You are on page 1of 5

‫من يحكم إيران ؟‬

‫ينبهر كثير من المسلمين برؤية النتخابات اليرانية لرئيس الجمهورية‪ ،‬ويعتبرونها صورة حضارية‬
‫لختيار زع يم ير ضى ع نه الش عب ويح قق آماله‪ ،‬خا صة في ظل الوضاع المترد ية في مع ظم بلد‬
‫العالم العر بي؛ ح يث ي سيطر على الح كم فيه مجمو عة من الرؤ ساء والملوك وال سلطين أتوا جميعًا‬
‫بغ ير إرادة من الش عب‪ ،‬وح تى لو شهدت البلد العرب ية انتخابات فإن ها تكون انتخابات مزوّرة‪ ،‬وهذا‬
‫ي تجربة بصرف النظر عن كونها غربية أو شيعية أو غير ذلك‪.‬‬ ‫يجعل المسلمين يلهثون وراء أ ّ‬

‫ل نموذجًا يُحتذى؟ وهل الرئيس الذي يختاره الشعب يملك من‬‫ولكن هل تعتبر النتخابات اليرانية فع ً‬
‫الصلحيات ما يحقق به آمال الذين انتخبوه؟ وهل هناك فرصة لصلح الفساد إن حدث؟ وهل النظام‬
‫اليراني يمتلئ بالحيوية كما يحلو لكثيرٍ من المنبهرين بالشيعة أن يقولوا؟!‬

‫إننصا ل بصد أن نعود للصصول حتصى نفهصم مصن يحكصم إيران فصي الحقيقصة‪ ..‬وأنصا أنصصح القراء بقراءة‬
‫مقال تي ال سابقة في هذا الموضوع؛ لن ها ستعطي رؤ ية أو ضح ل ما سأذكره في هذا المقال‪ ،‬وهذه‬
‫المقالت كانت بعنوان "أصول الشيعة"‪ ،‬و"سيطرة الشيعة"‪ ،‬و"خطر الشيعة"‪ ،‬و"موقفنا من الشيعة"‪.‬‬

‫ل قد قام الخومي ني بثور ته الشيع ية في سنة ‪1979‬م‪ ،‬وأطاح بح كم الدكتاتور اليرا ني ال سابق الشاه‬
‫بهلوي‪ ،‬الذي كان يملك صلحيات كبيرة جدّا في إيران‪ ،‬إضافةً إلى صلحيات النظام الحاكم المنتمي‬
‫له‪ ،‬فماذا فعصل الخومينصي؟! لقصد كوّن دكتاتوريصة أكصبر بكثيصر مصن دكتاتوريصة الشاه‪ ،‬وجمصع مصن‬
‫الصلحيات ما يفوق صلحيات الشاه بكثير‪ ،‬ولو كانت هناك فرصة للعتراض في زمن الشاه‪ ،‬فإن‬
‫هذه الفرصصة أصصبحت معدومصة فصي زمصن الخومينصي ومصن بعده‪ .‬أمصا الذي نراه اليوم مصن صصراعات‬
‫واعتراضات ومعسكرات فما هو إل في إطار محدود ومعروف يهدف في النهاية إلى تجميل النظام‪،‬‬
‫وإشعار الجميع أن الحرية موجودة‪ ،‬وأن البلد بخير‪ ،‬وأن اختيار الشعب محترم!‬

