You are on page 1of 4

‫الليزر في العقد الخير‬

‫د‪ .‬سرى سبع العيش‬

‫لعل أهم مفاجئات وفتوحات العلم والتكنولوجيا في هذا القرن‬


‫هو توليد أشعة ليزر واستخدامها في شتى فنون الصناعة‬
‫والحرب والطب ‪ ،‬وهذه الطاقة الناجمة عن إطلق إشعاعات‬
‫بواسطة التضخيم الضوئي موجهة بأطوال منتظمة تتراوح بين‬
‫تلك المواج القصيرة التي ل يتعدي طولها ( ‪ ) 200‬نانوميتر‬
‫( واحد من ألف مليون من المتر ) والتي تدخل في حقل الشعة‬
‫فوق البنفسجية غير المرئية ‪ ،‬ثم تلك التي تستخدم أطوال أمواج‬
‫شعاعيه متوسطة الطول تدخل في دائرة الشعة المنظورة ‪ ،‬وبين‬
‫المواج الطويلة الل منظورة التي تندرج في قائمة الشعة تحت‬
‫الحمراء ‪.‬‬

‫إنه تسخير الشعاع واطلقة بقوة هائلة وقدرات عظيمة ليؤدي‬


‫أغراضً طبية رائعة من حرق وتخثير وقطع وتحوير وتبخير‬
‫واندثار ‪ ،‬إضافة إلى القدرة الفاعلة الهائلة التي يمكن أن تسخر‬
‫في التشخيص والتهديف ‪.‬‬

‫لقد استحوذت معظم الختصاصات الطبية وبخاصة طب العيون‬


‫على كثير من ميادين الطاقة التي وظفت في إعداد أجيال هائلة‬
‫من الجهزة الطبية ‪ ،‬استخدم جزء في بعضها حجر الياقوت ‪،‬‬
‫وبعضها استخدم ثاني أكسيد الكربون ‪ ،‬وبعضها يسمى الليزر‬
‫الصباغي ‪ ،‬وبعضها يستعمل غاز الرجون والكربتون أو‬
‫الهيليوم أو الثنائي الكهربائي ‪ ،‬وآخرها استعمل فيه الرجون‬
‫والفلورين ‪.‬‬

‫ل يكاد يصنع جهاز باهظ التكاليف إل ويخلفه جهاز آخر أكثر‬


‫تقانة ودقة وأوسع مجالً وأدق هندسة ‪ ،‬والمسألة تتراوح بين‬
‫العلماء المبدعين والبحاثة الذين يعملون ليل نهار في تسخير‬
‫الشعاع والمكائن والوسائل واحتساب الطاقة والمال الذي تصرفه‬
‫الشركات الصانعة والوسيطة في أمريكا وأوروبا واليابان ‪ ،‬وبين‬
‫تلك المستقبلة والمتلقية والشارية والتي يندرج تحت لوائها‬
‫بلدنا العربية و السلمية ‪ ،‬لنها سوق كبير و كثيرا ًما تكون‬
‫هذه البلدان سوقاً أعمى يستقبل دون تعقل أو تدبير ‪ .‬لقد استحوذ‬
‫طب وجراحة العيون على كثير من اهتمام الشركات المصنعة‬
‫لليزر‪ ،‬وكذلك الطباء وجراحي العيون البحاثة الذين يسعون نحو‬
‫وضع أفضل لرضاهم ‪ ،‬وقد اثبت الليزر جدارته في علج كثير‬
‫من المراض التي تصيب الشبكية مثل تمزق ونزوف ونتحات‬
‫وتنشؤات في العروق الدموية التي تحدث نتيجة السكري وارتفاع‬
‫ضغط العين ‪ ،‬وأمراض الوعية الشبكية والمشيمة واستئصال‬
‫بعض الورام ‪ ،‬فأصبحت المعالجة بالشعة ركن ًا مهماً في معالجة‬
‫العمى الذي قد ينجم عن تلك المراض ‪ ،‬وكان لليزر دور في‬
‫علج داء الزرق الحاد والمزمن وبخاصة في الحالة التي‬
‫تتعارض فيها صحة‬

‫المريض وظروفه مع إجراء العملية الجراحية وهذا هو الليزر‬


‫الكاوي والمقرئ للنزف ‪ ،‬وتتراوح أطوال الشعة المسخرة فيه‬
‫بين الطويلة تحت الحمراء ‪ ،‬والمتناهية في القصر فوق‬
‫البنفسجية ‪ ،‬وتستعمل بعض أجهزة الليزر في قطع اللياف‬
‫وعمليات اللصق في القسم المامي من العين ‪ ،‬وبخاصة بعد‬
‫عملية زرع العدسات في البيت الخلفي والمقصود هنا ليزر‬
‫( الياغ ) الذي يستعمل فيه النيوديميوم مع مزيج من ذرات‬
‫اللومنيوم واليتيريوم والسيليكا التي تطلق أشعة فوق البنفسجية‬
‫بطول ‪ 193‬نانوميتر ‪.‬‬

