You are on page 1of 5

‫يقول علماء الصمول‪" :‬الحكمم على الشيمء فرع عمن تصموره"‪ ،‬بمعنمى أننمي ل أسمتطيع أن أحكمم على أممر‬

‫ممن المور دون أن أتصمّوره أو أفهممه؛ ولذلك فل معنمى للحكمم على الشيعمة دون أن تعرفهمم‪ ،‬ول معنمى‬
‫سنّة والشيعة دون إدراك طبيعة كُلّ من الطرفين‪ ،‬ول معنى كذلك‬ ‫للدلء بالرأي في قضية التقريب بين ال ّ‬
‫لقبول أو رفمض فتمح باب الحديمث عمن الشيعمة دون أن تعرف حقيقمة الممر‪ ،‬ودرجمة خطورتمه‪ ،‬وأولويتمه‪،‬‬
‫وعلقته بالمتغيرات الكثيرة التي تمر بها المة‪.‬‬

‫ل ممن همم‬
‫باختصمار شديمد أننما قبمل أن نتطوع بانتقاد المهاجميمن أو المدافعيمن عمن الشيعمة ل بُدّ أن نفهمم أو ً‬
‫الشيعة؟ وما هي جذورهم؟ وما هي الخلفية العقائدية والفقهية لهم؟ وما هو تاريخهم؟ وما هو واقعهم؟ وما‬
‫همي أهدافهمم وأحلمهمم؟ وعندهما نسمتطيع أن نُدلِي برأينما على بصميرة‪ .‬وكمم ممن الناس غيّروا تمامًا ممن‬
‫آرائهم‪ ،‬وتنازلوا عن كثير من أفكارهم بعد أن َوصَلتهم المعلومة الصحيحة‪ ،‬والرؤية الواضحة‪.‬‬

‫من هم الشيعة؟!‬
‫إن القضيممة ليسممت قضيممة قوم يعيشون فممي بلد مممن البلد‪ ،‬لهمما بعممض المشاكممل مممع الدول المجاورة‪ ،‬إنممما‬
‫للقضية جذورٌ عقائدية وفقهية وتاريخية ل بُ ّد من العودة إليها‪..‬‬

‫يختلف كثيمر ممن المؤرخيمن حول البدايمة الحقيقيمة للشيعمة‪ ،‬والذي يشتهمر عنمد الناس أن الشيعمة همم الذيمن‬
‫تشيعوا لعلي بمن أبمي طالب ‪ t‬فمي خلفمه ممع معاويمة بمن أبمي سمفيان رضمي ال عنهمما‪ ،‬ولكمن هذا يعنمي أن‬
‫أتباع علي بمن أبمي طالب ‪ t‬همم الشيعمة‪ ،‬وأتباع معاويمة بمن أبمي سمفيان ‪ t‬همم السّمنّة‪ .‬وهذا لم يقبمل بمه أحمد‪،‬‬
‫سنّة يعتقدون أن الحق في الخلف الذي دار بين الصحابييْن الجليليْن كان في جانب علي ‪ ،t‬وأن معاوية‬ ‫فال ّ‬
‫‪ t‬اجتهمد ولم يصمل إلى الصمواب فمي المسمألة‪ ،‬وعليمه فانحياز فكمر السمّنة إلى علي بمن أبمي طالب ‪ t‬واضمح‪.‬‬
‫كما أن الفكار والمبادئ والعقائد التي يقول بها الشيعة لم تكن من أفكار ومبادئ علي بن أبي طالب أبدًا؛‬
‫ولذلك فل يصح أن يقال‪ :‬إن بداية الشيعة كانت في هذا الزمن‪.‬‬