‫كيف حدث هذا؟! وما أصل القصة؟!‬

‫ل قد جاء الخومي ني إلى ح كم إيران وفقًا لنظر ية ا ستدعاها من التار يخ الشي عي ا سمها نظر ية " ول ية‬
‫الفقييه"‪ ،‬والصيل فيي الفكير الشيعيي أن الوليية ل بيد أن تكون للمام المعصيوم‪ ،‬وهيم يعتقدون فيي‬
‫ع صمة المام علي بن أ بي طالب ‪ ،‬ثم ع صمة أولده الح سن ثم الح سين‪ ،‬ثم ع صمة أبناء الح سين‬
‫المتسلسلين‪ ،‬الذين كوّنوا عندهم ما يُسمى بالئمة الثني عشر‪ ،‬ولكن حدث أن المام العسكري ‪ -‬وهو‬
‫المام الحادي ع شر ع ند الشي عة ‪ -‬مات سنة ‪260‬ه ي دون أن ي سمّي إمامًا مع صومًا خل فه‪ ،‬فانق سم‬
‫الشيعية إلى طوائف كثيرة لحيل هذه المعضلة‪ ،‬وكانيت مين هذه الطوائف طائفية الثنيي عشريية التيي‬
‫اد عت أن المام الع سكري أو صى إلى اب نه ال صغير مح مد الذي لم يبلغ الخام سة من عمره‪ ،‬غ ير أن‬
‫هذا المام الثا ني ع شر د خل في أ حد ال سراديب واخت فى‪ ،‬ويعت قد الشي عة الث نا عشر ية ( في إيران‬
‫ولبنان) أ نه ما زال موجودًا في دا خل ال سرداب‪ ،‬وأ نه سيظهر في يوم من اليام ليح كم الدن يا‪ ،‬و هو‬
‫عندهم المهدي المنتظر‪ ،‬وفي العقيدة الشيعية أنه ل يجوز تولي الحكم وقيادة الدولة وإقامة أحكام الدين‬
‫والجهاد والجما عة والحدود و كل ش يء إل في وجود المام المع صوم‪ ،‬ومِن ثَمّ ف كل شيء معطّ ل إلى‬
‫أن يظهر هذا المام الوهمي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ولكن الخوميني أحيا نظرية اجتهادية موجودة في التاريخ الشيعي هي نظرية "ولية الفقيه"‪ ،‬وهي تعني‬
‫أن المام المهدي الغائب "الطفيل الذي دخيل السيرداب" قيد عَهِد إلى الفقييه الذي يمتلك القدرة الفقهيية‬
‫العال ية بأن يقوم ب ما كان سيقوم به المام المع صوم في حالة وجوده‪ ،‬ومِن ثَم فإن هذا الفق يه يرأس‬
‫المة‪ ،‬ويأخذ صلحيات المام المعصوم‪ ،‬بما فيها العصمة‪ ،‬وبما فيها من اللهام من ال‪ ،‬وبما فيها‬
‫من الرتفاع فوق مقام النبوة؛ لن النبوة عند هم انت هت في فترة معي نة‪ ،‬بين ما ي ستمر المام المع صوم‬
‫إلى الن‪ ،‬وقد نقلنا قبل ذلك قول الخوميني في كتابه (الحكومة السلمية)‪ ..." :‬وإن من ضروريات‬
‫مذهبنا أن لئمتنا مقامًا ل يبلغه ملكٌ مقرّب‪ ،‬ول نبي مرسل"[‪.]1‬‬

‫وعلى هذا فإذا أخيذ اليرانيون بهذه النظريية فإنيه ل يجوز أصيلً العتراض على حكيم الفقييه الذي‬
‫يتولى قيادة البلد‪ ،‬والذي يُعرف عندهيم الن بالفقييه الكيبر‪ ،‬أو بمرشيد الثورة‪ ،‬أو بالقائد‪ ،‬وكلهيا‬
‫مترادفات للشخصية الولى والخيرة في النظام اليراني الجد يد‪ ،‬وهذا خ طر جدّا‪ ،‬بل هو أخ طر من‬
‫الوضاع في النظ مة العرب ية الفا سدة؛ لن الحكام العرب الدكتاتوري ين ل يقولون أن هم يحكمون با سم‬
‫ال ‪ ،‬ول يدّعون اللهام مين ال‪ ،‬ول يدعون العصيمة‪ ،‬ول تعتيبر شعوبهيم أن طاعتهيم أمرٌ تملييه‬
‫عليهيم الشريعية‪ ،‬بيل الكثيير مين الشعوب ترى أن مقاومية دكتاتوريتهيم فضيلة؛ لنهيا مقاومية للظلم‬
‫والتسلّط‪ ،‬بينما يُعتبر ذلك في إيران جريمة في حق ال قبل أن تكون جريمة في حق النظام أو القائد‪.‬‬

