Professional Documents
Culture Documents
الماركسية مصطلح يدخل في علم الجتماع و القتصاد السياسي و الفلسفة ،سميت بالماركسية نسبة
لمنظسر الماركسسية الول كارل ماركسس ،وهسو فيلسسوف ألمانسي ،و عالم اقتصساد ،صسحفي وثوري
أسس نظرية الشيوعية العليمية بالشتراك مع فريدريك إنجلز و هما من معلمي الشيوعية فقد كان
الثنان اشتراكيان بالتفك ير ،ل كن مع وجود الكث ير من الحزاب الشتراك ية ،تفرد مار كس و أنجلس
بالتوصل إلى الشتراكية كتطور حتمي للبشرية ،و فق المنطق الجدلي و بأدوات ثورية فكانت مجمل
أعمال كل من كارل ماركس و فريدريك أنجلس تحت تحت اسم واحد و هو الماركسية أو الشيوعية
العلمية
اقسام الماركسية
وتنقسم الماركسية إلى ثلثة أقسام أساسية :
1
و كان كارل ماركس و فريدريك أنجلس قد قاما ببناء الماركسية من خلل نقد و إعادة قراءة كل من :
-1الفلسفة اللمانية :فقد إهتم بالفلسفة الكلسيكية اللمانية وخاصة مذهب "هيغل " الجدلي ،و مذهب فيورباخ
المادي ،و نقد المذهبين ليخرج بمذهبه الفلسفي و هو المادية الجدلية "الدياليكتيكية "
-2القتصاد السياسي النجليزي :وخاصة للمفكر آدم سميث والنموذج القتصادي لديفيد ريكاردو ،حيث قام بنقد
القتصاد وفق المنطق الجدلي و قدم القتصاد السياسي الماركسي
-3تأثر ماركس بالشتراكية الفرنسية في القرن التاسع عشر :لنها كانت تمثل أعلى درجات النضال الحاسم ضد كل
نفايات القرون الوسطى وأهمها القطاعية ،و قدم اشتراكيته العلمية و التي هي تمثل تغير ثوري و حتمي للمجتمع بفعل
تناقضات الرأسمالية و لم تعد الشتراكية حلما طوباويا بل قدم اشتراكية علمية .
كارل ماركس
كارل ماركس ( 5مايو 1818إلى 14مارس .)1883فيلسوف الماني ،سياسي ،وصحفي ،ومنظّر اجتماعي .قام بتأليف
العد يد من المؤلفات ال ان نظري ته المتعل قة بالرأ سمالية وتعارض ها مع مبدأ اجور العمال هو ما أك سبه شهرة عالم ية.
لذلك يعتسبر مؤسسس الفلسسفة الماركسسية ،و يعتسبر مسع صسديقه فريدريسك إنجلز المنظريسن الرسسميين السساسيين للفكسر
الشيوعي.
شكل وقدم مع صديقه فريدريك إنجلز ما يدعى اليوم بالشتراكية العلمية ( .الشيوعية المعاصرة ) .
ولد مار كس بمدي نة (تر ير) في ول ية (رينان يا) اللمان ية عام 1818م والت حق بجام عة بون عام 1833لدرا سة القانون.
أظ هر مار كس اهتماما بالفل سفة ر غم معار ضة والده الذي أراد لمار كس ان ي صبح محاميا .وقام مار كس بتقد يم ر سالة
الدكتوراة في الفلسفة عام 1840وحاز على شهادة الدكتوراة.
وصفه أحد أصدقائه بأنه عريض المنكبين واسع الجبهة كثيف الشعر وداكن إلى حد الزرقة .كان حيويا نشيطا ل يهدأ له
بال ل ينام إل أربع ساعات في النهار.
بداياته
في عام 1842وبعسد كتابتسه لمقالتسه الولى لمجلة ( ) Rheninshe Zeitungفي مدينسة كولونيسا ..أصسبح مسن طاقسم
التحرير.
كتابا ته في هذه المجلة وبش كل نا قد لو ضع ال سياسة والوضاع الجتماع ية المترد ية المعا صرة لذلك الو قت ورط ته في
مناقشات حامية مع رؤوساء التحرير والمؤلفين .وفي عام 1843ماركس كان قد أجبر على إلغاء أحد نشراته وسرعان
ما تم ا صدار قرار بإغلق ال صحيفة ومنع ها من الن شر.انت قل مار كس من ألمان يا إلى بار يس وهناك دأب على قراءة
الفلسفة والتاريخ والعلوم السياسية وتبنى الفكر الشيوعي.في عام 1844وعندما زاره صديقه فريدريك إنجلز في باريس
وبعد عدة مناقشات مع بعضهما البعض وجد الصديقان بأنهما قد توصل إلى أفكار متطابقة %100حول طبيعة المشاكل
الثور ية وبش كل م ستقل عن بعضه ما الب عض .ونتي جة لهذا التوا فق بينه ما عمل م عا وتعاو نا لتف سير أ سس ومبادىء
نظريات الشيوع ية والع مل على د فع الطب قة العاملة (والبرجواز ية ال صغيرة الديمقراط ية) لتع مل وتتفا نى من أ جل تلك
المبادىء.
2
عاش كارل ماركس في القرن التاسع عشر؛ وهي فترة ات سمت بانتشار الرأ سمالية الصناعية من خلل تشك يل الطبقات
العماليسة الوروبيسة وأولى صسراعاتها الكسبرى .وهذا العالم هسو الذي حاول ماركسس التفكيسر فيسه مسن خلل اعتماد عدة
مكتسبات نظرية:
•الفل سفة اللمانية وبخا صة فل سفة هي جل ( )1770-1891ال تي ا ستخلص من ها فكرة جدلية التاريخ الكو ني
الذي تهيمن عليه التناقضات التي تقوده نحو مآل نهائي.
•القتصساد السسياسي النجليزي الذي يشكسل كسل مسن آدم سسميث ( )1723-1790و د .ريكاردو (-1823
)1772ومالتوس ( )1770-1834أبرز وجوهه.
•الشتراكية " الطوباوية " الفرنسية ( سان سيمون،فورييه،كابي) ومعاصرو ماركس (برودون،بلنكي) الذين
دخل معهم ماركس في سجال.
نقد الرأسمالية
لقد تبنى ماركس منظورا ديناميا وصراعيا للرأسمالية.ومنها :نظرية الستغلل وفائض القيمة:
يبدو العالم الحديسث كتراكسم للبضائع ،وتأتسي قيمسة هذه البضائع مسن العمسل النسساني الذي هسو متضمسن فسي البضاعسة
( نظرية القيمة س العمل مستعارة من د .ريكاردو) .إن العمل بدوره بضاعة تمتلك سمة خاصة :فهو ينتج قيمة أعلى
من ثمن شرائه .وبالف عل؛ فالرأ سمالية ل تشتري كل العمل المبذول من طرف البروليتاري ،ولكنها ل تؤدي له إل ثمن
قوة عمله ( ما يكفيه للع يش ) ،والفارق القي مي في ما ب ين قوة العمل والع مل المن جز يش كل فائض القيمة الذي هو من بع
الرأسمال .إن الرأسمال يخلق ذاته ويعيد خلقها باستمرار داخل علقة الستغلل الجتماعية هاته.
قوانين تطور الرأسمالية :تقود المنافسة الرأسمالي لمراكمة رأس المال؛ أي إلى استثمار جزء من الربح في تحسين أداته
النتاجية .ومن قانون التراكم هذا استنتج ماركس عدة اتجاهات للتطور:
اتجاه أك ثر فأك ثر تعاظما نحو مكننة النتاج؛ تمر كز رأس المال نا جم عن نمو كل مقاولة على حدة وتمر كز المقاولت
في أيدي حفنة قليلة العدد من أقوى الرأسماليين ؛ تزايد البطالة والنخفاض النسبي للجور الذي تصوره ماركس كعاقبة
للتراكم فاللت التي تنحو نحو تعويض البشر والمشكلة بذلك ل" جيش صناعي احتياطي " ينزع حضوره نحو ممارسة
ض غط يؤدي إلى تخف يض الجور .ويبدو هذا التفق ير المتعا ظم ك" قانون عام للقت صاد الرأ سمالي " ؛ قانون النخفاض
النزوعي لمعدلت الربح يتأتى من تزايد الرأسمال الثابت (اللت) مقارنة بالرأسمال المتغير (الجور) ؛ الربح (فائض
القي مة) المتأ تي ف قط من الع مل الن ساني (ح سب نظر ية القي مة س الع مل) ؛ النخفاض الن سبي لعدد المأجور ين مقار نة
باللت يقود نحو انخفاض معدل الربح .غير أن التفقير يقود نحو ثورة الجماهير ؛ فهنا يفرد المنطق القتصادي مكانا
لمن طق اجتما عي :يتم ثل في ثورة المقموع ين ضد النظام .ميكانيزم الزمات .لي ست هناك لدى مار كس نظر ية ناجزة
ومكتملة بخصسوص الزمات .السستغلل وتمركسز رأس المال الثابست (اللت) يقودان نحسو تعاظسم ل ينتهسي لقدرات
النتاج على ح ساب إمكانيات الستهلك ( عبر المداخ يل الموزعة) ،و من ثمة أزمات فيض النتاج ال تي ل ت ني تحدث
وال تي ت سم الرأ سمالية بش كل دوري .وقد اعت قد مار كس أن هذه الزمات من شأن ها أن تتفا قم عبر الزمن حتى ت صبح
أزمات ل تطاق.
المادية التاريخية أولوية النتاج إن أساس المجتمع يقيم في النتاج ؛ في العمل الذي ينتج النسان من خلله ذاته وينتج
المجتمع .إن وسائل النتاج الم سماة " القوى المنتجة " والعلقات التي تنشأ حول العمل (" علقات النتاج ") يشكلن "
عالم النتاج " الخاص بكسل مجتمسع ،ولقسد تعاقبست خلل التاريسخ عديسد مسن أنماط النتاج ( القديمسة ،السسيوية ،
القطاعيسة ،الرأسسمسالية ) .البنيسة القتصسادية التحتيسة والبنيات الفوقيسة إن البنيات الفوقيسة السسياسية ،القانونيسة
واليديولوجية تنبني على قاعدة النتاج .إذن يجب النطلق من القاعدة القتصادية لفهم تطور مجتمع معطى .
تقسيم الشغل وصراع الطبقات يؤدي تقسيم الشغل أيضا نحو انفصال الناس عن بعضهم ونحو تكون الطبقات وصراعها
.إن صراع الطبقات الجتماع ية المتعاد ية والمت صارعة من أ جل ال سيطرة على النتاج هو محرك التار يخ في إطار
3
النظام الرأ سمالي .سوسيولوجيا الطبقات والدولة نظر ية الطبقات الجتماع ية غال با ما اع تبر أن البيان الشيو عي الذي
يصرح فيه ماركس بأن ل توجد إل طبقتان أساسيتان متعارضا مع " صراع الطبقات في فرنسا " الذي يصف فيه سبع
طبقات وشرائح من الطبقات المختل فة .وبالفعل ليس هناك تناقض ؛ فلم تكن لهذ ين التأويلين ن فس الوضعية ؛ ف ما كان
يشغل بال ماركس في البيان ( وعلينا أن ل ننسى أنه نص دعسسسائي )كان هو تحليل الصراع الذي يضع في المجتمع
الرأسمالي طبقتان أساسيتان متواجهتان ( حاملتان لمشروع تاريخي ) :البورجوازية والبروليتاريا .
وي جب أن يؤدي هذا ال صراع إلى الثورة إذا ما عرف العمال ك يف يتنظمون في حزب يم كن من الطا حة بالمجت مع
البورجوازي .إن " صراع الطبقات في فرنسا " يريد أن يكون تحليل أمبريقيا لحركة تاريخية خاصة ،وماركس يصف
بد قة شرائح طبق ية وروابط ها وك يف تنت ظم حول طبقت ين أ ساسيتين .ي جب إذن أن نم يز ع ند ا ستعمال مفهوم الطب قة
النظرية الدينامية للطبقات ( التي تنتظم حول قطبين اثنين ) والتحليل الوصفي الذي يهتم بتركيب الجماعات الجتماعية :
ببنيت ها وتطور ها و سلوكها .نظريةالدولةواليديولوجيات ن جد لدى مار كس نظر ية للدولة (مت صورة بو صفها أداة سلطة
فسي خدمسة الطبقسة المهيمنسة) ولليديولوجيات ( كتعسبير عسن مصسالح طبقيسة معينسة ) وللسستلب ( كتقديسس أعمسى
للبضاعة ) ،وللدين ( " كأفيون الشعوب " ) .. ،الخ .
البيان الشيوعي
في عام 1845مار كس كان قد أ جبر على مغادرة فرن سا ب سبب نشاطا ته الثور ية وكان قد ا ستقر في بروك سل ولحق ته
زوج ته وأطفال ها إلى هناك و ساعده صديقه انغلس الذي كان أبوه برجواز يا على شراء منزل والذي تحول في ما ب عد إلى
مركز للتصال والجتماع بالشبكات العمالية الثورية.
عصبة الشيوعيون
في عام 1847اجت مع الشيوعيون ليؤ سسوا ع صبتهم وفوض مار كس وانغلس ليشكلوا مبادىء هذه الع صبة وبرنامج ها
المت بع وكان هذا البرنا مج قد عرف في ما ب عد ب ( بيان الشيوع ية ح يث و ضع ف يه مار كس جو هر أفكاره وأ سس الع مل
على تحقيقها ) وكانت عصبة الشيوعيون قد قامت على أنقاض جماعة رابطة العادلين في فرنسا والتي كانت ل تؤمن
بضرورة الثورة والستيلء على السلطة وكان شعارها ( الناس كلهم أخوة ) طبعا أقنع ماركس أعضائها بأنهم يحلمون
بعالم وردي واستبدل الشعار إلى أن صار ( يا عمال العالم اتحدوا )
البيان الشيوعي كان يمهد لعقيدة الشتراكية العلمية ويجسد المادية التاريخية بعيدا عن الكنيسة أو الدين ( باعتقاد ماركس
الدين أفيون الشعوب ) أو الطائفية المهنية .وكان ذلك قد أخرج صراحة في تعليقه ونقده للقتصاد السياسي ( كتاب ) في
عام . 1858
إن أسس وجوهر البيان الشيوعي تقوم على افتراض أن منذ فجر النسانية وحتى اليوم كانت العلقة علقة صراع بين
المُ ستغِل والمُ ستغَل ..ب ين المالك وب ين العا مل ..ب ين الطالب وب ين ال ستاذ ...ب ين الفلح وب ين القطا عي...ا ستغلل
الن سان للن سان وأ مة ل مة .وكا نت الغل بة تنت هي إ ما لحداه ما أو ب سقوطهما م عا.وطب عا غل بة أي منه ما تحدد طبي عة
القت صاد القائم .وعلى افتراض بأن تف كك القطاع ية كان من نتي جة تعفن ها واعاقت ها للبرجواز ية ...فإن المن طق يفرض
حتما بأن مستوى تطور الطبقة البرجوازية ( النتاج الكبير ) سيصل بها إلى حد ل تستطيع فيه التقدم.
وعند ها ستقوم البروليتار ية ب سحق هذه الطب قة ( البرجواز ية ) ور فع الجور والظلم عن الطب قة العاملة ( البروليتار يا )
وعندها يتحقق المجتمع الشيوعي حيث تنتفي فيه الملكية الخاصة (وليس الملكية الشخصية ) ..حيث الملكية الخاصة هي
النات جة عن ا ستغلل العمال وأ خذ ما ينت جه من القي مة المضا فة دون أد نى ج هد يذ كر من ق بل الرأ سمالي..أ ما الملك ية
الشخصية هي ما تحصل عليه نتجية القيام بعمل.
النفي السياسي
في عام 1848قامت الثورة في فرن سا والمان يا .وخا فت الحكومة البلجيكية من امتداد الثورة إليه وقامت بنفي مار كس
الذي ذ هب أول إلى بار يس ثم كولون يا وقام بتأ سيس صحيفة جديدة دع يت Neue Rheinishe Zeitungتيم نا بتلك
المجلة ال تي كان يع مل ب ها في البدا ية وان ضم إلى أعمال ثور ية هناك ودأب على تنظيم ها ،في عام 1849تم اعتقاله
4
وحوكم في كولونيا بتهمة التحريض على التمرد العسكري ..ثم تمت تبرئته ونفيه من ألمانيا وتم إيقاف مجلته الجديدة
التي كان هو رئيس تحريرها.
في عام ،1848شهدت أورو با ثورة عند ما قا مت الطب قة العاملة في فرن سا بال سيطرة على ال سلطة من الملك لو يس.
وقا مت الحكو مة الثور ية با ستدعاء مار كس للبقاء في فرن سا بعد ما طرد ته حكومات فرن سية سابقة .وعند ما أفلت شعلة
الحكو مة الثور ية الفرن سية في عام ،1849انت قل مار كس للع يش في لندن وقام بكتا بة الكث ير من المؤلفات ال تي تع نى
بالسياسة و القتصاد .كما عمل كمراسل اوروبي لصحيفة "نيويورك تربيون" من موقعه في أوروبا و خلل هذه الفترة
كان قد قام بعدد من العمال وصنفت على أنها كلسيكيات النظرية الشيوعية.