‫وممن المؤرخيمن ممن يقول‪ :‬إن بدايمة الشيعمة كانمت بعمد اسمتشهاد الحسمين رضمي ال عنمه‪ .‬وهذا رأي وجيمه‬
‫جدّا؛ فقمد خرج الحسمين ‪ t‬على خلفمة يزيمد بمن معاويمة‪ ،‬واتجمه إلى العراق بعمد أن دعاه فريمق ممن أهلهما‬
‫إليهما‪ ،‬ووعدوه بالنصمرة‪ ،‬ولكنهمم تخّلوْا عنمه فمي اللحظات الخيرة‪ ،‬وكان الممر أن اسمتُشهد الحسمين ‪ t‬فمي‬
‫كربلء‪ ،‬فندمممت المجموعممة التممي قامممت باسممتدعائه‪ ،‬وقرروا التكفيممر عممن ذنوبهممم بالخروج على الدولة‬
‫المويمة‪ ،‬وحدث هذا الخروج بالفعمل‪ ،‬وقُتمل منهمم عددٌ‪ ،‬وعُرف هؤلء بالشيعمة‪ .‬وهذا يفسمّر لنما شدة ارتباط‬
‫الشيعة بالحسين بن علي ‪-‬رضي ال عنهما‪ -‬أكثر من علي بن أبي طالب ‪ t‬نفسه‪ ،‬وهم ‪ -‬كما نشاهد جميعًا‬
‫‪ -‬يحتفلون بذكرى استشهاد الحسين رضي ال عنه‪ ،‬ول يحتفلون بذكرى استشهاد علي بن أبي طالب ‪.t‬‬

‫وممع ذلك فنشأة هذه الفِرقمة لم تكمن تعنمي إل نشوء فرقمة سمياسية تعترض على الحكمم الموي‪ ،‬وتناصمر‬
‫سنّة‪ ،‬بل إننا سنرى أن‬
‫فكرة الخروج عليها‪ ،‬ولم يكن لها مبادئ عقائدية أو مذاهب فقهية مختلفة عن أهل ال ّ‬
‫‪1‬‬
‫سنّة يتكلمون بكل عقائد‬
‫القادة الوائل الذين يزعم الشيعة أنهم الئمة الشيعيّة الوائل ما هم إل رجال من ال ّ‬
‫ومبادئ السّنة‪.‬‬

‫اسمتقرت الوضاع نسممبيّا بعمد شهور ممن اسممتشهاد الحسمين ‪ ،t‬وظهمر فمي الفترة علي زيمن العابديممن بممن‬
‫الحسممين‪ ،‬وكان مممن خِيار الناس‪ ،‬ومممن العلماء الزهّاد‪ ،‬ولم يكممن يُؤثَمر عنممه ‪ -‬رحمممه ال ‪ -‬أيّ مخالفات‬
‫عقائدية أو فكرية لما كان عليه الصحابة أو التابعون‪..‬‬

‫وكان من أبناء علي زين العابدين رجلن عظيمان على درجة عالية من الورع والتقوى‪ ،‬هما محمد الباقر‬
‫وزيمد‪ ..‬وكانما يتوافقان تمامًا ممع مما يقوله علماء السمّنة ممن الصمحابة والتابعيمن‪ ،‬غيمر أن زيمد بمن علي ‪-‬‬
‫رحممه ال ‪ -‬كان يختلف فمي أنمه يرى أن علي بمن أبمي طالب كان أولى بالخلفمة ممن أبمي بكمر الصمديق ‪،t‬‬
‫وهمو وإن كان يخالف بذلك إجماع المممة‪ ،‬ويخالف أحاديمث كثيرة مباشرة رفعممت قدر أبمي بكمر الصمديق‬
‫وعمممر وعثمان ‪ y‬فوق عليّم ‪ ،t‬إل أن هذا الختلف ليممس اختلفًما عقائديّامم؛ فهممو يرى الفضممل للخلفاء‬
‫لوَل‪ ،‬لكنمه يرى عليّام أفضمل‪ .‬كمما أنمه يقول بجواز إماممة المفضول‪ ،‬وهمو بذلك ل ينكمر‬ ‫الراشديمن الثلثمة ا ُ‬
‫إماممة الصمديق وعممر وعثمان ‪ ،t‬أمما غيمر هذه النقطمة فهمو يتفمق ممع أهمل السمّنة فمي كمل عقائدهمم ومبادئهمم‬
‫وفقههم‪.‬‬