‫لقد صمم الخوميني الدستور اليراني الجديد بالشكل الذي يحفظ هذه الدكتاتورية العنيفة له‪ ،‬ولمن جاء‬
‫من بعده على المنهج الثني عشري المنحرف‪ ،‬فجعل من بنود الدستور أن مرشد الثورة يظل في هذا‬
‫المنصيب مدى الحياة! ثيم كوّن ميا يُسيمى بمجلس الخيبراء‪ ،‬وهذا المجلس يختاره الشعيب بالنتخاب‪،‬‬
‫ول كن ل بد أن يكون هذا المر شح لمجلس ال خبراء من الفقهاء‪ ،‬ول بد أن يكون من الث ني عشري ين‪،‬‬
‫ول بد أن يكون مؤمنًا بنظر ية ول ية الفق يه‪ .‬وهذا المجلس هو الذي يختار ب عد ذلك الولي الفق يه الذي‬
‫يخلف الخوميني بعد موته‪ ،‬ليظل وليّا فقيهًا حاكمًا طيلة حياته بعد ذلك‪ ،‬وقد اختار هذا المجلس "آية ال‬
‫علي خامنئي" ليكون مرشدًا للثورة‪ ،‬وهو في هذا المنصب من سنة ‪1989‬م إلى الن!‬

‫ولم يكتف الخوميني بذلك‪ ،‬بل جمع إلى سلطاته صلحيات أخرى كثيرة كما جاء في المادة ‪ 110‬من‬
‫الدستور؛ فمرشد الثورة هو الذي يضع كافة المسائل الرئيسية الخاصة برسم وتعيين السياسات العامة‬
‫للنظام‪ ،‬وهيو الذي يقود القوات المسيلحة‪ ،‬وهيو الذي يملك أن ينصيّب ويعزل رؤسياء المؤسيسات‬
‫والمجالس الرئيسية في الدولة‪ ،‬وهو الذي يعيّن رئيس السلطة القضائية‪ ،‬ورئيس الذاعة والتليفزيون‪،‬‬
‫ورئ يس أركان القيادة المشتر كة للج يش‪ ،‬والقائد العام لقوات حرس الثورة‪ ،‬ك ما يملك ‪ -‬فوق كل ذلك‬
‫‪ -‬عزل رئيس الجمهورية المنتخَب من قِبل الشعب!!!‬

‫إن ها سيطرة ل يحلم ب ها أي دكتاتور عربي‪ ،‬ول يس هذا ف قط‪ ،‬بل إن كل ما سبق وغيره يتم بتفو يض‬
‫مين المام الغائب المهدي‪ ،‬وإذا حدث وعصيى أحيد أفراد الشعيب أوامير هذا المرشيد فإن هذه خطيئة‬
‫ت صل إلى الشرك بال؛ ح يث إ نه يعترض على مع صوم‪ ،‬وي ستندون في ذلك إلى مقولة من سوبة زورًا‬
‫إلى المام جعفر الصادق يقول فيها‪..." :‬فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه‪ ،‬فإنما استخفّ بحكم ال‪ ،‬وعلينا‬
‫رَدّ‪ ،‬والرادّ علينا رادّ على ال‪ ،‬وهو على حدّ الشرك بال"[‪.]2‬‬

‫‪2‬‬
‫ول كن الخومي ني أراد أن يجمّ ل ال صورة‪ ،‬فل يج عل ال مر في صورة دكتاتور ية قاهرة‪ ،‬فج عل هناك‬
‫منصيبًا يُسيمى "رئييس الجمهوريية"‪ ،‬ميع أن الرئييس الفعلي للبلد هيو القائد أو مرشيد الثورة‪ ،‬وجعيل‬
‫رئيس الجمهورية هذا بالنتخاب العل ني من أفراد الشعب‪ ،‬ح تى يفرّغ كل الشحنات في داخل الشعب‬
‫فيش عر أ نه هو الذي اختار‪ ،‬و هو الذي وجّ ه م سيرة ال مة‪ ،‬ول كن وق فة تأ مل مع رئ يس الجمهور ية‬
‫اليرانية‪..‬‬

