم ل؟ فمن رأى أن من شرطها‬
‫الموضيع الذي تفعيل فييه تعلقيا بالفعيل أعنيي فعله علييه الصيلة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والسلم‪ ،‬وكان يرى أن التكبير كله فرض قال‪ :‬لبد من تكبيرتين‪.‬‬


‫ومين رأى أنيه لييس مين شرطهيا الموضيع تعلقيا بعموم قوله علييه‬
‫الصلة والسلم "وتحريمها التكبير" وكان عنده أن تكبيرة الحرام‬
‫هيي فقيط الفرض قال‪ :‬يجزييه أن يأتيي بهيا وحدهيا‪ .‬وأميا مين أجاز‬
‫أن يأتييي بتكييبيرة واحدة ولم ينوبهييا تكييبيرة الحرام‪ ،‬فقيييل يبنييي‬
‫على مذهب من يرى أن تكبيرة الحرام ليست بفرض‪ ،‬وقيل إنما‬
‫يبني على مذهب من يجوز تأخير نية الصلة عن تكبيرة الحرام‪،‬‬
‫لنيه لييس معنيى أن ينوي تكيبيرة الحرام إل مقارنية النيية للدخول‬
‫فييي الصييلة‪ ،‬لن تكييبيرة الحرام لهييا وصييفان‪ :‬النييية المقارنيية‪،‬‬
‫والوليية‪ :‬أعنيي وقوعهيا فيي أول الصيلة‪ ،‬فمين اشترط الوصيفين‬
‫قال‪ :‬لبيد مين النيية المقارنية‪ ،‬ومين اكتفيى بالصيفة الواحدة اكتفيى‬
‫بتكبيرة واحدة‪ ،‬وإن لم تقارنها النية‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الثانييية) وهييي إذا سييها عيين اتباع المام فييي‬
‫الركوع حتيى سيجد المام‪ ،‬فإن قوميا قالوا‪ :‬إذا فاتيه إدراك الركوع‬
‫معيه‪ ،‬فقيد فاتتيه الركعية ووجيب علييه قضاؤهيا‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬يعتيد‬
‫بالركعيية إذا أمكنييه أن يتييم ميين الركوع قبييل أن يقوم المام إلى‬
‫الركعة الثانية‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬يتبعه ويعتد بالركعة ما لم يرفع المام‬
‫رأسييه ميين النحناء فييي الركعيية الثانييية‪ ،‬وهذا الختلف موجود‬
‫لصييحاب مالك‪ ،‬وفيييه تفصيييل واختلف بينهييم بييين أن يكون عيين‬
‫نسييان أو أن يكون عين زحام‪ ،‬وبيين أن يكون فيي جمعية أو فيي‬
‫غيييير جمعييية‪ ،‬وبيييين اعتبار أن يكون المأموم عرض له فيييي هذا‬
‫الركعيية الولى أو فييي الركعيية الثانييية‪ ،‬وليييس قصييدنا تفصيييل‬
‫المذهيب ول تخريجيه‪ ،‬وإنميا الغرض الشارة إلى قواعيد المسيائل‬
‫وأصيولها‪ ،‬فنقول‪ :‬إن سيبب الختلف فيي هذه المسيألة هيو‪ :‬هيل‬
‫ميين شرط فعييل المأموم أن يقارن فعييل المام‪ ،‬أو ليييس ميين‬
‫شرطييه ذلك؟ وهييل هذا الشرط هييو فييي جميييع أجزاء الركعيية‬
‫الثلثيية؟ أعنييي القيام والنحناء والسييجود أم إنمييا هييو شرط فييي‬
‫بعضهيا؟ ومتيى يكون إذا لم يقارن فعله فعيل المام اختلفيا علييه‪:‬‬
‫أعني أن يفعل هو فعل والمام فعل ثانيا‪ ،‬فمن رأى أنه شرط في‬
‫كل جزء من أجزاء الركعة الواحدة‪ :‬أعني أن يقارن فعل المأموم‬
‫فعل المام‪ ،‬وإل كان اختلفا عليه‪ ،‬وقد قال عليه الصلة والسلم‬
‫"فل تختلفوا علييه" قال‪ :‬متيى لم يدرك معيه مين الركوع ولو جزأ‬
‫يسييرا لم يعتيد بالركعية‪ ،‬ومين اعتيبره فيي بعضهيا قال‪ :‬هيو مدرك‬
‫للركعية إذا أدرك فعيل الركعية قبيل أن يقوم إلى الركعية الثانيية‪،‬‬
‫ولييس ذلك اختلفيا علييه‪ ،‬فإذا قام إلى الركعية الثانيية فإن اتبعيه‬
‫فقد اختلف عليه في الركعه الولى وأما من قال إنه يتبعه ما لم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ينحيين فييي الركعييه الثانييية فإنييه رأى أنييه ليييس ميين شرط فعييل‬
‫المأموم أن يقارن بعضييه بعييض فعييل المام ول كله‪ ،‬وإنمييا ميين‬
‫شرطييه أن يكون بعده فقييط‪ ،‬وإنمييا اتفقوا على أنييه إذا قام ميين‬
‫النحناء فيي الركعية الثانيية أنيه ل يعتيد بتلك الركعية إن اتبعيه فيهيا‪،‬‬
‫لنيه يكون فيي حكيم الولى والمام فيي حكيم الثانيية‪ ،‬وذلك غايية‬
‫الختلف عليه‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) مين المسيائل الثلث الول التيي هيي‬
‫أصول هذا الباب وهي‪ :‬هل إتيان المأموم بما فاته من الصلة مع‬
‫المام أداء أو قضاء؟ فإن فييي ذلك ثلثيية مذاهييب‪ ،‬قوم قالوا‪ :‬إن‬
‫ما يأتيي به بعد سيلم المام هيو قضاء وإن ما أدرك ليس هيو أول‬
‫صيلته‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬إن الذي يأتيي بيه بعيد سيلم المام هيو أداء‪،‬‬
‫وإن مييا أدرك هييو أول صييلته‪ .‬وقوم فرقوا بييين القوال والفعال‬
‫فقالوا‪ :‬يقضيي فيي القوال يعنون فيي القراءة‪ ،‬ويبنيي فيي الفعال‬
‫يعنون الداء‪ ،‬فمين أدرك ركعية مين صيلة المغرب على المذهيب‬
‫الول‪ :‬أعنيي مذهيب القضاء قام إذا سيلم المام إلى ركعتيين يقرأ‬
‫فيهميييا بأم القرآن وسيييورة مييين غيييير أن يجلس بينهميييا‪ ،‬وعلى‬
‫المذهيب الثانيي‪ :‬أعنيي على البناء قام إلى ركعية واحدة يقرأ فيهيا‬
‫بأم القرآن وسييورة ويجلس‪ ،‬ثييم يقوم إلى ركعيية يقرأ فيهييا بأم‬
‫القرآن فقييط‪ ،‬وعلى المذهييب الثالث يقوم إلى ركعيية فيقرأ فيهييا‬
‫بأم القرآن وسيورة‪ ،‬ثيم يجلس ثيم يقوم إلى ركعية ثانيية يقرأ فيهيا‬
‫أيضا بأم القرآن وسورة‪ ،‬وقد نسبت القاويل الثلثة إلى المذهب‪،‬‬
‫والصحيح عن مالك أنه يقضي في القوال ويبني في الفعال لنه‬
‫لم يختلف قوله في المغرب إنه إذا أدرك منها ركعة أنه يقوم إلى‬
‫الركعيية الثانييية ثييم يجلس‪ ،‬ول اختلف فييي قوله إنييه يقضييي بأم‬
‫القرآن وسورة وسبب اختلفهم أنه ورد في بعض روايات الحديث‬
‫المشهور "فما أدركتيم فصلوا وما فاتكيم فأتموا" والتمام يقتضي‬
‫أن يكون ما أدرك هيو أول صيلته وفيي بعيض رواياتيه "فميا أدركتيم‬
‫فصيلوا وميا فاتكيم فاقضوا" والقضاء يوجيب أن ميا أدرك هيو آخير‬
‫صيلته؛ فمين ذهيب مذهيب التمام قال‪ :‬ميا أدرك هيو أول صيلته؛‬
‫ومين ذهيب مذهيب القضاء قال‪ :‬ميا أدرك هيو آخير صيلته‪ ،‬ومين‬
‫ذهب مذهب الجمع جعل القضاء في القوال والداء في الفعال‪،‬‬
‫وهييو ضعيييف‪ :‬أعنييي أن يكون بعييض الصييلة أداء وبعضهييا قضاء‪،‬‬
‫واتفاقهم على وجوب الترتيب في أجزاء الصلة‪ ،‬وعلى أن موضع‬
‫تكيبيرة الحرام هيو افتتاح الصيلة‪ ،‬ففييه دلييل واضيح على أن ميا‬
‫أدرك هو أول صلته لكن تختلف نية المأموم والمام في الترتيب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فتأميل هذا‪ ،‬ويشبيه أن يكون هذا هيو أحيد ميا راعاه مين قال‪ :‬ميا‬
‫أدرك فهو آخر صلته‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثالثية) مين المسيائل الول‪ ،‬وهيي متيى يلزم‬
‫المأموم حكيم صيلة المام فيي التباع؟ فإن فيهيا مسيائل‪ :‬إحداهيا‬
‫متيى يكون مدركيا لصيلة الجمعية‪ .‬والثانيية‪ :‬متيى يكون مدركيا معيه‬
‫لحكييم سييجود السييهو‪ :‬أعنييي سييهو المام‪ .‬والثالثيية‪ :‬متييى يلزم‬
‫المسيافر الداخيل وراء إمام يتيم التمام إذا أدرك مين صيلة المام‬
‫بعضها‪.‬‬
‫@‪(-‬فأمييا المسييألة الولى) فإن قومييا قالوا‪ :‬إذا أدرك ركعيية ميين‬
‫الجمعة فقد أدرك الجمعة‪ ،‬ويقضي ركعة ثانية‪ ،‬وهو مذهب مالك‬
‫والشافعييي‪ ،‬فإن أدرك أقييل صييلى ظهرا أربعييا‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬بييل‬
‫يقضييي ركعتييين أدرك منهييا مييا أدرك‪ ،‬وهييو مذهييب أبييي حنيفيية‪،‬‬
‫وسبب الخلف في هذا هو ما يظن من التعارض بين عموم قوله‬
‫عليه الصلة والسلم‪" :‬ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" وبين‬
‫مفهوم قوله علييه الصيلة والسيلم‪" :‬مين أدرك ركعية مين الصيلة‬
‫فقيد أدرك الصيلة" فإنيه مين صيار إلى عموم قوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "وميا فاتكيم فأتموا" أوجيب أن يقضيي ركعتيين وإن أدرك‬
‫منهيا أقيل مين ركعتيين ومين كان المحذوف عنده فيي قوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "فقيد أدرك الصيلة" أي فقيد أدرك حكيم الصيلة‬
‫وقال‪ :‬دليييل الخطاب يقتضييي أن ميين أدرك أقييل ميين ركعيية فلم‬
‫يدرك حكم الصلة والمحذوف في هذا القول محتمل‪ ،‬فإنه يمكن‬
‫أن يراد به فضل الصلة‪ ،‬ويمكن أن يراد به وقت الصلة‪ ،‬ويمكن‬
‫أن يراد به حكم الصلة ولعله ليس هذا المجاز في أحدهما أظهر‬
‫منيه فيي الثانيي‪ ،‬فإن كان المير كذلك كان مين باب المجميل الذي‬
‫ل يقتضيي حكميا‪ ،‬وكان الخير بالعموم أولى‪ ،‬وإن سيلمنا أنيه أظهير‬
‫في أحد هذه المحذوفات وهو مثل الحكم على قول من يرى ذلك‬
‫لم يكين هذا الظاهير معارضيا للعموم‪ ،‬إل مين باب دلييل الخطاب‪،‬‬
‫والعموم أقوى مين دلييل الخطاب عنيد الجمييع‪ ،‬ولسييما الدلييل‬
‫المبنييي على المحتمييل أو الظاهيير‪ .‬وأمييا ميين يرى أن قوله عليييه‬
‫الصييلة والسييلم "فقييد أدرك الصييلة" أنييه يتضميين جميييع هذه‬
‫المحذوفات فضعيف وغير معلوم من لغة العرب‪ ،‬إل أن يتقرر أن‬
‫هنالك اصطلحا عرفيا أو شرعيا‪.‬‬
‫وأميا مسيألة اتباع المأموم للمام فيي السيجود‪ :‬أعنيي فيي سيجود‬
‫السيهو فإن قوميا اعتيبروا فيي ذلك الركعية‪ :‬أعنيي أن يدرك مين‬
‫الصييلة معييه ركعيية‪ ،‬وقوم لم يعتييبروا ذلك‪ ،‬فميين لم يعتييبر ذلك‬
‫فمصييرا إلى عموم قوله علييه الصيلة والسيلم "إنميا جعيل المام‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ليؤتيم بيه" ومين اعتيبر ذلك فمصييرا إلى مفهوم قوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "فقيد أدرك الصيلة" ولذلك اختلفوا فيي المسيألة الثالثية‬
‫فقال قوم‪ :‬إن المسيافر إذا أدرك مين صيلة المام الحاضرة أقيل‬
‫ميين ركعيية لم يتييم‪ ،‬وإذا أدرك ركعيية لزمييه التمام‪ ،‬فهذا حكييم‬
‫القضاء الذي يكون لبعيض الصيلة مين قبيل سيبق المام له‪ .‬وأميا‬
‫حكيم القضاء لبعيض الصيلة الذي يكون للمام والمنفرد مين قبيل‬
‫النسيييان‪ ،‬فإنهييم اتفقوا على أن مييا كان منهييا ركنييا فهييو يقضييي‪:‬‬
‫أعنيي فريضية‪ ،‬وأنيه لييس يجزي منيه إل التيان بيه‪ ،‬وفييه مسيائل‬
‫اختلفوا فيهييا‪ ،‬بعضهييم أوجييب فيهييا القضاء وبعضهييم أوجييب فيهييا‬
‫العادة‪ ،‬مثل من نسي أربع سجدات من أربع ركعات سجدة من‬
‫كيل ركعية‪ ،‬فإن قوميا قالوا‪ :‬يصيلح الرابعية بأن يسيجد لهيا‪ ،‬ويبطيل‬
‫ميا قبلهيا مين الركعات ثيم يأتيي بهيا‪ ،‬وهيو قول مالك‪ .‬وقوم قالوا‪:‬‬
‫تبطيل الصيلة بأسيرها ويلزميه العادة‪ ،‬وهيي إحدى الروايتيين عين‬
‫أحميد بين حنبيل‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬يأتيي بأربيع سيجدات متواليية وتكميل‬
‫بهيا صيلته‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية والثوري والوزاعيي‪ .‬وقوم قالوا‪:‬‬
‫يصيلح الرابعية ويعتيد بسيجدتين‪ ،‬وهيو مذهيب الشافعيي‪ .‬وسيبب‬
‫الخلف فيييي هذا مراعاة الترتييييب‪ ،‬فمييين راعاه فيييي الركعات‬
‫والسييجدات أبطييل الصييلة‪ ،‬وميين راعاه فييي السييجدات أبطييل‬
‫الركعات مييا عدا الخيرة قياسييا على قضاء مييا فات المأموم ميين‬
‫صيلة المام‪ ،‬ومين لم يراع الترتييب أجاز سيجودها معيا فيي ركعية‬
‫واحدة‪ ،‬ول سييما إذا اعتقيد أن الترتييب لييس هيو واجبيا فيي الفعيل‬
‫المكرر في كل ركعة‪ :‬أعني السجود‪ ،‬وذلك أن كل ركعة تشتمل‬
‫على قيام وانحناء وسيجود‪ ،‬والسيجود مكرر‪ ،‬فزعيم أصيحاب أبيي‬
‫حنيفة أن السجود لما كان مكررا لم يجب أن يراعي فيه التكرير‬
‫في الترتيب‪ ،‬ومن هذا الجنس اختلف أصحاب مالك فيمن نسي‬
‫قراءة أم القرآن مييين الركعييية الولى فقييييل ل يعتيييد بالركعييية‬
‫ويقضيهيا‪ ،‬وقييل يعييد الصيلة‪ ،‬وقييل يسيجد للسيهو وصيلته تامية‪،‬‬
‫وفروع هذا الباب كثيرة‪ ،‬وكلها غير منطوق به‪ ،‬وليس قصدنا ههنا‬
‫إل ما يجري مجرى الصول‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث من الجملة الرابعة في سجود السهو‪.‬‬
‫@‪-‬والسيجود المنقول فيي الشريعية فيي أحيد موضعيين إميا عنيد‬
‫الزيادة أو النقصيان اللذيين يقعان فيي أفعال الصيلة وأقوالهيا مين‬
‫قبل النسيان ل من قبل العمد‪ .‬وأما عند الشك في أفعال الصلة‪،‬‬
‫فأمييا السييجود الذي يكون ميين قبييل النسيييان ل ميين قبييل الشييك‬
‫فالكلم فييه ينحصير فيي سيتة فصيول‪ :‬الفصيل الول‪ :‬فيي معرفية‬
‫حكيم السيجود‪ .‬الثانيي‪ :‬فيي معرفية مواضعيه مين الصيلة‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي معرفية الجنيس مين الفعال والفعال التيي يسيجد لهيا‪ .‬الرابيع‪:‬‬
‫فيي صيفة سيجود السيهو‪ .‬الخاميس‪ :‬فيي معرفية مين يجيب علييه‬
‫سيجود السيهو‪ .‬السيادس‪ :‬بماذا ينبيه المأموم المام السياهي على‬
‫سهوه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول‪.‬‬
‫@‪-‬اختلفوا فييي سييجود السييهو هييل هييو فرض أو سيينة‪ ،‬فذهييب‬
‫الشافعيي إلى أنيه سينة‪ ،‬وذهيب أبيو حنيفية إلى أنيه فرض لكين مين‬
‫شروط صحة الصلة‪ .‬وفرق مالك بين السجود للسهو في الفعال‬
‫وبيين السيجود للسيهو فيي القوال وبيين الزيادة والنقصيان فقال‪:‬‬
‫سيجود السيهو الذي يكون للفعال الناقصية واجيب‪ ،‬وهيو عنده مين‬
‫شروط صيحة الصيلة‪ ،‬هذا فيي المشهور‪ ،‬وعنيه أن سيجود السيهو‬
‫للنقصيان واجيب وسيجود الزيادة مندوب والسيبب فيي اختلفهيم‬
‫اختلفهيم فيي حميل أفعاله علييه الصيلة والسيلم فيي ذلك على‬
‫الوجوب أو على الندب فأما أ بو حنيفية فحمل أفعاله عليه الصيلة‬
‫والسيلم فيي السيجود على الوجوب إذ كان هيو الصيل عندهيم إذ‬
‫جاء بيانييا لواجييب كمييا قال عليييه الصييلة والسييلم‪" :‬صييلوا كمييا‬
‫رأيتمونييي أصييلي" وأمييا الشافعييي فحمييل أفعاله فييي ذلك على‬
‫الندب وأخرجهيا عين الصيل بالقياس‪ ،‬وذلك أنيه لميا كان السيجود‬
‫عنيد الجمهور لييس ينوب عين فرض وإنميا ينوب عين ندب رأى أن‬
‫البدل عما ليس بواجب ليس هو بواجب‪ .‬وأما مالك فتأكدت عنده‬
‫الفعال أكثيير ميين القوال‪ ،‬لكونهييا ميين صييلب الصييلة أكثيير ميين‬
‫القوال‪ ،‬أعنيي أن الفروض التيي هيي أفعال هيي أكثير مين فروض‬
‫القوال‪ ،‬فكأنييه رأى أن الفعال آكييد ميين القوال‪ ،‬وإن كان ليييس‬
‫ينوب سيجود السيهو إل عميا كان منهيا لييس بفرض‪ ،‬وتفريقيه أيضيا‬
‫بيين سيجود النقصيان والزيادة على الروايية الثانيية ليكون سيجود‬
‫النقصيان شرع بدل مميا سيقط مين أجزاء الصيلة وسيجود الزيادة‬
‫كأنه استغفار ل بدل‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬اختلفوا في مواضع سجود السهو على خمسة أقوال‪ :‬فذهبت‬
‫الشافعية إلى أن سجود السهو موضعه أبدا قبل السلم‪ ،‬وذهبت‬
‫الحنفية إلى أن موضعه أبدا بعد السلم‪ .‬وفرقت المالكية فقالت‪:‬‬
‫إن كان السييجود لنقصييان كان قبييل السييلم وإن كان لزيادة كان‬
‫بعييد السييلم‪ .‬وقال أحمييد بيين حنبييل‪ :‬يسييجد قبييل السييلم فييي‬
‫المواضيع التيي سيجد فيهيا رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قبيل‬
‫السلم‪ ،‬ويسجد بعد السلم في المواضع التي سجد فيها رسول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم بعيد السيلم‪ ،‬فميا كان مين سيجود فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫غيير تلك المواضيع يسيجد له أبدا قبيل السيلم‪ .‬وقال أهيل الظاهير‪:‬‬
‫ل يسجد للسهو إل في المواضع الخمسة التي سجد فيها رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقط‪ ،‬وغير ذلك إن كان فرضا أتى به‪،‬‬
‫وإن كان ندبيا فلييس علييه شييء والسيبب فيي اختلفهيم أنيه علييه‬
‫الصييلة والسييلم ثبييت عنييه أنييه سييجد قبييل السييلم وسييجد بعييد‬
‫السيلم‪ ،‬وذلك أنيه ثبيت مين حدييث ابين بحينية عنيه أنيه قال "صيلى‬
‫لنيا رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم ركعتيين ثيم قام فلم يجلس‬
‫فقام الناس معيه‪ ،‬فلميا قضيى صيلته سيجد سيجدتين وهيو جالس"‬
‫وثبت أيضا أنه سجد بعد السلم في حديث ذي اليدين المتقدم إذ‬
‫سيلم مين اثنتيين‪ ،‬فذهيب الذيين جوزوا القياس فيي سيجود السيهو‪:‬‬
‫أعني الذين رأوا تعدية الحكم في المواضع التي سجد فيها عليه‬
‫الصييلة والسييلم إلى أشباههييا فييي هذه الثار الصييحيحة ثلثيية‬
‫مذاهيب‪ :‬أحدهيا مذهيب الترجييح‪ .‬والثانيي مذهيب الجميع‪ .‬والثالث‬
‫الجميع بيين الجميع والترجييح‪ .‬فمين رجيح حدييث ابين بحينية قال‪:‬‬
‫"السيجود قبيل السيلم" واحتيج لذلك بحدييث أبيي سيعيد الخدري‬
‫الثابيت أنيه علييه الصيلة والسيلم قال "إذا شيك أحدكيم فيي صيلته‬
‫فلم يدر كيم صيلى أثلثيا أم أربعيا فليصيل ركعية وليسيجد سيجدتين‬
‫وهيو جالس قبيل التسيليم‪ ،‬فإن كانيت الركعية التيي صيلها خامسية‬
‫شفعهيا بهاتيين السيجدتين‪ ،‬وإن كانيت رابعية فالسيجدتان ترغييم‬
‫للشيطان" قالوا‪ :‬ففييه السيجود للزيادة قبيل السيلم لنهيا ممكنية‬
‫الوقوع خامسية‪ ،‬واحتجوا لذلك أيضيا بميا روي عين ابين شهاب أنيه‬
‫قال‪" :‬كان آخير المريين مين رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫السيجود قبيل السيلم" وأميا مين رجيح حدييث ذي اليديين فقال‪:‬‬
‫السجود بعد السلم‪ ،‬واحتجوا لترجيح هذا الحديث بأن حديث ابن‬
‫بحينية قيد عارضيه حدييث المغيرة ابين شعبية "أنيه علييه الصيلة‬
‫والسلم قام من اثنتين ولم يجلس ثم سجد بعد السلم" قال أبو‬
‫عميير‪ :‬ليييس مثله فييي النقييل فيعارض بييه‪ ،‬واحتجوا أيضييا لذلك‬
‫بحديث ابن مسعود الثابت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫صيلى خمسيا سياهيا وسيجد لسيهوه بعيد السيلم"‪ .‬وأميا مين ذهيب‬
‫مذهيب الجميع فإنهيم قالوا‪ :‬إن هذه الحادييث ل تتناقيض‪ ،‬وذلك أن‬
‫السييجود فيهييا بعييد السييلم إنمييا هييو فييي الزيادة والسييجود قبييل‬
‫السيلم فيي النقصيان‪ ،‬فوجيب أن يكون حكيم السيجود فيي سيائر‬
‫المواضيع كميا هيو فيي هذا الموضيع‪ ،‬قالوا‪ :‬وهيو أولى مين حميل‬
‫الحادييث على التعارض‪ .‬وأميا مين ذهيب مذهيب الجميع والترجييح‬
‫فقال‪ :‬يسجد في المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم على النحيو الذي سيجد فيهيا رسيول الله صيلى الله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عليه وسلم‪ ،‬فإن ذلك هو حكم تلك المواضع‪ .‬وأما المواضع التي‬
‫لم يسيجد فيهيا رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬فالحكيم فيهيا‬
‫السيجود قبيل السيلم فكأنيه قاس على المواضيع التيي سيجد فيهيا‬
‫عليه الصلة والسلم قبل السلم‪ ،‬ولم يقس على المواضع التي‬
‫سيجد فيهيا بعيد السيلم‪ ،‬وأبقيى سيجود المواضيع التيي سيجد فيهيا‬
‫على ميا سيجد فيهيا‪ ،‬فمين جهية أنيه أبقيى حكيم هذه المواضيع على‬
‫ما وردت عليه وجعلها متغايرة الحكام هو ضرب من الجمع ورفع‬
‫للتعارض بييين مفهومهييا وميين جهيية أنييه عدى مفهوم بعضهييا دون‬
‫البعض‪ ،‬وألحق به المسكوت عنه فذلك ضرب من الترجيح‪ :‬أعني‬
‫أنييه قال على السييجود الذي قبييل السييلم ولم يقييس على الذي‬
‫بعده‪ .‬وأما من لم يفهم من هذه الفعال حكما خارجا عنها وقصر‬
‫حكمهيا على أنفسيها وهيم أهيل الظاهير فاقتصيروا بالسيجود على‬
‫هذه المواضع فقط‪ .‬وأما أحمد بن حنبل‪ ،‬فجاء نظره مختلطا من‬
‫نظير أهيل الظاهير ونظير أهيل القياس‪ ،‬وذلك أنيه اقتصير بالسيجود‬
‫كما قلنا بعد السلم على المواضع التي ورد فيها الثر ولم يعده‪،‬‬
‫وعدى السيجود الذي ورد فيي المواضيع التيي قبيل السيلم‪ ،‬ولكيل‬
‫واحيد مين هؤلء أدلة يرجيح بهيا مذهبيه مين جهية القياس‪ :‬أعنيي‬
‫لصيحاب القياس ولييس قصيدنا فيي هذا الكتاب فيي الكثير ذكير‬
‫الخلف الذي يوجبييه القياس كمييا ليييس قصييدنا ذكيير المسييائل‬
‫المسكوت عنها في الشرع إل في القل‪ ،‬وذلك إما من حيث هي‬
‫مشهورة‪ ،‬وأصييل لغيرهييا‪ ،‬وإمييا ميين حيييث هييي كثيرة الوقوع‪.‬‬
‫والمواضيع الخمسية التيي سيها فيهيا رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم‪ :‬أحدهيا أنيه قام مين اثنتيين على ميا جاء فيي حدييث ابين‬
‫بحينية‪ .‬والثانيي أنيه سيلم مين اثنتيين على ميا جاء فيي حدييث ذي‬
‫اليديين‪ .‬والثالث أنيه صيلى خمسيا على ميا فيي حدييث ابين عمير‪،‬‬
‫خرجيه مسيلم والبخاري‪ .‬والرابيع أنيه سيلم مين ثلث على ميا فيي‬
‫حديث عمران بن الحصين‪ .‬والخامس السجود عن الشك على ما‬
‫جاء فيي حدييث أبيي سيعيد الخدري‪ ،‬وسييأتي بعيد‪ .‬واختلفوا لماذا‬
‫يجب سجود السهو؟ فقيل يجب للزيادة والنقصان‪ ،‬وهو الشهر؛‬
‫وقيل للسهو نفسه‪ ،‬وبه قال أهل الظاهر والشافعي‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا القوال والفعال التييي يسيجد لهيا فإن القائليين بسيجود‬
‫السهو لكل نقصان أو زيادة وقعت في الصلة على طريق السهو‬
‫اتفقوا على أن السييجود يكون عيين سيينن الصييلة دون الفرائض‬
‫ودون الرغائب‪ .‬فالرغائب ل شيييء عندهييم فيهييا‪ :‬أعنييي إذا سييها‬
‫عنهيا فيي الصيلة ميا لم يكين أكثير مين رغيبية واحدة‪ ،‬مثيل ميا يرى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مالك أنه ل يجب سجود من نسيان تكبيرة واحدة‪ ،‬ويجب من أكثر‬


‫مين واحدة‪ .‬وأميا الفرائض فل يجزئ عنهيا التيان بهيا وجبرهيا إذا‬
‫كان السهو عنها مما ل يوجب إعادة الصلة بأسرها على ما تقدم‬
‫فيما يوجب العادة وما يوجب القضاء‪ ،‬أعني على من ترك بعض‬
‫أركان الصلة (هكذا هذه بالعبارة بالصول‪ ،‬وفيها من الغموض ما‬
‫ل يخفيى تأميل ا هيي)‪ ،‬وأميا سيجود السيهو للزيادة فإنيه يقيع عنيد‬
‫الزيادة فيييي الفرائض والسييينن جميعيييا‪ ،‬فهذه الجملة ل اختلف‬
‫بينهيم فيهيا‪ ،‬وإن ما يختلفون من قبيل اختلفهيم فيميا هيو منهيا فرض‬
‫أو ليس بفرض‪ ،‬وفيما هو منها سنة أو ليس بسنة‪ ،‬وفيما هو منها‬
‫سينة أو رغيبية؛ مثال ذلك أن عنيد مالك لييس يسيجد لترك القنوت‬
‫لنيه عنده مسييتحب‪ ،‬ويسييجد له عنييد الشافعييي لنيه عنده سيينة‪،‬‬
‫وليس يخفى عليك هذا مما تقدم القول فيه من اختلفهم بين ما‬
‫هيو سينة أو فريضية أو رغيبية‪ ،‬وعنيد مالك وأصيحابه سيجود السيهو‬
‫للزيادة اليسييرة فيي الصيلة وإن كانيت مين غيير جنيس الصيلة‪،‬‬
‫وينبغيي أن تعلم أن السينة والرغيبية هيي عندهيم مين باب الندب‪،‬‬
‫وإنميا تختلفان عندهيم بالقيل والكثير‪ :‬أعنيي فيي تأكييد المير بهيا‪،‬‬
‫وذلك راجييع إلى قرائن أحوال تلك العبادة‪ ،‬ولذلك يكثيير اختلفهييم‬
‫فيي هذا الجنيس كثيرا‪ ،‬حتيى إن بعضهيم يرى أن فيي بعيض السينن‬
‫ما إذا تركت عمدا إن كانت فعل‪ ،‬أو فعلت عمدا إن كانت تركا أن‬
‫حكمها حكم الواجب‪ :‬أعني في تعلق الثم بها‪ ،‬وهذا موجود كثيرا‬
‫لصحاب مالك‪ ،‬وكذلك تجدهم قد اتفقوا ما خل أهل الظاهر على‬
‫أن تارك السيينن المتكررة بالجملة آثييم‪ ،‬مثييل مييا لو ترك إنسييان‬
‫الوتيير أو ركعتييي الفجيير دائمييا لكان مفسييقا آثمييا‪ ،‬فكأن العبادات‬
‫بحسييب هذا النظيير مثلهييا مييا هييي فرض بعينهييا وجنسييها مثييل‬
‫الصيلوات الخميس‪ .‬ومنهيا ميا هيي سينة بعينهيا فرض بجنسيها مثيل‬
‫الوتر وركعتيي الفجر وما أش به ذلك من ال سنن‪ .‬وكذلك قد تكون‬
‫عنيد بعضهيم الرغائب رغائب بعينهيا سينن بجنسيها مثيل ميا حكيناه‬
‫عيين مالك ميين إيجاب السييجود لكثيير ميين تكييبيرة واحدة‪ :‬أعنييي‬
‫للسهو عنها‪ ،‬ول تكون فيما أحسب عند هؤلء سنة بعينها وجنسها‪.‬‬
‫وأميا أهيل الظاهير فالسينن عندهيم هيي سينن بعينهيا لقوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم للعرابيي الذي سيأله عين فروض السيلم "أفلح‬
‫إن صييدق‪ ،‬دخييل الجنيية إن صييدق" وذلك بعييد أن قال له‪ :‬والله ل‬
‫أزيييد على هذا ول أنقييص منييه‪ :‬يعنييي الفرائض‪ ،‬وقييد تقدم هذا‬
‫الحدييث‪ .‬واتفقوا مين هذا الباب على سيجود السيهو لترك الجلسية‬
‫الوسييطى واختلفوا فيهييا هييل هييي فرض أو سيينة‪ ،‬وكذلك اختلفوا‬
‫هل يرجع المام إذا سبح به إلي ها أو ليس يرجع؟ وإن رجع فمتى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يرجع؟ قال الجمهور‪ :‬يرجع ما لم يستو قائما‪ .‬وقال قوم‪ :‬يرجع ما‬
‫لم يعقيد الركعية الثالثية‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يرجيع إن فارق الرض قييد‬
‫شييبر‪ ،‬وإذا رجييع عنييد الذييين ل يرون رجوعييه‪ ،‬فالجمهور على أن‬
‫صلته جائزة‪ .‬وقال قوم‪ :‬تبطل صلته‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا صيفة سيجود السيهو فإنهيم اختلفوا فيي ذلك؛ فرأى مالك‬
‫أن حكيم سيجدتي السيهو إذا كانيت بعيد السيلم أن يتشهيد فيهيا‬
‫ويسييلم منهييا‪ ،‬وبييه قال أبييو حنيفيية لن السييجود كله عنده بعييد‬
‫السيلم‪ ،‬وإذا كانيت قبيل السيلم أن يتشهيد لهيا فقيط‪ ،‬وأن السيلم‬
‫من الصلة هو سلم منها‪ ،‬وبه قال الشافعي إذا كان السجود كله‬
‫عنده قبيل السيلم‪ ،‬وقيد روي عين مالك أنيه ل يتشهيد للتيي قبيل‬
‫السلم‪ ،‬و به قال جماعة‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬أما السلم من التي بعد‬
‫السيلم فثابيت عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪ .‬وأميا التشهيد فل‬
‫أحفظيه مين وجيه ثابيت‪ .‬وسيبب هذا الختلف هيو اختلفهيم فيي‬
‫تصحيح ما ورد من ذلك في حديث ابن مسعود أعني من أنه عليه‬
‫الصييلة والسييلم "تشهييد ثييم سييلم" وتشييبيه سييجدتي السييهو‬
‫بالسيجدتين الخيرتيين مين الصيلة‪ ،‬فمين شبههيا بهيا لم يوجيب لهيا‬
‫التشهيد‪ ،‬وبخاصية إذا كانيت فيي نفيس الصيلة‪ .‬وقال أبيو بكير بين‬
‫المنذر‪ :‬اختلف العلماء في هذه المسألة على ستة أقوال‪ :‬فقالت‬
‫طائفة‪ :‬ل تشهد فيها ول تسليم‪ ،‬وبه قال أنس بن مالك والحسن‬
‫وعطاء‪ .‬وقال قوم‪ :‬مقابل هذا وهو أن فيها تشهدا وتسليما‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬فيهييا تشهييد فقييط دون تسييليم‪ ،‬وبييه قال الحكييم وحماد‬
‫والنخعي‪ ،‬وقال قوم‪ :‬مقابل هذا وهو أنه فيها تسليما وليس فيها‬
‫تشهييد وهييو قول ابيين سيييرين‪ .‬والقول الخامييس إن شاء تشهييد‬
‫و سلم‪ ،‬وإن شاء لم يفعل‪ ،‬وروي ذلك عن عطاء‪ .‬والسادس قول‬
‫أحميد بين حنبيل إنيه إن سيجد بعيد السيلم تشهيد وإن سيجد قبيل‬
‫السيلم لم يتشهيد‪ ،‬وهو الذي حكيناه نحين عين مالك‪ .‬قال أ بو بكر‬
‫قيد ثبيت "أنيه صيلى الله علييه وسيلم كيبر فيهيا أربيع تكيبيرات وأنيه‬
‫سلم" وفي ثبوت تشهده فيها نظر‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس‪.‬‬
‫@‪-‬اتفقوا على أن سيييجود السيييهو مييين سييينة المنفرد والمام‪.‬‬
‫واختلفوا فيي المأموم يسيهو وراء المام هيل علييه سيجود أم ل؟‬
‫فذهيب الجمهور إلى أن المام يحميل عنيه السيهو‪ ،‬وشيذ مكحول‬
‫فألزمه السجود في خاصة نفسه‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم فيما‬
‫يح مل المام من الركان عن المأموم وما ل يحمله‪ ،‬واتفقوا على‬
‫أن المام إذا سييها أن المأموم يتبعييه فييي سييجود السييهو وإن لم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يتبعه في سهوه‪ .‬واختلفوا متى يسجد المأموم إذا فاته مع المام‬


‫بعييض الصييلة وعلى المام سييجود سييهو‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يسييجد مييع‬
‫المام ثيم يقوم لقضاء ميا علييه‪ ،‬وسيواء كان سيجوده قبيل السيلم‬
‫أو بعده‪ ،‬وبيه قال عطاء والحسين والنخعيي والشعيبي وأحميد وأبيو‬
‫ثور وأصيحاب الرأي‪ .‬وقال قوم‪ :‬يقضيي ثيم يسيجد‪ ،‬وبيه قال ابين‬
‫سيييرين وإسييحاق‪ .‬وقال قوم‪ :‬إذا سييجد قبييل التسييليم سييجدهما‬
‫معيه‪ ،‬وإن سيجد بعيد التسيليم سيجدهما بعيد أن يقضيي‪ ،‬وبيه قال‬
‫مالك والليييث والوزاعييي‪ .‬وقال قوم‪ :‬يسييجدهما مييع المام ثييم‬
‫يسيجدهما ثانيية بعيد القضاء‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫اختلفهم أي أولى وأخلق أن يتبعه في السجود مصاحبا له أو في‬
‫آخيير صييلته‪ ،‬فكأنهييم اتفقوا على أن التباع واجييب لقوله عليييه‬
‫الصلة والسلم "إنما جعل المام ليؤتم به" واختلفوا هل موضعها‬
‫للمأموم هو موضع السجود أعني في آخر الصلة؟ أو موضعها هو‬
‫وقييت سييجود المام؟ فميين آثيير مقارنيية فعله لفعييل المام على‬
‫موضييع السييجود ورأى ذلك شرطييا فييي التباع‪ ،‬أعنييي أن يكون‬
‫فعلهمييا واحدا حقييا قال‪ :‬يسييجد مييع المام وإن لم يأت بهييا فييي‬
‫موضيع السيجود‪ ،‬ومين آثير موضيع السيجود قال‪ :‬يؤخرهيا إلى آخير‬
‫الصلة‪ ،‬ومن أوجب عليه المرين أوجب عليه السجود مرتين وهو‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن السيينة لميين سييها فييي صييلته أن يسييبح له‪،‬‬
‫وذلك للرجيل لميا ثبيت عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "مالي‬
‫أراكم أكثرتم من التصفيق من نابه شيء في صلته فليسبح فإنه‬
‫إذا سبح التفت إليه‪ ،‬وإنما التصفيق للنساء" واختلفوا في النساء‬
‫فقال مالك وجماعة‪ :‬إن التسبيح للرجال والنساء‪ .‬وقال الشافعي‬
‫وجماعيية‪ :‬للرجال التسييبيح وللنسيياء التصييفيق‪ .‬والسييبب فييي‬
‫اختلفهيم اختلفهيم فيي مفهوم قوله علييه الصيلة والسيلم "وإنميا‬
‫التصيفيق للنسياء" فمين ذهيب إلى أن معنيى ذلك أن التصيفيق هيو‬
‫حكيم النسياء فيي السيهو وهيو الظاهير قال‪ :‬النسياء يصيفقن ول‬
‫يسيبحن‪ ،‬ومين فهيم مين ذلك الذم للتصيفيق قال‪ :‬الرجال والنسياء‬
‫في التسبيح سواء‪ ،‬وفيه ضعف لنه خروج عن الظاهر بغير دليل‪،‬‬
‫إل أن تقاس المرأة فييييي ذلك على الرجييييل‪ ،‬والمرأة كثيرا مييييا‬
‫يخالف حكمها في الصلة حكم الرجل‪ ،‬ولذلك يضعف القياس‪.‬‬
‫وأميا سيجود السيهو الذي هيو لموضيع الشيك فإن الفقهاء اختلفوا‬
‫فيمين شيك فيي صيلته فلم يدر كيم صيلى أواحدة أو اثنتيين أو ثلثيا‬
‫أو أربعييا على ثلثيية مذاهييب‪ .‬فقال قوم‪ :‬يبنييي على اليقييين وهييو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القيل ول يجزييه التحري ويسيجد سيجدتي السيهو‪ ،‬وهيو قول مالك‬


‫والشافعييي وداود‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬إن كان أول أمره فسييدت‬
‫صييلته‪ ،‬وإن تكرر ذلك منييه تحرى وعمييل على غلبيية الظيين ثييم‬
‫يسجد سجدتين بعد السلم‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬إنه ليس عليه إذا شك‬
‫ل رجوع إلى اليقيين ول تحير‪ ،‬وإنميا علييه السيجود فقيط إذا شيك‪.‬‬
‫والسييبب فييي اختلفهييم تعارض ظواهيير الثار الواردة فييي هذا‬
‫الباب‪ ،‬وذلك أن فيي هذا الباب ثلثية آثار‪ :‬أحدهيا حدييث البناء على‬
‫اليقين‪ ،‬وهو حديث أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله علييه وسيلم "إذا شيك أحدكيم فيي صيلته فلم يدر كيم صيلى‬
‫أثلثيا أم أربعيا فليطرح الشيك وليبين على ميا اسيتيقن ثيم يسيجد‬
‫سيجدتين قبيل أن يسيلم‪ ،‬فإن صيلى خمسيا شفعين له صيلته‪ ،‬وإن‬
‫كان صييلى إتمامييا لربييع كانتييا ترغيمييا للشيطان" خرجييه مسييلم‪.‬‬
‫والثانيي حدييث ابين مسيعود أن النيبي علييه الصيلة والسيلم قال‬
‫"إذا سها أحدكم في صلته فليتحر وليسجد سجدتين" وفي رواية‬
‫أخرى عنه "فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب ثم ليسلم ثم ليسجد‬
‫سجدتي السهو ويتشهد ويسلم" والثالث حديث أبي هريرة خرجه‬
‫مالك والبخاري أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم قال "إن‬
‫أحدكيم إذا قام يصيلي جاءه الشيطان فلبيس علييه حتيى ل يدري‬
‫كيم صيلى‪ ،‬فإذا وجيد ذلك أحدكيم فليسيجد سيجدتين وهيو جالس"‬
‫وفيي هذا المعنيى أيضيا حدييث عبيد الله بين جعفير‪ ،‬خرجيه أبيو داود‬
‫أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال "مين شيك فيي صيلته‬
‫فليسجد سجدتين بعدها ويسلم" فذهب الناس في هذه الحاديث‬
‫مذهييب الجمييع ومذهييب الترجيييح‪ ،‬والذييين ذهبوا مذهييب الترجيييح‬
‫منهيييم مييين لم يلتفيييت إلى المعارض‪ ،‬ومنهيييم مييين رام تأوييييل‬
‫المعارض وصرفه إلى الذي رجح‪ ،‬ومنهم من جمع المرين‪ ،‬أعني‬
‫جميع بعضهيا ورجيح بعضهيا‪ ،‬وأول غيير المرجيح إلى معنيى المرجيح‪،‬‬
‫ومنهم من جمع بين بعضها وأسقط حكم البعض‪ .‬فأما من ذهب‬
‫مذهب الجمع في بعض والترجيح في بعض مع تأويل غير المرجح‬
‫وصرفه إلى المرجح‪ ،‬فمالك بن أنس فإنه حمل حديث أبي سعيد‬
‫الخدري على الذي لم يسيتنكحه الشيك‪ ،‬وحميل حدييث أبيي هريرة‬
‫على الذي يغلب علييه الشيك ويسيتنكحه‪ ،‬وذلك مين باب الجميع‪،‬‬
‫وتأول حدييييث ابييين مسيييعود على أن المراد بالتحري هنالك هيييو‬
‫الرجوع إلى اليقيين‪ ،‬فأثبيت على مذهبيه الحادييث كلهيا‪ .‬وأميا مين‬
‫ذهب مذهب الجمع بين بعضها وإسقاط البعض وهو الترجيح من‬
‫غيير تأوييل المرجيح علييه فأبيو حنيفية‪ ،‬فإنيه قال‪ :‬إن حدييث أبيي‬
‫سيعيد إنميا هيو حكيم مين لم يكين عنده ظين غالب يعميل علييه‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وحدييث ابين مسيعود على الذي عنده ظين غالب‪ ،‬وأسيقط حكيم‬
‫حدييث أبيي هريرة وذلك أنيه قال‪ :‬ميا فيي حدييث أبيي سيعيد وابين‬
‫مسيعود زيادة‪ ،‬والزيادة يجيب قبولهيا والخيذ بهيا‪ ،‬وهذا أيضيا كأنيه‬
‫ضرب مين الجميع‪ .‬وأميا الذي رجيح بعضهيا وأسيقط حكيم البعيض‬
‫فالذييين قالوا إنمييا عليييه السييجود فقييط‪ ،‬وذلك أن هؤلء رجحوا‬
‫حديييث أبييي هريرة وأسييقطوا حديييث أبييي سييعيد وابيين مسييعود‪،‬‬
‫ولذلك كان أضعف القوال‪ ،‬فهذا ما رأينا أن نثبته في هذا القسم‬
‫ميين قسييمي كتاب الصييلة وهييو القول فييي الصييلة المفروضيية‪،‬‬
‫فلنصير بعيد إلى القول فيي القسيم الثانيي مين الصيلة الشرعيية‪،‬‬
‫وهي الصلوات التي ليست فروض عين‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الصلة الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬ولن الصيلة التيي ليسيت بمفروضية على العيان منهيا ميا هيي‬
‫سنة‪ ،‬ومنها ما هي نفل‪ ،‬ومنها ما هي فرض على الكفاية‪ ،‬وكانت‬
‫هذه الحكام منهيا ميا هيو متفيق علييه‪ ،‬ومنهيا ميا هيو مختلف فييه‪،‬‬
‫رأينيا أن نفرد القول فيي واحدة واحدة مين هذه الصيلوات‪ ،‬وهيي‬
‫بالجملة عشر‪ :‬ركعتا الفجر والوتر والنفل وركعتا دخول المسجد‬
‫والقيام فييي رمضان والكسييوف والسييتسقاء والعيدان وسييجود‬
‫القرآن‪ ،‬فإنييه صييلة مييا يشتمييل هذا الكتاب على عشرة أبواب‪،‬‬
‫والصلة على الميت نذكرها على حدة في باب أحكام الميت على‬
‫ما جرت به عادة الفقهاء‪ ،‬وهو الذي يترجمونه بكتاب الجنائز‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول القول في الوتر‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في الوتر في خمسة مواضع‪ :‬منها في حكمه‪ ،‬ومنها‬
‫فيي صيفته‪ ،‬ومنهيا فيي وقتيه‪ ،‬ومنهيا فيي القنوت فييه‪ ،‬ومنهيا فيي‬
‫صلته على الراحلة‪ .‬أما حكمه فقد تقدم القول فيه عند بيان عدد‬
‫الصلوات المفروضة‪ .‬وأما صفته فإن مالكا رحمه الله استحب أن‬
‫يوتر بثلث يفصل بينها بسلم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬الوتر ثلث ركعات‬
‫ميين غييير أن يفصييل بينهييا بسييلم‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬الوتيير ركعيية‬
‫واحدة‪ .‬ولكيييل قول مييين هذه القاوييييل سيييلف مييين الصيييحابة‬
‫والتابعييين‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم اختلف الثار فييي هذا الباب‪،‬‬
‫وذلك أنيه ثبيت عنيه علييه الصيلة والسيلم مين حدييث عائشية "أنيه‬
‫كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة" وثبت‬
‫عين ابين عمير أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال "صيلة‬
‫الليييل مثنييى مثنييى فإذا رأيييت أن الصييبح يدركييك فأوتيير بواحدة"‬
‫وخرج مسيلم عين عائشية "أنيه علييه الصيلة والسيلم كان يصيلي‬
‫ثلث عشرة ركعية ويوتير مين ذلك بخميس ل يجلس فيي شييء إل‬
‫فييي آخرهييا" وخرج أبييو داود عيين أبييي أيوب النصيياري أنييه عليييه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصيلة والسيلم قال "الوتير حيق على كيل مسيلم فمين أحيب أن‬
‫يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلث فليفعل‪ ،‬ومن أحب‬
‫أن يوتيير بواحدة فليفعييل" وخرج أبييو داود "أنييه كان يوتيير بسييبع‬
‫وتسيع وخميس" وخرج عين عبيد الله بين قييس قال "قلت لعائشية‬
‫بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت‪ :‬كان يوتر‬
‫بأربييع وثلث وسييت وثلث وثمان وثلث عشيير وثلث‪ ،‬ولم يكيين‬
‫يوتر بأنقص من سبع ول بأكثر من ثلث عشرة"‬
‫وحديييث ابيين عميير عيين النييبي عليييه الصييلة والسييلم أنييه قال‬
‫"المغرب وتير صيلة النهار" فذهيب العلماء فيي هذه الحادييث‬
‫مذهيب الترجييح‪ .‬فمين ذهيب إلى أن الوتير ركعية واحدة فمصييرا‬
‫إلى قوله عليييه الصييلة والسييلم "فإذا خشيييت الصييبح فأوتيير‬
‫بواحدة" وإلى حدييث عائشية "أنيه كان يوتير بواحدة" ومين ذهيب‬
‫إلى أن الوتر ثلث من غير أن يفصل بينها وقصر حكم الوتر على‬
‫الثلث فقيط‪ ،‬فلييس يصيح له أن يحتيج بشييء مميا فيي هذا الباب‪،‬‬
‫لنهيا كلهيا تقتضيي التخييير ميا عدا حدييث ابين عمير أنيه قال علييه‬
‫الصيلة والسيلم "المغرب وتير صيلة النهار" فإن لبيي حنيفية أن‬
‫يقول‪ :‬إنه إذا شبه شيء بشيء وجعل حكمهما واحدا كان المشبه‬
‫بيه أحرى أن يكون بتلك الصيفة‪ ،‬ولميا شبهيت المغرب بوتير صيلة‬
‫النهار وكانت ثلثا وجب أن يكون وتر صلة الليل ثلثا‪ .‬وأما مالك‬
‫فإنه تمسك في هذا الباب بأنه عليه الصلة والسلم لم يوتر قط‬
‫إل فييي أثيير شفييع‪ ،‬فرأى أن ذلك ميين سيينة الوتيير‪ ،‬وأن أقييل ذلك‬
‫ركعتان‪ ،‬فالوتيير عنده على الحقيقيية إمييا أن يكون ركعيية واحدة‪،‬‬
‫ولكيين ميين شرطهييا أن يتقدمهييا شفييع‪ ،‬وإمييا أن يرى أن الوتيير‬
‫المأمور بيه هيو يشتميل على شفيع ووتير‪ ،‬فإنيه إذا زييد على الشفيع‬
‫وتر صار الكل وترا‪،‬‬
‫ويشهييد لهذا المذهييب حديييث عبييد الله بيين قيييس المتقدم‪ ،‬فإنييه‬
‫سمي الوتر فيه العدد المركب من شفع ووتر ويشهد لعتقاده أن‬
‫الوتير هيو الركعية الواحدة أنيه كان يقول‪ :‬كييف يوتير بواحدة لييس‬
‫قبلهيا شييء‪ ،‬وأي شييء يوتير له؟ وقيد قال رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم "توتير له ميا قيد صيلى" فإن ظاهير هذا القول أنيه كان‬
‫يرى أن الوتر الشرعي هو العدد الوتر بنفسه‪ :‬أعني الغير مركب‬
‫من الشفع والوتير وذلك أن هذا هو وتير لغيره‪ ،‬وهذا التأوييل علييه‬
‫أولى‪ .‬والحق في هذا أن ظاهر هذه الحاديث يقتضي التخيير في‬
‫صيفة الوتير مين الواحدة إلى التسيع على ميا روي ذلك مين فعيل‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬والنظير إنميا هيو فيي هيل مين‬
‫شرط الوتير أن يتقدميه شفيع منفصيل أم لييس ذلك مين شرطيه‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيشبيه أن يقال ذلك مين شرطيه‪ ،‬لنيه هكذا كان وتير رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويشبه أن يقال ليس ذلك من شرطه لن‬
‫مسييلما قييد خرج "أنييه عليييه الصييلة والسييلم كان إذا انتهييى إلى‬
‫الوتيير أيقييظ عائشيية فأوترت" وظاهره أنهييا كانييت توتيير دون أن‬
‫تقدم على وترها شفعا‪،‬‬
‫وأيضا فإنه قد خرج من طريق عائشة "أن رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم كان يوتير بتسيع ركعات يجلس فيي الثامنية والتاسيعة‬
‫ول يسييلم إل فييي التاسييعة ثييم يصييلي ركعتييين وهييو جالس فتلك‬
‫إحدى عشرة ركعية‪ ،‬فلميا أس وأخيذ اللحيم أوتير بسيبع ركعات ولم‬
‫يجلس إل فيي السيادسة والسيابعة ولم يسيلم إل فيي السيابعة‪ ،‬ثيم‬
‫يصيلي ركعتيين وهيو جالس فتلك تسيع ركعات" وهذا الحدييث فييه‬
‫الوتير متقدم على الشفيع‪ ،‬ففييه حجية على أنيه لييس مين شرط‬
‫الو تر أن يتقدميه شفيع‪ ،‬وأن الوتر ينطلق على الثلث ومن الحجية‬
‫في ذلك ما روى أبو داود عن أبي بن كعب قال "كان رسول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم يوتير بسيبح اسيم ربيك العلى‪ ،‬وقيل ييا أيهيا‬
‫الكافرون‪ ،‬وقييل هييو الله أحييد" وعيين عائشيية مثله "وقالت فييي‬
‫الثالثيية بقييل هييو الله أحييد والمعوذتييين"‪ .‬وأمييا وقتييه فإن العلماء‬
‫اتفقوا على أن وقته من بعد صلة العشاء إلى طلوع الفجر لورود‬
‫ذلك من طرق شتى عنه عليه الصلة والسلم‪ ،‬ومن أثبت ما في‬
‫ذلك ما خرجه مسلم عن أبي نضرة العوفي أن أبا سعيد أخبرهم‬
‫أنهيم سيألوا النيبي صيلى الله علييه وسيلم عين الوتير فقال "الوتير‬
‫قبييل الصييبح" واختلفوا فييي جواز صييلته بعييد الفجيير‪ ،‬فقوم منعوا‬
‫ذلك وقوم أجازوه مييا لم يصييل الصييبح‪ ،‬وبالقول الول قال أبييو‬
‫يوسيف ومحميد بين الحسين صياحبا أبيي حنيفية وسيفيان الثوري‪،‬‬
‫وبالثاني قال الشافعي ومالك وأحمد‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم معارضة عمل الصحابة في ذلك بالثار‪ ،‬وذلك أن‬
‫ظاهيير الثار الواردة فييي ذلك أن ل يجوز أن يصييلي بعييد الصييبح‬
‫كحدييث أبيي نضرة المتقدم وحدييث أبيي حذيفية العدوي نيص فيي‬
‫هذا خرجيه أبيو داود وفييه "وجعلهيا لكيم ميا بيين صيلة العشاء إلى‬
‫أن يطلع الفجر" ول خلف بين أهل الصول أن ما بعد إلى بخلف‬
‫ميا قبلهيا إذا كانيت غايية‪ ،‬وإن هذا وإن كان مين باب دلييل الخطاب‬
‫فهييو ميين أنواعييه المتفييق عليهييا‪ ،‬مثييل قوله {وأتموا الصيييام إلى‬
‫اللييل} وقوله {إلى المرفقيين} ل خلف بيين العلماء أن ميا بعيد‬
‫الغاية بخلف الغاية وأما العمل المخالف في ذلك للثر فإنه روي‬
‫عين ابين مسيعود وابين عباس وعبادة بين الصيامت وحذيفية وأبيي‬
‫الدرداء وعائشة أنهم كانوا يوترون بعد الفجر وقبل صلة الصبح‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ولم يرو عيين غيرهييم ميين الصييحابة خلف هذا؛ وقييد رأى قوم أن‬
‫مثييل هذا هييو داخييل فييي باب الجماع ول معنييى لهذا فإنييه ليييس‬
‫ينسيب إلى سياكت قول قائل‪ :‬أعنيي أنيه لييس ينسيب إلى الجماع‬
‫من لم يعرف له قول في المسألة‪.‬‬
‫وأما هذه المسألة فكيف يصح أن يقال إنه لم يرو في ذلك خلف‬
‫عين الصيحابة‪ ،‬وأي خلف أعظيم مين خلف الصيحابة الذيين رووا‬
‫هذه الحادييث‪ ،‬أعنيي خلفهيم لهؤلء الذيين أجازوا صيلة الوتير بعيد‬
‫الفجر‪ ،‬والذي عندي في هذا أن هذا من فعلهم ليس مخالفا للثار‬
‫الواردة في ذلك أعني في إجازتهم الوتر بعد الفجر‪ ،‬بل إجازتهم‬
‫ذلك هييو ميين باب القضاء ل ميين باب الداء‪ ،‬وإنمييا يكون قولهييم‬
‫خلف الثار لو جعلوا صيلته بعيد الفجير مين باب الداء فتأميل هذا‪،‬‬
‫وإنميا يتطرق الخلف لهذه المسيألة مين باب اختلفهيم فيي هيل‬
‫القضاء في العبادة المؤقتة يحتاج إلى أمر جديد أم ل؟ أعني غير‬
‫أمير الداء وهذا التأوييل بهيم ألييق‪ ،‬فإن أكثير ميا نقيل عنهيم هذا‬
‫المذهيب مين أنهيم أبصيروا يقضون الوتير قبيل الصيلة وبعيد الفجير‬
‫وإن كان الذي نقل عن ابن مسعود في ذلك قول‪ ،‬أعني أنه كان‬
‫يقول‪ :‬إن وقيت الوتير مين بعيد العشاء الخرة إلى صيلة الصيبح‪،‬‬
‫فلييس يجيب لمكان هذا أن يظين بجمييع مين ذكرناه مين الصيحابة‬
‫أنه يذهب هذا المذهب من قبل أنه أبصر يصلي الوتر بعد الفجر‪،‬‬
‫فينبغي أن تتأمل صفة النقل في ذلك عنهم‪ .‬وقد حكى ابن المنذر‬
‫فيييي وقيييت الوتييير عييين الناس خمسييية أقوال‪ :‬منهيييا القولن‬
‫المشهوران اللذان ذكرتهميا‪ .‬والقول الثالث أنيه يصيلي الوتير وإن‬
‫صيلى الصيبح‪ ،‬وهيو قول طاوس‪ .‬والرابيع أنيه يصيليها وإن طلعيت‬
‫الشميس‪ ،‬وبيه قال أبيو ثور والوزاعيي‪ .‬والخاميس أنيه يوتير مين‬
‫الليلة القابلة وهيو قول سيعيد بين جيبير‪ .‬وهذا الختلف إنميا سيببه‬
‫اختلفهيم فيي تأكيده وقربيه مين درجية الفرض‪ ،‬فمين رآه أقرب‬
‫أوجيب القضاء فيي زمان أبعيد مين الزمان المختيص بيه‪ ،‬ومين رآه‬
‫أبعد أوجب القضاء في زمان أقرب‪ ،‬ومن رآه سنة كسائر السنن‬
‫ضعف عنده القضاء إذ القضاء إنما يجب في الواجبات‪ ،‬وعلى هذا‬
‫يجييء اختلفهيم فيي قضاء صيلة العييد لمين فاتتيه‪ ،‬وينبغيي أن ل‬
‫يفرق فيي هذا بيين الندب والواجيب أعنيي أن مين رأى أن القضاء‬
‫فييي الواجييب يكون بأميير متجدد أن يعتقييد مثييل ذلك فييي الندب‪،‬‬
‫ومن رأى أنه يجب بالمر الول أن يعتقد مثل ذلك في الندب‬
‫وأما اختلفهم في القنوت فيه فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه‬
‫يقنييت فيييه ومنعييه مالك وأجازه الشافعييي فييي أحييد قوليييه فييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫النصييف الخيير ميين رمضان‪ ،‬وأجازه قوم فييي النصييف الول ميين‬
‫رمضان‪ ،‬وقوم في رمضان كله‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم في ذلك اختلف الثار‪ ،‬وذلك أنه روي عنه‬
‫صيلى الله علييه وسيلم القنوت مطلقيا‪ ،‬وروي عنيه القنوت شهرا‪،‬‬
‫وروي عنه أنه آخر أمره لم يكن يقنت في شيء من الصلة‪ ،‬وأنه‬
‫نهيى عين ذلك‪ ،‬وقيد تقدميت هذه المسيألة‪ .‬وأميا صيلة الوتير على‬
‫الراحلة حييث توجهيت بيه فإن الجمهور على جواز ذلك لثبوت ذلك‬
‫من فعله عليه الصلة والسلم‪ ،‬أعني أنه كان يوتر على الراحلة‪:‬‬
‫وهو مما يعتمدونه في الحجة على أنها ليست بفرض إذا كان قد‬
‫صح عنه عليه الصلة والسلم "أنه كان يتنفل على الراحلة" ولم‬
‫يصييح عنييه أنييه صييلى قييط مفروضيية على الراحلة‪ .‬وأمييا الحنفييية‬
‫فلمكان اتفاقهييم معهييم على هذه المقدميية‪ ،‬وهييو أن كييل صييلة‬
‫مفروضة ل تصلى على الراحلة‪ ،‬واعتقادهم أن الوتر فرض وجب‬
‫عندهيم مين ذلك أن ل تصيلى على الراحلة‪ ،‬وردوا الخيبر بالقياس‬
‫وذلك ضعيف‪.‬‬
‫وذهيب أكثير العلماء إلى أن المرء إذا أوتير ثيم نام فقام يتنفيل أنيه‬
‫ل يوتر ثانية‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم "ل وتران في ليلة" خرج‬
‫ذلك أبو داود‪ ،‬وذهب بعضهم إلى أنه يشفع الوتر الول بأن يضيف‬
‫إليه ركعة ثانية ويوتر أخرى بعد التنفل شفعا‪ ،‬وهي المسألة التي‬
‫يعرفونهيا بنقيض الوتير وفييه ضعيف مين وجهيين‪ :‬أحدهميا أن الوتير‬
‫لييس ينقلب إلى النفيل بتشفيعيه‪ ،‬والثانيي أن التنفيل بواحدة غيير‬
‫معروف من الشرع‪ .‬وتجويز هذا ول تجويزه هو سبب الخلف في‬
‫ذلك‪ ،‬فمين راعيى مين الوتير المعقول وهيو ضيد الشفيع قال ينقلب‬
‫شفعا إذا أضيف إليه ركعة ثانيا‪ ،‬ومن راعى منه المعنى الشرعي‬
‫قال‪ :‬لييس ينقلب شفعيا لن الشفيع نفيل والوتير سينة مؤكدة أو‬
‫واجبة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في ركعتي الفجر‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن ركعتييي الفجيير سيينة لمعاهدتييه عليييه الصييلة‬
‫والسيلم على فعلهيا أكثير منيه على سيائر النوافيل والترغيبية فيهيا‪،‬‬
‫ولنيه قضاهيا بعيد طلوع الشميس حيين نام عين الصيلة‪ .‬واختلفوا‬
‫مين ذلك فيي مسيائل إحداهيا فيي المسيتحب مين القراءة فيهميا؛‬
‫فعنيييد مالك المسيييتحب أن يقرأ فيهميييا بأم القرآن فقيييط‪ ،‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬ل بأس أن يقرأ فيهميا بأم القرآن ميع سيورة قصييرة‪،‬‬
‫وقال أبو حني فة‪ :‬ل توقيف فيهما فيي القراءة يستحب‪ ،‬وأ نه يجوز‬
‫أن يقرأ فيهمييا المرء حزبييه ميين الليييل‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم‬
‫اختلف قراءتيه علييه الصيلة والسيلم فيي هذه الصيلة واختلفهيم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي تعييين القراءة فيي الصيلة‪ ،‬وذلك أنيه روي عنيه علييه الصيلة‬
‫والسيلم "أنيه كان يخفيف ركعتيي الفجير" على ميا روتيه عائشية‬
‫قالت "حتيى أنيي أقول أقرأ فيهميا بأم القرآن أم ل؟" فظاهير هذا‬
‫أنيه كان يقرأ فيهميا بأم القرآن فقيط‪ .‬وروي عنيه مين طرييق أبيي‬
‫هريرة خرجه أبو داود "أنه كان يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل‬
‫يا أيها الكافرون" فمن ذهب مذهب حديث عائشة اختار قراءة أم‬
‫القرآن فقيط‪ ،‬ومين ذهيب مذهيب الحدييث الثانيي اختار أم القرآن‬
‫وسورة قصيرة‪ ،‬ومن كان على أصله في أنه ل تتعين للقراءة في‬
‫الصيلة لقوله تعالى {فاقرءوا ميا تيسير منيه} قال يقرأ فيهميا ميا‬
‫أحب‪.‬‬
‫والثانيييية فيييي صيييفة القراءة المسيييتحبة فيهميييا‪ ،‬فذهيييب مالك‬
‫والشافعيي وأكثير العلماء إلى أن المسيتحب فيهميا هيو السيرار‪،‬‬
‫وذهيب قوم إلى أن المسيتحب فيهميا هيو الجهير‪ ،‬وخيير قوم فيي‬
‫ذلك بين السرار والجهر‪ .‬والسبب في ذلك تعارض مفهوم الثار‪،‬‬
‫وذلك أن حدييث عائشية المتقدم المفهوم مين ظاهره "أنيه علييه‬
‫الصيلة والسيلم كان يقرأ فيه ما سيرا" ولول ذلك لم تشك عائشية‬
‫هيل قرأ فيهميا بأم القرآن أم ل؟ وظاهير ميا روى أبيو هريرة أنيه‬
‫كان يقرأ فيهميا بيي {قيل ييا أيهيا الكافرون} و {قيل هيو الله أحيد}‬
‫أن قراءتيه علييه الصيلة والسيلم فيهميا جهرا" ولول ذلك ميا علم‬
‫أبيو هريرة ميا كان يقرأ فيهميا‪ ،‬فمين ذهيب مذهيب الترجييح بيين‬
‫هذيين الثريين قال‪ :‬إميا باختيار الجهير إن رحيج حدييث أبيي هريرة‪،‬‬
‫وإميا باختيار السيرار إن رجيح حدييث عائشية‪ ،‬ومين ذهيب مذهيب‬
‫الجمييع قال بالتخيييير والثالثيية فييي الذي لم يصييل ركعتييي الفجيير‬
‫وأدرك المام فييي الصييلة أو دخييل المسييجد ليصييلهما‪ ،‬فأقيمييت‬
‫الصييلة فقال مالك‪ :‬إذا كان قييد دخييل المسييجد فأقيمييت الصييلة‬
‫فليدخيل ميع المام فيي الصيلة ول يركعهميا فيي المسيجد والمام‬
‫يصلي الفرض‪ ،‬وإن كان لم يدخل المسجد فإن لم يخف أن يفوته‬
‫المام بركعيية فليركعهييا خارج المسييجد‪ ،‬وإن خاف فوات الركعيية‬
‫فليدخل مع المام ثم يصليهما إذا طلعت الشمس؛‬
‫ووافيق أبيو حنيفية مالكيا فيي الفرق بيين أن يدخيل المسيجد أو ل‬
‫يدخله‪ ،‬وخالفيه فيي الحيد فيي ذلك فقال‪ :‬يركعهميا خارج المسيجد‬
‫ميا ظين أنيه يدرك ركعية مين الصيبح ميع المام‪ .‬وقال الشافعيي إذا‬
‫أقيميت الصيلة المكتوبية فل يركعهميا أصيل ل داخيل المسيجد ول‬
‫خارجيه‪ ،‬وحكيى ابين المنذر أن قوميا جوزوا ركوعهميا فيي المسيجد‬
‫والمام يصييلي وهييو شاذ‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم اختلفهييم فييي‬
‫مفهوم قوله عليه الصلة والسلم "إذا أقيمت الصلة فل صلة إل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المكتوبة" فمن حمل هذا على عمومه لم يجز صلة ركعتي الفجر‬
‫إذا أقيمييت الصييلة المكتوبيية ل خارج المسييجد ول داخله‪ ،‬وميين‬
‫قصييره على المسييجد فقييد أجاز ذلك خارج المسييجد مييا لم تفتييه‬
‫الفريضية أو لم يفتيه منهيا جزء‪ .‬ومين ذهيب مذهيب العموم فالعلة‬
‫عنده في النهي إنما هو الشتغال بالنفل عن الفريضة‪ ،‬ومن قصر‬
‫ذلك على المسجد فالعلة عنده إنما هو أن تكون صلتان معا في‬
‫موضع واحد لمكان الختلف على المام كما روي عن أبي سلمة‬
‫بيين عبييد الرحميين أنييه قال "سييمع قوم القاميية فقاموا يصييلون‪،‬‬
‫فخرج عليهيم رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فقال‪ :‬أصيلتان‬
‫معا؟ أصلتان معا؟" قال‪ :‬وذلك في صلة الصبح والركعتين اللتين‬
‫قبل الصبح‪.‬‬
‫وإنميا اختلف مالك وأبيو حنيفية فيي القدر الذي يراعيى مين فوات‬
‫صيلة الفريضية مين قبيل اختلفهيم فيي القدر الذي بيه يفوت فضيل‬
‫صييلة الجماعيية للمشتغييل بركعتييي الفجيير إذا كان فضييل صييلة‬
‫الجماعية عندهيم أفضيل مين ركعتيي الفجير‪ ،‬فمين رأى أنيه بفوات‬
‫ركعة منها يفوته فضل صلة الجماعة قال‪ :‬يتشاغل بها ما لم تفته‬
‫ركعة من الصلة المفروضة‪ ،‬ومن رأى أنه يدرك الفضل إذا أدرك‬
‫ركعة من الصلة لقوله عليه الصلة والسلم "من أدرك ركعة من‬
‫الصيلة فقيد أدرك الصيلة" أي قيد أدرك فضلهيا وحميل ذلك على‬
‫عموميه فيي تارك ذلك قصيدا أو بغيير اختيار قال‪ :‬يتشاغيل بهيا ميا‬
‫ظين أنيه يدرك ركعية منهيا‪ .‬ومالك إنميا يحميل هذا الحدييث والله‬
‫أعلم على من فاتته الصلة دون قصد منه لفواتها‪ ،‬ولذلك رأى أنه‬
‫إذا فاتته منها ركعة فقد فاته فضلها‪ .‬وأما من أجاز ركعتي الفجر‬
‫في المسجد والصلة تقام‪ ،‬فالسبب في ذلك أحد أمرين‪ :‬إما أنه‬
‫لم يصيح عنده هذا الثير أو لم يبلغيه‪ .‬قال أبيو بكير بين المنذر‪ :‬هيو‬
‫أثر ثابت‪ :‬أعني قوله عليه الصلة والسلم "إذا أقيمت الصلة فل‬
‫صلة إل المكتوبة"‬
‫وكذلك صيححه أبيو عمير بين عبيد البر‪ ،‬وإجازة ذلك تروى عين ابين‬
‫مسيعود‪ ،‬والرابعية فيي وقيت قضائهيا إذا فاتيت حتيى صيلى الصيبح‪،‬‬
‫فإن طائفية قالت يقضيهيا بعيد صيلة الصيبح‪ ،‬وبيه قال عطاء وابين‬
‫جريج وقال قوم يقضيها بعد طلوع الشمس‪ ،‬ومن هؤلء من جعل‬
‫لهيا غيير هذا الوقيت غيير المتسيع‪ ،‬ومنهيم مين جعله لهيا متسيعا‬
‫فقال‪ :‬يقضيهيييا مييين لدن طلوع الشميييس إلى وقيييت الزوال ول‬
‫يقضيهيا بعيد الزوال‪ ،‬ومين هؤلء الذيين قالوا بالقضاء‪ ،‬ومنهيم مين‬
‫استحب ذلك‪ ،‬ومنهم من خير فيه‪ .‬والصل في قضائها صلته لها‬
‫عليه الصلة والسلم بعد طلوع الشمس حين نام عن الصلة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬الباب الثالث في النوافل‪.‬‬


‫@‪-‬واختلفوا فيي النوافيل هيل تثنيى أو تربيع أو تثلث؟ فقال مالك‬
‫والشافعي‪ :‬صلة التطوع بالليل والنهار مثنى مثنى يسلم في كل‬
‫ركعتين‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن شاء ثنى أو ثلث أو ربع أو سدس أو‬
‫ثمين دون أن يفصيل بينهميا بسيلم؛ وفرق قوم بيين صيلة اللييل‬
‫وصيلة النهار فقالوا‪ :‬صيلة اللييل مثنيى مثنيى‪ ،‬وصيلة النهار أربيع‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم اختلف الثار الواردة فيي هذا الباب‪ ،‬وذلك‬
‫أنيه ورد فيي هذا الباب مين حدييث ابين عمير أن رجل سيأل النيبي‬
‫علييه الصيلة والسيلم عين صيلة اللييل فقال "صيلة اللييل مثنيى‬
‫مثنى‪ ،‬فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد‬
‫صييلى" وثبييت عنييه عليييه الصييلة والسييلم "أنيه كان يصييلي قبييل‬
‫الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد الجمعة‬
‫ركعتيين وقبيل العصير ركعتيين" فمين أخيذ بهذيين الحديثيين قال‪:‬‬
‫صلة الليل والنهار مثنى مثنى‪ .‬وثبت أيضا من حديث عائشة أنها‬
‫قالت‪ ،‬وقد وصفت صلة رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان‬
‫يصيلي أربعيا فل تسيأل عين حسينهن وطولهين‪ ،‬ثيم يصيلي أربعيا فل‬
‫تسييأل عيين حسيينهن وطولهيين‪ ،‬ثييم يصييلي ثلثييا‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت يييا‬
‫رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال‪ :‬يا عائشة إن عيني تنامان ول‬
‫ينام قلبيي" وثبيت عنيه أيضيا مين طرييق أبيي هريرة أنيه قال علييه‬
‫الصييلة والسييلم "ميين كان يصييلي بعييد الجمعيية فليصييلي أربعييا"‬
‫وروى السيود عين عائشية "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫كان يصيلي مين اللييل تسيع ركعات فلميا أسين صيلى سيبع ركعات"‬
‫فمين أخيذ أيضيا بظاهير هذه الحادييث جوز التنفيل بالربيع والثلث‬
‫دون أن يفصل بينهما بسلم‪ ،‬والجمهور على أنه ل يتنفل بواحدة‪،‬‬
‫وأحسب أن فيه خلفا شاذا‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في ركعتي دخول المسجد‪.‬‬
‫@‪-‬والجمهور على أن ركعتييي دخول المسييجد مندوب إليهييا ميين‬
‫غيير إيجاب‪ ،‬وذهيب أهيل الظاهير إلى وجوبهيا‪ .‬وسيبب الخلف فيي‬
‫ذلك هيل المير فيي قوله علييه الصيلة والسيلم "إذا جاء أحدكيم‬
‫المسييجد فليركييع ركعتييين" محمول على الندب أو على الوجوب‪،‬‬
‫فإن الحدييث متفيق على صيحته‪ ،‬فمين تمسيك فيي ذلك بميا اتفيق‬
‫عليييه الجمهور ميين أن الصييل هييو حمييل الواميير المطلقيية على‬
‫الوجوب حتى يدل الدليل على الندب‪ ،‬ولم ينقدح عنده دليل ينقل‬
‫الحكيييم مييين الوجوب إلى الندب قال‪ :‬الركعتان واجبتان‪ ،‬ومييين‬
‫انقدح عنده دلييييل على حميييل الوامييير ههنيييا على الندب أو كان‬
‫الصيل عنده فيي الوامير أن تحميل على الندب حتيى يدل الدلييل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫على الوجوب فإن هذا قد قال به قوم قال الركعتان غير واجبتين‪،‬‬
‫لكين الجمهور إنميا ذهبوا إلى حميل المير ههنيا على الندب لمكان‬
‫التعارض الذي بينه وبين الحاديث التي تقتضي بظاهرها أو بنصها‬
‫أن ل صلة مفروضة إل الصلوات الخمس التي ذكرناها في صدر‬
‫هذا الكتاب مثيل حدييث العرابيي وغيره‪ ،‬وذلك أنيه إن حميل المير‬
‫ههنييا على الوجوب لزم أن تكون المفروضات أكثيير ميين خمييس‪،‬‬
‫ولمين أوجبهيا أن الوجوب ههنيا إنميا هيو متعلق بدخول المسيجد ل‬
‫مطلقيا‪ ،‬كالمير بالصيلوات المفروضية‪ ،‬وللفقهاء أن تقيييد وجوبهيا‬
‫بالمكان شييييبيه وجوبهييييا بالزمان‪ ،‬ولهييييل الظاهيييير أن المكان‬
‫المخصيوص ليييس مين شرط صيحة الصيلة‪ ،‬والزمان مين شرط‬
‫صحة الصلة المفروضة‪ .‬واختلف العلماء من هذا الباب فيمن جاء‬
‫بالمسيجد وقيد ركيع ركعتيي الفجير فيي بيتيه‪ ،‬هيل يركيع عنيد دخوله‬
‫المسيجد أم ل؟ فقال الشافعيي‪ :‬يركيع‪ ،‬وهيي روايية أشهيب عين‬
‫مالك؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬ل يركييع‪ ،‬وهييي رواييية ابيين القاسييم عيين‬
‫مالك‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة عموم قوله عليه الصلة والسلم‬
‫"إذا جاء أحدكييم المسييجد فليركييع ركعتييين" وقوله عليييه الصييلة‬
‫والسيلم "ل صيلة بعيد الفجير إل ركعتيي الصيبح" فههنيا عمومان‬
‫وخصيوصان‪ :‬أحدهميا فيي الزمان‪ ،‬والخير فيي الصيلة‪ ،‬وذلك أن‬
‫حدييث المير بالصيلة عنيد دخول المسيجد عام فيي الزمان خاص‬
‫فيي الصيلة‪ ،‬والنهيي عين الصيلة بعيد الفجير إل ركعتيا الصيبح خاص‬
‫في الزمان عام في الصلة‪ ،‬فمن استثنى خاص الصلة من عامها‬
‫رأى الركوع بعيد ركعتيي الفجير‪ ،‬ومين اسيتثنى خاص الزمان مين‬
‫عامييه لم يوجييب ذلك‪ ،‬وقييد قلنييا‪ :‬إن مثييل هذا التعارض إذا وقييع‬
‫فليييس يجييب أن يصييار إلى أحييد التخصيييصين إل بدليييل‪ ،‬وحديييث‬
‫النهييي ل يعارض بييه حديييث الميير الثابييت والله أعلم‪ ،‬فإن ثبييت‬
‫الحديث وجب طلب الدليل من موضع آخر‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس في قيام رمضان‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمعوا على أن قيام شهر رمضان مرغب فيه أكثر من سائر‬
‫الشهيير لقوله عليييه الصييلة والسييلم "ميين قام رمضان إيمانييا‬
‫واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وأن التراويح التي جمع عليها‬
‫عمير بين الخطاب الناس مرغيب فيهيا وإن كانوا اختلفوا أي أفضيل‬
‫أهيي أو الصيلة آخير اللييل؟ أعنيي التيي كانيت صيلة رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬لكين الجمهور على أن الصيلة آخير اللييل‬
‫أفضيل لقوله علييه الصيلة والسيلم "أفضيل الصيلة صيلتكم فيي‬
‫بيوتكييم إل المكتوبيية" ولقول عميير فيهييا‪" :‬والتييي تنامون عنهييا‬
‫أفضييل" واختلفوا فييي المختار ميين عدد الركعات التييي يقوم بهييا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الناس فييي رمضان‪ ،‬فاختار مالك فييي أحييد قوليييه‪ ،‬وأبييو حنيفيية‬
‫والشافعيي وأحميد ودواد القيام بعشريين ركعية سيوى الوتير‪ ،‬وذكير‬
‫ابن القاسم عن مالك أنه كان يستحسن ستا وثلثين ركعة والوتر‬
‫ثلث‪ .‬وسييبب اختلفهييم اختلف النقييل فييي ذلك‪ ،‬وذلك أن مالكييا‬
‫روى عن يزيد بن رومان قال‪ :‬كان الناس يقومون في زمان عمر‬
‫بن الخطاب بثلث وعشرين ركعة‪ .‬وخرج ابن أبي شيبة عن داود‬
‫بين قييس قال‪ :‬أدركيت الناس بالمدينية فيي زمان عمير بين عبيد‬
‫العزيز وأبان بن عثمان يصلون ستا وثلثين ركعة ويوترون بثلث‪،‬‬
‫وذكير ابين القاسيم عين مالك أنيه المير القدييم‪ :‬يعنيي القيام بسيت‬
‫وثلثين ركعة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس في صلة الكسوف‪.‬‬
‫@‪-‬اتفقوا على أن صلة كسوف الشمس سنة وأن ها في جماعة‪،‬‬
‫واختلفوا فيي صيفتها وفيي صيفة القراءة فيهيا وفيي الوقات التيي‬
‫تجوز فيها‪ ،‬وهل من شروطها الخطبة أم ل؟ وهل كسوف القمر‬
‫في ذلك ككسوف الشمس؟ ففي ذلك خمس مسائل أصول في‬
‫هذا الباب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) ذهيب مالك والشافعيي وجمهور أهيل الحجاز‬
‫وأحميد أن صيلة الكسيوف ركعتان فيي كيل ركعية ركوعان؛ وذهيب‬
‫أبييو حنيفيية والكوفيون إلى أن صييلة الكسييوف ركعتان على هيئة‬
‫صلة العيد والجمعة‪ .‬والسبب في اختلفهم اختلف الثار الواردة‬
‫في هذا الباب ومخالفة القياس لبعضها‪ ،‬وذلك أنه ثبت من حديث‬
‫عائشية أنهيا قالت‪" :‬خسيفت الشميس فيي عهيد رسيول الله صيلى‬
‫الله عليييه وسييلم فصييلى بالناس فقام فأطال القيام‪ ،‬ثييم ركييع‬
‫فأطال الركوع‪ ،‬ثييم قام فأطال القيام وهييو دون القيام الول‪ ،‬ثييم‬
‫ركيع فأطال الركوع‪ ،‬وهيو دون الركوع الول‪ ،‬ثيم رفيع فسيجد‪ ،‬ثيم‬
‫رفع فسجد‪ ،‬ثم فعل في الركعة الخرة مثل ذلك‪ ،‬ثم انصرف وقد‬
‫تجلت الشميس" ولميا ثبيت أيضيا مين هذه الصيفة فيي حدييث ابين‬
‫عباس‪ :‬أعنييي ميين ركوعييين فييي ركعيية‪ .‬قال أبييو عميير‪ :‬هذان‬
‫الحديثان ميين أصييح مييا روي فييي هذا الباب‪ ،‬فميين أخييذ بهذييين‬
‫الحديثييين ورجحهمييا على غيرهمييا ميين قبييل النقييل قال‪ :‬صييلة‬
‫الكسييوف ركعتان فييي ركعيية‪ .‬وورد أيضييا ميين حديييث أبييي بكرة‬
‫وسمرة بن جندب وعبد الله بن عمر والنعمان بن بشير أنه صلى‬
‫فيي الكسيوف ركعتيين كصيلة العييد‪ .‬قال أبيو عمير بين عبيد البر‪:‬‬
‫وهي كلها آثار مشهورة صحاح‪ ،‬ومن أحسنها حديث أبي قلبة عن‬
‫النعمان بيين بشييير قال‪" :‬صييلى بنييا رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم فيي الكسيوف نحيو صيلتكم يركيع ويسيجد ركعتيين ركعتيين‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ويسيأل الله حتيى تجلت الشميس" فمين رجيح هذه الثار لكثرتهيا‬
‫وموافقتهيا للقياس‪ :‬أعنيي موافقتهيا لسيائر الصيلوات قال‪ :‬صيلة‬
‫الكسيوف ركعتان‪ .‬قال القاضيي‪ :‬خرج مسيلم حدييث سيمرة‪ .‬قال‬
‫أبيو عمير‪ :‬وبالجملة فإنميا صيار كيل فرييق منهيم إلى ميا ورد عين‬
‫سييلفه‪ ،‬ولذلك رأى بعييض أهييل العلم أن هذا كله على التخيييير‪،‬‬
‫وممين قال بذلك الطيبري‪ ،‬قال القاضيي‪ :‬وهيو الولى‪ ،‬فإن الجميع‬
‫أولى مين الترجييح‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬وقيد روي فيي صيلة الكسيوف‬
‫عشيير ركعات فييي ركعتييين‪ ،‬وثمان ركعات فييي ركعتييين وسييت‬
‫ركعات فيي ركعتيين‪ ،‬وأربيع ركعات فييي ركعتيين لكين مين طرق‬
‫ضعيفة‪ .‬قال أبو بكر ابن المنذر‪ ،‬وقال إسحاق بن راهويه‪ :‬كل ما‬
‫ورد ميين ذلك فمؤتلف غييير مختلف لن العتبار فييي ذلك لتجلي‬
‫الكسيوف‪ ،‬فالزيادة فيي الركوع إنميا تقيع بحسيب اختلف التجلي‬
‫في الكسوفات التي صلى فيها‪ ،‬وروي عن العلء بن زياد أنه كان‬
‫يرى أن المصيلي ينظير إلى الشميس إذا رفيع رأسيه مين الركوع‪،‬‬
‫فإذا كانيت قيد تجلت سيجد وأضاف إليهيا ركعية ثانيية وإن كانيت لم‬
‫تنجل ركع في الركعة الواحدة ركعة ثانية‪ ،‬ثم نظر إلى الشمس؛‬
‫فإن كانت قد تجلت سجد وأضاف إليها ثانية‪ ،‬وإن كانت لم تنجل‬
‫ركع ثالثة في الركعة الولى وهكذا حتى تنجلي‪ .‬وكان إسحاق بن‬
‫راهوييه يقول‪ :‬ل يتعدى بذلك أربيع ركعات فيي كيل ركعية‪ ،‬لنيه لم‬
‫يثبت عن النبي عليه الصلة والسلم أكثر من ذلك‪ .‬وقال أبو بكر‬
‫بن المنذر وكان بعض أ صحابنا يقول‪ :‬الختيار في صلة الكسوف‬
‫ثابيت‪ ،‬والخيار فيي ذلك للمصيلي إن شاء فيي كيل ركعية ركوعيين‪،‬‬
‫وإن شاء ثلثيية‪ ،‬وإن شاء أربعيية‪ ،‬ولم يصييح عنده ذلك‪ .‬قال‪ :‬وهذا‬
‫يدل على أن النييبي عليييه الصييلة والسييلم صييلى فييي كسييوفات‬
‫كثيرة‪ .‬قال القاضيي‪ :‬هذا الذي ذكره هيو الذي خرجيه مسيلم‪ ،‬ول‬
‫أدري كييف قال أبيو عمير فيهيا إنهيا وردت مين طرق ضعيفية‪ .‬وأميا‬
‫عشر ركعات في ركعتين فإنما أخرجه أبو داود فقط‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) واختلفوا فييي القراءة فيهييا‪ ،‬فذهييب مالك‬
‫والشافعي إلى أن القراءة فيها سر‪ .‬وقال أبو يوسف ومحمد بن‬
‫الحسين وإسيحاق بين راهوييه‪ :‬يجهير بالقراءة فيهيا‪ .‬والسيبب فيي‬
‫اختلفهييم اختلف الثار فييي ذلك بمفهومهييا وبصيييغها‪ ،‬وذلك أن‬
‫مفهوم حديث ابن عباس الثابت أنه قرأ سرا لقوله فيه عنه عليه‬
‫الصيلة والسيلم "فقام قياميا نحوا مين سيورة البقرة" وقيد روي‬
‫هذا المعنيى نصيا عنيه أنيه قال "قميت إلى جنيب رسيول الله صيلى‬
‫الله عليه وسلم فما سمعت منه حرفا" وقد روي أيضا من طريق‬
‫ابين إسيحاق عين عائشية فيي صيلة الكسيوف أنهيا قالت "تحرييت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قراءتيه فحزرت أنيه قرأ سيورة البقرة‪ ،‬فمين رجيح هذه الحادييث‬
‫قال‪ :‬القراءة فيهييا سيير‪ ،‬ولمكان مييا جاء فييي هذه الثار اسييتحب‬
‫مالك والشافعيييي أن يقرأ فيييي الولى البقرة‪ ،‬وفيييي الثانيييية آل‬
‫عمران‪ ،‬وفييي الثالثيية بقدر مائة وخمسييين آييية ميين البقرة‪ ،‬وفييي‬
‫الرابعية بقدر خمسيين آيية مين البقرة‪ ،‬وفيي كيل واحدة أم القرآن؛‬
‫ورجحوا أيضا مذهبهم هذا بما روي عنه عليه الصلة والسلم أنه‬
‫قال "صييلة النهار عجماء" ووردت ههنييا أيضييا أحاديييث مخالفيية‬
‫لهذه‪ ،‬فمنهيا أنيه روى "أنيه علييه الصيلة والسيلم قرأ فيي إحدى‬
‫الركعتين في صلة الكسوف بالنجم" ومفهوم هذا أنه جهر‪ ،‬وكان‬
‫أحميد وإسيحاق يحتجان لهذا المذهيب بحدييث سيفيان بين الحسين‬
‫عيين الزهري عيين عروة عيين عائشيية "أن النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسييلم جهيير بالقراءة فييي كسييوف الشمييس" قال أبييو عميير‪:‬‬
‫سيفيان بين الحسين لييس بالقوي‪ .‬وقال‪ :‬وقيد تابعيه على ذلك عين‬
‫الزهري عين عبيد الرحمين بين سيليمان بين كثيير‪ ،‬وكلهيم لييس فيي‬
‫حدييث الزهري‪ ،‬ميع أن حدييث ابين إسيحاق المتقدم عين عائشية‬
‫يعارضييه‪ ،‬واحتييج هؤلء أيضييا لمذهبهييم بالقياس الشبهييي‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫صيلة سينة تفعيل فيي جماعية نهارا‪ ،‬فوجيب أن يجهير فيهيا أصيله‬
‫العيدان والسييتسقاء‪ ،‬وخيير فيي ذلك كله الطييبري وهييي طريقية‬
‫الجميع‪ ،‬وقيد قلنيا إنهيا أولى مين طريقية الترجييح إذا أمكنيت‪ ،‬ول‬
‫خلف في هذا أعلمه بين الصوليين‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) واختلفوا فيي الوقيت الذي تصيلى فييه‪ ،‬فقال‬
‫الشافعي‪ :‬تصلى في جميع الوقات المنهى عن الصلة فيها وغير‬
‫المنهى‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل تصلى في الوقات المنهى عن الصلة‬
‫فيهيا‪ .‬وأميا مالك فروى عنيه ابين وهيب أنيه قال‪ :‬ل يصيلى لكسيوف‬
‫الشمس إل في الوقت الذي تجوز فيه النافلة‪ .‬وروى ابن القاسم‬
‫أن سينتها أن تصيلى ضحيى إلى الزوال‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي هذه‬
‫المسيألة اختلفهيم فيي جنيس الصيلة التيي ل تصيلى فيي الوقات‬
‫المنهييى عنهييا‪ ،‬فميين رأى أن تلك الوقات تختييص بجميييع أجناس‬
‫الصيلة لم يجيز فيهيا صيلة كسيوف ول غيرهيا‪ ،‬ومين رأى أن تلك‬
‫الحاديث تختص بالنوافل وكانت الصلة عنده في الكسوف سنة‬
‫أجاز ذلك‪ ،‬ومين رأى أيضيا أنهيا مين النفيل لم يجزهيا فيي أوقات‬
‫النهييي‪ .‬وأمييا رواييية ابيين القاسييم عيين مالك فليييس لهييا وجييه إل‬
‫تشبيهها بصلة العيد‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الرابعة) واختلفوا أيضا هل من شرطها الخطبة بعد‬
‫الصيلة؟ فذهيب الشافعيي إلى أن ذلك مين شرطهيا‪ .‬وذهيب مالك‬
‫وأبيو حنيفية إلى أنيه ل خطبية فيي صيلة الكسيوف‪ .‬والسيبب فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلفهيم اختلفهيم فيي العلة التيي مين أجلهيا خطيب رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم الناس لما انصرف من صلة الكسوف على‬
‫ما في حديث عائشة وذلك أنها روت "أنه لما انصرف من الصلة‬
‫وقيد تجلت الشميس حميد الله وأثنيى علييه ثيم قال‪" :‬إن الشميس‬
‫والقميير آيتان ميين آيات الله ل يخسييفان لموت أحييد ول لحياتييه"‬
‫الحديث‪ ،‬فزعم الشافعي أنه إنما خطب لن من سنة هذه الصلة‬
‫الخطبية كالحال فيي صيلة العيديين والسيتسقاء‪ .‬وزعيم بعيض مين‬
‫قال بقول أؤلئك أن خطبية النيبي علييه الصيلة والسيلم إنميا كانيت‬
‫يومئذ لن الناس زعموا أن الشميس إنميا كسيفت لموت إبراهييم‬
‫ابنه عليه السلم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الخامسيية) واختلفوا فييي كسييوف القميير‪ ،‬فذهييب‬
‫الشافعي إلى أنه يصلى له في جماعة‪ ،‬وعلى نحو ما يصلى في‬
‫كسوف الشمس‪ ،‬وبه قال أحمد وداود وجماعة؛ وذهب مالك وأبو‬
‫حنيفة إلى أنه ل يصلى له في جماعة‪ ،‬واستحب أن يصلي الناس‬
‫له أفذاذا ركعتييين كسييائر الصييلوات النافلة‪ .‬وسييبب اختلفهييم‬
‫اختلفهييم فييي مفهوم قوله عليييه الصييلة والسييلم "إن الشمييس‬
‫والقمير آيتان مين آيات الله ل يخسيفان لموت أحيد ول لحياتيه فإذا‬
‫رأيتموهمييا فادعوا الله وصييلوا حتييى يكشييف مييا بكييم وتصييدقوا"‬
‫خرجيه البخاري ومسيلم‪ .‬فمين فهيم ههنيا مين المير بالصيلة فيهميا‬
‫معنيى واحدا وهيي الصيفة التيي فعلهيا فيي كسيوف الشميس رأى‬
‫الصلة فيها في جماعة‪ .‬ومن فهم من ذلك معنى مختلفا لنه لم‬
‫يرو عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه صيلى فيي كسيوف القمير ميع‬
‫كثرة دورانيه‪ .‬قال‪ :‬المفهوم مين ذلك أقيل ميا ل ينطلق علييه اسيم‬
‫صيلة فيي الشرع‪ ،‬وهيي النافلة فذا‪ ،‬وكأن قائل هذا يقول يرى أن‬
‫الصيل هيو أن يحميل اسيم الصيلة فيي الشرع إذا ورد المير بهيا‬
‫على أقل ما ينطلق عليه هذا السم في الشرع إل أن يدل الدليل‬
‫على غيير ذلك‪ ،‬فلميا دل فعله علييه الصيلة والسيلم فيي كسيوف‬
‫الشمييس على غييير ذلك بقييي المفهوم فييي كسييوف القميير على‬
‫أصيله‪ ،‬والشافعيي يحميل فعله فيي كسيوف الشميس بيانيا لمجميل‬
‫ما أمر به من الصلة فيهما‪ ،‬فوجب الوقوف عند ذلك‪ .‬وزعم أبو‬
‫عمر ابن عبد البر أنه روي عن ابن عباس وعثمان أنهما صليا في‬
‫القميير فييي جماعيية ركعتييين فييي كييل ركعيية ركوعان مثييل قول‬
‫الشافعي‪ .‬وقد استحب قوم الصلة للزلزلة والريح والظلمة وغير‬
‫ذلك مين اليات قياسيا على كسيوف القمير والشميس لنصيه علييه‬
‫الصيلة والسيلم على العلة فيي ذلك‪ ،‬وهيو كونهيا آيية‪ ،‬وهيو مين‬
‫أقوى أجناس القياس عندهيم‪ ،‬لنيه قياس العلة التيي نيص عليهيا‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لكيين لم ييير هذا مالك ول الشافعييي ول جماعيية ميين أهييل العلم‪.‬‬


‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن صلى للزلزلة فقد أحسن وإل فل حرج‪ ،‬وروي‬
‫عن ابن عباس أنه صلى لها مثل صلة الكسوف‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السابع في صلة الستسقاء‪.‬‬
‫@‪-‬أجميييع العلماء على أن الخروج إلى السيييتسقاء والبروز عييين‬
‫المصيير والدعاء إلى الله تعالى والتضرع إليييه فييي نزول المطيير‬
‫سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واختلفوا في الصلة‬
‫فييي السييتسقاء‪ ،‬فالجمهور على أن ذلك ميين سيينة الخروج إلى‬
‫الستسقاء إل أبا حنيفة فإنه قال‪ :‬ليس من سنته الصلة‪ .‬وسبب‬
‫الخلف أنه ورد في بعض الثار أنه استسقى وصلى‪ ،‬وفي بعضها‬
‫لم يذكير فيهيا صيلة‪ ،‬ومين أشهير ميا ورد فيي أنيه صيلى وبيه أخيذ‬
‫الجمهور حديث عباد بن تميم عن عمه "أن رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم خرج بالناس يسيتسقي فصيلى بهيم ركعتيين جهير فيهيا‬
‫بالقراءة‪ ،‬ورفييع يديييه حذو منكييبيه وحول رداءه واسييتقبل القبلة‬
‫واستسقى" خرجه البخاري ومسلم‪ .‬وأما الحاديث التي ذكر فيها‬
‫السيتسقاء ولييس فيهيا ذكير للصيلة‪ ،‬فمنهيا حدييث أنيس بين مالك‬
‫خرجيه مسيلم أنيه قال "جاء رجيل إلى رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم فقال‪ :‬ييا رسيول الله هلكيت المواشيي وتقطعيت السيبل‬
‫فادع الله‪ ،‬فدعيا رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فمطرنيا مين‬
‫الجمعة إلى الجمعة" ومنها حديث عبد الله بن زيد المازني‪ ،‬وفيه‬
‫أنييه قال "خرج رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم فاسييتسقى‪،‬‬
‫وحول رداءه حييين اسييتقبل القبلة" ولم يذكيير فيييه صييلة‪ ،‬وزعييم‬
‫القائلون بظاهير هذا الثير أن ذلك مروي عين عمير بين الخطاب‪،‬‬
‫أعنييي أنييه خرج إلى المصييلى فاسييتسقى ولم يصييل؛ والحجيية‬
‫للجمهور أنييه لم يذكيير شيئا‪ ،‬فليييس هييو بحجيية على ميين ذكره‪،‬‬
‫والذي يدل عليييه اختلف الثار فييي ذلك ليييس عندي فيييه شيييء‬
‫أكثر من أن الصلة ليست من شرط صحة الستسقاء‪ ،‬إذ قد ثبت‬
‫أنه عليه الصلة والسلم قد استسقى على المنبر‪ ،‬ل أنها ليست‬
‫مين سينته كميا ذهيب إلييه أبيو حنيفية‪ .‬وأجميع القائلون بأن الصيلة‬
‫مين سينته على أن الخطبية أيضيا مين سينته لورود ذلك فيي الثير‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪ :‬ثبيت أن ر سول الله صلى الله علييه وسلم صلى‬
‫صلة الستسقاء وخطب واختلفوا هل هي قبل الصلة أو بعدها؟‬
‫لختلف الثار فييي ذلك‪ ،‬فرأى قوم أنهييا بعييد الصييلة قياسييا على‬
‫العيدين‪ ،‬وبه قال الشافعي ومالك‪ .‬وقال الليث بن سعد‪ :‬الخطبة‬
‫قبل الصلة‪ .‬قال ابن المنذر‪" :‬قد روي عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسيلم أنيه اسيتسقى فخطيب قبيل الصيلة" وروي عين عمير بين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الخطاب مثل ذلك وبه نأخذ‪ .‬قال القاضي‪ :‬وقد خرج ذلك أبو داود‬
‫من طرق‪ ،‬ومن ذكر الخطبة فإنما ذكرها في علمي قبل الصلة‪،‬‬
‫واتفقوا على أن القراءة فيهيا جهرا‪ ،‬واختلفوا هيل يكيبر فيهيا كميا‬
‫يكيبر فيي العيديين؟ فذهيب مالك إلى أنيه يكيبر فيهيا كميا يكيبر فيي‬
‫سائر الصلوات‪ ،‬وذهب الشافعي إلى أنه يكبر فيها كما يكبر في‬
‫العيدين‪ .‬وسبب الخلف اختلفهم في قياسها على صلة العيدين‪.‬‬
‫وقد احتج الشافعي لمذهبه في ذلك بما روي عن ابن عباس "أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم صيلى فيهيا ركعتيين كميا يصيلي‬
‫في العيدين" واتفقوا على أن من سنتها أن يستقبل المام القبلة‬
‫واقفييا ويدعييو ويحول رداءه رافعييا يديييه على مييا جاء فييي الثار‬
‫واختلفوا فييي كيفييية ذلك‪ ،‬ومتييى يفعييل ذلك‪ .‬فأمييا كيفييية ذلك؟‬
‫فالجمهور على أنييه يجعييل مييا على يمينييه على شماله ومييا على‬
‫شماله على يمينيه‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬بيل يجعيل أعله أسيفله‪ ،‬وميا‬
‫على يمينيه منيه على يسياره‪ ،‬وميا على يسياره على يمينيه‪ .‬وسيبب‬
‫الختلف اختلف الثار فييي ذلك‪ ،‬وذلك أنييه جاء فييي حديييث عبييد‬
‫الله ابيين زيييد "أنييه صييلى الله عليييه وسييلم خرج إلى المصييلى‬
‫يسييتسقي‪ ،‬فاسييتقبل القبلة وقلب رداءه وصييلى ركعتييين" وفييي‬
‫بعييض رواياتييه قلت‪ :‬أجعييل الشمال على اليمييين‪ ،‬واليمييين على‬
‫الشمال‪ ،‬أم أجعييل أعله أسييفله؟ قال‪ :‬بييل اجعييل الشمال على‬
‫اليمين واليمين على الشمال‪ .‬وجاء أيضا فيي حديث عبد الله هذا‬
‫أنييه قال "اسييتسقى رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم وعليييه‬
‫خميصية له سيوداء‪ ،‬فأراد أن يأخيذ بأسيفلها فيجعله أعلهيا‪ ،‬فلميا‬
‫ثقلت علييه قلبهيا على عاتقيه" وأميا متيى يفعيل المام ذلك‪ ،‬فإن‬
‫مالكيا والشافعيي قال‪ :‬يفعيل ذلك عنيد الفراغ مين الخطبية‪ .‬وقال‬
‫أبيو يوسيف‪ :‬يحول رداءه إذا مضيى صيدر مين الخطبية‪ ،‬وروي ذلك‬
‫أيضا عن مالك‪ ،‬وكلهم يقول‪ :‬إنه إذا حول المام رداءه قائما حول‬
‫الناس أرديتهيم جلوسيا‪ ،‬لقوله علييه الصيلة والسيلم "إنميا جعيل‬
‫المام ليؤتيم بيه" إل محميد بين الحسين واللييث ابين سيعد وبعيض‬
‫أصييحاب مالك‪ ،‬فإن الناس عندهييم ل يحولون أرديتهييم بتحويييل‬
‫المام‪ ،‬لنيه لم ينقيل ذلك فيي صيلته علييه الصيلة والسيلم بهيم‪،‬‬
‫وجماعية مين العلماء على أن الخروج لهيا وقيت الخروج إلى صيلة‬
‫العيديين إل أبيا بكير بين محميد ابين عمرو بين حزم فإنيه قال‪ :‬إن‬
‫الخروج إليهيا عنيد الزوال‪ .‬وروى أبيو داود عين عائشية "أن رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم خرج إلى السيتسقاء حيين بدا حاجيب‬
‫الشمس"‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثامن في صلة العيدين‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬أجمع العلماء على استحسان الغسل لصلة العيدين وأنهما بل‬


‫أذان ول إقامية لثبوت ذلك عين رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫إل ميا أحدث مين ذلك معاويية فيي أصيح القاوييل قاله أبيو عمير‪.‬‬
‫وكذلك أجمعوا على أن السيينة فيهييا تقديييم الصييلة على الخطبيية‬
‫لثبوت ذلك أيضيا عين رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬إل ميا‬
‫روي عيين عثمان بيين عفان أنييه أخيير الصييلة وقدم الخطبيية لئل‬
‫يفترق الناس قبيل الخطبية‪ ،‬وأجمعوا أيضيا على أنيه ل توقييت فيي‬
‫القراءة في العيدين‪ ،‬وأكثرهم استحب أن يقرأ في الولى بسبح‪،‬‬
‫وفيي الثانيية بالغاشيية لتواتير ذلك عين رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم واستحب الشافعي القراءة فيهما بي "قّ والقرآن المجيد" و‬
‫"اقتربت الساعة" لثبوت ذلك عنه عليه الصلة والسلم‪ .‬واختلفوا‬
‫من ذلك في مسائل أشهرها اختلفهم في التكبير‪ ،‬وذلك أنه حكى‬
‫فيي ذلك أبيو بكير بين المنذر نحوا مين اثنيي عشير قول إل أنيا نذكير‬
‫ميين ذلك المشهور الذي يسييتند إلى صييحابي أو سييماع فنقول‪:‬‬
‫ذهب مالك إلى أن التكبير في الولى من ركعتي العيدين سبع مع‬
‫تكيبيرة الحرام قبيل القراءة‪ ،‬وفيي الثانيية سيت ميع تكيبيرة القيام‬
‫من السجود‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬في الولى ثمانية (أي ومنها تكبيرة‬
‫الحرام ا هيي مصيححه)‪ ،‬وفيي الثانيية سيت ميع تكيبيرة القيام مين‬
‫السجود‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يكبر في الولى ثلثا بعد تكبيرة الحرام‬
‫يرفيع يدييه فيهيا‪ ،‬ثيم يقرأ أم القرآن وسيورة‪ ،‬ثيم يكيبر راكعيا ول‬
‫يرفيع يدييه‪ ،‬فإذا قام إلى الثانيية وكيبر ولم يرفيع يدييه وقرأ فاتحية‬
‫الكتاب وسيورة‪ ،‬ثيم كيبر ثلث تكيبيرات يرفيع فيهيا يدييه‪ ،‬ثيم يكيبر‬
‫للركوع ول يرفيع فيهيا يدييه‪ .‬وقال قوم‪ :‬فيهيا تسيع فيي كيل ركعية‪،‬‬
‫وهيو مروي عين ابين عباس والمغيرة بين شعبية وأنيس بين مالك‬
‫وسيعيد بين المسييب‪ ،‬وبيه قال النخعيي وسيبب اختلفهيم اختلف‬
‫الثار المنقولة في ذلك عن الصحابة؛ فذهب مالك رحمه الله إلى‬
‫ميا رواه عين ابين عمير أنيه قال شهدت الضحيى والفطير ميع أبيي‬
‫هريرة فكييبر فييي الولى سييبع تكييبيرات قبييل القراءة فييي الخرة‬
‫خمسييا قبييل القراءة‪ ،‬ولن العمييل عنده بالمدينيية كان على هذا‪،‬‬
‫وبهذا الثير بعينيه أخيذ الشافعيي‪ ،‬إل أنيه تأول فيي السيبع أنيه لييس‬
‫فيهيا تكيبيرة الحرام كميا لييس فيي الخميس تكيبيرة القيام‪ ،‬ويشبيه‬
‫أن يكون مالك إنما أصاره أن يعد تكبيرة الحرام في السبع‪ ،‬ويعد‬
‫تكييبيرة القيام زائدا على الخمييس المروييية أن العمييل ألفاه على‬
‫ذلك‪ ،‬فكأنه عنده وجه من الجمع بين الثر والعمل‪ ،‬وقد خرج أبو‬
‫داود معنى حديث أبي هريرة مرفوعا عن عائشة وعن عمرو بن‬
‫العاص‪ .‬وروى أنيه سيئل أبيو موسيى الشعري وحذيفية بين اليمان‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كييف كان رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يكيبر فيي الضحيى‬
‫والفطير؟ فقال أبيو موسيى كان "يكيبر أربعيا على الجنائز" فقال‬
‫حذيفة‪ :‬صدق‪ ،‬فقال أبو موسى‪ :‬كذلك كنت أكبر في البصرة حين‬
‫كنت عليهم‪ ،‬وقال قوم بهذا‪.‬‬
‫وأما أبو حنيفة وسائر الكوفيين فإنهم اعتمدوا في ذلك على ابن‬
‫مسيعود‪ ،‬وذلك أنيه ثبيت عنيه أنيه كان يعلمهيم صيلة العيديين على‬
‫الصيفة المتقدمية‪ ،‬وإنميا صيار الجمييع إلى الخيذ بأقاوييل الصيحابة‬
‫فييي هذه المسييألة‪ ،‬لنييه لم يثبييت فيهييا عيين النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسلم شيء‪ ،‬ومعلوم أن فعل الصحابة في ذلك هو توقيف‪ ،‬إذ‬
‫ل مدخيل للقياس فيي ذلك‪ .‬وكذلك اختلفوا فيي رفيع اليديين عنيد‬
‫كل تكبيرة‪ ،‬فمنهم من رأى ذلك وهو مذهب الشافعي؛ ومنهم من‬
‫لم يير الرفيع إل فيي السيتفتاح فقيط؛ ومنهيم مين خيير‪ .‬واختلفوا‬
‫فيمن تجب عليه صلة العيد‪ :‬أعني وجوب السنة‪ ،‬فقالت طائفة‪:‬‬
‫يصيليها الحاضير والمسيافر‪ ،‬وبيه قال الشافعيي والحسين البصيري‪،‬‬
‫وكذلك قال الشافعي إنه يصليها أهل البوادي‪ ،‬ومن ل يجمع حتى‬
‫المرأة في بيتها وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬إنما تجب صلة الجمعة‬
‫والعيدين على أهل المصار والمدائن‪ .‬وروي عن علي أنه قال‪ :‬ل‬
‫جمعة ول تشريق إل في مصر جامع‪ .‬وروي عن الزهري أنه قال‪:‬‬
‫ل صيلة فطير ول أضحيى على مسيافر‪ .‬والسيبب فيي هذا الختلف‬
‫اختلفهم في قياسها على الجمعة‪ ،‬فمن قاسها على الجمعة كان‬
‫مذهبيه فيهيا مذهبيه فيي الجمعية‪ ،‬ومين لم يقسيها رأى أن الصيل‬
‫وهو أن كل مكلف مخاطب بها حتى يثبت استثناؤه من الخطاب‪.‬‬
‫قال القاضيي‪ :‬قيد فرقيت السينة بيين الحكيم للنسياء فيي العيديين‬
‫والجمعية‪ ،‬وذلك أنيه ثبيت أنيه علييه الصيلة والسيلم أمير النسياء‬
‫بالخروج للعيدين ولم يأمر بذلك في الجمعة "وكذلك اختلفوا في‬
‫الموضع الذي يجب منه المجيء إليها كاختلفهم في صلة الجمعة‬
‫مين الثلثية الميال إلى مسييرة اليوم التام‪ .‬واتفقوا على أن وقتهيا‬
‫ميين شروق الشمييس إلى الزوال‪ .‬واختلفوا فيميين لم يأتهييم علم‬
‫بأنيه العييد إل بعيد الزوال‪ ،‬فقالت طائفية‪ :‬لييس عليهيم أن يصيلوا‬
‫يومهييم ول ميين الغييد وبييه قال مالك والشافعييي وأبييو ثور‪ ،‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬يخرجون إلى الصييلة فييي غداة ثانييي العيييد‪ ،‬وبييه قال‬
‫الوزاعييي وأحمييد وإسييحاق‪ .‬قال أبييو بكيير بيين المنذر‪ :‬وبييه نقول‬
‫لحدييث رويناه عين النيبي علييه الصيلة والسيلم "أنيه أمرهيم أن‬
‫يفطروا‪ ،‬فإذا أصيييبحوا أن يعودوا إلى مصيييلهم" قال القاضيييي‪:‬‬
‫خرجيه أبيو داود‪ ،‬إل أنيه عين صيحابي مجهول‪ ،‬ولكين الصيل فيهيم‬
‫رضي الله عنهم حملهم على العدالة‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلفوا إذا اجتميع فيي يوم واحيد عييد وجمعية‪ ،‬هيل يجزئ العييد‬
‫عن الجمعة؟ فقال قوم‪ :‬يجزئ العيد عن الجمعة وليس عليه في‬
‫ذلك اليوم إل العصير فقيط‪ ،‬وبيه قال عطاء‪ ،‬وروي ذلك عين ابين‬
‫الزبيير وعلي‪ .‬وقال قوم‪ :‬هذه رخصية لهيل البوادي الذيين يردون‬
‫المصار للعيد والجمعة خاصة كما روي عن عثمان أنه خطب في‬
‫يوم عيييد وجمعيية فقال‪ :‬ميين أحييب ميين أهييل العالييية أن ينتظيير‬
‫الجمعية فلينتظير‪ ،‬ومين أحيب أن يرجيع فليرجيع‪ ،‬رواه مالك فيي‬
‫الموطيأ‪ ،‬وروى نحوه عين عمير بين عبيد العزييز وبيه قال الشافعيي‬
‫وقال مالك وأبيو حنيفية‪ :‬إذا اجتميع عييد وجمعية فالمكلف مخاطيب‬
‫بهميا جميعيا‪ ،‬العييد على أنيه سينة‪ ،‬والجمعية على أنهيا فرض‪ ،‬ول‬
‫ينوب أحدهميا عين الخير‪ ،‬وهذا هيو الصيل إل أن يثبيت فيي ذلك‬
‫شرع يجب المصير إلييه‪ ،‬ومين تمسك بقول عثمان‪ ،‬فلنه رأى أن‬
‫مثل ذلك ليس هو بالرأي وإنما هو توقيف‪ ،‬وليس هو بخارج عن‬
‫الصول كل الخروج‪ .‬وأما إسقاط فرض الظهر والجمعة التي هي‬
‫بدله لمكان صيلة العييد فخارج عين الصيول جدا‪ ،‬إل أن يثبيت فيي‬
‫ذلك شرع يجب المصير إليه‪ .‬واختلفوا فيمن تفوته صلة العيد مع‬
‫المام‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يصييلي أربعييا‪ ،‬وبييه قال أحمييد والثوري‪ ،‬وهييو‬
‫مروي عين ابين مسيعود‪ .‬وقال قوم‪ :‬بيل يقضيهيا على صيفة صيلة‬
‫المام ركعتيين يكيبر فيهميا نحيو تكيبيره ويجهير كجهره‪ ،‬وبيه قال‬
‫الشافعي وأبو ثور‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل ركعتين فقط ل يجهر فيهما ول‬
‫يكبر تكبيرة العيد‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن صلى المام في المصلى صلى‬
‫ركعتيين‪ ،‬وإن صيلى فيي غيير المصيلى صيلى أربيع ركعات‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬ل قضاء علييه أصيل‪ ،‬وهيو قول مالك وأصيحابه‪ .‬وحكيى ابين‬
‫المنذر عنييه مثييل قول الشافعييي‪ ،‬فميين قال أربعييا شبههييا بصييلة‬
‫الجمعية وهيو تشيبيه ضعييف‪ ،‬ومين قال ركعتيين كميا صيلهما المام‬
‫فمصييرا إلى أن الصيل هيو أن القضاء يجيب أن يكون على صيفة‬
‫الداء‪ ،‬ومن منع القضاء فلنه رأى أنها صلة من شرطها الجماعة‬
‫والمام كالجمعية‪ ،‬فلم يجيب قضاؤهيا ركعتيين ول أربعيا إذ ليسيت‬
‫هي بدل من شيء‪ ،‬وهذان القولن هما اللذان يتردد فيهما النظر‪:‬‬
‫أعنيي قول الشافعيي وقول مالك‪ .‬وأميا سيائر القاوييل فيي ذلك‬
‫فضعيييف ل معنييى له‪ ،‬لن صييلة الجمعيية بدل ميين الظهيير‪ ،‬وهذه‬
‫ليسييت بدل ميين شيييء‪ ،‬فكيييف يجييب أن تقاس إحداهمييا على‬
‫الخرى فييي القضاء‪ ،‬وعلى الحقيقيية فليييس ميين فاتتييه الجمعيية‬
‫فصيلته للظهير قضاء بيل هيي أداء‪ ،‬لنيه إذا فاتيه البدل وجبيت هيي‬
‫والله الموفق للصواب‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلفوا في التنفل قبل صلة العيد وبعدها‪ ،‬فالجمهور على أنه ل‬


‫يتنفل ل قبلها ول بعدها‪ ،‬وهو مروي عن علي بن أبي طالب وابن‬
‫مسعود وحذيفة وجابر‪ ،‬وبه قال أحمد‪ .‬وقيل يتنفل قبلها وبعدها‪،‬‬
‫وهو مذهب أنس وعروة‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬وفيه قول ثالث وهو‬
‫أن ل يتنفل بعدها ول يتنفل قبلها‪ ،‬وقال به الثوري والوزاعي وأبو‬
‫حنيفة‪ ،‬وهو مروي أيضا عن ابن مسعود‪ ،‬وفرق قوم بين أن تكون‬
‫الصيلة فيي المصيلى أو فيي المسيجد‪ ،‬وهيو مشهور مذهيب مالك‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم أنيه ثبيت أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫خرج يوم فطير أو يوم أضحيى فصيلى ركعتيين لم يصيل قبلهميا ول‬
‫بعدهمييا" وقال عليييه الصييلة والسييلم "إذا جاء أحدكييم المسييجد‬
‫فليركيع ركعتيين" وترددهيا أيضيا مين حييث هيي مشروعية بيين أن‬
‫يكون حكمها في استحباب التنفل قبلها وبعدها حكم المكتوبة أو‬
‫ل يكون ذلك حكمهيا؟ فمين رأى أ نه تركه الصيلة قبلهيا وبعدهيا هو‬
‫من باب ترك الصلة قبل السنن وبعدها ولم ينطلق اسم المسجد‬
‫عنده على المصيلى لم يسيتحب تنفل قبلهيا ول بعدهيا‪ ،‬ولذلك تردد‬
‫المذهيب فيي الصيلة قبلهيا إذا صيليت فيي المسيجد لكون دلييل‬
‫الفعل معارضا في ذلك القول‪ ،‬أعني أنه من حيث هو داخل في‬
‫مسييجد يسييتحب له الركوع‪ ،‬وميين حيييث هييو مصييل صييلة العيييد‬
‫يسيتحب له أن ل يركيع تشبهيا بفعله علييه الصيلة والسيلم‪ .‬ومين‬
‫رأى أن ذلك ميين باب الرخصيية ورآى أن اسييم المسييجد ينطلق‬
‫على المصيييلى ندب إلى التنفيييل قبلهيييا‪ .‬ومييين شبههيييا بالصيييلة‬
‫المفروضية اسيتحب التنفيل قبلهيا وبعدهيا كميا قلنيا‪ .‬ورأى قوم أن‬
‫التنفل قبلها وبعدها من باب المباح الجائز ل من باب المندوب ول‬
‫مين باب المكروه‪ ،‬وهيو أقيل اشتباهيا إن لم يتناول اسيم المسيجد‬
‫المصلى‪ .‬واختلفوا في وقت التكبير في عيد الفطر بعد أن أجمع‬
‫على اسيييتحبابه الجمهور لقوله تعالى {ولتكملوا العدة ولتكيييبروا‬
‫الله على مييا هداكييم} فقال جمهور العلماء‪ :‬يكييبر عنييد الغدو إلى‬
‫الصلة‪ ،‬وهو مذهب ابن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين‪ ،‬وبه‬
‫قال مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور‪.‬‬
‫وقال قوم يكييبر ميين ليلة الفطيير إذا رأوا الهلل حتييى يغدو إلى‬
‫المصيلى وحتيى يخرج المام‪ ،‬وكذلك فيي ليلة الضحيى عندهيم إن‬
‫لم يكن حاجا‪ .‬وروي عن ابن عباس إنكار التكبير جملة إل إذا كبر‬
‫المام‪ ،‬واتفقوا أيضيا على التكيبير فيي أدبار الصيلوات أيام الحيج‪.‬‬
‫واختلفوا في توقيت ذلك اختلفا كثيرا‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يكبر من صلة‬
‫الصييبح يوم عرفيية إلى العصيير مين آخيير أيام التشريييق‪ ،‬وبييه قال‬
‫سيفيان وأحميد وأبيو ثور‪ .‬وقييل يكيبر مين صيلة الظهير مين يوم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫النحير إلى صيلة الصيبح مين آخير أيام التشرييق‪ ،‬وهيو قول مالك‬
‫والشافعيييي‪ .‬وقال الزهري مضيييت السييينة أن يكيييبر المام فيييي‬
‫المصيار دبر صيلة الظهير مين يوم النحير إلى العصير مين آخير أيام‬
‫التشريق‪.‬‬
‫وبالجملة فالخلف فييي ذلك كثييير حكييى ابيين المنذر فيهييا عشرة‬
‫أقوال‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي ذلك هيو أنيه نقلت بالعميل ولم ينقيل‬
‫في ذلك قول محدود‪ ،‬فلما اختلفت الصحابة في ذلك اختلف من‬
‫بعدهم‪ .‬والصل في هذا الباب قوله تعالى {واذكروا الله في أيام‬
‫معدودات} فهذا الخطاب وإن كان المقصييود بييه أول أهييل الحييج‪،‬‬
‫فإن الجمهور رأوا أنيه يعيم أهيل الحيج وغيرهيم وتلقيى ذلك بالعميل‬
‫وإن كانوا اختلفوا فيي التوقييت فيي ذلك‪ ،‬ولعيل التوقييت فيي ذلك‬
‫على التخيير لنهم كلهم أجمعوا على التوقيت واختلفوا فيه‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬التكيبير دبر الصيلة فيي هذه اليام إنميا هيو لمين صيلى فيي‬
‫جماعيية‪ ،‬وكذلك اختلفوا فييي صييفة التكييبير فييي هذه اليام‪ ،‬فقال‬
‫مالك والشافعيي‪ :‬يكيبر ثلثيا الله أكيبر الله أكيبر الله أكيبر‪ .‬وقييل‬
‫يزيد بعد هذا ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‬
‫وهيو على كيل شييء قديير‪ .‬وروي عين ابين عباس أنيه يقول‪ :‬الله‬
‫أكييبر كييبيرا ثلث مرات‪ ،‬ثييم يقول الرابعيية ولله الحمييد‪ .‬وقالت‬
‫جماعية‪ :‬لييس فييه شييء مؤقيت‪ .‬والسيبب فيي هذا الختلف عدم‬
‫التحديييد فييي ذلك فييي الشرع مييع فهمهييم ميين الشرع فييي ذلك‬
‫التوقييت‪ :‬أعنيي فهيم الكثير‪ .‬وهذا هيو السيبب فيي اختلفهيم فيي‬
‫توقيت زمان التكبير‪ ،‬أعني فهم التوقيت مع عدم النص في ذلك‪،‬‬
‫وأجمعوا على أنيه يسيتحب أن يفطير فيي عييد الفطير قبيل الغدو‬
‫إلى المصيلى‪ ،‬وأن ل يفطير يوم الضحيى إل بعيد النصيراف مين‬
‫الصلة‪ ،‬وأنه يستحب أن يرجع من غير الطريق التي مشى عليها‬
‫لثبوت ذلك من فعله عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب التاسع في سجود القرآن‪.‬‬
‫@‪-‬والكلم فيي هذا الباب ينحصير فيي خمسية فصيول‪ :‬فيي حكيم‬
‫السيجود‪ .‬وفيي عدد السيجدات التيي لهيا عزائم‪ ،‬أعنيي التيي يسيجد‬
‫لها‪ .‬وفي الوقات التي يسجد لها‪ .‬وعلى من يجب السجود‪ .‬وفي‬
‫صيفة السيجود‪ .‬فأميا حكيم سيجود التلوة فإن أبيا حنيفية وأصيحابه‬
‫قالوا‪ :‬هييو واجييب‪ ،‬وقال مالك والشافعييي‪ :‬هييو مسيينون وليييس‬
‫بواجييب‪ .‬وسييبب الخلف اختلفهييم فييي مفهوم الواميير بالسييجود‬
‫والخبار التي معناها معنى الوامر بالسجود مثل قوله تعالى {إذا‬
‫تتلى عليهيم آيات الرحمين خروا سيجدا وبكييا} هيل هيي محمولة‬
‫على الوجوب أو على الندب فأبيو حنيفية حملهيا على ظاهرهيا مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الوجوب‪ ،‬ومالك والشافعيي اتبعيا فيي مفهومهيا الصيحابة إذ كانوا‬


‫هيم أقعيد بفهيم الوامير الشرعيية‪ ،‬وذلك أنيه لميا ثبيت أن عمير بين‬
‫الخطاب قرأ السييجدة يوم الجمعيية فنزل وسييجد وسييجد الناس‬
‫فلميا كان فيي الجمعية الثانيية وقرأهيا تهييأ الناس للسيجود فقال‪:‬‬
‫على رسييييلكم إن الله لم يكتبهييييا علينييييا إل أن نشاء قالوا وهذا‬
‫بمحضيير الصييحابة‪ ،‬فلم ينقييل عيين أحييد منهييم خلف وهييم أفهييم‬
‫بمغزى الشرع‪ ،‬وهذا إنميا يحتيج بيه مين يرى قول الصيحابي إذا لم‬
‫يكيين له مخالف حجيية‪ ،‬وقييد احتييج أصييحاب الشافعييي فييي ذلك‬
‫بحدييث زييد بين ثابيت أنيه قال "كنيت أقرأ القرآن على رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فقرأت سورة الحج فلم يسجد ولم نسجد"‬
‫وكذلك أيضيا يحتيج لهؤلء بميا روي عنيه علييه الصيلة والسيلم "أنيه‬
‫لم يسجد في المفصل" وبما روي أنه سجد فيها لن وجه الجمع‬
‫بيين ذلك يقتضيي أن ل يكون السيجود واجبيا‪ ،‬وذلك بأن يكون كيل‬
‫واحيد منهيم حدث بميا رأى‪ ،‬ومين قال إنيه سيجد‪ ،‬ومين قال إنيه لم‬
‫يسيجد‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فتمسيك فيي ذلك بأن الصيل هيو حميل‬
‫الوامير على الوجوب والخبار التيي تتنزل منزلة الوامير وقيد قال‬
‫أبيو المعالي‪ :‬إن احتجاج أبيي حنيفية بالوامير الواردة بالسيجود فيي‬
‫ذلك ل معنيى له‪ ،‬فإن إيجاب السيجود مطلقيا لييس يقتضيي وجوبيه‬
‫مقيدا وهيو عنيد القراءة‪ :‬أعنيي قراءة آيية السيجود قال‪ :‬ولو كان‬
‫المر كما زعم أبو حنيفة لكانت الصلة تجب عند قراءة الية التي‬
‫فيهيا المير بالصيلة‪ ،‬وإذا لم يجيب ذلك فلييس يجيب السيجود عنيد‬
‫قراءة الية التي فيها المر بالسجود من المر بالسجود‪.‬‬
‫ولبييي حنيفيية أن يقول‪ ،‬قييد أجمييع المسييلمون على أن الخبار‬
‫الواردة في السجود عند تلوة القرآن هي بمعنى المر وذلك في‬
‫أكثر المواضع‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فقد ورد المر بالسجود مقيدا‬
‫بالتلوة أعنييي عنييد التلوة‪ ،‬وورد الميير بييه مطلقييا فوجييب حمييل‬
‫المطلق على المقيييد‪ ،‬وليييس الميير فييي ذلك بالسييجود كالميير‬
‫بالصلة‪ ،‬فإن الصلة قيد وجوبها بقيود أخر‪ ،‬وأيضا فإن النبي عليه‬
‫الصلة والسلم قد سجد فيها فبين لنا بذلك معنى المر بالسجود‬
‫الوارد فيها‪ :‬أعني أنه عند التلوة‪ ،‬فوجب أن يحمل مقتضى المر‬
‫في الوجوب عليه‪ .‬وأما عدد عزائم سجود القرآن‪ ،‬فإن مالكا قال‬
‫فييي الموطيأ‪ :‬المير عندنيا أن عزائم سيجود القرآن إحدى عشرة‬
‫سيجدة لييس فيي المفصيل منهيا شييء وقال أصيحابه‪ :‬أولهيا خاتمية‬
‫العراف‪ ،‬وثانيهيا فيي الرعيد عنيد قوله تعالى {بالغدو والصيال}‬
‫وثالثها في النحل عند قوله تعالى {ويفعلون ما يؤمرون} ورابعها‬
‫فيي بنيي إسيرائيل عنيد قوله تعالى {ويزيدهيم خشوعيا} وخامسيها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي مرييم عنيد قوله تعالى {خروا سيجدا وبكييا} وسيادسها الولى‬
‫مين الحيج عنيد قوله تعالى {إن الله يفعيل ميا يشاء} وسيابعها فيي‬
‫الفرقان عنيد قوله تعالى {وزادهيم نفورا} وثامنهيا فيي النميل عنيد‬
‫م تنزيل} عند‬ ‫قوله تعالى {رب العرش العظيم} وتاسعها في {ال ّ‬
‫ص} عنيد قوله‬‫قوله تعالى {وهيم ل يسيتكبرون} وعاشرهيا فيي { ّي‬
‫م تنزيل} عند‬ ‫تعالى {وخر راكعا وأناب} والحادية عشرة في {ح ّ‬
‫قوله تعالى {إن كنتييم إياه تعبدون} وقيييل عنييد قوله {وهيييم ل‬
‫يسييأمون} وقال الشافعييي‪ :‬أربييع عشرة سييجدة‪ :‬ثلث منهييا فييي‬
‫المفصيل‪ :‬فيي النشقاق وفيي النجيم وفيي {اقرأ باسيم ربيك} ولم‬
‫ص} سجدة لنها عنده من باب الشكر‪ .‬وقال أحمد‪ :‬هي‬ ‫ير في { ّ‬
‫ص}‬‫خمسية عشرة سيجدة أثبيت فيهيا الثانيية مين الحيج وسيجدة { ّي‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬هي اثنتا عشرة سجدة‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬وهي كل‬
‫سيجدة جاءت بلفيظ الخيبر‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم اختلفهيم فيي‬
‫المذاهيب التيي اعتمدوهيا فيي تصيحيح عددهيا وذلك أن منهيم مين‬
‫اعتميد عميل أهيل المدينية‪ ،‬ومنهيم مين اعتميد القياس‪ ،‬ومنهيم مين‬
‫اعتمد السماع‪.‬‬
‫أميا الذيين اعتمدوا العميل فمالك وأصيحابه‪ .‬وأميا الذيين اعتمدوا‬
‫القياس فأبيو حنيفية وأصيحابه‪ ،‬وذلك أنهيم قالوا‪ :‬وجدنيا السيجدات‬
‫التييي أجمييع عليهييا جاءت بصيييغة الخييبر‪ ،‬وهييي سييجدة العراف‬
‫م‬
‫والنحل والرعد والسراء ومريم وأول الحج والفرقان والنمل وال ّ‬
‫تنزييل‪ ،‬فوجيب أن تلحيق بهيا سيائر السيجدات التيي جاءت بصييغة‬
‫ص وفيي النشقاق‪ ،‬ويسيقط ثلثية جاءت‬ ‫الخيبر‪ ،‬وهيي التيي فيي ّي‬
‫بلفظ المر وهي التي في والنجم وفي الثانية من الحج وفي اقرأ‬
‫باسيم ربيك وأميا الذيين اعتمدوا السيماع فإنهيم صياروا إلى ميا ثبيت‬
‫عنيه علييه الصيلة والسيلم مين سيجوده فيي النشقاق وفيي {اقرأ‬
‫باسم ربك} وفي {والنجم} خرج ذلك مسلم‪ .‬وقال الثرم‪ :‬سئل‬
‫أحميد كيم فيي الحيج مين سيجدة؟ قال سيجدتان‪ .‬وصيحح حدييث‬
‫عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "في الحج‬
‫سجدتان" وهو قول عمر وعلي‪.‬‬
‫قال القاضيي‪ :‬خرجيه أبيو داود‪ .‬وأميا الشافعيي فإنيه إنميا صيار إلى‬
‫صي لميا رواه أبيو داود عين أبيي سيعيد الخدري "أن‬ ‫إسيقاط سيجدة ّ‬
‫النبي عليه الصلة والسلم قرأ وهو على المنبر آ ية السجود من‬
‫ص} فنزل وسيجد فلميا كان يوم آخير قرأهيا فتهييأ الناس‬ ‫سيورة { ّي‬
‫للسجود فقال‪ :‬إنما هي توبة نبي‪ ،‬ولكن رأيتكم تشيرون للسجود‬
‫فنزلت فسييجدت" وفييي هذا ضرب مين الحجيية لبييي حنيفيية فييي‬
‫قوله بوجوب السيجود‪ ،‬لنيه علل ترك السيجود فيي هذه السيجدة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بعلة انتفت في غيرها من السجدات‪ ،‬فوجب أن يكون حكم التي‬


‫انتفييت عنهييا العلة بخلف التييي ثبتييت لهييا العلة‪ ،‬وهييو نوع ميين‬
‫السيتدلل وفييه اختلف‪ ،‬لنيه مين باب تجوييز دلييل الخطاب‪ .‬وقيد‬
‫احتيج بعيض مين لم يير السيجود فيي المفصيل بحدييث عكرمية عين‬
‫ابن عباس خرجه أبو داود "أن ر سول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لم يسجد في شيء من المفصل منذ هاجر إلى المدينة" قال أبو‬
‫عمر‪ :‬وهو منكر لن أبا هريرة الذي روى سجوده في المفصل لم‬
‫يصيحبه علييه الصيلة والسيلم إل بالمدينية‪ .‬وقيد روى الثقات عنيه‬
‫"أنه سجد عليه الصلة والسلم في والنجم"‪ .‬وأما وقت السجود‬
‫فإنهيم اختلفوا فييه؛ فمنيع قوم السيجود فيي الوقات المنهيى عين‬
‫الصلة فيها‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة على أصله في منع الصلوات‬
‫المفروضية فيي هذه الوقات‪ ،‬ومنيع مالك أيضيا ذلك فيي الموطيأ‬
‫لنها عنده من النفل والنفل ممنوع في هذه الوقات عنده‪ .‬وروى‬
‫ابين القاسيم عنيه أنيه يسيجد فيهيا بعيد العصير مالم تصيفر الشميس‬
‫أو تتغير‪ ،‬وكذلك بعد الصبح وبه قال الشافعي وهذا بناء على أنها‬
‫سنة وأن السنن تصلى في هذه الوقات ما لم تدن الشمس من‬
‫الغروب أو الطلوع‪ .‬وأميا على مين يتوجيه حكمهيا؟ فأجمعوا على‬
‫أنيه يتوجيه على القارئ فيي صيلة كان أو فيي غيير صيلة‪ .‬واختلفوا‬
‫فييي السييامع هييل عليييه سييجود أم ل؟ فقال أبييو حنيفيية‪ :‬عليييه‬
‫السيييجود‪ ،‬ولم يفرق بيييين الرجيييل والمرأة‪ .‬وقال مالك‪ :‬يسيييجد‬
‫السامع بشرطين‪ :‬أحدهما إذا كان قعد ليسمع القرآن‪ ،‬والخر أن‬
‫يكون القارئ يسييجد‪ ،‬وهييو مييع هذا مميين يصييح أن يكون إمامييا‬
‫للسامع‪ .‬وروى ابن القاسم عن مالك أنه يسجد السامع‪ ،‬وإن كان‬
‫القارئ ممين ل يصيلح المامية إذا جلس إلييه‪ .‬وأميا صيفة السيجود‬
‫فإن جمهور الفقهاء قالوا‪ :‬إذا سييجد القارئ كييبر إذا خفييض وإذا‬
‫رفع‪ ،‬واختلف قول مالك في ذلك إذا كان في غير صلة‪ .‬وأما إذا‬
‫كان في الصلة فإنه يكبر قول واحدا‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله‬
‫*‪*2‬كتاب أحكام الميت‬
‫@‪-‬والكلم فييييي هذا الكتاب وهييييي حقوق الموات على الحياء‪.‬‬
‫ينقسم إلى ست جمل‪ :‬الجملة الولى‪ :‬فيما يستحب أن يفعل به‬
‫عنييد الحتضار‪ ،‬وبعده‪ .‬الثانييية‪ :‬فييي غسييله‪ .‬الثالثيية‪ :‬فييي تكفينييه‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬في حمله واتباعه‪ .‬الخامسة‪ :‬في الصلة عليه‪ .‬السادسة‪:‬‬
‫في دفنه‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول‪ .‬فيما يستحب أن يفعل به عند الحتضار وبعده‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬ويستحب أن يلقن الميت عند الموت شهادة أن ل إله إل الله‪،‬‬


‫لقوله عليييه الصييلة والسييلم "لقنوا موتاكييم شهادة أن ل إله إل‬
‫الله" وقوله "مييين كان آخييير قوله ل إله إل الله دخيييل الجنييية"‪.‬‬
‫واختلفوا فييي اسييتحباب توجيهييه إلى القبلة‪ ،‬فرأى ذلك قوم ولم‬
‫يره آخرون‪ .‬وروي عن مالك أنه قال في التوجيه‪ :‬ما هو من المر‬
‫القدييم‪ .‬وروي عين سيعيد بين المسييب أنيه أنكير ذلك ولم يرو ذلك‬
‫عن أحد من الصحابة ول من التابعين‪ :‬أعني ال مر بالتوجيه‪ ،‬فإذا‬
‫قضييى الميييت غمييض عينيييه‪ ،‬ويسييتحب تعجيييل دفنييه لورود الثار‬
‫بذلك‪ ،‬إل الغريق‪ ،‬فإنه يستحب في المذهب تأخير دفنه مخافة أن‬
‫يكون الماء قد غمره فلم تتبين حياته‪ .‬قال القاضي‪ :‬وإذا قيل هذا‬
‫فيي الغرييق فهيو أولى فيي كثيير مين المرضيى مثيل الذيين يصييبهم‬
‫انطباق العروق وغيير ذلك مميا هيو معروف عنيد الطباء حتيى قال‬
‫الطباء إن المسكوتين ل ينبغي أن يدفنوا إل بعد ثلث‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في غسل الميت‪.‬‬
‫@‪-‬ويتعلق بهذا الباب فصول أربعة‪ :‬منها في حكم الغسل‪ .‬ومنها‬
‫فيمين يجيب غسيله مين الموتيى‪ .‬ومين يجوز أن يغسيل‪ ،‬وميا حكيم‬
‫الغاسل‪ ،‬ومنها في صفة الغسل‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في حكم الغسل‪.‬‬
‫@‪-‬فأما حكم الغسل فإنه قيل فيه إنه فرض على الكفاية‪ .‬وقيل‬
‫سينة على الكفايية‪ .‬والقولن كلهميا فيي المذهيب‪ .‬والسيبب فيي‬
‫ذلك أنييه نقييل بالعمييل ل بالقول‪ ،‬والعمييل ليييس له صيييغة تفهييم‬
‫الوجوب أو ل تفهميه‪ .‬وقيد احتيج عبيد الوهاب لوجوبيه بقوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم فيي ابنتيه "اغسيلنها ثلثيا أو خمسيا" وبقوله فيي‬
‫المحرم "اغسيييلوه" فمييين رأى أن هذا القول خرج مخرج تعلييييم‬
‫لصيفة الغسيل ل مخرج المير بيه لم يقيل بوجوبيه‪ ،‬ومين رأى أنيه‬
‫يتضمن المر والصفة قال‪ :‬بوجوبه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني فيمن يجب غسله من الموتى‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا الموات الذيين يجيب غسيلهم فإنهيم اتفقوا مين ذلك على‬
‫غسييل الميييت المسييلم الذي لم يقتييل فييي معترك حرب الكفار‪.‬‬
‫واختلفوا فييي غسييل الشهيييد وفييي الصييلة عليييه وفييي غسييل‬
‫المشرك‪ .‬فأما الشهيد‪ :‬أعني الذي قتله في المعترك المشركون‪،‬‬
‫فإن الجمهور على ترك غسله لما روي "أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أمر بقتلى أحد فدفنوا بثيابهم ولم يصل عليهم" وكان‬
‫الحسين وسيعيد ابين المسييب يقولن‪ :‬يغسيل كيل مسيلم فإن كيل‬
‫ميييت يجنييب‪ ،‬ولعلهييم كانوا يرون إن مييا فعييل بقتلى أحييد كان‬
‫لموضيع الضرورة‪ :‬أعنيي المشقية فيي غسيلهم‪ ،‬وقال بقولهيم مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقهاء المصار عبيد الله بن الحسن العنبري‪ .‬وسئل أبو عمر فيما‬
‫حكيى ابين المنذر عين غسيل الشهييد فقال‪ :‬قيد غسيل عمير وكفين‬
‫وحنييط وصييلى عليييه‪ ،‬وكان شهيدا يرحمييه الله‪ .‬واختلف الذييين‬
‫اتفقوا على أن الشهييييد فيييي حرب المشركيييين ل يغسيييل فيييي‬
‫الشهداء مين قتيل اللصيوص أو غيير أهيل الشرك‪ .‬فقال الوزاعيي‬
‫وأحميد وجماعية حكمهيم حكيم مين قتله أهيل الشرك‪ .‬وقال مالك‬
‫والشافعيي‪ :‬يغسيل‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيو هيل الموجيب لرفيع حكيم‬
‫الغسيل هيي الشهادة مطلقيا أو الشهادة على أيدي الكفار‪ ،‬فمين‬
‫رأى أن سيبب ذلك هيي الشهادة مطلقيا قال‪ :‬ل يغسيل كيل مين‬
‫نيص علييه النيبي علييه الصيلة والسيلم أنيه شهييد ممين قتيل‪ .‬ومين‬
‫رأى أن سبب ذلك هي الشهادة من الكفار قصر ذلك عليهم‪ .‬وأما‬
‫غسيل المسيلم الكافير فكان مالك يقول‪ :‬ل يغسيل المسيلم والده‬
‫الكافير ول يقيبره‪ ،‬إل أن يخاف ضياعيه فيوارييه‪ .‬وقال الشافعيي‪:‬‬
‫لبأس بغسل المسلم قرابته من المشركين ودفنهم‪ ،‬وبه قال أبو‬
‫ثور وأبو حنيفة وأصحابه قال أبو بكر بن المنذر‪ :‬ليس في غسل‬
‫الميييت المشرك سيينة تتبييع‪ ،‬وقييد روى "أن النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسيلم‪ .‬أمير بغسيل عميه لميا مات"‪ .‬وسيبب الخلف هيل الغسيل‬
‫مين باب العبادة‪ ،‬أو مين باب النظافية؟ فإن كانيت عبادة لم يجيز‬
‫غسل الكافر‪ ،‬وإن كانت نظافة جاز غسله‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث فيمن يجوز أن يغسل الميت‪.‬‬
‫@‪-‬وأما من يجوز أن يغسل الميت‪ ،‬فإنهم اتفقوا على أن الرجال‬
‫يغسيلون الرجال والنسياء يغسيلون النسياء‪ .‬واختلفوا فيي المرأة‬
‫تموت مع الرجال‪ ،‬أو الرجل يموت مع النساء ما لم يكونا زوجين‬
‫على ثلثية أقوال‪ :‬فقال قوم‪ :‬يغسيل كيل واحيد منهميا صياحبه مين‬
‫فوق الثياب‪ .‬وقال قوم‪ :‬ييميم كيل واحيد منهميا صياحبه‪ ،‬وبيه قال‬
‫الشافعيي وأبيو حنيفية وجمهور العلماء‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يغسيل واحيد‬
‫منهميا صياحبه ول ييمميه‪ ،‬وبيه قال اللييث بين سيعد‪ ،‬بيل يدفين مين‬
‫غيير غسيل‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيو الترجييح بيين تغلييب النهيي على‬
‫الميير‪ ،‬أو الميير على النهييي‪ ،‬وذلك أن الغسييل مأمور بييه‪ ،‬ونظيير‬
‫الرجيل إلى بدن المرأة والمرأة إلى بدن الرجيل منهيي عنيه‪ .‬فمين‬
‫غلب النهيي تغليبيا مطلقيا‪ ،‬أعنيي لم يقيس المييت على الحيي فيي‬
‫كون الطهارة التراب له بدل مين طهارة الماء عنيد تعذرهيا قال‪ :‬ل‬
‫يغسل واحد منهما صاحبه ول ييممه‪ .‬ومن غلب المر على النهي‬
‫قال يغسيل كيل واحيد منهميا صياحبه‪ :‬أعنيي غلب المير على النهيي‬
‫تغليبيا مطلقيا‪ .‬ومين ذهيب إلى التيميم فلنيه رأى أنيه ل يلحيق المير‬
‫والنهي في ذلك تعارض‪ ،‬وذلك أن النظر إلى مواضع التيمم يجوز‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لكل الصنفين‪ ،‬ولذلك رأى مالك أن ييمم الرجل المرأة في يديها‬


‫ووجههييا فقييط لكون ذلك منهييا ليسييا بعورة‪ ،‬وأن تيمييم المرأة‬
‫الرجيل إلى المرفقيين لنيه لييس مين الرجيل عورة إل مين السيرة‬
‫إلى الركبيية على مذهبييه‪ ،‬فكأن الضرورة التييي نقلت الميييت ميين‬
‫الغسيل إلى التيميم عنيد مين قال بيه هيي تعارض المير والنهيي‪،‬‬
‫فكأنه شبه هذه الضرورة بالضرورة التي يجوز معها للحي التيمم‪،‬‬
‫وهيو تشيبيه فييه بعيد ولكين علييه الجمهور‪ .‬فأميا مالك فاختلف فيي‬
‫قوله هذه المسيألة فمرة قال‪ :‬ييميم كيل واحيد منهميا صياحبه قول‬
‫مطلقييا‪ ،‬ومرة فرق فييي ذلك بييين ذوي المحارم وغيرهييم‪ ،‬ومرة‬
‫فرق فيي ذوي المحارم بيين الرجال والنسياء‪ ،‬فيتحصيل عنيه أن له‬
‫في ذوي المحارم ثلثة أقوال‪ :‬أشهرها أنه يغسل كل واحد منهما‬
‫على الثياب‪ .‬والثاني أنه ل يغسل أحدهما صاحبه لكن ييممه مثل‬
‫قول الجمهور فيي غيير ذوي المحارم‪ .‬والثالث الفرق بيين الرجال‬
‫والنسيياء‪ :‬أعنيي تغسييل المرأة الرجيل ول يغسييل الرجيل المرأة‪.‬‬
‫فسيبب المنيع أن كيل واحيد منهميا ل يحيل له أن ينظير إلى موضيع‬
‫الغسيل مين صياحبه كالجانيب سيواء‪ .‬وسيبب الباحية أنيه موضيع‬
‫ضرورة وهيم أعذر فيي ذلك مين الجنيبي‪ .‬وسيبب الفرق أن نظير‬
‫الرجال إلى النسياء أغلظ مين نظير النسياء إلى الرجال‪ ،‬بدلييل أن‬
‫النسيياء حجبيين عيين نظيير الرجال إليهيين ولم يحجييب الرجال عيين‬
‫النسيياء‪ .‬وأجمعوا ميين هذا الباب على جواز غسييل المرأة زوجهييا‪.‬‬
‫واختلفوا فييي جواز غسييله إياهييا‪ ،‬فالجمهور على جواز ذلك؛ وقال‬
‫أبيو حنيفية‪ :‬ل يجوز غسيل الرجيل لزوجتيه‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيو‬
‫تشبيه الموت بالطلق‪ ،‬فمن شبهه بالطلق قال‪ :‬ل يحل أن ينظر‬
‫إليهيا بعيد الموت‪ ،‬ومين لم يشبهيه بالطلق وهيم الجمهور قال‪ :‬إن‬
‫ما يحل له من النظر إليها قبل الموت يحل له بعد الموت‪ ،‬وإنما‬
‫دعييا أبييا حنيفيية أن يشبييه الموت بالطلق لنييه رأى أنييه إذا ماتييت‬
‫إحدى الختيين حيل له نكاح الخرى‪ ،‬كالحال فيهيا إذا طلقيت‪ ،‬وهذا‬
‫فييه بعيد‪ ،‬فإن علة منيع الجميع مرتفعية بيين الحيي والمييت‪ ،‬ولذلك‬
‫حلت إل أن يقال إن علة منيع الجميع غيير معقوله‪ ،‬وإن منيع الجميع‬
‫بييين الختييين عبادة محضيية غييير معقولة المعنييى‪ ،‬فيقوى حينئذ‬
‫مذهيب أبيي حنيفية‪ ،‬وكذلك أجمعوا على أن المطلقية المبتوتية ل‬
‫تغسل زوجها‪ ،‬واختلفوا في الرجعية‪ ،‬فروي عن مالك أنها تغسله‪،‬‬
‫وبيه قال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ .‬وقال ابين القاسيم‪ :‬ل تغسيله وإن‬
‫كان الطلق رجعيييا وهييو قياس قول مالك‪ ،‬لنييه ليييس يجوز عنده‬
‫أن يراها‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬وسبب اختلفهم هو هل يحل للزوج‬
‫أن ينظير إلى الرجعيية أو ل ينظير إليهيا؟ وأميا حكيم الغاسيل فإنهيم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلفوا فيميا يجيب علييه‪ ،‬فقال قوم‪ :‬مين غسيل ميتيا وجيب علييه‬
‫الغسييل‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل غسييل عليييه‪ .‬وسييبب اختلفهييم معارضيية‬
‫حدييث أبيي هريرة لحدييث أسيماء‪ ،‬وذلك أن أبيا هريرة روى عين‬
‫النيبي علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "مين غسيل ميتيا فليغتسيل‪،‬‬
‫ومن حمله فليتوضأ" خرجه أبو داود‪ .‬وأما حديث أسماء فإنها لما‬
‫غسيلت أبيا بكير رضيي الله عنيه خرجيت فسيألت مين حضرهيا مين‬
‫المهاجريين والنصيار وقالت إنيي صيائمة‪ ،‬وإن هذا يوم شدييد البرد‬
‫فهيل علي مين غسيل؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬وحدييث أسيماء فيي هذا صيحيح‪.‬‬
‫وأميا حدييث أبيي هريرة فهيو عنيد أكثير أهيل العلم فيميا حكيى أبيو‬
‫عميير غييير صييحيح‪ ،‬لكيين حديييث أسييماء ليييس فيييه فييي الحقيقيية‬
‫معارضية له‪ ،‬فإن مين أنكير الشييء يحتميل أن يكون ذلك لنيه لم‬
‫تبلغه السنة في ذلك الشيء‪ ،‬وسؤال أسماء والله أعلم يدل على‬
‫الخلف في ذلك في الصدر الول‪ ،‬ولهذا كله قال الشافعي رضي‬
‫الله عنييه على عادتييه فييي الحتياط واللتفات إلى الثيير ل غسييل‬
‫على من غسل الميت إل أن يثبت حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في صفة الغسل‪ .‬وفي هذا الفصل مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬إحداها) هل ينزع عن الميت قميصه إذا غسل؟ أم يغسل في‬
‫قميصه؟ اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إذا غسل الميت تنزع ثيابه‬
‫وتسيتر عورتيه‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية‪ ،‬وقال الشافعيي‪ :‬يغسيل فيي‬
‫قميصيه‪ .‬وسيبب اختلفهيم تردد غسيله علييه الصيلة والسيلم فيي‬
‫قميصيه بيين أن يكون خاصيا بيه وبيين أن يكون سينة فمين رأى أنيه‬
‫خاص بيه أنيه ل يحرم مين النظير إلى المييت إل ميا يحرم منيه وهيو‬
‫حي قال‪ :‬يغسل عريانا إل عورته فقط التي يحرم النظر إليها في‬
‫حال الحياة‪ .‬وميين رأى أن ذلك سيينة يسييتند إلى باب الجماع أو‬
‫إلى المير اللهيي‪ ،‬لنيه روي فيي الحدييث أنهيم سيمعوا صيوتا يقول‬
‫لهيم‪ :‬ل تنزعوا القمييص‪ ،‬وقيد ألقيي عليهيم النوم قال‪ :‬الفضيل أن‬
‫يغسل الميت في قميصه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) قال أبييو حنيفيية‪ :‬ل يوضييأ الميييت‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬يوضيأ‪ .‬وقال مالك‪ :‬إن وضيئ فحسين‪ .‬وسيبب الخلف‬
‫فييي ذلك معارضيية القياس للثيير‪ .‬وذلك أن القياس يقتضييي أن ل‬
‫وضوء على المييت‪ ،‬لن الوضوء طهارة مفروضية لموضيع العبادة‪،‬‬
‫وإذا أسيقطت العبادة عين المييت سيقط شرطهيا الذي هيو الوضوء‬
‫ولول أن الغسل ورد في الثار لما وجب غسله‪ .‬وظاهر حديث أم‬
‫عطييية الثابييت أن الوضوء شرط فييي غسييل الميييت لن فيييه أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال فيي غسيل ابنتيه "ابدأن‬
‫بميامنها ومواضع الوضوء منها" وهذه الزيادة ثابتة خرجها البخاري‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ومسييلم‪ ،‬ولذلك يجييب أن تعارض بالروايات التييي فيهييا الغسييل‬


‫مطلقييا‪ ،‬لن المقيييد يقضييي على المطلق‪ ،‬إذ فيييه زيادة على مييا‬
‫يراه كثيير مين الناس‪ ،‬ويشبيه أيضيا أن يكون مين أسيباب الخلف‬
‫في ذلك معارضة المطلق للمقيد‪ ،‬وذلك أنه وردت آثار كثيرة فيها‬
‫الميير بالغسييل مطلقييا ميين غييير ذكيير وضوء فيهييا‪ ،‬فهؤلء رجحوا‬
‫الطلق على التقيييييد لمعارضييية القياس له فيييي هذا الموضيييع‪.‬‬
‫والشافعي جرى على الصل من حمل المطلق على المقيد‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثالثة) اختلفوا في التوقيت في الغسل‪ ،‬فمنهم من‬
‫أوجبيه‪ ،‬ومنهيم مين اسيتحسنه واسيتحبه‪ .‬والذيين أوجبوا التوقييت‬
‫منهم من أوجب الوتر‪ ،‬أي وتر كان‪ ،‬وبه قال ابن سيرين‪ .‬ومنهم‬
‫من أوجب الثلثة فقط‪ ،‬وهو أبو حنيفة‪ .‬ومنهم من حد أقل الوتر‬
‫في ذلك فقال‪ :‬ل ينقص عن الثلثه ولم يحد الكثر وهو الشافعي‪.‬‬
‫ومنهيم مين حيد الكثير فيي ذلك فقال‪ :‬ل يتجاوز بيه السيبعة‪ ،‬وهيو‬
‫أحميد بين حنبيل‪ .‬وممين قال باسيتحباب الوتير ولم يحيد فييه حدا‬
‫مالك بين أنيس وأصيحابه‪ .‬وسيبب الخلف بيين مين شرط التوقييت‬
‫وميين لم يشترطييه بيل اسييتحبه معارضية القياس للثيير‪ ،‬وذلك أن‬
‫ظاهر حديث أم عطية يقتضي التوقيت‪ ،‬لن فيه "اغسلنها ثلثا أو‬
‫خمسيا أو أكثير مين ذلك إن رأيتين" وفيي بعيض رواياتيه "أو سيبعا"‪.‬‬
‫وأميا قياس المييت على الحيي فيي الطهارة فيقتضيي أن ل توقييت‬
‫فيهيا كميا لييس فيي طهارة الحيي توقييت‪ ،‬فمين رجيح الثير على‬
‫النظير قال بالتوقييت‪ .‬ومين رأى الجميع بيين الثير والنظير حميل‬
‫التوقيييت على السييتحباب‪ .‬وأمييا الذييين اختلفوا فييي التوقيييت‪،‬‬
‫فسييبب اختلفهييم ألفاظ الروايات فييي ذلك عيين أم عطييية‪ .‬فأمييا‬
‫الشافعيي فإنيه رأى أن ل ينقيص عين ثلثية لنيه أقيل وتير نطيق بيه‬
‫فييي حديييث أم عطييية‪ ،‬ورأى أن مييا فوق ذلك مباح لقوله عليييه‬
‫الصيلة والسيلم "أو أكثير مين ذلك إن رأيتين"‪ .‬وأميا أحميد فأخيذ‬
‫بأكثير وتير نطيق بيه فيي بعيض روايات الحدييث‪ ،‬وهيو قوله علييه‬
‫الصلة والسلم "أو سبعا"‪ .‬وأما أبو حنيفة فصار في قصره الوتر‬
‫على الثلث لميا روي أن محميد بين سييرين كان يأخيذ الغسيل عين‬
‫أم عطييية "ثلثيا يغسييل بالسييدر مرتييين والثالثيية بالماء والكافور"‬
‫وأيضييا فإن الوتيير الشرعييي عنده إنمييا ينطلق على الثلث فقييط‪.‬‬
‫وكان مالك يسييتحب أن يغسييل فييي الولى بالماء القراح‪ ،‬وفييي‬
‫الثانية بالسدر‪ ،‬وفي الثالثة بالماء والكافور‪ .‬واختلفوا إذا خرج من‬
‫بطنييه حدث هيل يعاد غسيله أم ل؟ فقيييل ل يعاد‪ ،‬وبيه قال مالك‪،‬‬
‫وقييل يعاد‪ .‬والذيين رأوا أنيه يعاد اختلفوا فيي العدد الذي تجيب بيه‬
‫العادة إن تكرر خروج الحدث‪ ،‬فقيييل يعاد الغسييل عليييه واحدة‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وبه قال الشافعي‪ .‬وقيل يعاد ثلثا‪ .‬وقيل يعاد سبعا‪ .‬وأجمعوا على‬
‫أنيه ل يزاد على السيبع شييء‪ .‬واختلفوا فيي تقلييم أظفار المييت‬
‫والخييذ ميين شعره‪ ،‬فقال قوم‪ :‬تقلم أظفاره ويؤخييذ منييه‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬ل تقلم أظفاره ول يؤخييذ ميين شعره وليييس فيييه أثيير‪ .‬وأمييا‬
‫سييبب الخلف فييي ذلك‪ ،‬فالخلف الواقييع فييي ذلك فييي الصييدر‬
‫الول‪ ،‬ويشبيه أن يكون سيبب الخلف فيي ذلك قياس المييت على‬
‫الحي‪ ،‬فمن قاسه أوجب تقليم الظفار وحلق العانة لنها من سنة‬
‫الحييي باتفاق‪ ،‬وكذلك اختلفوا فييي عصيير بطنييه قبييل أن يغسييل‪.‬‬
‫فمنهيم مين رأى ذلك‪ ،‬ومنهيم مين لم يره‪ .‬فمين رآه رأى أن فييه‬
‫ضربا من الستنقاء من الحدث عند ابتداء الطهارة‪ ،‬وهو مطلوب‬
‫مين المييت كميا هيو مطلوب مين الحيي‪ .‬ومين لم يير ذلك رأى أنيه‬
‫من باب تكليف ما لم يشرع‪ ،‬وأن الحي في ذلك بخلف الميت‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في الكفان‪.‬‬
‫@‪-‬والصيل فيي هذا الباب أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫كفين فيي ثلثية أثواب بييض سيحولية لييس فيهيا قمييص ول عمامية‬
‫"وخرج أبيو داود عين ليلى بنيت قائف الثقفيية قالت "كنيت فيميت‬
‫غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكان أول‬
‫ما أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقو ثم الدرع ثم‬
‫الخمار ثييم الملحفيية ثييم أدرجييت بعييد فييي الثوب الخيير‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند الباب معه أكفانها‬
‫يناولناهيا ثوبيا ثوبيا" فمين العلماء مين أخيذ بظاهير هذيين الثريين‬
‫فقال‪ :‬يكفين الرجيل فيي ثلثية أثواب والمرأة فيي خمسية أثواب‪،‬‬
‫وبه قال الشافعي وأحمد وجماعة‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬أقل ما تكفن‬
‫فيه المرأة ثلثة أثواب‪ ،‬والسنة خمسة أثواب‪ ،‬وأقل ما يكفن فيه‬
‫الرجيل ثوبان‪ ،‬والسينة فييه ثلثية أثواب‪ .‬ورأى مالك أنيه ل حيد فيي‬
‫ذلك‪ ،‬وأنيه يجزئ ثوب واحيد فيهميا إل أنيه يسيتحب الوتير‪ .‬وسيبب‬
‫اختلفهيم فيي التوقييت اختلفهيم فيي مفهوم هذيين الثريين‪ ،‬فمين‬
‫فهم منهما الباحة لم يقل بالتوقيت إل أنه استحب الوتر لتفاقهما‬
‫فيي الوتير‪ ،‬ولم يفرق فيي ذلك بيين المرأة والرجيل‪ ،‬وكأنيه فهيم‬
‫منهميا الباحية إل فيي التوقييت‪ ،‬فإنيه فهيم منيه شرعيا لمناسيبته‬
‫للشرع‪ ،‬ومين فهيم مين العدد أنيه شرع الباحية قال بالتوقييت‪ ،‬إميا‬
‫على جهيية الوجوب‪ ،‬وإمييا على جهيية السييتحباب‪ ،‬وكله واسييع إن‬
‫شاء الله وليييس فيييه شرع محدود‪ ،‬ولعله تكلف شرع فيمييا ليييس‬
‫فييه شرع‪ ،‬وقيد كفين مصيعب بين عميير يوم أحيد بنمرة فكانوا إذا‬
‫غطوا بهيا رأسيه خرجيت رجله‪ ،‬وإذا غطوا بهيا رجلييه خرج رأسيه‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "غطوا بها رأسه واجعلوا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫على رجليييه ميين الذخيير" واتفقوا على أن الميييت يغطييى رأسييه‬


‫ويطييب إل المحرم إذا مات فيي إحراميه فإنهيم اختلفوا فييه‪ ،‬فقال‬
‫مالك وأبو حنيفة‪ :‬المحرم بمنزلة غير المحرم‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل‬
‫يغطييى رأس المحرم إذا مات ول يمييس طيبييا‪ .‬وسييبب اختلفهييم‬
‫معارضة العموم للخصوص‪ .‬فأما الخصوص فهو حديث ابن عباس‬
‫قال "أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل وقصته راحلته فمات‬
‫وهييو محرم فقال‪ :‬كفنوه فييي ثوبييين واغسييلوه بماء وسييدر ول‬
‫تخمروا رأسيه ول تقربوه طيبيا فإنيه يبعيث يوم القيامية يلبيي" وأميا‬
‫العموم فهيو ميا ورد مين المير بالغسيل مطلقيا فمين خيص مين‬
‫الموات المحرم بهذا الحديث كتخصيص الشهداء بقتلى أحد جعل‬
‫الحكم منه عليه الصلة والسلم على الواحد حكما على الجميع‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ل يغطيى رأس المحرم ول يميس طيبيا‪ .‬ومين ذهيب مذهيب‬
‫الجمع ل مذهب الستثناء والتخصيص قال‪ :‬حديث العرابي خاص‬
‫به ل يعدى إلى غيره‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في صفة المشي مع الجنازة‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في سنة المشي مع الجنازة‪ .‬فذهب أهل المدينة إلى‬
‫أن مييين سييينتها المشيييي أمامهيييا‪ .‬وقال الكوفيون وأبيييو حنيفييية‬
‫وسييائرهم‪ :‬إن المشييي خلفهييا أفضييل‪ .‬وسييبب اختلفهييم اختلف‬
‫الثار التيي روى كيل واحيد مين الفريقيين عين سيلفه وعميل بيه‪،‬‬
‫فروى مالك عن النبي عليه الصلة والسلم مرسل‪ ،‬المشي أمام‬
‫الجنازة‪ ،‬وعيين أبييي بكيير وعميير وبييه قال الشافعييي‪ .‬وأخييذ أهييل‬
‫الكوفة بما رووا عن علي بن أبي طالب من طريق عبد الرحمن‬
‫بن أبزي قال‪ :‬كنت أمشي مع علي في جنازة وهو آخذ بيدي وهو‬
‫يمشيي خلفهيا وأبيو بكير وعمير يمشيان أمامهيا‪ ،‬فقلت له فيي ذلك‬
‫فقال‪ :‬إن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلة‬
‫المكتوبية على صيلة النافلة‪ ،‬وإنهميا ليعلمان ذلك‪ ،‬ولكنهميا سيهلن‬
‫يسيهلن على الناس‪ .‬وروي عنيه رضيي الله عنيه أنيه قال‪ :‬قدمهيا‬
‫بين يديك واجعلها نصب عينيك فإنما هي موعظة وتذكرة وعبرة‪،‬‬
‫وبما روي أيضا عن ا بن مسعود أ نه كان يقول‪ :‬سألنا رسول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم عيين السييير مييع الجنازة فقال "الجنازة‬
‫متبوعة وليست بتابعة‪ ،‬وليس معها من يقدمها" وحديث المغيرة‬
‫بين شعبية عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "الراكيب يمشيي‬
‫أمام الجنازة والماشي خلفها وأمامها وعن يمينها‪ ،‬ويسارها قريبا‬
‫منها" وحديث أبي هريرة أيضا في هذا المعنى قال "امشوا خلف‬
‫الجنازة"‪ ،‬وهذه الحاديييث صييار إليهييا الكوفيون وهييي أحاديييث‬
‫يصييححونها ويضعفهييا غيرهييم‪ .‬وأكثيير العلماء على أن القيام إلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجنازة منسوخ بما روى مالك من حديث علي بن أبي طالب "أن‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم كان يقوم فييي الجنائز ثييم‬
‫جلس" وذهب قوم إلى وجوب القيام‪ ،‬وتمسكوا في ذلك بما روي‬
‫من أمره صلى الله عليه وسلم بالقيام لها كحديث عامر بن ربيعة‬
‫قال‪ :‬قال رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم "إذا رأيتييم الجنائز‬
‫فقوموا إليها حتى تخلفكم أو توضع" واختلف الذين رأوا أن القيام‬
‫منسوخ في القيام على القبر في وقت الدفن‪ ،‬فبعضهم رأى أنه‬
‫لم يدخيل تحيت النهيي‪ ،‬وبعضهيم رأى أنيه داخيل تحيت النهيي على‬
‫ظاهير اللفيظ‪ ،‬ومين أخرجيه مين ذلك احتيج بفعيل علي فيي ذلك‪،‬‬
‫وذلك أنيه روى النسيخ‪ ،‬وقام على قيبر ابين المكفيف فقييل له أل‬
‫تجلس يا أمير المؤمنين؟ فقال‪ :‬قليل لخينا قيامنا على قبره‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس في الصلة على الجنازة‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه الجملة يتعلق ب ها بعيد معرفية وجوبها فصيول‪ :‬أحدهيا فيي‬
‫صفة صلة الجنازة‪ .‬والثاني‪ :‬على من يصلي‪ ،‬ومن أولى بالصلة‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬فيي وقيت هذه الصيلة‪ .‬والرابيع‪ :‬فيي موضيع هذه الصيلة‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬في شروط هذه الصلة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في صفة صلة الجنازة‪ .‬فأما صفة الصلة فإنها‬
‫يتعلق بها مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) اختلفوا فيي عدد التكيبير فييي الصيدر الول‬
‫اختلفا كثيرا من ثلث إلى سبع‪ :‬أعني الصحابة رضي الله عنهم‪،‬‬
‫ولكن فقهاء المصار على أن التكبير في الجنازة أربع‪ ،‬إل ابن أبي‬
‫ليلى وجابر بيين زيييد فإنهمييا كانييا يقولون إنهمييا خمييس‪ .‬وسييبب‬
‫الختلف اختلف الثار فيي ذلك‪ ،‬وذلك أنيه روي مين حدييث أبيي‬
‫هريرة "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم نعيى النجاشيي فيي‬
‫اليوم الذي مات فييه‪ ،‬وخرج بهيم إلى المصيلى فصيف بهيم وكيبر‬
‫أربييع تكييبيرات" وهييو حديييث متفييق على صييحته‪ ،‬ولذلك أخييذ بييه‬
‫جمهور فقهاء المصيار‪ ،‬وجاء فيي هذا المعنيى أيضيا مين "أنيه علييه‬
‫الصلة والسلم صلى على قبر مسكينة فكبر عليها أربعا" وروى‬
‫مسلم أيضا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال "كان زيد بن أرقم‬
‫يكييبر على الجنائز أربعييا‪ ،‬وأنييه كييبر على جنازة خمسييا‪ ،‬فسييألناه‬
‫فقال‪ :‬كان رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يكبرهيا" وروي عين‬
‫أبيي خيثمية عين أبييه قال "كان النيبي صيلى الله علييه وسيلم يكيبر‬
‫على الجنائز أربعيييا وخمسيييا وسيييتا وسيييبعا وثمانييييا حتيييى مات‬
‫النجاشي‪ ،‬فصف الناس وراءه وكبر أربعا‪ ،‬ثم ثبت صلى الله عليه‬
‫وسيلم على أربيع حتيى توفاه الله" وهذا فييه حجية لئحية للجمهور‪.‬‬
‫وأجمييع العلماء على رفييع اليدييين فييي أول التكييبير على الجنازة‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلفوا في سائر التكيبير‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يرفع؛ وقال قوم‪ :‬ل يرفع‪.‬‬
‫وروى الترمذي عين أبيي هريرة "أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسييلم كييبر فييي جنازة فرفييع يديييه فييي أول التكييبير ووضييع يده‬
‫اليمنى على اليسرى" فمن ذهب إلى ظاهر هذا الثر وكان مذهبه‬
‫فيي الصيلة أنيه ل يرفيع إل فيي أول التكيبير قال‪ :‬الرفيع فيي أول‬
‫التكيبير‪ .‬ومين قال يرفيع فيي كيل تكيبير شبيه التكيبير الثانيي بالول‪،‬‬
‫لنه كله يفعل في حال القيام والستواء‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية) اختلف الناس في القراءة في صلة الجنازة‪،‬‬
‫فقال مالك وأبيو حنيفية‪ :‬لييس فيهيا قراءة إنميا هيو الدعاء‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬قراءة فاتحية الكتاب فيهيا لييس بعمول بيه فيي بلدنيا بحال‬
‫قال‪ :‬وإنميا يحميد الله ويثنيي علييه بعيد التكيبيرة الولى ثيم يكيبر‬
‫الثانيية فيصيلي على النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬ثيم يكيبر الثالثية‬
‫فيشفع للمييت ثيم يكيبر الرابعية ويسيلم‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬يقرأ بعد‬
‫التكبيرة الولى بفاتحة الكتاب‪ ،‬ثم يفعل في سائر التكبيرات مثل‬
‫ذلك‪ ،‬وبه قال أحمد وداود‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة العمل للثر‬
‫وهل يتناول أيضا اسم الصلة صلة الجنائز أم ل؟ أما العمل فهو‬
‫الذي حكاه مالك عن بلده‪ ،‬وأما الثر فما رواه البخاري عن طلحة‬
‫بين عبيد الله بين عوف قال‪ :‬صيليت خلف ابين عباس على جنازة‬
‫فقرأ بفاتحيية الكتاب فقال‪ :‬تعلموا أنهييا السيينة‪ ،‬فميين ذهييب إلى‬
‫ترجيح هذا الثر على العمل وكان اسم الصلة يتناول عنده صلة‬
‫الجنازة وقييد قال صييلى الله عليييه وسييلم "ل صييلة إل بفاتحيية‬
‫الكتاب" رأى قراءة فاتحية الكتاب فيهيا‪ .‬ويمكين أن يحتيج لمذهيب‬
‫مالك بظواهير الثار التيي نقيل فيهيا دعاؤه علييه الصيلة والسيلم‬
‫على الجنائز‪ ،‬ولم ينقيل فيهيا أنيه قرأ‪ ،‬وعلى هذا فتكون تلك الثار‬
‫كأنهيا معارضية لحدييث ابين عباس ومخصيصة لقوله "ل صيلة إل‬
‫بفاتحة الكتاب" وذكر الطحاوي عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن‬
‫سيهل بين حنييف قال وكان مين كيبراء الصيحابة وعلمائهيم وأبناء‬
‫الذييين شهدوا بدرا‪ :‬أن رجل ميين أصييحاب النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسيلم أخيبره أن السينة فيي الصيلة على الجنائز أن يكيبر المام‬
‫ثييم يقرأ فاتحيية الكتاب سييرا فييي نفسييه‪ ،‬ثييم يخلص الدعاء فييي‬
‫التكييبيرات الثلث‪ .‬قال ابيين شهاب‪ :‬فذكرت الذي أخييبر بييه أبييو‬
‫أماميية ميين ذلك لمحمييد بيين سييويد الفهري فقال‪ :‬وأنييا سييمعت‬
‫الضحاك بين قييس يحدث عين حيبيب بين مسيلمة فيي الصيلة على‬
‫الجنائز بمثل ما حدثك به أبو أمامة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) واختلفوا فيي التسيليم مين الجنازة هيل هيو‬
‫واحييد أو اثنان؟ فالجمهور على أنييه واحييد؛ وقالت طائفيية وأبييو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حنيفية‪ :‬يسيلم تسيليمتين‪ ،‬واختاره المزنيي مين أصيحاب الشافعيي‪،‬‬


‫وهو أحد قولي الشافعي‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم في التسليم‬
‫مين الصيلة‪ ،‬وقياس صيلة الجنائز على الصيلة المفروضية‪ ،‬فمين‬
‫كانيت عنده التسيليمة واحدة فييي الصيلة المكتوبية وقاس صيلة‬
‫الجنازة عليها قال بواحدة‪ .‬ومن كانت عنده تسليمتين في الصلة‬
‫المفروضيية قال‪ :‬هنييا بتسييليمتين إن كانييت عنده تلك سيينة فهذه‬
‫سينة‪ ،‬وإن كانيت فرضيا فهذه فرض وكذلك اختلف المذهيب هيل‬
‫يجهر فيها أو ل يجهر بالسلم؟‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الرابعة) واختلفوا أين يقوم المام من الجنازة‪ ،‬فقال‬
‫جملة من العلماء‪ :‬يقوم في وسطها ذكرا كان أو أنثى؛ وقال قوم‬
‫آخرون‪ :‬يقوم مين النثيى وسيطها ومين الذكير عنيد رأسيه؛ ومنهيم‬
‫مين قال‪ :‬يقوم مين الذكير والنثيى عنيد صيدرهما‪ ،‬وهيو قول ابين‬
‫القاسيم وقول أبيي حنيفية‪ ،‬ولييس عنيد مالك والشافعيي فيي ذلك‬
‫حييد؛ وقال قوم‪ :‬يقوم منهمييا أييين شاء‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم‬
‫اختلف الثار فيي هذا الباب‪ ،‬وذلك أنيه خرج البخاري ومسيلم مين‬
‫حديث سمرة بن جندب قال "صليت خلف رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم على أم كعيب ماتيت وهيي نفسياء‪ ،‬فقام رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم للصيلة على وسيطها" وخرج أبيو داود مين‬
‫حديث همام بن غالب قال‪" :‬صليت مع أنس بن مالك على جنازة‬
‫رجل فقام حيال رأسه‪ ،‬ثم جاءوا بجنازة امرأة فقالوا يا أبا حمزة‬
‫صيل عليهيا‪ ،‬فقام حيال وسيط السيرير‪ ،‬فقال العلء بين زياد‪ ،‬هكذا‬
‫رأييت رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يصيلي على الجنائز كيبر‬
‫أربعيا وقام على جنازة المرأة مقاميك منهيا ومين الرجيل مقاميك‬
‫منييه‪ ،‬قال نعييم‪ ،‬فاختلف الناس فييي المفهوم ميين هذه الفعال‪،‬‬
‫فمنهم من رأى أن قيامه عليه الصلة والسلم في هذه المواضع‬
‫المختلفية يدل على الباحية وعلى عدم التحدييد‪ .‬ومنهيم مين رأى‬
‫أن قيامه على أحد هذه الوضاع أنه شرع وأنه يدل على التحديد‪،‬‬
‫وهؤلء انقسموا قسمين‪ :‬فمنهم من أخذ بحديث سمرة بن جندب‬
‫للتفاق على صييحته فقال‪ :‬المرأة فييي ذلك والرجييل سييواء‪ ،‬لن‬
‫الصييل أن حكمهمييا واحييد إل أن يثبييت فييي ذلك فارق شرعييي؛‬
‫ومنهيم مين صيحح حدييث ابين غالب وقال فييه زيادة على حدييث‬
‫سمرة بن جندب فيجب المصير إليها‪ ،‬وليس بينهما تعارض أصل‪.‬‬
‫وأما مذهب ابن القاسم وأبي حنيفة فل أعلم له من جهة السمع‬
‫في ذلك مسندا إل ما روي عن ابن مسعود من ذلك‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الخامسة) واختلفوا في ترتيب جنائز الرجال والنساء‬
‫إذا اجتمعوا عنييد الصييلة‪ ،‬فقال الكثيير‪ :‬يجعييل الرجال ممييا يلي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المام‪ ،‬والنساء مما يلي القبلة‪ .‬وقال قوم بخلف هذا‪ :‬أي النساء‬
‫ممييا يلي المام‪ ،‬والرجال ممييا يلي القبلة؛ وفيييه قول ثالث أنييه‬
‫يصيلي كييل على حدة الرجال مفردون والنسيياء مفردات‪ .‬وسيبب‬
‫الخلف ميا يغلب على الظين باعتبار أحوال الشرع مين أنيه يجيب‬
‫أن يكون فييي ذلك شرع محدود‪ ،‬مييع أنييه لم يرد فييي ذلك شرع‬
‫يجييب الوقوف عنده‪ ،‬ولذلك رأى كثييير ميين الناس أنييه ليييس فييي‬
‫أمثال هذه المواضييع شرع أصييل‪ .‬وأنييه لو كان فيهييا شرع لبييين‬
‫للناس‪ ،‬وإنما ذهب الكثر لما قلناه من تقديم الرجال على النساء‬
‫ل ما رواه مالك فيي الموطيأ مين أن عثمان بن عفان وعبيد الله بين‬
‫عمييير وأبيييا هريرة كانوا يصيييلون على الجنائز بالمدينييية الرجال‬
‫والنسياء معيا‪ ،‬فيجعلون الرجال مميا يلي المام‪ ،‬ويجعلون النسياء‬
‫مما يلي القبلة‪ .‬وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن ابن‬
‫عمر أ نه صلى كذلك على جنازة فيها ابن عباس وأ بو هريرة وأبو‬
‫سعيد الخدري وأبو قتادة والمام يومئذ سعيد بن العاص‪ ،‬فسألهم‬
‫عين ذلك‪ ،‬أو أمير مين سيألهم فقالوا‪ :‬هيي السينة‪ ،‬وهذا يدخيل فيي‬
‫المسيند عندهيم‪ ،‬ويشبيه أن يكون مين قال بتقدييم الرجال شبههيم‬
‫أمام المام بحالهيم خلف المام فيي الصيلة‪ ،‬ولقوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "أخروهين مين حييث أخرهين الله"‪ .‬وأميا مين قال بتقدييم‬
‫النسياء على الرجال فيشبيه أن يكون اعتقيد أن الول هيو المقدم‬
‫ولم يجعل التقديم بالقرب من المام‪ .‬وأما من فرق فاحتياطا من‬
‫أن ل يجوز ممنوعييا‪ ،‬لنييه لم ترد سيينة بجواز الجمييع‪ ،‬فيحتمييل أن‬
‫يكون على أصيل الباحية‪ ،‬ويحتميل أن يكون ممنوعيا بالشرع‪ ،‬وإذا‬
‫وجد الحتمال وجب التوقف إذا وجد إليه سبيل‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيادسة) واختلفوا فيي الذي يفوتيه بعيض التكيبير‬
‫على الجنازة فيي مواضع‪ :‬منها هيل يدخل بتكبير أم ل؟ ومنهيا هل‬
‫يقضيي ميا فاتيه أم ل؟ وإن قضيى فهيل يدعيو بيين التكيبير أم ل؟‬
‫فروى أشهييب عيين مالك أنييه يكييبر أول دخوله‪ ،‬وهييو أحييد قولي‬
‫الشافعيي‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬ينتظير حتيى يكيبر المام وحينئذ يكيبر‪،‬‬
‫وهيي روايية ابين القاسيم عين مالك‪ ،‬والقياس التكيبير قياسيا على‬
‫من دخل في المفروضة‪ .‬واتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي على‬
‫أنيه يقضيي ميا فاتيه مين التكيبير إل أن أبيا حنيفية يرى أن يدعيو بيين‬
‫التكيبير المقضيي ومالك والشافعيي يريان أن يقضييه نسيقا‪ ،‬وإنميا‬
‫اتفقوا على القضاء لعموم قوله عليه الصلة والسلم "ما أدركتم‬
‫فصلوا وما فاتكم فأتموا" فمن رأى أن هذا العموم يتناول التكبير‬
‫والدعاء قال‪ :‬يقتضييي التكييبير ومييا فاتييه ميين الدعاء‪ ،‬وميين أخرج‬
‫الدعاء مين ذلك إذ كان غيير مؤقيت قال‪ :‬يقضيي التكيبير فقيط إذ‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كان هيو المؤقيت‪ ،‬فكان تخصييص الدعاء مين ذلك العموم هيو مين‬
‫باب تخصيييص العام بالقياس‪ ،‬فأبييو حنيفيية أخييذ بالعموم وهؤلء‬
‫بالخصوص‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة السابعة) واختلفوا في الصلة على القبر لمن فاتته‬
‫الصييلة على الجنازة فقال مالك‪ :‬ل يصييلى على القييبر؛ وقال أبييو‬
‫حنيفية‪ :‬ل يصيلي على القيبر إل الولي فقيط إذا فاتتيه الصيلة على‬
‫الجنازة‪ ،‬وكان الذي صلى عليها غير وليها؛ وقال الشافعي وأحمد‬
‫وداود وجماعية‪ :‬يصيلي على القيبر مين فاتتيه الصيلة على الجنازة؛‬
‫واتفيييق القائلون بإجازة الصيييلة على القيييبر أن مييين شرط ذلك‬
‫حدوث الدفييين‪ ،‬وهؤلء اختلفوا فيييي هذه المدة وأكثرهيييا شهييير‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم معارضة العمل للثر‪ .‬أما مخالفة العمل فإن ابن‬
‫القاسم قال‪ :‬قلت لمالك فالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله‬
‫علييه وسيلم أنيه صيلى على قيبر إمرأة قال‪ :‬قيد جاء هذا الحدييث‬
‫ولييس علييه العميل‪ ،‬والصيلة على القيبر ثابتية باتفاق مين أصيحاب‬
‫الحديث‪ ،‬قال أحمد بن حنبل‪ :‬رويت الصلة على القبر عن النبي‬
‫علييه الصييلة والسيلم مين طرق سييتة كلهيا حسييان‪ .‬وزاد بعييض‬
‫المحدثين ثلثة طرق فذلك تسع‪ .‬وأما البخاري ومسلم فرويا ذلك‬
‫مين طرييق أبيي هريرة‪ .‬وأميا مالك فخرجيه مرسيل عين أبيي أمامية‬
‫بن سهل‪ .‬وقد روى ابن وهب عن مالك مثل قول الشافعي‪ ،‬وأما‬
‫أبو حنيفة فإنه جرى في ذلك على عادته فيما أحسب‪ ،‬أعني من‬
‫رد أخبار الحاد التي تعم بها البلوى إذا لم تنتشر ول انتشر العمل‬
‫بهيييا‪ ،‬وذلك أن عدم النتشار إذا كان خيييبرا شأنيييه شأن النتشار‬
‫قرينة توهن الخبر وتخرجه عن غلبة الظن بصدقه إلى الشك فيه‬
‫أو إلى غلبة الظن بكذبه أو نسخه‪ :‬قال القاضي‪ :‬وقد تكلمنا فيما‬
‫سيلف مين كتابنيا هذا فيي وجيه السيتدلل بالعميل‪ ،‬وفيي هذا النوع‬
‫من الستدلل الذي يسميه الحنفية عموم البلوى‪ ،‬وقلنا‪ :‬إنها من‬
‫جنس واحد‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني فيمن يصلي عليه ومن أولى بالتقديم‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمع أكثر أهل العلم على إجازة الصلة على كل من قال ل‬
‫إله إل الله‪ ،‬وفيي ذلك أثير أنيه قال علييه الصيلة والسيلم "صيلوا‬
‫على مين قال ل إله إل الله" وسيواء كان مين أهيل الكبائر أو مين‬
‫أهل البدع‪ ،‬إل أن مالكا كره لهل الفضل الصلة على أهل البدع‪،‬‬
‫ولم يير أن يصيلي المام على مين قتله حدا‪ .‬واختلفوا فيمين قتيل‬
‫نفسيه‪ ،‬فرأى قوم أنيه ل يصيلى علييه‪ ،‬وأجاز آخرون الصيلة علييه‪،‬‬
‫ومين العلماء مين لم يجيز الصيلة على أهيل الكبائر ول على أهيل‬
‫البغيي والبدع‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم فيي الصيلة‪ ،‬أميا فيي أهيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البدع فلختلفهييم فييي تكفيرهييم ببدعهييم‪ ،‬فميين كفرهييم بالتأويييل‬


‫البعيد لم يجز الصلة عليهم‪ ،‬ومن لم يكفرهم إذ كان الكفر عنده‬
‫إنما هو تكذيب الرسول ل تأويل أقواله عليه الصلة والسلم قال‪:‬‬
‫الصيلة عليهيم جائزة‪ ،‬وإنميا أجميع العلماء على ترك الصيلة على‬
‫المنافقيين مع تلفظهيم بالشهادة لقوله تعالى {ول تصل على أحد‬
‫منهم مات أبدا ول تقم على قبره} الية‪ .‬وأما اختلفهم في أهل‬
‫الكبائر فلييس يمكين أن يكون له سيبب إل مين جهية اختلفهيم فيي‬
‫القول فيي التكفيير بالذنوب لكين لييس هذا مذهيب أهيل السينة‪،‬‬
‫فلذلك ليس ينبغي أن يمنع الفقهاء الصلة على أهل الكبائر‪.‬‬
‫وأمييا كراهييية مالك الصييلة على أهييل البدع فذلك لمكان الزجيير‬
‫والعقوبية لهيم‪ ،‬وإنميا لم يير مالك صيلة المام على مين قتله حدا‬
‫"لن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على ما عز ولم‬
‫ينيه عين الصيلة علييه" خرجيه أبيو داود‪ ،‬وإنميا اختلفوا فيي الصيلة‬
‫على من قتل نفسه لحديث جابر بن سمرة "أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أبى أن يصلي على رجل قتل نفسه" فمن صحح‬
‫هذا الثر قال‪ :‬ل يصلى على قاتل نفسه‪ ،‬ومن لم يصححه رأى أن‬
‫حكميه حكيم المسيلمين وإن كان مين أهيل النار كميا ورد بيه الثير‪،‬‬
‫لكن ليس هو من المخلدين لكونه من أهل اليمان‪ ،‬وقد قال عليه‬
‫الصيلة والسيلم حكايية عين ربيه "أخرجوا مين النار مين فيي قلبيه‬
‫مثقال حبية مين اليمان" واختلفوا أيضيا فيي الصيلة على الشهداء‬
‫المقتولييين فييي المعركيية‪ ،‬فقال مالك والشافعييي ل يصييلى على‬
‫الشهييد المقتول فيي المعركية ول يغسيل‪ ،‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬يصيلى‬
‫علييه ول يغسيل‪ .‬وسيبب اختلفهيم اختلف الثار الواردة فيي ذلك‪،‬‬
‫وذلك أنييه خرج أبييو داود ميين طريييق جابر "أنييه صييلى الله عليييه‬
‫وسييلم أميير بشهداء أحييد فدفنوا بثيابهييم ولم يصييل عليهييم ولم‬
‫يغسيلوا" وروى مين طرييق ابين عباس مسيندا "أنيه علييه الصيلة‬
‫والسلم صلى على قتلى أحد وعلى حمزة ولم يغسل ولم يتيمم"‬
‫وروى ذلك أيضييا مرسييل ميين حديييث أبييي مالك الغفاري‪ ،‬وكذلك‬
‫روى أيضيا أن أعرابييا جاءه سيهم فوقيع فيي حلقيه فمات‪ ،‬فصيلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وقال‪" :‬إن هذا عبد خرج مجاهدا في‬
‫سييبيلك فقتييل شهيدا وأنييا شهيييد عليييه" وكل الفريقييين يرجييح‬
‫الحاديث التي أخذ بها‪،‬‬
‫وكانيت الشافعيية تعتيل بحدييث ابين عباس هذا وتقول‪ :‬يروييه ابين‬
‫أبيي الزناد وكان قيد اختيل آخير عمره‪ ،‬وقيد كان شعبية يطعين فييه؛‬
‫وأميا المراسييل فليسيت عندهيم بحجية واختلفوا متيى يصيلى على‬
‫الطفيل فقال مالك‪ :‬ل يصيلى على الطفيل حتيى يسيتهل صيارخا‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة يصلي عليه إذا نفخ فيه الروح‪،‬‬
‫وذلك أنه إذا كان له في بطن أمه أربعة أشهر فأكثر‪ ،‬وبه قال ابن‬
‫أبييي ليلى‪ .‬وسييبب اختلفهييم فييي ذلك معارضيية المطلق للمقيييد‪،‬‬
‫وذلك أنييه روى الترمذي عيين جابر بيين عبييد الله عيين النييبي عليييه‬
‫الصلة والسلم أنه قال "الطفل ل يصلى عليه ول يرث ول يورث‬
‫حتيى يسيتهل صيارخا" وروي عين النيبي علييه الصيلة والسيلم مين‬
‫حديث المغيرة بن شعبة أنه قال "الطفل يصلى عليه" فمن ذهب‬
‫مذهييب حديييث جابر قال‪ :‬ذلك عام وهذا مفسيير‪ ،‬فالواجييب أن‬
‫يحميييل ذلك العموم على هذا التفسيييير‪ ،‬فيكون معنيييى حدييييث‬
‫المغيرة أن الطفيل يصيلى علييه إذا اسيتهل صيارخا‪ ،‬ومين ذهيب‬
‫مذهيب حدييث المغيرة قال‪ :‬معلوم أن المعتيبر فيي الصيلة وهيو‬
‫حكيم السيلم والحياة والطفيل إذا تحرك فهيو حيي وحكميه حكيم‬
‫المسييلمين‪ ،‬وكييل مسييلم حييي إذا مات صييلى عليييه‪ ،‬فرجحوا هذا‬
‫العموم على ذلك الخصييوص لموضييع موافقيية القياس له وميين‬
‫الناس من شذ وقال‪ :‬ل يصلى على الطفال أصل‪ .‬وروى أبو داود‬
‫"أن النيبي علييه الصيلة والسيلم لم يصيل على ابنيه إبراهييم وهيو‬
‫ابين ثمانيية أشهير" وروي فييه "أنيه صيلى علييه وهيو ابين سيبعين‬
‫ليلة" واختلفوا فيي الصيلة على الطفال المسيبيين‪ ،‬فذهيب مالك‬
‫فيي روايية البصيرين عنيه أن الطفيل مين أولد الحربييين ل يصيلى‬
‫عليه حتى يعقل السلم سواء سبى مع أبويه أو لم يسب معهما‪،‬‬
‫وأن حكميه حكيم أبوييه إل أن يسيلم الب فهيو تابيع له دون الم‪،‬‬
‫ووافقيه الشافعيي على هذا إل أنيه إن أسيلم أحيد أبوييه فهيو عنده‬
‫تابييع لميين أسييلم منهمييا ل للب وحده على مييا ذهييب إليييه مالك‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية‪ :‬يصيلى على الطفال المسيبيين‪ ،‬وحكمهيم حكيم‬
‫مين سيباهم‪ .‬وقال الوزاعيي‪ :‬إذا ملكهيم المسيلمون صيلى عليهيم‪:‬‬
‫يعنيي إذا بيعوا فيي السيبي‪ .‬قال‪ :‬وبهذا جرى العميل فيي الثغير وبيه‬
‫الفتيييا فيييه‪ .‬وأجمعوا على أنييه إذا كانوا مييع آبائهييم ولم يملكهييم‬
‫مسلم ول أسلم أحد أبويهم أن حكمهم حكم آبائهم‪ .‬والسبب في‬
‫اختلفهم اختلفهم في أطفال المشركين هل هم من أهل الجنة‬
‫أو مين أهيل النار؟ وذلك أنيه جاء فيي بعيض الثار أنهيم مين آبائهيم‪:‬‬
‫أي أن حكمهم حكم آبائهم ودليل قوله عليه الصلة والسلم "كل‬
‫مولود يولد على الفطرة" أن حكمهيم حكيم المؤمنيين‪ .‬وأميا مين‬
‫أولى بالتقديييم للصييلة على الجنازة فقيييل الولي وقيييل الوالي‪،‬‬
‫فمن قال الوالي شبهه بصلة الجمعة من حيث هي صلة جماعة‪،‬‬
‫ومين قال الولي شبههيا بسيائر الحقوق التيي الولي أحيق بهيا‪ ،‬مثيل‬
‫مواراته ودفنه‪ ،‬وأكثر أهل العلم على أن الوالي بها أحق‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قال أبيو بكير بين المنذر‪ :‬وقدم الحسيين بين علي سيعيد بين العاص‬
‫وهيو والي المدينية ليصيلي على الحسين بين علي وقال‪ :‬لول أنهيا‬
‫سنة ما تقدمت‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬وبه أقول وأكثر العلماء على أنه ل‬
‫يصيلى إل على الحاضير‪ .‬وقال بعضهيم يصيلى على الغائب لحدييث‬
‫النجاشييييييي‪ ،‬والجمهور على أن ذلك خاص بالنجاشييييييي وحده‪.‬‬
‫واختلفوا هيل يصيلى على بعيض الجسيد والجمهور على أنيه يصيلى‬
‫على أكثره لتناول إسيم المييت له‪ ،‬ومين قال أنيه يصيلى على أقله‬
‫قال‪ :‬لن حرمة البعض كحرمة الكل‪ ،‬لسيما إن كان ذلك البعض‬
‫محل الحياة‪ ،‬وكان ممن يجيز الصلة على الغائب‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث في وقت الصلة على الجنازة‪:‬‬
‫@‪-‬واختلفوا فييي الوقييت الذي تجوز فيييه الصييلة على الجنازة‪،‬‬
‫فقال قوم‪ :‬ل يصلى عليها في الوقات الثلثة التي ورد النهي عن‬
‫الصيلة فيهيا‪ ،‬وهيي وقيت الغروب والطلوع وزوال الشميس على‬
‫ظاهر حديث عقبة بن عامر "ثلث ساعات كان رسول الله صلى‬
‫الله علييه وسيلم ينهانيا أن نصيلي فيهيا وأن نقيبر موتانيا" الحدييث‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬ل يصييلى فييي الغروب والطلوع فقييط‪ ،‬ويصييلى بعييد‬
‫العصير ميا لم تصيفر الشميس‪ ،‬وبعيد الصيبح ميا لم يكين السيفار‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬ل يصيلى على الجنازة فيي الوقات الخمسية التيي ورد‬
‫النهيي عين الصيلة فيهيا‪ ،‬وبيه قال عطاء والنخعيي وغيرهيم‪ ،‬وهيو‬
‫قياس قول أبيي حنيفية‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬يصيلى على الجنازة فيي‬
‫كييل وقييت لن النهييي عنده إنمييا هييو خارج على النوافييل ل على‬
‫السنن على ما تقدم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في مواضع الصلة‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا فيييي الصيييلة على الجنازة فيييي المسيييجد فأجازهيييا‬
‫العلماء وكرهها بعضهم منهم أبو حنيفة وبعض أصحاب مالك‪ ،‬وقد‬
‫روي كراهييية ذلك عيين مالك‪ ،‬وتحقيقييه إذا كانييت الجنازة خارج‬
‫المسيجد والناس فيي المسيجد‪ .‬وسيبب الخلف فيي ذلك حدييث‬
‫عائشة وحديث أبي هريرة‪ .‬أما حديث عائشة فما رواه مالك من‬
‫أنهيا أمرت أن يمير عليهيا بسيعد بين أبيي وقاص فيي المسيجد حيين‬
‫مات لتدعو له‪ ،‬فأنكر الناس عليها ذلك‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬ما أسرع‬
‫ما نسي الناس‪ ،‬ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على‬
‫سيهل بين بيضاء إل فيي المسيجد‪ .‬وأميا حدييث أبيي هريرة‪ ،‬فهيو أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال‪" :‬مين صيلى على جنازة‬
‫فييي المسييجد فل شيييء له" وحديييث عائشيية ثابييت وحديييث أبييي‬
‫هريرة غير ثابت أو غير متفق على ثبوته‪ ،‬لكن إنكار الصحابة على‬
‫عائشية يدل على اشتهار العميل بخلف ذلك عندهيم‪ ،‬ويشهيد لذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بروزه صلى الله عليه وسلم للمصلى لصلته على النجاشي‪ ،‬وقد‬
‫زعيم بعضهيم أن سيبب المنيع فيي ذلك هيو أن مييت بنيي آدم ميتية‪،‬‬
‫وفييه ضعيف‪ ،‬لن حكيم الميتية شرعيي‪ ،‬ول يثبيت لبين آدم حكيم‬
‫الميتيية إل بدليييل‪ ،‬وكره بعضهييم الصييلة على الجنائز فييي المقابر‬
‫للنهيي الوارد عين الصيلة فيهيا‪ ،‬وأجازهيا الكثير لعموم قوله علييه‬
‫الصلة والسلم "جعلت لي الرض مسجدا وطهورا"‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس في شروط الصلة على الجنازة‪.‬‬
‫@‪-‬واتفق الكثر على أن من شرطها الطهارة كما اتفق جميعهم‬
‫على أن ميين شرطهييا القبلة‪ .‬واختلفوا فييي جواز التيمييم لهييا إذا‬
‫خييف فواتهيا‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يتيميم ويصيلى لهيا إذا خاف الفوات‪ ،‬وبيه‬
‫قال أبيييو حنيفييية وسيييفيان والوزاعيييي وجماعييية؛ وقال مالك‬
‫والشافعي وأحمد‪ :‬ل يصلى عليها بتيمم‪ .‬وسبب اختلفهم قياسها‬
‫فيي ذلك على أن الصيلة المفروضية فمين شبههيا بهيا أجاز التيميم‪،‬‬
‫أعني من شبه ذهاب الوقت بفوات الصلة على الجنازة‪ ،‬ومن لم‬
‫يشبههيا بهيا لم يجيز التيميم لنهيا عنده مين فروض الكغايية أو مين‬
‫سينن الكفايية على اختلفهيم فيي ذلك‪ ،‬وشيذ قوم فقالوا‪ :‬يجوز أن‬
‫يصيلى على الجنازة بغيير طهارة‪ ،‬وهيو قول الشعيبي‪ ،‬وهؤلء ظنوا‬
‫أن اسم الصلة ل يتناول صلة الجنازة‪ ،‬وإنما يتناولها اسم الدعاء‬
‫إذ كان ليس فيها ركوع ول سجود‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس في الدفن‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمعوا على وجوب الدفيين‪ ،‬والصييل فيييه قوله تعالى {ألم‬
‫نجعل الرض كفاتا أحياء وأمواتا} وقوله {فبعث الله غرابا يبحث‬
‫فييي الرض} وكره مالك والشافعييي تجصيييص القبور‪ ،‬وأجاز ذلك‬
‫أبيييو حنيفيييية‪ ،‬وكذلك كره قوم القعود عليهيييا‪ ،‬وقوم أجازوا ذلك‬
‫وتأولوا النهييي عيين ذلك أنييه القعود عليهييا لحاجيية النسييان والثار‬
‫الواردة فيي النهيي عين ذلك‪ ،‬منهيا حدييث جابر بين عبيد الله قال‬
‫"نهييى رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم عيين تجصيييص القبور‬
‫والكتابية عليهيا والجلوس عليهيا والبناء عليهيا" ومنهيا حدييث عمرو‬
‫بين حزم قال "رآنيي رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم على قيبر‬
‫فقال‪ :‬انزل عين القيبر ول تؤذي صياحب القيبر ول يؤذييك" واحتيج‬
‫مين أجاز القعود على القيبر بميا روي عين زييد بين ثابيت أنيه قال‬
‫"إنميا نهيى رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم عين الجلوس على‬
‫القبور لحدث أو غائط أو بول" قالوا‪ :‬ويؤييد ذلك ميا روي عين أبيي‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "مين جلس‬
‫على قييبر يبول أو يتغوط فكأنمييا جلس على جمرة نار" وإلى هذا‬
‫ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وسيلم تسيليما) (تنيبيه‪ :‬حييث أننيا التزمنيا فيي التصيحيح النسيخة‬
‫المغربيية وفيهيا تقدييم كتاب الزكاة على الصييام فقدمناه تبعيا لهيا‪،‬‬
‫وإن كانت النسخة المصرية قدمت الصيام)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الزكاة‬
‫@‪-‬والكلم المحييط بهذه العبادة بعيد معرفية وجوبهيا ينحصير فيي‬
‫خميس جميل‪ :‬الجملة الولى‪ :‬فيي معرفية مين تجيب علييه‪ .‬الثانيية‪:‬‬
‫في معرفة ما تجب فيه من الموال‪ .‬الثالثة‪ :‬في معرفة كم تجب‬
‫ومين كيم تجيب‪ .‬الرابعية‪ :‬فيي معرفية متيى تجيب ومتيى ل تجيب‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬معرفة لمن تجب وكم يجب له‪.‬‬
‫@‪(-‬فأما معرفة وجوبها) فمعلوم من الكتاب والسنة والجماع ول‬
‫خلف في ذلك‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الولى)‬
‫@‪-‬وأما على من تجب فإنهم اتفقوا أنها على كل مسلم حر بالغ‬
‫عاقيل مالك النصياب ملكيا تاميا‪ .‬واختلفوا فيي وجوبهيا على اليتييم‬
‫والمجنون والعبييد وأهيل الذمية والناقيص الملك مثيل الذي علييه‬
‫ديين أو له الديين‪ ،‬ومثال المال المحبيس الصيل‪ .‬فأميا الصيغار فإن‬
‫قوميا قالوا‪ :‬تجيب الزكاة فيي أموالهيم‪ ،‬وبيه قال علي وابين عمير‬
‫وجابر وعائشيية ميين الصييحابة ومالك والشافعييي والثوري وأحمييد‬
‫وإسيحاق وأبيو ثور وغيرهيم مين فقهاء المصيار‪ .‬وقال قوم‪ :‬لييس‬
‫في مال اليتيم صدقة أصل‪ ،‬وبه قال النخعي والحسن وسعيد بن‬
‫جييبير مين التابعيين‪ .‬وفرق قوم بيين ميا تخرج الرض وبيين ميا ل‬
‫تخرجه فقالوا‪ :‬عليه الزكاة فيما تخرجه الرض‪ ،‬وليس عليه زكاة‬
‫فيميا عدا ذلك مين الماشيية والناض والعروض وغيير ذلك‪ ،‬وهيو أبيو‬
‫حنيفية وأصيحابه‪ .‬وفرق آخرون بيين الناض فقالوا‪ :‬علييه الزكاة إل‬
‫فيي الناض‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي إيجاب الزكاة علييه أو ل إيجابهيا‬
‫هيو اختلفهيم فيي مفهوم الزكاة الشرعيية هيل هيي عبادة كالصيلة‬
‫والصيام؟ أم هي حق واجب للفقراء على الغنياء؟ فمن قال أنها‬
‫عبادة اشترط فيهييا البلوغ‪ ،‬وميين قال أنهييا حييق واجييب للفقراء‬
‫والمسياكين فيي أموال الغنياء لم يعتيبر فيي ذلك بلوغيا مين غيره‪.‬‬
‫وأميا مين فرق بيين ميا تخرجيه الرض أو ل تخرجيه وبيين الخفيي‬
‫والظاهر فل أعلم له مستندا في هذا الوقت‪ .‬وأما أهل الذمة فإن‬
‫الكثييير على أن ل زكاة على جميعهيييم إل مييا روت طائفيية مييين‬
‫تضعييف الزكاة على نصيارى بنيي تغلب‪ ،‬أعنيي أن يؤخيذ منهيم مثل‬
‫ميا يؤخيذ مين المسيلمين فيي كيل شييء‪ ،‬وممين قال بهذا القول‬
‫الشافعيي وأبيو حنيفية وأحميد والثوري‪ ،‬ولييس عين مالك فيي ذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قول‪ ،‬وإنميا صيار هؤلء لهذا لنيه أثبيت أنيه فعيل عمير بين الخطاب‬
‫بهيم‪ ،‬وكأنهيم رأوا أن مثيل هذا هيو توقييف ولكين الصيول تعارضيه‪.‬‬
‫وأمييا العبيييد فإن الناس فيهييم على ثلثيية مذاهييب‪ :‬فقوم قالوا‪ :‬ل‬
‫زكاة فيي أموالهيم أصيل‪ ،‬وهيو قول ابين عمير وجابر مين الصيحابة‬
‫ومالك وأحمد وأبي عبيد من الفقهاء‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل زكاة مال‬
‫العبييد على سيييده‪ ،‬وبييه قال الشافعييي فيمييا حكاه ابيين المنذر‬
‫والثوري وأبيو حنيفية وأصيحابه‪ ،‬وأوجبيت طائفية أخرى على العبيد‬
‫فيي ماله الزكاة‪ ،‬وهيو مروي عن ابين عمر من الصحابة‪ ،‬وبه قال‬
‫عطاء مين التابعيين وأبيو ثور مين الفقهاء وأهيل الظاهير وبعضهيم‪،‬‬
‫وجمهور مين قال ل زكاة فيي مال العبيد هيم على أن ل زكاة فيي‬
‫مال المكاتب حتى يعتق‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬في مال المكاتب زكاة‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم في زكاة مال العبد اختلفهم في هل يملك العبد‬
‫ملكيا تاميا أو غيير تام؟ فمين رأى أنيه ل يملك ملكيا تاميا وأن السييد‬
‫هيو المالك إذ كان ل يخلو مال مين مالك قال‪ :‬الزكاة على السييد‪،‬‬
‫ومين رأى أنيه لواحيد منهميا يملكيه ملكيا تاميا ل السييد إذ كانيت ييد‬
‫العبد هي التي عليه ل يد السيد ول العبد أيضا‪ ،‬لن للسيد انتزاعه‬
‫منييه قال‪ :‬ل زكاة فييي ماله أصييل‪ .‬وميين رأى أن اليييد على المال‬
‫توجيب الزكاة فييه لمكان تصيرفها فييه تشبيهيا بتصيرف ييد الحير‬
‫قال‪ :‬الزكاة علييه ل سييما مين كان عنده أن الخطاب العام يتناول‬
‫الحرار والعبيييد‪ ،‬وأن الزكاة عبادة تتعلق بالمكلف لتصييرف اليييد‬
‫فييي المال‪ .‬وأمييا المالكون الذييين عليهييم الديون التييي تسييتغرق‬
‫أموالهيم‪ ،‬أو تسيتغرق ميا تجيب فييه الزكاة مين أموالهيم وبأيديهيم‬
‫أموال تجييب فيهييا الزكاة‪ ،‬فإنهييم اختلفوا فييي ذلك‪ ،‬فقال قوم‪ :‬ل‬
‫زكاة فيي مال حييا كان أو غيره حتيى تخرج منيه الديون‪ ،‬فإن بقيي‬
‫ميا تجيب فييه الزكاة زكيى وإل فل‪ ،‬وبيه قال الثوري وأبيو ثور وابين‬
‫مبارك وجماعيية‪ .‬وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه‪ :‬الدييين ل يمنييع زكاة‬
‫الحبوب ويمنيع ميا سيواها‪ .‬وقال مالك‪ :‬الديين يمنيع الزكاة الناض‬
‫فقييط إل أن يكون له عروض فيهييا وفاء ميين دينييه فإنييه ل يمنييع‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬بمقابل القول الول‪ ،‬وهو أن الدين ل يمنع زكاة أصل‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم اختلفهيم هيل الزكاة عبادة أو حيق مرتيب‬
‫فيي المال للمسياكين؟ فمين رأى أنهيا حيق لهيم قال‪ :‬ل زكاة فيي‬
‫مال مين علييه الديين‪ ،‬لن حيق صياحب الديين متقدم بالزمان على‬
‫حق المساكين‪ ،‬وهو في الحقيقة مال صاحب الدين ل الذي المال‬
‫بيده‪ .‬ومين قال هيي عبادة قال‪ :‬تجيب على مين بيده مال لن ذلك‬
‫هييو شرط التكليييف‪ ،‬وعلمتييه المقتضييية الوجوب على المكلف‬
‫سيواء كان علييه ديين أو لم يكين؛ وأيضيا فإ نه تعارض هنالك حقان‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حق لله‪ ،‬وحق للدمي‪ ،‬وحق الله أحق أن يقضى‪ ،‬والشبه بغرض‬
‫الشرع إسيقاط الزكاة عين المديان لقوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫فيها "صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" والمدين ليس‬
‫بغني‪ .‬وأما من فرق بين الحبوب وغير الحبوب وبين الناض وغير‬
‫الناض فل أعلم له شبهيية بينيية‪ ،‬وقييد كان أبيو عبيييد يقول‪ :‬إنييه إن‬
‫كان ل يعلم أن عليييه دينييا إل بقوله لم يصييدق‪ ،‬وإن علم أن عليييه‬
‫دينيا لم يؤخيذ منيه‪ ،‬وهذا لييس خلفيا لمين يقول بإسيقاط الديين‬
‫الزكاة‪ ،‬وإنميا هيو خلف لمين يقول‪ :‬يصيدق فيي الديين كميا يصيدق‬
‫في المال‪.‬‬
‫وأما المال الذي هو في الذمة‪ ،‬أعني في ذمة الغير وليس هو بيد‬
‫المالك وهيو الديين فإنهيم اختلفوا فييه أيضيا‪ ،‬فقوم قالوا‪ :‬ل زكاة‬
‫فييه وإن قبيض حتيى يسيتكمل شرط الزكاة عنيد القابيض له‪ ،‬وهيو‬
‫الحول‪ ،‬وهيو أحيد قولي الشافعيي‪ ،‬وبيه قال اللييث‪ ،‬أو هيو قياس‬
‫قوله؛ وقوم قالوا‪ :‬إذا قبضيه زكاة لميا مضيى مين السينين‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬يزكيييه لحول واحييد وإن أقام عنييد المديان سيينين إذا كان‬
‫أصيله عين عوض‪ .‬وأميا إذا كان عين غيير عوض مثيل الميراث فإنيه‬
‫يستقبل به الحول‪ ،‬وفي المذهب تفصيل في ذلك ومن هذا الباب‬
‫اختلفهيم فيي زكاة الثمار المحبوسية الصيول‪ ،‬وفيي زكاة الرض‬
‫المسيتأجرة على مين تجيب زكاة ميا يخرج منهيا؟ هيل على صياحب‬
‫الرض أو صاحب الزرع؟ ومن ذلك اختلفهم في أرض الخراج إذا‬
‫انتقلت مين أهيل الخراج إلى المسيلمين وهيم أهيل العشير‪ ،‬وفيي‬
‫الرض العشييير وهيييي أرض المسيييلمين إذا انتقلت إلى الخراج‪،‬‬
‫وأعني أهل الذمة‪ ،‬وذلك أنه يشبه أن يكون سبب الخلف في هذا‬
‫كله أنها أملك ناقصة‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الولى) وهي زكاة الثمار المحبسة الصول فإن‬
‫مالكيا والشافعيي كانيا يوجبان فيهيا الزكاة‪ ،‬وكان مكحول وطاوس‬
‫يقولن ل زكاة فيهييييا‪ ،‬وفرق قوم بييييين أن تكون محبسيييية على‬
‫المساكين وبيين أن تكون على قوم أعيانهيم فأوجبوا فيهيا الصيدقة‬
‫إذا كانيت على قوم بأعيانهيم‪ ،‬ولم يوجبوا فيهيا الصيدقة إذا كانيت‬
‫على المساكين‪ ،‬ول معنى لمن أوجبها على المساكين لنه يجتمع‬
‫فيي ذلك شيئان اثنان‪ :‬أحدهميا أنهيا ملك ناقيص‪ ،‬والثانيية أنهيا على‬
‫قوم غيير معينيين مين الصينف الذيين تصيرف إليهيم الصيدقة ل مين‬
‫الذين تجب عليهم‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثانية) وهي الرض المستأجرة على من تجب‬
‫زكاة ميا تخرجيه فإن قوميا قالوا‪ :‬الزكاة على صياحب الزرع‪ ،‬وبيه‬
‫قال مالك والشافعييي والثوري وابيين مبارك وأبييو ثور وجماعيية‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه‪ :‬الزكاة على رب الرض وليييس على‬


‫المسيتأجر منيه شييء‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم هيل العشير حيق‬
‫الرض أو حيق الزرع أو حيق مجموعهميا؟ إل أنيه لم يقيل أحيد إنيه‬
‫حيق لمجموعهميا وهيو فيي الحقيقية حيق مجموعهميا‪ ،‬فلميا كان‬
‫عندهم أنه حق لحد المرين اختلفوا في أيهما هو أولى أن ينسب‬
‫إلى الموضييع الذي فيييه التفاق‪ ،‬وهييو كون الزرع والرض لمالك‬
‫واحد‪ ،‬فذهب الجمهور إلى أنه للشيء الذي تجب فيه الزكاة وهو‬
‫الحيب‪ .‬وذهيب أبيو حنيفية إلى أنيه للشييء الذي هيو أصيل الوجوب‬
‫وهيييو الرض‪ .‬وأميييا اختلفهيييم فيييي أرض الخراج إذا انتقلت إلى‬
‫المسيلمين هيل فيهيا عشير ميع الخراج أم لييس فيهيا عشير؟ فإن‬
‫الجمهور على أن فيهيييا العشييير‪ :‬أعنيييي الزكاة‪ .‬قال أبيييو حنيفييية‬
‫وأصيحابه‪ :‬لييس فيهيا عشير‪ .‬وسيبب اختلفهيم كميا قلنيا هيل الزكاة‬
‫حق الرض‪ ،‬أو حق الحب؟ فإن قلنا إنه حق الرض لم يجتمع فيها‬
‫حقان‪ :‬وهمييا العشيير والخراج‪ ،‬وإن قلنييا‪ :‬الزكاة حييق الحييب كان‬
‫الخراج حيق الرض‪ ،‬والزكاة حيق الحيب‪ ،‬وإنميا يجييء هذا الخلف‬
‫فيها لنها ملك ناقص كما قلنا ولذلك اختلف العلماء في جواز بيع‬
‫أرض الخراج‪ .‬وأمييا إذا انتقلت أرض العشيير إلى الذمييي يزرعهييا‪،‬‬
‫فإن الجمهور على أنه ليس فيها شيء‪ .‬وقال النعمان‪ :‬إذا اشترى‬
‫الذميي أرض عشير تحولت أرض خراج‪ ،‬فكأنيه رأى أن العشير هيو‬
‫حيق أرض المسيلمين‪ ،‬والخراج هيو حيق أرض الذمييين‪ ،‬لكين كان‬
‫يجيب على هذا الصيل إذا انتقلت أرض الخراج إلى المسيلمين أن‬
‫تعود أرض عشر كما أن عنده إذا انتقلت أرض العشر إلى الذمي‬
‫عادت أرض خراج‪ ،‬ويتعلق بالمالك مسيائل ألييق المواضيع بذكرهيا‬
‫هيو هذا الباب‪ :‬أحدهيا إذا أخرج المرء الزكاة فضاعيت‪ .‬والثانيية إذا‬
‫أمكين إخراجهيا فهلك بعيض المال قبيل الخراج‪ .‬والثالثية إذا مات‬
‫وعليه زكاة‪ .‬والرابعة إذا باع الزرع أو الثمر وقد وجبت فيه الزكاة‬
‫على من الزكاة‪ ،‬وكذلك إذا وهبه‪.‬‬
‫@‪(-‬فأمييا المسييألة الولى) وهييي إذا أخرج الزكاة فضاعييت‪ ،‬فإن‬
‫قوميا قالوا‪ :‬تجزى عنيه؛ وقوم قالوا‪ :‬هيو لهيا ضامين حتيى يضعهيا‬
‫موضعهييا؛ وقوم فرقوا بييين أن يخرجهييا بعييد أن أمكنييه إخراجهييا‪،‬‬
‫وبيين أن يخرجهيا أول زمان الوجوب والمكان‪ ،‬فقال بعضهيم‪ :‬إن‬
‫أخرجهيا بعيد أيام مين المكان والوجوب ضمين وإن أخرجهيا فيي‬
‫أول الوجوب ولم يقيع منيه تفرييط لم يضمين وهيو مشهور مذهيب‬
‫مالك؛ وقوم قالوا‪ :‬إن فرط ضميين وإن لم يفرط زكييى مييا بقييي‪،‬‬
‫وبييه قال أبييو ثور والشافعييي‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بييل يعييد الذاهييب ميين‬
‫الجمييع ويبقيى المسياكين ورب المال شريكيين فيي الباقيي بقدر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حظهميا مين حيظ رب المال‪ ،‬مثيل الشريكيين يذهيب بعيض المال‬


‫المشترك بينهميا ويبقيان شريكيين على تلك النسيبة فيي الباقيي‪،‬‬
‫فيتحصيل فيي المسيألة خمسية أقوال‪ :‬قول إنيه ل يضمين بإطلق‪،‬‬
‫وقول إنيه يضمين بإطلق‪ ،‬وقول إن فرط ضمين وإن لم يفرط لم‬
‫يضمن‪ ،‬وقول إن فرط ضمن وإن لم يفرط زكى ما بقي‪ ،‬والقول‬
‫الخامس يكونان شريكين في الباقي‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثانية) إذا ذهب بعض المال بعد الوجوب وقبل‬
‫تمكن إخراج الزكاة؛ فقوم قالوا‪ :‬يزكى ما بقي؛ وقوم قالوا‪ :‬حال‬
‫المسياكين وحال رب المال حال الشريكيين يضييع بعيض مالهميا‪.‬‬
‫والسييبب فييي اختلفهييم تشييبيه الزكاة بالديون‪ ،‬أعنييي أن يتعلق‬
‫الحيق فيهيا بالذمية ل بعيين المال‪ ،‬أو تشبيههيا بالحقوق التيي تتعلق‬
‫بعيين المال ل بذمية الذي يده على المال كالمناء وغيرهيم‪ .‬فمين‬
‫شبه مالكي الزكاة بالمناء قال‪ :‬إذا اخرج فهلك المخرج فل شيء‬
‫علييييه؛ ومييين شبههيييم بالغرماء قال‪ :‬يضمنون؛ ومييين فرق بيييين‬
‫التفريييط ول تفريييط ألحقهييم بالمناء ميين جميييع الوجوه إذا كان‬
‫الميين يضمن إذا فرط‪ .‬وأميا مين قال‪ :‬إذا لم يفرط زكيى ما بقيي‬
‫فإنيه شبيه مين هلك بعيض ماله بعيد الخراج بمين ذهيب بعيض ماله‬
‫قبل وجوب الزكاة فيه‪ ،‬كما أنه إذا وجبت الزكاة عليه فإنما يزكى‬
‫الموجود فقييط‪ ،‬وكذلك هذا إنمييا يزكييى الموجود ميين ماله فقييط‪.‬‬
‫وسييبب الختلف هييو تردد شبييه المالك بييين الغريييم والمييين‬
‫والشريييك وميين هلك بعييض ماله قبييل الوجوب‪ .‬وأمييا إذا وجبييت‬
‫الزكاة وتمكيين ميين الخراج فلم يخرج حتييى ذهييب بعييض المال‬
‫فإنهيم متفقون فيميا أحسيب أنيه ضامين إل فيي الماشيية عنيد مين‬
‫رأى أن وجوبهيا إنميا يتيم بشرط خروج السياعي ميع الحول وهيو‬
‫مذهب مالك‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثالثية) وهيي إذا مات بعيد وجوب الزكاة علييه‪.‬‬
‫فإن قوميا قالوا‪ :‬يخرج مين رأس ماله‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأحميد‬
‫وإسيحاق وأبيو ثور‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬إن أوصيى بهيا أخرجيت عنيه مين‬
‫الثلث وإل فل شييء علييه‪ ،‬ومين هؤلء مين قال‪ :‬يبدأ بهيا إن ضاق‬
‫الثلث‪ ،‬ومنهييم ميين قال‪ :‬ل يبدأ بهييا‪ ،‬وعيين مالك القولن جميعييا‪،‬‬
‫ولكن المشهور أنها بمنزلة الوصية‪ .‬وأما اختلفهم في المال يباع‬
‫بعيد وجوب الصيدقة فييه‪ ،‬فإن قوميا قالوا‪ :‬يأخيذ المصيدق الزكاة‬
‫من المال نفسه ويرجع المشتري بقيمته على البائع‪ ،‬وبه قال أبو‬
‫ثور‪ .‬وقال قوم‪ :‬البيييع مفسييوخ‪ ،‬وبييه قال الشافعييي‪ .‬وقال أبييو‬
‫حنيفة‪ :‬المشتري بالخيار بين إنقاذ البيع ورده‪ ،‬والعشر مأخوذ من‬
‫الثمرة أو مين الحيب الذي وجبيت فييه الزكاة‪ ،‬وقال مالك‪ :‬الزكاة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫على البائع‪ .‬وسبب اختلفهم تشبيه بيع مال الزكاة بتفويته وإتلف‬
‫عينييه‪ ،‬فميين شبهييه بذلك قال‪ :‬الزكاة مترتبيية فييي ذميية المتلف‬
‫والمفوت؛ ومين قال البييع لييس بإتلف لعيين المال ول تفوييت له‬
‫وإنميا هيو بمنزلة مين باع ميا لييس له قال‪ :‬الزكاة فيي عيين المال‪،‬‬
‫ثيم هيل البييع مفسيوخ أو غيير مفسيوخ نظير آخير يذكير فيي باب‬
‫البيوع إن شاء الله تعالى‪ .‬ومييين هذا النوع اختلفهيييم فيييي زكاة‬
‫المال الموهوب‪ ،‬وفي بعض هذه المسائل التي ذكرنا تفصيل في‬
‫المذهيب لم نير أن نتعرض له إذ كان غيير موافيق لغرضنيا ميع أنيه‬
‫يعسير فيهيا إعطاء أسيباب تلك الفروق لنهيا أكثرهيا اسيتحسانية‬
‫مثييل تفصيييلهم الديون التييي تزكييى ميين التييي ل تزكييى‪ ،‬والديون‬
‫المسيقطة للزكاة مين التيي ل تسيقطها‪ ،‬فهذا ميا رأينيا أن نذكره‬
‫فييي هذه الجملة وهييي معرفيية ميين تجييب عليييه الزكاة وشروط‬
‫الملك التي تجب به وأحكام من تجب عليه‪ .‬وقد بقي من أحكامه‬
‫حكيم مشهور‪ ،‬وهيو ماذا حكيم مين منيع الزكاة ولم يجحيد وجوبهيا؟‬
‫فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى أن حكمه حكم المرتد‪ ،‬وبذلك‬
‫حكم في مانع الزكاة من العرب وذلك أنه قاتلهم وسبى ذريتهم‪،‬‬
‫وخالفيه فيي ذلك عمير رضيي الله عنيه‪ ،‬وأطلق مين كان اسيترق‬
‫منهيم‪ ،‬وبقول عمير قال الجمهور‪ .‬وذهبيت طائفية إلى تكفيير مين‬
‫منيع فريضية مين الفرائض وإن لم يجحيد وجوبهيا‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫هيل اسيم اليمان الذي هيو ضيد الكفير ينطلق على العتقاد دون‬
‫العمل فقط أو من شرطه وجود العمل معه؟ فمنهم من رأى أن‬
‫من شرطه وجود العمل معه‪ ،‬ومنهم من لم يشترط ذلك حتى لو‬
‫لم يلفيظ بالشهادة إذا صيدق بهيا فحكميه حكيم المؤمين عنيد الله‪،‬‬
‫والجمهور وهيم أهيل السينة على أنيه لييس يشترط فييه‪ ،‬أعنيي فيي‬
‫اعتقاد اليمان الذي ضده الكفير مين العمال إل التلفيظ بالشهادة‬
‫فقيط‪ ،‬لقوله صيلى الله علييه وسيلم "أمرت أن أقاتيل الناس حتيى‬
‫يقولوا ل إله إل الله ويؤمنوا بيي" فاشترط ميع العلم القول‪ ،‬وهيو‬
‫عميل مين العمال‪ ،‬فمين شبيه سيائر الفعال الواجبية بالقول قال‪:‬‬
‫جميع العمال المفروضة شرط في العلم الذي هو اليمان‪ ،‬ومن‬
‫شبيه القول بسيائر العمال التيي اتفيق الجمهور على أنهيا ليسيت‬
‫شرطيا فيي العلم الذي هيو اليمان قال‪ :‬التصيديق فقيط هيو شرط‬
‫اليمان‪ ،‬وبيه يكون حكميه عنيد الله تعالى حكيم المؤمين‪ ،‬والقولن‬
‫شاذان‪ ،‬واسيتثناء التلفيظ بالشهادتيين مين سيائر العمال هيو الذي‬
‫عليه الجمهور‪.‬‬
‫*‪( *3‬الجملة الثانية) وأما ما تجب فيه الزكاة من الموال‪ ،‬فإنهم‬
‫اتفقوا منهيا على أشياء واختلفوا فيي أشياء‪ .‬وأميا ميا اتفقوا علييه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فصينفان مين المعدن الذهيب والفضية اللتيين ليسيتا بحلي‪ ،‬وثلثية‬


‫أصيناف مين الحيوان البيل والبقير والغنيم‪ ،‬وصينفان مين الحبوب‬
‫الحنطة والشعير‪ ،‬وصنفان من الثمر التمر والزبيب‪ ،‬وفي الزيت‬
‫خلف شاذ‪ .‬واختلفوا أميا مين الذهيب ففيي الحلي فقيط‪ ،‬وذلك أنيه‬
‫ذهيب فقهاء الحجاز مالك واللييث والشافعيي إلى أنيه ل زكاة فييه‬
‫إذا أرييد للزينية واللباس؛ وقال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬فييه الزكاة‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم تردد شبهه بين العروض وبين التبر والفضة‬
‫اللتيين المقصيود منهميا المعاملة فيي جمييع الشياء‪ ،‬فمين شبهيه‬
‫بالعروض التيي المقصيود منهيا المنافيع أول قال‪ :‬لييس فييه زكاة‪،‬‬
‫ومين شبهيه بالتيبر والفضية التيي المقصيود منهيا المعاملة بهيا أول‬
‫قال‪ :‬فييه الزكاة‪ .‬ولختلفهيم أيضيا سيبب آخير وهيو اختلف الثار‬
‫في ذلك‪ ،‬وذلك أنه روى جابر عن النبي عليه الصلة والسلم أنه‬
‫قال "ليس في الحلي زكاة" وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن‬
‫جده "أن امرأة أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها‬
‫ابنية لهيا‪ ،‬وفيي ييد ابنتهيا مسيك مين ذهيب‪ ،‬فقال لهيا‪ :‬أتؤديين زكاة‬
‫هذا؟ قالت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬أيسييرك أن يسييورك الله بهمييا يوم القياميية‬
‫سيوارين مين نار؟ فخلعتهميا وألقتهميا إلى النيبي صيلى الله علييه‬
‫وسيييلم وقالت‪ :‬هميييا لله ورسيييوله" والثران ضعيفان‪ ،‬وبخاصييية‬
‫حدييث جابر‪ ،‬ولكون السيبب الملك لختلفهيم تردد الحلي المتخيذ‬
‫للباس بيين التيبر والفضية اللذيين المقصيود منهميا أول المعاملة ل‬
‫النتفاع‪ ،‬وبيين العروض المقصيود منهيا التيي بالوضيع الول خلف‬
‫المقصود من التبر والفضة‪ ،‬أعني النتفاع بها ل المعاملة‪ ،‬وأعني‬
‫بالمعاملة كونها ثمنا‪ .‬واختلف قول مالك في الحلي المتخذ للكراء‬
‫فمرة شبهه بالحلي المتخذ من اللباس‪ ،‬ومرة شبهه بالتبر المتخذ‬
‫للمعاملة‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما ما اختلفوا فيه من الحيوان) فمنه ما اختلفوا في نوعه‪،‬‬
‫ومنيه ميا اختلفوا فيي صينفه‪ .‬وأميا ميا اختلفوا فيي نوعيه فالخييل‪،‬‬
‫وذلك أن الجمهور على أن ل زكاة فيي الخييل‪ ،‬فذهيب أبيو حنيفية‬
‫إلى أنهيا إذا كانيت سيائمة وقصيد بهيا النسيل أن فيهيا الزكاة‪ ،‬أعنيي‬
‫إذا كانيت ذكرانيا وإناثيا‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم معارضية القياس‬
‫لل ّفظ‪ ،‬و ما يظن من معارضية اللفيظ لل ّيفظ فيها‪ .‬أ ما اللفيظ الذي‬
‫يقتضيي أن ل زكاة فيهيا فقوله علييه الصيلة والسيلم "لييس على‬
‫المسيلم فيي عبده ول فرسيه صييدقة" وأميا القياس الذي عارض‬
‫هذا العموم‪ ،‬فهييو أن الخيييل السييائمة حيوان مقصييود بييه النماء‬
‫والنسيل‪ ،‬فأشبيه البيل والبقير‪ .‬وأميا اللفيظ الذي يظين أنيه معارض‬
‫لذلك العموم فهو قوله عليه الصلة والسلم "وقد ذكر الخيل ولم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ينيس حيق الله فيي رقابهيا ول ظهورهيا" فذهيب أبيو حنيفية إلى أن‬
‫حق الله هو الزكاة‪ ،‬وذلك السائمة منها‪ .‬قال القاضي‪ :‬وأن يكون‬
‫هذا اللفظ مجمل أحرى منه أن يكون عاما‪ ،‬فيحتج به في الزكاة؛‬
‫وخالف أبيا حنيفية فيي هذه المسيألة صياحباه أبيو يوسيف ومحميد‪،‬‬
‫وصيح عين عمير رضيي الله عنيه أنيه كان يأخيذ منهيا الصيدقة‪ ،‬فقييل‬
‫إنيه كان باختيار منهيم‪ .‬وأميا ميا اختلفوا فيي صينفه فهيي السيائمة‬
‫مين البيل والبقير والغنيم مين غيير السيائمة منهيا‪ ،‬فإن قوميا أوجبوا‬
‫الزكاة فيي هذه الصيناف الثلثية سيائمة كانيت أو غيير سيائمة‪ ،‬وبيه‬
‫قال الليييث ومالك؛ وقال سييائر فقهاء المصييار‪ :‬ل زكاة فييي غييير‬
‫السييائمة ميين هذه الثلثيية النواع‪ .‬وسييبب اختلفهييم معارضيية‬
‫المطلق للمقيييد‪ ،‬ومعارضيية القياس لعموم اللفييظ‪ .‬أمييا المطلق‬
‫فقوله علييه الصيلة والسيلم "فيي أربعيين شاة شاة"‪ .‬أميا المقييد‬
‫فقوله عليه الصلة والسلم "في سائمة الغنم الزكاة" فمن غلب‬
‫المطلق على المقيييد قال‪ :‬الزكاة فييي السييائمة وغييير السييائمة؛‬
‫ومن غلب المقيد قال‪ :‬الزكاة في السائمة منها فقط‪ ،‬ويشبه أن‬
‫يقال إن مين سيبب الخلف فيي ذلك أيضيا معارضية دلييل الخطاب‬
‫للعموم‪ ،‬وذلك أن دلييل الخطاب فيي قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"فيي سيائمة الغنيم الزكاة" يقتضيي أن ل زكاة فيي غيير السيائمة‪،‬‬
‫وعموم قوله عليه الصلة والسلم "في أربعين شاة شاة" يقتضي‬
‫أن السيائمة فيي هذا بمنزلة غيير السيائمة لكين العموم أقوى مين‬
‫دليييل الخطاب‪ ،‬كمييا أن تغليييب المقيييد على المطلق أشهيير ميين‬
‫تغلييب المطلق على المقييد‪ .‬وذهيب أبيو محميد بين حزم إلى أن‬
‫المطلق يقتضيي على المقييد‪ ،‬وإن فيي الغنيم سيائمة وغيير سيائمة‬
‫الزكاة‪ ،‬وكذلك فيي البيل لقوله علييه الصيلة والسيلم "لييس فيميا‬
‫دون خمس ذود من البل صدقه" وأن البقر لما لم يثبت فيها أثر‬
‫وجب أن يتمسك فيها بالجماع‪ ،‬وهو أن الزكاة في السائمة منها‬
‫فقط‪ ،‬فتكون التفرقة بين البقر وغيرها قول ثالث‪.‬‬
‫وأمييا القياس المعارض لعموم قوله عليييه الصييلة والسييلم فيهييا‬
‫"في أربعين شاة شاة" فهو أن السائمة هي التي المقصود منها‬
‫النماء والربييح‪ ،‬وهييو الموجود فيهييا أكثيير ذلك‪ ،‬والزكاة إنمييا هييي‬
‫فضلت الموال‪ ،‬والفضلت إنميييا توجيييد أكثييير ذلك فيييي الموال‬
‫السييائمة‪ ،‬ولذلك اشترط فيهييا الحول‪ ،‬فميين خصييص بهذا القياس‬
‫ذلك العموم لم يوجيب الزكاة فيي غيير السيائمة‪ ،‬ومين لم يخصيص‬
‫ذلك ورأى أن العموم أقوى أو جب ذلك في الصنفين جميعا‪ ،‬فهذا‬
‫هيو ميا اختلفوا فييه مين الحيوان التيي تجيب فييه الزكاة‪ ،‬وأجمعوا‬
‫على أنييه ليييس فيمييا يخرج ميين الحيوان زكاة إل العسييل‪ ،‬فإنهييم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلفوا فييييه‪ ،‬فالجمهور على أنيييه ل زكاة فييييه‪ ،‬وقال قوم‪ :‬فييييه‬
‫الزكاة‪ .‬وسيبب اختلفهيم اختلفهيم فيي تصيحيح الثير الوارد فيي‬
‫ذلك‪ ،‬وهيو قوله علييه الصيلة والسيلم "فيي كيل عشرة أزق زق"‬
‫خرجييه الترمذي وغيره‪ .‬وأمييا مييا اختلفوا فيييه ميين النبات بعييد‬
‫اتفاقهيم على الصيناف الربعية التيي ذكرناهيا فهيو جنيس النبات‬
‫الذي تجب فيه الزكاة‪ ،‬فمنهم من لم ير الزكاة إل في تلك الربع‬
‫فقييط‪ ،‬وبييه قال ابيين أبييي ليلى وسييفيان الثوري وابيين المبارك؛‬
‫ومنهيم مين قال‪ :‬الزكاة فيي جمييع المدخير المقتات مين النبات‪،‬‬
‫وهيو قول مالك والشافعيي؛ ومنهيم مين قال‪ :‬الزكاة فيي كيل ميا‬
‫تخرجييه الرض مييا عدا الحشيييش والحطييب والقصييب‪ .‬وهييو أبييو‬
‫حنيفية‪ .‬وسيبب الخلف إميا بيين مين قصير الزكاة على الصيناف‬
‫المجمييع عليهييا‪ ،‬وبييين ميين عداهييا إلى المدخيير المقتات‪ ،‬فهييو‬
‫اختلفهيم فيي تعلق الزكاة بهذه الصيناف الربعية هيل هيو لعينهيا أو‬
‫لعلة فيهيا‪ ،‬وهيي القتيات فمين قال لعينهيا قصير الوجوب عليهيا‪،‬‬
‫وميين قال لعلة القتيات عدى الوجوب لجميييع المقتات‪ .‬وسييبب‬
‫الخلف بيين مين قصير الوجوب على المقتات وبيين مين عداه إلى‬
‫جمييع ميا تخرجيه الرض إل ميا وقيع علييه الجماع مين الحشييش‬
‫والحطب والقصب هو معارضة القياس لعموم اللفظ‪ ،‬أما اللفظ‬
‫الذي يقتضي العموم فهو قوله عليه الصلة والسلم "فيما سقت‬
‫السيماء العشير‪ ،‬وفيميا سيقى بالنضيج نصيف العشير" وميا بمعنيى‬
‫الذي‪ ،‬والذي مييين ألفاظ العموم وقوله تعالى {وهيييو الذي أنشيييأ‬
‫جنات معروشات} الية‪ .‬إلى قوله {وآتوا حقه يوم حصاده} ‪.‬‬
‫وأميا القياس‪ ،‬فهيو أن الزكاة إنميا المقصيود منهيا سيد الخلة‪ ،‬وذلك‬
‫ل يكون غالبيا إل فيميا هو قوت‪ ،‬فمين خصيص العموم بهذا القياس‬
‫أسيقط الزكاة مميا عدا المقتات‪ ،‬ومين غلب العموم أوجبهيا فيميا‬
‫عدا ذلك‪ ،‬إل ميييا أخرجيييه الجماع‪ ،‬والذيييين اتفقوا على المقتات‬
‫اختلفوا فيي أشياء مين قبيل اختلفهيم فيهيا‪ ،‬هيل هيي مقتاتية أم‬
‫ليست بمقتاتة؟‬
‫وهل يقاس على ما اتفق عليه أو ليس يقاس؟ مثل اختلف مالك‬
‫والشافعيي فيي الزيتون‪ ،‬فإن مالكيا ذهيب إلى وجوب الزكاة فييه‪،‬‬
‫ومنع ذلك الشافعي في قوله الخير بمصر‪ .‬وسبب اختلفهم هل‬
‫هيو قوت أم لييس بقوت؟‪ ،‬ومين هذا الباب اختلف أصيحاب مالك‬
‫فيي إيجاب الزكاة فيي التيين أو ل إيجابهيا‪ .‬وذهيب بعضهيم إلى أن‬
‫الزكاة تجيب فيي الثمار دون الخضير‪ ،‬وهيو قول ابين حيبيب لقوله‬
‫سييييبحانه وتعالى {وهييييو الذي أنشييييأ جنات معروشات وغييييير‬
‫معروشات} الييية‪ ،‬وميين فرق فييي الييية بييين الثمار والزيتون فل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجيه لقوله إل وجيه ضعييف‪ .‬واتفقوا على أن ل زكاة فيي العروض‬


‫التيي لم يقصيد بهيا التجارة‪ ،‬واختلفوا فيي أتجيب الزكاة فيميا اتخيذ‬
‫منهيا للتجارة؟ فذهيب فقهاء المصيار إلى وجوب ذلك‪ ،‬ومنيع ذلك‬
‫أهيل الظاهير‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم اختلفهيم فيي وجوب الزكاة‬
‫بالقياس‪ ،‬واختلفهيم فيي تصيحيح حدييث سمرة بين جندب أنيه قال‬
‫"كان رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يأمرنيا أن نخرج الزكاة‬
‫مما نعده للبيع" وفيما روي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "أد‬
‫زكاة البر"‪ .‬وأمييا القياس الذي اعتمده الجمهور فهييو أن العروض‬
‫المتخذة للتجارة مال مقصيود بيه التنميية‪ ،‬فأشبيه الجناس الثلثية‬
‫التي فيها الزكاة باتفاق‪ ،‬أعني الحرث والماشية والذهب والفضة‪.‬‬
‫وزعيم الطحاوي أن زكاة العروض ثابتية عين عمير وابين عمير ول‬
‫مخالف لهميا مين الصيحابة‪ ،‬وبعضهيم يرى أن مثيل هذا هيو إجماع‬
‫مين الصيحابة‪ ،‬أعنيي إذا نقيل عين واحيد منهيم قول ولم ينقيل عين‬
‫غيره خلفه‪ ،‬وفيه ضعف‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثالثة) وأما معرفة النصاب في واحد واحد من هذه‬
‫الموال المزكاة‪ ،‬وهو المقدار الذي فيه تجب الزكاة فيما له منها‬
‫نصياب‪ ،‬ومعرفية الواجيب مين ذلك‪ ،‬أعنيي فيي عينيه وقدره‪ ،‬فإنيا‬
‫نذكير مين ذلك ميا اتفقوا علييه واختلفوا فييه فيي جنيس جنيس مين‬
‫هذه الجناس المتفييق عليهييا والمختلف فيهييا عنييد الذييين اتفقوا‬
‫عليييه‪ ،‬ولنجعييل الكلم فييي ذلك فييي فصييول‪ :‬الفصييل الول‪ :‬فييي‬
‫الذهب والفضة‪ .‬الثاني‪ :‬في البل‪ .‬الثالث‪ :‬في الغنم‪ .‬الرابع‪ :‬في‬
‫البقر‪ .‬الخامس‪ :‬في النبات‪ .‬السادس‪ :‬في العروض‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في الذهب والفضة‪.‬‬
‫@‪-‬أميا المقدار الذي تجيب فييه الزكاة مين الفضية‪ ،‬فإنهيم اتفقوا‬
‫على أنيه خميس أواق لقوله علييه الصيلة والسيلم الثابيت "لييس‬
‫فيمييا دون خمييس أواق ميين الورق صييدقة" مييا عدا المعدن ميين‬
‫الفضيية‪ ،‬فإنهييم اختلفوا فييي اشتراط النصيياب منييه وفييي المقدار‬
‫الواجييب فيييه‪ ،‬والوقييية عندهييم أربعون درهمييا كيل‪ .‬وأمييا القدر‬
‫الواجييب فيييه‪ ،‬فإنهييم اتفقوا على أن الواجييب فييي ذلك هييو ربييع‬
‫العشير‪ :‬أعنيي فيي الفضية والذهيب معيا ميا لم يكونيا خرجيا مين‬
‫معدن‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي مواضيع خمسية‪ :‬أحدهيا‪ :‬فيي‬
‫نصياب الذهيب‪ .‬والثانيي‪ :‬هيل فيهميا أوقاص أم ل؟ أعنيي هيل فوق‬
‫النصياب قدر ل تزييد الزكاة بزيادتيه؟‪ .‬والثالث‪ :‬هيل يضيم بعضهيا‬
‫إلى بعييض فييي الزكاة فيعدان كصيينف واحييد؟ أعنييي عنييد إقاميية‬
‫النصيياب أم همييا صيينفان مختلفان؟‪ .‬والرابييع‪ :‬هييل ميين شرط‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫النصيياب أن يكون المالك واحدا ل اثنييين؟‪ .‬الخامييس‪ :‬فييي اعتبار‬


‫نصاب المعدن وحوله وقدر الواجب فيه‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الولى) وهي اختلفهم في نصاب الذهب‪ ،‬فإن‬
‫أكثيير العلماء على أن الزكاة تجييب فييي عشرييين دينارا وزنييا كمييا‬
‫تجيب فيي مائتيي درهيم‪ ،‬هذا مذهيب مالك والشافعيي وأبيي حنيفية‬
‫وأصييحابهم وأحمييد وجماعيية فقهاء المصييار وقالت طائفيية منهييم‬
‫الحسين بين أبيي الحسين البصيري وأكثير أصيحاب داود بين علي‪:‬‬
‫ليس في الذهب شيء حتى يبلغ أربعين دينارا‪ ،‬ففيها ربع عشرها‬
‫دينار واحيد‪ .‬وقالت طائفية ثالثية‪ :‬لييس فيي الذهيب زكاة حتيى يبلغ‬
‫صيرفها مائتيي درهيم أو قيمتهيا فإذا بلغيت ففيهيا ربيع عشرهيا كان‬
‫وزن ذلك من الذهب عشرين دينارا أو أقل أو أكثر‪ ،‬هذا فيما كان‬
‫منها دون الربعين دينارا‪ .‬فإذا بلغت أربعين دينارا كان العتبار بها‬
‫لنفسه ل بالدراهم ل صرفا ول قيمة‪ .‬وسبب اختلفهم في نصاب‬
‫الذهيب أنيه لم يثبيت فيي ذلك شييء عين النيبي صيلى الله علييه‬
‫وسلم كما ثبت ذلك في نصاب الفضة‪ .‬وما روي عن الحسن بن‬
‫عمارة من حديث علي أنه عليه الصلة والسلم قال "هاتوا زكاة‬
‫الذهب من كل عشرين دينارا نصف دينار" فليس عند الكثر مما‬
‫يجب العمل به لنفراد الحسن بن عمارة به‪ ،‬فمن لم يصح عنده‬
‫هذا الحديييث اعتمييد فييي ذلك على الجماع‪ ،‬وهييو اتفاقهييم على‬
‫وجوبهيا فيي الربعيين‪ .‬وأميا مالك فاعتميد فيي ذلك على العميل‪،‬‬
‫ولذلك قال فييي الموطييأ‪ :‬السيينة التييي ل اختلف فيهييا عندنييا أن‬
‫الزكاة تجيب فيي عشريين دينارا كميا تجيب فيي مائتيي درهيم‪ .‬وأميا‬
‫الذين جعلوا الزكاة فيما دون الربعين تبعا للدراهم‪ ،‬فإنه لما كانا‬
‫عندهم من جنس واحد جعلوا الفضة هي الصل‪ ،‬إذ كان النص قد‬
‫ثبت فيها‪ ،‬وجعلوا الذهب تابعا لها في القيمة ل في الوزن‪ ،‬وذلك‬
‫فيميا دون موضيع الجماع‪ ،‬ولميا قييل أيضيا إن الرقية اسيم يتناول‬
‫الذهب والفضة وجاء في بعض الثار "ليس فيها دون خمس أواق‬
‫من الرقة صدقة"‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) وأميا اختلفهيم فيميا زاد على النصياب فيهيا‪،‬‬
‫فإن الجمهور قالوا‪ :‬إن ميا زاد على مائتيي درهيم مين الوزن ففييه‬
‫بحسيياب ذلك‪ ،‬أعنييي ربييع العشيير‪ ،‬ومميين قال بهذا القول مالك‬
‫والشافعي وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة وأحمد بن حنبل‬
‫وجماعية‪ .‬وقالت طائفية مين أهيل العلم أكثرهيم العراق‪ :‬ل شييء‬
‫فيما زاد على المائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما‪ ،‬فإذا‬
‫بلغتهييا كان فيهييا ربييع عشرهييا وذلك درهييم‪ ،‬وبهذا القول قال أبييو‬
‫حنيفة وزفر وطائفة من أصحابهما‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم في‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تصيحيح حدييث الحسين ابين عمارة‪ ،‬ومعارضية دلييل الخطاب له‪،‬‬


‫وترددهما بين أصلين في هذا الباب مختلفين في هذا الحكم وهي‬
‫الماشيية والحبوب‪ .‬أميا حدييث الحسين بين عمارة فإنيه رواه عين‬
‫أبيي إسيحاق عين عاصيم بين ضمرة عين علي عين النيبي صيلى الله‬
‫عليه وسلم قال "قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا من‬
‫الرقية ربيع العشير مين كيل مائتيي درهيم خمسية دراهيم‪ ،‬ومين كيل‬
‫عشريين دينارا نصيف دينار‪ ،‬ولييس فيي مائتيي درهيم شييء حتيى‬
‫يحول عليها الحول ففيها خمسة دراهم‪ ،‬فما زاد ففي كل أربعين‬
‫درهميا درهيم‪ ،‬وفيي كيل أربعية دنانيير تزييد على العشريين دينارا‬
‫درهيم حتيى تبلغ أربعيين دينارا‪ ،‬ففيي كيل أربعيين دينار‪ ،‬وفيي كيل‬
‫أربعة وعشرين نصف دينار ودرهم"‪ .‬وأما دليل الخطاب المعارض‬
‫له‪ ،‬فقوله عليه الصلة والسلم "ليس فيما دون خمس أواق من‬
‫الورق صييدقة" ومفهومييه أن فيمييا زاد على ذلك الصييدقة قييل أو‬
‫كثير‪ .‬وأميا ترددهميا بيين الصيلين اللذيين هميا الماشيية والحبوب‪،‬‬
‫فإن النييص على الوقاص ورد فييي الماشييية‪ .‬وأجمعوا على أنييه ل‬
‫أوقاص فييي الحبوب‪ ،‬فميين شبييه الفضيية والذهييب بالماشييية قال‬
‫فيهما الوقاص‪ ،‬ومن شبههما بالحبوب قال ل وقص‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الثالثيية) وهييي ضييم الذهييب إلى الفضيية فييي‬
‫الزكاة‪ ،‬فإن عند مالك وأبي حنيفة وجماعة أنها تضم الدراهم إلى‬
‫الدنانير‪ ،‬فإذا كمل من مجموعهما نصاب وجبت فيه الزكاة؛ وقال‬
‫الشافعيي وأبيو ثور وداود‪ :‬ل يضيم ذهيب إلى فضية ول فضية إلى‬
‫ذهب‪ .‬وسبب اختلفهم هل كل واحد منهما يجب فيه الزكاة لعينه‬
‫أم لسيبب يعمهميا‪ ،‬وهيو كونهميا كميا يقول الفقهاء رءوس الموال‬
‫وقييم المتلفات؟ فمين رأى أن المعتيبر فيي كيل واحيد منهميا هيو‬
‫عينييه ولذلك اختلف النصيياب فيهمييا قال‪ :‬همييا جنسييان ل يضييم‬
‫أحدهما إلى الثاني كالحال في البقر والغنم؛ ومن رأى أن المعتبر‬
‫فيهميا هيو ذلك المير الجاميع الذي قلناه أوجيب ضيم بعضهميا إلى‬
‫بعيييض‪ ،‬ويشبيييه أن يكون الظهييير اختلف الحكام حييييث تختلف‬
‫السماء وتختلف الموجودات أنفسها‪ ،‬وإن كان قد يوهم اتحادهما‬
‫اتفاق المنافيع‪ ،‬وهيو الذي اعتميد مالك رحميه الله فيي هذا الباب‬
‫وفيي باب الربيا‪ ،‬والذيين أجازوا ضمهميا اختلفوا فيي صيفة الضيم‪.‬‬
‫فرأى مالك ضمهما بصرف محدود‪ ،‬وذلك بأن ينزل الدينار بعشرة‬
‫دراهيم على ميا كانيت علييه قديميا‪ ،‬فمين كانيت عنده عشرة دنانيير‬
‫ومائة درهيم وجبيت علييه فيهميا الزكاة عنده‪ ،‬وجاز أن يخرج مين‬
‫الواحد عن الخر‪ .‬وقال من هؤلء آخرون‪ :‬تضم بالقيمة في وقت‬
‫الزكاة‪ ،‬فمين كانيت عنده مثل مائة درهيم وتسيعة مثاقييل قيمتهيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مائة درهم وجبت عليه فيهما الزكاة‪ ،‬ومن كانت عنده مائة درهم‬
‫تسياوي أحيد عشير مثقال وتسيعة مثاقييل وجبيت علييه أيضيا فيهميا‬
‫الزكاة‪ ،‬وممين قال بهذا القول أبيو حنيفية‪ ،‬وبمثيل هذا القول قال‬
‫الثوري إل أنيه يراعيي الحوط للمسياكين فيي الضيم‪ :‬أعنيي القيمية‬
‫أو الصيرف المحدود‪ :‬ومنهيم مين قال‪ :‬يضيم القيل منهيا إلى الكثير‬
‫ول يضم الكثر إلى القل؛ وقال آخرون‪ :‬تضم الدنانير بقيمتها أبدا‬
‫كانيت الدنانيير أقيل مين الدراهيم أو أكثير‪ ،‬ول تضيم الدراهيم إلى‬
‫الدنانييير لن الدراهييم أصييل والدنانييير فرع‪ ،‬إذ كان لم يثبييت فييي‬
‫الدنانير حديث ول إجماع حتى تبلغ أربعين‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إذا كان‬
‫عنده نصياب مين أحدهميا ضيم إلييه قلييل الخير وكثيره‪ ،‬ولم يير‬
‫الضيم فيي تكمييل النصياب إذا لم يكين فيي واحيد منهميا نصياب بيل‬
‫فيي مجموعهميا‪ .‬وسيبب هذا الرتباك ميا راموه مين أن يجعلوا مين‬
‫شيئين نصابهما مختلف في الوزن نصابا واحدا‪ ،‬وهذا كله ل معنى‬
‫له‪ ،‬ولعيل مين رام ضيم أحدهميا إلى الخير فقيد أحدث حكميا فيي‬
‫الشرع حييث ل حكيم‪ ،‬لنيه قيد قال بنصياب لييس هيو بنصياب ذهيب‬
‫ول فضة‪ ،‬ويستحيل في عادة التكليف والمر بالبيان أن يكون في‬
‫أمثال هذه الشياء المحتملة حكيييم مخصيييوص‪ ،‬فيسيييكت عنيييه‬
‫الشارع حتيى يكون سيكوته سيببا لن يعرض فييه مين الختلف ميا‬
‫مقداره هذا المقدار‪ ،‬والشارع إنمييا بعييث صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫لرفع الختلف‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميييا المسيييألة الرابعييية) فإن عنيييد مالك وأبيييي حنيفييية أن‬
‫الشريكيين لييس يجيب على أحدهميا زكاة حتيى يكون لكيل واحيد‬
‫منهما نصاب؛ وعند الشافعي أن المال المشترك حكمه حكم مال‬
‫رجيل واحيد‪ .‬وسبب اختلفهيم الجماع الذي فيي قوله علييه الصلة‬
‫والسلم "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" فإن هذا‬
‫القدر يمكين أن يفهيم منيه إنميا يخصيه هذا الحكيم إذا كان لمالك‬
‫واحد فقط‪ ،‬ويمكن منه أنه يخصه هذا الحكم كان لمالك واحد أو‬
‫أكثر من مالك واحد‪ ،‬إل أنه لما كان مفهوم اشتراط النصاب إنما‬
‫هيو الرفيق فواجيب أن يكون النصياب مين شرطيه أن يكون لمالك‬
‫واحييد‪ ،‬وهييو الظهيير والله أعلم‪ .‬والشافعييي كأنييه شبييه الشركيية‬
‫بالخل طة‪ ،‬ولكن تأثير الخلطة في الزكاة غير متفق عليه على ما‬
‫سيأتي بعد‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الخامسية) وهيي اختلفهيم فيي اعتبار النصياب‬
‫فييي المعدن وقدر الواجييب فيييه‪ ،‬فإن مالكييا والشافعييي راعيييا‬
‫النصيياب فييي المعدن‪ ،‬وإنمييا الخلف بينهمييا أن مالكييا لم يشترط‬
‫الحول واشترطييه الشافعييي على مييا سيينقول بعييد فييي الجملة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الرابعية‪ ،‬وكذلك لم يختلف قولهميا إن الواجيب فيميا يخرج منيه هيو‬


‫ربيع العشير؛ وأميا أبيو حنيفية فلم يير فييه نصيابا ول حول‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫الواجيب هيو الخميس‪ .‬وسيبب الخلف فيي ذلك هيل اسيم الركاز‬
‫يتناول المعدن أم ل يتناوله؟ لنه قال عليه الصلة والسلم "وفي‬
‫الركاز الخمييس" وروى أشهييب عيين مالك أن المعدن الذي يوجييد‬
‫بغيير عميل أنيه ركاز وفييه الخميس‪ .‬فسيبب اختلفهيم فيي هذا هيو‬
‫اختلفهيم فيي دللة اللفيظ‪ ،‬وهيو أحيد أسيباب الختلفات العامية‬
‫التي ذكرناها‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في نصاب البل والواجب فيه‪.‬‬
‫@‪-‬وأج مع المسلمون على أن فيي كل خمس من ال بل شاة إلى‬
‫أربع وعشرين‪ ،‬فإذا كانت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى‬
‫خمييس وثلثييين‪ ،‬فإن لم تكيين ابنيية مخاض فابيين لبون ذكيير‪ ،‬فإذا‬
‫كانت ستا وثلثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين‪ ،‬فإذا كانت‬
‫ستا وأربعين ففيها حقة إلى ستين‪ ،‬فإذا كانت واحدا وستين ففيها‬
‫جذعية إلى خميس وسيبعين‪ ،‬فإذا كانيت سيتا وسيبعين ففيهيا ابنتيا‬
‫لبون إلى تسييعين‪ ،‬فإذا كانييت واحدا وتسييعين ففيهييا حقتان إلى‬
‫عشرييين ومائة لثبوت هذا كله فييي كتاب الصييدقة الذي أميير بييه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعمل به بعده أبو بكر وعمر‪.‬‬
‫واختلفوا منهيا فيي مواضيع‪ :‬منهيا فيميا زاد على العشريين والمائة‪،‬‬
‫ومنهيا إذا عدم السين الواجبية عليييه وعنده السين الذي فوقييه أو‬
‫الذي تحته ما حكمه؟ ومنها هل تجب الزكاة في صغار البل وإن‬
‫وجبت فما الواجب؟‪.‬‬
‫@‪(-‬فأمييا المسييألة الولى) وهييي اختلفهييم فيمييا زاد على المائة‬
‫وعشرييين‪ ،‬فإن مالكييا قال‪ :‬إذا زادت على عشرييين ومائة واحدة‪،‬‬
‫فالمصيييدق بالخيار إن شاء أخيييذ ثلث بنات لبون‪ ،‬وإن شاء أخيييذ‬
‫حقتييين إلى أن تبلغ ثلثييين ومائة فيكون فيهييا حقييه وابنتييا لبون‪.‬‬
‫وقال ا بن القاسم من أصحابه‪ :‬بل يأخيذ ثلث بنات لبون من غيير‬
‫خيار إلى أن تبلغ ثمانين ومائة فتكون فيها حقة وابنتا لبون‪ ،‬وبهذا‬
‫القول قال الشافعيي‪ .‬قال عبيد الملك بين الماجشون مين أصيحاب‬
‫مالك‪ :‬بيل يأخيذ السياعي حقتيين فقيط مين غيير خيارإلى أن تبلغ‬
‫مائة وثلثييين‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬أبييو حنيفيية وأصييحابه والثوري‪ :‬إذا‬
‫زادت على عشرييين ومائة عادت الفريضيية على أولهييا‪ ،‬ومعنييى‬
‫عودتها أن يكون عندهم في كل خمس ذود شاة‪ ،‬فإذا كانت البل‬
‫مائة وخمسيية وعشرييين كان فيهييا حقتان وشاة‪ ،‬الحقتان للمائة‬
‫والعشرين‪ ،‬والشاة للخمس‪ ،‬فإذا بلغت ثلثين ومائة ففيها حقتان‬
‫وشاتان‪ ،‬فإذا كانيت خمسيا وثلثيين ففيهيا حقتان وثلث شياه إلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خميييس وأربعيييين ومائة‪ ،‬ففيهيييا حقتان وأربيييع شياه إلى خميييس‬


‫وأربعييين ومائة‪ ،‬فإذا بلغتهييا ففيهييا حقتان وابنيية مخاض‪ ،‬الحقتان‬
‫للمائة والعشرين‪ ،‬وابنة المخاض للخمس وعشرين كما كانت في‬
‫الفرض الول إلى خمسييين ومائة‪ ،‬فإذا بلغتهييا ففيهييا ثلث حقاق‪،‬‬
‫فإذا زادت على الخمسيين ومائة اسيتقبل بهيا الفريضية الولى إلى‬
‫أن تبلغ مائتيين‪ ،‬فيكون فيهيا أربيع حقاق ثيم يسيتقبل بهيا الفريضية‪.‬‬
‫وأميا ميا عدا الكوفييين مين الفقهاء‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أن ميا زاد‬
‫على المائة والثلثييين‪ ،‬ففييي كييل أربعييين بنييت لبون وفييي كييل‬
‫خمسييين حقييه‪ .‬وسييبب اختلفهييم فييي عودة الفرض أو ل عودتييه‬
‫اختلف الثار في هذا الباب‪ ،‬وذلك أنه ثبت في كتاب الصدقة أنه‬
‫قال عليه الصلة والسلم "فما زاد على العشرين ومائة ففي كل‬
‫أربعين بنت لبون‪ ،‬وفي كل خمسين حقة" وروي من طريق أبي‬
‫بكير بين عمرو بين حزم عين أبييه عين جده عين النيبي علييه الصيلة‬
‫والسيلم أنيه كتيب كتاب الصيدقة وفييه "إذا زادت البيل على مائة‬
‫وعشرين استؤنفت الفريضة" فذهب الجمهور إلى ترجيح الحديث‬
‫الول إذ هيو أثبيت‪ ،‬وذهيب الكوفيون إلى ترجييح حدييث عمرو بين‬
‫حزم لنيه ثبيت عندهيم هذا مين قول علي وابين مسيعود‪ ،‬قالوا‪ :‬ول‬
‫يصييييح أن يكون مثييييل هذا إل توقيفييييا إذ كان مثييييل هذا ل يقال‬
‫بالقياس‪ .‬وأميا سيبب اختلف مالك وأصيحابه والشافعيي فيميا زاد‬
‫على المائة وعشريين إلى الثلثيين فلنيه لم يسيتقم لهيم حسياب‬
‫الربعينات ول الخمسيينات‪ ،‬فمين رأى أن ميا بيين المائة وعشريين‬
‫إلى أن يسيتقيم الحسياب وقيص قال‪ :‬لييس فيميا زاد على ظاهير‬
‫الحدييث الثابيت شييء ظاهير حتيى يبلغ مائة وثلثيين وهيو ظاهير‬
‫الحديث‪ .‬وأما الشافعي وابن القاسم فإنما ذهبا إلى أن فيها ثلث‬
‫بنات لبون‪ ،‬لنه قد روي عن ابن شهاب في كتاب الصدقة أنها إذا‬
‫بلغييت إحدى وعشرييين ومائة ففيهييا ثلث بنات لبون‪ ،‬فإذا بلغييت‬
‫ثلثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة‪ .‬فسبب اختلف ابن الماجشون‬
‫وابين القاسيم هيو معارضية ظاهير الثير الثابيت للتفسيير الذي فيي‬
‫هذا الحديييث فإن ابيين الماجشون رجييح ظاهيير الثيير للتفاق على‬
‫ثبوتييه‪ ،‬وابيين القاسييم والشافعييي حمل المجمييل على المفصييل‬
‫المفسر‪ .‬وأما تخيير مالك الساعي‪ ،‬فكأنه جمع بين الثرين والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) وهيو إذا عدم السين الواجيب مين البيل‬
‫الواجبيية وعنده السيين الذي فوق هذا السيين أو تحتييه‪ ،‬فإن مالكييا‬
‫قال‪ :‬يكلف شراء ذلك السيين‪ .‬وقال قوم بييل يعطييي السيين الذي‬
‫عنده وزيادة عشرييين درهمييا إن كان السيين الذي عنده أحييط أو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شاتييين‪ ،‬وإن كان أعلى دفييع إليييه المصييدق عشرييين درهمييا أو‬
‫شاتيين‪ ،‬وهذا ثابيت فيي كتاب الصيدقة فل معنيى للمنازعية فييه‪،‬‬
‫ولعيل مالكيا لم يبلغيه هذا الحدييث‪ ،‬وبهذا الحدييث قال الشافعيي‬
‫وأبيو ثور‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬الواجيب علييه القيمية على أصيله فيي‬
‫إخراج القييم في الزكاة‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل يعطي ال سن الذي عنده‪،‬‬
‫وما بينهما من القيمة‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثالثية) وهيي هيل تجيب فيي صيغار البيل‪ ،‬وإن‬
‫وجبييت فماذا يكلف؟ فإن قومييا قالوا‪ :‬تجييب فيهييا الزكاة‪ ،‬وقوم‬
‫قالوا‪ :‬ل تجب‪ .‬وسبب اختلفهم هل يتناول اسم الجنس الصغار أو‬
‫ل يتناوله‪ .‬والذيين قالوا‪ :‬ل تجيب فيهيا زكاة هيو أبيو حنيفية وجماعية‬
‫من أهل الكوفة‪ ،‬وقد احتجوا بحديث سويد ابن غفلة أنه قال‪ :‬أتانا‬
‫مصدق النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬فأتيته فجلست إليه فسمعته‬
‫يقول‪ :‬إن فييي عهدي أن ل آخييذ ميين راضييع لبيين‪ ،‬ول أجمييع بييين‬
‫مفترق ول نفرق بيين مجتميع‪ ،‬قال‪ :‬وأتاه رجيل بناقية كوماء فأبيى‬
‫أن يأخذها‪ .‬والذين أوجبوا الزكاة فيها منهم من قال‪ :‬يكلف شراء‬
‫السين الواجبية علييه‪ ،‬ومنهيم مين قال‪ :‬يأخيذ منهيا وهيو القييس‪،‬‬
‫وبنحو هذا الختلف اختلفوا في صغار البقر وسخال الغنم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في نصاب البقر وقدر الواجب في ذلك‪.‬‬
‫@‪-‬جمهور العلماء على أن في ثلثين من البقر تبيعا وفي أربعين‬
‫مسينة‪ ،‬وقالت طائفية‪ :‬فيي كيل عشير مين البقير شاة إلى ثلثيين‬
‫ففيها تبيع‪ ،‬وقيل إذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس‬
‫وسيبعين ففيهيا بقرتان إذا جاوزت ذلك‪ ،‬فإذا بلغيت مائة وعشريين‬
‫ففييي كييل أربعييين بقرة‪ ،‬وهذا عيين سييعيد بيين المسيييب‪ .‬واختلف‬
‫فقهاء المصيييار فيميييا بيييين الربعيييين والسيييتين؛ فذهيييب مالك‬
‫والشافعييي وأحمييد والثوري وجماعيية أن ل شيييء فيمييا زاد على‬
‫الربعيين حتيى تبلغ السيتين‪ ،‬فإذا بلغيت سيتين ففيهيا تيبيعان إلى‬
‫سبعين‪ ،‬ففيها مسنة وتبيع إلى ثمانين‪ ،‬ففيها مسنتان إلى تسعين‪،‬‬
‫ففي ها ثلثة أتبعة إلى مائة‪ ،‬ففي ها تبيعان ومسنة‪ ،‬ثم هكذا ما زاد‪،‬‬
‫ففي كل ثلثين تبيع‪ ،‬وفي كل أربعين مسنة‪ .‬وسبب اختلفهم في‬
‫الن صاب أن حد يث معاذ غير متفق على صحته‪ ،‬ولذلك لم يخرجه‬
‫الشيخان‪ .‬وسبب اختلف فقهاء المصار في الوقص في البقر أنه‬
‫جاء فييي حديييث معاذ هذا أنييه توقييف فييي الوقاص وقال‪ :‬حتييى‬
‫أسأل فيها النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلما قدم عليه وجده قد‬
‫توفيي صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬فلميا لم يرد فيي ذلك نيص طلب‬
‫حكميه مين طرييق القياس‪ ،‬فمين قاسيها على البيل والغنيم لم يير‬
‫في الوقاص شيئا‪ ،‬ومن قال إن الصل في الوقاص الزكاة إل ما‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اسيتثناه الدلييل مين ذلك وجيب أن ل يكون عنده فيي البقير وقيص‪،‬‬
‫إذ ل دليل هنالك من إجماع ول غيره‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في نصاب الغنم وقدر الواجب من ذلك‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمعوا ميين هذا الباب على أن فييي سييائمة الغنييم إذا بلغييت‬
‫أربعييين شاة شاة إلى عشرييين ومائة‪ ،‬فإذا زادت على العشرييين‬
‫ومائة ففيهييا شاتان إلى مائتييين‪ ،‬فإذا زادت على المائتييين فثلث‬
‫شياه إلى ثلثمائة‪ ،‬فإذا زادت على الثلثمائة ففييي كييل مائة شاة‪،‬‬
‫وذلك عند الجمهور إل الحسن بن صالح فإنه قال‪ :‬إذا كانت الغنم‬
‫ثلثمائة شاة وشاة واحدة أن فيهيا أربيع شياه‪ ،‬وإذا كانيت أربعمائة‬
‫شاة وشاة ففيهيا خميس شياه‪ ،‬وروى قوله هذا عين منصيور عين‬
‫إبراهييم‪ ،‬والثار الثابتية المرفوعية فيي كتاب الصيدقة على ميا قال‬
‫الجمهور‪ .‬واتفقوا على أن المعز تضم مع الغنيم‪ ،‬واختلفوا من أي‬
‫صنف منها يأخذ المصدق‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يأخذ من الكثر عددا‪ ،‬فإن‬
‫اسييتوت خييير السيياعي‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬بييل السيياعي يخييير إذا‬
‫اختلفيت الصيناف‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬يأخيذ الوسيط مين الصيناف‬
‫المختلفية لقول عمير رضيي الله عنيه‪ :‬نعيد عليهيم السيخلة يحملهيا‬
‫الراعييي ول نأخذهييا ول نأخييذ الكولة ول الربييى ول الماخييض ول‬
‫فحيل الغنييم‪ ،‬ونأخيذ الجذعية والثنيية‪ ،‬وذلك عدل بيين خيار المال‬
‫ووسطه‪ .‬وكذلك اتفق جماعة فقهاء المصار على أنه ل يؤخذ في‬
‫الصيييدقة تييييس ول هرمييية ول ذات عور لثبوت ذلك فيييي كتاب‬
‫الصيدقة‪ ،‬إل أنيه يرى المصيدق أن ذلك خيير للمسياكين‪ .‬واختلفوا‬
‫فيي العمياء وذات العلة هيل تعيد على صياحب المال أم ل؟ فرأى‬
‫مالك والشافعي أن تعد‪ ،‬وروي عن أبي حنيفة أنها ل تعد‪ .‬وسبب‬
‫اختلفهيييم هيييل مطلق السيييم يتناول الصيييحاء والمرضيييى أم ل‬
‫يتناولهما؟‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في نسل المهات هل تعد مع‬
‫المهات فيكميل النصياب بهيا إذا لم تبلغ نصيابا؟ فقال مالك يعتيد‬
‫بهيا‪ ،‬وقال الشافعيي وأبيو حنيفية وأبيو ثور‪ :‬ل يعتيد بالسيخال إل أن‬
‫تكون المهات نصيابا‪ .‬وسيبب اختلفهيم احتمال قول عمير رضيي‬
‫الله عنه إذ أمر أن تعتد عليهم بالسخال ول يؤخذ منها شيء‪ ،‬فإن‬
‫قومييا فهموا ميين هذا إذا كانييت المهات نصييابا‪ ،‬وقوم فهموا هذا‬
‫مطلقا‪ ،‬وأحسب أن أهل الظاهر ل يوجبون في السخال شيئا‪ ،‬ول‬
‫يعدون بها لو كانت المهات نصابا ولو لم تكن لن اسم الجنس ل‬
‫ينطلق عليها عندهم‪ ،‬وأكثر الفقهاء على أن للخلطة تأثير في قدر‬
‫الواجيب مين الزكاة‪ .‬واختلف القائلون بذلك هيل لهيا تأثيير فيي قدر‬
‫النصاب أم ل؟‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأمييا أبييو حنيفيية وأصييحابه فلم يروا للخلطيية تأثيرا‪ ،‬ل فييي قدر‬
‫الواجيب ول فيي قدر النصياب‪ ،‬وتفسيير ذلك أن مالكيا والشافعيي‬
‫وأكثير فقهاء المصيار اتفقوا على أن الخلطاء يزكون زكاة المالك‬
‫الواحييد‪ .‬واختلفوا ميين ذلك فييي موضعييين‪ :‬أحدهمييا فييي نصيياب‬
‫الخلطاء هيل يعيد نصياب مالك واحيد سيواء كان لكيل واحيد منهيم‬
‫نصاب أو لم يكن؟ أم إنما يزكون زكاة الرجل الواحد إذا كان لكل‬
‫واحد منهم نصاب؟‪ .‬والثاني في صفة الخلطة التي لها تأثير في‬
‫ذلك‪ .‬وأميا اختلفهيم أول فيي هيل للخلطية تأثيير فيي النصياب وفيي‬
‫الواجب أو ليس لها تأثير؟‪ .‬فسبب اختلفهم اختلفهم في مفهوم‬
‫ما ثبت في كتاب الصدقة من قوله عليه الصلة والسلم "ل يجمع‬
‫بيين مفترق ول يفرق بيين مجتميع خشيية الصيدقة" وميا كان مين‬
‫خليطيين فإنهميا يتراجعان بالسيوية‪ ،‬فإن كيل واحيد مين الفريقيين‬
‫أنزل مفهوم هذا الحدييييييث على اعتقاده‪ ،‬وذلك أن الذيييييين رأوا‬
‫للخلطة تأثير ما في النصاب والقدر الواجب أو في القدر الواجب‬
‫فقط قالوا‪ :‬إن قوله عليه الصلة والسلم "وما كان من خليطين‬
‫فإنهميا يتراجعان بالسيوية" وقوله "ل يجميع بيين مفترق ول يفرق‬
‫بييين مجتمييع" يدل دللة واضحيية على أن ملك الخليطييين كملك‬
‫رجيل واحيد‪ ،‬فإن هذا الثير مخصيص لقوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"ليس فيما دون خمس ذود من البل صدقة" إما في الزكاة عند‬
‫مالك وأصحابه‪ :‬أعني في قدر الواجب‪ ،‬وإما في الزكاة والنصاب‬
‫معا عند الشافعي وأصحابه‪ .‬وأما الذين لم يقولوا بالخلطة فقالوا‪:‬‬
‫إن الشريكين قد يقال لهما خليطان‪ ،‬ويحتمل أن يكون قوله عليه‬
‫الصيلة والسيلم "ل يجميع بيين مفترق ول يفرق بيين مجتميع" إنميا‬
‫هو نهي للسعاة أن يقسم ملك الرجل الواحد قسمة توجب عليه‬
‫كثرة الصييدقة‪ ،‬مثييل رجييل يكون له مائة وعشرون شاة فيقسييم‬
‫علييه إلى أربعيين ثلث مرات‪ ،‬أو يجميع ملك رجيل واحيد إلى ملك‬
‫رجيل آخير حييث يوجيب الجميع كثرة الصيدقة قالوا‪ :‬وإذا كان هذا‬
‫الحتمال فيي هذا الحدييث وجيب أن ل تخصيص بيه الصيول الثابتية‬
‫المجميع عليهيا أعنيي أن النصياب والحيق الواجيب فيي الزكاة يعتيبر‬
‫بملك الرجل الواحد‪.‬‬
‫وأ ما الذين قالوا بالخل طة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن لفظ الخلطة هو أظهر في‬
‫الخلطة نفسها منه في الشركة‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فقوله عليه‬
‫الصلة والسلم فيهما "إنهما يتراجعان بالسوية" مما يدل على أن‬
‫الحيق الواجيب عليهميا حكميه حكيم رجيل واحيد‪ ،‬وأن قوله علييه‬
‫الصلة والسلم "إنهما يتراجعان بالسوية" يدل على أن الخليطين‬
‫ليسييا بشريكييين‪ ،‬لن الشريكييين ليييس يتصييور بينهمييا تراجييع إذ‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المأخوذ هو من مال الشركة‪ ،‬فمن اقتصر على هذا المفهوم ولم‬


‫يقييس عليييه النصيياب قال‪ :‬الخليطان إنمييا يزكيان زكاة الرجييل‬
‫الواحد إذا كان لكل واحد منه ما نصاب‪ ،‬ومن جعل حكم الن صاب‬
‫تابعا لحكم الحق الواجب قال‪ :‬نصابهما نصاب الرجل الواحد‪ ،‬كما‬
‫أن زكاتهميا زكاة الرجيل الواحيد‪ ،‬وكيل واحيد مين هؤلء أنزل قوله‬
‫عليه الصلة والسلم "ل يجمع بين مفترق ول يفرق بين مجتمع"‬
‫على ما ذهب إليه‪.‬‬
‫فأميا مالك رحميه الله تعالى فإنيه قال‪ :‬معنيى قوله "ل يفرق بيين‬
‫مجتمييع" أن الخليطييين يكون لكييل واحييد منهمييا مائة شاة وشاة‪،‬‬
‫فتكون عليهما فيهما ثلثة شياه‪ ،‬فإذا افترقا كان على واحد منهما‬
‫شاة‪ ،‬ومعنييى قوله "ل يجمييع بييين مفترق" أن يكون النفيير الثلث‬
‫لكييل واحييد منهييم أربعون شاة‪ ،‬فإذا جمعوهييا كان عليهييم شاة‬
‫واحدة‪ ،‬فعلى مذهبه النهي إنما هو متجه نحو الخلطاء الذين لكل‬
‫واحد منهم نصاب‪ .‬وأما الشافعي فقال معنى قوله "ول يفرق بين‬
‫مجتميع" أن يكون رجلن لهميا أربعون شاة‪ ،‬فإذا فرقيا غنمهميا لم‬
‫يجيب عليهميا فيهيا زكاة‪ ،‬إذ كان نصياب الخلطاء عنده نصياب ملك‬
‫واحيد فيي الحكيم‪ .‬وأميا القائلون بالخلطية فإنهيم اختلفوا فيميا هيي‬
‫الخلطيية المؤثرة بالزكاة‪ .‬فأمييا الشافعييي فقال‪ :‬إن ميين شرط‬
‫الخلطية أن تختلط ماشيتهميا وتراحيا لواحيد وتحلبيا لواحيد وتسيرحا‬
‫لواحييد وتسييقيا معييا‪ ،‬وتكون فحولهمييا مختلطيية ول فرق عنده‬
‫بالجملة والشركيية ولذلك يعتييبر كمال النصيياب لكييل واحييد ميين‬
‫الشريكيين كميا تقدم‪ .‬وأميا مالك فالخليطان عنده ميا اشتركيا فيي‬
‫الدلو والحوض والمراح والراعييي والفحييل‪ ،‬واختلف أصييحابه فييي‬
‫مراعاة بعيض هذه الوصياف أو جميعهيا‪ .‬وسيبب اختلفهيم اشتراك‬
‫اسيم الخلطية‪ ،‬ولذلك لم يير قوم تأثيير الخلطية فيي الزكاة‪ ،‬وهيو‬
‫مذهب أبي محمد بن حزم الندلسي‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصيل الخاميس‪ .‬فيي نصياب الحبوب والثمار والقدر الواجيب‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمعوا على أن الواجيب فيي الحبوب‪ ،‬أميا ميا سيقي بالسيماء‬
‫فالعشير‪ ،‬وأميا ميا سيقي بالنضيح فنصيف العشير لثبوت ذلك عنيه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬وأما النصاب فإنهم اختلفوا في وجوبه في‬
‫هذا الجنيس مين مال الزكاة‪ ،‬فصيار الجمهور إلى إيجاب النصياب‬
‫فييه وهيو خمسية أوسيق‪ ،‬والوسيق سيتون صياعا بإجماع‪ ،‬والصياع‬
‫أربعية أمداد بميد النيبي علييه الصيلة والسيلم‪ ،‬والجمهور على أن‬
‫مده رطيل وثلث وزيادة يسييرة بالبغدادي‪ ،‬وإلييه رجيع أبيو يوسيف‬
‫حيين ناظره مالك على مذهيب أهيل العراق لشهادة أهيل المدينية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بذلك‪ ،‬وكان أبو حنيفة يقول في المد إنه رطلن‪ ،‬وفي الصاع إنه‬
‫ثمانيية أرطال‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬لييس فيي الحبوب والثمار نصياب‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم معارضية العموم للخصيوص‪ .‬أميا العموم فقوله‬
‫علييه الصيلة والسيلم "فيميا سيقت السيماء العشير‪ ،‬وفيميا سيقي‬
‫بالنضح نصف العشر" وأما الخصوص فقوله عليه الصلة والسلم‬
‫"لييس فيميا دون خمسية أوسيق صيدقة" والحديثان ثابتان‪ ،‬فمين‬
‫رأى الخصييوص يبنييى على العموم قال ل بييد ميين النصيياب وهييو‬
‫المشهور‪ ،‬وميين رأى أن العموم والخصييوص متعارضان إذا جهييل‬
‫المتقدم فيهمييا والمتأخيير إذ كان قييد ينسييخ الخصييوص بالعموم‬
‫عنده‪ ،‬وينسيخ العموم بالخصيوص‪ ،‬إذ كيل ميا وجيب العميل بيه جاز‬
‫نسييخه‪ ،‬والنسييخ قييد يكون للبعييض وقييد يكون للكييل‪ ،‬وميين رجييح‬
‫العموم قال ل نصياب‪ ،‬ولكين حميل الجمهور عندي الخصيوص على‬
‫العموم هييو ميين باب ترجيييح الخصييوص على العموم فييي الجزء‬
‫الذي تعارضيا فييه فإن العموم فييه ظاهير والخصيوص فييه نيص‪،‬‬
‫فتأمييل هذا فإنييه السييبب الذي صييير الجمهور إلى أن يقولوا بنييى‬
‫العام على الخاص وعلى الحقيقة ليس بنيانا‪ ،‬فإن التعارض بينهما‬
‫موجود إل أن يمكيين الخصييوص متصييل بالعموم فيكون اسييتثناء‪،‬‬
‫واحتجاج أبييي حنيفيية فييي النصيياب بهذا العموم فيييه ضعييف‪ ،‬فإن‬
‫الحدييث إنميا خرج مخرج تيبين القدر الواجيب منيه‪ .‬واختلفوا مين‬
‫هذا الباب فيي النصياب فيي ثلث مسيائل‪ :‬المسيألة الولى‪ :‬فيي‬
‫ضيم الحبوب بعضهميا إلى بعيض فيي النصياب‪ .‬الثانيية‪ :‬فيي جواز‬
‫تقديير النصياب فيي العنيب والتمير بالخرص‪ .‬الثالثية‪ :‬هيل يحسيب‬
‫على الرجيل ميا يأكله مين ثمره وزرعيه قبيل الحصياد والجذاذ فيي‬
‫النصاب أم ل؟‪.‬‬
‫@‪(-‬أميا المسيألة الولى) فإنهيم أجمعوا على أن الصينف الواحيد‬
‫ميين الحبوب والثميير يجمييع جيده إلى رديئه وتؤخييذ الزكاة عيين‬
‫جميعه بحسب قدر كل واحد منهما‪ :‬أعني من الجيد والردئ‪ ،‬فإن‬
‫كان الثمير أصينافا أخيذ مين وسيطه‪ .‬واختلفوا فيي ضيم القطانيي‬
‫بعضهييا إلى بعييض‪ ،‬وفييي ضييم الحنطيية والشعييير والسييلت فقال‬
‫مالك‪ :‬القطينية كلهيا صينف واحيد الحنطية والشعيير والسيلت أيضيا‪.‬‬
‫وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجماعة‪ :‬القطاني كلها أصناف‬
‫كثيرة بحسب أسمائها‪ ،‬ول يضم منها شيء إلى غيره في حساب‬
‫النصاب‪ ،‬وكذلك الشعير والسلت والحنطة عندهم أصناف ثلثة ل‬
‫يضيم واحيد منهيا إلى الخير لتكمييل النصياب‪ .‬وسيبب الخلف هيل‬
‫المراعاة فيي الصينف الواحيد هيو اتفاق المنافيع أو اتفاق السيماء؟‬
‫فمن قال اتفاق السماء قال‪ :‬كلما اختلفت أسماؤها فهي أصناف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كثيرة‪ ،‬ومين قال اتفاق المنافيع قال‪ :‬كلميا اتفقيت منافعهيا فهيي‬
‫صينف واحيد وإن اختلفيت أسيماؤها‪ ،‬فكيل واحيد منهميا يروم أن‬
‫يقرر قاعدتييه باسييتقراء الشرع‪ ،‬أعنييي أن أحدهمييا يحتييج لمذهبييه‬
‫بالشياء التييي اعتيبر فيهييا الشرع السييماء‪ ،‬والخير بالشياء التييي‬
‫اعتيييبر الشرع فيهيييا المنافيييع‪ ،‬ويشبيييه أن يكون شهادة الشرع‬
‫للسيييماء فيييي الزكاة أكثييير ميين شهادتيييه للمنافيييع وإن كان كل‬
‫العتبارين موجودا في الشرع‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) وهيي تقديير النصياب بالخرص واعتباره‬
‫به دون الكيل فإن جمهور العلماء على إجازة الخرص في النخيل‬
‫والعناب حييين يبدو صييلحها لضرورة أن يخلى بينهييا وبييين أهلهييا‬
‫يأكلونها رطبا‪ ،‬وقال داود‪ :‬ل خرص إل في النخيل فقط‪ .‬وقال أبو‬
‫حنيفية وصياحباه‪ :‬الخرص باطيل وعلى رب المال أن يؤدي عشير‬
‫مييا تحصييل بيده زاد على الخرص أو نقييص منييه‪ .‬والسييبب فييي‬
‫اختلفهم في جواز الخرص معارضة الصول للثر الوارد في ذلك‪.‬‬
‫أما الثر الوارد في ذلك وهو الذي تمسك به الجمهور فهو ما روي‬
‫"أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم كان يرسيل عبيد الله بين‬
‫رواحيية إلى خيييبر فيخرص عليهييم النخييل"‪ .‬وأمييا الصييول التييي‬
‫تعارضيه فلنيه مين باب المزابنية المنهيي عنهيا‪ ،‬وهيو بييع الثمير فيي‬
‫رءوس النخيل بالثمير كيل‪ ،‬ولنيه أيضيا مين باب بييع الرطيب بالتمير‬
‫نسيئة فيدخله المنع من التفاضل ومن النسيئة وكلهما من أصول‬
‫الربييا‪ ،‬فلمييا رأى الكوفيون هذا مييع أن الخرص الذي كان يخرص‬
‫على أهييل خيييبر لم يكيين للزكاة إذ كانوا ليسييوا بأهييل زكاة قالوا‪:‬‬
‫يحتميل أن يكون تخمينيا ليعلم ميا بأيدي كيل قوم مين الثمار‪ .‬قال‬
‫القاضي‪ :‬أما بحسب خبر مالك‪ ،‬فالظاهر أنه كان في القسمة لما‬
‫روي أن عبييد الله بيين رواحيية كان إذا فرغ ميين الخرص قال‪ :‬إن‬
‫شئتم فلكم وإن شئتم فلي‪ ،‬أعني في قسمة الثمار ل في قسمة‬
‫الحييب‪ .‬وأمييا بحسييب حديييث عائشيية الذي رواه أبييو داود فإنمييا‬
‫الخرص لموضيع النصييب الواجيب عليهيم فيي ذلك‪ ،‬والحدييث هيو‬
‫أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر "كان النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يبعيث عبيد الله بين رواحية إلى يهود خييبر فيخرص عليهيم النخيل‬
‫حيييين يطييييب قبيييل أن يؤكيييل منيييه" وخرص الثمار لم يخرجيييه‬
‫الشيخان‪ ،‬وكيفما كان فالخرص مستثنى من تلك الصول‪ ،‬هذا إن‬
‫ثبت أنه كان منه عليه الصلة والسلم حكما منه على المسلمين‪،‬‬
‫فإن الحكيم لو ثبيت على أهيل الذمية لييس يجيب أن يكون حكميا‬
‫على المسيلمين إل بدلييل والله أعلم‪ .‬ولو صيح حدييث عتاب بين‬
‫أسييد لكان جواز الخرص بينيا والله أعلم‪ ،‬وحدييث عتاب بين أسييد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هو أنه قال "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرص‬
‫العنب وآخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا" وحديث عتاب‬
‫بن أسيد طعن فيه‪ ،‬لن راويه عنه هو سعيد بن المسيب وهو لم‬
‫يسمع منه‪ ،‬ولذلك لم يجز داود خرص العنب‪ .‬واختلف من أوجب‬
‫الزكاة فييي الزيتون فييي جواز خرصييه‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم‬
‫اختلفهيم فيي قياسيه فيي ذلك على النخيل والعنيب؛ والمخرج عنيد‬
‫الجميع من النخل في الزكاة هو التمر ل الرطب‪ ،‬وكذلك الزبيب‬
‫مين العنيب ل العنيب نفسيه‪ ،‬وكذلك عنيد القائليين بوجوب الزكاة‬
‫فيي الزيتون هيو الزييت ل الحيب قياسيا على التمير والزبييب‪ .‬وقال‬
‫مالك فيي العنيب الذي ل يتزبيب والزيتون الذي ل ينعصير أرى أن‬
‫يؤخذ منه حبا‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثالثة) فإن مالكا وأبو حنيفة قال‪ :‬يحسب على‬
‫الرجيل ميا أكيل مين ثمره وزرعيه قبيل الحصياد فيي النصياب‪ ،‬وقال‬
‫الشافعي‪ :‬ل يحسب عليه ويترك الخارص لرب المال ما يأكل هو‬
‫وأهله‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم مييا يعارض الثار فييي ذلك ميين‬
‫الكتاب والقياس‪ .‬أما السنة في ذلك فما رواه سهل بن أبي حثمة‬
‫"أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا حثمة خارصا‪ ،‬فجاء رجل‬
‫فقال‪ :‬ييا رسيول الله إن أبيا حثمية قيد زاد علي‪ ،‬فقال رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬إن ابن عمك يزعم أنك زدت عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا رسول الله لقد تركت له قدر عرية أهله وما يطعمه المساكين‬
‫وما تسقطه الريح‪ ،‬فقال‪ :‬قد زادك ابن عمك وأنصفك" وروي أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا خرصتم فدعوا الثلث‪،‬‬
‫فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربيع" وروي عين جابر أن رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم قال "خففوا فييي الخرص فإن فييي المال‬
‫العرية والكلة والوصية والعامل والنوائب وما وجب في الثمر من‬
‫الحيييق" وأميييا الكتاب المعارض لهذه الثار والقياس فقوله تعالى‬
‫{كلوا مين ثمره إذا أثمير وآتوا حقيه يوم حصياده} ‪ .‬وأميا القياس‬
‫فلنييه مال فوجبييت فيييه الزكاة أصييله سييائر الموال‪ .‬فهذه هييي‬
‫المسائل المشهورة التي تتعلق بقدر الواجب في الزكاة والواجب‬
‫منيه فيي هذه الجناس الثلثية التيي الزكاة مخرجية مين أعيانهيا‪ ،‬لم‬
‫يختلفوا أنهيا إذا خرجيت مين العيان أنفسيها أنهيا مجزئة‪ ،‬واختلفوا‬
‫هل يجوز فيها أن يخرج بدل العين القيمة أو ل يجوز؟ فقال مالك‬
‫والشافعييي‪ :‬ل يجوز إخراج القيييم فييي الزكوات بدل المنصييوص‬
‫علييييه فيييي الزكوات‪ ،‬وقال أبيييو حنيفييية‪ :‬يجوز سيييواء قدر على‬
‫المنصوص عليه أو لم يقدر‪ .‬وسبب اختلفهم هل الزكاة عبادة أو‬
‫حيق واجيب للمسياكين‪ ،‬فمين قال إنهيا عبادة‪ :‬قال إن أخرج مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫غييير تلك العيان لم يجييز لنييه إذا أتييى بالعبادة على غييير الجهيية‬
‫المأمور بهيا فهيي فاسيدة‪ ،‬ومين قال هيي حيق للمسياكين فل فرق‬
‫بيين القيمية والعيين عنده‪ ،‬وقيد قالت الشافعيية‪ :‬لنيا أن نقول وإن‬
‫سييلمنا أنهييا حييق للمسيياكين أن الشارع إنمييا علق الحييق بالعييين‬
‫قصيييدا منيييه لتشرييييك الفقراء ميييع الغنياء فيييي أعيان الموال‪:‬‬
‫والحنفييية تقول‪ :‬إنمييا خصييت بالذكيير أعيان الموال تسييهيل على‬
‫أرباب الموال‪ ،‬لن كل ذي مال إنما يسهل عليه الخراج من نوع‬
‫المال الذي بيين يدييه‪ ،‬ولذلك جاء فيي بعيض الثير أنيه جعيل فيي‬
‫الدية على أهل الحلل حلل على ما سيأتي في كتاب الحدود‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس في نصاب العروض‪.‬‬
‫@‪-‬والنصاب في العروض على مذهب القائلين بذلك إنما هو فيما‬
‫اتخيذ منهيا للبييع خاصية على ميا يقدر قبيل‪ ،‬والنصياب فيهيا على‬
‫مذهبهيم هيو النصياب فيي العيين إذ كانيت هذه هيي قييم المتلفات‬
‫ورءوس الموال‪ ،‬وكذلك الحول فييي العروض عنييد الذييين أوجبوا‬
‫الزكاة فيي العروض‪ ،‬فإن مالكيا قال‪ ،‬إذا باع العروض زكاة لسينة‬
‫واحدة كالحال فيي الديين‪ ،‬وذلك عنده فيي التاجير الذي تضبيط له‬
‫أوقات شراء عروضيه‪ .‬وأميا الذيين ل ينضبيط لهيم وقيت ميا ييبيعونه‬
‫ول يشترونيه وهيم الذيين يخصيون باسيم المديير‪ ،‬فحكيم هؤلء عنيد‬
‫مالك إذا حال عليهيم الحول مين يوم ابتداء تجارتهيم إلى أن يقوم‬
‫ميا بيده مين العروض‪ ،‬ثيم يضيم إلى ذلك ميا بيده مين العيين وماله‬
‫مين الديين الذي يرتجيى قبضيه إن لم يكين علييه ديين مثله‪ :‬وذلك‬
‫بخلف قوله في دين غير المدير‪ ،‬فإذا بلغ ما اجتمع عنده من ذلك‬
‫نصابا أدى زكاته‪ ،‬وسواء نض له في عامه شيء من العين أو لم‬
‫ينيض بلغ نصيابا أو لم يبلغ نصيابا‪ ،‬وهذه روايية ابين الماجشون عين‬
‫مالك‪ .‬وروى ابيين القاسييم عنييه‪ :‬إذا لم يكيين له ناض وكان يتجيير‬
‫بالعروض لم يكن عليه في العروض شيء‪ .‬فمنهم من لم يشترط‬
‫وجود الناض عنده‪ ،‬ومنهيم مين شرطيه‪ .‬والذي شرطيه‪ ،‬منهيم مين‬
‫اعتبر فيه النصاب‪ ،‬ومنهم من لم يعتبر ذلك‪ .‬وقال المازني‪ :‬زكاة‬
‫العروض تكون من أعيانها ل من أثمانها‪ .‬وقال الجمهور‪ ،‬الشافعي‬
‫وأبييو حنيفيية وأحمييد والثوري والوزاعييي وغيرهييم‪ :‬المدييير وغييير‬
‫المديير حكميه واحيد‪ ،‬وأنيه مين اشترى عرضيا للتجارة فحال علييه‬
‫الحول قوميه وزكاه‪ .‬وقال قوم‪ :‬بيل يزكيي ثمنيه الذي ابتاعيه بيه ل‬
‫قيمته‪ ،‬وإنما لم يوجب الجمهور على المد ير شيئا لن الحول إنما‬
‫يشترط فيي عيين المال ل فيي نوعيه‪ .‬وأميا مالك فشبيه النوع ههنيا‬
‫بالعيين لئل تسيقط الزكاة رأسيا على المديير‪ ،‬وهذا هيو بأن يكون‬
‫شرعيا زائدا أشبيه منيه بأن يكون شرعيا مسيتنبطا مين شرع ثابيت‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ومثل هذا هو الذي يعرفونه بالقياس المرسل‪ ،‬وهو الذي ل يستند‬


‫إلى أصيل منصيوص علييه فيي الشرع إل ميا يعقيل مين المصيلحة‬
‫الشرعية فيه‪ ،‬ومالك رحمه الله يعتبر المصالح وإن لم يستند إلى‬
‫أصول منصوص عليها‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الرابعيية فييي وقييت الزكاة) وأمييا وقييت الزكاة فإن‬
‫جمهور الفقهاء يشترطون فيي وجوب الزكاة فيي الذهيب والفضية‬
‫والماشيية الحول‪ ،‬لثبوت ذلك عين الخلفاء الربعية‪ ،‬ولنتشاره فيي‬
‫الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬ولنتشار العمل به‪ ،‬ولعتقادهم أن مثل‬
‫هذا النتشار مين غيير خلف ل يجوز أن يكون إل عين توقييف‪ .‬وقيد‬
‫روي مرفوعا من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنيه قال "ل زكاة فيي مال حتيى يحول علييه الحول" وهذا مجميع‬
‫عليه عند فقهاء المصار‪ ،‬وليس فيه في الصدر الول خلف إل ما‬
‫روي عيين ابيين عباس ومعاوييية‪ .‬وسييبب الختلف أنييه لم يرد فييي‬
‫ذلك حديييث ثابييت‪ .‬واختلفوا ميين هذا الباب فييي مسييائل ثمانييية‬
‫مشهورة‪ :‬إحداهييا‪ :‬هييل يشترط الحول فييي المعدن إذا قلنييا إن‬
‫الواجيب فييه ربيع العشير؟‪ .‬الثانيية‪ :‬فيي اعتبار حولي ربيح المال‪.‬‬
‫الثالثية‪ :‬حول الفوائد الواردة على مال تجيب فييه الزكاة‪ .‬الرابعية‪:‬‬
‫فييي اعتبار حول الدييين إذا قلنييا إن فيييه الزكاة‪ .‬الخامسيية‪ :‬فييي‬
‫اعتبار حول العروض إذا قلنيا إن فيهيا الزكاة‪ .‬السيادسة‪ :‬فيي حول‬
‫فائدة الماشيية‪ .‬السيابعة‪ :‬فيي حول نسيل الغنيم إذا قلنيا إنهيا تضيم‬
‫إلى المهات‪ ،‬إمييا على رأي ميين يشترط أن تكون المهات نصييابا‬
‫وهيو الشافعيي وأبيو حنيفية‪ ،‬وإميا على مذهيب مين ل يشترط ذلك‪،‬‬
‫وهو مذهب مالك‪ .‬والثامنة‪ :‬في جواز إخراج الزكاة قبل الحول‪.‬‬
‫@‪(-‬أميا المسيألة الولى) وهيي المعدن‪ ،‬فإن الشافعيي راعيى فييه‬
‫الحول ميع النصياب وأميا مالك فراعيى فييه النصياب دون الحول‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم تردد شبهية بيين ميا تخرجيه الرض مميا تجيب فييه‬
‫الزكاة وبييين التييبر والفضيية المقتنيييين‪ ،‬فميين شبهييه بمييا تخرجييه‬
‫الرض لم يعتيبر الحول فييه‪ ،‬ومين شبهيه بالتيبر والفضية المقتنييين‬
‫أوجب الحول‪ ،‬وتشبيهه بالتبر والفضة أبين والله أعلم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) وأميا اعتبار حول ربيح المال فإنهيم اختلفوا‬
‫فيييه على ثلثيية أقوال‪ :‬فرأى الشافعييي أن حوله يعتييبر ميين يوم‬
‫اسيتفيد سيواء كان الصيل نصيابا أو لم يكين‪ ،‬وهيو مروي عين عمير‬
‫بين عبيد العزييز أنيه كتيب أن ل يعرض لرباح التجارة حتيى يحول‬
‫عليهييا الحول‪ .‬وقال مالك‪ :‬حول الربييح هييو حول الصييل‪ :‬أي إذا‬
‫كميل للصيول حول زكيى الربيح معيه‪ ،‬سيواء كان الصيل نصيابا أو‬
‫أقل من نصاب إذا بلغ الصيل مع ربحه نصابا‪ ،‬قال أبو عبييد‪ :‬ولم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يتابعه عليه أحد من الفقهاء إل أصحابه‪ .‬وفرق قوم بين أن يكون‬


‫رأس المال الحائل عليييه الحول نصييابا أو ل يكون فقالوا‪ :‬إن كان‬
‫نصابا زكى الربح مع رأس ماله‪ ،‬وإن لم يك نصابا لم يزك وممن‬
‫قال بهذا القول الوزاعيي وأبيو ثور وأبيو حنيفية‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫تردد الربييح بييين أن يكون حكمييه حكييم المال المسييتفاد أو حكييم‬
‫الصييل‪ ،‬فميين شبهييه بالمال المسييتفاد ابتداء قال‪ :‬يسييتقبل بييه‬
‫الحول‪ ،‬وميين شبهييه بالصييل وهييو رأس المال قال‪ :‬حكمييه حكييم‬
‫رأس المال‪ ،‬إل أن مين شروط هذا التشيبيه أن يكون رأس المال‬
‫قييد وجبييت فيييه الزكاة‪ ،‬وذلك ل يكون إل إذا كان نصييابا‪ ،‬ولذلك‬
‫يضعييف قياس الربييح على الصييل فييي مذهييب مالك‪ ،‬ويشبييه أن‬
‫يكون الذي اعتمده مالك رضيي الله عنيه فيي ذلك هيو تشيبيه ربيح‬
‫المال بنسيل الغنيم‪ ،‬لكين نسيل الغنيم مختلف أيضيا فييه‪ ،‬وقيد روي‬
‫عن مالك مثل قول الجمهور‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثالثية) وهيي حول الفوائد‪ ،‬فإنهيم أجمعوا على‬
‫أن المال إذا كان أقل من نصاب واستفيد إليه مال من غير ربحه‬
‫يكمل من مجموعهما نصاب أنه يستقل به الحول من يوم كمل‪.‬‬
‫واختلفوا إذا اسييتفاد مال وعنده نصيياب مال آخيير قييد حال عليييه‬
‫الحول‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يزكى المستفاد إن كان نصابا لحوله ول يضم‬
‫إلى المال الذي وجبييت فيييه الزكاة‪ ،‬وبهذا القول فييي الفوائد قال‬
‫الشافعيي‪ ،‬وقال أبيو حنيفية وأصيحابه والثوري‪ :‬الفوائد كلهيا تزكيى‬
‫بحول الصيل إذا كان الصيل نصيابا‪ ،‬وكذلك الربيح عندهيم‪ .‬وسيبب‬
‫اختلفهيم هيل حكميه حكيم المال الوارد علييه أم حكميه حكيم مال‬
‫لم يرد على مال آخيير؟ فميين قال حكمييه حكييم مال لم يرد على‬
‫مال آخيير‪ :‬أعنييي مال فيييه زكاة‪ .‬قال‪ :‬ل زكاة فييي الفائدة‪ ،‬وميين‬
‫جعيل حكميه حكيم الوارد علييه وأنيه مال واحيد قال‪ :‬إذا كان فيي‬
‫الوارد عليييه الزكاة بكونييه نصييابا اعتييبر حوله بحول المال الوارد‬
‫علييه‪ ،‬وعموم قوله علييه الصيلة والسيلم "ل زكاة فيي مال حتيى‬
‫يحول عليييه الحول" يقتضييي أن ل يضاف مال إلى مال إل بدليييل‬
‫وكأن أبيا حنيفية اعتميد فيي هذا قياس الناض على الماشيية‪ ،‬ومين‬
‫أصيله الذي يعتمده فيي هذا الباب أنيه لييس مين شرط الحول أن‬
‫يوجد المال نصابا في جميع أجزائه بل أن يوجد نصابا في طرفيه‬
‫فقيط وبعضيا منيه فيي كله؛ فعنده أنيه إذا كان مال فيي أول الحول‬
‫نصابا ثم هلك بعضه فصار أقل من نصاب ثم استفاد مال في آخر‬
‫الحول صيار بيه نصيابا أنيه تجيب فييه الزكاة‪ ،‬وهذا عنده موجود فيي‬
‫هذا المال لنييه لم يسييتكمل الحول‪ ،‬وهييو فييي جميييع أجزائه مال‬
‫واحد بعينه‪ ،‬بل زاد ولكن ألفى في طرفي الحول نصابا‪ ،‬والظاهر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن الحول الذي اشترط فيي المال إنميا هيو فيي مال معيين ل يزييد‬
‫ول ينقيييص ل بربيييح ول بفائدة ول بغيييير ذلك‪ ،‬إذ كان المقصيييود‬
‫بالحول هو كون المال فضلة مستغنى ع نه وذلك أن ما بقي حول‬
‫عند المالك لم يتغيير عنده فليس به حاجة إليه فجعل فيه الزكاة‬
‫فإن الزكاة إنميييا هيييي فيييي فضول الموال‪ .‬وأميييا مييين رأى أن‬
‫اشتراط الحول فييي المال إنمييا سييببه النماء فواجييب عليييه أن‬
‫يقول‪ :‬تضيييم الفوائد فضل عييين الرباح إلى الصيييول وأن يعتيييبر‬
‫النصاب في طرفي الحول فتأمل هذا فإنه بين والله أعلم‪ .‬ولذلك‬
‫رأى مالك أن ميين كان عنده فييي أول الحول ماشييية تجييب فيهييا‬
‫الزكاة ثيم باعهيا وأبدلهيا فيي آخير الحول بماشيية مين نوعهيا أنهيا‬
‫تجيب فيهيا الزكاة‪ ،‬فكأنيه اعتيبر أيضيا طرفيي الحول على مذهيب‬
‫أبييي حنيفيية‪ ،‬وأخييذ أيضييا مييا اعتمييد أبييو حنيفيية فييي فائدة الناض‬
‫القياس على فائدة الماشية على ما قلناه‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الرابعة) وهي اعتبار حول الدين إذا قلنا إن فيه‬
‫الزكاة فإن قو ما قالوا‪ :‬يعتيبر ذلك فييه مين أول ميا كان دينيا يزكييه‬
‫لعدة ذلك إن كان حول فحول‪ ،‬وإن كان أحوال فأحوال‪ ،‬أعنيي أنيه‬
‫إن كان حول تجيب فييه زكاة واحدة‪ ،‬وإن أحوال وجبيت فييه الزكاة‬
‫لعدة تلك الحوال‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬يزكييه لعام واحيد‪ ،‬وإن أقام الديين‬
‫أحوال عند الذي عنده الدين‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬يستقبل به الحول‪ .‬وأما‬
‫مين قال يسيتقبل بالديين الحول مين يوم قبيض فلم يقيل بإيجاب‬
‫الزكاة فيي الديين‪ .‬ومين قال فييه‪ :‬الزكاة بعدد الحوال التيي أقام‬
‫فمصييرا إلى تشيبيه الديين بالمال الحاضير‪ .‬وأميا مين قال‪ :‬الزكاة‬
‫فييه لحول واحيد وإن أقام أحوال‪ ،‬فل أعرف له مسيتندا فيي وقتيي‬
‫هذا‪ ،‬لنييه ل يخلو مييا دام دينييا أن يقول إن فيييه زكاة أو ل يقول‬
‫ذلك‪ ،‬فإن لم يكن فيه زكاة فل كلم بل يستأنف به‪ ،‬وإن كان فيه‬
‫زكاة فل يخلو أن يشترط فيهييييييييا الحول أو ل يشترط ذلك‪ ،‬فإن‬
‫اشترطنييا وجييب أن يعتييبر عدد الحوال إل أن يقول كلمييا انقضييى‬
‫حول فلم يتمكين مين أدائه سيقط عنيه ذلك الحيق اللزم فيي ذلك‬
‫الحول‪ ،‬فإن الزكاة وجبييت بشرطييين‪ :‬حضور عييين المال‪ ،‬وحلول‬
‫الحول‪ ،‬فلم يبق إل حق العام الخير‪ ،‬وهذا يشبهه مالك بالعروض‬
‫التييي للتجارة‪ ،‬فإنهييا ل تجييب عنده فيهييا زكاة إل إذا باعهييا وإن‬
‫أقاميت عنده أحوال كثيرة‪ ،‬وفييه ميا شبيه بالماشيية التيي ل يأتيي‬
‫الساعي أعواما إليها ثم يأتي فيجدها قد انقضت فإنه يزكي على‬
‫مذهيب مالك الذي وجيد فقيط لنيه لميا أن حال عليهيا الحول فيميا‬
‫تقدم ولم يتمكن من إخراج الزكاة إذ كان مجيء الساعي شرطا‬
‫عنده فيي إخراجهيا ميع حلول الحول سيقط عنيه حيق ذلك الحول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحاضير وحوسيب بيه فيي العوام السيالفة كان الواجيب فيهيا أقيل‬
‫أو أكثر إذا كانت مما تجب فيه الزكاة‪ ،‬وهو شيء يجري على غير‬
‫قياس‪ ،‬وإنميا اعتيبر مالك فييه العميل‪ .‬وأميا الشافعيي فيراه ضامنيا‬
‫لنيه لييس مجييء السياعي شرطيا عنده فيي الوجوب‪ ،‬وعلى هذا‬
‫كييل ميين رأى أنييه ل يجوز أن يخرج زكاة ماله إل بأن يدفعهييا إلى‬
‫المام فعدم المام‪ ،‬أو عدم المام العادل إن كان مميييييين شرط‬
‫العدالة فيي ذلك أنيه إذا هلكيت بعيد انقضاء الحول وقبيل التمكين‬
‫مين دفعهيا إلى المام فل شييء علييه‪ .‬ومالك تنقسيم عنده زكاة‬
‫الديون لهذه الحوال الثلثية‪ ،‬أعنيي أن مين الديون عنده ميا يزكيى‬
‫لعام واحيد فقيط مثيل ديون التجارة‪ ،‬ومنهيا ميا يسيتقبل بهيا الحول‬
‫مثييل ديون المواريييث‪ .‬والثالث دييين المدبر وتحصيييل قوله فييي‬
‫الديون ليس بغرضنا‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الخامسيية) وهييي حول العروض‪ ،‬وقييد تقدم القول‬
‫فيها عند القول في نصاب العروض‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة السيادسة) وهيي فوائد الماشيية‪ ،‬فإن مذهيب‬
‫مالك فيهيا بخلف مذهبيه فيي فوائد الناض‪ ،‬وذلك أنيه يبنيي الفائدة‬
‫على الصيل إذا كان الصيل نصيابا كميا يفعيل أبيو حنيفية فيي فائدة‬
‫الدارهم وفي فائدة الماشية‪ ،‬فأبو حنيفة مذهبه في الفوائد حكم‬
‫واحد‪ ،‬أعني أنها تبنى على الصل إذا كانت نصابا كانت فائدة غنم‬
‫أو فائدة ناض‪ ،‬والرباح عنده والنسيل كالفوائد‪ .‬وأميا مالك فالربيح‬
‫والنسييل عنده حكمهمييا واحييد‪ ،‬ويفرق بييين فوائد الناض وفوائد‬
‫الماشييية‪ .‬وأمييا الشافعييي فالرباح والفوائد عنده حكمهمييا واحييد‬
‫باعتبار حولهمييا بأنفسييهما‪ ،‬وفوائد الماشييية ونسييلها واحييد باعتبار‬
‫حولهمييا بالصييل إذا كان نصييابا‪ ،‬فهذا هييو تحصيييل مذاهييب هؤلء‬
‫الفقهاء الثلثية‪ ،‬وكأنيه إنميا فرق مالك بيين الماشيية والناض اتباعيا‬
‫لعمير‪ ،‬وإل فالقياس فيهميا واحيد‪ ،‬أعنيي أن الربيح شيبيه بالنسيل‬
‫والفائدة بالفائدة‪ ،‬وحديييث عميير هذا هييو أنييه أميير أن يعييد عليهييم‬
‫بالسخال ول يأخذ منها شيئا‪ ،‬وقد تقدم الحديث في باب النصاب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة السيابعة) وهيي اعتبار حول نسيل الغنيم‪ ،‬فإن مالكيا‬
‫قال‪ :‬حول النسييل هييو حول المهات كانييت المهات نصييابا أو لم‬
‫تكن كما قال في ربح الناض‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور‪:‬‬
‫ل يكون حول النسيييل حول المهات إل أن تكون المهات نصيييابا‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم هو بعينه سبب اختلفهم في ربح المال‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثامنية) وهيي جواز إخراج الزكاة قبيل الحول‪،‬‬
‫فإن مالكيا منيع ذلك وجوزه أبيو حنيفية والشافعيي‪ .‬وسيبب الخلف‬
‫هيل هيي عبادة أو حيق واجيب للمسياكين‪ ،‬فمين قال عبادة وشبههيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالصلة لم يجز إخراجها قبل الوقت ومن شبهها بالحقوق الواجبة‬


‫المؤجلة أجاز إخراجهييا قبييل الجييل على جهيية التطوع وقييد احتييج‬
‫الشافعييي لرأيييه بحديييث علي "أن النييبي عليييه الصييلة والسييلم‬
‫استسلف صدقة العباس قبل محلها"‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الخامسة فيمن تجب له الصدقة)‬
‫*‪*4‬الفصل الول في عدد الصناف الذين تجب لهم الزكاة‪:‬‬
‫@‪-‬فأميا عددهيم فهيم الثمانيية الذيين نيص الله عليهيم فيي قوله‬
‫تعالى {إنميا الصيدقات للفقراء والمسياكين} اليية‪ .‬واختلفوا مين‬
‫العدد فيي مسيألتين‪ :‬إحداهميا هيل يجوز أن تصيرف جمييع الصيدقة‬
‫إلى صنف واحد من هؤلء الصناف أم هم شركاء في الصدقة ل‬
‫يجوز أن يخيص منهيم صينف دون صينف؟ فذهيب مالك وأبيو حنيفية‬
‫إلى أنه يجوز للمام أن يصرفها في صنف واحد أو أكثر من صنف‬
‫واحيد إذا رأى ذلك بحسيب الحاجية‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬ل يجوز ذلك‬
‫بيل يقسيم على الصيناف الثمانيية كميا سيمى الله تعالى‪ ،‬وسيبب‬
‫اختلفهم معارضة اللفظ للمعنى‪ ،‬فإن اللفظ يقتضي القسمة بين‬
‫جميعهييم‪ ،‬والمعنييى يقتضييي أن يؤثيير بهييا أهييل الحاجيية إذ كان‬
‫المقصيود بيه سيد الخلة‪ ،‬فكان تعديدهيم فيي اليية عنيد هؤلء إنميا‬
‫ورد لتمييز الجنس أعني أهل الصدقات ل تشريكهم في الصدقة‪،‬‬
‫فالول أظهر من جهة اللفظ‪ ،‬وهذا أظهر من جهة المعنى‪ .‬ومن‬
‫صدائي أن رجل سييأل‬ ‫الحجيية للشافعييي ميا رواه أبييو داود عيين ال ّيُ‬
‫النييبي صييلى الله عليييه وسييلم أن يعطيييه ميين الصييدقة‪ ،‬فقال له‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪" :‬إن الله لم يرض بحكيم نيبي‬
‫ول غيره فيي الصيدقات حتيى حكيم فيهيا فجزأهيا ثمانيية أجزاء فإن‬
‫كنت من تلك الجزاء أعطيتك حقك"‪.‬‬
‫وأما (المسألة الثانية)‪ :‬فهل المؤلفة قلوبهم حقهم باق إلى اليوم‬
‫أم ل؟ فقال مالك‪ :‬ل مؤلفة اليوم‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬بل‬
‫حيييق المؤلفييية باق إلى اليوم إذا رأى المام ذلك‪ ،‬وهيييم الذيييين‬
‫يتألفهييم المام على السييلم‪ :‬وسييبب اختلفهييم هييل ذلك خاص‬
‫بالنيبي صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬أو عام له ولسيائر المية؟ والظهير‬
‫أنيه عام‪ ،‬وهيل يجوز ذلك للمام فيي كيل أحواله أو فيي حال دون‬
‫حال؟ أعني في حال الضعف ل في حال القوة‪ ،‬ولذلك قال مالك‪:‬‬
‫ل حاجة إلى المؤلفة الن لقوة السلم‪ ،‬وهذا كما قلنا التفات منه‬
‫إلى المصالح‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في الصفة التي تقتضي صرفها إليهم‪:‬‬
‫@‪-‬وأمييا صييفاتهم التييي يسييتوجبون بهييا الصييدقة ويمنعون منهييا‬
‫بأضدادهيا‪ :‬فأحدهيا الفقير الذي هيو ضيد الغنيى لقوله تعالى‪{ :‬إنميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصدقات للفقراء والمساكين} واختلفوا في الغني الذي تجوز له‬


‫الصييدقة ميين الذي ل تجوز‪ ،‬ومييا مقدار الغنييى المحرم للصييدقة‪.‬‬
‫فأمييا الغنييي الذي ل تجوز له الصييدقة فإن الجمهور على أنييه ل‬
‫تجوز الصييدقة للغنياء بأجمعهييم إل للخمييس الذييين نييص عليهييم‬
‫النيبي علييه الصيلة والسيلم فيي قوله "ل تحيل الصيدقة لغنيي إل‬
‫لخمسة‪ :‬لغاز في سبيل الله‪ ،‬أو لعامل عليها‪ ،‬أو لغارم‪ ،‬أو لرجل‬
‫له جار مسيكين فتصيدق على المسيكين فأهدى المسيكين للغنيى"‬
‫وروي عن ابن القاسم أنه ل يجوز أخذ الصدقة لغني أصل مجاهدا‬
‫كان أو عامل‪ ،‬والذييين أجازوهييا للعامييل وإن كان غنيييا أجازوهييا‬
‫للقضاة ومين فيي معناهيم ممين المنفعية بهيم عامية للمسيلمين‪،‬‬
‫ومين لم يجيز ذلك فقياس ذلك عنده هيو أن ل تجوز لغنيي أصيل‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم هييو هييل العلة فييي إيجاب الصييدقة للصييناف‬
‫المذكوريين هيو الحاجية فقيط أو الحاجية والمنفعية العامية؟ فمين‬
‫اعتيبر ذلك بأهيل الحاجية المنصيوص عليهيم فيي اليية قال‪ :‬الحاجية‬
‫فقط‪ ،‬ومن قال الحاجة والمنفعة العامة توجب أخذ الصدقة اعتبر‬
‫المنفعية للعاميل والحاجية بسيائر الصيناف المنصيوص عليهيم‪ .‬وأميا‬
‫حيد الغنى الذي يمنيع من الصدقة فذهب الشافعيي إلى أن المانيع‬
‫من الصدقة هو أقل ما ينطلق عليه السم‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى‬
‫أن الغني هو مالك النصاب لنهم الذين سماهم النبي عليه الصلة‬
‫والسيلم أغنياء لقوله فيي حدييث معاذ له فأخيبرهم أن الله فرض‬
‫عليهييم صييدقة تؤخييذ ميين أغنيائهييم وترد على فقرائهييم وإذا كان‬
‫الغنياء هييم الذييين هييم أهييل النصيياب وجييب أن يكون الفقراء‬
‫ضدهم‪ .‬وقال مالك‪ :‬ليس في ذلك حد إنما هو راجع إلى الجتهاد‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم هيل الغنيى المانيع هيو معنيى شرعيي أم معنيى‬
‫لغوي؟ فمين قال معنيى شرعيي قال‪ :‬وجود النصياب هيو الغنيى‪،‬‬
‫ومن قال معنى لغوي اعتبر في ذلك أقل ما ينطلق عليه السم‪،‬‬
‫فمن رأى أن أقل ما ينطلق عليه السم هو محدود في كل وقت‬
‫وفيي كيل شخيص جعيل حده هذا‪ ،‬ومين رأى أنيه غيير محدود وأن‬
‫ذلك يختلف باختلف الحالت والحاجات والشخاص والمكنيييييييية‬
‫والزمنيية وغييير ذلك قال‪ :‬هييو غييير محدود‪ ،‬وأن ذلك راجييع إلى‬
‫الجتهاد‪ .‬وقييد روى أبييو داود فييي هذا حديييث الغنييى الذي يمنييع‬
‫الصدقة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ملك خمسين درهما‪،‬‬
‫وفيي أثير آخير أنيه ملك أوقيية وهيي أربعون درهميا‪ ،‬وأحسيب أن‬
‫قوميا قالوا بهذه الثار فيي حيد الغنيى‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي‬
‫صيفة الفقيير والمسيكين والفصيل الذي بينهميا‪ ،‬فقال قوم‪ :‬الفقيير‬
‫أحسن حال من المسكين‪ ،‬وبه قال البغداديون من أصحاب مالك‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال آخرون‪ :‬المسييكين أحسيين حال ميين الفقييير‪ ،‬وبييه قال أبييو‬
‫حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه وفي قوله الثاني أنهما‬
‫إسمان دالن على معنى واحد‪ ،‬وإلى هذا ذهب ابن القاسم‪ ،‬وهذا‬
‫النظر هو لغوي إن لم تكن له دللة شرعية‪ .‬والشبه عند استقراء‬
‫اللغيية أن يكونييا اسييمين دالييين على معنييى واحييد يختلف بالقييل‬
‫والكثر في كل واحد منهما ل أن هذا راتب من أحدهما على قدر‬
‫غير القدر الذي الخر راتب عليه‪ ،‬واختلفوا في قوله تعالى {وفي‬
‫الرقاب} فقال مالك‪ :‬هييم العبيييد يعتقهييم المام ويكون ولؤهييم‬
‫للمسييلمين وقال الشافعييي وأبييو حنيفيية‪ :‬هييم المكاتبون وابيين‬
‫السيبيل هيو عندهييم المسيافر فيي طاعية ينفيذ زاده فل يجيد ميا‬
‫ينفقيه‪ .‬وبعضهيم يشترط فييه أن يكون ابين السيبيل جار الصيدقة‪.‬‬
‫وأميييا فيييي سيييبيل الله فقال مالك‪ :‬سيييبيل الله مواضيييع الجهاد‬
‫والرباط وبييه قال أبييو حنيفيية‪ .‬وقال غيره‪ :‬الحجاج والعمار‪ .‬وقال‬
‫الشافعي‪ :‬هو الغازي جار الصدقة‪ ،‬وإنما اشترط جار الصدقة لن‬
‫عنيد أكثرهيم أنيه ل يجوز تنقييل الصيدقة مين بلد إلى بلد إل مين‬
‫ضرورة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث كم يجب لهم؟‬
‫@‪-‬وأما قدر ما يعطى من ذلك‪ ،‬أما الغارم فبقدر ما عليه إذا كان‬
‫دينه في طاعة وفي غير سرف بل في أمر ضروري‪ ،‬وكذلك ابن‬
‫السبيل يعطى ما يحمله إلى بلده‪ ،‬ويشبه أن يكون ما يحمله إلى‬
‫مغزاه عنيد مين جعيل ابين السيبيل الغازي‪ .‬واختلفوا فيي مقدار ميا‬
‫يعطى المسكين الواحد من الصدقة‪ ،‬فلم يحد مالك في ذلك حدا‬
‫وصييرفه إلى الجتهاد‪ ،‬وبييه قال الشافعييي قال‪ :‬وسييواء كان مييا‬
‫يعطييى ميين ذلك نصييابا أو أقييل ميين نصيياب‪ .‬وكره أبييو حنيفيية أن‬
‫يعطييى أحييد ميين المسيياكين مقدار نصيياب ميين الصييدقة‪ .‬وقال‬
‫الثوري‪ :‬ل يعطييى أحييد أكثيير ميين خمسييين درهمييا‪ .‬وقال الليييث‪:‬‬
‫يعطييى مييا يبتاع بييه خادمييا إذا كان ذا عيال وكانييت الزكاة كثيرة‪،‬‬
‫وكان أكثرهم مجمعون على أنه ل يجب أن يعطى عطية يصير بها‬
‫من الغنى في مرتبة من ل تجوز له الصدقة‪ ،‬لن ما حصل له من‬
‫ذلك المال فوق القدر الذي هو به من أهل الصدقة صار في أول‬
‫مراتيب الغنيى فهيو حرام علييه‪ .‬وإنميا اختلفوا فيي ذلك لختلفهيم‬
‫في هذا القدر‪ ،‬فهذه المسألة كأنها تبنى على معرفة أول مراتب‬
‫الغنى‪ .‬وأما العامل عليها فل خلف عند الفقهاء أنه إنما يأخذ بقدر‬
‫عمله‪ ،‬فهذا ما رأينا أن نثبته في هذا الكتاب‪ ،‬وإن تذكرنا شيئا مما‬
‫يشاكل غرضنا ألحقناه به إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب زكاة الفطر‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬والكلم فييي هذا الكتاب يتعلق بفصييول‪ :‬أحدهييا فييي معرفيية‬


‫حكمهيا‪ ،‬والثانيي فيي معرفية مين تجيب علييه‪ ،‬والثالث كيم تجيب‬
‫عليه‪ ،‬ومن ماذا تجب عليه‪ ،‬والرابع متى تجب عليه؟ ‪ ،‬والخامس‬
‫من تجوز له؟ ‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الول في معرفة حكمها‪:‬‬
‫@‪-‬فأميا زكاة الفطير‪ ،‬فإن الجمهور على أنهيا فرض‪ ،‬وذهيب بعيض‬
‫المتأخرين من أصحاب مالك إلى أنها سنة‪ ،‬وبه قال أهل العراق‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬هيي منسيوخة بالزكاة‪ .‬وسيبب اختلفهيم تعارض الثار‬
‫فيي ذلك‪ ،‬وذلك بأنيه ثبيت مين حدييث عبيد الله بين عمير أنيه قال‪:‬‬
‫فرض رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم زكاة الفطير على الناس‬
‫من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد‬
‫ذكر أو أنثى من المسلمين‪.‬‬
‫وظاهير هذا يقتضيي الوجوب على مذهيب مين يقلد الصياحب فيي‬
‫فهم الوجوب أو الندب من أمره عليه الصلة والسلم إذا لم يحد‬
‫لنيا لفظيه‪ ،‬وثبيت أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال فيي‬
‫حديث العرابي المشهور وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الزكاة قال‪ :‬هييييل علي غيرهييييا؟ قال‪ :‬ل إل أن تطوع‪ .‬فذهييييب‬
‫الجمهور إلى أن هذه الزكاة داخلة تحيييييت الزكاة المفروضييييية‪،‬‬
‫وذهيب الغيير إلى أنهيا غيير داخلة‪ ،‬واحتجوا فيي ذلك بميا روي عين‬
‫قيس بن سعد بن عبادة أنه قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يأمرنا بها قبل نزول الزكاة‪ ،‬فلما نزلت آية الزكاة لم نؤمر‬
‫بها ولم ننه عنها ونحن نفعله‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثاني في من تجب عليه وعن من تجب؟‬
‫@‪-‬وأجمعوا على أن المسلمين مخاطبون بها ذكرانا كانوا أو إناثا‪،‬‬
‫صيغارا أو كبارا‪ ،‬عيبيدا أو أحرارا لحدييث عمير المتقدم إل ميا شيذ‬
‫فييه اللييث فقال لييس على أهيل العمود زكاة الفطير‪ ،‬وإنميا هيي‬
‫على أهييل القرى ول حجيية له‪ ،‬ومييا شييذ أيضييا ميين قول ميين لم‬
‫يوجبهيا على اليتييم‪ .‬وأميا عين مين تجيب؟ فإنهيم اتفقوا على أنهيا‬
‫تجييب على المرء فييي نفسييه‪ ،‬وأنهييا زكاة بدن ل زكاة مال‪ ،‬وأنهييا‬
‫تجييب فييي ولده الصييغار علييه إذا لم يكيين لهييم مال‪ ،‬وكذلك فييي‬
‫عبيده إذا لم يكن لهم مال واختلفوا فيما سوى ذلك‪.‬‬
‫وتلخيييص مذهييب مالك فييي ذلك‪ :‬أنهييا تلزم الرجييل عميين ألزمييه‬
‫الشرع النفقة عليه‪ ،‬ووافقه في ذلك الشافعي‪ .‬وإنما يختلفان من‬
‫قبيل اختلفهيم فيمين تلزم المرء نفقتيه إذا كان معسيرا و من لييس‬
‫تلزميه‪ ،‬وخالفيه أبيو حنيفية فيي الزوجية وقال تؤدي عين نفسيها‪،‬‬
‫وخالفهيم أبيو ثور فيي العبيد إذا كان له مال‪ ،‬فقال‪ :‬إذا كان له مال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫زكييى عيين نفسييه ولم يزك عنييه سيييده‪ ،‬وبييه قال أهييل الظاهيير‬
‫والجمهور على أنيه ل تجيب على المرء فيي أولده الصيغار إذا كان‬
‫لهيم مال زكاة فطير‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأبيو حنيفية ومالك‪ ،‬وقال‬
‫الحسين هيي على الب وإن أعطاهيا مين مال البين فهيو ضامين‪،‬‬
‫وليس من شرط هذه الزكاة الغنى عند أكثرهم ول نصاب بل أن‬
‫تكون فضل عين قوتيه وقوت عياله‪ .‬وقال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬ل‬
‫تجييب على ميين تجوز له الصييدقة‪ ،‬لنييه ل يجتمييع أن تجوز له وأن‬
‫تجيب علييه‪ ،‬وذلك بيين والله أعلم‪ ،‬وإنميا اتفيق الجمهور على أن‬
‫هذه الزكاة ليسيت بلزمية لمكلف‪ ،‬مكلف فيي ذاتيه فقيط كالحال‬
‫فييي سييائر العبادات‪ ،‬بييل وميين قبييل غيره ليجابهييا على الصييغير‬
‫والعبيييد‪ ،‬فميين فهييم ميين هذا أن علة الحكييم الولييية قال‪ :‬الولي‬
‫يلزمه إخراج الصدقة على كل من يليه‪ ،‬ومن فهم من هذه النفقة‬
‫قال‪ :‬المنفييق يجييب أن يخرج الزكاة عيين كييل ميين ينفييق عليييه‬
‫بالشرع‪ .‬وإنميا عرض هذا الختلف لنيه اتفيق فيي الصيغير والعبيد‪،‬‬
‫وهما اللذان نبها على أن هذه الزكاة ليست معلقة بذات المكلف‬
‫فقيط بيل ومين قبيل غيره إن وجدت الوليية فيهيا ووجوب النفقية‪،‬‬
‫فذهييب مالك إلى أن العلة فييي ذلك وجوب النفقيية‪ ،‬وذهييب أبييو‬
‫حنيفية إلى أن العلة فيي ذلك الوليية‪ ،‬ولذلك اختلفوا فيي الزوجية‪.‬‬
‫وقيد روي مرفوعيا "أدوا زكاة الفطير عين كيل مين تمونون" ولكنيه‬
‫غيير مشهور‪ .‬واختلفوا مين العبييد فيي مسيائل‪ :‬إحداهيا كميا قلنيا‬
‫وجوب زكاتييه على السيييد إذا كان له مال‪ ،‬وذلك مبنييي على أنييه‬
‫يملك أو ل يملك‪ .‬والثانية في العبد الكافر هل يؤدي عنه زكاته أم‬
‫ل؟ فقال مالك والشافعييي وأحمييد‪ :‬ليييس على السيييد فييي العبييد‬
‫الكافيير زكاة‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬عليييه الزكاة فيييه‪ .‬والسييبب فييي‬
‫اختلفهيم اختلفهيم فيي الزيادة الواردة فيي ذلك فيي حدييث ابين‬
‫عمير‪ ،‬وهيو قوله مين المسيلمين‪ ،‬فإنيه قيد خولف فيهيا نافيع بكون‬
‫ابين عمير أيضيا الذي هيو راوي الحدييث مين مذهبيه إخراج الزكاة‬
‫عيين العبيييد الكفار‪ .‬وللخلف أيضييا سييبب آخيير‪ ،‬وهييو كون الزكاة‬
‫الواجبية على السييد فيي العبيد هيل هيي لمكان أن العبيد يكلف أو‬
‫أنيه مال؟ فمين قال لمكان أنيه مكلف اشترط السيلم‪ ،‬ومين قال‬
‫لمكان أنيه مال لم يشترطيه‪ ،‬قالوا‪ :‬ويدل على ذلك إجماع العلماء‬
‫على أن العبيد إذا أعتيق ولم يخرج عنيه موله زكاة الفطير أنيه ل‬
‫يلزمه إخراجها عن نفسه بخلف الكفارات‪ .‬والثالثة في المكاتب‪،‬‬
‫فإن مالكييا وأبييا ثور قال‪ :‬يؤدي عنييه سيييده زكاة الفطيير‪ .‬وقال‬
‫الشافعييي وأبييو حنيفيية وأحمييد‪ :‬ل زكاة عليييه فيييه‪ .‬والسييبب فييي‬
‫اختلفهييم تردد المكاتييب بييين الحيير والعبييد‪ .‬والرابعيية فييي عبيييد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫التجارة‪ ،‬ذهيب مالك والشافعيي وأحميد إلى أن على السييد فيهيم‬


‫زكاة الفطيير‪ ،‬وقال أبييو حنيفيية وغيره‪ :‬ليييس فييي عبيييد التجارة‬
‫صييدقة‪ .‬وسييبب الخلف معارضيية القياس للعموم وذلك أن عموم‬
‫اسم العبد يقتضي وجوب الزكاة في عبيد التجارة وغيرهم‪ ،‬وعند‬
‫أبييي حنيفيية أن هذا العموم مخصييص بالقياس‪ ،‬وذلك هييو اجتماع‬
‫زكاتين في مال واحد‪ ،‬وكذلك اختلفوا في العبيد وفروع هذا الباب‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث مماذا تجب؟‬
‫@‪-‬وأميا مماذا تجيب؟ فإن قوميا ذهبوا ظغلى أنهيا تجيب إميا مين‬
‫البر أو ميين التميير أو ميين الشعييير أو ميين القييط‪ ،‬وأن ذلك على‬
‫التخييير للذي تجيب علييه‪ ،‬وقوم ذهبوا إلى أن الواجيب علييه هيو‬
‫غالب قوت البلد أو قوت المكلف إذا لم يقدر على قوت البلد‪،‬‬
‫وهو الذي حكاه عبد الوهاب عن المذهب‪ .‬والسبب في اختلفهم‬
‫اختلفهم في مفهوم حديث أبي سعيد الخدري أنه قال "كنا نخرج‬
‫زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من‬
‫طعام أو صياعا مين شعيير أو صياعا مين أقيط أو صياعا مين تمير"‬
‫فمين فهيم مين هذا الحدييث التخييير قال أي ّيا أخرج مين هذا أجزأ‬
‫عنيه‪ ،‬ومين فهيم منيه أن اختلف المخرج لييس سيببه الباحية وإنميا‬
‫سيببه اعتبار قوت المخرج أو قوت غالب البلد قال بالقول الثانيي‪.‬‬
‫وأمييا كييم يجييب؟ فإن العلماء اتفقوا على أنييه ل يؤدي فييي زكاة‬
‫الفطير مين التمير والشعيير أقيل مين صياع لثبوت ذلك فيي حدييث‬
‫ابيين عميير‪ ،‬واختلفوا فييي قدر مييا يؤدى ميين القمييح‪ ،‬فقال مالك‬
‫والشافعي‪ :‬ل يجزئ منه أقل من صاع‪ ،‬وقال أبو حنيفة وأصحابه‪:‬‬
‫يجزئ مين البر نصيف صياع‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم تعارض الثار‪،‬‬
‫وذلك أنيه جاء فيي حدييث أبيي سيعيد الخدري أنيه قال‪" :‬كنيا نخرج‬
‫زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من‬
‫طعام أو صياعا مين شعيير أو صياعا مين أقيط أو صياعا مين تمير أو‬
‫صياعا من زبييب" وظاهره أنيه أراد بالطعام القميح‪ .‬وروى الزهري‬
‫أيضا عن أبي سعيد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬فيي صيدقة الفطير صياعا مين بر بيين اثنيين أو صياعا مين‬
‫شعييير أو تميير عيين كييل واحييد" خرجييه أبييو داود‪ .‬وروي عيين ابيين‬
‫المسيييب أنييه قال‪" :‬كانييت صيدقة الفطيير على عهييد رسييول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم نصف صاع من حنطة أو صاعا من شعير أو‬
‫صياعا مين تمير"‪ .‬فمين أخيذ بهذه الحادييث قال‪ :‬نصيف صياع مين‬
‫البر‪ ،‬ومين أخيذ بظاهير حدييث أبيي سيعيد وقال البر فيي ذلك على‬
‫الشعير سوَّى بينهما في الوجوب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬الفصل الرابع متى تجب زكاة الفطر؟‬


‫@‪-‬وأميا متيى يجيب إخراج زكاة الفطير؟ فإنهيم اتفقوا على أنهيا‬
‫تجب في آخر رمضان لحديث ابن عمر "فرض رسول الله صلى‬
‫الله علييه وسيلم زكاة الفطير مين رمضان" واختلفوا فيي تحدييد‬
‫الوقييت‪ ،‬فقال مالك فييي رواييية ابيين القاسييم عنييه‪ :‬تجييب بطلوع‬
‫الفجيير ميين يوم الفطيير‪ .‬وروى عنييه أشهييب أنهييا تجييب بغروب‬
‫الشميس مين آخير يوم رمضان‪ ،‬وبالول قال أبيو حنيفية‪ ،‬وبالثانيي‬
‫قال الشافعي‪ .‬وسبب اختلفهم هل هي عبادة متعلقة بيوم العيد‪:‬‬
‫أو بخروج شهير رمضان؟ لن ليلة العييد ليسيت مين شهير رمضان‪،‬‬
‫وفائدة هذا الختلف فيي المولود يولد قبيل الفجير مين يوم العييد‬
‫وبعد مغيب الشمس هل تجب عليه أم ل تجب؟‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الخامس في معرفتها‪:‬‬
‫@‪-‬وأميا ل من تصيرف فأجمعوا على أ نه تصيرف لفقراء المسيلمين‬
‫لقوله عليه الصلة وال سلم "أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم"‬
‫واختلفوا هل تجوز لفقراء الذمة‪ ،‬والجمهور على أنها ل تجوز لهم‪،‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬تجوز لهم‪ .‬وسبب اختلفهم هل سبب جوازها هو‬
‫الفقر فقط‪ ،‬أو الفقر والسلم معا؟ فمن قال الفقر والسلم لم‬
‫يجزهيا للذمييين‪ ،‬ومين قال الفقير فقيط أجازهيا لهيم‪ ،‬واشترط قوم‬
‫فييي أهييل الذميية الذييين تجوز لهييم أن يكونوا رهبانييا‪ ،‬وأجمييع‬
‫المسيلمون على أن زكاة الموال لتجوز لهيل الذمية لقوله علييه‬
‫الصلة والسلم‪" :‬صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم"‪.‬‬
‫بسييم الله الرحميين الرحيييم وصييلى الله على سيييدنا محمييد وآله‬
‫وسلم تسليما‬
‫*‪*2‬كتاب الصيام‬
‫@‪-‬وهذا الكتاب ينقسم أول قسمين‪ :‬أحدهما في الصوم الواجب‪،‬‬
‫والخر في المندوب إليه‪ .‬والنظر في الصوم الواجب ينقسم إلى‬
‫قسمين‪ :‬أحدهما في الصوم والخر في الفطر‪ .‬أما القسم الول‬
‫وهيو الصييام فإنيه ينقسيم أول إلى جملتيين‪ :‬إحداهميا معرفية أنواع‬
‫الصيييام الواجييب‪ ،‬والخرى معرفيية أركانييه‪ .‬وأمييا القسييم الذي‬
‫يتضميين النظيير فييي الفطيير فإنيه ينقسييم إلى معرفيية المفطرات‬
‫وإلى معرفة المفطرين وأحكامهم‪.‬‬
‫*‪[*3‬كتاب الصيام الول]‬
‫*‪(*3‬الجملة الولى) وهي معرفة أنواع الصيام‬
‫@‪-‬فلنبدأ بالقسييم الول ميين هذا الكتاب‪ ،‬وبالجملة الولى منييه‪،‬‬
‫وهي معرفة أنواع الصيام‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فنقول‪ :‬إن الصييوم الشرعييي منييه واجييب‪ ،‬ومنييه مندوب إليييه‪.‬‬


