Professional Documents
Culture Documents
سـيـد قـطب
السلم منهج حياة
السلم منهج .منهج حياة .حياة بشرية واقعية بكل مقوماتها .منهج يشمل التصور العتقادي الذي يفسر
طبيعظة (الوجود) ،ويحدد مكان (النسظان) فظي هذا الوجود ،كمظا يحدد غايظة وجوده النسظاني ..ويشمظل النظظم
والتنظيمات الواقعية التي تنبثق من ذلك التصور العتقادي وتستند إليه ،وتجعل له صورة واقعية متمثلة في حياة
البشر .كالنظام الخلقي والينبوع الذي ينبثق منه ،والسس التي يقوم عليها ،والسلطة التي يستمد منها .والنظام
السظياسي وشكله وخصظائصه .والنظام الجتماعظي وأسظسه ومقوماتظه .والنظام القتصظادي وفلسظفته وتشكيلتظه.
ون حن نعت قد أن الم ستقبل لهذا الد ين ،بهذا العتبار .باعتباره من هج حياة ،يشت مل على تلك المقومات كل ها
مترابطة ،غير منفصل بعضها عن بعض .المقومات المنظمة لشتى جوانب الحياة البشرية ،الملبية لشتى حاجات
وهذا الدين -بهذا العتبار -ليس مجرد عقيدة وجدانية منعزلة عن واقع الحياة البشرية في كل مجالتها
(- )]1[1
الواقعية -إن صح أن هناك دينا إلهيا يمكن أن يكون مجرد عقيدة وجدانية منعزلة عن واقع الحياة البشرية
ول يس مجرد شعائر تعبد ية يؤدي ها المؤمنون بهذا الد ين فرادى أو مجتمع ين ،فتكون ل هم صفة هذا الد ين ! ول يس
مجرد طر يق إلى الخرة لتحق يق الفردوس الخروي؛ بين ما هناك طر يق آ خر أو طرق أخرى لتحق يق الفردوس
وهذا الدين من الوضوح في هذا المعنى -ومن العمق والقوة كذلك -بحيث يبدو أن ليس هنالك أمل في
نجاح أ ية محاولة لت صويره في صورة العقيدة الوجدان ية المنعزلة عن وا قع الحياة البشر ية ،وال تي ل عل قة ل ها
بتنظيمات الحياة الواقع ية ،وتشكيلت ها وأجهزت ها العمل ية .أو العقيدة ال تي ت عد الناس فردوس الخرة إذا هم أدوا
شعائرهظا وعباداتهظا ،دون أن يحققوا – فظي واقظع مجتمعهظم – أنظمتهظا وشرائعهظا وأوضاعهظا المتميزة المتفردة
الخا صة ! فهذا الد ين ل يس هذا .ولم ي كن هذا .ول يم كن أن يكون هذا ..رب ما ا ستطاعت أ ية نحلة في الرض
تزعم لنفسها أنها (دين) ويزعم لها أهلها أنها (دين) أن تكون كذلك! أما (هذا الدين) فل .ثم ل .ثم ل..
ونحظن نعرف أن هناك جهودا جبارة تبذل-منظذ قرون -لحصظر السظلم فظي دائرة العتقاد الوجدانظي
والشعائر التعبد ية ،وك فه عن التد خل في نظام الحياة الواقع ية؛ ومن عه من الهيم نة الكاملة على كل نشاط واق عي
ل قد كا نت هذه الخ صائص في هذا الد ين ..خ صائص الشمول والواقع ية والهيم نة ..هي ال تي تع بت من ها
ال صليبية العالم ية في هجوم ها على (ال مة الم سلمة) في (الو طن ال سلمي) .ك ما أن ها هي ال تي تع بت من ها
ال صهيونية العالم ية كذلك ،م نذ ع هد بع يد! و من ثم لم ي كن بد أن تبذل معا الجهود الجبارة لح صر هذا الد ين في
دائرة العتقاد الوجدا ني والشعائر التعبد ية؛ وك فه عن التد خل في نظام الحياة الواقع ية؛ ومن عه من الهيم نة على
نشاط الحياة البشرية ..وذلك كله كخطوة أولى ،او كموقعة أولى ،في معركة القضاء عليه في النهاية!