‫كيف يُختار هذا الرئيس؟!‬

‫ل قد ابت كر الخومي ني مجل سًا سماه "مجلس صيانة الد ستور"‪ ،‬هو المكلّف باختيار من يم كن أن يُرشّ ح‬
‫للرئاسة‪ ،‬وهذا المجلس مكوّن من اثني عشر عضوًا‪ ،‬يعيّن مرشد الثورة ستة منهم بشكل مباشر! أما‬
‫السيتة الخرون فيرشحهيم رئييس السيلطة القضائيية بعيد ترشييح مجلس النواب‪ ،‬ميع العلم أن رئييس‬
‫ال سلطة القضائ ية نف سه يُعيّ ن من قِ بل مر شد الثورة‪ ،‬وهذا يع ني أن أعضاء مجلس صيانة الد ستور‬
‫بكاملهيم مين الذيين يختارهيم مرشيد الثورة أو يرضيى عنهيم‪ ،‬وهذا المجلس يقوم بقبول ترشيحات‬
‫المتقدمين لشغل منصب رئيس الجمهورية‪ ،‬ومن ثَمّ فهو ل يقبل من المتقدمين إل من هو على علقة‬
‫قو ية جدّا وحمي مة بمر شد الثورة!! فل يس هناك أي فر صة لوجود معارض لمر شد الثورة‪ ،‬و ما ي سمّى‬
‫بالمحافظين أو الصلحيين ما هي إل صورة وهمية لبعض الختلفات الطفيفة في الطار الذي يسمح‬
‫به مر شد الثورة‪ ،‬ويك في أن نعلم أ نه في النتخابات الخيرة تقدم لمن صب الرئا سة ‪ 471‬مرشحًا‪ ،‬لم‬
‫يقبل مجلس‬

‫صيانة الدستور منهم إل أربعة فقط؛ اثنين من المحافظين واثنين من الصلحيين‪ ،‬والجميع من أبناء‬
‫النظام‪ ،‬وأتباع مر شد الثورة‪ ..‬فأحمدي نجاد مقرّب جدّا من مر شد الثورة علي خامنئي‪ ،‬و هو من أ شد‬
‫المتم سكين بمبدأ ول ية الفق يه‪ ،‬و هو يع تبر من المحافظ ين‪ .‬أ ما المنا فس ال كبر له فكان م ير ح سين‬
‫موسوي‪ ،‬و هو من الصلحيين‪ ،‬لكنه في نفس الو قت من أبناء الثورة‪ ،‬ورحل مع ها من باريس إلى‬
‫طهران‪ ،‬وكان يش غل من صب رئ يس الوزراء في ع هد الخومي ني من سنة ‪ 1981‬إلى سنة ‪1989‬م‪،‬‬
‫وهو آخر رئيس وزراء ليران قبل إلغاء هذا المنصب أصلً! والمرشح الثالث هو مهدي كروبي من‬
‫ال صلحيين‪ ،‬وكان يرأس البرلمان اليرا ني من سنة ‪ 1989‬إلى سنة ‪1992‬م‪ .‬والرا بع هو مح سن‬
‫رضائي من المحافظين‪ ،‬وكان يشغل مركز قائد الحرس الثوري في أثناء الحرب اليرانية العراقية!!‬

‫إنهم جميعًا من أبناء النظام‪ ،‬ومن المؤيدين بقوة لكل كلمة يقولها المرشد القائد‪.‬‬

‫وقد يحدث أحيانًا وينسى رئيس الجمهورية المنتخَب من الشعب نفسه‪ ،‬ويأخذ قرارًا يخالف رأي مرشد‬
‫الثورة‪ ،‬فماذا يحدث عندئذ؟! ل داعي للتكهنات‪ ،‬فقد رأينا واقعًا يوضح لنا الصورة؛ فعلى سبيل المثال‬
‫تيم انتخاب بنيي صيدر ليكون أول رئييس لجمهوريية إيران أيام الخومينيي سينة ‪1980‬م‪ ،‬وظين "بنيي‬
‫صدر" أ نه أ صبح رئي سًا ك كل رؤ ساء العالم يم سك بمقال يد المور في دول ته‪ ،‬خا صة أ نه قد أ تى إلى‬
‫كرسيّ الحكم بنسبة ‪ %75‬من أصوات الشعب‪ ،‬وهي نسبة كبيرة كما نعلم‪ ،‬إل أنه وجد نفسه ل حول‬
‫له ول قوة‪ ،‬ول يملك أن يكلف رئ يس وزراء لحكوم ته‪ ،‬بل ل ي ستطيع المشار كة في اختيار الوزراء‪،‬‬
‫و كل صغيرة و كبيرة ل بد من الرجوع في ها إلى الخومي ني القائد‪ ،‬فلم يطمئن لهذا الو ضع واعترض!‬
‫فماذا كانت النتيجة؟!‬
‫‪3‬‬
‫لقد عزله الخوميني من منصبه وعيّن رئيسًا آخر!!‬