‫والواجيب ثلثية أقسيام‪ :‬منيه ميا يجيب للزمان نفسيه‪ ،‬وهيو صيوم‬
‫شهير رمضان بعينيه‪ .‬ومنيه ميا يجيب لعلة‪ ،‬وهيو صييام الكفارات‪.‬‬
‫ومنه ما يجب بإيجاب النسان ذلك على نفسه‪ ،‬وهو صيام النذر‪.‬‬
‫والذي يتضمين هذا الكتاب القول فييه مين أنواع هذه الواجبات هيو‬
‫صيوم شهير رمضان فقيط‪ .‬وأميا صيوم الكفارات فيذكير عنيد ذكير‬
‫المواضيع التيي تجيب منهيا الكفارة‪ ،‬وكذلك صيوم النذر ويذكير فيي‬
‫كتاب النذر‪.‬‬
‫فأميا صيوم شهير رمضان فهيو واجيب بالكتاب والسينة والجماع‪.‬‬
‫فأمييا الكتاب فقوله تعالى {كتييب عليكييم الصيييام كمييا كتييب على‬
‫الذييين ميين قبلكييم لعلكييم تتقون} وأمييا السيينة ففييي قوله عليييه‬
‫الصيلة والسيلم "بنيي السيلم على خميس‪ ،‬وذكير فيهيا الصيوم"‬
‫وقوله للعرابييي "وصيييام شهيير رمضان" قال‪ :‬هييل علي غيرهييا؟‬
‫قال‪ :‬ل إل أن تطوع‪ .‬وأميا الجماع فإنيه لم ينقيل إلينيا خلف عين‬
‫أحد من الئمة في ذلك‪ .‬وأما على من يجب وجوبا غير مخير فهو‬
‫البالغ العاقل الحاضر الصحيح إذا لم تكن فيه الصفة المانعة من‬
‫الصوم وهي الحيض للنساء‪ ،‬هذا ل خلف فيه لقوله تعالى {فمن‬
‫شهد منكم الشهر فليصمه} ‪.‬‬
‫*‪*3‬الجملة الثانية‪ :‬في الركان‬
‫@‪-‬والركان ثلثيية‪ :‬إثنان متفييق عليهمييا‪ ،‬وهمييا الزمان والمسيياك‬
‫عن المفطرات‪ .‬والثالث مختلف فيه وهو النية‪ .‬فأما الركن الول‬
‫الذي هيييو الزمان‪ ،‬فإنيييه ينقسيييم إلى قسيييمين‪ :‬أحدهميييا زمان‬
‫الوجوب‪ ،‬وهيييو شهييير رمضان‪ .‬والخييير زمان المسييياك عييين‬
‫المفطرات‪ ،‬وهيو أيام هذا الشهير دون الليالي‪ ،‬ويتعلق بكيل واحيد‬
‫مين هذيين الزمانيين مسيائل قواعيد اختلفوا فيهيا‪ ،‬فلنبدأ بميا يتعلق‬
‫مييين ذلك بزمان الوجوب‪ ،‬وأول ذلك فيييي تحدييييد طرفيييي هذا‬
‫الزمان‪ .‬وثانييا فيي معرفية الطرييق التيي بهيا يتوصيل إلى معرفية‬
‫العلمة المحدودة في حق شخص شخص وأفق أفق‪ .‬فأما طرفا‬
‫هذا الزمان‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا على أن الشهييير العربيييي يكون‬
‫تسيعا وعشريين ويكون ثلثيين وعلى أن العتبار فيي تحدييد شهير‬
‫رمضان إنمييا هييو الرؤييية‪ ،‬لقوله عليييه الصييلة والسييلم "صييوموا‬
‫لرؤيتييه وأفطروا لرؤيتييه" وعنييي بالرؤييية أول ظهور القميير بعييد‬
‫السؤال‪.‬‬
‫واختلفوا فيي الحكيم إذا غيم الشهير ولم تمكين الرؤيية وفيي وقيت‬
‫الرؤيية المعتيبر‪ ،‬فأميا اختلفهيم إذا غيم الهلل‪ ،‬فإن الجمهور يرون‬
‫أن الحكييم فييي ذلك أن تكمييل العدة ثلثييين‪ ،‬فإن كان الذي غييم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هلل أول الشهيير عييد الشهيير الذي قبله ثلثييين يومييا‪ ،‬وكان أول‬
‫رمضان الحادي والثلثييين‪ ،‬وإن كان الذي غييم هلل آخيير الشهيير‬
‫مى‬ ‫صام الناس ثلثين يوما‪ .‬وذهب ابن عمر إلى أنه إن كان المغ ّ‬
‫عليييه هلل أول الشهيير صيييم اليوم الثانييي وهييو الذي يعرف بيوم‬
‫الشيييك‪ .‬وروى بعيييض السيييلف أنيييه إذا أغميييى الهلل رجيييع إلى‬
‫الحساب بمسير القمر والشمس‪ ،‬وهو مذهب مطرف بن الشخير‬
‫وهيو مين كبار التابعيين‪ .‬وحكيى ابين سيريج عين الشافعيي أنيه قال‪:‬‬
‫مين كان مذهبيه السيتدلل بالنجوم ومنازل القمير ثيم تيبين له مين‬
‫جهية السيتدلل أن الهلل مرئي وقيد غيم‪ ،‬فإن له أن يعقيد الصيوم‬
‫ويجزييه‪ .‬وسيبب اختلفهيم الجمال الذي فيي قوله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم "صيوموا لرؤيتيه وأفطروا لرؤيتيه فإن غيم عليكيم فاقدروا‬
‫له" فذهب الجمهور إلى أن تأويله أكملوا العدة ثلثين‪ .‬ومنهم من‬
‫رأى أن معنيى التقديير له هيو عده بالحسياب‪ .‬ومنهيم مين رأى أن‬
‫معنى ذلك أن يصبح المرء صائما‪ ،‬وهو مذهب ابن عمر كما ذكرنا‬
‫وفيه بعد في اللفظ‪ .‬وإنما صار الجمهور إلى هذا التأويل لحديث‬
‫ابين عباس الثابيت أنيه قال علييه الصيلة والسيلم "فإن غيم عليكيم‬
‫فأكملوا العدة ثلثين" وذلك مجمل وهذا مفسر‪ ،‬فوجب أن يحمل‬
‫المجمل على المفسر‪ ،‬وهي طريقة ل خلف فيها بين الصوليين‪،‬‬
‫فإنهم ليس عندهم بين المج مل والمفسر تعارض أصل‪ ،‬فمذهب‬
‫الجمهور فيي هذا لئح والله أعلم‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي إعتبار وقيت‬
‫الرؤيية فإنهيم اتفقوا على أنيه إذا رؤي مين العشيي أن الشهير مين‬
‫اليوم الثانيي‪ ،‬واختلفوا إذا رؤي فيي سيائر أوقات النهار أعنيي أول‬
‫ما رؤي‪ ،‬فمذهب الجمهور أن القمر في أول وقت رؤي من النهار‬
‫أنه لليوم المستقبل كحكم رؤيته بالعشي‪ ،‬وبهذا القول قال مالك‬
‫والشافعيي وأبيو حنيفية وجمهور أصيحابهم‪ .‬وقال أبيو يوسيف مين‬
‫أصيحاب أبيي حنيفية والثوري وابين حيبيب مين أصيحاب مالك‪ :‬إذا‬
‫رؤي الهلل قبيل الزوال فهيو لليلة الماضيية وإن رؤي بعيد الزوال‬
‫فهييو للتييية‪ .‬وسييبب اختلفهييم ترك اعتبار التجربيية فيمييا سييبيله‬
‫التجربية والرجوع إلى الخبار فيي ذلك‪ ،‬ولييس فيي ذلك أثير عين‬
‫النبي عليه الصلة والسلم يرجع إليه‪ ،‬لكن روي عن عمر رضي‬
‫الله عنه أثران‪ :‬أحدهما عام والخر مفسر‪ ،‬فذهب قوم إلى العام‬
‫وذهيب قوم إلى المفسير‪ .‬فأميا العام فميا رواه العميش عين أبيي‬
‫وائل شقييق بين سيلمة قال‪ :‬أتانيا كتاب عمير ونحين بخانقيين أن‬
‫الهلة بعضهيا أكيبر مين بعيض‪ ،‬فإذا رأيتيم الهلل نهارا فل تفطروا‬
‫حتى يشهد رجلن أنهما رأياه بالمس‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا الخاص فميا روى الثوري عنيه أنيه بلغ عمير بين الخطاب أن‬
‫قوما رأوا الهلل بعد الزوال فأفطروا‪ ،‬فكتب إليهم يلومهم وقال‪:‬‬
‫إذا رأيتيييم الهلل نهارا قبيييل الزوال فأفطروا‪ ،‬وإذا رأيتموه بعيييد‬
‫الزوال فل تفطروا‪ .‬قال القاضيي‪ :‬الذي يقتضيي القياس والتجربية‬
‫أن القمير ل يرى والشميس بعيد لم تغيب إل وهيو بعييد منهيا‪ ،‬لنيه‬
‫حينئذ يكون أكييبر ميين قوس الرؤييية‪ ،‬وإن كان يختلف فييي الكييبر‬
‫والصغر فبعيد والله أعلم أن يبلغ من الكبر أن يرى والشمس بعد‬
‫لم تغيب‪ ،‬ولكين المعتميد فيي ذلك التجربية كميا قلنيا ول فرق فيي‬
‫ذلك قبيل الزوال ول بعده‪ ،‬وإنميا المعتيبر فيي ذلك مغييب الشميس‬
‫أو ل مغيبهييا‪ .‬وأمييا اختلفهييم فييي حصييول العلم بالرؤييية فإن له‬
‫طريقيين‪ :‬أحدهميا الحيس والخير الخيبر‪ ،‬فأميا طرييق الحيس فإن‬
‫العلماء أجمعوا على أن مين أبصير هلل الصيوم وحده أن علييه أن‬
‫يصيوم‪ ،‬إل عطاء بين أبيي رباح فإنيه قال‪ :‬ل يصيوم إل برؤيية غيره‬
‫معيه‪ ،‬واختلفوا هيل يفطير برؤيتيه وحده؟ فذهيب مالك وأبيو حنيفية‬
‫وأحمد إلى أنه ل يفطر‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬يفطر‪ ،‬وبه قال أبو ثور‪،‬‬
‫وهذا ل معنييى له‪ ،‬فإن النييبي عليييه الصييلة والسييلم قييد أوجييب‬
‫الصيوم والفطير للرؤيية‪ .‬والرؤيية إنميا تكون بالحيس‪ ،‬ولول الجماع‬
‫على الصيام بالخبر عن الرؤية لبعد وجوب الصيام بالخبر لظاهر‬
‫هذا الحديث‪ ،‬وإنما فرق من فرق بين هلل الصوم والفطر لمكان‬
‫سد الذريعة أن ل يدعى الفساق أنهم رأوا الهلل فيفطرون وهم‬
‫بعيد لم يروه‪ ،‬ولذلك قال الشافعيي‪ :‬إن خاف التهمية أمسيك عين‬
‫الكيل والشرب واعتقيد الفطير‪ ،‬وشيذ مالك فقال‪ :‬مين أفطير وقيد‬
‫رأى الهلل وحده فعلييه القضاء والكفارة‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬علييه‬
‫القضاء فقط‪ .‬وأما طريق الخبر فإنهم اختلفوا في عدد المخبرين‬
‫الذين يجب قبول خبرهم عن الرؤية وفي صفتهم‪.‬‬
‫فأميا مالك فقال‪ :‬إنيه ل يجوز أن يصيام ول يفطير بأقيل مين شهادة‬
‫رجلييين عدلييين‪ .‬وقال الشافعييي فييي رواييية المزنييي‪ :‬إنييه يصييام‬
‫بشهادة رجييل واحييد على الرؤييية‪ ،‬ول يفطيير بأقييل ميين شهادة‬
‫رجلين‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن كانت السماء مغيمة قبل واحد‪ ،‬وإن‬
‫كانيت صياحية بمصير كيبير لم تقبيل إل شهادة الجيم الغفيير‪ .‬وروي‬
‫عنيه أنيه تقبيل شهادة عدليين إذا كانيت السيماء مصيحية وقيد روي‬
‫عيين مالك أنييه ل تقبييل شهادة الشاهدييين إل إذا كانييت السييماء‬
‫مغيمية‪ ،‬وأجمعوا على أنيه ل يقبيل فيي الفطير إل إثنان‪ ،‬إل أبيا ثور‬
‫فإنه لم يفرق في ذلك بين الصوم والفطر كما فرق الشافعي‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسييبب اختلفهييم اختلف الثار فييي هذا الباب‪ ،‬وتردد الخييبر فييي‬
‫ذلك بيين أن يكون مين باب الشهادة أو مين باب العميل بالحادييث‬
‫التي ل يشترط فيها العدد‪.‬‬
‫وتردد الخيبر فيي ذلك بيين أن يكون مين باب الشهادة أو مين باب‬
‫العميل بالحادييث التيي ل يشترط فيهيا العدد‪ .‬أميا الثار فمين ذلك‬
‫ما خرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب‬
‫الناس فييي اليوم الذي يشييك فيييه فقال‪ :‬إنييي جالسييت أصييحاب‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم وسيألتهم وكلهيم حدثونيي أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال‪" :‬صيوموا لرؤيتيه وأفطروا‬
‫لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فأتموا ثلثين‪ ،‬فإن شهد شاهدان فصوموا‬
‫وأفطروا"‬
‫ومنها حديث ابن عباس أنه قال "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله‬
‫علييه وسيلم فقال أبصيرت الهلل الليلة‪ ،‬فقال أتشهيد أن ل إله إل‬
‫الله وأن محمييد رسييول الله؟ قال‪ :‬نعييم‪ ،‬قال‪ :‬يييا بلل أذن فييي‬
‫الناس فليصييوموا غدا" خرجييه الترمذي قال‪ :‬وفييي إسييناده خلف‬
‫لنه رواه جماعة مرسل‪.‬‬
‫ومنهييا حديييث ربعييي بيين خراش خرجييه أبييو داود عيين ربعييي بيين‬
‫خراش عين رجيل مين أصيحاب رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫قال " كان الناس فيي آخير يوم مين رمضان فقام أعرابيان فشهدا‬
‫عنيد النيبي صيلى الله علييه وسيلم لهيل الهلل أميس عشيية‪ ،‬فأمير‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم الناس أن يفطروا وأن يعودوا‬
‫إلى المصيييلى" فذهيييب الناس فيييي هذه الثار مذهيييب الترجييييح‬
‫ومذهيب الجميع‪ ،‬فالشافعيي جميع بيين حدييث ابين عباس وحدييث‬
‫ربعيي بين خراش على ظاهرهميا‪ ،‬فأوجيب الصيوم بشهادة واحيد‬
‫والفطير بإثنيين‪ ،‬ومالك رجيح حدييث عبيد الرحمين ابين زييد لمكان‬
‫القياس‪ :‬أعني تشبيه ذلك بالشهادة في الحقوق‪ ،‬ويشبه أن يكون‬
‫أبيو ثور لم يير تعارضيا بيين حدييث ابين عباس وحدييث ربعيي بين‬
‫خراش‪ ،‬وذلك أن الذي فييي حديييث ربعييي بيين خراش أنييه قضييى‬
‫بشهادة إثنيين‪ ،‬وفيي حدييث ابين عباس أنيه قضيى بشهادة واحيد‪،‬‬
‫وذلك مميا يدل على جواز المريين جميعيا‪ ،‬ل أن ذلك تعارض‪ ،‬ول‬
‫أن القضاء الول مختيص بالصيوم والثانيي بالفطير‪ ،‬فإن القول بهذا‬
‫إنميا ينبنيي على توهيم التعارض‪ ،‬وكذلك يشبيه أن ل يكون تعارض‬
‫بين حديث عبد الرحمن بن زيد وبين حديث ابن عباس إل بدليل‬
‫الخطاب‪ ،‬وهيو ضعييف إذا عارضيه النيص‪ ،‬فقيد نرى أن قول أبيي‬
‫ثور على شذوذه هيو أبيين‪ ،‬ميع أن تشيبيه الرائي بالراوي هيو أمثيل‬
‫من تشبيهه بالشاهد‪ ،‬لن الشهادة إما أن يقول إن اشتراط العدد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في ها عبادة غيير معللة فل يجوز أن يقيس علي ها‪ ،‬وإ ما أن يقول إن‬
‫اشتراط العدد فيهيا هيو لموضيع التنازع الذي فيي الحقوق‪ ،‬والشبية‬
‫التييي تعرض ميين قبييل قول أحييد الخصييمين فاشترط فيهييا العدد‬
‫وليكون الظين أغلب والمييل إلى حجية أحيد الخصيمين أقوى‪ ،‬ولم‬
‫يتعد بذلك الثنين لئل يعسر قيام الشهادة فتبطل الحقوق‪ ،‬وليس‬
‫في رؤية القمر شبهة من مخالف توجب الستظهار بالعدد‪،‬‬
‫ويشبييه أن يكون الشافعييي إنمييا فرق بييين هلل الفطيير وهلل‬
‫الصوم للتهمة التي تعرض للناس في هلل الفطر ول تعرض في‬
‫هلل الصييوم‪ ،‬ومذهييب أبييي بكيير بين المنذر هييو مذهييب أبييي ثور‬
‫أحسيبه هيو مذهيب أهيل الظاهير وقيد احتيج أ بو بكير بين المنذر لهذا‬
‫الحدييث بانعقاد الجماع على وجوب الفطير والمسياك عين الكيل‬
‫بقول واحييد‪ ،‬فوجيييب أن يكون المييير كذلك فييي دخول الشهييير‬
‫وخروجيه‪ ،‬إذ كلهميا علمية تفصيل زمان الفطير مين زمان الصيوم‪،‬‬
‫وإذا قلنيا إن الرؤيية تثبيت بالخيبر فيي حيق مين لم يره فهيل يتعدى‬
‫ذلك من بلد إلى بلد؟ أعني هل يجب على أهل بلد ما إذا لم يروه‬
‫أن يأخذوا فيي ذلك برؤيية بلد آخير أم لكيل بلد رؤيية؟ فييه خلف‪،‬‬
‫فأما مالك فإن ابن القاسم والمصريين رووا عنه أنه إذا ثبت عند‬
‫أهييل بلد أن أهييل بلد آخيير رأوا الهلل أن عليهييم قضاء ذلك اليوم‬
‫الذي أفطروه وصامه غيرهم‪ ،‬وبه قال الشافعي وأحمد‪.‬‬
‫وروى المدنيون عن مالك أن الرؤية ل تلزم بالخبر عند أهل البلد‬
‫الذي وقعييت فيييه الرؤييية‪ ،‬إل أن يكون المام يحمييل الناس على‬
‫ذلك‪ ،‬وبيييه قال ابييين الماجشون والمغيرة مييين أصيييحاب مالك‪،‬‬
‫وأجمعوا أنيه ل يراعيى ذلك فيي البلدان النائيية كالندلس والحجاز‪.‬‬
‫والسيبب فيي هذا الخلف تعارض الثير والنظير‪ .‬أما النظير فهيو أن‬
‫البلد إذا لم تختلف مطالعها كل الختلف فيجب أن يحمل بعضها‬
‫على بعض لنها في قياس الفق الواحد‪ .‬وأما إذا اختلفت إختلفا‬
‫كثيرا فليس يجب أن يحمل بعضها على بعض‪ .‬وأما الثر فما رواه‬
‫مسيلم عين كرييب أن أم الفضيل بنيت الحرث بعثتيه إلى معاويية‬
‫بالشام فقال‪ :‬قدميييت الشام فقضييييت حاجتهيييا‪ ،‬واسيييتهل على‬
‫رمضان وأنيييا بالشام‪ ،‬فرأييييت الهلل ليلة الجمعييية‪ ،‬ثيييم قدميييت‬
‫المدينية فيي آخير الشهير فسيألني عبيد الله بين عباس‪ ،‬ثيم ذكير‬
‫الهلل فقال‪ :‬متى رأيتم الهلل؟ فقلت‪ :‬رأيته ليلة الجمعة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أنيت رأيتيه؟ فقلت نعيم ورآه الناس وصياموا وصيام معاويية قال‪:‬‬
‫لكنيا رأيناه ليلة السيبت فل نزال نصيوم حتيى نكميل ثلثيين يوميا أو‬
‫نراه‪ ،‬فقلت‪ :‬أل تكتفيي برؤيية معاويية؟ فقال ل‪ ،‬هكذا أمرنيا النيبي‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬فظاهر هذا الثر يقتضي أن لكل بلد رؤيته‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قرب أو بعييد‪ ،‬والنظيير يعطييي الفرق بييين البلد النائييية والقريبيية‪،‬‬


‫وبخاصيية مييا كان نأيييه فييي الطول والعرض كثيرا‪ ،‬وإذا بلغ الخييبر‬
‫مبلغ التواتير لم يحتيج فييه إلى شهادة‪ ،‬فهذه هيي المسيائل التيي‬
‫تتعلق بزمان الوجوب‪ .‬وأمييا التييي تتعلق بزمان المسيياك فإنهييم‬
‫اتفقوا على أن آخره غيبوبييية الشميييس لقوله تعالى ‪-‬ثيييم أتموا‬
‫الصيييام إلى الليييل‪ -‬واختلفوا فييي أوله‪ ،‬فقال الجمهور هييو طلوع‬
‫الفجر الثاني المستطير البيض لثبوت ذلك عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬أعني حده بالمستطير ولظاهر قوله تعالى ‪-‬حتى‬
‫يتيبين لكيم الخييط البييض‪ -‬اليية‪ .‬وشذت فرقية فقالوا‪ :‬هيو الفجير‬
‫الحمير الذي يكون بعيد البييض وهيو نظيير الشفيق الحمير‪ ،‬وهيو‬
‫مروي عين حذيفية وابين مسيعود‪ .‬وسيبب هذا الخلف هيو إختلف‬
‫الثار فيي ذلك واشتراك اسيم الفجير‪ ،‬أعنيي أنيه يقال على البييض‬
‫والحمير‪ .‬وأميا الثار التيي احتجوا بهيا فمنهيا حدييث ذر عين حذيفية‬
‫قال "تسحرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ولو أشاء أن أقول‬
‫هيو النهار إل أن الشميس لم تطلع" وخرج أبيو داود عين قييس بين‬
‫مطلق عين أبييه أنيه علييه الصيلة والسيلم قال‪" :‬كلوا واشربوا ول‬
‫يُهِيدَن َّيكم (‪ )1‬السياطع المصيعد فكلوا واشربوا حتيى يعترض لكيم‬
‫الحمير" قال أبيو داود‪ :‬هذا ميا تفرد بيه أهيل اليمامية وهذا شذوذ‪،‬‬
‫فإن قوله تعالى ‪-‬حتى يتبين لكم الخيط البيض‪ -‬نص في ذلك أو‬
‫كالنيص‪ ،‬والذيين رأوا أنيه الفجير البييض المسيتطير وهيم الجمهور‬
‫والمعتميد اختلفوا فيي الحيد المحرم للكيل فقال قوم‪ :‬هيو طلوع‬
‫الفجر نفسه‪ .‬وقال قوم هو تبينه عند الناظر إليه ومن لم يتبينه‪،‬‬
‫فالكل مباح له حتى يتبينه وإن كان قد طلع‪ ،‬وفائدة الفرق أنه إذا‬
‫انكشف أن ماظن من أنه لم يطلع‪ ،‬كان قد طلع‪ .‬فمن كان الحد‬
‫عنده هيو الطلوع نفسيه أوجيب علييه القضاء‪ ،‬ومين قال‪ :‬هيو العلم‬
‫الحاصييل بييه لم يوجييب عليييه قضاء‪ .‬وسييبب الختلف فييي ذلك‬
‫الحتمال الذي فييي قوله تعالى ‪-‬وكلوا واشربوا حتييى يتييبين لكييم‬
‫الخيط البيض من الخيط السود من الفجر‪ -‬هل المساك بالتبيين‬
‫نفسييه أو بالشيييء المتييبين؟ لن العرب تتجوز فتسييتعمل لحييق‬
‫الشييء بدل الشييء على وجيه السيتعارة فكأنيه قال تعالى ‪-‬وكلوا‬
‫واشربوا حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط السود‪ -‬لنه إذا‬
‫تيبين فيي نفسيه تيبين لنيا‪ ،‬فإذا إضافية التيبيين لنيا هيي التيي أوقعيت‬
‫الخلف‪ ،‬لنيه قيد يتيبين فيي نفسيه ويتمييز ول يتيبين لنيا‪ ،‬وظاهير‬
‫اللفيييظ يوجيييب تعلق المسييياك بالعلم والقياس يوجيييب تعلقيييه‬
‫بالطلوع نفسيييه‪ ،‬أعنيييي قياسيييا على الغروب وعلى سيييائر حدود‬
‫الوقات الشرعييية كالزوال وغيره فإن العتبار فييي جميعهييا فييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشرع هو بالمر نفسه ل بالعلم المتعلق به‪ .‬والمشهور عن مالك‬


‫وعليه الجمهور أن الكيل يجوز أن يتصل بالطلوع‪ ،‬وقيل بل يجيب‬
‫المساك قبل الطلوع‪ .‬والحجة للقول الول ما في كتاب البخاري‬
‫أظنيه فيي بعيض رواياتيه قال النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪" :‬وكلوا‬
‫واشربوا حتيييى ينادي ابييين أم مكتوم فإنيييه ل ينادي حتيييى يطلع‬
‫الفجير" وهيو نيص فيي موضيع الخلف أو كالنيص والموافيق لظاهير‬
‫قوله تعالى ‪-‬كلوا واشربوا‪ -‬اليييية‪ .‬ومييين ذهيييب إلى أنيييه يجيييب‬
‫المساك قبل الفجر فجريا على الحتياط وسدا للذريعة وهو أورع‬
‫القولين والول أقيس‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫(‪ )1‬هكذا بالنسخة المصرية‪ ،‬وبالنسخة المغربية‪" :‬ول يهمزنكم"‪،‬‬
‫فتأمل‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫@‪-‬الركن الثاني وهو المساك‪:‬‬
‫وأجمعوا على أنيه يجيب على الصيائم المسياك زمان الصيوم عين‬
‫المطعوم والمشروب والجماع لقوله تعالى {فالن باشروهييييييين‬
‫وابتغوا ميا كتيب الله لكيم وكلوا واشربوا حتيى يتيبين لكيم الخييط‬
‫البييض مين الخييط السيود مين الفجير} واختلفوا مين ذلك فيي‬
‫مسائل منها مسكوت عنها ومنها منطوق بها أما المسكوت عنها‪:‬‬
‫إحداها فيما يرد الجوف مما ليس بمغذ وفيما يرد الجوف من غير‬
‫منفييذ الطعام والشراب مثييل الحقنيية‪ ،‬وفيمييا يرد باطيين سييائر‬
‫العضاء ول يرد الجوف مثييييييييييل أن يرد الدماغ ول يرد المعدة‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم فييي هذه هيو قياس المغذي على غييير المغذي‪،‬‬
‫وذلك أن المنطوق بييه إنمييا هييو المغذي‪ ،‬فميين رأى أن المقصييود‬
‫بالصيوم معنيى معقول لم يلحيق المغذي بغيير المغذي‪ ،‬ومين رأى‬
‫أنها عبادة غير معقولة‪ ،‬وأن المقصود منها إنما هو المساك فقط‬
‫عما يرد الجوف سوى بين المغذي وغير المغذي‪ ،‬وتحصيل مذهب‬
‫مالك أنيه يجيب المسياك عين ميا يصيل إلى الحلق مين أي المنافيذ‬
‫وصيل مغذييا كان أو غيير مغيذ‪ .‬وأميا ميا عدا المأكول والمشروب‬
‫من المفطرات فكلهم يقولون إن من قبل فأمنى فقد أفطر وإن‬
‫أمذى فلم يفطر إل مالك‪ .‬واختلفوا في القبلة للصائم‪ ،‬فمنهم من‬
‫أجازهييا‪ ،‬ومنهييم ميين كرههييا للشاب وأجازهييا للشيييخ ومنهييم ميين‬
‫كرههييا على الطلق‪ ،‬فميين رخييص فيهييا فلمييا روى ميين حديييث‬
‫عائشة وأم سلمة "أن النبي عليه الصلة والسلم كان يقبل وهو‬
‫صائم" ومن كرهها فلما يدعوا إليه من الوقاع‪ .‬وشذ قوم فقالوا‪:‬‬
‫القبلة تفطر‪ ،‬واحتجوا لذلك بما روي عن ميمونة بنت سعد قالت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫"سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم فقال‪:‬‬
‫"أفطرا جميعا" خرج هذا الثر الطحاوي ولكن ضعفه‪ .‬وأما ما يقع‬
‫من هذه من قبل الغلبة ومن قبل النسيان فالكلم فيه عند الكلم‬
‫في المفطرات وأحكامها‪ .‬وأما ما اختلفوا فيه مما هو منطوق به‬
‫فالحجامة والقيء‪ .‬أما الحجامة فإن فيها ثلثة مذاهب‪ :‬قوم قالوا‪:‬‬
‫إنهييا تفطيير وأن المسيياك عنهييا واجييب‪ ،‬وبييه قال أحمييد وداود‬
‫والوزاعيي وإسيحق بين راهوييه وقوم قالوا‪ :‬إنهيا مكروهية للصيائم‬
‫وليسييت تفطيير‪ ،‬وبييه قال مالك والشافعييي والثوري‪ .‬وقوم قالوا‪:‬‬
‫إنها غير مكروهة ول مفطرة‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه‪ .‬وسبب‬
‫اختلفهيم تعارض الثار الواردة فيي ذلك‪ ،‬وذلك أنيه ورد فيي ذلك‬
‫حديثان‪ :‬أحدهميا ميا روي مين طرييق ثوبان ومين طرييق رافيع بين‬
‫خدييج أنيه علييه الصيلة والسيلم قال‪" :‬أفطير الحاجيم والمحجوم"‬
‫وحديييث ثوبان هذا كان يصييححه أحمييد‪ .‬والحديييث الثانييي حديييث‬
‫عكرمية عين ابين عباس "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫احتجم وهو صائم" وحديث ابن عباس هذا صحيح؛ فذهب العلماء‬
‫في هذين الحديثين ثلثة مذاهب‪ :‬أحدها مذهب الترجيح‪ .‬والثاني‬
‫مذهيب الجمعية‪ .‬والثالث مذهيب السيقاط عنيد التعارض والرجوع‬
‫إلى البراءة الصلية إذا لم يعلم الناسخ من المنسوخ‪ ،‬فمن ذهب‬
‫مذهيب الترجييح قال بحدييث ثوبان‪ ،‬وذلك أن هذا موجيب حكميا‪،‬‬
‫وحديث ابن عباس رافعه‪ ،‬والموجب مرجح عند كثير من العلماء‬
‫على الرافع لن الحكم إذا ثبت بطريق يوجب العمل لم يرتفع إل‬
‫بطرييق يوجيب العميل برفعيه‪ ،‬وحدييث ثوبان قيد وجيب العميل بيه‪،‬‬
‫وحديييث ابيين عباس يحتمييل أن يكون ناسييخا ويحتمييل أن يكون‬
‫منسيييوخا‪ ،‬وذلك شيييك والشيييك ل يوجيييب عمل ول يرفيييع العلم‬
‫الموجيب للعميل‪ ،‬وهذا على طريقية مين ل يرى الشيك مؤثرا فيي‬
‫العلم‪ ،‬ومين رام الجميع بينهميا حميل حدييث النهيي على الكراهيية‬
‫وحديييث الحتجام على الحظيير‪ ،‬وميين أسييقطهما للتعارض قال‬
‫بإباحية الحتجام للصيائم‪ .‬وأميا القييء فإن جمهور الفقهاء على أن‬
‫مين ذرعيه القييء فلييس بمفطير‪ ،‬إل ربيعية فإنيه قال‪ :‬إنيه مفطير‪،‬‬
‫وجمهورهم أيضا على أنه من استقاء فقاء فإنه مفطر إل طاوس‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم ما يتوهم من التعارض بين الحاديث الواردة في‬
‫هذه المسألة اختلفهم أيضا في تصحيحها‪ ،‬وذلك أنه ورد في هذا‬
‫الباب حديثان أحدهميا حدييث أبيي الدرداء "أن رسيول الله صيلى‬
‫الله عليييه وسييلم قاء فأفطيير" قال معدان‪ :‬فلقيييت ثوبان فييي‬
‫مسييجد دمشييق فقلت له أن أبييا الدرداء حدثنييي "أن رسييول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم قاء فأفطيير‪ ،‬قال‪ :‬صييدق أنييا صييببت له‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وضوءه" وحدييث ثوبان هذا صيححه الترمذي‪ .‬والخير حدييث أبيي‬


‫هريرة خرجييه الترمذي وأبييو داود أيضييا أن النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسلم قال‪" :‬من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء وإن‬
‫استقاء فعليه القضاء" وروى موقوفا عن ابن عمر؛ فمن لم يصح‬
‫عنده الثران كلهميا قال‪ :‬لييس فييه فطير أصيل‪ ،‬ومين أخيذ بظاهير‬
‫حدييث ثوبان ورجحيه على حدييث أبيي هريرة أوجيب الفطير مين‬
‫القييء بإطلق‪ ،‬ولم يفرق بيين أن يسيتقيء أو ل يسيتقيء؛ ومين‬
‫جميع بيين الحديثيين وقال حدييث ثوبان مجميل وحدييث أبيي هريرة‬
‫مفسيير والواجييب حمييل المجمييل على المفسيير فرق بييين القييئ‬
‫والستقاءة‪ ،‬وهو الذي عليه الجمهور‬
‫@‪-‬الركن الثالث وهو النية‪:‬‬
‫والنظير فيي النيية فيي مواضيع منهيا هيل هيي شرط فيي صيحة هذه‬
‫العبادة أم ليسيت بشرط؟ وإن كانيت شرطيا فميا الذي يجزئ مين‬
‫تعيينها؟ وهل يجب تجديدها في كل يوم من أيام رمضان أم يكفي‬
‫فيي ذلك النيية الواقعية فيي اليوم الول؟ وإذا أوقعهيا المكلف فأي‬
‫وقيت إذا وقعيت فييه صيح الصيوم؟ وإذا لم تقيع فييه بطيل الصيوم؟‬
‫وهل رفض النية يوجب الفطر وإن لم يفطر؟ وكل هذه المطالب‬
‫قيد اختلف العلماء فيهيا‪ .‬أميا كون النيية شرطيا فيي صيحة الصييام‬
‫فإنه قول الجمهور؛ وشذ زفر فقال‪ :‬ل يحتاج رمضان إلى النية إل‬
‫أن يكون الذي يدركه صيام شهر رمضان مريضا أو مسافرا فيريد‬
‫الصوم‪ .‬والسبب في اختلفهم الحتمال المتطرق إلى الصوم هل‬
‫هيو عبادة معقولة المعنيى أو غيير معقولة المعنيى؟ فمين رأى أنهيا‬
‫غيير معقولة المعنيى أوجيب النيية‪ ،‬ومين رأى أنهيا معقولة المعنيى‬
‫قال‪ :‬قيد حصيل المعنيى إذا صيام وإن لم ينيو‪ ،‬لكين تخصييص زفير‬
‫رمضان بذلك من بين أنواع الصوم فيه ضعف‪ ،‬وكأنه لما رآى أن‬
‫أيام رمضان ل يجوز فيها الفطر‪ ،‬أي أن كل صوم يقع فيها ينقلب‬
‫صوما شرعيا‪ ،‬وأن هذا شيء يخص هذه اليام‪ .‬وأما اختلفهم في‬
‫تعييين النيية المجزيية فيي ذلك فإن مالكيا قال‪ :‬ل بيد فيي ذلك مين‬
‫تعيييين صييوم رمضان‪ ،‬ول يكفيييه اعتقاد الصيوم مطلقييا ول اعتقاد‬
‫صيوم معيين غيير صيوم رمضان‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن اعتقيد مطلق‬
‫الصيييوم أجزأه‪ ،‬وكذلك إن نوى فييييه صييييام غيييير رمضان أجزأه‬
‫وانقلب إلى صييييام رمضان إل أن يكون مسيييافرا‪ ،‬فإنيييه إذا نوى‬
‫المسيافر عنده فيي رمضان صييام غيير رمضان كان ميا نوى‪ ،‬لنيه‬
‫لم يجيب علييه صيوم رمضان وجوبيا معينيا‪ ،‬ولم يفرق صياحباه بيين‬
‫المسييافر والحضيير وقال‪ :‬كييل صييوم نوى فييي رمضان انقلب إلى‬
‫رمضان‪ .‬وبسيبب اختلفهيم هيل الكافيي فيي تعييين النيية فيي هذه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العبادة هييو تعيييين جنييس العبادة أو تعيييين شخصييها‪ ،‬وذلك أن كل‬


‫المرين موجود في الشرع‪ ،‬مثال ذلك أن النية في الوضوء يكفي‬
‫منهيا اعتقاد رفيع الحدث لي شييء كان مين العبادة التيي الوضوء‬
‫شرط في صحتها‪ ،‬وليس يختص عبادة عبادة بوضوء وضوء‪.‬‬
‫وأما الصلة فل بد فيها من تعيين شخص العبادة‪ ،‬فل بد من تعيين‬
‫الصييييلة إن عصييييرا فعصييييرا‪ ،‬وإن ظهرا فظهرا‪ ،‬وهذا كله على‬
‫المشهور عنيييد العلماء‪ ،‬فتردد الصيييوم عنيييد هؤلء بيييين هذيييين‬
‫الجنسين‪ ،‬فمن ألحقه بالجنس الواحد قال‪ :‬يكفي في ذلك اعتقاد‬
‫الصيوم فقيط‪ ،‬ومين ألحقيه بالجنيس الثانيي اشترط تعييين الصيوم‪.‬‬
‫واختلفهييم أيضييا فييي إذا نوى فييي أيام رمضلن صييوما آخيير هييل‬
‫ينقلب أو ل ينقلب؟ سيببه أيضيا أن مين العبادة عندهيم مين ينقلب‬
‫مين قبيل أن الوقيت الذي توقيع فييه مختيص بالعبادة التيي تنقلب‬
‫إليه‪ ،‬ومنها ما ليس ينقلب‪ ،‬أما التي ل تنقلب فأكثرها‪ ،‬وأما التي‬
‫تنقلب باتفاق فالحيج‪ .‬وذلك أنهيم قالوا إذا ابتدأ الحيج تطوعيا مين‬
‫وجيب علييه الحيج انقلب التطوع إلى فرض‪ ،‬ولم يقولوا ذلك فيي‬
‫الصيلة ول فيي غيرهيا‪ ،‬فمين شبيه الصيوم بالحيج قال ينقلب ومين‬
‫شبهيه بغيره مين العبادات قال ل ينقلب‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي وقيت‬
‫النييية‪ ،‬فإن مالكييا رأى أنييه ل يجزئ الصيييام إل بنييية قبييل الفجيير‪،‬‬
‫وذلك فيي جمييع أنواع الصيوم؛ وقال الشافعيي‪ :‬تجزئ النيية بعيد‬
‫الفجر في النافلة ول تجزئ في الفروض‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬تجزئ‬
‫النيية بعيد الفجير فيي الصييام المتعلق وجوبيه بوقيت معيين مثيل‬
‫رمضان ونذر أيام محدودة‪ ،‬وكذلك فييييي النافلة‪ ،‬ول يجزئ فييييي‬
‫الواجب في الذمة‪ .‬والسبب في اختلفهم تعارض الثار في ذلك؛‬
‫أمييا الثار المتعارضيية فييي ذلك‪ ،‬فأحدهييا مييا خرجييه البخاري عيين‬
‫حفصية أنيه قال علييه الصيلة والسيلم "مين لم ييبيت الصييام مين‬
‫الليييل فل صيييام له" ورواه مالك موقوفييا قال أبييو عميير‪ :‬حديييث‬
‫حفصة فيي إسناده اضطراب‪ .‬والثاني ما رواه مسلم عن عائشة‬
‫قالت "قال لي رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم ذات يوم‪ :‬يييا‬
‫عائشيية هييل عندكييم شيييء؟ قالت‪ :‬قلت يارسييول الله مييا عندنييا‬
‫شييء‪ ،‬قال فإنيي صيائم" ولحدييث معاويية أنيه قال على المنيبر‪ :‬ييا‬
‫أهيل المدينية أيين علماؤكيم سيمعت رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم يقول "اليوم هذا يوم عاشوراء ولم يكتب علينا صيامه وأنا‬
‫صيائم فمين شاء منكيم فليصيم ومين شاء فليفطير" فمين ذهيب‬
‫مذهب الترجيح أخذ بحديث حفصة‪ ،‬ومن ذهب مذهب الجمع فرق‬
‫بييين النفييل والفرض‪ ،‬أعنييي حمييل حديييث حفصيية على الفرض‪،‬‬
‫وحدييث عائشية ومعاويية على النفيل‪ ،‬وإنميا فرق أبيو حنيفية بيين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الواجب المعين والواجب في الذمة‪ ،‬لن الواجب المعين له وقت‬


‫مخصيوص يقوم مقام النيية فيي التعييين‪ ،‬الذي فيي الذمية لييس له‬
‫وقيت مخصيوص‪ ،‬فأوجيب أن التعييين بالنيية؛ وجمهور الفقهاء على‬
‫أنه ليست الطهارة من الجنابة شرطا في صحة الصوم لما ثبت‬
‫من حديث عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنهما قالتا "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من‬
‫جماع غير احتلم في رمضان ثم يصوم" ومن الحجة لهما الجماع‬
‫على أن الحتلم بالنهار ل يفسيييد الصيييوم‪ .‬وروي عييين إبراهييييم‬
‫النخعي وعروة بن الزبير وطاوس أنه إن تعمد ذلك أفسد صومه‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم ما روي عن أبي هريرة أنه كان يقول "من أصبح‬
‫جنبيا فيي رمضان أفطير" وروي عنيه أنيه قال‪ :‬ميا أنيا قلتيه‪ ،‬محميد‬
‫صلى الله عليه وسلم قاله ورب الكعبة‪.‬‬
‫وذهيب ابين الماجشون مين أصيحاب مالك أن الحائض إذا طهرت‬
‫قبيل الفجير فأخرت الغسيل إلى يومهيا يوم فطير وأقاوييل هؤلء‬
‫شاذة ومردودة بالسنن المشهورة الثابتة‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الثاني من الصوم المفروض‪:‬‬
‫وهييو الكلم فييي الفطيير وأحكامييه‪ :‬والمفطرون فييي الشرع على‬
‫ثلثة أقسام‪ :‬صنف يجوز له الفطر والصوم بإجماع‪ .‬وصنف يجب‬
‫عليه الفطر على اختلف في ذلك بين المسلمين‪ .‬وصنف ل يجوز‬
‫له الفطير‪ ،‬وكيل واحيد مين هؤلء تتعلق بيه أحكام‪ .‬أميا الذيين يجوز‬
‫لهييم المران‪ :‬فالمريييض بإتفاق‪ ،‬والمسييافر باختلف‪ ،‬والحامييل‬
‫والمرضيع والشييخ الكيبير‪ .‬وهذا التقسييم كله مجميع علييه‪ .‬فأميا‬
‫المسافر فالنظر فيه في مواضع منها‪ :‬هل إن صام أجزأه صومه‬
‫أم لييس يجزييه؟ وهيل إن كان يجزئ المسيافر صيومه الفضيل له‬
‫الصيوم أو الفطير أو هيو مخيير بينهميا؟ وهيل الفطير الجائز له هيو‬
‫في سفر محدود أم في كل ما ينطلق عليه اسم السفر في وضع‬
‫اللغية؟ ومتيى يفطير المسيافر؟ ومتيى يمسيك؟ وهيل إذا مير بعيض‬
‫الشهير له أن ينشيئ السيفر أم ل؟ ثيم إذا أفطير ميا حكميه؟ وأميا‬
‫المرييض فالنظير فييه أيضيا فيي تحدييد المرض الذي يجوز له فييه‬
‫الفطر وفي حكم الفطر‪.‬‬
‫(أما المسألة الولى) وهي إن صام المريض والمسافر هل يجزيه‬
‫صومه عن فر ضه أم ل؟ فإنهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فذهب الجمهور‬
‫إلى أ نه إن صام وقيع صييامه وأجزأه‪ ،‬وذهيب أهيل الظاهير إلى أنيه‬
‫ل يجزييه وأن فرضيه هيو أيام أخير‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم تردد‬
‫قوله تعالى {فمين كان منكيم مريضيا أو على سيفر فعدة مين أيام‬
‫أخير} بيين أن يحميل على الحقيقية فل يكون هنالك محذوف أصيل‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أو يحميل على المجاز فيكون التقديير فأفطير فعدة مين أيام أخير‪،‬‬
‫وهذا الحذف فيي الكلم هيو الذي يعرفيه أهيل صيناعة الكلم بلحين‬
‫الخطاب‪ ،‬فمين حميل اليية على الحقيقية ولم يحملهيا على المجاز‬
‫قال‪ :‬إن فرض المسييافر عدة ميين أيام أخيير لقوله تعالى {فعدة‬
‫مين أيام أخير} ومين قدر فأفطير قال‪ :‬إنميا فرضيه عدة مين أيام‬
‫أخيير إذا أفطيير‪ .‬وكل الفريقييين يرجييح تأويله بالثار الشاهدة لكل‬
‫المفهوميين‪ .‬وإن كان الصيل هيو أن يحميل الشييء على الحقيقية‬
‫حتيى يدل الدلييل على حمله على المجاز‪ .‬أميا الجمهور فيحتجون‬
‫لمذهبهيم بميا ثبيت مين حدييث أنيس قال "سيافرنا ميع رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر‬
‫ول المفطيير على الصييائم" وبمييا ثبييت عنييه أيضييا أنييه قال‪ :‬كان‬
‫أصييحاب رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم يسييافرون فيصييوم‬
‫بعضهيم ويفطير بعضهيم‪ .‬فأهيل الظاهير يحتجون لمذهبهيم بميا ثبيت‬
‫عين ابين عباس "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم خرج إلى‬
‫مكية عام الفتيح فيي رمضان‪ ،‬فصيام حتيى بلغ الكدييد ثيم أفطير‬
‫فأفطير الناس" وكانوا يأخذون بالحدث فالحدث مين أمير رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا يدل على نسيخ الصيوم‪.‬‬
‫قال أبييو عميير‪ :‬والحجيية على أهييل الظاهيير إجماعهييم على أن‬
‫المريض إذا صام أجزأه صومه‪.‬‬
‫(وأما المسألة الثانية) وهي هل الصوم أفضل أو الفطر؟ إذا قلنا‬
‫أنه من أهل الفطر على مذهب الجمهور؛ فإنهم اختلفوا في ذلك‬
‫على ثلثية مذاهيب‪ :‬فبعضهيم رأى أن الصيوم أفضيل‪ ،‬وممين قال‬
‫بهذا القول مالك وأبييو حنيفيية‪ .‬وبعضهييم رأى أن الفطيير أفضييل‪،‬‬
‫وممين قال بهذا القول أحميد وجماعية‪ .‬وبعضهيم رأى أن ذلك على‬
‫التخيير‪ ،‬وأنه ليس أحدهما أفضل‪ .‬والسبب في اختلفهم معارضة‬
‫المفهوم من ذلك لظاهر بعض المنقول‪ ،‬ومعارضة المنقول بعضه‬
‫لبعض وذلك أن المعنى المعقول من إجازة الفطر للصائم إنما هو‬
‫الرخصية له لمكان رفيع المشقية عنيه‪ ،‬وميا كان رخصية فالفضيل‬
‫ترك الرخصة‪ ،‬ويشهد لهذا حديث حمزة بن عمرو السلمي خرجه‬
‫ي قوة على الصييام فييي‬ ‫مسيلم أنييه قال "ييا رسييول الله أجييد ف ّيَ‬
‫ي مين جناح؟ فقال رسيول الله صيلى الله علييه‬ ‫السيفر فهيل عل َّي‬
‫وسيلم‪ :‬هيي رخصية مين الله فمين أخيذ بهيا فحسين‪ ،‬ومين أحيب أن‬
‫يصوم فل جناح عليه" وأما ما ورد من قوله عليه الصلة والسلم‬
‫ن آخير فعله علييه‬ ‫"لييس مين البر أن تصيوم فيي السيفر" ومين أ َّي‬
‫الصلة والسلم كان الفطر‪ ،‬فيوهم أن الفطر أفضل‪ ،‬لكن الفطر‬
‫لما كان ليس حكما وإنما هو فعل المباح عسر على الجمهور أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يضعوا المباح أفضيل مين الحكيم‪ .‬وأميا مين خي ّ ِير فيي ذلك فلمكان‬
‫حدييث عائشية قالت "سيأل حمزة بين عمرو السيلمي رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم عين الصييام فيي السيفر فقال‪ :‬إن شئت‬
‫فصم وإن شئت فأفطر" خرجه مسلم‪.‬‬
‫(وأما المسألة الثالثة)‬
‫وهي هل الفطر الجائز للمسافر هو في سفر محدود أو في سفر‬
‫غييير محدود‪ .‬فإن العلماء اختلفوا فيهييا؛ فذهييب الجمهور إلى أنييه‬
‫إنما يفطر في السفر الذي تقصر فيه الصلة‪ ،‬وذلك على حسب‬
‫اختلفهم في هذه المسألة‪ .‬وذهب قوم إلى أنه يفطر في كل ما‬
‫ينطلق عليه اسم سفر وهم أهل الظاهر‪ .‬والسبب في اختلفهم‬
‫معارضة ظاهر اللفظ للمعنى‪ ،‬وذلك أن ظاهر اللفظ أن كل من‬
‫ينطلق علييه اسيم مسيافر فله أن يفطير لقوله تعالى {فمين كان‬
‫منكييم مريضييا أو على سييفر فعدة ميين أيام أخيير} وأمييا المعنييى‬
‫المعقول من إجازة الفطر في السفر فهو المشقة‪ ،‬ولما كانت ل‬
‫توجيد فيي كيل سيفر وجيب أن يجوز الفطير فيي السيفر الذي فييه‬
‫المشقية ولميا كان الصيحابة كأنهيم مجمعون على الحيد فيي ذلك‬
‫وجب يقاس ذلك على الحد في تقصير الصلة‪ .‬وأما المرض الذي‬
‫يجوز فييه الفطير‪ ،‬فإنهيم اختلفوا فييه أيضيا‪ ،‬فذهيب قوم إلى أنيه‬
‫المرض الذي يلحييق ميين الصييوم فيييه مشقيية وضرورة‪ ،‬وبييه قال‬
‫مالك‪ .‬وذهيب قوم إلى أنيه المرض الغالب‪ ،‬وبيه قال أحميد‪ .‬وقال‬
‫قوم إذا انطلق علييه اسيم المرييض أفطير‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيو‬
‫بعينه سبب اختلفهم في حد السفر‪.‬‬
‫(وأما المسألة الخامسة) [ل يوجد رابعة؟؟]‬
‫وهيي متيى يفطير المسيافر ومتيى يمسيك‪ ،‬فإن قوميا قالوا‪ :‬يفطير‬
‫يوميه الذي خرج فييه مسيافرا‪ ،‬وبيه قال الشعيبي والحسين وأحميد‪.‬‬
‫وقالت طائفيية‪ :‬ل يفطيير يومييه ذلك‪ ،‬وبييه قال فقهاء المصييار‪.‬‬
‫واسيتحب جماعية العلماء لمين علم أنيه يدخيل المدينية أول يوميه‬
‫ذلك أن يدخيل صيائما‪ ،‬وبعضهيم فيي ذلك أكثير تشديدا مين بعيض‬
‫وكلهيم لم يوجبوا على مين دخيل مفطرا كفارة‪ .‬واختلفوا فيي مين‬
‫دخيل وقيد ذهيب بعيض النهار‪ ،‬فذهيب مالك والشافعيي على أنيه‬
‫يتمادى على فطره‪ .‬وقال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬يكيف عين الكيل‪،‬‬
‫وكذلك الحائض عنده تطهيير تكييف عيين الكييل‪ .‬والسييبب فييي‬
‫اختلفهيم فيي الوقيت الذي يفطير فييه المسيافر هيو معارضية الثير‬
‫للنظير‪ .‬أميا الثير فإنيه ثبيت مين حدييث ابين عباس "أن رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم صيام حتيى بلغ الكدييد ثيم أفطير وأفطير‬
‫الناس معه" وظاهر هذا أنه أفطر بعد أن بيت الصوم‪ .‬وأما الناس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فل يشك أنهم أفطروا بعد تبييتهم الصوم‪ ،‬وفي هذا المعنى أيضا‬
‫حدييث جابر بين عبيد الله "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫خرج عام الفتييح إلى مكيية‪ ،‬فسييار حتييى بلغ كراع الغميييم وصييام‬
‫الناس‪ ،‬ثيم دعيا بقدح مين ماء فرفعيه حتيى نظير الناس إلييه ثيم‬
‫شرب‪ ،‬فقييل له بعيد ذلك إن بعيض الناس قيد صيام فقال‪" :‬أولئك‬
‫العصاة أولئك العصاة" وخرج أبو داود عن أبي نضرة الغفاري أنه‬
‫لما تجاوز البيوت دعا بالسفرة‪ ،‬قال جعفر راوي الحديث‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫ألست تؤم البيوت؟ فقال‪ :‬أترغب عن سنة رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم؟ قال جعفير‪ :‬فأكيل‪ .‬وأميا النظير فلميا كان المسافر ل‬
‫يجوز له إل أن يييبيت الصييوم ليلة سييفره لم يجييز له أن يبطييل‬
‫صومه وقد بيته لقوله تعالى {ول تبطلوا أعمالكم} وأما اختلفهم‬
‫فييي إمسيياك الداخييل فييي أثناء النهار عيين الكييل أو ل إمسيياكه‪.‬‬
‫فالسيبب فيي اختلفهيم فيي تشيبيه مين يطرأ علييه فيي يوم شيك‬
‫أفطر فيه الثبوت أنه من رمضان‪ ،‬فمن شبهه به قال يمسك عن‬
‫الكل‪ ،‬ومن لم يشبهه به قال ل يمسك عن الكل‪ ،‬لن الول أكل‬
‫لموضع الجهل‪ ،‬وهذا أكل لسبب مبيح أو موجب للكل‪ .‬والحنفية‬
‫تقول‪ :‬كلهما سببان موجبان للمساك عن الكل بعد إباحة الكل‪.‬‬
‫(وأما المسألة السادسة)‬
‫وهي هل يجوز للصائم في رمضان أن ينشيء سفرا ثم ل يصوم‬
‫فييه‪ ،‬فإن الجمهور على أنيه يجوز ذلك له‪ .‬وروي عين بعضهيم وهيو‬
‫عيبيدة السيلماني وسيويد بين غفلة وابين مجلز أنيه إن سيافر فييه‬
‫صيام ولم يجيزوا له الفطير‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم اختلفهيم فيي‬
‫مفهوم قوله تعالى {فمين شهيد منكيم الشهير فليصيمه} وذلك أنيه‬
‫يحتمييل أن يفهييم منييه أن ميين شهييد أن الواجييب أن يصييوم ذلك‬
‫البعييض الذي شهده‪ ،‬وذلك أنييه لمييا كان المفهوم باتفاق أن ميين‬
‫شهده كله فهو يصومه كله كأن من شهد بعضه فهو يصوم بعضه‪،‬‬
‫ويؤيييد تأويييل الجمهور إنشاء رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫السيفر فيي رمضان‪ .‬وأميا حكيم المسيافر إذا أفطير فهيو القضاء‬
‫باتفاق وكذلك المريض لقوله تعالى {فعدة من أيام أخر} ما عدا‬
‫المرييض بإغماء أو جنون‪ ،‬فإنهيم اختلفوا فيي وجوب القضاء علييه‪،‬‬
‫وفقهاء المصييار على وجوبييه على المغمييى عليييه واختلفوا فييي‬
‫المجنون‪ ،‬ومذهييب مالك وجوب القضاء عليييه وفيييه ضعييف لقوله‬
‫علييه الصيلة والسيلم "وعين المجنون حتيى يفييق" والذيين أوجبوا‬
‫عليهيم القضاء اختلفوا فيي كون الغماء والجنون مفسيدا ً للصيوم‪،‬‬
‫فقوم قالوا إنييه مفسييد‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬ليييس بمفسييد‪ ،‬وقوم فرقوا‬
‫بيين أن يكون أغميي علييه بعيد الفجير أو قبيل الفجير‪ ،‬وقوم قالوا‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إن أغميي علييه بعيد مضيي أكثير النهار أجزأه‪ ،‬وإن أغميي علييه فيي‬
‫أول النهار قضييى‪ ،‬وهييو مذهييب مالك‪ ،‬وهذا كله فيييه ضعييف‪ ،‬فإن‬
‫الغماء والجنون صييفة يرتفييع بهييا التكليييف وبخاصيية الجنون‪ ،‬إذا‬
‫ارتفع التكليف لم يوصف لمفطر ول صائم فكيف يقال في الصفة‬
‫التيي ترفيع التكليف إن ها مبطلة للصوم إل كميا يقال فيي الميت أو‬
‫فيي مين ل يصيح منيه العميل إنيه قيد بطيل صيومه وعمله‪ .‬ويتعلق‬
‫بقضاء المسيافر والمرييض مسيائل‪ :‬منهيا هيل يقضيان ميا عليهميا‬
‫متتابعا أم ل؟ ومنها ماذا عليهما إذا أخرا القضاء بغير عذر إلى أن‬
‫يدخيل رمضان آخير؟ ومنهيا إذا ماتيا ولم يقضييا هيل يصيوم عنهميا‬
‫وليهما أو ل يصوم؟‬
‫(أميا المسيألة الولى) فإن بعضهيم أوجيب أن يكون القضاء متتابعيا‬
‫على صيفة الداء‪ ،‬وبعضهيم لم يوجيب ذلك‪ ،‬وهؤلء منهيم مين خيير‬
‫ومنهييم مين اسييتحب التتابييع‪ ،‬والجماعيية على ترك إيجاب التتابييع‪.‬‬
‫وسيييبب اختلفهيييم تعارض ظواهييير اللفيييظ والقياس‪ ،‬وذلك أن‬
‫القياس يقتضيييي أن يكون الداء على صيييفة القضاء أصيييل ذلك‬
‫الصيلة والحيج‪ .‬أميا ظاهير قوله تعالى {فعدة مين أيام أخير} فإنميا‬
‫يقتضي إيجاب العدد فقط ل إيجاب التتابع‪ .‬وروي عن عائشة أنها‬
‫قالت‪ :‬نزلت فعدة ميين أيام أخيير متتابعات فسييقط {متتابعات} ‪.‬‬
‫وأمييا إذا أخيير القضاء حتييى دخييل رمضان آخيير؛ فقال قوم‪ :‬يجييب‬
‫علييه بعيد صييام رمضان الداخيل القضاء والكفارة‪ ،‬وبيه قال مالك‬
‫والشافعييي وأحمييد‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل كفارة عليييه وبييه قال الحسيين‬
‫البصيري وإبراهييم النخعيي‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل تقاس الكفارات‬
‫بعضها على بعض أم ل؟ فمن لم يجز القياس في الكفارات قال‪:‬‬
‫إنمييا عليييه القضاء فقييط‪ .‬وميين أجاز القياس فييي الكفارات قال‪:‬‬
‫عليييه كفارة قياسييا على ميين أفطيير متعمدا لن كليهمييا مسييتهين‬
‫بحرميية الصييوم‪ .‬أمييا هذا فبترك القضاء زمان القضاء‪ ،‬وأمييا ذلك‬
‫فبالكييل فييي يوم ل يجوز فيييه الكييل‪ ،‬وإنمييا كان يكون القياس‬
‫مسييتندا لو ثبييت أن للقضاء زمنييا محدودا بنييص ميين الشارع‪ ،‬لن‬
‫أزمنية الداء هيي المحدودة فيي الشرع‪ ،‬وقيد شيذ قوم فقالوا‪ :‬إذا‬
‫اتصيل مرض المرييض حتيى يدخيل رمضان آخير أنيه ل قضاء علييه‬
‫وهذا مخالف للنيص‪ .‬وأميا إذا مات وعلييه صيوم فإن قوميا قالوا‪ :‬ل‬
‫يصييوم أحييد عيين أحييد‪ .‬وقوم قالوا يصييوم عنييه وليييه‪ ،‬والذييين لم‬
‫يوجبوا الصيوم قالوا‪ :‬يطعيم عنيه ولييه‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‪ .‬وقال‬
‫بعضهييم‪ :‬ل صيييام ول إطعام إل أن يوصييي بييه‪ ،‬وهييو قول مالك‪.‬‬
‫وقال أبييو حنيفيية يصييوم‪ ،‬فإن لم يسييتطع أطعييم وفرق قوم بييين‬
‫النذر والصيييام المفروض فقالوا يصييوم عنييه وليييه فييي النذر ول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يصييوم فييي الصيييام المفروض والسييبب فييي اختلفهييم معارضيية‬


‫القياس للثير وذلك أنيه ثبيت عنيه مين حدييث عائشية أنيه قال علييه‬
‫الصيلة والسيلم "مين مات وعلييه صييام صيامه عنيه ولييه" خرجيه‬
‫مسلم‪ ،‬وثبت عنه أيضا من حديث ابن عباس أنه قال "جاء رجل‬
‫إلى النييبي صييلى الله عليييه وسييلم فقال‪ :‬يارسييول الله إن أمييي‬
‫ماتيت وعليهيا صيوم شهير أفأقضييه عنهيا؟ فقال‪ :‬لو كان على أميك‬
‫ديين أكنيت قاضييه عنهيا؟ قال نعيم‪ ،‬قال‪ :‬فديين الله أحيق بالقضاء"‬
‫فمن رأى أن الصول تعارضه‪ ،‬وذلك أنه كما أنه ل يصلي أحد عن‬
‫أحد ول يتوضأ أحد عن أحد وكذلك ل يصوم أحد عن أحد قال‪ :‬ل‬
‫صييام على الولي‪ ،‬ومن أخذ بالنيص فيي ذلك قال‪ :‬بإيجاب الصييام‬
‫عليييه‪ ،‬وميين لم يأخييذ بالنييص فييي ذلك قصيير الوجوب على النذر‪،‬‬
‫ومين قاس رمضان علييه قال‪ :‬يصيوم عنيه فيي رمضان‪ .‬وأميا مين‬
‫أوجب الطعام فمصيرا إلى قراءة من قرأ {وعلى الذين يطيقونه‬
‫فدية} الية‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابع‪- :)1 ...‬القسم الثاني من الصوم المفروض‪... ...:‬‬
‫وميين خييير فييي ذلك فجمعييا بييين الييية والثيير‪ ،‬فهذه هييي أحكام‬
‫المسيافر والمرييض مين الصينف الذي يجوز لهيم الفطير والصيوم‪.‬‬
‫وأما باقي هذا الصنف وهو المرضع والحامل والشيخ الكبير‪ ،‬فإن‬
‫فييه مسيألتين مشهورتيين‪ :‬إحداهميا الحاميل والمرضيع إذا أفطرتيا‬
‫ماذا عليهميا؟ وهذه المسيألة للعلماء فيهيا أربعية مذاهيب‪ :‬أحدهيا‬
‫أنهميا يطعمان ول قضاء عليهميا‪ ،‬وهيو مروي عين ابين عمير وابين‬
‫عباس‪ .‬والقول الثانيي أنهميا يقضيان فقيط ول إطعام عليهميا وهيو‬
‫مقابييل الول وبييه قال أبيو حنيفية وأصييحابه وأبييو عبييد وأبيو ثور‪.‬‬
‫والثالث أنهميا يقضيان ويطعمان وبيه قال الشافعيي والقول الرابيع‬
‫أن الحاميل تقضيي ول تطعييم والمرضييع تقضيي وتطعييم‪ ،‬وسييبب‬
‫اختلفهيم تردد شبههميا بيين الذي يجهده الصيوم وبيين المرييض‪،‬‬
‫فمين شبههميا بالمرييض قال‪ :‬عليهميا القضاء فقيط‪ ،‬ومين شبههميا‬
‫بالذي يجهده الصيوم قال عليهميا الطعام فقيط بدلييل قراءة مين‬
‫قرأ {وعلى الذيين يطيقونيه فديية طعام مسياكين} اليية‪ .‬وأميا مين‬
‫جميع عليهميا المريين فيشبيه أن يكون رأى فيهميا مين كيل واحيد‬
‫شبهيا فقال‪ :‬عليهميا القضاء مين جهية ميا فيهميا مين شبيه المرييض‬
‫وعليهما الفدية من جهة ما فيهما من شبه الذين يجهدهم الصيام‪،‬‬
‫ويشبيه أن يكون شبههميا بالمفطير الصيحيح لكين يضعيف هذا‪ ،‬فإن‬
‫الصحيح ل يباح له الفطر‪ .‬ومن فرق بين الحامل والمرضع ألحق‬
‫الحامل بالمريض وأبقى حكم المرضع مجموعا من حكم المريض‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وحكم الذي يجهده الصوم أو شبهها بالصحيح ومن أفرد لهما أحد‬
‫الحكمييين أولى والله أعلم مميين جمييع‪ ،‬كمييا أن ميين أفردهمييا‬
‫بالقضاء أولى مميين أفردهمييا بالطعام فقييط لكون القراءة غييير‬
‫متواترة‪ ،‬فتأميل هذا فإنيه بيين‪ .‬وأميا الشييخ الكيبير والعجوز اللذان‬
‫ل يقدران على الصييييام فإنهيييم أجمعوا على أن لهميييا أن يفطرا‪،‬‬
‫واختلفوا فييي مييا عليهمييا إذا أفطرا‪ ،‬فقال قوم‪ :‬عليهمييا الطعام‪.‬‬
‫وقال قوم ليس عليهما إطعام‪ ،‬وبالول قال الشافعي وأبو حنيفة‪،‬‬
‫وبالثاني قال مالك إل أنه استحبه‪ .‬وأكثر من رأى الطعام عليهما‬
‫يقول مد عن كل يوم‪ ،‬وقيل إن حفن حفنات كما كان أنس يصنع‬
‫أجزأه‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم في القراءة التي ذكرناها‪ ،‬أعني‬
‫قراءة ميين قرأ {وعلى الذييين يطوقونييه} فميين أوجييب العمييل‬
‫بالقراءة التيي لم تثبيت فيي المصيحف إذا وردت مين طرييق الحاد‬
‫العدول قال‪ :‬الشييخ منهيم‪ ،‬ومين لم يوجيب بهيا عمل جعيل حكميه‬
‫حكييم المريييض الذي يتمادى بييه المرض حتييى الموت‪ ،‬فهذه هييي‬
‫أحكام الصنف من الناس الذين يجوز لهم الفطر‪ ،‬أعني أحكامهم‬
‫المشهورة التيي أكثرهيا منطوق بيه أو لهيا تعلق بالمنطوق بيه فيي‬
‫الصنف الذي يجوز له الفطر‪ .‬وأما النظر في أحكام الصنف الذي‬
‫يجوز له الفطيير إذا أفطيير‪ ،‬فإن النظيير فييي ذلك يتوجييه إلى ميين‬
‫يفطيير بجماع وإلى ميين يفطيير بغييير جماع وإلى ميين يفطيير بأميير‬
‫متفيق علييه وإلى مين يفطير بأمير مختلف علييه‪ ،‬أعنيي بشبهية أو‬
‫بغير شبهة‪ ،‬وكل واحد من هذين إما أن يكون على طريق السهو‬
‫أو طريق العمد أو طريق الختيار أو طريق الكراه‪ .‬أما من أفطر‬
‫بجماع متعمدا فييي رمضان‪ ،‬فإن الجمهور على أن الواجييب عليييه‬
‫القضاء والكفارة‪ ،‬لميا ثبيت مين حدييث أبيي هريرة أنيه قال "جاء‬
‫رجييل إلى رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم فقال‪ :‬هلكييت يييا‬
‫رسييول الله‪ ،‬قال‪ :‬ومييا أهلكييك؟ قال وقعييت على إمرأتييي فييي‬
‫رمضان‪ ،‬قال‪ :‬هييل تجييد مييا تعتييق بييه رقبيية؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهييل‬
‫تسيتطيع أن تصيوم شهريين متتابعيين؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهيل تجيد ميا‬
‫تطعم به ستين مسكينا؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ثم جلس فأتى النبي صلى الله‬
‫علييه وسيلم بفرق فييه تمير فقال‪ :‬تصيدق بهذا‪ ،‬فقال‪ :‬أعلى أفقير‬
‫مني؟ فما بين لبتيها أهل بيت أحوج إليه منا‪ ،‬قال‪ :‬فضحك النبي‬
‫صيلى الله علييه وسيلم حتيى بدت أنيابيه ثيم قال‪ :‬إذهيب فأطعميه‬
‫أهلك" واختلفوا ميين ذلك فييي مواضييع‪ :‬منهييا هييل الفطار متعمدا‬
‫بالكيل والشرب حكميه كلفطار فيي الجماع فيي القضاء والكفارة‬
‫أم ل؟ ومنها إذا جامع ساهيا ماذا عليه؟ ومنها ماذا على المرأة إذا‬
‫لم تكيين مكرهيية؟ ومنهييا هييل الكفارة واجبيية فيييه مترتبيية أو على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫التخييير؟ ومنهيا كيم المقدار الذي يجيب أن يعطيى كيل مسيكين إذا‬
‫كفيير بالطعام؟ ومنهييا هييل الكفارة متكررة بتكرر الجماع أم ل؟‬
‫ومنهيا إذا لزميه الطعام وكان معسيرا هيل يلزميه الطعام إذا أثرى‬
‫أم ل؟ وشيييييذ قوم فلم يوجبوا على المفطييييير عمدا بالجماع إل‬
‫القضاء فقيط‪ ،‬إميا لنيه لم يبلغهيم هذا الحدييث‪ ،‬وأميا أنيه لم يكين‬
‫المير عزمية فيي هذا الحدييث‪ ،‬لنيه لو كان عزمية لوجيب إذا لم‬
‫يسيتطع العتاق أو الطعام أن يصيوم‪ ،‬ول بيد إذا كان صيحيحا على‬
‫ظاهر الحديث‪ ،‬وأيضا لو كان عزمة لعلمه عليه الصلة والسلم‬
‫أنيه إذا صيح أنيه يجيب علييه الصييام أن لو كان مريضيا وكذلك شيذ‬
‫قوم أيضا فقالوا‪ :‬ليس عليه إل الكفارة فقط إذ ليس في الحديث‬
‫ذكير القضاء‪ ،‬والقضاء الواجيب بالكتاب إنميا هيو لمين أفطير ممين‬
‫يجوز له الفطيير‪ ،‬أو مميين ل يجوز له الصييوم على الختلف الذي‬
‫قررناه قبيل فيي ذلك‪ ،‬فأميا مين أفطير متعمدا فلييس فيي إيجاب‬
‫القضاء علييه نيص فيلحيق فيي قضاء المتعميد الخلف الذي لحيق‬
‫فيي قضاء تارك الصيلة عمدا حتيى خرج وقتهيا‪ ،‬إل أن الخلف فيي‬
‫هاتيين المسيألتين شاذ‪ .‬وأميا الخلف المشهور فهيو فيي المسيائل‬
‫التي عددناها قبل‪.‬‬
‫(أمييا المسييألة الولى) وهييي هييل تجييب الكفارة بالفطار بالكييل‬
‫والشرب متعمدا‪ ،‬فإن مالك وأصيييحابه وأبيييا حنيفييية وأصيييحابه‬
‫والثوري وجماعية ذهبوا إلى أن مين أفطير متعمدا بأكيل أو شرب‬
‫أن علييييه القضاء والكفارة المذكورة فيييي هذا الحدييييث‪ .‬وذهيييب‬
‫الشافعييي وأحمييد وأهييل الظاهيير إلى أن الكفارة إنمييا تلزم فييي‬
‫الفطار مين الجماع فقيط‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم اختلفهيم فيي‬
‫جواز قياس المفطر بالكل والشرب على المفطر بالجماع‪ ،‬فمن‬
‫رأى أن شبههما فيه واحد وهو انتهاك حرمة الصوم جعل حكمهما‬
‫واحد‪ .‬ومن رأى أنه وإن كانت الكفارة عقابا لنتهاك الحرمة فإنها‬
‫أشييد مناسييبة للجماع منهييا لغيره‪ ،‬وذلك أن العقاب المقصييود بييه‬
‫الردع والعقاب الكيبر قيد يوضيع لميا إلييه النفيس أمييل وهيو لهيا‬
‫أغلب مين الجنايات وإن كانيت الجنايية متقاربية إذ كان المقصيود‬
‫من ذلك إلتزام الناس بالشرائع‪ ،‬وأن يكونوا أخيارا عدول كما قال‬
‫تعالى {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم‬
‫تتقون} قال هذه الكفارة المغلظيية خاصيية بالجماع‪ ،‬وهذا إذا كان‬
‫ممين يرى القياس‪ .‬وأميا مين ل يرى القياس فأمره بيين أنيه لييس‬
‫يعدى حكيم الجماع إلى الكيل والشرب‪ .‬وأميا ميا روى مالك فيي‬
‫الموطيأ أن رجل أفطير فيي رمضان فأمره النيبي صيلى الله علييه‬
‫وسييلم بالكفارة المذكورة فليييس بحجيية لن قول الراوي فأفطيير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هيو مجميل‪ ،‬والمجميل لييس له عموم فيؤخيذ بيه‪ ،‬لكين هذا قول‬
‫على إن الراوي كان يرى أن الكفارة لموضيييع الفطار‪ ،‬ولول ذلك‬
‫لما عبر بهذا اللفظ ولذكر النوع من الفطر الذي أفطر به‪.‬‬
‫(وأما المسألة الثانية) وهو إذا جامع ناسيا لصومه‪ ،‬فإن الشافعي‬
‫وأبيييا حنيفييية يقولن‪ :‬ل قضاء علييييه ول كفارة‪ .‬قال مالك‪ :‬علييييه‬
‫القضاء دون الكفارة‪ .‬وقال أحميييد وأهيييل الظاهييير علييييه القضاء‬
‫والكفارة وسبب اختلفهم في قضاء الناسي معارضة ظاهر الثر‬
‫فيي ذلك للقياس وأميا القياس فهيو تشيبيه ناسيي الصيوم بناسيي‬
‫الصيلة‪ ،‬فمين شبهيه بناسيي الصيلة أوجيب علييه القضاء كوجوبيه‬
‫بالنييص على ناسييي الصييلة‪ .‬وأمييا الثيير المعارض بظاهره لهذا‬
‫القياس فهيو ميا خرجيه البخاري ومسيلم عين أبيي هريرة قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من نسي وهو صائم فأكل أو‬
‫شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" وهذا الثر يشهد له‬
‫عموم قوله عليه الصلة والسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان‬
‫ومييا اسييتكرهوا عليييه" وميين هذا الباب اختلفهييم فيميين ظيين أن‬
‫الشمس قد غربت فأفطر ثم ظهرت الشمس بعد ذلك هل عليه‬
‫قضاء أم ل؟ وذلك أن هذا مخطيئ‪ ،‬والمخطيئ والناسيي حكمهميا‬
‫واحيد‪ ،‬فكيفميا قلنيا فتأثيير النسييان فيي إسيقاط القضاء بيين والله‬
‫أعلم‪ .‬وذلك أن ّ يا إن قلنييا أن الصييل هييو أن ل يلزم الناسييي قضاء‬
‫حتييى يدل الدليييل على ذلك وجييب أن يكون النسيييان ل يوجييب‬
‫القضاء فييي الصييوم إذ ل دليييل ههنييا على ذلك بخلف الميير فييي‬
‫الصيلة‪ ،‬وإن قلنيا أن الصيل هيو إيجاب القضاء حتيى يدل الدلييل‬
‫على رفعه عن الناسي فقد دل الدليل في حديث أبي هريرة على‬
‫رفعييه عيين الناسييي‪ ،‬اللهييم إل أن يقول قائل‪ :‬إن الدليييل الذي‬
‫اسيتثنى ناسيي الصيوم مين ناسيي سيائر العبادات التيي رفيع عين‬
‫تاركهيا الحرج بالنيص هيو قياس الصيوم على الصيلة‪ ،‬ولكين إيجاب‬
‫القضاء فييه ضعيف‪ ،‬وإنميا القضاء عنيد الكثير واجيب بأمير متجدد‪.‬‬
‫وأميا مين أوجيب القضاء والكفارة على المجاميع ناسييا فضعييف‪،‬‬
‫فإن تأثير النسيان في إسقاط العقوبات بي ّن في الشرع والكفارة‬
‫من أنواع العقوبات وإنما أصارهم إلى ذلك أخذهم بمجمل الصفة‬
‫المنقولة فيي الحدييث أعنيي مين أنيه لم يذكير فييه أنيه فعيل ذلك‬
‫عمدا ول نسيانا‪ ،‬لكن من أوجب الكفارة على قاتل الصيد نسيانا‬
‫لم يحفيظ أصيله فيي هذا ميع أن النيص إنميا جاء فيي المتعميد‪ ،‬وقيد‬
‫كان يجيب على أهيل الظاهير أن يأخذوا بالمتفيق علييه وهيو إيجاب‬
‫الكفارة على العامييييد إلى أن يدل الدليييييل على إيجابهييييا على‬
‫الناسيي‪ ،‬أو يأخذوا بعموم قوله علييه الصيلة والسيلم "رفيع عين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أمتيي الخطيأ والنسييان" حتيى يدل الدلييل على التخصييص‪ ،‬ولكين‬


‫كل الفريقين لم يلزم أصله ولييس في مجميل ما نقل من حديث‬
‫العرابيي حجية‪ .‬ومين قال مين أهيل الصيول إن ترك التفصييل فيي‬
‫اختلف الحوال مين الشارع بمنزلة العموم فيي القوال فضعييف‪،‬‬
‫فإن الشارع لم يحكييم قييط إل على مفصييل وإنمييا الجمال فييي‬
‫حقنا‪.‬‬
‫(وأمييا المسييألة الثالثيية) وهييو اختلفهييم فييي وجوب الكفارة على‬
‫المرأة إذا طاوعتيه على الجماع‪ ،‬فإن أبيا حنيفية وأصيحابه ومالكيا‬
‫وأصييحابه أوجبوا عليهييا الكفارة‪ ،‬وقال الشافعييي وداود‪ :‬ل كفارة‬
‫عليهيا‪ .‬وسيبب اختلفهيم معارضية ظاهير الثير للقياس‪ ،‬وذلك أنيه‬
‫عليييه الصييلة والسييلم لم يأميير المرأة فييي الحديييث بالكفارة‪،‬‬
‫والقياس أنها مثل الرجل إذ كان كلهما مكلف‪.‬‬
‫(وأمييا المسييألة الرابعييه) وهييي هييل هذه الكفارة مرتبيية ككفارة‬
‫الظهار أو على التخييير‪ ،‬وأعنيي بالترتييب أن ل ينتقيل المكلف إلى‬
‫واحيييد مييين الواجبات المخيرة إل بعيييد العجيييز عييين الذي قبله‪،‬‬
‫وبالتخييير أن يفعيل منهيا ميا شاء ابتداء مين غيير عجيز عين الخير‬
‫فإنهم أيضا اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري‬
‫وسييائر الكوفيييين‪ :‬هييي غييير مرتبيية‪ ،‬فالعتييق أول‪ ،‬فإن لم يجييد‬
‫فالصيييييام‪ ،‬فإن لم يسييييتطع فالطعام‪ .‬وقال مالك‪ :‬هييييي على‬
‫التخيير‪ .‬وروى عنه ابن القاسم مع ذلك أنه بستحب الطعام أكثر‬
‫مين العتيق ومين الصييام‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي وجوب الترتييب‬
‫تعارض ظواهير الثار فيي ذلك والقيسية‪ ،‬وذلك أن ظاهير حدييث‬
‫العرابيي المتقدم يوجيب أنهيا على الترتييب إذ سيأله النيبي علييه‬
‫الصلة والسلم عن الستطاعة عليها مرتبا‪ ،‬وظاهر ما رواه مالك‬
‫ميين "أن رجل أفطيير فييي رمضان فأمره رسييول الله صييلى الله‬
‫علييه وسيلم أن يعتيق رقبيه أو يصيوم شهريين متتابعيين أو يطعيم‬
‫سيتين مسيكينا" أنهيا على التخييير‪ ،‬إذ أو إنميا تقتضيي فيي لسيان‬
‫العرب التخييير‪ ،‬وإن كان ذلك مين لفيظ الراوي الصياحب‪ ،‬إذ كانوا‬
‫هييييم أقعييييد بمفهوم الحوال ودللت القوال‪ .‬وأمييييا القيسيييية‬
‫المعارضيية فييي ذلك فتشبيههييا تارة بكفارة الظهار وتارة بكفارة‬
‫اليمييين‪ ،‬لكنهييا أشبييه بكفارة الظهار منهييا بكفارة اليمييين‪ ،‬وأخييذ‬
‫الترتيييب ميين حكاييية لفييظ الراوي‪ .‬وأمييا اسييتحباب مالك البتداء‬
‫بالطعام فمخالف لظواهير الثار‪ ،‬وإنميا ذهيب إلى هذا مين طرييق‬
‫القياس‪ ،‬لنيه رأى الصييام قيد وقيع بدله الطعام فيي مواضيع شتيى‬
‫مين الشرع‪ ،‬وإنيه مناسيب له أكثير مين غيره بدلييل قراءة مين قرأ‬
‫{وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مساكين} ولذلك استحب هو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجماعيية ميين العلماء لميين مات وعليييه صييوم أن يكفيير بالطعام‬


‫عنيه‪ ،‬وهذا كأنيه مين باب ترجييح القياس الذي تشهيد له الصيول‬
‫على الثر الذي ل تشهد له الصول‪.‬‬
‫(وأميا المسيألة الخامسية) وهيو اختلفهيم فيي مقدار الطعام‪ ،‬فإن‬
‫مالكيا والشافعيي وأصيحابهما قالوا‪ :‬يطعيم لكيل مسيكين مدا بميد‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم وقال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬ل يجزئ‬
‫أقل من مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك نصف صاع‬
‫لكييل مسييكين‪ .‬وسييبب اختلفهييم معارضيية القياس للثيير‪ .‬وأمييا‬
‫القياس فتشيبيه هذه الفديية بفديية الذى المنصيوص عليهيا‪ .‬وأميا‬
‫الثير فميا روي فيي بعيض طرق حدييث الكفارة أن الفرق كان فييه‬
‫خمسة عشر صاعا‪ ،‬لكن ليس يدل كونه فيه خمسة عشر صاعا‬
‫على الواجيب مين ذلك لكيل مسيكين إل دللة ضعيفية‪ ،‬وإنميا يدل‬
‫على أن بدل الصيام في هذه الكفارة هو هذا القدر‪.‬‬
‫(وأما المسألة السادسة) وهي تكرر الكفارة بتكرر الفطار فإنهم‬
‫أجمعوا على أن من وطئ في يوم رمضان ثم كفر ثم وطئ في‬
‫يوم آخر أن عليه كفارة أخرى‪ ،‬وأجمعوا على أنه من وطئ مرارا‬
‫فييي يوم واحييد أنييه ليييس عليييه إل كفارة واحدة‪ .‬واختلفوا فيميين‬
‫وطيئ فيي يوم مين رمضان ولم يكفير حتيى وطيئ فيي يوم ثان‪،‬‬
‫فقال مالك والشافعيي وجماعية‪ :‬علييه لكيل يوم كفارة‪ ،‬وقال أبيو‬
‫حنيفة وأصحابه‪ :‬عليه كفارة واحدة ما لم يكفر عن الجماع الول‪.‬‬
‫والسييبب فييي اختلفهييم تشييبيه الكفارات بالحدود‪ ،‬فميين شبههييا‬
‫بالحدود قال‪ :‬كفارة واحدة تجزئ فييي ذلك عيين أفعال كثيرة كمييا‬
‫يلزم الزانييي جلد واحييد‪ ،‬وإن زنييى ألف مرة إذا لم يحييد لواحدة‬
‫منهيا‪ .‬ومين لم يشبههيا بالحدود جعيل لكيل واحيد مين اليام حكميا‬
‫منفردا بنفسيه فيي هتيك الصيوم فييه أوجيب فيي كيل يوم كفارة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والفرق بينهمييا أن الكفارة فيهييا نوع ميين القربيية‪ .‬والحدود‬
‫زجر محض‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابع‪- :)2 ...‬القسم الثاني من الصوم المفروض‪... ...:‬‬
‫(وأميا المسيألة السيابعة) وهيي هيل يجيب علييه الطعام إذا أيسير‬
‫وكان معسرا في وقت الوجوب فإن الوزاعي قال‪ :‬ل شيء عليه‬
‫إن كان معسييرا‪ .‬وأمييا الشافعييي فتردد فييي ذلك‪ .‬والسييبب فييي‬
‫اختلفهييم فييي ذلك أنييه حكييم مسييكوت عنييه فيحتمييل أن يشبييه‬
‫بالديون فيعود الوجوب علييه فيي وقيت الثراء‪ ،‬ويحتميل أن يقال‪:‬‬
‫لو كان ذلك واجبا عليه لبينه له عليه الصلة والسلم‪ ،‬فهذه أحكام‬
‫من أفطر متعمدا في رمضان مما أجمع على أنه مفطر‪ .‬وأما من‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أفطر مما هو مختلف فيه‪ ،‬فإن بعض من أوجب فيه الفطر أوجب‬
‫فييه القضاء والكفارة وبعضهيم أوجيب فييه القضاء فقيط‪ ،‬مثيل مين‬
‫رأى الفطير فيي الحجامية ومين السيتقاء‪ ،‬ومين بلع الحصياة‪ ،‬ومثيل‬
‫المسافر يفطر أول يوم يخرج عند من يرى أنه ليس له أن يفطر‬
‫فيي ذلك اليوم‪ ،‬فإن مالكيا أوجيب فييه القضاء والكفارة‪ ،‬وخالفيه‬
‫فيي ذلك سيائر فقهاء المصيار وجمهور أصيحابه‪ .‬وأميا مين أوجيب‬
‫القضاء والكفارة من الستقاء فأبو ثور والوزاعي وسائر من يرى‬
‫أن السييتقاء مفطيير ل يوجبون إل القضاء فقييط‪ .‬والذي أوجييب‬
‫القضاء والكفارة في الحتجام من القائلين بأن الحجامة تفطر هو‬
‫عطاء وحده‪ .‬وسيبب هذا الخلف أن المفطير بشييء فييه اختلف‬
‫فيه شبه من غير المفطر ومن المفطر‪ .‬فمن غلب أحد الشبهين‬
‫أوجيب له ذلك الحكيم وهذان الشبهان الموجودان فييه هميا اللذان‬
‫أوجبيا فييه الخلف‪ ،‬أعنيي هيل هيو مفطير أو غيير مفطير‪ ،‬ولكون‬
‫الفطار شبهة ل يوجب الكفارة عند الجمهور وإنما يوجب القضاء‬
‫فقيط‪ ،‬نزع أبيو حنيفية إلى أنيه مين أفطير متعمدا للفطير ثيم طرأ‬
‫عليه في ذلك اليوم سبب مبيح للفطر أنه ل كفارة عليه كالمرأة‬
‫تفطيير عمدا ثييم تحيييض باقييي النهار‪ ،‬وكالصييحيح يفطيير عمدا ثييم‬
‫يمرض والحاضير يفطير ثيم يسيافر‪ ،‬فمين اعتيبر المير فيي نفسيه‬
‫أعنيي أنيه مفطير فيي يوم جاز له الفطار فييه لم يوجيب عليهيم‬
‫الكفارة‪ ،‬وذلك أن كيل واحيد مين هؤلء قيد كشيف له الغييب أنيه‬
‫أفطير فيي يوم جاز له الفطار فييه‪ ،‬ومين اعتيبر السيتهانه بالشرع‬
‫أوجيب علييه الكفارة‪ ،‬لنيه حيين أفطير لم يكين عنده علم بالباحية‪،‬‬
‫وهو مذهب مالك والشافعي‪ .‬ومن هذا الباب إيجاب مالك القضاء‬
‫ك فييي الفجيير‪ ،‬وإيجابييه القضاء‬‫فقييط على ميين أكييل وهييو شا ّيي‬
‫والكفارة على مين أكيل وهيو شاك فيي الغروب على ميا تقدم مين‬
‫الفرق بينهما‪ .‬واتفق الجمهور على أنه ليس في الفطر عمدا في‬
‫قضاء رمضان كفارة‪ ،‬لنيييه لييييس له حرمييية زمان الداء‪ :‬أعنيييي‬
‫رمضان‪ ،‬إل قتادة فإنيه أوجيب علييه القضاء والكفارة‪ .‬وروي عين‬
‫ابن القاسم وابن وهب أن عليه يومين قياسا على الحج الفاسد‪.‬‬
‫وأجمعوا على أن مين سينن الصيوم تأخيير السيحور وتعجييل الفطير‬
‫لقوله عليه الصلة والسلم " ل يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر‬
‫وأخروا السيحور" وقال "تسيحروا فإن فيي السيحور بركية" وقال‬
‫علييه الصيلة والسيلم "فصيل ميا بيين صييامنا وصييام أهيل الكتاب‬
‫أكلة السيييحر" وكذلك جمهورهيييم على أن مييين سييينن الصيييوم‬
‫ومرغباتييه كييف اللسييان عيين الرفييث والخنييا لقوله عليييه الصييلة‬
‫والسلم "إنما الصوم جنة‪ ،‬فإذا أصبح أحدكم صائما فل يرفث ول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يجهيل‪ ،‬فإن امرؤ شاتميه فليقيل إنيي صيائم" وذهيب أهيل الظاهير‬
‫إلى أن الرفث يفطر وهو شاذ فهذه مشهورات ما يتعلق بالصوم‬
‫المفروض مين المسيائل وبقيي القول فيي الصيوم المندوب إلييه‪،‬‬
‫وهو القسم الثاني من هذا الكتاب‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫*‪*3‬كتاب الصيام الثاني وهو المندوب إليه‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي الصييام المندوب إلييه هيو فيي تلك الركان الثلثية‬
‫وفي حكم الفطار فيه‪ .‬فأما اليام التي يقع فيها الصوم المندوب‬
‫إلييه وهيو الركين الول‪ ،‬فإنهيا على ثلثية أقسيام‪ :‬أيام مرغيب فيهيا‪،‬‬
‫وأيام منهيى عنهيا‪ ،‬وأيام مسيكوت عنهيا‪ .‬ومين هذه ميا هيو مختلف‬
‫فييه‪ ،‬ومنهيا ميا هيو متفيق علييه‪ .‬أميا المرغيب فييه المتفيق علييه‬
‫فصيام يوم عاشوراء‪ .‬وأما المختلف فيه فصيام يوم عرفة وست‬
‫من شوال والغرر من كل شهر‪ ،‬وهي الثالث عشر والرابع عشر‬
‫والخاميس عشير‪ .‬أميا صييام يوم عاشوراء‪ ،‬فلنيه ثبيت أن رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم صيامه وأمير بصييامه وقال فييه "مين‬
‫كان أصبح صائما فليتم صومه‪ ،‬ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية‬
‫يوميه" واختلفوا فييه هيل هيو التاسيع أو العاشير‪ .‬والسيبب فيي ذلك‬
‫اختلف الثار‪ ،‬خرج مسيلم عين ابين عباس قال‪ :‬إذا رأييت الهلل‬
‫المحرم فاعدد وأصيبح يوم التاسيع صيائما‪ ،‬قلت‪ :‬هكذا كان محميد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬وروي "أنه‬
‫حيين صيام رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يوم عاشوراء وأمير‬
‫بصيييامه قالوا‪ :‬يييا رسييول الله إنييه يوم يعظمييه اليهود والنصييارى‪،‬‬
‫فقال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬فإذا كان العام المقبيل‬
‫إن شاء الله صييمنا اليوم التاسييع" قال‪ :‬فلم يأتييي العام المقبييل‬
‫حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وأما اختلفهم في‬
‫يوم عرفية‪ ،‬فلن النيبي علييه الصيلة والسيلم أفطير يوم عرفية‪،‬‬
‫وقال فييه "صييام يوم عرفية يكفير السينة الماضيية والتيية" ولذلك‬
‫اختلف الناس فيييي ذلك‪ ،‬واختار الشافعيييي الفطييير فييييه للحاج‬
‫وصيامه لغير الحاج جمعا بين الثرين‪ .‬وخرج أبو داود "أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة" وأما‬
‫الست من شوال فإنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال "ميين صييام رمضان ثييم أتبعييه سييتا ميين شوال كان كصيييام‬
‫الدهر" إل أن مالكا كره ذلك‪ ،‬إما مخافة أن يلحق الناس برمضان‬
‫ما لييس فيي رمضان‪ ،‬وإميا ل نه لعله لم يبلغه الحديث أو لم يصيح‬
‫عنده وهو الظهر‪ ،‬وكذلك كره مالك تحري صيام الغرر مع ما جاء‬
‫فيهيا مين الثير مخافية أن يظين الجهال بهيا أنهيا واجبية‪ ،‬وثبيت "أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم كان يصيوم مين كيل شهير ثلثية‬
‫أيام غيير معينية‪ ،‬وأنيه قال لعبيد الله بين عمرو بين العاص لميا أكثير‬
‫الصيام‪" :‬أما يكفيك من كل شهر ثلثة أيام؟ قال‪ :‬فقلت يا رسول‬
‫الله إنيي أطييق أكثير مين ذلك‪ ،‬قال‪ :‬خمسيا‪ ،‬قلت‪ :‬ييا رسيول الله‬
‫إنيي أطييق أكثير مين ذلك‪ ،‬قال‪ :‬سيبعا‪ ،‬قلت‪ :‬ييا رسيول الله إنيي‬
‫أطييق أكثير مين ذلك‪ ،‬قال‪ :‬تسيعا‪ ،‬قلت‪ :‬ييا رسيول الله إنيي أطييق‬
‫أكثير مين ذلك‪ ،‬قال‪ :‬أحيد عشير‪ ،‬قلت‪ :‬ييا رسيول الله إنيي أطييق‬
‫أكثير مين ذلك‪ ،‬فقال علييه الصيلة والسيلم‪ :‬ل صيوم فوق صييام‬
‫داود‪ ،‬شطر الدهر صيام يوم‪ ،‬وإفطار يوم"‬
‫وخرج أبيو داود "أنيه كان يصيوم يوم الثنيين ويوم الخمييس" وثبيت‬
‫أنيه لم يسيتتم قيط شهرا بالصييام غيير رمضان‪ ،‬وإن أكثير صييامه‬
‫كان في شعبان‪ .‬وأما اليام المنهى عنها‪ ،‬فمنها أيضا متفق عليها‪،‬‬
‫ومنهيا مختلف فيهيا‪ .‬أميا المتفيق عليهيا فيوم الفطير ويوم الضحيى‬
‫لثبوت النهييي عيين صيييامهما‪ .‬وأميا المختلف فيهييا فأيام التشريييق‬
‫ويوم الشك ويوم الجمعة ويوم السبت والنصف الخر من شعبان‬
‫وصيييام الدهيير‪ .‬أمييا أيام التشريييق فإن أهييل الظاهيير لم يجيزوا‬
‫الصوم فيها‪ .‬وقوم أجازوا ذلك فيها‪ .‬وقوم كرهوه‪ ،‬وبه قال مالك‪،‬‬
‫إل أنه أجاز صيامها لمن وجب عليه الصوم في الحج وهو المتمتع‪،‬‬
‫وهذه اليام هيي الثلثية اليام التيي بعيد يوم النحير‪ .‬والسيبب فيي‬
‫اختلفهييم تردد قوله عليييه الصييلة والسييلم فييي "إنهييا أيام أكييل‬
‫وشرب" بيين أن يحميل على الوجوب أو على الندب‪ ،‬فمين حمله‬
‫على الوجوب قال‪ :‬الصيييوم يحرم‪ ،‬ومييين حمله على الندب قال‪:‬‬
‫الصيوم مكروه‪ ،‬ويشبيه أن يكون مين حمله على الندب إنميا صيار‬
‫إلى ذلك وغلبه على الصل الذي هو حمله على الوجوب لنه رأى‬
‫أنييه إن حمله على الوجوب عارضييه حديييث أبييي سييعيد الخدري‬
‫الثابيت بدلييل الخطاب‪ ،‬وهيو أنيه قال‪ :‬سيمعت رسيول الله صيلى‬
‫الله عليه وسلم يقول "ل يصح الصيام في يومين يوم الفطر من‬
‫رمضان ويوم النحيير" فدليييل الخطاب يقتضييي أن مييا عدا هذييين‬
‫اليوميين يصيح الصييام فييه‪ ،‬وإل كان تخصييصهما عبثيا ل فائدة فييه‪.‬‬
‫وأميا يوم الجمعية فإن قوميا لم يكرهوا صييامه‪ ،‬ومين هؤلء مالك‬
‫وأصيحابه وجماعية‪ ،‬وقوم كرهوا صييامه إل أن يصيام قبله أو بعده‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم اختلف الثار فيي ذلك‪ ،‬فمنهيا حدييث ابين‬
‫مسعود "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلثة أيام من‬
‫كل شهر قال‪ :‬وما رأيته يفطر يوم الجمعة" وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫ومنهييا حديييث جابر "أن سييائل سييأل جابرا أسييمعت رسييول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم؟ قال‪ :‬نعم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ورب هذا البيت" خرجه مسلم‪ .‬ومنها حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "ل يصيوم أحدكيم يوم الجمعية‬
‫إل أن يصيوم قبله أو يصيوم بعده" خرجيه أيضيا مسيلم‪ ،‬فمين أخيذ‬
‫بظاهير حدييث ابين مسيعود‪ ،‬أجاز صييام يوم الجمعية مطلقيا‪ ،‬ومين‬
‫أخذ بظاهر حديث جابر كرهه مطلقا‪ ،‬ومن أخذ بحديث أبي هريرة‬
‫جمع بين الحديثين‪ ،‬أعني حديث جابر وحديث ابن مسعود‪.‬‬
‫وأمييا يوم الشييك فإن جمهور العلماء على النهييي عيين صيييام يوم‬
‫الشييك على أنييه ميين رمضان لظواهيير الحاديييث التييي يوجييب‬
‫مفهومهيا تعلق الصيوم بالرؤيية أو بإكمال العدد إل ميا حكيناه عين‬
‫ابين عمير‪ ،‬واختلفوا فيي تحري صييامه تطوعيا‪ ،‬فمنهيم مين كرهيه‬
‫على ظاهيير حديييث عمار "ميين صييام يوم الشييك فقييد عصييى أبييا‬
‫القاسم" ومن أجازه فلنه قد روي أنه عليه الصلة والسلم صام‬
‫شعبان كله‪ ،‬ولميا قيد روي مين أنيه علييه الصيلة والسيلم قال "ل‬
‫تتقدموا رمضان بيوم ول بيوميييين إل أن يوافيييق ذلك صيييوما كان‬
‫يصومه أحدكم فليصمه" وكان الليث بن سعد يقول‪ :‬إنه إن صامه‬
‫على أنيه مين رمضان ثيم جاء الثبيت أنيه مين رمضان أجزأه‪ ،‬وهذا‬
‫دليل على أن النية تقع بعد الفجر في التحول من نية التطوع إلى‬
‫نية الفرض‪ .‬وأما يوم السبت‪ ،‬فالسبت في اختلفهم فيه اختلفهم‬
‫في تصحيح ما روي من أنه عليه الصلة والسلم قال "ل تصوموا‬
‫يوم السيييبت إل فيميييا افترض عليكيييم" خرجيييه أبيييو داود‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫والحدييث منسيوخ‪ ،‬نسيخة حدييث جويريية بنيت الحارث "أن النيبي‬
‫عليه الصيلة والسلم دخل علي ها يوم الجمعة وهيي صائمة فقال‪:‬‬
‫صيمت أميس؟ فقالت‪ :‬ل‪ ،‬فقال‪ :‬تريديين أن تصيومي غدا؟ قالت‪:‬‬
‫ل‪ ،‬قال‪ :‬فأفطري"‪.‬‬
‫وأميا صييام الدهير فإنيه قيد ثبيت النهيي عين ذلك‪ ،‬لكين مالك لم يير‬
‫بذلك بأسيا‪ ،‬وعسيى رأى النهيي فيي ذلك إنميا هيو مين باب خوف‬
‫الضعف والمرض‪ .‬وأما صيام النصف الخر من شعبان‪ ،‬فإن قوما‬
‫كرهوه‪ ،‬وقومييا أجازوه‪ ،‬فميين كرهوه فلمييا روي ميين أنييه عليييه‬
‫الصييلة والسييلم قال "ل صييوم بعييد النصييف ميين شعبان حتييى‬
‫رمضان" وميين أجازه فلمييا روي عيين أم سييلمة قالت "مييا رأيييت‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم صييام شهرييين متتابعييين إل‬
‫شعبان ورمضان" ولميا روي عين ابين عمير قال "كان رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم يقرن شعبان برمضان" وهذه الثار خرجهيا‬
‫الطحاوي‪ .‬وأمييا الركيين الثانييي وهييو النييية فل أعلم أن أحدا لم‬
‫يشترط النية في صوم التطوع‪ ،‬وإنما اختلفوا في وقت النية على‬
‫ميا تقدم‪ .‬وأميا الركين الثالث وهيو المسياك عين المفطرات فهيو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بعينييه المسيياك الواجييب فييي الصييوم المفروض‪ ،‬والختلف الذي‬


‫هنالك لحيق ههنيا‪ .‬وأميا حكيم الفطار فيي التطوع فإنهيم أجمعوا‬
‫على أنه ليس على من دخل في صيام تطوع فقطعه لعذر قضاء‪.‬‬
‫واختلفوا إذا قطعييه لغييير عذر عامدا‪ ،‬فأوجييب مالك وأبييو حنيفيية‬
‫عليه القضاء‪ ،‬وقال الشافعي وجماعة‪ :‬ليس عليه قضاء‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم اختلف الثار في ذلك‪ ،‬وذلك أن مالكا روى‬
‫أن حفصية وعائشية زوجيي النيبي علييه الصيلة والسيلم أصيبحتا‬
‫صييائمتين متطوعتييين‪ ،‬فأهدى لهمييا الطعام فأفطرتيا عليييه‪ ،‬فقال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬اقضييا يوميا مكانيه" وعارض‬
‫هذا حدييث أم هانيئ قالت "لميا كان يوم الفتيح فتيح مكية‪ ،‬جاءت‬
‫فاطمة فجلست عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم‬
‫هانيئ عين يمينيه‪ ،‬قالت‪ :‬فجاءت الوليدة بإناء فييه شراب‪ ،‬فناولتيه‬
‫فشرب منه‪ ،‬ثم ناوله أم هانئ فشربت منه‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول الله‬
‫لقد أفطرت وكنت صائمة‪ ،‬فقال لها عليه الصلة والسلم‪ :‬أكنت‬
‫تقضييين شيئا؟ قالت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فل يضرك إن كان تطوعييا" واحتييج‬
‫الشافعيي فيي هذا المعنيى بحدييث عائشية أنهيا قالت "دخيل علي‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم فقلت‪ :‬أنييا خبأت لك خبئا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أميا إنيي كنيت أرييد الصييام ولكين قربييه" وحدييث عائشية‬
‫وحفصة غير مسند‪.‬‬
‫ولختلفهيم أيضيا فيي هذه المسيألة سيبب آخير‪ ،‬هيو تردد الصيوم‬
‫التطوع بيين قياسيه على صيلة التطوع أو على حيج التطوع‪ ،‬وذلك‬
‫أنهيم أجمعوا على أن مين دخيل فيي الحيج والعمرة متطوعيا يخرج‬
‫منهمييا أن عليييه القضاء‪ .‬وأجمعوا على أن ميين خرج ميين صييلة‬
‫التطوع فلييس علييه قضاء فيميا علميت‪ ،‬وزعيم مين قاس الصيوم‬
‫على الصلة أنه أشبه بالصلة منه بالحج‪ ،‬لن الحج له حكم خاص‬
‫في هذا المعنى‪ ،‬وهو أنه يلزم المفسد له المسير فيه إلى آخره‪،‬‬
‫وإذا أفطيير فييي التطوع ناسيييا فالجمهور على أن ل قضاء عليييه‪،‬‬
‫وقال ابين عليية علييه القضاء قياسيا على الحيج‪ ،‬ولعيل مالكيا حميل‬
‫حدييث أم هانيئ على النسييان‪ ،‬وحدييث أم هانيئ خرجيه أبيو داود‪،‬‬
‫وكذلك خرج حديث عائشة بقريب من اللفظ الذي ذكرناه‪ ،‬وخرج‬
‫حديث عائشة وحفصة بعينه‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب العتكاف‪.‬‬
‫@‪-‬والعتكاف مندوب إليييه بالشرع واجييب بالنذر‪ ،‬ول خلف فييي‬
‫ذلك إل ما روي عن مالك أنه كره الدخول فيه مخافة أن ل يوفى‬
‫شرطه وهو في رمضان أكثير منه في غيره‪ ،‬وبخاصة في العشر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الواخر منه‪ ،‬إذ كان ذلك هو آخر اعتكافه صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وهيو بالجملة يشتميل على عميل مخصيوص فيي موضيع مخصيوص‬
‫وفيي زمان مخصيوص بشروط مخصيوصة وتروك مخصيوصة‪ .‬فأميا‬
‫العمل الذي يخصه ففيه قولن‪ :‬قيل إنه الصلة وذكر الله وقراءة‬
‫القرآن ل غييير ذلك ميين أعمال البر والقرب‪ ،‬وهييو مذهييب ابيين‬
‫القاسيم‪ .‬وقييل جمييع أعمال القرب والبر المختصية بالخرة‪ ،‬وهيو‬
‫مذهيييب ابييين وهيييب‪ ،‬فعلى هذا المذهيييب يشهيييد الجنائز ويعود‬
‫المرضيى ويدرس العلم‪ ،‬وعلى المذهيب الول ل‪ ،‬وهذا هيو مذهيب‬
‫الثوري‪ ،‬والول هو مذهب الشافعي وأبي حنيفة‪ .‬وسبب اختلفهم‬
‫أن ذلك شييء مسيكوت عنيه‪ ،‬أعنيي أنيه لييس فييه حيد مشروع‬
‫بالقول‪ ،‬فميين فهييم ميين العتكاف حبييس النفييس على الفعال‬
‫المختصية بالمسياجد قال‪ :‬ل يجوز للمعتكيف إل الصيلة والقراءة‪.‬‬
‫ومين فهيم منيه حبيس النفيس على القرب الخرويية كلهيا أجاز له‬
‫غير ذلك مما ذكرناه‪ .‬وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال‪ :‬من‬
‫اعتكيف ل يرفيث ول يسياب‪ ،‬وليشهيد الجمعية والجنازة‪ ،‬ويوصيي‬
‫أهله إذا كانييت له حاجيية وهييو قائم ول يجلس‪ .‬ذكره عبييد الرزاق‪.‬‬
‫وروي عن عائشة خلف هذا‪ ،‬وهو أن السنة للمعتكف أن ل يشهد‬
‫جنازة ول يعود مريضا‪ ،‬وهذا أيضا أحد ما أوجب الختلف في هذا‬
‫المعنيى‪ .‬وأميا المواضيع التيي يكون فيهيا العتكاف‪ ،‬فإنهيم اختلفوا‬
‫فيهييا فقال قوم‪ :‬ل اعتكاف إل فييي المسيياجد الثلثيية بيييت الله‬
‫الحرام وبييت المقدس ومسيجد النيبي علييه الصيلة والسيلم وبيه‬
‫قال حذيفة وسعيد بن المسيب‪ .‬وقال آخرون‪ :‬العتكاف عام في‬
‫كيل مسيجد‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأبيو حنيفية والثوري‪ ،‬وهيو مشهور‬
‫مذهيب مالك‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ل اعتكاف إل فيي مسيجد فييه جمعية‪،‬‬
‫وهيي روايية ابين عبيد الحكيم عين مالك‪ .‬وأجميع الكيل على أن مين‬
‫شرط العتكاف المسجد‪ ،‬إل ما ذهب إليه ابن لبابة من أنه يصح‬
‫فيي غيير مسيجد‪ ،‬وأن مباشرة النسياء إنميا حرميت على المعتكيف‬
‫إذا اعتكيف فييي المسيجد‪ ،‬وإل ميا ذهيب إلييه أبيو حنيفية مين أن‬
‫المرأة إنما تعتكف في مسجد بيتها‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم فييي اشتراط المسييجد أو ترك اشتراطييه هييو‬
‫الحتمال الذي في قوله تعالى {ول تباشروهن وأنتم عاكفون في‬
‫المسيياجد} بييين أن يكون له دليييل خطاب أو ل يكون له؟ فمنيين‬
‫قال له دليييل خطاب قال‪ :‬ل اعتكاف إل فييي مسييجد‪ ،‬وإن ميين‬
‫شرط العتكاف ترك المباشرة‪ .‬وميين قال ليييس له دليييل خطاب‬
‫قال‪ :‬المفهوم منييه أن العتكاف جائز فييي غييير المسييجد وأنييه ل‬
‫يمنييع المباشرة لن قائل لو قال‪ :‬ل تعييط فلنييا شيئا إذا كان داخل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فييي الدار لكان مفهوم دليييل الخطاب يوجييب أن تعطيييه إذا كان‬
‫خارج الدار‪ ،‬ولكين هيو قول شاذ‪ .‬والجمهور على أن العكوف إنميا‬
‫أضييف إلى المسياجد لنهيا مين شرطيه‪ .‬وأميا سيبب اختلفهيم فيي‬
‫تخصيييص بعييض المسيياجد أو تعميمهييا فمعارضيية العموم للقياس‬
‫المخصص له‪ ،‬فمن رجح العموم قال‪ :‬في كل مسجد على ظاهر‬
‫الييية‪ .‬وميين انقدح له تخصيييص بعييض المسياجد مين ذلك العموم‬
‫بقياس اشترط أن يكون مسييجدا فيييه جمعيية لئل ينقطييع عمييل‬
‫المعتكف بالخروج إلى الجمعة‪ ،‬أو مسجدا تشد إليه المطي مثل‬
‫مسيجد النيبي صيلى الله علييه وسيلم الذي وقيع فييه اعتكافيه‪ ،‬ولم‬
‫يقيس سيائر المسياجد علييه إذ كانيت غيير مسياوية له فيي الحرمية‪.‬‬
‫وأميا سيبب اختلفهيم فيي اعتكاف المرأة فمعارضية القياس أيضيا‬
‫للثر‪ ،‬وذلك "أنه ثبت أن حفصة وعائشة وزينب أزواج النبي صلى‬
‫الله علييه وسيلم اسيتأذن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فيي‬
‫العتكاف في المسجد‪ ،‬فأذن لهم حين ضربن أخبيتهن فيه" فكان‬
‫هذا الثييير دليل على جواز اعتكاف المرأة فيييي المسيييجد‪ .‬وأميييا‬
‫القياس المعارض لهذا فهييو قياس العتكاف على الصييلة‪ ،‬وذلك‬
‫أنه لما كانت صلة المرأة في بيتها أفضل منها في المسجد على‬
‫ما جاء الخبر وجب أن يكون العتكاف في بيتها أفضل قالوا وإنما‬
‫يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد مع زوجها فقط على نحو ما‬
‫جاء فيي الثير مين اعتكاف أزواجيه علييه الصيلة والسيلم معيه كميا‬
‫تسيافر معيه ول تسيافر مفردة‪ ،‬وكأنيه نحيو مين الجميع بيين القياس‬
‫والثر‪.‬‬
‫وأمييا زمان العتكاف فليييس لكثره عندهييم حييد واجييب‪ ،‬وإن كان‬
‫كلهيم يختار العشير الواخير مين رمضان بيل يجوز الدهير كله‪ ،‬إميا‬
‫مطلقيا عنيد مين ل يرى الصيوم مين شروطيه‪ ،‬وإميا ميا عدا اليام‬
‫التي ل يجوز صومها عند من يرى الصوم من شروطه‪ .‬وأما أقله‬
‫فإنهيم اختلفوا فييه‪ ،‬وكذلك اختلفوا فيي الوقيت الذي يدخيل فييه‬
‫المعتكيف لعتكافيه وفيي الوقيت الذي يخرج فييه منيه‪ .‬أميا أقيل‬
‫زمان العتكاف‪ ،‬فعنيد الشافعيي وأبيي حنيفية وأكثير الفقهاء أنيه ل‬
‫حييد له‪ .‬واختلف عيين مالك فييي ذلك فقيييل ثلثيية أيام‪ ،‬وقيييل يوم‬
‫وليلة‪ .‬وقال ابين القاسيم عنيه أقله عشرة أيام‪ ،‬وعنيد البغدادييين‬
‫ميين أصييحابه أن العشرة اسييتحباب وأن أقله يوم وليلة‪ .‬والسييبب‬
‫فيي اختلفهيم معارضية القياس للثير؛ أميا القياس فإنيه مين اعتقيد‬
‫أن ميين شرطييه الصييوم قال‪ :‬ل يجوز اعتكاف ليلة‪ ،‬وإذا لم يجييز‬
‫اعتكافييه ليلة فل أقييل ميين يوم وليلة‪ ،‬إذ انعقاد صييوم النهار إنمييا‬
‫يكون بالليل‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا الثير المعارض فميا خرجيه البخاري مين "أن عمير رضيي الله‬
‫عنيه نذر أن يعتكيف ليلة فأمره رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫أن يفي بنذره" ول معنى للنظر مع الثابت من مذهب الثر‪ .‬وأما‬
‫اختلفهيم فيي الوقيت الذي يدخيل فييه المعتكيف إلى اعتكافيه إذا‬
‫نذر أياميا معدودة أو يوميا واحدا‪ ،‬فإن مالكيا والشافعيي وأبيا حنيفية‬
‫اتفقوا على أنيه مين نذر اعتكاف شهير أنيه يدخيل المسيجد قبيل‬
‫غروب الشمس‪ .‬وأما من نذر أن يعتكف يوما فإن الشافعي قال‪:‬‬
‫من أراد أن يعتكف يوما واحدا دخل قبل طلوع الفجر‪ ،‬وخرج بعد‬
‫غروبهييا‪ .‬وأمييا مالك فقوله فييي اليوم والشهيير واحييد بعينييه‪ ،‬وقال‬
‫زفير واللييث‪ :‬يدخيل قبيل طلوع الفجير‪ ،‬واليوم والشهير عندهميا‬
‫سيييواء‪ .‬وفرق أبيييو ثور بيييين نذر الليالي واليام فقال‪ :‬إذا نذر أن‬
‫يعتكيف عشرة أيام دخيل قبيل طلوع الفجير‪ ،‬وإذا نذر عشير ليالي‬
‫دخيل قبيل غروبهيا‪ .‬وقال الوزاعيي‪ :‬يدخيل فيي اعتكافيه بعيد صيلة‬
‫الصيبح‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم معارضية القيسية بعضهيا بعضيا‪،‬‬
‫ومعارضية الثير لجميعهيا؛ وذلك أنيه مين رأى أن أول الشهير ليلة‬
‫واعتيبر الليالي قال‪ :‬يدخيل قبيل مغييب الشميس‪ ،‬ومين لم يعتيبر‬
‫الليالي قال‪ :‬يدخل قبل الفجر‪ ،‬ومن رأى أن اسم اليوم يقع على‬
‫الليييل والنهار معييا أوجييب إن نذر يومييا أن يدخييل قبييل غروب‬
‫الشمييس‪ ،‬وميين رأى أنييه إنمييا ينطلق على النهار أوجييب الدخول‬
‫قبيل طلوع الفجير‪ ،‬ومين رأى أن اسيم اليوم خاص بالنهار واسيم‬
‫الليل بالليل فرق بين أن ينذر أياما أو ليالي‪.‬‬
‫والحق أن اسم اليوم في كلم العرب قد يقال على النهار مفردا‪،‬‬
‫وقييد يقال على الليييل والنهار معييا‪ ،‬لكيين يشبييه أن يكون دللتييه‬
‫الولى إنمييا هييي على النهار‪ ،‬ودللتييه على الليييل بطريييق اللزوم‪.‬‬
‫وأمييا الثيير المخالف لهذه القيسيية كلهييا فهييو مييا خرجييه البخاري‬
‫وغيره من أهل الصحيح عن عائشة قالت "كان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يعتكف في رمضان وإذا صلى الغداة دخل مكانه‬
‫الذي كان يعتكييف فيييه"‪ .‬وأمييا وقييت خروجييه‪ ،‬فإن مالكييا رأى أن‬
‫يخرج المعتكف العشر الواخر من رمضان من المسجد إلى صلة‬
‫العيييد على جهيية السييتحباب‪ ،‬وأنييه إن خرج بعييد غروب الشمييس‬
‫أجزأه‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬بل يخرج بعد غروب الشمس‪.‬‬
‫وقال سحنون وابن الماجشون‪ :‬إن رجع إلى بيته قبل صلة العيد‬
‫فيس اعتكافيه‪ .‬وسيبب الختلف هيل الليلة الباقيية هيي مين حكيم‬
‫العشير أم ل؟ وأميا شروطيه فثلث‪ :‬النيية والصييام وترك مباشرة‬
‫النساء‪ .‬أما النية فل أعلم فيها اختلفا‪ .‬وأما الصيام فإنهم اختلفوا‬
‫فيييه؛ فذهييب مالك وأبييو حنيفيية وجماعيية إلى أنييه ل اعتكاف إل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالصيوم‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬العتكاف جائز بغيير صيوم‪ ،‬وبقول مالك‬


‫قال من الصحابة ابن عمر وابن عباس على خلف عنه في ذلك‪،‬‬
‫وبقول الشافعيي قال علي وابين مسيعود‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم‬
‫أن اعتكاف رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم إنمييا وقييع فييي‬
‫رمضان فميين رأى أن الصييوم المقترن باعتكافييه هييو شرط فييي‬
‫العتكاف وإن لم يكيين الصييوم للعتكاف نفسييه قال‪ :‬لبييد ميين‬
‫الصيوم ميع العتكاف‪ ،‬ومين رأى أنيه إنميا اتفيق ذلك اتفاقيا ل على‬
‫أن ذلك كان مقصودا له عليه الصلة والسلم في العتكاف قال‪:‬‬
‫ليس الصوم من شرطه‪.‬‬
‫ولذلك أيضيا سيبب آخير وهيو اقترانيه فيي آيية واحدة‪ .‬وقيد احتيج‬
‫الشافعييي بحديييث عميير المتقدم وهييو أنييه أمره عليييه الصييلة‬
‫والسييلم أن يعتكييف ليلة والليييل ليييس بمحييل للصيييام‪ .‬واحتجييت‬
‫المالكية بما روى عبد الرحمن بن إسحاق عن عروة عن عائشة‬
‫أنهيا قالت‪ :‬السينة للمعتكيف أن ل يعود مريضيا ول يشهيد جنازة ول‬
‫يمييس امرأة ول يباشرهييا ول يخرج إل إلى مييا لبييد له منييه‪ ،‬ول‬
‫اعتكاف إل بصوم‪ ،‬ول اعتكاف إل في مسجد جامع‪ .‬قال أبو عمر‬
‫بين عبيد البر‪ :‬لم يقيل أحيد فيي حدييث عائشية‪ :‬هذه السينة إل عبيد‬
‫الرحميين بيين إسييحق‪ ،‬ول يصييح هذا الكلم عندهييم إل ميين قول‬
‫الزهري‪ ،‬وإن كان المر هكذا بطل أن يجري مجرى المسند‪ .‬وأما‬
‫الشرط الثالث وهييي المباشرة فإنهييم أجمعوا على أن المعتكييف‬
‫إذا جاميع عامدا بطيل اعتكافيه إل ميا روي عين ابين لبابية فيي غيير‬
‫المسييجد‪ ،‬واختلفوا فيييه إذا جامييع ناسيييا‪ ،‬واختلفوا فييي فسيياد‬
‫العتكاف بمييا دون الجماع ميين القبلة واللمييس‪ ،‬فرأى مالك أن‬
‫جمييع ذلك يفسيد العتكاف‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬لييس فيي المباشرة‬
‫فسيياد إل أن ينزل‪ ،‬وللشافعييي قولن‪ :‬أحدهمييا مثييل قول مالك‪.‬‬
‫والثاني مثل قول أبي حنيفة‪ .‬وسبب اختلفهم هل السم المتردد‬
‫بييين الحقيقيية والمجاز له عموم أم ل؟ وهييو أحييد أنواع السييم‬
‫المشترك‪ ،‬فميين ذهييب إلى أن له عمومييا قال‪ :‬إن المباشرة فييي‬
‫قوله تعالى {ول تباشروهين وأنتيم عاكفون فيي المسياجد} ينطلق‬
‫على الجماع وعلى ما دونه‪ ،‬ومن لم ير عموما وهو الشهر الكثر‬
‫قال‪ :‬يدل إما على الجماع وإما على ما دون الجماع‪ ،‬فإذا قلنا إنه‬
‫يدل على الجماع بإجماع بطييييل أن يدل على غييييير الجماع‪ ،‬لن‬
‫السييم الواحييد ل يدل على الحقيقيية والمجاز معييا‪ ،‬وميين أجرى‬
‫النزال بمنزلة الوقاع فلنه في معناه‪ ،‬ومن خالف فلنه ل ينطلق‬
‫عليييه السييم حقيقيية‪ ،‬واختلفوا فيمييا يجييب على المجامييع فقال‬
‫الجمهور‪ :‬ل شيييء عليييه‪ ،‬وقال قوم‪ :‬عليييه كفارة‪ ،‬فبعضهييم قال‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كفارة المجامع في رمضان‪ ،‬وبه قال الحسن‪ ،‬وقال قوم‪ :‬يتصدق‬


‫بديناريين‪ ،‬وبيه قال مجاهيد‪ ،‬وقال قوم‪ :‬يعتيق رقبية‪ ،‬فإن لم يجيد‬
‫أهدى بدنة‪ ،‬فإن لم يجد تصدق بعشرين صاعا من تمر‪.‬‬
‫وأصل الخلف هل يجوز القياس في الكفارة أم ل؟ والظهر أنه ل‬
‫يجوز‪ ،‬واختلفوا في مطلق النذر بالعتكاف هل من شرطه التتابع‬
‫أم ل؟ فقال مالك وأبيو حنيفية‪ :‬ذلك مين شرطيه‪ .‬وقال الشافعيي‪:‬‬
‫لييس مين شرطيه ذلك‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم قياسيه على نذر‬
‫الصيوم المطلق‪ .‬وأميا موانيع العتكاف‪ ،‬فاتفقوا على أنهيا ميا عدا‬
‫الفعال التيي هيي أعمال المعتكيف وأنيه ل يجوز للمعتكيف الخروج‬
‫من المسجد إل لحاجة النسان أو ما هو في معناها مما تدعو إليه‬
‫الضرورة لميا ثبيت مين حدييث عائشية أنهيا قالت "كان رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم إذا اعتكييف يدنييي إلي رأسييه وهييو فييي‬
‫المسيييجد فأرجله‪ ،‬وكان ل يدخيييل البييييت إل لحاجييية النسيييان"‬
‫واختلفوا إذا خرج لغيييير حاجييية متيييى ينقطيييع اعتكافيييه‪ ،‬فقال‬
‫الشافعيي‪ :‬ينتقيض اعتكافيه عنيد أول خروجيه وبعضهيم رخيص فيي‬
‫السياعة‪ ،‬وبعضهيم فيي اليوم‪ ،‬واختلفوا هيل له أن يدخيل بيتيا غيير‬
‫بييت مسيجده؟ فرخيص فييه بعضهيم وهيم الكثير مالك والشافعيي‬
‫وأبيو حنيفية‪ .‬ورأى بعضهيم أن ذلك يبطيل اعتكافيه‪ ،‬وأجاز مالك له‬
‫البيع والشراء وأن يلي عقد النكاح وخالفه غيره في ذلك‪ .‬وسبب‬
‫اختلفهم أنه ليس في ذلك حد منصوص عليه إل الجتهاد وتشبيه‬
‫ميا لم يتفقوا علييه بميا اتفقوا علييه‪ .‬واختلفوا أيضيا هيل للمعتكيف‬
‫أن يشترط فعيل شييء مميا يمنعيه العتكاف فينفعيه شرطيه فيي‬
‫الباحية أم لييس ينفعيه مثيل ذلك أن يشترط شهود جنازة أو غيير‬
‫ذلك؟ فأكثير الفقهاء على أن شرطيه ل ينفعيه‪ ،‬وأنيه إن فعيل بطيل‬
‫اعتكافيه‪ ،‬وقال الشافعيي‪ :‬ينفعيه شرطيه‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم‬
‫تشيبيههم العتكاف بالحيج فيي أن كليهميا عبادة مانعية لكثيير مين‬
‫المباحات والشتراط فييي الحييج إنمييا صييار إليييه ميين رآه لحديييث‬
‫ضباعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها‪ :‬أهلي بالحج‬
‫واشترطيي أن تحلي حييث حبسيتني" لكين هذا الصيل مختلف فييه‬
‫في الحج‪ ،‬فالقياس فيه ضعيف عند الخصم المخالف له‪ .‬واختلفوا‬
‫إذا اشترط التتابييع فييي النذر‪ ،‬أو كان التتابييع لزمييا‪ ،‬فمطلق النذر‬
‫عنييد ميين يرى ذلك مييا هييي الشياء التييي إذا قطعييت العتكاف‬
‫أوجبيت السيتئناف أو البناء مثيل المرض‪ ،‬فإن منهيم مين قال‪ :‬إذا‬
‫قطع المرض العتكاف بنى المعتكف وهو قول مالك وأبي حنيفة‬
‫والشافعي‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬يستأنف العتكاف‪ ،‬وهو قول الثوري‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ول خلف فيمييا أحسييب عندهييم أن الحائض تبنييى‪ ،‬واختلفوا هييل‬


‫يخرج مييين المسيييجد أم لييييس يخرج‪ ،‬وكذلك اختلفوا إذا جييين‬
‫المعتكييف أو أغمييي عليييه هييل يبنييى أو ليييس يبنييى بييل يسييتقل‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم فيي هذا الباب أنيه لييس فيي هذه الشياء‬
‫شيء محدود من قبل السمع‪ ،‬فيقع التنازع من قبل تشبيههم ما‬
‫اتفقوا عليييه فيمييا اختلفوا فيييه‪ ،‬أعنييي بمييا اتفقوا عليييه فييي هذه‬
‫العبادة‪ ،‬أو في العبادات التي من شرطها التتابع مثل صوم النهار‬
‫وغيره‪ .‬والجمهور على أن العتكاف المتطوع إذا قطييع لغييير عذر‬
‫أنييه يجييب فيييه القضاء لميا ثبييت أن رسييول الله صيلى الله عليييه‬
‫وسييلم أراد أن يعتكييف العشيير الواخيير ميين رمضان فلم يعتكييف‬
‫فاعتكييف عشرا ميين شوال وأمييا الواجييب بالنذر فل خلف فييي‬
‫قضائه فيمييا أحسييب‪ ،‬والجمهور على أن ميين أتييى كييبيرة انقطييع‬
‫اعتكافييه‪ ،‬فهذه جملة مييا رأينييا أن نثبتييه فييي أصييول هذا الباب‬
‫وقواعده‪ ،‬والله الموفيق والمعيين‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد‬
‫وآله وصحبه وسلم تسليما‪.‬‬
‫*‪*3‬كتاب الحج‪.‬‬
‫@‪-‬بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على محميد وآله وسيلم‬
‫تسليما‪.‬‬
‫والنظير فيي هذا الكتاب فيي ثلثية أجناس‪ :‬الجنيس الول‪ .‬يشتميل‬
‫على الشياء التيي تجري مين هذه العبادة مجرى المقدمات التيي‬
‫تجب معرفتها لعمل هذه العبادة‪ .‬الجنس الثاني‪ :‬في الشياء التي‬
‫تجري منها مجرى الركان‪ ،‬وهي المور المعمولة أنفسها والشياء‬
‫المتروكيية‪ .‬الجنييس الثالث‪ :‬فييي الشياء التييي تجري منهييا مجرى‬
‫المور اللحقيية‪ ،‬وهييي أحكام الفعال‪ ،‬وذلك أن كييل عبادة فإنهييا‬
‫توجد مشتملة على هذه الثلثة الجناس‪.‬‬
‫*‪*4‬الجنس الول‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الجنيييس يشتميييل على شيئيييين‪ :‬على معرفييية الوجوب‬
‫وشروطهيا‪ ،‬وعلى مين يجيب ومتيى يجيب؟ فأميا وجوبيه فل خلف‬
‫فيه لقوله سبحانه {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه‬
‫سيييبيل} وأميييا شروط الوجوب فإن الشروط قسيييمان‪ :‬شروط‬
‫صييحة‪ ،‬وشروط وجوب‪ .‬فأميا شروط الصييحة فل خلف بينهييم أن‬
‫مين شروطيه السيلم‪ ،‬إذ ل يصيح حيج مين لييس بمسيلم‪ .‬واختلفوا‬
‫فيي صيحة وقوعيه مين الصيبي‪ ،‬فذهيب مالك والشافعيي إلى جواز‬
‫ذلك‪ ،‬ومنع منه أبو حنيفة‪ .‬وسبب الخلف معارضة الثر في ذلك‬
‫للصييول‪ ،‬وذلك أن ميين أجاز ذلك أخييذ فيييه بحديييث ابيين عباس‬
‫المشهور‪ ،‬وخرجيه البخاري ومسيلم‪ .‬وفييه "أن المرأة رفعيت إلييه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عليه الصيلة والسلم صبيا فقالت‪ :‬ألهذ حيج يا رسيول الله؟ قال‪:‬‬
‫نعيم ولك أجير" ومين منيع ذلك تمسيك بأن الصيل هيو أن العبادة ل‬
‫تصييح ميين غييير عاقييل‪ ،‬وكذلك اختلف أصييحاب مالك فييي صييحة‬
‫وقوعها من الطفل الرضيع‪ ،‬وينبغي أن ل يختلف في صحة وقوعه‬
‫ممن يصح وقوع الصلة منه‪ ،‬وهو كما قال عليه الصلة والسلم‬
‫"ميين السييبع إلى العشيير" وأمييا شروط الوجوب فيشترط فيهييا‬
‫السيييلم على القول بأن الكفار مخاطبون بشرائع السيييلم‪ ،‬ول‬
‫خلف فيييي اشتراط السيييتطاعة فيييي ذلك لقوله تعالى {مييين‬
‫اسييتطاع إليييه سييبيل} وإن كان فييي تفصيييل ذلك اختلف وهييي‬
‫بالجملة تتصييور على نوعييين‪ :‬مباشرة ونيابيية‪ .‬فأمييا المباشيير فل‬
‫خلف عندهيم أن من شرطهيا السيتطاع بالبدن والمال مع المين‪.‬‬
‫واختلفوا فيي تفصييل السيتطاعة بالبدن والمال‪ ،‬فقال الشافعيي‬
‫وأبيو حنيفية وأحميد‪ :‬وهيو قول ابين عباس وعمير بين الخطاب إن‬
‫مين شرط ذلك الزاد والراحلة‪ .‬وقال مالك‪ :‬مين اسيتطاع المشيي‬
‫فلييس وجود الراحلة مين شرط الوجوب فيي حقيه بيل يجيب علييه‬
‫الحج‪ ،‬وكذلك ليس الزاد عنده من شرط الستطاعة إذا كان ممن‬
‫يمكنييه الكتسيياب فييي طريقييه ولو بالسييؤال‪ .‬والسييبب فييي هذا‬
‫الخلف معارضة الثر الوارد في تفسير الستطاعة لعموم لفظها‪،‬‬
‫وذلك أنييه ورد أثيير عنييه عليييه الصييلة والسييلم "أنييه سييئل مييا‬
‫السييتطاعة فقال‪ :‬الزاد والراحلة" فحمييل أبييو حنيفيية والشافعييي‬
‫ذلك على كييل مكلف‪ ،‬وحمله مالك على ميين ل يسييتطيع المشييي‬
‫ول له قوة على الكتساب في طريقه‪ ،‬وإنما اعتقد الشافعي هذا‬
‫الرأي لن ميييين مذهبييييه إذا ورد الكتاب مجمل‪ ،‬فوردت السيييينة‬
‫بتفسيير ذلك المجميل أنيه لييس ينبغيي العدول عين ذلك التفسيير‪.‬‬
‫وأما وجوبه باستطاعة النيابة مع العجز عن المباشرة‪ ،‬فعند مالك‬
‫وأبييي حنيفيية أنييه ل تلزم النيابيية إذا اسييتطلعت مييع العجييز عيين‬
‫المباشرة‪ ،‬وعن الشافعي أنها تلزم فيلزم على مذهبه الذي عنده‬
‫مال بقدر أن يحيج بيه عنيه غيره إذا لم يقدر هيو ببدنيه عنيه غيره‬
‫بماله وإن وجيد مين يحيج عنيه بماله وبدنيه مين أخ أو قرييب سيقط‬
‫ذلك عنيه‪ ،‬وهيي المسيألة التيي يعرفونهيا بالمعضوب‪ ،‬وهيو الذي ل‬
‫يثبيت على الراحلة‪ ،‬وكذلك عنده الذي يأتييه الموت ولم يحيج يلزم‬
‫ورثتيه عنده أن يخرجوا مين ماله بميا يحيج بيه عنيه‪ .‬وسيبب الخلف‬
‫فيييي هذا معارضييية القياس للثييير‪ ،‬وذلك أن القياس يقتضيييي أن‬
‫العبادات ل ينوب فيهيا أحيد عين أحيد‪ ،‬فإنيه ل يصيلي أحيد عين أحيد‬
‫باتفاق ول يزكي أحد عن أحد‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأمييا الثيير المعارض لهذا فحديييث ابيين عباس المشهور‪ ،‬خرجييه‬


‫الشيخان‪ ،‬وفيه "أن امرأة من خثعم قالت لرسول الله صلى الله‬
‫عليييه وسييلم‪ :‬يييا رسييول الله فريضيية الله فييي الحييج على عباده‬
‫أدركيت أبيي شيخيا كيبيرا ل يسيتطيع أن يثبيت على الراحلة‪ ،‬أفأحيج‬
‫عنه؟ قال‪ :‬نعم" وذلك في حجة الوداع‪ ،‬فهذا في الحي‪ .‬وأما في‬
‫الميت فحديث ابن عباس أيضا خرجه البخاري قال "جاءت امرأة‬
‫من جهينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول الله‬
‫إن أمي نذرت الحج فماتت أفأحج عنها؟ قال‪ :‬حجي عنها‪ ،‬أرأيت‬
‫لو كان عليهييا دييين أكنييت قاضيتييه؟ دييين الله أحييق بالقضاء" ول‬
‫خلف بين المسلمين أنه يقع عن الغير تطوعا‪ ،‬وإنما الخلف في‬
‫وقوعيه فرضيا‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي الذي يحيج عين غيره‬
‫سواء كان حيا أو ميتا هل من شرطه أن يكون قد حج عن نفسه‬
‫أم ل؟ فذهيب بعضهيم إلى أن ذلك لييس مين شرطيه‪ ،‬وإن كان قيد‬
‫أدى الفرض عين نفسيه فذلك أفضيل‪ ،‬وبيه قال مالك فيمين يحيج‬
‫عين المييت‪ ،‬لن الحيج عنده عين الحيي ل يقيع‪ .‬وذهيب آخرون إلى‬
‫أن ميين شرطييه أن يكون قييد قضييى فريضيية نفسييه‪ ،‬وبييه قال‬
‫الشافعيي وغيره أنيه إن حيج عين غيره مين لم يقيض فرض نفسيه‬
‫انقلب إلى فرض نفسيييه‪ ،‬وعمدة هؤلء حدييييث ابييين عباس "أن‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم سيمع رجل يقول لبييك عين شبرمية‪،‬‬
‫قال‪ :‬ومييييين شبرمييييية؟ قال‪ :‬أخ لي‪ ،‬أو قال قرييييييب لي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أفحججت عن نفسك؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فحج عن نفسك ثم حج عن‬
‫شبرمة" والطائفة الولى عللت هذا الحديث بأنه قد روي موقوفا‬
‫على ابين عباس‪ .‬واختلفوا من هذا الباب فيي الرجيل يؤاجير نفسيه‬
‫فيي الحيج فكره ذلك مالك والشافعيي وقال‪ :‬إن وقيع ذلك جاز ولم‬
‫يجز ذلك أبو حنيفة‪ ،‬وعمدته أنه قربة إلى الله عز وجل فل تجوز‬
‫الجارة علييه‪ ،‬وعمدة الطائفية الولى إجماعهيم على جواز الجارة‬
‫فييي كتييب المصياحف وبناء المسيياجد‪ ،‬وهييي قربيية‪ .‬والجارة فييي‬
‫الحيج عنيد مالك نوعان‪ :‬أحدهميا الذي يسيميه أصيحابه على البلغ‪،‬‬
‫وهييو الذي يؤاجيير نفسييه على مييا يبلغييه ميين الزاد والراحلة‪ ،‬فإن‬
‫نقص ما أخذه عن البلغ وفاه ما يبلغه‪ ،‬وإن فضل عن ذلك شيء‬
‫رده‪.‬‬
‫والثانييي على سيينة الجارة وإن نقييص شيييء وفاه ميين عنده وإن‬
‫فضييل شيييء فله‪ .‬والجمهور على أن العبييد ل يلزمييه الحييج حتييى‬
‫يعتيق‪ ،‬وأوجبيه علييه بعيض أهيل الظاهير‪ ،‬فهذه معرفية على مين‬
‫تجب هذه الفريضة وممن تقع‪ .‬وأما متى تجب فإنهم اختلفوا هل‬
‫هيييي على الفور أو على التراخيييي؟ والقولن متأولن على مالك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأصحابه‪ ،‬والظاهر عند المتأخرين من أصحابه أنها على التراخي‬


‫وبالقول إنها على الفور قال البغداديون من أصحابه‪ .‬واختلف في‬
‫ذلك قول أبيي حنيفية وأصيحابه‪ ،‬والمختار عندهيم أنيه على الفور‪.‬‬
‫وقال الشافعييي‪ :‬هييو على التوسييعة‪ ،‬وعمدة ميين قال هييو على‬
‫التوسيعة أن الحيج فرض قبيل حيج النيبي صيلى الله علييه وسيلم‬
‫بسنين‪ ،‬فلو كان على الفور لما أخره النبي عليه الصلة والسلم‪،‬‬
‫ولو أخره لعذر لبينيه‪ ،‬وحجية الفرييق الثانيي أنيه لميا كان مختصيا‬
‫بوقيت كان الصيل تأثييم تاركيه حتيى يذهيب الوقيت‪ ،‬أصيله وقيت‬
‫الصلة‪ ،‬والفرق عند الفريق الثاني بينه وبين المر بالصلة أنه ل‬
‫يتكرر وجوبه بتكرار الوقت‪ ،‬والصلة يتكرر وجوبها بتكرار الوقت‪.‬‬
‫وبالجملة فميين شبييه أول وقييت ميين أوقات الحييج الطارئة على‬
‫المكلف المسيييتطيع بأول الوقيييت مييين الصيييلة قال‪ :‬هيييو على‬
‫التراخي‪ ،‬ومن شبهه بآخر الوقت من الصلة قال‪ :‬هو على الفور‪،‬‬
‫ووجيه شبهيه بآخير الوقيت أنيه ينقضيي بدخول وقيت ل يجوز فييه‬
‫فعله كمييا ينقضييي وقييت الصييلة بدخول وقييت ليييس يكون فيييه‬
‫المصيلي مؤدييا‪ ،‬ويحتيج هؤلء بالغرر الذي يلحيق المكلف بتأخيره‬
‫إلى عام آخير بميا يغلب على الظيين مين مكان وقوع الموت فييي‬
‫مدة من عام‪ ،‬ويرون أنه بخلف تأخير الصلة من أول الوقت إلى‬
‫آخره‪ ،‬لن الغالب أنيييه ل يموت أحيييد فيييي مقدار ذلك الزمان إل‬
‫نادرا‪ ،‬وربمييا قالوا‪ :‬إن التأخييير فييي الصييلة يكون مييع مصيياحبة‬
‫الوقييت الذي يؤدي فيييه الصييلة‪ ،‬والتأخييير ههنييا يكون مييع دخول‬
‫وقت ل تصح فيه العبادة‪ ،‬فهو ليس يشبهه في هذا المر المطلق‪،‬‬
‫وذلك أن الميير عنييد ميين يقول إنييه على التراخييي ليييس يؤدي‬
‫التراخيي فييه إلى دخول وقيت ل يصيح فييه وقوع المأمور فييه كميا‬
‫يؤدي التراخيي فيي الحيج إذا دخيل وقتيه فأخره المكلف إلى قابيل‪،‬‬
‫فلييس الختلف فيي هذه المسيألة مين باب اختلفهيم فيي مطلق‬
‫المير هيل هيو على الفور أو على التراخيي كميا قيد يظين‪ .‬واختلفوا‬
‫مين هذا الباب هيل مين شرط وجوب الحيج على المرأة أن يكون‬
‫معهيييا زوج أو ذو محرم منهيييا يطاوعهيييا على الخروج معهيييا إلى‬
‫السيفر للحيج؟ فقال مالك والشافعيي‪ :‬لييس مين شرط الوجوب‬
‫ذلك‪ ،‬وتخرج المرأة إلى الحج إذا وجدت رفقة مأمونة‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية وجماعية‪ :‬وجود ذي المحرم ومطاوعتيه لهيا شرط‬
‫فيي الوجوب‪ .‬وسيبب الخلف معارضية المير بالحيج والسيفر إلييه‬
‫للنهي عن سفر المرأة ثلثا إل مع ذي محرم‪ .‬وذلك أنه ثبت عنه‬
‫علييه الصيلة والسيلم مين حدييث أبيي سيعيد الخدري وأبيي هريرة‬
‫وابين عباس وابين عمير أنيه قال علييه الصيلة والسيلم "ل يحيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لمرأة تؤمن بالله واليوم الخر أن تسافر إل مع ذي محرم" فمن‬


‫غلب عموم المير قال‪ :‬تسيافر للحيج وإن لم يكين معهيا ذو محرم‪،‬‬
‫وميين خصييص العموم بهذا الحديييث أو رأى أنييه ميين باب تفسييير‬
‫السيتطاعة قال‪ :‬ل تسيافر للحيج إل ميع ذي محرم‪ ،‬فقيد قلنيا فيي‬
‫وجوب هذا النسييك الذي هييو الحييج وبأي شيييء يجييب وعلى ميين‬
‫يجب ومتى يجب؟ وقد بقي من هذا الباب القول في حكم النسك‬
‫الذي هيو العمرة‪ ،‬فإن قوميا قالوا‪ :‬إنيه واجيب‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‬
‫وأحمييد وأبييو ثور وأبييو عبيييد والثوري والوزاعييي‪ ،‬وهييو قول ابيين‬
‫عباس مين الصيحابة وابين عمير وجماعية مين التابعيين‪ .‬وقال مالك‬
‫وجماعية‪ :‬هيي سينة‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬هيي تطوع‪ ،‬وبيه قال أبيو ثور‬
‫وداود‪ ،‬فمن أوجبها احتج بقوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله}‬
‫وبآثار مرويية‪ ،‬منهيا ميا روي عين ابين عمير عين أبييه قال "دخيل‬
‫أعرابييي حسيين الوجييه أبيييض الثياب على رسييول الله صييلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬ما السلم يا ر سول الله؟ فقال‪ :‬أن تشهد أن‬
‫ل إله إل الله وأن محمدا رسييول الله وتقيييم الصيية وتؤتييي الزكاة‬
‫وتصيوم شهير رمضان وتحيج وتعتمير وتغتسيل مين الجنابية" وذكير‬
‫عبيد الرزاق قال‪ :‬أخبرنيا معمير عين قتادة أنيه كان يحدث أنيه "لميا‬
‫نزلت {ولله على الناس حيج البييت مين اسيتطاع إلييه سيبيل} قال‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‪ :‬باثنييين حجيية وعمرة فميين‬
‫قضاهيا فقيد قضيى الفريضية" وروي عين زييد بين ثابيت عنيه علييه‬
‫الصلة والسلم أنه قال "الحج والعمرة فريضتان ل يضرك بأيهما‬
‫بدأت" وروي عن ابن عباس "العمرة واجبة" وبعضهم يرفعه إلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأميا حجية الفرييق الثانيي‪ ،‬وهيم الذيين يرون أنهيا ليسيت واجبية‪،‬‬
‫فالحادييث المشهورة الثابتية الواردة فيي تعدييد فرائض السييلم‬
‫من غير أن يذكر منها العمرة مثل حديث ابن عمر "بني السلم‬
‫على خمييس" فذكيير الحييج مفردا" ومثييل حديييث السييائل عيين‬
‫السيلم‪ ،‬فإن فيي بعيض طرقيه "وأن يحيج البييت" وربميا قالوا إن‬
‫المييير بالتمام لييييس يقتضيييي الوجوب‪ ،‬لن هذا يخيييص السييينن‬
‫والفرائض أعني إذا شرع فيها أن تتم ول تقطع‪ ،‬واحتج هؤلء أيضا‬
‫أعنيي مين قال إنهيا سينة بآثار‪ ،‬منهيا حدييث الحجاج بين أرطاة عين‬
‫محميد بين المنكدر عين جابر بين عبيد الله قال "سيأل رجيل النيبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال‪ :‬ل ولن تعتمر‬
‫خير لك" قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬وليس هو حجة فيما انفرد به‪،‬‬
‫وربميا احتيج مين قال إنهيا تطوع بميا روي عين أبيي صيالح الحنفيي‬
‫قال‪ :‬قال رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم "الحييج واجييب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والعمرة تطوع" وهيو حدييث منقطيع‪ .‬فسيبب الخلف فيي هذا هيو‬
‫تعارض الثار فيي هذا الباب‪ ،‬وتردد المير بالتمام بيين أن يقتضيي‬
‫الوجوب أم ل يقتضيه‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في الجنس الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬وهييو تعريييف أفعال هذه العبادة فييي نوع نوع منهييا والتروك‬
‫المشترطيية فيهييا‪ .‬وهذه العبادة كمييا قلنييا صيينفان‪ :‬حييج وعمرة‪،‬‬
‫والحيج على ثلثية أصيناف‪ :‬إفراد وتمتيع وقران‪ ،‬وهيي كلهيا تشتميل‬
‫على أفعال محدودة فييي أمكنيية محدودة وأوقات محدودة‪ ،‬ومنهييا‬
‫فرض‪ ،‬ومنهييا غييير فرض‪ ،‬وعلى تروك تشترط فييي تلك الفعال‬
‫وكييل ميين هذه أحكام محدودة إمييا عنييد الخلل بهييا‪ ،‬وإمييا عنييد‬
‫الطوارئ المانعية منهيا‪ ،‬فهذا الجنيس ينقسيم أول إلى القول فيي‬
‫الفعال وإلى القول فييي التروك‪ .‬وأمييا الجنييس الثالث فهييو الذي‬
‫يتضمين القول فيي الحكام فلنبدأ بالفعال‪ ،‬وهذه منهيا ميا تشترك‬
‫فييه هذه الربعية النواع مين النسيك‪ ،‬أعنيي أصيناف الحيج الثلث‪،‬‬
‫والعمرة‪ ،‬ومنها ما يختص بواحد واحد منها‪ ،‬فلنبدأ من القول فيها‬
‫بالمشترك ثيم نصيير إلى ميا يخيص واحدا واحدا منهيا‪ ،‬فنقول‪ :‬إن‬
‫الحج والعمرة أول أفعالهما الفعل الذي يسمى الحرام‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في شروط الحرام‪.‬‬
‫@‪-‬والحرام شروطيييه الول المكان والزمان‪ ،‬أميييا المكان فهيييو‬
‫الذي يسييييمى مواقيييييت الحييييج‪ ،‬فلنبدأ بهذا فنقول‪ :‬إن العلماء‬
‫بالجملة مجمعون على أن المواقيت التي من ها يكون الحرام‪ ،‬أما‬
‫لهل المدينة فذو الحليفة‪ ،‬وأما لهل الشام فالجحفة‪ ،‬ولهل نجد‬
‫قرن‪ ،‬ولهيل اليمين يلملم‪ ،‬لثبوت ذلك عين رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره‪ .‬واختلفوا في ميقات أهل‬
‫العراق فقال جمهور فقهاء المصار ميقاتهم من ذات عرق‪ .‬وقال‬
‫الشافعيييي والثوري‪ :‬إن أهلوا مييين العقييييق كان أحيييب‪ .‬واختلفوا‬
‫فيمن أقته لهم فقالت طائفة‪ :‬عمر ا بن الخطاب‪ .‬وقالت طائفة‪:‬‬
‫بل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أقت لهل العراق‬
‫ذات عرق والعقييييق‪ .‬وروي ذلك مييين حدييييث جابر وابييين عباس‬
‫وعائشييية‪ .‬وجمهور العلماء على أن مييين يخطيييئ هذه وقصيييده‬
‫الحرام فلم يحرم إل بعدهيا أن علييه دميا‪ ،‬وهؤلء منهيم مين قال‪:‬‬
‫إن رجيييع إلى الميقات فأحرم منيييه سيييقط عنيييه الدم ومنهيييم‬
‫الشافعي‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬ل يسقط عنه الدم وإن رجع‪ ،‬وبه قال‬
‫مالك‪ .‬وقال قوم‪ :‬لييس علييه دم‪ .‬وقال آخرون‪ :‬إن لم يرجيع إلى‬
‫الميقات فسد حجه وأنه يرجع إلى الميقات فيهل منه بعمرة وهذا‬
‫يذكر في الحكام‪ .‬وجمهور العلماء على أن من كان منزله دونهن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فميقات إحرامييه ميين منزله‪ .‬واختلفوا هييل الفضييل إحرام الحاج‬


‫منهييين أو مييين منزله إذا كان منزله خارجيييا منهييين؟ فقال قوم‪:‬‬
‫الفضيل له مين منزله‪ ،‬والحرام منهيا رخصية وبيه قال الشافعيي‬
‫وأبو حنيفة والثوري وجماعة‪ .‬وقال مالك وإسحاق وأحمد‪ :‬إحرامه‬
‫ميين المواقيييت أفضييل‪ ،‬وعمدة هؤلء الحاديييث المتقدميية‪ ،‬وأنهييا‬
‫السنة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي أفضل‪.‬‬
‫وعمدة الطائفة الخرى أن الصحابة قد أحرمت من قبل الميقات‬
‫ابين عباس وابين عمير وابين مسيعود وغيرهيم قالوا‪ :‬وهيم أعرف‬
‫بالسينة‪ ،‬وأصيول أهيل الظاهير تقتضيي أن ل يجوز الحرام إل مين‬
‫الميقات إل أن يصيييح إجماع على خلفيييه‪ .‬واختلفوا فيمييين ترك‬
‫الحرام مين ميقاتيه وأحرم مين ميقات آخير غيير ميقاتيه‪ ،‬مثيل أن‬
‫يترك أهيل المدينية الحرام مين ذي الحليفية ويحرموا من الجحفية‪،‬‬
‫فقال قوم‪ :‬علييه دم‪ ،‬وممين قال بيه مالك وبعيض أصيحابه‪ .‬وقال‬
‫أبيو حنيفية‪ :‬لييس علييه شييء‪ .‬وسيبب الخلف هيل هيو مين النسيك‬
‫الذي يجب في تركه الدم أم ل؟ ول خلف أنه ل يلزم الحرام من‬
‫مر بهذه المواقيت ممن أراد الحج أوالعمرة‪ .‬وأما من لم يردهما‬
‫ومر بهما فقال قوم‪ :‬كل من مر بهما يلزمه الحرام إل من يكثر‬
‫ترداده مثل الحطابين وشبههم‪ ،‬وبه قال مالك‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يلزم‬
‫الحرام بهيا إل لمرييد الحيج أو العمرة‪ ،‬وهذا كله لمين لييس مين‬
‫أهيل مكية‪ .‬وأميا أهيل مكية فإنهيم يحرمون بالحيج منهيا‪ ،‬أو بالعمرة‬
‫يخرجون إلى الحل ول بد‪ .‬وأما متى يحرم بالحج أهل مكة فقيل‬
‫إذا رأوا الهلل‪ ،‬وقيييل إذا خرج الناس إلى منييى فهذا هييو ميقات‬
‫المكان المشترط لنواع هذه العبادة‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في ميقات الزمان‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا ميقات الزمان فهيو محدود أيضيا فيي أنواع الحيج الثلث‬
‫وهيو شوال وذو القعدة وتسيع مين ذي الحجية باتفاق‪ .‬وقال مالك‪:‬‬
‫الثلثية الشهير كلهيا محيل للحيج‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬الشهران وتسيع‬
‫مين ذي الحجية‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬عشير فقيط‪ ،‬ودلييل قول مالك‬
‫عموم قوله سيبحانه وتعالى {الحيج أشهير معلومات} فوجيب أن‬
‫يطلق على جمييع أيام ذي الحجية أصيله انطلقيه على جمييع أيام‬
‫شوال وذي القعدة‪ .‬ودليييل الفريييق الثانييي انقضاء الحرام قبييل‬
‫تمام الشهيير الثالث بانقضاء أفعاله الواجبيية‪ .‬وفائدة الخلف تأخيير‬
‫طواف الفاضة إلى آخر الش هر‪ ،‬إن أحرم بالحج قبل أشهر الحج‬
‫كرهه مالك ولكن صح إحرامه عنده‪ .‬وقال غيره‪ :‬ل يصح إحرامه‪.‬‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬ينعقيد إحراميه إحرام عمرة‪ ،‬فمين شبهيه بوقيت‬
‫الصييلة قال‪ :‬يقييع قبييل الوقييت‪ ،‬وميين اعتمييد عموم قوله تعالى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫{وأتموا الحييج والعمرة لله} قال متييى أحرم انعقييد إحرامييه لنييه‬
‫مأمور بالتمام‪ ،‬وربميييا شبهوا الحيييج فيييي هذا المعنيييى بالعمرة‪،‬‬
‫وشبهوا ميقات الزمان بميقات العمرة‪ .‬فأما مذهب الشافعي فهو‬
‫مبنييي على أن ميين التزم عبادة فييي وقييت نظيرتهييا انقلبييت إلى‬
‫النظييير‪ ،‬مثييل أن يصييوم نذرا فييي أيام رمضان‪ ،‬وهذا الصييل فيييه‬
‫اختلف في المذهب‪ .‬وأما العمرة فإن العلماء اتفقوا على جوازها‬
‫فيي كيل أوقات السينة لنهيا كانيت فيي الجاهليية ل تصينع فيي أيام‬
‫الحيج‪ ،‬وهيو معنيى قوله علييه الصيلة والسيلم "دخلت العمرة فيي‬
‫الحيج إلى يوم القيامية" وقال أبيو حنيفية‪ :‬تجوز فيي كيل السينة إل‬
‫يوم عرفية ويوم النحير وأيام التشرييق فإنهيا تكره‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫تكريرها في السنة الواحدة مرارا‪ ،‬فكان مالك يستحب عمرة في‬
‫كيل سينة‪ ،‬ويكره وقوع عمرتيين عنده وثلثيا فيي السينة الواحدة‪.‬‬
‫وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ل كراهية في ذلك فهذا هو القول في‬
‫شروط الحرام الزمانية والمكانية‪ .‬وينبغي بعد ذلك أن نصير إلى‬
‫القول فييي الحرام‪ ،‬وقبييل ذلك ينبغييي أن نقول فييي تروكييه‪ ،‬ثييم‬
‫نقول بعد ذلك في الفعال الخاصة بالمحرم إلى حين إحلله وهي‬
‫أفعال الحييج كلهييا وتروكييه‪ ،‬ثييم نقول فييي أحكام الخلل بالتروك‬
‫والفعال ولنبدأ بالتروك‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في التروك‪.‬‬
‫@‪-‬وهو ما يمنع الحرام من المور المباحة للحلل‪.‬‬
‫والصل من هذا الباب ما ثبت من حديث مالك عن نافع عن عبد‬
‫الله بن عمر "أن رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما‬
‫يلبييس المحرم ميين الثياب؟ فقال رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسلم‪ :‬ل تلبسوا القمص ول العمائم ول السراويلت ول البرانس‬
‫ول الخفاف إل أحيد ل يجيد نعليين فيلبيس خفيين وليقطعهما أسيفل‬
‫ميين الكعييبين ول تلبسييوا ميين الثياب شيئا مسييه الزعفران ول‬
‫الورس" فاتفييييق العلماء على بعييييض الحكام الواردة فييييي هذا‬
‫الحديييث واختلفوا فييي بعضهييا‪ ،‬فممييا اتفقوا عليييه أنييه ل يلبييس‬
‫المحرم قميصا ول شيئا مما ذكر في هذا الحديث ول ما كان في‬
‫معناه من مخيط الثياب وأن هذا مخصوص بالرجال‪ ،‬أعني تحريم‬
‫لبيييس المخييييط‪ ،‬وأنيييه ل بأس للمرأة بلبيييس القمييييص والدرع‬
‫والسيييراويل والخفاف والخمييير‪ .‬واختلفوا فيمييين لم يجيييد غيييير‬
‫السييراويل هييل له لباسييها؟ فقال مالك وأبييو حنيفيية‪ :‬ل يجوز له‬
‫لباس السيييراويل وإن لبسيييها افتدى‪ .‬وقال الشافعيييي والثوري‬
‫وأحمييد وأبييو ثور وداود‪ :‬ل شيييء عليييه إذا لم يجييد إزارا‪ ،‬وعمدة‬
‫مذهيب مالك ظاهير حدييث ابين عمير المتقدم قال‪ :‬ولو كان فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ذلك رخصيية لسييتثناها رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم كمييا‬
‫استثنى في لبس الخفين‪ .‬وعمدة الطائفة الثانية حديث عمرو بن‬
‫دينار عين جابر وابين عباس قال‪ :‬سيمعت رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم يقول "السيراويل لمين لم يجيد الزار والخيف لمين لم‬
‫يجيييييد النعليييييين" وجمهور العلماء على إجازة لباس الخفيييييين‬
‫مقطوعيين لمين لم يجيد النعليين‪ .‬وقال أحميد‪ :‬جائز لمين لم يجيد‬
‫النعلين أن يلبس الخفين غير مقطوعين أخذا بمطلق حديث ابن‬
‫عباس‪ .‬وقال عطاء‪ :‬فييي قطعهمييا فسيياد والله ل يحييب الفسيياد‪.‬‬
‫واختلفوا فيمين لبسيهما مقطوعيين ميع وجود النعليين‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫علييه الفديية‪ ،‬وبيه قال أبيو ثور‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل فديية علييه‪،‬‬
‫والقولن عن الشافعي‪ ،‬وسنذكر هذا في الحكام‪ .‬وأجمع العلماء‬
‫على أن المحرم ل يلبيييس الثوب المصيييبوغ بالورس والزعفران‬
‫لقوله علييه الصيلة والسيلم فيي حدييث ابين عمير "ل تلبسيوا مين‬
‫الثياب شيئا مسه الزعفران ول الورس"‬
‫واختلفوا فييي المعصييفر فقال مالك‪ :‬ليييس بييه بأس فإنييه ليييس‬
‫بطييب‪ .‬وقال أبيو حنيفية والثوري‪ :‬هيو طييب وفييه الفديية‪ ،‬وحجية‬
‫أبييي حنيفيية مييا خرجييه مالك عيين علي "أن النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسيلم نهيى عين لبيس القسيي وعين لبيس المعصيفر" وأجمعوا‬
‫على أن إحرام المرأة في وجهها وأن لها أن تغطي رأسها وتستر‬
‫شعرها‪ ،‬وأن لها أن تسدل ثوبها على وجهها من فوق رأسها سدل‬
‫خفيفيا تسيتتر بيه عين نظير الرجال إليهيا كنحيو ميا روي عين عائشية‬
‫أنهييا قالت "كنييا مييع رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم ونحيين‬
‫محرمون فإذا مير بنيا ركيب سيدلنا على وجوهنيا الثوب مين قبيل‬
‫رءوسنا‪ ،‬وإذا جاوز الركب رفعناه" ولم يأت تغطية وجوههن إل ما‬
‫رواه مالك عين فاطمية بنيت المنذر أنهيا قالت "كنيا نخمير وجوهنيا‬
‫ونحين محرمات ميع أسيماء بنيت أبيي بكير الصيديق"‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫تخمير المحرم وجهه بعد إجماعهم على أنه ل يخمر رأسه‪ ،‬فروى‬
‫مالك عيين ابيين عميير أن مييا فوق الذقيين ميين الرأس ل يخمره‬
‫المحرم‪ ،‬وإليه ذهب مالك‪ .‬وروي عنه أنه إن فعل ذلك ولم ينزعه‬
‫مكانيه افتدى‪ .‬وقال الشافعيي والثوري وأحميد وأبيو داود وأبيو ثور‬
‫يخمر المحرم وجهه إلى الحاجبين‪ .‬وروي من الصحابة عن عثمان‬
‫وزييد بين ثابيت وجابر وابين عباس وسيعد بين أبيي وقاص‪ .‬واختلفوا‬
‫في لبس القفازين للمرأة فقال مالك‪ :‬إن لبست المرأة القفازين‬
‫افتدت‪ ،‬ورخييص فيييه الثوري‪ ،‬وهييو مروي عيين عائشيية‪ .‬والحجيية‬
‫لمالك ما خرجه أبو داود عن النبي عليه الصلة والسلم أنه نهى‬
‫عن النقاب والقفازين وبعض الرواة يرويه موقوفا عن ابن عمر‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وصيححه بعيض رواة الحدييث‪ ،‬أعنيي رفعيه إلى النيبي علييه الصيلة‬
‫والسيلم‪ ،‬فهذا هيو مشهور اختلفهيم واتفاقهيم فيي اللباس‪ ،‬وأصيل‬
‫الخلف فيي هذا كله اختلفهيم فيي قياس بعيض المسيكوت عنيه‬
‫على المنطوق بيه واحتمال اللفيظ المنطوق بيه وثبوتيه أو ل ثبوتيه‪،‬‬
‫وأميا الشييء الثانيي مين المتروكات فهو الطييب‪ ،‬وذلك أن العلماء‬
‫أجمعوا على أن الطييييب كله يحرم على المحرم بالحيييج والعمرة‬
‫في حال إحرامه‪.‬‬
‫واختلفوا فيي جوازه للمحرم عنيد الحرام قبيل أن يحرم لميا يبقيى‬
‫ميين أثره عليييه بعييد الحرام‪ ،‬فكرهييه قوم وأجازه آخرون‪ ،‬ومميين‬
‫كرهيه مالك‪ ،‬ورواه عين عمير بين الخطاب‪ ،‬وهيو قول عثمان وابين‬
‫عمير وجماعية مين التابعيين‪ .‬وممين أجازه أبيو حنيفية والشافعيي‬
‫والثوري وأحميد وداود‪ ،‬والحجية لمالك رحميه الله مين جهية الثير‬
‫حديث صفوان ابن يعلى ثبت في الصحيحين‪ ،‬وفيه "أن رجل جاء‬
‫إلى النيبي صيلى الله علييه وسيلم بجبية مضمخية بطييب‪ ،‬فقال‪ :‬ييا‬
‫رسييول الله كيييف ترى فييي رجييل أحرم بعمرة فييي جبيية بعييد مييا‬
‫تضمييخ بطيييب؟ فأنزل الوحييي على رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم فلميا أفاق قال‪ :‬أيين السيائل عين العمرة أنفيا؟ فالتميس‬
‫الرجل فأتى به‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬أما الطيب الذي بك‬
‫فاغسيله عنيك ثلث مرات‪ ،‬وأميا الجبية فانزعهيا ثيم اصينع ميا شئت‬
‫فيي عمرتيك كميا تصينع فيي حجتيك" اختصيرت الحدييث‪ ،‬وفقهيه هيو‬
‫الذي ذكرت‪.‬‬
‫وعمدة الفرييق الثانيي ميا رواه مالك عين عائشية أنهيا قالت "كنيت‬
‫أطييب رأس رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم لحراميه قبيل أن‬
‫يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت" واعتل الفريق الول بما روي‬
‫عين عائشية أنهيا قالت {وقيد بلغهيا إنكار ابين عمير تطييب المحرم‬
‫قبيل إحراميه} "يرحيم الله أبيا عبيد الرحمين طيبيت رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فطاف على نسائه ثم أصبح محرما" قالوا‪:‬‬
‫وإذا طاف على نسائه اغتسل‪ ،‬فإنما يبقى عليه أثر ريح الطيب ل‬
‫جرمة نفسه‪ ،‬قالوا‪ :‬ولما كان الجماع قد انعقد على أن كل ما ل‬
‫يجوز للمحرم ابتداؤه وهو محرم‪ ،‬مثل لبس الثياب وقتل الصيد ل‬
‫يجوز له اسييتصحابه وهييو محرم‪ ،‬فوجييب أن يكون الطيييب كذلك‪.‬‬
‫فسبب الخلف تعارض الثار في هذا الحكم‪ .‬وأما المتروك الثالث‬
‫فهيو مجامعية النسياء‪ ،‬وذلك أنيه أجميع المسيلمون على أن وطيء‬
‫النسياء على الحاج حرام مين حيين يحرم لقوله تعالى {فل رفيث‬
‫ول فسيوق ول جدال فيي الحيج} ‪ .‬وأميا الممنوع الرابيع وهيو إلقاء‬
‫التفيث وإزالة الشعير وقتيل القميل‪ ،‬ولكين اتفقوا على أنيه يجوز له‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫غسيل رأسيه مين الجنابية‪ ،‬واختلفوا فيي كراهيية غسيله مين غيير‬
‫الجنابة‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬لبأس بغسله رأسه‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬بكراهيية ذلك‪ ،‬وعمدتيه أن عبيد الله بين عمير كان ل‬
‫يغسل رأسه وهو محرم إل من الحتلم‪ .‬وعمدة الجمهور ما رواه‬
‫مالك عين عبيد الله بين جيبير "أن ابين عباس والمسيور بين مخرمية‬
‫اختلفيييا بالبواء‪ ،‬فقال عبيييد الله‪ :‬يغسيييل المحرم رأسيييه‪ ،‬وقال‬
‫المسور بن مخرمة‪ :‬ل يغسل المحرم رأسه‪ ،‬قال‪ :‬فأرسلني عبد‬
‫الله بين عباس إلى أبيي أيوب النصياري قال‪ :‬فوجدتيه يغتسيل بيين‬
‫القرنيين وهيو مسيتتر بثوب‪ ،‬فسيلمت علييه فقال‪ :‬مين هذا؟ فقلت‬
‫عبيد الله بين جيبير أرسيلني إلييك عبيد الله بين عباس أسيألك كييف‬
‫كان رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يغسيل رأسيه وهيو محرم‪،‬‬
‫فوضيع أبيو أيوب يده على الثوب فتطأطيأ حتيى بدا لي رأسيه ثيم‬
‫قال لنسان يصب عليه اصبب‪ ،‬فصب على رأسه‪ ،‬ثم حرك رأسه‬
‫بيديه فأقبل بهما وأدبر‪ ،‬ثم قال‪ :‬هكذا رأيت رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم يفعيل" وكان عمير يغسيل رأسيه وهيو محرم ويقول‪:‬‬
‫"ميا يزيده الماء إل شعثيا" رواه مالك فيي الموطيأ‪ ،‬وحميل مالك‬
‫حديث أبي أيوب على غسل الجنابة والحجة له إجماعهم على أن‬
‫المحرم ممنوع مين قتيل القميل ونتيف الشعير وإلقاء التفيث وهيو‬
‫الوسييخ‪ ،‬والغاسييل رأسييه هييو إمييا أن يفعييل هذه كلهييا أو بعضهييا‪.‬‬
‫واتفقوا على منع غسله رأسه بالخطمى‪ .‬وقال مالك وأبو حنيفة‪:‬‬
‫إن فعل ذلك افتدى‪ .‬وقال أبو ثور وغيره‪ :‬ل شيء عليه‪ .‬واختلفوا‬
‫فيييييي الحمام فكان مالك يكره ذلك‪ ،‬ويرى أن على مييييين دخله‬
‫الفديية‪ .‬وقال أبيو حنيفية والشافعيي والثوري وداود‪ :‬لبأس بذلك‪.‬‬
‫وروي عيين ابيين عباس دخول الحمام وهييو محرم ميين طريقييين‪،‬‬
‫والحسيين أن يكره دخوله لن المحرم منهييي عيين إلقاء التفييث‪.‬‬
‫وأميا المحظور الخاميس فهيو الصيطياد‪ ،‬وذلك أيضيا مجميع علييه‬
‫لقوله سيبحانه وتعالى {وحرم عليكيم صييد البر ميا دمتيم حرميا}‬
‫وقوله تعالى {ول تقتلوا الصيييد وأنتييم حرم} وأجمعوا على أنييه ل‬
‫يجوز له صييده ول أكيل ميا صياد هيو منيه‪ ،‬واختلفوا إذا صياده حلل‬
‫هيل يجوز للمحرم أكله؟ على ثلثية أقوال‪ :‬قول إنيه يجوز له أكله‬
‫على الطلق‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية‪ ،‬وهيو قول عمير ابين الخطاب‬
‫والزبير‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬هييو محرم عليييه على كييل حال وهييو قول ابيين عباس‬
‫وعلي وابين عمير‪ ،‬وبيه قال الثوري‪ .‬وقال مالك‪ :‬ميا لم يصيد مين‬
‫أجيل المحرم أو مين أجيل قوم محرميين فهيو حلل‪ ،‬وميا صييد مين‬
‫أجييل محرم فهييو حرام على المحرم‪ .‬وسييبب اختلفهييم تعارض‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الثار في ذلك‪ ،‬فأحدها ما خرجه مالك من حديث أبي قتادة ‪ :‬أنه‬


‫كان ميع رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم حتيى إذا كانوا ببعيض‬
‫طرق مكية تخلف ميع أصيحاب له محرميين وهيو غيير محرم‪ ،‬فرأى‬
‫حمارا وحشيييا فاسييتوى على فرسييه فسييأل أصييحابه أن يناولوه‬
‫سيوطه فأبوا علييه فسيألهم رمحيه فأبوا علييه‪ ،‬فأخذه ثيم شيد على‬
‫الحمار فقتله‪ ،‬فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسييلم وأبييى بعضهييم‪ ،‬فلمييا أدركوا رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم سيألوه عين ذلك فقال‪ :‬إنميا هيي طعمية أطعمكموهيا الله"‬
‫وجاء أيضا في معناه حديث طلحة بن عبيد الله ذكره النسائي أن‬
‫عبيد الرحمين التميميي قال‪ :‬كنيا ميع طلحية ابين عبييد الله ونحين‬
‫محرمون‪ ،‬فأهدى له ظييبي وهييو راقييد‪ ،‬فأكييل بعضنييا‪ ،‬فاسييتيقظ‬
‫طلحية فوافيق على أكله وقال‪ :‬أكلناه ميع رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬والحديث الثاني حديث ابن عباس خرجه أيضا مالك‬
‫"أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو‬
‫بالبواء أو بودان فرده علييه وقال‪ :‬إنيا لم نرده علييك إل أنيا حرم"‬
‫وللختلف سيبب آخير‪ ،‬وهيو هيل يتعلق النهيي عين الكيل بشرط‬
‫القتيل‪ ،‬أو يتعلق بكيل واحيد منهميا النهيي عين النفراد؟ فمين أخيذ‬
‫بحدييث أبيي قتادة قال‪ :‬إن النهيي إنميا يتعلق بالكيل ميع القتيل‪،‬‬
‫ومين أخيذ بحدييث ابين عباس قال‪ :‬النهيي يتعلق بكيل واحيد منهميا‬
‫على انفراده‪ ،‬فمين ذهيب فيي هذه الحادييث مذهيب الترجييح قال‪:‬‬
‫إميا بحدييث أبيي قتادة‪ ،‬وإميا بحدييث ابين عباس‪ ،‬ومين جميع بيين‬
‫الحادييث قال بالقول الثالث قالوا‪ :‬والجميع أولى‪ ،‬وأكدوا ذلك بميا‬
‫روي عن جابر عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "صيد البر‬
‫حلل لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم"‬
‫واختلفوا في المضطر هل يأكل الميتة أو يصيد في الحرم؟ فقال‬
‫مالك وأبيو حنيفية والثوري وزفير وجماعية‪ :‬إذا اضطير أكيل الميتية‬
‫ولحيم الخنزيير دون الصييد‪ .‬وقال أبيو يوسيف‪ :‬يصييد ويأكيل وعلييه‬
‫الجزاء‪ ،‬والول أحسين للذريعية‪ .‬وقال أبيو يوسيف‪ :‬أقييس لن تلك‬
‫محرمية لعينهيا والصييد محرم لغرض مين الغراض‪ ،‬وميا حرم لعلة‬
‫أخيف مميا حرم لعينيه‪ ،‬وميا هيو محرم لعينيه أغلظ‪ ،‬فهذه الخمسية‬
‫اتفق المسلمون على أنها من محظورات الحرام‪،‬‬
‫واختلفوا فيييييي نكاح المحرم فقال مالك والشافعيييييي واللييييييث‬
‫والوزاعي‪ :‬ل ينكح المحرم ول ينكح‪ ،‬فإن نكح فالنكاح باطل‪ ،‬وهو‬
‫قول عمير وعلي بين أبيي طالب وابين عمير وزييد ابين ثابيت‪ .‬وقال‬
‫أبو حنيفة والثوري‪ :‬ل بأس بأن ينكح المحرم أو أن ينكح‪ .‬والسبب‬
‫فييي اختلفهيم اختلف الثار فييي ذلك فأحدهيا ميا رواه مالك مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حديث عثمان ابن عفان أنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسيلم "ل ينكيح المحرم ول ينكيح ول يخطيب" والحدييث المعارض‬
‫لهذا حديث ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح‬
‫ميمونة وهو محرم" خرجه أهل الصحاح إل أنه عارضته آثار كثيرة‬
‫عين ميمونية "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم تزوجهيا وهيو‬
‫حلل" رويت عنها من طرق شتى عن أبي رافع وعن سليمان ابن‬
‫يسييار وهييو مولهييا‪ ،‬وعيين زيييد بيين الصييم‪ ،‬ويمكيين الجمييع بييين‬
‫الحديثيين بأن يحميل الواحيد على الكراهيية والثانيي على الجواز‪،‬‬
‫فهذه هييي مشهورات مييا يحرم على المحرم‪ ،‬وأمييا متييى يحييل‬
‫فسنذكره عند ذكرنا أفعال الحج‪ ،‬وذلك أن المعتمر يحل إذا طاف‬
‫وسعى وحلق‪ .‬واختلفوا في الحاج على ما سيأتي بعد‪ ،‬وإذ قد قلنا‬
‫في تروك المحرم فلنقل في أفعاله‪:‬‬
‫*‪*4‬القول في أنواع هذا النسك‪.‬‬
‫@‪-‬والمحرمون إميييا محرم بعمرة مفردة أو محرم بحيييج فرد‪ ،‬أو‬
‫جاميع بيين الحيج والعمرة‪ ،‬وهذان ضربان‪ :‬إميا متمتيع‪ ،‬وإميا قارن‪،‬‬
‫فينبغييي أول أن نجرد أصييناف هذه المناسييك الثلث ثييم نقول مييا‬
‫يفعل المحرم في كلها‪ ،‬وما يخص واحدا واحدا منها إن كان هنالك‬
‫ما يخص‪ ،‬وكذلك نفعل فيما يعد الحرام من أفعال الحج إن شاء‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في شرح أنواع هذه المناسك‪.‬‬
‫@‪-‬فنقول‪ :‬إن الفراد هيو ميا يتعرى عين صيفات التمتيع والقران‪،‬‬
‫فلذلك يجييب أن نبدأ أول بصييفة التمتييع‪ ،‬ثييم نردف ذلك بصييفة‬
‫القران‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في التمتع‪.‬‬
‫@‪-‬فنقول‪ :‬إن العلماء اتفقوا على أن هذا النوع مين النسيك الذي‬
‫هييو المعنييى بقوله سييبحانه {فميين تمتييع بالعمرة إلى حييج فمييا‬
‫اسيتيسر مين الهدى} هيو أن يهيل الرجيل بالعمرة فيي أشهير الحيج‬
‫مين الميقات‪ ،‬وذلك إذا كان مسيكنه خارجيا عين الحرم‪ ،‬ثيم يأتيي‬
‫حتى يصل البيت فيطوف لعمرته ويسعى ويحلق في تلك الشهر‬
‫بعينهيا‪ ،‬ثيم يحيل بمكية‪ ،‬ثيم ينشيئ الحيج فيي ذلك العام بعينيه وفيي‬
‫تلك الشهير بعينهيا مين غيير أن ينصيرف إلى بلده إل ميا روي عين‬
‫الحسين أنيه كان يقول هيو متمتيع وإن عاد إلى بلده ولم يحيج‪ :‬أي‬
‫علييه هدى المتمتيع المنصيوص علييه فيي قوله تعالى {فمين تمتيع‬
‫بالعمرة إلى الحج فما اسيتيسر من الهدي} لنه كان يقول عمرة‬
‫فيي أشهير الحيج متعية‪ .‬وقال طاوس‪ :‬مين اعتمير فيي غيير أشهير‬
‫الحج ثم أقام حتى الحج وحج من عامه أنه متمتع‪ .‬واتفق العلماء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫على أن ميين لم يكيين ميين حاضري المسييجد الحرام فهييو متمتييع‪.‬‬


‫واختلفوا فيي المكيي هيل يقيع منيه التمتيع أم ل يقيع؟ والذيين قالوا‬
‫إنه يقع منه اتفقوا على أنه ليس عليه دم لقوله تعالى {ذلك لمن‬
‫لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} واختلفوا فيمن هو حاضر‬
‫المسييجد الحرام مميين ليييس هييو‪ ،‬فقال مالك‪ :‬حاضرو المسييجد‬
‫الحرام هيم أهيل مكية وذي طوى‪ ،‬وميا كان مثيل ذلك مين مكية‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية‪ :‬هيم أهيل المواقييت فمين دونهيم إلى مكية‪ .‬وقال‬
‫الشافعييي بمصيير‪ :‬ميين كان بينييه وبييين مكيية ليلتان وهييو أكمييل‬
‫المواقيييت‪ .‬وقال أهييل الظاهيير‪ :‬ميين كان سيياكن الحرم‪ .‬وقال‬
‫الثوري‪ :‬هييم أهييل مكيية فقييط‪ .‬وأبييو حنيفيية يقول‪ :‬إن حاضري‬
‫المسييجد الحرام ل يقييع منهييم التمتييع‪ ،‬وكره ذلك مالك‪ .‬وسييبب‬
‫الختلف اختلف مييا يدل عليييه اسييم حاضري المسييجد الحرام‬
‫بالقل والكثر‪ ،‬ولذلك ل يشك أن أهل مكة هم حاضري المسجد‬
‫الحرام كميا ل يشيك أن مين خارج المواقييت لييس منهيم فهذا هيو‬
‫نوع التمتيع المشهور‪ ،‬ومعنيى التمتيع أنيه تمتيع بتحلله بيين النسيكين‬
‫و سقوط السفر ع نه مرة ثانية إلى النسك الثاني الذي هو الحج‪،‬‬
‫وهنيا نوعان مين التمتيع اختلف العلماء فيهميا‪ :‬أحدهميا فسيخ الحيج‬
‫فييي عمرة‪ ،‬وهييو تحويييل النييية ميين الحرام بالحييج إلى العمرة‪،‬‬
‫فجمهور العلماء يكرهون ذلك من الصدر الول وفقهاء المصار‪.‬‬
‫وذهييب ابيين عباس إلى جواز ذلك‪ ،‬وبييه قال أحمييد وداود وكلهييم‬
‫متفقون أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أمير أصيحابه عام‬
‫حيج بفسيخ الحيج فيي العمرة‪ ،‬وهيو قوله علييه الصيلة والسيلم "لو‬
‫اسييتقبلت ميين أمري مييا اسييتدبرت لمييا سييقت الهدي ولجعلتهييا‬
‫عمرة" وأمره لمين لم يسيق الهدي مين أصيحابه أن يفسيخ إهلله‬
‫فيي العمرة‪ ،‬وبهذا تمسيك أهيل الظاهير‪ ،‬والجمهور رأوا ذلك مين‬
‫باب الخصييوص لصييحاب رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‪،‬‬
‫واحتجوا بما روي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن‬
‫بلل ابن الحارث المدني عن أبيه قال "قلت يا رسول الله أفسخ‬
‫لنيا خاصية أم ل من بعدنيا؟ قال‪ :‬لنيا خاصية" وهذا لم يصيح عنيد أهيل‬
‫الظاهر صحة يعارض بها العمل المتقدم‪ .‬وروي عن عمر أنه قال‬
‫"متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهي‬
‫عنهميا وأعاقيب عليهميا‪ :‬متعية النسياء‪ ،‬ومتعية الحيج" وروي عين‬
‫عثمان أنه قال‪ :‬متعة الحج كانت لنا وليست لكم‪ .‬وقال أبو ذر‪ :‬ما‬
‫كان لحد بعد نا أن يحرم بالحج ثم يفسخه في عمرة هذا كله مع‬
‫ظاهير قوله تعالى {وأتموا الحيج والعمرة لله} ‪ .‬والظاهريية على‬
‫أن الصيل اتباع فعيل الصيحابة حتيى يدل الدلييل مين كتاب الله أو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سيينة ثابتيية على أنييه خاص‪ .‬فسييبب الختلف هييل فعييل الصييحابة‬
‫محمول على العموم أو على الخصييوص‪ .‬وأمييا النوع الثانييي ميين‬
‫التمتع فهو ما كان يذهب إليه ابن الزبير من أن التمتع الذي ذكره‬
‫الله هيو تمتيع المحصير بمرض أو عدو‪ ،‬وذلك إذا خرج الرجيل حاجيا‬
‫فحبسيه عدو أو أمير تعذر بيه علييه الحيج حتيى تذهيب أيام الحيج‪،‬‬
‫فيأتي البيت فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة‪ ،‬ويحل ثم يتمتع‬
‫بحله إلى العام المقبييل‪ ،‬ثييم يحييج ويهدي‪ ،‬وعلى هذا القول ليييس‬
‫يكون التمتيييع المشهور إجماعيييا‪ .‬وشيييذ طاوس أيضيييا فقال‪ :‬إن‬
‫المكي إذا تمتع من بلد غير مكة كان عليه الهدي‪ .‬واختلف العلماء‬
‫في من أنشيأ عمرة فيي غيير أشهير الحيج ثيم عملهيا فيي أشهير الحيج‬
‫ثيم حيج مين عاميه ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬عمرتيه فيي الشهير الذي حيل‬
‫فييه‪ ،‬فإن كان حيل فيي أشهير الحيج فهيو متمتيع‪ ،‬وإن كان فيي غيير‬
‫أشهر الحج فليس بمتمتع‪ ،‬وبقريب منه قال أبو حنيفة والشافعي‬
‫والثوري‪ ،‬إل أن الثوري اشترط أن يوقييع طوافييه كله فييي شوال‪،‬‬
‫وبه قال الشافعي‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن طاف ثلثية أشواط فيي رمضان وأربعية فيي‬
‫شوال كان متمتعيا‪ ،‬وإن كان عكيس ذلك لم يكين متمتعيا أعنيي أن‬
‫يكون طاف أربعة أشواط في رمضان وثلثة في شوال‪ .‬وقال أبو‬
‫ثور‪ :‬إذا دخيل العمرة فيي غيير أشهير الحيج فسيواء طاف لهيا فيي‬
‫غير أشهر الحج أو في أشهر الحج ل يكون متمتعا‪.‬‬
‫وسبب الختلف هل يكون متمتعا بإيقاع إحرام العمرة في أشهر‬
‫الحييج فقييط أم بإيقاع الطواف معييه؟ ثييم إن كان بإيقاع الطواف‬
‫معه فهيل بإيقاعيه كله أم أكثره فأ بو ثور يقول‪ :‬ل يكون متمتعيا إل‬
‫بإيقاع الحرام فيييي أشهييير الحيييج‪ ،‬لن بالحرام تنعقيييد العمرة‪.‬‬
‫والشافعيي يقول‪ :‬الطواف هيو أعظيم أركانهيا‪ ،‬فوجيب أن يكون بيه‬
‫متمتعيا؛ فالجمهور على أن مين أوقيع بعضهيا فيي أشهير الحيج كمين‬
‫أوقعها كلها‪ ،‬وشروط التمتع عند مالك ستة‪ :‬أحدها أن يجمع بين‬
‫الحييج والعمرة فييي شهيير واحييد‪ .‬والثانييي أن يكون ذلك فييي عام‬
‫واحد‪ .‬والثالث أن يفعل شيئا من العمرة في أشهر الحج‪ .‬والرابع‬
‫أن يقدم العمرة على الحج‪ .‬والخامس أن ينشئ الحج بعد الفراغ‬
‫ميين العمرة وإحلله منهييا‪ .‬والسييادس أن يكون وطنييه غييير مكيية‪،‬‬
‫فهذه هي صورة التمتع والختلف المشهور فيه والتفاق‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في القارن‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا القران فهيو أن يهيل بالنسيكين معيا أو يهيل بالعمرة فيي‬
‫أشهيير الحييج‪ ،‬ثييم يردف ذلك بالحييج قبييل أن يهييل ميين العمرة‪.‬‬
‫واختلف أصيحاب مالك فيي الوقيت الذي يكون له فييه‪ ،‬فقييل ذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫له ما لم يشرع في الطواف ولو شوطا واحدا‪ ،‬وقيل ما لم يطف‬


‫ويركع ويكره بعد الطواف وقبل الركوع‪ ،‬فإن فعل لزمه‪ ،‬وقيل له‬
‫ذلك ما بقي عليه شيء من عمل العمرة من طواف أو سعي‪ ،‬ما‬
‫خل أنهيم اتفقوا على أنيه إذا أهيل بالحيج ولم يبيق علييه مين أفعال‬
‫العمرة إل الحلق فإنييه لييييس بقارن‪ ،‬والقارن الذي يلزميييه هدي‬
‫المتمتع هو عند الجمهور من غير حاضري المسجد الحرام‪ ،‬إل ابن‬
‫الماجشون ميين أصييحاب مالك‪ ،‬فإن القارن ميين أهييل مكيية عنده‬
‫عليه الهدي‪ .‬وأما الفراد فهو ما تعرى من هذه الصفات‪ ،‬وهو أن‬
‫ل يكون متمتعييا ول قارنييا بييل أن يهييل بالحييج فقييط‪ .‬وقييد اختلف‬
‫العلماء أي أفضيل هيل الفراد أو القران أو التمتيع؟‪ .‬والسيبب فيي‬
‫اختلفهيم اختلفهيم فيميا فعيل رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫من ذلك‪ ،‬وذلك أنه روي عنه عليه الصلة والسلم أنه كان مفردا‬
‫وروي أنييه تمتييع وروي عنييه أنييه كان قارنييا فاختار مالك الفراد‪،‬‬
‫واعتميد فيي ذلك على ميا روي عين عائشية أنهيا قالت "خرجنيا ميع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع‪ ،‬فمنا من أهل‬
‫بعمرة‪ ،‬ومنيا مين أهيل بحيج وعمرة‪ ،‬وأهيل رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم بالحيج" ورواه عين عائشية مين طرق كثيرة قال أبيو‬
‫عمر بن عبد البر‪ :‬وروى الفراد عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عين جابر بين عبيد الله مين طرق شتيى متواترة صيحاح‪ ،‬وهيو قول‬
‫أبييي بكيير وعميير وعثمان وعائشيية وجابر‪ .‬والذييين رأوا أن النييبي‬
‫صييلى الله علييه وسييلم كان متمتعييا احتجوا بميا رواه الليييث عين‬
‫عقييل عين ا بن شهاب عين سالم عين ا بن عمير قال "تمتع رسيول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في عام حجة الوداع بالعمرة إلى الحج‬
‫وأهدى وسياق الهدي معيه مين ذي الحليفية" وهيو مذهيب عبيد الله‬
‫بن عمر وابن عباس وابن الزبير‪ .‬واختلف عن عائشة في التمتع‬
‫والفراد‪ .‬واعتمييد ميين رأى أنييه عليييه الصييلة والسييلم كان قارنييا‬
‫أحاديث كثيرة‪ ،‬منها حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال‪:‬‬
‫سييمعت رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم يقول وهييو بوادي‬
‫العقيييق "أتانييي الليلة آت ميين ربييي فقال‪ :‬أهييل فييي هذا الوادي‬
‫المبارك وقييل عمرة فييي حجيية" خرجييه البخاري‪ ،‬وحديييث مروان‬
‫ابين الحكيم قال "شهدت عثمان وعلييا وعثمان ينهيى عين المتعية‬
‫وأن يجمييع بينهمييا‪ ،‬فلمييا رأى ذلك علي أهييل بهمييا‪ :‬لبيييك بعمرة‬
‫وحجة‪ ،‬وقال‪ :‬ما كنت لدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لقول أحييد" خرجييه البخاري‪ ،‬وحديييث أنييس خرجييه البخاري أيضييا‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لبيك عمرة‬
‫وحجة" وحديث مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫"خرجنيا ميع رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم عام حجية الوداع‬
‫فأهللنييا بعمرة‪ ،‬ثييم قال رسييول الله‪ :‬ميين كان معييه هدي فليهييل‬
‫بالحيج ميع العمرة‪ ،‬ثيم ل يحيل حتيى يحيل منهميا جميعيا" واحتجوا‬
‫فقالوا‪ :‬ومعلوم أنيه كان معيه صيلى الله علييه وسيلم هدي‪ ،‬ويبعيد‬
‫أن يأمير بالقران مين معيه هدي ويكون معيه هدي ول يكون قارنيا‪.‬‬
‫وحديث مالك أيضا عن نافع عن عمر عن حفصة عن النبي عليه‬
‫الصلة والسلم أنه قال "إني قلدت هديي ولبدت رأسي فل أحل‬
‫حتيى أنحير هدييي" وقال أحميد‪ :‬ل أشيك أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم كان قارنييا‪ ،‬والتمتييع أحييب إلي‪ ،‬واحتييج فييي اختياره‬
‫التمتيع بقوله علييه الصيلة والسيلم "لو اسيتقبلت مين أمري ميا‬
‫اسييتدبرت ميا سيقت الهدي ولجعلتهييا عمرة" واحتييج مين طريييق‬
‫المعنييى ميين رأى أن الفراد الفضييل أن التمتييع والقران رخصيية‬
‫ولذلك وجيب فيهميا الدم‪ .‬وإذ قلنيا فيي وجوب هذا النسيك وعلى‬
‫من يجب وما شروط وجوبه ومتى يجب وفي أي وقت يجب ومن‬
‫أي مكان يجيب وقلنيا بعيد ذلك في ما يجتنبيه المحرم بما هيو محرم‪،‬‬
‫ثيم قلنيا أيضيا فيي أنواع هذا النسيك يجيب أن نقول فيي أول أفعال‬
‫الحاج أو المعتمر وهو الحرام‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في الحرام‪.‬‬
‫@‪-‬واتفيق جمهور العلماء على أن الغسيل للهلل سينة‪ ،‬وأنيه مين‬
‫أفعال المحرم حتييى قال ابيين نوار‪ :‬إن هذا الغسييل للهلل عنييد‬
‫مالك أوكد من غسل الجمعة‪ .‬وقال أهل الظاهر‪ :‬هو واجب‪ .‬وقال‬
‫أبو حنيفة والثوري‪ :‬يجزئ منه الوضوء وحجة أهل الظاهر مرسل‬
‫مالك من حديث أسماء بيت عميس أنها ولدت محمد بن أبي بكر‬
‫بالبيداء‪ ،‬فذكير ذلك أبيو بكير لرسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫فقال‪ :‬مرهييا فلتغتسييل ثييم لتهييل" والميير عندهييم على الوجوب‬
‫وعمدة الجمهور أن الصييل هييو براءة الذميية حتييى يثبييت الوجوب‬
‫بأمر ل مدفع فيه‪ ،‬وكان عبد الله بن عمر يغتسل لحرامه قبل أن‬
‫يحرم ولدخوله مكية ولوقوفيه عشيية يوم عرفية‪ ،‬ومالك يرى هذه‬
‫الغتسيالت الثلث مين أفعال المحرم‪ ،‬واتفقوا على أن الحرام ل‬
‫يكون إل بنية‪ ،‬واختلفوا هل تجزئ النية فيه من غير التلبية؟ فقال‬
‫مالك والشافعيي‪ :‬تجزئ النيية مين غيير التلبيية‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫التلبية في الحج كالتكبيرة في الحرام بالصلة إل أنه يجزئ عنده‬
‫كل لفظ يقوم مقام التلبية كما يجزئ عنده في افتتاح الصلة كل‬
‫لفيظ يقوم مقام التكيبير وهيو كيل ميا يدل على التعظييم‪ .‬واتفيق‬
‫العلماء على أن لفييظ تلبييية رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫"لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ل شريك لك لبيك‪ ،‬إن الحمد والنعمة لك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والملك ل شريك لك" وهي من رواية مالك عن نافع عن ابن عمر‬


‫عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصح سندا‪ .‬واختلفوا في هل‬
‫هيي واجبية بهذا اللفيظ أم ل؟ فقال أهيل الظاهير‪ :‬هيي واجبية بهذا‬
‫اللفيظ‪ ،‬ول خلف عنيد الجمهور فيي اسيتحباب هذا اللفيظ‪ ،‬وإنميا‬
‫اختلفوا فيي الزيادة علييه أو فيي تبديله‪ ،‬وأوجيب أهيل الظاهير رفيع‬
‫الصيوت بالتلبيية‪ ،‬وهيو مسيتحب عنيد الجمهور لميا رواه مالك "أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال‪ :‬أتانيي جبرييل فأمرنيي أن‬
‫آمير أصيحابي ومين معيي أن يرفعوا أصيواتهم بالتلبيية وبالهلل"‬
‫وأجمع أهل العلم على أن تلبية المرأة فيما حكاه أبو عمر هو أن‬
‫تسييمع نفسييها بالقول‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل يرفييع المحرم صييوته فييي‬
‫مسياجد الجماعية بيل يكفييه أن يسيمع مين يلييه‪ ،‬إل فيي المسيجد‬
‫الحرام ومسيجد منيى فإنيه يرفيع صيوته فيهميا‪ .‬واسيتحب الجمهور‬
‫رفييع الصييوت عنييد التقاء الرفاق وعنييد الطلل على شرف ميين‬
‫الرض‪ .‬وقال أبيو حازم‪ :‬كان أصيحاب رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسييلم ل يبلغون الروحاء حتييى تبييح حلوقهييم‪ .‬وكان مالك ل يرى‬
‫التلبيية مين أركان الحيج ويرى على تاركهيا دميا‪ ،‬وكان غيره يراهيا‬
‫من أركانه‪ .‬وحجة من رآها واجبة أن أفعاله صلى الله عليه وسلم‬
‫إذا أتيت بيانيا لواجيب أنهيا محمولة على الوجوب حتيى يدل الدلييل‬
‫على غير ذلك لقوله عليه الصلة والسلم "خذوا عني مناسككم"‬
‫وبهذا يحتج من أوجب لفظه فيها فقط‪ .‬ومن لم ير وجوب لفظه‬
‫فاعتميد فيي ذلك على ميا روي مين حدييث جابر قال "أهيل رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم" فذكير التلبيية التيي فيي حدييث ابين‬
‫عمييير‪ .‬وقال فيييي حديثيييه "والناس يزيدون على ذلك "لبييييك ذا‬
‫المعارج" ونحوه مين الكلم والنيبي يسيمع ول يقول شيئا وميا روي‬
‫عن ابن عمر أنه كان يزيد في التلبية وعن عمر بن الخطاب وعن‬
‫أنس وغيره‪ .‬واستحب العلماء أن يكون ابتداء المحرم بالتلبية بأثر‬
‫صيلة يصيليها‪ ،‬فكان مالك يسيتحب ذلك بأثير نافلة لميا روي مين‬
‫مرسله عن هشام ابن عروة‪ ،‬عن أبيه "أن رسول الله صلى الله‬
‫عليييه وسييلم كان يصييلي فييي مسييجد ذي الحليفيية ركعتييين فإذا‬
‫اسيتوت بيه راحلتيه أهيل"‪ .‬واختلفيت الثار فيي الموضيع الذي أحرم‬
‫منييه رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم بحجتييه ميين أقطار ذي‬
‫الحليفية‪ ،‬فقال قوم‪ :‬مين مسيجد ذي الحليفية بعيد أن صيلى فييه‪،‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنميا أحرم حيين أطيل على البيداء‪ ،‬وقال قوم‪ :‬إنميا‬
‫أهل حين استوت به راحلته‪ .‬وسئل ابن عباس عن اختلفهم في‬
‫ذلك فقال‪ :‬كيل حدث ل عين أول إهلله علييه الصيلة والسيلم بيل‬
‫عن أول إهلل سمعه‪ ،‬وذلك أن الناس يأتون متسابقين فعلى هذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ل يكون فيييي هذا اختلف‪ ،‬ويكون الهلل إثييير الصيييلة‪ .‬وأجميييع‬


‫الفقهاء على أن المكيي ل يلزميه الهلل حتيى إذا خرج إلى منيى‬
‫ليتصيل له عميل الحيج‪ ،‬وعمدتهيم ما رواه مالك عين ابين جرييج أنه‬
‫قال لعبيد الله بين عمير‪ :‬رأيتيك تفعيل هنيا أربعيا لم أر أحيد يفعلهيا‪،‬‬
‫فذكير منهيا ورأيتيك إذا كنيت بمكية أهيل الناس إذا رأوا الهلل ولم‬
‫تهل أنت إلى يوم التروية‪ ،‬فأجابه ابن عمر‪ :‬أما الهلل "فإني لم‬
‫أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته"‬
‫يريد حتى يتصل له عمل الحج‪ .‬وروى مالك أن عمر ابن الخطاب‬
‫كان يأمير أهيل مكية أن يهلوا إذا رأوا الهلل‪ .‬ول خلف عندهيم أن‬
‫المكييي ل يهييل إل ميين جوف مكيية إذا كان حاجييا‪ ،‬وإمييا إذا كان‬
‫معتمرا فإنهم أجمعوا على أنه يلزمه أن يخرج إلى الحل ثم يحرم‬
‫منيه ليجميع بيين الحيل والحرم كميا يجميع الحاج‪ ،‬أعنيي لنيه يخرج‬
‫إلى عرفيية وهييو حييل‪ .‬وبالجملة فاتفقوا على أنهييا سيينة المعتميير‪،‬‬
‫واختلفوا إن لم يفعيل فقال قوم‪ :‬يجزييه وعلييه دم‪ ،‬وبيه قال أبيو‬
‫حنيفيية وابيين القاسييم‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ل يجزيييه وهييو قول الثوري‬
‫وأشهب‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا متييى يقطييع المحرم التلبييية) فإنهييم اختلفوا فييي ذلك‪،‬‬
‫فروى مالك أن علي بيين أبييي طالب رضييي الله عنييه كان يقطييع‬
‫التلبية إذا زاغت الشمس من يوم عرفة‪ .‬وقال مالك‪ :‬وذلك المر‬
‫الذي لم يزل عليييه أهييل العلم ببلدنييا‪ .‬وقال ابيين شهاب‪ :‬كانييت‬
‫الئميية أبييو بكيير وعميير وعثمان وعلي يقطعون التلبييية عنييد زوال‬
‫الشميس مين يوم عرفية‪ .‬قال أبيو عمير بين عبيد البر‪ :‬واختلف فيي‬
‫ذلك عييين عثمان وعائشييية‪ .‬وقال جمهور فقهاء المصيييار وأهيييل‬
‫الحديث أبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وأبو ثور وداود وابن‬
‫أبيي ليلى وأبيو عبييد والطيبري والحسين بين حييى‪ :‬إن المحرم ل‬
‫يقطيع التلبيية حتيى يرميي جمرة العقبية لميا ثبيت "أن رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم لم يزل يلبيي حتيى رميى جمرة العقبية" إل‬
‫أنهم اختلفوا متى يقطعها‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إذا رماها بأسرها لما روي‬
‫عيين ابيين عباس "أن الفضييل بيين عباس كان رديييف رسييول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم وأنيه لبيى حيين رميى جمرة العقبية وقطيع‬
‫التلبيية فيي آخير حصياة" وقال قوم‪ :‬بيل يقطعهيا فيي أول جمرة‬
‫يلقيهيا روي ذلك عين ابين مسيعود‪ .‬وروى فيي وقيت قطيع التلبيية‬
‫بأقاوييل غيير هذه إل أن هذيين القوليين هميا المشهوران‪ .‬واختلفوا‬
‫في وقت قطع التلبية بالعمرة‪ ،‬وقال مالك‪ :‬يقطع التلبية إذا انتهى‬
‫إلى الحرم‪ ،‬وبيييه قال أبيييو حنيفييية‪ .‬وقال الشافعيييي‪ :‬إذا افتتيييح‬
‫الطواف‪ ،‬وسييييلف مالك فييييي ذلك ابيييين عميييير وعروة‪ ،‬وعمدة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشافعيي أن التلبيية معناهيا إجابية إلى الطواف بالبييت فل تنقطيع‬


‫حتيى يشرع فيي العميل‪ .‬وسيبب الخلف معارضية القياس لفعيل‬
‫بعييض الصييحابة وجمهور العلماء كمييا قلنييا متفقون على إدخال‬
‫المحرم الحييييج على العمرة ويختلفون فييييي إدخال العمرة على‬
‫الحيج‪ .‬وقال أبيو ثور‪ :‬ل يدخيل حيج على عمرة ول عمرة على حيج‬
‫كميا ل تدخيل صيلة على صيلة‪ ،‬فهذه هيي أفعال المحرم بميا هيو‬
‫محرم وهييو أول أفعال الحييج‪ .‬وأمييا الفعييل الذي بعييد هذا فهييو‬
‫الطواف عند دخول مكة فلنقل في الطواف‪:‬‬
‫*‪*4‬القول فيي الطواف بالبييت والكلم فيي الطواف‪ :‬فيي صيفته‬
‫وشروطه وحكمه في الوجوب أو الندب وفي إعداده‪.‬‬
‫@‪-‬القول في الصفة‪.‬‬
‫والجمهور مجمعون على أن صييفة كييل طواف واجبييا كان أو غييير‬
‫واجب أن يبتدئ من الحجر السود‪ ،‬فإن استطاع أن يقبله قبله أو‬
‫يلمسييه بيده ويقبلهييا إن أمكنييه‪ ،‬ثييم يجعييل البيييت على يسيياره‬
‫ويمضييي على يمينييه‪ ،‬فيطوف سييبعة أشواط يرمييل فييي الثلثيية‬
‫الشواط الول ثيم يمشيي فيي الربعية‪ ،‬وذلك فيي طواف القدوم‬
‫على مكية وذلك للحاج والمعتمير دون المتمتيع‪ ،‬وأنيه ل رميل على‬
‫النسيياء‪ ،‬ويسييتلم الركيين اليمانييي وهييو الذي على قطيير الركيين‬
‫السييود لثبوت هذه الصييفة ميين فعله صييلى الله عليييه وسييلم‪.‬‬
‫واختلفوا فيي حكيم الرميل فيي الثلثية الشواط الول للقادم هيل‬
‫هو سنة أو فضيلة؟ فقال ابن عباس‪ :‬هو سنة‪ ،‬وبه قال الشافعي‬
‫وأبيو حنيفية وإسيحق وأحمد وأ بو ثور‪ .‬واختلف قول مالك فيي ذلك‬
‫وأصحابه‪ .‬والفرق بين القولين أن من جعله سنة أوجب في تركه‬
‫الدم‪ ،‬ومن لم يجعله سنة لم يوجب في تركه شيئا‪ .‬واحتج من لم‬
‫ير الرمل سنة بحديث ابن الطفيل عن ابن عباس قال‪ :‬قلت لبن‬
‫عباس زعيم قوميك أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم حيين‬
‫طاف بالبيييت رمييل وأن ذلك سيينة‪ ،‬فقال‪ :‬صييدقوا وكذبوا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلت ميا صيدقوا وميا كذبوا؟ قال‪ :‬صيدقوا "رميل رسيول الله صيلى‬
‫الله عليه وسلم حين طاف بالبيت‪ ،‬وكذبوا ليس بسنة‪ ،‬إن قريشا‬
‫زمين الحديبيية قالوا‪ :‬إن بيه وبأصيحابه هزال وقعدوا على قعيقعان‬
‫ينظرون إلى النييبي صييلى الله عليييه وسييلم وأصييحابه‪ ،‬فبلغ ذلك‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فقال لصحابه‪ :‬ارملوا أروهم أن بكم‬
‫قوة‪ ،‬فكان رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يرميل مين الحجير‬
‫السييود إلى اليمانييي فإذا توارى عنهييم مشييى" وحجيية الجمهور‬
‫حديييث جابر "أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم رمييل فييي‬
‫الثلثية الشواط فيي حجية الوداع ومشيى أربعيا" وهيو حدييث ثابيت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين روايية مالك وغيره قالوا‪ :‬وقيد اختلف على أبيي الطفييل عين‬
‫ابن عباس فروي عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل‬
‫ميين الحجيير السييود إلى الحجيير السييود" وذلك بخلف الرواييية‬
‫الولى‪ ،‬وعلى أصييول الظاهرييية يجييب الرمييل لقوله "خذوا عنييي‬
‫مناسيككم" وهيو قولهيم أو قول بعضهيم الن فيميا أظين‪ .‬وأجمعوا‬
‫على أنه ل رمل على من أحرم بالحج من مكة من غير أهلها وهم‬
‫المتمتعون لنهيم قيد رملوا فيي حيين دخولهيم حيين طافوا للقدوم‪.‬‬
‫واختلفوا فييي أهييل مكيية هييل عليهييم إذا حجوا رمييل أم ل؟ فقال‬
‫الشافعيي‪ :‬كيل طواف قبيل عرفية مميا يوصيل بينيه وبيين السيعي‬
‫فإنيه يرميل فييه‪ ،‬وكان مالك يسيتحب ذلك وكان ابين عمير ل يرى‬
‫عليهييم رمل إذا طافوا بالبيييت على مييا روى عنييه مالك‪ .‬وسييبب‬
‫الخلف هييل الرمييل كان لعلة أو لغييير علة؟ وهييل هييو مختييص‬
‫بالمسيافر أم ل؟ وذلك أنيه كان علييه الصيلة والسيلم حيين رميل‬
‫واردا على مكييية‪ .‬واتفقوا على أن مييين سييينة الطواف اسيييتلم‬
‫الركنييين السييود واليمانييي للرجال دون النسيياء‪ .‬واختلفوا هييل‬
‫تسيتلم الركان كلهيا أم ل؟ فذهيب الجمهور إلى أنيه إنميا يسيتلم‬
‫الركنان فقيط لحدييث ابين عمير "أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم لم يكين يسيتلم إل الركنيين فقيط" واحتيج مين رأى اسيتلم‬
‫جميعهييا بمييا روي عيين جابر قال‪ :‬كنييا نرى إذا طفنييا أن نسييتلم‬
‫الركان كلهيا‪ ،‬وكان بعيض السيلف ل يحيب أن يسيتلم الركنيين إل‬
‫فييي الوتيير ميين الشواط‪ .‬وكذلك أجمعوا على أن تقبيييل الحجيير‬
‫السيييود خاصييية مييين سييينن الطواف إن قدر‪ ،‬وإن لم يقدر على‬
‫الدخول إلييه قبيل يده‪ ،‬وذلك لحدييث عمير بين الخطاب الذي رواه‬
‫مالك أنيه قال وهيو يطوف بالبييت حيين بلغ الحجير السيود "إنميا‬
‫أنيت حجير ولول أنيي رأييت رسيول الله قبلك ميا قبلتيك‪ ،‬ثيم قبله"‬
‫وأجمعوا على أن مين سينة الطواف ركعتيين بعيد انقضاء الطواف‪،‬‬
‫وجمهورهيم على أنيه يأتيي بهيا الطائف عنيد انقضاء كيل أسيبوع إن‬
‫طاف أكثر من أسبوع واحد‪ .‬وأجاز بعض السلف أن ل يفرق بين‬
‫السيابيع وأن ل يفصيل بينهميا ركوع ثيم يركيع لكيل أسيبوع ركعتيين‪،‬‬
‫وهيو مروي عين عائشية أنهيا كانيت ل تفرق بيين ثلثية السيابيع ثيم‬
‫تركييع سييت ركعات‪ .‬وحجيية الجمهور "أن رسييول الله صييلى الله‬
‫عليييه وسييلم طاف بالبيييت سييبعا وصييلى خلف المقام ركعتييين‪،‬‬
‫وقال‪ :‬خذوا عنييي مناسييككم" وحجيية ميين أجاز الجمييع أنييه قال‪:‬‬
‫المقصيود إنميا هيو ركعتان لكيل أسيبوع‪ ،‬والطواف لييس له وقيت‬
‫معلوم ول الركعتان المسينونتان بعده‪ ،‬فجاز الجميع بيين أكثير مين‬
‫ركعتين لكثر من أسبوعين‪ ،‬وإنما استحب من يرى أن يفرق بين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ثلثة السيابيع لن رسيول الله صلى الله علييه وسلم انصيرف إلى‬
‫الركعتين بعد وتر من طوافه‪ ،‬ومن طاف أسابيع غير وتر ثم عاد‬
‫إليها لم ينصرف عن وتر من طوافه‪.‬‬
‫@‪-‬القول في شروطه‪.‬‬
‫وأمييا شروطييه فإن منهييا حييد موضعييه‪ ،‬وجمهور العلماء على أن‬
‫الحجير مين البييت‪ ،‬وأن من طاف بالبييت لزميه إدخال الحجير فييه‪،‬‬
‫وأنيه شرط فيي صيحة طواف الفاضية‪ .‬وقال أبيو حنيفية وأصيحابه‪:‬‬
‫هو سنة‪ .‬وحجة الجمهور ما رواه مالك عن عائشة أن رسول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم قال "لول حدثان قومييك بالكفيير لهدمييت‬
‫الكعبية ولصييرتها على قواعيد إبراهييم" فإنهيم تركوا منهيا سيبعة‬
‫أذرع ميين الحجيير ضاقييت بهييم النفقيية والخشييب‪ ،‬وهييو قول ابيين‬
‫عباس‪ ،‬وكان يحتييج بقوله تعالى {وليطوفوا بالبيييت العتيييق} ثييم‬
‫يقول طاف رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم مين وراء الحجير‪،‬‬
‫وحجة أبي حنيفة ظاهر الية‪ .‬وأما وقت جوازه فإنهم اختلفوا في‬
‫ذلك على ثلثية أقوال‪ :‬أحدهيا إجازة الطواف بعيد الصيبح والعصير‪،‬‬
‫ومنعه وقت الطلوع والغروب‪ ،‬وهو مذهب عمر بن الخطاب وأبي‬
‫سيعيد الخدري‪ ،‬وبيه قال مالك وأصيحابه وجماعية‪ .‬والقول الثانيي‬
‫كراهيتيه بعيد الصيبح والعصير‪ ،‬ومنعيه عنيد الطلوع والغروب‪ ،‬وبيه‬
‫قال سيعيد بين جيبير ومجاهيد وجماعية‪ .‬والقول الثالث إباحية ذلك‬
‫في هذه الوقات كلها‪ ،‬وبه قال الشافعي وجماعة‪ ،‬وأصول أدلتهم‬
‫راجعيية إلى منييع الصييلة فييي هذه الوقات أو إباحتهييا‪ .‬أمييا وقييت‬
‫الطلوع والغروب فالثار متفقيية على منييع الصييلة فيهييا والطواف‬
‫هييل هييو ملحييق بالصييلة؟ فييي ذلك الخلف‪ .‬وممييا احتجييت بييه‬
‫الشافعيية حدييث جيبير بين مطعيم أن النيبي علييه الصيلة والسيلم‬
‫قال "ييا بنيي عبيد مناف أو ييا بنيي عبيد المطلب إن وليتيم مين هذا‬
‫الميير شيئا فل تمنعوا أحدا طاف بهذا البيييت أن يصييلي فيييه أي‬
‫سياعة شاء مين لييل أو نهار" رواه الشافعيي وغيره عين ابين عيينية‬
‫بسيينده إلى جييبير بيين مطعييم‪ .‬واختلفوا فييي جواز الطواف بغييير‬
‫طهارة ميييع إجماعهيييم على أن مييين سييينته الطهارة‪ ،‬فقال مالك‬
‫والشافعيي‪ :‬ل يجزئ طواف بغيير طهارة ل عمدا ول سيهوا‪ .‬وقال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬يجزئ ويستحب له العادة وعليه دم‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬إذا‬
‫طاف على غير وضوء أجزأه طوافه إن كان ل يعلم‪ ،‬ول يجزئه إن‬
‫كان يعلم‪ ،‬والشافعيي يشترط طهارة ثوب الطائف كاشتراط ذلك‬
‫للمصلي‪ .‬وعمدة من شرط الطهارة في الطواف قوله صلى الله‬
‫علييه وسيلم للحائض وهيي أسيماء بنيت عمييس "اصينعي ميا يصينع‬
‫الحاج غير أن ل تطوفي بالبيت" وهو حديث صحيح‪ ،‬وقد يحتجون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أيضيا بميا روي أنيه صيلى الله علييه وسيلم قال "الطواف بالبييت‬
‫صيلة إل أن الله أحيل فييه النطيق فل ينطيق إل بخيير" وعمدة مين‬
‫أجاز الطواف بغييير طهارة إجماع العلماء على جواز السييعي بييين‬
‫الصفا والمروة من غير طهارة‪ ،‬وأنه ليس كل عبادة يشترط فيها‬
‫الطهر من الحيض من شرطها الطهر من الحدث أصله الصوم‪.‬‬
‫@‪-‬القول في أعداده وأحكامه‪.‬‬
‫وأميييا أعداده‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا على أن الطواف ثلثييية أنواع‪:‬‬
‫طواف القدوم على مكة‪ ،‬وطواف الفاضة بعد رمي جمرة العقبة‬
‫يوم النحيير‪ ،‬وطواف الوداع‪ ،‬وأجمعوا على أن الواجييب منهييا الذي‬
‫يفوت الحيج بفواتيه هيو طواف الفاضية‪ ،‬وأنيه المعنيى بقوله تعالى‬
‫{ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} وأنه‬
‫ل يجزئ عنييه دم‪ ،‬وجمهورهيييم على أنيييه ل يجزئ طواف القدوم‬
‫على مكة عن طواف الفاضة إذا نسي طواف الفاضة لكونه قبل‬
‫يوم النحيير‪ .‬وقالت طائفيية ميين أصييحاب مالك‪ :‬إن طواف القدوم‬
‫يجزئ عين طواف الفاضية كأنهيم رأوا أن الواجيب إنميا هيو طواف‬
‫واحييد‪ .‬وجمهور العلماء على أن طواف الوداع يجزئ عيين طواف‬
‫الفاضيية إن لم يكيين طاف طواف الفاضيية لنييه طواف بالبيييت‬
‫معمول في وقت طواف الوجوب الذي هو طواف الفاضة بخلف‬
‫طواف القدوم الذي هيو قبيل وقيت طواف الفاضية وأجمعوا فيميا‬
‫حكاه أبيو عمير بين عبيد البر أن طواف القدوم والوداع مين سينة‬
‫الحاج ل لخائف فوات الحيييج فإنيييه يجزئ عنيييه طواف الفاضييية‪،‬‬
‫واسييتحب جماعيية ميين العلماء لميين عرض له هذا أن يرمييل فييي‬
‫الشواط الثلثة من طواف الفاضة‪ ،‬على سنة طواف القدوم من‬
‫الرمييل‪ ،‬وأجمعوا على أن المكييي ليييس عليييه إل طواف الفاضيية‬
‫كميييا أجمعوا على أنيييه لييييس على المعتمييير إل طواف القدوم‪.‬‬
‫وأجمعوا أن مين تمتيع بالعمرة إلى الحيج أن علييه طوافيين طوافيا‬
‫للعمرة لحله منهيا وطوافيا للحيج يوم النحير على ميا فيي حدييث‬
‫عائشية المشهور‪ .‬وأميا المفرد للحيج فلييس علييه إل طواف واحيد‬
‫كميا قلنيا يوم النحير‪ .‬واختلفوا فيي القارن فقال مالك والشافعيي‬
‫وأحميد وأبيو ثور‪ :‬يجزئ القارن طواف واحيد وسيعي واحيد‪ ،‬وهيو‬
‫مذهب عبد الله بن عمر وجابر‪ ،‬وعمدتهم حديث عائشة المتقدم‪.‬‬
‫وقال الثوري والوزاعيي وأبيو حنيفية وابين أبيي ليلى على القارن‬
‫طوافان وسعيان‪ ،‬ورووا هذا عن علي وابن مسعود لنهما نسكان‬
‫مين شرط كيل واحيد منهميا إذا انفرد طوافيه وسيعيه‪ ،‬فوجيب أن‬
‫يكون المييير كذلك إذا اجتمعيييا‪ ،‬فهذا هيييو القول فيييي وجوب هذا‬
‫الفعييل وصييفته وشروطييه وعدده ووقتييه وصييفته‪ ،‬والذي يتلو هذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الفعل من أفعال الحج أعني طواف القدوم هو السعي بين الصفا‬


‫والمروة وهو الفعل الثالث للحرام فلنقل فيه‪:‬‬
‫*‪*4‬القول في السعي بين الصفا والمروة‪.‬‬
‫@‪-‬والقول في السعي في حكمه وفي صفته وفي شروطه وفي‬
‫ترتيبه‪.‬‬
‫@‪-‬القول في حكمه‪.‬‬
‫أميا حكميه؛ فقال مالك والشافعيي‪ :‬هيو واجيب‪ ،‬وإن لم يسيع كان‬
‫عليه حج قابل‪ ،‬وبه قال أحمد وإسحق‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬هو سنة‪،‬‬
‫وإذا رجييع إلى بلده ولم يسييع كان عليييه دم‪ .‬وقال بعضهييم‪ :‬هييو‬
‫تطوع ول شيء على تاركه؛ فعمدة من أوجبه ما روي "أن رسول‬
‫الله صييلى الله عليييه وسييلم كان يسييعى ويقول‪ :‬اسييعوا فإن الله‬
‫كتب عليكم السعي" روى هذا الحديث الشافعي عن عبد الله بن‬
‫المؤميل‪ ،‬وأيضيا فإن الصيل أن أفعاله علييه الصيلة والسيلم فيي‬
‫هذه العبادة محمولة على الوجوب‪ ،‬إل ميييا أخرجيييه الدلييييل مييين‬
‫سييماع أو إجماع أو قياس عنييد أصييحاب القياس‪ .‬وعمدة ميين لم‬
‫يوجبيه قوله تعالى {إن الصيفا والمروة مين شعائر الله فمين حيج‬
‫البيييت أو اعتميير فل جناح عليييه أن يطوف بهمييا} قالوا‪ :‬إن معناه‬
‫أن ل يطوف وهيي قراءة ابين مسيعود‪ ،‬وكميا قال سيبحانه {‪ .‬ييبين‬
‫الله لكييم أن تضلوا} معناه‪ :‬أي لئل تضلوا‪ ،‬وضعفوا حديييث ابيين‬
‫المؤمييل‪ .‬وقالت عائشيية‪ :‬الييية على ظاهرهييا وإنمييا نزلت فييي‬
‫النصييار تحرجوا أن يسييعوا بييين الصييفا والمروة على مييا كانوا‬
‫يسعون عليه في الجاهلية لنه كان موضع ذبائح المشركين‪ ،‬وقد‬
‫قيييل إنهييم كانوا ل يسييعون بييين الصييفا والمروة تعظيمييا لبعييض‬
‫الصنام‪ ،‬فسألوا عن ذلك فنزلت هذه الية مبيحة لهم‪ ،‬وإنما صار‬
‫الجمهور إلى أنها من أفعال الحج لنها صفة فعله صلى الله عليه‬
‫وسلم تواترت بذلك الثار‪ ،‬أعني وصل السعي بالطواف‪.‬‬
‫@‪-‬القول في صفته‪.‬‬
‫وأمييا صييفته فإن جمهور العلماء على أن ميين سيينة السييعي بييين‬
‫الصييفا والمروة أن ينحدر الراقييي على الصييفا بعييد الفراغ ميين‬
‫الدعاء‪ ،‬فيمشيي على جبلتيه حتيى يبلغ بطين المسييل فيرميل فييه‬
‫حتيى يقطعيه إلى ميا يلي المروة‪ ،‬فإذا انقطيع ذلك وجاوزه مشيى‬
‫على سيجيته حتيى يأتيي المروة فيرقيي عليهيا حتيى يبدو له البييت‬
‫ثم يقول عليها نحوا مما قاله من الدعاء والتكبير على الصفا‪ ،‬وإن‬
‫وقييف أسييفل المروة أجزأه عنييد جميعهييم‪ ،‬ثييم ينزل عيين المروة‬
‫فيمشيي على سيجيته حتيى ينتهيي إلى بطين المسييل فإذا انتهيى‬
‫إلييه رميل حتيى يقطعيه إلى الجانيب الذي يلي الصيفا‪ ،‬يفعيل ذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سييبع مرات يبدأ فييي كييل ذلك بالصييفا ويختييم بالمروة‪ ،‬فإن بدأ‬
‫بالمروة قبل الصفا ألغي ذلك الشوط لقول رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم "نبدأ بميا بدأ الله بيه‪ :‬نبدأ بالصيفا" يرييد قوله تعالى‬
‫{إن الصيفا والمروة مين شعائر الله} وقال عطاء إن جهيل فبدأ‬
‫بالمروة أجزأ عنه‪ .‬وأجمعوا على أنه ليس في وقت السعي قول‬
‫محدود فإنيه موضيع دعاء‪ .‬وثبيت مين حدييث جابر "أن رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلثا ويقول‪:‬‬
‫ل إله إل الله وحده ل شريييك له‪ ،‬له الملك وله الحمييد وهييو على‬
‫كييل شيييء قدييير‪ ،‬يصيينع ذلك ثلث مرات‪ ،‬ويدعييو ويصيينع على‬
‫المروة مثل ذلك"‪.‬‬
‫@‪-‬القول في شروطه‪.‬‬
‫وأمييا شروطييه فإنهييم اتفقوا على أن ميين شرطييه الطهارة ميين‬
‫الحييض كالطواف سيواء لقوله صيلى الله علييه وسيلم فيي حدييث‬
‫عائشية "افعلي كيل ميا يفعيل الحاج غيير أن ل تطوفيي بالبييت ول‬
‫تسيعي بيين الصيفا والمروة" انفرد بهذه الزيادة يحييى عين مالك‬
‫دون مييين روى عنيييه هذا الحدييييث‪ ،‬ول خلف بينهيييم أن الطهارة‬
‫ليست من شروطه إل الحسن فإنه شبهه بالطواف‪.‬‬
‫@‪-‬القول في ترتيبه‪.‬‬
‫وأميا ترتيبيه فإن جمهور العلماء اتفقوا على أن السيعي إنميا يكون‬
‫بعد الطواف‪ ،‬وأن من سعى قبل أن يطوف بالبيت يرجع فيطوف‬
‫وإن خرج عن مكة‪ ،‬فإن جهل ذلك حتى أصاب النساء في العمرة‬
‫أو فييي الحييج كان عليييه حييج قابييل والهدي أو عمرة أخرى‪ .‬وقال‬
‫الثوري‪ :‬إن فعيل ذلك فل شييء علييه‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬إذا خرج‬
‫من مكة فليس عليه أن يعود وعليه دم‪ .‬فهذا هو القول في حكم‬
‫السعي وصفته وشروطه المشهورة وترتيبه‪.‬‬
‫*‪*4‬الخروج إلى عرفة‪.‬‬
‫@‪-‬وأميييا الفعيييل الذي يلي هذا الفعيييل للحاج‪ ،‬فهيييو الخروج يوم‬
‫الترويية إلى منيى والميبيت بهيا ليلة عرفية‪ .‬واتفقوا على أن المام‬
‫يصلي بالناس بمنى يوم التروية الظهر والعصر والمغرب والعشاء‬
‫بها مقصورة‪ ،‬إل أنهم أجمعوا على أن هذا الفعل ليس شرطا في‬
‫صيحة الحيج لمين ضاق علييه الوقيت‪ ،‬ثيم إذا كان يوم عرفية مشيى‬
‫المام مع الناس من منى إلى عرفة ووقفوا بها‪.‬‬
‫@‪-‬الوقوف بعرفة‪.‬‬
‫والقول في هذا الفعل ينحصر في معرفة حكمه وفي صفته وفي‬
‫شروطه‪ .‬أما حكم الوقوف بعرفة فإنهم أجمعوا على أنه ركن من‬
‫أركان الحييج‪ ،‬وأن ميين فاتييه فعليييه حييج قابييل والهدي فييي قول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أكثرهم لقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬الحج عرفة" وأما صفته فهو‬
‫أن يصييل المام إلى عرفيية يوم عرفييية قبيييل الزوال‪ ،‬فإذا زالت‬
‫الشمس خطب الناس ثم جمع بين الظهر والعصر في أول وقت‬
‫الظهير ثيم وقيف حتيى تغييب الشميس‪ .‬وإنميا اتفقوا على هذا لن‬
‫هذه الصيفة هيي مجميع عليهيا مين فعله صيلى الله علييه وسيلم ول‬
‫خلف بينهيم أن إقامية الحيج هيي للسيلطان العظيم أو لمين يقيميه‬
‫السيلطان العظيم لذلك وأنيه يصيلي وراءه برا كان السيلطان أو‬
‫فاجرا أو مبتدعا‪ ،‬وأن السنة في ذلك أن يأتي المسجد بعرفة يوم‬
‫عرفة مع الناس‪ ،‬فإذا زالت الشمس خطب الناس كما قلنا وجمع‬
‫بين الظهر والعصر‪ .‬واختلفوا في وقت أذان المؤذن بعرفة للظهر‬
‫والعصر‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يخطب المام حتى يمضي صدرا من خطبته‬
‫أو بعضها‪ ،‬ثم يؤذن المؤذن وهو يخطب‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬يؤذن إذا‬
‫أخيذ المام فيي الخطبية الثانيية‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬إذا صيعد المام‬
‫المنييبر أميير المؤذن بالذان فأذن كالحال فييي الجمعيية‪ ،‬فإذا فرغ‬
‫المؤذن قام المام يخطييب ثييم ينزل ويقيييم المؤذن الصييلة‪ ،‬وبييه‬
‫قال أبيو ثور تشبيهيا بالجمعية‪ .‬وقيد حكيى ابين نافيع عين مالك أنيه‬
‫قال‪ :‬الذان بعرفية بعيد جلوس المام للخطبية وفيي حدييث جابر‬
‫"أن النبي صلى الله عليه وسلم لما زاغت الشمس أمر بالقصواء‬
‫فرحلت له وأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن بلل ثم أقام‬
‫فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم راح‬
‫إلى الموقييف" واختلفوا هييل يجمييع بييين هاتييين الصييلتين بأذانييين‬
‫وإقامتين أو بأذان واحد وإقامتين فقال مالك‪ :‬يجمع بينهما بأذانين‬
‫وإقامتيين‪ .‬وقال الشافعيي وأبيو حنيفية والثوري وأبيو ثور وجماعية‪:‬‬
‫يجميع بينهميا بأذان واحيد وإقامتيين‪ .‬وروي عين مالك مثيل قولهيم‪.‬‬
‫وروي عين أحميد أنيه يجميع بينهميا بإقامتيين‪ ،‬والحجية للشافعييي‬
‫حدييث جابر الطوييل فيي صيفة حجيه علييه الصيلة والسيلم وفييه‬
‫"أنيه صيلى الظهير والعصير بأذان واحيد وإقامتيين كميا قلنيا" وقول‬
‫مالك مروي عين ابين مسيعود‪ ،‬وحجتيه أن الصيل هيو أن تفرد كيل‬
‫صلة بأذان وإقامة‪ ،‬ول خلف بين العلماء أن المام لو لم يخطب‬
‫يوم عرفيية قبييل الظهيير أن صييلته جائزة بخلف الجمعيية‪ ،‬وكذلك‬
‫أجمعوا أن القراءة فيي هذه الصيلة سيرا‪ ،‬وأنهيا مقصيورة إذا كان‬
‫المام مسييافرا‪ .‬واختلفوا إذا كان المام مكيييا هييل يقصيير بمنييى‬
‫الصيلة يوم الترويية وبعرفية يوم عرفية وبالمزدلفية ليلة النحير إن‬
‫كان من أحد هذه المواضع؟ فقال مالك والوزاعي وجماعة‪ :‬سنة‬
‫هذه المواضييع التقصييير سييواء كان ميين أهلهييا أو لم يكيين‪ .‬وقال‬
‫الثوري وأبيو حنيفية والشافعيي وأبيو ثور وداود‪ :‬ل يجوز أن يقصير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين كان مين أهيل تلك المواضيع‪ ،‬وحجية مالك أنيه لم يرو أن أحدا‬
‫أتيم الصيلة معيه صيلى الله علييه وسيلم أعنيي بعيد سيلمه منهيا‪.‬‬
‫وحجيية الفريييق الثانييي البقاء على الصييل المعروف أن القصيير ل‬
‫يجوز إل للمسيييافر حتيييى يدل الدلييييل على التخصييييص‪ .‬واختلف‬
‫العلماء فييي وجوب الجمعيية بعرفيية ومنييى‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل تجييب‬
‫الجمعية بعرفية ول بمنيى إل أيام الحيج ل لهيل مكية ول لغيرهيم إل‬
‫أن يكون المام مين أهيل عرفية‪ .‬وقال الشافعيي مثيل ذلك‪ ،‬إل أنيه‬
‫يشترط فيييي وجوب الجمعييية أن يكون هنالك مييين أهيييل عرفييية‬
‫أربعون رجل على مذهبييه فييي اشتراط هذا العدد فييي الجمعيية‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إذا كان أمير الحج ممن ل يقصر الصلة بمنى ول‬
‫بعرفية صيلى بهيم فيهيا الجمعية إذا صيادفها‪ .‬وقال أحميد‪ :‬إذا كان‬
‫والي مكة يجمع بهم‪ .‬وبه قال أبو ثور‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا شروطيه) فهيو الوقوف بعرفية بعيد الصيلة‪ ،‬وذلك أنيه لم‬
‫يختلف العلماء "أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم بعييد مييا‬
‫صيلى الظهير والعصير بعرفية ارتفيع فوقيف بجبالهيا داعييا إلى الله‬
‫تعالى ووقيف معيه كيل مين حضير إلى غروب الشميس‪ ،‬وأنيه لميا‬
‫اسيتيقن غروبهيا وبان له ذلك دفيع منهيا إلى المزدلفية" ول خلف‬
‫بينهم أن هذا هو سنة الوقوف بعرفة‪ ،‬وأجمعوا على أن من وقف‬
‫بعرفية قبيل الزوال وأفاض منهيا قبيل الزوال أنيه ل يعتيد بوقوفيه‬
‫ذلك‪ ،‬وأنيه إن لم يرجيع فيقيف بعيد الزوال أو يقيف مين ليلتيه تلك‬
‫قبيل طلوع الفجير فقيد فاتيه الحيج‪ .‬وروي عين عبيد الله بين معمير‬
‫الديلي قال‪ :‬سييمعت رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم يقول‬
‫"الحج عرفات‪ ،‬فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك"‬
‫وهيو حدييث انفرد بيه هذا الرجيل مين الصيحابة إل أنيه مجميع علييه‪.‬‬
‫واختلفوا فيمين وقيف بعرفية بعيد الزوال ثيم دفيع منهيا قبيل غروب‬
‫الشمس‪ ،‬فقال مالك‪ :‬عليه حج قابل إل أن يرجع قبل الفجر‪ ،‬وإن‬
‫دفع منها قبل المام وبعد الغيبوبة أجزأه‪ .‬وبالجملة فشرط صحة‬
‫الوقوف عنده هييو أن يقييف ليل‪ .‬وقال جمهور العلماء‪ :‬ميين وقييف‬
‫بعرفيية بعييد الزوال فحجييه تام وإن دفييع قبييل الغروب‪ ،‬إل أنهييم‬
‫اختلفوا فيي وجوب الدم علييه‪ ،‬وعمدة الجمهور حدييث عروة بين‬
‫مضرس‪ ،‬وهيو حدييث مجميع على صيحته قال "أتييت رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم بجميع فقلت له‪ :‬هيل لي مين حيج؟ فقال‪:‬‬
‫مين صيلى هذه الصيلة معنيا ووقيف هذا الموقيف حتيى نفييض أو‬
‫أفاض قبييل ذلك ميين عرفات ليل أو نهارا فقييد تييم حجييه وقضييى‬
‫تفثييه" وأجمعوا على أن المراد بقوله فييي هذا الحديييث نهارا أنييه‬
‫بعيد الزوال‪ ،‬ومين اشترط اللييل احتيج بوقوفيه بعرفية صيلى الله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عليييه وسييلم حييين غربييت الشمييس‪ ،‬لكيين للجمهور أن يقولوا إن‬


‫وقوفيه بعرفية إلى المغييب قيد نبيأ حدييث عروة بين مضرس أنيه‬
‫على جهية الفضيل إذ كان مخيرا بيين ذلك‪ .‬وروي عين النيبي صيلى‬
‫الله علييه وسيلم مين طرق أنيه قال "عرفية كلهيا موقيف وارتفعوا‬
‫عين بطين عرنية‪ ،‬والمزدلفية كلهيا موقيف إل بطين محسير‪ ،‬ومنيى‬
‫كلهييا منحيير‪ ،‬وفجاج مكيية منحيير ومييبيت" واختلف العلماء فيميين‬
‫وقيف مين عرفية بعرنية فقييل حجيه تام وعلييه دم‪ ،‬وبيه قال مالك‪،‬‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬ل حيج له‪ .‬وعمدة مين أبطيل الحيج النهيي الوارد‬
‫عن ذلك في الحديث‪ .‬وعمدة من لم يبطله أن الصل أن الوقوف‬
‫بكييل عرفيية جائز إل مييا قام عليييه الدليييل‪ ،‬وقالوا‪ :‬ولم يأت هذا‬
‫الحدييث مين وجيه تلزم بيه الحجية والخروج عين الصيل‪ ،‬فهذا هيو‬
‫القول فييي السيينن التييي فييي يوم عرفيية‪ .‬وأمييا الفعييل الذي يلي‬
‫الوقوف بعرفية مين أفعال الحيج فهيو النهوض إلى المزدلفية بعيد‬
‫غيبة الشمس وما يفعل بها فلنقل فيه‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في أفعال المزدلفة‪.‬‬
‫@‪-‬والقول الجملي أيضييا فييي هذا الموضييع ينحصيير فييي معرفيية‬
‫حكميه وفيي صيفته وفيي وقتيه‪ .‬فأميا كون هذا الفعيل مين أركان‬
‫الحييج فالصييل فيييه قوله سييبحانه {فاذكروا الله عنييد المشعيير‬
‫الحرام واذكروه كما هداكيم} وأجمعوا على أن من بات المزدلفة‬
‫ليلة النحر وجمع فيها بين المغرب والعشاء مع المام ووقف بعد‬
‫صيلة الصيبح إلى السيفار بعيد الوقوف بعرفية أن حجيه تام‪ ،‬وأن‬
‫ذلك الصفة التي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬واختلفوا‬
‫هل الوقوف بها بعد صلة الصبح‪ ،‬والمبيت بها من سنن الحج أو‬
‫من فروضه‪ ،‬فقال الوزاعي وجماعة من التابعين‪ :‬هو فرض من‬
‫فروض الحييج‪ ،‬وميين فاتييه كان عليييه حييج قابييل والهدي‪ ،‬وفقهاء‬
‫المصيار يرون أنيه لييس مين فروض الحيج‪ ،‬وأن مين فاتيه الوقوف‬
‫بالمزدلفية والميبيت بهيا فعلييه دم‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬إن دفيع منهيا‬
‫إلى بعييد نصييف الليييل الول ولم يصييل بهييا فعليييه دم‪ ،‬وعمدة‬
‫الجمهور ميا صيح عنيه أنيه صيلى الله علييه وسيلم قدم ضعفية أهله‬
‫ليل فلم يشاهدوا معه صلة الصبح بها‪ ،‬وعمدة الفريق الول قوله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم فيي حدييث عروة بين مضرس وهيو حدييث‬
‫متفق على صحته "من أدرك معنا هذه الصلة‪ :‬يعني صلة الصبح‬
‫بجميع‪ ،‬وكان قيد أتيى قبيل ذلك عرفات ليل أو نهارا فقيد تيم حجيه‬
‫وقضيى تفثيه" وقوله تعالى {فإذا أفضتيم مين عرفات فاذكروا الله‬
‫عنيد المشعير الحرام واذكروه كميا هداكيم} ‪ .‬ومين حجية الفرييق‬
‫الول أن المسلمين قد أجمعوا على ترك الخذ بجميع ما في هذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحد يث‪ ،‬وذلك أن أكثرهم على أن من وقف بالمزدلفة ليل ودفع‬


‫منهيا إلى قبيل الصيبح أن حجيه تام‪ ،‬وكذلك مين بات فيهيا ونام عين‬
‫الصيلة وكذلك أجمعوا على أنيه لو وقيف بالمزدلفية ولم يذكير الله‬
‫أن حجيه تام‪ ،‬وفيي ذلك أيضيا ميا يضعيف احتجاجهيم بظاهير اليية‪،‬‬
‫والمزدلفية وجميع هميا اسيمان لهذا الموضيع وسينة الحيج فيهيا كميا‬
‫قلنيا أن ييبيت الناس بهيا ويجمعون بيين المغرب والعشاء فيي أول‬
‫وقت العشاء ويغلسوا بالصبح فيها‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في رمي الجمار‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا الفعييل بعدهييا فهييو رمييي الجمار‪ ،‬وذلك أن المسييلمين‬
‫اتفقوا على "أن النييبي صييلى الله عليييه وسييلم وقييف بالمشعيير‬
‫الحرام وهي المزدلفة بعد ما صلى الفجر ثم دفع منها قبل طلوع‬
‫الشمس إلى منى‪ ،‬وأنه في هذا اليوم وهو يوم النحر رمى جمرة‬
‫العقبية مين بعيد طلوع الشميس" وأجميع المسيلمون أن مين رماهيا‬
‫فييي هذا اليوم فييي ذلك الوقييت‪ :‬أعنييي بعييد طلوع الشمييس إلى‬
‫زوالهيا فقيد رماهيا فيي وقتهيا‪ ،‬وأجمعوا أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم لم يرم يوم النحر من الجمرات غيرها‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن رمى جمرة العقبة قبل طلوع الفجر‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫لم يبلغنيا أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم رخيص لحيد أن‬
‫يرمييي قبييل طلوع الفجيير‪ ،‬ول يجوز ذلك‪ ،‬فإن رماهييا قبييل الفجيير‬
‫أعادها‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وسفيان وأحمد‪.‬‬
‫وقال الشافعييي‪ :‬ل بأس بييه وإن كان المسييتحب هييو بعييد طلوع‬
‫الشميس‪ ،‬فحجية منيع ذلك فعله صيلى الله علييه وسيلم ميع قوله‬
‫"خذوا عني مناسككم" وما روي عن ابن عباس "أن رسول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم قدّم ضعفيية أهله وقال‪ :‬ل ترموا الجمرة‬
‫حتى تطلع الشمس"‪.‬‬
‫وعمدة من جوز رميها قبل الفجر حديث أم سلمة خرجه أبو داود‬
‫وغيره وهيو "أن عائشية قالت‪ :‬أرسيل رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم لم سيلمة يوم النحير فرميت الجمرة قبيل الفجير ومضيت‬
‫فأفاضت‪ ،‬وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عندها‪.‬‬
‫وحديث أسماء أنه رمت الجمرة بليل وقالت‪ :‬إنا كنا نصنعه على‬
‫عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأجميع العلماء أن الوقيت المسيتحب لرميي جمرة العقبية هيو مين‬
‫لدن طلوع الشميس إلى وقيت الزوال‪ ،‬وأنيه إن رماهيا قبيل غروب‬
‫الشميس مين يوم النحير أجزأ عنيه ول شييء علييه‪ ،‬إل مالكيا فإنيه‬
‫قال‪ :‬أستحب له أن يريق دما‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلفوا فيمن لم يرمها حتى غابت الشمس فرماها من الليل أو‬


‫من الغد‪ ،‬فقال مالك‪ :‬عليه دم‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن رميى مين اللييل فل شييء علييه‪ ،‬وإن أخرهيا‬
‫إلى الغد فعليه دم‪.‬‬
‫وقال أبيو يوسيف ومحميد والشافعيي ل شييء علييه إن أخرهيا إلى‬
‫الليل أو إلى الغد‪ ،‬وحجتهم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫رخص لرعاة البل في مثل ذلك‪ :‬أعني أن يرموا ليل" وفي حديث‬
‫ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له السائل‪:‬‬
‫يييا رسييول الله رميييت بعييد مييا أمسيييت‪ ،‬قال له‪ :‬ل حرج" وعمدة‬
‫مالك أن ذلك الوقييت المتفييق عليييه الذي رمييى فيييه رسييول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم هو السنة‪ ،‬ومن خالف سنة من سنن الحج‬
‫فعليه دم‪ ،‬على ما روي عن ابن عباس وأخذ به الجمهور‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬ومعنى الرخصة للرعاة إنما ذلك إذا مضى يوم النحر‬
‫ورموا جمرة العقبيية ثييم كان اليوم الثالث وهييو أول أيام النفيير‪،‬‬
‫فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرموا في ذلك‬
‫اليوم له ولليوم الذي بعده‪ ،‬فإن نفروا فقييييييد فرغوا‪ ،‬وإن أقاموا‬
‫إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الخير ونفروا‪ ،‬ومعنى الرخصة‬
‫للرعاة عنيد جماعية العلماء هيو جميع يوميين فيي يوم واحيد‪ ،‬إل أن‬
‫مالكيا إنميا يجميع عنده ميا وجيب مثيل أن يجميع فيي الثالث فيرميي‬
‫عن الثاني والثالث‪ ،‬لنه ل يقضي عنده إل ما وجب‪ ،‬ورخص كثير‬
‫من العلماء في جمع يومين في يوم‪ ،‬سواء تقدم ذلك اليوم الذي‬
‫أضييف إلى غيره أو تأخير ولم يشبهوه بالقضاء‪ ،‬وثبيت "أن رسيول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم رمى في حجته الجمرة يوم النحر‪ ،‬ثم‬
‫نحيير بدنيية‪ ،‬ثييم حلق رأسييه‪ ،‬ثييم طاف طواف الفاضيية" وأجمييع‬
‫العلماء على أن هذا سنة الحج‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن قدم من هذه ما أخره النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أو بالعكييس‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ميين حلق قبييل أن يرمييي جمرة العقبيية‬
‫فعليه الفدية‪.‬‬
‫وقال الشافعي وأحمد وداود وأبو ثور‪ :‬ل شيء عليه‪.‬‬
‫وعمدتهيم ميا رواه مالك مين حدييث عبيد الله بين عمير أنيه قال‬
‫"وقيف رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم للناس بمنيى والناس‬
‫يسألونه‪ ،‬فجاءه رجل فقال‪ :‬يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل‬
‫أن أنحر‪.‬‬
‫فقال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬إنحير ول حرج‪ ،‬ثيم جاءه‬
‫آخير فقال‪ :‬ييا رسيول الله لم أشعير فنحرت قبيل أن أرميي‪ ،‬فقال‬
‫علييه الصيلة والسيلم‪ :‬إرم ول حرج‪ ،‬قال‪ :‬فميا سيئل رسيول الله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خَر إل قال‪ :‬إفعل‬ ‫م أو أ ُ ِ‬


‫صلى الله عليه وسلم يومئذ عن شيء قُد ِ َ‬
‫ول حرج"‪.‬‬
‫وروى هذا من طريق ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وعمدة مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم على من‬
‫حلق قبيل محله مين ضرورة بالفديية فكييف مين غيير ضرورة‪ ،‬ميع‬
‫أن الحديييث لم يذكيير فيييه حلق الرأس قبييل رمييي الجمار‪ ،‬وعنييد‬
‫مالك أن مين حلق قبيل أن يذبيح فل شييء علييه وكذلك مين ذبيح‬
‫قبل أن يرمي‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن حلق قبيل أن ينحير أو يرميي فعلييه دم‪ ،‬وإن‬
‫كان قارنييا فعليييه دمان‪ ،‬وقال زفيير‪ :‬عليييه ثلث دماء دم للقران‬
‫ودمان للحلق قبل النحر وقبل الرمي‪.‬‬
‫وأجمعوا على أن ميين نحيير قبييل أن يرمييي فل شيييء عليييه لنييه‬
‫منصيوص علييه‪ ،‬إل ميا روي عين ابين عباس أنيه كان يقول ‪ :‬مين‬
‫قدم من حجه شيئا أو أخر فليهرق دما‪.‬‬
‫وأنييه ميين قدم الفاضيية قبييل الرمييي والحلق أنييه يلزمييه إعادة‬
‫الطواف‪.‬‬
‫وقال الشافعي ومن تابعه‪ :‬ل إعادة عليه‪.‬‬
‫وقال الوزاعي‪ :‬إذا طاف للفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة ثم‬
‫واقع أهله أراق دما‪.‬‬
‫واتفقوا على أن جملة ما يرميه الحاج سبعون حصاة منها في يوم‬
‫النحير جمرة العقبة ب سبع‪ ،‬وأن ر مي هذه الجمرة من حيث تيسر‬
‫مين العقبية مين أسيفلها أو مين أعلهيا أو مين وسيطها كيل ذلك‬
‫واسع‪ ،‬والموضع المختار منها بطن الوادي لما جاء في حديث ابن‬
‫مسيعود أنيه اسيتبطن الوادي ثيم قال‪ :‬مين ههنيا والذي ل إله غيره‬
‫رأيييت الذي أنزلت عليييه سييورة البقرة يرمييي‪ .‬وأجمعوا على أنييه‬
‫يعيد الرمي إذا لم تقع الحصاة في العقبة‪ ،‬وأنه يرمي في كل يوم‬
‫مين أيام التشرييق ثلث جمار بواحيد وعشريين حصياة كيل جمرة‬
‫منهيا بسيبع‪ ،‬وأنيه يجوز أن يرميي منهيا يوميين وينفير فيي الثالث‬
‫لقوله تعالى ‪-‬فمن تعجل في يومين فل إثم عليه‪ -‬وقدرها عندهم‬
‫أن يكون فيي مثيل حصيى الخذف لميا روي مين حدييث جابر وإبين‬
‫عباس وغيرهم "أن النبي عليه الصلة والسلم رمى الجمار بمثل‬
‫حصيى الخذف" والسينة عندهيم فيي رميي الجمرات كيل يوم مين‬
‫أيام التشريييق أن يرمييي الجمرة الولى فيقييف عندهييا ويدعييو‪،‬‬
‫وكذلك الثانيية ويطييل المقام‪ ،‬ثيم يرميي الثالثية ول يقيف لميا روي‬
‫فيي ذلك عين رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "أنيه كان يفعيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ذلك فيي رمييه" والتكيبير عندهيم عنيد رميي كيل جمرة حسين لنيه‬
‫يروى عنه عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫وأجمعوا على أن مين سينة رميي الجمار الثلث فيي أيام التشرييق‬
‫أن يكون ذلك بعد الزوال‪.‬‬
‫واختلفوا إذا رماهييا قبييل الزوال فييي أيام التشريييق‪ ،‬فقال جمهور‬
‫العلماء‪ :‬مين رماهيا قبيل الزوال أعاد رميهيا بعيد الزوال‪.‬وروي عين‬
‫أبييي جعفيير محمييد بيين علي أنييه قال‪ :‬رمييي الجمار ميين طلوع‬
‫الشمييس إلى غروبهييا‪ .‬وأجمعوا على أن ميين لم يرم الجمار أيام‬
‫التشريييق حتييى تغيييب الشمييس ميين آخرهييا أنييه ل يرميهييا بعييد‪.‬‬
‫واختلفوا في الواجب من الكفارة فقال مالك‪ :‬إن من ترك الجمار‬
‫كلهيا أو بعضهيا أو واحدة منهيا فعلييه دم‪ ،‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن ترك‬
‫كلها كان عليه دم‪ ،‬وإن ترك جمرة واحدة فصاعدا كان عليه لكل‬
‫جمرة إطعام مسييكين نصييف صيياع حنطيية إلى أن يبلغ دمييا بترك‬
‫الجمييع إل جمرة العقبية فمين تركهيا فعلييه دم‪ .‬وقال الشافعيي‪:‬‬
‫علييه فيي الحصياة ميد مين طعام‪ ،‬وفيي حصياتين مدان‪ ،‬وفيي ثلث‬
‫دم‪ .‬وقال الثوري مثله‪ ،‬إل أنييه قال فييي الرابعيية الدم‪ .‬ورخصييت‬
‫طائفيية ميين التابعييين فييي الحصيياة الواحدة ولم يروا فيهييا شيئا‪،‬‬
‫والحجية لهيم حدييث سيعد بين أبيي وقاص قال "خرجنيا ميع رسيول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في حجته‪ ،‬فبعضنا يقول‪ :‬رميت بسبع‪،‬‬
‫وبعضنيا يقول‪ :‬رمييت بسيت‪ ،‬فلم يعيب بعضنيا على بعيض" وقال‬
‫أهيل الظاهير‪ :‬ل شييء فيي ذلك والجمهور على أن جمرة العقبية‬
‫ليسيت مين أركان الحيج‪ .‬وقال عبيد الملك مين أصيحاب مالك‪ :‬هيي‬
‫مين أركان الحيج‪ .‬فهذه هيي جملة أفعال الحيج مين حيين الحرام‬
‫إلى أن يحييل‪ ،‬والتحلل تحللن‪ :‬تحلل أكييبر‪ ،‬وهييو طواف الفاضيية‪،‬‬
‫وتحلل أصييغر وهييو رمييي جمرة العقبيية‪ ،‬وسيينذكر مييا فييي هذا‬
‫الختلف‪.‬‬
‫القول في الجنس الثالث‪:‬‬
‫وهيو الذي يتضمين القول فيي الحكام‪ ،‬وقيد نفيى القول فيي حكيم‬
‫الختللت التيي تقيع فيي الحيج‪ ،‬وأعظمهيا فيي حكيم مين شرع فيي‬
‫الحيج فمنعيه بمرض أو بعدو أو فاتيه وقيت الفعيل الذي هيو شرط‬
‫في صحة الحج أو أفسد حجه بإتيانه بعض المحظورات المفسدة‬
‫للحيج أو للفعال التيي هيي تروك أو أفعال‪ ،‬فلنبتدئ مين هذه بميا‬
‫هو نص في الشريعة وهو حكم المحصر وحكم قاتل الصيد وحكم‬
‫الحالق رأسيه قبيل محيل الحلق وإلقائه التفيث قبيل أن يحيل‪ ،‬وقيد‬
‫يدخيل فيي هذا الباب حكيم المتمتيع وحكيم القارن على القول بأن‬
‫وجوب الهدي في هذه هو لمكان الرخصة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القول في الحصار‬
‫وأمييا الحصييار‪ ،‬فالصييل فيييه قوله سييبحانه‪- :‬فإن أحصييرتم فمييا‬
‫استيسر من الهدي‪ -‬إلى قوله ‪-‬فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى‬
‫الحييج فمييا اسييتيسر ميين الهدي‪ -‬فنقول‪ :‬اختلف العلماء فييي هذه‬
‫اليية اختلفيا كثيرا‪ ،‬وهيو السيبب فيي اختلفهيم فيي حكيم المحصير‬
‫بمرض أو بعدو‪ ،‬فأول اختلفهيم فيي هذه اليية هيل المحصير ههنيا‬
‫هو المحصر بالمرض‪ .‬فأما من قال‪ :‬إن المحصر ههنا هو المحصر‬
‫بالعدو فاحتجوا بقوله تعالى ‪-‬فميين كان منكييم مريضييا أو بييه أذى‬
‫مين رأسيه‪ -‬قالوا‪ :‬فلو كان المحصير هيو المحصير بمرض لميا كان‬
‫لذكيير المرض بعييد ذلك فائدة‪ ،‬واحتجوا أيضييا بقوله سييبحانه ‪-‬فإذا‬
‫أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج‪ -‬وهذه حجة ظاهرة‪ ،‬ومن قال‪:‬‬
‫إن اليية إنميا وردت فيي المحصير بالمرض فإنيه زعيم أن المحصير‬
‫هو من أحصر‪ ،‬ول يقال أحصر في العدو‪ ،‬وإنما يقال حصره العدو‬
‫وأحصيره المرض‪ ،‬قالوا‪ :‬وإنميا ذكير المرض بعيد ذلك لن المرض‬
‫صينفان‪ :‬صينف محصير‪ ،‬وصينف غيير محصير‪ ،‬وقالوا معنيى قوله‬
‫‪-‬فإذا أمنتيم‪ -‬معناه من المرض‪ .‬وأميا الفريق الول فقالوا عكيس‬
‫هذا‪ ،‬وهييو أن أفعييل أبدا وفعييل فييي الشيييء الواحييد إنمييا يأتييي‬
‫لمعنييين‪ :‬أميا فعيل فإذا أوقيع بغيره فعل مين الفعال‪ ،‬وأميا أفعيل‬
‫فإذا عرضييه لوقوع ذلك الفعييل بييه يقال‪ :‬أقتله إذا فعييل بييه فعييل‬
‫القتيل‪ ،‬واقتله إذا عرضيه للقتيل‪ ،‬وإذا كان هذا هكذا فأحصير أحيق‬
‫بالعدو وحصييير أحيييق بالمرض‪ ،‬لن العدو إنميييا عرض للحصيييار‪،‬‬
‫والمرض فهو فاعل الحصار‪ .‬وقالوا ل يطلق المن إل في ارتفاع‬
‫الخوف مين العدو وإن قييل فيي المرض فباسيتعارة ول يصيار إلى‬
‫السيتعارة إل لمير يوجيب الخروج عين الحقيقية‪ ،‬وكذلك ذكير حكيم‬
‫المرييض بعيد الحصير الظاهير منيه أن المحصير غيير المرييض‪ ،‬وهذا‬
‫هيو مذهيب الشافعيي‪ .‬والمذهيب الثانيي مذهيب مالك وأبيي حنيفية‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬بل المحصر ههنا الممنوع من الحج بأي نوع امتنع إما‬
‫بمرض أو بعدو أو بخطييأ فييي العدد أو بغييير ذلك‪ .‬وجمهور العلماء‬
‫على أن المحصيير عيين الحييج ضربان‪ :‬إمييا محصيير بمرض‪ ،‬وإمييا‬
‫محصير بعدو‪ .‬فأميا المحصير بالعدو فاتفيق الجمهور على أنيه يحيل‬
‫من عمرته أو حجه حيث أحصر‪ .‬وقال الثوري والحسن بن صالح‬
‫ل يتحلل إل فييي يوم النحيير‪ ،‬والذييين قالوا‪ :‬يتحلل حيييث أحصيير‬
‫اختلفوا في إيجاب الهدي عليه وفيي موضع نحره إذا قيل بوجوبه‬
‫وفي إعادة ما حصر عنه من حج أو عمرة‪ ،‬فذهب مالك إلى أنه ل‬
‫يجيب علييه العادة‪ .‬وذهيب أ بو حنيفية إلى أنيه إن كان أحرم بالحيج‬
‫علييه حجية وعمرة‪ ،‬وإن كان قارنيا فعلييه حيج وعمرتان‪ ،‬وإن كان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫معتمرا قضيى عمرتيه‪ ،‬ولييس علييه عنيد أبيي حنيفية ومحميد بين‬
‫الحسين تقصيير‪ ،‬واختار أبيو يوسيف تقصييره‪ ،‬وعمدة مالك فيي أن‬
‫ل إعادة عليييه "أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم حييل هييو‬
‫وأصحابه بالحديبية‪ ،‬فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل‬
‫شييء قبيل أن يطوف بالبييت‪ ،‬وقبيل أن يصيل إلى الهدي‪ ،‬ثيم لم‬
‫يعلم أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أمير أحيد مين الصيحابة‬
‫ول ممن كان معه أن يقضي شيئا ول أن يعود لشيء" وعمدة من‬
‫أوجب عليه العادة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر‬
‫فييي العام المقبييل ميين عام الحديبييية قضاء لتلك العمرة" ولذلك‬
‫قيل لها عمرة القضاء‪ .‬وإجماعهم أيضا علة أن المحصر بمرض أو‬
‫ما أشبهه عليه القضاء‪ .‬فسبب الخلف هو هل قضى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أو لم يقض؟ وهل يثبت القضاء بالقياس أم‬
‫ل؟ وذلك أن جمهور العلماء على أن القضاء يجييب بأميير ثان غييير‬
‫أمير الداء‪ .‬وأميا مين أوجيب علييه الهدي فبناء على أن اليية وردت‬
‫فيي المحصير بالعدو‪ ،‬أو على أنهيا عامية لن الهدي فيهيا نيص‪ ،‬وقيد‬
‫احتج هؤلء بنحر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الهدي عام‬
‫الحديبييية حييين أحصييروا‪ .‬وأجاب الفريييق الخيير أن ذلك الهدي لم‬
‫يكيين هدي تحلل‪ ،‬وإنمييا كان هديييا سيييق ابتداء‪ ،‬وحجيية هؤلء أن‬
‫الصل هو أن ل هدي عليه إل أن يقوم الدليل‪ .‬وأما اختلفهم في‬
‫مكان الهدي عند من أوجبه فالصل فيه اختلفهم في موضع نحر‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم هدييه عام الحديبيية‪ ،‬فقال ابين‬
‫إسييحاق‪ :‬نحره فييي الحرم‪ ،‬وقال غيره‪ :‬إنمييا نحره فييي الحييل‪،‬‬
‫واحتييج بقوله تعالى ‪ -‬هييم الذييين كفروا وصييدوكم عيين المسييجد‬
‫الحرام والهدي معكوفيا أن يبلغ محله ‪ -‬وإنميا ذهيب أبيو حنيفية إلى‬
‫أن مين أحصير عين الحيج أن علييه حجيا وعمرة لن المحصير قيد‬
‫فسييخ الحييج فييي عمرة ولم يتييم واحدا منهمييا‪ ،‬فهذا هييو حكييم‬
‫المحصيير بعدو عنييد الفقهاء‪ .‬وأمييا المحصيير بمرض‪ ،‬فإن مذهييب‬
‫الشافعي وأهل الحجاز أنه ل يحله إل الطواف بالبيت والسعي ما‬
‫بين الصفا والمروة‪ ،‬وأنه بالجملة يتحلل بعمرة‪ ،‬لنه إذا فاته الحج‬
‫بطول مرضيه انقلب عمرة‪ ،‬وهيو مذهيب ابين عمير وعائشية وابين‬
‫عباس‪ ،‬وخالف فيي ذلك أهيل العراق فقالوا‪ :‬يحيل مكانيه وحكميه‬
‫حكم المحصر بعدو‪ ،‬أعني أن يرسل هديه ويقدر يوم نحره ويحل‬
‫في اليوم الثالث وبه قال ابن مسعود‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابييع‪- :)1 ...‬وأمييا الفعييل بعدهييا فهييو رمييي الجمار‪ ،‬وذلك أن‬
‫المسلمين اتفقوا على "أن‪... ...‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واحتجوا بحدييث الحجاج بين عمرو النصياري قال‪ :‬سيمعت رسيول‬


‫الله صييلى الله عليييه وسييلم يقول "ميين كسيير أو عرج فقييد حييل‬
‫وعلييه حجية أخرى" وبإجماعهيم على أن المحصير بعدو لييس مين‬
‫شرط إحلله الطواف بالبييت‪ .‬والجمهور على أن المحصير بمرض‬
‫عليه الهدي‪ .‬وقال أبو ثور وداود‪ :‬ل هدي عليه اعتمادا على ظاهر‬
‫حكيم هذا المحصير‪ ،‬وعلى أن اليية الواردة فيي المحصير هيو حصير‬
‫العدو‪ ،‬وأجمعوا على إيجاب القضاء عليييه‪ ،‬وكييل ميين فاتييه الحييج‬
‫بخطيأ مين العدد فيي اليام أو بخفاء الهلل علييه أو غيير ذلك مين‬
‫العذار فحكمه حكم المحصر بمرض عند مالك‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫مين فاتيه الحيج بعذر غيير مرض يحيل بعمرة ول هدي علييه وعلييه‬
‫إعادة الحج‪ ،‬والمكي المحصر بمرض عند مالك كغير المكي يحل‬
‫بعمرة وعلييه الهدي وإعادة الحيج‪ .‬وقال الزهري‪ :‬لبيد (قوله لبيد‬
‫الخ‪ :‬هكذا هذه العبارة فييي غالب النسييخ ولينظيير معناهييا‪ ،‬وفييي‬
‫بعيض‪ :‬ولبيد أن يعييد (وجعيل بياضيا لباقيي العبارة فليتأميل ا هيي‬
‫مصيححه)‪ .‬أن يقيف بعمرة وإن نعيش نعشيا‪ .‬وأصيل مذهيب مالك‬
‫أن المحصير بمرض إن بقيي على إحراميه إلى العام المقبيل حتيى‬
‫يحييج حجيية القضاء فل هدي عليييه‪ ،‬فإن تحلل بعمرة فعليييه هدي‬
‫المحصر‪ ،‬لنه حلق رأسه قبل أن ينحر في حجة القضاء‪ ،‬وكل من‬
‫تأول قوله سبحانه ‪ -‬فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ‪ -‬أنه‬
‫خطاب للمحصير وجيب علييه أن يعتقيد على ظاهير اليية أن علييه‬
‫هديين‪ :‬هديا لحلقه عند التحلل قبل نحره في حجة القضاء‪ ،‬وهديا‬
‫لتمتعيه بالعمرة إلى الحيج‪ ،‬وإن حيل فيي أشهير الحيج مين العمرة‬
‫وجب عليه هدي ثالث‪ ،‬وهو هدي التمتع الذي هو أحد أنواع نسك‬
‫الحج‪.‬‬
‫وأمييا مالك رحمييه الله‪ ،‬فكان يتأول لمكان هذا أن المحصيير إنمييا‬
‫علييه هدي واحيد‪ ،‬وكان يقول‪ :‬إن الهدي الذي فيي قوله سيبحانه ‪-‬‬
‫فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ‪ -‬هو بعينه الهدي الذي فيي‬
‫قوله ‪ -‬فإذا أمنتيم فمين تمتيع بالعمرة إلى الحيج فميا اسيتيسر مين‬
‫الهدي ‪ -‬وفييه بعيد فيي التأوييل‪ ،‬والظهير أن قوله سيبحانه ‪ -‬فإذا‬
‫أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ‪ -‬أنه في غير المحصر بل هو‬
‫فييي التمتييع الحقيقييي‪ ،‬فكأنييه قال‪ :‬فإذا لم تكونوا خائفييين لكيين‬
‫تمتعتم بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي‪ ،‬ويدل على هذا‬
‫التأوييل قوله سيبحانه ‪ -‬ذلك لمين لم يكين أهله حاضري المسيجد‬
‫الحرام ‪ -‬والمحصيير يسييتوي فيييه حاضيير المسييجد الحرام وغيره‬
‫بإجماع‪ .‬وقد قلنا في أحكام المحصر الذي نص الله عليه‪ ،‬فلنقل‬
‫في أحكام القاتل للصيد‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القول في أحكام جزاء الصيد‬


‫فنقول‪ :‬إن المسيلمين أجمعوا على أن قوله تعالى ‪-‬ييا أيهيا الذيين‬
‫آمنوا ل تقتلوا الصيييد وأنتييم حرم وميين قتله منكييم متعمدا فجزاء‬
‫مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو‬
‫كفارة طعام مسيياكين أو عدل ذلك صييياما‪ -‬هييي آييية محكميية‪،‬‬
‫واختلفوا فيي تفاصييل أحكامهيا وفيميا يقاس على مفهومهيا مميا ل‬
‫يقاس عليه‪ ،‬فمنها أنهم اختلفوا هل الواجب في قتل الصيد قيمته‬
‫أو مثله؟ فذهب الجمهور إلى أن الواجب المثل‪ ،‬وذهب أبو حنيفة‬
‫إلى أنيه مخيير بيين القيمية‪ ،‬أعنيي قيمية الصييد وبيين أ‪ ،‬يشتري بهيا‬
‫المثيل‪ .‬ومنهيا أنهيم اختلفوا فيي اسيتئناف الحكيم على قاتيل الصييد‬
‫فيميا حكيم فييه السيلف مين الصيحابة‪ ،‬مثيل حكمهيم أن مين قتيل‬
‫نعامية فعلييه بدنية تشبيهيا بهيا‪ ،‬ومين قتيل غزال فعلييه شاة‪ ،‬ومين‬
‫قتيل بقرة وحشيية فعلييه إنسيية‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يسيتأنف فيي كيل ميا‬
‫وقيع مين ذلك الحكيم بيه‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬إن‬
‫اجتزأ بحكيم الصيحابة مميا حكموا فييه جاز‪ ،‬ومنهيا هيل اليية على‬
‫التخييير أو على الترتييب؟ فقال مالك‪ :‬هيي على التخييير‪ ،‬وبيه قال‬
‫أبييو حنيفيية‪ ،‬يريييد أن الحكمييين يخيران الذي عليييه الجزاء‪ .‬وقال‬
‫زفير‪ :‬هيي على الترتييب‪ ،‬واختلفوا هيل يقوم الصييد أو المثيل إذا‬
‫اختار الطعام إن وجييييب على القول بالوجوب فيشتري بقيمتييييه‬
‫طعامييا؟ فقال مالك‪ :‬يقوم الصيييد‪ ،‬وقال الشافعييي‪ :‬يقوم المثييل‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يصيوم لكيل ميد يوميا وهيو الذي يطعيم عندهيم كيل‬
‫مسييكين‪ ،‬وبييه قال الشافعييي وأهييل الحجاز‪ .‬وقال أهييل الكوفيية‪:‬‬
‫يصييوم لكييل مدييين يومييا‪ ،‬وهييو القدر الذي يطعييم كييل مسييكين‬
‫عندهييم‪ .‬واختلفوا فييي قتييل الصيييد خطييأ هييل فيييه جزاء أم ل؟‬
‫فالجمهور على أن فييه الجزاء‪ .‬وقال أهيل الظاهير‪ :‬ل جزاء علييه‪.‬‬
‫واختلفوا فيي الجماعية يشتركون فيي قتيل الصييد‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إذا‬
‫قتل جماعة محرمون صيدا فعلى كل واحد منهم جزاء كامل‪ ،‬وبه‬
‫قال الثوري وجماعية‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬عليهيم جزاء واحيد‪ .‬وفرق‬
‫أبو حنيفة بين المحرمين يقتلون الصيد وبين المحلين يقتلونه في‬
‫الحرم فقال‪ :‬على كيل واحيد مين المحرميين جزاء وعلى المحليين‬
‫جزاء واحد‪ .‬واختلفوا هل يكون أحد الحكمين قاتل الصيد‪ ،‬فذهيي‬
‫مالك إلى أنييه ل يجوز‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬يجوز‪ .‬واختلف أصييحاب‬
‫أبييي حنيفيية على القولييين جميعييا واختلفوا فييي موضييع الطعام‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬فييي الموضييع الذي أصيياب فيييه الصيييد إن كان ث ّييَ‬
‫م‬
‫طعام‪ ،‬وإل ففي أقرب المواضع إلى ذلك الموضع‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال أبييو حنيفيية‪ :‬حيثمييا أطعييم‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬ل يطعييم إل‬
‫مسياكين مكية‪ .‬وأجميع العلماء على أن المحرم إذا قتيل الصييد أن‬
‫عليه الجزاء للنص في ذلك‪ .‬واختلفوا في الحلل يقتل الصيد في‬
‫الحرم‪ ،‬فقال جمهور فقهاء المصييييار‪ :‬عليييييه الجزاء‪ .‬وقال داود‬
‫وأصيحابه‪ :‬ل جزاء علييه‪ .‬ولم يختلف المسيلمون فيي تحرييم قتيل‬
‫الصييد فيي الحرم‪ ،‬وإنميا اختلفوا فيي الكفارة وذلك لقوله سيبحانه‬
‫‪-‬اولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا‪ -‬وقول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسيلم "إن الله حَّرم مكية يوم خلق السيموات والرض" وجمهور‬
‫فقهاء المصييار على أن المحرم إذا قتييل الصيييد وأكله أنييه ليييس‬
‫علييه إل كفارة واحدة‪ .‬وروى عين عطاء وطائفية أن فييه كفارتيين‪،‬‬
‫فهذه هي مشهورات المسائل المتعلقة بهذه الية‪.‬‬
‫(وأميا السيباب التيي دعتهيم إلى هذا الختلف) فنحين نشيير إلى‬
‫طرف منهيا فنقول‪ .‬أميا مين اشترط فيي وجوب الجزاء أن يكون‬
‫القتيل عمدا فحجتيه أن اشتراط ذلك نيص فيي اليية‪ ،‬وأيضيا فإن‬
‫العميد هيو الموجيب للعقاب والكفارات عقابيا ميا‪ .‬وأميا مين أوجيب‬
‫الجزاء مييع النسيييان فل حجيية له‪ ،‬إل أن يشبييه الجزاء عنييد إتلف‬
‫الصيييد بإتلف الموال‪ ،‬فإن الموال عنييد الجمهور تضميين خطييأ‬
‫ونسييييانا‪ ،‬لكييين يعارض هذا القياس اشتراط العميييد فيييي وجوب‬
‫الجزاء‪ ،‬ف قد أجاب بعضهم عن هذا‪ :‬أي العمد إنما اشترط لمكان‬
‫تعلق العقاب المنصيوص علييه فيي قوله ‪-‬ليذوق وبال أمره‪ -‬وذلك‬
‫ل معنى له لن الوبال المذوق هو في الغرامة فسواء قتله مخطئا‬
‫أو متعمدا قد ذاق الوبال‪ ،‬ول خوف أن الناسي غير معاقب‪ ،‬وأكثر‬
‫مييا تلزم هذه الحجيية لميين كان ميين أصييله أن الكفارات ل تثبييت‬
‫بالقياس‪ ،‬فإنيه ل دلييل لمين أثبتهيا على الناسيي إل القياس‪ .‬وأميا‬
‫اختلفهيم فيي المثيل هيل هيو الشيبيه أو المثيل فيي القيمية‪ ،‬فإن‬
‫سبب الختلف أن المثل يقال على الذي هو مثل وعلى الذي هو‬
‫مثيل فيي القيمية؛ لكين حجية مين رأى أن الشيبيه أقوى مين جهية‬
‫دللة اللفظ أن انطلق لفظ المثل على الشبيه في لسان العرب‬
‫أظهير‪ ،‬وأظهير منيه على المثيل فيي القيمية‪ ،‬لكين لمين حميل ههنيا‬
‫المثيل على القيمة دلئل حركتيه إلى اعتقاد ذلك‪ :‬أحدهيا أن المثيل‬
‫الذي هيو العدل هيو منصيوص علييه فيي الطعام والصييام‪ ،‬وأيضيا‬
‫فإن المثل إذا حمل ههنا على التعديل كان عاما في جميع الصيد‪،‬‬
‫فإن من الصيد ما ل يلقي له شبيه‪ ،‬وأيضا فإن المثل فيما ل يوجد‬
‫له شيبيه هيو التعدييل‪ ،‬ولييس يوجيد للحيوان المصييد فيي الحقيقية‬
‫شيبيه إل من جنسيه‪ ،‬وقيد نيص أن المثيل الواجيب فييه هيو مين غيير‬
‫جنسييه‪ ،‬فوجييب أن يكون مثل فييي التعديييل والقيميية‪ ،‬وأيضييا فإن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحكيم فيي الشيبيه قيد فرغ منيه‪ ،‬فأميا الحكيم بالتعدييل فهيو شييء‬
‫يختلف باختلف الوقات‪ ،‬ولذلك هو كل وقت يحتاج إلى الحكمين‬
‫المنصييوص عليهمييا‪ ،‬وعلى هذا يأتييي التقدييير فييي الييية بمشابييه‪،‬‬
‫فكأنه قال‪ :‬ومن قتله منكم متعمدا فعليه قيمة ما قتل من النعم‬
‫أو عدل القيميية طعامييا أو عدل ذلك صييياما‪ .‬وأمييا اختلفهييم هييل‬
‫المقدر هيو الصييد أو مثله مين النعيم إذا قدر بالطعام‪ ،‬فمين قال‬
‫المقدر هييو الصيييد قال‪ :‬لنييه الذي لمييا لم يوجييد مثله رجييع إلى‬
‫تقديره بالطعام‪ ،‬ومين قال إن المقدر هيو الواجيب مين النعيم قال‪:‬‬
‫لن الشييء إنميا تقدر قيمتيه إذا عدم بتقديير مثله أعنيي شيبيهه‪.‬‬
‫وأميا مين قال إن اليية على التخييير فإنيه التفيت إلى حرف "أو" إذ‬
‫كان مقتضاها فيي ل سان العرب التخييير وأ ما من نظير إلى ترتيب‬
‫الكفارات فييي ذلك فشبههييا فييي الكفارات التييي فيهييا الترتيييب‬
‫باتفاق‪ ،‬وهييي كفارة الظهار والقتييل‪ .‬وأمييا اختلفهييم فييي هييل‬
‫يسييتأنف الحكييم فييي الصيييد الواحييد الذي وقييع الحكييم فيييه ميين‬
‫الصييحابة‪ ،‬فالسييبب فييي اختلفهييم هييو هييل الحكييم شرعييي غييير‬
‫معقول المعنى أم هذا معقول المعنى؟‬
‫فمين قال هيو معقول المعنيى قال‪ :‬ميا قيد حكيم فييه فلييس يوجيد‬
‫شيء أشبه به منه‪ ،‬مثل النعامة فإنه ل يوجد أشبه بها من البدنة‬
‫فل معنيى إعادة الحكيم‪ ،‬ومين قال هيو عبادة قال‪ :‬يعاد ولبيد منيه‪،‬‬
‫وبيه قال مالك‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي الجماعية يشتركون فيي قتيل‬
‫الصيييد الواحييد‪ ،‬فسييببه هييل الجزاء موجبييه هييو التعدي فقييط أو‬
‫التعدي على جملة الصيد؟ فمن قال التعدي فقط أوجب على كل‬
‫واحييد ميين الجماعيية القاتلة للصيييد جزاء‪ ،‬وميين قال التعدي على‬
‫جملة الصييييد قال‪ :‬عليهيييم جزاء واحيييد‪ .‬وهذه المسيييئلة شبيهييية‬
‫بالقصياص فيي النصياب فيي السيرقة وفيي القصياص فيي العضاء‬
‫وفي النفس‪ ،‬وستأتي في مواضعها من هذا الكتاب إن شاء الله‪.‬‬
‫وتفرييق أبيي حنيفية بيين المحرميين وبيين غيير المحرميين القاتليين‬
‫فيي الحرم على جهية التغلييظ على المحرميين‪ ،‬ومين أوجيب على‬
‫كيل واحيد مين الجماعية جزاء فإنميا نظير إلى سيد الذرائع‪ ،‬فإنيه لو‬
‫سيقط عنهيم الجزاء جملة لكان من أراد أن يصييد فيي الحرم صاد‬
‫فييي جماعيية‪ ،‬وإذا قلنييا إن الجزاء هييو كفارة للثييم فيشبييه أنييه ل‬
‫يتبعض إثم قتل الصيد بالشتراك فيه‪ ،‬فيجب أن ل يتبعض الجزاء‬
‫فيجيب على كيل واحيد كفارة‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي هيل يكون أحيد‬
‫الحكمييين قاتييل للصيييد‪ ،‬فالسييبب فيييه معارضيية مفهوم الظاهيير‬
‫لمفهوم المعنيى الصيلي فيي الشرع‪ ،‬وذلك أنيه لم يشترطوا فيي‬
‫الحكميين إل العدالة‪ ،‬فيجيب على ظاهير هذا أن يجوز الحكيم ممين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يوجيد فييه هذا الشرط‪ ،‬سيواء كان قاتيل الصييد أو غيير قاتيل‪ .‬وأميا‬
‫مفهوم المعنى الصلي في الشرع فهو أن المحكوم عليه ل يكون‬
‫حاكميا على نفسيه‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي الموضيع‪ ،‬فسيببه الطلق‬
‫أعني أنه لم يشترط فيه موضع‪ ،‬فمن شبهه بالزكاة في أنه حق‬
‫للمسياكين فقال ل ينقيل مين موضعيه‪ .‬وأميا مين رأى أن المقصيود‬
‫بذلك إنميا هيو الرفيق بمسياكين مكية قال‪ :‬ل يطعيم إل مسياكين‬
‫مكيية‪ ،‬وميين اعتمييد ظاهيير الطلق قال‪ :‬يطعييم حيييث شاء‪ .‬وأمييا‬
‫اختلفهم في الحلل يقتل الصيد في الحرم هل عليه كفارة أم ل؟‬
‫فسيببه هيل يقاس فييي الكفارات عنيد مين يقول بالقياس؟ وهيل‬
‫القياس أصيل مين أصيول الشرع عنيد الذيين يختلفون فييه؟ فأهيل‬
‫الظاهير ينفون قياس قتيل الصييد فيي الحرم على المحرم لمنعهيم‬
‫القياس في الشرع‪ ،‬ويحق على أصيل أبي حني فة أن يمن عه لمنعه‬
‫القياس فيي الكفارات‪ ،‬ول خلف بينهيم فيي تعلق السيم بيه لقوله‬
‫سيبحانه وتعالى ‪ -‬أو لم يروا أ نا جعلنيا حراميا آمنيا ويتخطيف الناس‬
‫مين حولهيم ‪ -‬وقول رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "إن الله‬
‫حرم مكة يوم خلق السموات والرض" وأما اختلفهم فيمن قتله‬
‫ثم أكله هل عليه جزاء واحد أم جزاءان؟ فسببه هل أكله تعد ثان‬
‫عليييه سييوى القتييل أم ل؟ وإن كان تعديييا عليييه فهييل هييو مسيياو‬
‫للتعدي الول أم ل؟ وذلك أنهيم اتفقوا على أنيه إن أكيل أثيم‪ ،‬ولميا‬
‫كان النظير فيي كفارة الجزاء يشتميل على أربعية أركان‪ :‬معرفية‬
‫الواجيب فيي ذلك‪ ،‬ومعرفية مين تجيب علييه‪ ،‬ومعرفية الفعيل الذي‬
‫لجله يجييب‪ ،‬ومعرفيية محييل الوجوب‪ .‬وكان قييد تقدم الكلم فييي‬
‫أكثيير هذه الجناس‪ ،‬وبقييي ميين ذلك أمران‪ :‬أحدهمييا اختلف فييي‬
‫بعيض الواجبات مين المثال فيي بعيض المصييدات‪ .‬والثانيي ميا هيو‬
‫صيد مما ليس بصيد يجب أن ينظر فيما بقي علينا من ذلك‪ ،‬فمن‬
‫أصيول هذا الباب ميا روي عين عمير بين الخطاب أنيه قضيى فيي‬
‫الضبييع بكبييش‪ ،‬وفييي الغزال بعنييز‪ ،‬وفييي الرنييب‪ ،‬وفييي اليربوع‬
‫بجفرة‪ ،‬واليربوع‪ :‬دويبيية لهييا أربييع قوائم وذنييب‪ ،‬تجتيير كمييا تجتيير‬
‫الشاة‪ ،‬وهي من ذوات الكروش‪ ،‬والعنز عند أهل العلم من المعز‬
‫ميا قيد ولد أو ولد مثله‪ ،‬والجفرة والعناق مين المعيز‪ ،‬فالجفرة ميا‬
‫أكل واستغنى عن الرضاع‪ ،‬والعناق قيل فوق الجفرة وقيل دونها‪،‬‬
‫وخالف مالك هذه الحدييث فقال‪ :‬فيي الرنيب واليربوع ل يقومان‬
‫إل بمييا يجوز هديييا وأضحييية‪ ،‬وذلك الجذع فمييا فوقييه ميين الضأن‪،‬‬
‫والثني فما فوقه من البل والبقر‪ ،‬وحجة مالك قوله تعالى ‪-‬هديا‬
‫بالغ الكعبيية‪ -‬ولم يختلفوا أن ميين جعييل على نفسييه هديييا أنييه ل‬
‫يجيزه أقيل مين الجزع فميا فوقيه مين الضأن والثنيى مميا سيواه‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وفيي صيغار الصييد عنيد مالك مثيل ميا فيي كباره‪ .‬وقال الشافعيي‪:‬‬
‫يفدى صيغار الصييد بالمثيل مين صيغار النعيم وكبار الصييد بالكبار‬
‫منهيا‪ ،‬وهيو مروي عين عمير وعثمان وعلي وابين مسيعود‪ ،‬وحجتيه‬
‫أنها حقيقة المثل‪ ،‬فعنده في النعامة الكبيرة بدنة‪ ،‬وفي الصغيرة‬
‫فصيل‪ ،‬وأبو حنيفة على أصله في القيمة‪ .‬واختلفوا من هذا الباب‬
‫فيي حمام مكية وغيرهيا‪ ،‬فقال مالك فيي حمام مكية‪ :‬شاة‪ ،‬وفيي‬
‫حمام الحيل حكومية‪ .‬واختلف قول ابين القاسيم فيي حمام الحرم‬
‫غيير مكية‪،‬فقال مرة شاة كحمام مكية‪ ،‬ومرة قال حكومية كحمام‬
‫الحييل‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬فييي كييل حمام شاة‪ ،‬وفييي حمام سييوى‬
‫الحرم قيمتيه‪ .‬وقال داود كيل شييء ل مثيل له مين الصييد فل جزاء‬
‫فيهيا إل الحمام فإن فييه شاة‪ ،‬ولعله ظين ذلك إجماعيا‪ ،‬فإنيه روي‬
‫عيين عميير بيين الخطاب ول مخالف له ميين الصييحابة‪ .‬وروي عيين‬
‫عطاء أنيه قال‪ :‬فيي كيل شييء مين الطيير شاة‪ .‬واختلفوا مين هذا‬
‫الباب فيي بيض النعا مة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬أرى فيي بيض النعامة عشير‬
‫ثمن البدنية‪ ،‬وأ بو حنيفية على أصيله فيي القي مة‪ .‬ووافقه الشافعيي‬
‫في هذه المسألة‪ .‬وبه قال أبو ثور‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن كان فيها‬
‫فرخ ميت فعليه الجزاء‪ :‬أعني جزاء النعامة‪ .‬واشترط أبو ثور في‬
‫ذلك أن يخرج حيا ثم يموت‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابييع‪- :)2 ...‬وأمييا الفعييل بعدهييا فهييو رمييي الجمار‪ ،‬وذلك أن‬
‫المسلمين اتفقوا على "أن‪... ...‬‬
‫وروي عين علي أنيه قضيى فيي بييض النعامية بأن يرسيل الفحيل‬
‫على البيل فإذا تيبين لقاحهيا سيميت ميا أصيبت مين البييض‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫هذا هدي‪ ،‬ثم ليس عليك ضمان ما فسد من الحمل‪ .‬وقال عطاء‪:‬‬
‫من كانت له إ بل فالقول قول علي‪ ،‬وإل ففي كل بي ضة درهمان‪،‬‬
‫قال أبيو عمير‪ :‬وقيد روي عين ابين عباس عين كعيب بين عجرة عين‬
‫النيبي علييه الصيلة والسيلم "فيي بييض النعامية يصييبه المحرم‬
‫ثمنييه" ميين وجييه ليييس بالقوي‪ .‬وروي عيين ابيين مسييعود أن فيييه‬
‫القيمية‪ ،‬قال‪ :‬وفييه أثير ضعييف‪ .‬وأكثير العلماء على أن الجراد مين‬
‫صيييد البر يجييب على المحرم فيييه الجزاء‪ .‬واختلفوا فييي الواجييب‬
‫مين ذلك‪ ،‬فقال عمير رضيي الله عنيه‪ :‬قبضية مين طعام‪ ،‬وبيه قال‬
‫مالك‪ .‬وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه‪ :‬تمرة خييير ميين جرادة‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬فيي الجراد قيمتيه‪ ،‬وبيه قال أبيو ثور إل أنيه قال‪ :‬كيل ميا‬
‫تصيدق بيه مين حفنية طعام أو تمرة فهيو له قيمية‪ .‬وروي عين ابين‬
‫عباس أن فيها تمرة مثل قول أبي حنيفة‪ .‬وقال ربيعة‪ :‬فيها صاع‬
‫من طعام و هو شاذ‪ .‬وقد روي عن ابن عمر أن في ها شويهة وهو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أيضيييا شاذ‪ ،‬فهذه هيييي مشهورات ميييا اتفقوا على الجزاء فييييه‪،‬‬
‫واختلفوا فيميا هيو الجزاء فييه‪ .‬وأميا إختلفهيم فيميا هيو صييد مميا‬
‫ليس بصيد‪ ،‬وفيما هو من صيد البحر مما ليس منه‪ ،‬فإنهم اتفقوا‬
‫على أن صييييد البر محَّرم على المحرم إل الخميييس الفواسيييق‬
‫المنصوص عليها‪ ،‬واختلفوا فيما يلحق به مما ليس يلحق‪ ،‬وكذلك‬
‫اتفقوا على أن صيييد البحيير حلل كله للمحرم‪ ،‬واختلفوا فيمييا هييو‬
‫مين صييد البحير مميا لييس منيه‪ ،‬وهذا كله لقوله تعالى‪- :‬أحيل لكيم‬
‫صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما‬
‫دمتييم حرمييا‪ -‬ونحيين نذكيير مشهور مييا اتفقوا عليييه ميين هذييين‬
‫الجنسين وما اختلفوا فيه‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫ثبيت مين حدييث ابين عمير وغيره أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسييلم قال "خمييس ميين الدواب ليييس على المحرم جناح فييي‬
‫قتلهييييييييين‪ :‬الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب والعقور"‬
‫واتفييق العلماء على القول بهذا الحدييث‪ ،‬وجمهورهييم على القول‬
‫بإباحة قتيل ميا تضمنيه لكونيه لييس بصييد وإن كان بعضهيم اشترط‬
‫فيي ذلك أوصيافا ميا‪ .‬واختلفوا هيل هذا باب مين الخاص أرييد بيه‬
‫الخاص‪ ،‬أو باب مين الخاص أرييد بيه العام‪ ،‬والذيين قالوا هيو مين‬
‫باب الخاص أريييد بييه العام اختلفوا فييي أي عام أريييد بذلك‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬الكلب العقور الوارد فيي الحدييث إشارة إلى كيل سبع عاد‪،‬‬
‫وأن ميا لييس بعاد مين السيباع فلييس للمحرم قتله ولم يير قتيل‬
‫صغارها التي ل تعدو ول ما كان منها أيضا ل يعدو ول خلف بينهم‬
‫فيي قتيل الحيية والفعيى والسيود‪ ،‬وهيو مروي عين النيبي علييه‬
‫الصيلة والسيلم مين حدييث أبيي سيعيد الخدري قال‪ :‬قال رسيول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم "تقتل الفعى والسود" وقال مالك‪ :‬ل‬
‫أرى قتيييل الوزغ‪ ،‬والخبار بقتلهيييا متواترة‪ ،‬لكييين مطلقيييا ل فيييي‬
‫الحرم‪ ،‬ولذلك توقييف فيهيا مالك فييي الحرم‪ .‬وقال أبيو حنيفيية‪ :‬ل‬
‫يقتيييل مييين الكلب العقورة إل الكلب النسيييي والذئب‪ ،‬وشذت‬
‫طائفيية فقالت‪ :‬ل يقتييل إل الغراب البقييع‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬كييل‬
‫محرم الكل فهو معنى في الخمس‪.‬‬
‫وعمدة الشافعيي أنيه إنميا حرم على المحرم ميا أحيل للحلل‪ ،‬وأن‬
‫المباحية الكيل ل يجوز قتلهيا بإجماع لنهيي رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم عين صييد البهائم‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فلم يفهيم مين اسيم‬
‫الكلب النسي فقط بل من معناه كل ذئب وحشي‪ .‬واختلفوا في‬
‫الزنبور فبعضهيم شبهيه بالعقرب‪ ،‬وبعضهيم رأى أنيه أضعيف نكايية‬
‫ميين العقرب‪ .‬وبالجملة فالمنصييوص عليهييا تتضميين أنواعييا ميين‬
‫الفساد‪ ،‬فمن رأى أ نه من باب الخاص أريد به العام ألحق بواحد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واحد من ها ما يشبه إن كان له شبه‪ ،‬و من لم ير ذلك قصر النهي‬


‫على المنطوق به‪.‬‬
‫وشذت طائفة فقالت‪ :‬ل يقتل إل الغراب البقع‪ ،‬فخصصت عموم‬
‫السيم الوارد فيي الحدييث الثابيت بميا روي عين عائشية أنيه علييه‬
‫الصييلة والسييلم قال "خمييس يقتلن فييي الحرم‪ ،‬فذكيير فيهيين‬
‫الغراب البقيع" وشيذ النخعيي فمنيع المحرم قتيل الصييد إل الفأرة‪.‬‬
‫وأميا اختلفهيم فيميا هيو مين صييد البحير مميا لييس هيو منيه‪ ،‬فإنهيم‬
‫اتفقوا على أن السيييمك مييين صييييد البحييير‪ ،‬واختلفوا فيميييا عدا‬
‫السيمك‪ ،‬وذلك بناء منهيم على ميا كان منيه يحتاج إلى زكاة فلييس‬
‫من صيد البحر‪ ،‬وأكثر ذلك ما كان محرما‪ ،‬ول خلف بين من يحل‬
‫جمييع ميا فيي البحير فيي أن صييده حلل‪ ،‬وإنميا اختلف هؤلء فيميا‬
‫كان مين الحيوان يعييش فيي البر وفيي الماء بأي الحكميين يلحيق؟‬
‫وقياس قول أكثير العلماء أنيه يلحيق بالذي عيشيه فييه غالبيا‪ ،‬وهيو‬
‫حييث يولد‪ .‬والجمهور على أن طيير الماء محكوم له بحكيم حيوان‬
‫البر‪ .‬وروي عين عطاء أنيه قال فيي طيير الماء حييث يكون أغلب‬
‫عيشه يحكم له بحكمه‪.‬‬
‫واختلفوا في نبات الحرم هل فيه جزاء أم ل؟‬
‫فقال مالك‪ :‬ل جزا فييه‪ ،‬وإنميا فييه الثيم فقيط للنهيي الوارد فيي‬
‫ذلك‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬فييه الجزاء فيي الدوخية بقرة‪ ،‬وفيميا دونهيا‬
‫شاة‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬كيل ميا كان مين غرس النسيان فل شييء‬
‫فييه‪ ،‬وكيل ميا كان نابتيا بطبعيه ففييه قيمية‪ .‬وسيبب الخلف هيل‬
‫يقاس النبات فييي هذا على الحيوان لجتماعهمييا فييي النهييي عيين‬
‫ذلك فييي قوله عليييه الصييلة والسييلم "ل ينفيير صيييدها ول يعضييد‬
‫شجرهيا" فهذا هيو القول فيي مشهور مسيائل هذا الجنيس‪ ،‬فلنقيل‬
‫في حكم الحالق رأسه قبل محل الحلق‪.‬‬
‫*‪ *4‬القول في فدية الذى وحكم الحالق رأسه قبل محل الحلق‬
‫@‪ -‬وأمييا فدييية الذى فمجمييع أيضييا عليهييا لورود الكتاب بذلك‬
‫والسنة‪.‬‬
‫أميا الكتاب فقوله تعالى ‪ -‬فمين كان منكيم مريضيا أو بيه أذى مين‬
‫رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ‪. -‬‬
‫وأميا السينة فحدييث كعيب ابين عجرة الثابيت "أنيه كان ميع رسيول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم محرما‪ ،‬فآذاه القمل في رأسه‪ ،‬فأمره‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه وقال‪ :‬صم ثلثة‬
‫أيام أو أطعم ستة مساكين مدين لكل إنسان‪ ،‬أو انسك بشاة‪ ،‬أي‬
‫ذلك فعلت أجزأ عنك"‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والكلم فيي هذه اليية على مين تجيب الفديية‪ ،‬وعلى مين ل تجيب‪،‬‬
‫وإذا وجبت فما هي الفدية الواجبة؟ وفي أي شيء تجب الفدية‪،‬‬
‫ولمين تجيب ومتيى تجيب وأيين تجيب؟ فأميا على مين تجيب الفديية‪،‬‬
‫فإن العلماء أجمعوا على أنها واجبة على كل من أماط الذى من‬
‫ضرورة لورود النييص بذلك‪ ،‬واختلفوا فيميين أماطييه بغييير ضرورة‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬علييه الفديية المنصيوص عليهيا‪ .‬وقال الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفة‪ :‬إن حلق دون‬
‫ضرورة فإنميا علييه دم فقيط‪ ،‬واختلفوا هيل مين شرط مين وجبيت‬
‫علييه الفديية بإماطية الذى أن يكون متعمدا أو الناسيي فيي ذلك‬
‫والمتعمد سواء‪ ،‬فقال مالك‪ :‬العامد في ذلك والناسي واحد‪ ،‬وهو‬
‫قول أبيي حنيفية والثوري واللييث‪ .‬وقال الشافعيي فيي أحيد قولييه‪:‬‬
‫وأهييل الظاهيير ل فدييية على الناسييي‪ ،‬فميين اشترط فييي وجوب‬
‫الفديييية الضرورة فدليله النيييص‪ ،‬ومييين أوجيييب ذلك على غيييير‬
‫المضطيير فحجتييه أنييه إذا وجبييت على المضطيير فهييي على غييير‬
‫المضطير أوجيب‪ ،‬ومين فرق بيين العاميد والناسيي فلتفرييق الشرع‬
‫فيي ذلك بينهميا فيي مواضيع كثيرة‪ ،‬ولعموم قوله تعالى‪- :‬ولييس‬
‫عليكيم جناح فيميا أخطأتيم بيه ولكين ميا تعمدت قلوبكيم‪ -‬ولعموم‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" ومن‬
‫لم يفرق بينهمييا فقياسييا على كثييير ميين العبادات التييي لم يفرق‬
‫الشرع فيها بين الخطأ والنسيان‪.‬‬
‫وأميا ميا يجيب فييه فديية الذى‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا على أنهيا ثلث‬
‫خصيييال على التخييييير‪ :‬الصييييام والطعام والنسيييك لقوله تعالى‪:‬‬
‫‪-‬ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‪ -‬والجمهور على أن الطعام‬
‫هييو لسييتة مسيياكين‪ ،‬وأن النسييك أقله شاة‪ .‬وروي عيين أنييس‬
‫وعكرميية ونافييع أنهييم قالوا‪ :‬الطعام لعشرة مسيياكين والصيييام‬
‫عشرة أيام‪ .‬ودلييل الجمهور حدييث كعيب بين عجرة الثابيت‪ .‬وأميا‬
‫مين قال الصييام عشرة أيام فقياسيا على صييام التمتيع وتسيوية‬
‫الصيييام مييع الطعام‪ ،‬ولمييا ورد أيضييا فييي جزاء الصيييد فييي قوله‬
‫تعالى‪- :‬أو عدل ذلك صييياما‪ -‬وأميا كيم يطعيم لكيل مسيكين مين‬
‫المسياكين السيتة التيي ورد فيهيا النيص‪ ،‬فإن الفقهاء اختلفوا فيي‬
‫ذلك لختلف الثار فييييييي الطعام فييييييي الكفارات‪ ،‬فقال مالك‬
‫والشافعييي وابييو حنيفيية وأصييحابهم‪ :‬الطعام فييي ذلك مدان بمييد‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم لكيل مسيكين‪ .‬وروي عين الثوري أنيه‬
‫قال‪ :‬من البر نصف صاع ومن التمر والزبيب والشعير صاع‪.‬‬
‫وروي أيضا عن أبي حنيفة مثله وهو أصله في الكفارات‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا ميا تجيب فييه الفديية‪ ،‬فاتفقوا على أنهيا تجيب على مين حلق‬
‫رأسيه لضرورة مرض أو حيوان يؤذييه فيي رأسيه‪ .‬قال ابين عباس‪:‬‬
‫المرض أن يكون برأسيييييه قروح‪ ،‬والذى‪ :‬القميييييل وغيره‪ .‬وقال‬
‫عطاء‪ :‬المرض الصيداع‪ ،‬والذى‪ :‬القميل وغيره‪ .‬والجمهور على أن‬
‫كييل مييا منعييه المحرم ميين لباس الثياب المخيطيية وحلق الرأس‬
‫وقيص الظفار أنيه إذا اسيتباحه فعلييه الفديية‪ :‬أي دم على اختلف‬
‫بينهيم فيي ذلك أو إطعام‪ ،‬ولم يفرقوا بيين الضرر وغيره فيي هذه‬
‫الشياء‪ ،‬وكذلك اسييتعمال الطيييب‪ .‬وقال قوم‪ :‬ليييس فييي قييص‬
‫الظفار شيييء‪ .‬وقال قوم فيييه دم‪ .‬وحكييى ابيين المنذر أن منييع‬
‫المحرم قص الظفار إجماع‪.‬‬
‫واختلفوا فيمين أخيذ بعيض أظفاره‪ ،‬فقال الشافعيي وأبيو ثور‪ :‬إن‬
‫أخيذ ظفرا واحدا أطعيم مسيكينا واحدا‪ ،.‬وإن أخيذ ظفريين أطعيم‬
‫مسكينين‪ ،‬وإن أخذ ثلثا فعليه دم في مقام واحد‪ .‬وقال أبو حنيفة‬
‫فيي أحيد أقواله‪ :‬ل شييء علييه حتيى يقصيها كلهيا‪ .‬وقال أبيو محميد‬
‫بين حزم‪ :‬يقيص المحرم أظفاره وشاربيه وهيو شذوذ‪ ،‬وعنده أن ل‬
‫فديييية إل مييين حلق الرأس فقيييط للعذر الذي ورد فييييه النيييص‪.‬‬
‫وأجمعوا على منييع حلق شعيير الرأس‪ ،‬واختلفوا فييي حلق الشعيير‬
‫مين سيائر الجسيد‪ ،‬فالجمهور على أن فييه الفديية‪ .‬وقال داود‪ :‬ل‬
‫فديية فييه‪ .‬واختلفوا فيمين نتيف مين رأسيه الشعرة والشعرتيين أو‬
‫مين لحميه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬لييس على مين نتيف الشعير اليسيير شييء‬
‫إل أن يكون أماط بيييه أذى فعلييييه الفديييية‪ .‬وقال الحسييين‪ :‬فيييي‬
‫الشعرة مييد وفييي الشعرتييين مدييين‪ ،‬وفييي الثلثيية دم‪ ،‬وبييه قال‬
‫الشافعيي وأبيو ثور‪ .‬وقال عبيد الملك صياحب مالك‪ :‬فيميا قيل مين‬
‫الشعير إطعام وفيميا كثير فديية‪ .‬فمين فهيم مين منيع المحرم حلق‬
‫الشعير أنيه عبادة سيوى بيين القلييل والكثيير‪ ،‬لن القلييل لييس فيي‬
‫إزالته زوال أذى‪.‬‬
‫أميا موضيع الفديية فاختلفوا فييه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يفعيل مين ذلك ميا‬
‫شاء أين شاء بمكة وبغيرها وإن شاء ببلده‪ ،‬وسواء عنده في ذلك‬
‫ذبح النسك والطعام والصيام‪ ،‬وهو قول مجاهد والذي عند مالك‬
‫ههنا هو نسك وليس بهدي‪ .‬فإن الهدي ل يكون إل بمكة أو بمنى‪.‬‬
‫وقال أبييو حنيفيية والشافعييي‪ :‬الدم والطعام ل يجزيان إل بمكيية‬
‫والصوم حيث شاء‪ .‬وقال ابن العباس‪ :‬ما كان من دم فبمكة‪ ،‬وما‬
‫كان مين إطعام وصييام فحييث شاء‪ ،‬وعين أبيي حنيفية مثله‪ .‬ولم‬
‫يختلف قول الشافعيييييي أن دم الطعام ل يجزئ إل لمسييييياكين‬
‫الحرم‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسييبب الخلف اسييتعمال قياس دم النسييك على الهدي‪ ،‬فميين‬


‫قاسه على الهدي أوجب فيه شروط الهدي من الذبح في المكان‬
‫المخصيييوص بيييه وفيييي مسييياكين الحرم‪ ،‬وإن كان مالك يرى أن‬
‫الهدي يجوز إطعامييه لغييير مسيياكين الحرم‪ ،‬والذي يجمييع النسييك‬
‫والهدي هيو أن المقصيود بهميا منفعية المسياكين المجاوريين لبييت‬
‫الله‪ ،‬والمخالف يقول‪ :‬إن الشرع لمييا فرق بييين اسييمهما فسييمى‬
‫أحدهما نسكا وسمى الخر هديا وجب أن يكون حكمهما مختلفا‪.‬‬
‫وأمييييا الوقييييت فالجمهور على أن هذه الكفارة ل تكون إل بعييييد‬
‫إماطيييية الذى‪ ،‬ول يبعييييد أن يدخله الخلف قياسييييا على كفارة‬
‫اليمان‪ ،‬فهذا هييو القول فييي كفارة إماطيية الذى‪ .‬واختلفوا فييي‬
‫حلق الرأس هيل هيو مين مناسيك الحيج أو هيو مميا يتحلل بيه منيه؟‬
‫ول خلف بييين الجمهور فييي أنييه ميين أعمال الحييج‪ ،‬وأن الحلق‬
‫أفضيل مين التقصيير لميا ثبيت مين حدييث ابين عمير أن رسيول الله‬
‫صيييلى الله علييييه وسيييلم قال "اللهيييم ارحيييم المحلقيييين‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫والمقصيرين ييا رسيول الله‪ ،‬قال‪ :‬اللهيم ارحيم المحلقيين‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫والمقصيرين ييا رسيول الله‪ ،‬قال‪ :‬اللهيم ارحيم المحلقيين‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫والمقصييرين يييا رسييول الله‪ ،‬قال‪ :‬والمقصييرين" وأجمييع العلماء‬
‫على أن النسياء ل يحلقين وأن سينتهن التقصيير‪ .‬واختلفوا هيل هيو‬
‫نسيك يجيب على الحاج والمعتمير أول؟ فقال مالك‪ :‬الحلق نسيك‬
‫للحاج وللمعتمر وهو أفضل من التقصير‪ ،‬ويجب على كل من فاته‬
‫الحيج وأحصير بعدو أو بمرض أو بعذر وهيو قول جماعية الفقهاء إل‬
‫فييي المحصيير بعدو‪ ،‬فإن أبييا حنيفيية قال‪ :‬ليييس عليييه حلق ول‬
‫تقصيير‪ .‬وبالجملة فمين جعيل الحلق أو التقصيير نسيكا أوجيب فيي‬
‫تركه الدم‪ ،‬ومن لم يجعله من النسك لم يوجب فيه شيئا‪.‬‬
‫*‪ *4‬القول في كفارة المتمتع‬
‫@‪ -‬وأميا كفارة المتمتيع التيي نيص الله عليهيا فيي قوله سيبحانه ‪-‬‬
‫فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ‪ -‬الية‪ ،‬فإنه‬
‫ل خلف في وجوبها‪ ،‬وإنما الخلف في المتمتع من هو؟ وقد تقدم‬
‫ميا فيي ذلك مين الخلف والقول فيي هذه الكفارة أيضيا يرجيع إلى‬
‫تلك الجناس بعينهييا على ميين تجييب؟ ومييا الواجييب فيهييا؟ ومتييى‬
‫تجب ولمن تجب وفي أي مكان تجب؟ فأما على من تجب فعلى‬
‫المتمتييع باتفاق‪ ،‬وقييد تقدم الخلف فييي المتمتييع ميين هييو‪ .‬وأمييا‬
‫اختلفهييم فييي الواجييب‪ ،‬فإن الجمهور ميين العلماء على أن مييا‬
‫اسيتيسر مين الهدي هيو شاة‪ ،‬واحتيج مالك فيي أن اسيم الهدي قيد‬
‫ينطلق على الشاة بقوله تعالى فيييي جزاء الصييييد ‪ -‬هداييييا بالغ‬
‫الكعبة ‪ -‬ومعلوم بالجماع أنه قد يجب في جزاء الصيد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شاة‪ ،‬وذهب ابن عمر إلى أن اسيم الهدي ل ينطلق إل على البل‬
‫والبقيير‪ ،‬وأن معنييى قوله تعالى ‪ -‬فمييا اسييتيسر ميين الهدي ‪ -‬أي‬
‫بقرة أدون مييين بقرة‪ ،‬وبدنييية أدون مييين بدنييية‪ .‬وأجمعوا أن هذه‬
‫الكفارة على الترتيييب‪ ،‬وأن ميين لم يجييد الهدي فعليييه الصيييام‪.‬‬
‫واختلفوا مين حيد الزمان الذي ينتقيل بانقضائه فرضيه مين الهدي‬
‫إلى الصييام‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إذا شرع فيي الصيوم فقيد انتقيل واجبيه‬
‫إلى الصوم وإن وجد الهدي في أثناء الصوم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن‬
‫وجيد الهدي فيي صيوم الثلثية اليام لزميه‪ ،‬وإن وجده فيي صيوم‬
‫السييبعة لم يلزمييه‪ ،‬وهذه المسييئلة نظييير مسييئلة ميين طلع عليييه‬
‫الماء في الصلة وهو متيمم‪ .‬وسبب الخلف هو هل ما هو شرط‬
‫في ابتداء العبادة هو شرط في استمرارها‪ .‬وإنما فرق أبو حنيفة‬
‫بيين الثلثية والسيبعة‪ ،‬لن الثلثية اليام هيي عنده بدل مين الهدي‬
‫والسبعة ليست ببدل‪ ،‬وأجمعوا على أنه إذا صام الثلثة اليام في‬
‫العشيير الول مين ذي الحجيية أنيه قيد أتيى بهيا فيي محلهييا لقوله‬
‫سيبحانه ‪ -‬فصييام ثلثية أيام فيي الحيج ‪ -‬ول خلف أن العشير الول‬
‫مين أيام الحيج‪ .‬واختلفوا فيمين صيامها فيي أيام عميل العمرة قبيل‬
‫أن يهيل بالحيج أو صيامها فيي أيام منيى‪ ،‬فأجاز مالك صييامها فيي‬
‫أيام منييى ومنعييه أبييو حنيفيية وقال‪ :‬إذا فاتتييه اليام الولى وجييب‬
‫الهدي في ذمته ومنعه مالك قبل الشروع في عمل الحج وأجازه‬
‫أبيو حنيفية‪ .‬وسيبب الخلف هيل ينطلق اسيم الحيج على هذه اليام‬
‫المختلف فيهييا أم ل؟ وإن انطلق فهييل ميين شرط الكفارة أن ل‬
‫تجزئ إل بعد وقوع موجبها‪ ،‬فمن‬
‫قال‪ :‬ل تجزئ كفارة إل بعد وقوع موجبها قال‪ :‬ل يجزي الصوم إل‬
‫بعييد الشروع فييي الحييج‪ ،‬وميين قاسييها على كفارة اليمان قال‪:‬‬
‫يجزي‪.‬‬
‫واتفقوا أنييه إذا صييام السييبعة اليام فييي أهله أجزأه‪ ،‬واختلفوا إذا‬
‫صامها في الطريق فقال مالك‪ :‬يجزي الصوم‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ل‬
‫يجزي‪ .‬وسيييبب الخلف الحتمال الذي فيييي قوله سيييبحانه ‪ -‬إذا‬
‫رجعتييم ‪ -‬فإن اسييم الراجييع ينطلق على ميين فرغ ميين الرجوع‪،‬‬
‫وعلى مين هيو فيي الرجوع نفسيه‪ ،‬فهذه هيي الكفارة التيي ثبتيت‬
‫بالسيمع وهيي مين المتفيق عليهيا‪ ،‬ول خلف أن مين فاتيه الحيج بعيد‬
‫أن شرع فيه إما بفوت ركن من أركانه‪ ،‬وإما من قبل غلطه في‬
‫الزمان‪ ،‬أو من قبل جهله أو نسيانه أو إتيانه في الحج فعل مفسدا‬
‫له‪ ،‬فإن عليييه القضاء إذا كان حجييا واجبييا وهييل عليييه هدي مييع‬
‫القضاء؟ واختلفوا فيييه‪ ،‬وإن كان تطوعييا فهييل عليييه قضاء أم ل؟‬
‫الخلف فييي ذلك كله‪ ،‬لكيين الجمهور على أن عليييه الهدي لكون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫النقصان الداخل عليه مشعرا بوجوب الهدي‪ .‬وشذ قوم فقالوا‪ :‬ل‬
‫هدي أصل ول قضاء إل أن يكون في حج واجب‪ ،‬ومما يخص الحج‬
‫الفاسد عند الجمهور دون سائر العبادات أنه يمضي فيه المفسد‬
‫له ول يقطعيه وعلييه دم‪ .‬وشيذ قوم فقالوا‪ :‬هيو كسيائر العبادات‪،‬‬
‫وعمدة الجمهور ظاهييير قوله تعالى ‪ -‬وأتموا الحيييج والعمرة لله ‪-‬‬
‫فالجمهور عمموا والمخالفون خصييصوا قياسييا على غيرهييا ميين‬
‫العبادات إذا وردت عليهييا المفسييدات‪ ،‬واتفقوا على أن المفسييد‬
‫للحيج إميا مين الفعال المأمور بهيا فترك الركان التيي هيي شرط‬
‫في صحته على اختلفهم فيما هو ركن مما ليس بركن‪ .‬وأما من‬
‫التروك المنهيي عنهيا فالجماع‪ ،‬وإن كانوا اختلفوا فيي الوقيت الذي‬
‫إذا وقع فيه الجماع كان مفسدا للحج‪ .‬فأما إجماعهم على إفساد‬
‫الجماع للحيج فلقوله تعالى ‪ -‬فمين فرض فيهين الحيج فل رفيث ول‬
‫فسييوق ول جدال فييي الحييج ‪ -‬واتفقوا على أن ميين وطييئ قبييل‬
‫الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه‪ ،‬وكذلك من وطئ من المعتمرين‬
‫قبيل أن يطوف ويسيعى‪ .‬واختلفوا فيي فسياد الحيج بالوطيء بعيد‬
‫الوقوف بعرفة وقبل رمي جمرة العقبة وبعد رمي الجمرة وقبل‬
‫طواف الفاضيية الذي هييو الواجييب‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ميين وطييئ قبييل‬
‫رمي جمرة العقبة فقد فسد حجه وعليه الهدي والقضاء‪ ،‬وبه قال‬
‫الشافعيي‪ .‬وقال أبيو حنيفية والثوري‪ :‬علييه الهدي بدنية وحجيه تام‪.‬‬
‫وقيد روي مثيل هذا عين مالك‪ .‬وقال مالك‪ :‬مين وطيئ بعيد رميي‬
‫جمرة العقبية وقبيل طواف الفاضية فحجيه تام‪ ،‬وبقول مالك فيي‬
‫أن الوطييء قبييل طواف الفاضيية ل يفسييد الحييج قال الجمهور‪:‬‬
‫ويلزمه عندهم الهدي‪.‬‬
‫وقالت طائفية‪ :‬مين وطيئ قبيل طواف الفاضية فسيد حجيه‪ ،‬وهيو‬
‫قول ابين عمير‪ .‬وسيبب الخلف أن للحيج تحلل يشبيه السيلم فيي‬
‫الصلة وهو التحلل الكبر وهو الفاضة وتحلل أصغر‪ ،‬وهل يشترط‬
‫في إباحة الجماع تحللن أو أحدهما؟‬
‫ول خلف بينهييم أن التحلل الصييغر الذي هييو رمييي الجمرة يوم‬
‫النحر أنه يحل به الحاج من كل شيء حرم عليه بالحج إل النساء‬
‫والطيب والصيد‪ ،‬فإنهم اختلفوا فيه‪ ،‬والمشهور عن مالك أنه يحل‬
‫له كيل شييء إل النسياء والطييب‪ ،‬وقييل عنيه إل النسياء والطييب‬
‫والصيد‪ ،‬لن الظاهر من قوله ‪ -‬وإذا حللتم فاصطادوا ‪ -‬أنه التحلل‬
‫الكبر‪ .‬واتفقوا على أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف بالبيت‬
‫وسييعى بييين الصييفا والمروة وإن لم يكيين حلق ول قصيير لثبوت‬
‫الثار فييي ذلك إل خلفييا شاذا‪ .‬وروي عيين ابيين عباس أنييه يحييل‬
‫بالطواف‪ .‬وقال أ بو حنيفية‪ :‬ل يحيل إل بعيد الحلق‪ ،‬وإن جاميع قبله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فسدت عمرته‪ .‬واختلفوا في صفة الجماع الذي يفسد الحج وفي‬


‫مقدماتيه‪ ،‬فالجمهور على أن التقاء الختانيين يفسيد الحيج‪ ،‬ويحتميل‬
‫ميين يشترط فييي وجوب الطهيير النزال مييع التقاء الختانييين أن‬
‫يشترطييه فييي الحييج‪ .‬واختلفوا فييي إنزال الماء فيمييا دون الفرج‪،‬‬
‫فقال أبيييو حنيفييية‪ :‬ل يفسيييد الحيييج إل النزال فيييي الفرج‪ .‬وقال‬
‫الشافعي‪ :‬ما يوجب الحد يفسد الحج‪ .‬وقال مالك‪ :‬النزال نفسه‬
‫يفسييد الحييج‪ ،‬وكذلك مقدماتييه ميين المباشرة والقبلة‪ .‬واسييتحب‬
‫الشافعيي فيمين جاميع دون الفرج أن يهدي‪ .‬واختلفوا فيمين وطيئ‬
‫مرارا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ليس عليه إل هدي واحد‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن‬
‫كرر الوطء في مجلس واحد كان عليه هدي واحد‪ ،‬وإن كرره في‬
‫مجالس كان عليييه لكييل وطييء هدي‪ .‬وقال محمييد بيين الحسيين‪:‬‬
‫يجزييه هدي واحيد‪ ،‬وإن كرر الوطيء ميا لم يهيد لوطئه الول‪ .‬وعين‬
‫الشافعييي الثلثيية القوال‪ ،‬إل أن الشهيير عنييه مثييل قول مالك‪.‬‬
‫واختلفوا فيميين وطييئ ناسيييا‪ ،‬فسييوى مالك فييي ذلك بييين العمييد‬
‫والنسيان‪ .‬وقال الشافعي في الجديد ل كفارة عليه‪ .‬واختلفوا هل‬
‫على المرأة هدي؟ فقال مالك‪ :‬إن طاوعتييييه فعليهييييا هدي‪ ،‬وإن‬
‫أكرههيا فعلييه هديان‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬لييس علييه إل هدي واحيد‬
‫كقوله فييي المجامييع فييي رمضان وجمهور العلماء على أنهمييا إذا‬
‫حجييا ميين قابييل تفرقييا أعنييي الرجييل والمرأة‪ ،‬وقيييل ل يفترقان‪،‬‬
‫والقول بأن ل يفترقا مروي عن بعض الصحابة والتابعين‪ ،‬وبه قال‬
‫أبو حنيفة‪ .‬واختلف قول مالك والشافعي من أين يفترقان؟ فقال‬
‫الشافعيي‪ :‬يفترقان مين حييث أفسيدا الحيج‪ ،‬وقال مالك‪ :‬يفترقان‬
‫مين حييث أحرميا‪ ،‬إل أن يكونيا حرميا قبيل الميقات‪ ،‬فمين أخذهميا‬
‫بالفتراق فسيدا للذريعية وعقوبية‪ ،‬ومين لم يؤاخذهميا بيه فجرييا‬
‫على الصل‪ ،‬وأنه ل يثبت حكم في هذا الباب إل بسماع‪.‬‬
‫واختلفوا في الهدي الواجب في الجماع ما هو؟ فقال مالك وأبو‬
‫حنيفيية‪ :‬هييو شاة‪ ،‬وقال الشافعييي‪ :‬ليجزئه إل بدنيية‪ ،‬وإن لم يجييد‬
‫قوميت البدنية دراهيم وقوميت الدراهيم طعاميا‪ ،‬فإن لم يجيد صيام‬
‫عيين كييل مييد يومييا‪ ،‬قال‪ :‬والطعام والهدي ل يجزى إل بمكيية أو‬
‫بمنى والصوم حيث شاء‪ .‬وقال مالك‪ :‬كل نقص دخل الحرام من‬
‫وطيء أو حلق شعير أو إحصيار فإن صياحبه إن لم يجيد الهدي صيام‬
‫ثلثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع‪ ،‬ول يدخل الطعام فيه‪ ،‬فمالك‬
‫شبيييه الدم اللزم ههنيييا بدم المتمتيييع‪ ،‬والشافعيييي شبهيييه بالدم‬
‫الواجب بالفدية‪ ،‬والطعام عند مالك ل يكون إل في كفارة الصيد‬
‫وكفارة إزالة الذى‪ ،‬والشافعيي يرى أن الصييام والطعام قيد وقعيا‬
‫بدل لدم فييي موضعييين‪ ،‬ولم يقييع بدلهمييا إل فييي موضييع واحييد‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقياس المسكوت عنه على المنطوق به في الطعام أولى‪ ،‬فهذا‬


‫ما يخص الفساد بالجماع‪.‬‬
‫وأمييا الفسيياد بفوات الوقييت‪ ،‬وهييو أن يفوتييه الوقوف بعرفيية يوم‬
‫عرفة‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا أن من هذه صفته ل يخرج من إحرامه‬
‫إل بالطواف بالبييت والسيعي بيين الصيفا والمروة‪ ،‬أعنيي أنيه يحيل‬
‫ولبيد بعمرة‪ ،‬وأن علييه حيج قابيل‪ .‬واختلفوا هيل علييه هدي أم ل؟‬
‫فقال مالك والشافعييي وأحمييد والثوري وأبييو ثور‪ :‬عليييه الهدي‪،‬‬
‫وعمدتهيم إجماعهيم على أن مين حبسيه مرض حتيى فاتيه الحيج أن‬
‫علييه الهدي‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬يتحلل بعمرة ويحيج مين قابيل ول‬
‫هدي عليه‪ .‬وحجة الكوفيين أن الصل في الهدي إنما هو بدل من‬
‫القضاء‪ ،‬فإذا كان القضاء فل هدي إل ما خصصه الجماع‪.‬‬
‫واختلف مالك والشافعيي وأبيو حنيفية فيمين فاتيه الحيج وكان قارنيا‬
‫هل يقضي حجا مفردا أو مقرونا بعمرة؟ فذهب مالك والشافعي‬
‫إلى أنيه يقضيي قارنيا لنيه إنميا يقضيي مثيل الذي علييه‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬لييس علييه إل الفراد لنيه قيد طاف لعمرتيه فلييس يقضيي‬
‫إل ميا فاتيه‪ .‬وجمهور العلماء على أن مين فاتيه الحيج أنيه ل يقييم‬
‫على إحرامه ذلك إلى عام آخر وهذا هو الختيار عند مالك‪ ،‬إل أنه‬
‫أجاز ذلك ليسقط عنه الهدي ول يحتاج أن يتحلل بعمرة‪.‬‬
‫وأصل اختلفهم في هذه المسئلة اختلفهم فيمن أحرم بالحج في‬
‫غيير أشهير الحيج‪ ،‬فمين لم يجعله محرميا لم يجيز للذي فاتيه الحيج‬
‫أن يبقيى محرميا إلى عام آخير‪ ،‬ومين أجاز الحرام فيي غيير أيام‬
‫الحج أجاز له البقاء محرما‪ ،‬قال القاضي‪ :‬فقد قلنا في الكفارات‬
‫الواجبيية بالنييص فييي الحييج وفييي صييفة القضاء فييي الحييج الفائت‬
‫والفاسيد وفيي صيفة إحلل مين فاتيه الحيج‪ ،‬وقلنيا قبيل ذلك فيي‬
‫الكفارات المنصييوص عليهييا‪ ،‬ومييا ألحييق الفقهاء بذلك ميين كفارة‬
‫المفسيد حجيه‪ ،‬وبقيي أن نقول فيي الكفارات التيي اختلفوا فيهيا‬
‫ترك نسك منها من مناسك الحج مما لم ينص عليه‪.‬‬
‫*‪ *4‬القول في الكفارات المسكوت عنها‬
‫@‪ -‬فنقول‪ :‬إن الجمهور اتفقوا على أن النسيك ضربان‪ :‬نسيك هيو‬
‫سينة موكدة ونسيك هيو مرغيب فييه‪ .‬فالذي هيو سينة يجيب على‬
‫تاركيه الدم لنيه حيج ناقيص أصيله المتمتيع والقارن‪ .‬وروي عين ابين‬
‫عباس أنه قال‪ :‬من فاته من نسكه شيء فعليه دم‪ ،‬وأما الذي هو‬
‫نفييل فلم يروا فيييه دمييا‪ ،‬ولكنهييم اختلفوا اختلفييا كثيرا فييي ترك‬
‫نسك نسك هل فيه دم أم ل؟ وذلك لختلفهم فيه هل هو سنة أو‬
‫نفل؟ وأما ما كان فرضا فل خلف عندهم أنه ل يجبر بالدم‪ ،‬وإنما‬
‫يختلفون في الفعل الواحد نفسه من قبل اختلفهم هل هو فرض‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أم ل؟ وأميا أهيل الظاهير فإنهيم ل يرون دميا إل حييث ورد النيص‬
‫لتركهيم القياس وبخاصية فيي العبادات‪ ،‬وكذلك اتفقوا على أن ميا‬
‫كان من المتروك مسنونا ففعل ففيه فدية الذى‪ ،‬وما كان مرغبا‬
‫فييه فلييس فييه شييء‪ .‬واختلفوا فيي ترك فعيل لختلفهيم هيل هيو‬
‫سنة أم ل؟ وأهل الظاهر ل يوجبون الفدية إل في المنصوص عليه‬
‫ونحين نذكير المشهور مين اختلف الفقهاء فيي ترك نسيك نسيك‪،‬‬
‫أعنيي فيي وجوب الدم أو ل وجوبيه مين أول المناسيك إلى آخرهيا‪،‬‬
‫وكذلك فييي فعييل محظور محظور‪ ،‬فأول مييا اختلفوا فيييه ميين‬
‫المناسيك مين جاوز الميقات فلم يحرم هيل علييه دم؟ فقال قوم‪:‬‬
‫ل دم علييه‪ .‬وقال قوم‪ :‬علييه الدم وإن رجيع‪ ،‬وهيو قول مالك وابين‬
‫المبارك‪ .‬وروي عين الثوري‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن رجيع إلييه فلييس علييه‬
‫دم‪ ،‬وإن لم يرجييع فعليييه دم‪ ،‬وهييو قول الشافعييي وأبييي يوسييف‬
‫ومحميد ومشهور قول الثوري‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن رجيع ملبييا فل‬
‫دم عليه‪ ،‬وإن رجع غير ملب كان عليه الدم‪ .‬وقال قوم‪ :‬هو فرض‬
‫ول يجييبره بالدم‪ .‬واختلفوا فيميين غسييل رأسييه بالخطمييى‪ .‬فقال‬
‫مالك وأبو حنيفة‪ :‬يفتدى‪ .‬وقال الثوري وغيره‪ :‬ل شيء عليه‪.‬‬
‫ورأى مالك أن في الحمام الفدية‪ ،‬وأباحه الكثرون وروي عن ابن‬
‫عباس ميين طريييق ثابييت دخوله‪ ،‬والجمهور على أنييه يفتدى ميين‬
‫لبييس ميين المحرمييين مييا نهييي عيين لباسييه‪ .‬واختلفوا إذا لبييس‬
‫السيراويل لعدم الزار هيل يفتدى أم ل؟ فقال مالك وأبيو حنيفية‪:‬‬
‫يفتدى‪ ،‬وقال الثوري وأحميد وأبيو ثور وداود‪ :‬ل شييء علييه إذا لم‬
‫يجيد إزارا‪ .‬وعمدة مين منيع النهيي المطلق وعمدة مين لم يير فييه‬
‫فديية حدييث عمرو بين دينار عين جابر وابين عباس قال‪ :‬سيمعت‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يقول "السيراويل لمين لم يجيد‬
‫الزار والخيف لمين لم يجيد النعليين" واختلفوا فيمين لبيس الخفيين‬
‫مقطوعيين ميع وجود النعليين‪ ،‬فقال مالك‪ :‬علييه الفديية‪ ،‬وقال أبيو‬
‫حنيفة‪ :‬ل فدية عليه‪ ،‬والقولن عن الشافعي‪.‬‬
‫واختلفوا في لبس المرأة القفازين هل فيه فدية أم ل؟ وقد ذكرنا‬
‫كثيرا ميين هذه الحكام فييي باب الحرام‪ ،‬وكذلك اختلفوا فيميين‬
‫ترك التلبيية هيل علييه دم أم ل؟ وقيد تقدم‪ .‬واتفقوا على أن مين‬
‫نكييس الطواف أو نسييي شوطييا ميين أشواطييه أنييه يعيده مييا دام‬
‫بمكييية‪ .‬واختلفوا إذا بلغ إلى أهله‪ ،‬فقال قوم منهيييم أبيييو حنيفييية‪:‬‬
‫يجزييه الدم‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بيل يعييد ويجيبر ميا نقصيه ول يجزييه الدم‪.‬‬
‫وكذلك اختلفوا فيي وجوب الدم على مين ترك الرميل فيي الثلثية‬
‫الشواط‪ ،‬وبالوجوب قال ابن عباس والشافعي وأبو حنيفة وأحمد‬
‫وأبو ثور‪ .‬واختلف في ذلك قول مالك وأصحابه‪ .‬والخلف في هذه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشياء كلهيا مبناه على أنيه هيل هيو سينة أم ل؟ وقيد تقدم القول‬
‫في ذلك‪ .‬وتقبيل الحجر أو تقبيل يده بعد وضعها عليه إذا لم يصل‬
‫الحجير عنيد كيل مين لم يوجيب الدم قياسيا على المتمتيع إذا تركيه‬
‫فييه دم‪ .‬وكذلك اختلفوا فيمين نسيي ركعتيي الطواف حتيى رجيع‬
‫إلى بلده هيل علييه دم أم ل؟ فقال مالك‪ :‬علييه دم‪ .‬وقال الثوري‪:‬‬
‫يركعهميا ميا دام فيي الحرم‪ .‬وقال الشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬يركعهميا‬
‫حيييث شاء‪ ،‬والذييين قالوا فييي طواف الوداع إنييه ليييس بفرض‬
‫اختلفوا فيمن تركه ولم تتمكن له العودة إليه هل عليه دم أم ل؟‬
‫فقال مالك‪ :‬لييس علييه شييء إل أن يكون قريبيا فيعود‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفة والثوري‪ :‬عليه دم إن لم يعد‪ ،‬وإنما يرجع عندهم ما لم يبلغ‬
‫المواقييت‪ ،‬وحجية مين لم يره سينة مؤكدة سيقوطه عين المكيي‬
‫والحائض‪ .‬وعنيد أبيي حنيفية أنيه إذا لم يدخيل الحجير فيي الطواف‬
‫أعاد ميا لم يخرج مين مكية‪ ،‬فإن خرج فعلييه دم‪ .‬واختلفوا هيل مين‬
‫شرط صيحة الطواف المشيي فييه ميع القدرة علييه؟ فقال مالك‪:‬‬
‫هيو مين شرطيه كالقيام فيي الصيلة‪ ،‬فإن عجيز كان كصيلة القاعيد‬
‫ويعييييد عنده أبدا‪ .‬إل إذا رجيييع إلى بلده فإن علييييه دميييا‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬الركوب فيي الطواف جائز "لن النيبي صيلى الله علييه‬
‫وسييلم طاف بالبيييت راكبييا ميين غييير مرض" ولكنييه أحييب أن‬
‫يستشرف الناس إليه‪ ،‬ومن لم ير السعي واجبا فعليه فيه دم إذا‬
‫انصرف إلى بلده‪ .‬ومن رآه تطوعا لم يوجب فيه شيئا‪ ،‬وقد تقدم‬
‫اختلفهم أيضا فيمن قدم السعي على الطواف هل فيه دم إذا لم‬
‫يعد حتى يخرج من مكة أم ليس فيه دم؟‬
‫واختلفوا فيي وجوب الدم على مين دفيع مين عرفية قبيل الغروب‬
‫فقال الشافعيي وأحميد‪ :‬إن عاد فدفيع بعيد غروب الشميس فل دم‬
‫علييه‪ ،‬وإن لم يرجيع حتيى طلع الفجير وجيب علييه الدم‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفيية والثوري‪ :‬عليييه الدم رجييع أو لم يرجييع‪ ،‬وقييد تقدم هذا‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن وقف من عرفة بعرنة‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬ل حج له‪،‬‬
‫وقال مالك‪ :‬عليه دم‪.‬‬
‫وسيبب الختلف هيل النهيي عين الوقوف بهيا مين باب الحظير أو‬
‫مين باب الكراهيية‪ ،‬وقيد ذكرنيا فيي باب أفعال الحيج إلى انقضائهيا‬
‫كثيرا ميين اختلفهييم فيمييا تركييه دم ومييا ليييس فيييه دم‪ ،‬وإن كان‬
‫الترتيب يقتضي ذكره في هذا الموضع‪ ،‬والسهل ذكره هنالك‪.‬‬
‫قال القاضيي‪ :‬فقيد قلنيا فيي وجوب هذه العبادة وعلى مين تجيب؟‬
‫وشروط وجوبهيا ومتيى تجيب؟ وهيي التيي تجري مجرى المقدمات‬
‫لمعرفة هذه العبادة‪ ،‬وقلنا بعد ذلك في زمان هذه العبادة ومكانها‬
‫ومحظوراتها وما اشتملت عليه أيضا من الفعال في مكان مكان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين أماكنهيا وزمان زمان مين أزمنتهيا الجزئيية إلى انقضاء زمانهيا‪،‬‬
‫ثيم قلنيا فيي أحكام التحلل الواقيع فيي هذه العبادة‪ ،‬وميا يقبيل مين‬
‫ذلك الصيلح بالكفارات وميا ل يقبيل الصيلح بيل يوجيب العادة‪،‬‬
‫وقلنيا أيضيا فيي حكيم العادة بحسيب موجباتهيا‪ .‬وفيي هذا الباب‬
‫يدخل من شرع فيها فأحصر بمرض أو عدو أو غير ذلك‪.‬‬
‫والذي بقي من أفعال هذه العبادة هو القول في الهدي‪ ،‬وذلك أن‬
‫هذا النوع مين العبادات هيو جزء مين هذه العبادة‪ ،‬وهيو مميا ينبغيي‬
‫أن يفرد بالنظر فلنقل فيه‪:‬‬
‫*‪ *4‬القول في الهدي‬
‫@‪ -‬فنقول‪ :‬إن النظيير فييي الهدي يشتمييل على معرفيية وجوبييه‬
‫وعلى معرفية جنسيه وعلى معرفية سينه وكيفيية سيوقه ومين أيين‬
‫يساق وإلى أين ينتهي بسوقه‪ ،‬وهو موضع نحره وحكم لحمه بعد‬
‫النحير‪ ،‬فنقول‪ :‬إنهيم قيد أجمعوا على أن الهدي المسيوق فيي هذه‬
‫العبادة منه واجب ومنه تطوع؛ فالواجب منه ما هو واجب بالنذر‪،‬‬
‫ومنه ما هو واجب في بعض أنواع هذه العبادة‪ ،‬ومنه ما هو واجب‬
‫لنيه كفارة‪ .‬فأميا ميا هيو واجيب فيي بعيض أنواع هذه العبادة فهيو‬
‫هدي المتمتيع باتفاق وهدي القارن باختلف‪ .‬وأميا الذي هيو كفارة‬
‫فهدي القضاء على مذهييب ميين يشترط فيييه الهدي‪ ،‬وهدي كفارة‬
‫الصييد‪ ،‬وهدي إلقاء الذى والتفيث وميا أشبيه ذلك مين الهدي الذي‬
‫قاسه الفقهاء في الخلل بنسك نسك منها على المنصوص عليه‪.‬‬
‫فأما جنس الهدي فإن العلماء متفقون على أنه ل يكون الهدي إل‬
‫من الزواج الثمانية التي نص الله عليها‪ ،‬وأن الفضل في الهدايا‬
‫هي البل ثم البقر ثم الغنم ثم المعز‪ ،‬وإنما اختلفوا في الضحايا‪.‬‬
‫وأما السنان فإنهم أجمعوا أن الثني فما فوقه يجزي منها‪ ،‬وأنه ل‬
‫يجزي الجذع مين المعيز فيي الضحاييا والهداييا لقوله علييه الصيلة‬
‫والسيييلم لبيييي بردة "تجزي عنيييك ول تجزي عييين أحيييد بعدك"‬
‫واختلفوا فيي الجذع مين الضأن‪ ،‬فأكثير أهيل العلم يقولون بجوازه‬
‫في الهدايا والضحايا‪ .‬وكان ابن عمر يقول‪ :‬ل يجزي في الهدايا إل‬
‫الثنيي مين كيل جنيس‪ ،‬ول خلف فيي أن الغلى ثمنيا مين الهداييا‬
‫أفضيل‪ .‬وكان الزبيير يقول لبنييه‪ :‬ييا بنيي ل يهديين أحدكيم لله مين‬
‫الهدي شيئا يسيييتحي أن يهدييييه لكريميييه‪ ،‬فإن الله أكرم الكرماء‬
‫وأحق من اختير له‪ ،‬وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "في‬
‫الرقاب وقيد قييل له أيهيا أفضيل فقال‪ :‬أغلهيا ثمنيا وأنفسيها عنيد‬
‫أهلهيا" ولييس فيي عدد الهدي حيد معلوم‪ ،‬وكان هدي رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم مائة‪ .‬وأميا كيفيية سيوق الهدي فهيو التقلييد‬
‫والشعار بأنيه هدي "لن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم خرج‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عام الحديبيية‪ ،‬فلميا كان بذي الحليفية قلد الهدي وأشعره وأحرم"‬
‫وإذا كان الهدي مين البيل والبقير فل خلف أنيه يقلد نعل أو نعليين‬
‫أو ما أشبه ذلك لمن لم يجد النعال‪.‬‬
‫واختلفوا فيي تقلييد الغنيم‪ ،‬فقال مالك وأبيو حنيفية‪ :‬ل تقلد الغنيم‪.‬‬
‫وقال الشافعيي وأحميد وأبيو ثور وداود‪ :‬تقلد لحدييث العميش عين‬
‫إبراهييم عين السيود عين عائ شة "أن النبي صلى الله علييه وسيلم‬
‫أهدى إلى البيييت مرة غنمييا فقلده" واسييتحبوا توجيهييه إلى القبلة‬
‫فيي حيين تقليده‪ ،‬واسيتحب مالك الشعار مين الجانيب اليسير لميا‬
‫رواه عين نافيع عين ابين عمير أنيه كان إذا أهدى هدييا مين المدينية‬
‫قلده وأشعره بذي الحليفية قلده قبيل أن يشعره‪ ،‬وذلك فيي مكان‬
‫واحيد وهيو موجيه للقبلة يقلده بنعليين ويشعره مين الشيق اليسير‪،‬‬
‫ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة‪ ،‬ثم يدفع به معهم‬
‫إذا دفعوا‪ ،‬وإذا قدم منييييى غداة النحيييير نحره قبييييل أن يحلق أو‬
‫يقصر‪ ،‬وكان هو ينحر هديه بيده يصفهن قياما ويوجههن للقبلة ثم‬
‫يأكيل ويطعيم‪ .‬واسيتحب الشافعيي وأحميد وأبيو ثور الشعار مين‬
‫الجانب اليمن لحديث ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسيلم صيلى الظهير بذي الحليفية‪ ،‬ثيم دعيا ببدنيه فأشعرهيا مين‬
‫صفحة سنامها اليمن ثم سلت الدم عنها وقلدها بنعلين ثم ركب‬
‫راحلته‪ ،‬فلما استوت على البيداء أهل بالحج" وأما من أين يساق‬
‫الهدي؟ فإن مالكيا يرى أن مين سينته أن يسياق مين الحيل‪ ،‬ولذلك‬
‫ذهييب إلى أن ميين اشترى الهدي بمكيية ولم يدخله ميين الحييل أن‬
‫عليييه أن يقفييه بعرفيية‪ ،‬وإن لم يفعييل فعليييه البدل‪ .‬وأمييا إن كان‬
‫أدخله من الحل فيستحب له أن يقفه بعرفة‪ ،‬وهو قول ابن عمر‪،‬‬
‫وبيه قال اللييث‪ .‬وقال الشافعيي والثوري وأبيو ثور‪ :‬وقوف الهدي‬
‫بعرفة سنة‪ ،‬ول حرج على من لم يقفه كان داخل من الحل أو لم‬
‫يكن‪ .‬وقال أبو حنيفة ليس توقيف الهدي بعرفة من السنة‪ ،‬وحجة‬
‫مالك فييي إدخال الهدي ميين الحييل إلى الحرم "أن النييبي عليييه‬
‫الصييلة والسييلم كذلك فعييل وقال‪ :‬خذوا عنييي مناسييككم" وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬التعريييف سيينة مثييل التقليييد‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬ليييس‬
‫التعريف بسنة‪ ،‬وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لن مسييكنه كان خارج الحرم‪ .‬وروي عيين عائشيية التخيييير فييي‬
‫تعريف الهدي أو ل تعريفه‪.‬‬
‫وأما محله فهو البيت العتيق كما قال تعالى {ثم محلها إلى البيت‬
‫العتيق} وقال {هديا بالغ الكعبة}‬
‫وأجمييع العلماء على أن الكعبيية ل يجوز لحييد فيهييا ذبييح‪ ،‬وكذلك‬
‫المسيجد الحرام‪ ،‬وأن المعنيى فيي قوله {هدييا بالغ الكعبية} أنيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إنميا أراد بيه النحير بمكية إحسيانا منيه لمسياكينهم وفقرائهيم‪ .‬وكان‬
‫مالك يقول‪ :‬إنما المعنى في قوله {هديا بالغ الكعبة} مكة‪ ،‬وكان‬
‫ل يجيييز لميين نحيير هديييه فييي الحرم إل أن ينحره بمكيية‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬إن نحره فيي غيير مكية مين الحرم أجزأه‪.‬‬
‫وقال الطييييبري‪ :‬يجوز نحيييير الهدي حيييييث شاء المهدي إل هدي‬
‫القران وجزاء الصيد فإنهما ل ينحران إل بالحرم‪.‬‬
‫وبالجملة فالنحير بمنيى إجماع مين العلماء وفيي العمرة بمكية‪ ،‬إل‬
‫ميا اختلفوا فييه مين نحير المحصير‪ .‬وعنيد مالك إن نحير للحيج بمكة‬
‫والعمرة بمنيى أجزأه‪ ،‬وحجية مالك فيي أنيه ل يجوز النحير بالحرم‬
‫إل بمكية قوله صيلى الله علييه وسيلم "وكيل فجاج مكية وطرقهيا‬
‫منحيير" واسييتثنى مالك ميين ذلك هدي الفدييية‪ ،‬فأجاز ذبحييه بغييير‬
‫مكيية‪ .‬وأمييا متييى ينحيير فإن مالكييا قال‪ :‬إن ذبييح هدي التمتييع أو‬
‫التطوع قبييل يوم النحيير لم يجزه‪ ،‬وجوزه أبييو حنيفيية فييي التطوع‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬يجوز فيي كليهميا قبيل يوم النحير‪ ،‬ول خلف عنيد‬
‫الجمهور أن ميا عدل مين الهدي بالصييام أنيه يجوز حييث شاء‪ ،‬لنيه‬
‫ل منفعة في ذلك ل لهل الحرم ول لهل مكة‪ ،‬وإنما اختلفوا في‬
‫الصدقة المعدولة عن الهدي‪ ،‬فجمهور العلماء على أنها لمساكين‬
‫مكة والحرم‪ ،‬لنها بدل من جزاء الصيد الذي هو لهم‪،‬‬
‫وقال مالك‪ :‬الطعام كالصييام يجوز بغيير مكية‪ .‬وأميا صيفة النحير‬
‫فالجمهور مجمعون على أن التسييمية مسييتحبة فيهييا لنهييا زكاة‪،‬‬
‫ومنها من استحب مع التسمية التكبير‪ .‬ويستحب للمهدي أن يلي‬
‫نحير هدييه بيده وإن اسيتخلف جاز‪ ،‬وكذلك فعيل رسيول الله صيلى‬
‫الله عليييه وسييلم فييي هديييه‪ ،‬وميين سيينتها أن تنحيير قيامييا لقوله‬
‫سيبحانه وتعالى {فاذكروا اسيم الله عليهيا صيواف} وقيد تكلم فيي‬
‫صيفة النحير فيي كتاب الذبائح‪ .‬وأميا ميا يجوز لصياحب الهدي مين‬
‫النتفاع بييه وبلحمييه فإن فييي ذلك مسييائل مشهورة‪ :‬أحدهييا هييل‬
‫يجوز له ركوب الهدي الواجييب أو التطوع؟ فذهييب أهييل الظاهيير‬
‫إلى أن ركوبه جائز من ضرورة ومن غير ضرورة‪ ،‬وبعضهم أوجب‬
‫ذلك‪ ،‬وكره جمهور فقهاء المصيييار ركوبهيييا مييين غيييير ضرورة‪،‬‬
‫والحجة للجمهور ما خرجه أبو داود عن جابر وقد سئل عن ركوب‬
‫الهدي فقال‪ :‬سييمعت رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم يقول‬
‫"اركبهيا بالمعروف إذا ألجئت إليهيا حتيى تجيد ظهرا" ومين طرييق‬
‫المعنييى أن النتفاع بمييا قصييد بييه القربيية إلى الله تعالى منعييه‬
‫مفهوم مين الشريعية‪ ،‬وحجية أهيل الظاهير ميا رواه مالك عين أبيي‬
‫الزناد عن العرج عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسيلم رأى رجل يسيوق بدنية فقال‪ :‬اركبهيا‪ ،‬فقال‪ :‬ييا رسيول الله‬
‫إنها هدي‪ ،‬فقال‪ :‬اركبها‪ ،‬ويلك في الثانية أو في الثالثة"‪.‬‬
‫وأجمعوا أن هدي التطوع إذا بلغ محله أنيييه يأكيييل منيييه صييياحبه‬
‫كسيائر الناس‪ ،‬وأنيه إذا عطيب قبيل أن يبلغ محله خلى بينيه وبيين‬
‫الناس ولم يأكيل منيه‪ ،‬وزاد داود‪ :‬ول يطعيم منيه شيئا أهيل رفقتيه‬
‫"لميا ثبيت أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم بعيث بالهدي ميع‬
‫ناجيية السيلمي وقال له‪ :‬إن عطيب منهيا شييء فانحره ثيم اصيبغ‬
‫نعلييه فيي دميه وخيل بينيه وبيين الناس" وروي عين ابين عباس هذا‬
‫الحديث فزاد فيه "ول تأكل منه أنت ول أهل رفق تك" وقال بهذه‬
‫الزيادة داود وأبو ثور‪ .‬واختلفوا فيم يجب على من أكل منه‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬إن أكيل منيه وجيب علييه بدله‪ .‬وقال الشافعيي وأبيو حنيفية‬
‫والثوري وأحمد وابن حبيب من أصحاب مالك‪ :‬عليه قيمة ما أكل‬
‫أو أمر بأكله طعاما يتصدق به‪ .‬وروي ذلك عن علي وابن مسعود‬
‫وابين عباس وجماعية مين التابعيين‪ .‬وميا عطيب فيي الحرم قبيل أن‬
‫يصيل مكية فهيل بلغ محله أم ل؟ فييه الخلف مبنيي على الخلف‬
‫المتقدم هيل المحيل هيو مكية أو الحرم؟ وأميا الهدي الواجيب إذا‬
‫عطب قبل محله فإن لصاحبه أن يأكل منه لن عليه بدله‪ ،‬ومنهم‬
‫من أجاز له بيع لحمه وأن يستعين به في البدل‪ ،‬وكره ذلك مالك‪.‬‬
‫واختلفوا فيييي الكيييل مييين الهدي الواجيييب إذا بلغ محله‪ ،‬فقال‬
‫الشافعي‪ :‬ل يؤكل من الهدي الواجب كله ولحمه كله للمساكين‪،‬‬
‫وكذلك جله إن كان مجلل والنعيل الذي قلد بيه‪ .‬وقال مالك‪ :‬يؤكيل‬
‫ميين كييل الهدي الواجييب إل جزاء الصيييد ونذر المسيياكين وفدييية‬
‫الذى‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يؤكل من الهدي الواجب إل هدي المتعة‬
‫وهدي القران‪ .‬وعمدة الشافعيييي تشيييبيه جمييييع أصيييناف الهدي‬
‫الواجب بالكفارة‪.‬‬
‫وأميا مين فرق فلنيه يظهير فيي الهدي معنيان‪ :‬أحدهميا أنيه عبادة‬
‫مبتدأة‪ .‬والثاني أنه كفارة‪ ،‬وأحد المعنيين في بعضها أظهر‪ ،‬فمن‬
‫غلب شبهييه بالعبادة على شبهييه بالكفارة فييي نوع نوع ميين أنواع‬
‫الهدي كهدي القران وهدي التمتيييع وبخاصييية عنيييد مييين يقول إن‬
‫التمتع والقران أفضل لم يشترط أن ل يأكل‪ ،‬لن هذا الهدي عنده‬
‫هو فضيلة ل كفارة تدفع العقوبة‪ ،‬ومن غلب شبهه بالكفارة قال‪:‬‬
‫ل يأكله لتفاقهييم على أنييه ل يأكييل صيياحب الكفارة مين الكفارة‪،‬‬
‫ولميا كان هدي جزاء الصييد وفديية الذى ظاهير مين أمرهميا أنهميا‬
‫كفارة لم يختلف هؤلء الفقهاء في أنه ل يأكل منها‪ .‬قال القاضي‪:‬‬
‫فقيد قلنيا فيي حكيم الهدي وفيي جنسيه وفيي سينه وكيفيية سيوقه‪،‬‬
‫وشروط صيحته مين الزمان والمكان‪ ،‬وصيفة نحره وحكيم النتفاع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بيه‪ ،‬وذلك ميا قصيدناه والله الموفيق للصيواب‪ .‬وبتمام القول فيي‬
‫هذا بحسيب ترتيبنيا تيم القول فيي هذا الكتاب بحسيب غرضنيا ولله‬
‫الشكيير والحمييد كثيرا على مييا وفييق وهدى وميين بييه ميين التمام‬
‫والكمال‪.‬‬
‫وكان الفراغ منيه يوم الربعاء التاسيع مين جمادى الولى الذي هيو‬
‫عام أربعة وثمانين وخمسمائة‪ ،‬وهو جزء من كتاب المجتهد الذي‬
‫وضعتيه منيذ أزييد مين عشريين عاميا أو نحوهيا‪ ،‬والحميد لله رب‬
‫العالمييين‪ .‬كان رضييي الله عنييه عزم حييين تأليييف الكتاب أول أل‬
‫يثبت كتاب الحج‪ ،‬ثم بدا له بعد فأثبته‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم تسليما‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الجهاد‬
‫@‪-‬والقول المحيط بأصول هذا الباب ينحصر في جملتين‪ :‬الجملة‬
‫الولى‪ :‬فيييي معرفييية أركان الحرب‪ .‬الثانيييية‪ :‬فيييي أحكام أموال‬
‫المحاربين إذا تملكها المسلمون‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الولى) وفي هذه الجملة فصول سبعة‪:‬‬
‫@‪-‬أحدها‪ :‬معرفة حكم هذه الوظيفة ولمن تلزم‪ .‬والثاني‪ :‬معرفة‬
‫الذيين يحاربون‪ .‬والثالث‪ :‬معرفية ميا يجوز مين النكايية فيي صينف‬
‫صنف من أصناف أهل الحرب مما ل يجوز‪ .‬والرابع‪ :‬معرفة جواز‬
‫شروط الحرب‪ .‬والخامييس‪ :‬معرفيية العدد الذييين ل يجوز الفرار‬
‫عنهم‪ .‬والسادس‪ :‬هل تجوز المهادنة؟‪ .‬والسابع‪ :‬لماذا يحاربون؟‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في معرفة حكم هذه الوظيفة‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا حكيم هذه الوظيفية فأجميع العلماء على أنهيا فرض على‬
‫الكفاييية ل فرض عييين‪ ،‬إل عبييد الله بيين الحسيين‪ ،‬فإنييه قال إنهييا‬
‫تطوع‪ ،‬وإنما صار الجمهور لكونه فرضا لقوله تعالى {كتب عليكم‬
‫القتال وهو كره لكم} الية‪ .‬وأما كونه فرضا على الكفاية‪ ،‬أعني‬
‫إذا قام بييه البعييض سييقط عيين البعييض فلقوله تعالى {ومييا كان‬
‫المؤمنون لينفروا كافية} اليية‪ ،‬وقوله {وكل وعيد الله الحسينى}‬
‫ولم يخرج قيط رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم للغزو إل وترك‬
‫بعيض الناس‪ ،‬فإذا اجتمعيت هذه اقتضيى ذلك كون هذه الوظيفية‬
‫فرضييا على الكفاييية‪ .‬وأمييا على ميين يجييب فهييم الرجال الحرار‬
‫البالغون الذيييين يجدون بميييا يغزون الصيييحاء إل المرضيييى وإل‬
‫الزمنى‪ ،‬وذلك ل خلف فيه لقوله تعالى {ليس على العمى حرج‬
‫ول على المرييض حرج ول على العرج حرج} وقوله {لييس على‬
‫الضعفاء ول على المرضييى ول على الذييين ل يجدون مييا ينفقون‬
‫حرج} الية‪ .‬وأما كون هذه الفريضة تختص بالحرار فل أعلم فيها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خلفيا‪ ،‬وعامية الفقهاء متفقون على أن مين شرط هذه الفريضية‬


‫إذن البويين فيهيا‪ ،‬إل أن تكون علييه فرض عيين مثيل أن ل يكون‬
‫هنالك مين يقوم بالفرض إل بقيام الجمييع بيه‪ ،‬والصيل فيي هذا ميا‬
‫ثبيت "أن رجل قال لرسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "إنيي أرييد‬
‫الجهاد‪ ،‬قال‪ :‬أحيييي والداك؟ قال‪ :‬نعيييم‪ ،‬قال‪ :‬ففيهميييا فجاهيييد"‬
‫واختلفوا فييي إذن البوييين المشركييين‪ .‬وكذلك اختلفوا فييي إذن‬
‫الغرييم إذا كان علييه ديين لقوله علييه الصيلة والسيلم وقيد سيأله‬
‫الرجل "أيكفر الله عني خطاياي إن مت صابرا محتسبا في سبيل‬
‫الله؟ قال‪ :‬نعييم إل الدييين كذلك قال لي جبريييل آنفييا" والجمهور‬
‫على جواز ذلك‪ ،‬وبخاصة إذا تخلف وفاء من دينه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في معرفة الذين يحاربون‪.‬‬
‫@‪-‬فأما الذين يحاربون فاتفقوا على أنهم جميع المشركين لقوله‬
‫تعالى {وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله} إل ما‬
‫روي عن مالك أنه قال‪ :‬ل يجوز ابتداء الحبشة بالحرب ول الترك‪،‬‬
‫لما روي أنه عليه الصلة والسلم قال "ذروا الحبشة ما وذرتكم"‬
‫وقيد سيئل مالك عين صيحة هذا الثير فلم يعترف بذلك لكين قال‪:‬‬
‫لم يزل الناس يتحامون غزوهم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في معرفة ما يجوز من النكاية بالعدو‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا ميا يجوز مين النكايية بالعدو‪ ،‬فإن النكايية ل تخلو أن تكون‬
‫فييي الموال أو فييي النفوس أو فييي الرقاب‪ ،‬أعنييي السييتعباد‬
‫والتملك‪ .‬فأمييا النكاييية التييي هييي السييتعباد فهييي جائزة بطريييق‬
‫الجماع فييي جميييع أنواع المشركييين‪ ،‬أعنييي ذكرانهييم وإناثهييم‬
‫وشيوخهم وصبيانهم صغارهم وكبارهم إل الرهبان‪ ،‬فإن قوما رأوا‬
‫أن يتركوا ول يؤسيروا بيل يتركوا دون أن يعرض إليهيم ل بقتيل ول‬
‫باسيتعباد لقول رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "فذروهيم وميا‬
‫حبسيوا أنفسيهم إلييه" واتباعيا لفعيل أبيي بكير‪ ،‬وأكثير العلماء على‬
‫أن المام مخيير فيي السيارى فيي خصيال‪ :‬منهيا أن يمين عليهيم‪،‬‬
‫ومنهييا أن يسييتعبدهم‪ ،‬ومنهييا أن يقتلهييم‪ ،‬ومنهييا أن يأخييذ منهييم‬
‫الفداء‪ ،‬ومنهيا أن يضرب عليهيم الجزيية‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يجوز قتيل‬
‫السيير‪ .‬وحكيى الحسين بين محميد التميميي أنيه إجماع الصيحابة‪.‬‬
‫والسييبب فييي اختلفهييم تعارض الييية فييي هذا المعنييى وتعارض‬
‫الفعال ومعارضيية ظاهيير الكتاب لفعله عليييه الصييلة والسييلم‪،‬‬
‫وذلك أن ظاهييير قوله تعالى {فإذا لقيتيييم الذيييين كفروا فضرب‬
‫الرقاب} الييية‪ ،‬أنييه ليييس للمام بعييد السيير إل الميين أو الفداء‬
‫وقوله تعالى {ميا كان لنيبي أن يكون له أسيرى حتيى يثخين فيي‬
‫الرض} اليية‪ .‬والسيبب الذي نزلت فييه مين أسيارى بدر يدل على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن القتل أفضل من الستعباد‪ ،‬وأما هو عليه الصلة والسلم فقد‬