‫ولقممد قام زيممد بممن علي بالخروج على الخلفممة المويممة مك ّررًا تجرِبممة جَدّه الحسممين بممن علي رضممي ال‬
‫عنهما‪ ،‬وذلك في زمان هشام بن عبد الملك‪ ،‬وانتهى المر بقتله سنة ‪122‬هم‪ ،‬وقام أتباعه بتأسيس مذهب‬
‫على أفكاره عُرف فمي التاريمخ بالزيديّةم نسمبة إليمه (زيمد بمن علي)‪ ،‬وهذا المذهمب وإن كان محسموبًا على‬
‫الشيعمة إل أنمه يتفمق ممع السّمنّة فمي كمل شيمء إل فمي تفضيمل عليّ على الخلفاء الراشديمن الثلثمة الوائل‪،‬‬
‫وأتباع هذا المذهمب منتشرون فمي اليممن‪ ،‬وهمم أقرب الشيعمة للسّمنّة‪ ،‬وتكاد ل تفرّقهمم عمن السمنة فمي معظمم‬
‫الحوال‪.‬‬

‫وممن الجديمر بالذكمر أن هناك طائفمة ممن أتباع زيمد بمن علي سمألوه عمن رأيمه فمي أبمي بكمر وعممر‪ ،‬فترحّمم‬
‫عليهمما‪ ،‬فرفضمه هؤلء ورفضوا الترحّمم على أبمي بكمر وعممر‪ ،‬وانشقّوا عمن فرقتمه‪ ،‬وهؤلء عُرفوا فمي‬
‫التاريمخ بالرافضضة؛ لنهمم رفضوا إماممة الشيخيمن أبمي بكمر وعممر ممن ناحيمة‪ ،‬ورفضوا رأي زيمد بمن علي‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬وهؤلء سيكون منهم من يؤسّس بعد ذلك مذهب "الثنا عشرية" أكبر مذاهب الشيعة‪.‬‬

‫ولقمد مات محممد الباقمر أخمو زيمد بمن علي قبمل أخيمه بثمانمي سمنوات (فمي سمنة ‪114‬همم)‪ ،‬وترك ابنًا عالمًا‬
‫ل هممو جعفممر الصممادق‪ ،‬وهممو أيضًما مممن العلماء الفذاذ‪ ،‬وكان فقيهًما بارعًما‪ ،‬وكان يقول بكممل عقائد‬
‫جلي ً‬
‫الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين‪.‬‬

‫وفمي أواخمر عهمد الخلفمة المويمة قاممت الحركمة العباسمية بنشاط لتجميمع الناس للنقلب على الخلفمة‬
‫الموية‪ ،‬وتعاونت هذه الحركة مع المجموعات التي انشقت عن زيد بن عليّ‪ ،‬وتم إسقاط الخلفة الموية‬
‫سممنة ‪132‬هممم‪ ،‬وقامممت الخلفممة العباسممية بقيادة أبممي العباس الس مفّاح ثممم أبممي جعفممر المنصممور‪ ،‬وشعممر‬
‫المتعاونون معهما بخيبمة أممل؛ إذ كانوا يريدون أن تكون الزعاممة فمي أحمد أحفاد علي بمن أبمي طالب‪ .‬وممن‬
‫جديد قام هؤلء بالنقلب على الخلفة العباسية مكوّنين جماعة عُرفت بالطالبيين (نسبة إلى علي بن أبي‬
‫طالب ‪ )t‬في مقابل العباسيين المنسوبين إلى العباس بن عبد المطلب ‪.t‬‬

‫‪2‬‬
‫ل قضيمة الحكمم على أبمي بكمر وعممر؛ لنّ‬
‫وإلى هذه اللحظمة ليسمت هناك مخالفات عقائديمة وفقهيمة‪ ،‬اللهُمّ إ ّ‬
‫فريقًا من هؤلء ‪ -‬وهم الذين انشقوا عن زيد بن علي ‪ -‬كانوا يرفضونهما‪ ،‬بل ل يخفون لعنهما!‬

‫توفّي جعفر الصادق سنة ‪148‬هم‪ ،‬وترك ابنًا اسمه موسى الكاظم‪ ،‬الذي كان عالمًا أيضًا‪ ،‬ولكن ليس على‬
‫مستوى أبيه‪ ،‬وتوفّي أيضًا في عام ‪183‬هم‪ ،‬تاركًا مجموعة من الولد منهم علي بن موسى الرضا‪.‬‬