وتضمن هذا كتابه الروع ( رأس المال ) في أجزائه الثلثة والذي نشره انغلس عام 1885بعد وفاة ماركس حيث كان
عبارة عن مخطوطات وكرا سات من الملحظات وتضم نت تحليل للنظام الرأ سمالي والذي يبين ف يه ك يف أن التطور
وا ستغلل العمال ي تم ب كل ب ساطة عن طرق أ خذ القي مة المضا فة—( القي مة المضا فة هي القي مة ال تي تن تج عن طر يق
العمسل على الشيسء -مسن القطسن فسي الحقسل إلى قماش فا خر ..مسن دولر إلى 100دولر وهسي ل تشتمسل على أجور
التكلفة او الصيانة ..أي ليس لها علقة بأجر الصيانة أو كلفة العمل وهي ليست الربح ...في ذلك الوقت لم يكن هناك
تكنولوجيا ...حاليا القيمة المضافة تنتجها اللت الحديثة ويأخذها أصحاب وسائل النتاج).
وكان ع مل مار كس التالي هو عن المجلس الوط ني الفرن سي ( 1871كومون فرن سا كتاب الحرب الهل ية الفرن سية .
حيث حلل خبرة هذا المجلس الثورية والتي شكلت في باريس خلل حرب فرانكو بروسيان .ومن خلل هذا العمل قام
ماركسس بترجمسة شكسل ووجود هذا المجلس على برهان وتأكيسد تاريخسي حتمسي لنظريتسه .بأن مسن الضرورة الهامسة
والقصوة للعمال بأخذ زمام الحكم والوصول إلى قمة المراتب السياسية بتمرد مسلح .وبعدها العمل على تدمير السس
ال تي تقوم علي ها الطب قة الرأ سمالية .وو ضح مار كس بأ نه ما ب ين الشيوع ية والرأ سمالية ت قع تلك الفترة ال تي تع مل على
تهيئة التحول الثوري وهذا التحول الذي سسيشمل المناصسب السسياسية سستؤدي إلى حدوث دكتاتوريسة الطبقسة العاملة
( البروليتاريا ).
السنوات الخيرة
عند ما تم حل ع صبة الشيوعي ين في عام 1852مار كس ا ستمر بمرا سلة مئات الثوري ين بهدف تشك يل منظ مة جديدة.
وهذه الجهود قد بل غت ذروت ها في عام 1864عندم تشك يل ( مجلس المم ية ) و سرعان ما بدأ الع مل مع رفا قه على
تشكيل أسسه ومبادئه وبرنامجه السياسي ولكن بعضا من أعضائه والذين كانوا قد أخمدت الرغبة الشيوعية فيهم كانوا قد
رفضوا إنشاءه وهنا كان قد اقترح ماركس نقل مركز ( مجلس الممية ) إلى الوليات المتحدة.
سنواته الثمانية الخيرة كانت صراعا حقيقيا مع المرض والتي أعاقته عن طموحاته وأهدافه ومع ذلك كان بعد وفاته قد
و جد بع ضا من الملحظات ال تي تم تجميع ها واعادة نشر ها كمجلد را بع لكتاب رأس المال ( مار كس ر بط تكون رأس
المال بالقيمة المضافة الناتجة عن علقات الناج ولم يجعله يقتصر على حالة تراكمية جامدة).
5
و في عام 1842أ صبح مار كس عضوا في هيئة تحر ير صحيفة « راين يش ت سايتونغ » ثم أ صبح في ما ب عد رئ يس
تحرير ها .و قد حول مار كس ال صحيفة إلى أداة للديمقراط ية الثور ية .وخلل نشا طه العل مي وأبحا ثه النظر ية ،ا صطدم
مار كس مباشرة بالفل سفة الهيغل ية ،ب سبب اتجاهات ها التوفيق ية ونتائج ها ال سياسية المحاف ظة ،ول سبب التفاوت ب ين مبادئ ها
والعلقات الجتماعية الفعلية ،ومهام تحويل هذه العلقات .وفي هذا الصدام مع هيغل والهيغليين الشبان تحول ماركس
إلى الموقف المادي ،ولعبت معرفته بالتطورات القتصادية الحقيقية وفلسفة فيورباخ الدور الحاسم في عملية تحوله.
وحدثت ثورة نهائية في نظرة ماركس العامة للعالم نتيجة لتغير في موقفه الطبقي ،وانتقاله من الديمقراطية الثورية إلى
الشيوع ية الثور ية ( .)1844و قد ن تج هذا النتقال عن تطور ال صراع الطب قي في أور با (و قد تأ ثر مار كس تأثرا كبيرا
بالثورة السيليزية التي وقعت في ألمانيا عام ،)1844وعن اشتراكه في الصراع الثوري في باريس التي كان قد هاجر
إلي ها ب عد أن أغل قت صحيفته « راين يش ت سايتونغ » ( ،)1843و عن درا سته للقت صاد ال سياسي والشتراك ية الخيال ية
والتاريخ .وقد عبر عن موقفه الجديد في مقالين نشرا ( )1844بعنوان « في نقد فلسفة الحقوق عند هيغل » هنا يكشف
مار كس لول مرة الدور التاري خي للبروليتار يا وي صل إلى النتي جة القائلة بحتم ية الثورة الجتماع ية ،وضرورة توح يد
حركة الطبقة العاملة مع نظرة عامة علمية إلى العالم.
وفي ذلك الوقت كان التقى ماركس وانجلز وبدآ يصوغان بطريقة منهجية نظرة جديدة للعالم .وقد عُممت نتائج البحث
العلمسي والمبادئ السساسية للنظرة الجديدة فسي المؤلفات التاليسة « المخطوطات القتصسادية والفلسسفية » (– )1844
« العائلة المقد سة » ( « – )1845اليديولوج يا اللمان ية » ( )1846–1845و قد كت به مار كس بالشتراك مع انجلز –
« أطروحات حول فيورباخ » ( .)1845وأول كتاب فسي الماركسسية الناضجسة « بؤس الفلسسفة » ( )1847وتشكلت
الماركسية كعلم متكامل يع كس وحدة كل الجزاء المكونة ل ها .و في عام 1847كان ماركس يع يش في بروك سل ح يث
انضم إلى جمعية دعائية سرية كانت تسمى عصبة الشيوعيين ،وقام بدور نشط في المؤتمر الثاني للعصبة.
ووضسع ماركسس وانجلز – بناء على طلب المؤتمسر – « بيان الحزب الشيوعسي » ( )1848وفيسه اسستكمال توضيسح
المارك سية .إن هذا المؤلف « ي ضع الخطوط العري ضة لت صور جد يد للعالم ،هو الماد ية المتما سكة ،و هو ت صور ي ضم
أيضا مجال الحياة الجتماعية والجدل ،باعتباره أك ثر نظريات التطور شمولً وعمقا ،ونظرية صراع الطبقات ،ونظرية
الدور الثوري التاريخي العالمي للبروليتاريا – خالقة المجتمع الشيوعي الجديد » (لينين).
إن المادية الجدلية والتاريخية فلسفة علمية على الحقيقة – تمتزج فيها امتزاجا عضويا المادية والجدل ،الفهم التاريخي
للطبي عة والمجت مع ،التعال يم عن الوجود والمعر فة النظر ية والممار سة .و قد ج عل هذا في المكان التغلب على الطبي عة
الميتافيزيق ية لماد ية ما ق بل المارك سية والتأ مل الملزم ل ها ،واعتبار ها الن سان مركزا للكون وفهم ها المثالي للتار يخ.
وفلسفة ماركس هي أكثر المناهج كغاية لدراك العالم وتغييره .وقد أثبت تطور التطبيق والعلم في القرنين التاسع عشر
والعشرين – بطريقة مقنعة – تفوق الماركسية على كل أشكال المثالية والمادية الميتافيزيقية.
وقد زاد مذهب مار كس قوة باعتباره الشكل الوحيد لليديولوجية البروليتارية خلل النضال ضد جميع أنواع التيارات
غيسر العلميسة المناهضسة للبروليتاريسا ،والبورجوازيسة الصسغيرة .ويتميسز نشاط ماركسس بالتشيسع (للطبقسة العملة) ،وعدم
السستعداد للمصسالحة مسع أي انحراف عسن النظريسة العلميسة .وقسد اشترك ماركسس بدور فعال فسي النضال التحرري
للبروليتار يا .فخلل ثورة 1849–1848في ألمان يا كان في مقد مة النضال ال سياسي ،ودا فع دفا عا حاز ما عن مو قف
البروليتاريا بصفته رئيسا لتحرير الصحيفة التي أسسها .وعندما نفي من ألمانيا في عام 1849استقر مؤقتا في لندن.
وب عد حل ع صبة الشيوعي ين ( )1852وا صل مار كس نشا طه في الحر كة البروليتار ية عامل من أ جل خلق « المم ية
الولى » ( )1864وكان نشي طا في هذا التنظ يم ،وكان يتا بع عن ك ثب تقدم الحر كة الثور ية في جم يع البلدان ،وأبدى
اهتماما خاصا بروسيا .وقد ظل ماركس حتى آخر يوم من أيام حياته يعيش في خضم الحداث المعاصرة .وأتاح له هذا
المعلومات التي ل غنى عنها لتطوير نظريته.
وكانت تجربة الثورات البرجوازية في أوروبا في 1849–1848ذات أهمية كبرى في تطوير ماركس لنظرية الثورة
الشتراك ية و صراع الطبقات ،ولفكرة دكتاتور ية البروليتار يا ،وتكتيكات البروليتار يا في الثورة البرجواز ية ،وضرورة
تحالف العمال والفلحيسن « الصسراعات الطبقيسة فسي فرنسسا » ( )1850والتدميسر الحتمسي لداة الدولة البورجوازيسة
(« الثامن عشر من برومير لويس بونابرت » .)1852وعندما درس ماركس تجربة كومونة باريس (« الحرب الهلية
في فرن سا » )1871اكت شف شكل لدولة دكتاتور ية البروليتار يا ،وحلل بع مق الجراءات ال تي اتخذت ها سلطة أول دولة
لدكتاتور ية البروليتار يا .و في كتا به « ن قد برنا مج غو تا » ( )1875أحدث مار كس مزيدا من التطور في نظري ته في
6
الشيوعيسة العلميسة .كتابسه الرئيسسي هسو « رأس المال » :نشسر المجلد الول منسه عام ،1867والثانسي نشره انجلز عام
1885والثالث في عام ،1894وقد وضع خلق القتصاد السياسي العلمي للشيوعية .أما الهمية الفلسفية لكتاب « رأس
المال » فل مثيل لها .فهو يجسد المنهج الجدلي في البحث بصورة رائعة.
وقد وضع ماركس في صورة موجزة في مقدمته لكتاب « نقد القتصاد السياسي » ( – )1859وهو واحد من أوائل
مؤلفاتسه فسي القتصساد – جوهسر الفهسم المادي مسن فرض إلى علم .وتحتوي مراسسلت ماركسس على الكثيسر ممسا يميسز
فلسفته .ولم يسبق قط أن تأكد مذهب على هذا النحو في التطبيق ،كالمذهب الذي وضعه ماركس .وقد طور لينين – إلى
جانب تلميذه وأتباعه – الماركسية في ظل ظروف تاريخية جديدة
وفي 14مارس ،1883توفى كارل ماركس ودفن في مقبرة هاي غيت ( )Highgate Cemeteryبلندن.
العل يا ال تي تمتلك جم يع و سائل النتاج ال صناعي والزرا عي ،و سيختفي دور الطب قة المتو سطة لينف تح المجال للطب قة
العاملة المحرو مة بالثورة على النظام القائم .وعلى أنقاض النظام الرأ سمالي ستنشئ الطب قة العاملة المجت مع الشترا كي
الجديد ،حيث تتحول ملكية وسائل النتاج والتوزيع من أيدي الرأسماليين إلى أيادي الجماهير ،فيعم الخير جميع أفراد
7
النظام الجتما عي .وب عد ذلك يقوم المجت مع الشترا كي بدوره بإنشاء المجت مع الشيو عي ،فتخت في س حينئذ س كل معالم
الظلم الجتماعي ،والغتراب ،والصراع ،والضطهاد النساني.
الطب قة الرأ سمالية م صدرا من م صادر انعدام العدالة الجتماع ية ( .)1وهذا المن طق في طبيعته ين سجم مع ظلم الفكرة
الرأسسمالية ،ولكسن الفكرة الماركسسية لم تصسف لنسا وضسع الفراد العامليسن فسي الخدمات الجتماعيسة كالتعليسم والطسب
والقضاء والشرطسة ،ولم تضعهسم ضمسن أيّة طبقسة اجتماعيسة .فهؤلء ل يعملون لخدمسة الطبقسة الرأسسمالية ول يبذلون
ب بشكسل أسساسي فسي مجال الخدمات جهدهسم ول يعتصسرون عرقهسم مسن اجسل النتاج ،بسل ان نشاطهسم المهنسي منصس ّ
ب والقضاء امتهنها النسان منذ فجر التاريخ النساني ،فكيف يستطيع الفرد الرأسمالي ط ّالجتماعية .ومهن كالتعليم وال ّ
السيطرة على جهود هؤلء المهنيين في الوقت الذي يمكنهم فيه فرض أجورا عالية على الزبائن الرأسماليين أنفسهم ؟
وك يف ت ستطيع الرأ سمالية ال سيطرة على أجور ع مل القضاة وعلماء الكيمياء وال صيدلة مثلً ؟ فالمعلم س و عن طر يق
اتحاده المه ني س ي ستطيع ان يفرض أجورا عالية على تعليمه أبناء النظام الجتما عي ،والقا ضي في النظام الرأ سمالي
يقبسض أجورا مسن أفراد الطبقتيسن عسن طري واردات الضريبسة الحكوميسة .فأيسن موقسع هؤلء الفراد فسي الصسراع
الجتماعي ؟ وهل يصح تصنيفهم ضمن الطبقة الرأسمالية أو الطبقة العمالية ؟ هنا تعجز النظرية الماركسية في الجابة
على هذا السؤال.
وهذا العجز والفشل ليس الول الذي منيت به الفكرة الماركسية ،بل أن فشلها الرئيسي تمثل في عجزها عن التنبؤ
بظهور طبقة وسطى في المجتمع الرأسمالي ؛ وان أفراد هذه الطبقة ل يعملون بالضرورة ضمن توجه الطبقة
(( )1آنتوني اوبرشال) .الصراع الجتماعي والحركات الجتماعية .انجلوود كليفز ،نيوجرسي :برنتس س هول 1973 ،م.
الرأسسمالية وخدمسة مصسالحها .فأسساتذة الجامعات ،والعاملون فسي الحقول الطبيسة مسن بحوث وتطسبيب وتمريسض ،
والعاملون فسي خدمات النقسل البري والجوي والبحري يعملون إمسا على أسساس الدخسل الشخصسي او يعملون كموظفيسن
لشركات كبيرة مملوكة من قبل أفراد عديدين عن طريق السهم والسندات .بل ان الكثير من العمال هم في الواقع أفراد
مسن ذوي المهسن الحرة ،الفرديسة التجاه ( ، )1كالبقالة والحلقسة وتصسليح وسسائل النقسل وبيسع المنتوجات الزراعيسة
والصناعية ونحوها .ول ينت قل فائض الثروة التي ينتج ها هؤلء الفراد إلى يد الطب قة الرأ سمالية بل يذهب هذا الفائض
إلى منفعة نفس العمال ومصلحتهم مباشرة.
أمّا ملكية وسائل النتاج التي تتحدث عنها النظرية الماركسية فإنها وان كانت موجودة في عالم اليوم ،إل أن العديد
من هذه المؤسسات الصناعية الكبيرة تقع تحت ملكية اللوف من أصحاب السهم والسندات ،وتدار من قبل موظفين
يتقاضون أجورا معينة على جهدهم وعملهم ( .)2وفي نهاية المطاف ،توزع أرباح هذه المؤسسات على السهم ومالكيها
بالتساوي .فتراكم الثروة في هذه المؤسسات إذن ،يختلف اليوم عما كان عليه الوضع القتصادي في القرن التاسع عشر.
فملكية وسائل النتاج تختلف حتما عن السيطرة على وسائل النتاج .فأين يضع (ماركس) هذه الطبقة الجديدة من مدراء
الشركات ،وعلماء المختبرات ،والمحاسبين الذين يتقاضون أجورا كبيرة على أعمالهم ولكنهم ل يسيطرون على وسائل
النتاج ؟ وماذا يقول
(()1بيتر بلو) .السلطة والتبادل في الحياة الجتماعية .نيويورك :وايلي 1964 ،م.
( )2دوناد ترايمان) .الوظائف الرفيعة في دراسة مقارنة .نيويورك :المطبعة الكاديمية 1977 ،م.
(ماركس) عن موقع الطبقة الوسطى في الصراع الجتماعي ودورها بالثورة على النظام الرأسمالي
الحاكم ؟
هنا ،تحتاج النظرية الماركسية إلى إعادة نظر في منهجها الفكري العام .فبروز دور الطبقة الوسطى في الصراع
الجتماعي ،جعل تنبؤ الماركسية بحتمية الصراع الطبقي بين الرأسمالية والبروليتاريا ،مجرد وهم ل يستند على واقع
موضو عي .وظهور فكرة شراء ال سهم وال سندات من ق بل مختلف الفراد لو سائل النتاج العمل قة ،ساهم في ضرب
8
الفكرة المارك سية أي ضا ؛ لن ال سيطرة على جزء من و سائل النتاج أ صبحت ب يد أفراد الطب قة الو سطى ،ولي ست ب يد
الطبقة الرأسمالية كما كانت تؤكد عليه نظرية (ماركس).
وهذا الخفاق في تحد يد هو ية الطبقات الجتماع ية ج عل النظر ية المارك سية تحت ضر و هي تع يش أيام ها الخيرة
وعاجزة عن تف سير مع نى انعدام العدالة ب ين الطبقات الجتماع ية ،معتر فة ان حتم ية ال صراع الجتما عي ال تي كا نت
تنادي ب ها أ صبحت مجرد فكرة نظرية ،ليست لها قيمة عمل ية خصوصا بعد بروز الطب قة الوسطى كطب قة ل ها دورها
المهم في المجتمع الرأسمالي.