‫قتل السارى في غير ما موطن وقد من واستعبد النساء‪ .‬وحكى‬
‫أبو عبيد أنه لم يستعبد أحرار ذكور العرب وأجمعت الصحابة بعده‬
‫على اسييتعباد أهييل الكتاب ذكرانهييم وإناثهييم‪ ،‬فميين رأى أن الييية‬
‫الخاصية بفعيل السيارى ناسيخة لفعله قال‪ :‬ل يقتيل السيير‪ ،‬ومين‬
‫رأى أن الية ليس فيها ذكر لقتل السير ول المقصود منها حصر‬
‫ميا يفعيل بالسيارى بيل فعله علييه الصيلة والسيلم وهيو حكيم زائد‬
‫على ميا فيي اليية‪ ،‬ويحيط العتيب الذي وقيع فيي ترك قتيل أسيارى‬
‫بدر قال‪ :‬بجواز قتيل السيير‪ ،‬والقتيل إنميا يجوز إذا لم يكين يوجيد‬
‫بعيد تأميين‪ ،‬وهذا ميا ل خلف فييه بيين المسيلمين‪ ،‬وإنميا اختلفوا‬
‫فيمين يجوز تأمينيه ممين ل يجوز‪ ،‬واتفقوا على جواز تأميين المام‪،‬‬
‫وجمهور العلماء على جواز أمان الرجيل الحير المسيلم إل ميا كان‬
‫من ابن الماجشون يرى أنه موقوف على إذن المام‪.‬‬
‫واختلفوا فيييي أمان العبيييد وأمان المرأة‪ ،‬فالجمهور على جوازه‪،‬‬
‫وكان ابين الماجشون وسيحنون يقولن‪ :‬أمان المرأة موقوف على‬
‫إذن المام‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬ل يجوز أمان العبييد إل أن يقاتييل‪.‬‬
‫والسييبب فييي اختلفهييم معارضيية العموم للقياس‪ .‬أمييا العموم‬
‫فقوله علييه الصيلة والسيلم "المسيلمون تتكافيأ دماؤهيم ويسيعى‬
‫بذمتهيم أدناهيم وهيم ييد على مين سيواهم" فهذا يوجيب أمان العبيد‬
‫بعمومييه‪ .‬وأمييا القياس المعارض له فهييو أن المان ميين شرطييه‬
‫الكمال‪ ،‬والعبيد ناقيص بالعبوديية‪ ،‬فوجيب أن يكون للعبوديية تأثيير‬
‫فيي إسيقاطه قياسيا على تأثيرهيا فيي إسيقاط كثيير مين الحكام‬
‫الشرعييية وأن يخصييص ذلك العموم بهذا القياس‪ .‬وأمييا اختلفهييم‬
‫فيي أمان المرأة‪ ،‬فسيببه اختلفهيم فيي مفهوم قوله علييه الصيلة‬
‫والسلم "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" وقياس المرأة في ذلك‬
‫على الرجيل‪ ،‬وذلك أن مين فهيم مين قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"قيد أجرنيا مين أجرت ييا أم هانيئ" إجازة أمانهيا ل صيحته فيي‬
‫نفسيه‪ ،‬وأنيه لول إجازتيه لذلك لم يؤثير قال‪ :‬ل أمان للمرأة إل أن‬
‫يجيزه المام‪ ،‬ومين فهيم مين ذلك أن إمضاءه أمانهيا كان مين جهية‬
‫أنيه قيد انعقيد وأثير ل مين جهية أن إجازتيه هيي التيي صيححت عقده‬
‫قال‪ :‬أمان المرأة جائز‪ ،‬وكذلك ميين قاسييها على الرجييل ولم ييير‬
‫بينهما فرقا في ذلك أجاز أمانها‪ ،‬ومن رأى أنها ناقصة عن الرجل‬
‫لم يجز أمانها‪ ،‬وكيفما كان فالمان غير مؤثر في الستعباد وإنما‬
‫يؤثير فيي القتيل‪ ،‬وقيد يمكين أن ندخيل الختلف فيي هذا مين قبيل‬
‫اختلفهم في ألفاظ جموع المذكر هل تتناول النساء أم ل؟ أعني‬
‫بحسيب العرف الشرعيي‪ .‬وأميا النكايية التييي تكون فييي النفوس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فهيي القتيل ول خلف بيين المسيلمين أنيه يجوز فيي الحرب قتيل‬
‫المشركين الذكران البالغين المقاتلين‪ .‬وأما القتل بعد السر ففيه‬
‫الخلف الذي ذكرنيا‪ ،‬وكذلك ل خلف بينهيم فيي أنيه ل يجوز قتيل‬
‫صبيانهم ول قتل نسائهم ما لم تقاتل المرأة والصبي‪ ،‬فإذا قاتلت‬
‫المرأة استبيح دمها‪ ،‬وذلك لما ثبت "أنه عليه الصلة والسلم نهى‬
‫عين قتيل النسياء والولدان‪ ،‬وقال فيي امرأة مقتولة‪ :‬ميا كانيت هذه‬
‫لتقاتل"‬
‫واختلفوا فيييي أهيييل الصيييوامع المنتزعيييين عييين الناس والعميان‬
‫والزمنيى والشيوخ الذيين ل يقاتلون والمعتوه والحراث والعسييف‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬ل يقتييل العمييى ول المعتوه ول أصييحاب الصييوامع‪،‬‬
‫ويترك لهييم ميين أموالهييم بقدر مييا يعيشون بييه‪ ،‬وكذلك ل يقتييل‬
‫الشييخ الفانيي عنده‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ .‬وقال الثوري‬
‫والوزاعيييي‪ :‬ل تقتيييل الشيوخ فقيييط‪ .‬وقال الوزاعيييي‪ :‬ل تقتيييل‬
‫الحراث‪ .‬وقال الشافعي في الصح عنه تقتل جميع هذه الصناف‪.‬‬
‫والسييبب فييي اختلفهييم معارضيية بعييض الثار بخصييوصها لعموم‬
‫الكتاب‪ ،‬ولعموم قوله عليييه الصييلة والسييلم الثابييت "أمرت أن‬
‫أقاتيل الناس حتيى يقولوا ل إله الله إل الله" الحدييث‪ ،‬وذلك فيي‬
‫قوله تعالى {فإذا انسيلخ الشهير الحرم فاقتلوا المشركيين حييث‬
‫وجدتموهيم} يقتضيي قتيل كيل مشرك راهبيا كان أو غيره‪ ،‬وكذلك‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل‬
‫إله إل الله"‪ .‬وأما الثار التي وردت باستبقاء هذه الصناف؛ فمنها‬
‫ميا رواه داود بين الحصيين عين عكرمية عين ابين عباس "أن النيبي‬
‫صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال‪ :‬ل تقتلوا أصحاب‬
‫الصوامع" ومنها أيضا ما روي عن أنس بن مالك عن النبي عليه‬
‫الصييلة والسييلم قال "ل تقتلوا شيخييا فانيييا ول طفل صييغيرا ول‬
‫امرأة ول تغلوا" خرجه أبو داود‪ ،‬ومن ذلك أيضا ما رواه مالك عن‬
‫أبي بكر أنه قال‪ :‬ستجدون قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله‬
‫فدعهم وما حبسوا أنفسهم له‪ ،‬وفيه‪ :‬ول تقتلن امرأة ول صبيا ول‬
‫كبيرا هرما"‪.‬‬
‫ويشبيه أن يكون السيبب الملك فيي الختلف فيي هذه المسيألة‬
‫معارضية قوله تعالى {وقاتلوا فيي سيبيل الله الذيين يقاتلونكيم ول‬
‫تعتدوا إن الله ل يحييييب المعتدييييين} لقوله تعالى {فإذا انسييييلخ‬
‫الشهير الحرم فاقتلوا المشركيين حييث وجدتموهيم} اليية‪ .‬فمين‬
‫رأى أن هذه ناسييخة لقوله تعالى {وقاتلوا فييي سييبيل الله الذييين‬
‫يقاتلونكيم} لن القتال أول إنميا أبييح لمين يقاتيل قال‪ :‬اليية على‬
‫عمومهيا‪ ،‬ومين رأى أن قوله تعالى {وقاتلوا فيي سيبيل الله الذيين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يقاتلونكم} وهي محكمة وأنها تتناول (قوله تتناول الخ‪ :‬هكذا هذه‬
‫العبارة ولينظير التناول بعيد قوله يقاتلونكيم تأميل ا هيي مصيححه)‪.‬‬
‫هؤلء الصييناف الذييين ل يقاتلون اسييتثناها ميين عموم تلك‪ ،‬وقييد‬
‫احتييج الشافعييي بحديييث سييمرة أن رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسييلم قال "اقتلوا شيوخ المشركييين واسييتحيوا شرخهييم" وكأن‬
‫العلة الموجبية للقتيل عنده إنميا هيي الكفير‪ ،‬فوجيب أن تطرد هذه‬
‫العلة في جميع الكفار‪.‬‬
‫وأميا مين ذهيب إلى أنيه ل يقتيل الحراث‪ ،‬فإنيه احتيج فيي ذلك بميا‬
‫روي عن زيد بن وهب قال‪ :‬أتانا كتاب عمر رضي الله عنه وفيه‪:‬‬
‫ل تغلوا ول تغدروا ول تقتلوا وليدا واتقوا الله فييي الفلحييين‪ .‬وجاء‬
‫في حديث رباح بن ربيعة النهي عن قتل العسيف المشرك وذلك‬
‫"أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها‪،‬‬
‫فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة‬
‫مقتولة‪ ،‬فوقيف رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم عليهيا ثيم قال‪:‬‬
‫ميا كانيت هذه لتقاتيل‪ ،‬ثيم نظير فيي وجوه القوم فقال لحدهيم‪:‬‬
‫الحييق بخالد بيين الوليييد فل يقتلن ذرييية ول عسيييفا ول امرأة"‪.‬‬
‫والسيبب الموجيب بالجملة لختلفهيم اختلفهيم فيي العلة الموجبية‬
‫للقتيل‪ ،‬فمين زعيم أن العلة الموجبية لذلك هيي الكفير لم يسيتثن‬
‫أحدا مين المشركيين‪ ،‬ومين زعيم أن العلة فيي ذلك إطاقية القتال‬
‫للنهي عن قتل النساء مع أنهن كفار استثنى من لم يطق القتال‬
‫ومين لم ينصيب نفسيه إلييه كالفلح والعسييف‪ .‬وصيح النهيي عين‬
‫المثلة‪،‬‬
‫واتفيييق المسيييلمون على جواز قتلهيييم بالسيييلح‪ ،‬واختلفوا فيييي‬
‫تحريقهيم بالنار‪ ،‬فكره قوم تحريقهيم بالنار ورميهيم بهيا وهيو قول‬
‫عمر‪ .‬ويروى عن مالك‪ ،‬وأجاز ذلك سفيان الثوري‪ ،‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫إن ابتدأ العدو بذلك جاز وإل فل‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم معارضية‬
‫العموم للخصييوص‪ .‬أمييا قوله تعالى {فاقتلوا المشركييين حيييث‬
‫وجدتموهم} ولم يستثن قتل من قتل‪ .‬وأما الخصوص فما ثبت أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في رجل "إن قدرتم عليه‬
‫فاقتلوه ول تحرقوه بالنار فإنيه ل يعذب بالنار إل رب النار" واتفيق‬
‫عوام الفقهاء على جواز رمي الحصون بالمجانيق سواء كان فيها‬
‫نسياء وذريية أو لم يكين لميا جاء "أن النيبي علييه الصيلة والسيلم‬
‫نصييب المنجنيييق على أهييل الطائف"؛ وأمييا إذا كان الحصيين فيييه‬
‫أسيارى مين المسيلمين وأطفال مين المسيلمين‪ ،‬فقالت طائفية‪:‬‬
‫يكيف عين رميهيم بالمنجنييق وبيه قال الوزاعيي‪ .‬وقال اللييث‪ :‬ذلك‬
‫جائز ومعتمييد ميين لم يجزه قوله تعالى {لو تزيلوا لعذبنييا الذييين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كفروا منهم عذابا أليما} الية‪ .‬وأما من أجاز ذلك فكأنه نظر إلى‬
‫المصييلحة‪ ،‬فهذا هييو مقدار النكاييية التييي يجوز أن تبلغ بهييم فييي‬
‫نفوسيهم ورقابهيم‪ .‬وأميا النكايية التيي تجوز فيي أموالهيم وذلك فيي‬
‫المبانييي والحيوان والنبات فإنهييم اختلفوا فييي ذلك‪ ،‬فأجاز مالك‬
‫قطيع الشجير والثمار وتخرييب العامير‪ ،‬ولم يجيز قتيل المواشيي ول‬
‫تحريييق النخييل‪ ،‬وكره الوزاعييي قطييع الشجيير المثميير وتخريييب‬
‫العاميير كنيسيية كان أو غييير ذلك‪ ،‬وقال الشافعييي‪ :‬تحرق البيوت‬
‫والشجر إذا كانت لهم معاقل‪ ،‬وكره تخريب البيوت وقطع الشجر‬
‫إذا لم يكن لهم معاقل‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم مخالفة فعل أبي بكر في ذلك لفعله عليه‬
‫الصيلة والسيلم‪ ،‬وذلك أنيه ثبيت "أنيه علييه الصيلة والسيلم حرق‬
‫نخل بني النضير" وثبت عن أبي بكر أنه قال‪ :‬ل تقطعن شجرا ول‬
‫تخربين عامرا‪ ،‬فمين ظين أن فعيل أبيي بكير هذا إنميا كان لمكان‬
‫علميه بنسيخ ذلك الفعيل منيه صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬إذ ل يجوز‬
‫على أبييي بكيير أن يخالفييه مييع علمييه بفعله‪ ،‬أو رأى أن ذلك كان‬
‫خاصيا ببنيي النضيير لغزوهيم قال بقول أبيي بكير‪ ،‬ومين اعتميد فعله‬
‫علييه الصيلة والسيلم ولم يير قول أحيد ول فعله حجية علييه قال‪:‬‬
‫بتحرييق الشجير‪ .‬وإنميا فرق مالك بيين الحيوان والشجير لن قتيل‬
‫الحيوان مثلة وقييد نهييى عيين المثلة‪ ،‬ولم يأت عنييه عليييه الصييلة‬
‫والسلم أنه قتل حيوانا‪ ،‬فهذا هو معرفة النكاية التي يجوز أن تبلغ‬
‫من الكفار في نفوسهم وأموالهم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في شرط الحرب‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا شرط الحرب فهيو بلوغ الدعوة باتفاق‪ ،‬أعنيي أنيه ل يجوز‬
‫حرابتهيم حتيى يكونوا قيد بلغتهيم الدعوة‪ ،‬وذلك شييء مجميع علييه‬
‫من المسلمين لقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسول}‬
‫وأما هل يجب تكرار الدعوة عند تكرار الحرب فإنهم اختلفوا في‬
‫ذلك‪ ،‬فمنهم من أوجبها‪ ،‬ومنهم من استحبها ومنهم من لم يوجبها‬
‫ول اسيتحبها‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم معارضية القول للفعيل‪ ،‬وذلك‬
‫"أنييه ثبييت عنييه عليييه الصييلة والسييلم كان إذا بعييث سييرية قال‬
‫لميرها‪ :‬إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلث خصال‬
‫أو خلل فأيتهين ميا أجابوك إليهيا فاقبيل منهيم وكيف عنهيم‪ ،‬ادعهيم‬
‫إلى السيلم فإن أجابوك فاقبيل منهيم وكف عن هم‪ ،‬ثيم ادعهيم إلى‬
‫التحول ميين دراهييم إلى دار المهاجرييين وأعلمهييم أنهييم إن فعلوا‬
‫ذلك أن لهيم ميا للمهاجريين وأن عليهيم ميا على المهاجريين‪ ،‬فإن‬
‫أبوا واختاروا دارهييم فأعلمهييم أنهييم يكونون كأعراب المسييلمين‬
‫يجري عليهيم حكيم الله الذي يجري على المؤمنيين‪ ،‬ول يكون لهيم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في الفيء والغنيمة نصيب إل أن يجاهدوا مع المسلمين‪ ،‬فإن هم‬


‫أبوا فادعهييم إلى إعطاء الجزييية‪ ،‬فإن أجابوا فاقبييل منهييم وكييف‬
‫عنهييم‪ ،‬فإن أبييو فاسييتعن بالله وقاتلهييم" وثبييت ميين فعله عليييه‬
‫الصيلة والسيلم أنيه كان ييبيت للعدو ويغيير عليهيم ميع الغدوات‪،‬‬
‫فمن الناس وهم الجمهور من ذهب إلى أن فعله ناسخ لقوله وأن‬
‫ذلك إنمييا كان فييي أول السييلم قبييل أن تنتشيير الدعوة بدليييل‬
‫دعوتهم فيه إلى الهجرة‪ ،‬ومن الناس من رجح القول على الفعل‪،‬‬
‫وذلك بأن حمل الفعل على الخصوص‪ ،‬ومن استحسن الدعاء فهو‬
‫وجه من الجمع‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس في معرفة العدد الذين ل يجوز الفرار عنهم‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا معرفية العدد الذيين ل يجوز الفرار عنهيم فهيم الضعيف‪،‬‬
‫وذلك مجمييع عليييه لقوله تعالى {الن خفييف الله عنكييم وعلم أن‬
‫فيكيم ضعفيا} اليية‪ .‬وذهيب ابين الماجشون ورواه عين مالك أن‬
‫الضعييف إنمييا يعتييبر فييي القوة ل فييي العدد‪ ،‬وأنييه يجوز أن يفيير‬
‫الواحيد عين الواحيد إذا كان أعتيق جوادا منيه وأجود سيلحا وأشيد‬
‫قوة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس في جواز المهادنة‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا هيل تجوز المهادنية؟ فإن قوميا أجازوهيا ابتداء مين غيير‬
‫سيبب إذا رأى ذلك المام مصيلحة للمسيلمين‪ ،‬وقوم لم يجيزوهيا‬
‫إل لمكان الضرورة الداعية لهل السلم من فتنة أو غير ذلك إما‬
‫بشييء يأخذونيه منهيم ل على حكيم الجزيية إذ كانيت الجزيية إنميا‬
‫شرطها أن تؤخذ منهم وهم بحيث تنفذ عليهم أحكام المسلمين‪،‬‬
‫وإمييا بل شيييء يأخذونييه منهييم‪ ،‬وكان الوزاعييي يجيييز أن يصييالح‬
‫المام الكفار على شييء يدفعيه المسيلمون إلى الكفار إذا دعيت‬
‫إلى ذلك ضرورة فتنييييية أو غيييييير ذلك مييييين الضرورات‪ .‬وقال‬
‫الشافعيييي‪ :‬ل يعطيييي المسيييلمون الكفار شيئا إل أن يخافوا أن‬
‫يصييطلموا لكثرة العدو وقلتهييم أو لمحنيية نزلت بهييم‪ ،‬ومميين قال‬
‫بإجازة الصييلح إذا رأى المام ذلك مصييلحة مالك والشافعييي وأبييو‬
‫حنيفة‪ ،‬إل أن الشافعي ل يجوز عنده الصلح لكثر من المدة التي‬
‫صييالح عليهييا رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم الكفار عام‬
‫الحديبييية‪ .‬وسييبب اختلفهييم فييي جواز الصييلح ميين غييير ضرورة‬
‫معارضيية ظاهيير قوله تعالى {فإذا انسييلخ الشهيير الحرم فاقتلوا‬
‫المشركيييين حييييث وجدتموهيييم} وقوله تعالى {قاتلوا الذيييين ل‬
‫يؤمنون بالله ول باليوم الخيير} لقوله تعالى {وإن جنحوا للسييلم‬
‫فاجنيح لهيا وتوكيل على الله} فمين رأى أن آيية المير بالقتال حتيى‬
‫يسيلموا أو يعطوا الجزيية ناسيخة ليية الصيلح قال‪ :‬ل يجوز الصيلح‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إل ميين ضرورة‪ ،‬وميين رأى أن آييية الصييلح مخصييصة لتلك قال‪:‬‬
‫الصييلح جائز إذا رأى ذلك المام وعضييد تأويله بفعله ذلك صييلى‬
‫الله عليييه وسييلم‪ ،‬وذلك أن صييلحه صييلى الله عليييه وسييلم عام‬
‫الحديبييية لم يكيين لموضييع الضرورة‪ .‬وأمييا الشافعييي فلمييا كان‬
‫الصيل عنده المير بالقتال حتيى يسيلموا أو يعطوا الجزيية‪ ،‬وكان‬
‫هذا مخصصا عنده بفعله عليه الصلة والسلم عام الحديبية لم ير‬
‫أن يزاد على المدة التيي صيالح عليهيا رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم‪ ،‬وقيد اختلف فيي هذه المدة‪ ،‬فقيل كانيت أربع سينين وقييل‬
‫ثلثيا‪ ،‬وقييل عشير سينين‪ ،‬وبذلك قال الشافعيي‪ .‬وأميا مين أجاز أن‬
‫يصيالح المسيلمون المشركيين بأن يعطوا لهيم المسيلمون شيئا إذا‬
‫دعيت إلى ذلك ضرورة فتنية أو غيرهيا فمصييرا إلى ميا روي "أنيه‬
‫كان علييه الصيلة والسيلم قيد هيم أن يعطيي بعيض ثمير المدينية‬
‫لبعض الكفار الذين كانوا في جملة الحزاب لتخبيبهم‪ ،‬فلم يوافقه‬
‫على القدر الذي كان سيمح له بيه مين ثمير المدينية حتيى أفاء الله‬
‫بنصيييره"‪ .‬وأميييا مييين لم يجيييز ذلك إل أن يخاف المسيييلمون أن‬
‫يصييييطلموا فقياسييييا على إجماعهييييم على جواز فداء أسييييارى‬
‫المسيلمين‪ ،‬لن المسيلمين إذا صياروا فيي هذا الحيد فهيم بمنزلة‬
‫السارى‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السابع لماذا يحاربون؟‬
‫@‪-‬فأمييا لماذا يحاربون؟ فاتفييق المسييلمون على أن المقصييود‬
‫بالمحاربية لهيل الكتاب ميا عدا أهيل الكتاب مين قرييش ونصيارى‬
‫العرب هييو أحييد أمرييين‪ :‬إمييا الدخول فييي السييلم‪ ،‬وإمييا إعطاء‬
‫الجزية لقوله تعالى {قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر‬
‫ول يحرمون ما حرم الله ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين‬
‫أوتوا الكتاب حتيى يعطوا الجزيية عين ييد وهيم صياغرون} وكذلك‬
‫اتفييق عاميية الفقهاء على أخذهييا ميين المجوس لقوله صييلى الله‬
‫علييه وسيلم "سينوا بهيم سينة أهيل الكتاب" واختلفوا فيميا سيوى‬
‫أهيل الكتاب مين المشركيين هيل تقبيل منهيم الجزيية أم ل؟ فقال‬
‫قوم‪ :‬تؤخيذ الجزيية من كيل مشرك‪ ،‬وبيه قال مالك‪ .‬وقوم اسيتثنوا‬
‫ميين ذلك مشركييي العرب‪ .‬وقال الشافعييي وأبييو ثور وجماعيية‪ :‬ل‬
‫تؤخييذ إل ميين أهييل الكتاب والمجوس‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم‬
‫معارضية العموم للخصيوص‪ .‬أميا العموم فقوله تعالى {وقاتلوهيم‬
‫حتييى ل تكون فتنيية ويكون الدييين كله لله} وقوله عليييه الصييلة‬
‫والسييلم "أمرت أن أقاتييل الناس حتييى يقولوا ل إله إل الله فإذا‬
‫قالوهيا عصيموا منيي دماءهيم وأموالهيم إل بحقهيا وحسيابهم على‬
‫الله" وأميا الخصيوص فقوله لمراء السيرايا الذيين كان يبعثهيم إلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مشركييي العرب‪ ،‬ومعلوم أنهييم كانوا ميين غييير أهييل كتاب "فإذا‬
‫لقييت عدوك فادعهيم إلى ثلث خصيال‪ ،‬فذكير الجزيية فيهيا" وقيد‬
‫تقدم الحدييث‪ .‬فمين رأى أن العموم إذا تأخير عين الخصيوص فهيو‬
‫ناسخ له قال‪ :‬ل تقبل الجزية من مشرك ما عدا أهل الكتاب لن‬
‫اليية المرة بقتالهيم على العموم هيي متأخرة عين ذلك الحدييث‬
‫وذلك أن المير بقتال المشركيين عامية هيو فيي سيورة براءة‪ ،‬ذلك‬
‫عام الفتيح‪ ،‬وذلك الحدييث إنميا هيو قبيل الفتيح بدلييل دعائهيم فييه‬
‫للهجرة‪ ،‬ومين رأى أن العموم يبنيي على الخصيوص تقدم أو تأخير‬
‫أو جهييل التقدم والتأخيير بينهمييا قال‪ :‬تقبييل الجزييية ميين جميييع‬
‫المشركين وأما تخصيص أهل الكتاب من سائر المشركين فخرج‬
‫ميين ذلك العموم باتفاق بخصييوص قوله تعالى {ميين الذييين أوتوا‬
‫الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} وسيأتي القول‬
‫في الجزية وأحكامها في الجملة الثانية من هذا الكتاب‪ ،‬فهذه هي‬
‫أركان الحرب‪ .‬ومميا يتعلق بهذه الجملة مين المسيائل المشهورة‪:‬‬
‫النهييي عيين السييفر بالقرآن إلى أرض العدو‪ ،‬وعاميية الفقهاء على‬
‫أن ذلك غييير جائز لثبوت ذلك عيين رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسلم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز ذلك إذا كان في العساكر المأمونة‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم هل النهي عام أريد به العام أو عام أريد به‬
‫الخاص‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثانيية) والقول المحييط بأصيول هذه الجملة ينحصير‬
‫أيضيا فيي سيبعة فصيول‪ :‬الول‪ :‬فيي حكيم الخميس‪ .‬الثانيي‪ :‬فيي‬
‫حكم الربعة الخماس‪ .‬الثالث‪ :‬في حكم النفال‪ .‬الرابع‪ :‬في حكم‬
‫ميا وجيد مين أموال المسيلمين عنيد الكفار‪ .‬الخاميس‪ :‬فيي حكيم‬
‫الرضيين‪ .‬السيادس‪ :‬فيي حكيم الفييء‪ .‬السيابع‪ :‬فيي أحكام الجزيية‬
‫والمال الي يؤخذ منهم على طريق الصلح‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في حكم خمس الغنيمة‪.‬‬
‫@‪-‬واتفق المسلمون على أن الغنيمة التي تؤخذ قسرا من أيدي‬
‫الروم ميا عدا الرضيين أن خمسيها للمام وأربعية أخماسيها للذيين‬
‫غنموهييا لقوله تعالى {واعلموا أنمييا غنمتييم ميين شيييء فأن لله‬
‫خمسه وللرسول} الية‪ .‬واختلفوا في الخمس على أربعة مذاهب‬
‫مشهورة‪ :‬أحدها أن الخمس يقسم على خمسة أقسام على نص‬
‫اليية‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‪ .‬والقول الثانيي أنيه يقسيم على أربعية‬
‫أخماس‪ ،‬وأن قوله تعالى {فأن لله خمسيييييه} هيييييو افتتاح كلم‬
‫ولييس هيو قسيما خامسيا‪ .‬والقول الثالث أنيه يقسيم اليوم ثلثية‬
‫أقسيام‪ ،‬وأن سيهم النيبي وذي القربيى سيقطا بموت النيبي صيلى‬
‫الله علييه وسيلم‪ .‬والقول الرابيع أن الخميس بمنزلة الفييء يعطيى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫منيه الغنيي والفقيير‪ ،‬وهيو قول مالك وعامية الفقهاء‪ .‬والذيين قالوا‬
‫يقسيم أربعية أخماس أو خمسية اختلفوا فيميا يفعيل بسيهم رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم وسيهم القرابية بعيد موتيه‪ .‬فقال قوم‪:‬‬
‫يرد على سيائر الصيناف الذيين لهيم الخميس‪ .‬وقال قوم‪ :‬بيل يرد‬
‫على باقيي الجييش‪ .‬وقال قوم‪ :‬بيل سيهم رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم للمام‪ ،‬وسهم ذوي القربى لقرابة المام‪ .‬وقال قوم‪:‬‬
‫بيل يجعلن فيي السيلح والعدة‪ .‬واختلفوا فيي القرابية مين هيم؟‬
‫فقال قوم‪ :‬بنيو هاشييم فقييط‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بنيو عبييد المطلب وبنيو‬
‫هاشيم‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي هيل الخميس يقصير على الصيناف‬
‫المذكوريين أم يعدي لغيرهيم هيو هيل ذكير تلك الصيناف فيي اليية‬
‫المقصود منها تعيين الخمس لهم أم قصد التنبيه بهم على غيرهم‬
‫فيكون ذلك من باب الخاص أريد به العام؟ فمن رأى أنه من باب‬
‫الخاص أريييد بييه الخاص قال‪ :‬ل يتعدى بالخمييس تلك الصييناف‬
‫المنصيوص عليهيا وهيو الذي علييه الجمهور‪ ،‬ومين رأى أنيه مين باب‬
‫الخاص أرييييد بيييه العام قال يجوز للمام أن يصيييرفها فيميييا يراه‬
‫صلحا للمسلمين‪ ،‬واحتج من رأى أن سهم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم للمام بعده بما روي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "إذا‬
‫أطعيم الله نبييا طعمية فهيو للخليفية بعده" وأميا مين صيرفه على‬
‫الصييناف الباقييين أو على الغانمييين فتشبيهييا بالصيينف المحبييس‬
‫عليهم‪ .‬وأما من قال القرابة هم بنو هاشم وبنو عبد المطلب فإنه‬
‫احتيج بحدييث جيبير بين مطعيم قال "قسيم رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم سيهم ذوي القربيى لبنيي هاشيم وبنيي المطلب مين‬
‫الخميس" قال‪ :‬وإنميا بنيو هاشيم وبنيو المطلب صينف واحيد‪ ،‬ومين‬
‫قال بنيو هاشيم صينف فلنهيم الذيين ل يحيل لهيم الصيدقة‪ .‬واختلف‬
‫العلماء في سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس؛ فقال‬
‫قوم‪ :‬الخمس فقط‪ ،‬ول خلف عندهم في وجوب الخمس له غاب‬
‫عين القسيمة أو حضرهيا‪ .‬وقال قوم‪ :‬بيل الخميس والصيفي وهيو‬
‫سيهم مشهور له صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬وهيو شييء كان يصيطفيه‬
‫من رأس الغنيمة فرس أو أمة أو عبد‪ .‬وروي أن صفية كانت من‬
‫الصيفي‪ .‬وأجمعوا على أن الصيفي ليس لحيد من بعيد رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم إل أبيا ثور فإنيه قال‪ :‬يجري مجرى سيهم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في حكم الربعة الخماس‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمع جمهور العلماء على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين‬
‫إذا خرجوا بإذن المام‪ .‬واختلفوا فييي الخارجييين بغييير إذن المام‬
‫وفيمين يجيب له سيهمه مين الغنيمية ومتيى يجيب وكيم يجيب وفيميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يجوز له ميين الغنيميية قبييل القسييم؟ فالجمهور على أن أربعيية‬


‫أخماس الغنيميية للذييين غنموهييا خرجوا بإذن المام أو بغييير ذلك‬
‫لعموم قوله تعالى {واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء} اليية‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬إذا خرجت السرية أو الرجل الواحد بغير إذن المام فكل ما‬
‫سيييياق نفييييل يأخذه المام‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بيييل يأخذه كله الغانييييم‪.‬‬
‫فالجمهور تمسييكوا بظاهيير الييية‪ ،‬وهؤلء كأنهييم اعتمدوا صييورة‬
‫الفعل الواقع في ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وذلك أن جمييع السيرايا إنميا كانيت تخرج عين إذنيه علييه الصيلة‬
‫والسيلم‪ ،‬فكأنهيم رأوا أن إذن المام شرط فيي ذلك وهيو ضعييف‪.‬‬
‫وأمييا ميين له السييهم ميين الغنيميية؟ فإنهييم اتفقوا على الذكران‬
‫الحرار البالغين‪ ،‬واختلفوا في أضدادهم‪ :‬أعني في النساء والعبيد‬
‫ومن لم يبلغ من الرجال ممن قارب البلوغ فقال قوم ليس للعبيد‬
‫ول للنسياء حيظ مين الغنيمية ولكين يرضيخ لهيم‪ ،‬وبيه قال مالك‪،‬‬
‫وقال قوم‪ :‬ل يرضيخ لهيم ول لهيم حيظ الغانميين‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بيل‬
‫لهيم حيظ واحيد مين الغانميين‪ ،‬وهيو قول الوزاعيي‪ .‬وكذلك اختلفوا‬
‫فييي الصييبي المراهييق‪ ،‬فمنهييم ميين قال‪ :‬يقسييم له وهييو مذهييب‬
‫الشافعييي‪ ،‬ومنهييم ميين اشترط فييي ذلك أن يطيييق القتال‪ ،‬وهييو‬
‫مذهييب مالك‪ ،‬ومنييه ميين قال‪ :‬يرضييخ له‪ .‬وسييبب اختلفهييم فييي‬
‫العبيييد هييو هييل عموم الخطاب يتناول الحرار والعبيييد معييا أم‬
‫الحرار فقيط دون العبييد؟ وأيضيا فعميل الصيحابة معارض لعموم‬
‫اليية‪ ،‬وذلك أنيه انتشير فيهيم رضيي الله عنهيم أن الغلمان ل سيهم‬
‫لهم‪ ،‬وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس‪ ،‬ذكره ابن أبي‬
‫شبيية مين طرق عنهميا‪ ،‬قال أبيو عمير بين عبيد البر‪ :‬أصيح ميا روي‬
‫مين ذلك عين عمير ميا رواه سيفيان بين عيينية عين عمرو بين دينار‬
‫عين ابين شهاب عين مالك بين أوس بين الحدثان قال‪ :‬قال عمير‪:‬‬
‫لييس أحيد إل وله فيي هذا المال حيق إل ميا ملكيت أيمانكيم‪ ،‬وإنميا‬
‫صييار الجمهور إلى أن المرأة ل يقسييم لهييا ويرضييخ بحديييث أم‬
‫عطيية الثابيت قالت‪" :‬كنيا نغزو ميع رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسييلم فنداوي الجرحييى ونمرض المرضييى وكان يرضييخ لنييا ميين‬
‫الغنيمة"‪ .‬وسبب اختلفهم هو اختلفهم في تشبيه المرأة بالرجل‬
‫فيي كونهيا إذا غزت لهيا تأثيير فيي الحرب أم ل؟ فإنهيم اتفقوا على‬
‫أن النسيياء مباح لهيين الغزو‪ ،‬فميين شبههيين بالرجال أوجييب لهيين‬
‫نصيييبا فييي الغنيميية‪ ،‬وميين رآهيين ناقصييات عيين الرجال فييي هذا‬
‫المعنييى إمييا لم يوجييب لهيين شيئا وإمييا أوجييب لهيين دون حييظ‬
‫الغانميين وهيو الرضاخ‪ ،‬والولى اتباع الثير‪ ،‬وزعيم الوزاعيي "أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أسيهم للنسياء بخييبر" وكذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلفوا فيي التجار والجراء هيل يسيهم لهيم أم ل؟ فقال مالك‪ :‬ل‬
‫يسهم لهم إل أن يقاتلوا‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بل يسهم إذا شهدوا القتال‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم هييو تخصيييص عموم قوله تعالى {واعلموا أنمييا‬
‫غنمتيم مين شييء فأن لله خمسيه} بالقياس الذي يوجيب الفرق‬
‫بيين هؤلء وسيائر الغانميين‪ ،‬وذلك أن مين رأى أن التجار والجراء‬
‫حكمهييم حكييم خلف سييائر المجاهدييين لنهييم لم يقصييدوا القتال‬
‫وإنميا قصيدوا إميا التجارة وإميا الجارة اسيتثناهم مين ذلك العموم‪.‬‬
‫ومييين رأى أن العموم أقوى مييين هذا القياس أجرى العموم على‬
‫ظاهره‪ ،‬ومين حجية مين اسيتثناهم ميا خرجيه عبيد الرزاق أن عبيد‬
‫الرحميين بيين عوف قال لرجييل ميين فقراء المهاجرييين أن يخرج‬
‫معهم‪ ،‬فقال نعم فوعده‪ ،‬فلما حضر الخروج دعاه فأبى أن يخرج‬
‫معه واعتذر له بأمر عياله وأهله‪ ،‬فأعطاه عبد الرحمن ثلثة دنانير‬
‫على أن يخرج معيه‪ ،‬فلميا هزموا العدو سيأل الرجيل عبيد الرحمين‬
‫نصييبه مين المغنيم فقال عبيد الرحمين‪ :‬سيأذكر أمرك لرسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم‪ ،‬فذكره له‪ ،‬فقال رسييول الله صييلى الله‬
‫علييه وسيلم "تلك الثلثية دنانيير حظيه ونصييبه مين غزوه فيي أمير‬
‫دنياه وآخرته" وخرج مثله أبو داود عن يعلى بن منبه ومن أجاز له‬
‫القسيم شبهيه بالجعائل أيضيا وهيو أن يعيين أهيل الديوان بعضهيم‬
‫بعضا‪ ،‬أعني أن يعين القاعد منهم الغازي‪ .‬وقد اختلف العلماء في‬
‫الجعائل‪ ،‬فأجازهييا مالك ومنعهييا غيره‪ ،‬ومنهييم ميين أجاز ذلك ميين‬
‫السيييلطان فقيييط أو إذا كانيييت ضرورة‪ ،‬وبيييه قال أبيييو حنيفييية‬
‫والشافعييي‪ .‬وأمييا الشرط الذي يجييب بييه للمجاهييد السييهم ميين‬
‫الغنيمة‪ ،‬فإن الكثر على أنه إذا شهد القتال وجب له السهم وإن‬
‫لم يقاتيل‪ ،‬وأنيه إذا جاء بعيد القتال فلييس له سيهم فيي الغنيمية‪،‬‬
‫وبهذا قال الجمهور‪ .‬وقال قوم‪ :‬إذا لحقهيييم قبيييل أن يخرجوا إلى‬
‫دار السيلم وجيب له حظيه مين الغنيمية إن اشتغيل فيي شييء مين‬
‫أسيبابها‪ ،‬وهيو قول أبيي حنيفية‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم سيببان‪:‬‬
‫القياس والثر‪ .‬أما القياس فهو هل يلحق تأثير الغازي في الحفظ‬
‫بتأثيره فيي الخيذ؟ وذلك أن الذي شهيد القتال له تأثيير فيي الخيذ‪:‬‬
‫أعنيي فيي أخيذ الغنيمية وبذلك استحق السهم‪ ،‬والذي جاء قبيل أن‬
‫يصيلوا إلى بلد المسيلمين له تأثيير فيي الحفيظ‪ ،‬فمين شبيه التأثيير‬
‫في الحفظ بالتأثير في الخذ قال‪ :‬يجب له السهم وإن لم يحضر‬
‫القتال‪ ،‬ومن رأى أن الحفظ أضعف لم يوجب له‪.‬‬
‫وأما الثر فإن في ذلك أثرين متعارضين‪ :‬أحدهما ما روي عن أبي‬
‫هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد‬
‫على سرية من المدينة قبل نجد‪ ،‬فقدم أبان وأصحابه على النبي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما فتحوها فقال أبان‪ :‬اقسم لنا‬
‫ييا رسيول الله‪ ،‬فلم يقسيم له رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫من ها" والثير الثانيي ما روي أن رسيول الله صيلى الله عليه وسيلم‬
‫قال يوم بدر "إن عثمان انطلق فييي حاجيية الله وحاجيية رسييوله‪،‬‬
‫فضرب له رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم بسيهم ولم يضرب‬
‫لحيد غاب عنهيا" قالوا‪ :‬فوجيب له السيهم لن اشتغاله كان بسيبب‬
‫المام‪ .‬قال أبيو بكير بين المنذر‪ :‬وثبيت أن عمير بين الخطاب رضيي‬
‫الله عنه قال‪ :‬الغنيمة لمن شهد الوقيعة‪ .‬وأما السرايا التي تخرج‬
‫مين العسياكر فتغنيم‪ ،‬فالجمهور على أن أهيل العسيكر يشاركونهيم‬
‫فيمييا غنموا وإن لم يشهدوا الغنيميية ول القتال‪ ،‬وذلك لقوله عليييه‬
‫الصيلة والسيلم "وترد سيراياهم على قعدتهيم" خرجيه أبيو داود‪،‬‬
‫ولن لهيم تأثيير أيضيا فيي أخيذ الغنيمية‪ .‬وقال الحسين البصيري‪ :‬إذا‬
‫خرجيت السيرية بإذن المام مين عسيكره خمسيها وميا بقيي فلهيل‬
‫السيرية‪ ،‬وإن خرجوا بغيير إذنيه خمسيها‪ ،‬وكان ميا بقيي بيين أهيل‬
‫الجييش كله‪ .‬وقال النخعيي‪ :‬المام بالخيار إن شاء خميس ميا ترد‬
‫السيرية وإن شاء نفله كله‪ .‬والسيبب أيضيا فيي هذا الختلف هيو‬
‫تشبيه تأثير العسكر في غنيمة السرية بتأثير من حضر القتال بها‬
‫وهم أهل السرية‪ ،‬فإذن الغنيمة إنما تجب عند الجمهور للمجاهد‬
‫بأحييد شرطييين‪ :‬إمييا أن يكون مميين حضيير القتال‪ ،‬وإمييا أن يكون‬
‫ردءا لمن حضر القتال‪ ،‬وأما كم يجب للمقاتل فإنهم اختلفوا في‬
‫الفارس‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬للفارس ثلثية أسيهم‪ :‬سيهم له‪ ،‬وسيهمان‬
‫لفرسيه‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬للفارس سيهمان‪ :‬سيهم لفرسيه‪ ،‬وسيهم‬
‫له‪.‬‬
‫والسييبب فييي اختلفهييم اختلف الثار ومعارضيية القياس للثيير‪،‬‬
‫وذلك أن أبيا داود خرج عين ابين عمير "أن النيبي صيلى الله علييه‬
‫وسيلم أسيهم لرجيل وفرسيه ثلثية أسيهم‪ :‬سيهمان للفرس‪ ،‬وسيهم‬
‫لراكبه" وخرج أيضا عن مجمع بن حارثة النصاري مثل قول أبي‬
‫حنيفية‪ .‬وأميا القياس المعارض لظاهير حدييث ابين عمير فهيو أن‬
‫يكون سهم الفرس أكبر من سهم النسان‪ ،‬هذا الذي اعتمده أبو‬
‫حنيفيية فييي ترجيييح الحديييث الموافييق لهذا القياس على الحديييث‬
‫المخالف له‪ ،‬وهذا القياس ليييس بشيييء‪ ،‬لن سييهم الفرس إنمييا‬
‫اسيتحقه النسيان الذي هيو الفارس بالفرس وغيير بعييد أن يكون‬
‫تأثيير الفارس بالفرس فيي الحرب ثلثية أضعاف تأثيير الراجيل بيل‬
‫لعله واجيب ميع أن حدييث ابين عمير أثبيت‪ .‬وأميا ميا يجوز للمجاهيد‬
‫أن يأخييذ ميين الغنيميية قبييل القسييم فإن المسييلمون اتفقوا على‬
‫تحرييم الغول لميا ثبيت فيي ذلك عين رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسلم مثل قوله عليه الصلة والسلم "أد الخائط والمخيط‪ ،‬فإن‬
‫الغلول عار وشنار على أهله يوم القيامية" إلى غيير ذلك مين الثار‬
‫الواردة في هذا الباب‪ .‬واختلفوا في إباحة الطعام للغزاة ما داموا‬
‫فييي أرض الغزو فأباح ذلك الجمهور‪ ،‬ومنييع ميين ذلك قوم وهييو‬
‫مذهيب ابين شهاب‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم معارضية الثار التيي‬
‫جاءت في تحريم الغلول للثار الواردة في إباحة أكل الطعام من‬
‫حديث ابن عمر وابن المغفل وحديث ابن أبي أوفى‪ ،‬فمن خصص‬
‫أحادييث تحرييم الغلول بهذه أجاز أكيل الطعام للغزاة‪ ،‬ومين رجيح‬
‫أحادييث تحرييم الغلول على هذا لم يجيز ذلك‪ ،‬وحدييث ابين مغفيل‬
‫هييو قال‪" :‬أصييبت جراب شحييم يوم خيييبر‪ ،‬فقلت ل أعطييي منييه‬
‫شيئا‪ ،‬فالتفييت فإذا رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم يبتسييم"‬
‫خرجيه البخاري ومسيلم‪ .‬وحدييث ابين أبيي أوفيى قال "كنيا نصييب‬
‫فييي مغازينييا العسييل والعنييب فنأكله ول ندفعييه" خرجييه أيضييا‬
‫البخاري‪ .‬واختلفوا فييييي عقوبيييية الغال‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يحرق رحله‪،‬‬
‫وقال بعضهيييم‪ :‬لييييس له عقاب إل التعزيييير‪ .‬وسيييبب اختلفهيييم‬
‫اختلفهم في تصحيح حديث صالح بن محمد بن زائدة عن سالم‬
‫عيين ابيين عميير أنييه قال‪ :‬قال عليييه الصييلة والسييلم "ميين غييل‬
‫فأحرقوا متاعه"‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في حكم النفال‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا تنفييل المام مين الغنيمية لمين شاء‪ ،‬أعنيي أن يزيده على‬
‫نصيبه‪ ،‬فإن العلماء اتفقوا على جواز ذلك‪ ،‬واختلفوا من أي شيء‬
‫يكون النفل وفي مقداره وهل يجوز الوعد به قبل الحرب؟ وهل‬
‫يجيب السيلب للقاتيل أم لييس يجيب إل أن ينفله له المام؟ فهذه‬
‫أربع مسائل هي قواعد هذا الفصل‪.‬‬
‫@‪(-‬أميييا المسيييألة الولى) فإن قوميييا قالوا‪ :‬النفيييل يكون مييين‬
‫الخمس الواجب لبيت مال المسلمين‪ ،‬وبه قال مالك‪ :‬وقال قوم‪:‬‬
‫بيل النفيل إنميا يكون مين خميس الخميس وهيو حيظ المام فقيط‪،‬‬
‫وهييو الذي اختاره الشافعييي‪ .‬وقال قوم‪ :‬بييل النفييل ميين جملة‬
‫الغنيمية‪ ،‬وبيه قال أحميد وأبيو عيبيدة‪ ،‬ومين هؤلء مين أجاز تنفييل‬
‫جميع الغنيمة‪ .‬والسبب في اختلفهم هو هل بين اليتين الواردتين‬
‫فييي المغانييم تعارض أم همييا على التخيييير؟ أعنييي قوله تعالى‬
‫{واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء} اليية‪ ،‬وقوله تعالى {يسيألونك‬
‫عن النفال} الية‪ .‬فمن رأى أن قوله تعالى {واعلموا أنما غنمتم‬
‫مين شييء فأن لله خمسيه} ناسيخا لقوله تعالى {يسيألونك عين‬
‫النفال} قال‪ :‬ل نفل إل من الخمس أو من خمس الخمس‪ .‬ومن‬
‫رأى أن اليتيين ل معارضية بينهميا وأنهميا على التخييير‪ ،‬أعنيي أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫للمام أن ينفييل ميين رأس الغنيميية ميين شاء‪ ،‬وله أل ينفييل بأن‬
‫يعطيى جمييع أرباع الغنيمية للغانميين قال بجواز النفيل مين رأس‬
‫الغنيمية‪ .‬ولختلفهيم أيضيا سيبب آخير وهيو اختلف الثار فيي هذا‬
‫الباب‪ ،‬وفيي ذلك أثران‪ :‬أحدهميا ميا روى مالك عين ابين عمير "أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم بعيث سيرية فيهيا عبيد الله ابين‬
‫عمر قبل نجد فغنموا إبل كثيرة‪ ،‬فكان سهمانهم اثني عشر بعيرا‬
‫ونفلوا بعيرا بعيرا" وهذا يدل على أن النفل كان بعد القسمة من‬
‫الخميس‪ .‬والثانيي حدييث حيبيب بين مسيلمة "أن رسيول الله صيلى‬
‫الله علييه وسيلم كان ينفيل الربيع مين السيرايا بعيد الخميس فيي‬
‫البداءة وينفلهيم الثلث بعيد الخميس فيي الرجعية" يعنيي فيي بداءة‬
‫غزوه عليه الصلة والسلم وفي انصرافه‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) وهيي ميا مقدار ميا للمام أن ينفيل مين‬
‫ذلك؟ عنيد الذيين أجازوا النفيل مين رأس الغنيمية فإن قوميا قالوا‪:‬‬
‫ل يجوز أن ينفيل أكثير مين الثلث أو الربيع على حدييث حيبيب بين‬
‫مسيلمة‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن نفيل المام السيرية جمييع ميا غنميت جاز‬
‫مصييرا إلى أن آيية النفال غيير منسيوخة بيل محكمية‪ ،‬وأنهيا على‬
‫عمومهيا غيير مخصيصة‪ .‬ومين رأى أنهيا مخصيصة بهذا الثير قال‪ :‬ل‬
‫يجوز أن ينفل أكثر من الربع أو الثلث‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثالثية) وهيي هيل يجوز الوعيد بالتنفييل قبيل‬
‫الحرب أم لييس يجوز ذلك؟ فإنهيم اختلفوا فيييه‪ ،‬فكره ذلك مالك‬
‫وأجازه وجماعية‪ .‬وسيبب اختلفهيم معارضية مفهوم مقصيد الغزو‬
‫لظاهيير الثيير‪ ،‬وذلك أن الغزو إنمييا يقصييد بييه وجييه الله العظيييم‪،‬‬
‫ولتكون كلمية الله هيي العلييا‪ ،‬فإذا وعيد المام بالنفيل قبيل الحرب‬
‫خيف أن يسفك دماءهم الغزاة في حق غير الله‪ .‬وأما الثر الذي‬
‫يقتضيي ظاهره جواز الوعيد بالنفيل فهيو حدييث حيبيب بين مسيلمة‬
‫"أن النييبي عليييه الصييلة والسييلم كان ينفييل فييي الغزو السييرايا‬
‫الخارجيية ميين العسييكر الربييع وفييي القفول الثلث" ومعلوم أن‬
‫المقصود من هذا إنما هو التنشيط على الحرب‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الرابعية) وهيي هيل يجيب سيلب المقتول للقاتيل‬
‫أو ليس يجب إل إن نفله له المام؟ فإنهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬ل يستحق القاتل سلب المقتول إل أن ينفله له المام على‬
‫جهة الجتهاد وذلك بعد الحرب‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة والثوري‪ .‬وقال‬
‫الشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وجماعة السلف‪ :‬واجب للقاتل‬
‫قال ذلك المام أو لم يقله‪ .‬ومين هؤلء مين جعيل السيلب له على‬
‫كل حال ولم يشترط في ذلك شرطا‪ .‬ومنهم من قال ل يكون له‬
‫السلب إل إذا قتله مقبل غير مدبر‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬ومنهم من‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قال‪ :‬إنميا يكون السيلب للقاتيل إذا كان القتيل قبيل معمعية الحرب‬
‫أو بعدهيا‪ .‬وأميا إن قتله فيي حيين المعمعية فلييس له سيلب‪ ،‬وبيه‬
‫قال الوزاعيييي‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن اسيييتكثر المام السيييلب جاز أن‬
‫يخمسيه‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيو احتمال قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫يوم حنيين بعيد ميا برد القتال "مين قتيل قتيل فله سيلبه" أن يكون‬
‫ذلك منييه عليييه الصييلة والسييلم على جهيية النفييل أو على جهيية‬
‫السييتحقاق للقاتييل‪ ،‬ومالك رحمييه الله قوي عنده أنييه على جهيية‬
‫النفييل ميين قبييل أنييه لم يثبييت عنده أنييه قال ذلك عليييه الصييلة‬
‫والسيلم ول قضيى بيه إل أيام حنيين‪ ،‬ولمعارضية آيية الغنيمية له إن‬
‫حمييل ذلك على السيييتحقاق‪ :‬أعنييي قوله تعالى {واعلموا أنميييا‬
‫غنمتم من شيء} الية‪ .‬فإنه لما نص في الية على أن الخمس‬
‫لله علم أن الربعة الخماس واجبة للغانمين كما أنه لما نص على‬
‫الثلث للم فييي المواريييث علم أن الثلثييين للب‪ .‬قال أبييو عميير‪:‬‬
‫وهذا القول محفوظ عنيه صيلى الله علييه وسيلم فيي حنيين وفيي‬
‫بدر‪ .‬وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال‪" :‬كنا ل نخمس السلب‬
‫على عهييد رسييول صييلى الله عليييه وسييلم"‪ .‬وخرج أبييو داود عيين‬
‫عوف بين مالك الشجعيي وخالد بين الولييد "أن رسيول الله صيلى‬
‫الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل" وخرج ابن أبي شيبة عن‬
‫أنيس بين مالك أن البراء بين مالك حميل على مرزبان يوم الدارة‬
‫فطعنيه طعنية على قربوس سيرجه فقتله فبلغ سيلبه ثلثيين ألفيا‪،‬‬
‫فبلغ ذلك عمير بين الخطاب فقال لبيي طلحية‪ :‬إنيا كنيا ل نخميس‬
‫السيلب وإن سيلب البراء قيد بلغ مال كثيرا ول أرانيي إل خمسيته‬
‫قال‪ :‬قال ابيين سيييرين‪ :‬فحدثنييي أنييس بيين مالك أنييه أول سييلب‬
‫خميس فيي السيلم‪ ،‬وبهذا تمسيك مين فرق بيين السيلب القلييل‬
‫والكثير‪ .‬واختلفوا في السلب الواجب ما هو؟ فقال قوم‪ :‬له جميع‬
‫ما وجد على المقتول‪ ،‬واستثنى قوم من ذلك الذهب والفضة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصيل الرابيع فيي حكيم ميا وجيد مين أموال المسيلمين عنيد‬
‫الكفار‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا أموال المسييلمين التييي تسييترد ميين أيدي الكفار فإنهييم‬
‫اختلفوا فيي ذلك على أربعية أقوال مشهورة‪ :‬أحدهيا أن ميا اسيترد‬
‫المسلمون من أيدي الكفار من أموال المسلمين فهو لربابها من‬
‫المسلمين وليس للغزاة المستردين لذلك منها شيء‪ ،‬وممن قال‬
‫بهذا القول الشافعييي وأصييحابه وأبييو ثور‪ ،‬والقول الثانييي أن مييا‬
‫اسيترد المسيلمون من ذلك ف هو غنيمة الجيش ليس ل صاحبه منه‬
‫شييء‪ ،‬وهذا القول قاله الزهري وعمرو بين دينار‪ ،‬وهيو مروي عين‬
‫علي بييين أبيييي طالب‪ .‬والقول الثالث أن ميييا وجيييد مييين أموال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المسيلمين قبيل القسيم فصياحبه أحيق بيه بل ثمين‪ ،‬وميا وجيد مين‬
‫ذلك بعييد القسييم فصيياحبه أحييق بييه بالقيميية‪ ،‬وهؤلء انقسييموا‬
‫قسيمين‪ :‬فبعضهيم رأى هذا الرأي فيي كيل ميا اسيترده المسيلمون‬
‫ميين أيدي الكفار بأي وجييه صييار ذلك إلى أيدي الكفار‪ ،‬وفييي أي‬
‫موضيع صيار‪ ،‬وممين قال بهذا القول مالك والثوري وجماعية‪ ،‬وهيو‬
‫مروي عن عمر بن الخطاب‪ .‬وبعضهم فرق بين ما صار من ذلك‬
‫إلى أيدي الكفار غلبية وحازوه حتيى أوصيلوه إلى دار المشركيين‪،‬‬
‫وبين ما اخذ منهم قبل أن يحوزوه ويبلغوا به دار الشرك‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫ميا حازوه فحكميه إن ألفاه صياحبه قبيل القسيم فهيو له‪ ،‬وإن ألفاه‬
‫بعد القسم فهو أحق به بالثمن‪ .‬قالوا‪ :‬وأما ما لم يحزه العدو بأن‬
‫يبلغوا دارهيم بيه فصياحبه أحيق بيه قبيل القسيم وبعده‪ ،‬وهذا هيو‬
‫القول الرابع‪.‬‬
‫واختلفهيييم راجيييع إلى اختلفهيييم فيييي هيييل يملك الكفار على‬
‫المسيلمين أموالهيم إذا غلبوهيم عليهيا أم لييس يملكونهيا؟ وسيبب‬
‫اختلفهيم فيي هذه المسيألة تعارض الثار فيي هذا الباب والقياس‪،‬‬
‫وذلك أن حدييث عمران بين حصيين يدل على أن المشركيين لييس‬
‫يملكون على المسيييلمين شيئا‪ ،‬وهيييو قال‪ :‬أغار المشركون على‬
‫سيرح المدينية وأخذوا العضباء ناقية رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم وامرأة مين المسيلمين‪ ،‬فلميا كانيت ذات ليلة قاميت المرأة‬
‫وقييد ناموا‪ ،‬فجعلت ل تضييع يدهييا على بعييير إل أرغييى حتييى أتييت‬
‫العضباء‪ ،‬فأتت ناقة ذلول فركبتها ثم توجهت قبل المدينة ونذرت‬
‫لئن نجاهيا الله لتنحرهيا‪ ،‬فلميا قدميت إلى المدينية عرفيت الناقية‪،‬‬
‫فأتوا بهييا رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‪ ،‬فأخييبرته المرأة‬
‫بنذرهيا‪ ،‬فقال‪" :‬بئس ميا جزيتهيا‪ ،‬ل نذر فيميا ل يملك ابين آدم‪ ،‬ول‬
‫نذر فيي معصيية" وكذلك يدل ظاهير حدييث ابين عمير على مثيل‬
‫هذا‪ ،‬وهو أنه أغار له فرس فأخذها العدو فظهر عليه المسلمون‪،‬‬
‫فردت علييه فيي زمان رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬وهميا‬
‫حديثان ثابتان‪ .‬وأمييييييا الثيييييير الذي يدل على ملك الكفار على‬
‫المسيلمين فقوله علييه الصيلة والسيلم "وهيل ترك لنيا عقييل مين‬
‫منزل" يعنيي أنيه باع دوره التيي كانيت له بمكية بعيد هجرتيه منهيا‬
‫علييه الصيلة والسيلم إلى المدينية‪ .‬وأميا القياس فإن مين شبيه‬
‫الموال بالرقاب قال الكفار كمييييا ل يملكون رقابهييييم‪ ،‬فكذلك ل‬
‫يملكون أموالهم كحال الباغي مع العادل‪ ،‬أعني أنه ل يملك عليهم‬
‫المرييين جميعييا‪ ،‬وميين قال يملكون قال‪ :‬ميين ليييس يملك فهييو‬
‫ضامين للشييء إن فاتيت عينيه‪ ،‬وقيد أجمعوا على أن الكفار غيير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ضامنيين لموال المسيلمين‪ ،‬فلزم عين ذلك أن الكفار ليسيوا بغيير‬


‫مالكين للموال فهم مالكون‪ ،‬إذ لو كانوا غير مالكين لضمنوا‪.‬‬
‫وأمييا ميين فرق بييين الحكييم قبييل الغنييم وبعده‪ ،‬وبييين مييا أخذه‬
‫المشركون بغلبة أو بغير غلبة بأن صار إليهم من تلقائه مثل العبد‬
‫البيق والفرس العائد فلييس له حيظ مين النظير‪ ،‬وذلك أنيه لييس‬
‫يجد وسطا بين أن يقول إما أن يملك المشرك على المسلم شيئا‬
‫أو ل يملكيه إل أن يثبيت فيي ذلك دلييل سيمعي‪ ،‬لكين أصيحاب هذا‬
‫المذهب إنما صاروا إليه لحديث الحسن بن عمارة عن عبد الملك‬
‫بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس أن رجل وجد بعيرا له كان‬
‫المشركون قيد أصيابوه‪ ،‬فقال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫"إن أصبته قبل أن يقسم فهو لك‪ ،‬وإن أصبته بعد القسم أخذته‬
‫بالقيميية" لكيين الحسيين بيين عمارة مجتمييع على ضعفييه وترك‬
‫الحتجاج بييه عنييد أهييل الحديييث‪ ،‬والذي عول عليييه مالك فيمييا‬
‫أحسيب مين ذلك هيو قضاء عمير بذلك‪ ،‬ولكين لييس يجعيل له أخذه‬
‫بالثمن بعد القسم على ظاهر حديثه واستثناء أبي حنيفة أم الولد‬
‫والمدبر مين سيائر الموال ل معنيى له‪ ،‬وذلك أنيه يرى أن الكفار‬
‫يملكون على المسيلمين سيائر الموال ميا عدا هذيين‪ ،‬وكذلك قول‬
‫مالك فييي أم الولد إنييه إذا أصييابها مولهييا بعييد القسييم أن على‬
‫المام أن يفديهيا فإن لم يفعيل أجيبر سييدها على فدائهيا‪ ،‬فإن لم‬
‫يكين له مال أعطييت له‪ ،‬واتبعيه الذي أخرجيت فيي نصييبه بقيمتهيا‬
‫دينيا متيى أيسير هيو قول أيضيا لييس له حيظ مين النظير لنيه إن لم‬
‫يملكهيا الكفار فقيد يجيب أن يأخذهيا بغيير ثمين‪ ،‬وإن ملكوهيا فل‬
‫سبيل له عليها‪ ،‬وأيضا فإنه ل فرق بينها وبين سائر الموال إل أن‬
‫يثبت فيي ذلك سماع‪ ،‬ومن هذا الصل‪ ،‬أعني اختلفهم هل يملك‬
‫المشرك مال المسيييلم أو ل يملك؟ اختلف الفقهاء فيييي الكافييير‬
‫يسييلم وبيده مال مسييلم هييل يصييح له أم ل؟ فقال مالك وأبييو‬
‫حنيفية‪ :‬يصيح له‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬على أصيله ل يصيح له‪ .‬واختلف‬
‫مالك وأبيو حنيفية إذا دخيل مسيلم إلى الكفار على جهية التلصيص‬
‫وأخيذ مميا فيي أيديهيم مال مسيلم‪ ،‬فقال أبيو حنيفية‪ :‬هيو أولى بيه‬
‫وإن أراده صاحبه أخذه بالثمن‪ ،‬وقال مالك‪ :‬هو لصاحبه‪ ،‬فلم يجر‬
‫على أصله‪.‬‬
‫ومن هذا الباب اختلفهم في الحربي يسلم ويهاجر ويترك في دار‬
‫ولده وزوجه وماله هل يكون لما ترك حرمة مال المسلم وزوجه‬
‫وذريتييه فل يجوز تملكهييم للمسييلمين إن غلبوا على ذلك أم ليييس‬
‫لميا ترك حرمية؟ فمنهيم مين قال‪ :‬لكيل ميا ترك حرمية السيلم؛‬
‫ومنهييم ميين قال‪ :‬ليييس له حرميية؛ ومنهييم ميين فرق بييين المال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والزوجة والولد فقال‪ :‬ليس للمال حرمة‪ ،‬وللولد والزوجة حرمة‪،‬‬


‫وهذا جار على غييير قياس وهييو قول مالك‪ ،‬والصييل أن المبيييح‬
‫للمال هييو الكفيير‪ ،‬وأن العاصييم له هييو السييلم‪ ،‬كمييا قال عليييه‬
‫الصلة والسلم "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" فمن‬
‫زعم أن ههنا مبيحا للمال غير الكفر من تملك عدو أو غيره فعليه‬
‫الدليل‪ ،‬وليس ههنا دليل تعارض به هذه القاعدة‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصيل الخاميس فيي حكيم ميا افتتيح المسيلمون مين الرض‬
‫عنوة‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا فيميا افتتيح المسيلمون مين الرض عنوة‪ .‬فقال مالك‪:‬‬
‫ل تقسيييم الرض وتكون وقفيييا يصيييرف خراجهيييا فيييي مصيييالح‬
‫المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر والمساجد وغير ذلك‬
‫ميين سييبل الخييير إل أن يرى المام فييي وقييت ميين الوقات أن‬
‫المصيييلحة تقتضيييي القسيييمة‪ ،‬فإن له أن يقسيييم الرض‪ .‬وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬الرضون المفتتحيية تقسييم كمييا تقسييم الغنائم‪ :‬يعنييي‬
‫خمسة أقسام‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬المام مخير بين أن يقسمها على‬
‫المسيييلمين أو يضرب على أهلهيييا الكفارة فيهيييا الخراج ويقرهيييا‬
‫بأيديهيم‪ .‬وسيبب اختلفهيم ميا يظين مين التعارض بيين آيية سيورة‬
‫النفال وآية سورة الحشر‪ ،‬وذلك أن آية النفال تقتضي بظاهرها‬
‫أن كيل ميا غنيم يخميس‪ ،‬وهيو قوله تعالى {واعلموا أنميا غنمتيم}‬
‫وقوله تعالى فيي آيية الحشير {والذيين جاءوا مين بعدهيم} عطفيا‬
‫على ذكير الذيين أوجيب لهيم الفييء يمكين أن يفهيم منيه أن جمييع‬
‫الناس الحاضريين والتيين شركاء فيي الفييء كميا روي عين عمير‬
‫رضييي الله عنييه أنييه قال فييي قوله تعالى {والذييين جاءوا ميين‬
‫بعدهم} ما أرى هذه الية إل قد عمت الخلق حتى الراعي بكداء‬
‫أو كلمييا هذا معناه‪ ،‬ولذلك لم تقسييم الرض التييي افتتحييت فييي‬
‫أياميييه عنوة مييين أرض العراق ومصييير؛ فمييين رأى أن اليتيييين‬
‫متواردتان على معنيى واحيد وأن آيية الحشير مخصيصة ليية النفال‬
‫اسيتثنى مين ذلك الرض؛ ومين رأى أن اليتيين ليسيتا متواردتيين‬
‫على معنى واحد‪ ،‬بل رأى أن آية النفال في الغنيمة وآية الحشر‬
‫في الفيء على ما هو ظاهر من ذلك قال‪ :‬تخمس الرض ول بد‪،‬‬
‫ول سييما "أنيه قيد ثبيت أنيه علييه الصيلة والسيلم قسيم خييبر بيين‬
‫الغزاة"‪ .‬قالوا‪ :‬فالواجييب أن تقسييم الرض لعموم الكتاب وفعله‬
‫عليه الصلة والسلم الذي يجري مجرى البيان للمجمل فضل عن‬
‫العام‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فإنميا ذهيب إلى التخييير بيين القسيمة وبيين‬
‫أن يقر الكفار فيها على خراج يؤدو نه‪ ،‬لنه زعيم أ نه قد روي "أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر بالشطر ثم أرسل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ابن رواحة فقاسمهم" قالوا‪ :‬فظهر من هذا أن رسول الله صلى‬


‫الله علييه وسيلم لم يكين قسيم جميعهيا ولكنيه قسيم طائفية مين‬
‫الرض وترك طائفييييية لم يقسيييييمها‪ ،‬قالوا‪ :‬فبان بهذا أن المام‬
‫بالخيار بيين القسيمة والقرار بأيديهيم‪ ،‬وهيو الذي فعيل عمير رضيي‬
‫الله عنييه‪ .‬وإن أسييلموا بعييد الغلبيية عليهييم كان مخيرا بييين الميين‬
‫عليهم أو قسمتها على ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بمكية‪ :‬أعنيي مين المين‪ ،‬وهذا إنميا يصيح على رأي مين رأى أنيه‬
‫افتتحهييا عنوة‪ ،‬فإن الناس اختلفوا فييي ذلك وإن كان الصييح أنييه‬
‫افتتحهييا عنوة لنييه الذي خرجييه مسييلم‪ .‬وينبغييي أن تعلم أن قول‬
‫مين قال‪ :‬إن آيية الفييء وآيية الغنيمية محمولتان على الخيار‪ ،‬وأن‬
‫آية الفيء ناسخة لية الغنيمة أو مخصصة لها أنه قول ضعيف جدا‬
‫إل أن يكون اسييم الفيييء والغنيميية يدلن على معنييى واحييد‪ ،‬فإن‬
‫كان ذلك فاليتان متعارضتان‪ ،‬لن آييية النفال توجييب التخميييس‪،‬‬
‫وآييية الحشيير توجييب القسييمة دون التخميييس فوجييب أن تكون‬
‫إحداهمييا ناسيييخة للخرى أو يكون المام مخيرا بييين التخمييييس‬
‫وترك التخمييس‪ ،‬وذلك فيي جمييع الموال المغنومية‪ .‬وذكير بعيض‬
‫أهيل العلم أنيه مذهيب لبعيض الناس وأظنيه حكاه عين المذهيب‪،‬‬
‫ويجيب على مذهيب مين يرييد أن يسيتنبط مين الجميع بينهميا ترك‬
‫قسييمة الرض وقسييمة مييا عدا الرض أن تكون كييل واحدة ميين‬
‫اليتين مخصصة بعض ما في الخرى أو ناسخة له حتى تكون آية‬
‫النفال خصيصت مين عموم آيية الحشير ميا عدا الرضيين فأوجبيت‬
‫فيهيا الخميس‪ ،‬وآيية الحشير خصيصت مين آيية النفال الرض فلم‬
‫توجب فيها خمسا‪ ،‬وهذه الدعوى ل تصح إل بدليل مع أن الظاهر‬
‫مين آيية الحشير أنهيا تضمنيت القول فيي نوع مين الموال مخالف‬
‫الحكيم للنوع الذي تضمنتيه آيية النفال وذلك أن قوله تعالى {فميا‬
‫أوجفتيم علييه مين خييل ول ركاب} هيو تنيبيه على العلة التيي مين‬
‫أجلهيا لم يوجيب حيق للجييش خاصية دون الناس والقسيمة بخلف‬
‫ذلك إذ كانت تؤخذ باليجاف‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس في قسمة الفيء‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا الفييء عنيد الجمهور فهيو كيل ميا صيار للمسيلمين مين‬
‫الكفار من قبل الرعب والخوف من غير أن يوجف عليه بخيل أو‬
‫رجل‪ .‬واختلف الناس في الجهة التي يصرف إليها؛ فقال قوم‪ :‬إن‬
‫الفييء لجمييع المسيلمين الفقيير والغنيي‪ ،‬وإن المام يعطيي منيه‬
‫للمقاتلة وللحكام وللولة‪ ،‬وينفييق منييه فييي النوائب التييي تنوب‬
‫المسيلمين كبناء القناطير وإصيلح المسياجد وغيير ذلك ول خميس‬
‫في شيء منه وبه قال الجمهور‪ ،‬وهو الثابت عن أبي بكر وعمر؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال الشافعيي‪ :‬بيل يكون فييه الخميس‪ ،‬والخميس مقسيوم على‬


‫الصيناف الذيين ذكروا فيي آيية الغنائم وهيم الصيناف الذيين ذكروا‬
‫فييي الخمييس بعينييه ميين الغنيميية‪ ،‬وإن الباقييي هييو مصييروف إلى‬
‫اجتهاد المام ينفيييق منيييه على نفسيييه وعلى عياله ومييين رأى‪،‬‬
‫وأحسب أن قوما قالوا‪ :‬إن الفيء غير مخمس‪ ،‬ولكن يقسم على‬
‫الصيناف الخمسية الذيين يقسيم عليهيم الخميس‪ ،‬وهيو أحيد أقوال‬
‫الشافعي فيما أحسب‪ .‬وسبب اختلف من رأى أنه يقسم جميعه‬
‫على الصييناف الخمسيية أو هييو مصييروف إلى اجتهاد المام هييو‬
‫سيبب اختلفهيم فيي قسيمة الخميس مين الغنيمية وقيد تقدم ذلك‪،‬‬
‫أعني أن من جعل ذكر الصناف في الية تنبيها على المستحقين‬
‫له قال‪ :‬هيو لهذه الصيناف المذكوريين ومين فوقهيم‪ .‬ومين جعيل‬
‫ذكر الصناف تعديدا للذين يستوجبون هذا المال قال‪ :‬ل يتعدى به‬
‫هؤلء الصييناف‪ ،‬أعنييي أنييه جعله ميين باب الخصييوص ل ميين باب‬
‫التبيه‪ .‬وأما تخميس الفيء فلم يقل به أحد قبل الشافعي‪ ،‬وإنما‬
‫حمله على هذا القول أنه رأى الفيء قد قسم في الية على عدد‬
‫الصييناف الذييين قسييم عليهييم الخمييس‪ ،‬فاعتقييد لذلك أن فيييه‬
‫الخميس‪ ،‬لنيه ظين أن هذه القسيمة مختصية بالخميس ولييس ذلك‬
‫بظاهير‪ ،‬بيل الظاهير أن هذه القسيمة تخيص جمييع الفييء ل جزءا‬
‫منيه‪ ،‬وهيو الذي ذهيب إلييه فيميا أحسيب قوم‪ .‬وخرج مسيلم عين‬
‫عمر قال‪ :‬كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما‬
‫لم يوجيف علييه المسيلمون بخييل ول ركاب‪ ،‬فكانيت للنيبي صيلى‬
‫الله علييه وسيلم خالصية‪ ،‬فكان ينفيق منهيا على أهله نفقية سينة‪،‬‬
‫وميا بقيي يجعله فيي الكراع والسيلح عدة فيي سيبيل الله‪ ،‬وهذا‬
‫يدل على مذهب مالك‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السابع في الجزية‪.‬‬
‫@‪-‬والكلم المحيط بأصول هذا الفصل ينحصر في ست مسائل‪:‬‬
‫المسيييألة الولى‪ :‬ممييين يجوز أخيييذ الجزيييية؟ الثانيييية‪ :‬على أي‬
‫الصيناف منهيم تجيب الجزيية؟ الثالثية‪ :‬كيم تجيب؟ الرابعية‪ :‬متيى‬
‫تجيب ومتيى تسيقط؟ الخامسية‪ :‬كيم أصيناف الجزيية؟ السيادسة‪:‬‬
‫فيماذا يصرف مال الجزية؟‬
‫@‪(-‬المسألة الولى) فأما من يجوز أخذ الجزية منه؟ فإن العلماء‬
‫مجمعون على أنييه يجوز أخذهييا ميين أهييل الكتاب العجييم وميين‬
‫المجوس كميا تقدم‪ ،‬واختلفوا فيي أخذهيا ممين ل كتاب له وفيمين‬
‫هو من أهل الكتاب من العرب بعد اتفاقهم فيما حكى بعضهم أنها‬
‫ل تؤخذ من قرشي كتابي‪ ،‬وقد تقدمت هذه المسألة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) وهيي أي الصيناف مين الناس تجيب عليهيم؟‬


‫فإنهيم اتفقوا على أنهيا إنميا تجيب بثلثية أوصياف الذكوريية والبلوغ‬
‫والحرية‪ ،‬وأنها ل تجب على النساء ول على الصبيان إذا كانت إنما‬
‫هيي عوض مين القتيل والقتيل إنميا هيو متوجيه بالمير نحيو الرجال‬
‫البالغين إذ قد نهى عن قتل النساء والصبيان‪ ،‬وكذلك أجمعوا أنها‬
‫ل تجيب على العبييد‪ .‬واختلفوا فيي أصيناف مين هؤلء‪ :‬منهيا فيي‬
‫المجنون وفي المقعد‪ ،‬ومنها في الشيخ‪ ،‬ومنها في أهل الصوامع‪،‬‬
‫ومنهيا فيي الفقيير هيل يتبيع بهيا دينيا متيى أيسير أم ل؟ وكيل هذه‬
‫المسيائل اجتهاديية لييس فيهيا توقييت شرعيي‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫مبني على هل يقتلون أم ل؟ أعني هؤلء الصناف‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثالثية) وهيي كيم الواجيب فإنهيم اختلفوا فيي‬
‫ذلك‪ ،‬فرأى مالك أن القدر الواجيب فيي ذلك هيو ميا فرضيه عمير‬
‫رضيي الله عنيه وذلك على أهيل الذهيب أربعية دنانيير‪ ،‬وعلى أهيل‬
‫الورق أربعون درهمييا‪ ،‬ومييع ذلك أرزاق المسييلمين وضيافيية ثلثيية‬
‫أيام ل يزاد على ذلك ول ينقص منه؛ وقال الشافعيي‪ :‬أقله محدود‬
‫وهيو دينار وأكثره غيير محدود وذلك بحسيب ميا يصيالحون علييه‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬ل توقييت فيي ذلك‪ ،‬وذلك مصيروف إلى اجتهاد المام‬
‫وبييه قال الثوري؛ وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه‪ :‬الجزييية اثنييا عشيير‬
‫درهميا وأربعية وعشرون درهميا وثمانيية وأربعون ل ينقيص الفقيير‬
‫مين اثنيي عشير درهميا ول يزاد الغنيي على ثمانيية وأربعيين درهميا‪،‬‬
‫والوسط أربعة وعشرون درهما؛ وقال أحمد‪ :‬دينار أو عدله معافر‬
‫ل يزاد عليه ول ينقص منه‪ .‬وسبب اختلفهم اختلف الثار في هذا‬
‫الباب‪ ،‬وذلك أنه روي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث‬
‫معاذا إلى اليمييين وأمره أن يأخيييذ مييين كيييل حالم دينارا أو عدله‬
‫معافر" وهي ثياب باليمن‪ .‬وثبت عن عمر أنه ضرب الجزية على‬
‫أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما مع ذلك‬
‫أرزاق المسييلمين وضيافيية ثلثية أيام‪ .‬وروي عنييه أيضييا أنييه بعييث‬
‫عثمان بين حنييف فوضيع الجزيية على أهيل السيواد ثمانيية وأربعيين‬
‫وأربعة وعشرين واثني عشر‪ .‬فمن حمل هذه الحاديث كلها على‬
‫التخييير وتمسيك فيي ذلك بعموم ميا ينطلق علييه اسيم جزيية إذ‬
‫لييس فيي توقييت ذلك حدييث عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم‬
‫متفيق على صيحته‪ ،‬وإنميا ورد الكتاب فيي ذلك عاميا‪ ،‬قال‪ :‬ل حيد‬
‫فييي ذلك وهييو الظهيير والله أعلم‪ .‬وميين جمييع بييين حديييث معاذ‬
‫والثابت عن عمر قال‪ :‬أقله محدود ول حد لكثره‪ .‬ومن رجح أحد‬
‫حديثيي عمير قال‪ :‬إميا بأربعيين درهميا وأربعية دنانيير‪ ،‬وإميا بثمانيية‬
‫وأربعين درهما وأربعة وعشرين واثني عشر على ما تقدم‪ .‬ومن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رجيح حدييث معاذ لنيه مرفوع قال‪ :‬دينار فقيط أو عدله معافرا ل‬
‫يزاد على ذلك ول ينقص منه‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الرابعة) وهي متى تجب الجزية؟ فإنهم اتفقوا‬
‫على أنهيا ل تجيب إل بعيد الحول‪ ،‬وأنيه تسيقط عنيه إذا أسيلم قبيل‬
‫انقضاء الحول‪ .‬واختلفوا إذا أسيلم بعيد ميا يحول علييه الحول هيل‬
‫تؤخيذ منيه جزيية للحول الماضيي بأسيره أو لميا مضيى منيه؟ فقال‬
‫قوم‪ :‬إذا أسلم فل جزية عليه بعد انقضاء الحول كان بعد إسلمه‬
‫أو قبيييل انقضائه‪ ،‬وبهذا القول قال الجمهور؛ وقالت طائفييية‪ :‬إن‬
‫أسلم بعد الحول وجبت عليه الجزية‪ ،‬وإن أسلم قبل حلول الحول‬
‫لم تجيب علييه‪ ،‬وإنهيم اتفقوا على أنيه ل تجيب علييه قبيل انقضاء‬
‫الحول‪ .‬لن الحول شرط فيي وجوبهيا‪ ،‬فإذا وجيد الرافيع لهيا وهيو‬
‫السييلم قبييل تقرر الوجوب‪ ،‬أعنييي قبييل وجود شرط الوجوب لم‬
‫تجب؛ وإن ما اختلفوا بعد انقضاء الحول لن ها قد وجبت؛ فمن رأى‬
‫أن السييلم يهدم هذا الواجييب فييي الكفيير كمييا يهدم كثيرا ميين‬
‫الواجبات قال‪ :‬تسقط عنه وإن كان إسلمه بعد الحول؛ ومن رأى‬
‫أنييه ل يهدم السييلم هذا الواجييب كمييا ل يهدم كثيرا ميين الحقوق‬
‫المترتبة مثل الديون وغير ذلك قال‪ :‬ل تسقط بعد انقضاء الحول‪.‬‬
‫فسييبب اختلفهييم هييو هييل السييلم يهدم الجزييية الواجبيية أو ل‬
‫يهدمها‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الخامسيية) وهييي كييم أصييناف الجزييية؟ فإن‬
‫الجزيية عندهيم ثلثية أصيناف‪ :‬جزيية عنويية‪ ،‬وهيي هذه التيي تكلمنيا‬
‫فيها‪ ،‬أعني التي تفرض على الحربيين بعد غلبتهم‪ .‬وجزية صلحية‪،‬‬
‫وهي التي يتبرعون بها ليكف عنهم‪ ،‬وهذه ليس فيها توقيت ل في‬
‫الواجب‪ ،‬ول فيمن يجب عليه ول متى يجب عليه‪ ،‬وإنما ذلك كله‬
‫راجيع إلى التفاق الواقيع فيي ذلك بيين المسيلمين وأهيل الصيلح إل‬
‫أن يقول قائل‪ :‬إنييه إن كان قبول الجزييية الصييلحية واجبييا على‬
‫المسلمين فقد يجب أن يكون ههنا قدر ما إذا أعطاه من أنفسهم‬
‫الكفار وجيييب على المسيييلمين قبول ذلك منهيييم فيكون أقلهيييا‬
‫محدودا وأكثرهيا غيير محدود‪ .‬وأميا الجزيية الثالثية فهيي العشريية‪،‬‬
‫وذلك أن جمهور العلماء على أنيه لييس على أهيل الذمية عشير ول‬
‫زكاة أصل في أموالهم إل ما روي عن طائفة منهم أنهم ضاعفوا‬
‫الصيدقة على نصيارى بنيي تغلب‪ ،‬أعنيي أنهيم أوجبوا إعطاء ضعيف‬
‫ما على المسلمين من الصدقة في شيء شيء من الشياء التي‬
‫تلزم فيهيا المسيلمين الصيدقة‪ ،‬وممين قال بهذا القول الشافعيي‬
‫وأبو حنيفة وأحمد والثوري‪ ،‬وهو فعل عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنيه بهيم‪ ،‬ولييس يحفيظ عين مالك فيي ذلك نيص فيميا حكوا‪ ،‬وقيد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تقدم ذلك في كتاب الزكاة‪ .‬واختلفوا هل يجب العشر عليهم في‬


‫الموال التييي يتجرون بهييا إلى بلد المسييلمين بنفييس التجارة أو‬
‫الذن إن كانوا حربييين أم ل تجيب إل بالشرط؟ فرأى مالك وكثيير‬
‫مين العلماء أن تجار أهيل الذمية الذيين لذمتهيم بالقرار فيي بلدهيم‬
‫الجزيية يجيب أن يؤخيذ منهيم مميا يجلبونيه مين بلد إلى بلد العشير‪،‬‬
‫إل ميا يسيوقون إلى المدينية خاصية فيؤخيذ منيه فييه نصيف العشير‪،‬‬
‫ووافقه أبو حنيفة في وجوبه بالذن في التجارة أو بالتجارة نفسها‬
‫وخالفيه فيي القدر فقال‪ :‬الواجيب عليهيم نصيف العشير؛ ومالك لم‬
‫يشترط عليهيم فيي العشير الواجيب عنده نصيابا ول حول؛ وأميا أبيو‬
‫حنيفية فاشترط فيي وجوب نصيف العشير عليهيم الحول والنصياب‬
‫وهييو نصيياب المسييلمين نفسييه المذكور فييي كتاب الزكاة؛ وقال‬
‫الشافعي‪ :‬ليس يجب عليهم عشر أصل ول نصف عشر في نفس‬
‫التجارة ول فيي ذلك شييء محدود إل ميا اصيطلح علييه أو اشترط‪،‬‬
‫فعلى هذا تكون الجزيية العشريية مين نوع الجزيية الصيلحية؛ وعلى‬
‫مذهييب مالك وأبييي حنيفيية تكون جنسييا ثالثييا ميين الجزييية غييير‬
‫الصييلحية والتييي على الرقاب‪ .‬وسيبب اختلفهييم أنيه لم يأت فييي‬
‫ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة يرجع إليها‪ ،‬وإنما‬
‫ثبت أن عمر بن الخطاب فعل ذلك بهم؛ فمن رأى أن فعل عمر‬
‫هذا إنميا فعله بأمير كان عنده فيي ذلك مين رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم أوجيب أن يكون ذلك سينتهم؛ ومين رأى أن فعله هذا‬
‫كان على وجه الشرط‪ ،‬إذ لو كان على غير ذلك لذكره قال‪ :‬ليس‬
‫ذلك بسيينة لزميية لهييم إل بالشرط‪ .‬وحكييى أبييو عبيييد فييي كتاب‬
‫الموال عن رجل من أصحاب النبي عليه الصلة والسلم ل أذكر‬
‫اسييمه الن أنييه قيييل له‪ :‬لم كنتييم تأخذون العشيير ميين مشركييي‬
‫العرب؟ فقال‪ :‬لنهم كانوا يأخذون منا العشر إذا دخلنا إليهم‪ .‬قال‬
‫الشافعيي‪ :‬وأقيل ميا يجيب أن يشارطوا علييه هيو ميا فرضيه عمير‬
‫رضييي الله عنييه‪ ،‬وإن شورطوا على أكثيير فحسيين‪ .‬قال‪ :‬وحكييم‬
‫الحربي إذا دخل بأمان حكم الذمي‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة السادسة) وهي في ماذا تصرف الجزية؟ فإنهم‬
‫اتفقوا على أنهييا مشتركيية لمصييالح المسييلمين ميين غييير تحديييد‬
‫كالحال فيي الفييء عنيد مين رأى أنيه مصيروف إلى اجتهاد المام‪،‬‬
‫حتيى لقيد رأى كثيير مين الناس أن اسيم الفييء إنميا ينطلق على‬
‫الجزيية فيي آيية الفييء‪ ،‬وإذا كان المير هكذا‪ ،‬فالموال السيلمية‬
‫ثلثة أصناف‪ :‬صدقة‪ ،‬وفيء‪ ،‬وغنيمة‪ ،‬وهذا القدر كاف في تحصيل‬
‫قواعد هذا الكتاب والله الموفق للصواب‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب اليمان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬وهذا الكتاب ينقسيييم أول إلى جملتيييين‪ :‬الجملة الولى‪ :‬فيييي‬


‫معرفيية ضروب اليمان وأحكامهييا‪ .‬والجملة الثانييية‪ :‬فييي معرفيية‬
‫الشياء الرافعة لليمان اللزمة وأحكامها‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الولى) وهذه الجملة فيهيييا ثلثييية فصيييول‪ :‬الفصيييل‬
‫الول‪ :‬فييي معرفيية اليمان المباحيية وتمييزهييا ميين غييير المباحيية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬في معرفة اليمان اللغوية والمنعقدة‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفة‬
‫اليمان التي ترفعها الكفارة والتي ل ترفعها‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في معرفة اليمان المباحة وتمييزها من غيرها‪.‬‬
‫@‪-‬واتفيق الجمهور على أن الشياء منهيا ميا يجوز فيي الشرع أن‬
‫يقسييم بييه‪ ،‬ومنهييا مييا ل يجوز أن يقسييم بييه‪ .‬واختلفوا أي الشياء‬
‫التييي هيي بهذه الصيفة؛ فقال قوم‪ :‬إن الحلف المباح فييي الشرع‬
‫هيييو الحلف بالله‪ ،‬وأن الحالف بغيييير الله عاص؛ وقال قوم‪ :‬بيييل‬
‫يجوز الحلف بكل معظم بالشرع؛ والذين قالوا إن اليمان المباحة‬
‫هيييي اليمان بالله اتفقوا على إباحييية اليمان التيييي بأسيييمائه‪،‬‬
‫واختلفوا فيي اليمان التيي بصيفاته وأفعاله‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي‬
‫الحلف بغييير الله ميين الشياء المعظميية بالشرع معارضيية ظاهيير‬
‫الكتاب فيي ذلك لل ثر‪ ،‬وذلك أن الله قد أقسيم في الكتاب بأشياء‬
‫كثيرة مثيل قوله {والسيماء والطارق} وقوله {والنجيم إذا هوى}‬
‫إلى غيير ذلك مين القسيام الواردة فيي القرآن‪ .‬وثبيت أن النيبي‬
‫علييه الصيلة والسيلم قال "إن الله ينهاكيم أن تحلفوا بآبائكيم مين‬
‫كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" فمن جمع بين الثر والكتاب‬
‫بأن قال إن الشياء الواردة فيييي الكتاب المقسيييوم بهيييا فيهيييا‬
‫محذوف وهيو الله تبارك وتعالى‪ ،‬وأن التقديير‪ :‬ورب النجيم‪ ،‬ورب‬
‫السيماء قال‪ :‬اليمان المباحية هيي الحلف بالله فقيط؛ ومين جميع‬
‫بينهميا بأن المقصيود بالحدييث إنميا هيو أن ل يعظيم مين لم يعظيم‬
‫الشرع بدليييل قوله فيييه "إن الله ينهاكييم أن تحلفوا بآبائكييم" وأن‬
‫هذا مين باب الخاص أرييد بيه العام أجاز الحلف بكيل معظيم فيي‬
‫الشرع‪ .‬فإذا سبب اختلفهم هو اختلفهيم في بناء الي والحديث‪.‬‬
‫وأمييا ميين منييع الحلف بصييفات الله وأفعاله فضعيييف‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهيم هيو هيل يقتصير بالحدييث على ميا جاء مين تعلييق الحكيم‬
‫فيييه بالسييم فقييط‪ ،‬أو يعدى إلى الصييفات والفعال‪ ،‬لكيين تعليييق‬
‫الحكيم فيي الحدييث بالسيم فقيط جمود كثيير‪ ،‬وهيو أشبيه بمذهيب‬
‫أهل الظاهر وإن كان مرويا في المذهب حكاه اللخمي عن محمد‬
‫بن المواز‪ .‬وشذت فرقة فمنعت اليمين بالله عز وجل‪ ،‬والحديث‬
‫نص في مخالفة هذا المذهب‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في معرفة اليمان اللغوية والمنقعدة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬واتفقوا أيضييا على أن اليمان منهييا لغييو ومنهييا منعقدة لقوله‬


‫تعالى {ل يؤاخذكيم الله باللغيو فيي أيمانكيم ولكين يؤاخذكيم بميا‬
‫عقدتم اليمان} واختلفوا فيما هي اللغو؟ فذهب مالك وأبو حنيفة‬
‫إلى أنهييا اليمييين على الشيييء يظيين الرجييل أنييه على يقييين منييه‬
‫فيخرج الشيييء على خلف مييا حلف عليييه‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬لغييو‬
‫اليميين ميا لم تنعقيد علييه النيية مثيل ميا جرت بيه العادة مين قول‬
‫الرجل في أثناء المخاطبة ل والله ل بالله مما يجري على اللسنة‬
‫بالعادة ميين غييير أن يعتقييد لزومييه‪ ،‬وهذا القول رواه مالك فييي‬
‫الموطييأ عيين عائشيية‪ ،‬والقول الول مروي عيين الحسيين بيين أبييي‬
‫الحسين وقتادة ومجاهيد وإبراهييم النخعيي‪ .‬وفييه قول ثالث‪ ،‬وهيو‬
‫أن يحلف الرجييل وهييو غضبان‪ ،‬وبييه قال إسييماعيل القاضييي ميين‬
‫أصيحاب مالك‪ .‬وفييه قول رابيع‪ ،‬وهيو الحلف على المعصيية وروي‬
‫عن ابن عباس‪ .‬وفيه قول خامس‪ ،‬وهو أن يحلف الرجل على أن‬
‫ل يأكل شيئا مباحا له بالشرع‪ .‬والسبب في اختلفهم في ذلك هو‬
‫الشتراك الذي فييي اسييم اللغييو‪ ،‬وذلك أن اللغييو قييد يكون الكلم‬
‫الباطيل مثيل قوله تعالى {والغوا فييه لعلكيم تغلبون} وقيد يكون‬
‫الكلم الذي ل تنعقد عليه نية المتكلم به‪ ،‬ويدل على أن اللغو في‬
‫الييية هييو هذا أن هذه اليمييين هييي ضييد اليمييين المنعقدة وهييي‬
‫المؤكدة‪ ،‬فوجيب أن يكون الحكيم المضاد للشييء المضاد‪ .‬والذيين‬
‫قالوا إن اللغيو هيو الحلف فيي إغلق أو الحلف على ميا ل يوجيب‬
‫الشرع فييه شيئا بحسيب ميا يعتقيد فيي ذلك قوم‪ ،‬فإنميا ذهبوا إلى‬
‫أن اللغييو ههنييا يدل على معنييى عرفييي فييي الشرع وهييي اليمان‬
‫التي يبين الشرع في مواضع أخر سقوط حكمها مثل ما روي أنه‪:‬‬
‫"ل طلق فييي إغلق" ومييا أشبييه ذلك‪ ،‬لكيين الظهيير همييا القولن‬
‫الولن‪ :‬أعني قول مالك والشافعي‪.‬‬
‫*‪*4‬الف صل الثالث في معرفة اليمان التي ترفع ها الكفارة والتي‬
‫ل ترفعها‪ .‬وهذا الفصل أربع مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسألة الولى) اختلفوا في اليمان بالله المنعقدة هل يرفع‬
‫جميعهييا الكفارة سييواء كان حلفييا على شيييء ماض أنييه كان فلم‬
‫يكن وهي التي تعرف باليمين الغموس‪ ،‬وذلك إذا تعمد الكذب‪ ،‬أو‬
‫على شيء مستقبل أنه يكون من قبل الحالف أو من قبل من هو‬
‫بسببه فلم يكن‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ليس في اليمين الغموس كفارة‪،‬‬
‫وإنمييا الكفارة فييي اليمان التييي تكون فييي المسييتقبل إذا خالف‬
‫اليميين الحالف‪ ،‬وممين قال بهذا القول مالك وأبيو حنيفية وأحميد‬
‫بن حنبل‪ .‬وقال الشافعي وجماعة‪ :‬يجب فيها الكفارة أي تسقط‬
‫الكفارة الثم فيها كما تسقطه في غير الغموس‪ .‬وسبب اختلفهم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫معارضيييية عموم الكتاب للثيييير‪ ،‬وذلك أن قوله تعالى {ولكيييين‬


‫يؤاخذكييم بمييا عقدتييم اليمان فكفارتييه إطعام عشرة مسيياكين}‬
‫الييية توجييب أن يكون فييي اليمييين الغموس كفارة لكونهييا ميين‬
‫اليمان المنعقدة‪ ،‬وقوله علييه الصيلة والسيلم "مين اقتطيع حيق‬
‫امرئ مسيلم بيمينيه حرم الله علييه الجنية وأوجيب له النار" يوجيب‬
‫أن اليمين الغموس ليس فيها كفارة‪ ،‬ولكن للشافعي أن يستثني‬
‫مين اليمان الغموس ميا ل يقتطيع بهيا حيق الغيير‪ ،‬وهيو الذي ورد‬
‫فييه النيص‪ ،‬أو يقول‪ :‬إن اليمان التيي يقتطيع بهيا حيق الغيير قيد‬
‫جمعييت الظلم والحنييث‪ ،‬فوجييب أل تكون الكفارة تهدم المرييين‬
‫جميعيا‪ ،‬أو لييس يمكين فيهيا أن تهدم الحنيث دون الظلم‪ ،‬لن رفيع‬
‫الحنث بالكفارة إنما هو من باب التوبة‪ ،‬وليس تتبعض التوبة في‬
‫الذنب الواحد بعينه‪ ،‬فإن تاب ورد المظلمة وكفر سقط عنه جميع‬
‫الثم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) واختلف العلماء فيمين قال‪ :‬أنيا كافير بالله أو‬
‫مشرك بالله أو يهودي أو نصراني إن فعلت كذا ثم يفعل ذلك هل‬
‫عليييه كفارة أم ل؟ فقال مالك والشافعييي‪ :‬ليييس عليييه كفارة ول‬
‫هذه يمييين؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬هييي يمييين وعليييه فيهييا الكفارة إذا‬
‫خالف اليمين وهو قول أحمد بن حنبل أيضا‪ .‬وسبب اختلفهم هو‬
‫اختلفهيم فيي هيل يجوز اليميين بكيل ماله حرمية أم لييس يجوز إل‬
‫بالله فقيط؟ ثيم إن وقعيت فهيل تنعقيد أم ل؟ فمين رأى أن اليمان‬
‫المنعقدة‪ :‬أعنيي التيي هيي بصييغ القسيم إنميا هيي اليمان الواقعية‬
‫بالله عز وجل وبأسمائه قال‪ :‬ل كفارة فيها إذ ليست بيمين؛ ومن‬
‫رأى أن اليمان تنعقييد بكييل مييا عظييم الشرع حرمتييه قال‪ :‬فيهييا‬
‫الكفارة‪ ،‬لن الحلف بالتعظيييم كالحلف بترك التعظيييم‪ ،‬وذلك أنييه‬
‫كميا يجيب التعظييم يجيب أن ل يترك التعظييم‪ ،‬فكميا أن مين حلف‬
‫بوجوب حق الله عليه لزمه كذلك من حلف بترك وجوبه لزمه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) واتفييق الجمهور فييي اليمان التييي ليسييت‬
‫أقسيياما بشيييء وإنمييا تخرج مخرج اللزام الواقييع بشرط ميين‬
‫الشروط‪ ،‬مثييل أن يقول القائل‪ :‬فإن فعلت كذا فعلي مشييي إلى‬
‫بييت الله‪ ،‬أو إن فعلت كذا وكذا فغلميي حير أو امرأتيي طالق أنهيا‬
‫تلزم فييي القرب‪ ،‬وفيمييا إذا التزمييه النسييان لزمييه بالشرع مثييل‬
‫الطلق والعتيق‪ .‬واختلفوا هيل فيهيا كفارة أم ل؟ فذهيب مالك إلى‬
‫أن ل كفارة فيهييا‪ ،‬وأنييه إن لم يفعييل مييا حلف عليييه أثييم ول بييد؛‬
‫وذهب الشافعي وأحمد وأبو عبيد وغيرهم إلى أن هذا الجنس من‬
‫اليمان فيهيا الكفارة إل الطلق والعتيق؛ وقال أبيو ثور‪ :‬يكفير مين‬
‫حلف بالعتق‪ ،‬وقول الشافعي مروي عن عائشة‪ .‬وسبب اختلفهم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هيل هيي يميين أو نذر‪ ،‬فمين قال إنهيا يميين أوجيب فيهيا الكفارة‬
‫لدخولهيييييا تحيييييت عموم قوله تعالى {فكفارتيييييه إطعام عشرة‬
‫مسياكين} اليية‪ .‬ومين قال إنهيا مين جنيس النذر‪ :‬أي مين جنيس‬
‫الشياء التي نص عليها الشرع على أنه إذا ألتزمها النسان لزمته‬
‫قال‪ :‬ل كفارة فيهيا لكين يعسير هذا على المالكيية لتسيميتهم إياهيا‬
‫إيمانا‪ ،‬لكن لعلهم إنما سموها أيمانا على طريق التجوز والتوسع‪.‬‬
‫والحيق أنيه لييس يجيب أن تسيمى بحسيب الدللة اللغويية أيمانيا‪،‬‬
‫فإن اليمان في لغة العرب لها صيغ مخصوصة‪ ،‬وإنما يقع اليمين‬
‫بالشياء التيي تعظيم وليسيت صييغة الشرط هيي صييغة اليميين‪،‬‬
‫فأمييا هييل تسييمى أيمانييا بالعرف الشرعييي وهييل حكمهييا حكييم‬
‫اليمان؟ ففييه نظير‪ ،‬وذلك أنيه قيد ثبيت أنيه علييه الصيلة والسيلم‬
‫قال "كفارة النذر كفارة يمييين" وقال تعالى {لم تحرم مييا أحييل‬
‫الله لك} إلى قوله {قييد فرض الله لكييم تحلة أيمانكييم} فظاهيير‬
‫هذا أنيه قيد سيمي بالشرع القول الذي مخرجيه مخرج الشرط أو‬
‫مخرج اللزام دون شرط ول يمييين‪ ،‬فيجييب أن تحمييل على ذلك‬
‫جميع القاويل التي تجري هذا المجرى إل ما خصصه الجماع من‬
‫ذلك مثيل الطلق‪ ،‬فظاهير الحدييث يعطيي أن النذر لييس بيميين‬
‫وأن حكميه حكيم اليميين؛ وذهيب داود وأهيل الظاهير إلى أنيه لييس‬
‫يلزم مين مثيل هذه القاوييل‪ ،‬أعنيي الخارجية مخرج الشرط إل ميا‬
‫ألزميه الجماع مين ذلك وذلك أنهيا ليسيت بنذور فيلزم فيهيا النذر‪،‬‬
‫ول بأيمان فترفعهييا الكفارة‪ ،‬فلم يوجبوا على ميين قال‪ :‬إن فعلت‬
‫كذا وكذا فعلي المشيي إلى بييت الله مشييا ول كفارة‪ ،‬بخلف ميا‬
‫لو قال‪ :‬علي المشيي إلى بييت الله لن هذا نذر باتفاق‪ ،‬وقيد قال‬
‫عليه الصلة والسلم "من نذر أن يطيع الله فليطعه‪ ،‬ومن نذر أن‬
‫يعصيييه فل يعصيييه" فسييبب هذا الخلف فييي هذه القاويييل التييي‬
‫تخرج مخرج الشرط هيو هيل هيي أيمان أو نذور؟ أو ليسيت أيمانيا‬
‫ول نذورا؟ فتأمل هذا فإنه بين إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الرابعة) اختلفوا في قول القائل‪ :‬أقسم أو أشهد إن‬
‫كان كذا وكذا هييل هييو يمييين أم ل؟ على ثلثيية أقوال‪ :‬فقيييل إنييه‬
‫ليس بيمين‪ ،‬وهو أحد قولي الشافعي؛ وقيل إنها أيمان ضد القول‬
‫الول‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية؛ وقييل إن أراد الله بهيا فهيو يميين‪ ،‬وإن‬
‫لم يرد الله بها فليست بيمين‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ .‬وسبب اختلفهم‬
‫هيو هيل المراعيى اعتبار صييغة اللفيظ أو اعتبار مفهوميه بالعادة أو‬
‫اعتبار النيية؟ فمين اعتيبر صييغة اللفيظ قال‪ :‬ليسيت بيميين إذ لم‬
‫يكين هنالك نطيق بمقسيوم بيه؛ ومين اعتيبر صييغة اللفيظ بالعادة‬
‫قال‪ :‬هيي يميين وفيي اللفيظ محذوف ول بيد وهيو الله تعالى؛ ومين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لم يعتبر هذين المرين واعتبر النية إذ كان اللفظ صالحا للمرين‬
‫فرق في ذلك كما تقدم‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثانييية) وهذه الجملة تنقسييم أول قسييمين‪ :‬القسييم‬
‫الول‪ :‬النظر في الستثناء‪ .‬والثاني‪ :‬النظر في الكفارات‪.‬‬
‫*‪*4‬القسيم الول‪ .‬وفيي هذا القسيم فصيلن‪ :‬الفصيل الول‪ :‬فيي‬
‫شروط السيتثناء المؤثير فيي اليميين‪ .‬الفصيل الثانيي‪ :‬فيي تعرييف‬
‫اليمان التي يؤثر فيها الستثناء من التي ل يؤثر‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الول في شروط الستثناء المؤثر في اليمين‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمعوا على أن السييتثناء بالجملة له تأثييير فييي حييل اليمان‬
‫واختلفوا فيي شروط السيتثناء الذي يجيب له هذا الحكيم بعيد أن‬
‫أجمعوا على أنييه إذا اجتمييع فييي السييتثناء ثلثيية شروط أن يكون‬
‫متناسيقا ميع اليميين وملفوظيا بيه ومقصيودا مين أول اليميين أنيه ل‬
‫ينعقيد معيه اليميين؛ واختلفوا فيي هذه الثلثية مواضيع‪ ،‬أعنييي إذا‬
‫فرق السيتثناء مين اليميين أو نواه ولم ينطيق بيه أو حدثيت له نيية‬
‫الستثناء بعد اليمين وإن أتى به متناسقا مع اليمين‪.‬‬
‫@‪(-‬فأما المسألة الولى) وهي اشتراط اتصاله بالقسم فإن قوما‬
‫اشترطوا ذلك فيييه‪ ،‬وهييو مذهييب مالك؛ وقال الشافعييي‪ :‬ل بأس‬
‫بينهمييا بالسييكتة الخفيفيية كسييكتة الرجييل للتذكيير أو للتنفييس أو‬
‫لنقطاع الصيوت‪ .‬وقال قوم مين التابعيين يجوز للحالف السيتثناء‬
‫ما لم يقم من مجلسه؛ وكان ابن عباس يرى أن له الستثناء أبدا‬
‫على ما ذكر منه متى ما ذكر‪ ،‬وإنما اتفق الجميع على أن استثناء‬
‫مشيئة الله فيييي المييير المحلوف على فعله إن كان فعل أو على‬
‫تركييه إن كان تركييا رافييع لليمييين‪ ،‬لن السييتثناء هييو رفييع للزوم‬
‫اليميين‪ .‬قال أبيو بكير بين المنذر‪ :‬ثبيت أنيه رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم قال "مين حلف فقال إن شاء الله لم يحنيث" وإنميا‬
‫اختلفوا هييل يؤثيير فييي اليمييين إذا لم توصييل بهييا أو ل يؤثيير؟‬
‫لختلفهم هل الستثناء حال للنعقاد أم هو مانع له؟ فإذا قلنا إنه‬
‫مانيع للنعقاد ل حال له اشترط أن يكون متصيل باليميين‪ ،‬وإذا قلنيا‬
‫إنييه حال لم يلزم فيييه ذلك‪ .‬والذييين اتفقوا على أنييه حال اختلفوا‬
‫هيل هيو حال بالقرب أو بالبعيد على ميا حكينيا‪ ،‬وقيد احتيج مين رأى‬
‫أنه حال بالقرب بما رواه سعد عن سماك ابن حرب عن عكرمة‬
‫قال‪ :‬قال رسيييول الله صيييلى الله علييييه وسيييلم "والله لغزون‬
‫قريشيا‪ ،‬قالهيا ثلث مرات ثيم سيكت‪ ،‬ثيم قال‪ :‬إن شاء الله" فدل‬
‫هذا على أن السيتثناء حال لليميين ل مانيع لهيا مين النعقاد‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫ومين الدلييل على أنيه حال بالقرب أنيه لو كان حال بالبعيد على ميا‬
‫رواه ابيين عباس لكان السييتثناء يغنييي عيين الكفارة والذي قالوه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بين‪ .‬وأما اشتراط النطق باللسان فإنه اختلف فيه‪ ،‬فقيل لبد فيه‬
‫من اشتراط اللفظ أي لفظ كان من ألفاظ الستثناء وسواء كان‬
‫بألفاظ السييتثناء أو بتخصيييص العموم أو بتقييييد المطلق هذا هييو‬
‫المشهور‪ .‬وقيل إنما ينفع الستثناء بالنية بغير لفظ في حرف إل‬
‫فقط‪ :‬أي بما يدل عليه لفظ إل‪ ،‬وليس ينفع ذلك فيما سواه من‬
‫الحروف‪ ،‬وهذه التفرقية ضعيفية‪ .‬والسيبب فيي هذا الختلف هيو‬
‫هيل تلزم العقود اللزمية بالنيية فقيط دون اللفيظ أو باللفيظ والنيية‬
‫معا مثل الطلق والعتق واليمين وغير ذلك‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الثانييية) وهييي هييل تنفييع النييية الحادثيية فييي‬
‫الستثناء بعد انقضاء اليمين؟ فقيل أيضا في المذهب إنها تنفع إذا‬
‫حدثيت متصيلة باليميين؛ وقييل بيل إذا حدثيت قبيل أن يتيم النطيق‬
‫باليمييين؛ وقيييل بييل السييتثناء على ضربييين‪ :‬اسييتثناء ميين عدد‪،‬‬
‫واستثناء من عموم بتخصيص أو من مطلق بتقييد‪ ،‬فالستثناء من‬
‫العدد ل ينفيع فييه إل حدوث النيية قبيل النطيق باليميين؛ والسيتثناء‬
‫مين العموم ينفيع فييه حدوث النيية بعيد اليميين إذا وصيل السيتثناء‬
‫نطقيا باليميين‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل السيتثناء مانيع للعقيد أو حال‬
‫له؟ فإن قلنيا إنيه مانيع فل بيد مين اشتراط حدوث النيية فيي أول‬
‫اليمين؛ وإن قلنا إنه حال لم يلزم ذلك؛ وقد أنكر عبد الوهاب أن‬
‫يشترط حدوث النيييية فيييي أول اليميييين للتفاق وزعيييم على أن‬
‫الستثناء حال لليمين كالكفارة سواء‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الثاني من القسم الول في تعريف اليمان التي يؤثر‬
‫فيها الستثناء وغيرها‪.‬‬
‫@‪-‬وقد اختلفوا في اليمان التي يؤثر فيها استثناء مشيئة الله من‬
‫التيي ل يؤثير فيهيا‪ .‬فقال مالك وأصيحابه‪ :‬ل تؤثير المشيئة إل فيي‬
‫اليمان التي تكفر وهي اليمين بالله عندهم أو النذر المطلق على‬
‫ميا سييأتي‪ .‬وأميا الطلق والعتاق فل يخلو أن يعلق السيتثناء فيي‬
‫ذلك بمجرد الطلق أو العتيق فقيط مثيل أن يقول‪ :‬هيي طالق إن‬
‫شاء الله أو عتيق إن شاء الله‪ ،‬وهذه ليست عندهم يمينا‪ .‬وإما أن‬
‫يعلق الطلق بشرط مييين الشروط‪ ،‬مثيييل أن يقول‪ :‬إن كان كذا‬
‫فهييي طالق إن شاء الله‪ ،‬أو إن كان كذا فهييو عتيييق إن شاء الله‪.‬‬
‫فأميا القسيم الول فل خلف فيي المذهيب أن المشيئة غيير مؤثرة‬
‫فييه‪ .‬وأميا القسيم الثانيي وهيو اليميين بالطلق ففيي المذهيب فييه‬
‫قولن أصيحهما أنيه إذا صيرف السيتثناء إلى الشرط الذي علق بيه‬
‫الطلق صييح وإن صييرفه إلى نفييس الطلق لم يصييح‪ .‬وقال أبييو‬
‫حنيفة والشافعي‪ :‬الستثناء يؤثر في ذلك كله سواء قرنه بالقول‬
‫الذي مخرجيييييه مخرج الشرط‪ ،‬أو بالقول الذي مخرجيييييه مخرج‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الخيبر‪ .‬وسيبب الخلف ميا قلناه مين أن السيتثناء هيل هيو حال أو‬
‫مانع؟ فإذا قلنا مانع وقرن بلفظ مجرد الطلق فل تأثير له فيه إذ‬
‫قد وقع الطلق‪ ،‬أعني إذا قال الرجل لزوجته‪ :‬هي طالق إن شاء‬
‫الله‪ ،‬لن المانع إنما يقوم لما لم يقع وهو المستقبل؛ وإن قلنا إنه‬
‫حال للعقود وجب أن يكون له تأثير في الطلق وإن كان قد وقع‪،‬‬
‫فتأمل هذا فإنه بين؛ ول معنى لقول المالكية إن الستثناء في هذا‬
‫مستحيل لن الطلق قد وقع‪ ،‬إل أن يعتقدوا أن الستثناء هو مانع‬
‫ل حال‪ ،‬فتأمل هذا فإنه ظاهر إن شاء الله‪.‬‬
‫*‪*4‬القسم الثاني من الجملة الثانية‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا القسييم فيييه فصييول ثلثيية قواعييد‪ .‬الفصييل الول‪ :‬فييي‬
‫موجييب الحنييث وشروطييه وأحكامييه‪ .‬الفصييل الثانييي‪ :‬فييي رافييع‬
‫الحنث وهي الكفارات‪ .‬الفصل الثالث‪ :‬متى ترفع وكم ترفع‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الول في موجب الحنث وشروطه وأحكامه‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن موجب الحنث هو المخالفة لما انعقدت عليه‬
‫اليميين‪ ،‬وذلك إميا فعيل ميا حلف على أل يفعله وإميا ترك ميا حلف‬
‫على فعله إذا علم أنه قد تراخى عن فعل ما حلف على فعله إلى‬
‫وقت ليس يمكنه فيه فعله وذلك في اليمين بالترك المطلق‪ ،‬مثل‬
‫أن يحلف لتأكلن هذا الرغييف فيأكله غيره؛ أو إلى وقيت هيو غيير‬
‫الوقييت الذي اشترط فييي وجود الفعييل عنييه‪ ،‬وذلك فييي الفعييل‬
‫المشترط فعله فيييي زمان محدود‪ ،‬مثيييل أن يقول‪ :‬والله لفعلن‬
‫اليوم كذا وكذا‪ ،‬فإنييه إذا انقضييى النهار ولم يفعييل حنييث ضرورة‪.‬‬
‫واختلفوا ميين ذلك فييي أربعيية مواضييع‪ :‬أحدهييا إذا أتييى بالمخالف‬
‫ناسيا أو مكرها‪ .‬والثاني هل يتعلق موجب اليمين بأقل ما ينطلق‬
‫عليييه السييم أو بجميعييه‪ .‬والموضييع الثالث هييل يتعلق اليمييين‬
‫بالمعنيى المسياوي لصييغة اللفيظ أو بمفهوميه المخصيص للصييغة‬
‫والمعمييم لهييا‪ .‬والموضييع الرابييع هييل اليمييين على نييية الحالف أو‬
‫المستحلف‪.‬‬
‫@‪(-‬فأميييا المسيييألة الولى) فإن مالكيييا يرى السييياهي والمكره‬
‫بمنزلة العاميد؛ والشافعيي يرى أن ل حنيث على السياهي ول على‬
‫المكره‪ .‬وسييبب اختلفهييم معارضيية العموم قوله تعالى {ولكيين‬
‫يؤاخذكيم بميا عقدتيم اليمان} ولم يفرق بيين عاميد وناس لعموم‬
‫قوله علييه الصيلة والسيلم "رفيع عين أمتيي الخطيأ والنسييان وميا‬
‫استكرهوا عليه" فإن هذين العمومين يمكن أن يخصص كل واحد‬
‫منهما بصاحبه‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا الموضيع الثانيي) فمثيل أن يحلف أن ل يفعيل شيئا ففعيل‬
‫بعضييه أو أنييه يفعييل شيئا فلم يفعييل بعضييه؛ فعنييد مالك إذا حلف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ليأكلن هذا الرغييف فأكيل بعضيه ل ييبرأ إل بأكله كله‪ ،‬وإذا قال‪ :‬ل‬
‫آكيل هذا الرغييف إنيه يحنيث إن أكيل بعضيه؛ وعنيد الشافعيي وأبيي‬
‫حنيفية أنيه ل يحنيث فيي الوجهيين جميعيا حمل على الخيذ بأكثير ميا‬
‫يدل علييه السيم‪ .‬وأميا تفرييق مالك بيين الفعيل والترك فلم يجير‬
‫فيي ذلك على أصيل واحيد لنيه أخيذ فيي الترك بأقيل ميا يدل علييه‬
‫السيم وأخيذ فيي الفعيل بجمييع ميا يدل علييه السيم‪ ،‬وكأنيه ذهيب‬
‫إلى الحتياط‪.‬‬
‫@‪(-‬وأ ما المسيألة الثالثة) فمثل أن يحلف على شييء بعينه يفهيم‬
‫منييه القصييد إلى معنييى أعييم ميين ذلك الشيييء الذي لفييظ بييه أو‬
‫أخييص‪ ،‬أو يحلف على شيييء وينوي بييه معنييى أعييم أو أخييص‪ ،‬أو‬
‫يكون للشيييء الذي حلف عليييه اسييمان أحدهمييا لغوي والخيير‬
‫عرفيي وأحدهميا أخيص مين الخير‪ .‬وأميا إذا حلف على شييء بعينيه‬
‫فإنه ل يحنث عند الشافعي وأبي حنيفة إل بالمخالفة الواقعة في‬
‫ذلك الشييء بعينيه الذي وقيع علييه الحلف وإن كان المفهوم منيه‬
‫معنيى أعيم أو أخيص مين قبيل الدللة العرفيية‪ .‬وكذلك أيضيا فيميا‬
‫أحسييب ل يعتييبرون النييية المخالفيية للفييظ‪ ،‬وإنمييا يعتييبرون مجرد‬
‫اللفاظ فقط‪ .‬وأما مالك فإن المشهور من مذهبه أن المعتبر أول‬
‫عنده فيي اليمان التيي ل يقضيي على حالفهيا بموجبهيا هيو النيية‪،‬‬
‫فإن عدمييت فقرينيية الحال فإن عدمييت فعرف اللفييظ‪ ،‬فإن عدم‬
‫فدللة اللغيية؛ وقيييل ل يراعييي إل النييية أو ظاهيير اللفييظ اللغوي‬
‫فقيط؛ وقييل يراعيي النيية وبسياط الحال ول يراعيي العرف وأميا‬
‫اليمان التي يقضي بها على صاحبها فإنه إن جاء الحالف مستفتيا‬
‫كان حكمييه حكييم اليمييين التييي ل يقضييي بهييا على صيياحبها ميين‬
‫مراعاة هذه الشياء فيهيا على هذا الترتييب وإن كان مميا يقضيي‬
‫بهيا علييه لم يراع فيهيا إل اللفيظ إل أن يشهيد لميا يدعيي مين النيية‬
‫المخالفة لظاهر اللفظ قرينة الحال أو العرف‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الرابعية) فإنهيم اتفقوا على أن اليميين على نيية‬
‫المستحلف في الدعاوي واختلفوا في غير ذلك مثل اليمان على‬
‫المواعييييد‪ ،‬فقال قوم‪ :‬على نيييية الحالف‪ .‬وقال قوم‪ :‬على نيييية‬
‫المسييتحلف‪ .‬وثبييت أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم قال‬
‫"اليمين على نية المستحلف" وقال عليه الصلة والسلم "يمينك‬
‫على ما يصدقك عليه صاحبك" خرج هذين الحديثين مسلم‪ .‬ومن‬
‫قال‪ :‬اليميين على نيية الحالف‪ .‬فإنميا اعتيبر المعنيى القائم بالنفيس‬
‫من اليمين ل ظاهر اللفظ‪ .‬وفي هذا الباب فروع كثيرة‪ .‬لكن هذه‬
‫المسييائل الربييع هييي أصييول هذا الباب إذ يكاد أن يكون جميييع‬
‫الختلف الواقييع فييي هذا الباب راجعييا إلى الختلف فييي هذه‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وذلك فييي الكثيير مثييل اختلفهييم فيميين حلف أن ل يأكييل رءوسييا‬


‫فأكيل رءوس حيتان هيل يحنيث أم ل؟ فمين راعيى العرف قال‪ :‬ل‬
‫يحنيث؛ ومين راعيى دللة اللغية قال‪ :‬يحنيث‪ .‬ومثيل اختلفهيم فيمين‬
‫حلف أن ل يأكييل لحمييا فأكييل شحمييا؛ فميين اعتييبر دللة اللفييظ‬
‫الحقيقييي قال‪ :‬ل يحنييث؛ وميين رأى أن اسييم الشيييء قييد ينطلق‬
‫على ما يتولد منه قال‪ :‬يحنث‪.‬‬
‫وبالجملة فاختلفهيم فيي المسيائل الفروعيية التيي فيي هذا الباب‬
‫هيي راجعية إلى اختلفهيم فيي هذه المسيائل التيي ذكرنيا‪ ،‬وراجعية‬
‫إلى اختلفهم في دللت اللفاظ التي يحلف بها‪ ،‬وذلك أن منها ما‬
‫هي مجملة‪ ،‬ومنها ما هي ظاهرة‪ ،‬ومنها ما هي نصوص‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الثاني في رافع الحنث‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن الكفارة فيي اليمان هيي الربعية النواع التيي‬
‫ذكير الله فيي كتابيه فيي قوله تعالى {فكفارتيه} اليية‪ .‬وجمهورهيم‬
‫على أن الحالف إذا حنث مخير بين الثلثة منها‪ :‬أعني الطعام أو‬
‫الكسيوة أو العتيق‪ ،‬وأنيه ل يجوز له الصييام إل إذا عجيز عين هذه‬
‫الثلثية لقوله تعالى {فمين لم يجيد فصييام ثلثية أيام} إل ميا روي‬
‫عيين ابيين عميير أنييه كان إذا غلظ اليمييين أعتييق أو كسييا‪ ،‬وإذا لم‬
‫يغلظهييا أطعييم‪ .‬واختلفوا ميين ذلك فييي سييبع مسييائل مشهورة‪:‬‬
‫المسييألة الولى‪ :‬فييي مقدار الطعام لكييل واحييد ميين العشرة‬
‫مسياكين‪ .‬الثانيية‪ :‬فيي جنيس الكسيوة إذا اختار الكسيوة وعددهيا‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬في اشتراط التتابع في صيام الثلثة اليام أو ل إشتراطه‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬في اشتراط العدد في المساكين‪ .‬الخامسة‪ :‬في اشتراط‬
‫السييلم فيهييم والحرييية‪ .‬والسييادسة‪ :‬فييي اشتراط السييلمة فييي‬
‫الرقبة المعتقة من العيوب‪ .‬السابعة‪ :‬في اشتراط اليمان فيها‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) أميا مقدار الطعام؟ فقال مالك والشافعيي‬
‫وأهل المدينة‪ :‬يعطى لكل مسكين مد من حنطة بمد النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬إل أن مالكا قال‪ :‬المد خاص بأهل المدينة فقط‬
‫لضيق معايشهم‪ .‬وأما سائر المدن فيعطون الوسط من نفقتهم‪.‬‬
‫وقال ابن القاسم‪ :‬يجري المد في كل مدينة مثل قول الشافعي‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية‪ :‬يعطيهيم نصيف صياع مين حنطية‪ ،‬أو صياعا مين‬
‫شعييير أو تميير‪ ،‬قال‪ :‬فإن غداهييم وعشاهييم أجزأه‪ .‬والسييبب فييي‬
‫اختلفهم في ذلك اختلفهم في تأويل قوله تعالى {من أوسط ما‬
‫تطعمون أهليكم} هل المراد بذلك أكلة واحدة أو قوت اليوم وهو‬
‫غذاء وعشاء؟ فمين قال أكلة واحدة قال‪ :‬الميد وسيط فيي الشبيع؛‬
‫ومين قال غداء وعشاء قال‪ :‬نصيف صياع‪ .‬ولختلفهيم أيضيا سيبب‬
‫آخر‪ ،‬وهو تردد هذه الكفارة بين كفارة الفطر متعمدا في رمضان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وبين كفارة الذى؛ فمن شبهها بكفارة الفطر قال‪ :‬مد واحد‪ ،‬ومن‬
‫شبههييا بكفارة الذى قال‪ :‬نصييف صيياع‪ .‬واختلفوا هييل يكون مييع‬
‫الخبيز فيي ذلك إدام أم ل؟ وإن كان فميا هيو الوسيط فييه؟ فقييل‬
‫يجزي الخبيز قفارا؛ وقال ابين حيبيب‪ :‬ل يجزي؛ وقييل الوسيط مين‬
‫الدام الزيت؛ وقيل اللبن والسمن والتمر‪ .‬واختلف أصحاب مالك‬
‫من الهل الذين أضاف إليهم الوسط من الطعام في قوله تعالى‬
‫{مين أوسيط ميا تطعمون أهليكيم} فقييل أهيل المكفير وعلى هذا‬
‫إنما يخرج الوسط من الشيء الذي منه يعيش إن قطنية فقطنية‬
‫وإن حنطية فحنطية‪ ،‬وقييل بيل هيم أهيل البلد الذي هيو فييه‪ ،‬وعلى‬
‫هذا فالمعتبر في اللزم له هو الوسط من عيش أهل البلد ل من‬
‫عيشه‪ :‬أعني الغالب‪ ،‬وعلى هذين القولين يحمل قدر الوسط من‬
‫الطعام‪ ،‬أعنيي الوسيط مين قدر ميا يطعيم أهله‪ ،‬أو الوسيط مين‬
‫قدر ما يطعم أهل البلد أهليهم إل في المدينة خاصة‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) وهيي المجزئ مين الكسيوة‪ .‬فإن مالكيا‬
‫رأى أن الواجب في ذلك هو أن يكسي ما يجزئ فيه الصلة‪ ،‬فإن‬
‫كسيا الرجيل كسيا ثوبيا وإن كسيا النسياء كسيا ثوبيين درعيا وخمارا‪.‬‬
‫وقال الشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬يجزئ فيي ذلك أقيل ميا ينطلق علييه‬
‫السيم إزار أو قمييص أو سيراويل أو عمامية‪ ،‬وقال أبيو يوسيف‪ :‬ل‬
‫تجزئ العمامة ول السراويل‪ .‬وسبب اختلفهيم هل الواجب الخذ‬
‫بأقل دللة السم اللغوي أو المعنى الشرعي‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثالثة) وهيي اختلفهم في اشتراط تتابع اليام‬
‫الثلثيية فييي الصيييام فإن مالكييا والشافعييي لم يشترطييا فييي ذلك‬
‫وجوب التتابيع وإن كانيا اسيتحباه واشترط ذلك أبيو حنيفية‪ .‬وسيبب‬
‫اختلفهيم فيي ذلك شيئان‪ :‬أحدهميا هيل يجوز العميل بالقراءة التيي‬
‫ليسيت فيي المصيحف‪ ،‬وذلك أن فيي قراءة عبيد الله بين مسيعود‬
‫{فصيييام ثلثيية أيام متتابعات} ‪ .‬والسييبب الثانييي اختلفهييم هييل‬
‫يحميل المير بمطلق الصيوم على التتابيع أم لييس يحميل إذا كان‬
‫الصل الواجب بالشرع إنما هو التتابع‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الرابعية) وهيي اشتراط العدد فيي المسياكين‪،‬‬
‫فإن مالكا والشافعي قال‪ :‬ل يجزيه إل أن يطعم عشرة مساكين؛‬
‫وقال أبيييو حنيفييية‪ :‬إن أطعيييم مسيييكينا واحدا عشرة أيام أجزأه‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم هيل الكفارة حيق واجيب للعدد المذكور أو‬
‫حيق واجيب على المكفير فقدر بالعدد المذكور‪ ،‬فإن قلنيا إنيه حيق‬
‫واجييب للعدد كالوصييية‪ ،‬فلبييد ميين اشتراط العدد‪ ،‬وإن قلنييا حييق‬
‫واجب على المكفر لكنه قدر بالعدد أجزأ من ذلك إطعام مسكين‬
‫واحد على عدد المذكورين والمسألة محتملة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬وأميا المسيألة الخامسية) وهيي اشتراط السيلم والحريية فيي‬


‫المساكين‪ ،‬فإن مالكا والشافعي اشترطاهما ولم يشترط ذلك أبو‬
‫حنيفية‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل اسيتيجاب الصيدقة هيو بالفقير فقيط؟‬
‫أو بالسلم؟ إذ كان السمع قد أنبأ أنه يثاب بالصدقة على الفقير‬
‫الغييير المسييلم‪ ،‬فميين شبييه الكفارة بالزكاة الواجبيية للمسييلمين‬
‫اشترط السييلم فييي المسيياكين الذييين تجييب لهييم هذه الكفارة؛‬
‫ومين شبههيا بالصيدقات التيي تكون عين تطوع أجاز أن يكونوا غيير‬
‫مسيلمين‪ .‬وأميا سيبب اختلفهيم فيي العبييد فهيو هيل يتصيور فيهيم‬
‫وجود الفقييير أم ل إذا كانوا مكفييييين مييين سييياداتهم فيييي غالب‬
‫الحوال‪ ،‬أو ممين يجيب أن يكفوا؟ فمين راعيى وجود الفقير فقيط‬
‫قال العبييد والحرار سيواء‪ ،‬إذ قيد يوجيد مين العبييد مين يجوعيه‬
‫سيده؛ ومن راعيى وجوب الحيق له على الغير بالحكم قال‪ :‬يجب‬
‫على السيييد القيام بهييم‪ ،‬ويقتضييي بذلك عليييه وإن كان معسييرا‬
‫قضييى عليييه بييبيعه‪ ،‬فليييس يحتاجون إلى المعونيية بالكفارات وميا‬
‫جرى مجراها من الصدقات‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة السادسة) وهي هل من شرط الرقبة أن تكون‬
‫سيييليمة مييين العيوب؟ فإن فقهاء المصيييار شرطوا ذلك‪ ،‬أعنيييي‬
‫العيوب المؤثرة فيي الثمان‪ ،‬وقال أهيل الظاهير‪ :‬لييس ذلك مين‬
‫شرطهيا‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل الواجيب الخيذ بأقيل ميا يدل علييه‬
‫السم أو بأتم ما يدل عليه‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة السييابعة) وهييي اشتراط اليمان فييي الرقبيية‬
‫أيضييا‪ ،‬فإن مالكييا والشافعييي اشترطييا ذلك؛ وأجاز أبييو حنيفيية أن‬
‫تكون الرقبة غير مؤمنة‪ .‬وسبب اختلفهم هو هل يحمل المطلق‬
‫على المقيييد فييي الشياء التييي تتفييق فييي الحكام وتختلف فييي‬
‫السيباب كحكيم حال هذه الكفارات ميع كفارة الظهار؛ فمين قال‬
‫يحمييل المطلق على المقيييد فييي ذلك قال باشتراط اليمان فييي‬
‫ذلك حمل على اشتراط ذلك فيييي كفارة الظهار فيييي قوله تعالى‬
‫{فتحريير رقبية مؤمنية} ومين قال ل يحميل وجيب عنده أن يبقيى‬
‫موجب اللفظ على إطلقه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث متى ترفع الكفارة الحنث‪ ،‬وكم ترفع؟‬
‫@‪-‬وأمييا متييى ترفييع الكفارة الحنييث وتمحوه‪ ،‬فإنهييم اختلفوا فييي‬
‫ذلك‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬إذا كفر بعد الحنث أو قبله فقد ارتفع الثم؛‬
‫وقال أبييو حنيفيية‪ :‬ل يرتفييع الحنييث إل بالتفكييير الذي يكون بعييد‬
‫الحنيث ل قبله؛ وروي عين مالك فيي ذلك القولن جميعيا‪ .‬وسيبب‬
‫اختلفهيم شيئان‪ :‬أحدهميا اختلف الروايية فيي قوله علييه الصيلة‬
‫والسلم "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هييو خييير وليكفيير عيين يمينييه" فإن قومييا رووه هكذا‪ ،‬وقوم رووه‬
‫"فليكفير عين يمينيه وليأت الذي هيو خيير" وظاهير هذه الروايية أن‬
‫الكفارة تجوز قبل الحنث‪ ،‬وظاهر الثانية أنها بعد الحنث‪ .‬والسبب‬
‫الثانيي اختلفهيم فيي هيل يجزئ تقدييم الحيق الواجيب قبيل وقيت‬
‫وجوبه‪ ،‬لنه من الظاهر أن الكفارة إنما تجب بعد الحنث كالزكاة‬
‫بعييد الحول ولقائل أن يقول إن الكفارة إنمييا تجييب بإرادة الحنييث‬
‫والعزم عليه كالحال في كفارة الظهار فل يدخله الخلف من هذه‬
‫الجهية‪ ،‬وكان سيبب الخلف مين طرييق المعنيى هيو هيل الكفارة‬
‫رافعية للحنيث إذا وقيع أو مانعية له؟ فمين قال مانعية أجاز تقديمهيا‬
‫على الحنث؛ ومن قال رافعة لم يجزها إل بعد وقوعه‪ .‬وأ ما تعدد‬
‫الكفارات بتعدد اليمان فإنهييم اتفقوا فيمييا علمييت أن ميين حلف‬
‫على أمور شتييى بيمييين واحدة أن كفارتييه كفارة يمييين واحدة‪،‬‬
‫وكذلك فيما أحسب ل خلف بينهم أنه إذا حلف بأيمان شتى على‬
‫شييء واحيد أن الكفارات الواجبية فيي ذلك بعدد اليمان كالحالف‬
‫إذا حلف بأيمان شتيييى على أشياء شتيييى‪ .‬اختلفوا إذا حلف على‬
‫شييء واحيد بعينيه مرار كثيرة‪ ،‬فقال قوم‪ :‬فيي ذلك كفارة يميين‬
‫واحدة‪ ،‬وقال قوم‪ :‬فيي كيل يميين كفارة إل أن يرييد التأكييد‪ ،‬وهيو‬
‫قول مالك؛ وقال قوم‪ :‬فيهييا كفارة واحدة‪ ،‬إل أن يريييد التغليييظ‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم هيل الموجيب للتعدد هيو تعدد اليمان بالجنيس أو‬
‫بالعدد‪ ،‬فميين قال‪ :‬اختلفهييا بالعدد قال لكييل يمييين كفارة إذا كرر‬
‫ومين قال اختلفهيا بالجنيس قال‪ :‬فيي هذه المسيألة يميين واحدة‪.‬‬
‫واختلفوا إذا حلف فيي يميين واحدة بأكثير مين صيفتين مين صيفات‬
‫الله تعالى هل تعدد الكفارات بتعدد الصفات التي تضمنت اليمين‬
‫أم فييي ذلك كفارة واحدة؟ فقال مالك‪ :‬الكفارة فييي هذه اليمييين‬
‫متعددة بتعدد الصفات‪.‬‬
‫فمين حلف بالسيميع العلييم الحكييم كان علييه ثلث كفارات عنده‪،‬‬
‫وقال قوم‪ :‬إن أراد الكلم الول وجاء بذلك على أنيييه قول واحيييد‬
‫فكفارة واحدة إذا كانيت يمينيا واحدة‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم‪ :‬هيل‬
‫مراعاة الواحدة أو الكثرة فيي اليميين هيو راجيع إلى صييغة القول‬
‫أو إلى تعدد الشياء التي يشتمل عليها القول الذي مخرجه مخرج‬
‫يميين‪ ،‬فمين اعتيبر الصييغة قال كفارة واحدة؛ ومين اعتيبر عدد ميا‬
‫تضمنته صيغة القول من الشياء التي يمكن أن يقسم بكل واحد‬
‫منهيا على انفراده قال‪ :‬الكفارة متعددة بتعددهيا‪ ،‬وهذا القدر كاف‬
‫فييي قواعييد هذا الكتاب وسييبب الختلف فييي ذلك‪ ،‬والله المعييين‬
‫برحمته‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب النذور‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬وهذا الكتاب فيييه ثلثيية فصييول‪ :‬الفصييل الول‪ :‬فييي أصييناف‬


‫النذور‪ .‬الفصيل الثانيي‪ :‬فيميا يلزم مين النذور وميا ل يلزم وجملة‬
‫أحكامها‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفة الشيء الذي يلزم عنها وأحكامها‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الول في أصناف النذور‪.‬‬
‫@‪-‬والنذور تنقسم أول قسمين‪ :‬قسم من جهة اللفظ وقسم من‬
‫جهية الشياء التيي تنذر‪ .‬فأ ما مين جهية اللفيظ فإنيه ضربان‪ :‬مطلق‬
‫وهييو المخرج مخرج الخييبر‪ .‬ومقيييد وهييو المخرج مخرج الشرط‪.‬‬
‫والمطلق على ضربييين‪ :‬مصييرح فيييه بالشيييء المنذور بييه‪ ،‬وغييير‬
‫مصييرح‪ ،‬فالول مثييل قول القائل‪ :‬لله علي نذر أن أحييج‪ ،‬والثانييي‬
‫مثل قوله‪ :‬لله علي نذر‪ ،‬دون أن يصرح بمخرج النذر‪ ،‬والول ربما‬
‫صيرح فييه بلفيظ النذور‪ ،‬وربميا لم يصيرح فييه بيه‪ ،‬مثيل أن يقول‪:‬‬
‫لله علي أن أحيييج‪ .‬وأميييا المقييييد المخرج مخرج الشرط فكقول‬
‫القائل‪ :‬إن كان كذا فعلي لله نذر كذا وأن أفعيييل كذا وهذا ربميييا‬
‫علقييه بفعييل ميين أفعال الله تعالى مثييل أن يقول‪ :‬إن شفييى الله‬
‫مريضيي فعلي نذر كذا وكذا‪ ،‬وربميا علقيه بفعيل نفسيه‪ ،‬مثيل أن‬
‫يقول‪ :‬إن فعلت كذا فعلي نذر كذا‪ ،‬وهذا هيو الذي يسيميه الفقهاء‬
‫أيمانيا‪ ،‬وقيد تقدم مين قولنيا أنهيا ليسيت بأيمان‪ ،‬فهذه هيي أصيناف‬
‫النذر مين جهية الصييغ‪ .‬وأميا أصينافه مين جهية الشياء التيي مين‬
‫جنيس المعانيي المنذور بهيا‪ ،‬فإنهيا تنقسيم إلى أربعية أقسيام نذر‬
‫بأشياء مين جنيس القرب‪ ،‬ونذر بأشياء مين جنيس المعاصيي‪ ،‬ونذر‬
‫بأشياء مين جنيس المكروهات‪ ،‬ونذر بأشياء مين جنيس المباحات‪،‬‬
‫وهذه الربعة تنقسم قسمين‪ :‬نذر بتركها‪ ،‬ونذر بفعلها‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثاني فيما يلزم من النذور وما ل يلزم‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا ميا يلزم مين هذه النذور وميا ل يلزم‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على‬
‫لزوم النذر المطلق فييي القرب إل مييا حكييى عيين بعييض أصييحاب‬
‫الشافعيي أن النذر المطلق ل يجوز‪ ،‬وإنميا اتفقوا على لزوم النذر‬
‫المطلق إذا كان على وجيه الرضيا ل على وجيه اللجاج وصيرح فييه‬
‫بلفظ النذر ل إذا لم يصرح‪ ،‬وسواء كان النذر مصرحا فيه بالشيء‬
‫المنذور أو كان غيير مصيرح‪ .‬وكذلك أجمعوا على لزوم النذر الذي‬
‫مخرجيه مخرج الشرط إذا كان نذرا بقربية‪ ،‬وإنميا صياروا لوجوب‬
‫النذر لعموم قوله تعالى {ييا أيهيا الذيين آمنوا أوفوا بالعقود} ولن‬
‫الله تعالى قد مدح به فقال {يوفون بالنذر} وأخبر بوقوع العقاب‬
‫بنقضيه فقال {ومنهيم مين عاهيد الله لئن آتانيا مين فضله} اليية‪،‬‬
‫إلى قوله {بميييا كانوا يكذبون} ‪ .‬والسيييبب فيييي اختلفهيييم فيييي‬
‫التصريح بلفظ النذر في النذر المطلق هو اختلفهم في هل يجب‬
‫النذر بالنية واللفظ معا أو بالنية فقط؟ فمن قال بهما معا إذا قال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لله علي كذا وكذا ولم يقل نذرا لم يلزمه شيء لنه إخبار بوجوب‬
‫شييء لم يوجبيه الله علييه إل أن يصيرح بجهية الوجوب؛ ومين قال‬
‫لييس مين شرطيه اللفيظ قال‪ :‬ينعقيد النذر وإن لم يصيرح بلفظيه‪،‬‬
‫وهيو مذهيب مالك‪ ،‬أعنيي أنيه إذا لم يصيرح بلفيظ النذر أنيه يلزم‪،‬‬
‫وإن كان مين مذهبيه أن النذر ل يلزم إل بالنيية واللفيظ لكين رأى‬
‫أن حذف لفيييظ النذر مييين القول غيييير معتيييبر إذ كان المقصيييود‬
‫بالقاويييل التييي مخرجهييا مخرج النذر النذر وإن لم يصييرح فيهييا‬
‫بلفييظ النذر‪ ،‬وهذا مذهييب الجمهور‪ ،‬والول مذهييب سييعيد بيين‬
‫المسيييب‪ ،‬ويشبييه أن يكون ميين لم ييير لزوم النذر المطلق إنمييا‬
‫فعل ذلك من قبل أنه حمل المر بالوفاء على الندب؛ وكذلك من‬
‫اشترط فيه الرضا‪ ،‬فإنما اشترطه لن القربة إنما تكون على جهة‬
‫الرضييا ل على جهيية اللجاج‪ ،‬وهييو مذهييب الشافعييي‪ .‬وأمييا مالك‬
‫فالنذر عنده لزم على أي جهية وقيع‪ ،‬فهذا ميا اختلفوا فيي لزوميه‬
‫مين جهية اللفيظ‪ .‬وأميا ميا اختلفوا فيي لزوميه مين جهية الشياء‬
‫المنذور بها فإن فيه من المسائل الصول اثنتين‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيييألة الولى) اختلفوا فيمييين نذر معصيييية‪ ،‬فقال مالك‬
‫والشافعي وجمهور العلماء‪ :‬ليس يلزمه في ذلك شيء‪ .‬وقال أبو‬
‫حنيفية وسيفيان والكوفيون‪ :‬بيل هيو لزم‪ ،‬واللزم عندهيم فييه هيو‬
‫كفارة يمييين ل فعييل المعصييية‪ .‬وسييبب اختلفهييم تعارض ظواهيير‬
‫الثار في هذا الباب‪ ،‬وذلك أنه روي في هذا الباب حديثان أحدهما‬
‫حدييث عائشية عين النيبي علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "مين نذر‬
‫أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فل يعصيه" فظاهر‬
‫هذا أنه ل يلزم النذر بالعصيان‪ :‬والحديث الثاني حديث عمران بن‬
‫حصين وحديث أبي هريرة الثابت عن النبي عليه الصلة والسلم‬
‫أنيه قال "ل نذر فيي معصيية الله وكفارتيه كفارة يميين" وهذا نيص‬
‫فيي معنيى اللزوم؛ فمين جميع بينهميا فيي هذا قال‪ :‬الحدييث الول‬
‫تضمييين العلم بأن المعصيييية ل تلزم وهذا الثانيييي تضميين لزوم‬
‫الكفارة؛ فمين رجيح ظاهير حدييث عائشية إذ لم يصيح عنده حدييث‬
‫عمران وأبيي هريرة قال‪ :‬لييس يلزم فيي المعصيية شييء؛ ومين‬
‫ذهيب مذهيب الجميع بيين الحديثيين أوجيب فيي ذلك كفارة يميين‪.‬‬
‫قال أبيو عمير بين عبيد البر‪ :‬ضعيف أهيل الحدييث حدييث عمران‬
‫وأبيي هريرة قالوا‪ :‬لن حدييث أبيي هريرة يدور على سيليمان بين‬
‫أرقم وهو متروك الحديث‪ .‬وحديث عمران بن الحصين يدور على‬
‫زهير بن محمد عن أبيه وأبوه مجهول لم يرو عنه غير ابنه‪ ،‬وزهير‬
‫أيضا عنده مناكير‪ ،‬ولكنه خرجه مسلم من طريق عقبة بن عامر‪،‬‬
‫وقيد جرت عادة المالكيية أن يحتجوا لمالك فيي هذا المسيألة بميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫روي "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم رأى رجل قائميا فيي‬
‫الشمييس‪ ،‬فقال‪ :‬مييا بال هذا؟ قالوا‪ :‬نذر أن ل يتكلم ول يسييتظل‬
‫ول يجلس ويصوم‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬مروه‬
‫فليتكلم وليجلس وليتيييم صييييامه" قالوا‪ :‬فأمره أن يتيييم ميييا كان‬
‫طاعية لله ويترك ميا كان معصيية‪ ،‬ولييس بالظاهير أن ترك الكلم‬
‫معصييية‪ ،‬وقييد أخييبر الله أنييه نذر مريييم‪ ،‬وكذلك يشبييه أن يكون‬
‫القيام فيي الشميس لييس بمعصيية‪ ،‬إل ميا يتعلق بذلك مين جهية‬
‫إتعاب النفيس‪ .‬فإن قييل فييه معصيية فبالقياس ل بالنيص‪ ،‬فالصيل‬
‫فيه أنه من المباحات‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) واختلفوا فيميين حرم على نفسييه شيئا ميين‬
‫المباحات فقال مالك‪ :‬ل يلزم ميا عدا الزوجية؛ وقال أهيل الظاهير‪:‬‬
‫ليييس فييي ذلك شيييء؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬فييي ذلك كفارة يمييين‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم معارضية مفهوم النظير لظاهير قوله تعالى {ييا‬
‫أيهييا النييبي لم تحرم مييا أحييل الله لك تبتغييي مرضات أزواجييك}‬
‫وذلك أن النذر لييس هيو اعتقاد خلف الحكيم الشرعيي أعنيي مين‬
‫تحريم محلل أو تحليل محرم‪ ،‬وذلك أن التصرف في هذا إنما هو‬
‫للشارع فوجيييب أن يكون لمكان هذا المفهوم أن مييين حرم على‬
‫نفسيه شيئا أباحيه الله له بالشرع أنيه ل يلزميه كميا ل يلزم إن نذر‬
‫تحلييل شييء حرميه الشرع‪ ،‬وظاهير قوله تعالى {قيد فرض الله‬
‫لكييم تحلة أيمانكييم} أثيير العتييب على التحريييم يوجييب أن تكون‬
‫الكفارة تحيييل هذا العقيييد‪ ،‬وإن كان ذلك كذلك فهيييو غيييير لزم‪،‬‬
‫والفرقية الولى تأولت التحرييم المذكور فيي اليية أنيه كان العقيد‬
‫بيميين‪ .‬وقيد اختلف فيي الشييء الذي نزلت فييه هذه اليية‪ .‬وفيي‬
‫كتاب مسيلم أن ذلك كان فيي شربية عسيل‪ ،‬وفييه عين ابين عباس‬
‫أنيه قال‪ :‬إذا حرم الرجيل علييه امرأتيه فهيو يميين يكفرهيا‪ ،‬وقال‬
‫{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث في معرفة الشيء الذي يلزم عنها وأحكامها‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا اختلفهيم فيي ماذا يلزم فيي نذر نذر مين النذور وأحكام‬
‫ذلك‪ ،‬فإن فييييه اختلفيييا كثيرا‪ ،‬لكييين نشيييير نحييين مييين ذلك إلى‬
‫مشهورات المسائل في ذلك‪ ،‬وهي التي تتعلق بأكثر ذلك بالنطق‬
‫الشرعي على عادتنا في هذا الكتاب‪ ،‬وفي ذلك مسائل خمس‪:‬‬
‫@‪(-‬المسألة الولى) اختلفوا في الواجب في النذر المطلق الذي‬
‫ليييس يعييين فيييه الناذر شيئا سييوى أن يقول‪ :‬لله علي نذر‪ ،‬فقال‬
‫كثير من العلماء‪ :‬في ذلك كفارة يمين ل غير؛ وقال قوم‪ :‬بل فيه‬
‫كفارة الظهار؛ وقال قوم‪ :‬أقيل ميا ينطلق علييه السيم مين القرب‬
‫صيييام يوم أو صييلة ركعتييين‪ ،‬وإنمييا صييار الجمهور لوجوب كفارة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اليميين فييه للثابيت مين حدييث عقبية بين عامير أنيه علييه الصيلة‬
‫والسيلم قال "كفارة النذر كفارة يميين" خرجيه مسيلم‪ .‬وأميا مين‬
‫قال صييام يوم أو صيلة ركعتيين فإنميا ذهيب مذهيب مين يرى أن‬
‫المجزئ أقيل ميا ينطلق علييه السيم‪ ،‬وصيلة ركعتيين أو صييام يوم‬
‫أقيل ميا ينطلق علييه اسيم النذر‪ .‬وأميا مين قال فييه كفارة الظهار‬
‫فخارج عن القياس والسماع‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) اتفقوا على لزوم النذر بالمشييي إلى بيييت‬
‫الله‪ ،‬أعنييي إذا نذر المشييي راجل‪ .‬واختلفوا إذا عجييز فييي بعييض‬
‫الطريق فقال قوم‪ :‬ل شيء عليه؛ وقال قوم‪ :‬عليه‪ .‬واختلفوا في‬
‫ماذا علييه على ثلثية أقوال‪ :‬فذهيب أهيل المدينية إلى أن علييه أن‬
‫يمشيي مرة أخرى مين حييث عجيز‪ ،‬وإن شاء ركيب وأجزأه وعلييه‬
‫دم‪ ،‬وهذا مروي عين علي‪ .‬وقال أهيل مكية‪ :‬علييه هدي دون إعادة‬
‫مشيي‪ .‬وقال مالك‪ :‬علييه المران جميعيا‪ ،‬يعنيي أنيه يرجيع فيمشيي‬
‫مين حييث وجيب وعلييه هدي‪ ،‬والهدي عنده بدنية أو بقرة أو شاة‬
‫إن لم يجيد بقرة أو بدنية‪ .‬وسيبب اختلفهيم منازعية الصيول لهذه‬
‫المسيألة ومخالفية الثير لهيا‪ ،‬وذلك أن مين شبيه العاجيز إذا مشيى‬
‫مرة ثانية بالمتمتع والقارن من أجل أن القارن فعل ما كان عليه‬
‫فيي سيفرين فيي سيفر واحيد‪ ،‬وهذا فعيل ميا كان علييه فيي سيفر‬
‫واحيد فيي سيفرين قال‪ :‬يجيب علييه هدي القارن أو المتمتيع؛ ومين‬
‫شبهيه بسيائر الفعال التيي تنوب عنهيا فيي الحيج إراقية الدم قال‪:‬‬
‫فييه دم؛ ومين أخيذ بالثار الواردة فيي هذا الباب قال‪ :‬إذا عجيز فل‬
‫شييء علييه‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬والسينن الواردة الثابتية فيي هذا الباب‬
‫دلييل على طرح المشقية وهيو كميا قال‪ ،‬واحدهيا حدييث عقبية بين‬
‫عامر الجهني قال‪ :‬نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله عز وجل‬
‫فأمرتنييي أن أسييتفتي لهييا رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‪،‬‬
‫فاسييتفتيت لهييا النييبي صييلى الله عليييه وسييلم فقال "لتمييش‬
‫ولتركيب" خرجيه مسيلم‪ .‬وحدييث أنيس بين مالك "أن رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم رأى رجل يهادي بييين ابنتيييه‪ ،‬فسييأل عنييه‬
‫فقالوا‪ :‬نذر أن يمشيي‪ ،‬فقال علييه الصيلة والسيلم‪ :‬إن الله لغنيي‬
‫عن تعذيب هذا نفسه‪ ،‬وأمره أن يركب" وهذا أيضا ثابت‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) اختلفوا بعيد اتفاقهيم على لزوم المشيي فيي‬
‫حيج أو عمرة فيمين نذر أن يمشيي إلى مسيجد النيبي صيلى الله‬
‫علييه وسيلم أو إلى بييت المقدس يرييد بذلك الصيلة فيهميا‪ ،‬فقال‬
‫مالك والشافعيي‪ :‬يلزمه المشي؛ وقال أبو حني فة‪ :‬ل يلزمه شيء‬
‫وحيييث صييلى أجزأه‪ ،‬وكذلك عنده إن نذر الصييلة فييي المسييجد‬
‫الحرام‪ ،‬وإنمييا وجييب عنده المشييي بالنذر إلى المسييجد الحرام‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لمكان الحج والعمرة‪ .‬وقال أبو يوسف صاحبه‪ :‬من نذر أن يصلي‬
‫في بيت المقدس أو في مسجد النبي عليه الصلة والسلم لزمه‪،‬‬
‫وإن صيلى فيي البييت الحرام أجزأه عين ذلك‪ ،‬وأكثير الناس على‬
‫أن النذر لما سوى هذه المساجد الثلثة ل يلزم لقوله عليه الصلة‬
‫والسييلم "ل تسييرج المطييي إل لثلث‪ ،‬فذكيير المسييجد الحرام‬
‫ومسيجده وبييت المقدس" وذهيب بعيض الناس إلى أن النذر إلى‬
‫المسيياجد التييي يرجييى فيهييا فضييل زائد واجييب‪ ،‬واحتييج فييي ذلك‬
‫بفتوى ابين عباس لولد المرأة التيي نذرت أن تمشيي إلى مسيجد‬
‫قباء فماتيت أن يمشيي عنهيا‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي النذر إلى ميا‬
‫عدا المسييجد الحرام اختلفهييم فييي المعنييى الذي إليييه تسييرج‬
‫المطيي إلى هذه الثلث مسياجد‪ ،‬هيل ذلك لموضيع صيلة الفرض‬
‫فيما عدا البيت الحرام أو لموضع صلة النفل؟ فمن قال لموضع‬
‫صييييلة الفرض وكان الفرض عنده ل ينذر إذ كان واجبييييا بالشرع‬
‫قال‪ :‬النذر بالمشييي إلى هذييين المسييجدين غييير لزم؛ وميين كان‬
‫عنده أن النذر قيد يكون فيي الواجيب أو أنيه أيضيا قيد يقصيد هذان‬
‫المسجدان لموضع صلة النفل لقوله عليه الصلة والسلم "صلة‬
‫فيي مسيجدي هذا أفضيل مين ألف صيلة فيميا سيواه إل المسيجد‬
‫الحرام" واسيم الصيلة يشميل الفرض والنفيل‪ ،‬قال‪ :‬هيو واجيب؛‬
‫لكن أبو حنيفة حمل هذا الحديث على الفرض مصيرا إلى الجمع‬
‫بينه وبين قوله عليه الصلة والسلم "صلة أحدكم في بيته أفضل‬
‫مين صيلته فيي مسيجدي هذا إل المكتوبية" وإل وقيع التضاد بيين‬
‫هذييين الحديثييين‪ ،‬وهذه المسييألة هييي أن تكون ميين الباب الثانييي‬
‫أحق من أن تكون من هذا الباب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) واختلفوا فيي الواجيب على أن مين نذر أن‬
‫ينحيير ابنييه فييي مقام إبراهيييم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ينحيير جزورا فداء له؛‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ينحر شاة‪ ،‬وهو أيضا مروي عن ابن عباس؛ وقال‬
‫بعضهم‪ :‬بل ينحر مائة من البل‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬يهدي ديته‪ ،‬وروي‬
‫ذلك عين علي؛ وقال بعضهيم‪ :‬بيل يحيج بيه؛ وبيه قال اللييث؛ وقال‬
‫أبيو يوسيف والشافعيي‪ :‬ل شييء علييه لنيه نذر معصيية ول نذر فيي‬
‫معصيية‪ .‬وسيبب اختلفهيم قصية إبراهييم علييه الصيلة والسيلم‪،‬‬
‫أعني هل ما تقرب به إبراهيم هو لزم للمسلمين أم ليس بلزم؟‬
‫فمن رأى أن ذلك شرع خص به إبراهييم قال‪ :‬ل يلزم النذر؛ ومن‬
‫رأى أنيه لزم لنيا قال‪ :‬النذر لزم‪ .‬والخلف فيي هيل يلزمنيا شرع‬
‫ميين قبلنييا مشهور‪ ،‬لكيين يتطرق إلى هذا خلف آخيير‪ ،‬وهييو أن‬
‫الظاهير مين هذا الفعيل أنيه كان خاصيا بإبراهييم ولم يكين شرعيا‬
‫لهيل زمانيه‪ ،‬وعلى هذا فلييس ينبغيي أن يختلف هيل هيو شرع لنيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أم لييس بشرع؟ والذيين قالوا إنيه شرع إنميا اختلفوا فيي الواجيب‬
‫في ذلك من قبل اختلفهم أيضا في هل يحمل الواجب في ذلك‬
‫على الواجيييب إبراهييييم‪ ،‬أم يحميييل على غيييير ذلك مييين القرب‬
‫السيلمية‪ ،‬وذلك إميا صيدقة بديتيه‪ ،‬وإميا حيج بيه‪ ،‬وإميا هدي بدنية‪.‬‬
‫وأما الذين قالوا مائة من البل‪ ،‬فذهبوا إلى حديث عبد المطلب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الخامسية) واتفقوا على أن مين نذر أن يجعييل ماله‬
‫كله فيي سيبيل الله أو فيي سيبيل مين سيبل البر أنيه يلزميه وأنيه‬
‫ليييس ترفعييه الكفارة وذلك إذا كان نذرا على جهيية الخييبر ل على‬
‫جهيية الشرط وهييو الذي يسييمونه يمينييا‪ .‬واختلفوا فيميين نذر ذلك‬
‫على جهيية الشرط مثييل أن يقول‪ :‬مالي للمسيياكين إن فعلت كذا‬
‫ففعله؛ فقال قوم‪ :‬ذلك لزم كالنذر على جهة الخبر ول كفارة فيه‬
‫وهو مذهب مالك في النذور التي صيغها هذه الصيغة‪ ،‬أعني أنه ل‬
‫كفارة فييه؛ وقال قوم‪ :‬الواجيب فيي ذلك كفارة يميين فقيط‪ ،‬وهيو‬
‫مذهييب الشافعييي فييي النذور التييي مخرجهييا مخرج الشرط لنييه‬
‫ألحقهيا بحكيم اليمان؛ وأميا مالك فألحقهيا بحكيم النذور على ميا‬
‫تقدم مين قولنيا فيي كتاب اليمان‪ ،‬والذيين اعتقدوا وجوب إخراج‬
‫ماله فيي الموضيع الذي اعتقدوه اختلفوا فيي الواجيب علييه‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬يخرج ثلث ماله فقييط؛ وقال قوم‪ :‬بييل يجييب عليييه إخراج‬
‫جميع ماله‪ ،‬وبه قال إبراهيم النخعي وزفر؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يخرج‬
‫جميع الموال التي تجب الزكاة فيها‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إن أخرج مثل‬
‫زكاة ماله أجزأه‪ .‬وفيي المسيألة قول خاميس‪ .‬وهيو إن كان المال‬
‫كثيرا أخرج خمسيه وإن كان وسيطا أخرج سيبعه وإن كان يسييرا‬
‫أخرج عشره‪ ،‬وحيد هؤلء الكثيير بألفيين‪ ،‬والوسيط بألف‪ ،‬والقلييل‬
‫بخمسيمائة‪ ،‬وذلك مروي عين قتادة‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم فيي‬
‫هذه المسيألة‪ ،‬أعنيي مين قال المال كله أو ثلثيه معارضية الصيل‬
‫في هذا الباب للثر‪ ،‬وذلك أن ما جاء في حديث أبي لبابة بن عبد‬
‫المنذر حيييين تاب الله علييييه وأراد أن يتصيييدق بجييييع ماله‪ ،‬فقال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "يجزييك مين ذلك الثلث" هيو‬
‫نيص فيي مذهيب مالك‪ .‬وأميا الصيل فيوجيب أن اللزم له إنميا هيو‬
‫جمييع ماله حمل على سيائر النذر‪ ،‬أعنيي أنيه يجيب الوفاء بيه على‬
‫الوجه الذي قصده لكن الواجب هو استثناء هذه المسألة من هذه‬
‫القاعدة‪ ،‬إذ قييد اسييتثناها النييص‪ ،‬إل أن مالكييا لم يلزم فييي هذه‬
‫المسيألة أصيله‪ ،‬وذلك أنيه قال‪ :‬إن حلف أو نذر شيئا معينيا لزميه‬
‫وإن كان كيل ماله‪ ،‬وكذلك يلزم عنده إن عيين جزءا مين ماله وهيو‬
‫أكثير مين الثلث‪ ،‬وهذا مخالف لنيص ميا رواه فيي حدييث أبيي لبابية‬
‫وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي جاء بمثل بيضة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من ذهب فقال‪ :‬أصبت هذا من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك‬
‫غيرهيا‪ ،‬فأعرض عنيه رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬ثيم جاءه‬
‫عن يمينه ثم عن يساره ثم من خلفه‪ ،‬فأخذها رسول الله صلى‬
‫الله علييه وسيلم فحذفيه بهيا‪ ،‬فلو أصيابه بهيا لوجعيه‪ ،‬وقال علييه‬
‫الصيلة والسيلم "يأتيي أحدكيم بميا يملك فيقول هذه صيدقة ثيم‬
‫يقعيد يتكفيف الناس‪ ،‬خيير الصيدقة ميا كان عين ظهير غنيى" وهذا‬
‫نيص فيي أنيه ل يلزم المال المعيين إذا تصيدق به وكان جمييع ماله؛‬
‫ولعيل مالكيا لم تصيح عنده هذه الثار‪ .‬وأميا سيائر القاوييل التيي‬
‫قيلت فيي هذه المسيألة فضعاف‪ ،‬وبخاصية مين حيد فيي ذلك غيير‬
‫الثلث‪ ،‬وهذا القدر كاف فيييي أصيييول هذا الكتاب‪ ،‬والله الموفيييق‬
‫للصواب‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الضحايا‬
‫@‪-‬وهذا الكتاب فيي أصيوله أربعية أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬فيي حكيم‬
‫الضحايييا وميين المخاطييب بهييا‪ .‬الباب الثانييي‪ :‬فييي أنواع الضحايييا‬
‫وصيفاتها وأسينانها وعددهيا‪ .‬الباب الثالث‪ :‬فيي أحكام الذبيح‪ .‬الباب‬
‫الرابع‪ :‬في أحكام لحوم الضحايا‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في حكم الضحايا‪ ،‬ومن المخاطب بها‬
‫@‪-‬اختلف العلماء فييي الضحييية هييل هييي واجبيية أم هييي سيينة؟‬
‫فذهييب مالك والشافعييي إلى أنهييا ميين السيينن المؤكدة؛ ورخييص‬
‫مالك للحاج فيي تركهيا بمنيى؛ ولم يفرق الشافعيي فيي ذلك بيين‬
‫الحاج وغيره؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬الضحيية واجبية على المقيميين فيي‬
‫المصيار الموسيرين‪ ،‬ول تجيب على المسيافرين؛ وخالفيه صياحباه‬
‫أبو يوسف ومحمد فقال‪ :‬إنها ليست بواجبة؛ وروي عن مالك مثل‬
‫قول أبيي حنيفية‪ .‬وسيبب اختلفهيم شيئان‪ :‬أحدهميا هيل فعله علييه‬
‫الصييلة والسييلم فييي ذلك محمول على الوجوب أو على الندب‪،‬‬
‫وذلك أنيه لم يترك صيلى الله علييه وسيلم الضحيية قيط فيميا روي‬
‫عنيه حتيى فيي السيفر على ميا جاء فيي حدييث ثوبان قال‪" :‬ذبيح‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحيته ثم قال‪ :‬يا ثوبان أصلح‬
‫لحم هذه الضحية‪ ،‬قال‪ :‬فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة"‪.‬‬
‫والسبب الثاني اختلفهم في مفهوم الحاديث الواردة في أحكام‬
‫الضحاييا‪ ،‬وذلك أنيه ثبيت عنيه علييه الصيلة والسيلم مين حدييث أم‬
‫سيلمة أنيه قال "إذا دخيل العشير فأراد أحدكيم أن يضحيي فل يأخيذ‬
‫ميين شعره شيئا ول ميين أظفاره" قالوا‪ :‬فقوله‪" :‬إذا أراد أحدكييم‬
‫أن يضحيي" فييه دلييل على أن الضحيية ليسيت بواجبية‪ .‬ولميا أمير‬
‫عليه الصلة والسلم لبي بردة بإعادة أضحيته إذ ذبح قبل الصلة‬
‫فهم قوم من ذلك الوجوب‪ ،‬ومذهب ابن عباس أن ل وجوب‪ .‬قال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عكرمية‪ :‬بعثنيي ابين عباس بدرهميين أشتري بهميا لحميا وقال‪ :‬مين‬
‫لقييت فقيل له هذه ضحيية ابين عباس وروي عين بلل أنيه ضحيى‬
‫بديييك‪ ،‬وكييل حديييث ليييس بوارد فييي الغرض الذي يحتييج فيييه بييه‬
‫فالحتجاج به ضعيف‪ .‬واختلفوا هل يلزم الذي يريد التضحية أن ل‬
‫يأخذ من العشر الول من شعره وأظفاره‪ ،‬والحديث بذلك ثابت‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في أنواع الضحايا وصفاتها وأسنانها وعددها‪.‬‬
‫@‪-‬وفييي هذا الباب أربييع مسييائل مشهورة‪ :‬إحداهييا فييي تمييييز‬
‫الجنس‪ .‬والثانية‪ :‬في تمييز الصفات‪ .‬والثالثة‪ :‬في معرفة السن‪.‬‬
‫والرابعة‪ :‬في العدد‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) أجميع العلماء على جواز الضحاييا مين جمييع‬
‫بهيمة النعام‪ ،‬واختلفوا في الفضل من ذلك‪ ،‬فذهب مالك إلى أن‬
‫الفضيل فيي الضحاييا‪ :‬الكباش ثيم البقير ثيم البيل‪ ،‬بعكيس المير‬
‫عنده في الهدايا؛ وقد قيل عنه البل ثم البقر ثم الكباش؛ وذهب‬
‫الشافعيي إلى عكيس ميا ذهيب إلييه مالك فيي الضحاييا‪ :‬البيل ثيم‬
‫البقير ثيم الكباش‪ ،‬وبيه قال أشهيب وابين شعبان‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫معارضة القياس لدليل الفعل‪ ،‬وذلك أنه لم يرو عنه عليه الصلة‬
‫والسييلم أنييه ضحييى إل بكبييش‪ ،‬فكان ذلك دليل على أن الكباش‬
‫فيي الضحاييا أفضيل‪ ،‬وذلك فيميا ذكير بعيض الناس وفيي البخاري‬
‫عين ابين عمير ميا يدل ميا يدل على خلف ذلك وهيو أنيه قال "كان‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يذبيح وينحير بالمصيلى" وأميا‬
‫القياس فلن الضحاييا قربية بحيوان فوجيب أن يكون الفضيل فيهيا‬
‫الفضل في الهدايا‪ ،‬وقد احتج الشافعي لمذهبه بعموم قوله عليه‬
‫الصيلة والسيلم "مين راح فيي السياعة الولى فكأنميا قرب بدنية‬
‫وميين راح فييي السيياعة الثانييية فكأنمييا قرب بقرة وميين راح فييي‬
‫السياعة الثالثية فكأنميا قرب كبشيا" الحدييث‪ ،‬فكان الواجيب حميل‬
‫هذا على جميييع القرب بالحيوان‪ .‬وأمييا مالك فحمله على الهدايييا‬
‫فقيط لئل يعارض الفعيل القول وهيو الولى‪ .‬وقيد يمكين أن يكون‬
‫لختلفهم سبب آخر‪ ،‬وهو هل الذبح العظيم الذي فدى به إبراهيم‬
‫سنة باقية إلى اليوم وإنها الضحية‪ ،‬وإن ذلك معنى قوله {وتركنا‬
‫عليه في الخرين} فمن ذهب إلى هذا قال‪ :‬الكباش أفضل؛ ومن‬
‫رأى أن ذلك ليسيييت سييينة باقيييية لم يكييين عنده دلييييل على أن‬
‫الكباش أفضيل‪ ،‬ميع أنيه قيد ثبيت أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيييلم ضحيييى بالمريييين جميعيييا وإذا كان ذلك كذلك فالواجيييب‬
‫المصييير إلى قول الشافعييي‪ ،‬وكلهييم مجمعون على أنييه ل تجوز‬
‫الضحيية بغيير بهيمية النعام إل ميا حكيى عين الحسين بين صيالح أنيه‬
‫قال‪ :‬تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة‪ ،‬والظبي عن واحد‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) أجمييع العلماء على اجتناب العرجاء البييين‬


‫عرجها في الضحايا والمريضة البين مرضها والعجفاء التي ل تنقى‬
‫(العجفاء التي ل تنقى‪ :‬أي التي ل مخ في عظامها) مصيرا لحديث‬
‫البراء بين عازب أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم سيئل ماذا‬
‫ينقيى مين الضحاييا؟ فأشار بيده وقال‪" :‬أربيع" وكان البراء يشيير‬
‫بيده ويقول‪ :‬يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫العرجاء البييين عرجهييا‪ ،‬والعوراء البييين عورهييا‪ ،‬والمريضيية البييين‬
‫مرضهيا‪ ،‬والعجفاء التيي ل تنقيى"‪ .‬وكذلك أجمعوا على أن ميا كان‬
‫مين هذه الربيع خفيفيا فل تأثيير له فيي منيع الجزاء‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫موضعين‪ :‬أحدهما فيما كان من العيوب أشد من هذه المنصوص‬
‫عليها مثل العمى وكسر الساق‪ .‬والثاني فيما كان مساويا لها في‬
‫إفادة النقص وشين ها‪ ،‬أعني ما كان من العيوب فيي الذن والعيين‬
‫والذنيب والضرس وغيير ذلك مين العضاء ولم يكين يسييرا‪ .‬فأميا‬
‫الموضيييع الول‪ ،‬فإن الجمهور على أن ميييا كان أشيييد مييين هذه‬
‫العيوب المنصوص عليها فهي أحرى أن تمنع الجزاء‪ .‬وذهب أهل‬
‫الظاهير إلى أنيه ل تمنيع الجزاء ول يتجنيب بالجملة أكثير مين هذه‬
‫العيوب التيي وقيع النيص عليهيا‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل هذا اللفيظ‬
‫الوارد هو خاص أريد به الخصوص‪ ،‬أو خاص أريد به العموم؟ فمن‬
‫قال أريد به الخ صوص ولذلك أخبر بالعدد قال‪ :‬ل يمنع الجزاء إل‬
‫هذه الربعية فقيط؛ ومين قال هيو خاص أرييد بيه العموم وذلك مين‬
‫النوع الذي يقيع فييه التنيبيه بالدنيى على العلى قال‪ :‬ميا هيو أشيد‬
‫من المنصوص عليها فهو أحرى أن ل يجزى‪ .‬وأما الموضع الثاني‪،‬‬
‫أعنيي ميا كان مين العيوب فيي سيائر العضاء مفيدا للنقيص على‬
‫نحو إفادة هذه العيوب المنصوص عليها له فإنهم اختلفوا في ذلك‬
‫على ثلثية أقوال‪ :‬أحدهيا أنهيا تمنيع الجزاء كمنيع المنصيوص عليهيا‪،‬‬
‫وهيو المعروف مين مذهيب مالك فيي الكتيب المشهورة‪ .‬والقول‬
‫الثاني أنها ل تمنع الجزاء وإن كان يستحب اجتنابها‪ ،‬وبه قال ابن‬
‫القصيار وابين الجلب وجماعية مين البغدادييين مين أصيحاب مالك‪.‬‬
‫والقول الثالث أنهيا ل تمنيع الجزاء ول يسيتحب تجنبهيا‪ ،‬وهيو قول‬
‫أهل الظاهر‪ .‬وسبب اختلفهم شيئان أحدهما اختلفهم في مفهوم‬
‫الحدييييث المتقدم‪ .‬والثانيييي تعارض الثار فيييي هذا الباب‪ .‬أميييا‬
‫الحدييث المتقدم‪ ،‬فمين رآه مين باب الخاص أرييد بيه الخاص قال‪:‬‬
‫ل يمنيع ميا سيوى الربيع مميا هيو مسياو لهيا أو أكثير منهيا‪ .‬وأميا مين‬
‫رآه مين باب الخاص أرييد بيه العام وهيم الفقهاء‪ ،‬فمين كان عنده‬
‫أنيه مين باب التيبيه بالدنيى على العلى فقيط‪ ،‬ل مين باب التنيبيه‬
‫بالمسيياوى على المسيياوى قال‪ :‬يلحييق بهذه الربييع مييا كان أشييد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫منهيا‪ ،‬ول يلحيق بهيا ميا كان مسياويا لهيا فيي منيع الجزاء إل على‬
‫وجه الستحباب؛ ومن كان عنده أنه من باب التنبيه على المرين‬
‫جميعا أعني على ما هو أشد من المنطوق به أو مساويا له قال‪:‬‬
‫تمنع العيوب الشبيهة بالمنصوص عليها الجزاء كما يمنعه العيوب‬
‫التييي هييي أكييبر منهييا‪ ،‬فهذا هييو أحييد أسييباب الخلف فييي هذه‬
‫المسيألة‪ ،‬وهيو مين قبيل تردد اللفيظ بيين أن يفهيم منيه المعنيى‬
‫الخاص أو المعنى العام‪ ،‬ثم إن من فهم منه العام‪ ،‬فأي عام هو؟‬
‫هل الذي هو أكثر من ذلك؟ أو الذي هو أكثر والمساوي معا على‬
‫المشهور من مذهب مالك؟ وأما السبب الثاني فإنه ورد في هذا‬
‫الباب مين الحادييث الحسيان حديثان متعارضان‪ ،‬فذكير النسيائي‬
‫عيين أبيي بردة أنيه قال‪" :‬ييا رسيول الله أكره النقييص يكون فييي‬
‫القرن والذن‪ ،‬فقال له النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬ميا كرهتيه‬
‫فدعييه ول تحرمييه على غيرك" وذكيير علي بيين أبييي طالب قال‬
‫"أمرنيا رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أن نسيتشرف العيين‬
‫والذن ول يضحييييييييييييى بشرقاء ول خرقاء ول مدابرة ول بتراء"‬
‫والشرقاء‪ :‬المشقوقيييييييية الذن‪ .‬والخرقاء‪ :‬المثقوبيييييييية الذن‪.‬‬
‫والمدابرة‪ :‬التي قطع من جنبتي أذنها من خلف‪ .‬فمن رجح حديث‬
‫أبي بردة قال‪ :‬ل يتقي إل العيوب الربع أو ما هو أشد منها؛ ومن‬
‫جميع بيين الحديثيين بأن حميل حدييث أبيي بردة على اليسيير الذي‬
‫هيو غيير بيين وحدييث علي على الكثيير الذي هيو بيين ألحيق بحكيم‬
‫المنصييوص عليهييا مييا هييو مسيياو لهييا‪ ،‬ولذلك جرى أصييحاب هذا‬
‫المذهييب إلى التحديييد فيمييا يمنييع الجزاء ممييا يذهييب ميين هذه‬
‫العضاء‪ ،‬فاعتيبر بعضهيم ذهاب الثلث مين الذن والذنيب‪ ،‬وبعضهيم‬
‫اعتيبر الكثير؛ وكذلك المير فيي ذهاب السينان وأطباء الثدي‪ ،‬وأميا‬
‫القرن فإن مالكييا قال‪ :‬ليييس ذهاب جزء منييه عيبييا إل أن يكون‬
‫يدمى فإنه عنده من باب المرض‪ ،‬ول خلف في أن المرض البين‬
‫يمنع الجزاء‪ .‬وخرج أبو داود "أن النبي عليه الصلة والسلم نهى‬
‫عن أعصب الذن والقرن" واختلفوا في الصكاء وهي التي خلقت‬
‫بل أذنييين‪ ،‬فذهييب مالك والشافعييي إلى أنهييا ل تجوز؛ وذهييب أبييو‬
‫حنيفية إلى أنيه إذا كان خلقية جاز كالجيم ولم يختلف الجمهور أن‬
‫قطييع الذن كله أو أكثره عيييب‪ ،‬وكييل هذا الختلف راجييع إلى مييا‬
‫قدمناه‪ .‬واختلفوا فيي البتير؛ فقوم أجازوه لحدييث جابر الجعفيي‬
‫عين محميد بين قرظية عين أبيي سيعيد الخدري أنيه قال "اشترييت‬
‫كبشا لضحي به‪ ،‬فأكل الذئب ذنبه‪ ،‬فسألت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬ضح به" وجابر عند أكثر المحدثين ل يحتج به‬
‫وقوم أيضا منعوه لحديث علي المتقدم‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثالثية) وهيي معرفية السين المشترطية فيي‬


‫الضحايا فإنهم أجمعوا على أنه ل يجوز الجذع من المعز بل الثني‬
‫فما فوقه لقوله عليه الصلة والسلم لبي بردة لما أمره بالعادة‬
‫"يجزييك‪ ،‬ول يجذي جذع عين أحيد غيرك" واختلفوا فيي الجذع مين‬
‫الضأن‪ ،‬فالجمهور على جوازه‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بييل الثنييي ميين الضأن‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم معارضيية العموم للخصييوص‪ ،‬فالخصييوص هييو‬
‫حديييث جابر قال‪ :‬قال رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم "ل‬
‫تذبحوا إل مسينة إل أن يعسير عليكيم فتذبحوا جذعية مين الضأن"‬
‫خرجيه مسيلم‪ .‬والعموم هيو ميا جاء فيي حدييث أبيي بردة بين نيار‬
‫خرجيه مين قوله علييه الصيلة والسيلم "ول تجزي جذعية عين أحيد‬
‫بعدك" فمين رجيح هذا العموم على الخصيوص‪ ،‬وهيو مذهيب أبيي‬
‫محميد بين حزم فيي هذه المسيألة لنيه زعيم أن أبيا الزبيير مدلس‬
‫عند المحدثين‪ ،‬والمدلس عندهم من ليس يجري العنعنة من قوله‬
‫مجرى المسيند لتسيامحه فيي ذلك‪ ،‬وحدييث أبيي بردة ل مطعين‬
‫فيييه‪ .‬وأمييا ميين ذهييب إلى بناء الخاص على العام على مييا هييو‬
‫مشهور عند جمهور الصوليين فإنه استثنى من ذلك العموم جذع‬
‫الضأن المنصيوص عليهيا وهيو الولى‪ ،‬وقيد صيحح هذا الحدييث أبيو‬
‫بكير بين صيفور (هكذا بالصيل وليحرر)‪ ،‬وخطيأ أبيا محميد بين حزم‬
‫فيميا نسيب إلى أبيي الزبيير فيي غالب ظنيي فيي قول له رد فييه‬
‫على ابن حزم‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الرابعية) وهيي عدد ميا يجزي مين الضحاييا عين‬
‫المضحييين فإنهييم اختلفوا فييي ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجوز أن يذبييح‬
‫الرجيل الكبيش أو البقرة أو البدنية مضحييا عين نفسيه وعين أهيل‬
‫بيتييه الذييين تلزمييه نفقتهييم بالشرع‪ ،‬وكذلك عنده الهدايييا؛ وأجاز‬
‫الشافعيي وأبيو حنيفية وجماعية أن ينحير الرجيل البدنية عين سيبع‪،‬‬
‫وكذلك البقرة مضحيا أو مهد يا‪ ،‬وأجمعوا على أن الكبيش ل يجزي‬
‫إل عن واحد‪ ،‬إل ما رواه مالك من أنه يجزي أن يذبحه الرجل عن‬
‫نفسيه وعين أهيل بيتيه ل على جهية الشركية بيل إذا اشتراه مفردا‪،‬‬
‫وذلك لما روي عن عائشة أنها قالت "كنا بمنى فدخل علينا بلحم‬
‫بقيير‪ ،‬فقلنييا مييا هييو؟ فقالوا‪ :‬ضحييى رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسلم عن أزواجه" وخالفه في ذلك أبو حنيفة والثوري على وجه‬
‫الكراهيية ل على وجييه عدم الجزاء‪ .‬وسييبب اختلفهييم معارضيية‬
‫الصييل فييي ذلك للقياس المبنييي على الثيير الوارد فييي الهدايييا‪،‬‬
‫وذلك أن الصيل هيو أن ل يجزي إل واحيد عين واحيد‪ ،‬ولذلك اتفقوا‬
‫على منييع الشتراك فييي الضأن‪ ،‬وإنمييا قلنييا‪ :‬إن الصييل هييو أن ل‬
‫يجزي إل واحد عن واحد‪ ،‬لن المر بالتضحية ل يتبعض إذ كان من‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كان له شرك فيي ضحيية لييس ينطلق علييه اسيم مضيح إل إن قام‬
‫الدلييل الشرعيي على ذلك‪ .‬وأميا الثير الذي انبنيى علييه القياس‬
‫المعارض لهذا الصييل فمييا روي عيين جابر أنييه قال "نحرنييا مييع‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم عام الحديبيية البدنية عين سيبع"‬
‫وفييي بعييض روايات الحديييث "سيين رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة" فقاس الشافعي وأبو‬
‫حنيفة الضحايا في ذلك على الهدايا؛ وأما مالك فرجح الصل على‬
‫القياس المبنييي على هذا الثيير لنييه اعتييل لحديييث جابر بأن ذلك‬
‫كان حيين صيد المشركون رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم عين‬
‫البييت‪ ،‬وهدي المحصير بعيد لييس هيو عنده واجبيا وإنميا هيو تطوع‪،‬‬
‫وهدي التطوع يجوز عنده فيييه الشتراك‪ ،‬ول يجوز الشتراك فييي‬
‫الهدي الواجييب‪ ،‬لكيين على القول بأن الضحايييا غييير واجبيية فقييد‬
‫يمكن قياسها على هذا الهدي؛ وروي عنه ابن القاسم أنه ل يجوز‬
‫الشتراك ل فييي هدي تطوع ول فييي هدي وجوب‪ ،‬وهذا كأنييه رد‬
‫للحديييث لمكان مخالفتييه للصييل فييي ذلك‪ ،‬وأجمعوا على أنييه ل‬
‫يجوز أن يشترك فيي النسيك أكثير مين سيبعة‪ .‬وإن كان قيد روي‬
‫مين حدييث رافيع بين خدييج ومين طرييق ابين عباس وغيره "البدنية‬
‫عييين عشرة"‪ .‬وقال الطحاوي‪ :‬وإجماعهيييم على أنيييه ل يجوز أن‬
‫يشترك فيي النسيك أكثير مين سيبعة دلييل على أن الثار فيي ذلك‬
‫غير صحيحة‪ ،‬وإنما صار مالك لجواز تشريك الرجل أهل بيته في‬
‫أضحيته أو هدية لما رواه عن ابن شهاب أنه قال "ما نحر رسول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم عين أهيل بيتيه إل بدنية واحدة أو بقرة‬
‫واحدة" وإنما خولف مالك في الضحايا في هذا المعنى‪ ،‬أعني في‬
‫التشرييك لن الجماع انعقيد على منيع التشرييك فييه فيي الجانيب‪،‬‬
‫فوجب أن يكون القارب في ذلك في قياس الجانب‪ ،‬وإنما فرق‬
‫مالك في ذلك بين الجانب والقارب لقياسه الضحايا على الهدايا‬
‫في الحديث الذي احتج به‪ :‬أعني حديث ان شهاب‪ ،‬فاختلفهم في‬
‫هذه المسيألة إذا رجيع إلى تعارض القيسية فيي هذا الباب‪ :‬أعنيي‬
‫إما إلحاق القارب بالجانب‪ ،‬وإما قياس الضحايا على الهدايا‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في أحكام الذبح‪.‬‬
‫@‪-‬ويتعلق بالذبح المختص بالضحايا النظر في الوقت والذبح‪ .‬أما‬
‫الوقييت فإنهييم اختلفوا فيييه فييي ثلثيية مواضييع‪ :‬فييي ابتدائه وفييي‬
‫انتهائه وفييي الليالي المتخللة له‪ .‬فأمييا فييي ابتدائه‪ ،‬فإنهييم اتفقوا‬
‫على أن الذبييح قبييل الصييلة ل يجوز لثبوت قوله عليييه الصييلة‬
‫والسييلم "ميين ذبييح قبييل الصييلة فإنمييا هييي شاة لحييم" وأمره‬
‫بالعادة لمن ذبح قبل الصلة وقوله "أول ما نبدأ به في يومنا هذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هو أن نصلي ثم ننحر" إلى غير ذلك من الثار الثابتة التي في هذا‬
‫المعنيى‪ .‬واختلفوا فيمين ذبيح قبيل ذبيح المام وبعيد الصيلة‪ ،‬فذهيب‬
‫مالك إلى أنه ل يجوز لحد ذبح أضحيته قبل ذبح المام؛ وقال أبو‬
‫حنيفية والثوري‪ :‬يجوز الذبيح بعيد الصيلة وقبيل ذبيح المام‪ .‬وسيبب‬
‫اختلفهيم اختلف الثار فيي هذا الباب‪ ،‬وذلك أنيه جاء فيي بعضهيا‬
‫"أن النبي عليه الصلة والسلم أمر لمن ذبح قبل الصلة أن يعيد‬
‫الذبح"‪ ،‬وفي بعضها "أنه أمر لمن ذبح قبل ذبحه أن يعيد" وخرج‬
‫هذا الحديييث الذي فيييه هذا المعنييى مسييلم؛ فميين جعييل ذلك‬
‫موطنييين اشترط ذبييح المام فييي جواز الذبييح؛ وميين جعييل لذلك‬
‫موطنيا واحدا قال‪ :‬إنميا يعتيبر فيي إجزاء الذبيح الصيلة فقيط‪ .‬وقيد‬
‫اختلفت الرواية في حديث أبي بردة ابن نيار‪ ،‬وذلك أن في بعض‬
‫رواياتيه "أنيه ذبيح قبيل الصيلة فأمره رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم أن يعييد الذبيح" وفيي بعضهيا "أنيه ذبيح قبيل ذبيح رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فأمره بالعادة" وإذا كان ذلك كذلك فحمل‬
‫قول الراوي أنييه ذبييح قبييل رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‪،‬‬
‫وقول الخير ذبيح قبيل الصيلة على موطين واحيد أولى‪ ،‬وذلك أن‬
‫مين ذبيح قبيل الصيلة فقيد ذبيح قبيل رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم‪ ،‬فيجيب أن يكون المؤثير فيي عدم الجزاء إنميا هيو الذبيح‬
‫قبيل الصيلة كميا جاء فيي الثار الثابتية فيي ذلك مين حدييث أنيس‬
‫وغيره "أن ميين ذبييح قبييل الصييلة فليعييد" وذلك أن تأصيييل هذا‬
‫الحكييم منييه صييلى الله عليييه وسييلم يدل بمفهوم الخطاب دللة‬
‫قويية أن الذبيح بعيد الصيلة يجزئ‪ ،‬لنيه لو كان هنالك شرط آخير‬
‫مميا يتعلق بيه إجزاء الذبيح لم يسيكت عنيه رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم مع أن فرضه التبيين‪ ،‬ونص حديث أنس هذا قال‪ :‬قال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يوم النحير "مين كان ذبيح قبيل‬
‫الصيلة فليعيد" واختلفوا مين هذا الباب فيي فرع مسيكوت عنيه‪،‬‬
‫وهيو متيى يذبيح مين لييس له إمام مين أهيل القرى؟ فقال مالك‪:‬‬
‫يتحرون ذبييح أقرب الئميية إليهييم؛ وقال الشافعييي‪ :‬يتحرون قدر‬
‫الصلة والخطبة ويذبحون؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬من ذبح من هؤلء بعد‬
‫الفجييير أجزأه؛ وقال قوم‪ :‬بعيييد طلوع الشميييس؛ وكذلك اختلف‬
‫أصحاب مالك في فرع آخر‪ ،‬وهو إذا لم يذبح المام في المصلى‪،‬‬
‫فقال قوم‪ :‬يتحرى ذبحييه بعييد انصييرافه؛ وقال قوم‪ :‬ليييس يجييب‬
‫ذلك‪ .‬وأما آخر زمان الذبح فإن مالكا قال‪ :‬آخره اليوم الثالث من‬
‫أيام النحيير وذلك مغيييب الشمييس‪ .‬فالذبييح عنده هييو فييي اليام‬
‫المعلومات يوم النحيير ويومان بعده‪ ،‬وبييه قال أبييو حنيفيية وأحمييد‬
‫وجماعية؛ وقال الشافعيي والوزاعيي‪ :‬الضحيى أربعية يوم النحير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وثلثة أيام بعده‪ .‬وروي عن جماعة أنهم قالوا‪ :‬الضحى يوم واحد‬
‫وهو يوم النحر خاصة؛ وقد قيل الذبح إلى آخر يوم من ذي الحجة‬
‫وهيو شاذ ل دلييل علييه‪ ،‬وكيل هذه القاوييل مرويية عين السيلف‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم شيئان‪ :‬أحدهميا اختلفهيم فيي اليام المعلومات‬
‫ميا هيي فيي قوله تعالى {ليشهدوا منافيع لهيم ويذكروا اسيم الله‬
‫فيي أيام معلومات على ميا رزقهيم مين بهيمية النعام} فقييل يوم‬
‫النحيير ويومان بعده وهييو المشهور؛ وقيييل العشيير الول ميين ذي‬
‫الحجيية‪ .‬والسييبب الثانييي معارضيية دليييل الخطاب فييي هذه الييية‬
‫لحديييث جييبير بيين مطعييم‪ ،‬وذلك أنييه ورد فيييه عنييه عليييه الصييلة‬
‫والسيلم أنيه قال "كيل فجاج مكية منحير وكيل أيام التشرييق ذبيح"‬
‫فمين قال فيي اليام المعلومات إنهيا يوم النحير ويومان بعده فيي‬
‫هذه الية ورجح دليل الخطاب فيها على الحديث المذكور قال "ل‬
‫نحر إل في هذه اليام" ومن رأى الجمع بين الحديث والية وقال‬
‫ل معارضة بينهما إذ الحديث اقتضى حكما زائدا على ما في الية‪،‬‬
‫مييع أن الييية ليييس المقصييود منهييا تحديييد أيام الذبييح‪ ،‬والحديييث‬
‫المقصييود منييه ذلك قال‪ :‬يجوز الذبييح فييي اليوم الرابييع إذ كان‬
‫باتفاق ميين أيام التشريييق‪ ،‬ول خلف بينهييم أن اليام المعدودات‬
‫هي أيام التشريق وأنها ثلثة بعد يوم النحر‪ ،‬إل ما روي عن سعيد‬
‫بن جبير أنه قال‪ :‬يوم النحر من أيام التشريق‪ .‬وإنما اختلفوا في‬
‫اليام المعلومات على القولييين المتقدمييين‪ .‬وأمييا ميين قال يوم‬
‫النحير فقيط فبناء على أن المعلومات هيي العشير الول قال‪ :‬وإذا‬
‫كان الجماع قد انعقد أنه ل يجوز الذبح منها إل في اليوم العاشر‬
‫وهي محل الذبح المنصوص عليها فواجب أن يكون الذبح إنما هو‬
‫يوم النحر فقط‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثالثية) وهيي اختلفهيم فيي الليالي التيي تتخلل‬
‫أيام النحير‪ ،‬فذهيب مالك فيي المشهور عنيه إلى أنيه ل يجوز الذبيح‬
‫فيي ليالي أيام التشرييق ول النحير‪ .‬وذهيب الشافعيي وجماعية إلى‬
‫جواز ذلك‪ .‬وسبب اختلفهم الشتراك الذي في اسم اليوم‪ ،‬وذلك‬
‫أنييييه مرة يطلقييييه العرب على النهار والليلة مثييييل قوله تعالى‬
‫{فتمتعوا فييي داركييم ثلثيية أيام} ومرة يطلقييه على اليام دون‬
‫الليالي مثيل قوله تعالى {سيخرها عليهيم سيبع ليال وثمانيية أيام‬
‫حسيوما} فمين جعيل اسيم اليوم يتناول اللييل ميع النهار فيي قوله‬
‫تعالى {ليذكروا اسييم الله فييي أيام معلومات} قال‪ :‬يجوز الذبييح‬
‫باللييل والنهار فيي هذه اليام؛ ومين قال لييس يتناول اسيم اليوم‬
‫اللييل فيي هذه اليية قال‪ :‬ل يجوز الذبيح ول النحير باللييل‪ .‬والنظير‬
‫هل اسم اليوم أظهر في أحدهما من الثاني‪ ،‬ويشبه أن يقال إنه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أظهر في النهار منه في الليل‪ ،‬لكن إن سلمنا أن دللته في الية‬


‫هيي على النهار فقيط لم يمنيع الذبيح باللييل إل بنحيو ضعييف مين‬
‫إيجاب دل يل الخطاب‪ ،‬وهو تعلييق ضد الحكم بضد مفهوم السم‪،‬‬
‫وهذا النوع مين أنواع الخطاب هيو مين أضعفهيا حتيى إنهيم قالوا ميا‬
‫قال بيييه أحيييد المتكلميييين إل الدقاق فقيييط إل أن يقول قائل إن‬
‫الصيل هيو الحظير فيي الذبيح‪ ،‬وقيد ثبيت جوازه بالنهار‪ ،‬فعلى مين‬
‫جوزه باللييل الدلييل‪ .‬وأميا الذابيح فإن العلماء اسيتحبوا أن يكون‬
‫المضحيي هيو الذي يلي ذبيح أضحيتيه بيده‪ ،‬واتفقوا على أنيه يجوز‬
‫أن يوكيل غيره على الذبيح‪ .‬واختلفوا هيل تجوز الضحيية إن ذبحهيا‬
‫غيره بغير إذ نه‪ ،‬فقيل ل يجوز‪ ،‬وقييل بالفرق بيين أن يكون صديقا‬
‫أو ولدا أو أجنبييييا‪ ،‬أعنيييي أنيييه يجوز أن كان صيييديقا أو ولدا‪ ،‬ولم‬
‫يختلف المذهب فيما أحسب أنه إن كان أجنبيا أنها ل تجوز‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في أحكام لحوم الضحايا‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن المضحييي مأمور أن يأكييل ميين لحييم أضحيتييه‬
‫ويتصيييدق لقوله تعالى {فكلوا منهيييا وأطعموا البائس الفقيييير}‬
‫وقوله تعالى {وأطعموا القانيع والمعتير} ولقوله صيلى الله علييه‬
‫وسييلم فييي الضحايييا "كلوا وتصييدقوا وادخروا"‪ .‬واختلف مذهييب‬
‫مالك هيل يؤمير بالكيل والصيدقة معيا‪ ،‬أم هيو مخيير بيين أن يفعيل‬
‫أحيد المريين؟ أعنيي أن يأكيل الكيل أو يتصيدق بالكيل؟ وقال ابين‬
‫المواز له أن يفعيل أحيد المريين؛ واسيتحب كثيير مين العلماء أن‬
‫يقسيمها أثلثيا‪ :‬ثلثيا للدخار‪ ،‬وثلثيا للصيدقة‪ ،‬وثلثيا للكيل لقوله علييه‬
‫الصلة والسلم "فكلوا وتصدقوا وادخروا" وقال عبد الوهاب في‬
‫الكييل إنييه ليييس بواجييب فييي المذاهييب خلفييا لقوم أوجبوا ذلك‪،‬‬
‫وأظيين أهييل الظاهيير يوجبون تجزئة لحوم الضحايييا إلى القسييام‬
‫الثلثية التيي يتضمنهيا الحدييث والعلماء متفقون فيميا علميت أنيه ل‬
‫يجوز ميع لحمهيا‪ ،‬واختلفوا فيي جلدهيا وشعرهيا وميا عدا ذلك مميا‬
‫ينتفع به منها‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ل يجوز يبعه؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز‬
‫بيعه بغير الدراهم والدنانير‪ :‬أي بالعروض‪ .‬وقال عطاء‪ :‬يجوز بكل‬
‫شيء دراهم ودنانير وغير ذلك‪ ،‬وإنما فرق أبو حنيفة بين الدراهم‬
‫وغيرهييا‪ ،‬لنييه رأى أن المعاوضيية بالعروض هييي ميين باب النتفاع‬
‫لجماعهم على أنه يجوز أن ينتفع به‪ ،‬وهذا القدر كاف في قواعد‬
‫هذا الكتاب والحمد لله‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الذبائح‬
‫@‪-‬والقول المحيط بقواعد هذا الكتاب ينحصر في خمسة أبواب‪:‬‬
‫الباب الول‪ :‬فييي معرفيية محييل الذبييح والنحيير‪ ،‬وهييو المذبوح أو‬
‫المنحور‪ .‬الباب الثانيي‪ :‬فييي معرفية الذبيح والنحيير‪ .‬الباب الثالث‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي معرفية اللة التيي بهيا يكون الذبيح والنحير‪ .‬الباب الرابيع‪ :‬فيي‬
‫معرفة شروط الذكاة‪ .‬الباب الخامس‪ :‬في معرفة الذابح والناحر‬
‫والصييول هييي الربعيية‪ ،‬والشروط يمكيين أن تدخييل فييي الربعيية‬
‫البواب والسهل في التعليم أن يجعل بابا على حدته‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في معرفة محل الذبح والنحر‪.‬‬
‫@‪-‬والحيوان في اشتراط الذكاة في أكله على قسمين‪ :‬حيوان ل‬
‫يحيل إل بذكاة‪ ،‬وحيوان يحيل بغيير ذكاة‪ .‬ومين هذه ميا اتفقوا علييه‬
‫ومنهيا ميا اختلفوا فييه‪ .‬واتفقوا على أن الحيوان الذي يعميل فييه‬
‫الذبيييح هيييو الحيوان البري ذو الدم الذي لييييس بمحرم ول منفوذ‬
‫المقاتيل ول ميئوس منيه بوقيذ أو نطيح أو ترد أو افتراس سيبع أو‬
‫مرض‪ ،‬وأن الحيوان البحري ليييس يحتاج إلى ذكاة‪ .‬واختلفوا فييي‬
‫الحيوان الذي لييس يدميي مميا يجوز أكله مثيل الجراد وغيره هيل‬
‫له ذكاة أم ل؟ وفيي الحيوان المدميي الذي يكون تارة فيي البحير‬
‫وتارة فيي البر مثيل السيلحفاة وغيره‪ .‬واختلفوا فيي تأثيير الذكاة‬
‫فيي الصيناف التيي نيص عليهيا فيي آيية التحرييم وفيي تأثيير الذكاة‬
‫فيمييا ل يحييل أكله‪ ،‬أعنييي فييي تحليييل النتفاع بجلودهييا وسييلب‬
‫النجاسية عنهيا‪ ،‬ففيي هذا الباب إذا سيت مسيائل أصيول‪ :‬المسيألة‬
‫الولى‪ :‬في تأثير الذكاة في الصناف الخمسة التي نص عليها في‬
‫الية إذا أدركت حية‪ .‬المسألة الثانية‪ :‬في تأثير الذكاة في الحيوان‬
‫المحرم الكيل‪ .‬المسيألة الثالثية‪ :‬فيي تأثيير الذكاة فيي المريضية‪.‬‬
‫المسيألة الرابعية‪ :‬فيي هيل ذكاة الجنيين ذكاة أميه أم ل؟ المسيألة‬
‫الخامسة‪ :‬هل للجراد ذكاة أم ل؟ المسألة السادسة‪ :‬هل للحيوان‬
‫الذي يأوي في البر تارة وفي البحر تارة ذكاة أم ل؟‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الولى) أما المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة‬
‫وما أكل السبع فإنهم اتفقوا فيما أعلم أنه إذا لم يبلغ الخنق منها‬
‫أو الوقذ منها إلى حالة ل يرجى فيها أن الذكاة عاملة فيها‪ ،‬أعني‬
‫أنه إذا غلب على الظن أنها تعيش‪ ،‬وذلك بأن ل يصاب لها مقتل‪.‬‬
‫واختلفوا إذا غلب على الظين أنهيا تهلك مين ذلك بإصيابة مقتيل أو‬
‫غيره‪ ،‬فقال قوم‪ :‬تعمييل الذكاة فيهييا‪ ،‬وهييو مذهييب أبييي حنيفيية‬
‫والمشهور ميين قول الشافعييي‪ ،‬وهييو قول الزهري وابيين عباس؛‬
‫وقال قوم‪ :‬ل تعمييل الذكاة فيهييا؛ وعيين مالك فييي ذلك الوجهان‪،‬‬
‫ولكين الشهير أنهيا ل تعميل فيي الميئوس منهيا‪ :‬وبعضهيم تأول فيي‬
‫المذهيب أن الميئوس منهيا على ضربيين ميئوسية مشكوك فيهيا‪،‬‬
‫وميئوسيية مقطوع بموتهييا وهييي المنفوذة المقاتييل على اختلف‬
‫بينهم أيضا في المقاتل قال‪ :‬فأما الميئوسة المشكوك فيها ففي‬
‫المذهيييب فيهيييا روايتان مشهورتان؛ وأميييا المنفوذة المقاتيييل فل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خلف فييي المذهييب المنقول أن الذكاة ل تعمييل فيهييا وإن كان‬


‫يتخرج فيهيا الجواز على وجيه ضعييف‪ .‬وسيبب اختلفهيم اختلفهيم‬
‫فيي مفهوم قوله تعالى {إل ميا ذكيتيم} هيل هيو اسيتثناء متصيل‬
‫فيخرج ميين الجنييس بعييض مييا يتناوله اللفييظ وهييو المنخنقيية‬
‫والموقوذة والمترديييية والنطيحييية وميييا أكيييل السيييبع على عادة‬
‫السيتثناء المتصيل‪ ،‬أم هيو اسيتثناء منقطيع ل تأثيير له فيي الجملة‬
‫المتقدميية‪ ،‬إذ كان هذا أيضييا شأن السييتثناء المنقطييع فييي كلم‬
‫العرب‪ ،‬فمن قال إنه متصل قال‪ :‬الذكاة تعمل في هذه الصناف‬
‫الخمسة؛ وأما من قال الستثناء منقطع فإنه قال‪ :‬ل تعمل الذكاة‬
‫فيهيا‪ .‬وقيد احتيج مين قال‪ :‬إن السيتثناء متصيل بإجماعهيم على أن‬
‫الذكاة تعمل في المرجو منها قال‪ :‬فهذا يدل على أن الستثناء له‬
‫تأثيير فيهيا فهيو متصيل‪ .‬وقيد احتيج أيضيا مين رأى أنيه منقطيع بأن‬
‫التحرييم لم يتعلق بأعيان هذه الصيناف الخمسية وهيي حيية وإنميا‬
‫يتعلق بهييا بعييد الموت‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فالسييتثناء منقطييع‪،‬‬
‫وذلك أن معنى قوله تعالى {حرميت عليكيم الميتية} إنما هيو لحم‬
‫الميتية‪ ،‬وكذلك لحيم الموقوذة والمترديية والنطيحية وسيائرها‪ :‬أي‬
‫لحيم الميتية بهذه السيباب سيوى التيي تموت مين تلقاء نفسيها‪،‬‬
‫وهييي التيي تسيمى ميتية أكثير ذلك فيي كلم العرب أو بالحقيقية‬
‫قالوا‪ ،‬فلميا علم أن المقصيود لم يكين تعلييق التحرييم بأعيان هذه‬
‫وهي حية‪ ،‬وإنما علق بها بعد الموت‪ ،‬لن لحم الحيوان محرم في‬
‫حال الحياة بدلييل اشتراط الذكاة فيهيا‪ ،‬وبدلييل قوله علييه الصيلة‬
‫والسلم "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" وجب أن يكون‬
‫قوله {إل مييا ذكيتييم} اسييتثناء منقطعييا‪ ،‬لكيين الحييق فييي ذلك أن‬
‫كيفما كان المر في الستثناء فواجب أن تكون الذكاة تعمل فيها‪،‬‬
‫وذلك أنيه إن علقنيا التحرييم بهذه الصيناف فيي اليية بعيد الموت‬
‫وجب أن تدخل في التذكية من جهة ما هي حية الصناف الخمسة‬
‫وغيرها‪ ،‬لنها ما دامت حية مساوية لغيرها في ذلك من الحيوان‪،‬‬
‫أعني أنها تقبل الحلية من قبل التذكية التي الموت منها هو سبب‬
‫الحليييية‪ ،‬وإن قلنيييا إن السيييتثناء متصيييل فل خفاء بوجوب ذلك‪،‬‬
‫ويحتمييل أن يقال‪ :‬إن عموم التحريييم يمكيين أن يفهييم منييه تناول‬
‫أعيان هذه الخمسة بعد الموت وقبله كالحال في الخنزير الذي ل‬
‫تعميل فييه الذكاة‪ ،‬فيكون السيتثناء على هذا رافعيا لتحرييم أعيانهيا‬
‫بالتنصيص على عمل الذكاة فيها‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك لم يلزم ما‬
‫اعترض بيييه ذلك المعترض مييين السيييتدلل على كون السيييتثناء‬
‫منقطعيا‪ .‬وأميا مين فرق بيين المنفوذة المقاتيل والمشكوك فيهيا‬
‫فيحتمييل أن يقال إن مذهبييه أن السييتثناء منقطييع وأنييه إنمييا جاز‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تأثييييير الذكاة فييييي المرجوة بالجماع‪ ،‬وقاس المشكوكيييية على‬


‫المرجوة‪ .‬ويحتمل أن يقال إن الستثناء متصل‪ ،‬ولكن استثناء هذا‬
‫الصيينف ميين الموقوذة بالقياس‪ ،‬وذلك أن الذكاة إنمييا يجييب أن‬
‫تعميل فيي حيين يقطيع أنهيا سيبب الموت‪ ،‬فأميا إذا شيك هيل كان‬
‫موجيب الموت الذكاة أو الوقيذ أو النطيح أو سيائرها فل يجيب أن‬
‫تعمل في ذلك وهذه هي حال المنفوذة المقاتل‪ ،‬وله أن يقول إن‬
‫المنفوذة المقاتيل فيي حكيم الميتية والذكاة مين شرطهيا أن ترفيع‬
‫الحياة الثابتة ل الحياة الذاهبة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) وأمييا هييل تعمييل الذكاة فييي الحيوانات‬
‫المحرمات الكيل حتيى تطهير بذلك جلودهيم‪ ،‬فإنهيم أيضيا اختلفوا‬
‫فييي ذلك؛ فقال مالك‪ :‬الذكاة تعميل فييي السييباع وغيرهيا ميا عدا‬
‫الخنزييير‪ ،‬وبييه قال أبييو حنيفيية‪ ،‬إل أنييه اختلف المذهييب فييي كون‬
‫السباع فيه محرمة أو مكروهة على ما سيأتي في كتاب الطعمة‬
‫والشربيية‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬الذكاة تعمييل فييي كييل حيوان محرم‬
‫الكل (ليس هذا مشهور مذهب الشافعي فليراجع ا هي مصححه)‬
‫فيجوز بيع جميع أجزائه والنتفاع بها ماعدا اللحم‪ .‬وسبب الخلف‬
‫هييل جميييع أجزاء الحيوان تابعيية للحييم فييي الحلييية والحرميية‪ ،‬أم‬
‫ليسيت بتابعية للحيم؟ فمين قال إنهيا تابعية للحيم قال‪ :‬إذا لم تعميل‬
‫الذكاة في اللحم لم تعمل فيما سواه؛ ومن رأى أنها ليست بتابعة‬
‫قال‪ :‬وإن لم تعمييل فييي اللحييم فإنهييا تعمييل فييي سييائر أجزاء‬
‫الحيوان‪ ،‬لن الصييل أنهييا تعمييل فييي جميييع الجزاء‪ ،‬فإذا ارتفييع‬
‫بالدلييل المحرم للحيم عملهيا فيي اللحيم بقيي عملهيا فيي سيائر‬
‫الجزاء إل أن يدل الدليل على ارتفاعه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) واختلفوا فيي تأثيير الذكاة فيي البهيمية التيي‬
‫أشرفييت على الموت ميين شدة المرض بعييد اتفاقهييم على عمييل‬
‫الذكاة فيييي التيييي تشرف على الموت‪ ،‬فالجمهور على أن الذكاة‬
‫تعمل فيها وهو المشهور عن مالك‪ ،‬وروي عنه أن الذكاة ل تعمل‬
‫فيهيا‪ .‬وسيبب الخلف معارضية القياس للثير‪ .‬فأميا الثير فهيو ميا‬
‫روي "أن أمية لكعيب بين مالك كانيت ترعيى غنميا بسيلع فأصييب‬
‫شاة منهيا فأدركتهيا فذكتهيا بحجير‪ ،‬فسيئل رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم فقال‪ :‬كلوهيا" خرجيه البخاري ومسيلم‪ .‬وأميا القياس‬
‫فلن المعلوم من الذكاة أنها إنما تفعل في الحي وهذه في حكم‬
‫المييت وكيل من أجاز ذبحهيا فإنهيم اتفقوا على أنيه ل تعميل الذكاة‬
‫فيهيا إل إذا كان فيهيا دلييل على الحياة‪ .‬واختلفوا فيميا هيو الدلييل‬
‫المعتيبر فيي ذلك‪ ،‬فبعضهيم اعتيبر الحركية وبعضهيم لم يعتبرهيا‪،‬‬
‫والول مذهيب أبيي هريرة والثانيي مذهيب زييد بين ثابيت؛ وبعضهيم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اعتيبر فيهيا ثلث حركات‪ :‬طرف العيين وتحرييك الذنيب والركيض‬


‫بالرجل‪ ،‬وهو مذهب سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم‪ ،‬وهو الذي‬
‫اختاره محمييد بين المواز وبعضهييم شرط مييع هذه التنفييس‪ ،‬وهييو‬
‫مذهب ابن حبيب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) واختلفوا هيل تعميل ذكاة الم فيي جنينهيا أم‬
‫ليس تعمل فيه؟ وإنما هو ميتة‪ ،‬أعني إذا خرج منها بعد ذبح الم؛‬
‫فذهييب جمهور العلماء إلى أن ذكاة الم ذكاة لجنينهييا‪ ،‬وبييه قال‬
‫مالك والشافعيي؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن خرج حييا ذبيح وأكيل‪ ،‬وإن‬
‫خرج ميتيا فهيو ميتية‪ .‬والذيين قالوا‪ :‬إن ذكاة الم ذكاة له بعضهيم‬
‫اشترط فييييي ذلك تمام خلقتييييه ونبات شعره‪ ،‬وبييييه قال مالك؛‬
‫وبعضهييم لم يشترط ذلك‪ ،‬وبييه قال الشافعييي‪ .‬وسييبب اختلفهييم‬
‫اختلفهيم فيي صيحة الثير المروي فيي ذلك مين حدييث أبيي سيعيد‬
‫الخدري ميع مخالفتيه للصيول‪ ،‬وحدييث أبيي سيعيد هيو قال "سيألنا‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم عين البقرة أو الناقية أو الشاة‬
‫ينحرها أحدنا فنجد في بطنها جنينا أنأكله أو نلقه؟ فقال‪ :‬كلوه إن‬
‫شئتييم فإن ذكاتييه ذكاة أمييه" وخرج مثله الترمذي وأبييو داود عيين‬
‫جابر‪ .‬واختلفوا في تصحيح هذا الثر فلم يصححه بعضهم وصححه‬
‫بعضهيم وأحيد مين صيححه الترمذي‪ .‬وأميا مخالفية الصيل فيي هذا‬
‫الباب للثير‪ ،‬فهيو أن الجنيين إذا كان حييا ثيم مات بموت أميه فإنميا‬
‫يموت خنقيا فهيو مين المنخنقية التيي ورد النيص بتحريمهيا‪ ،‬وإلى‬
‫تحريميه ذهيب أبيو محميد بين حزم ولم يرض سيند الحدييث‪ .‬وأميا‬
‫اختلف القائلييين بحليتييه فييي اشتراطهييم نبات الشعيير فيييه أو ل‬
‫اشتراطيه فالسيبب فييه معارضية العموم للقياس‪ ،‬وذلك أن عموم‬
‫قوله علييه الصيلة والسيلم "ذكاة الجنيين ذكاة أميه" يقتضيي أن ل‬
‫يقييع هنالك تفصيييل وكونييه محل للذكاة يقتضييي أن يشترط فيييه‬
‫الحياة قياسييا على الشياء التييي تعمييل فيهييا التذكييية‪ ،‬والحياة ل‬
‫توجيد إل فييه إذا نبيت شعره وتيم خل قه‪ ،‬يعضيد هذا القياس أن هذا‬
‫الشرط مروي عين ابين كعيب وعين جماعية مين الصيحابة‪ .‬وروى‬
‫معميير عيين الزهري عيين عبييد الله بيين كعييب بيين مالك قال‪ :‬كان‬
‫أصييحاب رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم يقولون‪ :‬إذا أشعيير‬
‫الجنيين فذكاتيه ذكاة أميه‪ .‬وروى ابين المبارك عين ابين أبيي ليلى‬
‫قال‪ :‬قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "ذكاة الجنيين ذكاة‬
‫أمه أشعر أو لم يشعر" إل أن ابن أبي ليلى سيء الحفظ عندهم‪،‬‬
‫والقياس يقتضيي أن تكون ذكاتيه فيي ذكاة أميه مين قبيل أنيه جزء‬
‫منهييييا‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فل معنييييى لشتراط الحياة فيييييه‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيضعيف أن يخصيص العموم الوارد فيي ذلك بالقياس الذي تقدم‬


‫ذكره عن أصحاب مالك‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الخامسة) واختلفوا في الجراد؛ فقال مالك‪ :‬ل يؤكل‬
‫مين غيير ذكاة وذكاتيه عنده هيو أن يقتيل إميا بقطيع رأسيه أو بغيير‬
‫ذلك‪ .‬وقال عاميية الفقهاء‪ :‬يجوز أكييل ميتتييه‪ ،‬وبييه قال مطرف؛‬
‫وذكاة ميا لييس بذي دم عنيد مالك كذكاة الجراد‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫فيي ميتية الجراد هيو هيل يتناوله اسيم الميتية أم ل فيي قوله تعالى‬
‫{حرميت عليكيم الميتية} وللخلف سيبب آخير وهيو هيل هيو نثرة‬
‫حوت أو حيوان بري‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة السييادسة) واختلفوا فييي الذي يتصييرف فييي البر‬
‫والبحر هل يحتاج إلى ذكاة أم ل؟ فغلب قوم فيه حكم البر وغلب‬
‫آخرون حكيم البحير‪ ،‬واعتيبر آخرون حييث يكون عيشيه ومتصيرفه‬
‫منهما غالبا‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في الذكاة‪.‬‬
‫@‪-‬وفيي قواعيد هذا الباب مسيئلتان‪ :‬المسيألة الولى‪ :‬فيي أنواع‬
‫الذكاة المختصة بصنف صنف من بهيمة النعام‪ .‬الثانية‪ :‬في صفة‬
‫الذكاة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) واتفقوا على أن الذكاة فييي بهيميية النعام‬
‫نحر وذبح‪ ،‬وأن من سنة الغنم والطير الذبح‪ ،‬وأن من سنة البل‬
‫النحيير‪ ،‬وأن البقيير يجوز فيهييا الذبييح والنحيير‪ .‬واختلفوا هييل يجوز‬
‫النحر في الغنم والطير والذبح في البل؟ فذهب مالك إلى أنه ل‬
‫يجوز النحير فيي الغنيم والطيير ول الذبيح فيي البيل‪ ،‬وذلك فيي غيير‬
‫موضع الضرورة‪ :‬وقال قوم‪ :‬يجوز جميع ذلك من غير كراهة‪ ،‬وبه‬
‫قال الشافعييي وأبييو حنيفيية والثوري وجماعيية ميين العلماء‪ .‬وقال‬
‫أشهيب‪ :‬إن نحير ميا يذبيح أو ذبيح ميا ينحير أكيل ولكنيه يكره‪ .‬وفرق‬
‫ابين بكيير بيين الغنيم والبيل فقال‪ :‬يؤكيل البعيير بالذبيح ول تؤكيل‬
‫الشاة بالنحيير‪ ،‬ولم يختلفوا فييي جواز ذلك فييي موضييع الضرورة‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم معارضة الفعل للعموم‪ .‬فأما العموم فقوله عليه‬
‫الصيلة والسيلم "ميا أنهير الدم وذكير اسيم الله علييه فكلوا" وأميا‬
‫الفعل‪ ،‬فإنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر البل‬
‫والبقر وذبح الغنم‪ ،‬وإنما اتفقوا على جواز ذبح البقر لقوله تعالى‬
‫{إن الله يأمركيم أن تذبحوا بقرة} وعلى ذبيح الغنيم لقوله تعالى‬
‫في الكبش {وفديناه بذبح عظيم} ‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية) وأما صفة الذكاة فإنهم اتفقوا على أن الذبح‬
‫الذي يقطيع فييه الودجان والمرئ والحلقوم مبييح للكيل‪ .‬واختلفوا‬
‫مين ذلك فيي مواضيع‪ :‬أحدهيا هيل الواجيب قطيع الربعية كلهيا أو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بعضهيا؟ وهيل الواجيب فيي المقطوع منهيا قطيع الكيل أو الكثير؟‬


‫وهيل مين شرط القطيع أن ل تقيع الجوزة إلى جهية البدن بيل إلى‬
‫جهة الرأس‪ ،‬وهل إن قطعها من جهة العنق جاز أكلها أم ل؟ وهل‬
‫إن تمادى فيي قطيع هذه حتيى قطيع النخاع جاز ذلك أم ل؟ وهيل‬
‫ميين شرط الذكاة أن ل يرفييع يده حتييى يتييم الذكاة أم ل؟ فهذه‬
‫سيت مسيائل فيي عدد المقطوع وفيي مقداره وفيي موضعيه وفيي‬
‫نهاية القطع وفي جهته أعني من قدام أو خلف وفي صفته‪.‬‬
‫@‪(-‬أمييا المسييألة الولى) فإن المشهور عيين مالك فييي ذلك هييو‬
‫قطع الودجين والحلقوم وأنه ل يجزئ أقل من ذلك‪ :‬وقيل عنه بل‬
‫الربعية؛ وقييل بيل الودجيين فقيط‪ ،‬ولم يختلف المذهيب فيي أن‬
‫الشرط فييي قطييع الودجييين هييو اسييتيفاؤهما‪ .‬واختلف فييي قطييع‬
‫الحلقوم على القول بوجوبييه فقيييل كله‪ ،‬وقيييل أكثره‪ .‬وأمييا أبييو‬
‫حنيفية فقال‪ :‬الواجيب فيي التذكيية هيو قطيع ثلثية غيير معينية مين‬
‫الربعييية‪ ،‬إميييا الحلقوم والودجان‪ ،‬وإميييا المرئ والحلقوم وأحيييد‬
‫الودجييين‪ ،‬أو المرئ والودجان‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬الواجييب قطييع‬
‫المرئ والحلقوم فقيط‪ .‬وقال محميد بين الحسين‪ :‬الواجيب قطيع‬
‫أكثير كيل واحيد مين الربعية‪ .‬وسيبب اختلفهيم أنيه لم يأت فيي ذلك‬
‫شرط منقول‪ ،‬وإنمييا جاء فييي ذلك أثران‪ :‬أحدهمييا يقتضييي إنهار‬
‫الدم فقييط‪ ،‬والخيير يقتضييي قطييع الوداج مييع إنهار الدم؛ ففييي‬
‫حديث رافع بن خديج أنه قال عليه الصلة والسلم "ما أنهر الدم‬
‫وذكير اسيم الله علييه فكيل" وهيو حدييث متفيق على صيحته‪ .‬وروي‬
‫عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما فرى‬
‫الوداج فكلوا ميا لم يكين رض ناب أو نحير ظفير" فظاهير الحدييث‬
‫الول يقتضي قطع بعض الوداج فقط لن إنهار الدم يكون بذلك‪،‬‬
‫وفييي الثانييي قطييع جميييع الوداج‪ ،‬فالحديثان والله أعلم متفقان‬
‫على قطع الودجين‪ ،‬إما أحدهما أو البعض من كليهما أو من واحد‬
‫منهما‪ ،‬ولذلك وجه الجمع بين الحديثين أن يفهم من لم التعريف‬
‫في قوله عليه الصلة والسلم "ما فرى الوداج" البعض ل الكل‪،‬‬
‫إذ كانيت لم التعرييف فيي كلم العرب قيد تدل على البعيض وأميا‬
‫مين اشترط قطيع الحلقوم والمرئ فلييس له حجية مين السيماع‬
‫وأكثير مين ذلك مين اشترط المرئ والحلقوم دون الودجيين‪ ،‬ولهذا‬
‫ذهيب قوم إلى أن الواجيب هيو قطيع ميا وقيع الجماع على جوازه‪،‬‬
‫لن الذكاة لميا كانيت شرطيا فيي التحلييل ولم يكين فيي ذلك نيص‬
‫فيما يجري وجب أن يكون الواجب في ذلك ما وقع الجماع على‬
‫جوازه‪ ،‬إل أن يقوم الدليييل على جواز السييتثناء ميين ذلك وهييو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ضعيييف‪ ،‬لن مييا وقييع الجماع على إجزائه ليييس يلزم أن يكون‬
‫شرطا في الصحة‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثالثية) فيي موضيع القطيع وهيي إن لم يقطيع‬
‫الجوزة فييي نصييفها وخرجييت إلى جهيية البدن فاختلف فيييه فييي‬
‫المذهيب؛ فقال مالك وابين القاسيم‪ :‬ل تؤكيل؛ وقال أشهيب وابين‬
‫عبيد الحكيم وابين وهيب تؤكيل‪ .‬وسيبب الخلف هيل قطيع الحلقوم‬
‫شرط في الذكاة أو ليس بشرط؟ فمن قال إنه شرط قال‪ :‬ل بد‬
‫أن تقطييع الجوزة‪ ،‬لنييه إذا قطييع فوق الجوزة فقييد خرج الحلقوم‬
‫سييليما؛ وميين قال إنييه ليييس بشرط قال‪ :‬إن قطييع فوق الجوزة‬
‫جاز‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الرابعة) وهي إن قطع أعضاء الذكاة من ناحية‬
‫العنيق‪ ،‬فإن المذهيب ل يختلف أنيه ل يجوز وهيو مذهيب سيعيد بين‬
‫المسييب وابين شهاب وغيرهيم وأجاز ذلك الشافعيي وأبيو حنيفية‬
‫وإسيحاق وأبيو ثور‪ ،‬وروي ذلك عين ابين عمير وعلي وعمران بين‬
‫الحصين‪ .‬وسبب اختلفهم هل تعمل الذكاة في المنفوذة المقاتل‬
‫أم ل تعمييل‪ ،‬وذلك أن القاطييع لعضاء الذكاة ميين القفييا ل يصييل‬
‫إليهيا بالقطيع إل بعيد قطيع النخاع وهيو مقتيل مين المقاتيل‪ ،‬فترد‬
‫الذكاة على حيوان قيد أصييب مقتله‪ ،‬وقيد تقدم سيبب الخلف فيي‬
‫هذه المسألة‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الخامسية) وهيي أن يتمادى الذابيح بالذبيح حتيى‬
‫يقطيع النخاع‪ ،‬فإن مالكيا كره ذلك إذا تمادى فيي القطيع ولم ينيو‬
‫قطيع النخاع مين أول المير‪ ،‬لنيه إن نوى ذلك فكأنيه نوى التذكيية‬
‫على غير الصفة الجائزة‪ .‬وقال مطرف وابن الماجشون‪ :‬ل تؤكل‬
‫إن قطعها متعمدا دون جهل‪ ،‬وتؤكل إن قطعها ساهيا أو جاهل‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة السادسة) وهي هل من شرط الذكاة أن تكون‬
‫فيي فور واحيد فإن المذهيب ل يختلف أن ذلك مين شرط الذكاة‪،‬‬
‫وأنيه إذا رفيع يده قبيل تمام الذبيح ثيم أعادهيا‪ ،‬وقيد تباعيد ذلك أن‬
‫تلك الذكاة ل تجوز‪ .‬واختلفوا إذا أعاد يده بفور ذلك وبالقرب‪،‬‬
‫فقال ابييين حيييبيب‪ :‬إن أعاد يده بالفور أكلت؛ وقال سيييحنون‪ :‬ل‬
‫تؤكييل؛ وقيييل إن رفعهييا لمكان الختبار هييل تمييت الذكاة أم ل‬
‫فأعادها على الفور إن تبين له أنها لم تتم أكلت وهو أحد ما تؤول‬
‫على سييحنون وقييد تؤول قوله على الكراهيية‪ .‬قال أبييو الحسيين‬
‫اللخميي‪ :‬ولو قييل عكيس هذا لكان أجود‪ ،‬أعنيي أنيه إذا رفيع يده‬
‫وهو يظن أنه قد أتم الذكاة فتبين له غير ذلك فأعادها أنها تؤكل‪،‬‬
‫لن الول وقيع عين شيك وهذا عين اعتقاد ظنيه يقينيا وهذا مبنيي‬
‫على أن مين شرط الذكاة قطيع كيل أعضاء الذكاة‪ ،‬فإذا رفيع يده‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قبيل أن تسيتتم كانيت منفوذة المقاتيل غيير مذكاة‪ ،‬فل تؤثير فيهيا‬
‫العودة‪ ،‬لنها بمنزلة ذكاة طرأت على المنفوذة المقاتل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث فيما تكون به الذكاة‪.‬‬
‫@‪-‬أجمييع العلماء على أن كييل مييا أنهيير الدم وفرى الوداج ميين‬
‫حديييد أو صييخر أو عود أو قضيييب أن التذكييية بييه جائزة‪ .‬واختلفوا‬
‫فييي ثلثيية‪ :‬فييي السيين والظفيير والعظييم‪ ،‬فميين الناس ميين أجاز‬
‫التذكيية بالعظيم ومنعهيا بالسين والظفير‪ ،‬والذيين منعوهيا بالسين‬
‫والظفيير منهييم ميين فرق بييين أن يكونييا منزوعييين أو ل يكونييا‬
‫منزوعين‪ ،‬فأجاز التذكية بهما إذا كانا منزوعين ولم يجزها إذا كانا‬
‫متصلين؛ ومنهم من قال‪ :‬إن الذكاة بالسن والعظم مكروهة غير‬
‫ممنوعة‪ ،‬ول خلف في المذهب أن الذكاة بالعظم جائزة إذا أنهر‬
‫الدم‪ ،‬واختلف فيي السن والظفر فيه على القاويل الثلثة‪ ،‬أعنيي‬
‫بالمنع مطلقا‪ ،‬والفرق فيهما بين النفصال والتصال وبالكراهية ل‬
‫بالمنيع‪ .‬وسيبب اختلفهيم اختلفهيم فيي مفهوم النهيي الوارد فيي‬
‫قوله علييه الصيلة والسيلم فيي حدييث رافيع بين خدييج‪ ،‬وفييه قال‬
‫"يييا رسييول الله إنييا لقييو العدو غدا وليييس معنييا مدى فنذبييح‬
‫بالقصيب؟ فقال علييه الصيلة والسيلم‪ :‬ميا أنهير الدم وذكير اسيم‬
‫الله علييه فكيل لييس السين والظفير وسيأحدثكم عنيه‪ ،‬أميا السين‬
‫فعظم‪ ،‬وأما الظفر فمدى الحبشة" فمن الناس من فهم منه أن‬
‫ذلك لمكان أن هذه الشياء لييس فيي طبعهيا أن تنهير الدم غالبيا؛‬
‫ومنهيم مين فهيم مين ذلك أنيه شرع غيير معلل‪ ،‬والذيين فهموا منيه‬
‫أنه شرع غير معلل‪ :‬منهم من اعتقد أن النهي في ذلك يدل على‬
‫فساد المنهي عنه؛ ومنهم من اعتقد أنه ل يدل على فساد المنهى‬
‫عنيه؛ ومنهيم مين اعتقيد أن النهيي فيي ذلك على وجيه الكراهية ل‬
‫على وجه الحظر‪ ،‬فمن فهم أن المعنى في ذلك أنه ل ينهر الدم‬
‫غالبا قال‪ :‬إذا وجد منهما ما ينهر الدم جاز‪ ،‬ولذلك رأى بعضهم أن‬
‫يكونييا منفصييلين إذ كان إنهار الدم منهمييا إذا كانييا بهذه الصييفة‬
‫أمكين‪ ،‬وهيو مذهيب أبيي حنيفية؛ ومين رأى أن النهيي عنهميا هيو‬
‫مشروع غير معلل وأنه يدل على فساد المنهى عنه قال‪ :‬إن ذبح‬
‫بهمييا لم تقييع التذكييية‪ ،‬وإن أنهيير الدم؛ وميين رأى أنييه ل يدل على‬
‫فسياد المنهيى عنيه قال‪ :‬إن فعيل وأنهير الدم أثيم وحلت الذبيحية؛‬
‫ومين رأى أن النهيي على وجيه الكراهيية كره ذلك ولم يحرميه‪ ،‬ول‬
‫معنييى لقول ميين فرق بييين العظييم والسيين‪ ،‬فإنييه عليييه الصييلة‬
‫والسلم قد علل المنع في السن بأنه عظم‪ ،‬ول يختلف المذهب‬
‫أنه يكره غير الحديد من المحدودات مع وجود الحديد لقوله عليه‬
‫الصلة والسلم "إن الله كتب الحسان على كل شيء فإذا قتلتم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته‬


‫وليرح ذبيحته" خرجه مسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في شروط الذكاة‪.‬‬
‫@‪-‬وفييي هذا الباب ثلث مسييائل‪ :‬المسييألة الولى‪ :‬فييي اشتراط‬
‫التسمية‪ .‬الثانية‪ :‬في اشتراط البسملة‪ .‬الثالثة‪ :‬في اشتراط النية‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) واختلفوا فييي حكييم التسييمية على الذبيحيية‬
‫على ثلثيية أقوال‪ :‬فقيييل هييي فرض على الطلق وقيييل بييل هييي‬
‫فرض مع الذكر ساقطة مع الن سيان؛ وقيل بل هي سنة مؤكدة‪،‬‬
‫وبالقول الول قال أهل الظاهر وابن عمر والشعبي وابن سيرين‪،‬‬
‫وبالقول الثانييي قال مالك وأبييو حنيفيية والثوري‪ ،‬وبالقول الثالث‬
‫قال الشافعيي وأصيحابه‪ ،‬وهيو مروي عين ابين عباس وأبيي هريرة‬
‫وسييبب اختلفهييم معارضيية ظاهيير الكتاب فييي ذلك للثيير‪ .‬فأمييا‬
‫الكتاب فقوله تعالى {ول تأكلوا مميا لم يذكير اسيم الله علييه وإنيه‬
‫لفسيق} ‪ .‬وأميا السينة المعارضية لهذه اليية فميا رواه مالك عين‬
‫هشام عين أبييه أنيه قال "سيئل رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫فقييل‪ :‬ييا رسيول الله إن ناسيا مين الباديية يأتوننيا بلحمان ول ندري‬
‫أسيموا الله عليهيا أم ل؟ فقال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪:‬‬
‫سموا الله عليها ثم كلوها" فذهب مالك إلى أن الية ناسخة لهذا‬
‫الحدييث وتأول أن هذا الحدييث كان فيي أول السيلم ولم يير ذلك‬
‫الشافعي‪ ،‬لن هذا الحديث ظاهره أنه كان بالمدينة وآية التسمية‬
‫مكيية‪ ،‬فذهيب الشافعيي لمكان هذا مذهيب الجميع بأن حميل المير‬
‫بالتسيييمية على الندب‪ .‬وأميييا مييين اشترط الذكييير فيييي الوجوب‬
‫فمصييرا إلى قوله علييه الصيلة والسيلم "رفيع عين أمتيي الخطيأ‬
‫والنسيان وما استكرهوا عليه"‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) وأمييا اسييتقبال القبلة بالذبيحيية‪ ،‬فإن قومييا‬
‫استحبوا ذلك‪ ،‬وقوما أجازوا ذلك‪ ،‬وقوما أوجبوه‪ ،‬وقوما كرهوا أن‬
‫ل يسيتقبل بهيا القبلة‪ ،‬والكراهيية والمنيع موجودان فيي المذهيب‪،‬‬
‫وهي مسألة مسكوت عنها‪ ،‬والصل فيها الباحة إل أن يدل الدليل‬
‫على اشتراط ذلك‪ ،‬ولييس فيي الشرع شييء يصيلح أن يكون أصيل‬
‫تقاس علييه هذه المسيألة إل أن يسيتعمل فيهيا قياس مرسيل وهيو‬
‫القياس الذي ل يسييتند إلى أصييل مخصييوص عنييد ميين أجازه أو‬
‫قياس شبيه بعييد وذلك أن القبلة هيي جهية معظمية وهذه عبادة‪،‬‬
‫فوجيب أن يشترط فيهيا الجهية لكين هذا ضعييف لنيه لييس كيل‬
‫عبادة تشترط فيهييا الجهيية مييا عدا الصييلة‪ ،‬وقياس الذبييح على‬
‫الصلة بعيد‪ ،‬وكذلك قياسه على استقبال القبلة بالميت‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) وأميا اشتراط النيية فيهيا فقييل فيي المذهيب‬


‫بوجوب ذلك‪ ،‬ول أذكير فيهيا خارج المذهيب فيي هذا الوقيت خلفيا‬
‫فيي ذلك‪ ،‬ويشبيه أن يكون فيي ذلك قولن‪ :‬قول بالوجوب‪ ،‬وقول‬
‫بترك الوجوب‪ ،‬فميين أوجييب قال‪ :‬عبادة لشتراط الصييفة فيهييا‬
‫والعدد‪ ،‬فوجيب أن يكون مين شرطهيا النيية؛ ومين لم يوجبهيا قال‪:‬‬
‫فعيل معقول يحصيل عنيه فوات النفيس الذي هيو المقصيود منيه‪،‬‬
‫فوجيب أن ل تشترط فيهيا النيية كميا يحصيل مين غسيل النجاسية‬
‫إزالة عينها‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس فيمن تجوز تذكيته ومن ل تجوز‪.‬‬
‫@‪-‬والمذكور فييي الشرع ثلثيية أصييناف‪ :‬صيينف اتفييق على جواز‬
‫تذكيتيه‪ ،‬وصينف اتفيق على منيع ذكاتيه‪ ،‬وصينف اختلف فييه‪ .‬فأميا‬
‫الصنف الذي اتفق على ذكاته فمن جمع خمسة شروط‪ :‬السلم‬
‫والذكوريية والبلوغ والعقيل وترك تضييع الصيلة‪ .‬وأميا الذي اتفيق‬
‫على منع تذكيته فالمشركون عبدة الصنام لقوله تعالى {وما ذبح‬
‫على النصب} ولقوله {وما أهل به لغير الله} وأما الذين اختلف‬
‫فيهييم فأصييناف كثيرة‪ ،‬لكيين المشهور منهييا عشرة‪ :‬أهييل الكتاب‬
‫والمجوس والصيييابئون والمرأة والصيييبي والمجنون والسيييكران‬
‫والذي يضيييع الصييلة والسييارق والغاصييب‪ .‬فأمييا أهييل الكتاب‬
‫فالعلماء مجمعون على جواز ذبائحهم لقوله تعالى {وطعام الذين‬
‫أوتوا الكتاب حييل لكييم وطعامكييم حييل لهييم} ومختلفون فييي‬
‫التفصييل‪ ،‬فاتفقوا على أنهيم إذا لم يكونوا مين نصيارى بنيي تغلب‬
‫ول مرتدييين وذبحوا لنفسييهم وعلم أنهييم سييموا الله تعالى على‬
‫ذبيحتهييم وكانييت الذبيحيية ممييا لم تحرم عليهييم فييي التوراة ول‬
‫حرموها هم على أنفسهم أنه يجوز منها ما عدا الشحم‪ .‬واختلفوا‬
‫فيي مقابلت هذه الشروط‪ ،‬أعنيي إذا ذبحوا لمسيلم باسيتنابته أو‬
‫كانوا مين نصيارى بنيي تغلب أو مرتديين‪ ،‬وإذا لم يعلم أنهيم سيموا‬
‫الله أو جهييل مقصييود ذبحهييم أو علم أنهييم سييموا غييير الله ممييا‬
‫يذبحونيه لكنائسيهم وأعيادهيم أو كانيت الذبيحية مميا حرميت عليهيم‬
‫بالتوراة كقوله تعالى {كيل ذي ظفير} أو كانيت مميا حرموهيا على‬
‫أنفسهم مثل الذبائح التي تكون عند اليهود فاسدة من قبل خلقة‬
‫إلهية‪ ،‬وكذلك اختلفوا في الشحوم‪ .‬فأما إذا ذبحوا باستنابة مسلم‬
‫فقيل في المذهب عن مالك يجوز وقيل ل يجوز‪ .‬وسبب الختلف‬
‫هيل مين شرط ذبيح المسيلم اعتقاد تحلييل الذبيحية على الشروط‬
‫السيلمية فيي ذلك أم ل؟ فمين رأى أن النيية شرط فيي الذبيحية‬
‫قال‪ :‬ل تحيل ذبيحية الكتابيي لمسيلم‪ ،‬لنيه ل يصيح منيه وجود هذه‬
‫النيية‪ .‬ومين رأى أن ذلك لييس بشرط وغلب عموم الكتاب‪ :‬أعنيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قوله تعالى {وطعام الذيييين أوتوا الكتاب حيييل لكيييم} قال يجوز‪،‬‬
‫وكذلك من اعتقد أن نية المستنيب تجزئ وهو قول ابن وهب‪.‬‬
‫(وأميا المسيألة الثانيية) وهيي ذبائح نصيارى بنيي تغلب والمرتديين‪،‬‬
‫فإن الجمهور على أن ذبائح النصييارى ميين العرب حكمهييا حكييم‬
‫ذبائح أهييل الكتاب‪ ،‬وهييو قول ابيين عباس؛ ومنهييم ميين لم يجييز‬
‫ذبائحهيم‪ ،‬وهيو أحيد قولي الشافعيي‪ ،‬وهيو مروى عين علي رضيي‬
‫الله عنييييه‪ .‬وسييييبب الخلف هييييل يتناول العرب المتنصييييرين‬
‫والمتهوديييين اسيييم الذيييين أوتوا الكتاب كميييا يتناول ذلك الميييم‬
‫المختصيية بالكتاب وهييم بنييو اسييرائيل والروم‪ .‬وأمييا المرتييد فإن‬
‫الجمهور على أن ذبيحتييه ل تؤكييل‪ .‬وقال اسييحاق‪ :‬ذبيحتييه جائزة؛‬
‫وقال الثوري‪ :‬مكروهة‪ .‬وسبب الخلف هل المر تد ل يتناوله اسم‬
‫أهل الكتاب إذ كان ليس له حرمة أهل الكتاب أو يتناوله؟‬
‫(وأما المسألة الثالثة) وهي إذا لم يعلم أن أهل الكتاب سموا الله‬
‫على الذبيحية فقال الجمهور‪ :‬تؤكيل‪ ،‬وهيو مروى عين علي‪ ،‬ولسيت‬
‫أذكير فييه فيي هذا الوقيت خلفيا‪ ،‬ويتطرق إلييه الحتمال بأن يقال‬
‫إن الصييل هييو أن ل يؤكييل ميين تذكيتهييم إل مييا كان على شروط‬
‫السيلم؛ فإذا قييل على هذا أن التسيمية مين شرط التذكيية وجيب‬
‫أن ل تؤكييل ذبائحهييم بالشييك فييي ذلك‪ .‬وأمييا إذا علم أنهييم ذبحوا‬
‫ذلك لعيادهيم وكنائسيهم فإن مين العلماء مين كرهيه‪ ،‬وهيو قول‬
‫مالك؛ ومنهم من أباحه‪ ،‬وهو قول أشهب؛ ومنهم من حرمه‪ ،‬وهو‬
‫الشافعييي‪ .‬وسييبب اختلفهييم تعارض عمومييي الكتاب فييي هذا‬
‫الباب‪ ،‬وذلك أن قوله تعالى {وطعام الذييييين أوتوا الكتاب حييييل‬
‫لكيم} يحتميل أن يكون مخصيصا لقوله تعالى {وميا أهيل بيه لغيير‬
‫الله} ويحتمييل أن يكون قوله تعالى {ومييا أهييل بييه لغييير الله}‬
‫مخصييصا لقوله تعالى {وطعام الذييين أوتوا الكتاب حييل لكييم} إذ‬
‫كان كل واحد منهما يصح أن يستثنى من الخر‪ ،‬فمن جعل قوله‬
‫تعالى وميا أهيل بيه لغيير الله مخصيصا لقوله تعالى {وطعام الذيين‬
‫أوتوا الكتاب حل لكم} قال‪ :‬ل يجوز ما أهل به للكنائس والعياد؛‬
‫ومين عكيس المير قال‪ :‬يجوز‪ .‬وأميا إذا كانيت الذبيحية مميا حرميت‬
‫عليهييم‪ ،‬فقيييل يجوز؛ وقيييل ل يجوز‪ ،‬وقيييل بالفرق بييين أن تكون‬
‫محرمة عليهم بالتوراة أو من قبل أنفسهم‪ ،‬أعني بإباحة ما ذبحوا‬
‫مما حرموا على أنفسهم ومنع ما حرم الله عليهم؛ وقيل يكره ول‬
‫يمنييع‪ .‬والقاويييل الربعيية موجودة فييي المذهييب‪ :‬المنييع عيين ابيين‬
‫القاسيم‪ ،‬والباحية عين ابين وهيب وابين عبيد الحكيم‪ ،‬والتفرقية عين‬
‫أشهب‪ .‬وأصل الختلف معارضة عموم الية لشتراط نية الذكاة‪:‬‬
‫أعنيي اعتقاد تحلييل الذبيحية بالتذكيية؛ فمين قال ذلك شرط فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫التذكية قال ل تجوز هذه الذبائح لنهم ل يعتقدون تحليلها بالتذكية؛‬


‫وميين قال ليييس بشرط فيهييا وتمسييك بعموم الييية المحللة قال‪:‬‬
‫تجوز هذه الذبائح‪ .‬وهذا بعينيييه هيييو سيييبب اختلفهيييم فيييي أكيييل‬
‫الشحوم مييين ذبائحهيييم‪ ،‬ولم يخالف فيييي ذلك أحيييد غيييير مالك‬
‫وأصيحابه؛ فمنهيم من قال‪ :‬إن الشحوم محرمية وهو قول أشهيب؛‬
‫ومنهييم ميين قال مكروهيية‪ ،‬والقولن عيين مالك؛ ومنهييم ميين قال‬
‫مباحة‪.‬‬
‫ويدخل في الشحوم سبب آخر من أسباب الخلف سوى معارضة‬
‫العموم لشتراط اعتقاد تحلييل الذبيحية بالذكاة‪ ،‬وهيو هيل تتبعيض‬
‫التذكييية أو ل تتبعييض؟ فميين قال تتبعييض قال‪ :‬ل تؤكييل الشحوم؛‬
‫ومين قال ل تتبعيض قال‪ :‬يؤكيل الشحيم‪ .‬ويدل على تحلييل شحوم‬
‫ذبائحهيم حدييث عبيد الله بين مغفيل إذ أصياب جراب الشحيم يوم‬
‫خييبر‪ ،‬وقيد تقدم فيي كتاب الجهاد‪ .‬ومين فرق بيين ميا حرم عليهيم‬
‫من ذلك في أصل شرعهم وبين ما حرموا على أنفسهم قال‪ :‬ما‬
‫حرم عليهيم هيو أمير حيق فل تعميل فييه الذكاة‪ ،‬وميا حرموا على‬
‫أنفسيهم هيو أمير باطيل فتعميل فييه التذكيية‪ .‬قال القاضيي‪ :‬والحيق‬
‫أن ميا حرم عليهيم أو حرموا على أنفسيهم هيو فيي وقيت شريعية‬
‫السيلم أمير باطيل إذ كانيت ناسيخة لجمييع الشرائع‪ ،‬فيجيب أن ل‬
‫يراعيي اعتقادهيم فيي ذلك‪ ،‬ول يشترط أيضيا أن يكون اعتقادهيم‬
‫فيي تحلييل الذبائح اعتقاد المسيلمين ول اعتقاد شريعتهيم لنيه لو‬
‫اشترط ذلك لما جاز أكل ذبائحهم بوجه من الوجوه‪ ،‬لكون اعتقاد‬
‫شريعتهم في ذلك منسوخا‪ ،‬ولعتقاد شريعتنا ل يصح منهم‪ ،‬وإنما‬
‫هذا حكييم خصييهم الله تعالى بييه‪ ،‬فذبائحهييم والله أعلم جائزة لنييا‬
‫على الطلق وإل ارتفيع حكيم آيية التحلييل جملة‪ ،‬فتأميل هذا فإنيه‬
‫بيييين والله أعلم‪ .‬وأميييا المجوس فإن الجمهور على أنيييه ل تجوز‬
‫ذبائحهيم لنهيم مشركون‪ ،‬وتمسيك قوم فيي إجازتهيا بعموم قوله‬
‫عليييه الصييلة والسييلم "سيينوا بهييم سيينة أهييل الكتاب"‪ .‬وأمييا‬
‫الصائبون فالختلف فيهم من قبل اختلفهم في هل هم من أهل‬
‫الكتاب أم ليسييوا ميين أهييل الكتاب‪ .‬وأمييا المرأة والصييبي فإن‬
‫الجمهور على أن ذبائحهم جائزة غير مكروهة‪ ،‬وهو مذهب مالك‪،‬‬
‫وكره ذلك أبيو المصيعب‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم‪ .‬نقصيان المرأة‬
‫والصييبي‪ ،‬وإنمييا لم يختلف الجمهور فييي المرأة لحديييث معاذ بيين‬
‫سعيد "أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى بسلع فأصيبت شاة‬
‫فأدركتها فذبحتها بحجر‪ ،‬فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عن ذلك فقال‪ :‬ل بأس بها فكلوها" وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا المجنون والسيكران فإن مالكيا لم يجيز ذبيحتهميا‪ ،‬وأجاز ذلك‬


‫الشافعي‪ .‬وسبب الخلف اشتراط النية في الذكاة‪ ،‬فمن اشترط‬
‫النيية منيع ذلك إذ ل يصيح مين الجنون ول مين السيكران وبخاصية‬
‫الملتييخ (الملتييخ‪ :‬الملطييخ‪ ،‬قاموس)‪ .‬وأمييا جواز تذكييية السييارق‬
‫والغاصييب‪ ،‬فإن الجمهور على جواز ذلك؛ ومنهييم ميين منييع ذلك‬
‫ورأى أنهييا ميتيية‪ ،‬وبييه قال داود وإسييحاق بيين راهويييه‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهيم هيل النهيي يدل على فسياد المنهيى عنيه أو ل يدل؟ فمين‬
‫قال يدل قال‪ :‬السييارق والغاصييب منهييى عيين ذكاتهييا وتناولهييا‬
‫وتملكهيا‪ ،‬فإذا كان ذكاهيا فسيدت التذكيية؛ ومين قال ل يدل إل إذا‬
‫كان المنهييى عنييه شرطييا ميين شروط ذلك الفعييل قال‪ :‬تذكيتهييم‬
‫جائزة لنه ليس صحة الملك شرطا من شروط التذكية‪.‬‬
‫وفي موطأ ابن وهب "أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عنها فلم ير بها بأسا" وقد جاء إباحة ذلك مع الكراهية فيما روي‬
‫عين النيبي علييه الصيلة والسيلم فيي الشاة التيي ذبحيت بغيير إذن‬
‫ربها‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أطعموها السارى"‬
‫وهذا القدر كاف في أصول هذا الكتاب والله أعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الصيد‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الكتاب فيي أصيوله أيضيا أربعية أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬فيي‬
‫حكييم الصيييد وفييي محييل الصيييد‪ .‬الثانييي‪ :‬فيمييا بييه يكون الصيييد‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬فييي صييفة ذكاة الصيييد والشرائط المشترطيية فييي عمييل‬
‫الذكاة في الصيد‪ .‬الرابع‪ :‬فيمن يجوز صيده‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في حكم الصيد ومحله‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا حكيم الصييد فالجمهور على أنيه مباح لقوله تعالى {أحيل‬
‫لكيم صييد البحير وطعاميه متاعيا لكيم وللسييارة وحرم عليكيم صييد‬
‫البر مييا دمتييم حرمييا} ثييم قال {وإذا حللتييم فاصييطادوا} واتفييق‬
‫العلماء على أن المير بالصييد فيي هذه اليية بعيد النهيي يدل على‬
‫الباحة كما اتفقوا على ذلك في قوله تعالى {فإذا قضيت الصلة‬
‫فانتشروا فيي الرض وابتغوا مين فضيل الله} أعنيي أن المقصيود‬
‫بيه الباحية لوقوع المير بيه بعيد النهيي وإن كان اختلفوا هيل المير‬
‫بعيد النهيي يقتضيي الباحية أو ل يقتضييه وإنميا يقتضيي على أصيله‬
‫الوجوب؛ وكره مالك الصييد الذي يقصيد بيه السيرف‪ ،‬وللمتأخريين‬
‫مين أصيحابه فييه تفصييل محصيول قولهيم فييه إن منيه ميا هيو فيي‬
‫حق بعض الناس واجب وفي حق بعضهم حرام‪ ،‬وفي حق بعضهم‬
‫مندوب‪ ،‬وفيي حيق بعضهيم مكروه؛ وهذا النظير فيي الشرع تغلغيل‬
‫فيي القياس وبعيد عين الصيول المنطوق بهيا فيي الشرع‪ ،‬فلييس‬
‫يلييق بكتابنيا هذا إذ كان قصيدنا فييه إنميا هيو ذكير المنطوق بيه مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشرع أو ميا كان قريبيا من المنطوق بيه‪ .‬وأميا محيل الصييد فإنهيم‬
‫أجمعوا على أن محله من الحيوان البحري وهو السمك وأصنافه‪،‬‬
‫ومين الحيوان البري الحلل الكيل الغيير مسيتأنس‪ .‬واختلفوا فيميا‬
‫اسيتوحش مين الحيوان المسيتأنس فلم يقدر على أخذه ول ذبحيه‬
‫أو نحره‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل يؤكييل إل أن ينحيير‪ ،‬ميين ذلك مييا ذكاتييه‬
‫النحير‪ ،‬ويذبيح ميا ذكاتيه الذبيح‪ ،‬أو يفعيل بيه أحدهميا إن كان مميا‬
‫يجوز فييه المران جميعيا‪ .‬وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬إذا لم يقدر‬
‫على ذكاة البعييير الشارد فإنييه يقتييل كالصيييد‪ .‬وسييبب اختلفهييم‬
‫معارضة الصل في ذلك للخبر‪ ،‬وذلك أن الصل في هذا الباب هو‬
‫أن الحيوان النسييي ل يؤكييل إل بالذبييح أو النحيير‪ ،‬وأن الوحشييي‬
‫يؤكل بالعقر‪ .‬وأما الخبر المعارض لهذه الصول‪ ،‬فحديث رافع بن‬
‫خديييج وفيييه قال "فنييد منهييا بعييير وكان فييي القوم خيييل يسيييرة‬
‫فطلبوه فأعياهيم‪ ،‬فأهوى إلييه رجيل بسيهم فحبسيه الله تعالى بيه‪،‬‬
‫فقال النيبي علييه الصيلة والسيلم‪" :‬إن لهذه البهائم أوابيد كأوابيد‬
‫الوحيش فميا نيد عليكيم فاصينعوا بيه هكذا" والقول بهذا الحدييث‬
‫أولى لصحته‪ ،‬لنه ل ينبغي أن يكون هذا مستثنى من ذلك الصل‬
‫مع أن لقائل أن يقول إنه جار مجرى الصل في هذا الباب‪ ،‬وذلك‬
‫أن العلة فيي كون العقير ذكاة فيي بعيض الحيوان لييس شيئا أكثير‬
‫من عدم القدرة عليه‪ ،‬ل لنه وحشي فقط‪ ،‬فإذا وجد هذا المعنى‬
‫ميين النسييي جاز أن تكون ذكاتييه ذكاة الوحشييي‪ ،‬فيتفييق القياس‬
‫والسماع‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني فيما يكون به الصيد‪.‬‬
‫@‪-‬والصيل فيي هذا الباب آيتان وحديثان‪ :‬اليية الولى قوله تعالى‬
‫{ييا أيهيا الذيين آمنوا ليبلونكيم الله بشييء مين الصييد تناله أيديكيم‬
‫ورماحكييم} ‪ .‬والثانييية قوله تعالى {قييل أحييل لكييم الطيبات ومييا‬
‫علمتم من الجوارح مكلبين} الية‪ .‬وأما الحديثان‪ :‬فأحدهما حديث‬
‫عدي بن حاتم‪ ،‬وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له‬
‫"إذا أرسييلت كلبيك المعلمية وذكرت اسييم الله عليهييا فكييل مميا‬
‫أمسكن عليك‪ ،‬وإن أكل الكلب فل تأكل فإني أخاف أن يكون إنما‬
‫أمسييك على نفسييه‪ ،‬وإن خالطهييا كلب غيرهييا فل تأكييل فإنمييا‬
‫سييميت على كلبييك ولم تسييم على غيره" وسييأله عيين المعراض‬
‫فقال "إذا أصياب بعرضيه فل تأكيل فإنيه وقييذ" وهذا الحدييث هيو‬
‫أصيل فيي أكثير ميا فيي هذا الكتاب‪ .‬والحدييث الثانيي حدييث أبيي‬
‫ثعلبية الخشنيي‪ ،‬وفييه مين قوله علييه الصيلة والسيلم "ميا أصيبت‬
‫بقوسيك فسيم الله ثيم كيل‪ ،‬وميا صيدت بكلبيك المعلم فاذكير اسيم‬
‫الله ثيم كيل‪ ،‬وميا صيدت بكلبيك الذي لييس بمعلم وأدركيت ذكاتيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فكل" وهذان الحديثان اتفق أهل الصحيح على إخراجهما‪ .‬واللت‬


‫التي يصاد بها منها ما اتفقوا عليها بالجملة‪ .‬ومنها ما اختلفوا فيها‬
‫وفييي صييفاتها‪ ،‬وهيييي ثلث‪ :‬حيوان جارح ومحدد ومثقييل‪ .‬فأمييا‬
‫المحدد فاتفقوا عليه كالرماح والسيوف والسهام للنص عليها في‬
‫الكتاب والسنة‪ .‬وكذلك بما جرى مجراها مما يعقر ما عدا الشياء‬
‫التيي اختلفوا فيي عملهيا فيي ذكاة الحيوان النسيي وهيي السين‬
‫والظفير والعظيم وقيد تقدم اختلفهيم فيي ذلك فل معنيى لعادتيه‪.‬‬
‫وأمييا المثقييل فاختلفوا فييي الصيييد بييه مثييل الصيييد بالمعراض‬
‫والحجير؛ فمين العلماء مين لم يجيز مين ذلك إل ميا أدركيت ذكاتيه؛‬
‫ومنهييم ميين أجازه على الطلق؛ ومنهييم ميين فرق بييين مييا قتله‬
‫المعراض أو الحجيير بثقله أو بحده إذا خرق جسييد الصيييد فأجازه‬
‫إذا خرق ولم يجزه إذا لم يخرق‪ ،‬وبهذا القول قال مشاهييييييييييير‬
‫الفقهاء المصييار الشافعييي ومالك وأبييو حنيفيية وأحمييد والثوري‬
‫وغيرهم‪ .‬وهو راجع إلى أنه ل ذكاة إل بمحدد‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم معارضية الصيول فيي هذا الباب بعضهيا بعضيا‪،‬‬
‫ومعارضة الثر لها‪ ،‬وذلك أن من الصول في هذا الباب أن الوقيذ‬
‫محرم بالكتاب والجماع‪ ،‬ومن أصوله أن العقر ذكاة الصيد؛ فمن‬
‫رأى أن ما قتل المعراض وقيذ منعه على الطلق؛ ومن رآه عقرا‬
‫مختصيا بالصيييد وأن الوقييذ غييير معتيبر فيييه أجازه على الطلق؛‬
‫ومين فرق بيين ميا خرق مين ذلك أو لم يخرق فمصييرا إلى حدييث‬
‫عدي ابيين حاتييم المتقدم وهييو الصييواب‪ .‬وأمييا الحيوان الجارح‬
‫فالتفاق والختلف فييييه منيييه متعلق بالنوع والشرط‪ ،‬ومنيييه ميييا‬
‫يتعلق بالشرط‪ .‬فأميا النوع الذي اتفقوا علييه فهيو الكلب ميا عدا‬
‫الكلب السيود‪ ،‬فإنيه كرهيه قوم منهيم الحسين البصيري وإبراهييم‬
‫النخعيي وقتادة؛ وقال أحميد‪ :‬ميا أعرف أحدا يرخيص فييه إذا كان‬
‫بهيميا‪ ،‬وبيه قال إسيحاق‪ .‬وأميا الجمهور فعلى إجازة صييده إذا كان‬
‫معلما‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة القياس للعموم‪ ،‬وذلك أن عموم‬
‫قوله تعالى {وميا علمتييم مين الجوارح مكلبيين} يقتضيي تسيوية‬
‫جمييع الكلب فيي ذلك "وأمره علييه الصيلة والسيلم بقتيل الكلب‬
‫السييود البهيييم" يقتضييي فييي ذلك القياس أن ل يجوز اصييطياده‬
‫على رأي مين رأى أن النهيي يدل على فسياد المنهيى عنيه‪ ،‬وأميا‬
‫الذي اختلفوا فييه مين أنواع الجوارح فيميا عدا الكلب ومين جوارح‬
‫الطيور وحيواناتهيا السياعية؛ فمنهيم مين أجاز جميعهيا إذا علميت‬
‫حتى السنور كما قال ابن شعبان‪ ،‬وهو مذهب مالك وأصحابه‪ ،‬وبه‬
‫قال فقهاء المصيار وهيو مروي عين ابين عباس‪ ،‬أعنيي أن ميا قبيل‬
‫التعليييم ميين جميييع الجوارح فهييو آلة لذكاة الصيييد‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اصيطياد بجارح ميا عدا الكلب ول باز ول صيقر ول غيير ذلك إل ميا‬
‫أدركييت ذكاتييه‪ ،‬وهييو قول مجاهييد؛ واسييتثنى بعضهييم ميين الطيور‬
‫الجارحة البازي فقط فقال‪ :‬يجوز صيده وحده‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم فييي هذا الباب شيئان‪ :‬أحدهمييا قياس سييائر‬
‫الجوارح على الكلب‪ ،‬وذلك أنيه قيد يظين أن النيص إنميا ورد فيي‬
‫الكلب‪ ،‬أعنيي قوله تعالى {وميا علمتيم مين الجوارح مكلبيين} إل‬
‫أن يتأول أن لفظيه مكلبيين مشتقية مين كلب الجارح ل مين لفيظ‬
‫الكلب‪ ،‬ويدل على هذا عموم اسيم الجوارح الذي فيي اليية‪ ،‬فعلى‬
‫هذا يكون سييبب الختلف الشتراك الذي فيييي لفظيييه مكلبيييين‪.‬‬
‫والسبب الثاني هل من شرط المساك المساك على صاحبه أم‬
‫ل؟ وإن كان مين شرطيه فهيل يوجيد فيي غيير الكلب أو ل يوجيد؟‬
‫فمين قال ل يقاس سيائر الجوارح على الكلب وأن لفظيه مكلبيين‬
‫هي مشتقة من اسم الكلب ل من اسم غير الكلب أو أنه ل يوجد‬
‫المسياك إل فيي الكلب‪ :‬أعنيي على صياحبه وأن ذلك شرط قال‪:‬‬
‫ل يصييياد بجارح سيييوى الكلب؛ ومييين قاس على الكلب سيييائر‬
‫الجوارح ولم يشترط فييي المسيياك المسيياك على صيياحبه قال‪:‬‬
‫يجوز صيد سائر الجوارح إذا قبلت التعليم‪.‬‬
‫وأميا مين اسيتثنى مين ذلك البازي فقيط فمصييرا إلى ميا روي عين‬
‫عدي بن حاتم أنه قال "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عين صييد البازي فقال‪ :‬ميا أمسيك علييك فكيل" خرجيه الترمذي‬
‫فهذه هييي أسييباب اتفاقهييم واختلفهييم فييي أنواع الجوارح‪ .‬وأمييا‬
‫الشروط المشترطية فيي الجوارح فإن منهيا ميا اتفقوا علييه وهيو‬
‫التعلييم بالجملة لقوله تعالى {وميا علمتيم مين الجوارح مكلبيين}‬
‫وقوله عليه الصلة والسلم "إذا أرسلت كلبك المعلم"‬
‫واختلفوا فييي صييفة التعليييم وشروطييه‪ ،‬فقال قوم‪ :‬التعليييم ثلثيية‬
‫أصيييناف‪ :‬أحدهيييا أن تدعيييو الجارح فيجييييب‪ .‬والثانيييي أن تشيله‬
‫فينشلى‪ .‬والثالث أن تزجره فيزدجر‪ .‬ول خلف بينهم في اشتراط‬
‫هذه الثلثيية فييي الكلب‪ ،‬وإنمييا اختلفوا فييي اشتراط النزجار فييي‬
‫سييائر الجوارح‪ ،‬فاختلفوا أيضييا فييي هييل ميين شرطييه أن ل يأكييل‬
‫الجارح؟ فمنهيم مين اشترطيه على الطلق؛ ومنهيم مين اشترطيه‬
‫في الكلب فقط؛ وقول مالك‪ :‬إن هذه الشروط الثلثة شرط في‬
‫الكلب وغيرهييا؛ وقال ابيين حييبيب ميين أصييحابه‪ :‬ليييس يشترط‬
‫النزجار فيميا لييس يقبيل ذلك مين الجوارح مثيل البزاة والصيقور‪،‬‬
‫وهيو مذهيب مالك‪ ،‬أعنيي أنيه لييس مين شرط الجارح ل كلب ول‬
‫غيره أن ل يأكل‪ ،‬واشترطه بعضهم في الكلب ولم يشترطه فيما‬
‫عداه من جوارح الطيور؛ ومنهم من اشترطه كما قلنا في الكل؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والجمهور على جواز أكيييل صييييد البازي والصيييقر وإن أكيييل‪ ،‬لن‬
‫تضريتييه إنمييا تكون بالكييل‪ .‬فالخلف فييي هذا الباب راجييع إلى‬
‫موضعييين‪ :‬أحدهمييا هييل ميين شرط التعليييم أن ينزجيير إذا زجيير؟‬
‫والثانيي هيل مين شرطيه أل يأكيل؟‪ .‬وسيبب الخلف فيي اشتراط‬
‫الكل أو عدمه شيئان‪ :‬أحدهما اختلف الثار في ذلك‪ .‬والثاني هل‬
‫إذا أكل فهو ممسك أم ل؟ فأما الثار فمنها حديث عدي بن حاتم‬
‫المتقدم وفيييه "فإن أكييل فل تأكييل فإنييي أخاف أن يكون أمسييك‬
‫على نفسيه" والحدييث المعارض لهذا حدييث أبيي ثعلبية الخشنيي‬
‫قال‪ :‬قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "إذا أرسيلت كلبيك‬
‫المعلم وذكرت اسييم الله فكييل‪ ،‬قلت‪ :‬وإن أكييل منييه يييا رسييول‬
‫الله؟ قال‪ :‬وإن أكل"‬
‫فمين جميع بيين الحديثيين بأن حميل حدييث عدي بين حاتيم على‬
‫الندب وهذا على الجواز قال‪ :‬ليييس ميين شرطييه أل يأكييل؛ وميين‬
‫رجيح حدييث عدي بين حاتيم إذ هيو حدييث متفيق علييه وحدييث أبيي‬
‫ثعلبيية مختلف فيييه‪ ،‬ولذلك لم يخرجييه الشيخان البخاري ومسييلم‬
‫وقال من شرط المساك أن ل يأكل بدليل الحديث المذكور قال‪:‬‬
‫إن أكيل الصييد لم يؤكيل‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأبيو حنيفية وأحميد‬
‫وإسحق والثوري‪ ،‬وهو قول ابن عباس‪ ،‬ورخص في أكل مما أكل‬
‫الكلب كمييا قلنييا مالك وسييعيد بيين مالك وابيين عميير وسييليمان‪.‬‬
‫وقالت المالكييية المتأخرة إنييه ليييس الكييل بدليييل على أنييه لم‬
‫يمسييك لسيييده ول المسيياك لسيييده بشرط فييي الذكاة‪ ،‬لن نييية‬
‫الكلب غييير معلوميية‪ ،‬وقييد يمسييك لسيييده ثييم يبدو له فيمسييك‬
‫لنفسيه‪ ،‬وهذا الذي قالوه خلف النيص فيي الحدييث وخلف ظاهير‬
‫الكتاب‪ ،‬وهيو قوله تعالى {فكلوا مميا أمسيكن عليكيم} وللمسياك‬
‫على سييد الكلب طرييق تعرف بيه‪ ،‬وهيو العادة‪ ،‬ولذلك قال علييه‬
‫الصييلة والسييلم "فإن أكييل فل تأكييل فإنييي أخاف أن يكون إنمييا‬
‫أمسك على نفسه"‪.‬‬
‫وأما اختلفهم في الزدجار فليس له سبب إل اختلفهم في قياس‬
‫سيائر الجوارح فيي ذلك على الكلب‪ ،‬لن الكلب الذي ل يزدجير ل‬
‫يسمى معلما باتفاق‪ ،‬فأما سائر الجوارح إذا لم تنزجر هل تسمى‬
‫معلمة أم ل؟ ففيه التردد وهو سبب الخلف‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في معرفة الذكاة المختصة بالصيد وشروطها‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن الذكاة المختصية بالصييد هيي العقير‪ .‬واختلفوا‬
‫في شروطها اختلفا كثيرا‪ ،‬وإذا اعتبرت أصولها التي هي أسباب‬
‫الختلف سوى الشروط المشترطة في اللة وفي الصائد وجدتها‬
‫ثمانيية شروط‪ :‬اثنان يشتركان فيي الذكاتيين أعنيي ذكاة المصييد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وغيير المصييد وهيي النيية والتسيمية‪ .‬وسيتة تختيص بهذه الذكاة‪:‬‬


‫أحدهيا أنهيا لم تكين اللة أو الجارح الذي أصيياب الصيييد قيد أنفييذ‬
‫مقاتله فإنيه يجيب أن يذكيى بذكاة الحيوان النسيي إذا قدر علييه‬
‫قبل أن يموت مما أصابه من الجارح أو من الضرب‪ .‬وأما إن كان‬
‫قد أنفذ مقاتله فليس يجب ذلك وإن كان قد يستحب‪ .‬والثاني أن‬
‫يكون الفعل الذي أصيب به الصيد مبدؤه من الصائد ل من غيره‪:‬‬
‫أعني ل من اللة كالحال في الحبالة‪ ،‬ول من الجارح كالحال فيما‬
‫يصييب الكلب الذي ينشلى مين ذاتيه‪ .‬والثالث أن ل يشاركيه فيي‬
‫العقير مين لييس عقره ذكاة‪ .‬والرابيع أن ل يشيك فيي عيين الصييد‬
‫الذي أصييابه وذلك عنييد غيبتييه عيين عينييه‪ .‬والخامييس أن ل يكون‬
‫الصيييد مقدورا عليييه فييي وقييت الرسييال عليييه‪ .‬والسييادس أن ل‬
‫يكون موته من رعب من الجارح أو بصدمه منه‪ .‬فهذه هي أصول‬
‫الشروط التيي مين قبيل اشتراطهيا أو ل اشتراطهيا عرض الخلف‬
‫بييييين الفقهاء‪ ،‬وربمييييا اتفقوا على وجوب بعييييض هذه الشروط‪،‬‬
‫ويختلفون فيي وجودهيا فيي نازلة نازلة‪ ،‬كاتفاق المالكيية على أن‬
‫من شرط الفعل أن يكون مبدؤه من الصائد‪ ،‬واختلفهم إذا أفلت‬
‫الجارح من يده أو خرج بنفسه‪ ،‬ثم أغراه هل يجوز ذلك الصيد أم‬
‫ل لتردد هذه الحال بيييين أن يوجيييد لهيييا هذا الشرط أو ل يوجيييد‬
‫كاتفاق أبي حنيفة ومالك على أن من شرطه إذا أدرك غير منفوذ‬
‫المقاتيل أن يذكيى إذا قدر علييه قبيل أن يموت‪ .‬واختلفهيم بيين أن‬
‫يخلصيه حييا فيموت فيي يده قبيل أن يتمكين مين ذكاتيه‪ ،‬فإن أبيا‬
‫حنيفيية منييع هذا وأجازه مالك ورآه مثييل الول‪ ،‬أعنييي إذا لم يقدر‬
‫على تخليصه من الجارح حتى مات لتردد هذه الحال بين أن يقال‬
‫أدركيه غيير منفوذ المقاتيل وفيي غيير ييد الجارح فأشبيه المفرط أو‬
‫لم يشبهه فلم يقع منه تفريط‪.‬‬
‫وإذا كانييت هذه الشروط هييي أصييول الشروط المشترطيية فييي‬
‫الصييد ميع سيائر الشروط المذكورة فيي اللة والصيائد نفسيه على‬
‫ما سيأتي يجب أن يذكر منها ما اتفقوا منه عليه وما اختلفوا فيه‪،‬‬
‫وأسيباب الخلف فيي ذلك وميا يتفرع عنهيا مين مشهور مسيائلهم‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬أميا التسيمية والنيية فقيد تقدم الخلف فيهميا وسيببه فيي‬
‫كتاب الذبائح‪ ،‬ومن قبل اشتراط النية في الذكاة لم يجز عند من‬
‫اشترطهيا إذا أرسيل الجارح على صييد وأخيذ آخير ذكاة ذلك الصييد‬
‫لم يرسل عليه‪ ،‬وبه قال مالك؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد‬
‫وأبيو ثور‪ :‬ذلك جائز ويؤكيل؛ ومين قبيل هذا أيضيا اختلف أصيحاب‬
‫مالك فيي الرسيال على صييد غيير مرئي‪ ،‬كالذي يرسيل على ميا‬
‫في غيضة أو من وراء أكمة ول يدري هل هنالك شيء أم ل؟ لن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القصييد فييي هذا يشوبييه شيييء ميين الجهييل‪ .‬وأمييا الشرط الول‬
‫الخاص بذكاة الصييد مين الشروط السييتة التيي ذكرناهيا وهييو أن‬
‫عقييير الجارح له إذا لم ينفيييذ مقاتله‪ ،‬إنميييا يكون إذا لم يدركيييه‬
‫المرسيل حييا‪ ،‬فباشتراطيه قال جمهور العلماء لميا جاء فيي حدييث‬
‫عدي بين حاتيم فيي بعيض رواياتيه أنيه قال علييه الصيلة والسيلم‬
‫"وإن أدركته حيا فاذبحه" وكان النخعي يقول‪ :‬إذا أدركته حيا ولم‬
‫يكيين معييك حديدة فأرسييل عليييه الكلب حتييى تقتله‪ ،‬وبييه قال‬
‫الحسين البصيري مصييرا لعموم قوله تعالى {فكلوا مميا أمسيكن‬
‫عليكيم} ومن قبيل هذا الشرط قال مالك‪ :‬ل يتوانى المرسل فيي‬
‫طلب الصيييد‪ ،‬فإن توانييى فأدركييه ميتييا‪ ،‬فإن كان منفوذ المقاتييل‬
‫بسهم حل أكله وإل لم يحل من أجل أنه لو لم يتوان لكان يمكن‬
‫أن يدركيه حييا غيير منفود المقاتيل‪ .‬وأميا الشرط الثانيي وهيو أن‬
‫يكون الفعل مبدؤه من القانص ويكون متصل حتى يصيب الصيد‪،‬‬
‫فمين قبيل اختلفهيم فييه اختلفوا فيميا تصييبه الحبالة والشبكية إذا‬
‫أنقذت المقاتييييل بمحدد فيهييييا‪ ،‬فمنييييع ذلك مالك والشافعييييي‬
‫والجمهور‪ ،‬ورخص فيه الحسن البصري؛ ومن هذا الصل لم يجز‬
‫مالك الصيد الذي أرسل عليه الجارح فتشاغل بشيء آخر ثم عاد‬
‫إلييه مين قبيل نفسيه‪ .‬وأميا الشرط الثالث وهيو أن ل يشاركيه فيي‬
‫العقر من ليس عقره ذكاة له‪ ،‬فهو شرط مجمع عليه فيما أذكر‪،‬‬
‫لنيه ل يدري مين قتله‪ .‬وأميا الشرط الرابيع وهيو أن ل يشيك فيي‬
‫عيين الصييد ول فيي قتيل جارحية له‪ ،‬فمين قبيل ذلك اختلفوا فيي‬
‫أكل الصيد إذا غاب مصرعه‪ ،‬فقال مالك مرة‪ :‬ل بأس بأكل الصيد‬
‫إذا غاب عنييك مصييرعه إذا وجدت بييه أثرا ميين كلبييك أو كان بييه‬
‫سهمك ما لم يبت‪ ،‬فإذا بات فإني أكرهه‪ .‬وبالكراهية قال الثوري؛‬
‫وقال عبييد الوهاب‪ :‬إذا بات الصيييد ميين الجارح لم يؤكييل‪ ،‬وفييي‬
‫السيهم خلف؛ وقال ابين الماجشون‪ :‬يؤكيل فيهميا جميعيا إذا وجيد‬
‫منفوذ المقاتل؛ وقال مالك في المدونة‪ :‬ل يؤكل فيهما جميعا إذا‬
‫بات وإن وجد منفوذ المقاتل؛ وقال الشافعي‪ :‬القياس أن ل تأكله‬
‫إذا غاب عنيك مصيرعه؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬إذا توارى الصييد والكلب‬
‫فييي طلبييه فوجده المرسييل مقتول جاز أكله مييا لم يترك الكلب‬
‫الطلب‪ ،‬فإن تركه كرهنا أكله‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم شيئان اثنان‪ :‬الشيك العارض فيي عيين الصييد أو‬
‫فييي زكاتييه‪ .‬والسييبب الثانييي اختلف الثار فييي هذا الباب‪ ،‬فروى‬
‫مسيلم والنسيائي والترمذي وأبيو داود عين أبيي ثعلبية عين النيبي‬
‫علييه الصيلة والسيلم فيي الذي يدرك صييده بعيد ثلث فقال "كيل‬
‫ميا لم ينتين" وروى مسيلم عين أبيي ثعلبية أيضيا عين النيبي علييه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصلة والسلم قال "إذا رميت سهمك فغاب عنك مصرعه فكل‬
‫ميا لم يبيت" وفييي حدييث عدي بين حاتيم أنييه قال علييه الصييلة‬
‫والسلم "إذا وجدت سهمك فيه ولم تجد فيه أثر سبع وعلمت أن‬
‫سيهمك قتله فكيل"‪ .‬ومين هذا الباب اختلفهيم فيي الصييد يصياد‬
‫بالسييهم أو يصيييبه الجارح فيسييقط فييي ماء أو يتردى ميين مكان‬
‫عال‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل يؤكيل لنيه ل يدري مين أي المريين مات‪ ،‬إل‬
‫أن يكون السيهم قيد أنقيذ مقاتله ول يشيك أن منيه مات‪ ،‬وبيه قال‬
‫الجمهور؛ وقال أبيييو حنيفييية‪ :‬ل يؤكيييل إن وقيييع فيييي ماء منفوذ‬
‫المقاتيل‪ ،‬ويؤكيل إن تردى‪ .‬وقال عطاء‪ :‬ل يؤكيل أصيل إذا أصييبت‬
‫المقاتيل وقيع فيي ماء أو تردى مين موضيع عال لمكان أن يكون‬
‫زهوق نفسيه مين قبيل التردي أو مين الماء قبيل زهوقهيا مين قبيل‬
‫إنقاذ المقاتيل‪ .‬وأميا موتيه مين صيدم الجارح له‪ ،‬فإن ابين القاسيم‬
‫منعيييه قياسيييا على المثقيييل‪ ،‬وأجازه أشهيييب لعموم قوله تعالى‬
‫{فكلوا مما أمسكن عليكم} ولم يختلف المذهب أن ما مات من‬
‫خوف الجارح أنيه غيير مذكيي‪ .‬وأميا كونيه فيي حيين الرسيال غيير‬
‫مقدور عليه‪ ،‬فإنه اشترط فيما علمت متفق عليه‪ .‬وذلك يوجد إذا‬
‫كان الصيييد مقدورا على أخذه باليييد دون خوف أو غرر‪ .‬إمييا ميين‬
‫قبيل أنيه قيد نشيب فيي شييء أو تعلق بشييء أو رماه أحيد فكسير‬
‫جناحيه أو سياقه‪ ،‬وفيي هذا الباب فروع كثيرة مين قبيل تردد بعيض‬
‫الحوال بين أن يرصف فيها الصيد بأنه مقدور عليه أو غير مقدور‬
‫عليه‪ ،‬مثل أن تضطره الكلب فيقع في حفرة‪ ،‬فقيل في المذهب‬
‫يؤكل‪ ،‬وقيل ل يؤكل‪.‬‬
‫واختلفوا فيي صفة العقير إذا ضرب الصييد فأبيين منيه عضيو‪ ،‬فقال‬
‫قوم‪ :‬يؤكيل الصييد ميا بان منيه؛ وقال قوم‪ :‬يؤكلن جميعيا؛ وفرق‬
‫قوم بين أن يكون ذلك العضو مقتل أو غير مقتل‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن كان‬
‫مقتل أكل جميعا‪ ،‬وإن كان غير مقتل أكل الصيد ولم يؤكل العضو‪،‬‬
‫وهييو معنييى قول مالك‪ :‬وإلى هذا يرجييع خلفهييم فييي أن يكون‬
‫القطع بنصفين أو يكون أحدهما أكبر من الثاني‪ .‬وسبب اختلفهم‬
‫معارضية قوله علييه الصيلة والسيلم "ميا قطيع مين البهيمية وهيي‬
‫حيية فهيو ميتية" لعموم قوله تعالى {فكلوا مميا أمسيكن عليكيم}‬
‫ولعموم قوله تعالى {تناله أيديكييم ورماحكييم} فميين غلب حكييم‬
‫الصيد وهو العقر مطلقا قال‪ :‬يؤكل الصيد والعضو المقطوع من‬
‫الصييد‪ ،‬وحميل الحدييث على النسيي؛ ومين حمله على الوحشيي‬
‫والنسي معا واستثنى من ذلك العموم بالحديث العضو المقطوع‬
‫فقال‪ :‬يؤكل الصيد دون العضو البائن‪ ،‬ومن اعتبر في ذلك الحياة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المسيتقرة‪ ،‬أعنيي فيي قوله وهيي حيية فرق بيين أن يكون العضيو‬
‫مقتل أو غير مقتل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في شروط القانص‪.‬‬
‫@‪-‬وشروط القانص هي شروط الذابح نفسه‪ ،‬وقد تقدم ذلك في‬
‫كتاب الذبائح المتفيق عليهيا والمختلف فيهيا‪ ،‬ويخيص الصيطياد فيي‬
‫البر شرط زائد وهيو أن ل يكون محرميا‪ ،‬ول خلف فيي ذلك لقوله‬
‫تعالى {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} فإن اصطاد محرم‬
‫فهييل يحييل ذلك الصيييد للحلل أم هييو ميتيية ل يحييل لحييد أصييل؟‬
‫اختلف فييه الفقهاء‪ ،‬فذهيب مالك إلى أنيه ميتية‪ ،‬وذهيب الشافعيي‬
‫وأبييو حنيفيية وأبييو ثور إلى أنييه يجوز لغييير المحرم أكله‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهم هو الصل المشهور‪ .‬وهو هل النهي يعود بفساد المنهي‬
‫أم ل؟ وذلك بمنزلة ذبييح السييارق والغاصييب‪ .‬واختلفوا ميين هذا‬
‫الباب فيي كلب المجوس المعلم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬الصيطياد بيه جائز‪،‬‬
‫فإن المعتييبر الصييائد ل اللة‪ ،‬وبييه قال الشافعييي وأبييو حنيفيية‬
‫وغيرهييم؛ وكرهييه جابر بيين عبييد الله والحسيين وعطاء ومجاهييد‬
‫والثوري‪ ،‬لن الخطاب فيي قوله تعالى {وميا علمتيم مين الجوارح‬
‫مكلبيين} متوجيه نحيو المؤمنيين‪ ،‬وهذا كاف بحسيب المقصيود مين‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬والله الموفق للصواب‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب العقيقة‬
‫@‪-‬والقول المحييط بأصيول هذا الكتاب ينحصير فيي سيتة أبواب‪:‬‬
‫الول‪ :‬في معرفة حكمها‪ .‬الثاني‪ :‬في معرفة محل ها‪ .‬الثالث‪ :‬في‬
‫معرفية مين يعيق عنيه وكيم يعيق‪ .‬الرابيع‪ :‬فيي معرفية وقيت هذا‬
‫النسيك‪ .‬الخاميس‪ :‬فيي سين هذا النسيك وصيفته‪ .‬السيادس‪ :‬حكيم‬
‫لحمها وسائر آجزائها‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا حكمهيا؛ فذهبيت طائفية منهيم الظاهريية إلى أنهيا واجبية‪،‬‬
‫وذهيب الجمهور إلى أنهيا سينة‪ ،‬وذهيب أبيو حنيفية إلى أنهيا ليسيت‬
‫فرضييا ول سيينة؛ وقييد قيييل إن تحصيييل مذهبييه أنهييا عنده تطوع‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم تعارض مفهوم الثار فييي هذا الباب‪ ،‬وذلك أن‬
‫ظاهير حدييث سيمرة وهيو قول النيبي علييه الصيلة والسيلم "كيل‬
‫غلم مرتهيين بعقيقتييه تذبييح عنييه يوم سييابعه ويماط عنييه الذى"‬
‫يقتضي الوجوب‪ ،‬وظاهر قوله عليه الصلة والسلم وقد سئل عن‬
‫العقيقية فقال "ل أحيب العقوق ومين ولد له ولد فأحيب أن ينسيك‬
‫عن ولده فليفعل" يقتضي الندب أو الباحة‪ ،‬فمن فهم منه الندب‬
‫قال‪ :‬العقيقة سنة؛ ومن فهم الباحة قال‪ :‬ليست بسنة ول فرض‬
‫وخرج الحديثين أبو داود؛ ومن أخذ بحديث سمرة أوجبها‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما محلها فإن جمهور العلماء على أنه ل يجوز في العقيقة إل ما‬
‫يجوز فييي الضحايييا ميين الزواج الثمانييية‪ .‬وأمييا مالك فاختار فيهييا‬
‫الضأن على مذهبييه فييي الضحايييا‪ ،‬واختلف قوله هييل يجزي فيهييا‬
‫البييل والبقيير أو ل يجزي؟ وسييائر الفقهاء على أصييلهم أن البييل‬
‫أفضل من البقر والبقر أفضل من الغنم‪ .‬وسبب اختلفهم تعارض‬
‫الثار فيي هذا الباب والقياس‪ .‬أميا الثير فحدييث ابين عباس "أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم عيق عين الحسين والحسيين‬
‫كبشا كبشا" وقوله عن الجارية شاة وعن الغلم شاتان" خرجهما‬
‫أبو داود‪ .‬وأما القياس فلنهما نسك‪ ،‬فوجب أن يكون العظم فيها‬
‫أفضل قياسا على الهدايا‪.‬‬
‫وأما من يعق عنه‪ ،‬فإن جمهورهم على أنه يعق عن الذكر والنثى‬
‫الصيغيرين فقيط؛ وشيذ الحسين فقال‪ :‬ل يعيق عين الجاريية؛ وأجاز‬
‫بعضهيم أن يعيق عين الكيبير‪ .‬ودلييل الجمهور على تعلقهيا بالصيغير‬
‫قوله علييه الصيلة والسيلم "يوم سيابعه"‪ .‬ودلييل مين خالف ميا‬
‫روي عن أنس "أن النبي عليه الصلة والسلم عق عن نفسه بعد‬
‫مييا بعييث بالنبوة" ودليلهييم أيضييا على تعلقهييا بالنثييى قوله عليييه‬
‫الصلة والسلم "عن الجارية شاة وعن الغلم شاتان"‪ .‬ودليل من‬
‫اقتصيير بهييا على الذكيير قوله عليييه الصييلة والسييلم "كييل غلم‬
‫مرتهين بعقيقتيه"‪ .‬وأميا العدد فإن الفقهاء اختلفوا أيضيا فيي ذلك‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يعيق عين الذكير والنثيى بشاة شاة؛ وقال الشافعيي‬
‫وأبييو ثور وأبييو داود وأحمييد‪ :‬يعييق عيين الجارييية شاة وعيين الغلم‬
‫شاتان‪ .‬وسيييبب اختلفهيييم اختلف الثار فيييي هذا الباب‪ .‬فمنهيييا‬
‫حدييث أم كرز الكعبيية خرجيه أبيو داود قال‪ :‬سيمعت رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم يقول فييي العقيقيية "عيين الغلم شاتان‬
‫مكافأتان‪ ،‬وعيييين الجارييييية شاة" والمكافأتان‪ :‬المتماثلتان‪ .‬وهذا‬
‫يقتضي الفرق في ذلك بين الذكر والنثى‪ ،‬وما روي "أنه عق عن‬
‫الحسن والحسين كبشا كبشا" يقتضي الستواء بينهما‪.‬‬
‫وأمييا وقييت هذا النسييك فإن جمهور العلماء على أنييه يوم سييابع‬
‫المولود ومالك ل يعييد فييي السييبوع اليوم الذي ولد فيييه إن ولد‬
‫نهارا‪ ،‬وعبيد الملك بين الماجشون يحتسيب بيه‪ .‬وقال ابين القاسيم‬
‫فييي العقيقيية‪ :‬إن عييق ليل لم يجزه‪ .‬واختلف أصييحاب مالك فييي‬
‫مبدأ وقيت الجزاء‪ ،‬فقييل وقيت الضحاييا‪ :‬أعنيي ضحيى؛ وقييل بعيد‬
‫الفجيير قياسييا على قول مالك فييي الهدايييا‪ ،‬ولشييك أن ميين أجاز‬
‫الضحايييا ليل أجاز هذه ليل؛ وقييد قيييل يجوز فييي السييابع الثانييي‬
‫والثالث‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما سن هذا النسك وصفته فسن الضحايا وصفتها الجائزة‪ ،‬أعني‬


‫أنه يتقي فيها من العيوب ما يتقي في الضحايا‪ ،‬ول أعلم في هذا‬
‫خلفا في المذهب ول خارجا منه‪.‬‬
‫وأميا حكيم لحمهيا وجلدهيا وسيائر أجزائهيا فحكيم لحيم الضحاييا فيي‬
‫الكيل والصيدقة ومنيع البييع‪ ،‬وجمييع العلماء على أنيه كان يدميي‬
‫رأس الطفيل فيي الجاهليية بدمهيا وأنيه نسيخ فيي السيلم‪ ،‬وذلك‬
‫لحديث بريدة السلمي قال "كنا في الجاهلية إذا ولد لحدنا غلم‬
‫ذبح له شاة ولطخ رأسه بدمها‪ ،‬فلما جاء السلم كنا نذبح ونحلق‬
‫رأسيه ونلطخيه بزعفران" وشيذ الحسين وقتادة فقال‪ :‬يميس رأس‬
‫الصيبي بقطنية قيد غمسيت فيي الدم واسيتحب كسير عظامهيا لميا‬
‫كانوا فييي الجاهلييية يقطعونهييا ميين المفاصييل‪ .‬واختلف فييي حلق‬
‫رأس المولود يوم السيابع‪ ،‬والصيدقة بوزن شعره فضية‪ ،‬فقييل هيو‬
‫مسيييتحب‪ ،‬وقييييل هيييو غيييير مسيييتحب‪ ،‬والقولن عييين مالك‪،‬‬
‫والستحباب أجود‪ ،‬وهو قول ابن حبيب لما رواه مالك في الموطأ‬
‫"أن فاطمية بنيت رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم حلقيت شعير‬
‫الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم‪ ،‬وتصدقت بزنة ذلك فضة"‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الطعمة والشربة‬
‫@‪-‬والكلم فيي أصول هذا الكتاب يتعلق بجملت ين‪ :‬الجملة الولى‪:‬‬
‫نذكير فيهيا المحرمات فيي حال الختيار‪ .‬الجملة الثانيية‪ :‬نذكير فيهيا‬
‫أحوالها في حال الضطرار‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الولى)‬
‫@‪-‬والغذية النسانية نبات وحيوان‪ .‬فأما الحيوان الذي يغتذى به‪،‬‬
‫فمنيه حلل فيي الشرع‪ ،‬ومنيه حرام‪ ،‬وهذا منيه بري ومنيه بحري‪.‬‬
‫والمحرمية منهيا ميا تكون محرمية لعينهيا‪ ،‬ومنهيا ميا تكون لسيبب‬
‫وارد عليهيا‪ .‬وكيل هذه منهيا ميا اتفقوا علييه‪ ،‬ومنهيا ميا اختلفوا فييه‪.‬‬
‫فأمييا المحرميية لسييبب وارد عليهييا فهييي بالجملة تسييعة‪ :‬الميتيية‪،‬‬
‫والمنخنقيية‪ ،‬والموقوذة‪ ،‬والمترديية‪ ،‬والنطيحيية‪ ،‬ومييا أكييل السييبع‪،‬‬
‫وكييل مييا نقصييه شرط ميين شروط التذكييية ميين الحيوان الذي‬
‫التذكيية شرط فيي أكله‪ ،‬والجللة‪ ،‬والطعام الحلل يخالطيه نجيس‪.‬‬
‫فأميا الميتية فاتفييق العلماء على تحرييم ميتية البر‪ ،‬واختلفوا فييي‬
‫ميتية البحير على ثلثية أقوال‪ :‬فقال قوم‪ :‬هيي حلل بإطلق؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬هيي حرام بإطلق؛ وقال قوم‪ :‬ميا طفيا مين السيمك حرام‪،‬‬
‫وما جزر عنه البحر فهو حلل‪ .‬وسبب اختلفهم تعارض الثار في‬
‫هذا الباب‪ ،‬ومعارضييية عموم الكتاب لبعضهيييا معارضييية كليييية‪،‬‬
‫وموافقته لبعضها موافقة جزئية‪ ،‬ومعارضة بعضها لبعض معارضة‬
‫جزئيية‪ .‬فأميا العموم فهيو قوله تعالى {حرميت عليكيم الميتية} ‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا الثار المعارضية لهذا العموم معارضية كليية فحديثان‪ :‬الواحيد‬


‫متفيق علييه‪ ،‬والخير مختلف فييه‪ .‬أميا المتفيق علييه فحدييث جابر‪،‬‬
‫وفييه "إن أصيحاب رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم وجدوا حوتيا‬
‫يسييمى العنييبر‪ ،‬أو دابيية قييد جزر عنييه البحيير فأكلوا منييه بضعيية‬
‫وعشرييين يومييا أو شهرا‪ ،‬ثييم قدموا على رسييول الله صييلى الله‬
‫عليه وسلم فأخبروه فقال‪ :‬هل معكم من لحمه شيء‪ :‬فأرسلوا‬
‫منييه إلى رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم فأكله" وهذا إنمييا‬
‫يعارض الكتاب معارضية كليية بمفهوميه ل بلفظيه‪ .‬وأميا الحدييث‬
‫الثانيي المختلف فييه‪ ،‬فميا رواه مالك عين أبيي هريرة "أنيه سيئل‬
‫عين ماء البحير فقال‪ :‬هوالطهور ماؤه الحيل ميتتيه"‪ .‬وأميا الحدييث‬
‫الموافيق للعموم موافقية جزئيية فميا روى إسيماعيل بين أميية عين‬
‫أبي الزبير عن جابر عن النبي عليه الصلة والسلم قال "ما ألقى‬
‫البحر أو جزر عنه فكلوه‪ ،‬وما طفا فل تأكلوه" وهو حديث أضعف‬
‫عندهم من حديث مالك‪ .‬وسبب ضعف حديث مالك أن في رواته‬
‫مين ل يعرف‪ ،‬وأنيه ورد مين طرييق واحيد؛ قال أبيو عمير بين عبيد‬
‫البر‪ :‬بل رواته معروفون وقد ورد من طرق‪ .‬وسبب ضعف حديث‬
‫جابر أن الثقات أوقفوه على جابر؛ فميين رجييح حديييث جابر هذا‬
‫على حديييث أبييي هريرة لشهادة عموم الكتاب له لم يسييتثن ميين‬
‫ذلك إل ميا جزر عنيه البحير إذ لم يرد فيي ذلك تعارض؛ ومين رجيح‬
‫حديث أبي هريرة قال بالباحة مطلقا‪ .‬وأما من قال بالمنع مطلقا‬
‫فمصيييرا إلى ترجيييح عموم الكتاب‪ ،‬وبالباحيية مطلقييا قال مالك‬
‫والشافعيي‪ ،‬وبالمنيع مطلقيا قال أبيو حنيفية وقال قوم غيير هؤلء‬
‫بالفرق‪ .‬وأمييا الخمسيية التييي ذكيير الله مييع الميتيية فل خلف أن‬
‫حكمها عندهم حكم الميتة‪ .‬وأما الجلَّلة وهي التي تأكل النجاسة‬
‫فاختلفوا فيي أكلهيا‪ .‬وسيبب اختلفهيم معارضية القياس للثير‪ .‬أميا‬
‫الثير فميا روي‪ :‬أنيه علييه الصيلة والسيلم نهيى عين لحوم الجلَّلة‬
‫وألبانهيا" خرجيه أبيو داود عين ابين عمير‪ .‬وأميا القياس المعارض‬
‫لهذا‪ ،‬فهيو أن ميا يرد جوف الحيوان ينقلب إلى لحيم ذلك الحيوان‬
‫وسييائر أجزائه‪ ،‬فإذا قلنييا أن لحييم الحيوان حلل‪ ،‬وجييب أن يكون‬
‫لما ينقلب من ذلك حكم ما ينقلب إليه‪ ،‬وهو اللحم كما لو انقلب‬
‫ترابيييا‪ ،‬أو كانقلب الدم لحميييا‪ ،‬والشافعيييي يحرم الجلَّلة‪ ،‬ومالك‬
‫يكرههيييا‪ .‬وأميييا النجاسييية تخالط الحلل فالصيييل فييييه الحدييييث‬
‫المشهور مين حدييث أبيي هريرة وميمونية "أنيه سيئل علييه الصيلة‬
‫والسيييلم عييين الفأرة تقيييع فيييي السيييمن فقال‪ :‬إن كان جامدا‬
‫فاطرحوهيا وميا حولهيا وكلوا الباقيي‪ ،‬وإن كان ذائبيا فأريقوه أو ل‬
‫تقربوه"‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وللعلماء في النجاسة تخالط المطعومات الحلل مذهبان‪ :‬أحدهما‬


‫مين يعتيبر فيي التحرييم المخالطية فقيط وإن لم يتغيير للطعام لون‬
‫ول رائحية ول طعيم مين قبيل النجاسية التيي خالطتيه وهيو المشهور‬
‫والذي علييه الجمهور‪ .‬والثانيي مذهيب مين يعتيبر فيي ذلك التغيير‪،‬‬
‫وهييو قول أهييل الظاهيير ورواييية عيين مالك‪ .‬وسييبب اختلفهييم‬
‫اختلفهيم فيي مفهوم الحدييث‪ ،‬وذلك أن منهيم مين جعله مين باب‬
‫الخاص أريد به الخاص وهم أهل الظاهر فقالوا‪ :‬هذا الحديث يمر‬
‫على ظاهره‪ ،‬وسييائر الشياء يعتييبر فيهييا تغيرهييا بالنجاسيية أو ل‬
‫تغيرهيا بهيا؛ ومنهيم مين جعله مين باب الخاص أرييد بيه العام وهيم‬
‫الجمهور فقالوا‪ :‬المفهوم منيه أن بنفيس مخالطية النجيس ينجيس‬
‫الحلل‪ ،‬إل أنييه لم يتعلل لهييم الفرق بييين أن يكون جامدا أو ذائبييا‬
‫لوجود المخالطيية فييي هاتييين الحالتييين وإن كانييت فييي إحدى‬
‫الحالتيين أكثير‪ :‬أعنيي فيي حالة الذوبان؛ ويجيب على هذا أن يفرق‬
‫بييين المخالطيية القليلة والكثيرة‪ ،‬فلمييا لم يفرقوا بينهمييا فكأنهييم‬
‫اقتصروا من بعض الحديث على ظاهره‪ ،‬ومن بعضه على القياس‬
‫عليييه‪ ،‬ولذلك أقرتييه الظاهرييية كله على ظاهره‪ .‬وأمييا المحرمات‬
‫لعينهيا‪ ،‬فمنهيا ميا اتفقوا أيضيا علييه‪ ،‬ومنهيا ميا اختلفوا فييه‪ .‬فأميا‬
‫المتفييق منهييا عليييه فاتفييق المسييلمون منهييا على اثنييين‪ :‬لحييم‬
‫الخنزيير‪ ،‬والدم‪ .‬فأميا الخنزيير فاتفقوا على تحرييم شحميه ولحميه‬
‫وجلده‪ ،‬واختلفوا فييي النتفاع بشعره وفييي طهارة جلده مدبوغييا‬
‫وغير مدبوغ‪ ،‬وقد تقدم ذلك في كتاب الطهارة‪ .‬وأما الدم فاتفقوا‬
‫على تحريم المسفوح منه من الحيوان المذكى‪ ،‬واختلفوا في غير‬
‫المسفوح منه‪.‬‬
‫وكذلك اختلفوا فيي دم الحوت؛ فمنهيم مين رآه نجسيا؛ ومنهيم مين‬
‫لم يره نجسييا‪ ،‬والختلف فييي هذا كله موجود فييي مذهييب مالك‬
‫وخارجا عنه‪ .‬وسبب اختلفهم في غير المسفوح معارضة الطلق‬
‫للتقيييييد‪ ،‬وذلك أن قوله تعالى {حرميييت عليكيييم الميتييية والدم}‬
‫يقتضيييي تحرييييم مسيييفوح الدم وغيره‪ ،‬وقوله تعالى {أو دميييا‬
‫مسفوحا} يقتضي بحسب دل يل الخطاب تحريم المسفوح فقط؛‬
‫فمين رد المطلق إلى المقييد اشترط فيي التحرييم السيفح؛ ومين‬
‫رأى أن الطلق يقتضييي حكمييا زائدا على التقييييد‪ ،‬وأن معارضيية‬
‫المقييد للمطلق إنميا هيو مين باب دلييل الخطاب‪ ،‬والمطلق عام‪،‬‬
‫والعام أقوى ميين دليييل الخطاب قضييى بالمطلق على المقيييد‪،‬‬
‫وقال‪ :‬يحرم قليييل الدم وكثيره‪ .‬والسييفح المشترط فييي حرمييية‬
‫الدم إنمييا هييو دم الحيوان المذكييى‪ ،‬أعنييي أنييه الذي يسيييل عنييد‬
‫التذكييية ميين الحيوان الحلل الكييل‪ .‬وأمييا أكييل دم يسيييل ميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحيوان الحييييي فقليله وكثيره حرام؛ وكذلك الدم ميييين الحيوان‬


‫المحرم الكيل‪ ،‬وإن ذكيى فقليله وكثيره حرام‪ ،‬ول خلف فيي هذا‪.‬‬
‫وأما سبب اختلفهم في دم الحوت فمعارضة العموم للقياس‪ .‬أما‬
‫العموم فقوله تعالى {والدم} ‪ .‬وأما القياس فما يمكن أن يتوهم‬
‫من كون الدم تابعا فيي التحريم لمي تة الحيوان‪ ،‬أعني أن ما حرم‬
‫ميتتيه حرم دميه‪ ،‬وميا حيل ميتتيه حيل دميه‪ ،‬ولذلك رأى مالك أن ما‬
‫ل دم له فليس بميتة‪ .‬قال القاضي‪ :‬وقد تكلمنا في هذه المسألة‬
‫فيي كتاب الطهارة‪ ،‬ويذكير الفقهاء فيي هذا حديثيا مخصيصا لعموم‬
‫الدم قوله عليييه الصيلة والسييلم "أحلت لنيا ميتتان ودمان" وهذا‬
‫الحديث في غالب ظني ليس هو في الكتب المشهورة من كتب‬
‫الحديييث‪ .‬وأمييا المحرمات لعينهييا المختلف فيهييا فأربعيية‪ :‬أحدهييا‬
‫لحوم السيباع مين الطيير ومين ذوات الربيع‪ .‬والثانيي ذوات الحافير‬
‫النسيية‪ .‬والثالث لحوم الحيوان المأمور بقتله فيي الحرم‪ .‬والرابيع‬
‫لحوم الحيوانات التيي تعافهيا النفوس وتسيتخبثها بالطبيع‪ .‬وحكيى‬
‫أبيو حاميد عين الشافعيي أنيه يحرم لحيم الحيوان المنهيي عين أكله‬
‫قال‪ :‬كالخطاف والنحييل فيكون هذا جنسييا خامسييا ميين المختلف‬
‫فيه‪.‬‬
‫@‪(-‬فأميا المسيألة الولى) وهيي السيباع ذوات الربيع‪ ،‬فروى ابين‬
‫القاسييم عيين مالك أنهييا مكروهيية‪ ،‬وعلى هذا القول عول جمهور‬
‫أصيحابه وهيو المنصيور عندهيم؛ وذكير مالك فيي الموطيأ ميا دليله‬
‫أنهيا عنده محرمية‪ ،‬وذلك أنيه قال بعقيب حدييث أبيي هريرة عين‬
‫النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "أكل كل ذي ناب من السباع‬
‫حرام" وعلى ذلك الميير عندنييا‪ ،‬وإلى تحريمهييا ذهييب الشافعييي‬
‫وأشهيب وأصيحاب مالك وأبيو حنيفية‪ ،‬إل أنهيم اختلفوا فيي جنيس‬
‫السيباع المحرمية فقال أبيو حنيفية‪ :‬كيل ميا أكيل اللحيم فهيو سيبع‬
‫حتيى الفييل والضبيع واليربوع عنده مين السيباع‪ ،‬وكذلك السينور؛‬
‫وقال الشافعييي‪ :‬يؤكييل الضبييع والثعلب‪ ،‬وإنمييا السييباع المحرميية‬
‫التيي تعدو على الناس كالسيد والنمير والذئب‪ ،‬وكل القوليين فيي‬
‫المذهيب‪ ،‬وجمهورهيم على أن القرد ل يؤكيل ول ينتفيع بيه؛ وعنيد‬
‫الشافعيي أيضيا أن الكلب حرام ل ينتفيع بيه‪ ،‬لنيه فهيم مين النهيي‬
‫عن سؤره نجاسة عينه‪ .‬وسبب اختلفهم في تحريم لحوم السباع‬
‫من ذوات الربع معارضة الكتاب للثار‪ ،‬وذلك أن ظاهر قوله {قل‬
‫ل أجد فيما أوحي إلى إل محرما على طاعم يطعمه} الية‪ ،‬أن ما‬
‫عدا المذكور فييي هذه الييية حلل‪ ،‬وظاهيير حديييث أبييي ثعلبيية‬
‫الخشني أنه قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل‬
‫كيل ذي ناب مين السيباع إن السيباع محرمية" هكذا رواه البخاري‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ومسيلم‪ .‬وأميا مالك فميا رواه فيي هذا المعنيى مين طرييق أبيي‬
‫هريرة هو أبين في المعارضة وهو أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال "أكل كل ذي ناب من السباع حرام" وذلك أن الحديث‬
‫الول قيد يمكين الجميع بينيه وبيين اليية بأن يحميل النهيي المذكور‬
‫فييه على الكراهيية‪ .‬وأميا حدييث أبيي هريرة فلييس يمكين الجميع‬
‫بينه وبين الية إل أن يعتقد أنه ناسخ للية عند من رأى أن الزيادة‬
‫نسيخ وأن القرآن ينسيخ بالسينة المتواترة‪ .‬فمين جميع بيين حدييث‬
‫أبيي ثعلبية واليية حميل حدييث لحوم السيباع على الكراهيية‪ .‬ومين‬
‫رأى أن حدييث أبيي هريرة يتضمين زيادة على ميا فيي اليية حرم‬
‫لحوم السييباع‪ ،‬وميين اعتقييد أن الضبييع والثعلب محرمان فاسييتدل‬
‫بعموم لفيظ السيباع؛ ومين خصيص مين ذلك العاديية فمصييرا لميا‬
‫روى عبيد الرحمين ابين عمار قال‪ :‬سيألت جابر بين عبيد الله عين‬
‫الضبيع آكلهيا؟ قال‪ :‬نعيم‪ ،‬قلت‪ :‬أصييد هيي؟ قال‪ :‬نعيم‪ ،‬قلت‪ :‬فأنيت‬
‫سيمعت ذلك مين رسيول صيلى الله علييه وسيلم؟ قال‪ :‬نعيم‪ .‬وهذا‬
‫الحديث وإن كان انفرد به عبد الرحمن فهو ثقة عند جماعة أئمة‬
‫الحدييث‪ ،‬ولميا ثبيت مين إقراره علييه الصيلة والسيلم على أكيل‬
‫الضييب بييين يديييه‪ .‬وأمييا سييباع الطييير‪ ،‬فالجمهور على أنهييا حلل‬
‫لمكان الية المتكررة وحرمها قوم لما جاء في حديث ابن عباس‬
‫أنه قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي‬
‫ناب مين السيباع وكيل مخلب مين الطيير" إل أن هذا الحدييث لم‬
‫يخرجه الشيخان‪ ،‬وإنما ذكره أبو داود‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الثانييية) وهييي اختلفهييم فييي ذوات الحافيير‬
‫النسيي‪ :‬أعنيي الخييل والبغال والحميير‪ ،‬فإن جمهور العلماء على‬
‫تحرييم لحوم الحمير النسيية‪ ،‬إل ميا روي عين ابين عباس وعائشية‬
‫أنهميا كانيا يبيحانهيا‪ ،‬وعين مالك أنيه كان يكرههيا‪ ،‬روايية ثانيية مثيل‬
‫قول الجمهور؛ وكذلك الجمهور على تحرييم البغال‪ ،‬وقوم كرهوهيا‬
‫ولم يحرموها‪ ،‬وهو مروي عن مالك‪ .‬وأما الخيل فذهب مالك وأبو‬
‫حنيفية وجماعية إلى أنهيا محرمية؛ وذهيب الشافعيي وأبيو يوسيف‬
‫ومحميد وجماعية إلى إباحتهيا‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم فيي الحمير‬
‫النسيية معارضية اليية المذكورة للحادييث الثابتية فيي ذلك مين‬
‫حدييث جابر وغيره قال "نهيى رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫يوم خييبر عين لحوم الحمير الهليية وأذن فيي لحوم الخييل" فمين‬
‫جمييع بييين الييية وهذا الحديييث حملهييا على الكراهييية؛ وميين رأى‬
‫النسييخ قال بتحريييم الحميير أو قال بالزيادة دون أن يوجييب عنده‬
‫نسيخا‪ ،‬وقيد احتيج مين لم يير تحريمهيا بميا روي عين أبيي إسيحق‬
‫الشيبانيي عين ابين أبيي أوفيى قال "أصيبنا حمرا ميع رسيول الله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫صيلى الله علييه وسيلم بخييبر وطبخناهيا‪ ،‬فنادى منادي رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم أن أكفئوا القدور بمييا فيهييا"‪ .‬قال ابيين‬
‫إسيحق‪ :‬فذكرت ذلك لسيعيد بين جيبير فقال‪ :‬إنميا نهيي عنهيا لنهيا‬
‫كانت تأكل الجلة‪ .‬وأما اختلفهم في البغال‪ ،‬فسببه معارضة دليل‬
‫الخطاب فيييي قوله تعالى {والخييييل والبغال والحميييير لتركبوهيييا‬
‫وزينييية} وقوله ميييع أن ذلك مييين النعام {لتركبوا منهيييا ومنهيييا‬
‫تأكلون} للية الحاصرة للمحرمات‪ ،‬لنه يدل مفهوم الخطاب فيها‬
‫أن المباح فيي البغال إنميا هيو الركوب ميع قياس البغيل أيضيا على‬
‫الحمار‪ .‬وأميا سيبب اختلفهيم فيي الخييل فمعارضية دلييل الخطاب‬
‫فيي هذه اليية لحدييث جابر‪ ،‬ومعارضية قياس الفرس على البغيل‬
‫والحمار له‪ ،‬لكن إباحة لحم الخيل نص في حديث جابر فل ينبغي‬
‫أن يعارض بقياس ول بدليل خطاب‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الثالثيية) وهييي اختلفهييم فييي الحيوان المأمور‬
‫بقتله فيي الحرم وهيي الخميس المنصيوص عليهيا‪ :‬الغراب والحدأة‬
‫والعقرب والفأرة والكلب العقور‪ ،‬فإن قوميييا فهموا مييين المييير‬
‫بالقتيل لهيا ميع النهيي عين قتيل البهائم المباحية الكيل أن العلة فيي‬
‫ذلك هيو كونهيا محرمية‪ ،‬وهيو مذهيب الشافعيي؛ وقوميا فهموا مين‬
‫ذلك معنى التعدي ل معنى التحريم‪ ،‬وهو مذهب مالك وأبي حنيفة‬
‫وجمهور أصييحابهما‪ .‬وأمييا الجنييس الرابييع‪ ،‬وهييو الذي تسييتخبثه‬
‫النفوس كالحشرات والضفادع والسرطانات والسلحفات وما في‬
‫معناهيا‪ ،‬فإن الشافعيي حرمهيا وأباحهيا الغيير؛ ومنهيم مين كرههيا‬
‫فقط‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم في مفهوم ما ينطلق عليه اسم‬
‫الخبائث فيي قوله تعالى {ويحرم عليهيم الخبائث} فمين رأى أنهيا‬
‫المحرمات بنييص الشرع لم يحرم ميين ذلك مييا تسييتخبثه النفوس‬
‫ممييا لم يرد فيييه نييص؛ وميين رأى أن الخبائث هييي مييا تسييتخبثه‬
‫النفوس قال‪ :‬هيي محرمية‪ .‬وأميا ميا حكاه أبيو حاميد عين الشافعيي‬
‫فييي تحريمييه الحيوان المنهييي عيين قتله كالخطاف والنحييل زعييم‬
‫فإنيي لسيت أدري أيين وقعيت الثار الواردة فيي ذلك‪ ،‬ولعلهيا فيي‬
‫غيير الكتيب المشهورة عندنيا‪ .‬وأميا الحيوان البحري‪ ،‬فإن العلماء‬
‫أجمعوا على تحليل ما لم يكن منه موافقا بالسم لحيوان في البر‬
‫محرم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل بأس بأكيل جمييع حيوان البحير‪ ،‬إل أنيه كره‬
‫خنزيير الماء وقال‪ :‬أنتيم تسيمونه خنزيرا‪ ،‬وبيه قال ابين أبيي ليلى‬
‫والوزاعي ومجاهد وجمهور العلماء‪ ،‬إل أن منهم من يشترط في‬
‫غيير السيمك التذكيية‪ ،‬وقيد تقدم ذلك‪ .‬وقال اللييث بين سيعد‪ :‬أميا‬
‫إنسييان الماء وخنزييير الماء فل يؤكلن على شيييء ميين الحالت‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم هييو هييل يتناول لغيية أو شرعييا اسييم الخنزييير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والن سان خنزير الماء وإنسانه‪ ،‬وعلى هذا يجب أن يتطرق الكلم‬
‫إلى كل حيوان في البحر مشارك بالسم في اللغة أو في العرف‬
‫لحيوان محرم فيي البر مثل الكلب عند من يرى تحريميه‪ ،‬والنظير‬
‫فييي هذه المسييألة يرجييع إلى أمرييين‪ :‬أحدهمييا هييل هذه السييماء‬
‫لغوييية؟ والثانييي هييل للسييم المشترك عموم أم ليييس له؟ فإن‬
‫إنسييان الماء وخنزيره يقالن مييع خنزييير البر وإنسييانه باشتراك‬
‫السيييم‪ ،‬فمييين سيييلم أن هذه السيييماء لغويييية ورأى أن للسيييم‬
‫المشترك عموما لزمه أن يقول بتحريمها‪ ،‬ولذلك توقف مالك في‬
‫ذلك وقال‪ :‬أنتم تسمونه خنزيرا‪.‬‬
‫فهذه حال الحيوان المحرم الكييييل فييييي الشرع والحيوان المباح‬
‫الكييل‪ .‬وأمييا النبات الذي هييو غذاء فكله حلل إل الخميير وسييائر‬
‫النبذة المتخذة من العصارات التي تتخمر ومن العسل نفسه‪ .‬أما‬
‫الخمير فإنهيم اتفقوا على تحرييم قليلهيا وكثيرهيا‪ :‬أعنيي التيي هيي‬
‫من عصير العنب‪ .‬وأما النبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي‬
‫ل يسيييكر‪ ،‬وأجمعوا على أن المسيييكر منهيييا حرام‪ ،‬فقال جمهور‬
‫فقهاء الحجاز وجمهور المحدثيين‪ :‬قلييل النبذة وكثيرهيا المسيكرة‬
‫حرام‪ .‬وقال العراقيون إبراهيييم النخعييي ميين التابعييين وسييفيان‬
‫الثوري وابين أبيي ليلى وشرييك وابين شبرمية وأبيو حنيفية وسيائر‬
‫فقهاء الكوفيييين وأكثيير علماء البصييرين‪ :‬إن المحرم ميين سييائر‬
‫النبذة المسييكرة هييو السييكر نفسييه ل العييين‪ .‬وسييبب اختلفهييم‬
‫تعارض الثار والقيسيية فييي هذا الباب‪ ،‬فللحجازيييين فييي تثييبيت‬
‫مذهبهييييم طريقتان‪ :‬الطريقيييية الولى الثار الواردة فييييي ذلك‪.‬‬
‫والطريقية الثانيية تسيمية النبذة بأجمعهيا خمرا‪ .‬فمين أشهير الثار‬
‫التي تمسك بها أهل الحجاز ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أبي‬
‫سلمة عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت "سئل رسول الله صلى‬
‫الله علييه وسيلم عين البتيع وعين نيبيذ العسيل؟ فقال‪ :‬كيل شراب‬
‫أسكر فهو حرام" خرجه البخاري‪ .‬وقال يحيى بن معين‪ :‬هذا أصح‬
‫حديث روي عن النيبي عليه الصلة والسلم فيي تحريم المسكر؛‬
‫ومنهيا أيضيا ميا خرجيه مسيلم عين ابين عمير أن النيبي علييه الصيلة‬
‫والسيلم قال "كيل مسيكر خمير‪ ،‬وكيل خمير حرام" فهذان حديثان‬
‫صييحيحان‪ .‬أمييا الول فاتفييق الكييل عليييه‪ .‬وأمييا الثانييي فانفرد‬
‫بتصحيحه مسلم‪ .‬وخرج الترمذي وأبو داود والنسائي عن جابر بن‬
‫عبييد الله صييلى الله عليييه وسييلم قال "مييا أسييكر كثيره فقليله‬
‫حرام" وهو نص في موضع الخلف‪ .‬وأما الستدلل الثاني من أن‬
‫النبذة كلهيا تسيمى خمرا‪ ،‬فلهيم فيي ذلك طريقتان‪ :‬إحداهميا مين‬
‫جهية إثبات السيماء بطرييق الشتقاق‪ ،‬والثانيي مين جهية السيماع‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فأما التي من جهة الشتقاق فإنهم قالوا إنه معلوم عند أهل اللغة‬
‫أن الخمير إنميا سيميت خمرا لمخامرتهيا العقيل‪ ،‬فوجيب لذلك أن‬
‫ينطلق اسم الخمر لغة على كل ما خامر العقل‪.‬‬
‫وهذه هي الطريقة من إثبات السماء فيها اختلف بين الصوليين‪،‬‬
‫وهي غير مرضية عند الخراسانيين‪ .‬وأما الطريقة الثانية التي من‬
‫جهية السيماع‪ ،‬فإنهيم قالوا إنيه وإن لم يسيلم لنيا أن النبذة تسيمى‬
‫فييي اللغيية خمرا شرعييا‪ ،‬واحتجوا فييي ذلك بحديييث ابيين عميير‬
‫المتقدم‪ ،‬وبما روي أيضا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم قال "الخمير مين هاتيين الشجرتيين‪ :‬النخلة والعنبية"‬
‫وما روي أيضا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال "إن مين العنيب خمرا‪ ،‬وإن مين العسيل خمرا‪ ،‬ومين الزبييب‬
‫خمرا‪ ،‬ومين الحنطية خمرا وأنيا أنهاكيم عين كيل مسيكر" فهذه هيي‬
‫عمدة الحجازيين في تحريم النبذة‪ .‬وأما الكوفيون فإنهم تمسكوا‬
‫لمذهبهيم بظاهير قوله تعالى {ومين ثمير النخييل والعناب تتخذون‬
‫منيه سيكرا ورزقيا حسينا} وبآثار رووهيا فيي هذا الباب‪ ،‬وبالقياس‬
‫المعنوي‪.‬‬
‫أمييا احتجاجهييم باليية فإنهييم قالوا‪ :‬السييكر هييو المسييكر ولو كان‬
‫محرم العين لما سماه الله رزقا حسنا‪.‬‬
‫وأميا الثار التيي اعتمدوهيا فيي هذا الباب‪ ،‬فمين أشهرهيا عندهيم‬
‫حدييث أبيي عون الثقفيي عين عبيد الله بين شداد عين ابين عباس‬
‫عن النبي عليه الصلة والسلم قال "حرمت عليكم الخمر لعينها"‬
‫والسكر من غيرها وقالوا‪ :‬هذا نص ل يحتمل التأويل‪ ،‬وضعفه أهل‬
‫الحجاز لن بعيض رواتيه روى "والمسيكر مين غيرهيا" ومنهيا حدييث‬
‫شرييك عين سيماك بين حرب بإسيناده عين أبيي بردة بين نيار قال‪:‬‬
‫قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "إنيي كنيت نهيتكيم عين‬
‫الشراب فيي الوعيية فاشربوا فيميا بدا لكيم ول تسيكروا" خرجهيا‬
‫الطحاوي‪ .‬ورووا عين ابين مسيعود أنيه قال‪ :‬شهدت تحرييم النيبيذ‬
‫كميا شهدتيم‪ ،‬ثيم شهدت تحليله فحفظيت ونسييتم‪ .‬ورووا عين أبيي‬
‫موسيى قال "بعثنيي رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أنيا ومعاذا‬
‫إلى اليمين‪ ،‬فقلنيا‪ :‬ييا رسيول الله إن بهيا شرابيين يصينعان مين البر‬
‫والشعييير‪ :‬أحدهمييا يقال له المزر‪ ،‬والخيير يقال له البتييع‪ ،‬فمييا‬
‫نشرب؟ فقال علييه الصيلة والسيلم‪ :‬اشربيا ول تسيكرا" خرجيه‬
‫الطحاوي أيضييا إلى غييير ذلك ميين الثار التييي ذكروهييا فييي هذا‬
‫الباب‪.‬‬
‫وأميا احتجاجهيم مين جهية النظير فإنهيم قالوا‪ :‬قيد نيص القرآن أن‬
‫علة التحريييم فييي الخميير إنمييا هييي الصييد عيين ذكيير الله ووقوع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العداوة والبغضاء كمييا قال تعالى {إنمييا يريييد الشيطان أن يوقييع‬


‫بينكيم العداوة والبغضاء فيي الخمير والميسير ويصيدكم عين ذكير‬
‫الله وعين الصيلة} وهذه العلة توجيد فيي القدر المسيكر ل فيميا‬
‫دون ذلك‪ ،‬فوجييب أن يكون ذلك القدر هييو الحرام إل مييا انعقييد‬
‫علييه الجماع مين تحرييم قلييل الخمير وكثيرهيا‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذا النوع‬
‫ميين القياس يلحييق بالنييص‪ ،‬وهييو القياس الذي ينبييه الشرع على‬
‫العلة فيه‪.‬‬
‫وقال المتأخرون ميين أهييل النظيير‪ :‬حجيية الحجازيييين ميين طريييق‬
‫السمع أقوى‪ ،‬وحجة العراقيين من طريق القياس أظهر‪ .‬وإذا كان‬
‫هذا كميا قالوا فيرجيع الخلف إلى اختلفهيم فيي تغلييب الثير على‬
‫القياس‪ ،‬أو تغليييب القياس على الثيير إذا تعارضييا‪ ،‬وهييي مسييألة‬
‫مختلف فيهيا‪ ،‬لكين الحيق أن الثير إذا كان نصيا ثابتيا‪ ،‬فالواجيب أن‬
‫يغلب على القياس‪ .‬وأما إذا كان ظاهر اللفظ محتمل للتأويل فهنا‬
‫يتردد النظيير هييل يجمييع بينهمييا بأن يتأول اللفييظ أو يغلب ظاهيير‬
‫اللفظ على مقتضى القياس؟ وذلك مختلف بحسب قوة لفظ من‬
‫اللفاظ الظاهرة‪ ،‬وقوة قياس ميين القياسييات التييي تقابلهييا ول‬
‫يدرك الفرق بينهميييا إل بالذوق العقلي كميييا يدرك الموزون مييين‬
‫الكلم مييين غيييير الموزون‪ ،‬وربميييا كان الذوقان على التسييياوي؛‬
‫ولذلك كثر الختلف في هذا النوع حتى قال كثير من الناس‪ :‬كل‬
‫مجتهد مصيب‪.‬‬
‫قال القاضييي‪ :‬والذي يظهيير لي والله أعلم أن قوله عليييه الصييلة‬
‫والسييلم "كييل مسييكر حرام" وإن كان يحتمييل أن يراد بييه القدر‬
‫المسييكر ل الجنييس المسييكر‪ ،‬فإن ظهوره فييي تعليييق التحريييم‬
‫بالجنيس أغلب على الظين مين تعليقيه بالقدر لمكان معارضية ذلك‬
‫القياس له على ميا تأوله الكوفيون‪ ،‬فإنيه ل يبعيد أن يحرم الشارع‬
‫قلييل المسيكر وكثيره سيدا للذريعية وتغليظيا‪ ،‬ميع أن الضرر إنميا‬
‫يوجد في الكثير‪ ،‬وقد ثبت من حال الشرع بالجماع أنه اعتبر في‬
‫الخمر الجنس دون القدر الواجب‪ ،‬فوجب كل ما وجدت فيه علة‬
‫الخمير أن يلحيق بالخمير‪ ،‬وأن يكون على مين زعيم وجود الفرق‬
‫إقامية الدلييل على ذلك‪ ،‬هذا إن لم يسيلموا لنيا صيحة قوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "ميا أسيكر كثيره فقليله حرام" فإنهيم إن سيلموه‬
‫لم يجدوا انفكاكييا فإنييه نييص فييي موضييع الخلف‪ ،‬ول يصييح أن‬
‫تعارض النصيوص بالمقايييس‪ ،‬وأيضيا فإن الشرع قيد أخيبر أن فيي‬
‫الخمير مضرة ومنفعية‪ ،‬فقال تعالى {قيل فيهميا إثيم كيبير ومنافيع‬
‫للناس} وكان القياس إذا قصيد الجميع بيين انتقاء المضرة ووجود‬
‫المنفعيية أن يحرم كثيرهييا ويحلل قليلهييا؛ فلمييا غلب الشرع حكييم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المضرة على المنفعة في الخمر ومنع القليل منها والكثير‪ ،‬وجب‬


‫أن يكون المر كذلك في كل ما يوجد فيه على تحريم الخمر‪ ،‬إل‬
‫أن يثبت في ذلك فارق شرعي‪.‬‬
‫واتفقوا على أن النتباذ حلل مييا لم تحدث فيييه الشدة المطربيية‬
‫الخمرية لقوله عليه الصلة والسلم "فانتبذوا وكل مسكر حرام"‪،‬‬
‫ولميا ثبيت عنيه علييه الصيلة والسيلم "أنيه كان ينتبيذ‪ ،‬وأنيه كان‬
‫يريقه في اليوم الثاني أو الثالث" واختلفوا في ذلك في مسئلتين‪:‬‬
‫إحداهميا‪ :‬فيي الوانيي التيي ينتبيذ فيهيا‪ .‬والثانيية‪ :‬فيي انتباذ شيئيين‬
‫مثل البسر والرطب‪ ،‬والتمر والزبيب‪.‬‬
‫@‪(-‬فأمييا المسييألة الولى) فإنهييم أجمعوا على جواز النتباذ فييي‬
‫السيقية‪ ،‬واختلفوا فيميا سيواها؛ فروى ابين القاسيم عين مالك أنيه‬
‫كره النتباذ في الدباء والمزفت ولم يكره غير ذلك؛ وكره الثوري‬
‫النتباذ فييي الدباء والحنتييم والنقييير والمزفييت؛ وقال أبييو حنيفيية‬
‫وأصييحابه‪ :‬ل بأس بالنتباذ فييي جميييع الظروف والوانييي‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهيم اختلف الثار فيي هذا الباب‪ ،‬وذلك أنيه ورد مين طرييق‬
‫ابين عباس النهيي عين النتباذ فيي الربيع التيي كرههيا الثوري وهيو‬
‫حدييث ثابيت‪ .‬وروى مالك عين ابين عمير فيي الموطيأ "أن النيبي‬
‫علييه الصيلة والسيلم نهيى عين النتباذ فيي الدباء والمزفيت" وجاء‬
‫في حديث جابر عن النبي عليه الصلة والسلم من طريق شريك‬
‫عين سيماك أنيه قال "كنيت نهيتكيم أن تنبذوا فيي الدباء والحنتيم‬
‫والنقيير والمزفيت فانتبذوا ول أحيل مسيكرا" وحدييث أبيي سيعيد‬
‫الخدري الذي رواه مالك فييي الموطييأ‪ ،‬وهييو أنييه عليييه الصييلة‬
‫والسييلم قال "كنييت نهيتكييم عيين النتباذ فانتبذوا‪ ،‬وكييل مسييكر‬
‫حرام"‪ .‬فمين رأى أن النهي المتقدم الذي نسيخ إنما كان نهيا عن‬
‫النتباذ في هذه الواني إذ لم يعلم ههنا نهي متقدم غير ذلك قال‪:‬‬
‫يجوز النتباذ فييي كييل شيييء؛ وميين قال إن النهييي المتقدم الذي‬
‫نسخ إنما كان نهيا عن النتباذ مطلقا قال‪ :‬بقي النهي عن النتباذ‬
‫فييي هذه الوانييي؛ فميين اعتمييد فييي ذلك حديييث ابيين عميير قال‬
‫باليتيين المذكورتيين فييه؛ ومين اعتميد فيي ذلك حدييث ابين عباس‬
‫قال بالربعة‪ ،‬لنه يتضمن مزيدا‪ ،‬والمعارضة بينه وبين حديث ابن‬
‫عمير إنميا هيي مين باب دلييل الخطاب‪ .‬وفيي كتاب مسيلم النهيي‬
‫عين النتباذ فيي الحنتيم‪ ،‬وفييه أنيه رخيص لهيم فييه إذا كان غيير‬
‫مزفت‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الثانييية) وهييي انتباذ الخليطييين‪ ،‬فإن الجمهور‬
‫قالوا بتحريييم الخليطييين ميين الشياء التييي ميين شأنهييا أن تقبييل‬
‫النتباذ؛ وقال قوم‪ :‬بيل النتباذ مكروه؛ وقال قوم‪ :‬هيو مباح؛ وقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قوم‪ :‬كييل خليطييين فهمييا حرام وإن لم يكونييا ممييا يقبلن النتباذ‬
‫فيميا أحسيب الن‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم ترددهيم فيي هيل النهيي‬
‫الوارد فيي ذلك هيو على الكراهية أو على الحظيير؟ وإذا قلنيا إنيه‬
‫على الحظير‪ ،‬فهيل يدل على فسياد المنهيى عنيه أم ل؟ وذلك أنيه‬
‫ثبيت عنيه علييه الصيلة والسيلم "أنيه نهيى عين أن يخلط التمير‬
‫والزبيب‪ ،‬والزهو والرطب‪ ،‬والبسر والزبيب" وفي بعضها أنه قال‬
‫علييه الصيلة والسيلم "ل تنتبذوا الزهيو والزبييب جميعيا‪ ،‬ول التمير‬
‫والزبييب جميعيا‪ ،‬وانتبذوا كيل واحيد منهميا على حدة" فيخرج فيي‬
‫ذلك بحسب التأويل القاويل الثلثة‪ :‬قول بتحريمه‪ ،‬وقول بتحليله‬
‫ميع الثيم فيي النتباذ‪ ،‬وقول بكراهيية ذلك‪ .‬وأميا مين قال إنيه مباح‪،‬‬
‫فلعله اعتميد فيي ذلك عموم الثير بالنتباذ فيي حدييث أبيي سيعيد‬
‫الخدري‪ .‬وأميا مين منيع كيل خليطيين‪ ،‬فإميا أن يكون ذهيب إلى أن‬
‫علة المنيع هيو الختلط ل ميا يحدث عين الختلط مين الشدة فيي‬
‫النييبيذ‪ ،‬وإمييا أن يكون قييد تمسييك بعموم مييا ورد أنييه نهييى عيين‬
‫الخليطين؛ وأجمعوا على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها جاز أكلها‪.‬‬
‫واختلفوا إذا قصيد تخليلهيا على ثلثية أقوال‪ :‬التحرييم‪ ،‬والكراهيية‪،‬‬
‫والباحية‪ .‬وسيبب اختلفهيم معارضية القياس للثير واختلفهيم فيي‬
‫مفهوم الثر‪ ،‬وذلك أن أبا داود خرج من حديث أنس بن مالك أن‬
‫أبا طلحة "سأل النبي عليه الصلة والسلم عن أيتام ورثوا خمرا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أهرقها‪ ،‬قال‪ :‬أفل أجعلها خل؟ قال‪ :‬ل" فمن فهم من المنع‬
‫سيد ذريعية حميل ذلك على الكراهيية؛ ومين فهيم النهيي لغيير علة‬
‫قال بالتحريم؛ ويخرج على هذا أن ل تحريم أيضا على مذهب من‬
‫يرى أن النهيي ل يعود بفسياد المنهيي‪ .‬والقياس المعارض لحميل‬
‫الخييل على التحريييم أنييه قييد علم ميين ضرورة الشرع أن الحكام‬
‫المختلفية إنميا هيي للذوات المختلفية‪ ،‬وأن الخمير غيير ذات الخيل‪،‬‬
‫والخل بإجماع حلل‪ ،‬فإذا انتقلت ذات الخمر إلى ذات الخل وجب‬
‫أن يكون حلل كيفما انتقل‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثانية‪ :‬في استعمال المحرمات في حال الضطرار)‬
‫@‪-‬والصيل فيي هذا الباب قوله تعالى {وقيد فصيل لكيم ميا حرم‬
‫عليكيم إل ميا اضطررتيم إلييه} والنظير فيي هذا الباب فيي السيبب‬
‫المحلل وفيي جنيس الشييء المحلل وفيي مقداره‪ .‬فأميا السيبب‪،‬‬
‫فهو ضرورة التغذي‪ :‬أعني إذا لم يجد شيئا حلل يتغذى به‪ ،‬وهو ل‬
‫خلف فييه‪ .‬وأميا السيبب الثانيي طلب البرء‪ ،‬وهذا المختلف فييه؛‬
‫فمين أجازه احتيج بإباحية النيبي علييه الصيلة والسيلم الحريير لعبيد‬
‫الرحمن بن عوف لمكان حكة به؛ ومن منعه فلقوله عليه الصلة‬
‫والسيلم "إن الله لم يجعيل شفاء أمتيي فيميا حرم عليهيا"‪ .‬وأميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫جنس الشيء المستباح فهو كل شيء محرم مثل الميتة وغيرها؛‬


‫والختلف فيي الخمير عندهيم هيو مين قبيل التداوي بهيا ل مين قبيل‬
‫اسييتعمالها فييي التغذي‪ ،‬ولذلك أجازوا للعطشان أن يشربهييا إن‬
‫كان منهيا ري‪ ،‬وللشرق أن يزييل شرقيه بهيا‪ .‬وأميا مقدار ميا يؤكيل‬
‫مين الميتية وغيرهيا فإن مالكيا قال‪ :‬حيد ذلك الشبيع والتزود منهيا‬
‫حتيى يجيد غيرهيا؛ وقال الشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬ل يأكيل منهيا إل ميا‬
‫يمسك الرمق‪ ،‬وبه قال بعض أصحاب مالك‪ .‬وسبب الختلف هل‬
‫المباح له فيي الضطرار هيو جميعهيا أم ميا يمسيك الرميق فقيط؟‬
‫والظاهير أنيه جميعهيا لقوله تعالى {فمين اضطير غيير باغ ول عاد}‬
‫واتفيق مالك والشافعيي على أنيه ل يحيل للمضطير أكيل الميتية إذا‬
‫كان عاصيييا بسييفره لقوله تعالى {غييير باغ ول عاد} وذهييب غيره‬
‫إلى جواز ذلك‪.‬‬
‫(انتهى كتاب الطعمة والشربة)‬
‫تيم الجزء الول مين كتاب (بدايية المجتهيد ونهايية المقتصيد) ويلييه‪:‬‬
‫الجزء الثاني‪ ،‬وأوله‪ :‬كتاب النكاح‪.‬‬
‫*‪*1‬الجزء الثاني‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب النكاح‬
‫@‪-‬بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫وأصيول هذا الكتاب تنحصير فيي خمسية أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬فيي‬
‫مقدمات النكاح‪ .‬الباب الثانييي‪ :‬فييي موجبات صييحة النكاح‪ .‬الباب‬
‫الثالث‪ :‬فيي موجبات الخيار فيي النكاح‪ .‬الباب الرابيع‪ :‬فيي حقوق‬
‫الزوجية‪ .‬الباب الخامس‪ :‬في النحكة المنهي عنها والفاسدة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في مقدمات النكاح‪.‬‬
‫@‪-‬وفي هذا الباب أربع مسائل في حكم النكاح وفي حكم خطبة‬
‫النكاح‪ ،‬وفيي الخطبية على الخطبية‪ ،‬وفيي النظير إلى المخطوبية‬
‫قبيل التزوييج‪ .‬فأميا حكيم النكاح فقال قوم‪ :‬هيو مندوب إلييه‪ ،‬وهيم‬
‫الجمهور؛ وقال أهييل الظاهيير‪ :‬هييو واجييب‪ ،‬وقالت المتأخرة ميين‬
‫المالكييية‪ :‬هييو فييي حييق بعييض الناس واجييب‪ ،‬وفييي حييق بعضهييم‬
‫مندوب إليه‪ ،‬وفي حق بعضهم مباح‪ ،‬وذلك بحسب ما يخاف على‬
‫نفسه من العنت‪ .‬وسبب اختلفهم هل تحمل صيغة المر به في‬
‫قوله تعالى {فانكحوا ميا طاب لكيم مين النسياء} وفيي قوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "تناكحوا فإنيي مكاثير بكيم الميم" وميا أشبيه ذلك‬
‫مين الخبار الواردة فيي ذلك على الوجوب أم على الندب أم على‬
‫الباحة‪ .‬فأ ما من قال إنه فيي حق بعض الناس واجب‪ ،‬وفيي حق‬
‫بعضهييم مندوب إليييه‪ ،‬وفييي حييق بعضهييم مباح‪ ،‬فهييو التفات إلى‬
‫المصلحة‪ ،‬وهذا النوع من القياس هو الذي يسمى المرسل‪ ،‬وهو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الذي ليس له أصل معين يستند إليه‪ ،‬وقد أنكره كثير من العلماء‪،‬‬
‫والظاهر من مذهب مالك القول به‪.‬‬
‫وأما خطبة النكاح المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال‬
‫الجمهور إنها ليست واجبة‪ ،‬وقال داود هي واجبة‪ .‬وسبب الخلف‬
‫هيل يحميل فعله فيي ذلك علييه الصيلة والسيلم على الوجوب أو‬
‫على الندب‪ :‬فأما الخطبة على الخطبة‪ ،‬فإن النهي في ذلك ثابت‬
‫عيين النييبي عليييه الصييلة والسييلم‪ .‬واختلفوا هييل يدل ذلك على‬
‫فسيياد المنهييي عنييه أو ل يدل‪ .‬وإن كان يدل ففييي أي حالة يدل؟‬
‫فقال داود يفسخ؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة ل يفسخ؛ وعن مالك‬
‫القولن جميعا‪ ،‬وثالث وهو أن يفسخ قبل الدخول ول يفسخ بعده؛‬
‫وقال ابين القاسيم‪ :‬إنميا معنيى النهيي إذا خطيب رجيل صيالح على‬
‫خطبية رجيل صيالح‪ ،‬وأميا إن كان الول غيير صيالح والثانيي صيالح‬
‫جاز‪ .‬وأما الوقت عند الكثر فهو إذا ركن بعضهم إلى بعض ل في‬
‫أول الخطبية بدلييل حدييث فاطمية بنيت قييس "حييث جاءت إلى‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم فذكرت له أن أبيا جهيم بين حذيفية‬
‫ومعاويية بين أبيي سيفيان خطباهيا‪ ،‬فقال‪ :‬أميا أبيو جهيم فرجيل ل‬
‫يرفيع عصياه عين النسياء‪ ،‬وأميا معاويية فصيعلوك ل مال له‪ ،‬ولكين‬
‫انكحيي أسيامة"‪ .‬وأميا النظير إلى المرأة عنيد الخطبية‪ ،‬فأجاز ذلك‬
‫مالك إلى الوجيه والكفيين فقيط؛ وأجاز ذلك غيره إلى جمييع البدن‬
‫عدا السييوأتين؛ ومنييع ذلك قوم على الطلق؛ وأجاز أبييو حنيفيية‬
‫النظر إلى القدمين مع الوجه والكفين‪ .‬والسبب في اختلفهم أنه‬
‫ورد المير بالنظير إليهين مطلقيا‪ ،‬وورد بالمنيع مطلقيا‪ ،‬وورد مقيدا‪:‬‬
‫أعنيي بالوجيه والكفيين على ميا قاله كثيير مين العلماء فيي قوله‬
‫تعالى {ول يبديين زينتهين إل ميا ظهير منهيا} إنيه الوجيه والكفان‪،‬‬
‫وقياسا على جواز كشفهما في الحج عند الكثر‪ ،‬ومن منع تمسك‬
‫بالصل وهو تحريم النظر إلى النساء‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في موجبات صحة النكاح‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب ينقسيم إلى ثلثية أركان‪ :‬الركين الول‪ :‬فيي معرفية‬
‫كيفييية هذا العقييد‪ .‬الركيين الثانييي‪ :‬فييي معرفيية محييل هذا العقييد‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬في معرفة شروط هذا العقد‪.‬‬
‫@‪(-‬الركن الول) في الكيفية‪ .‬والنظر في هذا الركن في مواضع‪:‬‬
‫فيي كيفيية الذن المنعقيد بيه‪ ،‬ومين المعتيبر رضاه فيي لزوم هذا‬
‫العقيد‪ ،‬وهيل يجوز عقده على الخيار أم ل يجوز؟ وهيل إن تراخيى‬
‫القبول ميين أحييد المتعاقدييين لزم ذلك العقييد‪ ،‬أم ميين شرط ذلك‬
‫الفور؟‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬الموضيع الول) الذن فيي النكاح على ضربيين‪ :‬فهيو واقيع فيي‬
‫حييق الرجال والثييب مين النسيياء باللفاظ‪ ،‬وهييو فييي حييق البكار‬
‫المسيتأذنات واقيع بالسيكوت‪ :‬أعنيي الرضيا‪ .‬وأميا الرد فباللفيظ ول‬
‫خلف في هذه الجملة إل ما حكي عن أصحاب الشافعي أن أذن‬
‫البكر إذا كان المنكح غير أب ول جد بالنطق‪ ،‬وإنما صار الجمهور‬
‫إلى أن إذنهيا بالصيمت للثابيت مين قوله علييه الصيلة والسيلم "‬
‫الييم أحيق بنفسيها مين وليهيا‪ ،‬والبكير تسيتأمر فيي نفسيها وإذنهيا‬
‫صييماتها" واتفقوا على أن انعقاد النكاح بلفييظ النكاح مميين إذنييه‬
‫اللفظ‪ ،‬وكذلك بلفظ التزويج‪ .‬واختلفوا في انعقاده بلفظ الهبة أو‬
‫بلفييظ البيييع أو بلفييظ الصييدقة‪ ،‬فأجازه قوم‪ ،‬وبييه قال مالك وأبييو‬
‫حنيفيية؛ وقال الشافعييي‪ :‬ل ينعقييد إل بلفييظ النكاح أو التزويييج‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم هل هو عقد يعتبر فيه مع النية اللفظ الخاص به؟‬
‫ام ليس من صحته اعتبار اللفظ؟ فمن ألحقه بالعقود التي يعتبر‬
‫فيها المران قال‪ :‬ل نكاح منعقد إل بلفظ النكاح أو التزويج؛ ومن‬
‫قال‪ :‬إن اللفيظ لييس مين شرطيه اعتبارا بميا لييس مين شرطيه‬
‫اللفيظ أجاز النكاح بأي لفيظ اتفيق إذا فهيم المعنيى الشرعيي مين‬
‫ذلك‪ ،‬أعني أنه إذا كان بينه وبين المعنى الشرعي مشاركة‪.‬‬
‫@‪(-‬الموضع الثاني) وأما من المعتبر قبوله في صحة هذا العقد‪،‬‬
‫فإنييه يوجييد فييي الشرع على ضربييين‪ :‬أحدهمييا يعتييبر فيييه رضييا‬
‫المتناكحيين أنفسيهما‪ :‬أعنيي الزوج والزوجية‪ ،‬إميا ميع الولي‪ ،‬وإميا‬
‫دونيه على مذهيب مين ل يشترط الولي فيي رضيا المرأة المالكية‬
‫أمير نفسيها‪ .‬والثانيي يعتيبر فييه رضيا الولياء فقيط‪ ،‬وفيي كيل واحيد‬
‫مين هذيين الضربيين مسيائل اتفقوا عليهيا‪ ،‬ومسيائل اختلفوا فيهيا‪،‬‬
‫ونحين نذكير منهيا قواعدهيا وأصيولها فنقول‪ :‬أميا الرجال البالغون‬
‫الحرار المالكون لمر أنفسهم فإنهم اتفقوا على اشتراط رضاهم‬
‫وقبولهيم فيي صيحة النكاح‪ .‬واختلفوا هيل يجيبر العبيد على النكاح‬
‫سييده والوصيي محجوره البالغ أم لييس يجيبره؟ فقال مالك‪ :‬يجيبر‬
‫السييد عبده على النكاح‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬ل‬
‫يجيبره‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم هيل النكاح مين حقوق السييد أم‬
‫ليييس ميين حقوقييه؟ وكذلك اختلفوا فييي جييبر الوصييي محجوره‪،‬‬
‫والخلف فييي ذلك موجود فييي المذهييب‪ .‬وسييبب اختلفهييم هييل‬
‫النكاح مصييلحة مين مصيالح المنظور له أم لييس بمصيلحة وإنميا‬
‫طريقه الملذ؟ وعلى القول بأن النكاح واجب ينبغي أن ل يتوقف‬
‫فيي ذلك‪ .‬وأميا النسياء اللتيي يعتيبر رضاهين فيي النكاح‪ ،‬فاتفقوا‬
‫على اعتبار رضا الثيب البالغ لقوله عليه الصلة والسلم "والثيب‬
‫تعرب عن نفسها" إل ما حكى عن الحسن البصري‪ .‬واختلفوا في‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البكر البالغ وفي الثيب الغير البالغ ما لم يكن ظهر منها الفساد‪.‬‬
‫فأما البكر البالغ فقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى‪ :‬للب فقط‬
‫أن يجبرهيا على النكاح؛ وقال أبيو حنيفية والثوري والوزاعيي وأبيو‬
‫ثور وجماعية‪ :‬ل بيد مين اعتبار رضاهيا؛ ووافقهيم مالك فيي البكير‬
‫المعنسية على أحيد القوليين عنيه‪ .‬وسيبب اختلفهيم معارضية دلييل‬
‫الخطاب فييي هذا للعموم‪ ،‬وذلك أن مييا روي عنييه عليييه الصييلة‬
‫والسييلم ميين قوله‪" :‬ل تنكييح اليتيميية إل بإذنهييا" وقوله "تسييتأمر‬
‫اليتيمة في نفسها" أخرجه أبو داود‪ ،‬والمفهوم منه بدليل الخطاب‬
‫أن ذات الب بخلف اليتيميية‪ ،‬وقوله عليييه الصييلة والسييلم فييي‬
‫حديييث ابيين عباس المشهور "والبكيير تسييتأمر" يوجييب بعمومييه‬
‫اسيتئمار كيل بكير‪ .‬والعموم أقوى مين دلييل الخطاب‪ ،‬ميع أنيه خرج‬
‫مسيلم فيي حدييث ابين عباس زيادة‪ ،‬وهيو أنيه قال علييه الصيلة‬
‫والسيلم‪" :‬والبكير يسيتأذنها أبوهيا" وهيو نيص فيي موضيع الخلف‪.‬‬
‫وأميا الثييب الغيير البالغ‪ ،‬فإن مالكيا وأبيا حنيفية قال‪ :‬يجبرهيا الب‬
‫على النكاح؛ وقال الشافعيي‪ :‬ل يجبرهيا‪ ،‬وقال المتأخرون‪ :‬إن فيي‬
‫المذهيب فيهيا ثلثية أقوال‪ :‬قول إن الب يجبرهيا ميا لم تبلغ بعيد‬
‫الطلق‪ ،‬وهو قول أشهب؛ وقول إنه يجبرها وإن بلغت‪ ،‬وهو قول‬
‫سييحنون؛ وقوله إنييه ل يجبرهييا وإن لم تبلغ‪ ،‬وهييو قول أبييي تمام؛‬
‫والذي حكيناه عين مالك هيو الذي حكاه أهيل مسيائل الخلف كابين‬
‫القصار وغيره عنه‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم معارضية دلييل الخطاب للعموم‪ ،‬وذلك أن قوله‬
‫عليه الصلة والسلم "تستأمر اليتيمة في نفسها ول تنكح اليتيمة‬
‫إل بإذنهييا" يفهييم منييه أن ذات الب ل تسييتأمر إل مييا أجمييع عليييه‬
‫الجمهور ميين اسييتئمار الثيييب البالغ‪ ،‬وعموم قوله عليييه الصييلة‬
‫والسلم "الثيب أحق بنفسها من وليها" يتناول البالغ وغير البالغ‪،‬‬
‫وكذلك قوله "ل تنكيح الييم حتيى تسيتأمر ول تنكيح حتيى تسيتأذن"‬
‫يدل بعمومييه على مييا قاله الشافعييي‪ .‬ولختلفهييم فييي هاتييين‬
‫المسيئلتين سيبب آخير‪ ،‬وهيو اسيتنباط القياس مين موضيع الجماع‪،‬‬
‫وذلك أنهم لما أجمعوا على أن الب يجبر البكر غير البالغ‪ ،‬وأنه ل‬
‫يجبر الثيب البالغ إل خلفا شاذا فيهما جميعا كما قلنا اختلفوا في‬
‫موجب الجبار هل هو البكارة أو الصغر؟ فمن قال الصغر قال‪ :‬ل‬
‫تجييبر البكيير البالغ؛ وميين قال البكارة قال‪ :‬تجييبر البكيير البالغ ول‬
‫تجبر الثيب الصغيرة؛ ومن قال كل واحد منهما يوجب الجبار إذا‬
‫انفرد قال‪ :‬تجييبر البكيير البالغ والثيييب غييير البالغ‪ ،‬والتعليييل الول‬
‫تعلييل أبيي حنيفية‪ ،‬والثانيي تعلييل الشافعيي‪ ،‬والثالث تعلييل مالك‪،‬‬
‫والصول أكثر شهادة لتعليل أبي حنيفة‪ .‬واختلفوا في الثيوبة التي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ترفييع الجبار وتوجييب النطييق بالرضييا أو الرد‪ ،‬فذهييب مالك وأبييو‬


‫حنيفية إلى أنهيا الثيوبية التيي تكون بنكاح صيحيح أو شبهية نكاح أو‬
‫ملك‪ ،‬وأنهيا ل تكون بزنيى ول بغصيب؛ وقال الشافعيي‪ :‬كيل ثيوبية‬
‫ترفييع الجبار‪ .‬وسييبب اختلفهييم هييل يتعلق الحكييم بقوله عليييه‬
‫الصلة والسلم "الثيب أحق بنفسها من وليها" بالثيوبة الشرعية‬
‫أم بالثيوبة اللغوية؟‪.‬‬
‫واتفقوا على أن الب يجيبر ابنيه الصيغير على النكاح‪ ،‬وكذلك ابنتيه‬
‫الصيغيرة البكير‪ ،‬ول يسيتأمرها لميا ثبيت "أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بنت ست أو سبع وبنى‬
‫بها بنت تسع بإنكاح أبي بكر أبيها رضي الله عنه" إل ما روي من‬
‫الخلف عن ابن شبرمة‪ .‬واختلفوا من ذلك في مسئلتين‪ :‬إحداهما‬
‫هل يزوج الصغيرة غير الب؟ والثانية هل يزوج الصغير غير الب؟‬
‫فأميا هيل يزوج الصيغيرة غيير الب أم ل؟ فقال الشافعيي‪ :‬يزوجهيا‬
‫الجيد أبيو الب والب فقيط؛ وقال مالك‪ :‬ل يزوجهيا إل الب فقيط‪،‬‬
‫أو مييين جعيييل الب له ذلك إذا عيييين الزوج إل أن يخاف عليهيييا‬
‫الضيعة والفساد؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يزوج الصغيرة كل من له عليها‬
‫ولية من أب وقريب وغير ذلك‪ ،‬ولها الخيار إذا بلغت‪،‬‬
‫وسييبب اختلفهييم معارضيية العموم للقياس‪ ،‬وذلك أن قوله عليييه‬
‫الصيلة والسيلم "والبكير تسيتأمر وإذنهيا صيماتها" يقتضيي العموم‬
‫فيي كيل بكير إل ذات الب التيي خصيصها الجماع‪ ،‬إل الخلف الذي‬
‫ذكرناه‪ ،‬وكون سيييائر الولياء معلوميييا منهيييم النظييير والمصيييلحة‬
‫لوليتهم يوجب أن يلحقوا بالب في هذا المعنى‪ ،‬فمنهم من ألحق‬
‫بيه جمييع الولياء ومنهيم مين ألحيق بيه الجيد فقيط‪ ،‬لنيه فيي معنيى‬
‫الب إذ كان أبيا أعلى‪ ،‬وهيو الشافعيي؛ ومين قصير ذلك على الب‬
‫رأى أن مييا للب فييي ذلك غييير موجود لغيره‪ ،‬إمييا ميين قبييل أن‬
‫الشرع خصييه بذلك‪ ،‬وإمييا ميين قبييل أن يوجييد فيييه ميين الرأفيية‬
‫والرح مة ل يوجد في غيره‪ ،‬وهو الذي ذهب إليه مالك رضي الله‬
‫عنييه‪ ،‬ومييا ذهييب إليييه أظهيير {والله أعلم} إل أن يكون هنالك‬
‫ضرورة‪ .‬وقيد احتيج الحنفيية بجواز إنكاح الصيغار غيير الباء بقوله‬
‫تعالى {فإن خفتيم أن ل تقسيطوا فيي اليتاميى فانكحوا ميا طاب‬
‫لكييم ميين النسيياء} قال‪ :‬واليتيييم ل ينطلق إل على غييير البالغيية‪.‬‬
‫والفرييق الثاني قالوا‪ :‬إن اسيم اليتييم قيد ينطلق على بالغة بدلييل‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "تستأمر اليتيمة" والمستأمرة هي من‬
‫أهل الذن وهي البالغة‪ ،‬فيكون لختلفهم سبب آخر‪ ،‬وهو اشتراك‬
‫اسيم اليتييم؛ وقيد احتيج أيضيا مين لم يجيز نكاح غيير الب لهيا بقوله‬
‫عليييه الصييلة والسييلم "تسييتأمر اليتيميية فييي نفسييها" قالوا‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والصييغيرة ليسييت ميين أهييل السييتئمار باتفاق‪ ،‬فوجييب المنييع‪،‬‬