وبعظد أن أفلحظت تلك الجهود الجبارة؛ ونالت انتصظارها الحاسظم على يظد (اتاتورك)-البطظل!!! -فظي إلغاء
الخلفة السلمية؛ وفصل الدين عن الدولة؛ وإعلنها دولة (علمانية) خالصة .عقب محاولت ضخمة بذلت في
شتى أقطار (المة المسلمة) في (الوطن السلمي) التي وقعت في قبضة الستعمار قبل ذلك ،لزحزحة الشريعة
السلمية عن أن تكون هي (المصدر الوحيد) للتشريع؛ والستمداد من التشريع الوروبي؛ وحصر الشريعة في
ب عد أن أفل حت تلك الجهود الضخ مة ،ونالت انت صارها الحا سم على يد (الب طل!!!) أتاتورك ..تحولت إذن
إلى الخطوة التاليظة -او الموقعظة التاليظة -ممثلة فظي الجهود النهائيظة ،التظي تبذل الن فظي شتظى أنحاء (الوطظن
السظلمي) -او بتعظبير أدق الذي كان إسظلميا -لكظف هذا الديظن عظن الوجود أصظلً؛ وتنحيتظه حتظى عظن مكان
العقيدة ،وإحلل تصورات وضعية أخرى مكانه ؛ تنبثق منها مفاهيم وقيم ،وأنظمة وأوضاع ،تمل فراغ ( العقيدة
وصظاحب هذه المحاولة ضربات وحشيظة تكال لطلئع البعظث السظلمي فظي كظل مكان على ظهظر هذه
الرض؛ تشترك فيه كل المعسكرات المتخاصمة التي ل تلتقي على شيء في مشارق الرض ومغاربها ،إل على
الخوف مظن البعظث السظلمي الوشيظك؛ الذي تحتمظه طبائع الشياء ،وحقائق الوجود والحياة ،ودللت الواقظع
ولكننا نعلم كذلك أن هذا الدين اضخم حقيقة ،واصلب عودا ،واعمق جذورا ،من أن تفلح في معالجته تلك
الجهود كل ها ،ول هذه الضربات الوحش ية كذلك .ك ما أن نا نعلم أن حا جة البشر ية إلى هذا المن هج ا كبر من ح قد
الحاقد ين على هذا الد ين؛ و هي تتردى ب سرعة مخي فة في هاو ية الدمار ال سحيقة؛ ويتنادى الواعون من ها ب صيحة
الخطر ،ويتلمسون لها طريق النجاة ..ول نجاة إل بالرجوع إلى ال ..والى منهجه القويم للحياة.
إن هتافات كثيرة من هنا ومن هناك تنبعث من القلوب الحائرة .وترتفع من الحناجر المتعبة ..تهتف بمنقذ،
وتتلفت على (مخلّص) .وتتصور لهذا المخلص سمات وملمح معينة تطلبها فيه .وهذه السمات والملمح المعينة
فمن طبيعة المنهج الذي يرسمه هذا الدين ،ومن حاجة البشرية إلى هذا المنهج ،نستمد نحن يقيننا الذي ل
يتزعزع ،في أن الم ستقبل لهذا الد ين ،وان له دورا في هذه الرض هو مد عو لدائه -أراد أعداؤه كل هم أم لم
يريدوا -وان دوره هذا المرتقب ل تملك عقيدة أخرى -كما ل يملك منهج آخر -أن يؤديه .وأن البشرية بجملتها
إن البشر ية قد تم ضي في إعت ساف تجارب متنو عة ه نا وهناك -ك ما هي الن ماض ية في الشرق و في
الغرب سواء -ولكننا نحن مطمئنون إلى نهاية هذه التجارب ،واثقون من المر في نهاية المطاف.
إن هذه التجارب كلهظا تدور فظي حلقظة مفرغظة ،وداخظل هذه الحلقظة ل تتعداهظا -حلقظة التصظور البشري
والتجر بة البشر ية وال خبرة البشر ية المشو بة بالج هل والن قص والض عف والهوى – في ح ين يحتاج الخلص إلى
الخروج من هذه الحلقة المفرغة ،وبدء تجربة جديدة أصيلة ،تقوم على قاعدة مختلفة كل الختلف :قاعدة المنهج
الربا ني ال صادر عن علم (بدل الج هل) وكمال (بدل الن قص) وقدرة (بدل الض عف) وحك مة (بدل الهوى) ..القائم
على أساس :إخراج البشر من عبادة العباد إلى عبادة ال وحده دون سواه.