المحرومة والطبقة الغن ية أوسع واكبر .وإذا كا نت الثروة الفائ ضة قليلة فسيكون التفاوت بين الطبقات اقل .فالمجتمعات
البدائ ية ال تي كا نت تفت قر إلى الثروات ،كا نت ت سودها العدالة الجتماع ية؛ لن التنا فس في تلك المجتمعات كان معدوما،
بسبب عدم توفر الثروة المالية .أما في المجتمعات المتطورة فان وسائل النتاج العملقة وإدرار الثروة هي التي خلقت
جوا من الطمع والجشع النساني الذي أدى إلى سوء توزيع هذه الثروة بين أفراد الطبقات الجتماعية.
الظلم والحرمان الجتما عي ،فزيادة الثروة وح سن وعدالة توزيع ها تؤدي إلى رخاء اجتما عي ي ساهم في ر فع الح يف
عن المظلوم ين والمحروم ين ؛ لن العدالة الجتماع ية ترت بط في ال صل بنظام ي ساهم في توز يع عادل للثروة ،ول
يرت بط بالزيادة المال ية نف سها .وهناك شوا هد تاريخ ية عديدة تؤ كد صدق هذا الرأي ،ك ما ورد في ك تب التار يخ عن
رجوع ال صدقات الى ب يت المال في صدر السلم ؛ لن الثروة المالية انتشرت عن طر يق التوزيع ب ين عدد كبير من
الفراد ولم تتكدس بأيدي جماعة محدودة العدد.
ول شك ان ز عم الفكرة التوفيق ية القائل بأ نه ل حياة للمجت مع الرأ سمالي ما لم ت تم ف يه مقابلة حاجا ته ال ساسية من
ال خبرات بالدوار ال تي يتطلب ها ذلك المجت مع ل يتطا بق تطابقا تاما مع الحقي قة .فالتمي يز العن صري القائم على أ ساس
المن شأ واللون والد ين الذي كان يمار سه المجت مع ال صناعي في القرن التا سع ع شر يف ند هذا الدعاء .ف قد كان الفراد
البيض يرفضون استلم العلج من طبيب اسود مثلً ،بسبب لون بشرته ( ، )1فكيف تقابل اذن س حسب ادعاء النظرية
التوفيقية س حاجات المجتمع الساسية مع الدوار الجتماعية ،عن طريق استخدام قاعدة التمييز بين الفراد على أساس
اللون والمن شأ والد ين ؟ وفي دول كثيرة من العالم ،ل يش غل ال سياسي الك فء محله الطبيعي في الح كم والدارة ب سبب
معارضته للنظام السياسي .فكيف تفسر هذه المدرسة ،مقابلة حاجات المجتمع الساسية مع الدوار المطلوبة في هذا
(( )1رالف داريندورف) .الطبقة والصراع الطبقي في المجتمع الصناعي .بيركلي ،كاليفورنيا :مطبعة جامعة ستانفورد 1959 ،م.
9
المثال ؟ بل كيف تف سر هذه المدر سة فارق الجور بين الرجال والن ساء في النظام الرأ سمالي اليوم ،مع أن كل مته ما
ي ستطيع سد الشوا غر الجتماع ية ال تي يحتاج ها المجت مع ب كل كفاءة ( )1؟ أل يس هذا الفارق في الجور تناقضا واضحا
للفكرة التوفيقية القائلة بان الجر يجب ان يتناسب مع منفعة العمل للنظام الجتماعي ؟ أليس عمل المرآة في الطب يدر
نفعا اجتماعيا مشابها لعمل الرجل في نفس الختصاص ؟ إذن لماذا تختلف أجور الرجل عن أجور المرآة لنفس المهنة
النافعة للنظام الجتماعي ؟
وهذه التساؤلت المهمة التي عجزت النظرية التوفيقية س الماركسية عن الجابة عليها ،وضعت تلك النظرية في
موقف ل تحسد عليه .فالنظرية تؤيد ايجابيات الماركسية وتتحمس بقوة للنظام الجتماعي الرأسمالي ،وتعتبر مؤسساته
المختلفة متضافرة من اجل النسجام الجتماعي ،ولكنها تقف حائرة امام التناقضات الفكرية والمبدأية التي يعاني منها
ذلك النظام .وهذا الخلل يعتبر من اهم نقاط ضعف هذه النظرية.
(( )1دوناد ترايمان) و (هيدي هارتمان) .النساء ،العمل ،والجور ،واشنطن دي سي :الكاديمية القومية للعلوم 1981 ،م.
10
لمحة تاريخية مختصرة عن التحاد الوروبي
المجموعة الوروبية للفحم والصلب
المجموعة القتصادية الوروبية ()EEC
التحاد الوروبي
11
التنفيذ ليزيل العوائق التجارية المصطنعة ما بين الدول العضاء لكي تتمكن البضائع ورؤوس الموال والخدمات وكذلك
الفراد من التنقل والعيش والعمل بحريّة دون قيود في أي من الدول العضاء.
التحاد الوروبي
جرت أول مباحثات حول أدوار وم سؤوليات المجمو عة الوروب ية القت صادية خلل اجتماع ما سترخت في هولندا عام
،1991و هو الجتماع الذي ن تج ع نه اتفاق ية التحاد الورو بي -وج مع مختلف الهيئات الوروب ية ض من إطار وا حد
أُطلق عليه اسم التحاد الوروبي.
التفاقية:
وضعت سياسات تغطي القضايا "الجتماعية" مثل حقوق العمال والصحة والسلمة. •·
بدأت إجراءات تمكين دول أوروبا الشرقية من النضمام للتحاد الوروبي. •·
ولول مرة أصبح هذا يعني أن بإمكان مواطني أية دولة في التحاد الوروبي السفر والعمل بحريّة في أي دولة أخرى
عضو في التحاد .وفي الول من يناير (كانون ثاني) 1993تم رفع جميع العوائق التجارية ،وهي من أهم الخطوات
المتخذة لتشكيل السوق الموحدة .تم التوقيع على اتفاقية أمستردام عام ،1997وهي تحديث لتفاقية ماسترخت للتحضير
لتو سعة التحاد الوروبي لكي ي ضم دول أوروبا الشرقية ،كما أن ها عززت "الف صل الجتماعي" بالتفاقية الذي تضمن
قانونا حول التوظيف والتمييز .وفي عام 1998اتخذ التحاد الوروبي أول الخطوات الرسمية نحو الشرق تجاه توسعة
التحاد عن طر يق البدء بمفاوضات ر سمية مع هنغار يا وبولندة وإ ستونيا وجمهور ية التش يك و سلوفينيا و قبرص .وب عد
م ضي عام ،بدأت رومانيسا و سلوفاكيا ولتف يا وليثوان يا وبلغار يا ومال طا المفاوضات للنضمام للتحاد الوروبسي .كمسا
تقدمت تركيا بطلب للعضوية.
و في ينا ير (كانون ثا ني) ،1999ا ستوفت إحدى عشرة دولة معاي ير تب ني اليورو كعملة ر سمية ابتداء من أول ينا ير
(كانون ثاني) .2000واستوفت اليونان هذه المعايير بعد ذلك بعامين .وفي الول من يناير (كانون ثاني) ،2002حلت
الوراق النقدية والعملة المعدنية لليورو محل العملت الوطنية في تلك الدول الثنتى عشرة .ولم تتبنى كل من المملكة
المتحدة والسويد الدنمارك اليورو عام .2002
وفسي الول مسن مايسو (أيار) ،2004اتخسذ التحاد الوروبسي أكسبر خطواتسه نحسو التوسسع بانضمام عشسر دول جديدة
لعضويته (قبرص ،جمهورية التشيك ،إستونيا ،هنغاريا ،لتفيا ،ليثوانيا ،مالطا ،بولندة ،سلوفاكيا ،سلوفينيا).
التحاد الورو بي اليوم هو أ كبر شرا كة سياسية واقت صادية في العالم ،ح يث يش كل %38من التجارة الحرة .و مع
إمكان ية حر ية الحر كة للبضائع والخدمات والفراد لمواطن يه البالغ تعداد هم 500مليون ن سمة ،يو فر التحاد الورو بي
الفرص للجميع.
ما هو التحاد الوروبي ()EU؟
التحاد الوروبي هو نتيجة لعملية تعاون واندماج بدأت عام 1951ما بين ست دول .وبعد حوالي 50عاما وخمس
موجات من الضافات هناك الن 25دولة عضو في التحاد الوروبي.
بدأ استخدام مصطلح "التحاد الوروبي" في 1نوفمبر (تشرين أول) 1993حين دخلت معاهدة ماسترخت حيز التنفيذ.
وقد عمل التحاد الوروبي على توحيد ثلث دعائم للتعاون الوروبي تحت "سقف واحد" .هذه الدعائم هي:
الدعامة الولى :المجتمع الوروبي (بما في ذلك السوق الوروبية المشتركة واليورو) ·
الدعامة الثانية :السياسة الخارجية والمنية المشتركة ·
الدعامة الثالثة :التعاون في مجال العدل والشؤون الداخلية ·
فيمسا يتعلق بالدعامسة الولى ،تعمسل الحكومات العضاء بالتحاد كمجلس (وتأخسذ قراراتهسا عادة بأغلبيسة الصسوات)
وبمشاركة كاملة من الهيئات الوروبية الخرى .أما بالنسبة للدعامتين الثانية والثالثة ،فتُبنى القرارات على إجراءات ما
ب ين الحكومات .هذا يع ني أن تع مل الدول العضاء بالتحاد م عا للتو صل إلى نق طة مشتر كة مبن ية على الجماع .أ ما
المؤ سسات الورب ية الخرى ،م ثل المفوض ية الوروب ية والبرلمان الورو بي ،فتل عب دورا أك ثر محدود ية في هات ين
الدعامتين.
ما هي المجموعة الوروبية ()EC؟
12
تأسسست المجموعسة الوروبيسة بموجسب اتفاقيسة رومسا لعام ،1957حيسث تفاوض على ذلك الدول السست السساسية فيهسا
(بلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا وألمانيا الغربية) .يستخدم مصطلح "المجموعات الوروبية" للشارة إلى
المجموعسة الوروبيسة للفحسم والصسلب (تأسسست عام ،)1951والمجموعسة القتصسادية الوروبيسة ( EECتأسسست عام
،)1957والمجمو عة الوروب ية للطا قة الذر ية (تأ سست عام .)1957أعيدت ت سميت المجمو عة القت صادية الوروب ية
لتصبح المجموعة الوروبية عام ( 1992وضمت مجموعات أخرى) ،وهي مستمرة بكونها تتمتع بكيان قانوني منفصل
ضمن التحاد الوروبي.
لشك إن العولمة ظاهرة متعددة الوجه ومعقدة للغاية .ومن المستحيل الخوض في التفاصيل من خلل مقال واحد مهما
كبر .ولكن سنحاول الوقوف على بعض الجوانب الرئيسية والمفتاحية ،من وجهة نظرنا ،والتي ستقدم تصورا كافيا عن
هذه العملية ككل.مهما بدا ذلك غريبا فان أفكار العولمة ،حقيقة ،لم تظهر لول مرة ل في نهاية القرن العشرين ول في
أمري كا أو أورو با الغرب ية .وإن ما يم كن القول أن أول "إن سان عول مي" في تار يخ البشر ية كان ..ال سيد الم سيح! هو
بالض بط الذي أعلن ،وم نذ أك ثر من أل في عام أن ما ي جب أن يوحّد البشرية ليس النتماء لعرق أو لش عب أو دولة ما..
وان ما يوحد ها هي "فكرة علو ية" حول الخوة والم ساواة الكاملة .ل كن قطعا لم ي كن ال سيد الم سيح يق صد أن تحكم نا
حكومة عالمية ول حتى قدا سة البا با في رو ما ،والذي لم يرد ذكره على لسان ي سوع ،بل ما ق صده المخلص هو الب
السماوي.
أفكار العولمة على طريقة " السيد المسيح " كانت تفهم وتطبّق ،في القرون الوسطى ،من قبل أقوياء العالم بشكل مباشر
ووحيسد الجانسب :مبشّريسن بعقيدتهسم وبالتالي بإيديولوجيتهسم ،إن رجالت الكنيسسة كانوا يضطهدون مخالفيهسم فسي الرأي
بالحديسد الملتهسب وحاولوا تصسفية أصسحاب "الرأي الخسر" بالحرق أو شنوا الحملت الصسليبية ضسد "الكافريسن“ .وقسد
مارس الملوك نفس الشيء وبنفس الساليب ولكن بشكل أوسع ..إذ لم تتوقف الحروب في أوروبا س فعلى امتداد ألفي
سنة من التاريخ الحديث لم تعرف أوروبا ما مجموعه أكثر من عشرين سنة هدوءا وبدون حروب !!
ل مع نشوء وتمكن الفكار ما فوق الوطنية لمفكرين اشتراكيين -طوباويين من أمثال سان -سيمون لكن المر تغير قلي ً
وفورييسه أو مسن هسم اقرب إلينسا – الشيوعيون :ماركسس وانجلس ولينيسن .فبالنسسبة لهؤلء حلّت "فخامسة البروليتاريسا"
مكان ال كمر كز موحّد جا مع للعالم " ..يا عمال العالم اتحدوا" سس ت حت هذا الشعار انطل قت أض خم واغرب تجر بة
سياسية أممية في التاريخ :بداية في جمهورية فرنسا القرن التاسع عشر ،ومن ثم على سدس الكرة الرضية س روسيا
وبعدها كل العالم.
ل مسن الشتراكييسن -الممييسن جاء العولميون -المحدثون مسن "موجسة جديدة" ،مسع أفكارهسم الخاصسة حول
واليوم بد ً
القتصاد الممي ومع فكرة حكومة عالمية واحدة.الملفت للنظر انه مع كل انقلب سياسي جديد نرى المنتصرين يلجأون
13
ف قط إلى تغي ير الغطاء اليديولو جي لل صلحات الجار ية .في ح ين إن جوهر هذه الخيرة هو هو ذا ته :ال سيطرة " ما
فوق الحكومية" ،و"ما فوق الوطنية" ،والكاملة للقلية الشوفينية على شعب بلد معين ،ومن ثم على شعوب كل العالم.
ك ما قال أ حد المفكر ين إن ال سياسة هي تكث يف للقت صاد .أ ما أ نا ف سأغامر وأض يف لذلك المف كر وأقول :إن الهرط قة
الكلم ية لجم يع أولئك " ال س ..ي ين" هي مجرد غطاء تكتي كي للو صول إلى هدف ا ستراتيجي وا حد -أل و هو دوما
السيطرة الكاملة والشاملة ،القتصادية في الدرجة الولى ،على العالم .إنما اللحظة التاريخية فقط هي التي تفرض من
حين لخر التوجهات السياسية اللزمة لتحقيق ذات الهدف أولً وأخيرا.
بخلف الشتراكييسن -الممييسن السسابقين ،إن " الممييسن " (الحالييسن سس العولميون وفسي صسراعهم مسع اليديولوجيسا
الشيوعية) ل يجهدون أنفسهم بتقديم أية أدلة على صحة وجهة نظرهم ،ببساطة هم اعتبروا آباءهم الروحيين والسابقين
لهم ،أي الشيوعيين المميين" ،خارجين عن القانون"؛ وان أفكارهم غبية وهدّامة ،وفي أفضل الحالت هي أفكار خاطئة
وانسدادية الفق أي غير قابلة للتطبيق.
لكن في الواقع فان أوجه القرب أو التشابه بين هذين التيارين من الممية هو أكثر مما يبدو للوهلة الولى .التشابه ينبع
من وحدة الهدف .مثلً هؤلء وأولئك يعتقدون بإمكان ية التح كم بالعالم من خلل القومي سارات أو عملء فّعال ين .ف من
ا جل ال ستيلء على بقعة أو بلد ما يتو جب بداية تأ سيس و صياغة ومن ثم زرع الغطاء اليديولو جي اللزم لم ثل هكذا
"عملية" .بالضبط لهذا السبب يتم اليوم الستيلء على الصحف وقنوات التلفزة كما كانوا سابقا يسعون ولو عبر المعارك
والقتال للسيطرة على محطات القطارات ومراكز البريد والهاتف .نظريا ،أكثر أهمية فهو أن أية عولمة حالية أو لحقة
ل ت ضع هدفا ل ها تح سين م ستوى معي شة الغلب ية .نظريا ،في الشعارات س ن عم .أ ما على ارض الوا قع س هراء.
ف في ع صر الشتراك ية كان يقدم لتلك الغلبية ال حد الد نى للمتو سط الضروري س في الحقي قة ل يس أك ثر من م ستوى
حافة الفقر حيث فعلً لم يكن يوجد جائعين بالمعنى الحرفي للكلمة.
وب ما ا نه من الم ستحيل أن ن صبح جميعا أغنياء كفا ية ف قد كا نت أمام المجت مع مه مة إيديولوج ية تر مي لبناء "إن سان
واعي فوق العادة“ ،الذي يجب أن تبقى متطلباته المادية في الحدود الدنيا الممكنة للبقاء .تذكّروا شعار مرحلة الشيوعية
المنتصرة" :من كل حسب استطاعته ،ولكل حسب حاجته" سس شعار بقدر ما هو رنان بقدر ما هو خيالي .الحقيقة هي
إن متطلبات الفرد ل حدود ل ها .كل ما ازداد تمل كه سس كل ما كبرت رغبا ته وحاجيا ته .ولن تكون نها ية لتلك الثنائ ية.
على كل حال طالما أن الكرة الرضية مصابة بداء الستيطان من قبل بني البشر ؟! .