‫ولولئك أن يقولوا‪ :‬إن هذا حكييم اليتيميية التييي هييي ميين أهييل‬
‫السيتئمار‪ ،‬وأميا الصيغيرة فمسيكوت عنهيا‪ .‬وأميا‪ :‬هيل يزوج الولي‬
‫غير الب الصغير؟ فإن كان مالكا أجازه للوصي؛ وأبا حنيفة أجازه‬
‫للولياء‪ ،‬إل أن أبيا حنيفية أوجيب الخيار له إذا بلغ‪ ،‬ولم يوجيب ذلك‬
‫مالك؛ وقال الشافعيي‪ :‬لييس لغيير الب إنكاحيه‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫قياس غييييير الب فييييي ذلك على الب‪ .‬فميييين رأى أن الجتهاد‬
‫الموجود فيه الذي جاز للب به أن يزوج الصغير من ولده ل يوجد‬
‫فيي غيير الب لم يجيز ذلك؛ ومين رأى أنيه يوجيد فييه أجاز ذلك؛‬
‫وميين فرق بييين الصييغير فييي ذلك والصييغيرة فلن الرجييل يملك‬
‫الطلق إذا بلغ ول تملكييه المرأة‪ ،‬ولذلك جعييل أبييو حنيفيية لهمييا‬
‫الخيار إذا بلغا‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا الموضيع الثالث) وهيو هيل يجوز عقيد النكاح على الخيار‪،‬‬
‫فإن الجمهور على أنييه ل يجوز؛ وقال أبييو ثور يجوز‪ .‬السييبب فييي‬
‫اختلفهيم تردد النكاح بيين البيوع التيي ل يجوز فيهيا الخيار‪ ،‬والبيوع‬
‫التيي يجوز فيهيا الخيار‪ ،‬أو نقول إن الصيل فيي العقود أن ل خيار‬
‫إل ميا وقيع علييه النيص وعلى المثبيت الخيار الدلييل‪ ،‬أو نقول إن‬
‫أصييل منييع الخيار (هكذا هذه العبارة بالصييول‪ ،‬وليييس لهييا معنييى‬
‫واضيح) فيي البيوع هيو الغرر والنكحية ل غرر فيهيا‪ ،‬لن المقصيود‬
‫بهيا المكارمية ل المكايسية‪ ،‬ولن الحاجية إلى الخيار والرؤيية فيي‬
‫النكاح أشد منه في البيوع‪ .‬وأما تراخي القبول من أحد الطرفين‬
‫عيين العقييد‪ ،‬فأجاز مالك ميين ذلك التراخييي اليسييير‪ ،‬ومنعييه قوم‪،‬‬
‫وأجازه قوم‪ ،‬وذلك مثيل أن ينكيح الولي امرأة بغيير إذنهيا‪ ،‬فيبلغهيا‬
‫النكاح فتجيزه‪ ،‬وممن منعه مطلقا الشافعي‪ ،‬وممن أجازه مطلقا‬
‫أ بو حنيفة وأصحابه‪ ،‬والتفرقة بين المر الطويل والقصير لمالك‪.‬‬
‫وسييييبب الخلف هييييل ميييين شرط النعقاد وجود القبول ميييين‬
‫المتعاقدين في وقت واحد معا‪ ،‬أم ليس ذلك شرطه؟ ومثل هذا‬
‫الخلف عرض في البيع‪.‬‬
‫@‪(-‬الركين الثانيي‪ :‬فيي شروط العقيد) وفييه ثلثية فصيول‪ :‬الفصيل‬
‫الول‪ :‬في الولياء‪ .‬الثاني‪ :‬في الشهود‪ .‬الثالث‪ :‬في الصداق‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في الولياء‬
‫@‪-‬والنظيير فييي الولياء فييي مواضييع أربعيية‪ :‬الول‪ :‬فييي اشتراط‬
‫الولية في صحة النكاح‪ .‬الموضع الثاني‪ :‬في صفة الولي‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫في أصناف الولياء وترتيبهم في الولية‪ ،‬وما يتعلق بذلك‪ .‬الرابع‪:‬‬
‫فيي عضيل الولياء مين يلونهيم‪ ،‬وحكيم الختلف الواقيع بيين الولي‬
‫والمولى عليه‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬الموضيع الول) اختلف العلماء هيل الوليية شرط مين شروط‬


‫صحة النكاح أم ليست بشرط؟ فذهب مالك إلى أنه ل يكون نكاح‬
‫إل بولي‪ ،‬وأنهيا شرط فيي الصيحة فيي روا ية أشهيب عنيه‪ ،‬وبيه قال‬
‫الشافعيي؛ وقال أبيو حنيفية وزفير والشعيبي والزهري‪ :‬إذا عقدت‬
‫المرأة نكاحهييا بغييير ولي وكان كفؤا جاز؛ وفرق داود بييين البكيير‬
‫والثيييب فقال باشتراط الولي فييي البكيير وعدم اشتراطييه فييي‬
‫الثيب‪ .‬ويتخرج على رواية ابن القاسم عن مالك في الولية قول‬
‫رابع أن اشتراطها سنة ل فرض‪ ،‬وذلك أنه روى عنه أنه كان يرى‬
‫الميراث بيين الزوجيين بغيير ولي‪ ،‬وأنيه يجوز للمرأة غيير الشريفية‬
‫أن تسييتخلف رجل ميين الناس على إنكاحهييا‪ ،‬وكان يسييتحب أن‬
‫تقدم الثييب وليهيا ليعقيد عليهيا‪ ،‬فكأنيه عنده مين شروط التمام ل‬
‫مين شروط الصيحة‪ ،‬بخلف عبارة البغدادييين مين أصيحاب مالك‪،‬‬
‫أعنيي أنهيم يقولون إنهيا مين شروط الصيحة ل مين شروط التمام‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم أنه لم تأت آية ول سنة هي ظاهرة في اشتراط‬
‫الوليية فيي النكاح فضل عين أن يكون فيي ذلك نيص‪ ،‬بيل اليات‬
‫والسينن التيي جرت العادة بالحتجاج بهيا عنيد مين يشترطهيا هيي‬
‫كلهيا محتملة‪ ،‬وكذلك اليات والسينن التيي يحتيج بهيا مين يشترط‬
‫إسقاطها هي أيضا محتملة في ذلك‪ ،‬والحاديث مع كونها محتملة‬
‫فييي ألفاظهييا مختلف فييي صييحتها إل حديييث ابين عباس وإن كان‬
‫المسقط لها ليس عليه دليل‪ ،‬لن الصل براءة الذمة‪ ،‬ونحن نورد‬
‫مشهور ميا احتيج بيه الفريقان ونيبين وجيه الحتمال فيي ذلك‪ ،‬فمين‬
‫أظهر ما يحتج به من الكتاب من اشترط الولية قوله تعالى {فإذا‬
‫بلغيين أجلهيين فل تعضلوهيين أن ينكحيين أزواجهيين} قالوا‪ :‬وهذا‬
‫خطاب للولياء‪ ،‬ولم لم يكين لهيم حيق فيي الوليية لميا نهوا عين‬
‫العضيل‪ ،‬وقوله تعالى {ول تنكحوا المشركيين حتيى يؤمنوا} قالوا‪:‬‬
‫وهذا خطاب للولياء أيضييا؛ وميين أشهيير مييا احتييج بييه هؤلء ميين‬
‫الحاديييث مييا رواه الزهري عيين عروة عيين عائشيية قالت‪ :‬قال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "أيميا امرأة نكحيت بغيير إذن‬
‫وليهيا فنكاحهيا باطيل ثلث مرات‪ ،‬وإن دخيل بهيا فالمهير لهيا بميا‬
‫أصياب منهيا‪ ،‬فإن اشتجروا فالسيلطان ولي مين ل ولي له" خرجيه‬
‫الترمذي وقال فيه‪ :‬حديث حسن وأما من احتج به من لم الولية‬
‫من الكتاب والسنة‪ ،‬فقوله تعالى {فل جناح عليكم فيما فعلن في‬
‫أنفسييهن بالمعروف} قالوا‪ :‬وهذا دليييل على جواز تصييرفها فييي‬
‫العقيد على نفسيها‪ .‬وقالوا‪ :‬وقيد أضاف إليهين فيي غيير ميا آيية مين‬
‫الكتاب الفعييل فقال {أن ينكحيين أزواجهيين} وقال {حتييى تنكييح‬
‫زوجا غيره} ‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا مين السينة فاحتجوا بحدييث ابين عباس المتفيق على صيحته‪،‬‬
‫وهيو قوله علييه الصيلة والسيلم "الييم أحيق بنفسيها مين وليهيا‪،‬‬
‫والبكير تسيتأمر فيي نفسيها وإذنهيا صيماتها" وبهذا الحدييث احتيج‬
‫داود فييي الفرق عنده بييين الثيييب والبكيير فييي هذا المعنييى‪ ،‬فهذا‬
‫مشهور ما احتج به الفريقان من السماع‪ .‬فأما قوله تعالى {فإذا‬
‫بلغن أجلهن فل تعضلوهن} فليس فيه أكثر من نهى قرابة المرأة‬
‫وعصيبتها مين أن يمنعوهيا النكاح‪ ،‬ولييس نهيهيم عين العضيل مميا‬
‫يفهييم منيه اشتراط إذنهييم فييي صييحة العقييد ل حقيقيية ول مجازا‪،‬‬
‫أعنييي بوجييه ميين وجوه أدلة الخطاب الظاهرة أو النييص بييل قييد‬
‫يمكن أن يفهم منه ضد هذا‪ ،‬وهو أن الولياء ليس لهم سبيل على‬
‫مييين يلونهيييم‪ ،‬وكذلك قوله تعالى {ول تنكحوا المشركيييين حتيييى‬
‫يؤمنوا} هيو أن يكون خطابيا لولي المير مين المسيلمين أو لجمييع‬
‫المسييلمين أحرى منييه أن يكون خطابيييا للولياء‪ ،‬وبالجملة فهييو‬
‫متردد بييين أن يكون خطابييا للولياء‪ .‬أو لولي الميير‪ ،‬فميين احتييج‬
‫بهذه الية فعليه البيان أنه أظهر في خطاب الولياء منه في أولي‬
‫الميير‪ ،‬فإن قيييل إن هذا عام والعام يشمييل ذوي الميير والولياء‬
‫قيييل إن هذا الخطاب إنمييا هييو خطاب بالمنييع والمنييع بالشرع‪،‬‬
‫فيسيتوي فييه الولياء وغيرهيم‪ ،‬وكون الولي مأمورا بالمنيع بالشرع‬
‫ل يوجيب له وليية خاصية فيي الذن أصيله الجنيبي‪ ،‬ولو قلنيا أنيه‬
‫خطاب للولياء يوجيييب اشتراط إذنهيييم فيييي صيييحة النكاح لكان‬
‫مجمل ل يصيح بيه عميل‪ ،‬لنيه لييس فييه ذكير أصيناف الولياء ول‬
‫صيفاتهم ومراتبهيم‪ ،‬والبيان ل يجوز تأخيره عين وقيت الحاجية‪ ،‬ولو‬
‫كان فيي هذا كله شرع معروف لنقيل تواترا أو قريبيا مين التواتير‪،‬‬
‫لن هذا مميا تعيم بيه البلوى‪ ،‬ومعلوم أنيه كان فيي المدينية مين ل‬
‫ولي له‪ ،‬ولم ينقييل عنييه صييلى الله عليييه وسييلم أنييه كان يعقييد‬
‫أنكحتهيم ول ينصيب لذلك مين يعقدهيا‪ ،‬وأيضيا فإن المقصيود مين‬
‫الييية ليييس هييو حكييم الولييية وإنمييا المقصييود منهييا تحريييم نكاح‬
‫المشركييين والمشركات وهذا ظاهيير‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وأمييا حديييث‬
‫عائشة فهو حديث مختلف في وجوب العمل به‪ ،‬والظهر أن ما ل‬
‫يتفيق على صيحته أنيه لييس يجيب العميل بيه‪ .‬وأيضيا فإن سيلمنا‬
‫صيحة الحدييث فلييس فييه إل اشتراط إذن الولي لمين لهيا ولي‪:‬‬
‫أعني المولى عليها‪ ،‬وإن سلمنا أنه عام في كل امرأة فليس فيه‬
‫أن المرأة ل تعقييد على نفسييها‪ ،‬أعنييي أن ل تكون هييي التييي تلى‬
‫العقييد بييل الظهيير منييه إنييه إذا أذن الولي لهييا جاز أن تعقييد على‬
‫نفسها دون أن تشترط في صحة النكاح إشهاد الولي معها‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا ميا احتيج بيه الفرييق الخير مين قوله تعالى {فل جناح عليكيم‬
‫فيميا فعلن بأنفسيهن مين معروف} فإن المفهوم منيه النهيي عين‬
‫التثرييب عليهين فيميا اسيتبددن بفعله دون أوليائهين‪ ،‬ولييس ههنيا‬
‫شيييء يمكيين أن تسييتبد بييه المرأة دون الولي إل عقييد النكاح‪،‬‬
‫فظاهيير هذه الييية {والله أعلم} أن لهييا أن تعقييد النكاح وللولياء‬
‫الفسيخ إذا لم يكين بالمعروف وهيو الظاهير مين الشرع إل أن هذا‬
‫لم يقل به أحد‪ ،‬وأن يحتج ببعض ظاهر الية على رأيهم ول يحتج‬
‫ببعضها فيه ضعف‪ .‬وأما إضافة النكاح إليهن فليس فيه دليل على‬
‫اختصاصهن بالعقد‪ ،‬لكن الصل هو الختصاص إل أن يقوم الدليل‬
‫على اختلف ذلك‪ .‬وأميا حدييث ابين عباس فهيو لعمري ظاهير فيي‬
‫الفرق بيين الثييب والبكير‪ ،‬لنيه إذا كان كيل واحيد منهميا يسيتأذن‬
‫ويتولى العقيد عليهميا الولي فبماذا لييت شعري تكون الييم أحيق‬
‫بنفسها من وليها؟‬
‫وحدييث الزهري هيو أن يكون موافقيا هذا الحدييث أحرى مين أن‬
‫يكون معارضيا له‪ ،‬ويحتميل أن تكون التفرقية بينهميا فيي السيكوت‬
‫والنطيق فقيط‪ ،‬ويكون السيكوت كافييا فيي العقيد والحتجاج بقوله‬
‫تعالى {فل جناح عليكيم فيميا فعلن فيي أنفسيهن بالمعروف} هيو‬
‫أظهيير فييي أن المرأة تلي العقييد ميين الحتجاج بقوله {ول تنحكوا‬
‫المشركيين حتيى يؤمنوا} على أن الولي هيو الذي يلي العقيد‪ .‬وقيد‬
‫ضعفت الحنفية حديث عائشة‪ ،‬وذلك أ نه حديث رواه جماعة عن‬
‫ابين جرييج عن الزهري‪ ،‬وحكيى ابين علية عين ابن جريج أ نه سيأل‬
‫الزهري عنيه فلم يعرفيه‪ ،‬قالوا‪ :‬والدلييل على ذلك أن الزهري لم‬
‫يشترط الوليية ول الوليية مين مذهيب عائشية‪ .‬وقيد احتجوا أيضيا‬
‫بحدييييث ابييين عباس أنيييه قال "ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل"‬
‫ولكنيه مختلف فيي رفعيه‪ .‬وكذلك اختلفوا أيضيا فيي صيحة الحدييث‬
‫الوارد "فييي نكاح النييبي عليييه الصييلة والسييلم أم سييلمة وأمره‬
‫لبنها أن ينكحها إياه"‪.‬‬
‫وأما احتجاج الفريقين من جهة المعاني فمحتمل‪ ،‬وذلك أنه يمكن‬
‫أن يقال إن الرشيد إذا وجيد فيي المرأة اكتفيى بيه فيي عقيد النكاح‬
‫كما يكتفي به في التصرف في المال‪ ،‬ويشبه أن يقال إن المرأة‬
‫مائلة بالطبييع إلى الرجال أكثيير ميين ميلهييا إلى تبذييير الموال‪،‬‬
‫فاحتاط الشرع بأن جعلهيا محجورة فيي هذا المعنيى على التأبييد‪،‬‬
‫مع أن ما يلحقها من العار في إلقاء نفسها في غير موضع كفاءة‬
‫إلى أوليائهييا‪ ،‬لكيين يكفييي فييي ذلك أن يكون للولياء الفسييخ أو‬
‫الحسبة‪ ،‬والمسألة محتملة كما ترى‪ ،‬لكن الذي يغلب على الظن‬
‫أنه لو قصد الشارع اشتراط الولية لبين جنس الولياء وأصنافهم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ومراتبهيم‪ ،‬فإن تأخير البيان عين وقيت الحاجية ل يجوز‪ ،‬فإذا كان ل‬
‫يجوز علييه‪ ،‬علييه الصيلة والسيلم تأخيير البيان عين وقيت الحاجية‬
‫وكان عموم البلوى فييي هذه المسييألة يقتضييي أن تنقييل اشتراط‬
‫الولية عنه صلى الله عليه وسلم تواترا أو قريبا من التواتر ثم لم‬
‫ينقيل‪ ،‬فقيد يجيب أن يعتقيد أحيد أمريين‪ :‬إميا أنيه ليسيت الوليية‬
‫شرطيا فيي صيحة النكاح وإنميا للولياء الحسيبة فيي ذلك‪ ،‬وأميا إن‬
‫كان شرطييا فليييس ميين صييحتها تمييييز صييفات الولي وأصيينافهم‬
‫ومراتبهيم‪ ،‬ولذلك يضعيف قول مين يبطيل عقيد الولي البعيد ميع‬
‫وجوب القرب‪.‬‬
‫@‪(-‬الموضيع الثانيي) وأميا النظير فيي الصيفات الموجبية للوليية‬
‫والسييالبة لهييا‪ ،‬فإنهييم اتفقوا على أن ميين شرط الولييية السييلم‬
‫والبلوغ والذكورة‪ ،‬وأن سيوالبها أضداد هذه‪ :‬أعنيي الكفير والصيغر‬
‫والنوثية؛ واختلفوا فيي ثلثية‪ :‬فيي العبيد والفاسيق والسيفيه‪ .‬فأميا‬
‫العبيد فالكثير على منيع وليتيه‪ ،‬وجوزهيا أبيو حنيفية‪ :‬وأميا الرشيد‬
‫فالمشهور فيي المذهيب‪ :‬أعنيي عنيد أكثير أصيحاب مالك أن ذلك‬
‫ليييس ميين شرطهييا‪ :‬أعنييي الولييية‪ ،‬وبييه قال أبييو حنيفيية؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬ذلك ميين شرطهييا؛ وقييد روى عيين مالك مثييل قول‬
‫الشافعييي‪ ،‬وبقول الشافعييي قال أشهييب وأبييو مصييعب‪ .‬وسييبب‬
‫الخلف تشيبيه هذه الوليية بوليية المال؛ فمين رأى أنيه قيد يوجيب‬
‫الرشد في هذه الولية مع عدمه في المال قال‪ :‬ليس من شرطه‬
‫أن يكون رشيدا فيي المال؛ ومين رأى أن ذلك ممتنيع الوجود قال‪:‬‬
‫لبييد ميين الرشييد فييي المال‪ ،‬وهمييا قسييمان كمييا ترى‪ ،‬أعنييي أن‬
‫الرشد في المال غير الرشد في اختيار الكفاءة ل ها‪ .‬وأما العدالة‬
‫فإنميا اختلفوا فيهيا مين جهية أنهيا نظير للمعنيى‪ :‬أعنيي هذه الوليية‪،‬‬
‫فل يؤمين ميع عدم العدالة أن ل يختار لهيا الكفاءة‪ .‬وقيد يمكين أن‬
‫يقال إن الحالة التيي بهيا يختار الولياء لمولياتهيم الكفيء غيير حالة‬
‫العدالة وهييي خوف لحوق العار بهييم‪ ،‬وهذه هييي موجودة بالطبييع‬
‫وتلك العدالة الخرى مكتسيبة‪ ،‬ولنقيص العبيد يدخيل الخلف فيي‬
‫وليته كما يدخل في عدالته‪.‬‬
‫@‪(-‬الموضيع الثالث) وأميا أصيناف الوليية عنيد القائليين بهيا فهيي‬
‫نسيب وسيلطان ومولى أعلى وأسيفل‪ ،‬ومجرد السيلم عنيد مالك‬
‫صفة تقتضي الولية على الدنينة [هكذا في نسختنا‪ ،‬فليصحح؟؟]‪.‬‬
‫واختلفوا فيي الوصيي؛ فقال مالك‪ :‬يكون الوصيي ولييا‪ ،‬ومنيع ذلك‬
‫الشافعييي‪ .‬وسييبب اختلفهييم هييل صييفة الولييية ممييا يمكيين أن‬
‫يسيتناب فيهيا‪ ،‬أم لييس يمكين ذلك؟‪ .‬ولهذا السيبب بعينيه اختلفوا‬
‫فيي الوكالة فيي النكاح‪ ،‬لكين الجمهور على جوازهيا إل أبيا ثور‪ ،‬ول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فرق بين الوكالة واليصاء‪ ،‬لن الوصي وكيل بعد الموت‪ ،‬والوكالة‬
‫تنقطيع بالموت‪ .‬واختلفوا فييي ترتييب الوليية مين النسيب‪ ،‬فعنيد‬
‫مالك أن الولييية معتييبرة بالتعصيييب إل البيين‪ ،‬فميين كان أقرب‬
‫عصيبة كان أحيق بالوليية‪ ،‬والبناء عنده أولى وإن سيفلوا ثيم الباء‬
‫ثيم الخوة للب والم ثيم للب ثيم بنيو الخوة للب والم ثيم للب‬
‫فقيط ثيم الجداد للب وإن علوا‪ .‬وقال المغيرة‪ :‬الجيد وأبوه أولى‬
‫مين الخ وابنيه لييس مين أصيل (هكذا بالصيل‪ ،‬ولعيل صيوابه‪ :‬لنيه‬
‫لييس بأصيل‪ ،‬فليتأميل‪ ،‬ا هيي مصيححه)‪ .‬ثيم العمومية على ترتييب‬
‫الخوة وإن سيفلوا ثيم المولى ثيم السيلطان والمولى العلى عنده‬
‫أحيق مين السيفل‪ ،‬والوصيي عنده أولى مين ولي النسيب‪ :‬أعنيي‬
‫وصييي الب واختلف أصيحابه فيمين هيو أولى وصيي الب أو ولي‬
‫النسيب؟ فقال ابين القاسيم الوصيي أولى‪ ،‬مثيل قول مالك؛ وقال‬
‫ابين الماجشون وابين عبيد الحكيم‪ :‬الولي أولى؛ وخالف الشافعيي‬
‫مالكيا فيي وليية البنوة فلم يجزهيا أصيل‪ ،‬وفيي تقدييم الخوة على‬
‫الجييد فقال‪ :‬ل ولييية للبيين؛ وروى عيين مالك أن الب أولى ميين‬
‫البيين وهييو أحسيين؛ وقال أيضييا‪ :‬الجييد أولى ميين الخ‪ ،‬وبييه قال‬
‫المغيرة؛ والشافعييي اعتييبر التعصيييب‪ ،‬أعنييي أن الولد ليييس ميين‬
‫عصيبتها لحدييث عمير "ل تنكيح المرأة إل بإذن وليهيا أو ذي الرأي‬
‫مين أهلهيا أو السيلطان" ولم يعتيبره مالك فيي البين لحدييث أم‬
‫سلمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن ها أن ينكحها إياه"‬
‫ولنهيم اتفقوا‪ :‬أعنيي مالكيا والشافعيي على أن البين يرث الولء‬
‫الواجيب للم‪ ،‬والولء عندهيم للعصيبة‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي الجيد‬
‫هيو اختلفهيم فيمين هيو أقرب هيل الجيد أو الخ؟ ويتعلق بالترتييب‬
‫ثلث مسيائل مشهورة‪ :‬أحدهيا‪ :‬إذا زوج البعيد ميع حضور القرب‪.‬‬
‫والثانييية‪ :‬إذا غاب القرب هييل تنتقييل الولييية إلى البعييد أو إلى‬
‫السيلطان؟‪ .‬والثالثية‪ :‬إذا غاب البين عين ابنتيه البكير هيل تنتقيل‬
‫الولية أو ل تنتقل؟‪.‬‬
‫@‪(-‬فأما المسألة الولى) فاختلف فيها قول مالك‪ ،‬فمرة قال‪ :‬إن‬
‫زوج البعيد ميع حضور القرب فالنكاح مفسيوخ‪ ،‬ومرة قال‪ :‬النكاح‬
‫جائز‪ ،‬ومرة قال‪ :‬للقرب أن يجييييز أو يفسيييخ‪ ،‬وهذا الخلف كله‬
‫عنده فيميا عدا الب فيي ابنتيه البكير والوصيي فيي محجورتيه‪ ،‬فإنيه‬
‫ل يختلف قوله إن النكاح فييي هذييين مفسييوخ‪ ،‬أعنييي تزويييج غييير‬
‫الب البنيت البكير ميع حضور الب أو غيير الوصيي المحجورة ميع‬
‫حضور الوصييي؛ وقال الشافعييي‪ :‬ل يعقييد أحييد مييع حضور الب ل‬
‫فيي بكير ول فيي ثييب‪ .‬وسيبب هذا الختلف هيو هيل الترتييب حكيم‬
‫شرعيي‪ :‬أعنيي ثابتيا بالشرع فيي الوليية‪ ،‬أم لييس بحكيم شرعيي؟‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وإن كان حكميا فهيل ذلك حيق مين حقوق الولي القرب‪ ،‬أم ذلك‬
‫حق من حقوق الله؟ فمن لم ير الترتيب حكما شرعيا قال‪ :‬يجوز‬
‫نكاح البعيد ميع حضور القرب؛ ومين رأى أنيه حكيم شرعيي ورأى‬
‫أنيه حيق للولي قال‪ :‬النكاح منعقيد‪ ،‬فإن أجازه الولي جاز‪ ،‬وإن لم‬
‫يجزه انفسيخ؛ ومين رأى أنيه حيق لله قال‪ :‬النكاح غيير منعقيد‪ ،‬وقيد‬
‫أنكر قوم هذا المعنى في المذهب أعنى أن يكون النكاح منفسخا‬
‫غير منعقد‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثانية) فإن مالكا يقول‪ :‬إذا غاب الولي القرب‬
‫انتقلت الوليية إلى البعيد؛ وقال الشافعيي‪ :‬تنتقيل إلى السيلطان‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم هيل الغيبية فيي ذلك بمنزلة الموت أم ل؟ وذلك‬
‫أنه ل خلف عندهم في انتقالها في الموت‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثالثة) وهي غيبة الب عن ابنته البكر‪ ،‬فإن في‬
‫المذهب فيها تفصيل واختلفا‪ ،‬وذلك راجع إلى بعد المكان وطول‬
‫الغيبيية أو قربييه والجهييل بمكانييه أو العلم بييه‪ .‬وحاجيية البنييت إلى‬
‫النكاح إميا لعدم النفقية‪ ،‬وإميا لميا يخاف عليهيا مين عدم الصيون‪،‬‬
‫وإميا للمريين جميعيا؛ فاتفيق المذهيب على أنيه إذا كانيت الغيبية‬
‫بعيدة أو كان الب مجهول الموضييع أو أسيييرا وكانييت فييي صييون‬
‫وتحت نفقة أنها إن لم تدع إلى التزو يج ل تزوج وإن دعت فتزوج‬
‫عنييد السيير وعنييد الجهييل بمكانييه‪ ،‬واختلفوا هييل تزوج مييع العلم‬
‫بمكانييه أم ل إذا كان بعيدا‪ ،‬فقيييل تزوج وهييو قول مالك؛ وقيييل ل‬
‫تزوج‪ ،‬وهو قول عبد الملك وابن وهب‪ .‬وأما إن عدمت النفقة أو‬
‫كانيت فيي غيير صيون فإنهيا تزوج أيضيا فيي هذه الحوال الثلثية‪:‬‬
‫أعنيي فيي الغيبية البعيدة‪ ،‬وفيي السير‪ ،‬والجهيل بمكانيه؛ وكذلك إن‬
‫اجتمييع المران فإذا كانييت فييي غييير صييون تزوج وإن لم تدع إلى‬
‫ذلك؛ ولم يختلفوا فيمييا أحسييب أنهييا ل تزوج فييي الغيبيية القريبيية‬
‫المعلوميية لمكان إمكان مخاطبتييه‪ ،‬وليييس يبعييد بحسييب النظيير‬
‫المصيلحي الذي انبنيى علييه هذا النظير أن يقال إن ضاق الوقيت‬
‫وخشيي السيلطان عليهيا الفسياد زوجيت وإن كان الموضيع قريبيا؛‬
‫وإذا قلنييا إنييه يجوز ولييية البعييد مييع حضور القرب؛ فإن جعلت‬
‫امرأة أمرهيا إلى ولييين فزوجهيا كيل واحيد منهميا‪ ،‬فإنيه ل يخلو أن‬
‫تكون تقدم أحدهما في العقد على الخر أو يكونا عقدا معا‪ ،‬ثم ل‬
‫يخلو ذلك من أن يعلمم المتقدم أو ل يعلم‪ ،‬فأما إذا علم المتقدم‬
‫منهمييا فإجمعوا على أنهييا للول إذا لم يدخييل بهييا واحييد منهمييا‪.‬‬
‫واختلفوا إذا دخييل الثانييي؛ فقال قوم هييي للول؛ وقال قوم هييي‬
‫للثاني‪ ،‬وهو قول مالك وابن القاسم‪ ،‬وبالول قال الشافعي وابن‬
‫عبد الحكم؛ وأما إن أنكحاها معا فل خلف في فسخ النكاح فيما‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أعرف‪ .‬وسييبب الخلف فييي اعتبار الدخول أو ل اعتباره معارضيية‬


‫العموم للقياس‪ ،‬وذلك أنيه قيد روى أنيه علييه الصيلة والسيلم قال‬
‫"أيميا امرأة أنكحهيا وليان فهيي للول منهميا" فعموم هذا الحدييث‬
‫يقتضي أنها للول دخل بها الثاني أو لم يدخل؛ ومن اعتبر الدخول‬
‫فتشبيهيا بفوات السيلعة فيي البييع المكروه وهيو ضعييف‪ .‬وأميا إن‬
‫لم يعلم الول فإن الجمهور على الفسييخ؛ وقال مالك‪ :‬يفسييخ مييا‬
‫لم يدخييل أحدهمييا؛ وقال شريييح‪ :‬تخييير فأيهمييا اختارت كان هييو‬
‫الزوج‪ ،‬وهو شاذ‪ ،‬وقد روى عن عمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫@‪(-‬الموضييع الرابييع‪ :‬فييي عضييل الولياء) واتفقوا على أنييه ليييس‬
‫للولي أن يعضيل وليتيه إذا دعيت إلى كفيء وبصيداق مثلهيا وأنهيا‬
‫ترفع أمرها إلى السلطان فيزوجها ما عدا الب‪ ،‬فإنه اختلف فيه‬
‫المذهب‪ .‬واختلفوا بعد هذا التفاق فيما هي الكفاءة المعتبرة في‬
‫ذلك وهيل صيداق المثيل منهيا أم ل؟ وكذلك اتفقوا على أن للمرأة‬
‫أن تمنيع نفسيها مين إنكاح مين له مين الولياء جبرهيا إذا لم تكين‬
‫فيها الكفاءة موجودة كالب في ابنته البكر‪ .‬أما غير البالغ باتفاق‪،‬‬
‫والبالغ والثيييب الصييغيرة باختلف على مييا تقدم‪ ،‬وكذلك الوصييي‬
‫فيي محجوره على القول بالجيبر‪ ،‬فأميا الكفاءة فإنهيم اتفقوا على‬
‫أن الديين معتيبر فيي ذلك إل ميا روى عين محميد بين الحسين مين‬
‫إسييقاط اعتبار الدييين‪ ،‬ولم يختلف المذهييب أن البكيير إذا زوجهييا‬
‫الب من شارب الخمر وبالجملة من فاسق أن لها أن تمنع نفسها‬
‫ميين النكاح وينظيير الحاكييم فييي ذلك فيفرق بينهمييا‪ ،‬وكذلك إن‬
‫زوجهيييا ممييين ماله حرام‪ ،‬أو ممييين هيييو كثيييير الحلف بالطلق‪.‬‬
‫واختلفوا في النسب هل هو من الكفاءة أم ل؟ وفي الحرية وفي‬
‫اليسيار وفيي الصيحة مين العيوب‪ ،‬فالمشهور عين مالك أنيه يجوز‬
‫نكاح الموالي ميييين العرب وأنييييه احتييييج لذلك بقوله تعالى {إن‬
‫أكرمكيم عنيد الله أتقاكيم} وقال سيفيان الثوري وأحميد‪ :‬ل تزوج‬
‫العربيية مين مولى؛ وقال أبيو حنفيية وأصيحابه‪ :‬ل تزوج قرشيية إى‬
‫مين قرشيي‪ ،‬ول عربيية إل مين عربيي‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم فيي‬
‫مفهوم قوله علييه الصيلة والسيلم "تنكيح المرأة لدينهيا وجمالهيا‬
‫ومالها وحسبها فاظفر بذات الدين تربت يمينك" فمنهم من رأى‬
‫أن الديين هيو المعتيبر فقيط لقوله علييه الصيلة والسيلم "فعلييك‬
‫بذات الدين تربت يمينك" ومنهم من رأى أن الحسب في ذلك هو‬
‫بمعنيى الديين وكذلك المال‪ ،‬وأنيه ل يخرج مين ذلك إل ميا أخرجيه‬
‫الجماع‪ ،‬وهيو كون الحسين لييس مين الكفاءة‪ ،‬وكيل مين يقول يرد‬
‫النكاح ميين العيوب يجعييل الصييحة منهييا ميين الكفاءة‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فيكون الحسن يعتبر لجهة ما‪ ،‬ولم يختلف المذهب أيضا أن الفقر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مميا يوجيب فسيخ إنكاح الب ابنتيه البكير‪ ،‬أعنيي إذا كان فقيرا غيير‬
‫قادر على النفقة عليها فالمال عنده من الكفاءة‪ ،‬ولم ير ذلك أبو‬
‫حنيفيية‪ .‬أمييا الحرييية فلم يختلف المذهييب أنهييا ميين الكفاءة لكون‬
‫السينة الثابتية لتخييير المية إذا عتقيت‪ .‬وأميا مهير المثيل فإن مالكيا‬
‫والشافعيي يريان أنيه لييس مين الكفاءة‪ ،‬وأن للب أن ينكيح ابنتيه‬
‫بأقل من صداق المثل‪ :‬أعني البكر وأن الثيب الرشيدة إذا رضيت‬
‫بييه لم يكيين للولياء مقال؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬مهيير المثييل ميين‬
‫الكفاءة‪ .‬وسبب اختلفهم أما في الب فلختلفهم هل له أن يضع‬
‫من صداق ابنته البكر شيئا أم ل؟ وأما في الثيب فلختلفهم هل‬
‫ترتفع عنها الولية في مقدار الصداق إذا كانت رشيدة كما ترتفع‬
‫فييي سييائر تصييرفاتها المالييية أم ليييس ترتفييع الولييية عيين مقدار‬
‫الصداق إذ كانت ل ترتفع عنها في التصرف في النكاح‪ ،‬والصداق‬
‫مين أسيبابه‪ ،‬وقيد كان هذا القول أخلق بمين يشترط الوليية ممين‬
‫لم يشترطهييا‪ ،‬لكيين أتييى الميير بالعكييس‪ .‬ويتعلق بأحكام الولييية‬
‫مسيألة مشهورة‪ ،‬وهيي هيل يجوز للولي أن ينكيح وليتيه مين نفسيه‬
‫أم ل يجوز ذلك؟ فمنييييع ذلك الشافعييييي قياسييييا على الحاكييييم‬
‫والشاهيد‪ ،‬أعنيي أنيه ل يحكيم لنفسيه ول يشهيد لنفسيه‪ ،‬وأجاز ذلك‬
‫مالك ول أعلم له حجية فيي ذلك إل ميا روى مين "أنيه علييه الصيلة‬
‫والسلم تزوج أم سلمة بغير ولي" لن ابنها كان صغيرا‪ ،‬وما ثبت‬
‫"أنيه علييه الصيلة والسيلم أعتيق صيفية فجعيل صيداقها عتقهيا"‪.‬‬
‫والصل عند الشافعي في أنكحة النبي عليه الصلة والسلم أنها‬
‫على الخصييوص حتييى يدل الدليييل على العموم لكثرة خصييوصيته‬
‫فييي هذا المعنييى صييلى الله عليييه وسييلم‪ ،‬ولكيين تردد قوله فييي‬
‫المام العظم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في الشهادة‬
‫@‪-‬واتفييق أبييو حنيفيية والشافعييي ومالك على أن الشهادة ميين‬
‫شرط النكاح‪ ،‬واختلفوا هيل هيي شرط تمام يؤمير بيه عنيد الدخول‬
‫أو شرط صحة يؤمر به عند العقد‪ ،‬واتفقوا على أ نه ل يجوز نكاح‬
‫السر‪ .‬واختلفوا إذا أشهد شاهدين ووصيا بالكتمان هل هو سر أو‬
‫ليييس سيير؟ فقال مالك‪ :‬هييو سيير ويفسييخ؛ وقال أبييو حنيفيية‬
‫والشافعيي‪ :‬لييس بسير‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل الشهادة فيي ذلك‬
‫حكييم شرعييي أم إنمييا المقصييود منهييا سييد ذريعيية الختلف أو‬
‫النكار؟ فميين قال حكييم شرعييي قال‪ :‬هييي شرط ميين شروط‬
‫الصحة؛ ومن قال توثق قال‪ :‬من شروط التمام‪ .‬والصل في هذا‬
‫ميا روى عين ابين عباس "ل نكاح إل بشاهدي عدل وولي مرشيد"‬
‫ول مخالف له مين الصيحابة‪ ،‬وكثيير مين الناس رأى هذا داخل فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫باب الجماع وهييو ضعيييف‪ ،‬وهذا الحديييث قييد روى مرفوعييا ذكره‬
‫الدارقطني‪ ،‬وذكر أن في سنده مجاهيل؛ وأبو حنيفة ينعقد النكاح‬
‫عنده بشهادة فاسييقين‪ ،‬لن المقصييود عنده بالشهادة هييو العلن‬
‫فقط؛ والشافعي يرى أن الشهادة تتضمن المعنيين‪ :‬أعني العلن‬
‫والقبول‪ ،‬ولذلك اشترط فيهييا العدالة؛ وأمييا مالك فليييس تتضميين‬
‫عنده العلن إذا وصيى الشاهدان بالكتمان‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل‬
‫ميا تقيع فييه الشهادة ينطلق علييه اسيم السير أم ل؟ والصيل فيي‬
‫اشتراط العلن قول النييبي عليييه الصييلة والسييلم "أعلنوا هذا‬
‫النكاح واضربوا علييه بالدفوف" خرجيه أبيو داود‪ ،‬وقال عمير فييه‪:‬‬
‫هذا نكاح السير ولو تقدميت فييه لرجميت‪ .‬وقال أبيو ثور وجماعية‪:‬‬
‫ليييس الشهود ميين شرط النكاح‪ ،‬ل شرط صييحة ول شرط تمام‪،‬‬
‫وفعيل ذلك الحسين بين علي‪ ،‬وروى عنيه أنيه تزوج بغيير شهادة ثيم‬
‫أعلن بالنكاح‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في الصداق‬
‫@‪-‬والنظيير فييي الصييداق فييي سييتة مواضييع‪ :‬الول‪ :‬فييي حكمييه‬
‫وأركانه‪ .‬الموضع الثاني في تقرر جميعه للزوجة‪ .‬الموضع الثالث‪:‬‬
‫فييي تشطيره‪ .‬الموضييع الرابييع‪ :‬فييي التفويييض وحكمييه‪ .‬الموضييع‬
‫الخامييس‪ :‬الصييدقة الفاسييدة وحكمهييا‪ .‬الموضييع السييادس‪ :‬فييي‬
‫اختلف الزوجين في الصداق‪.‬‬
‫@‪(-‬الموضيع الول) وهذا فييه أربيع مسيائل‪ :‬الولى‪ :‬فيي حكميه‪،‬‬
‫الثانية‪ :‬في قدره‪ ،‬الثالثة‪ :‬في جنسه ووصفه‪ .‬الرابعة‪ :‬في تأجيله‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) أميا حكميه فإنهيم اتفقوا على أنيه شرط مين‬
‫شروط الصيييحة وأنيييه ل يجوز التواطيييؤ على تركيييه لقوله تعالى‬
‫{وآتوا النسيياء صييدقاتهن نحلة} وقوله تعالى {فانكحوهيين بإذن‬
‫أهلهن وآتوهن أجورهن}‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية) وأما قدره فإنهم اتفقوا على أنه ليس لكثره‬
‫حيد‪ .‬واختلفوا فيي أقله؛ فقال الشافعيي وأحميد وإسيحاق وأبيو ثور‬
‫وفقهاء المدينيية ميين التابعييين‪ :‬ليييس لقله حييد‪ ،‬وكييل مييا جاز أن‬
‫يكون ثمنا وقي مة لشيء جاز أن يكون صداقا‪ ،‬وبه قال ابن وهب‬
‫مييين أصيييحاب مالك؛ وقال طائفييية بوجوب تحدييييد أقله‪ ،‬وهؤلء‬
‫اختلفوا‪ ،‬فالمشهور فييييي ذلك مذهبان‪ :‬أولهمييييا مذهييييب مالك‬
‫وأصيحابه‪ ،‬والثانيي مذهيب أبيي حنيفية وأصيحابه؛ فأميا مالك فقال‪:‬‬
‫أقله ربيع دينار مين الذهيب أو ثلثية دراهيم كيل مين فضية‪ ،‬أو ميا‬
‫سياوى الدراهيم الثلثية‪ ،‬أعنيي دراهيم الكييل فقيط فيي المشهور؛‬
‫وقييل أو ما يساوي أحده ما؛ وقال أ بو حنيفية‪ :‬عشرة دراهيم أقله؛‬
‫وقييل خمسية دراهيم؛ وقييل أربعون درهميا‪ .‬وسيبب اختلفهيم فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫التقديير سيببان‪ :‬أحدهميا تردده بيين أن يكون عوضيا مين العواض‬


‫يعتيبر فييه التراضيي بالقلييل كان أو بالكثيير كالحال فيي البيوعات‪،‬‬
‫وبيين أن يكون عبادة فيكون مؤقتيا‪ ،‬وذلك أنيه مين جهية أنيه يملك‬
‫به على المرأة منافعها على الدوام يشبه العوض‪ ،‬ومن جهة أنه ل‬
‫يجوز التراضييي على إسييقاطه يشبييه العبادة‪ .‬والسييبب الثانييي‬
‫معارضيية هذا القياس فالمقتضييى التحديييد لمفهوم الثيير الذي ل‬
‫يقتضيي التحدييد‪ .‬أميا القياس الذي يقتضيي التحدييد فهيو كميا قلنيا‬
‫إنه عبادة والعبادات مؤقتة‪ .‬وأما ال ثر الذي يقتضي مفهومه عدم‬
‫التحدييد فحدييث سيهل بين سيعد السياعدي المتفيق على صيحته‪،‬‬
‫وفييه" أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم جاءتيه امرأة فقالت‪:‬‬
‫يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك‪ ،‬فقامت قياما طويل‪ ،‬فقام‬
‫رجل فقال‪ :‬يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك حاجة بها‪ ،‬فقال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬هيل معيك مين شييء تصيدقها‬
‫إياه؟ فقال‪ :‬ميا عندي إل إزاري‪ ،‬فقال رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم‪ :‬إن أعطيتها إياه جلست ل إزار لك فالتمس شيئا‪ ،‬فقال‪ :‬ل‬
‫أجييد شيئا‪ ،‬فقال عليييه الصييلة والسييلم‪ :‬التمييس ولو خاتمييا ميين‬
‫حدييد‪ ،‬فالتميس فلم يجيد شيئا‪ ،‬فقال رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم‪ :‬هل معك شيء من القرآن؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬سورة كذا وسورة‬
‫كذا ‪ -‬لسور سماها ‪ -‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬قد‬
‫أنكحتكها بما معك من القرآن" قالوا‪ :‬فقوله عليه الصلة والسلم‬
‫"التميس ولو خاتميا مين حدييد" دلييل على أنيه ل قدر لقله لنيه لو‬
‫كان له قدر لبينيه إذ ل يجوز تأخيير البيان عين وقيت الحاجية‪ ،‬وهذا‬
‫السييتدلل بييين كمييا ترى مييع أن القياس الذي اعتمده القائلون‬
‫بالتحدييد لييس تسيلم مقدماتيه‪ ،‬وذلك أنيه انبنيى على مقدمتيين‪:‬‬
‫إحداهما أن الصداق عبادة‪ ،‬والثانية أن العبادة مؤقتة‪ ،‬وفي كليهما‬
‫نزاع للخصييم‪ ،‬وذلك أنييه قييد يلفييى فييي الشرع ميين العبادات مييا‬
‫ليسيت مؤقتية‪ ،‬بيل الواجيب فيهيا هيو أقيل ميا ينطلق علييه السيم‪.‬‬
‫وأيضا فإنه ليس فيه شبه العبادات خالصا‪ ،‬وإنما صار المرجحون‬
‫لهذا القياس على مفهوم الثير لحتمال أن يكون ذلك الثير خاصيا‬
‫بذاك الرجيل لقوله فييه "قيد أنكحتكهيا بميا معيك مين القرآن" وهذا‬
‫خلف للصيول‪ ،‬وإن كان قيد جاء فيي بعيض رواياتيه أنيه قال "قيم‬
‫فعلمهيا" لميا ذكير أنيه معيه مين القرآن‪ ،‬فقام فعلمهيا‪ ،‬فجاء نكاحيا‬
‫بإجارة‪ ،‬لكيين لمييا التمسييوا أصييل يقيسييون عليييه قدر الصييداق لم‬
‫يجدوا شيئا أقرب شبها به من نصاب القطع على بعد ما بينهما‪.‬‬
‫وذلك أن القياس الذي اسيتعملوه فيي ذلك هيو أنهيم قالوا‪ :‬عضيو‬
‫مسيتباح بمال‪ ،‬فوجيب أن يكون مقدرا أصيله القطيع‪ ،‬وضعيف هذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القياس هو من قبل الستباحة فيهما هي مقولة باشتراك السم‪،‬‬


‫وذلك أن القطع غير الوطء‪ ،‬وأيضا فإن القطع استباحة على جهة‬
‫العقوبيية والذى ونقييص خلقييه‪ ،‬وهذا اسييتباحة على جهيية اللذة‬
‫والمودة‪ ،‬ومين شأنيه قياس الشبيه على ضعفيه أن يكون الذي بيه‬
‫تشابه الفرع والصل شيئا واحدا ل باللفظ بل بالمعنى‪ ،‬وأن يكون‬
‫الحكم إنما وجد للصل من جهة الشبه‪ ،‬وهذا كله معدوم في هذا‬
‫القياس‪ ،‬ومع هذا فإنه من الشبه الذي لم ينبه عليه اللفظ‪ ،‬وهذا‬
‫النوع مين القياس مردود عنيد المحققيين‪ ،‬لكين لم يسيتعملوا هذا‬
‫القياس فييي إثبات التحديييد المقابييل لمفهوم الحديييث إذ هييو فييي‬
‫غاييية الضعييف‪ ،‬وإنمييا اسييتعملوه فييي تعيييين قدر التحديييد‪ .‬وأمييا‬
‫القياس الذي اسيتعملوه فيي معارضية مفهوم الحدييث فهيو أقوى‬
‫ميين هذا‪ ،‬ويشهييد لعدم التحديييد مييا خرجييه الترمذي "أن امرأة‬
‫تزوجت على نعلين‪ ،‬فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫أرضييت مين نفسيك ومالك بنعليين؟ فقالت‪ :‬نعيم‪ ،‬فجوز نكاحهيا"‬
‫وقال هيو حدييث حسين صيحيح‪ .‬ولميا اتفيق القائلون بالتحدييد على‬
‫قياسه على نصاب السرقة اختلفوا في ذلك بحسب اختلفهم في‬
‫نصياب السيرقة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬هيو ربيع دينار أو ثلثية دراهيم‪ ،‬لنيه‬
‫النصياب فيي السيرقة عنده‪ ،‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬هيو عشرة دراهيم‪،‬‬
‫لنيه النصياب فيي السيرقة عنده؛ وقال ابين شبرمية‪ :‬هيو خمسية‬
‫دراهم‪ ،‬لنه النصاب عنده أيضا في السرقة‪.‬‬
‫وقييد احتجييت الحنفييية لكون الصييداق محددا بهذا القدر بحديييث‬
‫يروونيه عين جابر عين النيبي علييه الصيلة والسيلم أنيه قال"ل مهير‬
‫بأقييل ميين عشرة دراهييم" ولو كان هذا ثابتييا لكان رافعييا لموضييع‬
‫الخلف لنه كان يجب لموضع هذا الحديث أن يحمل حديث سهل‬
‫بين سيعد على الخصيوص‪ ،‬لكين حدييث جابر هذا ضعييف عنيد أهيل‬
‫الحدييث فإنيه يروييه‪ ،‬قالوا مبشير بين عبييد عين الحجاج بين أرطأة‬
‫عين عطاء عين جابر‪ ،‬ومبشير والحجاج ضعيفان‪ ،‬وعطاء أيضيا لم‬
‫يلق جابرا‪ ،‬ولذلك ل يمكييييين أن يقال إن هذا الحدييييييث معارض‬
‫لحديث سهل بن سعد‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) أميا جنسيه فكيل ميا جاز أن يتملك وأن يكون‬
‫عوضيا‪ .‬واختلفوا مين ذلك فيي مكانيين‪ :‬فيي النكاح بالجارة‪ ،‬وفيي‬
‫جعيل عتيق أمتيه صيداقها‪ .‬أميا النكاح على الجارة ففيي المذهيب‬
‫فيييه ثلثيية أقوال‪ :‬قول بالجازة‪ ،‬وقول بالمنييع‪ ،‬وقول بالكراهيية‪:‬‬
‫والمشهور عيين مالك الكراهيية‪ ،‬ولذلك رأى فسييخه قبييل الدخول‪،‬‬
‫وأجازه مين أصيحابه أصيبغ وسيحنون‪ ،‬وهيو قول الشافعيي‪ ،‬ومنعيه‬
‫ابن القاسم وأبو حنيفة إل في العبد فإن أبا حنيفة أجازه‪ .‬وسبب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلفهيم سيببان‪ :‬أحدهميا هيل شرع مين قبلنيا لزم لنيا حتيى يدل‬
‫الدلييل على ارتفاعيه أم المير بالعكيس؟ فمين قال هيو لزم أجازه‬
‫لقوله تعالى {إنييي أريييد أن أنكحييك إحدى ابنتييي هاتييين على أن‬
‫تأجرنيي ثمانيي حجيج} اليية؛ ومين قال لييس بلزم قال‪ :‬ل يجوز‬
‫النكاح بالجارة‪ .‬والسييبب الثانييي هييل يجوز أن يقاس النكاح فييي‬
‫ذلك على الجارة؟ وذلك أن الجارة هيي مسيتثناة مين بيوع الغرر‬
‫المجهول‪ ،‬ولذلك خالف فيهييا الصييم وابيين علييية‪ ،‬وذلك أن أصييل‬
‫التعاميل إنميا هيو على عيين معروفية ثابتية فيي عيين معروفية ثابتية‪،‬‬
‫والجارة هيي عيين ثابتة فيي مقابلت ها حركات وأفعال غير ثابتة ول‬
‫مقدرة بنفسيييها‪ .‬ولذلك اختلف الفقهاء متيييى تجيييب الجرة على‬
‫المسيتأجر؛ وأميا كون العتيق صيداقا فإنيه منعيه فقهاء المصيار ميا‬
‫عدا داود وأحميد‪ .‬وسيبب اختلفهيم معارضية الثير الوارد فيي ذلك‬
‫للصول‪ ،‬أعني ما ثبت من "أنه عليه الصلة والسلم أعتق صفية‬
‫وجعيل عتقهيا صيداقها" ميع احتمال أن يكون هذا خاصيا بيه علييه‬
‫الصيلة والسيلم لكثرة اختصياصه فيي هذا الباب‪ ،‬ووجيه مفارقتيه‬
‫للصيول أن العتيق إزالة ملك‪ ،‬والزالة ل تتضمين اسيتباحة الشييء‬
‫بوجيه آخير لنهيا إذا أعتقيت ملكيت نفسيها فكييف يلزمهيا النكاح؟‬
‫ولذلك قال الشافعي‪ :‬إنها إن كرهت زواجه غرمت له قيمتها‪ ،‬لنه‬
‫رأى أنهييا قييد أتلفييت عليييه قيمتهييا إذ كان إنمييا أتلفهييا بشرط‬
‫السيتمتاع بهيا‪ ،‬وهذا كله ل يعارض بيه فعله علييه الصيلة والسيلم‪،‬‬
‫ولو كان غيير جائز لغيره لبينيه علييه الصيلة والسيلم‪ .‬والصيل أن‬
‫أفعاله لزمية لنيا‪ ،‬إل ميا قام الدلييل على خصيوصيته‪ .‬وأميا صيفة‬
‫الصيييداق فإنهيييم اتفقوا على انعقاد النكاح على العوض المعيييين‬
‫الموصيوف‪ ،‬أعنيي المنضبيط جنسيه وقدره بالوصيف‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫العوض الغييير موصييوف ول معييين‪ ،‬مثييل أن يقول أنكحتكهييا على‬
‫عبيد أو خادم‪ ،‬مين غيير أن يصيف ذلك وصيفا يضبيط قيمتيه‪ ،‬فقال‬
‫مالك وأبيو حنيفية يجوز؛ وقال الشافعيي ل يجوز؛ وإذا وقيع النكاح‬
‫على هذا الوصف عند مالك كان لها الوسط مما سمى؛ وقال أبو‬
‫حنيفية‪ :‬يجيبر على القيمية‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل يجري النكاح فيي‬
‫ذلك مجرى البييع من القصيد فيي التشاح‪ ،‬أو ل يس يبلغ ذلك المبلغ‬
‫بيل القصيد منيه أكثير ذلك المكارمية؟ فمين قال يجري فيي التشاح‬
‫مجرى البيييع قال‪ :‬كمييا ل يجوز البيييع على شيييء غييير موصييوف‬
‫كذلك ل يجوز النكاح؛ وميين قال ليييس يجري مجراه إذ المقصييود‬
‫منييه إنمييا هييو المكارميية قال‪ :‬يجوز‪ .‬وأمييا التأجيييل فإن قومييا لم‬
‫يجيزوه أصييل‪ ،‬وقوم أجازوه واسييتحبوا أن يقدم شيئا منييه إذا أراد‬
‫الدخول وهيو مذهيب مالك؛ والذيين أجازوا التأجييل منهيم مين لم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يجزه إل لزمين محدود وقدر هذا البعيد‪ ،‬وهيو مذهيب مالك؛ ومنهيم‬
‫من أجازه لموت أو فراق‪ ،‬وهو مذهب الوزاعي‪ .‬وسبب اختلفهم‬
‫هل يشبه النكاح البيع في التأجيل أو ل يشبهه؟ فمن قال يشبهه‬
‫لم يجييز التأجيييل لموت أو فراق؛ وميين قال ل يشبهييه أجاز ذلك؛‬
‫ومن منع التأجيل فلكونه عبادة‪.‬‬
‫@‪(-‬الموضع الثاني‪ :‬في النظر في التقرر) واتفق العلماء على أن‬
‫الصييداق يجييب كله بالدخول أو الموت‪ .‬أمييا وجوبييه كله بالدخول‬
‫فلقوله تعالى {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن‬
‫قنطارا فل تأخذوا منيه شيئا} اليية‪ .‬وأميا وجوبيه بالموت فل أعلم‬
‫الن فييه دليل مسيموعا إل انعقاد الجماع على ذلك‪ .‬واختلفوا هيل‬
‫من شرط وجوبه مع الدخول المسيس أم ليس ذلك من شرطه‪،‬‬
‫بييل يجييب بالدخول والخلوة‪ ،‬وهييو الذي يعنون بإرخاء السييتور؟‬
‫فقال مالك والشافعييي وداود‪ :‬ل يجييب بإرخاء السييتور إل نصييف‬
‫المهر ما لم يكن المسيس؛ وقال أبو حنيفة؛ يجب المهر بالخلوة‬
‫نفسييها إل أن يكون محرمييا أو مريضييا أو صييائما فييي رمضان أو‬
‫كانت المرأة حائضا؛ وقال ابن أبي ليلى‪ :‬يجب المهر كله بالدخول‬
‫ولم يشترط فييي ذلك شيئا‪ .‬وسييبب اختلفهييم فييي ذلك معارضيية‬
‫حكييم الصييحابة فييي ذلك لظاهيير الكتاب‪ ،‬وذلك أنييه نييص تبارك‬
‫وتعالى فيي المدخول بهيا المنكوحية أنيه لييس يجوز أن يؤخيذ مين‬
‫صييداقها شيييء فييي قوله تعالى {وكيييف تأخذونييه وقييد أفضييى‬
‫بعضكيم إلى بعيض} ونيص فيي المطلقية قبيل المسييس أن لهيا‬
‫نصيييف الصيييداق‪ ،‬فقال تعالى {وإن طلقتموهييين مييين قبيييل أن‬
‫تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} وهذا نص‬
‫كميا ترى فيي حكيم كيل واحدة مين هاتيين الحالتيين‪ :‬أعنيي قبيل‬
‫المسيييس وبعييد المسيييس ول وسييط بينهمييا‪ ،‬فوجييب بهذا إيجابييا‬
‫ظاهرا أن الصداق ل يجب إل بالمسيس‪ ،‬والمسيس ههنا الظاهر‬
‫مين أمره أنيه الجماع‪ ،‬وقيد يحتميل أن يحميل على أصيله فيي اللغية‬
‫وهو المس‪ ،‬ولعل هذا هو الذي تأولت الصحابة‪ ،‬ولذلك قال مالك‬
‫في العنين المؤجل إنه قد وجب لها الصداق عليه إذا وقع الطلق‬
‫لطول مقاميييه معهيييا‪ ،‬فجعيييل له دون الجماع تأثيرا فيييي إيجاب‬
‫الصيداق‪ .‬وأميا الحكام الواردة فيي ذلك عين الصيحابة فهيو أن مين‬
‫أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب عليه الصداق لم يختلف عليهم‬
‫فيي ذلك فيميا حكموا‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي فرع‪ ،‬وهيو إذا‬
‫اختلفييا فييي المسيييس أعنييي القائلييين باشتراط المسيييس‪ ،‬وذلك‬
‫مثيل أن تدعيي هيي المسييس وينكير هيو‪ ،‬فالمشهور عين مالك أن‬
‫دّقت‪ ،‬وإن كان دخول‬ ‫القول قولهييا؛ وقيييل إن كان دخول بناء صيي ِ‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫زيارة لم تصيدق؛ وقييل إن كانيت بكرا نظير إليهيا النسياء‪ ،‬فيتحصيل‬


‫فيهييا فييي المذهييب ثلثيية أقوال؛ وقال الشافعييي وأهييل الظاهيير‪:‬‬
‫القول قوله‪ ،‬وذلك لنه مدعى عليه؛ ومالك ليس يعتبر في وجوب‬
‫اليميين على المدعيى علييه مين جهية ميا هيو مدعيى علييه‪ ،‬بيل مين‬
‫جهيية مييا هييو أقوى شبهيية فييي الكثيير‪ ،‬ولذلك يجعييل القول فييي‬
‫مواضييع كثيرة قول المدعييي إذا كان أقوى شبهيية‪ .‬وهذا الخلف‬
‫يرجييع إلى هييل إيجاب اليمييين على المدعييى عليييه معلل أو غييير‬
‫معلل‪ ،‬وكذلك القول في وجوب البينة على المدعي‪ ،‬وسيأتي هذا‬
‫في مكانه‪.‬‬
‫@‪(-‬الموضيع الثالث‪ :‬فيي التشطيير) واتفقوا اتفاقيا مجمل أنيه إذا‬
‫طلق قبييل الدخول وقييد فرض صييداقا أنييه يرجييع عليهييا بنصييف‬
‫الصييداق لقوله تعالى {فنصييف مييا فرضتييم} الييية‪ .‬والنظيير فييي‬
‫التشطير في أصول ثلثة‪ :‬في محله من النكحة‪ ،‬وفي موجبه من‬
‫أنواع الطلق‪ :‬أعنيي الواقيع قبيل الدخول‪ ،‬وفيي حكيم ميا يعرض له‬
‫مين التغييرات قبيل الطلق‪ .‬أميا محله مين النكاح عنيد مالك فهيو‬
‫النكاح الصحيح‪ ،‬أعني أن يكون يقع الطلق الذي قبل الدخول في‬
‫النكاح الصييحيح‪ .‬وأمييا النكاح الفاسييد‪ ،‬فإن لم تكيين الفرقيية فيييه‬
‫فسخا وطلق قبل الفسخ ففي ذلك قولن‪ .‬وأما موجب التشطير‬
‫فهييو الطلق الذي يكون باختيار ميين الزوج ل باختيار منهييا مثييل‬
‫الطلق الذي يكون من قبل قيامها بعيب يوجد فيه‪ .‬واختلفوا من‬
‫هذا الباب فيي الذي يكون سيببه قيامهيا علييه بالصيداق أو النفقية‬
‫ميع عسيره‪ ،‬ول فرق بينيه وبيين القيام بالعييب‪ .‬وأميا الفسيوخ التيي‬
‫ليسيت طلقيا فل خلف أنهيا ليسيت توجيب التشطيير إذا كان فيهيا‬
‫الفسيخ مين قبيل العقيد أو مين قبيل الصيداق‪ ،‬وبالجملة مين قبيل‬
‫عدم موجبات الصييحة‪ ،‬وليييس لهييا فييي ذلك اختيار أصييل‪ .‬وأمييا‬
‫الفسيوخ الطارئة على العقيد الصيحيح مثيل الردة والرضاع فإن لم‬
‫يكين لحدهميا فييه اختيار أو كان لهيا دونيه لم يوجيب التشطيير وإن‬
‫كان له فيه اختيار مثل الردة أوجب التشطير‪.‬‬
‫والذي يقتضيييه مذهييب أهييل الظاهيير أن كييل طلق قبييل البناء‬
‫فواجب أن يكون فيه التنصيف سواء كان من سببها أو سببه‪ ،‬وأن‬
‫ما كان فسخا ولم يكن طلقا فل تنصيف فيه‪ .‬وسبب الخلف هل‬
‫هذه السيينة معقولة المعنييى أم ليسييت بمعقولة؛ فميين قال إنهييا‬
‫معقولة المعنيى وأنيه إنميا وجيب لهيا نصيف الصيداق عوض ميا كان‬
‫لهيييا لمكان الجيييبر على رد سيييلعتها وأخيييذ الثمييين كالحال فيييي‬
‫المشترى فلميا فارق النكاح فيي هذا المعنيى البييع جعيل لهيا هذا‬
‫عوضا من ذلك الحق قال‪ :‬إذا كان الطلق من سببها لم يكن لها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شيء لنها أسقطت ما كان لها من جبره على دفع الثمن وقبض‬
‫السيلعة‪ ،‬ومن قال إنهيا سينة غيير معقولة واتبيع ظاهير اللفيظ قال‪:‬‬
‫يلزم التشطيير فيي كيل طلق كان مين سيببه أو سيببها‪ .‬فأميا حكيم‬
‫ميا يعرض للصيداق مين التغيرات قبيل الطلق فإن ذلك ل يخلو أن‬
‫يكون مين قبلهيا أو مين الله‪ ،‬فميا كان مين قبيل الله فل يخلو مين‬
‫أربعة أوجه‪ :‬إما أن يكون تلفا للكل‪ ،‬وإما أن يكون نقصا‪ ،‬وإما أن‬
‫يكون زيادة‪ ،‬وأميا أن يكون زيادة ونقصيا معيا‪ .‬وميا كان مين قبلهيا‬
‫فل يخلو أن يكون تصيرفها فييه بتفوييت مثيل البييع والعتيق والهبية‪،‬‬
‫أو يكون تصرفها فيه في منافعها الخاصة بها أو فيما تتجهز به إلى‬
‫زوجهيا؛ فعنيد مالك أنهميا فيي التلف وفيي الزيادة وفيي النقصيان‬
‫شريكان؛ وعنيد الشافعيي أنيه يرجيع فيي النقصيان والتلف عليهيا‬
‫بالنصييف ول يرجييع بنصييف الزيادة وسييبب اختلفهييم هييل تملك‬
‫المرأة الصداق قبل الدخول أو الموت ملكا مستقرا أو ل تملكه؟‬
‫فمن قال إنها ل تملكه ملكا مستقرا قال‪ :‬هما فيه شريكان ما لم‬
‫تتعيييد فتدخله فيييي منافعهيييا؛ ومييين قال تملكيييه ملكيييا مسيييتقرا‬
‫والتشطييير حييق واجييب تعييين عليهييا عنييد الطلق وبعييد اسييتقرار‬
‫الملك أوجيب الرجوع عليهيا بجمييع ميا ذهيب عندهيا؛ ولم يختلفوا‬
‫أنهيا إذا صيرفته فيي منافعهيا ضامنية للنصيف‪ .‬واختلفوا إذا اشترت‬
‫بيه ميا يصيلحها للجهاز مميا جرت بيه العادة هيل يرجيع عليهيا بنصيف‬
‫ميا اشترتيه أم بنصيف الصيداق الذي هيو الثمين؟ فقال مالك‪ :‬يرجيع‬
‫عليهيا بنصيف ميا اشترتيه؛ وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬يرجيع عليهيا‬
‫بنصيف الثمين الذي هيو الصيداق‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي فرع‬
‫مشهور متعلق بالسماع وهو هل للب أن يعفو عن نصف الصداق‬
‫في ابنته البكر؟ أعني إذا طلقت ق بل الدخول وللسيد في أمته؟‬
‫فقال مالك‪ :‬ذلك له؛ وقال أبييو حنيفيية والشافعييي‪ :‬ليييس ذلك له‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم هو الحتمال الذي في قوله تعالى {إل أن يعفون‬
‫أو يعفيو الذي بيده عقدة النكاح} وذلك فيي لفظية "يعفيو" فإنهيا‬
‫تقال في كلم العرب مرة بمعنى يسقط ومرة بمعنى يهب‪ ،‬وفي‬
‫قوله "الذي بيده عقدة النكاح" على ميين يعود هذا الضمييير هييل‬
‫على الولي أو على الزوج؛ فميين قال على الزوج جعييل "يعفييو"‬
‫بمعنيى يهيب ومين قال على الولي جعيل "يعفيو" بمعنيى يسيقط‪.‬‬
‫وشيذ قوم فقالوا‪ :‬لكيل ولي أن يعفيو عين نصيف الصيداق الواجيب‬
‫للمرأة‪ ،‬ويشبييه أن يكون هذان الحتمالن اللذان فييي الييية على‬
‫السواء‪ ،‬لكن من جعله الزوج فلم يوجب حكما زائدا في الية‪ :‬أي‬
‫شرعا زائدا‪ ،‬لن جواز ذلك معلوم من ضرورة الشرع‪ .‬ومن جعله‬
‫الولي‪ ،‬إميا الب وإميا غيره فقيد زاد شرعيا‪ ،‬فلذلك يجيب علييه أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يأتي بدليل يبين به أن الية أظهر في الولي منها في الزوج وذلك‬


‫شيء يعسر؛ والجمهور على أن المرأة الصغيرة والمحجورة ليس‬
‫لهيا أن تهيب مين صيداقها النصيف الواجيب لهيا؛ وشيذ قوم فقالوا‪:‬‬
‫يجوز أن تهب مصيرا لعموم قوله تعالى {إل أن يعفون}‬
‫واختلفوا مين هذا الباب فيي المرأة إذا وهبيت صيداقها لزوجهيا ثيم‬
‫طلقيت قبيل الدخول؛ فقال مالك‪ :‬لييس يرجيع إليهيا بشييء؛ وقال‬
‫الشافعي‪ :‬يرجع عليها بنصف الصداق‪ .‬وسبب الخلف هل النصف‬
‫الواجيب للزوج بالطلق هيو فيي عيين الصيداق أو فيي ذمية المرأة؟‬
‫فمين قال فيي عيين الصداق قال‪ :‬ل يرجع عليهيا بشييء لنه قبيض‬
‫الصداق كله؛ ومن قال هو في ذمة المرأة قال‪ :‬يرجع وإن وهبته‬
‫له كما لو وهبت له غير ذلك من مالها‪ :‬وفرق أبو حنيفة في هذه‬
‫المسيألة بيين القبيض ول قبيض‪ ،‬فقال‪ :‬إن قبضيت فله النصيف وإن‬
‫لم تقبيض حتيى وهبيت فلييس له شييء كأنيه رأى أن الحيق فيي‬
‫العين مالم تقبض‪ ،‬فإذا قبضت صار في الذمة‪.‬‬
‫@‪(-‬الموضيييع الرابيييع‪ :‬فيييي التفوييييض) وأجمعوا على أن نكاح‬
‫التفوييض جائز‪ ،‬وهيو أن يعقيد النكاح دون صيداق لقوله تعالى {ل‬
‫جناح عليكيم إن طلقتيم النسياء ميا لم تمسيوهن أو تفرضوا لهين‬
‫فريضيية} ‪ .‬واختلفوا ميين ذلك فييي موضعييين‪ :‬أحدهمييا إذا طلبييت‬
‫الزوجة فرض الصداق واختلفا في القدر‪ .‬الموضع الثاني‪ :‬إذا مات‬
‫الزوج ولم يفرض هل لها صداق أم ل؟‪.‬‬
‫@‪(-‬فأما المسألة الولى) وهي إذا قامت المرأة تطلب أن يفرض‬
‫لهيا مهرا‪ ،‬فقالت طائفية‪ :‬يفرض لهيا مهير مثلهيا‪ ،‬ولييس للزوج فيي‬
‫ذلك خيار‪ ،‬فإن طلق بعيد الحكيم‪ ،‬فمين هؤلء مين قال‪ :‬لهيا نصيف‬
‫الصيداق؛ ومنهيم مين قال‪ :‬لييس لهيا شييء‪ ،‬لن أصيل الفرض لم‬
‫يكين فيي عقيد النكاح‪ ،‬وهيو قول أبيي حنيفية وأصيحابه؛ وقال مالك‬
‫وأصيحابه‪ :‬الزوج بيين خيارات ثلث‪ :‬إميا أن يطلق ول يفرض‪ ،‬وإميا‬
‫أن يفرض مييا تطلبييه المرأة بييه‪ ،‬وإمييا أن يفرض صييداق المثييل‬
‫ويلزمهيا‪ .‬وسيبب اختلفهيم‪ ،‬أعنيي بيين مين يوجيب مهير المثيل مين‬
‫غيييير خيار للزوج إذا طلق بعيييد طلبهيييا الفرض‪ ،‬ومييين ل يوجيييب‬
‫اختلفهيييم فيييي مفهوم قوله تعالى {ل جناح عليكيييم إن طلقتيييم‬
‫النسياء ميا لم تمسيوهن أو تفرضوا لهين فريضية} هيل هذا محمول‬
‫على العموم فيييي سيييقوط الصيييداق سيييواء كان سيييبب الطلق‬
‫اختلفهم في فرض الصداق أو لم يكن الطلق سببه الخلف في‬
‫ذلك‪ ،‬وأيضا فهل يفهم من رفع الجناح عن ذلك سقوط المهر في‬
‫كيل حال‪ ،‬أو ل يفهيم ذلك؟ فييه احتمال وإن كان الظهير سيقوطه‬
‫فييي كييل حال لقوله تعالى {ومتعوهيين على الموسييع قدره وعلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المقتير قدره} ول خلف أعلميه فيي أنيه إذا طلق ابتداء أنيه لييس‬
‫علييه شييء‪ ،‬وقيد كان يجيب على مين أوجيب لهيا المتعية ميع شطير‬
‫الصداق إذا طلق قبل الدخول في نكاح غير التفويض وأوجب لها‬
‫مهر المثل في نكاح التفويض أن يوجب لها مع المتعة فيه شطر‬
‫مهير المثيل‪ ،‬لن اليية لم تتعرض بمفهومهيا لسيقاط الصيداق فيي‬
‫نكاح التفويض‪ ،‬وإنما تعرضت لباحة الطلق قبل الفرض فإن كان‬
‫يوجيب نكاح التفو يض م هر المثل إذا طلب فواجب أن يتشطير إذا‬
‫وقع الطلق ك ما يتشطر في الم سمى‪ ،‬ولهذا قال مالك إ نه لييس‬
‫يلزم فيه مهر المثل مع خيار الزوج‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الثانييية) وهييي إذا مات الزوج قبييل تسييمية‬
‫الصيداق وقبيل الدخول بهيا‪ ،‬فإن مالكيا وأصيحابه والوزاعيي قالوا‪:‬‬
‫ليس لها صداق ولها المتعة والميراث‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬لها صداق‬
‫المثيل والميراث وبيه وقال أحميد وداود‪ ،‬وعين الشافعيي القولن‬
‫جميعيا‪ ،‬إل أن المنصيور عنيد أصيحابه وهيو مثيل قول مالك‪ .‬وسيبب‬
‫اختلفهيم معارضية القياس للثير‪ .‬أميا الثير فهيو ميا روي عين ابين‬
‫مسيعود أنيه سيئل عين هذه المسيألة فقال‪ :‬أقول فيهيا برأييي فإن‬
‫كان صيوابا فمين الله وإن كان خطيأ فمنيي‪ :‬أرى لهيا صيداق امرأة‬
‫من نسائها ول وكس ول شطط وعليها العدة ولها الميراث‪ ،‬فقام‬
‫معقل بن يسار الشجعي فقال‪ :‬أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم فيي بروع بنيت واشيق‪ ،‬خرجيه أبيو داود‬
‫والنسائي والترمذي وصححه‪ .‬وأما القياس المعارض لهذا فهو أن‬
‫الصيداق عوض‪ ،‬فلميا لم يقبيض المعوض لم يجيب العوض قياسيا‬
‫على البيع‪ .‬وقال المزني عن الشافعي في هذه المسألة‪ :‬إن ثبت‬
‫حدييث بروع فل حجيية فيي قول أحيد ميع السينة‪ ،‬والذي قاله هيو‬
‫الصواب والله أعلم‪.‬‬
‫@‪(-‬الموضع الخامس‪ :‬في الصدقة الفاسدة) والصداق يفسد إما‬
‫لعينيه وإميا لصيفة فييه مين جهيل أو عذر‪ ،‬فالذي يفسيد لعينيه فمثيل‬
‫الخميير والخنزييير ومييا ل يجوز أن يتملك‪ ،‬والذي يفسييد ميين قبييل‬
‫العذر والجهييل فالصييل فيييه بالبيوع‪ ،‬وفييي ذلك خمييس مسييائل‬
‫مشهورة‪:‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) إذا كان الصيداق خمرا أو خنزيرا أو ثمرة لم‬
‫يبد صلحها أو بعيرا شاردا‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬العقد صحيح إذا وقع‬
‫فيه مهر المثل؛ وعن مالك في ذلك روايتان‪ :‬إحداهما فساد العقد‬
‫وفسيخه قبيل الدخول وبعده وهيو قول أبيي عبييد‪ .‬والثانيية أنيه إن‬
‫دخل ثبت ولها صداق المثل‪ .‬وسبب اختلفهم هل حكم النكاح في‬
‫ذلك حكيم البييع أم لييس كذلك؟ فمين قال حكميه حكيم البييع قال‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يفسيد النكاح بفسياد الصيداق كميا يفسيد البييع بفسياد الثمين‪ ،‬ومين‬
‫قال لييس مين شرط صيحة عقيد النكاح صيحة الصيداق بدلييل أن‬
‫ذكير الصيداق لييس شرطيا فيي صيحة العقيد قال‪ :‬يمضيي النكاح‬
‫ويصييحح بصييداق المثييل‪ ،‬والفرق بييين الدخول وعدمييه ضعيييف‪،‬‬
‫والذي تقتضييه أصيول مالك أن يفرق بيين الصيداق المحرم العيين‬
‫وبيين المحرم لصيفة فييه قياسيا على البييع‪ ،‬ولسيت أذكير الن فييه‬
‫نصا‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) واختلفوا إذا اقترن بالمهير بييع مثيل أن تدفيع‬
‫إليييه عبدا ويدفييع ألف درهييم عيين الصييداق وعيين ثميين العبييد ول‬
‫يسمى الثمن من الصداق‪ ،‬فمنعه مالك وابن القاسم‪ ،‬وبه قال أبو‬
‫ثور‪ ،‬وأجازه أشهيب‪ ،‬وهيو قول أبيي حنيفية؛ وفرق عبيد الله فقال‪:‬‬
‫إن كان الباقي بعد البيع ربع دينار فصاعدا بأمر ل يشك فيه جاز‪.‬‬
‫واختلف فييييه قول الشافعيييي‪ ،‬فمرة قال‪ :‬ذلك جائز‪ ،‬ومرة قال‪:‬‬
‫فيه مهر المثل‪ .‬وسبب اختلفهم هل النكاح في ذلك شبيه بالبيع‬
‫أم لييس بشيبيه؟ فمين شبهيه فيي ذلك بالبييع منعيه‪ ،‬ومين جوز فيي‬
‫النكاح من الجهل ما ل يجوز في البيع قال يجوز‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) واختلف العلماء فيمين نكيح امرأة واشترط‬
‫علييه فيي صيداقها حباء يحابيي به الب على ثلثية أقوال‪ :‬فقال أبو‬
‫حنيفية وأصيحابه‪ :‬الشرط لزم والصيداق صيحيح؛ وقال الشافعيي‪:‬‬
‫المهير فاسيد ولهيا صيداق المثيل؛ وقال مالك‪ :‬إذا كان الشرط عنيد‬
‫النكاح فهيو لبنتيه‪ ،‬وإن كان بعيد النكاح فهيو له‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫تشيبيه النكاح فيي ذلك بالبييع‪ ،‬فمين شبهيه بالوكييل ييبيع السيلعة‬
‫ويشترط لنفسيه حباء قال‪ :‬ل يجوز النكاح كميا ل يجوز البييع؛ ومين‬
‫جعيل النكاح فيي ذلك مخالفيا للبييع قال‪ :‬يجوز‪ .‬وأميا تفرييق مالك‬
‫فلنيه اتهميه إذا كان الشرط فيي عقيد النكاح أن يكون ذلك الذي‬
‫اشترطيه لنفسيه نقصيانا مين صيداق مثلهيا‪ ،‬ولم يتهميه إذا كان بعيد‬
‫انعقاد النكاح والتفاق على الصييداق‪ ،‬وقول مالك هييو قول عميير‬
‫ابيين عبييد العزيييز والثوري وأبييي عبيييد‪ .‬وخرج أبييو داود والنسييائي‬
‫وعبيد الرزاق عين عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده قال‪ :‬قال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "أيميا امرأة نكحيت على حباء‬
‫قبيل عصيمة النكاح فهيو لهيا‪ ،‬وميا كان بعيد ع صمة النكاح فهيو لمن‬
‫أعطيه‪ ،‬وأحق ما أُكرِم الرجل عليه ابنته وأخته" وحديث عمرو بن‬
‫شعييب مختلف فييه مين قبيل أنيه صيحفه‪ ،‬ولكنيه نيص فيي قول‬
‫مالك‪ .‬وقال أبيو عمير بين عبيد البر‪ :‬إذا روتيه الثقات وجيب العميل‬
‫به‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) واختلفوا فيي الصيداق يسيتحق أو يوجيد بيه‬


‫عييب‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬النكاح ثابيت‪ .‬واختلفوا هيل ترجيع بالقيمية أو‬
‫بالمثييل أو بمهيير المثييل؟ واختلف فييي ذلك قول الشافعييي‪ ،‬فقال‬
‫مرة بالقيمية‪ ،‬وقال مرة بمهير المثيل؛ وكذلك قال اختلف المذهيب‬
‫في ذلك‪ ،‬فقيل ترجع بالقيمة‪ ،‬وقيل ترجع بالمثل‪ .‬قال أبو الحسن‬
‫اللخميي‪ :‬ولو قييل ترجيع بالقيل مين القيمية أو صيداق المثيل لكان‬
‫ذلك وجهيا‪ .‬وشيذ سيحنون فقال‪ :‬النكاح فاسيد‪ .‬ومبنيى الخلف هيل‬
‫يشبه النكاح في ذلك البيع أو ل يشبهه؟ فمن شبهه قال‪ :‬ينفسخ؛‬
‫ومن لم يشبهه قال‪ :‬ل ينفسخ‪.‬‬
‫(المسييألة الخامسيية) واختلفوا فييي الرجييل ينكييح المرأة على أن‬
‫الصيداق ألف إن لم يكين له زوجية‪ ،‬وإن كانيت له زوجية فالصيداق‬
‫ألفان‪ ،‬فقال الجمهور بجوازه‪ .‬واختلفوا فيييي الواجيييب فيييي ذلك‪،‬‬
‫فقال قوم‪ :‬الشرط جائز‪ ،‬ولهيا مين الصيداق بحسيب ميا اشترط؛‬
‫وقالت طائفية‪ :‬لهيا مهير المثيل‪ ،‬وهيو قول الشافعيي وبيه قال أبيو‬
‫ثور‪ ،‬إل أنيه قال‪ :‬إن طلقهيا قبيل الدخول لم يكين لهيا إل المتعية؛‬
‫وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن كانيت له امرأة فلهيا ألف درهيم‪ ،‬وإن لم تكين‬
‫له امرأة فلهيا مهير مثلهيا ميا لم يكين أكثير مين اللفيين أو أقيل مين‬
‫اللف؛ ويتخرج فييييي هذا قول أن النكاح مفسييييوخ لمكان الغرر‪،‬‬
‫ولسيت أذكير الن نصيا فيهيا فيي المذهيب فهذه مشهور مسيائلهم‬
‫في هذا الباب وفروعه كثيرة‪ ..‬واختلفوا فيما يعتبر به مهر المثل‬
‫إذا قضى به في هذه المواضع وما أشبهها‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يعتبر في‬
‫جمالهييا ونصييابها (قوله ونصييابها‪ :‬هكذا فييي النسييخ ولعله منصييبها‬
‫فتأمل ا هي مصححه) ومالها؛ وقال الشافعي‪ :‬يعتبر بنساء عصبتها‬
‫فقيط؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬يعتيبر فيي ذلك نسياء قرابتهيا مين العصيبة‬
‫وغيرهيم‪ ،‬ومبنيى الخلف هيل المماثلة فيي المنصيب فقيط أو فيي‬
‫المنصييب والمال والجمال‪ ،‬لقوله عليييه الصييلة والسييلم "تنكييح‬
‫المرأة لدينها وجمالها وحسبها" الحديث‪.‬‬
‫@‪(-‬الموضييع السييادس‪ :‬فييي اختلف الزوجييين فييي الصييداق)‬
‫واختلفهيييم ل يخلو أن يكون فيييي القبيييض أو فيييي القدر أو فيييي‬
‫الجنيس أو فيي الوقيت‪ :‬أعنيي وقيت الوجوب فإميا إذا اختلفيا فيي‬
‫القدر فقالت المرأة مثل بمائتيييين وقال الزوج بمائة‪ ،‬فإن الفقهاء‬
‫اختلفوا فيي ذلك اختلفيا كثيرا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إنيه إن كان الختلف‬
‫قبييل الدخول وأتييى الزوج بمييا يشبييه والمرأة بمييا يشبييه أنهمييا‬
‫يتحالفان ويتفاسيخان‪ ،‬وإن حلف أحدهميا ونكيل الخير كان القول‬
‫قول الحالف‪ ،‬وإن نكل جميعا كان بمنزلة ما إذا حلفا جميعا‪ ،‬ومن‬
‫أتييى بمييا يشبييه منهمييا كان القول قوله‪ ،‬وإن كان الختلف بعييد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الدخول فالقول قول الزوج؛ وقالت طائفية‪ :‬القول قول الزوج ميع‬
‫يمينيه‪ ،‬وبيه قال أبيو ثور وابين أبيي ليلى وابين شبرمية وجماعية؛‬
‫وقالت طائفيية‪ :‬القول قول الزوجيية إلى مهيير مثلهييا‪ ،‬وقول الزوج‬
‫فيميا زاد على مهير مثلهيا؛ وقالت طائفية‪ :‬إذا اختلفيا تحالفيا ورجيع‬
‫إلى مهيير المثييل ولم تيير الفسييخ كمالك‪ ،‬وهييو مذهييب الشافعييي‬
‫والثوري وجماعية‪ ،‬وقيد قييل إنهيا ترد إلى صيداق المثيل دون يميين‬
‫ما لم يكن صداق المثل أكثر مما ادعت وأقل مما ادعى هو‪.‬‬
‫واختلفهييم مبنييي على اختلفهييم فييي مفهوم قوله عليييه الصييلة‬
‫والسيلم "البينية على مين ادعيى واليميين على مين أنكير" هيل ذلك‬
‫معلل أو غيييير معلل؟ فمييين قال معلل قال‪ :‬يحلف أبدا أقواهميييا‬
‫شبهيية‪ ،‬فإن اسييتويا تحالفييا وتفاسييخا‪ ،‬وميين قال غييير معلل قال‪:‬‬
‫يحلف الزوج لنهييا تقيير له بالنكاح وجنييس الصييداق وتدعييي عليييه‬
‫قدرا زائدا فهييو مدعييى عليييه؛ وقيييل أيضيا يتحالفان أبدا‪ ،‬لن كييل‬
‫واحد منهما مدعى عليه‪ ،‬وذلك عند من لم يراع الشباه‪ ،‬والخلف‬
‫فييي ذلك فييي المذهييب وميين قال القول قولهييا إلى مهيير المثييل‪،‬‬
‫والقول قوله فيميا زاد على مهير المثيل رأى أنهميا ل يسيتويان أبدا‬
‫فييي الدعوى‪ ،‬بييل يكون أحدهمييا ولبييد أقوى شبهيية‪ ،‬وذلك أنييه ل‬
‫يخلو دعواهييا ميين أن يكون فيمييا يعادل صييداق مثلهييا فمييا دونييه‬
‫فيكون القول قولهيا‪ ،‬أو يكون فيميا فوق ذلك فيكون القول قوله‪.‬‬
‫وسيييبب اختلف مالك والشافعيييي فيييي التفاسيييخ بعيييد التحالف‬
‫والرجوع إلى صداق المثل‪ ،‬هو هل يشبه النكاح بالبيع في ذلك أم‬
‫ليس يشبه؟ فمن قال يشبه به قال بالتفاسخ؛ ومن قال ل يشبه‪،‬‬
‫لن الصداق ليس من شرط صحة العقد قال‪ :‬بصداق المثل بعد‬
‫التحالف وكذلك مين زعيم مين أصيحاب مالك أنيه ل يجوز لهميا بعيد‬
‫التحالف أن يتراضيييا على شيييء ول أن يرجييع أحدهمييا إلى قول‬
‫الخر ويرضى به فهو في غاية الضعف؛ ومن ذهب إلى هذا فإنما‬
‫يشبيه باللعان‪ ،‬وهيو تشيبيه ضعييف ميع أن وجود هذا الحكيم للعان‬
‫مختلف فيه‪ .‬وأما إذا اختلفا في القبض فقالت الزوجة لم أقبض‪،‬‬
‫وقال الزوج قييييييد قبضييييييت فقال الجمهور‪ :‬القول قول المرأة‬
‫الشافعيي والثوري وأحميد وأ بو ثور؛ وقال مالك‪ :‬القول قولهيا قبل‬
‫الدخول‪ ،‬والقول قوله بعيد الدخول؛ وقال بعيض أصيحابه‪ :‬إنميا قال‬
‫ذلك مالك لن العرف بالمدينييية كان عندهيييم أن ل يدخيييل الزوج‬
‫حتى يدفع الصداق‪ ،‬فإن كان بلد ليس فيه هذا العرف كان القول‬
‫قولها أبدا؛ والقول بأن القول قولها أبدا أحسن لنها مدعى عليها‪،‬‬
‫ولكيين مالك راعييى قوة الشبهيية التييي له إذا دخييل بهييا الزوج؛‬
‫واختلف أصيييحاب مالك إذا طال الدخول هيييل يكون القول قوله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بيميين أو بغيير يميين أحسين‪ .‬وأميا إذا اختلف فيي جنيس الصيداق‬
‫فقال هو مثل زوجتك على هذا العبد‪ ،‬وقالت هي زوجتك على هذا‬
‫الثوب‪ ،‬فالمشهور في المذهب أنهما يتحالفان ويتفاسخان إن كان‬
‫الختلف قبيل البناء وإن كان بعيد البناء ثبيت وكان لهيا صيداق مثيل‬
‫ميا لم يكين أكثير مميا ادعيت أو أقيل مميا اعترف بيه؛ وقال ابين‬
‫القصيار‪ :‬يتحالفان قبيل الدخول‪ ،‬والقول قول الزوج بعيد الدخول؛‬
‫وقال أصيبغ‪ :‬القول قول الزوج إن كان يشبيه سيواء أشبيه قولهميا‬
‫أو لم يشبيه‪ ،‬فإن لم يشبيه قول الزوج فإن كان قولهيا مشبهيا كان‬
‫القول قولهيا‪ ،‬وإن لم يكين قولهيا مشبهيا تحالفيا وكان لهيا صيداق‬
‫المثيل؛ وقول الشافعيي فيي هذه المسيألة مثيل قوله عنيد اختلفهيا‬
‫في القدر‪ :‬أعني يتحالفان ويتراجعان إلى مهر المثل‪ .‬وسبب قول‬
‫الفقهاء بالتفاسييخ فييي البيييع سييتعرف أصييله فييي كتاب البيوع إن‬
‫شاء الله‪ .‬وأمييا اختلفهييم فييي الوقييت فإنييه يتصييور فييي الكالئ‪.‬‬
‫والذي يجيييء على أصييل قول مالك فيييه فييي المشهور عنييه أن‬
‫القول في الجل قول الغارم قياسا على البيع وفيه خلف ويتصور‬
‫أيضييا متييى يجييب هييل قبييل الدخول أو بعده؟ فميين شبييه النكاح‬
‫بالبيوع قال‪ :‬ل يجيب إل بعيد الدخول قياسيا على البييع إذ ل يجيب‬
‫الثمين على المشتري إل بعيد قبيض السيلعة ومين رأى أن الصيداق‬
‫عبادة يشترط فيي الحليية قال‪ :‬يجيب قبيل الدخول لذلك اسيتحب‬
‫مالك أن يقدم الزوج قبل الدخول شيئا من الصداق‪.‬‬
‫*‪(*4‬الركن الثالث‪ :‬في معرفة محل العقد)‬
‫@‪-‬وكل امرأة فإنها تحل في الشرع بوجهين‪ :‬إما بنكاح‪ ،‬أو بملك‬
‫يم ين‪ .‬والموانيع الشرعيية بالجملة تنقسيم أول إلى قسيمين‪ :‬موانيع‬
‫مؤبدة‪ ،‬وموانييع غييير مؤبدة‪ .‬والموانييع المؤبدة تنقسييم إلى متفييق‬
‫عليها‪ ،‬ومختلف فيها‪ .‬فالمتفق عليها ثلث‪ :‬نسب‪ ،‬وصهر‪ ،‬ورضاع‪.‬‬
‫والمختلف فيهيا الزنيى‪ ،‬واللعان والغيير مؤبدة تنقسيم إلى تسيعة‪:‬‬
‫أحدهييا مانييع العدد‪ .‬والثانييي‪ :‬مانييع الجمييع‪ .‬والثالث‪ :‬مانييع الرق‬
‫والرابيع‪ :‬مانيع الكفير والخاميس‪ :‬مانيع الحرام‪ .‬والسيادس‪ :‬مانيع‬
‫المرض‪ .‬والسييييابع‪ :‬مانييييع العدة على اختلف فييييي عدم تأييده‪.‬‬
‫والثاميين‪ :‬مانييع التطليييق ثلثييا للمطلق‪ .‬والتاسييع‪ :‬مانييع الزوجييية‪.‬‬
‫فالموانييع الشرعييية بالجملة أربعيية عشيير مانعييا‪ ،‬ففييي هذا الباب‬
‫أربعة عشر فصل‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الول في مانع النسب‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن النسياء اللئي يحرمين مين قبيل النسيب السيبع‬
‫المذكورات فييييييييي القرآن‪ :‬المهات والبنات والخوات والعمات‬
‫والخالت وبنات الخ وبنات الخيييت‪ .‬واتفقوا على أن الم ههنيييا‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اسيم لكيل أنثيى لهيا علييك ولدة مين جهية الم أو مين جهية الب؛‬
‫والبنت‪ :‬اسم لكل أنثى لك عليها ولدة من قبل البن أو من قبل‬
‫البنيت أو مباشرة؛ أميا الخيت‪ :‬فهيي اسيم لكيل أنثيى شاركتيك فيي‬
‫أحيد أصيليك أو مجموعيهميا أعنيي الب أو الم أو كليهميا؛ والعمية‪:‬‬
‫اسيم لكيل أنثيى هيي أخيت لبييك أو لكيل ذكير له علييك ولدة؛ وأميا‬
‫الخالة‪ :‬فهيي اسيم لخيت أميك أو أخيت كيل أنثيى لهيا علييك ولدة؛‬
‫وبنات الخ‪ :‬اسم لكل أنثى لخيك عليها ولدة من قبل أمها أو من‬
‫قبيل أبيهيا أو مباشرة؛ وبنات الخيت‪ :‬اسيم لكيل أنثيى لختيك عليهيا‬
‫ولدة مباشرة أو مين قبيل أمهيا أو مين قبيل أبيهيا‪ .‬فهؤلء العيان‬
‫السيبع محرمات‪ ،‬ول خلف أعلميه فيي هذه الجملة‪ .‬والصيل فيهيا‬
‫قوله تعالى (حرمييت عليكييم) إلى آخيير الييية‪ .‬وأجمعوا على أن‬
‫النسب الذي يحرم الوطء بنكاح يحرم الوطء بملك اليمين‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في المصاهرة‬
‫@‪-‬وأما المحرمات بالمصاهرة فإنهن أربع‪ :‬زوجات الباء‪ ،‬والصل‬
‫فييه قوله تعالى {ول تنكحوا ميا نكيح آباؤكيم مين النسياء} اليية‪،‬‬
‫وزوجات البناء‪ .‬والصيييل فيييي ذلك أيضيييا قوله تعالى {وحلئل‬
‫أبنائكيم الذيين مين أصيلبكم} وأمهات النسياء أيضيا‪ ،‬والصيل فيي‬
‫ذلك قوله تعالى {وأمهات نسييائكم} ‪ .‬وبنات الزوجات‪ ،‬والصييل‬
‫فيه قوله تعالى {وربائبكم اللتي في جحوركم من نسائكم اللتي‬
‫دخلتييم بهين} فهؤلء الربيع اتفيق المسيلمون على تحرييم اثنيين‬
‫منهيين بنفييس العقييد‪ ،‬وهييو تحريييم زوجات الباء والبناء‪ ،‬وواحدة‬
‫بالدخول وهيي ابنية الزوجية‪ .‬واختلفوا منهيا فيي موضعيين‪ :‬أحدهميا‬
‫هييل ميين شرطهييا أن تكون فييي حجيير الزوج والثانييية هييل تحرم‬
‫بالمباشرة للم للذة أوبالوطييء؟‪ .‬وأمييا أم الزوجيية فإنهييم اختلفوا‬
‫هيل تحرم بالوطيء أو بالعقيد على البنيت فقيط؟ واختلفوا أيضيا مين‬
‫هذا الباب فييي مسييألة رابعيية‪ ،‬وهييي هييل يوجييب الزنييا ميين هذا‬
‫التحرييم ميا يوجبيه النكاح الصيحيح أو النكاح بشبهية؛ فهنيا أربعية‬
‫مسائل‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) وهيي هيل مين شرط تحرييم بنيت الزوجية أن‬
‫تكون فييي حجيير الزوج أم ليييس ذلك ميين شرطييه؟ فإن الجمهور‬
‫على أن ذلك لييييس مييين شرط التحرييييم؛ وقال داود ذلك مييين‬
‫شرطيه؛ ومبنيي الخلف هيل قوله تعالى {اللتيي فيي حجوركيم}‬
‫وصيف له تأثيير فيي الحرمية أو لييس له تأثيير‪ ،‬وإنميا خرج مخرج‬
‫الموجود أكثير؟ فمين قال خرج مخرج الموجود الكثير ولييس هيو‬
‫شرطيا فيي الربائب‪ ،‬إذ ل فرق فيي ذلك بيين التيي فيي حجره أو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫التييي ليسييت فييي حجره قال‪ :‬تحرم الربيبيية بإطلق؛ وميين جعله‬
‫شرطا غير معقول المعنى قال‪ :‬ل تحرم إل إذا كانت في حجره‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) وأميا هيل تحرم البنيت بمباشرة الم فقيط أو‬
‫بالوطييء؟ فإنهييم اتفقوا على أن حرمتهييا بالوطييء‪ .‬واختلفوا فيمييا‬
‫دون الوطيء مين اللميس والنظير إلى الفرج لشهوة أو لغيير شهوة‬
‫هيل ذلك يحرم أم ل؟ فقال مالك والثوري وأبيو حنيفية والوزاعيي‬
‫واللييث بين سيعد‪ :‬إن اللميس لشهوة يحرم الم‪ ،‬وهيو أحيد قولي‬
‫الشافعييي؛ وقال داود والمزنييي‪ :‬ل يحرمهييا إل الوطييء وهييو أحييد‬
‫قولي الشافعي المختار عنده‪ ،‬والنظر عند مالك كاللمس إذا كان‬
‫نظير تلذذ إلى أي عضيو كان‪ ،‬وفييه عنيه خلف؛ ووافقيه أبيو حنيفية‬
‫فيي النظير إلى الفرج فقيط؛ وحميل الثوري النظير محميل اللميس‬
‫ولم يشترط اللذة؛ وخالفهم في ذلك ابن أبي ليلى والشافعي في‬
‫أحد قوليه فلم يوجب في النظر شيئا‪ ،‬وأوجب في اللمس‪ .‬ومبنى‬
‫الخلف هييييل المفهوم ميييين اشتراط الدخول فييييي قوله تعالى‬
‫{اللتيي دخلتيم بهين} الوطيء أو التلذذ بميا دون الوطيء؟ فإن كان‬
‫التلذذ فهل يدخل فيه النظر أم ل؟‬
‫@‪(-‬المسيألة الثالثية) وأميا الم فذهيب الجمهور مين كافية فقهاء‬
‫المصيار إلى أنهيا تحرم بالعقيد على البنيت دخيل بهيا أو لم يدخيل‪،‬‬
‫وذهييب قوم إلى أن الم ل تحرم إل بالدخول على البنييت كالحال‬
‫فيي البنيت‪ :‬أعنيي أنهيا ل تحرم إل بالدخول على الم‪ ،‬وهيو مروي‬
‫عين علي وابين عباس رضيي الله عنه ما مين طرق ضعيفية‪ .‬ومبنيى‬
‫الخلف هييل الشرط فييي قوله تعالى {اللتييي دخلتييم بهيين} يعود‬
‫إلى أقرب مذكور وهيييم الربائب فقيييط أو إلى الربائب والمهات‬
‫المذكورات قبييييل الربائب فييييي قوله تعالى {وأمهات نسييييائكم‬
‫وربائبكم اللتي في حجوركم من نسائكم اللتي دخلتم بهن} فإنه‬
‫يحتمييل أن يكون قوله {اللتييي دخلتييم بهيين} يعود على المهات‬
‫والبنات‪ ،‬ويحتمييل أن يعود إلى أقرب مذكور وهييم البنات‪ .‬وميين‬
‫الحجية للجمهور ميا روى المثنيى بين الصيباح عين عمرو بين شعييب‬
‫عين أبيه عين جده أن النيبي عليه الصيلة والسيلم قال "أيميا رجيل‬
‫نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل فل تحل له أمها"‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا المسييألة الرابعيية) فاختلفوا فييي الزنييا هييل يوجييب ميين‬
‫التحرييم فيي هؤلء ميا يوجيب الوطيء فيي نكاح صيحيح أو بشبهية؟‬
‫أعنيي الذي يدرأ فييه الحيد‪ ،‬فقال الشافعيي‪ :‬الزنيا بالمرأة ل يحرم‬
‫نكاح أمهيا ول ابنتهيا ول نكاح أبيي الزانيي لهيا ول ابنيه؛ وقال أبيي‬
‫حنيفة‪ :‬والثوري والوزاعي‪ :‬يحرم الزنا ما يحرم النكاح وأما مالك‬
‫ففييي المؤطييأ عنييه قول الشافعييي أنييه ل يحرم‪ ،‬وروى عنييه ابيين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القاسيم مثيل قول أبيي حنيفية أنيه يحرم؛ وقال سيحنون‪ :‬أصيحاب‬
‫مالك يخالفون ابين القاسيم فيهيا‪ ،‬ويذهبون إلى ميا فيي المؤطيأ؛‬
‫وقيد روى عين اللييث أن الوطيء بشبهية ل يحرم وهيو شاذ‪ .‬وسيبب‬
‫الخلف الشتراك فيي اسيم النكاح‪ :‬أعنيي فيي دللتيه على المعنيى‬
‫الشرعييي واللغوي‪ ،‬فميين راعييى الدللة اللغوييية فييي قوله تعالى‬
‫{ول تنكحوا ما نكيح آباؤكيم} قال‪ :‬يحرم الزنيا‪ ،‬ومين راعيى الدللة‬
‫الشرعيية قال‪ :‬ل يحرم الزنيا‪ ،‬ومين علل هذا الحكيم بالحرمية التيي‬
‫بيين الم والبنيت وبيين الب والبين قال‪ :‬يحرم الزنيا أيضيا‪ ،‬ومين‬
‫شبهييه بالنسييب قال‪ :‬ل يحرم لجماع الكثيير على أن النسييب ل‬
‫يلحيق بالزنيا‪ .‬واتفقوا فيميا حكيى ابين المنذر على أن الوطيء بملك‬
‫اليمييين يحرم منييه مييا يحرم الوطييء بالنكاح‪ .‬واختلفوا فييي تأثييير‬
‫المباشرة في ملك اليمين كما اختلفوا في النكاح‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في مانع الرضاع‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن الرضاع بالجملة يحرم منيييه ميييا يحرم مييين‬
‫النسب‪ :‬أعني أن المرضعة تنزل منزلة الم‪ ،‬فتحرم على المرضع‬
‫هيي وكيل مين يحرم على البين مين قبيل أم النسيب‪ .‬واختلفوا مين‬
‫ذلك فيي مسيائل كثيرة‪ ،‬والقواعيد منهيا تسيع‪ :‬إحداهيا‪ :‬فيي مقدار‬
‫المحرم مين اللبين‪ .‬والثانيية‪ :‬فيي سين الرضاع‪ .‬والثالثية‪ :‬فيي حال‬
‫المرضيع فيي ذلك الوقيت عنيد مين يشترط للرضاع المحرم وقتيا‬
‫خاصيا‪ .‬والرابعية‪ :‬هيل يعتيبر فييه وصيوله برضاع والتقام الثدي أو ل‬
‫يعتبر‪ .‬والخامسة‪ :‬هل يعتبر فيه المخالطة أم ل يعتبر‪ .‬والسادسة‪:‬‬
‫هيل يعتبر فييه الوصيول من الحلق أو ل يعتيبر والسابعة‪ :‬هيل ينزل‬
‫صياحب اللبين‪ :‬أعنيي الزوج مين المرضيع منزلة الب‪ ،‬وهيو الذي‬
‫يسييمونه لبيين الفحييل أم ليييس ينزل منييه بمنزلة أب‪ .‬والثامنيية‪:‬‬
‫الشهادة على الرضاع‪ .‬والتاسعة‪ :‬صفة المرضعة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الولى) أما مقدار المحرم من اللبن فإن قوما قالوا‬
‫فيييه بعدم التحديييد وهييو مذهييب مالك وأصييحابه؛ وروى عيين علي‬
‫وابيين مسييعود وهييو قول ابيين عميير وابيين عباس‪ ،‬وهؤلء يحرم‬
‫عندهيييم أي قدر كان‪ ،‬وبيييه قال أبيييو حنيفييية وأصيييحابه والثوري‬
‫والوزاعي؛ وقالت طائفة‪ :‬بتحديد القدر المحرم‪ ،‬وهؤلء انقسموا‬
‫إلى ثلث فرق‪ ،‬فقالت طائفيييية‪ :‬ل تحرم المصيييية ول المصييييتان‬
‫وتحرم الثلث رضعات فمييا فوقهييا‪ ،‬وبييه قال أبييو عبيييد وأبييو ثور؛‬
‫وقالت طائفة‪ :‬المحرم خمس رضعات‪ ،‬وبه قال الشافعي؛ وقالت‬
‫طائفية‪ :‬عشير رضعات‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم فيي هذه المسيألة‬
‫معارضية عموم الكتاب للحادييث الواردة فيي التحدييد ومعارضية‬
‫الحادييث فيي ذلك بعضهيا بعضيا‪ .‬فأميا عموم الكتاب فقوله تعالى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫{وأمهاتكيم اللتيي أرضعنكيم} اليية‪ ،‬وهذا يقتضيي ميا ينطلق علييه‬


‫اسيم الرضاع‪ ،‬والحادييث المتعارضية فيي ذلك راجعية إلى حديثيين‬
‫فيي المعنيى‪ :‬أحدهميا حدييث عائشية وميا فيي معناه أنيه قال علييه‬
‫الصيييلة والسيييلم "ل تحرم المصييية ول المصيييتان أو الرضعييية‬
‫والرضعتان" خرجييه مسييلم ميين طريييق عائشيية وميين طريييق أم‬
‫الفضيل ومين طرييق ثالث‪ ،‬وفييه قال‪ :‬قال رسيول الله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم "ل تحرم الملجيية ول الملجتان" والحديييث الثانييي‬
‫حدييث سيهلة فيي سيالم أنيه قال لهيا النيبي صيلى الله علييه وسيلم‬
‫"أرضعييه خميس رضعات" وحدييث عائشية فيي هذا المعنيى أيضيا‬
‫قالت "كان فيمييا نزل ميين القرآن عشيير رضعات معلومات ثييم‬
‫نسييخن بخمييس معلومات‪ ،‬فتوفييي رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم وهين مميا يقرأ مين القرآن" فمين رجيح ظاهير القرآن على‬
‫هذه الحاديث قال‪ :‬تحرم المصة والم صتان؛ و من جعل الحاديث‬
‫مفسيرة لليية وجميع بينهيا وبيين اليية ورجيح مفهوم دلييل الخطاب‬
‫فييي قوله عليييه الصييلة والسييلم "ل تحرم المصيية ول المصييتان"‬
‫على مفهوم دليييل الخطاب فييي حديييث سييالم قال‪ :‬الثلثيية فمييا‬
‫فوقها هي التي تحرم‪ ،‬وذلك أن دليل الخطاب في قوله "ل تحرم‬
‫المصية ول المصيتان" يقتضيي أن ميا فوقهيا يحرم‪ ،‬ودلييل الخطاب‬
‫فيي قوله "أرضعييه خميس رضعات" يقتضيي أن ميا دونهيا ل يحرم‬
‫والنظر في ترجيح أحد دليلي الخطاب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) واتفقوا على أن الرضاع يحرم فيي الحوليين‪.‬‬
‫واختلفوا فييي رضاع الكييبير فقال مالك وأبييو حنيفيية والشافعييي‬
‫وكافية الفقهاء‪ :‬ل يحرم رضاع الكيبير؛ وذهيب داود وأهيل الظاهير‬
‫إلى أنيه يحرم‪ ،‬وهيو مذهيب عائشية‪ ،‬ومذهيب الجمهور هيو مذهيب‬
‫ابيين مسييعود وابيين عميير وأبييي هريرة وابيين عباس وسييائر أزواج‬
‫النيبي علييه الصيلة والسيلم‪ .‬وسيبب اختلفهيم تعارض الثار فيي‬
‫ذلك‪ .‬وذلك أنيه ورد فيي ذلك حديثان‪ :‬أحدهميا حدييث سيالم‪ ،‬وقيد‬
‫تقدم‪ ،‬والثانيي حدييث عائشية خرجيه البخاري ومسيلم قالت "دخيل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل‪ ،‬فاشتد ذلك عليه‬
‫ورأييت الغضيب فيي وجهيه‪ ،‬فقلت‪ :‬ييا رسيول الله إنيه أخيي مين‬
‫الرضاعية‪ ،‬فقال علييه الصيلة والسيلم‪ :‬انظرن مين إخوانكين مين‬
‫الرضاعية فإن الرضاعية مين المجاعية" فمين ذهيب إلى ترجييح هذا‬
‫الحديييث قال‪ :‬ل يحرم اللبيين الذي ل يقوم للمرضييع مقام الغذاء‪،‬‬
‫إل أن حدييث سيالم نازلة فيي عيين‪ ،‬وكان سيائر أزواج النيبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يرون ذلك رخصة لسالم؛ ومن رجح حديث سالم‬
‫وعلل حديث عائشة بأنها لم تعمل به قال‪ :‬يحرم رضاع الكبير‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) واختلفوا إذا اسييتغنى المولود بالغذاء قبييل‬


‫الحوليييين وفطيييم ثيييم أرضعتيييه امرأة فقال مالك‪ :‬ل يحرم ذلك‬
‫الرضاع؛ وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬تثبيت الحرمية بيه‪ .‬وسيبب‬
‫اختلفهيم اختلفهيم فيي مفهوم قوله علييه الصيلة والسيلم "فإنميا‬
‫الرضاعية مين المجاعية" فإنيه يحتميل أن يرييد بذلك الرضاع الذي‬
‫يكون فييي سيين المجاعيية كيفمييا كان الطفييل وهييو سيين الرضاع‪،‬‬
‫ويحتمل أن يريد إذا كان الطفل غير مفطوم‪ ،‬فإن فطم في بعض‬
‫الحولييين لم يكيين رضاعييا ميين المجاعيية‪ ،‬فالختلف آيييل إلى أن‬
‫الرضاع الذي سيببه المجاعيية والفتقار إلى اللبين هييل يعتيبر فيييه‬
‫الفتقار الطبيعي للطفال وهو الفتقار الذي سببه سن الرضاع أو‬
‫افتقار المرضييع نفسييه وهييو الذي يرتفييع بالفطييم ولكنييه موجود‬
‫بالطبييع‪ ،‬والقائلون بتأثييير الرضاع فييي مدة الرضاع سييواء ميين‬
‫اشترط منهيييم الفطام (قوله الفطام‪ :‬هكذا بالنسيييخ‪ ،‬ولعله عدم‬
‫الفطام لنيييه لم يشترط أحيييد الفطام فيييي التحرييييم‪ ،‬بيييل مالك‬
‫اشترط عدم الفطام تأميل ا هيي مصيححه)‪ .‬أو لم يشترطيه اختلفوا‬
‫فييي هذه المدة‪ ،‬فقال هذه بالمدة حولن فقييط‪ ،‬وبييه قال زفيير؛‬
‫واستحسن مالك التحريم في الزيادة اليسيرة على العامين‪ ،‬وفي‬
‫قول الشهر عنه‪ ،‬وفي قول عنه إلى ثلثة أشهر؛ وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫حولن وسيتة شهور‪ .‬وسيبب اختلفهيم ميا يظين مين معارضية آيية‬
‫الرضاع لحديث عائشة المتقدم‪ ،‬وذلك أن قوله تعالى {والوالدات‬
‫يرضعيين أولدهيين حولييين كاملييين} يوهييم أن مييا زاد على هذييين‬
‫الحوليين لييس هيو رضاع مجاعية مين اللبين‪ ،‬وقوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "إنميا الرضاعية مين المجاعية" يقتضيي عموميه أن ميا دام‬
‫الطفل غذاؤه اللبن أن ذلك الرضاع يحرم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الرابعة) وأما هل يحرم الوجور واللدود‪ ،‬وبالجملة ما‬
‫يصييل إلى الحلق ميين غييير رضاع‪ ،‬فإن مالكييا قال‪ :‬يحرم الوجور‬
‫واللدود؛ وقال عطاء وداود‪ :‬ل يحرم‪ .‬وسبب اختلفهم هل المعتبر‬
‫وصييول اللبيين كيفمييا وصييل إلى الجوف‪ ،‬أو وصييوله على الجهيية‬
‫المعتادة؟ فميين راعييى وصييوله على الجهيية المعتادة وهييو الذي‬
‫ينطلق عليييه اسييم الرضاع قال‪ :‬ل يحرم الوجور ول اللدود؛ وميين‬
‫راعى وصول اللبن إلى الجوف كيفما وصل قال‪ :‬يحرم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الخامسيية) وأمييا هييل ميين شرط اللبيين المحرم إذا‬
‫وصيل إلى الحلق أن يكون غيير مخالط لغيره‪ ،‬فإنهيم اختلفوا فيي‬
‫ذلك أيضيا‪ ،‬فقال ابين القاسيم‪ :‬إذا اسيتهلك اللبين فيي ماء أو غيره‬
‫ثيم سيقيه الطفيل لم تقيع الحرمية‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية وأصيحابه؛‬
‫وقال الشافعي وابن حبيب ومطرف وابن الماجشون من أصحاب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مالك‪ :‬تقع به الحرمة بمنزلة ما لو انفرد اللبن أو كان مختلطا لم‬


‫تذهيب عينيه‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل يبقيى للبين حكيم الحرمية إذا‬
‫اختلط بغيره‪ ،‬أم ل يبقييى بييه حكمهييا كالحال فييي النجاسيية إذا‬
‫خالطيت الحلل الطاهير‪ .‬والصيل المعتيبر فيي ذلك انطلق اسيم‬
‫اللبن عليه كالماء هل يطهر إذا خالطه شيء طاهر؟‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة السادسة) وأما هل يعتبر فيه الوصول إلى الحلق أو‬
‫ل يعتبر فإنه يشبه أن يكون هذا هو سبب اختلفهم في السعوط‬
‫باللبين والحقنية بيه‪ .‬ويشبيه أن يكون اختلفهيم فيي ذلك لموضيع‬
‫الشك هل يصل اللبن من هذه العضاء أو ل يصل؟‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة السابعة) وأما هل يصير الرجل الذي له اللبن‪ :‬أعني‬
‫زوج المرأة أبيا للمرضيع حتيى يحرم بينهميا ومين قبلهميا ميا يحرم‬
‫ميين الباء والبناء الذييين ميين النسييب وهييي التييي يسييمونها لبيين‬
‫الفحل‪ ،‬فإنهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي‬
‫وأحميد والوزاعيي والثوري‪ :‬لبين الفحيل يحرم؛ وقالت طائفية‪ :‬ل‬
‫يحرم لبين الفحيل‪ ،‬وبالول قال علي وابين عباس‪ ،‬وبالقول الثانيي‬
‫قالت عائشية وابين الزبيير وابين عمير‪ .‬وسيبب اختلفهيم معارضية‬
‫ظاهر الكتاب لحديث عائشة المشهور‪ :‬أعني آية الرضاع‪ ،‬وحديث‬
‫عائشة هو "قالت جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن علي بعد أن‬
‫أنزل الحجاب فأبيييت أن آذن له‪ ،‬وسييألت رسييول الله صييلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬إنه عمك فأذني له‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله إنما‬
‫أرضعتنييي المرأة ولم يرضعنييي الرجييل‪ ،‬فقال‪ :‬إنييه عمييك فليلج‬
‫عليييك" خرجييه البخاري ومسييلم ومالك؛ فميين رأى أن مييا فييي‬
‫الحديييييث شرع زائد على مييييا فييييي الكتاب‪ ،‬وهييييو قوله تعالى‬
‫{وأمهاتكم اللتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} وعلى قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولدة"‬
‫قال‪ :‬لبيين الفحييل محرم؛ وميين رأى أن آييية الرضاع وقوله "يحرم‬
‫ميين الرضاع مييا يحرم ميين الولدة" إنمييا ورد على جهيية التأصيييل‬
‫لحكم الرضاع‪ ،‬إذ ل يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة قال‪ :‬ذلك‬
‫الحدييث إن عميل بمقتضاه أوجيب أن يكون ناسيخا لهذه الصيول‪،‬‬
‫لن الزيادة المغيرة للحكم ناسخة‪ ،‬مع أن عائشة لم يكن مذهبها‬
‫التحرييم بلبين الفحيل‪ ،‬وهيي الراويية للحدييث‪ ،‬ويصيعب رد الصيول‬
‫المنتشرة التييي يقصييد بهييا التأصيييل والبيان عنييد وقييت الحاجيية‬
‫بالحادييث النادرة وبخاصية التيي تكون فيي عيين‪ ،‬ولذلك قال عمير‬
‫رضيي الله عنيه فيي حدييث فاطمية بنيت قييس‪ :‬ل نترك كتاب الله‬
‫لحديث امرأة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسيألة الثامنية) وأميا الشهادة على الرضاع فإن قوميا قالوا‪:‬‬


‫ل تقبييل فيييه إل شهادة امرأتييين‪ ،‬وقومييا قالوا‪ :‬ل تقبييل فيييه إل‬
‫شهادة أربييع‪ ،‬وبييه قال الشافعييي وعطاء؛ وقومييا قالوا تقبييل فيييه‬
‫شهادة امرأة واحدة؛ والذين قالوا تقبل فيه شهادة امرأتين منهم‬
‫من اشترط في ذلك فشو قولهما بذلك قبل الشهادة‪ .‬وهو مذهب‬
‫مالك وابين القاسيم؛ ومنهيم مين لم يشترطيه‪ ،‬وهيو قول مطرف‬
‫وابين الماجشون‪ .‬والذيين أجازوا أيضيا شهادة امرأة واحدة منهيم‬
‫من لم يشترط فشو قولها قبل الشهادة‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة؛‬
‫ومنهم من اشترط ذلك‪ ،‬وهي رواية عن مالك‪ ،‬وقد روى عنه أنه‬
‫ل تجوز فييه شهادة أقيل مين اثنتيين‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم‪ ،‬أميا‬
‫بيين الربيع والثنتيين فاختلفهيم فيي شهادة النسياء هيل عدييل كيل‬
‫رجل هو امرأتان فيما ليس يمكن فيه شهادة الرجل أو يكفي في‬
‫ذلك امرأتان‪ ،‬وسيتأتي هذه المسيألة فيي كتاب الشهادات إن شاء‬
‫الله تعالى‪ .‬وأمييييا اختلفهييييم فييييي قبول شهادة المرأة الواحدة‬
‫فمخالفية الثير الوارد فيي ذلك للصيل المجميع علييه‪ ،‬أعنيي أنيه ل‬
‫يقبل من الرجال أقل من اثنين‪ ،‬وأن حال النساء في ذلك إما أن‬
‫يكون أضعيف مين حال الرجال‪ ،‬وإميا أن تكون أحوالهيم فيي ذلك‬
‫مسييياوية للرجال‪ ،‬والجماع منعقيييد على أنيييه ل يقضيييي بشهادة‬
‫واحدة‪ ،‬والمر الوارد في ذلك هو حديث عقبة بن الحارث قال "يا‬
‫رسول الله إني تزوجت امرأة فأتت امرأة فقالت‪ :‬قد أرضعتكما‪،‬‬
‫فقال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬كييف وقيد قييل؟ دعهيا‬
‫عنيك" وحميل بعضهيم هذا الحدييث على الندب جمعيا بينيه وبيين‬
‫الصول وهو أشبه‪ ،‬وهي رواية عن مالك‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة التاسعة) وأما صفة المرضعة فإنهم اتفقوا على أنه‬
‫يحرم لبين كيل امرأة بالغ وغيير بالغ‪ ،‬واليائسية مين المحييض كان‬
‫لهييا زوج أم لم يكيين‪ ،‬حامل كانييت أم غييير حامييل؛ وشييذ بعضهييم‬
‫فأوجيب حرمية للبين الرجيل‪ ،‬وهذا غيير موجود فضل عين أن يكون‬
‫له حكم شرعي‪ ،‬وإن وجد فليس لبنا إل باشتراك السم‪ .‬واختلفوا‬
‫من هذا الباب في لبن الميتة‪ .‬وسبب الخلف هل يتناولها العموم‬
‫أو ل يتناولها‪ ،‬ول لبن للميتة إن وجد لها إل باشتراك السم‪ ،‬ويكاد‬
‫أن تكون مسألة غير واقعة فل يكون لها وجود إل في القول‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في مانع الزنا‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا فييي زواج الزانييية‪ .‬فأجاز هذا الجمهور‪ ،‬ومنعهييا قوم‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم اختلفهييم فييي مفهوم قوله تعالى {والزانييية ل‬
‫ينكحهييا إل زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنييين} هييل خرج‬
‫مخرج الذم أو مخرج التحريييم؟ وهييل الشارة فييي قوله {وحرم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ذلك على المؤمنين} إلى الزنا أو إلى النكاح؟ وإنما صار الجمهور‬
‫لحميل اليية على الذم ل على التحرييم لميا جاء فيي الحدييث "أن‬
‫رجل قال للنيبي صيلى الله علييه وسيلم فيي زوجتيه إنهيا ل ترد ييد‬
‫لمس‪ ،‬فقال له النبي عليه الصلة والسلم‪ :‬طلقها‪ ،‬فقال له‪ :‬إني‬
‫أحبها‪ .‬فقال له‪ :‬فأمسكها" وقال قوم أيضا‪ :‬إن الزنا يفسخ النكاح‬
‫بناء على هذا الصيل‪ .‬وبيه قال الحسين‪ .‬وأميا زواج الملعنية مين‬
‫زوجها الملعن فسنذكرها في كتاب اللعان‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس في مانع العدد‪.‬‬
‫@‪-‬واتفق المسلمون على جواز نكاح أربعة من النساء معا‪ ،‬وذلك‬
‫للحرار ميين الرجال‪ .‬واختلفوا فييي موضعييين‪ :‬فييي العبيييد‪ ،‬وفيميا‬
‫فوق الربيع‪ .‬وأميا العبييد فقال مالك فيي المشهور عنيه‪ :‬يجوز أن‬
‫ينكيح أربعيا‪ ،‬وبيه قال أهيل الظاهير‪ .‬وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬ل‬
‫يجوز له الجمع إل بين اثنتين فقط‪ .‬وسبب اختلفهم هل العبودية‬
‫لهيا تأثيير فيي إسيقاط هذا العدد كميا لهيا تأثيير فيي إسيقاط نصيف‬
‫الحيد الواجيب على الحير فيي الزنيا‪ ،‬وكذلك فيي الطلق عنيد مين‬
‫رأى ذلك‪ .‬وذلك أن المسلمين اتفقوا على تنصيف حده في الزنا‪:‬‬
‫أعنيي أن حده نصيف حيد الحير‪ ،‬واختلفوا فيي غيير ذلك‪ .‬وأميا ميا‬
‫فوق الربيع فإن الجمهور على أنيه ل تجوز الخامسية لقوله تعالى‬
‫{فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع} ولما روي‬
‫عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه قال لغيلن لميا أسيلم وتحتيه عشير‬
‫نسيوة "أمسيك أربعيا وفارق سيائرهن" وقالت فرقية‪ :‬يجوز تسيع‪،‬‬
‫ويشبيه أن يكون مين أجاز التسيع ذهيب مذهيب الجميع فيي اليية‬
‫المذكورة‪ ،‬أعنيييي جميييع العداد فيييي قوله تعالى {مثنيييى وثلث‬
‫ورباع} ‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس في مانع الجمع‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أنيه ل يجميع بيين الختيين بعقيد نكاح لقوله تعالى‬
‫{وأن تجمعوا بييين الختييين} واختلفوا فييي الجمييع بينهمييا بملك‬
‫اليمييين‪ ،‬والفقهاء على منعييه‪ ،‬وذهبييت طائفيية إلى إباحيية ذلك‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم معارضيية عموم قوله تعالى {وأن تجمعوا بييين‬
‫الختيين} لعموم السيتثناء فيي آخير اليية‪ ،‬وهيو قوله تعالى {إل ميا‬
‫ملكييت أيمانكييم} وذلك أن هذا السييتثناء يحتمييل أن يعود لقرب‬
‫مذكور‪ ،‬ويحتمل أن يعود لجميع ما تضمنته الية من التحريم إل ما‬
‫وقييع الجماع على أنييه ل تأثييير له فيييه‪ ،‬فيخرج ميين عموم قوله‬
‫تعالى {وأن تجمعوا بييين الختييين} ملك اليمييين‪ ،‬ويحتمييل أن ل‬
‫يعود إل إلى أقرب مذكور‪ ،‬فيبقييى قوله تعالى {وأن تجمعوا بييين‬
‫الختييين} على عمومييه‪ ،‬ول سيييما إن عللنييا ذلك بعلة الخوة أو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بسيبب موجود فيهميا‪ .‬واختلف الذيين قالوا بالمنيع فيي ملك اليميين‬
‫إذا كانيت إحداهميا بنكاح والخرى بملك يميين‪ ،‬فمنعيه مالك وأبيو‬
‫حنيفيية وأجازه الشافعييي‪ ،‬وكذلك اتفقوا فيمييا أعلم على تحريييم‬
‫الجميع بيين المرأة وعمتهيا وبيين المرأة وخالتهيا لثبوت ذلك عنيه‬
‫علييه الصيلة والسيلم مين حدييث أبيي هريرة وتواتره عنيه علييه‬
‫الصيلة والسيلم مين أنيه قال علييه الصيلة والسيلم "ل يجميع بيين‬
‫المرأة وعمتها ول بين المرأة وخالتها" واتفقوا على أن العمة ههنا‬
‫هيي كيل أنثيى هيي أخيت لذكير له علييك ولدة إميا بنفسيه وإميا‬
‫بواسطة ذكر آ خر‪ ،‬وأن الخالة‪ :‬هي كل أنثى هي أخت لكل أنثى‬
‫لها عليك ولدة إما بنفسها وإما بتوسط أنثى غيرها وهن الحرات‬
‫مين قبيل الم؛ واختلفوا هيل هذا مين باب الخاص أرييد بيه الخاص‪،‬‬
‫أم هيو مين باب الخاص أرييد بيه العام؟ والذيين قالوا هيو مين باب‬
‫الخاص أريد به العام اختلفوا أي عام هو المقصود به؟ فقال قوم‬
‫وهيم الكثير وعلييه الجمهور مين فقهاء المصيار‪ :‬هيو خاص أرييد بيه‬
‫الخصيوص فقيط‪ ،‬وأن التحرييم ل يتعدى إلى غيير مين نيص علييه؛‬
‫وقال قوم‪ :‬هييو خاص والمراد بييه العموم‪ ،‬وهييو الجمييع بييين كييل‬
‫امرأتيين بينهميا رحيم محرمية أو غيير محرمية‪ ،‬فل يجوز الجميع عنيد‬
‫هؤلء بيين ابنتيي عيم أو عمية‪ ،‬ول بيين ابنتيي خال أو خالة‪ ،‬ول بيين‬
‫المرأة وبنت عمها أو بنت عمتها‪ ،‬أو بينها وبين بنت خالتها؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬إنميا يحرم الجميع بيين كيل امرأتيين بينهميا قرابية محرمية‪،‬‬
‫أعنيي لو كان أحدهميا ذكرا والخير أنثيى لم يجيز لهميا أن يتناكحيا؛‬
‫ومييين هؤلء مييين اشترط فيييي هذا المعنيييى أن يعتيييبر هذا مييين‬
‫الطرفين جميعا‪ ،‬أعني إذا جعل كل واحد منهما ذكرا والخر أنثى‬
‫فلم يجيز لهميا أن يتناكحيا‪ ،‬فهؤلء ل يحيل الجميع بينهميا‪ .‬وأميا إن‬
‫جعل في أحد الطرفين ذكر يحرم التزويج ولم يحرم من الطرف‬
‫الخر فإن الجمع يجوز كالحال في الجمع بين امرأة الرجل وابنته‬
‫مين غيرهيا‪ ،‬فإنيه إن وضعنيا البنيت ذكرا لم يحيل نكاح المرأة منيه‬
‫لنهييا زوج أبيييه‪ ،‬وإن جعلنييا المرأة ذكرا حييل لهييا نكاح ابنيية الزوج‬
‫لنهييا تكون ابنيية لجنييبي‪ ،‬وهذا القانون هييو الذي اختاره أصييحاب‬
‫مالك‪ ،‬وأولئك يمنعون الجمع بين زوج الرجل وابنته من غيرها‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السابع في موانع الرق‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أنيه يجوز للعبيد أن ينكيح المية‪ ،‬وللحرة أن تنكيح‬
‫العبييد إذا رضيييت بذلك هييي وأولياؤهييا‪ .‬واختلفوا فييي نكاح الحيير‬
‫الميية‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يجوز بإطلق‪ ،‬وهييو المشهور ميين مذهييب ابيين‬
‫القاسيييم؛ وقال قوم‪ :‬ل يجوز إل بشرطيييين‪ :‬عدم الطول‪ ،‬وخوف‬
‫العنيت‪ ،‬وهيو المشهور مين مذهيب مالك‪ ،‬وهيو مذهيب أبيي حنيفية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والشافعيي‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم معارضية دلييل الخطاب فيي‬


‫قوله تعالى {ومين لم يسيتطع منكيم طول أن ينكيح} اليية‪ ،‬لعموم‬
‫قوله {وأنكحوا الياميى منكيم والصيالحين} اليية‪ ،‬وذلك أن مفهوم‬
‫دليييل الخطاب فييي قوله تعالى {وميين لم يسييتطع منكييم طول}‬
‫اليية‪ ،‬يقتضيي أنيه ل يحيل نكاح المية إل بشرطيين‪ :‬أحدهميا عدم‬
‫الطول إلى الحرة‪ ،‬والثانييي خوف العنييت‪ ،‬وقوله تعالى {وأنكحوا‬
‫الياميى منكيم} يقتضيي بعموميه إنكاحهين مين حير أو عبيد‪ ،‬واحدا‬
‫كان الحير أو غيير واحيد‪ ،‬خائفيا للعنيت أو غيير خائف‪ ،‬لكين دلييل‬
‫الخطاب أقوى ههنيييا {والله أعلم} مييين العموم‪ ،‬لن هذا العموم‬
‫لم يتعرض فيييه إلى صييفات الزوج المشترطيية فييي نكاح الماء‪،‬‬
‫وإنميا المقصيود بيه المير بإنكاحهين وأل يجيبرن على النكاح‪ ،‬وهيو‬
‫أيضا محمول على الندب عند الجمهور مع ما في ذلك من إرقاق‬
‫الرجل ولده‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في فرعين مشهورين‪ ،‬أعني‬
‫الذيين لم يجيزوا النكاح إل بالشرطيين المنصيوص عليهميا‪ :‬أحدهميا‬
‫إذا كانييت تحتييه حرة هييل هييي طول أو ليسييت بطول؟ فقال أبييو‬
‫حنيفة‪ :‬هي طول؛ وقال غيره‪ :‬ليست بطول؛ وعن مالك في ذلك‬
‫القولن‪ .‬والمسألة الثانية هل يجوز لمن وجد فيه هذان الشرطان‬
‫نكاح أكثيير ميين أمييه واحدة ثلث أو أربييع أو ثنتان؟ فميين قال إذا‬
‫كانت تحته حرة فليس يخاف العنت لنه غير عزب قال‪ :‬إذا كانت‬
‫تحته حرة لم يجز له نكاح المة؛ ومن قال خوف العنت إنما يعتبر‬
‫بإطلق سيواء كان عزبيا أو متأهل‪ ،‬لنيه قيد ل تكون الزوجية الولى‬
‫مانعة من العنت‪ ،‬وهو ل يقدر على حرة تمنعه من العنت فله أن‬
‫ينكيح أمية‪ ،‬لن حاله ميع هذه الحرة فيي خوف العنيت كحاله قبلهيا‪،‬‬
‫وبخاصة إذا خشي العنيت من المية التيي ير يد نكاحهيا‪ ،‬وهذا بعينه‬
‫هو السبب في اختلفهم هل ينكح أمة ثانية على المة الولى أو ل‬
‫ينكحهيا؟ وذلك أن مين اعتيبر خوف العنيت ميع كونيه عزبيا إذ كان‬
‫الخوف على العزب أكثير قال‪ :‬ل ينكيح أكثير مين أمية واحدة‪ ،‬ومين‬
‫اعتيبره مطلقيا قال‪ :‬ينكيح أكثير مين أمية واحدة‪ ،‬وكذلك يقول إنيه‬
‫ينكيح على الحرة‪ ،‬واعتباره مطلقيا فييه نظير؛ وإذا قلنيا أن له أن‬
‫يتزوج على الحرة أميية فتزوجهييا بغييير إذنهييا فهييل لهييا الخيار فييي‬
‫البقاء معيييه أو فيييي فسيييخ النكاح؟ اختلف فيييي ذلك قول مالك‪،‬‬
‫واختلفوا إذا وجيد طول بحرة هيل يفارق المية أم ل؟ ولم يختلفوا‬
‫أنه إذا ارتفع عنه خوف العنت أنه ل يفارقها‪ ،‬أعني أصحاب مالك؛‬
‫واتفقوا من هذا الباب على أنه ل يجوز أن تنكح المرأة من ملكته‬
‫وإنها إذا ملكت زوجها انفسخ النكاح‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثامن في مانع الكفر‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬واتفقوا على أنيه ل يجوز للمسيلم أن ينكيح الوثنيية لقوله تعالى‬


‫{ول تمسيييكوا بعصيييم الكوافييير} واختلفوا فيييي نكاحهييا بالملك‪،‬‬
‫واتفقوا على أنييه يجوز أن ينكييح الكتابييية الحرة‪ ،‬إل مييا روى فييي‬
‫ذلك عيين ابيين عميير‪ .‬واختلفوا فييي إحلل الكتابييية الميية بالنكاح؛‬
‫واتفقوا على إحللها بملك اليمين‪ .‬والسبب في اختلفهم في نكاح‬
‫الوثنيات بملك اليمييين معارضيية عموم قوله تعالى {ول تمسييكوا‬
‫بعصيم الكوافير} وعموم قوله تعالى {ول تنكحوا المشركات حتيى‬
‫يؤميين} لعموم قوله {والمحصيينات ميين النسيياء إل مييا ملكييت‬
‫أيمانكييم} وهيين المسييبيات‪ ،‬وظاهيير هذا يقتضييي العموم‪ ،‬سييواء‬
‫كانيييت مشركييية أو كتابيييية‪ ،‬والجمهور على منعهيييا‪ ،‬وبالجواز قال‬
‫طاوس ومجاهد‪ ،‬ومن الحجة لهم ما روى من نكاح المسبيات في‬
‫غزوة أوطاس إذ اسييتأذنوه فييي العزل فأذن لهييم؛ وإنمييا صييار‬
‫الجمهور لجواز نكاح الكتابيات الحرار بالعقييييد‪ ،‬لن الصييييل بناء‬
‫الخصيوص على العموم‪ :‬أعنيي أن قوله تعالى {والمحصينات مين‬
‫الذيين أوتوا الكتاب} هيو خصيوص‪ ،‬وقوله {ول تنكحوا المشركات‬
‫حتى يؤمن} هو عموم‪ ،‬فاستثنى الجمهور الخصوص من العموم؛‬
‫ومن ذهب إلى تحريم ذلك جعل العام ناسخا للخاص‪ ،‬وهو مذهب‬
‫بعييض الفقهاء؛ وإنمييا اختلفوا فييي إحلل الميية الكتابييية بالنكاح‬
‫لمعارضية العموم فيي ذلك القياس‪ ،‬وذلك أن قياسيها على الحرة‬
‫يقتضييي إباحيية تزويجهييا‪ ،‬وباقييي العموم إذا اسييتثنى منييه الحرة‬
‫يعارض ذلك‪ ،‬لنيه يوجيب تحريمهيا على قول مين يرى أن العموم‬
‫إذا خصص بقي الباقي على عمومه؛ فمن خصص العموم الباقي‬
‫بالقياس‪ ،‬أو لم ييير الباقييي ميين العموم المخصييوص عمومييا قال‪:‬‬
‫يجوز نكاح المة الكتابية؛ ومن رجح باقي العموم بعدم التخصيص‬
‫على القياس قال‪ :‬ل يجوز نكاح المية الكتابيية؛ وهنيا أيضيا سيبب‬
‫آخيير لختلفهييم‪ ،‬وهييو معارضيية دليييل الخطاب للقياس‪ ،‬وذلك أن‬
‫قوله تعالى {مييين فتياتكيييم المؤمنات} يوجيييب أن ل يجوز نكاح‬
‫الميية الغييير مؤمنيية بدليييل الخطاب وقياسييها على الحرة يوجييب‬
‫ذلك‪ ،‬والقياس (قوله والقياس‪ ،‬إلى قوله‪ :‬وإنميييا اتفقوا هيييو زائد‬
‫ببعيض النسيخ الخطيية والمصيرية وفييه خفاء‪ ،‬فليتأميل فيي معناه ا‬
‫هي مصححه)‪ .‬من كل جنس يجوز فيه النكاح بالتزويج‪ ،‬ويجوز فيه‬
‫النكاح بملك اليميين أصيله المسيلمات؛ والطائفية الثانيية أنيه ثيم لم‬
‫يجييز نكاح الميية المسييلمة بالتزويييج إل بشرط فأحرى أن ل يجوز‬
‫نكاح الميية الكتابييية بالتزويييج‪ ،‬وإنمييا اتفقوا على إحللهييا بملك‬
‫اليمييين لعموم قوله تعالى {إل مييا ملكييت أيمانكييم} ولجماعهييم‬
‫على أن السيبي يحيل المسيبية الغيير المتزوجية‪ .‬وإنميا اختلفوا فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المتزوجية هيل يهدم السيبي نكاحهيا‪ ،‬وإن هدم فمتيى يهدم؟ فقال‬
‫قوم‪ :‬إن سيبيا معيا أعنيي الزوج والزوجية لم يفسيخ نكاحهميا‪ ،‬وإن‬
‫سبى أحدهما قبل الخر انفسخ النكاح‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬بيل السيبي يهدم سيبيا معيا أو سيبى أحدهميا قبيل الخير وبيه‬
‫قال الشافعييي؛ وعيين مالك قولن‪ :‬أحدهمييا أن السييبي ل يهدم‬
‫النكاح أصيييل‪ .‬والثانيييي أنيييه يهدم بإطلق مثيييل قول الشافعيييي‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم هيل يهدم أو ل يهدم هيو تردد المسيترقين‬
‫الذييين أمنوا ميين القتييل بييين النسيياء الذميييين أهييل العهييد وبييين‬
‫الكافرة التي ل زوج لها أو المستأجرة من كافر‪ .‬وأما تفريق أبي‬
‫حنيفة بين أن يسبيا معا وبين أن يسبي أحدهما فلن المؤثر عنده‬
‫فيي الحلل هيو اختلف الدار بهميا ل الرق‪ ،‬والمؤثير فيي الحلل‬
‫عنيد غيره هيو الرق‪ ،‬وإنميا النظير هيل هيو الرق ميع الزوجيية أو ميع‬
‫عدم الزوجية؟ والش به أن ل يكون للزوجية ههنا حرمة لن محل‬
‫الرق وهيو الكفير سيبب الحلل‪ .‬وأميا تشبيههيا بالذميية فبعييد لن‬
‫الذمييي إنمييا أعطييى الجزييية بشرط أن يقيير على دينييه فضل عيين‬
‫نكاحه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل التاسع في مانع الحرام‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا فيييي نكاح المحرِم فقال مالك والشافعيييي واللييييث‬
‫والوزاعي وأحمد ل ينكح المحرم ول يُنكح‪ ،‬فإن فعل ذلك فالنكاح‬
‫باطييل‪ ،‬وهييو قول عميير بيين الخطاب وعلي وابيين عميير وزيييد بيين‬
‫ثابييت‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬ل بأس بذلك‪ .‬وسييبب اختلفهييم تعارض‬
‫النقييل فييي هذا الباب‪ ،‬فمنهييا حدييث ابين عباس "أن رسييول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم نكيح ميمونة وهيو محرم" وهيو حدييث ثابيت‬
‫النقل خرجه أهل الصحيح وعارضه أحاديث كثيرة عن ميمونة "أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم تزوجهيا وهيو حلل" قال أبيو‬
‫عمير‪ :‬روييت عنهيا مين طرق شتيى‪ ،‬مين طرييق أبيي رافيع‪ ،‬ومين‬
‫طريق سليمان بن يسار وهو مولها‪ ،‬وعن يزيد بن الصم‪ .‬وروى‬
‫مالك أيضييا ميين حديييث عثمان بيين عفان مييع هذا أنييه قال‪ :‬قال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "ل ينكيح المحرم ول يُنكيح ول‬
‫يخطيب" فمين رجيح هذه الحادييث على حدييث ابين عباس قال‪ :‬ل‬
‫ينكيح المحرم ول يُنكيح؛ ومين رجيح حدييث ابين عباس أو جميع بينيه‬
‫وبين حديث عثمان بن عفان بأن حمل النهى الوارد في ذلك على‬
‫الكراهيية قال‪ :‬ينكيح ويُنكيح‪ ،‬وهذا راجيع إلى تعارض الفعيل والقول‬
‫والوجه الجمع أو تغليب القول‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل العاشر في مانع المرض‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬واختلفوا في نكاح المريض‪ ،‬فقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬يجوز؛‬


‫وقال مالك في المشهور عنه‪ :‬إنه ل يجوز‪ ،‬ويتخرج ذلك من قوله‬
‫إنه يفرق بينهما وإن صح‪ ،‬ويتخرج من قوله إنه ل يفرق بينهما أن‬
‫التفرييق مسيتحب غيير واجيب‪ .‬وسيبب اختلفهيم تردد النكاح بيين‬
‫البيييع وبييين الهبيية‪ ،‬وذلك أنييه ل تجوز هبيية المريييض إل ميين الثلث‬
‫ويجوز بيعه ولختلفهم أيضا سبب آخر‪ ،‬وهو هل يتهم على إضرار‬
‫الورثيية بإدخال وارث زائد أو ل يتهييم؟ وقياس النكاح على الهبيية‬
‫غير صحيح‪ ،‬لنهم اتفقوا على أن الهبة تجوز إذا حملها الثلث‪ ،‬ولم‬
‫يعتييبروا بالنكاح هنييا بالثلث‪ ،‬ورد جواز النكاح بإدخال وارث قياس‬
‫مصييلحي ل يجوز عنييد أكثيير الفقهاء‪ ،‬وكونييه يوجييب مصييالح لم‬
‫يعتبرها الشرع إل في جنس بعيد من الجنس الذي يرام فيه إثبات‬
‫الحكيم بالمصيلحة‪ ،‬حتيى إن قوميا رأوا أن القول بهذا القول شرع‬
‫زائد وإعمال هذا القياس يوهين ميا فيي الشرع مين التوقييف‪ ،‬وأنيه‬
‫ل يجوز الزيادة فيه كما ل يجوز النقصان والتوقف أيضا عن اعتبار‬
‫المصيالح تطرق للناس أن يتسيرعوا لعدم السينن التيي فيي ذلك‬
‫الجنييييس إلى الظلم‪ ،‬فلنفوض أمثال هذه المصييييالح إلى العلماء‬
‫بحكمية الشرائع الفضلء الذيين ل يتهمون بالحكيم بهيا؛ وبخاصية إذا‬
‫فهييم ميين أهييل ذلك الزمان أن فييي الشتغال بظواهيير الشرائع‬
‫تطرقيا إلى الظلم؛ ووجيه عميل الفاضيل العالم فيي ذلك أن ينظير‬
‫إلى شواهد الحال‪ ،‬فإن دلت الدلئل على أنه قصد بالنكاح خيرا ل‬
‫يمنيع النكاح وإن دلت على أنيه قصيد الضرار بورثتيه منيع مين ذلك‬
‫كمييا فييي أشياء كثيرة ميين الصيينائع يعرض فيهييا للصييناع الشيييء‬
‫وضده مميا اكتسيبوا مين قوة مهنتهيم إذ ل يمكين أن يحيد فيي ذلك‬
‫حييد مؤقييت صييناعي‪ ،‬وهذا كثيرا مييا يعرض فييي صييناعة الطييب‬
‫وغيرها من الصنائع المختلفة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الحادي عشر في مانع العدة‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن النكاح ل يجوز فيي العدة كانيت عدة حييض أو‬
‫عدة حميل أو عدة أشهير‪ .‬واختلفوا فيمين تزوج امرأة فيي عدتهيا‬
‫ودخل بها‪ ،‬فقال مالك والوزاعي والليث‪ :‬يفرق بينهما ول تحل له‬
‫أبدا؛ وقال أبيييو حنيفييية والشافعيييي والثوري‪ :‬يفرق بينهميييا‪ ،‬وإذا‬
‫انقضت العدة بينهما فل بأس في تزويجه إياها مرة ثانية‪ .‬وسبب‬
‫اختلفهيم هيل قول ال صاحب حجية أم لييس بحجية؟ وذلك أن مالكيا‬
‫روى عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن‬
‫عمير ابين الخطاب فرق بيين طليحية السيدية وبيين زوجهيا راشدا‬
‫الثقفييي لمييا تزوجهييا فييي العدة ميين زوج ثان وقال‪ :‬أيمييا امرأة‬
‫نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بينهما‪ ،‬ثم اعتدت بقية عدتها من الول‪ ،‬ثم كان الخر خاطبا من‬
‫الخطاب؛ وإن كان دخيل بهيا فرق بينهميا‪ ،‬ثيم اعتدت بقيية عدتهيا‬
‫مين الول‪ ،‬ثيم اعتدت مين الخير‪ ،‬ثيم ل يجتمعان أبدا‪ .‬قال سيعيد‪:‬‬
‫ولهيا مهرهيا بميا اسيتحل منهيا‪ .‬وربميا عضدوا هذا القياس بقياس‬
‫شبيه ضعييف مختلف فيي أصيله‪ ،‬وهيو أنيه أدخيل فيي النسيب شبهية‬
‫فأشبيه الملعين‪ .‬وروي عين علي وابين مسيعود مخالفية عمير فيي‬
‫هذا‪ .‬والصل أنها ل تحرم إل أن يقوم على ذلك دليل من كتاب أو‬
‫سنة أو إجماع من المة‪ .‬وفي بعض الروايات أن عمر كان قضى‬
‫بتحريمهيا‪ ،‬وكون المهير فيي بييت المال‪ ،‬فلميا بلغ ذلك علييا أنكره‬
‫فرجييع عيين ذلك عميير‪ ،‬وجعييل الصييداق على الزوج ولم يقييض‬
‫بتحريمهييا عليييه‪ ،‬رواه الثوري عيين أشعييث عيين الشعييبي عيين‬
‫مسيروق‪ .‬وأميا مين قال بتحريمهيا بالعقيد فهيو ضعييف‪ .‬وأجمعوا‬
‫على أنه ل توطأ حامل مسبية حتى تضع‪ ،‬لتواتر الخبار بذلك عن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ .‬واختلفوا إن وطييء هيل يعتيق‬
‫علييييه الولد أو ل يعتيييق‪ ،‬والجمهور على أنيييه ل يعتيييق‪ .‬وسيييبب‬
‫اختلفهيم هيل ماؤه مؤثير فيي خلقتيه أو غيير مؤثير؟ فإن قلنيا أنيه‬
‫مؤثر كان له ابنا بجهة ما‪ ،‬وإن قلنا أنه ليس بمؤثر لم يكن ذلك‪.‬‬
‫وروي عين النيبي علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "كييف يسيتعبده‬
‫وقد غذاه في سمعه وبصره"‪ .‬وأما النظر في مانع التطليق ثلثا‪،‬‬
‫فسيأتي في كتاب الطلق‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني عشر في مانع الزوجية‪.‬‬
‫@‪-‬وأميييا مانيييع الزوجيييية فإنهيييم اتفقوا على أن الزوجيييية بيييين‬
‫المسيلمين مانعية وبيين الذمييين‪ .‬واختلفوا فيي المسيبية على ميا‬
‫تقدم؛ واختلفوا أيضيا فيي المية إذا بيعيت هيل يكون بيعهيا طلقيا؟‬
‫فالجمهور على أنه ليس بطلق؛ وقال قوم‪ :‬هو طلق‪ ،‬وهو مروي‬
‫عيين ابيين عباس وجابر وابيين مسييعود وأبييي بيين كعييب‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهيم معارضية مفهوم حدييث بريرة لعموم قوله تعالى {إل ميا‬
‫ملكييت أيمانكييم} وذلك أن قوله تعالى {إل مييا ملكييت أيمانكييم}‬
‫يقتضي المسبيات وغيرهن‪ ،‬وتخيير بريرة يوجب أن ل يكون بيعها‬
‫طلقيا‪ ،‬لنيه لو كان بيعهيا طلقيا لميا خيرهيا رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم بعيد العتيق‪ ،‬ولكان نفيس شراء عائشية لهيا طلقيا مين‬
‫زوجهيا؛ والحجية للجمهور ميا خرجيه ابين أبيي شيبية عين أبيي سيعيد‬
‫الخدري "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم بعيث يوم حنيين‬
‫سيرية فأصيابوا حييا مين العرب يوم أوطاس فهزموهيم وقتلوهيم‬
‫وأصييابوا نسيياء لهيين أزواج‪ ،‬وكان ناس ميين أصييحاب رسييول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم تأثموا مين غشيانهين مين أجيل أزواجهين‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فأنزل الله عييز وجييل {والمحصيينات ميين النسيياء إل مييا ملكييت‬


‫أيمانكم} وهذه المسألة هي أليق بكتاب الطلق‪ .‬فهذه هي جملة‬
‫الشياء المصححة للنكحة في السلم‪ ،‬وهي كما قلنا راجعة إلى‬
‫ثلثية أجناس‪ :‬صيفة العاقيد والمعقود عليهيا‪ ،‬وصيفة العقيد‪ ،‬وصيفة‬
‫الشروط فيي العقيد‪ .‬وأميا النكحية التيي انعقدت قبيل السيلم ثيم‬
‫طرأ عليهيا السيلم‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أن السيلم إذا كان منهميا‬
‫معيا‪ :‬أعنيي مين الزوج والزوجية‪ ،‬وقيد كان عقيد النكاح على مين‬
‫يصييح ابتداء العقييد عليهييا فييي السييلم أن السييلم يصييحح ذلك؛‬
‫واختلفوا فيي موضعيين‪ :‬أحدهميا إذا انعقيد النكاح على أكثير مين‬
‫أربييع أو على ميين ل يجوز الجمييع بينهمييا فييي السييلم‪ .‬والموضييع‬
‫الثاني إذا أسلم أحدهما قبل الخر‪.‬‬
‫@‪(-‬فأميا المسيألة الولى) وهيي إذا أسيلم الكافير وعنده أكثير مين‬
‫أربييع نسييوة أو أسييلم وعنده أختان‪ ،‬فإن مالكييا قال‪ :‬يختار منهيين‬
‫أربعيا ومين الختيين واحدة أيتهميا شاء‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأحميد‬
‫وداود؛ وقال أبييو حنيفيية والثوري وابيين أبييي ليلى‪ :‬يختار الوائل‬
‫منهين فيي العقيد‪ ،‬فإن تزوجهين فيي عقيد واحيد فرق بينيه وبينهين؛‬
‫وقال ابين الماجشون مين أصيحاب مالك‪ :‬إذا أسيلم وعنده أختان‬
‫فارقهميا جميعيا ثيم اسيتأنف نكاح أيتهميا شاء‪ ،‬ولم يقيل بذلك أحيد‬
‫مين أصيحاب مالك غيره‪ .‬وسيبب اختلفهيم معارضية القياس للثير‪،‬‬
‫وذلك أنه ورد في ذلك أثران‪ :‬أحدهما مرسل مالك "أن غيلن بن‬
‫سييلمة الثقفييي أسييلم وعنده عشيير نسييوة أسييلمن معييه‪ ،‬فأمره‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا" والحديث‬
‫الثانيي حدييث قييس بين الحارث أنيه أسيلم على الختيين‪ ،‬فقال له‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم "إختيير أيتهمييا شئت"‪ .‬وأمييا‬
‫القياس المخالف لهذا الثيير فتشييبيه العقييد على الواخيير قبييل‬
‫السلم بالعقد عليهن بعد السلم‪ :‬أعني أنه كما أن العقد عليهن‬
‫فاسد في السلم كذلك قبل السلم وفيه ضعف‪ .‬وأما إذا أسلم‬
‫أحدهميا قبيل الخير‪ ،‬وهيي المسيألة الثانيية ثيم أسيلم الخير‪ ،‬فإنهيم‬
‫اختلفوا فييي ذلك‪ ،‬فقال مالك وأبييو حنيفيية والشافعييي‪ :‬إنييه إذا‬
‫أسيلمت المرأة قبله فإنيه إن أسيلم فيي عدتهيا كان أحيق بهيا وإن‬
‫أسيلم هيو وهيي كتابيية فنكاحهيا ثابيت لميا ورد فيي ذلك مين حدييث‬
‫صيفوان بين أميية‪ ،‬وذلك "أن زوجيه عاتكية ابنية الولييد بين المغيرة‬
‫أسييلمت قبله‪ ،‬ثييم أسييلم هييو فأقره رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم على نكاحيه" قالوا‪ :‬وكان بيين إسيلم صيفوان وبيين إسيلم‬
‫امرأتييه نحييو ميين شهيير‪ .‬قال ابيين شهاب‪ :‬ولم يبلغنييا أن امرأة‬
‫هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجها كافر مقيم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بدار الكفر إل فرقت هجرتها بين ها وبين زوج ها إل أن يقدم زوجها‬


‫مهاجرا قبيل أن تنقضيي عدتهيا‪ .‬وأميا إذا أسيلم الزوج قبيل إسيلم‬
‫المرأة فإنهيم اختلفوا فيي ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إذا أسيلم الزوج قبيل‬
‫المرأة وقعيييت الفرقييية إذا عرض عليهيييا السيييلم فأبيييت؛ وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬سيواء أسيلم الرجيل قبيل المرأة أو المرأة قبيل الرجيل‬
‫إذا وقيع السيلم المتأخير فيي العدة ثبيت النكاح‪ .‬وسيبب اختلفهيم‬
‫معارضية العموم للثير والقياس‪ ،‬وذلك أن عموم قوله تعالى {ول‬
‫تمسيكوا بعصيم الكوافير} يقتضيي المفارقية على الفور‪ .‬وأميا الثير‬
‫المعارض لمقتضيى هذا العموم فميا روي مين أن أبيا سيفيان بين‬
‫حرب أسييلم قبييل هنييد بنييت عتبيية امرأتييه‪ ،‬وكان إسييلمه بميير‬
‫الظهران‪ ،‬ثييم رجييع إلى مكيية وهنييد بهييا كافرة‪ ،‬فأخذت بلحيتييه‬
‫وقالت‪ :‬اقتلوا الشيخ الضال‪ ،‬ثم أسلمت بعده بأيام فاستقرا على‬
‫نكاحه ما‪ .‬وأما القياس المعارض للثر فل نه يظهر أنه ل فرق بين‬
‫أن تسييلم هييي قبله أو هييو قبلهييا‪ ،‬فإن كانييت العدة معتييبرة فييي‬
‫إسلمها قبل فقد يجب أن تعتبر في إسلمه أيضا قبل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في موجبات الخيار في النكاح‪.‬‬
‫@‪-‬وموجبات الخيار أربعة‪ :‬العيوب‪ ،‬والعسار بالصداق أو بالنفقة‬
‫والكسوة‪ ،‬والثالث‪ :‬الفقد‪ :‬أعني فقد الزوج‪ .‬والرابع‪ :‬العتق للمة‬
‫المزوجة فينعقد في هذا الباب أربعة فصول‪:‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في خيار العيوب‪.‬‬
‫@‪-‬اختلف العلماء فييي موجييب الخيار بالعيوب لكييل واحييد ميين‬
‫الزوجين‪ ،‬وذلك في موضعين‪ :‬أحدهما هل يرد بالعيوب أو ل يرد؟‪.‬‬
‫والمرضيع الثانيي إذا قلنيا إنيه يرد فمين أيهيا يرد‪ ،‬وميا حكيم ذلك؟‪.‬‬
‫فأميييا الموضيييع الول فإن مالكيييا والشافعيييي وأصيييحابهما قالوا‪:‬‬
‫العيوب توجيب الخيار فيي الرد أو المسياك‪ :‬وقال أهيل الظاهير‪ :‬ل‬
‫توجب خيار الرد والمساك‪ ،‬وهو قول عمر بن عبد العزيز‪ :‬وسبب‬
‫اختلفهيم شيئان‪ :‬أحدهميا هيل قول الصياحب حجية‪ ،‬والخير قياس‬
‫النكاح فييي ذلك على البيييع؟ فأمييا قول الصيياحب الوارد فييي ذلك‬
‫فهو ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال‪ :‬أيما رجل تزوج امرأة‬
‫وبهييا جنون أو جذام أو برص وفييي بعييض الروايات‪ :‬أو قرن فلهييا‬
‫صييداقها كامل وذلك غرم لزوجهييا على وليهييا‪ .‬وأمييا القياس على‬
‫البييع فإن القائليين بموجيب الخيار للعييب فيي النكاح قالوا‪ :‬النكاح‬
‫فيي ذلك شيبيه بالبييع؛ وقال المخالفون لهيم‪ :‬لييس شبيهيا بالبييع‬
‫لجتماع المسلمين على أنه ل يرد النكاح بكل عيب ويرد به البيع‪.‬‬
‫وأمييا الموضييع الثانييي فييي الرد بالعيوب فإنهييم اختلفوا فييي أي‬
‫العيوب يرد بهييا وفييي أيهييا ل يرد وفييي حكييم الرد‪ ،‬فاتفييق مالك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والشافعيي على أن الرد يكون مين أربعية عيوب‪ :‬الجنون والجذام‬


‫والبرص وداء الفرج الذي يمنييع الوطييء‪ ،‬إمييا قرن أو رتييق فييي‬
‫المرأة أو عنية فيي الرجيل أو خصياء‪ .‬واختلف أصيحاب مالك فيي‬
‫أربيع‪ :‬فيي السيواد والقرع وبخير الفرج وبخير الفيم‪ ،‬فقييل ترد بهيا‪،‬‬
‫وقيل ل ترد؛ وقال أبو حنيفة وأ صحابه والثوري‪ :‬ل ترد المرأة في‬
‫النكاح إل بعييييبين فقيييط‪ :‬القرن والرتيييق‪ .‬فأميييا أحكام الرد فإن‬
‫القائليين بالرد اتفقوا على أن الزوج إذا علم بالعييب قبيل الدخول‬
‫طلق ول شيييء عليييه‪ .‬واختلفوا إن علم بعييد الدخول والمسيييس؛‬
‫فقال مالك‪ :‬إن كان وليهيا الذي زوجهيا ممين يظين بيه لقربيه منهيا‬
‫أنييه عالم بالعيييب مثييل الب والخ فهييو غار يرجييع عليييه الزوج‬
‫بالصييداق وليييس يرجييع على المرأة بشيييء وإن كان بعيدا رجييع‬
‫الزوج على المرأة بالصيييييداق كله إل ربيييييع دينار فقيييييط‪ .‬وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬إن دخييل لزمييه الصييداق كله بالمسيييس ول رجوع له‬
‫عليهيا ول على ولي‪ .‬وسيبب اختلفهيم تردد تشيبيه النكاح بالبييع أو‬
‫بالنكاح الفاسييد الذي وقييع فيييه المسيييس‪ ،‬أعنييي اتفاقهييم على‬
‫وجوب المهير فيي النكحية الفاسيدة بنفيس المسييس‪ ،‬لقوله علييه‬
‫الصلة والسلم "أيما امرأة نكحت بغير إذن سيدها فنكاحها باطل‬
‫ولهييا المهيير بمييا اسييتحل منهييا" فكان موضييع الخلف تردد هذا‬
‫الفسييخ بييين حكييم الرد بالعيييب فييي البيوع‪ ،‬وبييين حكييم النكحيية‬
‫المفسيوخة‪ :‬أعنيي بعيد الدخول؛ واتفيق الذيين قالوا بفسيخ نكاح‬
‫العنين أنه ل يفسخ حتى يؤجل سنة يخلى بينه وبين ها بغير عائق‪.‬‬
‫واختلف أصيحاب مالك فيي العلة التيي مين أجلهيا قصير الرد على‬
‫هذه العيوب الربعيية‪ .‬فقيييل لن ذلك شرع غييير معلل؛ وقيييل لن‬
‫ذلك مميا يخفيى‪ ،‬ومحميل سيائر العيوب على أنهيا مميا ل تخفيى؛‬
‫وقييييل لنهيييا يخاف سيييرايتها إلى البناء‪ ،‬وعلى هذا التعلييييل يرد‬
‫بالسواد والقرع‪ ،‬وعلى الول يرد بكل عيب إذا علم أنه مما خفي‬
‫على الزوج‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في خيار العسار بالصداق والنفقة‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا فيي العسيار بالصيداق‪ ،‬فكان الشافعيي يقول‪ :‬تخيير‬
‫إذا لم يدخيل بهيا‪ ،‬وبيه قال مالك‪ .‬واختلف أصيحابه فيي قدر التلوم‬
‫له؛ فقييل لييس له فيي ذلك حيد؛ وقييل سينة؛ وقييل سينتين؛ وقال‬
‫أبيو حنيفية‪ :‬هيي غرييم مين الغرماء ل يفرق بينهميا ويؤخيذ بالنفقية‪،‬‬
‫ولهيا أن تمنيع نفسيها حتيى يعطيهيا المهير‪ .‬وسيبب اختلفهيم تغلييب‬
‫شبيه النكاح فيي ذلك بالبييع أو تغلييب الضرر اللحيق للمرأة فيي‬
‫ذلك مين عدم الوطيء تشبيهيا باليلء والعنية‪ .‬وأميا العسيار بالنفقية‬
‫فقال مالك والشافعيي وأحميد وأبيو ثور وأبيو عبييد وجماعية‪ :‬يفرق‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بينهما‪ ،‬وهيو مروي عين أبي هريرة وسعيد بن المسيب؛ وقال أبو‬
‫حنيفيية والثوري‪ :‬ل يفرق بينهمييا‪ ،‬وبييه قال أهييل الظاهيير‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهيم تشيبيه الضرر الواقيع مين ذلك بالضرر الواقيع مين العنية‪،‬‬
‫لن الجمهور على القول بالتطلييق على العنيين حتيى لقيد قال ابين‬
‫المنذر إنه إجماع‪ ،‬وربما قالوا النفقة في مقابلة الستمتاع‪ ،‬بدليل‬
‫أن الناشيز ل نفقية لهيا عنيد الجمهور‪ ،‬فإذا لم يجيد النفقية سيقط‬
‫السيتمتاع فوجيب الخيار‪ .‬وأميا مين ل يرى القياس فإنهيم قالوا قيد‬
‫ثبتت العصمة بالجماع فل تنحل إل بإجماع أو بدليل من كتاب الله‬
‫أو سنة نبيه فسبب اختلفهم معارضة استصحاب الحال للقياس‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في خيار الفقد‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا فييي المفقود الذي تجهييل حياتييه أو موتييه فييي أرض‬
‫السلم‪ ،‬فقال مالك يضرب لمرأته أجل أربع سنين من يوم ترفع‬
‫أمرهيا إلى الحاكيم‪ ،‬فإذا انتهيى الكشيف عين حياتيه أو موتيه فجهيل‬
‫ذلك ضرب لها الحاكم الجل‪ ،‬فإذا انتهى اعتدت عدة الوفاة أربعة‬
‫أشهير وعشرا وحلت‪ ،‬قال‪ :‬وأميا ماله فل يورث حتيى يأتيي علييه‬
‫ميين الزمان مييا يعلم أن المفقود ل يعيييش إلى مثله غالبييا‪ ،‬فقيييل‬
‫سبعون‪ ،‬وقيل ثمانون‪ ،‬وقيل تسعون‪ ،‬وقيل مائة فيمن غاب وهو‬
‫دون هذه السينان‪ ،‬وروي هذا القول عين عمير بين الخطاب‪ ،‬وهيو‬
‫مروي أيضا عن عثمان وبه قال الليث؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة‬
‫والثوري‪ :‬ل تحيل امرأة المفقود حتيى يصيح موتيه‪ ،‬وقولهيم مروي‬
‫عييين علي وابييين مسيييعود‪ .‬والسيييبب فيييي اختلفهيييم معارضييية‬
‫اسيتصحاب الحال للقياس‪ ،‬وذلك أن اسيتصحاب الحال يوجيب أن‬
‫ل تنحل عصمة إل بموت أو طلق حتى يدل الدليل على غير ذلك‪.‬‬
‫وأمييا القياس فهييو تشييبيه الضرر اللحييق لهييا ميين غيبتييه باليلء‬
‫والعنية‪ ،‬فيكون لهيا الخيار كميا يكون فيي هذيين‪ .‬والمفقودون عنيد‬
‫المحصلين من أصحاب مالك أربعة مفقود في أرض السلم وقع‬
‫الخلف فيييييه‪ ،‬ومفقود فييييي أرض الحرب‪ ،‬ومفقود فييييي حروب‬
‫السييلم‪ ،‬أعنييي فيمييا بينهييم ومفقود فييي حروب الكفار‪ ،‬والخلف‬
‫عن مالك وعن أصحابه في الثلثة الصناف من المفقودين كثير؛‬
‫فأما المفقود في بلد الحرب فحكمه عندهم حكم السير ل تتزوج‬
‫امرأته ول يقسم ماله حتى يصح موته‪ ،‬ما خل أشهب‪ ،‬فإنه حكم‬
‫له بحكيم المفقود فيي أرض المسيلمين‪ .‬وأميا المفقود فيي حروب‬
‫المسيلمين فقال‪ :‬إن حكميه حكيم المقتول دون تلوم‪ ،‬وقييل يتلوم‬
‫له بحسيب بعيد الموضيع الذي كانيت فييه المعركية وقربيه وأقصيى‬
‫الجيل فيي ذلك سينة‪ .‬وأميا المفقود فيي حروب الكفار ففييه فيي‬
‫المذهب أربعة أقوال‪ :‬قيل حكمه حكم السير؛ وقيل حكمه حكم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المقتول بعد تلوم سنة‪ ،‬إل أن يكون بموضع ل يخفى أمره فيحكم‬
‫له بحكيم المفقود فيي حروب المسيلمين وفتنهيم؛ والقول الثالث‬
‫أن حكميه حكيم المفقود فيي بلد المسيلمين؛ والرابيع حكميه حكيم‬
‫المقتول في زوجته‪ ،‬وحكم المفقود في أرض المسلمين في ماله‬
‫أعنيي يعمير وحينئذ يورث‪ ،‬وهذه القاوييل كلهيا مبناهيا على تجوييز‬
‫النظيير بحسييب الصييلح فييي الشرع‪ ،‬وهييو الذي يعرف بالقياس‬
‫المرسل‪ ،‬وبين العلماء فيه اختلف‪ :‬أعني بين القائلين بالقياس‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في خيار العتق‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن الميية إذا عتقييت تحييت عبييد أن لهييا الخيار؛‬
‫واختلفوا إذا عتقييت تحييت الحيير هييل لهييا خيار أم ل؟ فقال مالك‬
‫والشافعيي وأهيل المدينية والوزاعيي وأحميد واللييث ل خيار لهيا؛‬
‫وقال أبيييو حنيفييية والثوري لهيييا الخيار حرا كان أو عبدا‪ .‬وسيييبب‬
‫اختلفهيم تعارض النقيل فيي حدييث بريرة‪ ،‬واحتمال العلة الموجبية‬
‫للخيار أن يكون الجييبر الذي كان فييي إنكاحهييا بإطلق إذا كانييت‬
‫أمية‪ ،‬أو الجيبر على تزويجهيا من عبيد؛ فمين قال‪ :‬العلة الجيبر على‬
‫النكاح بإطلق قال‪ :‬تخير تحت الحر والعبد؛ ومن قال الجبر على‬
‫تزويج العبد فقط قال‪ :‬تخير تحت العبد فقط‪ .‬وأما اختلف النقل‬
‫فإنييه روي عيين ابيين عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسييود‪ .‬وروي‬
‫عين عائشية أن زوجهيا كان حرا‪ ،‬وكل النقليين ثابيت عنيد أصيحاب‬
‫الحديييث؛ واختلفوا أيضييا فييي الوقييت الذي يكون لهييا الخيار فيييه‪،‬‬
‫فقال مالك والشافعيي‪ :‬يكون لهيا الخيار ميا لم يمسيها؛ وقال أبيو‬
‫حنيفة‪ :‬خيارها على المجلس؛ وقال الوزاعي‪ :‬إنما يسقط خيارها‬
‫بالمسيس إذا علمت أن المسيس يسقط خيارها‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في حقوق الزوجية‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن ميييين حقوق الزوجيييية على الزوج النفقيييية‬
‫والكسيييوة لقوله تعالى {وعلى المولود له رزقهييين وكسيييوتهن‬
‫بالمعروف} الية‪ .‬ولما ثبت من قوله عليه الصلة والسلم "ولهن‬
‫عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" ولقوله لهند "خذي ما يكفيك‬
‫وولدك بالمعروف"‪ .‬فأمييا النفقيية فاتفقوا على وجوبهييا‪ ،‬واختلفوا‬
‫فيي أربعية مواضيع فيي وقيت وجوبهيا‪ ،‬ومقدارهيا‪ ،‬ولمين تجيب؟‪،‬‬
‫وعلى ميين تجييب؟‪ .‬فأمييا وقييت وجوبهييا فإن مالكييا قال‪ :‬ل تجييب‬
‫النفقية على الزوج حتيى يدخيل بهيا أو يدعيى إلى الدخول بهيا وهيي‬
‫ممين توطيأ وهيو بالغ؛ وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬يلزم غيير البالغ‬
‫النفقية إذا كانيت هييي بالغيا‪ ،‬وأميا إذا هيو بالغيا والزوجية صيغيرة‬
‫فللشافعيي قولن‪ :‬أحدهميا مثيل قول مالك‪ ،‬والقول الثانيي أن لهيا‬
‫النفقية بإطلق‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل النفقية لمكان السيتمتاع أو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لمكان أنهيا محبوسية على الزوج كالغائب والمرييض‪ .‬وأميا مقدار‬


‫النفقية فذهيب مالك إلى أنهيا غيير مقدرة بالشرع وأن ذلك راجيع‬
‫إلى ما يقتضيه حال الزوج وحال الزوجة‪ ،‬وأن ذلك يختلف بحسب‬
‫اختلف المكنيية والزمنيية والحوال‪ ،‬وبييه قال أبييو حنيفيية؛ وذهييب‬
‫الشافعييي إلى أنهييا مقدرة‪ ،‬فعلى الموسيير مدان‪ ،‬وعلى الوسييط‬
‫مد ونصف‪ ،‬وعلى المعسر مد‪ .‬وسبب اختلفهم تردد حمل النفقة‬
‫فييي هذا الباب على الطعام فييي الكفارة أو على الكسييوة‪ ،‬وذلك‬
‫أنهييييم اتفقوا أن الكسييييوة غييييير محدودة وأن الطعام محدود‪.‬‬
‫واختلفوا ميين هذا الباب فييي هييل يجييب على الزوج نفقيية خادم‬
‫الزوجيية؟ وإن وجبييت فكييم يجييب؟ والجمهور على أن على الزوج‬
‫النفقية لخادم الزوجية إذا كانيت ممين ل تخدم نفسيها؛ وقييل بيل‬
‫على الزوجة خدمة البيت؛ واختلف الذين أوجبوا النفقة على خادم‬
‫الزوجيية على كييم تجييب نفقتييه؟ فقالت طائفيية‪ :‬ينفييق على خادم‬
‫واحدة‪ ،‬وقيييل على خادمييين إذا كانييت المرأة مميين ل يخدمهييا إل‬
‫خادمان وبيييه قال مالك وأبيييو ثور‪ .‬ولسيييت أعرف دليل شرعييييا‬
‫ليجاب النفقيية على الخادم إل تشييبيه الخدام بالسييكان‪ ،‬فإنهييم‬
‫اتفقوا على أن السيييكان على الزوج للنيييص الوارد فيييي وجوبيييه‬
‫للمطلقية الرجعيية‪ .‬وأميا لمين تجيب النفقية فإنهيم اتفقوا على أنهيا‬
‫تجب للحرة الغير ناشز‪ .‬واختلفوا في الناشز والمة‪ .‬فأما الناشز‬
‫فالجمهور على أنهيا ل تجيب لهيا نفقية‪ ،‬وشيذ قوم فقالوا تجيب لهيا‬
‫النفقة‪ .‬وسبب الخلف معارضة العموم للمفهوم‪ ،‬وذلك أن عموم‬
‫قوله عليييه الصييلة والسييلم "ولهيين عليكييم رزقهيين وكسييوتهن‬
‫بالمعروف" يقتضييي أن الناشييز‪ ،‬وغييير الناشييز فييي ذلك سييواء‪،‬‬
‫والمفهوم مين أن النفقية هيي فيي مقابلة السيتمتاع يوجيب أن ل‬
‫نفقة للناشز‪ .‬وأما المة فاختلف فيها أصحاب مالك اختلفا كثيرا‪،‬‬
‫فقييل لهيا النفقية كالحرة‪ ،‬وهيو المشهور؛ وقييل ل نفقية لهيا وقييل‬
‫أيضا إن كانت تأتيه فلها النفقة‪ ،‬وإن كان يأتيها فل نفقة لها؛ وقيل‬
‫لهيا النفقية فيي الوقيت التيي تأتييه؛ وقييل إن كان الزوج حرا فعلييه‬
‫النفقية‪ ،‬وإن كان عبدا فل نفقية علييه‪ .‬وسيبب اختلفهيم معارضية‬
‫العموم للقياس‪ ،‬وذلك أن العموم يقتضيييي لهيييا وجوب النفقييية‪،‬‬
‫والقياس يقتضيي أن ل نفقية لهيا إل على سييدها الذي يسيتخدمها‪،‬‬
‫أو تكون النفقية بينهميا لن كيل واحيد منهميا ينتفيع بهيا ضربيا مين‬
‫النتفاع‪ ،‬ولذلك قال قوم‪ :‬عليه النفقة في اليوم الذي تأتيه‪ .‬وقال‬
‫ابين حيبيب‪ :‬يحكيم على مولى المية المزوجية أن تأتيي زوجهيا فيي‬
‫كيل أربعية أيام‪ .‬وأميا على مين تجيب‪ ،‬فاتفقوا أيضيا أنهيا تجيب على‬
‫الزوج الحر الحاضر؛ واختلفوا في العبد والغائب‪ .‬فأما العبد فقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن على العبد‬


‫نفقة زوجته؛ وقال أبو المصعب من أصحاب مالك‪ :‬ل نفقة عليه‪.‬‬
‫وسييبب الخلف معارضيية العموم لكون العبييد محجورا عليييه فييي‬
‫ماله‪ .‬وأميا الغائب فالجمهور على وجوب النفقيية علييه؛ وقال أبيو‬
‫حنيفية؛ ل تجيب إل بإيجاب السيلطان‪ .‬وإنميا اختلفوا فيمين القول‬
‫قوله إذا اختلفوا فيي النفاق‪ ،‬وسييأتي ذلك فيي كتاب الحكام إن‬
‫شاء الله‪ .‬وكذلك اتفقوا على أن من حقوق الزوجات العدل بينهن‬
‫في القسم لما ثبت من قسمه صلى الله عليه وسلم بين أزواجه‬
‫ولقوله علييه الصيلة والسيلم "إذا كان للرجيل امرأتان فمال إلى‬
‫إحداهميا جاء يوم القيامية وأحيد شقييه مائل" ولميا ثبيت "أنيه علييه‬
‫الصييلة والسييلم كان إذا أراد السييفر أقرع بينهيين" واختلفوا فييي‬
‫مقام الزوج عنيد البكير والثييب وهيل يحتسيب بيه أو ل يحتسيب إذا‬
‫كانيت له زوجية أخرى؟ فقال مالك والشافعيي وأصيحابهما‪ :‬يقييم‬
‫عنيد البكير سيبعا وعنيد الثييب ثلثيا‪ ،‬ول يحتسيب إذا كان له امرأة‬
‫أخرى بأيام التييي تزوج؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬القاميية عندهيين سييواء‬
‫بكرا كانيت أو ثيبيا‪ ،‬ويحتسيب بالقامية عندهيا إن كانيت له زوجية‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم معارضية حدييث أنيس لحدييث أم سيلمة‪ ،‬وحدييث‬
‫أنس هو "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تزوج البكر أقام‬
‫عندهيا سيبعا‪ ،‬وإذا تزوج الثييب أقام عندهيا ثلثيا" وحدييث أم سيلمة‬
‫هو "أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها فأصبحت عنده فقال‪:‬‬
‫ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن‬
‫وإن شئت ثلثيت عندك ودرت فقالت‪ :‬ثلث" وحدييث أم سيلمة هيو‬
‫مدنيي متفيق علييه خرجيه مالك والبخاري ومسيلم‪ ،‬وحدييث أنيس‬
‫حدييث بصيري خرجيه أبيو داود‪ ،‬فصيار أهيل المدينية إلى ميا خرجيه‬
‫أهل البصرة‪ ،‬وصار أهل الكوفة إلى ما خرجه أهل المدينة‪.‬‬
‫واختلف أصحاب مالك في هل مقامه عند البكر سبعا وعند الثيب‬
‫ثلثا واجب أو مستحب؟ فقال ابن القاسم‪ :‬هو واجب؛ وقال ابن‬
‫عبييد الحكييم‪ :‬يسييتحب‪ .‬وسييبب الخلف حمييل فعله عليييه الصييلة‬
‫والسيييلم على الندب أو على الوجوب‪ .‬وأميييا حقوق الزوج على‬
‫الزوجة بالرضاع وخدمة البيت على اختلف بينهم في ذلك‪ ،‬وذلك‬
‫أن قوميا أوجبوا عليهيا الرضاع على الطلق؛ وقوم لم يوجبوا ذلك‬
‫عليهيا بإطلق وقوم أوجبوا ذلك على الدنيئة ولم يوجبوا ذلك على‬
‫الشريفية‪ ،‬إل أن يكون الطفيل ل يقبيل إل ثديهيا‪ ،‬وهيو مشهور قول‬
‫مالك‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل آيية الرضاع متضمنية حكيم الرضاع‪:‬‬
‫أعني إيجابه‪ ،‬أو متضمنة أمره فقط؟ فمن قال أمره قال‪ :‬ل يجب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عليها الرضاع إذ ل دليل هنا على الوجوب؛ ومن قال تتضمن المر‬
‫بالرضاع وإيجابييه وأنهييا ميين الخبار التييي مفهومهييا مفهوم الميير‬
‫قال‪ :‬يجيب عليهيا الرضاع‪ .‬وأميا مين فرق بيين الدنيئة والشريفية‬
‫فاعتبر في ذلك العرف والعادة‪ .‬وأما المطلقة فل رضاع عليها إل‬
‫أن ل يقبيل ثدي غيرهيا فعليهيا الرضاع وعلى الزوج أجير الرضاع‪،‬‬
‫هذا إجماع لقوله سيييبحانه وتعالى {فإن أرضعييين لكيييم فآتوهييين‬
‫أجورهييين} (والجمهور على أن الحضانييية للم إذا طلقهيييا الزوج‬
‫وكان الولد صييغيرا لقوله عليييه الصييلة والسييلم "ميين فرق بييين‬
‫والدة وولدهيا فرق الله بينيه وبيين أحبتيه يوم القيامية" ولن المية‬
‫والمسييبية إذا لم يفرق بينهييا وبييين ولدهييا فأخييص بذلك الحرة‪.‬‬
‫واختلفوا إذا بلغ الولد حييييد التمييييييز فقال قوم يخييييير‪ ،‬ومنهييييم‬
‫الشافعي‪ ،‬واحتجوا بأثر ورد في ذلك؛ وبقي قوم على الصل لنه‬
‫لم يصييح عندهييم هذا الحديييث؛ والجمهور على أن تزويجهييا لغييير‬
‫الب يقطييع الحضانيية لمييا روي أن رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم قال "أنيت أحيق بيه ميا لم تنكحيي" ومين لم يصيح عنده هذا‬
‫الحدييث طرد الصيل‪ .‬وأميا نقيل الحضانية مين الم إلى غيير الب‬
‫فليس في ذلك شيء يعتمد عليه)‪( .‬ما بين القوسين لم يوجد في‬
‫النسخة الفاسية ول المصرية‪ ،‬وهو موجود بالنسخة الخطية تعلق‬
‫أحمد بك تيمور ا هي مصححه)‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخاميس فييي النكحية المنهيى عنهيا بالشرع والنكحية‬
‫الفاسدة وحكمها‪.‬‬
‫@‪-‬والنكحيية التييي ورد النهييي عنهييا فيهييا مصييرحا أربعيية‪ :‬نكاح‬
‫الشغار‪ ،‬ونكاح المتعة‪ ،‬والخطبة على خطبة أخيه‪ ،‬ونكاح المحلل‪.‬‬
‫فأما نكاح الشغار فإنهم اتفقوا على أن صفته هو أن ينكح الرجل‬
‫وليتيه رجل آخير على أن ينكحيه الخير وليتيه ول صيداق بينهميا إل‬
‫بضييع هذه ببضييع الخرى‪ ،‬واتفقوا على أنييه نكاح غييير جائز لثبوت‬
‫النهيي عنيه؛ واختلفوا إذا وقيع هيل يصيحح بمهير المثيل أم ل؟ فقال‬
‫مالك‪ :‬ل يصييييحح ويفسييييخ أبدا قبييييل الدخول وبعده‪ ،‬وبييييه قال‬
‫الشافعييي إل أنييه قال‪ :‬إن سييمى لحدهمييا صييداقا أو لهمييا معييا‬
‫فالنكاح ثابيت بمهير المثيل‪ ،‬والمهير الذي سيمياه فاسيد؛ وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬نكاح الشغار يصيح بفرض صيداق المثيل‪ ،‬وبيه قال اللييث‬
‫وأحميد وإسيحق وأبيو ثور والطيبري‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل النهيي‬
‫المعلق بذلك معلل بعدم العوض أو غيييير معلل‪ ،‬فإن قلنيييا غيييير‬
‫معلل لزم الفسخ على الطلق؛ وإن قلنا العلة عدم الصداق صح‬
‫بفرض صيداق المثيل مثيل العقيد على خمير أو على خنزيير؛ وقيد‬
‫أجمعوا على أن النكاح المنعقيد على الخمير والخنزيير ل يفسيخ إذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فات بالدخول‪ ،‬ويكون فيه مهر المثل؛ وكأن مالكا رضي الله عنه‬
‫رأى أن الصداق وإن لم يكن من شرط صحة العقد ففساد العقد‬
‫ههنا من قبل فساد الصداق مخصوص لتعلق النهي به‪ ،‬أو رأى أن‬
‫النهييي إنمييا يتعلق بنفييس تعيييين العقييد‪ ،‬والنهييي يدل على فسيياد‬
‫المنهي‪.‬‬
‫وأميا نكاح المتعية‪ .‬فإنيه وإن تواترت الخبار عين رسيول الله صيلى‬
‫الله عليه وسلم بتحريمه إل أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه‬
‫التحرييم‪ ،‬ففيي بعيض الروايات أنيه حرمهيا يوم خييبر‪ ،‬وفيي بعضهيا‬
‫يوم الفتيح‪ ،‬وفيي بعضهيا فيي غزوة تبوك‪ ،‬وفيي بعضهيا فيي حجية‬
‫الوداع‪ ،‬وفييي بعضهييا فييي عمرة القضاء‪ ،‬وفييي بعضهييا فييي عام‬
‫أوطاس‪ ،‬وأكثيير الصييحابة وجميييع فقهاء المصييار على تحريمهييا‪،‬‬
‫واشتهير عين ابين عباس تحليلهيا‪ ،‬وتبيع ابين عباس على القول بهيا‬
‫أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن‪ ،‬ورووا أن ابن عباس كان يحتج‬
‫لذلك لقوله تعالى {فمييا اسييتمتعتم بييه منهيين فآتوهيين أجورهيين‬
‫فريضة ول جناح عليكم} وفي حرف عنه إلى أجل مسمى‪ ،‬وروى‬
‫عنه أنه قال‪ :‬ما كانت المتعة إل رحمة من الله عز وجل رحم بها‬
‫أمة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولول نهى عمر عنها ما اضطر‬
‫إلى الزنا إل شقيي‪ .‬وهذا الذي روي عين ابين عباس رواه عنيه ابن‬
‫جرييج وعمرو بين دينار‪ .‬وعين عطاء قال‪" :‬سيمعت جابر بين عبيد‬
‫الله يقول‪" :‬تمتعنيا على عهيد رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫وأبي بكر ونصفا من خلفة عمر" ثم نهى عنها عمر الناس‪.‬‬
‫وأما اختلفهم في النكاح الذي تقع فيه الخطبة على خطبه غيره‪،‬‬
‫فقيد تقدم أن فييه ثلثية أقوال‪ :‬قول بالفسيخ‪ ،‬وقول بعدم الفسيخ‪،‬‬
‫وفرق بيين أن ترد الخطبية على خطبية الغيير بعيد الركون والقرب‬
‫مين التمام أو ل ترد وهيو مذهيب مالك‪ .‬وأميا نكاح المحلل‪ :‬أعنيي‬
‫الذي يقصد بنكاحه تحليل المطلقة ثلثا‪ ،‬فإن مالكا قال‪ :‬هو نكاح‬
‫مفسيوخ؛ وقال أبيو حنيفيية والشافعييي‪ :‬هيو نكاح صيحيح‪ .‬وسيبب‬
‫اختلفهيم اختلفهيم فيي مفهوم قوله علييه الصيلة والسيلم "لعين‬
‫الله المحلل" الحديييث فميين فهييم ميين اللعيين التأثيييم فقييط قال‪:‬‬
‫النكاح صيحيح؛ ومين فهيم مين التأثييم فسياد العقيل تشبيهيا بالنهيي‬
‫الذي يدل على فسياد المنهيي عنيه وقال‪ :‬النكاح فاسيد‪ ،‬فهذه هيي‬
‫النكحية الفاسيدة بالنهيي‪ .‬وأميا النكحية الفاسيدة بمفهوم الشرع‬
‫فإنها تفسد إما بإسقاط شرط من شروط صحة النكاح‪ ،‬أو لتغيير‬
‫حكيم واجيب بالشرع من أحكاميه مميا هيو عين الله عيز وجيل‪ ،‬وإميا‬
‫بزيادة تعود إلى إبطال شرط مين شروط الصيحة‪ .‬وأميا الزيادات‬
‫التيي تعرض مين هذا المعنيى فإنهيا ل تفسيد النكاح باتفاق‪ ،‬وإنميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلف العلماء فيي لزوم الشروط التيي بهذه الصيفة أو ل لزومهيا‬


‫مثيل أن يشترط علييه أن ل يتزوج عليهيا أو ل يتسيرى أو ل ينقلهيا‬
‫من بلدها‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إن اشترط ذلك لم يلزمه إل أن يكون في‬
‫ذلك يمييين بعتييق أو طلق‪ ،‬فإن ذلك يلزمييه إل أن يطلق أو يعتييق‬
‫مييين أقسيييم علييييه‪ ،‬فل يلزم الشرط الول أيضيييا‪ ،‬وكذلك قال‬
‫الشافعيي وأبيو حنيفية‪ .‬وقال الوزاعيي وابين شبرمية‪ :‬لهيا شرطهيا‬
‫وعليييه الوفاء؛ وقال ابيين شهاب‪ :‬كان ميين أدركييت ميين العلماء‬
‫يقضون بهييا‪ ،‬وقول الجماعيية مروي عيين علي‪ ،‬وقول الوزاعييي‬
‫مروي عيين عميير‪ .‬وسييبب اختلفهييم معارضيية العموم للخصييوص‪.‬‬
‫فأميا العموم فحدييث عائشية رضيي الله عنهيا‪ :‬أن النيبي صيلى الله‬
‫عليه وسلم خطب الناس فقال في خطبته "كل شرط ليس في‬
‫كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط" وأما الخصوص فحديث‬
‫عقبية بين عامير عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم أنيه قال "أحيق‬
‫الشروط أن يوفيييى بيييه ميييا اسيييتحللتم بيييه الفروج" والحديثان‬
‫صييييحيحان خرجهمييييا البخاري ومسييييلم‪ ،‬إل أن المشهور عنييييد‬
‫الصييوليين القضاء بالخصييوص على العموم وهييو لزوم الشروط‬
‫وهو ظاهر ما وقع في العتبية وإن كان المشهور خلف ذلك‪ .‬وأما‬
‫الشروط المقيدة بوضع من الصداق فإنه قد اختلف فيها لمذهب‬
‫اختلفيا كثيرا‪ :‬أعنيي فيي لزومهيا أو عدم لزومهيا‪ ،‬ولييس كتابنيا هذا‬
‫موضوعا على الفروع‪.‬‬
‫(وأمييا حكييم النكحيية الفاسييدة إذا وقعييت) فمنهييا مييا اتفقوا على‬
‫فسييخه قبييل الدخول وبعده‪ ،‬وهييو مييا كان منهييا فاسييدا بإسييقاط‬
‫شرط متفييق على وجوب صييحة النكاح بوجوده‪ ،‬مثييل أن ينكييح‬
‫محرمية العيين؛ ومن ها ميا اختلفوا فييه بحسيب اختلفهيم فيي ضعيف‬
‫علة الفسيياد وقوتهمييا ولماذا يرجييع ميين الخلل بشروط الصييحة‬
‫ومالك فيي هذا الجنيس {وذلك فيي الكثير} يفسيخه قبيل الدخول‬
‫ويثبته بعده والصل فيه عنده أن ل فسخ‪ ،‬ولكنه يحتاط بمنزلة ما‬
‫يرى فيي كثيير مين البييع الفاسيد أنيه يفوت بحوالة السيواق وغيير‬
‫ذلك‪ ،‬ويشبيه أن تكون هذه عنده هيي النكحية المكروهية‪ ،‬وإل فل‬
‫وجيه للفرق بيين الدخول وعدم الدخول والضطراب فيي المذهيب‬
‫فيي هذا الباب كثيير‪ ،‬وكأن هذا راجيع عنده إلى قوة دلييل الفسيخ‬
‫وضعفييه‪ ،‬فمتييى كان الدليييل عنده قوييا فسييخ قبله وبعده‪ ،‬ومتيى‬
‫كان ضعيفيا فسيخ قبيل ولم يفسيخ بعيد‪ ،‬وسيواء كان الدلييل القوي‬
‫متفقا عليه أو مختلفا فيه‪ .‬ومن قبل هذا أيضا اختلف المذهب في‬
‫وقوع الميراث فيي النكحية الفاسيدة إذا وقيع الموت قبيل الفسيخ‪،‬‬
‫وكذلك وقوع الطلق فييييه‪ ،‬فمرة اعتيييبر فييييه الختلف والتفاق‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ومرة اعتبر فيه الفسخ بعد الدخول أو عدمه‪ ،‬وقد نرى أن نقطع‬
‫ههنييا القول فييي هذا الكتاب‪ ،‬فإن مييا ذكرنييا منييه كفاييية بحسييب‬
‫غرضنا المقصود‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الطلق‬
‫@‪-‬والكلم فيي هذا الباب ينحصير فيي أربيع جميل‪ :‬الجملة الولى‪:‬‬
‫فيييي أنواع الطلق‪ .‬الجملة الثانيييية‪ :‬فيييي أركان الطلق‪ .‬الجملة‬
‫الثالثة‪ :‬في الرجعة‪ .‬الجملة الرابعة‪ :‬في أحكام المطلقات‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الولى) وفي هذه الجملة خمسة أبواب‬
‫@‪-‬الباب الول‪ :‬فييييي معرفيييية الطلق البائن والرجعييييي‪ .‬الباب‬
‫الثاني‪ :‬في معرفة الطلق السني من البدعي‪ .‬الباب الثالث‪ :‬في‬
‫الخلع‪ .‬الباب الرابيييع‪ :‬فيييي تميييييز الطلق مييين الفسيييخ‪ .‬الباب‬
‫الخامس‪ :‬في التخيير والتمليك‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول في معرفة الطلق البائن والرجعي‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن الطلق نوعان‪ :‬بائن ورجعي‪ .‬وأن الرجعي هو‬
‫الذي يملك فييه الزوج رجعتهيا مين غيير اختيارهيا وأن مين شرطيه‬
‫أن يكون فيي مدخول بهيا‪ ،‬وإنميا اتفقوا على هذا لقوله تعالى {ييا‬
‫أيهيا النيبي إذا طلقتيم النسياء فطلقوهين لعدتهين وأحصيوا العدة}‬
‫إلى قوله تعالى {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} وللحديث الثابت‬
‫أيضيا مين حدييث ابين عمير أنيه صيلى الله علييه وسيلم أمره أن‬
‫يراجع زوجته لما طلقها حائضا ول خلف في هذا‪.‬‬
‫وأمييا الطلق البائن‪ ،‬فإنهييم اتفقوا على أن البينونيية إنمييا توجييد‬
‫للطلق ميين قبييل عدم الدخول وميين قبييل عدم التطليقات وميين‬
‫قبييل العوض فييي الخلع على اختلف بينهييم هييل الخلع طلق أو‬
‫فسييخ على مييا سيييأتي بعييد؛ واتفقوا على أن العدد الذي يوجييب‬
‫البينونية فيي طلق الحير ثلث تطليقات إذا وقعيت مفترقات لقوله‬
‫تعالى {الطلق مرتان} اليية‪ .‬واختلفوا إذا وقعيت ثلثيا فيي اللفيظ‬
‫دون الفعيييل‪ ،‬وكذلك اتفيييق الجمهور على أن الرق مؤثييير فيييي‬
‫إسيقاط أعداد الطلق‪ ،‬وأن الذي يوجيب البينونية فيي الرق اثنتان‪.‬‬
‫واختلفوا هييل هذا معتييبر برق الزوج أو برق الزوجيية أم برق ميين‬
‫رق منهما‪ ،‬ففي هذا الباب إذن ثلث مسائل‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييييألة الولى) جمهور الفقهاء المصييييار على أن الطلق‬
‫بلفييظ الثلث حكمييه حكييم الطلقيية الثالثيية؛ وقال أهييل الظاهيير‬
‫وجماعيية‪ :‬حكمييه حكييم الواحدة ول تأثييير للفيظ فييي ذلك‪ ،‬وحجيية‬
‫هؤلء ظاهيير قوله تعالى {الطلق مرتان} إلى قوله فييي الثالثيية‬
‫{فإن طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} والمطلق‬
‫بلفيييظ الثلث مطلق واحدة ل مطلق ثلث‪ ،‬واحتجوا أيضيييا بميييا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خرجييه البخاري ومسييلم عيين ابيين عباس قال‪ :‬كان الطلق على‬
‫عهيد رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم وأبيي بكير وسينتين مين‬
‫خلفيية عميير طلق الثلث واحدة فأمضاه عليهييم عميير؛ واحتجوا‬
‫أيضا بما رواه ابن إسحق عن عكرمة عن ابن عباس قال "طلق‬
‫ركانيية زوجييه ثلثييا فييي مجلس واحييد‪ ،‬فحزن عليهييا حزنييا شديدا‪،‬‬
‫فسيأله رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬كييف طلقتهيا؟ قال‪:‬‬
‫طلقتهييا ثلثييا فييي مجلس واحييد‪ ،‬قال‪ :‬إنمييا تلك طلقيية واحدة‬
‫فارتجعهيا" وقيد احتيج مين انتصير لقول الجمهور بأن حدييث ابين‬
‫عباس الواقيع فيي الصيحيحين إنميا رواه عنيه مين أصيحابه طاوس‪،‬‬
‫وأن جلة أصييحابه رووا عنييه لزوم الثلث منهييم سييعيد بيين جييبير‬
‫ومجاهيد وعطاء وعمرو بين دينار وجماعية غيرهيم‪ ،‬وأن حدييث ابين‬
‫إسحق وهم‪ ،‬وإنما روى الثقات أنه طلق ركانة زوجه البتة ل ثلثا‪.‬‬
‫وسبب الخلف هل الحكم الذي جعله الشرع من البينونة للطلقة‬
‫الثالثية يقيع بإلزام المكلف نفسيه هذا الحكيم فيي طلقية واحدة أم‬
‫ليييس يقييع؟ ول يلزم ميين ذلك إل مييا ألزم الشرع؟ فميين شبييه‬
‫الطلق بالفعال التييي يشترط فييي صييحة وقوعهييا كون الشروط‬
‫الشرعييية فيهييا كالنكاح والبيوع قال‪ :‬ل يلزم؛ وميين شبهييه بالنذور‬
‫واليمان التيي ميا التزم العبيد منهيا لزميه على أي صيفة كان ألزم‬
‫الطلق كيفمييا ألزمييه المطلق نفسييه‪ ،‬وكأن الجمهور غلبوا حكييم‬
‫التغليييظ فييي الطلق سييدا للذريعيية ولكيين تبطييل بذلك الرخصيية‬
‫الشرعيية والرفيق المقصيود فيي ذلك أعنيي فيي قوله تعالى {لعيل‬
‫الله يحدث بعد ذلك أمرا} ‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) وأميا اختلفهيم فيي اعتبار نقيص عدد الطلق‬
‫البائن بالرق فمنهيم مين قال المعتيبر فييه الرجال‪ ،‬فإذا كان الزوج‬
‫عبدا كان طلقه البائن الطلقة الثانية‪ ،‬سواء كانت الزوجة حرة أو‬
‫أمية‪ ،‬وبهذا قال مالك والشافعيي ومين الصيحابة عثمان بين عفان‬
‫وزييد بين ثابيت وابين عباس‪ ،‬وإن كان اختلف عنده فيي ذلك‪ ،‬لكين‬
‫الشهير عنيه هيو هذا القول‪ .‬ومنهيم مين قال إن العتبار فيي ذلك‬
‫هيو بالنسياء‪ ،‬فإذا كانيت الزوجية أمية كان طلقهيا البائن الطلقية‬
‫الثانيية سيواء كان الزوج عبدا أو حرا‪ ،‬وممين قال بهذا القول مين‬
‫الصحابة علي وابن مسعود‪ ،‬ومن فقهاء المصار أبو حنيفة وغيره؛‬
‫وفي المسألة قول أشذ من هذين‪ ،‬وهو أن الطلق يعتبر برق من‬
‫رق منهمييا‪ ،‬قال ذلك عثمان البتييي وغيره وروي عيين ابيين عميير‪.‬‬
‫وسييبب هذا الختلف هييل المؤثيير فييي هذا هييو رق المرأة أو رق‬
‫الرجييل‪ ،‬فميين قال التأثييير فييي هذا لميين بيده الطلق قال‪ :‬يعتييبر‬
‫بالرجال ومن قال التأثير في هذا للذي يقع عليه الطلق قال‪ :‬هو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حكيم مين أحكام المطلقية فشبهوهيا بالعدة‪ .‬وقيد أجمعوا على أن‬
‫العدة بالنسياء‪ :‬أي نقصيانها تابيع لرق النسياء؛ واحتيج الفرييق الول‬
‫بميا روي عين ابين عباس مرفوعيا إلى النيبي علييه الصيلة والسيلم‬
‫أنه قال "الطلق بالرجال‪ ،‬والعدة بالنساء" إل أنه حديث لم يثبت‬
‫فيي الصحاح‪ .‬وأ ما من اعتبر من رق منه ما فإنه جعل سبب ذلك‬
‫هيو الرق مطلقيا ولم يجعيل سيبب ذلك ل الذكوريية ول النوثيية ميع‬
‫الرق‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) وأمييا كون الرق مؤثرا فييي نقصييان عدد‬
‫الطلق فإنيه حكيى قوم أنيه إجماع؛ وأبيو محميد بين حزم وجماعية‬
‫مين أهيل الظاهير مخالفون فييه‪ ،‬ويرون أن الحير والعبيد فيي هذا‬
‫سواء‪ .‬وسبب الخلف معارضة الظاهر في هذا للقياس‪ ،‬وذلك أن‬
‫الجمهور صيياروا إلى هذا المكان قياس طلق العبييد والميية على‬
‫حدودهميا؛ وقيد أجمعوا على كون الرق مؤثرا فيي نقصيان الحيد‪.‬‬
‫أمييا أهييل الظاهيير فلمييا كان الصييل عندهييم أن حكييم العبييد فييي‬
‫التكاليف حكم الحر إل ما أخرجه الدليل‪ ،‬والدليل عندهم هو نص‬
‫أو ظاهيير ميين الكتاب أو السيينة‪ ،‬ولم يكيين هناك دليييل مسييموع‬
‫صيحيح وجيب أن يبقيى العبيد على أصيله‪ ،‬ويشبيه أن يكون قياس‬
‫الطلق على الحيد غيير سيديد‪ ،‬لن المقصيود بنقصيان الحيد رخصية‬
‫للعبيد لمكان نقصيه‪ ،‬وأن الفاحشية ليسيت تقبيح منيه قبحهيا مين‬
‫الحيير‪ .‬وأمييا نقصييان الطلق فهييو ميين باب التغليييظ‪ ،‬لن وقوع‬
‫التحريييم على النسييان بتطليقتييين أغلظ ميين وقوعييه بثلث لمييا‬
‫عسييى أن يقييع فييي ذلك ميين الندم والشرع إنمييا سييلك فييي ذلك‬
‫سييبيل الوسييط‪ ،‬وذلك أنييه لو كانييت الرجعيية دائميية بييين الزوجيية‬
‫لعنتييت المرأة وشقيييت‪ ،‬ولو كانييت البينونيية واقعيية فييي الطلقيية‬
‫الواحدة لعنييت الزوج ميين قبييل الندم‪ ،‬وكان ذلك عسيييرا عليييه‪،‬‬
‫فجميع الله بهذه الشريعية بيين المصيلحتين‪ ،‬ولذلك ميا نرى والله‬
‫أعلم أن ميين ألزم الطلق الثلث فييي واحدة‪ ،‬فقييد رفييع الحكميية‬
‫الموجودة في هذه السنة المشروعة‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني في معرفة الطلق السني من البدعي‪.‬‬
‫@‪-‬أجمييع العلماء على أن المطلق للسيينة فييي المدخول بهييا هييو‬
‫الذي يطلق امرأتييه فييي طهيير لم يمسييها فيييه طلقيية واحدة‪ ،‬وأن‬
‫المطلق في الحيض أو الطهر الذي مسها فيه غير مطلق للسنة‪،‬‬
‫وإنميا أجمعوا على هذا لميا ثبيت مين حدييث ابين عمير "أنيه طلق‬
‫امرأتيه وهيي حائض على عهيد رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪،‬‬
‫فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض‬
‫ثيم تطهير‪ ،‬ثيم إن شاء أمسيك وإن شاء طلق قبيل أن يميس فتلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء"‪ .‬واختلفوا من هذا الباب‬
‫فيي ثلثية مواضيع‪ :‬الموضيع الول‪ :‬هيل مين شرطيه أن ل يتبعهيا‬
‫طلقيا فيي العدة؟‪ .‬والثانيي‪ :‬هيل المطلق ثلثيا‪ :‬أعنيي بلفيظ الثلث‬
‫مطلق للسيينة أم ل؟‪ .‬والثالث‪ :‬فييي حكييم ميين طلق فييي وقييت‬
‫الحيض‪.‬‬
‫@‪(-‬أميا الموضيع الول) فإنيه اختلف فييه مالك وأبيو حنيفية ومين‬
‫تبعهما‪ ،‬فقال مالك‪ :‬من شرطها أن ل يتبعها في العدة طلقا آخر‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن طلقها عند كل طهر طلقة واحدة كان مطلقا‬
‫للسينة‪ .‬وسيبب هذا الختلف هيل مين شرط هذا الطلق أن يكون‬
‫فيي حال الزوجيية بعيد رجعية أم لييس مين شرطيه؟ فمين قال هيو‬
‫من شرطيه قال‪ :‬ل يتبعها فييه طلقيا‪ ،‬ومن قال ليس من شرطه‬
‫أتبعها الطلق ول خلف بينهم في وقوع الطلق المتبع‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا الموضيع الثانيي) فإن مالكيا ذهيب إلى أن المطلق ثلثيا‬
‫بلفيظ واحيد مطلق لغيير سينة‪ ،‬وذهيب الشافعيي إلى أنيه مطلق‬
‫للسيينة‪ .‬وسييبب الخلف معارضيية إقراره عليييه الصييلة والسييلم‬
‫للمطلق بين يديه ثلثا في لفظة واحدة لمفهوم الكتاب في حكم‬
‫الطلقية الثالثة‪ .‬والحديث الذي احتج به الشافعيي هيو ما ثبيت من‬
‫أن العجلني طلق زوجته ثلثا بحضرة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسييلم بعييد الفراغ ميين الملعنيية قال‪ :‬فلو كان بدعيية لمييا أقره‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‪ .‬وأمييا مالك فلمييا رأى أن‬
‫المطلق بلفيظ الثلث رافيع للرخصية التييي جعلهيا الله فييي العدد‬
‫قال فيييه إنييه ليييس للسيينة‪ ،‬واعتذر أصييحابه عيين الحديييث بأن‬
‫المتلعنين عنده قد وقعت الفرقة بينهما من قبل التلعن نفسه‪،‬‬
‫فوقييع الطلق على غييير محله‪ ،‬فلم يتصييف ل بسيينة ول ببدعيية‪،‬‬
‫وقول مالك ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أظهر ههنا من قول الشافعي‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا الموضيع الثالث‪ :‬فيي حكيم مين طلق فيي وقيت الحييض)‬
‫فإن الناس اختلفوا فيي ذلك فيي مواضيع‪ :‬منهيا أن الجمهور قالوا‬
‫يمضيي طلقيه؛ وقالت فرقية‪ :‬ل ينفيذ ول يقيع؛ والذيين قالوا ينفيذ‬
‫قالوا‪ :‬يؤميير بالرجعيية وهؤلء افترقوا فرقتييين فقوم رأوا أن ذلك‬
‫واجب وأنه يجبر على ذلك‪ ،‬وبه قال مالك وأصحابه‪ .‬وقالت فرقة‬
‫بييل يندب إلى ذلك ول يجييبر‪ ،‬وبييه قال الشافعييي وأبييو حنيفيية‬
‫والثوري وأحمييد والذييين أوجبوا الجبار اختلفوا فييي الزمان الذي‬
‫يقييع فيييه الجبار‪ ،‬فقال مالك وأكثيير أصييحابه ابيين القاسييم وغيره‬
‫يجيبر ميا لم تنقيض عدتهيا؛ وقال أشهيب‪ :‬ل يجيبر إل فيي الحيضية‬
‫الولى‪ .‬والذين قالوا بالمر بالرجعة اختلفوا متى يوقع الطلق بعد‬
‫الرجعيية إن شاء‪ ،‬فقوم اشترطوا فييي الرجعيية أن يمسييكها حتييى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تطهر من تلك الحيضة ثم تحيض ثم تطهر‪ ،‬ثم إن شاء طلقها وإن‬


‫شاء أمسيكها‪ ،‬وبيه قال مالك والشافعيي وجماعية؛ وقوم قالوا‪ :‬بيل‬
‫يراجعهيا‪ ،‬فإذا طهرت مين تلك الحيضية التيي طلقهيا فيهيا فإن شاء‬
‫أمسيك وإن شاء طلق‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية والكوفيون‪ ،‬وكيل مين‬
‫اشترط في طلق السنة أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه لم ير‬
‫الميير بالرجعيية إذا طلقهييا فييي طهيير مسييها فيييه‪ ،‬فهنييا إذا أربييع‬
‫مسيائل‪ :‬أحدهيا‪ :‬هيل يقيع الطلق أم ل؟‪ .‬والثانيية‪ :‬إن وقيع فهيل‬
‫يجبر على الرجعة أم يؤمر فقط؟‪ .‬والثالثة‪ :‬متى يوقع الطلق بعد‬
‫الجبار أو الندب‪ ،‬والرابعة متى يقع الجبار‪.‬‬
‫@‪(-‬أما المسألة الولى) فإن الجمهور إنما صاروا إلى أن الطلق‬
‫إن وقيع فيي الحييض اعتيد بيه‪ ،‬وكان طلقيا لقوله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم فيي حدييث ابين عمير "مره فليراجعهيا" قالوا‪ :‬والرجعية ل‬
‫تكون إل بعيد طلق‪ ،‬وروى الشافعيي عين مسيلم بن خالد عين ابين‬
‫جريج أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه هل حسبت تطليقة ابن عمر‬
‫على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم‪ ،‬وروي أنه‬
‫الذي كان يفتيي بيه ابين عمير‪ .‬وأميا مين لم يير هذا الطلق واقعيا‬
‫فإ نه اعت مد عموم قوله صيلى الله عليه وسيلم "كيل فعيل أو عميل‬
‫ليس عليه أمرنا فهو رد" وقالوا‪ :‬أمر رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسييييلم برده يشعيييير بعدم نفوذه ووقوعييييه‪ .‬وبالجملة فسييييبب‬
‫الختلف هيل الشروط التيي اشترطهيا الشرع فيي الطلق السيني‬
‫هيييي شروط صيييحة وإجزاء‪ ،‬أم شروط كمال وتمام؟ فمييين قال‬
‫شروط إجزاء قال‪ :‬ل يقييع الطلق الذي عدم هذه الصييفة‪ ،‬وميين‬
‫قال‪ :‬شروط كمال وتمام قال‪ :‬يقييييع ويندب إلى أن يقييييع كامل‪،‬‬
‫ولذلك مين قال بوقوع الطلق وجيبره على الرجعية فقيد تناقيض‪،‬‬
‫فتدبر ذلك‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثانية) وهي هل يجبر على الرجعة أو ل يجبر؟‬
‫فميين اعتمييد ظاهيير الميير وهييو الوجوب على مييا هييو عليييه عنييد‬
‫الجمهور قال‪ :‬يجيبر؛ ومين لحيظ هذا المعنيى الذي قلناه مين كون‬
‫الطلق واقعا قال‪ :‬هذا المر هو على الندب‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثالثة) وهي متى يوقع الطلق بعد الجبار فإن‬
‫مين اشترط فيي ذلك أن يمسيكها حتيى تطهير ثيم تحييض ثيم تطهير‬
‫فإنما صار لذلك لنه المنصوص عليه في حديث ابن عمر المتقدم‬
‫قالوا‪ :‬والمعنيى فيي ذلك لتصيح الرجعية بالوطيء فيي الطهير الذي‬
‫بعيد الحييض لنيه لو طلقهيا فيي الطهير الذي بعيد الحيضية لم يكين‬
‫عليهيييا مييين الطلق الخييير عدة لنيييه كان يكون كالمطلق قبيييل‬
‫الدخول‪ .‬وبالجملة فقالوا إن مين شرط الرجعية وجود زمان يصيح‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فييه الوطيء‪ ،‬وعلى هذا التعلييل يكون مين شروط طلق السينة أن‬
‫يطلقهييا فييي طهيير لم يطلق فييي الحيضيية التييي قبله‪ ،‬وهييو أحييد‬
‫الشروط المشترطية عنيد مالك فيي طلق السينة فيميا ذكره عنيد‬
‫الوهاب‪ .‬وأميا الذيين لم يشترطوا ذلك‪ ،‬فإنهيم صياروا إلى ميا روى‬
‫يونيس ابين جيبير وسيعيد ابين جيبير وابين سييرين ومين تابعهيم عين‬
‫ابن عمر في هذا الحديث أنه قال‪ :‬يراجعها فإذا طهرت طلقها إن‬
‫شاء‪ ،‬وقالوا‪ :‬المعنى في ذلك أنه إنما أمر بالرجوع عقوبة له لنه‬
‫طلق فيي زمان كره له فييه الطلق‪ ،‬فإذا ذهيب ذلك الزمان وقيع‬
‫منه الطلق على وجه غيير مكروه‪ .‬فسبب اختلفهم تعارض الثار‬
‫في هذه المسألة وتعارض مفهوم العلة‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الرابعية) وهيي متيى يجيبر فإنميا ذهيب مالك إلى‬
‫أنيه يجيبر على رجعتهيا لطول زمان العدة لنيه الزمان الذي له فييه‬
‫ارتجاعها‪ .‬وأما أشهب فإنه إنما صار في هذا إلى ظاهر الحديث‪،‬‬
‫لن فيه "مره فليراجعها حتى تطهر" فدل ذلك على أن المراجعة‬
‫كانت في الحيضة‪ ،‬وأيضا فإنه قال‪ :‬إنما أمر بمراجعتها لئل تطول‬
‫عليهيا العدة‪ ،‬فإنيه إذا وقيع عليهيا الطلق فيي الحيضية لم تعتيد بهيا‬
‫بإجماع فإن قلنييا إنييه يراجعهييا فييي غييير الحيضيية كان ذلك عليهييا‬
‫أطول‪ ،‬وعلى هذا التعلييييل فينبغيييي أن يجوز إيقاع الطلق فيييي‬
‫الطهر الذي بعد الحيضة‪ .‬فسبب الختلف هو سبب اختلفهم في‬
‫علة المر بالرد‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثالث في الخلع‪.‬‬
‫@‪-‬واسيم الخلع والفديية والصيلح والمبارأة كلهيا تئول إلى معنيى‬
‫واحييد‪ ،‬وهييو بذل المرأة العوض على طلقهييا‪ ،‬إل أن اسييم الخلع‬
‫يختيص ببذلهيا له جمييع ميا أعطاهيا والصيلح ببعضيه والفديية بأكثره‬
‫والمبارأة بإسييقاطها عنييه حقييا لهييا عليييه على مييا زعييم الفقهاء‪،‬‬
‫والكلم ينحصر في أصول هذا النوع من الفراق في أربعة فصول‪:‬‬
‫فيي جواز وقوعيه أول‪ ،‬ثيم ثانييا فيي شروط وقوعيه‪ :‬أعنيي جواز‬
‫وقوعه‪ ،‬ثم ثالثا في نوعه‪ :‬أعني هل هو طلق أو فسخ؟‪ .‬ثم رابعا‬
‫فيما يلحقه من الحكام‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الول في جواز وقوعه‪.‬‬
‫@‪-‬فأما جواز وقوعه فعليه أكثر العلماء‪ .‬والصل في ذلك الكتاب‬
‫والسيينة‪ ،‬أمييا الكتاب فقوله تعالى {فل جناح عليهمييا فيمييا افتدت‬
‫بيه} ‪ .‬وأميا السينة فحدييث ابين عباس "أن امرأة ثابيت بين قييس‬
‫أتيت النيبي صيلى الله علييه وسيلم فقالت‪ :‬ييا رسيول الله ثابيت بين‬
‫قيييس ل أعيييب عليييه فييي خلق ول دييين‪ ،‬ولكيين أكره الكفيير بعييد‬
‫الدخول فيي السيلم‪ ،‬فقال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أتردين عليه حديقته؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسيلم‪ :‬اقبيل الحديقية وطلقهيا طلقية واحدة" خرجيه بهذا اللفيظ‬
‫البخاري وأبو داود والنسائي‪ ،‬وهو حديث متفق على صحته‪ ،‬وشذ‬
‫أبيو بكير ابين عبيد الله المزينيي عين الجمهور فقال‪ :‬ل يحيل للزوج‬
‫أن يأخيذ مين زوجتيه شيئا‪ ،‬واسيتدل على ذلك بأنيه زعيم أن قوله‬
‫تعالى {فل جناح عليهمييا فيمييا افتدت بييه} منسييوخ بقوله تعالى‬
‫{وإن أردتيم اسيتبدال زوج مكان زوج وآتيتيم إحداهين قنطارا فل‬
‫تأخذوا منيييه شيئا} اليييية‪ .‬والجمهور على أن معنيييى ذلك بغيييير‬
‫رضاها‪ ،‬وأما برضاها فجائز‪ .‬فسبب الخلف حمل هذا اللفظ على‬
‫عمومه أو على خصوصه‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الثاني في شروط وقوعه‪.‬‬
‫@‪-‬فإميا شروط جوازه فمنهيا ميا يرجيع إلى القدر الذي يجوز فييه؛‬
‫ومنهيا ميا يرجيع إلى صيفة الشييء الذي يجوز بيه؛ ومنهيا ميا يرجيع‬
‫إلى الحال التيي يجوز في ها؛ ومن ها ما يرجيع إلى صفة من يجوز له‬
‫الخلع مين النسياء أو مين أوليائهين ممين ل تملك أمرهيا‪ ،‬ففيي هذا‬
‫الفصل أربع مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) أمييا مقدار مييا يجوز لهييا أن تختلع بييه‪ ،‬فإن‬
‫مالكيا والشافعيي وجماعية قالوا‪ :‬جائز أن تختلع المرأة بأكثير مميا‬
‫يصير لها من الزوج في صداقها إذا كان النشوز من قبلها وبمثله‬
‫وبأقل منه؛ وقال قائلون‪ :‬ليس له أن يأخذ أكثر مما أعطاها على‬
‫ظاهير حدييث ثابيت‪ ،‬فمين شبهيه بسيائر العواض فيي المعاملت‬
‫رأى أن القدر فييه راجيع إلى الرضيا؛ ومين أخيذ بظاهير الحدييث لم‬
‫يجز أكثر من ذلك‪ ،‬وكأنه رآه من باب أخذ المال بغير حق‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية) وأما صفة العوض‪ ،‬فإن الشافعي وأبا حنيفة‬
‫يشترطان فييييه أن يكون معلوم الصيييفة ومعلوم الوجوب‪ ،‬ومالك‬
‫يجييز فييه المجهول الوجود والقدر والمعدوم‪ ،‬مثيل البيق والشارد‬
‫والثمرة التيي لم يبيد صيلحها والعبيد غيير الموصيوف‪ .‬وحكيي عين‬
‫أبي حنيفة جواز الغرر ومنع المعدوم‪ .‬وسبب الخلف تردد العوض‬
‫ههنيا بيين العوض فيي البيوع أو الشياء الموهوبية والموصيي بهيا؛‬
‫فمين شبههيا بالبيوع اشترط ميا يشترط فيي البيوع وفيي أعواض‬
‫البيوع؛ ومييين شبهيييه بالهبات لم يشترط ذلك‪ .‬واختلفوا إذا وقيييع‬
‫الخلع بما لم يحل كالخمر والخنزير هل يجب لها عوض أم ل بعد‬
‫اتفاقهيم على أن الطلق يقيع؟ فقال مالك‪ :‬ل تسيتحق عوضيا‪ ،‬وبيه‬
‫قال أبو حنيفة؛ وقال الشافعي‪ :‬يجب لها مهر المثل (هكذا جميع‬
‫النسييخ‪ .‬ولعييل الصييواب يجييب عليهييا‪ ،‬فإن العوض راجييع للزوج‪،‬‬
‫فليتأمل ا هي مصححه)‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) وأمييا مييا يرجييع إلى الحال التييي يجوز فيهييا‬
‫الخلع مييين التيييي ل يجوز فإن الجمهور على أن الخلع جائز ميييع‬
‫التراضي إذا لم يكن سبب رضاها بما تعطيه إضراره بها‪ ،‬والصل‬
‫في ذلك قوله تعالى {ول تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إل‬
‫أن يأتييين بفاحشيية مبينيية} وقوله تعالى {فإن خفتييم أن ل يقيمييا‬
‫حدود الله فل جناح عليهمييا فيمييا افتدت بييه} وشييذ أبييو قلبيية‬
‫والحسن البصري فقال‪ :‬ل يحل للرجل الخلع عليها حتى يشاهدها‬
‫تزنيي‪ ،‬وحملوا الفاحشية فيي اليية على الزنيا؛ وقال داود‪ :‬ل يجوز‬
‫إل بشرط الخوف أن ل يقيمييا حدود الله على ظاهيير الييية؛ وشييذ‬
‫النعمان فقال‪ :‬يجوز الخلع ميييع الضرار؛ والفقيييه أن الفداء إنميييا‬
‫جعل للمرأة في مقابلة ما بيد الرجل من الطلق‪ ،‬فإنه لما جعل‬
‫الطلق بييييد الرجيييل إذا فرك المرأة جعيييل الخلع بييييد المرأة إذا‬
‫فركت الرجل‪ ،‬فيتحصل في الخلع خمسة أقوال‪ :‬قول إنه ل يجوز‬
‫أصيل‪ .‬وقوله إنيه يجوز على كيل حال‪ :‬أي ميع الضرر‪ .‬وقول إنيه ل‬
‫يجوز إل مع مشاهدة الزنا‪ .‬وقول مع خوف أن ل يقيما حدود الله‪.‬‬
‫وقول إنه يجوز في كل حال إل مع الضرر‪ ،‬وهو المشهور‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الرابعة) وأما من يجوز له الخلع ممن ل يجوز فإنه ل‬
‫خلف عنييد الجمهور أن الرشيدة تخالع عيين نفسييها‪ ،‬وأن الميية ل‬
‫تخالع عين نفسيها إل برضيا سييدها‪ ،‬وكذلك السيفيه ميع وليهيا عنيد‬
‫مين يرى الحجير؛ وقال مالك‪ :‬يخالع الب على ابنتيه الصيغيرة كميا‬
‫ينكحهيا وكذلك على ابنيه الصيغير لنيه عنده يطلق علييه‪ ،‬والخلف‬
‫في البن الصغير قال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ل يجوز لنه ل يطلق‬
‫عليييه عندهييم والله أعلم وخلع المريضيية يجوز عنييد مالك إذا كان‬
‫بقدر ميراثه منها؛ وروى ابن نافع عن مالك أنه يجوز خلعها بالثلث‬
‫كله؛ وقال الشافعيي‪ :‬لو اختلعيت بقدر مهير مثلهيا جاز‪ ،‬وكان مين‬
‫رأس المال‪ ،‬وإن زاد على ذلك كانيييت الزيادة مييين الثلث‪ .‬وأميييا‬
‫المهملة التيي ل وصيي لهيا ول أب فقال ابين القاسيم‪ :‬يجوز خلعهيا‬
‫إذا كان خلع مثلهيا‪ ،‬والجمهور على أنيه يجوز خلع المالكية لنفسيها؛‬
‫وشذ الحسن وابن سيرين فقال‪ :‬ل يجوز الخلع إل بإذن السلطان‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الثالث في نوعه‪.‬‬
‫@‪-‬وأميييا نوع الخلع فجمهور العلماء على أنيييه طلق‪ ،‬وبيييه قال‬
‫مالك‪ ،‬وأبو حنيفة سوى بين الطلق والفسخ؛ وقال الشافعي‪ :‬هو‬
‫فسيخ‪ ،‬وبيه قال أحميد وداود ومين الصيحابة ابين عباس‪ .‬وقيد روي‬
‫عين الشافعيي أنيه كنايية‪ ،‬فإن أراد بيه الطلق كان طلقيا وإل كان‬
‫فسخا‪ ،‬وقد قيل عنه في قوله الجديد إنه طلق وفائدة الفرق هل‬
‫يعتيد بيه فيي التطليقات أم ل؟ وجمهور مين رأى أنيه طلق يجعله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بائنييا‪ ،‬لنييه لو كان للزوج فييي العدة منييه الرجعيية عليهييا لم يكيين‬
‫لفتدائها معنى وقال أبو ثور‪ :‬إن لم يكن بلفظ الطلق لم يكن له‬
‫عليهيا رجعية‪ ،‬وإن كان بلفيظ الطلق كان له عليهيا الرجعية احتيج‬
‫من جعله طلقا بأن الفسوخ إنما هي التي تقتضي الفرقة الغالبة‬
‫للزوج فيي الفراق مميا لييس يرجيع إلى اختياره‪ ،‬وهذا راجيع إلى‬
‫الختيار فليييس بفسييخ‪ ،‬واحتييج ميين لم يره طلقييا بأن الله تبارك‬
‫وتعالى ذكيير فييي كتابييه الطلق فقال {الطلق مرتان} ثييم ذكيير‬
‫الفتداء ثم قال {فإن طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا‬
‫غيره} فلو كان الفتداء طلقييا لكان الطلق الذي ل تحييل له فيييه‬
‫إل بعييد زوج هييو الطلق الرابييع‪ ،‬وعنييد هؤلء أن الفسييوخ تقييع‬
‫بالتراضيي قياسيا على فسيوخ البييع‪ :‬أعنيي القالة‪ ،‬وعنيد المخالف‬
‫أن اليية إنميا تضمنيت حكيم القتداء على أنيه شييء يلحيق جمييع‬
‫أنواع الطلق ل أنه شيء غير الطلق‪ .‬فسبب الخلف هل اقتران‬
‫العوض بهذه الفرقييية يخرجهيييا مييين نوع فرقييية الطلق إلى نوع‬
‫الفسخ أم ليس يخرجها؟‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الرابع فيما يلحقه من الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬وأما لواحقه ففروع كثيرة‪ ،‬لكن نذكر منها ما شهر‪ :‬فمنها هل‬
‫يرتدف على المختلعيييية طلق أم ل؟ فقال مالك‪ :‬ل يرتدف إل إن‬
‫كان الكلم متصييييل؛ وقال الشافعييييي‪ :‬ل يرتدف وإن كان الكلم‬
‫متصيل؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬يرتدف ولم يفرق بيين الفور والتراخيي‪.‬‬
‫وسييبب الخلف أن العدة عنييد الفريييق الول ميين أحكام الطلق‪،‬‬
‫وعنيد أبيي حنيفية مين أحكام النكاح‪ ،‬ولذلك ل يجوز عنده أن ينكيح‬
‫مييع المبتوتيية أختهييا‪ ،‬فميين رآهييا مين أحكام النكاح ارتدف الطلق‬
‫عنده‪ ،‬وميييين لم ييييير ذلك لم يرتدف؛ ومنهييييا أن جمهور العلماء‬
‫أجمعوا على أنيه ل رجعية للزوج على المختلعية فيي العدة‪ ،‬إل ميا‬
‫روي عن سعيد بن المسيب وابن شهاب أنه ما قال‪ :‬إن رد لها ما‬
‫أخيذ منهيا فيي العدة أشهيد على رجعتهيا‪ ،‬والفرق الذي ذكرناه عين‬
‫أبي ثور بين أن يكون بلفظ الطلق أو ل يكون؛ ومنها أن الجمهور‬
‫أجمعوا على أن له أن يتزوجهيا برضاهيا فيي عدتهيا؛ وقالت فرقية‬
‫مييين المتأخريييين‪ :‬ل يتزوجهيييا هيييو ول غيره فيييي العدة‪ .‬وسيييبب‬
‫اختلفهم هل المنع من النكاح في العدة عبادة أو ليس بعبادة بل‬
‫معلل؟‪ .‬واختلفوا فييي عدة المختلعيية وسيييأتي بعييد‪ .‬واختلفوا إذا‬
‫اختلف الزوج والزوجية فيي مقدار العدد الذي وقيع بيه الخلع فقال‬
‫مالك‪ :‬القول قوله إن لم يكيييين هنالك بينيييية؛ وقال الشافعييييي‪:‬‬
‫يتحالفان ويكون عليهييا مهيير المثييل‪ ،‬شبييه الشافعييي اختلفهمييا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫باختلف المتبايعييين؛ وقال مالك‪ :‬هييي مدعييى عليهييا وهييو مدع‪.‬‬


‫ومسائل هذا الباب كثيرة وليس مما يليق بقصدنا‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الرابع في تمييز الطلق من الفسخ‪.‬‬
‫@‪-‬واختلف قول مالك رحميه الله فيي الفرق بيين الفسيخ الذي ل‬
‫يعتييد بييه فييي التطليقات الثلث وبييين الطلق الذي يعتييد بييه فييي‬
‫الثلث إلى قولين‪ :‬أحدهما أن النكاح إن كان فيه خلف خارج عن‬
‫مذهبييه‪ :‬أعنييي فييي جوازه‪ ،‬وكان الخلف مشهورا فالفرقيية عنده‬
‫فييه طلق مثيل الحكيم بتزوييج المرأة نفسيها والمحرم‪ ،‬فهذه على‬
‫هذه الرواييية هييي طلق ل فسييخ‪ .‬والقول الثانييي أن العتبار فييي‬
‫ذلك هيييو بالسيييبب الموجيييب للتفرق‪ ،‬فإن كان غيييير راجيييع إلى‬
‫الزوجييين ممييا لو أراد القاميية على الزوجييية معييه لم يصييح كان‬
‫فسييخا مثييل نكاح المحرميية بالرضاع أو النكاح أو العدة وإن كان‬
‫مما لهما أن يقيما عليه مثل الرد بالعيب كان طلقا‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الخامس في التخيير والتمليك‪.‬‬
‫@‪-‬وممييا يعييد ميين أنواع الطلق ممييا يرى أن له أحكامييا خاصيية‪:‬‬
‫التملييك والتخييير‪ ،‬والتملييك عين مالك فيي المشهور غيير التخييير‪،‬‬
‫وذلك أن التملييييك هيييو عنده تملييييك المرأة إيقاع الطلق‪ ،‬فهيييو‬
‫يحتميل الواحدة فميا فوقهيا‪ ،‬ولذلك له أن يناكرهيا عنده فيميا فوق‬
‫الواحدة‪ ،‬والخيار بخلف ذلك لنيه يقتضيي إيقاع طلق تنقطيع معيه‬
‫العصييييمة إل أن يكون تخييرا مقيدا مثييييل أن يقول لهييييا اختاري‬
‫نفسيك أو اختاري تطليقية أو تطليقتيين‪ ،‬ففيي الخيار المطلق عنيد‬
‫مالك لييييس لهيييا إل أن تختار زوجهيييا أو تيييبين منيييه بالثلث‪ ،‬وإن‬
‫اختارت واحدة لم يكين لهيا ذلك‪ ،‬والمملكية ل يبطيل تمليكهيا عنده‬
‫إن لم توقيع الطلق حتيى يطول المير بهيا على إحدى الروايتيين أو‬
‫يتفرقا من المجلس؛ والرواية الثانية أنه يبقى لها التمليك إلى أن‬
‫ترد أو تطلق والفرق عنييد مالك بييين التمليييك وتوكيله إياهييا على‬
‫تطليق نفسها أن في التوكيل له أن يعزلها قبل أن تطلق‪ ،‬وليس‬
‫له ذلك فيي التملييك؛ وقال الشافعيي‪ :‬اختاري وأمرك بيدك سيواء‪،‬‬
‫ول يكون ذلك طلقيا إل أن ينوييه‪ ،‬وإن نواه فهيو ميا أراد إن واحدة‬
‫فواحدة وإن ثلثيا فثلث‪ ،‬فله عنده أن يناكرهيا فيي الطلق نفسيه‪،‬‬
‫وفيي العدد فيي الخيار أو التملييك‪ ،‬وهيي عنده إن طلقيت نفسيها‬
‫رجعييية‪ ،‬وكذلك هييي عنييد مالك فييي التمليييك؛ وقال أبييو حنيفيية‬
‫وأصييحابه‪ :‬الخيار ليييس بطلق‪ ،‬فإن طلقييت نفسييها فييي التمليييك‬
‫واحدة فهييي بائنيية؛ وقال الثوري‪ :‬الخيار والتمليييك واحييد ل فرق‬
‫بينهمييا‪ ،‬وقييد قيييل القول قولهييا فييي أعداد الطلق فييي التمليييك‪،‬‬
‫وليييييس للزوج مناكرتهييييا‪ ،‬وهذا القول مروي عيييين علي وابيييين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المسيب‪ ،‬وبه قال الزهري وعطاء‪ ،‬وقد قيل إنه ليس للمرأة في‬
‫التملييك إل أن تطلق نفسيها تطليقية واحدة‪ ،‬وذلك مروي عين ابين‬
‫عباس وعمير رضيي الله عنهميا‪ ،‬روى أنيه جاء ابين مسيعود رجيل‬
‫فقال‪ :‬كان بينيي وبيين امرأتيي بعيض ميا يكون بيين الناس‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫لو أن الذي بيدك ميين أمري بيدي لعلمييت كيييف أصيينع‪ ،‬قال‪ :‬فإن‬
‫الذي بيدي مين أمرك بيدك‪ ،‬قالت‪ :‬فأنيت طالق ثلثيا‪ ،‬قال‪ :‬أراهيا‬
‫واحدة وأنت أحق بها ما دامت في عدتها‪ ،‬وسألقى أمير المؤمنين‬
‫عمر‪ ،‬ثم لقيه فقص عليه القصة فقال‪ :‬صنع الله بالرجال وفعل‪:‬‬
‫يعمدون إلى ما جعل الله في أيديهم فيجعلونه بأيدي النساء بفيها‬
‫التراب‪ ،‬ماذا قلت فيهييا؟ قال‪ :‬قلت أراهييا واحدة وهييو أحييق بهييا‬
‫قال‪ :‬وأنا أرى ذلك‪ ،‬ولو رأيت غير ذلك علمت أنك لم تصب‪ ،‬وقد‬
‫قييل لييس التملييك بشييء لن ميا جعيل الشرع بييد الرجيل لييس‬
‫يجوز أن يرجيع إلى ييد المرأة بجعيل جاعيل‪ .‬وكذلك التخييير وهيو‬
‫قول أبيي محميد بين حزم وقول مالك فيي المملكية إن لهيا الخيار‬
‫فيي الطلق أو البقاء على العصيمة ميا داميت فيي المجلس وهيو‬
‫قول الشافعيي وأبيي حنيفية والوزاعيي وجماعية فقهاء المصيار؛‬
‫وعنييد الشافعييي أن التمليييك إذا أراد بييه الطلق كالوكالة‪ ،‬وله أن‬
‫يرجيع فيي ذلك متيى أحيب ذلك ميا لم يوقيع الطلق‪ ،‬وإنميا صيار‬
‫الجمهور للقضاء بالتمليك أو بالتخيير‪ ،‬وجعل ذلك للنساء لما ثبت‬
‫من تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه‪ ،‬قالت عائشة‬
‫خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يكن طلقا‪،‬‬
‫لكين أهيل الظاهير يرون أن معنيى ذلك أنهين لو اخترن أنفسيهن‬
‫طلقهين رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم ل أنهين كين يطلقين‬
‫بنفييس اختيار الطلق‪ .‬وإنمييا صييار جمهور الفقهاء إلى أن التخيييير‬
‫والتمليك واحد في الحكم‪ ،‬لن من عرف دللة اللغة أن من ملك‬
‫إنسانا أمرا من المور إن شاء أن يفعله أو ل يفعله فإنه قد خيره‪.‬‬
‫وأما مالك فيرى أن قوله لها اختاريني أو اختاري نفسك أنه ظاهر‬
‫بعرف الشرع فييي معنييى البينونيية بتخيييير رسييول الله صييلى الله‬
‫علييه وسيلم نسياءه لن المفهوم منيه إنميا كان البينونية وإنميا رأى‬
‫مالك أنيه ل يقبيل قول الزوج فيي التملييك أنيه لم يرد بيه طلقيا إذا‬
‫زعيم ذلك لنيه لفيظ ظاهير فيي معنيى جعيل الطلق بيدهيا‪ ،‬وأميا‬
‫الشافعيي فلميا لم يكين اللفيظ عنده نصيا اعتيبر فييه النيية‪ .‬فسيبب‬
‫الخلف هيل يغلب ظاهير اللفيظ أو دعوى النيية‪ ،‬وكذلك فعيل فيي‬
‫التخييير‪ ،‬وإنميا اتفقوا على أن له مناكرتهيا فيي العدد‪ :‬أعنيي فيي‬
‫لفيظ التملييك‪ ،‬لنيه ل يدل علييه دللة محتملة فضل عين ظاهره‪،‬‬
‫وإنميا رأى مالك والشافعيي أنيه إذا طلقيت نفسيها بتمليكيه إياهيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫طلقيية واحدة أنهييا تكون رجعييية‪ ،‬لن الطلق إنمييا يحمييل على‬
‫العرف الشرعي وهو طلق السنة‪ ،‬وإنما رأى أبو حنيفة أنها بائنة‪،‬‬
‫لنه إذا كان له عليها رجعية لم يكن لما طلبيت من التمل يك فائدة‬
‫ولما قصد هو من ذلك‪ .‬وأما من رأى أن لها أن تطلق نفسها في‬
‫التمليييك ثلثييا وأنييه ليييس للزوج مناكرتهييا فييي ذلك‪ ،‬فلن معنييى‬
‫التمليك عنده إنما هو تصيير جميع ما كان بيد الرجل من الطلق‬
‫بيد المرأة فهي مخيرة فيما توقعه من أعداد الطلق‪.‬‬
‫وأميا من جعل التملييك طلقية واحدة فقيط أو التخييير‪ ،‬فإنما ذهيب‬
‫إلى أنه أقل ما ينطلق عليه السم واحتياطا للرجال لن العلة في‬
‫جعل الطلق بأيدي الرجال دون النساء هو لنقصان عقلهن وغلبة‬
‫الشهوة عليهييين ميييع سيييوء المعاشرة‪ ،‬وجمهور العلماء على أن‬
‫المرأة إذا اختارت زوجهيا أنيه لييس بطلق لقول عائشية المتقدم‪.‬‬
‫وروي عين الحسين البصيري أنهيا إذا اختارت زوجهيا فواحدة‪ ،‬وإذا‬
‫اختارت نفسييها فثلث‪ ،‬فيتحصييل فييي هذه المسييألة الخلف فييي‬
‫ثلث مواضع‪ :‬أحدها أنه ل يقع بواحد منهما طلق‪ .‬والثاني أنه تقع‬
‫بينهميا فرقية‪ .‬والثالث الفرق بيين التخييير والتملييك فيميا تملك بيه‬
‫المرأة‪ ،‬أعنيييي أن تملك بالتخييييير البينونييية‪ ،‬وبالتملييييك ميييا دون‬
‫البينونة‪ ،‬وإذا قلنا بالبينونة فقيل تملك واحدة‪ ،‬وقيل تملك الثلث؛‬
‫وإذا قلنيا إنهيا تملك واحدة فقييل رجعيية‪ ،‬وقييل بائنية‪ .‬وأميا حكيم‬
‫اللفاظ التيي تجييب بهيا المرأة فيي التخييير والتملييك فهيي ترجيع‬
‫إلى حكيم اللفاظ التيي يقيع بهيا الطلق فيي كونهيا صيريحة فيي‬
‫الطلق أو كنايية أو محتملة‪ ،‬وسييأتي تفصييل ذلك عنيد التكلم فيي‬
‫ألفاظ الطلق‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثانية) وفي هذه الجملة ثلثة أبواب‬
‫@‪-‬الباب الول‪ :‬فيي ألفاظ الطلق وشروطيه‪ .‬الباب الثانيي‪ :‬فيي‬
‫تفصييل مين يجوز طلقيه ممين ل يجوز‪ .‬الباب الثالث فيي تفصييل‬
‫من يقع عليها الطلق من النساء ممن ل يقع‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول في ألفاظ الطلق وشروطه‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب فيه فصلن‪ :‬الفصل الول‪ :‬في أنواع ألفاظ الطلق‬
‫المطلقة‪ .‬الفصل الثاني‪ :‬في أنواع ألفاظ الطلق المقيدة‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الول في أنواع ألفاظ الطلق المطلقة‪.‬‬
‫@‪-‬أجمييع المسييلمون على أن الطلق يقييع إذا كان بنييية وبلفييظ‬
‫صيريح‪ .‬واختلفوا هيل يقيع بالنيية ميع اللفيظ الذي لييس بصيريح‪ ،‬أو‬
‫بالنيية دون اللفيظ‪ ،‬أو باللفيظ دون النيية؛ فمين اشترط فييه النيية‬
‫واللفيظ الصيريح فاتباعيا لظاهير الشرع‪ ،‬وكذلك مين أقام الظاهير‬
‫مقام الصيريح‪ ،‬ومين شبهيه بالعقيد فيي النذر وفيي اليميين أوقعيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالنييية فقييط‪ ،‬وميين أعمييل التهميية أوقعييه باللفييظ فقييط‪ .‬واتفييق‬


‫الجمهور على أن ألفاظ الطلق المطلقية صينفان‪ :‬صيريح‪ ،‬وكنايية‪.‬‬
‫واختلفوا فيي تفصييل الصيريح مين الكنايية وفيي أحكامهيا وميا يلزم‬
‫فيهيا‪ ،‬ونحين إنميا قصيدنا مين ذلك ذكير المشهور وميا يجري مجرى‬
‫الصول‪ ،‬فقال مالك وأصحابه‪ :‬الصريح هو لفظ الطلق فقط‪ ،‬وما‬
‫عدا ذلك كناية‪ ،‬وهي عنده على ضربين ظاهرة ومحتملة‪ ،‬وبه قال‬
‫أبو حنيفة؛ وقال الشافعي‪ :‬ألفاظ الطلق الصريحة ثلث‪ :‬الطلق‪،‬‬
‫والفراق‪ ،‬والسيراح‪ ،‬وهيي مذكورة فيي القرآن؛ وقال بعيض أهيل‬
‫الظاهر‪ :‬ل يقع طلق إل بهذه الثلث‪ .‬فهذا هو اختلفهم في صريح‬
‫الطلق من غير صريحه‪ .‬وإنما اتفقوا على أن لفظ الطلق صريح‬
‫لن دللته على هذا المعنى الشرعي دللة وضوعية بالشرع فصار‬
‫أصل في هذا الباب‪ .‬وأما ألفاظ الفراق والسراح فهي مترددة بين‬
‫أن يكون للشرع فيهييا تصييرف‪ :‬أعنييي أن تدل بعرف الشرع على‬
‫المعنيى الذي يدل علييه الطلق‪ ،‬أو هيي باقيية على دللتهيا اللغويية‬
‫فإذا اسيتعملت فيي هذا المعنيى‪ :‬أعنيي فيي معنيى الطلق كانيت‬
‫مجازا إذ هذا هو معنى الكناية‪ :‬أعني اللفظ الذي يكون مجازا في‬
‫دللتييه‪ ،‬وإنمييا ذهييب ميين ذهييب إلى أنييه ل يقييع الطلق إل بهذه‬
‫اللفاظ الثلثيية‪ ،‬لن الشرع إنمييا ورد بهذه اللفاظ الثلثيية وهييي‬
‫عبادة‪ ،‬ومين شرطهيا اللفيظ‪ ،‬فوجيب أن يقتصير بهيا على اللفيظ‬
‫الشرعييي الوارد فيهييا‪ .‬فأمييا اختلفهييم فييي أحكام صييريح ألفاظ‬
‫الطلق ففيه مسئلتان مشهورتان‪ :‬إحداهما اتفق مالك والشافعي‬
‫وأبيو حنيفية عليهيا‪ .‬والثانيية اختلفوا فيهيا‪ .‬فأميا التيي اتفقوا عليهيا‬
‫فإن مالكيا والشافعيي وأبيا حنيفية قالوا‪ :‬ل يقبيل قول المطلق إذا‬
‫نطييق بألفاظ الطلق أنييه لم يرد بييه طلقييا إذا قال لزوجتييه أنييت‬
‫طالق‪ ،‬وكذلك السراح والفراق عند الشافعي؛ واستثنت المالكية‬
‫بأن قالت‪ :‬إل أن تقترن بالحالة أو بالمرأة قرينيية تدل على صييدق‬
‫دعواه‪ ،‬مثل أن تسأله أن يطلقها من وثاق هي فيه وشبهه فيقول‬
‫لهييا أنييت طالق‪ .‬وفقييه المسييألة عنييد الشافعييي وأبييي حنيفيية أن‬
‫الطلق ل يحتاج عندهييم إلى نييية؛ وأمييا مالك فالمشهور عنييه أن‬
‫الطلق عنده يحتاج إلى نية‪ ،‬لكن لم ينوه ههنا لموضع التهم‪ ،‬ومن‬
‫رأييه الحكيم بالتهيم سيدا للذرائع‪ ،‬وذلك مميا خالفيه فييه الشافعيي‬
‫وأبو حنيفة‪ ،‬فيجب على رأي من يشترط النية في ألفاظ الطلق‬
‫ول يحكم بالتهم أن يصدقه فيما ادعى‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) فهيي اختلفهيم فيمين قال لزوجتيه أنيت‬
‫طالق‪ ،‬وادعيى أنيه أراد بذلك أكثير مين واحدة إميا ثنتيين وإميا ثلثيا‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬هيو ميا نوى وقيد لزميه‪ ،‬وبيه قال الشافعيي إل أن يقييد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيقول طلقية واحدة‪ ،‬وهذا القول هيو المختار عنيد أصيحابه؛ وأميا‬
‫أبييو حنيفيية فقال‪ :‬ل يقييع ثلثييا بلفييظ الطلق لن العدد ل يتضمنييه‬
‫لفظ الفراد ل كناية ول تصريحا‪ .‬وسبب اختلفهم هل يقع الطلق‬
‫بالنيية دون اللفيظ أو بالنيية ميع اللفيظ المحتميل؟ فمين قال بالنيية‬
‫أوجيب الثلث‪ ،‬وكذلك مين قال بالنيية واللفيظ المحتميل ورأى أن‬
‫لفظ الطلق يحتمل العدد؛ ومن رأى أنه ل يحتمل العدد وأنه لبد‬
‫مين اشتراط اللفيظ فيي الطلق ميع النيية قال‪ :‬ل يجيب العدد وإن‬
‫نواه؛ وهذه المسألة اختلفوا فيها‪ ،‬وهي من مسائل شروط ألفاظ‬
‫الطلق‪ :‬أعنيييي اشتراط النيييية ميييع اللفيييظ‪ ،‬أو بانفراد أحدهميييا‪،‬‬
‫فالمشهور عين مالك أن الطلق ل يقيع إل باللفيظ والنيية‪ ،‬وبيه قال‬
‫أبييو حنيفيية‪ ،‬وقييد روي عنييه أنييه يقييع باللفييظ دون النييية؛ وعنييد‬
‫الشافعيي أن لفيظ الطلق الصيريح ل يحتاج إلى نيية‪ ،‬فمين اكتفيى‬
‫بالنيية احتيج بقوله صيلى الله علييه وسيلم "إنميا العمال بالنيات"‬
‫ومين لم يعتيبر النيية دون اللفيظ احتيج بقوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"رفيع عين أمتيي الخطيأ والنسييان وميا حدثيت بيه أنفسيها" والنيية‬
‫دون قول حدييث نفيس قال‪ :‬ولييس يلزم مين اشترط النيية فيي‬
‫العمل في الحديث المتقدم أن تكون النية كافية بنفسها‪ .‬واختلف‬
‫المذهيب هيل يقيع بلفيظ الطلق فيي المدخول بهيا طلق بائن إذا‬
‫قصييد ذلك المطلق ولم يكيين هنالك عوض؟ فقيييل يقييع‪ ،‬وقيييل ل‬
‫يقيع‪ ،‬وهذه المسيألة هيي مين مسيائل أحكام صيريح ألفاظ الطلق‪.‬‬
‫وأما ألفاظ الطلق التي ليست بصريح‪ ،‬فمنها ما هي كناية ظاهرة‬
‫عند مالك‪ ،‬ومنها ما هي كناية محتملة؛ ومذهب مالك أنه إذا ادعى‬
‫فيي الكنايية الظاهرة أنيه لم يرد طلقيا لم يقبيل قوله إل أن تكون‬
‫هنالك قرينيية تدل على ذلك كرأيييه فييي الصييريح‪ ،‬وكذلك ل يقبييل‬
‫عنده ميا يدعييه مين دون الثلث فيي الكنايات الظاهرة وذلك فيي‬
‫المدخول بهيا إل أن يكون قال ذلك فيي الخلع‪ .‬وأميا غيير المدخول‬
‫بها فيصدقه في الكناية الظاهرة فيما دون الثلث‪ ،‬لن طلق غير‬
‫المدخول بهييا بائن‪ ،‬وهذه هييي مثييل قولهييم‪ :‬حبلك على غاربييك‪،‬‬
‫ومثل البتة‪ ،‬ومثل قولهم‪ :‬أنت خلية وبرية‪.‬‬
‫وأميا مذهيب الشافعيي فيي الكنايات الظاهرة فإنيه يرجيع فيي ذلك‬
‫إلى مييا نواه‪ ،‬فإن كان نوى طلقييا كان طلقييا وإن كان نوى ثلثييا‬
‫كان ثلثيا أو واحدة كان واحدة ويصيدق فيي ذلك وقول أبيي حنيفية‬
‫فيي ذلك مثيل قول الشافعيي‪ ،‬إل أنيه إذا نوى على أصيله واحدة أو‬
‫اثنتيين وقيع عنده طلقية واحدة بائنية‪ ،‬وإن اقترنيت بيه قرينية تدل‬
‫على الطلق وزعم أنه لم ينوه لم يصدق‪ ،‬وذلك إذا كان عنده في‬
‫ذاكرتيه الطلق؛ وأبيو حنيفية يطلق بالكنايات كلهيا إذا اقترنيت بهيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هذه القرينيية إل أربييع‪ :‬حبلك على غاربييك‪ ،‬واعتدي‪ ،‬واسييتبرئي‪،‬‬


‫وتقنعي‪ ،‬لنها عنده من المحتملة غير الظاهرة وأما ألفاظ الطلق‬
‫المحتملة غير الظاهرة فعند مالك أنه يعتبر فيها نيته كالحال عند‬
‫الشافعيي فيي الكنايية الظاهرة‪ ،‬وخالفيه فيي ذلك جمهور العلماء‬
‫فقالوا‪ :‬لييس فيهيا شييء‪ ،‬وإن نوى طلقيا فيتحصيل فيي الكنايات‬
‫الظاهرة ثلثة أقوال‪ :‬قول أن يصدق بإطلق‪ ،‬وهو قول الشافعي؛‬
‫وقول إنييه ل يصييدق بإطلق إل أن يكون هنالك قرينيية‪ ،‬وهييو قول‬
‫مالك؛ وقول إنييه يصييدق إل أن يكون فييي مذاكرة الطلق‪ ،‬وهييو‬
‫قول أبي حنيفة‪ .‬وفي المذهب خلف في مسائل يتردد حملها بين‬
‫الظاهير والمحتميل‪ ،‬وبيين قوتهيا وضعفهيا فيي الدللة على صيفة‬
‫البينونية فوقيع فيهيا الختلف وهيي راجعية إلى هذه الصيول؛ وإنميا‬
‫صيار مالك إلى أنيه ل يقبيل قوله فيي الكنايات الظاهرة إنيه لم يرد‬
‫بييه طلقييا‪ ،‬لن العرف اللغوي والشرعييي شاهييد عليييه‪ ،‬وذلك أن‬
‫هذه اللفاظ إنما تلفظ بها الناس غالبا‪ ،‬والمراد بها الطلق‪ ،‬إل أن‬
‫يكون هنالك قرينيية تدل على خلف ذلك‪ ،‬وإنمييا صييار إلى أنييه ل‬
‫يقبيل قوله فيميا يدعييه دون الثلث‪ ،‬لن الظاهير مين هذه اللفاظ‬
‫هيو البينونية‪ ،‬والبينونية ل تقيع إل خلعيا عنده فيي المشهور أو ثلثيا‪،‬‬
‫وإذا لم تقع خلعا لنه ليس هناك عوض فبقي أن يكون ثلثا‪ ،‬وذلك‬
‫في المدخول بها‪ ،‬ويتخرج على القول في المذهب بأن البائن تقع‬
‫من دون عوض ودون عدد أن يصدق في ذلك وتكون واحدة بائنة‪،‬‬
‫وحجة الشافعي أنه إذا وقع الجماع على أنه يقبل قوله فيما دون‬
‫الثلث فييي صييريح ألفاظ الطلق كان أحرى أن يقبييل قوله فييي‬
‫كنايتيه لن دللة الصيريح أقوى مين دللة الكنايية‪ ،‬ويشبيه أن تقول‬
‫المالكييية إن لفييظ الطلق وإن كان صييريحا فييي الطلق فليييس‬
‫بصيريح فيي العدد ومين الحجية للشافعيي حدييث ركانية المتقدم‪،‬‬
‫وهو مذهب عمر في حبلك على غاربك‪ ،‬وإنما صار الشافعي إلى‬
‫أن الطلق فيييي الكنايات الظاهرة إذا نوى ميييا دون الثلث يكون‬
‫رجعييا لحدييث ركانية المتقدم‪ ،‬وصيار أبيو حنيفية إلى أنيه يكون بائنيا‬
‫لنيه المقصيود بيه قطيع العصيمة‪ ،‬ولم يجعله ثلثيا لن الثلث معنيى‬
‫زائد على البينونية عنده‪ .‬فسيبب اختلفهيم هيل يقدم عرف اللفيظ‬
‫على النية أو النية على عرف اللفظ؟‬
‫وإذا غلبنا عرف اللفظ فهل يقتضي البينونة فقط أو العدد؟ فمن‬
‫قدم النيية لم يقيض علييه بعرف اللفيظ‪ ،‬ومين قدم العرف الظاهير‬
‫لم يلتفيييت إلى النيييية‪ .‬ومميييا اختلف فييييه الصيييدر الول وفقهاء‬
‫المصار من هذا الباب‪ :‬أعني من جنس المسائل الداخلة في هذا‬
‫الباب لفظ التحريم‪ :‬أعني من قال لزوجته أنت على حرام‪ ،‬وذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن مالكييا قال‪ :‬يحمييل فييي المدخول بهييا على البييت‪ :‬أي الثلث‬
‫وينوي فيي غيير المدخول بهيا‪ ،‬وذلك على قياس قوله المتقدم فيي‬
‫الكنايات الظاهرة وهيو قول ابين أبيي ليلى وزييد بين ثابيت وعلي‬
‫ميين الصييحابة‪ ،‬وبييه قال أصييحابه إل ابيين الماجشون فإنييه قال‪ :‬ل‬
‫ينوي في غير المدخول بها وتكون ثلثا‪،‬‬
‫فهذا هو أحد القوال في هذه المسألة‪،‬‬
‫والقول الثانيي أنيه إن نوى بذلك ثلثيا فهيي ثلث وإن نوى واحدة‬
‫فهي واحدة بائنة‪ ،‬وإن نوى يمينا فهو يمين يكفرها‪ ،‬وإن لم ينو به‬
‫طلقا ول يمينا فليس بشيء‪ ،‬هي كذبة‪ ،‬وقال بهذا القول الثوري‪،‬‬
‫والقول الثالث أنه يكون أيضا ما نوى ب ها وإن نوى واحدة فواحدة‬
‫أو ثلثييا فثلث‪ ،‬وإن لم ينييو شيئا فهييو يمييين يكفرهييا‪ ،‬وهذا القول‬
‫قاله الوزاعي‪.‬‬
‫والقول الرابع أن ينوي فيها في الموضعين في إرادة الطلق وفي‬
‫عدده‪ ،‬فما نوى كان ما نوى‪ ،‬فإن نوى واحدة كان رجعيا‪ ،‬وإن أراد‬
‫تحريمها بغير طلق فعليه كفارة يمين وهو قول الشافعي‪.‬‬
‫والقول الخاميس أنيه ينوي أيضيا فيي الطلق وفيي العدد‪ ،‬فإن نوى‬
‫واحدة كانيت بائنيية‪ ،‬فإن لم ينيو طلقييا كان يمينييا وهيو مول‪ ،‬فإن‬
‫نوى الكذب فليس بشيء‪ ،‬وهذا القول قاله أبو حنيفة وأصحابه‪.‬‬
‫والقول السيادس إنهيا يميين يكفرهيا ميا يكفير اليميين‪ ،‬إل أن بعيض‬
‫هؤلء قال يمين مغلظة‪ ،‬وهو قول عمر وابن مسعود وابن عباس‬
‫وجماعية مين التابعيين؛ وقال ابين عباس وقيد سيئل عنهيا‪ :‬لقيد كان‬
‫لكيم فيي رسيول الله أسيوة حسينة‪ ،‬خرجيه البخاري ومسيلم ذهيب‬
‫إلى الحتجاج بقوله تعالى {يييا أيهييا النييبي لم تحرم مييا أحييل الله‬
‫لك} الية‪.‬‬
‫والقول السيابع أن تحرييم المرأة كتحرييم الماء‪ ،‬ولييس فييه كفارة‬
‫ول طلق لقوله تعالى {ل تحرموا طيبات ميا أحيل الله لكيم} وهيو‬
‫قول مسييروق والجدع وأبييي سييلمة بيين عبييد الرحميين والشعييبي‬
‫وغيرهييم‪ .‬وميين قال فيهييا إنهييا غييير مغلظيية بعضهييم أوجييب فيهييا‬
‫الواجييب فييي الظهار‪ ،‬وبعضهييم أوجييب فيهييا عتييق رقبيية‪ .‬وسييبب‬
‫الختلف هيل هيو يميين أو كنايية؟ أو لييس بيميين ول كنايية؟ فهذه‬
‫أصول ما يقع من الختلف في ألفاظ الطلق‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الثاني في ألفاظ الطلق المقيدة‪.‬‬
‫@‪-‬والطلق المقيييد ل يخلو ميين قسييمين‪ :‬إمييا تقييييد اشتراط‪ ،‬أو‬
‫تقيييد اسيتثناء‪ ،‬والتقيييد المشترط ل يخلو أن يعلق بمشيئة مين له‬
‫اختيار أو بوقوع فعييل ميين الفعال المسييتقبلة أو بخروج شيييء‬
‫مجهول العلم إلى الوجود على ما يدعيه المعلق للطلق به مما ل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يتوصل إلى علمه إل بعد خروجه إلى الحس‪ ،‬أو إلى الوجود أو بما‬
‫ل سيبيل إلى الوقوف علييه مميا هيو ممكين أن يكون أو ل يكون‪.‬‬
‫فأما تعليق الطلق بالمشيئة فإنه ل يخلو أن يعلقه بمشيئة الله أو‬
‫بمشيئة مخلوق‪ ،‬فإذا علقييه بمشيئة الله وسييواء علقييه على جهيية‬
‫الشرط مثيييل أن يقول أنيييت طالق إن شاء الله‪ ،‬أو على جهييية‬
‫السييتثناء مثييل أن يقول أنييت طالق إل أن يشاء الله‪ ،‬فإن مالكييا‬
‫قال‪ :‬ل يؤثير السيتثناء فيي الطلق شيئا وهيو واقيع لبيد‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفة والشافعي‪ :‬إذا استثنى المطلق مشيئة الله لم يقع الطلق‪.‬‬
‫وسييبب الخلف هييل يتعلق السييتثناء بالفعال الحاضرة الواقعيية‬
‫كتعلقه بالفعال المستقبلة أو ل يتعلق؟ وذلك أن الطلق هو فعل‬
‫حاضير؛ فمين قال ل يتعلق بيه قال‪ :‬ل يؤثير السيتثناء ول اشتراط‬
‫المشيئة فيي الطلق؛ ومين قال يتعلق بيه قال‪ :‬يؤثير فييه‪ .‬وأميا إن‬
‫علق الطلق بمشيئة ميين تصييح مشيئتييه ويتوصييل إلى علمهييا فل‬
‫خلف فييي مذهييب مالك أن الطلق يقييف على اختيار الذي علق‬
‫الطلق بمشيئتييه‪ .‬وأمييا تعليييق الطلق بمشيئة ميين ل مشيئة له‪،‬‬
‫ففيييه خلف فييي المذهييب‪ ،‬قيييل يلزمييه الطلق‪ ،‬وقيييل ل يلزمييه‪،‬‬
‫والصييبي والمجنون داخلن فييي هذا المعنييى؛ فميين شبهييه بطلق‬
‫الهزل وكان الطلق بالهزل عنده يقيع قال‪ :‬يقيع هذا الطلق؛ ومين‬
‫اعتيبر وجود الشرط قال‪ :‬ل يقيع لن الشرط قيد عدم ههنيا‪ .‬وأميا‬
‫تعليييق الطلق بالفعال المسييتقبلة‪ ،‬فإن الفعال التييي يعلق بهييا‬
‫توجيد على ثلثية أضرب‪ :‬أحدهيا ميا يمكين أن يقيع أو ل يقيع على‬
‫السييواء كدخول الدار وقدوم زيييد‪ ،‬فهذا يقييف وقوع الطلق فيييه‬
‫على وجود الشرط بل خلف‪ .‬وأمييا مييا لبييد ميين وقوعييه كطلوع‬
‫الشمييس غدا‪ ،‬فهذا يقييع ناجزا عنييد مالك‪ ،‬ويقييف وقوعييه عنييد‬
‫الشافعيي وأبيي حنيفية على وجود الشرط؛ فمين شبهيه بالشرط‬
‫الممكن الوقوع قال‪ :‬ل يقع إل بوقوع الشرط؛ ومن شبهه بالوطء‬
‫الواقع في الجل بنكاح المتعة لكونه وطئا مستباحا إلى أجل قال‪:‬‬
‫يقع الطلق؛ والثالث هو الغلب منه بحسب العادة وقوع الشرط‪،‬‬
‫وقد ل يقع كتعليق الطلق بوضع الحمل ومجيء الحيض والطهر‪،‬‬
‫ففي ذلك روايتان عن مالك‪ :‬إحداهما وقوع الطلق ناجزا؛ والثانية‬
‫وقوعه على وجود شرطه‪ ،‬وهو الذي يأتي على مذهب أبي حنيفة‬
‫والشافعييي‪ ،‬والقول بإنجاز الطلق فييي هذا يضعييف لنييه مشبييه‬
‫عنده بمييا يقييع ولبييد‪ ،‬والخلف فيييه قوي‪ ،‬وأمييا تعليييق الطلق‬
‫بالشرط المجهول الوجود فإن كان ل سييبيل إلى علمييه مثييل أن‬
‫يقول‪ :‬إن كان خلق الله اليوم فييي بحيير القلزم حوتييا بصييفة كذا‬
‫فأنيت طالق‪ ،‬فل خلف أعلميه فيي المذهيب أن الطلق يقيع فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هذا‪ ،‬وأما إن علقه بشيء يمكن أن يعلم بخروجه إلى الوجود مثل‬
‫أن يقول‪ :‬إن ولدت أنثييى فأنييت طالق فإن الطلق يتوقييف على‬
‫خروج ذلك الشيييء إلى الوجود‪ .‬وأمييا إن حلف بالطلق أنهييا تلد‬
‫أنثى‪ ،‬فأن الطلق في الحين يقع عنده وإن ولدت إنثى‪ ،‬وكان هذا‬
‫مين باب التغلييظ‪ ،‬والقياس يوجيب أن يوقيف الطلق على خروج‬
‫ذلك الشييء أو ضده ومين قول مالك إنيه إذا أوجيب الطلق على‬
‫نفسيه بشرط أن يفعيل فعل مين الفعال أنيه ل يحنيث حتيى يفعيل‬
‫ذلك الفعيل‪ ،‬وإذا أوجيب الطلق على نفسيه بشرط ترك فعيل مين‬
‫الفعال فإنييه على الحنييث حتييى يفعييل ويوقييف عنده عيين وطييء‬
‫زوجته‪ ،‬فإن امتنع عن ذلك الفعل أكثر من مدة أجل اليلء ضرب‬
‫له أجيل اليلء ولكين ل يقيع عنده حتيى يفوت الفعيل إن كان مميا‬
‫يقيع فوتيه‪ ،‬ومين العلماء مين يرى أنيه على بر حتيى يفوت الفعيل‪،‬‬
‫وإن كان مميا ل يفوت كان على البر حتيى يموت‪ .‬ومين هذا الباب‬
‫اختلفهيم فيي تبعييض المطلقية‪ ،‬أو تبعييض الطلق وإرداف الطلق‬
‫على الطلق‪ .‬فأميا مسيألة تبعييض المطلقية‪ ،‬فإن مالكيا قال‪ :‬إذا‬
‫قال يدك أو رجلك أو شعرك طالق طلقت عليه؛ وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫ل تطلق إل بذكير عضيو يعيبر بيه عين جملة البدن كالرأس والقلب‬
‫والفرج‪ ،‬وكذلك تطلق عنده إذا طلق الجزء منهييا‪ ،‬مثييل الثلث أو‬
‫الربييع؛ وقال داود‪ :‬ل تطلق؛ وكذلك إذا قال عنييد مالك‪ :‬طلقتييك‬
‫نصف تطليقة طلقت‪ ،‬لن هذا كله عنده ل يتبعض؛ وعند المخالف‬
‫إذا تبعض لم يقع‪ ،‬وأما إذا قال لغير المدخول بها‪ :‬أنت طالق أنت‬
‫طالق أنييت طالق نسييقا‪ ،‬فإنييه يكون ثلثييا عنييد مالك؛ وقال أبييو‬
‫حنيفيية والشافعييي‪ :‬يقييع واحدة؛ فميين شبييه تكرار اللفييظ بلفظييه‬
‫بالعدد‪ ،‬أعنيي بقوله طلقتيك ثلثيا قال‪ :‬يقيع الطلق ثلثيا؛ ومين رأى‬
‫أنييه باللفظيية الواحدة قييد بانييت منييه قال‪ :‬ل يقييع عليهييا الثانييي‬
‫والثالث‪ ،‬ول خلف بيييين المسيييلمين فيييي ارتدافيييه فيييي الطلق‬
‫الرجعي‪.‬‬
‫وأميا الطلق المقييد بالسيتثناء فإنميا يتصيور فيي العدد فقيط‪ ،‬فإذا‬
‫طلق أعدادا من الطلق‪ ،‬فل يخلو من ثلثة أحوال‪ :‬إما أن يستثني‬
‫ذلك العدد بعينه‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬أنت طالق ثلثا إل ثلثا‪ ،‬أو اثنتين‬
‫إل اثنتين؛ وإما أن يستثني ما هو أقل‪.‬‬
‫وإذا استثنى ما هو أقل‪ ،‬فإما أن يستثني ما هو أقل مما هو أكثر‪،‬‬
‫وإميا أن يستثني ما هو أكثر م ما هو أقل‪ ،‬فإذا اسيتثنى القيل من‬
‫الكثر فل خلف أعلمه أن الستثناء يصح ويسقط المستثنى‪ :‬مثل‬
‫أن يقول‪ :‬أنيت طالق ثلثيا إل واحدة‪ .‬وأميا إن اسيتثنى الكثير مين‬
‫القل فيتوجه فيه قولن‪ :‬أحدهما أن الستثناء ل يصح‪ ،‬وهو مبني‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫على منيع أن يسيتثنى الكثير مين القيل‪ .‬والخير أن السيتثناء يصيح‪،‬‬


‫وهيو قول مالك‪ .‬وأميا إذا اسيتثنى ذلك العدد بعينيه مثيل أن يقول‪:‬‬
‫أنيت طالق ثلثيا إل ثلثيا‪ ،‬فإن مالكيا قال‪ :‬يقيع الطلق لنيه اتهميه‬
‫على أنيه رجوع منيه‪ .‬وأميا إذا لم يقيل بالتهمية وكان قصيده بذلك‬
‫اسيتحالة وقوع الطلق فل طلق علييه‪ ،‬كميا لو قال أنيت طالق ل‬
‫طالق معا‪ ،‬فإن وقوع الشيء مع ضده مستحيل‪ .‬وشذ أبو محمد‬
‫بن حزم فقال‪ :‬ل يقع الطلق بصفة لم تقع بعد ول بفعل لم يقع‪،‬‬
‫لن الطلق ل يقيع فيي وقيت وقوعيه إل بإيقاع مين يطلق فيي ذلك‬
‫الوقييت ول دليييل ميين كتاب ول سيينة ول إجماع على وقوع طلق‬
‫فيي وقيت لم يوقعيه فييه المطلق‪ ،‬وإنميا ألزم نفسيه إيقاعيه فييه‪،‬‬
‫فإن قلنيا باللزوم لزم أن يوقيف عنيد ذلك الوقيت حتيى يوقيع‪ ،‬هذا‬
‫قياس قوله عندي وحجتيه‪ ،‬وإن كنيت لسيت أذكير فيي هذا الوقيت‬
‫احتجاجه في ذلك‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني في المطلق الجائز الطلق‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أنيييه الزوج العاقيييل البالغ الحييير غيييير المكره‪،‬‬
‫واختلفوا فييي طلق المكره والسييكران وطلق المريييض وطلق‬
‫المقارب للبلوغ‪ .‬واتفقوا على أنييه يقييع طلق المريييض إن صييح‪،‬‬
‫واختلفوا هييل ترثييه إن مات أم ل؟ فأمييا طلق المكره فإنييه غييير‬
‫واقيع عنيد مالك والشافعيي وأحميد وداود وجماعية‪ ،‬وبيه قال عبيد‬
‫الله بن عمر وابن الزبير وعمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب‬
‫وابين عباس‪ .‬وفرق أصيحاب الشافعيي بيين أن ينوي الطلق أو ل‬
‫ينوي شيئا‪ ،‬فإن نوى الطلق فعنهييم قولن أصييحهما لزومييه‪ :‬وإن‬
‫لم ينو فقولن أصحهما أنه ل يلزم؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬هو‬
‫واقيع‪ ،‬وكذلك عتقيه دون بيعيه‪ ،‬ففرقوا بيين البييع والطلق والعتيق‪.‬‬
‫وسييبب الخلف هييل المطلق ميين قبييل الكراه مختار أم ليييس‬
‫بمختار؟ لنييه ليييس يكره على اللفييظ إذ كان اللفييظ إنمييا يقييع‬
‫باختياره‪ .‬والمكره على الحقيقيية هييو الذي لم يكيين له اختيار فييي‬
‫إيقاع الشييء أصيل‪ ،‬وكيل واحيد مين الفريقيين يحتيج بقوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم " رفيع عين أمتيي الخطيأ والنسييان وميا اسيتكرهوا‬
‫عليه" ولكن الظهر أن المكره على الطلق وإن كان موقعا للفظ‬
‫باختياره أنييه ينطلق عليييه فييي الشرع اسييم المكره لقوله تعالى‬
‫{إل مين أكره وقلبيه مطمئن باليمان} وإنميا فرق أبيو حنيفية بيين‬
‫البيع والطلق‪ ،‬لن الطلق مغلظ فيه‪ ،‬ولذلك استوى جده وهزله‪.‬‬
‫وأمييا طلق الصييبي‪ ،‬فإن المشهور عيين مالك أنييه ل يلزمييه حتييى‬
‫يبلغ؛ وقال في مختصر ما ليس في المختصر‪ :‬أنه يلزمه إذا ناهز‬
‫الحتلم‪ ،‬وبييه قال أحمييد بيين حنبييل إذا هييو أطاق صيييام رمضان؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال عطاء‪ :‬إذا بلغ اثنتي عشرة سنة جاز طلقه‪ ،‬وروي عن عمر‬
‫بين الخطاب رضيي الله عنيه‪ .‬وأميا طلق السيكران‪ ،‬فالجمهور مين‬
‫الفقهاء على وقوعييه؛ وقال قوم‪ :‬ل يقييع منهييم المزنييي وبعييض‬
‫أصييحاب أبييي حنيفيية‪ .‬والسييبب فييي اختلفهييم هييل حكمييه حكييم‬
‫المجنون أم بينهمييا فرق؟ فميين قال هييو والمجنون سييواء إذ كان‬
‫كلهما فاقدا للعقل‪ ،‬ومن شرط التكليف العقل قال‪ :‬ل يقع؛ ومن‬
‫قال الفرق بينهميا أن السيكران أدخيل الفسياد على عقله بإرادتيه‬
‫والمجنون بخلف ذلك ألزم السييييكران الطلق‪ ،‬وذلك ميييين باب‬
‫التغلييظ علييه‪ .‬واختلف الفقهاء فيميا يلزم السيكران بالجملة مين‬
‫الحكام وميا ل يلزميه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يلزميه الطلق والعتيق والقود‬
‫من الجراح والقتل‪ ،‬ولم يلزمه النكاح ول البيع‪ ،‬وألزمه أبو حنيفة‬
‫كل شيء؛ وقال الليث‪ :‬كل ما جاء من منطق السكران فموضوع‬
‫عنيه‪ ،‬ول يلزميه طلق ول عتيق ول نكاح ول بييع ول حيد فيي قذف‪،‬‬
‫وكل ما جنته جوارحه فلزم له‪ ،‬فيحد في الشرب والقتل والزنى‬
‫والسيرقة‪ .‬وثبيت عين عثمان بين عفان رضيي الله عنيه أنيه كان ل‬
‫يرى طلق السكران‪ .‬وزعم بعض أهل العلم أنه ل مخالف لعثمان‬
‫فييي ذلك ميين الصييحابة‪ .‬وقول ميين قال‪ :‬إن كييل طلق جائز إل‬
‫طلق المعتوه ليس نصا في إلزام السكران الطلق لن السكران‬
‫معتوه ميا‪ ،‬وبيه قال داود وأبيو ثور وإسيحاق وجماعية مين التابعيين‪:‬‬
‫أعنييي أن طلقييه ليييس يلزم؛ وعيين الشافعييي القولن فييي ذلك‪،‬‬
‫واختار أكثير أصيحابه قوله الموافيق للجمهور‪ ،‬واختار المزنيي مين‬
‫أصحابه أن طلقه غير واقع‪ .‬وأما المريض الذي يطلق طلقا بائنا‬
‫ويموت ميين مرضييه‪ ،‬فإن مالكييا وجماعيية يقول‪ :‬ترثييه زوجتييه‪،‬‬
‫والشافعي وجماعة ل يورثها‪ .‬والذين قالوا بتوريثها انقسموا ثلث‬
‫فرق‪ :‬ففرقية قالت لهيا الميراث ميا داميت فيي العدة‪ ،‬وممين قال‬
‫بذلك أبيو حنيفية وأصيحابه والثوري؛ وقال قوم‪ :‬لهيا الميراث ميا لم‬
‫تتزوج‪ ،‬وممن قال بهذا أحمد وابن أبي ليلى؛ وقال قوم‪ :‬بل ترث‬
‫كانييت فييي العدة أو لم تكيين‪ ،‬تزوجييت أم لم تتزوج‪ ،‬وهييو مذهييب‬
‫مالك والليث‪.‬‬
‫وسبب الخلف اختلفهم في وجوب العمل بسد الذرائع؛ وذلك أنه‬
‫لميا كان المرييض يتهيم فيي أن يكون إنميا طلق فيي مرضيه زوجتيه‬
‫ليقطع حظها من الميراث؛ فمن قال بسد الذرائع أوجب ميراثها؛‬
‫وميين لم يقييل بسييد الذرائع ولحييظ وجوب الطلق لم يوجييب لهييا‬
‫ميراثييا‪ ،‬وذلك أن هذه الطائفيية تقول‪ :‬إن كان الطلق قييد وقييع‬
‫فيجيب أن يقيع بجمييع أحكاميه‪ ،‬لنهيم قالوا‪ :‬إنيه ل يرثهيا إن ماتيت‬
‫وإن كان لم يقيع فالزوجيية باقيية بجمييع أحكامهيا‪ ،‬ولبيد لخصيومهم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين أحيد الجوابيين‪ ،‬لنيه يعسير أن يقال إن فيي الشرع نوعيا مين‬
‫الطلق توجيييد له بعيييض أحكام الطلق وبعيييض أحكام الزوجيييية؛‬
‫وأعسير مين ذلك القول بالفرق بيين أن يصيح أو ل يصيح‪ ،‬لن هذا‬
‫يكون طلقا موقوف الحكم إلى أن يصح أو ل يصح‪ ،‬وهذا كله مما‬
‫يعسر القول به في الشرع‪ ،‬ولكن إنما أنس القائلون به أنه فتوى‬
‫عثمان وعمر حتى زعمت المالكية أنه إجماع الصحابة‪ ،‬ول معنى‬
‫لقولهم فإن الخلف فيه عن ابن الزبير مشهور‪ .‬وأما من رأى أنها‬
‫ترث في العدة‪ ،‬فلن العدة عنده من بعض أحكام الزوجية‪ ،‬وكأنه‬
‫شبههيا بالمطلقية الرجعيية‪ ،‬وروي هذا القول عين عمير وعائشية‪.‬‬
‫وأميا مين اشترط فيي توريثهيا ميا لم تتزوج فإنيه لحيظ فيي ذلك‬
‫إجماع المسيلمين على أن المرأة الواحدة ل ترث زوجيين‪ ،‬ولكون‬
‫التهمة هي العلة عند الذين أوجبوا الميراث‪.‬‬
‫واختلفوا إذا طلبييت هييي الطلق أو ملكهييا أمرهييا الزوج فطلقييت‬
‫نفسييها‪ ،‬فقال أبييو حنيفيية‪ :‬ل ترث أصييل؛ وفرق الوزاعييي بييين‬
‫التملييك والطلق فقال‪ :‬لييس لهيا ميراث فيي التملييك ولهيا فيي‬
‫الطلق وسوى مالك في ذلك كله حتى لقد قال‪ :‬إن ماتت ل يرثها‬
‫وترثه هي إن مات‪ ،‬وهذا مخالف للصول جدا‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثالث فيميين يتعلق بييه الطلق ميين النسيياء وميين ل‬
‫يتعلق‪.‬‬
‫@‪-‬وأما من يقع طلقه من النساء‪ ،‬فإنهم اتفقوا على أن الطلق‬
‫يقيع على النسياء اللتيي فيي عصيمة أزواجهين‪ ،‬أو قبيل أن تنقضيي‬
‫عددهين فيي الطلق الرجعيي‪ ،‬وأنيه ل يقيع على الجنيبيات‪ :‬أعنيي‬
‫الطلق المعلق‪ .‬وأما تعليق الطلق على الجنبيات بشرط التزويج‬
‫مثيل أن يقول‪ :‬إن نكحيت فلنية فهيي طالق‪ ،‬فإن للعلماء فيي ذلك‬
‫ثلثية مذاهيب‪ :‬قول إن الطلق ل يتعلق بأجنبيية أصيل عيم المطلق‬
‫أو خييص‪ ،‬وهييو قول الشافعييي وأحمييد وداود وجماعيية؛ وقول إنييه‬
‫يتعلق بشرط التزويج عمم المطلق جميع النساء أو خصص‪ ،‬وهو‬
‫قول أبي حنيفة وجماعة وقول إنه إن عم جميع النساء لم يلزمه‪،‬‬
‫وإن خصص لزمه‪ ،‬وهو قول مالك وأصحابه‪ ،‬أعني مثل أن يقول‪:‬‬
‫كييل امرأة أتزوجهييا ميين بنييي فلن أو ميين بلد كذا فهييي طالق‪،‬‬
‫وكذلك فييي وقييت كذا‪ ،‬فإن هؤلء يطلقيين عنييد مالك إذا زوجيين‪.‬‬
‫وسيبب الخلف هيل مين شرط وقوع الطلق وجود الملك متقدميا‬
‫بالزمان على الطلق أم ليس ذلك من شرطه؟ فمن قال هو من‬
‫شرطيييه قال‪ :‬ل يتعلق الطلق بالجنبيييية؛ ومييين قال ليييس ميين‬
‫شرطيه إل وجود الملك فقيط قال‪ :‬يقيع بالجنبيية‪ .‬وأميا الفرق بيين‬
‫التعمييم والتخصييص فاسيتحسان مبنيي على المصيلحة‪ ،‬وذلك أنيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إذا عميم فأوجبنيا علييه التعمييم لم يجيد سيبيل إلى النكاح الحلل‪،‬‬
‫فكان ذلك عنتيا بيه وحرجيا‪ ،‬وكأنيه مين باب نذر المعصيية؛ وأميا إذا‬
‫خصيص فلييس المير كذلك إذا ألزمناه الطلق؛ واحتيج الشافعيي‬
‫بحدييث عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده قال‪ :‬قال رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم "ل طلق إل ميين بعييد نكاح" وفييي رواييية‬
‫أخرى "ل طلق فيمييا ل يملك ول عتييق فيمييا ل يملك" وثبييت ذلك‬
‫عين علي ومعاذ وجابر ابين عبيد الله وابين عباس وعائشية؛ وروي‬
‫مثل قول أبي حنيفة عن عمر وابن مسعود‪ ،‬وضعف قوم الرواية‬
‫بذلك عن عمر رضي الله عنهم‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثالثة‪ :‬في الرجعة بعد الطلق)‬
‫@‪-‬ولميا كان الطلق على ضربييين‪ :‬بائن‪ ،‬ورجعيي‪ ،‬وكانييت أحكام‬
‫الرجعة بعد الطلق البائن غير أحكام الرجعة بعد الطلق الرجعي‬
‫وجييب أن يكون فييي هذا الجنييس بابان‪ :‬الباب الول‪ :‬فييي أحكام‬
‫الرجعيية فييي الطلق الرجعييي‪ .‬الباب الثانييي‪ :‬فييي أحكام الرتجاع‬
‫في الطلق البائن‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول في أحكام الرجعة في الطلق الرجعي‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمييع المسييلمون على أن الزوج يملك رجعيية الزوجيية فييي‬
‫الطلق الرجعيي ميا داميت فيي العدة مين غيير اعتبار رضاهيا لقوله‬
‫تعالى {وبعولتهيين أحييق بردهيين فييي ذلك} وأن ميين شرط هذا‬
‫الطلق تقدم المسيييييييس له‪ ،‬واتفقوا على أنهييييييا تكون بالقول‬
‫والشهاد‪ .‬واختلفوا هيييل الشهاد شرط فيييي صيييحتها أم لييييس‬
‫بشرط؟ وكذلك اختلفوا هيل تصيح الرجعية بالوطيء؟ فأميا الشهاد‬
‫فذهيب مالك إلى أنيه مسيتحب‪ ،‬وذهيب الشافعيي إلى أنيه واجيب‪.‬‬
‫وسييبب الخلف معارضيية القياس للظاهيير‪ ،‬وذلك أن ظاهيير قوله‬
‫تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكيم} يقتضيي الوجوب‪ ،‬وتشيبيه هذا‬
‫الحيق بسيائر الحقوق التيي يقبضهيا النسيان يقتضيي أن ل يجيب‬
‫الشهاد‪ ،‬فكان الجميع بيين القياس واليية حميل اليية على الندب‪.‬‬
‫وأمييا اختلفهييم فيمييا تكون بييه الرجعيية‪ ،‬فإن قومييا قالوا‪ :‬ل تكون‬
‫الرجعيية إل بالقول فقييط‪ ،‬وبييه قال الشافعييي؛ وقوم قالوا‪ :‬تكون‬
‫رجعتها بالوطء‪ ،‬وهؤلء انقسموا إلى قسمين‪ :‬فقال قوم‪ :‬ل تصح‬
‫الرجعية بالوطيء إل إذا نوى بذلك الرجعية‪ ،‬لن الفعيل عنده يتنزل‬
‫منزلة القول مييع النييية‪ ،‬وهييو قول مالك؛ وأمييا أبييو حنيفيية فأجاز‬
‫الرجعية بالوطيء إذا نوى بذلك الرجعية ودون النيية؛ فأميا الشافعيي‬
‫فقاس الرجعية على النكاح وقال‪ :‬قيد أمير الله بالشهاد‪ ،‬ول يكون‬
‫الشهاد إل على القول‪ .‬وأما سبب الختلف بين مالك وأبي حنيفة‬
‫فإن أبييا حنيفيية يرى أن الرجعييية محللة للوطييء عنده قياسييا على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المولى منها وعلى المظاهرة ولن الملك لم ينفصل عنده‪ ،‬ولذلك‬


‫كان التوارث بينهمييا؛ وعنييد مالك أن وطييء الرجعييية حرام حتييى‬
‫يرتجعهييا‪ ،‬فلبييد عنده ميين النييية‪ ،‬فهذا هييو اختلفهييم فييي شروط‬
‫صيحة الرجعية‪ .‬واختلفوا فيي مقدار ميا يجوز للزوج أن يطلع علييه‬
‫مين المطلقية الرجعيية ميا داميت فيي العدة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل يخلو‬
‫معهيا ول يدخيل عليهيا إل بإذنهيا ول ينظير إلى شعرهيا‪ ،‬ول بأس أن‬
‫يأكل معها إذا كان معهما غيرهما‪ .‬وحكى ابن القاسم أنه رجع عن‬
‫إباحيية الكييل معهييا؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬ل بأس أن تتزييين الرجعييية‬
‫لزوجهيييا وتتطييييب له وتتشوف وتبدي البنان والكحيييل‪ ،‬وبيييه قال‬
‫الثوري وأبو يوسف والوزاعي‪ ،‬وكلهم قالوا‪ :‬ل يدخل عليها إل أن‬
‫تعلم بدخوله بقول أو حركة من تنحنح أو خفق نعل‪ .‬واختلفوا في‬
‫هذا الباب فيي الرجيل يطلق زوجتيه طلقية رجعيية وهيو غائب ثيم‬
‫يراجعهييا فيبلغهييا الطلق ول تبلغهييا الرجعيية فتتزوج إذا انقضييت‬
‫عدتهيا‪ ،‬فذهيب مالك إلى أنهيا للذي عقيد عليهيا النكاح دخيل بهيا أو‬
‫لم يدخل‪ ،‬هذا قوله في الموطأ‪ ،‬وبه قال الوزاعي والليث‪ .‬وروى‬
‫عنه ابن القاسم أنه رجع عن القول الول‪ ،‬وأنه قال‪ :‬الول أولى‬
‫بهيا إل أن يدخيل الثانيي‪ ،‬وبالقول الول قال المدنيون مين أصيحابه‬
‫قالوا‪ :‬ولم يرجع عنه لنه أثبته في موطئه إلى يوم مات وهو يقرأ‬
‫علييه‪ ،‬وهيو قول عمير بين الخطاب ورواه عنيه مالك فيي الموطيأ؛‬
‫وأما الشافعي والكوفيون وأبو حنيفة وغيرهم فقالوا‪ :‬زوجها الول‬
‫الذي ارتجعها أحق بها دخل بها الثاني أو لم يدخل‪ ،‬وبه قال داود‬
‫وأبو ثور‪ ،‬وهو مروي عن علي وهو البين‪ ،‬وقد روي عن عمر بن‬
‫الخطاب رضييي الله عنييه أنييه قال فييي هذه المسييألة‪ :‬إن الزوج‬
‫الذي ارتجعهيا مخيير بيين أن تكون امرأتيه أو أن يرجيع عليهيا بميا‬
‫كان أصيدقها‪ ،‬وحجية مالك فيي الروايية الولى ميا رواه ابين وهيب‬
‫عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال‪ :‬مضت‬
‫السينة فيي الذي يطلق امرأتيه ثيم يراجعهيا فيكتمهيا رجعتهيا حتيى‬
‫تحيل فتنكيح زوجيا غيره أنيه لييس له مين أمرهيا شييء ولكنهيا لمين‬
‫تزوجها‪ ،‬وقد قيل إن هذا الحديث إنما يروى عن ابن شهاب فقط؛‬
‫وحجييية الفرييييق الول أن العلماء قيييد أجمعوا على أن الرجعييية‬
‫صيحيحة وإن لم تعلم بهيا المرأة‪ ،‬بدلييل أنهيم قيد أجمعوا على أن‬
‫الول أحييق بهييا قبييل أن تتزوج‪ ،‬وإذا كانييت الرجعيية صييحيحة كان‬
‫زواج الثانيي فاسيدا‪ ،‬فإن نكاح الغيير ل تأثيير له فيي إبطال الرجعية‬
‫ل قبيل الدخول ول بعيد الدخول‪ ،‬وهيو الظهير إن شاء الله‪ ،‬ويشهيد‬
‫لهذا ما خرجه الترمذي عين سمرة بن جندب أن النيبي صيلى الله‬
‫عليه وسلم قال "أيما امرأة تزوجها اثنان فهي للول منهما‪ ،‬ومن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫باع بيعا من رجلين فهو للول منهما"‪.‬‬


‫*‪*4‬الباب الثاني في أحكام الرتجاع في الطلق البائن‪.‬‬
‫@‪-‬والطلق البائن‪ ،‬إميييا بميييا دون الثلث فذلك يقيييع فيييي غيييير‬
‫المدخول بهيا بل خلف‪ ،‬وفيي المختلعية باختلف‪ ،‬وهيل يقيع أيضيا‬
‫دون عوض؟ فيييه خلف‪ ،‬وحكييم الرجعيية بعييد هذا الطلق حكييم‬
‫ابتداء النكاح‪ :‬أعني في اشتراط الصداق والولي والرضا‪ ،‬إل أنه ل‬
‫يعتبر فيه انقضاء العدة عند الجمهور؛ وشذ قوم فقالوا‪ :‬المختلعة‬
‫ل يتزوجهييا زوجهييا فييي العدة ول غيره‪ ،‬وهؤلء كأنهييم رأوا منييع‬
‫النكاح فييي العدة عبادة‪ .‬وأمييا البائنيية بالثلث‪ ،‬فإن العلماء كلهييم‬
‫على أن المطلقة ثلثا ل تحل لزوجها الول إل بعد الوطء لحديث‬
‫رفاعية بين سيموءل "أنيه طلق امرأتيه تميمية بنيت وهيب فيي عهيد‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم ثلثيا فنكحيت عبيد الرحمين بين‬
‫الزبييير‪ ،‬فاعترض عنهييا فلم يسييتطع أن يمسييها ففارقهييا‪ ،‬فأراد‬
‫رفاعية زوجهيا الول أن ينكحهيا‪ ،‬فذكير ذلك لرسيول الله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم فنهاه عيين تزويجهييا وقال‪ :‬ل تحييل لك حتييى تذوق‬
‫العسييلة"‪ .‬وشيذ سيعيد بين المسييب فقال‪ :‬إنيه جائز أن ترجيع إلى‬
‫زوجهيا الول بنفيس العقيد لعموم قوله تعالى {حتيى تنكيح زوجيا‬
‫غيره} والنكاح ينطلق على العقييد‪ ،‬وكلهييم قال‪ :‬التقاء الختانييين‬
‫يحلها‪ ،‬إل الحسن البصري فقال‪ :‬ل تحل إل بوطء بإنزال‪ .‬وجمهور‬
‫العلماء على أن الوطيء الذي يوجيب الحيد ويفسيد الصيوم والحيج‬
‫ويحييل المطلقيية ويحصيين الزوجييين ويوجييب الصييداق هييو التقاء‬
‫الختانيين‪ .‬وقال مالك وابين القاسيم‪ :‬ل يحيل المطلقية إل الوطيء‬
‫المباح الذي يكون فييي العقييد الصييحيح فييي غييير صييوم أو حييج أو‬
‫حيض أو اعتكاف‪ ،‬ول يحل الذمية عندهما وطء زوج ذمي لمسلم‪،‬‬
‫ول وطء من لم يكن بالغا‪ ،‬وخالفهما في ذلك كله الشافعي وأبو‬
‫حنيفية والثوري والوزاعيي فقالوا‪ :‬يحيل الوطيء وإن وقيع فيي عقيد‬
‫فاسييد أو وقييت غييير مباح‪ .‬وكذلك وطييء المراهييق عندهييم يحييل‪،‬‬
‫ويحييل وطييء الذمييي الذمييية للمسييلم‪ ،‬وكذلك المجنون عندهييم‪،‬‬
‫والخصيي الذي يبقيى له ميا يغيبيه فيي فرج‪ ،‬والخلف فيي هذا كله‬
‫آيييل إلى هييل يتناول اسييم النكاح أصييناف الوطييء الناقييص أم ل‬
‫يتناوله؟ واختلفوا مييين هذا الباب فييييي نكاح المحلل‪ :‬أعنييييي إذا‬
‫تزوجهييا على شرط أن يحللهييا لزوجهييا الول؛ فقال مالك‪ :‬النكاح‬
‫فاسيد يفسيخ قبيل الدخول وبعده‪ ،‬والشرط فاسيد ل تحيل بيه‪ ،‬ول‬
‫يعتبر في ذلك عنده إرادة المرأة التحليل‪ ،‬وإنما يعتبر عنده إرادة‬
‫الرجل؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة النكاح جائز‪ ،‬ول تؤثر النية في‬
‫ذلك‪ ،‬وبه قال داود وجماعة وقالوا‪ :‬هو محلل للزوج المطلق ثلثا؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال بعضهيم‪ :‬النكاح جائز والشرط باطيل‪ :‬أي لييس يحللهيا‪ ،‬هيو‬
‫قول ابن أبي ليلى‪ ،‬وروي عن الثوري؛ واستدل مالك وأصحابه بما‬
‫روي عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم مين حدييث علي بين أبيي‬
‫طالب وابين مسيعود وأبيي هريرة وعقبية بين عامير أنيه قال صيلى‬
‫الله علييه وسيلم "لعين الله المحلل والمحلل له" فلعنيه إياه كلعنيه‬
‫آكييل الربييا وشارب الخميير‪ ،‬وذلك يدل على النهييي‪ ،‬والنهييي يدل‬
‫على فسيياد المنهييى عنييه‪ ،‬واسييم النكاح الشرعييي ل ينطلق على‬
‫النكاح المنهيي عنيه‪ .‬وأميا الفرييق الخير فتعلق بعموم قوله تعالى‬
‫{حتيى تنكيح زوجيا غيره} وهذا ناكيح‪ ،‬وقالوا‪ :‬ولييس فيي تحرييم‬
‫قصد التحليل ما يدل على أن عدمه شرط في صحة النكاح‪ ،‬كما‬
‫أنه ليس النهي عن الصلة في الدار المغصوبة‪ ،‬مما يدل على أن‬
‫من شرط صحة الصلة صحة ملك البقعة أو الذن من مالكها في‬
‫ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬وإذا لم يدل النهيي على فسياد عقيد النكاح فأحرى أن‬
‫ل يدل على بطلن التحليل‪ ،‬وإنما لم يعتبر مالك قصد المرأة لنه‬
‫إذا لم يوافقهيا على قصيدها لم يكين لقصيدها معنيى ميع أن الطلق‬
‫لييس بيدهيا‪ .‬واختلفوا فيي هيل يهدم الزوج ميا دون الثلث؟ فقال‬
‫أ بو حنيفية يهدم‪ ،‬وقال مالك والشافعيي ل يهدم‪ :‬أعنيي إذا تزوجت‬
‫قبيل الطلقية الثالثية غيير الزوج الول ثيم راجعهيا هيل يعتيد بالطلق‬
‫الول أم ل؟ فمين رأى أن هذا شييء يخيص الثالثية بالشرع قال‪ :‬ل‬
‫يهدم ما دون الثالثة عنده؛ ومن رأى أنه إذا هدم الثالثة فهو أحرى‬
‫أن يهدم ما دونها قال‪ :‬يهدم ما دون الثلث‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الرابعيية) وهذه الجملة فيهييا بابان‪ ،‬الول‪ :‬فييي العدة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬في المتعة‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول في العدة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظيير فيي هذا الباب فيي فصيلين‪ :‬الفصيل الول‪ :‬فيي عدة‬
‫الزوجات‪ :‬الفصل الثاني‪ :‬في عدة ملك اليمين‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصيل الول فيي عدة الزوجات‪ .‬والنظير فيي عدة الزوجات‬
‫ينقسم إلى نوعين‪ :‬أحدهما في معرفة العدة‪ .‬والثاني في معرفة‬
‫أحكام العدة‪.‬‬
‫@‪(-‬النوع الول) وكيل زوجية فهيي إميا حرة وإميا أمية‪ ،‬وكيل واحدة‬
‫من هاتين إذا طلقت فل يخلو أن تكون مدخول بها أو غير مدخول‬
‫بهييا‪ ،‬فأمييا غييير المدخول بهييا فل عدة عليهييا بإجماع لقوله تعالى‬
‫{فميا لكيم عليهين مين عدة تعتدونهيا} وأميا المدخول بهيا فل يخلو‬
‫أن تكون من ذوات الحيض أو من غير ذوات الحيض‪ .‬وغير ذوات‬
‫الحييض إميا صيغار وإميا يائسيات‪ ،‬وذوات الحييض إميا حواميل وإميا‬
‫جاريات على عاداتهين فيي الحييض‪ ،‬وإميا مرتفعات الحييض‪ ،‬وإميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مسيتحاضات‪ .‬والمرتفعات الحييض فيي سين الحييض إميا مرتابات‬


‫بالحميل‪ :‬أي بحيس فيي البطين‪ ،‬وإميا غيير مرتابات‪ .‬وغيير مرتابات‬
‫إما معروفات سبب انقطاع الحيض من رضاع أو مرض‪ ،‬وإما غير‬
‫معروفات‪ .‬فأما ذوات الحيض الحرار الجاريات فيي حيضهن على‬
‫المعتاد فعدتهن ثلثة قروء‪ ،‬والحوامل منهن عدتهن وضع حملهن‪،‬‬
‫واليائسييات منهيين عدتهيين ثلثيية أشهيير‪ ،‬ول خلف فييي هذا لنييه‬
‫منصيوص علييه فييي قوله تعالى {والمطلقات يتربصين بأنفسيهن‬
‫ثلثية قروء} اليية‪ ،‬وفيي قوله تعالى {واللئى يئسين مين المحييض‬
‫مين نسيائكم إن ارتبتيم} اليية‪ .‬واختلفوا مين هذه اليية فيي القراء‬
‫ما هي؟ فقال قوم‪ :‬هي الطهار‪ :‬أعني الزمنة التي بين الدمين‪:‬‬
‫وقال قوم‪ :‬هيي الدم نفسيه‪ ،‬وممين قال إن القراء هيي الطهار‪.‬‬
‫أميا مين فقهاء المصيار فمالك والشافعيي وجمهور أهيل المدينية‬
‫وأبيو ثور وجماعية‪ ،‬وأميا مين الصيحابة فابين عمير وزييد بين ثابيت‬
‫وعائشة؛ وممن قال إن القراء هي الحيض أما من فقهاء المصار‬
‫فأبيو حنيفية والثوري والوزاعيي وابين أبيي ليلى وجماعية‪ ،‬وأميا من‬
‫الصييحابة فعلي وعميير بيين الخطاب وابيين مسييعود وأبييو موسييى‬
‫الشعري‪ .‬وحكيى الثرم عين أحميد أنيه قال‪ :‬الكابر مين أصيحاب‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يقولون‪ :‬القراء هيي الحييض‪.‬‬
‫وحكيى أيضيا عين الشعيبي أنيه قول أحيد عشير أو اثنيي عشير مين‬
‫أصيحاب رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ .‬وأميا أحميد بين حنبيل‬
‫فاختلفت الرواية عنه‪ ،‬فروي عنه أنه كان يقول‪ :‬إنها الطهار على‬
‫قول زييد بين ثابيت وابين عمير وعائشية‪ ،‬ثيم توقفيت الن مين أجيل‬
‫قول ابن مسعود وعلي هو أنها الحيض‪ ،‬والفرق بين المذهبين هو‬
‫أن ميين رأى أنهييا الطهار رأى أنهييا إذا دخلت الرجعييية عنده فييي‬
‫الحيضية الثالثية لم يكين للزوج عليهيا رجعية وحلت للزواج‪ ،‬ومين‬
‫رأى أنهييا الحيييض لم تحييل عنده حتييى تنقضييي الحيضيية الثالثيية‪.‬‬
‫وسييبب الخلف اشتراك اسييم القرء‪ ،‬فإنييه يقال فييي كلم العرب‬
‫على حد سواء على الدم وعلى الطهار‪ ،‬وقد رام كل الفريقين أن‬
‫يدل على أن اسيم القرء فيي اليية ظاهير فيي المعنيى الذي يراه‪،‬‬
‫فالذيين قالوا إنهيا الطهار قالوا‪ :‬إن هذا الجميع خاص بالقرء الذي‬
‫هيو الطهير‪ ،‬وذلك أن القرء الذي هيو الحييض يجميع على أقراء ل‬
‫على قروء‪ ،‬وحكوا ذلك عين ابين النباري‪ ،‬وأيضيا فإنهيم قالوا‪ :‬إن‬
‫الحيضة مؤنثة والطهر مذكر‪ ،‬فلو كان القرء الذي يراد به الحيض‬
‫لما ثبت في جمعه الهاء‪ ،‬لن الهاء ل تثبت في جمع المؤنث فيما‬
‫دون العشرة‪ ،‬وقالوا أيضيا‪ :‬إن الشتقاق يدل على ذلك‪ ،‬لن القرء‬
‫مشتييق ميين قرأت الماء فييي الحوض‪ :‬أي جمعتييه‪ ،‬فزمان اجتماع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الدم هيو زمان الطهير‪ ،‬فهذا هيو أقوى ميا تمسيك بيه الفرييق الول‬
‫من ظاهر الية‪ .‬وأما ما تمسك به الفريق الثاني من ظاهر الية‬
‫فإنهم قالوا‪ :‬إن قوله تعالى {ثلثة قروء} ظاهر في تمام كل قرء‬
‫منهييا‪ ،‬لنييه ليييس ينطلق اسييم القرء على بعضييه إل تجوزا‪ ،‬وإذا‬
‫وصييفت القراء بأنهييا هييي الطهار أمكيين أن تكون العدة عندهييم‬
‫بقرءين وبعض قرء‪ ،‬لنها عندهم تعتد بالطهر الذي تطلق فيه وإن‬
‫مضيى أكثره وإذا كان ذلك كذلك فل ينطلق عليهيا اسيم الثلثية إل‬
‫تجوزا‪ ،‬واسم الثلثة ظاهر في كمال كل قرء منها‪ ،‬وذلك ل يتفق‬
‫إل بأن تكون القراء هيي الحييض لن الجماع منعقيد على أنهيا إن‬
‫طلقيت فيي حيضية أنهيا ل تعتيد بهيا‪ ،‬ولكيل واحيد مين الفريقيين‬
‫احتجاجات متساوية من جهة لفظ القرء‪ ،‬والذي رضيه الحذاق أن‬
‫الييية مجملة فييي ذلك‪ ،‬وأن الدليييل ينبغييي أن يطلب ميين جهيية‬
‫أخرى؛ فمين أقوى ميا تمسيك بيه مين رأى أن القراء هيي الطهار‬
‫حديييث ابيين عميير المتقدم‪ ،‬وقوله صييلى الله عليييه وسييلم "مره‬
‫فليراجعهيا حتيى تحييض ثيم تطهير ثيم تحييض ثيم تطهير‪ ،‬ثيم يطلقهيا‬
‫إن شاء قبيل أن يمسيها‪ ،‬فتلك العدة التيي أمير الله أن يطلق لهيا‬
‫النسيياء" قالوا‪ :‬وإجماعهييم على أن طلق السيينة ل يكون إل فييي‬
‫طهر لم تمس فيه‪ ،‬وقوله عليه الصلة والسلم "فتلك العدة التي‬
‫أميير الله أن يطلق لهييا النسيياء" دليييل واضييح على أن العدة هييي‬
‫الطهار لكييي يكون الطلق متصييل بالعدة‪ .‬ويمكيين أن يتأول قوله‬
‫{فتلك العدة} أي فتلك مدة اسييييتقبال العدة لئل يتبعييييض القرء‬
‫بالطلق في الحيض‪.‬‬
‫وأقوى ميا تمسيك بيه الفرييق الثانيي أن العدة إنميا شرعيت لبراءة‬
‫الرحيم‪ ،‬وبراءتهيا إنميا تكون بالحييض ل بالطهار‪ ،‬ولذلك كان عدة‬
‫مين ارتفيع الحييض عنهيا باليام‪ ،‬والحييض هيو سيبب العدة بالقراء‪،‬‬
‫فوجيب أن تكون القراء هيي الحييض واحتيج مين قال القراء هيي‬
‫الطهار بأن المعتيبر فيي براءة الرحيم هيو النقلة مين الطهير إلى‬
‫الحييض ل انقضاء الحييض‪ ،‬فل معنيى لعتبار الحيضية الخيرة‪ ،‬وإذا‬
‫كان ذلك فالثلث المعتيييبر فيهييين التمام‪ :‬أعنيييي المشترط هيييي‬
‫الطهار التييي بييين الحيضتييين‪ ،‬ولكل الفريقييين احتجاجات طويلة‪.‬‬
‫ومذهييب الحنفييية أظهيير ميين جهيية المعنييى‪ ،‬وحجتهييم ميين جهيية‬
‫المسيموع متسياوية أو قرييب مين متسياوية‪ ،‬ولم يختلف القائلون‬
‫أن العدة هيي الطهار أنهيا تنقضيي بدخولهيا فيي الحيضية الثالثية‪.‬‬
‫واختلف الذيين قالوا إنهيا الحييض‪ ،‬فقييل تنقضيي بانقطاع الدم مين‬
‫الحيضة الثالثة‪ ،‬وبه قال الوزاعي؛ وقيل حين تغتسل من الحيضة‬
‫الثالثيية‪ ،‬وبييه قال ميين الصييحابة عميير بيين الخطاب وعلي وابيين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مسييعود‪ ،‬وميين الفقهاء الثوري وإسييحاق ابيين عبيييد؛ وقيييل حتييى‬


‫يمضي وقت الصلة التي طهرت في وقتها؛ وقيل إن للزوج عليها‬
‫الرجعية وإن فرطيت فيي الغسيل عشريين سينة‪ ،‬حكيى هذا عين‬
‫شرييك وقيد قييل تنقضيي بدخولهيا فيي الحيضية الثالثية‪ ،‬وهيو أيضيا‬
‫شاذ‪ ،‬فهذه هييي حال الحائض التييي تحيييض‪ .‬وأمييا التييي تطلق فل‬
‫تحيض وهي في سن الحيض وليس هناك ريبة حمل ول سبب من‬
‫رضاع ول مرض‪ ،‬فإنها تنتظر عند مالك تسعة أشهر فإن لم تحض‬
‫فيهين اعتدت بثلثية أشهير‪ ،‬فإن حاضيت قبيل أن تسيتكمل الثلثية‬
‫أشهيير اعتييبرت الحيييض واسييتقبلت انتظاره‪ ،‬فإن ميير بهييا تسييعة‬
‫أشهر قبل أن تحيض الثانية اعتدت ثلثة أش هر‪ ،‬فإن حاضت قبيل‬
‫أن تسييتكمل الثلثيية أشهيير ميين العام الثانييي انتظرت الحيضيية‬
‫الثالثة‪ ،‬فإن مر بها تسعة أشهر قبل أن تحيض اعتدت ثلثة أشهر‪،‬‬
‫فإن حاضيت الثالثية فيي الثلثية الشهير كانيت قيد اسيتكملت عدة‬
‫الحيض وتمت عدتها‪ ،‬ولزوجها عليها الرجعة ما لم تحل‪ .‬واختلف‬
‫عين مالك متيى تعتيد بالتسيعة أشهير؟ فقييل مين يوم طلقيت‪ ،‬وهيو‬
‫قوله في الموطأ؛ وروى ابن القاسم عنه‪ :‬من يوم رفعها حيضتها؛‬
‫وقال أبو حنيفة والشافعي والجمهور في التي ترتفع حيضتها وهي‬
‫ل تيأس منها في المستأنف إنها تبقى أبدا تنتظر حتى تدخل في‬
‫السن الذي تيأس فيه من المحيض‪ ،‬وحينئذ تعتد بالشهر وتحيض‬
‫قبيل ذلك؛ وقول مالك مروي عين عمير بين الخطاب وابين عباس‪،‬‬
‫وقول الجمهور قول ابين مسيعود وزييد؛ وعمدة مالك مين طرييق‬
‫المعنى هو أن المقصود بالعدة إنما هو ما يقع به براءة الرحم ظنا‬
‫غالبييا بدليييل أنييه قييد تحيييض الحامييل‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فعدة‬
‫الحميل كافيية فيي العلم بيبراءة الرحيم بيل هيي قاطعية على ذلك‪،‬‬
‫ثيم تعتيد بثلثية أشهير عدة اليائسية‪ ،‬فإن حاضيت قبيل تمام السينة‬
‫حكيم لهيا بحكيم ذوات الحييض‪ ،‬واحتسيبت بذلك القرء‪ ،‬ثيم تنتظير‬
‫القرء الثاني أو السنة إلى أن تمضي لها ثلثة قروء؛ وأما الجمهور‬
‫فصياروا إلى ظاهير قوله تعالى {واللئي يئسين مين المحييض مين‬
‫نسييائكم إن ارتبتييم فعدتهيين ثلثيية أشهيير} والتييي هييي ميين أهييل‬
‫الحيض ليست بيائسة‪ ،‬وهذا الرأي فيه عسر وحرج؛ ولو قيل إنها‬
‫تعتيد بثلثية أشهير لكان جيدا إذا فهيم مين اليائسية التيي ل يقطيع‬
‫بانقطاع حيضتها‪ ،‬وكان قوله {إن ارتبتم} راجعا إلى الحكم ل إلى‬
‫الحييض على ميا تأوله مالك علييه‪ ،‬فكأن مالكيا لم يطابيق مذهبيه‬
‫تأويله الية‪ ،‬فإنه فهم من اليائسة هنا من تقطع على أنها ليست‬
‫مين أهيل الحييض‪ ،‬وهذا ل يكون إل مين قبيل السين‪ ،‬ولذلك جعيل‬
‫قوله {إن ارتبتيييم} راجعيييا إلى الحكيييم ل إلى الحييييض‪ :‬أي إن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شككتم في حكمهن‪ ،‬ثم قال في التي تبقى تسعة أشهر ل تحيض‬


‫وهيي فيي سين مين تحييض إنهيا تعتيد بالشهير؛ وأميا إسيمعيل وابين‬
‫بكيير مين أصيحابه‪ ،‬فذهبوا إلى أن الريبية ههنيا فيي الحييض‪ ،‬وأن‬
‫اليائس فييي كلم العرب هييو مالم يحكييم عليييه بمييا يئس منييه‬
‫بالقطع‪ ،‬فطابقوا تأويل الية مذهبهم الذي هو مذهب مالك‪ ،‬ونعم‬
‫ما فعلوا لنه إن فهم ههنا من اليائس القطع فقد يجب أن تنتظر‬
‫الدم وتعتيد بيه حتيى تكون فيي هذا السين‪ :‬أعنيي سين اليائس وإن‬
‫مين فهيم مين اليائس ميا ل يقطيع بذلك فقيد يجيب أن تعتيد التيي‬
‫انقطيع دمهيا عين العادة وهيي فيي سين مين تحييض بالشهير‪ ،‬وهيو‬
‫قياس قول أهييل الظاهيير‪ ،‬لن اليائسيية فييي الطرفييين ليييس هييي‬
‫عندهييم ميين أهييل العدة ل بالقراء ول بالشهور‪ .‬وأمييا الفرق فييي‬
‫ذلك بين ما قبل التسعة وما بعدها فاستحسان‪ .‬وأما التي ارتفعت‬
‫حيضتهييا لسييبب معلوم مثييل رضاع أو مرض‪ ،‬فإن المشهور عنييد‬
‫مالك أنهييا تنتظيير الحيييض قصيير الزمان أم طال؛ وقييد قيييل إن‬
‫المريضة مثل التي ترتفع حيضتها لغير سبب‪.‬‬
‫وأميا المسيتحاضة فعدتهيا عنيد مالك سينة إذا لم تمييز بيين الدميين‪،‬‬
‫فإن ميزت بيين الدميين فعنيه روايتان‪ :‬إحداهميا أن عدتهيا السينة‪.‬‬
‫والخرى أنهيا تعميل على التميييز فتعتيد بالقراء؛ وقال أبيو حنيفية‬
‫عدتهيا القراء إن تميزت لهيا وإن لم تتمييز لهيا فثلثية أشهير؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬عدتهييا بالتمييييز إذا انفصييل عنهييا الدم‪ ،‬فيكون الحميير‬
‫القانيي مين الحيضية‪ ،‬ويكون الصيفر مين أيام الطهير‪ ،‬فإن طبيق‬
‫عليهيا الدم اعتدت بعدد أيام حيضتهيا فيي صيحتها وإنميا ذهيب مالك‬
‫إلى بقاء السينة لنيه جعلهيا مثيل التيي ل تحييض وهيي مين أهيل‬
‫الحييض؛ والشافعيي إنميا ذهيب فيي العارفية أيامهيا أنهيا تعميل على‬
‫معرفتهيييا قياسيييا على الصيييلة لقوله صيييلى الله علييييه وسيييلم‬
‫للمسيتحاضة "اتركيي الصيلة أيام أقرائك فإذا ذهيب عنيك قدرهيا‬
‫فاغسيلي الدم" وإنميا اعتيبر التميييز مين اعتيبره لقوله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم لفاطميية بنييت حييبيش "إذا كان دم الحيييض فإنييه دم‬
‫أسيود يعرف‪ ،‬فإذا كان ذلك فأمسيكي عين الصيلة‪ ،‬فإذا كان الخير‬
‫فتوضيي وصيلي فإنميا هيو عرق" خرجيه أبيو داود‪ ،‬وإنميا ذهيب مين‬
‫ذهيب إلى عدتهيا بالشهور إذا اختلط عليهيا الدم‪ ،‬لنيه معلوم فيي‬
‫الغلب أنهيا فيي كيل شهير تحييض‪ ،‬وقيد جعيل الله العدة بالشهور‬
‫عند ارتفاع الحيض وخفاؤه كارتفاعه‪.‬‬
‫وأما المسترابة‪ :‬أعني التي تجد حسا في بطنها تظن به أنه حمل‬
‫فإنهيا تمكيث أكثير مدة حميل‪ ،‬وقيد اختلف فييه فقييل فيي المذهيب‬
‫أربع سنين‪ ،‬وقيل خمس سنين؛ وقال أهل الظاهر‪ :‬تسعة أشهر‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ول خلف أن انقضاء عدة الحوامييييل لوضييييع حملهيييين‪ :‬أعنييييي‬


‫المطلقات لقوله تعالى {وأولت الحمال أجلهيييييين أن يضعيييييين‬
‫حملهين} وأميا الزوجات غيير الحرائر فإنهين ينقسيمن أيضيا بتلك‬
‫القسيام بعينهيا‪ ،‬أعنيي حيضيا ويائسيات ومسيتحاضات ومرتفعات‬
‫الحيض من غير يائسات‪.‬‬
‫فأمييا الحيييض اللتييي يأتيهيين حيضهيين‪ ،‬فالجمهور على أن عدتهيين‬
‫حيضتان؛ وذهييب داود وأهييل الظاهيير إلى أن عدتهيين ثلث حيييض‬
‫كالحرة‪ ،‬وبيه قال ابين سييرين‪ .‬فأهيل الظاهير اعتمدوا عموم قوله‬
‫تعالى {والمطلقات يتربصيين بأنفسييهن ثلثيية قروء} وهييي مميين‬
‫ينطلق عليهيييا اسيييم المطلقييية‪ .‬واعتميييد الجمهور تخصييييص هذا‬
‫العموم بقياس الشبيه‪ ،‬وذلك أنهيم شبهوا الحييض بالطلق والحيد‪،‬‬
‫أعنيي كونيه متنصيفا ميع الرق‪ ،‬وإنميا جعلوهيا حيضتيين لن الحيضية‬
‫الواحدة ل تتبعيض‪ .‬وأميا المية المطلقية اليائسية مين المحييض أو‬
‫الصيغيرة فإن مالكيا وأكثير أهيل المدينية قالوا‪ :‬عدتهيا ثلثية أشهير؛‬
‫وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأبو ثور وجماعة عدتها شهر‬
‫ونصيف شهير نصيف عدة الحرة‪ ،‬وهيو القياس إذا قلنيا بتخصييص‬
‫العموم‪ ،‬فكأن مالكيا اضطرب قوله‪ ،‬فمرة أخيذ بالعموم وذلك فيي‬
‫اليائسيات‪ ،‬ومرة أخيذ بالقياس وذلك فيي ذوات الحييض‪ ،‬والقياس‬
‫فيي ذلك واحيد‪ .‬وأميا التيي ترتفيع حيضتهيا مين غيير سيبب فالقول‬
‫فيهيا هيو القول فيي الحرة والخلف فيي ذلك‪ ،‬وكذلك المسيتحاضة‬
‫واتفقوا على أن المطلقة قبل الدخول ل عدة عليها‪.‬‬
‫واختلفوا فيمين راجيع امرأتيه فيي العدة مين الطلق الرجعيي ثيم‬
‫فارقهييا قبييل أن يمسييها هييل تسييتأنف عدة أم ل؟ فقال جمهور‬
‫فقهاء المصييار‪ :‬تسييتأنف؛ وقالت فرقيية‪ :‬تبقييى فييي عدتهييا ميين‬
‫طلقها الول وهو أحد قولي الشافعي؛ وقال داود‪ :‬ليس عليها أن‬
‫تتيم عدتهيا ول عدة مسيتأنفة‪ .‬وبالجملة فعنيد مالك أن كيل رجعية‬
‫تهدم العدة وإن لم يكيين مسيييس‪ ،‬مييا خل رجعيية المولى‪ :‬وقال‬
‫الشافعيي؛ إذا طلقهيا بعيد الرجعية وقبيل الوطيء ثبتيت على عدتهيا‬
‫الولى‪ ،‬وقول الشافعيي أظهير؛ وكذلك عنيد مالك رجعية المعسير‬
‫بالنفقية تقيف صيحتها عنده على النفاق فإن أنفيق صيحت الرجعية‬
‫وهدمييت العدة إن كان طلقييا‪ ،‬وإن لم ينفييق بقيييت على عدتهييا‬
‫الولى‪ ،‬وإذا تزوجيت ثانييا فيي العدة فعين مالك فيي ذلك روايتان‪:‬‬
‫إحداهما تداخل العدتين‪ .‬والخرى نفيه‪ ،‬فوجه الولى اعتبار براءة‬
‫الرحييم‪ ،‬لن ذلك حاصييل مييع التداخييل‪ .‬ووجييه الثانييية كون العدة‬
‫عبادة‪ ،‬فوجيب أن تتعدد بتعدد الوطيء الذي له حرمية‪ ،‬وإذا عتقيت‬
‫الميية فييي عدة الطلق مضييت على عدة الميية عنييد مالك‪ ،‬ولم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تنتقيييل إلى عدة الحرة؛ وقال أبيييو حنيفييية‪ :‬تنتقيييل فيييي الطلق‬
‫الرجعييي دون البائن؛ وقال الشافعييي‪ :‬تنتقييل فييي الوجهييين معييا‪.‬‬
‫وسييبب الخلف هييل العدة ميين أحكام الزوجييية أم ميين أحكام‬
‫انفصالها؟ فمن قال من أحكام الزوجية قال‪ :‬ل تنتقل عدتها؛ ومن‬
‫قال مين أحكام انفصيال الزوجيية قال‪ :‬تنتقيل كميا لو أعتقيت وهيي‬
‫زوجة ثم طلقت؛ وأما من فرق بين البائن والرجعي فبين‪ ،‬وذلك‬
‫أن الرجعي فيه شبه من أحكام العصمة‪ ،‬ولذلك وقع فيه الميراث‬
‫باتفاق إذا مات وهيي فيي عدة مين طلق رجعيي‪ ،‬وأنهيا تنتقيل إلى‬
‫عدة الموت‪ ،‬فهذا هو القسم الول من قسمي النظر في العدة‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابيع‪(- :)1 ...‬النوع الول) وكيل زوجية فهيي إميا حرة وإميا أمية‪،‬‬
‫وكل واحدة من هاتين إذا‪... ...‬‬
‫(القسيم الثانيي) وأميا النظير فيي أحكام العدد‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على‬
‫أن للمعتدة الرجعية النفقة والسكنى‪ ،‬وكذلك الحامل لقوله تعالى‬
‫فيي الرجعيات {أسيكنوهن مين حييث سيكنتم مين وجدكيم} اليية‪،‬‬
‫ولقوله تعالى {وإن كين أولت حميل فأنفقوا عليهين حتيى يضعين‬
‫حملهن} ‪ .‬واختلفوا في سكنى المبتوتة ونفقتها إذا لم تكن حامل‬
‫على ثلثيية أقوال‪ :‬أحدهييا أن لهييا السييكنى والنفقيية‪ ،‬وهييو قول‬
‫الكوفيييين‪ .‬والقول الثانييي أنييه ل سييكنى لهييا ول نفقيية‪ ،‬وهييو قول‬
‫أحميد وداود وأبيي ثور وإسيحاق وجماعية‪ .‬والثالث أن لهيا السيكنى‬
‫ول نفقة لها‪ ،‬وهو قول مالك والشافعي وجماعة‪ .‬وسبب اختلفهم‬
‫اختلف الروايية فيي حدييث فاطمية بنيت قييس ومعارضية ظاهير‬
‫الكتاب له‪ ،‬فاسيتدل مين لم يوجيب لهيا نفقية ول سيكنى بميا روي‬
‫فيي حديث فاط مة بنت قيس أنها قالت "طلقني زوجي ثلثا فيي‬
‫عهيد رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬فأتييت النيبي صيلى الله‬
‫علييه وسيلم فلم يجعيل لي سيكنى ول نفقية" خرجيه مسيلم‪ ،‬وفيي‬
‫بعيض الروايات أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال "إنميا‬
‫السيكنى والنفقية لمين لزوجهيا عليهيا الرجعية" وهذا القول مروي‬
‫عين علي وابين عباس وجابر ابين عبيد الله‪ .‬وأميا الذيين أوجبوا لهيا‬
‫السكنى دون النفقة فإنهم احتجوا بما رواه مالك في موطئه من‬
‫حديث فاطمة المذكورة‪ ،‬وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسيلم "لييس لك علييه نفقية" وأمرهيا أن تعتيد فيي بييت ابين أم‬
‫مكتوم ولم يذكير فيهيا إسيقاط السيكنى‪ ،‬فبقيي على عموميه فيي‬
‫قوله تعالى {أسييكنوهن ميين حيييث سييكنتم ميين وجدكييم} وعللوا‬
‫أمره علييه الصيلة والسيلم بأن تعتيد فيي بييت ابين أم مكتوم بأنيه‬
‫كان فييي لسييانها بذاء‪ .‬وأمييا الذييين أوجبوا لهييا السييكنى والنفقيية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فصيياروا إلى وجوب السييكنى لهييا بعموم قوله تعالى {أسييكنوهن‬


‫مين حييث سيكنتم مين وجدكيم} وصياروا إلى وجوب النفقية لهيا‬
‫لكون النفقية تابعية لوجوب السيكان فيي الرجعيية وفيي الحاميل‬
‫وفي نفس الزوجية‪ .‬وبالجملة فحيثما وجبت السكنى في الشرع‬
‫وجبت النفقة‪ .‬وروي عن عمر أنه قال فيي حديث فاطمة هذا‪ :‬ل‬
‫ندع كتاب نبينيا وسينته لقول امرأة‪ ،‬يرييد قوله تعالى {أسيكنوهن‬
‫مين حييث سيكنتم مين وجدكيم} اليية‪ .‬ولن المعروف مين سينته‬
‫عليييه الصييلة والسييلم أنييه أوجييب النفقيية حيييث تجييب السييكنى‪،‬‬
‫فلذلك الولى في هذه المسألة إما أن يقال إن لها المرين جميعا‬
‫مصيرا إلى ظاهر الكتاب والمعروف من السنة‪ ،‬وإما أن يخصص‬
‫هذا العموم بحديييث فاطميية المذكور‪ .‬وأمييا التفريييق بييين إيجاب‬
‫النفقية والسيكنى فعسيير‪ ،‬ووجيه عسيره ضعيف دليله‪ .‬وينبغيي أن‬
‫تعلم أن المسييلمين اتفقوا على أن العدة تكون فييي ثلثيية أشياء‪:‬‬
‫فييي طلق‪ ،‬أو موت‪ ،‬أو اختيار الميية نفسيها إذا اعتقييت‪ .‬واختلفوا‬
‫فيهيا فيي الفسيوخ‪ ،‬والجمهور على وجوبهيا‪ .‬ولميا كان الكلم فيي‬
‫العدة يتعلق فييه أحكام عدة الموت رأينيا أن نذكرهيا ههنيا فنقول‪:‬‬
‫إن المسيلمين اتفقوا على أن عدة الحرة مين زوجهيا الحير أربعية‬
‫أشهييير وعشرا لقوله تعالى {يتربصييين بأنفسيييهن أربعييية أشهييير‬
‫وعشرا} ‪ .‬واختلفوا فيي عدة الحاميل وفيي عدة المية إذا لم تأتهيا‬
‫حيضتها في الربعة الشهر وعشر فماذا حكمها؟ فذهب مالك إلى‬
‫أن ميين شرط تمام هذه العدة أن تحيييض حيضيية واحدة فييي هذه‬
‫المدة‪ ،‬فإن لم تحيض فهيي عنده مسيترابة فتمكيث مدة الحميل؛‬
‫وقيل عنه إنها قد ل تحيض وقد ل تكون مسترابة‪ ،‬وذلك إذا كانت‬
‫عادتهييا فييي الحيييض أكثيير ميين مدة العدة‪ ،‬وهذا إمييا غييير موجود‪،‬‬
‫أعنيي مين تكون عادتهيا أن تحييض أكثير مين أربعية أشهير إلى أكثير‬
‫مين أربعية أشهير‪ ،‬وإميا نادر‪ .‬واختلف عنيه فيمين هذه حالهيا مين‬
‫النسيياء إذا وجدت‪ ،‬فقيييل تنتظيير حتييى تحيييض؛ وروى عنييه ابيين‬
‫القاسيم تتزوج إذا انقضيت عدة الوفاة ولم يظهير بهيا حميل‪ ،‬وعلى‬
‫هذا جمهور فقهاء المصار أبي حنيفة والشافعي والثوري‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) وهيي الحاميل التيي يتوفيى عنهيا زوجهيا‪،‬‬
‫فقال الجمهور وجميع فقهاء المصار‪ :‬عدتها أن تضع حملها مصيرا‬
‫إلى عموم قوله تعالى {وأولت الحمال أجلهيييييين أن يضعيييييين‬
‫حملهن} وإن كانت الية في الطلق وأخذا أيضا بحديث أم سلمة‬
‫أن سييبيعة السييلمية ولدت بعييد وفاة زوجهييا بنصييف شهيير وفيييه‬
‫"فجاءت رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فقال لهيا‪ :‬قيد حللت‬
‫فانكحييي ميين شئت" وروى مالك عيين ابيين عباس أن عدتهييا آخيير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجليين‪ ،‬يرييد أنهيا تعتيد بأبعيد الجليين‪ ،‬إميا الحميل‪ ،‬وإميا انقضاء‬
‫العدة عدة الموت‪ ،‬وروى مثل ذلك عن علي بن أبي طالب رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬والحجة لهم أن ذلك هو الذي يقتضيه الجمع بين عموم‬
‫آيية الحواميل وآيية الوفاة‪ .‬وأميا المية المتوفيي عنهيا مين تحيل له‪،‬‬
‫فإنهييا ل تخلو أن تكون زوجيية أو ملك يمييين أو أم ولد أو غييير أم‬
‫ولد‪ ،‬فأمييا الزوجيية فقال الجمهور‪ :‬إن عدتهييا نصييف عدة الحرة‬
‫قاسوا ذلك على العدة؛ وقال أهل الظاهر‪ :‬بل عدتها عدة الحرة‪،‬‬
‫وكذلك عندهييم عدة الطلق مصيييرا إلى التعميييم‪ .‬وأمييا أم الولد‬
‫فقال مالك والشافعيي وأحميد واللييث وأبيو ثور وجماعية‪ :‬عدتهيا‬
‫حيضية‪ ،‬وبيه قال ابين عمير‪ .‬وقال مالك‪ :‬وإن كانيت ممين ل تحييض‬
‫اعتدت ثلثيية أشهيير‪ ،‬ولهييا السييكنى؛ وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه‬
‫والثوري‪ :‬عدتهيا ثلث حييض‪ ،‬وهيو قول علي وابين مسيعود؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬عدتهيا نصيف عدة الحرة المتوفيي عنهيا زوجهيا؛ وقال قوم‪:‬‬
‫عدتهيا عدة الحرة أربعية أشهير وعشير؛ وحجية مالك أنهيا ليسيت‬
‫زوجة فتعتد عدة الوفاة ول مطلقة فتعتد ثلث حيض‪ ،‬فلم يبق إل‬
‫اسييتبراء رحمهييا‪ ،‬وذلك يكون بحيضيية تشبيهييا بالميية يموت عنهييا‬
‫سييدها‪ ،‬وذلك ميا ل خلف فييه؛ وحجية أبيي حنيفية أن العدة إنميا‬
‫وجبت عليها وهي حرة وليست بزوجة فتعتد عدة الوفاة؛ ول بأمة‬
‫فتعتيد عدة المية‪ ،‬فوجيب أن تسيتبرئ رحمهيا بعدة الحرار‪ .‬وأميا‬
‫الذيين أوجبوا لهيا عدة الوفاة فاحتجوا بحدييث روي عين عمرو بين‬
‫العاص قال‪ :‬ل تلبسييوا علينييا سيينة نبينييا‪ ،‬عدة أم الولد إذا توفييي‬
‫عنهيا سييدها أربعية أشهير وعشير‪ ،‬وضعيف أحميد هذا الحدييث ولم‬
‫يأخيذ بيه‪ .‬وأميا مين أوجيب عليهيا ن صف عدة الحرة تشبيهيا بالزوجية‬
‫المة‪ .‬فسبب الخلف أنها مسكوت عنها‪ ،‬وهي مترددة الشبه بين‬
‫المية والحرة‪ .‬وأميا مين شبههيا بالزوجية المية فضعييف‪ ،‬وأضعيف‬
‫منه من شبهها بعدة الحرة المطلقة‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني في المتعة‪.‬‬
‫@‪-‬والجمهور على أن المتعة ليست واجبة في كل مطلقة؛ وقال‬
‫قوم من أهل الظاهر‪ :‬هي واجبة في كل مطلقة؛ وقال قوم‪ :‬هي‬
‫مندوب إليهيا وليسيت واجبية وبيه قال مالك‪ .‬والذيين قالوا بوجوبهيا‬
‫في بعض المطلقات اختلفوا في ذلك؛ فقال أبو حنيفة‪ :‬هي واجبة‬
‫على من طلق قبل الدخول‪ ،‬ولم يفرض لها صداقا مسمى؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬هييي واجبيية لكييل مطلقيية إذا كان الفراق ميين قبله إل‬
‫التيي سيمى لهيا وطلقيت قبيل الدخول‪ ،‬وعلى هذا جمهور العلماء‪.‬‬
‫واحتييج أبييو حنيفيية بقوله تعالى {يييا أيهييا الذييين آمنوا إذا نكحتييم‬
‫المؤمنات ثيم طلقتموهين مين قبيل أن تمسيوهن فميا لكيم عليهين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين عدة تعتدونهيا‪ ،‬فمتعوهين وسيرحوهن سيراحا جميل} فاشترط‬


‫المتعة مع عدم المسيس‪ ،‬وقال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل‬
‫أن تمسيوهن وقيد فرضتيم لهين فريضية فنصيف ميا فرضتيم} فعلم‬
‫أنيه ل متعية لهيا ميع التسيمية والطلق قبيل المسييس‪ ،‬لنيه إذا لم‬
‫يجييب لهييا الصييداق فأحرى أن ل تجييب لهييا المتعيية‪ ،‬وهذا لعمري‬
‫مخيل‪ ،‬لنه حيث لم يجب لها صداق أقيمت المتعة مقامه‪ ،‬وحيث‬
‫ردت مين يدهيا نصيف الصيداق لم يجيب لهيا شييء‪ .‬وأميا الشافعيي‬
‫فيحميل الوامير الواردة بالمتعية فيي قوله تعالى {ومتعوهين على‬
‫الموسيع قدره وعلى المقتير قدره} على العموم فيي كيل مطلقية‬
‫إل التي سمي لها وطلقت قبل الدخول‪ .‬وأما أهل الظاهر فحملوا‬
‫المر على العموم‪ ،‬والجمهور على أن المختلعة ل متعة لها لكونها‬
‫معطية من يدها كالحال في التي طلقت قبل الدخول وبعد فرض‬
‫الصيداق‪ ،‬وأهيل الظاهير يقولون‪ :‬هيو شرع فتأخيذ وتعطيي‪ .‬وأميا‬
‫مالك فإنيه حميل المير بالمتعية على الندب لقوله تعالى فيي آخير‬
‫الية {حقا على المحسنين} أي على المتفضلين المتجملين‪ ،‬وما‬
‫كان ميين باب الجمال والحسييان فليييس بواجييب‪ .‬واختلفوا فييي‬
‫المطلقة المعتدة هل عليها إحداد؟ فقال مالك‪ :‬ليس عليها إحداد‪.‬‬
‫*‪*4‬باب في بعث الحكمين‪.‬‬
‫@‪-‬اتفيق العلماء على جواز بعيث الحكميين إذا وقيع التشاجير بيين‬
‫الزوجين وجهلت أحوالهما في التشاجر‪ :‬أعني المحق من المبطل‬
‫لقوله تعالى {وإن خفتييم شقاق بينهمييا فابعثوا حكمييا ميين أهله‬
‫وحكميا مين أهلهيا} اليية‪ ،‬وأجمعوا على أن الحكميين ل يكونان إل‬
‫ميين أهييل الزوجييين‪ :‬أحدهمييا ميين قبييل الزوج‪ ،‬والخيير ميين قبييل‬
‫المرأة‪ ،‬إل أن ل يوجيد فيي أهلهميا مين يصيلح لذلك فيرسيل مين‬
‫غيرهمييا؛ وأجمعوا على أن الحكمييين إذا اختلفييا لم ينفييذ قولهمييا؛‬
‫وأجمعوا على أن قولهميا فيي الجميع بينهميا نافيذ بغيير توكييل مين‬
‫الزوجين‪ .‬واختلفوا في تفريق الحكمين بينهما إذا اتفقا على ذلك‬
‫هيييل يحتاج إلى إذن مييين الزوج أو ل يحتاج إلى ذلك؟ فقال مالك‬
‫وأصحابه‪ :‬يجوز قولهما في الفرقة والجتماع بغير توكيل الزوجين‬
‫ول إذن منهميا فيي ذلك؛ وقال الشافعيي وأبيو حنيفية وأصيحابهما‪:‬‬
‫لييس لهميا أن يفرقيا‪ ،‬إل أن يجعيل الزوج إليهميا التفرييق‪ .‬وحجية‬
‫مالك مييا رواه ميين ذلك عيين علي بيين أبييي طالب أنييه قال فييي‬
‫الحكميين‪ :‬إليهميا التفرقية بيين الزوجيين‪ .‬والجميع‪ .‬وحجية الشافعيي‬
‫وأبيي حنيفية أن الصيل أن الطلق لييس بييد أحيد سيوى الزوج أو‬
‫ميين يوكله الزوج‪ .‬واختلف أصييحاب مالك فييي الحكمييين يطلقان‬
‫ثلثييا‪ ،‬فقال ابيين القاسييم‪ :‬تكون واحدة‪ ،‬وقال أشهييب والمغيرة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تكون ثلثيا إن طلقاهيا ثلثيا‪ .‬والصيل أن الطلق بييد الرجيل إل أن‬


‫يقوم دليل على غير ذلك‪ .‬وقد احتج الشافعي وأبو حنيفة بما روي‬
‫في حديث علي هذا أنه قال للحكمين‪ :‬هل تدريان ما عليكما؟ إن‬
‫رأيتمييا أن تجمعييا جمعتمييا‪ ،‬وإن رأيتمييا أن تفرقييا فرقتمييا‪ ،‬فقالت‬
‫المرأة رضييت بكتاب الله وبميا فييه لي وعلي‪ ،‬فقال الرجيل‪ :‬أميا‬
‫الفرقة فل‪ ،‬فقال علي‪ :‬ل والله ل تنقلب حتى تقر بمثل ما أقرت‬
‫بييه المرأة‪ ،‬قال‪ :‬فاعتييبر فييي ذلك إذنييه‪ .‬ومالك يشبييه الحكمييين‬
‫بالسلطان‪ ،‬والسلطان يطلق بالضرر عند مالك إذا تبين‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب اليلء‪.‬‬
‫@‪(-‬بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫والصييل فييي هذا الباب قوله تعالى {للذييين يؤلون ميين نسييائهم‬
‫تربص أربعة أشهر} واليلء‪ :‬هو أن يحلف الرجل أن ل يطأ زوجته‬
‫إ ما مدة هيي أكثر من أربعة أشهر أو أربعة أشهر أو بإطلق على‬
‫الختلف المذكور فيي ذلك فيميا بعيد‪ .‬واختلف فقهاء المصيار فيي‬
‫اليلء في مواضع‪ :‬فمنها هل تطلق المرأة بانقضاء الربعة الشهر‬
‫المضروبية بالنيص للمولى‪ ،‬أم إنميا تطلق بأن يوقيف بعيد الربعية‬
‫الشهر؟ فإما فاء وإما طلق‪ .‬ومنها هل اليلء يكون بكل يمين أم‬
‫باليمان المباحية فيي الشرع فقيط؟‪ .‬ومنهيا إن أمسيك عين الوطيء‬
‫بغير يمين هل يكون موليا أم ل؟‪ .‬ومنها هل المولي هو الذي قيد‬
‫يمينه بمده من أربعة أشهر فقط أو أكثر من ذلك؟ أو المولي هو‬
‫الذي لم يقييد يمينيه بمده أصيل؟‪ .‬ومنهيا هيل طلق اليلء بائن أو‬
‫رجعي؟‪ .‬ومنها إن أبى الطلق والفيء هل يطلق القاضي عليه أم‬
‫ل؟‪ .‬ومنهيا هيل يتكرر اليلء إذا طلقهيا ثيم راجعهيا مين غيير إيلء‬
‫حادث في الزواج الثاني؟‪ .‬ومنها هل من شروط رجعة المولي أن‬
‫يطأها في العدة أم ل؟‪ .‬ومنها هل إيلء العبد حكمه أن يكون مثل‬
‫إيلء الحيير أم ل؟‪ .‬ومنهييا هييل إذا طلقهييا بعييد إنقضاء مدة اليلء‬
‫تلزمهييا عدة أم ل؟‪ .‬فهذه هييي مسييائل الخلف المشهورة فييي‬
‫اليلء بيييين فقهاء المصيييار التيييي تتنزل مييين هذا الباب منزلة‬
‫الصيول‪ ،‬ونحين نذكير خلفهيم فيي مسيألة مسيألة منهيا‪ ،‬وعيون‬
‫أدلتهم وأسباب خلفهم على ما قصدنا‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الولى) أمييا اختلفهييم هييل تطلق بانقضاء الربعيية‬
‫الشهير نفسيها أم ل تطلق وإنميا الحكيم أن يوقيف فإميا فاء وإميا‬
‫طلق؟ فإن مالكيا والشافعيي وأحميد وأبيا ثور وداود واللييث ذهبوا‬
‫إلى أنيه يوقيف بعيد انقضاء الربعية الشهير‪ ،‬فإميا فاء وإميا طلق‪،‬‬
‫وهو قول علي وابن عمر‪ ،‬وإن كان قد روي عنهما غير ذلك‪ ،‬لكن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصييحيح هييو هذا؛ وذهييب أبييو حنيفيية وأصييحابه والثوري وبالجملة‬


‫الكوفيون إلى أن الطلق يقع بانقضاء الربعة الشهر إل أن يفيء‬
‫فيها‪ ،‬وهو قول ابن مسعود وجماعة من التابعين‪ .‬وسبب الخلف‬
‫هييل قوله تعالى {فإن فاءوا فإن الله غفور رحيييم} أي فإن فاءوا‬
‫قبل انقضاء الربعة الشهر أو بعدها؟ فمن فهم منه قبل انقضائها‬
‫قال‪ :‬يقيييع الطلق‪ ،‬ومعنيييى العزم عنده فيييي قوله تعالى {وإن‬
‫عزموا الطلق فإن الله سييميع عليييم} أن ل يفيييء حتييى تنقضييي‬
‫المدة فمين فهيم مين اشتراط الفيئة اشتراطهيا بعيد انقضاء المدة‬
‫قال‪ :‬معنييييى قوله {وإن عزموا الطلق} أي باللفييييظ {فإن الله‬
‫سيميع علييم} ‪ .‬وللمالكيية فيي اليية أربعية أدلة‪ :‬أحدهيا أنيه جعيل‬
‫مدة التربيص حقيا للزوج دون الزوجية‪ ،‬فأشبهيت مدة الجيل فيي‬
‫الديون المؤجلة‪ .‬الدليييل الثانييي أن الله تعالى أضاف الطلق إلى‬
‫فعله‪ .‬وعندهيم لييس يقيع مين فعله إل تجوزا‪ :‬أعنيي لييس ينسيب‬
‫إلييه على مذهيب الحنفيية إل تجوزا‪ ،‬ولييس يصيار إلى المجاز عين‬
‫الظاهير إل بدلييل‪ .‬الدلييل الثالث قوله تعالى {وإن عزموا الطلق‬
‫فإن الله سميع عليم} قالوا‪ :‬فهذا يقتضي وقوع الطلق على وجه‬
‫يسيمع‪ ،‬وهيو وقوعيه باللفيظ ل بانقضاء المدة‪ .‬الرابيع أن الفاء فيي‬
‫قوله تعالى {فإن فاءوا فإن الله غفور رحييم} ظاهرة فيي معنيى‬
‫التعقيييب‪ ،‬فدل ذلك على أن الفيئة بعييد المدة‪ ،‬وربمييا شبهوا هذه‬
‫المدة بمدة العتق‪ .‬وأما أبو حنيفة فإنه اعتمد في ذلك تشبيه هذه‬
‫المدة بالعدة الرجعييية إذ كانييت العدة إنمييا شرعييت لئل يقييع منييه‬
‫ندم‪ ،‬وبالجملة فشبهوا اليلء بالطلق الرجعيييييييي‪ ،‬وشبهوا المدة‬
‫بالعدة وهو شبه قوي‪ ،‬وقد روي ذلك عن ابن عباس‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) وأميا اختلفهيم فيي اليميين التيي يكون بهيا‬
‫اليلء‪ ،‬فإن مالكيا قال‪ :‬يقيع اليلء بكيل يميين‪ ،‬وقال الشافعيي‪ :‬ل‬
‫يقع إل باليمان المباحة في الشرع وهي اليمين بالله أو بصفة من‬
‫صييفاته‪ .‬فمالك اعتمييد العموم‪ :‬أعنييي عموم قوله تعالى {للذييين‬
‫يؤلون مين نسيائهم تربيص أربعية أشهير} والشافعيي يشبيه اليلء‬
‫بيمين الكفارة‪ ،‬وذلك أن كل اليمينين يترتب عليهما حكم شرعي‪،‬‬
‫فوجيب أن تكون اليميين التيي ترتيب عليهيا حكيم اليلء هيي اليميين‬
‫التي يترتب عليها الحكم الذي هو الكفارة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثالثة) وأما لحوق حكم اليلء للزوج إذا ترك الوطء‬
‫بغير يمين‪ ،‬فإن الجمهور على أنه ل يلزمه حكم اليلء بغير يمين‪،‬‬
‫ومالك يلزميه وذلك إذا قصيد الضرار بترك الوطيء‪ ،‬وإن لم يحلف‬
‫على ذلك؛ فالجمهور اعتمدوا الظاهير‪ ،‬ومالك اعتميد المعنيى‪ ،‬لن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحكيم إنميا لزميه باعتقاده ترك الوطيء‪ ،‬وسيواء شيد ذلك العتقاد‬
‫بيمين أو بغير يمين‪ ،‬لن الضرر يوجد في الحالتين جميعا‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) وأميا اختلفهيم فيي مدة اليلء‪ ،‬فإن مالكيا‬
‫ومن قال بقوله يرى أن مدة اليلء يجب أن تكون أكثر من أربعة‬
‫أشهير إذ كان الفييء عندهيم إنميا هيو بعيد الربعية الشهير؛ وأ ما أبيو‬
‫حنيفيية فإن مدة اليلء عنده هييي الربعيية الشهيير فقييط إذ كان‬
‫الفييء عنده إنميا هيو فيهيا؛ وذهيب الحسين وابين أبيي ليلى إلى أنيه‬
‫إذا حلف وقتا ما وإن كان أقل من أربعة أشهر كان موليا يضرب‬
‫له الجل إلى انقضاء الربعة الشهر من وقت اليمين‪ .‬وروي عن‬
‫ابيين عباس أن المولي هييو ميين حلف أن ل يصيييب امرأتييه على‬
‫التأبييد‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم فيي المدة إطلق اليية‪ ،‬فاختلفهيم‬
‫في وقت الفيء‪ ،‬وفي صفة اليمين ومدته هو كون الية عامة في‬
‫هذه المعانيييي أو مجملة‪ ،‬وكذلك اختلفهيييم فيييي صيييفة المولي‬
‫والمولي منهيا ونوع الطلق على ميا سييأتي بعيد‪ .‬وأميا ميا سيوى‬
‫ذلك فسيبب اختلفهيم فييه هيو سيبب السيكوت عنهيا‪ ،‬وهذه هيي‬
‫أركان اليلء‪ :‬أعنييي معرفيية نوع اليمييين ووقييت الفيييء والمدة‬
‫وصفة المولي والمولي منها ونوع الطلق الواقع فيه‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الخامسية) فأميا الطلق التيي يقيع باليلء فعنيد مالك‬
‫والشافعيي أنيه رجعيي‪ ،‬لن الصيل أن كيل طلق وقيع بالشرع أنيه‬
‫يحمل على أنه رجعي إلى أن يدل الدليل على أنه بائن؛ وقال أبو‬
‫حنيفية وأبيو ثور‪ :‬هيو بائن‪ ،‬وذلك أنيه إن كان رجعييا لم يزل الضرر‬
‫عنهيا بذلك لنيه يجبرهيا على الرجعية‪ .‬فسيبب الختلف معارضية‬
‫المصيلحة المقصيودة باليلء للصيل المعروف فيي الطلق‪ ،‬فمين‬
‫غلب الصل قال‪ :‬رجعي‪ ،‬ومن غلب المصلحة قال‪ :‬بائن‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة السادسة) وأما هل يطلق القاضي إذا أبى الفيء أو‬
‫الطلق أو يحبييس حتييى يطلق‪ ،‬فإن مالكييا قال‪ :‬يطلق القاضييي‬
‫علييه؛ وقال أهيل الظاهير‪ :‬يحبيس حتيى يطلقهيا بنفسيه‪ .‬وسيبب‬
‫الخلف معارضيية الصييل المعروف فييي الطلق للمصييلحة؛ فميين‬
‫راعييى الصييل المعروف فييي الطلق قال‪ :‬ل يقييع الطلق إل ميين‬
‫الزوج؛ وميين راعييى الضرر الداخييل ميين ذلك على النسيياء قال‪:‬‬
‫يطلق السيلطان وهيو نظير إلى المصيلحة العامية‪ ،‬وهذا هيو الذي‬
‫يعرف بالقياس المرسل والمنقول عن مالك العمل به‪ ،‬وكثير من‬
‫الفقهاء يأبى ذلك‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة السييابعة) وأمييا هييل يتكرر اليلء إذا طلقهييا ثييم‬
‫راجعها؟ فإن مالكا يقول‪ :‬إذا راجعها فلم يطأها تكرر اليلء عليه‪،‬‬
‫وهذا عنده فيي الطلق الرجعيي والبائن‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬الطلق‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البائن يسييقط اليلء وهييو أحييد قولي الشافعييي‪ ،‬وهذا القول هييو‬
‫الذي اختاره المزنيي وجماعية العلماء على أن اليلء ل يتكرر؛ بعيد‬
‫الطلق إل بإعادة اليميييين‪ .‬والسيييبب فيييي اختلفهيييم معارضييية‬
‫المصييلحة لظاهيير شرط اليلء‪ ،‬وذلك أنييه ل إيلء فييي الشرع إل‬
‫حييث يكون يميين فيي ذلك النكاح بنفسيه ل فيي نكاح آخير‪ ،‬ولكين‬
‫إذا راعينييا هذا وجييد الضرر المقصييود إزالتييه بحكييم اليلء‪ ،‬ولذلك‬
‫رأى مالك أنييه ل يحكييم بحكييم اليلء بغييير يمييين إذا وجييد معنييى‬
‫اليلء‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثامنية) وأميا هيل تلزم الزوجية المولي منهيا عدة أو‬
‫لييس تلزمهيا؟ فإن الجمهور على أن العدة تلزمهيا؛ وقال جابر بين‬
‫زييد‪ :‬ل تلزمهيا عدة إذا كانيت قيد حاضيت فيي مدة الربعية الشهير‬
‫ثلث حيييض‪ ،‬وقال بقوله طائفيية‪ :‬وهييو مروي عيين ابيين عباس‪.‬‬
‫وحجتيه أن العدة إنميا وضعيت لبراءة الرحيم‪ ،‬وهذه قيد حصيلت لهيا‬
‫البراءة‪ .‬وحجيية الجمهور أنهييا مطلقيية فوجييب أن تعتييد كسييائر‬
‫المطلقات‪ .‬وسبب الخلف أن العدة جمعت عبادة ومصلحة؛ فمن‬
‫لحيظ جانيب المصيلحة لم يير عليهيا عدة‪ ،‬ومين لحيظ جانيب العبادة‬
‫أوجب عليها العدة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة التاسعة) وأما إيلء العبد‪ ،‬فإن مالكا قال‪ :‬إيلء العبد‬
‫شهران على النصيف مين إيلء الحير‪ ،‬قياسيا على حدوده وطلقيه؛‬
‫وقال الشافعيي وأهيل الظاهير‪ :‬إيلؤه مثيل إيلء الحير أربعية أشهير‬
‫تمسييكا بالعموم‪ ،‬والظاهيير أن تعلق اليمان بالحيير والعبييد سييواء‪،‬‬
‫واليلء يمييين‪ ،‬وقياسييا أيضييا على مدة العنييين؛ وقال أبييو حنيفيية‪:‬‬
‫النقيص الداخيل على اليلء معتيبر بالنسياء ل بالرجال كالعدة‪ ،‬فإن‬
‫كانيت المرأة حرة كان اليلء إيلء الحير وإن كان الزوج عبدا‪ ،‬وإن‬
‫كانت أمة فعلى النصف؛ وقياس اليلء على الحد غير جيد‪ ،‬وذلك‬
‫أن العبيد إنميا كان حده أقيل مين حيد الحير‪ ،‬لن الفاحشية منيه أقيل‬
‫قبحيا‪ ،‬ومين الحير أعظيم قبحيا‪ ،‬ومدة اليلء إنميا ضربيت جمعيا بيين‬
‫التوسيعة على الزوج وبيين إزالة الضرر عين الزوجية‪ ،‬فإذا فرضنيا‬
‫مدة أقصيير ميين هذه كان أضيييق على الزوج وأنفييى للضرر عيين‬
‫الزوجة‪ ،‬والحر أحق بالتوسعة ونفي الضرر عنه‪ ،‬فلذلك كان يجب‬
‫على هذا القياس أن ل ينقيييص مييين اليلء إل إذا كان الزوج عبدا‬
‫والزوجيية حرة فقييط‪ ،‬وهذا لم يقييل بيه أحييد‪ ،‬فالواجييب التسيوية‪.‬‬
‫والذييين قالوا بتأثييير الرق فييي مدة اليلء اختلفوا فييي زوال الرق‬
‫بعد اليلء‪ ،‬هل ينتقل إلى إيلء الحرار أم ل؟ فقال مالك‪ :‬ل ينتقل‬
‫مين إيلء العبييد إلى إيلء الحرار؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ينتقيل؛ فعنده‬
‫أن المة إذا عتقت وقد آلى زوج ها منها انتقلت إلى إيلء الحرار؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال ابن القاسم‪ :‬الصغيرة التي ل يجامع مثلها ل إيلء عليها‪ ،‬فإن‬
‫وقع وتمادى حسبت الربعة الشهر من يوم بلغت‪ ،‬وإنما قال ذلك‬
‫لنيييه ل ضرر عليهيييا فيييي ترك الجماع؛ وقال أيضيييا‪ :‬ل إيلء على‬
‫خصي ول على من ل يقدر على الجماع‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة العاشرة) وأميا هيل مين شرط رجعية المولي أن يطيأ‬
‫فييييي العدة أم ل؟ فإن الجمهور ذهبوا إلى أن ذلك ليييييس ميييين‬
‫شرطها؛ وأما مالك فإنه قال‪ :‬إذا لم يطأ فيها من غير عذر مرض‬
‫أو ميا أشبيه ذلك فل رجعية عنده له عليهيا وتبقيى على عدتهيا‪ ،‬ول‬
‫سيبيل له إليهيا إذا انقضيت العدة‪ .‬وحجية الجمهور أنيه ل يخلو أن‬
‫يكون اليلء يعود برجعتييه إياهييا فييي العدة أو ل يعود‪ ،‬فإن عاد لم‬
‫يعتبر واستؤنف اليلء من وقت الرجعة؛ أعني تحسب مدة اليلء‬
‫من وقت الرج عة‪ ،‬وإن لم يعد إيلء لم يعتبر أصل إل على مذهب‬
‫من يرى أن اليلء يكون بغير يمين‪ ،‬وكيفما كان فل بد من اعتبار‬
‫الربعة الشهر من وقت الرجعة؛ وأما مالك فإنه قال‪ :‬كل رجعة‬
‫مين طلق كان لرفيع ضرر‪ ،‬فإن صيحة الرجعية معتيبرة فييه بزوال‬
‫ذلك الضرر‪ ،‬وأصله المعسر بالنفقة إذا طلق عليه ثم ارتجع‪ ،‬فإن‬
‫رجعتيه تعتيبر صيحتها بيسياره‪ .‬فسيبب الخلف قياس الشبيه‪ ،‬وذلك‬
‫أن مين شبيه الرجعية بابتداء النكاح أوجيب فيهيا تجدد اليلء‪ ،‬ومين‬
‫شبه هذه الرجعة برجعة المطلق لضرر لم يرتفع منه ذلك الضرر‬
‫قال‪ :‬يبقى على الصل‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الظهار‪.‬‬
‫@‪-‬والصيل فيي الظهار الكتاب والسينة‪ .‬فأميا الكتاب فقوله تعالى‬
‫{والذييين يظاهرون ميين نسييائهم ثييم يعودون لمييا قالوا فتحرييير‬
‫رقبية} اليية‪ .‬وأميا السينة فحدييث خولة بنيت مالك بين ثعلبية قالت‬
‫"ظاهير منيي زوجيي أوييس ابين الصيامت‪ ،‬فجئت إلى رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم أشكييو إليييه‪ ،‬ورسييول الله يجادلنييي فيييه‬
‫ويقول‪ :‬اتقي الله فإنه ابن عمك‪ ،‬فما خرجت حتى أنزل الله {قد‬
‫سيمع الله قول التيي تجادلك فيي زوجهيا وتشتكيي إلى الله والله‬
‫يسيمع تحاوركميا} اليات‪ ،‬فقال‪ :‬ليعتيق رقبية‪ ،‬قالت‪ :‬ل يجيد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فيصوم شهرين متتابعين‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به‬
‫من صيام‪ ،‬قال‪ :‬فليطعم ستين مسكينا‪ ،‬قالت‪ :‬ما عنده من شيء‬
‫يتصيدق بيه‪ ،‬قال‪ :‬فإنيي سيأعينه بعرق مين تمير‪ ،‬قالت‪ :‬وأنيا أعينيه‬
‫بعرق آخر‪ ،‬قال‪ :‬لقد أحسنت اذهبي فأطعمي عنه ستين مسكينا"‬
‫خرجه أبو داود‪ .‬وحديث سلمة بن صخر البياضي عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والكلم فيي أصيول الظهار ينحصير فيي سيبعة فصيول‪ :‬منهيا فيي‬
‫ألفاظ الظهار‪ .‬ومنها في شروط وجوب الكفارة فيه‪ .‬ومنها فيمن‬
‫يصييح فيييه الظهار‪ .‬ومنهييا فيمييا يحرم على المظاهيير‪ .‬ومنهييا هييل‬
‫يتكرر الظهار بتكرر النكاح؟‪ .‬ومنها هل يدخل اليلء عليه؟‪ .‬ومنها‬
‫القول في أحكام كفارة الظهار‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الول في ألفاظ الظهار‪.‬‬
‫@‪-‬واتفيييق العلماء على أن الرجيييل إذا قال لزوجتيييه‪ :‬أنيييت علي‬
‫كظهر أمي أ نه ظهار‪ ،‬واختلفوا إذا ذكير عضوا غير الظهر‪ ،‬أو ذكر‬
‫ظهير مين تحرم علييه مين المحرمات النكاح على التأبييد غيير الم‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬هييو ظهار؛ وقال جماعيية ميين العلماء‪ :‬ل يكون ظهارا‬
‫إل بلفيظ الظهير والم‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬يكون بكيل عضيو يحرم‬
‫النظير إلييه‪ .‬وسيبب اختلفهيم معارضية المعنيى للظاهير‪ ،‬وذلك أن‬
‫معنيى التحرييم تسيتوي فييه الم وغيرهيا مين المحرمات والظهير‬
‫وغيره مين العضاء‪ ،‬وأميا الظاهير مين الشرع‪ ،‬فإنيه يقتضيي أن ل‬
‫يسمى ظهارا إل ما ذكر فيه لفظ الظهر والم‪ .‬وأما إذا قال‪ :‬هي‬
‫علي كأميي ولم يذكير الظهير‪ ،‬فقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬ينوي‬
‫في ذلك لنه قد يريد بذلك الجلل لها وعظم منزلتها عنده؛ وقال‬
‫مالك‪ :‬هيو ظهار‪ .‬وأميا مين شبيه زوجتيه بأجنبيية ل تحرم علييه على‬
‫التأبييد‪ ،‬فإنيه ظهار عنيد مالك‪ ،‬وعنيد ابين الماجشون لييس بظهار‪،‬‬
‫وسيبب الخلف هيل تشيبيه الزوجية بمحرمية غيير مؤبدة التحرييم‬
‫كتشبيهها بمؤبدة التحريم؟‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثاني في شروط وجوب الكفارة فيه‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا شروط وجوب الكفارة‪ ،‬فإن الجمهور على أنهييا ل تجييب‬
‫دون العود‪ ،‬وشذ مجاهد وطاوس فقال‪ :‬ل تجب دون العود‪ ،‬ودليل‬
‫الجمهور قوله تعالى {والذيين يظاهرون مين نسيائهم ثيم يعودون‬
‫لما قالوا فتحرير رقبة} وهو نص في معنى وجوب تعلق الكفارة‬
‫بالعود‪ ،‬وأيضا فمن طريق القياس‪ ،‬فإن الظهار يشبه الكفارة في‬
‫اليميين‪ ،‬فكميا أن الكفارة إنميا تلزم بالمخالفية أو بإرادة المخالفية‪،‬‬
‫كذلك المير فيي الظهار‪ .‬وحجية مجاهيد وطاوس أنيه معنيى يوجيب‬
‫الكفارة العليييا فوجييب أن يوجبهييا بنفسييه ل بمعنييى زائد تشبيهييا‬
‫بكفارة القتل والفطر؛ وأيضا قالوا‪ :‬إنه كان طلق الجاهلية فنسخ‬
‫تحريميه بالكفارة‪ ،‬وهيو معنيى قوله تعالى {ثيم يعودون لميا قالوا}‬
‫والعود عندهييم هييو العود فييي السييلم‪ .‬فأمييا القائلون باشتراط‬
‫العود فيي إيجاب الكفارة‪ ،‬فإنهيم اختلفوا فييه ميا هيو؟ فعين مالك‬
‫فييييي ذلك ثلث روايات‪ :‬إحداهيييين أن العود هييييو أن يعزم على‬
‫إمسياكها والوطيء معيا‪ .‬والثانيية أن يعزم على وطئهيا فقيط‪ ،‬وهيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الرواييية الصييحيحة المشهورة عيين أصييحابه‪ ،‬وبييه قال أبييو حنيفيية‬