‫ولقد أراد الخليفة العباسي المشهور المأمون أن يستوعب فتنة الطالبيين‪ ،‬الذين يطالبون بالحكم لفرع علي‬
‫ل واسمعًا‬
‫بمن أبمي طالب ‪ ،t‬وليمس لفرع العباس ‪t‬؛ فولّى علي بمن موسمى الرضما وليمة العهمد‪ ،‬وأثار هذا جد ً‬
‫في العباسيين‪ ،‬غير أن علي بن الرضا مات فجأةً سنة ‪203‬هم‪ ،‬فا ّتهَم الطالبيون المأمون بقتله‪ ،‬ومن جديد‬
‫توالت ثوراتهم على العباسيين كما كانت على المويين‪.‬‬

‫مرت السمنوات‪ ،‬وهدأت جذور الثورات نسمبيّا‪ ،‬وإلى هذه الفترة لم يكمن هناك مذهبٌم دينمي مسمتقل يُعرَف‬
‫ب كثيرة‪،‬‬
‫بمذهب الشيعة‪ ،‬إنما كانت حركات سياسية للوصول إلى الحكم‪ ،‬والعتراض على الحكام لسبا ٍ‬
‫ليست منها السباب العقائدية التي في مناهج الشيعة الن‪.‬‬

‫وممن اللفمت للنظمر أن هذه الدعوات النشقاقيمة عمن الحكمم وجدت لهما صمدًى واسمعًا جدّا فمي منطقمة فارس‬
‫(إيران حاليًا)‪ ،‬وكان الكثيمر ممن سمكان هذه المناطمق على مدار السمنوات يشعرون بالحسمرة لذهاب مُلك‬
‫الدولة الفارسممية الضخمممة‪ ،‬وانصممهارها فممي داخممل الدولة السمملمية‪ ،‬وكانوا يرون أنفسممهم أعلى نس مبًا‪،‬‬
‫وأفضمل عرقًا‪ ،‬وأعممق تاريخًا ممن المسملمين؛ لذلك ظهمر فيهمم مما يسممّى بالشعوبيّةض‪ ،‬وهمي النتماء لشعمب‬
‫معيّنم وليمس للسملم‪ ،‬وأظهمر بعضهمم حبّام جارفًا لجذوره الفارسمية بكمل مما فيهما‪ ،‬حتمى النار التمي كانوا‬
‫يعبدون‪.‬‬

‫ولمما كان هؤلء ل طاقمة لهمم بمفردهمم للخروج على الدولة السملمية‪ ،‬ولمما كانوا مسملمين على مدار عِدّة‬
‫عقود ممن السمنوات‪ ،‬فقمد وجدوا فمي ثورات الطالبييمن حلّ بديلً؛ فهمم سمينضمون إليهما ليسمقطوا الخلفمة‬
‫السلمية التي أسقطت دولتهم قبل ذلك‪ ،‬وهم في نفس الوقت لن يتركوا السلم الذي اعتنقوه منذ سنوات‬
‫طويلة‪ ،‬ولكنهممم سمميحرّفونه بممما عندهممم مممن تراث الدولة الفارسممية‪ ،‬وسمميطعّمونه بممما يضمممن اسممتمرارية‬
‫لمّةم السملمية‪ ،‬وهمم لن يكونوا على قممة الهرم‪ ،‬بمل سميأتون بالطالبييمن الذيمن‬ ‫الوضمع المضطرب فمي ا ُ‬
‫ينتمون إلى علي بمن أبمي طالب ‪ ،t‬وهمم جزء ممن آل بيمت النمبي ‪ ،r‬ولهمم مكانمة فمي قلوب الناس‪ ،‬ومِن ثَم‬
‫سيُكتب لمثل هذه الدعوة الستمرار‪.‬‬

‫وهكذا اتحدت جهود الشعوبييمن الفارسميين ممع طائفمة ممن الطالبييمن ممن آل البيمت‪ ،‬لتكوّن كيانًا جديدًا بدأ‬
‫يتبلور ككيان مستقل‪ ،‬ليس سياسيّا فقط بل دينيّا أيضًا‪.‬‬