ذات القضايا والشكاليات كانت قائمة في حينه أمام رجالت الكنيسة .في البداية ،أنكرت المسيحية على المؤمن الغنى
الشخصي واعتبرت الثروة آفة ،بينما صار الفقر يعادل الكبرياء و بطاقة مرور إلى جنات السماء .خصوصا لو أصبح
المرء فقيرا بسبب تبرعه بأمواله في سبيل قضية إيمانية .فقط من يضحي لجل "الهيكل" (أي لجل الفكرة) ،والذي ل
يملك سسوى "مسا هسو ضروري للعيسش" ،كان لديسه المسل فسي دخول الجنسة السسماوية .أمسا المبشرون الرئيسسيون لهذه
اليديولوجية س باباوات الكنيسة في روما س فقد أحاطوا أنفسهم بكل أشكال البذخ والثراء لدرجة الل معقول.
لش يء جد يد في عالم نا الر ضي .ف كل ما يجري في أيام نا معروف ووا ضح .ومه ما نظّر العولميون س المميون
الحاليون فان العولمة تسبب فرزا عميقا في المجتمع وفق درجة التملك .أما المجتمع الديموقراطي ،خصوصا في بلدان
الشتراكية سابقا ،فلم يعد له وجود بعد أن انقسمت تلك المجتمعات إلى "سوبر أغنياء" ،وفقراء بالمعنى البسيط والدقيق
للكلمة .وح تى في الوليات المتحدة المريكية س قلعة العولمة س ف قد انخف ضت أجرة العمل حوالي %10من قيمت ها
الفعلية خلل العشر سنوات الخيرة .هذا ما يعلنه صراحة معارضو العولمة في أمريكا ،بينما ينكرونه ويتسترون عليه
خبراء القتصاد س العباقرة في روسيا س أصحاب التوجه الغربي.
ومن خصوصيات العولمة الحالية هو حصول تبدلت بنيوية في سوق الستهلك في البلدان الغربية المتطورة اقتصاديا.
ذلك إن البضائع والخدمات التسي كانست متوفرة للغنياء فقسط فسي السسابق كانست تدريجيا تصسبح فسي متناول الطبقسة
الوسطى .أما الن يجري تناقص فعلي في الموارد والخدمات ذات الطابع الشعبي الواسع ..بينما النخبة تسبح في سوق
السلع الفخمة والعجائبية .وهذا يحصل أبدا ليس لن المواطن المريكي قد أصبح مؤخّرا في مصاف الثرياء .وهنا قد
يتبادر للذهن سؤال عن العلقة بين العولمة وبين انخفاض مستوى معيشة المريكي أو الروسي أو اللماني ..الجواب
بسيط للغاية.
14
عندما يتحول راس المال الوطني ،في مثالنا المريكي أو الروسي أو اللماني ،إلى راس مال عابر للحدود ،حينها فانه
يف قد بقا يا ما ي سمى "الوطنية"؛ ذلك أن الشركات الفوق س قومية ،المريكية وغيرها ،وبعد أن تتحرر من انتمائ ها لية
دولة ،تبنسي مصسانعها ومؤسسساتها أينمسا يحلو لهسا بمجرد أن تتوفسر اليسد العاملة والمواد الخام الرخيصسة .بالتالي فان
المريكيين وغيرهم ،الذين اعتادوا على أجور عمل ممتازة لقاء أعمالهم الرفيعة ،سيفقدون أماكن العمل وبعدها الجور
العال ية .ك ما ا نه ،وهذا هو ال هم ،لن يعود هناك مفهوم "خيا نة الو طن" بالن سبة لذلك "الموا طن العول مي“ ،طال ما أن
مفهوم الوطن بحدوده المعروفة سابقا لم يعد له وجود بالنسبة لذاك "المواطن المعولم“.
بل ين شأ لد يه مفهوم جد يد هو "الب يت" الذي يبن يه أو يشتر يه ح يث ي جد الرا حة في لح ظة ما .لهذا بالتحد يد ل جأ من
يعرفون اليوم ب س "الروس الجدد" إلى ن قل أموال هم ،و سوف يقومون بن قل كل ما ي ستطيعون "تح صيله" في رو سيا إلى
الخارج .إن تحويل روسيا إلى مجرد مصدر مواد خام تابع للقتصاد الغربي س هو في راس أولويات العولمة الحالية.
وقد سبق واعد نفس المصير لبلدنا منذ أكثر من مائة عام من قبل الشيوعيين س المميين.
ل قد تم في حي نه توظ يف الطاقات القت صادية والع سكرية لرو سيا من ا جل إزالة النظام العال مي ال مبريالي القد يم ذو
الخصائص القومية وذلك من اجل بناء الممية الشيوعية .لكن السلطة الروسية حينذاك تمكنت من قلب المعادلة وبعد أن
تخلصت من أباطيل وأوهام الثورة العالمية قامت بنقل البلد إلى مصاف الدول العظمى في العالم .الن يحضّر نفس
المصير لروسيا س امتداد من الثروات الطبيعية ملحق باقتصاد أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
ون حن ن سير "بنجاح" في هذه الطر يق وب سرعة باهرة جدي ّ.صعد عدد ال سكان ح تى ال س 50مليون ن سمة "المقررة
والمسموح لنا بها ،ولذلك نقوم بتهديم كل ما ل يتعلق بتامين عمل القطاعات المعتمدة على التصدير؛ وهمنا المحافظة
على المستوى المطلوب للغرب من إنتاج النفط والغاز .أما احتياجات القتصاد الروسي فل تهم أحدا "بشكل جدي".
بالنسبة لهم أوروبا الموحدة ،أما نحن " حق القليات والقوميات في تقرير المصير " لدرجة الفظاعة والنفخ المتزايد
في الصراع المفتعل بين ديانتين تاريخيا متعايشتين في روسيا :المسيحية والسلم.
خلل شهري حزيران س تموز 2001فقط هبطت أسعار النفط والغاز في السواق العالمية بنسبة %15وبالنسبة للنفط
الروسي .%20إن تلك الواقعة يمكن أن تعني بداية النهاية "للعجيبة القتصادية" التي وكأنها تحققت في عهد النظام
الجد يد لرو سيا ،ذلك أن المقياس لحياة طبيع ية في البلد س الميزان ية س ل تزال تب نى ل يس على ب عث وزيادة النتاج
المحلي ،وإنما فقط على ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز المصدّر .فإذا ما انخفضت السعار س تهتز الميزانية :إن
سياسة العول مة لن ت سمح لرو سيا أبدا بالنهوض والوقوف على قدمي ها .بالط بع طال ما إن حكومت نا الوطن ية ستستمر في
نهجها الموالي للغرب وبشكل أعمى والذي سيؤدي ل محالة إلى الهلك
15
العولمـة ..مـقــاومـــة وتفاعـــل
مسا زال مصسطلح (العولمسة) مسن المصسطلحات الغامضسة التسي لم تُحدّد معالمهسا بدقسة؛ على الرغسم مسن كثرة الكتسب
والدرا سات ال تي كت بت ف يه .ل كن يبدو أن هناك رأيا سائدا ع ند جمهرة من ال ساسة والمفكر ين يش ير إلى أن م صطلح
(العولمة) قرين لمصطلح (المركة) ،وهذا ما أشار إليه مؤلفا كتاب (فخ العولمة) عندما قال( :إن ثمة جهودا خارقة
تبذل لكي يتخذ العالم صورة واحدة؛ ول ريب في أن المحصلة النهائية لمثل هذا التطور ستكون في المجال الثقافي كما
يتبناها ابن نيويورك الفنان «كورت روي ستون» بسيادة الصراخ والزعيق المريكي بمفرده في العالم أجمع)(.)1
ل قد انهارت أورو با أمام الغزو ال سينمائي والتلفزيو ني المري كي ك ما ذ كر ذلك ب عض المفكر ين( ،)2ولم يحم ها شعار
السستثناء الثقافسي الذي رفعسه وزيسر الثقافسة الفرنسسي ،وشعرت كثيسر مسن الدول بالقلق مسن هذه التحولت الثقافيسة
والحضارية التي يشهدها العالم؛ حتى قال وزير الخارجية الكندي( :لئن كان الحتكار أمرا سيئا في صناعة استهلكية؛
فإنه أسوأ إلى أقصى درجة في صناعة الثقافة؛ حيث ل يقتصر المر على تثبيت السعار ،وإنما تثبيت الفكار!).
فإذا كان هذا النهيار والقلق قد حصل في الدول الكبرى التي تدرك خطورة العولمة؛ فما بالك في الدول المهزومة التي
ترى أن نهضت ها إن ما تكون بالن سلخ من هويت ها ،والوقوع في شرك التبع ية ،خا صة ب عد إرهاب المر كة الذي ام تد
هديره بعد أحداث نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر ليجرف بطوفانه ما بقي من كرامة الشعوب..؟!
إن سراب العول مة وأكاذيب ها المتتال ية س خا صة في المجال القت صادي س بدأت تت ضح وتنك شف سوءاتها؛ ولهذا فإن
مستقبل العولمة (المركة) أصبح مهددا بالسقوط التدري جي ،خاصة ب عد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي زلزلت
الكيان المريكي وأسقطت هيبته.
ل قد أشر نا في العدد ( )167إلى المؤت مر( )3الذي عقده المنتدى ال سلمي في لندن بعنوان( :العول مة ..مقاو مة
وتفاعل) ،ونشرنا مقالة تمهيدية للدكتور إبراهيم بن ناصر الناصر بعنوان( :العولمة ..استثمار ومقاومة) ،ووعدنا بنشر
بق ية الوراق ال تي قد مت ف سي المؤتم سر ،وه سا نح سن س بح مد ال س ن في بالو عد ونن شر الملف ب عد انعقاد مؤت مر
الدوحة لس (منظمة التجارة الدولية) التي تعد إحدى الذرع الرئيسة للعولمة.
----------------------
( )1فخ العولمة ،ص .49
( )2منهم :روجيه جارودي في كتابه( :أمريكا ..طليعة النحطاط) ،ص .114
16
( )3من الوراق التي قدمت في المؤتمر :ورقة بعنوان( :عولمة أم استعمار؟) قدمها الستاذ الدكتور محمد آمحزون،
وورقسة أخرى بعنوان( :العولمسة العلميسة) قدمهسا الدكتور مالك الحمسد ،ولكسن لم ننشرهسا فسي هذا الملف لنسه سسبق
نشرهما في مجلة البيان في العددين ( )148 ،145مع العلم أنهما أضافا مادة علمية كثيرة ،لكننا آثرنا عدم التكرار.
عقد خلل الفترة من الثالث حتى الرابع عشر من شهر يونيو لعام 1996م في استنبول مؤتمر اليواء البشري تحت
مظلة ال مم المتحدة ،وهذا المؤت مر حل قة من حلقات المؤتمرات ال تي دأ بت ال مم المتحدة على عقد ها و فق دعايت ها
بتحسين أوضاع العالم القتصادية والتجارية والعمرانية والسياسية والجتماعية - ،لكن حقيقة المر بخلف ذلك ،بل
إن هذه المؤتمرات أداة ت ستخدمها الرأ سمالية اليهودية لل سيطرة على العالم اقت صاديّا وفكريّا من خلل تأط ير ال سلوك
الجتماعي والسياسي ليوافق الفكر العلماني الذي تقوم عليه الرأسمالية اليهودية المعاصرة.
إن الطار الفكري الذي تقوم عليسه فكرة المؤتمسر ومسا طرح فسي وثيقتسه مسن أفكار وأسساليب مطلوب مسن الدول
المشتر كة في هذا المؤت مر تبني ها ل حل مشكلة تؤرق ال سياسيين في مختلف أقطار العالم و هي (مشكلة اليواء وتوف ير
الماكسن الكافيسة لسستيعاب ملييسن البشسر ( ،هذا الطار مسا هسو إل غطاء للتسسلل لحتواء موارد الدول الفقيرة
واسستغللها لصسالح المؤسسسات الماليسة والمالكيسن لهسا مسن دهاقنسة اليهود والمتهوديسن فكرا وسسلوكا ،ونشسر النماط
السسلوكية التسي أفرزتهسا الفلسسفة الجدليسة الماديسة ،التسي مسن مقتضياتهسا النفلت السسلوكي :سسواء مسا كان له ارتباط
بالمنهجية القتصادية ،وما يرتبط بذلك من حرية مطلقة في استلب الخرين ،وتحقيق المنفعة الفردية على حساب
المنف عة الجماع ية مع ا ستبعاد الجوا نب الخلق ية في ال سلوك القت صادي ،أو ما كان له ارتباط بأنماط ال سلوكيات
الجتماعية ل سيطرة الرأ سمالية اليهودية ممثلة في الوليات المتحدة بو صفها قوة وحيدة بتمك ين هذه القوة الجديدة من
الستحواذ على العالم؛ ليكون القرن الحادي والعشرين قرن أمريكا.
أهداف المؤتمر:
إن أهداف المؤت مر الذي حددت ها م سودته (جدول أعماله) تل بس ال حق بالبا طل؛ ح يث تعلن مفاه يم عا مة وتمنيات
تُدغدغ ب ها رغبات الحكومات الفقيرة ال تي ترزح ت حت وطأة الف قر والحا جة والتخلف ،ولكن ها في الوا قع سراب ُينْ َفذُ
من خلله إلى الهدف الحقيقي المغلف بهذا السراب.
سة:
سة المور التاليس
سل للهداف الحقيقيس
سي مدخس
سي هس
سر التس
سة المؤتمس
سي وثيقس
سا فس
سن الهداف المشار إليهس
فمس
-1المسساواة والعدالة لجميسع الفراد ،للحصسول على اليواء وتوفيسر البنيسة التحتىة المكملة للمسسكن الملئم.
-2استئصال الفقر ،من خلل توفير المأوى للفئات ذات الدخل المنخفض مع حق اختيار العمل والحصول عليه.
17
أما الهداف الحقيقية للمؤتمر فيمكن فهمها من خلل ما رسم من إجراءات تنفيذية لتحقيق الهداف الفضفاضة ،وما
امتزج ضمنهسا مسن مفاهيسم أدرجست لتخدم الغرض الحقيقسي للمؤتمسر ،ويمكسن تحديدهسا على النحسو التالي:
-1العمل على تغيير مفهوم السرة القائم عل السس الدينية والقيم الجتماعية الفطرية ،وتوسيع هذا المفهوم ليشمل
أنماطا من الشكال التي تم تبنيها في المجتمع الغربي بوجه عام ،وفي الوليات المتحدة بوجه خاص؛ من خلل تغيير
معالم ومكونات السرة ك ما عرفتها الن سانية ،حيث أشار الب ند ( )18من الوثي قة إلى شمول اليواء لمختلف أشكال
ال سر ،والمق صود من ذلك :م نح الشاذ ين جن سيّا الذ ين يكونون في ما بين هم ُأ سَرا ،وتلك الشكال من العلقات ب ين
الرجال والنساء الذين ل يرتبطون بعلقات شرعية ،مساكن لليواء.
-2توسيع النظام الربوي ،وتمكين المؤسسات المالية الربوية من السيطرة على المقدرات المالية لدول العالم الثالث،
من خلل عمل شبكة من البنوك ومؤسسات القراض ،وربط تمويل توفير المباني والبنية التحتىة لمشاريع اليواء
بالقراض الخارجي ،البند (.)30
من أ هم اللتزامات المطلوب تبني ها من ق بل المشارك ين في هذا المؤت مر والموقع ين على وثيق ته المور التال ية:
-1تغيير قوانين الملكية الخاصة بالراضي :سواء الزراعية أو السكنية ،وقوانين السكان واليجارات ،وفتح باب
سوق شراء وبيع العقارات ،وإزالة جميع العوائق الخاصة بتوفير المناخ الملئم لحرية السوق العقاري (البند 56من
الوثيقسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة).
-2تغيير وتعديل النظمة لتسهيل حركة الموال وربط تمويل السكان بالنظام المالي العام للدولة وتعديل السياسة
النقدية والمالية لتوفير روح المنافسة ،لتتحرك الموال من أجل توفير القروض للفقراء ،مع توفير المكانية لنظمة
القراض لتحقيق استعادة القروض من خلل توفير القوانين والنظمة لذلك ،وإقرار برامج رهن المساكن لمؤسسات
القراض المتعددة (البند.)61 :
-3ر بط اقت صاديات الدول المتخل فة باقت صاديات الدول الرأ سمالية ض من المفهوم الذي تب شر به الوثي قة ،و هو
القت صاد الدولي ،ك ما أشارت إل يه البنود ( ،)150 ،147 ،140من الوثي قة ،ح يث تم التأك يد على ر بط ال سلطات
المحلية بالسوق المالي الدولي ومؤسسات القراض الخاصة بالشؤون البلدية ،مع العمل على توفير البنية التي تسمح
للقتصساد الدولي فسي النمسو ،والمسساهمة فسي بناء البنيسة التحتىة لمشاريسع اليواء وتكويسن المراكسز الحضريسة.
إن تبني الهداف وقبول اللتزامات التي حددتها الوثيقة التي تم التوقيع عليها في مؤتمر استنبول يعني التمكين لما
يعرف في مجال الدرا سات القت صادية (بعولمة القتصاد) تحت قيادة صندوق الن قد الدولي والمؤ سسات التابعة له.
وظاهرة (العولمسة) التسي أخذت فسي الزدياد فسي الفترة الخيرة لهسا خطورتهسا على النمسو القتصسادي والحضاري
والثقافسي للمجتمعات المتخلفسة ،وبخاصسة المجتمعات السسلمية؛ حيسث يتوفسر فسي بلد المسسلمين مصسادر الثروات
الطبيعية؛ مما يدفع إلى الستحواذ عليها من قبل الرأسمالية اليهودية العلمانية.