‫وأحميد‪ .‬والروايية الثالثية أن العود هيو نفيس الوطيء‪ ،‬وهيي أضعيف‬
‫الروايات عند أصحابه‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬العود هو المساك نفسه‪،‬‬
‫قال‪ :‬ومن مضى له زمان يمكنه أن يطلق فيه ولم يطلق ثبت أنه‬
‫عائد ولزمتيه الكفارة‪ ،‬لن إقامتيه زمانيا يمكين أن يطلق فييه مين‬
‫غيير أن يطلق يقوم مقام إرادة المسياك منيه‪ ،‬أو هيو دلييل ذلك‪.‬‬
‫وقال داود وأهييل الظاهيير‪ :‬العود هييو أن يكرر لفييظ الظهار ثانييية‪،‬‬
‫ومتيى لم يفعيل ذلك فلييس بعائد ول كفارة علييه‪ ،‬فدلييل الروايية‬
‫المشهورة لمالك ينبنييي على أصييلين‪ :‬أحدهمييا أن المفهوم ميين‬
‫الظهار هيو أن الوجوب الكفارة فييه إنميا يكون بإرادتيه العود إلى‬
‫مييا حرم على نفسييه بالظهار وهييو الوطييء‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك‬
‫وجيب أن تكون العودة هيي إميا الوطيء نفسيه‪ ،‬وإميا العزم علييه‬
‫وإرادته‪ .‬والصل الثاني ليس يمكن أن يكون العود نفسه هو وطء‬
‫لقوله تعالى في الية {فتحرير رقبة من ق بل أن يتماسا} ولذلك‬
‫كان الوطييء محرمييا حتييى يُكَفَيير‪ .‬قالوا‪ :‬ولو كان العود نفسييه هييو‬
‫المسيياك لكان الظهار نفسييه يحرم المسيياك فكان الظهار يكون‬
‫طلقييا‪ .‬وبالجملة فالمعول عليييه عندهييم فييي هذه المسييألة هييو‬
‫الطرييق الذي يعرفيه الفقهاء بطرييق السيبر والتقسييم‪ ،‬وذلك أن‬
‫معنييى العود ل يخلو أن يكون تكرار اللفييظ على مييا يراه داود أو‬
‫الوطيء نفسيه أو المسياك نفسيه أو إرادة الوطيء‪ ،‬ول يكون تكرار‬
‫اللفييظ‪ ،‬لن ذلك تأكيييد والتأكيييد ل يوجييب الكفارة ول يكون إرادة‬
‫المسياك للوطيء‪ ،‬فإن المسياك موجود بعيد‪ ،‬فقيد بقيي أن يكون‬
‫إرادة الوطييء‪ ،‬وإن كان إرادة المسياك للوطييء فقيد أراد الوطييء‪،‬‬
‫فثبيت أن العود هيو الوطيء‪ .‬ومعتميد الشافعيية فيي إجرائهيم إرادة‬
‫المسياك‪ ،‬أو المسياك مجرى إرادة الوطيء أن المسياك يلزم عنيه‬
‫الوطييء فجعلوا لزم الشيييء مشبهييا بالشيييء‪ ،‬وجعلوا حكمهمييا‬
‫واحدا‪ ،‬وهيو قرييب مين الروايية الثانيية؛ وربميا اسيتدلت الشافعيية‬
‫على أن إرادة المساك هو السبب في وجوب الكفارة أن الكفارة‬
‫ترتفيع بارتفاع المسياك‪ ،‬وذلك إذا طلق أثير الظهار‪ ،‬ولهذا احتاط‬
‫مالك فيي الروايية الثانيية‪ ،‬فجعيل العود هيو إرادة المريين جميعيا‪:‬‬
‫أعنييي الوطييء والمسيياك؛ وإمييا أن يكون العود الوطييء فضعيييف‬
‫مخالف للنيص‪ ،‬والمعتميد فيهيا تشيبيه الظهار باليميين‪ :‬أي كميا أن‬
‫كفارة اليمين إنما تجب بالحنث كذلك المر ههنا‪ ،‬وهو قياس شبه‬
‫عارضه النص‪ .‬وأما داود فإنه تعلق بظاهر اللفظ في قوله تعالى‬
‫{ثيم يعودون لميا قالوا} وذلك يقتضيي الرجوع إلى القول نفسيه‪.‬‬
‫وعند أبي حنيفة أ نه العود في السلم إلى ما تقدم من ظهارهم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي الجاهليية‪ :‬وعنيد مالك والشافعيي أن المعنيى فيي اليية‪ :‬ثيم‬


‫يعودون فيمييا قالوا‪ .‬وسييبب الخلف بالجملة إنمييا هييو مخالفيية‬
‫الظاهير للمفهوم؛ فمين اعتميد المفهوم جعيل العودة إرادة الوطيء‬
‫أو المسياك‪ ،‬وتأول معنيى اللم فيي قوله تعالى {ثيم يعودون لميا‬
‫قالوا} بمعنيى الفاء؛ وأميا مين اعتميد الظاهير فإنيه جعيل العودة‬
‫تكرير اللفظ‪ ،‬وأن العودة الثانية إنما هي ثانية للولى التي كانت‬
‫منهم في الجاهلية‪ .‬ومن تأول أحد هذين‪ ،‬فالشبه له أن يعتقد أن‬
‫بنفيس الظهار تجيب الكفارة كميا اعتقيد ذلك مجاهيد‪ ،‬إل أن يقدر‬
‫فيي اليية محذوفيا وهيو إرادة المسياك‪ ،‬فهنيا إذا ثلثية مذاهيب‪ :‬إميا‬
‫أن تكون العودة هيي تكرار اللفيظ‪ ،‬وإميا أن تكون إرادة المسياك‪،‬‬
‫وإمييا أن تكون العودة التييي هييي فييي السييلم‪ ،‬وهذان ينقسييمان‬
‫قسمين‪ :‬أعني الول والثالث‪ .‬أحدهما أن يقدر في الية محذوفا‪،‬‬
‫وهييو إرادة المسيياك فيشترط هذه الرادة فييي وجوب الكفارة‪،‬‬
‫وإما أل يقدر فيها محذوفا فتجب الكفارة بنفس الظهار‪ .‬واختلفوا‬
‫من هذا الباب في فروع وهو‪ :‬هل إذا طلق قبل إرادة المساك أو‬
‫ماتييت عنيه زوجتيه هييل تكون عليييه كفارة أم ل؟ فجمهور العلماء‬
‫على أن ل كفارة عليييييه إل أن يطلق بعييييد إرادة العودة أو بعييييد‬
‫المساك بزمان طويل على ما يراه الشافعي‪ .‬وحكي عن عثمان‬
‫البتييي أن عليييه الكفارة بعييد الطلق‪ ،‬وأنهييا إذا ماتييت قبييل إرادة‬
‫العودة لم يكين له سيبيل إلى ميراثهيا إل بعيد الكفارة‪ ،‬وهذا شذوذ‬
‫مخالف للنص‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث فيمن يصح فيه الظهار‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على لزوم الظهار ميين الزوجيية التييي فييي العصييمة‪،‬‬
‫واختلفوا في الظهار من المة ومن التي في غير العصمة‪ ،‬وكذلك‬
‫اختلفوا في ظهار المرأة من الرجل‪ ،‬فأما الظهار من المة فقال‬
‫مالك والثوري وجماعيية‪ :‬الظهار منهييا لزم كالظهار ميين الزوجيية‬
‫الحرة‪ ،‬وكذلك المدبرة وأم الولد؛ وقال الشافعيييي وأبيييو حنيفييية‬
‫وأحميد وأبيو ثور‪ :‬ل ظهار مين أمية؛ وقال الوزاعيي‪ :‬إن كان يطيأ‬
‫أمتيه فهيو منهيا مظاهير‪ ،‬وإن لم يطأهيا فهيي يميين وفيهيا كفارة‬
‫يمين؛ وقال عطاء‪ :‬هو مظاهر لكن عليه نصف كفارة‪ .‬فدليل من‬
‫أوقيييع ظهار المييية عموم قوله تعالى {والذيييين يظاهرون مييين‬
‫نسائهم} والماء من النساء‪ .‬وحجة من لم يجعله ظهارا أنهم قد‬
‫أجمعوا أن النسيياء فييي قوله تعالى {للذييين يؤلون ميين نسييائهم‬
‫تربيص أربعية أشهير} هين ذوات الزواج‪ ،‬فكذلك اسيم النسياء فيي‬
‫آيية الظهار‪ ،‬فسيبب الخلف معارضية قياس الشبيه للعموم‪ :‬أعنيي‬
‫تشيبيه الظهار باليلء وعموم لفيظ النسياء‪ ،‬أعنيي أن عموم اللفيظ‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يقتضي دخول الماء في الظهار وتشبيهه باليلء يقتضي خروجهن‬


‫مين الظهار‪ .‬وأميا هيل مين شرط الظهار كون المظاهير منهيا فيي‬
‫العصيمة أم ل؟ فمذهيب مالك أن ذلك لييس مين شرطيه‪ ،‬وأن مين‬
‫عييين امرأة مييا بعينهييا وظاهيير منهييا بشرط التزويييج كان مظاهرا‬
‫منهييا‪ ،‬وكذلك إن لم يعييين وقال كييل امرأة أتزوجهييا فهييي منييي‬
‫كظهر أمي‪ ،‬وذلك بخلف الطلق وبقول مالك في الظهار قال أبو‬
‫حنيفية والثوري والوزاعيي؛ وقال قائلون‪ :‬ل يلزم الظهار إل فيميا‬
‫يملك الرجييل‪ ،‬ومميين قال بهذا القول الشافعييي وأبييو ثور وداود؛‬
‫وفرق قوم فقالوا‪ :‬إن أطلق لم يلزمييه ظهار وهييو أن يقول‪ :‬كييل‬
‫امرأة أتزوجهييا فهييي منييي كظهيير أمييي‪ ،‬فإن قيييد لزمييه وهييو أن‬
‫يقول‪ :‬إن تزوجت فلنة أو سمى قرية أو قبيلة‪ ،‬وقائل هذا القول‬
‫هيو ابين أبيي ليلى والحسين بين حييي‪ .‬ودلييل الفرييق الول قوله‬
‫تعالى {أوفوا بالعقود} ولنييه عقييد على شرط الملك فأشبييه إذا‬
‫ملك‪ ،‬والمؤمنون عنييد شروطهييم وهييو قول عميير‪ .‬وأمييا حجيية‬
‫الشافعيي فحدييث عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده أن النيبي‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم قال "ل طلق إل فيمييا يملك ول عتييق إل‬
‫فيمييا يملك‪ ،‬ول بيييع إل فيمييا يملك‪ ،‬ول وفاء بنذر إل فيمييا يملك"‬
‫خرجيه أبيو داود والترمذي والظهار شيبيه بالطلق‪ ،‬وهيو قول ابين‬
‫عباس‪ .‬وأميا الذيين فرقوا بيين التعميييم والتعيييين‪ ،‬فإنهيم رأوا أن‬
‫التعميييم فييي الظهار ميين باب الحرج‪ ،‬وقييد قال الله تعالى {ومييا‬
‫جعيل عليكيم فيي الديين مين حرج} ‪ .‬واختلفوا أيضيا مين هذا الباب‬
‫فيي هل تظاهر المرأة من الرجل؟ ف عن العلماء في ثلثة أقوال‪:‬‬
‫أشهرهييا أنييه ل يكون منهييا ظهار‪ ،‬وهييو قول مالك والشافعييي‪.‬‬
‫والثانييي أن عليهييا كفارة يمييين‪ .‬والثالث أن عليهييا كفارة الظهار‪.‬‬
‫ومعتمد الجمهور تشبيه الظهار بالطلق‪ ،‬ومن ألزم المرأة الظهار‬
‫فتشبيهها للظهار باليمين؛ ومن فرق فلنه رأى أن أقل اللزم لها‬
‫فييي ذلك المعنييى هييو كفارة يمييين وهييو ضعيييف‪ .‬وسييبب الخلف‬
‫تعارض الشباه في هذا المعنى‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الرابع فيما يحرم على المظاهر‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن المظاهيير يحرم عليييه الوطييء‪ ،‬واختلفوا فيمييا‬
‫دونه من ملمسة ووطء في غير الفرج ونظر اللذة‪ ،‬فذهب مالك‬
‫إلى أنه يحرم الجماع وجميع أنواع الستمتاع مما دون الجماع من‬
‫الوطييء فيمييا دون الفرج واللمييس والتقبيييل والنظيير للذة مييا عدا‬
‫وجهها وكفيها ويديها من سائر بدنها ومحاسنها‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‬
‫إل أنيه إنميا كره النظير للفرج فقيط؛ وقال الشافعيي‪ :‬إنميا يحرم‬
‫الظهار الوطيء فيي الفرج فقيط المجميع علييه ل ميا عدا ذلك‪ ،‬وبيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قال الثوري وأحميد وجماعية‪ .‬ودلييل مالك قوله تعالى {مين قبيل‬
‫أن يتماسيا} وظاهير لفيظ التماس يقتضيي المباشرة فيميا فوقهيا‪،‬‬
‫ولنه أيضا لفظ حرمت به عليه فأشبه لفظ الطلق‪ ،‬ودليل قول‬
‫الشافعي أن المباشرة كناية عن الجماع بدليل إجماعهم على أن‬
‫الوطييء محرم عليييه‪ ،‬وإذا دلت على الجماع لم تدل على مييا فوق‬
‫الجماع‪ ،‬لنهيا إميا أن تدل على ميا فوق الجماع‪ ،‬وإميا أن تدل على‬
‫الجماع‪ ،‬وهي الدللة المجازية‪ ،‬لكن قد اتفقوا على أنها دالة على‬
‫الجماع فانتفييت الدللة المجازييية‪ ،‬إذ ل يدل لفييظ واحييد دللتييين‬
‫حقيقة ومجازا‪ .‬قلت‪ :‬الذين يرون أن اللفظ المشترك له عموم ل‬
‫يبعد أن يكون اللفظ الواحد عندهم يتضمن المعنيين جميعا‪ :‬أعني‬
‫الحقيقية والمجاز‪ ،‬وإن كان لم تجير بيه عادة للعرب‪ ،‬ولذلك القول‬
‫بيه فيي غايية مين الضعيف‪ ،‬ولو علم أن للشرع فييه تصيرفا لجاز‪،‬‬
‫وأيضا فإن الظهار مشبه عندهم باليلء‪ ،‬فوجب أن يختص عندهم‬
‫بالفرج‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الخامس هل يتكرر الظهار بتكرر النكاح‪.‬‬
‫@‪-‬وأما تكرر الظهار بعد الطلق‪ :‬أعني إذا طلقها بعد الظهار قبل‬
‫أن يُك َفر ثم راجع ها هل يتكرر عليها الظهار فل يحل له المسيس‬
‫حتى يكفر فيه خلف‪ .‬قال مالك‪ :‬إن طلقها دون الثلث ثم راجعها‬
‫في العدة أو بعدها فعليه الكفارة‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬إن راجعها في‬
‫العدة فعلييه الكفارة‪ ،‬وإن راجعهيا فيي غيير العدة فل كفارة علييه؛‬
‫وعنيه قول آخير مثيل قول مالك‪ .‬وقال محميد بين الحسين‪ :‬الظهار‬
‫راجع عليها نكحها بعد الثلث أو بعد واحدة‪ ،‬وهذه المسألة شبيهة‬
‫بمن يحلف بالطلق ثم يطلق ثم يراجع هل تبقى تلك اليمين عليه‬
‫أم ل؟‪ .‬وسييبب الخلف هييل الطلق يرفييع جميييع أحكام الزوجييية‬
‫ويهدمهيا‪ ،‬أو ل يهدمهيا؟ فمنهيم مين رأى أن البائن الذي هيو الثلث‬
‫يهدم‪ ،‬وأن ميا دون الثلث ل يهدم؛ ومنهيم مين رأى أن الطلق كله‬
‫غير هادم‪ ،‬وأحسب أن من الظاهرية من يرى أنه كله هادم‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل السادس في دخول اليلء عليه‪.‬‬
‫@‪-‬وأما هل يدخل اليلء على الظهار إذا كان مضارا‪ ،‬وذلك بأن ل‬
‫يُكَفِير ميع قدرتيه على الكفارة؟ فإن فييه أيضيا اختلفيا‪ ،‬فأبيو حنيفية‬
‫والشافعييي يقولن‪ :‬ل يتداخييل الحكمان لن حكييم الظهار خلف‬
‫حكييم اليلء‪ ،‬وسييواء كان عندهييم مضارا أو لم يكيين‪ ،‬وبييه قال‬
‫الوزاعيي وأحميد وجماعية‪ .‬وقال مالك‪ :‬يدخيل اليلء على الظهار‬
‫بشرط أن يكون مضارا‪ .‬وقال الثوري‪ :‬يدخييل اليلء على الظهار‪،‬‬
‫وتيبين منيه بانقضاء الربعية الشهير مين غيير اعتبار المضارة‪ ،‬ففييه‬
‫ثلثية أقوال‪ :‬قول إنيه يدخيل بإطلق‪ ،‬وقول إنيه ل يدخيل بإطلق‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقول إنه يدخل مع المضارة ول يدخل مع عدمها‪ .‬وسبب الخلف‬


‫مراعاة المعنييى واعتبار الظاهييير؛ فميين اعتييبر الظاهيير قال‪ :‬ل‬
‫يتداخلن؛ ومييين اعتيييبر المعنيييى قال‪ :‬يتداخلن إذا كان القصيييد‬
‫الضرر‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل السابع في أحكام كفارة الظهار‪.‬‬
‫@‪-‬والنظيير فييي كفارة الظهار فييي أشياء منهييا فييي عدد أنواع‬
‫الكفارة وترتيبهييا‪ ،‬وشروط نوع منهييا‪ :‬أعنييي الشروط المصييححة‪،‬‬
‫ومتييى تجييب كفارة واحدة؟ ومتييى تجييب أكثيير ميين واحدة‪ .‬فأمييا‬
‫أنواعهيا فإنهيم أجمعوا على أنهيا ثلثية أنواع‪ :‬إعتاق رقبية‪ ،‬أو صييام‬
‫شهريين‪ ،‬أو إطعام سيتين مسيكينا‪ ،‬وأنهيا على الترتييب‪ .‬فالعتاق‬
‫أول‪ ،‬فإن لم يكين فالصييام‪ ،‬فإن لم يكين فالطعام‪ ،‬هذا فيي الحير‪.‬‬
‫واختلفوا فيي العبيد يكفر بالعتيق أو بالطعام بعيد اتفاقهيم أن الذي‬
‫يبدأ بيه الصييام أعنيي إذا عجيز عين الصييام‪ ،‬فأجاز للعبيد العتيق إن‬
‫أذن له سيده أبو ثور وداود وأبى ذلك سائر العلماء‪ .‬وأما الطعام‬
‫فأجازه له مالك إن أطعييم بإذن سيييده‪ ،‬ولم يجييز ذلك أبييو حنيفيية‬
‫والشافعي‪ ،‬ومبنى الخلف في هذه المسألة هل يملك العبد أو ل‬
‫يملك؟‪ .‬وأما اختلفهم في الشروط المصححة‪ :‬فمنها اختلفهم إذا‬
‫وطئ في صيام الشهرين هل عليه استئناف الصيام أم ل؟ فقال‬
‫مالك وأبو حنيفة‪ :‬يستأنف الصيام‪ ،‬إل أن أبا حنيفة شرط في ذلك‬
‫العمييد‪ ،‬ولم يفرق مالك بييين العمييد فييي ذلك والنسيييان؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬ل يسييتأنف على حال‪ ،‬وسييبب الخلف تشييبيه كفارة‬
‫الظهار بكفارة اليمييييين والشرط الذي ورد فييييي كفارة الظهار‪:‬‬
‫أعنييي أن تكون قبييل المسيييس؛ فميين اعتييبر هذا الشرط قال‪:‬‬
‫يسيتأنف الصيوم؛ ومين شبهيه بكفارة اليميين قال‪ :‬ل يسيتأنف‪ ،‬لن‬
‫الكفارة في اليمين ترفع الحنث بعد وقوعه باتفاق‪ .‬ومنها هل من‬
‫شرط الرقبية أن تكون مؤمنية أم ل؟ فذهيب مالك والشافعيي إلى‬
‫أن ذلك شرط فيي الجزاء؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬يجزي فيي ذلك رقبية‬
‫الكافيير‪ ،‬ول يجزي عندهييم إعتاق الوثنييية والمرتدة‪ .‬دليييل الفريييق‬
‫الول أنيه إعتاق على وجيه القربية فوجيب أن تكون مسيلمة أصيله‬
‫العتاق فييي كفارة القتييل؛ وربمييا قالوا إن هذا ليييس ميين باب‬
‫القياس‪ ،‬وإنميا هيو مين باب حميل المطلق على المقييد‪ ،‬وذلك أنيه‬
‫قييد الرقبية باليمان فيي كفارة القتيل وأطلقهيا فيي كفارة الظهار‬
‫فيجيب صيرف المطلق إلى المقييد‪ ،‬وهذا النوع مين حميل المطلق‬
‫على المقييد فييه خلف‪ ،‬والحنفيية ل يجيزونيه‪ ،‬وذلك أن السيباب‬
‫في القضيتين مختلفة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا حجية أبيي حنيفية فهيو ظاهير العموم‪ ،‬ول معارضية عنده بيين‬
‫المطلق والمقييد‪ ،‬فوجيب عنده أن يحميل كيل على لفظيه‪ .‬ومنهيا‬
‫اختلفهيم هيل مين شرط الرقبية أن تكون سيالمة مين العيوب أم‬
‫ل؟ ثم إن كانت سليمة فمن أي العيوب تشترط سلمتها؟ فالذي‬
‫عليه الجمهور أن للعيوب تأثيرا في منع إجزاء العتق؛ وذهب قوم‬
‫إلى أنه ليس لها تأثير في ذلك‪ .‬وحجة الجمهور تشبيهها بالضاحي‬
‫والهداييا لكون القربية تجمعهيا‪ .‬وحجية الفرييق الثانيي إطلق اللفيظ‬
‫فيي اليية‪ .‬فسيبب الخلف معارضية الظاهير لقياس الشبيه‪ .‬والذيين‬
‫قالوا إن للعيوب تأثيرا فييي منييع الجزاء اختلفوا فييي عيييب عيييب‬
‫ممييا يعتييبر فييي الجزاء أو عدمييه‪ .‬أمييا العمييى وقطييع اليدييين أو‬
‫الرجلييين فل خلف عندهييم فييي أنييه مانييع للجزاء‪ ،‬واختلفوا فيمييا‬
‫دون ذلك؛ فمنهيا هيل يجوز قطيع الييد الواحدة؟ أجازه أبيو حنيفية‪،‬‬
‫ومنعيه مالك والشافعيي‪ .‬وأميا العور فقال مالك‪ :‬ل يجزي‪ ،‬وقال‬
‫عبيد الملك‪ :‬يجزي‪ .‬وأميا قطيع الذنيين فقال مالك‪ :‬ل يجزي‪ ،‬وقال‬
‫أصيحاب الشافعيي‪ :‬يجزي‪ .‬وأميا الصيم فاختلف فييه فيي مذهيب‬
‫مالك‪ ،‬فقييل يجزي‪ ،‬وقييل ل يجزي‪ .‬وأميا الخرس فل يجزي عنيد‬
‫مالك‪ ،‬وعن الشافعي في ذلك قولن‪ .‬أما المجنون فل يجزي‪ ،‬أما‬
‫الخصييي فقال ابيين القاسييم‪ :‬ل يعجبنييي الخصييي‪ ،‬وقال غيره‪ :‬ل‬
‫يجزي‪ ،‬وقال الشافعيييي‪ :‬يجزي‪ .‬وإعتاق الصيييغير جائز فيييي قول‬
‫عامية فقهاء المصيار‪ ،‬وحكيى عين بعيض المتقدميين منعيه‪ ،‬والعرج‬
‫الخفييف فيي المذهيب يجزي‪ ،‬أميا العرج البيين فل‪ .‬والسيبب فيي‬
‫اختلفهيم‪ :‬اختلفهم في قدر النقص المؤثر في القر بة‪ ،‬وليس له‬
‫أصل في الشرع إل الضحايا‪ .‬وكذلك ل يجزي في المذهب ما فيه‬
‫شركيية أو طرف حرييية كالكتابيية والتدبييير لقوله تعالى {فتحرييير‬
‫رقبية} والتحريير هيو إبداء العتاق‪ ،‬وإذا كان فييه عقيد مين عقود‬
‫الحرييية كالكتابيية كان تنجيزا ل إعتاق‪ ،‬وكذلك الشركيية لن بعييض‬
‫الرقبية لييس برقبية‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن كان المكاتيب أدى شيئا‬
‫من مال الكتابة لم يجز‪ ،‬وإن كان لم يؤد جاز‪ .‬واختلفوا هل يجزيه‬
‫عتق مدبره؟ فقال مالك‪ :‬ل يجزيه تشبيها بالكتابة لنه عقد ليس‬
‫له حله؛ وقال الشافعييي‪ :‬يجزيييه؛ ول يجزي عنييد مالك إعتاق أم‬
‫ولده ول المعتيق إلى أجيل مسيمى‪ .‬أميا عتيق أم الولد فلن عقدهيا‬
‫آكد من عقد الكتابة والتدبير‪ ،‬بدليل أنهما قد يطرأ عليهما الفسخ‪.‬‬
‫أما في الكتابة فمن العجز عن أداء النجوم‪ .‬وأما في التدبير فإذا‬
‫ضاق عنه الثلث‪ .‬وأما العتق إلى أجل فإنه عقد عتق ل سبيل إلى‬
‫حله‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلف مالك والشافعي مع أبي حنيفة في إجزاء عتق من يعتق‬


‫عليييه بالنسييب‪ ،‬فقال مالك والشافعييي‪ :‬ل يجزي عنييه وقال أبييو‬
‫حنيفة‪ :‬إذا نوى به عتقه عن ظهار أجزأ‪ .‬فأبو حنيفة شبهه بالرقبة‬
‫التي ل يجب عتقها‪ ،‬وذلك أن كل واحدة من الرقبتين غير واجب‬
‫علييه شراؤهيا وبذل القيمية فيهيا على وجيه العتيق‪ ،‬فإذا نوى بذلك‬
‫التكفيير جاز؛ والمالكيية والشافعيية رأت أنيه إذا اشترى مين يعتيق‬
‫علييه عتيق علييه مين غيير قصيد إلى إعتاقيه فل يجزييه‪ ،‬فأبيو حنيفية‬
‫أقام القصيييد للشراء مقام العتيييق‪ ،‬وهؤلء قالوا‪ :‬لبيييد أن يكون‬
‫قاصدا للعتق نفسه‪ ،‬فكلهما يسمى معتقا باختياره‪ ،‬ولكن أحدهما‬
‫معتييق بالختيار الول‪ ،‬والخيير معتييق بلزم الختيار‪ ،‬فكأنييه معتييق‬
‫على القصيد الثانيي ومشتير على القصيد الول‪ ،‬والخير بالعكيس‪.‬‬
‫واختلف مالك والشافعيي فيمين أعتيق نصيفي عبديين‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫ل يجوز ذلك‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬يجوز لنه في معنى الواحد‪ ،‬ومالك‬
‫تمسييك بظاهيير دللة اللفييظ‪ ،‬فهذا مييا اختلفوا فيييه ميين شروط‬
‫الرقبة المعتقة‪.‬‬
‫وأميييا شروط الطعام فإنهيييم اختلفوا مييين ذلك فيييي القدر الذي‬
‫يجزي لمسيكين مسيكين مين السيتين مسيكينا الذيين وقيع عليهيم‬
‫النييص‪ ،‬فعيين مالك فييي ذلك روايتان أشهرهمييا أن ذلك مييد بمييد‬
‫هشام لكيل واحيد‪ ،‬وذلك مدان بميد النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪،‬‬
‫وقد قيل هو أقل‪ ،‬وقد قيل هو مد وثلث‪ .‬وأما الرواية الثانية فمد‬
‫مييد لكييل مسييكين بمييد النييبي صييلى الله عليييه وسييلم‪ ،‬وبييه قال‬
‫الشافعيي‪ .‬فوجيه الروايية الولى اعتبار الشبيع غالبيا‪ :‬أعنيي الغذاء‬
‫والعشاء‪ ،‬ووجييه هذه الرواييية الثانييية اعتبار هذه الكفارة بكفارة‬
‫اليميين‪ ،‬فهذا هيو اختلفهيم فيي شروط الصيحة فيي الواجبات فيي‬
‫هذه الكفارة‪.‬‬
‫وأمييا اختلفهييم فييي مواضييع تعددهييا ومواضييع اتحادهييا‪ ،‬فمنهيا إذا‬
‫ظاهر بكلمة واحدة من نسوة أكثر من واحدة هل يجزي ذلك في‬
‫كفارة واحدة‪ ،‬أم يكون عدد الكفارات على عدد النسيييوة؟ فعنيييد‬
‫مالك أنييه يجزي فييي ذلك كفارة واحدة‪ ،‬وعنييد الشافعييي وأبييي‬
‫حنيفيية أن فيهييا ميين الكفارات بعدد المظاهيير منهيين إن إثنتييين‬
‫فاثنتييين‪ ،‬وإن ثلثييا فثلثييا‪ ،‬وإن أكثيير فأكثيير‪ ،‬فميين شبهييه بالطلق‬
‫أوجب في كل واحدة كفارة؛ ومن شبهه باليلء أوجب فيه كفارة‬
‫واحدة‪ ،‬وهو باليلء أشبه‪ .‬ومنها إذا ظاهر من امرأته في مجالس‬
‫شتيى هيل علييه كفارة واحدة‪ ،‬أو على عدد المواضيع التيي ظاهير‬
‫فيهيا؟ فقال مالك‪ :‬لييس علييه إل كفارة واحدة‪ ،‬إل أن يظاهير ثيم‬
‫يكفيير ثييم يظاهيير فعليييه كفارة ثانييية‪ ،‬وبييه قال الوزاعييي وأحمييد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وإسيحاق؛ وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬لكيل ظهار كفارة‪ .‬وأميا إذا‬
‫كان ذلك في مجلس واحد فل خلف عند مالك أن في ذلك كفارة‬
‫واحدة وعنيد أبيي حنيفية أن ذلك راجيع إلى نيتيه‪ ،‬فإن قصيد التأكييد‬
‫كانيييت الكفارة واحدة‪ ،‬وإن أراد اسيييتئناف الظهار كان ميييا أراد‬
‫ولزمييه ميين الكفارات على عدد الظهار‪ .‬وقال يحيييى بيين سييعيد‪:‬‬
‫تلزم الكفارة على عدد الظهار سواء كان في مجلس واحد أو في‬
‫مجالس شتى‪.‬‬
‫والسيبب فيي هذا الختلف أن الظهار الواحيد بالحقيقية هيو الذي‬
‫يكون بلفيظ واحيد مين امرأة واحدة فيي وقيت واحيد‪ ،‬والمتعدد بل‬
‫خلف هيو الذي يكون بلفظتيين مين امرأتيين فيي وقتيين‪ ،‬فإن كرر‬
‫اللفظ من امرأة واحدة‪ ،‬فهل يوجب تعدد اللفظ تعدد الظهار‪ ،‬أم‬
‫ل يوجيب ذلك فييه تعددا؟ وكذلك إن كان اللفيظ واحيد والمظاهير‬
‫منها أكثر من واحدة؟ وذلك أن هذه بمنزلة المتوسطات بين ذينك‬
‫الطرفيين؛ فمين غلب علييه شبيه الطرف الواحيد أوجيب له حكميه؛‬
‫ومين غلب علييه شبيه الطرف الثانيي أوجيب له حكميه‪ .‬ومنهيا إذا‬
‫ظاهير مين امرأتيه ثيم مسيها قبيل أن يكفير هيل علييه كفارة واحدة‬
‫أم ل؟ فأكثر فقهاء المصار ومالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري‬
‫والوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وأبو عبيد أن‬
‫فييي ذلك كفارة واحدة‪ ،‬والحجيية لهييم حديييث سييلمة بيين صييخر‬
‫البياضيي "أنيه ظاهير مين امرأتيه فيي زمان رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم ثم وقع بامرأته قبل أن يكفر‪ ،‬فأتى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فذكر له ذلك فأمره أن يكفر تكفيرا واحدا" وقال‬
‫قوم‪ :‬عليييه كفارتان‪ :‬كفارة العزم على الوطييء‪ ،‬وكفارة الوطييء‪،‬‬
‫لنه وطئ وطأ محرما‪ ،‬وهو مروي عن عمرو ابن العاص وقبيصة‬
‫بين ذؤييب وسيعيد بين جيبير وابين شهاب؛ وقيد قييل‪ :‬إنيه ل يلزميه‬
‫شييء ل عين العود ول عين الوطيء‪ ،‬لن الله تعالى اشترط صيحة‬
‫الكفارة قبييل المسيييس‪ ،‬فإذا مييس فقييد خرج وقتهييا فل تجييب إل‬
‫بأمر مجدد‪ ،‬وذلك معلوم في مسئلتنا وفيه شذوذ‪ .‬وقال أبو محمد‬
‫بين حزم‪ :‬مين كان فرضيه الطعام فلييس يحرم علييه المسييس‬
‫قبل الطعام‪ ،‬وإنما يحرم المسيس على من كان فرضه العتق أو‬
‫الصيام‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب اللعان‬
‫@‪-‬والقول فييه يشتميل على خمسية فصيول بعيد القول بوجوبيه‪:‬‬
‫الفصيل الول‪ :‬فيي أنواع الدعاوي الموجبية له وشروطهيا‪ .‬الفصيل‬
‫الثانيي‪ :‬فيي صيفات المتلعنيين‪ .‬الثالث‪ :‬فيي صيفة اللعان‪ .‬الرابيع‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في حكم نكول أحدهما أو رجوعه‪ .‬الخامس‪ :‬في الحكام اللزمة‬


‫لتمام اللعان‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا الصيل فيي وجوب اللعان‪ ،‬أميا مين الكتاب فقوله تعالى‬
‫{والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم} الية‪.‬‬
‫وأميا مين السينة فميا رواه مالك وغيره مين مخرجيي الصيحيح مين‬
‫حديييث عويميير العجلنييي "إذ جاء إلى عاصييم بيين عدي العجلنييي‬
‫رجيل مين قوميه فقال له‪ :‬ييا عاصيم أراييت رجل وجيد ميع امرأتيه‬
‫رجل أيقتله فتقتلوه؟ أم كيييف يفعييل؟ سييل يييا عاصييم عيين ذلك‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فسأل عاصم عن ذلك رسول‬
‫الله صييلى الله عليييه وسييلم‪ ،‬فلمييا رجييع عاصييم؟ إلى أهله جاء‬
‫عويمير فقال‪ :‬ييا عاصيم ماذا قال لك رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم؟ فقال لم تأتنيي بخيير‪ ،‬قيد كره رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم المسألة التي سألت عنها‪ ،‬فقال‪ :‬والله ل أنتهي حتى أسأله‬
‫عنهيا‪ ،‬فأقبيل عويمير حتيى أتيى رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫وسيط الناس فقال‪ :‬ييا رسيول الله أرأييت رجل وجيد ميع امرأتيه‬
‫رجل أيقتله فتقتلوه أم كييف يفعيل؟ فقال رسيول الله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم‪ :‬قيد نزل فييك وفيي صياحبتك قرآن فاذهيب فأت بهيا‪،‬‬
‫وقال مهل‪ :‬فتلعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فلما فرغا من تلعنهما قال عويمر‪ :‬كذبت عليها يا رسول‬
‫الله إن أمسييكتها‪ ،‬فطلقهييا ثلثييا قبييل أن يأمره بذلك رسييول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم "قال مالك‪ :‬قال ابين شهاب‪ :‬فلم تزل تلك‬
‫سينة المتلعنيين‪ .‬وأيضيا مين جهية المعنيى لميا كان الفراش موجبيا‬
‫للحوق النسيييب كان بالناس ضرورة إلى طرييييق ينفونيييه بيييه إذا‬
‫تحققوا فسيياده وتلك الطريييق هييي اللعان‪ ،‬فاللعان حكييم ثابييت‬
‫بالكتاب والسيينة والقياس والجماع‪ ،‬إذ ل خلف فييي ذلك أعلمييه‪،‬‬
‫فهذا هو القول في إثبات حكمه‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الول في أنواع الدعاوي الموجبة له وشروطها‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا صيور الدعاوي التيي يجيب بهيا اللعان فهيي أول صيورتان‪:‬‬
‫إحداهما دعوى الزنى‪ ،‬والثانية نفي الحمل‪ .‬ودعوى الزنى ل يخلو‬
‫أن تكون مشاهدة‪ :‬أعنيي أن يدعيي أنيه شاهدهيا تزنيي كميا يشهيد‬
‫الشاهيد على الزنيى‪ ،‬وأن تكون دعوى مطلقية‪ .‬وإذا نفيي الحميل‬
‫فل يخلو أن ينفييه أيضيا نفييا مطلقيا‪ ،‬أو يزعيم أنيه لم يقربهيا بعيد‬
‫استبرائها‪ ،‬فهذه أربعة أحوال بسائط‪ ،‬وسائر الدعاوي تتركب عن‬
‫هذه‪ ،‬مثييل أن يرميهييا بالزنييى وينفييي الحمييل‪ ،‬أو يثبييت الحمييل‬
‫ويرميها بالزنى‪ .‬فأما وجوب اللعان بالقذف بالزنا إذا ادعى الرؤية‬
‫فل خلف فييه‪ ،‬قالت المالكيية‪ :‬إذا زعيم أنيه لم يطأهيا بعيد؛ وأميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجوب اللعان بمجرد القذف‪ ،‬فالجمهور على جوازه الشافعييييييي‬


‫وأبييو حنيفيية والثوري وأحمييد وداود وغيرهييم‪ .‬وأمييا المشهور عيين‬
‫مالك‪ ،‬فإنيييه ل يجوز اللعان عنده بمجرد القذف‪ ،‬وقيييد قال ابييين‬
‫القاسييم أيضييا إنييه يجوز‪ ،‬وهييي أيضييا رواييية عيين مالك‪ .‬وحجيية‬
‫الجمهور عموم قوله تعالى {والذيين يرمون أزواجهيم} اليية‪ .‬ولم‬
‫يخص في الزنى صفة دون صفة‪ ،‬كما قال في إيجاب حد القذف‪.‬‬
‫وحجيية مالك ظواهيير الحاديييث الواردة فييي ذلك‪ .‬منهييا قوله فييي‬
‫حديث سعد "أرأيت لو أن رجل وجد مع امرأته رجل" وحديث ابن‬
‫عباس‪ ،‬وفيه "فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬والله‬
‫يا رسول الله لقد رأيت بعيني وسمعت بأذني‪ ،‬فكره رسول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم ميا جاء بيه واشتيد علييه‪ ،‬فنزلت {والذيين‬
‫يرمون أزواجهيم} اليية" وأيضيا فإن الدعوى يجيب أن تكون ببينية‬
‫كالشهادة‪ .‬وفييي هذا الباب فرع اختلف فيييه قول مالك‪ ،‬وهييو إذا‬
‫ظهير بهيا حميل بعيد اللعان‪ ،‬فعين مالك فيي ذلك روايتان‪ :‬إحداهميا‬
‫سيقوط الحميل عنيه‪ ،‬والخرى لحوقيه بيه‪ .‬واتفقوا فيميا أحسيب أن‬
‫ميين شرط الدعوى الموجبيية اللعان برؤييية الزنييى أن تكون فييي‬
‫العصمة‪ .‬واختلفوا فيمن قذف زوجته بدعوى الزنى ثم طلقها ثلثا‬
‫هييل يكون بينهمييا لعان أم ل؟ فقال مالك والشافعييي والوزاعييي‬
‫وجماعة‪ :‬بينه ما لعان؛ وقال أبو حني فة‪ :‬ل لعان بينهما إل أن ينفي‬
‫ولدا ول حد؛ وقال مكحول والحكم وقتادة يحد ول يلعن‪ .‬وأما إن‬
‫نفيي الحميل فإنيه كميا قلنيا على وجهيين‪ :‬أحدهميا أن يدعيي أنيه‬
‫استبرأها ولم يطأها بعد الستبراء‪ ،‬وهذا ما ل خلف فيه‪ .‬واختلف‬
‫قول مالك فيييي السيييتبراء‪ ،‬فقال مرة‪ :‬ثلث حييييض‪ ،‬وقال مرة‪:‬‬
‫حيضية‪ .‬وأميا نفييه مطلقيا‪ ،‬فالمشهور عين مالك أنيه ل يجيب بذلك‬
‫لعان‪.‬‬
‫وخالفيه فيي هذا الشافعيي وأحميد وداود‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل معنيى لهذا لن‬
‫المرأة قيد تحميل ميع رؤيية الدم؛ وحكيى عبيد الوهاب عين أصيحاب‬
‫الشافعي أنه ل يجوز نفي الحمل مطلقا من غير قذف‪ .‬واختلفوا‬
‫مين هذا الباب فيي فرع‪ ،‬وهيو وقيت نفيي الحميل فقال الجمهور‪:‬‬
‫ينفييه وهيي حاميل‪ ،‬وشرط مالك أنيه متيى لم ينفيه وهيو حميل لم‬
‫يجز له أن ينفيه بعد الولدة بلعان؛ وقال الشافعي‪ :‬إذا علم الزوج‬
‫بالحمل فأمكنه الحاكم من اللعان فلم يلعن لم يكن له أن ينفيه‬
‫بعد الولدة؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل ينفي الولد حتى تضع وحجة مالك‬
‫وميين قال بقوله الثار المتواترة ميين حديييث ابيين عباس وابيين‬
‫مسيعود وأنيس وسيهل بين سيعد "أن النيبي علييه الصيلة والسيلم‬
‫حيين حكيم باللعان بيين المتلعنيين قال‪ :‬إن جاءت بيه على صيفة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كذا فميا أراه إل قيد صيدق عليهيا" قالوا‪ :‬وهذا يدل على أنهيا كانيت‬
‫حامل فيي وقيت اللعان‪ .‬وحجية أبيي حنيفية أن الحميل قيد ينفيش‬
‫ويضمحيل‪ ،‬فل وجيه للعان إل على يقيين‪ .‬ومين حجية الجمهور أن‬
‫الشرع قد علق بظهور الحمل أحكاما كثيرة‪ :‬كالنفقة والعدة ومنع‬
‫الوطء‪ ،‬فوجب أن يكون قياس اللعان كذلك‪ ،‬وعند أبي حنيفة أنه‬
‫يلعين وإن لم ينيف الحميل إل وقيت الولدة‪ ،‬وكذلك ميا قرب مين‬
‫الولدة ولم يوقت في ذلك وقتا‪ ،‬ووقتا صاحباه أبو يوسف ومحمد‬
‫فقال‪ :‬له أن ينفييه ميا بيين أربعيين ليلة مين وقيت الولدة؛ والذيين‬
‫أوجبوا اللعان فيي وقيت الحميل اتفقوا على أنيه له نفييه فيي وقيت‬
‫العصيمة‪ ،‬واختلفوا فيي نفييه بعيد الطلق‪ ،‬فذهيب مالك إلى أنيه له‬
‫ذلك فيي جمييع المدة التيي يلحيق الولد فيهيا بالفراش‪ ،‬وذلك هيو‬
‫أقصييى زمان الحمييل عنده وذلك نحييو ميين أربييع سيينين عنده أو‬
‫خمييس سيينين‪ ،‬وكذلك عنده حكييم نفييي الولد بعييد الطلق إذا لم‬
‫يزل منكرا له‪ ،‬وبقريب من هذا المعنى قال الشافعي وقال قوم‪:‬‬
‫لييس له أن ينفيي الحميل إل فيي العدة فقيط‪ ،‬وإن نفاه فيي غيير‬
‫العدة حده وألحيق بيه الولد‪ ،‬فالحكيم يجيب بيه عنيد الجمهور إلى‬
‫انقضاء أطول مدة الحميل على اختلفهيم فيي ذلك‪ ،‬فإن الظاهريية‬
‫ترى أن أقصير مدة الحميل التيي يجيب بهيا الحكيم هيو المعتاد مين‬
‫ذلك‪ ،‬وهي التسعة أشهر وما قاربها‪،‬‬
‫ول اختلف بينهيم أنيه يجيب الحكيم بيه فيي مدة العصيمة‪ ،‬فميا زاد‬
‫على أقصر مدة الحمل وهي الستة أشهر‪ :‬أعني أن يولد المولود‬
‫لستة أشهر من وقت الدخول أو بإمكانه‪ ،‬لمن وقت العقد‪ ،‬وشذ‬
‫أبيو حنيفية فقال مين وقيت العقيد وإن علم أن الدخول غيير ممكين‬
‫حتيى أنيه إن تزوج عنده رجيل بالمغرب القصيى امرأة بالمشرق‬
‫القصى فجاءت بولد لرأس ستة أشهر من وقت العقد أنه يلحق‬
‫بيه إل أن ينفييه بلعان‪ ،‬وهيو فيي هذه المسيألة ظاهري محيض‪ ،‬لنيه‬
‫إنمييا اعتمييد فييي ذلك عموم قوله عليييه الصييلة والسييلم "الولد‬
‫للفراش" وهذه المرأة قد صارت فراشا له بالعقد‪ ،‬فكأنه رأى أن‬
‫هذه عبادة غير معللة‪ ،‬وهذا شيء ضعيف‪ .‬واختلف قول مالك من‬
‫هذا الباب فيي فرع‪ ،‬وهيو أنيه إذا ادعيى أنهيا زنيت واعترف بالحميل‬
‫فعنيه فيي ذلك ثلث روايات‪ :‬إحداهيا أنيه يحيد ويلحيق بيه الولد ول‬
‫يلعن‪ .‬والثانية أنه يلعن وينفي الولد‪ .‬والثالثة أنه يلحق به الولد‬
‫ويلعيين ليدرأ الحييد عيين نفسييه‪ .‬وسييبب الخلف هييل يلتفييت إلى‬
‫إثباتيه ميع موجيب نفييه وهيو دعواه الزنيى؟ واختلفوا أيضيا مين هذا‬
‫الباب في فرع‪ ،‬وهو إذا أقام الشهود على الزنى هل له يلعن أم‬
‫ل؟ فقال أبيو حنيفية وداود‪ :‬ل يلعين‪ ،‬لن اللعان إنميا جعيل عوض‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشهود لقوله تعالى {والذيييين يرمون أزواجهيييم ولم يكييين لهيييم‬


‫شهداء إل أنفسييهم} الييية‪ .‬وقال مالك والشافعييي‪ :‬يلعيين‪ ،‬لن‬
‫الشهود ل تأثير لهم في دفع الفراش‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثاني في صفات المتلعنين‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا صيفة المتلعنيين‪ ،‬فإن قوميا قالوا‪ :‬يجوز اللعان بيين كيل‬
‫زوجين حرين كانا أو عبدين‪ ،‬أو أحدهما حر والخر عبد محدودين‬
‫كانييا أو عدلييين أو أحدهمييا‪ ،‬مسييلمين كانييا أو كان الزوج مسييلما‬
‫والزوجية كتابيية‪ ،‬ول لعان بيين كافريين إل أن يترافعيا إلينيا‪ ،‬وممين‬
‫قال بهذا القول مالك والشافعييي؛ وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه‪ :‬ل‬
‫لعان إل بين مسلمين حرين عدلين‪ .‬وبالجملة فاللعان عندهم إنما‬
‫يجوز لميين كان ميين أهييل الشهادة‪ .‬وحجيية أصييحاب القول الول‬
‫عموم قوله تعالى {والذيين يرمون أزواجهيم ولم يكين لهيم شهداء‬
‫إل أنفسييهم} ولم يشترط فييي ذلك شرطييا‪ .‬ومعتمييد الحنفييية أن‬
‫اللعان شهادة‪ ،‬فيشترط فيهيييا ميييا يشترط فيييي الشهادة‪ ،‬إذ قيييد‬
‫سيماهم الله شهداء لقوله {فشهادة أحدهيم أربيع شهادات بالله}‬
‫ويقولون إنه ل يكون لعان إل بين من يجب عليه الحد في القذف‬
‫الواقييع بينهمييا‪ .‬وقييد اتفقوا على أن العبييد ل يحييد بقذفييه‪ ،‬وكذلك‬
‫الكافر‪ ،‬فشبهوا من يجب عليه اللعان بمن يجب في قذفه الحد‪،‬‬
‫إذ كان اللعان إنما وضع لدرء الحد مع نفي النسب‪ ،‬وربما احتجوا‬
‫بما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى‬
‫الله علييه وسيلم قال "ل لعان بيين أربعية‪ :‬العبديين‪ ،‬والكافريين"‬
‫والجمهور يرون أنييه يمييين وإن كان يسييمى شهادة‪ ،‬فإن أحدا ل‬
‫يشهيد لنفسيه‪ ،‬وأميا أن الشهادة قيد يعيبر عنهيا باليميين فذلك بيين‬
‫فييييي قوله تعالى {إذا جاءك المنافقون قالوا} الييييية‪ ،‬ثييييم قال‬
‫{اتخذوا أيمانهم جنة} وأجمعوا على جواز لعان العمى‪ ،‬واختلفوا‬
‫في الخرس‪ ،‬فقال مالك والشافعي يلعن الخرس إذا فهم عنه‪،‬‬
‫وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يلعين لنيه لييس مين أهيل الشهادة‪ ،‬وأجمعوا‬
‫على أن من شرطه العقل والبلوغ‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث في صفة اللعان‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا صيفة اللعان فمتقاربية عنيد جمهور العلماء‪ ،‬ولييس بينهيم‬
‫فيي ذلك كيبير خلف‪ ،‬وذلك على ظاهير ميا تقتضييه ألفاظ اليية‪،‬‬
‫فيحلف الزوج أربع شهادات بالله لقد رأيتها تزني وأن ذلك الحمل‬
‫ليييس منييي‪ ،‬ويقول فييي الخامسيية‪ :‬لعنيية الله عليييه إن كان ميين‬
‫الكاذبيين‪ ،‬ثيم تشهيد هيي أربيع شهادات بنقييض ميا شهيد هيو بيه ثيم‬
‫تخميس بالغضيب‪ ،‬هذا كله متفيق علييه‪ .‬واختلف الناس هيل يجوز‬
‫أن يبدل مكان اللعنيية الغضييب‪ ،‬ومكان الغضييب اللعنيية‪ ،‬ومكان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أشهد أقسم‪ ،‬ومكان قوله بالله غيره من أسمائه؟ والجمهور على‬


‫أنيه ل يجوز مين ذلك إل ميا نيص علييه مين هذه اللفاظ أصيله عدد‬
‫الشهادات‪ ،‬وأجمعوا على أن ميين شرط صييحته أن يكون بحكييم‬
‫حاكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الرابع في حكم نكول أحدهما أو رجوعه‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا إذا نكيل الزوج فقال الجمهور‪ :‬إنيه يحيد‪ ،‬وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫إنييه ل يحييد ويحبييس‪ .‬وحجيية الجمهور عموم قوله تعالى {والذييين‬
‫يرمون المحصيينات} الييية‪ ،‬وهذا عام فييي الجنييبي والزوج‪ ،‬وقييد‬
‫جعيييل اللتعان للزوج مقام الشهود‪ ،‬فوجيييب إذا نكيييل أن يكون‬
‫بمنزلة من قذف ولم يكن له شهود‪ :‬أعني أنه يحد‪ ،‬وما جاء أيضا‬
‫مين حدييث ابين عمرو وغيره فيي قصية العجلنيي مين قوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "إن قتلت قتلت‪ ،‬وإن نطقيت جلدت‪ ،‬وإن سيكت‬
‫سكت على غيظ"‪ .‬واحتج الفريق الثاني بأن آية اللعان لم تتضمن‬
‫إيجاب الحيد علييه عنيد النكول والتعرييض ليجابيه زيادة فيي النيص‪،‬‬
‫والزيادة عندهيم نسيخ‪ ،‬والنسيخ ل يجوز بالقياس ول بأخبار الحاد‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وأيضا لو وجب ال حد لم ينفعه اللتعان ول كان له تأثير في‬
‫إسيقاطه‪ ،‬لن اللتعان يميين فلم يسيقط بيه الحيد عين الجنيبي‪،‬‬
‫فكذلك الزوج‪ ،‬والحييق أن اللتعان يمييين مخصييوصة‪ ،‬فوجييب أن‬
‫يكون لهيا حكيم مخصيوص‪ ،‬وقيد نيص على المرأة أن اليميين يدرأ‬
‫عنهيا العذاب‪ ،‬فالكلم فيميا هيو العذاب الذي يندرئ عنهيا باليميين‪،‬‬
‫وللشتراك الذي في اسم العذاب اختلفوا أيضا في الواجب عليها‬
‫إذا نكلت‪ ،‬فقال الشافعيييي ومالك وأحميييد والجمهور‪ :‬إنهيييا تحيييد‬
‫وحدهيا الرجيم إن كان دخيل بهيا ووجدت فيهيا شروط الحصيان‪،‬‬
‫وإن لم يكيين دخييل بهييا فالجلد‪ .‬وقال أبييو حنيفيية إذا نكلت وجييب‬
‫عليهيا الحبيس حتيى تلعين‪ ،‬وحجتيه قوله علييه الصيلة والسيلم "ل‬
‫يحيل دم امرئ مسيلم إل بإحدى ثلث‪ :‬زنيى بعيد إحصيان‪ ،‬أو كفير‬
‫بعييد إيمان‪ ،‬أو قتييل نفييس بغييير نفييس" وأيضييا فإن سييفك الدم‬
‫بالنكول حكييم ترده الصييول‪ ،‬فإنييه إذا كان كثييير ميين الفقهاء ل‬
‫يوجبون غرم المال بالنكول فكان بالحري أن ل يجيب بذلك سيفك‬
‫الدماء‪ .‬وبالجملة فقاعدة الدماء مبناهييا فييي الشرع على أنهييا ل‬
‫تراق إل بالبينيية العادلة أو بالعتراف‪ ،‬وميين الواجييب أل تخصييص‬
‫هذه القاعدة بالسم المشترك فأبو حنيفة في هذه المسألة أولى‬
‫بالصواب إن شاء الله‪ .‬وقد اعترف أبو المعالي في كتابه البرهان‬
‫بقوة أبيي حنيفية فيي هذه المسيألة وهيو شافعيي‪ .‬واتفقوا على أنيه‬
‫إذا أكذب نفسيه حيد وألحيق بيه الولد إن كان نفيى ولدا‪ .‬واختلفوا‬
‫هييل له أن يراجعهييا بعييد اتفاق جمهورهييم على أن الفرقيية تجييب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫باللعان‪ ،‬إميا بنفسيه وإميا بحكيم حاكيم على ميا نقوله بعيد؛ فقال‬
‫مالك والشافعييي والثوري وداود وأحمييد وجمهور فقهاء المصييار‬
‫إنهميا ل يجتمعان أبدا وإن أكذب نفسيه؛ وقال أبيو حنيفية وجماعية‪:‬‬
‫إذا أكذب نفسييه جلد الحييد وكان خاطبييا ميين الخطاب؛ وقييد قال‬
‫قوم‪ :‬ترد إليه امرأته‪ .‬وحجة الفريق الول قول رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم "ل سبيل لك عليها" ولم يستثن فأطلق التحريم‪.‬‬
‫وحجية الفرييق الثانيي أنيه إذا أكذب نفسيه فقيد بطيل حكيم اللعان‪،‬‬
‫فكمييا يلحييق بييه الولد كذلك ترد المرأة عليييه‪ ،‬وذلك أن السييبب‬
‫الموجب للتحريم إنما هو الجهل بتعيين صدق أحدهما مع القطع‬
‫بأن أحدهما كاذب‪ ،‬فإذا انكشف ارتفع التحريم‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الخامس في الحكام اللزمة لتمام اللعان‪.‬‬
‫@‪-‬فأمييييا موجبات اللعان‪ ،‬فإن العلماء اختلفوا ميييين ذلك فييييي‬
‫مسيائل‪ :‬منهيا هيل تجيب الفرقية أم ل؟ وإن وجبيت فمتيى تجيب؟‬
‫وهيل تجيب بنفيس اللعان أم بحكيم حاكيم؟ وإذا وقعيت فهيل هيي‬
‫طلق أو فسيخ؟ فذهيب الجمهور إلى أن الفرقية تقيع باللعان لميا‬
‫اشتهر من ذلك في أحاديث اللعان "من أن رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم فرق بينهميا" وقال ابين شهاب فيميا رواه مالك عنيه‪:‬‬
‫فكانييت تلك سيينة المتلعنييين‪ ،‬ولقوله صييلى الله عليييه وسييلم "ل‬
‫سيبيل لك عليهيا" وقال عثمان البتيي وطائفية مين أهيل البصيرة‪ :‬ل‬
‫يعقب اللعان فرقة‪ ،‬واحتجوا بأن ذلك حكم لم تتضمنه آية اللعان‪،‬‬
‫ول هو صريح في الحاديث‪ ،‬لن في الحديث المشهور أنه طلقها‬
‫بحضرة النيبي صيلى الله علييه وسيلم فلم ينكير ذلك علييه‪ .‬وأيضيا‬
‫فإن اللعان إنما شرع لدرء حد القذف‪ ،‬فلم يوجب تحريما تشبيها‬
‫بالبينية‪ .‬وحجية الجمهور أنيه قيد وقيع بينهميا مين التقاطيع والتباغيض‬
‫والتهاتيير وإبطال حدود الله مييا أوجييب أن ل يجتمعييا بعدهييا أبدا‪،‬‬
‫وذلك أن الزوجيية مبناهيا على المودة والرحمية وهؤلء قيد عدموا‬
‫ذلك كل العدم‪ ،‬ول أقيل من أن تكون عقوبتهما الفرقية‪ .‬وبالجملة‬
‫فالقبيح الذي بينهميا غايية القبيح‪ .‬وأميا متيى تقيع الفرقية فقال مالك‬
‫والليييث وجماعيية‪ :‬إنهييا تقييع إذا فرغييا جميعييا ميين اللعان‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬إذا أكميل الزوج لعانيه وقعيت الفرقية‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫ل تقيع إل بحكيم حاكيم‪ ،‬وبيه قال الثوري وأحميد‪ .‬وحجية مالك على‬
‫الشافعيي حدييث ابين عمير قال "فرق رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم بيين المتلعنيين وقال‪ :‬حسابكما على الله‪ ،‬أحدكميا كاذب ل‬
‫سبيل لك عليها" وما روي أنه لم يفرق بينهما إل بعد تمام اللعان‪.‬‬
‫وحجية الشافعيي أن لعانهيا إنميا تدرء بيه الحيد عين نفسيها فقيط‪،‬‬
‫ولعان الرجيل هيو المؤثير فيي نفيي النسيب‪ ،‬فوجيب إن كان للعان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تأثيير فيي الفرقية أن يكون لعان الرجيل تشبيهيا بالطلق‪ .‬وحجتهميا‬


‫جميعيا على أبيي حنيفية أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم أخبرهميا‬
‫بوقوع الفرقية عنيد وقوع اللعان منهميا‪ ،‬فدل ذلك على أن اللعان‬
‫هو سبب الفرقة‪ .‬وأما أبو حنيفة فيرى أن الفراق إنما نفذ بينهما‬
‫بحكمه وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك حين قال "ل سبيل لك‬
‫عليهييا" فرأى أن حكمييه شرط فييي وقوع الفرقيية كمييا أن حكمييه‬
‫شرط فيي صيحة اللعان‪ .‬فسيبب الخلف بيين مين رأى أنيه تقيع بيه‬
‫الفرقية‪ ،‬وبيين مين لم يير ذلك أن تفرييق النيبي صيلى الله علييه‬
‫وسلم بينهما ليس هو بينا في الحديث المشهور‪ ،‬لنه بادر بنفسه‬
‫فطلق قبييل أن يخييبره بوجوب الفرقيية‪ ،‬والصييل أن ل فرقيية إل‬
‫بطلق‪ ،‬وأنه ليس في الشرع تحريم يتأبد‪ :‬أعني متفقا عليه‪ ،‬فمن‬
‫غلب هذا الصل على المفهوم لحتماله نفي وجوب الفرقة (هكذا‬
‫الصول‪ ،‬ولعل فيه سقطا هكذا‪ :‬ومن قال بالمفهوم قال بإيجابها‪،‬‬
‫تأمل ا هي مصححه)‪ .‬قال بإيجابها‪ .‬وأما سبب اختلف من اشترط‬
‫حكيم الحاكيم أو لم يشترطيه فتردد هذا الحكيم بيين أن يغلب علييه‬
‫شبيه الحكام التيي يشترط فيي صيحتها حكييم الحاكيم أو التيي ل‬
‫يشترط ذلك فيها‪ .‬وأما المسألة الرابعة‪ ،‬وهي إذا قلنا إن الفرقة‬
‫تقيع فهيل ذلك فسيخ أو طلق‪ ،‬فإن القائليين بالفرقية اختلفوا فيي‬
‫ذلك‪ ،‬فقال مالك والشافعي‪ :‬هو فسخ‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬هو طلق‬
‫بائن‪ .‬وحجة مالك تأبيد التحريم به فأشبه ذات المحرم‪.‬‬
‫وأما أبو حنيفة فشبهها بالطلق قياسا على فرقة العنين إذ كانت‬
‫عنده بحكم حاكم‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الحداد‪.‬‬
‫@‪-‬أجميع المسيلمون على أن الحداد واجيب على النسياء الحرائر‬
‫المسلمات في عدة الوفاة إل الحسن وحده‪ .‬واختلفوا فيما سوى‬
‫ذلك مين الزوجات وفيميا سيوى عدة الوفاة‪ ،‬وفيميا تمتنيع الحادة‬
‫منييه ممييا ل تمتنييع‪ ،‬فقال مالك‪ :‬الحداد على المسييلمة والكتابييية‬
‫والصغيرة والكبيرة‪ .‬وأما المة يموت عنها سيدها سواء كانت أم‬
‫ولد أم لم تكيين فل إحداد عليهييا عنده‪ ،‬وبييه قال فقهاء المصييار‪،‬‬
‫وخالف قول مالك المشهور في الكتابية ابن نافع وأشهب‪ ،‬وروياه‬
‫عين مالك‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‪ :‬أعنيي أنيه ل إحداد على الكتابيية؛‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ليس على الصغيرة ول على الكتابية إحداد؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬لييس على المية المزوجية إحداد‪ ،‬وقيد حكيي ذلك عين أبيي‬
‫حنيفية‪ ،‬فهذا هيو اختلفهيم المشهور فيمين علييه إحداد من أصيناف‬
‫الزوجات ممين لييس علييه إحداد‪ .‬وأميا اختلفهيم مين قبيل العدد‬
‫فإن مالكيييا قال‪ :‬ل إحداد إل فيييي عدة الوفاة‪ .‬وقال أبيييو حنيفييية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والثوري‪ :‬الحداد فيييي العدة مييين الطلق البائن واجيييب؛ وأميييا‬


‫الشافعيي فاسيتحسنه للمطلقية ولم يوجبيه‪ .‬وأميا الفصيل الثالث‬
‫وهو ما تمتنع الحادة منه مما ل تمتنع عنه‪ ،‬فإنها تمتنع عند الفقهاء‬
‫بالجملة ميين الزينيية الداعييية للرجال إلى النسيياء‪ ،‬وذلك كالحلي‬
‫والكحييل إل مييا لم تكيين فيييه زينيية ولباس الثياب المصييبوغة إل‬
‫السيواد‪ ،‬فإنيه لم يكره مالك لهيا لبيس السيواد‪ ،‬ورخيص كلهيم فيي‬
‫الكحيل عنيد الضرورة‪ ،‬فبعضهيم اشترط فييه ميا لم يكين فييه زينية‪،‬‬
‫وبعضهيم لم يشترطيه‪ ،‬وبعضهيم اشترط جعله باللييل دون النهار‪.‬‬
‫وبالجملة فأقاوييل الفقهاء فيميا تجتنيب الحادة متقاربية‪ ،‬وذلك ميا‬
‫يحرك الرجال بالجملة إليهين‪ .‬وإنميا صيار الجمهور ليجاب الحداد‬
‫فيي الجملة لثبوت السينة بذلك عين رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم‪ ،‬فمنهيا حدييث أم سيلمة زوج النيبي علييه الصيلة والسيلم‬
‫"أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‪ :‬يا‬
‫رسييول الله إن ابنتييي توفييي عنهييا زوجهييا‪ ،‬وقييد اشتكييت عينيهييا‬
‫أفتكتحلهما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل‪ ،‬مرتين أو‬
‫ثلثيا‪ ،‬كيل ذلك يقول لهيا ل‪ ،‬ثيم قال‪ :‬إنميا هيي أربعية أشهير وعشير‬
‫وقييد كانييت إحداكيين ترمييي بالبعرة على رأس الحول" وقال أبييو‬
‫محميييد‪ :‬فعلى هذا الحدييييث يجيييب التعوييييل على القول بإيجاب‬
‫الحداد‪ .‬وأميا حدييث أم حبيبية حيين دعيت بالطييب فمسيحت بيه‬
‫عارضيهيا‪ ،‬ثيم قالت‪ :‬والله مالي بيه مين حاجية غيير أنيي سيمعت‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم يقول "ل يحيل لمرأة مؤمنية‬
‫تؤميين بالله واليوم الخيير أن تحييد على ميييت فوق ثلث ليال‪ ،‬إل‬
‫على زوج أربعة أشهر وعشرا" فليس فيه حجة‪ ،‬لنه استثناء من‬
‫حظر فهو يقتضي البا حة دون اليجاب‪ .‬وكذلك حديث زينب بنت‬
‫جحيش‪ .‬قال القاضيي‪ :‬وفيي المير إذا ورد بعيد الحظير خلف بيين‬
‫المتكلميين‪ :‬أعنيي هيل يقتضيي الوجوب أو الباحية‪ .‬وسيبب الخلف‬
‫بين من أوجبه على المسلمة دون الكافرة أن من رأى أن الحداد‬
‫عبادة لم يلزمه الكافرة؛ ومن رأى أنه معنى معقول‪ ،‬وهو تشوف‬
‫الرجال إليهييا وهييي إلى الرجال‪ ،‬سييوى بييين الكافرة والمسييلمة؛‬
‫ومن راعى تشوف الرجال دون تشوف النساء فرق بين الصغيرة‬
‫والكيبيرة إذا كانيت الصيغيرة ل يتشوف الرجال إليهيا‪ .‬ومين حجية‬
‫ميين أوجبييه على المسييلمات دون الكافرات قوله عليييه الصييلة‬
‫والسيلم "ل يحيل لمرأة تؤمين بالله واليوم الخير أن تحيد إل على‬
‫زوج" قال‪ :‬وشرطيه اليمان فيي الحداد يقتضيي أنيه عبادة‪ .‬وأميا‬
‫مين فرق بيين المية والحرة وكذلك الكتابيية‪ ،‬فلنيه زعيم أن عدة‬
‫الوفاة أوجبيييت شيئيييين باتفاق‪ :‬أحدهميييا الحداد‪ ،‬والثانيييي ترك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الخروج‪ ،‬فلميا سيقط ترك الخروج عين المية بتبذلهيا والحاجية إلى‬
‫اسيتخدامها سيقط عنهيا منيع الزينية‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي المكاتبية‬
‫فمين قبيل ترددهيا بيين الحرة والمية‪ .‬وأميا المية بملك اليميين وأم‬
‫الولد‪ ،‬فإنميا صيار الجمهور إلى إسيقاط الحداد عنهيا لقوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "ل يحيل لمرأة تؤمين بالله واليوم الخير أن تحيد‬
‫إل على زوج" فعلم بدليييييل الخطاب أن ميييين عدا ذات الزوج ل‬
‫يجييب عليهييا إحداد وميين أوجبييه على المتوفييي عنهييا زوجهييا دون‬
‫المطلقة فتعلق بالظاهر المنطوق به‪ ،‬ومن ألحق المطلقات بهن‬
‫فميين طريييق المعنييى‪ ،‬وذلك أنييه يظهيير ميين معنييى الحداد أن‬
‫المقصود به أن ل تتشوف إليها الرجال في العدة ول تتشوف هي‬
‫إليهم‪ ،‬وذلك سدا للذريعة لمكان حفظ النساب‪ ،‬والله أعلم‪ .‬كمل‬
‫كتاب الطلق والحمييد لله على آلئه‪ ،‬والشكيير على نعمييه؛ ويتلوه‬
‫كتاب البيوع إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب البيوع‪.‬‬
‫@‪-‬الكلم في البيوع ينحصر في خمس جمل‪ :‬في معرفة أنواعها‪.‬‬
‫وفيي معرفية شروط الصيحة فيي واحيد واحيد منهيا‪ .‬وفيي معرفية‬
‫شروط الفساد‪ .‬وفي معرفة أحكام البيوع الصحيحة‪ .‬وفي معرفة‬
‫أحكام البيوع الفاسدة‪ .‬فنحن نذكر أنواع البيوع المطلقة‪ ،‬ثم نذكر‬
‫شروط الفسيياد والصييحة فييي واحييد واحييد منهييا‪ ،‬وأحكام بيوع‬
‫الصييحة‪ ،‬وأحكام البيوع الفاسييدة‪ .‬ولمييا كانييت أسييباب الفسيياد‬
‫والصحة في البيوع منها عامة لجميع أنواع البيوع أو لكثرها ومنها‬
‫خاصية‪ ،‬وكذلك المير فيي أحكام الصيحة والفسياد اقتضيى النظير‬
‫الصييناعي أن نذكيير المشترك ميين هذه الصييناف الربعيية‪ :‬أعنييي‬
‫العام مين أسيباب الفسياد وأسيباب الصيحة وأحكام الصيحة وأحكام‬
‫الفسيياد لجميييع البيوع‪ ،‬ثييم نذكيير الخاص ميين هذه الربعيية بواحييد‬
‫واحيد مين البيوع‪ ،‬فينقسيم هذا الكتاب باضطرار إلى سيتة أجزاء‪:‬‬
‫الجزء الول‪ :‬تعرف فيه أنواع البيوع المطلقة‪ .‬والثاني‪ :‬تعرف فيه‬
‫أسباب الفساد العامة في البيوع المطلقة أيضا‪ :‬أعني في كلها أو‬
‫أكثرهييا إذ كانييت أعرف ميين أسييباب الصييحة‪ .‬الثالث‪ :‬تعرف فيييه‬
‫أسباب الصحة في البيوع المطلقة أيضا‪ .‬الرابع‪ :‬نذكر فيه أحكام‬
‫البيوع الصحيحة‪ ،‬أعني الحكام المشتركة لكل البيوع الصحيحة أو‬
‫لكثرهيا‪ .‬الخاميس‪ :‬نذكير فييه أحكام البيوع الفاسيدة المشتركية‪:‬‬
‫أعنيي إذا وقعيت‪ .‬السيادس‪ :‬نذكير فييه نوعيا نوعيا مين البيوع بميا‬
‫يخصه من الصحة والفساد وأحكامها‪.‬‬
‫@‪(-‬الجزء الول) إن كييل معاملة وجدت بييين اثنييين‪ ،‬فل يخلو أن‬
‫تكون عينيا بعيين‪ ،‬أو عينيا بشييء فيي الذمية‪ ،‬أو ذمية بذمية‪ ،‬وكيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واحيد مين هذه الثلث إميا نسييئة وإميا ناجيز‪ ،‬وكيل واحيد مين هذه‬
‫أيضا إما ناجز من الطرفين وإما نسيئة من الطرفين‪ ،‬وإما ناجز‬
‫مين الطرف الواحيد نسييئة مين الطرف الخير‪ ،‬فتكون كيل أنواع‬
‫البيوع تسيعة‪ .‬فأميا النسييئة مين الطرفيين فل يجوز بإجماع ل فيي‬
‫العين ول في الذمة‪ ،‬لنه الدين بالدين المنهى عنه‪ .‬وأسماء هذه‬
‫البيوع منهيا ميا يكون مين قبيل صيفة العقيد وحال العقيد؛ ومنهيا ميا‬
‫يكون من قبل صفة العين المبيعة‪ ،‬وذلك أنها إذا كانت عينا بعين‬
‫فل تخلو أن تكون ثمنا بمثمون أو ثمنا بثمن‪ ،‬فإن كانت ثمنا بثمن‬
‫سيمى صيرفا‪ ،‬وإن كانيت ثمنيا بمثمون سيمي بيعيا مطلقيا وكذلك‬
‫مثمونيا بمثمون على الشروط التيي تقال بعيد‪ ،‬وإن كان عينيا بذمية‬
‫سيمي سيلما‪ ،‬وإن كان على الخيار سيمي بييع خيار‪ ،‬وإن كان على‬
‫المرابحية سيمي بييع مرابحية‪ ،‬وإن كان على المزايدة سيمي بييع‬
‫مزايدة‪.‬‬
‫@‪(-‬الجزء الثاني) وإذا اعتبرت السباب التي من قبلها ورد النهي‬
‫الشرعيي فيي البيوع‪ ،‬وهيي أسيباب الفسياد العامية وجدت أربعية‪:‬‬
‫أحدهيا تحرييم عيين الميبيع‪ .‬والثانيي الربيا‪ .‬والثالث الغرر‪ .‬والرابيع‬
‫الشروط التيي تئول إلى أحيد هذيين أو لمجموعهميا‪ .‬وهذه الربعية‬
‫هي بالحقيقة أصول الفساد‪ ،‬وذلك أن النهي إنما تعلق فيها بالبيع‬
‫مين جهية ميا هيو بييع ل لمير مين خارج‪ .‬وأميا التيي ورد النهيي فيهيا‬
‫لسييباب ميين خارج؛ فمنهييا الغييش؛ ومنهييا الضرر؛ ومنهييا لمكان‬
‫الوقت المستحق بما هو أهم منه؛ ومنها لنها محرمة البيع‪ .‬ففي‬
‫هذا الجزء أبواب‪:‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في العيان المحرمة البيع‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه على ضربيييين‪ :‬نجاسيييات‪ ،‬وغيييير نجاسيييات‪ .‬فأميييا بييييع‬
‫النجاسات فالصل في تحريمها حديث جابر‪ ،‬ثبت في الصحيحين‬
‫قال‪ :‬قال رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم "إن الله ورسييوله‬
‫حرما بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام‪ ،‬فقيل‪ :‬يا رسول الله‬
‫أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويستصبح بها؟ فقال‪:‬‬
‫لعين الله اليهود حرميت الشحوم عليهييم فباعوهيا وأكلوا أثمانهيا"‬
‫وقال فيي الخمير "إن الذي حرم شربهيا حرم بيعهيا" والنجاسيات‬
‫على ضربييين‪ :‬ضرب اتفييق المسييلمون على تحريييم بيعهييا وهييي‬
‫الخمير وأنهيا نجسية‪ ،‬إل خلفيا شاذا فيي الخمير‪ :‬أعنيي فيي كونهيا‬
‫نجسية‪ ،‬والميتية بجمييع أجزائهيا التيي تقبيل الحياة‪ ،‬وكذلك الخنزيير‬
‫بجميييع أجزائه التييي تقبييل الحياة‪ .‬واختلف فييي النتفاع بشعره‪،‬‬
‫فأجازه ابيين القاسييم ومنييه أصييبغ‪ .‬وأمييا القسييم الثانييي وهييي‬
‫النجاسيات التيي تدعيو الضرورة إلى اسيتعمالها كالرجييع والزبيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الذي يتخيذ فيي البسياتين‪ ،‬فاختلف فيي بيعهيا فيي المذهيب فقييل‬
‫بمنعهيا مطلقيا‪ ،‬وقييل بإجازتهيا مطلقيا‪ ،‬وقييل بالفرق بيين العذرة‬
‫والزبيل‪ :‬أعنيي إباحية الزبيل ومنيع العذرة‪ .‬واختلفوا فيميا يتخيذ مين‬
‫أنياب الفييل لختلفهيم هيل هيو نجيس أم ل؟ فمين رأى أنيه ناب‬
‫جعله ميتية‪ ،‬ومين رأى أنيه قرن معكوس جعيل حكميه حكيم القرن‪،‬‬
‫والخلف فيه في المذهب‪ .‬وأما ما حرم بيعه مما ليس بنجس أو‬
‫مختلف فيي نجاسيته‪ ،‬فمنهيا الكلب والسينور‪ .‬أميا الكلب فاختلفوا‬
‫فييي بيعييه‪ ،‬فقال الشافعييي‪ :‬ل يجوز بيييع الكلب أصييل‪ .‬وقال أبييو‬
‫حنيفية‪ :‬يجوز ذلك‪ .‬وفرق أصيحاب مالك بيين كلب الماشيية والزرع‬
‫المأذون في اتخاذه وبين ما ل يجوز اتخاذه‪ ،‬فاتفقوا على أن ما ل‬
‫يجوز اتخاذه ل يجوز بيعييه للنتفاع بييه وإمسيياكه‪ .‬فأمييا ميين أراده‬
‫للكل فاختلفوا فيه‪ ،‬فمن أجاز أكله أجاز بيعه‪ ،‬ومن لم يجزه على‬
‫روايية ابين حيبيب لم يجيز بيعيه‪ .‬واختلفوا أيضيا فيي المأذون فيي‬
‫اتخاذه‪ ،‬فقيييل هييو حرام‪ ،‬وقيييل مكروه‪ .‬فأمييا الشافعييي فعمدتييه‬
‫شيئان‪ :‬أحدهمييا ثبوت النهييي الوارد عيين ثميين الكلب عيين النييبي‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم‪ .‬والثانييي أن الكلب عنده نجييس العييين‬
‫كالخنزيير‪ ،‬وقيد ذكرنيا دليله فيي ذلك فيي كتاب الطهارة‪ .‬وأميا مين‬
‫أجاز فعمدتييه أنييه طاهيير العييين غييير محرم الكييل‪ ،‬فجاز بيعييه‬
‫كالشياء الطاهرة العيييين‪ ،‬وقيييد تقدم أيضيييا فيييي كتاب الطهارة‬
‫اسيتدلل مين رأى أنيه طاهير العيين‪ ،‬وفيي كتاب الطعمية اسيتدلل‬
‫من رأى أنه حلل‪ .‬ومن فرق أيضا فعمدته أنه غير مباح للكل ول‬
‫مباح النتفاع به‪ ،‬إل ما استثناه الحديث من كلب الماشية أو كلب‬
‫الزرع وميا فيي معناه‪ ،‬وروييت أحادييث غيير مشهورة اقترن فيهيا‬
‫بالنهي من ثمن الكلب استثناء أثمان الكلب المباحة التخاذ‪ .‬وأما‬
‫النهيي عين ثمين السينور فثابيت‪ ،‬ولكين الجمهور على إباحتيه لنيه‬
‫طاهير العيين مباح المنافيع‪ .‬فسيبب اختلفهيم فيي الكلب تعارض‬
‫الدلة‪ .‬وميين هذا الباب اختلفهييم فييي بيييع الزيييت النجييس ومييا‬
‫ضارعييه بعييد اتفاقهييم على تحريييم أكله‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل يجوز بيييع‬
‫الزيت النجس‪ ،‬وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز إذا بين‪،‬‬
‫وبيه قال ابين وهيب مين أصيحاب مالك‪ .‬وحجية مين حرميه حدييث‬
‫جابر المتقدم "أنيه سيمع رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم عام‬
‫الفتييح يقول‪ :‬إن الله ورسييوله حرمييا الخميير والميتيية والخنزييير"‪.‬‬
‫وعمدة من أجازه‪ :‬أنه إذا كان في الشيء أكثر من منفعة واحدة‬
‫وحرم منيه واحدة مين تلك المنافيع أنيه لييس يلزميه أن يحرم منيه‬
‫سييائر المنافييع‪ ،‬ول سيييما إذا كانييت الحاجيية إلى المنفعيية غييير‬
‫المحرمية كالحاجية إلى المحرمية‪ ،‬فإذا كان الصيل هذا يخرج منيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الخمر والميتة والخنزير وبقيت سائر محرمات الكل على الباحة‪:‬‬


‫أعنيي أنيه إن كان فيهيا منافيع سيوى الكيل فيبيعت لهذا جاز‪ ،‬ورووا‬
‫عين علي وابين عباس وابين عمير أنهيم أجازوا بييع الزييت النجيس‬
‫ليسييتصبح بييه‪ ،‬وفييي مذهييب مالك جواز السييتصباح بييه وعمييل‬
‫الصيابون ميع تحرييم بيعيه‪ ،‬وأجاز ذلك الشافعيي أيضيا ميع تحرييم‬
‫ثمنيه‪ ،‬وهذا كله ضعييف‪ ،‬وقيد قييل إن فيي المذهيب روايية أخرى‬
‫تمنع الستصباح به وهو ألزم للصل‪ :‬أعني لتحريم البيع‪ .‬واختلف‬
‫أيضيا فيي المذهيب فيي غسيله وطبخيه هيل هيو مؤثير فيي عيين‬
‫النجاسة ومزيل لها على قولين‪ :‬أحدهما جواز ذلك‪ ،‬والخر منعه‪،‬‬
‫وهمييا مبنيان على أن الزيييت إذا خالطتييه النجاسيية هييل نجاسييته‬
‫نجاسية عيين أو نجاسية مجاورة؟ فمين رآه نجاسية مجاورة طهره‬
‫عند الغسيل والطبيخ‪ ،‬ومن رآه نجاسة عيين لم يطهره عند الطبيخ‬
‫والغسيل‪ .‬ومين مسيائلهم المشهورة فيي هذا الباب اختلفهيم فيي‬
‫جواز بييع لبين الدميية إذا حلب‪ ،‬فمالك والشافعيي يجوزانيه‪ ،‬وأبيو‬
‫حنيفية ل يجوزه‪ .‬وعمدة مين أجاز بيعيه أنيه لبين أبييح شربيه فأبييح‬
‫بيعه قياسا على لبن سائر النعام‪ ،‬وأبو حنيفة يرى تحليله إنما هو‬
‫لمكان ضرورة الطفيل إلييه‪ ،‬وأنيه فيي الصيل محرم‪ ،‬إذ لحيم ابين‬
‫آدم محرم‪ ،‬والصييل عندهييم أن اللبان تابعيية للحوم‪ ،‬فقالوا فييي‬
‫قياسيهم هكذا النسيان حيوان ل يؤكيل لحميه‪ ،‬فلم يجيز بييع لبنيه‬
‫أصيله لبن الخنزيير والتان فسيبب اختلفهيم فيي هذا الباب تعارض‬
‫أقيسية الشبيه‪ ،‬وفروع هذا الباب كثيرة‪ ،‬وإنميا نذكير مين المسيائل‬
‫في كل باب مشهور ليجري ذلك مجرى الصول‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في بيوع الربا‪.‬‬
‫@‪-‬واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين‪ :‬في البيع‪ ،‬وفيما‬
‫تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلك‪ .‬فأما الربا فيما تقرر‬
‫في الذمة فهو صنفان‪ :‬صنف متفق عليه‪ ،‬وهو ربا الجاهلية الذي‬
‫نهييي عنييه‪ ،‬وذلك أنهييم كانوا يسييلفون بالزيادة وينظرون‪ ،‬فكانوا‬
‫يقولون‪ :‬أنظرنيي أزدك‪ ،‬وهذا هيو الذي عناه علييه الصيلة والسيلم‬
‫بقوله فييي حجيية الوداع "أل وإن ربييا الجاهلييية موضوع وأول ربييا‬
‫أضعيه ربيا العباس بين عبيد المطلب‪ ،‬والثانيي "ضيع وتعجيل" وهيو‬
‫مختلف فييه وسينذكره فيميا بعيد‪ :‬وأميا الربيا فيي البييع فإن العلماء‬
‫أجمعوا على أنييه صيينفان‪ :‬نسيييئة وتفاضييل‪ ،‬إل مييا روي عيين ابيين‬
‫عباس من إنكاره الربا قي التفاضل لما رواه عن النبي صلى الله‬
‫علييه وسييلم أنيه قال "ل ربيا إل فيي النسييئة وإنميا صيار جمهور‬
‫الفقهاء إلى أن الربا في هذين النوعين لثبوت ذلك عنه صلى الله‬
‫علييه وسيلم‪ .‬والكلم فيي الربيا ينحصير فيي أربعية فصيول‪ :‬الفصيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الول‪ :‬فيي معرفية الشياء التيي ل يجوز فيهيا التفاضيل‪ ،‬ول يجوز‬
‫فيهيا الن َّيساء‪ ،‬وتيبين علة ذلك‪ .‬الثانيي‪ :‬معرفية الشياء التيي يجوز‬
‫فيهيا التفاضيل ول يجوز فيهيا الن َّيساء‪ .‬الثالث‪ :‬فيي معرفية ميا يجوز‬
‫فيه المران جميعا‪ .‬الرابع‪ :‬فيي معرفية ما يعيد صنفا واحدا مما ل‬
‫يعد صنفا واحدا‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصيل الول‪ .‬فيي معرفية الشياء التيي ل يجوز فيهيا التفاضيل‬
‫ول يجوز فيها النَّساء وتبيين علة ذلك‪ .‬فنقول‪:‬‬
‫@‪-‬أجمييع العلماء على أن التفاضييل والن ّييَساء ممييا ل يجوز واحييد‬
‫منهما في الصنف الواحد من الصناف التي نص عليها في حديث‬
‫عبادة بن الصامت‪ ،‬إل ما حكي عن ابن عباس‪ ،‬وحديث عبادة هو‬
‫قال "سيمعت رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم ينهيي عين بييع‬
‫الذهييب بالذهييب والفضيية بالفضيية والبر بالبر والشعييير بالشعييير‬
‫والتمير بالتمير والملح بالملح إل سيواء بسيواء عينيا بعيين‪ ،‬فمين زاد‬
‫أو ازداد فقييد أربييى" فهذا الحديييث نييص فييي منييع التفاضييل فييي‬
‫الصنف الواحد من هذه العيان‪.‬‬
‫وأميا منيع الن َّيسيئة فيهيا فثابيت مين غيير ميا حدييث‪ ،‬أشهرهيا حدييث‬
‫عميير بيين الخطاب قال‪ :‬قال رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫"الذهيب بالذهيب ربيا‪ ،‬إل هاء وهاء‪ ،‬والبر بالبر ربيا إل هاء وهاء‬
‫والتمر بالتمر ربا إل هاء وهاء‪ ،‬والشعير بالشعير ربا إل هاء وهاء"‬
‫فتضمين حدييث عبادة منيع التفاضيل فيي الصينف الواحيد‪ ،‬وتضمين‬
‫أيضييا حديييث عبادة منييع الن ّيَساء فييي الصيينفين ميين هذه‪ ،‬وإباحيية‬
‫التفاضيل‪ ،‬وذلك فيي بعيض الروايات الصيحيحة‪ ،‬وذلك أن فيهيا بعيد‬
‫ذكره منيع التفاضيل فيي تلك السيتة "وبيعوا الذهيب بالورق كييف‬
‫شئتيم يدا بييد والبر بالشعيير كييف شئتيم يدا بييد" وهذا كله متفيق‬
‫عليه بين الفقهاء إل البر بالشعير‪.‬‬
‫واختلفوا فيما سوى هذه الستة المنصوص عليها‪ ،‬فقال قوم منهم‬
‫أهييل الظاهيير‪ :‬إنمييا يمتنييع التفاضييل فييي صيينف صيينف ميين هذه‬
‫الصناف الستة ف قط‪ ،‬وأن ما عداها ل يمتنع الصنف الواحد منها‬
‫التفاضل‪ ،‬وقال هؤلء أيضا‪ :‬إن الن َّساء ممتنع في هذه الستة أيضا‬
‫فقيط اتفقيت الصيناف أو اختلفيت‪ ،‬وهذا أمير متفيق علييه‪ :‬أعنيي‬
‫امتناع الن َّساء فيها مع اختلف الصناف‪ ،‬إل ما حكي عن ابن علية‬
‫أنه قال‪ :‬إذا اختلف الصنفان جاز التفاضل والنسيئة ما عدا الذهب‬
‫والفضة‪.‬‬
‫فهؤلء جعلوا النهييي المتعلق بأعيان هذه السييتة ميين باب الخاص‬
‫أريد به الخاص‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا الجمهور مين فقهاء المصيار‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أنيه مين باب‬
‫الخاص أريد به العام‪.‬‬
‫واختلفوا فيي المعنيى العام الذي وقيع التنيبيه علييه بهذه الصيناف‪:‬‬
‫أعني في مفهوم علة التفاضل ومنع النَّساء فيها‪.‬‬
‫فالذي استقر عليه حذاق المالكية أن سبب منع التفاضل أما في‬
‫الربعية‪ ،‬فالصينف الواحيد مين المدخير المقتات‪ ،‬وقيد قييل الصينف‬
‫الواحيد المدخير وإن لم يكين مقتاتيا ومين شرط الدخار عندهيم أن‬
‫يكون فيي الكثير‪ ،‬وقال بعيض أصيحابه‪ :‬الربيا فيي الصينف المدخير‬
‫وإن كان نادر الدخار‪.‬‬
‫وأميا العلة عندهيم فيي منيع التفاضيل فيي الذهيب والفضية فهيو‬
‫الصينف الواحيد أيضيا ميع كونهميا رءوسيا للثمان وقيميا للمتلفات‪،‬‬
‫وهذه العلة هيي التيي تعرف عندهيم بالقاصيرة‪ ،‬لنهيا غيير موجودة‬
‫عندهم في غير الذهب والفضة‪.‬‬
‫وأميا علة منيع الن َّيساء عنيد المالكيية فيي الربعية المنصيوص عليهيا‬
‫فهيييو الطعيييم والدخار دون اتفاق الصييينف‪ ،‬ولذلك إذا اختلفيييت‬
‫أصينافها جاز عندهيم التفاضيل دون النسييئة‪ ،‬ولذلك يجوز التفاضيل‬
‫عندهيم فيي المطعومات التيي ليسيت مدخرة‪ :‬أعنيي فيي الصينف‬
‫الواحد منها‪ ،‬ول يجوز النَّساء‪.‬‬
‫أميا جواز التفاضيل‪ ،‬فلكونهيا ليسيت مدخرة‪ ،‬وقيد قييل إن الدخار‬
‫شرط في تحريم التفاضل في الصنف الواحد‪.‬‬
‫وأمييا منييع الن ّ يَساء فيهييا فلكونهييا مطعوميية مدخرة‪ ،‬وقييد قلنييا إن‬
‫الطعم بإطلق علة لمنع النَّساء في المطعومات‪.‬‬
‫وأميا الشافعيية فعلة منيع التفاضيل عندهيم فيي هذه الربعية هيو‬
‫الطعم فقط مع اتفاق الصنف الواحد‪.‬‬
‫وأما علة النَّساء فالطعم دون اعتبار الصنف مثل قول مالك‪.‬‬
‫وأميا الحنفيية فعلة منيع التفاضيل عندهيم فيي السيتة واحدة وهيو‬
‫الكيييل أو الوزن مييع اتفاق الصيينف‪ ،‬وعلة الن ّييَساء فيهييا اختلف‬
‫الصيينف مييا عدا النحاس والذهييب‪ ،‬فإن الجماع انعقييد على أنييه‬
‫يجوز فيهيا الن َّيساء‪ ،‬ووافيق الشافعيي مالكيا فيي علة منيع التفاضيل‬
‫والن ّيَساء فييي الذهييب والفضيية‪ ،‬أعنييي أن كونهمييا رءوسييا للثمان‬
‫وقيميا للمتلفات هيو عندهيم علة منيع النسييئة إذا اختلف الصينف‪،‬‬
‫فإذا اتفقيا منيع التفاضيل‪ ،‬والحنفيية تعتيبر فيي المكييل قدرا يتأتيى‬
‫فيه الكيل‪ ،‬وسيأتي أحكام الدنانير والدراهم بما يخصها في كتاب‬
‫الصرف‪ ،‬وأما هاهنا فالمقصود هو تبيين مذاهب الفقهاء في علل‬
‫الربا المطلق في هذه الشياء‪ ،‬وذكر عمدة دليل كل فريق منهم‪،‬‬
‫فنقول‪ :‬إن الذيين قصيروا صينف الربيا على هذه الصيناف السيتة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فهييم أحييد صيينفين‪ :‬إمييا قوم نفوا القياس فييي الشرع‪ :‬أعنييي‬
‫اسيتنباط العلل مين اللفاظ وهيم الظاهريية‪ ،‬وإميا قوم نفوا قياس‬
‫الشبيه وذلك أن جمييع مين ألحيق المسيكوت ههنيا بالمنطوق بيه‪،‬‬
‫فإنميا ألحقيه بقياس الشبيه ل بقياس العلة‪ ،‬إل ميا حكيي عين ابين‬
‫الماجشون أنيه اعتيبر فيي ذلك الماليية وقال‪ :‬علة منيع الربيا إنميا‬
‫هي حياطة الموال‪ ،‬يريد منع العين‪.‬‬
‫وأمييا القاضييي أبييو بكيير الباقلنييي فلمييا كان قياس الشبييه عنده‬
‫ضعيفيييا‪ ،‬وكان قياس المعنيييى عنده أقوى منيييه اعتيييبر فيييي هذا‬
‫الموضيع قياس المعنيى‪ ،‬إذ لم يتأت له قياس علة‪ ،‬فألحيق الزبييب‬
‫فقط بهذه الصناف الربعة‪ ،‬لنه زعم أنه في معنى التمر‪ ،‬ولكل‬
‫واحيد مين هؤلء‪ :‬أعنيي مين القائسيين دلييل فيي اسيتنباط الشبيه‬
‫الذي اعتييبره فييي إلحاق المسييكوت عنييه بالمنطوق بييه ميين هذه‬
‫الربعة‪.‬‬
‫وأميا الشافعيية فإنهيم قالوا فيي تثيبيت علتهيم الشبهيية‪ :‬إن الحكيم‬
‫إذا علق باسيم مشتيق دل على أن ذلك المعنيى الذي اشتيق منيه‬
‫السييم هييو علة الحكييم مثييل قوله تعالى (والسييارق والسييارقة‬
‫فاقطعوا أيديهما) فلما علق الحكم بالسم المشتق وهو السارق‬
‫علم أن الحكم متعلق بنفس السرقة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإذا كان هذا هكذا‪ ،‬وكان قيد جاء مين حدييث سيعيد بين عبيد‬
‫الله أنه قال‪ :‬كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫"الطعام بالطعام مثل بمثل" فمن البين أن الطعم هو الذي علق‬
‫به الحكم‪.‬‬
‫وأما المالكية فإنها زادت على الطعم إما صفة واحدة وهو الدخار‬
‫على ميا فيي الموطيأ‪ ،‬وإميا صيفتين وهيو الدخار والقتيات على ميا‬
‫اختاره البغداديون‪ ،‬وتمسيكت فيي اسيتنباط هذه العلة بأنيه لو كان‬
‫المقصيود هيو الطعيم وحده لكتفيى بالتنيبيه على ذلك بالنيص على‬
‫واحد من تلك الربعة أصناف المذكورة‪ ،‬فلما ذكر منها عددا علم‬
‫أنيه قصيد بكيل واحيد منهيا التنيبيه على مافيي معناه‪ ،‬وهيي كلهيا‬
‫يجمعها القتيات والدخار‪.‬‬
‫أميا البر والشعيير فنبيه بهميا على أصيناف الحبوب المدخرة‪ ،‬ونبيه‬
‫بالتمييير على جمييييع أنواع الحلوات المدخرة كالسيييكر والعسيييل‬
‫والزبيب‪ ،‬ونبه بالملح على جميع التوابل المدخرة لصلح الطعام‪،‬‬
‫وأيضا فإنهم قالوا‪ :‬لما كان معقول المعنى في الربا إنما هو أن ل‬
‫يغبين بعيض الناس بعضيا وأن تحفيظ أموالهيم‪ ،‬فواجيب أن يكون‬
‫ذلك في أصول المعايش وهي القوات‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما الحنفية فعمدتهم في اعتبار المكيل والموزون أنه صلى الله‬


‫علييه وسيلم لميا علق التحلييل باتفاق الصينف واتفاق القدر‪ ،‬وعلق‬
‫التحرييم باتفاق الصينف واختلف القدر فيي قوله صيلى الله علييه‬
‫وسلم لعامله بخيبر من حديث أبي سعيد وغيره "إل كيل بكيل يدا‬
‫بييد" رأوا أن التقديير أعنيي الكييل أو الوزن هيو المؤثير فيي الحكيم‬
‫كتأثيير الصينف‪ ،‬وربميا احتجوا بأحادييث ليسيت مشهورة فيهيا تنيبيه‬
‫قوي على اعتبار الكيل أو الوزن‪.‬‬
‫منهييا أنهييم رووا فييي بعييض الحاديييث المتضمنييه المسييميات‬
‫المنصييوص عليهييا فييي حديييث عبادة زيادة‪ ،‬وهييي كذلك مييا يكال‬
‫ويوزن‪ ،‬وفي بعضها‪ :‬وكذلك المكيال والميزان‪ ،‬هذا نص لو صحت‬
‫الحادييث‪ ،‬ولكين إذا تؤميل المرمين طرييق المعنيى ظهير {والله‬
‫أعلم} أن علتهييم أولى العلل‪ ،‬وذلك أنييه يظهيير ميين الشرع أن‬
‫المقصود بتحريم الربا إنما هو لمكان الغبن الكثير الذي فيه‪ ،‬وأن‬
‫العدل فيي المعاملت إنميا هيو مقاربية التسياوي‪ ،‬ولذلك لميا عسير‬
‫إدراك التسييياوي فيييي الشياء المختلفييية الذوات جعيييل الدينار‬
‫والدرهيم لتقويمهيا‪ :‬أعنيي تقديرهيا‪ ،‬ولميا كانيت الشياء المختلفية‬
‫الذوات‪ :‬أعنييي غييير الموزونية والمكيلة العدل فيهييا إنميا هيو فييي‬
‫وجود النسبة‪ ،‬أعني أن تكون نسبة قيمة أحد الشيئين إلى جنسه‬
‫نسيبة قيمية الشييء لخير إلى جنسيه‪ ،‬مثال ذلك أن العدل إذا باع‬
‫إنسييان فرسييا بثياب هييو أن تكون نسييبة قيميية ذلك الفرس إلى‬
‫الفراس هييي نسييبة قيميية ذلك الثوب إلى الثياب‪ ،‬فإن كان ذلك‬
‫الفرس قيمتيييه خمسيييون فيجيييب أن تكون تلك الثياب قيمتهيييا‬
‫خمسييون‪ ،‬فليكيين مثل الذي يسياوي هذا القدر عددهييا هييو عشرة‬
‫أثواب‪ ،‬فإذا اختلف هذه الميبيعات بعصيها ببعيض فيي العدد واجبية‬
‫فييي المعاملة العدالة‪ ،‬أعنييي أن يكون عديييل فرس عشرة أثواب‬
‫في المثل‪.‬‬
‫وأمييا الشياء المكيلة والموزونيية‪ ،‬فلمييا كانييت ليسييت تختلف كييل‬
‫الختلف‪ ،‬وكانيت منافعهيا متقاربية ولم تكين حاجية ضروريية لمين‬
‫كان عنده منها صنف أن يستبدله بذلك الصنف بعينه إل على جهة‬
‫السرف كان العدل في هذا إنما هو بوجود التساوي في الكيل أو‬
‫الوزن إذ كانيت ل تتفاوت فيي المنافيع‪ ،‬وأيضيا فإن منيع التفاضيل‬
‫فيي هذه الشياء يوجيب أن ل يقيع فيهيا تعاميل لكون منافعهيا غيير‬
‫مختلفة‪ ،‬والتعامل إنما يضطر إليه في المنافع المختلفة‪ ،‬فإذا منع‬
‫التفاضيييل فيييي هذه الشياء أعنيييي المكيلة والموزونييية علتان‪:‬‬
‫إحداهميييا وجود العدل فيهيييا‪ ،‬والثانيييي منيييع المعاملة إذا كانيييت‬
‫المعاملة بها من باب السرف‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا الدينار والدرهيم فعلة المنيع فيهيا أظهير إذ كانيت هذه لييس‬
‫المقصيود منهيا الربيح‪ ،‬وإنميا المقصيود بهيا تقديير الشياء التيي لهيا‬
‫منافع ضرورية‪.‬‬
‫روى مالك عن سعيد بن المسيب أنه كان يعتبر في علة الربا في‬
‫هذه الصييناف الكيييل والطعييم‪ ،‬وهييو معنييى جيييد لكون الطعييم‬
‫ضروريييا فييي أقوات الناس‪ ،‬فإنييه يشبييه أن يكون حفييظ العييين‬
‫وحفظ السرف فيما هو قوت أهم منه فيما ليس هو قوتا‪.‬‬
‫وقيد روي عين بعيض التابعيين أنيه اعتيبر فيي الربيا الجناس التيي‬
‫تجب فيها الزكاة‪ ،‬وعن بعضهم النتفاع مطلقا????????‬
‫‪ :‬أعني المالية‪ ،‬وهو مذهب ابن الماجشون‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصيل الثانيي‪ .‬فيي معرفية الشياء التيي يجوز فيهيا التفاضيل‬
‫ول يجوز فيها النَّساء‪.‬‬
‫@‪-‬فيجب من هذا أن تكون علة امتناع النسيئة في الربويات هي‬
‫الطعيم عنيد مالك والشافعيي‪ .‬وأميا فيي غيير الربويات مميا لييس‬
‫بمطعوم‪ ،‬فإن علة منيع النسييئة فييه عنيد مالك هيو الصينف الواحيد‬
‫المتفق المنافع مع التفاضل‪ ،‬وليس عند الشافعي نسيئة في غير‬
‫الربويات‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فعلة منيع الن َّيساء عنده هيو الكييل فيي‬
‫الربويات وفيي غيير الربويات الصينف الواحيد متفاضل كان أو غيير‬
‫متفاضيل‪ ،‬وقيد يظهير مين ابين القاسيم عين مالك أنيه يمنيع النسييئة‬
‫في هذه‪ ،‬لنه عنده من باب السلف الذي يجر منفعة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في معرفة ما يجوز فيه المران جميعا‪.‬‬
‫@‪-‬وأما ما يجوز فيه المران جميعا‪ :‬أعني التفاضل والن َّساء‪ ،‬فما‬
‫لم يكن ربويا عند الشافعي‪ .‬وأما عند مالك فما لم يكن ربويا ول‬
‫كان صينفا واحدا متماثل أو صينفا واحدا بإطلق على مذهيب أبيي‬
‫حنيفيية‪ ،‬ومالك يعتييبر فييي الصيينف المؤثيير فييي التفاضييل فييي‬
‫الربويات‪ ،‬وفي الن َّساء في غير الربويات اتفاق المنافع واختلفها‪،‬‬
‫فإذا اختلفيت جعلهيا صينفين‪ ،‬وإن كان السيم واحدا‪ ،‬وأبيو حنيفية‬
‫يعتيبر السيم وكذلك الشافعيي‪ ،‬وإن كان الشافعيي لييس الصينف‬
‫عنده مؤثرا إل فيي الربويات فقيط‪ :‬أعنيي أنيه يمنيع التفاضيل فييه‪،‬‬
‫ولييس هيو عنده علة للن َّيساء أصيل‪ ،‬فهذا هيو تحصييل مذاهيب هؤلء‬
‫الفقهاء الثلثة في هذه الفصول الثلث‪ .‬فأما الشياء التي ل تجوز‬
‫فيهيا النسييئة فإنهيا قسيمان‪ :‬منهيا ميا ل يجوز فيهيا التفاضيل وقيد‬
‫تقدم ذكرهيا‪ ،‬ومنهيا ميا يجوز فيهيا التفاضيل‪ .‬فأميا الشياء التيي ل‬
‫يجوز فيها التفاضل فعلة امتناع النسيئة فيها هو الطعم عند مالك‬
‫وعنيد الشافعيي الطعيم فقيط‪ ،‬وعنيد أبيي حنيفية مطعومات الكييل‬
‫والوزن‪ ،‬فإذا اقترن بالطعييم اتفاق الصيينف حرم التفاضييل عنييد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشافعي‪ ،‬وإذا اقترن وصف ثالث وهو الدخار حرم التفاضل عند‬
‫مالك‪ ،‬وإذا اختلف الصيينف جاز التفاضييل وحرمييت النسيييئة‪ .‬وأمييا‬
‫الشياء التي ليس يحرم التفاضل فيها عند مالك فإنها صنفان‪ :‬إما‬
‫مطعومية‪ ،‬وإميا غيير مطعومية‪ .‬فأميا المطعومية فالن َّيساء عنده ل‬
‫يجوز فيهيا‪ ،‬وعلة المنيع الطعيم؛ وأميا غيير المطعومية فإنيه ل يجوز‬
‫فيها الن َّساء عنده فيما اتفقت منافعه مع التفاضل‪ ،‬فل يجوز عنده‬
‫شاة واحدة بشاتين إلى أجل إل أن تكون إحداهما حلوبة والخرى‬
‫أكولة‪ ،‬هذا هيو المشهور عنيه؛ وقيد قييل إنيه يعتيبر اتفاق المنافيع‬
‫دون التفاضييل فعلى هذا ل يجوز عنده شاة حلوبيية بشاة حلوبيية‬
‫إلى أجييل‪ .‬فأمييا إذا اختلفييت المنافييع فالتفاضييل والنسيييئة عنده‬
‫جائزان وإن كان الصيينف واحدا؛ وقيييل يعتييبر اتفاق السييماء مييع‬
‫اتفاق المنافع‪ ،‬والشهر أن ل يعتبر؛ وقد قيل يعتبر‪ .‬وأما أبو حنيفة‬
‫فالمعتيبر عنده فيي منيع الن ّيَساء ميا عدا التيي ل يجوز عنده فيهيا‬
‫التفاضيل هيو اتفاق الصينف اتفقيت المنافيع أو اختلفيت‪ ،‬فل يجوز‬
‫عنده شاة بشاة ول بشاتييين نسيييئة وإن اختلفييت منافعهييا‪ .‬وأمييا‬
‫الشافعي فكل ما ل يجوز التفاضل عنده في الصنف الواحد يجوز‬
‫فييه الن َّيساء‪ ،‬فيجييز شاة بشاتيين نسييئة ونقدا‪ ،‬وكذلك شاة بشاة‪،‬‬
‫ودلييل الشافعيي حدييث عمرو بين العاص "أن رسيول الله صيلى‬
‫الله علييييه وسيييلم أمره أن يأخيييذ فيييي قلئص الصيييدقة البعيييير‬
‫بالبعيرين إلى الصدقة" قالوا فهذا التفاضل في الجنس الواحد مع‬
‫الن َّيساء‪ .‬وأميا الحنفيية فاحتجيت بحدييث الحسين عين سيمرة "أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان"‬
‫قالوا‪ :‬وهذا يدل على تأثير الجنس على النفراد في النسيئة‪ .‬وأما‬
‫مالك فعمدتييه فييي مراعاة منييع الن ّيَساء عنييد اتفاق الغراض سييد‬
‫الذريعية‪ ،‬وذلك أنيه ل فائدة فيي ذلك إل أن يكون مين باب سيلف‬
‫يجر نفعا وهو يحرم‪ ،‬وقد قيل عنه إنه أصل بنفسه‪ ،‬وقد قيل عن‬
‫الكوفييين إنيه ل يجوز بييع الحيوان بالحيوان نسييئة اختلف الجنيس‬
‫أو اتفيق على ظاهير حدييث سيمرة‪ ،‬فكأن الشافعيي ذهيب مذهيب‬
‫الترجييح لحدييث عمرو بين العاص‪ ،‬والحنفيية لحدييث سيمرة ميع‬
‫التأوييييييل له‪ ،‬لن ظاهره يقتضيييييي أن ل يجوز الحيوان بالحيوان‬
‫نسييئة اتفيق الجنيس أو اختلف‪ ،‬وكأن مالكيا ذهيب مذهيب الجميع‪،‬‬
‫فحمييل حديييث سييمرة على اتفاق الغراض‪ ،‬وحديييث عمرو بيين‬
‫العاص على اختلفهيا‪ ،‬وسيماع الحسين مين سيمرة مختلف فييه‪،‬‬
‫ولكين صيححه الترمذي‪ ،‬ويشهيد لمالك ميا رواه الترمذي عين جابر‬
‫قال‪ :‬قال رسيييول الله صيييلى الله علييييه وسيييلم "الحيوان اثنان‬
‫بواحد‪ ،‬ل يصلح الن َّساء ول بأس به يدا بيد" وقال ابن المنذر‪ :‬ثبت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫"أن رسيييول الله صيييلى الله علييييه وسيييلم اشترى عبدا بعبديييين‬
‫أسيودين‪ ،‬واشترى جاريية بسيبعة أرؤس" وعلى هذا الحدييث يكون‬
‫بييع الحيوان بالحيوان يشبيه أن يكون أصيل بنفسيه ل مين قبيل سيد‬
‫ذريعة‪ .‬واختلفوا فيما ل يجوز بيعه ن َّساء‪ ،‬هل من شرطه التقابض‬
‫فييي المجلس قبييل الفتراق سييائر الربويات بعييد اتفاقهييم فييي‬
‫اشتراط ذلك في المصارفة لقوله عليه الصلة والسلم "ل تبيعوا‬
‫منهيا غائبيا بناجيز" فمين شرط فيهيا التقابيض فيي المجلس شبههيا‬
‫بالصرف‪ ،‬ومن لم يشترط ذلك قال‪ :‬إن القبض قبل التفرق ليس‬
‫شرطيا فيي البيوع إل ميا قام الدلييل علييه‪ ،‬ولميا قام الدلييل على‬
‫الصرف فقط بقيت سائر الربويات على الصل‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في معرفة ما يعد صنفا واحدا‪ ،‬وما ل يعد صنفا‬
‫واحدا‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا مين هذا الباب فيميا يعيد صينفا واحدا وهيو المؤثير فيي‬
‫التفاضل مما ل يعد صنفا واحدا في مسائل كثيرة‪ ،‬لكن نذكر منها‬
‫أشهرهيا‪ ،‬وكذلك اختلفوا فيي صيفات الصينف الواحيد المؤثير فيي‬
‫التفاضييل‪ ،‬هييل ميين شرطييه أن ل يختلف بالجودة والرداءة‪ ،‬ول‬
‫باليبس والرطوبة؟ فأما اختلفهم فيما يعد صنفا واحدا مما ل يعد‬
‫صنفا واحدا‪ ،‬فمن ذلك القمح والشعير‪ ،‬صار قوتا إلى أنهما صنف‬
‫واحييييد‪ ،‬وصييييار آخرون إلى أنهمييييا صيييينفان‪ ،‬فبالول قال مالك‬
‫والوزاعييي‪ ،‬وحكاه مالك فييي الموطييأ عيين سييعيد بيين المسيييب؛‬
‫وبالثانيي قال الشافعيي وأبيو حنيفية‪ ،‬وعمدتهميا السيماع والقياس‪.‬‬
‫أمييا السييماع فقوله صييلى الله عليييه وسييلم "ل تييبيعوا البر بالبر‬
‫والشعيير بالشعير إل مثل بمثل" فجعله ما صنفين‪ ،‬وأيضا فإن فيي‬
‫بعض طرق حديث عبادة بن الصامت "وبيعوا الذهب بالفضة كيف‬
‫شئتيم‪ ،‬والبر بالشعيير كييف شئتيم‪ ،‬والملح بالتمير كييف شئتيم يدا‬
‫بيييد" ذكره عبييد الرزاق ووكيييع عيين الثوري‪ ،‬وصييحح هذه الزيادة‬
‫الترمذي‪ .‬وأمييا القياس فلنهمييا اختلفييت أسييماؤهما ومنافعهمييا‪،‬‬
‫فوجييب أن يكونييا يكونييا صيينفين‪ ،‬أصييله الفضيية والذهييب وسييائر‬
‫الشياء المختلفة في السم والمنفعة‪ .‬وأما عمدة مالك فإنه عمل‬
‫سييلفه بالمدينيية‪ .‬وأمييا أصييحابه فاعتمدوا فييي ذلك أيضييا السييماع‬
‫والقياس‪ .‬أميا السيماع فميا روي أن النيبي علييه الصيلة والسيلم‬
‫قال "الطعام بالطعام مثل بمثيل" فقالوا‪ :‬اسيم الطعام يتناول البر‬
‫والشعيير وهذا ضعييف‪ ،‬فإن هذا عام يفسيره الحادييث الصيحيحة‪.‬‬
‫وأمييا ميين طريييق القياس فإنهييم عددوا كثيرا ميين اتفاقهمييا فييي‬
‫المنافيع‪ ،‬والمتفقية المنافيع ل يجوز التفاضيل فيهيا باتفاق‪ ،‬والسيلت‬
‫عنيد مالك والشعيير صينف واحيد‪ ،‬وأميا القطيية فإنهيا عنده صينف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واحيد فيي الزكاة‪ ،‬وعنيه فيي البيوع روايتان‪ :‬إحداهميا أنهيا صينف‬
‫واحد‪ ،‬والخرى أنها أصناف‪ .‬وسبب الخلف تعارض اتفاق المنافع‬
‫فيهيا واختلفهيا‪ ،‬فمين غلب التفاق قال‪ :‬صينف واحيد‪ ،‬ومين غلب‬
‫الختلف قال‪ :‬صنفان أو أصناف‪ ،‬والرز والدخن والجاورس عنده‬
‫صنف واحد‪.‬‬
‫@‪(-‬مسألة) واختلفوا من هذا الباب في الصنف الواحد من اللحم‬
‫الذي ل يجوز فيييه التفاضييل‪ ،‬فقال مالك‪ :‬اللحوم ثلثيية أصييناف‪:‬‬
‫فلحيم ذوات الربيع صينف‪ ،‬ولحيم ذوات الماء صينف‪ ،‬ولحيم الطيير‬
‫كله صينف واحيد أيضيا‪ ،‬وهذه الثلثية الصيناف مختلفية يجوز فيهيا‬
‫التفاضيل‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬كيل واحيد مين هذه هيو أنواع كثيرة‪،‬‬
‫والتفاضيل فييه جائز إل فيي النوع الواحيد بعينيه‪ .‬وللشافعيي قولن‪:‬‬
‫أحدهما مثل قول أبي حنيفة‪ ،‬والخر أن جميعها صنف واحد‪ .‬وأبو‬
‫حنيفة يجيز لحم الغنم بالبقر متفاضل‪ ،‬ومالك ل يجيزه‪ ،‬والشافعي‬
‫ل يجيز بيع لحم الطير بلحم الغنم متفاضل‪ ،‬ومالك يجيزه‪ .‬وعمدة‬
‫الشافعي قوله عليه الصلة والسلم "الطعام بالطعام مثل بمثل"‬
‫ولنهييا إذا فارقتهييا الحياة زالت الصييفات التييي كانييت بهييا تختلف‪،‬‬
‫ويتناولهيييا اسيييم اللحيييم تناول واحدا‪ .‬وعمدة المالكيييية أن هذه‬
‫الجناس مختلفية‪ ،‬فوجيب أن يكون لحمهيا مختلفيا‪ .‬والحنفيية تعتيبر‬
‫الختلف الذي فيي الجنيس الواحيد مين هذه وتقول‪ :‬إن الختلف‬
‫الذي بين النواع التي في الحيوان‪ ،‬أعني في الجنس الواحد منه‬
‫كأنيييك قلت الطائر هيييو وزان الختلف الذي بيييين التمييير والبر‬
‫والشعييير‪ .‬وبالجملة فكييل طائفيية تدعييي أن وزان الختلف الذي‬
‫بين الشياء المنصوص عليها الذي تراه في اللحم‪ ،‬والحنفية أقوى‬
‫من جهة المعنى‪ ،‬لن تحريم التفاضل إنما هو عند اتفاق المنفعة‪.‬‬
‫@‪(-‬مسألة) واختلفوا من هذا الباب في بيع الحيوان بالميت على‬
‫ثلثة أقوال‪ :‬قول إنه ل يجوز بإطلق‪ ،‬وهو قول الشافعي والليث؛‬
‫وقول إنيه يجوز فيي الجناس المختلفية التيي يجوز فيهيا التفاضيل‪،‬‬
‫ول يجوز ذلك في المتفقة‪ :‬أعني الربوية لمكان الجهل الذي فيها‬
‫مين طرييق التفاضيل‪ ،‬وذلك فيي التيي المقصيود منهيا الكيل‪ ،‬وهيو‬
‫قول مالك‪ ،‬فل يجوز شاة مذبوحيية بشاة تراد للكييل‪ ،‬وذلك عنده‬
‫فييي الحيوان المأكول‪ ،‬حتييى أنييه ل يجيييز الحييي بالحييي إذا كان‬
‫المقصيود الكيل مين أحدهميا‪ ،‬فهيي عنده مين هذا الباب‪ ،‬أعنيي أن‬
‫امتناع ذلك عنده مين جهية الربيا والمزابنية؛ وقول ثالث إنيه يجوز‬
‫مطلقيا‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية‪ .‬وسيبب الخلف معارضية الصيول فيي‬
‫هذا الباب لمرسيل سيعيد بين المسييب‪ ،‬وذلك أن مالكيا روى عين‬
‫زييد بين أسيلم عين سيعيد بين المسييب "أن رسيول الله صيلى الله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫علييه وسيلم نهيى عين بييع الحيوان باللحيم" فمين لم تنقدح عنده‬
‫معارضة هذا الحديث لصل من أصول البيوع التي توجب التحريم‬
‫قال به‪ .‬ومن رأى أن الصول معارضة له وجب عليه أحد أمرين‪:‬‬
‫إمييا أن يغلب الحديييث فيجعله أصييل زائدا بنفسييه أو يرده لمكان‬
‫معارضية الصيول له‪ .‬فالشافعيي غلب الحدييث وأبيو حنيفية غلب‬
‫الصيول‪ ،‬ومالك رده إلى أصيوله فيي البيوع‪ ،‬فجعيل البييع فييه مين‬
‫باب الربييا‪ ،‬أعنييي بيييع الشيييء الربوي بأصييله‪ ،‬مثييل بيييع الزيييت‬
‫بالزيتون وسييييأتي الكلم على هذا الصيييل‪ ،‬فإنيييه الذي يعرفيييه‬
‫الفقهاء بالمزابنية‪ ،‬وهيي داخلة فيي الربيا بجهية‪ ،‬وفيي الغرر بجهية‪،‬‬
‫وذلك أنهيا ممنوعية فيي الربويات مين جهية الربيا والغرر‪ ،‬وفيي غيير‬
‫الربويات ميين جهيية الغرر فقييط الذي سييببه الجهييل بالخارج عيين‬
‫الصل‪.‬‬
‫@‪(-‬مسيألة) ومين هذا الباب اختلفهيم فيي بييع الدقييق بالحنطية‬
‫مثل بمثل‪ ،‬فالشهر عن مالك جوازه‪ ،‬وهو قول مالك في موطئه‪،‬‬
‫وروي عنييه أنييه ل يجوز‪ ،‬وهييو قول الشافعييي وأبييي حنيفيية وابيين‬
‫الماجشون من أصحاب مالك؛ وقال بعض أصحاب مالك‪ :‬ليس هو‬
‫اختلفا من قوله‪ ،‬وإنما رواية المنع إذا كان اعتبار المثلية بالكيل‪،‬‬
‫لن الطعام إذا صيييار دقيقيييا اختلف كيله‪ ،‬وروايييية الجواز إذا كان‬
‫العتبار بالوزن‪ .‬وأما أبو حنيفة فالمنع عنده في ذلك من قبل أن‬
‫أحدهميا مكييل والخير موزون‪ .‬ومالك يعتيبر الكييل أو الوزن فيميا‬
‫جرت العادة أن يكال أو يوزن‪ ،‬والعدد فيميييييييا ل يكال ول يوزن‪.‬‬
‫واختلفوا مين هذا الباب فيميا تدخله الصينعة مميا أصيله منيع الربيا‬
‫فيه مثل الخبز بالخبز‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬ل بأس ببيع ذلك متفاضل‬
‫ومتماثل‪ ،‬لنيه قيد خرج بالصينعة عين الجنيس الذي فييه الربيا‪ ،‬وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬ل يجوز متماثل فضل عيين متفاضييل‪ ،‬لنييه قييد غيرتييه‬
‫الصيينعة تغيرا جهلت بييه مقاديره التييي تعتييبر فيهييا المماثلة‪ .‬وأمييا‬
‫مالك فالشهر في الخبز عنده أنه يجوز متماثل‪ ،‬وقد قيل فيه أنه‬
‫يجوز فييه التفاضيل والتسياوي‪ .‬وأميا العجيين بالعجيين فجائز عنده‬
‫مع المماثلة‪ .‬وسبب الخلف هل الصنعة تنقله من جنس الربويات‬
‫أو ليس تنقله‪ ،‬وإن لم تنقله فهل تمكن المماثلة فيه أو ل تمكن؟‬
‫فقال أبيو حنيفية‪ :‬تنقله‪ ،‬وقال مالك والشافعيي‪ :‬ل تنقله‪ .‬واختلفوا‬
‫فيي إمكان المماثلة فيهميا‪ ،‬فكان مالك يجييز اعتبار المماثلة فيي‬
‫الخبيز واللحيم بالتقديير والحزر فضل عين الوزن‪ .‬وأميا إذا كان أحيد‬
‫الربويين لم تدخله صنعة والخر قد دخلته الصنعة‪ ،‬فإن مالكا يرى‬
‫فيي كثيير منهيا أن الصينعة تنقله مين الجنيس‪ :‬أعنيي مين أن يكون‬
‫جنسيا واحدا فيجييز فيهيا التفاضيل‪ ،‬وفيي بعضهيا لييس يرى ذلك‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وتفصيييل مذهبييه فييي ذلك عسييير النفصييال‪ ،‬فاللحييم المشوي‬


‫والمطبوخ عنده ميين جنييس واحييد‪ ،‬والحنطيية المقلوة عنده وغييير‬
‫المقلوة جنسان‪ ،‬وقد رام أصحابه التفصيل في ذلك‪ ،‬والظاهر من‬
‫مذهبه أنه ليس في ذلك قانون من قوله حتى ينحصر فيه أقواله‬
‫فيهيا‪ ،‬وقيد رام حصيرها الباجيي فيي المنتقيي‪ ،‬وكذلك أيضيا يعسير‬
‫حصيير المنافييع التييي توجييب عنده التفاق فييي شيييء شيييء ميين‬
‫الجناس التيي يقيع بهيا التعاميل‪ ،‬وتمييزهيا مين التيي ل توجيب ذلك‪:‬‬
‫أعنيي فيي الحيوان والعروض والنبات‪ .‬وسيبب العسير أن النسيان‬
‫إذا سيئل عين أشياء متشابهية فيي أوقات مختلفية ولم يكين عنده‬
‫قانون يعمل عليه في تمييزها إل ما يعطيه بادئ النظر في الحال‬
‫جاوب فيهييا بجوابات مختلفيية‪ ،‬فإذا جاء ميين بعده أحييد فرام أن‬
‫يجري تلك الجوبة على قانون واحد وأصل واحد عسر ذلك عليه‪،‬‬
‫وأنت تتبين ذلك من كتبهم‪ ،‬فهذه هي أمهات هذا الباب‪.‬‬
‫@‪(-‬فصيل) وأميا اختلفهيم فيي بييع الربوي الرطيب بجنسيه مين‬
‫اليابس مع وجود التماثل في القدر والتناجز‪ ،‬فإن السبب في ذلك‬
‫ميا روى مالك عين سيعد بين أبيي وقاص أنيه قال "سيمعت رسيول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يسئل عن شراء التمر بالرطب‪ ،‬فقال‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم؛ أينقييص الرطييب إذا جييف؟‬
‫فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فنهيى عين ذلك" فأخيذ به أكثر العلماء وقال‪ :‬ل يجوز‬
‫بييع التمير بالرطيب على حال مالك والشافعيي وغيرهميا‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفة‪ :‬يجوز ذلك‪ ،‬وخالفه في ذلك صاحباه محمد بن الحسن وأبو‬
‫يوسف‪ .‬وقال الطحاوي بقول أبي حنيفة‪ .‬وسبب الخلف معارضة‬
‫ظاهير حدييث عبادة وغيره له‪ ،‬واختلفهيم فيي تصيحيحه‪ ،‬وذلك أن‬
‫حدييث عبادة اشترط فيي الجواز فقيط المماثلة والمسياواة‪ ،‬وهذا‬
‫يقتضيييي بظاهره حال العقيييد ل حال المآل؛ فمييين غلب ظواهييير‬
‫أحادييث الربويات رد هذا الحدييث؛ ومين جعيل هذا الحدييث أصيل‬
‫بنفسيه قال‪ :‬هيو أمير زائد ومفسير لحادييث الربويات‪ .‬والحدييث‬
‫أيضيييا اختلف الناس فيييي تصيييحيحه ولم يخرجيييه الشيخان‪ .‬قال‬
‫الطحاوي‪ :‬خولف فيييه عبييد الله‪ ،‬فرواه يحيييى بيين كثييير عنييه "أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم نهيى عين بييع الرطيب بالتمير‬
‫نسييئة" وقال‪ :‬إن الذي يروي عنيه هذا الحدييث عين سيعد بين أبيي‬
‫وقاص هييو مجهول‪ ،‬لكيين جمهور الفقهاء صيياروا إلى العمييل بييه‪.‬‬
‫وقال مالك فييي موطئه قياسييا بييه على تعليييل الحكييم فييي هذا‬
‫الحدييث‪ ،‬وكذلك كيل رطيب بيابيس مين نوعيه حرام‪ :‬يعنيي منيع‬
‫المماثلة كالعجييين بالدقيييق واللحييم اليابييس بالرطييب وهييو أحييد‬
‫قسييمي المزابنيية عنييد مالك المنهييى عنهييا عنده‪ ،‬والعرييية عنده‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مستثناة من هذا الصل‪ ،‬وكذلك عند الشافعي‪ ،‬والمزابنة المنهي‬


‫عنهيا عنيد أبيي حنيفية هيو بييع التمير على الرض بالتمير فيي روءس‬
‫النخيل لموضع الجهل بالمقدار الذي بينهما أعني بوجود التساوي‪،‬‬
‫وطرد الشافعيي هذه العلة فيي الشيئيين الرطيبين‪ ،‬فلم يجيز بييع‬
‫الرطيب بالرطيب‪ ،‬ول العجيين بالعجيين ميع التماثيل‪ ،‬لنيه زعيم أن‬
‫التفاضل يوجد بينهما عند الجفاف‪ .‬وخالفه في ذلك جل من قال‬
‫بهذا الحدييث‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي بييع الجييد بالردييء فيي الصيناف‬
‫الربوية‪ ،‬فذلك يتصور بأن يباع منها صنف واحد وسط في الجودة‬
‫بصنفين‪ :‬أحدهما أجود من ذلك الصنف‪ ،‬والخر أردأ‪ ،‬مثل أن يبيع‬
‫مديين مين تمير وسيط بمديين مين تمير أحدهميا أعلى مين الوسيط‪،‬‬
‫والخر أدون منه‪ ،‬فإن مالكا يرد هذا لنه يهمه أن يكون إنما قصد‬
‫أن يدفييع مدييين ميين الوسييط فييي مييد ميين الطيييب‪ ،‬فجعييل معييه‬
‫الردييء ذريعية إلى تحلييل ميا ل يجيب مين ذلك‪ ،‬ووافقيه الشافعيي‬
‫فيي هذا‪ ،‬ولكين التحرييم عنده لييس هيو فيميا أحسيب لهذه التهمية‬
‫لنيه ل يعميل التهيم‪ ،‬ولكين يشبيه أن يعتيبر التفاضيل فيي الصيفة‪،‬‬
‫وذلك أنيه متيى لم تكين زيادة الطييب على الوسيط مثيل نقصيان‬
‫الردييء عين الوسيط‪ ،‬وإل فلييس هناك مسياواة فيي الصيفة‪ .‬ومين‬
‫هذا الباب اختلفهم في جواز بيع صنف من الربويات بصنف مثله‬
‫وعرض أو دنانييير أو دراهييم إذا كان الصيينف الذي يجعييل معييه‬
‫العرض أقل من ذلك الصنف المفرد أو يكون مع كل واحد منهما‬
‫عرض والصينفان مختلفان فيي القدر‪ ،‬فالول مثيل أن ييبيع كيليين‬
‫من التمر بكيل من التمر ودرهم‪ ،‬والثاني مثل أن يبيع كيلين من‬
‫التمر وثوب بثلثة أكيال من التمر ودرهم‪ ،‬فقال مالك والشافعي‬
‫واللييييث‪ :‬إن ذلك ل يجوز‪ ،‬وقال أبيييو حنيفييية والكوفيون‪ :‬إن ذلك‬
‫جائز‪ .‬فسيبب الخلف هيل ميا يقابيل العرض مين الجنيس الربوي‬
‫ينبغييي أن يكون مسيياويا له فييي القيميية أو يكفييي فييي ذلك رضييا‬
‫البائع‪ ،‬فمن قال العتبار بمساواته في القيمة قال‪ :‬ل يجوز لمكان‬
‫الجهل بذلك‪ ،‬لنه إذا لم يكن العرض مساويا لفضل أحد الربويين‬
‫على الثاني كان التفاضل ضرورة‪ ،‬مثال ذلك أنه إن باع كيلين من‬
‫تمير بكييل وثوب فقيد يجيب أن تكون قيمية الثوب تسياوي الكييل‪،‬‬
‫وإل وقيع التفاضيل ضرورة‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فيكتفيي فيي ذلك بأن‬
‫يرضى به المتبايعان‪ ،‬ومالك يعتبر أيضا في هذا سد الذريعة‪ ،‬لنه‬
‫إنما جعل جاعل ذلك ذريعة إلى بيع الصنف الواحد متفاضل فهذه‬
‫مشهورات مسائلهم في هذا الجنس‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في بيوع الذرائع الربوية‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬وههنيا شيء يعرض للمتبايعين إذا قال أحده ما للخير بزيادة أو‬
‫نقصيان‪ ،‬وللمتبايعيين إذا اشترى أحدهميا مين صياحبه الشييء الذي‬
‫باعيه بزيادة أو نقصيان وهيو أن يتصيور بينهميا مين غيير قصيد إلى‬
‫ذلك تباييع ربوي‪ ،‬مثيل أن ييبيع إنسيان مين إنسيان سيلعة بعشرة‬
‫دنانير نقدا ثم يشتريها منه بعشرين إلى أجل‪ ،‬فإذا أضيفت البيعة‬
‫الثانية إلى الولى استقر المر على أن أحدهما دفع عشرة دنانير‬
‫فيي عشريين إلى أجيل‪ ،‬وهذا هيو الذي يعرف بيبيوع الجال‪ .‬فنذكير‬
‫مين ذلك مسيألة فيي القالة‪ ،‬ومسيألة مين بيوع الجال إذ كان هذا‬
‫الكتاب لييس المقصيود بيه التفرييع‪ ،‬وإنميا المقصيود فييه تحصييل‬
‫الصول‪.‬‬
‫@‪(-‬مسيألة) لم يختلفوا أن مين باع شيئا ميا كأنيك قلت عبدا بمائة‬
‫دينار مثل إلى أجيل‪ ،‬ثيم ندم البائع فسيأل المبتاع أن يصيرف إلييه‬
‫مييبيعه ويدفييع إليييه عشرة دنانييير مثل نقدا أو إلى أجييل‪ ،‬أن ذلك‬
‫يجوز وأنيييه ل بأس بذلك‪ ،‬وأن القالة عندهيييم إذا دخلتهيييا الزيادة‬
‫والنقصان هي بيع مستأنف‪ ،‬ول حرج في أن يبيع النسان الشيء‬
‫بثمين ثيم يشترييه بأكثير منيه‪ ،‬لنيه فيي هذه المسيألة اشترى منيه‬
‫البائع الول العبييد الذي باعييه بالمائة التييي وجبييت له وبالعشرة‬
‫مثاقيل التي زادها نقدا أو إلى أجل‪ ،‬وكذلك ل خلف بينهم لو كان‬
‫البيع بمائة دينار إلى أجل والعشرة مثاقيل نقدا أو إلى أجل‪ .‬وأما‬
‫إن ندم المشتري فيي هذه المسيألة وسيأل القالة على أن يعطيي‬
‫البائع العشرة المثاقيييل نقدا أو إلى أجييل أبعييد ميين الجييل الذي‬
‫وجبييييت فيييييه المائة‪ ،‬فهنييييا اختلفوا‪ ،‬فقال مالك؛ ل يجوز‪ ،‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬يجوز؛ ووجيه ماكره مين ذلك مالك أن ذلك ذريعية إلى‬
‫قصد بيع الذهب بالذهب إلى أجل وإلى بيع ذهب وعرض بذهب‪،‬‬
‫لن المشتري دفيع العشرة مثاقييل والعبيد فيي المائة دينار التيي‬
‫علييه‪ ،‬وأيضيا يدخله بييع وسيلف كأن المشتري باعيه العبيد بتسيعين‬
‫وأسييلفه عشرة إلى الجييل الذي يجييب عليييه قبضهييا ميين نفسييه‬
‫لنفسيه‪ .‬وأميا الشافعيي فهذا عنده كله جائز لنيه شراء مسيتأنف‪،‬‬
‫ول فرق عنده بيين هذه المسيألة وبيين أن تكون لرجيل على رجيل‬
‫مائة دينار مؤجلة‪ ،‬فيشتري منيه غلميا بالتسيعين دينارا التيي علييه‬
‫ويتعجيل له عشرة دنانيير‪ ،‬وذلك جائز بإجماع‪ .‬قال‪ :‬وحميل الناس‬
‫على التهييم ل يجوز‪ .‬وأمييا إن كان البيييع الول نقدا فل خلف فييي‬
‫جواز ذلك‪ ،‬لنيه لييس يدخله بييع ذهيب بذهيب نسييئة‪ ،‬إل أن مالكيا‬
‫كره ذلك لمين هيو مين أهيل العينية‪ :‬أعنيي الذي يدايين الناس‪ ،‬لنيه‬
‫عنده ذريعة لسلف في أكثر منه يتوصلن إليه بما أظهرا من البيع‬
‫ميين غييير أن تكون له حقيقيية‪ .‬وأمييا البيوع التييي يعرفوهييا بييبيوع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجال‪ ،‬فهيي أن ييبيع الرجيل سيلعة بثمين إلى أجيل ثيم يشتريهيا‬
‫بثمن آخر إلى أجل آخر أو نقدا‪.‬‬
‫( وهنا تسع مسائل إذا لم تكن هناك زيادة عرض اختلف منها في‬
‫مسيئلتين واتفيق فيي الباقيي) وذلك أنيه مين باع شيئا إلى أجيل ثيم‬
‫اشتراه‪ ،‬فإمييا أن يشتريييه إلى ذلك الجييل بعينييه أو قبله أو بعده‪،‬‬
‫وفيي كيل واحيد مين هذه الثلثية إميا أن يشترييه بمثيل الثمين الذي‬
‫باعيه بيه منيه‪ ،‬وإميا بأقيل‪ ،‬وإميا بأكثير يختلف مين ذلك فيي اثنتيين؛‬
‫وهو أن يشتريها قبل ال جل نقدا بأقل من الثمن أو إلى أبعد من‬
‫ذلك الجل بأكثر من ذلك الثمن‪ .‬فعند مالك وجمهور أهل المدينة‬
‫أن ذلك ل يجوز‪ .‬وقال الشافعيي وداود وأبيو ثور يجوز‪ ،‬فمين منعيه‬
‫فوجيه منعيه اعتبار البييع الثانيي بالبييع الول‪ ،‬فاتهميه أن يكون إنميا‬
‫قصد دفع الدنانير في أكثر منها إلى أجل‪ ،‬وهو الربا المنهي عنه‬
‫فزور لذلك هذه الصييورة ليتصييل بهييا إلى الحرام مثييل أن يقول‬
‫قائل لخير‪ :‬أسيلفني عشرة دنانيير إلى شهير وأرد إلييك عشريين‬
‫دينارا‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا ل يجوز‪ ،‬ولكين أبييع منيك هذا الحمار بعشريين‬
‫إلى شهير‪ ،‬ثيم أشترييه منيك بعشرة نقدا‪ .‬وأميا فيي الوجوه الباقيية‬
‫فليس يتهم فيها لنه إن أعطى أكثر من الثمن في أقل من ذلك‬
‫الجل لم يتهم‪ ،‬وكذلك إن اشتراها بأقل من ذلك الثمن إلى أبعد‬
‫ميين ذلك الجييل‪ ،‬وميين الحجيية لميين رأى هذا الرأي حديييث أبييي‬
‫العالية عن عائشة أنها سمعتها وقد قالت لها امرأة كانت أم ولد‬
‫لزيد بن أرقم‪ :‬يا أم المؤمنين إني بعت من زيد عبدا إلى العطاء‬
‫بثمانمائة فاحتاج إلى ثمنييه فاشتريتيييه منييه قبيييل محييل الجييل‬
‫بسيتمائة‪ ،‬فقالت عائشية‪ :‬بئسيما شرييت‪ ،‬وبئسيما اشترييت‪ ،‬أبلغيي‬
‫زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن‬
‫لم يتيب‪ ،‬قالت‪ :‬أرأييت إن تركيت وأخذت السيتمائة دينار؟ قالت‪:‬‬
‫نعيم {فمين جاءه موعظية مين ربيه فانتهيى فله ميا سيلف} وقال‬
‫الشافعيي وأصيحابه‪ :‬ل يثبيت حدييث عائشية‪ ،‬وأيضيا فإن زيدا قيد‬
‫خالفهيا‪ ،‬وإذا اختلفيت الصيحابة فمذهبنيا القياس‪ ،‬وروي مثيل قول‬
‫الشافعي عن ابن عمر‪ .‬وأما إذا حدث بالمبيع نقص عند المشتري‬
‫الول‪ ،‬فإن الثوري وجماعيية ميين الكوفيييين أجازوا لبائعييه بالنظرة‬
‫أن يشتريه نقدا بأقل من ذلك الثمن وعن مالك في ذلك روايتان‪،‬‬
‫والصييور التييي يعتبرهييا مالك فييي الذرائع فييي هذه البيوع هييي أن‬
‫يتذرع منهيا إلى‪ :‬أنظرنيي أزدك‪ ،‬أو إلى بييع ميا ل يجوز متفاضل‪ ،‬أو‬
‫بييع ميا ل يجوز ن َيساء‪ ،‬أو إلى بييع أو سيلف‪ ،‬أو إلى ذهيب وعرض‬
‫بذهب أو إلى‪ :‬ضع وتعجل‪ ،‬أو بيع الطعام قبل أن يستوفي‪ ،‬أو بيع‬
‫أو صيرف‪ ،‬فإن هذه هيي أصيول الربيا‪ .‬ومين هذا الباب اختلفهيم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيمين باع طعاميا بطعام قبيل أن يقبضيه‪ ،‬فمنعيه مالك وأبيو حنيفية‬
‫وجماعية‪ ،‬وأجازه الشافعيي والثوري والوزاعيي وجماعية‪ .‬وحجية‬
‫من كرهه أنه شبيه ببيع الطعام بالطعام ن َساء‪ ،‬ومن أجازه لم ير‬
‫ذلك فييه اعتبارا بترك القصيد إلى ذلك‪ .‬ومين ذلك اختلفهيم فيمين‬
‫اشترى طعاما بثمن إلى أجل معلوم‪ ،‬فلما حل الجل لم يكن عند‬
‫البائع طعام يدفعييه إليييه‪ ،‬فاشترى ميين المشتري طعامييا بثميين‬
‫يدفعييه إليييه مكان طعامييه الذي وجييب له فأجاز ذلك الشافعييي‬
‫وقال‪ :‬ل فرق بيييين أن يشتري الطعام مييين غيييير المشتري الذي‬
‫وجيب له علييه أو مين المشتري نفسيه؛ ومنيع مين ذلك مالك ورآه‬
‫من الذريعة إلى بيع الطعام قبل أن يستوفي‪ ،‬لنه رد إليه الطعام‬
‫الذي كان ترتب في ذمته‪ ،‬فيكون قد باعه منه قبل أن يستوفيه‪.‬‬
‫وصيورة الذريعية فيي ذلك أن يشتري رجيل مين آخير طعاميا إلى‬
‫أجيل معلوم‪ ،‬فإذا حيل الجيل قال الذي علييه الطعام‪ :‬لييس عندي‬
‫طعام‪ ،‬ولكين أشتري منيك الطعام الذي وجيب لك علي‪ ،‬فقال هذا‬
‫ل يصيح لنيه بييع الطعام قبيل أن يسيتوفي فيقول له‪ :‬فبيع طعاميا‬
‫مني وأرده عليك‪ ،‬فيعرض من ذلك ما ذكرناه‪ ،‬أعني أن يرد عليه‬
‫ذلك الطعام الذي أخيذ منيه ويبقيى الثمين المدفوع إنميا هيو ثمين‬
‫الطعام الذي هو في ذمته‪.‬‬
‫وأميا الشافعيي فل يعتيبر التهيم كميا قلنيا وإنميا يراعيي فيميا يحيل‬
‫ويحرم من البيوع ما اشترطا وذكراه بألسنتهما وظهر من فعلهما‬
‫لجماع العلماء على أنيه إذا قال أبي عك هذه الدراهيم بدراهيم مثلهيا‬
‫وأنظرك بهيييا حول أو شهرا أنيييه ل يجوز‪ ،‬ولو قال له‪ :‬أسيييلفني‬
‫دراهييم وأمهلنييي بهيا حول أو شهرا جاز‪ ،‬فليييس بينهمييا إل اختلف‬
‫لفيظ البييع وقصيده ولفيظ القصيد وقرضيه‪ ،‬ولميا كانيت أصيول الربيا‬
‫كمييا قلنييا خمسيية‪ :‬أنظرنييي أزدك‪ ،‬والتفاضييل‪ ،‬والنسيياء‪ ،‬وضييع‬
‫وتعجيل‪ ،‬وبييع الطعام قبيل قبضيه‪ ،‬فإنيه يظين أنيه مين هذا الباب إذ‬
‫فاعيل ذلك يدفيع دنانيير ويأخيذ أكثير منهيا مين غيير تكلف فعيل ول‬
‫ضمان يتلق بذمته‪ ،‬فينبغي أن نذكر ههنا هذين الصلين‪ .‬أما‪ :‬ضع‬
‫وتعجل فأجازه ابن عباس من الصحابة وزفر من فقهاء المصار‪،‬‬
‫ومنعيه جماعية منهيم ابين عمير مين الصيحابة ومالك وأبيو حنيفية‬
‫والثوري وجماعية مين فقهاء المصيار‪ ،‬واختلف قول الشافعيي فيي‬
‫ذلك‪ ،‬فأجاز مالك وجمهور ميين ينكيير‪ :‬ضييع وتعجييل‪ ،‬أن يتعجييل‬
‫الرجيل فيي دينيه المؤجيل عرضيا يأخذه وإن كانيت قيمتيه أقيل مين‬
‫دينييه‪ .‬وعمدة ميين لم يجييز‪ :‬ضييع وتعجييل أنييه شييبيه بالزيادة مييع‬
‫النظرة المجتميع على تحريمهيا‪ ،‬ووجيه شبهيه بهيا أنيه جعيل للزمان‬
‫مقدارا من الثمن بدل منه في الموضعين جميعا‪ ،‬وذلك أنه هنالك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لمييا زاد له فييي الزمان زاد له عرضييه ثمنييا‪ ،‬وهنييا لمييا حييط عنييه‬
‫الزمان حط عنه في مقابلته ثمنا‪ .‬وعمدة من أجازه ما روي عن‬
‫ابين عباس "أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم لميا أمير بإخراج بنيي‬
‫النضيير جاءه ناس منهيم فقالوا‪ :‬ييا نيبي الله إنيك أمرت بإخراجنيا‬
‫ولنيا على الناس ديون لم تحيل‪ ،‬فقال رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم‪ :‬ضعوا وتعجلوا" فسبب الخلف معارضة قياس الشبه لهذا‬
‫الحديث‪.‬‬
‫وأميا بييع الطعام قبيل قبضيه‪ ،‬فإن العلماء مجمعون على منيع ذلك‬
‫إل مييا يحكييى عيين عثمان البتييي‪ .‬وإنمييا أجمييع العلماء على ذلك‬
‫لثبوت النهييي عنييه عيين رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم ميين‬
‫حديث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى‬
‫الله عليييه وسييلم قال "مين ابتاع طعامييا فل يبعييه حتييى يقبضييه"‪.‬‬
‫واختلف مين هذه المسيألة فيي ثلثية مواضيع أحدهيا‪ :‬فيميا يشترط‬
‫فييه القبيض من الميبيعات‪ .‬والثانيي‪ :‬فيي السيتفادات التيي يشترط‬
‫في بيعها القبض من التي ل يشترط‪ .‬والثالث‪ :‬في الفرق بين ما‬
‫يباع من الطعام مكيل وجزافا‪ ،‬ففيه ثلثة فصول‪:‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول فيما يشترط فيه القبض من المبيعات‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا بييع ميا سيوى الطعام قبيل القبيض فل خلف فيي مذهيب‬
‫مالك فييي إجازتييه وأمييا الطعام الربوي فل خلف فييي مذهبييه أن‬
‫القبيض شرط فيي بيعيه‪ .‬وأميا غيير الربوي مين الطعام فعنيه فيي‬
‫ذلك روايتان‪ :‬إحداهميا المنيع وهيي الشهير‪ ،‬وبهيا قال أحميد وأبيو‬
‫ثور‪ ،‬إل أنهميا اشترطيا ميع الطعيم الكييل والوزن‪ .‬والروايية الخرى‬
‫الجواز‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فالقبيض عنده شرط فيي كيل ميبيع ميا عدا‬
‫الميييبيعات التيييي ل تنتقيييل ول تحول مييين الدور والعقار‪ .‬وأميييا‬
‫الشافعي فإن القبض عنده شرط في كل مبيع‪ ،‬وبه قال الثوري‪،‬‬
‫وهييو مروي عيين جابر بيين عبييد الله وابيين عباس‪ .‬وقال أبييو عبيييد‬
‫وإسيحاق‪ :‬كيل شييء ل يكال ول يوزن فل بأس بيبيعه قبيل قبضيه‪،‬‬
‫فاشترط هؤلء القبض في المكيل والموزون‪ ،‬وبه قال ابن حبيب‬
‫وعبد العزيز ابن أبي سلمة وربيعة‪ ،‬وزاد هؤلء مع الكيل والوزن‬
‫المعدود‪ ،‬فيتحصيل فيي اشتراط القبيض سيبعة أقوال‪ :‬الول‪ :‬فيي‬
‫الطعام الربوي فقييط‪ .‬والثانييي‪ :‬فييي الطعام بإطلق‪ .‬الثالث‪ :‬فييي‬
‫الطعام المكيل والموزون‪ .‬الرابع‪ :‬في كل شيء ينقل‪ .‬الخامس‪:‬‬
‫فيي كيل شييء‪ .‬السيادس‪ :‬فيي المكييل والموزون‪ .‬السيابع‪ :‬فيي‬
‫المكيييل والموزون والمعدود‪ .‬أمييا عمدة مالك فييي منعييه مييا عدا‬
‫المنصوص عليه فدليل الخطاب في الحديث المتقدم‪ .‬وأما عمدة‬
‫الشافعيي فيي تعمييم ذلك فيي كيل بييع فعموم قوله علييه الصيلة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والسلم "ل يحل بيع وسلف ول ربح ما لم يضمن ول بيع ما ليس‬


‫عندك" وهذا مين باب بييع ميا لم يضمين‪ ،‬وهذا مبنيي على مذهبيه‬
‫ميين أن القبييض شرط فييي دخول المييبيع فييي ضمان المشتري‪،‬‬
‫واحتج أيضا بحديث حكيم بن حزام قال‪ :‬قلت "يا رسول الله إني‬
‫اشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم؟ فقال‪ :‬يا ابن أخي إذا‬
‫اشتريت بيعا فل تبعه حتى تقبضه" قال أبو عمر‪ :‬حديث حكيم من‬
‫حزام رواه يحييى بين أبيي كثيير عين يوسيف بين ماهيك أن عبيد الله‬
‫بن عصمة حدثه أن حكيم ابن حزام قال‪ :‬ويوسف بن ماهك وعبد‬
‫الله بن عصمة ل أعرف لهما جرحة إل أنه لم يرو عنهما إل رجل‬
‫واحد فقط‪ ،‬وذلك في الحقيقة ليس بجرحة وإن كرهه جماعة من‬
‫المحدثيين‪ .‬ومين طرييق المعنيى أن بييع ميا لم يقبيض يتطرق منيه‬
‫إلى الربيا‪ ،‬وإنميا اسيتثنى أبيو حنيفية ميا يحول وينقيل عنده مميا ل‬
‫ينقيل‪ ،‬لن ميا ينقيل القبيض عنده فييه هيي التخليية‪ .‬وأميا مين اعتيبر‬
‫الكييييل والوزن‪ ،‬فلتفاقهيييم أن المكييييل والموزون ل يخرج مييين‬
‫ضمان البائع إلى ضمان المشتري إل بالكيييل أو الوزن وقييد نهييي‬
‫عن بيع ما لم يضمن‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني‪ .‬في الستفادات التي يشترط في بيعها القبض‬
‫من التي ل يشترط‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا ميا يعتيبر ذلك فييه مميا ل يعتيبر‪ ،‬فإن العقود تنقسيم أول‬
‫إلى قسيمين‪ :‬قسيم يكون بمعاوضية‪ ،‬وقسيم يكون بغيير معاوضية‬
‫كالهبات والصيدقات‪ .‬والذي يكون بمعاوضية ينقسيم ثلثية أقسيام‪:‬‬
‫أحدهيا يختيص بقصيد المعاينية والمكايسية وهيي البيوع والجارات‬
‫والمهور والصلح والمال المضمون بالتعدي وغيره‪ .‬والقسم الثاني‬
‫ل يختييص بقصييد المغابنيية‪ ،‬وإنمييا يكون على جهيية الرفييق وهييو‬
‫القرض‪ .‬والقسييم الثالث فهييو مييا يصييح أن يقييع على الوجهييين‬
‫جميعيا‪ :‬أعنيي على قصيد المغابنية وعلى قصيد الرفيق‪ ،‬كالشركية‬
‫والقالة والتولية وتحصيل أقوال العلماء في هذه القسام‪ .‬أما ما‬
‫كان بيعيا وبعوض فل خلف فيي اشتراط القبيض فييه‪ ،‬وذلك فيي‬
‫الشيء الذي يشترط فيه القبض واحد واحد من العلماء‪ .‬وأما ما‬
‫كان خالصا للرفق‪ :‬أعني القرض‪ ،‬فل خلف أيضا أن القبض ليس‬
‫شرطيا فيي بيعيه أعنيي أنيه يجوز للرجيل أن ييبيع القرض قبيل أن‬
‫يقبضه‪ .‬واستثنى أبو حنيفة مما يكون بعوض المهر والخلع‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يجوز بيعهما قبل القبض‪ .‬وأما العقود التي تتردد بين قصد الرفق‬
‫والمغابنية وهيي التوليية والشركية والقالة‪ ،‬فإذا وقعيت على وجيه‬
‫الرفيق مين غيير أن تكون القالة أو التوليية بزيادة أو نقصيان‪ ،‬فل‬
‫خلف أعلميه فيي المذهيب أن ذلك جائز قبيل القبيض وبعده‪ ،‬وقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬ل تجوز الشركية ول التوليية قبيل القبيض‪،‬‬


‫وتجوز القالة عندهميا لنهيا قبيل القبيض فسيخ بييع ل بييع‪ .‬فعمدة‬
‫مين اشترط القبيض فيي جمييع المعاوضات أنهيا فيي معنيى البييع‬
‫المنهيييي عنيييه‪ ،‬وإنميييا اسيييتثنى مالك مييين ذلك التوليييية والقالة‬
‫والشركة للثر والمعنى‪ .‬أما الثر فما رواه من مرسل سعيد بن‬
‫المسيييب أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم قال "ميين ابتاع‬
‫طعاميا فل يبعيه حتيى يسيتوفيه" إل ميا كان مين شركية أو توليية أو‬
‫إقالة‪ .‬وأميا مين طرييق المعنيى فإن هذه إنميا يراد بهيا الرفيق ل‬
‫المغابنة إذا لم تدخلها زيادة أو نقصان‪ ،‬وإنما استثنى من ذلك أبو‬
‫حنيفة الصداق والخلع والجعل‪ ،‬لن العوض في ذلك ليس بينا إذا‬
‫لم يكن عينا‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصييل الثالث‪ .‬فييي الفرق بييين مييا يباع ميين الطعام مكيل‬
‫وجزافا‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا اشتراط القبيض فيميا بييع مين الطعام جزافيا‪ ،‬فإن مالكيا‬
‫رخيص فييه وأجازه وبيه قال الوزاعيي‪ ،‬ولم يجيز ذلك أبيو حنيفية‬
‫والشافعييي‪ .‬وحجتهمييا عموم الحديييث المتضميين للنهييي عيين بيييع‬
‫الطعام قبييل قبضيييه‪ ،‬لن الذريعيية موجودة فييي الجزاف وغيييير‬
‫الجزاف‪ .‬ومن الحجة لهما ما روي عن ابن عمر أنه قال "كنا في‬
‫زمان رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم نبتاع الطعام جزافييا‪،‬‬
‫فبعيث إلينيا مين يأمرنيا بانتقاله مين المكان الذي ابتعناه فييه إلى‬
‫مكان سيواء قبيل أن نيبيعه‪ ،‬قال أبيو عمير‪ :‬وإن كان مالك لم يرو‬
‫عين نافيع فيي هذا الحديث ذكير الجزاف‪ ،‬فقد رو ته جماعة وجوده‬
‫عبيييد الله بين عميير وغيره‪ ،‬وهييو متقدم فييي حفييظ حديييث نافييع‪.‬‬
‫وعمدة المالكية أن الجزاف ليس فيه حق توفية‪ ،‬فهو عندهم من‬
‫ضمان المشتري بنفييس العقييد‪ ،‬وهذا ميين باب تخصيييص العموم‬
‫بالقياس المظنون العلة‪ ،‬وقيد يدخيل فيي هذا الباب إجماع العلماء‬
‫على منيع بييع الرجيل شيئا ل يملكيه‪ ،‬وهيو المسيمى عينية عنيد مين‬
‫يرى نقله من باب الذريعة إلى الربا‪ .‬وأما من رأى منعه من جهة‬
‫أنيه قيد ل يمكنيه نقله فهيو داخيل فيي بيوع الغرر؛ وصيورة التذرع‬
‫منيه إلى الربيا المنهيي عنيه أن يقول رجيل لرجيل‪ :‬أعطنيي عشرة‬
‫دنانييير على أن أدفييع لك إلى مدة كذا ضعفهييا‪ ،‬فيقول له‪ :‬هذا ل‬
‫يصلح‪ ،‬ولكن أبيع منك سلعة كذا لسلعة يسميها ليست عنده بهذا‬
‫العدد‪ ،‬ثم يعمد هو فيشتري تلك السلعة فيقبضها له بعد أن كمل‬
‫البيع بينهما‪ ،‬وتلك السلعة قيمتها قريب مما كان سأله أن يعطيه‬
‫ميين الدراهييم قرضييا فيرد عليييه ضعفهييا‪ ،‬وفييي المذهييب فييي هذا‬
‫تفصييل لييس هذا موضيع ذكره‪ ،‬ول خلف فيي هذه الصيورة التيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ذكرنيا أنهيا غيير جائزة فييي المذهيب‪ :‬أعنيي إذا تقارا على الثمين‬
‫الذي يأخيذ بيه السيلعة قبيل شرائهيا‪ .‬وأميا الديين بالديين‪ ،‬فأجميع‬
‫المسييلمون على منعييه‪ .‬واختلفوا فييي مسييائل هييل هييي منييه أم‬
‫ليست منه؟ مثل ما كان ابن القاسم ل يجيز أن يأخذ الرجل من‬
‫غريميه فيي ديين له علييه تمرا قيد بدا صيلحه ول سيكنى دار ول‬
‫جاريية تتواضيع‪ ،‬ويراه مين باب الديين بالديين‪ .‬وكان أشهيب يجييز‬
‫ذلك ويقول‪ :‬لييس هذا مين باب الديين بالديين‪ ،‬وإنميا الديين بالديين‬
‫مييا لم يشرع فييي أخييذ شيييء منييه‪ ،‬وهييو قياس عنييد كثييير ميين‬
‫المالكيين‪ ،‬وهو قول الشافعي وأبي حنيفة‪ .‬ومما أجازه مالك من‬
‫هذا الباب وخالفه فيه جمهور العلماء ما قاله في المدونة من أن‬
‫الناس كانوا ييييبيعون اللحيييم بسيييعر معلوم والثمييين إلى العطاء‪،‬‬
‫فيأخذ المبتاع كل يوم وزنا معلوما قال‪ :‬ولم ير الناس بذلك بأسا‪،‬‬
‫وكذلك كل ما يبتع (‪ )1‬في السواق‪ ،‬وروى ابن القاسم أن ذلك ل‬
‫يجوز إل فيما خشي عليه من الفساد من الفواكه إذا أخذ جميعه‪.‬‬
‫وأميا القميح وشبهيه فل‪ ،‬فهذه هيي أصيول هذا الباب‪ ،‬وهذا الباب‬
‫كله إنمييا حرم فييي الشرع لمكان الغبيين الذي يكون طوعييا وعيين‬
‫علم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫(‪"[ )1‬يبتع"‪ :‬الصل غير واضح‪ ،‬فليتنبه‪ .‬دار الحديث]‬
‫‪----------‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث‪[ .‬فيي البيوع المنهيي عنهيا مين قبيل الغبين الذي‬
‫سببه الغرر]‬
‫@‪-‬وهيي البيوع المنهيي عنهيا مين قبيل الغبين الذي سيببه الغرر‪،‬‬
‫والغرر يوجيد فيي الميبيعات مين جهية الجهيل على أوجيه‪ :‬إميا مين‬
‫جهية الجهيل بتعييين المعقود علييه‪ ،‬أو تعييين العقيد‪ ،‬أو مين جهية‬
‫الجهيل بوصيف الثمين والمثمون الميبيع‪ ،‬أو بقدره أو بأجله إن كان‬
‫هنالك أجيل‪ ،‬وإميا مين جهية الجهيل بوجوده أو تعذر القدرة علييه‪،‬‬
‫وهذا راجع إلى تعذر التسليم‪ ،‬وإما من جهة الجهل بسلمته‪ :‬أعني‬
‫بقاءه‪ ،‬وههنييا بيوع تجمييع أكثيير هذه أو بعضهييا‪ ،‬وميين البيوع التييي‬
‫توجيييد فيهيييا هذه الضروب مييين الغرر بيوع منطوق بهيييا وبيوع‬
‫مسكوت عنها‪ ،‬والمنطوق به أكثره متفق عليه‪ ،‬وإنما يختلف في‬
‫شرح أسييمائها‪ ،‬والمسييكوت عنييه مختلف فيييه‪ .‬ونحيين نذكيير أول‬
‫المنطوق بيه فيي الشرع‪ ،‬وميا يتعلق بيه مين الفقيه‪ ،‬ثيم نذكير بعيد‬
‫ذلك مين المسيكوت عنيه ميا شهير الخلف فييه بيين فقهاء المصيار‬
‫ليكون كالقانون فيييي نفيييس الفقيييه‪ :‬أعنيييي فيييي رد الفروع إلى‬
‫الصول‪ .‬فأما المنطوق به في الشرع فمنه "نهيه صلى الله عليه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسلم عن بيع حبل الحبلة" ومنها "نهيه عن بيه ما لم يخلق‪ ،‬وعن‬


‫بييع الثمار حتيى تزهيى‪ ،‬وعين بييع الملمسية والمنابذة‪ ،‬وعين بييع‬
‫الحصياة" ومنهيا "نهييه عين المعاومية‪ ،‬وعين بيعتيين فيي بيعية‪ ،‬وعين‬
‫بيع وشرط‪ ،‬وعن بيع وسلف‪ ،‬وعن بيع السنبل حتى يبيض والعنب‬
‫حتى يسود" "ونهيه عن المضامين والملقيح"‪ .‬أما بيع الملمسة‬
‫فكانت صورته في الجاهلية أن يلمس الرجل الثوب ول ينشره أو‬
‫يبتاعييه ليل‪ ،‬ول يعلم مييا فيييه‪ ،‬وهذا مجمييع على تحريمييه‪ ،‬وسييبب‬
‫تحريميه الجهيل بالصيفة‪ .‬وأميا بييع المنابذة فكان أن ينبيذ كيل واحيد‬
‫مين المتبايعيين إلى صياحبه الثوب مين غيير أن يعيين أن هذا بهذا‪،‬‬
‫بل كانوا يجعلون ذلك راجعا إلى التفاق‪ .‬وأما بيع الحصاة‪ ،‬فكانت‬
‫صيورته عندهيم أن يقول المشتري‪ :‬أي ثوب وقعيت علييه الحصياة‬
‫التيي أرمي بها ف هو لي‪ ،‬وقيل أيضا إنهم كانوا يقولون‪ :‬إذا وقعت‬
‫الحصاة من يدي فقد وجب البيع وهذا قمار‪.‬‬
‫وأمييا بيييع حبييل الحبلة ففيييه تأويلن‪ :‬أحدهمييا أنهييا كانييت بيوعييا‬
‫يؤجلونهيا إلى أن تنتيج الناقية ميا فيي بطنهيا ثيم ينتيج ميا فيي بطنهيا‪،‬‬
‫والغرر مين جهية الجيل فيي هذا بيين؛ وقييل إنميا هيو بييع جنيين‬
‫الناقيية‪ ،‬وهذا ميين باب النهييي عيين بيييع المضامييين والملقيييح‪.‬‬
‫والمضامين‪ :‬هي ما في بطون الحوامل‪ ،‬والملقيح‪ :‬ما في ظهور‬
‫الفحول‪ ،‬فهذه كلهيييا بيوع جاهليييية متفيييق على تحريمهيييا‪ ،‬وهيييي‬
‫محرمية مين تلك الوجيه التيي ذكرناهيا‪ .‬وأميا بييع الثمار‪ ،‬فإنيه ثبيت‬
‫عنيه علييه الصيلة والسيلم "أنيه نهيى عين بيعهيا حتيى يبدو صيلحها‬
‫وحتييى تزهييى" ويتعلق بذلك مسييائل مشهورة نذكيير منهييا نحيين‬
‫عيونهيا‪ .‬وذلك أن بييع الثمار ل يخلو أن تكون قبيل أن تخلق أو بعيد‬
‫أن تخلق‪ ،‬ثيم إذا خلقيت ل يخلو أن تكون بعيد الصيرام أو قبله‪ ،‬ثيم‬
‫إذا كان قبيل الصيرام فل يخلو أن تكون قبيل أن تزهيى أو بعيد أن‬
‫تزهييى‪ ،‬وكييل واحييد ميين هذييين ل يخلو أن يكون بيعييا مطلقييا أو‬
‫بشرط التبقيية أو بشرط القطيع‪ .‬أميا القسيم الول وهيو بييع الثمار‬
‫قبييل أن تخلق فجميييع العلماء مطبقون على منييع ذلك‪ ،‬لنييه ميين‬
‫باب النهي عن بيع ما لم يخلق‪ ،‬ومن باب بيع السنين والمعاومة‪.‬‬
‫وقد روي عنه عليه الصلة والسلم "أنه نهى عن بيع السنين وعن‬
‫بييع المعاومية‪ ،‬وهيي بييع الشجير أعواميا" إل ميا روي عين عمير ابين‬
‫الخطاب وابن الزبير أنهما كانا يجيزان بيع الثمار سنين‪ .‬وأما بيعها‬
‫بعد الصرام فل خلف في جوازه‪ .‬وأما بيعها بعد أن خلقت فأكثر‬
‫العلماء على جواز ذلك على التفصيل الذي نذكره‪ ،‬إل ما روي عن‬
‫أبيي سيلمة بين عبيد الرحمين‪ ،‬وعين عكرمية أنيه ل يجوز إل بعيد‬
‫الصيرام‪ ،‬فإذا قلنيا بقول الجمهور إنيه يجوز قبيل الصيرام‪ ،‬فل يخلو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن تكون بعد أن تزهى أو قبل أن تزهى‪ ،‬وقد قلنا إن ذلك ل يخلو‬
‫أن يكون بيعا مطلقا أو بيعا بشرط القطع أو بشرط التبقية‪ .‬فأما‬
‫بيعهيا قبيل الزهيو بشرط القطيع فل خلف فيي جوازه إل ميا روي‬
‫عن الثوري وابن أبي ليلى من منع ذلك‪ ،‬وهي رواية ضعيفة‪ .‬وأما‬
‫بيعهيا قبيل الزهيو بشرط التبقيية فل خلف فيي أنيه ل يجوز إل ميا‬
‫ذكره اللخميي مين جوازه تخريجيا على المذهيب‪ .‬وأميا بيعهيا قبيل‬
‫الزهيو مطلقيا‪ ،‬فاختلف فيي ذلك فقهاء المصيار‪ ،‬فجمهورهيم على‬
‫أنييه ل يجوز‪ :‬مالك والشافعييي وأحمييد وإسييحاق والليييث والثوري‬
‫وغيرهيم‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬يجوز ذلك إل أنيه يلزم المشتري عنده‬
‫فييه القطيع ل مين جهية ميا هيو بييع ميا لم يره بيل مين جهية أن ذلك‬
‫شرط عنده في بيع الثمر على ما سيأتي بعد‪.‬‬
‫أميا دلييل الجمهور على منيع بيعهيا مطلقيا قبيل الزهيو‪ ،‬فالحدييث‬
‫الثابيت عين ابين عمير "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم نهيى‬
‫عن بيع الثمار حتى يبدو صلحها‪ ،‬نهى البائع والمشتري" فعلم أن‬
‫ميا بعيد الغايية بخلف ميا قبيل الغايية‪ ،‬وأن هذا النهيي يتناول البييع‬
‫المطلق بشرط التبقيية‪ ،‬ولميا ظهير للجمهور أن المعنيى فيي هذا‬
‫خوف ميا يصييب الثمار الجائحية غالبيا قبيل أن تزهيى لقوله علييه‬
‫الصلة والسلم في حديث أنس بن مالك بعد نهيه عن بيع الثمرة‬
‫قبييل الزهييو "أرأيييت إن منييع الله الثمرة فبييم يأخييذ أحدكييم مال‬
‫أخيييه؟" لم يحمييل العلماء النهييي فييي هذا على الطلق‪ :‬أعنييي‬
‫النهيي عين البييع قبيل الزهاء بيل رأى أن معنيى النهيي هيو بيعيه‬
‫بشرط التبقيييية إلى الزهاء‪ ،‬فأجازوا بيعهيييا قبيييل الزهاء بشرط‬
‫القطيع‪ .‬واختلفوا إذا ورد البييع مطلقيا فيي هذه الحال هيل يحميل‬
‫على القطيع وهيو الجائز‪ ،‬أو على التبقيية الممنوعية؟ فمين حميل‬
‫الطلق على التبقيييية‪ ،‬أو رأى أن النهيييي يتناوله بعموميييه قال‪ :‬ل‬
‫يجوز؛ ومن حمله على القطع قال‪ :‬يجوز‪ ،‬والمشهور عن مالك أن‬
‫الطلق محمول على التبقييية‪ ،‬وقييد قيييل عنييه إنييه محمول على‬
‫القطييع‪ .‬وأمييا الكوفيون فحجتهييم فييي بيييع الثمار مطلقييا قبييل أن‬
‫تزهييى حديييث ابيين عميير الثابييت أن رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم قال "مين باع نخل قيد أبرت فثمرتهيا للبائع إل أن يشترطهيا‬
‫المبتاع" قالوا‪ :‬فلميييا جاز أن يشترطيييه المبتاع جاز بيعيييه مفردا‪،‬‬
‫وحملوا الحدييث الوارد بالنهيي عين بييع الثمار قبيل أن تزهيى على‬
‫الندب‪ ،‬واحتجوا لذلك بما روي عن زيد بن ثابت قال‪" :‬كان الناس‬
‫في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار قبل أن‬
‫يبدو صيلحها‪ ،‬فإذا جيد الناس وحضير تقاضيهيم قال المبتاع‪ :‬أصياب‬
‫الثمير الزمان أصيابه ميا أضير بيه قشام ومراض لعاهات يذكرونهيا‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فلما كثرت خصومتهم عند النبي قال كالمشورة يشير بها عليهم‪:‬‬
‫ل تيبيعوا الثمير حتيى يبدو صيلحها" وربميا قالوا‪ :‬إن المعنيى الذي‬
‫دل علييه الحدييث فيي قوله "حتيى يبدو صيلحه" هيو ظهور الثمرة‬
‫بدليل قوله علييه الصلة والسيلم "أرأييت إن منع الله الثمرة فبيم‬
‫يأخذ أحدكم مال أخيه؟"‬
‫وقيد كان يجيب على مين قال مين الكوفييين بهذا القول ولم يكين‬
‫يرى رأي أبو حنيفة في أن من ضرورة بيع الثمار القطع أن يجيز‬
‫بييع الثمير قبيل بدو صيلحها على شرط التبقيية‪ ،‬فالجمهور يحملون‬
‫جواز بيع الثمار بالشرط قبل الزهاء على الخصوص‪ :‬أعني إذا بيع‬
‫الثمير ميع الصيل‪ .‬وأميا شراء الثمير مطلقيا بعيد الزهيو فل خلف‬
‫فيييه‪ ،‬والطلق فيييه عنييد جمهور فقهاء المصييار يقتضييي التبقييية‪،‬‬
‫بدليييل قوله عليييه الصييلة والسييلم "أرأيييت إن منييع الله الثمرة"‬
‫الحدييث‪ .‬ووجيه الدلييل منيه أن الجوائح إنميا تطرأ فيي الكثير على‬
‫الثمار قبيل بدو الصيلح‪ ،‬وأميا بعيد بدو الصيلح فل تظهير إل قليل‪،‬‬
‫ولو لم يجييب فييي المييبيع بشرط التبقييية لم يكيين هنالك جائحيية‬
‫تتوقيع‪ ،‬وكان هذا الشرط باطل‪ .‬وأميا الحنفيية فل يجوز عندهيم بييع‬
‫الثميير بشرط التبقييية‪ ،‬والطلق عندهييم كمييا قلنييا محمول على‬
‫القطع‪ ،‬وهو خلف مفهوم الحديث‪ ،‬وحجتهم أن نفس بيع الشيء‬
‫يقتضيي تسيليمه وإل لحقيه الغرر‪ ،‬ولذلك لم يجيز أن تباع العيان‬
‫إلى أجيل‪ .‬والجمهور على أن بييع الثمار مسيتثنى مين بييع العيان‬
‫إلى أجل لكون الث مر ليس يمكن أن ييبس كله دفعة‪ ،‬فالكوفيون‬
‫خالفوا الجمهور فيي بييع الثمار فيي موضعيين‪ :‬أحدهميا فيي جواز‬
‫بيعها قبل أن تزهى‪.‬‬
‫والثانييي فييي منييع تبقيتهييا بالشرط بعييد الزهاء أو بمطلق العقييد‪،‬‬
‫وخلفهم في الموضع الول أقوى من خلفهم في الموضع الثاني‪:‬‬
‫أعني في شرط القطع وإن أزهى‪ ،‬وإنما كان خلفهم في الموضع‬
‫الول أقرب‪ ،‬لنه من باب الجمع بين حديثي ابن عمر المتقدمين‪،‬‬
‫لن ذلك أيضيا مروي عين عمير بين الخطاب وابين الزبيير‪ ،‬وأميا بدو‬
‫الصيلح الذي جوز رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم البييع بعده‪،‬‬
‫فهيو أن يصيفر فييه البسير ويسيود فييه العنيب إن كان مميا يسيود‪،‬‬
‫وبالجملة أن تظهير فيي الثمير صيفة الطييب‪ ،‬هذا هيو قول جماعية‬
‫فقهاء المصار لما رواه مالك عن حميد عن أنس "أنه صلى الله‬
‫عليه وسلم سئل عن قوله حتى يزهى‪ ،‬فقال‪ :‬حتى يحمر" وروي‬
‫عنيه علييه الصيلة والسيلم "أنيه نهيى عين بييع العنيب حتيى يسيود‪،‬‬
‫والحب حتى يشتد" وكان زيد بن ثابت في رواية مالك عنه ل يبيع‬
‫ثماره حتييى تطلع الثريييا‪ ،‬وذلك لثنتييي عشرة ليلة خلت ميين أيار‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وهيو ماييو‪ ،‬وهيو قول ابين عمير أيضيا "سيئل عين قول رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم إنيه نهيى عين بييع الثمار حتيى تنجيو مين‬
‫العاهات‪ ،‬فقال عبيد الله بين عمير‪ :‬ذلك وقيت طلوع الثرييا" وروي‬
‫عين أبيي هريرة عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "إذا طلع‬
‫النجيم صيباحا رفعيت العاهات عين أهيل البلد" وروى ابين القاسيم‬
‫عيين مالك أنييه ل بأس أن يباع الحائط وإن لم يزه إذا أزهييى مييا‬
‫حوله ميين الحيطان إذا كان الزمان قييد أمنييت فيييه العاهيية‪ ،‬يريييد‬
‫{والله أعلم} طلوع الثريا‪ ،‬إل أن المشهور عنه أنه ل يباع حائط‬
‫حتى يبدو فيه الزهو‪ ،‬وقد قيل إنه ل يعتبر مع الزهاء طلوع الثريا‪.‬‬
‫فالمحصيل فيي بدو الصيلح للعلماء ثلثية أقوال‪ :‬قول إنيه الزهاء‪،‬‬
‫وهيو المشهور‪ ،‬وقول إنيه طلوع الثرييا‪ ،‬وإن لم يكين فيي الحائط‬
‫فيي حيين البييع إزهاء؛ وقول‪ :‬المران جميعيا‪ .‬وعلى المشهور مين‬
‫اعتبار الزهاء يقول مالك إنييه إذا كان فييي الحائط الواحييد بعينييه‬
‫أجناس من الثمر مختلفة الطيب لم يبع كل صنف منها إل بظهور‬
‫الطيب فيه‪ ،‬وخالفه في ذلك الليث‪.‬‬
‫وأمييا النواع المتقاربيية الطيييب فيجوز عنده بيييع بعضهييا بطيييب‬
‫البعيض‪ ،‬وبدو الصيلح المعتيبر عين مالك فيي الصينف الواحيد مين‬
‫الثميير هييو وجود الزهاء فييي بعضييه ل فييي كله إذا لك يكيين ذلك‬
‫الزهاء مبكرا فيي بعضيه تبكيرا يتراخيى عنيه البعيض بيل إذا كان‬
‫متتابعا‪ ،‬لن الوقت الذي تنجو الثمرة فيه في الغالب من العاهات‬
‫هيو إذا بدا الطييب فيي الثمرة ابتداء متناسيقا غيير منقطيع‪ .‬وعنيد‬
‫مالك أنيه إذا بدا الطييب فيي نخلة بسيتان جاز بيعيه وبييع البسياتين‬
‫المجاورة له إذا كان نخيييل البسييياتين مييين جنيييس واحيييد‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬ل يجوز إل بييع نخيل البسيتان الذي يظهير فييه الطييب‬
‫ف قط‪ .‬ومالك اعتبر الوقت الذي تؤمن فيه العاهة إذا كان الوقت‬
‫واحدا للنوع الواحيد‪ .‬والشافعيي اعتيبر نقصيان خلقية الثمير‪ ،‬وذلك‬
‫أنه إذا لم يطب كان من بيع ما لم يخلق‪ ،‬وذلك أمن صفة الطيب‬
‫فيه وهيي مشتراة لم تخلق بعيد‪ ،‬لكين هذا ك ما قال ل يشترط فيي‬
‫كيل الثمرة بيل فيي بعيض ثمرة جنية واحدة‪ ،‬وهذا لم يقيل بيه أحيد‪،‬‬
‫فهذا هو مشهور ما اختلفوا فيه من بيع الثمار‪.‬‬
‫ومين المسيموع الذي اختلفوا فييه من هذا الباب ميا جاء عنيه علييه‬
‫الصيلة والسيلم مين النهيي عين بييع السينبل حتيى ييبيض والعنيب‬
‫حتيى يسيود‪ ،‬وذلك أن العلماء اتفقوا على أنيه ل يجوز بييع الحنطية‬
‫فيي سينبلها دون السينبل‪ ،‬لنيه بييع ميا لم تعلم صيفته ول كثرتيه‪.‬‬
‫واختلفوا فييي بيييع السيينبل نفسييه مييع الحييب‪ ،‬فجوز ذلك جمهور‬
‫العلماء‪ :‬مالك وأبييو حنيفيية وأهييل المدينيية وأهييل الكوفيية؛ وقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشافعييي‪ :‬ل يجوز بيييع السيينبل نفسييه وإن اشتييد‪ ،‬لنييه ميين باب‬
‫الغرر وقياسا على بيعه مخلوطا بتبنه بعد الدرس‪ .‬وحجة الجمهور‬
‫شيئان‪ :‬الثر والقياس‪ :‬فأما الثر فما روي عن نافع عن ابن عمر‬
‫أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم نهيى عين بييع النخييل حتيى‬
‫تزهييى‪ ،‬وعيين السيينبل حتييى تيبييض وتأميين العاهيية‪ ،‬نهييي البائع‬
‫والمشتري" وهييي زيادة على مييا رواه مالك ميين هذا الحديييث‪،‬‬
‫والزيادة إذا كانيت مين الثقية مقبولة وروي عين الشافعيي أنيه لميا‬
‫وصيلته هذه الزيادة رجيع عين قوله‪ ،‬وذلك أنيه ل يصيح عنده قياس‬
‫ميع وجود الحدييث‪ .‬وأميا بييع السينبل إذا أفرك ولم يشتيد فل يجوز‬
‫عند مالك إل على القطع‪ .‬وأما بيع السنبل غير محصود‪ ،‬فقيل عن‬
‫مالك يجوز‪ ،‬وقييل ل يجوز‪ ،‬إل إذا كان فيي حزميه‪ .‬وأميا بيعيه فيي‬
‫تبنييه بعييد الدرس فل يجوز بل خلف فيمييا أحسييب‪ ،‬هذا إذا كان‬
‫جزافييا‪ ،‬فأمييا إذا كان مكيل فجائز عنييد مالك‪ ،‬ول أعرف فيييه قول‬
‫لغيره واختلف الذيين أجازوا بييع السينبل إذا طاب على مين يكون‬
‫حصييياده ودرسيييه؛ فقال الكوفيون‪ :‬على البائع حتيييى يعمله حبيييا‬
‫للمشتري؛ وقال غيرهم‪ :‬هو على المشتري‪.‬‬
‫ومين هذا الباب ميا ثبيت "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫نهى عن بيعتين في بيعة" وذلك من حديث ابن عمر وحديث ابن‬
‫مسعود وأبي هريرة‪ ،‬قال أبو عمر‪ :‬وكلها من نفل العدول‪ ،‬فاتفق‬
‫الفقهاء على القول بموجييب هذا الحديييث عمومييا؛ واختلفوا فييي‬
‫التفصيل‪ ،‬أعني في الصورة التي ينطلق عليها السم من التي ل‬
‫ينطلق عليهييا واتفقوا أيضييا على بعضهييا‪ ،‬وذلك يتصييور على ثلثية‬
‫وجوه‪ :‬أحدها إما في مثمونين بثمنين‪ ،‬أو مثمون واحد بثمنين‪ ،‬أو‬
‫مثمونييين بثميين واحييد على أن أحييد البيعييين قييد لزم‪ .‬أمييا فييي‬
‫مثمونيين بثمنيين‪ ،‬فإن ذلك يتصيور على وجهيين‪ :‬أحدهميا أن يقول‬
‫له‪ :‬أبيعيك هذه السيلعة بثمين كذا على أن تيبيعني هذه الدار بثمين‬
‫كذا؛ والثانييييي أن يقول له‪ :‬أبيعييييك هذه السييييلعة بدينار أو هذه‬
‫الخرى بديناريين‪ .‬وأميا بييع مثمون واحيد بثمنيين‪ ،‬فإن ذلك يتصيور‬
‫أيضييا على وجهييين‪ :‬أحدهمييا أن يكون أحييد الثمنييين نقدا والخيير‬
‫نسيئة‪ ،‬مثل أن يقول له‪ :‬أبيعك هذا الثوب نقدا بثمن كذا على أن‬
‫أشترييه منيك إلى أجيل كذا بثمين كذا‪ ،‬وأميا مثمونان بثمين واحيد‪،‬‬
‫فمثل أن يقول له‪ :‬أبيعك أحد هذين بثمن كذا‪ ،‬فأ ما الوجه الول‪،‬‬
‫وهو أن يقول له‪ :‬أبيعك هذه الدار بكذا على أن تبيعني هذا الغلم‬
‫بكذا‪ ،‬فنييص الشافعييي على أنييه ل يجوز‪ ،‬لن الثميين فييي كليهمييا‬
‫يكون مجهول‪ ،‬لنه لو أفرد المبيعين لم يتفقا في كل واحد منهما‬
‫على الثمن الذي اتفقا عليه في المبيعين في عقد واحد‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابييع‪- :)1 ...‬وهييي البيوع المنهييي عنهييا ميين قبييل الغبيين الذي‬
‫سببه الغرر‪ ،‬والغرر يوجد في‪... ...‬‬
‫وأصيل الشافعيي فيي رد بيعتيين فيي بيعية إنميا هيو جهيل الثمين أو‬
‫المثمون‪ .‬وأميا الوجيه الثانيي‪ ،‬وهيو أن يقول‪ :‬أبيعيك هذه السيلعة‬
‫بدينار أو هذه الخرى بديناريين على أن البييع قيد لزم فيي أحدهميا‬
‫فل يجوز عنيد الجمييع‪ ،‬وسيواء كان النقيد واحدا أو مختلفيا؛ وخالف‬
‫عبد العزيز بن أبي سلمة في ذلك‪ ،‬فأجازه إذا كان النقد زاحدا أو‬
‫مختلفيا‪ ،‬وعلة منعيه عنيد الجمييع الجهيل؛ وعنيد مالك مين باب سيد‬
‫الذرائع لنه ممكن أن يختار في نفسه أحد الثوبين‪ ،‬فيكون قد باع‬
‫ثوبيييا ودينارا بثوب ودينار‪ ،‬وذلك ل يجوز على أصيييل مالك‪ .‬وأميييا‬
‫الوجيييه الثالث‪ ،‬وهيييو أن يقول له‪ :‬أبيعيييك هذا الثوب نقدا بكذا أو‬
‫نسيييئة بكذا‪ ،‬فهذا إذا كان البيييع فيييه واجبييا فل خلف فييي أنييه ل‬
‫يجوز‪ ،‬وأمييا إذا لم يكيين البيييع لزمييا فييي إحدهمييا فأجازه مالك‪،‬‬
‫ومنعيه أبيو حنيفية والشافعيي‪ ،‬لنهميا افترقيا على ثمين غيير معلوم؛‬
‫وجعله مالك مييين باب الخيار‪ ،‬لنيييه إذا كان عنده على الخيار لم‬
‫يتصيور فييه ندم يوجيب تحوييل أحيد الثمنيين فيي الخير‪ ،‬وهذا عنيد‬
‫مالك هو المانع‪ ،‬فعلة امتناع هذا الوجه الثالث عند الشافعي وأبي‬
‫حنيفة من جهة جهل الثمن‪ ،‬فهو عندهما من بيوع الغرر التي نهي‬
‫عنهيا؛ وعلة امتناعيه عنيد مالك سيد الذريعية الموجبية للربيا لمكان‬
‫أن يكون الذي له الخيار قييد اختار أول إنقاذ العقييد بأحييد الثمنييين‬
‫المؤجل أو المعجل ثم بدا له ولم يظهر ذلك‪ ،‬فيكون قد ترك أحد‬
‫الثمنين للثمن الثاني‪ ،‬فكأنه باع أحد الثمنين بالثاني‪ ،‬فيدخله ثمن‬
‫بثميين نسيييئة‪ ،‬أو نسيييئة ومتفاضل‪ ،‬وهذا كله إذا كان الثميين نقدا‪،‬‬
‫وإن كان الثميين غييير نقييد بييل طعامييا دخله وجييه آخيير‪ ،‬وهييو بيييع‬
‫الطعام بالطعام متفاضل‪ .‬وأميييا إذا قال‪ :‬أشتري منيييك هذا الثوب‬
‫نقدا بكذا على أن تييبيعه منييي إلى أجييل‪ ،‬فهييو عندهيييم ل يجوز‬
‫بإجماع‪ ،‬لنه من باب العينة وهو بيع الرجل ما ليس عنده‪ ،‬ويدخله‬
‫أيضيا علة جهيل الثمين‪ .‬وأميا إذا قال له‪ :‬أبيعيك أحدهذيين الثوبيين‬
‫بدينار وقد لزمه أحدهما أيهما اختار وافترقا قبل الخيار‪ ،‬فإن كان‬
‫الثوبان مين صينفين وهميا مميا يجوز أن يسيلم أحدهميا فيي الثانيي‬
‫فإنييه ل خلف بييين مالك والشافعييي فييي أنييه ل يجوز؛ وقال عبييد‬
‫العزييز بين أبيي سيلمة‪ :‬إنيه يجوز‪ ،‬وعلة المنيع الجهيل والغرر‪ .‬وأميا‬
‫إن كانا من صنف واحد فيجوز عند مالك‪ ،‬ول يجوز عند أبي حنيفة‬
‫والشافعي؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما مالك فإنه أجازه لنه يجيز الخيار بعد عقد البيع في الصناف‬
‫المسيتوية لقلة الغرر عنده فيي ذلك؛ وأميا مين ل يجيزه فتعتيبره‬
‫بالغرر الذي ل يجوز‪ ،‬لنهميا افترقيا على بييع غيير معلوم‪ .‬وبالجملة‬
‫فالفقهاء متفقون على أن الغرر الكثير في المبيعات ل يجوز‪ ،‬وأن‬
‫القلييييل يجوز‪ .‬ويختلفون فيييي أشياء مييين أنواع الغرر‪ ،‬فبعضهيييم‬
‫بلحقهيييا بالغرر الكثيييير‪ ،‬وبعضهيييم يلحقهيييا بالغرر القلييييل المباح‬
‫لترددهيا بيين القلييل والكثيير؛ فإذا قلنيا بالجواز على مذهيب مالك‪،‬‬
‫فقبيييض الثوبييين ميين المشتري على أن يختار فهلك أحدهمييا أو‬
‫أصيابه عييب فمين يصييبه ذلك؟ فقييل تكون المصييبة بينهميا‪ ،‬وقييل‬
‫بييل يضمنييه كله المشتري‪ ،‬إل أن تقوم البينيية على هلكييه؛ وقيييل‬
‫فرق فيي ذلك بيين الثياب وميا يغاب علييه وبيين ميا ل يغاب علييه‬
‫كالعبد فيضمن فيما يغاب عليه ول يضمن فيما ل يغاب عليه‪ .‬وأما‬
‫هيل يلزميه أخيذ الباقيي؟ قييل يلزم‪ ،‬وقييل ل يلزم‪ ،‬وهذا يذكير فيي‬
‫أحكام البيوع‪ .‬وينبغييييي أن نعلم أن المسييييائل الداخلة فييييي هذا‬
‫المعنيى هيي‪ :‬أميا عنيد فقهاء المصيار فمين باب الغرر؛ وأميا عنيد‬
‫مالك فمنهيا ميا يكون عنده مين باب ذرائع الربيا‪ ،‬ومنهيا ميا يكون‬
‫مين باب الغرر‪ ،‬فهذه هيي المسيائل التيي تتعلق بالمنطوق بيه فيي‬
‫هذا الباب‪ .‬وأما نهيه عن بيع الثنيا وعن بيع وشرط ف هو وإن كان‬
‫سيببه الغرر فالشبيه أن نذكرهيا فيي الميبيعات الفاسيدة مين قبيل‬
‫الشروط‪.‬‬
‫@‪(-‬فصل) وأما المسائل المسكوت عنها في هذا الباب المختلف‬
‫فيهيا بيين فقهاء المصيار فكثيرة‪ ،‬لكين نذكير منهيا أشهرهيا لتكون‬
‫كالقانون للمجتهد النظار‪.‬‬
‫@‪(-‬مسييألة) المييبيعات على نوعييين‪ :‬مييبيع حاضيير مرئي‪ ،‬فهذا ل‬
‫خلف في بيعه‪ .‬ومبيع غائب أو متعذر الرؤية‪ ،‬فهنا اختلف العلماء؛‬
‫فقال قوم‪ :‬بييع الغائب ل يجوز بحال مين الحوال ل ميا وصيف ول‬
‫ميا لم يوصيف‪ ،‬وهذا أشهير قولي الشافعيي وهيو المنصيوص عنيد‬
‫أصييحابه‪ ،‬أعنييي أن بيييع الغائب على الصييفة ل يجوز؛ وقال مالك‬
‫وأكثير أهيل المدينية‪ :‬يجوز بييع الغائب على الصيفة إذا كانيت غيبتيه‬
‫مما يؤمن أن تتغير فيه قبل القبض صفته؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز‬
‫بييع العيين الغائبية مين غيير صيفة‪ ،‬ثيم له إذا رآهيا الخيار‪ ،‬فإن شاء‬
‫أنفيذ البييع وإن شاء رده‪ .‬وكذلك الميبيع على الصيفة مين شرطيه‬
‫عندهيم خيار الرؤيية وإن جاء على الصيفة؛ وعنيد مالك أنيه إذا جاء‬
‫على الصيفة فهيو لزم؛ وعنيد الشافعيي ل ينعقيد البييع أصيل فيي‬
‫الموضعين؛ وقد قيل في المذهب‪ :‬يجوز بيع الغائب من غير صفة‬
‫على شرط الخيار خيار الرؤية‪ ،‬وقع ذلك في المدونة‪ ،‬وأنكره عبد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الوهاب وقال‪ :‬هييو مخالف لصييولنا‪ .‬وسييبب الخلف هييل نقصييان‬


‫العلم المتعلق بالصيفة عين العلم المتعلق بالحيس هيو جهيل مؤثير‬
‫في بيع الشيء فيكون من الغرر الكثير‪ ،‬أم ليس بمؤثر وأنه من‬
‫الغرر اليسييير المعفييو عنييه؟ فالشافعييي رآه ميين الغرر الكثييير؛‬
‫ومالك رآه من الغرر اليسير؛ وأما أبو حنيفة فإنه رأى أنه إذا كان‬
‫له خيار الرؤيية أنيه ل غرر هناك وإن لم تكين له رؤيية؛ وأميا مالك‬
‫فرأى أن الجهيل المقترن بعدم الصيفة مؤثير فيي انعقاد البييع‪ ،‬ول‬
‫خلف عنيد مالك أن الصيفة إنميا تنوب عين المعاينية لمكان غيبية‬
‫المبيع أو لمكان المشقة التي في نشره‪ ،‬وما يخاف أن يلحقه من‬
‫الفسياد بتكرار النشير علييه‪ ،‬ولهذا أجاز البييع على البرناميج على‬
‫الصيفة‪ ،‬ولم يجيز بييع السيلح فيي جرابيه‪ ،‬ول الثوب المطوي فيي‬
‫طيه حتى ينشر أو ينظر إلى ما في جرابها‪ .‬واحتج أبو حنيفة بما‬
‫روي عن ابن المسيب أنه قال قال أصحاب النبي صلى الله عليه‬
‫وسيلم‪ :‬وددنيا أن عثمان بين عفان وعبيد الرحمين ابين عوف تبايعيا‬
‫حتى نعلم أيهما أعظم جدا في التجارة‪ ،‬فاشترى عبد الرحمن من‬
‫عثمان بيين عفان فرسييا بأرض له أخرى بأربعييين ألفييا أو أربعيية‬
‫ألف‪ ،‬فذكير تمام الخيبر‪ ،‬وفييه بييع الغائب مطلقيا‪ ،‬ول بيد عنيد أبيي‬
‫حنيفة من اشتراط الجنس‪ ،‬ويدخل البيع على الصفة أو على خيار‬
‫الرؤيية مين جهية ميا هيو غائب غرر آخير‪ ،‬وهيو هيل هيو موجود وقيت‬
‫العقيد أو معدوم؟ ولذلك اشترطوا فييه أن يكون قرييب الغيبية إل‬
‫أن يكون مأمونيا كالعقار‪ ،‬ومين ههنيا أجاز مالك بييع الشييء برؤيية‬
‫متقدميية‪ ،‬أعنييي إذا كان ميين القرب بحيييث يؤميين أن تتغييير فيييه‬
‫فاعلمه‪.‬‬
‫@‪(-‬مسيألة) وأجمعوا على أنيه ل يجوز بييع العيان إلى أجيل‪ ،‬وأن‬
‫مين شرطهيا تسيليم الميبيع إلى المبتاع بأثير عقيد الصيفقة‪ ،‬إل أن‬
‫مالكا وربيعة وطائفة من أهل المدينة أجازوا بيع الجارية الرفيعة‬
‫على شرط المواضعية‪ ،‬ولم يجيزوا فيهيا النقيد كميا لم يجزه مالك‬
‫فييي بيييع الغائب‪ ،‬وإنمييا منييع ذلك الجمهور لمييا يدخله ميين الدييين‬
‫بالدين‪ ،‬ومن عدم التسليم‪ ،‬ويشبه أن يكون بيع الدين بالدين من‬
‫هذا الباب‪ ،‬أعني لما يتعلق بالغرر من عدم التسليم من الطرفين‬
‫ل مين باب الربيا‪ ،‬وقيد تكلمنييا فييي علة الدييين بالديين‪ ،‬ومين هذا‬
‫الباب ميا كان يرى ابين القاسيم أنيه ل يجوز أن يأخيذ الرجيل مين‬
‫غريميه فيي ديين له علييه تمرا قيد بدا صيلحه ويراه مين باب الديين‬
‫بالديين‪ ،‬وكان أشهيب يجييز ذلك ويقول‪ :‬إنميا الديين بالديين ميا لم‬
‫يشرع فيي قبيض شييء منيه‪ ،‬أعنيي أنيه كان يرى أن قبيض الوائل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين الثمان يقوم مقام قبيض الواخير‪ ،‬وهيو القياس عنيد كثيير مين‬
‫المالكيين‪ ،‬وهو قول الشافعي وأبي حنيفة‪.‬‬
‫@‪(-‬مسيألة) أجميع فقهاء المصيار على بييع التمير الذي يثمير بطنيا‬
‫واحدا يطييب بعضيه وإن لم تطيب جملتيه معيا؛ واختلفوا فيميا يثمير‬
‫بطونيييا مختلفييية؛ وتحصييييل مذهيييب مالك فيييي ذلك أن البطون‬
‫المختل فة ل تخلو أن تتصل أو ل تتصل‪ ،‬فإن لم تتصل لم يكن بيع‬
‫ميا لم يخلق منهيا داخل فيميا خلق كشجير التيين يوجيد فييه الباكور‬
‫والعصييير‪ ،‬ثييم إن اتصييلت فل يخلو أن تتميييز البطون أو ل تتميييز‪،‬‬
‫فمثال المتمييز جيز القصييل الذي يجيز مدة بعيد مدة‪ .‬ومثال غيير‬
‫المتمييز المباطيخ والمقاثيئ والباذنجان والقرع‪ ،‬ففيي الذي يتمييز‬
‫عنيه وينفصيل روايتان‪ :‬إحداهميا الجواز والخرى المنيع‪ .‬وفيي الذي‬
‫يتصيل ول يتمييز قول واحيد وهيو الجواز‪ ،‬وخالفيه الكوفيون وأحميد‬
‫وإسيحاق والشافعيي فيي هذا كله‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل يجوز بييع بطين منهيا‬
‫بشرط بطين آخير‪ .‬وحجية مالك فيميا ل يتمييز أنيه ل يمكين حبيس‬
‫أوله على آخره‪ ،‬فجاز أن يباع ميا لم يخلق منهيا ميع ميا خلق وبدا‬
‫صيلحه‪ ،‬أصيله جواز بييع ميا لم يطيب مين الثمير ميع ميا طاب‪ ،‬لن‬
‫الغرر فيي الصيفة شبهيه بالغرر فيي عيين الشييء‪ ،‬وكأنيه رأى أن‬
‫الرخصية ههنيا يجيب أن تقاس على الرخصية فيي بييع الثمار‪ ،‬أعنيي‬
‫ميا طاب ميع ميا لم يطيب لموضيع الضرورة‪ ،‬والصيل عنده أن مين‬
‫الغرر ما يجوز لموضع الضرورة‪ ،‬ولذلك منع على إحدى الروايتين‬
‫عنده بيع القصيل بطنا أكثر من واحد لنه ل ضرورة هناك إذا كان‬
‫متميزا‪ .‬وأما وجه الجواز في القصيل فتشبيها له بما ل يتميز وهو‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫وأما الجمهور فإن هذا كله عندهم من بيع ما لم يخلق‪ ،‬ومن باب‬
‫النهيي عين بييع الثمار معاومية‪ .‬واللفيت والجزر والكرنيب جائز عنيد‬
‫مالك بيعيييه إذا بدا صيييلحه وهيييو اسيييتحقاقه للكيييل‪ ،‬ولم يجزه‬
‫الشافعي إل مقلوعا‪ ،‬لنه من باب بيع المغيب؛ ومن هذا الباب بيع‬
‫الجوز واللوز والباقل فييي قشره‪ ،‬أجازه مالك‪ ،‬ومنعييه الشافعييي‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم هيل هيو مين الغرر المؤثير فيي البيوع أم‬
‫ليييس ميين المؤثيير؟ وذلك أنهييم اتفقوا أن الغرر ينقسييم بهذييين‬
‫القسييمين‪ ،‬وأن غييير المؤثيير هييو اليسييير أو الذي تدعييو إليييه‬
‫الضرورة‪ ،‬أو ميا جميع المريين‪ .‬ومين هذا الباب بييع السيمك فيي‬
‫الغديير أو البركة اختلفوا فيه أي ضا‪ ،‬فقال أ بو حني فة‪ :‬يجوز‪ ،‬ومنعيه‬
‫مالك والشافعيي فيميا أحسيب‪ ،‬وهيو الذي تقتضيي أصيوله‪ .‬ومين‬
‫ذلك بييييع البيييق أجازه قوم بإطلق‪ ،‬ومنعيييه قوم بإطلق ومنهيييم‬
‫الشافعيي؛ وقال مالك‪ :‬إذا كان معلوم الصيفة معلوم الموضيع عنيد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البائع والمشتري جاز‪ ،‬وأظنيييييييييه اشترط أن يكون معلوم الباق‬


‫ويتواضعان الثمييين‪ ،‬أعنيييي أنيييه ل يقبضيييه البائع حتيييى يقبضيييه‬
‫المشتري‪ ،‬لنيه يتردد عنيد العقيد بيين بييع وسيلف‪ ،‬وهذا أصيل مين‬
‫أصيوله يمنيع بيه النقيد فيي بييع المواضعية وفيي بييع الغائب غيير‬
‫المأمون‪ ،‬وفيميا كان مين هذا الجنيس‪ .‬وممين قال بجواز بييع البيق‬
‫والبعيير الشارد عثمان البتيي‪ .‬والحجية للشافعيي حدييث شهير بين‬
‫حوشيب عين أبيي سيعيد الخدري "أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسييلم نهييى عيين شراء العبييد البييق‪ ،‬وعيين شراء مييا فييي بطون‬
‫النعام حتى تضع‪ ،‬وعن شراء ما في ضروعها‪ ،‬وعن شراء الغنائم‬
‫حتيى تقسيم" وأجاز مالك بييع لبين الغنيم أياميا معدودة إذا كان ميا‬
‫يحلب منهيا معروفيا فيي العادة‪ ،‬ولم يجيز ذلك فيي الشاة الواحدة؛‬
‫وقال سائر الفقهاء‪ :‬ل يجوز ذلك إل بكيل معلوم بعد الحلب‪ .‬ومن‬
‫هذا الباب منييع مالك بيييع اللحييم فييي جلده‪ .‬وميين هذا الباب بيييع‬
‫المرييض أجازه مالك إل أن يكون ميئوسيا منيه؛ ومنعيه الشافعيي‬
‫وأبييو حنيفيية‪ ،‬وهييي رواييية أخرى عنييه‪ ،‬وميين هذا الباب بيييع تراب‬
‫المعدن وال صواغين‪ ،‬فأجاز مالك بيع تراب المعدن بن قد يخالفه أو‬
‫بعرض‪ ،‬ولم يجييز بيييع تراب الصيياغة؛ ومنييع الشافعييي البيييع فييي‬
‫المر ين جميعا؛ وأجازه قوم في المرين جميعا‪ ،‬وبه قال الحسن‬
‫البصري‪،‬‬
‫فهذه هييي البيوع التييي يختلف فيهييا أكثيير ذلك ميين قبييل الجهييل‬
‫بالكيفية‪ .‬وأما اعتبار الكمية فإنهم اتفقوا على أنه ل يجوز أن يباع‬
‫شيييء ميين المكيييل أو الموزون أو المعدود أو المسييموح إل أن‬
‫يكون معلوم القدر عنيييد البائع والمشتري؛ واتفقوا على أن العلم‬
‫الذي يكون بهذه الشياء مييين قبيييل الكييييل المعلوم أو الصييينوج‬
‫المعلومة مؤثر في صحة البيع‪ ،‬وفي كل ما كان غير معلوم الكيل‬
‫والوزن عند البائع والمشتري من جميع الشياء المكيلة والموزونة‬
‫والمعدودة والممسيييوحة‪ ،‬وأن العلم بمقاديييير هذه الشياء التيييي‬
‫تكون مين قبيل الحزر والتخميين وهيو الذي يسيمونه الجزاف يجوز‬
‫في أشياء ويمنع في أشياء‪ .‬وأصل مذهب مالك في ذلك أنه يجوز‬
‫في كل ما المقصود منه الكثرة ل آحاد وهو عنده أصناف‪ :‬منها ما‬
‫أصيله الكييل ويجوز جزافيا‪ ،‬وهيي المكيلت والموزونات؛ ومنهيا ميا‬
‫أصيييله الجزاف ويكون مكيل‪ ،‬وهيييي الممسيييوحات كالرضيييين‬
‫والثياب؛ ومنهيا ميا ل يجوز فيهيا التقديير أصيل بالكييل والوزن‪ ،‬بيل‬
‫إنميا يجوز فيهيا العدد فقيط ول يجوز بيعهيا جزافيا‪ ،‬وهيي كميا قلنيا‬
‫التي المقصود منها آحاد أعيانها‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وعند مالك أن التبر والفضة الغير المسكوكين يجوز بيعهما جزافا‬


‫ول يجوز ذلك فيي الدراهيم والدنانيير؛ وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪:‬‬
‫يجوز ويكره‪ .‬ويجوز عنييييد مالك أن تباع الصييييبرة المجهولة على‬
‫الكييل‪ :‬أي كيل كييل منهيا بكذا‪ ،‬فميا كان فيهيا مين الكيال وقيع مين‬
‫تلك القيمية بعيد كيلهيا والعلم بمبلغهيا؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يلزم إل‬
‫فيي كييل واحيد وهيو الذي سيمياه‪ .‬ويجوز هذا البييع عنيد مالك فيي‬
‫العبيد والثياب وفي الطعام‪ ،‬ومنعه أبو حنيفة في الثياب والعبيد‪،‬‬
‫ومنع ذلك غيره في الكل فيما أحسب للجهل بمبلغ الثمن‪ .‬ويجوز‬
‫عنيد مالك أن يصيدق المشتري البائع فيي كيلهيا إذا لم يكين البييع‬
‫نسييئة‪ ،‬لنيه يتهميه أن يكون صيدقه لينظره بالثمين؛ وعيد غيره ل‬
‫يجوز ذلك حتى يكتالها المشتري لنهيه صلى الله عليه وسلم عن‬
‫بييع الطعام حتيى تجري فييه الصييعان؛ وأجازه قوم على الطلق؛‬
‫وممين منعيه أبيو حنيفية والشافعيي وأحميد؛ وممين أجازه بإطلق‬
‫عطاء بين أبيي رباح وابين أبيي مليكية؛ ول يجوز عنيد مالك أن يعلم‬
‫البائع الكيل ويبيع المكيل جزافا م من يجهل الكييل؛ ول يجوز عند‬
‫الشافعي وأبي حنيفة‪.‬‬
‫والمزابنية المنهيي عنهيا هيي عنيد مالك مين هذا الباب‪ ،‬وهيي بييع‬
‫مجهول الكميية بمجهول الكميية‪ ،‬وذلك أميا فيي الربويات فلموضيع‬
‫التفاضل‪ ،‬وأما في غير الربويات فلعدم تحقق القدر‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في بيوع الشروط والثنيا‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه البيوع الفسيياد الذي يكون فيهييا هييو راجييع إلى الفسيياد‬
‫الذي يكون ميين قبييل الغرر‪ ،‬ولكيين لمييا تضمنهييا النييص وجييب أن‬
‫تجعيل قسيما مين أقسيام البيوع الفاسيدة على حدة‪ .‬والصيل فيي‬
‫اختلف الناس فييي هذا الباب ثلثيية أحاديييث‪ :‬أحدهييا حديييث جابر‬
‫قال "ابتاع منيي رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم بعيرا وشرط‬
‫ظهره إلى المدينية" وهذا الحدييث فيي الصيحيح‪ .‬والحدييث الثانيي‬
‫حديييث بريرة أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم قال "كييل‬
‫شرط لييييس فيييي كتاب الله فهيييو باطيييل ولو كان مائة شرط"‬
‫والحديييث متفييق على صييحته‪ .‬والثالث حديييث جابر قال "نهييى‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم عيين المحاقلة والمزابنيية‬
‫والمخابرة والمعاومية والثنييا‪ ،‬ورخيص فيي العراييا" وهيو أيضيا فيي‬
‫الصحيح خرجه مسلم‪ .‬ومن هذا الباب ما روي عن أبي حنيفة أنه‬
‫روى "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط"‬
‫فاختلف العلماء لتعارض هذه الحادييييث فيييي بييييع وشرط‪ ،‬فقال‬
‫قوم‪ :‬البييع فاسيد والشرط جائز‪ ،‬وممين قال بهذا القول الشافعيي‬
‫وأبو حنيفة؛ وقال قوم‪ :‬البيع جائز والشرط جائز‪ ،‬وممن قال بهذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القول ابيين أبييي شبرميية؛ وقال قوم‪ :‬البيييع جائز والشرط باطييل‪،‬‬
‫وممين قال بهذا القول ابين أبيي ليلى؛ وقال أحميد‪ :‬البييع جائز ميع‬
‫شرط واحد‪ ،‬وأما مع شرطين فل‪ ،‬فمن أبطل البيع والشرط أخذ‬
‫بعموم نهيه عن بيع وشرط‪ ،‬ولعموم نهيه عن الثنيا؛ ومن أجازهما‬
‫جميعيا أخيذ بحدييث عمير الذي ذكير فييه البييع والشرط؛ ومين أجاز‬
‫البيييع وأبطييل الشرط أخييذ بعموم حديييث بريرة؛ وميين لم يجييز‬
‫الشرطيين وأجاز الواحيد احتيج بحدييث عمرو بين العاص خرجيه أبيو‬
‫داود قال‪ :‬قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "ل يحيل سيلف‬
‫وبييع‪ ،‬ول يجوز شرطان فيي بييع‪ ،‬ول ربيح ميا لم تضمين‪ ،‬ول بييع ميا‬
‫ليس هو عندك"‪.‬‬
‫وأما مالك فالشروط عنده تنقسم ثلثة أقسام‪ :‬شروط تبطل هي‬
‫والبييع معيا؛ وشروط تجوز هيي والبييع معيا؛ وشروط تبطيل ويثبيت‬
‫البيع؛ وقد يظن أن عنده قسما رابعا وهو أن من الشروط ما إن‬
‫تمسييك المشترط بشرطييه بطييل البيييع‪ ،‬وإن تركييه جاز البيييع‪،‬‬
‫وإعطاء فروق بينية فيي مذهبيه بيين هذه الصيناف الربعية عسيير‪،‬‬
‫وقييد رام ذلك كثييير ميين الفقهاء‪ ،‬وإنمييا هييي راجعيية إلى كثرة مييا‬
‫يتضمن الشروط من صنفي الفساد الذي يخل بصحة البيوع وهما‬
‫الربيا والغرر وإلى قلتيه وإلى التوسيط بيين ذلك‪ ،‬أو إلى ميا يفييد‬
‫نقصيا فيي الملك فميا كان دخول هذه الشياء فييه كثيرا مين قبيل‬
‫الشرط أبطله وأبطل الشرط‪ ،‬وما كان قليل أجازه وأجاز الشرط‬
‫فيهيا‪ ،‬وميا كان متوسيطا أبطيل الشرط وأجاز البييع‪ ،‬ويرى أصيحابه‬
‫أن مذهبيه هيو أولى المذاهيب‪ ،‬إذ بمذهبيه تجتميع الحادييث كلهيا‪،‬‬
‫والجميع عندهيم أحسين مين الترجييح‪ ،‬وللمتأخريين مين أصيحاب‬
‫مالك فيييي ذلك تفصييييلت متقاربييية‪ ،‬وأحيييد مييين له ذلك جدي‬
‫والمازري والباجييي‪ ،‬وتفصيييله فييي ذلك أنييه قال‪ :‬إن الشرط فييي‬
‫الميبيع يقيع على ضربيين أوليين‪ :‬أحدهميا أن يشترطيه بعيد انقضاء‬
‫الملك مثل من يبيع المة أو العبد‪ ،‬ويشترط أنه متى عتق كان له‬
‫ولؤه دون المشتري‪ ،‬فمثييل هذا قالوا‪ :‬يصييح فيييه العقييد ويبطييل‬
‫الشرط لحديث بريرة‪.‬‬
‫والقسم الثاني أن يشترط عليه شرطا يقع في مدة الملك‪ ،‬وهذا‬
‫قالوا‪ :‬ينقسيم إلى ثلثية أقسيام‪ :‬إميا أن يشترط فيي الميبيع منفعية‬
‫لنفسيه؛ وإميا أن يشترط على المشتري منعيا مين تصيرف عام أو‬
‫خاص؛ وإما أن يشترط إيقاع معنى في المبيع‪ ،‬وهذا أيضا ينقسم‬
‫إلى قسيمين‪ :‬أحدهميا أن يكون معنيى مين معانيي البر‪ .‬والثانيي أن‬
‫يكون معنييى ليييس فيييه مين البر شيييء‪ .‬فأميا إذا اشترط لنفسيه‬
‫منفعة يسيرة ل تعود بمنع التصرف في أصل المبيع‪ ،‬مثل أن يبيع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الدار ويشترط سييكناها مدة يسيييرة مثييل الشهيير‪ ،‬وقيييل السيينة‪،‬‬


‫فذلك جائز على حدييث جابر‪ .‬وإميا أن يشترط منعيا مين تصيرف‬
‫خاص أو عام‪ ،‬فذلك ل يجوز لنيه مين الثنييا‪ ،‬ومثيل أن ييبيع المية‬
‫على أن ل يطأهيا أو ل يبيعهيا‪ ،‬وإميا أن يشترط معنيى مين معانيي‬
‫البر مثيل العتيق‪ ،‬فإن كان اشترط تعجيله جاز عنده‪ ،‬وإن تأخير لم‬
‫يجيز لعظيم الغرر فييه‪ .‬وبقول مالك فيي إجازة البييع بشرط العتيق‬
‫المعجل قال الشافعي على أن من قوله منع بيع وشرط‪ ،‬وحديث‬
‫جابر عنده مضطرب اللفييظ‪ ،‬لن فييي بعييض رواياتييه أنييه باعييه‬
‫واشترط ظهره إلى المدينيية‪ ،‬وفييي بعضهييا أنييه أعاره ظهره إلى‬
‫المدينية‪ .‬ومالك رأى هذا مين باب الغرر اليسيير فأجازه فيي المدة‬
‫القليلة ولم يجزه في الكثيرة‪ .‬وأما أبو حنيفة فعلى أصله في منع‬
‫ذلك‪ .‬وأما إن اشترط معنى في المبيع ليس ببر مثل أن ل يبيعها‪،‬‬
‫فذلك ل يجوز عند مالك‪ ،‬وقيل عنه البيع مفسوخ‪ ،‬وقيل بل يبطل‬
‫الشرط فقيط‪ .‬وأميا مين قال له البائع‪ :‬متيى جئتيك بالثمين رددت‬
‫علي الميبيع فإنيه ل يجوز عنيد مالك‪ ،‬لنيه يكون مترددا بيين البييع‬
‫والسييلف؛ إن جاء بالثميين كان سييلفا‪ ،‬وإن لم يجيييء كان بيعييا‪.‬‬
‫واختلف فييي المذهييب هييل يجوز له ذلك فييي القالة أم ل؟ فميين‬
‫رأى أن القالة بيع فسخها عنده ما يفسخ سائر البيوع؛ ومن رأى‬
‫أنهيا فسيخ فرق بينهيا وبيين البيوع‪ .‬واختلف أيضيا فيمين باع شيئا‬
‫بشرط أن ل يبيعه حتى ينتصف من الثمن‪ ،‬فقيل عن مالك يجوز‬
‫ذلك لن حكمييه حكييم الرهيين‪ ،‬ول فرق فييي ذلك بييين أن يكون‬
‫الرهن هو المبيع أو غيره؛‬
‫وقيييل عيين ابيين القاسييم‪ :‬ل يجوز ذلك‪ ،‬لنييه شرط يمنييع المبتاع‬
‫التصييرف فييي المييبيع بالمدة البعيدة التييي ل يجوز للبائع اشتراط‬
‫المنفعية فيهيا‪ ،‬فوجيب أن يمنيع صيحة البييع‪ ،‬ولذلك قال ابين المواز‬
‫إنيه جائز فيي الميد القصيير‪ .‬ومين المسيموع فيي هذا الباب نهييه‬
‫صيلى الله عليه وسيلم عن بيع وسيلف اتفق الفقهاء على أ نه من‬
‫البيوع الفاسدة‪ .‬واختلفوا إذا ترك الشرط قبل القبض‪ ،‬فمنعه أبو‬
‫حنيفة والشافعي وسائر العلماء‪ ،‬وأجازه مالك وأصحابه إل محمد‬
‫بين عبيد الحكيم‪ ،‬وقيد روي عين مالك مثيل قول الجمهور؛ وحجية‬
‫الجمهور أن النهيي يتضمين فسياد المنهيي عنيه ميع أن الثمين يكون‬
‫فيي الميبيع مجهول لقتران السيلف بيه‪ .‬وقيد روي أن محميد بين‬
‫أحميد بين سيهل البرمكيي سيأل عين هذه المسيلئة إسيماعيل بين‬
‫إسييحاق المالكييي فقال له‪ :‬مييا الفرق بييين السييلف والبيييع‪ ،‬وبييين‬
‫رجيل باع غلميا بمائة دينار وزق خمير فلميا عقيد البييع قال‪ :‬أنيا أدع‬
‫الزق‪ ،‬قال‪ :‬وهذا البيييييع مفسييييوخ عنييييد العلماء بإجماع‪ ،‬فأجاب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إسماعيل عن هذا بجواب ل تقوم به حجة‪ ،‬وهو أن قال له‪ :‬الفرق‬


‫بينهمييا أن مشترط السييلف هييو مخييير فييي تركييه أو عدم تركييه‪،‬‬
‫ولييس كذلك مسيألة زق الخمير‪ ،‬وهذا الجواب هيو نفيس الشييء‬
‫الذي طولب فيييه بالفرق‪ ،‬وذلك أنييه يقال له‪ :‬لم كان هنييا مخيرا‬
‫ولم يكن هنالك مخيرا في أن يترك الزق ويصح البيع‪ ،‬والشبه أن‬
‫يقال إن التحريم ههنا لم يكن لشيء محرم بعينه وهو السلف لن‬
‫السلف مباح‪ ،‬وإنما وقع التحريم من أجل القتران‪ :‬أعني اقتران‬
‫البيع به‪ ،‬وكذلك البيع في نفسه جائز‪ ،‬وإنما امتنع من قبل اقتران‬
‫الشرط بيه‪ ،‬وهنالك إنميا امتنيع البييع مين أجيل اقتران شييء محرم‬
‫لعينه به‪ ،‬ل أنه شيء محرم من قبل الشرط‪ .‬ونكتة المسألة هل‬
‫إذا لحيق الفسياد بالبييع مين قبيل الشرط يرتفيع الفسياد إذا ارتفيع‬
‫الشرط أم ل يرتفع‪ ،‬كما ل يرتفع الفساد الللحق للبيع الحلل من‬
‫أجل اقتران المحرم العين به؟ وهذا أيضا ينبني على أصل آخر هو‬
‫هييل هذا الفسيياد حكمييي أو معقول؟ فإن قلنييا حكمييي لم يرتفييع‬
‫بارتفاع الشرط‪ ،‬وإن قلنا معقول ارتفع بارتفاع الشرط؛‬
‫فمالك رآه معقول‪ ،‬والجمهور رأوه غييييير معقول والفسيييياد الذي‬
‫يوجد في بيوع الربا والغرر هو أكثر ذلك حكمي‪ ،‬لذلك ليس ينعقد‬
‫عندهم أصل‪ ،‬وإن ترك الربا بعد البيع أو ارتفع الغرر‪ .‬واختلفوا في‬
‫حكميه إذا وقيع على ميا سييأتي فيي أحكام البيوع الفاسيدة‪ .‬ومين‬
‫هذا الباب بييع العربان فجمهور علماء المصيار على أنيه غيير جائز؛‬
‫وحكيي عين قوم مين التابعيين أنهيم أجازوه‪ ،‬منهيم مجاهيد وابين‬
‫سييرين ونافيع بين الحارث وزييد بين أسيلم‪ ،‬وصيورته‪ :‬أن يشتري‬
‫الرجل شيئا فيدفع إلى المبتاع من ثمن ذلك المبيع شيئا على أنه‬
‫إن نفيذ البييع بينهميا كان ذلك المدفوع مين ثمين السيلعة‪ ،‬وإن لم‬
‫ينفيذ ترك المشتري بذلك الجزء مين الثمين عنيد البائع ولم يطالبيه‬
‫بيه؛ وإنميا صيار الجمهور إلى منعيه لنيه مين باب الغرر والمخاطرة‬
‫وأكل المال بغير عوض‪ ،‬وكان زيد يقول‪ :‬أجازه ر سول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬وقال أهل الحديث‪ :‬ذلك غير معروف عن رسول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم‪ .‬وفيي السيتثناء مسيائل مشهورة مين‬
‫هذا الباب اختلف الفقهاء فيهيا‪ ،‬أعنيي هيل تدخيل تحيت النهيي عين‬
‫الثنييا‪ ،‬أو ليسيت تدخيل؟ فمين ذلك أن ييبيع الرجيل حامل ويسيتثني‬
‫ما في بطنها‪ ،‬فجمهور فقهاء المصار مالك وأبو حنيفة والشافعي‬
‫والثوري على أنييه ل يجوز؛ وقال أحمييد وأبييو ثور وداود ذلك جائز‪،‬‬
‫وهيو مروي عين ابين عمير‪ .‬وسيبب الخلف هيل المسيتثنى ميبيع ميع‬
‫ميا اسيتثنى منيه‪ ،‬أم لييس بميبيع وإنميا هيو باق على ملك البائع؟‬
‫فمين قال ميبيع قال‪ :‬ل يجوز وهيو مين الثنييا المنهيي عنهيا لميا قال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيهيا مين الجهيل بصيفته وقلة الثقية بسيلمة خروجيه؛ ومين قال هيو‬
‫باق على ملك البائع أجاز ذلك؛ وتحصيييل مذهييب مالك فيميين باع‬
‫حيوانيا واسيتثنى بعضيه أن ذلك البعيض ل يخلو أن يكون شائعيا أو‬
‫معينيا أو مقدرا‪ ،‬فإن كان شائعيا فل خلف فيي جوازه مثيل أن يبيع‬
‫عبدا إل ربعييه‪ .‬وأمييا إن كان معينييا فل يخلو أن يكون مغيبييا مثييل‬
‫الجنييين‪ ،‬أو يكون غييير مغيييب‪ ،‬فإن كان مغيبييا فل يجوز‪ ،‬وإن كان‬
‫غير مغيب كالرأس واليد والرجل‪ ،‬فل يخلو الحيوان أن يكون مما‬
‫يستباح ذبحه أو ل يكون‪،‬‬
‫فإن كان مميا ل يسيتباح ذبحيه فإنيه ل يجوز‪ ،‬لنيه ل يجوز أن ييبيع‬
‫أحيد غلميا ويسيتثني رجله‪ ،‬لن حقيه غيير متمييز ول متبغيض وذلك‬
‫مميا ل خلف فييه‪ ،‬وإن كان الحيوان مميا يسيتباح ذبحيه‪ ،‬فإن باعيه‬
‫واسيتثنى منيه عضوا له قيمية بشرط الذبيح‪ ،‬ففيي المذهيب فييه‬
‫قولن‪ :‬أحدهما أنه ل يجوز وهو المشهور؛ والثاني يجوز‪ ،‬وهو قول‬
‫ابن حبيب جوز بيع الشاة مع استثناء القوائم والرأس‪ .‬وأما إذا لم‬
‫يكين للمسيتثنى قيمية فل خلف فيي جوازه فيي المذهيب‪ ،‬ووجيه‬
‫قول مالك إنييه كان اسييتثناؤه بجلده فمييا تحييت الجلد مغيييب وإن‬
‫كان لم يسيتثنه بجلده فإنيه ل يدري بأي صيفة يخرج له بعيد كشيط‬
‫الجلد عنه‪ .‬ووجه قول ابن حبيب أنه استثنى عضوا معينا معلوما‪،‬‬
‫فلم يضره ما عليه من الجلد أصله شراء الحب في سنبله والجوز‬
‫فيي قشره‪ .‬وأميا إن كان المسيتثنى مين الحيوان بشرط الذبيح إميا‬
‫عرفيا وإميا ملفوطيا بيه جزءا مقدرا مثيل أرطال مين جزور‪ ،‬فعين‬
‫مالك فيي ذلك روايتان‪ :‬إحداهميا المنيع‪ ،‬وهيي روايية ابين وهيب؛‬
‫والثانييية الجازة فييي الرطال اليسيييرة فقييط‪ ،‬وهييي رواييية ابيين‬
‫القاسم‪ .‬وأجمعوا من هذا الباب على جواز بيع الرجل ثمر حائطه‬
‫واسييتثناء نخلت معينات منييه قياسييا على جواز شرائهييا‪ .‬واتفقوا‬
‫على أنه ل يجوز أن يستثنى من حائط له عدة نخلت غير معينات‬
‫إل بتعييين المشتري لهيا بعيد البييع‪ ،‬لنيه بييع ميا لم يره المتبايعان‪.‬‬
‫واختلفوا فيي الرجيل ييبيع الحائط ويسيتثني منيه عدة نخلت بعيد‬
‫البيييع‪ ،‬فمنعييه الجمهور لمكان اختلف صييفة النخيييل؛ وروي عيين‬
‫مالك إجازتييه؛ ومنييع ابيين القاسييم قوله فييي النخلت وأجازه فييي‬
‫اسيتثناء الغنيم‪ .‬وكذلك اختلف قول مالك وابين القاسيم فيي شراء‬
‫نخلت معدودة مين حائطيه على أن يعينهيا بعيد الشراء المشتري‬
‫فأجازه مالك ومنعه ابن القاسم‪ .‬وكذلك اختلفوا إذا استثنى البائع‬
‫مكيله ميين حائط؛ قال أبييو عميير بيين عبييد البر‪ :‬فمنييع ذلك فقهاء‬
‫المصيار الذيين تدور الفتوى عليهيم‪ ،‬وألفيت الكتاب على مذاهبهيم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الثنيا في البيع‪ ،‬لنه استثناء مكيل‬
‫من جزاف؛‬
‫وأميا مالك وسيلفه مين أهيل المدينية فإنهيم أجازوا ذلك فيميا دون‬
‫الثلث ومنعوه فيميا فوقيه‪ ،‬وحملوا النهيي على الثنييا على ميا فوق‬
‫الثلث‪ ،‬وشبهوا بيييع مييا عدا المسييتثنى بييبيع الصييبرة التييي ل يعلم‬
‫مبلغ كيلهيا فتباع جزافيا ويسيتثنى منهيا كييل ميا‪ ،‬وهذا الصيل أيضيا‬
‫مختلف فييه‪ ،‬أعنيي إذا اسيتثنى منهيا كييل معلوم‪ .‬واختلف العلماء‬
‫مين هذا الباب فيي بييع وإجارة معيا فيي عقيد واحيد‪ ،‬فأجازه مالك‬
‫وأصيحابه‪ ،‬ولم يجزه الكوفيون ول الشافعيي‪ ،‬لن الثمين يرون أنيه‬
‫يكون حينئذ مجهول‪ ،‬ومالك يقول‪ :‬إذا كانيييت الجارة معلومييية لم‬
‫يكين الثمين مجهول‪ ،‬وربميا رآه الذيين منعوه مين باب بيعتيين فيي‬
‫بيعة‪ .‬وأجمعوا على أنه ل يجوز السلف أو البيع كما قلنا‪ .‬واختلف‬
‫قول مالك فييي إجازة السييلف والشركيية‪ ،‬فمرة أجاز ذلك ومرة‬
‫منعيه‪ ،‬وهذه كلهيا اختلف العلماء فيهيا لختلفهيا بالقيل والكثير فيي‬
‫وجود علل المنييع فيهييا المنصييوص عليهييا‪ ،‬فميين قويييت عنده علة‬
‫المنيع فيي مسيألة منهيا منعهيا‪ ،‬ومين لم تقيو عنده أجازهيا‪ ،‬وذلك‬
‫راجيع إلى ذوق المجتهيد‪ ،‬لن هذه المواد يتجاذب القول فيهيا إلى‬
‫الضدين على السواء عند النظر فيها‪ ،‬ولعل في أمثال هذه المواد‬
‫يكون القول بتصويب كل مجتهد صوابا‪ ،‬ولهذا ذهب بعض العلماء‬
‫في أمثال هذه المسائل إلى التخيير‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامييس فييي البيوع المنهييي عنهييا ميين أجييل الضرر‬
‫أوالغبن‪.‬‬
‫@‪-‬والمسيموع مين هذا الباب ميا يثبيت مين نهييه صيلى الله علييه‬
‫وسلم عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه‪ ،‬وعن أن يسوم أحد على‬
‫سيوم أخييه‪ ،‬ونهييه عين تلقيي الركبان‪ ،‬ونهييه عين أن ييبيع حاضير‬
‫لباد‪ ،‬ونهييه عين النجيش‪ .‬وقيد اختلف العلماء فيي تفصييل معانيي‬
‫هذه الثار اختلفييا ليييس بمتباعييد‪ ،‬فقال مالك‪ :‬معنييى قوله عليييه‬
‫الصيلة والسيلم "ل يبيع بعضكيم على بييع بعيض" ومعنيى نهييه عين‬
‫أن يسيوم أحيد على سيوم أخييه واحيد‪ ،‬وهيي فيي الحالة التيي إذا‬
‫ركين البائع فيهيا إلى السيائم ولم يبيق بينهميا إل شييء يسيير مثيل‬
‫اختيار الذهيب أو اشتراط العيوب أو البراءة منهيا‪ ،‬وبمثيل تفسيير‬
‫مالك فسيير أبييو حنيفيية هذا الحديييث‪ .‬وقال الثوري معنييى "ل يبييع‬
‫بعضكييم على بيييع بعييض" أن ل يطرأ رجييل آخيير على المتبايعييين‬
‫فيقول عندي خير من هذه السلعة ولم يحد وقت ركون ول غيره‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬معنى ذلك إذا تم البيع باللسان ولم يفترقا فأتى‬
‫أحيد يعرض علييه سيلعة له هيي خيير منهيا‪ ،‬وهذا بناء على مذهبيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيييي أن البييييع إنميييا يلزم بالفتراق فهيييو ومالك متفقان على أن‬
‫النهيييي إنميييا يتناول حالة قرب لزوم البييييع‪ ،‬ومختلفان فيييي هذه‬
‫الحالة ميا هيي لختلفهميا فيميا بيه يكون اللزوم فيي البييع على ميا‬
‫سينذكره بعيد‪ ،‬وفقهاء المصيار على أن هذا البييع يكره‪ ،‬وإن وقيع‬
‫مضيى لنيه سيوم على بييع لم يتيم؛ وقال داود وأصيحابه‪ :‬إن وقيع‬
‫فسيخ فيي أي حالة وقيع تمسيكا بالعموم؛ وروي عين مالك وعين‬
‫بعيض أصيحابه فسيخه ميا لم يفيت؛ وأنكير ابين الماجشون ذلك فيي‬
‫البيييع فقال‪ :‬وإنمييا قال بذلك مالك فييي النكاح‪ ،‬وقييد تقدم ذلك‪.‬‬
‫واختلفوا فيي دخول الذميي فيي النهيي عين سيوم أحيد على سيوم‬
‫غيره‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ل فرق فييي ذلك بييين الذمييي وغيره؛ وقال‬
‫الوزاعييي‪ :‬لبأس بالسييوم على سييوم الذمييي لنييه ليييس بأخييي‬
‫المسلم‪ ،‬وقد قال صلى الله عليه وسلم "ل يسم أحد على سوم‬
‫أخيييه" وميين ههنييا منييع قوم بيييع المزايدة وإن كان الجمهور على‬
‫جوازه‪ .‬وسيبب الخلف بينهيم هيل يحميل هذا النهيي على الكراهية‬
‫أو على الحظير‪ ،‬ثيم إذا حميل على الحظير فهيل يحميل على جمييع‬
‫الحوال‪ ،‬أو في حالة دون حالة؟‪.‬‬
‫@‪(-‬فصل) وأما نهيه عن تلقي الركبان للبيع‪ ،‬فاختلفوا في مفهوم‬
‫النهييي مييا هييو‪ ،‬فرأى مالك أن المقصييود بذلك أهييل السييواق لئل‬
‫ينفرد المتلقيي برخيص السيلعة‪ ،‬دون أهيل السيواق‪ ،‬ورأى أنيه ل‬
‫يجوز أن يشتري أحييد سييلعة حتييى تدخييل السييوق‪ ،‬هذا إذا كان‬
‫التلقي قريبا‪ ،‬فإن كان بعيدا فل بأس به‪ ،‬وحد القرب في المذهب‬
‫بنحيييو مييين سيييتة أميال‪ ،‬ورأى أنيييه إذا وقيييع جاز‪ ،‬ولكييين يشرك‬
‫المشتري أهل السواق في تلك السلعة التي من شأنها أن يكون‬
‫ذلك سيوقها‪ .‬وأميا الشافعيي فقال إن المقصيود بالنهيي إنميا هيو‬
‫لجيل البائع لئل يغبنيه المتلقيي‪ ،‬لن البائع يجهيل سيعر البلد‪ ،‬وكان‬
‫يقول‪ :‬إذا وقييع فرب السييلعة بالخيار إن شاء أنفييذ البيييع أو رده‪.‬‬
‫ومذهيب الشافعيي هيو نيص فيي حدييث أبيي هريرة الثابيت عين‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أنيه قال علييه الصيلة والسيلم‬
‫"ل تتلقوا الجلب‪ ،‬فمين تلقيى منيه شيئا فاشتراه فصياحبه بالخيار‬
‫إذا أتى السوق" خرجه مسلم وغيره‪.‬‬
‫@‪(-‬فصل) وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحاضر للباد‪،‬‬
‫فاختلف العلماء فييي معنييى ذلك‪ ،‬فقال قوم‪ :‬ل يبييع أهييل الحضيير‬
‫لهل البادية قول واحدا‪ .‬واختلف عنه في شراء الحضري للبدوي‪،‬‬
‫فمرة أجازه‪ ،‬وبه قال ا بن حبيب؛ ومرة منعه‪ ،‬وأهل الحضر عنده‬
‫هيم المصيار؛ وقيد قييل عنيه إنيه ل يجوز أن ييبيع أهيل القرى لهيل‬
‫العمود المنتقلييين‪ ،‬وبمثييل قول مالك قال الشافعييي والوزاعييي؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬ل بأس أن ييبيع الحاضير للبادي ويخيبره‬
‫بالسييعر‪ ،‬وكرهييه مالك‪ ،‬أعنييي أن يخييبر الحضري البادي بالسييعر‪،‬‬
‫وأجازه الوزاعي‪ .‬والذين منعوه اتفقوا على أن القصد بهذا النهي‬
‫هو إرفاق أهل الحضر‪ ،‬لن الشياء عند أهل البادية أيسر من أهل‬
‫الحاضرة‪ ،‬وهيي عندهيم أرخيص‪ ،‬بيل أكثير ميا يكون مجانيا عندهيم‪:‬‬
‫أي بغيير ثمين‪ ،‬فكأنهيم رأوا أنيه يكره أن ينصيح الحضري للبدوي‪،‬‬
‫وهذا مناقيض لقوله علييه الصيلة والسيلم "الديين النصييحة" وبهذا‬
‫تمسيك فيي جوازه أبيو حنيفية‪ .‬وحجية الجمهور حدييث جابر خرجيه‬
‫مسيلم وأبيو داود قال‪ :‬قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "ل‬
‫يييبيع حاضيير لباد ذروا الناس يرزق الله بعضهيم مين بعييض" وهذه‬
‫الزيادة انفرد بها أبو داود فيما أحسب‪ ،‬والشبه أن يكون من باب‬
‫غبييين البدوي لنيييه يرد والسيييعر مجهول عنده‪ ،‬إل أن تثبيييت هذه‬
‫الزيادة‪ ،‬ويكون على هذا معنيى الحدييث معنيى النهيي عين تلقيي‬
‫الركبان على ميييا تأوله الشافعيييي وجاء فيييي الحدييييث الثابيييت‪.‬‬
‫واختلفوا إذا وقع فقال الشافعي‪ :‬إذا وقع فقد تم وجاز البيع لقوله‬
‫علييه الصيلة والسيلم "دعوا الناس يرزق الله بعضهيم مين بعيض"‬
‫واختلف فييي هذا المعنييى أصييحاب مالك؛ فقال بعضهييم‪ :‬يفسييخ؛‬
‫وقال بعضهم‪ :‬ل يفسخ‪.‬‬
‫@‪(-‬فصيل) وأميا نهييه علييه الصيلة والسيلم عين النجيش‪ ،‬فاتفيق‬
‫العلماء على منيع ذلك‪ ،‬وأن النجيش هيو أن يزييد أحيد فيي سيلعة‬
‫وليييس فييي نفسييه شراؤهييا‪ ،‬يريييد بذلك أن ينفييع البائع ويضيير‬
‫المشتري؛ واختلفوا إذا وقييع هذا البيييع‪ ،‬فقال أهييل الظاهيير‪ :‬هييو‬
‫فاسد؛ وقال مالك‪ :‬هو كالعيب والمشتري بالخيار‪ ،‬إن شاء أن يرد‬
‫رد‪ ،‬وإن شاء أن يمسيك أمسيك؛ وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬إن‬
‫وقييع أثييم وجاز البيييع‪ .‬وسييبب الخلف هييل يتضميين النهييي فسيياد‬
‫المنهيي وإن كان النهيي لييس فيي نفيس الشييء بيل مين خارج؛‬
‫فمين قال يتضمين فسيخ البييع لم يجزه؛ ومين قال لييس يتضمين‬
‫أجازه‪ .‬والجمهور على أن النهيي إذا ورد لمعنيى فيي المنهيي عنيه‬
‫أنيه يتضمين الفسياد مثيل النهيي عين الربيا والغرر‪ ،‬وإذا ورد المير‬
‫من خارج لم يتضمن الفساد‪ ،‬ويشبه أن يدخل في هذا الباب نهيه‬
‫علييه الصيلة والسيلم عين بييع الماء لقوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫فيي بعيض ألفاظيه "إنيه نهيى عين بييع فضيل الماء ليمنيع بيه الكل"‬
‫وقال أبيو بكير بين المنذر‪ :‬ثبيت "أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم نهيى عين بييع الماء‪ ،‬ونهيى عين بييع فضيل الماء ليمنيع بيه‬
‫الكل" وقال‪ :‬ل يمنييع وهييو بئر ول بيييع ماء‪ .‬واختلف العلماء فييي‬
‫تأويل هذا النهي‪ ،‬فحمله جماعة من العلماء على عمومه‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ل يحييل بيييع الماء بحال كان ميين بئر أو غدييير أو عييين فييي أرض‬
‫مملكية أو غيير مملكية‪ ،‬غيير أنيه إن كان متملكيا كان أحيق بمقدار‬
‫حاجتيه منيه‪ ،‬وبيه قال يحييى بين يحييى قال‪ :‬أربيع ل أرى أن يمنعين‪:‬‬
‫الماء‪ ،‬والنار‪ ،‬والحطييب‪ ،‬والكل‪ .‬وبعضهييم خصييص هذه الحاديييث‬
‫معارضة الصول لها‪ ،‬وهو أنه ل يحل مال أحد إل بطيب نفس منه‬
‫كمييا قال عليييه الصييلة والسييلم وانعقييد عليييه الجماع‪ ،‬والذييين‬
‫خصصوا هذا المعنى اختلفوا في جهة تخصيصه‪ ،‬فقال قوم‪ :‬معنى‬
‫ذلك أن البئر يكون بييين الشريكييين يسييقي هذا يومييا وهذا يومييا‪،‬‬
‫فيروي زرع أحدهمييا فييي بعييض يومييه‪ ،‬ول يروي فييي اليوم الذي‬
‫لشريكه زرعه‪ ،‬فيجب عليه أن ل يمنع شريكه من الماء بقية ذلك‬
‫اليوم‪ .‬وقال بعضهييم‪ :‬إنمييا تأويييل ذلك فييي الذي يزرع على مائه‬
‫فتنهار بئره ولجاره فضل ماء أنه ليس لجاره أن يمنعه فضل مائه‬
‫إلى أن ي صلح بئره‪ ،‬والتأويلن قريبان‪ ،‬ووجه التأويلين أنهم حملوا‬
‫المطلق فيي هذيين الحديثيين على المقييد وذلك أنيه نهيى عين بييع‬
‫الماء مطلقيا‪ ،‬ثيم نهيى عين منيع فضيل الماء‪ ،‬فحملوا المطلق فيي‬
‫هذا الحدييييث على المقييييد وقالوا‪ :‬الفضيييل هيييو الممنوع فيييي‬
‫الحديثييين‪ ،‬وأمييا مالك فأصييل مذهبييه أن الماء متييى كان متملكيية‬
‫منبعيه فهيو لصياحب الرض له بيعيه ومنعيه‪ ،‬إل أن يرد علييه قوم ل‬
‫ثمييين معهيييم ويخاف عليهيييم الهلك‪ ،‬وحميييل الحدييييث على آبار‬
‫الصحراء التي تتخذ في الرضين الغير متملكة‪ ،‬فرأى أن صاحبها‪:‬‬
‫أعنييي الذي حفرهييا أولى بهييا‪ ،‬فإذا روت ماشيتييه ترك الفضييل‬
‫للناس‪ ،‬وكأنييييه رأى أن البئر ل تتملك بالحياء‪ .‬وميييين هذا الباب‬
‫التفرقية بيين الوالدة وولدهيا‪ ،‬وذلك أنهيم اتفقوا على منيع التفرقية‬
‫فيي الميبيع بيين الم وولدهيا‪ ،‬لثبوت قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"ميين فرق بييين والدة وولدهييا فرق الله بينييه وبييين أحبتييه يوم‬
‫القيامية" واختلفوا مين ذلك فيي موضعيين فيي وقيت جواز التفرقية‬
‫وفي حكم البيع إذا وقع‪ .‬فأما حكم البيع فقال مالك‪ :‬يفسخ‪ ،‬وقال‬
‫الشافعييي وأبييو حنيفيية‪ :‬ل يفسييخ وأثييم البائع والمشتري‪ .‬وسييبب‬
‫الخلف هيل النهيي يقتضيي فسياد المنهيي إذا كان لعلة مين خارج‪.‬‬
‫وأميا الوقيت الذي ينتقيل فييه المنيع إلى الجواز؛ فقال مالك‪ :‬حيد‬
‫ذلك الثغار؛ وقال الشافعيي‪ :‬حيد ذلك سيبع سينين أو ثمان؛ وقال‬
‫الوزاعييي‪ :‬حده فوق عشيير سيينين‪ ،‬وذلك أنييه إذا نفييع نفسييه‬
‫واستغنى في حياته عن أمه‪ .‬ويلحق بهذا الباب إذا وقع في البيع‬
‫غبين ل يتغابين الناس بمثله هيل يفسيخ البييع أم ل؟ فالمشهور فيي‬
‫المذهيب أن ل يفسيخ‪ .‬وقال عبيد الوهاب‪ :‬إذا كان فوق الثلث رد‪،‬‬
‫وحكاه عيين بعييض أصييحاب مالك؛ وجعله عليييه الصييلة والسييلم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الخيار لصيياحب الجلب إذا تلقييى خارج المصيير دليييل على اعتبار‬
‫الغبن‪ ،‬وكذلك ما جعل لمنقذ بن حبان من الخيار ثلثا لما ذكر له‬
‫أنيه يغبين فيي البيوع‪ ،‬ورأى قوم مين السيلف الول أن حكيم الوالد‬
‫في ذلك حكم الوالدة‪ ،‬وقوم رأوا ذلك في الخوة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس في النهي من قبل وقت العبادات‪.‬‬
‫@‪-‬وذلك إنمييا ورد فييي الشرع فييي وقييت وجوب المشييي إلى‬
‫الجمعيية فقييط لقوله تعالى {إذا نودي للصييلة ميين يوم الجمعيية‬
‫فاسييعوا إلى ذكيير الله وذروا البيييع} وهذا أميير مجمييع عليييه فيمييا‬
‫أحسب‪ ،‬أعني منع البيع عند الذان الذي يكون بعد الزوال والمام‬
‫على المنبر‪ .‬واختلفوا في حكمه إذا وقع هل يفسخ أو ل يفسخ؟‪،‬‬
‫فإن فسيخ فعلى مين يفسيخ؟ وهيل يلحيق سيائر العقود فيي هذا‬
‫المعنيى بالبييع أم ل يلحيق؟ فالمشهور عين مالك أنيه يفسيخ‪ ،‬وقيد‬
‫قيل ل يفسخ‪ ،‬وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة‪ .‬وسبب الخلف‬
‫كميا قلنيا غيير ميا مرة هيل النهيي الوارد لسيبب مين خارج يقتضيي‬
‫فساد المنهي عنه أو ل يقتضيه؟ وأما على من يفسخ؟ فعند مالك‬
‫على مين تجيب علييه الجمعية ل على مين ل تجيب علييه‪ .‬وأميا أهيل‬
‫الظاهيير فتقتضييي أصييولهم أن يفسييخ على كييل بائع‪ .‬وأمييا سييائر‬
‫العقود فيحتميل أن تلحيق بالبيوع‪ ،‬لن فيهيا المعنيى الذي فيي البييع‬
‫مين الشغيل بيه عين السيعي إلى الجمعية‪ ،‬ويحتميل أن ل يلحيق بيه‬
‫لنها تقع في هذا الوقت نادرا بخلف البيوع‪ .‬وأما سائر الصلوات‬
‫فيمكين أن تلحيق بالجمعية على جهية الندب لمرتقيب الوقيت‪ ،‬فإذا‬
‫فات فعلى جهة الحظر‪ ،‬وإن كان لم يقل به أحد في مبلغ علمي‪،‬‬
‫ولذلك مدح الله تاركيي البيوع لمكان الصيلة‪ ،‬فقال تعالى {رجال‬
‫ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر الله وإقام الصلة وإيتاء الزكاة} ‪.‬‬
‫صْر إلى ذكيير‬ ‫وإذ قييد أثبتييت أسييباب الفسيياد العاميية للبيوع فَلْن َيي ِ‬
‫السيباب والشروط المصيححة له وهيو القسيم الثانيي مين النظير‬
‫العام في البيوع‪.‬‬
‫@‪(-‬القسييم الثانييي) والسييباب والشروط المصييححة للبيييع هييي‬
‫بالجملة ضييد السييباب المفسييدة له‪ ،‬وهييي منحصييرة فييي ثلثيية‬
‫أجناس‪ :‬النظيير الول‪ :‬فييي العقييد‪ .‬والثانييي‪ :‬فييي المعقود عليييه‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬في العاقدين‪ ،‬ففي هذا القسم ثلثة أبواب‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في العقد‪.‬‬
‫@‪-‬والعقيد ل يصيح إل بألفاظ البييع والشراء التيي صييغتها ماضيية‬
‫مثل أن يقول البائع‪ :‬قد بعت منك‪ ،‬ويقول المشتري‪ :‬قد اشتريت‬
‫منيك‪ ،‬وإذا قال له بعنيي سيلعتك بكذا وكذا فقال قيد بعتهيا‪ .‬فعنيد‬
‫مالك أن البييع قيد وقيع وقيد لزم المسيتفهم إل أن يأتيي فيي ذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بعذر‪ ،‬وعند الشافعي أنه ل يتم حتى يقول المشتري قد اشتريت‪،‬‬


‫وكذلك إذا قال المشتري للبائع‪ :‬بكييييم تييييبيع سييييلعتك؟ فيقول‬
‫المشتري بكذا وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬قييد اشتريييت منييك‪ .‬اختلف هييل يلزم‬
‫البيع أم ل حتى يقول قد بعتها منك‪ ،‬وعند الشافعي أنه يقع البيع‬
‫باللفاظ الصييريحة وبالكناييية‪ ،‬ول أذكيير لمالك فييي ذلك قول‪ ،‬ول‬
‫يكفيي عنيد الشافعيي المعاطاة دون قول‪ ،‬ول خلف فيميا أحسيب‬
‫أن اليجاب والقبول المؤثريين فيي اللزوم ل يتراخيى أحدهميا عين‬
‫الثانيي حتيى يفترق المجلس‪ ،‬أعنيي أنيه متيى قال للبائع قيد بعيت‬
‫سلعتي بكذا وكذا فسكت المشتري ولم يقبل حتى افترقا ثم أتى‬
‫بعييد ذلك فقال‪ :‬قييد قبلت أنييه ل يلزم ذلك البائع‪ .‬واختلفوا متييى‬
‫يكون اللزوم‪ .‬فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وطائفة من أهل‬
‫المدينية‪ :‬إن البييع يلزم فيي المجلس بالقول وإن لم يفترقيا؛ وقال‬
‫الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن عمر من الصحابة‬
‫رضيي الله عنهيم‪ :‬البييع لزم بالفتراق مين المجلس وأنهميا مهميا‬
‫لم يفترقا‪ ،‬فليس يلزم البيع ول ينعقد‪ ،‬وهو قول ابن أبي ذئب في‬
‫طائفية مين أهيل المدينية وابين المبارك وسيوار القاضيي وشرييح‬
‫القاضيي وجماعية مين التابعيين وغيرهيم‪ ،‬وهيو مروي عين ابين عمير‬
‫وأبيي برزة السيلمي مين الصيحابة ول مخالف لهميا مين الصيحابة‬
‫وعمدة المشترطين لخيار المجلس حديث مالك عن نافع عن ابن‬
‫عمير أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال "المتبايعان كيل‬
‫واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا إل بيع الخيار" وفي‬
‫بعييض روايات هذا الحديييث "إل أن يقول أحدهمييا لصيياحبه اختيير"‬
‫وهذا حديث إسناده عند الجميع من أوثق السانيد وأصحها‪ ،‬حتى‬
‫لقيد زعيم أبيو محميد أن مثيل هذا السيناد يوقيع العلم وإن كان مين‬
‫طريييق الحاد‪ .‬وأمييا المخالفون فقييد اضطرب بهييم وجييه الدليييل‬
‫لمذهبهيم فييي رد العمييل بهذا الحديييث‪ .‬فالذي اعتمييد علييه مالك‬
‫رحميه الله فيي رد العميل بيه أنيه لم يلف عميل أهيل المدينية علييه‬
‫ميع أنيه قيد عارضيه عنده ميا رواه مين منقطيع حدييث ابين مسيعود‬
‫أنيه قال‪" :‬أيميا بيعيين تبايعيا فالقول قول البائع أو يترادان" فكأنيه‬
‫حمل هذا على عمومه‪ ،‬وذلك يقتضي أن يكون في المجلس وبعد‬
‫المجلس‪ ،‬ولو كان المجلس شرطا في انعقاد البيع لم يكن يحتاج‬
‫فيه إلى تبيين حكم الختلف في المجلس لن البيع بعد لم ينعقد‬
‫ول لزم بيييل الفتراق مييين المجلس‪ ،‬وهذا الحدييييث منقطيييع ول‬
‫يعارض به الول‪ ،‬وبخاصة أنه ل يعارضه إل من توهم العموم فيه‪،‬‬
‫والولى أن ينبنييي هذا على ذلك‪ ،‬وهذا الحديييث لم يخرجييه أحييد‬
‫مسيندا فيميا أحسيب‪ ،‬فهذا هيو الذي اعتمده مالك رحميه الله فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ترك العميل بهذا الحدييث‪ .‬وأميا أصيحاب مالك فاعتمدوا فيي ذلك‬
‫على ظواهر سمعية‪ ،‬وعلى القياس‪ ،‬فمن أظهر الظاهر في ذلك‬
‫قوله عييز وجييل {يييا أيهييا الذييين آمنوا أوفوا بالعقود} والعقييد هييو‬
‫اليجاب والقبول والميييير على الوجوب‪ ،‬وخيار المجلس يوجييييب‬
‫ترك الوفاء بالعقيد‪ ،‬لن له عندهيم أن يرجيع فيي البييع بعيد ميا أنعيم‬
‫ميا لم يفترقيا‪ .‬وأميا القياس فإنهيم قالوا‪ :‬عقيد معاوضية‪ ،‬فلم يكين‬
‫لخيار المجلس فييه أثير أصيله سيائر العقود مثيل النكاح والكتابية‬
‫والخلع والرهون والصيييلح على دم العميييد‪ ،‬فلميييا قييييل لهيييم إن‬
‫الظواهير التيي تحتجون بهيا يخصيصها الحدييث المذكور‪ ،‬فلم يبيق‬
‫لكيم فيي مقابلة الحدييث إل القياس‪ ،‬فيلزمكيم على هذا أن تكونوا‬
‫مميين يرى تغليييب القياس على الثيير‪ ،‬وذلك مذهييب مهجور عنييد‬
‫المالكية‪ ،‬وإن كان قد روي عن مالك تغليب القياس على السماع‬
‫مثيل قول أبيي حنيفية‪ ،‬فأجابوا عين ذلك بأن هذا لييس مين باب رد‬
‫الحديث بالقياس ول تغليب‪ ،‬وإنما هو من باب تأويله وصرفه عن‬
‫ظاهره‪ .‬قالوا‪ :‬وتأويل الظاهر بالقياس متفق عليه عند الصوليين‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولنييا فيييه تأويلن‪ :‬أحدهمييا أن المتبايعييين فييي الحديييث‬
‫المذكور هميا المتسياومان اللذان لم ينفيذ بينهميا البييع‪ ،‬فقييل لهيم‬
‫إنه يكون الحديث على هذا ل فائدة فيه لنه معلوم من دين المة‬
‫أنهمييا بالخيار إذ لم يقييع بينهميا عقييد بالقول‪ .‬وأمييا التأويييل الخيير‬
‫فقالوا إن التفرق ههنييا إنمييا هييو كناييية عيين الفتراق بالقول ل‬
‫التفرق بالبدان كما قال الله تعالى {وإن يتفرقا يغن الله كل من‬
‫سعته} والعتراض على هذا أن هذا مجاز ل حقيقة‪ ،‬والحقيقة هي‬
‫التفرق بالبدان‪ ،‬ووجيه الترجييح أن يقاس بيين ظاهير هذا اللفيظ‬
‫والقياس فيغلب القوى‪ ،‬والحكميية فييي ذلك هييي لموضييع الندم‪،‬‬
‫فهذه هي أصول الركن الول الذي هو العقد‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما الركن الثانيي) الذي هو المعقود عليه‪ ،‬فإ نه يشترط فيه‬
‫سلمته من الغرر والربا‪ ،‬وقد تقدم المختلف في هذه من المتفق‬
‫عليه وأسباب الختلف في ذلك‪ ،‬فل معنى لتكراره‪ .‬والغرر ينتفي‬
‫عين الشييء بأن يكون معلوم الوجود معلوم الصيفة معلوم القدر‬
‫مقدورا على تسليمه‪ ،‬وذلك في الطرفين الثمن والمثمون معلوم‬
‫الجل أيضا إن كان بيعا مؤجل‪.‬‬
‫@‪(-‬وأمييا الركيين الثالث) وهمييا العاقدان‪ ،‬فإنييه يشترط فيهمييا أن‬
‫يكونييا مالكيين تامييي الملك أو وكيلييين تاميي الوكالة بالغييين‪ ،‬وأن‬
‫يكونييا مييع هذا غييير محجور عليهمييا أو على أحدهمييا‪ ،‬إمييا لحييق‬
‫أنفسهما كالسفيه عند من يرى التحجير عليه أو لحق الغير كالعبد‬
‫إل أن يكون العبد مأذونا له في التجارة‪ .‬واختلفوا من هذا في بيع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الفضولي‪ ،‬هييل ينعقييد أم ل؟ وصييورته أن يييبيع الرجييل مال غيره‬


‫بشرط إن رضيي بيه صياحب المال أمضيي البييع‪ ،‬وإن لم يرضيى‬
‫فسيخ‪ ،‬وكذلك فيي شراء الرجيل للرجيل بغيير إذنيه‪ ،‬على أنيه إن‬
‫رضيي المشتري صيح الشراء وإل لم يصيح‪ ،‬فمنعيه الشافعيي فيي‬
‫الوجهييين جميعييا‪ ،‬وأجازه مالك فييي الوجهييين جميعييا؛ وفرق أبييو‬
‫حنيفيية بييين البيييع والشراء فقال‪ :‬يجوز فييي البيييع ول يجوز فييي‬
‫الشراء‪ .‬وعمدة المالكية ما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫دفع إلى عروة البارقي دينار وقال‪ :‬اشتر لنا من هذا الجلب شاة‪،‬‬
‫قال‪ :‬فاشترييت شاتيين بدينار وبعيت إحدى الشاتيين بدينار وجئت‬
‫بالشاة والدينار‪ ،‬فقلت‪ :‬يييا رسييول الله هذه شاتكييم وديناركييم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اللهيم بارك له فيي صيفقة يمينيه" ووجيه السيتدلل منيه أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره في الشاة الثانية ل بالشراء‬
‫ول بالبيييع‪ ،‬فصييار ذلك حجيية على أبييي حنيفيية فييي صييحة الشراء‬
‫للغييير‪ ،‬وعلى الشافعييي فييي المرييين جميعييا‪ .‬وعمدة الشافعييي‬
‫النهيي الوارد عين بييع الرجيل ميا لييس عنده‪ ،‬المالكيية تحمله على‬
‫بيعيه لنفسيه ل لغيره‪ ،‬قالوا‪ :‬والدلييل على ذلك أن النهيي إنميا ورد‬
‫فيي حكييم بين حزام وقضيتيه مشهورة‪ ،‬وذلك أنيه كان ييبيع لنفسيه‬
‫ميا لييس عنده‪ .‬وسيبب الخلف المسيألة المشهورة‪ ،‬هيل إذا ورد‬
‫النهيي على سيبب حميل على سيببه أو يعيم؟ فهذه هيي أصيول هذا‬
‫القسيم‪ ،‬وبالجملة فالنظير فيي هذا القسيم هيو منطيو بالقوة فيي‬
‫الجزء الول‪ ،‬ولكيين النظيير الصييناعي الفقهييي يقتضييي أن يفرد‬
‫بالتكلم فييه‪ .‬وإذ قيد تكلمنيا فيي هذا الجزء بحسيب غرضنيا فلنصير‬
‫إلى القسييييم الثالث‪ ،‬وهييييو القول فييييي الحكام العاميييية للبيوع‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫@‪(-‬القسييم الثالث‪ :‬فييي الحكام العاميية للبيوع الصييحيحة) وهذا‬
‫القسيم تنحصير أصيوله التيي لهيا تعلق قرييب بالمسيموع فيي أربيع‬
‫جمييل‪ :‬الجملة الولى‪ :‬فييي أحكام وجود العيييب فييي المييبيعات‪.‬‬
‫والجملة الثانيية‪ :‬فيي الضمان فيي الميبيعات متيى ينتقيل مين ملك‬
‫البائع إلى ملك المشتري‪ .‬والثالثية‪ :‬فيي معرفية الشياء التيي تتبيع‬
‫الميبيع مميا هيي موجودة فييه فيي حيين البييع مين التيي ل تتبعيه‪.‬‬
‫والرابعييية‪ :‬فيييي اختلف المتبايعيييين‪ ،‬وإن كان اللييييق بيييه كتاب‬
‫القضية‪ .‬وكذلك أيضا من أبواب أحكام البيوع الستحقاق‪ ،‬وكذلك‬
‫الشفعة هي أيضا من الحكام الطارئة عليه‪ ،‬لكن جرت العادة أن‬
‫يفرد لها كتاب‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪(*3‬الجملة الولى) وهذه الجملة فيهيييا بابان‪ :‬الباب الول‪ :‬فيييي‬


‫أحكام وجود العيوب فيييي البييييع المطلق‪ .‬والباب الثانيييي‪ :‬فيييي‬
‫أحكامهما في البيع بشرط البراءة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في أحكام العيوب في البيع المطلق‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في وجود الرد بالعيب قوله تعالى {إل أن تكون تجارة‬
‫عين تراض منكيم} وحدييث المصيراة المشهور‪ ،‬ولميا كان القائم‬
‫بالعيب ل يخلو أن يقوم في عقد يوجب الرد‪ ،‬أو يقوم في عقد ل‬
‫يوجب ذلك‪ ،‬ثم إذا قام في عقد يوجب الرد‪ ،‬فل يخلو أيضا من أن‬
‫يقوم بعيييب يوجييب حكمييا أو ل يوجبييه‪ ،‬ثييم إن قام بعيييب يوجييب‬
‫حكما فل يخلو المبيع أيضا أن يكون قد حدث فيه تغير بعد البيع أو‬
‫ل يكون‪ ،‬فإن كان لم يحدث فميا حكميه؟ وإن كان حدث فييه فكيم‬
‫أصيناف التغييرات وميا حكمهيا؟ كانيت الفصيول المحيطية بأصيول‬
‫هذا الباب خمسية‪ :‬الفصيل الول‪ :‬فيي معرفية العقود التيي يجيب‬
‫فيهيا بوجود العييب حكيم‪ ،‬مين التيي ل يجيب ذلك فيهيا‪ .‬الثانيي‪ :‬فيي‬
‫معرفية العيوب التيي توجيب الحكيم‪ ،‬وميا شرطهيا الموجيب للحكيم‬
‫فيهيا‪ .‬الثالث‪ :‬فيي معرفية حكيم العييب الموجيب إذا كان الميبيع لم‬
‫يتغير‪ .‬الرابع‪ :‬في معرفة أصناف التغيرات الحادثة عند المشتري‬
‫وحكمهييا‪ .‬الخامييس‪ :‬فييي القضاء فييي هذا الحكييم عنييد اختلف‬
‫المتبايعين‪ ،‬وإن كان أليق بكتاب القضية‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول‪ .‬في معرفة العقود التي يجب فيها بوجود العيب‬
‫حكم من التي ل يجب فيها‪.‬‬
‫@‪-‬أ ما العقود التي يجب فيها العيب حكم بل خلف‪ ،‬فهي العقود‬
‫التي المقصود منها المعاوضة‪ ،‬كما أن العقود التي ليس المقصود‬
‫منها المعاوضة ل خلف أيضا في أنه ل تأثير للعيب فيها‪ ،‬كالهبات‬
‫لغيير الثواب والصيدقة؛ وأميا ميا بيين هذيين الصينفين مين العقود‪،‬‬
‫أعنييي مييا جمييع قصييد المكارميية والمعاوضيية مثييل هبيية الثواب‪،‬‬
‫فالظهير فيي المذهيب أنيه ل حكيم فيهيا بوجود العييب‪ ،‬وقيد قييل‬
‫يحكم به إذا كان العيب مفسدا‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصيل الثانيي‪ .‬فيي معرفية العيوب التيي توجيب الحكيم‪ ،‬وميا‬
‫شرطها الموجب للحكم فيها‪.‬‬
‫@‪-‬وفييي هذا الفصييل نظران‪ :‬أحدهمييا‪ :‬فييي العيوب التييي توجييب‬
‫الحكم‪ .‬والنظر الثاني في الشرط الموجب له‪.‬‬
‫@‪(-‬النظير الول) فأميا العيوب التيي توجيب الحكيم‪ :‬فمنهيا عيوب‬
‫في النفس؛ ومنها عيوب في البدن‪ ،‬وهذه منها ما هي عيوب بأن‬
‫تشترط أضدادهيا فيي الميبيع وهيي التيي تسيمى عيوبيا مين قبيل‬
‫الشرط؛ ومنهيا ميا هيي عيوب توجيب الحكيم وإن لم يشترط وجود‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أضدادها في المبيع‪ ،‬وهذه هي التي فقدها نقص في أصل الخلقة؛‬


‫وأما العيوب الخر فهي التي أضدادها كمالت‪ ،‬وليس فقدها نقصا‬
‫مثل الصنائع‪ ،‬وأكثر ما يوجد هذا الصنف في أحوال النفس‪ ،‬وقد‬
‫يوجيد فيي أحوال الجسيم‪ .‬والعيوب الجسيمانية‪ ،‬منهيا ميا هيي فيي‬
‫أجسييام ذوات النفييس‪ ،‬ومنهييا مييا هييي فييي غييير ذوات النفييس‪.‬‬
‫والعيوب التيي لهيا تأثيير فيي العقيد هيي عنيد الجمييع ميا نقيص عين‬
‫الخلقية الطبيعيية أو عين الخلق الشرعيي نقصيانا له تأثيير فيي ثمين‬
‫المبيع‪ ،‬وذلك يختلف بحسب اختلف الزمان والعوائد والشخاص‪،‬‬
‫فربميا كان النقيص فيي الخلقية فضيلة فيي الشرع‪ ،‬كالخفاض فيي‬
‫الماء‪ ،‬والختان في العبيد‪ ،‬ولتقارب هذه المعاني في شيء شيء‬
‫مميا يتعاميل الناس بيه وقيع الخلف بيين الفقهاء فيي ذلك‪ ،‬ونحين‬
‫نذكر من هذه المسائل ما اشتهر الخلف فيه بين الفقهاء ليكون‬
‫مييا يحصييل ميين ذلك فييي نفييس الفقيييه يعود كالقانون والدسييتور‬
‫الذي يعميل علييه فيميا لم يجيد فييه نصيا عمين تقدميه‪ ،‬أو فيميا لم‬
‫يقييف على نييص فيييه لغيره‪ ،‬فميين ذلك وجود الزنييى فييي العبيييد‪.‬‬
‫اختلف العلماء فييه؛ فقال مالك والشافعيي‪ :‬هيو عييب؛ وقال أبيو‬
‫حنيفة‪ :‬ليس بعيب وهو نقص في الخلق الشرعي الذي هو العفة؛‬
‫والزواج عند مالك عيب‪ ،‬وهو من العيوب العائقة عن الستعمال‪،‬‬
‫وكذلك الدين‪ ،‬وذلك أن العيب بالجملة هو ما عاق فعل النفس أو‬
‫فعيل الجسيم وهذا العائق قيد يكون فيي الشييء وقيد يكون مين‬
‫خارج؛ وقال الشافعي‪ :‬ليس الدين ول الزواج بعيب فيما أحسب‪.‬‬
‫والحمل في الرائعة عيب عند مالك‪ .‬وفي كونه عيبا في الوخش‬
‫خلف فيي المذهيب‪ .‬والتصيرية عنيد مالك والشافعيي عييب وهيو‬
‫حقين اللبين فيي الثدي أياميا حتيى يوهيم ذلك أن الحيوان ذو لبين‬
‫غزيير‪ ،‬وحجتهيم حدييث المصيراة المشهور‪ ،‬وهيو قوله صيلى الله‬
‫علييه وسيلم "ل تصيروا البيل والبقير‪ ،‬فمين فعيل ذلك فهيو بخيير‬
‫النظريين إن شاء أمسيكها وإن شاء ردهيا وصياعا مين تمير" قالوا‪:‬‬
‫فأثبييت له الخيار بالرد مييع التصييرية‪ ،‬وذلك دال على كونييه عيبييا‬
‫مؤثرا‪ .‬قالوا‪ :‬وأيضيا فإنيه مدلس‪ ،‬فأشبيه التدلييس بسيائر العيوب‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬ليسيت التصيرية عيبيا للتفاق على أن‬
‫النسييان إذا اشترى شاة فخرج لبنهييا قليل أن ذلك ليييس بعيييب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وحديث المصراة يجب أن ل يوجب عمل لمفارقته الصول‪،‬‬
‫وذلك أنه مفارق للصول من وجوه‪ :‬فمنها أنه معارض لقوله عليه‬
‫الصيلة والسيلم "الخراج بالضمان" وهيو أصيل متفيق علييه؛ ومنهيا‬
‫أن فيييه معارضيية منييع بيييع طعام بطعام نسيييئة‪ ،‬وذلك ل يجوز‬
‫باتفاق؛ ومنهييا أن الصييل فييي المتلفات إمييا القيييم وإمييا المثييل‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وإعطاء صيياع ميين تميير فييي لبيين ليييس قيميية ول مثل ومنهييا بيييع‬
‫الطعام المجهول‪ :‬أي الجزاف بالمكيييل المعلوم‪ ،‬لن اللبيين الذي‬
‫دلس به البائع غير معلوم القدر‪ ،‬وأيضا فإنه يقل ويكثر‪ ،‬والعوض‬
‫ههنا محدود‪ ،‬ولكن الواجب أن يستثني هذا من هذه الصول كلها‬
‫لموضيع صيحة الحدييث‪ ،‬وهذا كأنيه لييس مين هذا الباب وإنميا هيو‬
‫حكيم خاص‪ .‬ولكين اطرد إلييه القول فلنرجيع إلى حييث كنيا نقول‪:‬‬
‫إنيه ل خلف عندهيم فيي العور والعميى وقطيع الييد والرجيل أنهيا‬
‫عيوب مؤثرة‪ ،‬وكذلك المرض فيييي أي عضيييو كان‪ ،‬أو كان فيييي‬
‫جملة البدن‪ ،‬والشيب في المذهب عيب في الرائعة‪ ،‬وقيل لبأس‬
‫باليسير منه فيها‪ ،‬وكذلك الستحاضة عيب في الرقيق والوخش‪،‬‬
‫وكذلك ارتفاع الحييض عييب فيي المشهور مين المذهيب‪ ،‬والزعير‬
‫عيييب‪ ،‬وأمراض الحواس والعضاء كلهييا عيييب باتفاق‪ .‬وبالجملة‬
‫فأصيل المذهيب أن كيل ميا أثير فيي القيمية‪ :‬أعنيي نقيص منهيا فهيو‬
‫عيييب‪ ،‬والبول فييي الفراش عيييب‪ ،‬وبييه قال الشافعييي؛ وقال أبييو‬
‫حنيفيية‪ :‬ترد الجارييية بييه‪ ،‬ول يرد العبييد بييه‪ ،‬والتأنيييث فييي الذكيير‬
‫والتذكيير فيي النثيى عييب هذا كله فيي المذهيب إل ميا ذكرنيا فييه‬
‫الختلف‪.‬‬
‫@‪(-‬النظير الثانيي) وأميا شرط العييب الموجيب للحكيم بيه فهيو أن‬
‫يكون حادثيا قبيل أميد التباييع باتفاق أو فيي العهدة عنيد مين يقول‬
‫بها‪ ،‬فيجب ههنا أن نذكر اختلف الفقهاء في العهدة فنقول‪ :‬انفرد‬
‫مالك بالقول بالعهدة دون سيائر فقهاء المصيار‪ ،‬وسيلفه فيي ذلك‬
‫أهل المدينة الفقهاء السبعة وغيرهم‪ ،‬ومعنى العهدة أن كل عيب‬
‫حدث فيهيا عنيد المشتري فهيو مين البائع‪ ،‬وهيي عنيد القائليين بهيا‬
‫عهدتان‪ :‬عهدة الثلثية اليام‪ ،‬وذلك مين جميع العيوب الحادثية فيهيا‬
‫عنييد المشتري‪ .‬وعهدة السيينة‪ ،‬وهييي ميين العيوب الثلثية‪ :‬الجذام‬
‫والبرص والجنون‪ ،‬فميا حدث فيي السينة مين هذه الثلث بالميبيع‬
‫فهيو مين البائع‪ ،‬وميا حدث مين غيرهيا مين العيوب كان مين ضمان‬
‫المشتري على الصل‪ .‬وعهدة الثلث عند المالكية بالجملة بمنزلة‬
‫أيام الخيار وأيام السيتبراء والنفقية فيهيا والضمان مين البائع‪ .‬وأميا‬
‫عهدة السينة فالنفقية فيهيا والضمان مين المشتري إل مين الدواء‬
‫الثلثة‪ ،‬وهذه العهدة عند مالك في الرقيق‪ ،‬وهي أيضا واقعة في‬
‫أصيناف البيوع فيي كيل ما القصيد منه المماكسية والمحاكرة وكان‬
‫بيعيا ل فيي الذمية‪ ،‬هذا ميا ل خلف فييه فيي المذهيب‪ ،‬واختلف فيي‬
‫غير ذلك‪ .‬وعهدة السنة تحسب عنده بعد عهدة الثلث في الشهر‬
‫مين المذهيب‪ ،‬وزمان المواضعية يتداخيل ميع عهدة الثلث إن كان‬
‫زمان المواضعية أطول مين عهدة الثلث‪ .‬وعهدة السينة ل تتداخيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ميع عهدة السيتبراء‪ ،‬هذا هيو الظاهير مين المذهيب‪ ،‬وفييه اختلف‪.‬‬
‫وقال الفقهاء السييبعة‪ :‬ل يتداخييل منهييا عهدة مييع ثانييية‪ ،‬فعهدة‬
‫السييتبراء أول‪ ،‬ثييم عهدة الثلث‪ ،‬ثييم عهدة السيينة‪ .‬واختلف أيضييا‬
‫عين مالك هيل تلزم العهدة فيي كيل البلد مين غيير أن يحميل أهلهيا‬
‫عليها؟ فروي عنه الوجهان‪ ،‬فإذا قيل ل يلزم أهل هذه البلد إل أن‬
‫يكونوا قد حملوا على ذلك فهل يجب أن يحمل عليها أهل كل بلد‬
‫أم ل؟ فييه قولن فيي المذهيب‪ ،‬ول يلزم النقيد فيي عهدة الثلث‬
‫وإن اشترط‪ ،‬ويلزم فيييي عهدة السييينة؛ والعلة فيييي ذلك أنيييه لم‬
‫يكميل تسيليم البييع فيهيا للبائع قياسيا على بييع الخيار لتردد النقيد‬
‫فيهيا بيين السيلف والبييع‪ ،‬فهذه كلهيا مشهورات أحكام العهدة فيي‬
‫مذهيب مالك وهيي كلهيا فروع مبنيية على صيحة العهدة‪ ،‬فلنرجيع‬
‫إلى تقريير حجيج المثبتيين لهيا والمبطليين‪ .‬وأميا عمدة مالك رحميه‬
‫الله في العهدة وحجته التي عول عليها‪ ،‬فهي عمل أهل المدينة‪.‬‬
‫وأما أصحابه المتأخرون فإنهم احتجوا بما رواه الحسن عن عقبة‬
‫ابين عامير عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "عهدة الرقييق‬
‫ثلثة أيام" وروي أيضا "ل عهدة بعد أربع" وروى هذا الحديث أيضا‬
‫الحسيين عيين سييمرة بيين جندب الفزاري رضييي الله عنييه‪ ،‬وكل‬
‫الحديثين عند أهل العلم معلول‪ ،‬فإنهم اختلفوا في سماع الحسن‬
‫عيين سييمرة‪ ،‬وإن كان الترمذي قييد صييححه وأمييا سييائر فقهاء‬
‫المصيار فلم يصيح عندهيم فيي العهدة أثير‪ ،‬ورأوا أنهيا لو صيحت‬
‫مخالفييية للصيييول‪ ،‬وذلك أن المسيييلمين مجمعون على أن كيييل‬
‫مصييبة تنزل بالميبيع قبيل قبضيه فهيي مين المشتري‪ ،‬فالتخصييص‬
‫لمثيل هذا الصيل المتقرر إنميا يكون بسيماع ثابيت‪ ،‬ولهذا ضعيف‬
‫عند مالك في أحد الروايتين عنه أن يقضي بها في كل بلد إل أن‬
‫يكون ذلك عرفيا فيي البلد أو يشترط وبخاصية عهدة السينة‪ ،‬فإنيه‬
‫لم يأت فيي ذلك أثير‪ .‬وروي عين الشافعيي عين ابين جرييح قال‪:‬‬
‫سألت ابن شهاب عن عهدة السنة والثلث فقال‪ :‬ما علمت فيها‬
‫أمرا سييالفا‪ .‬وإذ قييد تقرر القول فييي تمييييز العيوب التييي توجييب‬
‫حكميا مين التيي ل توجبيه وتقرر الشرط فيي ذلك‪ ،‬وهيو أن يكون‬
‫العيب حادثا قبل البيع أو في العهدة عند من يرى العهدة‪ ،‬فلنصر‬
‫إلى ما بقي‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصييل الثالث‪ .‬فييي معرفيية حكييم العيييب الموجييب إذا كان‬
‫المبيع لم يتغير‪.‬‬
‫@‪-‬وإذا وجدت العيوب‪ ،‬فإن لم يتغييير المييبيع بشيييء ميين العيوب‬
‫عنيييد المشتري فل يخلو أن يكون فيييي عقار أو عروض أو فيييي‬
‫حيوان‪ ،‬فإن كان فيي حيوان فل خلف أن المشتري مخيير بيين أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يرد الميبيع ويأخيذ ثمنيه أو يمسيك ول شييء له‪ .‬وأميا إن كان عقار‬
‫فمالك يفرق فيي ذلك بيين العييب اليسيير والكثيير فيقول‪ :‬إن كان‬
‫العيب يسيرا لم يجب الرد‪ ،‬ووجبت قيمة العيب وهو الرش‪ ،‬وإن‬
‫كان كثيرا وجيييب الرد‪ ،‬هذا هيييو الموجود المشهور فيييي كتيييب‬
‫أصيييحابه‪ ،‬ولم يفصيييل البغداديون هذا التفصييييل‪ .‬وأميييا العروض‬
‫فالمشهور فييي المذهييب أنهييا ليسييت فييي هذا الحكييم بمنزلة‬
‫الصيول‪ ،‬وقيد قييل إنهيا بمنزلة الصيول فيي المذهيب‪ ،‬وهذا الذي‬
‫كان يختاره الفقيه أبو بكر بن رزق شيخ جدي رحمة الله عليهما‪،‬‬
‫وكان يقول‪ :‬إنيه ل فرق فيي هذا المعنيى بيين الصيول والعروض‪،‬‬
‫وهذا الذي قاله يلزم ميين يفرق بييين العيييب الكثييير والقليييل فييي‬
‫الصيول‪ :‬أعنيي أن يفرق فيي ذلك أيضيا فيي العروض‪ ،‬والصيل أن‬
‫كييل مييا حييط القيميية أنييه يجييب بييه الرد‪ ،‬وهييو الذي عليييه فقهاء‬
‫المصييار‪ ،‬ولذلك لم يعول البغداديون فيمييا أحسييب على التفرقيية‬
‫التي قلت في الصول‪ ،‬ولم يختلف قولهم في الحيوان إنه ل فرق‬
‫فيه بين العيب القليل والكثير‪.‬‬
‫@‪(-‬فصيل) وإذ قلنيا إن المشتري يخيير بيين أن يرد الميبيع ويأخيذ‬
‫ثمنيه أو يمسيك ول شييء له‪ ،‬فإن اتفقيا على أن يمسيك المشتري‬
‫سيلعته ويعطييه البائع قيمية العييب‪ ،‬فعامية فقهاء المصيار يجيزون‬
‫ذلك‪ ،‬إل ابين سيريج مين أصيحاب الشافعيي فإنيه قال‪ :‬لييس لهميا‬
‫ذلك لنيييه خيار فيييي مال‪ ،‬فلم يكييين له إسيييقاطه بعوض كخيار‬
‫الشفعيية‪ .‬قال القاضييي عبييد الوهاب‪ :‬وهذا غلط‪ ،‬لن ذلك حييق‬
‫للمشتري فله أن يسيتوفيه‪ :‬أعنيي أن يرد ويرجيع بالثمين‪ ،‬وله أن‬
‫يعاوض على تركيه‪ ،‬وميا ذكره مين خيار الشفعية فإنيه شاهيد لنيا‪،‬‬
‫فإن له عندنا تركه إلى عوض يأخذه‪ ،‬وهذا ل خلف فيه‪ .‬وفي هذا‬
‫الباب فرعان مشهوران من قبل التبعيض‪ :‬أحدهما هل إذا اشترى‬
‫المشتري أنواعييا ميين المييبيعات فييي صييفقة واحدة فوجييد أحدهييا‬
‫معيبيا‪ ،‬فهيل يرجيع بالجمييع‪ ،‬أو بالذي وجيد فييه العييب؟ فقال قوم‪:‬‬
‫ليس له إل أن يرد الجميع أو يمسك‪ ،‬وبه قال أبو ثور والوزاعي‪،‬‬
‫إل أن يكون قيد سيمى ميا لكيل واحيد مين تلك النواع مين القيمية‪،‬‬
‫فإن هذا مما ل خلف فيه أنه يرد المبيع بعينه فقط‪ ،‬وإنما الخلف‬
‫إذا لم يسييم‪ .‬وقال قوم‪ :‬يرد المعيييب بحصييته ميين الثميين وذلك‬
‫بالتقدير‪ ،‬وممن قال بهذا القول سفيان الثوري وغيره‪ .‬وروي عن‬
‫الشافعي القولن معا‪ .‬وفرق مالك فقال‪ :‬ينظر في المعيب‪ ،‬فإن‬
‫كان ذلك وجه الصفقة والمقصود بالشراء رد الجميع‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫وجيه الصيفقة رده بقيمتيه‪ .‬وفرق أبيو حنيفية تفريقيا آخير وقال‪ :‬إن‬
‫وجييد العيييب قبييل القبييض رد الجميييع‪ ،‬وإن وجده بعييد القبييض رد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المعيب بحصته من الثمن‪ .‬ففي هذه المسألة أربعة أقوال‪ .‬فحجة‬


‫مين منيع التبغييض فيي الرد أن المردود يرجيع فييه بقيمية لم يتفيق‬
‫عليهييا المشتري والبائع‪ ،‬وكذلك الذي يبقييى إنمييا يبقييى بقيميية لم‬
‫يتفقا عليها‪ .‬ويمكن أنه لو بعضت السلعة لم يشتر البعض بالقيمة‬
‫التيي أقييم بهيا‪ .‬وأميا حجية مين رأى الرد فيي البعيض المعييب ولبيد‬
‫فلنيه موضيع ضرورة‪ ،‬فأقييم فييه التقوييم والتقديير مقام الرضيا‬
‫قياسا على أن ما فات في البيع فليس فيه إل القيمة‪ .‬وأما تفريق‬
‫مالك بين ما هو وجه الصفقة أو غير وجهها فاستحسان منه‪ ،‬لنه‬
‫رأى أن ذلك المعييب إذا لم يكين مقصيودا فيي الميبيع فلييس كيبير‬
‫ضرر فييي أن ل يوافييق الثميين الذي أقيييم بييه أراده المشتري أو‬
‫البائع‪ .‬وأما عند ما يكون مقصودا أو جل المبيع فيعظم الضرر في‬
‫ذلك‪ .‬واختلف عنيه هيل يعتبر تأثير العييب فيي قي مة الجميع أو فيي‬
‫قيمية المعييب خاصية‪ .‬وأميا تفرييق أبيي حنيفية بيين أن يقبيض أو ل‬
‫يقبييض‪ ،‬فإن القبييض عنده شرط ميين شروط تمام البيييع‪ ،‬ومييا لم‬
‫يقبض المبيع فضمانه عنده من البائع‪ ،‬وحكم الستحقاق في هذه‬
‫المسألة حكم الرد بالعيب‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة الثانيية) فإنهيم اختلفوا أيضيا فيي رجليين يبتاعان‬
‫شيئا واحدا فييي صييفقة واحدة فيجدان بييه عيبييا فيريييد أحدهمييا‬
‫الرجوع ويأبى الخر‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬لمن أراد الرد أن يرد‪ ،‬وهي‬
‫روايية ابين القاسيم عين مالك‪ ،‬وقييل لييس له أن يرد؛ فمين أوجيب‬
‫الرد شبهيه بالصيفقتين المفترقتيين‪ ،‬لنيه قيد اجتميع فيهيا عاقدان؛‬
‫وميين لم يوجبييه شبهييه بالصييفقة الواحدة إذا أراد المشتري فيهييا‬
‫تبغيض رد المبيع بالعيب‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصييل الرابييع‪ .‬فييي معرفيية أصييناف التغيرات الحادثيية عنييد‬
‫المشتري وحكمها‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا إن تغيير المييبيع عنيد المشتري ولم يعلم بالعييب إل بعيد‬
‫تغييير المييبيع عنده فالحكييم فييي ذلك يختلف عنييد فقهاء المصييار‬
‫بحسييب التغيييير‪ .‬فأمييا إن تغييير بموت أو فسيياد أو عتييق‪ ،‬ففقهاء‬
‫المصار على أنه فوت‪ ،‬ويرجع المشتري على البائع بقيمة العيب‪.‬‬
‫وقال عطاء بيين أبييي رباح‪ :‬ل يرجييع فييي الموت والعتييق بشيييء‪.‬‬
‫وكذلك عندهيم حكيم مين اشترى جاريية فأولدهيا‪ .‬وكذلك التدبيير‬
‫عندهييم‪ ،‬وهييو القياس فييي الكتابيية‪ .‬وأمييا تغيره فييي البيييع فإنهييم‬
‫اختلفوا فيه‪ ،‬فقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬إذا باعه لم يرجع بشيء‪،‬‬
‫وكذلك قال اللييث‪ .‬وأميا مالك فله فيي البييع تفصييل‪ ،‬وذلك أنيه ل‬
‫يخلو أن ييبيعه مين بائعيه منيه أو مين غيير بائعيه‪ ،‬ول يخلو أيضيا أن‬
‫ييبيعه بمثيل الثمين أو أقيل أو أكثير‪ ،‬فإن باعيه مين بائعيه منيه بمثيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الثمين فل رجوع له بالعييب‪ .‬وإن باعيه منيه بأقيل مين الثمين رجيع‬
‫عليه بقيمة العيب‪ ،‬وإن باعه بأكثر من الثمن نظر‪ ،‬فإن كان البائع‬
‫الول مدلسا‪ :‬أي عالما بالعيب لم يرجع الول على الثاني بشيء‪،‬‬
‫وإن لم يكن مدلسا رجع الول على الثاني في الثمن والثاني على‬
‫الول أيضييا‪ ،‬وينفسييخ البيعان ويعود المييبيع إلى ملك الول‪ ،‬فإن‬
‫باعيه مين عنيد بائعيه منيه‪ ،‬فقال ابين القاسيم‪ :‬ل رجوع له بقيمية‬
‫العيب‪ ،‬مثل قول أبي حنيفة والشافعي؛ وقال ابن عبد الحكم‪ :‬له‬
‫الرجوع بقيمة العيب؛ وقال أشهب‪ :‬يرجع بالقل من قيمة العيب‬
‫أو بقيمة الثمن‪ ،‬هذا إذا باعه بأقل مما اشتراه‪ ،‬وعلى هذا ل يرجع‬
‫إذا باعيه بمثيل الثمين أو أكثير‪ ،‬وبيه قال عثمان البتيي‪ .‬ووجيه قول‬
‫ابين القاسيم والشافعيي وأبيي حنيفية أنيه إذا فات بالبييع فقيد أخيذ‬
‫عوضيا مين غيير أن يعتيبر تأثيير بالعييب فيي ذلك العوض الذي هيو‬
‫الثمن‪ ،‬ولذلك متى قام عليه المشتري منه بعيب رجع على البائع‬
‫الول بل خلف‪ .‬ووجيه القول الثانيي تشيبيهه البييع بالعتيق‪ .‬ووجيه‬
‫قول عثمان وأشهيييب أنيييه لو كان عنده الميييبيع لم يكييين له إل‬
‫المسياك أو الرد للجمييع‪ ،‬فإذا باعيه فقيد أخيذ عوض ذلك الثمين‪،‬‬
‫فلييس له إل ميا نقيص إل أن يكون أكثير مين قيمية العييب‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬إن وهيب أو تصيدق رجيع بقيمية العييب؛ وقال أبيو حنيفية ل‬
‫يرجيع‪ ،‬لن هبتيه أو صيدقته تفوييت للملك بغيير عوض ورضيي منيه‬
‫بذلك طلبيا للجير‪ ،‬فيكون رضاه بإسيقاط حيق العييب أولى وأحرى‬
‫بذلك‪ .‬وأميا مالك فقاس الهبية على العتيق‪ ،‬وقيد كان القياس أن ل‬
‫يرجيع فيي شييء مين ذلك إذا فات ولم يمكنيه الرد‪ ،‬لن إجماعهيم‬
‫على أنييه إذا كان فييي يده فليييس يجييب له إل الرد أو المسيياك‪،‬‬
‫دلييل على أنيه لييس للعييب تأثيير فيي إسيقاط شييء مين الثمين‪،‬‬
‫وإنميا له تأثيير فيي فسيخ البييع فقيط‪ .‬وأميا العقود التيي يتعاقبهيا‬
‫السييترجاع كالرهيين والجازة فاختلف فييي ذلك أصييحاب مالك‪،‬‬
‫فقال ابيين القاسييم‪ :‬ل يمنييع ذلك ميين الرد بالعيييب إذا رجييع إليييه‬
‫المبيع؛ وقال أشهب‪ :‬إذا لم يكن زمان خروجه عن يده زمانا بعيدا‬
‫كان له الرد بالعييب‪ ،‬وقول ابين القاسيم أولى‪ ،‬والهبية للثواب عنيد‬
‫مالك كالبيييع فييي أنهييا فوت‪ ،‬فهذه هييي الحوال التييي تطرأ على‬
‫المبيع من العقود الحادثة فيها وأحكامها‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في طرو النقصان‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا إن طرأ على الميبيع نقيص فل يخلو أن يكون النقيص فيي‬
‫قيمتيه أو فيي البدن أو فيي النفيس‪ .‬فأميا نقصيان القيمية لختلف‬
‫السييواق‪ ،‬فغييير مؤثيير فييي الرد بالعيييب بإجماع‪ .‬وأمييا النقصييان‬
‫الحادث في البدن‪ ،‬فإن كان يسيرا غير مؤثر في القيمة فل تأثير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫له فييي الرد بالعيييب‪ ،‬وحكمييه حكييم الذي لم يحدث‪ ،‬وهذا نييص‬
‫مذهب مالك وغيره‪.‬‬
‫وأمييا النقييص الحادث فييي البدن المؤثيير فييي القيميية‪ ،‬فاختلف‬
‫الفقهاء فيه على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫أحدهيا أنيه لييس له أن يرجيع إل بقيمية العييب فقيط ولييس له غيير‬
‫ذلك إذا أبيى البائع مين الرد‪ ،‬وبيه قال الشافعيي فيي قوله الجدييد‬
‫وأبو حنيفة‪.‬‬
‫وقال الثوري‪ :‬ليييس له إل أن يرد‪ ،‬ويرد مقدار العيييب الذي حدث‬
‫عنده‪ ،‬وهو قول الشافعي الول‪.‬‬
‫والقول الثالث قول مالك‪ :‬إن المشتري بالخيار بيييين أن يمسيييك‬
‫ويضع عنه البائع من الثمن قدر العيب أو يرده على البائع ويعطيه‬
‫ثميين العيييب الذي حدث عنده‪ ،‬وأنييه إذا اختلف البائع والمشتري‪،‬‬
‫فقال البائع للمشتري‪ :‬أنيا أقبيض الميبيع وتعطيي أنيت قيمية العييب‬
‫الذي حدث عندك‪ ،‬وقال المشتري‪ :‬بيل أنيا أمسيك الميبيع‪ ،‬وتعطيي‬
‫أنييييت قيميييية العيييييب الذي حدث عندك‪ ،‬فالقول قول المشتري‬
‫والخيار له‪ ،‬وقييد قيييل فييي المذهييب القول قول البائع‪ ،‬وهذا إنمييا‬
‫يصيح على قول مين يرى أنيه لييس للمشتري إل أن يمسيك أو يرد‬
‫ومييا نقييص عنده‪ .‬وشييذ أبييو محمييد بيين حزم فقال‪ :‬له أن يرد ول‬
‫شيء عليه‪.‬‬
‫وأمييا حجيية ميين قال‪ :‬إنييه ليييس للمشتري إل أن يرد ويرد قيميية‬
‫العييب‪ ،‬أو يمسيك‪ ،‬فلنيه قيد أجمعوا على أنيه إذا لم يحدث بالميبيع‬
‫عييب عنيد المشتري فلييس إل الرد‪ ،‬فوجيب اسيتصحاب حال هذا‬
‫الحكيم‪ ،‬وإن حدث عنيد المشتري عييب ميع إعطائه قيمية العييب‬
‫الذي حدث عنده‪.‬‬
‫وأميا مين رأى أنيه ل يرد الميبيع بشييء وإنميا له قيمية العييب الذي‬
‫كان عند البائع‪ ،‬فقياسا على العتق والموت لكون هذا الصل غير‬
‫مجمع عليه‪ ،‬وقد خالف فيه عطاء‪.‬‬
‫وأمييا مالك فلمييا تعارض عنده حييق البائع وحييق المشتري غلب‬
‫المشتري وجعيل له الخيار‪ ،‬لن البائع ل يخلو مين أحيد أمريين‪ :‬إميا‬
‫أن يكون مفرطا في أنه لم يستعلم العيب ويعلم به المشتري‪ ،‬أو‬
‫يكون علميه فدلس به على المشتري‪ .‬وعنيد مالك أنيه إذا صيح أنيه‬
‫دلس بالعييب وجيب علييه الرد مين غيير أن يدفيع إلييه المشتري‬
‫قيميية العيييب الذي حدث عنده‪ ،‬فإن مات ميين ذلك العيييب كان‬
‫ضمانه على البائع بخلف الذي لم يثبت أنه دلس فيه‪.‬‬
‫وأميا حجية أبيي محميد‪ ،‬فلنيه أمير حدث مين عنيد الله كميا لو حدث‬
‫فيي ملك البائع‪ ،‬فإن الرد بالعييب دال على أن البييع لم ينعقيد فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫نفسيه‪ ،‬وإنميا انعقيد فيي الظاهير‪ ،‬وأيضيا فل كتاب ول سينة يوجيب‬


‫على مكلف غرم ميا لم يكين له تأثيير فيي نقصيه إل أن يكون على‬
‫جهة التغليظ عند من ضمن الغاصب ما نقص عنده بأمر من الله‪،‬‬
‫فهذا حكم العيوب الحادثة في البدن‪.‬‬
‫وأميا العيوب التيي فيي النفيس كالباق والسيرقة‪ ،‬فقيد قييل فيي‬
‫ت [أي يفوت بهييا اسييتطاعة الرد] الرد كعيوب‬ ‫في ُ ي‬
‫المذهييب إنهييا ت ُ ِ‬
‫البدان‪ ،‬وقيييل ل‪ ،‬ول خلف أن العيييب الحادث عنييد المشتري إذا‬
‫ارتفيع بعيد حدوثيه أنيه ل تأثيير له فيي الرد إل أن ل تؤمين عاقبتيه‪.‬‬
‫واختلفوا من هذا الباب في المشتري يطأ الجارية‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إذا‬
‫وطئ فليس له الرد وله الرجوع بقيمة العيب‪ ،‬وسواء كانت بكرا‬
‫أو ثيبيا؛ وبيه قال أبيو حنيفية؛ وقال الشافعيي‪ :‬يرد قيمية الوطيء فيي‬
‫البكير ول يردهيا فيي الثييب؛ وقال قوم‪ :‬بيل يردهيا ويرد مهير مثلهيا‪،‬‬
‫وبه قال ابن أبي شبرمة وابن أبي ليلى؛ وقال سفيان الثوري‪ :‬إن‬
‫كانيت ثيبيا رد نصيف العشير مين ثمنهيا‪ ،‬وإن كانيت بكرا رد العشير‬
‫من ثمنها؛ وقال مالك‪ :‬ليس عليه في وطء الثيب شيء لنه غلة‬
‫وجبيت له بالضمان‪ .‬وأميا البكير فهيو عييب يثبيت عنده للمشتري‬
‫الخيار على مييا سييلف ميين رأيييه‪ ،‬وقييد روي مثييل هذا القول عيين‬
‫الشافعيي؛ وقال عثمان البتيي‪ :‬الوطيء معتيبر فيي العرف فيي ذلك‬
‫النوع مين الرقييق‪ ،‬فإن كان له أثير فيي القيمية رد البائع ميا نقيص‪،‬‬
‫وإن لم يكيين له أثيير لم يلزمييه شيييء‪ ،‬فهذا هييو حكييم النقصييان‬
‫الحادث في المبيعات‪.‬‬
‫وأميا الزيادة الحادثية فيي الميبيع‪ :‬أعنيي المتولدة المنفصيلة منيه‪،‬‬
‫فاختلف العلماء فيهيا‪ ،‬فذهيب الشافعيي إلى أنهيا غيير مؤثرة فيي‬
‫الرد وأنهييا للمشتري لعموم قوله عليييه الصييلة والسييلم "الخراج‬
‫بالضمان"‪ .‬وأمييا مالك فاسييتثنى ميين ذلك الولد فقال‪ :‬يرد للبائع‪،‬‬
‫ولييس للمشتري إل الرد الزائد ميع الصيل أو المسياك‪ .‬قال أبيو‬
‫حنيفييية‪ :‬الزوائد كلهيييا تمنيييع الرد وتوجيييب أرش العييييب إل الغلة‬
‫والكسب‪ .‬وحجته أن ما تولد عن المبيع داخل في العقد‪ ،‬فلما لم‬
‫يكين رده ورد ميا تولد عنيه كان ذلك فوتيا يقتضيي أرش العييب إل‬
‫مييا نصييصه الشرع ميين الخراج والغلة‪ .‬وأمييا الزيادة الحادثيية فييي‬
‫نفيس الميبيع الغيير المنفصيلة عنيه فإنهيا إن كانيت مثيل الصيبغ فيي‬
‫الثوب والرقييم فإنهييا توجييب الخيار فييي المذهييب‪ ،‬إمييا المسيياك‬
‫والرجوع بقيميية العيييب‪ ،‬وإمييا فييي الرد وكونييه شريكييا مييع البائع‬
‫بقيمية الزيادة‪ .‬وأميا النماء فيي البدن مثيل السيمن فقيد قييل فيي‬
‫المذهيب يثبيت بيه الخيار للمشتري‪ ،‬وقييل ل يثبيت‪ ،‬وكذلك النقيص‬
‫الذي هو الهزال‪ ،‬فهذا هو القول في حكم التغيير‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الفصل الخا مس‪ .‬في القضاء في اختلف الحكم عند اختلف‬


‫المتبايعين‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا صيفة الحكيم فيي القضاء بهذه الحكام فإنيه إذا تقار البائع‬
‫والمشتري على حالة مييين هذه الحوال المذكورة ههنيييا وجيييب‬
‫الحكيم الخاص بتلك الحال‪ ،‬فإن أنكير البائع دعوى القائم‪ ،‬فل يخلو‬
‫أن ينكير وجود العييب أو ينكير حدوثيه عنده‪ .‬فإن أنكير وجود العييب‬
‫بالمبيع فإن كان العيب يستوي في إدراكه جميع الناس كفى في‬
‫ذلك شاهدان عدلن ممين اتفيق مين الناس‪ ،‬وإن كان مميا يختيص‬
‫بعلميه أهيل صيناعة ميا‪ ،‬شهيد بيه أهيل تلك الصيناعة‪ ،‬فقييل فيي‬
‫المذهييب عدلن‪ .‬وقيييل ل يشترط فييي ذلك العدالة ول العدد ول‬
‫السييلم‪ ،‬وكذلك الحال إن اختلفوا فييي كونييه مؤثرا فييي القيميية‪،‬‬
‫وفيي كونيه أيضيا قبيل أميد التباييع أو بعده‪ ،‬فإن لم يكين للمشتري‬
‫بينة حلف البائع أنه ما حدث عنده‪ ،‬وإن لم تكن له بينة (لعله وإن‬
‫كانيت له بينية) على وجود العييب بالميبيع لم يجيب له يميين على‬
‫البائع‪ .‬وأمييا إذا وجييب الرش فوجييه الحكييم فييي ذلك أن يقوم‬
‫الشيء سليما ويقوم معيبا ويرد المشتري ما بين ذلك‪ ،‬فإن وجب‬
‫الخيار قوم ثلث تقويمات‪ :‬تقويييم وهييو سييليم‪ ،‬وتقويييم بالعيييب‬
‫الحادث عنييد البائع‪ ،‬وتقويييم بالعيييب الحادث عنييد المشتري‪ ،‬فيرد‬
‫البائع من الثمن ويسقط عنه ما قدر منه قدر ما تنقص به القيمة‬
‫المعيبيية عيين القيميية السييليمة‪ ،‬وإن أبييى المشتري الرد وأحييب‬
‫المسياك رد البائع مين الثمين ميا بيين القيمية الصيحيحة والمعيبية‬
‫عنده‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في بيع البراءة‪.‬‬
‫@‪-‬اختلف العلماء فيي جواز هذا البييع‪ .‬وصيورته أن يشترط البائع‬
‫على المشتري التزام كييل عيييب يجده فييي المييبيع على العموم‪،‬‬
‫فقال أبيو حنيفية‪ :‬يجوز البييع بالبراءة مين كيل عييب سيواء علميه‬
‫البائع أو لم يعلميه‪ ،‬سيماه أو لم يسيميه‪ ،‬أبصيره أو لم يبصيره‪ ،‬وبيه‬
‫قال أبيو ثور‪ .‬وقال الشافعيي فيي أشهير قولييه وهيو المنصيور عنيد‬
‫أصحابه ل يبرأ البائع إل من عيب يريه للمشتري‪ ،‬وبه قال الثوري‪.‬‬
‫وأمييا مالك فالشهيير عنييه أن البراءة جائزة ممييا يعلم البائع ميين‬
‫العيوب‪ ،‬وذلك فييي الرقيييق خاصيية‪ ،‬إل البراءة ميين الحمييل فييي‬
‫الجواري الرائعات‪ ،‬فإنييه ل يجوز عنده لعظييم الغرر فيييه‪ ،‬ويجوز‬
‫فييي الوخييش‪ .‬وعنييه فييي رواييية ثانييية‪ :‬أنييه يجوز فييي الرقيييق‬
‫والحيوان‪ .‬وفي رواية ثالثة مثل قول الشافعي‪ .‬وقد روي عنه أن‬
‫بيع البراءة إنما يصح من السلطان فقط‪ ،‬وقيل في بيع السلطان‬
‫وبييع الموارييث‪ ،‬وذلك مين غيير أن يشترطوا البراءة‪ .‬وحجية مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رأى القول بالبراءة على الطلق أن القيام بالعيييييب حييييق ميييين‬


‫حقوق المشتري قبييل البائع‪ ،‬فإذا أسييقطه سييقط أصييله سييائر‬
‫الحقوق الواجبيية‪ .‬وحجيية ميين لم يجزه على الطلق أن ذلك ميين‬
‫باب الغرر فيمييا لم يعلمييه البائع‪ ،‬وميين باب الغبيين والغييش فيمييا‬
‫علميه‪ ،‬ولذلك اشترط جهيل البائع مالك‪ .‬وبالجملة فعمدة مالك ميا‬
‫رواه في الموطأ أن عبد الله بن عمر باع غلما له بثمانمائة درهم‬
‫وباعيه على البراءة‪ ،‬فقال الذي ابتاعيه لعبيد الله بين عمير‪ :‬بالغلم‬
‫داء لم تسمه‪ ،‬فاختصما إلى عثمان‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬باعني عبدا وبه‬
‫داء لم يسييمه لي‪ ،‬وقال عبييد الله‪ :‬بعتييه بالبراءة‪ ،‬فقضييى عثمان‬
‫على عبد الله أن يحلف لقد باع العبد وما به داء يعلمه‪ ،‬فأبى عبد‬
‫الله أن يحلف وارتجع العبد‪ .‬وروي أيضا أن زيد بن ثابت كان يجيز‬
‫بيييع البراءة‪ .‬وإنمييا خييص مالك بذلك الرقيييق لكون عيوبهييم فييي‬
‫الكثيير خافييية‪ .‬وبالجملة خيار الرد بالعيييب حييق ثابييت للمشتري‪،‬‬
‫ولما كان ذلك يختلف اختلفا كثيرا كاختلف المبيعات في صفاتها‬
‫وجييب إذا اتفقييا على الجهييل بييه أن ل يجوز أصييله إذا اتفقييا على‬
‫جهيل صيفة الميبيع المؤثرة فيي الثمين‪ ،‬ولذلك حكيى ابين القاسيم‬
‫فيي المدونية عين مالك أن آخير قوله كان إنكار بييع البراءة إل ميا‬
‫خفيف فييه السيلطان‪ ،‬وفيي قضاء الديون خاصية‪ .‬وذهيب المغيرة‬
‫من أصحاب مالك إلى أن البراءة إنما تجوز فيما كان من العيوب‬
‫ل يتجاوز فيها ثلث المبيع‪ ،‬والبراءة بالجملة إنما تلزم عند القائلين‬
‫بالشرط‪ :‬أعنييي إذا اشترطهييا إل بيييع السييلطان والمواريييث عنييد‬
‫مالك فقيط‪ .‬فالكلم بالجملة فيي بييع البراءة هيو فيي جوازه وفيي‬
‫شرط جوازه‪ ،‬وفيميا يجوز مين العقود والميبيعات والعيوب‪ ،‬ولمين‬
‫يجوز بالشرط أو مطلقيا‪ ،‬وهذه كلهيا قيد تقدميت بالقوة فيي قولنيا‬
‫فاعلمه‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثانييية‪ :‬فييي وقييت ضمان المييبيعات) واختلفوا فييي‬
‫الوقيت الذي يتضمين فييه المشتري الميبيع أنيى تكون خسيارته إن‬
‫هلك منيه‪ .‬فقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬ل يضمين المشتري إل بعيد‬
‫القبض‪ .‬وأما مالك فله في ذلك تفصيل‪ ،‬وذلك أن المبيعات عنده‬
‫فيي هذا الباب ثلثية أقسيام‪ :‬بييع يجيب على البائع فييه حيق توفيية‬
‫من وزن أو كيل وعدد‪ .‬وبيع ليس فيه حق توفية‪ ،‬وهو الجزاف أو‬
‫ما ل يوزن ول يكال ول يعد‪ .‬فأما ما كان فيه حق توفية فل يضمن‬
‫المشتري إل بعد القبض‪ .‬وأما ما ليس فيه حق توفية وهو حاضر‬
‫فل خلف فيي المذهيب أن ضمانيه مين المشتري وإن لم يقبضيه‪.‬‬
‫وأما المبيع الغائب‪ ،‬فعن مالك في ذلك ثلث روايات‪ :‬أشهرها أن‬
‫الضمان مين البائع إل أن يشترطيه على المبتاع‪ .‬والثانيية أنيه مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المبتاع إل أن يشترطييه على البائع‪ .‬والثالثيية الفرق بييين مييا ليييس‬


‫بمأمون البقاء إلى وقيت القتضاء كالحيوان والمأكولت‪ ،‬وبيين ميا‬
‫هييو مأمون البقاء‪ .‬والخلف فييي هذه المسييألة مبنييي هييل على‬
‫القبض شرط من شروط العقد‪ ،‬أو حكم من أحكام العقد‪ ،‬والعقد‬
‫لزم دون القبيض؟ فمين قال القبيض مين شروط صيحة العقيد أو‬
‫لزومه أو كيفما شئت أن تعبر في هذا المعنى كان الضمان عنده‬
‫مين البائع حتيى يقبضيه المشتري؛ ومين قال هييو حكييم لزم مين‬
‫أحكام الميبيع والبييع قيد انعقيد ولزم قال‪ :‬العقيد يدخيل فيي ضمان‬
‫المشتري‪ .‬وتفريييق مالك بييين الغائب والحاضيير‪ ،‬والذي فيييه حييق‬
‫توفية والذي ليس فيه حق توفية استحسان‪ ،‬ومعنى الستحسان‬
‫فيي أكثير الحوال هيو التفات إلى المصيلحة والعدل‪ .‬وذهيب أهيل‬
‫الظاهير إلى أن بالعقيد يدخيل فيي ضمان المشتري وفيميا أحسيب‪،‬‬
‫وعمدة مييين رأى ذلك اتفاقهيييم على أن الخراج قبيييل القبيييض‬
‫للمشتري‪ ،‬وقييد قال عليييه الصييلة والسييلم "الخراج بالضمان"‬
‫وعمدة المخالف حدييث عتاب بين أسييد أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم لمييا بعثييه إلى مكيية قال له "انههييم عيين بيييع مييا لم‬
‫يقبضوا وربيح ميا لم يضمنوا" وقيد تكلمنيا فيي شرط القبيض فيي‬
‫المييبيع فيمييا سييلف‪ ،‬ول خلف بييين المسييلمين أنييه ميين ضمان‬
‫المشتري بعييد القبييض إل فييي العهدة والجوائح‪ .‬وإذ قييد ذكرنييا‬
‫العهدة فينبغي أن نذكر ههنا الجوائح‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في الجوائح‪.‬‬
‫@‪-‬اختلف العلماء في وضع الجوائح في الثمار‪ ،‬فقال بالقضاء بها‬
‫مالك وأصيحابه‪ ،‬ومنعهيا أبيو حنيفية والثوري والشافعيي فيي قوله‬
‫الجدييد واللييث‪ .‬فعمدة مين قال بوضعهيا حدييث جابر أن رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم قال "مين باع ثمرا فأصيابته جائحية فل‬
‫يأخيذ مين أخييه شيئا‪ ،‬على ماذا يأخيذ أحدكيم مال أخييه؟" خرجيه‬
‫مسيلم عين جابر‪ .‬وميا روي عنيه أنيه قال "أمير رسيول الله صيلى‬
‫الله علييه وسيلم بوضيع الجوائح"‪ .‬فعمدة مين أجاز الجوائح حديثيا‬
‫جابر هذان‪ ،‬وقياس الشبيه أيضيا‪ ،‬وذلك أنهيم قالوا‪ :‬إنيه ميبيع بقيي‬
‫على البائع فيه حق توفية‪ ،‬بدليل ما عليه من سقيه إلى أن يكمل‪،‬‬
‫فوجب أن يكون ضمانه منه أصله سائر المبيعات التي بقي فيها‬
‫حيق توفيية‪ ،‬والفرق عندهيم بيين هذا الميبيع وبيين سيائر البيوع أن‬
‫هذا بيع وقع في الشرع والمبيع لم يكمل بعد‪ ،‬فكأنه مستثنى من‬
‫النهيي عين بييع ميا لم يخلق‪ ،‬فوجيب أن يكون فيي ضمانيه مخالفيا‬
‫لسيائر الميبيعات‪ .‬وأميا عمدة مين لم يقيل بالقضاء بهيا فتشيبيه هذا‬
‫البيع بسائر المبيعات وأن التخلية في هذا المبيع هو القبض‪ .‬وقد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اتفقوا على أن ضمان الميبيعات بعيد القبيض مين المشتري ومين‬


‫طرييق السيماع أيضيا حدييث أبيي سيعيد الخدري قال "أجييح رجيل‬
‫فييي ثمار ابتاعهييا وكثيير دينييه‪ ،‬فقال رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسييلم‪ :‬تصييدقوا عليييه‪ ،‬فتصييدق عليييه فلم يبلغ وفاء دينييه‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬خذوا ما وجدتم وليس لكم إل‬
‫ذلك" قالوا‪ :‬فلم يحكيييم بالجائحييية‪ .‬فسيييبب الخلف فيييي هذه‬
‫المسألة هو تعارض الثار فيهما وتعارض مقاييس الشبه‪ ،‬وقد رام‬
‫كل واحد من الفريقين صرف الحديث المعارض للحديث الذي هو‬
‫الصييل عنده بالتأويييل‪ ،‬فقال ميين منييع الجائحيية‪ :‬يشبييه أن يكون‬
‫المر بها إنما ورد من قبل النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلحها‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬ويشهييد لذلك أنييه لمييا كثيير شكواهييم بالجوائح أمروا أن ل‬
‫يبيعوا الثمر إل بعد أن يبدو صلحه‪ ،‬وذلك في حديث زيد بن ثابت‬
‫المشهور‪ ،‬وقال من أجازها في حديث أبي سعيد‪ :‬يمكن أن يكون‬
‫البائع عديمييا فلم يقييض عليييه بجائحيية أو أن يكون المقدار الذي‬
‫أصييب مين الثمير مقدارا ل يلزم فييه جائحية‪ ،‬أو أن يكون أصييب‬
‫في غير الوقت الذي تجب فيه الجائحة‪ ،‬مثل أن يصاب بعد الجذاذ‬
‫أو بعد الطيب‪ .‬وأما الشافعي فروى حديث جابر عن سليمان بن‬
‫عتيق عن جابر‪ ،‬وكان يضعفه ويقول‪ :‬إنه اضطرب في ذكر وضع‬
‫الجوائح فيه ولكنه قال‪ :‬إن ثبت الحديث وجب وضعها في القليل‬
‫والكثير‪ ،‬ول خلف بينهم في القضاء بالجائحة بالعطش‪ ،‬وقد جعل‬
‫القائلون بها اتفاقهم في هذا حجة على إثباتها‪.‬‬
‫والكلم فيي أصيول الجوائح على مذهيب مالك ينحصير فيي أربعية‬
‫فصيول‪ :‬الول‪ :‬فيي معرفية السيباب الفاعلة للجوائح‪ .‬الثانيي‪ :‬فيي‬
‫محل الجوائح من المبيعات‪ .‬الثالث‪ :‬في مقدار ما يوضع منه فيه‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬في الوقت الذي توضع فيه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في معرفة السباب الفاعلة للجوائح‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا ميا أصياب الثمرة مين السيماء مثيل البرد والقحيط وضده‬
‫والعفن‪ ،‬فل خلف في المذهب أنه جائحة‪ .‬وأما العطش كما قلنا‬
‫فل خلف بين الجميع أنه جائحة‪ .‬وأما ما أصاب من صنع الدميين‬
‫فبعض من أصحاب مالك رآه جائحة وبعض لم يره جائحة‪ .‬والذين‬
‫رأوه جائحية انقسيموا إلى قسيمين‪ :‬فبعضهيم رأى منيه جائحية ميا‬
‫كان غالبيا كالجييش ولم يير ميا كان منيه بمغافصية (غافصية‪ :‬أخذه‬
‫على غرة) جائحيية مثييل السييرقة‪ ،‬وبعضهييم جعييل كييل ميا يصيييب‬
‫الثمرة مين جهية الدمييين جائحية بأي وجيه كان‪ ،‬فمين جعلهيا فيي‬
‫المور السيماوية فقيط اعتميد ظاهير قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"أرأيييت إن منييع الله الثمرة؟" وميين جعلهييا فييي أفعال الدميييين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شبههييا بالمور السييماوية‪ ،‬وميين اسييتثنى اللص قال‪ :‬يمكيين أن‬


‫يتحفظ منه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في محل الجوائح من المبيعات‪.‬‬
‫@‪-‬ومحيل الجوائح هيي الثمار والبقول‪ .‬فأميا الثمار فل خلف فيهيا‬
‫فيي المذهيب‪ ،‬وأميا البقول ففيهيا خلف‪ ،‬والشهير فيهيا الجائحية‪.‬‬
‫وإنميا اختلفوا فيي البقول لختلفهيم فيي تشبيههيا بالصيل الذي هيو‬
‫الثمر‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في مقدار ما يوضع منه فيه‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا المقدار الذي تجيب فييه الجائحية‪ ،‬أميا فيي الثمار فالثلث‪،‬‬
‫وأما في البقول فقيل في القليل والكثير‪ ،‬وقيل في الثلث‪ ،‬وابن‬
‫القاسيم يعتيبر ثلث الثمير بالكييل وأشهيب يعتيبر الثلث فيي القيمية‪،‬‬
‫فإذا ذهيب مين الثمير عنيد أشهيب ميا قيمتيه الثلث مين الكييل وضيع‬
‫عنه الثلث من الثمن‪ ،‬وسواء كان ثلثا في الكيل أو لم يكن‪ .‬وأما‬
‫ابين القاسيم فإنيه إذا ذهيب مين الثمير الثلث مين الكييل‪ ،‬فإن كان‬
‫نوعيا واحدا لييس تختلف قيمية بطونيه حيط عنيه مين الثمين الثلث‪،‬‬
‫وإن كان الثمير أنواعيا كثيرة مختلفية القييم‪ ،‬أو كان بطونيا مختلفية‬
‫القييم أيضا اعتيبر قيمية ذلك الثلث الذاهيب من قي مة الجمييع‪ ،‬فميا‬
‫كان قدره حيط بذلك القدر مين الثمين‪ ،‬ففيي موضيع يعتيبر المكيلة‬
‫فقط‪ ،‬حيث تستوي القيمة في أجزاء الثمرة وبطونها وفي موضع‬
‫يعتيبر أمريين جميعيا حييث تختلف القيمية‪ ،‬والمالكيية يحتجون فيي‬
‫مصييرهم إلى التقديير فيي وضيع الجوائح وإن كان الحدييث الوارد‬
‫فيها مطلقا بأن القليل في هذا معلوم من حكم العادة أنه يخالف‬
‫الكثييير إذ كان معلومييا أن القليييل يذهييب ميين كييل ثميير‪ ،‬فكأن‬
‫المشتري دخييل على هذا الشرط بالعادة وإن لم يدخييل بالنطييق‪،‬‬
‫وأيضا فإن الجائحة التي علق الحكم بها تقتضي الفرق بين القليل‬
‫والكثيير‪ .‬قالوا‪ :‬وإذا وجيب الفرق وجيب أن يعتيبر فييه الثلث‪ ،‬إذ قيد‬
‫اعتبره الشرع في مواضع كثيرة‪ ،‬وإن كان المذهب يضطرب في‬
‫هذا الصيل‪ ،‬فمرة يجعيل الثلث مين حييز الكثيير كجعله إياه ههنيا‪،‬‬
‫ومرة يجعله فييي حيييز القليييل ولم يضطرب فييي أنييه الفرق بييين‬
‫القليييل والكثييير‪ ،‬والمقدارات يعسيير إثباتهييا بالقياس عنييد جمهور‬
‫الفقهاء‪ ،‬ولذلك قال الشافعييييي‪ :‬لو قلت بالجائحيييية لقلت فيهييييا‬
‫بالقليل والكثير‪ ،‬وكون الثلث فرقا بين القليل والكثير هو نص في‬
‫الوصية في قوله عليه الصلة والسلم "الثلث‪ ،‬والثلث كثير"‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في الوقت الذي توضع فيه‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا زمان القضاء بالجائحية‪ ،‬فاتفيق المذهيب على وجوبهيا فيي‬
‫الزمان الذي يحتاج فيه إلى تبقية الثمر على رءوس الشجر حيث‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يستوفي طيبه‪ .‬واختلفوا إذا أبقاه المشتري في الثمار ليبيعه على‬


‫النضارة وشيئا شيئا‪ ،‬فقييل فييه الجائحية تشبيهيا بالزمان المتفيق‬
‫عليه‪ ،‬وقيل ليس فيه جائحة تفريقا بينه وبين الزمان المتفق على‬
‫وجوب القضاء بالجائحيية فيييه‪ ،‬وذلك أن هذا الزمان يشبييه الزمان‬
‫المتفق عليه من جهة ويخالفه من جهة؛ فمن غلب التفاق أوجب‬
‫فيه الجائحة؛ ومن غلب الختلف لم يوجب فيه جائحة‪ ،‬أعني من‬
‫رأى أن النضارة مطلوبييية بالشراء كمييييا الطيييييب مطلوب قال‪:‬‬
‫بوجوب الجائحة فيه؛ ومن لم ير المر فيهما واحدا قال‪ :‬ليس فيه‬
‫جائحة‪ ،‬ومن ههنا اختلفوا في وجوب الجوائح في البقول‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثالثة من جمل النظر في الحكام) وهو في تابعات‬
‫المييبيعات‪ ،‬وميين مسييائل هذا الباب المشهورة اثنتان‪ :‬الولى بيييع‬
‫النخييل وفيهيا الثمير متيى يتبيع بييع الصيل ومتيى ل يتبعيه؟ فجمهور‬
‫الفقهاء على أن ميين باع نخل فيهييا ثميير قبييل أن يؤبر فإن الثميير‬
‫للمشتري‪ ،‬وإذا كان البييع بعيد البار فالثمير للبائع إل أن يشترطيه‬
‫المبتاع‪ ،‬والثمار كلها في هذا المعنى في معنى النخيل‪ ،‬وهذا كله‬
‫لثبوت حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‬
‫"ميين باع نخل قييد أبرت فثمرهييا للبائع إل أن يشترطييه المبتاع"‬
‫قالوا‪ :‬فلميا حكيم صيلى الله علييه وسيلم بالثمين للبائع بعيد البار‬
‫علمنا بدليل الخطاب أنها للمشتري قبل البار بل شرط‪ ،‬وقال أبو‬
‫حنيفية وأصيحابه‪ :‬هيي للبائع قبيل البار وبعده‪ ،‬ولم يجعيل المفهوم‬
‫ههنا من باب دليل الخطاب بل من باب مفهوم الحرى والولى ‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وذلك أنه إذا وجبت للبائع بعد البار فهي أحرى أن تجب له‬
‫قبل البار‪ .‬وشبهوا خروج الثمر بالولدة‪ ،‬وكما أن من باع أمة لها‬
‫ولد فولدهيا للبائع إل أن يشترطيه المبتاع كذلك المير فيي الثمين‪،‬‬
‫وقال ابيين أبييي ليلى‪ :‬سييواء أبر أو لم يؤبر إذا بيييع الصييل فهييو‬
‫للمشتري اشترطهيا أو لم يشترطهيا‪ ،‬فرد الحدييث بالقياس‪ ،‬لنيه‬
‫رأى أن الثمر جزء من المبيع‪ ،‬ول معنى لهذا القول إل أن كان لم‬
‫يثبت عنده الحديث‪ .‬وأما أبو حنيفة فلم يرد الحديث‪ ،‬وإنما خالف‬
‫مفهوم الدلييل فييه‪ .‬فإذا سيبب الخلف فيي هذه المسيألة بيين أبيي‬
‫حنيفة والشافعي ومالك ومن قال بقولهم معارضة دليل الخطاب‬
‫لدلييل مفهوم الحرى والولى‪ ،‬وهيو الذي يسيمى فحوى الخطاب‬
‫لكنيه ههنيا ضعييف‪ ،‬وإن كان فيي الصيل أقوى مين دلييل الخطاب‪.‬‬
‫وأما سبب مخالفة ابن أبي ليلى فمعارضة القياس للسماع‪ ،‬وهو‬
‫كميا قلنيا ضعييف‪ .‬والبار عنيد العلماء أن يجعيل طلع ذكور النحيل‬
‫فيي طلع إناثهيا‪ ،‬وفيي سيائر الشجير أن تنور وتعقيد‪ ،‬والتذكيير فيي‬
‫شجير التيين التيي تذكير فيي معنيى البار‪ ،‬وإبار الزرع مختلف فييه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فييي المذهييب‪ ،‬فروى ابيين القاسييم عيين مالك أن إباره أن يفرك‬


‫قياسيا على سيائر الثمير‪ ،‬وهيل الموجيب لهذا الحكيم هيو البار أو‬
‫وقيت البار؟ قييل الوقيت‪ ،‬وقييل البار‪ ،‬وعلى هذا ينبنيي الختلف‬
‫إذا أبر بعيض النخييل ولم يؤبر البعيض‪ ،‬هيل يتبيع ميا لم يؤبر ميا أبر‬
‫أو ل يتبعيه؟ واتفقوا فيميا أحسيبه على أنيه إذا بييع ثمير وقيد دخيل‬
‫وقت البار فلم يؤبر أن حكمه حكم المؤبر‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية) وهي اختلفهم في بيع مال العبد‪ ،‬وذلك أنهم‬
‫اختلفوا فيي مال العبيد هيل يتبعيه فيي البييع والعتيق؟ على ثلثية‬
‫أقوال‪ :‬أحدهييا أن ماله فييي البيييع والعتييق لسيييده‪ ،‬وكذلك فييي‬
‫المكاتيب‪ ،‬وبيه قال الشافعيي والكوفيون‪ .‬والثانيي أن ماله تبيع له‬
‫في البيع والعتق‪ ،‬وهو قول داود وأبي ثور‪ .‬والثالث أنه تبع له في‬
‫العتيييق ل فيييي البييييع إل أن يشترطييه المشتري‪ ،‬وبييه قال مالك‬
‫واللييث‪ .‬فحجية مين رأى أن ماله فيي البييع لسييده إل أن يشترطيه‬
‫المبتاع حديث ابن عمر المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنيه قال "مين باع عبدا وله مال فماله للذي باعيه إل أن يشترطيه‬
‫المبتاع" ومين جعله لسييده فيي العتيق فقياسيا على البييع‪ .‬وحجية‬
‫مين رأى أنيه تبيع للعبيد فيي كيل حال انبنيت على كون العبيد مالكيا‬
‫عندهيم وهيي مسيألة اختلف العلماء فيهيا اختلفيا كثيرا‪ :‬أعنيي هيل‬
‫يملك العبيد أو ل يملك؟ ويشبيه أن يكون هؤلء إنميا غلبوا القياس‬
‫على السيماع‪ ،‬لن حدييث ابين عمير هيو حدييث خالف فييه نافيع‬
‫سالما‪ ،‬لن نافعا رواه عن ابن عمر وسالم رواه عن ابن عمر عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وأما مالك فغلب القياس في العتق‬
‫والسيماع فيي البييع‪ .‬وقال مالك فيي الموطيأ‪ :‬المير المجتميع علييه‬
‫عندنيا أن المبتاع إذا اشترط مال العبيد فهيو له نقدا كان أو عرضيا‬
‫أو دينيا‪ .‬وقيد روي عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم أنيه قال "مين‬
‫أعتيق غلميا فماله له إل أن يسيتثنيه سييده" ويجوز عنيد مالك أن‬
‫يشتري العبييد وماله بدراهييم‪ ،‬وإن كان مال العبييد دراهييم أو فيييه‬
‫دراهييم‪ .‬وخالفييه أبييو حنيفيية والشافعييي إذا كان مال العبييد نقدا‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬العبييد وماله بمنزلة ميين باع شيئييين ل يجوز فيهمييا إل مييا‬
‫يجوز فيييي سيييائر البيوع‪ .‬واختلف أصيييحاب مالك فيييي اشتراط‬
‫المشتري لبعض مال العبد في صفقة البيع‪ ،‬فقال ابن القاسم‪ :‬ل‬
‫يجوز‪ ،‬وقال أشهيب‪ :‬جائز أن يشترط بعضيه‪ ،‬وفرق بعضهيم فقال‪:‬‬
‫إن كان ما اشترى به العبد عينا وفي مال العبد عين لم يجز ذلك‬
‫لنيه يدخله دراهيم بعرض ودراهيم‪ ،‬وإن كان ميا اشترى بيه عروضيا‬
‫أو لم يكن فيي مال العبد دراهيم جاز‪ .‬ووجيه قول ا بن القاسم إنه‬
‫ل يجوز أن يشترط بعييض تشييبيهه بثميير النخييل بعييد البار‪ .‬ووجييه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قول أشهب تشبيه الجزء بالكل‪ ،‬وفي هذا الباب مسائل مسكوت‬
‫عنهيا كثيرة ليسيت مميا قصيدناه‪ .‬ومين مشهور مسيائلهم فيي هذا‬
‫الباب الزيادة والنق صان اللذان يقعان فيي الث من الذي انعقيد علييه‬
‫البييع بعيد البييع بميا يرضيى بيه المتبايعان‪ ،‬أعنيي أن يزييد المشتري‬
‫البائع بعيد البييع على الثمين الذي انعقيد علييه البييع أو يحيط منيه‬
‫البائع‪ ،‬هيل يتبيع حكيم الثمين أم ل؟ وفائدة الفرق أن مين قال هيي‬
‫من الثمن أوجب ردها في الستحقاق وفي الرد بالعيب وما أشبه‬
‫ذلك‪ ،‬وأيضيا مين جعلهيا فيي حكيم الثمين الول إن كانيت فاسيدة‬
‫البيع‪ ،‬ومن لم يجعلها من الثمن‪ :‬أعني الزيادة لم يوجب شيئا من‬
‫هذا‪ ،‬فذهييب أبييو حنيفيية إلى أنهييا ميين الثميين إل أنييه قال ل تثبييت‬
‫الزيادة فيي حيق الشفييع ول فيي بييع المرابحية‪ ،‬بيل الحكيم للثمين‬
‫الول‪ ،‬وبيه قال مالك؛ وقال الشافعيي‪ :‬ل تلحيق الزيادة والنقصيان‬
‫بالثميين أصييل وهييو فييي حكييم الهبيية‪ ،‬واسييتدل ميين ألحييق الزيادة‬
‫بالثمن بقوله عز وجل {ول جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد‬
‫الفريضة} قالوا‪ :‬وإذا لحقت الزيادة في الصداق بالصداق لحقت‬
‫في البيع بالثمن‪ .‬واحتج الفريق الثاني باتفاقهم على أنها ل تلحق‬
‫فييي الشفعيية وبالجملة ميين رأى أن العقييد الول قييد تقرر قال‪:‬‬
‫الزيادة هبة؛ ومن رأى أنها فسخ للعقد الول وعقد ثان عدها من‬
‫الثمن‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الرابعية) وإذا اتفيق المتبايعان على البييع واختلفيا فيي‬
‫مقدار الثميين ولم تكيين هناك بينيية ففقهاء المصييار متفقون على‬
‫أنهما يتحالفان ويتفاسخان بالجملة ومختلفون في التفصيل‪ ،‬أعني‬
‫فيي الوقيت الذي يحكيم فييه باليمان والتفاسيخ‪ ،‬فقال أبيو حنيفية‬
‫وجماعة‪ :‬إنهما يتحالفان ويتفاسخان ما لم تفت عين السلعة‪ ،‬فإن‬
‫فاتت فالقول قول المشتري مع يمينه‪ .‬وقال الشافعي ومحمد بن‬
‫الحسين صياحب أبيي حنيفية وأشهيب صياحب مالك‪ :‬يتحالفان فيي‬
‫كييل وقييت‪ .‬وأمييا مالك فعنييه روايتان‪ :‬إحداهمييا أنهمييا يتحالفان‬
‫ويتفاسييخان قبييل القبييض وبعييد القبييض القول قول المشتري‪.‬‬
‫والروايية الثانيية مثيل قول أبيي حنيفية‪ ،‬وهيي روايية ابين القاسيم‪،‬‬
‫والثانية رواية أشهب‪ ،‬والفوت عنده يكون بتغيير السواق وبزيادة‬
‫المييبيع ونقصييانه‪ .‬وقال داود وأبييو ثور‪ :‬القول قول المشتري على‬
‫كيل حال‪ ،‬وكذلك قال زفير‪ ،‬إل أن يكونيا اختلفيا فيي جنيس الثمين‪،‬‬
‫فحينئذ يكون التفاسييييخ عندهييييم والتحالف‪ ،‬ول خلف أنهييييم إذا‬
‫اختلفوا فييي جنييس الثميين أو المثمون أن الواجييب هييو التحالف‬
‫والتفاسيييخ‪ ،‬وإنميييا صيييار فقهاء المصيييار إلى القول على الجملة‬
‫بالتحالف والتفاسييخ عنييد الختلف فييي عدد الثميين لحديييث ابيين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مسيعود أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال "أيميا بيعيين‬
‫تبايعا فالقول قول البائع أو يترادان" فمن حمل هذا الحديث على‬
‫وجوب التفاسخ وعمومه قال‪ :‬يتحالفان في كل حال ويتفاسخان‪،‬‬
‫والعلة في ذلك عنده أن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه‪ .‬وأما‬
‫مين رأى أن الحدييث إنميا يجيب أن يحميل على الحالة التيي يجيب‬
‫أن يتساوى فيها دعوى البائع والمشتري قال‪ :‬إذا قبض السلعة أو‬
‫فاتيت فقيد صيار القبيض شاهدا للمشتري وشبهيه لصيدقه‪ ،‬واليميين‬
‫إنميا يجيب على أقوى المتداعييين شبهية‪ ،‬وهذا هيو أصيل مالك فيي‬
‫اليمان‪ ،‬ولذلك يوجييب فييي مواضييع اليمييين على المدعييي‪ ،‬وفييي‬
‫مواضع على المدعى عليه‪ ،‬وذلك أنه لم يجب اليمين بالنص على‬
‫المدعيى علييه مين حييث هيو مدعيى علييه‪ ،‬وإنميا وجبيت علييه مين‬
‫حييث هيو فيي الكثير أقوى شبهية‪ ،‬فإذا كان المدعيي فيي مواطين‬
‫أقوى شبهة وجب أن يكون اليمين في حيزه‪ .‬وأما من رأى القول‬
‫قول المشتري‪ ،‬فإنييه رأى أن البائع مقيير للمشتري بالشراء ومدع‬
‫علييه عددا ميا فيي الثمين‪ .‬وأميا داود ومين قال بقوله فردوا حدييث‬
‫ابيين مسييعود لنييه منقطييع ولذلك لم يخرجييه الشيخان البخاري‬
‫ومسيلم‪ ،‬وإنميا خرجيه مالك‪ .‬وعين مالك‪ :‬إذا نكيل المتبايعان عين‬
‫اليمان روايتان‪ :‬إحداهمييا الفسييخ‪ ،‬والثانييية أن القول قول البائع‪.‬‬
‫وكذلك مين يبدأ باليميين فيي المذهيب فييه خلف‪ ،‬فالشهير البائع‬
‫على ميا فيي الحدييث‪ ،‬وهيل إذا وقيع التفاسيخ يجوز لحدهميا أن‬
‫يختار قول صاحبه؟ فيه خلف في المذهب‪.‬‬
‫@‪(-‬القسم الرابع من النظر المشترك في البيوع) وهو النظر في‬
‫حكيم البييع الفاسيد إذا وقيع‪ ،‬فنقول‪ :‬اتفيق العلماء على أن البيوع‬
‫الفاسدة إذا وقعت ولم ت فت بإحداث عقد في ها أو نماء أو نقصان‬
‫أو حوالة سييييوق أن حكمهييييا الرد أعنييييي أن يرد البائع الثميييين‬
‫والمشتري المثمون‪ .‬واختلفوا إذا قبضييت وتصييرف فيهييا بعتييق أو‬
‫هبة أو بيع أو رهن أو غير ذلك من سائر التصرفات هل ذلك فوت‬
‫يوجيب القيمية‪ ،‬وكذلك إذا نميت أو نقصيت فقال الشافعيي‪ :‬لييس‬
‫ذلك كله فوتيا ول شبهية ملك فيي البييع الفاسيد وأن الواجيب الرد‪،‬‬
‫وقال مالك‪ :‬كييل ذلك فوت يوجييب القيميية إل مييا روى عنييه ابيين‬
‫وهب في الربا أنه ليس بفوت‪ ،‬ومثل ذلك قال أبو حنيفة‪ .‬والبيوع‬
‫الفاسييدة عنييد مالك تنقسييم إلى محرميية وإلى مكروهيية‪ .‬فأمييا‬
‫المحرمية فإنهيا إذا فاتيت مضيت بالقيمية‪ .‬وأميا المكروهية فإنهيا إذا‬
‫فاتت صحت عنده‪ ،‬وربما صح عنده بعض البيوع الفاسدة بالقبض‬
‫لخفية الكراهيية عنده فييي ذلك‪ ،‬فالشافعيية تشبيه الميبيع الفاسييد‬
‫لمكان الربييا والغرر بالفاسييد لمكان تحريييم عينييه كييبيع الخميير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والخنزيير فلييس عندهيم فييه فوت‪ ،‬ومالك يرى أن النهيي فيي هذه‬
‫المور إنميا هيو لمكان عدم العدل فيهيا‪ ،‬أعنيي بيوع الربيا والغرر‪،‬‬
‫فإذا فاتت السلعة فالعدل فيها هو الرجوع بالقيمة‪ ،‬لنه قد تقبض‬
‫السييلعة وهييي تسيياوي ألفييا وترد وهييي تسيياوي خمسييمائة أو‬
‫بالعكيييس‪ ،‬ولذلك يرى مالك حوالة السيييواق فوتيييا فيييي الميييبيع‬
‫الفاسد‪ ،‬ومالك يرى في البيع والسلف أنه إذا فات وكان البائع هو‬
‫المسييلف رد المشتري القيميية مييا لم تكيين أزيييد ميين الثميين‪ ،‬لن‬
‫المشتري قيد رفيع له فيي الثمين لمكان السيلف فلييس مين العدل‬
‫أن يرد أكثيير ميين ذلك‪ ،‬وإن كان المشتري هييو الذي أسييلف البائع‬
‫فقيد حيط البائع عنيه مين الثمين لمكان السيلف‪ ،‬فإذا وجبيت على‬
‫المشتري القيمة ردها ما لم تكن أقل من الثمن‪ ،‬لن هذه البيوع‬
‫إنمييا وقييع المنييع فيهييا لمكان مييا جعييل فيهييا ميين العوض مقابييل‬
‫السيلف الذي هيو موضوع لعون الناس بعضهيم لبعيض‪ ،‬ومالك فيي‬
‫هذه المسييألة أفقييه ميين الجميييع‪ .‬واختلفوا إذا ترك الشرط قبييل‬
‫القبييض‪ :‬أعنييي شرط السييلف‪ ،‬هييل يصييح البيييع أم ل؟ فقال أبييو‬
‫حنيفيية والشافعييي وسييائر العلماء‪ :‬البيييع مفسييوخ؛ وقال مالك‬
‫وأصييحابه‪ :‬البيييع غييير مفسييوخ إل ابيين عبييد الحكييم قال‪ :‬البيييع‬
‫مفسيوخ‪ .‬وقيد روي عين مالك مثيل قول الجمهور‪ .‬وحجية الجمهور‬
‫أن النهي يتضمن فساد المنهي فإذا انعقد البيع فاسدا لم يصححه‬
‫بعد رفع الشرط الذي من قبله وقع الفساد‪ ،‬كما أن رفع السبب‬
‫المفسد فيي المحسوسات بعد فسياد الشيء ليس يقتضيي عودة‬
‫الشييء إلى ميا كان علييه قبيل الفسياد مين الوجود فاعلميه‪ .‬وروي‬
‫أن محميد بين أحميد بين سيهل البرمكيي سيأل عين هذه المسيألة‬
‫إسيماعيل بين إسيحاق المالكيي فقال له‪ :‬ميا الفرق بيين السيلف‬
‫والبيع وبين رجل باع غلما بمائة دينار وزق خمر‪ ،‬فلما انعقد البيع‬
‫بينه ما قال‪ :‬أنا أدع الزق‪ ،‬وهذا البييع مفسيوخ عند العلماء بإجماع‪،‬‬
‫فوجييب أن يكون بيييع السييلف كذلك‪ ،‬فجاوب عيين ذلك بجواب ل‬
‫تقوم بيه حجية‪ ،‬وقيد تقدم القول فيي ذلك‪ .‬وإذ قيد انقضيى القول‬
‫فيي أصيول البيوع الفاسيدة وأصيول البيوع الصيحيحة‪ ،‬وفيي أصيول‬
‫أحكام البيوع الصيييحيحة‪ ،‬وأصيييول الحكام الفاسيييدة المشتركييية‬
‫العاميية لجميييع البيوع أو لكثييير منهييا فلنصيير إلى مييا يخييص واحدا‬
‫واحدا ميين هذه الربعيية الجناس‪ ،‬وذلك بأن نذكيير منهييا مييا يجري‬
‫مجرى الصول‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الصرف‪.‬‬
‫@‪-‬ولميا كان يخيص هذا البييع شرطان‪ :‬أحدهميا عدم النسييئة وهيو‬
‫الفور‪ ،‬والخير عدم التفاضيل وهيو اشتراط المثليية كان النظير فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هذا الباب ينحصير فيي خمسية أجناس‪ :‬الول‪ :‬فيي معرفية ميا هيو‬
‫نسييئة مميا لييس بنسييئة‪ .‬الثانيي‪ :‬فيي معرفية ميا هيو مماثيل مميا‬
‫ليس بمماثل‪ ،‬إذ هذان القسمان ينقسمان بفصول كثيرة فيعرض‬
‫هنالك الخلف‪ .‬الثالث‪ :‬فيمييا وقييع أيضييا ميين هذا البيييع بصييورة‬
‫مختلف فيهيا هيل هيو ذريعية إلى أحيد هذ ين أعنيي الزيادة والنسييئة‬
‫أو كليهميا عنيد مين قال بالذرائع وهيو مالك وأصيحابه‪ ،‬وهذا ينقسيم‬
‫أيضيا إلى نوعيين كانقسيام أصيله‪ .‬الخاميس‪ :‬فيي خصيائص أحكام‬
‫هذا البيييع ميين جهيية مييا يعتييبر فيييه هذان الشرطان‪ :‬أعنييي عدم‬
‫الن ّييَساء والتفاضييل أو كليهمييا‪ ،‬وذلك أنييه يخالف هذا البيييع البيوع‬
‫لمكان هذييين الشرطييين فيييه فييي أحكام كثيرة‪ .‬وأنييت إذا تأملت‬
‫الكتيييب الموضوعييية فيييي فروع الكتاب الذي يرسيييمونه بكتاب‬
‫الصرف وجدتها كلها راجعة إلى هذه الجناس الخمسة‪ ،‬أو إلى ما‬
‫تركب منها ما عدا المسائل التي يدخلون في الكتاب الواحد بعينه‬
‫مميا لييس هيو مين ذلك الكتاب مثيل إدخال الملكيية فيي الصيرف‬
‫مسيائل كثيرة هيي مين باب القتضاء فيي السيلف‪ ،‬لكين لميا كان‬
‫الفاسييد منهييا يئول إلى أحييد هذييين الصييلين‪ ،‬أعنييي إلى صييرف‬
‫بنسييئة أو بتفاضيل أدخلوهيا فيي هذا الكتاب مثيل مسيائلهم فيي‬
‫اقتضاء القائمية والمجموعية والفرادى بعضهيا مين بعيض‪ ،‬لكين لميا‬
‫كان قصدنا إنما هو ذكر المسائل التي هي منطوق بها في الشرع‬
‫أو قرييب مين المنطوق بهيا رأينيا أن نذكير فيي هذا الكتاب سيبع‬
‫مسييائل مشهورة تجري مجرى الصييول لمييا يطرأ على المجتهييد‬
‫مييين مسيييائل هذا الباب‪ ،‬فإن هذا الكتاب إنميييا وضعناه ليبلغ بيييه‬
‫المجتهيد فيي هذه الصيناعة رتبية الجتهاد إذا حصيل ميا يجيب له أن‬
‫يحصيل قبله مين القدر الكافيي له فيي علم النحيو واللغية وصيناعة‬
‫أصيول الفقيه‪ ،‬ويكفيي مين ذلك ميا هيو مسياو لجرم هذا الكتاب أو‬
‫أقل‪ ،‬وبهذه الرتبة يسمى فقيها ل بحفظ مسائل الفقه ولو بلغت‬
‫فيي العدد أقصيى ميا يمكين أن يحفظيه إنسيان كميا نجيد متفقهية‬
‫زماننييا يظنون أن الفقييه هييو الذي حفييظ مسييائل أكثيير‪ ،‬وهؤلء‬
‫عرض لهيم شيبيه ميا يعرض لمين ظين أن الخفاف هيو الذي عنده‬
‫خفاف كثيرة ل الذي يقدر على عملهييا‪ ،‬وهييو بييين أن الذي عنده‬
‫خفاف كثيرة سيييأتيه إنسييان بقدم ل يجييد فييي خفافييه مييا يصييلح‬
‫لقدميه‪ ،‬فيلجيأ إلى صيانع الخفاف ضرورة‪ ،‬وهيو الذي يصينع لكيل‬
‫قدم خفا يوافقه‪ ،‬فهذا هو مثال أكثر المتفقهة في هذا الوقت وإذ‬
‫قد خرجنا عما كنا بسبيله فلنرجع إلى حيث كنا من ذكر المسائل‬
‫التي وعدنا بها‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسيألة الولى) أجميع العلماء على أن بييع الذهيب بالذهيب‬