‫وعودة إلى سملسلة الطالبييمن نجمد أنمه بعمد وفاة علي الرضضا الذي اختاره المأمون وليّام للعهمد‪ ،‬ظهمر ابنمه‬
‫محمد الجواد ثم توفّي في سنة ‪220‬هم‪ ،‬ليظهر ابنه علي بن محمد الهادي الذي توفي سنة ‪254‬هم‪ ،‬ليظهر‬
‫أخيرًا الحسن بن علي الملقّب بالعسكري‪ ،‬الذي توفي فجأةً سنة ‪260‬هم‪ ،‬ولم يترك إل ابنًا صغيرًا عمره ‪5‬‬
‫سنوات اسمه محمد‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫في كمل هذه السمنوات السمابقة كانت هذه الحركات النفصمالية‪ ،‬والتمي تضمّ طرفًا من آل البيت وطرفًا ممن‬
‫الشعوبييمن الفارسميين‪ ،‬كانوا يعطون قيادة هذه الفرقمة النفصمالية إلى البمن الكمبر لكمل واح ٍد ممن قيادات‬
‫الطالبييمن‪ ،‬بدءًا ممن علي الرضما وانتهاءً بالحسضن العسضكري‪ .‬أمما ممن سمبق علي الرضما مثمل أبيمه موسمى‬
‫الكاظمم‪ ،‬أو جَدّه جعفمر الصمادق‪ ،‬أو أبمي جَدّه محممد الباقمر فلم يكمن لهمم قيادة ثوريمة على الحكمم الموي أو‬
‫العباسي‪.‬‬

‫حيْرة كبيرة‪ ،‬فمَن هذا الذي يتولى‬


‫ولكن عند وفاة الحسن العسكري سنة ‪260‬هم وقع هؤلء الثوريون في َ‬
‫أمرهم‪ ،‬وقد ترك الحسن العسكري طفلً صغيرًا‪ ،‬ثم زاد المر اضطرابًا عندما توفّي هذا الطفل الصغير‬
‫هممو الخممر فجأة؛ لتنقسممم هذه المجموعات الثوريممة إلى فرق ٍم كثيرة جدّا تختلف بعضهمما عممن بعممض فممي‬
‫المبادئ والفكار‪ ،‬بل في الشرائع والمعتقدات‪.‬‬

‫وكان من أشهر هذه الفرق التي ظهرت "الثنا عشرية"‪ ،‬وهي الفرقة الموجودة الن في إيران والعراق‬
‫ولبنان‪ ،‬وهي أكبر فرق الشيعة في زماننا المعاصر‪.‬‬

‫وبدأ قادة هذه الفرقة يضيفون إلى السلم ما يناسب الموقف الذي يتعرضون له الن‪ ،‬وما يضمن لفرقتهم‬
‫أن تُكمِل المشوار في ظل غياب قائد لهم‪..‬‬

‫ع خطيرة إلى الدين السلمي‪ ،‬وزعموا أنها جزء ل يتجزأ من السلم‪ ،‬وأصبحت هذه‬ ‫لقد أضافوا عدّة بد ٍ‬
‫البدع بالتالي جزءًا من عقيدتهم وتكوينهم؛ ومن هذه البدع ما هو خاص بالمامة‪ ،‬فأرادوا أن يحلوا مشكلة‬
‫عدم وجود إمام الن؛ فقالوا‪ :‬إن الئمة اثنا عشر فقط! وقالوا‪ :‬إن هؤلء الئمة هم بالترتيب كما يلي‪-1 :‬‬
‫علي بن أبي طالب‪ -2 .‬الحسن بن علي‪ -3 .‬الحسين بن علي‪ -4 .‬علي زين العابدين بن الحسين‪ -5 .‬محمد‬
‫الباقر بن زين العابدين‪ -6 .‬جعفر الصادق بن محمد الباقر‪ -7 .‬موسى الكاظم‪ -8 .‬علي الرضا‪ -9 .‬محمد‬
‫الجواد‪ -10 .‬علي الهادي‪ -11 .‬الحسن بن علي العسكري‪ -12 .‬محمد بن الحسن العسكري‪.‬‬