إن أهسم مظاهسر عولمسة القتصساد هسي :زيادة نمسو الشركات المتعددة الجنسسية ،ومؤسسسات النتاج الدوليسة الطابسع
والعالميسة النشاط ،وقسد أدى هذا المسر إلى التشابسك بيسن مؤسسسات النتاج على الصسعيد القطري والقليمسي ،واتجاه
الشركات القطريسة إلى توسسيع رقعسة أنشطتهسا لتخرج بسه خارج الحدود الوطنيسة أو القوميسة وصسول إلى المسستوى
18
الكو ني ،والشكل الذي تأخذه العولمة هو قيام المؤسسات الضخمة بمد نشاط ها خارج حدود ها الوطنية وإنشاء فروع
شبه مستقلة ولكنها تابعة لها في بلدان الدول المتخلفة ،أو تحويل الكيانات القائمة للشركات القومية؛ لتُكوّن فروعا لها
وتوابع لنشاطها.
لتت ضح أبعاد ظاهرة العول مة القت صادية أو ما يم كن ت سميته بظاهرة الرأ سمالية متعددة الجن سية ال تي تج مع لدي ها
عنا صر القوة القت صادية ،و ما يم كن أن توظ فه من قوة سياسية أو تمار سه من ضغوط على الدول المتخل فة غ ير
القادرة على التعا مل بند ية مع هذه الكيانات العمل قة ،فالح صاءات تو ضح مدى خطورة هذا التمر كز الرأ سمالي...
فإذا عرفنسا أن إيرادات أكسبر خمسسمئة شركسة فسي العالم بلغ فسي عام 1994م نحسو عشرة تريليون ومئتيسن وأربسع
وخم سين بليون دولر ،وإذا تم مقار نة ذلك بمجموع النا تج المحلي الجمالي لدول العالم في سنة 1993م (الذي كان
ل مسن ثلثسة وعشريسن تريليون دولر) ،أدركنسا مدى خطورة تركسز الموال لدى الرأسسمالية العالميسة.
أكثسر قلي ً
إن ال سؤال الذي يسبرز ه نا هو :لماذا تت جه الرأ سمالية اليهود ية في ن قل وترك يز ب عض عمليات النتاج في الدول
المتخل فة؟ ..وإن الهدف الحقي قي هو الب حث عن أعلى معدلت للر بح ،و هو هدف سهل يم كن تحقي قه ب عد أن قا مت
الرأ سمالية اليهود ية بالد فع إلى تب ني ال سياسات الليبرال ية ب عد سقوط التحاد ال سوفييتي وف شل الف كر الشترا كي في
تحقيق النمو القتصادي للدول التي تبنته.
ومن هنا :ن جد أن القوى الرأ سمالية من خلل مؤ سسات ال مم المتحدة المالية (الب نك الدولي و صندوق الن قد الدولي
وتوابعهما) وبعد أن تزعمت الوليات المتحدة العالم؛ أخذت بالدعوة إلى تبني أساليبها القتصادية ،حيث أصبح تبني
هذه السياسة بدون نظر لمحاذيرها هو التوجه لدى دول العالم المتخلف وبخاصة دول العالم السلمي ،فقد أخذ البنك
الدولي بتوجيه من الوليات المتحدة بإجبار دول العالم السلمي إلى إعادة هيكلة اقتصادياتها على ضوء هذه السياسة
الليبرال ية ،فاتج هت لخارج دول ها لجذب رأس المال الج نبي ،وتب ني مفهوم القطاع الخاص من خلل ا ستخدام آليات
ال سوق و ما يتطل به ذلك من تحج يم وا ضح في الملك ية العا مة ،وتد خل الدولة في النشاط القت صادي ،وهذا ما تتبناه
وثيقة استنبول لحل مشكلة اليواء.
إن عولمة القتصاد الذي تُطالب به المم المتحدة برئاسة الوليات المتحدة حيث يحل مشروع أممية رأس المال بدلً
من أمم ية البروليتار يا ،ف ما يح صل الن من أ ساليب إجرائ ية متعددة الشكال ل حل مشا كل اجتماع ية واقت صادية هو
تمك ين لمرا كز النظام الرأ سمالي من إعادة احتواء دول العالم المتخل فة وإعادة امت صاص قوا ها ،طبقا لمن طق ترا كم
رأس المال في تلك المراكز.
إن آليات السوق الذي تقوم عليه الفكرة الساس للرأسمالية :أن من ل يستطيع كسب قوته يجب أن يموت ،فهناك في
الغرب فل سفة م من يقول :إن المليار من فقراء العالم الثالث ،بل وفقراء الدول ال صناعية كانوا زائد ين عن الحا جة،
وبالتالي :فل مبرر لوجودهم ول حاجة إليهم ،ضمن مفهوم فلسفة البقاء للصلح! ،ولذا :تجد الدعوة المستمرة لتغيير
مفهوم ال سرة ،والدعوة إلى الجهاض وق تل العجزة ..وغ ير ذلك من الدعوات غ ير الخلق ية وغ ير الن سانية ،و ما
هي إل نتيجة العبثية الرأسمالية العلمانية.
إن المخرج مسن هذا الفسخ الذي نصسبته الرأسسمالية اليهوديسة هسو قدره العالم السسلمي فسي اتخاذ قراره السسياسي
الم ستقل ،وهذا ل يم كن أن يتح قق إل إذا طرح الف كر العلما ني ونبذه من مناه جه وتوجها ته ،وتب نى الف كر العقائدي
19
السلمي وما يحتويه من سلوكيات وقيم ونظم وتشريعات لتحقيق سعادة النسان الدنيوية والخروية ((وَلَوْ أَنّ أَهْلَ
سبُونَ)) [العراف:
خ ْذنَاهُم بِمَا كَانُوا َيكْ ِ
سمَاءِ وَالَ ْر ضِ وَلَكِن َك ّذبُوا فَأَ َ
ت مّ نَ ال ّ
القُرَى آ َمنُوا وَاتّقَوْا َل َفتَحْنَا عََليْهِم بَ َركَا ٍ
)*(.]96
الهوامسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسش :
* تأجلت الحلقة الثالثة من دراسة الكاتب الكريم د /محمد الشباني عن (الربا والدوات النقدية المعاصرة) وذلك لتواكب المجلة المؤتمر مدار
البحث ،وموعدنا مع الحلقة المؤجلة في العدد القادم إن شاء ال.
وتاريخيا ،وبنا ًء على الواقع السياسي والحربي لدول العالم ،كانت التجارة الدولية تمر بموجات من المد والجزر في
مجال الحمائ ية (ويق صد ب ها و ضع موا نع غالبا ما تكون م صطنعة أمام ان سياب ال سلع من خارج البلد م ثل الجمارك
والقيود الكميسة والنوعيسة على الواردات) .فقسد كانست الحروب ،ول تزال ،تشكسل العائق الول أمام انسسيابية التجارة
الدول ية ب سبب فقدان الث قة ب ين البلدان المتحار بة .وكان ي صاحب قيام الحروب و قف ت صدير وا ستيراد الذ هب والف ضة
على وجسه الخصسوص بسسبب كونهمسا نقودا مقبولة فسي أنحاء كثيرة مسن العالم لقرون طويلة (أو غطاء إلزاميا للنقود
الورق ية إلى ع هد قر يب) .هذا هو ال سبب الول الذي ج عل أ صحاب النظر ية التجار ية ينادون بالكتفاء الذا تي وعدم
القيام بعمليات تجارة عالمية؛ حيث إن فقدان المعدنين الثمينين في أوقات السلم يجعل البلد عرضة للضعف الشديد حال
الحرب .ولذلك تز يد الموجات الحمائ ية (بفرض القيود المال ية والكم ية والنوع ية) على التجارة ب ين البلدان أثناء وب عد
الحروب .ول ما تغ ير الو ضع في النقود وأ صبحت ل ت صرف بالمعدن الثم ين ،خفّ ت تلك الثار من ج هة ،وزادت من
جهة أخرى؛ فأصبحت الدول المتحاربة تتعامل بعملت قوية مصدرة في بلد غير مشمول بالحرب ،لكن النقد الخاص
بالدول المتحاربة قد يتلشى للصفر .وآثار الحروب ل تتوقف على النقود ،بل كثير من الدوات القتصادية التي تعتمد
على الثقة تتأثر تأثرا كبيرا بالحرب(.)1
ولذلك كا نت الحربان العالميتان ذوا تي أ ثر كبير على التجارة العالم ية بناءً على ما سبق .و قد ا ستدعى ذلك من قادة
العالم (القادر على ذلك) المبادرة لتصسحيح مثسسل تلك الختللت فسي سسسوق التجسسارة العالميسة حتسسى ل تتضرر
20
البلدان وخاصسة المتقدمسة بعسد الحروب .وقسد قامست جهود كثيرة مسن دول العالم المتقدم لتصسحيح الخلل الناشسئ مسن
الحروب على التجارة الدول ية ب عد الحرب العالم ية الولى ،ولكن ها لم تلق الد عم الكا في من بق ية دول العالم ،وفتّ في
عضدهسا الكسساد العظيسم الذي ضرب أطنابسه على الوليات المتحدة وأوروبسا مسن عام 1929م حتسى 1933م ،وقيام
الحرب العالمية الثانية فيما بعد .وكانت الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية مناسبة للوليات المتحدة المريكية (البلد
المنت صر في الحرب) لفرض سياستها على العالم ،وتشك يل ما تر يد تشكيله من المؤ سسات والمنظمات العالم ية ال تي
تحل بها كثيرا من المشكلت التي نشأت من الحروب؛ بحيث تستفيد الستفادة القصوى من تلك المنظمات .ومن هنا
قا مت منظمات دول ية من أهم ها( :منظ مة ال مم المتح سسسدة) والهيئات وال سوكالت التابع سسسة ل ها ،و ( صندوق
الن قد الدولي) ،و (الب نك الدولي للنشاء والتعم ير) .وكان الغرض من ها ترت يب الشأن ال سياسي والقت صادي والتمويلي
في العالم .و في تلك الحق بة نف سها ،تم اقتراح إنشاء منظ مة تع نى بالتجارة الدول ية ت سمى( :منظ مة التجارة العالم ية).
وبالف عل تم ذلك ،وبدأت اللجان المشكلة الع مل ب ها منطل قة م ما عرف في ما ب عد ب س (ميثاق هافا نا) الذي كان يراد م نه
تنشيط العلقات التجارية العالمية .ولكن هذه المنظمة لم تقم على سوقها ،لعتراض الكونجرس المريكي عليها نظرا
لسحبها كثيرا من صلحياته(.)1
غ ير أن حا جة الدول لمنتدى دولي للتداول حول الشؤون التجار ية المختل فة كان ملحا على الر غم من رغ بة الوليات
المتحدة المريكية ،فكان أن قامت جهود منفردة بين مسؤولي القطاعات التجارية والقتصادية التي لها علقة بانسيابية
حر كة التجارة الخا صة ب ها ،ثم تبلورت تلك اللقاءات والجتماعات عن أ طر تل قى قبولً عاما ب ين الدول ،م ستمدة من
(ميثاق هافا نا) ،شكلت في ما ب عد الطار النظري الذي بن يت عل يه اتفاق ية سميت( :التفاق ية العا مة للر سوم الجمرك ية
والتجارة) ،واختصسارا مسن الحروف النجليزيسة الولى لسسمها ،تدعسى (جات) [ .]GATTوكان الهاجسس الول فيهسا
تحرير التجارة العالمية من القيود التي وضعت بعد الحرب؛ وذلك بخفض الجمارك ،والحد من القيود الكمية والنوعية
المفروضة على السلع من قبل الدول الطراف في التفاقيات .وتولد عن تلك الجتماعات اتفاقات بين دولتين أو أكثر،
وتغطي في الغالب سلعا صناعية من المهم لطراف التفاقية وضع ضوابط للتجارة فيها .ولحاجة كثير من دول العالم
لمثل هذا النوع من الترتيبات التجارية ،زادت تلك التفاقات وتعددت أطرافها ،وتوسعت بعض التفاقيات في أعضائها
والسلع الصناعية التي تشملها ،وأصبحت تلك التفاقيات مجالً لنضاج كثير من الفكار القتصادية في مجال التجارة
العالمية .ومع كل ذلك ،لم تكن (الجات) منظمة بالمعنى الفني الدق يق ،وإن كان لها أعضاء مشاركون مشار كة فاعلة
في كثير من مجريات اتفاقياتها ،ولكنها قدمت للعالم وللفكر القتصادي كثيرا من الفكار الناضجة في مجالها؛ ومن ثم
اكت سب كثير من ممار ساتها عرفا دوليا مهما ،وإن كان غير ملزم للطراف في ها؛ وتبلورت تلك في خ فض كثير من
الرسوم الجمركية على جملة السلع محل المفاوضات( .)2وكانت بعض الدول التي ل ترغب في النضمام لهذا الملتقى
القت صادي غ ير الر سمي تد خل طرفا أو «عضوا» مراقبا ف يه .و قد تبلور الع مل التجاري العال مي المدار عن طر يق
اتفاقية (الجات) عن مبادئ مهمة ألخصها فيما يأتي(:)3
-1مبدأ عدم التمييز (أو :قاعدة المعاملة الوطنية) :والمقصود أن تتم معاملة كل دولة لسلع الدول الخرى معاملة
السلع الوطنية سواء في ما يتعلق بالضرائب المحلية أو النظمة المعمول ب ها .و في هذا الطار تع طى الدولة المشاركة
في التفاقية وضع «الدولة الَوْلى بالرعاية»؛ ويقصد به :حصول الدولة على كل المزايا الممنوحة من بلد آخر للبلدان
21
الخرى تلقائيا حتسى لو لم يكسن البلد طرفا فسي اتفاقيسة محددة ،ويسستثنى مسن ذلك البلدان الداخلة فسي ترتيبات تجاريسة
إقليمية.
-2مبدأ حظر القيود الكمية :والمقصود أن يتم امتناع كل الدول المشاركة في اتفاقية الجات عن استخدام القيد الكمي
(أي :تحديد الواردات بكمية معينة) في أساليب التعامل التجاري مع البلدان العالمية .ومعنى ذلك أن الدول ليس لها إل
استخدام الرسوم الجمركية كآلية وحيدة لحماية الصناعة المحلية.
-3مبدأ تخفيض الر سوم الجمركية :والمق صود أن تتعاون الدول العضاء في التفاقية بخ فض ر سومها الجمركية
أمام الواردات الجنبية تحفيزا للتجارة العالمية ،وتقليصا للعوائق السعرية عليها ،أو على القل ربط تلك الرسوم بحيث
ل تزيد.
-4التعهد بتجنب سياسة الغراق :والمقصود أن تحاول الدول العضاء عدم دعم السلع الموجهة للتصدير دعما ماليا
مباشرا؛ بحيث إن التفاقية تريد ترسيخ قيم التنافس الحر بين الشركات والمنشآت التجارية بدون التدخل الحكومي.
و من أ هم أ سباب التطورات ال تي حد ثت في م سيرة (الجات) تلك الجولت من المفاوضات ب ين الدول العضاء ال تي
كانت تعقد كل عشر سنين تقريبا ،وتسمى في البلد الذي تعقد فيه غالبا .وكانت هذه الجولت مجالً لنضاج التجارب
في التفاقيات المختل فة ،ول سماع الطراف المختلفين ما عند الخر ين حول التفاقيات ،وللن ظر في إدخال سلع أخرى
لتشمل في التفاقيات القائمة .وقد تم عقد ثماني جولت ،كانت الولى في جنيف عام 1948م .ولكن أهم تلك الجولت
هي الجولت الثلثة الخيرة :جولة كندي ( 1964س 1967م) ،وجولة طوكيو (1973س 1979م) ،وجولة أوروجواي
( 1986س 1993م)( ،)1وكانت جولة أوروجواي أهم تلك الجولت على الطلق.
ل قد تغ ير مو قف الوليات المتحدة المعارض لنشاء منظ مة تع نى بالتجارة العالم ية عل سى نح سو غ ير معه سود .ول
شك أن لذلك أسبابا تشترك فيها مصالح الوليات المتحدة مع أوروبا ،وبقية البلدان الصناعية.
-استعار المنافسة بين الوليات ودول أوروبا على المصالح ،خاصة بعدما تبين لدول أوروبا أن الوليات المتحدة قد
شكلت في السنوات الخمسين الماضية أكبر تحد لدول أوروبا في جميع المجالت ،خاصة التجارية والثقافية .ومن هنا
ندرك أن تشكيسل (التحاد الوروبسي) بيسن دول كانست متناحرة إلى عهسد قريسب لهسا لغات متعددة وثقافات متغايسسرة
ومصسالح متعارضسسة لم يأت اعسستباطا ول ترفا اقتصساديا أو سسياسيا؛ بسل هسو حسل غالي الثمسن لمعضلت باهظسة
التكاليف( .)3ومن المهم في هذا السياق ربط الندماجات الكبيرة التي حصلت بين الشركات العالمية ،والغربية على
و جه الخ صوص ،في كث ير من المجالت ،م ثل ال صيرفة ،والخدمات المال ية ،والت صالت ،والتأم ين ،وال صناعات
الساسية وغيرها .ومن المهم الشارة إلى أن مثل تلك الممارسات كانت إلى عهد قريب تعد مخالفة للقوانين الخاصة
بمكافحة الحتكار في بلدان مثل الوليات المتحدة المريكية ،ولكن الصورة القانونية تغيرت مع تغير ساحة الصراع
القتصادي.