‫والفضية بالفضية ل يجوز إل مثل بمثيل يدا بييد‪ ،‬إل ميا روي عين ابين‬
‫عباس ومين تبعيه مين المكييين فإنهيم أجازوا بيعيه متفاضل ومنعوه‬
‫نسيئة فقط‪ ،‬وإنما صار ابن عباس لذلك لما رواه عن أسامة بن‬
‫زيييد عيين النييبي صييلى الله عليييه وسييلم أنييه قال "ل ربييا إل فييي‬
‫النسيئة" وهو حديث صحيح‪ ،‬فأخذ ابن عباس بظاهر هذا الحديث‬
‫فلم يجعيل الربيا إل فيي النسييئة‪ .‬وأميا الجمهور فصياروا إلى ميا‬
‫رواه مالك عين نافيع عين أبيي سيعيد الخدري أن رسيول الله صيلى‬
‫الله علييه وسيلم قال "ل تيبيعوا الذهيب بالذهيب إل مثل بمثيل‪ ،‬ول‬
‫تشفوا بعضهيا على بعيض ول تيبيعوا الفضية بالفضية إل مثل بمثيل‪،‬‬
‫ول تشفوا بعضها على بعض‪ ،‬ول تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز" وهو‬
‫ميين أصييح مييا روي فييي هذا الباب‪ .‬وحديييث عبادة بيين الصييامت‬
‫حدييييث صيييحيح أيضيييا فيييي هذا الباب‪ ،‬فصيييار الجمهور إلى هذه‬
‫الحاديث إذ كانت نصا في ذلك‪ .‬وأما حديث ابن عباس فإنه ليس‬
‫بنيص فيي ذلك لنيه روي فييه لفظان‪ :‬أحدهميا أنيه قال "إنميا الربيا‬
‫فيي النسييئة" وهذا لييس يفهيم منيه إجازة التفاضيل إل مين باب‬
‫دليل الخطاب وهو ضعيف ول سيما إذا عارضه النص‪ .‬وأما اللفظ‬
‫الخير وهيو "ل ربيا إل فيي النسييئة" فهيو أقوى مين هذا اللفيظ لن‬
‫ظاهره يقتضيي أن ميا عدا النسييئة فلييس بربيا‪ ،‬لكين يحتميل أن‬
‫يريد بقوله "ل ربا إل في النسيئة" من جهة أن الواقع في الكثر‪،‬‬
‫وإذا كان هذا محتمل والول نييص وجييب تأويله على الجهيية التييي‬
‫يصييح الجمييع بينهمييا‪ .‬وأجمييع الجمهور على أن مسييكوكه وتييبره‬
‫ومصوغه سواء في منع بيع بعضه ببعض متفاضل لعموم الحاديث‬
‫المتقدمية فيي ذلك‪ ،‬إل معاويية فإنيه كان يجييز التفاضيل بيين التيبر‬
‫والمصيوغ لمكان زيادة الصيياغة‪ ،‬وإل ميا روي عين مالك أنيه سيئل‬
‫عن الرجل يأتي دار الضرب بورقه فيعطيهم أجرة الضرب ويأخذ‬
‫منهييم دنانييير ودراهييم وزن ورقييه أو دراهمييه‪ ،‬فقال‪ :‬إذا كان ذلك‬
‫لضرورة خروج الرف قة ونحو ذلك فأر جو أن ل يكون به بأس‪ ،‬وبه‬
‫قال ابين القاسيم مين أصيحابه‪ ،‬وأنكير ذلك ابين وهيب مين أصيحابه‬
‫وعيسييييييى بيييييين دينار وجمهور العلماء‪ .‬وأجاز مالك بدل الدينار‬
‫الناقيص بالوازن أو بالديناريين على اختلف بيين أصيحابه فيي العدد‬
‫الذي يجوز فيه ذلك من الذي ل يجوز على جهة المعروف‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) اختلف العلماء فييي السيييف والمصييحف‬
‫المحلى يباع بالفضة وفيه حلية فضة‪ ،‬أو بالذهب وفيه حلية ذهب‪،‬‬
‫فقال الشافعيي‪ :‬ل يجوز ذلك لجهيل المماثلة المشترطية فيي بييع‬
‫الفضيية بالفضيية فييي ذلك والذهييب بالذهييب‪ ،‬وقال مالك‪ :‬إن كان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قيمية ميا فييه مين الذهيب أو الفضية الثلث فأقيل جاز بيعيه‪ ،‬أعنيي‬
‫بالفضة إن كانت حليته فضة‪ ،‬أو بالذهب إن كانت حليته ذهبا وإل‬
‫لم يجيز‪ ،‬وكأنيه رأى أنيه إذا كانيت الفضية قليلة لم تكين مقصيودة‬
‫في البيع وصارت كأنها هبة؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬لبأس ببيع‬
‫السيف المحلى بالفضة إذا كانت الفضة أكثر من الفضة التي في‬
‫السيف‪ ،‬وكذلك المر في بيع السيف المحلى بالذهب‪ ،‬لنهم رأوا‬
‫أن الفضية التيي فييه أو الذهيب يقابيل مثله مين الذهيب أو الفضية‬
‫المشتراة به‪ ،‬ويبقى الفضل قيمة السيف‪ .‬وحجة الشافعي عموم‬
‫الحادييث والنيص الوارد فيي ذلك مين حدييث فضالة بين عبيد الله‬
‫النصياري أنيه قال "أتيى رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم وهيو‬
‫بخيبر بقلدة فيها ذهب وخرز وهي من المغانم تباع‪ ،‬فأمر رسول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم بالذهيب الذي فيي القلدة ينزع وحده‪،‬‬
‫ثيم قال لهيم رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬الذهيب بالذهيب‬
‫وزنيا بوزن" خرجيه مسيلم‪ .‬وأميا معاويية كميا قلنيا فأجاز ذلك على‬
‫الطلق‪ ،‬وقد أنكره عليه أبو سعيد وقال‪ :‬ل أسكن في أرض أنت‬
‫فيها لما رواه من الحديث‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثالثة) اتفق العلماء على أن من شرط الصرف أن‬
‫يقيع ناجزا‪ .‬واختلفوا فيي الزمان الذي يحيد هذا المعنيى‪ ،‬فقال أبيو‬
‫حنيفية والشافعيي‪ :‬الصيرف يقيع ناجزا ميا لم يفترق المتصيارفان‬
‫تعجيل أو تأخير القبيض؛ وقال مالك‪ :‬إن تأخير القبيض فيي المجلس‬
‫بطييل الصييرف وإن لم يفترقييا حتييى كره المواعدة فيييه‪ .‬وسييبب‬
‫الخلف ترددهيم فيي مفهوم قوله علييه الصيلة والسيلم "إل هاء‬
‫وهاء" وذلك أن هذا يختلف بالقيييل والكثييير؛ فمييين رأى أن هذا‬
‫اللفيظ صيالح لمين لم يفترق مين المجلس‪ ،‬أعنيي أنيه يطلق علييه‬
‫أنييه باع هاء وهاء قال‪ :‬يجوز التأخييير فييي المجلس؛ وميين رأى أن‬
‫اللفظ ل يصح إل إذا وقع القبض من المتصارفين على الفور قال‪:‬‬
‫إن تأخير القبيض عين العقيد فيي المجلس بطيل الصيرف لتفاقهيم‬
‫على هذا المعنيى لم يجز عندهيم فيي الصرف حوالة ول حمالة ول‬
‫خيار‪ ،‬إل ميا حكيي عين أبيي ثور أنيه أجاز فييه الخيار‪ .‬واختلف فيي‬
‫المذهييب فييي التأخييير الذي يغلب عليييه المتصييارفان أو أحدهمييا‪،‬‬
‫فمرة قييل فييه إنيه مثيل الذي يقيع بالختيار‪ ،‬ومرة قييل إنيه لييس‬
‫كذلك فييي تفاصيييل لهييم فييي ذلك ليييس قصييدنا ذكرهييا فييي هذا‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الرابعيية) اختلف العلماء فيميين اصييطرف دراهييم‬
‫بدنانيير ثيم وجيد فيهيا درهميا زائفيا‪ ،‬فأراد رده‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ينتقيض‬
‫الصيرف‪ ،‬وإن كانيت دنانيير كثيرة انتقيض منهيا دينار للدرهيم فميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فوقييه إلى صييرف الدينار‪ ،‬فإن زاد درهييم على دينار انتقييض منهيا‬
‫دينار آخير‪ ،‬وهكذا ميا بينيه وبيين أن ينتهيي إلى صيرف دينار‪ .‬قال‪:‬‬
‫وإن رضي بالدرهم الزائف لم يبطل من الصرف شيء‪ .‬وقال أبو‬
‫حنيفيية‪ :‬ل يبطييل الصييرف بالدرهييم الزائف‪ ،‬ويجوز تبديله إل أن‬
‫تكون الزيوف نصف الدراهم أو أكثر‪ ،‬فإن ردها بطل الصرف في‬
‫المردود‪ .‬وقال الثوري‪ :‬إذا رد الزيوف كان مخيرا إن شاء أبدلهيييا‬
‫أو يكون شريكا له بقدر ذلك في الدنانير‪ :‬أعني لصاحب الدنانير‪.‬‬
‫وقال أحمد‪ :‬ل يبطل الصرف بالرد قليل كان أو كثيرا‪ .‬وابن وهب‬
‫مين أصيحاب مالك يجييز البدل فيي الصيرف‪ ،‬وهيو مبنيي على أن‬
‫الغلبيية على النظرة فييي الصييرف ليييس لهييا تأثييير ول سيييما فييي‬
‫البعيض وهيو أحسين‪ .‬وعين الشافعيي فيي بطلن الصيرف بالزيوف‬
‫قولن‪ ،‬فيتحصيل لفقهاء المصيار فيي هذه المسيألة أربعية أقوال‪:‬‬
‫قول بإبطال الصيييرف مطلقيييا عنيييد الرد؛ وقول بإثبات الصيييرف‬
‫ووجوب البدل؛ وقول بالفرق بيين القلييل والكثيير؛ وقول بالتخييير‬
‫بيين بدل الزائف أو يكون شريكيا له‪ .‬وسيبب الخلف فيي هذا كله‪:‬‬
‫هيل الغلبية على التأخيير فيي الصيرف مؤثرة فييه أو غيير مؤثرة؟‬
‫وإن كا نت مؤثرة فهل هي مؤثرة فيي القليل أو فيي الكثير؟ وأما‬
‫وجود النقصيان فإن المذهيب اضطرب فييه‪ ،‬فمرة قال فييه إنيه إن‬
‫رضييي بالنقصييان جاز الصييرف‪ ،‬وإن طلب البدل انتقييض الصييرف‬
‫قياسا على الزيوف‪ ،‬ومرة قال‪ :‬يبطل الصرف وإن رضي به‪ ،‬وهو‬
‫ضعيف‪ .‬واختلفوا أيضا إذا قبض بعض الصرف وتأخر بعضه‪ ،‬أعني‬
‫الصرف المنعقد على التناجز‪ ،‬فقيل يبطل الصرف كله‪ ،‬وبه قال‬
‫الشافعيي؛ وقييل يبطيل منيه المتأخير فقيط‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية‬
‫ومحمييد وأبييو يوسييف‪ ،‬والقولن فييي المذهييب؛ ومبنييي الخلف‬
‫الخلف فييي الصييفقة الواحدة يخالطهييا حرام وحلل هييل تبطييل‬
‫الصفقة كلها‪ ،‬أو الحرام منها فقط؟‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الخامسيية) أجمييع العلماء على أن المراطلة جائزة‬
‫في الذهب بالذهب وفي الفضة بالفضة‪ ،‬وإن اختلف العدد لتفاق‬
‫الوزن‪ ،‬وذلك إذا كانيييت صيييفة الذهيييبين واحدة‪ .‬واختلفوا فيييي‬
‫المراطلة في موضعين‪ :‬أحدهما أن تختلف صفة الذهبين‪ .‬والثاني‬
‫أن ينقييص أحييد الذهييبين عيين الخيير‪ ،‬فيريييد الخيير أن يزيييد بذلك‬
‫عرضييا أو دراهييم إن كانييت المراطلة بذهييب‪ ،‬أو ذهبييا إن كانييت‬
‫المراطلة بدراهيم‪ ،‬فذهيب مالك‪ ،‬أميا فيي الموضيع الول‪ ،‬وهيو أن‬
‫يختلف جنيس المراطيل بهميا فيي الجودة والرداءة أ نه متيى راطيل‬
‫بأحدهميا بصينف مين الذهيب الواحيد وأخرج الخير ذهيبين‪ ،‬أحدهميا‬
‫أجود من ذلك الصنف الواحد والخر أردأ‪ ،‬فإن ذلك عنده ل يجوز‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وإن كان الصينف الواحيد مين الذهيبين‪ ،‬أعنيي الذي أخرجيه وحده‬
‫أجود من الذهبين المختلفين اللذين أخرجهما الخر أو أردأ منهما‬
‫معييا‪ ،‬أو مثييل أحدهمييا وأجود ميين الثانييي جازت المراطلة عنده‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬إذا اختلف الذهبان فل يجوز ذلك‪ .‬وقال أبو حنيفة‬
‫وجميع الكوفيين والبصريين يجوز جميع ذلك‪ .‬وعمدة مذهب مالك‬
‫فيي منعيه ذلك التهام‪ ،‬وهيو مصيير إلى القول بسيد الذرائع‪ ،‬وذلك‬
‫أنه يتهم أن يكون المراطل إنما قصد بذلك بيع الذهبين متفاضل‪،‬‬
‫فكأنه أعطى جزءا من الوسط بأكثر منه من الردأ‪ ،‬أو بأقل منه‬
‫ميين العلى‪ ،‬فيتذرع ميين ذلك إلى بيييع الذهييب بالذهييب متفاضل‪،‬‬
‫مثال ذلك أن إنسيانا قال لخير‪ :‬خيذ منيي خمسية وعشريين مثقال‬
‫وسطا بعشرين من العلى‪ ،‬فقال‪ :‬ل يجوز هذا لنا‪ ،‬ولكن أعطيك‬
‫عشرين من العلى وعشرة أدنى من ذهبك‪ ،‬وتعطيني أنت ثلثين‬
‫مين الوسيط‪ ،‬فتكون العشرة الدنيى يقابلهيا خمسية مين ذهبيك‪،‬‬
‫ويقابيل العشريين مين ذهيب الوسيط العشريين مين ذهبيك العلى‪.‬‬
‫وعمدة الشافعي اعتبار التفاضل الموجود في القيمة‪ .‬وعمدة أبي‬
‫حنيفيية اعتبار وجود الوزن ميين الذهييبين ورد القول بسييد الذرائع‪.‬‬
‫وكمثل اختلفهم في المصارفة التي تكون بالمراطلة اختلفوا في‬
‫هذا الموضيع فيي المصيارفة التيي تكون بالعدد‪ ،‬أعنيي إذا اختلفيت‬
‫جودة الذهييبين أو الذهاب‪ .‬وأمييا اختلفهييم إذا نقصييت المراطلة‪،‬‬
‫فأراد أحدهميا أن يزييد شيئا آخير مميا فييه الربيا‪ ،‬أو مميا ل ربيا فييه‪،‬‬
‫فقرييب مين هذا الختلف‪ ،‬مثيل أن يراطيل أحدهميا صياحبه ذهيب‬
‫بذهب‪ ،‬فينقص أحد الذهبين عن الخر‪ ،‬فيريد الذي نقص ذهبه أن‬
‫يعطييي عوض الناقييص دراهييم أو عرضييا‪ ،‬فقال مالك والشافعييي‬
‫والليييث‪ :‬إن ذلك ل يجوز والمراطلة فاسييدة؛ وأجاز ذلك كله أبييو‬
‫حنيفييية والكوفيون‪ .‬وعمدة الحنفيييية تقديييير وجود المماثلة مييين‬
‫الذهبين وبقاء الفضل مقابل العرض‪ .‬وعمدة مالك التهمة في أن‬
‫يقصيد بذلك بييع الذهيب بالذهيب متفاضل‪ .‬وعمدة الشافعيي عدم‬
‫المماثلة بالكيييييل أو الوزن أو العدد الذي بالفضييييل‪ ،‬ومثييييل هذا‬
‫يختلفون إذا كانت المصارفة بالعدد‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة السادسة) واختلفوا في الرجلين يكون لحدهما على‬
‫صياحبه دنانيير وللخير علييه دراهيم‪ ،‬هيل يجوز أن يتصيارفاها وهيي‬
‫فيي الذمية؟ فقال مالك‪ :‬ذلك جائز إذا كانيا قيد حل معيا؛ وقال أبيو‬
‫حنيفة يجوز في الحال وفي غير الحال؛ وقال الشافعي والليث‪ :‬ل‬
‫يجوز ذلك حل أو لم يحل‪ .‬وحجيية ميين لم يجزه أنييه غائب بغائب‪،‬‬
‫وإذا لم يجيز غائب بناجيز كان أحرى أن ل يجوز غائب بغائب‪ .‬وأميا‬
‫مالك فأقام حلول الجلييين فييي ذلك مقام الناجييز بالناجييز‪ ،‬وإنمييا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اشترط أن يكونا حالين معا‪ ،‬لئل يكون ذلك من بيع الدين بالدين‪.‬‬
‫وبقول الشافعيي قال ابين وهيب وابين كنانية مين أصيحاب مالك؛‬
‫وقريب من هذا اختلفهم في جواز الصرف على ما ليس عندهما‬
‫إذا دفعه أحدهما إلى صاحبه قبل الفتراق مثل أن يستقرضاه في‬
‫المجلس فتقابضاه قبيل الفتراق فأجاز ذلك الشافعيي وأبيو حنيفية‬
‫وكرهيه ابين القاسيم مين الطرفيين واسيتخفه مين الطرف الواحيد‪،‬‬
‫أعنيي إذا كان أحدهميا هيو المسيتقرض فقيط‪ .‬وقال زفير‪ :‬ل يجوز‬
‫ذلك إل أن يكون مين طرف واحيد‪ .‬ومين هذا الباب اختلفهيم فيي‬
‫الرجل يكون له على الرجل دراهم إلى أجل هل يأخذ فيها إذا حل‬
‫الجيييل ذهبيييا أو بالعكيييس؟ فذهيييب مالك إلى جواز ذلك إذا كان‬
‫القبيض قبيل الفتراق‪ ،‬وبه قال أ بو حنيفية إل أنيه أجاز ذلك وإن لم‬
‫يحيل الجيل ولم يجيز ذلك جماعية مين العلماء‪ ،‬سيواء كان الجيل‬
‫حال أو لم يكين‪ ،‬وهيو قول ابين عباس وابين مسيعود‪ .‬وحجية مين‬
‫أجاز ذلك حديييث ابيين عميير قال "كنييت أبيييع البييل بالبقيييع‪ ،‬أبيييع‬
‫بالدنانير وآخذ الدراهم‪ ،‬وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير‪ ،‬فسألت عن‬
‫ذلك رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فقال‪" :‬ل بأس بذلك إذا‬
‫كان بسعر يومه" خرجه أبو داود‪ .‬وحجة من لم يجزه ما جاء في‬
‫حديث أبي سعيد وغيره "ول تبيعوا منها غائبا بناجز"‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة السابعة) اختلف في البيع والصرف في مذهب مالك‬
‫فقال‪ :‬إنيه ل يجوز إل أن يكون أحدهميا الكثير والخير تبيع لصياحبه‪،‬‬
‫وسيواء كان الصيرف فيي دينار واحيد أو فيي دنانيير؛ وقييل إن كان‬
‫الصيرف فيي دينار واحيد جاز كيفميا وقيع‪ ،‬وإن كان فيي أكثير اعتيبر‬
‫كون أحدهميا تابعيا للخير فيي الجواز‪ ،‬فإن كانيا معيا مقصيودين لم‬
‫يجيز‪ ،‬وأجاز أشهيب الصيرف والبييع وهيو أجود‪ ،‬لنيه لييس فيي ذلك‬
‫ما يؤدي إلى ربا ول إلى غرر‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب السلم‬
‫@‪-‬وفيييييي هذا الكتاب ثلثييييية أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬فيييييي محله‬
‫وشروطيه‪ .‬الباب الثانيي‪ :‬فيميا يجوز أن يقتضيي مين المسيلم إلييه‬
‫بدل مييا انعقييد عليييه السييلم‪ ،‬ومييا يعرض فييي ذلك ميين القالة‬
‫والتعجيل والتأخير‪ .‬الباب الثالث‪ :‬في اختلفهم في السلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في محله وشروطه‪.‬‬
‫@‪-‬أ ما محله‪ ،‬فإنهم اجمعوا على جوازه فيي كل ما يكال أو يوزن‬
‫لميا ثبيت مين حدييث ابين عباس المشهور قال "قدم النيبي صيلى‬
‫الله عليه وسلم المدينة وهم يسلمون في التمر السنتين والثلث‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬من أسلف فليسلف في‬
‫ثمين معلوم ووزن معلوم إلى أجيل معلوم" واتفقوا على امتناعيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيميا ل يثبيت فيي الذمية‪ ،‬وهيي الدور والعقار‪ .‬وأميا سيائر ذلك مين‬
‫العروض والحيوان فاختلفوا فيها‪ ،‬فمنع ذلك داود وطائفة من أهل‬
‫الظاهير مصييرا إلى ظاهير هذا الحدييث‪ .‬والجمهور على أنيه جائز‬
‫فيي العروض التي تنضبط بالصفة والعدد‪ .‬واختلفوا من ذلك فيما‬
‫ينضبط مما ل ينضبط بالصفة‪ ،‬فمن ذلك الحيوان والرقيق‪ ،‬فذهب‬
‫مالك والشافعييي والوزاعييي والليييث إلى أن السييلم فيهمييا جائز‪،‬‬
‫وهيو قول ابين عمير مين الصيحابة‪ .‬وقال أبيو حنيفية والثوري وأهيل‬
‫العراق‪ :‬ل يجوز السلم في الحيوان‪ ،‬وهو قول ابن مسعود‪ .‬وعن‬
‫عمير فيي ذلك قولن‪ .‬وعمدة أهيل العراق فيي ذلك ميا روي عين‬
‫ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في‬
‫الحيوان" وهذا الحدييث ضعييف عنيد الفرييق الول‪ .‬وربميا احتجوا‬
‫أيضا بنهيه عليه الصلة والسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة‪.‬‬
‫وعمدة مين أجاز السيلم فيي الحيوان ميا روي عين ابين عمير "أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أمره أن يجهيز جيشيا‪ ،‬فنفذت‬
‫البيل‪ ،‬فأمره أن يأخيذ على قلص الصيدقة‪ ،‬فأخيذ البعيير بالبعيريين‬
‫إلى إبيل الصيدقة" وحدييث أبيي رافيع أيضيا "أن النيبي صيلى الله‬
‫علييه وسيلم اسيتسلف بكرا" قالوا‪ :‬وهذا كله يدل على ثبوتيه فيي‬
‫الذميية‪ .‬فسييبب اختلفهييم شيئان‪ :‬أحدهمييا تعارض الثار فييي هذا‬
‫المعنى‪ .‬والثاني تردد الحيوان بين أن يضبط بالصفة أو ل يضبط‪،‬‬
‫فمن نظر إلى تباين الحيوان في الخلق والصفات وبخاصة صفات‬
‫النفييس قال‪ :‬ل تنضبييط؛ وميين نظيير إلى تشابههييا قال‪ :‬تنضبييط‪.‬‬
‫ومنهيا اختلفهيم فيي البييض والدر وغيير ذلك‪ ،‬فلم يجيز أبيو حنيفية‬
‫السيلم فيي البييض وأجازه مالك بالعدد‪ ،‬وكذلك فيي اللحيم أجازه‬
‫مالك والشافعيي‪ ،‬ومنعيه أبيو حنيفية؛ وكذلك السيلم فيي الرءوس‬
‫والكارع‪ ،‬أجازه مالك‪ ،‬ومنعييه أبييو حنيفيية‪ .‬واختلف فييي ذلك قول‬
‫أبيي حنيفية والشافعيي؛ وكذلك السيلم فيي الدر والفصيوص‪ ،‬أجازه‬
‫مالك‪ ،‬ومنعييه الشافعييي‪ ،‬وقصييدنا ميين هذه المسييائل إنمييا هييو‬
‫الصيييول الضابطييية للشريعييية ل إحصييياء الفروع‪ ،‬لن ذلك غيييير‬
‫منحصر‪.‬‬
‫(وأمييا شروطييه) فمنهييا مجمييع عليهييا ومنهييا مختلف فيهييا‪ ،‬فأمييا‬
‫المجمع عليها فهي ستة‪ :‬منها أن يكون الثمن والمثمون مما يجوز‬
‫فييه الن َّيساء‪ ،‬وامتناعيه فيميا ل يجوز فييه الن َّيساء‪ ،‬وذلك إميا اتفاق‬
‫المنافع على ما يراه مالك رحمه الله‪ ،‬وإما اتفاق الجنس على ما‬
‫يراه أبييو حنيفيية‪ ،‬وإمييا اعتبار الطعييم مييع الجنييس على مييا يراه‬
‫الشافعيي فيي علة الن َّيساء‪ .‬ومنهيا أن يكون مقدرا إميا بالكييل أو‬
‫بالوزن أو بالعدد إن كان مميا شأنيه أن يلحقيه التقديير‪ ،‬أو منضبطيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالصفة إن كان مما المقصود منه الصفة‪ .‬ومنها أن يكون موجودا‬


‫عند حلول الجل‪ .‬ومنها أن يكون الثمن غير مؤجل أجل بعيدا‪ ،‬لئل‬
‫يكون ميين باب الكالئ بالكالئ‪ ،‬هذا فييي الجملة‪ .‬واشترطوا فييي‬
‫اشتراط اليوميين والثلثية فيي تأخيير نقيد الثمين بعيد اتفاقهيم على‬
‫أن ل يجوز فيييي المدة الكثيرة ول مطلقيييا‪ ،‬فأجاز مالك اشتراط‬
‫تأخيير اليوميين والثلثية‪ ،‬وأجاز تأخيره بل شرط‪ .‬وذهيب أبيو حنيفية‬
‫إلى أن مين شرطيه التقابيض فيي المجلس كالصيرف‪ ،‬فهذه سيتة‬
‫متفق عليها‪ .‬واختلفوا في أربعة‪ :‬أحدها الجل‪ ،‬هل هو شرط فيه‬
‫أم ل؟ والثانييي هييل ميين شرطييه أن يكون جنييس المسييلم فيييه‬
‫موجودا فيي حال عقيد السيلم أم ل؟‪ .‬والثالث اشتراط مكان دفيع‬
‫المسلم فيه‪ .‬والرابع أن يكون الثمن مقدرا إما مكيل وإما موزونا‬
‫وإميا معدودا وأن ل يكون جزافيا‪ .‬فأميا الجيل فإن أبيا حنيفية هيو‬
‫عنده شرط صحة بل خلف عنه في ذلك؛ وأما مالك فالظاهر من‬
‫مذهبه‪ ،‬والمشهور عنه أنه من شرط السلم‪ ،‬وقد قيل إنه يتخرج‬
‫ل‪ .‬وأميا اللخميي فإنيه‬‫مين بعيض الروايات عنيه جواز السيلم الحا ّ‬
‫فصيل المير فيي ذلك فقال‪ :‬إن السيلم فيي المذهيب يكون على‬
‫ل‪ ،‬وهيو الذي يكون مين شأنيه بييع تلك السيلعة‬ ‫ضربيين‪ :‬سيلم حا ّ‬
‫وسييلم مؤجييل‪ ،‬وهييو الذي يكون مميين ليييس ميين شأنييه بيييع تلك‬
‫السييلعة‪ .‬وعمدة ميين اشترط الجييل شيئان‪ :‬ظاهيير حديييث ابيين‬
‫عباس؛ والثانيي أنيه إذا لم يشترط فييه الجيل كان مين باب بييع ميا‬
‫لييس عنيد البائع المنهيي عنيه‪ .‬وعمدة الشافعيي أنيه إذا أجاز ميع‬
‫الجل فهو حال أجوز لنه أقل غررا‪ ،‬وربما استدلت الشافعية بما‬
‫روي "أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم اشترى جمل مين أعرابيي‬
‫بوسيق تمير‪ ،‬فلميا دخيل البييت لم يجيد التمير‪ ،‬فاسيتقرض النيبي‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم تمرا وأعطاه إياه" قالوا‪ :‬فهذا هييو شراء‬
‫ل بتمر في الذمة‪ ،‬وللمالكية من طريق المعنى أن السلم إنما‬ ‫حا ّ‬
‫جوز لموضييع الرتفاق‪ ،‬ولن المسييلف يرغييب فييي تقديييم الثميين‬
‫لسييترخاص المسييلم فيييه‪ ،‬والمسييلم إليييه يرغييب فيييه لموضييع‬
‫النسيييئة‪ ،‬وإذا لم يشترط الجييل زال هذا المعنييى‪ .‬واختلفوا فييي‬
‫الجيل فيي موضعيين‪ :‬أحدهميا هيل يقدر بغيير اليام والشهور مثيل‬
‫الجذاذ والقطاف والحصياد والموسيم؟‪ .‬والثانيي فيي مقداره مين‬
‫اليام‪ .‬وتحصييل مذهيب مالك فيي مقداره مين اليام أن المسيلم‬
‫فيييه على ضربييين‪ :‬ضرب يقتضييي بالبلد المسييلم فيييه‪ ،‬وضرب‬
‫يقتضييي بغييير البلد الذي وقييع فيييه السييلم؛ فإن اقتضاه فييي البلد‬
‫المسلم فيه‪ ،‬فقال ابن القاسم‪ :‬إن المعتبر في ذلك أجل تختلف‬
‫فييه السيواق‪ ،‬وذلك خمسية عشير يوميا أو نحوهيا‪ .‬وروي عين ابين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وهيب عين مالك أنيه يجوز اليوميين والثلثية؛ وقال ابين عبيد الحكيم‪:‬‬
‫ل بأس به إلى اليوم الواحد‪ .‬وأما ما يقتضي ببلد آخر‪ ،‬فإن الجل‬
‫عندهيم فييه هيو قطيع المسيافة التيي بيين البلديين قلت أم كثرت‪،‬‬
‫وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يكون أقيل مين ثلثية أيام؛ فمين جعيل الجيل‬
‫شرطيا غيير معلل اشترط منيه أقيل ميا ينطلق علييه السيم؛ ومين‬
‫جعله شرطيا معلل باختلف السيواق اشترط مين اليام ميا تختلف‬
‫فيه السواق غالبا‪ .‬وأما الجل إلى الجذاذ والحصاد وما أشبه ذلك‬
‫فأجازه مالك ومنعيه أبيو حنيفية والشافعيي؛ فمين رأى أن الختلف‬
‫الذي يكون فيييييي أمثال هذه الجال يسيييييير أجاز ذلك‪ ،‬إذ الغرر‬
‫اليسيير معفيو عنيه فيي الشرع‪ ،‬وشبهيه بالختلف الذي يكون فيي‬
‫الشهور من قبل الزيادة والنقصان؛ ومن رأى أنه كثير‪ ،‬وأنه أكثر‬
‫ميين الختلف الذي يكون ميين قبييل نقصييان الشهور وكمالهييا لم‬
‫يجزه‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي هيل مين شرط السيلم أن يكون جنيس‬
‫المسيلم فييه موجودا فيي حيين عقيد السيلم‪ ،‬فإن مالكيا والشافعيي‬
‫وأحمييد وإسييحاق وأبييا ثور لم يشترطوا ذلك وقالوا‪ :‬يجوز السييلم‬
‫في غير وقت إبانه‪ .‬وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والوزاعي‪:‬‬
‫ل يجوز السيلم إل فيي إبان الشييء المسيلم فييه‪ .‬فحجية مين لم‬
‫يشترط البان ميييا ورد فيييي حدييييث ابييين عباس أن الناس كانوا‬
‫يسيلمون فيي التمير السينتين والثلث فأقروا على ذلك ولم ينهوا‬
‫عنه‪ .‬وعمدة الحنفية ما روي من حديث ابن عمر أن النبي صلى‬
‫الله علييه وسيلم قال "ل تسيلموا فيي النخيل حتيى يبدو صيلحها"‬
‫وكأنهم رأوا أن الغرر يكون فيه أكثر إذا لم يكن موجودا في حال‬
‫العقد‪ ،‬وكأنه يشبه بيع ما لم يخلق أكثر‪ ،‬وإن كان ذلك معينا وهذا‬
‫في الذمة‪ ،‬وبهذا فارق السلم بيع ما لم يخلق‪.‬‬
‫(وأميا الشرط الثالث) وهيو مكان القبيض‪ ،‬فإن أبيا حنيفية اشترطيه‬
‫تشبيها بالزمان ولم يشترطه غيره وهم الكثر‪ .‬وقال القاضي أبو‬
‫محمد‪ :‬الفضل اشتراطه‪ .‬وقال ابن المواز‪ :‬ليس يحتاج إلى ذلك‪.‬‬
‫(وأميا الشرط الرابيع) وهيو أن يكون الثمين مقدرا مكيل أو موزونيا‬
‫أو معدودا أو مذروعييا ل جزافييا‪ ،‬فاشترط ذلك أبييو حنيفيية‪ ،‬ولم‬
‫يشترطه الشافعي ول صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫وليييس يحفييظ عيين مالك فييي ذلك نييص‪ ،‬إل أنييه يجوز عنده بيييع‬
‫الجزاف‪ ،‬إل فيمييا يعظييم الغرر فيييه على مييا تقدم ميين مذهبييه‪.‬‬
‫وينبغيي أن تعلم أن التقديير فيي السيلم يكون بالوزن فيميا يمكين‬
‫فيه الوزن‪ ،‬وبالكيل فيما يمكن فيه الكيل‪ ،‬وبالذرع فيما يمكن فيه‬
‫الذرع‪ ،‬وبالعدد فيميا يمكين فييه العدد‪ .‬وإن لم يكين فييه أحيد هذه‬
‫التقديرات انضبييط بالصييفات المقصييودة ميين الجنييس مييع ذكيير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجنيس إن كان أنواعيا مختلفية‪ ،‬أو ميع تركيه إن كان نوعيا واحدا‪،‬‬
‫ولم يختلفوا أن السييلم ل يكون إل فييي الذميية وأنييه ل يكون فييي‬
‫معين؛ وأجاز مالك السلم في قرية معينة إذا كانت مأمونة‪ ،‬وكأنه‬
‫رآها مثل الذمة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثانيي‪ .‬فيميا يجوز أن يقتضيي مين المسيلم إلييه بدل ميا‬
‫انعقييد عليييه السييلم‪ ،‬ومييا يعرض فييي ذلك ميين القالة والتعجيييل‬
‫والتأخير‪.‬‬
‫@‪-‬وفي هذا الباب فروع كثيرة‪ ،‬لكن نذكر منها المشهور‪:‬‬
‫@‪(-‬مسألة) اختلف العلماء فيمن أسلم في شيء من الثمر‪ ،‬فلما‬
‫حل الجل تعذر تسليمه حتى عدم ذلك المسلم فيه وخرج زمانه‪،‬‬
‫فقال الجمهور‪ :‬إذا وقييع ذلك كان المسييلم بالخيار بييين أن يأخييذ‬
‫الثمين أو يصيير إلى العام القابيل‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأبيو حنيفية‬
‫وابين القاسيم؛ وحجتهيم أن العقيد وقيع على موصيوف فيي الذمية‬
‫فهيو باق على أصيله‪ ،‬ولييس مين شرط جوازه أن يكون مين ثمار‬
‫هذه السنة‪ ،‬وإنما هو شيء شرطه المسلم فهو في ذلك بالخيار‪.‬‬
‫وقال أشهيب مين أصيحاب مالك‪ :‬ينفسيخ السيلم ضرورة ول يجوز‬
‫التأخيير‪ ،‬وكأنيه رآه مين باب الكالئ بالكالئ‪ .‬وقال سيحنون‪ :‬لييس‬
‫له أخذ الثمن‪ ،‬وإنما له أن يصبر إلى القابل‪ ،‬واضطرب قول مالك‬
‫فييي هذا والمعتمييد عليييه فييي هذه المسييألة مييا رآه أبييو حنيفيية‬
‫والشافعيي وا بن القاسم‪ ،‬وهيو الذي اختاره أبيو بكير الطرطوشيي‪،‬‬
‫والكالئ بالكالئ المنهييى عنييه إنمييا هييو المقصييود‪ ،‬ل الذي يدخييل‬
‫اضطرارا‪.‬‬
‫@‪(-‬مسيألة) اختلف العلماء فيي بييع المسيلم فييه إذا حان الجيل‬
‫من المسلم إليه قبل قبضه؛ فمن العلماء من لم يجز ذلك أصل‪،‬‬
‫وهم القائلون بأن كل شيء ل يجوز بيعه قبل قبضه‪ ،‬وبه قال أبو‬
‫حنيفيية وأحمييد وإسييحاق‪ .‬وتمسييك أحمييد وإسييحاق فييي منييع هذا‬
‫بحدييث عطيية العوفيي عين أبيي سيعيد الخدري قال‪ :‬قال رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم "مين أسيلم فيي شييء فل يصيرفه فيي‬
‫غيره"‪ .‬وأميا مالك فإنيه منيع شراء المسيلم فييه قبيل قبضيه فيي‬
‫موضعييين‪ :‬أحدهمييا إذا كان المسييلم فيييه طعامييا‪ ،‬وذلك بناء على‬
‫مذهبه في أن الذي يشترطه في بيعه القبض هو الطعام على ما‬
‫جاء علييه النيص فيي الحدييث‪ .‬والثانيي إذا لم يكين المسيلم فييه‬
‫طعاميا فأخيذ عوضيه المسيلم ميا ل يجوز أن يسيلم فييه رأس ماله‬
‫مثل أن يكون المسلم فيه عرضا والثمن عرضا مخالفا له فيأخذ‬
‫المسييلم ميين المسييلم إليييه إذا حان الجييل شيئا ميين جنييس ذلك‬
‫العرض الذي هيو الثمين‪ ،‬وذلك أن هذا يدخله إميا سيلف وزيادة إن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كان العرض المأخوذ أكثييير مييين رأس مال السيييلم‪ ،‬وإميييا ضمان‬
‫وسيييلف إن كان مثله أو أقيييل‪ .‬وكذلك إن كان رأس مال السييلم‬
‫طعاما لم يجز أن يأخذ فيه طعاما آخر أكثر‪ ،‬ل من جنسه ول من‬
‫غير جنسه‪ ،‬فإن كان مثل طعامه في الجنس والكيل والصفة فيما‬
‫حكاه عبيييد الوهاب جاز‪ ،‬لنيييه يحمله على العروض‪ ،‬وكذلك يجوز‬
‫عنده أن يأخذ من الطعام المسلم فيه طعاما من صفته وإن كان‬
‫أقل جودة‪ ،‬لنه عنده من باب البدل في الدنانير‪ .‬والحسان مثل‬
‫أن يكون له عليه قمح فيأخذ بمكيلته شعيرا‪ ،‬وهذا كله من شرطه‬
‫عنيد مالك أن ل يتأخير القبيض لنيه يدخله الديين بالديين‪ .‬وإن كان‬
‫رأس مال السيلم عينيا وأخيذ المسيلم فييه عينيا مين جنسيه جاز ميا‬
‫لم يكن أكثر منه‪ ،‬ولم يتهمه على بيع العين بالعين نسيئة إذا كان‬
‫مثله أو أقيل‪ ،‬وإن أخيذ دراهيم فيي دنانيير لم يتهميه على الصيرف‬
‫المتأخير‪ ،‬وكذلك إن أخيذ فييه دنانيير مين غيير صينف الدنانيير التيي‬
‫هيي رأس مال السيلم‪ .‬وأميا بييع السيلم مين غيير المسيلم إلييه‪،‬‬
‫فيجوز بكل شيء يجوز التبايع به ما لم يكن طعاما‪ ،‬لنه ل يدخله‬
‫بيع الطعام قبل قبضه‪ .‬وأما القالة فمن شرطها عند مالك أن ل‬
‫يدخلها زيادة ول نقصان‪ ،‬فإن دخلها زيادة أو نقصان كان بيعا من‬
‫البيوع ودخلهيا ميا يدخيل البيوع‪ ،‬أعنيي أنهيا تفسيد عنده بميا يفسيد‬
‫بيوع الجال مثيل أن يتذرع إلى بييع وسيلف‪ ،‬أو إلى‪ :‬ضيع وتعجيل‪،‬‬
‫أو إلى بيييع السييلم بمييا ل يجوز بيعييه‪ .‬مثال ذلك فييي دخول بيييع‬
‫وسيلف بيه إذا حيل الجيل‪ ،‬فأقاله على أن أخيذ البعيض وأقال مين‬
‫البعييض فإنييه ل يجوز عنده فإنييه يدخله التذرع إلى بيييع وسييلف‪،‬‬
‫وذلك جائز عنيد الشافعيي وأبيي حنيفية‪ ،‬لنهميا ل يقولن بتحرييم‬
‫بيوع الذرائع‪.‬‬
‫@‪(-‬مسييألة) اختلف العلماء فييي الشراء برأس مال السييلم ميين‬
‫المسييلم إليييه شيئا بعييد القالة بمييا ل يجوز قبييل القالة؛ فميين‬
‫العلماء ميين لم يجزه أصييل‪ ،‬ورأى أن القالة ذريعيية إلى أن يجوز‬
‫من ذلك ما ل يجوز‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه‪،‬‬
‫إل أن عنيد أبيي حنيفية ل يجوز على الطلق‪ ،‬إذ كان ل يجوز عنده‬
‫بييع المسيلم فييه قبيل القبيض على الطلق؛ ومالك يمنيع ذلك فيي‬
‫المواضيع التيي يمنيع بييع المسيلم فييه قبيل القبيض على ميا فصيلناه‬
‫قبيل هذا مين مذهبيه؛ ومين العلماء مين أجازه‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‬
‫والثوري‪ .‬وحجتهيم أن بالقالة قيد ملك رأس ماله‪ ،‬فإذا ملكيه جاز‬
‫له أن يشتري بيه ميا أحيب‪ ،‬والظين الردييء بالمسيلمين غيير جائز‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأما حديث أبي سعيد فإنه إنما وقع النهي فيه قبل القالة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬مسألة) اختلفوا إذا ندم المبتاع في السلم فقال للبائع‪ :‬أقلني‬


‫وأنظرك بالثميين الذي دفعييت إليييك‪ ،‬فقال مالك وطائفيية‪ :‬ذلك ل‬
‫يجوز؛ وقال قوم‪ :‬يجوز؛ واعتييل مالك فييي ذلك مخافيية أن يكون‬
‫المشتري لميا حيل له الطعام على البائع أخره عنيه على أن يقبله‪،‬‬
‫فكان ذلك مين باب بييع الطعام إلى أجيل قبيل أن يسيتوفي؛ وقوم‬
‫اعتلوا لمنيع ذلك بأنيه مين باب فسيخ الديين بالديين؛ والذيين رأوه‬
‫جائزا رأوه أنيه مين باب المعروف والحسيان الذي أمير الله تعالى‬
‫بييه‪ .‬قال رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم "ميين أقال مسييلما‬
‫صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة‪ ،‬ومن أنظر معسرا أظله الله‬
‫في ظله يوم ل ظل إل ظله"‪.‬‬
‫@‪(-‬مسيألة) أجميع العلماء على أنيه كان لرجيل على رجيل دراهيم‬
‫أو دنانيير إلى أجيل فدفعهيا إلييه عنيد محيل الجيل وبعده أنيه يلزميه‬
‫أخذهييا‪ .‬واختلفوا فييي العروض المؤجلة ميين السييلم وغيره‪ ،‬فقال‬
‫مالك والجمهور‪ :‬إن أتيى بهيا قبيل محيل الجيل لم يلزميه أخذهيا‪.‬‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬إن كان مميا ل يتغيير ول يقصيد بيه النظارة لزميه‬
‫أخذه كالنحاس والحديد‪ ،‬وإن كان مما يقصد به النظارة كالفواكه‬
‫لم يلزمييه‪ .‬وأمييا إذا أتييى بييه بعييد محييل الجييل فاختلف فييي ذلك‬
‫أصييحاب مالك فروي عنييه أنييه يلزمييه قبضييه مثييل أن يسييلم فييي‬
‫قطائف الشتاء فيأتي بها في الصيف‪ ،‬فقال ابن وهب وجماعة‪ :‬ل‬
‫يلزميه ذلك‪ .‬وحجية الجمهور فيي أنيه ل يلزميه قبيض العروض قبيل‬
‫محيل الجيل مين قبيل أنيه مين ضمانيه إلى الوقيت المضروب الذي‬
‫ق صده‪ ،‬ول ما كان عليه من المؤنة فيي ذلك‪ ،‬وليس كذلك الدنانير‬
‫والدراهيم‪ ،‬إذ ل مؤنية فيهيا‪ ،‬ومين لم يلزميه بعيد الجيل فحجتيه أنيه‬
‫رأى أن المقصود من العروض إنما كان وقت الجل ل غيره‪ .‬وأمر‬
‫ميين أجاز ذلك فييي الوجهييين‪ ،‬أعنييي بعييد الجييل أو قبله فشبهييه‬
‫بالدنانير والدراهم‪.‬‬
‫@‪(-‬مسييألة) اختلف العلماء فيميين أسييلم إلى آخيير أو باع منييه‬
‫طعاما على مكيلة ما فأخبر البائع أو المسلم إليه المشتري بكيل‬
‫الطعام‪ ،‬هييل للمشتري أن يقبضييه منييه دون أن يكيله وأن يعمييل‬
‫فيي ذلك على تصيديقه؟ فقال مالك‪ :‬ذلك جائز فيي السيلم وفيي‬
‫البييع بشرط النقيد‪ ،‬وإل خييف أن يكون مين باب الربيا‪ ،‬كأنيه إنميا‬
‫صييدقه فييي الكيييل لمكان أنييه أنظره بالثميين‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‬
‫والشافعييي والثوري والوزاعييي والليييث‪ :‬ل يجوز ذلك حتييى يكيله‬
‫البائع للمشتري مرة ثانيييية بعيييد أن كاله لنفسيييه بحضرة البائع‪.‬‬
‫وحجتهم أنه لما كان ليس للمشتري أن يبيعه إل بعد أن يكيله لم‬
‫يكيين له أن يقبضييه إل بعييد أن يكيله البائع له‪ ،‬لنييه لمييا كان ميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شرط البيع الكيل فكذلك القبض واحتجوا بما جاء في الحديث أنه‬
‫عليييه الصييلة والسييلم نهييى عيين بيييع الطعام حتييى يجري فيييه‬
‫الصياعان‪ :‬صياع البائع‪ ،‬وصياع المشتري‪ .‬واختلفوا إذا هلك الطعام‬
‫في يد المشتري قبل الكيل‪ ،‬فاختلفا في الكيل‪ ،‬فقال الشافعي‪:‬‬
‫القول قول المشتري‪ ،‬وبييه قال أبييو ثور؛ وقال مالك‪ :‬القول قول‬
‫البائع لنيه قيد صيدقه المشتري عنيد قبضيه إياه‪ ،‬وهذا مبنيي عنده‬
‫على أن البيع يجوز بنفس تصديقه‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في اختلف المتبايعين في السلم‪.‬‬
‫@‪-‬والمتبايعان فييي السييلم إمييا أن يختلفييا فييي قدر الثميين أو‬
‫المثمون‪ ،‬وإما في جنسهما‪ ،‬وإما في الجل‪ ،‬وإما في مكان قبض‬
‫السيلم‪ .‬فأميا اختلفهيم فيي قدر المسيلم فييه‪ ،‬فالقول فييه قول‬
‫المسلم إليه إن أتى بما يشبه‪ ،‬وإل فالقول أيضا قول المسلم إن‬
‫أتيى أيضيا بميا يشبيه‪ ،‬فإن أتييا بميا ل يشبيه فالقياس أن يتحالفيا‬
‫ويتفاسخا‪ .‬وأما اختلفهم في جنس المسلم فيه‪ ،‬فالحكم في ذلك‬
‫التحالف والتفاسييخ‪ ،‬مثييل أن يقول أحدهمييا‪ :‬أسييلمت فييي تميير‪،‬‬
‫ويقول الخير‪ :‬فيي قميح‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي الجيل فإن كان فيي‬
‫حلوله فالقول قول المسلم إليه‪ ،‬وإن كان في قدره فالقول أيضا‬
‫قول المسلم إليه إل أن يأتي بما ل يشبه‪ ،‬مثل أن يدعي المسلم‬
‫وقيت إبان المسيلم فييه‪ ،‬ويدعيي المسيلم إلييه غيير ذلك الوقيت‪،‬‬
‫فالقول قول المسيييلم‪ .‬وأميييا اختلفهيييم فيييي موضيييع القبيييض‪،‬‬
‫فالمشهور أن من ادعى موضع عقد السلم فالقول قوله‪ ،‬وإن لم‬
‫يدعه واحد منه ما فالقول قول المسلم إليه‪ .‬وخالف سحنون في‬
‫الوجه الول فقال‪ :‬القول قول المسلم إليه وإن ادعى القبض في‬
‫موضيع العقيد وخالف أبيو الفرج فيي الموضيع الثانيي فقال‪ :‬إذا لم‬
‫يدع واحد منهما موضع العقد تحالفا وتفاسخا‪ .‬وأما اختلفهم في‬
‫الثمين فحكميه حكيم اختلف المتبايعيين قبيل القبيض‪ ،‬وقيد تقدم‬
‫ذلك‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب بيع الخيار‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي أصيول هذا الباب‪ ،‬أميا أول فهيل يجوز أم ل؟ وإن‬
‫جاز‪ ،‬فكييم مدة الخيار؟ وهييل يشترط النقدييية فيييه أم ل؟ ومميين‬
‫ضمان المبيع في مدة الخيار؟ وهل يورث الخيار أم ل؟ ومن يصح‬
‫خياره ممين ل يصيح؟ وميا يكون مين الفعال خيارا كالقول؟‪ .‬أميا‬
‫جواز الخيار فعلييه الجمهور‪ ،‬إل الثوري وابين أبيي شبرمية وطائفية‬
‫مين أهييل الظاهير‪ .‬وعمدة الجمهور حديييث حبان بين منقييذ وفيييه‬
‫"ولك الخيار ثلثيا" وميا روي فيي حدييث ابين عمير "البيعان بالخيار‬
‫ما لم يفترقا إل بيع الخيار"‪ .‬وعمدة من منعه أنه غرر وأن الصل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هو اللزوم في البيع إل أن يقوم دليل على جواز البيع على الخيار‬
‫من كتاب الله أو سنة ثابتة أو إجماع‪ .‬قالوا‪ :‬وحديث حبان إما أنه‬
‫ليس بصحيح‪ ،‬وإما أنه خاص لما شكي إليه صلى الله عليه وسلم‬
‫أنيه يخدع فيي البيوع‪ .‬قالوا‪ :‬وأميا حدييث ابين عمير وقوله فييه "إل‬
‫بيع الخيار" فقد فسر المعنى المراد بهذا اللفظ‪ ،‬وهو ما ورد فيه‬
‫مين لفيظ آخير وهيو "أن يقول أحدهميا لصياحبه اختير" وأميا مدة‬
‫الخيار عنييد الذييين قالوا بجوازه فرأى مالك أن ذلك ليييس له قدر‬
‫محدود فييي نفسييه وأنييه إنمييا يتقدر بتقدييير الحاجيية إلى اختلف‬
‫المييييبيعات‪ ،‬وذلك يتفاوت بتفاوت المييييبيعات فقال‪ :‬مثييييل اليوم‬
‫واليومييين فييي اختيار الثوب‪ ،‬والجمعيية والخمسيية أيام فييي اختيار‬
‫الجاريية‪ ،‬والشهير ونحوه فيي اختيار الدار‪ .‬وبالجملة فل يجوز عنده‬
‫الجيل الطوييل الذي فييه فضيل عين اختيار الميبيع‪ .‬وقال الشافعيي‬
‫وأبييو حنيفيية‪ :‬أجييل الخيار ثلثيية أيام ل يجوز أكثيير ميين ذلك‪ .‬وقال‬
‫أحمييد وأبييو يوسييف ومحمييد بيين الحسيين يجوز الخيار لي مدة‬
‫اشترطت‪ ،‬وبه قال داود‪ .‬واختلفوا في الخيار المطلق دون المقيد‬
‫بمدة معلوميية‪ ،‬فقال الثوري والحسيين ابيين جنييي وجماعيية بجواز‬
‫اشتراط الخيار مطلقيييييا ويكون له الخيار أبدا‪ ،‬وقال مالك‪ :‬يجوز‬
‫الخيار المطلق ولكين السيلطان يضرب فييه أجيل مثله‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفييية والشافعيييي ل يجوز بحال الخيار المطلق ويفسيييد البييييع‪.‬‬
‫واختلف أبو حنيفة والشافعي إن وقع الخيار في الثلثة اليام زمن‬
‫الخيار المطلق‪ ،‬فقال أبيو حنيفية‪ :‬إن وقيع فيي الثلثية اليام جاز‪،‬‬
‫وإن مضت الثلثة فسد البييع؛ وقال الشافعي‪ :‬بل هو فاسيد على‬
‫كيل حال‪ ،‬فهذه هيي أقاوييل فقهاء المصيار فيي مدة الخيار‪ ،‬وهيي‬
‫هيل يجوز مطلقيا أو مقيدا؟ وإن جاز مقيدا فكيم مقداره؟ وإن لم‬
‫يجز مطلقا فهل من شرط ذلك أن ل يقع الخيار في الثلث أم ل‬
‫يجوز بحال؟ وإن وقع في الثلث‪.‬‬
‫فأما أدلتهم فإن عمدة من لم يجز الخيار هو ما قلناه‪ .‬وأما عمدة‬
‫من لم يجز الخيار إل ثلثا فهو أن الصل هو أن ل يجوز الخيار فل‬
‫يجوز منه إل ما ورد فيه النص في حديث منقذ بن حبان أو حبان‬
‫بيين منقييذ‪ ،‬وذلك كسييائر الرخييص المسييتثناة ميين الصييول مثييل‬
‫اسييتثناء العرايييا ميين المزابنيية وغييير ذلك‪ .‬قالوا‪ :‬وقييد جاء تحديييد‬
‫الخيار بالثلث في حديث المصراة وهو قوله "من اشترى مصراة‬
‫فهو بالخيار ثلثة أيام" وأما حديث منقذ‪ ،‬فأشبه طرقه المتصلة ما‬
‫رواه محميد ابين إسيحاق عين نافيع عين ابين عمير أن رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم قال لمنقيذ وكان يخدع فيي البييع "إذا بعيت‬
‫فقيل ل خلبية وأنيت بالخيار ثلثيا"‪ .‬وأميا عمدة أصيحاب مالك‪ ،‬فهيو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن المفهوم مييين الخيار هيييو اختيار الميييبيع‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك‬
‫وجيييب أن يكون ذلك محدودا بزمان إمكان اختيار الميييبيع‪ ،‬وذلك‬
‫يختلف بحسب مبيع مبيع‪ ،‬فكأن النص إنما ورد عندهم تنبيها على‬
‫هذا المعنيى‪ ،‬وهيو عندهيم مين باب الخاص أرييد بيه العام‪ ،‬وعنيد‬
‫الطائفة الولى من باب الخاص أريد به الخاص‪.‬‬
‫وأميا اشتراط النقيد فإنيه ل يجوز عنيد مالك وجمييع أصيحابه لتردده‬
‫عندهيم بيين السيلف والبييع‪ ،‬وفييه ضعيف‪ .‬وأميا ممين ضمان الميبيع‬
‫فييي مدة الخيار فإنهييم اختلفوا فييي ذلك‪ ،‬فقال مالك وأصييحابه‬
‫واللييث والوزاعيي‪ :‬مصييبته مين البائع والمشتري أميين‪ ،‬وسيواء‬
‫كان الخيار لهميا أو لحدهميا؛ وقيد قييل فيي المذهيب إنيه إن كان‬
‫هلك بييييد البائع فل خلف فيييي ضمانيييه إياه‪ ،‬وإن كان هلك بييييد‬
‫المشتري فالحكيم كالحكيم فيي الرهين والعاريية إن كان مميا يغاب‬
‫عليه فضمانه منه‪ ،‬وإن كان مما ل يغاب عليه فضمانه من البائع‪.‬‬
‫وقال أبيييو حنيفييية‪ :‬إن كان شرط الخيار لكليهميييا أو للبائع وحده‬
‫فضمانييه ميين البائع والمييبيع على ملكييه‪ ،‬وأمييا إن كان شرطييه‬
‫المشتري وحده فقيد خرج الميبيع عين ملك البائع ولم يدخيل فيي‬
‫ملك المشتري‪ ،‬وبقي معلقا حتى ينقضي الخيار‪ ،‬وقد قيل عنه إن‬
‫على المشتري الثميين‪ ،‬وهذا يدل على أنييه دخييل عنده فييي ملك‬
‫المشتري‪.‬‬
‫وللشافعي قولن‪ :‬أشهرهما أن الضمان من المشتري ليهما كان‬
‫الخيار‪ .‬فعمدة ميين رأى أن الضمان ميين البائع على كييل حال أنييه‬
‫عقيد غيير لزم‪ ،‬فلم ينتقيل الملك عين البائع كميا لو قال بعتيك ولم‬
‫يقيل المشتري قبلت‪ .‬وعمدة مين رأى أنيه مين المشتري تشيبيهه‬
‫بالبيييع اللزم وهييو ضعيييف لقياسييه موضييع الخلف على موضييع‬
‫التفاق‪ .‬وأميييا مييين جعيييل الضمان لمشترط الخيار إذا شرطيييه‬
‫أحدهمييا ولم يشترطييه الثانييي فلنييه إن كان البائع هييو المشترط‬
‫فالخيار له إبقاء للمييييبيع على ملكييييه‪ ،‬وإن كان المشتري هييييو‬
‫المشترط له فقيط فقيد صيرفه البائع مين ملكيه وأبانيه فوجيب أن‬
‫يدخل في ملك المشتري إذا كان المشتري هو الذي شرطه فقط‬
‫قال‪ :‬قيد خرج عين ملك البائع لنيه لم يشترط خيارا ولم يلزم أن‬
‫يدخل في ملك المشتري لنه شرط الخيار في رد الخر له‪ ،‬ولكن‬
‫هذا القول يمانيع الحكيم‪ ،‬فإنيه لبيد أن تكون مصييبته مين أحدهميا‪،‬‬
‫والخلف آييل إلى هيل الخيار مشترط ليقاع الفسيخ فيي البييع أو‬
‫لتتميم البيع‪ ،‬فإذا قلنا لفسخ البيع فقد خرج من ضمان البائع‪ ،‬وإن‬
‫قلنا لتتميمه فهو في ضمانه‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬وأميا المسيألة الخامسية) وهيي هيل يورث خيار الميبيع أم ل؟‬


‫فإن مالكيييا والشافعيييي وأصيييحابهما قالوا‪ :‬يورث‪ ،‬وإنيييه إذا مات‬
‫صاحب الخيار فلورثته من الخيار مثل ما كان له؛ وقال أبو حنيفة‬
‫وأصييحابه‪ :‬يبطييل الخيار بموت ميين له الخيار ويتييم البيييع‪ ،‬وهكذا‬
‫عنده خيار الشفعية وخيار قبول الوصيية وخيار القالة‪ .‬وسيلم لهيم‬
‫أبييو حنيفيية خيار الرد بالعيييب‪ :‬أعنييي أنييه قال يورث‪ ،‬وكذلك خيار‬
‫اسييتحقاق الغنيميية قبييل القسييم وخيار القصيياص وخيار الرهيين‪.‬‬
‫وسييلم لهيم مالك خيار رد الب ميا وهبييه لبنيه‪ ،‬أعنييي أنييه لم يير‬
‫لورثية المييت مين الخيار فيي رد ميا وهبيه لبنيه ميا جعيل له الشرع‬
‫مييين ذلك‪ :‬أعنيييي للب‪ ،‬وكذلك خيار الكتابييية والطلق واللعان‪.‬‬
‫ومعنى خيار الطلق أن يقول الرجل لرجل آخر طلق امرأتي متى‬
‫شئت‪ ،‬فيموت الرجييل المجعول له الخيار‪ ،‬فإن ورثتييه ل يتنزلون‬
‫منزلتيه عنيد مالك‪ .‬وسيلم الشافعيي ميا سيلمت المالكيية للحنفيية‬
‫ميييين هذه الخيارات‪ ،‬وسييييلم زائدا خيار القالة والقبول فقال‪ :‬ل‬
‫يورثان‪ .‬وعمدة المالكيييية والشافعيييية أن الصيييل هيييو أن تورث‬
‫الحقوق والموال إل مييا قام دليييل على مفارقيية الحييق فييي هذا‬
‫المعنى للمال‪ .‬وعمدة الحنفية أن الصل هو أن يورث المال دون‬
‫الحقوق إل ميييا قام دليله مييين إلحاق الحقوق بالموال‪ ،‬فموضيييع‬
‫الخلف هييل الصييل هييو أن تورث الحقوق كالموال أم ل؟ وكييل‬
‫واحد من الفريقين يشبه من هذا ما لم يسلمه له خصمه منها بما‬
‫يسيلمه منهيا له ويحتيج على خصيمه؛ فالمالكيية والشافعيية تحتيج‬
‫على أبيي حنيفية بتسيلميه وراثية خيار الرد بالعييب‪ ،‬ويشبيه سيائر‬
‫الخيارات التييي يورثهييا بييه؛ والحنفييية تحتييج أيضييا على المالكييية‬
‫والشافعيية بميا تمنيع مين ذلك‪ ،‬وكيل واحيد منهيم يروم أن يعطيي‬
‫فارقا فيما يختلف فيه قوله ومشابها فيما يتفق فيه قوله‪ ،‬ويروم‬
‫في قوله خصمه بالضد‪ ،‬أعني أن يعطي فارقا فيما يضعه الخصم‬
‫متفقيا‪ ،‬ويعطيي اتفاقيا فيميا يضعيه الخصيم متباينيا‪ ،‬ومثيل ميا تقول‬
‫المالكيية‪ :‬إنميا قلنيا إن خيار الب فيي رد هبتيه ل يورث‪ ،‬لن ذلك‬
‫خيار راجييع إلى صييفة فييي الب ل توجييد فييي غيره وهييي البوة‪،‬‬
‫فوجييب أن ل تورث ل إلى صييفة فييي العقييد‪ .‬وهذا هييو سييبب‬
‫اختلفهم في خيار خيار‪ ،‬أعني أنه من انقدح له في شيء منها أنه‬
‫صيفة للعقيد ورثيه‪ ،‬ومين انقدح له أنيه صيفة خاصية بذي الخيار لم‬
‫يورثه‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا المسيألة السيادسة) وهيي مين يصيح خياره فإنهيم اتفقوا‬
‫على صيحة خيار المتبايعيين‪ ،‬واختلفوا فيي اشتراط خيار الجنيبي‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يجوز ذلك والبيييع صييحيح؛ وقال الشافعييي فييي أحييد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قوليييه‪ :‬ل يجوز إل أن يوكله الذي جعييل له الخيار ول يجوز الخيار‬


‫عنده على هذا القول لغييير العاقييد‪ ،‬وهييو قول أحمييد؛ وللشافعييي‬
‫قول آخيير مثييل قول مالك‪ ،‬وبقول مالك قال أبييو حنيفيية؛ واتفييق‬
‫المذهيب على أن الخيار للجنيبي إذا جعله له المتبايعان‪ ،‬وأن قوله‬
‫لهما‪ .‬واختلف المذهب إذا جعله أحدهما فاختلف البائع ومن جعل‬
‫له البائع الخيار أو المشتري ومين جعيل له المشتري الخيار‪ ،‬فقييل‬
‫القول في المضاء‪ ،‬والرد قول الجنبي سواء اشترط خياره البائع‬
‫أو المشتري‪ ،‬وقال عكييييس هذا القول ميييين جعييييل خياره هنييييا‬
‫كالمشورة‪ ،‬وقييل بالفرق بيين البائع والمشتري‪ :‬أي أن القول فيي‬
‫المضاء والرد قول البائع دون الجنييييييبي‪ ،‬وقول الجنييييييبي دون‬
‫المشتري إن كان المشتري هيييو المشترط الخيار؛ وقييييل القول‬
‫قول مييييين أراد منهميييييا المضاء‪ ،‬وإن أراد البائع المضاء‪ ،‬وأراد‬
‫الجنيبي الذي اشترط خياره الرد ووافقيه المشتري‪ ،‬فالقول قول‬
‫البائع فييييي المضاء‪ ،‬وإن أراد البائع الرد وأراد الجنييييبي المضاء‬
‫ووافقيييييييه المشتري فالقول قول المشتري؛ وكذلك إن اشتراط‬
‫الخيار للجنييبي المشتري‪ ،‬فالقول فيهمييا قول ميين أراد المضاء‪،‬‬
‫وكذلك الحال فييي المشتري؛ وقيييل بالفرق فييي هذا بييين البائع‬
‫والمشتري‪ :‬أي إن اشترطييه البائع فالقول قول ميين أراد المضاء‬
‫منهميا‪ ،‬وإن اشترطيه المشتري فالقول قول الجنيبي‪ ،‬وهيو ظاهير‬
‫مييا فييي المدونيية‪ ،‬وهذا كله ضعيييف‪ .‬واختلفوا فيميين اشترط ميين‬
‫الخيار ما ل يجوز‪ ،‬مثل أن يشترط أجل مجهول وخيارا فوق الثلث‬
‫عنيد مين ل يجوز الخيار فوق الثلث‪ ،‬أو خيار رجيل بعييد الموضيع‬
‫بعينييه‪ :‬أعنييي أجنبيييا‪ ،‬فقال مالك والشافعييي‪ :‬ل يصييح البيييع وإن‬
‫أسيقط الشرط الفاسيد؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬يصيح البييع ميع إسيقاط‬
‫الشرط الفاسيد‪ ،‬فأصيل الخلف هيل الفسياد الواقيع فيي البييع مين‬
‫قبيل الشرط يتعدى إلى العقيد أم ل يتعدى‪ ،‬وإنميا هيو فيي الشرط‬
‫فقييط؟ فميين قال يتعدى أبطييل البيييع وإن أسييقطه؛ وميين قال ل‬
‫يتعدى قال‪ :‬البيع يصح إذا أسقط الشرط الفاسد لنه يبقى العقد‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب بيع المرابحة‪.‬‬
‫@‪-‬أجمع جمهور العلماء على أن البيع صنفان‪ :‬مساومة ومرابحة؛‬
‫وأن المرابحة هي أن يذكر البائع للمشتري الثمن الذي اشترى به‬
‫السيلعة ويشترط علييه ربحيا ميا للدينار أو الدرهيم‪ .‬واختلفوا مين‬
‫ذلك بالجملة فيي موضعين‪ :‬أحدهما في ما للبائع أن يعده من رأس‬
‫مال السيلعة مميا أنفيق على السيلعة بعيد الشراء مميا لييس له أن‬
‫يعده ميين رأس المال‪ .‬والموضييع الثانييي إذا كذب البائع للمشتري‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فأخيبره أنيه اشتراه بأكثير مميا اشترى السيلعة بيه‪ ،‬أو وهيم فأخيبر‬
‫بأقيل مما اشترى به السيلعة ثيم ظهير له أنيه اشتراهيا بأكثير‪ ،‬ففيي‬
‫هذا الكتاب بحسيييب اختلف فقهاء المصيييار بابان‪ :‬الباب الول‪:‬‬
‫فيميا يعيد مين رأس مال مميا ل يعيد‪ ،‬وفيي صيفة رأس المال الذي‬
‫يجوز أن يبني عليه الربح‪ .‬الثاني‪ :‬في حكم ما وقع من الزيادة أو‬
‫النقصان في خبر البائع بالثمن‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول‪ .‬في ما يعد من رأس المال م ما ل يعد‪ ،‬وفي صفة‬
‫رأس المال الذي يجوز أن يبني عليه الربح‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا ميا يعيد فيي الثمين مميا ل يعيد‪ ،‬فإن تحصييل مذهيب مالك‬
‫فيي ذلك أن ميا ينوب البائع على السيلعة زائدا على الثمين ينقسيم‬
‫ثلثة أقسام‪ :‬قسم يعد في أصل الثمن ويكون له حظ من الربح‪.‬‬
‫وقسم ل يعد في أصل الثمن ول يكون له حظ من الربح‪ .‬وقسم‬
‫ل يعيد فيي أصيل الثمين ول يكون له حيظ مين الربيح‪ .‬فأميا الذي‬
‫يحسيبه فيي رأس المال ويجعيل له حظيا مين الربيح فهيو ميا كان‬
‫مؤثرا فيي عيين السيلعة مثيل الخياطية والصيبغ‪ .‬وأميا الذي يحسيبه‬
‫في رأس المال ول يجعل له حظا من الربح فما ل يؤثر في عين‬
‫السلعة مما ل يمكن البائع أن يتوله بنفسه كحمل المتاع من بلد‬
‫إلى بلد وكراء البيوت التيي توضيع فيهيا‪ .‬وأميا ميا ل يحتسيب فييه‬
‫المرين جميعا‪ ،‬فما ليس له تأثير في عين السلعة مما يمكن أن‬
‫يتوله صاحب السلعة بنفسه كالسمسرة والطي والشد‪ .‬وقال أبو‬
‫حنيفية‪ :‬بيل يحميل على ثمين السيلعة كيل ميا نابيه عليهيا‪ .‬وقال أبيو‬
‫ثور‪ :‬ل يجوز المرابحة إل بالثمن الذي اشترى به السلعة فقط إل‬
‫أن يفصل ويفسخ عنده إن وقع قال لنه كذب‪ ،‬لنه يقول له‪ :‬ثمن‬
‫سيلعتي كذا وكذا ولييس المير كذلك‪ ،‬وهيو عنده مين باب الغيش‪.‬‬
‫وأميا صيفة رأس الثمين الذي يجوز أن يخيبر بيه فإن مالكيا واللييث‬
‫قال فيميين اشترى سييلعة بدنانييير والصييرف يوم اشتراهييا صييرف‬
‫معلوم ثيم باعهيا بدراهيم والصيرف قيد تغيير إلى زيادة أنيه لييس له‬
‫أن يعلم يوم باعهييا بالدنانييير التييي اشتراهييا لنييه ميين باب الكذب‬
‫والخيانية‪ ،‬وكذلك إن اشتراهيا بدراهيم ثيم باعهيا بدنانيير وقيد تغيير‬
‫الصيرف‪ .‬واختلف أصيحاب مالك مين هذا الباب فيمين ابتاع سيلعة‬
‫بعروض هيييل يجوز له أن يبيعهيييا مرابحييية أم ل يجوز؟ فإذا قلنيييا‬
‫بالجواز فهييل يجوز بقيميية العرض أو بالعرض نفسييه؟ فقال ابيين‬
‫القاسيم‪ :‬يجوز له بيعهيا على ميا اشتراه بيه مين العروض ول يجوز‬
‫على القيمة‪ .‬وقال أشهب‪ :‬ل يجوز لمن اشترى سلعة بشيء من‬
‫العروض أن يبيعها مرابحة لنه يطالبه بعروض على صفة عرضه‪،‬‬
‫وفيي الغالب لييس يكون عنده فهيو مين باب بييع ميا لييس عنده‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلف مالك وأبيو حنيفية فيمين اشترى سيلعة بدنانيير فأخيذ فيي‬
‫الدنانير عروضا أو دراهيم هل يجوز له بيع ها مراب حة دون أن يعلم‬
‫بما نقد أم ل يجوز؟ فقال مالك‪ :‬ل يجوز إل أن يعلم ما نقد؛ وقال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬يجوز أن يبيعها منه مرابحة على الدنانير التي ابتاع بها‬
‫السييلعة دون العروض التييي أعطييى فيهييا أو الدراهييم؛ قال مالك‬
‫أيضيا فيمين اشترى سيلعة بأجيل فباعهيا مرابحية أنيه ل يجوز حتيى‬
‫يعلم بالجييل‪ .‬وقال الشافعييي إن وقييع كان للمشتري مثييل أجله؛‬
‫وقال أبييو ثور‪ :‬هييو كالعيييب وله الرد بييه‪ ،‬وفييي هذا الباب فييي‬
‫المذهب فروع كثيرة ليست مما قصدناه‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثانيي‪ .‬فيي حكيم ميا وقيع مين الزيادة أو النقصيان فيي‬
‫خبر البائع بالثمن‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا فيمين ابتاع سيلعة مرابحية على ثمين ذكره‪ ،‬ثيم ظهير‬
‫بعد ذلك إما بإقراره وإما ببينة أن الثمن كان أقل والسلعة قائمة؛‬
‫فقال مالك وجماعية‪ :‬المشتري بالخيار‪ ،‬إميا أن يأخيذ بالثمين الذي‬
‫صييح أو يترك إذا لم يلزمييه البائع أخذهييا بالثميين الذي صييح وإن‬
‫ألزمييه لزمييه؛ وقال أبييو حنيفيية وزفيير‪ :‬بييل المشتري بالخيار على‬
‫الطلق‪ ،‬ول يلزمه الخذ بالثمن الذي إن ألزمه البائع لزمه؛ وقال‬
‫الثوري وابين أبيي ليلى وأحميد وجماعية‪ :‬بيل يبقيى البييع لزميا لهميا‬
‫بعيد حيط الزيادة؛ وعين الشافعيي القولن‪ :‬القول بالخيار مطلقيا‪،‬‬
‫والقول باللزوم بعيد الحيط‪ .‬فحجية مين أوجيب البييع بعيد الحيط أن‬
‫المشتري إنميا أربحيه على ميا ابتاع بيه السيلعة ل غيير ذلك‪ ،‬فلميا‬
‫ظهير خلف ميا قال وجيب أن يرجيع إلى الذي ظهير‪ ،‬كميا لو أخذه‬
‫بكييل معلوم فخرج بغيير ذلك الكييل أنيه يلزميه توفيية ذلك الكييل‪.‬‬
‫وحجية مين رأى أن الخيار مطلقيا تشيبيه الكذب فيي هذه المسيألة‬
‫بالعييب‪ ،‬أعنيي أنيه كميا يوجيب العييب الخيار كذلك يوجيب الكذب‪.‬‬
‫وأميا إذا فاتيت السيلعة فقال الشافعيي‪ :‬يحيط مقدار ميا زاد مين‬
‫الثمين وميا وجيب له مين الربيح؛ وقال مالك‪ :‬إن كانيت قيمتهيا يوم‬
‫القبض أو يوم البيع على خلف عنه في ذلك مثل ما وزن المبتاع‬
‫أو أقيل فل يرجيع علييه المشتري بشييء‪ ،‬وإن كانيت القيمية أقيل‬
‫خييير البائع بييين رده للمشتري القيميية أو رده الثميين أو إمضائه‬
‫السيلعة بالثمين الذي صيح‪ .‬وأميا إذا باع الرجيل سيلعته مرابحية ثيم‬
‫أقام البينيية أن ثمنهييا أكثيير ممييا ذكره وأنييه وهييم فييي ذلك وهييي‬
‫قائمية‪ ،‬فقال الشافعيي‪ :‬ل يسيمع مين تلك البينية لنيه كذبهيا؛ وقال‬
‫مالك‪ :‬يسيمع منهيا ويجيبر المبتاع على ذلك الثمين‪ ،‬وهذا بعييد لنيه‬
‫بيييع آخيير‪ .‬وقال مالك فييي هذه المسييألة‪ :‬إذا فاتييت السييلعة أن‬
‫المبتاع مخير بين أن يعطي قيمة السلعة يوم قبضها أو أن يأخذها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالثمين الذي صيح‪ ،‬فهذه هيي مشهورات مسيائلهم فيي هذا الباب‪.‬‬
‫ومعرفيية أحكام هذا البيييع تنبنييي فييي مذهييب مالك على معرفيية‬
‫أحكام ثلثية مسيائل وميا تركيب منهيا‪ ،‬حكيم مسيألة الكذب‪ ،‬وحكيم‬
‫مسألة الغش‪ ،‬وحكم مسألة وجود العيب‪ .‬فأما حكم الكذب فقد‬
‫تقدم‪ .‬وأميا حكيم الرد بالعييب فهيو حكميه فيي البييع المطلق‪ .‬وأميا‬
‫حكم الغش عنده ف هو تخيير البائع مطلقا‪ ،‬وليس للبائع أن يلزمه‬
‫البييع وإن حيط عنيه مقدار الغيش كميا له ذلك فيي مسيألة الكذب‪،‬‬
‫هذا عنيد ابين القاسيم‪ .‬وأميا عنيد أشهيب‪ ،‬فإن الغيش عنده ينقسيم‬
‫قسمين‪ :‬قسم مؤثر في الثمن‪ ،‬وقسم غير مؤثر‪ .‬فأما غير المؤثر‬
‫فل حكيم عنده فييه‪ .‬وأميا المؤثير فحكميه عنده حكيم الكذب‪ .‬وأميا‬
‫التييي تتركييب فهييي أربييع مسييائل‪ :‬كذب وغييش‪ ،‬وكذب وتدليييس‪،‬‬
‫وغش وتدليس بعيب‪ ،‬وكذب وغش وتدليس بعيب؛ وأصل مذهب‬
‫ابين القاسيم فيهيا أنيه يأخيذ بالذي بقيي حكميه إن كان فات بحكيم‬
‫أحدهميا أو بالذي هيو أرجيح له إن لم يفيت حكيم أحدهميا‪ ،‬إميا على‬
‫التخيير حيث يمكن التخيير‪ ،‬أو الجمع حيث يمكن الجمع‪ ،‬وتفصيل‬
‫هذا لئق بكتب الفروع‪ ،‬أعني مذهب ابن القاسم وغيره‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب بيع العرية‪.‬‬
‫@‪-‬اختلف الفقهاء في معنى العرية والرخصة التي أتت فيها في‬
‫السنة‪ ،‬فحكى القاضي أبو محمد عبد الوهاب المالكي أن العرية‬
‫فيي مذهيب مالك هيي أن يهيب الرجيل ثمرة نخلة أو نخلت مين‬
‫حائطييه لرجييل بعينييه‪ ،‬فيجوز للمعرى شراؤهييا ميين المعري له‬
‫بخرصيها تمرا على شروط أربعية‪ :‬أحدهيا‪ :‬أن تزهيي‪ .‬والثانيي أن‬
‫تكون خمسيية أوسييق فمييا دون‪ ،‬فإن زادت فل يجوز‪ .‬والثالث أن‬
‫يعطيييه التميير الذي يشتريهييا بييه عنييد الجذاذ‪ ،‬فإن أعطاه نقدا لم‬
‫يجز‪ .‬والرابع أن يكون التمر من صنف تمر العرية ونوعها‪ ،‬فعلى‬
‫مذهب مالك الرخصة في العرية إنما هي في حق المعري فقط‪،‬‬
‫والرخصة فيها إنما هي استثناؤها من المزابنة‪ ،‬وهي بيع الرطب‬
‫بالتمر الجاف الذي ورد النهي عنه‪ ،‬ومن صنفي الربا أيضا‪ :‬أعني‬
‫التفاضييل والن ّ يَساء‪ ،‬وذلك أن بيييع ثميير معلوم الكيييل بثميير معلوم‬
‫بالتخميين وهيو الخرص‪ ،‬فيدخله بييع الجنيس الواحيد متفاضل‪ ،‬وهيو‬
‫أيضيا ثمير بثمير إلى أجيل‪ ،‬فهذا هيو مذهيب مالك فيميا هيي العريية‪،‬‬
‫وماهي الرخصة فيها‪ ،‬ولمن الرخصة فيها؟‪ .‬وأما الشافعي فمعنى‬
‫الرخصة الواردة عنده فيها ليست للمعري خاصة‪ ،‬وإنما هي لكل‬
‫أحيييد مييين الناس أراد أن يشتري هذا القدر مييين التمييير‪ :‬أعنيييي‬
‫الخمسة أوسق أو ما دون ذلك بتمر مثلها؛ وروي أن الرخصة فيها‬
‫إنمييا هييي معلقيية بهذا القدر ميين التميير لضرورة الناس أن يأكلوا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رطبيا وذلك لمين لييس عنده رطيب ول تمير (هكذا بالنسيخ‪ ،‬ولعله‪:‬‬
‫وعنده تميير يشتري‪ ،‬إذ هييي فسييحة لميين عنده تميير وليييس عنده‬
‫رطيب أن يشتري الرطيب بالتمير‪ ،‬ولذلك اشتراط الشافعيي دفيع‬
‫التمر نقدا‪ ،‬فتأمل ا هي مصححه) يشتري به الرطب‪.‬‬
‫والشافعييي يشترط فييي إعطاء التميير الذي تباع فييي العرييية أن‬
‫يكون نقدا‪ ،‬ويقول‪ :‬إن تفرقييا قبييل القبييض فسييد البيييع‪ .‬والعرييية‬
‫جائزة عند مالك في كل ما ييبس ويدخر‪ ،‬وهي عند الشافعي في‬
‫التميير والعنييب فقييط ول خلف فييي جوازهييا فيمييا دون الخمسيية‬
‫الوسيق عنيد مالك والشافعيي‪ ،‬وعنهميا الخلف إذا كانيت خمسية‬
‫أوسيق‪ ،‬فروي الجواز عنهميا والمنيع‪ ،‬والشهير عنيد مالك الجواز‪.‬‬
‫فالشافعي يخالف مالكا في العرية في أربعة مواضع‪ :‬أحدها في‬
‫سبب الرخصة كما قلنا‪ .‬والثاني أن العرية التي رخص فيها ليست‬
‫هبية‪ ،‬وإنميا سيميت هبية على التجوز‪ .‬والثالث فيي اشتراط النقيد‬
‫عنيد البييع‪ .‬والرابيع فيي محلهيا‪ .‬فهيي عنده كميا قلنيا فيي التمير‬
‫والعنب فقط‪ ،‬وعند مالك في كل ما يدخر وييبس‪ .‬وأما أحمد بن‬
‫حنبيل فيوافيق مالكيا فيي أن العريية عنده هيي الهبية‪ ،‬ويخالفيه فيي‬
‫أن الرخصية إنميا هيي عنده فيهيا للموهوب له أعنيي المعرى له ل‬
‫المعري‪ ،‬وذلك أنيه يرى أن له أن يبيعهيا ممين شاء بهذه الصيفة ل‬
‫من المعري خاصة كما ذهب إليه مالك‪.‬‬
‫وأميا أبيو حنيفية فيوافيق مالكيا فيي أن العريية هيي الهبية‪ ،‬ويخالفيه‬
‫فيي صيفة الرخصية‪ ،‬وذلك أن الرخصية عنده فيهيا ليسيت هيي مين‬
‫باب اسيتثنائها مين المزابنية ول هيي فيي الجملة فيي البييع‪ ،‬وإنميا‬
‫الرخصيية فيهييا عنده ميين باب رجوع الواهييب فييي هبتييه إذ كان‬
‫الموهوب له لم يقبضهيا وليسيت عنده بيبيع‪ ،‬وإنميا هيي رجوع فيي‬
‫الهبية على صيفة مخصيوصة‪ ،‬وهيو أن يعطيي بدلهيا تمرا بخرصيها‪.‬‬
‫وعمدة مذهييب مالك فييي العرييية أنهييا بالصييفة التييي ذكيير سيينتها‬
‫المشهورة عندهم بالمدينة‪ ،‬قالوا‪ :‬وأصل هذا أن الرجل كان يهب‬
‫النخلت مين حائطيه فيشيق علييه دخول الموهوب له علييه‪ ،‬فأبييح‬
‫له أن يشتريهيا بخرصيها تمرا عنيد الجذاذ‪ .‬ومين الحجية له فيي أن‬
‫الرخصة إنما هي للمعري حديث سهل بن أبي حثمة "أن رسول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم نهيى عين بييع التمير بالرطيب إل أنيه‬
‫رخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا" قالوا‪ :‬فقوله‬
‫يأكلها رطبا دليل على أن ذلك خاص بمعريها‪ ،‬لنهم في ظاهر هذا‬
‫القول أهلها‪.‬‬
‫ويمكين أن يقال إن أهلهيا هيم الذيين اشتروهيا كائنيا مين كان‪ ،‬لكين‬
‫قوله رطبيا هيو تعلييل ل يناسيب المعري‪ ،‬وعلى مذهيب الشافعيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هو مناسب‪ ،‬وهم الذين ليس عندهم رطب ول تمر يشترونها به‪،‬‬
‫ولذلك كانيت الحجية للشافعيي‪ .‬وأميا أن العريية عنده هيي الهبية‬
‫فالدلييل على ذلك مين اللغية‪ ،‬فإن أهيل اللغية قالوا‪ :‬العريية هيي‬
‫الهبية‪ ،‬واختلف فيي تسيميتها بذلك‪ ،‬فقييل لنهيا عرييت مين الثمين‪،‬‬
‫وقيل إنها مأخوذة من عروت الرجل أعروه إذا سألته‪ ،‬ومنه قوله‬
‫تعالى {وأطعموا القانيع والمعتير} وإنميا اشترط مالك نقيد الثمين‬
‫عنييد الجذاذ أعنييي تأخيره إلى ذلك الوقييت‪ ،‬لنييه تميير ورد الشرع‬
‫بخرصه‪ ،‬فكان من سنته أن يتأجل إلى الجذاذ أصله الزكاة‪ ،‬وفيه‬
‫ضعيف‪ ،‬لنيه مصيادمة بالقياس لصيل السينة‪ .‬وعنده أنيه إذا تطوع‬
‫بعيد تمام العقيد بتعجييل التمير جاز‪ ،‬وأميا اشتراطيه جوازهيا فيي‬
‫الخمسية الوسيق أو فيميا دونهيا‪ ،‬فلميا رواه عين أبيي هريرة "أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها‬
‫فيميا دون خمسية أوسيق‪ ،‬أو فيي خمسية أوسيق" وإنميا كان عين‬
‫مالك في الخمسة الوسق روايتان الشك الواقع في هذا الحديث‬
‫مين الراوي‪ .‬وأميا اشتراطيه أن يكون مين ذلك الصينف بعينيه إذا‬
‫يبس‪ ،‬فلما روي عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسييلم "رخييص لصيياحب العريية أن يبيعهييا بخرصييها تمرا" خرجييه‬
‫مسيلم‪ .‬وأميا الشافعيي فعمدتيه حدييث رافيع بين خدييج وسيهل بين‬
‫أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن المزابنة‬
‫التمير بالتمير إل أصيحاب العراييا‪ ،‬فإنيه أذن لهيم فييه وقوله "فيهيا‬
‫يأكلهيا أهلهيا رطبيا"‪ .‬والعريية عندهيم هيي اسيم لميا دون الخمسية‬
‫الوسييق ميين التميير‪ ،‬وذلك أنييه لمييا كان العرف عندهييم أن يهييب‬
‫الرجل في الغالب من نخلته هذا القدر فما دونه‪ ،‬خص هذا القدر‬
‫الذي جاءت فييه الرخصية باسيم الهبية لموافقتيه فيي القدر للهبية‪،‬‬
‫وقد احتج لمذهبه بما رواه بإسناد منقطع عن محمود بن لبيد أنه‬
‫قال لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إما زيد‬
‫بييين ثابيييت وإميييا غيره‪ :‬ميييا عراياكيييم هذه؟ قال‪ :‬فسيييمى رجال‬
‫محتاجين من النصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أن الرطيب أتيى ولييس بأيديهيم نقيد يبتاعون بيه الرطيب فيأكلونيه‬
‫ميع الناس‪ ،‬وعندهيم فضيل مين قوتهيم مين التمير‪ ،‬فرخيص لهيم أن‬
‫يبتاعوا العرايييا بخرصييها ميين التميير الذي بأيديهييم يأكلونهييا رطبييا‪،‬‬
‫وإنما لم يجز تأخير نقد التمر لنه بيع الطعام بالطعام نسيئة‪.‬‬
‫وأما أحمد فحجته ظاهر الحاديث المتقدمة أنه رخص في العرايا‬
‫ولم يخيص المعري مين غيره‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فلميا لم يجيز عنده‬
‫المزابنة وكانت إن جعلت بيعا نوعا من المزابنة رأى أن انصرافها‬
‫إلى المعري ليييس هييو ميين باب البيييع وإنمييا هييو ميين باب رجوع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الواهب فيما وهب باعطاء خرصها تمرا‪ ،‬أو تسميته إياها بيعا عنده‬
‫مجازا‪ ،‬وقد التفت إلى هذا المعنى مالك في بعض الروايات عنه‪،‬‬
‫فلم يجز بيعها بالدراهم ول بشيء من الشياء سوى الخرص‪ ،‬وإن‬
‫كان المشهور عنه جواز ذلك‪ .‬وقد قيل إن قول أبي حنيفة هذا هو‬
‫مين باب تغلييب القياس على الحدييث‪ ،‬وذلك أنيه خالف الحادييث‬
‫فييي مواضييع منهييا أنييه لم يسييمها بيعييا‪ ،‬وقييد نييص الشارع على‬
‫تسيميتها بيعيا‪ .‬ومنهيا أنيه جاء فيي الحدييث أنيه نهيى عين المزابنية‬
‫ورخييص فييي العرايييا‪ ،‬وعلى مذهبييه ل تكون العرييية اسييتثناء ميين‬
‫المزابنة‪ ،‬لن المزابنة هي في البيع‪ .‬والعجب منه أنه سهل عليه‬
‫أن يسيتثنيها مين النهيي عين الرجوع فيي الهبية التيي لم يقيع فيهيا‬
‫السيتثناء بنيص الشرع‪ ،‬وعسير علييه أن يسيتثنيها مميا اسيتثنى منيه‬
‫الشارع‪ ،‬وهي المزابنة‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الجارات‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير في هذا الكتاب شيبيه بالنظير فيي البيوع‪ :‬أعني أ صوله‬
‫تنحصر بالنظر في أنواعها وفي شروط الصحة فيها والفساد وفي‬
‫أحكامهيا‪ ،‬وذلك فيي نوع نوع منهيا‪ ،‬أعنيي فيميا يخيص نوعيا نوعيا‬
‫منها‪ ،‬وفيما يعم أكثر من واحد من ها فهذا الكتاب ينقسم أول إلى‬
‫قسييمين‪ :‬القسييم الول‪ :‬فييي أنواعهييا وشروط الصييحة والفسيياد‪.‬‬
‫والثانيي‪ :‬فيي معرفية أحكام الجارات‪ ،‬وهذا كله بعيد قيام الدلييل‬
‫على جوازهيا‪ .‬فلنذكير أول ميا فيي ذلك مين الخلف ثيم نصيير إلى‬
‫ذكيير مييا فييي ذينييك القسييمين ميين المسييائل المشهورة‪ ،‬إذ كان‬
‫قصيدنا إنميا هيو ذكير المسيائل التيي تجري مين هذه الشياء مجرى‬
‫المهات‪ ،‬وهييي التييي اشتهيير فيهييا الخلف بييين فقهاء المصييار‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬إن الجارة جائزة عند جميع فقهاء المصار والصدر الول‪.‬‬
‫وحكيي عين الصيم وابين عليية منعهيا‪ .‬ودلييل الجمهور قوله تعالى‬
‫{إنييي أريييد أن أنكحييك إحدى ابنتييي هاتييين} الييية‪ ،‬وقوله {فإن‬
‫أرضعين لكيم فآتوهين أجورهين} ‪ .‬ومين السينة الثابتية ميا خرجيه‬
‫البخاري عين عائشية قالت "اسيتأجر رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫خّريتيا [أي دليل حاذقيا‬
‫وسيلم وأبيو بكير رجل مين بنيي الدييل هادييا ِ‬
‫عالميا بالطرق‪ .‬دار الحدييث] وهيو على ديين كفار قرييش‪ ،‬فدفعيا‬
‫إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلث ليال براحلتيهما" وحديث‬
‫جابر "أنه باع من النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا وشرط ظهره‬
‫إلى المدينيية" ومييا جاز اسييتيفاؤه بالشرط جاز اسييتيفاؤه بالجيير‪،‬‬
‫وشبهيية ميين منييع ذلك أن المعاوضات إنمييا يسييتحق فيهييا تسييليم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الثمن بتسليم العين كالحال في العيان المحسوسة والمنافع في‬


‫الجارات في وقت العقد معدومة‪ ،‬فكان ذلك غررا ومن بيع ما لم‬
‫يخلق‪ ،‬ونحين نقول‪ :‬إنهيا وإن كانيت معدومية فيي حال العقيد فهيي‬
‫مسييتوفاة فييي الغالب‪ ،‬والشرع إنمييا لحييظ ميين هذه المنافييع مييا‬
‫يسييتوفي فييي الغالب‪ ،‬أو يكون اسييتيفاؤه وعدم اسييتيفاؤه على‬
‫السواء‪.‬‬
‫@‪(-‬القسييم الول) وهذا القسييم النظيير فيييه إلى جنييس الثميين‬
‫وجنيس المنفعية التيي يكون الثمين مقابل له وصيفتها‪ .‬فأميا الثمين‬
‫فينبغيي أن يكون مميا يجوز بيعيه‪ ،‬وقيد تقدم ذلك فيي باب البيوع‪.‬‬
‫وأميا المنفعية فينبغيي أن تكون مين جنيس ميا لم ينيه الشرع عنيه‪،‬‬
‫وفيي كيل هذه مسيائل اتفقوا عليهيا واختلفوا فيهيا؛ فمميا اجتمعوا‬
‫على إبطال إجارتيه كيل منفعية كانيت لشييء محرم العيين‪ ،‬كذلك‬
‫كل منفعة كانت محرمة بالشرع‪ ،‬مثل أجر النوائح وأجر المغنيات‪،‬‬
‫وكذلك كيل منفعية كانيت فرض عيين على النسيان بالشرع مثيل‬
‫الصييلة وغيرهييا‪ ،‬واتفقوا على إجارة الدور والدواب والناس على‬
‫الفعال المباحييية‪ ،‬وكذلك الثياب والبسيييط‪ .‬واختلفوا فيييي إجارة‬
‫الرضين وفي إجارة المياه وفي إجارة المؤذن‪ ،‬وفي الجارة على‬
‫تعلييييم القرآن‪ ،‬وفيييي إجارة نزو الفحول‪ .‬فأميييا كراء الرضيييين‬
‫فاختلفوا فيهيا اختلفيا كثيرا؛ فقوم لم يجيزوا ذلك بتية وهيم القيل‪،‬‬
‫وبيه قال طاوس وأبيو بكير ابين عبيد الرحمين؛ وقال الجمهور بجواز‬
‫ذلك‪ .‬واختلف هؤلء فيميييا يجوز بيييه كراؤهيييا؛ فقال قوم‪ :‬ل يجوز‬
‫كراؤها إل بالدراهيم والدنانير ف قط‪ ،‬وهو مذهب ربيعة وسعيد بن‬
‫المسييييب؛ وقال قوم‪ :‬يجوز كراء الرض بكيييل شييييء ميييا عدا‬
‫الطعام‪ ،‬وسييواء كان ذلك بالطعام الخارج منهييا أو لم يكيين‪ ،‬ومييا‬
‫عدا ما ينبت فيها كان طعاما أو غيره‪ ،‬وإلى هذا ذهب مالك وأكثر‬
‫أصييحابه‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يجوز كراء الرض بمييا عدا الطعام فقييط؛‬
‫وقال آخرون‪ :‬يجوز كراء الرض بكيل العروض والطعام وغيير ذلك‬
‫مييا لم يكيين بجزء ممييا يخرج منهييا ميين الطعام‪ ،‬ومميين قال بهذا‬
‫القول سييالم بيين عبييد الله وغيره ميين المتقدمييين‪ ،‬وهييو قول‬
‫الشافعي وظاهر قول مالك في الموطأ؛ وقال قوم‪ :‬يجوز كراؤها‬
‫بكل شيء وبجزء مما يخرج منها‪ ،‬وبه قال أحمد والثوري والليث‬
‫وأبيو يوسيف ومحميد صياحبا أبيي حنيفية وابين أبيي ليلى والوزاعيي‬
‫وجماعية‪ .‬وعمدة مين لم يجيز كراءهيا بحال ميا رواه مالك بسينده‬
‫عين رافيع بين خدييج "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم نهيى‬
‫عيييين كراء المزارع" قالوا‪ :‬وهذا عام‪ ،‬وهؤلء لم يلتفتوا إلى مييييا‬
‫روى مالك ميين تخصيييص الراوي له حييين روى عنييه‪ ،‬قال حنظلة‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فسيألت رافيع بين خدييج عين كرائهيا بالذهيب والورق فقال‪ :‬ل بأس‬
‫بيه‪ .‬وروي هذا عين رافيع ابين عمير وأخيذ بعموميه‪ ،‬وكان ابين عمير‬
‫قبيل يكري أرضيه فترك ذلك‪ ،‬وهذا بناء على رأي مين يرى أنيه ل‬
‫يخصص العموم بقول الراوي‪ .‬وروي عن رافع ابن خديج عن أبيه‬
‫قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجارة الرضين"‬
‫قال أبو عمر بن عبد البر‪.‬‬
‫واحتجوا أيضييا بحديييث ضمرة عيين ابيين شوذب عيين مطرف عيين‬
‫عطاء عين جابر قال‪ :‬خطبنيا رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫فقال "من كانت له أرض فليزرعها أو ليُزرعها ول يؤاجرها" فهذه‬
‫هييي جملة الحاديييث التييي تمسييك بهييا ميين لم يجييز كراء الرض‪.‬‬
‫وقالوا أيضا من جهة المعنى‪ :‬إنه لم يجز كراؤها لما في ذلك من‬
‫الغرر‪ ،‬لنييه ممكيين أن يصيييب الزرع جائحيية ميين نار أو قحييط أو‬
‫غرق‪ ،‬فيكون قيد لزميه كراؤهيا مين غيير أن ينتفيع مين ذلك بشييء‪.‬‬
‫قال القاضيي‪ :‬ويشبيه أن يقال فيي هذا إن المعنيى فيي ذلك قصيد‬
‫الرفيق بالناس لكثرة وجود الرض كميا نهيى عين بييع الماء‪ ،‬ووجيه‬
‫الشبه بينهما أنهما أصل الخلقة‪ .‬وأما عمدة من لم يجز كراءها إل‬
‫بالدراهيم والدنانيير فحدييث طارق بين عبيد الرحمين عين سيعيد بين‬
‫المسيب عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال "إنميا يزرع ثلثية‪ ،‬رجيل له أرض فيزرعهيا‪ ،‬ورجيل منيح أرضيا‬
‫فهيو يزرع ميا منيح‪ ،‬ورجيل اكترى بذهيب أو فضية" قالوا‪ :‬فل يجوز‬
‫أن يتعدى ما في هذا الحديث والحاديث الخر مطلقة وهذا مقيد‪،‬‬
‫ومن الواجب حمل المطلق على المقيد‪ .‬وعمدة من أجاز كراءها‬
‫بكيل شييء ميا عدا الطعام‪ ،‬وسيواء كان الطعام مدخرا أو لم يكين‬
‫حدييث يعلى بين حكييم عين سيليمان بين يسيار عين رافيع بين خدييج‬
‫قال‪ :‬قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "مين كانيت له أرض‬
‫فليزرعهييا أو ليُزرعهييا أخاه بثلث ول ربييع ول بطعام معييين" قالوا‪:‬‬
‫وهذا هيو معنيى المحاقلة التيي نهيى رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم عنهيا‪ ،‬وذكروا حدييث سيعيد بين المسييب مرفوعيا‪ ،‬وفييه‪:‬‬
‫والمحاقلة اسيتكراء الرض بالحنطية‪ .‬قالوا‪ :‬وأيضيا فإنيه مين باب‬
‫بيع الطعام بالطعام نسيئة‪.‬‬
‫وعمدة من لم يجز كراءها بالطعام ول بشيء مما يخرج منها‪ ،‬أما‬
‫بالطعام فحجته حجة من لم يجز كراءها بالطعام‪ .‬وأما حجته على‬
‫منع كرائها مما تنبت فهو ما ورد من نهيه صلى الله عليه وسلم‬
‫عيين المخابرة‪ ،‬قالوا‪ :‬وهييي كراء الرض بمييا يخرج منهييا وهذا هييو‬
‫قول مالك وكيل أصيحابه‪ .‬وعمدة مين أجاز كراءهيا بجمييع العروض‬
‫والطعام وغير ذلك مما يخرج منها أنه كراء منفعة معلومة بشيء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫معلوم‪ ،‬فجاز قياسيا على إجارة سيائر المنافيع‪ ،‬وكأن هؤلء ضعفوا‬
‫أحاديث رافع‪ .‬روي عن سالم ابن عبد الله وغيره في حديث رافع‬
‫أنهيم قالوا‪ :‬اكترى رافيع‪ .‬قالوا‪ :‬وقيد جاء فيي بعيض الروايات عنيه‬
‫ما يجب أن يحمل عليها سائرها قال "كنا أكثر أهل المدينة حقل‪،‬‬
‫قال‪ :‬وكان أحدنيا يكري أرضيه ويقول‪ :‬هذه القطعية لي وهذه لك‪،‬‬
‫وربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه‪ ،‬فنهاهيم النبي صلى الله عليه‬
‫وسيلم "خرجيه البخاري‪ .‬وأميا مين لم يجيز كراءهيا بميا يخرج منهيا‪،‬‬
‫فعمدته النظر والثر‪ .‬وأما الثر فما ورد من النهي عن المخابرة‪،‬‬
‫وميا ورد مين حدييث ابين خدييج عين ظهيير بين رافيع قال "نهانيا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان رفقا بنا‪ ،‬فقلت ما‬
‫قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فهيو حيق قال‪" :‬دعانيي‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فقال‪ :‬ميا تصينعون بمحاقلكيم؟‬
‫قلنا‪ :‬نؤاجرها على الربع وعلى الوسق من التمر والشعير‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل تفعلوا‪ ،‬ازرعوها أو زارعوها‬
‫أو أمسيكوها" وهذا الحدييث اتفيق على تصيحيحه المامان البخاري‬
‫ومسلم‪ .‬وأ ما من أجاز كراءهيا ب ما يخرج منهيا فعمد ته حديث ابن‬
‫عمير الثا بت "أن رسيول الله صلى الله علييه وسلم دفيع إلى يهود‬
‫خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم على نصف‬
‫ما تخرجه الرض والثمرة" قالوا‪ :‬وهذا الحديث أولى من أحاديث‬
‫رافيع لنهيا مضطربية المتون‪ ،‬وإن صيحت أحادييث رافيع حملناهيا‬
‫على الكراهيية ل على الحظير‪ ،‬بدلييل ميا خرجيه البخاري ومسيلم‬
‫عين ابين عباس أنيه قال "إن النيبي صيلى الله علييه وسيلم لم ينيه‬
‫عنهيا ولكين قال‪ :‬إن يمنيح أحدكيم أخاه يكين خيرا له مين أن يأخيذ‬
‫منيه شيئا" قالوا‪ :‬وقيد قدم معاذ بين جبيل اليمين حيين بعثيه رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم وهيم يخابرون فأقرهيم‪( .‬وأميا إجارة‬
‫المؤذن) فإن قومييا لم يروا فييي ذلم بأسييا؛ وقومييا كرهوا ذلك‪.‬‬
‫والذيين كرهوا ذلك وحرموه احتجوا بميا روي عين عثمان بين أبيي‬
‫العاص قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتخذ مؤذنا ل‬
‫يأخييذ على أذانييه أجرا" والذييين أباحوه قاسييوه على الفعال غييير‬
‫الواجبية‪ ،‬وهذا هيو سيبب الختلف‪ ،‬أعنيي هيل هيو واجيب أم لييس‬
‫بواجب؟‪.‬‬
‫وأميا السيتئجار على تعلييم القرآن فقيد اختلفوا فييه أيضيا‪ ،‬وكرهيه‬
‫قوم‪ ،‬وأجازه آخرون‪ .‬والذييين أباحوه قاسييوه على سييائر الفعال‪،‬‬
‫واحتجوا بميا روي عين خارجية بين الصيامت عين عميه قال‪" :‬أقبلنيا‬
‫مين عنيد رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ ،‬فأتينيا على حيي مين‬
‫أحياء العرب فقالوا‪ :‬إنكيم جئتيم مين عنيد هذا الرجيل فهيل عندكيم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫دواء أو رقييية‪ ،‬فإن عندنييا معتوهييا فييي القيود‪ ،‬فقلنييا لهييم نعييم‪،‬‬
‫فجاءوا بيييه‪ ،‬فجعلت أقرأ علييييه بفاتحييية الكتاب ثلثييية أيام غدوة‬
‫وعشيية أجميع بريقيي ثيم أتفيل علييه‪ ،‬فكأنميا أنشيط مين عقال‪،‬‬
‫فأعطونيي جعل‪ ،‬فقلت ل حتيى أسيأل رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم‪ ،‬فسيألته فقال‪" :‬كيل فلعمري لمين أكيل برقيية باطل فلقيد‬
‫أكلت برقيية حقيا" وبميا روي عين أبيي سيعيد الخدري "أن أصيحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في غزاة‪ ،‬فمروا بحي من‬
‫أحياء العرب‪ ،‬فقالوا‪ :‬هل عندكم من راق‪ ،‬فإن سيد الحي قد لدغ‬
‫أو قيد عرض له‪ ،‬قال‪ :‬فرقيي رجيل بفاتحية الكتاب فيبرئ‪ ،‬فأعطيى‬
‫قطيعيا مين الغنيم‪ ،‬فأبيى أن يقبلهيا‪ ،‬فسيأل عين ذلك رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬بم رقيته؟ قال‪ :‬بفاتحة الكتاب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وميا يدرييك أنهيا رقيية؟ قال‪ :‬ثيم قال رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم‪ :‬خذو ها واضربوا لي معكم في ها ب سهم"‪ .‬وأما الذين كرهوا‬
‫الجعيل على تعلييم القرآن فقالوا‪ :‬هيو مين باب الجعيل على تعلييم‬
‫الصيلة‪ .‬قالوا‪ :‬ولم يكين الجعيل المذكور فيي الجارة على تعلييم‬
‫القرآن وإنمييا كان على الرقييي‪ ،‬وسييواء كان الرقييي بالقرآن أو‬
‫غيره السيتئجار علييه عندنيا جائز كالعلجات‪ .‬قالوا‪ :‬ولييس واجبيا‬
‫على الناس‪ ،‬وأمييا تعليييم القرآن فهييو واجييب على الناس‪ .‬وأمييا‬
‫إجارة الفحول ميين البييل والبقيير والدواب‪ ،‬فأجاز مالك أن يكري‬
‫الرجل فحله على أن ينزو أكواما معلومة‪ ،‬ولم يجز ذلك أبو حنيفة‬
‫ول الشافعي‪.‬‬
‫وحجة من لم يجز ذلك ما جاء من النهي عن عسيب الفحل؛ ومن‬
‫أجازه شبهه بسائر المنافع‪ ،‬وهذا ضعيف لنه تغليب القياس على‬
‫السيماع‪ .‬واسيتئجار الكلب أيضيا هيو مين هذا الباب‪ ،‬وهيو ل يجوز‬
‫عنيييد الشافعيييي ول عنيييد مالك‪ .‬والشافعيييي يشترط فيييي جواز‬
‫اسيييتئجار المنفعييية أن تكون متقومييية على انفرادهيييا‪ ،‬فل يجوز‬
‫اسيتئجار تفاحية للشيم‪ ،‬ول طعام لتزيين الحانوت‪ ،‬إذ هذه المنافيع‬
‫ليييس لهييا قيييم على انفرادهييا‪ ،‬فهييو ل يجوز عنييد مالك ول عنييد‬
‫الشافعييي‪ .‬وميين هذا الباب اختلف المذهييب فييي إجارة الدراهييم‬
‫والدنانييير‪ ،‬بالجملة كييل مييا ل يعرف بعينييه‪ ،‬فقال ابيين القاسييم‪ :‬ل‬
‫يصيح إجارة هذا الجنيس وهيو قرض‪ ،‬وكان أبيو بكير البهري وغيره‬
‫أن ذلك يصيح وتلزم الجرة فييه‪ ،‬وإنميا منيع مين منيع إجارتهيا‪ ،‬لنيه‬
‫لم يتصيور فيهيا منفعية إل بإتلف عينهيا؛ ومين أجاز إجارتهيا تصيور‬
‫فيها منفعة‪ ،‬مثل أن يتحمل بها أو يتكثر أو غير ذلك مما يمكن أن‬
‫يتصيييور فيييي هذا الباب‪ ،‬فهذه هيييي مشهورات مسيييائل الخلف‬
‫المتعلقية بجنيس المنفعية‪ .‬وأميا مسيائل الخلف المتعلقية بجنيس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الثمين فهيي مسيائل الخلف المتعلقية بميا يجوز أن يكون ثمنيا فيي‬
‫المبيعات وما ل يجوز‪.‬‬
‫ومميا ورد النهيي فييه مين هذا الباب ميا روي "أنيه صيلى الله علييه‬
‫وسيلم نهيى عين عسييب الفحيل وعين كسيب الحجام وعين قفييز‬
‫الطحان" قال الطحاوي‪ :‬ومعنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عين قفييز الطحان هيو ميا كانوا يفعلونيه فيي الجاهليية مين دفيع‬
‫القميح إلى الطحان بجزء مين الدقييق الذي يطحنيه‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذا ل‬
‫يجوز عندنا‪ ،‬وهو استئجار من المستأجر بعين ليس عنده‪ ،‬ول هي‬
‫مين الشياء التيي تكون ديونيا على الذميم‪ ،‬ووافقيه الشافعيي على‬
‫هذا‪ .‬وقال أصحابه‪ :‬لو استأجر السلخ بالجلد والطحان بالنخالة أو‬
‫بصياع مين الدقييق فسيد لنهييه صيلى الله علييه وسيلم عين قفييز‬
‫الطحان‪ ،‬وهذا على مذهييب مالك جائز‪ ،‬لنييه اسييتأجره على جزء‬
‫مين الطعام؛ معلوم‪ ،‬وأجرة الطحان ذلك الجزء وهيو معلوم أيضيا‪.‬‬
‫وأميا كسيب الحجام؛ فذهيب قوم إلى تحريميه‪ ،‬وخالفهيم فيي ذلك‬
‫آخرون فقالوا‪ :‬كسيبه ردييء يكره للرجيل؛ وقال آخرون‪ :‬بيل هيو‬
‫مباح‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم تعارض الثار فيي هذا الباب؛ فمين‬
‫رأى أنه حرام احتج بما روي عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم "مين السيحت كسيب الحجام"‪ ،‬وبميا روي‬
‫عين أنيس بين مالك قال "حرم رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫كسيب الحجام" وروي عين عون بين أبيي جحيفية قال‪ :‬اشترى أبيي‬
‫حجاميا فكسير محاجميه‪ ،‬فقلت له ييا أبيت لم كسيرتها؟ فقال‪" :‬إن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم نهيى عين ثمين الدم"‪ .‬وأميا مين‬
‫رأى إباحيية ذلك‪ ،‬فاحتييج بمييا روي عيين ابيين عباس قال "احتجييم‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم وأعطيى الحجام أجره" قالوا‪:‬‬
‫ولو كان حراما لم يعطه‪ ،‬وحديث جابر "أن رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم دعيا أبيا طيبية فحجميه‪ ،‬فسيأله كيم ضريبتيك؟ فقال‪:‬‬
‫ثلثية آصيع‪ ،‬فوضيع عنيه صياعا" وعنيه أيضيا "أنيه أمير للحجام بصياع‬
‫من طعام" وأمر موالية أن يخففوا عنه"‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تا بع‪(- :)1 ...‬القسم الول) وهذا القسم النظر فيه إلى جنس‬
‫الثمن وجنس المنفعة التي‪... ...‬‬
‫وأما الذين قالوا بكراهيته فاحتجوا بما روي أن رفاعة بن رافع أو‬
‫رافيع بين رفاعية جاء إلى مجلس النصيار فقال "نهيى رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم عيين كسييب الحجام وأمرنييا أن نطعمييه‬
‫ناضحنا" وبما روي "عن رجل من بني حارثة كان له حجام‪ ،‬فسأل‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم عين ذلك فنهاه‪ ،‬ثيم عاد فنهاه‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ثم عاد فنهاه‪ ،‬فلم يزل يراجعه حتى قال له رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم‪ :‬اعلف كسيبه ناضحيك وأطعميه رقيقيك"‪ .‬ومين هذا‬
‫الباب أيضا اختلفهيم فيي إجارة دار بسيكنى دار أخرى‪ ،‬فأجار ذلك‬
‫مالك ومنعيه أبيو حنيفية‪ ،‬ولعله رآهيا مين باب الديين بالديين‪ ،‬وهذا‬
‫ضعيييف‪ ،‬فهذه مشهورات مسييائلهم فيمييا يتعلق بجنييس الثميين‬
‫وبجنيس المنفعية‪ .‬وأميا ميا يتعلق بأوصيافها فنذكير أيضيا المشهور‬
‫منهيييا؛ فمييين ذلك أن جمهور فقهاء المصيييار مالك وأبيييو حنيفييية‬
‫والشافعييي اتفقوا بالجملة أن ميين شرط الجارة أن يكون الثميين‬
‫معلومييا والمنفعيية معلوميية القدر‪ ،‬وذلك إمييا بغايتهييا مثييل خياطيية‬
‫الثوب وعميل الباب‪ ،‬وإميا بضرب الجيل إذا لم تكين لهيا غايية مثيل‬
‫خدميية الجييير‪ ،‬وذلك إمييا بالزمان إن كان عمل واسييتيفاء منفعيية‬
‫متصيلة الوجود مثيل كراء الدور والحوانييت‪ ،‬وإميا بالمكان إن كان‬
‫مشيا مثل كراء الرواحل‪ .‬وذهب أهل الظاهر وطائفة من السلف‬
‫إلى جواز إجارات المجهولت مثيل أن يعطيي الرجيل حماره لمين‬
‫يسييقي عليييه أو يحتطييب عليييه بنصييف مييا يعود عليييه‪ .‬وعمدة‬
‫الجمهور أن الجارة بيع فامتنع فيها من الجهل {لمكان الغبن} ما‬
‫امتنييع فييي المييبيعات‪ .‬واحتييج الفريييق الثانييي بقياس الجارة على‬
‫القراض والمسييييياقاة؛ والجمهور على أن القراض والمسييييياقاة‬
‫مستثنيان بالسنة فل يقاس عليهما لخروجهما عن الصول؛ واتفق‬
‫مالك والشافعي على أنهما إذا ضربا للمنفعة التي لبس ل ها غاية‬
‫أمدا مين الزمان محدودا‪ ،‬وحددوا أيضيا أول ذلك الميد‪ ،‬وكان أوله‬
‫عقييب العقييد أن ذلك جائز‪ .‬واختلفوا إذا لم يحددوا أول الزمان أو‬
‫حددوه ولم يكيين عقييب العقييد‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجوز إذا حدد الزمان‬
‫ولم يحدد أوله‪ ،‬مثيل أن يقول له‪ :‬اسيتأجرت منيك هذه الدار سينة‬
‫بكذا أو شهرا بكذا‪ ،‬ول يذكير أول ذلك الشهير ول أول تلك السينة؛‬
‫وقال الشافعيي ل يجوز‪ ،‬ويكون أول الوقيت عنيد مالك وقيت عقيد‬
‫الجارة‪ ،‬فمنعيييه الشافعيييي لنيييه غرر‪ ،‬وأجازه مالك لنيييه معلوم‬
‫بالعادة‪ ،‬وكذلك لم يجيز الشافعيي إذا كان أول العقيد متراخييا عين‬
‫العقييد‪ ،‬وأجازه مالك‪ .‬واختلف قول أصييحابه فييي اسييتئجار الرض‬
‫غيير المأمو نة‪ ،‬والتغييير فيميا بعيد من الزمان؛ وكذلك اختلف مالك‬
‫والشافعيي فيي مقدار الزمان الذي تقدر بيه هذه المنافيع؛ فمالك‬
‫يجيييز ذلك السيينين الكثيرة‪ ،‬مثييل أن يكري الدار لعشرة أعوام أو‬
‫أكثير‪ ،‬مميا ل تتغيير الدار فيي مثله؛ وقال الشافعيي‪ :‬ل يجوز ذلك‬
‫لكثير مين عام واحيد‪ .‬واختلف قول ابين القاسيم وابين الماجشون‬
‫فييي أرض المطيير وأرض السييقي بالعيون وأرض السييقي بالبار‬
‫والنهار؛ فأجاز ابن القاسم فيها الكراء بالسنين الكثيرة؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وفصيل ابين الماجشون فقال‪ :‬ل يجوز الكراء فيي أرض المطير إل‬
‫لعام واحيد‪ ،‬وأميا أرض السيقي بالعيون فل يجوز كراؤهيا إل لثلثية‬
‫أعوام وأربعية؛ وأميا أرض البار والنهار فل يجوز إل لعشرة أعوام‬
‫فقيط‪ .‬فالختلف ههنيا فيي ثلثية مواضيع‪ :‬فيي تحدييد أول المدة‪،‬‬
‫وفيي طولهيا‪ ،‬وفيي بعدهيا عين وقيت العقيد‪ .‬وكذلك اختلف مالك‬
‫والشافعيي إذا لم يحدد المدة وحدد القدر الذي يجيب لقيل المدة‬
‫مثيييل أن يقول‪ :‬أكتري منيييك هذه الدار الشهييير بكذا‪ ،‬ول يضربان‬
‫لذلك أمدا معلوما‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬ل يجوز؛ وقال مالك وأصحابه‪:‬‬
‫يجوز على قياس‪ :‬أبيعك من هذه الصبرة بحساب القفيز بدرهيم‪،‬‬
‫وهذا ل يجوز غيره‪ .‬وسيبب الخلف اعتبار الجهيل الواقيع فيي هذه‬
‫الشياء هيل هيو مين الغرر المعفيو عنيه أو المنهيي عنيه؟ ومين هذا‬
‫الباب اختلفهيم فيي البييع والجارة‪ ،‬أجازه مالك‪ ،‬ومنعيه الشافعيي‬
‫وأبو حنيفة‪ ،‬ولم يجز مالك أن يقترن بالبيع إل الجارة فقط‪ .‬ومن‬
‫هذا الباب اختلفهييم فييي إجارة المشاع؛ فقال مالك والشافعييي‪:‬‬
‫هيي جائزة؛ وقال أ بو حني فة‪ :‬ل تجوز‪ ،‬لن عنده أن النتفاع ب ها مع‬
‫الشاعية متعذر؛ وعنيد مالك والشافعيي أن النتفاع بهيا ممكين ميع‬
‫شريكيه كانتفاع المكري بهيا ميع شريكيه‪ :‬أعنيى رب المال‪ .‬ومين‬
‫هذا الباب اسيتئجار الجيير بطعاميه وكسيوته‪ ،‬وكذلك الظئر‪ ،‬فمنيع‬
‫الشافعييييييييي ذلك على الطلق‪ ،‬وأجاز ذلك مالك على الطلق‪:‬‬
‫أعني في كل أجير؛ وأجاز ذلك أبو حنيفة في الظئر فقط‪ .‬وسبب‬
‫الخلف هييل هييي إجارة مجهولة‪ ،‬أم ليسييت مجهولة؟ فهذه هييي‬
‫شرائط الجارة الراجعية إلى الثمين والمثمون‪ .‬وأميا أنواع الجارة‬
‫فإن العلماء على أن الجارة على ضربييييين‪ :‬إجارة منافييييع أعيان‬
‫محسيوسة‪ ،‬وإجارة منافيع فيي الذمية قياسيا على البييع‪ .‬والذي فيي‬
‫الذمة من شرطه الوصف‪ .‬والذي في العين من شرطه الرؤية أو‬
‫الصيفة عنده كالحال فيي الميبيعات‪ ،‬ومين شرط الصيفة عنده ذكير‬
‫الجنيس والنوع‪ ،‬وذلك فيي الشييء الذي تسيتوفي منافعيه‪ ،‬وفيي‬
‫الشييء الذي تسيتوفي بيه منافعيه فلبيد مين وصيف المركوب مثل‪،‬‬
‫والحميييل الذي تسيييتوفي بيييه منفعييية المركوب‪ .‬وعنيييد مالك أن‬
‫الراكيب ل يحتاج أن يوصيف‪ ،‬وعنيد الشافعيي يحتاج إلى الوصيف‪،‬‬
‫وعند ابن القاسم أنه إذا استأجر الراعي على غنم بأعيانها أن من‬
‫شرط صيحة العقيد اشتراط الخلف‪ ،‬وعنيد غيره تلزم الجملة بغيير‬
‫شرط‪ .‬ومين شرط إجارة الذمية أن يعجيل النقيد عنيد مالك ليخرج‬
‫مين الديين بالديين؛ كميا أن مين شرط إجارة الرض غيير المأمونية‬
‫السيقي عنده أن ل يشترط فيهيا النقيد إل بعيد الري‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫الكراء هيييل يدخيييل فيييي أنواعيييه الخيار أم ل؟ فقال مالك‪ :‬يجوز‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الخيار فييييي الصيييينفين ميييين الكراء المضمون والمعييييين؛ وقال‬


‫الشافعيي‪ :‬ل يجوز‪ ،‬فهذه هيي المشهورات مين المسيائل الواقعية‬
‫فييي هذا القسييم الول ميين هذا الكتاب‪ ،‬وهييو الذي يشتمييل على‬
‫النظير فيي محال هذا العقيد وأوصيافه وأنواعيه‪ ،‬وهيي الشياء التيي‬
‫تجري مين هذا العقيد مجرى الركان‪ ،‬وبهيا يوصيف العقيد إذا كان‬
‫على الشروط الشرعيية بالصيحة وبالفسياد إذا لم يكين على ذلك‪،‬‬
‫وبقي النظر في الجزء الثاني‪ ،‬وهو أحكام هذا العقد‪.‬‬
‫*‪*2‬الجزء الثاني من هذا الكتاب‪ .‬وهو النظر في أحكام الجارات‪.‬‬
‫@‪-‬وأحكام الجارات كثيرة‪ ،‬ولكنهيا بالجملة تنحصير فيي جملتيين‪:‬‬
‫الجملة الولى فييي موجبات هذا العقييد ولوازمييه ميين غييير حدوث‬
‫طارئ عليييه‪ .‬الجملة الثانييية‪ :‬فييي أحكام الطوارئ‪ .‬وهذه الجملة‬
‫تنقسم في الشهر إلى معرفة موجبات الضمان وعدمه‪ ،‬ومعرفة‬
‫وجوب الفسخ وعدمه‪ ،‬ومعرفة حكم الختلف‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الولى) ومن مشهورات هذا الباب متى يلزم المكري‬
‫دفيع الكراء إذا أطلق العقيد ولم يشترط قبيض الثمين؟ فعنيد مالك‬
‫وأبيي حنيفية‪ :‬أن الثمين إنميا يلزم جزءا فجزءا بحسيب ميا يقبيض‬
‫من المنافع‪ ،‬إل أن يشترط ذلك أو يكون هنالك ما يوجب التقديم‪،‬‬
‫مثيييل أن يكون عوضيييا معينيييا أو يكون كراء فيييي الذمييية‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬يجيب علييه الثمين بنفيس العقيد‪ .‬فمالك رأى أن الثمين‬
‫إنما يستحق منه بقدر ما يقبض من العوض؛ والشافعي كأنه رأى‬
‫أن تأخره من باب الدين بالدين‪ .‬ومن ذلك اختلفهم فيمن اكترى‬
‫دابيية أو دارا ومييا أشبييه ذلك‪ ،‬هييل له أن يكري ذلك بأكثيير ممييا‬
‫اكتراه؟ فأجازه مالك والشافعيي وجماعية قياسيا على البييع‪ ،‬ومنيع‬
‫ذلك أبو حنيفة وأصحابه‪ .‬وعمدتهم أنه من باب ربح ما لم يضمن‪،‬‬
‫لن ضمان الصل هو من ربه‪ :‬أعني من المكري‪ ،‬وأيضا فإنه من‬
‫باب بيييع مييا لم يقبييض‪ ،‬وأجاز ذلك بعييض العلماء إذا أحدث فيهييا‬
‫عمل‪ .‬ومميين لم يكره ذلك إذا وقييع بهذه الصييفة سييفيان الثوري‬
‫والجمهور‪ ،‬رأوا أن الجارة فيي هذا شبيهية بالبييع‪ ،‬ومنهيا أن يكري‬
‫الدار من الذي أكراها منه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجوز‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل‬
‫يجوز‪ ،‬وكأنيه رأى أنيه إذا كان التفاضيل بينهميا فيي الكراء فهيو مين‬
‫باب أكييل المال بالباطييل‪ .‬ومنهييا إذا اكترى أرضييا ليزرعهييا حنطيية‬
‫فأراد أن يزرعهيا شعيرا‪ ،‬أو ميا ضرره مثيل ضرر الحنطية أو دونيه‪،‬‬
‫فقال مالك له ذلك‪ ،‬وقال داود‪ :‬ليس له ذلك‪ .‬ومنها اختلفهم في‬
‫كنيس مراحييض الدور المكتراة‪ ،‬فالمشهور عين ابين القاسيم أنيه‬
‫على أرباب الدور‪ ،‬وروي عنيييييه أنيييييه على المكتري‪ ،‬وبيييييه قال‬
‫الشافعي؛ واستثنى ابن القاسم من هذه الفنادق التي تدخلها قوم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وتخرج قوم‪ ،‬فقال‪ :‬الكنييييس فييييي هذه على رب الدار‪ .‬ومنهييييا‬


‫اختلف أصحاب مالك في النهدام اليسير من الدار‪ ،‬هل يلزم رب‬
‫الدار إصيلحه‪ ،‬أم لييس يلزم؟ وينحيط عنيه مين الكراء ذلك القدر؟‬
‫فقال ابيين القاسييم‪ :‬ل يلزمييه‪ ،‬وقال غيره ميين أصييحابه يلزمييه‪.‬‬
‫وفروع هذا الباب كثيرة‪ ،‬وليس قصدنا التفريع في هذا الكتاب‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثانية‪ :‬وهي النظر في أحكام الطوارئ)‬
‫*‪*3‬الفصل الول منه‪ ،‬وهو النظر في الفسوخ‪.‬‬
‫@‪-‬فنقول‪ :‬إن الفقهاء اختلفوا فيي عقيد الجارة؛ فذهيب الجمهور‬
‫إلى أنيه عقيد لزم‪ ،‬وحكيي عين قوم أنيه عقيد جائز تشبيهيا بالجعيل‬
‫والشركيية‪ .‬والذييين قالوا إنيه عقييد لزم اختلفوا فيميا ينفسييخ بيه؛‬
‫فذهيب جماعية فقهاء المصيار مالك والشافعيي وسيفيان الثوري‬
‫وأبييو ثور وغيرهييم إلى أنييه ل ينفسييخ إل بمييا تنفسييخ بييه العقود‬
‫اللزمة من وجود العيب بها أو ذهاب محل استيفاء المنفعة‪ .‬وقال‬
‫أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬يجوز فسيخ عقيد الجارة للعذر الطارئ على‬
‫المستأجر‪ ،‬مثل أن يكري دكانا يتجر فيه فيحترق متاعه أو يسرق‪.‬‬
‫وعمدة الجمهور قوله تعالى {أوفوا بالعقود} لن الكراء عقيييييييد‬
‫على منافيع فأشبيه النكاح‪ ،‬ولنيه عقيد على معاوضية فلم ينفسيخ‬
‫أصيله البييع‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية أنيه شبيه ذهاب ميا بيه تسيتوفي‬
‫المنفعية بذهاب العيين التيي فيهيا المنفعية‪ .‬وقيد اختلف قول مالك‬
‫إذا كان الكراء فيي غيير مخصيوص على اسيتيفاء منفعية مين جنيس‬
‫مخصوص؛ فقال عبد الوهاب الظاهر من مذهب أصحابنا أن محل‬
‫ا ستيفاء المنافع ل يتعين في الجارة‪ ،‬وإن عين فذلك كالوصف ل‬
‫ينفسيخ بيبيعه أو ذهابيه‪ ،‬بخلف العيين المسيتأجرة إذا تلفيت قال‪:‬‬
‫وذلك مثيل أن يسيتأجر على رعايية غنيم بأعيانهيا أو خياطية قمييص‬
‫بعينيييه فتهلك الغنيييم ويحترق الثوب فل ينفسيييخ العقيييد‪ ،‬وعلى‬
‫المسيتأجر أن يأتيي بغنيم مثلهيا ليرعاهيا أو قمييص مثله ليخيطيه‪،‬‬
‫قال‪ :‬وقيد قييل إنهيا تتعيين بالتعييين فينفسيخ العقيد بتلف المحيل‪.‬‬
‫وقال بعيض المتأخريين‪ :‬إن ذلك لييس اختلفيا فيي المذهيب وإنميا‬
‫ذلك على قسييمين‪ :‬أحدهمييا أن يكون المحييل المعييين لسييتيفاء‬
‫المنافع مما تقصد عينه أو مما ل تقصد عينه‪ ،‬فإن كان مما تقصد‬
‫عينيه انفسيخت الجارة كالظئر إذا مات الطفيل‪ ،‬وإن كان مميا ل‬
‫يقصيد عينيه لم تنفسيخ الجارة على رعايية الغنيم أو بييع طعام فيي‬
‫حانوت وما أشبه ذلك‪ .‬واشتراط ابين القاسيم فيي المدونة أنه إذا‬
‫اسيتأجر على غنيم بأعيانهيا فإنيه ل يجوز إل أن يشترط الخلف هيو‬
‫التفات منه إلى أنها تنفسخ بذهاب محل استيفاء المعين‪ ،‬لكن لما‬
‫رأى التلف سييائقا إلى الفسييخ رأى أنييه ميين باب الغرر‪ ،‬فلم يجييز‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الكراء علي ها إل باشتراط الخلف‪ .‬ومن نحو هذا اختلفهم في هل‬


‫ينفسيخ الكراء بموت أحيد المتعاقديين‪ :‬أعنيي المكري والمكتري؛‬
‫فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور‪ :‬ل ينفسخ ويورث‬
‫عقد الكراء؛ وقال أبو حنيفة والثوري والليث‪ :‬ينفسخ‪ .‬وعمدة من‬
‫لم يقييل بالفسييخ أنييه عقييد معاوضيية‪ ،‬فلم ينفسييخ بموت أحييد‬
‫المتعاقدييين أصييله البيييع‪ .‬وعمدة الحنفييية أن الموت نقلة لصييل‬
‫الرقبية المكتراة مين ملك إلى ملك‪ ،‬فوجيب أن يبطيل أصيله البييع‬
‫فيي العيين المسيتأجرة مدة طويلة‪ :‬أعنيي أنيه ل يجوز فلميا كان ل‬
‫يجتميع العقدان معيا غلب ههنيا انتقال الملك وإل بقيي الملك لييس‬
‫له وارث‪ ،‬وذلك خلف الجماع‪ ،‬وربميييييا شبهوا الجارة بالنكاح إذ‬
‫كان كلهما استيفاء منافع‪ ،‬والنكاح يبطل بالموت وهو بعيد‪ ،‬وربما‬
‫احتجوا على المالكيييية فقيييط بأن الجرة عندهيييم تسيييتحق جزءا‬
‫فجزءا بقدر ميا يقبيض مين المنفعية‪ ،‬قالوا‪ :‬وإن كان هذا هكذا فإن‬
‫مات المالك وبقيييت الجارة‪ ،‬فإن المسييتأجر يسييتوفي فييي ملك‬
‫الوارث حقا بموجب عقد في غير ملك العاقد وذلك ل يصح‪ ،‬وإن‬
‫مات المستأجر فتكون الجرة مستحقة عليه بعد موته‪ ،‬والميت ل‬
‫يثبيت علييه ديين بإجماع بعيد موتيه‪ .‬وأميا الشافعيية فل يلزمهيم هذا‬
‫لن اسيتيفاء الجرة يجيب عندهيم بنفيس العقيد على ميا سيلف مين‬
‫ذلك‪ ،‬وعنييد مالك أن أرض المطيير إذا أكريييت فمنييع القحييط ميين‬
‫زراعتهيييا أو زرعهيييا فلم ينبيييت الزرع لمكان القحيييط أن الكراء‬
‫ينفسخ‪ ،‬وكذلك إذا استعذرت بالمطر حتى انقضى زمن الزراعة‪،‬‬
‫فلم يتمكين المكتري مين أن يزرعهيا وسيائر الجوائح التيي تصييب‬
‫الزرع ل يحط عنه من الكراء شيء‪ ،‬وعنده أن الكراء الذي يتعلق‬
‫بوقت ما أنه إن كان ذلك الوقت مقصودا مثل كراء الرواحل في‬
‫أيام الحيج فغاب المكري عين ذلك الوقيت أ نه ينفسخ الكراء‪ .‬وأميا‬
‫إن لم يكيين الوقييت مقصييودا فإنييه ل ينفسييخ‪ ،‬هذا كله عنده فييي‬
‫الكراء الذي يكون فيي العيان‪ .‬فأميا الكراء الذي يكون فيي الذمية‬
‫فإنه ل ينفسخ عنده بذهاب العين التي قبض المستأجر ليستوفي‬
‫منها المنفعة إذ كان لم ينعقد الكراء على عين بعينها وإنما انعقد‬
‫على موصيوف فيي الذمية‪ .‬وفروع هذا الباب كثيرة‪ ،‬وأصيوله هيي‬
‫هذه التي ذكرناها‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثاني وهو النظر في الضمان‪.‬‬
‫@‪-‬والضمان عنييييييد الفقهاء على وجهييييييين‪ :‬بالتعدي‪ ،‬أو لمكان‬
‫المصيييلحة وحفيييظ الموال‪ .‬فأميييا بالتعدي فيجيييب على المكري‬
‫باتفاق‪ ،‬والخلف إنمييا هييو فييي نوع التعدي الذي يوجييب ذلك أو ل‬
‫يوجبييه وفييي قدره؛ فميين ذلك اختلف العلماء فييي القضاء فيميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اكترى دابييية إلى موضيييع ميييا فتعدى بهيييا إلى موضيييع زائد على‬
‫الموضيع الذي انعقيد علييه الكراء‪ ،‬فقال الشافعيي وأحميد‪ :‬علييه‬
‫الكراء الذي التزمه إلى المسافة المشترطة‪ ،‬ومثل كراء المسافة‬
‫التي تعدى فيها؛ وقال مالك‪ :‬رب الدابة بالخيار في أن يأخذ كراء‬
‫دابته في المسافة التي تعدى فيها أو يضمن له قيمة الدابة؛ وقال‬
‫أبيو حنيفية‪ :‬ل كراء علييه فيي المسيافة المتعداة‪ ،‬ول خلف أنهيا إذا‬
‫تلفيت فيي المسيافة المتعداة أنيه ضامين لهيا‪ .‬فعمدة الشافعيي أنيه‬
‫تعدى على المنفعية فلزميه أجرة المثيل أصيله التعدي على سيائر‬
‫المنافيع‪ .‬وأميا مالك فكأنيه لميا حبيس الدابية عين أسيواقها رأى أنيه‬
‫قيد تعدى عليهيا فيهيا نفسيها فشبهيه بالغاصيب‪ ،‬وفييه ضعيف‪ .‬وأميا‬
‫مذهييب أبييي حنيفيية فبعيييد جدا عمييا تقتضيييه الصييول الشرعييية‪،‬‬
‫والقرب إلى الصيول فيي هذه المسيألة هيو قول الشافعيي‪ .‬وعنيد‬
‫مالك أن عثار الدابية لو كانيت عثور تعيد مين صياحب الدابية يضمين‬
‫بهييا الحمييل‪ ،‬وكذلك إن كانييت الحبال رثيية‪ ،‬ومسييائل هذا الباب‬
‫كثيرة‪ .‬وأميا الذيين اختلفوا فيي ضمانهيم مين غيير تعيد إل مين جهية‬
‫المصيلحة فهيم الصيناع‪ ،‬ول خلف عندهيم أن الجيير لييس بضامين‬
‫لمييا هلك عنده ممييا اسييتؤجر عليييه إل أن يتعدى مييا عدا حامييل‬
‫الطعام والطحان‪ ،‬فإن مالكيا ضمنيه ميا هلك عنده‪ ،‬إل أن تقوم له‬
‫بينة على هلكه من غير سببه‪ .‬وأما تضمين الصناع ما ادعوا هلكه‬
‫مين المصينوعات المدفوعية إليهيم‪ ،‬فإنهيم اختلفوا فيي ذلك‪ ،‬فقال‬
‫مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف‪ :‬يضمنون ما هلك عندهم‪ ،‬وقال‬
‫أبييو حنيفيية‪ :‬ل يضميين ميين عمييل بغييير أجيير ول الخاص‪ ،‬ويضميين‬
‫المشترك وميين عمييل بأجيير‪ .‬وللشافعييي قولن فييي المشترك‪.‬‬
‫والخاص عندهيم هيو الذي يعميل فيي منزل المسيتأجر‪ ،‬وقييل هيو‬
‫الذي لم ينت صب للناس‪ ،‬وهو مذهب مالك في الخاص‪ ،‬وهو عنده‬
‫غيير ضامين‪ ،‬وتحصييل مذهيب مالك على هذا أن الصيانع المشترك‬
‫يضمن‪ ،‬وسواء عمل بأجر أو بغير أجر‪ ،‬وبتضمين الصناع قال علي‬
‫وعمير‪ ،‬وإن كان قيد اختلف عين علي فيي ذلك‪ .‬وعمدة مين لم يير‬
‫الضمان عليهيم أنيه شبيه الصيانع بالمودع عنده والشرييك والوكييل‬
‫وأجير الغنم ومن ضمنه فل دليل له إل النظر إلى المصلحة وسد‬
‫الذريعيية‪ .‬وأمييا ميين فرق بييين أن يعملوا بأجيير أو ل يعملوا بأجيير‪،‬‬
‫فلن العاميل بغيير أجير إنميا قبيض المعمول لمنفعية صياحبه فقيط‬
‫فأشبيه المودع‪ ،‬وإذا قبض ها بأجير فالمنفعية لكليهميا‪ ،‬فغلبيت منفعية‬
‫القابيض‪ ،‬أصيله القرض والعاريية عنيد الشافعيي‪ ،‬وكذلك أيضيا مين‬
‫لم ينصيب نفسيه لم يكين فيي تضمينيه سيد ذريعية‪ ،‬والجيير عنيد‬
‫مالك كما قلنا ل يضمن إل أنه استحسن تضمين حامل القوت وما‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يجري مجراه‪ ،‬وكذلك الطحان وميييا عدا غيرهيييم فل يضمييين إل‬


‫بالتعدي‪ ،‬وصياحب الحمام ل يضمين عنده‪ ،‬هذا هيو المشهور عنيه‪،‬‬
‫وقد قيل يضمن‪ .‬وشذ أشهب فضمن الصناع ما قامت البينة على‬
‫هلكه عندهم من غير تعد منهم ول تفريط و هو شذوذ‪ ،‬ول خلف‬
‫أن الصيييناع ل يضمنون ميييا لم يقبضوا فيييي منازلهيييم‪ .‬واختلف‬
‫أصيييحاب مالك إذا قاميييت البينييية على هلك المصييينوع وسيييقط‬
‫الضمان عنهم هل تجب لهم الجرة أم ل‪ ،‬إذا كان هلكه بعد إتمام‬
‫الصنعة أو بعد تمام بعضها؟ فقال ابن القاسم‪ :‬ل أجرة لهم‪ ،‬وقال‬
‫ابين المواز‪ :‬لهيم الجرة؛ ووجيه ميا قال ابين المواز أن المصييبة إذا‬
‫نزلت بالمستأجر فوجب أن ل يمضي عمل الصانع باطل؛ ووجه ما‬
‫قال ابيين القاسييم أن الجرة إنمييا اسييتوجبت فييي مقابلة العمييل‪،‬‬
‫فأشبيه ذلك إذا هلك بتفر يط مين الجيير‪ ،‬وقول ا بن المواز أقييس‪،‬‬
‫وقول ابين القاسيم أكثير نظرا إلى المصيلحة لنيه رأى أن يشتركوا‬
‫فييي المصيييبة‪ .‬وميين هذا الباب اختلفهييم فييي ضمان صيياحب‬
‫السييفينة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل ضمان عليييه‪ ،‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬عليييه‬
‫الضمان إل ميين الموج‪ ،‬وأصييل مذهييب مالك أن الصييناع يضمنون‬
‫كيل ميا أتيى على أيديهيم مين حرق أو كسير فيي المصينوع أو قطيع‬
‫إذا عمله فييي حانوتييه‪ ،‬وإن كان صيياحبه قاعدا معييه‪ ،‬إل فيمييا كان‬
‫فيييه تغرييير ميين العمال‪ ،‬مثييل ثقييب الجواهيير ونقييش الفصييوص‬
‫وتقويييم السيييوف واحتراق الخبييز عنييد الفران والطييبيب يموت‬
‫العلييل مين معالجتيه وكذلك البيطار إل أن يعلم أنيه تعدى فيضمين‬
‫حينئذ‪ .‬وأما الطبيب وما أشبهه إذا أخطأ في فعله‪ ،‬وكان من أهل‬
‫المعرفية فل شييء علييه فيي النفيس‪ ،‬والديية على العاقلة فيميا‬
‫فوق الثلث وفييي ماله فيمييا دون الثلث‪ ،‬وإن لم يكيين ميين أهييل‬
‫المعرفة فعليه الضرب والسجن والدية‪ ،‬قيل في ماله‪ ،‬وقيل على‬
‫العاقلة‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث في معرفة حكم الختلف‪.‬‬
‫@‪-‬وهيو النظير فيي الختلف‪ ،‬وفيي هذا الباب أيضيا مسيائل‪ :‬فمنهيا‬
‫أنهيم اختلفوا إذا اختلف الصيانع ورب المصينوع فيي صيفة الصينعة‪،‬‬
‫فقال أبيو حنيفية‪ :‬القول قول رب المصينوع‪ ،‬وقال مالك وابين أبيي‬
‫ليلى‪ :‬القول قول الصانع‪ .‬وسبب الخلف من المدعي منهما على‬
‫صيياحبه‪ ،‬وميين المدعييى عليييه؟‪ .‬ومنهييا إذا ادعييى الصييناع رد مييا‬
‫اسيتصنعوا فييه وأنكير ذلك الدافيع‪ ،‬فالقول عنيد مالك قول الدافيع‪،‬‬
‫وعلى الصناع البينة لنهم كانوا ضامنين لما في أيديهم؛ وقال ابن‬
‫الماجشون‪ :‬القول قول الصيناع إن كان ميا دفيع إليهيم دفيع بغيير‬
‫بينية‪ ،‬وإن كان دفيع إليهيم ببينية فل ييبرءون إل ببينية‪ .‬وإذا اختلف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصيانع ورب المتاع فيي دفيع الجرة‪ ،‬فالمشهور فيي المذهيب أن‬
‫القول قول الصيييانع ميييع يمينيييه إن قام يحدثان ذلك‪ ،‬وإن تطاول‬
‫فالقول قول رب المصينوع‪ ،‬وكذلك إذا اختلف المكري والمكتري‪،‬‬
‫وقييييل بيييل القول قول الصيييانع وقول المكري وإن طال‪ ،‬وهيييو‬
‫الصيل‪ .‬وإذا اختلف المكري والمكتري أو الجيير والمسيتأجر فيي‬
‫مدة الزمان الذي وقييع فيييه اسييتيفاء المنفعيية إذا اتفقييا على أن‬
‫المنفعييية لم تسيييتوف فيييي جمييييع الزمان المضروب فيييي ذلك‪،‬‬
‫فالمشهور فيي المذهيب أن القول قول المكتري والمسيتأجر لنيه‬
‫الغارم‪ ،‬والصييييييييول على أن القول قول الغارم؛ وقال ابيييييييين‬
‫الماجشون‪ :‬القول قول المكتري له والمسييتأجر إذا كانييت العييين‬
‫المسيتوفاة منهيا المنافيع فيي قبضهميا مثيل الدار وميا أشبيه ذلك‪.‬‬
‫وأميا ميا لم يكين فيي قبضيه مثيل الجيير فالقول قول الجيير‪ .‬ومين‬
‫مسائل المذهب المشهورة في هذا الباب اختلف المتكاريين في‬
‫الدواب وفيي الرواحيل‪ ،‬وذلك أن اختلفهميا ل يخلو أن يكون فيي‬
‫قدر المسافة أو نوعها‪ ،‬أو قدر الكراء أو نوعه‪ ،‬فإن كان اختلفهما‬
‫فيييي نوع المسيييافة‪ ،‬أو فيييي نوع الكراء‪ ،‬فالتحالف والتفاسيييخ‬
‫كاختلف المتبايعين في نوع الثمن‪ ،‬قال ابن القاسم‪ :‬انعقد أو لم‬
‫ينعقد‪ ،‬وقال غيره‪ :‬القول قول رب الدابة إذا انعقد وكان يشبه ما‬
‫قال‪ .‬وإن كان اختلفهما في قدر المسافة‪ ،‬فإن كان قبل الركوب‬
‫أو بعييد ركوب يسييير‪ ،‬فالتحالف والتفاسييخ‪ ،‬وإن كان بعييد ركوب‬
‫كثيير‪ ،‬أو بلوغ المسيافة التيي يدعيهيا رب الدابية فالقول قول رب‬
‫الدابية فيي المسيافة إن انتقيد وكان يشبيه ميا قال‪ ،‬وإن لم ينتقيد‬
‫وأشبيه قوله تحالفيا ويفسيخ الكراء على أعظيم المسيافتين‪ ،‬فميا‬
‫جعييل منييه للمسييافة التييي ادعاهييا رب الدابيية أعطيييه‪ ،‬وكذلك إن‬
‫انتقيد ولم يشبيه قوله وإن اختلفيا فيي الثمين واتفقيا على المسيافة‬
‫فالقول قول المكتري نقد أو لم ينقد لنه مدعى عليه‪ .‬وإن اختلفا‬
‫في المرين جميعا في المسافة والثمن مثل أن يقول رب الدابة‬
‫بقرطبية‪ :‬اكترييت منيك إلى قرمونية بديناريين ويقول المكتري بيل‬
‫بدينار إلى إشبيلييية‪ ،‬فإن كان أيضييا قبييل الركوب أو بعييد ركوب ل‬
‫ضرر عليهما في الرجوع تحالفا وتفاسخا‪ ،‬وإن كان بعد سير كثير‬
‫أو بلوغ المسيييافة التيييي يدعيهيييا رب الدابييية‪ ،‬فإن كان لم ينقيييد‬
‫المكتري شيئا كان القول قول رب الدابيية فييي المسييافة‪ ،‬والقول‬
‫قول المكتري في الثمن‪ ،‬ويغرم من الثمن ما يجب له من قرطبة‬
‫إلى قرمونيية‪ ،‬على أنييه لو كان الكراء بييه إلى إشبيلييية وذلك أنييه‬
‫أشبيه قول المكتري‪ ،‬وإن لم يشبيه ميا قال وأشبيه رب الدابية غرم‬
‫ديناريين وإن كان المكتري نقيد الثمين الذي يدعيى أنيه للمسيافة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الكييبرى وأشبييه قول رب الدابيية كان القول قول رب الدابيية فييي‬


‫المسيافة ويبقيى له ذلك الثمين الذي قبضيه ل يرجيع علييه بشييء‬
‫منيه إذ هيو مدعيي علييه فيي بعضيه‪ ،‬وهيو يقول‪ :‬بيل هيو لي وزيادة‪،‬‬
‫فيقبيل قوله فييه لنيه قبضيه‪ ،‬ول يقبيل قوله فيي الزيادة‪ ،‬ويسيقط‬
‫عنه ما لم يقرب به من المسافة أشبه ما قال أو لم يشبه‪ ،‬إل أنه‬
‫إذا لم يشبييه قسييم الكراء الذي أقيير بييه المكتري على المسييافة‬
‫كلهيا‪ ،‬فيأخيذ رب الدابية مين ذلك ميا ناب المسيافة التيي ادعاهيا‪،‬‬
‫وهذا القدر كاف في هذا الباب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الجعل‪.‬‬
‫@‪-‬والجعيييل هيييو الجارة على منفعييية مظنون حصيييولها‪ ،‬مثيييل‬
‫مشارطية الطيبيب على البرء والمعلم على الحذاق والناشيد على‬
‫وجود العبييد البييق‪ .‬وقييد اختلف العلماء فييي منعييه وجوازه؛ فقال‬
‫مالك‪ :‬يجوز ذلك في اليسير بشرطين‪ :‬أحدهما أن ل يضرب لذلك‬
‫أجل‪ .‬والثانيي أن يكون الثمين معلوميا؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يجوز؛‬
‫وللشافعييي قولن وعمدة ميين أجازه قوله تعالى {ولميين جاء بييه‬
‫حمل بعير وأنا به زعيم} وإجماع الجمهور على جوازه في الباق‬
‫والسييؤال‪ .‬ومييا جاء فييي الثيير ميين أخييذ الثميين على الرقييية بأم‬
‫القرآن‪ ،‬وقيد تقدم ذلك‪ .‬وعمدة مين منعيه الغرر الذي فييه قياسيا‬
‫على سييائر الجارات‪ ،‬ول خلف فييي مذهييب مالك أن الجعييل ل‬
‫يسيتحق شييء منه إل بتمام العميل وأ نه لييس بعقيد لزم‪ .‬واختلف‬
‫مالك وأصيحابه فيي هذا الباب فيي كراء السيفينة‪ ،‬هيل هيو جعيل أو‬
‫إجارة فقول مالك‪ :‬لييس لصياحبها كراء إل بعيد البلوغ‪ ،‬وهيو قول‬
‫ابن القاسم ذهابا إلى أن حكمها حكم الجعل‪ .‬وقال ابن نافع من‬
‫أصيييحابه‪ :‬له قدر ميييا بلغ مييين المسيييافة‪ ،‬فأجرى حكميييه مجرى‬
‫الكراء‪ .‬وقال أصبغ‪ :‬إن لجج فهو جعل وإن لم يلجج فهو إجارة له‬
‫بحسييب الموضييع الذي وصييل إليييه‪ .‬والنظيير فييي هذا الباب فييي‬
‫جوازه ومحله وشروطه وأحكامه ومحله هو ما كان من الفعال ل‬
‫ينتفيع الجاعيل بجزء منيه‪ ،‬لنيه إذا انتفيع الجاعيل بجزء مميا عميل‬
‫الملتزم للجعيل (هكذا بالنسيخ‪ ،‬ولعله للعميل‪ ،‬لن الملتزم للجعيل‬
‫هيو المنتفيع‪ ،‬أو تجعيل اللم للعلة‪ ،‬تأميل ا هيي مصيححه)‪ ،‬ولم يأت‬
‫بالمنفعة التي انعقد الجعل علي ها‪ ،‬وقلنا على حكم الجعيل إنه إذا‬
‫لم يأت بالمنفعية التيي انعقيد الجعيل عليهيا لم يكين له شييء‪ ،‬فقيد‬
‫انتفيع الجاعيل بعميل المجعول مين غيير أن يعوضيه مين عمله بأجير‬
‫وذلك ظلم‪ ،‬ولذلك يختلف الفقهاء فيي كثيير مين المسيائل هيل هيو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫جعيل أو إجارة مثيل مسيألة السيفينة المتقدمية هيل هيي مميا يجوز‬
‫فيهييا الجعييل أول يجوز مثييل اختلفهييم فييي المجاعلة على حفيير‬
‫البار‪ ،‬وقالوا في المغارسة إن ها تشبه الجعل من جهة والبيع من‬
‫جهيية‪ ،‬وهييي عنييد مالك أن يعطييي الرجييل أرضييه لرجييل على أن‬
‫يغرس فيييه عددا ميين الثمار معلومييا‪ ،‬فإذا اسييتحق الثميير كان‬
‫للغارس جزء من الرض متفق عليه‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القراض‪.‬‬
‫@‪-‬ول خلف بين المسلمين في جواز القراض‪ ،‬وأنه مما كان في‬
‫الجاهلية فأقره السلم‪ .‬وأجمعوا على أن صفته أن يعطي الرجل‬
‫الرجل المال على أن يتجر به على جزء معلوم يأخذه العامل من‬
‫ربيح المال‪ ،‬أي جزء كان مميا يتفقان علييه ثلثيا أو ربعيا أو نصيفا‪،‬‬
‫وأن هذا مسييتثنى ميين الجارة المجهولة‪ ،‬وأن الرخصيية فييي ذلك‬
‫إنميا هيي لموضيع الرفيق بالناس‪ ،‬وأنيه ل ضمان على العاميل فيميا‬
‫تلف مين رأس المال إذا لم يتعيد‪ ،‬وإن كان اختلفوا فيميا هيو تعيد‬
‫ممييا ليييس بتعييد‪ .‬وكذلك أجمعوا بالجملة على أنييه ل يقترن بييه‬
‫شرط يزيييد فييي مجهلة الربييح أو فييي الغرر الذي فيييه وإن كان‬
‫اختلفوا فيمييا يقتضييي ذلك ميين الشروط ممييا ل يقتضييي‪ .‬وكذلك‬
‫اتفقوا على أنيه يجوز بالدنانيير والدراهيم‪ ،‬واختلفوا فيي غيير ذلك‪.‬‬
‫وبالجملة فالنظير فييه‪ :‬فيي صيفته وفيي محله وفيي شروطيه وفيي‬
‫أحكاميييه‪ ،‬ونحيين نذكيير فييي باب باب ميين هذه الثلثيية البواب‬
‫مشهورات مسائلهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في محله‪.‬‬
‫@‪-‬أميا صيفته فقيد تقدميت وأنهيم أجمعوا عليهيا‪ .‬وأميا محله فإنهيم‬
‫أجمعوا على أنيه جائز بالدنانيير والدراهيم‪ ،‬واختلفوا فيي العروض‬
‫فجمهور فقهاء المصيييييار على أنيييييه ل يجوز القراض بالعروض‪،‬‬
‫وجوزه ابييين أبيييي ليلى‪ .‬وحجييية الجمهور أن رأس المال إذا كان‬
‫عروضا كان غررا لنه يقبض العرض وهو يساوي قيمة ما‪ ،‬ويرده‬
‫وهو يساوي قيمة غيرها‪ ،‬فيكون رأس المال والربح مجهول‪ .‬وأما‬
‫إن كان رأس المال مييييا بييييه يباع العروض‪ ،‬فإن مالكييييا منعييييه‬
‫والشافعي أيضا‪ ،‬وأجازه أبو حنيفة‪ .‬وعمدة مالك أنه قارضه على‬
‫مييا بيعييت بييه السييلعة وعلى بيييع السييلعة نفسييها‪ ،‬فكأنييه قراض‬
‫ومنفعة‪ ،‬مع أن ما يبيع به السلعة مجهول‪ ،‬فكأنه إنما قارضه على‬
‫رأس مال مجهول‪ ،‬ويشبه أن يكون أيضا إنما منع المقارضة على‬
‫قيييم العروض لمكان مييا يتكلف المقارض فييي ذلك ميين البيييع‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وحينئذ ينيض رأس مال القراض‪ ،‬وكذلك إن أعطاه العرض بالثمين‬


‫الذي اشتراه بيه‪ ،‬ولكنيه أقرب الوجوه إلى الجواز‪ ،‬ولعيل هذا هيو‬
‫الذي جوزه ابن أبي ليلى‪ ،‬بل هو الظاهر من قولهم؛ فإنهم حكوا‬
‫عنيه أنيه يجوز أن يعطيي الرجيل ثوبيا ييبيعه‪ ،‬فميا كان فييه مين ربيح‬
‫فهيو بينهميا‪ ،‬وهذا إنميا هيو على أن يجعل أصيل المال الثمين الذي‬
‫اشترى به الثوب‪ ،‬ويشبه أيضا إن جعل رأس المال الثمن أن يتهم‬
‫المقارض فيي تصيديقه رب المال بخرصيه على أخيذ القراض منيه‪.‬‬
‫واختلف قول مالك في القراض بالنقد من الذهب والفضة‪ ،‬فروي‬
‫عنييه أشهييب منييع ذلك‪ ،‬وروى ابيين القاسييم جوازه‪ ،‬ومنعييه فييي‬
‫المصييوغ‪ ،‬وبالمنييع فييي ذلك قال الشافعييي والكوفييي‪ ،‬فميين منييع‬
‫القراض بالنقييد شبههييا بالعروض‪ ،‬وميين أجازه شبههييا بالدراهييم‬
‫والدنانيير لقلة اختلف أسيواقها‪ .‬واختلف أيضيا أصيحاب مالك فيي‬
‫القراض بالفلوس‪ ،‬فمنعيه ابين القاسيم‪ ،‬وأجازه أشهيب‪ ،‬وبيه قال‬
‫محميد بين الحسين؛ وجمهور العلماء مالك والشافعيي وأبيو حنيفية‬
‫على أنييه إذا كان لرجييل على رجييل دييين لم يجييز أن يعطيييه له‬
‫قراضييا قبييل أن يقبضييه؛ أمييا العلة عنييد مالك فمخافيية أن يكون‬
‫أعسير بماله‪ ،‬فهيو يرييد أن يؤخره عنيه على أن يزييد فييه‪ ،‬فيكون‬
‫الربيا المنهيي عنيه‪ .‬وأميا العلة عنيد الشافعيي وأبيي حنيفية‪ ،‬فإن ميا‬
‫فييي الذميية ل يتحول ويعود أمانيية‪ .‬واختلفوا فيميين أميير رجل أن‬
‫يقبيض دينيا له على رجيل آخير‪ ،‬ويعميل فييه على ج هة القراض فلم‬
‫يجيز ذلك مالك وأصيحابه‪ ،‬لنيه رأى أنيه ازداد على العاميل كلفية‪،‬‬
‫وهيو ميا كلفيه مين قبضيه‪ ،‬وهذا على أصيله أن مين اشترط منفعية‬
‫زائدة فييي القراض أنييه فاسييد؛ وأجاز ذلك الشافعييي والكوفييي‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬لنييه وكله على القبييض‪ ،‬ل أنييه جعييل القبييض شرطييا فييي‬
‫المصارفة‪ ،‬فهذا هو القول في محله‪ .‬وأما صفته فهي الصفة التي‬
‫قدمناها‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في مسائل الشروط‪.‬‬
‫@‪-‬وجملة ما ل يجوز من الشروط عند الجميع هي ما أدى عندهم‬
‫إلى غرر أو إلى مجهلة زائدة‪ .‬ول خلف بيييييين العلماء أنيييييه إذا‬
‫اشترط أحدهميا لنفسيه مين الربيح شيئا زائدا غيير ميا انعقيد علييه‬
‫القراض أن ذلك ل يجوز‪ ،‬لنه يصير ذلك الذي انعقد عليه القراض‬
‫مجهول‪ ،‬وهذا هو الصل عند مالك في أن ل يكون مع القراض بيع‬
‫ول كراء ول سيلف ول عميل ول مرفيق يشترطيه أحدهميا لصياحبه‬
‫ميع نفسيه‪ ،‬فهذه جملة ميا اتفقوا علييه وإن كانوا قيد اختلفوا فيي‬
‫التفصيييل؛ فميين ذلك اختلفهييم إذا شرط العامييل الربييح كله له‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يجوز‪ ،‬وقال الشافعيي‪ :‬ل يجوز‪ ،‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬هيو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قرض ل قراض؛ فمالك رأى أنه إحسان من رب المال وتطوع‪ ،‬إذ‬


‫كان يجوز له أن يأخيييذ منيييه الجزء القلييييل مييين المال الكثيييير‬
‫والشافعييي رأى أنييه غرر‪ ،‬لنييه إن كان خسييران فعلى رب المال‬
‫وبهذا يفارق القرض‪ ،‬وإن كان ربيح فلييس لرب المال فييه شييء‪.‬‬
‫ومنهييا إذا شرط رب المال الضمان على العامييل‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل‬
‫يجوز القراض وهييو فاسييد‪ ،‬وبييه قال الشافعييي؛ وقال أبييو حنيفيية‬
‫وأصحابه؛ القراض جائز والشرط باطل‪ .‬وعمدة مالك أن اشتراط‬
‫الضمان زيادة غرر فيي القراض ففسيد؛ وأميا أبيو حنيفية فشبهيه‬
‫بالشرط الفاسد في البيع على رأيه أن البيع جائز والشرط باطل‬
‫اعتمادا على حدييييييث بريرة المتقدم‪ .‬واختلفوا فيييييي المقارض‬
‫يشترط رب المال علييه خصيوص التصيرف‪ ،‬مثيل أن يشترط علييه‬
‫تعيين جنس ما من السلع‪ ،‬أو تعيين جنس ما من البيع‪ ،‬أو تعيين‬
‫موضيع ما من التجارة‪ ،‬أو تعيين صينف ما من الناس يتجير معهم‪.‬‬
‫فقال مالك والشافعييي فييي اشتراط جنييس ميين السييلع‪ :‬ل يجوز‬
‫ذلك إل أن يكون ذلك الجنيس مين السيلع ل يختلف وقتيا ميا مين‬
‫أوقات السيينة؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬يلزمييه مييا اشترط عليييه‪ ،‬وإن‬
‫تصرف في غير ما اشترط عليه ضمن‪ .‬فمالك والشافعي رأيا أن‬
‫هذا الشتراط مييين باب التضيييييق على المقارض فيعظيييم الغرر‬
‫بذلك؛ وأبيييو حنيفييية اسيييتخف الغرر الموجود فيييي ذلك‪ ،‬كميييا لو‬
‫اشترط عليه أن ل يشتري جنسا ما من السلع لكان على شرطه‬
‫فيي ذلك باجماع‪ .‬ول يجوز القراض المؤجيل عنيد الجمهور‪ ،‬وأجازه‬
‫أبيو حنيفية إل أن يتفاسيخا؛ فمين لم يجزه رأى أن فيي ذلك تضييقيا‬
‫على العاميل يدخيل علييه مزييد غرر‪ ،‬لنيه ربميا بارت عنده سيلع‬
‫فيضطير عنيد بلوغ الجيل إلى بيعهيا فيلحقيه فيي ذلك ضرر؛ ومين‬
‫أجاز الجيل شبيه القراض بالجارة ومين هذا الباب اختلفهيم فيي‬
‫جواز اشتراط رب المال زكاة الربيح على العاميل فيي حصيته مين‬
‫الربيح‪ ،‬فقال مالك فيي الموطيأ‪ :‬ل يجوز‪ ،‬ورواه عنيه أشهيب؛ وقال‬
‫ابيييين القاسييييم‪ :‬ذلك جائز‪ ،‬ورواه عيييين مالك‪ ،‬وبقول مالك قال‬
‫الشافعييي‪ .‬وحجيية ميين لم يجزه أنييه تعوض حصيية العامييل ورب‬
‫المال مجهولة‪ ،‬لنييه ل يدري كييم يكون المال فييي حييين وجوب‬
‫الزكاة فييه‪ ،‬وتشبيهيا باشتراط زكاة أصيل المال علييه‪ :‬أعنيي على‬
‫العامل‪ ،‬فإنه ل يجوز باتفاق وحجة ابن القاسم أنه يرجع إلى جزء‬
‫معلوم النسيييبة وإن لم يكييين معلوم القدر‪ ،‬لن الزكاة معلومييية‬
‫النسبة من المال المزكى‪ ،‬فكأنه اشترط عليه في الربح الثلث إل‬
‫ربيع العشير‪ ،‬أو النصيف إل ربيع العشير‪ ،‬أو الربيع إل ربيع العشير‪،‬‬
‫وذلك جائز ولييييس مثيييل اشتراطيييه زكاة رأس المال‪ ،‬لن ذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫معلوم القدر غييير معلوم النسييبة‪ ،‬فكان ممكنييا أن يحيييط بالربييح‬


‫فيبقيييييى عميييييل المقارض باطل‪ ،‬وهيييييل يجوز أن يشترط ذلك‬
‫المقارض على رب المال؟ فيي المذهيب فييه قولن‪ :‬قييل بالفرق‬
‫بين العامل ورب المال‪ ،‬وقيل يجوز أن يشترطه العامل على رب‬
‫المال‪ ،‬ول يجوز أن يشترطه رب المال على العامل؛ وقيل عكس‬
‫هذا‪ .‬واختلفوا فييي اشتراط العامييل على رب المال غلمييا بعينييه‬
‫على أن يكون للغلم نصيييب ميين المال‪ ،‬فأجازه مالك والشافعييي‬
‫وأبيو حنيفية؛ وقال أشهيب مين أصيحاب مالك‪ :‬ل يجوز ذلك‪ ،‬فمين‬
‫أجاز ذلك شبهيه بالرجيل يقارض الرجليين‪ ،‬ومين لم يجيز ذلك رأى‬
‫أنها زيادة ازدادها العامل على رب المال‪ .‬فأما إن اشترط العامل‬
‫غلمييه‪ ،‬فقال الثوري‪ :‬ل يجوز‪ ،‬وللغلم فيمييا عمييل أجرة المثييل‪،‬‬
‫وذلك أن حظ العامل يكون عنده مجهول‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في أحكام القراض‪.‬‬
‫@‪-‬والحكام‪ ،‬منهيا ميا هيي أحكام القراض الصيحيح‪ ،‬ومنهيا ميا هيي‬
‫أحكام القراض الفاسد‪ .‬وأحكام القراض الصحيح‪ ،‬منها ما هي من‬
‫موجبات العقد‪ ،‬أعني أنها تابعة لموجب العقد‪ ،‬ومختلف فيها هل‬
‫هي تابعة أو غير تابعة؟ ومنها أحكام طوارئ تطرأ على العقد مما‬
‫لم يكن موجبه من نفس العقد‪ ،‬مثل التعدي والختلف وغير ذلك‪.‬‬
‫ونحن نذكر من هذه الوصاف ما اشتهر عند فقهاء المصار‪ .‬ونبدأ‬
‫من ذلك بموجبات العقد فنقول‪ :‬إنه أجمع العلماء على أن اللزوم‬
‫ليس من موجبات عقد القراض‪ ،‬وأن لكل واحد منهما فسخه ما‬
‫لم يشرع العامييل فييي القراض‪ .‬واختلفوا إذا شرع العامييل‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬هيو لزم‪ ،‬وهيو عقيد يورث‪ ،‬فإن مات وكان للمقارض بنون‬
‫أمناء كانوا فيي القراض مثيل أبيهيم‪ ،‬وإن لم يكونوا أمناء كان لهيم‬
‫أن يأتوا بأمييين؛ وقال الشافعييي وأبييو حنيفيية‪ :‬لكييل واحييد منهييم‬
‫الفسخ إذا شاء‪ ،‬وليس هو عقد يورث‪ .‬فمالك ألزمه بعد الشروع‬
‫في العمل لما فيه من ضرر‪ ،‬ورآه من العقود الموروثة‪ .‬والفرقة‬
‫الثانية شبهت الشروع في العمل بما بعد الشروع في العمل‪ .‬ول‬
‫خلف بينهيم أن المقارض إنميا يأخيذ حظيه مين الربيح بعيد أن ينيض‬
‫جمييع رأس المال‪ ،‬وأنيه إن خسير ثيم أتجير ثيم ربيح جيبر الخسيران‬
‫من الربح‪ .‬واختلفوا في الرجل يدفع إلى رجل مال قراضا فيهلك‬
‫بعضه قبل أن يعمل فيه‪ ،‬ثم يعمل فيه فيربح‪ ،‬فيريد المقارض أن‬
‫يجعيل رأس المال بقيية المال بعيد الذي هلك‪ ،‬هيل له ذلك أم ل؟‬
‫فقال مالك وجمهور العلماء‪ :‬إن صييدقه رب المال‪ ،‬أو دفييع رجييل‬
‫مال قراضييا لرجييل فهلك منييه جزء قبييل أن يعمييل فأخييبره بذلك‬
‫فصيييدقه ثيييم قال له يكون الباقيييي عندك قراضيييا على الشرط‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المتقدم لم يجييز حتييى يفاصييله ويقبييض منييه رأس ماله وينقطييع‬


‫القراض الول‪ .‬وقال ابين حيبيب مين أصيحاب مالك إنيه يلزميه فيي‬
‫ذلك القول‪ ،‬ويكون الباقيي قراضيا‪ ،‬وهذه المسيألة هيي مين أحكام‬
‫الطوارئ‪ ،‬ولكين ذكرناهيا هنيا لتعلقهيا بوقيت وجوب القسيمة‪ ،‬وهيي‬
‫من أحكام العقد‪ .‬واختلفوا هل للعامل نفقته من المال المقارض‬
‫عليه أم ل؟ على ثلثة أقوال‪ :‬فقال الشافعي في أشهر أقواله‪ :‬ل‬
‫نفقية له أصيل إل أن يأذن له رب المال؛ وقال قوم‪ :‬له نفقتيه‪ ،‬وبيه‬
‫قال إبراهييم النخعيي والحسين‪ ،‬وهيو أحيد ميا روي عين الشافعيي؛‬
‫وقال آخرون‪ :‬له النفقة في السفر من طعامه وكسوته‪ ،‬وليس له‬
‫شييء فيي الحضير‪ ،‬وبيه قال مالك وأبيو حنيفية والثوري وجمهور‬
‫العلماء‪ ،‬إل أن مالكييييييا قال‪ :‬إذا كان المال يحمييييييل ذلك؛ وقال‬
‫الثوري‪ :‬ينفييق ذاهبييا ول ينفييق راجعييا؛ وقال الليييث‪ :‬يتغدى فييي‬
‫المصر ول يتعشى؛ وروي عن الشافعي أن له نفقته في المرض‪،‬‬
‫والمشهور عنييه مثييل قول الجمهور‪ :‬أن ل نفقيية له فييي المرض‪.‬‬
‫وحجية مين لم يجزه أن ذلك زيادة منفعية فيي القراض فلم يجيز‪.‬‬
‫أصله المنافع‪ .‬وحجة من أجازه أن عليه العمل في الصدر الول‪،‬‬
‫ومن أجازه في الحضر شبهه بالسفر‪ .‬وأجمع علماء المصار على‬
‫أنييه ل يجوز للعامييل أن يأخييذ نصيييبه ميين الربييح إل بحضرة رب‬
‫المال‪ ،‬وأن حضور رب المال شرط فييييي قسييييمة المال وأخييييذ‬
‫العاميل حصيته‪ ،‬وأنيه لييس يكفيي فيي ذلك أن يقسيمه بحضور بينية‬
‫ول غيرها‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في أحكام الطوارئ‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا إذا أخيذ المقارض حصيته مين غيير حضور رب المال‪،‬‬
‫ثييم ضاع المال أو بعضييه؛ فقال مالك‪ :‬إن أذن له رب المال فييي‬
‫ذلك فالعامل مصدق فيما ادعاه من الضياع؛ وقال الشافعي وأبو‬
‫حنيفية والثوري‪ :‬ميا أخيذ العاميل يرده ويجيبر بيه رأس المال‪ ،‬ثيم‬
‫يقتسمان فضل إن كان هنالك‪ .‬واختلفوا إذا هلك مال القراض بعد‬
‫أن اشترى العامل به سلعة ما وقبل أن ينقده البائع‪ .‬فقال مالك‪:‬‬
‫البييع لزم للعاميل‪ ،‬ورب المال مخيير إن شاء دفيع قيمية السيلعة‬
‫مرة ثانيية‪ ،‬ثيم تكون بينهميا على ميا شرطيا مين المقارضية‪ ،‬وإن‬
‫شاء تيبرأ عنهيا؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬بيل يلزم ذلك الشراء رب المال‬
‫شبييه بالوكيييل‪ ،‬إل أنييه قال‪ :‬يكون رأس المال فييي ذلك القراض‬
‫الثمنيين‪ ،‬ول يقتسيمان الربيح إل بعيد حصيوله عينيا‪ :‬أعنيي ثمين تلك‬
‫السييلعة التييي تلفييت أول‪ ،‬والثميين الثانييي الذي لزمييه بعييد ذلك‪.‬‬
‫واختلفوا في بيع العامل من رب المال بعض سلع القراض‪ ،‬فكره‬
‫ذلك مالك‪ ،‬وأجازه أبيييو حنيفييية على الطلق‪ ،‬وأجازه الشافعيييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بشرط أن يكونيا قيد تبايعيا بميا ل يتغابين الناس بمثله‪ .‬ووجهية ميا‬
‫كره مين ذلك مالك أن يكون يرخيص له فيي السيلعة مين أجيل ميا‬
‫قارضه‪ ،‬فكأن رب المال أخذ من العامل منفعة سوى الربح الذي‬
‫اشترط علييه‪ .‬ول أعرف خلفيا بيين فقهاء المصيار أنيه إن تكارى‬
‫العاميل على السيلع إلى بلد فاسيتغرق الكراء قييم السيلع وفضيل‬
‫عليييه فضلة أنهييا على العامييل ل على رب المال‪ ،‬لن رب المال‬
‫إنميا دفيع ماله إلييه ليتجير بيه‪ ،‬فميا كان مين خسيران فيي المال‬
‫فعليه‪ ،‬وكذلك ما زاد على المال واستغرقه‪ .‬واختلفوا في العامل‬
‫يستدين مال فيتجر به مع مال القراض‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ذلك ل يجوز؛‬
‫وقال الشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬ذلك جائز‪ ،‬ويكون الربيح بينهميا على‬
‫شرطهميييا‪ .‬وحجييية مالك أنيييه كميييا ل يجوز أن يسيييتدين على‬
‫المقارضية‪ ،‬كذلك ل يجوز أن يأخيذ دينيا فيهيا‪ .‬واختلفوا هيل للعاميل‬
‫أن ييبيع بالديين إذا لم يأمره بيه رب المال؟ فقال مالك‪ :‬لييس له‬
‫ذلك‪ ،‬فإن فعييل ضميين‪ ،‬وبييه قال الشافعييي؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬له‬
‫ذلك‪ .‬والجمييع متفقون على أن العاميل إنميا يجيب له أن يتصيرف‬
‫فيي عقيد القراض ميا يتصيرف فييه الناس غالبيا فيي أكثير الحوال؛‬
‫فمين رأى أن التصيرف بالديين خارج عميا يتصيرف فييه الناس فيي‬
‫الغلب لم يجزه؛ وميين رأى أنييه ممييا يتصييرف فيييه الناس أجازه‪.‬‬
‫واختلف مالك والشافعيي وأبيو حنيفية واللييث فيي العاميل يخلط‬
‫ماله بمال القراض مين غيير إذن رب المال‪ ،‬فقال هؤلء كلهيم ميا‬
‫عدا مالكيا‪ :‬هيو تعيد ويضمين؛ وقال مالك‪ :‬لييس بتعيد‪ .‬ولم يختلف‬
‫هؤلء المشاهيير مين فقهاء المصيار أنيه إن دفيع العاميل رأس مال‬
‫القراض إلى مقارض آخيير أنييه ضاميين إن كان خسييران‪ ،‬وإن كان‬
‫ربيح فذلك على شرطيه‪ ،‬ثيم يكون للذي عميل شرطيه على الذي‬
‫دفيع إلييه‪ ،‬فيوفييه حظيه مميا بقيي مين المال‪ .‬وقال المزنيي عين‬
‫الشافعي‪ :‬ليس له إل أجرة مثله‪ ،‬لنه عمل على فساد‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في حكم القراض الفاسد‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن حكيم القراض الفاسيد فسيخه ورد المال إلى‬
‫صيياحبه مييا لم يفييت بالعمييل‪ .‬واختلفوا إذا فات بالعمييل مييا يكون‬
‫للعاميل فييه فيي واجيب عمله على أقوال‪ :‬أحدهيا أنيه يرد جميعيه‬
‫إلى قراض مثله‪ ،‬وهي رواية ابن الماجشون عن مالك‪ ،‬وهو قوله‬
‫وقول أشهييب‪ .‬والثانييي أنييه يرد جميعييه إلى إجارة مثله‪ ،‬وبييه قال‬
‫الشافعيي وأبيو حنيفية وعبيد العزييز بين أبيي سيلمة مين أصيحاب‬
‫مالك‪ ،‬وحكيى عبيد الوهاب أنهيا روايية عين مالك‪ .‬والثالث أنيه يرد‬
‫إلى قراض مثله ميا لم يكين أكثير مميا سيماه‪ ،‬وإنميا له القيل مميا‬
‫سيمي أو مين قراض مثله إن كان رب المال هيو مشترط الشرط‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫على المقارض‪ ،‬أو الكثييير مييين قراض مثله‪ ،‬أو مييين الجزء الذي‬
‫سيييمى له إن كان المقارض هيييو مشترط الشرط الذي يقتضيييي‬
‫الزيادة التييي ميين قبلهييا فسييد القراض‪ ،‬وهذا القول يتخرج رواييية‬
‫عيين مالك‪ .‬والرابييع أنييه يرد إلى قراض مثله فييي كييل منفعيية‬
‫اشترطها أحد المتقارضين على صاحبه في المال مما ليس ينفرد‬
‫أحدهما بها عن صاحبه‪ ،‬وإلى إجارة مثله في كل منفعة اشترطها‬
‫أحيد المتقارضيين خالصية لمشترطهيا مميا ليسيت فيي المال وفيي‬
‫كيل قراض فاسيد مين قبيل الغرر والجهيل‪ ،‬وهيو قول مطرف وابين‬
‫نافع وابن عبد الحكم وأصبغ‪ ،‬واختاره ابن حبيب؛ وأما ابن القاسم‬
‫فاختلف قوله فيي القراضات الفاسيدة‪ ،‬فبعضهيا وهيو الكثير قال‪:‬‬
‫إن فيها أجرة المثل‪ ،‬وفي بعضها قال‪ :‬فيها قراض المثل‪ .‬فاختلف‬
‫الناس فيي تأوييل قوله؛ فمنهيم مين حميل اختلف قوله فيهيا على‬
‫الفرق الذي ذهيب إلييه ابين عبيد الحكيم ومطرف‪ ،‬وهيو اختيار ابين‬
‫حييبيب واختيار جدي رحميية الله عليييه‪ .‬ومنهييم ميين لم يعلل قوله‬
‫وقال‪ :‬إن مذهبيه أن كيل قراض فاسيد ففييه أجرة المثيل إل تلك‬
‫التييي نييص فيهييا قراض المثييل وهييي سييبعة‪ :‬القراض بالعروض‪،‬‬
‫والقراض بالضمان‪ ،‬والقراض إلى أجيييل‪ ،‬والقراض المبهيييم‪ ،‬وإذا‬
‫قال له اعميييييل على أن لك فيييييي المال شركيييييا‪ ،‬وإذا اختلف‬
‫المتقارضان وأتييا بميا ل يشبيه فحلفيا على دعواهميا‪ ،‬وإذا دفيع إلييه‬
‫المال على أن ل يشتري بيه إل بالديين فاشترى بالنقيد‪ ،‬أو على أن‬
‫ل يشتري إل سيلعة كذا وكذا والسيلعة غيير موجودة فاشترى غيير‬
‫ميا أمير بيه‪ .‬وهذه المسيائل يجيب أن ترد إلى علة واحدة‪ ،‬وإل فهيو‬
‫اختلف من قول ابن القاسم‪ ،‬وحكى عبد الوهاب عن ابن القاسم‬
‫أنيه فصييل فقال‪ :‬إن كان الفسياد مين جهية العقيد رد إلى قراض‬
‫المثل‪ ،‬وإن كان من جهة زيادة ازدادها أحدهما على الخر رد إلى‬
‫أجرة المثييل‪ ،‬والشبييه أن يكون المير فييي هذا بالعكييس‪ .‬والفرق‬
‫بين الجرة وقراض المثل أن الجرة تتعلق بذمة رب المال سواء‬
‫كان فييي المال ربييح أو لم يكيين‪ ،‬وقراض المثييل هييو على سيينة‬
‫القراض إن كان فيه ربح كان للعامل منه‪ ،‬وإل فل شيء له‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في اختلف المتقارضين‪.‬‬
‫@‪-‬واختلف الفقهاء إذا اختلف العاميييل ورب المال فيييي تسيييمية‬
‫الجزء الذي تقارضييا عليييه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬القول قول العامييل لنييه‬
‫عنده مؤتمين‪ ،‬وكذلك المير عنده فيي جمييع دعاوييه إذا أتيى بميا‬
‫يشبييه‪ ،‬وقال الليييث‪ :‬يحمييل على قراض مثله‪ ،‬وبييه قال مالك إذا‬
‫أتييى بمييا ل يشبييه؛ وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه‪ :‬القول قول رب‬
‫المال‪ ،‬وبييه قال الثوري؛ وقال الشافعييي‪ :‬يتحالفان ويتفاسييخان‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ويكون له أجرة مثله‪ .‬وسيبب اختلف مالك وأبيو حنيفية اختلفهيم‬


‫في سبب ورود النص بوجوب اليمين على المدعى عليه‪ ،‬هل ذلك‬
‫لنيه مدعيى علييه‪ ،‬أو لنيه فيي الغلب أقوى شبهية؛ فمين قال لنيه‬
‫مدعيى علييه قال القول قول رب المال؛ ومين قال لنيه أقواهميا‬
‫شبهة في الغلب قال‪ :‬القول قول العامل لنه عنده مؤتمن؛ وأما‬
‫الشافعييي فقاس اختلفهمييا على اختلف المتبايعييين فييي ثميين‬
‫السلعة‪ .‬وهذا كاف في هذا الباب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‬
‫*‪*2‬كتاب المساقاة‪.‬‬
‫*‪*3‬القول فييي المسيياقاة‪ .‬أمييا أول ففييي جوازهييا‪ .‬والثانييي‪ :‬فييي‬
‫معرفة الفساد والصحة فيها‪ .‬والثالث‪ :‬في أحكامها‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في جواز المساقاة‪.‬‬
‫@‪-‬فأمييا جوازهييا فعليييه جمهور العلماء مالك والشافعييي والثوري‬
‫وأبيو يوسيف ومحميد بين الحسين صياحبا أبيي حنيفية وأحميد وداود‪،‬‬
‫وهيي عندهيم مسيتثناة بالسينة مين بييع ميا لم يخلق‪ ،‬ومين الجارة‬
‫المجهولة؛ وقال أبيييو حنيفييية‪ :‬ل تجوز المسييياقاة أصيييل‪ .‬وعمدة‬
‫الجمهور في إجازتها حديث ابن عمر الثابت "أن رسول الله صلى‬
‫الله علييه وسيلم دفيع إلى يهود خييبر نخيل خييبر وأرضهيا على أن‬
‫يعملوهيا من أموالهيم‪ ،‬ولر سول الله صلى الله علييه وسيلم شطير‬
‫ثمرها" خرجه البخاري ومسلم وفي بعض رواياته "أنه صلى الله‬
‫علييه وسيلم سياقاهم على نصيف ميا تخرجيه الرض والثمرة" وميا‬
‫رواه مالك أيضيا مين مرسيل سيعيد بين المسييب أن رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم قال ليهود خييبر يوم افتتيح خييبر "أقركيم‬
‫على ما أقركيم الله على أن التمر بيننا وبينكم" قال وكان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه‬
‫وبينهم‪ ،‬ثم يقول "إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي" وكذلك مرسله‬
‫أيضيا عين سيليمان بين يسيار فيي معناه‪ ،‬وأميا أبيو حنيفية ومين قال‬
‫بقوله فعمدتهم مخالفة هذا الثر للصول مع أنه حكم مع اليهود‪،‬‬
‫واليهود يحتمل أن يكون أقرهم على أنهم عبيد‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫أقرهييم على أنهييم ذميية‪ ،‬إل أنييا إذا أنزلنييا أنهييم ذميية كان مخالفييا‬
‫للصيول‪ ،‬لنيه بييع ميا لم يخلق؛ وأيضيا فإنيه مين المزابنية‪ ،‬وهيو بييع‬
‫التمر بالتمر متفاضل‪ ،‬لن القسمة بالخرص بيع الخرص‪ ،‬واستدلوا‬
‫على مخالفته للصول بما روي في حديث عبد الله بن رواحة أنه‬
‫كان يقول لهييم عنييد الخرص "إن شئتييم فلكييم وتضمنون نصيييب‬
‫المسيلمين‪ ،‬وإن شئتيم فلي وأضمين نصييبكم" وهذا حرام بإجماع‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وربمييا قالوا إن النهييي الوارد عيين المخابرة هييو مييا كان ميين هذا‬
‫الفعل بخيبر‪ .‬والجمهور يرون أن المخابرة هي كراء الرض ببعض‬
‫مييا يخرج منهييا‪ ،‬قالوا‪ :‬وممييا يدل على نسييخ هذا الحديييث‪ ،‬أو أنييه‬
‫خاص باليهود ميا ورد مين حدييث رافيع وغيره مين النهيي عين كراء‬
‫الرض بمييا يخرج منهييا‪ ،‬لن المسيياقاة تقتضييي جواز ذلك‪ ،‬وهييو‬
‫خاص أيضا في بعض روايات أحاديث المساقاة‪ ،‬ولهذا المعنى لم‬
‫يقل بهذه الزيادة مالك ول الشافعي‪ ،‬أعني بما جاء من "أنه صلى‬
‫الله علييه وسيلم سياقاهم على نصيف ميا تخرجيه الرض والثمرة"‬
‫وهي زيادة صحيحة وقال بها أهل الظاهر‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في صحة المساقاة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي الصيحة راجيع إلى النظير فيي أركانهيا‪ ،‬وفيي وقتهيا‪،‬‬
‫وفيي شروطهيا المشترطية فيي أركانهيا‪ .‬وأركانهيا أربعية‪ :‬المحيل‬
‫المخصييوص بهييا‪ .‬والجزء الذي تنعقييد عليييه‪ .‬وصييفة العمييل الذي‬
‫تنعقد عليه‪ .‬والمدة التي تجوز فيها وتنعقد عليها‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الول‪ :‬فييي محييل المسيياقاة) واختلفوا فييي محييل‬
‫المسيياقاة‪ ،‬فقال داود‪ :‬ل تكون المسيياقاة إل فييي النخيييل فقييط؛‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬فيي النخيل والكرم فقيط؛ وقال مالك‪ :‬تجوز فيي‬
‫كيل أصيل ثابيت كالرمان والتيين والزيتون وميا أشبيه ذلك مين غيير‬
‫ضرورة‪ ،‬وتكون فيي الصيول غيير الثابتية كالمقاثيئ والبطييخ ميع‬
‫عجيز صياحبها عنهيا‪ ،‬وكذلك الزرع‪ ،‬ول تجوز فيي شييء مين البقول‬
‫عنييد الجميييع إل ابيين دينار‪ ،‬فإنييه أجازهييا فيييه إذا نبتييت قبييل أن‬
‫تسيتغل؛ فعمدة مين قصيره على النخيل أنهيا رخصية‪ ،‬فوجيب أن ل‬
‫يتعدى بهييا محلهييا الذي جاءت فيييه السيينة‪ .‬وأمييا مالك فرأى أنهييا‬
‫رخصية ينقدح فيهيا سيبب عام‪ ،‬فوجيب تعديية ذلك إلى الغيير‪ .‬وقيد‬
‫يقاس على الرخييص عنييد قوم إذا فهييم هنالك أسييباب أعييم ميين‬
‫الشياء التيي علقيت الرخيص بالنيص بهيا؛ وقوم منعوا القياس على‬
‫الرخييص؛ وأمييا داود فهييو يمنييع القياس على الجملة‪ ،‬فالمسيياقاة‬
‫على أصيوله مطردة؛ وأميا الشافعيي فإنميا أجازهيا فيي الكرم مين‬
‫قبيل أن الحكيم فيي المسياقاة هيو بالخرص‪ ،‬وقيد جاء فيي حدييث‬
‫عتاب بين أسييد الحكيم بالخرص فيي النخيل والكرم وإن كان ذلك‬
‫في الزكاة‪ ،‬فكأنه قاس المساقاة في ذلك على الزكاة‪ ،‬والحديث‬
‫الذي ورد عن عتاب بن أسيد هو "أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بعثه وأمره أن يخرص العنب وتؤدى زكاته زبيبا‪ ،‬كما تؤدى‬
‫زكاة النخيل تمرا" ودفيع داود حدييث عتاب ابين أسييد لنيه مرسيل‪،‬‬
‫ولنيه انفرد بيه عبيد الرحمين بين إسيحاق ولييس بالقوي‪ .‬واختلفوا‬
‫إذا كان ميع النخيل أرض بيضاء أو ميع الثمار‪ ،‬هيل يجوز أن تسياقى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الرض ميع النخيل بجزء مين النخيل أو بجزء مين النخيل وبجزء مميا‬
‫يخرج مين الرض؟ فذهيب إلى جواز ذلك طائفية‪ ،‬وبيه قال صياحبا‬
‫أبيي حنيفية واللييث وأحميد والثوري وابين أبيي ليلى وجماعية؛ وقال‬
‫الشافعيي وأهيل الظاهير‪ :‬ل تجوز المسياقاة إل فيي التمير فقيط؛‬
‫وأما مالك فقال‪ :‬إذا كانت الرض تبعا للثمر وكان الثمر أكثر ذلك‬
‫فل بأس بدخولهيا فيي المسياقاة اشترط جزءا خارجيا منهيا أو لم‬
‫يشترطييه‪ ،‬وحييد ذلك الجزء بأن يكون الثلث فمييا دونييه‪ ،‬أعنييي أن‬
‫يكون مقدار كراء الرض الثلث مين الثمير فميا دونيه‪ ،‬ولم يجيز أن‬
‫يشترط رب الرض أن يزرع البياض لنفسييه‪ ،‬لنهييا زيادة ازدادهييا‬
‫عليييه؛ وقال الشافعييي‪ :‬ذلك جائز (هكذا بالنسييخ‪ ،‬ولعله متناقييض‬
‫فيي النقيل عين الشافعيي‪ ،‬فإنيه نقيل عنيه أول أنيه ل يجوز إل فيي‬
‫الثمرة وهنيا أنيه تجوز المسياقاة فيي الرض والنخيل معيا فلعيل له‬
‫قوليين‪ ،‬تأميل ا هيي مصيححه)‪ .‬وحجية مين أجاز المسياقاة عليهميا‬
‫جميعيا‪ ،‬أعنيي على الرض بجزء مميا يخرج منهيا حدييث ابين عمير‬
‫المتقدم‪ .‬وحجيية ميين لم يجييز ذلك مييا روي ميين النهييي عيين كراء‬
‫الرض ب ما يخرج منهيا فيي حدييث رافيع بن خدييج‪ ،‬وقيد تقدم ذلك؛‬
‫وقال أحمد بن حنبل‪ :‬أحاديث رافع مضطربة اللفاظ‪ ،‬وحديث ابن‬
‫عمر أصح‪ .‬وأما تحديد مالك ذلك بالثلث فضعيف‪ ،‬وهو استحسان‬
‫مبنييي على غييير الصييول‪ ،‬لن الصييول تقتضييي أنييه ل يفرق بييين‬
‫الجائز مين غيير الجائز بالقلييل والكثيير مين الجنيس الواحيد‪ .‬ومنهيا‬
‫اختلفهييم فييي المسيياقاة فييي البقييل؛ فأجازهييا مالك والشافعييي‬
‫وأصيحابه ومحميد بين الحسين؛ وقال اللييث‪ :‬ل تجوز المسياقاة فيي‬
‫البقل‪ ،‬وإنما أجازها الجمهور لن العامل وإن كان ليس عليه فيها‬
‫سيقي فيبقيى علييه أعمال أخير‪ ،‬مثيل البار وغيير ذلك؛ وأميا اللييث‬
‫فيرى السييقي بالماء هييو الفعييل الذي تنعقييد عليييه المسيياقاة‪،‬‬
‫ولمكانه وردت الرخصة فيه‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الثانييي) وأمييا الركيين الذي هييو العمييل‪ ،‬فإن العلماء‬
‫بالجملة أجمعوا على أن الذي يجيييب على العاميييل هيييو السيييقي‬
‫والبار‪ .‬واختلفوا فييي الجذاذ على ميين هييو؟ وفييي سييد الحظار‬
‫وتنقيية العيين والسيانية‪ .‬أميا مالك فقال فيي الموطيأ‪ :‬السينة فيي‬
‫المسياقاة التيي يجوز لرب الحائط أن يشترطيه سيد الحظار وخيم‬
‫العيين وشرب الشراب وإبار النخيل وقطيع الجرييد وجيذ الثمير‪ ،‬هذا‬
‫وأشباهه هو على العامل‪ ،‬وهذا الكلم يحتمل أن يفهم منه دخول‬
‫هذه فيي المسياقاة بالشرط‪ ،‬ويمكين أن يفهيم منيه دخولهيا فيهيا‬
‫بنفيس العقيد‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬لييس علييه سيد الحظار لنيه لييس‬
‫مين جنيس ميا يؤثير فيي زيادة الثمرة مثيل البار والسيقي‪ .‬وقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫محمد بن الحسن‪ :‬ليس عليه تنقية السواني والنهار‪ .‬وأما الجذاذ‬


‫فقال مالك والشافعييي‪ :‬هييو على العامييل‪ ،‬إل أن مالكييا قال‪ :‬إن‬
‫اشترطييه العامييل على رب المال جاز؛ وقال الشافعييي‪ :‬ل يجوز‬
‫شرطييه وتنفسييخ المسيياقاة إن وقييع؛ وقال محمييد بيين الحسيين‪:‬‬
‫الجذاذ بينهمييا نصييفان؛ وقال المحصييلون ميين أصييحاب مالك‪ :‬إن‬
‫العميل فيي الحائط على وجهيين‪ :‬عميل لييس له تأثيير فيي إصيلح‬
‫الثمرة‪ ،‬وعميل له تأثيير فيي إصيلحها‪ .‬والذي له تأثيير فيي إصيلحها‬
‫منيه ميا يتأبيد ويبقيى بعيد الثمير‪ ،‬ومنيه ميا ل يبقيى بعيد الثمير‪ .‬فأميا‬
‫الذي لييس له تأثيير فيي إصيلح الثمير فل يدخيل فيي المسياقاة ل‬
‫بنفيس العقيد ول بالشرط إل الشييء اليسيير منيه‪ .‬وأميا ماله تأثيير‬
‫فييي إصييلح الثميير ويبقييى بعييد الثميير فيدخييل عنده بالشرط فييي‬
‫المسياقاة ل بنفيس العقيد‪ ،‬مثيل إنشاء حفير بئر‪ ،‬أو إنشاء ظفيرة‬
‫للماء‪ ،‬أو إنشاء غرس‪ ،‬أو إنشاء بييت يجنيي فييه الثمير‪ .‬وأميا ميا له‬
‫تأثير في إصلح الثمر ول يتأبد‪ ،‬فهو لزم بنفس العقد‪ ،‬وذلك مثل‬
‫الحفير والسيقي وزبر الكرم وتقلييم الشجير والتذكيير والجذاذ وميا‬
‫أشبيييه ذلك؛ وأجمعوا على أن مييا كان فيييي الحائط مييين الدواب‬
‫والعبيد أنه ليس من حق العامل‪ .‬واختلفوا في شرط العامل ذلك‬
‫على المساقي‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجوز ذلك فيما كان منها في الحائط‬
‫قبيل المسياقاة‪ .‬وأميا إن اشترط فيهيا ميا لم يكين فيي الحائط فل‬
‫يجوز؛ وقال الشافعيي‪ :‬لبأس بذلك وإن لم يكين فيي الحائط‪ ،‬وبيه‬
‫قال ابن نافع من أصحاب مالك؛ وقال محمد بن الحسن‪ :‬ل يجوز‬
‫أن يشترطه العامل على رب المال‪ ،‬ولو اشترطه رب المال على‬
‫العامل جاز ذلك؛ ووجه كراهيته ذلك ما يلحق في ذلك من الجهل‬
‫بنصييب رب المال؛ ومين أجازه رأى أن ذلك تافيه ويسيير‪ ،‬ولتردد‬
‫الحكيم بيين هذيين الصيلين اسيتحسن مالك ذلك فيي الرقييق الذي‬
‫يكون فييي الحائط فييي وقييت المسيياقاة ومنعييه فييي غيرهييم‪ ،‬لن‬
‫اشتراط المنفعة في ذلك أظهر‪ ،‬وإنما فرق محمد بن الحسن لن‬
‫اشتراطهمييا على العامييل هييو ميين جنييس مييا وجييب عليييه ميين‬
‫المسياقاة‪ ،‬وهيو العميل بيده‪ .‬واتفيق القائلون بالمسياقاة على أنيه‬
‫إن كانيت النفقية كلهيا على رب الحائط ولييس على العاميل إل ميا‬
‫يعمييل بيده أن ذلك ل يجوز‪ ،‬لنهييا إجارة بمييا لم يخلق‪ ،‬فهذه هييي‬
‫صفات هذا الركن والشروط الجائزة فيه من غير الجائزة‪.‬‬
‫@‪(-‬الركن الثالث) وأجمعوا على أن المساقاة تجوز بكل ما اتفقا‬
‫علييه مين أجزاء الثمير‪ ،‬فأجاز مالك أن تكون الثمرة كلهيا للعاميل‬
‫كما فعل في القراض‪ ،‬وقد قيل إن ذلك منحة ل مساقاة‪ ،‬وقيل ل‬
‫يجوز‪ .‬واتفقوا على أنييه ل يجوز فيهييا اشتراط منفعيية زائدة‪ ،‬مثييل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن يشترط أحدهمييا على صيياحبه زيادة دراهييم أو دنانييير ول شيئا‬


‫مين الشياء الخارجية عين المسياقاة إل الشييء اليسيير عنيد مالك‬
‫مثييل سييد الحظار وإصييلح الظفيرة وهييي مجتمييع الماء؛ ول يجوز‬
‫عنييد مالك أن يسيياقي على حائطييين‪ :‬أحدهمييا على جزء‪ ،‬والخيير‬
‫على جزء آخر‪ ،‬واحتج بفعله عليه الصلة والسلم في خيبر‪ ،‬وذلك‬
‫أنيه سياقي على حوائط مختلفية بجزء واحيد‪ ،‬وفييه خلف‪ .‬وأكثير‬
‫العلماء على أن القسمة بين العامل والمساقي في الثمر ل تكون‬
‫إل بالكيل‪ ،‬وكذلك في الشركة‪ ،‬وأنها ل تجوز بالخرص؛ وأجاز قوم‬
‫قسييمتها بالخرص‪ .‬واختلف فييي ذلك أصييحاب مالك‪ ،‬واختلفييت‬
‫الروايية عنيه‪ ،‬فقييل يجوز‪ ،‬وقييل ل يجوز مين الثمار فيي الربويية‬
‫ويجوز فيييي غيييير ذلك‪ ،‬وقييييل يجوز بلطلق إذ اختلفيييت حاجييية‬
‫الشريكيييين‪ .‬وحجييية الجمهور أن ذلك يدخله الفسييياد مييين جهييية‬
‫المزابنية ويدخله بييع الرطيب بالتمير‪ ،‬وبييع الطعام بالطعام نسييئة‪.‬‬
‫وحجية مين أجاز قسيمتها بالخرص تشبيههيا بالعريية وبالخرص فيي‬
‫الزكاة‪ ،‬وفيه ضعف‪ .‬وأقوى ما اعتمدوا عليه في ذلك ما جاء من‬
‫الخرص في مساقاة خيبر من مرسل سعيد ابن المسيب وعطاء‬
‫بن يسار‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الرابييع) وأمييا اشتراط الوقييت فييي المسيياقاة فهييو‬
‫صينفان‪ :‬وقيت هيو مشترط فيي جواز المسياقاة‪ ،‬ووقيت هيو شرط‬
‫فيي صيحة العقيد‪ ،‬وهيو المحدد لمدتهيا‪ .‬فأميا الوقيت المشترط فيي‬
‫جواز عقدهيييا فإنهيييم اتفقوا على أنهيييا تجوز قبيييل بدو الصيييلح‪.‬‬
‫واختلفوا فييي جواز ذلك بعييد بدو الصييلح‪ ،‬فذهييب الجمهور ميين‬
‫القائليين بالمسياقاة على أنيه ل يجوز بعيد الصيلح‪ .‬وقال سيحنون‪:‬‬
‫من أصحاب مالك ل بأس بذلك‪ .‬واختلف قول الشافعي في ذلك؛‬
‫فمرة قال‪ :‬ل يجوز‪ ،‬ومرة قال‪ :‬يجوز‪ ،‬وقيد قييل عنيه إنهيا ل تجوز‬
‫إذا خلق الثمير‪ .‬وعمدة الجمهور أن المسياقاة ميا بدا صيلحه مين‬
‫الثميير ليييس فيييه عمييل ول ضرورة داعييية إلى المسيياقاة إذ كان‬
‫يجوز بيعييه فييي ذلك الوقييت‪ .‬قالوا‪ :‬وإنمييا هييي إجارة إن وقعييت‪.‬‬
‫وحجة من أجازها أنه إذا جازت قبل أن يخلق الثمر فهي بعد بدو‬
‫الصيلح أجوز‪ ،‬ومين هنيا لم تجيز عندهيم مسياقاة البقول لنيه يجوز‬
‫بيعهييا‪ ،‬أعنييي عنييد الجمهور‪ .‬وأمييا الوقييت الذي هييو شرط فييي‬
‫المسييياقاة‪ ،‬فإن الجمهور على أنيييه ل يجوز يكون مجهول‪ :‬أعنيييي‬
‫مدة غير مؤقتة‪ ،‬وأجاز طائفة أن يكون إلى مدة غير مؤقتة منهم‬
‫أهل الظاهر‪ .‬وعمدة الجمهور ما يدخل في ذلك من الغرر قياسا‬
‫على الجارة؛ وعمدة أهيل الظاهير ميا وقيع فيي مرسيل مالك مين‬
‫قوله صيلى الله علييه وسيلم "أقركيم ميا أقركيم الله" وكره مالك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المساقاة في ما طال مين السينين‪ ،‬وانقضاء السينين فيهيا هيو بالجيذ‬


‫ل بالهلة‪ .‬وأمييا هييل اللفييظ شرط فييي هذا العقييد‪ ،‬فاختلفوا فييي‬
‫ذلك؛ فذهب ابن القاسم إلى أن من شرط صحتها أن ل تنعقد إل‬
‫بلفييظ المسيياقاة‪ ،‬وأنييه ليييس تنعقييد بلفييظ الجارة‪ ،‬وبييه قال‬
‫الشافعييي؛ وقال غيرهييم‪ :‬تنعقييد بلفييظ الجارة‪ ،‬وهييو قياس قول‬
‫سحنون‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في أحكام الصحة‪.‬‬
‫@‪-‬والمسيياقاة عنييد مالك ميين العقود اللزميية باللفييظ ل بالعمييل‬
‫بخلف القراض عنده الذي ينعقييد بالعمييل ل باللفييظ‪ ،‬وهييو عنييد‬
‫مالك عقيد موروث‪ ،‬ولورثية المسياقي أن يأتوا بأميين يعميل إن لم‬
‫يكونوا أمناء‪ ،‬وعليييه العمييل إن أبييى الورثيية ميين تركتييه؛ وقال‬
‫الشافعي إذا لم يكن له تركة سلم إلى الورثة رب المال أجرة ما‬
‫عميل وفسيد العقيد‪ ،‬وإن كانيت له تركية لزمتيه المسياقاة؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬تنفسيخ المسياقاة بالعجيز ولم يفصييل؛ وقال مالك إذا‬
‫عجيز وقيد حيل بييع الثمير لم يكين له أن يسياقي غيره ووجيب علييه‬
‫أن يسيتأجر مين يعميل وإن يكين له شييء اسيتؤجر مين حظيه مين‬
‫الثمير‪ ،‬وإن كان العاميل لصيا أو ظالميا لم ينفسيخ العقيد بذلك عنيد‬
‫مالك‪ .‬وحكي عن الشافعي أنه قال‪ :‬يلزمه أن يقيم غيره للعمل؛‬
‫وقال الشافعيييي‪ :‬إذا هرب العاميييل قبيييل تمام العميييل اسيييتأجر‬
‫القاضيي علييه مين يعميل عمله‪ ،‬ويجوز عنيد مالك أن يشترط كيل‬
‫واحيد منهميا على صياحبه الزكاة بخلف القراض‪ ،‬ونصيابهما عنده‬
‫نصياب الرجيل الواحيد بخلف قوله فيي الشركاء‪ .‬وإذا اختلف رب‬
‫المال والعاميل فيي مقدار ميا وقعيت علييه المسياقاة مين الثمير‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬القول قول العامل مع يمينه إذا أتى بما يشبه؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬يتحالفان ويتفاسييخان‪ ،‬وتكون للعامييل الجرة شبهيية‬
‫بالبييع؛ وأوجيب مالك اليميين فيي حيق العاميل لنيه مؤتمين‪ ،‬ومين‬
‫أصيله أن اليميين تجيب على أقوى المتداعييين شبهية‪ .‬وفروع هذا‬
‫الباب كثيرة‪ ،‬لكين التيي اشتهير الخلف فيهيا بيين الفقهاء هيي هذه‬
‫التي ذكرناها‪.‬‬
‫*‪*4‬أحكام المساقاة الفاسدة‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن المسيياقاة إذا وقعييت على غييير الوجييه الذي‬
‫جوزهيا الشرع أنهيا تنفسيخ ميا لم تفيت بالعميل‪ .‬واختلفوا إذا فاتيت‬
‫بالعميل ماذا يجيب فيهيا؟ فقييل إنهيا ترد إلى إجارة المثيل فيي كيل‬
‫نوع ميين أنواع الفسيياد‪ ،‬وهييو قياس قول الشافعييي وقياس إحدى‬
‫الروايتين عن مالك؛ وقيل إنها ترد إلى مساقاة المثل بإطلق‪ ،‬هو‬
‫قول ابين الماجشون وروايتيه عين مالك؛ وأميا ابين القاسيم فقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في بعضها‪ :‬ترد إلى مساقاة مثلها‪ ،‬وفي بعضها‪ :‬إلى إجارة المثل‪.‬‬
‫واختلف التأويل عنه في ذلك‪ ،‬فقيل في مذهبه إنها ترد إلى إجارة‬
‫المثيل إل فيي أربيع مسيائل فإنهيا ترد إلى مسياقاة مثلهيا‪ :‬إحداهيا‬
‫المسيياقاة فييي حائط فيييه تميير قييد أطعييم‪ .‬والثانييية إذا اشترط‬
‫المسياقي على رب المال أن يعميل معيه‪ .‬والثالثية المسياقاة ميع‬
‫البييع فيي صيفقة واحدة‪ .‬والرابعية إذا سياقاه فيي حائط سينة على‬
‫الثلث وسيينة على النصييف؛ وقيييل إن الصييل عنده فييي ذلك أن‬
‫المسيياقاة إذا لحقهييا الفسيياد ميين قبييل مييا دخلهييا ميين الجارة‬
‫الفاسيدة أو مين بييع الثمير مين قبيل أن يبدو صيلحه‪ ،‬وذلك مميا‬
‫يشترطه أحدهما على صاحبه من زيادة رد فيها إلى أجرة المثل‪،‬‬
‫مثيل أن يسياقيه على أن يزييد أحدهميا صياحبه دنانيير أو دراهيم‪،‬‬
‫وذلك أن هذه الزيادة إن كانيييت مييين رب الحائط كانيييت إجارة‬
‫فاسدة‪ ،‬وإن كانت من العامل كانت بيع الثمر قبل أن يخلق‪ .‬وأما‬
‫فسياده مين قبيل الغرر مثيل المسياقاة على حوائط مختلفية فيرد‬
‫إلى مسيياقاة المثييل‪ ،‬وهذا كله اسييتحسان جار على غييير قياس‪.‬‬
‫وفي المسألة قول رابع‪ ،‬وهو أنه يرد إلى مساقاة مثله ما لم يكن‬
‫أكثير مين الجزء الذي شرط علييه إن كان للمسياقي‪ ،‬أو أقيل إن‬
‫كان الشرط للمساقي‪ ،‬وهذا كاف بحسب غرضنا‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الشركة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظر في الشركة‪ ،‬في أنواعها‪ ،‬وفي أركانها الموجبة للصحة‬
‫فييي الحكام ونحيين نذكيير ميين هذه البواب مييا اتفقوا عليييه‪ ،‬ومييا‬
‫اشتهيير الخلف فيييه بينهييم على مييا قصييدناه فييي هذا الكتاب‪.‬‬
‫والشركيية بالجملة عنييد فقهاء المصييار على أربعيية أنواع‪ :‬شركيية‬
‫العنان‪ :‬وشركييية البدان‪ .‬وشركييية المفاوضييية‪ .‬وشركييية الوجوه‪.‬‬
‫واحدة منها متفق عليها‪ ،‬وهي شر كة العنان‪ ،‬وإن كان بعضهم لم‬
‫يعرف هذا اللفيظ ‪ ،‬وإن كانوا اختلفوا فيي بعيض شروطهيا على ميا‬
‫سييأتي بعيد‪ .‬والثلثية مختلف فيهيا‪ ،‬ومختلف فيي بعيض شروطهيا‬
‫عند من اتفق منهم عليها‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في شركة العنان‪.‬‬
‫@‪-‬وأركان هذه الشركة ثلثة‪ :‬الول‪ :‬محلها من الموال‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫فيي معرفية قدر الربيح مين قدر المال المشترك فييه‪ .‬والثالث فيي‬
‫معرفة قدر العمل من الشريكين من قدر المال‪.‬‬
‫@‪(-‬الركن الول) فأما محل الشركة‪ ،‬فمنه ما اتفقوا عليه‪ ،‬ومنه‬
‫مييا اختلفوا فيييه؛ فاتفييق المسييلمون على أن الشركيية تجوز فييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصنف الواحد من العين‪ :‬أعني الدنانير والدراهم‪ ،‬وإن كانت في‬


‫الحقيقة بيعا ل تقع فيه مناجزة‪ ،‬ومن شرط البيع في الذهب وفي‬
‫الدراهم المناجزة‪ ،‬لكن الجماع خصص هذا المعنى في الشركة‪،‬‬
‫وكذلك اتفقوا فيمييا أعلم على الشركيية بالعرضييين يكونان بصييفة‬
‫واحدة واختلفوا فيييي الشركييية بالعرضيييين المختلفيييين وبالعيون‬
‫المختلفة‪ ،‬مثل الشركة بالدنانير‪ .‬من أحدها والدراهم من الخر‪،‬‬
‫وبالطعام الربوي إذا كان صنفا واحدا‪ ،‬فههنا ثلث مسائل‪:‬‬
‫@‪(-‬المسألة الولى) فأما إذا اشتركا في صنفين من العروض‪ ،‬أو‬
‫فيي عروض ودراهيم ودنانيير‪ ،‬فأجاز ذلك ابين القاسيم‪ ،‬وهيو مذهيب‬
‫مالك‪ ،‬وقييد قيييل عنييه إنييه كره ذلك‪ .‬وسييبب الكراهييية اجتماع‬
‫الشركية فيهيا والبييع‪ ،‬وذلك أن يكون العرضان مختلفيين‪ ،‬كأن كيل‬
‫واحيد منهميا باع جزءا مين عرضيه بجزء مين العرض الخير؛ ومالك‬
‫يعتييبر فييي العروض إذا وقعييت فيهييا الشركيية القيييم؛ والشافعييي‬
‫يقول‪ :‬ل تنعقيد الشركية إل على أثمان العروض؛ وحكيى أبيو حاميد‬
‫أن ظاهير مذهيب الشافعيي يشيير إلى أن الشركية مثيل القراض ل‬
‫تجوز إل بالدراهيم والدنانيير‪ ،‬قال‪ :‬والقياس أن الشاعية فيهيا تقوم‬
‫مقام الخلط‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثانييية) وإمييا إن كان الصيينفان ممييا ل يجوز فيهمييا‬
‫الن َّيساء مثل الشركية بالدنانيير من عنيد أحدهميا والدراهيم من عند‬
‫الخيير‪ ،‬أو بالطعامييين المختلفييين‪ ،‬فاختلف فييي ذلك قول مالك‪،‬‬
‫فأجازه مرة‪ ،‬ومنعيه مرة‪ ،‬وذلك لميا يدخيل الشركية بالدراهيم مين‬
‫عنيد أحدهميا والدنانيير مين عنيد الخير مين الشركية والصيرف معيا‬
‫وعدم التناجز‪ ،‬ولما يدخل الطعامين المختلفين من الشركة وعدم‬
‫التناجييز؛ وبالمنييع قال ابيين القاسييم‪ ،‬وميين لم يعتييبر هذه العلل‬
‫أجازها‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) وأمييا الشركيية بالطعام ميين صيينف واحييد‪،‬‬
‫فأجازهييا ابيين القاسييم قياسييا على إجماعهييم على جوازهييا فييي‬
‫الصينف الواحيد من الذهب أو الف ضة ومنعهيا مالك فيي أحيد قوليه‬
‫وهيو المشهور بعدم المناجزة الذي يدخيل فييه‪ ،‬إذ رأى أن الصيل‬
‫هيو أن ل يقاس على موضيع الرخصية بالجماع؛ وقيد قييل إن وجيه‬
‫كراهيية مالك لذلك أن الشركية تفتقير إلى السيتواء فيي القيمية‪،‬‬
‫والبييييع يفتقييير إلى السيييتواء فيييي الكييييل‪ ،‬فافتقرت الشركييية‬
‫بالطعاميين مين صينف واحيد إلى اسيتواء القيمية والكييل وذلك ل‬
‫يكاد يوجد‪ ،‬فكره مالك ذلك‪ ،‬فهذا هو استواء القيمة والكيل وذلك‬
‫ل يكاد يوجيد‪ ،‬فكره مالك ذلك فهذا هيو اختلفهيم فيي جنيس محيل‬
‫الشركيية‪ .‬واختلفوا هييل ميين شرط مال الشركيية أن يختلطييا إمييا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حسا وإما حكما‪ ،‬مثل أن يكونا في صندوق واحد وأيديهما مطلقة‬


‫عليهمييا؛ وقال الشافعييي‪ :‬ل تصييح الشركيية حتييى يخلطييا ماليهمييا‬
‫خلطيا ل يتمييز بيه مال أحدهميا مين مال الخير؛ وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫تصييح الشركيية وإن كان مال كييل واحييد منهمييا بيده‪ .‬فأبييو حنيفيية‬
‫اكتفييييى فييييي انعقاد الشركيييية بالقول؛ ومالك اشترط إلى ذلك‬
‫اشتراك التصيييرف فيييي المال؛ والشافعيييي اشترط إلى هذيييين‬
‫الختلط‪ .‬والفقه أن بالختلط يكون عمل الشريكين أفضل وأتم‪،‬‬
‫لن النصيح يوجيد منيه لشريكيه كميا يوجيد لنفسيه‪ ،‬فهذا هيو القول‬
‫في هذا الركن وفي شروطه‪.‬‬
‫@‪(-‬فأما الركن الثاني) وهو وجه اقتسامهما الر بح‪ ،‬فإنهم اتفقوا‬
‫على أنيه إذا كان الربيح تابعيا لرؤوس الموال‪ ،‬أعنيي إن كان أصيل‬
‫مال الشركية متسياويين كان الربيح بينهميا نصيفين‪ .‬واختلفوا هيل‬
‫يجوز أن يختلف رؤوس أموالهمييا ويسييتويان فييي الربييح؟ فقال‬
‫مالك والشافعييييي‪ :‬ذلك ل يجوز؛ وقال أهييييل العراق‪ :‬يجوز ذلك‪.‬‬
‫وعمدة ميين منييع ذلك أن تشييبيه الربييح بالخسييران‪ ،‬فكمييا أنييه لو‬
‫اشترط أحدهمييا جزءا ميين الخسييران لم يجييز كذلك إذا اشترط‬
‫جزءا من الربح خارجا عن ماله وربما شبهوا الربح بمنفعة العقار‬
‫الذي بيين الشريكيين‪ :‬أعنيي أن المنفعية بينهميا تكون على نسيبة‬
‫أصل الشركة‪ .‬وعمدة أهل العراق تشبيه الشركة بالقراض‪ ،‬وذلك‬
‫أنيه لميا جاز فيي القراض أن يكون للعاميل مين الربيح ميا اصيطلحا‬
‫عليه‪ ،‬والعامل ليس يجعل مقابله إل عمل فقط كان في الشركة‬
‫أحرى أن يجعيل للعميل جزء مين المال إذا كانيت الشركية مال مين‬
‫كل واحد منهما وعمل‪ ،‬فيكون ذلك الجزء من الربح مقابل لفضل‬
‫عمله على عمييل صيياحبه‪ ،‬فإن الناس يتفاوتون فييي العمييل كمييا‬
‫يتفاوتون في غير ذلك‪.‬‬
‫@‪(-‬وأميا الركين الثالث) الذي هيو العميل‪ ،‬فإنيه تابيع كميا قلنيا عنيد‬
‫مالك للمال فل يعتبر بنفسه‪ ،‬وهو عند أبي حنيفة يعتبر مع المال؛‬
‫وأظين أن مين العلماء مين ل يجييز الشركية إل أن يكون مالهميا‬
‫متسياويين التفاتيا إلى العميل‪ ،‬فإنهيم يرون أن العميل فيي الغالب‬
‫مسييتو فإذا لم يكيين المال بينهمييا على التسيياوي كان هنالك غبيين‬
‫على أحدهمييا فييي العمييل‪ ،‬ولهذا قال ابيين المنذر‪ :‬أجمييع العلماء‬
‫على جواز الشركية التيي يخرج فيهيا كيل واحيد مين الشريكيين مال‬
‫مثل مال صاحبه من نوعه‪ :‬أعنيي دراهم أو دنانير‪ ،‬ثم يخلطانهما‬
‫حتى يصيرا مال واحدا ل يتميز‪ .‬على أن يبيعا ويشتريا ما رأيا من‬
‫أنواع التجارة‪ ،‬وعلى أن ميا كان مين فضيل فهيو بينهميا بنصيفين‪،‬‬
‫وميا كان مين خسيارة فهيو كذلك‪ ،‬وذلك إذا باع كيل واحيد منهميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بحضرة صيياحبه‪ ،‬واشتراطييه هذا الشرط يدل على أن فيييه خلفييا‬


‫والمشهور عند الجهمور أ نه ليس من شرط الشركاء أن يبيع كل‬
‫واحد منهما بحضرة صاحبه‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في شركة المفاوضة‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا فييي شركيية المفاوضيية؛ فاتفييق مالك وأبييو حنيفيية‬
‫بالجملة على جوازهيا‪ ،‬وإن كان اختلفوا فيي بعيض شروطهيا؛ وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬ل تجوز‪ .‬ومعنيى شركية المفاوضية أن يفوض كيل واحيد‬
‫من الشريكين إلى صاحبه التصرف فيي ماله ميع غيبتيه وحضوره‪،‬‬
‫وذلك واقيع عندهيم فيي جمييع أنواع الممتلكات‪ .‬وعمدة الشافعيي‬
‫أن اسييم الشركيية إنمييا ينطلق على اختلط الموال‪ ،‬فإن الرباح‬
‫فروع‪ ،‬ول يجوز أن تكون الفروع مشتركييية إل باشتراك أصيييولها؛‬
‫وأميا إذا اشترط كيل واحيد منهميا ربحيا لصياحبه فيي ملك نفسيه‬
‫فذلك من الغرر ومما ل يجوز‪ ،‬وهذه صفة شركة المفاوضة‪ .‬وأما‬
‫مالك فيرى أن كيل واحيد منهميا قيد باع جزءا مين ماله بجزء مين‬
‫مال شريكيه‪ ،‬ثيم وكيل واحيد منهميا صياحبه على النظير فيي الجزء‬
‫الذي بقيي فيي يده‪ .‬والشافعيي يرى أن الشركية ليسيت هيي بيعيا‬
‫ووكالة‪ .‬وأما أبو حنيفة فهو ههنا على أصله في أنه ل يراعي في‬
‫شركة العنان إل النقد فقط‪ .‬وأما ما يختلف فيه مالك وأبو حنيفة‬
‫ميين شروط هذه الشركيية‪ ،‬فإن أبييا حنيفيية يرى أن ميين شرط‬
‫المفاوضيية التسيياوي فييي رؤوس الموال؛ وقال مالك‪ :‬ليييس ميين‬
‫شرطهييا ذلك تشبيهييا بشركيية العنان؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬ل يكون‬
‫لحدهمييا شيييء إل أن يدخييل فييي الشركيية‪ .‬وعمدتهييم أن اسييم‬
‫المفاوضية يقتضيي هذيين المريين‪ ،‬أعنيي تسياوي الماليين وتعمييم‬
‫ملكهما‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في شركة البدان‪.‬‬
‫@‪-‬وشركة البدان بالجملة عند أبي حنيفة والمالكية جائزة‪ ،‬ومنع‬
‫منها الشافعي‪ .‬وعمدة الشافعية أن الشركة إنما تختص بالموال‬
‫ل بالعمال‪ ،‬لن ذلك ل ينضبط فهو غرر عندهم‪ ،‬إذ كان عمل كل‬
‫واحد منهما مجهول عند صاحبه‪ .‬وعمدة المالكية اشتراك الغانمين‬
‫في الغنيمة‪ ،‬وهم إنما استحقوا ذلك بالعمل‪ .‬وما روي من أن ابن‬
‫مسيعود شارك سيعدا يوم بدر‪ ،‬فأصياب سيعد فرسيين ولم يصيب‬
‫ابين مسيعود شيئا‪ ،‬فلم ينكير النيبي صيلى الله علييه وسيلم عليهميا‪.‬‬
‫وأيضيا فإن المضاربية إنميا تنعقيد على العميل فجاز أن تنعقيد علييه‬
‫الشركية؛ وللشافعيي أن المفارضية خارجية عين الصيول فل يقاس‬
‫عليهيا‪ ،‬وكذلك يشبيه أن يكون حكيم الغنيمية خارجيا عين الشركية؛‬
‫وميين شرطهييا عنييد مالك اتفاق الصيينعتين والمكان؛ وقال أبييو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حنيفييييية‪ :‬تجوز ميييييع اختلف الصييييينعتين‪ ،‬فيشترك عنده الدباغ‬


‫والقصيار‪ ،‬ول يشتركان عنيد مالك‪ .‬وعمدة مالك زيادة الغرر الذي‬
‫يكون عند اختلف الصنعتين أو اختلف المكان‪ .‬وعمدة أبي حنيفة‬
‫جواز الشركة على العمل‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في شركة الوجوه‪.‬‬
‫@‪-‬وشركية الوجوه عنيد مالك والشافعيي باطلة؛ وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫جائزة‪ .‬وهذه الشركية هيي الشركية على الذميم مين غيير صينعة ول‬
‫مال‪ .‬وعمدة مالك والشافعيي أن الشركية إنميا تتعلق على المال‬
‫أو على العميل‪ ،‬وكلهميا معدومان فيي هذه المسيألة ميع ميا فيي‬
‫ذلك مين الغرر‪ ،‬لن كيل واحيد منهميا عاوض صياحبه بكسيب غيير‬
‫محدود بصيناعة ول عميل مخصيوص؛ وأبيو حنيفية يعتميد أنيه عميل‬
‫من العمال فجاز أن تنعقد عليه الشركة‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في أحكام الشركة الصحيحة‪.‬‬
‫@‪-‬وهييي ميين العقود الجائزة ل ميين العقود اللزميية‪ :‬أي لحييد‬
‫الشريكييين أن ينفصييل ميين الشركيية متييى شاء‪ ،‬وهييي عقييد غييير‬
‫موروث‪ ،‬ونفقتهمييا وكسييوتهما ميين مال الشركيية إذا تقاربييا فييي‬
‫العيال ولم يخرجييا عيين نفقيية مثلهمييا ويجوز لحييد الشريكييين أن‬
‫يبضييع وأن يقارض وأن يودع إذا دعييت إلى ذلك ضرورة‪ ،‬ول يجوز‬
‫له أن يهيب شيئا مين مال الشركية‪ ،‬ول أن يتصيرف فييه إل تصيرفا‬
‫يرى أنه نظر لهما؛ وأما من قصر في شيء أو تعدى فهو ضامن‬
‫مثييل أن يدفييع مال ميين التجارة فل يشهييد وينكره القابييض‪ ،‬فإنييه‬
‫يضمين لنيه قصير إذ لم يشهيد‪ ،‬وله أن يقبيل الشييء المعييب فيي‬
‫الشراء وإقرار أحيد الشريكيين فيي مال لمين يتهيم علييه ل يجوز‪،‬‬
‫وتجوز إقالته وتوليته‪ ،‬ول يضمن أحد الشريكين ما ذهب من مال‬
‫التجارة باتفاق‪ ،‬ول يجوز للشريييييك المفاوض أن يقارض غيره إل‬
‫بإذن شريكيه ويتنزل كيل واحيد منهميا منزلة صياحبه فيميا له وفيميا‬
‫عليه في مال التجارة‪ ،‬وفروع هذا الباب كثيرة‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم)‬
‫*‪*2‬كتاب الشفعة‬
‫@‪-‬والنظير فيي الشفعية أول قسيمين‪ :‬القسيم الول‪ :‬فيي تصيحيح‬
‫هذا الحكم وفي أركانه‪ .‬القسم الثاني‪ :‬في أحكامه‪.‬‬
‫*‪(*3‬القسم الول)‬
‫@‪-‬فأميا وجوب الحكيم بالشفعية‪ ،‬فالمسيلمون متفقون علييه‪ ،‬لميا‬
‫ورد فيي ذلك مين الحادييث الثابتية‪ ،‬إل ميا يتأميل على مين ل يرى‬
‫شقِييص‪:‬‬ ‫شق ص وال َّ‬ ‫بييع الشقيص المشاع [قال فيي النهايية‪ ... :‬ال ّ ِ‬
‫ُي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شتركيية ميين كييل شيييء‪ .‬دار الحديييث]‪،‬‬‫م ْ‬


‫ب فييي العييين ال ُ‬‫النصييي ُ‬
‫وأركانهيا أربعية‪ :‬الشافيع‪ ،‬والمشفوع علييه‪ ،‬والمشفوع فييه‪ ،‬وصيفة‬
‫الخذ بالشفعة‪.‬‬
‫*‪(*4‬الركين الول) وهيو الشافيع‪ ،‬وذهيب مالك والشافعيي وأهيل‬
‫المدينيية إلى أن ل شفعيية إل للشريييك مييا لم يقاسييم؛ وقال أهييل‬
‫العراق‪ :‬الشفعية مرتبية‪ ،‬فأولى الناس بالشفعية الشرييك الذي لم‬
‫يقاسم‪ ،‬ثم الشريك المقاسم إذا بقيت في الطرق أو في الصحن‬
‫شركية‪ ،‬ثم الجار الملصيق؛ وقال أهل المدينة‪ :‬ل شفعية للجار ول‬
‫للشرييك المقاسيم‪ .‬وعمدة أهيل المدينية مرسيل مالك عين ابين‬
‫شهاب عين أبيي سيلمة بين عبيد الرحمين وسيعيد بين المسييب أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في ما لم يقسم‬
‫بيين الشركاء‪ ،‬فإذا وقعيت الحدود بينهيم فل شفعية‪ ،‬وحدييث جابر‬
‫أيضيا "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قضيى بالشفعية فيميا‬
‫لم يقسم‪ ،‬فإذا وقعت الحدود فل شفعة" خرجه مسلم والترمذي‬
‫وأبيو داود‪ .‬وكان أحميد بين حنبيل يقول‪ :‬حدييث معمير عين الزهري‬
‫عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أصح ما روي في الشفعة‪ .‬وكان‬
‫ابين معيين يقول‪ :‬مرسيل مالك أحيب إلي‪ ،‬إذ كان مالك إنميا رواه‬
‫عين ابين شهاب موقوفيا‪ ،‬وقيد جعيل قوم هذا الختلف على ابين‬
‫شهاب في إسناده توهينا له‪ ،‬وقد روي عن مالك في غير الموطأ‬
‫عن ابن شهاب عن أبي هريرة‪ ،‬ووجه استدللهم من هذا الثر ما‬
‫ذكير فييه مين أنيه إذا وقعيت الحدود فل شفعية‪ ،‬وذلك أنيه إذا كانيت‬
‫الشفعيية غييير واجبيية للشريييك المقاسييم‪ ،‬فهييي أحرى أن ل تكون‬
‫واجبيية للجار‪ ،‬وأيضييا فإن الشريييك المقاسييم هييو جار إذا قاسييم‪.‬‬
‫وعمدة أهل العراق حديث رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنييه قال "الجار أحييق بصييقبه" وهييو حديييث متفييق عليييه‪ ،‬وخرج‬
‫الترمذي وأبيو داود عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "جار الدار‬
‫أحيق بدار الجار" وصيححه الترمذي ومين طرييق المعنيى لهيم أيضيا‬
‫أنه لما كانت الشفعة إنما المق صود منها دفع الضرر الداخل من‬
‫الشركية‪ ،‬وكان هذا المعنيى موجودا فيي الجار وجيب أن يلحيق بيه؛‬
‫ولهيل المدينية أن يقولوا‪ :‬وجود الضرر فيي الشركية أعظيم منيه‬
‫فييي الجوار‪ .‬وبالجملة فعمدة المالكييية أن الصييول تقتضييي أن ل‬
‫يخرج ملك أحد من يده إل برضاه‪ ،‬وأن من اشترى شيئا فل يخرج‬
‫من يده إل برضاه حتى يدل الدليل على التخصيص‪ ،‬وقد تعارضت‬
‫الثار في هذا الباب‪ ،‬فوجب أن يرجح ما شهدت له الصول‪ ،‬ولكل‬
‫القولين سلف متقدم لهل العراق من التابعين لهل المدينة من‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪(*4‬الركين الثانيي) وهيو المشفوع فييه‪ ،‬اتفيق المسيلمون على أن‬


‫الشفعية واجبية فيي الدور والعقار والرضيين كلهيا‪ ،‬واختلفوا فيميا‬
‫سييوى ذلك‪ ،‬فتحصيييل مذهييب مالك أنهييا فييي ثلثيية أنواع‪ :‬احدهييا‬
‫مقصيود‪ ،‬وهيو العقار مين الدور والحوانييت والبسياتين‪ .‬والثانيي ميا‬
‫يتعلق بالعقار مما هو ثابت ل ينقل ول يحول‪ ،‬وذلك كالبئر ومحال‬
‫النخل‪ ،‬ما دام الصل فيها على صفة تجب فيها الشفعة عنه‪ ،‬وهو‬
‫أن يكون الصيل الذي هيو الرض مشاعيا بينيه وبيين شريكيه غيير‬
‫مقسيم‪ ،‬والثالث ميا تعلق بهذه كالثمار‪ ،‬وفيهيا عنيه خلف‪ ،‬وكذلك‬
‫كراء الرض للزرع وكتابة المكاتب‪ .‬واختلف عنه في الشفعة في‬
‫الحمام والرحا‪ ،‬وأما ما عدا هذا من العروض والحيوان فل شفعة‬
‫فيهييا عنده‪ ،‬وكذلك ل شفعيية عنده فييي الطريييق ول فييي عرصيية‬
‫الدار‪ .‬واختلف عنيه فيي أكريية الدور وفيي المسياقاة وفيي الديين‪،‬‬
‫هيل يكون الذي علييه الديين أحيق بيه‪ ،‬وكذلك الذي علييه الكتابية‪،‬‬
‫وبيه قال عمير بين عبيد العزييز‪ .‬وروى "أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم قضييى بالشفعيية فييي الدييين" وبييه قال أشهييب ميين‬
‫أصحاب مالك؛ وقال ابن القاسم‪ :‬ل شفعة في الدين‪ .‬ولم يختلفا‬
‫فيي إيجابهيا فيي الكتابية لحرمية العتيق‪ ،‬وفقهاء المصيار على أن ل‬
‫شفعية إل فيي العقار فقيط‪ .‬وحكيي عين قوم أن الشفعية فيي كيل‬
‫شييء ميا عدا المكييل والموزون؛ ولم يجيز أبيو حنيفية الشفعية فيي‬
‫البئر والفحيل‪ ،‬وأجازهيا فيي العرصية والطرييق؛ ووافيق الشافعيي‬
‫مالكيا فيي العرصية وفيي الطرييق وفيي البئر‪ ،‬وخالفاه جميعيا فيي‬
‫الثمار‪ .‬وعمدة الجمهور في قصر الشفعة على العقار ما ورد في‬
‫الحدييث الثابيت مين قوله علييه الصيلة والسيلم "الشفعية فيميا لم‬
‫يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فل شفعة" فكأنه قال‪:‬‬
‫الشفعة فيما تمكن فيه القسمة ما دام لم يقسم‪ ،‬وهذا استدلل‬
‫بدلييل الخطاب‪ ،‬وقيد أجميع علييه فيي هذا الموضيع فقهاء المصيار‬
‫ميع اختلفهيم فيي صيحة السيتدلل بيه‪ .‬وأميا عمدة مين أجازهيا فيي‬
‫كيل شييء فميا خرجيه الترمذي عين ابين عباس "أن رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم قال "الشرييك شفييع والشفعية فيي كيل‬
‫شييء" ولن معنيى ضرر الشركية والجوار موجود كيل شييء وإن‬
‫كان فيي العقار أظهير؛ ولميا لحيظ هذا مالك أجرى ميا يتبيع العقار‬
‫مجرى العقار‪ .‬واسيتدل أبيو حنيفية على منيع الشفعية فيي البئر بميا‬
‫روى "ل شفعة في بئر" ومالك حمل هذا الثر على آبار الصحاري‬
‫التي تعمل في الرض الموات‪ ،‬ل التي تكون في أرض متمكلة‪.‬‬
‫*‪(*4‬الركن الثالث) وأما المشفوع عليه فإنهم اتفقوا على أنه من‬
‫انتقيل إلييه الملك بشراء مين شرييك غيير مقاسيم أو مين جار عنيد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ميين يرى الشفعيية للجار‪ .‬واختلفوا فيميين انتقييل إليييه الملك بغييير‬
‫شراء‪ ،‬فالمشهور عند مالك‪ .‬أن الشفعة إنما تجب إذا كان انتقال‬
‫الملك بعوض كالبيييع والصييلح والمهيير وأرش الجنايات وغييير ذلك‪،‬‬
‫وبيه قال الشافعيي؛ وعنيه روايية ثانيية أنهيا تجيب بكيل ملك انتقيل‬
‫بعوض أو بغييير عوض‪ ،‬كالهبيية لغييير الثواب والصييدقة‪ ،‬مييا عدا‬
‫الميراث فإنييه ل شفعيية عنييد الجميييع فيييه باتفاق‪ .‬وأمييا الحنفييية‬
‫فالشفعيية عندهييم فييي المييبيع فقييط‪ ،‬وعمدة الحنفييية ظاهيير‬
‫الحادييث‪ ،‬وذلك أن مفهومهيا يقتضيي أنهيا فيي الميبيعات بيل ذلك‬
‫نص فيها ل في بعضها فل يبع حتى يستأذن شريكه‪ .‬وأما المالكية‬
‫فرأت أن كل ما انتقل بعوض فهو في معنى البيع‪ ،‬ووجه الرواية‬
‫الثانية أنها اعتبرت الضرر فقط‪ .‬وأما الهبة للثواب فل شفعة فيها‬
‫عنيد أبيي حنيفية ول الشافعيي؛ وأميا أبيو حنيفية فلن الشفعية عنده‬
‫فييي المييبيع‪ ،‬وأمييا الشافعييي فلن هبيية الثواب عنده باطلة‪ ،‬وأمييا‬
‫مالك فل خلف عنده وعنيد أصيحابه فيي أن الشفعية فيهيا واجبية‪.‬‬
‫واتفيق العلماء على أن الميبيع الذي بالخيار أنيه إذا كان الخيار فييه‬
‫للبائع أن الشفعة ل تجب حتى يجب البيع‪ .‬واختلفوا إذا كان الخيار‬
‫للمشتري؟ فقال الشافعيي والكوفيون‪ :‬الشفعية واجبية علييه لن‬
‫شق ِيص‪:‬‬ ‫شق ص وال َّ‬‫البائع قد صرم الشقص [قال في النهاية‪ ... :‬ال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫شتركية مين كيل شييء‪ .‬دار الحدييث] عين‬ ‫م ْ‬
‫ب فيي العيين ال ُ‬
‫النصيي ُ‬
‫ملكه وأبانه منه‪ ،‬وقيل إن الشفعة غير واجبة عليه لنه غير ضامن‬
‫وبييه قال جماعيية ميين أصييحاب مالك‪ .‬واختلف فييي الشفعيية فييي‬
‫المسيياقاة‪ ،‬وهييي تبديييل أرض بأرض‪ ،‬فعيين مالك فييي ذلك ثلث‬
‫روايات‪ :‬الجواز‪ ،‬والمنييع‪ ،‬والثالث أن تكون المناقلة بييين الشراك‬
‫والجانب فلم يرها في الشراك ورآها في الجانب‪.‬‬
‫*‪(*4‬الركين الرابيع فيي الخيذ بالشفعية) والنظير فيي هذا الركين‬
‫بماذا يأخذ الشفيع‪ ،‬وكم يأخذ‪ ،‬ومتى يأخذ؟ فإنهم اتفقوا على أنه‬
‫يأخييذ فييي البيييع بالثميين إذا كان حال؛ واختلفوا إذا كان البيييع إلى‬
‫أجيل هيل يأخذه الشفييع بالثمين إلى ذلك الجيل‪ ،‬أو يأخيذ الميبيع‬
‫بالثمين حال‪ ،‬وهيو مخيير؟ فقال مالك‪ :‬يأخذه بذلك الجيل إذا كان‬
‫ملييا أو يأتيي بضامين ملييء‪ ،‬وقال الشافعيي‪ :‬الشفييع مخيير‪ ،‬فإن‬
‫عجيل تعجلت الشفعية وإل تتأخير إلى وقيت الجيل‪ ،‬وهيو نحيو قول‬
‫الكوفيييين؛ وقال الثوري ل يأخذهييا إل بالنقييد لنهييا قييد دخلت فييي‬
‫ضمان الول‪ ،‬قال‪ :‬ومنيا مين يقول تبقيى فيي ييد الذي باعهيا‪ ،‬فإن‬
‫بلغ الجيييل أخذهيييا الشفييييع‪ .‬والذيييين رأوا الشفعييية فيييي سيييائر‬
‫المعاوضات ممييا ليييس بييبيع‪ ،‬فالمعلوم عنهييم أنييه يأخييذ الشفعيية‬
‫بقيميية الشقييص إن كان العوض ممييا ليييس يتقدر‪ ،‬مثييل أن يكون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫معطيى فيي خلع‪ .‬وإميا أن يكون معطيى فيي شييء يتقدر ولم يكين‬
‫دنانيير ول دراهيم ول بالجملة مكيل ول موزونيا‪ ،‬فإنيه يأخذه بقيمية‬
‫ذلك الشيء الذي دفع الشقص فيه؛ وإن كان ذلك الشيء محدود‬
‫القدر بالشرع أخيييذ ذلك الشقيييص بذلك القدر‪ ،‬مثيييل أن يدفيييع‬
‫الشقييص فييي موضحيية وجبييت عليييه أو منقلة‪ ،‬فإنييه يأخذه بدييية‬
‫الموضحة أو المنقلة‪ .‬وأما كم يأخذ؟ فإن الشفيع ل يخلو أن يكون‬
‫واحدا أو أكثيير‪ ،‬والمشفوع عليييه أيضييا ل يخلو أن يكون واحدا أو‬
‫أكثير‪ .‬فأميا أن الشفييع واحيد والمشفوع علييه واحدا فل خلف فيي‬
‫أن الواجييب على الشفيييع أن يأخييذ الكييل أو يدع‪ ،‬وأمييا إذا كان‬
‫المشفوع علييه واحدا والشفعاء أكثير مين واحيد فإنهيم اختلفوا مين‬
‫ذلك في موضعين‪ :‬أحدهما في كيفية قسمة المشفوع فيه بينهم‪.‬‬
‫والثاني إذا اختلفت أسباب شركتهم هل يحجب بعضهم بعضا عن‬
‫الشفعيية أم ل؟ مثييل أن يكون بعضهييم شركاء فييي المال الذي‬
‫ورثوه‪ ،‬لنهم أهل سهم واحد‪ ،‬وبعضهم لنهم عصبة‪.‬‬
‫@‪(-‬فأميا المسيألة الولى) وهيي كيفيية توزييع المشفوع فييه‪ ،‬فإن‬
‫مالكيا والشافعيي وجمهور أهيل المدينية يقولون‪ :‬إن المشفوع فييه‬
‫يقتسيمونه بينهيم على قدر حصيصهم‪ ،‬فمين كان نصييبه مين أصيل‬
‫المال الثلث مثل أخيذ مين الشقيص بثلث الثمين‪ ،‬ومين كان نصييبه‬
‫الربييع أخييذ الربييع‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬هييي على عدد الرؤوس على‬
‫السييواء‪ ،‬وسييواء فييي ذلك الشريييك ذو الحييظ الكييبر وذو الحييظ‬
‫الصيغر‪ .‬وعمدة المدنييين أن الشفعية حيق يسيتفاد وجوبيه بالملك‬
‫المتقدم‪ ،‬فوجيب أن يتوزع على مقدار الصيل‪ ،‬أصيله الكريية فيي‬
‫المسيتأجرات المشتركية والربيح فيي شركية الموال؛ وأيضيا فإن‬
‫الشفعة إنما هي لزالة الضرر‪ ،‬والضرر داخل على كل واحد منهم‬
‫على غيير اسيتواء‪ ،‬لنيه إنميا يدخيل على كيل واحيد منهيم بحسيب‬
‫حصييته‪ ،‬فوجييب أن يكون اسييتحقاقهم لدفعييه على تلك النسييبة‪.‬‬
‫وعمدة الحنفيييية أن وجوب الشفعييية إنميييا يلزم بنفيييس الملك‬
‫فيسييتوفي ذلك أهييل الحظوظ المختلفيية لسييتوائهم فييي نفييس‬
‫الملك‪ ،‬وربميا شبهوا ذلك بالشركاء فيي العبيد يعتيق بعضهيم نصييبه‬
‫أنه يقوم على المعتقين على السوية‪ :‬أعني حظ من لم يعتق‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثانية) فإن الفقهاء اختلفوا في دخول الشراك‬
‫الذين هم عصبة في الشفعة مع الشراك الذين شركتهم من قبل‬
‫السيهم الواحيد فقال مالك‪ :‬أهيل السيهم الواحيد أحيق بالشفعية إذا‬
‫باع أحدهم من الشراك معهم في المال من قبل التعصيب‪ ،‬وأنه‬
‫ل يدخييل ذو العصييبة فييي الشفعيية على أهييل السييهام المقدرة‬
‫ويدخييل ذوو السييهام على ذوي التعصيييب‪ ،‬مثييل أن يموت ميييت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيترك عقارا ترثييه عنييه بنتان وابنييا عييم ثييم تييبيع البنييت الواحدة‬
‫حظها‪ ،‬فإن البنت الثانية عند مالك هي التي تشفع في ذلك الحظ‬
‫الذي باعتيه أختهيا فقيط دون ابنيي العيم‪ ،‬وإن باع أحيد ابنيي العيم‬
‫نصييبه يشفيع فييه البنات وابين العيم الثانيي‪ ،‬وبهذا القول قال ابين‬
‫القاسيم‪ ،‬وقال أهيل الكوفية‪ :‬ل يدخيل ذوو السيهام على العصيبات‬
‫ول العصبات على ذوي السهام‪ ،‬ويتشافع أهل السهم الواحد فيما‬
‫بينهيم خاصية‪ ،‬وبيه قال أشهيب‪ ،‬وقال الشافعيي فيي أحيد قولييه‪:‬‬
‫يدخيل ذوو السيهام على العصيبات والعصيبات على ذوي السيهام‪،‬‬
‫وهييو الذي اختاره المزنييي‪ ،‬وبييه قال المغيرة ميين أصييحاب مالك‪.‬‬
‫وعمدة مذهييب الشافعييي عموم قضائه صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫بالشفعية بيين الشركاء‪ ،‬ولم يفصيل ذوي سيهم مين عصيبة‪ .‬ومين‬
‫خصيص ذوي السيهام من العصيبات فلنيه رأى أن الشركية مختلفية‬
‫السيباب‪ :‬أعني بين ذوي السهام وبين العصبات فشبه الشركات‬
‫المختلفية السيباب بالشركات المختلفية مين قبيل محالهيا الذي هيو‬
‫المال بالقسيمة بالموال‪ .‬ومين أدخيل ذوي السيهام على العصيبة‬
‫ولم يدخيل العصيبة على ذوي السيهام فهيو اسييتحسان على غيير‬
‫قياس‪ ،‬ووجييه السييتحسان أنييه رأى أن ذوي السييهام أقعييد ميين‬
‫العصيبة‪ .‬وأميا إذا كان المشفوع عليهميا اثنيين فأكثير فأراد الشفييع‬
‫أن يشفييع على أحدهمييا دون الثانييي‪ ،‬فقال ابيين القاسييم‪ :‬إمييا أن‬
‫يأخيذ الكيل أو يدع؛ وقال أبيو حنيفية وأصيحابه والشافعيي‪ :‬له أن‬
‫يشفييع على أيهمييا أحييب‪ ،‬وبييه قال أشهييب‪ .‬فأمييا إذا باع رجلن‬
‫شقصييا ميين رجييل‪ ،‬فأراد الشفيييع أن يشفييع على أحدهمييا دون‬
‫الثانيي‪ ،‬فإن أبيا حنيفية منيع ذلك‪ ،‬وجوزه الشافعيي‪ .‬وأميا إذا كان‬
‫الشافعون أكثر من واحد‪ :‬أعني الشراك‪ ،‬فأراد بعضهم أن يشفع‬
‫وسيييلم له الباقيييي فيييي البيوع‪ ،‬فالجمهور على أن للمشتري أن‬
‫يقول للشريك إما أن تشفع في الجميع أو تترك‪ ،‬وأنه ليس له أن‬
‫يشفع بحسب حظه إل أن يوافقه المشتري على ذلك‪ ،‬وأنه ليس‬
‫له أن يبعيض الشفعية على المشتري إن لم يرض بتبعيضهيا‪ .‬وقال‬
‫أصبغ من أصحاب مالك‪ :‬إن كان ترك بعضهم الخذ بالشفعة رفقا‬
‫بالمشتري لم يكن للشفيع إل أن يأخذ حصته فقط‪ .‬ول خلف في‬
‫مذهييب مالك أنييه إذا كان بعييض الشفعاء غائبييا وبعضهييم حاضرا‪،‬‬
‫فأراد الحاضير أن يأخيذ حصيته فقيط أنيه لييس له ذلك‪ ،‬إل أن يأخيذ‬
‫الكيييييل أو يدع‪ ،‬فإذا قدم الغائب فإن شاء أخيييييذ وإن شاء ترك‪.‬‬
‫واتفقوا على أن مييين شرط الخيييذ بالشفعييية أن تكون الشركييية‬
‫متقدمية على البييع‪ .‬واختلفوا هيل مين شرطهيا أن تكون موجودة‬
‫في حال البيع‪ ،‬وأن تكون ثابتة قبل البيع؟‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬فأما المسألة الولى) وهي إذا لم يكن شريكا في حال البيع‪،‬‬


‫وذلك يتصيور بأن يكون يتراخيى عين الخيذ بالشفعية بسيبب مين‬
‫السيباب التيي ل يقطيع له الخيذ بالشفعية حتيى ييبيع الحيظ الذي‬
‫كان بييه شريكييا‪ .‬فروى أشهييب أن قول مالك اختلف فييي ذلك‪،‬‬
‫فمرة قال‪ :‬له الخييذ بالشفعيية‪ ،‬ومرة قال‪ :‬ليييس له ذلك؛ واختار‬
‫أشهب أنه ل شفعة له‪ ،‬وهو قياس قول الشافعي والكوفيين‪ ،‬لن‬
‫المقصيود بالشفعية إنميا هيو إزالة الضرر مين جهية الشركية‪ ،‬وهذا‬
‫لييس بشرييك‪ .‬وقال ابين القاسيم‪ :‬له الشفعية إذا كان قياميه فيي‬
‫أثره‪ ،‬لنه يرى أن الحق الذي وجب له لم يرتفع ببيعه حظه‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسألة الثانية) فصورتها أن يستحق إنسان شقصا في‬
‫أرض قد بيع منها قبل وقت الستحقاق شقص ما‪ ،‬هل له أن يأخذ‬
‫بالشفعية أم ل؟ فقال قوم‪ :‬له ذلك‪ ،‬لنيه وجبيت له الشفعية بتقدم‬
‫شركتيه قبيل البييع‪ ،‬ول فرق فيي ذلك كانيت يده علييه أو لم تكين؛‬
‫وقال قوم‪ :‬ل تجب له الشفعة‪ ،‬لنه إنما ثبت له مال الشركة يوم‬
‫السيتحقاق‪ ،‬قالوا‪ :‬أل ترى أنيه ل يأخيذ الغلة مين المشتري؛ فأميا‬
‫مالك فقال‪ :‬إن طال الزمان فل شفعيييية‪ ،‬وإن لم يطييييل ففيييييه‬
‫الشفعية‪ ،‬وهيو اسيتحسان‪ .‬وأميا متيى يأخيذ وهيو له الشفعية؟ فإن‬
‫الذي له الشفعيية رجلن حاضيير أو غائب‪ .‬فأمييا الغائب فأجمييع له‬
‫العلماء على أن الغائب على شفعتييه مييا لم يعلم بييبيع شريكييه؛‬
‫واختلفوا إذا علم وهييو غائب؛ فقال قوم‪ :‬تسييقط شفعتييه؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬ل تسيقط‪ ،‬وهيو مذهيب مالك‪ ،‬والحجية له ميا روي عين النيبي‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم ميين حديييث جابر أنييه قال "الجار أحييق‬
‫بصييقبه" أو قال "بشفعتييه ينتظيير بهييا إذا كان غائبييا" وأيضييا فإن‬
‫الغائب فييي الكثيير معوق عيين الخييذ بالشفعيية‪ ،‬فوجييب عذره‪.‬‬
‫وعمدة الفرييق الثانيي أن سيكوته ميع العلم قرينية تدل على رضاه‬
‫بإسيقاطها‪ .‬وأميا الحاضير‪ ،‬فإن الفقهاء اختلفوا فيي وقيت وجوب‬
‫الشفعية له‪ ،‬فقال الشافعيي وأ بو حنيفية‪ :‬هيي واجبية له على الفور‬
‫بشرط العلم وإمكان الطلب‪ ،‬فإن علم وأمكييييييييين الطلب‪ ،‬ولم‬
‫يطلب بطلت شفعتيه‪ ،‬إل أن أبيا حنيفية قال‪ :‬إن أشهيد بالخيذ لم‬
‫تبطيل وإن تراخى‪ .‬وأ ما مالك فليست عنده على الفور‪ ،‬بل وقيت‬
‫وجوبها متسع‪ ،‬واختلف قوله في هذا الوقت هل هو محدود أم ل؟‬
‫فمرة قال‪ :‬هو غير محدود وأنها ل تنقطع أبدا إل أن يحدث المبتاع‬
‫بناء أو تغييرا كثيرا بمعرفتيه وهيو حاضير عالم سياكت؛ ومرة حدد‬
‫هذا الوقيت‪ ،‬فروى عنيه السينة وهيو الشهير‪ ،‬وقييل أكثير مين سينة‪،‬‬
‫وقيد قييل عنيه إن الخمسية أعوام ل تنقطيع فيهيا الشفعية‪ .‬واحتيج‬
‫الشافعيي بميا روي أنيه علييه الصيلة والسيلم قال "الشفعية كحيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العقال" وقيد روي عن الشافعيي أن أمدهيا ثلثة أيام‪ .‬وأ ما من لم‬


‫يسقط الشفعة بالسكوت واعتمد على أن السكوت ل يبطل حق‬
‫امرئ مسلم ما لم يظهر من قرائن أحواله ما يدل على إسقاطه‪،‬‬
‫وكان هذا أشبيه بأصييول الشافعييي‪ ،‬لن عنده أنيه ليييس يجييب أن‬
‫ينسييب إلى سيياكت قول قائل‪ ،‬وإن اقترنييت بييه أحوال تدل على‬
‫رضاه‪ ،‬ولكنيه فيميا أحسيب اعتميد الثير‪ ،‬فهذا هيو القول فيي أركان‬
‫الشفعة وشروطها المصححة لها وبقي القول في الحكام‪.‬‬
‫*‪*3‬القسم الثاني القول في أحكام الشفعة‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه الحكام كثيرة‪ ،‬ولكين نذكير منهيا ميا اشتهير فييه الخلف‬
‫بين فقهاء المصار‪ ،‬ف من ذلك اختلفهم فيي ميراث حق الشفعة‪،‬‬
‫فذهييب الكوفيون إلى أنييه ل يورث كمييا أنييه ل يباع؛ وذهييب مالك‬
‫والشافعي وأهل الحجاز إلى أنها موروثة قياسا على الموال وقد‬
‫تقدم‪ .‬سيبب الخلف فيي هذه المسيائل فيي مسيألة الرد بالعييب‪،‬‬
‫ومنها اختلفهم في عهدة الشفيع هل هي على المشتري أو على‬
‫البائع؟ فقال مالك والشافعي‪ :‬هي على المشتري؛ وقال ابن أبي‬
‫ليلى‪ :‬هيييي على البائع‪ .‬وعمدة مالك أن الشفعييية إنميييا وجبيييت‬
‫للشريييك بعييد حصييول ملك المشتري وصييحته‪ ،‬فوجييب أن تكون‬
‫عليييه العهدة‪ .‬وعمدة الفريييق الخيير أن الشفعيية إنمييا وجبييت‬
‫للشرييك بنفيس البييع‪ ،‬فطروؤهيا على البييع فسيخ له وعقيد لهيا‪.‬‬
‫وأجمعوا على أن القالة ل تبطيل الشفعية مين رأى أنهيا بييع‪ ،‬ومين‬
‫رأى أنهييا فسييخ‪ :‬أعنييي القالة‪ .‬واختلف أصييحاب مالك على ميين‬
‫عهدة الشفيييع فييي القالة؟ فقال ابيين القاسييم‪ :‬على المشتري؛‬
‫وقال أشهيب‪ :‬هيو مخيير‪ .‬ومنهيا اختلفهيم إذا أحدث المشتري بناء‬
‫أو غرسييا أو مييا يشبييه فييي الشقييص قبييل قيام الشفيييع‪ ،‬ثييم قام‬
‫الشفييييع يطلب شفعتيييه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل شفعييية إل أن يعطيييي‬
‫المشتري قيمة ما بنى وما غرس؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬هو‬
‫متعييد وللشفيييع أن يعطيييه قيميية بنائه مقلوعييا أو يأخذه بنقضييه‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم تردد تصرف المشفوع عليه العالم بوجوب‬
‫الشفعة عليه بين شبهة تصرف الغاصب وتصرف المشتري الذي‬
‫يطرأ عليييه السييتحقاق وقييد بنييي فييي الرض وغرس‪ ،‬وذلك أنييه‬
‫وسط بينهما‪ ،‬فمن غلب عليه شبه الستحقاق لم يكن له أن يأخذ‬
‫القيمية‪ ،‬ومين غلب علييه شبيه التعدي قال‪ :‬له أن يأخذه بنقضيه أو‬
‫يعطييييه قيمتيييه منقوضيييا‪ .‬ومنهيييا اختلفهيييم إذا اختلف المشتري‬
‫والشفيع في مبلغ الثمن‪ ،‬فقال المشتري‪ :‬اشتريت الشقص بكذا‪،‬‬
‫وقال الشفيع‪ :‬بل اشتريته بأقل‪ ،‬ولم يكن لواحد منهما بينة‪ ،‬فقال‬
‫جمهور الفقهاء‪ :‬القول قول المشتري‪ ،‬لن الشفيييييييييييييييع مدع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والمشفوع عليييه مدعييى عليييه وخالف فييي ذلك بعييض التابعييين‬


‫فقالوا‪ :‬القول قول الشفييييع‪ ،‬لن المشتري قيييد أقييير له بوجوب‬
‫الشفعية وادعيى علييه مقدارا مين الثمين لم يعترف له بيه‪ .‬وأميا‬
‫أصييحاب مالك فاختلفوا فييي هذه المسييألة‪ ،‬فقال ابيين القاسييم‪:‬‬
‫القول قول المشتري إذا أتيى بميا يشبيه باليميين‪ ،‬فإن أتيى بميا ل‬
‫يشبه فالقول قول الشفيع وقال أشهب‪ :‬إذا أتى بما يشبه فالقول‬
‫قول المشتري بل يميين وفيميا ل يشبيه باليميين‪ .‬وحكيي عين مالك‬
‫أنيه قال‪ :‬إذا كان المشتري ذا سيلطان يعلم بالعادة أنيه يزييد فيي‬
‫الثمين قبيل قول المشتري بغيير يميين وقييل إذا أتيى المشتري بميا‬
‫ل يشبيه رد الشفييع إلى القيمية‪ ،‬وكذلك فيميا أحسيب إذا أتيى كيل‬
‫واحيد منهميا بميا ل يشبيه‪ .‬واختلفوا إذا أتيى كيل واحيد منهميا ببينية‬
‫وتسيياوت العدالة فقال ابيين القاسييم يسييقطان معييا ويرجييع إلى‬
‫الصييل ميين أن القول قول المشتري مييع يمينييه‪ .‬وقال أشهييب‪:‬‬
‫البينة بينة المشتري لنها زادت علما‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القسمة‪.‬‬
‫@‪-‬والصيييل فيييي هذا الكتاب قوله {وإذا حضييير القسيييمة أولوا‬
‫القربييى} وقوله {ممييا قييل منييه أو كثيير نصيييبا مفروضييا} وقول‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيما دار قسمت في الجاهلية‬
‫فهيي على قسيم الجاهليية وأيميا دار أدركهيا السيلم ولم تقسيم‬
‫فهيي على قسيم السيلم" والنظير فيي هذا الكتاب فيي القاسيم‬
‫والمقسيوم علييه والقسمة والنظير فيي القسيمة فيي أبواب‪ .‬الباب‬
‫الول‪ :‬فيي أنواع القسيمة‪ .‬الثانيي‪ :‬فيي تعييين محيل نوع نوع مين‬
‫أنواعها‪ :‬أعني ما يقبل القسمة وما ل يقبلها‪ ،‬وصفة القسمة فيها‬
‫وشروطها أعني فيما يقبل القسمة‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفة أحكامها‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في أنواع القسمة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي القسيمة ينقسيم أول إلى قسيمين‪ :‬قسيمة رقاب‬
‫الموال‪ .‬والثاني‪ :‬منافع الرقاب‪.‬‬
‫(القسم الول من هذا الباب) فأما قسمة الرقاب التي ل تكال ول‬
‫توزن‪ ،‬فتنقسم بالجملة إلى ثلثة أقسام‪ :‬قسمة قرعة بعد تقويم‬
‫وتعديل‪ .‬وقسمة مراضاة بعد تقويم وتعديل‪ .‬وقسمة مراضاة بغير‬
‫تقويم ول تعديل‪ .‬وأما ما يكال أو يوزن فبالكيل والوزن‪.‬‬
‫(القسم الثاني) وأما الرقاب‪ ،‬فإنها تنقسم إلى ثلثة أقسام‪ :‬ما ل‬
‫ينقيل ول يحول‪ ،‬وهيي الرباع والصيول‪ .‬وميا ينقيل ويحول‪ ،‬وهذان‬
‫قسيمان‪ :‬إميا غيير مكييل ول موزون‪ ،‬وهيو الحيوان والعروض؛ وإميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مكييل أو موزون‪ .‬ففيي هذا الباب ثلثية فصيول‪ :‬الول‪ :‬فيي الرباع‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬في العروض‪ .‬والثالث‪ :‬في المكيل والموزون‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في الرباع‪.‬‬
‫@‪-‬فأما الرباع والصول‪ ،‬فيجوز أن تقسم بالتراضي وبالسهمة إذا‬
‫عدلت بالقيمة‪ ،‬اتفق أهل العلم على ذلك اتفاقا مجمل‪ ،‬وإن كانوا‬
‫اختلفوا فيي محيل ذلك وشروطيه‪ .‬والقسيمة ل تخلو أن تكون فيي‬
‫محييل واحيد أو فييي محال كثيرة‪ ،‬فإذا كانييت فييي محيل واحيد فل‬
‫خلف فيي جوازهيا إذا انقسيمت إلى أجزاء متسياوية بالصيفة ولم‬
‫تنقص منفعة الجزاء بالنقسام ويجبر الشركاء على ذلك‪ .‬وأما إذا‬
‫انقسيمت إلى ميا ل منفعية فييه‪ ،‬فاختلف فيي ذلك مالك وأصيحابه‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬إنها تقسم بينهم إذا دعا أحدهم إلى ذلك ولو لم يصر‬
‫لواحد منهم إل ما ل منفعة فيه مثل قدر القدم‪ ،‬وبه قال ابن كنانة‬
‫من أصحابه فقط‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة والشافعي‪ ،‬وعمدتهم في‬
‫ذلك قوله تعالى {مميا قيل منيه أو كثير نصييبا مفروضيا} وقال ابين‬
‫القاسم‪ :‬ل يقسم إل أن يصير لكل واحد في حظه ما ينتفع به من‬
‫غيير مضرة داخلة علييه فيي النتفاع مين قبيل القسيمة‪ ،‬وإن كان ل‬
‫يراعيي فيي ذلك نقصيان الثمين‪ .‬وقال ابين الماجشون‪ :‬يقسيم إذا‬
‫صار لكل واحد منهم ما ينتفع به‪ ،‬وإن كان من غير جنس المنفعة‬
‫التييي كانييت فييي الشتراك أو كانييت أقييل‪ .‬وقال مطرف ميين‬
‫أصحابه‪ :‬إن لم يصر في حظ كل واحد ما ينتفع به لم يقسم وإن‬
‫صار في حظ بعضهم ما ينتفع به‪ ،‬وفي حظ بعضهم ما ل ينتفع به‬
‫قسييم وجييبروا على ذلك سييواء دعييا إلى ذلك صيياحب النصيييب‬
‫القلييل أو الكثيير‪ ،‬وقييل يجيبر إن دعيا صياحب النصييب القلييل‪ ،‬ول‬
‫يجييبر إن دعييا صيياحب النصيييب الكثييير‪ ،‬وقيييل بعكييس هذا وهييو‬
‫ضعيف‪ .‬واختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى‬
‫منفعية أخرى مثيل الحمام‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يقسيم إذا طلب ذلك أحيد‬
‫الشريكيين‪ ،‬وبيه قال أشهيب؛ وقال ابين القاسيم‪ :‬ل يقسيم‪ ،‬وهيو‬
‫قول الشافعييي‪ .‬فعمدة ميين منييع القسييمة قوله صييلى الله عليييه‬
‫وسييلم "ل ضرر ول ضرار" وعمدة ميين رأى القسييمة قوله تعالى‬
‫{مميا قيل منيه أو كثير نصييبا مفروضيا} ومين الحجية لمين لم يير‬
‫القسيمة حدييث جابر عين أبييه "ل تعضيية على أهيل الميراث إل ما‬
‫حمل القسم" والتعضية‪ :‬التفرقة‪ ،‬يقول‪ :‬ل قسمة بينهم‪ .‬وأما إذا‬
‫كانيت الرباع أكثير مين واحيد فإنهيا ل تخلو أيضيا أن تكون مين نوع‬
‫واحيييد أو مختلفييية النواع‪ ،‬فإذا كانيييت متفقييية النواع فإن فقهاء‬
‫المصيار فيي ذلك مختلفون؛ فقال مالك‪ :‬إذا كانيت متفقية النواع‬
‫قسمت بالتقويم والتعديل والسهيمة‪ ،‬وقال أبو حنيفة والشافعي‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بييل يقسييم كييل عقار على حدتييه؛ فعمدة مالك أنييه أقييل للضرر‬
‫الداخيل على الشركاء من القسمة‪ .‬وعمدة الفريق الثانيي أن كل‬
‫عقار تعينيه بنفسيه لنيه تتعلق بيه الشفعية‪ .‬واختلف أصيحاب مالك‬
‫إذا اختلفت النواع المتفقة في النفاق وإن تباعدت مواضعها على‬
‫ثلثية أقوال؛ وأميا إذا كانيت الرباع مختلفية مثيل أن يكون منهيا دور‬
‫ومنهييا حوائط ومنهييا أرض‪ ،‬فل خلف أنييه ل يجمييع فييي القسييمة‬
‫بالسيهمة‪ .‬ومين شرط قسييمة الحوائط المثمرة أن ل تقسييم مييع‬
‫الثمرة إذا بدا صيلحها باتفاق فيي المذهيب‪ ،‬لنيه يكون بييع الطعام‬
‫بالطعام على رؤوس الثمير وذلك مزابنية‪ .‬وأميا قسيمتها قبيل بدو‬
‫الصلح ففيه اختلف بين أصحاب مالك‪ :‬أما ابن القاسم فل يجيز‬
‫ذلك قبيل البار بحال مين الحوال‪ ،‬ويعتيل لذلك لنيه يؤدي إلى بييع‬
‫طعام بطعام متفاضل‪ ،‬ولذلك زعيم أنيه لم يجيز مالك شراء الثمير‬
‫الذي لم يطيب بالطعام ل نسييئة ول نقدا؛ وأميا إن كان بعيد البار‪،‬‬
‫فإنه ل يجوز عنده إل بشرط أن يشترط أحدهما على الخر أن ما‬
‫وقيع مين الثمير فيي نصييبه فهيو داخيل فيي القسيمة‪ ،‬وميا لم يدخيل‬
‫في نصيبه فهم فيه على الشركة‪ ،‬والعلة في ذلك عنده أنه يجوز‬
‫اشتراط المشتري الثمييير بعيييد البار ول يجوز قبيييل البار‪ ،‬فكأن‬
‫أحدهما اشترى حظ صاحبه من جميع الثمرات التي وقعت له في‬
‫القسيمة بحظيه مين الثمرات التيي وقعيت لشريكيه واشترط الثمير‬
‫وصيفة القسيم بالقرعية أن تقسيم الفريضية وتحقييق وتضرب إن‬
‫كان فيي سيهامها كسير إلى أن تصيح السيهام‪ ،‬ثيم يقوم كيل موضيع‬
‫منها وكل نوع من غراساتها‪ ،‬ثم يعدل على أقل السهام بالقيمة‪،‬‬
‫فربما عدل جزء من موضع ثلثة أجزاء من موضيع آخر على قييم‬
‫الرضين ومواضعها‪ ،‬فإذا قسمت على هذه الصفات وعدلت كتبت‬
‫في بطائق أسماء الشراك وأسماء الجهات‪ ،‬فمن خرج اسمه في‬
‫جهية أخيذ منهيا‪ ،‬وقييل يرميي بالسيماء فيي الجهات‪ ،‬فمين خرج‬
‫اسمه في جهة أخذ منها‪ ،‬فإن كان أكثر من ذلك السهم ضوعف‬
‫له حتييى يتييم حظييه‪ ،‬فهذه هييي حال قرعيية السييهم فييي الرقاب‪.‬‬
‫والسيييهمة إنميييا جعلهيييا الفقهاء فيييي القسيييمة تطييبيييا لنفوس‬
‫المتقاسيمين‪ ،‬وهيي موجودة فيي الشرع فيي مواضيع‪ :‬منهيا قوله‬
‫تعالى {فساهم فكان من المدحضين} وقوله {وما كنت لديهم إذ‬
‫يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم} ومن ذلك الثر الثابت الذي جاء‬
‫فييه " أن رجل أعتيق سيتة أعبيد عنيد موتيه‪ ،‬فأسيهم رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم بينهييم‪ ،‬فأعتييق ثلث ذلك الرقيييق"‪ .‬وأمييا‬
‫الق سمة بالتراضيي سواء كانيت بعيد تعديل وتقوييم‪ ،‬أو بغير تقوييم‬
‫وتعديييل‪ ،‬فتجوز فييي الرقاب المتفقيية والمختلفيية لنهييا بيييع ميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البيوع‪ ،‬وإنما يحرم فيها ما يحرم في البيوع‪.‬‬


‫*‪*4‬الفصل الثاني في العروض‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييييا الحيوان والعروض‪ ،‬فاتفييييق الفقهاء على أنييييه ل يجوز‬
‫قسيمة واحيد منهميا للفسياد الداخيل فيي ذلك‪ .‬واختلفوا إذا تشاح‬
‫الشريكان فييي العييين الواحدة منهمييا‪ ،‬ولم يتراضيييا بالنتفاع بهييا‬
‫على الشياع‪ ،‬وأراد أحدهميييا أن ييييبيع صييياحبه معيييه‪ ،‬فقال مالك‬
‫وأصييحابه‪ :‬يجييبر على ذلك‪ ،‬فإن أراد أحدهمييا أن يأخذه بالقيميية‬
‫التيي أعطيى فيهيا أخذه‪ ،‬وقال أهيل الظاهير‪ :‬ل يجيبر‪ ،‬لن الصيول‬
‫تقتضيي أن ل يخرج ملك أحيد مين يده إل بدلييل مين كتاب أو سينة‬
‫أو إجماع‪ .‬وحجيية مالك أن فييي ترك الجبار ضررا‪ ،‬وهذا ميين باب‬
‫القياس المرسيل‪ ،‬وقيد قلنيا فيي غيير ميا موضيع إنيه لييس يقول بيه‬
‫أحييد ميين فقهاء المصييار إل مالك‪ ،‬ولكنييه كالضروري فييي بعييض‬
‫الشياء‪ .‬وأمييا إذا كانييت العروض أكثيير ميين جنييس واحييد‪ ،‬فاتفييق‬
‫العلماء على قسيييمتها على التراضيييي؛ واختلفوا فيييي قسيييمتها‬
‫بالتعدييل والسيهمة‪ ،‬فأجازهيا مالك وأصيحابه فيي الصينف الواحيد‬
‫ومنييع ميين ذلك عبييد العزيييز ابيين أبييي سييلمة وابيين الماجشون‪.‬‬
‫واختلف أصيحاب مالك فيي تميييز الصينف الواحيد الذي تجوز فييه‬
‫السييهمة ميين التييي ل تجوز فاعتييبره أشهييب بمييا ل يجوز تسييليم‬
‫بعضيه فيي بعيض‪ .‬وأميا ابين القاسيم فاضطرب‪ ،‬فمرة أجاز القسيم‬
‫بالسيهمة فيميا ل يجوز تسيليم بعضيه فيي بعيض‪ ،‬فجعيل القسيمة‬
‫أخيف مين السيلم‪ ،‬ومرة منيع القسيمة فيميا منيع فييه السيلم؛ وقيد‬
‫قيل إن مذهبه أن القسمة في ذلك أخف‪ ،‬وأن مسائله التي يظن‬
‫مين قبلهيا أن القسيمة عنده أشيد مين السيلم تقبيل التأوييل على‬
‫أصيله الثانيي‪ .‬وذهيب ابين حيبيب إلى أنيه يجميع فيي القسيمة ميا‬
‫تقارب مين الصينفين مثيل الخيز والحريير والقطين والكتان‪ .‬وأجاز‬
‫أشهيب جميع صينفين فيي القسيمة بالسيهمة ميع التراضيي‪ ،‬وذلك‬
‫ضعيف لن الغرر ل يجوز بالتراضي‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في معرفة أحكامها‪.‬‬
‫@‪-‬فأمييا المكيييل والموزون فل تجوز فيييه القرعيية باتفاق إل مييا‬
‫حكييى اللخمييي‪ ،‬والمكيييل أيضييا ل يخلو أن يكون صييبرة واحدة أو‬
‫صيبرتين فزائدا‪ ،‬فإن كان صينفا واحدا‪ ،‬فل يخلو أن تكون قسيمته‬
‫على العتدال بالكييل أو الوزن إذا دعيا إلى ذلك أحيد الشريكيين‪،‬‬
‫ول خلف فييي جواز قسييمته على التراضييي على التفضيييل البييين‬
‫كان ذلك مين الربوي أو مين غيير الربوي‪ :‬أعنيي الذي ل يجوز فييه‬
‫التفاضل‪ ،‬ويجوز ذلك بالكيل المعلوم والمجهول‪ ،‬ول يجوز قسمته‬
‫جزافيا بغيير كييل ول وزن‪ .‬وأميا إن كانيت قسيمته تحرييا‪ ،‬فقييل ل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يجوز فييي المكيييل ويجوز فييي الموزون‪ ،‬ويدخييل فييي ذلك ميين‬
‫الخلف ميا يدخيل فيي جواز بيعيه تحرييا‪ .‬وأميا إن لم يكين ذلك مين‬
‫صيييبرة واحدة وكانيييا صييينفين‪ ،‬فإن كان ذلك مميييا ل يجوز فييييه‬
‫التفاضييل فل تجوز قسييمتها على جهيية الجمييع إل بالكيييل المعلوم‬
‫فيميا يكال‪ ،‬وبالوزن بالصينجة المعروفية فيميا يوزن‪ ،‬لنيه إذا كان‬
‫بمكيال مجهول لم يدر كم يحصل فيه من الصنف الواحد إذا كانا‬
‫مختلفييين ميين الكيييل المعلوم‪ ،‬وهذا كله على مذهييب مالك‪ ،‬لن‬
‫أصل مذهبه أنه يحرم التفاضل في الصنفين إذا تقاربت منافعهما‬
‫مثييل القمييح والشعييير‪ ،‬وأمييا إن كان ممييا ل يجوز فيييه التفاضييل‬
‫فيجوز قسيمته على العتدال والتفاضيل البيين المعروف بالمكيال‬
‫المعروف أو الصينجة المعروفية‪ :‬أعنيي على جهية الجميع وإن كانيا‬
‫صنفين‪ ،‬وهذا الجواز كله في المذهب على جهة الرضا‪ .‬وأما فيي‬
‫واجب الحكم فل تنقسم كل صبرة إل على حدة وإذا قسمت كل‬
‫صييييبرة على حدة جازت قسييييمتها بالمكيال المعلوم والمجهول‪،‬‬
‫فهذا كله هو حكم القسمة التي تكون في الرقاب‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في القسم الثاني وهو قسمة المنافع‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا قسيمة المنافيع‪ ،‬فإنهيا ل تجوز بالسيهمة على مذهيب ابين‬
‫القاسيم‪ ،‬ول يجيبر عليهيا مين أباهيا‪ ،‬ول تكون القرعية على قسيمة‬
‫المنافيع‪ .‬وذهيب أبيو حنيفية وأصيحابه إلى أنيه يجيبر على قسيمة‬
‫المنافييع‪ ،‬وقسييمة المنافييع هييي عنييد الجميييع بالمهايأة‪ ،‬وذلك إمييا‬
‫بالزمان وإما بالعيان‪ .‬وأما قسمة المنافع بالزمان فهو أن ينتفع‬
‫كيل واحيد منهميا بالعيين مدة متسياوية لمدة انتفاع صياحبه‪ .‬وأميا‬
‫قسيم العيان بأن يقسيما الرقاب على أن ينتفيع كيل واحيد منهميا‬
‫بمييا حصييل له مدة محدودة والرقاب باقييية على أصييل الشركيية‪.‬‬
‫وفييي المذهييب فييي قسييمة المنافييع بالزمان اختلف فييي تحديييد‬
‫المدة التيي تجوز فيهيا القسيمة لبعيض المنافيع دون بعيض للغتلل‬
‫أو النتفاع مثييل اسييتخدام العبييد وركوب الدابيية وزراعيية الرض‪،‬‬
‫وذلك أيضا فيما ينقل ويحول‪ ،‬أو ل ينقل ول يحول‪ .‬فأما فيما ينقل‬
‫ويحول فل يجوز عند مالك وأصحابه في المدة الكثيرة ويجوز في‬
‫المدة اليسييرة‪ ،‬وذلك فيي الغتلل والنتفاع وأميا فيميا ل ينقيل ول‬
‫يحول‪ ،‬فيجوز في المدة البعيدة والجل البعيد‪ ،‬وذلك في الغتلل‬
‫والنتفاع واختلفوا فييي المدة اليسيييرة فيمييا ينقييل ويحول فييي‬
‫الغتلل فقييل اليوم الواحيد ونحوه‪ ،‬وقييل ل يجوز ذلك فيي الدابية‬
‫والعبد‪ .‬وأما الستخدام فقيل يجوز في مثل الخمسة اليام‪ ،‬وقيل‬
‫فيي الشهير وأكثير مين الشهير قليل‪ .‬وأميا التهاييؤ فيي العيان بأن‬
‫يسييتعمل هذا دارا مدة ميين الزمان‪ ،‬وهذا دارا تلك المدة بعينهييا‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقييل يجوز فيي سيكنى الدار وزراعية الرضيين‪ ،‬ول يجوز ذلك فيي‬
‫الغلة والكراء إل فيييي الزمان اليسيييير‪ ،‬وقييييل يجوز على قياس‬
‫التهايؤ بالزمان‪ ،‬وكذلك القول في استخدام العبد والدواب يجري‬
‫القول فيييه على الختلف فييي قسييمتها بالزمان‪ .‬فهذا هييو القول‬
‫فييي أنواع القسييمة فييي الرقاب‪ ،‬وفييي المنافييع وفييي الشروط‬
‫المصححة والمفسدة‪ .‬وبقي من هذا الكتاب القول في الحكام‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬والقسيمة مين العقود اللزمية ل يجوز للمتقاسيمين نقضهيا ول‬
‫الرجوع فيهييا إل بالطوارئ عليهييا‪ .‬والطوارئ ثلثيية غبيين؛ أو وجود‬
‫عييب‪ ،‬أو اسيتحقاق‪ .‬فأميا الغبين فل يوجيب الفسيخ إل فيي قسيمة‬
‫القرعية باتفاق فيي المذهيب إل على قياس مين يرى له تأثيير فيي‬
‫البييع‪ ،‬فيلزم على مذهبيه أن يؤثير فيي القسيمة‪ .‬وأميا الرد بالعييب‪،‬‬
‫فإنه ل يخلو عن مذهب ابن القاسم أن يجد العيب في جل نصيبه‬
‫أو فييي أقله‪ ،‬فإن وجده فييي جييل نصيييبه‪ ،‬فإنييه ل يخلو أن يكون‬
‫النصييب الذي حصيل لشريكيه قيد فات أو لم يفيت‪ ،‬فإن كان قيد‬
‫فات رد الواجييد للعيييب نصيييبه على الشركيية وأخييذ ميين شريكييه‬
‫نصف قيمة نصيبه يوم قبضه‪ ،‬وإن كان لم يفت انفسخت القسمة‬
‫وعادت الشركة إلى أصلها‪ ،‬وإن كان العيب في أقل ذلك رد ذلك‬
‫القيل على أصيل الشركية فقيط‪ ،‬سيواء فات نصييب صياحبه أو لم‬
‫يفت‪ ،‬ورجع على شريكه بنصف قيمة الزيادة ول يرجع في شيء‬
‫مميا فيي يده وإن كان قائميا بالعييب‪ .‬وقال أشهيب‪ :‬والذي يفييت‬
‫الرد قيد تقدم فيي كتاب البيوع‪ .‬وقال عبيد العزييز بين الماجشون‪:‬‬
‫وجود العيييب يفسييخ القسييمة التييي بالقرعيية ول يفسييخ التييي‬
‫بالتراضيي‪ ،‬لن التيي بالتراضيي هيي بييع‪ ،‬وأميا التيي بالقرعية فهيي‬
‫تمييييز حييق‪ ،‬وإذا فسييخت بالغبيين وجييب أن تفسييخ بالرد بالعيييب‪.‬‬
‫وحكييم السييتحقاق عنييد ابيين القاسييم حكييم وجود العيييب إن كان‬
‫المستحق كثيرا وحظ الشريك لم يفت رجع معه شريكا فيما في‬
‫يدييه‪ ،‬وإن كان قيد فات رجيع علييه بنصيف قيمية ميا فيي يدييه‪ ،‬وإن‬
‫كان يسييرا رجيع علييه بنصيف قيمية ذلك الشييء‪ .‬وقال محميد‪ :‬إذا‬
‫استحق ما في يد أحدهما بطلت القسمة في قسمة القرعة‪ ،‬لنه‬
‫قيد تيبين أن القسيمة لم تقيع على عدل كقول ابين الماجشون فيي‬
‫العييب وأميا إذا طرأ على المال حيق فييه مثيل طوارئ الديين على‬
‫التركية بعيد القسيمة أو طرو الوصيية أو طرو وارث‪ ،‬فإن أصيحاب‬
‫مالك اختلفوا في ذلك‪ .‬فأما إن طرأ الدين قيل في المشهور في‬
‫المذهيب وهيو قول ابين القاسيم‪ :‬إن القسيمة تنتقيض إل أن يتفيق‬
‫الورثة على أن يعطوا الد ين من عندهيم‪ ،‬وسواء كانت حظوظهم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫باقية بأيديهم أو لم تكن‪ ،‬هلكت بأمر من السماء أو لم تهلك‪ .‬وقد‬


‫قيل إن القسمة أيضا إنما تنتقض بيد من بقي في يده حظه ولم‬
‫تهلك بأمير مين السيماء‪ ،‬وأميا مين هلك حظيه بأمير مين السيماء فل‬
‫يرجيع علييه بشييء مين الديين‪ ،‬ول يرجيع هيو على الورثية بميا بقيي‬
‫بأيديهم بعد أداء الدين؛ وقيل بل تنتقض القسمة ول بد لحق الله‬
‫تعالى لقوله {من بعد وصية يوصى بها أو دين} وقيل بل تنتقض‬
‫إل فيي حيق مين أعطيى منيه ميا ينوي بيه مين الديين‪ ،‬وهكذا الحكيم‬
‫فيييي طرو الموصيييى له على الورثييية‪ .‬وأميييا طرو الوارث على‬
‫الشركية بعيد القسيمة وقبيل أن يفوت حيظ كيل واحيد منهيم فل‬
‫تنتقيض القسيمة وأخيذ مين كيل واحيد حظيه إن كان ذلك مكيل أو‬
‫موزونيا وإن كان حيوانيا أو عروضيا انتقضيت القسيمة‪ ،‬وهيل يضمين‬
‫كيل واحيد منهيم ميا تلف فيي يده بغيير سيبب منيه؟ فقييل يضمين‪،‬‬
‫وقيل ل يضمن‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الرهون‪.‬‬
‫@‪-‬والصيل فيي هذا الكتاب قوله تعالى {ولم تجدوا كاتبيا فرهان‬
‫مقبوضيية} والنظيير فييي هذا الكتاب فييي الركان وفييي الشروط‬
‫وفيييي الحكام‪ ،‬والركان هيييي النظييير فيييي الراهييين والمرهون‬
‫والمرتهن والشيء الذي فيه الرهن وصفة عقد الرهن‪.‬‬
‫@‪(-‬الركين الول) فأميا الراهين فل خلف أن مين صيفته أن يكون‬
‫غير محجور عليه من أهل السداد‪ ،‬الوصي يرهن لمن يلي النظر‬
‫علييه إذا كان ذلك سيدادا ودعيت إلييه الضرورة عنيد مالك؛ وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬يرهين لمصيلحة ظاهرة ويرهين المكاتيب والمأذون عنيد‬
‫مالك‪ .‬قال سحنون‪ :‬فإن ارتهن في مال أسلفه لم يجز‪ ،‬وبه قال‬
‫الشافعيي‪ .‬اتفيق مالك والشافعيي على أن المفلس ل يجوز رهنيه؛‬
‫وقال أبيو حنيفية يجوز؛ واختلف قول مالك فيي الذي أحاط الديين‬
‫بماله هيل يجوز رهنيه؟ أعنيي هيل يلزم أم ل يلزم؟ فالمشهور عنيه‬
‫أنييه يجوز‪ :‬أعنييي قبييل أن يفلس‪ ،‬والخلف آيييل إلى هييل المفلس‬
‫محجور علييه أم ل؟ وكيل مين صيح أن يكون راهنيا صيح أن يكون‬
‫مرتهنا‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الثانييي) وهييو الرهيين‪ ،‬وقالت الشافعييية‪ :‬يصييح بثلثيية‬
‫شروط‪ :‬الول أن يكون عينا‪ ،‬فإنه ل يجوز أن يرهن الدين‪ .‬الثاني‬
‫أن ل يمتنييع إثبات يييد الراهيين المرتهيين عليييه كالمصييحف؛ ومالك‬
‫يجييز رهين المصيحف ول يقرأ فييه المرتهين‪ ،‬والخلف مبنيي على‬
‫البييع‪ .‬الثالث أن تكون العيين قابلة للبييع عنيد حلول الجيل؛ ويجوز‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عنيد مالك أن يرتهين ميا ل يحيل بيعيه فيي وقيت الرتهان كالزرع‬
‫والثميير لم يبييد صييلحه ول يباع عنده فييي أداء الدييين إل إذا بدا‬
‫صلحه وإن حل أجل الدين؛ وعند الشافعي قولن في رهن الثمر‬
‫الذي لم يبييد صييلحه‪ ،‬ويباع عنده عنييد حلول الدييين على شرط‬
‫القطيع؛ قال أبيو حاميد‪ :‬والصيح جوازه؛ ويجوز عنيد مالك رهين ميا‬
‫لم يتعييين كالدنانييير والدراهييم إذا طبييع عليهييا‪ ،‬وليييس ميين شرط‬
‫الرهين أن يكون ملكيا للراهين ل عنيد مالك ول عنيد الشافعيي‪ ،‬بيل‬
‫قيد يجوز عندهميا أن يكون مسيتعارا‪ .‬واتفقوا على أن مين شرطيه‬
‫أن يكون إقراره فيي ييد المرتهين مين قبيل الراهين‪ .‬واختلفوا إذا‬
‫كان قبيض المرتهين له بغصيب ثيم أقره المغصيوب منيه فيي يده‬
‫رهنيا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يصيح أن ينقيل الشييء المغصيوب مين ضمان‬
‫الغصييب إلى ضمان الرهيين‪ ،‬فيجعييل المغصييوب منييه الشيييء‬
‫المغصوب رهنا في يد الغاصيب قبيل قبضيه منه؛ وقال الشافعيي‪:‬‬
‫ل يجوز بيل يبقيى على ضمان الغصيب إل أن يقبضيه‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫رهن المشاع‪ ،‬فمنعه أبو حنيفة وأجازه مالك والشافعي‪ .‬والسبب‬
‫في الخلف هل تمكن حيازة المشاع أم ل تمكن‪.‬‬
‫@‪(-‬الركن الثالث) وهو الشيء المرهون فيه‪ ،‬وأصل مذهب مالك‬
‫فيي هذا أنيه يجوز أن يؤخيذ الرهين فيي جمييع الثمان الواقعية فيي‬
‫جمييييع البيوعات إل الصيييرف ورأس المال فيييي السيييلم المتعلق‬
‫بالذميية‪ ،‬وذلك لن الصييرف ميين شركييه التقابييض‪ ،‬فل يجوز فيييه‬
‫عقدة الرهييييين‪ ،‬وكذلك رأس مال السيييييلم وإن كان عنده دون‬
‫الصرف في هذا المعنى‪ .‬وقال قوم من أهل الظاهر‪ :‬ل يجوز أخذ‬
‫الرهين إل فيي السيلم خاصية‪ :‬أعنيي فيي السيلم فييه‪ ،‬وهؤلء ذهبوا‬
‫إلى ذلك لكون آييية الرهيين واردة فييي الدييين فييي المييبيعات وهييو‬
‫السلم عندهم‪ ،‬فكأنهم جعلوا هذا شرطا من شروط صحة الرهن‪،‬‬
‫لنيه قال فيي أول اليية {ييا أيهيا الذيين آمنوا إذا تداينتيم بديين إلى‬
‫أجيل مسيمى فاكتبوه} ثيم قال {وإن كنتيم على سيفر ولم تجدوا‬
‫كاتبيا فرهان مقبوضية} فعلى مذهيب مالك يجوز أخيذ الرهين فيي‬
‫السلم وفي القرض وفي الغصب وفي قيم المتلفات وفي أروش‬
‫الجنايات فييييي الموال‪ ،‬وفييييي جراح العمييييد الذي ل قود فيييييه‬
‫كالمأموميية والجائفيية‪ .‬وأمييا قتييل العمييد والجراح التييي يقاد منهييا‬
‫فيتخرج في جواز أخذ الرهن في الدية فيها إذا عفا الولي قولن‪:‬‬
‫أحدهميييا أن ذلك يجوز‪ ،‬وذلك على القول بأن الولي مخيييير فيييي‬
‫العمييد بييين الدييية والقود‪ .‬والقول الثانييي أن ذلك ل يجوز‪ ،‬وذلك‬
‫أيضا مبني على أن ليس للولي إل القود فقط إذا أبى الجاني من‬
‫إعطاء الديية‪ ،‬ويجوز فيي قتيل الخطيأ أخيذ الرهين ممين يتعيين مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العاقلة وذلك بعد الحول‪ ،‬ويجوز في العارية التي تضمن‪ ،‬ول يجوز‬
‫فيميا ل يضمين‪ ،‬ويجوز أخذه فيي الجارات‪ ،‬ويجوز فيي الجعيل بعيد‬
‫العمييل‪ ،‬ول يجوز قبله‪ ،‬ويجوز الرهيين فييي المهيير‪ ،‬ول يجوز فييي‬
‫الحدود ول فيي القصياص ول فيي الكتابية‪ ،‬وبالجملة فيميا ل تصيح‬
‫فييييه الكفالة‪ .‬وقالت الشافعيييية‪ :‬المرهون فييييه له شرائط ثلث‪:‬‬
‫أحدهيا أن يكون دينيا‪ ،‬فإنيه ل يرهين فيي عيين‪ .‬والثانيي أن يكون‬
‫واجبيييا‪ ،‬فإنيييه ل يرهييين قبيييل الوجوب‪ ،‬مثيييل أن يسيييترهنه بميييا‬
‫يسيييتقرضه‪ ،‬ويجوز ذلك عنيييد مالك‪ .‬والثالث أن ل يكون لزوميييه‬
‫متوقعيا أن يجيب‪ ،‬وأن ل يجيب كالرهين فيي الكتابية‪ ،‬وهذا المذهيب‬
‫قريب من مذهب مالك‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الشروط‪.‬‬
‫@‪-‬وأميييا شروط الرهييين‪ ،‬فالشروط المنطوق بهيييا فيييي الشرع‬
‫ضربان‪ :‬شروط صيييحة‪ ،‬وشروط فسييياد‪ .‬فأميييا شروط الصيييحة‬
‫المنطوق بها في الرهن‪ :‬أعني في كونه رهنا فشرطان‪ :‬أحدهما‬
‫متفيق علييه بالجملة ومختلف فيي الجهية التيي هيو بهيا شرط وهيو‬
‫القبييض‪ .‬والثانييي مختلف فييي اشتراطييه‪ ،‬فأمييا القبييض فاتفقوا‬
‫بالجملة على أنيييييه شرط فيييييي الرهييييين لقوله تعالى {فرهان‬
‫مقبوضيية} واختلفوا هييل هييو شرط تمام أو شرط صييحة؟ وفائدة‬
‫الفرق أن مين قال شرط صيحة قال‪ :‬ميا لم يقيع القبيض لم يلزم‬
‫الرهيين الراهيين؛ وميين قال شرط تمام قال‪ :‬يلزم بالعقييد ويجييبر‬
‫الراهين على القباض إل أن يتراخيى المرتهين عين المطالبية حتيى‬
‫يفلس الراهييين أو يمرض أو يموت‪ ،‬فذهيييب مالك إلى أنيييه مييين‬
‫شروط التمام‪ ،‬وذهب أبو حنيفة والشافعي وأهل الظاهر إلى أنه‬
‫من شروط ال صحة‪ .‬وعمدة مالك قياس الرهن على سائر العقود‬
‫اللزمييية بالقول‪ .‬وعمدة الغيييير قوله تعالى {فرهان مقبوضييية}‬
‫وقال بعيض أهيل الظاهير‪ :‬ل يجوز الرهين إل أن يكون هنالك كاتيب‬
‫لقوله تعالى {ولم تجدوا كاتبييا فرهان مقبوضيية} ول يجوز أهييل‬
‫الظاهر أن يوضع الرهن على يدي عدل‪ ،‬وعند مالك أن من شرط‬
‫صيحة الرهين اسيتدامة القبيض‪ ،‬وأنيه متيى عاد إلى ييد الراهين بإذن‬
‫المرتهين بعاريية أو وديعية أو غيير ذلك‪ ،‬فقيد خرج مين اللزوم وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬لييس اسيتدامة القبيض مين شرط الصيحة‪ ،‬فمالك عميم‬
‫الشرط على ظاهره‪ ،‬فألزم ميين قوله تعالى {فرهان مقبوضيية}‬
‫وجود القبيض واسيتدامته‪ .‬والشافعيي يقول‪ :‬إذا وجيد القبيض فقيد‬
‫صح الرهن وانعقد‪ ،‬فل يحل ذلك إعارته ول غير ذلك من التصرف‬
‫فييه كالحال فيي البييع‪ ،‬وقيد كان الولى بمين يشترط القبيض فيي‬
‫صيحة العقيد أن يشترط السيتدامة‪ ،‬ومين لم يشترط فيي الصيحة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن ل يشترط السييييتدامة‪ .‬واتفقوا على جوازه فييييي السييييفر‪.‬‬


‫واختلفوا فييي الحضيير؛ فذهييب الجمهور إلى جوازه؛ وقال أهييل‬
‫الظاهيير ومجاهييد‪ :‬ل يجوز فيي الحضير لظاهيير لقوله تعالى {وإن‬
‫كنتيم على سيفر} اليية‪ .‬وتمسيك الجمهور بميا ورد مين "أنيه صيلى‬
‫الله عليييه وسييلم رهيين فييي الحضيير" والقول فييي اسييتنباط منييع‬
‫الرهين فيي الحضير مين اليية هيو مين باب دلييل الخطاب‪ .‬وأميا‬
‫الشرط المحرم الممنوع بالنيص فهيو أن يرهين الرجيل رهنيا على‬
‫أنييه إن جاء بحقييه عنييد أجله وإل فالرهيين له فاتفقوا على أن هذا‬
‫الشرط يوجيب الفسيخ‪ ،‬وأنيه معنيى قوله علييه الصيلة والسيلم "ل‬
‫يغلق الرهن"‪.‬‬
‫*‪*3‬القول فييي الجزء الثالث ميين هذا الكتاب‪ ،‬وهييو القول فييي‬
‫الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الجزء ينقسييم إلى معرفيية ميا للراهيين مين الحقوق فييي‬
‫الرهين وميا علييه‪ ،‬وإلى معرفية ميا للمرتهين فيي الرهين وميا علييه‪،‬‬
‫وإلى معرفية اختلفهميا فيي ذلك‪ ،‬وذلك إميا مين نفيس العقيد‪ ،‬وإميا‬
‫لمور طارئة على الرهين‪ ،‬ونحين نذكير مين ذلك ميا اشتهير الخلف‬
‫فيه بين فقهاء المصار والتفاق‪ .‬أما حق المرتهن في الرهن فهو‬
‫أن يمسكه حتى يؤدي الراهن ما عليه‪ ،‬فإن لم يأت به عند الجل‬
‫كان له أن يرفعيه إلى السيلطان‪ ،‬فييبيع علييه الرهين وينصيفه منيه‬
‫إن لم يجبييه الراهيين إلى البيييع‪ ،‬وكذلك إن كان غائبييا‪ ،‬وإن وكييل‬
‫الراهين المرتهين على بييع الرهين عنيد حلول الجيل جاز؛ وكرهيه‬
‫مالك إل أن يرفييع الميير إلى السييلطان‪ .‬والرهيين عنييد الجمهور‬
‫يتعلق بجملة الحيق المرهون فييه وببعضيه‪ ،‬أعنيي أنيه إذا رهنيه فيي‬
‫عدد ما فأدى منه بعضه‪ ،‬فإن الرهن بأسره يبقى بعد بيد المرتهن‬
‫حتيى يسيتوفي حقيه وقال قوم‪ :‬بيل يبقيى مين الرهين بييد المرتهين‬
‫بقدر ما يبقى من الحق‪ .‬وحجة الجمهور أنه محبوس بحق‪ ،‬فوجب‬
‫أن يكون محبوسيا بكيل جزء منيه أصيله حبيس التركية على الورثية‬
‫حتييى يؤدوا الدييين الذي على الميييت‪ .‬وحجيية الفريييق الثانييي أن‬
‫جميعيييه محبوس بجميعيييه‪ ،‬فوجيييب أن يكون أبعاضيييه محبوسييية‬
‫بأبعاضه‪ ،‬أصله الكفالة‪.‬‬
‫وميين مسييائل هذا الباب المشهورة اختلفهييم فييي نماء الرهيين‬
‫المنفصيل‪ ،‬مثيل الثمرة فيي الشجير المرهون‪ ،‬ومثيل الغلة‪ ،‬ومثيل‬
‫الولد هل يدخل في الرهن أم ل؟ فذهب قوم إلى أن نماء الرهن‬
‫المنفصيل ل يدخيل شييء منيه فيي الرهين‪ :‬أعنيي الذي يحدث منيه‬
‫فيي ييد المرتهين‪ ،‬وممين قال بهذا القول الشافعيي؛ وذهيب آخرون‬
‫إلى أن جمييع ذلك يدخيل فيي الرهين‪ ،‬وممين قال بهذا القول أبيو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حنيفييية والثوري؛ وفرق مالك فقال‪ :‬ميييا كان مييين نماء الرهييين‬
‫المنفصييل على خلقتييه وصييورته‪ ،‬فإنييه داخييل فييي الرهيين كولد‬
‫الجارية مع الجارية وأما ما لم يكن على خلقته فإنه ل يدخل في‬
‫الرهيين كان متولدا عنييه كثميير النخييل أو غييير متولد ككراء الدار‬
‫وخراج الغلم‪ .‬وعمدة من رأى أن نماء الرهن وغلته للراهن قوله‬
‫عليييه الصييلة والسييلم "الرهيين محلوب ومركوب" قالوا‪ :‬ووجييه‬
‫الدليييل ميين ذلك أنييه لم يرد بقوله "مركوب ومحلوب" أي يركبييه‬
‫الراهين ويحلبيه‪ ،‬لنيه كان يكون غيير مقبوض‪ ،‬وذلك مناقيض لكونيه‬
‫رهنيا‪ ،‬فإن الراهين مين شرطيه القبيض‪ ،‬قالوا‪ :‬ول يصيح أيضيا أن‬
‫يكون معناه أن المرتهييين يحلبيييه ويركبيييه‪ ،‬فلم يبيييق إل أن يكون‬
‫المعنى في ذلك أن أجرة ظهرة لربه ونفقته عليه‪ .‬واستدلوا أيضا‬
‫بعموم قوله علييه الصيلة والسيلم "الرهين ممين رهنيه له غنميه‬
‫وعليه غرمه" قالوا‪ :‬ولنه نماء زائد على مارضيه رهنا‪ ،‬فوجب أن‬
‫ل يكون له إل بشرط زائد‪ .‬وعمدة أبييي حنيفيية أن الفروع تابعيية‬
‫للصول فوجب لها حكم الصل‪ ،‬ولذلك حكم الولد تابع لحكم أمه‬
‫فيي التدبيير والكتابية‪ .‬وأميا مالك فاحتيج بأن الولد حكميه حكيم أميه‬
‫في البيع‪ :‬أي هو تابع لها‪ ،‬وفرق بين الثمر والولد في ذلك بالسنة‬
‫المفرقية فيي ذلك‪ ،‬وذلك أن الثمير ل يتبيع بييع الصيل إل بالشرط‬
‫وولد الجاريية يتبيع بغيير شرط‪ .‬والجمهور على أن لييس للمرتهين‬
‫أن ينتفييع بشيييء ميين الرهيين؛ وقال قوم‪ :‬إذا كان الرهيين حيوانييا‬
‫فللمرت هن أن يحلبيه ويرك به بقدر ما يعل فه وينفيق علييه‪ ،‬وهو قول‬
‫أحمد وإسحق‪ ،‬واحتجوا بما رواه أبو هريرة عن النبي عليه الصلة‬
‫والسيييلم أنيييه قال "الرهييين محلوب ومركوب" ومييين هذا الباب‬
‫اختلفهم في الرهن يهلك عند المرتهن ممن ضمانه؟ فقال قوم‪:‬‬
‫الرهن أمانة وهو من الراهن‪ ،‬والقول قول المرتهن مع يمينه أنه‬
‫مييا فرط فيييه ومييا جنييى عليييه‪ ،‬ومميين قال بهذا القول الشافعييي‬
‫وأحمييد وأبييو ثور وجمهور أهييل الحديييث؛ وقال قوم‪ :‬الرهيين ميين‬
‫المرتهين ومصييبته منيه‪ ،‬وممين قال بهذا القول أبيو حنيفية وجمهور‬
‫الكوفيين‪.‬‬
‫والذييين قالوا بالضمان انقسييموا قسييمين‪ :‬فمنهييم ميين رأى أن‬
‫الرهين مضمون بالقيل مين قيمتيه أو قيمية الديين‪ ،‬وبيه قال أبيو‬
‫حنيفة وسفيان وجماعة‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬هو مضمون بقيمته قلت‬
‫أو كثرت‪ ،‬وإنييه إن فضييل للراهيين شيييء فوق دينييه أخذه ميين‬
‫المرتهيين‪ ،‬وبييه قال علي ابيين أبييي طالب وعطاء وإسييحق‪ .‬وفرق‬
‫قوم بييين مييا ل يغاب عليييه مثييل الحيوان والعقار ممييا ل يخفييى‬
‫هلكيه‪ ،‬وبيين ميا يغاب علييه مين العروض‪ ،‬فقالوا‪ :‬هيو ضامين فيميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يغاب عليييه ومؤتميين فيمييا ل يغاب عليييه‪ ،‬ومميين قال بهذا القول‬
‫مالك والوزاعيييي وعثمان البتيييي‪ ،‬إل أن مالكيييا يقول‪ :‬إذا شهيييد‬
‫الشهود بهلك ميا يغاب علييه مين غيير تضيييع ول تفرييط‪ ،‬فإنيه ل‬
‫يضمين وقال الوزاعيي وعثمان البتيي‪ :‬بيل يضمين على كيل حال‬
‫قامييت بينيية أو لم تقييم‪ ،‬وبقول مالك قال ابيين القاسييم‪ ،‬وبقول‬
‫عثمان والوزاعيييي قال أشهيييب‪ .‬وعمدة مييين جعله أمانييية غيييير‬
‫مضمون حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى‬
‫الله علييه وسيلم قال "ل يغلق الرهين وهيو ممين رهنيه له غنميه‬
‫وعلييه غرميه"‪ :‬أي له غلتيه وخراجيه‪ ،‬وعلييه افتكاكيه مصييبته منيه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد رضي الراهن أمانته فأشبه المودع عنده‪ .‬وقال المزني‬
‫ميين أصييحاب الشافعييي محتجييا له‪ :‬قييد قال مالك ومين تابعييه إن‬
‫الحيوان وميا ظهير هلكيه أمانية‪ ،‬فوجيب أن يكون كله كذلك‪ .‬وقيد‬
‫قال أبيو حنيفية‪ :‬إن ميا زاد مين قيمية الرهين على قيمية الديين فهيو‬
‫أمانيية فوجييب أن يكون كله أمانيية‪ ،‬ومعنييى قوله عليييه الصييلة‬
‫والسييلم عنييد مالك وميين قال بقوله "وعليييه غرمييه" أي نفقتييه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ومعنييى ذلك قوله عليييه الصييلة والسييلم "الرهيين مركوب‬
‫ومحلوب" أي أجرة ظهره لربه‪ ،‬ونفقته عليه‪،‬‬
‫وأميا أبيو حنيفية وأصيحابه فتأولوا قوله علييه الصيلة والسيلم "له‬
‫غنمه وعليه غرمه" أن غنمه ما فضل منه على الدين‪ ،‬وغرمه ما‬
‫نقص‪ .‬وعمدة من رأى أنه مضمون من المرتهن أنه عين تعلق بها‬
‫حيق السيتيفاء ابتداء فوجيب أن يسيقط بتلفيه‪ ،‬أصيله تلف الميبيع‬
‫عنيد البائع إذا أمسيكه حتيى يسيتوفي الثمين‪ ،‬وهذا متفيق علييه مين‬
‫الجمهور‪ ،‬وإن كان عند مالك كالرهين؛ وربميا احتجوا بما روي عن‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم "أن رجل ارتهين فرسيا مين رجيل‪،‬‬
‫فنفق في يده‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم للمرتهن‪ :‬ذهب حقك"‬
‫وأميا تفرييق مالك بيين ميا يغاب علييه وبيين ميا ل يغاب علييه فهيو‬
‫اسييتحسان‪ ،‬ومعنييى ذلك أن التهميية تلحييق فيمييا يغاب عليييه‪ ،‬ول‬
‫تلحق فيما ل يغاب عليه‪ .‬وقد اختلفوا في معنى الستحسان الذي‬
‫يذهيب إلييه مالك كثيرا‪ ،‬فضعفيه قوم وقالوا‪ :‬إنيه مثيل اسيتحسان‬
‫أبييي حنيفيية‪ ،‬وحدوا السييتحسان بأنييه قول بغييير دليييل‪ .‬ومعنييى‬
‫السيتحسان عنيد مالك هيو جميع بيين الدلة المتعارضية‪ ،‬وإذا كان‬
‫ذلك كذلك فلييس هيو قول بغيير دلييل‪ .‬والجمهور على أنيه ل يجوز‬
‫للراهين بييع الرهين ول هبتيه‪ ،‬وأنيه إن باعيه فللمرتهين الجارة أو‬
‫الفسيخ‪ .‬قال مالك‪ :‬وإن زعيم أن إجارتيه ليتعجيل حقيه حلف على‬
‫ذلك وكان له‪ .‬وقال قوم‪ :‬يجوز بيعه‪ .‬وإن كان للرهن غلما أو أمة‬
‫فأعتقهيا الراهين فعنيد مالك أنيه إن كان الراهين موسيرا جاز عتقيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وعجيل للمرتهين حقيه‪ ،‬وإن كان معسيرا بيعيت وقضيي الحيق مين‬
‫ثمنهييا وعنييد الشافعييي ثلثيية أقوال‪ :‬الرد‪ ،‬والجازة‪ ،‬والثالث مثييل‬
‫قول مالك وأمييا اختلف الراهيين والمرتهيين فييي قدر الحييق الذي‬
‫وجب به الرهن‪ ،‬فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬القول‬
‫قول المرتهين فيميا ذكره مين قدر الحيق ميا لم تكين قيمية الرهين‬
‫أقييل ميين ذلك‪ ،‬فمييا زاد على قيميية الرهيين فالقول قول الراهيين‪.‬‬
‫وقال الشافعيييي وأبيييو حنيفييية والثوري وجمهور فقهاء المصيييار‪:‬‬
‫القول في قدر الحق قول الراهن‬
‫وعمدة الجمهور أن الراهين مدعيى علييه‪ ،‬والمرتهين مدع‪ ،‬فوجيب‬
‫أن تكون اليميييين على الراهييين على ظاهييير السييينة المشهورة‪.‬‬
‫وعمدة مالك ههنييا أن المرتهيين وإن كان مدعيييا فله ههنييا شبهيية‬
‫بنقيل اليميين إلى حيزه‪ ،‬وهيو كون الرهين شاهدا له‪ ،‬ومين أصيوله‬
‫أن يحلف أقوى المتداعيين شبهة‪ ،‬وهذا ل يلزم عند الجمهور‪ ،‬لنه‬
‫قيد يرهن الراهين الشيء وقيمتيه أكثير من المرهون فييه‪ .‬وأما إذا‬
‫تلف الرهيين واختلفوا فييي صييفته‪ ،‬فالقول ههنييا عنييد مالك قول‬
‫المرتهين لنيه مدعيى علييه‪ ،‬وهيو مقير ببعيض ميا ادعيى علييه وهذا‬
‫على أصوله‪ ،‬فإن المرتهن أيضا هو الضامن فيما يغاب عليه‪ .‬وأما‬
‫على أصول الشافعي‪ ،‬فل يتصور على المرتهن يمين إل أن يناكره‬
‫الراهن في إتلفه‪ .‬وأما عند أبي حنيفة فالقول قول المرتهن في‬
‫قيمة الرهن‪ ،‬وليس يحتاج إلى صفة‪ ،‬لن مالك يحلف على الصفة‬
‫وتقوييم تلك الصيفة‪ .‬وإذا اختلفوا فيي المريين جميعيا‪ ،‬أعنيي فيي‬
‫صفة الرهن وفي نقدار الرهن كان القول قول المرتهن في صفة‬
‫الرهن‪ ،‬وفي الحق ما كنت قيمة الصفة التي حلف عليها شاهدة‬
‫له‪ ،‬وفييه ضعيف‪ ،‬وهيل يشهيد الحيق لقيمية الرهين إذا اتفقيا فيي‬
‫الحق واختلفا في قيمة الرهن؟ في المذهب فيه قولن‪ ،‬والقيس‬
‫الشهادة‪ ،‬لنه إذا شهد الرهن للدين شهد الدين للمرهون‪ .‬وفروع‬
‫هذا الباب كثيرة‪ ،‬وفيما ذكرناه كفاية في غرضنا‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الحجر‬
‫@‪-‬والنظيير فييي هذا الكتاب فييي ثلثيية أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬فييي‬
‫أصييناف المحجورييين‪ .‬الثانييي‪ :‬متييى يخرجون ميين الحجيير‪ ،‬ومتييى‬
‫يحجيير عليهييم‪ ،‬وبأي شروط يخرجون‪ .‬الثالث‪ :‬فييي معرفيية أحكام‬
‫أفعالهم في الرد والجازة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في أصناف المحجورين‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬أجميع العلماء على وجوب الحجير على اليتام الذيين لم يبلغوا‬


‫الحلم لقوله تعالى {وابتلوا اليتامييى حتييى إذا بلغوا النكاح} الييية‪.‬‬
‫واختلفوا فييي الحجيير على العقلء الكبار إذا ظهيير منهييم تبذييير‬
‫لموالهيم‪ ،‬فذهيب مالك والشافعيي وأهيل المدينية وكثيير مين أهيل‬
‫العراق إلى جواز ابتداء الحجر عليهم بحكم الحاكم‪ ،‬وذلك إذا ثبت‬
‫عنده سيفههم وأعذر إليهيم فلم يكين عندهيم مدفيع‪ ،‬وهيو رأي ابين‬
‫عباس وابن الزبير‪ .‬وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل العراق إلى‬
‫أنيه ل يبتدأ الحجير على الكبار‪ ،‬وهيو قول ابراهييم وابين سييرين‪،‬‬
‫وهؤلء انقسيموا قسيمين‪ :‬فمنهيم مين قال‪ :‬الحجير ل يجوز عليهيم‬
‫بعييد البلوغ بحال وإن ظهيير منهييم التبذييير‪ .‬ومنهييم ميين قال‪ :‬إن‬
‫استصحبوا التبذير من الصغر يستمر الحجر عليهم وإن ظهر منهم‬
‫رشد بعد البلوغ ثم ظهر منهم سفه‪ ،‬فهؤلء ل يبدأ بالحجر عليهم‪.‬‬
‫وأبييو حنيفيية يحييد فييي ارتفاع الحجيير وإن ظهيير سييفهه خمسيية‬
‫وعشرييين عامييا‪ .‬وعمدة ميين أوجييب على الكبار ابتداء الحجيير أن‬
‫الحجير على الصيغار إنميا وجيب لمعنيى التبذيير الذي يوجيد فيهيم‬
‫غالبيا‪ ،‬فوجيب أن يجيب الحجير على مين وجيد فييه هذا المعنيى وإن‬
‫لم يكين صيغيرا‪ ،‬قالوا‪ :‬ولذلك اشترط فيي رفيع الحجير عنهيم ميع‬
‫ارتفاع الصييغر إيناس الرشييد‪ ،‬قال الله تعالى {فإن آنسييتم منهييم‬
‫رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} فدل هذا على أن السبب المقتضي‬
‫للحجير هيو السيفه‪ .‬وعمدة الحنفيية حدييث حبان بين منقيذ "إذ ذكير‬
‫فيييه لرسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم أنييه يخدع فييي البيوع‪،‬‬
‫فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار ثلثا ولم يحجر‬
‫علييه"‪ .‬وربميا قالوا‪ :‬الصيغر هيو المؤثير فيي منيع التصيرف بالمال‪،‬‬
‫بدلييل تأثيره فيي إسيقاط التكلييف‪ ،‬وإنميا اعتيبر الصيغر لنيه الذي‬
‫يوجد فيه السفه غالبا‪ ،‬كما يوجد نقص العقل غالبا‪ ،‬ولذلك جعل‬
‫البلوغ علمية وجوب التكلييف وعلمية الرشيد‪ ،‬إذ كانيا يوجدان فييه‬
‫غالبيا‪ ،‬أعنيي العقيل والرشيد‪ ،‬وكميا لم يعتيبر النادر فيي التكلييف‪،‬‬
‫أعني أن يكون قبل البلوغ عاقل فيكلف‪ ،‬كذلك لم يعتبر النادر في‬
‫السفه‪ ،‬وهو أن يكون بعد البلوغ سفيها فيحجر عليه‪ ،‬كما لو يعتبر‬
‫كونييه قبييل البلوغ رشيدا‪ .‬قالوا‪ :‬وقوله تعالى {ول تؤتوا السييفهاء‬
‫أموالكيم} اليية‪ ،‬لييس فيهيا أكثير مين منعهيم مين أموالهيم‪ ،‬وذلك ل‬
‫يوجب فسخ بيوعها وإبطالها‪.‬‬
‫والمحجورون عنيييد مالك سيييتة‪ :‬الصيييغير ‪ ،‬والسيييفيه‪ ،‬والعبيييد‪،‬‬
‫والمفلس‪ ،‬والمرييض‪ ،‬والزوجية‪ .‬وسييأتي ذكير كيل واحيد منهيم فيي‬
‫بابه‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬الباب الثانيي‪ .‬متيى يخرجون مين الحجير‪ ،‬ومتيى يحجير عليهيم‪،‬‬


‫وبأي شروط يخرجون؟‬
‫@‪-‬والنظير فيي هذا الباب فيي موضعيين‪ :‬فيي وقيت خروج الصيغار‬
‫ميين الحجيير‪ ،‬ووقييت خروج السييفهاء‪ .‬فنقول‪ :‬إن الصييغار بالجملة‬
‫صينفان‪ :‬ذكور‪ ،‬وإناث‪ ،‬وكيل واحيد مين هؤلء إميا ذو أب‪ ،‬وإميا ذو‬
‫وصي‪ ،‬وإما مهمل‪ ،‬وهم الذين يبلغون ول وصي لهم ول أب‪ .‬فأما‬
‫الذكور الصغار ذوو الباء فاتفقوا على أنهم ل يخرجون من الحجر‬
‫إل ببلوغ سن التكليف وإيناس الرشد منهم‪ ،‬وإن كانوا قد اختلفوا‬
‫فيي الرشيد ميا هيو‪ ،‬وذلك لقوله تعالى {وابتلوا اليتاميى حتيى إذا‬
‫بلغوا النكاح فإن آنسيييتم منهيييم رشدا فادفعوا إليهيييم أموالهيييم}‬
‫واختلفوا فييي الناث‪ ،‬فذهييب الجمهور إلى أن حكمهيين فييي ذلك‬
‫حكم الذكور أعني بلوغ المحيض وإيناس الرشد؛ وقال مالك‪ :‬هي‬
‫فيي وليية أبيهيا فيي المشهور عنيه حتيى تتزوج ويدخيل بهيا زوجهيا‬
‫ويؤنيس رشدهيا‪ ،‬وروى عنيه مثيل قول الجمهور؛ ولصيحاب مالك‬
‫في هذا أقوال غير هذه قيل إنها في ولية أبيها حتى يمر بها سنة‬
‫بعد دخول زوجها بها‪ ،‬وقييل حتى يمر بها عامان‪ ،‬وقييل حتى تمر‬
‫سيبعة أعوام‪ .‬وحجية مالك أن إيناس الرشيد ل يتصيور مين المرأة‬
‫إل بعد اختبار الرجال‪ .‬وأما أقاويل أصحابه فضعيفة مخالفة للنص‬
‫والقياس؛ أميا مخالفتهيا النيص‪ ،‬فإنهيم لم يشترطوا الرشيد؛ وأميا‬
‫مخالفتها للقياس‪ ،‬فلن الرشد ممكن تصوره منها قبل هذه المدة‬
‫المحدودة‪ ،‬وإذا قلنيييييييا على قول مالك ل على قول الجمهور إن‬
‫العتبار فييييي الذكور ذوي الباء البلوغ وإيناس الرشييييد‪ ،‬فاختلف‬
‫قول مالك إذا بلغ ولم يعلم سيفهه مين رشده وكان مجهول الحال‬
‫فقيييل عنييه إنييه محمول على السييفه حتييى يتييبين رشده وهييو‬
‫المشهور؛ وقييل عنيه إنيه محمول على الرشيد حتيى يتيبين سيفهه‪.‬‬
‫فأما ذوو الوصياء فل يخرجون من الولية في المشهور عن مالك‬
‫إل بإطلق وصييه له مين الحجير‪ :‬أي يقول فييه إنيه رشييد إن كان‬
‫مقدما من قبل الب بل خلف أو بإذن القاضي مع الوصي إن كان‬
‫مقدميا مين غيير الب على اختلف فيي ذلك‪ .‬وقيد قييل فيي وصيي‬
‫الب أنه ل يقبل قوله في أنه رشيد إل حتى يعلم رشده وقد قيل‬
‫إن حاله ميع الوصيي كحاله ميع الب يخرجيه مين الحجير إذا آنيس‬
‫منيه الرشيد وإن لم يخرجيه وصييه بالشهاد‪ ،‬وإن المجهول الحال‬
‫فيي هذا حكميه حكيم المجهول الحال ذي الب‪ .‬وأميا ابين القاسيم‬
‫فمذهبيه أن الوليية غيير معتيبر ثبوتهيا إذا علم الرشيد‪ ،‬ول سيقوطها‬
‫إذا علم السيفه‪ ،‬وهيي روايية عين مالك‪ ،‬وذلك مين قوله فيي اليتييم‬
‫ل فيي البكير‪ ،‬والفرق بيين المذهيبين أن مين يعتيبر الوليية يقول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أفعاله كلهيا مردودة وإن ظهير رشده حتيى يخرج مين الوليية‪ ،‬وهيو‬
‫قول ضعيف‪ ،‬فإن المؤثر هو الرشد ل حكم الحاكم‪ .‬وأما اختلفهم‬
‫فييي الرشيد ميا هيو؟ فإن مالكيا يرى أن الرشيد هيو تثميير المال‬
‫وإصيلحه فقيط‪ ،‬والشافعيي يشترط ميع هذا صيلح الديين‪ .‬وسيبب‬
‫اختلفهيم هل ينطلق اسم الرشد على غير صالح الدين؟ ؟ وحال‬
‫البكير ميع الوصيي كحال الذكير ل يخرج مين الوليية إل بالخراج ميا‬
‫لم تعنيس على اختلف فيي ذلك‪ ،‬وقييل حالهيا ميع الوصيي كحالهيا‬
‫مع الب وهو قول ابن الماجشون‪ .‬ولم يختلف قولهم إنه ل يعتبر‬
‫فيهيا الرشيد كاختلفهيم فيي اليتييم‪ .‬وأميا المهميل مين الذكور فإن‬
‫المشهور أن أفعاله جائزة إذا بلغ الحلم كان سيفيها متصيل السيفه‬
‫أو غيير متصيل السيفه‪ ،‬معلنيا بيه أو غيير معلن‪ .‬وأميا ابين القاسيم‬
‫فيعتييبر نفييس فعله إذا وقييع‪ ،‬فإن كان رشدا جاز وإل رده‪ .‬فأمييا‬
‫اليتيمية التيي ل أب لهيا ول وصيي فإن فيهيا فيي المذهيب قوليين‪:‬‬
‫أحدهميا أن أفعالهيا جائزة إذا بلغيت المحييض‪ .‬والثانيي أن أفعالهيا‬
‫مردودة ما لم تعنس وهو المشهور‪.‬‬
‫الباب الثالث في معرفة أحكام أفعالهم في الرد والجازة‪.‬‬
‫والنظير فيي هذا الباب فيي شيئيين‪ :‬أحدهميا ميا يجوز لصينف صينف‬
‫مين المحجوريين مين الفعال‪ ،‬وإذا فعلوا فكييف حكيم أفعالهيم فيي‬
‫الرد والجازة‪ ،‬وكذلك أفعال المهملين وهم الذين بلغوا الحلم من‬
‫غيير أب ول وصيي‪ ،‬وهؤلء كميا قلنيا إميا صيغار وإميا كبار متصيلو‬
‫الحجر من الصغر وإما مبتدأ حجرهم‪ .‬فأما الصغار الذين لم يبلغوا‬
‫الحلم من الرجال ول المحيض من النساء فل خلف في المذهب‬
‫في أنه ل يجوز له في ماله معروف من هبة ول صدقة ول عطية‬
‫ول عتيق وإن أذن له الب فيي ذلك أو الوصيي‪ ،‬فإن أخرج مين يده‬
‫شيئا بغير عوض كان موقوفا على نظر وليه إن كان له ولي‪ ،‬فإن‬
‫رآه رشدا أجازه وإل أبطله‪ ،‬وإن لم يكييييييين له ولي قدم له ولي‬
‫ينظر في ذلك‪ ،‬وإن عمل في ذلك حتى يلي أمره كان النظر إليه‬
‫فيي الجازة أو الرد‪ .‬واختلف إذا كان فعله سيدادا ونظرا فيميا كان‬
‫يلزم الولي أن يفعله هييل له أن ينقضييه إذا آل الميير إلى خلف‬
‫بحوالة السيييواق أو نماء فيميييا باعيييه أو نقصيييان فيميييا ابتاعيييه‪،‬‬
‫فالمشهور أن ذلك له‪ ،‬وقييل إن ذلك لييس له‪ ،‬ويلزم الصيغير ميا‬
‫أفسيد فيي ماله مميا لم يؤتمين علييه‪ .‬واختلف فيميا أفسيد وكسير‬
‫مما اؤتمن عليه‪ ،‬ول يلزمه بعد بلوغه رشده عتق ما حلف بحريته‬
‫في صغره وحنث به في صغره‪ .‬واختلف فيما حنث فيه في كبره‬
‫وحلف بيه فيي صيغره‪ ،‬فالمشهور أنيه ل يلزميه‪ .‬وقال ابين كنانية‪:‬‬
‫يلزمه ول يلزمه فيما ادعى عليه يمين‪ .‬واختلف إذا كان له شاهد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واحيد هيل يحلف معيه؟ فالمشهور أنيه ل يحلف‪ ،‬وروي عين مالك‬
‫واللييث أنيه يحلف‪ .‬وحال البكير ذات الب والوصيي كالذكير ميا لم‬
‫تعنس على مذهب من يعتبر تعنيسها‪ .‬أما السفيه البالغ‪ ،‬فجمهور‬
‫العلماء على أن المحجور إذا طلق زوجتيه أو خالعهيا مضيى طلقيه‬
‫وخلعيه‪ ،‬إل ابين أبيي ليلى وأبيا يوسيف‪ ،‬وخالف ابين أبيي ليلى فيي‬
‫العتق فقال‪ :‬إنه ينفذ‪ ،‬وقال الجمهور‪ :‬إنه ل ينفذ‪ .‬وأما وصيته فل‬
‫أعلم خلفيا فيي نفوذهيا‪ ،‬ول تلزميه هبية ول صيدقة ول عطيية ول‬
‫عتيق ولشييء مين المعروف إل أن يعتيق أم ولده‪ ،‬فيلزميه عتقهيا‪،‬‬
‫وهذا كله فيي المذهيب‪ ،‬وهيل يتبعهيا مالهيا؟ فييه خلف‪ ،‬قييل يتبيع‪،‬‬
‫وقييل ل يتبيع‪ ،‬وقييل بالفرق بيين القلييل والكثيير‪ .‬وأميا ميا يفعله‬
‫بعوض‪ ،‬فهو أيضا موقوف على نظر وليه إن كان له ولي‪ ،‬فإن لم‬
‫يكييين له ولي قدم له ولي‪ ،‬فإن رد بيعيييه الولي وكان قيييد أتلف‬
‫الثمن لم يتبع من ذلك بشيء‪ ،‬وكذلك إن أتلف عين المبيع‪.‬‬
‫وأمييا أحكام أفعال المحجورييين أو المهملييين على مذهييب مالك‬
‫فإنهييا تنقسييم إلى أربعيية أحوال‪ :‬فمنهييم ميين تكون أفعاله كلهييا‬
‫مردودة‪ ،‬وإن كان فيها ما هو رشد‪ .‬ومنهم ضد هذا‪ ،‬وهو أن تكون‬
‫أفعاله كلهييا محمولة على الرشييد وإن ظهيير فيهييا مييا هييو سييفه‪.‬‬
‫ومنهييم ميين تكون أفعاله كلهييا محمولة على السييفه مييا لم يتييبين‬
‫رشده‪ .‬وعكيس هذا أيضيا وهيو أن تكون أفعاله كلهيا محمولة على‬
‫الرشيد حتيى يتيبين سيفهه‪ .‬فأميا الذي يحكيم له بالسيفه وإن ظهير‬
‫رشده فهيو الصيغير الذي لم يبلغ‪ ،‬والبكير ذات الب‪ ،‬والوصيي ميا‬
‫لم تعنييس على مذهييب ميين يعتييبر التعنيييس‪ .‬واختلف فييي حده‬
‫اختلفا كثيرا من دون الثلثين إلى الستين‪ ،‬والذي يحكم له بحكم‬
‫الرشد وإن علم سفهه‪ ،‬فمنها السفيه إذا لم تثبت عليه ولية من‬
‫قبل أبيه‪ ،‬ول من قبل السلطان على مشهور مذهب مالك‪ ،‬خلفا‬
‫لبين القاسيم الذي يعتيبر نفيس الرشيد ل نفيس الوليية‪ ،‬والبكير‬
‫اليتيميية المهملة على مذهييب سييحنون‪ .‬وأمييا الذي يحكييم عليييه‬
‫بالسفه بحكم ما لم يظهر رشده‪ :‬فالبن بعد بلوغه في حياة أبيه‬
‫على المشهور فيي المذهيب‪ ،‬وحال البكير ذات الب التيي ل وصيي‬
‫لها إذا تزوجت ودخل بها زوجها ما لم يظهر رشدها‪ ،‬وما لم تبلغ‬
‫الحيد المعتيبر فيي ذلك مين السينين عنيد مين يعتيبر ذلك‪ ،‬وكذلك‬
‫اليتيمة التي ل وصي لها على مذهب من يرى أن أفعالها مردودة‪.‬‬
‫وأما الحال التي يحكم فيها بحكم الرشد حتى يتبين السفه‪ :‬فمنها‬
‫حال البكير المعنيس عنيد مين يعتيبر التعنييس‪ ،‬أو التيي دخيل بهيا‬
‫زوجهيا ومضيى لدخوله الحيد المعتيبر مين السينين عنيد مين يعتيبر‬
‫الحيد‪ ،‬وكذلك حال البين ذي الب إذا بلغ وجهلت حاله على إحدى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الروايتين‪ ،‬والبنة البكر بعد بلوغها على الرواية التي ل تعتبر فيها‬
‫دخولها مع زوجها‪ .‬فهذه هي جمل ما في الكتاب والفروع كثيرة‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب التفليس‪.‬‬
‫@‪-‬والنظر في هذا الكتاب فيما هو الفلس‪ ،‬وفي أحكام المفلس‪،‬‬
‫فنقول‪ :‬إن الفلس فييي الشرع يطلق على معنيييين‪ :‬أحدهمييا أن‬
‫يسييتغرق الدييين مال المدييين‪ ،‬فل يكون فييي ماله وفاء بديونييه‪.‬‬
‫والثانييي أن ل يكون له مال معلوم أصييل‪ ،‬وفييي كل الفلسييين قييد‬
‫اختلف العلماء فيي أحكامهميا‪ .‬فأميا الحالة الولى وهيي إذا ظهير‬
‫عنيد الحاكيم مين فلسيه ميا ذكرنيا‪ ،‬فاختلف العلماء فيي ذلك هيل‬
‫للحاكم أن يحجر عليه التصرف في ماله حتى يبيعه عليه ويقسمه‬
‫على الغرماء على نسبة ديونهم‪ ،‬أم ليس له ذلك؟ بل يحبس حتى‬
‫يدفيع إليهيم جمييع ماله على أي نسيبة اتفقيت أو لمين اتفيق منهيم‪،‬‬
‫وهذا الخلف بعينيه يتصيور فيمين كان له مال يفيي بدينيه‪ ،‬فأبيى أن‬
‫ينصف غرماءه‪ ،‬هل يبيع عليه الحاكم فيقسمه عليهم‪ ،‬أم يحبسه‬
‫حتيى يعطيهيم بيده ميا علييه؟ فالجمهور يقولون‪ :‬ييبيع الحاكيم ماله‬
‫علييه‪ ،‬فينصيف منيه غرماءه أو غريميه إن كان ملييا‪ ،‬أو يحكيم علييه‬
‫بالفلس إن لم ييف ماله بديونيه ويحجير علييه التصيرف فييه‪ ،‬وبيه‬
‫قال مالك والشافعيي‪ ،‬وبالقول الخير قال أبيو حنيفية وجماعية مين‬
‫أهل العراق‪ .‬وحجة مالك والشافعي حديث معاذ بن جبل "أنه كثر‬
‫دينيه فيي عهيد رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فلم يزد غرماءه‬
‫على أن جعله لهم من ماله‪ ،‬وحديث أبي سعيد الخدري" أن رجل‬
‫أصيييب على عهييد رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم فييي ثميير‬
‫ابتاعهييا فكثيير دينييه فقال رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‪:‬‬
‫تصدقوا عليه‪ ،‬فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء بدينه‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬خذوا ما وجدتم وليس لكم إل‬
‫ذلك" وحدييث عمير فيي القضاء على الرجيل المفلس فيي حبسيه‬
‫وقوله فييه‪ :‬أميا بعيد‪ ،‬فإن السييفع "أسييفع جهينية" رضيي مين دينيه‬
‫وأمانتيه بأن يقال سيبق الحاج‪ ،‬وأنيه ادان معرضيا فأصيبح قدريين‬
‫علييه‪ ،‬فمين كان له علييه ديين فليأتينيا‪ .‬وأيضيا مين طرييق المعنيى‬
‫فإنييه إذا كان المريييض محجورا عليييه لمكان ورثتييه‪ ،‬فأحرى أن‬
‫يكون المدييييين محجورا عليييييه لمكان الغرماء‪ ،‬وهذا القول هييييو‬
‫الظهير‪ ،‬لنيه أعدل والله أعلم‪ .‬وأميا حجيج الفرييق الثانيي الذيين‬
‫قالوا بالحبييس حتييى يعطييي مييا عليييه أو يموت محبوسييا‪ ،‬فيييبيع‬
‫القاضيي حينئذ ماله ويقسيمه على الغرماء‪ ،‬فمنهيا حدييث جابر بين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عبد الله حين استشهد أبوه بأحد وعليه دين‪ ،‬فلما طالبه الغرماء‬
‫قال جابر "فأتييت النيبي صيلى الله علييه وسيلم فكلمتيه‪ ،‬فسيألهم‬
‫أن يقبلوا منييي حائطييي‪ ،‬ويحللوا أبييي‪ ،‬فأبوا‪ ،‬فلم يعطهييم رسييول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حائطي قال‪ :‬ولكن سأغدو عليك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فغدا علينا حين أصبح فطاف بالنخل فدعا في ثمرها بالبركة قال‪:‬‬
‫فجذذتها فقضيت منها حقوقهم‪ ،‬وبقي من ثمرها بقية" وبما روي‬
‫أيضيا أنيه مات أسييد بين الحضيير وعلييه عشرة آلف درهيم‪ ،‬فدعيا‬
‫عمير بين الخطاب غرماءه‪ ،‬فقبلهيم أرضيه أربيع سينين مميا لهيم‬
‫علييه‪ .‬قالوا‪ :‬فهذه الثار كلهيا لييس فيهيا أنيه بييع أصيل فيي ديين‬
‫ي الواجيد‬‫قالوا‪ :‬يدل على حبسيه قوله صيلى الله علييه وسيلم "ل ُّي‬
‫يحيل عرضيه وعقوبتيه" قالوا‪ :‬العقوبية هيي حبسيه‪ .‬وربميا شبهوا‬
‫اسييتحقاق أصييول العقار عليييه باسييتحقاق إجازتييه‪ ،‬وإذا قلنييا إن‬
‫المفلس محجور علييه‪ ،‬فالنظير فيي ماذا يحجير علييه‪ ،‬وبأي ديون‬
‫تكون المحاصة في ماله وفي أي شيء من ماله تكون المحاصة؟‬
‫وكيييف تكون؟‪ .‬فأمييا المفلس فله حالن‪ :‬حال فييي وقييت الفلس‬
‫قبيل الحجير علييه‪ ،‬وحال بعيد الحجير‪ .‬فأميا قبيل الحجير فل يجوز له‬
‫إتلف شييء مين ماله عنيد مالك بغيير عوض إذا كان مميا ل يلزميه‬
‫ومميا ل تجري العادة بفعله‪ ،‬وإنميا اشترط إذا كان مميا ل يلزميه‪،‬‬
‫لن له أن يفعيل ميا يلزم بالشرع وإن لم يكين بعوض كنفقتيه على‬
‫الباء المعسيرين أو البناء‪ ،‬وإنميا قييل مميا لم تجير العادة بفعله‪،‬‬
‫لن له إتلف اليسيير مين ماله بغيير عوض كالضحيية والنفقية فيي‬
‫العييد والصيدقة اليسييرة‪ ،‬وكذلك تراعيي العادة فيي إنفاقيه فيي‬
‫عوض كالتزوج والنفقية على الزوجية‪ ،‬ويجوز بيعيه وابتياعيه ميا لم‬
‫تكين فييه محاباة‪ ،‬وكذلك يجوز إقراره بالديين لمين ل يتهيم علييه‪.‬‬
‫واختلف قول مالك في قضاء بعض غرمائه دون بعض وفي رهنه‪.‬‬
‫وأما جمهور من قال بالحجر على المفلس فقالوا‪ :‬هو قبل الحكم‬
‫كسييائر الناس‪ ،‬وإنمييا ذهييب الجمهور لهذا لن الصييل هييو جواز‬
‫الفعال حتيى يقيع الحجير‪ ،‬ومالك كأنيه اعتيبر المعنيى نفسيه‪ ،‬وهيو‬
‫إحاطية الديين بماله لكين لم يعتيبره فيي كيل حال‪ ،‬لنيه يجوز بيعيه‬
‫وشراؤه إذا لم يكين فييه محاباة‪ ،‬ول يجوزه للمحجور علييه‪ .‬وأميا‬
‫حاله بعييد التفليييس فل يجوز له فيهييا عنييد مالك بيييع ول شراء ول‬
‫أخييذ ول عطاء‪ ،‬ل يجوز إقراره بدييين فييي ذمتييه لقريييب ول بعيييد‪،‬‬
‫قيل إل أن يكون لواحد منهم بينة‪ ،‬وقيل يجوز لمن يعلم منه إليه‬
‫تقاض‪ .‬واختلف فييي إقراره بمال معييين مثييل القراض والوديعيية‬
‫على ثلثيية أقوال فييي المذهييب‪ :‬بالجواز‪ ،‬والمنييع‪ ،‬والثالث بالفرق‬
‫بييين أن يكون على أصييل القراض أو الوديعيية ببينيية أو ل تكون‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقييل إن كانيت صيدق وإن لم تكين لم يصيدق‪ .‬واختلفوا مين هذا‬


‫الباب فيييي ديون المفلس المؤجلة هيييل تحيييل بالتفلييييس أم ل؟‬
‫فذهيب مالك إلى أن التفلييس فيي ذلك كالموت‪ ،‬وذهيب غيره إلى‬
‫خلف ذلك‪ ،‬وجمهور العلماء على أن الديون تحيييييل بالموت‪ .‬قال‬
‫ابن شهاب‪ :‬مضت السنة بأن دينه قد حل حين مات‪ .‬وحجتهم أن‬
‫الله تبارك وتعالى لم يبييح التوارث إل بعييد قضاء الدييين‪ ،‬فالورثيية‬
‫في ذلك بين أحد أمرين‪ :‬إما أن ل يريدوا أن يؤخروا حقوقهم في‬
‫الموارييث إلى محيل أجيل الديين فيلزم أن يجعيل الديين حال‪ ،‬وإميا‬
‫أن يرضوا بتأخيير ميراثهيم حتيى تحيل الديون فتكون الديون حينئذ‬
‫فيي التركية خاصية ل فيي ذممهيم‪ ،‬بخلف ميا كان علييه الديين قبيل‬
‫الموت‪ ،‬لنييه كان فييي ذميية الميييت‪ ،‬وذلك يحسيين فييي حييق ذي‬
‫الدييين‪ .‬ولذلك رأى بعضهييم أنييه إن رضييي الغرماء بتحمله فييي‬
‫ذممهييم أبقيييت الديون إلى أجلهييا‪ ،‬ومميين قال بهذا القول ابيين‬
‫سيرين واختاره أبو عبيد من فقهاء المصار‪ ،‬لكن ل يشبه الفلس‬
‫فييي هذا المعنييى الموت كييل الشبييه‪ ،‬وإن كانييت كل الذمتييين قييد‬
‫خربت فإن ذمة المفلس يرجى المال لها بخلف ذمة الميت‪ .‬وأما‬
‫النظير فيميا يرجيع بيه أصيحاب الديون مين مال المفلس فإن ذلك‬
‫يرجع إلى الجنس والقدر‪ .‬أما ما كان قد ذهب عين العوض الذي‬
‫اسييتوجب ميين قبله الغريييم على المفلس فإن دينييه فييي ذميية‬
‫المفلس‪ .‬وأميا إذا كان عيين العوض باقييا بعينيه لم يفيت إل أنيه لم‬
‫يقبض ثمنه‪،‬‬
‫فاختلف فيييي ذلك فقهاء المصيييار على أربعييية أقوال‪ :‬الول أن‬
‫صيياحب السييلعة أحييق بهييا على كييل حال إل أن يتركهييا ويختار‬
‫المحاصة؛ وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور‪ .‬والقول الثاني ينظر‬
‫إلى قيمة السلعة يوم الحكم بالتفليس فإن كانت أقل من الثمن‬
‫خيير صياحب السيلعة بيين أن يأخذهيا أو يحاص الغرماء‪ ،‬وإن كانيت‬
‫مسيياوية للثميين أخذهييا بعينهييا‪ ،‬وبييه قال مالك وأصييحابه‪ .‬والقول‬
‫الثالث تقوم السييلعة بييين التفليييس‪ ،‬فإن كانييت قيمتهييا مسيياوية‬
‫للثمن أو أقل منه قضى له بها‪ :‬أعني للبائع‪ ،‬وإن كانت أكثر دفع‬
‫إلييه مقدار ثمنيه ويتحاصيون فيي الباقيي‪ ،‬وبهذا القول قال جماعية‬
‫مين أهيل الثير‪ .‬والقول الرابيع أنيه أسيوة الغرماء فيهيا على كيل‬
‫حال‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة وأهل الكوفة والصل في هذه المسألة‬
‫ميا ثبيت مين حدييث أبيي هريرة أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم قال "أيميا رجيل أفلس فأدرك الرجيل ماله بعينيه فهيو أحيق‬
‫بيييه مييين غيره" وهذا الحدييييث خرجيييه مالك والبخاري ومسيييلم‪،‬‬
‫وألفاظهم متقاربة‪ ،‬وهذا اللفظ لمالك؛ فمن هؤلء من حمله على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عمومه وهو الفريق الول؛ ومنهم من خصصه بالقياس وقالوا‪ :‬إن‬


‫معقوله إنما هو الرفق بصاحب السلعة لكون سلعته باقية‪ ،‬وأكثر‬
‫ما في ذلك أن يأخذ الثمن الذي باعها به‪ ،‬فإما أن يعطي في هذه‬
‫الحال الذي اشترك في ها مع الغرماء أكثر من ثمن ها فذلك مخالف‬
‫لصيول الشرع‪ ،‬وبخاصية إذا كان للغرماء أخذهيا بالثمين كميا قال‬
‫مالك‪ .‬وأمييا أهييل الكوفيية فردوا هذا الحديييث بجملتييه لمخالفتييه‬
‫للصيول المتواترة على طريقتهيم فيي رد الخيبر الواحيد إذا خالف‬
‫الصييول المتواترة لكون خييبر الواحييد مظنونييا‪ ،‬والصييول يقينييية‬
‫مقطوع بهيا‪ ،‬كميا قال عمير فيي حدييث فاطمية بنيت قييس‪ :‬ميا كنيا‬
‫لندع كتاب الله وسيينة نبينييا لحديييث امرأة‪ .‬ورواه عيين علي أنييه‬
‫قضييى بالسييلعة للمفلس‪ ،‬وهييو رأى ابيين سيييرين وإبراهيييم ميين‬
‫التابعين‪.‬‬
‫وربميييا احتجوا بأن حدييييث أبيييي هريرة مختلف فييييه‪ ،‬وذلك أن‬
‫الزهري روى عين أبيي بكير بين عبيد الرحمين عين أبيي هريرة أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال "أيميا رجيل مات أو فلس‬
‫فوجيد بعيض غرمائه ماله بعينيه فهيو أسيوة الغرماء" وهذا الحدييث‬
‫أولى لنيه موافيق للصيول الثابتية‪ .‬قالوا‪ :‬وللجميع بيين الحديثيين‬
‫وجييه‪ ،‬وهييو حمييل ذلك الحديييث على الوديعيية والعارييية‪ ،‬إل أن‬
‫الجمهور دفعوا هذا التأوييل بميا ورد فيي لفيظ حدييث أبيي هريرة‬
‫في بعض الروايات من ذكر البيع‪ ،‬وهذا كله عند الجميع بعد قبض‬
‫المشتري السلعة‪ ،‬فأما قبل القبض فالعلماء متفقون أهل الحجاز‬
‫وأهييل العراق أن صيياحب السييلعة أحييق بهييا لنهييا فييي ضمانييه‪،‬‬
‫واختلف القائلون بهذا الحدييث إذا قبيض البائع بعيض الثمين‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬إن شاء أن يرد مييا قبييض ويأخييذ السييلعة كلهييا‪ ،‬وإن شاء‬
‫حاص الغرماء فيميا بقيي مين سيلعته؛ وقال الشافعيي‪ :‬بيل يأخيذ ميا‬
‫بقي من سلعته بما بقي من الثمن؛ وقالت جماعة من أهل العلم‬
‫داود وإسحق وأحمد‪ :‬إن قبض من الثمن شيئا فهو أسوة الغرماء‪.‬‬
‫وحجتهييم مييا روى مالك عيين ابيين شهاب عيين أبييي بكيير بيين عبييد‬
‫الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أيما رجل باع‬
‫متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه شيئا فوجده بعينه‬
‫فهيييو أحييق بييه‪ ،‬وإن مات الذي ابتاعييه فصيياحب المتاع أسييوة‬
‫الغرماء" وهيو حدييث وإن أرسيله مالك فقيد أسينده عبيد الرزاق‪،‬‬
‫وقد روي من طريق الزهري عن أبي هريرة فيه زيادة بيان‪ ،‬وهو‬
‫قوله فيه "فإن كان قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء" ذكره‬
‫أبيو عبييد فيي كتابيه فيي الفقيه وخرجيه‪ .‬وحجية الشافعيي أن كيل‬
‫سييلعة أو بعضهييا فييي الحكييم الواحييد‪ ،‬ولم يختلفوا أنييه إذا فوت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المشتري بعضهيا أن البائع أحيق بالمقدار الذي أدرك مين سيلعته‪،‬‬


‫إل عطاء فإنييه قال‪ :‬إذا فوت المشتري بعضهييا كان البائع أسييوة‬
‫الغرماء‪ .‬واختلف الشافعييي ومالك فييي الموت هييل حكمييه حكييم‬
‫الفلس أم ل؟‬
‫فقال مالك‪ :‬هيو فيي الموت أسيوة الغرماء‪ ،‬بخلف الفلس؛ وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬المير فيي ذلك واحيد‪ .‬وعمدة مالك ميا رواه عين ابين‬
‫شهاب عين أبيي بكير وهيو نيص فيي ذلك وأيضيا مين جهية النظير إن‬
‫فرقيا بيين الذمية فيي الفلس والموت‪ ،‬وذلك أن الفلس ممكين أن‬
‫تثرى حاله فيتبعيه غرماؤه بميا بقيي علييه وذلك غيير متصيور فيي‬
‫الموت‪ .‬وأميا الشافعيي فعمدتيه ميا رواه ابين أبيي ذئب بسينده عين‬
‫أبييي هريرة قال‪ :‬قال رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم "أيمييا‬
‫رجييل مات أو فلس فصيياحب المتاع أحييق بييه" فسييوى فييي هذه‬
‫الرواية بين الموت والفلس‪ .‬قال‪ :‬وحديث ابن أبي ذئب أولى من‬
‫حديييث ابيين شهاب‪ ،‬لن حديييث ابيين شهاب مرسييل وهذا مسييند‪،‬‬
‫ومن طريق المعنى فهو مال ل تصرف فيه لمالكه إل بعد أداء ما‬
‫عليييييه‪ ،‬فأشبييييه مال المفلس؛ وقياس مالك أقوى ميييين قياس‬
‫الشافعيي‪ ،‬وترجييح حديثيه على حدييث ابين أبيي ذئب مين جهية أن‬
‫موافقييية القياس له أقوى‪ ،‬وذلك أن ميييا وافيييق مييين الحادييييث‬
‫المتعارضيية قياس المعنييى فهييو أقوى ممييا وافقييه قياس الشبييه‪:‬‬
‫أعنييي أن القياس الموافييق لحديييث الشافعييي هييو قياس شبييه‪،‬‬
‫والموافيق لحدييث مالك قياس معنيى‪ ،‬ومرسيل مالك خرجيه عبيد‬
‫الرزاق‪ .‬فسبب الخلف تعارض الثار في هذا المعنى والمقاييس‪،‬‬
‫وأيضا فإن الصل يشهد لقول مالك في الموت‪ ،‬أعني أن من باع‬
‫شيئا فلييس يرجيع إلييه فمالك رح مه الله أقوى فيي هذه الم سألة‪،‬‬
‫والشافعي إنما ضعف عنده فيها قول مالك لما روي من المسند‬
‫المرسيل عنده ل يجيب العميل بيه‪ .‬واختلف مالك والشافعيي فيمين‬
‫وجيد سيلعته بعينهيا عنيد المفلس وقيد أحدث زيادة مثيل أن تكون‬
‫أرضيا يغرسيها أو عرصية يبنيهيا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬العميل الزائد فيهيا هيو‬
‫فوت ويرجيع صياحب شرييك الغرماء‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬بيل يخييير‬
‫البائع بين أن يعطي قيمة ما أحدث المشتري في سلعته ويأخذها‪،‬‬
‫أو أن يأخيذ أصيل السيلعة ويحاص الغرماء فيي الزيادة‪ ،‬وميا يكون‬
‫فوتييا ممييا ل يكون فوتييا فييي مذهييب مالك منصييوص فييي كتبييه‬
‫المشهورة‪.‬‬
‫وتحصيييل مذهييب مالك فيمييا يكون الغريييم بييه أحييق ميين سييائر‬
‫الغرماء فيييييي الموت والفلس‪ ،‬أو فيييييي الفلس دون الموت أن‬
‫الشياء المبيعية بالديين تنقسيم فيي التفلييس ثلثية أقسيام‪ :‬عرض‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يتعيين‪ ،‬وعيين اختلف فييه هيل يتعيين فييه أم ل؟ وعميل ل يتعيين‪.‬‬