‫ومن هنا عُرفت هذه الفرقة بأنها اثنا عشرية‪ ،‬ولكي يفسروا انتهاء الئمة إلى هنا قالوا‪ :‬إن الطفل الصغير‬
‫محممد بمن الحسمن العسمكري لم يمُتمْ‪ ،‬بمل دخمل فمي أحمد السمراديب بجبمل ممن الجبال‪ ،‬وأنمه يعيمش حتمى الن‬
‫(أكثمر ممن ألف سمنة حتمى الن)‪ ،‬وأنمه سميعود فمي يومٍم مما ليحكمم العالم‪ ،‬وهمو عندهمم المهديّم المنتظمر‪،‬‬
‫وزعموا أن الرسول ‪ r‬قد أوصى بأسماء هؤلء الئمة الثني عشر‪ ،‬ولكنّ الصحابة ‪ y‬كتموا ذلك‪ ،‬وبذلك‬
‫فهُ مْ يكفّرون عامّة الصحابة‪ ،‬وبعضهم يف سّقهم دون التكفير؛ لنهم كتموا أمر الئمة هؤلء‪ .‬ثم أدخلوا من‬
‫الفارسمية نظام حتميمة الميراث فمي الئممة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن المام ل بُ ّد أن يكون البمن الكمبر بدءًا ممن علي بمن‬
‫أبمي طالب ‪ t‬ومرورًا بكمل الئممة ممن بعده‪ .‬وهذا ‪ -‬كمما همو معلوم ‪ -‬ليمس فمي السملم أبدًا‪ ،‬وحتمى الدول‬
‫سنّية التي حدث فيها التوارث كالخلفة الموية والعباسية والسلجوقية واليوبية والعثمانية لم‬ ‫السلمية ال ّ‬
‫يقولوا بأن هذا التوارث شيء من الدين‪ ،‬أو أنه ل بُ ّد أن يكون في عائلة معيّنة‪ .‬وأدخلوا أيضًا من الفارسية‬
‫مسممألة التقديممس للعائلة الحاكمممة‪ ،‬فقالوا بعصمممة المام‪ ،‬وأن هؤلء الئمممة المذكوريممن معصممومون مممن‬
‫الخطمأ‪ ،‬وبالتالي يأخمذ كلمهمم حكمم القرآن‪ ،‬وكذلك حكمم الحديمث النبوي‪ ،‬بمل إنّ معظمم قواعدهمم الفقهيمة‬
‫والشرعيممة الن مسممتمدة مممن أقوال الئمممة‪ ،‬سممواءٌ قالوهمما أو نُسممبت إليهممم زورًا‪ .‬وأكثممر مممن ذلك يقول‬
‫الخوميني زعيم الثورة اليرانية في كتابه الحكومة السلمية‪ ..." :‬وإن من ضروريات مذهبنا أن لئمتنا‬
‫مقامًا ل يبلغمه ملكٌم مقرّب‪ ،‬ول نمبي مرسمل[‪ !!"]1‬وممن هنما كانمت عداوتهمم بالغمة للصمحابة جميعًا (إل‬
‫مجموعمة قليلة ل تزيمد على ثلثمة عشمر)‪ ،‬وتشممل هذه العداوة بعضًا ممن أهمل البيمت مثمل العباس ‪ t‬عمم‬
‫‪4‬‬
‫حبْر المّة رضي ال عنهما‪ .‬ول يخفى أن هذا الطعن والتكفير لهما؛‬
‫الرسول ‪ ،r‬وابنه عبد ال بن عباس َ‬
‫لخلف الثني عشرية مع الخلفة العباسية‪.‬‬

‫وكان أيضًا من بدعهم أنهم حكموا على معظم المصار السلمية بأنها دار كفر‪ ،‬حيث كفّروا أهل المدينة‬
‫ومكة وأهل الشام‪ ،‬وكذلك أهل مصر‪ ،‬وقالوا في ذلك كلمات نسبوها إلى رسول ال ‪ ،r‬فهي تعتبر عندهم‬
‫جزءًا ممن الديمن‪ ،‬وهذه الكلمات موجودة فمي مراجعهمم الصملية‪ ،‬مثمل ُكتُب الكافمي وبحار النوار وتفسمير‬
‫القمي وتفسير العياشي والبرهان وغير ذلك من مراجع‪.‬‬