-كثرة الدول ال تي كا نت م ستعمرات لدول أورو با مقار نة بالوليات المتحدة المريك ية؛ م ما يج عل تقد يم الدول
الوروب ية لمزا يا تجار ية لهذه الم ستعمرات غ ير مخالف للن مط التجاري المعروف والمألوف عالميا .ول ما كا نت تلك
22
المستعمرات السابقة قد أصبحت بعد التحرير(!) مجالً خصبا لنشاط الشركات متعددة الجنسيات ،فقد كانت الشركات
حاملة الجن سية الوروب ية في ها مقد مة على غير ها من الجن سيات ،خا صة المريك ية في المزا يا التجار ية .وهذا يع ني
خسارة كبيرة لسواق كبيرة بإمكان الوليات المتحدة دخولها .والعكس صحيح ،فهناك دول ترغب أوروبا أن تمارس
في ها دورا أ كبر ،و هي تاريخيا مجال ل صولت وجولت الشركات المريك ية .ومشكلة الموز ال تي ثارت ب ين الوليات
المتحدة والتحاد الوروبسي أوضسح مثال على كسسب الوليات المتحدة السسجال فسي المسستعمرات( ،)1ومشكلة تسسليح
بعض دول الخليج مثال آخر على كسب أوروبا الجولة في بعض السواق التقليدية للوليات المتحدة المريكية.
-عيوب اتفاقية (الجات) السابقة في النطاق وآليات اللزام والتنفيذ .فمثلً ،توجد ثغرات قانونية في اتفاقية (الجات)
في مجالي الزراعة والمنسوجات ،جعلت تلك الثغرات الباب مشرعا أمام الدول للتنصل من التزاماتها القانونية ،مؤدية
لعرقلة ان سيابية التجارة .وكمثال على هذا ،لم ت ستطع الوليات المتحدة إقناع اليابان ول ال صين في ظل اتفاق ية الجات
بفتح أسواقهما كاملة أمام السلع المريكية .ويضاف لذلك عدم شمول اتفاقية (الجات) تجارة الخدمات التي أثبتت أهمية
ق صوى في التجارة العالم ية( ،)2و قد اشت كت كث ير من المنظمات ال صناعية والتجار ية من اختلف المعاي ير الوطن ية
لحماية حقوق الملكية الفكرية .كذلك فإن كثرة النزاعات التجارية بين الدول في المجالت التجارية ،وعدم وجود اللية
الكافية والقوية والمتفق عليها حسب نظم القانون الدولي كانت تعوق حل تلك المشكلت .ثم إن كثيرا من الممارسين
للتجارة الدوليسة قسد تسبين لهسم بوضوح أثسر التغييرات والتعديلت التسي تجريهسا دول العالم المختلفسة على التنظيمات
الخاصة بها والتي لها صلة بالتجارة على انسيابيتها عالميا .يضاف إلى ذلك ازدياد أهمية الشفافية في التجارة الدولية
وخاصسة مسع المعطيات الجديدة فسي النقود والدوات الماليسة الئتمانيسة ،وزيادة أهميسة القدرة على التنبسؤ فسي كسل تلك
المتغيرات القتصادية.
-خروج رؤوس أموال الشركات الكبرى من الدول الصناعية واستيطانها في دول نامية؛ مما شكل عبئا كبيرا على
إيرادات تلك الدول مسن الضرائب المفروضسة على تلك الشركات .أضسف إلى ذلك أن الدول المتقدمسة أصسبحت تنوء
بأعباء ثقيلة مسن جراء حمايسة أسسواقها المحليسة ،وخصسوصا دعسم المنتجات الزراعيسة ومشكلت التنافسس بينهسا حول
تصريف فوائض الحاصلت الزراعية( ،)3وقد واكب ذلك شكاوى من بعض تلك الشركات بخصوص بعض الوضاع
غير المواتية من التصرفات والممارسات التجارية للدول النامية وغيرها؛ مما يضيع مزيدا من الفرص لتلك الشركات.
وبطبيعة وضع البلدان الغربية وتركيبتها؛ من حيث النتخاب السياسي والعلقة بين الساسة ورجال المال وحاجة كل
منهما للخر ،كان ل بد من تدخل الحكومات الغربية لتعديل الوضاع الدولية لصالح شركاتها.
-التخوف من نجاحات ظهرت بوادر ها في ال فق من دول نام ية ،وآخذة في الن مو ،م ثل تجر بة (النمور ال سبعة)
وغيرهسا .يضاف إلى ذلك انهيار المعسسكر الشتراكسي الذي لم تكسن بلدانسه مسن أنصسار تحريسر التجارة .وكان انتهاء
الحرب الباردة وإدخال إصلحات اقتصادية مبنية على قوى السوق (القرب للقتصاد الرأسمالي) فرصة مواتية لطبع
تلك القت صادات الجديدة بالطا بع الرأ سمالي .ثم ال ستفادة من تلك الفرص التجار ية الضخ مة في تلك البلدان ،يضاف
إلى ذلك تغير السياسات التجارية في البلدان النامية وذلك بترك سياسة الستعاضة عن الواردات واتباع سياسة تشجيع
النمو الموجه نحو التصدير ،وما صاحب ذلك من تخصيص كثير من نشاطات القطاع العام في تلك الدول.
-ثبوت نجاح المؤسسات والهيئات الدولية للدول الغربية لكونها أداة رخيصة الثمن مقابل المصالح التي تجنى منها؛
لذلك ربطست منظمسة التجارة العالميسة بالبنسك الدولي ،وصسندوق النقسد الدولي ربطا إداريا عضويا .فالمنظمات الدوليسة
23
ب في مصلحة الدول
أثبتت أنها أداة قوية جدا لتثبيت أوضاع مناسبة للدول الصناعية ،ولتمرير حلول ومقترحات تص ّ
الغربية ،ولحل كثير من المشكلت القتصادية التي تمهد لتوسع كبير في مبيعات الدول الصناعية .وكل تلك المزايا
بكلفسة قليلة (مثسل المسساهمة النقديسة مسن الدول الصسناعية فسي رؤوس أموال تلك المؤسسسات) ،مسع مزيسة قبول الدول
الخرى للقرارات ب سبب كون ها من منظمات دول ية .وم ما يدل على ا ستفادة الدول ال كبرى ال صراع الذي يدور بين ها
على تنصيب مسؤولي تلك المنظمات.
ما سبق وغيره من ال سباب ج عل من قيام منظ مة تع نى بالتجارة العالم ية أمرا ملحّا جدا .و قد أدى ذلك إلى تغ ير
قناعات دول كانت ترفض الفكرة من أساسها ،مثل الوليات المتحدة المريكية(.)1
التعريسف :هسي« :عبارة عسن إطار قانونسي ومؤسسسي لنظام التجارة متعدد الطراف .ويؤمسن ذلك الطار اللزامات
التعاقد ية ال ساسية ال تي تحدد للحكومات ك يف يمكسن صياغة وتنف يذ النظ مة والضوا بط التجار ية المحل ية .ك ما أن
المنظ مة منتدى ي سعى إلى تنم ية العلقات التجار ية ب ين الدول من خلل المناقشات والمفاوضات الجماع ية والحكام
القضائية للمنازعات التجارية»(.)3
تاريخ التأسيس :بعد ختام جولة أوروجواي في 15ديسمبر 1993م ،والتي وقع بيانها الختامي في اجتماع مراكش
أبريل 1994م ،تأسست منظمة التجارة العالمية رسميا في أول يناير 1995م.
المحاور :ستكون منظ مة التجارة العالم ية مكانا عالميا لتحد يد القوا عد والعراف العالم ية لل سلوك التجاري العال مي،
ولتكون منتدى عالميا لجراء المفاوضات التجاريسة العالميسة ،ولتقوم بمهام محكمسة دوليسة للمنازعات ذات الصسبغة
التجارية.
- 2استمرار تحرير التجارة من القيود (والمقصود :النفاذ إلى السواق) .وفي سبيل ذلك تسلك سياستين مهمتين:
الولى ال حد من سياسات الد عم للمنتجات المحل ية ،والثان ية ال حد من سياسات الد عم الموج هة لل صادرات (وت سمى
الغراق) .و من الوا ضح أن هدف المنظ مة من ذلك تكا فؤ الفرص ب ين الم صدّرين في كل الدول العضاء ،وأن ل
تكون المنافسة بين الحكومات بل بين المنشآت الخاصة والشركات لما سبق بيانه من السباب .ويستحق البلد العضو
لوْلى بالرعاية» حين ينضم للمنظمة .والمقصود حصول الدولة العضو على المزايا الخاصة بالتجارة
وضع «الدولة ا َ
المتاحة من عضو من المنظمة لحد العضاء الخرين دون قيد أو شرط وتلقائيا .ويستثنى من هذا تجمعات التكامل
القتصادي التي تتم بين دول بينها تجمع جمركي خاص ،ويستثنى كذلك بعض الترتيبات التفضيلية التي تقام بين الدول
النامية تشجيعا لها على النضمام( ،)4ثم يحصل العضو كذلك على أحقية معاملة سلعه المصدرة معاملة السلع الوطنية
في البلد الج نبي .ول شك بأهم ية هات ين المزيت ين للع مل التجاري عموما ،مع أنه ما في ن فس الو قت التزام من كل
عضو لكل العضاء بنفس ما حصل عليه من مزية.
الصكوك القانونية :هناك صكوك واتفاقات قانونية ملزمة للدول العضاء في منظمة التجارة العالمية ،وهي:
24
- 1التفاق العام للتعريفات الجمرك ية والتجارة (جات) [ ،)GATT])1والتفاقات المرتب طة به (و هي تز يد عن 12
اتفاقية ،و 4مذكرات) ،وتطبق هذه التفاقات على السلع.
- 2التفاق العام للتجارة في الخدمات (الجاتس) [ ]GATSالذي يطبق على تجارة الخدمات.
- 3اتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية (تريبس) [ .]TRIPSأما التفاقات الملزمة للعضاء
الموقعين عليها فقط فهي :التفاق الخاص بالتجارة في الطائرات المدنية ،والتفاق الخاص بشأن المشتريات الحكومية،
والتفاق الخاص بشأن منتجات اللبان ،والتفاق الخاص بشأن لحوم البقر(.)2
النطاق :ل شك أن من أهم عيوب اتفاقية (الجات) عدم شمولها قطاعات تجارية واقتصادية مهمة ،ول شك أن التوسع
في التجارة العالم ية حتّ م دخول كث ير من المجالت لمنظ مة التجارة العالم ية .و من ه نا ش مل نطاق منظ مة التجارة
العالمية التجارة في السلع الصناعية ومشتقاتها ،والتجارة في السلع الزراعية ،وتجارة الملبس والمنسوجات ،والتجارة
فسي الخدمات .ولكمال الطار القانونسي للتجارة السسلعية ،فقسد أدرجست الموضوعات التاليسة إمسا كمواد أو كاتفاقيات
م ستقلة ،و هي :الوقا ية من الغراق ،القيود على الد عم والجراءات التعويض ية ،الحما ية الطارئة من الواردات على
ال صناعة المحل ية ،الضوا بط الفن ية والموا صفات ،تراخ يص ال ستيراد ،وقوا عد ت سعير ال سلع على الحدود ،وقوا عد
الفحص قبل الشحن ،وإجراءات شهادات المنشأ(.)3
وقد نص التفاق العام بشأن تجارة الخدمات (جات) على مجالت كثيرة مثل التعليم ،والعمال المصرفية ،والتأمين،
والمعلومات ،والت صالت ال سلكية والل سلكية ،وو سائل الترف يه .وحددت منظ مة التجارة العالم ية ما يز يد على 150
قطاعا فرعيا للخدمات( ،)4و قد نص على قاعدة «التغط ية الشاملة» بخ صوص الخدمات ،والمق صود شمول جم يع
الخدمات المتا جر ب ها دوليا في التفاق ،بغضّ الن ظر عن طري قة تو صيل الخد مة .و قد عر فت التفاق ية أر بع طرق
للتوصيل:
- 1الخدمات المعروضة من دولة عضو إلى أخرى (مثل مكالمات الهاتف الدولية).
والوسيلة الرئيسة المتبعة لحماية المنتجات المحلية هي النظمة الوطنية ،حيث ل يمكن وضع الرسوم الجمركية على
الخدمات؛ ولذلك تتبين أهمية الف صاح والشفافية للمنظمة وللمجتمع الدولي؛ وعليه ،فتحر ير التجارة في الخدمات ي تم
عبر تقديم الدول تعهدات من خلل المفاوضات لتعديل أنظمتها المحلية تدريجيا وحيثما أمكن نهائيا؛ لتكون متوافقة مع
مبادئ منظمسة التجارة العالميسة .وليسست معاملة الخدمات المقدمسة مسن الجانسب معاملة مماثلة للخدمات المقدمسة مسن
المواطنين ملزمة في الخدمات مثلها في السلع ،بل يكتفى بتقديم تعهدات لتعديل النظمة المحلية(.)6
كذلك تشمل المنظمة التجارة في الحقوق الفكرية والدبية :فقد نص اتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية
الفكرية (تريبس) التي تنصب على إبداع العقل البشري ،على أن يشمل التفاق حفظ:
25
- 2حقوق براءات الختراع (حقوق المخترعين).
- 3حقوق النماذج الصناعية (أشكال الرسوم الزخرفية) .ويعتبر هذا التفاق مكم ً
ل للتفاقات التي وضعتها المنظمة
العالمية للملكية الفكرية (وايبو) [ ،)WIPO])1ويحدد التفاق الحد الدنى لمعايير الحماية ومددها التي يتعين توفيرها
لحقوق الملكية الفكرية على اختلف أنواعها .وتطالب التفاقية بمعاملة المنتج الجنبي معاملة مماثلة للمن تج الوط ني،
ومراقبسة تطسبيق التشريعات على المسستوى الوطنسي( .)2وتتعهسد الدول العضاء فسي منظمسة التجارة العالميسة بتنفيسذ
إجراءات حماية الملكية الفكرية من خلل تشريعاتها المحلية ،وتطبيق الجراءات الرادعة لنتهاك هذه الحقوق ،بما في
ذلك الجراءات المدنية والجراءات الجنائية ،وطبقا للتفاق ،فإن الحد الدنى لمدة حقوق الملكية الفكرية هو 50سنة
في حالة حقوق الط بع ،و 20سنة في حالة براءات الختراع ،و 7سنوات في حالة العلمات التجار ية(« ،)3وإ ثر
إبرام اتفاق تعاون مع منظ مة التجارة العالم ية سنة 1996م ،ب سطت (الوي بو) الدور المنوط ب ها ،وأثب تت مدى أهم ية
حقوق الملكية الفكرية في إدارة التجارة في عهد العولمة»(.)4
كذلك تطرقت المنظمة لترتيب إجراءات الستثمار المتعلقة بالتجارة حيث إن كثيرا من ممارسات الدول بخصوصها
مشابه للدعم الذي تقدمه الدول لصادراتها؛ ومن ثم فإنه يجب إلغاء معظم هذه الجراءات حيث إنها تؤدي إلى تغيير
مسار التجارة الدولية وتشجيع النتاج غير الكفء ،وتصبح بهذا إجراءات مخالفة لقواعد المنظمة؛ لذلك سعت المنظمة
لتخفيف القيود المفروضة على الستثمارات الجنبية .ويحدد التفاق إجراءات الستثمار ذات الثر في التجارة (ترمز)
[ ]TRIMSومعنى هذه الجراءات بأنها الشروط التي تضعها السلطات المحلية على الستثمارات الجنبية التي ترغب
في الع مل في نطاق إقليم ها ،وال تي تنطوي على تقي يد وتشو يه للتجارة الدول ية .وبمقت ضى التفاق (المادة )15يتع ين
على كل دولة ع ضو في منظ مة التجارة العالم ية إلغاء الجراءات المحظورة خلل سنتين من قيام المنظ مة إذا كا نت
من الدول المتقدمة .أما إذا كانت من الدول النامية فثمة معاملة تفضيلية تتمثل في إطالة الفترة المذكورة إلى 5سنوات
للدول الناميسة ،و 7سسنوات للدول القسل نموا .ويتسم إلغاء مثسل هذه القيود بعسد ذلك عسن المشروعات الجديدة
والمشروعات القائمة في الوقت نفسه .والشروط المحظور فرضها هي:
- 1شرط المكون المحلي أو شرط استخدام المستثمر الجنبي لنسبة محددة من المكون المحلي في المنتج النهائي.
- 4شرط الربط بين النقد الجنبي الذي يتاح للستيراد والنقد الجنبي العائد من التصدير(.)5
هذه المجالت هي المجالت الموجودة الن ،ول بد من تقر ير أن نظام المنظ مة يت يح ل ها إدخال كث ير من المجالت
ل لمثل تلك الترتيبات العالمية من قبل.
التجارية الخرى التي لم تكن مجا ً
- 1تحد يد الق يم الخاض عة للر سوم الجمرك ية (تحدد الر سوم ح سب سعر الب يع ،ولل سلطات الجمرك ية إن ش كت أن
تر فض القيمة المعلنة ،وتعطي الفر صة للت سويغ .فإن لم ت سوغ ،فلل سلطات الجمركية التقد ير ح سب المعاي ير القانونية
الخمسة المقررة).
26
- 2تطبيق المعايير اللزامية (وهي معايير ال صحة والسلمة للمواطنين ،ول يجوز وضعها بطريقة تسبب وضع
حواجز أمام التجارة؛ ولذلك يدعى لتطبيق المعايير الدولية ،فإن لم توجد فتوضع على أساس المعلومات العلمية).
ب -ود عم ل ي سوّغ التقا ضي :فيجوز في حال وجود د عم ي سوّغ التقا ضي لجوء البلدان الم ستوردة المضرورة إلى
تدابير تصحيحية مثل الرسوم التعويضية إذا ألحقت المستوردات المدعومة ضررا بالصناعة المحلية .ول يجوز ذلك
في الذي ل يسوّغ التقاضي(.)3
التدابير التي يمكن للدول المستوردة أن تتخذها بناء على طلب الصناعة المحلية:
8سنوات بشرط أن الزيادة - 1الجراءات الوقائ ية :وذلك بزيادة التعر فة أو فرض ق يد ك مي لمدة ل تز يد عن
المفاجئة في الواردات قد تم التحقق من أنها تضر ضررا جسيما بأكثر من شركتين محليتين تنتجان الجزء الكبر من
النتاج المحلي لمنتوج شبيه.