‫عزله بعد أن حصل على ‪ % 75‬من أصوات الشعب‪ ،‬فأي قيمة إذن للنتخابات؟ ولماذا تنفق الموال‬
‫في الدعايات؟ ولماذا تعقد المناظرات في وسائل العلم؟‬

‫وعندميا أجاز الرئييس علي خامنئي ‪ -‬الذي كان رئيسيًا ليران مين سينة ‪ 1981‬إلى سينة ‪1989‬م ‪-‬‬
‫ن الع مل ب عد أن عار ضه مجلس صيانة الد ستور بتوج يه من الخومي ني‪ ،‬وجّ ه الخومي ني ر سالة‬ ‫قانو َ‬
‫شديدة الله جة إلى الرئ يس علي خامنئي‪ ،‬وذكّره في هذه الر سالة أن ول ية الفق يه كول ية الر سول ؛‬
‫ل نه معيّ ن من قِ بل المام الغائب‪ ،‬ور ضخ الرئ يس علي خامنئي لل مر‪ ،‬مع أن علي خامنئي سيصبح‬
‫بعد وفاة الخوميني هو المرشد للثورة‪ ،‬وتنتقل العصمة إليه بذلك‪ ،‬وعندها لن يُقبل أي تعقيب لحكمه!‬

‫ثم إننا رأينا الصلحيين في منصب رئيس الجمهورية‪ ،‬فقد حكم محمد خاتمي من سنة ‪1997‬م إلى‬
‫سنة ‪2005‬م‪ ،‬فهل رأينا جديدًا؟!‬

‫وهل إيران تحت حكم الصلحيين تختلف عنها تحت حكم المحافظين؟ أم أن المر في النهاية في يد‬
‫شخص واحد هو القائد المرشد؟!‬

‫ثم إن نا نقول أيضًا أن ال صلحيين والمحافظ ين ل يمثلون أحزابًا منف صلة في إيران‪ ،‬ولي ست هناك‬
‫مؤسسات تضمن توجّه رئيس معين؛ فأحمدي نجاد ل يمثل إل نفسه في النتخابات‪ ،‬وكذلك مير حسين‬
‫موسوي الصلحي‪ ،‬وليس المر كما هو في أمريكا مثلً‪ ،‬عندما يمثل أوباما برنامج الديمقراطيين‪،‬‬
‫في ح ين يم ثل ماك ين برنا مج الجمهوري ين‪ ..‬إن ال مر أب سط من ذلك بكث ير في إيران؛ ل نه مجرد‬
‫تمثيلية ل وزن لها‪.‬‬

‫وحتيى عندميا قاميت الصيراعات بيين المرشحيين فيي شوارع إيران‪ ،‬وتبادلوا التهامات فيي وسيائل‬
‫العلم‪ ،‬فإن القيادة الدينيية سيكتت عين ذلك‪ ،‬وكان هذا السيكوت متعمدًا‪ ،‬وقيد علّق على ذلك الخاسير‬
‫ميير حسيين موسيوي بقوله‪" :‬كيل السيبل للحصيول على الحقوق مغلقية‪ ،‬وإن الشعيب اليرانيي يواجيه‬
‫صمت رجال الدين المهمين"[‪.]3‬‬

‫وأضاف أيضًا أن هذا الصمت أخطر من التزوير‪.‬‬

‫لقد صمت رجال الدين ليظهر الصراع وكأن صراع على منصب مهم جدّا‪ ،‬وليبرزوا الديمقراطية في‬
‫البلد‪ ،‬ووجود تيارين‪ ،‬وترجيح كفة على كفة بواسطة الشعب‪ ،‬بينما المر كله في النهاية ل يعدو أن‬
‫يكون مسرحية سيقوم الشعب فيها باختيار الممثّل الذي يؤدي ما يكتبه مؤلف السيناريو قائد الثورة!‬