ب كل مفهومات القوا مة -فيتلقون م نه -وحده- إلها واحدا ،يفردو نه -سبحانه -باللوه ية والربوب ية والقوا مة -
التصورات والقيم والموازين ،والنظمة والشرائع والقوانين ،والتوجيهات والخلق والداب ..بينما هم في سائر
النظظم يعبدون آلهظة وأربابا متفرقظة ،يجعلون لهظا القوامظة عليهظم مظن دون ال ،حيظن يتلقون التصظورات والقيظم
والموازيظن ،والنظمظة والشرائع والقوانيظن والتوجيهات والداب والخلق ،مظن بشظر مثلهظم .فيجعلونهظم -بهذا
التلقي -أربابا ،و يمنحونهم حقوق اللوهية والربوبية والقوامة عليهم ..وهم مثلهم بشر ..عبيد كما انهم عبيد..
ونحن نسمي هذه النظم التي يتعبد الناس فيها الناس-كما يسيمها ال سبحانه -نظما جاهلية .مهما تعددت
أشكالها وبيئاتها وأزمانها .فهي قائمة على ذات الساس الذي جاء هذا الدين-يوم جاء -ليحطمه ،وليحرر البشر
منظه ،وليقيظم فظي الرض ألوهيظة واحدة للناس؛ وليطلقهظم مظن عبادة العباد إلى عبادة ال وحده؛ بالمعنظى الواسظع
الشامل لمفهوم (العبادة) ومفهوم ( الله) ومفهوم (الرب) ومفهوم (الدين) (.)]2[1
ل قد جاء هذا الد ين ليل غي عبود ية الب شر للبشظر ،فظي كل صورة من ال صور ،وليو حد العبود ية ل في
(أفغير دين ال يبغون ،وله أسلم من في السماوات والرض طوعا وكرها ،واليه يرجعون)..
[ آل عمران] 83 :
والمنهج السلمي المنبثق من هذا الدين -بهذا العتبار -ليس نظاما تاريخيا لفترة من فترات التاريخ ،كما
انه ليس نظاما محليا لمجموعة من البشر في جيل من الجيال ،ول في بيئة من البيئات ..إنما هو المنهج الثابت
الذي ارتضاه ال لحياة البشر المتجددة ،لتبقى هذه الحياة دائرة حول المحور الذي ارتضى ال أن تدور عليه أبدا،
ودا خل الطار الذي ارتضى ال أن ت ظل داخله أبدا ،ولتب قى هذه الحياة مكي فة بال صورة العليا ال تي اكرم ال فيها
([ )]2يراجع بتوسع البحث القيم العميق الدقيق بعنوان" :المصطلحات الربعة في القرآن" للستاذ المودودي. 1
وهذا المنهج حقيقة كونية قائمة بإزاء البشرية المتجددة قيام النواميس الكونية الدائمة .التي تعمل في جسم
الكون م نذ نشأ ته ،وال تي تع مل ف يه اليوم وغدا ،وال تي يل قى الب شر من جراء المخال فة عن ها ،وال صطدام ب ها ،ما
والناس ..إ ما أن يعيشوا بمن هج ال هذا بكلي ته ف هم م سلمون ،وإ ما أن يعيشوا بأي من هج آ خر من و ضع
البشر ،فهم في جاهلية ل يعرفها هذا الدين ..ذات الجاهلية التي جاء هذا الدين ليحطمها ،وليغيرها من الساس.
والناس إ ما أن يعيشوا بمن هج ال بكلي ته ف هم في توا فق مع نوام يس الكون ،وفطرة الوجود ،وفطرت هم هم
أنفسهم .وإما أن يعيشوا بأي منهج آخر من صنع البشر ،فهم في خصام مع نواميس الكون ،وتصادم مع فطرة
الوجود ،ومع فطرتهم هم أنفسهم ،بوصفهم قطاعا في هذا الوجود ..تصادم تظهر نتائجه المدمرة من قريب او من
بعيد..
ونحظن -كمظا قلنظا -نسظتيقن أن الناس عائدون إلى ال؛ عائدون إلى منهجظه هذا للحياة .وان المسظتقبل لهذا
الدين عن يقين.