- 2يحق فرض رسم تعويضي على المنتوجات المستوردة حين يمارس المورّدون ممارسات تجارية غير مشروعة،
وهي:
أ -الغراق؛ وذلك حين يكون سعر التصدير أقل من سعر البيع في السوق المحلية للمصدر.
ب -بيع الشركات منتوجاتها بأقل بسبب تلقي دعم حكومي ،بشرط ثبوت ضرر كبير لمنتجين محليين ينتجون %25
من إجمالي الناتج المحلي(.)4
يتكون الهي كل الداري للمنظمسة مسن المجلس الوزاري الذي يم ثل فيسه كسل الدول العضاء ،سواء كان الع ضو دولة
منفردة أم اتحادا جمركيا .ويلتقسي المجلس الوزاري كسل سسنتين على القسل ،وتتخسذ فيسه القرارات الكسبرى الخاصسة
بالمنظمة ،من مثل الموافقة على دخول عضو جديد( .)6وتكون القرارات بالجماع أو التصويت بالغلبية حسب نوع
القرار .ويتفرع من المجلس الوزاري مجلس عمو مي ،و هو للع مل اليو مي للمنظ مة .و هو م ثل سابقه مم ثل ف يه كل
العضاء ،ويرفع قراراته وما ي تم النظر فيه للمجلس الوزاري .ويقوم المجلس العمومي بعملين مهمين :متابعة حسم
27
النزاعات التجارية ،ومراجعة السياسات التجارية للدول العضاء .ويفوض في ذلك ثلثة مجالس :مجلس التجارة في
السسلع ،ومجلس التجارة فسي الخدمات ،والمجلس الخاص بحقوق الملكيسة الفكريسة المرتبطسة بالتجارة .وهناك لجنتان
مشكّلتان من المجلس الوزاري :الولى« :لجنة التجارة والتنمية» وتعنى ب حل مشكلت الدول النامية ،والثانية« :لجنة
ميزان المدفوعات» و هي للتشاور في شأن الدول ال تي ت ضع إجراءات تقييد ية على واردات ها لمواج هة صعوبة ميزان
المدفوعات ،وترفع هاتان اللجنتان توصياتهما للمجلس العمومي.
والحقيقسة أن مفهوم (العولمسة) ليسس مجرد شعار اقتصسادي رأسسمالي فحسسب ،ول هسو وجسه مسن وجوه الرأسسمالية
المتعددة الوجسه؛ لكنسه فكسر رأسسمالي شامسل لجميسع نواحسي الحياة ،سسواء على الصسعيد السسياسي أو القتصسادي أو
الجتماعي أو الثقافي وإن كان الوجه القتصادي أبرزها.
إن المتت بع لل سياسة الدول ية يدرك تمام الدراك أن أمري كا أ صبحت هي المهيمن على ال سياسة الدول ية ،بتفرد ها في
الموقف الدولي وفي إدارة مشاكل العالم وتسويتها؛ ذلك أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج أمريكا وحلفائها
منتصرين ،راحت تفكر في السيطرة على العالم وتسلك مع حلفائها من الدول الغربية مسلك قائد المعسكر؛ لنها كانت
تمد هم بالمال وال سلح والمعدات أثناء الحرب ،وب عد أن تذوّق أ صحاب رؤوس الموال المريكان ط عم الر بح ح ين
راحوا يشاركون بريطان يا اقت سام الن فط في الشرق الو سط عز مت أمري كا على أن تخرج من عزلت ها ال تي اختط ها
لنف سها بمو جب مبدأ مونرو؛ وح تى ي تم ل ها ما تر يد من ال سيطرة على العالم وطرد الدول ال ستعمارية التقليد ية من
منا طق نفوذ ها في كل من آ سيا وإفريق يا ،و مع بروز التحاد ال سوفييتي قوة عظ مى رافعا شعار الم ساواة والعدل
والتحرر من الستعمار الوروبي س عند ذلك أدركت أمريكا أنها إذا سارت على الطريقة نفسها التي سارت عليها
الدول الرأسمالية الخرى فإنها ستخفق إخفاقا ذريعا؛ فكان ل بد من وضع الخطط والساليب والوسائل التي تضمن
لمري كا ال سيطرة على العالم والنفراد به بو صفها قوة واحدة في العالم ،بالضا فة إلى ن شر مفاه يم وقناعات المبدأ
الرأسمالي في العالم.
ولذلك عمدت أمريكا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من خلل الرئيس المريكي (ترومان) إلى إجراء مشاورات
مع حلفائ ها بشأن إنشاء منظ مة دول ية جديدة ت حل م حل (ع صبة ال مم) ال تي انهارت ب عد خروج ألمان يا من ها قُب يل
28
الحرب العالمية الثانية ،ولقد كان الحلفاء حريصين عقب الحرب على مشاركة الوليات المتحدة في المنظمة الدولية
ل للمبدأ الشتراكي؛ فقد وافقت هذه الدول على
الجديدة بعد الدمار الكبير الذي لحق بهم وبروز التحاد السوفييتي ممث ً
إنجاز جم يع الخطوات والمناقشات المتعلقسة بهذه المنظ مة ،و تم الت صويت على إنشائهسا في ( سان فران سيسكو) في
الوليات المتحدة المريكية أواخر شهر نيسان من عام 1945م بحضور خمسين دولة ،وتمت تسميتها( :منظمة المم
المتحدة) ،وتم وضع ميثاقها لحفظ السلم والمن العالميين من أجل تطوير علقات الصداقة بين المم القائمة على
احترام حقوق الشعوب وتقريسر المصسير ،وحسل المشاكسل الدوليسة ،واحترام حقوق النسسان والحريات السساسية له،
وتفرع عن هذه الهيئة العالمية الجمعية العامة للمم المتحدة ،ومجلس المن الدولي وهو أهم هيئات المنظمة ،ويتألف
من خم سة ع شر عضوا خم سة من هم دائمون و هم أمري كا ورو سيا وبريطان يا وفرن سا وال صين ،وتفرع عن ها كذلك
صندوق النقد الدولي ،ومن أبرز أغراضه العمل على تحقيق الستقرار النقدي الدولي وثبات أسعار الصرف ،وجعل
موارد ال صندوق في متناول الدول العضاء بن سبة ح صصها في ها لم ساعدتها على تق صير أ مد الختلل في ميزان
مدفوعاتها ،وقد كانت طريقة إنشائه مصوغة بشكل يؤدي إلى هيمنة أمريكا على قراراته؛ فقد جعلوا الصوات التي
تتمتع بها الدول تتوقف على حصتها في الصندوق ،ولما كانت حصة أمريكا هي الكبر ( )%27.2من رأس المال
فإن قراراته كانت قرارات أمريكية.
كمسا تفرع عنهسا البنسك الدولي للنشاء والتعميسر وأبرز أغراضسه إعادة إعمار مسا دمرتسه الحرب ،ومسساعدة الدول
المتخلفة اقتصاديا ،وتقديم القروض والضمانات لدول العالم النامي.
وفي عام 1947م أسست أمريكا مع 23دولة صناعية اتفاقية (الجات) وهي (التفاقية العامة على الرسوم الجمركية
والتجارة) ،وتهدف إلى تحرير تجارة السلع الزراعية والصناعية والمنسوجات والخدمات وتحرير التبادلت التجارية
والتدفقات المالية الناتجة عن العقود الحكومية الضخمة ،ولما أخفقت (الجات) في تحقيق ما أرادته أمريكا من إنشائها
س لن التفاقيات والتو صيات غ ير ملزم سة للع سسضاء س ا ستسعاضت عن سهسا ب س (منظ مة التجارة العالم ية)
التي رأت النور في مراكش عام 1994م ،وبدأ العمل بها 1995م.
فكان ( صندوق الن قد الدولي ،والب نك الدولي ،ومنظ مة التجارة العالم ية) هذا الثالوث هو ال سلح الفتاك ب يد أمري كا
للتفرد بالعالم ،إضا فة إلى ما تمتل كه من قوة ع سكرية واقت صادية وتقدم تق ني؛ إذ إن أول خطوة قا مت ب ها الوليات
المتحدة المريكية هي ما أطلقه وزير خارجيتها بشأن إعمار أوروبا بعد أن دمرتها الحرب العالمية الثانية ،وهو ما
عرف با سم( :مشروع مارشال) ،خا صة أن ثل ثي ر صيد العالم من الذ هب البالغ خم سة وعشر ين مليار دولر من
أصل ( )38مليار دولر موجود في أمريكا.
لقسد سسعت أمريكسا لجعسل المبدأ الرأسسمالي أسساس العلقات والعراف والقوانيسن الدوليسة منسذ إنشاء منظمسة المسم
المتحدة؛ ح يث جعلت العراف الرأ سمالية ال ساس الرئ يس لميثاق هذه الممنظ مة الدول ية ،إل أن ها لم تن جح عمليا في
تحقيسق هذا الهدف؛ ح يث كان التحاد ال سوفييتي يقود المعسسكر الشر قي على أ ساس المبدأ الشترا كي ،وتم كن مسن
فرض مبدئه دوليا وعالميا ،ولقد كانت القضايا الدولية محصور بحثها بين الدول الربع الكبرى حتى مطلع الستينيات
من القرن العشرين حين التقى الرئيس المريكي ( ِكنِدي) الرئيس السوفييتي (خروتشوف) في فيينا عام 1961م واتفقا
على إنهاء الحرب الباردة ،واقتسام مناطق النفوذ في العالم ،وإنزال بريطانيا وفرنسا عن مكانتهما الدولية ،وقد عُرف
29
ذلك بسياسة الوفاق بين العملقين ،وبذلك انتهت الحرب الباردة التي سادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية ،غير أن
أمريكسا كانست تريسد القضاء نهائيا على روسسيا الشتراكيسة؛ ولذلك أعلنست حرب النجوم وسسباق التسسلح ،واسستجابت
رو سيا لهذا ال سباق وهذا ال صراع إلى أن انت هى ب سقوط التحاد ال سوفييتي وانهياره وتفك كه ،وكان طبيعيا أن تع تبر
أمريكسا هذا النهيار والسسقوط انتصسارا للمبدأ الرأسسمالي بوصسفه نظاما وطريقسة عيسش ،وانتصسارا سسياسيا لهسا.
وب عد انتهاء حرب الخل يج الثان ية وخروج القوات العراق ية من الكو يت و قف الرئ يس المري كي ال سبق جورج بوش
ليعلن على العالم ولدة (النظام الدولي الجد يد) ،ولم يك تف بذلك بل أراد أن ي صبح المبدأ الرأ سمالي مبدأً عالميا ،أي
مبدأ شعوب الرض وأمم ها قاط بة؛ فضلً عن كو نه أ صبح المبدأ العال مي الدولي المتفرد عمليا في المو قف الدولي؛
وبذلك أعلن بوش عولمة الرأسمالية .والعولمة عبارة عن مصطلح سياسي عرّفه بع ضٌ أنه( :نظام عالمي جديد يقوم
على العقل اللكتروني ،والثورة المعلوماتية القائمة على أساس المعلومات ،والبداع التقني غير المحدود دون اعتبار
للنظ مة والحضارات والثقافات والق يم والحدود الجغراف ية وال سياسية القائ مة في العالم) ،وعرّ فه آخرون أ نه( :القوى
التي ل يمكن ال سيطرة علي ها للسواق الدول ية والشركات المتعددة الجن سية التي ليس لها ولء لية دولة أو قومية).
ت من العالم ية ،والعالم ية المق صودة ه نا هي عالم ية الرأ سمالية أي ج عل الرأ سمالية مبدأ
والحقي قة أن ل فظ العول مة آ ٍ
العالم وحضارته سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا ،ولتحقيق ذلك عمدت أمريكا إضافة إلى ما سبق إلى العمال
التيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة:
ولمسا كانست أمسريسكا تسريسد أن تطبسسق الديمقراطية س بوصفها مجموعة مفاهيم عن الحياة س في واقع
الحياة والدولة والمجتمع ،وتعمل ب جد كي تصبح هذه المفاه يم مقاي يس وقناعات أ مم العالم وخا صة المة السلمية،
فقد عملت على إيجاد دول كرتونية ترفع شعار السلم وتدّعي أنها تطبقه ،وهي في الحقيقة ل تطبق منه إل بعض
الحكام وبشكل مُشوّه إلى أن جعلت الناس يضيقون ذرعا بهم.
و في الو قت نف سه تقوم بد عم التجاهات العلمان ية في البلد ال سلمية سواء من خلل النظ مة ،أو من ب عض من
يُقدّمون للناس على أنهم إصلحيون؛ وفي الحقيقة هم علمانيون يعملون لخراج السلم من المجتمع ،ويعملون على
تعميق مفاه يم الرأ سمالية والحضارة الغربية في المجتمع ،ويرسخونها في العلقات ك ما هو حا صل اليوم في إيران
وباكستان ،وكما حصل من قبل في تركيا وبقية بلد المسلمين.
30
وكذلك تسعى أمريكا إلى تغيير هيكلة الدولة لتصبح دولة مؤسسات ،وتصبح الحكومة مؤسسة صغيرة يقتصر عملها
على العمال الدبلوما سية ،وتملك جيشا صغيرا ودوائر أمن ية وهيئات ا ستشارية تع مل جميعا لخد مة القطاع الخاص،
وإذا أرادت الحكو مة أن تقوم بع مل مالي في جب أن تت ساوى مع أ ية مؤ سسة أخرى؛ فتُعا مل معاملة القطاع الخاص.
وبعبارة أخرى أن تصبح الحكومة إحدى مؤسسات الدولة المتخصصة ومهمتها الحكم بشكل رئيسي؛ فهي تحكم ول
تملك وأما بقية المؤسسات فهي تملك ول تحكم.
ول قد ظلت اتفاق ية الجات (التفاق ية العامة للتجارة والتعر فة الجمركية) هي المرجعية للتجارة الدولية ،وكانت تلتزم
بهسا جميسع دول العالم تقريبا؛ ولكون هذه التفاقيسة تقتصسر على تنظيسم العلقات القتصسادية والتجاريسة الداخليسة فإن
أمري كا وجدت ها غ ير كاف ية لتحق يق أغراض ها ،فعملت على إيجاد اتفاق ية بديلة ل ها على هيئة منظ مة سمّتها« :منظ مة
التجارة العالم ية» أُعلن عن تأ سيسها في المغرب عام 1994م ،وبدأت الع مل الفعلي بدا ية عام 1995م ،و قد أضا فت
إلى اتفاقيسة الجات سس التسي ركزت على المنتجات الصسناعية سس المنتجات الزراعيسة ،والخدمات ،وحقوق الملكيسة
الفكر ية ،وال هم من ذلك أن المنظ مة تضم نت مجل سا تحكيميا للن ظر في الشكاوى والخلفات ب ين الدول العضاء
وعددها 135دولة ،وإصدار قرارات ملزمة في وقت كانت (توصيات) الجات غير ملزمة.
ومع هذه المنظمة صارت أسواق العالم أو الدول التي انضمت تحت لوائها مفتوحة أمام المستثمر المريكي ،ولعل
ما أعلنه الرئيس المريكي السابق بيل كلينتون بتاريخ 8/3/2000م عن تقديمه مشروعا إلى الكونجرس بمنح الصين
امتيازات تجارية دائمة في السوق المريكية ،وطلب الموافقة على هذا المشروع لضمان استفادة الشركات المريكية
من اتفاق التجارة الذي سيفتح سوق ال صين الوا سعة ( 1.3مليار) أمام الشركات المريك ية ،وأمري كا دائ مة ال حث
31
للصين للنضمام إلى منظمة التجارة العالمية ،وحاليا تفاوض الصين الدول العضاء في المنظمة من أجل النضمام
إليها.
وقد عقد المؤتمر العاشر للمم المتحدة للتجارة والتنمية (الونكتاد) في العاصمة التايلندية بانكوك في الفترة ما بين
12س 18شباط (فبراير) الماضي بمشاركة ( )3000ثلثة آلف مندوب عن أكثر من 190دولة ،أما الهداف التي
عمل على تحقيقها فهي تتلخص في دفع الدول الفقيرة للحاق بركب العولمة من خلل اللتزام بمنظمة التجارة العالمية
وخرج المؤتمر بوثيقتين:
س الولى عبارة عن برنا مج ع مل لل سنوات الر بع القاد مة ،و هي ت ضع أرض ية مشتر كة ب ين أعضاء (الونكتاد)
وعدد ها 190دولة بشأن العول مة والتجارة وكيف ية د مج الدول الثما ني والربع ين الك ثر فقرا في عجلة القت صاد
الرأسمالي العالمي.
سس والوثيقسة الثانيسة كانست بشأن التجارة الحرة والتكامسل القتصسادي العالمسي بوصسفهما طريقا لموازنسة التنميسة
والوصول إلى اتفاق أكثر عدلً بالنسبة للدول الفقيرة.
والدول ال تي ل يم كن ال سيطرة علي ها من خلل منظ مة التجارة العالم ية فإن صندوق الن قد الدولي والب نك الدولي
جاهزان للتدخل في الشؤون الداخلية لية دولة؛ لن الدول النامية تأخذ القروض وتعجز عن سدادها ،سواء القرض
ال صلي أو الفوائد المرك بة ،فإن ها تطلب من تجمّ ع الدول الدائ نة الم سمى ب س (نادي بار يس) وتجمّ ع البنوك الدائ نة
المسمى بس (نادي لندن) جدولة الديون وأخذ قروض جديدة لتنشيط اقتصادها ،ولذلك يطلب منها ناديا باريس ولندن
أن تحضر تزكية من صندوق النقد الدولي بما يشبه شهادة (حسن سلوك) بأن هذه الدولة تنتهج سلوكا اقتصاديا سليما.