‫فأميييا العرض فإن كان فيييي ييييد بائعيييه لم يسيييلمه حتيييى أفلس‬
‫المشتري‪ ،‬فهييو أحييق بييه فييي الموت والفلس‪ ،‬وهذا مييا ل خلف‬
‫فيييه‪ ،‬وإن كان قييد دفعييه إلى المشتري ثييم أفلس وهييو قائم بيده‬
‫فهيو أحيق بيه مين الغرماء فيي الفلس دون الموت‪ ،‬ولهيم عنده أن‬
‫يأخذوا سلعته بالثمين وقال الشافعيي‪ :‬ليس لهم‪ ،‬وقال أشهب‪ :‬ل‬
‫يأخذونها إل بالزيادة يحطونها عن المفلس؛ وقال ابن الماجشون‪:‬‬
‫إن شاءوا كان الثمين مين أموالهيم أو مين مال الغرييم؛ وقال ابين‬
‫كنانية‪ :‬بيل يكون مين أموالهيم وأميا العيين فهوأحيق بهيا فيي الموت‬
‫أيضييا‪ ،‬والفلس مييا كان بيده‪ .‬واختلف إذا دفعييه إلى بائعييه فيييه‬
‫ففلس أو مات وهييو قائم بيده يعرف بعينييه‪ ،‬فقيييل إنييه أحييق بييه‬
‫كالعروض فيي الفلس دون الموت وهيو قول ابين القاسيم‪ ،‬وقييل‬
‫إنييه ل سييبيل له عليييه‪ ،‬وهييو أسييوة الغرماء‪ ،‬وهييو قول أشهييب‪،‬‬
‫والقولن جاريان على الختلف فييي تعيييين العييين؛ وأمييا إن لم‬
‫يعرف بعينيه فهيو أسيوة الغرماء فيي الموت والفلس‪ .‬وأميا تعميل‬
‫الذي ل يتعين فإن أفلس المستأجر قبل أن يستوفي عمل الجير‬
‫كان الجيير أحيق بميا عمله فيي الموت والفلس جميعيا‪ ،‬كالسيلعة‬
‫إذا كانييت بيييد البائع فييي وقييت الفلس‪ ،‬وإن كان فلسييه بعييد أن‬
‫استوفى عمل الجير‪ ،‬فالجير أسوة الغرماء بأجرته التي شارطه‬
‫عليهيا فيي الفلس والموت جميعيا على أظهير القوال‪ ،‬إل أن تكون‬
‫بيده السييلعة التييي اسييتؤجر على عملهييا‪ ،‬فيكون أحييق بذلك فييي‬
‫الموت والفلس جميعيا‪ ،‬لنيه كالرهين بيده‪ ،‬فإن أسيلمه كان أسيوة‬
‫الغرماء بعمله‪ ،‬إل أن يكون له فييه شييء أخرجيه فيكون أحيق بيه‬
‫فيييي الفلس دون الموت‪ ،‬وكذلك المييير عنده فيييي فلس مكتري‬
‫الدواب إن استكرى أحق بما عليه من المتاع في الموت والفلس‬
‫جميعا‪ ،‬وكذلك مكتري السفينة‪،‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابييع‪- :)1 ...‬والنظيير فييي هذا الكتاب فيمييا هييو الفلس‪ ،‬وفييي‬
‫أحكام المفلس‪ ،‬فنقول‪ :‬إن‪... ...‬‬
‫وهذا كله شبهييه مالك بالرهيين وبالجملة فل خلف فييي مذهبييه أن‬
‫البائع أحييق بمييا فييي يديييه فييي الموت والفلس‪ ،‬وأحييق بسييلعته‬
‫القائميية الخارجيية عيين يده فييي الفلس دون الموت‪ ،‬وأنييه أسييوة‬
‫الغرماء فييي سييلعته إذا فاتييت‪ ،‬وعندمييا يشبييه حال الجييير عنييد‬
‫أصييييحاب مالك‪ .‬وبالجملة البائع منفعيييية بالبائع الرقبيييية‪ ،‬فمرة‬
‫يشبهون المنفعية التيي عميل بالسيلعة التيي لم يقبضهيا المشتري‬
‫فيقولون‪ :‬هيو أحيق بهيا فيي الموت والفلس‪ ،‬ومرة يشبهونيه بالتيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خرجت من يده ولم يمت فيقولون‪ :‬هو أحق بها في الفلس دون‬
‫الموت‪ ،‬ومرة يشبهون ذلك بالموت الذي فاتيت فييه فيقولون‪ :‬هيو‬
‫أسييوة الغرماء ومثال ذلك اختلفهييم فيميين اسييتؤجر على سييقي‬
‫حائط فسيقاه حتيى أثمير الحائط ثيم أفلس المسيتأجر فإنهيم قالوا‬
‫فيه الثلثة القوال‪ .‬وتشبيه بيع المنافع في هذا الباب ببيع الرقاب‬
‫هو شيء ‪ -‬فيما أحسب ‪ -‬انفرد به مالك دون فقهاء المصار‪ ،‬وهو‬
‫ضعييف لن قياس الشبيه المأخوذ مين الموضيع المفارق للصيول‬
‫يضعييف‪ ،‬ولذلك ضعييف عنييد قوم القياس على موضييع الرخييص‪،‬‬
‫ولكين انقدح هنالك قياس علة‪ ،‬فهيو أقوى؛ ولعيل المالكيية تدعيى‬
‫وجود هذا المعنييى فييي القياس‪ ،‬ولكيين هذا كله ليييس يليييق بهذا‬
‫المختصر‪ .‬ومن هذا الباب اختلفهم في العبد المفلس المأذون له‬
‫فيي التجارة هيل يتبيع بالديين فيي رقبتيه أم ل؟ فذهيب مالك وأهيل‬
‫الحجاز إلى أنه إنما يتبع بما في يده ل في رقبته‪ ،‬ثم إن أعتق بما‬
‫بقيي علييه ورأى قوم أنيه يباع‪ ،‬ورأى قوم أن الغرماء يخيرون بيين‬
‫بيعيه وبيين أن يسيعى فيميا بقيي علييه مين الديين‪ ،‬وبيه قال شرييح‪،‬‬
‫وقالت طائفية‪ :‬بيل يلزم سييده ميا علييه وإن لم يشترطيه‪ ،‬فالذيين‬
‫لم يروا بيع رقبته قالوا‪ :‬إنما عامل الناس على ما في يده فأشبه‬
‫الحيير‪ ،‬والذييين رأوا بيعييه شبهوا ذلك بالجنايات التييي يجنييي‪ ،‬وأمييا‬
‫الذيين رأوا الرجوع على السييد بميا علييه مين الديين فإنهيم شبهوا‬
‫ماله بمال السيد إذ كان له انتزاعه‪.‬‬
‫فسيبب الخلف هيو تعارض أقيسية الشبيه فيي هذه المسيألة‪ ،‬ومين‬
‫هذا المعنى إذا أفلس العبد والمولى معا بأي يبدأ‪ ،‬هل بدين العبد‪،‬‬
‫أم بديين المولى؟ فالجمهور يقولون‪ :‬بديين العبيد‪ ،‬لن الذيين داينوا‬
‫العبيد إنميا فعلوا ذلك ثقية بميا رأوا عنيد العبيد مين المال‪ ،‬والذيين‬
‫داينوا المولى لم يعتدوا بمال العبيد‪ ،‬ومين رأى البدء بالمولى قال‪:‬‬
‫لن مال العبيد هيو فيي الحقيقية للمولى‪ .‬فسيبب الخلف تردد مال‬
‫العبيد بيين أن يكون حكميه حكيم مال الجنيبي أو حكيم مال السييد‪.‬‬
‫وأميا قدر ما يترك للمفلس من ماله فقيل في المذهيب‪ :‬يترك له‬
‫ميا يعييش بيه هيو وأهله وولده الصيغار اليام؛ وقال فيي الواضحية‬
‫والعتبيية‪ :‬الشهير ونحوه‪ ،‬ويترك له كسيوة مثله؛ وتوقيف مالك فيي‬
‫كسيوة زوجتيه لكونهيا هيل تجيب لهيا بعوض مقبوض‪ ،‬وهيو النتفاع‬
‫بهيا أو بغيير عوض؛ وقال سيحنون ل يترك له كسيوة زوجتيه؛ وروى‬
‫ابن نافع عن مالك أنه ل يترك له إل ما يواريه‪ ،‬وبه قال ابن كنانة‪.‬‬
‫واختلفوا فيي بييع كتيب العلم علييه على قوليين‪ :‬وهذا مبنيي على‬
‫كراهية بيع الكتب الفقه أو ل كراهية ذلك‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا معرفية الديون التيي يحاص بهيا مين الديون التيي ل يحاص بهيا‬
‫على مذهييب مالك فإنهييا تنقسييم أول إلى قسييمين‪ :‬أحدهمييا أن‬
‫تكون واجبية عين عوض‪ .‬والثانيي أن تكون واجبية مين غيير عوض‪.‬‬
‫فأميا الواجبية عين عوض‪ ،‬فإنهيا تنقسيم إلى عوض مقبوض وإلى‬
‫عوض غييير مقبوض‪ ،‬فأمييا مييا كانييت عيين عوض مقبوض‪ ،‬وسييواء‬
‫كانييت مال أو أرش جناييية‪ ،‬فل خلف فييي المذهييب أن محاصيية‬
‫الغرماء بها واجبة‪ .‬وأما ما كان عن عوض غير مقبوض‪ ،‬فإن ذلك‬
‫ينقسييم خمسيية أقسييام‪ :‬أحدهييا أن ل يمكنييه دفييع العوض بحال‬
‫كنفقيية الزوجات لمييا يأتييي ميين المدة‪ ،‬والثانييي أن ل يمكنييه دفييع‬
‫العوض‪ ،‬ولكن يمكنه دفع ما يستوفي فيه‪ ،‬مثل أن يكتري الرجل‬
‫الدار بالنقيد‪ ،‬أو يكون العرف فييه النقيد‪ ،‬ففلس المكتري قبيل أن‬
‫يسييكن أو بعييد مييا سييكن بعييض السييكنى وقبييل أن يدفييع الكراء‪.‬‬
‫والثالث أن يكون دفيع العوض يمكنيه وطرحيه كرأس مال السيلم‬
‫إذا أفلس المسيلم إلييه قبيل دفيع رأس المال‪ .‬والرابيع أن يمكنيه‬
‫دفيع العوض ول يلزميه مثيل السيلعة إذا باعهيا ففلس المبتاع قبيل‬
‫أن يدفعهييا إليييه البائع‪ .‬والخامييس أن ل يكون إليييه تعجيييل دفييع‬
‫العوض‪ ،‬مثيل أن يسيلم الرجيل إلى الرجيل دنانيير فيي عروض إلى‬
‫أجييل فيفلس المسييلم قبييل أن يدفييع رأس المال وقبييل أن يحييل‬
‫أجل السلم‪ .‬فأما الذي ل يمكنه دفع العوض بحال فل محاصة في‬
‫ذلك إل فيييي مهور الزوجات إذا فلس الزوج قبيييل الدخول‪ .‬وأمييا‬
‫الذي ل يمكنيه دفيع العوض ويمكنيه دفيع ميا يسيتوفي منيه‪ ،‬مثيل‬
‫المكتري يفلس قبيل دفيع الكراء‪ ،‬فقييل للمكري المحاصية بجمييع‬
‫الثمن وإسلم الدار للغرماء‪ ،‬وقيل ليس له إل المحاصة بما سكن‬
‫ويأخيذ داره‪ ،‬وإن كان لم يسيكن فلييس له إل أخيذ داره‪ .‬وأميا ميا‬
‫يمكنه دفع العوض ويلزمه وهو إذا كان العوض عينا‪ ،‬فقيل يحاص‬
‫بيه الغرماء فيي الواجيب له بالعوض ويدفعيه‪ ،‬فقييل هيو أحيق بيه‬
‫وعلى هذا ل يلزميه دفيع العوض‪ .‬وأميا ميا يمكنيه دفيع العوض ول‬
‫يلزمييه فهييو بالخيار بييين المحاصيية والمسيياك‪ ،‬وذلك هييو إذا كان‬
‫العوض عينيا‪ .‬وأميا إذا لم يكين إلييه تعجييل العوض مثيل أن يفلس‬
‫المسيلم قبيل أن يدفيع رأس المال‪ ،‬وقبيل أن يحيل أجيل السيلم‪،‬‬
‫فإن رضييي المسييلم إليييه أن يعجييل العروض ويحاصييص الغرماء‬
‫برأس مال السييلم فذلك جائز إن رضييي بذلك الغرماء‪ ،‬فإن أبييى‬
‫ذلك أحد الغرماء حاص الغرماء برأس المال الواجب له فيما وجد‬
‫للغرييم مين مال وفيى العروض التيي علييه إذا حلت لنهيا مين مال‬
‫المفلس‪ ،‬وإن شاءوا أن يبيعوهييا بالنقييد ويتحاصييوا فيهييا كان ذلك‬
‫لهم‪ .‬وأما ما كان من الحقوق الواجبة عن غير عوض فإن ما كان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫منهييا غييير واجييب بالشرع بييل باللتزام كالهبات والصييدقات فل‬


‫محاصة فيها‪ .‬وأما ما كان منها واجبا بالشرع كنفقة الباء والبناء‪،‬‬
‫ففيهييا قولن‪ :‬أحدهمييا أن المحاصيية ل تجييب بهييا‪ ،‬وهييو قول ابيين‬
‫القاسم‪ .‬والثاني أنها تجب بها إذا لزمت بحكم من السلطان‪ ،‬وهو‬
‫قول أشهب‪ .‬وأما النظر الخامس وهو معرفة و جه التحاص‪ ،‬فإن‬
‫الحكيم فيي ذلك أن يصيرف مال الغرييم مين جنيس ديون الغرماء‪،‬‬
‫وسيواء كان مال الغرماء مين جنيس واحيد أو مين أجناس مختلفية‪،‬‬
‫إذ كان ل يقتضيي فيي الديون إل ميا هيو مين جنيس الديين إل أن‬
‫يتفقوا من ذلك على شيء يجوز‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في فرع‬
‫طارئ‪ ،‬وهيو إذا هلك مال المحجور علييه بعيد الحجير وقبيل قبيض‬
‫الغرماء‪ :‬ممن مصيبته؟ فقال أشهب‪ :‬مصيبته من المفلس‪ ،‬وقال‬
‫ابيين الماجشون‪ :‬مصييبته مين الغرماء إذا وقفيه السييلطان‪ .‬وقال‬
‫ابن القاسم‪ :‬ما يحتاج إلى بيعه فضمانه من الغريم لنه إنما يباع‬
‫على ملكيه‪ ،‬وميا ل يحتاج إلى بيعيه فضمانيه مين الغرماء مثيل أن‬
‫يكون المال عينيا والديين عينيا‪ ،‬كلهيم روى قوله عين مالك‪ .‬وفرق‬
‫أصبغ بين الموت والفلس فقال‪ :‬المصيبة في الموت من الغرماء‪،‬‬
‫وفييي الفلس ميين المفلس‪ .‬فهذا هييو القول فييي أصييول أحكام‬
‫المفلس الذي له من المال ما ل يفي بديونه‪ .‬وأما المفلس الذي‬
‫ل مال له أصيييل‪ ،‬فإن فقهاء المصيييار مجمعون على أن العدم له‬
‫تأثير في إسقاط الدين إلى وقت ميسرته‪ ،‬إل ما حكي عن عمر‬
‫بيين عبييد العزيييز أن لهييم أن يؤاجروه‪ ،‬وقال بييه أحمييد ميين فقهاء‬
‫المصيار‪ ،‬وكلهيم مجمعون على أن المديين إذا ادعيى الفلس ولم‬
‫يعلم صيدقه أنيه يحبيس حتيى يتيبين صيدقه أو يقير له بذلك صياحب‬
‫الدييين‪ ،‬فإذا كان ذلك خلي سييبيله‪ .‬وحكييي عيين أبييي حنيفيية أن‬
‫لغرمائه أن يدوروا معييه حيييث دار‪ ،‬وإنمييا صييار الكييل إلى القول‬
‫بالحبييس فييي الديون‪ ،‬وإن كان لم يأت فييي ذلك أثيير صييحيح‪ ،‬لن‬
‫ذلك أمر ضروري في اسيتيفاء الناس حقوقهم بعضهم من بعض‪،‬‬
‫وهذا دليل على القول بالقياس الذي يقتضي المصلحة‪ ،‬وهو الذي‬
‫يسييمى بالقياس المرسييل‪ .‬وقييد روي أن النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسييلم حبييس رجل فييي تهميية‪ ،‬خرجييه فيمييا أحسييب أبييو داود‬
‫والمحجورون عنيد مالك‪ :‬السيفهاء والمفلسيون والعبييد والمرضيى‬
‫والزوجيية فيمييا فوق الثلث لنييه يرى أن للزوج حقييا فييي المال‪،‬‬
‫وخالفيه فيي ذلك الكثير‪ .‬وهذا القدر كاف بحسيب غرضنيا فيي هذا‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*2‬كتاب الصلح‪.‬‬
‫@‪-‬والصيل فيي هذا الكتاب قوله تعالى {والصيلح خيير} وميا روي‬
‫عيين النييبي عليييه الصييلة والسييلم مرفوعييا وموقوفييا على عميير‬
‫"إمضاء الصيلح جائز بيين المسيلمين إل صيلحا أحيل حراميا أو حرم‬
‫حلل" واتفييق المسييلمون على جوازه على القرار‪ ،‬واختلفوا فييي‬
‫جوازه على النكار‪ ،‬فقال مالك وأبيييو حنيفييية‪ :‬يجوز على النكار؛‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬ل يجوز على النكار لنيه مين أكيل المال بالباطيل‬
‫من غير عوض؛ والمالكية تقول فيه عوض‪ ،‬وهو سقوط الخصومة‬
‫واندفاع اليميين عنيه‪ ،‬ول خلف فيي مذهيب مالك أن الصيلح الذي‬
‫يقيع على القرار يراعيي فيي صيحته ميا يراعيي فيي البيوع‪ ،‬فيفسيد‬
‫بمييا تفسييد بييه البيوع ميين أنواع الفسيياد الخاص بالبيوع ويصييح‬
‫بصحته‪ ،‬وهذا هو مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فيصالحه‬
‫عليها بعد القرار بدنانير نسيئة‪ ،‬وما أشبه هذا من البيوع الفاسدة‬
‫من قبل الربا والغرر‪ .‬وأما الصلح على النكار فالمشهور فيه عن‬
‫مالك وأصيحابه أنيه يراعيي فييه مين الصيحة ميا يراعيي فيي البيوع‪،‬‬
‫مثيل أن يدعيي إنسيان على آخير دراهيم فينكير ثيم يصيالحه عليهيا‬
‫بدنانيير مؤجلة‪ ،‬فهذا ل يجوز عنيد مالك وأصيحابه؛ وقال أصيبغ‪ :‬هيو‬
‫جائز‪ ،‬لن المكروه فيه من الطرف الواحد‪ ،‬وهو من جهة الطالب‬
‫لنه يعترف أنه أخذ دنانير نسيئة في دراهم حلت له‪ .‬وأما الدافع‬
‫فيقول‪ :‬هي هبة مني‪ .‬وأما إن ارتفع المكروه من الطرفين‪ ،‬مثل‬
‫أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه دنانير أو دراهم فينكر كل‬
‫واحد منهما صاحبه‪ ،‬ثم يصطلحان على أن يؤخر كل واحد منهما‬
‫صياحبه فيميا يدعييه قبله إلى أجيل‪ ،‬فهذا عندهيم هيو مكروه‪ ،‬أميا‬
‫كراهيتييه فمخافيية أن يكون كييل واحييد منهمييا صييادقا‪ ،‬فيكون كييل‬
‫واحيد منهميا قيد أنظير صياحبه لنظار الخير إياه فيدخله أسيلفني‬
‫وأسيلفك‪ .‬وأميا وجيه جوازه فلن كيل واحيد منهميا إنميا يقول ميا‬
‫فعلت إنميا هيو تيبرع منيي‪ ،‬وميا كان يجيب علي شييء‪ ،‬وهذا النحيو‬
‫مين البيوع قييل إنيه يجوز إذا وقيع‪ ،‬وقال ابين الماجشون يفسيخ إذا‬
‫وقيع علييه أثير عقده‪ ،‬فإن طال مضيى‪ ،‬فالصيلح الذي يقيع فييه مميا‬
‫ل يجوز فيي البيوع هيو فيي مذهيب مالك على ثلثية أقسيام‪ :‬صيلح‬
‫يفسيخ باتفاق‪ ،‬وصيلح يفسيخ باختلف‪ ،‬وصيلح ل يفسيخ باتفاق إن‬
‫طال وإن لم يطل فيه اختلف‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الكفالة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬واختلف العلماء فييي نوعهييا وفييي وقتهييا‪ ،‬وفييي الحكييم اللزم‬


‫عنها‪ ،‬وفي شروطها‪ ،‬وفي صفة لزومها‪ ،‬وفي محلها‪ .‬ولها أسماء‪:‬‬
‫كفالة‪ ،‬وحمالة‪ ،‬وضمانيية‪ ،‬وزعاميية‪ .‬فأمييا أنواعهييا فنوعان‪ :‬حمالة‬
‫بالنفس‪ ،‬وحمالة بالمال‪ .‬أما الحمالة بالمال فثابتة بالسنة ومجمع‬
‫عليهيا مين الصيدر الول ومين فقهاء المصيار‪ .‬وحكيي عين قوم أنهيا‬
‫ليسيت لزمية تشبيهيا بالعدة وهيو شاذ‪ .‬والسينة التيي صيار إليهيا‬
‫الجمهور فيي ذلك هيو قوله علييه الصيلة والسيلم "الزعييم غارم"‪.‬‬
‫وأمييا الحمالة بالنفيس وهييي التيي تعرف بضمان الوجيه‪ ،‬فجمهور‬
‫فقهاء المصيار على جواز وقوعهيا شرعيا إذا كانيت بسيبب المال‪.‬‬
‫وحكييي عيين الشافعييي فييي الجديييد أنهييا ل تجوز‪ ،‬وبييه قال داود‪،‬‬
‫وحجتهمييا قوله تعالى {معاذ الله أن نأخييذ إل ميين وجدنييا متاعنييا‬
‫عنده} ولنهييا كفالة بنفييس فأشبهييت الكفالة فييي الحدود‪ .‬وحجيية‬
‫ميين أجازهييا عموم قوله عليييه الصييلة والسييلم "الزعيييم غارم"‬
‫وتعلقوا بأن فيي ذلك مصيلحة‪ ،‬وأنيه مروي عين الصيدر الول وأميا‬
‫الحكم اللزم عنها‪ ،‬فجمهور القائلين بحمالة النفس متفقون على‬
‫أن المتحميل عنيه إذا مات لم يلزم الكفييل بالوجيه شييء‪ ،‬وحكيي‬
‫عين بعضهيم لزوم ذلك‪ .‬وفرق ابين القاسيم بيين أن يموت الرجيل‬
‫حاضرا أو غائبا فقال‪ :‬إن مات حاضرا لم يلزم الكفيل شيء‪ ،‬وإن‬
‫مات غائبيا نظير‪ ،‬فإن كانيت المسيافة التيي بيين البلديين مسيافة‬
‫يمكن الحميل فيها إحضاره في الجل المضروب له في إحضاره‪،‬‬
‫وذلك فيييي نحيييو اليوميييين إلى الثلثييية ففرط غرم وإل لم يغرم‪.‬‬
‫واختلفوا إذا غاب المتحمل عنه ما حكم الحميل بالوجه على ثلثة‬
‫أقوال‪ :‬القول الول‪ :‬أنيييه يلزميييه أن يحضره أو يغرم‪ ،‬وهيييو قول‬
‫مالك وأصيحابه وأهيل المدينية‪ .‬والقول الثانيي إنيه يحبيس الحمييل‬
‫إلى أن يأتي به أو يعلم موته‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق‪.‬‬
‫والقول الثالث إنييه ليييس عليييه إل أن يأتييي بييه إذا علم موضعييه‪،‬‬
‫ومعنييييييى ذلك أن ل يكلف إحضاره إل مييييييع العلم بالقدرة على‬
‫إحضاره‪ ،‬فإن ادعيى الطالب معرفية موضعيه على الحمييل‪ ،‬وأنكير‬
‫الحميييل كلف الطالب بيان ذلك‪ .‬قالوا‪ :‬ول يحبييس الحميييل إل إذا‬
‫كان المتحمييل عنييه معلوم الموضييع‪ ،‬فيكلف حينئذ إحضاره‪ ،‬وهذا‬
‫القول حكاه أبيو عبييد القاسيم ابين سيلم فيي كتابيه فيي الفقيه عين‬
‫جماعة من الناس واختاره‪.‬‬
‫وعمدة مالك أن المتحمييل بالوجييه غارم لصيياحب الحييق فوجييب‬
‫عليه الغرم إذا غاب‪ ،‬وربما احتج لهم بما روي عن ابن عباس "أن‬
‫رجل سييأل غريمييه أن يؤدي إليييه ماله أو يعطيييه حميل‪ ،‬فلم يقدر‬
‫حتى حاكمه إلى النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬فتحمل عنه رسول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الله صيلى الله علييه وسيلم ثيم أدى المال إلييه" قالوا‪ :‬فهذا غرم‬
‫فيي الحمالة المطلقية‪ .‬وأميا أهيل العراق فقالوا‪ :‬إنميا يجيب علييه‬
‫إحضار ميا تحميل بيه وهيو النفيس‪ ،‬فلييس يجيب أن يعدى ذلك إلى‬
‫المال إل لو شرطيه على نفسيه‪ ،‬وقيد قال علييه الصيلة والسيلم‬
‫"المؤمنون عند شروطهم" فإنما عليه أن يحضره أو يحبس فيه‪،‬‬
‫فكميا أنيه إذا ضمين المال فإنميا علييه أن يحضير المال أو يحبيس‬
‫فيه‪ ،‬كذلك المر في ضمان الوجه‪ .‬وعمدة الفريق الثالث أنه إنما‬
‫يلزميه إحضاره إذا كان إحضاره له مميا يمكين‪ ،‬وحينئذ يحبيس إذا‬
‫لم يحضره‪ ،‬وأميا إذا علم أن إحضاره له غيير ممكين فلييس يجيب‬
‫علييه إحضاره كميا أنيه إذا مات لييس علييه إحضاره‪ .‬قالوا‪ :‬ومين‬
‫ضميين الوجييه فأغرم المال فهييو أحرى أن يكون مغرورا ميين أن‬
‫يكون غارا‪ .‬فأمييا إذا اشترط الوجييه دون المال وصييرح بالشرط‬
‫فقيييد قال مالك‪ :‬إن المال ل يلزميييه‪ ،‬ول خلف فيييي هذا فيميييا‬
‫أحسيب‪ ،‬لنيه كان يكون قيد ألزم ضيد ميا اشترط‪ ،‬فهذا هيو حكيم‬
‫ضمان الوجيه‪ .‬وأميا حكيم ضمان المال فإن الفقهاء متفقون على‬
‫أنييييه إذا عدم المضمون أو غاب أن الضاميييين غارم‪ .‬واختلفوا إذا‬
‫حضير الضامين والمضمون وكلهميا موسير‪ ،‬فقال الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفة وأصحابهما والثوري والوزاعي وأحمد وإسحق‪ :‬للطالب أن‬
‫يؤاخييذ ميين شاء ميين الكفيييل أو المكفول؛ وقال مالك فييي أحييد‬
‫قوليه‪ :‬ليس له أن يأخذ الكفيل مع وجود المتكفل عنه‪ .‬وله قول‬
‫آخيير مثييل قول الجمهور‪ .‬وقال أبييو ثور‪ :‬الحمالة والكفالة واحدة‪،‬‬
‫وميين ضميين عيين رجييل مال لزمييه وبرئ المضمون‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫يكون مال واحيد على اثنيين‪ ،‬وبيه قال ابين أبيي ليلى وابين شبرمية‪.‬‬
‫وميين الحجيية لمييا رأى أن الطالب يجوز له مطالبيية الضاميين كان‬
‫المضمون عنيه غائبيا أو حاضرا‪ ،‬غنييا أو عديميا حدييث قبيصية بين‬
‫المخارقي قال "تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فسيألته عنهيا‪ ،‬فقال‪ :‬تخرجهيا عنيك مين إبيل الصيدقة ييا قبيصية إن‬
‫المسيألة ل تحيل إل فيي ثلث‪ ،‬وذكير رجل تحميل حمالة رجيل حتيى‬
‫يؤديها"‬
‫ووجيه الدلييل مين هذا النيبي صيلى الله علييه وسيلم أباح المسيألة‬
‫للمتحميل دون اعتبار حال المتحميل عنيه‪ .‬وأميا محيل الكفالة فهيي‬
‫الموال عنيييد جمهور أهيييل العلم لقوله علييييه الصيييلة والسيييلم‬
‫"الزعييم غارم" أعنيي كفالة المال وكفالة الوجيه‪ ،‬وسيواء تعلقيت‬
‫الموال من قبل أموال أو من قبل حدود مثل المال الواجب في‬
‫قتل الخطأ أو الصلح في قتل العمد أو السرقة التي ليس يتعلق‬
‫بهيا قطيع وهيي ميا دون النصياب أو مين غيير ذلك‪ .‬وروي عين أبيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حنيفية إجازة الكفالة فيي الحدود القصياص‪ ،‬أو فيي القصياص دون‬
‫الحدود وهيو قول عثمان البتيي‪ :‬أعنيي كفالة النفيس‪ .‬وأميا وقيت‬
‫وجوب الكفالة بالمال أعني مطالبته بالكفيل‪ ،‬فأجمع العلماء على‬
‫أن ذلك بعد ثبوت الحق على المكفول إما بإقرار وإما ببينة‪ .‬وأما‬
‫وقيت وجوب الكفالة بالوجيه‪ ،‬فاختلفوا هيل تلزم قبيل إثبات الحيق‬
‫أم ل؟ فقال قوم‪ :‬إنها ل تلزم قبل إثبات الحق بوجه من الوجوه‪،‬‬
‫وهو قول شريح القاضي والشعبي‪ ،‬وبه قال سحنون من أصحاب‬
‫مالك‪ .‬وقال قوم‪ :‬بيل يجيب أخيذ الكفييل بالوجيه على إثبات الحيق‪،‬‬
‫وهؤلء اختلفوا متيى يلزم ذلك؟‪ ،‬وإلى كيم مين المدة يلزم؟ فقال‬
‫قوم‪ :‬إن أتى بشبهة قوية مثل شاهد واحد لزمه أن يعطي ضامنا‬
‫بوجهييه حتييى يلوح حقييه وإل لم يلزمييه الكفيييل إل أن يذكيير بينيية‬
‫حاضرة في المصر فيعطيه حميل من الخمسة اليام إلى الجمعة‪،‬‬
‫وهيو قول ابين القاسيم مين أصيحاب مالك‪ ،‬وقال أهيل العراق‪ :‬ل‬
‫يؤخذ عليهم حميل قبل ثبوت الحق إل أن يدعي بينة حاضرة في‬
‫المصيير نحييو قول ابيين القاسييم‪ ،‬إل أنهييم حدوا ذلك بالثلثيية اليام‬
‫يقولون إنه أن أتى بشبهة لزمه أن يعطيه حميل حتى يثبت دعواه‬
‫أو تبطييل‪ ،‬وقييد أنكروا الفرق فييي ذلك والفرق بييين الذي يدعييي‬
‫البينة الحاضرة والغائبة‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يؤخذ حميل على أحد إل ببينة‪،‬‬
‫وذلك إلى بيان صدق دعواه أو إبطالها‪.‬‬
‫وسيبب هذا الختلف تعارض وجيه العدل بيين الخصيمين فيي ذلك‪،‬‬
‫فإنيه إذا لم يؤخيذ علييه ضامين بمجرد الدعوى لم يؤمين أن يغييب‬
‫بوجهيه فيعنيت طالبيه‪ ،‬وإذا أخيذ علييه لم يؤمين أن تكون الدعوى‬
‫باطلة فيعنييت المطلوب‪ ،‬ولهذا فرق ميين فرق بييين دعوى البينيية‬
‫الحاضرة والغائبية‪ .‬وروي عين عراك بين مالك قال "أقبيل نفير مين‬
‫العراب معهيم ظهير فصيحبهم رجلن فباتيا معهيم‪ ،‬فأصيبح القوم‬
‫وقيد فقدوا كذا وكذا مين إبلهيم‪ ،‬فقال رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم لحد الرجلين‪ :‬اذهب واطلب وحبس الخر‪ ،‬فجاء بما ذهب‪،‬‬
‫فقال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم لحيد الرجليين‪ :‬اسيتغفر‬
‫لي‪ ،‬فقال‪ :‬غفيير الله لك‪ ،‬قال‪ :‬وأنييت فعفيير الله لك وقتلك فييي‬
‫سيبيله" خرج هذا الحدييث أبيو عبييد فيي كتابيه بالفقيه قال‪ :‬وحمله‬
‫بعييض العلماء على أن ذلك كان ميين رسييول الله حبسييا قال‪ :‬ول‬
‫يعجبني ذلك‪ ،‬لنه ل يجب الحبس بمجرد الدعوى‪ ،‬وإنما هو عندي‬
‫ميين باب الكفالة بالحييق الذي لم يجييب إذا كانييت هنالك شبهيية‬
‫لمكان صيحبتهما لهيم‪ .‬فأميا أصيناف المضمونيين فلييس يلحيق مين‬
‫قبييل ذلك اختلف مشهور لختلفهييم فييي ضمان الميييت إذا كان‬
‫عليييه دييين ولم يترك وفاء بدينييه‪ ،‬فأجازه مالك والشافعييي‪ ،‬وقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أبيو حنيفية‪ :‬ل يجوز‪ .‬واسيتدل أبيو حنيفية مين قبيل أن الضمان ل‬
‫يتعللق بمعلوم قطعا‪ ،‬وليس كذلك المفلس‪ .‬واستدل من رأى أن‬
‫الضمان يلزميه بميا روي أن النيبي علييه الصيلة والسيلم كان فيي‬
‫صدر السلم ل يصلي على من مات وعليه دين حتى يضمن عنه‪.‬‬
‫والجمهور يصييح عندهييم كفالة المحبوس والغائب‪ ،‬ول يصييح عنييد‬
‫أبيييي حنيفييية‪ .‬وأميييا شروط الكفالة فإن أبيييا حنيفييية والشافعيييي‬
‫يشترطان فيي وجوب رجوع الضا من على المضمون بما أدى عنه‬
‫أن يكون الضمان بإذنييييه‪ ،‬ومالك ل يشترط ذلك‪ ،‬ول تجوز عنييييد‬
‫الشافعيي كفالة المجهول ول الحيق الذي لم يجيب بعيد‪ ،‬وكيل ذلك‬
‫لزم وجائز عنيد مالك وأصيحابه‪ .‬وأميا ميا تجوز فييه الحمالة بالمال‬
‫مما ل تجوز‪ ،‬فإنها ل تجوز عند مالك بكل مال ثابت في الذمة إل‬
‫الكتابيية ومييا ل يجوز فيييه التأخييير‪ ،‬ومييا يسييتحق شيئا فشيئا مثييل‬
‫النفقات على الزواج‪ ،‬وما شاكلها‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الحوالة‪.‬‬
‫@‪-‬والحوالة معاملة صييحيحة مسييتثناة ميين الدييين بالدييين‪ ،‬لقوله‬
‫علييه الصيلة والسيلم "مطيل الغنيي ظلم وإذا أحييل أحدكيم على‬
‫غني فليستحل" والنظر في شروطها وفي حكمها‪ ،‬فمن الشروط‬
‫اختلفهيم فيي اعتبار رضيا المحال والمحال علييه‪ ،‬فمين الناس مين‬
‫اعتيبر رضيا المحال ولم يعتيبر رضيا المحال علييه‪ ،‬وهيو مالك؛ ومين‬
‫الناس ميين اعتييبر رضاهمييا معييا؛ ميين الناس ميين لم يعتييبر رضييا‬
‫المحال واعتيبر رضيا المحال علييه‪ ،‬وهيو نقييض مذهيب مالك‪ ،‬وبيه‬
‫قال داود‪ ،‬فمين رأى أنهيا معاملة اعتيبر رضيا الصينفين‪ ،‬ومين أنزل‬
‫المحال علييه مين المحال منزلتيه مين المحييل لم يعتيبر رضاه معيه‬
‫ك ما ل يعتبره مع المحيل إذا طلب منه ح قه ولم يحل علييه أحدا‪.‬‬
‫وأمييا داود فحجتييه ظاهيير قوله عليييه الصييلة والسييلم "إذا أحيييل‬
‫أحدكييم على ملئ فليتبييع" والميير على الوجوب‪ ،‬وبقييي المحال‬
‫علييه مين الصيل‪ ،‬وهيو اشتراط اعتبار رضاه‪ .‬ومين الشروط التيي‬
‫اتفيق عليهيا فيي الجملة كون ميا على المحال علييه مجانسيا لميا‬
‫على المحييل قدرا ووصيفا‪ ،‬إل أن منهيم مين أجازهيا فيي الذهيب‬
‫والدراهيم فقيط ومنعهيا فيي الطعام‪ ،‬والذيين منعوهيا فيي ذلك رأوا‬
‫أنهيا مين باب بييع الطعام قبيل أن يسيتوفي‪ ،‬لنيه باع الطعام الذي‬
‫كان له على غريمييييه بالطعام الذي كان عليييييه‪ ،‬وذلك قبييييل أن‬
‫يسييتوفيه مين غريمييه؛ وأجاز ذلك مالك إذا كان الطعامان كلهمييا‬
‫ميين قرض إذا كان دييين المحال حال‪ .‬وأمييا إن كان أحدهمييا ميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سيلم فإنيه ل يجوز إل أن يكون الدينان حاليين؛ وعنيد ابين القاسيم‬


‫وغيره من أصحاب مالك يجوز ذلك إذا كان الدين المحال به حال؛‬
‫ولم يفرق بيين ذلك الشافعيي‪ ،‬لنيه كالبييع فيي ضمان المسيتقرض‬
‫وإنما رخص مالك في القرض لنه يجوز عنده بيع القرض قبل أن‬
‫يستوفي‪ .‬وأما أبو حنيفة فأجاز الحوالة بالطعام وشبهها بالدراهم‬
‫وجعلهيا خارجية عين الصيول كخروج الحوالة بالدراهيم‪ ،‬والمسيألة‬
‫مبنييية على أن مييا شييذ عيين الصييول هييل يقاس عليييه أم ل؟‬
‫والمسيألة مشهورة فيي أصيول الفقيه‪ ،‬وللحوالة عنيد مالك ثلثية‬
‫شروط‪ :‬أحدهييا أن يكون دييين المحال حال‪ ،‬لنييه إن لم يكيين حال‬
‫كان دينيا بديين‪ .‬والثانيي أن يكون الديين الذي يحيله بيه مثيل الذي‬
‫يحيله عليه في القدر والصفة‪ ،‬لنه إذا اختلفا في أحدهما كان بيعا‬
‫ولم يكن حوالة‪ ،‬فخرج من باب الرخصة إلى باب البيع‪ ،‬وإذا خرج‬
‫ميين باب البيييع دخله الدييين بالدييين‪ .‬والشرط الثالث أن ل يكون‬
‫الديين طعاميا مين سيلم أو أحدهميا ولم يحيل الديين المسيتحال بيه‬
‫على مذهيب ابين القاسيم‪ ،‬وإذا كان الطعامان جميعيا مين سيلم فل‬
‫تجوز الحوالة بأحدهميا على الخير حلت الجال أو لم تحيل‪ ،‬أو حيل‬
‫أحدهميا ولم يحيل الخير‪ ،‬لنيه يدخله بييع الطعام قبيل أن يسيتوفي‬
‫كميا قلنيا‪ ،‬لكين أشهيب يقول إن اسيتوت رؤوس أموالهميا جازت‬
‫الحوالة وكانيييت توليييية؛ وابييين القاسيييم ل يقول ذلك كالحال إذا‬
‫اختلفييت ويتنزل المحال فييي الدييين الذي أحيييل عليييه منزلة ميين‬
‫أحاله‪ ،‬ومنزلته في الدين الذي أحاله به‪ ،‬وذلك فيما يريد أن يأخذ‬
‫بذله منه أو يبيعه له من غيره‪ ،‬أعني أنه ل يجوز له من ذلك إل ما‬
‫يجوز له مع الذي أحاله وما يجوز للذي أحال مع الذي أحاله عليه‪،‬‬
‫ومثال ذلك إن احتال بطعام كان له مييين قرض فيييي طعام مييين‬
‫سلم أو بطعام من سلم في طعام من قرض لم يجز له أن يبيعه‬
‫ميين غيره قبييل قبضييه منييه‪ ،‬لنييه إن كان احتال بطعام كان ميين‬
‫قرض فيي طعام مين سيلم نزل منزلة المحييل فيي أنيه ل يجوز له‬
‫بييع ميا على غريميه قبيل أن يسيتوفيه لكونيه طعاميا مين بييع‪ ،‬وإن‬
‫كان احتال بطعام من سلم في طعام من قرض نزل من المحتال‬
‫عليييه منزلتييه مييع ميين أحاله‪ ،‬أعنييي أنييه مييا كان يجوز له أن يييبيع‬
‫الطعام الذي كان على غريمه المحيل له قبل أن يستوفيه‪ ،‬كذلك‬
‫ل يجوز أن يبيع الطعام الذي أحيل عليه وإن كان من قرض‪ ،‬وهذا‬
‫كله مذهيب مالك‪ ،‬وأدلة هذه الفروق ضعيفية‪ .‬وأمييا أحكامهييا فإن‬
‫جمهور العلماء على أن الحوالة ضييد الحمالة‪ ،‬فييي أنييه إذا أفلس‬
‫المحال علييه لم يرجيع صياحب الديين على المحييل بشييء؛ قال‬
‫مالك وأصيييحابه‪ :‬إل أن يكون المحييييل غره فأحاله على عدييييم؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال أبييو حنيفيية‪ :‬يرجييع صيياحب الدييين على المحيييل إذا مات‬
‫المحال عليه مفلسا أو جحد الحوالة وإن لم تكن له بينة‪ ،‬وبه قال‬
‫شرييح وعثمان البتيي وجماعية‪ .‬وسيبب اختلفهيم مشابهية الحوالة‬
‫للحمالة‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الوكالة‬
‫@‪-‬وفيهيا ثلثية أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬فيي أركانهيا‪ ،‬وهيي النظير فيميا‬
‫فييه التوكييل‪ ،‬وفيي الموكيل‪ .‬والثانيي فيي أحكام الوكالة‪ .‬والثالث‪:‬‬
‫في مخالفة الموكل للوكيل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول فيي أركانهيا‪ ،‬وهيي النظير فيميا فييه التوكييل‪ ،‬وفيي‬
‫الموكِل‪ ،‬وفي الموَكل‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيييين الول‪ :‬فييييي الموكييييل) واتفقوا على وكالة الغائب‬
‫والمريييض والمرأة المالكييين لمور أنفسييهم‪ ،‬واختلفوا فييي وكالة‬
‫الحاضير الذكير الصيحيح‪ ،‬فقال مالك‪ :‬تجوز وكالة الحاضير الصيحيح‬
‫الذكر‪ ،‬وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل تجوز وكالة الصحيح‬
‫الحاضر ول المرأة إل أن تكون برزة‪ .‬فمن رأى أن الصل ل ينوب‬
‫فعييل الغييير عيين فعييل الغييير إل مييا دعييت إليييه الضرورة وانعقييد‬
‫الجماع علييه قال‪ :‬ل تجوز نيابية مين اختلف فيي نيابتيه؛ ومين رأى‬
‫أن الصيل هيو الجواز قال‪ :‬الوكالة فيي كيل شييء جائزة إل فيميا‬
‫أجمع على أنه ل تصح فيه من العبادات وما جرى مجراها‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الثانييي‪ :‬فييي الوكيييل) وشروط الوكيييل أن ل يكون‬
‫ممنوعيا بالشرع من تصيرفه فيي الشييء الذي وكيل فييه‪ ،‬فل يصيح‬
‫توكييل الصيبي ول المجنون ول المرأة عنيد مالك والشافعيي على‬
‫عقيد النكاح‪ .‬أميا عنيد الشافعيي فل بمباشرة ول بواسيطة‪ :‬أي بأن‬
‫توكل هي من يلي عقد النكاح‪ ،‬ويجوز عند مالك بالواسطة الذكر‪.‬‬
‫@‪(-‬الركين الثالث‪ :‬فيميا فييه التوكييل) وشرط محيل التوكييل أن‬
‫يكون قابل للنيابيية مثييل البيييع والحوالة والضمان وسييائر العقود‬
‫والفسييوخ والشركيية والوكالة والمصييارفة والمجاعلة والمسيياقاة‬
‫والطلق والنكاح والخلع والصييلح‪ .‬ول تجوز فييي العبادات البدنييية‪،‬‬
‫وتجوز في المالية كالصدقة والزكاة والحج‪ ،‬وتجوز عند مالك في‬
‫الخصومة على القرار والنكار؛ وقال الشافعي في أحد قوليه‪ :‬ل‬
‫تجوز على القرار‪ ،‬وشبيييه ذلك بالشهادة واليمان‪ ،‬وتجوز الوكالة‬
‫على اسييتيفاء العقوبات عنييد مالك وعنييد الشافعييي مييع الحضور‬
‫قولن‪ :‬والذيييين قالوا إن الوكالة تجوز على القرار اختلفوا فيييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مطلق الوكالة على الخصييومة هييل يتضميين القرار أم ل؟ فقال‬


‫مالك‪ :‬ل يتضمن‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يتضمن‪.‬‬
‫@‪(-‬الركين الرابيع) وأميا الوكالة فهيي عقيد يلزم باليجاب والقبول‬
‫كسائر العقود‪ ،‬وليست هي من العقود اللزمة بل الجائزة على ما‬
‫نقوله في أحكام هذا العقد‪ ،‬وهي ضربان عند مالك عامة وخاصة‪،‬‬
‫فالعامية هيي التيي تقيع عنده بالتوكييل العام الذي ل يسيمى فييه‬
‫شيييء دون شيييء وذلك أنييه إن سييمي عنده لم ينتفييع بالتعميييم‬
‫والتفوييض؛ وقال الشافعيي‪ :‬ل تجوز الوكالة بالتعمييم وهيي غرر‪،‬‬
‫وإنميا يجوز منهيا ميا سيمي وحدد ونيص علييه‪ ،‬وهيو القييس إذ كان‬
‫الصل فيها المنع‪ ،‬إل ما وقع عليه الجماع‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا الحكام‪ :‬فمنهيا أحكام العقيد‪ ،‬ومنهيا أحكام فعيل الوكييل‪.‬‬
‫فأما هذا العقد فهو كما قلنا عقد غير لزم للوكيل أن يدع الوكالة‬
‫متيى شاء عنيد الجمييع‪ ،‬لكين أبيو حنيفية يشترط فيي ذلك حضور‬
‫الموكييل‪ ،‬وللموكييل أن يعزله متييى شاء قالوا‪ :‬إل أن تكون وكالة‬
‫في خصومة‪ .‬وقال أصبغ‪ :‬له ذلك ما لم يشرف على تمام الحكم‪،‬‬
‫وليس للوكيل أن يعزل نفسه في الموضع الذي ل يجوز أن يعزله‬
‫الموكيل‪ ،‬ولييس مين شروط انعقاد هذا العقيد حضور الخصيم عنيد‬
‫مالك والشافعي‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ذلك من شروطه‪ .‬وكذلك ليس‬
‫من شرط إثباتها عند الحاكم حضوره عند مالك‪ .‬وقال الشافعي‪:‬‬
‫ميين شرطييه‪ .‬واختلف أصييحاب مالك هييل تنفسييخ الوكالة بموت‬
‫الموكيل على قوليين‪ ،‬فإذا قلنيا تنفسيخ بالموت كميا تنفسيخ بالعزل‬
‫فمتى يكون الوكيل معزول‪ ،‬والوكالة منفسخة في حق من عامله‬
‫فيي المذهيب فييه ثلثية أقوال‪ :‬الول أنهيا تنفسيخ فيي حيق الجمييع‬
‫بالموت والعزل‪ .‬والثانييي أنهييا تنفسييخ فييي حييق كييل واحييد منهييم‬
‫بالعلم‪ ،‬فمن علم انفسخت في حقه ومن لم يعلم لم تنفسخ في‬
‫حقه‪ .‬والثالث أنها تنفسخ في حق من عامل الوكيل بعلم الوكيل‬
‫وإن لم يعلم هيو‪ ،‬ول تنفسيخ فيي حيق الوكييل بعلم الذي عامله إذا‬
‫لم يعلم الوكيل‪ ،‬ولكن من دفع إليه شيئا بعد العلم بعزله ضمنه‪،‬‬
‫لنه دفع إلى من يعلم أنه ليس بوكيل‪.‬‬
‫وأميا أحكام الوكييل ففيهيا مسيائل مشهورة‪ :‬أحدهيا إذا وكيل على‬
‫بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟ فقال مالك‪ :‬يجوز‪ ،‬وقد‬
‫قيييل عنييه‪ :‬ل يجوز؛ وقال الشافعييي‪ :‬ل يجوز‪ ،‬وكذلك عنييد مالك‬
‫الب والوصيي‪ .‬ومنهيا إذا وكله فيي البييع وكالة مطلقية لم يجيز له‬
‫عنيد مالك أن ييبيع إل بثمين مثله نقدا بنقيد البلد‪ ،‬ول يجوز إن باع‬
‫نسييئة‪ ،‬أو بغيير نقيد البلد‪ ،‬أو بغيير ثمين المثيل‪ ،‬وكذلك المير عنده‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فييي الشراء؛ وفرق أبييو حنيفيية بييين البيييع والشراء لمعييين فقال‪:‬‬
‫يجوز في البيع أن يبيع بغير ثمن المثل‪ ،‬وأن يبيع نسيئة‪ ،‬ولم يجز‬
‫إذا وكله فييي شراء عبييد بعينييه أن يشتريييه إل بثميين المثييل نقدا‪،‬‬
‫ويشبه أن يكون أبو حنيفة إنما فرق بين الوكالة على شراء شيء‬
‫بعينه‪ ،‬لن من حجته أنه كما أن الرجل قد يبيع الشيء بأقل من‬
‫ثمن مثله ونساء لمصلحة يراها في ذلك كله‪ ،‬كذلك حكم الوكيل‬
‫إذ قييد أنزله منزلتييه‪ ،‬وقول الجمهور أبييين‪ ،‬وكييل مييا يعتدي فيييه‬
‫الوكييل ضمين عنيد مين يرى أنيه تعدى‪ ،‬وإذا اشترى الوكييل شيئا‬
‫وأعلم أن الشراء للموكييل فالملك ينتقييل إلى الموكييل؛ وقال أبييو‬
‫حنيفة‪ :‬إلى الوكيل أول ثم إلى الموكل‪ ،‬وإذا دفع الوكيل دينا عن‬
‫الموكل ولم يشهد فأنكر الذي له الدين القبض ضمن الوكيل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في مخالفة الموكل للوكيل‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا اختلف الوكييل ميع الموكيل‪ ،‬فقيد يكون فيي ضياع المال‬
‫الذي اسيتقر عنيد الوكييل‪ ،‬وقيد يكون فيي دفعيه إلى الموكيل‪ ،‬وقيد‬
‫يكون فييي مقدار الثميين الذي باع بييه أو اشترى إذا أمره بثميين‬
‫محدود‪ ،‬وقيد يكون فيي المثمون‪ ،‬وقيد يكون فيي تعييين مين أمره‬
‫بالدفيع إلييه‪ ،‬وقيد يكون فيي دعوى التعدي‪ .‬فإذا اختلفيا فيي ضياع‬
‫المال فقال الوكيييل ضاع منييي‪ ،‬وقال الموكييل لم يضييع‪ ،‬فالقول‬
‫قول الوكيييل إن كان لم يقبضييه ببينيية‪ ،‬فإن كان المال قييد قبضييه‬
‫الوكييل مين غرييم الموكيل لم يشهيد الغرييم على الدفيع لم ييبرأ‬
‫الغرييم بإقرار الوكييل عنيد مالك وغرم ثانيية‪ ،‬وهيل يرجيع الغرييم‬
‫على الوكييل؟ فييه خلف‪ ،‬وإن كان قيد قبضيه ببينية برئ ولم يلزم‬
‫الوكيل شيء‪ .‬وأما إذا اختلفا في الدفع فقال الوكيل دفعته إليك‪،‬‬
‫وقال الموكييل‪ :‬ل‪ ،‬فقيييل القول قول الوكيييل‪ .‬وقيييل القول قول‬
‫الموكل‪ .‬وقيل إن تباعد ذلك فالقول قول الوكيل‪ .‬وأمر اختلفهم‬
‫في مقدار الثمن الذي به أمره بالشراء؛ فقال ابن القاسم‪ :‬إن لم‬
‫تفيييت السيييلعة فالقول قول المشتري‪ ،‬وإن فاتيييت فالقول قول‬
‫الوكييييل‪ ،‬وقييييل يتحالفان وينفسيييخ البييييع ويتراجعان وإن فاتيييت‬
‫بالقيمية وإن كان اختلفهييم فييي مقدار الثمين الذي أمره بيه فيي‬
‫البيع‪ ،‬فعند ابن القاسم أن القول فيه قول الموكل‪ ،‬لنه جعل دفع‬
‫الثميين بمنزلة فوات السييلعة فييي الشراء‪ .‬وأمييا إذا اختلفييا فيميين‬
‫أمره بالدفييع ففييي المذهييب فيييه قولن‪ :‬المشهور أن القول قول‬
‫المأمور‪ ،‬وقييل القول قول المير‪ .‬وأميا إذا فعيل الوكييل فعل هيو‬
‫تعيد وزعيم أن الموكيل أمره‪ ،‬فالمشهور أن القول قول الموكيل‪،‬‬
‫وقد قيل إن القول قول الوكيل إنه أمره قد ائتمنه على الفعل‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب اللقطة‬
‫@‪-‬والنظير فيي اللقطية فيي جملتيين‪ :‬الجملة الولى‪ :‬فيي أركانهيا‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬في أحكامها‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الولى) والركان ثلثة‪ :‬اللتقاط‪ ،‬والملتقط‪ ،‬واللقطة‪.‬‬
‫فأميا اللتقاط فاختلف العلماء هيل هيو فضيل أم الترك؟ فقال أبيو‬
‫حنيفة‪ :‬الفضل اللتقاط‪ ،‬لنه من الواجب على المسلم أن يحفظ‬
‫مال أخيييه المسييلم‪ ،‬وبييه قال الشافعييي؛ وقال مالك وجماعيية‬
‫بكراهييية اللتقاط‪ ،‬وروي عيين ابيين عميير وابيين عباس‪ ،‬وبييه قال‬
‫أحميد‪ ،‬وذلك لمريين‪ :‬أحدهميا ميا روي أنيه صيلى الله علييه وسيلم‬
‫قال "ضالة المؤمن حرق النار" ولما يخاف أيضا من التقصير في‬
‫القيام بما يجب لها من التعريف وترك التعدي عليها‪ ،‬وتأول الذين‬
‫رأوا اللتقاط أول الحدييث وقالوا‪ :‬أراد بذلك النتفاع بهيا ل أخذهيا‬
‫للتعريف؛ وقال قوم‪ :‬بل لقطها واجب‪ .‬وقد قيل إن هذا الختلف‬
‫إذا كانييت اللقطيية بييين قوم مأمونييين والمام عادل‪ .‬قالوا‪ :‬وإن‬
‫كانييت اللقطيية بييين قوم غييير مأمونييين والمام عادل فواجييب‬
‫التقاطهيا‪ .‬وإن كانيت بيين قوم مأمونيين والمام جائر فالفضيل أن‬
‫ل يلتقطهيا‪ .‬وإن كانيت بيين قوم غيير مأمونيين والمام غيير عادل‬
‫فهيو مخيير بحسيب ميا يغلب على ظنيه مين سيلمتها أكثير مين أحيد‬
‫الطرفين‪ ،‬وهذا كله ما عدا لقطة الحاج‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا على‬
‫أنه ل يجوز التقاطها لنهيه عليه الصلة والسلم عن ذلك‪ ،‬ولقطة‬
‫مكيية أيضييا ل يجوز التقاطهييا إل لمنشييد لورود النييص فييي ذلك‪،‬‬
‫والمروي فيي ذلك لفظان‪ :‬أحدهميا أنيه ل ترفيع لقطتهيا إل لمنشيد‪.‬‬
‫الثانيي ل يرفيع لقطتهيا إل منشيد‪ ،‬فالمعنيى الواحيد أنهيا ل ترفيع إل‬
‫لمين ينشدهيا‪ ،‬والمعنيى الثانيي ل يلتقطهيا إل لمين ينشدهيا ليعرف‬
‫الناس‪ .‬وقال مالك‪ :‬تعرف هاتان اللقتطان أبدا‪ ،‬فأميييا الملتقيييط‬
‫فهيو كيل حير مسيلم بالغ لنهيا وليية‪ ،‬واختلف عين الشافعيي فيي‬
‫جواز التقاط الكافيير‪ .‬قال أبييو حامييد‪ :‬والصييح جواز ذلك فييي دار‬
‫السيلم‪ .‬قال‪ :‬وفيي أهليية العبيد والفاسيق له قولن‪ :‬فوجيه المنيع‬
‫عدم أهلييية الولييية‪ ،‬ووجييه الجواز عموم أحاديييث اللقطيية‪ .‬وأمييا‬
‫اللقطيية بالجملة فإنهييا كييل مال لمسييلم معرض للضياع كان ذلك‬
‫فيي عامير الرض أو غامرهيا‪ ،‬والجماد والحيوان فيي ذلك سيواء إل‬
‫البيل باتفاق‪ .‬والصيل فيي اللقطية حدييث يزييد بين خالد الجهنيي‪،‬‬
‫وهيو متفيق على صيحته أنيه قال "جاء رجيل إلى رسيول الله صيلى‬
‫الله عليييه وسييلم فسييأله عيين اللقطيية‪ ،‬فقال‪ :‬اعرف عفاصييها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ووكاءهيا ثيم عرفهيا سينة‪ ،‬فإن جاء صياحبها وإل فشأنيك بهيا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فضالة الغنييم يييا رسييول الله؟ قال‪ :‬هييي لك أو لخيييك أو للذئب‪،‬‬
‫قال‪ :‬فضالة البييل‪ ،‬قال‪ :‬مالك ولهييا معهييا سييقاؤها وحذاؤهييا ترد‬
‫الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها" وهذا الحديث يتضمن معرفة‬
‫ميا يلتقيط مميا ل يلتقيط‪ ،‬ومعرفية حكيم ميا يلتقيط كييف يكون فيي‬
‫العام وبعده وبماذا يسيتحقها مدعيهيا‪ .‬فأميا البيل فاتفقوا على أنهيا‬
‫ل تلتقييط‪ ،‬واتفقوا على الغنييم أنهييا تلتقييط‪ ،‬وترددوا فييي البقيير‪،‬‬
‫والنيص عين الشافعيي أنهيا كالبيل‪ ،‬وعين مالك أنهيا كالغنيم‪ ،‬وعنيه‬
‫خلف‪.‬‬
‫*‪(*3‬الجملة الثانية)‬
‫@‪-‬وأما حكم التعريف‪ ،‬فاتفق العلماء على تعريف ما كان منها له‬
‫بال سينة ميا لم تكين مين الغنيم‪ .‬واختلفوا فيي حكمهيا بعيد السينة‪،‬‬
‫فاتفيييق فقهاء المصيييار مالك والثوري والوزاعيييي وأبيييو حنيفييية‬
‫والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور إذا انقضت كان له أن يأكلها‬
‫إن كان فقيرا‪ ،‬أو يتصيدق بهيا إن كان غنييا‪ ،‬فإن جاء صياحبها كان‬
‫مخيرا بيين أن يجيييز الصييدقة فينزل على ثوابهيا أو يضمنيه إياهيا‪.‬‬
‫واختلفوا فيي الغنيي هيل له أن يأكلهيا أو ينفقهيا بعيد الحول؟ فقال‬
‫مالك والشافعيي‪ :‬له ذلك؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬لييس له أن يأكلهيا أو‬
‫يتصيدق بهيا؛ وروي مثيل قوله عين علي وابين عباس وجماعية مين‬
‫التابعيين؛ وقال الوزاعيي‪ :‬إن كان مال كثيرا جعله فيي بييت المال؛‬
‫وروي مثيل قول مالك والشافعيي عين عمير وابين مسيعود وابين‬
‫عمير وعائشية‪ .‬وكلهيم متفقون على أنيه إن أكلهيا ضمنهيا لصياحبها‬
‫إل أهييل الظاهيير‪ .‬واسييتدل مالك والشافعييي بقوله عليييه الصييلة‬
‫والسيلم "فشأنيك بهيا" ولم يفرق بيين غنيي وفقيير‪ .‬ومين الحجية‬
‫لهميا ميا رواه البخاري والترمذي عين سيويد بين غفلة قال "لقييت‬
‫أوييس بين كعيب فقال‪ :‬وجدت صيرة فيهيا مائة دينار‪ ،‬فأتييت النيبي‬
‫صيلى الله علييه وسيلم فقال‪ :‬عرفهيا حول‪ ،‬فعرفتهيا فلم أجيد‪ ،‬ثيم‬
‫أتيتييه ثلثييا فقال‪ :‬احفييظ وعاءهييا ووكاءهييا فإن جاء صيياحبها وإل‬
‫فاسييتمتع بهييا" وخرج الترمذي وأبييو داود "فاسييتنفقها"‪ .‬فسييبب‬
‫الخلف معارضة ظاهر لفظ حديث اللقطة لصل الشرع‪ ،‬وهو أنه‬
‫ل يحيل مال امرئ مسيلم إل عين طييب نفيس منيه‪ ،‬فمين غلب هذا‬
‫الصل على ظاهر الحديث‪ ،‬وهو قوله بعد التعريف "فشأنك بها"‬
‫قال‪ :‬ل يجوز فيها تصرف إل بالصدقة فقط على أن يضمن إن لم‬
‫يجيز صياحب اللقطية الصيدقة؛ ومين غلب ظاهير الحدييث على هذا‬
‫الصيل ورأى أنيه مسيتثنى منيه قال‪ :‬تحيل له بعيد العام وهيي مال‬
‫من ماله ل يضمنها إن جاء صاحبها‪ ،‬ومن توسط قال‪ :‬يتصرف بعد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العام فيهييا وإن كانييت عينييا على جهيية الضمان‪ .‬وأمييا حكييم دفييع‬
‫اللقطية لمين ادعاهيا‪ ،‬فاتفقوا على أنهيا ل تدفيع إلييه إذا لم يعرف‬
‫العفاص ول الوكاء‪،‬‬
‫واختلفوا إذا عرف ذلك هييل يحتاج مييع ذلك إلى بينيية أم ل؟ فقال‬
‫مالك‪ :‬يسيييتحق بالعلمييية ول يحتاج إلى بينييية؛ وقال أبيييو حنيفييية‬
‫والشافعيي‪ :‬ل يسيتحق إل ببينية‪ .‬وسيبب الخلف معارضية الصيل‬
‫في اشتراط الشهادة في صحة الدعوى لظاهر هذا الحديث؛ فمن‬
‫غلب الصل قال‪ :‬ل بد من البينة؛ ومن غلب ظاهر الحديث قال‪:‬‬
‫ل يحتاج إلى بينية‪ .‬وإنميا اشترط الشهادة فيي ذلك الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفية لن قوله علييه الصيلة والسيلم "اعرف عفاصيها ووكاءهيا‬
‫فإن جاء صيياحبها وإل فشأنييك بهييا" يحتمييل أن يكون إنمييا أمره‬
‫بمعرفييية العفاص والوكاء لئل تختلط عنده بغيرهيييا‪ ،‬ويحتميييل أن‬
‫يكون إنمييا أمره بذلك ليدفعهييا لصيياحبها بالعفاص والوكاء‪ ،‬فلمييا‬
‫وقييع الحتمال وجييب الرجوع إلى الصييل‪ ،‬فإن الصييول ل تعارض‬
‫بالحتمالت المخالفيية لهيا إل أن تصيح الزيادة التيي نذكرهيا بعيد؛‬
‫وعنييد مالك وأصييحابه أن على صيياحب اللقطيية أن يصييف مييع‬
‫العفاص والوكاء صييفة الدنانييير والعدد‪ ،‬قالوا‪ :‬وذلك موجود فييي‬
‫بعيض روايات الحدييث ولفظيه "فإن جاء صياحبها ووصيف عفاصيها‬
‫ووكاءها وعددها فادفعها إليه" قالوا‪ :‬ولكن ل يضره الجهل بالعدد‬
‫إذا عرف العفاص والوكاء‪ ،‬وكذلك إن زاد فييه‪ .‬واختلفوا إن نقيص‬
‫مييين العدد على قوليييين‪ ،‬وكذلك اختلفوا إذا جهيييل الصيييفة وجاء‬
‫بالعفاص والوكاء‪ .‬وأميا إذا غلط فيهيا فل شييء له‪ .‬وأميا إذا عرف‬
‫إحدى العلمتين اللتين وقع النص عليهما وجهل الخرى فقيل إنه‬
‫ل شييء له إل بمعرفتهميا جميعيا‪ ،‬وقييل يدفيع إلييه بعيد السيتبراء‪،‬‬
‫وقييل إن ادعيى الجهالة اسيتبرئ‪ ،‬وإن غلط لم تدفيع إلييه‪ .‬واختلف‬
‫المذهيب إذا أتيى بالعلمية المسيتحقة هيل يدفيع إلييه بيميين أو بغيير‬
‫يميين؟ فقال ابين القاسيم بغيير يميين‪ :‬وقال أشهيب‪ :‬بيميين‪ .‬وأميا‬
‫ضالة الغنييم‪ ،‬فإن العلماء اتفقوا على أن لواجييد ضالة الغنييم فييي‬
‫المكان القفيير البعيييد ميين العمران أن يأكلهييا لقوله عليييه الصييلة‬
‫والسلم في الشاة "هي لك أو لخيك أو للذئب"‬
‫واختلفوا هيل يضمين قيمتهيا لصياحبها أم ل؟ فقال جمهور العلماء‬
‫إنييه يضميين قيمتهييا؛ وقال مالك فييي أشهيير القاويييل عنييه‪ :‬إنييه ل‬
‫يضمين‪ .‬وسيبب الخلف معارضية الظاهير كميا قلنيا للصيل المعلوم‬
‫ميين الشريعيية‪ ،‬إل أن مالكييا هنييا غلب الظاهيير فجرى على حكييم‬
‫الظاهير‪ ،‬ولم يجيز كذلك التصيرف فيميا وجيب تعريفيه بعيد العام‬
‫لقوة اللفظ ههنا؛ وعنه رواية أخرى أنه يضمن‪ ،‬وكذلك كل طعام‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ل يبقى إذا خشي عليه التلف إن تركه‪ .‬وتحصيل مذهب مالك عند‬
‫أصييحابه فييي ذلك أنهييا على ثلثيية أقسييام‪ :‬قسييم يبقييى فييي يييد‬
‫ملتقطييه ويخشييى عليييه ميين التلف إن تركييه‪ ،‬كالعييين والعروض‪.‬‬
‫وقسيم ل يبقيى فيي ييد ملتقطيه ويخشيى علييه مين التلف إن ترك‬
‫كالشاة فيي القفير‪ ،‬والطعام الذي يسيرع إلييه الفسياد‪ .‬وقسيم ل‬
‫يخشيى علييه مين التلف‪ .‬فأميا القسيم الول‪ ،‬وهيو ميا يبقيى فيي ييد‬
‫ملتقطيه ويخشيى علييه التلف فإنيه ينقسيم ثل ثة أقسيام‪ :‬أحدهيا أن‬
‫يكون يسيييرا ل بال له ول قدر لقيمتييه ويعلم أن صيياحبه ل يطلبييه‬
‫لتفاهته‪ ،‬فهذا ل يعرف عنده وهو لمن وجده‪ .‬والصل في ذلك ما‬
‫روي "أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم ميير بتمرة فييي‬
‫الطرييق فقال‪ :‬لول أن تكون مين الصيدقة لكلتهيا" ولم يذكير فيهيا‬
‫تعري فا‪ ،‬وهذا مثيل العصيا وال سوط‪ ،‬وإن كان أشهيب قيد اسيتحسن‬
‫تعرييف ذلك‪ .‬والثانيي أن يكون يسييرا إل أن له قدر ومنفعية‪ ،‬فهذا‬
‫ل اختلف فيي المذهيب فيي تعريفيه‪ .‬واختلفوا فيي قدر ميا يعرف‪،‬‬
‫فقيل سنة‪ ،‬وقيل أياما‪ .‬وأما الثالث فهو أن يكون كثيرا أو له قدر‪،‬‬
‫فهذا ل اختلف فيي وجوب تعريفيه حول‪ .‬وأميا القسيم الثانيي وهيو‬
‫ميا ل يبقيى بييد ملتقطيه ويخشيى علييه التلف‪ ،‬فإن هذا يأكله كان‬
‫غنييا أو فقيرا‪ ،‬وهيل يضمين؟ فييه روايتان كميا قلنيا الشهير أن ل‬
‫ضمان‪ .‬واختلفوا إن وجييد مييا يسييرع إليييه الفسيياد فييي الحاضرة‬
‫فقييل ل ضمان علييه‪ ،‬وقييل علييه الضمان‪ ،‬وقييل بالفرق بيين أن‬
‫يتصدق به فل يضمن‪ ،‬أو يأكله فيضمن‪.‬‬
‫وأما القسم الثالث فهو كالبل‪ ،‬أعني أن الختيار عنده فيه الترك‬
‫للنيص الوارد فيي ذلك‪ ،‬فإن أخذهيا وجيب تعريفهيا‪ ،‬والختيار تركهيا؛‬
‫وقييل فيي المذهيب هيو عام فيي جمييع الزمنية؛ وقييل إنميا هيو فيي‬
‫زمان العدل‪ ،‬وأن الفضييل فييي زمان غييير العدل التقاطهييا‪ .‬وأمييا‬
‫ضمانهييا فييي الذي تعرف فيييه‪ ،‬فإن العلماء اتفقوا على أن ميين‬
‫التقطهييا وأشهييد على التقاطهييا فهلكييت عنده أنييه غييير ضاميين‪،‬‬
‫واختلفوا إذا لم يشهد‪ ،‬فقال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد‬
‫بين الحسين‪ :‬ل ضمان علييه إن لم يضييع وإن لم يشهيد؛ وقال أبيو‬
‫حنيفييية وزفييير‪ :‬يضمنهيييا إن هلكيييت ولم يشهيييد‪ .‬اسيييتدل مالك‬
‫والشافعيي بأن اللقطية وديعية فل ينقلهيا ترك الشهاد مين المانية‬
‫إلى الضمان‪ ،‬قالوا‪ :‬وهيي وديعية بميا جاء مين حدييث سيليمان بين‬
‫بلل وغيره أنييه قال‪ :‬إن جاء صيياحبها وإل فلتكيين وديعيية عندك‪.‬‬
‫واسيتدل أبيو حنيفية وزفير بحدييث مطرف بين الشخيير عين عياض‬
‫بن حمار قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من التقط‬
‫لقطيية فليشهييد ذوي عدل عليهييا ول يكتييم ول يعنييت‪ ،‬فإن جاء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫صاحبها فهو أحق بها‪ ،‬وإل فهو مال الله يؤتيه من يشاء"‪ .‬وتحصيل‬
‫المذهيب فيي ذلك أن واجيد اللقطية عنيد مالك ل يخلو التقاطيه لهيا‬
‫مين ثلثية أوجيه‪ :‬أحدهيا أن يأخذهيا على جهية الغتيال لهيا‪ .‬والثانيي‬
‫أن يأخذهييا على جهيية اللتقاط‪ .‬والثالث أن يأخذهييا ل على جهيية‬
‫اللتقاط ول على جهييية الغتيال‪ ،‬فإن أخذهيييا على جهييية اللتقاط‬
‫فهي أمانة عنده عليه حفظها وتعريفها‪ ،‬فإن ردها بعد أن التقطها‬
‫فقال ابين القاسيم‪ :‬يضمين؛ وقال أشهيب‪ :‬ل يضمين إذا ردهيا فيي‬
‫موضعها‪ ،‬فإن ردها في غير موضعها ضمن كالوديعة‪ ،‬والقول قوله‬
‫فيي تلفهيا دون يميين إل أن يتهيم‪ .‬وأميا إذا قبضهيا مغتال لهيا فهيو‬
‫ضامين لهيا‪ ،‬ولكين ل يعرف هذا الوجيه إل مين قبله‪ .‬وأميا الوجيه‬
‫الثالث فهيو مثيل أن يجيد ثوبيا فيأخذه‪ ،‬وهيو يظنيه لقوم بيين يدييه‬
‫ليسيألهم عنيه‪ ،‬فهذا إن لم يعرفوه ول ادعوه كان له أن يرد حييث‬
‫وجده ول ضمان علييييه باتفاق عنيييد أصيييحاب مالك‪ .‬وتتعلق بهذا‬
‫الباب مسييألة اختلف العلماء فيهييا‪ ،‬وهييو العبييد يسييتهلك اللقطيية‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬إنهيا فيي رقبتيه إميا أن يسيلمه سييده فيهيا‪ ،‬وإميا أن‬
‫يفدييه بقيمتهيا‪ ،‬هذا إذا كان اسيتهلكه قبيل الحول‪ ،‬فإن اسيتهلكها‬
‫بعيد الحول كانيت دينيا علييه ولم تكين فيي رقبتيه؛ وقال الشافعيي‪:‬‬
‫إن علم بذلك السييد فهيو الضامين‪ ،‬وإن لم يعلم بهيا السييد كانيت‬
‫في رقبة العبد‪ .‬واختلفوا هل يرجع الملتقط بما أنفق على اللقطة‬
‫على صيييياحبها أم ل؟ فقال الجمهور‪ :‬ملتقييييط اللقطيييية متطوع‬
‫بحفظهييا فل يرجييع بشيييء ميين ذلك على صيياحب اللقطيية‪ .‬وقال‬
‫الكوفيون‪ :‬ل يرجيع بميا أنفيق إل أن تكون النفقية عين إذن الحاكيم‪،‬‬
‫وهذه المسيألة هيي مين أحكام اللتقاط‪ ،‬وهذا القدر كاف بحسيب‬
‫غرضنا في هذا الباب‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في اللقيط‪.‬‬
‫@‪-‬والنظيير فييي أحكام اللتقاط وفييي الملتقييط واللقيييط وفييي‬
‫أحكامه‪.‬‬
‫وقال الشافعيي كيل شييء ضائع ل كافيل له فالتقاطيه مين فروض‬
‫الكفايات‪ ،‬وفييي وجوب الشهاد عليييه خيفيية السييترقاق خلف‪،‬‬
‫والخلف فييييه مبنيييي على الختلف فيييي الشهاد على اللقطييية‪.‬‬
‫واللقيط‪ :‬هو الصبي الصغير غير البالغ‪ ،‬وإن كان مميزا‪ ،‬ففيه في‬
‫مذهب الشافعي تردد‪ ،‬والملتقط‪ :‬هو كل حر عدل رشيد‪ ،‬وليس‬
‫العبد والمكاتب بملتقط‪ ،‬والكافر يلتقط الكافر دون المسلم‪ ،‬لنه‬
‫ل وليية له علييه‪ ،‬ويلتقيط المسيلم الكافير‪ ،‬وينزع مين ييد الفاسيق‬
‫والمبذر‪ ،‬وليس من شرط الملتقط الغنى‪ ،‬ول تلزم نفقة الملتقط‬
‫على مين التقطيه‪ ،‬وإن أنفيق لم يرجيع علييه بشييء‪ .‬وأميا أحكاميه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فإنه يحكم له بحكم السلم إن التقطه في دار المسلمين ويحكم‬


‫للطفيل بالسيلم بحكيم أبييه عنيد مالك‪ .‬وعنيد الشافعيي بحكيم مين‬
‫أسيلم منهميا‪ ،‬وبيه قال ابين وهيب مين أصيحاب مالك‪ .‬وقيد اختلف‬
‫في اللقيط فقيل إنه عبد لمن التقطه‪ ،‬وقيل إنه حر وولؤه لمن‬
‫التقطه‪ ،‬وقيل إنه حر وولؤه للمسلمين‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ .‬والذي‬
‫تشهد له الصول إل أن يثبت في ذلك أثر تخصص به الصول مثل‬
‫قوله علييه الصيلة والسيلم‪ :‬ترث المرأة ثلثية‪ :‬لقيطهيا وعتيقهيا‬
‫وولدها الذي ل عنت عليه‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الوديعة‪.‬‬
‫@‪-‬وجيل المسيائل المشهورة بيين فقهاء المصيار فيي هذا الكتاب‬
‫هييي فييي أحكام الوديعيية‪ :‬فمنهييا أنهييم اتفقوا على أنهييا أمانيية ل‬
‫مضمونيية‪ ،‬إل مييا حكييي عيين عميير ابيين الخطاب‪ .‬قال المالكيون‪:‬‬
‫والدلييييل على أنهيييا أمانييية أن الله أمييير برد المانات ولم يأمييير‬
‫بالشهاد‪ ،‬فوجيب أن يصيدق فيي المسيتودع فيي دعواه رد الوديعية‬
‫ميع يمينيه إن كذبيه المودع‪ ،‬قالوا‪ :‬إل أن يدفعهيا إلييه ببينية فإنيه ل‬
‫يكون القول قوله‪ ،‬قالوا‪ :‬لنييه إذا دفعهييا إليييه ببينيية فكأنييه ائتمنييه‬
‫على حفظهيا ولم يأتمنيه على ردهيا‪ ،‬فيصيدق فيي تلفهيا ول يصيدق‬
‫على ردهيا‪ ،‬هذا هيو المشهور عين مالك وأصيحابه؛ وقيد قييل عين‬
‫ابيين القاسييم إن القول قوله وإن دفعهييا إليييه ببينيية‪ ،‬وبييه قال‬
‫الشافعيي وأبيو حنيفية‪ ،‬وهيو القياس‪ ،‬لنيه فرق بيين التلف ودعوى‬
‫الرد‪ ،‬ويبعد أن تنتقد المانة وهذا فيمن دفع المانة إلى اليد التي‬
‫دفعتها إليه‪ .‬وأما من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه‪ ،‬فعليه‬
‫ميا على ولي اليتييم مين الشهاد عنيد مالك وإل ضمين‪ ،‬يرييد قول‬
‫الله عيز وجيل {فإذا دفعتيم إليهيم أموالهيم فأشهدوا عليهيم} فإن‬
‫أنكير القابيض القبيض فل يصيدق المسيتودع فيي الدفيع عنيد مالك‬
‫وأصحابه إل ببينة‪ ،‬وقد قيل إنه يتخرج من المذهب أنه يصدق في‬
‫ذلك‪ ،‬وسييواء عنييد مالك أميير صيياحب الوديعيية بدفعهييا إلى الذي‬
‫دفعهيا أو لم يأمير؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن كان ادعيى دفعهيا إلى مين‬
‫أمره بدفعهيا فالقول قول المسيتودع ميع يمينيه‪ ،‬فإن أقير المدفوع‬
‫إليه بالوديعة‪ ،‬أعني إذا كان غير المودع وادعى التلف فل يخلو أن‬
‫يكون المسييتودع دفعهييا إلى أمانيية وهييو وكيييل المسييتودع أو إلى‬
‫ذمية‪ ،‬فإن كان القابيض أمينيا فاختلف فيي ذلك قول ابين القاسيم‬
‫فقال مرة‪ :‬يبرأ الدافع بتصديق القابض‪ ،‬وتكون المصيبة من المر‬
‫الوكييل بالقبيض‪ ،‬ومرة قال‪ :‬ل ييبرأ الدافيع إل بإقامية البينية على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الدفييع أو يأتييي القابييض بالمال‪ .‬وأمييا إن دفييع إلى ذميية‪ ،‬مثييل أن‬
‫يقول رجييل للذي عنده الوديعيية ادفعهييا إلي سييلفا أو تسييلفا فييي‬
‫سيلعة أو ميا أشبيه ذلك‪ ،‬فإن كانيت الذمية قائمية برئ الدافيع فيي‬
‫المذهب من غير خلف‪ ،‬وإن كانت الذمة خربة فقولن‪.‬‬
‫والسيبب فيي هذا اختلفهيم كله أن المانية تقوي دعوى المدعيي‬
‫حتييى يكون القول قوله مييع يمينييه؛ فميين شبييه أمانيية الذي أمره‬
‫المودع أن يدفعهييا إليييه‪ ،‬أعنييي الوكيييل بأمانيية المودع عنده قال‪:‬‬
‫يكون القول قوله في دعواه التلف كدعوى المستودع عنده؛ ومن‬
‫رأى أن تلك المانة أضعف قال‪ :‬ل يبرأ الدافع بتصديق القابض مع‬
‫دعوى التلف؛ ومييين رأى المأمور بمنزلة المييير قال‪ :‬القول قول‬
‫الدافيع للمأمور كميا كان القول قوله ميع المير‪ ،‬وهيو مذهيب أبيي‬
‫حنيفة؛ ومن رأى أنه أضعف منه قال‪ :‬الدافع ضامن إل أن يحضر‬
‫القابيض المال‪ ،‬وإذا أودعهيا بشرط الضمان فالجمهور على أنيه ل‬
‫يضمن‪ ،‬وقال الغير‪ :‬يضمن‪ .‬وبالجملة فالفقهاء يرون بأجمعهم أنه‬
‫ل ضمان على صياحب الوديعية إل أن يتعدى ويختلفون فيي أشياء‬
‫هيل هيي تعيد أم لييس بتعيد؟ فمين مسيائلهم المشهورة فيي هذا‬
‫الباب إذا أنفيق الوديعية ثيم رد مثلهيا أو أخرجهيا لنفقتيه ثيم ردهيا‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يسيقط عنييه الضمان بحالة مثييل إذا ردهييا؛ وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬إن ردهيا بعينهيا قبيل أن ينفقهيا لم يضمين‪ ،‬وإن رد مثلهيا‬
‫ضمين؛ وقال عبيد الملك والشافعيي‪ :‬يضمين فيي الوجهيين جميعيا؛‬
‫فمن غلظ المر ضمنه إياها بتحريكها ونية استنفاقها؛ ومن رخص‬
‫لم يضمنهيا إذا أعاد مثلهيا‪ .‬ومنهيا اختلفهيم فيي السيفر بهيا‪ ،‬فقال‬
‫مالك لييس له أن يسيافر بهيا إل أن تعطيى له فيي سيفر؛ وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬له أن يسيافر بهيا إذا كان الطرييق آمنيا ولم ينهيه صياحب‬
‫الوديعية‪ .‬ومنهيا أنيه لييس للمودع عنده أن يودع الوديعية غيره مين‬
‫غيير عذر‪ ،‬فإن فعيل ضمين؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن أودعهيا عنيد مين‬
‫تلزمه نفقته لم يضمن‪ ،‬لنه شبهه بأهل بيته‪.‬‬
‫وعنيد مالك له أن يسيتودع ميا أودع عنيد عياله الذيين يأمنهيم وهيم‬
‫تحت غلقه من زوج أو ولد أو أمة أو من أشبههم‪ .‬وبالجملة فعند‬
‫الجمييع أنيه يجيب علييه أن يحفظهيا مميا جرت بيه عادة الناس أن‬
‫تحفيظ أموالهيم‪ ،‬فميا كان بينيا مين ذلك أنيه حفيظ اتفيق علييه‪ ،‬وميا‬
‫كان غيير بيين أنيه حفيظ اختلف فييه‪ ،‬مثيل اختلفهيم فيي المذهيب‬
‫فيمن جعل وديعة في جيبه فذهبت‪ ،‬والشهر أنه يضمن‪ .‬وعند ابن‬
‫وهيب أن مين أودع وديعية فيي المسيجد فجعلهيا على نعله فذهبيت‬
‫أنيه ل ضمان علييه‪ ،‬ويختلف فيي المذهيب فيي ضمانهيا بالنسييان‪،‬‬
‫مثل أن ينساها في موضع أو أن ينسى من دفعها إليه‪ ،‬أو يدعيها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رجلن‪ ،‬فقييل يحلفان وتقسيم بينهميا‪ ،‬وقييل إنيه يضمين لكيل واحيد‬
‫منهما‪ ،‬وإذا أراد السفر فله عند مالك أن يودعها عند ثقة من أهل‬
‫البلد ول ضمان علييييه قدر على دفعهيييا إلى الحاكيييم أو لم يقدر‪.‬‬
‫واختلف في ذلك أصحاب الشافعي‪ ،‬فمنهم من يقول‪ :‬إن أودعها‬
‫لغيير الحاكيم ضمين‪ .‬وقبول الوديعية عنيد مالك ل يجيب فيي حال‪،‬‬
‫ومين العلماء مين يرى أنيه واجيب إذا لم يجيد المودع مين يودعهيا‬
‫عنده‪ ،‬ول أجير للمودع عنده على حفيظ الوديعية‪ ،‬وميا تحتاج إلييه‬
‫مين مسيكن أو نفقية فعلى ربهيا‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي فرع‬
‫مشهور‪ ،‬وهو فيمن أودع مال فتعدى فيه واتجر به فربح فيه‪ ،‬هل‬
‫ذلك الربيييح حلل له أم ل؟ فقال مالك واللييييث وأبيييو يوسيييف‬
‫وجماعية‪ :‬إذا رد المال طاب له الربيح وإن كان غاصيبا للمال فضل‬
‫عين أن يكون مسيتودعا عنده؛ وقال أبيو حنيفية وزفير ومحميد بين‬
‫الحسين‪ :‬يؤدي الصيل ويتصيدق بالربيح؛ وقال قوم‪ :‬لرب الوديعية‬
‫الصييل والربييح؛ وقال قوم‪ :‬هييو مخييير بييين الصييل والربييح؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬البيع الواقع في تلك التجارة فاسد‪ ،‬وهؤلء هم الذين أوجبوا‬
‫التصيييدق بالربيييح إذا مات‪ .‬فمييين اعتيييبر التصيييرف قال‪ :‬الربيييح‬
‫للمتصيرف؛ ومين اعتيبر الصيل قال‪ :‬الربيح لصياحب المال‪ .‬ولذلك‬
‫لميا أمير عمير رضيي الله عنيه ابنييه عبيد الله وعبييد الله أن يصيرفا‬
‫المال الذي أسلفهما أبو موسى الشعري من بيت المال‪ ،‬فتجروا‬
‫فييه فربحيا‪ ،‬قييل له‪ :‬لو جعلتيه قراضيا‪ ،‬فأجاب إلى ذلك‪ ،‬لنيه قيد‬
‫روي أنييه قييد حصييل للعامييل جزء ولصيياحب المال جزء‪ ،‬وأن ذلك‬
‫عدل‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب العارية‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي العاريية فيي أركانهيا وأحكامهيا‪ .‬وأركانهيا خمسية‪:‬‬
‫العارة‪ ،‬والمعير‪ ،‬والمستعير‪ ،‬والمعار‪ ،‬والصيغة‪ .‬أما العارة فهي‬
‫فعيل محيير ومندوب إلييه‪ ،‬وقيد شدد فيهيا قوم مين السيلف الول‪.‬‬
‫روي عن عبد الله بن عباس وعبد الله ابن مسعود أنهما قال في‬
‫قوله تعالى {ويمنعون الماعون} أنيييه متاع البييييت الذي يتعاطاه‬
‫الناس بينهييم ميين الفأس والدلو والحبييل والقدر ومييا أشبييه ذلك‪.‬‬
‫وأما المعير فل يعتبر فيه إل لكونه مالكا للعارية إما لرقبتها وإما‬
‫لمنفعتها‪ ،‬والظهر أنها ل تصح من المستعير أعني أن يعيرها‪ .‬وأما‬
‫العاريية فتكون فييي الدور والرضيين والحيوان‪ ،‬وجميييع ميا يعرف‬
‫بعينييه إذا كانييت منفعتييه مباحيية السييتعمال‪ ،‬ولذلك ل تجوز إباحيية‬
‫الجوار للسييتمتاع‪ .‬ويكره للسييتخدام إل أن تكون ذا محرم‪ .‬وأمييا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫صيغة العارة‪ ،‬فهي كل لفظ يدل على الذن‪ ،‬وهي عقد جائز عند‬
‫الشافعي وأبي حنيفة‪ :‬أي للمعير أن يسترد عاريته إذا شاء؛ وقال‬
‫مالك فيي المشهور‪ :‬لييس له اسيترجاعها قبيل النتفاع‪ ،‬وإن شرط‬
‫مدة ميا لزمتيه تلك المدة‪ ،‬وإن لم يشترط مدة لزمتيه مين المدة‬
‫ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك العارية‪ .‬وسبب الخلف ما يوجد‬
‫فيهيا مين شبيه العقود اللزمية وغيير اللزمية‪ .‬وأميا الحكام فكثيرة‪،‬‬
‫وأشهرهييا هييل هييي مضمونيية أو أمانيية؟ فمنهييم ميين قال‪ :‬إنهييا‬
‫مضمونييية وإن قاميييت البينييية على تلفهيييا‪ ،‬وهيييو قول أشهيييب‬
‫والشافعيي‪ ،‬وأحيد قولي مالك؛ ومنهيم مين قال نقييض هذا‪ ،‬وهيو‬
‫أنها ليست مضمونة أصل‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة؛ ومنهم من قال‪:‬‬
‫يضمين فيميا يغاب علييه إذا لم يكين على التلف بينية‪ ،‬ول يضمين‬
‫فيميا ل يغاب علييه‪ ،‬ول فيميا قاميت البينية على تلفيه‪ ،‬وهيو مذهيب‬
‫مالك المشهور وابيين القاسييم وأكثيير أصييحابه‪ .‬وسييبب الخلف‬
‫تعارض الثار فيي ذلك‪ ،‬وذلك أنيه ورد فيي الحدييث الثابيت أنيه قال‬
‫عليييه الصييلة والسييلم لصييفوان بيين أمييية "بييل عارييية مضمونيية‬
‫مؤداة" وفيي بعضهيا "بيل عاريية مؤداة" وروي عنيه أنيه قال "لييس‬
‫على المستعير ضمان" فمن رجح وأخذ بهذا أسقط الضمان عنه‪،‬‬
‫ومين أخيذ بحدييث صيفوان ابين أميية ألزميه الضمان؛ ومين ذهيب‬
‫مذهييب الجمييع فرق بييين مييا يغاب عليييه وبييين مييا ل يغاب عليييه‪،‬‬
‫فحمل هذا الضمان على ما يغاب عليه‪ ،‬والحديث الخر على ما ل‬
‫يغاب علييه‪ ،‬إل أن الحد يث الذي فيه لييس على المستعير ضمان‪،‬‬
‫غيير مشهور‪ ،‬وحدييث صيفوان صيحيح‪ ،‬ومين لم يير الضمان شبههيا‬
‫بالوديعيية؛ وميين فرق قال‪ :‬الوديعيية مقبوضيية لمنفعيية الدافييع‪،‬‬
‫والعارية لمنفعة القابض‪.‬‬
‫واتفقوا فيي الجارة على أنهيا غيير مضمونية‪ :‬أعنيي الشافعيي وأبيا‬
‫حنيفية ومالكيا‪ ،‬ويلزم الشافعيي إذا سيلم أنيه ل ضمان علييه فيي‬
‫الجارة أن ل يكون ضمان فيي العاريية إن سيلم أن سيبب الضمان‬
‫هو النتفاع‪ ،‬لنه إذا لم يضمن حيث قبض لمنفعتهما فأحرى أن ل‬
‫يضمين حييث قبيض لمنفعتيه إذا كانيت منفعية الدافيع مؤثرة فيي‬
‫إسيقاط الضمان‪ .‬واختلفوا إذا شرط الضمان‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يضمين؛‬
‫وقال قوم‪ :‬ل يضمين‪ ،‬والشرط باطيل؛ ويجيئ على قول مالك إذا‬
‫اشترط الضمان فيي الموضيع الذي ل يجيب فييه علييه الضمان أن‬
‫يلزم إجارة المثل في استعماله العارية لن الشرط يخرج العارية‬
‫عيين حكييم العارييية إلى باب الجارة الفاسييدة إذا كان صيياحبها لم‬
‫يرض أن يعيرهيا إل بأن يخرجهيا فيي ضمانيه‪ ،‬فهيو عوض مجهول‬
‫فيجب أن يرد إلى معلوم‪ .‬واختلف عن مالك والشافعي إذا غرس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المسيتعير وبنيى ثيم انقضيت المدة التيي اسيتعار إليهيا‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫المالك بالخيار إن شاء أخييذ المسييتعير بقلع غراسييته وبنائه‪ ،‬وإن‬
‫شاء أعطاه قيمته مقلوعا إذا كان مما له قيمة بعد القلع‪ ،‬وسواء‬
‫عنيد مالك انقضيت المدة المحدودة بالشرط أو بالعرف أو العادة؛‬
‫وقال الشافعييي‪ :‬إذا لم يشترط عليييه القلع فليييس له مطالبتييه‬
‫بالقلع‪ ،‬بل يخير المعير بأن يبقيه بأجر يعطاه‪ ،‬أو ينقض بأرش‪ ،‬أو‬
‫يتملك ببدل‪ ،‬فأيهميا أراد المعيير أجيبر عليييه المسييتعير‪ ،‬فإن أبييى‬
‫كلف تفريييغ الملك‪ .‬وفييي جواز بيعتييه للنقييض عنده خلف‪ ،‬لنييه‬
‫معرض للنقييض‪ ،‬فرأى الشافعييي أن آخذه المسييتعير بالقلع دون‬
‫أرش هو ظلم؛ ورأى مالك أن عليه إخلء المحل‪ ،‬وأن العرف في‬
‫ذلك يتنزل منزلة الشروط‪ ،‬وعنييد مالك أنييه إن اسييتعمل العارييية‬
‫اسيتعمال ينقصيها عين السيتعمال المأذون فييه ضمين ميا نقصيها‬
‫بالسيتعمال‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي الرجيل يسيأل جاره أن‬
‫يعيره جداره ليغرز فيييه خشبيية لمنفعيية ول تضيير صيياحب الجدار‬
‫وبالجملة في كل ما ينتفع به المستعير ول ضرر على المعير فيه‪،‬‬
‫فقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬ل يقضي عليه به إذ العارية ل يقضى بها‪،‬‬
‫وقال الشافعييي وأحمييد وأبييو ثور وداود وجماعيية أهييل الحديييث‪:‬‬
‫يقضى بذلك‪ ،‬وحجتهم ما خرجه مالك عن ابن شهاب عن العرج‬
‫عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ل يمنع‬
‫أحدكييم جاره أن يغرز خشبيية فييي جداره" ثييم يقول أبييي هريرة‪:‬‬
‫مالي أراكم عنها معرضين‪ ،‬والله لرمين بها بين أكتافكم‪.‬‬
‫واحتجوا أيضا بما رواه مالك عن عمر بن الخطاب أن الضحاك بن‬
‫قييس سياق خليجيا له مين العرييض‪ ،‬فأرادوا أن يمير بيه فيي أرض‬
‫محميد بين مسيلمة‪ ،‬فأبيى محميد‪ ،‬فقال له الضحاك‪ :‬أنيت تمنعنيي‬
‫وهيو لك منفعية‪ ،‬تسيقي منيه أول وآخرا ول يضرك؟ فأبيى محميد‪،‬‬
‫فكلم فيييه الضحاك عميير بيين الخطاب‪ ،‬فدعييا عميير محمييد بيين‬
‫مسييلمة‪ ،‬فأمره أن يخلي سييبيله‪ ،‬قال محمييد‪ :‬ل‪ ،‬فقال عميير‪ :‬ل‬
‫تمنع أخاك ما ينفعه ول يضرك‪ ،‬فقال محمد‪ :‬ل‪ ،‬فقال عمر‪ :‬والله‬
‫ليمرن به ولو على بطنك‪ ،‬فأمره عمر أن يمر به‪ ،‬ففعل الضحاك‪.‬‬
‫وكذلك حديث عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال‪ :‬كان في‬
‫حائط جدي ربيييع لعبييد الرحميين بيين عوف‪ ،‬فأراد أن يحوله إلى‬
‫ناحية من الحائط‪ ،‬فمنعه صاحب الحائط‪ ،‬فكلم عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫فقضيى لعبيد الرحمين بين عوف بتحويله وقيد عذل الشافعيي مالكيا‬
‫لدخاله هذه الحادييث فيي موطئه‪ ،‬وتركيه الخيذ بهيا‪ .‬وعمدة مالك‬
‫وأبي حنيفة قوله عليه الصلة والسلم "ل يحل مال امرئ مسلم‬
‫إل عين طييب نفيس منيه" وعنيد الغيير أن عموم هذا مخصيص بهذه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحادييث‪ ،‬وبخاصية حدييث أبيي هريرة‪ .‬وعنيد مالك أنهيا محمولة‬


‫على الندب‪ ،‬وأنيييه إذا أمكييين أن تكون مختصييية وأن تكون على‬
‫الندب فحملهييا على الندب أولى‪ ،‬لن بناء العام على الخاص إنمييا‬
‫يجيب إذا لم يمكين بينهميا جميع ووقيع التعارض‪ .‬وروى أصيبغ عين‬
‫ابين القاسيم‪ :‬أ نه ل يؤخيذ بقضاء عمر على محميد بن مسلمة فيي‬
‫الخلييج‪ ،‬ويؤخيذ بقضائه لعبيد الرحمين بين عوف فيي تحوييل الربييع‪،‬‬
‫وذلك أنه رأى أن تحويل الربيع أيسر من أن يمر عليه بطريق لم‬
‫يكن قبل‪ ،‬وهذا القدر كاف بحسب غرضنا‪.‬‬
‫بسييم الله الرحميين الرحيييم‪ ،‬وصييلى الله على سيييدنا محمييد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما‬
‫*‪*2‬كتاب الغصب‬
‫@‪-‬وفييييه بابان‪ :‬الول‪ :‬فيييي الضمان‪ ،‬وفييييه ثلثييية أركان‪ :‬الول‪:‬‬
‫الموجييب للضمان‪ .‬والثانييي‪ :‬مييا فيييه الضمان‪ .‬والثالث‪ :‬الواجييب‪.‬‬
‫وأما الباب الثاني‪ :‬فهو في الطوارئ على المغصوب‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في الضمان‪.‬‬
‫@‪(-‬الركن الول) وأما الموجب للضمان‪ ،‬فهو إ ما المباشرة لخذ‬
‫المال المغصيوب أو إتلفيه‪ ،‬وإميا المباشرة للسيبب المتلف‪ ،‬وإميا‬
‫إثبات اليييد عليييه‪ .‬واختلفوا فييي السييبب الذي يحصييل بمباشرتييه‬
‫الضمان إذا تناول التلف بواسطة سبب آخر‪ ،‬هل يحصل به ضمان‬
‫أم ل؟ وذلك مثل أن يفتح قفصا فيه طائر فيطير بعد الفتح‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬يضمنيه هاجيه على الطيران أو لم يهجيه‪ .‬وقال أبيو حنيفية ل‬
‫يضمن على حال؛ وفرق الشافعي بين أن يهيجه على الطيران أو‬
‫ل يهيجيه‪ ،‬فقال‪ :‬يضمين إن هاجيه‪ ،‬ول يضمين إن لم يهيجيه؛ ومين‬
‫هذا ميين حفيير بئرا فسييقط فيييه شيييء فهلك؛ فمالك والشافعييي‬
‫يقولن‪ :‬إن حفره بحييث أن يكون حفره تعدييا ضمين ميا تلف فييه‬
‫وإل لم يضمين‪ ،‬ويجييء على أصيل أبيي حنيفية أنيه ل يضمين فيي‬
‫مسيألة الطائر‪ ،‬وهيل يشترط فيي المباشرة العميد أو ل يشترط؟‬
‫فالشهر أن الموال تضمن عمدا وخطأ‪ ،‬وإن كانوا قد اختلفوا في‬
‫مسائل جزئية من هذا الباب‪ ،‬وهل يشترط فيه أن يكون مختارا؟‬
‫فالمعلوم عين الشافعيي أنيه يشترط أن يكون مختارا‪ ،‬ولذلك رأى‬
‫على المكره الضمان‪ :‬أعني المكره على التلف‪.‬‬
‫@‪(-‬الركن الثاني) وأما ما يجب فيه الضمان فهو كل مال أتلفت‬
‫عينه أو تلفت عند الغاصب عينه بأمر من السماء أو سلطت اليد‬
‫عليييه وتملك‪ ،‬وذلك فيمييا ينقييل ويحول باتفاق‪ .‬واختلفوا فيمييا ل‬
‫ينقيل ول يحول مثيل العقار‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬إنهيا تضمين بالغصيب‪،‬‬
‫أعنييي أنهييا إن انهدمييت للدار ضميين قيمتهييا؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬ل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يضمين‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل كون ييد الغاصيب على العقار مثيل‬
‫كون يده على ميا ينقيل ويحول؟ فمين جعيل حكيم ذلك واحدا قال‬
‫بالضمان؛ ومن لم يجعل حكم ذلك واحدا قال‪ :‬ل ضمان‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الثالث) وهييو الواجييب فييي الغصييب‪ ،‬والواجييب على‬
‫الغاصييييب إن كان المال قائمييييا عنده بعينييييه لم تدخله زيادة ول‬
‫نقصيان أن يرده بعينيه‪ ،‬وهذا ل خلف فييه‪ ،‬فإذا ذهبيت عينيه فإنهيم‬
‫اتفقوا على أنيه إذا كان مكيل أو موزونيا أن على الغاصيب المثيل‪،‬‬
‫أعنيي مثيل ميا اسيتهلك صيفة ووزنيا واختلفوا فيي العروض فقال‬
‫مالك‪ :‬ل يقضيى فيي العروض مين الحيوان وغيره إل بالقيمية يوم‬
‫استهلك؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة وداود‪ :‬الواجب في ذلك مثل‬
‫ول تلزم القيميية إل عنييد عدم المثييل‪ .‬وعمدة مالك حديييث أبييي‬
‫هريرة المشهور عيين النييبي صييلى الله عليييه وسييلم "ميين أعتييق‬
‫شقصا له في عبد قوم عليه الباقي قيمة العدل" الحديث‪ .‬ووجه‬
‫الدلييل منيه أنيه لم يلزميه المثيل وألزميه القيمية‪ .‬وعمدة الطائفية‬
‫الثانيية قوله تعالى {فجزاء مثيل ميا قتيل مين النعيم} ولن منفعية‬
‫الشييء قيد تكون هيي المقصيودة عنيد المتعدى علييه‪ .‬ومين الحجية‬
‫لهيم ميا خرجيه أبيو داود مين حدييث أنيس وغيره "أن رسيول الله‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم كان عنييد بعييض نسييائه‪ ،‬فأرسييلت إحدى‬
‫أمهات المؤمنين جارية بقصعة لها فيها طعام‪ ،‬قال‪ :‬فضربت بيدها‬
‫فكسيرت القصيعة‪ ،‬فأخيذ النيبي صيلى الله علييه وسيلم الكسيرتين‬
‫فضييم إحداهمييا إلى الخرى وجعييل فيهييا جميييع الطعام ويقول‪:‬‬
‫غارت أمكم كلوا كلوا‪ ،‬حتى جاءت قصعتها التي في بيتها‪ ،‬وحبس‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم القصييعة حتييى فرغوا‪ ،‬فدفييع‬
‫الصيحفة الصيحيحة إلى الرسيول‪ ،‬وحبيس المكسيورة فيي بيتيه"‬
‫وفي حديث آخر "أن عائشة كانت هي التي غارت وكسرت الناء‪،‬‬
‫وأنهييا قالت لرسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‪ :‬مييا كفارة مييا‬
‫صنعت؟ قال‪ :‬إناء مثل إناء‪ ،‬وطعام مثل طعام"‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في الطوارئ‪.‬‬
‫@‪-‬والطوارئ على المغصوب إما بزيادة وإما بنقصان‪ ،‬وهذان إما‬
‫ميين قبييل المخلوق‪ ،‬وإمييا ميين قبييل الخالق‪ .‬فأمييا النقصييان الذي‬
‫يكون بأميير ميين السييماء فإنييه ليييس له إل أن يأخذه ناقصييا‪ ،‬أو‬
‫يضمنه قيمته يوم الغصب؛ وقيل إن له أن يأخذ ويضمن الغاصب‬
‫قيمية العييب‪ .‬وأميا إن كان النقيص بجنايية الغاصيب فالمغصيوب‬
‫مخيير فيي المذهيب بيين أن يضمنيه القيمية يوم الغصيب أو يأخذه‪،‬‬
‫وما نقصته الجناية يوم الجناية عند ابن القاسم وعند سحنون ما‬
‫نقصيته الجنايية يوم الغصيب؛ وذهيب أشهيب إلى أنيه مخيير بيين أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يضمنيه القيمية أو يأخذه ناقصيا‪ ،‬ول شييء له فيي الجنايية كالذي‬


‫يصاب بأمر من السماء‪ ،‬وإليه ذهب ابن المواز‪ .‬والسبب في هذا‬
‫الختلف أن مين جعيل المغصيوب مضمونيا على الغاصيب بالقيمية‬
‫يوم الغصب جعل ما حدث فيه من نماء أو نقصان‪ ،‬كأنه حدث في‬
‫ملك صيحيح‪ ،‬فأوجيب له الغلة ولم يوجيب علييه فيي النقصيان شيئا‬
‫سواء كان من سببه أو من عند الله‪ ،‬وهو قياس قول أبي حنيفة‪.‬‬
‫وبالجملة فقياس قول مين يضمنيه قيمتيه يوم الغصيب فقيط‪ .‬ومين‬
‫جعل المغصوب مضمونا على الغاصب بقيمته في كل أوان كانت‬
‫يده علييييه آخذة بأرفيييع القييييم‪ ،‬وأوجيييب علييييه رد الغلة وضمان‬
‫النقصان‪ ،‬سواء كان من فعله أو من عند الله‪ ،‬وهو قول الشافعي‬
‫أو قياس قوله‪ .‬ومين فرق بيين الجنايية التيي تكون مين الغاصيب‪،‬‬
‫وبيين الجنايية التيي تكون بأمير مين السيماء‪ ،‬وهيو مشهور مذهيب‬
‫مالك؛ وابيين القاسييم فعمدتييه قياس الشبييه‪ ،‬لنييه رأى أن جناييية‬
‫الغاصيب على الشييء الذي غصيبه هيو غصيب ثان متكرر منيه‪ ،‬كميا‬
‫لو جنيى علييه وهيو فيي ملك صياحبه‪ ،‬فهذا هيو نكتية الختلف فيي‬
‫هذا الباب فقف عليه‪.‬‬
‫وأمييا إن كانييت الجناييية عنييد الغاصييب ميين غييير فعييل الغاصييب‪،‬‬
‫فالمغصيوب مخيير بيين أن يضمين الغاصيب القيمية يوم الغصيب‬
‫ويتبع الغاصب الجاني‪ ،‬وبين أن يترك الغاصب ويتبع الجاني بحكم‬
‫الجنايات‪ ،‬فهذا حكيم الجنايات على العيين فيي ييد الغاصيب‪ .‬وأميا‬
‫الجنايية على العيين مين غيير أن يغصيبها غاصيب‪ ،‬فإنهيا تنقسيم عنيد‬
‫مالك إلى قسيمين‪ :‬جنايية تبطيل يسييرا مين المنفعية‪ ،‬والمقصيود‬
‫مين الشييء باق‪ ،‬فهذا يجيب فييه ميا نقيص يوم الجنايية‪ ،‬وذلك بأن‬
‫يقوم صيحيحا ويقوم بالجنايية‪ ،‬فيعطيي ميا بيين القيمتيين‪ .‬وأميا إن‬
‫كانييت الجناييية ممييا تبطييل الغرض المقصييود‪ ،‬فإن صيياحبه يكون‬
‫مخيرا إن شاء أسيلمه للجانيي وأخيذ قيمتيه‪ ،‬وإن شاء أخيذ قيمية‬
‫الجنايية؛ وقال الشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬لييس له إل قيمية الجنايية‪.‬‬
‫وسيييبب الختلف اللتفات إلى الحميييل على الغاصيييب‪ ،‬وتشيييبيه‬
‫إتلف أكثير المنفعية بإتلف العيين‪ .‬وأميا النماء فإنيه على قسيمين‪:‬‬
‫أحدهمييا أن يكون بفعييل الله كالصييغير يكييبر والمهزول يسييمن‬
‫والعييب يذهيب‪ .‬والثانيي أن يكون مميا أحدثيه الغاصيب‪ .‬فأميا الول‬
‫فإنييه ليييس بفوت‪ .‬وأمييا النماء بمييا أحدثييه الغاصييب فييي الشيييء‬
‫المغصييوب فإنييه ينقسييم فيمييا رواه ابيين القاسييم عيين مالك إلى‬
‫قسمين‪ :‬أحدهما أن يكون قد جعل فيه من ماله ما له عين قائمة‬
‫كالصبغ في الثوب والنقش في البناء وما أشبه ذلك‪ .‬والثاني أن ل‬
‫يكون قييد جعييل فيييه ميين ماله سييوى العمييل كالخياطيية والنسييج‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وطحين الحنطية والخشبية يعميل منهيا توابييت‪ .‬فأميا الوجيه الول‪،‬‬


‫وهيو أن يجعيل فييه مين ماله ميا له عيين قائمية‪ ،‬فإنيه ينقسيم إلى‬
‫قسيمين‪ :‬أحدهميا أن يكون ذلك الشييء مميا يمكنيه إعادتيه على‬
‫حاله كالبقعة يبنيها وما أشبه ذلك‪ .‬والثاني أن ل يقدر على إعادته‬
‫كالثوب يصيبغه والسيويق يلتيه فأميا الوجيه الول فالمغصيوب منيه‬
‫مخيير بيين أن يأمير الغاصيب بإعادة البقعية على حالهيا وإزالة ماله‬
‫فيهيا مميا جعله مين نقيض أو غيره‪ ،‬وبيين أن يعطيي الغاصيب قيمية‬
‫ماله فيهيا مين النقيض مقلوعيا بعيد حيط أجير القلع‪ ،‬وهذا إذا كان‬
‫الغاصب ممن ل يتولى ذلك بنفسه ول بغيره‪ ،‬وإنما يستأجر عليه؛‬
‫وقيل إنه ل يحط من ذلك أجر القلع‪ ،‬هذا إن كانت له قيمة‪ ،‬وأما‬
‫إن لم تكين له قيمية لم يكين للغاصيب على المغصيوب فييه شييء‪،‬‬
‫لن مين حيق المغصيوب أن يعييد له الغاصيب ميا غصيب منيه على‬
‫هيئته‪ ،‬فإن لم يطالبه بذلك لم يكن له مقال‪.‬‬
‫وأميا الوجيه الثانيي فهيو فييه مخيير بيين أن يدفيع قيمية الصيبغ وميا‬
‫أشبهه ويأخذ ثوبه وبين أن يضمنه قيمة الثوب يوم غصبه‪ ،‬إل في‬
‫السيويق الذي يلتيه فيي السيمن وميا أشبيه ذلك مين الطعام‪ ،‬فل‬
‫يخيير فييه لميا يدخله مين الربيا ويكون ذلك فوتيا يلزم الغاصيب فييه‬
‫المثيل‪ ،‬أو القيمية فيميا ل مثيل له‪ .‬وأميا الوجيه الثانيي مين التقسييم‬
‫الول‪ ،‬وهيو أن ل يكون أحدث الغاصيب فيميا أحدثيه فيي الشييء‬
‫المغصيوب سيوى العميل‪ ،‬فإن ذلك أيضيا ينقسيم قسيمين‪ :‬أحدهميا‬
‫أن يكون ذلك يسيييرا ل ينتقييل بييه الشيييء عيين اسييمه بمنزلة‬
‫الخياطة في الثوب أو الرفولة (‪ )1‬والثا ني أن يكون العمل كثيرا‬
‫ينتقل به الشيء المغصوب عن اسمه كالخشبة يعمل منها تابوتا‬
‫والقميح يطحنيه والغزل ينسيجه والفضية يصيوغها حلييا أو دراهيم‬
‫فأميا الوجيه الول فل حيق فييه للغاصيب‪ ،‬ويأخيذ المغصيوب منيه‬
‫الشيييء المغصييوب معمول‪ ،‬وأمييا الوجييه الثانييي فهييو فوت يلزم‬
‫الغاصيب قيمية الشييء المغصيوب يوم غصيبه أو مثله فيميا له مثيل‬
‫هذا تفصييل مذهيب ابين القاسيم فيي هذا المعنيى؛ وأشهيب يجعيل‬
‫ذلك كله للمغصييوب‪ ،‬أصييله مسييألة البنيان فيقول‪ :‬إنييه ل حييق‬
‫للغاصييب فيمييا ل يقدر على أخذه ميين الصييبغ والرفييو والنسييج‬
‫والدباغ والطحين‪.‬‬
‫وقييد روي عيين ابيين عباس أن الصييبغ تفويييت يلزم الغاصييب فيييه‬
‫القيمية يوم الغصيب‪ ،‬وقيد قييل إنهميا يكونان شريكيين‪ ،‬هذا بقيمية‬
‫الصبغ‪ ،‬وهذا بقيمة الثوب إن أبى رب الثوب أن يدفع قيمة الصبغ‪،‬‬
‫وإن أبييى الغاصييب أن يدفييع قيميية الثوب‪ ،‬وهذا القول أنكره ابيين‬
‫القاسم في المدونة في كتاب اللقطة وقال‪ :‬إن الشركة ل تكون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إل فيميا كان بوجيه شبهية جليية‪ .‬وقول الشافعيي فيي الصيبغ مثيل‬
‫قول ابين القاسيم إل أنيه يجييز الشركية بينهميا ويقول‪ :‬إنيه يؤمير‬
‫الغاصيييب بقلب الصيييبغ إن أمكنيييه وإن نقيييص الثوب‪ ،‬ويضمييين‬
‫للمغصيوب مقدار النقصيان‪ ،‬وأصيول الشرع تقتضيي أن ل يسيتحل‬
‫ماله الغاصيب مين أجيل غصيبه‪ ،‬وسيواء كان منفعية أو عينيا‪ ،‬إل أن‬
‫يحتيج محتيج بقوله علييه الصيلة والسيلم "لييس لعرق ظالم حيق"‬
‫لكين هذا مجميل‪ ،‬ومفهوميه الول أنيه لييس له منفعية متولدة بيين‬
‫ماله وبيين الشييء الذي غصيبه‪ ،‬أعنيي ماله المتعلق بالمغصيوب‪،‬‬
‫فهذا هو حكم الواجب في عين المغصوب تغير أو لم يتغير‪ .‬وأما‬
‫حكم غلته‪ ،‬فاختلف في ذلك في المذهب على قولين‪ :‬أحدهما أن‬
‫حكيم الغلة حكيم الشييء المغصيوب‪ ،‬والثانيي أن حكمهميا بخلف‬
‫الشيييء المغصييوب؛ فميين ذهييب إلى أن حكمهمييا حكييم الشيييء‬
‫المغصيوب وبيه قال أشهيب مين أصيحاب مالك يقول‪ :‬إنميا تلزميه‬
‫الغلة يوم قبضهيا أو أكثير مميا انتهيت إلييه بقيمتهيا على قول مين‬
‫يرى أن الغاصب يلزمه أرفع القيم من يوم غصبها ل قيمة الشيء‬
‫المغصوب يوم الغصب‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫(‪"[ )1‬الرفولة"‪ :‬الصل غير واضح‪ ،‬فليتنبه‪ .‬دار الحديث‪].‬‬
‫‪----------‬‬
‫وأميييا الذيييين ذهبوا إلى أن حكيييم الغلة بخلف حكيييم الشييييء‬
‫المغصيوب‪ ،‬فاختلفوا فيي حكمهيا اختلفيا كثيرا بعيد اتفاقهيم على‬
‫أنهييا إن تلفييت ببينيية أنييه ل ضمان على الغاصييب‪ ،‬وأنييه إن ادعييى‬
‫تلفها لم يصدق وإن كان مما ل يغاب عليه‪ .‬وتحصيل مذهب هؤلء‬
‫في حكم الغلة هو أن الغلل تنقسم إلى ثلثة أقسام‪ :‬أحدها غلة‬
‫متولدة عن الشيء المغصوب على نوعه وخلقته وهو الولد‪ ،‬وغلة‬
‫متولدة عن الشيء ل على صورته‪ ،‬وهو مثل الثمر ولبن الماشية‬
‫وجبنهيا وصيوفها‪ ،‬وغلل غيير متولدة بيل هيي منافيع‪ ،‬وهيي الكريية‬
‫والخراجات وميا أشبيه ذلك‪ .‬فأميا ميا كان على خلقتيه وصيورته فل‬
‫خلف أعلمه أن الغا صب يرده كالولد مع الم المغصوبة وإن كان‬
‫ولد الغاصيب‪ .‬وإنميا اختلفوا فيي ذلك إذا ماتيت الم‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫هييو مخييير بييين الولد وقيميية الم؛ وقال الشافعييي‪ :‬بييل يرد الولد‬
‫وقيميية الم وهييو القياس‪ .‬وأمييا إن كان متولدا على غييير خلقيية‬
‫الصييل وصييورته ففيييه قولن‪ :‬أحدهمييا أن للغاصييب ذلك المتولد‪.‬‬
‫والثانييي أنييه يلزمييه رده مييع الشيييء المغصييوب إن كان قائمييا أو‬
‫قيمتهييا إن ادعييى تلفهييا ولم يعرف ذلك إل ميين قوله‪ ،‬فإن تلف‬
‫الشييء المغصيوب كان مخيرا بيين أن يضمنيه بقيمتيه ول شييء له‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي الغلة‪ ،‬وبين أن يأخذه بالغلة ول شيء له من القيمة‪ .‬وأ ما ما‬


‫كان غييير متولد‪ ،‬فاختلفوا فيييه على خمسيية أقوال‪ :‬أحدهييا أنييه ل‬
‫يلزمه رده جملة من غير تفصيل‪ .‬والثاني أنه يلزمه رده من غير‬
‫تفصييل أيضيا‪ .‬والثالث أنيه يلزميه الرد إن أكرى‪ ،‬ول يلزميه الرد إن‬
‫انتفييع أو عطييل‪ .‬والرابييع يلزمييه إن أكرى أو انتفييع‪ .‬ول يلزمييه إن‬
‫عطل‪.‬‬
‫والخامس الفرق بين الحيوان والصول‪ ،‬أعني أنه يرد قيمة منافع‬
‫الصييول‪ ،‬ول يرد قيمية منافييع الحيوان‪ ،‬وهذا كله فيميا اغتيل مين‬
‫العييين المغصييوبة مييع عينهييا وقيامهييا‪ .‬وأمييا ميين مييا اغتييل منهييا‬
‫بتصييريفها وتحويييل عينهييا كالدنانييير فيغتصييبها فيتجيير بهييا فيربييح‪،‬‬
‫فالغلة قول واحدا في المذهب؛ وقال قوم‪ :‬الربح للمغصوب وهذا‬
‫أيضييا إذا قصييد غصييب الصييل‪ .‬وأمييا إذا قصييد غصييب الغلة دون‬
‫الصيل فهيو ضامين للغلة بإطلق‪ ،‬ول خلف فيي ذلك سيواء عطيل‬
‫أو انتفيع أو أكرى‪ ،‬كان مميا يزال بيه أو بميا ل يزال بيه؛ وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬إنيه مين تعدى على دابية رجيل فركبهيا أو حميل عليهيا فل‬
‫كراء عليه في ركوبه إياها ول في حمله‪ ،‬لنه ضامن لها إن تلفت‬
‫فيي تعدييه‪ ،‬وهذا قوله فيي كيل ميا ينقيل ويحول‪ ،‬فإنيه لميا رأى أنيه‬
‫قيد ضمنيه بالتعدي وصيار فيي ذمتيه جازت له المنفعية كميا تقول‬
‫المالكية فيما تجر به من المال المغصوب‪ ،‬وإن كان الفرق بينهما‬
‫أن الذي تجيير بييه تحولت عينييه‪ ،‬وهذا لم تتحول عينييه‪ .‬وسييبب‬
‫اختلفهييم فييي هييل يرد الغاصييب الغلة أو ل يردهييا اختلفهييم فييي‬
‫تعمييم قوله علييه الصيلة والسيلم "الخراج بالضمان" وقوله علييه‬
‫الصييلة والسييلم "ليييس لعرق ظالم حييق" وذلك أن قوله عليييه‬
‫الصييلة والسييلم هذا خرج على سييبب‪ ،‬وهييو فييي غلم قيييم فيييه‬
‫بعييب‪ ،‬فأراد الذي صيرف علييه أن يرد المشتري غلتيه‪ ،‬وإذا خرج‬
‫العام على سيبب هيل يقصير على سيببه أم يحميل على عموميه؟‬
‫فيه خلف بين فقهاء المصار مشهور‪ ،‬فمن قصر ههنا هذا الحكم‬
‫على سيببه قال‪ :‬إنميا تجيب الغلة مين قبيل الضمان فيميا صيار إلى‬
‫النسان بشبهة‪ ،‬مثل أن يشتري شيئا فيستغله فيستحق منه‪ .‬وأما‬
‫ميا صيار إلييه بغيير وجيه شبهية فل تجوز له الغلة لنيه ظالم‪ ،‬ولييس‬
‫لعرق ظالم حييق‪ ،‬فعمييم هذا الحديييث فييي الصييل والغلة‪ :‬أعنييي‬
‫عموم هذا الحدييث وخصيص الثانيي‪ .‬وأميا مين عكيس المير فعميم‬
‫قوله عليييه الصييلة والسييلم "الخراج بالضمان" على أكثيير ميين‬
‫السييبب الذي خرج عليييه‪ ،‬وخصييص قوله عليييه الصييلة والسييلم‬
‫"ليس لعرق ظالم حق" بأن جعل ذلك في الرقبة دون الغلة قال‪:‬‬
‫ل يرد الغلة الغاصب‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأميا مين المعنيى كميا تقدم مين قولنيا فالقياس أن تجري المنافيع‬
‫والعيان المتولدة مجرى واحدا‪ ،‬وأن يعتييبر التضميين أو ل يعتييبر‪.‬‬
‫وأمييا سييائر القاويييل التييي بييين هذييين فهييي اسييتحسان‪ .‬وأجمييع‬
‫العلماء على أن مين اغترس نخل أو ثمرا بالجملة ونباتيا فيي غيير‬
‫أرضيه أنيه يؤمير بالقلع لميا ثبيت مين حدييث مالك عين هشام بين‬
‫عروة عين أبييه أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم قال "مين‬
‫أحييا أرضيا ميتية فهيي له ولييس لعرق ظالم حيق" والعرق الظالم‬
‫عندهيم هيو ميا اغترس فيي أرض الغيير‪ .‬وروى أبيو داود فيي هذا‬
‫الحدييث زيادة عين عروة‪ :‬ولقيد حدثنيي الذي حدثنيي هذا الحدييث‬
‫"أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس‬
‫أحدهما نخل في أرض الخر‪ ،‬فقضى لصاحب الرض بأرضه‪ ،‬وأمر‬
‫صاحب النخل أن يخرج نخلة منها" قال‪ :‬فلقد رأيتها وإنما لتضرب‬
‫أصيولها بالفؤوس وإنهيا لنخيل عيم حتيى أخرجيت منهيا‪ ،‬إل ميا روي‬
‫فيي المشهور عين مالك "أن مين زرع زرعيا فيي أرض غيره وفات‬
‫أوان زراعتييه لم يكيين لصيياحب الرض أن يقلع زرعييه‪ ،‬وكان على‬
‫الزراع كراء الرض‪ .‬وقيد روي عنيه ميا يشبيه قياس قول الجمهور‪،‬‬
‫وعلى قوله‪ :‬إن كيل ميا ل ينتفيع الغاصيب بيه إذا قلعيه وأزاله أنيه‬
‫للمغصيييوب يكون الزرع على هذا للزارع‪ .‬وفرق قوم بيييين الزرع‬
‫والثمار فقالوا‪ :‬الزارع في أرض غيره له نفقته وزريعته‪ ،‬وهو قول‬
‫كثير من أهل المدينة‪ ،‬وبه قال أبو عبيد وروي عن رافع بن خديج‬
‫أنه قال عليه الصلة والسلم "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم‬
‫فله نفقتييه وليييس له ميين الزرع شيييء"‪ .‬واختلف العلماء فييي‬
‫القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال‪ :‬أحدها‬
‫أن كيل دابية مرسيلة فصياحبها ضامين لميا أفسيدته‪ .‬والثانيي أن ل‬
‫ضمان علييييه‪ .‬والثالث أن الضمان على أرباب البهائم باللييييل‪ ،‬ول‬
‫ضمان عليهم فيما أفسدته بالنهار‪.‬‬
‫والرابع وجوب الضمان في غير المنفلت ول ضمان في المنفلت‪،‬‬
‫ومميين قال‪ :‬يضميين بالليييل ول يضميين بالنهار مالك والشافعييي؛‬
‫وبأن ل ضمان عليهييم أصييل قال أبييو حنيفيية وأصييحابه؛ وبالضمان‬
‫بإطلق قال الليييث‪ ،‬إل أن الليييث قال‪ :‬ل يضميين أكثيير ميين قيميية‬
‫الماشيية‪ ،‬والقول الرابيع مروي عين عمير رضيي الله عنيه‪ .‬فعمدة‬
‫مالك والشافعييييي فييييي هذا الباب شيئان‪ :‬أحدهمييييا قوله تعالى‬
‫{وداود وسييليمان إذ يحكمان فييي الحرث إذ نفشييت فيييه غنييم‬
‫القوم} والنفيش عنيد أهيل اللغية ل يكون إل باللييل‪ ،‬وهذا الحتجاج‬
‫على مذهييب ميين يرى أنييا مخاطبون بشرع ميين قبلنييا‪ .‬والثانييي‬
‫مرسييله عيين ابيين شهاب "أن ناقيية للبراء بيين عازب دخلت حائط‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قوم فأفسدت فيه‪ ،‬فقضى ر سول الله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫على أهييل الحوائط بالنهار حفظهييا‪ ،‬وإن مييا أفسييدته المواشييي‬
‫باللييل ضامين على أهلهيا" أي مضمون‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية قوله‬
‫عليييه الصييلة والسييلم "العجماء جرحهييا جبار" وقال الطحاوي‪:‬‬
‫وتحقيق مذهب أبي حنيفة أنه ل يضمن إذا أرسلها محفوظة‪ ،‬فأما‬
‫إذا لم يرسييلها محفوظيية فيضميين؛ والمالكييية تقول‪ :‬ميين شرط‬
‫قولنا أن تكون الغنم في المسرح وأما إذا كانت في أرض مزرعة‬
‫ل مسيرح فيهيا فهيم يضمنون ليل ونهارا وعمدة مين رأى الضمان‬
‫فيمييا أفسييدت ليل ونهارا شهادة الصييول له‪ ،‬وذلك أنييه تعييد ميين‬
‫المرسييل‪ ،‬والصييول على أن على المتعدي الضمان‪ ،‬ووجييه ميين‬
‫فرق بيييين المنفلت وغيييير المنفلت بيييين‪ ،‬فإن المنفلت ل يملك‪.‬‬
‫فسيبب الخلف فيي هذا الباب معارضية الصيل للسيمع‪ ،‬ومعارضية‬
‫السييماع بعضييه لبعييض‪ ،‬أعنييي أن الصييل يعارض "جرح العجماء‬
‫جبار" ويعارض أيضييا التفرقيية التييي فييي حديييث البراء‪ ،‬وكذلك‬
‫التفرقية التيي فيي حدييث البراء تعارض أيضيا قوله "جرح العجماء‬
‫جبار"‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابيييع‪- :)1 ...‬والطوارئ على المغصيييوب إميييا بزيادة وإميييا‬
‫بنقصان‪ ،‬وهذان إما من قبل‪... ...‬‬
‫ومين مسيائل هذا الباب المشهورة اختلفهيم فيي حكيم ميا يصياب‬
‫مين أعضاء الحيوان‪ ،‬فروي عين عمير بين الخطاب أنيه قضيى فيي‬
‫عيين الدابية بربيع ثمنهيا‪ ،‬وكتيب إلى شرييح فأمره بذلك‪ ،‬وبيه قال‬
‫الكوفيون‪ ،‬وقضى به عمر بن عبد العزيز؛ وقال الشافعي ومالك‪:‬‬
‫يلزم فيمييا أصيييب ميين البهيميية مييا نقييص فييي ثمنهييا قياسييا على‬
‫التعدي فيي الموال؛ والكوفيون اعتمدوا فيي ذلك على قول عمير‬
‫رضييي الله عنييه وقالوا‪ :‬إذا قال الصيياحب قول ول مخالف له ميين‬
‫الصيحابة وقوله ميع هذا مخالف للقياس وجيب العميل بيه لنيه يعلم‬
‫أنه إن ما صار إلى القول به من جهة التوقيف‪ ،‬فسبب الخلف إذا‬
‫معارضيية القياس لقول الصيياحب‪ .‬وميين هذا الباب اختلفهييم فييي‬
‫الجميل الصيئول وميا أشبهيه يخاف الرجيل على نفسيه فيقتله‪ ،‬هيل‬
‫يجيب علييه غرميه أم ل؟ فقال مالك والشافعيي‪ :‬ل غرم علييه إذا‬
‫بان أنه خافه على نفسه؛ وقال أبو حنيفة والثوري‪ :‬يضمن قيمته‬
‫على كيل حال‪ .‬وعمدة مين لم يير الضمان القياس على مين قصيد‬
‫رجل فأراد قتله‪ ،‬فدافيع المقصيود عين نفسيه فقتيل فيي المدافعية‬
‫القاصيد المتعدي أنيه لييس علييه قود‪ ،‬وإذا كان ذلك فيي النفيس‬
‫كان في المال أحرى‪ ،‬لن النفس أعظم حرمة من المال‪ ،‬وقياسا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أيضيا على إهدار دم الصييد الحرميي إذا صيال وتمسيك بيه حذاق‬
‫أصيييحاب الشافعيييي‪ .‬وعمدة أبيييي حنيفييية أن الموال تضمييين‬
‫بالضرورة إليهيا‪ ،‬أصيله المضطير إلى طعام الغيير ول حرمية للبعيير‬
‫مين جهية ميا هيو ذو نفيس‪ .‬ومين هذا الباب اختلفهيم فيي المكرهية‬
‫على الزنيى‪ ،‬هيل على مكرههيا ميع الحيد صيداق أم ل؟ فقال مالك‬
‫والشافعيي واللييث‪ :‬علييه الصيداق والحيد جميعيا؛ وقال أبيو حنيفية‬
‫والثوري‪ :‬عليييه الحييد ول صييداق عليييه‪ ،‬وهييو قول ابيين شبرميية‪.‬‬
‫وعمدة مالك أنيه وجيب علييه حقان‪ :‬حيق لله وحيق للدميي‪ ،‬فلم‬
‫يسيقط أحدهميا الخير‪ ،‬أصيله السيرقة التيي يجيب بهيا عندهيم غرم‬
‫المال والقطييع‪ .‬وأمييا ميين لم يوجييب الصييداق‪ ،‬فتعلق فييي ذلك‬
‫بمعنيييين‪ :‬أحدهمييا أنييه إذا اجتمييع حقان‪ :‬حييق لله وحييق للمخلوق‬
‫سقط حق المخلوق لحق الله‪ ،‬وهذا على رأي الكوفيين في أنه ل‬
‫يجمع على السارق غرم وقطع‪ .‬والمعنى الثاني أن الصداق ليس‬
‫مقابل البضع‪ ،‬وإنما هو عبادة إذ كان النكاح شرعيا‪ ،‬وإذا كان ذلك‬
‫كذلك فل صداق في النكاح الذي على غير الشرع‪ .‬ومن مسائلهم‬
‫المشهورة فييي هذا الباب ميين غصييب أسييطوانة فبنييى عليهييا بناء‬
‫يسياوي قائميا أضعاف قيمية السيطوانة‪ ،‬فقال مالك والشافعيي‪:‬‬
‫يحكم على الغاصب بالهدم ويأخذ المغصوب منه أسطونته؛ وقال‬
‫أبييو حنيفيية‪ :‬تفوت بالقيميية كقول مالك فيميين غييير المغصييوب‬
‫بصناعة لها قيمة كثيرة؛ وعند الشافعي ل يفوت المغصوب بشيء‬
‫من الزيادة‪ .‬وهنا انقضى هذا الكتاب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الستحقاق‪.‬‬
‫@‪-‬وجييل النظيير فييي هذا الكتاب هييو فييي أحكام السييتحقاق‪،‬‬
‫وتحصييل أصيول هذا الكتاب أن الشييء المسيتحق مين ييد إنسيان‬
‫بمييا تثبييت بييه الشياء فييي الشرع لمسييتحقها إذا صييار إلى ذلك‬
‫النسييان الذي اسييتحق ميين يده الشيييء المسييتحق بشراء أنييه ل‬
‫يخلو مين أن يسيتحق مين ذلك الشييء أقله أو كله أو جله‪ ،‬ثيم إذا‬
‫اسيتحق منيه كله أو جله فل يخلو أن يكون قيد تغيير عنيد الذي هيو‬
‫بيده بزيادة أو نقصان أو يكون لم يتغير‪ ،‬ثم ل يخلو أيضا أن يكون‬
‫المسيتحق منيه قيد اشتراه بثمين أو مثمون‪ .‬فأميا إن كان اسيتحق‬
‫منيه أقله‪ ،‬فإنيه إنميا يرجيع عنيد مالك على الذي اشتراه منيه بقيمية‬
‫مييا اسييتحق ميين يده‪ ،‬وليييس له أن يرجييع بالجميييع‪ .‬وأمييا إن كان‬
‫اسييتحق كله أو جله‪ ،‬فإن كان لم يتغييير أخذه المسييتحق ورجييع‬
‫المستحق من يده على الذي اشتراه منه بثمن ما اشتراه منه إن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كان اشتراه بثمن‪ ،‬وإن كان اشتراه بالمثمون رجع بالمثمون بعينه‬
‫إن كان لم يتغير‪ ،‬فإن تغير تغيرا يوجب اختلف قيمته رجع بقيمته‬
‫يوم الشراء‪ ،‬وإن كان المال المستحق قد بيع‪ ،‬فإن للمستحق أن‬
‫يمضي البيع ويأخذ الثمن أو يأخذه بعينه‪ ،‬فهذا هو حكم المستحق‬
‫والمسييتحق ميين يده مييا لم يتغييير الشيييء المسييتحق‪ ،‬فإن تغييير‬
‫الشيييء المسييتحق فل يخلو أن يتغييير بزيادة أو نقصييان‪ .‬فأمييا إن‬
‫كان تغيير بزيادة فل يخلو أن يتغيير بزيادة مين قبيل الذي اسيتحق‬
‫من يده الشيء‪ ،‬أو بزيادة من ذات الشيء‪ .‬فأما الزيادة من ذات‬
‫الشيء فيأخذها المستحق‪ ،‬مثل أن تسمن الجارية أو يكبر الغلم‪.‬‬
‫وأما الزيادة من قبل المستحق منه‪ ،‬فمثل أن يشتري الدار فبنى‬
‫فيهييا فتسييتحق ميين يده‪ ،‬فإنييه مخييير بييين أن يدفييع قيميية الزيادة‬
‫ويأخيذ ميا اسيتحقه وبيين أن يدفيع إلييه المسيتحق مين يده قيمية ميا‬
‫اسيتحق أو يكونيا شريكيين‪ ،‬هذا بقدر قيمية ميا اسيتحق مين يده‪،‬‬
‫وهذا بقدر قيمية ميا بنيى أو غرس‪ ،‬وهيو قضاء عمير بين الخطاب‪.‬‬
‫وأمييا إن كانييت الزيادة ولدة ميين قبييل المسييتحق منييه‪ ،‬مثييل أن‬
‫يشتري أميية فيولدهييا ثييم تسييتحق منييه أو يزوجهييا على أنهييا حرة‬
‫فتخرج أميية‪ ،‬فإنهييم اتفقوا على أن المسييتحق ليييس له أن يأخييذ‬
‫أعيان الولد‪ ،‬واختلفوا فييي أخييذ قيمتهييم‪ .‬وأمييا الم فقيييل يأخذهييا‬
‫بعينهييا‪ ،‬وقيييل يأخييذ قيمتهييا‪ .‬وأمييا إن كان الولد بنكاح فاسييتحقت‬
‫بعبوديية فل خلف أن لسييدها أن يأخذهيا ويرجيع الزوج بالصيداق‬
‫على ميين غره‪ ،‬وإذا ألزمناه قيميية الولد لم يرجييع بذلك على ميين‬
‫غره‪ ،‬لن الغرر لم يتعلق بالولد‪ .‬وأما غلة الشيء المستحق‪ ،‬فإنه‬
‫إذا كان ضامنييا بشبهيية ملك فل خلف أن الغلة للمسييتحق منييه‪،‬‬
‫وأعنيي بالضمان أنهيا تكون مين خسيارته إذا هلكيت عنده‪ .‬وأميا إذا‬
‫كان غييير ضاميين‪ ،‬مثييل أن يكون وارثييا فيطرأ عليييه وارث آخيير‬
‫فيستحق بعض ما في يده فإنه يرد الغلة‪ .‬وأما إن كان غير ضامن‬
‫إل أنيه ادعيى فيي ذلك ثمنيا مثيل العبيد يسيتحق بحريية‪ ،‬فإنيه وإن‬
‫هلك عنده يرجع بالثمن ففيه قولن‪ :‬أنه ل يضمن إذا لم يجد على‬
‫مين يرجيع‪ ،‬ويضمين إذا وجيد على مين يرجيع‪ .‬وأميا مين أي وقيت‬
‫تصييح الغلة للمسييتحق؟ فقيييل يوم الحكييم‪ ،‬وقيييل ميين يوم ثبوت‬
‫الحيق‪ ،‬وقييل مين يوم توقيفيه‪ .‬وإذا قلنيا إن الغلة تجيب للمسيتحق‬
‫فيي أحيد هذه الوقات الثلثية فإذا كانيت أصيول فيهيا ثمرة فأدرك‬
‫هذا الوقيت الثمير ولم يقطيف بعده‪ ،‬فقييل إنهيا للمسيتحق ميا لم‬
‫تقطيف‪ ،‬وقييل ميا لم تيبيس‪ ،‬وقييل ميا لم يطيب ويرجيع علييه بميا‬
‫سييقى وعالج المسيتحق مين يدييه‪ ،‬وهذا إن كان اشترى الصيول‬
‫قبل البار‪ .‬وأما إن كان اشتراها بعد البار فالثمرة للمستحق عند‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ابين القاسيم إن جذت ويرجيع بالسيقي والعلج؛ وقال أشهيب‪ :‬هيي‬


‫للمسييتحق مييا لم تجييذ‪ .‬والرض إذا اسييتحقت‪ ،‬فالكراء إنمييا هييو‬
‫للمسييتحق إن وقييع السييتحقاق فييي إبان زريعيية الرض‪ .‬وأمييا إذا‬
‫خرج البان فقيد وجيب كراء الرض للمسيتحق منيه‪ .‬وأميا إن كان‬
‫بغير نقصان‪ ،‬فإن كان من غير سبب المستحق من يديه فل شيء‬
‫على المسيتحق مين يدييه‪ .‬وأميا إن كان أخيذ له ثمنيا مثيل أن يهدم‬
‫الدار فيبيع نقضها ثم يستحقها من يده رجل آخر‪ ،‬فإنه يرجع عليه‬
‫بثمين ميا باع مين النقيض‪ .‬قال القاضيي‪ :‬ولم أجيد فيي هذا الباب‬
‫خلفا يعتمد عليه فيما نقلته فيه من مذهب مالك وأصحابه‪ ،‬وهي‬
‫أصولهم في هذا الباب‪ ،‬ولكن يجيء على أصول الغير أنه إذا كان‬
‫المسيييتحق مشتري بعرض‪ ،‬وكان العرض قيييد ذهيييب أن يرجيييع‬
‫المسيتحق مين يده بعرض مثله ل بقيمتيه‪ ،‬وهيم الذيين يرون فيي‬
‫جمييع المتلفات المثيل؛ وكذلك يجييء على أصيول الغيير أن يرجيع‬
‫على المشتري إذا اسيتحق منيه قلييل أو كثيير‪ ،‬لنيه لم يدخيل على‬
‫الباقيييي ول انعقيييد علييييه بييييع ول وقيييع بيييه تراض‪ .‬كميييل كتاب‬
‫الستحقاق بحمد الله‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الهبات‬
‫@‪-‬والنظير فيي الهبية‪ :‬فيي أركانهيا‪ ،‬وفيي شروطهيا‪ ،‬وفيي أنواعهيا‪،‬‬
‫وفيي أحكامهيا‪ .‬ونحين إنميا نذكير مين هذه الجناس ميا فيهيا مين‬
‫المسائل المشهورة‪.‬‬
‫@‪-‬فنقول‪ :‬أميا الركان فهيي ثلثية‪ :‬الواهيب والموهوب له‪ ،‬والهبية‪.‬‬
‫وأمييا الواهييب فإنهييم اتفقوا على أنييه تجوز هبتييه إذا كان مالكييا‬
‫للموهوب صيييحيح الملك‪ ،‬وذلك إذا كان فيييي حال الصيييحة وحال‬
‫إطلق اليد‪ .‬واختلفوا في حال المرض وفي حال السفه والفلس‪.‬‬
‫أميا المرييض فقال الجمهور‪ :‬إنهيا فيي ثلثيه تشبيهيا بالوصيية‪ ،‬أعنيي‬
‫الهبية التامية بشروطهيا‪ .‬وقالت طائفية مين السيلف وجماعية أهيل‬
‫الظاهير‪ :‬أن هبتيه تخرج مين رأس ماله إذا مات‪ ،‬ول خلف بينهيم‬
‫أنيه إذا صيح مين مرضيه أن الهبية صيحيحة‪ .‬وعمدة الجمهور حدييث‬
‫عمران بين حصيين عين النيبي علييه الصيلة والسيلم "فيي الذي‬
‫أعتيق سيتة أعبيد عنيد موتيه‪ ،‬فأمره رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم فأعتق ثلثهم وأرق الباقي" وعمدة أهل الظاهر استصحاب‬
‫الحال‪ :‬أعنيي حال الجماع‪ ،‬وذلك أنهيم لميا اتفقوا على جواز هبتيه‬
‫في الصحة وجب استصحاب حكم الجماع في المرض إل أن يدل‬
‫دليييل ميين كتاب أو سيينة بينيية‪ ،‬والحديييث عندهييم محمول على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الوصيية‪ ،‬والمراض التيي يحجيز فيهيا عنيد الجمهور هيي المراض‬


‫المخوفيية‪ ،‬وكذلك عنييد مالك الحالت المخوفيية‪ ،‬مثييل الكون بييين‬
‫الصيفين‪ ،‬وقرب الحاميل مين الوضيع‪ ،‬وراكيب البحير المرتيج‪ ،‬وفييه‬
‫اختلف‪ .‬وأما الرض المزمنة فليس عندهم فيها تحجير‪ ،‬وقد تقدم‬
‫هذا فيي كتاب الحجير‪ .‬وأميا السيفهاء والمفلسيون فل خلف عنيد‬
‫مين يقول بالحجير عليهيم أن هبتهيم غيير ماضيية‪ .‬وأميا الموهوب‬
‫فكيل شييء صيح ملكيه‪ .‬واتفقوا على أن للنسيان أن يهيب جمييع‬
‫ماله للجنبي‪.‬‬
‫واختلفوا فيي تفضييل الرجيل بعيض ولده على بعيض فيي الهبية‪ ،‬أو‬
‫فييي هبيية جميييع ماله لبعضهييم دون البعييض‪ ،‬فقال جمهور فقهاء‬
‫المصيار بكراهيية ذلك له‪ ،‬ولكين إذا وقيع عندهيم جاز؛ وقال أهيل‬
‫الظاهير‪ :‬ل يجوز التفضييل فضل عين أن يهيب بعضهيم جمييع ماله؛‬
‫وقال مالك يجوز التفضييل ول يجوز أن يهيب بعضهيم جمييع المال‬
‫دون بعيض‪ .‬ودلييل أهيل الظاهير حدييث النعمان بين بشيير‪ ،‬وهيو‬
‫حديييث متفييق على صييحته‪ ،‬وإن كان قييد اختلف فييي ألفاظييه‪،‬‬
‫والحدييث أنيه قال "إن أباه بشيرا أتيى بيه إلى رسيول الله صيلى‬
‫الله علييه وسيلم فقال‪ :‬إنيي نحلت ابنيي هذا غلميا كان لي‪ ،‬فقال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬أكيل ولدك نحلتيه مثيل هذا؟‬
‫قال‪ :‬ل قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬فارتجعيه" واتفيق‬
‫مالك والبخاري ومسيلم على هذا اللفيظ‪ ،‬قالوا‪ :‬والرتجاع يقتضيي‬
‫بطلن الهبة‪ .‬وفي ب عض ألفاظ روايات هذا الحديث أنه قال عليه‬
‫الصييلة والسييلم "هذا جور"‪ .‬وعمدة الجمهور أن الجماع منعقييد‬
‫على أن للرجييل أن يهييب فييي صييحته جميييع ماله للجانييب دون‬
‫أولده‪ ،‬فإذا كان ذلك للجنييبي فهييو للولد أحرى‪ .‬واحتجوا بحديييث‬
‫أ بي بكر المشهور أنه كان نحل عائشة جذاذ وعشرين وسقا من‬
‫مال الغابية فلميا حضرتيه الوفاة قال‪ :‬والله ييا بنيية ميا مين الناس‬
‫أحييد أحييب إلي غنييى بعدي منييك‪ ،‬ول أعييز علي فقرا بعدي منييك‪،‬‬
‫وإنيي كنيت نحلتيك جذاذ عشريين وسيقا فلو كنيت جذذتييه واحتزتييه‬
‫كان لك‪ ،‬وإنما هواليوم مال وارث‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك الحديث المراد به‬
‫الندب‪ ،‬والدلييل على ذلك أن فيي بعيض رواياتيه‪" :‬ألسيت ترييد أن‬
‫يكونوا لك فيي البر واللطيف سيواء؟ قال‪ :‬نعيم‪ ،‬قال‪ :‬فأشهيد على‬
‫هذا غيري"‪.‬‬
‫وأمييا مالك فإنييه رأى أن النهييي عيين أن يهييب الرجييل جميييع ماله‬
‫لواحيد مين ولده هيو أحرى أن يحميل على الوجوب‪ ،‬فأوجيب عنده‬
‫مفهوم هذا الحديييث النهييي عيين أن يخييص الرجييل بعييض أولده‬
‫بجمييع ماله‪ .‬فسيبب الخلف فيي هذه المسيألة معارضية القياس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫للفيظ النهيي الوارد‪ ،‬وذلك أن النهيي يقتضيي عنيد الكثير بصييغته‬


‫التحرييم‪ ،‬كميا يقتضيي المير الوجوب؛ فمين ذهيب إلى الجميع بيين‬
‫السماع والقياس حمل الحديث على الندب‪ ،‬أو خصصه في بعض‬
‫الصيور كميا فعيل مالك‪ ،‬ول خلف عنيد القائليين بالقياس أنيه يجوز‬
‫تخصييص عموم السينة بالقياس‪ ،‬وكذلك العدول بهيا عين ظاهرهيا‬
‫أعنيييي أن يعدل بلفيييظ النهيييي عييين مفهوم الحظييير إلى مفهوم‬
‫الكراهييية‪ .‬وأمييا أهييل الظاهيير فلمييا لم يجييز عندهييم القياس فييي‬
‫الشرع اعتمدوا ظاهر الحديث وقالوا‪ :‬بتحريم التفضيل في الهبة‪.‬‬
‫واختلفوا ميين هذا الباب فييي جواز هبيية المشاع غييير المقسييوم‪،‬‬
‫فقال مالك والشافعيي وأحميد وأبيو ثور‪ :‬تصيح؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل‬
‫تصيح‪ .‬وعمدة الجماعية أن القبيض فيهيا يصيح كالقبيض فيي البييع‪.‬‬
‫وعمدة أبيي حنيفية أن القبيض فيهيا ل يصيح إل مفردة كالرهين‪ ،‬ول‬
‫خلف فييي المذهييب فييي جواز هبيية المجهول والمعدوم المتوقييع‬
‫الوجود‪ ،‬وبالجملة كيل ميا ل يصيح بيعيه فيي الشرع من جهة الغرر؛‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ما جاز بيعه جازت هبته كالدين‪ ،‬وما لم يجز بيعه‬
‫لم تجيز هبتيه‪ ،‬وكيل ميا ل يصيح قبضيه عنيد الشافعيي ل تصيح هبتيه‬
‫كالديين والرهين‪ ،‬وأميا الهبية فل بيد مين اليجاب فيهيا والقبول عنيد‬
‫الجمييييع‪ .‬ومييين شرط الموهوب له أن يكون ممييين يصيييح قبوله‬
‫وقبضه‪ .‬وأما الشروط فأشهرها القبض‪ ،‬أعني أن العلماء اختلفوا‬
‫هل القبض شرط في صحة العقد أم ل؟ فاتفق الثوري والشافعي‬
‫وأبو حنيفة أن من شرط صحة الهبة القبض‪ ،‬وأنه إذا لم يقبض لم‬
‫يلزم الواهيييب؛ وقال مالك‪ :‬ينعقيييد بالقبول ويجيييبر على القبيييض‬
‫كالبيع سواء‪ ،‬فإن تأنى الموهوب له عن طلب القبض حتى أفلس‬
‫الواهيب أو مرض بطلت الهبية‪ ،‬وله إذا باع تفصييل إن علم فتوانيى‬
‫لم يكن له إل الثمن‪ ،‬وإن قام في الفور كان له الموهوب‪.‬‬
‫فمالك‪ :‬القبيض عنده فيي الهبية مين شروط التمام ل مين شروط‬
‫الصحة‪ ،‬وهو عند الشافعي وأبي حنيفة من شروط الصحة‪ .‬وقال‬
‫أحميد وأبيو ثور‪ :‬تصيح الهبية بالعقيد‪ ،‬ولييس القبيض مين شروطهيا‬
‫أصييل‪ ،‬ل ميين شرط تمام ول ميين شرط صييحة‪ ،‬وهييو قول أهييل‬
‫الظاهر‪ .‬وقد روي عن أحمد بن حنبل أن القبض من شروطها في‬
‫المكيييل والموزون‪ .‬فعمدة ميين لم يشترط القبييض فييي الهبيية‬
‫تشبيههيا بالبييع‪ ،‬وأن الصيل فيي العقود أن ل قبيض مشترط فيي‬
‫صييحتها حتييى يقوم الدليييل على اشتراط القبييض‪ .‬وعمدة ميين‬
‫اشترط القبيض أن ذلك مروي عين أبيي بكير رضيي الله عنيه فيي‬
‫حدييث هبتيه لعائشية المتقدم‪ ،‬وهيو نيص فيي اشتراط القبيض فيي‬
‫صيحة الهبية‪ .‬وميا روى مالك عين عمير أيضيا أنيه قال‪ :‬ميا بال رجال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ينحلون أبناءهييم نحل ثييم يمسييكونها‪ ،‬فإن مات ابيين أحدهييم قال‪:‬‬
‫مالي بيدي لم أعطييه أحدا‪ ،‬وإن مات قال هييو لبنييي قييد كنييت‬
‫أعطيتيه إياه فمين نحيل نحلة فلم يحزهيا الذي نحلهيا للمنحول له‬
‫وأبقاهيا حتيى تكون إن مات لورثتيه فهيي باطلة‪ ،‬وهيو قول علي‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وهييو إجماع ميين الصييحابة‪ ،‬لنييه لم ينقييل عنهييم فييي ذلك‬
‫خلف‪ .‬وأ ما مالك فاعتمد المر ين جميعا‪ :‬أعني القياس وما روي‬
‫عين الصيحابة‪ ،‬وجميع بينهميا‪ ،‬فمين حييث هيي عقيد مين العقود لم‬
‫يكن عنده شرطا من شروط صحتها القبض‪ ،‬ومن حيث شرطت‬
‫الصيحابة فييه القبيض لسيد الذريعية التيي ذكرهيا عمير جعيل القبيض‬
‫فيهيا مين شرط التمام‪ ،‬ومين حيق الموهوب له‪ ،‬وأنيه إن تراخيى‬
‫حتييى يفوت القبييض بمرض أو إفلس على الواهييب سييقط حقييه‪.‬‬
‫وجمهور فقهاء المصار على أن الب يجوز لبنه الصغير الذي في‬
‫ولية نظره وللكبير السفيه الذي ما وهبه كما يجوز لهما ما وهبه‬
‫غيره لهييم‪ ،‬وأنييه يكفييي فييي الحيازة له إشهاده بالهبيية والعلن‬
‫بذلك‪ ،‬وذلك كله فيما عدا الذهب والفضة وفيما ل يتعين‪.‬‬
‫والصل في ذلك عندهم ما رواه مالك عن ابن شهاب عن سعيد‬
‫بين المسييب أن عثمان بين عفان قال‪ :‬مين نحيل ابنيا له صيغيرا لم‬
‫يبلغ أن يحوز نحلتيييه فأعلن ذلك وأشهيييد علييييه فهيييي حيازة وإن‬
‫وليهييا؛ وقال مالك وأصييحابه‪ :‬لبييد ميين الحيازة فييي المسييكون‬
‫والملبوس‪ ،‬فإن كانت دارا سكن فيها خرج منها‪ ،‬وكذلك الملبوس‬
‫إن لبسييه بطلت الهبيية‪ ،‬وقالوا فييي سييائر العروض بمثييل قول‬
‫الفقهاء‪ ،‬أعنيي أنيه يكفيي فيي ذلك إعلنيه وإشهاده‪ .‬وأميا الذهيب‬
‫والورق فاختلفت الرواية فيه عن مالك‪ ،‬فروي عنه أنه ل يجوز إل‬
‫أن يخرجييه الب عيين يده إلى يييد غيره‪ ،‬وروي عنييه أنييه يجوز إذا‬
‫جعلهييا فييي ظرف أو إناء وختييم عليهييا بخاتييم وأشهييد على ذلك‬
‫الشهود‪ .‬ول خلف بييين أصييحاب مالك أن الوصييي يقوم فييي ذلك‬
‫مقام الب‪ .‬واختلفوا فييي الم؛ فقال ابيين القاسييم‪ :‬ل تقوم مقام‬
‫الب‪ ،‬ورواه عيين مالك؛ وقال غيره ميين أصييحابه‪ :‬تقوم‪ ،‬وبييه قال‬
‫أبيو حنيفية؛ وقال الشافعيي‪ :‬الجيد بمنزلة الب‪ ،‬والجدة عنيد ابين‬
‫وهب أم الم تقوم مقام الم‪ ،‬والم عنده تقوم مقام الب‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في أنواع الهبات‪.‬‬
‫@‪-‬والهبية منهيا ميا هيي هبية عيين‪ ،‬ومنهيا ميا هيي هبية منفعية‪ .‬وهبية‬
‫العيين منهيا ميا يقصيد بهيا الثواب‪ ،‬ومنهيا ميا ل يقصيد بهيا الثواب‪.‬‬
‫والتيي يقصيد بهيا الثواب منهيا ميا يقصيد بهيا وجيه الله‪ ،‬ومنهيا ميا‬
‫يقصيد بيه وجيه المخلوق‪ .‬فأميا الهبية لغيير الثواب فل خلف فيي‬
‫جوازهييا‪ ،‬وإنمييا اختلفوا فييي أحكامهييا‪ .‬وأمييا هبيية الثواب فاختلفوا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيهيا؛ فأجازهيا مالك وأبيو حنيفية؛ ومنعهيا الشافعيي‪ ،‬وبيه قال داود‬
‫وأبيو ثور‪ .‬وسيبب الخلف هيل هيي بييع مجهول الثمين أو لييس بيعيا‬
‫مجهول الثمن؟ فمن رآه بيعا مجهول الثمن قال هو من نوع بيوع‬
‫الغرر التيي ل تجوز‪ ،‬ومين لم يير أنهيا بييع مجهول قال‪ :‬يجوز وكأن‬
‫مالكيا جعيل العرف فيهيا بمنزلة الشرط وهيو ثواب مثلهيا‪ ،‬ولذلك‬
‫اختلف القول عندهييم إذا لم يرض الواهييب بالثواب مييا الحكييم؟‬
‫فقييل تلزميه الهبية إذا أعطاه الموهوب القيمية‪ ،‬وقييل ل تلزميه إل‬
‫أن يرضييه‪ ،‬وهيو قول عمير على ميا سييأتي بعيد‪ ،‬فإذا اشترط فييه‬
‫الرضييا فليييس هنالك بيييع انعقييد‪ ،‬والول هييو المشهور عيين مالك‪.‬‬
‫وأميا إذا ألزم القيمية فهنالك بييع انعقيد‪ ،‬وإنميا يحميل مالك الهبية‬
‫على الثواب إذا اختلفوا فيي ذلك‪ ،‬وخصيوصا إذا دلت قرينية الحال‬
‫على ذلك مثيل أن يهيب الفقيير للغنيي‪ ،‬أو لمين يرى أنيه إنميا قصيد‬
‫بذلك الثواب‪ .‬وأمييا هبات المنافييع فمنهييا مييا هييي مؤجلة‪ ،‬وهذه‬
‫تسيمى عاريية ومنحية وميا أشبيه ذلك‪ ،‬ومنهيا ميا يشترط فيهيا ميا‬
‫بقيت حياة الموهوب له‪ ،‬وهذه تسمى العمري‪ ،‬مثل أن يهب رجل‬
‫رجل سكنى دار حياته‪ ،‬وهذه اختلف العلماء فيها على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫أحدهيا أنهيا هبية مبتوتية‪ :‬أي هبية للرقبية‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفية والثوري وأحميد وجماعية‪ .‬والقول الثانيي أنيه لييس للمعمير‬
‫مر أو إلى ورثته‪ ،‬وبه‬ ‫فيها إل المنفعة‪ ،‬فإذا مات عادت الرقبة للمع ِ‬
‫قال مالك وأصيحابه‪ ،‬وعنده أنيه إن ذكير العقيب عادت إذا انقطيع‬
‫مر أو إلى ورثتيه‪ .‬والقول الثالث أنيه إذا قال‪ :‬هيي‬‫العقيب إلى المع ِي‬
‫عمري لك ولعقبييك كانييت الرقبيية ملكييا للمعميير‪ ،‬فإذا لم يذكيير‬
‫مر أو لورثته‪ ،‬وبه قال‬ ‫العقب عادت الرقبة بعد موت المعمر للمع ِ‬
‫داود وأبيييييو ثور وسيييييبب الخلف فيييييي هذا الباب اختلف الثار‬
‫ومعارضيية الشرط والعمييل للثيير‪ .‬أمييا الثيير ففييي ذلك حديثان‪:‬‬
‫أحدهما متفق على صحته‪ ،‬وهو ما رواه مالك عن جابر أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال "أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه‬
‫فإنهييا للذي يعطاهييا ل ترجييع إلى الذي أعطاهييا أبدا" لنييه أعطييى‬
‫عطاء وقعيت فييه الموارييث‪ .‬والحدييث الثانيي حدييث أبيي الزبيير‬
‫عين جابر قال‪ :‬قال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "ييا معشير‬
‫النصييار أمسييكوا عليكييم أموالكييم ول تعمروهييا فميين أعميير شيئا‬
‫حياتيه فهيو له حياتيه ومماتيه" وقيد روي عين جابر بلفيظ آخير "ل‬
‫تعمروا ول ترقبوا فمين أعمير شيئا أو أرقبيه فهيو لورثتيه" فحدييث‬
‫أبيي الزبيير عين جابر مخالف لشرط المعمير‪ .‬وحدييث مالك عنيه‬
‫مخالف أيضيا لشرط المعمير إل أنيه يخييل أنيه أقيل فيي المخالفية‪،‬‬
‫وذلك أن ذكر العقب يوهم تبتيت العطية‪ ،‬فمن غلب الحديث على‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشرط قال بحديث أبي الزبير عن جابر‪ ،‬وحديث مالك عن جابر‬


‫ومييين غلب الشرط قال بقول مالك؛ وأميييا مييين قال إن العمرى‬
‫تعود إلى المعمير إن لم يذكير العقيب‪ ،‬ول تعود إن ذكير‪ ،‬فإنيه أخيذ‬
‫بظاهير الحدييث‪ .‬وأميا حدييث أبيي الزبيير عين جابر فمختلف فييه‪،‬‬
‫أعنيي روايية أبيي الزبيير عين جابر‪ .‬وأميا إذا أتيى بلفيظ السيكان‬
‫فقال‪ :‬أسيييكنتك هذه الدار حياتيييك‪ ،‬فالجمهور على إن السيييكان‬
‫عندهم أو الخدام بخلف العمرى وإن لفظ بالعقب‪ ،‬فسوى مالك‬
‫بيين التعميير والسيكان‪ .‬وكان الحسين وعطاء وقتادة يسيوون بيين‬
‫السكنى والتعمير في أنها ل تنصرف إلى المسكن أبدا على قول‬
‫الجمهور في العمري‪ .‬والحق أن السكان والتعمير معنى المفهوم‬
‫منهميا واحيد‪ ،‬وأنيه يجيب أن يكون الحكيم إذا صيرح بالعقيب مخالفيا‬
‫له إذا لم يصرح بذكر العقب على ما ذهب إليه أهل الظاهر‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬ومين مسيائلهم المشهورة فيي هذا الباب جواز العتصيار فيي‬
‫الهبية‪ ،‬وهيو الرجوع فيهيا‪ .‬فذهيب مالك وجمهور علماء المدينية أن‬
‫للب أن يعتصير ميا وهبيه لبنيه ميا لم يتزوج البين أو لم يسيتحدث‬
‫دينيا أو بالجملة ميا لم يترتيب علييه حيق الغيير‪ ،‬وأن للم أيضيا أن‬
‫تعتصيير مييا وهبييت إن كان الب حيييا‪ ،‬وقييد روي عيين مالك أنهييا ل‬
‫تعتصيير؛ وقال أحمييد وأهييل الظاهيير‪ :‬ل يجوز لحييد أن يعتصيير مييا‬
‫وهبيه؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬يجوز لكيل أحيد أن يعتصير ميا وهبيه إل ميا‬
‫وهيب لذي رحيم محرمية علييه‪ .‬وأجمعوا على أن الهبية التيي يراد‬
‫بهيا الصيدقة أي وجيه الله أنيه ل يجوز لحيد الرجوع فيهيا‪ .‬وسيبب‬
‫الخلف فيي هذا الباب تعارض الثار؛ فمين لم يير العتصيار أصيل‬
‫احتييج بعموم الحديييث الثابييت‪ ،‬وهييو قوله عليييه الصييلة والسييلم‬
‫"العائد فييي هبتييه كالكلب يعود فييي قيئه" وميين اسييتثنى البوييين‬
‫احتييج بحديييث طاوس أنييه قال عليييه الصييلة والسييلم "ل يحييل‬
‫لواهب أن يرجع في هبته إل الوالد" وقاس الم على الوالد؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬لو اتصييل حديييث طاوس لقلت بييه؛ وقال غيره‪ :‬قييد‬
‫اتصل من طريق حسين المعلم‪ ،‬وهو ثقة‪ .‬وأما من أجاز العتصار‬
‫إل لذوي الرحييم المحرميية‪ ،‬فاحتييج بمييا رواه مالك عيين عميير بيين‬
‫الخطاب رضيي الله عنيه أنيه قال‪ :‬مين وهيب هبية لصيلة رحيم أو‬
‫على جهية صيدقة فإنيه ل يرجيع فيهيا‪ ،‬ومين وهيب هبية يرى أنيه إنميا‬
‫أراد الثواب بها فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها‪ .‬وقالوا‬
‫أيضيا فإن الصيل أن مين وهيب شيئا عين غيير عوض أنيه ل يقضيي‬
‫عليييه بييه كمييا لو وعييد‪ ،‬إل مييا اتفقوا عليييه ميين الهبيية على وجييه‬
‫الصييدقة‪ .‬وجمهور العلماء على أن ميين تصييدق على ابنييه فمات‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البيين بعييد أن حازهييا فإنييه يرثهييا‪ .‬وفييي مرسييلت مالك أن رجل‬


‫أنصاريا من الخزرج تصدق على أبويه بصدقة فهلكا فورث ابنهما‬
‫المال وهييو نخييل‪ ،‬فسييأل عيين ذلك النييبي عليييه الصييلة والسييلم‬
‫فقال‪" :‬قيد أجرت فيي صيدقتك وخذهيا بميراثيك" وخرج أبيو داود‬
‫عين عبيد الله بن بريدة عين أبيه عين امرأة أتيت ر سول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقالت "كنت قد تصدقت على أمي بوليدة‪ ،‬وإنها‬
‫ماتت وتركت لي تلك الوليدة‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم‪ :‬وجب‬
‫أجرك ورجعيييت إلييييك بالميراث" وقال أهيييل الظاهييير‪ :‬ل يجوز‬
‫العتصيار لحيد لعموم قوله علييه الصيلة والسيلم لعمير "ل تشتره‬
‫في الفرس الذي تصدق به‪ ،‬فإن العائد في هبته كالكلب يعود في‬
‫قيئه" والحديييث متفييق على صييحته‪ .‬قال القاضييي‪ :‬والرجوع فييي‬
‫الهبية لييس مين محاسين الخلق‪ ،‬والشارع علييه الصيلة والسيلم‬
‫إنما بعث ليتمم محاسن الخلق‪ .‬وهذا القدر كاف في هذا الباب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الوصايا‬
‫@‪-‬والنظيير فيهييا أول ينقسييم قسييمين القسييم الول‪ :‬النظيير فييي‬
‫الركان‪ .‬والثانيي‪ :‬فيي الحكام‪ .‬ونحين فإنميا نتكلم مين هذه فيميا‬
‫وقع فيها من المسائل المشهورة‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الركان‪.‬‬
‫@‪-‬والركان أربعييية‪ :‬الموصيييي والموصيييى له‪ ،‬والموصيييى بيييه‪،‬‬
‫والوصيية‪ .‬أميا الموصيي فاتفقوا على أنيه كيل مالك صيحيح الملك‪،‬‬
‫ويصح عند مالك وصية السفيه والصبي الذي يعقل القرب؛ وقال‬
‫أبييو حنيفيية ل تجوز وصييية الصييبي الذي لم يبلغ‪ ،‬وعيين الشافعييي‬
‫القولن وكذلك وصييية الكافيير تصييح عندهييم إذا لم يوص بمحرم‪.‬‬
‫وأمييا الموصييى له فإنهييم اتفقوا على أن الوصييية ل تجوز لوارث‬
‫لقوله علييه الصيلة والسيلم "ل وصيية لوارث" واختلفوا هيل تجوز‬
‫لغيير القرابية؟ فقال جمهور العلماء‪ :‬إنهيا تجوز لغيير القربيين ميع‬
‫الكراهيية‪ ،‬وقال الحسين وطاوس‪ :‬ترد الوصيية على القرابية‪ ،‬وبيه‬
‫قال إسييحق‪ ،‬وحجيية هؤلء ظاهيير قوله تعالى {الوصييية للوالدييين‬
‫والقربين} واللف واللم تقتضي الحصر‪ .‬واحتج الجمهور بحديث‬
‫عمران بن حصين المشهور وهو "أن رجل أعتق ستة أعبد له في‬
‫مرضيه عنيد موتيه لمال له غيرهيم‪ ،‬فأقرع رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم بينهم‪ ،‬فأعتق اثنين وأرق أربعة" والعبيد غير القرابة‪.‬‬
‫وأجمعوا ‪ -‬كمييا قلنييا ‪ -‬أنهييا ل تجوز لوارث إذا لم يجزهييا الورثيية‪.‬‬
‫واختلفوا ‪ -‬كمييا قلنييا ‪ -‬إذا أجازتهييا الورثيية‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬تجوز‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال أهيل الظاهير والمزنيي‪ :‬ل تجوز‪ .‬وسيبب الخلف هيل المنيع‬
‫لعلة الورثيية أو عبادة؟ فميين قال عبادة قال‪ :‬ل تجوز وإن أجازهييا‬
‫الورثية؛ ومين قال بالمنيع لحيق الورثية أجازهيا الورثية؛ وتردد هذا‬
‫الخلف راجيع إلى تردد المفهوم مين قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"ل وصييية لوارث" هييل هييو معقول المعنييى أم ليييس بمعقول؟‬
‫واختلفوا فيي الوصيية للمييت‪ ،‬فقال قوم‪ :‬تبطيل بموت الموصيى‬
‫له‪ ،‬وهيم الجمهور؛ وقال قوم‪ :‬ل تبطيل وفيي الوصيية للقاتيل خطيأ‬
‫وعمدا وفييي هذا الباب فرع مشهور‪ ،‬وهييو إذا أذن الورثيية للميييت‬
‫هيل لهيم أن يرجعوا فيي ذلك بعيد موتيه؟ فقييل لهيم‪ ،‬وقييل لييس‬
‫لهييم‪ ،‬وقيييل بالفرق بييين أن يكون الورثيية فييي عيال الميييت أو ل‬
‫يكونوا‪ ،‬أعنيي إنهيم إن كانوا فيي عياله كان لهيم الرجوع‪ ،‬والثلثية‬
‫القوال في المذهب‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الموصى به والنظر في جنسه وقدره‪.‬‬
‫@‪-‬أميييا جنسيييه فإنهيييم اتفقوا على جواز الوصيييية فيييي الرقاب‪،‬‬
‫واختلفوا فيييي المنافيييع فقال جمهور فقهاء المصيييار‪ :‬ذلك جائز؛‬
‫وقال ابين أبيي ليلى وابين شبرمية وأهيل الظاهير‪ :‬الوصيية بالمنافيع‬
‫باطلة‪ .‬وعمدة الجمهور أن المنافييع فييي معنييى الموال‪ .‬وعمدة‬
‫الطائفية الثانيية أن المنافيع متنقلة إلى ملك الوارث‪ ،‬لن المييت ل‬
‫ملك له فل تصييح له وصييية بمييا يوجييد فييي ملك غيره‪ ،‬وإلى هذا‬
‫القول ذهيب أبيو عمير بين عبيد البر‪ .‬وأميا القدر فإن العلماء اتفقوا‬
‫على أنييه ل تجوز الوصييية فييي أكثيير ميين الثلث لميين ترك ورثيية‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن لم يترك ورثة وفي القدر المستحب منها‪ ،‬هل هو‬
‫الثلث أو دونه؟ وإنما صار الجميع إلى أن الوصية ل تجوز في أكثر‬
‫من الثلث لمن له وارث بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم "أنه‬
‫عاد سييعد بيين أبييي وقاص فقال له يييا رسييول الله‪ :‬قييد بلغ منييي‬
‫الوجيع ميا ترى وأنيا ذو مال ول يرثنيي إل ابنية لي‪ ،‬أفأتصيدق بثلثيي‬
‫مالي؟ فقال له رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬ل ‪ ،‬فقال له‬
‫سييعد‪ :‬فالشطيير؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ثييم قال رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم‪ :‬الثلث والثلث كثيير إنيك أن تذر ورثتيك أغنياء خيير مين أن‬
‫تذرهييم عالة يتكففون الناس" فصييار الناس لمكان هذا الحديييث‬
‫إلى أن الوصيية ل تجوز بأكثير مين الثلث‪ ،‬واختلفوا فيي المسيتحب‬
‫مين ذلك‪ ،‬فذهيب قوم إلى أنيه ميا دون الثلث‪ ،‬لقوله علييه الصيلة‬
‫والسييلم فييي هذا الحديييث "والثلث كثييير" وقال بهذا كثييير ميين‬
‫السلف‪ .‬قال قتادة‪ :‬أوصى أبو بكر بالخمس‪ ،‬وأوصى عمر بالربع‪،‬‬
‫والخميس أحيب إلي‪ .‬وأميا مين ذهيب إلى أن المسيتحب هيو الثلث‬
‫فإنهيم اعتمدوا على ميا روي عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم أنيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قال "إن الله جعييل لكييم فييي الوصييية ثلث أموالكييم زيادة فييي‬
‫أعمالكم" وهذا الحديث ضعيف عند أهل الحديث‪ .‬وثبت عن ابن‬
‫عباس أنيه قال‪ :‬لوغيض الناس فيي الوصيية مين الثلث إلى الربيع‬
‫لكان أحييب إلي‪ ،‬لن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم قال‬
‫"الثلث والثلث كثيير"‪ .‬وأميا اختلفهيم فيي جواز الوصيية بأكثير مين‬
‫الثلث لمييين ل وارث له‪ ،‬فإن مالكيييا ل يجييييز ذلك والوزاعيييي‪،‬‬
‫واختلف فييه قول أحميد‪ ،‬وأجاز ذلك أبيو حنيفية وإسيحق‪ ،‬وهيو قول‬
‫ابيين مسييعود‪ .‬وسييبب الخلف هييل هذا الحكييم خاص بالعلة التييي‬
‫علله بهييا الشارع أم ليييس بخاص‪ ،‬وهييو أن ل يترك ورثتييه عالة‬
‫يتكففون الناس‪ .‬كمييا قال عليييه الصييلة والسييلم "إنييك أن تذر‬
‫ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" فمن جعل‬
‫هذا السبب خاصا و جب أن يرتفع الحكيم بارتفاع هذه العلة؛ ومن‬
‫جعيييل الحكيييم عبادة وإن كان قيييد علل بعلة‪ ،‬أو جعيييل جمييييع‬
‫المسييلمين فييي هذا المعنييى بمنزلة الورثيية قال‪ :‬ل تجوز الوصييية‬
‫بإطلق بأكثر من الثلث‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية‪.‬‬
‫@‪-‬والوصيييية بالجملة هيييي هبييية الرجيييل ماله لشخيييص آخييير أو‬
‫لشخاص بعد موته أو عتق غلمه سواء صرح بلفظ الوصية أو لم‬
‫يصرح به‪ ،‬وهذا العقد عندهم هو من العقود الجائزة باتفاق‪ ،‬أعني‬
‫أن للموصي أن يرجع فيما أوصى به‪ ،‬إل المدبر فإنهم اختلفوا فيه‬
‫على مييا سيييأتي فييي كتاب التدبييير‪ ،‬وأجمعوا على أنييه ل يجييب‬
‫للموصيى له إل بعيد موت الموصيي‪ .‬واختلفوا فيي قبول الموصيى‬
‫له هل هو شرط في صحتها أم ل؟ فقال مالك‪ :‬قبول الموصى له‬
‫إياهييا شرط فييي صييحة الوصييية؛ وروي عيين الشافعييي أنييه ليييس‬
‫القبول شرطا في صحتها‪ ،‬ومالك شبهها بالهبة‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه الحكام منها لفظية‪ ،‬ومنها حسابية‪ ،‬ومنها حكمية‪ .‬فمن‬
‫مسائلهم المشهورة الحكمية اختلفهم في حكم من أوصى بثلث‬
‫ماله لرجيل وعيين ميا أوصيى له بيه فيي ماله مميا هيو الثلث‪ ،‬فقال‬
‫الورثييية‪ :‬ذلك الذي عيييين أكثييير مييين الثلث‪ ،‬فقال مالك‪ :‬الورثييية‬
‫مخيرون بيين أن يعطوه ذلك الذي عينيه الموصيي أو يعطوه الثلث‬
‫من جميع مال الميت؛ وخالفه في ذلك أبو حنيفة والشافعي وأبو‬
‫ثور وأحمييد وداود‪ .‬وعمدتهييم أن للوصييية قييد وجبييت للموصييى له‬
‫بموت الموصيي وقبوله إياهيا باتفاق‪ ،‬فكييف ينقيل عين ملكيه ميا‬
‫وجب له بغير طيب نفس منه وتغير الوصية‪ .‬وعمدة مالك إمكان‬
‫صدق الورثة فيما ادعوه‪ ،‬وما أحسن ما رأى أبو عمر بن عبد البر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في هذه المسألة‪ ،‬وذلك أنه قال‪ :‬إذا ادعى الورثة ذلك كلفوا بيان‬
‫ميا ادعوا‪ ،‬فإن ثبيت ذلك أخيذ منيه الموصيى له قدر الثلث مين ذلك‬
‫الشييء الموصيى بيه وكان شريكيا للورثية‪ ،‬وإن كان الثلث فأقيل‬
‫جبروا على إخراجه‪ ،‬وإذا لم يختلفوا في أن ذلك الشيء الموصى‬
‫بيه هيو فرق الثلث‪ ،‬فعنيد مالك أن الورثية مخيرون بيين أن يدفعوا‬
‫إليه ما وصى له به‪ ،‬أو يفرجوا له عن جميع ثلث مال الميت‪ ،‬إما‬
‫في ذلك الشيء بعينه‪ ،‬وإما في جميع المال على اختلف الرواية‬
‫عن مالك في ذلك؛ وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬له ثلث تلك العين‬
‫ويكون بباقيييه شريكييا للورثيية فييي جميييع مييا ترك الميييت حتييى‬
‫يسيتوفي تمام الثلث‪ .‬وسيبب الخلف أن المييت لميا تعدى فيي أن‬
‫جعيل وصييته فيي شييء بعينيه‪ ،‬فهيل العدل فيي حيق الورثية أن‬
‫يخيروا بيين إمضاء الوصيية أو يفرجوا له إلى غايية ميا يجوز للمييت‬
‫أن يخرج عنهيييم مييين ماله أو يبطيييل التعدي ويعود ذلك الحيييق‬
‫مشتركا‪ ،‬وهذا هو الولى إذا قلنا إن التعدي هو في التعيين لكونه‬
‫أكثير مين الثلث‪ ،‬أعنييي أن الواجيب أن يسيقط التعييين‪ .‬وإميا أن‬
‫يكلف الورثيية أن يمضوا التعيييين أو يتخلوا عيين جميييع الثلث فهييو‬
‫حميل عليهيم‪ .‬ومين هذا الباب اختلفهيم فيمين وجبيت علييه زكاة‬
‫فمات ولم يوص بهيا وإذا وصيى بهيا فهيل هيي مين الثلث‪ ،‬أو مين‬
‫رأس المال؟ فقال مالك‪ :‬إذا لم يوص بهييييا لم يلزمييييه الورثيييية‬
‫إخراجهيا‪ ،‬وقال الشافعيي‪ :‬يلزم الورثية إخراجهيا مين رأس المال‪،‬‬
‫وإذا وصيى بهيا‪ ،‬فعنيد مالك يلزم الورثية إخراجهيا وهيي عنده مين‬
‫الثلث‪ ،‬وهيي عنيد الشافعيي فيي الوجهيين مين رأس المال شبههيا‬
‫بالديين لقول رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم "فديين الله أحيق‬
‫أن يقضى" وكذلك الكفارات الواجبة والحج الواجب عنده‪ ،‬ومالك‬
‫يجعلهييا ميين جنييس الوصييايا بالتوصييية بإخراجهييا بعييد الموت‪ ،‬ول‬
‫خلف أنه لو أخرجها في الحياة أنها من رأس المال ولو كان في‬
‫السيياق‪ ،‬وكأن مالكيا اتهميه هنيا على الورثية‪ ،‬أعنيي فيي توصييته‬
‫بإخراجهيا‪ ،‬قال‪ :‬ولو أجييز هذا لجاز للنسيان أن يؤخير جمييع زكاتيه‬
‫طول عمره إذا دنييا ميين الموت وصييى بهييا فإذا زاحمييت الوصييايا‬
‫الزكاة قدمت عند مالك على ما هو أضعف منها؛ وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫هي وسائر الوصايا سواء‪ ،‬يريد في المحاصة‪ .‬واتفق مالك وجميع‬
‫أصحابه على أن الوصايا التي يضيق عنها الثلث إذا كانت مستوية‬
‫أنها تتحاص في الثلث‪ ،‬وإذا كان بعضها أهم من بعض قدم الهم‪.‬‬
‫واختلفوا فييي الترتيييب على مييا هييو مسييطور فييي كتبهييم‪ .‬وميين‬
‫مسييائلهم الحسييابية المشهورة فييي هذا الباب إذا أوصييى لرجييل‬
‫بنصف ماله ولخر بثلثيه ورد للورثة الزائد‪ ،‬فعند مالك والشافعي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أنهمييا يقتسييمان الثلث بينهمييا أخماسييا؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬بييل‬


‫يقتسييمان الثلث بالسييوية‪ .‬وسييبب الخلف هييل الزائد على الثلث‬
‫الساقط هل يسقط العتبار به في القسمة كما يسقط في نفسه‬
‫بإسيقاط الورثية؟ فمين قال يبطيل فيي نفسيه ول يبطيل العتبار بيه‬
‫فيي القسيمة إذا كان مشاعيا قال‪ :‬يقتسيمون المال أخماسيا؛ ومين‬
‫قال يبطيل العتبار بيه كميا لو كان معينيا قال‪ :‬يقتسيمون الباقيي‬
‫على السيواء‪ .‬ومين مسيائلهم اللفظيية فيي هذا الباب إذا أوصيى‬
‫بجزء مين ماله وله مال يعلم بيه ومال ل يعلم بيه‪ ،‬فعنيد مالك أن‬
‫الوصية تكون فيما علم به دون ما لم يعلم‪ ،‬وعند الشافعي تكون‬
‫في المالين‪ .‬وسبب الخلف هل اسم المال الذي نطق به يتضمن‬
‫ميا علم وميا لم يعلم‪ ،‬أو ميا علم فقيط؟ والمشهور عين مالك أن‬
‫المدبر يكون فيي المالين إذا لم يخرج من المال الذي يعلم‪ .‬وفيي‬
‫هذا الباب فروع كثيرة وكلهيا راجعية إلى هذه الثلثية الجناس‪ ،‬ول‬
‫خلف بينهم أن للرجل أن يوصي بعد موته بأولده وأن هذه خلفة‬
‫جزئية كالخلفة العظمى الكلية التي للمام أن يوصي بها‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الفرائض‪.‬‬
‫@‪-‬والنظر في هذا الكتاب‪ ،‬فيمن يرث‪ ،‬وفيمن ل يرث‪ .‬ومن يرث‬
‫هيل يرث دائميا‪ ،‬أو ميع وارث دون وارث؛ وإذا ورث ميع غيره فكيم‬
‫يرث وكذلك إذا ورث وحده كييم يرث؟ وإذا ورث مييع وارث‪ ،‬فهيل‬
‫يختلف ذلك بحسيب وارث وارث أو ل يختلف؟‪ .‬والتعلييم فيي هذا‬
‫يمكين على وجوه كثيرة قيد سيلك أكثرهيا أهيل الفرائض‪ ،‬والسيبيل‬
‫الحاضرة في ذلك بأن يذكر حكم جنس جنس من أجناس الورثة‬
‫إذا انفرد ذلك الجنييس وحكمييه مييع سييائر الجناس الباقييية‪ ،‬مثال‬
‫ذلك أن ينظير إلى الولد إذا انفرد كيم ميراثيه‪ ،‬ثيم ينظير حاله ميع‬
‫سيائر الجناس الباقيية مين الوارثيين‪ .‬فأميا الجناس الوارثية فهيي‬
‫ثلثية‪ :‬ذو نسيب وأصيهار‪ ،‬وموالي‪ .‬فأميا ذوو النسيب‪ ،‬فمنهيا متفيق‬
‫عليها‪ ،‬ومنها مختلف فيها‪ .‬فأما المتفق عليها فهي الفروع‪ :‬أعني‬
‫الولد‪ ،‬والصيول‪ :‬أعنيي الباء والجداد ذكورا كانوا أو إناثيا‪ ،‬وكذلك‬
‫الفروع المشاركة للميت في الصل الدنى‪ :‬أعني الخوة ذكورا أو‬
‫إناثيا‪ ،‬أو المشاركية الدنيى أو البعيد فيي أصيل واحيد وهيم العمام‬
‫وبنييو العمام‪ ،‬وذلك الذكور ميين هؤلء خاصيية فقييط‪ ،‬وهؤلء إذا‬
‫فصيلوا كانوا مين الرجال عشرة ومين النسياء سيبعة؛ أميا الرجال‪:‬‬
‫فالبين وابين البين وإن سيفل والب والجيد أبيو الب وإن عل والخ‬
‫ميين أي جهيية كان‪ :‬أعنييي للم والب أو لحدهمييا وابيين الخ وإن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سيفل والعيم وابين العيم وإن سيفل والزوج ومولى النعمية‪ .‬وأميا‬
‫النسيياء‪ :‬فالبنيية وابنيية البيين وإن سييفلت والم والجدة وإن علت‬
‫والخت والزوجة والمولة‪ .‬وأما المختلف فيهم فهم ذوو الرحام‪،‬‬
‫وهم من ل فرض لهم في كتاب الله ول هم عصبة‪ ،‬وهم بالجملة‬
‫بنيو البنات وبنات الخوة وبنيو الخوات وبنات العمام والعيم أخيو‬
‫الب للم فقييييط وبنييييو الخوة للم والعمات والخالت والخوال؛‬
‫فذهيب مالك والشافعيي وأكثير فقهاء المصيار وزييد بين ثابيت مين‬
‫الصييحابة إلى أنييه ل ميراث لهييم؛ وذهييب سييائر الصييحابة وفقهاء‬
‫العراق والكوفية والبصيرة وجماعية العلماء مين سيائر الفاق إلى‬
‫توريثهم‪ .‬والذين قالوا بتوريثهم اختلفوا في صفة توريثهم؛ فذهب‬
‫أبيو حنيفية وأصيحابه إلى توريثهيم على ترتييب العصيبات‪ ،‬وذهيب‬
‫سيائر مين ورثهيم إلى التنزييل‪ ،‬وهيو أن ينزل كيل مين أدلى منهيم‬
‫بذي سييهم أو عصييبة بمنزلة السييبب الذي أدلى بييه‪ .‬وعمدة مالك‬
‫ومين قال بقوله أن الفرائض لميا كانيت ل مجال للقياس فيهيا كان‬
‫الصيل أن ل يثبيت فيهيا شييء إل بكتاب أو سينة ثابتية أو إجماع‪،‬‬
‫وجميع ذلك معدوم في هذه المسألة‪ .‬وأما الفرقة الثانية‪ ،‬فزعموا‬
‫أن دليلهييم على ذلك ميين الكتاب والسيينة والقياس‪ .‬أمييا الكتاب‬
‫فقوله تعالى {وأولوا الرحام بعضهييم أولى ببعييض} وقوله تعالى‬
‫{للرجال نصيييب ممييا ترك الوالدان والقربون} واسييم القرابيية‬
‫ينطلق على ذوي الحارم‪ ،‬ويرى المخالف أن هذه مخصييييييييوصة‬
‫بآيات المواريث‪ .‬وأما السنة فاحتجوا بما خرجه الترمذي عن عمر‬
‫بين الخطاب أنيه كتيب إلى أبيي عيبيدة أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم قال "الله ورسييوله مولى ميين ل مولى له‪ ،‬والخال‬
‫وارث مين ل وارث له"‪ .‬وأميا مين طرييق المعنيى فإن القدماء مين‬
‫أصيحاب أبيي حنيفية قالوا‪ :‬إن ذوي الرحام أولى مين المسيلمين‬
‫لنهم قد اجتمع لهم سببان‪ :‬القرابة والسلم‪ ،‬فأشبهوا تقديم الخ‬
‫الشقيق على الخ للب‪ ،‬أعني أن من اجتمع له سببان أولى ممن‬
‫له سييبب واحييد‪ .‬وأمييا أبييو زيييد ومتأخرو أصييحابه فشبهوا الرث‬
‫بالوليية وقالوا‪ :‬لميا كانيت وليية التجهييز والصيلة والدفين للمييت‬
‫عنييد فقييد أصييحاب الفروض والعصييبات لذوي الرحام وجييب أن‬
‫يكون لهيييم وليييية الرث‪ ،‬وللفرييييق الول اعتراضات فيييي هذه‬
‫المقايييس فيهيا ضعيف‪ .‬وإذ قيد تقرر هذا فلنشرع فيي ذكير جنيس‬
‫جنييس ميين أجناس الوارثييين‪ ،‬ونذكيير ميين ذلك مييا يجري مجرى‬
‫الصول من المسائل المشهورة المتفق عليها والمختلف فيها‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الصيلب) وأجميع المسيلمون على أن ميراث الولد مين‬
‫والدهم ووالدتهم إن كانوا ذكورا وإناثا معا هو أن للذكر منهم مثل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حييظ النثيييين‪ ،‬وأن البيين الواحييد إذا انفرد فله جميييع المال‪ ،‬وأن‬
‫البنات إذا انفردن فكانت واحدة أن لها النصف‪ ،‬وإن كن ثلثا فما‬
‫فوق ذلك فلهن الثلثان‪ .‬واختلفوا في الثنتين فذهب الجمهور إلى‬
‫أن لهميا الثلثيين‪ ،‬وروي عين ابين عباس أنيه قال‪ :‬للبنتيين النصيف‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم تردد المفهوم فيي قوله تعالى {فإن كين‬
‫نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} هل حكم الثنتين المسكوت‬
‫عنه يلحق بحكم الثلثة أو بحكم الواحدة؟ والظهر من باب دليل‬
‫الخطاب أنهميا لحقان بحكيم الواحدة؛ وقيد قييل إن المشهور عين‬
‫ابيين عباس مثييل قول الجمهور وقييد روي عيين ابيين عبييد الله بيين‬
‫محمد بن عقيل عن حاتم بن عبد الله وعن جابر "أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أعطى البنتين الثلثين" قال فيما أحسب أبو عمر‬
‫ابين عبد البر وعبيد الله بن عقييل‪ :‬قد قبيل جماعية من أهل العلم‬
‫حديثييه وخالفهييم آخرون‪ .‬وسييبب التفاق فييي هذه الجملة قوله‬
‫تعالى {يوصييكم الله فيي أولدكيم للذكير مثيل حيظ النثييين} إلى‬
‫قوله {وإن كانييت واحدة فلهييا النصييف} وأجمعوا ميين هذا الباب‬
‫على أن بنيي البنيين يقومون مقام البنيين عنيد فقيد البنيين يرثون‬
‫كميا يرثون ويحجبون كميا يحجبون‪ ،‬إل شييء روي عين مجاهيد أنيه‬
‫قال‪ :‬ولد البن ل يحجبون الزوج من النصف إلى الربع كما يحجب‬
‫الولد نفسيه ول الزوجية مين الربيع إلى الثمين‪ ،‬ول الم مين الثلث‬
‫إلى السدس‪ .‬وأجمعوا على أنه ليس لبنات البن ميراث مع بنات‬
‫الصيلب إذا اسيتكمل بنات المتوفيي الثلثيين‪ .‬واختلفوا إذا كان ميع‬
‫بنات البن ذكر ابن ا بن في مرتبتهن أو أبعد منهن‪ ،‬فقال جمهور‬
‫فقهاء المصار‪ :‬إنه يعصب بنات البن فيما فضل عن بنات الصلب‬
‫فيقسيمون المال للذكير مثيل حيظ النثييين‪ ،‬وبيه قال علي رضيي‬
‫الله عنه وزيد بن ثابت من الصحابة‪ .‬وذهب أبو ثور وداود أنه إذا‬
‫اسيتكمل البنات الثلثيين أن الباقيي لبين البين دون بنات البين كين‬
‫فيي مرتبية واحدة ميع الذكير أو فوقيه أو دونيه‪ .‬وكان ابين مسيعود‬
‫يقول فيي هذه {للذكير مثيل حيظ النثييين} إل أن يكون الحاصيل‬
‫للنساء أكثر من السدس فل تعطي إل السدس‪ .‬وعمدة الجمهور‬
‫عموم قوله تعالى {يوصيييكم الله فييي أولدكييم للذكيير مثييل حييظ‬
‫النثييين} وأن ولد الولد ولد مين طرييق المعنيى‪ ،‬وأيضيا لميا كان‬
‫ابيين البيين يعصييب ميين فييي درجتييه فييي جملة المال فواجييب أن‬
‫يعصيب فيي الفاضيل مين المال‪ .‬وعمدة داود وأبيي ثور حدييث ابين‬
‫عباس أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "اقسيموا المال بيين‬
‫أهييل الفرائض على كتاب الله عييز وجييل‪ ،‬فمييا أبقييت الفرائض‬
‫فلولى رجل ذكر" ومن طريق المعنى أيضا أن بنت البن لما لم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ترث مفردة ميين الفاضييل عيين الثلثييين كان أحرى أن ل ترث مييع‬
‫غيرها‪ ،‬وسبب اختلفهم تعارض القياس والنظر في الترجيح‪ .‬وأما‬
‫قول ابين مسيعود فمبنيي على أصيله فيي أن بنات البين لميا كين ل‬
‫يرثن مع عدم البن أكثر من السدس لم يجب لهن مع الغير أكثر‬
‫مميا وجيب لهين ميع النفراد‪ ،‬وهيي حجية قريبية مين حجية داود‪،‬‬
‫والجمهور على أن ذكيير ولد البيين يعصييبهن كان فييي درجتهيين أو‬
‫أطرف من هن‪ .‬و شذ بعض المتأخر ين فقال‪ :‬ل يعصيبهن إل إذا كان‬
‫فييي مرتبتهيين‪ .‬وجمهور العلماء على أنييه إذا ترك المتوفييي بنتييا‬
‫لصيلب وبنيت ابين أو بنات ابين لييس معهين ذكير أن لبنات البين‬
‫السيدس تكملة الثلثيين‪ ،‬وخالفيت الشيعية فيي ذلك فقالت‪ :‬ل ترث‬
‫بنييت البيين مييع البنييت شيئا كالحال فييي ابيين البيين مييع البيين‪،‬‬
‫فالختلف في بنات البن في موضعين‪ :‬مع بني البن‪ ،‬ومع البنات‬
‫فيما دون الثلثين وفوق النصف‪ .‬فالمتحصل فيهن إذا كن مع بني‬
‫البين أنيه قييل يرثين‪ ،‬وقييل ل يرثين؛ وإذا قييل يرثين فقييل يرثين‬
‫تعصيبا مطلقا‪ ،‬وقيل يرثن تعصيبا إل أن يكون أكثر من السدس؛‬
‫وإذا قييل يرثين فقييل أيضيا إذا كان ابين البين فيي درجتهين وقييل‬
‫كيفما كان‪ ،‬والمتحصل في وراثتهن مع عدم ابن البن فيما فضل‬
‫عن النصف إلى تكملة الثلثين قيل يرثن‪ ،‬وقيل ل يرثن‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الزوجات) وأجميع العلماء على أن ميراث الرجيل مين‬
‫امرأتييه إذا لم تترك ولدا ول ولد ابيين النصييف ذكرا كان الولد أو‬
‫أنثى‪ ،‬إل ما ذكرنا عن مجاهد‪ ،‬وأنها إن تركت ولدا فله الربع‪ ،‬وأن‬
‫ميراث المرأة مييين زوجهيييا إذا لم يترك الزوج ولد ول ولد ابييين‬
‫الربيع‪ ،‬فإن ترك ولدا أو ولد ابين فالثمين‪ ،‬وأنيه لييس يحجبهين أحيد‬
‫عيين الميراث ول ينقصييهن إل الولد‪ ،‬وهذا لورود النييص فييي قوله‬
‫تعالى {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد} الية‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الب والم) وأجمييييييع العلماء على أن الب إذا انفرد‬
‫كان له جميييع المال‪ ،‬وأنييه إذا انفرد البوان كان للم الثلث وللب‬
‫الباقيي لقوله تعالى {وورثيه أبواه فلميه الثلث} وأجمعوا على أن‬
‫فرض البوييين ميين ميراث ابنهمييا إذا كان للبيين ولد أو ولد ابيين‬
‫السييدسان‪ ،‬أعنييي أن لكييل واحييد منهمييا السييدس لقوله تعالى‬
‫{ولبويييه لكييل واحييد منهمييا السييدس ممييا ترك إن كان له ولد}‬
‫والجمهور على أن الولد هيو الذكير دون النثيى وخالفهيم فيي ذلك‬
‫مين شيذ؛ وأجمعوا على أن الب ل ينقيص ميع ذوي الفرائض مين‬
‫السيدس وله ميا زاد؛ وأجمعوا مين هذا الباب على أن الم يحجبهيا‬
‫الخوة مييين الثلث إلى السيييدس لقوله تعالى {فإن كان له أخوة‬
‫فلمه السدس} ‪ .‬واختلفوا في أقل ما يحجب الم من الثلث إلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫السدس من الخوة‪ ،‬فذهب علي رضي الله عنه وابن مسعود إلى‬
‫أن الخوة الحاجبين هما اثنان فصاعدا‪ ،‬وبه قال مالك وذهب ابن‬
‫عباس إلى أنهييم ثلثيية فصيياعدا‪ ،‬وأن الثنييين ل يحجبان الم ميين‬
‫الثلث إلى السيدس‪ ،‬والخلف آييل إلى أقيل ميا ينطلق علييه اسيم‬
‫الجمييع؛ فميين قال أقييل مييا ينطلق عليييه اسييم الجمييع ثلثيية قال‪:‬‬
‫الخوة الحاجبون ثلثية فميا فوق؛ ومين قال أقيل ميا ينطلق علييه‬
‫اسم الجمع اثنان قال‪ :‬الخوة الحاجبون هما اثنان أعني في قوله‬
‫تعالى {فإن كان له أخوة} ول خلف أن الذكييير والنثيييى يدخلن‬
‫تحييت اسييم الخوة فييي الييية وذلك عنييد الجمهور‪ .‬وقال بعييض‬
‫المتأخرييييين ل أنقييييل الم ميييين الثلث إلى السييييدس بالخوات‬
‫المنفردات‪ ،‬لنيه زعيم أنيه لييس ينطلق عليهين اسيم الخوة إل أن‬
‫يكون معهيين أخ لموضييع تغليييب المذكيير على المؤنييث‪ ،‬إذ اسييم‬
‫الخوة هييو جمييع أخ‪ ،‬والخ مذكيير‪ .‬واختلفوا ميين هذا الباب فيميين‬
‫يرث السييييدس الذي تحجييييب عنييييه الم بالخوة‪ ،‬وذلك إذا ترك‬
‫المتوفييي أبوييين وأخوة‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ذلك السييدس للب مييع‬
‫الربعية السيداس‪ .‬وروي عين ابين عباس أن ذلك السيدس للخوة‬
‫الذ ين حجبوا‪ ،‬وللب الثلثان لنه ليس في الصول من يحجب ول‬
‫يأخذ ما حجب إل الخوة مع الباء‪ ،‬وضعف قوم السناد بذلك عن‬
‫ابين عباس‪ ،‬وقول ابين عباس هيو القياس‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب‬
‫في التي تعرف بالغراوين‪ ،‬وهي فيمن ترك زوجة وأبوين‪ ،‬أو زوجا‬
‫وأبويين؛ فقال الجمهور‪ :‬فيي الولى للزوجية الربيع‪ ،‬وللم ثلث ميا‬
‫بقيي‪ ،‬وهيو الربيع مين رأس المال‪ ،‬وللب ميا بقيي وهيو النصيف‪،‬‬
‫وقالوا في الثانية‪ :‬للزوج النصف وللم ثلث ما بقي وهو السدس‬
‫مين رأس المال‪ ،‬وللب ميا بقيي وهيو السيدسان‪ ،‬وهيو قول زييد‬
‫والمشهور ميين قول علي رضييي الله عنييه‪ .‬وقال ابيين عباس فييي‬
‫الولى‪ :‬للزوجة الربع من رأس المال‪ ،‬وللم الثلث منه أيضا لنها‬
‫ذات فرض‪ ،‬وللب ميا بقيي لنيه عاصيب؛ وقال أيضيا فيي الثانيية‪:‬‬
‫للزوج النصييف‪ ،‬وللم الثلث لنهييا ذات فرض مسييمى‪ ،‬وللب مييا‬
‫بقي‪ ،‬وبه قال شريح القاضي وداود وابن سيرين وجماعة‪ .‬وعمدة‬
‫الجمهور أن الب والم لمييا كانييا إذا انفردا بالمال كان للم الثلث‬
‫وللب الباقيي‪ ،‬وجيب أن يكون الحال كذلك فيميا بقيي مين المال‪،‬‬
‫كأنهم رأوا أن يكون ميراث الم أكثر من ميراث الب خروجا عن‬
‫الصيول‪ .‬وعمدة الفرييق الخير أن الم ذات فرض مسيمى والب‬
‫عاصييب‪ ،‬والعاصييب ليييس له فرض محدود مييع ذي الفروض‪ ،‬بييل‬
‫يقل ويكثر‪ ،‬وما عليه الجمهور من طريق التعليل أظهر‪ ،‬وما عليه‬
‫الفرييق الثانيي ميع عدم التعلييل أظهير‪ ،‬وأعنيي بالتعلييل ههنيا أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يكون أحق سببي النسان أولى باليثار‪ :‬أعني الب من الم‪.‬‬


‫@‪(-‬ميراث الخوة للم) وأجميييييع العلماء على أن الخوة للم إذا‬
‫انفرد الواحييد منهييم أن له السييدس ذكرا كان أو أنثييى وأنهييم إن‬
‫كانوا أكثير مين واحيد فهيم شركاء فيي الثلث على السيوية‪ ،‬للذكير‬
‫منهييم مثييل حييظ النثييى سييواء‪ .‬وأجمعوا على أنهييم ل يرثون مييع‬
‫أربعييية‪ :‬وهيييم الب والجيييد أبيييو الب وإن عل‪ ،‬والبنون ذكرانهيييم‬
‫وإناثهيم‪ ،‬وبنيو البنيين وإن سيفلوا ذكرانهيم وإناثهيم‪ ،‬وهذا كله لقوله‬
‫تعالى {وإن كان رجييييل يورث كللة أو امرأة وله أخ أو أخييييت}‬
‫الييية‪ ،‬وذلك أن الجماع انعقييد على أن المقصييود بهذه الييية هييم‬
‫الخوة للم فقييط‪ .‬وقييد قرئ "وله أخ أو أخييت ميين أمييه" وكذلك‬
‫أجمعوا فيمييا أحسييب ههنييا على أن الكللة هييي فقييد الصييناف‬
‫الربعية التيي ذكرناهيا مين النسيب‪ :‬أعنيي الباء والجداد والبنيين‬
‫وبني البنين‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الخوة للب والم أو للب) وأجميييييع العلماء على أن‬
‫الخوة للب والم أو للب فقيييط يرثون فيييي الكللة أيضيييا‪ .‬أميييا‬
‫الخت إذا انفردت فإن لها النصف وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان‪،‬‬
‫كالحال فيي البنات‪ ،‬وإنهيم إن كانوا ذكورا وإناثيا فللذكير مثيل حيظ‬
‫النثيين كحال البنين مع البنات‪ ،‬وهذا لقوله تعالى {يستفتونك قل‬
‫الله يفتيكيم فيي الكللة} إل أنهيم اختلفوا فيي معنيى الكللة ههنيا‬
‫في أشياء واتفقوا منها في أشياء يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى ؛‬
‫فمين ذلك أنهيم أجمعوا مين هذا الباب على أن الخوة للب والم‬
‫ذكرانا كانوا أو إناثا أنهم ل يرثون مع الولد الذكر شيئا‪ ،‬ول مع ولد‬
‫الولد ول مييع الب شيئا‪ .‬واختلفوا فيمييا سييوى ذلك؛ فمنهييا أنهييا‬
‫اختلفوا فيي ميراث الخوة للب والم ميع البنيت أو البنات‪ ،‬فذهيب‬
‫الجمهور إلى أنهن عصبة يعطون ما فضل عن البنات؛ وذهب داود‬
‫بين علي الظاهري وطائفية إلى أن الخيت ل ترث ميع البنيت شيئا‪.‬‬
‫وعمدة الجمهور في هذا الحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله‬
‫علييه وسيلم أنيه قال فيي ابنية وابنية ابين وأخيت "إن للبنيت النصيف‬
‫ولبنة البن السدس تكميلة الثلثين وما بقي فللخت"‪ .‬وأيضا من‬
‫جهيية النظيير لمييا أجمعوا على توريييث الخوة مييع البنات‪ ،‬فكذلك‬
‫الخوات‪ .‬وعمدة الفرييق الخير ظاهير قوله تعالى {إن امرو هلك‬
‫ليس له ولد وله أخت} فلم يجعل للخت شيئا إل مع عدم الولد‪،‬‬
‫والجمهور حملوا اسيم الولد ههنيا على الذكور دون الناث‪ .‬وأجميع‬
‫العلماء ميين هذا الباب على أن الخوة للب والم يحجبون الخوة‬
‫للب عن الميراث قياسا على بني البناء مع بني الصلب‪ .‬قال أبو‬
‫عمير‪ :‬وقيد روي ذلك فيي حدييث حسين مين روايية الحاد العدول‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عين علي رضيي الله عنيه قال "قضيى رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيييلم أن أعيان بنيييي الم يتوارثون دون بنيييي العلت" وأجميييع‬
‫العلماء على أن الخوات للب والم إذا اسييتكملن الثلثييين فإنييه‬
‫لييس للخوات للب معهين شييء كالحال فيي بنات البين ميع بنات‬
‫الصيلب‪ ،‬وأنيه إن كانيت الخيت للب والم واحدة فللخوات للب‬
‫ميا كين بقيية الثلثيين وهيو السيدس‪ .‬واختلفوا إذا كان ميع الخوات‬
‫للب ذكير‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬يعصيبهن ويقتسيمون المال للذكير مثيل‬
‫حيظ النثييين‪ ،‬كالحال فيي بنات البين ميع بنات الصيلب؛ واشترط‬
‫مالك أن يكون فييي درجتهيين؛ وقال ابيين مسييعود‪ :‬إذا اسييتكمل‬
‫الخوات الشقائق الثلثييين فالباقييي للذكور ميين الخوة للب دون‬
‫الناث‪ ،‬وبييه قال أبييو ثور؛ وخالفييه داود فييي هذه المسييألة‪ ،‬مييع‬
‫موافقتيييه له فيييي مسيييألة بنات الصيييلب وبنيييي البنيييين‪ ،‬فإن لم‬
‫يسيتكملن الثلثيين‪ ،‬فللذكير عنده مين بنيي الب مثيل حيظ النثييين‪،‬‬
‫إل أن يكون الحاصيل للنسياء أكثير مين السيدس كالحال فيي بنيت‬
‫الصيلب ميع بنيي البين‪ .‬وأدلة الفريقيين فيي هذه المسيألة هيي تلك‬
‫الدلة بأعيانهييييييييييا‪ .‬وأجمعوا على أن الخوة للب يقومون مقام‬
‫الخوة للب والم عند فقدهم‪ ،‬كالحال في بني البنين مع البنين‪،‬‬
‫وأنيه إذا كان معهين ذكير عصيبهن‪ ،‬بأن يبدأ بمين له فرض مسيمى‪،‬‬
‫ثم يرثون الباقي للذكر مثل حظ النثيين كالحال في البنين إل في‬
‫موضيع واحيد وهيي الفريضية التيي تعرف بالمشركية‪ ،‬فإن العلماء‬
‫اختلفوا فيهيا‪ ،‬وهيي امرأة توفييت وتركيت زوجهيا وأمهيا وإخوتهيا‬
‫لمهييا وإخوتهييا لبيهييا وأمهييا‪ ،‬فكان عميير وعثمان وزيييد بيين ثابييت‬
‫يعطون للزوج النصييييييف وللم السييييييدس وللخوة للم الثلث‪،‬‬
‫فيسيييتغرقون المال فيبقيييى الخوة للب والم بل شييييء‪ ،‬فكانوا‬
‫يشركون الخوة للب والم فيي الثلث ميع الخوة للم يقتسيمونه‬
‫بينهم للذكر مثل حظ النثيين‪ .‬وبالتشريك قال من فقهاء المصار‬
‫مالك والشافعييي والثوري‪ .‬وكان علي رضييي الله عنييه وأبييي بيين‬
‫كعيييب وأبييو موسييى الشعري ل يشركون إخوة الب والم فيييي‬
‫الثلث مع إخوة الم في هذه الفريضة‪ ،‬ول يوجبون لهم شيئا فيها‪،‬‬
‫وقال به من فقهاء المصار‪ :‬أبو حنيفة وابن أبي ليلى وأحمد وأبو‬
‫ثور وداود وجماعييية‪ .‬وحجييية الفرييييق الول أن الخوة للب والم‬
‫يشاركون الخوة للم في السبب الذي به يستوجبون الرث وهي‬
‫الم فوجيب أن ل ينفردوا بيه دونهيم‪ ،‬لنيه إذا اشتركوا فيي السيبب‬
‫الذي بيه يورثون وجيب أن يشتركوا فيي الميراث‪ .‬وحجية الفرييق‬
‫الثانييي أن الخوة الشقائق عصييبة‪ ،‬فلشيييء لهييم إذا أحاطييت‬
‫فرائض ذوي السيهام بالميراث‪ .‬وعمدتهيم باتفاق الجمييع على أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين ترك زوجيا وأميا وأخيا واحدا لم وإخوة شقائق عشرة أو أكثير‬
‫أن الخ للم يسيتحق ههنيا السيدس كامل‪ ،‬والسيدس الباقيي بيين‬
‫الباقين مع أنهم مشاركون له في الم‪ .‬فسبب الختلف في أكثر‬
‫مسائل الفرائض هو تعارض المقاييس واشتراك اللفاظ فيما فيه‬
‫نص‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الجيد) وأجميع العلماء على أن الب يحجيب الجيد وأنيه‬
‫يقوم مقام الب عنيد عدم الب ميع البنيين وأنيه عاصيب ميع ذوي‬
‫الفرائض‪ .‬واختلفوا هييييل يقوم مقام الب فييييي حجييييب الخوة‬
‫الشقائق‪ ،‬أو حجييب الخوة للب؟ فذهييب ابيين عباس وأبييو بكيير‬
‫رضيي الله عنهميا وجماعية إلى أنيه يحجبهيم‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية‬
‫وأبييو ثور والمزنييي وابيين سييريج ميين أصييحاب الشافعييي وداود‬
‫وجماعة‪ .‬واتفق علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن ثابت‬
‫وابين مسيعود على تورييث الخوة ميع الجيد‪ ،‬إل أنهيم اختلفوا فيي‬
‫كيفية ذلك على ما أقوله بعد‪ .‬وعمدة من جعل الجد بمنزلة الب‬
‫اتفاقهميا فيي المعنيى‪ ،‬أعنيي مين قبيل أن كليهميا أب للمييت‪ ،‬ومين‬
‫اتفاقهميا فيي كثيير مين الحكام التيي أجمعوا على اتفاقهميا فيهيا‬
‫حتى إنه قد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال‪ :‬أما يتقي‬
‫الله زيد ابن ثابت يجعل ابن البن ابنا‪ ،‬ول يجعل أب الب أبا‪ .‬وقد‬
‫أجمعوا على أنييه مثله فييي أحكام أخيير سييوى الفروض‪ ،‬منهييا أن‬
‫شهادتييه لحفيده كشهادة الب وأن الجييد يعتييق على حفيده كمييا‬
‫يعتيق الب على البين‪ ،‬وأنيه ل يقتيص له مين جيد كميا ل يقتيص له‬
‫من أب‪ .‬وعمدة من ورث الخ مع الجد أن الخ أقرب إلى الميت‬
‫من الجيد‪ ،‬لن الجيد أبو أبي المييت‪ ،‬والخ ابين أبيي الميت‪ ،‬والبين‬
‫أقرب مين الب‪ .‬وأيضيا فميا أجمعوا علييه مين أن ابين الخ يقدم‬
‫على العم‪ ،‬وهو يدلي بالب‪ ،‬والعم يدلي بالجد‪.‬‬
‫فسيييبب الخلف تعارض القياس فيييي هذا الباب‪ .‬فإن قييييل‪ :‬فأي‬
‫القياسيين أرجيح بحسيب النظير الشرعيي؟ قلنيا‪ :‬قياس مين سياوى‬
‫بيين الب والجيد‪ ،‬فإن الجيد أب فيي المرتبية الثانيية أو الثالثية‪ ،‬كميا‬
‫أن البين ابين فيي المرتبية الثانيية أو الثالثية‪ ،‬وإذا لم يحجيب البين‬
‫الجد وهو يحجب الخوة فالجد يجب أن يحجب من يحجب البن‪،‬‬
‫والخ ليييس بأصييل للميييت ول فرع‪ ،‬وإنمييا هييو مشارك له فييي‬
‫الصل‪ ،‬والصل أحق بالشيء من المشارك له في الصل‪ ،‬والجد‬
‫ليس هو أصل للميت من قبل الب بل هو أصل أصله‪ ،‬والخ يرث‬
‫مين قبيل أنيه فرع لصيل المييت‪ ،‬فالذي هيو أصيل لصيله أولى مين‬
‫الذي هيو فرع لصيله‪ ،‬ولذلك ل معنيى لقول مين قال إن الخ يدلي‬
‫بالبنوة‪ ،‬والجيد يدلي بالبوة‪ ،‬فإن الخ لييس ابنيا للمييت وإنميا هيو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ابين أبييه‪ ،‬والجيد أبيو المييت‪ ،‬والبنوة إنميا هيي أقوى فيي الميراث‬
‫مين البوة فيي الشخيص الواحيد بعينيه أعنيي الموروث‪ .‬وأميا البنوة‬
‫التيي تكون لب موروث‪ ،‬فلييس يلزم أن تكون فيي حيق الموروث‬
‫أقوى ميين البوة التييي تكون لب الموروث‪ ،‬لن البوة التييي لب‬
‫الموروث هيي أبوة ميا للموروث‪ :‬أعنيي بعيدة‪ ،‬ولييس البنوة التيي‬
‫لب الموروث بنوة ما للموروث ل قريبة ول بعيدة‪ ،‬فمن قال الخ‬
‫أحيييق مييين الجيييد‪ ،‬لن الخ يدلي بالشييييء الذي مييين قبله كان‬
‫الميراث بالبنوة وهيييو الب والجيييد يدلي بالبوة هيييو قول غالط‬
‫مخييل‪ ،‬لن الجيد أب ميا‪ ،‬ولييس الخ ابنيا ميا‪ .‬وبالجملة الخ لحيق‬
‫مين لواحيق المييت‪ ،‬وكأنيه أمير عارض والجيد سيبب مين أسيبابه‪،‬‬
‫والسيبب أملك للشييء مين لحقيه‪ .‬واختلف الذيين ورثوا الجيد ميع‬
‫الخوة فيي كيفيية ذلك‪ .‬فتحصييل مذهيب زييد فيي ذلك أنيه ل يخلو‬
‫أن يكون معيه سيوى الخوة ذو فرض مسيمى أو ل يكون‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن معه ذو فرض مسمى أعطى الفضل له من اثنين‪ ،‬إما ثلث‬
‫المال‪ ،‬وإميييا أن يكون كواحيييد مييين الخوة الذكور‪ ،‬وسيييواء كان‬
‫الخوة ذكرانييا أو إناثييا أو المرييين جميعييا فهييو مييع الخ الواحييد‬
‫يقاسمه المال‪ ،‬وكذلك مع الثنين ومع الثلثة والربعة يأخذ الثلث‪،‬‬
‫وهييو ميع الخييت الواحدة إلى الربيع يقاسيمهن للذكير مثييل حيظ‬
‫النثيييين‪ ،‬ومييع الخمييس أخوات له الثلث‪ ،‬لنييه أفضييل له ميين‬
‫المقاسمة‪ ،‬فهذه هي حاله مع الخوة فقط دون غيرهم‪.‬‬
‫وأمييا إن كان معهييم ذو فرض مسييمى فإنييه يبدأ بأهييل الفروض‬
‫فيأخذون فروضهم‪ ،‬فما بقي أعطى الفضل له من ثلث‪ :‬إما ثلث‬
‫ما بقي بعد حظوظ ذوي الفرائض‪ ،‬وإما أن يكون بمنزلة ذكر من‬
‫الخوة‪ ،‬وإما أن يعطي السدس من رأس المال ل ينقص منه‪ ،‬ثم‬
‫ما بقي يكون للخوة للذكر مثل حظ النثيين في الكدرية على ما‬
‫سنذكر مذهبه فيها مع سائر مذاهب العلماء‪ .‬وأما علي رضي الله‬
‫عنيه فكان يعطيي الجيد الحظيى له مين السيدس أو المقاسيمة‪،‬‬
‫وسييواء كان مييع الجييد والخوة غيرهييم ميين ذوي الفرائض أو لم‬
‫يكين‪ ،‬وإنميا لم ينقصيه مين السيدس شيئا‪ ،‬لنهيم لميا أجمعوا أن‬
‫البناء ل ينقصييييونه منييييه شيئا كان أحرى أن ل ينقصييييه الخوة‪.‬‬
‫وعمدة قول زييد أنيه لميا كان يحجيب الخوة للم فلم يحجيب عميا‬
‫يجيب لهيم وهيو الثلث‪ ،‬وبقول زييد قال مالك والشافعيي والثوري‬
‫وجماعييية‪ ،‬وبقول علي رضيييي الله عنيييه قال أبيييو حنيفييية‪ .‬وأمييا‬
‫الفريضية التيي تعرف بالكدريية وهيي امرأة توفييت وتركيت زوجيا‬
‫وأمييا وأختييا شقيقيية وجدا فإن العلماء اختلفوا فيهييا‪ ،‬فكان عميير‬
‫رضي الله عنه وابن مسعود يعطيان للزوج النصف وللم السدس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وللخييت النصييف وللجييد السييدس‪ ،‬وذلك على جهيية العول‪ .‬وكان‬


‫علي بين أبيي طالب رضيي الله عنيه وزييد يقولن للزوج النصيف‬
‫وللم الثلث وللخيت النصيف وللجيد السيدس فريضية‪ ،‬إل أن زيدا‬
‫يجميع سيهم الخيت والجيد‪ ،‬فيقسيم ذلك بينهيم للذكير مثيل حيظ‬
‫النثيين‪ ،‬وزعم بعضهم أن هذا ليس من قول زيد‪،‬‬
‫وضعييف الجميييع التشريييك الذي قال بييه زيييد فييي هذه الفريضيية‪،‬‬
‫وبقول زييد قال مالك؛ وقييل إنميا سيميت الكدريية لتكدر قول زييد‬
‫فيهيا‪ ،‬وهذا كله على مذهيب مين يرى العول‪ ،‬وبالعول قال جمهور‬
‫الصيحابة وفقهاء المصيار‪ ،‬إل ابين عباس فإنيه روي عنيه أنيه قال‪:‬‬
‫أعال الفرائض عمير بين الخطاب‪ ،‬واييم الله لو قدم مين قدم الله‬
‫وأخير مين أخير الله ميا عالت فريضية‪ ،‬وقييل له‪ :‬وأيهيا قدم الله‪،‬‬
‫وأيهيا أخير الله؟ قال‪ :‬كيل فريضية لم يهبطهيا الله عيز وجيل عين‬
‫موجبهيا إل إلى فريضية أخرى فهيي ميا قدم الله‪ ،‬وكيل فريضية إذا‬
‫زالت عيين فرضهييا لم يكيين لهييا إل مييا بقييي فتلك التييي أخيير الله‬
‫فالول مثيل الزوجية والم‪ ،‬والمتأخير مثيل الخوات والبنات‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فإذا اجتمع الصنفان بدئ من قدم الله‪ ،‬فإن بقي شيء فلمن أخر‬
‫الله‪ ،‬وإل فل شييء له‪ ،‬وقييل له‪ :‬فهل قلت هذا القول لعمير‪ :‬قال‪:‬‬
‫هبته‪ .‬وذهب زييد إلى أنه إذا كان مع الجيد والخوة الشقائق إخوة‬
‫لب‪ ،‬أن الخوة الشقائق يعادون الجد بالخوة للب‪ ،‬فيمنعونه بهم‬
‫كثرة الميراث‪ ،‬ول يرثون ميييييع الخوة الشقائق شيئا إل أن يكون‬
‫الشقائق أختييا واحدة‪ ،‬فإنهييا تعادي الجييد بأخوتهييا للب مييا بينهمييا‬
‫(هكذا هذه العبارة بالصول‪ ،‬ولينظر ما معناها ا هي مصححه)‪.‬‬
‫وبيين أن تسيتكمل فريضتهيا وهيي النصيف‪ ،‬وإن كان فيميا يحاز لهيا‬
‫ولخوتها لبيها فضل عن نصف رأس المال كله‪ ،‬فهو لخوتها لبيها‬
‫للذكير مثيل حيظ النثييين‪ ،‬فإن لم يفضيل شييء على النصيف فل‬
‫ميراث لهيم‪ ،‬فأميا علي رضيي الله عنيه فكان ل يلتفيت هنيا للخوة‬
‫للب للجماع‪ ،‬على أن الخوة الشقائق يحجبونهييييييييم‪ ،‬ولن هذا‬
‫الفعييل أيضييا مخالف للصييول‪ ،‬أعنييي أن يحتسييب بميين ل يرث‪،‬‬
‫واختلف الصييحابة رضييي الله عنهييم ميين هذا الباب فييي الفريضيية‬
‫التييي تدعييى الخرقاء‪ ،‬وهييي أم وأخييت وجييد على خمسيية أقوال‪.‬‬
‫فذهييب أبييو بكيير رضييي الله عنييه وابيين عباس إلى أن للم الثلث‬
‫والباقي للجد وحجبوا به الخت‪ ،‬وهذا على رأيهم في إقامة الجد‬
‫مقام الب‪ .‬وذهب علي رضي الله عنه إلى أن للم الثلث وللخت‬
‫النصيف وميا بقيي للجيد‪ .‬وذهيب عثمان إلى أن للم الثلث وللخيت‬
‫الثلث وللجيد الثلث‪ ،‬وذهيب ابين مسيعود إلى أن للخيت النصيف‬
‫وللجيد الثلث وللم السيدس‪ ،‬وكان يقول معاذ الله أن أفضيل أميا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫على جد‪ .‬وذهب زيد إلى أن للم الثلث وما بقي بين الجد والخت‬
‫للذكر مثل حظ النثيين‪.‬‬
‫@‪(-‬ميراث الجدات) وأجمعوا على أن للجدة أم الم السيدس ميع‬
‫عدم الم‪ ،‬وأن للجدة أيضيا أم الب عنيد فقيد الب السيدس‪ ،‬فإن‬
‫اجتمعا كان السدس بينهما‪ .‬واختلفوا فيما سوى ذلك؛ فذهب زيد‬
‫وأهيل المدينية إلى أن الجدة أم الم يفرض لهيا السيدس فريضية‪،‬‬
‫فإذا اجتمعت الجدتان كان السدس بينهما إذا كان قعددهما سواء‪،‬‬
‫أو كانييت أم الب أقعييد‪ ،‬فإن كانييت أم الم أقعييد‪ :‬أي أقرب إلى‬
‫الميت كان لها السدس‪ ،‬ولم يكن للجدة أم الب شيء‪ ،‬وقد روي‬
‫عنيه أيهميا أقعيد كان لهيا السيدس‪ ،‬وبيه قال علي رضيي الله عنيه‪،‬‬
‫وميين فقهاء المصييار أبييو حنيفيية والثوري وأبييو ثور‪ ،‬وهؤلء ليييس‬
‫يورثون إل هاتين الجدتين المجتمع على توريثهما‪ ،‬وكان الوزاعيي‬
‫وأحميد يورثان ثلث جدات واحدة مين قبيل الم واثنتان مين قبيل‬
‫الب أم الب وأم أبيي الب‪ :‬أعنيي الجيد‪ ،‬وكان ابين مسيعود يورث‬
‫أربيع جدات‪ :‬أم الم وأم الب وأم أبيي الب‪ :‬أعنيي الجيد وأم أبيي‬
‫الم‪ :‬أعني الجد‪ ،‬وبه قال الحسن وابن سيرين‪ .‬وكان ابن مسعود‬
‫يشرك بيين الجدات فيي السيدس دنياهين وقصيواهن ميا لم تكين‬
‫تحجبها بنتها أو بنت بنتها‪ .‬وقد روي عنه أنه كان يسقط القصوى‬
‫بالدنييا إذا كانتيا مين جهية واحدة‪ .‬وروي عين ابين عباس أن الجدة‬
‫كالم إذا لم تكين أم‪ ،‬وهيو شاذ عنيد الجمهور‪ ،‬ولكين له حيظ مين‬
‫القياس‪ .‬فعمدة زييد وأهيل المدينية والشافعيي‪ ،‬ومين قال بمذهيب‬
‫زييد ميا رواه مالك أنيه قال "جاءت الجدة إلى أبيي بكير رضيي الله‬
‫عنيه تسيأله عين ميراثهيا‪ ،‬فقال أبيو بكير‪ :‬مالك فيي كتاب الله عيز‬
‫وجيل شييء وميا علميت لك فيي سينة رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسييلم شيئا فارجعييي حتييى أسييأل الناس‪ ،‬فقال له المغيرة بيين‬
‫شعبييية‪ :‬حضرت رسيييول الله صييلى الله علييييه وسييلم أعطاهييا‬
‫السييدس‪ ،‬فقال أبييو بكيير‪ :‬هييل معييك غيرك؟ فقال‪ :‬محمييد بيين‬
‫مسلمة‪ ،‬فقال مثل ما قال المغيرة‪ ،‬فأنفذه أبو بكر لها‪ ،‬ثم جاءت‬
‫الجدة الخرى إلى عمير ابين الخطاب تسيأله ميراثهيا‪ ،‬فقال لهييا‪:‬‬
‫مالك فيي كتاب الله عز وجل شييء‪ ،‬و ما كان القضاء الذي قضيى‬
‫به إل لغيرك‪ ،‬وما أنا بزائد في الفرائض‪ ،‬ولكنه ذلك السدس‪ ،‬فإن‬
‫اجتمعتما فيه فهو لكما‪ ،‬وأيتكما انفردت به فهو لها" وروى مالك‬
‫أيضا أنه أتت الجدتان إلى أبي بكر‪ ،‬فأراد أن يجعل السدس للتي‬
‫من قبل الم‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي‬
‫كان إياهيا يرث‪ ،‬فجعيل أبيو بكير السيدس بينهميا‪ .‬قالوا‪ :‬فواجيب أن‬
‫ل يتعدى فييي هذا هذه السيينة وإجماع الصييحابة‪ .‬وأمييا عمدة ميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ورث الثلث جدات فحدييث ابين عيينية عين منصيور عين إبراهييم "‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلث جدات‪ :‬اثنتين من قبل‬
‫الب‪ ،‬وواحدة من قبل الم" وأما ابن مسعود فعمدته القياس في‬
‫تشبيههيا بالجدة للب لكين الحدييث يعارضيه‪ .‬واختلفوا هيل يحجيب‬
‫الجدة للب ابنهيا وهيو الب؛ فذهيب زييد إلى أنيه يحجيب‪ ،‬وبيه قال‬
‫مالك والشافعيي وأبيو حنيفية وداود؛ وقال آخرون‪ :‬ترث الجدة ميع‬
‫ابنهيا‪ ،‬وهيو مروي عين عمير وابين مسيعود وجماعية مين الصيحابة‪،‬‬
‫وبييه قال شريييح وعطاء وابيين سيييرين وأحمييد‪ ،‬وهييو قول الفقهاء‬
‫المصييريين‪ .‬وعمدة ميين حجييب الجدة بابنهييا أن الجييد لمييا كان‬
‫محجوبا بالب وجب أن تكون الجدة أولى بذلك‪ .‬وأيضا فلما كانت‬
‫أم الم ل ترث بإجماع مييع الم شيئا كان كذلك أم الب مييع الب‪.‬‬
‫وعمدة الفريق الثاني ما روى الشعبي عن مسروق عن عبد الله‬
‫قال‪ :‬أول جدة أعطاهيا رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم سيدسا‬
‫جدة ميع ابنهيا وابنهيا حيي قالوا‪ :‬ومين طرييق النظير لميا كانيت الم‬
‫وأم الم ل يحجبن بالذكور كان كذلك حكم جميع الجدات‪ ،‬وينبغي‬
‫أن يعلم أن مالكا ل يخالف زيدا إل في فريضة واحدة‪ ،‬وهي امرأة‬
‫هلكيت وتركيت زوجيا وأميا وإخوة لم وإخوة لب وأم وجدا‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬للزوج النصيف‪ ،‬وللم السيدس وللجيد ميا بقيي وهيو الثلث‪،‬‬
‫وليييس للخوة الشقائق شيييء؛ وقال زيييد‪ :‬للزوج النصييف‪ ،‬وللم‬
‫السدس‪ ،‬وللجد السدس‪ ،‬وما بقي للخوة الشقائق‪ ،‬فخالف مالك‬
‫في هذه المسألة أصله من أن الجد ل يحجب الخوة الشقائق ول‬
‫الخوات للب‪ .‬وحجتيه أنيه لميا حجيب الخوة للم عين الثلث الذي‬
‫كانوا يسيتحقونه دون الشقائق كان هيو أولى بيه‪ .‬وأميا زييد فعلى‬
‫أصله في أنه ل يحجبهم‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في الحجب‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمييع العلماء على أن الخ الشقيييق يحجييب الخ للب‪ ،‬وأن‬
‫الخ للب يحجيييب بنيييي الخ الشقييييق‪ ،‬وأن بنيييي الخ الشقييييق‬
‫يحجبون أبناء الخ للب‪ ،‬وبنييو الخ للب أولى ميين بنييي ابيين الخ‬
‫للب والم‪ ،‬وبنيو الخ للب أولى مين العيم أخيي الب‪ ،‬وإبين العيم‬
‫أخي الب الشقيق أولى من ابن العم أخي الب للب‪ ،‬وكل واحد‬
‫من هؤلء يحجبون بنيهم‪ ،‬ومن حجب منهم صنفا فهو يحجب من‬
‫يحجبيه ذلك الصينف‪ .‬وبالجملة‪ ،‬أميا الخوة فالقرب منهيم يحجيب‬
‫البعيد‪ ،‬فإذا اسيتووا حجيب منهيم مين أدلى بسيببين أم وأب مين‬
‫أدلى بسييبب واحييد وهييو الب فقييط؛ وكذلك العمام القرب منييه‬
‫يحجب البعد‪ ،‬فإن استووا حجب منهم من يدلي منهم إلى الميت‬
‫بسيببين مين يدلي بسيبب واحيد‪ ،‬أعنيي أنيه يحجيب العيم أخيو الب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لب وابيين العييم الذي هييو أخييو الب لب فقييط‪ .‬وأجمعوا على أن‬
‫الخوة الشقائق والخوة للب يحجبون العمام‪ ،‬لن الخوة بنيييييو‬
‫أب المتوفييي‪ ،‬والعمام بنييو جده‪ ،‬والبناء يحجبون بنيهييم‪ ،‬والباء‬
‫أجدادهم‪ ،‬والبنون وبنوهم يحجبون الخوة‪ ،‬والجد يحجب من فوقه‬
‫ميين الجداد بإجماع‪ ،‬والب يحجييب الخوة ويحجييب ميين تحجبييه‬
‫الخوة‪ ،‬والجييد يحجييب العمام بإجماع والخوة للم‪ ،‬ويحجييب بنييو‬
‫الخوة الشقائق وبنيي الخوة للب‪ ،‬والبنات وبنات البنيين يحجبين‬
‫الخوة للم‪ .‬واختلف العلماء فيمن ترك ابني عم أحدهما أخ للم‪،‬‬
‫فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري‪ :‬للخ للم السدس من‬
‫جهة ما هو أخ لم وهو في باقي المال مع ابن العم الخر عصبة‬
‫يقتسمونه بينهم على السواء‪ ،‬وهو قول علي رضي الله عنه وزيد‬
‫وابن عباس؛ وقال قوم‪ :‬المال كله لبن العم الذي هو أخ لم يأخذ‬
‫سيدسه بالخوة وبقيتيه بالتعصييب‪ ،‬لنيه قيد أدلى بسيببين‪ .‬وممين‬
‫قال بهذا القول من الصحابة ابن مسعود‪ ،‬ومن الفقهاء داود وأبو‬
‫ثور والطبري‪ ،‬وهو قول الحسن وعطاء‪.‬‬
‫واختلف العلماء فيييي رد ميييا بقيييي مييين مال الورثييية على ذوي‬
‫الفرائض إذا بقييييت مييين المال فضلة لم تسيييتوفها الفرائض ولم‬
‫يكين هناك مين يعصيب‪ ،‬فكان زييد ل يقول بالرد ويجعيل الفاضيل‬
‫فييي بيييت المال‪ ،‬وبييه قال مالك والشافعييي؛ وقال جييل الصييحابة‬
‫بالرد على ذوي الفرائض ما عدا الزوج والزوجة وإن كانوا اختلفوا‬
‫فيي كيفيية ذلك‪ ،‬وبيه قال فقهاء العراق مين الكوفييين والبصيريين‪.‬‬
‫وأجمع هؤلء الفقهاء على أن الرد يكون لهم بقدر سهامهم‪ ،‬فمن‬
‫كان له نصييف أخييذ النصييف ممييا بقييي‪ ،‬وهكذا فييي جزء جزء‪.‬‬
‫وعمدتهيم أن قرابية الديين والنسيب أولى مين قرابية الديين فقيط‪:‬‬
‫أي أن هؤلء اجتميع لهيم سيببان وللمسيلمين سيبب واحيد‪ .‬وهناك‬
‫مسييائل مشهورة الخلف بيييين أهيييل العلم فيهيييا تعلق بأسيييباب‬
‫الموارييث يجيب أن نذكرهيا هنيا‪ ،‬فمنهيا أنيه أجميع المسيلمون على‬
‫أن الكافر ل يرث المسلم لقوله تعالى {ولن يجعل الله للكافرين‬
‫على المؤمنيين سيبيل} ولميا ثبيت مين قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"ل يرث المسلم الكافر‪ ،‬ول الكافر المسلم" واختلفوا في ميراث‬
‫المسييلم الكافيير‪ ،‬وفييي ميراث المسييلم المرتييد‪ ،‬فذهييب جمهور‬
‫العلماء ميين الصييحابة والتابعييين وفقهاء المصييار إلى أنييه ل يرث‬
‫المسيلم الكافير بهذا الثير الثابيت؛ وذهيب معاذ بين جبيل ومعاويية‬
‫من الصحابة وسعيد ابن المسيب ومسروق من التابعين وجماعة‬
‫إلى أن المسيلم يرث الكافير‪ ،‬وشبهوا ذلك بنسيائهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬كميا‬
‫يجوز لنيا أن ننكيح نسياءهم ول يجوز لنيا أن ننكحهيم نسياءنا كذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الرث‪ ،‬ورووا في ذلك حديثا مسندا‪ ،‬قال أبو عمر‪ :‬وليس بالقوى‬
‫عنيد الجمهور‪ ،‬وشبهوه أيضيا بالقصياص فيي الدماء التيي ل تتكافيأ‪.‬‬
‫وأميا مال المرتيد إذا قتيل أو مات‪ ،‬فقال جمهور فقهاء الحجاز هيو‬
‫لجماعة المسلمين ول يرثه قرابته‪ ،‬وبه قال مالك والشافعي وهو‬
‫قول زيد من الصحابة‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية والثوري وجمهور الكوفييين وكثيير مين البصيريين‬
‫يرثيه ورثتيه مين المسيلمين وهيو قول ابين مسيعود مين الصيحابة‬
‫وعلي رضييي الله عنهمييا‪ .‬وعمدة الفريييق الول عموم الحديييث‪،‬‬
‫وعمدة الحنفيية تخصييص العموم بالقياس‪ ،‬وقياسيهم فيي ذلك هيو‬
‫أن قرابتييه أولى ميين المسييلمين لنهييم يدلون بسييببين‪ :‬بالسييلم‬
‫والقرابة‪ ،‬والمسلمون بسبب واحد‪ ،‬وهو السلم‪ ،‬وربما أكدوا بما‬
‫يبقيى لميا له مين حكيم السيلم بدلييل أنيه ل يؤخيذ فيي الحال حتيى‬
‫يموت فكانييت حياتييه معتييبرة فييي بقاء ماله على ملكييه‪ ،‬وذلك ل‬
‫يكون إل بأن يكون لماله حرميية إسييلمية‪ ،‬ولذلك لم يجييز أن يقيير‬
‫على الرتداد‪ ،‬بخلف الكافير‪ ،‬وقال الشافعيي وغيره يؤخيذ بقضاء‬
‫الصيلة إذا تاب من الردة فيي أيام الردة‪ ،‬والطائفية الخرى تقول‪:‬‬
‫يوقيف ماله لن له حرمية إسيلمية‪ ،‬وإنميا وقيف رجاء أن يعود إلى‬
‫السيلم‪ ،‬وأن اسيتيجاب المسيلمين لماله لييس على طرييق الرث‬
‫وشذت طائفيية فقالت‪ :‬ماله للمسييلمين عندمييا يرتييد‪ ،‬وأظيين أن‬
‫أشهب ممن يقول بذلك‪ .‬وأجمعوا على توريث أهل الملة الواحدة‬
‫بعضهيم بعضيا‪ .‬واختلفوا فيي تورييث الملل المختلفية‪ ،‬فذهيب مالك‬
‫وجماعييييية إلى أن أهيييييل الملل المختلفييييية ل يتوارثون كاليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬وبه قال أحمد وجماعة؛‬
‫وقال الشافعييي وأبييو حنيفيية وأبييو ثور والثوري وداود وغيرهييم‪:‬‬
‫الكفار كلهيييم يتوارثون‪ ،‬وكان شريييح وابيين أبييي ليلى وجماعيية‬
‫يجعلون الملل التييي ل تتوارث ثلثييا‪ :‬النصييارى واليهود والصييابئين‬
‫ملة‪ ،‬والمجوس ومن ل كتاب له ملة‪ ،‬والسلم ملة‪ .‬وقد روي عن‬
‫ابين أبيي ليلى مثيل قول مالك‪ .‬وعمدة مالك ومين قال بقوله ميا‬
‫روى الثقات عين عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده أن النيبي‬
‫صييلى الله عليييه وسييلم قال "ل يتوارث أهييل ملتييين"‪ .‬وعمدة‬
‫الشافعيية والحنفيية قوله علييه الصيلة والسيلم "ل يرث المسيلم‬
‫الكافيير ول الكافيير المسييلم" وذلك أن المفهوم ميين هذا بدليييل‬
‫الخطاب أن المسيلم يرث المسيلم والكافير يرث الكافير‪ .‬والقول‬
‫بدليييل الخطاب فيييه ضعييف وخاصيية هنييا‪ .‬واختلفوا فييي توريييث‬
‫الحملء‪ ،‬والحملء هييم الذييين يتحملون بأولدهييم ميين بلد الشرك‬
‫إلى بلد السيلم‪ ،‬أعنيي أنهيم يولدون فيي بلد الشرك ثيم يخرجون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إلى بلد السيلم وهيم يدعون تلك الولدة الموجبية للنسيب‪ ،‬وذلك‬
‫على ثلثة أقوال‪ :‬قول إنهم يتوارثون بما يدعون من النسب‪ ،‬وهو‬
‫قول جماعيية ميين التابعييين وإليييه ذهييب إسييحاق‪ .‬وقول إنهييم ل‬
‫يتوارثون إل ببينية تشهيد على أنسيابهم‪ ،‬وبيه قال شرييح والحسين‬
‫وجماعيية‪ .‬وقول إنهييم ل يتوارثون أصييل وروي عيين عميير الثلثيية‬
‫القوال‪ ،‬إل أن الشهير عنيه أنيه كان ل يورث إل مين ولد فيي بلد‬
‫العرب وهو قول عثمان وعمر بن عبد العزيز‪ .‬وأما مالك وأصحابه‬
‫فاختلف فيي ذلك قولهيم‪ ،‬فمنهيم مين رأى أن ل يورثون إل ببينية‪،‬‬
‫وهييو قول ابيين القاسييم‪ :‬ومنهييم ميين رأى أن ل يورثون أصييل ول‬
‫بالبينيية العادلة؛ ومميين قال بهذا القول ميين أصييحاب مالك عبييد‬
‫الملك بيين الماجشون‪ ،‬وروى ابيين القاسييم عيين مالك فييي أهييل‬
‫حصيين نزلوا على حكييم السييلم‪ ،‬فشهييد بعضهييم لبعييض أنهييم‬
‫يتوارثون‪ ،‬وهذا يتخرج منييه أنهييم يتوارثون بل بينيية‪ ،‬لن مالكييا ل‬
‫يجوز شهادة الكفار بعضهييم على بعييض قال‪ :‬فأمييا إن سييبوا فل‬
‫يقبيييل قولهيييم فيييي ذلك وبنحيييو هذا التفصييييل قال الكوفيون‬
‫والشافعيي وأحميد وأبيو ثور‪ ،‬وذلك أنهيم قالوا‪ :‬إن خرجوا إلى بلد‬
‫السلم وليس لحد عليهم يد قبلت دعواهم في أنسابهم‪ ،‬وأما إن‬
‫أدركهيم السيبي والرق فل يقبيل قولهيم إل ببينية‪ .‬ففيي المسيألة‬
‫أربعة أقوال‪ :‬اثنان طرفان‪ ،‬واثنان مفرقان‪.‬‬
‫وجمهور العلماء ميين فقهاء المصييار وميين الصييحابة علي وزيييد‬
‫وعميير أن ميين ل يرث ل يحجييب مثييل الكافيير والمملوك والقاتييل‬
‫عمدا‪ ،‬وكان ابيين مسييعود يحجييب بهؤلء الثلثيية دون أن يورثهييم‬
‫أعنيي بأهيل الكتاب وبالعبييد وبالقاتليين عمدا‪ ،‬وبيه قال داود وأبيو‬
‫ثور‪ .‬وعمدة الجمهور أن الحجييييب فييييي معنييييى الرث وأنهمييييا‬
‫متلزمان‪ .‬وحجية الطائفية الثانيية أن الحجيب ل يرتفيع إل بالموت‪.‬‬
‫واختلف العلماء فيي الذيين يفقدون فيي حرب أو غرق أو هدم ول‬
‫يدري ميين مات منهييم قبييل صيياحبه كيييف يتوارثون إذا كانوا أهييل‬
‫ميراث؟ فذهب مالك وأهل المدينة إلى أنهم ل يورث بعضهم من‬
‫بعض‪ ،‬وأن ميراثهم جميعا لمن بقي من قرابتهم الوارثين أو لبيت‬
‫المال إن لم تكين لهيم قرابية ترث‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأبيو حنيفية‬
‫وأصيحابه في ما حكى عنه الطحاوي‪ .‬وذهيب علي وعمر رضي الله‬
‫عنهمييا وأهييل الكوفيية وأبييو حنيفيية فيمييا ذكيير غييير الطحاوي عنييه‬
‫وجمهور البصييريين إلى أنهييم يتوارثون‪ ،‬وصييفة تواريثهييم عندهييم‬
‫أنهيم يورثون كيل واحيد مين صياحبه فيي أصيل ماله دون ميا ورث‬
‫بعضهم من بعض‪ ،‬أعني أنه ل يضم إلى مال المورث ما ورث من‬
‫غيره‪ ،‬فيتوارثون الكل على أنه مال وا حد كالحال في الذ ين يعلم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ميين تقدم بعضهييم على بعييض‪ ،‬مثال ذلك زوج وزوجيية توفيييا فييي‬
‫حرب أو غرق أو هدم ولكل واحد منهما ألف درهم‪ ،‬فيورث الزوج‬
‫من المرأة خم سمائة درهيم‪ ،‬وتورث المرأة من اللف التيي كانت‬
‫بيييد الزوج دون الخمسييمائة التييي ورث منهييا ربعهييا وذلك مائتان‬
‫وخمسون‪ .‬ومن مسائل هذا الباب اختلف العلماء في ميراث ولد‬
‫الملعنية وولد الزنيى‪ .‬فذهيب أهيل المدينية وزييد بين ثابيت إلى أن‬
‫ولد الملعنة كما يورث غير ولد الملعنة‪ ،‬وأنه ليس لمه إل الثلث‬
‫والباقيي لبييت المال‪ ،‬إل أن يكون له إخوة لم‪ ،‬فيكون لهيم الثلث‬
‫أو تكون أمه مولة فيكون باقي مالها لمواليها‪ ،‬وإل فالباقي لبيت‬
‫مال المسيلمين‪ ،‬وبيه قال مالك والشافعيي وأبيو حنيفية وأصيحابه‪،‬‬
‫إل أن أبيا حنيفية على مذهبيه يجعيل ذوي الرحام أولى مين جماعية‬
‫المسيلمين‪ .‬وأيضيا على قياس مين يقول بالرد يرد على الم بقيية‬
‫المال؛ وذهب علي وعمر وابن مسعود إلى أن عصبته عصبة أمه‬
‫أعني الذي يرثونها‪ .‬وروي عن علي وابن مسعود أنهم ل يجعلونه‬
‫عصيبته عصيبة أ مه إل ميع فقد الم وكانوا ينزلون الم بمنزلة الب‬
‫وبه قال الحسن وابن سيرين والثوري وابن حنبل وجماعة‪.‬‬
‫وعمدة الفريييييق الول عموم قوله تعالى {فإن لم يكيييين له ولد‬
‫وورثييه أبواه فلمييه الثلث} فقالوا‪ :‬هذه أم وكييل أم لهييا الثلث‪،‬‬
‫فهذه لهيا الثلث‪ .‬وعمدة الفرييق الثانيي ميا روي مين حدييث ابين‬
‫عمير عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم "أنيه ألحيق ولد الملعنية‬
‫بأميه" وحدييث عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده قال "جعيل‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم ميراث ابين الملعنية لميه ولورثتيه"‬
‫وحدييث واثلة بين السيقع عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال‬
‫"المرأة تحوز ثلثية أموال‪ :‬عتيقهيا‪ ،‬ولقيطهيا وولدهيا الذي لعنيت‬
‫عليه" وحديث مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك‬
‫خرج جمييع ذلك أبيو داود وغيره‪ .‬قال القاضيي‪ :‬هذه الثار المصيير‬
‫إليهيا واجيب لنهيا قيد خصيصت عموم الكتاب‪ .‬والجمهور على أن‬
‫السيينة يخصييص بهييا الكتاب‪ ،‬ولعييل الفريييق الول لم تبلغهييم هذه‬
‫الحادييث أو لم تصيح عندهيم‪ ،‬وهذا القول مروي عين ابين عباس‬
‫وعثمان‪ ،‬وهيو مشهور فيي الصيدر الول‪ ،‬واشتهاره فيي الصيحابة‬
‫دليل على صحة هذه الثار‪ ،‬فإن هذا ليس يستنبط بالقياس‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ومن مسائل ثبوت النسب الموجب للميراث اختلفهم فيمن ترك‬
‫ابنين وأقر أحدهم بأخ ثالث وأنكر الثاني؛ فقال مالك وأبو حنيفة‪:‬‬
‫يجيب علييه أن يعطييه حقيه مين الميراث يعنون المقير‪ ،‬ول يثبيت‬
‫بقوله نسبه‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ل يثبت النسب ول يجب على المقر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن يعطيه من الميراث شيئا‪ .‬واختلف مالك وأ بو حنيفة فيي القدر‬


‫الذي يجيب على الخ المقير‪ ،‬فقال مالك يجيب علييه ميا كان يجيب‬
‫عليه لو أقر الخ الثاني وثبت النسب؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يجب عليه‬
‫أن يعطييه نصيف ميا بيده‪ ،‬وكذلك الحكيم عنيد مالك وأبيي حنيفية‬
‫فيمين ترك ابنيا واحدا فأقير بأخ له آخير‪ ،‬أعنيي أنيه ل يثبيت النسيب‬
‫ويجييب الميراث؛ وأميا الشافعييي فعنييه فييي هذه المسيألة قولن‪:‬‬
‫أحدهمييا أنييه ل يثبييت النسييب ول يجييب الميراث‪ .‬والثانييي يثبييت‬
‫النسييب ويجييب الميراث‪ ،‬وهييو الذي عليييه تناظيير الشافعييية فييي‬
‫المسيائل الطبلوليية ويجعلهيا مسيألة عامية‪ ،‬وهيو أن كيل مين يحوز‬
‫المال يثبيييت النسيييب بإقراره وإن كان واحدا أخيييا أو غيييير ذلك‪.‬‬
‫وعمدة الشافعيية فيي المسيألة الولى؛ وفيي أحيد قولييه فيي هذه‬
‫المسييألة‪ ،‬أعنييي القول الغييير المشهور أن النسييب ل يثبييت إل‬
‫بشاهدي عدل‪ ،‬وحييييث ل يثبيييت فل ميراث‪ ،‬لن النسيييب أصيييل‬
‫والميراث فرع‪ ،‬وإذا لم يوجد الصل لم يوجد الفرع‪ .‬وعمدة مالك‬
‫وأبي حنيفة أن ثبوت النسب حق متعد إلى الخ المنكر‪ ،‬فل يثبت‬
‫عليه إل بشاهدين عدلين‪ ،‬وأما حظه من الميراث الذي بيد المقر‬
‫فإقراره فيه عامل لنه حق أقر به على نفسه‪ .‬والحق أن القضاء‬
‫عليه ل يصح من الحاكم إل بعد ثبوت النسب وأنه ل يجوز له بين‬
‫الله تعالى وبين نفسه أن يمنع من يعرف أنه شريكه في الميراث‬
‫حظه منه‪ .‬وأما عمدة الشافعية في إثباتهم النسب بإقرار الواحد‬
‫الذي يحوز له الميراث فالسماع والقياس‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابيع‪- :)1 ...‬وأجميع العلماء على أن الخ الشقييق يحجيب الخ‬
‫للب‪ ،‬وأن الخ للب يحجب‪... ...‬‬
‫أميا السيماع فحدييث مالك عين ابين شهاب عين عروة عين عائشية‬
‫المتفق على صحته قالت "كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه‬
‫سعد بن أبي وقاص أن ا بن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك‪ ،‬فلما‬
‫كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال‪ :‬ابن أخي قد كان‬
‫عهيد إلي فييه‪ ،‬فقام إلييه عبيد بين زمعية‪ ،‬فقال‪ :‬أخيي وابين وليدة‬
‫أبيي ولد على فراشيه‪ ،‬فتسياوقاه إلى رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسلم‪ ،‬فقال سعد‪ :‬يا رسول الله ابن أخي قد كان عهد إلي فيه‪،‬‬
‫فقام إليه عبد بن زمعة فقال‪ :‬أخي وابن وليدة أبي على فراشه‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬هو لك يا عبد بن زمعة‪،‬‬
‫ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬الولد للفراش وللعاهر‬
‫الحجير‪ ،‬ثيم قال لسيودة بنيت زمعية‪ :‬احتجيبي منيه‪ ،‬لميا رأى مين‬
‫شبهيه بعتبية بين أبيي وقاص قالت‪ :‬فميا رآهيا حتيى لقيي الله عيز‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجيل‪ ،‬فقضيى رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم لعبيد بين زمعية‬
‫بأخيه وأثبت نسبه بإقراره إذا لم يكن هنالك وارث منازع له" وأما‬
‫أكثر الفقهاء فقد أشكل عليهم معنى هذا الحديث لخروجه عندهم‬
‫عيين الصييل المجمييع عليييه فييي إثبات النسييب‪ ،‬ولهييم فييي ذلك‬
‫تأويلت‪ ،‬وذلك أن ظاهير هذا الحدييث أنيه أثبيت نسيبه بإقرار أخييه‬
‫بيييه‪ ،‬والصيييل أن ل يثبيييت نسيييب إل بشاهدي عدل‪ ،‬ولذلك تأول‬
‫الناس فيي ذلك تأويلت‪ ،‬فقالت طائفية‪ :‬إنيه إنميا أثبيت نسيبه علييه‬
‫الصلة والسلم بقول أخيه‪ ،‬لنه يمكن أن يكون قد علم تلك المة‬
‫كان يطؤهيا زمعية بين قييس‪ ،‬وأنهيا كانيت فراشيا له‪ ،‬قالوا‪ :‬ومميا‬
‫يؤكيد ذلك أنيه كان صيهره‪ ،‬وسيودة بنيت زمعية كانيت زوجتيه علييه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬فيمكن أن ل يخفى عليه أمرها‪ ،‬وهذا على القول‬
‫بأن للقاضي أن يقضي بعلمه‪ ،‬ول يليق هذا التأويل بمذهب مالك‪،‬‬
‫لنه ل يقضي القاضي عنده بعلمه‪ ،‬ويليق بمذهب الشافعي على‬
‫قوله الخيير‪ ،‬أعنييي الذي ل يثبييت فيييه النسييب‪ .‬والذييين قالوا بهذا‬
‫التأويل قالوا‪ :‬إنما أمر سودة بالحجبة احتياطا لشبهة الشبه‪ ،‬ل أن‬
‫ذلك كان واجبييا‪ ،‬وقال لمكان هذا بعييض الشافعييية‪ :‬إن للزوج أن‬
‫يحجيب الخيت عين أخيهيا؛ وقالت طائفية‪ :‬أمره بالحتجاب لسيودة‬
‫دليل على أنه لم يلحق نسبه بقول عتبة ول بعلمه بالفراش‪.‬‬
‫وافترق هؤلء فييي تأويييل قوله عليييه الصييلة والسييلم "هييو لك"‬
‫فقالت طائفة‪ :‬إنما أراد هو عبدك إذا كان ابن أمة أبيك‪ ،‬وهذا غير‬
‫ظاهير لتعلييل رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم حكميه فيي ذلك‬
‫بقوله "الولد للفراش وللعاهيير الحجيير" وقال الطحاوي‪ :‬إنمييا أراد‬
‫بقوله علييه الصيلة والسيلم "هيو لك ييا عبيد بين زمعية" أي يدك‬
‫عليه بمنزلة ما هو يد اللقط على اللقطة‪ ،‬وهذه التأويلت تضعف‬
‫لتعليله علييييه الصيييلة والسيييلم حكميييه بأن قال "الولد للفراش‬
‫وللعاهيير الحجيير"‪ .‬وأمييا المعنييى الذي يعتمده الشافعييية فييي هذا‬
‫المذهييب‪ ،‬فهييو أن إقرار ميين يحوز الميراث هييو إقرار خلفيية‪ :‬أي‬
‫إقرار من حاز خلفة الميت‪ ،‬وعند الغير أنه إقرار شهادة ل إقرار‬
‫خلفية‪ ،‬يرييد أن القرار الذي كان للمييت انتقيل إلى هذا الذي حاز‬
‫ميراثيه‪ .‬واتفيق الجمهور على أن أولد الزنيى ل يلحقون بآبائهيم إل‬
‫في الجاهلية على ما روي عن عمر بن الخطاب على اختلف في‬
‫ذلك بييين الصييحابة؛ وشييذ قوم فقالوا‪ :‬يلتحييق ولد الزنييى فييي‬
‫السيلم‪ ،‬أعنيي الذي كان عين زنيى فيي السيلم‪ .‬واتفقوا على أن‬
‫الولد ل يلحيق بالفراش فيي أقيل مين سيتة أشهير‪ ،‬إميا مين وقيت‬
‫العقيد‪ ،‬وإميا مين وقيت الدخول‪ ،‬وأنيه يلحيق مين وقيت الدخول إلى‬
‫أقصير زمان الحميل‪ ،‬أو إن كان قيد فارقهيا واعتزلهيا‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أطول زمان الحميييل الذي يلحيييق بيييه الوالد الولد‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫خميس سينين؛ وقال بعيض أصيحابه‪ :‬سيبع؛ وقال الشافعيي‪ :‬أربيع‬
‫سيينين؛ وقال الكوفيون‪ :‬سيينتان‪ :‬وقال محمييد بيين الحكييم‪ :‬سيينة؛‬
‫وقال داود‪ :‬سييتة أشهيير‪ ،‬وهذه المسييألة مرجوع فيهييا إلى العادة‬
‫والتجربة‪ .‬وقول ابن عبد الحكم والظاهرية هو أقرب إلى المعتاد‪،‬‬
‫والحكيييم إنميييا يجيييب أن يكون بالمعتاد ل بالنادر‪ ،‬ولعله أن يكون‬
‫مستحيل‪.‬‬
‫وذهيب مالك والشافعيي إلى أن مين تزوج امرأة ولم يدخيل بهيا أو‬
‫دخل بها بعد الوقت وأتت بولد لستة أشهر من وقت العقد ل من‬
‫وقت الدخول أنه ل يلحق به إل إذا أتت به لستة أشهر فأكثر من‬
‫ذلك مين وقيت الدخول‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬هيي فراش له ويلحقيه‬
‫الولد‪ .‬وعمدة مالك أنهيا ليسيت بفراش إل بإمكان الوطيء وهيو ميع‬
‫الدخول‪ .‬وعمدة أبييي حنيفيية عموم قوله عليييه الصييلة والسييلم‬
‫"الولد للفراش" وكأنيه يرى أن هذا تعبيد بمنزلة تغلييب الوطيء‬
‫الحلل على الوطييييء الحرام فييييي إلحاق الولد بالوطييييء الحلل‪.‬‬
‫واختلفوا مين هذا الباب فيي إثبات النسيب بالقافية‪ ،‬وذلك عندميا‬
‫يطييأ رجلن فييي طهيير واحييد بملك يمييين أو بنكاح‪ ،‬ويتصييور أيضييا‬
‫الحكيم بالقافية فيي اللقييط الذي يدعييه رجلن أو ثلثية‪ .‬والقافية‬
‫عند العرب‪ :‬هم قوم كانت عندهم معرفة بفصول تشابه أشخاص‬
‫الناس‪ ،‬فقال بالقافية مين فقهاء المصيار مالك والشافعيي وأحميد‬
‫وأبيو ثور والوزاعيي وأبيي الحكيم بالقافية‪ ،‬الكوفيون وأكثير أهيل‬
‫العراق‪ ،‬والحكييم عنييد هؤلء أنييه إذا ادعييى رجلن ولدا كان الولد‬
‫بينهما‪ ،‬وذلك إذا لم يكن لحدهما فراش‪ ،‬مثل أن يكون لقيطا‪ ،‬أو‬
‫كانت المرأة الواحدة لكل واحد منهما فراشا مثل المة أو الحرة‬
‫يطؤهيا رجلن فيي طهير واحيد؛ وعنيد الجمهور مين القائليين بهذا‬
‫القول أنيه يجوز أن يكون عندهيم للبين الواحيد أبوان فقيط؛ وقال‬
‫محمييد صيياحب أبييي حنيفيية‪ :‬يجوز أن يكون ابنييا لثلثيية إن ادعوه‪،‬‬
‫وهذا كله تخليط وإبطال للمعقول والمنقول‪ .‬وعمدة استدلل من‬
‫قال بالقافية ميا رواه مالك عين سيليمان بين يسيار أن عمير ابين‬
‫الخطاب كان يليط أولد الجاهلية بمن استلطهم‪ :‬أي بمن ادعاهم‬
‫فييي السييلم فأتييى رجلن كلهمييا يدعييي ولد امرأة‪ ،‬فدعييا قائفييا‬
‫فنظر إليه فقال القائف‪ :‬لقد اشتركا فيه‪ ،‬فضربه عمر بالدرة‪ ،‬ثم‬
‫دعا المرأة فقال‪ :‬أخبرني ب خبرك‪ ،‬فقالت‪ :‬كان هذا لحد الرجلين‬
‫يأتي في إبل لهلها فل يفارقها حتى يظن ونظن أنه قد استمر بها‬
‫حميل‪ ،‬ثيم انصيرف عنهيا فأهريقيت علييه دميا‪ ،‬ثيم خلف هذا عليهيا‪:‬‬
‫تعنيي الخير‪ ،‬فل أدري أيهميا هيو‪ ،‬فكيبر القائف‪ ،‬فقال عمير للغلم‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وال أيهما شئت‪ .‬قالوا‪ :‬فقضاء عمر بمحضر من الصحابة بالقافة‬


‫من غير إنكار من واحد منهم هو كالجماع‪.‬‬
‫وهذا الحكم عند مالك إذا قضى القافة بالشتراك أن يؤخر الصبي‬
‫حتيى يبلغ‪ ،‬ويقال له‪ :‬وال أيهميا شئت‪ ،‬ول يلحيق واحيد باثنيين‪ ،‬وبيه‬
‫قال الشافعي؛ وقال أبو ثور‪ :‬يكون ابنا لهما إذا زعم القائف أنهما‬
‫اشتركيا فييه؛ وعنيد مالك أنيه لييس يكون ابنيا للثنيين لقوله تعالى‬
‫{يييا أيهييا الناس إنييا خلقناكييم ميين ذكيير وأنثييى} واحتييج القائلون‬
‫بالقافيية أيضييا بحديييث ابيين شهاب عيين عروة عيين عائشيية قالت‬
‫"دخيل رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم مسيرورا تيبرق أسيارير‬
‫وجهيه فقال‪ :‬ألم تسيمعي ميا قال مجزز المدلجيي لزييد وأسيامة‬
‫ورأى أقدامهمييا فقال‪ :‬إن هذه القدام بعضهييا ميين بعييض" قالوا‪:‬‬
‫وهذا مروي عين ابين عباس وعين أنيس بين مالك‪ ،‬ول مخالف لهيم‬
‫ميين الصييحابة‪ .‬وأمييا الكوفيون فقالوا‪ :‬الصييل أن ل يحكييم لحييد‬
‫المتنازعين في الولد إل أن يكون هنالك فراش لقوله عليه الصلة‬
‫والسييلم "الولد للفراش" فإذا عدم الفراش أو اشتركييا الفراش‬
‫كان ذلك بينهمييا‪ ،‬وكأنهييم رأوا ذلك بنوة شرعييية ل طبيعييية‪ ،‬فإنييه‬
‫لييس يلزم مين قال‪ :‬إنيه ل يمكين أن يكون ابين واحيد عين أبويين‬
‫بالعقيل أن ل يجوز وقوع ذلك فيي الشرع‪ .‬وروي مثيل قولهيم عين‬
‫عمير‪ ،‬ورواه عبيد الرزاق عين علي؛ وقال الشافعيي‪ :‬ل يقبيل فيي‬
‫القافة إل رجلن‪ .‬وعن مالك في ذلك روايتان‪ :‬إحداهما مثل قول‬
‫الشافعييي‪ ،‬والثانييية أنييه يقبييل قول قائف واحييد‪ .‬والقافيية فييي‬
‫المشهور عين مالك إنميا يقضيي بهيا فيي ملك اليميين فقيط ل فيي‬
‫النكاح؛ وروى ابين وهيب عنيه مثيل قول الشافعيي؛ وقال أبيو عمير‬
‫بن عبد البر‪ :‬في هذا حديث حسن مسند أخذ به جماعة من أهل‬
‫الحديييث وأهييل الظاهيير‪ ،‬رواه الثوري عيين صييالح بيين حييي عيين‬
‫الشعيبي عين زييد بين أرقيم قال "كان علي باليمين فأتيى بامرأة‬
‫وطئهيا ثلثية أناس فيي طهير واحيد‪ ،‬فسيأل كيل واحيد منهيم أن يقير‬
‫لصيياحبه بالولد فأبييى‪ ،‬فأقرع بينهييم وقضييى بالولد للذي أصييابته‬
‫القرعية وجعيل علييه ثلثيي الديية‪ ،‬فرفيع ذلك إلى النيبي صيلى الله‬
‫علييه وسيلم فأعجبيه وضحيك حتيى بدت نواجذه "وفيي هذا القول‬
‫إنفاذ الحكم بالقافة وإلحاق الولد بالقرعة"‪.‬‬
‫واختلفوا فيي ميراث القاتيل على أربعية أقوال‪ :‬فقال قوم‪ :‬ل يرث‬
‫القاتييل أصييل ميين قتله‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يرث القاتييل وهييم القييل‪.‬‬
‫وفرق قوم بييين الخطييأ والعمييد فقالوا‪ :‬ل يرث فييي العمييد شيئا‬
‫ويرث فيي الخطيأ إل مين الديية‪ ،‬وهيو قول مالك وأصيحابه‪ .‬وفرق‬
‫قوم بين أن يكون في العمد قتل بأمر واجب أو بغير واجب‪ ،‬مثل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن يكون مين له إقامية الحدود‪ ،‬وبالجملة بيين أن يكون ممين يتهيم‬
‫أو ل يتهيم‪ .‬وسيبب الخلف معارضية أصيل الشرع فيي هذا المعنيى‬
‫للنظير المصيلحي‪ ،‬وذلك أن النظير المصيلحي يقتضيي أن ل يرث‬
‫لئل يتذرع الناس مين الموارييث إلى القتيل واتباع الظاهير‪ ،‬والتعبيد‬
‫يوجيب أن ل يلتفيت إلى ذلك‪ ،‬فإنيه لو كان ذلك مميا قصيد للتفيت‬
‫إلييه الشارع {وميا كان ربيك نسييا} كميا تقول الظاهريية‪ .‬واختلفوا‬
‫فييي الوارث الذي ليييس بمسييلم يسييلم بعييد موت مورثييه السييلم‬
‫وقبيييل قسيييم الميراث‪ ،‬وكذلك إن كان مورثيييه على غيييير ديييين‬
‫السييلم‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬إنمييا يعتييبر فييي ذلك وقييت الموت‪ ،‬فإن‬
‫كان اليوم الذي مات فيييه المسييلم وارثييه ليييس بمسييلم لم يرثييه‬
‫أصييل سييواء أسييلم قبييل الميراث أو بعده‪ ،‬وكذلك إن كان مورثييه‬
‫على غيير ديين السيلم وكان الوارث يوم مات غيير مسيلم ورثيه‬
‫ضرورة سييواء كان إسييلمه قبييل القسييم أو بعده‪ .‬وقالت طائفيية‬
‫منهييم الحسيين وقتادة وجماعيية‪ :‬المعتييبر فييي ذلك يوم القسييم‪،‬‬
‫وروي ذلك عن عمر بن الخطاب‪ .‬وعمدة كل الفريقين قوله صلى‬
‫الله عليه وسلم "أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على‬
‫قسم الجاهلية‪ ،‬وأيما دار أو أرض أدركها السلم ولم تقسم فهي‬
‫على قسم السلم" فمن اعتبر وقت القسمة حكم للمقسوم في‬
‫ذلك الوقيت بحكيم السيلم‪ ،‬ومين اعتيبر وجوب القسيمة حكيم فيي‬
‫وقيت الموت للمقسيوم بحكيم السيلم‪ .‬وروي مين حدييث عطاء‬
‫"أن رجل أسلم على ميراث على عهد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قبل أن يقسم‪ ،‬فأعطاه ر سول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫نصييبه‪ ،‬وكذلك الحكيم عندهيم فيمين أعتيق مين الورثية بعيد الموت‬
‫وقبييل القسييم‪ .‬فهذه هييي المسييائل المشهورة التييي تتعلق بهذا‬
‫الكتاب‪ .‬قال القاضييي‪ :‬ولمييا كان الميراث إنمييا يكون بأحييد ثلثيية‬
‫أسييباب‪ :‬إمييا بنسييب‪ ،‬أو صييهر‪ ،‬أو ولء‪ ،‬وكان قييد قيييل فييي الذي‬
‫يكون بالنسيب والصيهر‪ ،‬فيجيب أن نذكير ههنيا الولء‪ ،‬ولمين يجيب‪،‬‬
‫ومن يجب فيه ممن ل يجب‪ ،‬وما أحكامه؟‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في الولء‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا مين يجيب له الولء‪ ،‬ففييه مسيائل مشهورة تجري مجرى‬
‫الصول لهذا الباب‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) أجميع العلماء على أن مين أعتيق عبده عين‬
‫نفسه فإن ولءه له وأنه يرثه إذا لم يكن له وارث‪ ،‬وأنه عصبة له‬
‫إذا كان هنالك ورثيية ل يحيطون بالمال‪ .‬فأمييا كون الولء للمعتييق‬
‫عين نفسيه‪ ،‬فلميا ثبيت مين قوله علييه الصيلة والسيلم فيي حدييث‬
‫بريرة "إنميا الولء لمين أعتيق" واختلفوا إذا أعتيق عبيد عين غيره؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقال مالك الولء للمعتييق عنييه ل الذي باشيير العتييق‪ ،‬وقال أبييو‬
‫حنيفة والشافعي‪ :‬إن أعتقه عن علم المعتق عنه‪ ،‬فالولء للمعتق‬
‫عنيه‪ ،‬وإن أعتقيه عين غيير علميه‪ ،‬فالولء للمباشير للعتيق‪ .‬وعمدة‬
‫الحنفيية والشافعيية ظاهير قوله علييه الصيلة والسيلم "الولء لمين‬
‫أعتق" وقوله عليه الصلة والسلم "الولء لحمة كلحمة النسب"‬
‫قالوا‪ :‬فلما لم يجز أن يلحق نسب بالحر بغير إذنه‪ ،‬فكذلك الولء‪،‬‬
‫ومين طرييق المعنيى فلن عتقيه حريية وقعيت فيي ملك المعتيق‪،‬‬
‫فوجييب أن يكون الولء له‪ ،‬أصييله إذا أعتقييه ميين نفسييه‪ .‬وعمدة‬
‫مالك أنيه إذا أعتقيه عنيه فقيد ملكيه إياه‪ ،‬فأشبيه الوكييل؛ ولذلك‬
‫اتفقوا على أنيه إذا أذن له المعتيق عنيه كان ولءه له ل للمباشير‪.‬‬
‫وعند مالك أنه من قال لعبده‪ :‬أنت حر لوجه الله وللمسلمين أن‬
‫الولء يكون للمسلمين‪ ،‬وعندهم يكون للمعتق‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الثانيية) اختلف العلماء فيمين أسيلم على يدييه رجيل‬
‫هييييييل يكون ولءه له؟ فقال مالك والشافعييييييي والثوري وداود‬
‫وجماعية‪ :‬ل ولء له؛ وقال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬له ولءه إذا واله‪،‬‬
‫وذلك أن مذهبهم أن للرجل أن يوالي رجل آخر فيرثه ويعقل عنه‪،‬‬
‫وأن له أن ينصييرف ميين ولءه إلى ولء غيره مييا لم يعقييل عنييه؛‬
‫وقال غيره‪ :‬بنفيييس السيييلم على يدييييه يكون له ولءه‪ .‬فعمدة‬
‫الطائفيية الولى قوله صييلى الله عليييه وسييلم "إنمييا الولء لميين‬
‫أعتييق" وإنمييا هذه هييي التييي يسييمونها الحاصييرة‪ ،‬وكذلك اللف‬
‫واللم هيي عندهيم للحصير‪ ،‬ومعنيى الحصير هيو أن يكون الحكيم‬
‫خاصيا بالمحكوم علييه ل يشاركيه فييه غيره‪ :‬أعنيي أن ل يكون ولء‬
‫بحسيييب مفهوم هذا القول إل للمعتيييق فقيييط المباشييير‪ .‬وعمدة‬
‫الحنفية في إثبات الولء بالموالة قوله تعالى {ولكل جعلنا موالي‬
‫ممييييا ترك الوالدان والقربون} وقوله تعالى {والذييييين عاقدت‬
‫أيمانكيم فآتوهيم نصييبهم} ‪ .‬وحجية مين قال‪ :‬الولء يكون بنفيس‬
‫السيلم فقيط حدييث تمييم الداري قال "سيألت رسيول الله صيلى‬
‫الله علييه وسيلم عين المشرك يسيلم على ييد مسيلم؟ فقال هيو‬
‫أحييق الناس وأولهييم بحياتييه ومماتييه" وقضييى بييه عميير بيين عبييد‬
‫العزييييز‪ .‬وعمدة الفرييييق الول أن قوله تعالى {والذيييين عاقدت‬
‫أيمانكييم} منسييوخة بآييية المواريييث‪ ،‬وأن ذلك كان فييي صييدر‬
‫السيلم‪ ،‬وأجمعوا على أنيه ل يجوز بييع الولء ول هبتيه لثبوت نهييه‬
‫عليه الصلة والسلم عن ذلك إل ولء السائبة‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) اختلف العلماء إذا قال السيييد لعبده أنييت‬
‫سييائبة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ولءه وعقله للمسييلمين وجعله بمنزلة ميين‬
‫أعتيق عين المسيلمين إل أن يرييد بيه معنيى العتيق فقيط‪ ،‬فيكون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ولءه له؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ولءه للمعتق على كل حال‪،‬‬
‫وبيه قال أحميد وداود وأبيو ثور؛ وقالت طائفية‪ :‬له أن يجعيل ولءه‬
‫حييييث شاء‪ ،‬وإن لم يوال أحدا كان ولءه للمسيييلمين‪ ،‬وبيييه قال‬
‫الليييث والوزاعييي؛ وكان إبراهيييم والشعييبي يقولن‪ :‬ل بأس بييبيع‬
‫ولء السييائبة وهبتييه‪ ،‬وحجتييه هؤلء هييي الحجييج المتقدميية فييي‬
‫المسألة التي قبلها‪ .‬وأما من أجاز بيعه فل أعرف له حجة في هذا‬
‫الوقت‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) اختلف العلماء فيي ولء العبيد المسيلم إذا‬
‫أعتقيه النصيراني قبيل أن يباع لمين يكون؟ فقال مالك وأصيحابه‪:‬‬
‫ولؤه للمسيلمين‪ ،‬فإن أسيلم موله بعيد ذلك لم يعيد إلييه ولؤه ول‬
‫ميراثيه؛ وقال الجمهور‪ :‬ولؤه لسييده‪ ،‬فإن أسيلم كان له ميراثيه‪.‬‬
‫وعمدة الجمهور أن الولء كالنسيييب‪ ،‬وأنيييه إذا أسيييلم الب بعيييد‬
‫إسلم البن أنه يرثه‪ ،‬فكذلك العبد‪ .‬وأما عمدة مالك فعموم قوله‬
‫تعالى {ولن يجعييل الله للكافرييين على المؤمنييين سييبيل} فهييو‬
‫يقول‪ :‬أنيه لميا لم يجيب له الولء يوم العتيق لم يجيب له فيميا بعيد‪.‬‬
‫وأميا إذا وجيب له يوم العتيق ثيم طرأ علييه مانيع مين وجوبيه فلم‬
‫يختلفوا أنيه إذا ارتفيع ذلك المانيع أنيه يعود الولء له‪ .‬ولذلك اتفقوا‬
‫أنييه إذا أعتييق النصييراني الذمييي عبده النصييراني قبييل أن يسييلم‬
‫أحدهميا ثيم أسيلم العبيد أن الولء يرتفيع‪ ،‬فإن أسيلم المولى عاد‬
‫إليه‪ .‬وإن كانوا اختلفوا في الحربي يعتق عبده وهو على دينه‪ ،‬ثم‬
‫يخرجان إلينييا مسييلمين‪ ،‬فقال مالك‪ :‬هييو موله يرثييه؛ وقال أبييو‬
‫حنيفية‪ :‬ل ولء بينهميا‪ ،‬وللعبيد أن يوالي مين شاء على مذهبيه فيي‬
‫الولء والتحالف؛ وخالف أشهيب مالكيا فقال‪ :‬إذا أسيلم العبيد قبيل‬
‫المولى لم يعييد إلى المولى ولءه أبدا؛ وقال ابيين القاسييم‪ :‬يعود‪،‬‬
‫وهيييو معنيييى قول مالك‪ ،‬لن مالكيييا يعتيييبر وقيييت العتيييق‪ ،‬وهذه‬
‫المسائل كلها هي مفروضة في القول ل تقع بعد‪ ،‬فإنه ليس من‬
‫ديين النصيارى أن يسيترق بعضهيم بعضيا‪ ،‬ول مين ديين اليهود فيميا‬
‫يعتقدونه في هذا الوقت ويزعمون أنه من مللهم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الخامسيية) أجمييع جمهور العلماء على أن النسيياء‬
‫ليس لهن مدخل في رواثة الولء إل من باشرن عتقه بأنفسهن أو‬
‫ميا جير إليهين مين باشرن عتقيه‪ ،‬إميا بولء أو بنسيب‪ ،‬مثيل معتيق‬
‫معتقها أو ابن معتقها‪ ،‬وأنهن ل يرثن معتق من يرثنه إل ما حكي‬
‫عين شرييح‪ .‬وعمدتيه أنيه لميا كان لهيا ولء ميا أعتقيت بنفسيها كان‬
‫لهييا ولء مييا أعتقييه مورثهييا قياسييا على الرجييل‪ ،‬وهذا هييو الذي‬
‫يعرفونيه بقياس المعنيى‪ ،‬وهيو أرفيع مراتيب القياس‪ ،‬وإنميا الذي‬
‫يوهنيه الشذوذ‪ .‬وعمدة الجمهور أن الولء إنميا وجيب للنعمية التيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كانيت للمعت َيق على المعت ِيق‪ ،‬وهذه النعمية إنميا توجيد فيمين باشير‬
‫العتييق‪ ،‬أو كان ميين سييبب قوي ميين أسييبابه‪ ،‬وهييم العصييبة‪ .‬قال‬
‫القاضي‪ :‬وإذ قد تقرر من له ولء ممن ليس له ولء‪ ،‬فبقي النظر‬
‫فيي ترتييب أهيل الولء فيي الولء‪ .‬فمين أشهير مسيائلهم فيي هذا‬
‫الباب المسألة التي يعرفونها بالولء للكبر‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬رجل أعتق‬
‫عبدا ثييم مات ذلك الرجييل وترك أخوييين أو ابنييين‪ ،‬ثييم مات أحييد‬
‫الخوييين وترك ابنييا‪ ،‬أو أحييد البنييين‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬فييي هذه‬
‫المسألة أن حظ الخ الميت من الولء ل يرثه عنه ابنه‪ ،‬وهو راجع‬
‫إلى أخييه لنيه أحيق بيه مين ابنيه بخلف الميراث‪ ،‬لن الحجيب فيي‬
‫الميراث يعتييبر بالقرب ميين الميييت‪ ،‬وهنييا بالقرب ميين المباشيير‬
‫العتييق‪ ،‬وهييو مروي عيين عميير ابيين الخطاب وعلي وعثمان وابيين‬
‫مسعود وزيد بن ثابت من الصحابة‪ .‬وقال شريح وطائفة من أهل‬
‫البصيرة‪ :‬حيق الخ المييت فيي هذه المسيألة لبنييه‪ .‬وعمدة هؤلء‬
‫تشيييبيه الولء بالميراث‪ .‬وعمدة الفرييييق الول أن الولء نسيييب‬
‫مبدؤه ميين المباشيير‪ .‬وميين مسييائلهم المشهورة فييي هذا الباب‬
‫المسيألة التيي تعرف بجير الولء‪ ،‬وصيورتها أن يكون عبيد له بنون‬
‫ميين أمية‪ ،‬فأعتقييت الميية ثييم أعتييق العبييد بعييد ذلك‪ ،‬فإن العلماء‬
‫اختلفوا لميين يكون ولء البنييين إذا أعتييق الب‪ ،‬وذلك أنهييم اتفقوا‬
‫على أن ولءهم بعد عتق الم إذا لم يمس المولود الرق في بطن‬
‫أميه‪ ،‬وذلك يكون إذا تزوجهيا العبيد بعيد العتيق وقبيل عتيق الب هيو‬
‫لموالي الم‪ .‬واختلفوا إذا أعتيق الب هيل يجير ولءه بنييه لموالييه‬
‫أم ل يجييير؟ فذهيييب الجمهور ومالك وأبيييو حنيفييية والشافعيييي‬
‫وأصييحابهم إلى أنييه يجيير‪ ،‬وبييه قال علي رضييي الله عنييه وابيين‬
‫مسييعود والزبييير وعثمان ابيين عفان‪ .‬وقال عطاء وعكرميية وابيين‬
‫شهاب وجماعية‪ :‬ل يجير ولءه‪ .‬وروي عين عمير‪ ،‬وقضيى بيه عبيد‬
‫الملك بين مروان لميا حدثيه بيه قبيضية بين ذؤييب عين عمير بين‬
‫الخطاب‪ ،‬وإن كان قيد روي عين عمير مثيل قول الجمهور‪ .‬وعمدة‬
‫الجمهور أن الولء مشبييييه بالنسييييب‪ ،‬والنسييييب للب دون الم‪.‬‬
‫وعمدة الفريق الثاني أن البنين لما كانوا في الحرية تابعين لمهم‬
‫كانوا فيي موجيب الحريية تابعيين لهيا‪ ،‬وهيو الولء‪ ،‬وذهيب مالك إلى‬
‫أن الجيد يجير ولء حفدتيه إذا كان أبوهيم عبدا‪ ،‬إل أن يعتيق الب‪،‬‬
‫وبيه قال الشافعيي وخالفيه فيي ذلك الكوفيون واعتمدوا فيي ذلك‬
‫على أن ولء الجيد إنميا يثبيت لمعتيق الجيد على البنيين مين جهية‬
‫الب‪ ،‬وإذا لم يكييين للب ولء فأحرى أن ل يكون للجيييد‪ .‬وعمدة‬
‫الفريق الثاني أن عبودية الب هي كموته فوجب أن ينتقل الولء‬
‫إلى أبييي الب‪ ،‬ول خلف بييين ميين يقول بأن الولء للعصييبة فيمييا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أعلم أن البناء أحق من الباء‪ ،‬وأنه ل ينتقل إلى العمود العلى إل‬
‫إذا فقيد العمود السيفل بخلف الميراث‪ ،‬لن البنوة عندهيم أقوى‬
‫تعصيبا من البوة‪ ،‬والب أضعف تعصيبا‪ ،‬والخوة وبنوهم أقعد عند‬
‫مالك مين الجيد‪ ،‬وعنيد الشافعيي وأبيي حنيفية الجيد أقعيد منهيم‪.‬‬
‫وسبب الخلف من أقرب نسبا وأقوى تعصيبا وليس يورث بالولء‬
‫جزء مفروض وإنميا يورث تعصييبا‪ ،‬فإذا مات المولى السيفل ولم‬
‫يكييين له ورثييية أصيييل‪ ،‬أو كان له ورثييية ل يحيطون بالميراث كان‬
‫عاصييبه المولى العلى‪ ،‬وكذلك يعصييب المولى العلى كييل ميين‬
‫للمولى العلى عليييه ولدة نسييب‪ :‬أعنييي بناتيه وبنيييه وبنييي بنيييه‪.‬‬
‫وفيي هذا الباب مسيألة مشهورة وهيي‪ :‬إذا ماتيت امرأة ولهيا ولء‬
‫وولد وعصييبة لميين ينتقييل الولء؟ فقالت طائفيية‪ :‬لعصييبتها لنهييم‬
‫الذييين يعقلون عنهييا‪ ،‬والولء للعصييبة‪ ،‬وهييو قول علي ابيين أبييي‬
‫طالب؛ وقال قوم‪ :‬لبنهييا‪ ،‬وهييو قول عميير بيين الخطاب‪ ،‬وعليييه‬
‫فقهاء المصييار‪ ،‬وهييو مخالف لهييل هذا السييلف‪ ،‬لن ابيين المرأة‬
‫ليس من عصبتها‪.‬‬
‫تم كتاب الفرائض والولء والحمد لله حق حمده‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب العتق‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي هذا الكتاب فيمين يصيح عتقيه ومين ل يصيح‪ ،‬ومين‬
‫يلزمييه وميين ل يلزمييه‪ :‬أعنييي بالشرع‪ ،‬وفييي ألفاظ العتييق‪ ،‬وفييي‬
‫اليمان به‪ ،‬وفي أحكامه وفي الشروط الواقعة ف يه‪ .‬ونحن فإنما‬
‫نذكر من هذه البواب ما فيها من المسائل المشهورة التي يتعلق‬
‫أكثرهيا بالمسيموع‪ .‬فأميا مين يصيح عتقيه‪ ،‬فإنهيم أجمعوا على أنيه‬
‫يصييح عتييق المالك التام الملك الصييحيح الرشيييد القوي الجسييم‬
‫الغني غير العديم‪ .‬واختلفوا في عتق من أحاط الدين بماله وفي‬
‫عتيق المرييض وحكميه‪ .‬فأميا مين أحاط الديين بماله‪ ،‬فإن العلماء‬
‫اختلفوا فيي جواز عتقيه‪ ،‬فقال أكثير أهيل المدينية‪ :‬مالك وغيره‪ :‬ل‬
‫يجوز ذلك‪ ،‬وبيه قال الوزاعيي واللييث؛ وقال فقهاء العراق‪ :‬وذلك‬
‫جائز حتى يحجر عليه الحاكم‪ ،‬وذلك عند من يرى التحجير منهم‪،‬‬
‫وقد يتخرج عن مالك في ذلك الجواز قياسا على ما روي عنه في‬
‫الرهن أ نه يجوز‪ ،‬وإن أحاط الدين بمال الراهن ما لم يحجر عليه‬
‫الحاكيم‪ .‬وعمدة مين منيع عتقيه أن ماله فيي تلك الحال مسيتحق‬
‫للغرماء‪ ،‬فليييس له أن يخرج منييه شيئا بغييير عوض‪ ،‬وهييي العلة‬
‫التي بها يحجر الحاكم عليه التصرف والحكام يجب أن توجد مع‬
‫وجود عللها‪ ،‬وتحجير الحاكم ليس بعلة وإنما هو حكم واجب من‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫موجبات العلة فل اعتبار بوقوعييه‪ .‬وعمدة الفريييق الثانييي أنييه قييد‬


‫انعقييد بالجماع على أن له أن يطييأ جاريتييه ويحبلهييا ول يرد شيئا‬
‫مميا أنفقيه مين ماله على نفسيه وعياله حتيى يضرب الحاكيم على‬
‫يدييه فوجيب أن يكون حكيم تصيرفاته هذا الحكيم‪ ،‬وهذا هيو قول‬
‫الشافعي ول خلف عند الجميع أنه ل يجوز أن يعتق غير المحتلم‬
‫مييا لم تكيين وصييية منييه‪ ،‬وكذلك المحجور؛ ول يجوز عنييد العلماء‬
‫عتقيه لشييء مين مماليكيه إل مالكيا وأكثير أصيحابه‪ ،‬فإنهيم أجازوا‬
‫عتقييه لم ولده‪ .‬وأمييا المريييض فالجمهور على أن عتقييه إن صييح‬
‫وقيع وإن مات كان مين الثلث؛ وقال أهيل الظاهير‪ :‬هيو مثيل عتيق‬
‫الصييحيح‪ .‬وعمدة الجمهور حديييث عمران بيين الحصييين أن رجل‬
‫أعتق ستة أعبد له‪ ،‬الحديث على ما تقدم‪ .‬وأما من يدخل عليهم‬
‫العتق كرها فهم ثلثة من بعض العتق‪ ،‬وهذا متفق عليه في أحد‬
‫قسيميه واثنان مختلف فيهميا وهميا مين ملك مين يعتيق علييه ومين‬
‫مثل بعبده‪.‬‬
‫فأميا مين بعيض العتيق فإنيه ينقسيم قسيمين‪ :‬أحدهميا مين وقيع‬
‫تبعييض العتيق منيه ولييس له مين العبيد إل الجزء المعتيق‪ .‬والثانيي‬
‫أن يكون يملك العبد كله ولكن بعض عتقه اختيارا منه‪ .‬فأما العبد‬
‫بيين الرجليين يعتيق أحدهميا حظيه منيه فإن الفقهاء اختلفوا فيي‬
‫حكييم ذلك‪ ،‬فقال مالك والشافعييي وأحمييد بيين حنبييل‪ :‬إن كان‬
‫المعتيق موسيرا قوم علييه نصييب شريكيه قيمية العدل‪ ،‬فدفيع ذلك‬
‫إلى شريكييه وعتييق الكييل عليييه وكان ولؤه له‪ ،‬وإن كان المعتييق‬
‫معسرا لم يلزمه شيء وبقي المعتق بعضه عبدا وأحكامه أحكام‬
‫العبيد؛ وقال أبيو يوسيف ومحميد‪ :‬إن كان معسيرا سيعى العبيد فيي‬
‫قيمته للسيد الذي لم يعتق حظه منه وهو حر يوم أعتق حظه منه‬
‫الول ويكون ولؤه للول‪ ،‬وبيه قال الوزاعيي وابين شبرمية وابين‬
‫أبيي ليلى وجماعية الكوفييين‪ ،‬إل أن ابين شبرمية وابين أبيي ليلى‬
‫جعل للعبيد أن يرجيع على المعتيق بميا سيعى فييه متيى أيسير‪ .‬وأميا‬
‫شريييك المعتييق فإن الجمهور على أن له الخيار فييي أن يعتييق أو‬
‫يقوم نصييبه على المعتيق؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬لشرييك الموسير ثلث‬
‫خيارات‪ :‬أحدهيا أن يعتيق كميا أعتيق شريكيه ويكون الولء بينهميا‪،‬‬
‫وهذا ل خلف فيييه بينهييم‪ .‬والخيار الثانييي أن تقوم عليييه حصييته‪.‬‬
‫والثالث أن يكلف العبييد السييعي فييي ذلك إن شاء ويكون الولء‬
‫بينه ما وللسييد المعتيق عبده عنده إذا قوم علييه شريكيه نصييبه أن‬
‫يرجيع على العبيد فيسيعى فييه ويكون الولء كله للمعتيق‪ .‬وعمدة‬
‫مالك والشافعيي حدييث ابين عمير أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم قال "مين أعتيق شركيا له فيي عبيد وكان له مال يبلغ ثمين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العبيد قوم علييه قيمية العدل‪ ،‬فأعطيى شركاءه حصيصهم وعتيق‬


‫عليييه العبييد وإل فقييد عتييق منييه مييا عتييق"‪ .‬وعمدة محمييد وأبييي‬
‫يوسيف صياحبي أبيي حنيفية ومين يقول بقولهيم حدييث أبيي هريرة‬
‫أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "مين أعتيق شقصيا له فيي‬
‫عبده فخلصيييه فيييي ماله إن كان له مال‪ ،‬فإن لم يكييين له مال‬
‫اسييتسعى العبييد غييير مشقوق عليييه" وكل الحديثييين خرجييه أهييل‬
‫الصيحيح البخاري ومسيلم وغيرهميا‪ ،‬ولكيل طائفية منهيم قول فيي‬
‫ترجييح حديثيه الذي أخيذ بيه‪ ،‬فمميا وهنيت فييه الكوفيية حدييث ابين‬
‫عمير أن بعيض رواتيه شيك فيي الزيادة المعارضية فييه لحدييث أبيي‬
‫هريرة‪ ،‬وهو قوله "وإل فقد عتق منه ما عتق" فهل هو من قوله‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬أم من قول نافع "وإن في ألفاظه أيضا بين‬
‫رواتيه اضطرابيا‪ .‬ومميا وهين بيه المالكيون حدييث أبيي هريرة أنيه‬
‫اختلف أصيحاب قتادة فييه على قتادة فيي ذكير السيعاية‪ .‬وأميا مين‬
‫طريييق المعنييى فاعتمدت المالكييية فييي ذلك على أنييه إنمييا لزم‬
‫السيييد التقويييم إن كان له مال للضرر الذي أدخله على شريكييه‬
‫والعبيد لم يدخيل ضررا فلييس يلزميه شييء‪ .‬وعمدة الكوفييين مين‬
‫طرييق المعنيى أن الحريية حيق شرعيي ل يجوز تبعيضيه‪ ،‬فإذا كان‬
‫الشرييك المعتيق موسيرا عتيق الكيل علييه‪ ،‬وإذا كان معسيرا سيعى‬
‫العبيد فيي قيمتيه وفييه ميع هذا رفيع الضرر الداخيل على الشرييك‬
‫وليس فيه ضرر على العبد‪،‬‬
‫وربميا أتوا بقياس شبهيي وقالوا‪ :‬لميا كان العتيق يوجيد منيه فيي‬
‫الشرع نوعان‪ :‬نوع يقييع بالختيار‪ ،‬وهييو إعتاق السيييد عبده ابتغاء‬
‫ثواب الله‪ .‬ونوع يقيع بغيير اختبار‪ ،‬و هو أن يعتق على السييد من ل‬
‫يجوز له بالشريعيية ملكييه وجييب أن يكون العتييق بالسييعي كذلك‪.‬‬
‫فالذي بالختيار منيه هيو الكتابية‪ .‬والذي هيو داخيل بغيير اختيار هيو‬
‫السيعي‪ .‬واختلف مالك والشافعيي فيي أحيد قولييه إذا كان المعتيق‬
‫موسرا هل يعتق عليه نصيب شريكه بالحكم أو بالسراية؟ أعني‬
‫أنيه يسيري وجوب عتقيه علييه بنفيس العتيق؟ فقالت الشافعيية‪:‬‬
‫يعتق بالسراية؛ وقالت المالكية بالحكم؛ واحتجت المالكية بأنه لو‬
‫كان واجبا بالسراية لسرى مع العدم واليسر‪.‬‬
‫واحتجيت الشافعيية باللزم عين مفهوم قوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"قوم علييه قي مة العدل" فقالوا‪ :‬ما يجيب تقويمه فإن ما يجيب بعيد‬
‫إتلفيه فإذن بنفيس العتيق أتلف حيظ صياحبه فوجيب علييه تقويميه‬
‫فييي وقييت التلف‪ ،‬وإن لم يحكييم عليييه بذلك حاكييم‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فلييس للشرييك أن يعتيق نصييبه‪ ،‬لنيه قيد نفيذ العتيق وهذا بيين‪.‬‬
‫وقول أبي حنيفة في هذه المسألة مخالف لظاهر الحديثين‪ ،‬وقد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫روي فيهييا خلف شاذ‪ ،‬فقيييل عيين ابيين سيييرين إنييه جعييل حصيية‬
‫الشريك في بيت المال؛ وقيل عن ربيعة فيمن أعتق نصيبا له في‬
‫عبييد أن العتييق باطييل؛ وقال قوم‪ :‬ل يقوم على المعسيير الكييل‪،‬‬
‫وينفيذ العتيق فيميا أعتيق؛ وقال قوم بوجوب التقوييم على المعتيق‬
‫موسييرا أو معسييرا ويتبعييه شريكييه‪ ،‬وسييقط العسيير فييي بعييض‬
‫الروايات فيي حدييث ابين عمير‪ ،‬وهذا كله خلف الحادييث‪ ،‬ولعلهيم‬
‫لم تبلغهم الحاديث‪ .‬واختلف قول مالك من هذا في فرع وهو إذا‬
‫كان معسرا فأخر الحكم عليه بإسقاط التقويم حتى أيسر‪ ،‬فقيل‬
‫يقوم‪ ،‬وقيل ل يقوم‪ .‬وات فق القائلون بهذه الثار على أن من ملك‬
‫باختياره شقصا يعتق عليه من عبد‪ :‬أنه يعتق عليه الباقي إن كان‬
‫موسرا إل إذا ملكه بوجيه ل اختيار له فيه‪ ،‬وهيو أن يملكيه بميراث‬
‫‪ -‬فقال قوم‪ :‬يعتيق علييه فيي حال اليسير ‪ -‬وقال قوم‪ :‬ل يعتيق‬
‫عليييه؛ وقال قوم‪ :‬فييي حال اليسيير بالسييعاية؛ وقال قوم‪ :‬ل‪ .‬وإذا‬
‫ملك السيييد جميييع العبييد فأعتييق بعضييه؛ فجمهور علماء الحجاز‬
‫والعراق مالك والشافعييي والثوري والوزاعييي وأحمييد وابيين أبييي‬
‫ليلى ومحميد بين الحسين وأبيو يوسيف يقولون‪ :‬يعتيق علييه كله‪،‬‬
‫وقال أبيو حنيفية وأهيل الظاهير‪ :‬يعتيق منيه ذلك القدر الذي عتيق‬
‫ويسييعى العبييد فييي الباقييي‪ ،‬وهييو قول طاوس وحماد‪ .‬وعمدة‬
‫استدلل الجمهور أنه لما ثبتت السنة في إعتاق نصيب الغير على‬
‫الغير لحرمة العتق كان أحرى أن يجب ذلك عليه في ملكه‪.‬‬
‫وعمدة أبي حنيفة أن سبب وجوب العتق على المبعض للعتق هو‬
‫الضرر الداخييل على شريكييه‪ ،‬فإذا كان ذلك كله ملكييا له لم يكيين‬
‫هنالك ضرر‪ .‬فسييبب الخلف ميين طريييق المعنييى هييل علة هذا‬
‫الحكييم حرميية العتييق‪ ،‬أعنييي أنييه ل يقييع فيييه تبعيييض‪ ،‬أو مضرة‬
‫الشريك؟‪ .‬واحتجيت الحنفية بما رواه إسماعيل بن أمية عين أبيه‬
‫عين جده أنيه أعتيق نصيف عبده‪ ،‬فلم ينكير رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم عتقه‪ .‬ومن عمدة الجمهور ما رواه النسائي وأبو داود‬
‫عين أبي الملييح عين أبيه "أن رجل من هذيل أعتيق شقصا له من‬
‫مملوك فتميم النيبي علييه الصيلة والسيلم عتقيه وقال‪ :‬لييس لله‬
‫شر يك" وعلى هذا فقيد نص على العلة التي تمسك ب ها الجمهور‪،‬‬
‫وصيييارت علتهيييم أولى‪ ،‬لن العلة المنصيييوص عليهيييا أولى مييين‬
‫المستنبطة‪ .‬فسبب اختلفهم تعارض الثار في هذا الباب وتعارض‬
‫القياس‪ .‬وأمييييييا العتاق الذي يكون بالمثلة‪ ،‬فإن العلماء اختلفوا‬
‫فييه‪ ،‬فقال مالك واللييث والوزاعيي‪ :‬مين مثيل بعبده أعتيق علييه؛‬
‫وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬ل يعتيق علييه؛ وشيذ الوزاعيي فقال‪:‬‬
‫من مثل بعبد غيره أعتق عليه والجمهور على أنه يضمن ما نقص‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مين قيمية العبيد‪ ،‬فمالك ومين قال بقوله اعتميد حدييث عمرو بين‬
‫شعييب عين أبييه عين جده "أن زنباعيا وجيد غلميا له ميع جاريية‪،‬‬
‫فقطيع ذكره وجدع أن فه‪ ،‬فأتيى النيبي صلى الله علييه وسيلم فذكير‬
‫ذلك له‪ ،‬فقال له النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬ميا حملك على ميا‬
‫فعلت؟ فقال‪ :‬فعيل كذا وكذا‪ ،‬فقال النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪:‬‬
‫اذهييب فأنييت حيير‪ .‬وعمدة الفريييق الثانييي قوله صييلى الله عليييه‬
‫وسيلم فيي حدييث ابين عمير "مين لطيم مملوكيه أو ضربيه فكفارتيه‬
‫عتقيه" قالوا‪ :‬فلم يلزم العتيق فيي ذلك وإنميا ندب إلييه‪ .‬ولهيم مين‬
‫طرييق المعنيى أن الصيل فيي الشرع هيو أنيه ل يكره السييد على‬
‫عتييق عبده إل مييا خصييصه الدليييل‪ .‬وأحاديييث عمرو بيين شعيييب‬
‫مختلف فيي صيحتها‪ ،‬فلم تبلغ مين القوة أن يخصيص بهيا مثيل هذه‬
‫القاعدة‪.‬‬
‫وأمييا هيل يعتييق على النسيان أحييد مين قرابتيه‪ ،‬وإن عتييق فمين‬
‫يعتييق؟ فإنهييم اختلفوا فييي ذلك‪ ،‬فجمهور العلماء على أنييه يعتييق‬
‫على الرجييل بالقرابيية إل داود وأصييحابه‪ ،‬فإنهييم لم يروا أن يعتييق‬
‫أحيد على أحيد مين قبيل قربيى‪ ،‬والذيين قالوا بالعتيق اختلفوا فيمين‬
‫يعتيق ممين ل يعتيق بعيد اتفافهيم على أنيه يعتيق على الرجيل أبوه‬
‫وولده؛ فقال مالك‪ :‬يعتيق على الرجيل ثلثية‪ :‬أحدهيا أصيوله‪ :‬وهيم‬
‫الباء والجداد والجدات والمهات وآباؤهم وأمهاتهم‪ ،‬وبالجملة كل‬
‫ميين كان له على النسييان ولدة‪ .‬والثانييي فروعييه‪ ،‬وهييم‪ :‬البناء‬
‫والبنات وولدهييم مييا سييفلوا‪ ،‬وسييواء فييي ذلك ولد البنييين وولد‬
‫البنات‪ ،‬وبالجملة كييل ميين للرجييل عليييه ولدة بغييير توسييط أو‬
‫بتوسييط‪ ،‬ذكيير أو أنثييى‪ .‬والثالث الفروع المشاركيية له فييي أصييله‬
‫القرييب وهيم الخوة‪ ،‬وسيواء كانوا لب وأم‪ ،‬أو لب فقيط‪ ،‬أو لم‬
‫فقييط؛ واقتصيير ميين هذا العمود على القريييب فقييط‪ ،‬فلم يوجييب‬
‫عتييق بنييي الخوة‪ .‬وأمييا الشافعييي فقال مثييل قول مالك فييي‬
‫العمودين العلى والسفل‪ ،‬وخالفه في الخوة فلم يوجب عتقهم‪.‬‬
‫وأميا أبيو حنيفية فأوجيب عتيق كيل ذي رحيم محرم بالنسيب كالعيم‬
‫والعمية والخال والخالة وبنات الخ‪ ،‬ومين أشبههيم ممين هيو مين‬
‫النسييان ذو محرم‪ .‬وسييبب اختلف أهييل الظاهيير مييع الجمهور‬
‫اختلفهييم فييي مفهوم الحديييث الثابييت‪ ،‬وهييو قوله عليييه الصييلة‬
‫والسييلم "ل يجزي ولد عيين والده إل أن يجده مملوكييا فيشتريييه‬
‫فيعتقيييه" خرجيييه مسيييلم والترمذي وأبيييو داود وغيرهيييم‪ ،‬فقال‬
‫الجمهور‪ :‬يفهيم مين هذا أنيه إذا اشتراه وجييب علييه عتقيه‪ ،‬وأنيه‬
‫لييس يجيب علييه شراؤه‪ .‬وقالت الظاهريية‪ :‬المفهوم مين الحدييث‬
‫أنه ليس يجب عليه شراؤه ول عتقه إذا اشتراه‪ ،‬قالوا‪ :‬لن إضافة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عتقه إليه دليل على صحة ملكه له‪ ،‬ولو كان ما قالوا صوابا‪ ،‬لكان‬
‫اللفيظ إل أن يشترييه فيعتيق علييه‪ .‬وعمدة الحنفيية ميا رواه قتادة‬
‫عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من‬
‫ملك ذا رحييم محرم فهييو حيير" وكأن هذا الحديييث لم يصييح عنييد‬
‫مالك والشافعيييييييي؛ وقاس مالك الخوة على البناء والباء‪ ،‬ولم‬
‫يلحقهييم بهييم الشافعييي واعتمييد الحديييث المتقدم فقييط‪ ،‬وقاس‬
‫البناء على الباء‪.‬‬
‫وقيد راميت المالكيية أن تحتيج لمذهبهيا بأن البنوة صيفة هيي ضيد‬
‫العبودية‪ ،‬وأنه ليس تجتمع معها لقوله تعالى {وما ينبغي للرحمن‬
‫أن يتخيذ ولدا‪ .‬إن كيل مين فيي السيموات والرض إل آتيي الرحمين‬
‫عبدا} وهذه العبوديية هيي معنيى غيير العبوديية التيي يحتجون بهيا‪،‬‬
‫فإن هذه العبودييية معقولة وبنوة معقولة‪ .‬والعبودييية التييي بييين‬
‫المخلوقين والموليية هي عبودية بالشرع ل بالطبع أعني بالوضع‬
‫ل مجال للعقييل كمييا يقولون فيهييا عندهييم‪ ،‬وهييو احتجاج ضعيييف‪.‬‬
‫وإنما أراد الله تعالى أن البنوة تساوي البوة في جنس الوجود أو‬
‫في نوعه‪ ،‬أعني أن الموجودين اللذين أحدهما أب والخر ابن هما‬
‫متقاربان جدا‪ ،‬حتيى أنهميا إميا أن يكونيا مين نوع واحيد أو جنيس‬
‫واحيد‪ ،‬وميا دون الله مين الموجودات فلييس يجتميع معيه سيبحانه‬
‫فيي جنيس قرييب ول بعييد‪ ،‬بيل التفاوت بينهميا غايية التفاوت‪ ،‬فلم‬
‫يصيح أن يكون فيي الموجودات التيي ههنيا شييء نسيبته إلييه نسيبة‬
‫الب إلى البن‪ ،‬بل إن كان نسبة الموجودات إليه نسبة العبد إلى‬
‫السييد كان أقرب إلى حقيقية المير مين نسيبة البين إلى الب لن‬
‫التباعد الذي بين السيد والعبد في المرتبة أشد من التباعد الذي‬
‫بيين الب والبين‪ ،‬وعلى الحقيقية فل شبيه بيين النسيبتين؛ لكين لميا‬
‫لم يكين فيي الموجودات نسيبة أشيد تباعدا من هذه النسيبة‪ ،‬أعنيي‬
‫تباعييد طرفيهمييا فييي الشرف والخسيية ضرب المثال بهييا‪ ،‬أعنييي‬
‫نسييبة العبييد للسيييد‪ ،‬وميين لحييظ المحبيية التييي بييين الب والبيين‬
‫والرحمة والرأفة الشفقة أجاز أن يقول في الناس إنهم أبناء الله‬
‫على ظاهير شريعية عيسيى‪ .‬فهذه جملة المسيائل المشهورة التيي‬
‫تتعلق بالعتق الذي يدخل على النسان بغير اختياره‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابيع‪- :)1 ...‬والنظير فيي هذا الكتاب فيمين يصيح عتقيه ومين ل‬
‫يصح‪ ،‬ومن يلزمه ومن ل‪... ...‬‬
‫وقيييد اختلفوا مييين أحكام العتيييق فيييي مسيييألة مشهورة تتعلق‬
‫بالسييماع‪ ،‬وذلك أن الفقهاء اختلفوا فيميين أعتييق عييبيدا له فييي‬
‫مرضييه أو بعييد موتييه ول مال له غيرهييم‪ ،‬فقال مالك والشافعييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأصييحابهما وأحمييد وجماعيية‪ :‬إذا أعتييق فييي مرضييه ول مال له‬


‫سيواهم قسيموا ثلثية أجزاء وعتيق منهيم جزء بالقرعية بعيد موتيه‪،‬‬
‫وكذلك الحكيم فيي الوصيية بعتقهيم‪ .‬وخالف أشهيب وأصيبغ مالكيا‬
‫فييي العتييق المبتييل فييي المرض فقال جميعييا إنمييا القرعيية فييي‬
‫الوصية‪ .‬وأما حكم العتق المبتل فهو كحكم المدبر‪ .‬ول خلف في‬
‫مذهيب مالك أن المدبريين فيي كلمية واحدة إذا ضاق عنهيم الثلث‬
‫أنيه يعتيق مين كيل واحيد منهيم بقدر حظيه مين الثلث‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفية وأصيحابه فيي العتيق المبتيل‪ :‬إذا ضاق عنيه الثلث أنيه يعتيق‬
‫مين كيل واحيد منيه ثلثيه‪ .‬وقال الغيير‪ :‬بيل يعتيق مين الجمييع ثلثيه‪.‬‬
‫فقوم من هؤلء اعتبروا في ثلث الجميع القيمة‪ ،‬وهو مذهب مالك‬
‫والشافعيي؛ وقوم اعتيبروا العدد‪ .‬فعنيد مالك إذا كانوا سيتة أعبيد‪:‬‬
‫مثل عتق منهم الثلث بالقيمة كان الحاصل في ذلك اثنين منهم أو‬
‫أقيل أو أكثير‪ ،‬وذلك أيضيا بالقرعية بعيد أن يجيبروا على القسيمة‬
‫أثلثييا؛ وقال قوم‪ :‬بييل المعتييبر العدد‪ ،‬فإن كانوا سييتة عتييق منهييم‬
‫اثنان وإن كانوا مثل سييبعة عتييق منهييم اثنان وثلث‪ .‬فعمدة أهييل‬
‫الحجاز ميا رواه أهيل البصيرة عين عمران بين الحصيين "أن رجل‬
‫أعتييق سييتة مملوكييين عنييد موتيه ولم يكيين له مال غيرهييم فدعييا‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم فجزأهيم أثلثيا ثيم أقرع بينهيم‬
‫فأعتق اثنين وأرق أربعة" خرجه البخاري ومسلم مسندا‪ ،‬وأرسله‬
‫مالك‪.‬‬
‫وعمدة الحنفية ما جرت به عادتهم من رد الثار التي تأتي بطرق‬
‫الحاد إذا خالفتها الصول الثابتة بالتواتر‪ .‬وعمدتهم أنه قد أوجب‬
‫السييد لكيل واحيد منهيم العتيق تاميا‪ ،‬فلو كان له مال لنفيد بإجماع‪،‬‬
‫فإذا لم يكين له مال وجيب أن ينفيذ لكيل واحيد منهيم بقدر الثلث‬
‫الجائز فعلى السيد فيه‪ ،‬وهذا الصل ليس بيننا من قواعد الشرع‬
‫في هذا الموضع‪ ،‬وذلك أنه يمكن أن يقال له إنه إذا أعتق من كل‬
‫واحد منهم الثلث دخل الضرر على الورثة والعبيد المعتقين‪ ،‬وقد‬
‫ألزم الشرع مبعيض العتيق أن يتيم علييه‪ ،‬فلميا لم يمكين ههنيا أن‬
‫يتميم علييه جميع فيي أشخاص بأعيانهيم لكين متيى اعتيبرت القيمية‬
‫فيي ذلك دون العدد أفضيت إلى هذا الصيل‪ ،‬وهيو تبعييض العتيق‪،‬‬
‫فلذلك كان الولى أن يعتبر العدد وهو ظاهر الحديث‪ ،‬وكان الجزء‬
‫المعتيق فيي كيل واحيد منهيم هيو حيق لله فوجيب أن يجميع فيي‬
‫أشخاص بأعيانهيم أصيله حيق الناس‪ .‬واختلفوا فيي مال العبيد إذا‬
‫أعتييق لميين يكون‪ ،‬فقالت طائفيية‪ :‬المال للسيييد؛ وقالت طائفيية‪:‬‬
‫ماله تبيع له‪ ،‬وبالول قال ابين مسيعود مين الصيحابة‪ ،‬ومين الفقهاء‬
‫أبييو حنيفيية والثوري وأحمييد وإسييحق‪ ،‬وبالثانييي قال ابيين عميير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وعائشيية والحسيين وعطاء ومالك وأهييل المدينيية‪ .‬والحجيية لهييم‬


‫حدييث ابين عمير أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "مين أعتيق‬
‫عبدا فماله له إل أن يشترط السييد ماله" وأميا ألفاظ العتيق‪ ،‬فإن‬
‫منهيا صيريحا ومنهيا كنايية عنيد أكثير فقهاء المصيار‪ .‬أميا اللفاظ‬
‫الصيريحة‪ ،‬فهيو أن يقول‪ :‬أنيت حير‪ ،‬أو أنيت عتييق وميا تصيرف مين‬
‫هذه‪ ،‬فهذه اللفاظ تلزم السييد بإجماع مين العلماء‪ .‬وأميا الكنايية‬
‫فهييي مثييل قول السيييد لعبده‪ :‬ل سييبيل لي عليييك‪ ،‬أو ل ملك لي‬
‫علييك‪ ،‬فهذه ينوي فيهيا سييد العبيد‪ ،‬هيل أراد بيه العتيق أم ل؟ عنيد‬
‫الجمهور‪ .‬ومما اختلفوا فيه في هذا الباب إذا قال السيد لعبده‪ :‬يا‬
‫بنيي‪ ،‬أو لمتيه ييا بنتيي‪ ،‬أو قال‪ :‬ييا أبيي‪ ،‬أو ييا أميي‪ ،‬فقال قوم وهيم‬
‫الجمهور‪ :‬ل عتيق يلزميه؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬يعتيق علييه؛ وشيذ زفير‬
‫فقال‪ :‬لو قال السيد لعبده‪ :‬هذا ابني‪ ،‬عتق عليه وإن كان العبد له‬
‫عشرون سنة وللسيد ثلثون سنة‪ .‬ومن هذا الباب اختلفهم فيمن‬
‫قال لعبده‪ :‬ميا أنيت إل حير‪ ،‬فقال قوم‪ :‬هيو ثناء علييه وهيم الكثير؛‬
‫وقال قوم‪ :‬هيو حير‪ ،‬وهيو قول الحسين البصيري‪ .‬ومين هذا الباب‬
‫من نادى عبدا من عبيده باسمه‪ ،‬فاستجاب له عبد آخر‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫أنت حر‪ ،‬وقال‪ :‬إنما أردت الول‪ ،‬فقيل يعتقان عليه جميعا‪ ،‬وقيل‬
‫ينوي‪ .‬واتفيق على أن مين أعتيق ميا فيي بطين أمتيه فهيو حير دون‬
‫الم‪.‬‬
‫واختلفوا فيمين أعتيق أمية واسيتثنى ميا فيي بطنهيا‪ ،‬فقالت طائفية‪:‬‬
‫له اسييتثناؤه؛ وقالت طائفيية‪ :‬همييا حران‪ .‬واختلفوا فييي سييقوط‬
‫العتيق بالمشيئة‪ ،‬فقالت طائفية‪ :‬ل اسيتثناء فييه كالطلق‪ ،‬وبيه قال‬
‫مالك؛ وقال قوم‪ :‬يؤثير فييه السيتثناء كقولهيم فيي الطلق‪ ،‬أعنيي‬
‫قول القائل لعبده‪ :‬أنيييت حييير إن شاء الله‪ .‬وكذلك اختلفوا فيييي‬
‫وقوع العتيييق بشرط الملك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يقيييع؛ وقال الشافعيييي‬
‫وغيره‪ :‬ل يقع‪ ،‬وحجتهم قوله عليه الصلة والسلم‪" :‬ل عتق فيما‬
‫ل يملك ابيين آدم" وحجيية الفرقيية الثانييية تشييبيههم إياه باليمييين‪.‬‬
‫وألفاظ هذا الباب شبيهيية بألفاظ الطلق‪ ،‬وشروطييه كشروطييه‪،‬‬
‫وكذلك اليمان فيييه شبيهيية بأيمان الطلق‪ .‬وأمييا أحكامييه فكثيرة‪:‬‬
‫منها أن الجمهور على أن البناء تابعون في العتق والعبودية للم‪،‬‬
‫وشييذ قوم فقالوا‪ :‬إل أن يكون الب عربيييا‪ .‬ومنهييا اختلفهييم فييي‬
‫العتق إلى أجل؛ فقال قوم‪ :‬ليس له أن يطأها إن كانت جارية ول‬
‫ييبيع ول يهيب‪ ،‬وبيه قال مالك؛ وقال قوم‪ :‬له جمييع ذلك‪ ،‬وبيه قال‬
‫الوزاعيييي والشافعيييي واتفقوا على جواز اشتراط الخدمييية على‬
‫المعتيق مدة معلومية بعيد العتيق وقبيل العتيق‪ .‬واختلفوا فيمين قال‬
‫لعبده‪ :‬إن بعتيك فأنيت حير؛ فقال قوم‪ :‬ل يقيع علييه العتيق لنيه إذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫باعيه لم يملك عتقيه‪ ،‬وقال‪ :‬إن باعيه يعتيق علييه‪ ،‬أعنيي مين مال‬
‫البائع إذا باعيه‪ ،‬وبيه قال مالك والشافعيي‪ ،‬وبالول قال أبيو حنيفية‬
‫وأصحابه والثوري‪ .‬وفروع هذا الباب كثيرة‪ ،‬وفي هذا كفاية‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الكتابة‬
‫@‪-‬والنظيير الكلي فييي الكتابيية ينحصيير فييي أركانهييا وشروطهييا‬
‫وأحكامهيا‪ .‬أميا الركان فثلثية‪ :‬العقيد وشروطيه وصيفته‪ ،‬والعاقيد‪،‬‬
‫والمقعود علييه وصيفاتهما ونحين نذكير المسيائل المشهورة لهيل‬
‫المصار في جنس جنس من هذه الجناس‪.‬‬
‫القول في مسائل العقد‪.‬‬
‫@‪-‬فمن مسائل هذا الجنس المشهورة اختلفهم في عقد الكتابة‪:‬‬
‫هيل هيو واجيب أو مندوب إلييه؟ فقال فقهاء المصيار‪ :‬إنيه مندوب؛‬
‫وقال أهيييل الظاهييير‪ :‬هيييو واجيييب‪ ،‬واحتجوا بظاهييير قوله تعالى‬
‫{فكاتبوهييم إن علمتييم فيهييم خيرا} والميير على الوجوب‪ .‬وأمييا‬
‫الجمهور فإنهيم لميا رأوا أن الصيل هيو أن ل يجيبر أحيد على عتيق‬
‫مملوكيييه حملوا هذه اليييية على الندب لئل تكون معارضييية لهذا‬
‫الصيل‪ ،‬وأيضيا فإنيه لميا لم يكين للعبيد أن يحكيم له على سييده‬
‫بالبييع له وهيو خروج رقبتيه عين ملكيه بعوض‪ ،‬فأحرى أن ل يحكيم‬
‫له عليه بخروجه عن غير عوض هو مال كه‪ ،‬وذلك أن كسب العبد‬
‫هيو للسييد‪ ،‬وهذه المسيألة هيي أقرب أن تكون مين أحكام العقيد‬
‫من أن تكون من أركانه‪ ،‬وهذا العقد بالجملة هو أن يشتري العبد‬
‫نفسييه وماله ميين سيييده بمال يكتسييبه العبييد‪ .‬فأركان هذا العقييد‬
‫الثميين والمثمون والجييل واللفاظ الدالة على هذا العقييد‪ .‬فأمييا‬
‫الثميين‪ ،‬فإنهييم اتفقوا على أنييه يجوز إذا كان معلومييا بالعلم الذي‬
‫يشترط في البيوع‪ .‬واختلفوا إذا كان في لفظه إبهام ما‪ ،‬فقال أبو‬
‫حنيفية ومالك‪ :‬يجوز أن يكاتيب عبده على جاريية أو عبيد مين غيير‬
‫أن يصفهما ويكون له الوسط من العبيد؛ وقال الشافعي‪ :‬ل يجوز‬
‫حتى يصفه؛ فمن اعتبر في هذا طلب المعاينة شبهه بالبيوع؛ ومن‬
‫رأى أن هذا العقييد مقصييوده المكارميية وعدم التشاح جوز فيييه‬
‫الغرر اليسير كحال اختلفهيم فيي الصيداق؛ ومالك يجييز بين العبد‬
‫وسيده من جنس الربا ما ل يجوز بين الجنبي والجنبي من مثل‬
‫بييع الطعام قبيل قبضيه‪ ،‬وفسيخ الديين فيي الديين‪ ،‬وضيع وتعجيل؛‬
‫ومنييع ذلك الشافعييي وأحمييد وعيين أبييي حنيفيية القولن جميعييا‪.‬‬
‫وعمدة مين أجازه أنيه لييس بيين السييد وعبده ربيا‪ ،‬لنيه وماله له‪،‬‬
‫وإنميا الكتابية سينة على حدتهيا‪ .‬وأميا الجيل فإنهيم اتفقوا على أنيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يجوز أن تكون مؤجلة‪ ،‬واختلفوا فييي هييل تجوز حالة‪ ،‬وذلك أيضييا‬
‫بعييد اتفاقهييم على أنهييا تجوز حالة على مال موجود عنييد العبييد‪،‬‬
‫وهييي التييي يسييمونها قطاعييه ل كتابيية‪ .‬وأمييا الكتابيية فهييي التييي‬
‫يشتري العبيد فيهيا ماله ونفسيه مين سييده بمال يكتسيبه‪ .‬فموضيع‬
‫الخلف إنميا هيو هيل يجوز أن يشتري نفسيه مين سييده بمال حال‬
‫ليس هو بيده؟ فقال الشافعي‪ :‬هذا الكلم لغو‪ ،‬وليس يلزم السيد‬
‫شيء منه؛ وقال متأخروا أصحاب مالك‪ :‬قد لزمت الكتابة للسيد‬
‫ويرفعيه العبيد إلى الحاكيم فينجيم علييه المال بحسيب حال العبيد‪.‬‬
‫وعمدة المالكية أن السيد قد أوجب لعبده الكتابة‪ ،‬إل أنه اشترط‬
‫فيهييا شرطييا يتعذر غالبييا‪ ،‬فصييح العقييد وبطييل الشرط‪ .‬وعمدة‬
‫الشافعيية أن الشرط الفاسيد يعود ببطلن أصيل العقيد كمين باع‬
‫جاريتيه واشترط أن ل يطأهيا‪ ،‬وذلك أنيه إذا لم يكين له مال حاضير‬
‫أدى إلى عجزه‪ ،‬وذلك ضد مقصود الكتابة‪ .‬وحاصل قول المالكية‬
‫يرجع إلى أن الكتابة من أركانها أن تكون منجمة‪ ،‬وأنه إذا اشترط‬
‫فيهيا ضيد هذا الركين بطيل الشرط وصيح العقيد‪ .‬واتفقوا على أنيه‬
‫إذا قال السيد لعبده‪ :‬لقد كاتبتك على ألف درهم فإذا أديتها فأنت‬
‫حر أنه إذا أداها حر‪.‬‬
‫واختلفوا إذا قال له‪ :‬قد كاتبتك على ألف درهم وسكت هل يكون‬
‫حرا دون أن يقول له‪ :‬فإذا أديتهييا فأنييت حيير؟ فقال مالك وأبييو‬
‫حنيفة‪ :‬هو حر‪ ،‬لن اسم الكتابة لفظ شرعي‪ ،‬فهو يتضمن جميع‬
‫أحكامه؛ وقال قوم‪ :‬ل يكون حرا حتى يصرح بلفظ الداء‪ .‬واختلف‬
‫في ذلك قول الشافعي‪ .‬ومن هذا الباب اختلف قول ابن القاسم‬
‫ومالك فيمييين قال لعبده‪ :‬أنيييت حييير وعلييييك ألف دينار‪ ،‬فاختلف‬
‫المذهب في ذلك؛ فقال مالك‪ :‬يلزمه وهو حر؛ وقال ابن القاسم‪:‬‬
‫هو حر ول يلزمه‪ .‬وأما إن قال‪ :‬أنت حر على أن عليك ألف دينار‪،‬‬
‫فاختلف المذهب في ذلك فقال مالك‪ :‬هو حر والمال عليه كغريم‬
‫مين الغرماء؛ وقييل العبيد بالخيار‪ ،‬فإن اختار الحريية لزمييه المال‬
‫ونفذت الحريية وإل بقيي عبدا؛ وقييل إن قبيل كانيت كتابية يعتيق إذا‬
‫أدى‪ ،‬والقولن لبين القاسيم؛ وتجوز الكتابية عنيد مالك على عميل‬
‫محدود‪ ،‬وتجوز عنده الكتابيية المطلقيية‪ ،‬ويرد إلى أن كتابيية مثله‬
‫كالحال فييي النكاح‪ ،‬وتجوز الكتابيية عنده على قيميية العبييد‪ ،‬أعنييي‬
‫كتابيية مثله فييي الزمان والثميين‪ ،‬وميين هنييا قيييل إنييه تجوز عنده‬
‫الكتابية الحالة‪ .‬واختلف هيل مين شرط هذا العقيد أن يضيع السييد‬
‫مين آخير أنجيم الكتابية شيئا عين المكاتيب لختلفهيم فيي مفهوم‬
‫قوله تعالى {وآتوهيم مين مال الله الذي آتاكيم} وذلك أن بعضهيم‬
‫رأى أن السييادة هييم المخاطبون بهذه الييية؛ ورأى بعضهييم أنهييم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫جماعة المسلمين ندبوا لعون المكاتبين‪ ،‬والذين رأوا ذلك اختلفوا‬


‫هيل ذلك على الوجوب أو على الندب؟ والذيين قالوا بذلك اختلفوا‬
‫فيي القدر الواجيب‪ ،‬فقال بعضهيم‪ :‬ميا ينطلق علييه اسيم شييء‪،‬‬
‫وبعضهم حده‪ .‬وأما المكاتب ففيه مسائل‪ :‬إحداها هل تجوز كتابة‬
‫المراهيق؟ وهيل يجميع فيي الكتابية الواحدة أكثير مين عبيد واحيد؟‬
‫وهل تجوز كتابة من يملك في العبد بعضه بغير إذن شريكه؟ وهل‬
‫تجوز كتابية مين ل يقدر على السيعي؟ وهيل تجوز كتابية مين فييه‬
‫بقية رق؟‪.‬‬
‫فأميييا كتابييية المراهيييق القوي على السيييعي الذي لم يبلغ الحلم‪،‬‬
‫فأجازها أبو حنيفة‪ ،‬ومنعها الشافعي إل للبالغ‪ ،‬وعن مالك القولن‬
‫جميعيا‪ .‬فعمدة مين اشترط البلوغ تشبيههيا بسيائر العقود‪ .‬وعمدة‬
‫ميين لم يشترطييه أنييه ل يجوز بييين السيييد وعبده مييا ل يجوز بييين‬
‫الجانييب‪ ،‬وأن المقصييود ميين ذلك هييو القوة على السييعي‪ ،‬وذلك‬
‫موجود في غير البالغ‪ .‬وأما هل يجمع في الكتابة الواحدة أكثر من‬
‫عبد واحد؟ فإن العلماء اختلفوا في ذلك‪ ،‬ثم إذا قلنا بالجمع فهل‬
‫يكون بعضهيم حملء عين بعيض بنفيس الكتابية حتيى ل يعتيق واحيد‬
‫منهيم إل بعتيق جميعهيم؟ فييه أيضيا خلف‪ .‬فأميا هيل يجوز الجميع؟‬
‫فإن الجمهور على جواز ذلك‪ ،‬ومنعييييه قوم‪ ،‬وهييييو أحييييد قولي‬
‫الشافعي‪ .‬وأما هل يكون بعضهم حملء عن بعض؟ فإن فيه لمن‬
‫أجاز الجميع ثلثية أقوال‪ :‬فقالت طائفية‪ :‬ذلك واجيب بمطلق عقيد‬
‫الكتابية‪ ،‬أعنيي حمالة بعضهيم عين بعيض‪ ،‬وبيه قال مالك وسيفيان؛‬
‫وقال آخرون‪ :‬ل يلزمييه ذلك بمطلق العقييد ويلزم بالشرط‪ ،‬وبييه‬
‫قال أبيو حنيفية وأصيحابه؛ وقال الشافعيي‪ :‬ل يجوز ذلك ل بالشرط‬
‫ول بمطلق العقييد‪ ،‬ويعتييق كييل واحييد منهييم إذا أدى قدر حصييته‪.‬‬
‫فعمدة مين منيع الشركية ميا فيي ذلك مين الغرر‪ ،‬لن قدر ميا يلزم‬
‫واحدا واحدا مين ذلك مجهول‪ .‬وعمدة مين أجازه أن الغرر اليسيير‬
‫يستخف في الكتابة‪ ،‬لنه بين السيد وعبده‪ ،‬والعبد وماله لسيده‪.‬‬
‫وأمييا مالك فحجتييه أنييه لميا كانييت الكتابية واحدة وجييب أن يكون‬
‫حكمهييم كحكييم الشخييص الواحييد‪ .‬وعمدة الشافعييية أن حمالة‬
‫بعضهم عن بعض ل فرق بينها وبين حمالة الجنبيين؛ فمن رأى أن‬
‫حمالة الجنييييبيين فييييي الكتابيييية ل تجوز قال‪ :‬ل تجوز فييييي هذا‬
‫الموضع‪ .‬وإنما منعوا حمالة الكتابة لنه إذا عجز المكاتب لم يكن‬
‫للحميل شيء يرجع عليه‪ ،‬وهذا كأنه ليس يظهر في حمالة العبيد‬
‫بعضهيم عين بعيض‪ ،‬وإنميا الذي يظهير فيي ذلك أن هذا الشرط هيو‬
‫سيبب لن يعجيز مين يقدر على السيعي بعجيز مين ل يقدر علييه‪،‬‬
‫فهييو غرر خاص بالكتابيية‪ ،‬إل أن يقال أيضييا إن الجمييع يكون سييببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لنيه يخرج حرا مين ل يقدر مين نفسيه أن يسيعى حتيى يخرج حرا‬
‫فهو كما يعود برق من يقدر على السعي‪ ،‬كذلك يعود بحرية من ل‬
‫يقدر على السعي‪.‬‬
‫وأميا أبيو حنيفية فشبههيا بحمالة الجنيبي ميع الجنيبي فيي الحقوق‬
‫التيي تجوز فيهيا الحمالة فألزمهيا بالشرط ولم يلزمهيا بغيير شرط‪،‬‬
‫وهو مع هذا أيضا ل يجير حمالة الكتابة‪ .‬وأما العبد بين الشريكين‬
‫فإن العلماء اختلفوا هيييل لحدهميييا أن يكاتيييب نصييييبه دون إذن‬
‫صاحبه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬ليس له ذلك والكتابة مفسوخة‪ ،‬وما قبض‬
‫منهييا هييي بينهييم على قدر حصييصهم؛ وقالت طائفيية‪ :‬ل يجوز أن‬
‫يكاتب الرجل نصيبه من عبده دون نصيب شريكه؛ وفرقت فرقة‬
‫فقالت‪ :‬يجوز بإذن شريكييه ول يجوز بغييير إذن شريكييه‪ ،‬وبالقول‬
‫الول قال مالك‪ ،‬وبالثاني قال ابن أبي ليلى وأحمد‪ ،‬وبالثالث قال‬
‫أبيو حنيفيية والشافعييي فييي أحييد قولييه‪ ،‬وله قول آخيير مثييل قول‬
‫مالك‪ .‬وعمدة مالك أنيه لو جاز ذلك لدى إلى أن يعتيق العبيد كله‬
‫بالتقوييم على الذي كاتيب حظيه منيه‪ ،‬وذلك ل يجوز إل فيي تبعييض‬
‫العتيق؛ ومين رأى أن له أن يكاتبيه رأى أن علييه أن يتيم عتقيه إذا‬
‫أدى الكتابية إذا كان موسيرا‪ ،‬فاحتجاج مالك هنيا هيو احتجاج بأصيل‬
‫ل يوافقيه علييه الخصيم‪ ،‬لكين لييس يمنيع مين صيحة الصيل أن ل‬
‫يوافقيه علييه الخصيم‪ .‬وأميا اشتراط الذن فضعييف‪ ،‬وأبيو حنيفية‬
‫يرى فييي كيفييية أداء المال للمكاتييب إذا كانييت الكتابيية عيين إذن‬
‫شريكيه أن كيل ميا أدى للشرييك الذي كاتبيه يأخيذ منيه الشرييك‬
‫الثاني نصيبه‪ ،‬ويرجع بالباقي على العبد فيسعى له فيه حتى يتم‬
‫له ميا كان كاتبيه علييه‪ ،‬وهذا فييه بعيد عين الصيول‪ .‬وأميا هيل تجوز‬
‫مكاتبيية ميين ل يقدر على السييعي فل خلف فيمييا أعلم بينهييم أن‬
‫شرط المكاتيييب أن يكون قوييييا على السيييعي لقوله تعالى {إن‬
‫علمتيم فيهيم خيرا} وقيد اختلف العلماء ميا الخيير الذي اشترطيه‬
‫الله فيييي المكاتيييبين فيييي قوله {إن علمتيييم فيهيييم خيرا} فقال‬
‫الشافعي‪ :‬الكتساب والمانة؛ وقال بعضهم‪ :‬المال والمانة؛ وقال‬
‫آخرون‪ :‬الصييلح والدييين‪ .‬وأنكيير بعييض العلماء أن يكاتييب ميين ل‬
‫حرفية له مخافية السيؤال‪ ،‬وأجاز ذلك بعضهيم لحدييث بريرة "أنهيا‬
‫كوتبيت أن تسيأل الناس" وكره أن تكاتيب المية التيي ل اكتسياب‬
‫لهييا بصييناعة مخافيية أن يكون ذلك ذريعيية إلى الزنييا؛ وأجاز مالك‬
‫كتابية المدبرة وكيل مين فييه بقيية رق إل أم الولد إذ لييس له عنيد‬
‫مالك أن يستخدمها‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في المكاتب‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬وأمييا المكاتييب فاتفقوا على أن ميين شرطييه أن يكون مالكييا‬


‫صييحيح الملك غييير محجور عليييه صييحيح الجسييم‪ .‬واختلفوا هييل‬
‫للمكاتب أن يكاتب عنده أم ل؟ وسيأتي هذا فيما يجوز من أفعال‬
‫المكاتيب مميا ل يجوز؛ ولم يجيز مالك أن يكاتيب العبيد المأذون له‬
‫فييي التجارة‪ ،‬لن الكتابيية عتييق ول يجوز له أن يعتييق؛ وكذلك ل‬
‫يجوز كتابيية ميين أحاط الدييين بماله‪ ،‬إل أن يجيييز الغرماء ذلك إذا‬
‫كان فيي ثمين كتابتيه إن بيعيت (هكذا ببعيض النسيخ‪ ،‬وفيي بعضهيا‬
‫إسيقاط لفيظ‪ :‬إن بيعيت‪ .‬ا هيي مصيححه)‪ .‬مثيل ثمين رقبتيه‪ .‬وأميا‬
‫كتابية المرييض‪ ،‬فإنهيا عنده فيي الثلث توقيف حتيى يصيح فتجوز أو‬
‫يموت فتكون مين الثلث كالعتيق سيواء‪ ،‬وقيد قييل‪ :‬إن حابيى كان‬
‫ذلك وإن لم يحاب سيعى‪ ،‬فإن أدى وهيو فيي المرض عتيق‪ ،‬وتجوز‬
‫عنده كتابية النصيراني المسيلم‪ ،‬ويباع علييه كميا يباع علييه العبيد‬
‫المسلم عنده فهذه هي مشهورات المسائل التي تتعلق بالركان‪،‬‬
‫أعنيي المكاتيب والمكاتيب والكتابية‪ .‬وأميا الحكام فكثيرة‪ ،‬وكذلك‬
‫الشروط التييي تجوز فيهييا ميين التييي ل تجوز‪ .‬ويشبييه أن تكون‬
‫أجناس الحكام الولى فييي هذا العقييد هييو أن يقال متييى يعتييق‬
‫المكا تب ومتى يعجيز فيرق‪ ،‬وكييف حاله إن مات قبل أن يعتيق أو‬
‫يرق‪ ،‬ومين يدخيل معيه فيي حال الكتابية ممين ل يدخيل‪ ،‬وتميييز ميا‬
‫بقيي علييه مين حجير الرق مميا لم يبيق علييه‪ .‬فلنبدأ بذكير مسيائل‬
‫الحكام المشهورة التي في جنس من هذه الجناس الخمسة‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الول‪.‬‬
‫فأ ما متيى يخرج من الرق؟ فإنهم اتفقوا على أ نه يخرج من الرق‬
‫إذا أدى جميييع الكتابيية‪ ،‬واختلفوا إذا عجييز عيين البعييض وقييد أدى‬
‫البعيض‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬هيو عبيد ميا بقيي مين كتابتيه شييء‪ ،‬وإنيه‬
‫يرق إذا عجيز عين البعيض‪ .‬وروي عين السيلف المتقدم سيوى هذا‬
‫القول الذي علييه الجمهور أقوال أربعية‪ :‬أحدهيا أن المكاتيب يعتيق‬
‫بنفيس الكتابية‪ .‬والثانيي أنيه يعتيق منيه بقدر ميا أدى‪ .‬والثالث أنيه‬
‫يعتيق إن أدى النصيف فأكثير‪ .‬والرابيع إن أدى الثلث وإل فهيو عبيد‪.‬‬
‫وعمدة الجمهور ما خرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه‬
‫عين جده أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "أيميا عبيد كاتيب‬
‫على مائة أوقيية فأداهيا إل عشرة أواق فهيو عبيد‪ ،‬وأيميا عبيد كاتيب‬
‫على مائة دينار فأداهيا إل عشرة فهيو عبيد"‪ .‬وعمدة مين رأى أنيه‬
‫يعتق بنفس عقد الكتابة تشبيهه إياه بالبيع‪ ،‬فكأن المكاتب اشترى‬
‫نفسه من سيده‪ ،‬فإن عجز لم يكن له إل أن يتبعه بالمال‪ ،‬كما لو‬
‫أفلس مين اشتراه منيه إلى أجيل وقيد مات‪ .‬وعمدة مين رأى أنيه‬
‫يعتق منه بقدر ما أدى ما رواه يحيى بن كثير عن عكرمة عن ابن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عباس أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "يؤدي المكاتيب بقدر‬
‫مييا أدى دييية حيير وبقدر مييا رق منييه دييية عبييد" خرجييه النسييائي‪،‬‬
‫والخلف فيه من قبل عكرمة‪ ،‬كما أن الخلف في أحاديث عمرو‬
‫بين شعييب مين قبيل أنيه روى مين صيحيفة‪ ،‬وبهذا القول قال علي‪،‬‬
‫أعني بحديث ابن عباس‪ .‬وروي عن عمر بن الخطاب أنه إذا أدى‬
‫الشطيير عتييق‪ .‬وكان ابيين مسييعود يقول‪ :‬إذا أدى الثلث‪ .‬وأقوال‬
‫الصحابة وإن لم تكن حجة‪ ،‬فالظاهر أن التقدير إذا صدر منهم أنه‬
‫محمول على أن فيييي ذلك سييينة بلغتهيييم‪ .‬وفيييي المسيييألة قول‬
‫خامس‪ :‬إذا أدى الثلثة الرباع عتق‪ ،‬وبقي عديما في باقي المال‪.‬‬
‫وقيد قييل إن أدى القيمية فهيو غرييم‪ ،‬وهيو قول عائشية وابين عمير‬
‫وزيييد بيين ثابييت‪ .‬والشهيير عيين عميير وأم سييلمة هييو مثييل قول‬
‫الجمهور‪ ،‬وقول هؤلء هيو الذي اعتمده فقهاء المصيار‪ ،‬وذلك أنيه‬
‫صيحت الروايية فيي ذلك عنهيم صيحة ل شيك فيهيا‪ ،‬روى ذلك مالك‬
‫فيييي موطئه‪ .‬وأيضيييا فهيييو أحوط لموال السيييادات‪ ،‬ولن فيييي‬
‫المبيعات يرجع في عين المبيع له إذا أفلس المشتري‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الثاني‪.‬‬
‫وأميا متيى يرق‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أنيه إنميا يرق إذا عجيز إميا عين‬
‫البعيض وإميا عين الكيل بحسيب ميا قدمنيا اختلفهيم‪ .‬واختلفوا هيل‬
‫للعبيد أن يعجيز نفسيه إذا شاء مين غيير سيبب‪ ،‬أم لييس له ذلك إل‬
‫بسبب؟ فقال الشافعي‪ :‬الكتابة عقد لزم في حق العبد وهي في‬
‫حيق السييد غيير لزمية؛ وقال مالك وأبيو حنيفية‪ :‬الكتابية عقيد لزم‬
‫مين الطرفيين‪ :‬أي بيين العبيد والسييد‪ .‬وتحصييل مذهيب مالك فيي‬
‫ذلك أن العبد والسيد ل يخلو أن يتفقا على التعجييز أو يختل فا‪ ،‬ثم‬
‫إذا اختلفيا فإميا أن يرييد السييد التعجييز ويأباه العبيد‪ ،‬أو بالعكيس‪،‬‬
‫أعنيي أن يرييد بيه السييد البقاء على الكتابية‪ ،‬ويرييد العبيد التعجييز‪.‬‬
‫فأما إذا اتفقا على التعجيز فل يخلو المر من قسمين‪ :‬أحدهما أن‬
‫يكون دخييل فييي الكتابيية ولد أو ل يكون‪ ،‬فإن كان دخييل ولد فييي‬
‫الكتابيية فل خلف عنده أنييه ل يجوز التعجيييز‪ .‬وإن لم يكيين له ولد‬
‫ففيي ذلك روايتان‪ :‬إحداهميا أنيه ل يجوز إذا كان له مال‪ ،‬وبيه قال‬
‫أبو حنيفة؛ والخرى أنه يجوز له ذلك‪ .‬فأما إن طلب العبد التعجيز‬
‫وأبيى السييد لم يكين ذلك للعبيد إن كان معيه مال أو كانيت له قوة‬
‫على السييعي‪ .‬وأمييا إن أراد السيييد التعجيييز وأباه العبييد‪ ،‬فإنييه ل‬
‫يعجزه عنده إل بحكم حاكم‪ ،‬وذلك بعد أن يثبت السيد عند الحاكم‬
‫أنه ل مال له ول قدرة على الداء‪.‬‬
‫ونرجيع إلى عمدة أدلتهيم فيي أصيل الخلف فيي المسيألة‪ ،‬فعمدة‬
‫الشافعييي مييا روي أن بريرة جاءت إلى عائشيية تقول لهييا‪" :‬إنييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أريد أن تشتريني تعتقيني فقالت لها‪ :‬إن أراد أهلك‪ ،‬فجاءت أهلها‬
‫فباعوهيا وهيي مكاتبية" خرجيه البخاري‪ .‬وعمدة المالكيية تشيبيههم‬
‫الكتابة بالعقود اللزمة‪ ،‬ولن حكم العبد في هذا المعنى يجب أن‬
‫يكون كحكييم السيييد وذلك أن العقود ميين شأنهييا أن يكون اللزوم‬
‫فيهييا أو الخيار مسييتويا فييي الطرفييين‪ ،‬وأمييا أن يكون لزمييا ميين‬
‫طرف وغيير لزم مين الطرف الثانيي فخارج عين الصيول‪ ،‬وعللوا‬
‫حدييث بريرة بأن الذي باع أهلهيا كانيت كتابتهيا ل رقبتهيا‪ .‬والحنفيية‬
‫تقول‪ :‬لمييا كان المغلب فييي الكتابيية حييق العبييد‪ ،‬وجييب أن يكون‬
‫العقد لزما في حق الخر المغلب عليه وهو السيد أصله النكاح‪،‬‬
‫لنيه غيير لزم فيي حيق الزوج لمكان الطلق الذي بيده وهيو لزم‬
‫فيي حيق الزوجية‪ ،‬والمالكيية تعترض هذا بأن تقول إنيه عقيد لزم‬
‫فيما وقع به العوض‪ ،‬إذ كان ليس له أن يسترجع الصداق‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الثالث‪.‬‬
‫وأمييا حكمييه إذا مات قبييل أن يؤدي الكتابيية‪ ،‬فاتفقوا على أنييه إذا‬
‫مات دون ولد قبييل أن يؤدي مين الكتابيية شيئا أنييه يرق‪ .‬واختلفوا‬
‫إذا مات عيين ولد فقال مالك‪ :‬حكييم ولده كحكمييه‪ ،‬فإن ترك مال‬
‫فييه وفاء للكتابية أدوه وعتقوا‪ ،‬وإن لم يترك مال وكانيت لهيم قوة‬
‫على السعي بقوا على نجوم أبيهم حتى يعجزوا أو يعتقوا‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن عندهم ل مال ول قدرة على السعي رقوا‪ ،‬وأنه إن فضل عن‬
‫الكتابة شيء من ماله ورثوه على حكم ميراث الحرار‪ ،‬وأنه ليس‬
‫يرثيه إل ولده الذيين هيم فيي الكتابية معيه دون سيواهم مين وارثييه‬
‫إن كان له وارث غييير الولد الذي معييه فييي الكتابيية‪ .‬وقال أبييو‬
‫حنيفية‪ :‬إنيه يرثيه بعيد أداء كتابتيه مين المال الذي ترك جمييع أولده‬
‫الذييين كاتييب عليهييم أو ولدوا فييي الكتابيية وأولده الحرار وسييائر‬
‫ورثته‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل يرثه بنوه الحرار ول الذين كاتب عليهم‬
‫أو ولدوا فييي الكتابيية‪ ،‬وماله لسيييده وعلى أولده الذييين كاتييب‬
‫عليهيم أن يسيعوا مين الكتابية فيي مقدار حظوظهيم منهيا‪ ،‬وتسيقط‬
‫حصيية الب عنهييم‪ ،‬وبسييقوط حصيية الب عنهييم قال أبييو حنيفيية‬
‫وسييائر الكوفيييين‪ .‬والذييين قالوا بسييقوطها قال بعضهييم‪ :‬تعتييبر‬
‫القيميية‪ ،‬وهييو قول الشافعييي؛ وقيييل بالثميين؛ وقيييل حصييته على‬
‫مقدار الرءوس‪ .‬وإنميا قال هؤلء بسيقوط حصية الب عين البناء‬
‫الذين كاتب عليهم ل الذين ولدوا في الكتابة‪ ،‬لن من ولد له أولد‬
‫فييي الكتابيية فهييم تبييع لبيهييم‪ .‬وعمدة مالك أن المكاتييبين كتابيية‬
‫واحدة بعضهم حملء عن بعض‪ ،‬ولذلك من عتق منهم أو مات لم‬
‫تسيقط حصييته عين الباقيي‪ .‬وعمدة الفريييق الثانيي أن الكتابية ل‬
‫تضمين‪ .‬وروى مالك عين عبيد الملك بين مروان فيي موطئه مثيل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قول الكوفييين‪ .‬وسيبب اختلفهيم ماذا يموت علييه المكاتيب؟ فعنيد‬