‫والمصييبة بعيد كيل ذلك أن هذا القائد المرشيد ل يحكيم بالقرآن والسّينّة‪ ،‬إنميا يرسيّخ انحرافًا عقائديّاي‬
‫خطيرًا‪ ،‬ويح كم بتفو يض من المام الغائب الذي د خل ال سرداب‪ ،‬ويحرّك الدولة بكامل ها و فق الهوى‬
‫الشخصي الذي ل يجوز العتراض عليه!‬

‫‪4‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فلماذا ننبهر بهذه الوضاع المأساوية؟! ولماذا نرى بعض ال ُكتّاب ‪ -‬وأحيانًا من‬
‫السلميين ‪ -‬يعتبرون إيران نموذجًا يجب أن يُحتذى؟!‬

‫إننا ننبهر لعدة أسباب‪..‬‬

‫منها أننا ل نعرف كل هذه الحقائق في الدستور اليراني‪ ،‬وفي نظام الحكم هناك‪ ،‬وفي علقة المرشد‬
‫برئيس الجمهورية‪ ،‬ومن ثَمّ فنحن نحكم بعاطفتنا ل بعقلنا‪ ،‬ونميل مع أي إنسان رفع راية السلم‪ ،‬ولو‬
‫كان محرّفًا مبدلً‪.‬‬

‫ومن ها أن نا ل نعرف ال سلم الحقي قي الذي ي سمح للم سلمين أن يعترضوا على أ بي ب كر وع مر ر ضي‬
‫ال عنهما‪ ،‬بل إنه كان يسمح بمناقشة رسول ال في المور التي ليس فيها وحي‪.‬‬

‫ومنها أننا نعاني في البلد العربية من حكم دكتاتوري قهري‪ ،‬ومن تزوير فاضح في النتخابات‪ ،‬ومن‬
‫فساد كبير في كل القطاعات‪ ،‬ومن ثَم فنحن نبحث عن نموذج ناجح ولو بصورة ضئيلة‪ ،‬ونتغاضى‬
‫عن كثير من السلبيات‪ ،‬ونغضّ الطرف عنها‪ ،‬لنقول في النهاية‪ :‬الحمد ل‪ ،‬هناك دولة إسلمية تطبّق‬
‫الشورى!!‬

‫ومنها أننا ل نتابع المخاطر التي تتعرض لها العراق والبحرين والسعودية وسوريا ومصر ولبنان‪ ،‬بل‬
‫سنّة في إيران نفسها من جرّاء تولي السلطة لمرشد يؤمن بمبدأ ولية الفقيه‪ ،‬ويعتقد أن السنة في‬‫وال ّ‬
‫العالَم مفرطون فيي الديين‪ ،‬وإن المام الغائب قيد فوّضيه لتصيحيح أوضاع الدنييا لكيي تسيتقبل المام‬
‫المهدي عند عودته!‬

‫ومنها أننا نعاني من ظلم أمريكا واليهود‪ ،‬ونفرح إذا تكلم في حقهما أحد‪ ،‬ول نهتم بمتابعة الحداث‪،‬‬
‫ول بقراءة التاريخ‪ ،‬لنعرف أن احتماليات هجوم إيران على إسرائيل لتحرير فلسطين تساوي صفرًا!‬

‫إن نا ‪ -‬أي ها الم سلمون ‪ -‬نحتاج أن نب ني أمت نا على قوا عد سليمة‪ ،‬وأ سس صحيحة‪ ،‬ول يكون هذا في‬
‫سنّة‪ ،‬وعودة إلى الصول‪،‬‬‫من هج شر قي أو غر بي‪ ،‬ول في مبادئ شيع ية أو خوارج‪ ،‬إن ما في قرآن و ُ‬
‫ودراسة لمنهج الرسول في التغيير‪ ،‬وكذلك مناهج الصالحين في تاريخ أمتنا‪ ،‬وما أكثرهم!‬

‫أن ُي ِعزّ السلم والمسلمين‪.‬‬ ‫أما النبهار بالمنحرفين فهذا ليس من شيم الصالحين‪ ،‬وأسأل ال‬

‫بقلم د‪ .‬راغب السرجاني‬

‫‪5‬‬

You might also like