‫ومنذ بضع سنوات ظهر الليزر المبدد والمجتث الذي يستعمل‬


‫في تصحيح قصر البصر ‪ ،‬وهو أحدث ما توصلت إليه الصناعة‬
‫المسخرة لشعة الليزر باستحداث أجهزة تطلق أشعة الليزر‬
‫بقدرات كبيرة هائلة تستطيع في ثوان معدودة تبخير النسجة‬
‫وإفناءها ‪ ،‬ويستخدم فيه مزيج من غاز الرغون و الفلور ‪ .‬وهذا‬
‫هو حال الليزر المبخر و المبدد الذي يفيد في تصحيح قصر‬
‫البصر وطول موجته المشعة ‪ 193‬نانوميتر ‪ ،‬فالشعة المسخرة‬
‫هي فوق البنفسجية ل تنفذ إل لمسافات قصيرة جداً في القرنية‬
‫وتبلغ القدرة النسيابية أثناء استعماله ‪ 180‬ملي جول ‪ ،‬وبموجة‬
‫يبلغ ترددها ‪ 10‬هيرتز وبقدرة تبديدية تبخر من القرنية مقدار‬
‫‪ .22 _ .25‬من الميكرون في كل نبضة ‪ ،‬حيث ل تزيد المساحة‬
‫المعرضة للشعاع في القرنية أكثر من ‪ 4.5 – 5‬ملم ‪.‬‬

‫وهكذا ‪ ،‬يستطيع الليزر اجتثاث وتبديد ما يشبه العدسة المحدبة‬


‫من العين فتصبح العين الحسيرة البصر سوية ‪ ،‬وقد يحدث‬
‫تصحيح مفرط فتصبح مديدة البصر ‪ ،‬ففي الحالة الولى يستغنى‬
‫المريض عن نظارته أو عدساته اللصقة ‪ ،‬وفي الحالة الثانية‬
‫يصبح بحاجة إلى نظارات للقراءة ‪ ،‬وبعد أن كان يستطيع القراءة‬
‫من دون نظارات عندما كان حسير البصر لرؤية المسافات البعيدة‬
‫أصبحت واجبة الستعمال لرؤية الشياء القريبة ‪.‬إذن ل تنتهي‬
‫مشكلة النظارة عند بعض الشخاص الذين تجرى لهم عملية‬
‫الليزر ‪ ،‬تماما كما هو المر بالنسبة لعملية قطع القرنية الشعاعي‬
‫‪ ،‬فقد تتبقى بعض درجات من مشكلة النكسار ‪ ،‬وقد تحدث بعض‬
‫المضاعفات من تليف و تكثف اللياف الكولجينية في القرنية ‪.‬‬

‫ومع ذلك فالليزر المجتث المبخر هو ثورة كبرى في عالم‬


‫صناعة الليزر تنطلق في نهاية هذا القرن تريح بعض مستخدمي‬
‫النظارات والعدسات من وسائلهم المستعملة في تصحيح قصر‬
‫البصر وحرج البصر ‪ .‬إنه شيء رائع وعظيم لو كان كل‬
‫الحقيقة ‪ ،‬ولكن هناك حقائق وخبايا ل بد من كشفها للناس ‪،‬‬
‫وبخاصة بعد أن أخذت تتدفق أجهزة الليزر المجتث المبخر على‬
‫بلدنا الصغير الفتي بأثمان هائلة تلتهم مئات اللوف من الدنانير‬
‫التي ل بد من استعادتها مع أرباحها ‪ .‬وغالب ًا ما تسحر كلمة‬
‫الليزر وتقنياته الحديثة المذهلة رجل الشارع ومستخدمي النظارة‬
‫ولكن الموضوع اعقد وأكبر من أن ينتهي ببضعة ثوان ومجرد‬
‫الضغط على زر الجهاز وتعريض عين المريض للشعة ‪.‬‬

‫وكما هو الحال في موضوع تصحيح البصر بقطع القرنية‬


‫الشعاعي ‪ ،‬هناك حدود ل يستطيع أن يتخطاها الجهاز القدير ول‬
‫الطبيب الخبير ‪ ،‬فقصر البصر العالي وحرج البصر العالي‬
‫( استغمتزم ) وندوب القرنية المفرطة وعتامتها العميقة كلها ل‬
‫مجال لمعالجتها بوساطة هذه الجهزة ‪ ،‬بالرغم من أن نسبة‬
‫عالية من النجاح قد تحققت كما ورد في كثير من التقارير الطبية‬
‫العلجية في العالم ‪ .‬ولكن ‪ ،‬هناك حالت ذات نسبة‬
‫نجاح ضئيلة‪ ،‬وهي حالت قد تفشل إذا لم يتخير الجراح العين‬
‫المناسبة لتلك المعالجة‪ .‬وقد وجد أن أكثر الحالت استجابة‬
‫لتصحيح البصر هي التي ل يتعدى قصر البصر فيها بضع‬
‫كسيرات على أن تكون العين سليمة معافاة من أي أذية ‪ ،‬وأل‬
‫يتعدى حرج البصر أو الستغمتزم درجتين وأل يكون هناك‬
‫تمخرط في القرنية ول جفاف أو نقص في إفراز دمع العين وأل‬
‫تكون القرنية قليلة السمك ‪ ،‬مفرطة الرقة لن التبخير و التبديد‬
‫المفرط للقرنية ل يخلو من الختلطات والمشكلت البصرية ‪.‬‬

‫إن مستقبل الليزر واعد ‪ ،‬حيث ل يتوقف التطوير والتحسين‬


‫وتلفي العيوب واستكمال النقائص التي تظهر مع الزمن وتعمل‬
‫على تحقيق الفوائد المأمولة منه وتخفف من خيبة أمل الطبيب‬
‫المعالج و المريض ولكن الشيء المؤكد هو أن هذا القرن‬
‫ل معه مشعل الليزر ليدخل الخير بكل ثقة وجدارة‬ ‫سينتهي حام ً‬
‫وانسياب من بوابة القرن الواحد والعشرين ‪ ،‬وسيجد الليزر‬
‫طريقة إلى عيون ما يزال عاجزاً عن إيفائها البرء ‪ .....‬ومنحها‬
‫الشفاء ‪.‬‬

You might also like