ونحن مستيقنون كذلك أن كل الجهود التي بذلت او سوف تبذل لزحزحة هذا الدين عن طبيعته هي ا نه
منهج للحياة البشرية الواقعية ،في كل مجالتها العملية والشعورية ،سوف تبوء بالفشل والخيبة .وقد بانت بوادر
الفشل والخيبة ..لن هذه العزلة ليست من طبيعة هذا الدين .كما أنها في الحقيقة ليست من طبيعة أي دين!!!
حيَاة
ُكلّ ديِن منهَج َ
هنالك ارتباط وث يق ب ين طبي عة(النظام الجتما عي) وطبي عة(الت صور العتقادي) ..بل هنالك ما هو ا كبر
من الرتباط الوثيق .هنالك النبثاق الحيوي :انبثاق النظام الجتماعي من التصور العتقادي ..فالنظام الجتماعي
بكل خصائصه هو أحد انبثاقات التصور العتقادي؛ إذ هو ينبت نباتا حيويا وفطريا ،ويتكيف بعد ذلك تكيفا تاما
بالتفسير الذي يقدمه ذلك التصور للوجود ،ولمركز النسان في هذا الوجود ،ولغاية وجوده النساني.
وهذا النبثاق ثم هذا التكيف هو الوضع الصحيح للمور .بل هو الوضع الوحيد .فما من نظام اجتماعي
يمكن أن ينشأ نشأة طبيعية سوية ،وان يقوم بعد ذلك قياما صحيحا سليما ،إل حين ينبثق من تصور شامل لحقيقة
الوجود؛ ولحقيقظة النسظان ،ولمركظز النسظان فظي هذا الوجود ،ولغايظة الوجود النسظاني ..إذ أن غايظة أي نظام
اجتما عي ينب غي أن تكون هي تحق يق غا ية الوجود الن ساني ..كذلك فان الحقوق المخولة للن سان بح كم حقي قة
مركزه في هذا الوجود هي التي ترسم خط سيره ،وتحدد وسائله التي له حق استخدامها لتحقيق غاية وجوده ،كما
تحدد نوع الرتباطات ال تي تقوم بي نه وب ين هذا الوجود ،ونوع الرتباطات ال تي تقوم ب ين أفراد جن سه ومنظما ته
وكظل نظام اجتماعظي يقوم على غيظر هذا السظاس ،هظو نظام غيظر طظبيعي .نظام متعسظف .ل يقوم على
جذوره الفطرية ..ول أمل في أن تعمر مثل هذه النظم طويلً .ول أمل في تناسق حركة (النسان) في ظلها مع
ومتى فقد هذا التناسق فل مفر من تعاسة الناس وشقوتهم بمثل هذه النظم ،مهما استطاعت أن توفر لهم
من التسهيلت المادية والنتاجية ..ثم ل مفر بعد ذلك من تحطم هذه النظم ،لتعارضها مع فطرة الكون ،وفطرة
النسان..
هذا النبثاق ثم هذا التك يف و جه من وجوه الرتباط ب ين الت صور العتقادي والنظام الجتما عي ..يم كن
تعميمه حتى يشمل ل مجرد النظام الجتماعي ،بل منهج الحياة كله ،بما فيه مشاعر الفراد وأخلقهم وعباداتهم
بما انه يشمل التصور العتقادي وما ينبثق منه من نظام اجتماعي .بل من منهج يحكم كل نشاط النسان في هذه
الحياة الدنيا.
كذلك عكس هذه العبارة صحيح ..أن كل منهج للحياة هو (دين) .فدين جماعة من البشر هو المنهج الذي
غير انه إن كان المن هج الذي يصرف هذه الجماعة من صنع ال-أي منبثقا من تصور اعتقادي ربا ني-
فهذه الجما عة في (د ين ال) ..وان كان المن هج الذي ي صرف حياة هذه الجما عة من صنع الملك ،او الم ير او
القبيلة او الشعب-أي منبثقا من مذهب او تصور او فلسفة بشرية -فهذه الجماعة في (دين الملك) او(دين المير)
او(دين القبيلة) او(دين الشعب) ..وليست في (دين ال) لنها ل تتبع منهج ال ،المنبثق ابتداء من دين ال ،دون
سواه(.!)]3[1
والمحدثون من أصحاب المذاهب والنظريات والفلسفات الجتماعية لم يعودوا يحجمون ،او يتحرجون ،من
الت صريح بهذه الحقي قة :و هي ان هم إن ما يقررون(عقائد)؛ ويريدون ا خذ الناس ب ها في وا قع الحياة؛ وان هم يريدون
فالشيوع ية لي ست مجرد نظام اجتما عي ..إن ما هي كذلك ت صور اعتقادي .ت صور يقوم على أ ساس ماد ية
هذا الكون ،ووجود المتناقضات فظي هذه الماديظة ..هذه المتناقضات المؤديظة إلى كظل التطورات والنقلبات فيظه.