ولكنها للحصول على ذلك يشترط الصندوق عليها تنفيذ برنامج إصلحي مكون عادة من تخفيض قيمة العملة ،وإلغاء
الد عم ال ساسي لل سلع ال ساسية والضرور ية ،وتخف يض التوظ يف الحكو مي ،وإ صلح النظام الضر يبي ،وتخف يض
النفاق الحكو مي ،وزيادة أ سعار الطا قة والخدمات العامة وال سلع بشكل عام ،وزيادة أ سعار الفائدة لتكثير الدخارات
وجلب رؤوس الموال ،وتحريسر التجارة الخارجيسة مسن القيود أو تخفيفهسا ،كمسا تطلب خصسخصة المشاريسع العامسة
وتحويلها إلى القطاع الخاص بحجة ضعف إدارة القطاع العام وسوء إنتاجيته وفساد القائمين على إدارته كما يحدث
في الردن من خ صخصة %40من أ سهم الت صالت الردن ية ،والمباحثات جار ية لخ صخصة شركات الفو سفات
والسمنت والبوتاس والملكية الردنية إضافة إلى وزارة العلم؛ حيث سيصار إلى إلغائها.
والمر الخطير هنا أنه إذا فتحت أسواق بلد ما وسارت أموره حسب سياسات السوق وحرية التجارة من وجهة نظر
الرأسمالية فحتما ستكون الغلبة في النهاية للمستثمر الجنبي وللشركات المتعددة الجنسية؛ بحيث تسيطر هذه الشركات
على القتصاد سيطرة تامة ،ويكفي أن نعلم أن 37ألف شركة عملقة تسيطر على معظم القتصاد العالمي من بينها
مائة واثنتان وسبعون شركة تسيطر على خمس دول هي أمريكا واليابان وفرنسا وبريطانيا وألمانيا ،وتقوم الحكومات
بم ساعدة هذه الشركات على اختراق القت صاد العال مي وال سيطرة عل يه ،ح يث ارتف عت ال مبيعات في ما ب ين عا مي (
1982م س 1992م) من 3000مليار دولر إلى 5900مليار دولر.
32
ولن النظرة الرأ سمالية هي في حقيقتها نظرة فردية فإن الف قر المدقع سيعم أرجاء أية دولة من دول العالم النا مي
بمسا فيهسا بلد المسسلمين ،وسستكون الشعوب هسي الضحايسا التسي سسوف تعانسي باسستمرار لتسساع الهوة بيسن الغنياء
والفقراء ،وباعتبار أمري كا نموذج العول مة تقول الح صاءات إ نه ب ين عا مي (1979م س 1990م) انخف ضت دخول
%20من أف قر عائلت أمري كا بن سبة ،%20بين ما ارتف عت دخول %20من أغ نى عائلت أمري كا بن سبة ،%30
وتقول الحصاءات أيضا إنه في عام 1998م كان في أمريكا 170ملياردير مقابل 13ملياردير عام 1982م ،ويقول
أ حد هذه التقار ير إن ثروة (ب يل جي تس) وحده س مؤ سس شر كة ميكرو سوفت للك مبيوتر س بل غت في و قت من
الوقات ما يعادل صافي ثروات 106مليين مواطن أمريكي أي ثلث السكان تقريبا.
كما أكدت الوثي قة التي انبثقت عن مؤتمر (بكين) على حرية الن سان في تغي ير جن سه ،وعلى حق الفتاة أو المرأة
بالتمتع بحياة جنسية آمنة مع من تريد وفي أي سن تريد ،وفي الخامس من شهر حزيران الماضي ( 2000م) عقد في
نيويورك مؤتمسر لتقييسم التقدم المنجسز فسي تطسبيق مقررات مؤتمسر المرأة الثالث الذي عقسد في نيروبسي عام 1985م
ومراجع ته ،ول عل ما قا مت وتقوم به الحكو مة الردن ية والم صرية والمغرب ية والكويت ية وغير ها من الحكومات في
33
البلد السلمية في هذا المجال يدل دللة قطعية على ال سير الفعلي الذي تنفذه الدول النامية من مقررات المؤتمرات
والتفاقيات سابقة الذ كر من منظور أن ها ا ستحقاق ل سياسة العول مة ال تي يفرض ها الغرب الكا فر بزعا مة الوليات
المتحدة المريكية.
ف في الردن على سبيل المثال تم تغي ير قوان ين المالك ين والم ستأجرين ،وقانون الع مل ،والخد مة المدن ية ،وتعليمات
الحوال الشخصسية ،وجوازات السسفر ،والسسماح للجنسسين بالختلط فسي المسسابح ،كمسا تسم إدخال مفهوم النوع
الجتماعي (الجندر) في خطة التنمية القتصادية والجتماعية لعامي (1999م س 2000م) ،والقاضي بعدم تخصيص
ف صل خاص بالمرأة ،ود مج قضايا ها ض من ف صول الخ طة وقطاعات ها المختل فة ضمانا لتكا فؤ الفرص ب ين الر جل
والمرأة في كا فة المجالت ،و ما تقوم به المنظمات الحكوم ية أو غ ير الحكوم ية بشأن إلغاء المادة 340من قانون
العقوبات ،ومراكز تحديد النسل وتنظيم السرة ،وشرطة السرة والخط الساخن للشكوى على ذوي المر اللذيْن أُنشئا
مؤخرا؛ كسل ذلك إنمسا يدل على طبيعسة التغييرات الجتماعيسة التسي تريسد الوليات المتحدة فرضهسا على العالم ومنسه
البلد السلمية باعتبار ذلك نتيجة واستحقاقا لعولمة المبدأ الذي تقوم عليه.
فإذا نظر نا إلى العول مة باعتبار ها غزوا فكريا ومواج هة حضار ية بل فرضا لن مط من الع يش فإن آثاره المدمرة ل
تزال كامنة في الشعوب التي تعيشه وتحياه ،ول يزال المشرّعون الذين شرّعوا أفكاره وأحكامه مشغولين في تشريع
الفكار والحكام التي تُرقّع ما أحدثه هذا النمط من العيش من مآس للبشرية ،ومن شرور ترزح تحتها الشعوب التي
تعتنقه وتطبقه في حياتهسا ول تملك منه فكاكا بعد أن أصبح لهذا النمط في بلدهم من العراقة ما يجعل النفكاك منه
أمرا في غاية الصعوبة.
وغني عن القول أن مواجهتها ومواجهة ما يتساقط منها من أفكار ومشاعر وأنماط سلوكية س خصوصا في ظل
و سائسل الت صالت الحدي ثة وإمكانيات سها الضخم سة س ل يكون إل إذا أدر كت ال مة خطورت ها علي ها وعلى دين ها
وعلى م ستقبل أجيال ها من بعد ها ،وأدر كت في الو قت نف سه كيف ية مواجهت ها ،ووث قت بنف سها ث قة ل حد ل ها ،ل يس
لتخل يص نف سها فح سب من هذه الشرور ،بل لنقاذ العالم كله وتخلي صه من هذا المبدأ الخ طر على الن سان والمهدد
بقاءه على الرض بالفناء.
ول شك أن المخل صين الواع ين من أبناء هذه ال مة و هم المب صرون طر يق الخلص وطر يق النعتاق من قب ضة
الك فر هم المعوّل علي هم في شق الطر يق وهدا ية الجموع المؤم نة لت سير مع هم في اجتثاث هذه الحضارة النت نة من
جذورها ،وتخليص العالم من آثارها المدمرة التي ل تزال تعاني منها البشرية حتى اليوم.
34
الموقف من العولمة!!
د .زيد بن محمد الرماني
ا ستحوذت العول مة على أو سع اهتمام في أدبيات العالم العر بي القت صادية والثقاف ية وال سياسية والتربو ية والعلم ية
والتقن ية ،و سيتضاعف هذا الهتمام في القرن الحادي والعشر ين الذي ستصبح العول مة من أبرز مظاهره ،والك ثر
تأثيرا على صياغة ملمحه وقسماته وتضاريسه.
إن العول مة ال تي أ صبحت ل غة دار جة في الدبيات المعا صرة ما زالت تعا ني من ب عض الغموض؛ فهناك غموض
فيما يتعلق بمعنى العولمة وبحقيقتها :فهل هي ظاهرة حياتية جديدة ،أم مجرد موضة فكرية طارئة مصيرها للزوال؟
سي ولدت لتموت؟!
سن الفقاعات التس
سة مس
سي فقاعس
سو ،أم هس
سي النمس
ستستمر فس
سة سس
سة تاريخيس
سي حركس
سل هس
وهس
وهناك غموض في ما يتعلق بنتائج العول مة ومترتبات ها بالن سبة للوا قع العر بي؛ ف هل العول مة حالة صحية ،أم مرض ية؟
وهسل هسي حركسة اسستعمارية ،أم تحريريسة؟ هسل سستصب فسي سسياق السستقلل والذاتيسة ،أم التبعيسة والسستتباع؟!
ثم هل المطلوب منا النغماس فيها ،أم النكماش عنها؟ هل ستحتوينا ،أم سنحتويها؟ هل ستزيدنا تقدما أم ستضاعف
تأخرنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا؟!!
إن مؤلفات :م ثل كتاب" :نها ية التار يخ" لفوكايا ما ،وكتاب " :صراع الحضارات" لهنتنجتون وكتاب " :صعود وهبوط
المسبراطوريات" لبول كيندي ،وكتاب" :الموجسة التاليسة" لتوفلر ،وكتسب أخرى مسن تلك التسي برزت خلل السسنوات
الخيرة ،تأتي ضمن سياق المشروع الفكري في الدول المتقدمة لفهم العولمة والكوكبية القتصادية ،باستكشاف آفاقها
وفرصها وتحدياتها ومساراتها المستقبلية.
يقول د .مح يي محمد مسعد في كتابه" :ظاهرة العولمة :الوهام والحقائق"( :)1إن الكتابات ال سابقة تش كل درجات
عالية من الوعي بالعولمة (اللحظة الحضارية القائمة).
لقد كان ملفتا للمتأمل ما تعرضت له العولمة من نقد صارم وعنيف برهن على تخوفات حقيقية؛ فالمم والحضارات
لي ست على ا ستعداد للستتباع الحضاري لتيار العولمة الجارف ،و ما أطلقته من أحلم وردية ووعود سحرية تخ في
35
وراءها أضرارا خطيرة ،كالتي حاول أن يصورها كتاب "العولمة والجنوب"( )2لكرولين طوماس وبيتر ولكين ،الذي
اعتسبر العولمسة آليسة لتكريسس الفوارق بيسن الشمال المتخسم بالغنسى والجنوب الذي يعانسي مسن الفقسر المدقسع.
أو التي صورها كتاب "العولمة :النظرية والممارسة"( )3لمؤلفيه :إلينور كوفمن وجيليان ينغز؛ حيث اعتبر أن ظاهرة
العولمة قد دشّنت عهدا فظا من العدوان على البيئة ،كان من مظاهرها انتشار التلوث وتآكل طبقة الوزون ،وانكماش
التنوع الحيائي ،والهدر في مصادر الطاقة.
أو الذي تحد ثت ع نه فيفيان فور ستر في كتاب ها" :الر عب القت صادي"( )4ح يث عر ضت ال سؤال ال تي :ما الذي
يح صل عند ما نعلم أ نه ل يس ث مة أزمات ،بل مجرد تبدل وتحول يقودان مجتمعا بأكمله ،بل وح تى حضارة بأجمع ها
إلى المجهول؟!
وقد انتقد هذه الصوات الغاضبة آلن ميك في كتابه" :العولمة السعيدة"( )5الذي حاول أن يقدم العولمة على أنها
لي ست شرا أو خيرا في ذات ها ،ول دا عي للفراط في و صفها بالوحش ية أو الف تك والر عب ون شر الجواء المفز عة
حولهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا.
و من ثم فإن البشر ية بحا جة إلى تكو ين و عي عال مي له خا صية الت صال والتوا صل على ال صعدة والم ستويات
المختل فة ،لمواج هة المخا طر والتحديات ال تي يتأ ثر في ها العالم كله ،م ثل :ظاهرة العول مة ومشكلت البيئة والتلوث،
والحتباس الحراري ،وقضايا الصحة والسكان والفقر والمجاعة ونقص الغذاء والمياه.
يقول ز كي الميلد في كتا به" :الم سألة الحضار ية :ك يف نبت كر م ستقبلنا في عالم متغ ير؟"( :)6إن المشكلة الحقيق ية
ليسست فسي العولمسة ،وإنمسا جذر المشكلة فسي تبايسن مسستويات التطور الحضاري فسي العالم ،الذي يجعسل مسن الغرب
الطرف المستفيد من هذه العولمة ،باعتباره أنجز مشروعه في التقدم.
والمشكلة مع الغرب أنه حوّل مشروعه في التقدم إلى تكريس التبعية وضبط آليات السيطرة على العالم.
فالمواجهسسة الحقيقيسسة للعولمسسة هسسي عسسن طريسسق النماء والبناء وإنجاز مشروعات التقدم والعمران.
يذ هب صادق جلل الع ظم في مقالة له بعنوان " :ما هي العول مة؟"( )7إلى أن العول مة هي عق بة التحول الرأ سمالي
العميق للنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها ،وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل
غير المتكافئ.
ويشير محمد عابد الجابري في مقالة له بعنوان" :العولمة والهوية الثقافية"( )8إلى أن العولمة هي ما بعد الستعمار،
وأنها مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي يعكس إرادة الهيمنة على العالم .وفي مقالته" :أصل العولمة وفصلها"(
)9يقول جورج طرابيشي :إن مفهوم العولمة لم يعرف الستقرار بعد ،وتبقى العولمة هي الظاهرة التاريخية لنهاية
القرن العشر ين أو لبدا ية القرن الحادي والعشر ين .هذه العول مة ،إذن ،إن ما تخدم م صالح وأفكار الطرف القوي في
العالم ،وتطمس الطراف الخرى ،وهي ليست العولمة التي يحتاجها العالم في هذه المرحلة ،أو التي يتطلع إليها مع
القرن الحادي والعشرين.
فهذه العولمة س التي عبر عنها الغرب س ترتكز على النتفاع المادي والجشع القتصادي واحتكار الثروات ورفع
القيود عن ال سواق والبضائع وامت صاص الموال ،وهذه المور هي من أك ثر العوا مل سببا وتحريضا على النزاع
والصدام والصراع.
36
إن عول مة الغرب اقت صادية في ال ساس تتو خى الر بح والن فع المادي؛ والبعاد والحقول الخرى ال تي ارتب طت ب ها
كالثقافة والجتماع والتربية والعلم وغيرها إنما وظفت لذات الغاية القتصادية النفعية.
إن الخوف الحقيقي على هويات العالم وثقافاته من اكتساح العولمة الغربية وفرض التجاه الواحد جاء نتيجة وجود
الضعف والضمور في بنية بعض تلك الهويات والثقافات وتكويناتهسا ،مما يستدعسي ضرورة التجديد الداخلي لمزيد
من الحماية والمناعة والتحصين(.)10
و من ثم ،فإن العول مة ال تي يحتاج إلي ها العالم هي العول مة ال تي يشترك الجم يع في صنعها و صياغتها ل أن ينفرد
طرف واحد بها ويسخّرها لصالح امتيازاته ،ووفق فلسفته الفكرية والقتصادية والجتماعية .وإذا كانت العولمة قد
قوبلت فسي العالم باعتراضات شديدة وانتقادات قاسسية ،فلنهسا تخدم طرفا واحدا ،وتعبّر عسن رؤيسة هذا الطرف وهسو
الغرب .إن العولمة تضع أمام المفكرين المسلمين سؤال المستقبل عن المشروع الحضاري السلمي المعاصر الذي
تجد فيه المم والحضارات خيارا واتجاها مقنعا وفعالً ومختلفا عن الخيار والتجاه الذي يفرضه الغرب على العالم.
والمستقبل ليس مفتوحا على الغرب فحسب ،بل هو مفتوح على كل الثقافات والمم والحضارات وبحاجة إلى اكتشاف
جديد في زمن زحف العولمة.
إن الدبيات السلمية والعربية في هذا الو قت مطال بة وبإلحاح لتكث يف الحوار والمناق شة والتبا حث حول المشروع
الحضاري السسلمي ،والليسة القتصسادية والجتماعيسة والسسياسية والعلميسة والفكريسة التسي تتناسسب مسع إمكانات
وقدرات كل دولة .وأخيرا ،فإن العول مة ت ستدعي من ال مم والحضارات أن تجدد نظرت ها إلى العالم وتع يد تقويم ها
حضاريا فهل ستكون العولمة آخر مطافات الغرب؟ أم أنها ستكون قاعدة انبعاث الحضارات الخرى؟
هذا يعنسي أن للعولمسة أسسئلتها الصسامتة والمتجددة ،وأنهسا سستفتح أكثسر مسن احتمال على العالم والمسستقبل.
ورغسم مسا سسبق ،فإنسه سسوف يسستمر الجدل الذي يختلط فيسه المعقول باللمعقول ،والحقائق بالوهام ،والوقائع
بالفتراضات ،والموافق والمخالف ،في قضية العولمة!!
الهوامسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسش:
( )1ص .43
( )8د .محمد عابد الجابري "العولمة والهوية الثقافية" ،ص .2
37
( )9جورج طرابيشي "أصل العولمة" ،ص .16
38