‫سنّة‪ ،‬ويرفضون كل كتب الصّحاح والسّنة؛ فل البخاري ول مسلم ول‬ ‫وبالتبعية فهم ل يقبلون كل علماء ال ّ‬
‫الترمذي ول النسمائي‪ ،‬ول أبمي حنيفمة أو مالك أو الشافعمي أو ابمن حنبمل‪ ،‬كذلك ل خالد بمن الوليمد ول سمعد‬
‫بمن أبمي وقاص ول عممر بمن عبمد العزيمز ول موسمى بمن نصمير‪ ،‬ول نور الديمن محمود ول صملح الديمن‪،‬‬
‫ول قطز ول محمد الفاتح‪ ،‬وهكذا‪..‬‬

‫ونتيجة َنبْذهم للصحابة وللتابعين ولكتب الحديث والتفسير‪ ،‬فإنهم اعتمدوا على القوال المنسوبة لئمتهم‪،‬‬
‫وهممي فممي غايممة الضعممف مممن ناحيممة الروايممة؛ ولذلك ظهرت عندهممم البدع المنكرة الكثيرة‪ ،‬فممي العقائد‬
‫والعبادات والمعاملت وغيرهما‪ .‬ونحمن ل نقصمد فمي هذا المقال تقصمّي هذه البدع‪ ،‬فإنّ هذا يحتاج إلى عِدّة‬
‫كتبمٍ‪ ،‬ولكمن نشيمر إلى أصمل المشكلة فقمط؛ حتمى نفهمم تبعاتهما‪ ،‬وإلّ فالحديمث سميطول إذا تحدثنما عمن بدع‬
‫التقيّةم والرّجْعمة‪ ،‬وبدع القول بتحريمف القرآن‪ ،‬وبدع سموء العتقاد فمي ال ‪ ،U‬وبدع الضرحمة ومما يفعمل‬
‫عندها‪ ،‬وبنائها في المساجد‪ ،‬والبدع المنكرة التي تُفعل في ذكرى يوم استشهاد الحسين ‪ ،t‬وغير ذلك من‬
‫آلف البدع التي أصبحت ركنًا أصيلً في الدين عند الثني عشرية‪.‬‬

‫وكمل مما ذكرناه حتمى الن مما همو إل جزء ممن فكمر فرقمة الثنمي عشريمة‪ ،‬وهناك العديمد ممن الفرق غيرهما‬
‫قاممت فمي هذه الفترة ممن التاريمخ‪ ،‬خاصمّة فمي الفترة المعروفمة فمي التاريمخ بفترة "حيرة الشيعمة"‪ ،‬والتمي‬
‫بدأت في منتصف القرن الثالث الهجري بعد وفاة الحسن العسكري (المام الحادي عشر عندهم)‪.‬‬

‫وبداي ًة مممن هذا التوقيممت بدأت تظهممر المؤلفات والكتممب التممي ترس مّخ هذه العقائد والفكار‪ ،‬وانتشرت هذه‬
‫المناهج بشدّة في منطقة فارس خاصة‪ ،‬وفي بلد العالم السلمي بشكل عام‪ ،‬ولك نْ دون إقامة دولة تتبنّى‬
‫هذا الفكمر بشكلٍ رسممي‪ .‬ولكمن عنمد نهايات القرن الثالث الهجري وبدايات القرن الرابمع الهجري‪ ،‬حدثتْم‬
‫تطورات خطيرة أدّتْم إلى وصمول الشيعمة إلى الحكمم فمي بعمض المناطمق‪ ،‬وكان لهذا تداعيات رهيبمة على‬
‫المة السلمية‪ ،‬وهذا ما سنتناوله في المقال القادم بإذن ال‪.‬‬

‫ونعيد القول بأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره‪ ،‬فإننا لكي نأخذ قرارًا في أمر من المور‪ ،‬أو قضية‬
‫ممن القضايما ل بُ ّد ممن العلم أولً‪ ،‬وبعمد أن تتوفّرم المعلوممة الصمادقة نسمتطيع عندهما أن نقول‪ :‬هذا يجوز‪،‬‬
‫لوْلى كذا وكذا‪ .‬أما الكلم بالعاطفة دون دراسة فهذا يُورِد المهالك‪..‬‬‫وهذا ل يجوز‪ ،‬أو ا َ‬

‫ونسأل ال ‪ U‬أن يُ ِعزّ السلم والمسلمين‪.‬‬

‫بقلم‪ :‬د‪ .‬راغب السرجان‬

‫‪5‬‬

You might also like