‫مالك أنييه يموت مكاتبييا؛ وعنييد أبييي حنيفيية أنييه يموت حرا؛ وعنييد‬
‫الشافعييي أنييه يموت عبدا‪ .‬وعلى هذه الصييول بنوا الحكييم فيييه‪.‬‬
‫فعمدة الشافعييية أن العبودييية والحرييية ليييس بينهمييا وسييط‪ ،‬وإذا‬
‫مات المكاتيب فلييس حرا بعيد‪ ،‬لن حريتيه إنميا تجيب بأداء كتابتيه‬
‫وهيو لم يؤدهيا بعيد‪ ،‬فقيد بقيي أنيه مات عبدا لنيه ل يصيح أن يعتيق‬
‫المييت‪ .‬وعمدة الحنفيية أن العتيق قيد وقيع بموتيه ميع وجود المال‬
‫الذي كاتيب علييه‪ ،‬لنيه لييس له أن يرق نفسيه‪ ،‬والحريية يجيب أن‬
‫تكون حاصييلة له بوجود المال ل بدفعييه إلى السيييد‪ .‬وأمييا مالك‬
‫فجعييل موتييه على حالة متوسييطة بييين العبودييية والحرييية وهييي‬
‫الكتابيية‪ ،‬فميين حيييث لم يورث أولده الحرار منييه جعييل له حكييم‬
‫العبييد‪ ،‬ومين حييث لم يورث سييده ماله حكيم له بحكيم الحرار‪،‬‬
‫والمسألة في حد الجتهاد‪ .‬ومما يتعلق بهذا الجنس اختلفهم في‬
‫أم ولد المكاتيييب إذا مات المكاتيييب وترك بنيييين ل يقدرون على‬
‫السعي وأرادت الم أن تسعى عليهم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬لها ذلك؛ وقال‬
‫الشافعييي والكوفيون‪ :‬ليييس لهييا ذلك‪ .‬وعمدتهييم أن أم الولد إذا‬
‫مات المكاتييب مال ميين مال السيييد؛ وأمييا مالك فيرى أن حرميية‬
‫الكتابيية التييي لسيييدها صييائرة إليهييا وإلى بنيهييا‪ .‬ولم يختلف قول‬
‫مالك أن المكاتييب إذا ترك بنييين صييغارا ل يسييتطيعون السييعي‪،‬‬
‫وترك أم ولد ل تسيييتطيع السيييعي أنهيييا تباع ويؤدي منهيييا باقيييي‬
‫الكتابية‪ .‬وعنيد أبيي يوسيف ومحميد بين الحسين أنيه ل يجوز بييع‬
‫المكاتييب لم ولده‪ ،‬ويجوز عنييد أبييي حنيفيية والشافعييي‪ .‬واختلف‬
‫أصيحاب مالك فيي أم ولد المكاتيب إذا مات المكاتيب وترك بنيين‬
‫ووفاه كتابته‪ ،‬هل تعتق أم ولده أم ل؟ فقال ابن القاسم‪ :‬إذا كان‬
‫معهييا ولد عتقييت وإل رقييت؛ وقال أشهييب‪ :‬تعتييق على كييل حال؛‬
‫وعلى أصل الشافعي كل ما ترك المكاتب مال من مال سيده ل‬
‫ينتفيع بيه البنون فيي أداء ميا علييه مين كتابتيه كانوا معيه فيي عقيد‬
‫الكتابية‪ ،‬أو كانوا ولدوا فيي الكتابية‪ ،‬وإنميا عليهيم السيعي؛ وعلى‬
‫أصييل أبييي حنيفيية يكون حرا ولبييد؛ ومذهييب ابيين القاسييم كأنييه‬
‫استحسان‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الرابع‪.‬‬
‫وهيو النظير فيمين يدخيل معيه فيي عقيد الكتابية ومين ل يدخيل‪.‬‬
‫واتفقوا ميين هذا الباب على أن ولد المكاتييب ل يدخييل فييي كتابيية‬
‫المكاتييب إل بالشرط‪ ،‬لنييه عبييد آخيير لسيييده‪ .‬وكذلك اتفقوا على‬
‫دخول ميا ولد له فيي الكتابية فيهيا‪ .‬واختلفوا فيي أم الولد على ميا‬
‫تقدم‪ .‬وكذلك اختلفوا فييي دخول ماله أيضييا بمطلق العقييد‪ ،‬فقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مالك‪ :‬يدخييل ماله فييي الكتابيية؛ وقال الشافعييي وأبييو حنيفيية‪ :‬ل‬
‫يدخيييل؛ وقال الوزاعيييي‪ :‬يدخيييل بالشرط‪ ،‬أعنيييي إذا اشترطيييه‬
‫المكاتيب‪ ،‬وهذه المسيألة مبنيية على‪ :‬هيل يملك العبيد أم ل يملك‪،‬‬
‫وعلى هل يتبعه ماله في العتق أم ل؟ وقد تقدم ذلك‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الخامس‪.‬‬
‫وهيو النظير فيميا يحجير فييه على المكاتيب مميا ل يحجير‪ ،‬وميا بقيي‬
‫من أحكام العبد فيه‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬إنييه قييد أجمييع العلماء ميين هذا الباب على أنييه ليييس‬
‫للمكاتيب أن يهيب مين ماله شيئا له قدر ول يعتيق ول يتصيدق بغيير‬
‫إذن سيده‪ ،‬فإنه محجور عليه في هذه المور وأشباهها‪ ،‬أعني أنه‬
‫لييس له أن يخرج مين يده شيئا مين غيير عوض‪ .‬واختلفوا مين هذا‬
‫الباب في فروع منها أنه إذا لم يعلم السيد بهبته أو بعتقه إل بعد‬
‫أداء كتابتيه‪ ،‬فقال مالك وجماعية مين العلماء إن ذلك نافيذ ومنعيه‬
‫بعضهيم‪ .‬وعمدة مين منعيه أن ذلك وقيع فيي حالة ل يجوز وقوعيه‬
‫فيهيا فكان فاسيدا‪ .‬وعمدة مين أجازه أن السيبب المانيع مين ذلك‬
‫قيد ارتفيع وهيو مخافية أن يعجيز العبيد‪ .‬وسيبب اختلفهيم هيل إذن‬
‫السيد من شرط لزوم العقد أو من شرط صحته؟ ف من قال من‬
‫شرط الصحة لم يجزه وإن عتق؛ ومن قال من شرط لزومه قال‬
‫يجوز إذا عتيق لنيه وقيع عقدا صيحيحا‪ ،‬فلميا ارتفيع الذن المرتقيب‬
‫فييه صيح العقيد كميا لو أذن هذا كله عنيد مين أجاز عتقيه إذا أذن‬
‫السييد‪ ،‬فإن الناس اختلفوا أيضيا فيي ذلك بعيد اتفاقهيم على أنيه ل‬
‫يجوز عتقييه إذا لم يأذن السيييد‪ ،‬فقال قوم‪ :‬ذلك جائز؛ وقال قوم‪:‬‬
‫ل يجوز‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية‪ ،‬وبالجواز قال مالك؛ وعين الشافعيي‬
‫فيييي ذلك القولن جميعييا‪ .‬والذييين أجازوا ذلك اختلفوا فييي ولء‬
‫المعتيق لمين يكون‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إن مات المكاتيب قبيل أن يعتيق‬
‫كان ولء عبده لسييده‪ ،‬وإن مات وقيد عتيق المكاتيب كان له ولؤه‬
‫له؛ وقال قوم مين هؤلء‪ :‬بيل ولؤه على كيل حال لسييده‪ .‬وعمدة‬
‫مين لم يجيز عتيق المكاتيب أن الولء يكون للمعتيق‪ ،‬لقوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "إنميا الولء لمين أعتيق" ول ولء للمكاتيب فيي‬
‫حيين كتابتيه فلم يصيح عتقيه‪ .‬وعمدة مين رأى أن الولء للسييد أن‬
‫عبد عبده بمنزلة عبده؛ ومن فرق بين ذلك فهو استحسان‪ .‬ومن‬
‫هذا الباب اختلفهم في هل للمكاتب أن ينكح أو يسافر بغير إذن‬
‫سييده؟ فقال جمهورهيم‪ :‬لييس له أن ينكيح إل بإذن سييده؛ وأباح‬
‫بعضهم النكاح له‪ .‬وأما السفر فأباحه له جمهورهم ومنعه بعضهم‪،‬‬
‫وبه قال مالك وأباحه سحنون من أصحاب مالك‪ ،‬ولم يجز للسيد‬
‫أن يشترطييه على المكاتييب‪ ،‬وأجازه ابيين القاسييم فييي السييفر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القريب‪ .‬والعلة في منع النكاح أنه يخاف أن يكون ذلك ذريعة إلى‬
‫عجزه‪ .‬والعلة فييي جواز السييفر أن بييه يقوى على التكسييب فييي‬
‫أداء كتابتييه‪ .‬وبالجملة فللعلماء فييي هذه المسييألة ثلثيية أقوال‪:‬‬
‫أحدها أن للمكاتب أن يسافر بإذن سيده وبغير إذنه‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫يشترط عليه أن ل يسافر‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة والشافعي‪ .‬والقول‬
‫الثانييي إنييه ليييس له أن يسييافر إل بإذن سيييده‪ ،‬وبييه قال مالك‪.‬‬
‫والثالث أن بمطلق عقيد الكتابية له أن يسيافر إل أن يشترط علييه‬
‫سييده أن ل يسيافر‪ ،‬وبيه قال أحميد والثوري وغيرهميا‪ .‬ومين هذا‬
‫الباب اختلفهيم فيي هيل للمكاتيب أن يكاتيب عبدا له؟ فأجاز ذلك‬
‫مالك ميييا لم يرد بيييه المحاباة‪ ،‬وبيييه قال أبيييو حنيفييية والثوري‪.‬‬
‫وللشافعيي قولن‪ :‬أحدهميا إثبات الكتابية‪ ،‬والخير إبطالهيا‪ .‬وعمدة‬
‫الجماعة أنها عقد معاوضة المقصود منه طلب الربح فأشبه سائر‬
‫العقود المباحيية ميين البيييع والشراء‪ .‬وعمدة الشافعييية أن الولء‬
‫لمين أعتيق ول ولء للمكاتيب‪ ،‬لنيه لييس بحير‪ .‬واتفقوا على أنيه ل‬
‫يجوز للسييييد انتزاع شييييء مييين ماله ول النتفاع منيييه بشييييء‪.‬‬
‫واختلفوا فيي وطيء السييد أمتيه المكاتبية‪ ،‬فصيار الجمهور إلى منيع‬
‫ذلك؛ وقال أحمد وداود وسعيد بن المسيب من التابعين ذلك جائز‬
‫إذا اشترطه عليها‪ .‬وعمدة الجمهور أنه وطء تقع الفرقة فيه إلى‬
‫أجيل آت فأشبيه النكاح إلى أجيل‪ .‬وعمدة الفرييق الثانيي تشبيههيا‬
‫بالمدبرة‪ .‬وأجمعوا على أنهيييا إن عجزت حيييل وطؤهيييا‪ .‬واختلف‬
‫الذيين منعوا ذلك إذا وطئهيا هيل علييه حيد أم ل؟ فقال جمهورهيم‪:‬‬
‫ل حيد علييه لنيه وطيء بشبهية؛ وقال بعضهيم‪ :‬علييه الحيد‪ .‬واختلفوا‬
‫فيي إيجاب الصيداق لهيا‪ ،‬والعلماء فيميا أعلم على أنيه فيي أحكاميه‬
‫الشرعية على حكم العبد مثل الطلق والشهادة والحد وغير ذلك‬
‫مميا يختيص بيه العبييد‪ .‬ومين هذا الباب اختلفهيم فيي بيعيه؛ فقال‬
‫الجمهور‪ :‬ل يباع المكاتييب إل بشرط أن يبقييى على كتابتييه عنييد‬
‫مشترييه؛ وقال بعضهيم‪ :‬بيعيه جائز ميا لم يؤد شيئا مين كتابتيه‪ ،‬لن‬
‫بريرة بيعييت ولم تكيين أدت ميين كتابتهييا شيئا؛ وقال بعضهييم‪ :‬إذا‬
‫رضيي المكاتيب بالبييع جاز‪ ،‬وهيو قول الشافعيي‪ ،‬لن الكتابية عنده‬
‫ليسيت بعقيد لزم فيي حيق العبيد‪ ،‬واحتيج بحدييث بريرة إذ بيعيت‬
‫وهيي مكاتبية‪ .‬وعمدة مين لم يجيز بييع المكاتيب ميا فيي ذلك مين‬
‫نقيض العهيد‪ ،‬وقيد أمير الله تعالى بالوفاء بيه‪ ،‬وهذه المسيألة مبنيية‬
‫على هيل الكتابية عقيد لزم أم ل؟ وكذلك اختلفوا فيي بييع الكتابية‪،‬‬
‫فقال الشافعييي وأبييو حنيفيية‪ :‬ل يجوز ذلك‪ ،‬وأجازهييا مالك ورأى‬
‫الشفعة فيها للمكاتب‪ ،‬ومن أجاز ذلك شبه بيعها ببيع الدين‪ ،‬ومن‬
‫لم يجيز ذلك رآه مين باب الغرر؛ وكذلك شبيه مالك الشفعية فيهيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالشفعية فيي الديين‪ ،‬وفيي ذلك أثير عين النيبي صيلى الله علييه‬
‫وسلم‪ ،‬أعني في الشفعة في الدين؛ ومذهب مالك في بيع الكتابة‬
‫أنهيا إن كانيت بذهيب أنهيا تجوز بعرض معجيل ل مؤجيل لميا يدخيل‬
‫في ذلك من الدين بالدين‪ .‬وإن كانت الكتابة بعرض كان شراؤها‬
‫بذهيييب أو فضييية معجليييين أو بعرض مخالف‪ ،‬وإذا أعتيييق فولؤه‬
‫للمكاتييب ل للمشتري‪ .‬وميين هذا الباب اختلفهييم هييل للسيييد أن‬
‫يجبر العبد على الكتابة أم ل؟‪.‬‬
‫وأميا شروط الكتابية فمنهيا شرعيية هيي مين شروط صيحة العقيد‪،‬‬
‫وقييد تقدمييت عنييد ذكيير أركان الكتابيية‪ .‬ومنهييا شروط بحسييب‬
‫التراضييي‪ ،‬وهذه الشروط منهييا مييا يفسييد العقييد‪ ،‬ومنهييا مييا إذا‬
‫تمسيك بيه أفسيدت العقيد وإذا تركيت صيح العقيد‪ ،‬ومنهيا شروط‬
‫جائزة غيير لزمية‪ ،‬ومنهيا شروط لزمية‪ ،‬وهذه كلهيا هيي مبسيوطة‬
‫فيي كتيب الفروع‪ ،‬ولييس كتابنيا هذا كتاب فروع‪ ،‬وإنميا هيو كتاب‬
‫أصيول‪ .‬والشروط التيي تفسيد العقيد بالجملة هيي الشروط التيي‬
‫هي ضد شروط الصحة المشروعة في العقد‪ .‬والشروط الجائزة‬
‫هيييي التيييي ل تؤدي إلى إخلل بالشروط المصيييححة للعقيييد ول‬
‫تلزمهييا‪ ،‬فهذه الجملة ليييس يختلف الفقهاء فيهييا‪ ،‬وإنمييا يختلفون‬
‫في الشروط لختلفهم فيما هو منها شرط من شروط الصحة أو‬
‫ليس منها‪ ،‬وهذا يختلف بحسب القرب والبعد من إخللها بشروط‬
‫الصييحة‪ ،‬ولذلك جعييل مالكييا جنسييا ثالثييا ميين الشروط‪ ،‬وهييي‬
‫الشروط التييي إن تمسييك بهييا المشترط فسييد العقييد‪ ،‬وإن لم‬
‫يتمسك بها جاز‪ ،‬وهذا ينبغي أن تفهمه في سائر العقود الشرعية‪.‬‬
‫فمين مسيائلهم المشهورة فيي هذا الباب إذا اشترط فيي الكتابية‬
‫شرطيا مين خدمية أو سيفر أو نحوه وقوي على أداء نجوميه قبيل‬
‫محييل أجييل الكتابيية هييل يعتييق أم ل؟ فقال مالك وجماعيية‪ :‬ذلك‬
‫الشرط باطل‪ ،‬ويعتق إذا أدى جميع المال؛ وقالت طائفة‪ :‬ل يعتق‬
‫حتى يؤدي جميع المال‪ ،‬ويأتي بذلك الشرط وهو مروي عن عمر‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه أنه أعتق رقيق المارة وشرط عليهم‬
‫أن يخدموا الخليفيية بعييد ثلث سيينين‪ .‬ولم يختلفوا أن العبييد إذا‬
‫أعتقه سيده على أن يخدمه سنين أنه ل يتم عتقه إل بخدمة تلك‬
‫السييينين‪ ،‬ولذلك القياس قول مييين قال‪ :‬إن الشرط لزم‪ .‬فهذه‬
‫المسائل الواقعة المشهورة في أصول هذا الكتاب‪.‬‬
‫وههنيا مسيائل تذكير فيي هذا الكتاب وهيي مين كتيب أخرى‪ ،‬وذلك‬
‫أنهيييا إذا ذكرت فيييي هذا الكتاب ذكرت على أنهيييا فروع تابعييية‬
‫للصول فيه‪ ،‬وإذا ذكرت في غيره ذكرت على أنها أصول‪ ،‬ولذلك‬
‫كان الولى ذكرهييا فييي هذا الكتاب‪ .‬فميين ذلك اختلفهييم إذا زوج‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫السييد بنتيه مين مكاتبيه‪ ،‬ثيم مات السييد وورثتيه البنيت‪ ،‬فقال مالك‬
‫والشافعييي‪ :‬ينفسييخ النكاح لنهييا ملكييت جزءا منييه‪ ،‬وملك يمييين‬
‫المرأة محرم عليهييا بإجماع؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬يصييح النكاح‪ ،‬لن‬
‫الذي ورثت إنما هو مال في ذمة المكاتب ل رقبة المكاتب‪ ،‬وهذه‬
‫المسييألة هييي أحييق بكتاب النكاح‪ .‬وميين هذا الباب اختلفهييم إذا‬
‫مات المكاتب وعليه دين وبعض الكتابة هل يحاص سيده الغرماء‬
‫أم ل؟ فقال الجمهور‪ :‬ل يحاص الغرماء؛ وقال شريييح وابيين أبييي‬
‫ليلى وجماعييية‪ :‬يضرب السييييد ميييع الغرماء‪ .‬وكذلك اختلفوا إذا‬
‫أفلس وعليييه دييين يغترق مييا بيده‪ ،‬هييل يتعدى ذلك إلى رقبتييه؟‬
‫فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ل سبيل لهم إلى رقبته؛ وقال‬
‫الثوري وأحميد‪ :‬يأخذونيه إل أن يفتكيه السييد‪ .‬واتفقوا على أنيه إذا‬
‫عجيز عين عقيل الجنايات أنيه يسيلم فيهيا إل أن يعقيل عنيه سييده‪،‬‬
‫والقول فيي هيل يحاص سييده الغرماء أو ل يحاص هيو مين كتاب‬
‫التفلييس‪ ،‬والقول فيي جنايتيه هيو مين باب الجنايات‪ .‬ومين مسيائل‬
‫القضيية التيي هيي فروع فيي هذا الباب وأصيل فيي باب القضيية‬
‫اختلفهييم فييي الحكييم عنييد اختلف السيييد والمكاتييب فييي مال‬
‫الكتابييية؛ فقال مالك وأبيييو حنيفييية‪ :‬القول قول المكاتيييب؛ وقال‬
‫الشافعيي ومحميد وأبيو يوسيف يتحالفان ويتفاسيخان قياسيا على‬
‫المتبايعييين‪ ،‬وفروع هذا الباب كثيرة‪ ،‬لكيين الذي حضيير منهييا الن‬
‫فيي الذكير هيو ميا ذكرناه‪ ،‬ومين وقعيت له مين هذا الباب مسيائل‬
‫مشهورة الخلف بيين فقهاء المصيار وهيي قريبية مين المسيموع‪،‬‬
‫فينبغيي أن تثبيت فيي هذا الموضيع إذ كان القصيد إنميا هيو إثبات‬
‫المسائل المشهورة التي وقع الخلف فيها بين فقهاء المصار مع‬
‫المسييائل المنطوق بهيييا فيييي الشرع وذلك أن قصيييدنا فيييي هذا‬
‫الكتاب كما قلنا غير مرة‪ :‬إنما هو أن نثبت المسائل المنطوق بها‬
‫فيي الشرع المتفيق عليهيا والمختلف فيهيا‪ ،‬ونذكير مين المسيائل‬
‫المسيكوت عنهيا التيي شهير الخلف فيهيا بيين فقهاء المصيار‪ ،‬فإن‬
‫معرفية هذيين الصينفين مين المسيائل هيي التيي تجري للمجتهيد‬
‫مجرى الصيول فيي المسيكوت عنهيا وفيي النوازل التيي لم يشتهير‬
‫الخلف فيها بين فقهاء المصار سواء نقل فيها مذهب عن واحد‬
‫منهيم أو لم ينقيل‪ ،‬ويشبيه أن يكون مين تدرب فيي هذه المسيائل‬
‫وفهم أصول السباب التي أوجبت خلف الفقهاء فيها أن يقول ما‬
‫يجييب فييي نازلة نازلة ميين النوازل‪ ،‬أعنييي أن يكون الجواب فيهييا‬
‫على مذهيب فقييه فقييه مين فقهاء المصيار‪ ،‬أعنيي فيي المسيألة‬
‫الواحدة بعينهييا‪ ،‬ويعلم حيييث خالف ذلك الفقيييه أصييله وحيييث لم‬
‫يخالف‪ ،‬وذلك إذا نقيل عنيه فيي ذلك فتوى‪ .‬فأميا إذا لم ينقيل عنيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في ذلك فتوى أو لم يبلغ ذلك الناظر في هذه الصول فيمكنه أن‬
‫يأتييي بالجواب بحسييب أصييول الفقيييه الذي يفتييي على مذهبييه‪،‬‬
‫وبحسيب الحيق الذي يؤدييه إلييه اجتهاده‪ ،‬ونحين نروم إن شاء الله‬
‫بعيد فراغنيا مين هذا الكتاب أن نضيع فيي مذهيب مالك كتابيا جامعيا‬
‫لصيول مذهبيه ومسيائله المشهورة التيي تجري فيي مذهبيه مجرى‬
‫الصييول للتفريييع عليهييا‪ ،‬وهذا هييو الذي عمله ابيين القاسييم فييي‬
‫المدونيية‪ ،‬فإنييه جاوب فيمييا لم يكيين عنده فيهييا قول مالك على‬
‫قياس ميا كان عنده فيي ذلك الجنيس مين مسيائل مالك التيي هيي‬
‫فيهييا جارييية مجرى الصييول لمييا جبييل عليييه الناس ميين التباع‬
‫والتقليد في الحكام والفتوى‪ ،‬بيد أن في قوة هذا الكتاب أن يبلغ‬
‫به النسان كما قلنا رتبة الجتهاد إذا تقدم‪ ،‬فعلم من اللغة العربية‬
‫وعلم مين أصيول الفقيه ميا يكفييه فيي ذلك‪ ،‬ولذلك رأينيا أن أخيص‬
‫السماء بهذا الكتاب أن نسميه كتاب‪:‬‬
‫[بداية المجتهد وكفاية المقتصد]‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب التدبير‬
‫@‪-‬والنظر في التدبير‪ :‬في أركانه‪ ،‬وفي أحكامه‪ .‬أما الركان فهي‬
‫أربعة‪ :‬المعنى‪ ،‬واللفظ‪ ،‬والمدبِر‪ ،‬والمدبَر‪ .‬وأما الحكام فصنفان‪:‬‬
‫أحكام العقد‪ ،‬وأحكام المدبر‪.‬‬
‫@‪(-‬الركيين الول) فنقول‪ :‬أجمييع المسييلمون على جواز التدبييير‪،‬‬
‫وهييو أن يقول السيييد لعبده‪ :‬أنييت حيير عيين دبر منييي‪ ،‬أو يطلق‬
‫فيقول‪ :‬أنيييت مدبر‪ ،‬وهذان هميييا عندهيييم لفظيييا التدبيييير باتفاق‪.‬‬
‫والناس فييي التدبييير والوصييية على صيينفين‪ :‬منهييم ميين لم يفرق‬
‫بينهميا‪ ،‬ومنهيم مين فرق بيين التدبيير والوصيية بأن جعيل التدبيير‬
‫لزما والوصية غير لزمة‪ .‬والذين فرقوا بينهما اختلفوا في مطلق‬
‫لفييظ الحرييية بعييد الموت هييل يتضميين معنييى الوصييية؟ أو حكييم‬
‫التدبيير؟ أعنيي إذا قال‪ :‬أنيت حير بعيد موتيي‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إذا قال‬
‫وهو صحيح‪ :‬أنت حر بعد موتي فالظاهر أنه وصية‪ ،‬والقول قوله‬
‫في ذلك؛ ويجوز رجوعه فيها إل أن يريد التدبير‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫الظاهيير ميين هذا القول التدبييير وليييس له أن يرجييع فيييه‪ ،‬وبقول‬
‫مالك قال ابين القاسيم‪ ،‬وبقول أبيي حنيفة قال أشهب قال‪ :‬إل أن‬
‫يكون هنالك قرينية تدل على الوصيية‪ ،‬مثيل أن يكون على سيفر أو‬
‫يكون مريضييا‪ ،‬ومييا أشبييه ذلك ميين الحوال التييي جرت العادة أن‬
‫يكتيب الناس فيهيا وصياياهم‪ ،‬فعلى قول مين ل يفرق بيين الوصيية‬
‫والتدبيير‪ ،‬وهيو قول الشافعيي ومين قال بقوله هذا اللفيظ هيو مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ألفاظ صيريح التدبيير‪ .‬وأميا على مذهيب مين يفرق فهيو إميا مين‬
‫كنايات التدبير‪ ،‬وإما ليس من كناياته ول من صريحه‪ ،‬وذلك أن ما‬
‫يحمله على الوصيية فلييس هيو عنده مين كناياتيه ول مين صيريحه‪،‬‬
‫ومن يحمله على التدبير وينويه في الوصية فهو عنده من كناياته‪.‬‬
‫وأميا المدبر فإنهيم اتفقوا على أن الذي يقبيل هذا العقيد هيو كيل‬
‫عبييد صييحيح العبودييية ليييس يعتييق على سيييده سييواء ملك كله أو‬
‫بعضييه‪ .‬واختلفوا فييي حكييم ميين ملك بعضييا فدبره‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫يجوز ذلك‪ ،‬وللذي لم يدبر حظييييه خياران‪ :‬أحدهمييييا أن يتقاوماه‪،‬‬
‫فإن اشتراه الذي دبره كان مدبرا كله‪ ،‬وإن لم يشتره انتقيييييييض‬
‫التدبيير والخيار الثانيي أن يقوميه علييه الشرييك؛ وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫للشريييك الذي لم يدبر ثلث خيارات‪ :‬إن شاء اسييتمسك بحصييته‪،‬‬
‫وإن شاء اسيتسعى العبيد فيي قيمية الحصية التيي له فييه وإن شاء‬
‫قومهيا على شريكيه إن كان موسيرا‪ ،‬وإن كان معسيرا اسيتسعى‬
‫العبيد؛ وقال الشافعيي‪ :‬يجوز التدبيير ول يلزم شييء مين هذا كله‪،‬‬
‫ويبقييى العبييد المدبر نصييفه أو ثلثييه على مييا هييو عليييه‪ ،‬فإذا مات‬
‫مدبره عتييق منييه ذلك الجزء ولم يقوم الجزء الباقييي منييه على‬
‫السييد على ميا يفعيل فيي سينة العتيق‪ ،‬لن المال قيد صيار لغيره‬
‫وهم الورثة‪ ،‬وهذه المسألة هي من الحكام ل من الركان‪ ،‬أعني‬
‫أحكام المدبر فلتثبييت فييي الحكام‪ .‬وأمييا المدبر فاتفقوا على أن‬
‫مين شروطيه أن يكون مالكيا تام الملك غيير محجور علييه سيواء‬
‫كان صيحيحا أو مريضيا‪ ،‬وإن مين شرطيه أن ل يكون ممين أحاط‬
‫الديين بماله‪ ،‬لنهيم اتفقوا على أن الديين يبطيل التدبيير‪ .‬واختلفوا‬
‫فييي تدبييير السييفيه‪ .‬فهذه هييي أركان هذا الباب‪ .‬وأمييا أحكامييه‬
‫فأصولها راجعة إلى أجناس خمسة‪ :‬أحدها‪ :‬مما يخرج المدبر‪ ،‬هل‬
‫من رأس المال أو الثلث؟‪ .‬والثاني‪ :‬ما يبقى فيه من أحكام الرق‬
‫مميا لييس يبقيى فييه‪ ،‬أعنيي ميا دام مدبرا‪ .‬والثالث‪ :‬ميا يتبعيه فيي‬
‫الحريية مميا لييس يتبعيه‪ .‬والرابيع‪ :‬مبطلت التدبيير الطارئة علييه‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬في أحكام تبعيض التدبير‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الول‪.‬‬
‫فأميا مماذا يخرج المدبر إذا مات المدبر‪ ،‬فإن العلماء اختلفوا فيي‬
‫ذلك؟ فذهب الجمهور إلى أنه يخرج من الثلث؛ وقالت طائفة‪ :‬هو‬
‫مين رأس المال معظمهيم أهيل الظاهير؛ فمين رأى أنيه مين الثلث‬
‫شبهيه بالوصيية‪ ،‬لنيه حكيم يقيع بعيد الموت‪ .‬وقيد روي حدييث عين‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم أنيه قال "المدبر مين الثلث" إل أنيه‬
‫أثير ضعييف عنيد أهيل الحدييث‪ ،‬لنيه رواه علي بين طيبان عين نافيع‬
‫عن عبد الله بن عمر‪ ،‬وعلي بن طيبان متروك الحديث عند أهل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحديث‪ .‬ومن رآه من رأس المال شبهه بالشيء يخرجه النسان‬


‫من ماله في حياته فأشبه الهبة‪ .‬واختلف القائلون بأنه من الثلث‬
‫فيي فروع‪ ،‬وهيو إذا دبر الرجيل غلميا له فيي صيحته‪ ،‬وأعتيق فيي‬
‫مرضيه الذي مات عنيه غلميا آخير فضاق الثلث عين الجميع بينهميا؛‬
‫فقال مالك‪ :‬يقدم المدبر لنييه كان فييي الصييحة؛ وقال الشافعييي‪:‬‬
‫يقدم المعتيق المبتيل‪ ،‬لنيه ل يجوز له رده‪ ،‬ومين أصيله أنيه يجوز‬
‫عنده رد التدبير‪ ،‬وهذه المسألة هي أحق بكتاب الوصايا‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الجنس الثاني‪.‬‬
‫فأشهير مسيألة فييه هييي هيل للمدبر أن ييبيع المدبر أم ل؟ فقال‬
‫مالك وأبيو حنيفية وجماعية مين أهيل الكوفية‪ :‬لييس للسييد أن ييبيع‬
‫مدبره؛ وقال الشافعي وأحمد وأهل الظاهر وأبو ثور‪ :‬له أن يرجع‬
‫فيييبيع مدبره؛ وقال الوزاعييي‪ :‬ل يباع إل ميين رجييل يريييد عتقييه‪.‬‬
‫واختلف أبو حنيفة ومالك من هذه المسألة في فروع وهو إذا بيع‬
‫فأعتقييه المشتري‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ينفييذ العتييق؛ وقال أبييو حنيفيية‬
‫والكوفيون البييع مفسيوخ سيواء أعتقيه المشتري أو لم يعتقيه وهيو‬
‫أقييس مين جهية أنيه ممنوع عبادة‪ .‬فعمدة مين أجاز بيعيه ميا ثبيت‬
‫من حديث جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا" وربما‬
‫شبهوه بالوصيية‪ .‬وأميا عمدة المالكيية فعموم قوله تعالى {ييا أيهيا‬
‫الذيين آمنوا أوفوا بالعقود} لنيه عتيق إلى أجيل فأشبيه أم الولد أو‬
‫أشبيه العتيق المطلق‪ .‬فكان سيبب الختلف ههنيا معارضية القياس‬
‫للنييص‪ ،‬أو العموم للخصييوص‪ .‬ول خلف بينهييم أن المدبر أحكامييه‬
‫فييي حدوده وطلقييه وشهادتييه وسييائر أحكامييه أحكام العبيييد‪.‬‬
‫واختلفوا مين هذا الباب فيي جواز وطيء المدبرة‪ ،‬فجمهور العلماء‬
‫على جواز وطئها؛ وروي عن ابن شهاب منع ذلك؛ وعن الوزاعي‬
‫كراهييية ذلك إذا لم يكيين وطئهييا قبييل التدبييير‪ .‬وعمدة الجمهور‬
‫تشبيههيا بأم الولد؛ ومين لم يجيز ذلك شبههيا بالمعتقية إلى أجيل؛‬
‫ومنيع وطيء المعتقية إلى أجيل شبههيا بالمنكوحية إلى أجيل‪ ،‬وهيي‬
‫المتعية‪ .‬واتفقوا على أن السييد فيي المدبر الخدمية‪ ،‬ولسييده أن‬
‫ينتزع ماله منييه متييى شاء كالحال فييي العبييد؛ قال مالك‪ :‬إل أن‬
‫يمرض مرضا مخوفا فيكره له ذلك‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الثالث‪.‬‬
‫فأميا ميا يتبعيه فيي التدبيير مميا ل يتبعيه‪ ،‬فإن مسيائلهم المشهورة‬
‫فيي هذا الباب اختلفهيم فيي ولد المدبرة الذيين تلدهيم بعيد تدبيير‬
‫سيييدها ميين نكاح أو زنييى‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ولدهييا بعييد تدبيرهييا‬
‫بمنزلتهيا يعتقون بعتقهيا ويرقون برقهيا‪ :‬وقال الشافعيي فيي قوله‬
‫المختار عنيد أصيحابه إنهيم ل يعتقون بعتقهيا‪ .‬وأجمعوا على أنيه إذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أعتقهيا سييدها فيي حياتيه أنهيم يعتقون بعتقهيا‪ .‬وعمدة الشافعيية‬


‫أنهييم إذا لم يعتقوا فييي العتييق المنجييز فأحرى أن ل يعتقوا فييي‬
‫العتيق المؤجل بالشرط‪ .‬واحتيج أي ضا بإجماعهم على أن الموصيي‬
‫لها بالعتق ل يدخل فيه بنوها؛ والجمهور رأوا أن التدبير حرمة ما‪،‬‬
‫فأوجبوا اتباع الولد تشبيهيييا بالكتابييية‪ ،‬وقول الجمهور مروي عييين‬
‫عثمان وابين مسيعود وابين عمير‪ ،‬وقول الشافعيي مروي عين عمير‬
‫ابين عبيد العزييز وعطاء بين أبيي رباح ومكحول‪ .‬وتحصييل مذهيب‬
‫مالك فيي هذا أن كيل امرأة فولدهيا تبيع لهيا‪ ،‬إن كانيت حرة فحرة‪،‬‬
‫وإن كانت مكاتبة فمكاتب وإن كانت مدبرة فمدبر‪ ،‬أو معتقة إلى‬
‫أجييل فمعتييق إلى أجييل‪ ،‬وكذلك أم الولد ولدهييا بمنزلتهييا‪ ،‬وخالف‬
‫فيي ذلك أهيل الظاهير‪ ،‬وكذلك المعتيق بعضيه عنيد مالك‪ .‬وأجميع‬
‫العلماء على أن كييل ولد ميين تزويييج فهييو تابييع لمييه فييي الرق‬
‫والحرية وما بينهما من العقود المفضية إلى الحرية إل ما اختلفوا‬
‫فيه من التدبير ومن أمة زوجها عربي‪ .‬وأجمعوا على أن كل ولد‬
‫مين ملك يميين أنيه تابيع لبييه‪ ،‬إن حرا فحرا‪ ،‬وإن عبدا فعبدا‪ ،‬وإن‬
‫مكاتبيييا فمكاتبيييا‪ .‬واختلفوا فيييي المدبر إذا تسيييرى فولد له فقال‬
‫مالك‪ :‬حكميه حكيم الب‪ :‬يعنيي أنيه المدبر؛ وقال الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفية‪ :‬لييس يتبعيه ولده فيي التدبيير‪ .‬وعمدة مالك الجماع على‬
‫أن الولد مين ملك اليميين تابيع للب ميا عدا المدبر‪ ،‬وهيو مين باب‬
‫قياس موضييع الخلف على موضييع الجماع‪ .‬وعمدة الشافعييية أن‬
‫ولد المدبر مال مين ماله‪ ،‬ومال المدبر للسييد انتزاعيه منيه ولييس‬
‫يسلم له أنه مال من ماله‪ ،‬ويتبعه في الحرية ماله عند مالك‪.‬‬
‫@‪-‬الجنس الرابع‪.‬‬
‫وأميا النظير فيي تبعييض التدبيير فقيد قلنيا فيمين دبر له حظيا فيي‬
‫عبده دون أن يدبر شريكييه ونقله إلى هذا الموضييع أول‪ ،‬فلينقييل‬
‫إلييه‪ .‬وأميا مين دبر جزءا مين عبيد هيو له كله‪ ،‬فإنيه يقضيي علييه‬
‫بتدبير الكل‪ ،‬قياسا على من بعض العتق عند مالك‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الجنس الخامس وهو مبطلت التدبير‪.‬‬
‫فميين هذا الباب اختلفهييم فييي إبطال الدييين للتدبييير؛ فقال مالك‬
‫والشافعيي‪ :‬الديين يبطله؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬لييس يبطله ويسيعى‬
‫فيي الديين‪ ،‬وسيواء كان الديين مسيتغرقا للقيمية أو لبعضهيا‪ .‬ومين‬
‫هذا الباب اختلفهيم فيي النصيراني يدبر عبدا له نصيرانيا‪ ،‬فيسيلم‬
‫العبيد قبيل موت سييده‪ ،‬فقال الشافعيي‪ :‬يباع علييه سياعة يسيلم‬
‫ويبطييل تدبيره؛ وقال مالك‪ :‬يحال بينييه وبييين سيييده ويخارج على‬
‫سييده النصيراني‪ ،‬ول يباع علييه حتيى ييبين أمير سييده‪ ،‬فإن مات‬
‫عتق المدبر ما لم يكن عليه دين يحيط بماله؛ وقال الكوفيون‪ :‬إذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أسلم مدبر النصراني قوِّم وسعى العبد في قيمته‪ ،‬ومدبر الصحة‬


‫يقدم عند مالك على مدبر المرض إذا ضاق الثلث عنهما‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب أمهات الولد‬
‫@‪-‬وأصييول هذا الكتاب النظيير فييي هييل تباع أم الولد أم ل؟ وإن‬
‫كانيت ل تباع فمتيى تكون أم ولد‪ ،‬وبماذا تكون أم ولد‪ ،‬وميا يبقيى‬
‫فيها لسيدها من أحكام العبودية‪ ،‬ومتى تكون حرة؟‪.‬‬
‫@‪(-‬أميييا المسيييألة الولى) فإن العلماء اختلفوا فيهيييا سيييلفهم‬
‫وخلفهيم‪ ،‬فالثابيت عين عمير رضيي الله عنيه أنيه قضيى بأنهيا ل تباع‬
‫وأنهييا حرة ميين رأس مال سيييدها إذا مات‪ .‬وروي مثييل ذلك عيين‬
‫عثمان‪ ،‬وهيو قول أكثير التابعيين وجمهور فقهاء المصيار‪ ،‬وكان أبيو‬
‫بكير الصيديق وعلي رضوان الله عليهميا وابين عباس وابين الزبيير‬
‫وجابر بين عبيد الله وأبيو سيعيد الخدري يجيزون بييع أم الولد‪ ،‬وبيه‬
‫قالت الظاهريية مين فقهاء المصيار‪ .‬وقال جابر وأبيو سيعيد‪" :‬كنيا‬
‫نيبيع أمهات الولد والنيبي علييه الصيلة والسيلم فينيا ل يرى بذلك‬
‫بأسيا" واحتجوا بميا روي عين جابر أنيه قال "كنيا نيبيع أمهات الولد‬
‫على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من‬
‫خلفية عمير‪ ،‬ثيم نهانيا عمير عين بيعهين" ومميا اعتميد علييه أهيل‬
‫الظاهييير فيييي هذه المسيييألة النوع مييين السيييتدلل الذي يعرف‬
‫باسييتصحاب حال الجماع‪ ،‬وذلك أنهييم قالوا‪ :‬لمييا انعقييد الجماع‬
‫على أنهيا مملوكية قبيل الولدة‪ ،‬وجيب أن تكون كذلك بعيد الولدة‬
‫إلى أن يدل الدليل على غير ذلك‪ ،‬وقد تبين في كتب الصول قوة‬
‫هذا السيتدلل‪ ،‬وأنيه ل يصيح عنيد مين يقول بالقياس‪ ،‬وإنميا يكون‬
‫ذلك دليل بحسييب رأي ميين ينكيير القياس‪ ،‬وربمييا احتييج الجمهور‬
‫عليهييم بمثييل احتجاجهييم‪ ،‬وهييو الذي يعرفونييه بمقابلة الدعوى‬
‫بالدعوى‪ ،‬وذلك أنهم يقولون‪ :‬أليس تعرفون أن الجماع قد انعقد‬
‫على منع بيعها في حال حملها‪ ،‬فإذا كان ذلك وجب أن يستصحب‬
‫حال هذا الجماع بعييد وضييع الحمييل‪ ،‬إل أن المتأخرييين ميين أهييل‬
‫الظاهير أحدثوا فيي هذا الصيل نقضيا‪ ،‬وذلك أنهيم ل يسيلمون منيع‬
‫بيعهييا حامل‪ .‬وممييا اعتمده الجمهور فييي هذا الباب ميين الثيير مييا‬
‫روي عنيه علييه الصيلة والسيلم أنيه قال فيي ماريية سيريته لميا‬
‫ولدت إبراهييم "أعتقهيا ولدهيا" ومين ذلك حدييث ابين عباس عين‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "أيما امرأة ولدت من سيدها‬
‫فإنهييا حرة إذا مات" وكل الحديثييين ل يثبييت عنييد أهييل الحديييث‪،‬‬
‫حكيى ذلك أبيو عمير ابين عبيد البر رحميه الله‪ ،‬وهيو مين أهيل هذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشأن‪ ،‬وربميا قالوا أيضيا مين طرييق المعنيى أنهيا قيد وجبيت لهيا‬
‫حرمية وهيو اتصيال الولد بهيا وكونيه بعضيا منهيا‪ ،‬وحكيو هذا التعلييل‬
‫عيين عميير رضييي الله عنييه حييين رأى أن ل يبعيين فقال‪ :‬خالطييت‬
‫لحومنا لحومهن‪ ،‬ودماؤنا دماؤهن‪ .‬وأ ما متى تكون أم ولد‪ ،‬فإنهم‬
‫اتفقوا على أنهيا تكون أم ولد إذا ملكهيا قبيل حملهيا منيه‪ .‬واختلفوا‬
‫إذا ملكهيا وهيي حاميل منيه أو بعيد أن ولدت منيه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل‬
‫تكون أم ولد إذا ولدت منه قبل أن يملكها ثم ملكها وولدها؛ وقال‬
‫أبيييو حنيفييية‪ :‬تكون أم ولد‪ .‬واختلف قول مالك إذا ملكهيييا وهيييي‬
‫حاميل‪ ،‬والقياس أن تكون أم ولد فيي جمييع الحوال إذ كان لييس‬
‫مين مكارم الخلق أن ييبيع المرء أم ولده‪ ،‬وقيد قال علييه الصيلة‬
‫والسييلم "بعثييت لتمييم مكارم الخلق" وأمييا بماذا تكون أم ولد؟‬
‫فإن مالكيا قال‪ :‬كيل ميا وضعيت مميا يعلم أنيه ولد كانيت مضغية أو‬
‫علقية؛ وقال الشافعيي‪ :‬لبيد أن يؤثير فيي ذلك شييء مثيل الخلقية‬
‫والتخطييط‪ .‬واختلفهيم راجيع إلى ميا ينطلق علييه اسيم الولدة أو‬
‫ما يتحقق أنه مولود‪ .‬وأما ما يبقى فيها من أحكام العبودية‪ ،‬فإنهم‬
‫اتفقوا على أنهييا فييي شهادتهييا وحدودهييا وديتهييا وأرش جراحهييا‬
‫كالمية‪ .‬وجمهور مين منيع بيعهيا لييس يرون ههنيا سيببا طارئا عليهيا‬
‫يوجب بيعها إل ما روي عن عمر بن الخطاب أنها إذا زنت رقت‪.‬‬
‫واختلف قول مالك والشافعي هل لسيدها استخدامها طول حياته‬
‫واغتلله إياهييا؟ فقال مالك‪ :‬ليييس له ذلك‪ ،‬وإنمييا له فيهييا الوطييء‬
‫فقييط؛ وقال الشافعييي‪ :‬له ذلك وعمدة مالك أنييه لمييا لم يملك‬
‫رقبتها بالبيع لم يملك إجارتها‪ ،‬إل أنه يرى أن إجارة بنيها من غيره‬
‫جائزة‪ ،‬لن حرمتهييييم عنده أضعييييف‪ .‬وعمدة الشافعييييي انعقاد‬
‫الجماع على أنييه يجوز له وطؤهييا‪ .‬فسييبب الخلف تردد إجارتهييا‬
‫بين أصلين‪ :‬أحدهما وطؤها‪ .‬والثاني بيعها‪ .‬فيجب أن يرجح أقوى‬
‫الصيلين شبهيا‪ .‬وأميا متيى تكون حرة‪ ،‬فإنيه ل خلف بينهيم أن آن‬
‫ذلك الوقيت هيو إذا مات السييد‪ ،‬ول أعلم الن أحدا قال تعتيق مين‬
‫الثلث‪ ،‬وقياسيييها على المدبر ضعييييف على قول مييين يقول‪ :‬إن‬
‫المدبر يعتق من الثلث‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الجنايات‪.‬‬
‫@‪-‬والجنايات التيي لهيا حدود مشروعية أربيع جنايات على البدان‬
‫والنفوس والعضاء وهيييو المسيييمى قتل وجرحيييا‪ ،‬وجنايات على‬
‫الفروج وهيو الم سمى زنيى وسيفاحا‪ ،‬وجنايات على الموال‪ ،‬وهذه‬
‫ميا كان منهيا مأخوذا بحرب سيمى حرابية إذا كان بغيير تأوييل‪ ،‬وإن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كان بتأويييل سييمى بغيييا مأخوذا على وجييه المغافصيية [قال فييي‬
‫خذ َيييه ُ على ِغَّرة‪ .‬وقال (فيييي باب‬ ‫َييي‬
‫ه‪ :‬فاجأ هُ‪ ،‬وأ َ‬ ‫القاموس‪ :‬غافَييي َ‬
‫ص ُ‬
‫"هزؤ")‪ ... :‬غافيييص الرجيييل مغافصييية وغفاصيييا‪ :‬أخذه على غرة‬
‫بمساءة‪ .‬دار الحديث] من حرز يسمى سرقة‪ ،‬وما كان منها بعلو‬
‫مرتبية وقوة سيلطان سيمى غصيبا؛ وجنايات على العراض‪ ،‬وهيو‬
‫المسيمى قذفيا؛ وجنايات بالتعدي على اسيتباحة ميا حرميه الشرع‬
‫ميين المأكول والمشروب‪ ،‬وهذه إنمييا يوجييد فيهييا حييد فييي هذه‬
‫الشريعة في الخمر فقط‪ ،‬وهو حد متفق عليه بعد صاحب الشرع‬
‫صيلوات الله علييه‪ ،‬فلنبتدئ منهيا بالحدود التيي فيي الدماء فنقول‪:‬‬
‫إن الواجب في إتلف النفوس والجوارح هو إما قصاص وإما مال‪،‬‬
‫وهيو الذي يسيمى الديية‪ ،‬فإذا النظير أول فيي هذا الكتاب ينقسيم‬
‫إلى قسمين‪ :‬النظر في القصاص‪ ،‬والنظر في الدية‪ .‬والنظر في‬
‫القصياص ينقسيم إلى القصياص فيي النفوس‪ ،‬وإلى القصياص فيي‬
‫الجوارح‪ .‬والنظير أيضيا فيي الديات ينقسيم إلى النظير فيي ديات‬
‫النفوس‪ ،‬وإلى النظير فيي ديات قطيع الجوارح والجراح‪ .‬فينقسيم‬
‫أول هذا الكتاب إلى كتابيين‪ :‬أولهميا يرسيم علييه كتاب القصياص‪.‬‬
‫والثاني يرسم عليه كتاب الديات‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القصاص‬
‫@‪-‬وهذا الكتاب ينقسيم إلى قسيمين‪ :‬الول‪ :‬النظير فيي القصياص‬
‫فيي النفوس‪ .‬والثانيي‪ :‬النظير فيي القصياص فيي الجوارح‪ ،‬فلنبدأ‬
‫من القصاص في النفوس‪.‬‬
‫*‪*3‬كتاب القصاص في النفوس‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير أول فيي هذا الكتاب ينقسيم إلى قسيمين‪ :‬إلى النظير‬
‫في الموجب‪ ،‬أعني الموجب للقصاص‪ .‬وإلى النظر في الواجب‪،‬‬
‫أعني القصاص وفي إبداله إن كان له بدل‪ .‬فلنبدأ أول بالنظر في‬
‫الموجيب‪ ،‬والنظير فيي الموجيب يرجيع إلى النظير فيي صيفة القتيل‬
‫والقاتيل التيي يجيب بمجموعهيا والمقتول القصياص‪ ،‬فإنيه لييس أي‬
‫قاتل اتفق يقتص منه‪ ،‬ول بأي قتل اتفق‪ ،‬ول من أي مقتول اتفق‪،‬‬
‫بيييل مييين قاتيييل محدود بقتيييل محدود ومقتول محدود‪ ،‬فإذ كان‬
‫المطلوب فييي هذا الباب إنمييا هييو العدل‪ .‬فلنبدأ ميين النظيير فييي‬
‫القاتل‪ ،‬ثم في القتل‪ ،‬ثم في المقتول‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في شروط القاتل‪.‬‬
‫@‪-‬فنقول‪ :‬إنهم اتفقوا على أن القاتل الذي يقاد منه يشترط فيه‬
‫باتفاق أن يكون عاقل بالغيا مختارا للقتيل مباشرا غيير مشارك له‬
‫فييييييه غيره واختلفوا فيييييي المكَره والمكرِه‪ ،‬وبالجملة المييييير‬
‫والمباشييير‪ ،‬فقال مالك والشافعيييي والثوري وأحميييد وأبيييو ثور‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجماعية‪ :‬القتيل على المباشير دون المير‪ ،‬ويعاقيب المير؛ وقالت‬


‫طائفية‪ :‬يقتلن جميعيا‪ ،‬وهذا إذا لم يكين هنالك إكراه ول سيلطان‬
‫للميير على المأمور‪ .‬وأمييا إذا كان للميير سييلطان على المأمور‪،‬‬
‫أعنييي المباشيير‪ ،‬فإنهييم اختلفوا فييي ذلك على ثلثيية أقوال‪ :‬فقال‬
‫قوم‪ :‬يقتييل الميير دون المأمور‪ ،‬ويعاقييب المأمور‪ ،‬وبييه قال داود‬
‫وأبيو حنيفية‪ ،‬وهيو أحيد قولي الشافعيي‪ .‬وقال قوم‪ :‬يقتيل المأمور‬
‫دون المر وهو أحد قولي الشافعي وقال قوم‪ :‬يقتلن جميعا‪ ،‬وبه‬
‫قال مالك‪ .‬فمين لم يوجيب حدا على المأمور اعتييبر تأثيير الكراه‬
‫فيي إسيقاط كثيير مين الواجبات فيي الشرع‪ ،‬لكون المكره يشبيه‬
‫مين ل اختيار له‪ .‬ومين رأى علييه القتيل غلب علييه حكيم الختيار‪،‬‬
‫وذلك أن المكره يشبيييه مييين جهييية المختار‪ ،‬ويشبيييه مييين جهييية‬
‫المضطيير المغلوب‪ ،‬مثييل الذي يسييقط ميين علو‪ ،‬والذي تحمله‬
‫الريييح ميين موضييع إلى موضييع‪ .‬وميين رأى قتلهييم جميعييا لم يعذر‬
‫المأمور بالكراه ول الميير بعدم المباشرة‪ .‬وميين رأى قتييل الميير‬
‫فقيط شبيه المأمور باللة التيي ل تنطيق‪ .‬ومين رأى الحيد على غيير‬
‫المباشير اعتميد أنيه لييس ينطلق علييه اسيم قاتيل إل بالسيتعارة‪.‬‬
‫وقييد اعتمدت المالكييية فيييي قتييل المكره على القتيييل بالقتيييل‬
‫بإجماعهم على أنه لو أشرف على الهلك من مخمصة لم يكن له‬
‫أن يقتيل إنسيانا فيأكله‪ .‬وأميا المشارك للقاتيل عمدا فيي القتيل‪،‬‬
‫فقييد يكون القتييل عمدا وخطييأ‪ ،‬وقييد يكون القاتييل مكلفييا وغييير‬
‫مكلف‪ ،‬وسنذكر العمد عند قتل الجماعة بالواحد‪ .‬وأما إذا اشترك‬
‫في القتل عامد ومخطئ أو مكلف وغير مكلف‪ ،‬مثل عامد وصبي‬
‫أو مجنون‪ ،‬أو حير وعبيد فيي قتيل عبيد عنيد مين ل يقييد مين الحير‬
‫بالعبد‪ ،‬فإن العلماء اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال مالك والشافعي‪ :‬على‬
‫العامييد القصيياص‪ ،‬وعلى المخطييئ والصييبي نصييف الدييية؛ إل أن‬
‫مالكييا يجعله على العاقلة؛ والشافعييي فييي ماله على مييا يأتييي‪،‬‬
‫وكذلك قال فييي الحيير والعبييد يقتلن العبييد عمدا أن العبييد يقتييل‪،‬‬
‫وعلى الحيير نصييف القيميية‪ ،‬وكذلك الحال فييي المسييلم والذمييي‬
‫يقتلن جميعا‪ .‬وقال أبو حنيفة إذا اشترك من يجب القصاص عليه‬
‫مييع ميين ل يجييب عليييه القصيياص‪ ،‬فل قصيياص على واحييد منهمييا‬
‫وعليهما الدية‪ ،‬وعمدة الحنفية أن هذه شبهة‪ ،‬فإن القتل ل يتبعض‬
‫وممكيين أن تكون إفاتيية نفسييه ميين فعييل الذي ل قصيياص عليييه‬
‫كإمكان ذلك ممن عليه الق صاص‪ ،‬وقد قال عليه الصلة والسلم‬
‫"ادرءوا الحدود بالشبهات" وإذا لم يكييين الدم وجيييب بدله‪ ،‬وهيييو‬
‫الديية‪ .‬وعمدة الفرييق الثانيي النظير إلى المصيلحة التيي تقتضيي‬
‫التغلييظ لحوطية الدماء‪ ،‬فكأن كيل واحيد منهميا انفرد بالقتيل فله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حكيم نفسيه‪ ،‬وفييه ضعيف فيي القياس‪ .‬وأميا صيفة الذي يجيب بيه‬
‫القصيياص‪ ،‬فاتفقوا على أنييه العمييد‪ ،‬وذلك أنهييم أجمعوا على أن‬
‫القتل صنفان‪ :‬عمد‪ ،‬وخطأ‪ .‬واختلفوا في هل بينهما وسط أم ل؟‬
‫وهيو الذي يسيمونه شبيه العميد‪ ،‬فقال بيه جمهور فقهاء المصيار‪.‬‬
‫والمشهور عين مالك نفييه إل فيي البين ميع أبييه؛ وقيد قييل أنيه‬
‫يتخرج عنيه فيي ذلك روايية أخرى‪ ،‬وبإثباتيه قال عمير ابين الخطاب‬
‫وعلي وعثمان وزييد بين ثابيت وأبيو موسيى الشعري والمغيرة‪ ،‬ول‬
‫مخالف لهيم مين الصيحابة؛ والذيين قالوا بيه فرقوا فيميا هيو شبيه‬
‫العمد مما ليس بعمد‪ ،‬وذلك راجع في الغلب إلى اللت التي يقع‬
‫بهيا القتيل‪ ،‬وإلى الحوال التيي كان مين أجلهيا الضرب؛ فقال أبيو‬
‫حنيفة‪ :‬كل ما عدا الحديد من القضب أو النار وما يشبه ذلك فهو‬
‫شبه العمد؛ وقال أبو يوسف ومحمد‪ :‬شبه العمد ما ل يقتل مثله؛‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬شبيه العميد ميا كان عمدا فيي الضرب خطيأ فيي‬
‫القتييل‪ :‬أي مييا كان ضربييا لم يقصييد بييه القتييل فتولد عنييه القتييل‪.‬‬
‫والخطيأ ميا كان خطيأ فيهميا جميعيا‪ .‬والعميد ميا كان عمدا فيهميا‬
‫جميعا‪ ،‬وهو حسن‪ .‬فعمدة من نفى شبه العمد أنه ل واسطة بين‬
‫الخطأ والعمد‪ ،‬أعني بين أن يقصد القتل أو ل يقصده‪ .‬وعمدة من‬
‫أثبيت الوسيط أن النيات ل يطلع عليهيا إل الله تبارك وتعالى وإنميا‬
‫الحكيم بميا ظهير‪ .‬فمين قصيد ضرب آخير بآلة ل تقتيل غالبيا كان‬
‫حكمه كحكم الغالب‪ ،‬أعني حكم من قصد القتل فقتل بل خلف‪.‬‬
‫ومين قصيد ضرب رجيل بعينيه بآلة ل تقتيل غالبيا كان حكميه مترددا‬
‫بيين العميد والخطيأ هذا فيي حقنيا ل فيي حيق المير نفسيه عنيد الله‬
‫تعالى‪ .‬أميا شبهية العميد فمين جهية ميا قصيد ضربيه‪ .‬وأميا شبهيه‬
‫للخطأ فمن جهة أنه ضرب بما ل يقصد به القتل‪ .‬وقد روي حديث‬
‫مرفوع إلى النييبي صييلى الله عليييه وسييلم أنييه قال "أل إن قتييل‬
‫الخطيأ شبيه العميد ميا كان بالسيوط والعصيا والحجير ديتيه مغلظية‬
‫مائة مين البيل منهيا أربعون فيي بطونهيا أولدهيا" إل أنيه حدييث‬
‫مضطرب عنيد أهيل الحدييث ل يثبيت مين جهية السيناد فيميا ذكره‬
‫أبيو عمير بين عبيد البر‪ ،‬وإن كان أبيو داود وغيره قيد خرجيه‪ ،‬فهذا‬
‫النحو من القتل عند من ل يثبته يجب به القصاص‪ ،‬وعند من أثبته‬
‫تجيب بيه الديية‪ ،‬ول خلف فيي مذهيب مالك أن الضرب يكون على‬
‫وجه الغضب والنائرة يجب به القصاص‪.‬‬
‫واختلف فييي الذي يكون عمدا على جهيية اللعييب‪ ،‬أو على جهيية‬
‫الدب لمين أبييح له الدب‪ .‬وأميا الشرط الذي يجيب بيه القصياص‬
‫فيي المقتول‪ ،‬فهيو أن يكون مكافئا لدم القاتيل‪ .‬والذي بيه تختلف‬
‫النفوس هو السلم والكفر والحرية والعبودية والذكورية والنوثية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والواحيد والكثيير‪ .‬واتفقوا على أن المقتول إذا كان مكافئا للقاتيل‬


‫في هذه الربعة أنه يجب القصاص‪ .‬واختلفوا في هذه الربعة إذا‬
‫لم تجتمع‪ .‬أما الحر إذا قتل العبد عمدا‪ ،‬فإن العلماء اختلفوا فيه‪،‬‬
‫فقال مالك والشافعييي والليييث وأحمييد وأبييو ثور‪ :‬ل يقتييل الحيير‬
‫بالعبد؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬يقتل الحر بالعبد إل عبد نفسه؛‬
‫وقال قوم‪ :‬يقتيل الحير بالعبيد سيواء كان عبيد القاتيل أو عبيد غيير‬
‫القاتل‪ ،‬وبه قال النخعي؛ فمن قال ل يقتل الحر بالعبد احتج بدليل‬
‫الخطاب المفهوم ميين قوله تعالى {كتييب عليكييم القصيياص فييي‬
‫القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد} ومن قال يقتل الحر بالعبد احتج‬
‫بقوله علييه الصيلة والسيلم "المسيلمون تتكافيأ دماؤهيم‪ ،‬ويسيعى‬
‫بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم" فسبب الخلف معارضة‬
‫العموم لدلييل الخطاب‪ ،‬ومين فرق فضعييف‪ .‬ول خلف بينهيم أن‬
‫العبد يقتل بالحر‪ ،‬وكذلك النقص بالعلى‪.‬‬
‫ومن الحجة أيضا لمن قال‪ :‬يقتل الحر بالعبد ما رواه عن سمرة‬
‫أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم قال "مين قتيل عبده قتلناه بيه"‬
‫وميين طريييق المعنييى قالوا‪ :‬ولمييا كان قتله محرمييا كقتييل الحيير‪،‬‬
‫وجييب أن يكون القصيياص فيييه كالقصيياص فييي الحيير‪ ،‬وأمييا قتييل‬
‫المؤميين بالكافيير الذمييي‪ ،‬فاختلف العلماء فييي ذلك على ثلثيية‬
‫أقوال‪ :‬فقال قوم‪ :‬ل يقتيل مؤمين بكافير‪ ،‬وممين قال بيه الشافعيي‬
‫والثوري وأحميد وداود وجماعية‪ .‬وقال قوم‪ :‬يقتيل بيه‪ ،‬وممين قال‬
‫بذلك أبيو حنيفية وأصيحابه وابين أبيي ليلى‪ .‬وقال مالك واللييث‪ :‬ل‬
‫يقتل به إل أن يقتله غيلة‪ ،‬وقتل الغيلة أن يضجعه فيذبحه وبخاصة‬
‫على ماله‪ .‬فعمدة الفريق الول ما روي من حديث علي أنه سأله‬
‫قيس بن عبادة والشتر هل عهد إليه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسييلم عهدا لم يعهده إلى الناس قال‪ :‬ل‪ ،‬إل مييا فييي كتابييي هذا‪،‬‬
‫وأخرج كتابيا مين قراب سييفه فإذا فييه "المؤمنون تتكافيأ دماؤهيم‬
‫ويسييعى بذمتهييم أدناهييم وهييم يييد على ميين سييواهم‪ ،‬أل ل يقتييل‬
‫مؤمن بكافر‪ ،‬ول ذو عهد في عهده‪ ،‬من أحدث حدثا أو آوى محدثا‬
‫فعليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين" خرجه أبو داود‪ .‬وروي‬
‫أيضيا عين عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده أن النيبي صيلى الله‬
‫علييييه وسيييلم قال "ل يقتيييل مؤمييين بكافييير" واحتجوا فيييي ذلك‬
‫بإجماعهم على أنه ل يقتل مسلم بالحربي الذي أمن‪.‬‬
‫وأما أصحاب أبي حنيفة فاعتمدوا في ذلك آثارا منها حديث يرويه‬
‫ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن السلماني قال "قتل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أهل القبلة برجل من‬
‫أهل الذمة وقال‪ :‬أنا أحق من وفى بعهده" ورووا ذلك عن عمر‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قالوا‪ :‬وهذا مخصيص لعموم قوله علييه الصيلة والسيلم "ل يقتيل‬
‫مؤمن بكافر" أي أنه أريد به الكافر الحربي دون الكافر المعاهد‪،‬‬
‫وضعف أهل الحديث حديث عبد الرحمن السلماني وما رووا من‬
‫ذلك عن عمر‪ .‬وأما من طريق القياس فإنهم اعتمدوا على إجماع‬
‫المسيلمين فيي أن ييد المسيلم تقطيع إذا سيرق مين مال الذميي‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬فإذا كانييت حرمية ماله كحرمية مال المسيلم فحرمية دميه‬
‫كحرميية دمييه‪ ،‬فسييبب الخلف تعارض الثار والقياس‪ .‬وأمييا قتييل‬
‫الجماعية بالواحيد‪ ،‬فإن جمهور فقهاء المصيار قالوا تقتيل الجماعية‬
‫بالواحيد‪ ،‬منهيم مالك وأبيو حنيفية والشافعيي والثوري وأحميد وأبيو‬
‫ثور وغيرهيم‪ ،‬سيواء كثرت الجماعية أو قلت‪ ،‬وبيه قال عمير حتيى‬
‫روي أنه قال‪ :‬لو تمال عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا‪ .‬وقال داود‬
‫وأهل الظاهر ل تقتل الجماعة بالواحد‪ ،‬وهو قول ابن الزبير‪ ،‬وبه‬
‫قال الزهري‪ ،‬وروي عين جابر‪ .‬وكذلك عنيد هذه الطائفية ل تقطيع‬
‫أييد بييد‪ ،‬أعنيي إذا اشترك اثنان فميا فوق ذلك فيي قطيع ييد؛ وقال‬
‫مالك والشافعي‪ :‬تقطع اليدي باليد؛ وفرقت الحنفية بين النفس‬
‫والطراف فقالوا‪ :‬تقتييل النفييس بالنفييس‪ ،‬ول يقطييع بالطرف إل‬
‫طرف واحيد‪ ،‬وسييأتي هذا فيي باب القصياص مين العضاء‪ .‬فعمدة‬
‫مين قتيل بالواحيد الجماعية النظير إلى المصيلحة‪ ،‬فإنيه مفهوم أن‬
‫القتل إنما شرع لنفي القتل كما نبه عليه الكتاب في قوله تعالى‬
‫{ولكيم فيي القصياص حياة ييا أولي اللباب} وإذا كان ذلك كذلك‬
‫فلو لم تقتل الجماعة بالواحد لتذرع الناس إلى القتل بأن يتعمدوا‬
‫قتيل الواحيد بالجماعية‪ ،‬لكين للمعترض أن يقول‪ :‬إن هذا إنميا كان‬
‫يلزم لو لم يقتل من الجماعة أحد‪ ،‬فأما إن قتيل منهم واحد وهيو‬
‫الذي مين قتله يظين إتلف النفيس غالبيا على الظين‪ ،‬فلييس يلزم‬
‫أن يبطل الحد حتى يكون سببا للتسليط على إذهاب النفوس‪.‬‬
‫وعمدة من قتل الواحد بالواحد قوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أن‬
‫النفس بالنفس والعين بالعين} وأما قتل الذكر بالنثى‪ ،‬فإن ابن‬
‫المنذر وغيره ممن ذكر الخلف حكى أنه إجماع‪ ،‬إل ما حكي عن‬
‫علي مين الصيحابة‪ ،‬وعين عثمان البتيي أنيه إذا قتيل الرجيل بالمرأة‬
‫كان على أولياء المرأة نصييف الدييية‪ .‬وحكييى القاضييي أبييو الوليييد‬
‫الباجييي فييي المنتقييى عيين الحسيين البصييري‪ ،‬أنييه ل يقتييل الذكيير‬
‫بالنثى‪ ،‬وحكاه الخطابي في معالم السنن‪ ،‬وهو شاذ‪ ،‬ولكن دليله‬
‫قوي لقوله تعالى {والنثييييى بالنثييييى} وإن كان يعارض دليييييل‬
‫الخطاب ههنا للعموم الذي في قوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أن‬
‫النفييس بالنفييس} لكيين يدخله أن هذا الخطاب وارد فييي غييير‬
‫شريعتنيا‪ ،‬وهيي مسيألة مختلف فيهيا‪ ،‬أعنيي هيل شرع مين قبلنيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شرع لنيا أم ل؟ والعتماد فيي قتيل الرجيل بالمرأة هيو النظير إلى‬
‫المصيلحة العامية‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي الب والبين‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬ل يقاد الب بالبين إل أن يضجعييه فيذبحييه‪ ،‬فأمييا إن حذفييه‬
‫بسيييف أو عصييا فقتله لم يقتييل‪ ،‬وكذلك الجييد عنده مييع حفيده‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية والشافعيي والثوري‪ :‬ل يقاد الوالد بولده ول الجيد‬
‫بحفيده إذا قتله بأي وجيه كان مين أوجيه العميد‪ ،‬وبيه قال جمهور‬
‫العلماء‪ .‬وعمدتهييم حديييث ابيين عباس أن النييبي عليييه الصييلة‬
‫والسلم قال "ل تقام الحدود في المساجد ول يقاد بالولد الوالد"‪.‬‬
‫وعمدة مالك عموم القصاص بين المسلمين‪.‬‬
‫وسييبب اختلفهييم مييا رووه عيين يحيييى بيين سييعيد عيين عمرو بيين‬
‫شعيب أن رجل من بني مدلج يقال له قتادة حذف ابنا له بالسيف‬
‫فأصاب ساقه‪ ،‬فنزى جرحه فمات‪ ،‬فقدم سراقة بن جعشم على‬
‫عميير ابيين الخطاب فذكيير ذلك له‪ ،‬فقال له عميير‪ :‬اعدد على ماء‬
‫قدييد عشريين ومائة بعيير حتيى أقدم علييك‪ ،‬فلميا قدم علييه عمير‬
‫أخيذ مين تلك البيل ثلثيين حقية وثلثيين جذعية وأربعيين خلفية‪ ،‬ثيم‬
‫قال‪ :‬أيين أخيو المقتول‪ ،‬فقال‪ :‬هيا أنيا ذا‪ ،‬قال‪ :‬خذهيا‪ ،‬فإن رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم قال "لييس لقاتيل شييء" فإن مالكيا‬
‫حمل هذا الحديث على أنه لم يكن عمدا محضا‪ ،‬وأثبت منه شبه‬
‫العميد فيميا بيين البين والب‪ .‬وأميا الجمهور فحملوه على ظاهره‬
‫من أنه عمد لجماعهم أن من حذف آخر بسيف فقتله فهو عمد‪.‬‬
‫وأمييا مالك فرأى مييا للب ميين التسييلط على تأديييب ابنييه وميين‬
‫المحبة له أن حمل القتل الذي يكون في أمثال هذه الحوال على‬
‫أنيه لييس بعميد‪ ،‬ولم يتهميه إذ كان لييس بقتيل غيلة‪ ،‬فإنميا يحميل‬
‫فاعله على أنيه قصيد القتيل مين جهية غلبية الظين وقوة التهمية‪ ،‬إذ‬
‫كانييت النيات ل يطلع عليهييا إل الله تعالى‪ ،‬فمالك لم يتهييم الب‬
‫حيث اتهم الجنبي‪ ،‬لقوة المحبة التي بين الب والبن‪ .‬والجمهور‬
‫إنمييا عللوا درء الحييد عيين الب لمكان حقييه على البيين‪ ،‬والذي‬
‫يجيييء على أصييول أهييل الظاهيير أن يقاد‪ ،‬فهذا هييو القول فييي‬
‫الموجب‪.‬‬
‫*‪*4‬وأما القول في الموجب‪.‬‬
‫@‪-‬فاتفقوا على أن لولي الدم أحد شيئين‪ :‬القصاص‪ ،‬أو العفو إما‬
‫على الدييية وإميييا على غيييير الديييية‪ .‬واختلفوا هيييل النتقال مييين‬
‫القصاص إلى العفو على أخذ الدية هو حق واجب لولي الدم دون‬
‫أن يكون في ذلك خيار للمقتص منه‪ ،‬أم ل تثبت الدية إل بتراضي‬
‫الفريقيين‪ ،‬أعنيي الولي والقاتيل‪ ،‬وأنيه إذا لم يرد المقتيص منيه أن‬
‫يؤدي الدية لم يكن لولي الدم إل القصاص مطلقا أو العفو‪ ،‬فقال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مالك‪ :‬ل يجييب للولي إل أن يقتييص أو يعفييو عيين غييير دييية إل أن‬
‫يرضى بإعطاء الدية للقاتل‪ ،‬وهي رواية ابن القاسم عنه‪ ،‬وبه قال‬
‫أبيو حنيفية والثوري والوزاعيي وجماعية؛ وقال الشافعيي وأحميد‬
‫وأبو ثور وداود وأكثر فقهاء المدينة من أصحاب مالك وغيره‪ :‬ولي‬
‫الدم بالخيار إن شاء اقتيص وإن شاء أخيذ الديية‪ ،‬رضيي القاتيل أو‬
‫لم يرض‪ ،‬وروى ذلك أشهيب عين مالك‪ ،‬إل أن المشهور عنيه هيي‬
‫الروايية الولى‪ .‬فعمدة مالك فيي الروايية المشهورة حدييث أنيس‬
‫ابين مالك فيي قصية سين الربييع أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم قال "كتاب الله القصياص" فعلم بدلييل الخطاب أنيه لييس‬
‫له إل القصياص‪ .‬وعمدة الفرييق الثانيي حدييث أبيي هريرة الثابيت‬
‫"من قتل له قتيل فهو بخير النظرين بين أن يأخذ الدية وبين أن‬
‫يعفو" هما حديثان متفق على صحتهما‪ ،‬لكن الول ضعيف الدللة‬
‫فييي أنييه ليييس له إل القصيياص‪ .‬والثانييي نييص فييي أن له الخيار‬
‫والجميع بينهميا يمكين إذا رفيع دلييل الخطاب مين ذلك‪ ،‬فإن كان‬
‫الجمييع واجبييا وممكنييا فالمصييير إلى الحديييث الثانييي واجييب؛‬
‫والجمهور على أن الجمع واجب إذا أمكن وأنه أولى من الترجيح‪،‬‬
‫وأيضيا فإن الله عيز وجيل يقول {ول تقتلوا أنفسيكم} وإذا عرض‬
‫على المكلف فداء نفسيه بمال فواجيب علييه أن يفديهيا‪ ،‬أصيله إذا‬
‫وجد الطعام في مخمصة بقيمة مثله وعنده ما يشتريه‪ ،‬أعني أنه‬
‫يقضى عليه بشرائه فكيف بشراء نفسه؟ ويلزم على هذه الرواية‬
‫إذا كان للمقتول أولياء صيغار وكبار أن يؤخير القتيل إلى أن يكيبر‬
‫الصييغار فيكون لهييم الخيار‪ ،‬ول سيييما إذا كان الصييغار يحجبون‬
‫الكبار مثيل البنيين ميع الخوة‪ .‬وقال القاضيي‪ :‬وقيد كانيت وقعيت‬
‫هذه المسيألة بقرطبية حياة جدي رحميه الله‪ ،‬فأفتيى أهيل زمانيه‬
‫بالروايية المشهورة‪ ،‬وهيو أن ل ينتظير الصيغير‪ ،‬فأفتيى هيو رحميه‬
‫الله بانتظاره على القياس‪ ،‬فشنيع أهيل زمانيه ذلك علييه لميا كانوا‬
‫علييه مين شدة التقلييد حتيى اضطير أن يضيع فيي ذلك قول ينتصير‬
‫فيه لهذا المذهب وهو موجود بأيدي الناس‪،‬‬
‫والنظير فيي هذا الباب هيو فيي قسيمين‪ :‬فيي العفيو والقصياص‪.‬‬
‫والنظر في العفو في شيئين‪ :‬أحدهما فيمن له العفو ممن ليس‬
‫له‪ ،‬وترتيب أهل الدم في ذلك‪ ،‬وهل يكون له العفو على الدية أم‬
‫ل؟ وقد تكلمنا في‪ :‬هل له العفو على الدية‪ .‬وأما من لهم العفو‬
‫بالجملة فهم الذين لهم القيام بالدم‪ ،‬والذين لهم القيام بالدم هم‬
‫العصيبة عنيد مالك وعنيد غيره‪ :‬كيل مين يرث‪ ،‬وذلك أنهيم أجمعوا‬
‫على أن المقتول عمدا إذا كان له بنون بالغون فعفيييا أحدهيييم أن‬
‫القصياص قيد بطيل ووجبيت الديية‪ .‬واختلفوا فيي اختلف البنات ميع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البنييين فييي العفييو أو فييي القصيياص‪ .‬وكذلك الزوجيية أو الزوج‬


‫والخوات‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ليييس للبنات ول الخوات قول مييع البنييين‬
‫والخوة فييي القصيياص أو ضده‪ ،‬ول يعتييبر قولهيين مييع الرجال‪،‬‬
‫وكذلك المر في الزوجة والزوج؛ وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد‬
‫والشافعييي كييل وارث يعتييبر قوله فييي إسييقاط القصيياص وفييي‬
‫إسقاط حظه من الدية‪ ،‬وفي الخذ به قال الشافعي الغائب منهم‬
‫والحاضيير والصييغير والكييبير سييواء‪ .‬وعمدة هؤلء اعتبارهييم الدم‬
‫بالدييية‪ .‬وعمدة الفريييق الول أن الولييية إنمييا هييي للذكران دون‬
‫الناث‪ .‬واختلف العلماء فيي المقتول عمدا إذا عفيا عين دميه قبيل‬
‫أن يموت هييل ذلك جائز على الولياء؟ وكذلك فييي المقتول خطييأ‬
‫إذا عفا عن الدية‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إذا عفا المقتول عن دمه في العمد‬
‫مضيى ذلك‪ ،‬وممين قال بذلك مالك وأبيو حنيفية والوزاعيي‪ ،‬وهذا‬
‫أحد قولي الشافعي؛ وقالت طائفة أخرى‪ :‬ل يلزم عفوه‪ ،‬وللولياء‬
‫القصيياص أو العفييو‪ ،‬ومميين قال بييه أبييو ثور وداود‪ ،‬وهييو قول‬
‫الشافعييي بالعراق‪ .‬وعمدة هذه الطائفيية أن الله خييير الولي فييي‬
‫ثلث‪ :‬إميا العفيو‪ ،‬وإميا القصياص‪ ،‬وإميا الديية‪ .‬وذلك عام فيي كيل‬
‫مقتول سييواء عفييا عيين دمييه قبييل الموت أو لم يعييف‪ .‬وعمدة‬
‫الجمهور أن الشيء الذي جعل للولي إنما هو حق المقتول‪ ،‬فناب‬
‫فيه منابه وأقيم مقامه‪ ،‬فكان المقتول أحق بالخيار من الذي أقيم‬
‫مقاميه بعيد موتيه‪ .‬وقيد أجميع العلماء على أن قوله تعالى {فمين‬
‫تصيدق بيه فهيو كفارة له} أن المراد بالمتصيدق ههنيا هيو المقتول‬
‫يتصدق بدمه‪ .‬وإنما اختلفوا على من يعود الضمير في قوله {فهو‬
‫كفارة له} فقييييل على القاتيييل لمييين رأى له توبييية‪ ،‬وقييييل على‬
‫المقتول من ذنوبه وخطاياه‪.‬‬
‫وأمييا اختلفهييم فييي عفييو المقتول خطييأ عيين الدييية فقال مالك‬
‫والشافعي وأبو حنيفة وجمهور فقهاء المصار‪ :‬إن عفوه من ذلك‬
‫فييي ثلثييه إل أن يجيزه الورثيية؛ وقال قوم‪ :‬يجوز فييي جميييع ماله‪،‬‬
‫وممن قال به طاوس والحسن‪ .‬وعمدة الجمهور أنه واهب مال له‬
‫بعيد موتيه فلم يجيز إل فيي الثلث‪ ،‬أصيله الوصيية‪ .‬وعمدة الفرقية‬
‫الثانيية أنيه إذا كان له أن يعفيو عين الدم فهيو أحرى أن يعفيو عين‬
‫المال‪ ،‬وهذه المسألة هي أخص بكتاب الديات‪.‬‬
‫واختلف العلماء إذا عفيا المجروح عين الجراحات‪ ،‬فمات منهيا هيل‬
‫للولياء أن يطالبوا بدميه أم ل؟ فقال مالك‪ :‬لهيم ذلك إل أن يقول‬
‫عفوت عين الجراحات وعميا تئول إلييه؛ وقال أبيو يوسيف ومحميد‬
‫إذا عفيا عين الجراحية ومات فل حيق لهيم‪ ،‬والعفيو عين الجراحات‬
‫عفو عن الدم؛ وقال قوم‪ :‬بل تلزمهم الدية إذا عفا عن الجراحات‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مطلقيا‪ ،‬وهؤلء اختلفوا‪ ،‬فمنهيم مين قال‪ :‬تلزم الجارح الديية كلهيا‪،‬‬
‫واختاره المزنيي مين أقوال الشافعيي؛ ومنهيم مين قال‪ :‬يلزم مين‬
‫الدية ما بقي منها بعد إسقاط دية الجرح الذي عفا عنه‪ ،‬وهو قول‬
‫الثوري‪ .‬وأميا مين يرى أنيه ل يعفيو عين الدم فلييس يتصيور معيه‬
‫خلف في أنه ل يسقط ذلك طلب الولي الدية‪ ،‬لنه إذا كان عفوه‬
‫عيين الدم ل يسييقط حييق الولي‪ ،‬فأحرى أن ل يسييقط عفوه عيين‬
‫الجرح‪ .‬واختلفوا في القاتل عمدا يعفى عنه‪ ،‬هل يبقى للسلطان‬
‫فييه حيق أم ل؟ فقال مالك واللييث‪ :‬إنيه يجلد مائة ويسيجن سينة‪،‬‬
‫وبييه قال أهييل المدينيية‪ ،‬وروي ذلك عيين عميير؛ وقالت طائفيية‪:‬‬
‫الشافعيي وأحميد وإسيحاق وأبيو ثور‪ :‬ل يجيب علييه ذلك؛ وقال أبيو‬
‫ثور‪ :‬إل أن يكون يعرف بالشيير فيؤدبييه المام على قدر مييا يرى‪.‬‬
‫ول عمدة للطائفية الولى إل أثير ضعييف‪ .‬وعمدة الطائفية الثانيية‬
‫ظاهر الشرع وأن التحديد في ذلك ل يكون إل بتوقيف‪ ،‬ول توقيف‬
‫ثابت في ذلك‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في القصاص‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي القصياص هيو فيي صيفة القصياص‪ ،‬وممين يكون؟‬
‫ومتييى يكون؟ فأمييا صييفة القصيياص فييي النفييس‪ ،‬فإن العلماء‬
‫اختلفوا فيي ذلك‪ ،‬فمنهيم مين قال‪ :‬يقتيص مين القاتيل على الصيفة‬
‫التيي قتيل‪ ،‬فمين قتيل تغريقيا قتيل تغريقيا‪ ،‬ومين قتيل بضرب بحجير‬
‫قتييل بمثييل ذلك‪ ،‬وبييه قال مالك والشافعييي‪ ،‬قالوا‪ :‬إل أن يطول‬
‫تعذيبه بذلك فيكون السيف له أروح‪ .‬واختلف أصحاب مالك فيمن‬
‫حرق آخيير‪ ،‬هييل يحرق مييع موافقتهييم لمالك فييي احتذاء صييورة‬
‫القتل؟ وكذلك فيمن قتل بالسهم؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬بأي‬
‫وجيه قتله لم يقتيل إل بالسييف‪ .‬وعمدتهيم ميا روى الحسين عين‬
‫النيبي صيلى الله علييه وسيلم أنيه قال "لقود إل بحديدة"‪ .‬وعمدة‬
‫الفرييق الول حدييث أنيس "أن يهودييا رضيخ رأس امرأة بحجير‪،‬‬
‫فرضيخ النيبي صيلى الله علييه وسيلم رأسيه بحجير‪ ،‬أو قال‪ :‬بيين‬
‫حجريين" وقوله {كتيب عليكيم القصياص فيي القتلى} والقصياص‬
‫يقتضيي المماثلة وأميا ممين يكون القصياص فالظاهير أنيه مين ولي‬
‫الدم‪ ،‬وقيد قييل إنيه ل يمكين منيه لمكان العداوة مخافية أن يجور‬
‫فييه‪ .‬وأميا متيى يكون القصياص فبعيد ثبوت موجباتيه‪ ،‬والعذار إلى‬
‫القاتيييل فيييي ذلك إن لم يكييين مقرا‪ .‬واختلفوا هيييل مييين شرط‬
‫القصاص أن ل يكون الموضع الحرم‪ .‬وأجمعوا على أن الحامل إذا‬
‫قَتَلت عمدا أنه ل يقاد منها حتى تضع حملها‪ .‬واختلفوا في القاتل‬
‫بالسييييف والجمهور على وجوب القصييياص؛ وقال بعيييض أهيييل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الظاهر‪ :‬ل يقتص منه من أجل أنه عليه الصلة والسلم سم هو‬
‫وأصحابه‪ ،‬فلم يتعرض لمن سمه‪.‬‬
‫كمل كتاب القصاص في النفس‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*3‬كتاب الجراح‪.‬‬
‫@‪-‬والجراح صنفان‪ :‬منها ما فيه القصاص أو الدية أو العفو‪ .‬ومنها‬
‫ما فيه الدية أو العفو‪ .‬ولنبدأ بما فيه القصاص‪ ،‬والنظر أيضا ها هنا‬
‫فييي شروط الجارح والجرح الذي بييه يحييق القصيياص والمجروح‪،‬‬
‫وفييي الحكييم الواجييب الذي هييو القصيياص‪ ،‬وفييي بدله إن كان له‬
‫بدل‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في الجارح‪.‬‬
‫@‪-‬ويشترط فييي الجارح أن يكون مكلفييا كمييا يشترط ذلك فييي‬
‫القاتيل‪ ،‬وهيو أن يكون بالغيا عاقل‪ ،‬والبلوغ يكون بالحتلم والسين‬
‫بل خلف‪ ،‬وإن كان الخلف فييي مقداره‪ ،‬فأقصيياه ثمانييية عشيير‬
‫سينة‪ ،‬وأقله خمسية عشير سينة‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‪ ،‬ول خلف أن‬
‫الواحيد إذا قطيع عضيو إنسيان واحيد اقتيص منيه إذا كان مميا فييه‬
‫القصيياص‪ .‬واختلفوا إذا قطعييت جماعيية عضوا واحدا‪ ،‬فقال أهييل‬
‫الظاهيير‪ :‬ل تقطييع يدان فييي يييد؛ وقال مالك والشافعييي‪ :‬تقطييع‬
‫اليدي بالييد الواحدة‪ ،‬كميا تقتيل عندهيم النفيس بالنفيس الواحدة؛‬
‫وفرقيت الحنفيية بيين النفيس والطراف‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل تقطيع أعضاء‬
‫بعضو‪ ،‬وتقتل أنفس بنفس‪ ،‬وعندهم أن الطراف تتبعض‪ ،‬وإزهاق‬
‫النفيس ل يتبعيض‪ .‬واختلف فيي النبات‪ ،‬فقال الشافعيي‪ :‬هيو بلوغ‬
‫بإطلق‪ .‬واختلف المذهيب فييه فيي الحدود‪ ،‬هيل هيو بلوغ فيهيا أم‬
‫ل؟ والصيل فيي هذا كله حدييث بنيي قريظية "أنيه صيلى الله علييه‬
‫وسلم قتل منهم من أنبت وجرت عليه المواسي" كما أن الصل‬
‫فيي السين حدييث ابين عمير أنيه عرضيه يوم الخندق وهيو ابين أربيع‬
‫عشرة سيينة فلم يقبله وقبله يوم أحييد وهييو ابيين خمييس عشرة‬
‫سنة‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في المجروح‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا المجروح فإنييه يشترط فيييه أن يكون دمييه مكافئا لدم‬
‫الجارح والذي يؤثير فيي التكافيؤ العبوديية والكفير‪ .‬أميا العبيد والحير‬
‫فإنهم اختلفوا في وقوع القصاص بينهما في الجرح كاختلفهم في‬
‫النفس؛ فمنهم من رأى أنه ل يقتص من الحر للعبد‪ ،‬ويقتص للحر‬
‫من العبد كالحال في النفس؛ ومنهم من رأى أنه يقتص لكل واحد‬
‫منهميا مين كيل واحيد‪ ،‬ولم يفرق بيين الجرح والنفيس؛ ومنهيم مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فرق فقال‪ :‬يقتيص من العلى للدنيى فيي النفيس والجرح؛ ومنهيم‬


‫ميين قال‪ :‬يقتييص ميين النفييس دون الجرح‪ ،‬وعيين مالك الروايتان‪.‬‬
‫والصواب كما يقتص من الن فس أن يقتص من الجرح‪ ،‬فهذه هي‬
‫حال العبييد ميع الحرار‪ .‬وأميا حال العبييد بعضهيم ميع بعيض‪ ،‬فإن‬
‫للعلماء فيهيم ثلثية أقوال‪ :‬أحدهيا أن القصياص بينهيم فيي النفيس‬
‫و ما دون ها‪ ،‬وهو قول الشافعي وجماعية‪ ،‬وهو مروي عين عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬وهيو قول مالك‪ .‬والقول الثانيي أنيه ل قصياص بينهيم ل‬
‫في النفس ول في الجرح وأنهم كالبهائم‪ ،‬وهو قول الحسن وابن‬
‫شبرمية وجماعية‪ .‬والثالث أن القصياص بينهيم فيي النفيس دون ميا‬
‫دونهيا‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية والثوري‪ ،‬وروي ذلك عين ابين مسيعود‪.‬‬
‫وعمدة الفريييييق الول قوله تعالى {والعبييييد بالعبييييد} ‪ .‬وعمدة‬
‫الحنفييية مييا روي عيين عمران بيين الحصييين "أن عبدا لقوم فقراء‬
‫قطييع أذن عبييد لقوم أغنياء‪ ،‬فأتوا رسييول الله صييلى الله عليييه‬
‫وسلم فلم يقتص منه" فهذا هو حكم النفس‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في الجرح‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الجرح فإنه يشترط فيه أن يكون على وجه العمد‪ ،‬أعني‬
‫الجرح الذي يجييب فيييه القصيياص‪ ،‬والجرح ل يخلو أن يكون يتلف‬
‫جارحة من جوارح المجروح أو ل يتلف‪ ،‬فإن كان مما يتلف جارحة‬
‫فالعمد فيه هو أن يقصد ضربه على وجه الغضب بما يجرح غالبا‪.‬‬
‫وأميا إن جرحيه على وجيه اللعيب أو اللعيب ب ما ل يجرح به غالبيا أو‬
‫على وجه الدب‪ ،‬فيشبه أن يكون فيه الخلف الذي يقع في القتل‬
‫الذي يتولد عين الضرب فيي اللعيب والدب بميا ل يقتيل غالبيا‪ ،‬فإن‬
‫أبيا حنيفية يعتيبر اللة حتيى يقول إن القاتيل بالمثقيل ل يقتيل وهيو‬
‫شذوذ منييه‪ ،‬أعنييي بالخلف هييل فيييه القصيياص أو الدييية إن كان‬
‫الجرح مميا فييه الديية‪ .‬وأميا إن كان الجرح قيد أتلف جارحية مين‬
‫جوارح المجروح‪ ،‬ف من شرط القصاص فيه العميد أي ضا بل خلف‪،‬‬
‫وفيي تميييز العميد منيه مين غيير العميد خلف‪ .‬أميا إذا ضربيه على‬
‫العضيو نفسيه فقطعيه وضربيه بآلة تقطيع العضيو غالبيا‪ ،‬أو ضربيه‬
‫على وجييه النائرة فل خلف أن فيييه القصيياص‪ .‬وأمييا إن ضربييه‬
‫بلطمية أو سيوط أو ميا أشبيه ذلك مميا الظاهير منيه أنيه لم يقصيد‬
‫إتلف العضو مثل أن يلطمه فيفقأ عينه‪ ،‬فالذي عليه الجمهور أنه‬
‫شبيه العميد ول قصياص فييه‪ ،‬وفييه الديية مغلظية فيي ماله وهيي‬
‫روايية العراقييين عين مالك‪ ،‬والمشهور فيي المذهيب أن ذلك عميد‬
‫وفيه القصاص إل في الب مع ابنه؛ وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف‬
‫ومحمد إلى أن شبه العمد إنما هو في النفس ل في الجرح‪ .‬وأما‬
‫إن جرحييه فأتلف عضوا على وجييه اللعييب ففيييه قولن‪ :‬أحدهمييا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجوب القصاص‪ ،‬والثاني نفيه‪ .‬وما يجب على هذين القولين ففيه‬
‫القولن قبل الدية مغلظة‪ ،‬وقيل دية الخطأ‪ ،‬أعني فيما فيه دية‪،‬‬
‫وكذلك إذا كان على وجيه الدب ففييه الخلف‪ .‬وأميا ميا يجيب فيي‬
‫جراح العميد إذا وقعيت على الشروط التيي ذكرناهيا فهيو القصياص‬
‫لقوله تعالى {والجروح قصياص} وذلك فيميا أمكين القصياص فييه‬
‫منها‪ ،‬وفيما وجد منه محل القصاص ولم يخش منه تلف النفس‪،‬‬
‫وإنما صاروا لهذا لما روي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫رفع القود في المأمومة والمنقلة والجائفة" فرأى مالك ومن قال‬
‫بقوله أن هذا حكيم ميا كان فيي معنيى هذه مين الجراح التيي هيي‬
‫متالف‪ ،‬مثل كسر عظم الرقبة والصلب والصدر والفخذ وما أشبه‬
‫ذلك‪ .‬وقييد اختلف قول مالك فييي المنقلة‪ ،‬فمرة قال بالقصيياص‪،‬‬
‫ومرة قال بالدييية؛ وكذلك الميير عنييد مالك فيمييا ل يمكيين فيييه‬
‫التسياوي فيي القصياص مثيل القتصياص مين ذهاب بعيض النظير أو‬
‫بعض السمع‪ ،‬ويمنع القصاص أيضا عند مالك عدم المثل مثل أن‬
‫يفقيأ أعميى عيين بصيير‪ .‬واختلفوا مين هذا فيي العور يفقيأ عيين‬
‫الصيحيح عمدا‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬إن أحيب الصيحيح أن يسيتقيد منيه‬
‫فله القود‪ ،‬واختلفوا إذا عفييا عيين القود‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إن أحييب فله‬
‫الدية كاملة ألف دينار‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ ،‬وقيل ليس له إل نصف‬
‫الدييية‪ ،‬وبييه قال الشافعييي‪ ،‬وهييو أيضييا منقول عيين مالك‪ ،‬ويقول‬
‫الشافعييي قال ابيين القاسييم‪ ،‬وبالقول الخيير قال المغيرة ميين‬
‫أصييحابه وابيين دينار‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬ليييس للصييحيح الذي فقئت‬
‫عينه إل القود أو ما اصطلحا عليه؛ وقد قيل ل يستقيد من العور‬
‫وعليييه الدييية كاملة‪ ،‬روي هذا عيين ابيين المسيييب وعيين عثمان‪.‬‬
‫وعمدة صيياحب هذا القول أن عييين العور بمنزلة عينييين‪ ،‬فميين‬
‫فقأها في واحدة فكأنه اقتص من اثنين في واحدة‪ ،‬وإلى نحو هذا‬
‫ذهيب مين رأى أنيه إذا ترك القود أنيه له ديية كاملة‪ ،‬ويلزم حاميل‬
‫هذا القول أن ل يسييتقيد ضرورة؛ وميين قال بالقود وجعييل الدييية‬
‫نصف الدية فهو أحرز لصله‪ ،‬فتأمله فإنه بين بنفسه والله أعلم‪.‬‬
‫وأما هل المجروح مخير بين القصاص وأخذ الدية‪ ،‬أم ليس له إل‬
‫القصياص فقيط إل أن يصيطلحا على أخيذ الديية ففييه القولن عين‬
‫مالك مثل القولين في القتل‪ ،‬وكذلك أحد قولي مالك في العور‬
‫يفقيأ عيين الصيحيح‪ :‬أن الصيحيح يخيير بيين أن يفقيأ عيين العور أو‬
‫يأخذ الدية ألف دينار أو خمسمائة على الختلف في ذلك‪.‬‬
‫وأميا متيى يسيتقاد مين الجرح؟ فعنيد مالك أنيه ل يسيتقاد مين جرح‬
‫إل بعييد اندماله‪ ،‬وعنييد الشافعييي على الفور؛ فالشافعييي تمسييك‬
‫بالظاهير‪ ،‬ومالك رأى أن يعتيبر ميا يئول إلييه أمير الجرح مخافية أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يفضي إلى إتلف النفس‪ .‬واختلف العلماء في المقتص من الجرح‬


‫يموت المقتيييص مييين ذلك الجرح‪ ،‬فقال مالك والشافعيييي وأبيييو‬
‫يوسف ومحمد ل شيء على المقتص‪ ،‬وروي عن علي وعمر مثل‬
‫ذلك‪ ،‬وبه قال أحمد وأبو ثور وداود؛ وقال أبو حنيفة والثوري وابن‬
‫أبييي ليلى وجماعيية‪ :‬إذا مات وجييب على عاقلة المقتييص الدييية؛‬
‫وقال بعضهيم‪ :‬هيي فيي ماله‪ .‬وقال عثمان البتيي‪ :‬يسيقط عنيه مين‬
‫الدييية قدر الجراحيية التييي اقتييص منهييا‪ ،‬وهييو قول ابيين مسييعود‪.‬‬
‫فعمدة الفريق الول إجماعهم على أن السارق إذا مات من قطع‬
‫يده أنيه ل شييء على الذي قطيع يده‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية أنيه قتيل‬
‫خطيأ وجبيت فييه الديية؛ ول يقاد عنيد مالك فيي الحير الشدييد ول‬
‫البرد الشدييد‪ ،‬ويؤخير ذلك مخافية أن يموت المقاد منيه؛ وقيد قييل‬
‫إن المكان شرط فييي جواز القصيياص وهييو غييير الحرم‪ ،‬فهذا هييو‬
‫حكيم العميد فيي الجنايات على النفيس وفيي الجنايات على أعضاء‬
‫البدن‪ ،‬وينبغيي أن نصيير إلى حكيم الخطيأ فيي ذلك‪ ،‬ونبتدئ بحكيم‬
‫الخطأ في النفس‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الديات في النفوس‪.‬‬
‫@‪-‬والصييل فييي هذا الباب قوله تعالى {وميين قتييل مؤمنييا خطييأ‬
‫فتحرييير رقبيية مؤمنيية ودييية مسييلمة إلى أهله إل أن يصييدقوا}‬
‫والديات تختلف فييي الشريعيية بحسييب اختلف الدماء‪ .‬وبحسييب‬
‫اختلف الذين تلزمهم الدية‪ ،‬وأيضا تختلف بحسب العمد إذا رضي‬
‫بهيا إميا الفريقان‪ ،‬وإميا مين له القود على ميا تقدم مين الختلف‪.‬‬
‫والنظر في الدية هو في موجبها‪ ،‬أعني في أي قتل تجب‪ ،‬ثم في‬
‫نوعها وفي قدرها‪ ،‬وفي الوقت الذي تجب فيه‪ ،‬وعلى من تجب‪.‬‬
‫فأميا فيي أي قتيل تجيب‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أنهيا تجيب فيي قتيل‬
‫الخطييأ وفييي العمييد الذي يكون ميين غييير مكلف مثييل المجنون‬
‫والصيبي‪ ،‬وفيي العميد الذي تكون حرمية المقتول فييه ناقصية عين‬
‫حرمية القاتيل‪ ،‬مثيل الحير والعبيد ومين قتيل الخطيأ ميا اتفقوا على‬
‫أنه خطأ‪ .‬ومنه ما اختلفوا فيه‪ ،‬وقد تقدم صدر من ذلك‪ ،‬وسيأتي‬
‫بعد ذلك اختلفهم في تضمين الراكب والسائق والقائد‪.‬‬
‫وأميا قدرهيا ونوعهيا‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أن ديية الحير المسيلم على‬
‫أهل ال بل مائة من ال بل‪ ،‬وهي في مذهب مالك ثلث ديات‪ :‬دية‬
‫الخطيأ‪ ،‬وديية العميد إذا قبلت‪ ،‬وديية شبيه العميد‪ .‬وهيي عنيد مالك‬
‫فيي الشهير عنيه مثيل فعيل المدلجيي بابنيه‪ .‬وأميا الشافعيي فالديية‬
‫عنده اثنان فقيييط‪ :‬مخففييية ومغلظييية‪ .‬فالمخففييية ديييية الخطيييأ‪،‬‬
‫والمغلظية ديية العميد وديية شبيه العميد‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فالديات‬
‫عنده اثنان أيضيا‪ :‬ديية الخطيأ‪ ،‬وديية شبيه العميد‪ ،‬ولييس عنده ديية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي العميد‪ ،‬وإنميا الواجيب عنده فيي العميد ميا اصيطلحا علييه وهيو‬
‫حال عليه غير مؤجل‪ ،‬وهو معنى قول مالك المشهور‪ ،‬لنه إذا لم‬
‫تلزمه الد ية عنده إل باصطلح فل معنى لتسميتها دية إل ما روي‬
‫عنيه أنهيا تكون مؤجلة كديية الخطيأ فههنيا يخرج حكمهيا عين حكيم‬
‫المال المصيطلح علييه‪ ،‬وديية العميد عنده أرباع‪ :‬خميس وعشرون‬
‫بنييت مخاض‪ ،‬وخمييس وعشرون بنييت لبون‪ ،‬وخمييس وعشرون‬
‫حقيية‪ ،‬وخمييس وعشرون جذعيية‪ ،‬وهييو قول ابيين شهاب وربيعيية‪،‬‬
‫والديية المغلظية عنده أثلثيا‪ :‬ثلثون حقية‪ ،‬وثلثون جذعية‪ ،‬وأربعون‬
‫خلفيية وهييي الحوامييل‪ ،‬ول تكون المغلظيية عنده فييي المشهور إل‬
‫في مثل فعل المدلجي بابنه؛ وعند الشافعي أنها تكون في شبه‬
‫العميد أثلثيا أيضيا‪ ،‬وروى ذلك أيضا عين عمير وزييد بين ثابيت؛ وقال‬
‫أبيو ثور‪ :‬الديية فيي العميد إذا عفيا ولي الدم أخماسيا كديية الخطيأ‪.‬‬
‫واختلفوا في أسنان البل في دية الخطأ‪ ،‬فقال مالك والشافعي‪:‬‬
‫هيييييي أخماس‪ :‬عشرون ابنييييية مخاض‪ ،‬وعشرون ابنييييية لبون‪،‬‬
‫وعشرون ابين لبون ذكرا‪ ،‬وعشرون حقية‪ ،‬وعشرون جذعية‪ ،‬وهيو‬
‫مروي عن ابن شهاب وربيعة‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬أعني‬
‫التخمييس‪ ،‬إل أنهيم جعلوا مكان ابين لبون ذكير ابين مخاض ذكرا‪،‬‬
‫وروي عن ابن مسعود الوجهان جميعا؛ وروي عن سيدنا علي أنه‬
‫جعلهيا أرباعيا‪ ،‬أسيقط منهيا الخميس والعشريين بنيي لبون‪ .‬وإلييه‬
‫ذهيب عمير بين عبيد العزييز‪ ،‬ول حدييث فيي ذلك مسيند‪ ،‬فدل على‬
‫الباحيية ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬كمييا قال أبييو عميير بيين عبييد البر‪ .‬وخرج‬
‫البخاري والترمذي عين ابيين مسيعود عيين النييبي صييلى الله علييه‬
‫وسيلم أنيه قال "فيي ديية الخطيأ عشرون بنيت مخاض وعشرون‬
‫ابين مخاض ذكور وعشرون بنات لبون وعشرون جذعية وعشرون‬
‫حقة"‬
‫واعتيل لهذا الحدييث أبيو عمير بأنيه روى عين حنييف ابين مالك عين‬
‫ابين مسيعود وهيو مجهول قال‪ :‬وأحيب إلي فيي ذلك الروايية عين‬
‫علي‪ ،‬ل نه لم يختلف في ذلك عليه كما اختلف على ا بن مسعود‪.‬‬
‫وخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من‬
‫البيييل‪ :‬ثلثون بنيييت مخاض‪ ،‬وثلثون بنيييت لبون‪ ،‬وثلثون حقييية‪،‬‬
‫وعشرة بني لبون ذكر" قال أبو سليمان الخطابي هذا الحديث ل‬
‫أعرف أحدا ميين الفقهاء المشهورييين قال بييه وإنمييا قال أكثيير‬
‫العلماء إن دييية الخطييأ أخماس‪ ،‬وإن كانوا اختلفوا فييي الصييناف؛‬
‫وقيد روي أن ديية الخطيأ مربعية عين بعيض العلماء وهيم الشعيبي‬
‫والنخعييي والحسيين البصييري‪ ،‬وهؤلء جعلوهييا‪ :‬خمسييا وعشرييين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫جذعيية‪ ،‬وخمسييا وعشرييين حقيية‪ ،‬وخمسييا وعشرييين بنات لبون‪،‬‬


‫وخمسيا وعشريين بنات مخاض‪ ،‬كميا روي عين علي وخرجيه أبيو‬
‫داود‪ ،‬وإن ما صيار الجمهور إلى تخمييس دية الخطيأ‪ :‬عشرون حقية‪،‬‬
‫وعشرون جذعيية‪ ،‬وعشرون بنييت مخاض‪ ،‬وعشرون بنييت لبون‪،‬‬
‫وعشرون بني مخاض ذكر‪ ،‬وإن كان لم يتفقوا على بني المخاض‬
‫لنها لم تذكر في أسنان فيها‪ ،‬وقياس من أخذ بحديث التخميس‬
‫فيي الخطيأ وحدييث التربييع فيي شبيه العميد إن ثبيت هذا‪ .‬النوع‬
‫الثالث أن يقول فيييي ديييية العميييد بالتثلييييث كميييا قيييد روي ذلك‬
‫الشافعيي‪ ،‬ومين لم يقيل بالتثلييث شبيه العميد بميا دونيه‪ .‬فهذا هيو‬
‫مشهور أقاويلهيم فيي الديية التيي تكون مين البيل على أهيل البيل‪.‬‬
‫وأميا أهيل الذهيب والورق فإنهيم اختلفوا أيضيا فيميا يجيب مين ذلك‬
‫عليهيييم؛ فقال مالك‪ :‬على أهيييل الذهيييب ألف دينار‪ ،‬وعلى أهيييل‬
‫الورق اثنيا عشير ألف درهيم؛ وقال أهيل العراق‪ :‬على أهيل الورق‬
‫عشرة آلف درهييم؛ وقال الشافعييي بمصيير‪ :‬ل يؤخييذ ميين أهييل‬
‫الذهيب ول مين أهيل الورق إل قيمية البيل بالغية ميا بلغيت‪ ،‬وقوله‬
‫بالعراق مثييل قول مالك‪ .‬وعمدة مالك تقويييم عميير بيين الخطاب‬
‫المائة مين البيل على أهيل الذهيب بألف دينار‪ ،‬وعلى أهيل الورق‬
‫باثني عشر ألف درهم‪ .‬وعمدة الحنفية ما رووا أيضا عن عمر أنه‬
‫قوم الدينار بعشرة دراهم‪ ،‬وإجماعهم على تقويم المثقال بها في‬
‫الزكاة‪.‬‬
‫وأميا الشافعيي فيقول‪ :‬إن الصيل فيي الديية إنميا هيو مائة بعيير‪،‬‬
‫وعمير إنميا جعيل فيهيا ألف دينار على أهيل الذهيب‪ ،‬واثنيي عشير‬
‫ألف درهيم على أهيل الورق‪ ،‬لن ذلك كان قيمية البيل من الذهيب‬
‫والورق فيي زمانيه‪ ،‬والحجية له ميا روي عين عمرو بين شعييب عين‬
‫أبييه عين جده أنيه قال كانيت الديات على عهيد رسيول الله صيلى‬
‫الله عليييه وسييلم ثمانمائة دينار وثمانييية آلف درهييم‪ ،‬ودييية أهييل‬
‫الكتاب على النصييف ميين دييية المسييلمين‪ .‬قال‪ :‬فكان ذلك حتييى‬
‫اسييتخلف عميير‪ ،‬فقام خطيبييا فقال‪ :‬إن البييل قييد غلت‪ ،‬ففرضهييا‬
‫عمير على أهيل الورق اثنيي ألف درهيم‪ ،‬وعلى أهيل الذهيب ألف‬
‫دينار‪ ،‬وعلى أهل البقر مائتي بقرة‪ ،‬وعلى أهل الشاة ألفي شاة‪،‬‬
‫وعلى أهيل الحلل مائتيي حلة‪ ،‬وترك ديية أهيل الذمية لم يرفيع فيهيا‬
‫شيئا‪ .‬واحتيج بعيض الناس لمالك لنيه لو لو كان تقوييم عمير بدل‬
‫لكان دينييا بدييين‪ ،‬لجماعهييم أن الدييية فييي الخطييأ مؤجلة لثلث‬
‫سنين؛‬
‫ومالك وأ بو حنيفية وجماعية متفقون على أن الديية ل تؤخيذ إل مين‬
‫البيل أو الذهيب أو الورق‪ .‬وقال أبيو يوسيف ومحميد بين الحسين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والفقهاء السييبعة المدنيون‪ :‬يوضييع على أهييل الشاة ألفييا شاة‪،‬‬


‫وعلى أهيييل البقييير مائتيييا بقرة‪ ،‬وعلى أهيييل البرود مائتيييا حلة‪،‬‬
‫وعمدتهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المتقدم‪ ،‬وما‬
‫أسنده أبو بكر بن أبي شبية عن عطاء "أن رسول الله صلى الله‬
‫علييه وسيلم وضيع الديية على الناس فيي أموالهيم ميا كانيت على‬
‫أهل البل مائة بعير‪ ،‬وعلى أهل الشاة ألفا شاة‪ ،‬وعلى أهل البقر‬
‫مائتيا بقرة‪ ،‬وعلى أهيل البرود مائتيا حلة" وميا روي عين عمير بين‬
‫عبيد العزييز أنيه كتيب إلى الجناد أن الديية كانيت على عهيد رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم مائة بعيير‪ .‬قال‪ :‬فإن كان الذي أصيابه‬
‫من العراب فديته من البل ل يكلف العرابي الذهب ول الورق‪،‬‬
‫فإن لم يجد العرابي مائة من البل فعد لها من الشاة ألف شاة‪.‬‬
‫ولن أهل العراق أيضا رووا عن عمر مثل حديث عمرو بن شعيب‬
‫عين أبييه عين جده نصيا‪ .‬وعمدة الفرييق الول أنيه لو جاز أن تقوم‬
‫بالشاة والبقير لجاز أن تقوم بالطعام على أهيل الطعام‪ ،‬وبالخييل‬
‫على أهل الخيل‪ ،‬وهذا ل يقول به أحد‪ .‬والنظر في الدية كما قلت‬
‫هو في نوعها‪ ،‬وفي مقدارها‪ ،‬وعلى من تجب‪ ،‬وفيما تجب‪ ،‬ومتى‬
‫تجيب؟‪ .‬أميا نوعهيا ومقدارهيا فقيد تكلمنيا فييه فيي الذكور الحرار‬
‫المسيلمين‪ .‬وأميا على مين تجيب؟ فل خلف بينهيم أن ديية الخطيأ‬
‫تجييب على العاقلة وأنييه حكييم مخصييوص ميين عموم قوله تعالى‬
‫{ول تزر وازرة وزر أخرى} ومن قوله عليه الصلة والسلم لبي‬
‫زمنيية لولده "ل يجنييي عليييك ول تجنييي عليييه"‪ .‬وأمييا دييية العمييد‬
‫فجمهورهم على أنها ليست على العاقلة لما روي عن ابن عباس‬
‫ول مخالف له ميين الصييحابة أنييه قال‪ :‬ل تحمييل العاقلة عمدا ول‬
‫إعترافيا ول صيلحا فيي عميد‪ ،‬وجمهورهيم على أنهيا ل تحميل مين‬
‫أصياب نفسيه خطيأ؛ وشيذ الوزاعيي فقال‪ :‬مين ذهيب يضرب العدو‬
‫فقتل نفسه فعلى عاقلته الدية‪ ،‬وكذلك عندهم في قطع العضاء‪.‬‬
‫وروي عين عمير أن رجل فقيأ عيين نفسيه خطيأ‪ ،‬فقضيى له عمير‬
‫بديتهييا على عاقلتييه‪ .‬واختلفوا فييي دييية شبييه العمييد‪ ،‬وفييي الدييية‬
‫المغلظة على قولين‪ :‬واختلفوا في دية ما جناه المجنون والصبي‬
‫على مين تجيب؟ فقال مالك وأبيو حنيفية وجماعية إنيه كله يحميل‬
‫على العاقلة؛ وقال الشافعي عمد الصبي في ماله‪.‬‬
‫وسيبب اختلفهيم تردد فعيل الصيبي بيين العاميد والمخطيئ؛ فمين‬
‫غلب عليه شبه العمد أوجب الدية في ماله؛ ومن غلب عليه شبه‬
‫الخطيأ أوجبهيا على العاقلة‪ ،‬وكذلك اختلفوا إذا اشترك فيي القتيل‬
‫عاميد وصيبي‪ ،‬والذيين أوجبوا على العاميد القصياص وعلى الصيبي‬
‫الدييية اختلفوا على ميين تكون؟ فقال الشافعييي‪ :‬على أصييله فييي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مال الصبي؛ وقال مالك‪ :‬على العاقلة؛ وأما أبو حنيفة فيرى أن ل‬
‫قصاص بينهما‪ .‬وأ ما متى تجب؟ فإنهم اتفقوا على أن دية الخطأ‬
‫مؤجلة في ثلث سنين‪ ،‬وأما دية العمد فحالة إل أن يصطلحا على‬
‫التأجيل‪ .‬وأما من هم العاقلة‪ ،‬فإن جمهور العلماء من أهل الحجاز‬
‫اتفقوا على أن العاقلة هيي بالقرابية مين قبيل الب‪ ،‬وهيم العصيبة‬
‫دون أهييل الديوان‪ ،‬وتحمييل الموالي العقييل عنييد جمهورهييم إذا‬
‫عجزت عنيه العصيبة‪ ،‬إل داود فإنيه لم يير الموالي عصيبة‪ ،‬ولييس‬
‫فيميا يجيب على واحيد واحيد منهيم حيد عنيد مالك؛ وقال الشافعيي‪:‬‬
‫على الغنيي دينار وعلى الفقيير نصيف دينار‪ ،‬وهيي عنيد الشافعيي‬
‫مرتبة على القرابة بحسب قربهم‪ ،‬فالقرب من بني أبيه‪ ،‬ثم من‬
‫بني جده‪ ،‬ثم من بني أبية؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬العاقلة هم‬
‫أهل ديوانه إن كان من أهل ديوان‪ .‬وعمدة أهل الحجاز أنه تعاقل‬
‫الناس فيي زمان رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم وفيي زمان‬
‫أبيي بكير ولم يكين هناك ديوان؛ وإنميا كان الديوان فيي زمين عمير‬
‫بين الخطاب‪ .‬واعتميد الكوفيون حدييث جيبير بين مطعيم عين النيبي‬
‫صيلى الله علييه وسيلم أنيه قال "ل حلف فيي السيلم‪ ،‬وأيميا حلف‬
‫كان فيي الجاهليية فل يزيده السيلم إل قوة"‪ .‬وبالجملة فتمسيكوا‬
‫في ذلك بنحو تمسكهم في وجوب الولء للحلفاء‪.‬‬
‫واختلفوا فيي جنايية مين ل عصيبة له ول موالي وهيم السيائبة إذا‬
‫جنوا خطأ هل يكون عليه عقل أم ل؟‪ ،‬وإن كان فعلى من يكون؟‬
‫فقال مين لم يجعيل لهيم موالي‪ :‬لييس على السيائبة عقيل‪ ،‬وكذلك‬
‫من لم يجعل العقل على الموالي‪ ،‬وهو داود وأصحابه‪ .‬وقال‪ :‬من‬
‫جعيييل ولءه لمييين أعتقيييه علييييه عقله‪ ،‬وقال‪ :‬مييين جعيييل ولءه‬
‫للمسيلمين عقله فيي بييت المال‪ ،‬ومين قال إن للسيائبة أن يوالي‬
‫مين شاء جعيل عقله لمين وله‪ ،‬وكيل هذه القاوييل قيد حكييت عين‬
‫السلف‪ .‬والديات تختلف بحسب اختلف المودى فيه‪ ،‬والمؤثر في‬
‫نقصيان الديية هيي النوثية والكفير والعبوديية‪ .‬أميا ديية المرأة فإنهيم‬
‫اتفقوا على أنهيا على النصيف مين ديية الرجيل فيي النفيس فقيط‪.‬‬
‫واختلفوا فيميا دون النفيس مين الشجاج والعضاء على ميا سييأتي‬
‫القول فييه فيي ديات الجروح والعضاء‪ .‬وأميا ديية أهيل الذمية إذا‬
‫قتلوا خطيأ‪ ،‬فإن للعلماء فيي ذلك ثلثية أقوال‪ :‬أحدهيا ديتهيم على‬
‫النصييف ميين دييية المسييلم ذكرانهييم على النصييف ميين ذكران‬
‫المسيلمين‪ ،‬ونسياؤهم على النصيف مين نسيائهم‪ ،‬وبيه قال مالك‬
‫وعمر بن عبيد العزيز‪ ،‬وعلى هذا تكون ديية جراحهم على النصيف‬
‫من دية المسلمين‪ .‬والقول الثاني أن ديتهم ثلث دية المسلم‪ ،‬وبه‬
‫قال الشافعييي‪ ،‬وهييو مروي عيين عميير بيين الخطاب وعثمان ابيين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عفان‪ ،‬وقال بييه جماعيية ميين التابعييين‪ .‬والقول الثالث‪ :‬أن ديتهييم‬
‫مثيل ديية المسيلمين‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية والثوري وجماعية‪ ،‬وهيو‬
‫مروي عيين ابين مسييعود‪ ،‬وقييد روي عيين عميير وعثمان‪ ،‬وقال بيه‬
‫جماعية مين التابعيين‪ .‬فعمدة الفرييق الول ميا روي عين عمرو بين‬
‫شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‬
‫"دية الكافر على النصف من دية المسلم" وعمدة الحنفية عموم‬
‫قوله تعالى {وإن كان مين قوم بينكيم وبينهيم ميثاق فديية مسيلمة‬
‫إلى أهله وتحريير رقبية مؤمنية} ‪.‬ومين السينة ميا رواه معمير عين‬
‫الزهري قال‪ :‬ديييية اليهودي والنصيييراني وكيييل ذميييي مثيييل ديييية‬
‫المسلم‪ .‬قال‪ :‬وكانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي حتى كان معاوية‪ ،‬فجعل في بيت‬
‫المال نصفها‪ ،‬وأعطى أهل المقتول نصفها‪ ،‬ثم قضى عمر بن عبد‬
‫العزيز بنصف الد ية ألغى الذي جعله معاو ية في بيت المال‪ ،‬قال‬
‫الزهري‪ :‬فلم يقض لي أن أذكر بذلك عمر بن عبد العزيز فأخبره‬
‫أن الدية كانت تامة لهل الذمة‪.‬‬
‫(يتبع‪)...‬‬
‫@(تابييع‪- :)1 ...‬والصييل فييي هذا الباب قوله تعالى {وميين قتييل‬
‫مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة‪... ...‬‬
‫وأميا إذا قتيل العبيد خطيأ أو عمدا على مين ل يرى القصياص فييه‪،‬‬
‫فقال قوم‪ :‬علييه قيمتيه بالغية ميا بلغيت وإن زادت على ديية الحير‪،‬‬
‫وبييه قال مالك والشافعييي وأبييو يوسييف‪ ،‬وهييو قول سييعيد ابيين‬
‫المسيب وعمر بن عبد العزيز‪ .‬وقال أبو حنيفة ومحمد‪ :‬ل يتجاوز‬
‫بقيمية العبيد الديية؛ وقالت طائفية مين فقهاء الكوفية‪ :‬فييه الديية‪،‬‬
‫ولكين ل يبلغ بيه ديية الحير ينقيص منهيا شيئا‪ .‬وعمدة الحنفيية أن‬
‫الرق حال نقيص‪ ،‬فوجيب أن ل تزييد قيمتيه على ديية الحير‪ .‬وعمدة‬
‫من أوجب فيه الدية ولكن ناقصة عن دية الحر أنه مكلف ناقص‪،‬‬
‫فوجيب أن يكون الحكيم ناقصيا عين الحير لكين واحدا بالنوع أصيله‬
‫الحد في الزنى والقذف والخمر والطلق‪ ،‬ولو قيل فيه إنها تكون‬
‫على النصييف ميين دييية الحيير لكان قول له وجييه‪ :‬أعنييي فييي دييية‬
‫الخطييأ‪ ،‬لكيين لم يقييل بييه أحييد‪ .‬وعمدة مالك أنييه مال قييد أتلف‬
‫فوجب فيه القيمة‪ ،‬أصله سائر الموال‪ .‬واختلف في الواجب في‬
‫العبد على من يجب؟ فقال أبو حنيفة‪ :‬هو على عاقلة القاتل‪ ،‬وهو‬
‫الشهر عن الشافعي؛ وقال مالك‪ :‬هو على القاتل نفسه‪ .‬وعمدة‬
‫مالك تشيبيه العبيد بالعروض‪ .‬وعمدة الشافعيي قياسيه على الحير‪.‬‬
‫ومما يدخل في هذا الباب من أنواع الخطأ دية الجنين‪ ،‬وذلك لن‬
‫سقوط الجنين عن الضرب ليس هو عمدا محضا‪ ،‬وإنما هو عمد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في أمه خطأ فيه‪ .‬والنظر في هذا الباب هو أيضا في الواجب في‬
‫ضروب الجنية وفيي صيفة الجنيين الذي يجيب فييه الواجيب‪ ،‬وعلى‬
‫مين تجيب‪ ،‬ولمين يجيب‪ ،‬وفيي شروط الوجوب‪ .‬فأميا الجنية فإنهيم‬
‫اتفقوا على أن الواجيب فيي جنيين الحرة وجنيين المية مين سييدها‬
‫هو غرة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة‬
‫وغيره "أن امرأتييين ميين هذيييل رمييت إحداهمييا الخرى فطرحييت‬
‫جنينها" فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو‬
‫وليدة" واتفقوا على أن قيمة الغرة الواجبة في ذلك عند من رأى‬
‫أن الغرة فييي ذلك محدودة بالقيميية وهييو مذهييب الجمهور هييي‬
‫نصيف عشير ديية أميه؛ إل أن مين رأى أن الديية الكاملة على أهيل‬
‫الدراهم هي عشرة آلف درهم قال‪ :‬دية الجنين خمسمائة درهم؛‬
‫ومن رأى أنها اثنا عشر ألف درهم قال‪ :‬ستمائة درهم؛‬
‫والذييين لم يحدوا فييي ذلك حدا أو لم يحدوهييا ميين جهيية القيميية‬
‫وأجازوا إخراج قيمتهييا عنهييا قالوا‪ :‬الواجييب فييي ذلك قيميية الغرة‬
‫بالغية ميا بلغيت؛ وقال داود وأهيل الظاهير‪ :‬كيل ميا وقيع علييه اسيم‬
‫غرة أجزأ‪ ،‬ول يجزئ عنده القيمية فيي ذلك فيميا أحسيب‪ .‬واختلفوا‬
‫فيي الواجيب فيي جنيين المية وفيي جنيين الكتابيية؛ فذهيب مالك‬
‫والشافعيي إلى أن جنيين المية عشير قيمية أميه ذكرا كان أو أنثيى‬
‫يوم يجنييى عليييه؛ وفرق قوم بييين الذكيير والنثييى‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إن‬
‫كان أنثى فيه عشر قيمة أمه‪ ،‬وإن كان ذكرا فعشر قيمته لو كان‬
‫حيييا‪ ،‬وبييه قال أبييو حنيفيية‪ ،‬ول خلف عندهييم أن جنييين الميية إذا‬
‫سيقط حييا أن فييه قيمتيه؛ وقال أبيو يوسيف‪ :‬فيي جنيين المية إذا‬
‫سقط ميتا من ها ما نقص من قيمة أمه‪ .‬وأما جنين الذمية‪ ،‬فقال‬
‫مالك والشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬فييه عشير ديية أميه‪ ،‬لكين أبيو حنيفية‬
‫على أصله في أن دية الذمي دية المسلم‪ ،‬والشافعي على أصله‬
‫في أن دية الذمي ثلث دية المسلم‪ ،‬ومالك على أصله في أن دية‬
‫الذمي نصف دية المسلم‪ .‬وأما صفة الجنين الذي تجب فيه فإنهم‬
‫اتفقوا على أن مين شروطيه أن يخرج الجنيين ميتيا ول تموت أميه‬
‫من الضرب‪ .‬واختلفوا إذا ماتت أمه من الضرب ثم سقط الجنين‬
‫ميتييا‪ ،‬فقال مالك والشافعييي‪ :‬ل شيييء فيييه؛ وقال أشهييب‪ :‬فيييه‬
‫الغرة‪ ،‬وبييه قال الليييث وربيعيية والزهري‪ .‬واختلفوا ميين هذا الباب‬
‫فييي فروع‪ ،‬وهييي العلميية التييي تدل على سييقوطه حيييا أو ميتييا‪.‬‬
‫فذهيب مالك وأصيحابه إلى أن علمية الحياة السيتهلل بالصيياح أو‬
‫البكاء؛ وقال الشافعيي وأبيو حنيفية والثوري وأكثير الفقهاء‪ :‬كيل ميا‬
‫علمييت بييه الحياة فييي العادة ميين حركيية أو عطاس أو تنفييس‬
‫فأحكاميه أحكام الحيي‪ ،‬وهيو الظهير‪ .‬واختلفوا مين هذا الباب فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الخلقة التي توجب الغرة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬كل ما طرحته من مضغة‬


‫أو علقية مميا يعلم أنيه ولد ففييه الغرة‪ ،‬وقال الشافعيي‪ :‬ل شييء‬
‫فيه حتيى تسيتبين الخلقية‪ .‬والجود أن يعتيبر نفخ الروح فييه‪ ،‬أعنيي‬
‫أن يكون تجب فيه الغرة إذا علم أن الحياة قد كانت وجدت فيه‪.‬‬
‫وأما على من تجب؟ فإنهم اختلفوا في ذلك؛ فقالت طائفة منهم‬
‫مالك والحسين بين حيي والحسين البصيري‪ :‬هيي فيي مال الجانيي؛‬
‫وقال آخرون‪ :‬هيي على العاقلة‪ ،‬وممين قال بذلك الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفية والثوري وجماعية‪ .‬وعمدتهيم أنهيا جنايية خطيأ فوجبيت على‬
‫العاقلة‪ .‬وما روي أيضا عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله‬
‫عليييه وسييلم جعييل فييي الجنييين غرة على العاقلة الضارب وبدأ‬
‫بزوجهيا وولدهيا"‪ .‬وأميا مالك فشبههيا بديية العميد إذا كان الضرب‬
‫عمدا‪ .‬وأميا لمين تجيب؟ فقال مالك والشافعيي وأبيو حنيفية‪ :‬هيي‬
‫لورثية الجنيين‪ ،‬وحكمهيا حكيم الديية فيي أنهيا موروثية؛ وقال ربيعية‬
‫والليييث‪ :‬هييي للم خاصيية‪ ،‬وذلك أنهييم شبهوا جنينهييا بعضييو ميين‬
‫أعضائهيا‪ ،‬ومين الواجيب الذي اختلفوا فييه فيي الجنيين ميع وجوب‬
‫الغرة وجوب الكفارة‪ ،‬فذهييييب الشافعييييي إلى أن فيييييه الكفارة‬
‫واجبية؛ وذهيب أبيو حنيفية إلى أنيه لييس فييه كفارة واسيتحسنها‬
‫مالك ولم يوجبهيا‪ .‬فأميا الشافعيي فإنيه أوجبهيا لن الكفارة عنده‬
‫واجبية فيي العميد والخطيأ‪ .‬وأميا أبيو حنيفية فإنيه غلب علييه حكيم‬
‫العميد‪ ،‬والكفارة ل تجيب عنده فيي العميد‪ .‬وأميا مالك فلميا كانيت‬
‫الكفارة ل تجييب عنده فييي العمييد وتجييب فييي الخطييأ‪ ،‬وكان هذا‬
‫مترددا عنده بين العمد والخطأ استحسن فيه الكفارة ولم يوجبها‪.‬‬
‫ومين أنواع الخطيأ المختلف فييه‪ ،‬اختلفهيم فيي تضميين الراكيب‬
‫والسيائق والقائد؛ فقال الجمهور‪ :‬هيم ضامنون لميا أصيابت الدابية‪،‬‬
‫واحتجوا في ذلك بقضاء عمر على الذي أجرى فرسه فوطئ آخر‬
‫بالعقل‪ .‬وقال أهل الظاهر‪ :‬ل ضمان على أحد في جرح العجماء‪،‬‬
‫واعتمدوا الثير الثابيت فييه عنيه صيلى الله علييه وسيلم مين حدييث‬
‫أبييي هريرة أنييه قال عليييه الصييلة والسييلم "جرح العجماء جبار‪،‬‬
‫والبئر جبار‪ ،‬والمعدن جبار‪ ،‬وفيي الركاز الخمس" فحمل الجمهور‬
‫الحدييث على أنيه لم يكين بالدابية راكيب ول سيائق ول قائد‪ ،‬لنهيم‬
‫رأوا أنه إذا أصابت الدابة أحدا وعليها راكب أو لها قائد أو سائق‪،‬‬
‫فإن الراكب لها أو السائق أو القائد هو المصيب ولكن خطأ‪.‬‬
‫واختلف الجمهور فيما أصابت الدابة برجلها‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل شيء‬
‫فيييه إن لم يفعييل صيياحب الدابيية بالدابيية شيئا يبعثهييا بييه على أن‬
‫ترمح برجلها؛ وقال الشافعي‪ :‬يضمن الراكب ما أصابت بيدها أو‬
‫برجلهيا‪ ،‬وبيه قال ابين شبرمية وابين أبيي ليلى‪ ،‬وسيويا بيين الضمان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫برجلها أو بغيير رجل ها‪ ،‬وبه قال أ بو حنيفية‪ ،‬إل أنيه اسيتثنى الرمحية‬
‫بالرجل أو بالذنب‪ ،‬وربما احتج من لم يضمن رجل الدابة بما روي‬
‫عنيه صيلى الله علييه وسيلم "الرجيل جبار" ولم يصيح هذا الحدييث‬
‫عنيد الشافعيي ورده‪ .‬وأقاوييل العلماء فيمين حفير بئرا فوقيع فييه‬
‫إنسان متقاربة؛ قال مالك‪ :‬إن حفر في موضع جرت العادة الحفر‬
‫فيي مثله لم يضمين وإن تعدى فيي الحفير ضمين؛ وقال اللييث‪ :‬إن‬
‫حفير فيي أرض يملكهيا لم يضمين وإن حفير فيميا ل يملك ضمين‪،‬‬
‫فمين ضمين عنده فهيو مين نوع الخطيأ‪ .‬وكذلك اختلفوا فيي الدابية‬
‫الموقوفية‪ ،‬فقال بعضهيم‪ :‬إن أوقفهيا بحييث يجيب له أن يوقفهيا لم‬
‫يضمن‪ ،‬وإن لم يفعل ضمن‪ ،‬وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫يضمن على كل حال‪ ،‬وليس يبرئه أن يربطها بموضع يجوز له أن‬
‫يربطهيا فييه‪ ،‬كميا ل ييبرئه ركوبهيا مين ضمان ميا أصيابته وإن كان‬
‫الركوب مباحييا‪ .‬واختلفوا فييي الفارسييين يصييطدمان فيموت كييل‬
‫واحد منهما؛ فقال مالك وأبو حنيفة وجماعة‪ :‬على كل واحد منهما‬
‫دية الخر وذلك على العاقلة؛ وقال الشافعي وعثمان البتي‪ :‬على‬
‫كيل واحيد منهميا نصيف ديية صياحبه‪ ،‬لن كيل واحيد منهميا مات مين‬
‫فعييل نفسييه وفعييل صيياحبه‪ .‬وأجمعوا على أن الطييبيب إذا أخطييأ‬
‫لزمتيه الديية‪ ،‬مثيل أن يقطيع الحشفية فيي الختان‪ ،‬وميا أشبيه ذلك‪،‬‬
‫لنيه فيي معنيى الجانيي خطيأ؛ وعين مالك روايية‪ :‬أنيه لييس علييه‬
‫شييء‪ ،‬وذلك عنده إذا كان مين أهيل الطيب‪ ،‬ول خلف أنيه إذا لم‬
‫يكين مين أهيل الطيب أنيه يضمين لنيه متعيد‪ ،‬وقيد ورد فيي ذلك ميع‬
‫الجماع حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم قال "مين تطبيب ولم يعلم منيه قبيل ذلك‬
‫الطب فهو ضامن" والدية فيما أخطأه الطبيب عند الجمهور على‬
‫العاقلة‪ ،‬ومن أهل العلم من جعله في مال الطبيب‪ ،‬ول خلف أنه‬
‫إذا لم يكن من أهل الطب أنها في ماله على ظاهر حديث عمرو‬
‫بن شعيب‪.‬‬
‫ول خلف بينهيم أن الكفارة التيي نيص الله عليهيا فيي قتيل الحير‬
‫خطيأ واجبية‪ .‬واختلفوا فيي قتيل العميد هيل فييه كفارة؟ وفيي قتيل‬
‫العبيد خطيأ‪ ،‬فأوجبهيا مالك فيي قتيل الحير فقيط فيي الخطيأ دون‬
‫العميد وأوجبهيا الشافعيي فيي العميد مين طرييق الولى والحرى؛‬
‫وعنيد مالك أن العميد فيي هذا حكميه حكيم الخطيأ‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫تغليييظ الدييية فييي الشهيير الحرام وفييي البلد الحرام؛ فقال مالك‬
‫وأبيو حنيفية وابين أبيي ليلى‪ :‬ل تغلظ الديية فيهميا؛ وقال الشافعيي‪:‬‬
‫تغلظ فيهما في النفس وفي الجراح‪ .‬وروي عن القاسم بن محمد‬
‫وابن شهاب وغيرهم أنه يزاد فيها مثل ثلثها‪ ،‬وروي ذلك عن عمر‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وكذلك عين الشافعيي مين قتيل ذا رحيم محرم‪ .‬وعمدة مالك وأبيي‬
‫حنيفية عموم الظاهير فيي توقييت الديات‪ ،‬فمين ادعيى فيي ذلك‬
‫تخصيييصا فعليييه الدليييل مييع أنهييم قييد أجمعوا على أنييه ل تغلظ‬
‫الكفارة فيمين قتيل فيهميا‪ .‬وعمدة الشافعيي أن ذلك مروي عين‬
‫عمير وعثمان وابين عباس‪ ،‬وإذا روي عين الصيحابة شييء مخالف‬
‫للقياس وجييب حمله على التوقيييف‪ ،‬ووجييه مخالفتييه للقياس أن‬
‫التغلييظ فيميا وقيع خطيأ بعييد عين أصيوال الشرع‪ ،‬وللفرييق الثانيي‬
‫أن يقول إنيه قيد ينقدح فيي ذلك قياس لميا ثبيت فيي الشرع مين‬
‫تعظيم الحرم واختصاصه بضمان الصيود فيه‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الديات فيما دون النفس‪.‬‬
‫@‪-‬والشياء التيي تجيب فيهيا الديية فيميا دون النفيس هيي شجاج‬
‫وأعضاء‪ ،‬فلنبدأ بالقول فييي الشجاج‪ ،‬والنظيير فييي هذا الباب فييي‬
‫محيل الوجوب وشرطيه وقدره الواجيب‪ ،‬وعلى مين تجيب؟ ومتيى‬
‫تجيب؟ ولمين تجيب؟ فأميا محيل الوجوب فهيي الشجاج أو قطيع‬
‫العضاء‪ ،‬والشجاج عشرة فيي اللغية والفقيه‪ :‬أولهيا الداميية وهيي‬
‫التي تدمي الجلد‪ ،‬ثم الخارصة وهي التي تشق الجلد‪ ،‬ثم الباضعة‬
‫وهي التي تبضع اللحم‪ :‬أي تشقه‪ ،‬ثم المتلحمة وهي التي أخذت‬
‫فيي اللحيم‪ ،‬ثيم السيمحاق وهيي التيي تبلغ السيمحاق وهيو الغشاء‬
‫الرقيق بين اللحم والعظم ويقال لها‪ :‬الملطاء بالمد والقصر‪ ،‬ثم‬
‫الموضحة وهي التي توضح العظم‪ :‬أي تكشفه‪ ،‬ثم الهاشمة وهي‬
‫التيي تهشيم العظيم‪ ،‬ثيم المنقلة وهيي التيي يطيير العظيم منهيا‪ ،‬ثيم‬
‫المأمومة وهي التي تصل أم الدماغ‪ ،‬ثم الجائفة وهي التي تصل‬
‫إلى الجوف‪ ،‬وأسيماء هذه الشجاج مختصية بميا وقيع بالوجيه منهيا‬
‫والرأس دون سييائر البدن‪ ،‬واسييم الجرح يختييص بمييا وقييع فييي‬
‫البدن‪ ،‬فهذه أسييماء هذه الشجاج‪ .‬فأمييا أحكامهييا أعنييي الواجييب‬
‫فيهيا‪ ،‬فاتفيق العلماء على أن العقيل واقيع فيي عميد الموضحية وميا‬
‫دون الموضحية خطيأ‪ .‬واتفقوا على أنيه لييس فيميا دون الموضحية‬
‫خطأ عقل‪ ،‬وإنما فيها حكومة‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬أجرة الطبيب‪ ،‬إل ما‬
‫روي عيين عميير وعثمان أنهمييا قضيييا فييي السييمحاق بنصييف دييية‬
‫الموضحية‪ ،‬وروي عين علي أنيه قضيى فيهيا بأربيع مين البيل‪ ،‬وروي‬
‫عن زيد بن ثابت أنه قال‪ :‬في الدامية بعير‪ ،‬وفي الباضعة بعيران‪،‬‬
‫وفيي المتلحمية ثل ثة أبعرة‪ ،‬وفيي السيمحاق أربعية‪ ،‬والجمهور من‬
‫فقهاء المصيييار على ميييا ذكرنيييا؛ وذلك أن الصيييل فيييي الجراح‬
‫الحكوميية إل مييا وقتييت فيييه السيينة حدا؛ ومالك يعتييبر فييي إلزام‬
‫الحكومة فيما دون الموضحة أن تبرأ على شين‪ ،‬والغير من فقهاء‬
‫المصار يلزم فيها الحكومة برئت على شين أو لم تبرأ فهذه هي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أحكام ميا دون الموضحية‪ .‬فأميا الموضحية فجمييع الفقهاء على أن‬
‫فيهيا إذا كانيت خطيأ خمسيا مين البيل‪ ،‬وثبيت ذلك عين رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم فيي كتابيه لعمرو بين حزم‪ ،‬ومين حدييث‬
‫عمرو بيين شعيييب عيين أبيييه عيين جده أن النييبي صييلى الله عليييه‬
‫وسييلم قال "فييي الموضحيية خمييس" يعنييي ميين البييل‪ .‬واختلف‬
‫العلماء في موضع الموضحة من الجسد بعد اتفاقهم على ما قلنا‪،‬‬
‫أعنيي على وجوب القصياص فيي العميد ووجوب الديية فيي الخطيأ‬
‫منهيا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل تكون الموضحية إل فيي جهية الرأس والجبهية‬
‫والخديين واللحيى العلى‪ ،‬ول تكون فيي اللحيى السيفل لنيه فيي‬
‫حكيم العنيق ول فيي النيف؛ وأميا الشافعيي وأبيو حنيفية فالموضحية‬
‫عندهما في جميع الوجه والرأس؛ والجمهور على أنها ل تكون في‬
‫الجسيد وقال اللييث وطائفية‪ :‬تكون فيي الجنيب؛ وقال الوزاعيي‪:‬‬
‫إذا كانيت فيي الجسيد كانيت مين دينهيا فيي الوجيه والرأس‪ .‬وروي‬
‫عين عمير أنيه قال‪ :‬فييي موضحية الجسيد نصيف عشير ديية ذلك‬
‫العضيو‪ .‬وغلظ بعيض العلماء فيي موضحية الوجيه تيبرأ على شيين‪،‬‬
‫فرأى فيهيا مثيل نصيف عقلهيا زائدا على عقلهيا‪ ،‬وروى ذلك مالك‬
‫عين سيليمان بين يسيار‪ ،‬واضطرب قول مالك فيي ذلك‪ ،‬فمرة قال‬
‫بقول سييليمان بيين يسييار‪ ،‬ومرة قال‪ :‬ل يزاد فيهييا على عقلهييا‬
‫شييء‪ ،‬وبيه قال الجمهور؛ وقيد قييل عين مالك إنيه قال‪ :‬إذا شانيت‬
‫الوجيه كان فيهيا حكومية مين غيير توقييف‪ ،‬ومعنيى الحكومية عنيد‬
‫مالك ميا نقيص مين قيمتيه أن لو كان عمدا‪ .‬وأميا الهاشمية ففيهيا‬
‫عنييد الجمهور عشيير الدييية‪ ،‬وروي ذلك عيين زيييد بيين ثابييت‪ ،‬ول‬
‫مخالف له من الصحابة ؛وقال بعض العلماء‪ :‬الهاشمة هي المنقلة‬
‫وشيذ‪ .‬وأميا المنقلة فل خلف أن فيهيا عشير الديية ونصيف العشير‬
‫إذا كانييت خطييأ‪ ،‬فأمييا إذا كانييت عمدا‪ ،‬فجمهور العلماء على أن‬
‫ليس فيها قود لمكان الخوف‪ .‬وحكي عن ابن الزبير أنه أقاد منها‬
‫ومن المأمومة‪ .‬وأ ما الهاشمة فيي العمد‪ .‬فروى ابن القاسم عن‬
‫مالك أنيه لييس فيهيا قود‪ .‬ومين أجاز القود مين المنقلة كان أحرى‬
‫أن يجييز ذلك مين الهاشمية‪ .‬وأميا المأمومية فل خلف أنيه ل يقاد‬
‫منها وأن فيها ثلث الدية إل ما حكي عن ابن الزبير‪ .‬وأما الجائفة‬
‫فاتفقوا على أنهييا مين جراح الجسييد ل مين جراح الرأس وأنهيا ل‬
‫يقاد منهيا وأن فيهيا ثلث الديية وأنهيا جائفية متيى وقعيت فيي الظهير‬
‫والبطيين‪ .‬واختلفوا إذا وقعييت فييي غييير ذلك ميين العضاء فنفذت‬
‫إلى تجويفيه‪ ،‬فحكيى مالك عين سيعيد بين المسييب أن فيي كيل‬
‫جراحة نافذة إلى تجويف عضو من العضاء ‪ -‬أي عضو كان ‪ -‬ثلث‬
‫دية ذلك العضو‪ .‬وحكى ابن شهاب أنه كان ل يرى ذلك وهو الذي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختاره مالك لن القياس عنده فيي هذا ل يسيوغ؛ وإنميا سينده فيي‬
‫ذلك الجتهاد ميين غييير توقيييف وأمييا سييعيد فإنييه قاس ذلك على‬
‫الجائفية على نحيو ميا روي عين عمير فيي موضحية الجسيد‪ .‬وأميا‬
‫الجراحات التيي تقيع فيي سيائر الجسيد فلييس فيي الخطيأ منهيا إل‬
‫الحكومة‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في ديات العضاء‪.‬‬
‫@‪-‬والصل فيما فيه من العضاء إذا قطع خطأ مال محدود‪ ،‬وهو‬
‫الذي يسييمى دييية‪ ،‬وكذلك ميين الجراحات والنفوس حديييث عمرو‬
‫بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لعمرو بن حزم في العقول "إن في النفس مائة من‬
‫البييل‪ ،‬وفييي النييف إذا اسييتوعب جدعييا مائة ميين البييل‪ ،‬وفييي‬
‫المأمومية ثلث الديية‪ ،‬وفيي الجائفية مثلهيا وفيي العيين خمسيون‪،‬‬
‫وفيي الييد خمسيون‪ ،‬وفيي الرجيل خمسيون‪ ،‬وفيي كيل أصيبع مميا‬
‫هناك عشير مين البيل‪ ،‬وفيي السين والموضحية خميس" وكيل هذا‬
‫مجمييع عليييه إل السيين والبهام‪ ،‬فإنهييم اختلفوا فيهييا على مييا‬
‫سينذكره‪ ،‬ومنهيا ميا اتفقوا علييه مميا لم يذكير ههنيا قياسيا على ميا‬
‫نذكييير فنقول‪ :‬إن العلماء أجمعوا على أن فيييي الشفتيييين الديييية‬
‫كاملة‪ ،‬والجمهور على أن فييي كييل واحدة منهمييا نصييف الدييية؛‬
‫وروي عيين قوم ميين التابعييين أن فييي السييفلى ثلثييي الدييية لنهييا‬
‫تحبييس الطعام والشراب‪ ،‬وبالجملة فإن حركتهييا والمنفعيية بهييا‬
‫أعظم من حركة الشفة العليا‪ ،‬وهو مذهب زيد بن ثابت‪ .‬وبالجملة‬
‫فجماعية العلماء وأئمية الفتوي متفقون على أن فيي كيل زوج مين‬
‫النسان الدية ما خل الحاجبين وثديي الرجل‪ .‬واختلفوا في الذنين‬
‫متييى تكون فيهمييا الدييية؟ فقال الشافعييي وأبييو حنيفيية والثوري‬
‫واللييييث‪ :‬إذا اصيييطلمتا كان فيهميييا الديييية‪ ،‬ولم يشترطوا إذهاب‬
‫السييمع‪ ،‬بييل جعلوا فييي ذهاب السييمع الدييية مفردة‪ .‬وأمييا مالك‬
‫فالمشهور عنده أنيييه ل تجيييب فيييي الذنيييين الديييية إل إذا ذهيييب‬
‫سيمعهما‪ ،‬فإن لم يذهيب ففييه حكومية‪ .‬وروي عين أبيي بكير أنيه‬
‫قضى في الذنين بخمس عشرة من البل وقال‪ :‬إنهما ل يضران‬
‫السمع ويسترهما الشعر أو العمامة‪ .‬وروي عن عمر وعلي وزيد‬
‫أنهم قضوا في الذن إذا اصطلمت نصف الدية‪ .‬وأما الجمهور من‬
‫العلماء فل خلف عندهيييم أن فيييي ذهاب السيييمع الديييية‪ .‬وأميييا‬
‫الحاجبان ففيهميا عنيد مالك والشافعيي حكومية؛ وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫فيهميا الديية‪ ،‬وكذلك فيي أشفار العيين؛ ولييس عنيد مالك فيي ذلك‬
‫إل حكومة‪ .‬وعمدة الحنفية ما روي عن ابن مسعود أنه قال‪ :‬في‬
‫كيل اثنيين مين النسيان الديية وتشبيههميا بميا أجمعوا علييه مين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العضاء المثناة‪ .‬وعمدة مالك أنيييه ل مجال فييييه للقياس وإنميييا‬


‫طريقيه التوقييف‪ ،‬فميا لم يثبيت مين قبيل السيماع فييه ديية فالصيل‬
‫أن فيه حكومة‪ ،‬وأيضا فإن الحواجب ليست أعضاء لها منفعة ول‬
‫فعيل بيين‪ ،‬أعنيي ضرورييا فيي الخلقية‪ .‬وأميا الجفان فقييل فيي كيل‬
‫جفين منهيا ربيع الديية‪ ،‬وبيه قال الشافعيي والكوفيي‪ ،‬لنيه ل بقاء‬
‫للعيين دون الجفان‪ ،‬وفيي الجفنيين السيفلين عنيد غيرهميا الثلث‬
‫وفيي العلييين الثلثان‪ .‬وأجمعوا على أن مين أصييب مين أطرافيه‬
‫أكثير مين ديتيه أن له ذلك‪ ،‬مثيل أن تصياب عيناه وأنفيه فله ديتان‪.‬‬
‫وأميا النثيان فأجمعوا أيضيا على أن فيهميا الديية‪ ،‬وقال جميعهيم‪:‬‬
‫إن فيي كيل واحدة منهميا نصيف الديية‪ ،‬إل ميا روي عين سيعيد بين‬
‫المسييب أنيه قال‪ :‬فيي البيضية اليسيرى ثلثيا الديية لن الولد يكون‬
‫منها وفي اليمنى ثلث الدية‪،‬‬
‫فهذه مسييائل العضاء المزدوجيية‪ .‬وأمييا المفردة فإن جمهورهييم‬
‫على أن في اللسان خطأ الدية‪ ،‬وذلك مروي عن النبي صلى الله‬
‫علييه وسيلم‪ ،‬وذلك إذا قطيع كله أو قطيع منيه ميا يمنيع الكلم‪ ،‬فإن‬
‫لم يقطع منه ما منع الكلم ففيه حكو مة‪ .‬واختلفوا في القصاص‬
‫فيه عمدا؛ فمنهم من لم ير فيه قصاصا وأوجب الدية‪ ،‬وهم مالك‬
‫والشافعيي والكوفيي‪ ،‬لكين الشافعيي يرى الديية فيي مال الجانيي‪،‬‬
‫والكوفييي ومالك على العاقلة؛ وقال الليييث وغيره‪ :‬فييي اللسييان‬
‫عمدا القصيياص‪ .‬وأمييا النييف فأجمعوا على أنييه إذا أوعييب جدعييا‬
‫على أن فييه الديية على ميا فيي الحدييث وسيواء عنيد مالك ذهيب‬
‫الشيم أو لم يذهيب‪ ،‬وعنده أنه إذا ذهيب أحدهما ففيه الدية‪ ،‬وفيي‬
‫ذهاب أحدهمييا بعييد الخيير الدييية الكاملة‪ .‬وأجمعوا على أن فييي‬
‫الذكير الصيحيح الذي يكون بيه الوطيء الديية كاملة‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫ذكير العنيين والخصيي‪ ،‬كميا اختلفوا فيي لسيان الخرس وفيي الييد‬
‫الشلء؛ فمنهم من جعل فيها الدية؛ ومنهم من جعل فيها حكومة؛‬
‫ومنهم من قال‪ :‬في ذكر الخصي والعنين ثلث الدية؛ والذي عليه‬
‫الجمهور أن فيه حكومة‪ .‬وأقل ما تجب فيه الدية عند مالك قطع‬
‫الحشفية؛ ثيم فيي باقيي الذكير حكومية وأميا عيين العور فللعلماء‬
‫فيه قولن أحدهما أن فيه الدية كاملة‪ ،‬وإليه ذهب مالك وجماعة‬
‫من أهل المدينة‪ ،‬وبه قال الليث‪ ،‬وقضى به عمر بن عبد العزيز‬
‫وهيو قول ابين عمير؛ وقال الشافعيي وأبيو حنيفية والثوري‪ :‬فيهيا‬
‫نصيف الديية كميا فيي عيين الصيحيح وهيو مروي عين جماعية مين‬
‫التابعييين‪ .‬وعمدة الفريييق الول أن العييين الواحدة للعور بمنزلة‬
‫العينيين جميعيا لغيير العور‪ .‬وعمدة الفرييق الثانيي حدييث عمرو‬
‫ابين حزم‪ :‬أعنيي عموم قوله "وفيي العيين نصيف الديية‪ ،‬وقياسيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أيضيا على إجماعهيم أنيه لييس على مين قطيع ييد مين له ييد واحدة‬
‫إل نصييف الدييية‪ .‬فسييبب اختلفهييم فييي هذا معارضيية العموم‬
‫للقياس‪ ،‬ومعارضة القياس للقياس‬
‫ومن أحسن ما قيل فيمن ضرب عين رجل فأذهب بعض بصرها‬
‫ميا روي مين ذلك عين علي رضيي الله عنيه أنيه أمير بالذي أصييب‬
‫بصره بأن عصبت عينه الصحيحة‪ ،‬وأعطى رجل بيضة فانطلق بها‬
‫وهيو ينظير إليهيا حتيى لم يبصيرها‪ ،‬فخيط عنيد أول ذلك خطيا فيي‬
‫الرض ثم أمر بعينه المصابة فعصبت وفتحت الصحيحة‪ ،‬وأعطى‬
‫رجل البيضية بعينهيا فانطلق بهيا وهيو ينظير إليهيا حتيى خفييت عنيه‪،‬‬
‫فخيط أيضيا عنيد أول ميا خفييت عنيه فيي الرض خطيا‪ ،‬ثيم علم ميا‬
‫بييين الخطييين ميين المسييافة‪ ،‬وعلم مقدار ذلك ميين منتهييى رؤييية‬
‫العيين الصيحيحة‪ ،‬فأعطاه قدر ذلك مين الديية‪ .‬ويختيبر صيدقه فيي‬
‫مسيافة إدراك العيين العليلة والصيحيحة بأن يختيبر ذلك منيه مرارا‬
‫شتى في مواضع مختلفة‪ ،‬فإن خرجت مسافة تلك المواضع التي‬
‫ذكر واحدة علمنا أنه صادق‪.‬‬
‫واختلف العلماء في الجناية على العين القائمة الشكل التي ذهب‬
‫بصرها؛ فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة‪ :‬فيها حكومة؛ وقال زيد‬
‫بين ثابيت‪ :‬فيهيا عشير الديية مائة دينار؛ وحميل ذلك الشافعيي على‬
‫أنه كان ذلك من زيد تقويما ل تقويتا‪ .‬وروي عن عمر بن الخطاب‬
‫وعبيد الله بين عباس أنهميا قضييا فيي العيين القائمية الشكيل والييد‬
‫الشلء والسين السيوداء فيي كيل واحدة منهميا ثلث الديية‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬تتم ديية السين باسودادها ثم فيي قلع ها بعد اسودادها ديية‪.‬‬
‫واختلف العلماء فيييي العور يفقيييأ عيييين الصيييحيح عمدا؛ فقال‬
‫الجمهور‪ :‬فله القود‪ ،‬وإن عفيا فله الديية‪ ،‬وقال قوم‪ :‬كاملة؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬ن صفها‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وابين القاسيم‪ ،‬وبكل القوليين قال‬
‫مالك‪ ،‬وبالدييية كاملة قال المغيرة ميين أصييحابه وابيين دينار‪ .‬وقال‬
‫الكوفيون‪ :‬ليييييس للصييييحيح الذي فقئت عينييييه إل القود أو مييييا‬
‫اصيطلحوا علييه‪ .‬وعمدة مين رأى جمييع الديية علييه إذا عفيا عين‬
‫القود أنه يجب عليه دية ما ترك له وهي العين العوراء‪ ،‬وهي دية‬
‫كاملة عنيد كثيير مين أهيل العلم‪ .‬ومذهيب عمير وعثمان وابين عمير‬
‫أن عين العور إذا فقئت وجب فيها ألف دينار‪ ،‬لنها في حقه في‬
‫معنى العينين كليتهما إل العين الواحدة‪ ،‬فإذا تركها له وجبت عليه‬
‫ديتهييا‪ .‬وعمدة أولئك البقاء على الصييل؛ أعنييي أن فييي العييين‬
‫الواحدة نصيف الديية‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية أن العميد لييس فييه ديية‬
‫محدودة‪ ،‬وهذه المسألة قد ذكرت في باب القود في الجراح‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال جمهور العلماء وأئمية الفتوى‪ :‬مالك وأبيو حنيفية والشافعيي‬


‫والثوري وغيرهيم‪ :‬إن فيي كيل أصيبع عشرا مين البيل وإن الصيابع‬
‫في ذلك سواء وإن في كل أنملة ثلث العشر إل ماله من الصابع‬
‫أنملتان كالبهام؛ ففي أنملته خمس من البل‪ ،‬وعمدتهم في ذلك‬
‫ميا جاء فيي حدييث عمرو بين حزم أن رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم‪" :‬قال وفيي كيل أصيبع مميا هنالك عشير مين البيل" وخرج‬
‫عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده "أن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم قضى في الصابع بعشر العشر" وهو قول علي وابن‬
‫مسعود وابن عباس وهي عندهم على أهل الورق بحسب ما يرى‬
‫واحد واحد منهم في الدية من الورق‪ ،‬فهي عند من يرى أنها اثنا‬
‫عشر ألف درهم عشرها‪ ،‬وعند من يرى أنها عشرة آلف عشرها‪.‬‬
‫وروي عين السيلف المتقدم اختلف فيي عقيل الصيابع‪ ،‬فروي عين‬
‫عمير بين الخطاب أنيه قضيى فيي البهام والتيي تليهيا بعقيل نصيف‬
‫الدية‪ ،‬وفي الوسطى بعشر فرائض‪ ،‬وفي التي تليها بتسع‪ ،‬وفي‬
‫الخنصر بست‪ .‬وروي عن مجاهد أنه قال في البهام خمسة عشر‬
‫من البل‪ ،‬وفي التي تليها عشر‪ ،‬وفي الوسطى عشر‪ ،‬وفي التي‬
‫تليهيا ثمان‪ ،‬وفيي الخنصير سيبع وأميا الترقوة والضلع‪ ،‬ففيهميا عنيد‬
‫جمهور فقهاء المصييار حكوميية‪ ،‬وروي عيين بعييض السييلف فيهييا‬
‫توقيت‪ .‬وروي عن مالك أن عمر بن الخطاب قضى في الضرس‬
‫بجميل‪ ،‬والضلع بجميل‪ ،‬وفيي الترقوة بجميل‪ .‬وقال سيعيد بين جيبير‬
‫فيييييي الترقوة بعيران‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أربعييييية أبعرة‪ .‬وعمدة فقهاء‬
‫المصيار أن ميا لم يثبيت فييه عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم‬
‫توقيت فليس فيه إل حكومة‪ .‬وجمهور فقهاء المصار على أن في‬
‫كيل سين مين أسينان الفيم خمسيا مين البيل‪ ،‬وبيه قال ابين عباس‪.‬‬
‫وروى مالك عن عمر أنه قضى في الضرس بجمل وذلك فيما لم‬
‫يكن منها في مقدم الفم‪ .‬وأما التي في مقدم الفم فل خلف أن‬
‫فيهيا خمسيا مين البيل‪ .‬وقال سيعيد بين المسييب‪ :‬فيي الضراس‬
‫بعيران‪ .‬وروي عيين عبييد الملك بيين مروان أن مروان بيين الحكييم‬
‫اعترض فييي ذلك على ابيين عباس فقال‪ :‬أتجعييل مقدم السيينان‬
‫مثييل الضراس؟ فقال ابيين عباس‪ :‬لو لم يعتييبر ذلك إل بالصييابع‬
‫عقلها سواء‪،‬‬
‫وعمدة الجمهور فيي مثيل ذلك ميا ثبيت عين النيبي علييه الصيلة‬
‫والسيلم أنيه قال "فيي السين خميس" وذلك مين حدييث عمرو بين‬
‫شعييب عين أبييه عين جده‪ ،‬واسيم السين ينطلق على التيي فيي‬
‫مقدم الفيم ومؤخره‪ ،‬وتشبيههيا أيضيا بالصيابع التيي اسيتوت ديتهيا‬
‫وإن اختلفيت منافعهيا‪ .‬وعمدة مين خالف بينهميا أن الشرع يوجيد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فييه تفاضيل الديات لتفاضيل العضاء ميع أنيه يشبيه أن يكون مين‬
‫صار إلى ذلك من الصدر الول إنما صار إليه عن توقيف‪ ،‬وجميع‬
‫هذه العضاء التيي تثبيت الديية فيهيا خطيأ فيهيا القود فيي قطيع ميا‬
‫قطع وقلع ما قلع‪.‬‬
‫واختلفوا في كسر ما كسر منها مثل الساق والذراع هل فيه قود‬
‫أم ل؟ فذهب مالك وأصحابه إلى أن القود في كسر جميع العظام‬
‫إل الفخيذ والصيلب‪ ،‬وقال الشافعيي واللييث‪ :‬ل قصياص فيي عظيم‬
‫من العظام يكسر‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة إل أنه استثنى السن‪ .‬وروي‬
‫عن ابن عباس أنه ل قصاص في عظم‪ ،‬وكذلك عن عمر‪ .‬قال أبو‬
‫عمير بين عبيد البر‪ :‬ثبيت أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم أقاد فيي‬
‫السن المكسورة من حديث أنس قال‪ :‬وقد روي من حديث آخر‬
‫أن النيبي علييه الصيلة والسيلم لم يقدر مين العظيم المقطوع فيي‬
‫غيير المفصيل إل أ نه لييس بالقوي‪ .‬وروي عن مالك أن أ با بكر بن‬
‫محميد بين عمرو بين حزم أقاد مين كسير الفخيذ‪ .‬واتفقوا على أن‬
‫دييية المرأة نصييف دييية الرجييل فييي النفييس‪ .‬واختلفوا فييي ديات‬
‫الشجاج وأعضائهييا؛ فقال جمهور فقهاء المدينيية‪ :‬تسيياوي المرأة‬
‫الرجيل فيي عقلهيا مين الشجاج والعضاء إلى أن تبلغ ثلث الديية‪،‬‬
‫فإذا بلغيت ثلث الديية عادت ديتهيا إلى النصيف مين ديية الرجيل‪،‬‬
‫أعنيي ديية أعضائهيا مين أعضائه‪ ،‬مثال ذلك أن فيي كيل أصيبع مين‬
‫أصيابعها عشرا مين البيل‪ ،‬وفيي اثنيين منهيا عشرون‪ ،‬وفيي ثلثية‬
‫ثلثون‪ ،‬وفيي أربعية عشرون‪ ،‬وبيه قال مالك وأصيحابه واللييث بين‬
‫سيعد‪ ،‬ورواه مالك عين سيعيد بين المسييب وعين عروة بين الزبيير‪،‬‬
‫وهييو قول زيييد بيين ثابييت ومذهييب عميير بيين عبييد العزيييز؛ وقالت‬
‫طائفيية‪ :‬بييل دييية جراحيية المرأة مثييل دييية جراحيية الرجييل إلى‬
‫الموضحة‪ ،‬ثم تكون ديتها على النصف من دية الرجل وهو الشهر‬
‫مين قولي ابين مسيعود‪ ،‬وهيو مروي عين عثمان‪ ،‬وبيه قال شرييح‬
‫وجماعية؛ وقال قوم‪ :‬بيل ديية المرأة فيي جراحهيا وأطرافهيا على‬
‫النصييف ميين دييية الرجييل فييي قليييل ذلك وكثيره‪ ،‬وهييو قول علي‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬وروي ذلك عن ابن مسعود‪ ،‬إل أن الشهر عنه ما‬
‫ذكرناه أول‪ ،‬وبهذا القول قال أبيييو حنيفييية والشافعيييي والثوري‪.‬‬
‫وعمدة قائل هذا القول أن الصييل هييو أن دييية المرأة نصييف دييية‬
‫الرجيل فواجيب التمسيك بهذا الصيل حتيى يأتيي دلييل مين السيماع‬
‫الثابييييت‪ ،‬إذ القياس فييييي الديات ل يجوز وبخاصيييية لكون القول‬
‫بالفرق بييين القليييل والكثييير مخالفييا للقياس ولذلك قال ربيعيية‬
‫لسعيد ما يأتي ذكره عنه‪ ،‬ول اعتماد للطائفة الولى إل مراسيل‪،‬‬
‫وميا روي عين سيعيد بين المسييب حيين سيأله ربيعية بين أبيي عبيد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الرحمن كم في أربع من أصابعها؟ قال عشرون‪ ،‬قلت حين عظم‬


‫جرحهيا واشتدت بليتهيا نقيص عقلهيا‪ ،‬قال‪ :‬أعراقيي أنيت؟ قلت بيل‬
‫عالم متثبت أو جاهل متعلم‪ ،‬قال‪ :‬هي السنة‪.‬‬
‫وروي أيضا عن النبي عليه الصلة والسلم من مرسل عمرو ابن‬
‫شعيييب عيين أبيييه وعكرميية‪ .‬وقييد رأى قوم أن قول الصييحابي إذا‬
‫خالف القياس وجب العمل به‪ ،‬لنه يعلم أنه لم يترك القول به إل‬
‫عين توقييف‪ ،‬لكن فيي هذا ضعف إذ كان يمكين أن يترك القول بيه‬
‫إميا لنيه ل يرى القياس‪ ،‬وإميا لنيه عارضيه فيي ذلك قياس ثان أو‬
‫قلد فيي ذلك غيره‪ .‬فهذه حال ديات جراح الحرار والجنايات على‬
‫أعضائهيا الذكور منهيا والناث‪ .‬وأميا جراح العبييد وقطيع أعضائهيم‪،‬‬
‫فإن العلماء اختلفوا فيهييا على قولييين‪ :‬فمنهييم ميين رأى أن فييي‬
‫جراحهم وقطع أعضائهم ما نقص من ثمن العبد؛ ومنهم من رأى‬
‫أن الواجب في ذلك من قيمته قدر ما في ذلك الجراح من ديته‪،‬‬
‫فيكون فيي موضحته نصف عشر قيمته‪ ،‬وفيي عينه نصف قيمته‪،‬‬
‫وبه قال أبو حنيفة والشافعي‪ ،‬وهو قول عمر وعلي؛ وقال مالك‪:‬‬
‫يعتييبر فييي ذلك كله مييا نقييص ميين ثمنييه إل موضحتييه ومنقلتييه‬
‫ومأمومته‪ ،‬ففيها من ثمنه قدر ما فيها في الحر من ديته‪ .‬وعمدة‬
‫الفريييق الول تشييبيهه بالعروض‪ .‬وعمدة الفريييق الثانييي تشييبيهه‬
‫بالحر إذ هو مسلم ومكلف ول خلف بينهم أن دية الخطأ من هذه‬
‫إذا جاوزت الثلث على العاقلة‪ .‬واختلف فيميييييييا دون ذلك‪ ،‬فقال‬
‫مالك وفقهاء المدينيية السييبعة وجماعيية‪ :‬إن العاقلة ل تحمييل مين‬
‫ذلك إل الثلث فميا زاد؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬تحميل مين ذلك العشير‬
‫فما فوقه من الدية الكاملة؛ وقال الثوري وابن شبرمة‪ :‬الموضحة‬
‫فما زاد على العاقلة وقال الشافعي وعثمان البتي‪ :‬تحمل العاقلة‬
‫القليل والكثير من دية الخطأ‪ .‬وعمدة الشافعي هي أن الصل هو‬
‫أن العاقلة هي التي تحمل دية الخطأ فمن خصص من ذلك شيئا‬
‫فعليييه الدليييل‪ ،‬ول عمدة للفريييق المتقدم إل أن ذلك معمول بييه‬
‫ومشهور‪ ،‬وهنا انقضى هذا الكتاب والحمد لله حق حمده‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القسامة‪.‬‬
‫@‪-‬اختلف العلماء فيي القسيامة فيي أربعية مواضيع تجري مجرى‬
‫الصييول لفروع هذا الباب‪ :‬المسييألة الولى‪ :‬هييل يجييب الحكييم‬
‫بالقسيامة أم ل؟‪ .‬الثانيية؛ إذا قلنيا بوجوبهيا هيل يجيب بهيا الدم أو‬
‫الفديية أو دفيع مجرد الدعوى‪ .‬المسيألة الثالثية‪ :‬هيل يبدأ باليمان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيها المدعون أو المدعى عليهم‪ ،‬وكم عدد الحالفين من الولياء؟‬


‫المسألة الرابعة‪ :‬فيما يعد لوثا يجب به أن يبدأ المدعون باليمان‪.‬‬
‫@‪(-‬المسيألة الولى) أميا وجوب الحكيم بهيا على الجملة فقال بيه‬
‫جمهور فقهاء المصيييار‪ :‬مالك والشافعيييي وأبيييو حنيفييية وأحميييد‬
‫وسيفيان وداود وأصيحابهم وغيير ذلك مين فقهاء المصيار؛ وقالت‬
‫طائفية مين العلماء سيالم بين عبيد الله وأبيو قلبية وعمير بين عبيد‬
‫العزيز وابن علية‪ :‬ل يجوز الحكم بها‪ .‬عمدة الجمهور ما ثبت عنه‬
‫علييه الصيلة والسيلم مين حدييث حويصية ومحيصية وهيو حدييث‬
‫متفق على صحته من أهل الحديث‪ ،‬إل أنهم مختلفون في ألفاظه‬
‫على ما سيأتي بعد‪ .‬وعمدة الفريق النافيي لوجوب الحكم ب ها أن‬
‫القسيامة مخالفية لصيول الشرع المجميع على صيحتها‪ :‬فمنهيا أن‬
‫الصل في الشرع أن ل يحلف أحد إل على ما علم قطعا أو شاهد‬
‫حسييا‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فكيييف يقسييم أولياء الدم وهيييم لم‬
‫يشاهدوا القتل بل قد يكونون في بلد والقتل في بلد آخر‪ ،‬ولذلك‬
‫روى البخاري عين أبيي قلبية أن عمير بين عبيد العزييز أبرز سيريره‬
‫يومييا للناس ثييم أذن لهييم فدخلوا عليييه فقال‪ :‬مييا تقولون فييي‬
‫القسيامة؟ فأضيب القوم وقالوا‪ :‬نقول أن القسيامة القود بهيا حيق‬
‫قيد أقاد بهيا الخلفاء‪ ،‬وقال ميا تقول ييا أبيا قلبية ونصيبني للناس‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يييا أمييير المؤمنييين عندك أشراف العرب ورؤسيياء الجناد‪،‬‬
‫أرأيت لو أن خمسين رجل شهدوا على رجل أنه زنى بدمشق ولم‬
‫يروه أكنييت ترجمييه؟ قال‪ :‬ل قلت‪ :‬أفرأيييت لو أن خمسييين رجل‬
‫شهدوا عندك على رجيييل أنيييه سيييرق بحميييص ولم يروه أكنيييت‬
‫تقطعه؟ قال‪ :‬ل‪ .‬وفي بعض الروايات‪ :‬قلت‪ :‬فما بالهم إذا شهدوا‬
‫أنه قتله بأرض كذا وهم عندك أقدت بشهادتهم؟ قال‪ :‬فكتب عمر‬
‫بيين عبييد العزيييز فييي القسييامة‪ :‬إنهييم إن أقاموا شاهدي عدل أن‬
‫فلنييا قتله فأقده‪ ،‬ول يقتييل بشهادة الخمسييين الذييين أقسييموا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ومنها أن من الصول أن اليمان ليس لها تأثير في إشاطة‬
‫الدماء‪ .‬ومنهيا أن مين الصيول "أن البينية على مين ادعيى واليميين‬
‫على مين أنكير" ومين حجتهيم أنهيم لم يروا فيي تلك الحادييث أن‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم حكيم بالقسيامة وإنميا كانيت‬
‫حكمييا جاهليييا فتلطييف لهييم رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫ليريهيم كييف ل يلزم الحكيم بهيا على أصيول السيلم‪ ،‬ولذلك قال‬
‫لهييم‪ :‬أتحلفون خمسييين يمينييا‪ :‬أعنييي لولة الدم وهييم النصييار؟‬
‫قالوا‪ :‬كيييف نحلف ولم نشاهييد؟ قال‪ :‬فيحلف لكييم اليهود‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫كيييف نقبييل أيمان قوم كفار؟ قالوا‪ :‬فلو كانييت السيينة أن يحلفوا‬
‫وإن لم يشهدوا لقال لهيم رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم هيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫السينة‪ .‬قال‪ :‬وإذا كانيت هذه الثار غيير نيص فيي القضاء بالقسيامة‬
‫والتأوييل يتطرق إليهيا فصيرفها بالتأوييل إلى الصيول أولى‪ .‬وأميا‬
‫القائلون بهيا وبخاصية مالك فرأى أن سينة القسيامة سينة منفردة‬
‫بنفسيها مخصيصة للصيول كسيائر السينن المخصيصة‪ ،‬وزعيم أن‬
‫العلة فيي ذلك حوطية الدماء‪ ،‬وذلك أن القتيل لميا كان يكثير وكان‬
‫يقيل قيام الشهادة علييه لكون القاتيل إنميا يتحرى بالقتيل مواضيع‬
‫الخلوات جعلت هذه السينة حفظيا للدماء‪ ،‬لكين هذه العلة تدخيل‬
‫عليييه فييي قطاع الطريييق والسييراق‪ ،‬ذلك أن السييارق تعسيير‬
‫الشهادة عليييه‪ ،‬وكذلك قاطييع الطريييق‪ ،‬فلهذا أجاز مالك شهادة‬
‫المسييلوبين على السييالبين مييع مخالفيية ذلك للصييول‪ ،‬وذلك أن‬
‫المسلوبين مدعون على سلبهم والله أعلم‪.‬‬
‫@‪(-‬المسألة الثانية) اختلف العلماء القائلون بالقسامة فيما يجب‬
‫بهيا‪ ،‬فقال مالك وأحميد يسيتحق بهيا الدم فيي العميد والديية فيي‬
‫الخطأ؛ وقال الشافعي والثوري وجماعة‪ :‬تستحق بها الدية فقط؛‬
‫وقال بعيض الكوفييين‪ :‬ل يسيتحق بهيا إل دفيع الدعوى على الصيل‬
‫فيي أن اليميين إنميا تجيب على المدعيى علييه؛ وقال بعضهيم‪ :‬بيل‬
‫يحلف المدعى عليه ويغرم الدية‪ ،‬فعلى هذا إنما يستحق منها دفع‬
‫القود فقط‪ ،‬فيكون فيها يستحق المقسمون أربعة أقوال‪ .‬فعمدة‬
‫مالك ومن قال بقوله ما رواه من حديث ابن أبي ليلى عن سهل‬
‫بين أبيي حثمية وفييه فقال لهيم رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫"تحلفون وتسييتحقون دم صيياحبكم" وكذلك مييا رواه ميين مرسييل‬
‫بشيير بين بشار وفييه‪ :‬فقال رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫"أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم"‪ .‬وأما‬
‫عمدة مين أوجيب بهيا الديية فقيط‪ ،‬فهيو أن اليمان يوجيد لهيا تأثيير‬
‫فيي اسيتحقاق الموال أعنيي فيي الشرع مثيل ميا ثبيت مين الحكيم‬
‫فييي الموال باليمييين والشاهييد‪ ،‬ومثييل مييا يجييب المال بنكول‬
‫المدعى عليه أو بالنكول وقلبها على المدعي عند من يقول بقلب‬
‫اليميين ميع النكول ميع أن حدييث مالك عين ابين أبيي ليلى ضعييف‬
‫لنيه رجيل مجهول لم يروا عنيه غيير مالك‪ .‬وقييل فييه أيضيا أنيه لم‬
‫يسمع من سهل‪ .‬وحديث بشير ابن بشار قد اختلف في إسناده‪،‬‬
‫فأرسييله مالك وأسيينده غيره‪ .‬قال القاضييي‪ :‬يشبييه أن تكون هذه‬
‫العلة هييي السييبب فييي أن لم يخرج البخاري هذيييين الحديثييين‪،‬‬
‫واعتضيد عندهيم القياس فيي ذلك بميا روي عين عمير رضيي الله‬
‫عنه أنه قال‪ :‬ل قود بالقسامة‪ ،‬ولكن يستحق بها الدية‪ .‬وأما الذين‬
‫قالوا إنما يستحق بها دفع الدعوى ف قط‪ ،‬فعمدتهم أن الصل هو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن اليمان على المدعيى علييه‪ ،‬والحادييث التيي نذكرهيا فيميا بعيد‬
‫إن شاء الله‪.‬‬
‫@‪(-‬المسييألة الثالثيية) واختلف القائلون بالقسييامة‪ ،‬أعنييي الذييين‬
‫قالوا إنهيا يسيتوجب بهيا مال أو دم فيمين يبدأ باليمان الخمسيين‬
‫على مييا ورد فييي الثار؛ فقال الشافعييي وأحمييد وداود بيين علي‬
‫وغيرهيم‪ :‬يبدأ المدعون؛ وقال فقهاء الكوفية والبصيرة وكثيير مين‬
‫أهييل المدينيية‪ :‬بييل يبدأ المدعييى عليهييم باليمان وعمدة ميين بدأ‬
‫بالمدعين حديث مالك عن ابن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة‬
‫ومرسيله عين بشيير بين يسيار‪ .‬وعمدة مين رأى التبدئة بالمدعيى‬
‫عليهم ما خرجه البخاري عن سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن‬
‫يسيار أن رجل مين النصيار يقال له سيهل بين حثمية وفييه "فقال‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬تأتون بالبينية على مين قتله"‬
‫قالوا‪ :‬مييا لنييا بينيية‪ ،‬قال‪ :‬فيحلفون لكييم‪ ،‬قالوا‪ :‬مييا نرضييى بأيمان‬
‫يهود‪ ،‬وكره رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم أن يبطييل دمييه‪،‬‬
‫فواداه بمائة بعيير مين إبيل الصيدقة" قال القاضيي‪ :‬وهذا نيص فيي‬
‫أنه ل يستوجب باليمان الخمسين إل دفع الدعوى فقط‪ .‬واحتجوا‬
‫أيضا بما خرجه أبو داود أيضا عن أبي سلمة بن أبي عبد الرحمن‬
‫وسيليمان بين يسيار عين رجال مين كيبراء النصيار "أن رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ليهود وبدأ بهم‪ :‬أيحلف منكم خمسون‬
‫رجل خمسيين يمينيا؟ فأبوا‪ ،‬فقال للنصيار‪ :‬احلفوا‪ ،‬فقالوا‪ :‬أنحلف‬
‫على الغييب ييا رسيول الله؟ فجعلهيا رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم ديية على يهود" لنيه وجيد بيين أظهرهيم‪ ،‬وبهذا تمسيك مين‬
‫جعل اليمين في حق المدعى عليه وألزمهم الغرم مع ذلك‪ ،‬وهو‬
‫حديييث صييحيح السييناد‪ ،‬لنييه رواه الثقات عيين الزهري عيين أبييي‬
‫سييلمة‪ ،‬وروى الكوفيون ذلك عيين عميير‪ ،‬أعنييي أنييه قضييى على‬
‫المدعيى عليهيم باليميين والديية‪ .‬وخرج مثله أيضيا مين تبدئة اليهود‬
‫باليمان عين رافيع بين خدييج‪ ،‬واحتيج هؤلء القوم على مالك بميا‬
‫روي عين ابين شهاب الزهري عين سيليمان بين يسيار وعراك بين‬
‫مالك أن عمير بين الخطاب قال للجهنيي الذي ادعيى دم ولييه على‬
‫رجل من بني سعد وكان أجرى فرسه فوطئ على أصبع الجهني‬
‫فترى فيهييا فمات‪ ،‬فقال عميير للذي ادعييى عليهييم‪ :‬أتحلفون بالله‬
‫خمسييين يمينييا مييا مات منهييا؟ فأبوا أن يحلفوا وتحرجوا‪ ،‬فقال‬
‫للمدعيييين‪ :‬احلفوا‪ ،‬فأبوا فقضيييى عليهيييم بشطييير الديييية‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وأحاديثنيا هذه أولى مين التيي روي فيهيا تبدئة المدعيين باليمان‪،‬‬
‫لن الصل شاهد لحاديثنا من أن اليمين على المدعى عليه‪ .‬قال‬
‫أبو عمر‪ :‬والحاديث المتعارضة في ذلك مشهورة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪(-‬المسيألة الرابعية) وهيي موجيب القسيامة عنيد القائليين بهيا‪،‬‬


‫أجمع جمهور العلماء القائلون بها أنها ل تجب إل بشبهة‪ .‬واختلفوا‬
‫في الشبهة ما هي؟ فقال الشافعي‪ :‬إذا كانت الشبهة في معنى‬
‫الشبهيية التييي قضييى بهييا رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫بالقسيامة وهيو أن يوجيد قتييل فيي محلة قوم ل يخالطهيم غيرهيم‪،‬‬
‫وبييين أولئك القوم‪ ،‬وبيين قوم المقتول عداوة كمييا كانيت العداوة‬
‫بيين النصيار واليهود‪ ،‬وكانيت خييبر دار اليهود مختصية بهيم‪ ،‬ووجيد‬
‫فيها القتيل من النصار‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك لو وجد في ناحية قتيل وإلى‬
‫جانبيه رجيل مختضيب بالدم‪ ،‬وكذلك لو دخيل على نفير فيي بييت‬
‫فوجييد بينهييم قتيل ومييا أشبييه هذه الشبييه ممييا يغلب على ظيين‬
‫الحكام أن المدعي محق لقيام تلك الشبهة؛ وقال مالك بنحو من‬
‫هذا‪ ،‬أعني إن القسامة ل تجب إل بلوث والشاهد الواحد عنده إذا‬
‫كان عدل لوث باتفاق عنيييد أصيييحابه‪ ،‬واختلفوا إذا لم يكييين عدل‪.‬‬
‫وكذلك وافيق الشافعيي فيي قرينية الحال المخيلة مثيل أن يوجيد‬
‫قتيييل متشحطييا بدمييه وبقربييه إنسييان بيده حديدة مدماة‪ ،‬إل أن‬
‫مالكييا يرى أن وجود القتيييل فييي المحلة ليييس لوثييا‪ ،‬وإن كانييت‬
‫هنالك عداوة بين القوم الذين منهم القتيل وبين أهل المحلة‪ ،‬وإذا‬
‫كان ذلك كذلك لم يبيق ههنيا شييء يجيب أن يكون أصيل لشتراط‬
‫اللوث فييي وجوبهييا‪ ،‬ولذلك لم يقييل بهييا قوم؛ وقال أبييو حنيفيية‬
‫وصياحباه‪ :‬إذا وجيد قتييل فيي محلة قوم وبيه أثير وجبيت القسيامة‬
‫على أهيل المحلة؛ ومين أهيل العلم مين أوجيب القسيامة بنفيس‬
‫وجود القتييييل فيييي المحلة دون سيييائر الشرائط التيييي اشترط‬
‫الشافعي‪ ،‬ودون وجود الثر بالقتيل الذي اشترطه أبو حنيفة‪ ،‬وهو‬
‫مروي عين عمير وعلي وابين مسيعود‪ ،‬وقال بيه الزهري وجماعية‬
‫من التابعين وهو مذهب ابن حزم قال‪ :‬القسامة تجب متى وجد‬
‫قتييل ل يعرف مين قتله أينميا وجيد‪ ،‬فادعيى ولة الدم على رجيل‬
‫وحلف منهييم خمسييون رجل خمسييين يمينييا‪ ،‬فإن هييم حلفوا على‬
‫العميد فالقود وإن حلفوا على الخطيأ فالديية‪ ،‬ولييس يحلف عنده‬
‫أقييل ميين خمسييين رجل‪ ،‬وعنييد مالك رجلن فصيياعدا ميين أولئك‪.‬‬
‫وقال داود‪ :‬ل أقضي بالقسامة إل في مثل السبب الذي قضى به‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ .‬وانفرد مالك واللييث مين بيين‬
‫فقهاء المصيييار القائليييين بالقسيييامة‪ ،‬فجعل قول المقتول فلن‬
‫قتلنيي لوثيا يوجيب القسيامة‪ ،‬وكيل قال بميا غلب على ظنيه أنيه‬
‫شبهييية يوجيييب القسيييامة ولمكان الشبهييية رأى تبدئة المدعيييين‬
‫باليمان مين رأى ذلك منهيم‪ ،‬فإن الشبيه عنيد مالك تنقيل اليميين‬
‫ميين المدعييى عليييه إلى المدعييي‪ ،‬إذ سييبب تعليييق الشرع عنده‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اليمين بالمدعى عليه‪ ،‬إنما هو لقوة شبهته فيما ينفيه عن نفسه‪،‬‬


‫وكأنيه شبيه ذلك اليميين ميع الشاهيد فيي الموال‪ .‬وأميا القول بأن‬
‫نفس الدعوى شبهة فضعيف ومفارق للصول والنص لقوله عليه‬
‫الصلة والسلم "لو يعطى الناس بدعاويهم لدعى قوم دماء قوم‬
‫وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه" وهو حديث ثابت من‬
‫حدييث ابين عباس‪ ،‬وخرجيه مسيلم فيي صيحيحه‪ ،‬وميا احتجيت بيه‬
‫المالكييية ميين قصيية بقرة بنييي إسييرائيل فضعيييف‪ ،‬لن التصييديق‬
‫هنالك أسيييند إلى الفعيييل الخارق للعادة‪ .‬واختلف الذيييين أوجبوا‬
‫القود بالقسامة هل يقتل بها أكثر من واحد؟ فقال مالك‪ :‬ل تكون‬
‫القسيامة إل على واحيد‪ ،‬وبيه قال أحميد بين حنبيل؛ وقال أشهيب‪:‬‬
‫يقسم على الجماعة ويقتل منها واحد يعينه الولياء‪ ،‬وهو ضعيف؛‬
‫وقال المغيرة المخزوميي‪ :‬كيل مين أقسيم علييه قتيل؛ وقال مالك‬
‫واللييييث‪ :‬إذا شهيييد اثنان عدلن أن إنسيييانا ضرب آخييير وبقيييي‬
‫المضروب أياميا بعيد الضرب ثيم مات أقسيم أولياء المضروب إنيه‬
‫مات مين ذلك الضرب وقييد بيه‪ ،‬وهذا كله ضعييف‪ .‬واختلفوا فييي‬
‫القسامة في العبد‪ ،‬فبعض أثبتها‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة تشبيها بالحر‪،‬‬
‫وبعيض نفاهيا تشبيهيا بالبهيمية‪ ،‬وبهيا قال مالك‪ ،‬والديية عندهيم فيهيا‬
‫فيي مال القاتيل‪ ،‬ول يحلف فيهيا أقيل مين خمسيين رجل خمسيين‬
‫يمينيا عنيد مالك‪ ،‬ول يحلف عنده أقيل مين اثنيين فيي الدم ويحلف‬
‫الواحيد فيي الخطيأ‪ ،‬وإن نكيل عنده أحيد مين ولة الدم بطيل القود‬
‫وصييحت الدييية فييي حييق ميين لم ينكييل‪ ،‬أعنييي حظييه منهييا‪ .‬وقال‬
‫الزهري‪ :‬إن نكيل منهيم أحيد بطلت الديية فيي حيق الجمييع‪ ،‬وفروع‬
‫هذا الباب كثيرة‪ .‬قال القاضييي‪ :‬والقول فييي القسييامة هييو داخييل‬
‫فيميا ثبتيت بيه الدماء‪ ،‬وهيو فيي الحقيقية جزء مين كتاب القضيية‪،‬‬
‫ولكيين ذكرناه هنييا على عادتهييم‪ ،‬وذلك أنييه إذا ورد قضاء خاص‬
‫بجنيس مين أجناس المور الشرعيية رأوا أن الولى أن يذكير فيي‬
‫ذلك الجنيس‪ .‬وأميا القضاء الذي يعيم أكثير مين واحيد مين أجناس‬
‫الشياء التييي يقييع فيهييا القضاء فيذكيير فييي كتاب القضييية‪ ،‬وقييد‬
‫تجدهيم يفعلون المريين جميعيا كميا فعيل مالك فيي الموطيأ‪ ،‬فإنيه‬
‫ساق فيه القضية من كل كتاب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب في أحكام الزنى‬
‫@‪-‬والنظير فيي أصيول هذا الكتاب فيي حيد الزنيا‪ ،‬وفيي أصيناف‬
‫الزناة‪ ،‬وفي العقوبات لكل صنف صنف منهم‪ ،‬وفيما تثبت به هذه‬
‫الفاحشة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬الباب الول في حد الزنى‪.‬‬


‫@‪-‬فأميا الزنيى فهيو كيل وطيء وقيع على غيير نكاح ول شبهية نكاح‬
‫ول ملك يميين‪ ،‬وهذا متفيق علييه بالجملة مين علماء السيلم‪ ،‬وإن‬
‫كانوا اختلفوا فيميا هيو شبهية تدرأ الحدود مميا لييس بشبهية دارئة‪،‬‬
‫وفي ذلك مسائل نذكر منها أشهرها‪ ،‬فمنها المة يقع عليها الرجل‬
‫وله فيها شرك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يدرأ عنه الحد وإن ولدت ألحق الولد‬
‫به وقومت عليه‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وقال بعضهم يعزر؛ وقال أبو‬
‫ثور‪ :‬علييه الحيد كامل إذا علم الحرمية‪ .‬وحجية الجماعية قوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "ادرءوا الحدود بالشبهات" والذيين درءوا الحدود‬
‫اختلفوا هييل يلزمييه ميين صييداق المثييل بقدر نصيييبه أم ل يلزم‪.‬‬
‫وسبب الخلف‪ :‬هل ذلك الذي يغلب منها حكمه على الجزء الذي‬
‫ل يملك أم حكييم الذي ل يملك يغلب على حكييم الذي يملك؟ فإن‬
‫حكم ما ملك الحلية‪ ،‬وحكم ما لم يملك الحرمية‪ .‬ومنها اختلفهم‬
‫في الرجل المجاهد يطأ جارية من المغنم‪ ،‬فقال قوم‪ :‬عليه الحد؛‬
‫ودرأ قوم عنه الحد وهو أشبه‪ .‬والسبب في هذه وفي التي قبلها‬
‫واحيد‪ ،‬والله أعلم‪ .‬ومنهيا أن يحيل رجيل لرجيل وطيء خادميه‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬يدرأ عنييه الحييد؛ وقال غيره‪ :‬يعزر؛ وقال بعييض الناس‪ :‬بييل‬
‫هيي هبية مقبوضية والرقبية تابعية للفرج‪ .‬ومنهيا الرجيل يقيع على‬
‫جارية ابنه أو ابنته‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ل حد عليه لقوله عليه الصلة‬
‫والسيلم لرجيل خاطبيه‪" :‬أنيت ومالك لبييك" ولقوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "ل يقاد الوالد بالولد" ولجماعهيم على أنيه ل يقطيع فيميا‬
‫سرق من مال ولده‪ ،‬ولذلك قالوا‪ :‬تقوم عليه حملت أم لم تحمل‬
‫لن ها قد حرمت على ابنه فكأنه اسيتهلكها‪ .‬ومين الحجة لهم أيضيا‬
‫إجماعهيم على أن الب لو قتيل ابين ابنيه لم يكين للبين أن يقتيص‬
‫مين أبييه‪ ،‬وكذلك كيل مين كان البين له ولييا‪ .‬ومنهيا الرجيل يطيأ‬
‫جاريية زوجتيه‪ ،‬اختلف العلماء فييه على أربعية أقوال‪ ،‬فقال مالك‬
‫والجمهور‪ :‬عليه الحد كامل؛ وقالت طائفة ليس عليه الحد وتقوم‬
‫علييه فيغرمهيا لزوجتيه إن كانيت طاوعتيه‪ ،‬وإن كانيت اسيتكرهها‬
‫قوميت علييه وهيي حرة‪ ،‬وبيه قال أحميد وإسيحاق‪ ،‬وهيو قول ابين‬
‫مسييعود‪ ،‬والول قول عميير‪ ،‬ورواه مالك فييي الموطييأ عنييه‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬علييه مائة جلدة فقيط سيواء كان محصينا أم ثيبيا‪ :‬وقال قوم‪:‬‬
‫عليه التعزير‪ .‬فعمدة من أوجب عليه الحد أنه وطئ دون ملك تام‬
‫ول شركة ملك ول نكاح فوجب الحد‪ .‬وعمدة من درأ الحد ما ثبت‬
‫أن رسول الله عليه الصلة والسلم قضى في رجل وطئ جارية‬
‫امرأته أنه إن كان استكرهها فهي حرة وعليه مثلها لسيدتها‪ ،‬وإن‬
‫كانت طاوعته فهي له‪ ،‬وعليه لسيدتها مثلها‪ ،‬وأيضا فإن له شبهة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي مالهيا بدلييل قوله علييه الصيلة والسيلم‪ :‬تنكيح المرأة لثلث‪،‬‬
‫فذكيير مالهييا" ويقوى هذا المعنييى على أصييل ميين يرى أن المرأة‬
‫محجور عليها من زوجها فيما فوق الثلث‪ ،‬أو في الثلث فما فوقه‪،‬‬
‫وهيو مذهيب مالك‪ .‬ومنهيا ميا يراه أبيو حنيفية مين درء الحيد عين‬
‫واطييئ المسييتأجرة‪ ،‬والجمهور على خلف ذلك‪ ،‬وقوله فييي ذلك‬
‫ضعييف ومرغوب عنيه‪ ،‬وكأنيه رأى أن هذه المنفعية أشبهيت سيائر‬
‫المنافع التي استأجرها عليها‪ ،‬فدخلت الشبهة وأشبه نكاح المتعة‪.‬‬
‫ومنهيا درء الحيد عمين امتنيع اختلف فييه أيضيا‪ .‬وبالجملة فالنكحية‬
‫الفاسدة داخلة في هذا الباب‪ ،‬وأكثرها عند مالك تدرأ بالحد إل ما‬
‫انعقد منها على شخص مؤبد التحريم بالقرابة مثل الم وما أشبه‬
‫ذلك‪ ،‬مما ل يعذر فيه بالجهل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في أصناف الزناة وعقوباتهم‪.‬‬
‫@‪-‬والزناة الذيييين تختلف العقوبييية باختلفهيييم أربعييية أصيييناف‪:‬‬
‫محصيييينون ثيييييب وأبكار وأحرار وعبيييييد وذكور وإناث‪ .‬والحدود‬
‫السيييلمية ثلثييية‪ :‬رجيييم‪ ،‬وجلد‪ ،‬وتغرييييب‪ .‬فأميييا الثييييب الحرار‬
‫المحصيينون‪ ،‬فإن المسييلمين أجمعوا على أن حدهييم الرجييم إل‬
‫فرقة من أهل الهواء فإنهم رأوا أن حد كل زان الجلد‪ ،‬وإنما صار‬
‫الجمهور للرجيم لثبوت أحادييث الرجيم‪ ،‬فخصيصوا الكتاب بالسينة‬
‫أعني قوله تعالى {الزانية والزاني} الية‪ .‬واختلفوا في موضعين‪:‬‬
‫أحدهما هل يجلدون مع الرجم أم ل؟ والموضع الثاني في شروط‬
‫الحصان‪.‬‬
‫@‪(-‬أميا المسيألة الولى) فإن العلماء اختلفوا هيل يجلد مين وجيب‬
‫عليييه الرجييم قبييل الرجييم أم ل؟ فقال الجمهور‪ :‬ل جلد على ميين‬
‫وجب عليه الرجم؛ وقال الحسن البصري وإسحاق وأحمد وداود‪:‬‬
‫الزانيي المحصين يجلد ثيم يرجيم‪ .‬عمدة الجمهور "أن رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا‪ ،‬ورجم امرأة من جهينة‪ ،‬ورجم‬
‫يهودييين وامرأة مين عامير مين الزد‪ ،‬كيل ذلك مخرج فيي الصيحاح‬
‫ولم يروا أنيه جلد واحدا منهيم‪ .‬ومين جهية المعنيى أن الحيد الصيغر‬
‫ينطوي فيي الحيد الكيبر‪ ،‬وذلك أن الحيد إنميا وضيع للزجير فل تأثيير‬
‫للزجيير بالضرب مييع الرجييم‪ .‬وعمدة الفريييق الثانييي عموم قوله‬
‫تعالى {الزانيية والزانيي فاجلدوا كيل واحيد منهميا مائة جلدة} فلم‬
‫يخيص محصين مين غيير محصين‪ .‬واحتجوا أيضيا بحدييث علي رضيي‬
‫الله عنه‪ ،‬خرجه مسلم وغيره أن عليا رضي الله عنه جلد شراحة‬
‫الهمذانيي يوم الخمييس ورجمهيا يوم الجمعية وقال‪ :‬جلدتهيا بكتاب‬
‫الله‪ ،‬ورجمتها بسنة رسوله‪ .‬وحديث عبادة بن الصامت‪ ،‬وفيه أن‬
‫النيبي علييه الصيلة والسيلم قال "خذوا عنيي قيد جعيل الله لهين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سبيل البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام‪ ،‬والثيب بالثيب جلد مائة‬
‫والرجم بالحجارة" وأما الحصان فإنهم اتفقوا على أنه من شرط‬
‫الرجيييم‪ .‬واختلفوا فيييي شروطيييه فقال مالك‪ :‬البلوغ والسيييلم‬
‫والحرييية والوطييء فييي عقييد صييحيح‪ ،‬وحالة جائز فيهييا الوطييء‪،‬‬
‫والوطء المحظور عنده هو الوطء في الحيض أو في الصيام‪ ،‬فإذا‬
‫زنيى بعيد الوطيء الذي بهذه الصيفة وهيو بهذه الصيفات فحده عنده‬
‫الرجيم‪ ،‬ووافيق أبيو حنيفية مالكيا فيي هذه الشروط إل فيي الوطيء‬
‫المحظور؛ واشترط فيي الحريية أن تكون مين الطرفيين‪ ،‬أعنيي أن‬
‫يكون الزانييي والزانييية حرييين‪ ،‬ولم يشترط السييلم الشافعييي‪.‬‬
‫وعمدة الشافعييي مييا رواه مالك عيين نافييع عيين ابيين عميير‪ ،‬وهييو‬
‫حديث متفق عليه "أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهودية‬
‫واليهودي اللذييين زنيييا" إذ رفييع إليييه أمرهمييا اليهود‪ ،‬والله تعالى‬
‫يقول {وإن حكميت فاحكيم بينهميا بالقسيط} ‪ .‬وعمدة مالك مين‬
‫طرييييق المعنيييى أن الحصيييان عنده فضيلة ول فضيلة ميييع عدم‬
‫السيلم‪ ،‬وهذا مبناه على أن الوطيء فيي نكاح صيحيح هيو مندوب‬
‫إليييه‪ ،‬فهذا هييو حكييم الثيييب‪ .‬وأمييا البكار فإن المسييلمين أجمعوا‬
‫على أن حييد البكيير فييي الزنييى الجلد مائة لقوله تعالى {الزانييية‬
‫والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}‬
‫واختلفوا فييي التغريييب مييع الجلد؛ فقال أبييو حنيفيية وأصييحابه‪ :‬ل‬
‫تغرييب أصيل؛ وقال الشافعيي‪ :‬ل بيد مين التغرييب ميع الجلد لكيل‬
‫زان ذكرا كان أو أنثيييييييييى‪ ،‬حرا كان أو عبدا؛ وقال مالك‪ :‬يغرب‬
‫الرجل ول تغرب المرأة‪ ،‬وبه قال الوزاعي؛ ول تغريب عند مالك‬
‫على العبيد‪ .‬فعمدة من أوجب التغريب على الطلق حديث عبادة‬
‫بين الصيامت المتقدم وفييه "البكير بالبكير جلد مائة وتغرييب عام"‬
‫وكذلك مييا خرج أهييل الصييحاح عيين أبييي هريرة وزيييد بيين خالد‬
‫الجهنيي أنهميا قال "إن رجل مين العراب أتيى النيبي علييه الصيلة‬
‫والسييلم قال‪ :‬يييا رسييول الله أنشدك الله إل قضيييت لي بكتاب‬
‫الله‪ ،‬فقال الخصييم وهييو أفقييه منييه‪ :‬نعييم اقييض بيننييا بكتاب الله‬
‫وائذن لي أن أتكلم‪ ،‬فقال له النيبي صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬قيل‪،‬‬
‫قال‪ :‬إن ابنيي كان عسييفا على هذا فزنيى بامرأتيه‪ ،‬وإنيي أخيبرت‬
‫أن على ابنييي الرجييم فافتديتييه بمائة شاة ووليدة‪ ،‬فسييألت أهييل‬
‫العلم فأخيبروني أنميا على ابنيي جلد مائة وتغرييب عام‪ ،‬وأن على‬
‫امرأة هذا الرجم‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬والذي‬
‫نفسييي بيده لقضييين بينكمييا بكتاب الله‪ :‬أمييا الوليدة والغنييم فرد‬
‫عليييك‪ ،‬وعلى ابنييك جلد مائة وتغريييب عام‪ ،‬واغييد يييا أنيييس على‬
‫امرأة هذا فإن اعترفييت فارجمهييا‪ ،‬فغدا عليهييا أنيييس فاعترفييت‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فأمير النيبي علييه الصيلة والسيلم بهيا فرجميت"‪ .‬ومين خصيص‬


‫المرأة من هذا العموم فإنما خصصه بالقياس‪ ،‬لنه رأى أن المرأة‬
‫تعرض بالغربة لكثر من الزنى‪ ،‬وهذا من القياس المرسل‪ ،‬أعني‬
‫المصييلحي الذي كثيرا مييا يقول بييه مالك‪ .‬وأمييا عمدة الحنفييية‬
‫فظاهر الكتاب‪ ،‬وهو مبني على رأيهم أن الزيادة على النص نسخ‬
‫وأنيه لييس ينسيخ الكتاب بأخبار الحاد‪ .‬ورووا عين عمير وغيره أنيه‬
‫حيد ولم يغرب‪ .‬وروى الكوفيون عين أبيي بكير وعمير أنهيم غربوا‪.‬‬
‫وأميا حكيم العبييد فيي هذه الفاحشية‪ ،‬فإن العبييد صينفان‪ :‬ذكور‪،‬‬
‫وإناث أمييا الناث فإن العلماء أجمعوا على أن الميية إذا تزوجييت‬
‫وزنت أن حدها خمسون جلدة لقوله تعالى {فإذا أحصن فإن أتين‬
‫بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} واختلفوا‬
‫إذا لم تتزوج‪ ،‬فقال جمهور فقهاء المصيار‪ :‬حدهيا خمسيون جلدة؛‬
‫وقالت طائفية‪ :‬ل حيد عليهيا‪ ،‬وإنميا عليهيا تعزيير فقيط‪ ،‬وروي ذلك‬
‫عن عمر بن الخطاب؛ وقال قوم‪ :‬لحد على المة أصل‪ ،‬والسبب‬
‫فيي اختلفهيم الشتراك الذي فيي اسيم الحصيان فيي قوله تعالى‬
‫{فإذا أحصيين} فميين فهييم ميين الحصييان التزوج وقال بدليييل‬
‫الخطاب قال‪ :‬ل تجلد غييير المتزوجيية؛ وميين فهييم ميين الحصييان‬
‫السلم جعله عاما في المتزوجة وغيرها‪.‬‬
‫واحتج من لم ير على غير المتزوجة حدا بحديث أبي هريرة وزيد‬
‫بن خالد الجهني أن النبي عليه الصلة والسلم سئل عن المة إذا‬
‫زنت ولم تحصن‪ ،‬فقال‪" :‬إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها‬
‫ثم بيعوها ولو بضفير"‪.‬‬
‫وأما الذكر من العبيد‪ ،‬ففقهاء المصار على أن حد العبد نصف حد‬
‫الحير قياسيا على المية؛ وقال أهيل الظاهير‪ :‬بيل حده مائة جلدة‬
‫مصيييرا إلى عموم قوله تعالى {فاجلدوا كييل واحييد منهمييا مائة‬
‫جلدة} ولم يخصص حرا من عبد‪ .‬ومن الناس من درأ عنه قياسا‬
‫على المية وهيو شاذ‪ .‬وروي عين ابين عباس‪ .‬فهذا هيو القول فيي‬
‫أصناف الحدود وأصناف المحدودين والشرائط الموجبة للحد في‬
‫واحييد واحييد منهييم‪ ،‬ويتعلق بهذا القول فييي كيفييية الحدود‪ ،‬وفييي‬
‫وقتها‪ .‬فأما كيفيتها فمن مشهور المسائل الواقعة في هذا الجنس‬
‫اختلفهييم فييي الحفيير للمرجوم‪ ،‬فقالت طائفيية‪ :‬يحفيير له‪ ،‬وروي‬
‫ذلك عن علي في شراحة الهمدانية حين أمر برجمها‪ ،‬وبه قال أبو‬
‫ثور‪ ،‬وفيييه "فلمييا كان يوم الجمعيية أخرجهييا فحفيير لهييا حفيرة‬
‫فأدخلت في ها وأحدق الناس بها يرمونها‪ ،‬فقال‪ :‬ليس هكذا الرجم‬
‫إني أخاف أن يصيب بعضكم بعضا‪ ،‬ولكن صفوا كما تصفون في‬
‫الصلة‪ ،‬ثم قال‪ :‬الرجم رجمان‪ :‬رجم سر ورجم علنية‪ ،‬فما كان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫منيه إقرار فأول مين يرجيم المام ثيم الناس؛ وميا كان ببينية فأول‬
‫مين يرجيم البينية ثيم المام ثيم الناس‪ .‬وقال مالك وأبيو حنيفية‪ :‬ل‬
‫يحفر للمرجوم‪ ،‬وخير في ذلك الشافعي؛ وقيل عنه‪ :‬يحفر للمرأة‬
‫فقط‪.‬‬
‫وعمدتهيم ميا خرج البخاري ومسيلم مين حدييث جابر‪ ،‬قال جابر‪:‬‬
‫ه الحجارة فيير‪ ،‬فأدركناه بالحرة‬ ‫فرجمناه بالمصييلى‪ ،‬فلمييا أذ ْلَقَت ْيي ُ‬
‫فرضخناه‪ .‬وقيد روى مسيلم أنيه حفير له فيي اليوم الرابيع حفير‪.‬‬
‫وبالجملة فالحادييث فيي ذلك مختلفية‪ .‬قال أحميد‪ :‬أكثير الحادييث‬
‫على أن ل حفييير؛ وقال مالك‪ :‬يضرب فيييي الحدود الظهييير وميييا‬
‫يقاربيه؛ وقال أبيو حنيفية والشافعيي‪ :‬يضرب سيائر العضاء ويتقيى‬
‫الفرج والوجيه؛ وزاد أبيو حنيفية الرأس؛ ويجرد الرجيل عنيد مالك‬
‫في ضرب الحدود كلها‪ ،‬وعند الشافعي وأبي حنيفة ما عدا القذف‬
‫على ميا سييأتي بعيد؛ ويضرب عنيد الجمهور قاعدا ول يقام قائميا‬
‫لمين قال‪ :‬إنيه يقام لظاهير اليية‪ ،‬ويسيتحب عنيد الجمييع أن يحضير‬
‫المام عند إقامة الحدود طائفة من الناس لقوله تعالى {وليشهد‬
‫عذابهميا طائفية مين المؤمنيين} ‪ .‬واختلفوا فيميا يدل علييه اسيم‬
‫الطائفة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬أربعة‪ ،‬وقيل ثلثة‪ ،‬وقيل اثنان‪ ،‬وقيل سبعة‪،‬‬
‫وقييل ميا فوقهيا‪ .‬أميا الوقيت‪ ،‬فإن الجمهور على أنيه ل يقام فيي‬
‫الحيير الشديييد ول فييي البرد‪ ،‬ول يقام على المريييض؛ وقال قوم‪:‬‬
‫يقام‪ ،‬وبه قال أحمد وإسحاق‪ ،‬واحتجا بحديث عمر أنه أقام الحد‬
‫على قدامية وهيو مرييض‪ .‬وسيبب الخلف معارضية أهيل الظواهير‬
‫للمفهوم مين الحيد‪ ،‬وهيو أن يقام حييث ل يغلب على ظين المقييم‬
‫له فوات نفييس المحدود؛ فميين نظيير إلى الميير بإقاميية الحدود‬
‫مطلقييا ميين غييير اسييتثناء قال‪ :‬يحييد المريييض؛ وميين نظيير إلى‬
‫المفهوم مين الحيد قال‪ :‬ل يحيد المرييض حتيى ييبرأ‪ ،‬وكذلك المير‬
‫في شدة الحر والبرد‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث وهو معرفة ما تثبت به هذه الفاحشة‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمييييع العلماء على أن الزنييييى يثبييييت بالقرار وبالشهادة‪.‬‬
‫واختلفوا في ثبوته بظهور الحمل في النساء الغير المتزوجات إذا‬
‫ادعييين السييتكراه‪ .‬وكذلك اختلفوا فييي شروط القرار وشروط‬
‫الشهادة‪ .‬فأميا القرار فإنهيم اختلفوا فييه فيي موضعيين‪ :‬أحدهميا‬
‫عدد مرات القرار الذي يلزم بيه الحيد‪ .‬والموضيع الثانيي هيل مين‬
‫شرطيه أن ل يرجيع عين القرار حتيى يقام علييه الحيد؟ أميا عدد‬
‫القرار الذي يجيب بيه الحيد‪ ،‬فإن مالكيا والشافعيي يقولن‪ :‬يكفيي‬
‫فيي وجوب الحيد علييه اعترافيه بيه مرة واحدة‪ ،‬وبيه قال أبيو داود‬
‫وأبيو ثور والطيبري وجماعية؛ وقال أبيو حنيفية وأصيحابه وابين أبيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ليلى‪ :‬ل يجب الحد إل بأقارير أربعة مرة بعد مرة‪ ،‬وبه قال أحمد‬
‫وإسيحاق‪ ،‬وزاد أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬فيي مجالس متفرقية‪ .‬وعمدة‬
‫مالك والشافعيي ما جاء فيي حدييث أبي هريرة وزيد بن خالد من‬
‫قوله عليييه الصييلة والسييلم "اغييد يييا أنيييس على امرأة هذا‪ ،‬فإن‬
‫اعترفييت فارجمهييا‪ ،‬فاعترفييت فرجمهييا" ولم يذكيير عددا‪ .‬وعمدة‬
‫الكوفييين ميا ورد مين حدييث سيعيد بين جيبير عين ابين عباس عين‬
‫النبي عليه الصلة والسلم "أنه رد ماعزا حتى أقر أربع مرات ثم‬
‫أمير برجميه" وفيي غيره مين الحادييث قالوا‪ :‬وميا ورد فيي بعيض‬
‫الروايات أنيه أقير مرة ومرتيين وثلثيا تقصيير‪ ،‬ومين قصير فلييس‬
‫بحجة على من حفظ‪.‬‬
‫@‪(-‬وأما المسلة الثانية) وهيي من اعترف بالزنى ثم رجع‪ ،‬فقال‬
‫جمهور العلماء يقبييل رجوعييه‪ ،‬إل ابيين أبييي ليلى وعثمان البتييي؛‬
‫وفصل مالك فقال‪ :‬إن رجع إلى شبهة قبل رجوعه‪ .‬وأما إن رجع‬
‫إلى غير شبهة فعنه في ذلك روايتان‪ :‬إحداهما يقبل وهي الرواية‬
‫المشهورة‪ .‬والثانية ل يقبل رجوعه‪ ،‬وإنما صار الجمهور إلى تأثير‬
‫الرجوع فيي القرار لميا ثبيت مين تقريره صيلى الله علييه وسيلم‬
‫ماعزا وغيره مرة بعييد مرة لعله يرجييع‪ ،‬ولذلك ل يجييب على ميين‬
‫أوجب سقوط الحد بالرجوع أن يكون التمادي على القرار شرطا‬
‫ميين شروط الحييد‪ .‬وقييد روي ميين طريييق "أن ماعزا لمييا رجييم‬
‫ومسته الحجارة هرب فاتبعوه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬ردوني إلى رسول الله‬
‫علييه الصيلة والسيلم‪ ،‬فقتلوه رجميا وذكروا ذلك إلى النيبي علييه‬
‫الصيلة والسيلم فقال‪ :‬هل تركتموه لعله يتوب فيتوب الله علييه"‬
‫ومن هنا تعلق الشافعي بأن التوبة تسقط الحدود‪ ،‬والجمهور على‬
‫خلفيه‪ ،‬وعلى هذا يكون عدم التوبية شرطيا ثالثيا فيي وجوب الحيد‪.‬‬
‫وأما ثبوت الزنى بالشهود فإن العلماء اتفقوا على أنه يثبت الزنى‬
‫بالشهود‪ ،‬وأن العدد المشترط فييي الشهود أربعيية بخلف سييائر‬
‫الحقوق لقوله تعالى {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} وأن من صفتهم‬
‫أن يكونوا عدول‪ ،‬وأن ميين شرط هذه الشهادة أن تكون بمعاينيية‬
‫فرجيه فيي فرجهيا‪ ،‬وأنهيا تكون بالتصيريح ل بالكنايية‪ ،‬وجمهورهيم‬
‫على أن من شرط هذه الشهادة أن ل تختلف ل في زمان ول في‬
‫مكان إل ميا حكيي عين أبيي حنيفية مين مسيألة الزواييا المشهورة‪،‬‬
‫وهيو أن يشهيد كيل واحيد من الربعية أنيه رآهيا فيي ركين مين البييت‬
‫يطؤهيا غيير الركين الذي رآه فييه الخير‪ .‬وسيبب الخلف هيل تلفيق‬
‫الشهادة المختلفيييية بالمكان أم ل تلفييييق كالشهادة المختلفيييية‬
‫بالزمان؟ فإنهيم أجمعوا على أنهيا ل تلفيق‪ ،‬والمكان أشبيه شييء‬
‫بالزمان‪ .‬والظاهيير ميين الشرع قصييده إلى التوثييق فييي ثبوت هذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحد أكثر منه في سائر الحدود‪ .‬وأما اختلفهم في إقامة الحدود‬


‫بظهور الحميل مع دعوى السيتكراه‪ ،‬فإن طائفة أوجبيت فييه الحد‬
‫على ميا ذكره مالك فيي الموطيأ مين حدييث عمير‪ ،‬وبيه قال مالك‪،‬‬
‫إل أن تكون جاءت بأمارة على اسيييتكراهها‪ ،‬مثيييل أن تكون بكرا‬
‫فتأتيي وهيي تدميى‪ ،‬أو تفضيح نفسيها بأثير السيتكراه‪ ،‬وكذلك عنده‬
‫الميير إذا ادعييت الزوجييية إل أن تقيييم البينيية على ذلك‪ ،‬مييا عدا‬
‫الطارئة‪ ،‬فإن ابين القاسيم قال‪ :‬إذا ادعيت الزوجيية وكانيت طارئة‬
‫قبل قولها؛ وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬ل يقام عليها الحد بظهور‬
‫الحميل ميع دعوى السيتكراه وكذلك ميع دعوى الزوجيية‪ ،‬وإن لم‬
‫تأت فييي دعوى السييتكراه بأمارة‪ ،‬ول فييي دعوى الزوجييية ببينيية‬
‫لنها بمنزلة من أقر ثم ادعى الستكراه‪ .‬ومن الحجة لهم ما جاء‬
‫فيي حدييث شراحية أن علييا رضيي الله عنيه قال لهيا‪ :‬اسيتكرهت؟‬
‫قالت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فلعييل رجل أتاك فييي نومييك‪ .‬قالوا‪ :‬وروى الثبات‬
‫عيين عميير أنييه قبييل قول امرأة دعييت أنهييا ثقيلة النوم وإن رجل‬
‫طرقهييا فمضييى عنهييا ولم تدر ميين هييو بعييد‪ .‬ول خلف بييين أهييل‬
‫السييلم أن المسييتكرهة ل حييد عليهييا‪ ،‬وإنمييا اختلفوا فييي وجوب‬
‫الصيداق لهيا‪ .‬وسيبب الخلف هيل الصيداق عوض عين البضيع أو هيو‬
‫نحلة؟ فمين قال عوض عين البضيع أوجبيه فيي البضيع فيي الحليية‬
‫والحرمية؛ ومن قال إنه نحلة خص الله به الزواج لم يوجبه‪ .‬وهذا‬
‫الصل كاف في هذا الكتاب‪ ،‬والله الموفق للصواب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القذف‪.‬‬
‫@‪-‬والنظيير فييي هذا الكتاب‪ :‬فييي القذف‪ ،‬والقاذف‪ ،‬والمقذوف‪،‬‬
‫وفيي العقوبية الواجبية فييه‪ ،‬وبماذا تثبيت‪ .‬والصيل فيي هذا الكتاب‬
‫قوله تعالى {والذيييين يرمون المحصييينات ثيييم لم يأتوا بأربعييية‬
‫شهداء} الييية‪ .‬فأمييا القاذف فإنهييم اتفقوا على أن ميين شرطييه‬
‫وصيفين‪ :‬وهميا البلوغ والعقيل‪ ،‬وسيواء كان ذكرا أو أنثيى‪ ،‬حرا أو‬
‫عبدا‪ ،‬مسيلما أو غيير مسيلم‪ .‬وأميا المقذوف فاتفقوا على أن مين‬
‫شرطييه أن يجتمييع فيييه خمسيية أوصيياف وهييي البلوغ والحرييية‬
‫والعفاف والسلم‪ ،‬وأن يكون معه آلة الزنى‪ ،‬فإن انخرم من هذه‬
‫الوصياف وصيف لم يجيب الحيد‪ ،‬والجمهور بالجملة على اشتراط‬
‫الحريية فيي المقذوف‪ ،‬ويحتميل أن يدخيل فيي ذلك خلف‪ ،‬ومالك‬
‫يعتبر في سن المرأة أن تطيق الوطء‪ .‬وأما القذف الذي يجب به‬
‫الحيد‪ ،‬فاتفقوا على وجهيين‪ :‬أحدهميا أن يرميي القاذف المقذوف‬
‫بالزنيى‪ ،‬والثانيي أن ينفييه عين نسيبه إذا كانيت أميه حرة مسيلمة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلفوا إن كانيت كافرة أو أمية‪ ،‬فقال مالك‪ :‬سواء كانيت حرة أو‬
‫أمة أو مسلمة أو كافرة يجب الحد‪ .‬وقال إبراهيم النخعي‪ :‬ل حد‬
‫علييييه إذا كانيييت أم المقذوف أمييية أو كتابيييية‪ ،‬وهيييو قياس قول‬
‫الشافعي وأبي حني فة‪ .‬واتفقوا أن القذف إذا كان بهذين المعنيين‬
‫أنيه إذا كان بلفيظ صيريح وجيب الحيد‪ ،‬واختلفوا إن كان بتعرييض‪،‬‬
‫فقال الشافعيي وأبيو حنيفية والثوري وابين أبيي ليلى‪ :‬ل حيد فيي‬
‫التعرييض‪ ،‬إل أن أبيا حنيفية والشافعيي يريان فييه التعزيير‪ ،‬وممين‬
‫قال بقولهيم مين الصيحابة ابين مسيعود؛ وقال مالك وأصيحابه‪ :‬فيي‬
‫التعرييض الحيد‪ ،‬وهيي مسيألة وقعيت فيي زمان عمير‪ ،‬فشاور عمير‬
‫فيهيا الصيحابة‪ ،‬فاختلفوا فيهيا علييه‪ ،‬فرأى عمير فيهيا الحيد‪ .‬وعمدة‬
‫مالك أن الكنايية قيد تقوم بعرف العادة‪ ،‬والسيتعمال مقام النيص‬
‫الصيريح‪ ،‬وإن كان اللفيظ فيهيا مسيتعمل فيي غيير موضعيه أعنيي‬
‫مقول بالسييتعارة‪ .‬وعمدة الجمهور أن الحتمال الذي فييي السييم‬
‫المسيتعار شبهية‪ ،‬والحدود تدرأ بالشبهات‪ ،‬والحيق أن الكنايية قيد‬
‫تقوم فيي مواضع مقام النص‪ ،‬وقيد تضعف فيي مواضيع‪ ،‬وذلك أنيه‬
‫إذا لم يكثير السيتعمال لهيا والذي يندرئ بيه الحيد عين القاذف أن‬
‫يثبيت زنيى المقذوف بأربعية شهود باجماع‪ ،‬والشهود عنيد مالك إذا‬
‫كانوا أقيل من أربعية قذفية وعنيد غيره ليسوا بقذفية‪ ،‬وإن ما اختلف‬
‫المذهب في الشهود الذين يشهدون على شهود الصل‪ .‬والسبب‬
‫فيي اختلفهيم هيل يشترط فيي نقيل شهادة كيل واحيد منهيم عدد‬
‫شهود الصيل أم يكفيي فيي ذلك اثنان على الصيل المعتيبر فيميا‬
‫سيوى القذف إذ كانوا ممين ل يسيتقل بهيم نقيل الشهادة مين قبيل‬
‫العدد‪.‬‬
‫وأميا الحيد فالنظير فييه فيي جنسيه وتوقيتيه ومسيقطه أميا جنسيه‪،‬‬
‫فإنهيييم اتفقوا على أنيييه ثمانون جلدة للقاذف الحييير لقوله تعالى‬
‫{ثمانين جلدة} ‪ .‬واختلفوا في العبد يقذف الحر‪ :‬كم حده؟ فقال‬
‫الجمهور مين فقهاء المصيار حده نصيف حيد الحير‪ ،‬وذلك أربعون‬
‫جلدة‪ ،‬وروي ذلك عيين الخلفاء الربعيية‪ ،‬وعيين ابيين عباس‪ :‬وقالت‬
‫طائفة‪ :‬حده حد الحر‪ ،‬وبه قال ابن مسعود من الصحابة وعمر بن‬
‫عبيد العزييز وجماعية مين فقهاء المصيار‪ :‬أبيو ثور والوزاعيي وداود‬
‫وأصيييحابه ميين أهييل الظاهيير‪ .‬فعمدة الجمهور قياس حده فييي‬
‫القذف على حده في الزنى‪ .‬وأما أهل الظاهر فتمسكوا في ذلك‬
‫بالعموم ولمييا أجمعوا أيضييا أن حييد الكتابييي ثمانون‪ ،‬فكان العبييد‬
‫أحرى بذلك‪ .‬وأما التوقيت فإنهم اتفقوا على أنه إذا قذف شخصا‬
‫واحدا مرار كثيرة‪ ،‬فعليه حد واحد إذا لم يحد بواحد منها‪ ،‬وأنه إذ‬
‫قذف فحيد ثيم قذفيه ثانيية حيد حدا ثانييا واختلفوا إذا قذف جماعية‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقالت طائفيية‪ :‬ليييس عليييه إل حييد واحييد جمعهييم فييي القذف أو‬
‫فرقهيم‪ ،‬وبيه قال مالك وأبيو حنيفية والثوري وأحميد وجماعية وقال‬
‫قوم‪ :‬بل عليه لكل واحد حد‪ ،‬وبه قال الشافعي والليث وجماعة‬
‫حتى روي عن الحسن بن حيى أنه قال‪ :‬إن قال إنسان‪ :‬من دخل‬
‫هذه الدار فهيو زان جلد الحيد لكيل مين دخلهيا؛ وقالت طائفية إن‬
‫جمعهم في كلمة واحدة مثل أن يقول لهم يا زناة فحد واحد‪ ،‬وإن‬
‫قال لكل واحد منهم يا زاني فعليه لكل إنسان منهم حد‪ .‬فعمدة‬
‫ميين لم يوجييب على قاذف الجماعيية إل حدا واحدا حديييث أنييس‬
‫وغيره أن هلل بين أميية قذف امرأتيه بشرييك بين سيحماء‪ ،‬فرفيع‬
‫ذلك إلى النييبي عليييه الصييلة والسييلم فلعيين بينهمييا ولم يحده‬
‫لشرييك‪ ،‬وذلك إجماع مين أهيل العلم فيمين قذف زوجتيه برجيل‪.‬‬
‫وعمدة مين رأى أن الحيد لكيل واحيد منهيم أنيه حيق للدمييين‪ ،‬وأنيه‬
‫لو عفا بعضهم ولم يعف الكل لم يسقط الحد‪ .‬وأما من فرق بين‬
‫قذفهييم فييي كلميية واحدة أو كلمات أو فييي مجلس واحييد أو فييي‬
‫مجالس‪ ،‬فلنيه رأى أنيه واجيب أن يتعدد الحيد بتعدد القذف‪ ،‬لنيه‬
‫إذا اجتمع تعدد المقذوف وتعدد القذف كان أوجب أن يتعدد الحد‪،‬‬
‫وأميا سيقوطه فإنهيم اختلفوا فيي سيقوطه بعفيو القاذف‪ ،‬فقال أبيو‬
‫حنيفيية والثوري والوزاعييي‪ :‬ل يصييح العفييو‪ :‬أي ل يسييقط الحييد؛‬
‫وقال الشافعي‪ :‬يصح العفو أي يسقط الحد بلغ المام أو لم يبلغ؛‬
‫وقال قوم‪ :‬إن بلغ المام لم يجيز العفيو‪ ،‬وإن لم يبلغيه جاز العفيو‪.‬‬
‫واختلف قول مالك فيييي ذلك‪ ،‬فمرة قال بقول الشافعيييي‪ ،‬ومرة‬
‫قال‪ :‬يجوز إذا لم يبلغ المام‪ ،‬وإن بلغ لم يجيييز إل أن يرييييد بذلك‬
‫المقذوف الستر على نفسه‪ ،‬وهو المشهور عنه‪.‬‬
‫والسيبب فيي اختلفهيم هيل هيو حيق لله؟ أو حيق للدمييين‪ ،‬أو حيق‬
‫لكليهميا؟ فمين قال حيق لله لم يجيز العفيو كالزنيى؛ ومين قال حيق‬
‫للدميين أجاز العفو؛ ومن قال لكليهما وغلب حق المام إذا وصل‬
‫إليه قال بالفرق بين أن يصل المام أو ل يصل‪ ،‬وقياسا على الثر‬
‫الوارد في السرقة‪ .‬وعمدة من رأى أنه حق للدميين وهو الظهر‬
‫أن المقذوف إذا صيدقه فيميا قذفيه بيه سيقط عنيه الحيد‪ .‬وأميا مين‬
‫يقيم الحد فل خلف أن المام يقيمه في القذف‪ .‬واتفقوا على أنه‬
‫يجيب على القاذف ميع الحيد سيقوط شهادتيه ميا لم يتيب‪ .‬واختلفوا‬
‫إذا تاب؛ فقال مالك‪ :‬تجوز شهادتيه‪ ،‬وبيه قال الشافعيي؛ وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬ل تجوز شهادتيه أبدا‪ .‬والسيبب فيي اختلفهيم هيل السيتثناء‬
‫يعود إلى الجملة المتقدميية أو يعود إلى أقرب مذكور‪ ،‬وذلك فييي‬
‫قوله تعالى {ول تقبلوا لهيم شهادة أبدا وأولئك هيم الفاسيقون إل‬
‫الذيين تابوا} فمين قال يعود إلى أقرب مذكور قال‪ :‬التوبية ترفيع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الفسيق ول تقبيل شهادتيه؛ ومين رأى أن السيتثناء يتناول المريين‬


‫جميعيييا قال‪ :‬التوبييية ترفيييع الفسيييق ورد الشهادة‪ .‬وكون ارتفاع‬
‫الفسيق ميع رد الشهادة أمير غيير مناسيب فيي الشرع‪ :‬أي خارج‬
‫عن الصول‪ ،‬لن الفسق متى ارتفع قبلت الشهادة‪ .‬واتفقوا على‬
‫أن التوبية ل ترفيع الحيد‪ .‬وأميا بماذا يثبيت؟ فإنهيم اتفقوا على أنيه‬
‫يثبيت بشاهديين عدليين حريين ذكريين‪ .‬واختلف فيي مذهيب مالك‪:‬‬
‫هيل يثبت بشاهد ويمين وبشهادة النساء؟ وهل تلزم فيي الدعوى‬
‫فيه يمين؟ وإن نكل فهل يحد بالنكول ويمين المدعي؟ فهذه هي‬
‫أصول هذا الباب التي تنبني عليه فروعه‪ .‬قال القاضي‪ :‬وإن أنسأ‬
‫الله فيي العمير فسينضع كتابيا فيي الفروع على مذهيب مالك بين‬
‫أنيس مرتبيا ترتيبيا صيناعيا‪ ،‬إذ كان المذهيب المعمول بيه فيي هذه‬
‫الجزيرة‪ ،‬التيي هيي جزيرة الندلس حتيى يكون بيه القارئ مجتهدا‬
‫فيي مذهيب مالك‪ ،‬لن إحصياء جمييع الروايات عندي شييء ينقطيع‬
‫العمر دونه‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في شرب الخمر‪.‬‬
‫@‪-‬والكلم في هذه الجناية‪ :‬في الموجب‪ ،‬والواجب‪ ،‬وبماذا تثبت‬
‫هذه الجنايية؟ فأميا الموجيب‪ ،‬فاتفقوا على أنيه شرب الخمير دون‬
‫إكراه قليلهيا وكثيرهيا واختلفوا فيي المسيكرات مين غيرهيا؛ فقال‬
‫أهيل الحجاز‪ :‬حكمهيا حكيم الخمير فيي تحريمهيا وإيجاب الحيد على‬
‫ميين شربهييا قليل كان أو كثيرا أو لم يسييكر؛ وقال أهييل العراق‪:‬‬
‫المحرم منها هو السكر‪ ،‬وهو الذي يوجب الحد‪ .‬وقد ذكرنا عمدة‬
‫أدلة الفريقيين فيي كتاب الطعمية والشربية‪ .‬وأميا الواجيب فهيو‬
‫الحيد والتفسييق إل أن تكون التوبية‪ ،‬والتفسييق فيي شارب الخمير‬
‫باتفاق وإن لم يبلغ حيد السيكر‪ ،‬وفيمين بلغ حيد السيكر فيميا سيوى‬
‫الخمير‪ .‬واختلف الذيين رأوا تحرييم قلييل النبذة فيي وجوب الحيد‪،‬‬
‫وأكثر هؤلء على وجوبه‪ ،‬إل أنهم اختلفوا في مقدار الحد الواجب؛‬
‫فقال الجمهور‪ :‬الحييد فييي ذلك ثمانون؛ وقال الشافعييي وأبييو ثور‬
‫وداود‪ :‬الحيد فيي ذلك أربعون‪ ،‬هذا فيي حيد الحير‪ .‬وأميا حيد العبيد‬
‫فاختلفوا فيه؛ فقال الجمهور‪ :‬هو على النصف من حد الحر؛ وقال‬
‫أهل الظاهر‪ :‬حد الحر والعبد سواء‪ ،‬وهو أربعون؛ وعند الشافعي‬
‫عشرون؛ وعنييد ميين قال ثمانون أربعون‪ .‬فعمدة الجمهور تشاور‬
‫عمير والصيحابة لميا كثير فيي زمانيه شرب الخمير‪ ،‬وإشارة علي‬
‫عليه بأن يجعل الحد ثمانين قياسا على حد الفرية‪ ،‬فإنه كما قيل‬
‫عنيه رضيي الله عنيه "إذا شرب سيكر‪ ،‬وإذا سيكر هذى‪ ،‬وإذا هذى‬
‫افترى" وعمدة الفرييق الثانيي أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم لم‬
‫يحيد فيي ذلك حدا‪ ،‬وإنميا كان يضرب فيهيا بيين يدييه بالنعال ضربيا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫غير محدود‪ ،‬وأن أبا بكر رضي الله عنه شاور أصحاب رسول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم‪ :‬كيم بلغ ضرب رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫شراب الخميير؟ فقدروه بأربعييين‪ .‬وروي عيين أبييي سييعيد‬ ‫وسييلم ل ُ‬
‫الخدري "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم ضرب فيي الخمير‬
‫بنعليين أربعيين" فجعيل عمير مكان كيل نعيل سيوطا‪ .‬وروي مين‬
‫طريق آخر عن أبي سعيد الخدري ما هو أثبت من هذا‪ ،‬وهو "أن‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم ضرب فييي الخميير أربعييين"‬
‫وروي هذا عين علي عين النيبي علييه الصيلة والسيلم مين طرييق‬
‫أثبت‪ ،‬وبه قال الشافعي وأما من يقيم هذا الحد فاتفقوا على أن‬
‫المام يقيميه‪ ،‬وكذلك المير فيي سيائر الحدود واختلفوا فيي إقامية‬
‫السييادات الحدود على عييبيدهم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يقيييم السيييد على‬
‫عبده حد الزنى وحد القذف إذا شهد عنده الشهود‪ ،‬ول يفعل ذلك‬
‫بعلم نفسييه‪ ،‬ول يقطييع فييي السييرقة إل المام‪ ،‬وبييه قال الليييث‪،‬‬
‫وقال أبيييو حنيفييية‪ :‬ل يقييييم الحدود على العبييييد إل المام؛ وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬يقييم السييد على عبده جمييع الحدود‪ ،‬وهيو قول أحميد‬
‫وإسييحاق وأبييي ثور‪ .‬فعمدة مالك الحديييث المشهور "أن رسييول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم سيئل عين المية إذا زنيت ولم تحصين‬
‫فقال‪ :‬إن زنييت فاجلدوهييا‪ ،‬ثييم إن زنييت فاجلدوهييا‪ ،‬ثييم إن زنييت‬
‫فاجلدوها‪ ،‬ثم بيعوها ولو بضفير" وقوله عليه الصلة والسلم "إذا‬
‫زنييت أميية أحدكييم فليجلدهييا"‪ .‬وأمييا الشافعييي فاعتمييد مييع هذه‬
‫الحادييث ميا روي عنيه صيلى الله علييه وسيلم مين حدييث عنيه أنيه‬
‫قال "أقيموا الحدود على مييا ملكييت أيمانكييم" ولنييه أيضييا مروي‬
‫عين جماعية مين الصيحابة ول مخالف لهيم‪ ،‬منهيم ابين عمير وابين‬
‫مسيعود وأنيس‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية الجماع على أن الصيل فيي‬
‫إقامية الحدود هيو السيلطان‪ .‬وروي عين الحسين وعمير بين عبيد‬
‫العزييز وغيرهيم أنهيم قالوا‪ :‬الجمعية والزكاة والفيئ والحكيم إلى‬
‫السلطان‪.‬‬
‫@‪(-‬فصييل) وأمييا بماذا يثبييت هذا الحييد‪ ،‬فاتفييق العلماء على أنييه‬
‫يثبت بالقرار وبشهادة عدلين‪ .‬واختلفوا في ثبوته بالرائحة‪ ،‬فقال‬
‫مالك وأصحابه وجمهور أهل الحجاز‪ :‬يجب الحد بالرائحة إذا شهد‬
‫بهيا عنيد الحاكيم شاهدان عدلن؛ وخالفيه فيي ذلك الشافعيي وأبيو‬
‫حنيفيية وجمهور أهييل العراق وطائفيية ميين أهييل الحجاز وجمهور‬
‫علماء البصييرة فقالوا‪ :‬ل يثبييت الحييد بالرائحيية‪ .‬فعمدة ميين أجاز‬
‫الشهادة على الرائحيية تشبيههييا بالشهادة على الصييوت والخييط‪.‬‬
‫وعمدة من لم يثبتها اشتباه الروائح‪ ،‬والحد يدرأ بالشبهة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب السرقة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظييير فيييي هذا الكتاب فيييي حيييد السيييرقة‪ ،‬وفيييي شروط‬
‫المسيروق الذي يجيب بيه الحيد‪ ،‬وفيي صيفات السيارق الذي يجيب‬
‫عليييه الحييد‪ ،‬وفييي العقوبيية‪ ،‬وفيمييا تثبييت بييه هذه الجناييية‪ .‬فأمييا‬
‫السيرقة‪ ،‬فهيي أخيذ مال الغيير مسيتترا مين غيير أن يؤتمين علييه‪،‬‬
‫وإنما قلنا هذا لنهم أجمعوا أنه ليس في الخيانة ول في الختلس‬
‫قطيع إل إياس بين معاويية‪ ،‬فإنيه أوجيب فيي الخلسية القطيع‪ ،‬وذلك‬
‫مروي عين النيبي علييه الصيلة والسيلم‪ .‬وأوجيب أيضيا قوم القطيع‬
‫على ميين اسييتعار حليييا أو متاعييا ثييم جحده لمكان حديييث المرأة‬
‫المخزوميية المشهور "أنهيا كانيت تسيتعير الحلى‪ ،‬وأن رسيول الله‬
‫صيلى الله علييه وسيلم قطعهيا لموضيع جحودهيا" وبيه قال أحميد‬
‫وإسيحاق والحدييث حدييث عائشية قالت "كانيت امرأة مخزوميية‬
‫تسيتعير المتاع وتجحده‪ ،‬فأمير النيبي علييه الصيلة والسيلم بقطيع‬
‫يدها‪ ،‬فأتى أسامة أهلها فكلموه‪ ،‬فكلم أسامة النبي عليه الصلة‬
‫والسييلم‪ ،‬فقال النييبي عليييه الصييلة والسييلم‪ :‬يييا أسييامة ل أراك‬
‫تتكلم فيي حيد مين حدود الله‪ ،‬ثيم قام النيبي علييه الصيلة والسيلم‬
‫خطيبييا فقال‪" :‬وإنمييا أهلك ميين كان قبلكييم أنييه إذا سييرق فيهييم‬
‫الشرييف تركوه‪ ،‬وإذا سيرق الضعييف قطعوه‪ ،‬والذي نفسيي بيده‬
‫لو كانيت فاطمية بنيت محميد لقطعتهيا" ورد الجمهور هذا الحدييث‬
‫لنيه مخالف للصيول‪ ،‬وذلك أن المعار مأمون وأنيه لم يأخيذ بغيير‬
‫إذن فضل أن يأخيذ مين حرز‪ ،‬قالوا‪ :‬وفيي الحدييث حذف‪ ،‬وهيو أنهيا‬
‫سيييرقت ميييع أنهيييا جحدت‪ ،‬ويدل على ذلك قوله علييييه الصيييلة‬
‫والسيلم "إنميا أهلك مين كان قبلكيم أنيه إذا سيرق فيهيم الشرييف‬
‫تركوه" قالوا‪ :‬وروى هذا الحديييث الليييث بيين سييعد عيين الزهري‬
‫بإسناده‪ ،‬فقال فييه‪ :‬إن المخزوميية سرقت‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذا يدل على‬
‫أنهيا فعلت المريين جميعيا الجحيد والسيرقة‪ .‬وكذلك أجمعوا على‬
‫أنييه ليييس على الغاصييب ول على المكابر المغالب قطييع إل أن‬
‫يكون قاطع طريق شاهرا للسلح على المسلمين مخيفا للسبيل‪،‬‬
‫فحكميه حكيم المحارب على ميا سييأتي فيي حيد المحارب‪ .‬وأميا‬
‫السيارق الذي يجيب علييه حيد السيرقة‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أن مين‬
‫شرطه أن يكون مكلفا‪ ،‬وسواء كان حرا أو عبدا‪ ،‬ذكرا أو أنثى‪ ،‬أو‬
‫مسيلما‪ ،‬أو ذميييا‪ ،‬إل ميا روي فييي الصييدر الول مين الخلف فييي‬
‫قطع يد العبد البق إذا سرق‪ ،‬وروي ذلك عن ابن عباس وعثمان‬
‫ومروان وعميير ابيين عبييد العزيييز‪ ،‬ولم يختلف فيييه بعييد العصيير‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المتقدم؛ فمييين رأى أن الجماع ينعقيييد بعيييد وجود الخلف فيييي‬


‫العصيير المتقدم كانييت المسييألة عنده قطعييية‪ ،‬وميين لم ييير ذلك‬
‫تمسيك بعموم المير بالقطيع‪ ،‬ول عيبرة لمين لم يير القطيع على‬
‫العبيد البيق إل تشيبيهه سيقوط الحيد عنيه بسيقوط شطره‪ ،‬أعنيي‬
‫الحدود التي تتشطر في حق العبيد‪ ،‬وهو تشبيه ضعيف‪.‬‬
‫وأمييا المسييروق فإن له شرائط مختلفييا فيهييا؛ فميين أشهرهييا‬
‫اشتراط النصيياب‪ ،‬وذلك أن الجمهور على اشتراطييه‪ ،‬إل مييا روي‬
‫عن الحسن البصري أنه قال‪ :‬القطع في قليل المسروق وكثيره‪،‬‬
‫لعموم قوله تعالى {والسيارق والسيارقة فاقطعوا أيدهميا} اليية‪.‬‬
‫وربما احتجوا بحديث أبي هريرة خرجه البخاري ومسلم عن النبي‬
‫علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "لعين الله السيارق يسيرق البيضية‬
‫فتقطييع يده‪ ،‬ويسييرق الحبييل فتقطييع يده" وبييه قالت الخوارج‬
‫وطائفة من المتكلمين‪ .‬والذين قالوا باشتراط النصاب في وجوب‬
‫القطيييع وهيييم الجمهور اختلفوا فيييي قدره اختلفيييا كثيرا‪ ،‬إل أن‬
‫الختلف المشهور مييين ذلك الذي يسيييتند إلى أدلة ثابتييية‪ ،‬وهيييو‬
‫قولن‪ :‬أحدهميييا قول فقهاء الحجاز مالك والشافعيييي وغيرهيييم‪.‬‬
‫والثاني قول فقهاء العراق‪ .‬وأما فقهاء الحجاز فأوجبوا القطع في‬
‫ثلثية دراهيم مين الفضية‪ ،‬وربيع دينار مين الذهيب‪ .‬واختلفوا فيميا‬
‫تقوم بيه سيائر الشياء المسيروقة مميا عدا الذهيب والفضية‪ ،‬فقال‬
‫مالك فيييي المشهور‪ :‬تقوم بالدراهيييم ل بالربيييع دينار‪ ،‬أعنيييي إذا‬
‫اختلفيت الثلثية دراهيم ميع الربيع دينار لختلف الصيرف‪ ،‬مثيل أن‬
‫يكون الربييع دينار فييي وقييت درهمييين ونصييفا؛ وقال الشافعييي‪:‬‬
‫الصل في تقويم الشياء هو الربع دينار‪ ،‬وهو الصل أيضا للدراهم‬
‫فل يقطيع عنده فيي الثلثية دراهيم إل أن تسياوي ربيع دينار‪ .‬وأميا‬
‫مالك فالدنانيير والدراهيم عنيد كيل واحيد منهميا معتيبر بنفسيه وقيد‬
‫روى بعييض البغداديييين عنييه أنييه ينظيير فييي تقويييم العروض إلى‬
‫الغالب فيي نقود أهيل ذلك البلد‪ ،‬فإن كان الغالب الدراهيم قوميت‬
‫بالدراهيم‪ ،‬وإن كان الغالب الدنانيير قوميت بالربيع دينار‪ ،‬وأظين أن‬
‫في المذهب من يقول إن الربع دينار يقوم بالثلثة دراهم‪ ،‬وبقول‬
‫الشافعيي فيي التقوييم قال أبيو ثور والوزاعيي وداود‪ ،‬وبقول مالك‬
‫المشهور قال أحميد‪ :‬أعنيي بالتقوييم بالدراهيم‪ .‬وأميا فقهاء العراق‬
‫فالنصاب الذي يجب القطع فيه هو عندهم عشرة دراهم ل يجب‬
‫في أقل منه‪ .‬وقد قال جماعة منهم ابن أبي ليلى وابن شبرمة‪ :‬ل‬
‫تقطع اليد في أقل من خمسة دراهم‪ ،‬وقد قيل في أربعة دراهم‪،‬‬
‫وقال عثمان البتييي‪ :‬فييي درهمييين‪ .‬فعمدة فقهاء الحجاز مييا رواه‬
‫مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي عليه الصلة والسلم قطع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في مجن قيمته ثلثة دراهم "وحديث عائشة أوقفه مالك وأسنده‬
‫البخاري ومسيلم إلى النيبي علييه الصيلة والسيلم أنيه قال "تقطيع‬
‫اليد في ربع دينار فصاعدا" وأما عمدة فقهاء العراق فحديث ابن‬
‫عمير المذكور‪ ،‬قالوا‪ :‬ولكين قيمية المجين هيو عشرة دراهيم وروي‬
‫ذلك في أحاديث‪.‬‬
‫وقد خالف ابن عمر في قيمة المجن من الصحابة كثير ممن رأى‬
‫القطع في المجن كابن عباس وغيره‪ .‬وقد روى محمد بن إسحاق‬
‫عين أيوب بين موسيى عين عطاء عين ابين عباس قال‪ :‬كان ثمين‬
‫المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإذا وجد الخلف في ثمن المجن وجب أن ل تقطع اليد إل‬
‫بيقيين‪ ،‬وهذا الذي قالوه هيو كلم حسين لول حدييث عائشية‪ ،‬وهيو‬
‫الذي اعتمده الشافعيي فيي هذه المسيألة وجعيل الصيل هيو الربيع‬
‫دينار‪ .‬وأميا مالك فاعتضيد عنده حدييث ابين عمير بحدييث عثمان‬
‫الذي رواه‪ ،‬وهييو أنييه قطييع فييي أترجيية قومييت بثلثيية دراهييم‪،‬‬
‫والشافعييي يعتذر عيين حديييث عثمان ميين قبييل أن الصييرف كان‬
‫عندهييم فييي ذلك الوقييت اثنييا عشرة درهمييا (هكذا هذه العبارة‬
‫بجميع الصول‪ ،‬ولينظر ما معناها ا هي مصححه) والقطع في ثلثة‬
‫دراهيم أحفيظ للموال‪ ،‬والقطيع فيي عشرة دراهيم أدخيل فيي باب‬
‫التجاوز والصييفح عيين يسييير المال وشرف العضييو‪ ،‬والجمييع بييين‬
‫حديث ابن عمر وحديث عائشة وفعل عثمان ممكن على مذهب‬
‫الشافعيي وغيير ممكين على مذهيب غيره‪ ،‬فإن كان الجميع أولى‬
‫ميين الترجيييح فمذهييب الشافعييي أولى المذاهييب‪ ،‬فهذا هييو أحييد‬
‫الشروط المشترطيية بالقطييع‪ .‬واختلفوا ميين هذا الباب فييي فرع‬
‫مشهور وهو إذا سرقت الجماعة ما يجب فيه القطع‪ ،‬أعني نصابا‬
‫دون أن يكون حيييظ كيييل واحيييد منهيييم نصيييابا‪ ،‬وذلك أن يخرجوا‬
‫النصياب مين الحرز معيا‪ ،‬مثيل أن يكون عدل أو صيندوقا يسياوي‬
‫النصياب؛ فقال مالك‪ :‬يقطعون جميعيا‪ ،‬وبيه قال الشافعيي وأحميد‬
‫وأبو ثور؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل قطع عليهم حتى يكون ما أخذه كل‬
‫واحد منهم نصابا؛ فمن قطع الجميع رأى العقوبة إنما تتعلق بقدر‬
‫مال المسييروق‪ :‬أي أن هذا القدر ميين المال المسييروق هييو الذي‬
‫يوجيب القطيع لحفيظ المال؛ ومين رأى أن القطيع إنميا علق بهذا‬
‫القدر ل بميا دونيه لمكان حرمية الييد قال‪ :‬ل تقطيع أييد كثيرة فيميا‬
‫أوجب فيه الشرع قطع يد واحدة‪.‬‬
‫واختلفوا متييى يقدر المسييروق؛ فقال مالك‪ :‬يوم السييرقة؛ وقال‬
‫أبييو حنيفيية‪ :‬يوم الحكييم عليييه بالقطييع‪ .‬وأمييا الشرط الثانييي فييي‬
‫وجوب هذا الحيد فهيو الحرز‪ ،‬وذلك أن جمييع فقهاء المصيار الذيين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تدور عليهييم الفتوى وأصييحابهم متفقون على اشتراط الحرز فييي‬


‫وجوب القطع‪ ،‬وإن كان قد اختلفوا فيما هو حرز مما ليس بحرز‪.‬‬
‫والشبه أن يقال في حد الحرز إنه ما شأنه أن تحفظ به الموال‬
‫كييي يعسيير أخذهييا مثييل الغلق والحظائر ومييا أشبييه ذلك‪ ،‬وفييي‬
‫الفعيل الذي إذا فعله السيارق اتصيف بالخراج مين الحرز على ميا‬
‫سينذكره بعيد؛ وممين ذهيب إلى هذا مالك وأبيو حنيفية والشافعيي‬
‫والثوري وأصحابهم؛ وقال أهل الظاهر وطائفة من أهل الحديث‪:‬‬
‫القطيع على مين سيرق النصياب وإن سيرقه مين غيير حرز‪ .‬فعمدة‬
‫الجمهور حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه‬
‫الصيلة والسيلم أنيه قال "ل قطيع فيي ثمير معلق ول فيي حريسية‬
‫جبيل‪ ،‬فإذا أواه المراح أو الجريين فالقطيع فيميا بلغ ثمين المجين"‬
‫ومرسل مالك أيضا عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين‬
‫المكي بمعنى حديث عمرو بن شعيب‪ .‬وعمدة أهل الظاهر عموم‬
‫قوله تعالى {والسيارق والسيارقة فاقطعوا أيديهميا} اليية‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫فوجب أن تحمل الية على عمومها‪ ،‬إل ما خصصته السنة الثابتة‬
‫من ذلك‪ ،‬وقد خصصت السنة الثابتة المقدار الذي يقطع فيه من‬
‫الذي ل يقطيييع فييييه‪ .‬وردوا حدييييث عمرو بييين شعييييب لموضيييع‬
‫الختلف الواقع في أحاديث عمرو بن شعيب‪ ،‬وقال أبو عمر بن‬
‫عبيد البر‪ :‬أحادييث عمرو بين شعييب العميل بهيا واجيب إذا رواهيا‬
‫الثقات‪ .‬وأمييا الحرز عنييد الذييين أوجبوه فإنهييم اتفقوا منييه على‬
‫أشياء واختلفوا في أشياء‪ ،‬مثل اتفاقهم على أن باب البيت وغلقه‬
‫حرز‪ ،‬واختلفهيم فيي الوعيية‪ .‬ومثيل اتفاقهيم على أن مين سيرق‬
‫مين دار غيير مشتركية السيكنى أنيه ل يقطيع حتيى يخرج مين الدار‪،‬‬
‫واختلفهيم فيي الدار المشتركية‪ ،‬فقال مالك وكثيير ممين اشترط‬
‫الحرز‪ :‬تقطع يده إذا أخرج من البيت؛ وقال أبو يوسف ومحمد‪ :‬ل‬
‫قطع عليه إل إذا أخرج من الدار‪ .‬ومنها اختلفهم في القبر هل هو‬
‫حرز حتيى يجيب القطيع على النباش‪ ،‬أو لييس بحرز؟ فقال مالك‬
‫والشافعيي وأحميد وجماعية‪ :‬هيو حرز‪ ،‬وعلى النباش القطيع‪ ،‬وبيه‬
‫قال عمير بين عبيد العزييز؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل قطيع علييه‪ ،‬وكذلك‬
‫قال سيفيان الثوري‪ ،‬وروي ذلك عين زييد بين ثابيت‪ .‬والحرز عنيد‬
‫مالك بالجملة هييو كييل شيييء جرت العادة بحفييظ ذلك الشيييء‬
‫المسروق فيه‪ ،‬فمرابط الدواب عنده أحراز‪ ،‬وكذلك الوعية‪ ،‬وما‬
‫على النسييان ميين اللباس‪ ،‬فالنسييان حرز لكييل مييا عليييه أو هييو‬
‫عنده‪.‬‬
‫وإذا توسد النائم شيئا فهو حرز له على ما جاء في حديث صفوان‬
‫بيين أمييية وسيييأتي بعييد‪ ،‬ومييا أخذه ميين المنتبييه فهييو اختلس‪ .‬ول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يقطع عند مالك سارق ما كان على الصبي من الحلي أو غيره إل‬
‫أن يكون معييه حافييظ يحفظييه؛ وميين سييرق ميين الكعبيية شيئا لم‬
‫يقطيع عنده‪ ،‬وكذلك مين المسياجد؛ وقيد قييل فيي المذهيب إنيه أن‬
‫سيرق منهيا ليل قطيع‪ .‬وفروع هذا الباب كثيرة فيميا هيو حرز وميا‬
‫ليس بحرز‪ .‬واتفق القائلون بالحرز على أن كل من سمي مخرجا‬
‫للشيء من حرزه وجب عليه القطع‪ ،‬وسواء كان داخل الحرز أو‬
‫خارجيه‪ .‬وإذا ترددت التسيمية وقيع الخلف‪ ،‬مثيل اختلف المذهيب‬
‫إذا كان سييارقان‪ :‬أحدهمييا داخييل البيييت‪ ،‬والخيير خارجييه‪ ،‬فقرب‬
‫أحدهما المتاع المسروق إلى ثقب في البيت فتناوله الخر‪ ،‬فقيل‬
‫القطيع على الخارج المتناول له؛ وقييل‪ :‬ل قطيع على واحيد منهميا؛‬
‫وقييل القطيع على المقرب للمتاع مين الثقيب‪ .‬والخلف فيي هذا‬
‫كله آييل إلى انطلق اسييم المخرج مين الحرز علييه أو لنطلقييه‪.‬‬
‫فهذا هييو القول فييي الحرز واشتراطييه فييي وجوب القطييع‪ ،‬وميين‬
‫رمى بالمسروق من الحرز ثم أخذه خارج الحرز قطع‪ ،‬وقد توقف‬
‫مالك فييه إذا أخيذ بعيد رمييه وقبيل أن يخرج؛ وقال ابين القاسيم‪:‬‬
‫يقطع‪.‬‬
‫@‪(-‬فصل) وأما جنس المسروق‪ ،‬فإن العلماء اتفقوا على أن كل‬
‫متملك غيير ناطيق يجوز بيعيه وأخيذ العوض منيه‪ ،‬فإنيه يجيب فيي‬
‫سييرقته القطييع مييا عدا الشياء الرطبيية المأكولة‪ ،‬والشياء التييي‬
‫أصييلها مباحيية فإنهييم اختلفوا فييي ذلك‪ ،‬فذهييب الجمهور إلى أن‬
‫القطييع فييي كييل متموَّل يجوز بيعييه وأخييذ العوض فيييه؛ وقال أبييو‬
‫حنيفية‪ :‬ل قطيع فيي الطعام ول فيميا أصيله مباح كالصييد والحطيب‬
‫والحشييش‪ .‬فعمدة الجمهور عموم اليية الموجبية للقطيع وعموم‬
‫الثار الواردة فيي اشتراط النصياب‪ .‬وعمدة أبيي حنيفية فيي منعيه‬
‫القطيع فيي الطعام الرطيب قوله علييه الصيلة والسيلم "ل قطيع‬
‫في ثمر ول كُث ْر" وذلك أن هذا الحديث روي هكذا مطلقا من غير‬
‫زيادة‪ .‬وعمدته أيضا في منع القطع فيما أصله مباح الشبهة التي‬
‫فييه لكيل مالك‪ ،‬وذلك أنهيم اتفقوا على أن مين شرط المسيروق‬
‫الذي يجييب فيييه القطييع أن ل يكون للسييارق فيييه شبهيية ملك‪.‬‬
‫واختلفوا فيما هو شبهة تدرأ الحد مما ليس بشبهة‪ ،‬وهذا هو أيضا‬
‫أحد الشروط المشترطة في المسروق هو في ثلثة مواضع‪ :‬في‬
‫جنسييه‪ ،‬وقدره‪ ،‬وشروطييه‪ ،‬وسييتأتي هذه المسييألة فيمييا بعييد‪.‬‬
‫واختلفوا من هذا الباب أعني من النظر في جنس المسروق في‬
‫المصحف فقال مالك والشافعي‪ :‬يقطع سارقه؛ وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫ل يقطيع‪ ،‬ولعيل هذا مين أبيي حنيفية بناء على أنيه ل يجوز بيعيه‪ ،‬أو‬
‫أن لكل أحد فيه حقا إذ ليس بمال‪ .‬واختلفوا من هذا الباب فيمن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سرق صغيرا مملوكا أعجميا ممن ل يفقه ول يعقل الكلم‪ ،‬فقال‬


‫الجمهور‪ :‬يقطع‪ .‬وأما إن كان كبيرا يفقه فقال مالك‪ :‬يقطع‪ ،‬وقال‬
‫أبيو حنيفية‪ :‬ل يقطيع‪ .‬واختلفوا فيي الحير الصيغير‪ ،‬فعنيد مالك أن‬
‫سارقه يقطع؛ ول يقطع عند أبي حنيفة‪ ،‬وهو قول ابن الماجشون‬
‫مين أصيحاب مالك‪ .‬واتفقوا كميا قلنيا أن شبهية الملك القويية تدرأ‬
‫هذا الحد‪ .‬واختلفوا في ما هو شب هة يدرأ من ذلك مما ل يدرأ منها‪،‬‬
‫فمنها العبد يسرق مال سيده؛ فإن الجمهور من العلماء على أنه‬
‫ل يقطييع؛ وقال أبييو ثور‪ :‬يقطييع ولم يشترط شرطييا؛ وقال أهييل‬
‫الظاهيير‪ :‬يقطييع إل أن يأتمنييه سيييده‪ .‬واشترط مالك فييي الخادم‬
‫الذي يجب أن يدرأ عنه الحد أن يكون يلي الخدمة لسيده بنفسه؛‬
‫والشافعييي مرة اشترط هذا ومرة لم يشترطييه‪ .‬وبدرء الحييد قال‬
‫عمير رضيي الله عنيه وابين مسيعود ول مخالف لهميا مين الصيحابة‪.‬‬
‫ومنهيا أحيد الزوجيين يسيرق مين مال الخير‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إذا كان‬
‫كل واحد ينفرد ببيت فيه متاعه فالقطع على من سرق من مال‬
‫صياحبه؛ وقال الشافعيي‪ :‬الحتياط أن ل قطيع على أحيد الزوجيين‬
‫لشبهيية الختلط وشبهيية المال‪ ،‬وقييد روي عنييه مثييل قول مالك‪،‬‬
‫واختاره المزنيي‪ .‬ومنهيا القرابات‪ ،‬فمذهيب مالك فيهيا أن ل يقطيع‬
‫الب في ما سيرق من مال البن فقيط لقوله علييه الصيلة والسيلم‬
‫"أنيت ومالك لبييك" ويقطيع كيل ميا سيواهم مين القرابات؛ وقال‬
‫الشافعييي‪ :‬ل يقطييع عمود النسييب العلى والسييفل‪ :‬يعنييي الب‬
‫والجداد والبناء وأبناء البناء؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يقطيع ذو الرحيم‬
‫المحرمية‪ ،‬وقال أبيو ثور‪ :‬تقطيع ييد كيل مين سيرق إل ميا خصيصه‬
‫الجماع‪ .‬ومنها اختلفهم فيمن سرق من الغنم أو من بيت المال؛‬
‫فقال مالك‪ :‬يقطيع؛ وقال عبيد الملك مين أصيحابه‪ :‬ل يقطيع‪ .‬فهذا‬
‫هو القول في الشياء التي يجب بها ما يجب في هذا الجناية‪.‬‬
‫*‪*3‬القول في الواجب‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الواجب في هذه الجناية إذا وجدت بالصفات التي ذكرنا‪،‬‬
‫أعنيي الموجودة فيي السيارق وفيي الشييء المسيروق وفيي صيفة‬
‫السيرقة‪ ،‬فإنهيم اتفقوا على أن الواجيب فييه القطيع من حييث هيي‬
‫جنايية‪ ،‬والغرم إذا لم يجيب القطيع‪ .‬واختلفوا هيل يجميع الغرم ميع‬
‫القطييع؟ فقال قوم‪ :‬عليييه الغرم مييع القطييع‪ ،‬وبييه قال الشافعييي‬
‫وأحميد واللييث وأبيو ثور وجماعية؛ وقال قوم‪ :‬لييس علييه غرم إذا‬
‫لم يجيد المسيروق منيه متاعيه بعينيه‪ ،‬وممين قال بهذا القول أبيو‬
‫حنيفيية والثوري وابيين أبييي ليلى وجماعيية؛ وفرق مالك وأصييحابه‬
‫فقال‪ :‬إن كان موسييرا أتبييع السييارق بقيميية المسييروق‪ ،‬وإن كان‬
‫معسيرا لم يتبيع بيه إذا أثرى‪ ،‬واشترط مالك دوام اليسير إلى يوم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القطع فيما حكى عنه ابن القاسم‪ .‬فعمدة من جمع بين المرين‬
‫أنه اجتمع في السرقة حقان‪ :‬حق لله‪ ،‬وحق للدمي‪ ،‬فاقتضى كل‬
‫حق موجبه‪ ،‬وأيضا فإنهم لما أجمعوا على أخذه منه إذا وجد بعينه‬
‫لزم إذا لم يوجييد بعينييه عنده أن يكون فييي ضمانييه قياسييا على‬
‫سيائر الموال الواجبية‪ .‬وعمدة الكوفييين حدييث عبيد الرحمين بين‬
‫عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ل يغرم السارق‬
‫إذا أقيم عليه الحد" وهذا الحديث مضعف عند أهل الحديث‪ .‬قال‬
‫أبيو عمير‪ :‬لنيه عندهيم مقطوع‪ ،‬قال‪ :‬وقيد وصيله بعضهيم وخرجيه‬
‫النسييائي‪ .‬والكوفيون يقولون‪ :‬إن اجتماع حقييين فييي حييق واحييد‬
‫مخالف للصول‪ ،‬ويقولون إن القطع هو بدل من الغرم‪ ،‬ومن هنا‬
‫يرون أنه إذا سرق شيئا ما فقطع فيه ثم سرقه ثانيا أنه ل يقطع‬
‫فييه‪ .‬وأميا تفرقية مالك فاسيتحسان على غيير قياس‪ .‬وأميا القطيع‬
‫فالنظر في محله وفيمن سرق وقد عدم المحل‪ .‬أما محل القطع‬
‫فهو اليد اليمنى باتفاق من الكوع‪ ،‬وهو الذي عليه الجمهور؛ وقال‬
‫قوم‪ :‬الصابع فقط‪ .‬فأما إذا سرق من قد قطعت يده اليمنى في‬
‫السيييرقة‪ ،‬فإنهيييم اختلفوا فيييي ذلك فقال أهيييل الحجاز والعراق‪:‬‬
‫تقطيع رجله اليسيرى بعيد الييد اليمنيى؛ وقال بعيض أهيل الظاهير‬
‫وبعض التابعين‪ :‬تقطع اليد اليسرى بعد اليمنى‪ ،‬ول يقطع منه غير‬
‫ذلك‪ .‬واختلف مالك والشافعي وأبو حنيفة بعد اتفاقهم على قطع‬
‫الرجيل اليسيرى بعيد الييد اليمنيى‪ ،‬هيل يقيف القطيع إن سيرق ثالثية‬
‫أم ل؟ فقال سيفيان وأبيو حنيفية‪ :‬يقيف القطيع فيي الرجيل‪ ،‬وإنميا‬
‫علييه فيي الثالثية الغرم فقيط؛ وقال مالك والشافعيي‪ :‬إن سيرق‬
‫ثالثيية قطعييت يده اليسييرى‪ ،‬ثييم إن سييرق رابعيية قطعييت رجله‬
‫اليمنى‪ ،‬وكل القولين مروي عن عمر وأبي بكر‪ ،‬أعني قول مالك‬
‫وأبي حنيفة‪ .‬فعمدة من لم ير إل قطع اليد قوله تعالى {والسارق‬
‫والسيارقة فاقطعوا أيديهميا} ولم يذكير الرجيل إل فيي المحاربيين‬
‫فقيط‪ .‬وعمدة مين قطيع الرجيل بعيد الييد ميا روي "أن النيبي صيلى‬
‫الله علييه وسيلم أتيى بعبيد سيرق فقطيع يده اليمنيى‪ ،‬ثيم الثانيية‬
‫فقطع رجله‪ ،‬ثم أتى به في الثالثة فقطع يده اليسرى‪ ،‬ثم أتى به‬
‫في الرابعة فقطع رجله" وروي هذا من حديث جابر بن عبد الله‪،‬‬
‫وفييه "ثيم أخذه الخامسية فقتله" إل أنيه منكير عنيد أهيل الحدييث‪،‬‬
‫ويرده قوله علييه الصيلة والسيلم "هين فواحيش وفيهين عقوبية"‬
‫ولم يذكر قتل‪ .‬وحديث ابن عباس "أن النبي عليه الصلة والسلم‬
‫قطيع الرجيل بعيد الييد" وعنيد مالك أنيه يؤدب فيي الخامسية‪ ،‬فإذا‬
‫ذهب محل القطع من غير سرقة بأن كانت اليد شلء‪ ،‬فقيل في‬
‫المذهييب ينتقييل القطييع إلى اليييد اليسييرى‪ ،‬وقيييل إلى الرجييل‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلف فيي موضيع القطيع مين القدم‪ ،‬فقييل يقطيع مين المفصيل‬
‫الذي فيي أصيل السياق‪ ،‬وقييل يدخيل الكعبان فيي القطيع‪ ،‬وقييل ل‬
‫يدخلن‪ ،‬وقييل إنهيا تقطيع مين المفصيل الذي فيي وسيط القدم‪.‬‬
‫واتفقوا على أن لصيياحب السييرقة أن يعفييو عيين السييارق مييا لم‬
‫ير فع ذلك إلى المام لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن‬
‫جده أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم قال "تعافوا الحدود‬
‫بينكم فما بلغني من حد فقد وجب" وقوله عليه الصلة والسلم‬
‫"لو كانيت فاطمية بنيت محميد لقميت عليهيا الحيد" وقوله لصيفوان‬
‫"هل كان ذلك قبيل أن تأتينيي بيه؟"‪ .‬واختلفوا فيي السيارق يسيرق‬
‫ميا يجيب فييه القطيع فيرفيع إلى المام وقيد وهبيه صياحب السيرقة‬
‫مييا سييرقه‪ ،‬أو يهبييه له بعييد الرفييع وقبييل القطييع؛ فقال مالك‬
‫والشافعيي‪ :‬علييه الحيد‪ ،‬لنيه قيد رفيع إلى المام وقال أبيو حنيفية‬
‫وطائفة‪ :‬ل حد عليه‪ .‬فعمدة الجمهور حديث مالك عن ابن شهاب‬
‫عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية أنه قيل له "إن من‬
‫لم يهاجيير هلك‪ ،‬فقدم صييفوان بيين أمييية إلى المدينيية‪ ،‬فنام فييي‬
‫المسيجد وتوسيد رداءه فجاء سيارق فأخييذ رداءه‪ ،‬فأخييذ صيفوان‬
‫السارق فجاء به إلى ر سول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأمر به‬
‫رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم أن تقطيع يده‪ ،‬فقال صيفوان‪:‬‬
‫لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬فهل قبل أن تأتيني به"‪.‬‬
‫*‪*3‬القول فيما تثبت به السرقة‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن السييرقة تثبييت بشاهدييين عدلييين‪ ،‬وعلى أنهييا‬
‫تثبيت بإقرار الحير‪ .‬واختلفوا فيي إقرار العبيد؛ فقال جمهور فقهاء‬
‫المصييار‪ :‬إقراره على نفسييه موجييب لحده‪ ،‬وليييس يوجييب عليييه‬
‫غرميا؛ وقال زفير‪ :‬ل يجيب إقرار العبيد على نفسيه بميا يوجيب قتله‬
‫ول قطع يده لكونه مال لموله‪ ،‬وبه قال شريح والشافعي وقتادة‬
‫وجماعية‪ ،‬وإن رجيع عين القرار إلى شبهية قبيل رجوعيه‪ .‬وإن رجيع‬
‫إلى غير شبهة فعن مالك في ذلك روايتان‪ ،‬هكذا حكى البغداديون‬
‫عيين المذهييب‪ ،‬وللمتأخرييين فييي ذلك تفصيييل ليييس يليييق بهذا‬
‫الغرض‪ ،‬وإنما هو لئق بتفريع المذهب‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الحرابة‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في هذا الكتاب قوله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون‬
‫الله ورسييوله} الييية‪ .‬وذلك أن هذه الييية عنييد الجمهور هييي فييي‬
‫المحاربيين‪ .‬وقال بعيض الناس‪ :‬إنهيا نزلت فيي النفير الذيين ارتدوا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي زمان النيبي علييه الصيلة والسيلم واسيتاقوا البيل‪ ،‬فأمير بهيم‬
‫رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم فقطعييت أيديهييم وأرجلهييم‬
‫وسيملت أعينهيم‪ ،‬والصيحيح أنهيا فيي المحاربيين لقوله تعالى {إل‬
‫الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} وليس عدم القدرة عليهم‬
‫مشترطية فيي توبية الكفار فبقيي أنهيا فيي المحاربيين‪ .‬والنظير فيي‬
‫أصيول هذا الكتاب ينحصير فيي خمسية أبواب‪ :‬أحدهيا‪ :‬النظير فيي‬
‫الحرابية‪ .‬والثانيي‪ :‬النظير فيي المحارب‪ .‬والثالث‪ :‬فيميا يجيب على‬
‫المحارب‪ .‬والرابييع‪ :‬فييي مسييقط الواجييب عنييه وهييي التوبيية‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬بماذا تثبت هذه الجناية‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في النظر في الحرابة‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا الحرابية‪ ،‬فاتفقوا على أنهيا إشهار السيلح وقطيع السيبيل‬
‫خارج المصيير‪ ،‬واختلفوا فيميين حارب داخييل المصيير‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫داخييل المصيير وخارجييه سييواء؛ واشترط الشافعييي الشوكيية‪ ،‬وإن‬
‫كان لم يشترط العدد‪ ،‬وإنمييا معنييى الشوكيية عنده قوة المغالبيية‪،‬‬
‫ولذلك يشترط فيهيا البعيد عين العمران‪ ،‬لن المغالبية إنميا تتأتيى‬
‫بالبعيييد عييين العمران؛ وكذلك يقول الشافعيييي‪ :‬أنيييه إذا ضعيييف‬
‫السيلطان ووجدت المغالبية فيي المصير كانيت محاربية‪ ،‬وأميا غيير‬
‫ذلك فهيو عنده اختلس؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل تكون المحاربية فيي‬
‫المصر‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في النظر في المحارب‪.‬‬
‫@‪-‬فأميا المحارب‪ :‬فهيو كيل مين كان دميه محقونيا قبيل الحرابية‪،‬‬
‫وهو المسلم والذمي‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث فيما يجب على المحارب‪.‬‬
‫@‪-‬وأما ما يجب على المحارب‪ ،‬فاتفقوا على أنه يجب عليه حق‬
‫لله وحيق للدمييين واتفقوا على أن حيق الله هيو القتيل والصيلب‬
‫وقطيع اليدي وقطيع الرجيل مين خلف‪ ،‬والنفيي على ميا نيص الله‬
‫تعالى فيي آيية الحرابية‪ .‬واختلفوا فيي هذه العقوبات هيل هيي على‬
‫التخييير أو مرتبية على قدر جنايية المحارب؛ فقال مالك‪ :‬إن قتيل‬
‫فل بد من قتله‪ ،‬وليس للمام تخيير في قطعه ول في نفيه‪ ،‬وإنما‬
‫التخييير فيي قتله أو صيلبه‪ .‬وأميا إن أخيذ المال ولم يقتيل فل تخييير‬
‫فيي نفييه‪ ،‬وإنميا التخييير فيي قتله أو صيلبه أو قطعيه مين خلف‪.‬‬
‫وأما إذا أخاف السبيل فقط فالمام عنده مخير في قتله أو صلبه‬
‫أو قطعيه أو نفييه‪ .‬ومعنيى التخييير عنده أن المير راجيع فيي ذلك‬
‫إلى اجتهاد المام‪ ،‬فإن كان المحارب مميييين له الرأي والتدبييييير‪،‬‬
‫فوجيه الجتهاد قتله أو صيلبه‪ ،‬لن القطيع ل يرفيع ضرره‪ .‬وإن كان‬
‫ل رأي له وإنما هو ذو قوة وبأس قطعه من خلف‪ .‬وإن كان ليس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فييه شييء مين هاتيين الصيفتين أخيذ بأيسير ذلك فييه وهيو الضرب‬
‫والنفي‪ .‬وذهب الشافعي وأبو حنيفة وجماعة من العلماء إلى أن‬
‫هذه العقوبة هي مرتبة على الجنايات المعلوم من الشرع ترتيبها‬
‫علييه‪ ،‬فل يقتيل مين المحاربيين إل مين قتيل‪ ،‬ول يقطيع إل مين أخيذ‬
‫المال‪ ،‬ول ينفييي إل ميين لم يأخييذ المال ول قتييل؛ وقال قوم‪ :‬بييل‬
‫المام مخييير فيهييم على الطلق‪ ،‬وسييواء قتييل أم لم يقتييل‪ ،‬أخييذ‬
‫المال أو لم يأخذه‪ .‬وسيييبب الخلف هيييل حرف "أو" فيييي اليييية‬
‫للتخييير أو للتفصييل على حسيب جناياتهيم؟ ومالك حميل البعيض‬
‫مين المحاربيين على التفصييل والبعيض على التخييير‪ .‬واختلفوا فيي‬
‫معنى قوله {أو يصلبوا} فقال قوم‪ :‬إنه يصلب حتى يموت جوعا؛‬
‫وقال قوم‪ :‬بل معنى ذلك أنه يقتل ويصلب معا‪ ،‬وهؤلء منهم من‬
‫قال‪ :‬يقتل أول ثم يصلب‪ ،‬وهو قول أشهب‪ ،‬وقيل إنه يصلب حيا‬
‫ثيم يقتيل فيي الخشبية‪ ،‬وهيو قول ابين القاسيم وابين الماجشون؛‬
‫ومين رأى أنيه يقتيل أول ثيم يصيلب صيلى علييه عنده قبيل الصيلب؛‬
‫ومن رأى أنه يقتل في الخشبة فقال بعضهم‪ :‬ل يصلى عليه تنكيل‬
‫له‪ ،‬وقيل يقف خلف الخشبة ويصلى عليه؛ وقال سحنون‪ :‬إذا قتل‬
‫فيي الخشبية أنزل منهيا وصيلى علييه‪ .‬وهيل يعاد إلى الخشبية بعيد‬
‫الصيلة؟ فييه قولن عنيه؛ وذهيب أبيو حنيفية وأصيحابه أنيه ل يبقيى‬
‫على الخشبيية أكثيير ميين ثلثيية أيام‪ .‬وأمييا قوله {أو تقطييع أيديهييم‬
‫وأرجلهييييم ميييين خلف} فمعناه أن تقطييييع يده اليمنييييى ورجله‬
‫اليسيرى‪ ،‬ثيم إن عاد قطعيت يده اليسيرى ورجله اليمنيى‪ .‬واختلف‬
‫إذا لم تكيين له اليمنييى؛ فقال ابيين القاسييم‪ :‬تقطييع يده اليسييرى‬
‫ورجله اليمنيى؛ وقال أشهيب‪ :‬تقطيع يده اليسيرى ورجله اليسيرى‪.‬‬
‫واختلف أيضيا فيي قوله أو ينفوا مين الرض‪ ،‬فقييل إن النفيي هيو‬
‫السجن‪ ،‬وقيل إن النفي هو أن ينفى من بلد إلى بلد فيسجن فيه‬
‫إلى أن تظهر توبته‪ ،‬وهو قول ابن القاسم عن مالك‪ ،‬ويكون بين‬
‫البلديين أقيل ميا تقصير فييه الصيلة‪ ،‬والقولن عين مالك‪ ،‬وبالول‬
‫قال أبو حنيفة؛ وقال ابن الماجشون‪ :‬معنى النفي هو فرارهم من‬
‫المام لقامية الحيد عليهيم‪ ،‬فأميا أن ينفيى بعيد أن يقدر علييه فل؛‬
‫وقال الشافعيييي‪ :‬أميييا النفيييي فغيييير مقصيييود‪ ،‬ولكييين إن هربوا‬
‫شردناهيم فيي البلد بالتباع‪ ،‬وقييل هيي عقوبية مقصيودة‪ ،‬فقييل‬
‫على هذا ينفى ويسجن دائما‪ ،‬وكلها عن الشافعي؛ وقيل معنى أو‬
‫ينفوا‪ :‬أي من أرض السلم إلى أرض الحرب‪ .‬والذي يظهر هو أن‬
‫النفيي تغريبهيم عين وطنهيم لقوله تعالى {ولو أنيا كتبنيا عليهيم أن‬
‫اقتلوا أنفسيكم أو اخرجوا مين دياركيم} اليية‪ .‬فسيوى بيين النفيي‬
‫والقتييل‪ ،‬وهييي عقوبيية معروفيية بالعادة ميين العقوبات كالضرب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والقتيل‪ ،‬وكيل ميا يقال فييه سيوى هذا فلييس معروفيا ل بالعادة ول‬
‫بالعرف‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في مسقط الواجب عنه من التوبة‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا ميا يسيقط الحييق الواجييب عليييه‪ ،‬فإن الصييل فيييه قوله‬
‫تعالى {إل الذييين تابوا ميين قبييل أن تقدروا عليهييم} واختلف ميين‬
‫ذلك في أربعة مواضع‪ :‬أحدها‪ :‬هل تقبل توبته؟‪ .‬والثاني‪ :‬إن قبلت‬
‫فميا صيفة المحارب الذي تقبيل توبتيه؟ فإن لهيل العلم فيي ذلك‬
‫قوليين‪ :‬قول إنيه تقبيل توبتيه وهيو أشهير لقوله تعالى {إل الذيين‬
‫تابوا مين قبيل أن تقدروا عليهيم} وقول‪ :‬إنيه ل تقبيل توبتيه‪ ،‬قال‬
‫ذلك مين قال إن اليية لم تنزل فيي المحاربيين‪ .‬وأميا صيفة التوبية‬
‫التي تسقط الحكم فإنهم اختلفوا فيها على ثلثة أقوال‪ :‬أحدها أن‬
‫توبتيه تكون بوجهيين‪ :‬أحدهميا أن يترك ميا هيو علييه وإن لم يأت‬
‫المام؛ والثانيي أن يلقيي سيلحه ويأتيي المام طائعيا‪ ،‬وهيو مذهيب‬
‫ابين القاسيم‪ .‬والقول الثانيي أن توبتيه إنميا تكون بأن يترك ميا هيو‬
‫عليه ويجلس في موضعه ويظهر لجيرانه‪ ،‬وإن أتى المام قبل أن‬
‫تظهيير توبتييه أقام عليييه الحييد‪ ،‬وهذا هييو قول ابيين الماجشون‪.‬‬
‫والقول الثالث إن توبتييه إنمييا تكون بالمجييئ إلى المام‪ ،‬وإن ترك‬
‫ما هو عليه لم يسقط ذلك عنه حكما من الحكام إن أخذ قبل أن‬
‫يأتيي المام‪ ،‬وتحصييل ذلك هيو أن توبتيه قييل إنهيا تكون بأن يأتيي‬
‫المام قبيل أن يقدر علييه‪ ،‬وقييل إنهيا إنميا تكون إذا ظهرت توبتيه‬
‫قبييل القدرة فقييط‪ ،‬وقيييل تكون بالمرييين جميعييا‪ .‬وأمييا صييفة‬
‫المحارب الذي تقبييل توبتييه‪ ،‬فإنهييم اختلفوا فيهييا أيضييا على ثلثيية‬
‫أقوال‪ :‬أحدهيييا أن يلحيييق بدار الحرب‪ .‬والثانيييي أن تكون له فئة‪.‬‬
‫والثالث كيفمييا كانييت له فئة أو لم تكيين لحييق بدار الحرب أو لم‬
‫يلحق‪ .‬واختلف في المحارب إذا امتنع فأمنه المام على أن ينزل‪،‬‬
‫فقييل له المان ويسيقط عنيه حيد الحرابية‪ ،‬وقييل‪ :‬ل أمان له لنيه‬
‫إنما يؤمن المشرك‪ .‬وأما ما تسقط عنه التوبة‪ ،‬فاختلفوا في ذلك‬
‫على أربعية أقوال‪ :‬أحدهيا أن التوبية إنميا تسيقط عنيه حيد الحرابية‬
‫فقط‪ ،‬ويؤخذ بما سوى ذلك من حقوق الله وحقوق الدميين‪ ،‬وهو‬
‫قول مالك‪ .‬والقول الثانييي إن التوبيية تسييقط عنييه حييد الحرابيية‬
‫وجميييع حقوق الله ميين الزنييى والشراب والقطييع فييي السييرقة‪،‬‬
‫ويتبييييع بحقوق الناس ميييين الموال والدماء إل أن يعفييييو أولياء‬
‫المقتول‪ .‬والثالث أن التوبة ترفع جميع حقوق الله‪ ،‬ويؤخذ بالدماء‬
‫وفيي الموال بميا وجيد بعينيه فيي أيديهيم ول تتبيع ذممهيم‪ .‬والقول‬
‫الرابيع إن التوبية تسيقط جمييع حقوق الله وحقوق الدمييين مين‬
‫مال ودم إل ما كان من الموال قائم العين بيده‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬الباب الخامس بماذا تثبت هذه الجناية‪.‬‬


‫@‪-‬وأمييا بماذا يثبييت هذا الحييد فبالقرار والشهادة‪ ،‬ومالك يقبييل‬
‫شهادة المسييلوبين على الذييين سييلبوهم؛ وقال الشافعييي‪ :‬تجوز‬
‫شهادة أهل الرفقة عليهم إذا لم يدعوا لنفسهم ول لرفقائهم مال‬
‫أخذوه‪ ،‬وتثبت عند مالك الحرابة بشهادة السماع‪.‬‬
‫*‪*4‬فصل في حكم المحاربين على التأويل‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا حكيم المحاربيين على التأوييل‪ ،‬فإن محاربهيم المام‪ ،‬فإذا‬
‫قدر على واحييد منهييم لم يقتييل إل إذا كانييت الحرب قائميية‪ ،‬فإن‬
‫مالكيا قال‪ :‬إن للمام أن يقتله إن رأى ذلك لميا يخاف مين عونيه‬
‫لصيحابه على المسيلمين‪ .‬وأميا إذا أسير بعيد انقضاء الحرب‪ ،‬فإن‬
‫حكميه حكيم البدعيي الذي ل يدعيو إلى بدعتيه‪ ،‬وقييل يسيتتاب فإن‬
‫تاب وإل قتيل‪ ،‬وقييل يسيتتاب فإن لم يتيب يؤدب ول يقتيل‪ ،‬وأكثير‬
‫أهييل البدع إنمييا يكفرون بالمآل‪ .‬واختلف قول مالك فييي التكفييير‬
‫بالمآل ومعنيى التكفيير بالمآل‪ :‬أنهيم ل يصيرحون بقول هيو كفير‪،‬‬
‫ولكيين يصييرحون بأقوال يلزم عنهييا الكفيير وهييو ل يعتقدون ذلك‬
‫اللزوم‪ .‬وأميا ميا يلزم هؤلء مين الحقوق إذا ظفير بهيم‪ ،‬فحكمهيم‬
‫إذا تابوا أن ل يقام عليهيم حيد الحرابية‪ ،‬ول يؤخيذ منهيم ميا أخذوا‬
‫من المال إل أن يوجد بيده فيرد إلى ربه‪ .‬وإن ما اختلفوا هل يقتل‬
‫قصيياصا بميين قتييل؟ فقيييل يقتييل وهييو قول عطاء وأصييبغ؛ وقال‬
‫مطرف وابيين الماجشون عيين مالك‪ :‬ل يقتييل‪ ،‬وبييه قال الجمهور‪،‬‬
‫لن كييل ميين قاتييل على التأويييل فليييس بكافيير بتيية‪ ،‬أصييله قتال‬
‫الصحابة‪ ،‬وكذلك الكافر بالحقيقة هو المكذب ل المتأول‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في حكم المرتد‪.‬‬
‫@‪-‬والمرتييد إذا ظفيير بييه قبييل أن يحارب‪ ،‬فاتفقوا على أن يقتييل‬
‫الرجييل لقوله عليييه الصييلة والسييلم "ميين بدل دينييه فاقتلوه"‬
‫واختلفوا فييي قتييل المرأة وهييل تسييتتاب قبييل أن تقتييل؟ فقال‬
‫الجمهور‪ :‬تقتيل المرأة؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل تقتيل وشبههيا بالكافرة‬
‫الصييلية‪ ،‬والجمهور اعتمدوا العموم الوارد فييي ذلك؛ وشييذ قوم‬
‫فقالوا‪ :‬تقتل وإن راجعت السلم وأما الستتابة فإن مالكا شرط‬
‫فيي قتله ذلك على ميا راوه عين عمير؛ وقال قوم‪ :‬ل تقبيل توبتيه‪،‬‬
‫وأمييا إذا حارب المرتييد ثييم ظهيير عليييه فإنييه يقتييل بالحرابيية ول‬
‫يسيتتاب‪ ،‬كانيت حرابتيه بدار السيلم أو بعيد أن لحيق بدار الحرب‪،‬‬
‫إل أن يسيلم‪ .‬وأميا إذا أسيلم المرتيد المحارب بعيد أن أخيذ أو قبيل‬
‫أن يؤخييذ‪ ،‬فإنييه يختلف فييي حكمييه‪ ،‬فإن كانييت حرابتييه فييي دار‬
‫الحرب فهو عند مالك كالحربي يسلم لتباعه عليه في شيء مما‬
‫فعل في حال ارتداده‪ .‬وأما إن كانت حرابته في دار السلم‪ ،‬فإنه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يسقط إسلمه عنه حكم الحرابة خاصة‪ ،‬وحكمه فيما جنى حكم‬
‫المرتيد إذا جنيى فيي ردتيه فيي دار السيلم ثيم أسيلم؛ وقيد اختلف‬
‫أصييحاب مالك فيييه فقال‪ :‬حكمييه حكييم المرتييد ميين اعتييبر يوم‬
‫الجنايية؛ وقال‪ :‬حكميه حكيم المسيلم مين اعتيبر يوم الحكيم‪ .‬وقيد‬
‫اختلف فيي هذا الباب فيي حكيم السياحر؛ فقال مالك‪ :‬يقتيل كفرا؛‬
‫وقال قوم‪ :‬ل يقتل‪ ،‬والصل أن ل يقتل إل مع الكفر‪.‬‬
‫(بسيم الله الرحمين الرحييم‪ ،‬وصيلى الله على سييدنا محميد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما)‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب القضية‬
‫@‪-‬وأصول هذا الكتاب تنحصر في ستة أبواب‪ :‬أحدها‪ :‬في معرفة‬
‫مين يجوز قضاؤه‪ .‬والثانيي‪ :‬فيي معرفية ميا يقضيي بيه‪ .‬والثالث فيي‬
‫معرفة ما يقضي فيه‪ .‬والرابع‪ :‬في معرفة من يقضي عليه أو له‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬في كيفية القضاء‪ .‬والسادس‪ :‬في وقت القضاء‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في معرفة من يجوز قضاؤه‪.‬‬
‫@‪-‬والنظيير فييي هذا الباب فيميين يجوز قضاؤه‪ ،‬وفيمييا يكون بييه‬
‫أفضييل‪ .‬فأمييا الصييفات المشترطيية فييي الجواز‪ :‬فأن يكون حرا‬
‫مسيلما بالغيا ذكرا عاقل عدل‪ .‬وقيد قييل فيي المذهيب إن الفسيق‬
‫يوجيب العزل ويمضيي ميا حكيم بيه‪ .‬واختلفوا فيي كونيه مين أهيل‬
‫الجتهاد؛ فقال الشافعيي‪ :‬يجيب أن يكون مين أهيل الجتهاد ومثله‬
‫حكييى عبييد الوهاب عيين المذهييب؛ وقال أبييو حنيفيية‪ :‬يجوز حكييم‬
‫العاميي‪ .‬قال القاضيي‪ :‬وهيو ظاهير ميا حكاه جدي رحمية الله علييه‬
‫فييي المقدمات عيين المذهييب لنييه جعييل كون الجتهاد فيييه ميين‬
‫الصييفات المسييتحبة‪ .‬وكذلك اختلفوا فييي اشتراط الذكورة؛ فقال‬
‫الجمهور‪ :‬هيي شرط فيي صيحة الحكيم؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬يجوز أن‬
‫تكون المرأة قاضييييا فيييي الموال؛ قال الطيييبري‪ :‬يجوز أن تكون‬
‫المرأة حاكميا على الطلق فيي كيل شييء؛ قال عبيد الوهاب‪ :‬ول‬
‫أعلم بينهييم اختلفييا فييي اشتراط الحرييية؛ فميين رد قضاء المرأة‬
‫شبهيه بقضاء المامية الكيبرى‪ ،‬وقاسيها أيضيا على العبيد لنقصيان‬
‫حرمتها؛ ومن أجاز حكمها في الموال فتشبيها بجواز شهادتها في‬
‫الموال؛ ومن رأى حكمها نافذا في كل شيء قال‪ :‬إن الصل هو‬
‫أن كييل ميين يتأتييى منييه الفصييل بييين الناس فحكمييه جائز إل مييا‬
‫خصييصه الجماع ميين الماميية الكييبرى‪ .‬وأمييا اشتراط الحرييية فل‬
‫خلف فييه‪ ،‬ول خلف فيي مذهيب مالك أن السمع والبصير والكلم‬
‫مشترطة في استمرار وليته وليس شرطا في جواز وليته‪ ،‬وذلك‬
‫أن مين صيفات القاضيي فيي المذهيب ميا هيي شرط فيي الجواز‪،‬‬
‫فهذا إذا ولي عزل وفسيخ جمييع ميا حكيم بيه ومنهيا ميا هيي شرط‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيي السيتمرار وليسيت شرطيا فيي الجواز‪ ،‬فهذا إذا ولى القضاء‬
‫عزل ونفذ ما حكم به إل أن يكون جورا‪ .‬ومن هذا الجنس عندهم‬
‫هذه الثلث صفات‪ .‬ومن شرط القضاء عند مالك أن يكون واحدا‪.‬‬
‫والشافعي يجيز أن يكون في المصر قاضيان اثنان إذا رسم لكل‬
‫واحيد منهميا ميا يحكيم فييه‪ ،‬وإن شرط اتفاقهميا فيي كيل حكيم لم‬
‫يجييز‪ ،‬وإن شرط السييتقلل لكييل واحييد منهمييا فوجهان‪ :‬الجواز‬
‫والمنييع‪ ،‬قال‪ :‬وإذا تنازع الخصييمان فييي اختيار أحدهمييا وجييب أن‬
‫يقترعيا عنده‪ .‬وأميا فضائل القضاء فكثيرة‪ ،‬وقيد ذكرهيا الناس فيي‬
‫كتبهيم‪ .‬وقد اختلفوا في المي هل يجوز أن يكون قاضيا؟ والبين‬
‫جوازه لكونه عليه الصلة والسلم أميا؛ وقال قوم‪ :‬ل يجوز؛ وعن‬
‫الشافعييي القولن جميعييا‪ ،‬لنييه يحتمييل أن يكون ذلك خاصييا بييه‬
‫لموضيع العجيز‪ ،‬ول خلف فيي جواز حكيم المام العظيم وتوليتيه‬
‫للقاضي شرط في صحة قضائه ل خلف أعرف فيه‪ .‬واختلفوا من‬
‫هذا الباب فيي نفوذ حكيم مين رضييه المتداعيان ممين لييس بوال‬
‫على الحكام‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجوز؛ وقال الشافعيي‪ :‬فيي أحيد قولييه‬
‫ل يجوز؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز إذا وافق حكمه حكم قاضي البلد‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في معرفة ما يقضي به‪.‬‬
‫@‪-‬وأما فيما يحكم‪ ،‬فاتفقوا أن القاضي يحكم في كل شيء من‬
‫الحقوق كان حقييا لله أو حقييا للدميييين‪ ،‬وأنييه نائب عيين المام‬
‫العظيم في هذا المعنى وأنه يعقد النكحة ويقدم الوصياء‪ ،‬وهيل‬
‫يقدم الئميية فييي المسيياجد الجامعيية؟ فيييه خلف‪ ،‬وكذلك هييل‬
‫يسيتخلف فييه خلف فيي المرض والسيفر إل أن يؤذن له‪ ،‬ولييس‬
‫ينظير فيي الجباة ول فيي غيير ذلك مين الولة‪ ،‬وينظير فيي التحجيير‬
‫على السفهاء عند من يرى التحجير عليهم‪ .‬ومن فروع هذا الباب‬
‫هيل ميا يحكيم فييه الحاكيم تحلة للمحكوم له بيه‪ ،‬وإن لم يكين فيي‬
‫نفسييه حلل‪ ،‬وذلك أنهييم أجمعوا على أن حكييم الحاكييم الظاهيير‬
‫الذي يعترييييه ل يحيييل حراميييا ول يحرم حلل‪ ،‬وذلك فيييي الموال‬
‫خاصة لقوله عليه الصلة والسلم "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون‬
‫إلي فلعيل بعضكيم أن يكون ألحين بحجتيه مين بعيض فأقضيي له‬
‫على نحو ما أسمع منه‪ ،‬فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فل‬
‫يأخذ منه شيئا‪ ،‬فإنما أقطع له قطعة من النار"‪ .‬واختلفوا في حل‬
‫عصمة النكاح أو عقده بالظاهر الذي يظن الحاكم أنه حق وليس‬
‫بحيق‪ ،‬إذ ل تحيل حرام‪ ،‬ول يحرم حلل بظاهير حكيم الحاكيم دون‬
‫أن يكون الباطييين كذلك هيييل يحيييل ذلك أم ل؟ فقال الجمهور‪:‬‬
‫الموال والفروج في ذلك سواء‪ ،‬ل يحل حكم الحاكم منها حراما‬
‫ول يحرم حلل‪ ،‬وذلك مثل أن يشهد شاهدا زورا في امرأة أجنبية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أنهيا زوجية لرجيل أجنيبي ليسيت له بزوجية؛ فقال الجمهور‪ :‬ل تحيل‬
‫له وإن أحلهييا الحاكييم بظاهيير الحكييم؛ وقال أبييو حنيفيية وجمهور‬
‫أصحابه‪ :‬تحل له‪ .‬فعمدة الجمهور عموم الحديث المتقدم‪ ،‬وشبهة‬
‫أبييو حنيفيية أن الحكييم باللعان ثابييت بالشرع‪ ،‬وقييد علم أن أحييد‬
‫المتلعنيييين كاذب‪ ،‬واللعان يوجيييب الفرقييية‪ ،‬ويحرم المرأة على‬
‫زوجهيا الملعين لهيا ويحلهيا لغيره‪ ،‬فإن كان هيو الكاذب فلم تحرم‬
‫علييه إل بحكيم الحاكيم‪ ،‬وكذلك إن كانيت هيي الكاذبية‪ ،‬لن زناهيا ل‬
‫يوجب فرقتها على قول أكثر الفقهاء؛ والجمهور أن الفرقة ها هنا‬
‫إنما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث فيما يكون به القضاء‪.‬‬
‫@‪-‬والقضاء يكون بأربع‪ :‬بالشهادة‪ ،‬وباليمين‪ ،‬وبالنكول‪ ،‬وبالقرار‪،‬‬
‫أو بما تركب من هذه ففي هذا الباب أربعة فصول‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في الشهادة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظير فيي الشهود فيي ثلثية أشياء‪ :‬فيي الصيفة‪ ،‬والجنيس‪،‬‬
‫والعدد‪ .‬فأمييا عدد الصييفات المعتييبرة فييي قبول الشاهييد بالجملة‬
‫فهيي خمسية‪ :‬العدالة‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والسيلم‪ ،‬والحريية‪ ،‬ونفيي التهمية‪.‬‬
‫وهذه منهييا متفييق عليهييا‪ ،‬ومنهييا مختلف فيهييا‪ .‬أمييا العدالة‪ ،‬فإن‬
‫المسيلمين اتفقوا على اشتراطهيا فيي قبول شهادة الشاهيد لقوله‬
‫تعالى {ممن ترضون من الشهداء} ولقوله تعالى {وأشهدوا ذوي‬
‫عدل منكم} واختلفوا فيما هي العدالة؛ فقال الجمهور‪ :‬هي صفة‬
‫زائدة على السييييلم‪ ،‬وهييييو أن يكون ملتزمييييا لواجبات الشرع‬
‫ومسييتحباته‪ ،‬مجنبييا للمحرمات والمكروهات؛ وقال أبييو حنيفيية‪:‬‬
‫يكفيي فيي العدالة ظاهير السيلم‪ ،‬وأن ل تعلم منيه جرحية‪ .‬وسيبب‬
‫الخلف كميييا قلنيييا ترددهيييم فيييي مفهوم اسيييم العدالة المقابلة‬
‫للفسيق‪ ،‬وذلك أنهيم اتفقوا على أن شهادة الفاسيق ل تقبيل لقوله‬
‫تعالى {يييا أيهييا الذييين آمنوا إن جاءكييم فاسييق بنبييأ} الييية‪ .‬ولم‬
‫يختلفوا أن الفاسيق تقبيل شهادتيه إذا عرفيت توبتيه‪ ،‬إل مين كان‬
‫فسقه من قبل القذف‪ .‬فإن أبا حنيفة يقول‪ :‬ل تقبل شهادته وإن‬
‫تاب‪ .‬والجمهور يقولون‪ :‬تقبيل‪ .‬وسيبب الخلف هيل يعود السيتثناء‬
‫فييييييي قوله تعالى {ول تقبلوا لهييييييم شهادة أبدا وأولئك هييييييم‬
‫الفاسيقون‪ .‬إل الذيين تابوا مين بعيد ذلك} إلى أقرب مذكور إلييه‪،‬‬
‫أو على الجملة إل ميا خصيصه الجماع‪ ،‬وهيو أن التوبية ل تسيقط‬
‫عنييه الحييد‪ ،‬وقييد تقدم هذا‪ .‬وأمييا البلوغ فإنهييم اتفقوا على أنييه‬
‫يشترط حييييث تشترط العدالة‪ .‬واختلفوا فيييي شهادة الصيييبيان‬
‫بعضهيم على بعيض فيي الجراح وفيي القتيل‪ ،‬فردهيا جمهور فقهاء‬
‫المصيار لميا قلناه مين وقوع الجماع على أن مين شرط الشهادة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العدالة‪ ،‬وميين شرط العدالة البلوغ‪ ،‬ولذلك ليسييت فييي الحقيقيية‬


‫شهادة عند مالك‪ ،‬وإنما هي قرينة حال‪ ،‬ولذلك اشترط فيها أن ل‬
‫يتفرقوا لئل يجبنوا‪ .‬واختلف أصحاب مالك هل تجوز إذا كان بينهم‬
‫كييبير أم ل؟ ولم يختلفوا أنييه يشترط فيهييا العدة المشترطيية فييي‬
‫الشهادة‪ ،‬واختلفوا هيل يشترط فيهيا الذكورة أم ل؟ واختلفوا أيضيا‬
‫هل تجوز في القتل الواقع بينهم؟ ول عمدة لمالك في هذا إل أنه‬
‫مروي عين ابين الزبيير‪ .‬قال الشافعيي‪ :‬فإذا احتيج محتيج بهذا قييل‬
‫له‪ :‬إن ابيين عباس قييد ردهييا‪ ،‬والقرآن يدل على بطلنهييا؛ وقال‬
‫بقول مالك ابين أبيي ليلى وقوم مين التابعيين‪ ،‬وإجازة مالك لذلك‬
‫هو من باب إجازته قياس المصلحة‪.‬‬
‫وأمييا السييلم فاتفقوا على أنييه شرط فييي القبول‪ ،‬وأنييه ل تجوز‬
‫شهادة الكافير‪ ،‬إل ميا اختلفوا فييه مين جواز ذلك فيي الوصيية فيي‬
‫السيفر لقوله تعالى {ييا أيهيا الذيين آمنوا شهادة بينكيم إذا حضير‬
‫أحدكييم الموت حييين الوصييية اثنان ذوا عدل منكييم أو آخران ميين‬
‫غيركييم} الييية‪ .‬فقال أبييو حنيفيية‪ :‬يجوز ذلك على الشروط التييي‬
‫ذكرهييا الله؛ وقال مالك والشافعييي‪ :‬ل يجوز ذلك‪ ،‬ورأوا أن الييية‬
‫منسيوخة‪ .‬وأميا الحريية فإن جمهور فقهاء المصيار على اشتراطهيا‬
‫فييي قبول الشهادة؛ وقال أهييل الظاهيير‪ :‬تجوز شهادة العبييد‪ ،‬لن‬
‫الصل إنما هو اشتراط العدالة‪ ،‬والعبودية ليس لها تأثير في الرد‪،‬‬
‫إل أن يثبييت ذلك ميين كتاب الله أو سيينة أو إجماع‪ ،‬وكأن الجمهور‬
‫رأوا أن العبوديية أثير مين أثير الكفير فوجيب أن يكون لهيا تأثيير فيي‬
‫رد الشهادة‪ .‬وأميا التهمية التيي سيببها المحبية‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا‬
‫على أنهييا مؤثرة فييي إسييقاط الشهادة‪ .‬واختلفوا فييي رد شهادة‬
‫العدل بالتهميية لموضييع المحبيية أو البغضيية التييي سييببها العداوة‬
‫الدنيويية‪ ،‬فقال بردهيا فقهاء المصيار‪ ،‬إل أنهيم اتفقوا فيي مواضيع‬
‫على أعمال التهميية‪ ،‬وفييي مواضييع على إسييقاطها‪ ،‬وفييي مواضييع‬
‫اختلفوا فيها فأعملها بعضهم وأسقطها بعضهم‪ .‬فمما اتفقوا عليه‬
‫رد شهادة الب لبنييه والبيين لبيييه‪ ،‬وكذلك الم لبنهييا وابنهييا لهييا‪.‬‬
‫وممييا اختلفوا فييي تأثييير التهميية فييي شهادتهييم شهادة الزوجييين‬
‫أحدهما للخر‪ ،‬فإن مالكا ردها وأبا حنيفة‪ ،‬وأجازها الشافعي وأبو‬
‫ثور والحسين؛ وقال ابين أبيي ليلى‪ :‬تقبيل شهادة الزوج لزوجيه ول‬
‫تقبل شهادتها له‪ ،‬وبه قال النخعي‪ .‬ومما اتفقوا عليه على إسقاط‬
‫التهمة فيه شهادة الخ لخيه مالم يدفع بذلك عن نفسه عارا على‬
‫ميا قال مالك‪ ،‬ومالم يكين منقطعيا إلى أخييه يناله بره وصيلته‪ ،‬ميا‬
‫عدا الوزاعييي فإنييه قال‪ :‬ل تجوز‪ .‬وميين هذا الباب اختلفهييم فييي‬
‫قبول شهادة العدو على عدوه؛ فقال مالك والشافعييي‪ :‬ل تقبييل؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال أبو حنيفة‪ :‬تقبل‪ .‬فعمدة الجمهور في رد الشهادة بالتهمة ما‬


‫روي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "ل تقبل شهادة خصم ول‬
‫ظنيين" وميا خرجيه أبيو داود مين قوله علييه الصيلة والسيلم "ل‬
‫تقبيل شهادة بدوي على حضري" لقلة شهود البدوي ميا يقيع فيي‬
‫المصير‪ ،‬فهذه هيي عمدتهيم مين طرييق السيماع‪ .‬وأميا مين طرييق‬
‫المعنيى فلموضيع التهمية‪ ،‬وقيد أجميع الجمهور على أن تأثيرهيا فيي‬
‫الحكام الشرعية مثل اجتماعهم على أنه ل يرث القاتل المقتول‪،‬‬
‫وعلى وريث المبتوتة في المرض وإن كان فيه خلف‪.‬‬
‫وأما الطائفة الثانية وهم شريح وأبو ثور وداود فإنهم قالوا‪ :‬تقبل‬
‫شهادة الب لبنيه فضل عمين سيواه إذا كان الب عدل‪ :‬وعمدتهيم‬
‫قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله‬
‫ولو على أنفسكم أو الوالدين والقربين} والمر بالشيء يقتضي‬
‫إجزاء المأمور به إل ما خصصه الجماع من شهادة المرء لنفسه‪.‬‬
‫وأميا مين طرييق النظير‪ ،‬فإن لهيم أن يقولوا رد الشهادة بالجملة‬
‫إنميا هيو لموضيع اتهام الكذب‪ ،‬وهذه التهمية إنميا اعتملهيا الشرع‬
‫فييي الفاسييق ومنييع إعمالهييا فييي العادل‪ ،‬فل تجتمييع العدالة مييع‬
‫التهميية‪ .‬وأمييا النظيير فييي العدد والجنييس‪ ،‬فإن المسييلمين اتفقوا‬
‫على أنه ل يثبت الزنى بأقل من أربعة عدول ذكور‪ ،‬واتفقوا على‬
‫أ نه تثبيت جمييع الحقوق ما عدا الزنيى بشاهد ين عدليين ذكر ين ما‬
‫خل الحسين البصيري‪ ،‬فإنيه قال‪ :‬ل تقبيل بأقيل مين أربعية شهداء‬
‫تشبيها بالرجم‪ ،‬وهذا ضعيف لقوله سبحانه {واستشهدوا شهيدين‬
‫مين رجالكيم} وكيل متفيق أن الحكيم يجيب بالشاهديين مين غيير‬
‫يمين المدعي‪ ،‬إل ابن أبي ليلى فإنه قال‪ :‬ل بد من يمينه‪ .‬واتفقوا‬
‫على أنييه تثبييت الموال بشاهييد عدل ذكيير وامرأتييين لقوله تعالى‬
‫{فرجييل وامرأتان مميين ترضون ميين الشهداء} واختلفوا فييي‬
‫قبولهمييا فييي الحدود‪ ،‬فالذي عليييه الجمهور أنييه ل تقبييل شهادة‬
‫النسياء فيي الحدود ل ميع رجيل ول مفردات؛ وقال أهيل الظاهير‪:‬‬
‫تقبيل إذا كان معهين رجيل وكان النسياء أكثير مين واحدة فيي كيل‬
‫شييء على ظاهير اليية؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬تقبيل فيي الموال وفيميا‬
‫عدا الحدود مييين أحكام البدان مثيييل الطلق والرجعييية والنكاح‬
‫والعتيق؛ ول تقبيل عنيد مالك فيي حكيم مين أحكام البدن‪ :‬واختلف‬
‫أصييحاب مالك فييي قبولهيين فييي حقوق البدان المتعلقيية بالمال‪،‬‬
‫مثيل الوكالت والوصيية التيي ل تتعلق إل بالمال فقيط؛ فقال مالك‬
‫وابن القاسم وابن وهب‪ :‬يقبل فيه شاهد وامرأتان؛ وقال أشهب‬
‫وابن الماجشون‪ :‬ل يقبل فيه إل رجلن‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأمييا شهادة النسيياء مفردات‪ ،‬أعنييي النسيياء دون الرجال فهييي‬


‫مقبولة عنيييد الجمهور فيييي حقوق البدان التيييي ل يطلع عليهيييا‬
‫الرجال غالبييا مثييل الولدة والسييتهلل وعيوب النسيياء‪ .‬ول خلف‬
‫في شيء من هذا إل في الرضاع‪ ،‬فإن أبا حنيفة قال‪ :‬ل تقبل فيه‬
‫شهادتهين إل ميع الرجال‪ ،‬لنيه عنده مين حقوق البدان التيي يطلع‬
‫عليها الرجال والن ساء‪ .‬والذين قالوا بجواز شهادتهن مفردات في‬
‫هذا الجنييس اختلفوا فييي العدد المشترط فييي ذلك منهيين؛ فقال‬
‫مالك‪ :‬يكفي في ذلك امرأتان‪ ،‬قيل مع انتشار المر‪ ،‬وقيل إن لم‬
‫ينتشير؛ وقال الشافعيي‪ :‬لييس يكفيي فيي ذلك أقيل مين أربيع‪ ،‬لن‬
‫الله عيز وجيل قيد جعيل عدييل الشاهيد الواحيد امرأتيين‪ ،‬واشترط‬
‫الثنينييية؛ وقال قوم‪ :‬ل يكتفييي بذلك أقييل ميين ثلث وهييو قول ل‬
‫معنى له؛ وأجاز أبو حنيفة شهادة المرأة فيما بين السرة والركبة‪،‬‬
‫وأحسيييب أن الظاهريييية أو بعضهيييم ل يجيزون شهادة النسييياء‬
‫مفردات في كل شيء كما يجيزون شهادتهن مع الرجال في كل‬
‫شييء وهيو الظاهير‪ .‬وأميا شهادة المرأة الواحدة بالرضاع‪ ،‬فإنهيم‬
‫أيضا اختلفوا فيها لقوله عليه الصلة والسلم في المرأة الواحدة‬
‫التيي شهدت بالرضاع "كيف وقيد أرضعتك ما" وهذا ظاهره النكار‪،‬‬
‫ولذلك لم يختلف قول مالك في أنه مكروه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬وأمييا اليمان‪ ،‬فإنهييم اتفقوا على أنهييا تبطييل بهييا الدعوى عيين‬
‫المدعي عليه إذا لم تكن للمدعي بينة‪ .‬واختلفوا هل يثبت بها حق‬
‫المدعيي؛ فقال مالك‪ :‬يثبيت بهيا حيق المدعيي فيي إثبات ميا أنكره‬
‫المدعيي علييه وإبطال ميا ثبيت علييه مين الحقوق إذا ادعيى الذي‬
‫ثبيت علييه إسيقاطه فيي الموضيع الذي يكون المدعيي أقوى سيببا‬
‫وشبهية مين المدعيى علييه؛ وقال غيره ل تثبيت للمدعيي باليميين‬
‫دعوى سيواء كانيت فيي إسيقاط حيق عين نفسيه قيد ثبيت علييه‪ ،‬أو‬
‫إثبات حق أنكره فيه خصمه‪ .‬وسبب اختلفهم ترددهم في مفهوم‬
‫قوله علييه الصيلة والسيلم "البينية على مين ادعيى واليميين على‬
‫من أنكير" هل ذلك عام فيي كيل مدعيى علييه ومدع‪ ،‬أم إنميا خص‬
‫المدعي بالبينة والمدعى عليه باليمين‪ ،‬لن المدعي في الكثر هو‬
‫أضعف شبهة من المدعى عليه والمدعى عليه بخلفه؟ فمن قال‬
‫هذا الحكيم عام فيي كيل مدع ومدعيى علييه ولم يرد بهذا العموم‬
‫خ صوصا قال‪ :‬ل يثبت باليمين حق‪ ،‬ول يسقط به حق ثبت؛ ومن‬
‫قال إنميا خيص المدعيى علييه بهذا الحكيم مين جهية ميا هيو أقوى‬
‫شبهية قال‪ :‬إذا اتفيق أن يكون موضيع تكون فييه شبهية المدعيي‬
‫أقوى يكون القول قوله‪ ،‬واحتيييج هؤلء بالمواضيييع التيييي اتفيييق‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجمهور فيهيا على أن القول فيهيا قول المدعيي ميع يمينيه‪ ،‬مثيل‬
‫دعوى التلف فيي الوديعية وغيير ذلك إن وجيد شييء بهذه الصيفة‪،‬‬
‫ولولئك أن يقولوا‪ :‬الصيل ميا ذكرنيا إل ميا خصيصه التفاق‪ ،‬وكلهيم‬
‫مجتمعون على أن اليمييين التييي تسييقط الدعوى أو تثبتهييا هييي‬
‫اليمين بالله‪ ،‬الذي ل إله إل هو‪ ،‬وأقاويل فقهاء المصار في صفتها‬
‫متقاربية؛ وهيي عنيد مالك‪ :‬بالله الذي ل إله إل هيو‪ ،‬ل يزييد عليهيا‪،‬‬
‫ويزييد الشافعيي الذي يعلم مين السير ميا يعلم مين العلنيية‪ .‬وأميا‬
‫هل تغلظ بالمكان؟ فإنهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فذهب مالك إلى أنها‬
‫تغلظ بالمكان وذلك فييييي قدر مخصييييوص‪ ،‬وكذلك الشافعييييي‪.‬‬
‫واختلفوا فيي القدر‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إن مين ادعيى علييه بثلثية دراهيم‬
‫فصاعدا وجبت عليه اليمين في المسجد الجامع‪ ،‬فإن كان مسجد‬
‫النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬فل خلف أنه يحلف على المنبر‪ ،‬وإن‬
‫كان فييي غيره ميين المسيياجد ففييي ذلك روايتان‪ :‬إحداهمييا حيييث‬
‫اتفيق مين المسيجد‪ ،‬والخرى عنيد المنيبر‪ .‬وروى عنيه ابين القاسيم‬
‫أنييه يحلف فيمييا له بال فييي الجامييع ولم يحدد؛ وقال الشافعييي‪:‬‬
‫يحلف فيي المدينية عنيد المنيبر‪ ،‬وفيي مكية بيين الركين والمقام‪،‬‬
‫وكذلك عنده فيي كيل بلد يحلف عنيد المنيبر‪ ،‬والنصياب عنده فيي‬
‫ذلك عشرون دينارا؛ وقال داود‪ :‬يحلف على المنييبر فييي القليييل‬
‫والكثير؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل تغلظ اليمين بالمكان‪.‬‬
‫وسيبب الخلف هيل التغلييظ الوارد فيي الحلف على منيبر النيبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يفهم منه وجوب الحلف على المنبر أم ل؟‬
‫فمين قال إنيه يفهيم منيه ذلك قال‪ :‬لنيه لو لم يفهيم منيه ذلك لم‬
‫يكن للتغليظ في ذلك معنى؛ ومن قال للتغليظ معنى غير الحكم‬
‫بوجوب اليمييين على المنييبر قال‪ :‬ل يجييب الحلف على المنييبر‪.‬‬
‫والحديث الوارد في التغليظ هو حديث جابر بن عبد الله النصاري‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من حلف على منبري‬
‫آثميا تبوأ مقعده مين النار" واحتيج هؤلء بالعميل فقالوا‪ :‬هيو عميل‬
‫الخلفاء‪ ،‬قال الشافعييي‪ :‬لم يزل عليييه العمييل بالمدينيية وبمكيية‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولو كان التغلييظ ل يفهيم منيه إيجاب اليميين فيي الموضيع‬
‫المغلظ لم يكيين له فائدة إل تجنييب اليمييين فييي ذلك الموضييع‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وكميا أن التغلييظ الوارد فيي اليميين مجردا مثيل قوله علييه‬
‫الصيلة والسيلم "مين اقتطيع حيق امرئ مسيلم بيمينيه حرم الله‬
‫علييه الجنية وأوجيب له النار" يفهيم منيه وجوب القضاء باليميين‪،‬‬
‫وكذلك التغلييظ الوارد فيي المكان‪ .‬وقال الفرييق الخير‪ :‬ل يفهيم‬
‫ميين التغليييظ باليمييين وجوب الحكييم باليمييين‪ ،‬وإذ لم يفهييم ميين‬
‫تغلييظ اليميين وجوب الحكيم باليميين لم يفهيم مين تغلييظ اليميين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالمكان وجوب اليميين بالمكان ولييس فييه إجماع مين الصيحابة‪،‬‬


‫والختلف فييه مفهوم مين قضيية زييد بين ثابيت؛ وتغلظ بالمكان‬
‫عنييد مالك فييي القسييامة واللعان‪ ،‬وكذلك بالزمان لنييه قال فييي‬
‫اللعان أن يكون بعيد صيلة العصير على ميا جاء فيي التغلييظ فيمين‬
‫حلف بعيد العصير‪ ،‬وأميا القضاء باليميين ميع الشاهيد فإنهيم اختلفوا‬
‫فييييه؛ فقال مالك والشافعيييي وأحميييد وداود وأبيييو ثور والفقهاء‬
‫السييبعة المدنيون وجماعيية‪ :‬يقضييى باليمييين مييع الشاهييد فييي‬
‫الموال‪ .‬وقال أبيييو حنيفييية والثوري والوزاعيييي وجمهور أهيييل‬
‫العراق‪ :‬ل يقضيى باليميين ميع الشاهيد فيي شييء‪ ،‬وبيه قال اللييث‬
‫من أصحاب مالك‪.‬‬
‫وسييبب الخلف فييي هذا الباب تعارض السييماع‪ .‬أمييا القائلون بييه‬
‫فإنهم تعلقوا في ذلك بآثار كثيرة‪ ،‬منها حديث ابن عباس‪ ،‬وحديث‬
‫أبي هريرة‪ ،‬وحديث زيد ابن ثابت‪ ،‬وحديث جابر‪ ،‬إل أن الذي خرج‬
‫مسلم من ها حديث ابن عباس‪ ،‬ولفظيه "إن رسيول الله صيلى الله‬
‫عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد" خرجه مسلم ولم يخرجه‬
‫البخاري‪ .‬وأميا مالك فإنميا اعتميد مرسيله فيي ذلك عين جعفير بين‬
‫محمييد عيين أبيييه "أن رسييول الله صييلى الله عليييه وسييلم قضييى‬
‫باليمين مع الشاهد" لن العمل عنده بالمراسيل واجب‪.‬‬
‫وأمييا السييماع المخالف لهييا فقوله تعالى {فإن لم يكونييا رجلييين‬
‫فرجيل وامرأتان ممين ترضون مين الشهداء} قالوا‪ :‬وهذا يقتضيي‬
‫الحصيير فالزيادة عليييه نسييخ‪ ،‬ول ينسييخ القرآن بالسيينة الغييير‬
‫متواترة‪ ،‬وعنيد المخالف أنيه لييس بنسيخ بيل زيادة ل تغيير حكيم‬
‫المزيد‪ .‬وأما من السنة ف ما خرجه البخاري ومسلم عن الشعث‬
‫بن قيس قال "كان بيني وبين رجل خصومة في شيء‪ ،‬فاختصمنا‬
‫إلى النييبي عليييه الصييلة والسييلم‪ ،‬فقال‪" :‬شاهداك أو يمينييه"‬
‫فقلت‪ :‬إذا يحلف ول يبالي‪ ،‬فقال النييبي صييلى الله عليييه وسييلم"‬
‫مين حلف على يميين يقتطيع بهيا مال امرئ مسيلم هيو فيهيا فاجير‬
‫لقي الله وهو عليه غضبان" قالوا‪ :‬فهذا منه عليه الصلة والسلم‬
‫حصر للحكم ونقض لحجة كل واحد من الخصمين‪ ،‬ول يجوز عليه‬
‫صلى الله عليه وسلم أل يستوفي أقسام الحجة للمدعي‪ .‬والذين‬
‫قالوا باليمين مع الشاهد هم على أصلهم في أن اليمين هي حجة‬
‫أقوى المتداعييين شبهية‪ ،‬وقيد قوييت ههنيا حجية المدعيي بالشاهيد‬
‫كميا قوييت فيي القسيامة‪ .‬وهؤلء اختلفوا فيي القضاء باليميين ميع‬
‫المرأتيين‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجوز لن المرأتيين قد أقيمتيا مقام الواحيد؛‬
‫وقال الشافعييي‪ :‬ل يجوز له‪ ،‬لنييه إنمييا أقيمييت مقام الواحييد مييع‬
‫الشاهيد الواحيد ل مفردة ول ميع غيره‪ ،‬وهيل يقتضيي باليميين فيي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحدود التي هي حق للناس مثل القذف والجراح؟ فيه قولن في‬


‫المذهب‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث‪.‬‬
‫@‪-‬وأميا ثبوت الحيق على المدعيى علييه بنكوله‪ ،‬فإن الفقهاء أيضيا‬
‫اختلفوا فيييي ذلك‪ ،‬فقال مالك والشافعيييي وفقهاء أهيييل الحجاز‬
‫وطائفية مين العراقييين‪ :‬إذا نكيل المدعيى علييه لم يجيب للمدعيي‬
‫شيييء بنفييس النكول‪ ،‬إل أن يحلف المدعييي أو يكون له شاهييد‬
‫واحييد؛ وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه وجمهور الكوفيييين‪ :‬يقضييي‬
‫للمدعي على المدعى عليه بنفس النكول وذلك في المال بعد أن‬
‫يكرر عليه اليمين ثلثا وقلب اليمين عند مالك يكون في الموضع‬
‫الذي يقبل فيه شاهد وامرأتان‪ ،‬وشاهد ويمين؛ وقلب اليمين عند‬
‫الشافعيي يكون فيي كيل موضيع يجيب فييه اليميين؛ وقال ابين أبيي‬
‫ليلى‪ :‬أردها في غير التهمة ول أردها في التهمة‪ .‬وعند مالك في‬
‫يميين التهمية هيل تنقلب أم ل؟ قولن‪ .‬فعمدة مين رأى أن تنقلب‬
‫اليميين ميا رواه مالك مين "أن رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‬
‫رد فييي القسييامة اليمييين على اليهود بعييد أن بدأ بالنصييار" وميين‬
‫حجة مالك أن الحقوق عنده إنما تثبت بشيئين‪ :‬إما بيمين وشاهد‪،‬‬
‫وإميا بنكول وشاهيد‪ ،‬وإميا بنكول ويميين‪ ،‬أصيل ذلك عنده اشتراط‬
‫الثنينية في الشهادة؛ وليس يقتضي عند الشافعي بشاهد ونكول‪.‬‬
‫وعمدة مين قضيى بالنكول أن الشهادة لميا كانيت لثبات الدعوى‪،‬‬
‫واليمييين لبطالهييا وجييب إن نكييل عيين اليمييين أن تحقييق عليييه‬
‫الدعوى‪ .‬قالوا‪ :‬وأميا نقلهيا مين المدعيى علييه إلى المدعيي فهيو‬
‫خلف للنيص‪ ،‬لن اليميين قيد نيص على أنهيا دللة المدعيى علييه‪،‬‬
‫فهذه أصيول الحجيج التيي يقضيي بهيا القاضيي‪ .‬ومميا اتفقوا علييه‬
‫فيي هذا الباب أنيه يقضيي القاضيي بوصيول كتاب قاض آخير إلييه‪،‬‬
‫لكيين هذا عنييد الجمهور مييع اقتران الشهادة بييه‪ ،‬أعنييي إذا أشهييد‬
‫القاضيي الذي يثبيت عنده الحكيم شاهديين عدليين أن الحكيم ثابيت‬
‫عنده‪ ،‬أعنيييي المكتوب فيييي الكتاب الذي أرسيييله إلى القاضيييي‬
‫الثاني‪ ،‬فشهدا عند القاضي الثاني أنه كتابه‪ ،‬وأنه أشهدهم بثبوته‪،‬‬
‫وقد قيل إنه يكتفي فيه بخط القاضي‪ ،‬وأنه كان به العمل الول‪.‬‬
‫واختلف مالك والشافعي وأبو حنيفة إن أشهدهم على الكتابة ولم‬
‫يقرأه عليهييم؛ فقال مالك‪ :‬يجوز؛ وقال الشافعييي وأبييو حنيفيية‪ :‬ل‬
‫يجوز ول تصح الشهادة‪.‬‬
‫واختلفوا فييي العفاص والوكاء هييل يقضييي بييه فييي اللقطيية دون‬
‫شهادة‪ ،‬أم ل بيد فيي ذلك مين شهادة؟ فقال مالك‪ :‬يقضيي بذلك؛‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ل بد من الشاهدين‪ ،‬وكذلك قال أبو حنيفة؛ وقول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مالك هيييو أجرى على نيييص الحادييييث‪ ،‬وقول الغيييير أجرى على‬
‫الصيول‪ .‬ومميا اختلفوا فييه مين هذا الباب قضاء القاضيي بعلميه‪،‬‬
‫وذلك أن العلماء أجمعوا على أن القاضيييي يقضيييي بعلميييه فيييي‬
‫التعدييل والتجرييح‪ ،‬وأنيه إذا شهيد الشهود بضيد علميه لم يقيض بيه‪،‬‬
‫وأنيه يقضيي بعلميه فيي إقرار الخصيم وإنكاره‪ ،‬إل مالكيا فإنيه رأى‬
‫أن يحضر القاضي شاهدين لقرار الخصم وإنكاره‪ ،‬وكذلك أجمعوا‬
‫على أنيه يقضيي بعلميه فيي تغلييب حجية أحيد الخصيمين على حجية‬
‫الخير إذا لم يكين فيي ذلك خلف‪ .‬واختلفوا إذا كان فيي المسيألة‬
‫خلف‪ ،‬فقال قوم‪ :‬ل يرد حكميييه إذا لم يخرق الجماع؛ وقال قوم‬
‫إذا كان شاذا؛ وقال قوم‪ :‬يرد إذا كان حكميييييييييا بقياس‪ ،‬وهنالك‬
‫سيماع مين كتاب أو سينة تخالف القياس وهيو العدل‪ ،‬إل أن يكون‬
‫القياس تشهيد له الصيول والكتاب محتميل والسينة غيير متواترة‪،‬‬
‫وهذا هيو الوجيه الذي ينبغيي أن يحميل علييه مين غلب القياس مين‬
‫الفقهاء في موضع من المواضع على الثر مثل ما ينسب إلى أبي‬
‫حنيفيية باتفاق‪ ،‬وإلى مالك باختلف‪ .‬واختلفوا هييل يقضييي بعلمييه‬
‫على أحييد دون بينيية أو إقرار‪ ،‬أو ل يقضييي إل بالدليييل والقرار؟‬
‫فقال مالك وأكثيير أصييحابه‪ :‬ل يقضييي إل بالبينات أو القرار‪ ،‬وبييه‬
‫قال أحميد وشرييح؛ وقال الشافعيي والكوفيي وأبيو ثور وجماعية‪:‬‬
‫للقاضيي أن يقضيي بعلميه‪ ،‬ولكل الطائفتيين سيلف مين الصيحابة‬
‫والتابعيين‪ ،‬وكيل واحيد منهميا اعتميد فيي قوله السيماع والنظير‪ .‬أما‬
‫عمدة الطائفيية التييي منعييت ميين ذلك‪ ،‬فمنهييا حديييث معميير عيين‬
‫الزهري عين عروة عين عائشية "أن النيبي صيلى الله علييه وسيلم‬
‫بعيث أبيا جهيم على صيدقة فلحاه رجيل فيي فريضية‪ ،‬فوقيع بينهميا‬
‫شجاج‪ ،‬فأتوا النييبي صييلى الله عليييه وسييلم فأخييبروه‪ ،‬فأعطاهييم‬
‫الرش‪ ،‬ثيييم قال علييييه الصيييلة والسيييلم "إنيييي خاطيييب الناس‬
‫ومخيبرهم أنكيم قيد رضيتيم‪ ،‬أرضيتيم؟ قالوا‪ :‬نعيم‪ ،‬فصيعد رسيول‬
‫الله صيلى الله علييه وسيلم المنيبر‪ ،‬فخطيب الناس وذكير القصية‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أرضيتيم؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬فهيم بهيم المهاجرون‪ ،‬فنزل رسيول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فأعطاهم‪ ،‬ثم صعد المنبر فخطب‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫أرضيتم؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فهذا بين في أنه لم يحكم عليهم بعلمه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬وأما من جهة المعنى فللتهمة اللحقة في‬
‫ذلك للقاضي‪.‬‬
‫وقيد أجمعوا أن للتهمية تأثيرا فيي الشرع‪ :‬منهيا أن ل يرث القاتيل‬
‫عمدا عند الجمهور من قتله‪ .‬ومنها ردهم شهادة الب لبنه‪ ،‬وغير‬
‫ذلك مما هو معلوم من جمهور الفقهاء‪ .‬وأما عمدة من أجاز ذلك‪،‬‬
‫أميا مين طرييق السيماع فحدييث عائشية فيي قصية هنيد بنيت عتبية‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ابين ربيعية ميع زوجهيا أبيي سيفيان بين حرب حيين قال لهيا علييه‬
‫الصيلة والسيلم وقيد شكيت أبيا سيفيان "خذي ميا يكفييك وولدك‬
‫بالمعروف" دون أن يسمع قول خصمها‪.‬‬
‫وأميا مين طرييق المعنيى فإنيه إذا كان له أن يحكيم بقول الشاهيد‬
‫الذي هيو مظنون فيي حقيه فأحرى أن يحكيم بميا هيو عنده يقيين‪.‬‬
‫وخصص أبو حنيفة وأصحابه ما يحكم فيه الحاكم بعلمه فقالوا‪ :‬ل‬
‫يقضي بعلمه في الحدود ويقضي في غير ذلك؛ وخصص أيضا أبو‬
‫حنيفية العلم الذي يقضيي بيه فقال‪ :‬يقضيي بعلميه الذي علميه فيي‬
‫القضاء‪ ،‬ول يقضيي بميا علميه قبيل القضاء‪ .‬وروي عين عمير أنيه‬
‫قضى بعلمه على أبي سفيان لرجل من بني مخزوم‪ .‬وقال بعض‬
‫أصحاب مالك‪ :‬يقضي بعلمه في المجلس أعني بما يسمع وإن لم‬
‫يشهيد عنده بذلك‪ ،‬وهيو قول الجمهور كميا قلنيا‪ ،‬وقول المغيرة هيو‬
‫أجرى على الصييول‪ ،‬لن الصييل فييي هذه الشريعيية ل يقضييي إل‬
‫بدلييل وإن كانيت غلبية الظين الواقعية بيه أقوى مين الظين الواقيع‬
‫بصدق الشاهدين‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في القرار‪.‬‬
‫@‪-‬وأما القرار إذا كان بينا فل خلف في وجوب الحكم به‪ ،‬وإنما‬
‫النظيير فيميين يجوز إقراره مميين ل يجوز‪ ،‬وإذا كان القرار محتمل‬
‫رفيع الخلف‪ .‬أميا مين يجوز إقراره ممين ل يجوز فقيد تقدم‪ .‬وأميا‬
‫عدد القرارات الموجبييية فقيييد تقدم فيييي باب الحدود‪ ،‬ول خلف‬
‫بينهم أن القرار مرة واحدة عامل في المال‪ .‬وأما المسائل التي‬
‫اختلفوا فيهييا ميين ذلك فهييو ميين قبييل احتمال اللفييظ‪ ،‬وأنييت إن‬
‫أحببت أن تقف عليه فمن كتاب الفروع‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع‪[ .‬على من يقضي‪ ،‬ولمن يقضي]‬
‫@‪-‬وأما على من يقضي؟ ولمن يقضي؟ فإن الفقهاء اتفقوا على‬
‫أنيه يقضيي لمين لييس يتهيم علييه‪ .‬واختلفوا فيي قضائه لمين يتهيم‬
‫عل يه؛ فقال مالك‪ :‬ل يجوز قضاؤه على من ل تجوز عليه شهاد ته؛‬
‫وقال قوم‪ :‬يجوز لن القضاء يكون بأسيباب معلومية ولييس كذلك‬
‫الشهادة‪ .‬وأمييا على ميين يقضييي؟ فإنهييم اتفقوا على أنييه يقضييي‬
‫على المسييلم الحاضيير‪ .‬واختلفوا فييي الغائب وفييي القضاء على‬
‫أهيل الكتاب فأميا القضاء على الغائب‪ ،‬فإن مالكيا والشافعيي قال‪:‬‬
‫يقضيي على الغائب البعييد الغيبية؛ وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يقضيي على‬
‫الغائب أصييل‪ ،‬وبييه قال ابيين الماجشون؛ وقييد قيييل عيين مالك ل‬
‫يقضيي فيي الرباع المسيتحقة‪ .‬فعمدة مين رأى القضاء حدييث هنيد‬
‫المتقدم ول حجية فييه‪ ،‬لنيه لم يكين غائبيا عين المصير‪ .‬وعمدة مين‬
‫لم ير القضاء قوله عليه الصلة والسلم "فإنما أقضي له بحسب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ميا أسيمع" وميا رواه أبيو داود وغيره عين علي أن النيبي صيلى الله‬
‫عليييه وسييلم قال له حييين أرسييله إلى اليميين "ل تقييض لحييد‬
‫الخصيمين حتيى تسيمع مين الخير" وأميا الحكيم على الذميي‪ ،‬فإن‬
‫فييي ذلك ثلثيية أقوال‪ :‬أحدهييا أنييه يقضييي بينهييم إذا ترافعوا إليييه‬
‫بحكيم المسيلمين‪ ،‬وهيو مذهيب أبيي حنيفية؛ والثانيي أنيه مخيير‪ ،‬وبيه‬
‫قال مالك‪ ،‬وعن الشافعي القولن؛ والثالث أنه واجب على المام‬
‫أن يحكم بينهم وإن لم يتحاكموا إليه‪ .‬فعمدة من اشترط مجيئهم‬
‫للحاكييم قوله تعالى {فإن جاؤك فاحكييم بينهييم أو اعرض عنهييم}‬
‫وبهذا تمسك من رأى الخيار‪ ،‬ومن أوجبه اعتمد قوله تعالى {وأن‬
‫احكييم بينهييم} ورأى أن هذا ناسييخ لييية التخيييير‪ .‬وأمييا ميين رأى‬
‫وجوب الحكيم عليهيم وإن لم يترافعوا‪ ،‬فإنيه احتيج بإجماعهيم على‬
‫أن الذمي إذا سرق قطعت يده‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس‪[ .‬كيف يقضي القاضي]‬
‫@‪-‬وأما كيف يقضي القاضي‪ ،‬فإنهم أجمعوا على أنه واجب عليه‬
‫أن يسوي بين الخصمين في المجلس وأل يسمع من أحدهما دون‬
‫الخير‪ ،‬وأن يبدأ بالمدعيي فيسيأله البينية إن أنكير المدعيى علييه‪.‬‬
‫وإن لم يكن له بينة فإن كان في مال وجبت اليمين على المدعى‬
‫عليييه باتفاق‪ ،‬وإن كانييت فييي طلق أو نكاح أو قتييل وجبييت عنييد‬
‫الشافعيي بمجرد الدعوى؛ وقال مالك‪ :‬ل تجيب إل ميع شاهيد؛ وإذا‬
‫كان فييي المال فهييل يحلفييه المدعييى عليييه بنفييس الدعوى أو ل‬
‫يحلفييه حتييى يثبييت المدعييي الخلطيية؟ اختلفوا فييي ذلك‪ ،‬فقال‬
‫جمهور فقهاء المصيار‪ :‬اليميين تلزم المدعيى علييه بنفيس الدعوى‬
‫لعموم قوله علييه الصيلة والسيلم مين حدييث ابين عباس "البينية‬
‫على المدعيي واليميين على المدعيى علييه" وقال مالك‪ :‬ل تجيب‬
‫اليمين إل بالمخالطة؛ وقال بها السبعة من فقهاء المدينة‪ .‬وعمدة‬
‫ميين قال بهييا النظيير إلى المصييلحة لكيل يتطرق الناس بالدعاوي‬
‫إلى تعنييت بعضهيم بعضيا‪ ،‬وإذايية بعضهيم بعضيا‪ ،‬ومين هنيا لم يير‬
‫مالك إحلف المرأة زوجهييا إذا ادعييت عليييه الطلق إل أن يكون‬
‫معهيا شاهيد‪ ،‬وكذلك إحلف العبيد سييده فيي دعوى العتيق علييه‪،‬‬
‫والدعوى ل تخلو أن تكون فييي شيييء فييي الذميية أو فييي شيييء‬
‫بعينييه‪ ،‬فإن كانييت الذميية فادعييى المدعييى عليييه البراءة ميين تلك‬
‫الدعوى وأن له بينيية سييمعت منييه بينتييه باتفاق‪ .‬وكذلك إن كان‬
‫اختلف في عقد وقع في عين مثل بيع أو غير ذلك‪ .‬وأما إن كانت‬
‫الدعوى فيي عيين وهيو الذي يسيمى اسيتحقاقا‪ ،‬فإنهيم اختلفوا هيل‬
‫تسمع بينة المدعى عليه؟ فقال أبو حنيفة‪ :‬ل تسمع بينة المدعى‬
‫علييه إل فيي النكاح وميا ل يتكرر؛ وقال غيره‪ :‬ل تسيمع فيي شييء؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال مالك والشافعيي‪ :‬تسيمع أعنيي فيي أن يشهيد للمدعيي بينية‬


‫المدعييى عليييه أنييه مال له وملك‪ .‬فعمدة ميين قال ل تسييمع أن‬
‫الشرع قد جعل البينة في حيز المدعي واليمين في حيز المدعى‬
‫عليه‪ ،‬فوجب أن ل ينقلب المر‪ ،‬وكان ذلك عندهما عبادة‪ .‬وسبب‬
‫الخلف‪ :‬هل تفيد بينة المدعى عليه معنى زائدا على كون الشيء‬
‫المدعى فيه موجودا بيده‪ ،‬أم ليست تفيد ذلك؟ فمن قال‪ :‬ل تفيد‬
‫معنى زائدا قال‪ :‬ل معنى لها؛ ومن قال تفيد‪ :‬اعتبرها‪ .‬فإذا باعتبار‬
‫بينية المدعيى علييه فوقيع التعارض بيين البينتيين ولم تثبيت إحداهميا‬
‫أمرا زائدا مما ل يمكن أن يتكرر في ملك ذي الملك؛ فالحكم عند‬
‫مالك أن يقضيي بأعدل البينتيين ول يعتيبر الكثير؛ وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫بينيية المدعييي أولى على أصييله ول تترجييح عنده بالعدالة كمييا ل‬
‫تترحيييج عنيييد مالك بالعدد‪ ،‬وقال الوزاعيييي‪ :‬تترجيييح بالعدد وإذا‬
‫تساوت في العدالة فذلك عند مالك كل بينة يحلف المدعى عليه‪،‬‬
‫فإن نكييل حلف المدعييي ووجييب الحييق‪ ،‬لن يييد المدعييي عليييه‬
‫شاهدة له‪ ،‬ولذلك جعل دليله أضعف الدليلين‪ :‬أعني اليمين‪ .‬وأما‬
‫إذا أقر الخصم فإن كان المدعى فيه عينا فل خلف أنه يدفع إلى‬
‫مدعيه‪ .‬وأما إذا كان مال في الذمة‪ ،‬فإنه يكلف المقر غرمه فإن‬
‫ادعييى العدم حبسييه القاضييي عنييد مالك حتييى يتييبين عدمييه‪ ،‬إمييا‬
‫بطول السيجن والبينية إن كان متهميا فإذا لح عسيره خلي سيبيله‬
‫لقوله تعالى {وإن كان ذو عسييييرة فنظرة إلى ميسييييرة} وقال‬
‫قوم‪ :‬يؤاجره‪ ،‬وبيه قال أحميد‪ .‬وروي عين عمير بين عبيد العزييز‪،‬‬
‫وحكيي عين أبيي حنيفية أن لغرمائه أن يدوروا معيه حييث دار‪ ،‬ول‬
‫خلف أن البينة إذا جرحها المدعى عليه أن الحكم يسقط إذا كان‬
‫التجرييح قبيل الحكيم‪ ،‬وإن كان بعيد الحكيم لم ينتقيض عنيد مالك؛‬
‫وقال الشافعيي‪ :‬ينتقيض وأميا إن رجعيت البينية عين الشهادة‪ ،‬فل‬
‫يخلو أن يكون ذلك قبييل الحكييم أو بعده‪ ،‬فإن كان قبييل الحكييم‬
‫فالكثر أن الحكم ل يثبت؛ وقال بعض الناس‪ :‬يثبت‪ .‬وإن كان بعد‬
‫الحكم فقال مالك‪ :‬يثبت الحكم؛ وقال غيره‪ :‬ل يثبت الحكم‪ ،‬وعند‬
‫مالك أن الشهداء يضمنون مييييا أتلفوا بشهادتهييييم‪ ،‬فإن كان مال‬
‫ضمنوه على كييل حال؛ قال عبييد الملك‪ :‬ل يضمنون فييي الغلط؛‬
‫وقال الشافعييي‪ :‬ل يضمنون فييي المال‪ .‬وإن كان دمييا فإن ادعوا‬
‫الغلط ضمنوا الديية‪ ،‬وإن أقروا أقييد منهيم على قول أشهيب‪ ،‬ولم‬
‫يقتص منهم على قول ابن القاسم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس‪[ .‬متي يقضي]‬
‫@‪-‬وأما متى يقضي؟ فمنها ما يرجع إلى حال القاضي في نفسه‪،‬‬
‫ومنها ما يرجع إلى وقت إنفاذ الحكم وفصله‪ ،‬ومنها ما يرجع إلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقت توقيف المدعى فيه وإزالة اليد عنه إذا كان عينا‪ .‬فأما متى‬
‫يقضيي القاضيي؟ فإذا لم يكين مشغول النفيس لقوله علييه الصيلة‬
‫والسيلم "ل يقضيي القاضيي حيين يقضيي وهيو غضبان" ومثيل هذا‬
‫عنييد مالك أن يكون عطشانييا أو جائعييا أو خائفييا أو غييير ذلك ميين‬
‫العوارض التي تعوقه عن الفهم‪ ،‬لكن إذا قضى في حال من هذه‬
‫الحوال بالصيييواب‪ ،‬فاتفقوا فيميييا أعلم على أنيييه ينفيييذ حكميييه‪،‬‬
‫ويحتمل أن يقال‪ :‬ل ينفذ فيما وقع عليه النص وهو الغضبان‪ ،‬لن‬
‫النهيي يدل على فسياد المنهيى عنيه‪ .‬وأميا متيى ينفيذ الحكيم علييه‬
‫فبعيد ضرب الجيل والعذار إلييه‪ ،‬ومعنيى نفوذ هذا‪ ،‬هيو أن يحيق‬
‫حجة المدعي أو يدحضها وهل له أن يسمع حجة بعد الحكم؟ فيه‬
‫اختلف من قول مالك‪ ،‬والشهر أنه يسمع فيما كان حقا لله مثل‬
‫الحباس والعتق ول يسمع في غير ذلك‪ .‬وقيل ل يسمع بعد نفوذ‬
‫الحكم وهو الذي يسمى التعجيز قيل ل يسمع منهما جميعا‪ ،‬وقيل‬
‫بالفرق بين المدعي والمدعى عليه‪ ،‬وهو ما إذا أقر بالعجز‪ .‬وأما‬
‫وقت التوقيف فهو عند الثبوت وقبل العذار‪ ،‬وهو إذا لم يرد الذي‬
‫اسييتحق الشيييء ميين يده أن يخاصييم فله أن يرجييع بثمنييه على‬
‫البائع‪ ،‬وإن كان يحتاج فيي رجوعيه بيه على البائع أن يوافقيه علييه‬
‫فيثبت شراءه منه إن أنكره‪ ،‬أو يعترف له به إن أقره فللمستحق‬
‫ميين يده أن يأخييذ الشيييء ميين المسييتحق ويترك قيمتييه بيييد‬
‫المسييتحق؛ وقال الشافعييي‪ :‬يشتريييه منييه‪ ،‬فإن عطييب فييي يييد‬
‫المسييتحق فهييو ضاميين له‪ ،‬وإن عطييب فييي أثناء الحكييم‪ :‬مميين‬
‫ضمانه؟ اختلف في ذلك‪ ،‬فقيل إن عطب بعد الثبات فضمانه من‬
‫المستحق وقيل إنما يضمن المستحق بعد الحكم؛ وأما بعد الثبات‬
‫وقبل الحكم فهو من المستحق منه‪ .‬قال القاضي رضي الله عنه‪:‬‬
‫وينبغييي أن تعلم أن الحكام الشرعييية تنقسييم قسييمين‪ :‬قسييم‬
‫يقضيي بيه الحكام وجيل ميا ذكرناه فيي هذا الكتاب هيو داخيل فيي‬
‫هذا القسم‪ ،‬وقسم ل يقضي به الحكام‪ ،‬وهذا أكثره هو داخل في‬
‫المندوب إليييه‪ .‬وهذا الجنييس ميين الحكام هييو مثييل رد السييلم‬
‫وتشميت العاطس وغير ذلك مما يذكره الفقهاء في أواخر كتبهم‬
‫التيي يعرفونهيا بالجواميع‪ .‬ونحين فقيد رأينيا أن نذكير أيضيا مين هذا‬
‫الجنيس المشهور منيه إن شاء الله تعالى‪ .‬وميا ينبغيي قبيل هذا أن‬
‫تعلم أن السينن المشروعية العمليية المقصيود منهيا هيو الفضائل‬
‫النفسيانية‪ ،‬فمنهيا ميا يرجيع إلى تعظييم مين يجيب تعظيميه وشكير‬
‫ميين يجييب شكره‪ ،‬وفييي هذا الجنييس تدخييل العبادات‪ ،‬وهذه هييي‬
‫السينن الكراميية‪ .‬ومنهيا ميا يرجيع إلى الفضيلة التيي تسيمى عفية‬
‫وهذه صينفان‪ :‬السينن الواردة فيي المطعيم والمشرب‪ ،‬والسينن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الواردة في المناكح‪ .‬ومن ها ما يرجع إلى طلب العدل والكف عن‬


‫الجور‪ .‬فهذه هيي أجناس السينن التيي تقتضيي العدل فيي الموال‪،‬‬
‫والتيييي تقتضيييي العدل فيييي البدان‪ ،‬وفيييي هذا الجنيييس يدخيييل‬
‫القصييياص والحروب والعقوبات‪ ،‬لن هذه كلهيييا إنميييا يطلب بهيييا‬
‫العدل‪ .‬ومنهيا السينن الواردة فيي العراض‪ .‬ومنهيا السينن الواردة‬
‫فيي جمييع الموال وتقويمهيا‪ ،‬وهيي التيي يقصيد بهيا طلب الفضيلة‬
‫التيي تسمى السخاء‪ ،‬وتجنب الرذيلة التيي تسمى البخل‪ .‬والزكاة‬
‫تدخل في هذا الباب من وجه‪ ،‬وتدخل أيضا في باب الشتراك في‬
‫الموال‪ ،‬وكذلك الميير فييي الصييدقات‪ .‬ومنهييا سيينن واردة فييي‬
‫الجتماع الذي هو شرط في حياة النسان وحفظ فضائله العملية‬
‫والعلميية‪ ،‬وهيي المعيبر عنهيا بالرياسية‪ ،‬ولذلك لزم أيضيا أن تكون‬
‫سنن الئمة والقوام بالدين‪ .‬ومن السنة المهمة في حين الجتماع‬
‫السيينن الواردة فييي المحبيية والبغضيية والتعاون على إقاميية هذه‬
‫السينن‪ ،‬وهيو الذي يسيمى‪ :‬النهيي عين المنكير والمير بالمعروف‪،‬‬
‫وهي المحبة والبغضة‪ :‬أي الدينية التي تكون إما من قبل الخلل‬
‫بهذه السنن‪ ،‬وإما من قبل سوء المعتقد في الشريعة‪.‬‬
‫وأكثر ما يذكر الفقهاء في الجوامع من كتبهم ما شذ عن الجناس‬
‫الربعية التيي هيي فضيلة العفية وفضيلة العدل وفضيلة الشجاعية‬
‫وفضيلة السييخاء‪ ،‬والعبادة التييي هييي كالشروط فييي تثييبيت هذه‬
‫الفضائل‪.‬‬
‫كمييل كتاب القضييية‪ ،‬وبكماله كمييل جميييع الديوان‪ ،‬والحمييد لله‬
‫كثيرا على ذلك كما هو أهله‪.‬‬
‫ترجمة المؤلف منقولة من الديباج‪.‬‬
‫هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد (الشهير بالحفيد)‬
‫مين أهيل قرطبية وقاضيي الجماعية بهيا‪ ،‬يكنيى أبيا الولييد‪ ،‬روى عين‬
‫أبييه أبيي القاسيم اسيتظهر علييه الموطيأ حفظيا‪ ،‬وأخيذ الفقيه عين‬
‫أبيي القاسيم بين بشكوال وأبيي مروان بين مسيرة وأبيي بكير بين‬
‫سمحون وأبي جعفر بن عبد العزيز وأبي عبد الله المازري‪.‬‬
‫وأخذ علم الطب عن أبي مروان بن جريؤل‪ ،‬وكانت الدراية أغلب‬
‫علييه مين الروايية‪ ،‬ودرس الفقيه والصيول وعلم الكلم‪ .‬ولم ينشيأ‬
‫بالندلس مثله كمال وعلميا وفضل‪ ،‬وكان على شرفيه أشيد الناس‬
‫تواضعا وأخفضهم جناحا‪ ،‬وعني بالعلم من صغره إلى كبره‪ ،‬حتى‬
‫حكيى أنيه لم يدع النظير ول القراءة منيذ عقيل إل ليلة وفاة أبييه‪،‬‬
‫وليلة بنائه على أهله‪ ،‬وأنييه سييود فيمييا صيينف وقيييد وألف وهذب‬
‫واختصيير نحييو ميين عشرة آلف ورقيية‪ .‬ومال إلى علوم الوائل‪،‬‬
‫وكانت له فيها المامة دون أهل عصره‪ ،‬وكان يفزع إلى فتياه في‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الطييب كمييا يفزع إلى فتياه فييي الفقييه مييع الحييظ الوافيير ميين‬
‫العراب والداب والحكميية‪ .‬حكييي عنييه أنييه كان يحفييظ شعيير‬
‫المتنييبي وحييبيب‪ .‬وله تآليييف جليلة الفائدة‪ ،‬منهييا كتاب "بداييية‬
‫المجتهيد‪ ،‬ونهايية المقتصيد" فيي الفقيه (هيو هذا الكتاب الذي أبان‬
‫عين مقدار معرفية الرجيل بالشريعية‪ ،‬فإنيه ذكير فييه أقوال فقهاء‬
‫المية مين الصيحابة فمين بعدهيم‪ ،‬ميع بيان مسيتند كيل مين الكتاب‬
‫والسينة‪ ،‬والقياس ميع الترجييح‪ ،‬وبيان الصيحيح‪ ،‬فخاض فيي بحير‬
‫عجاج ملتطيم المواج‪ ،‬واهتدى فييه للسيلوك‪ ،‬ونظيم جواهره فيي‬
‫صحائف تلك السلوك‪ ،‬فرحمه الله رحمة واسعة) ذكر فيه أسباب‬
‫الخلف وعلل وجهيه‪ ،‬فأفاد وأمتيع بيه‪ ،‬ول يعلم فيي وقتيه أنفيع منيه‬
‫ول أحسيييين سييييياقا‪ ،‬وكتاب الكليات فييييي الطييييب‪ ،‬ومختصيييير‬
‫المسييتصفى فييي الصييول‪ ،‬وكتابييه فييي العربيييه الذي وسييمه‬
‫بالضروري‪ ،‬وغير ذلك تنيف على ستين تأليفا‪ ،‬وحمدت سيرته في‬
‫القضاء بقرطبييية‪ ،‬وتأثلت له عنيييد الملوك وجاهييية عظيمييية‪ ،‬ولم‬
‫يصيرفها فيي ترفييع حال ول جميع مال‪ ،‬إنميا قصيرها على مصيالح‬
‫أهل بلده خاصة ومنافع أهل الندلس‪ .‬وحدث وسمع منه أبو بكر‬
‫بين جهور وأبيو محميد بين حوط الله وأبيو الحسين بين سيهل ابين‬
‫مالك وغيرهيم‪ .‬وتوفيي سينة خميس وتسيعين وخمسيمائة‪ ،‬ومولده‬
‫سينة عشريين وخمسيمائة‪ ،‬قبيل وفاة القاضيي جده أبيي الولييد بين‬
‫رشد بشهر‪.‬‬
‫تقريظ‬
‫وعنييد تمام طبعتييه الولى قرظييه حضرة الديييب السييتاذ الشيييخ‬
‫محمييد أحمييد عرفيية بهذه الكلميية‪ ،‬فأحببنييا إثباتهييا حرصييا على‬
‫محاسنها ونشرا لعلو مكانتها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫إلى الحكييم الراقيد فيي جد ته‪ ،‬الها نئ بمضجعيه‪ ،‬تحفه مسيحة من‬
‫النور اللهي‪ ،‬وعليه حارس من المهابة وسياج من الجلل‪ ،‬أهدي‬
‫غاديات مين الدعوات واسيتمطر له وابل مين صييب الرحمات‪ .‬لله‬
‫أنيت أيتهيا الروح الخالدة العائدة إلى محلهيا الرفيع‪ ،‬فقيد هبطيت‬
‫علينيا مين عالميك العالي‪ ،‬وطلعيت علينيا طلوع القمير على خابيط‬
‫لييل ضيل السيبيل وخانيه الدلييل‪ ،‬طلعيت والهدى‪ ،‬فكنيت كالغييث‬
‫أصاب أرضا قابلة فأنبتت الكل والعشب وأصاب منها الكثير أقمت‬
‫فينا ما شاء الله لك أن تقومي‪ ،‬وخلفت لك آثارا جعلت لك مقعد‬
‫صيدق فيي كيل نفيس‪ ،‬ثيم عدت سييرتك الولى‪ .‬بسيم الله مجراك‬
‫ومرسيياك وطلوعتييك ومأواك وتأويبييك ومسييراك‪ ،‬أي جييو حواك‪،‬‬
‫وأي آمال وسعتك‪ ،‬وأي جسم تحمل ما ترومين‪.‬‬
‫وإذا كانت النفوس كبارا * تعبت في مرادها الجسام‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بينيا نراك بيين يدي فيثاغورس وأرسيطو قيد حنيت علييك الحكمية‪،‬‬
‫وأرضعتيك أفاويقهيا‪ ،‬وأعلتيك درهيا‪ ،‬وأنهلتيك خيرهيا‪ ،‬فل يظين أنيك‬
‫تعلمين غيرها‪ ،‬إذا أنت وقد وضعتك الشريعة بين الحشا والفؤاد‪،‬‬
‫وسييهلت لك حنونهييا‪ ،‬ووردت منهل عذبييا زاخرا عبابييه‪ ،‬وسييائغا‬
‫شرابيه‪ .‬وهذا كتابيك قيد خالط أجزاء النفيس وهيش إلييه الحيس‪،‬‬
‫فهو الحق إل أنه حكم قد ضمن الدر إل أنه كلم‪.‬‬
‫أنزه في رياض العلم نفسي * وأغدو في مسارحها وأمسي‬
‫أمتع ناظري فيما حوته * وأقطف زهرة من كل غرس‬
‫وأحسن من كئوس الراح عندي * ومن خد الظبا خدود طرس‬
‫وقد ردت الرياض فشمت روضا * به قد غبت عن نفسي وحسي‬
‫كأن خلل أسطره بحارا * تدفق بالمعارف بعد رمسي‬
‫كتاب حاكه فكر (ابن رشد) * وأخرج آية في كل درس‬
‫ومزق من ظلم الشك ثوبا * كما طرد الدجنة ضوء شمس‪.‬‬

You might also like