وهو ما يعبر عنه بالمادية الجدلية ،كما يقوم على التفسير القتصادي للتاريخ ،ورد التطورات في الحياة البشرية
إلى تطور أداة النتاج ..الخ .و من ثم ف هي لي ست مجرد نظام اجتما عي ،إن ما هي ت صور اعتقادي يقوم عل يه-او
يدعي انه يقوم عليه-نظام اجتماعي ..وذلك بغض النظر عما بين اصل التصور وحقيقة النظام الذي يقوم الن
كذلك سظائر مناهظج الحياة وأنظمتهظا الواقعيظة ،يسظميها أصظحابها (عقائد) ويقولون( :عقيدتنظا الجتماعيظة)
او(عقيدت نا الوطن ية) او(عقيدت نا القوم ية) ..وكل ها ت عبيرات صادقة في ت صوير حقي قة ال مر :و هو أن كل من هج
([ )]3يراجع بتوسع معنى كلمة "دين" في كتاب المصطلحات الربعة للستاذ المودودي. 1
للحياة او كظل نظام للحياة هظو (ديظن) هذه الحياة ،ومظن ثظم فالذيظن يعيشون فظي ظظل هذا المنهظج او فظي ظظل ذلك
النظام ..دينهم هو هذا المنهج او دينهم هو هذا النظام ..فان كانوا في منهج ال ونظامه فهم في (دين ال) ..وان
ونظرا لهذه الحقي قة الب سيطة لم ي كن هناك د ين ال هي هو مجرد عقيدة وجدان ية ،منعزلة عن وا قع الحياة
البشرية في كل مجالتها الواقعية .ول مجرد شعائر تعبدية يؤديها المؤمنون بهذا الدين فرادى او مجتمعين .ول
مجرد (أحوال شخ صية) تحكم ها شري عة هذا الد ين ،بين ما تح كم سائر نوا حي الحياة شري عة أخرى م ستمدة من
مصدر آخر ،تؤلف منهجا آخر للحياة غير منبثق انبثاقا من (دين ال).
و ما يملك أ حد يدرك مفهوم كل مة (د ين) أن يت صور إمكان وجود د ين ال هي ينعزل في وجدان الناس ،او
يتم ثل فح سب في شعائر هم التعبد ية ،او(أحوال هم الشخ صية) ،ول يش مل نشاط حيات هم كله ،ول يهي من على وا قع
حياتهم كله ،ول يقود خطى حياتهم في كل اتجاه ،ول يوجه تصوراتهم وأفكارهم ومشاعرهم وأخلقهم ونشاطهم
وارتباطاتهم في كل اتجاه..
ل ..وليس هناك دين من عند ال هو منهج للخرة وحدها ،ليتولى دين آخر من عند غير ال وضع منهج
للحياة الدنيا!
هذا تصور مضحك لحقيقة الواقع الكوني والبشري ..وذلك أن مقتضى هذا التقسيم المفتعل أن يكون ل-
سبحانه-جانب واحد من جوانب هذه الحياة ينظمه ،ويشرف عليه ،وينحصر (اختصاصه) فيه ،ويكون لغير ال
جوانب أخرى كثيرة ينظمها ويشرف عليها (أرباب) اخرون ،يتعلق بها اختصاصهم.
انه-كما ترى -تصور مضحك للغاية ،مضحك إلى حد أن الذين يفكرون على هذا النحو ،سيضحكون من
أنف سهم ،و من تفكير هم ،وي سخرون من سذاجتهم ور كة أفكار هم ..لو ان هم رأوا ال مر حقي قة من هذه الزاو ية
على أن للمسالة وجها آخر ..إن (الشخصية النسانية) (وحدة) .وحدة في طبيعتها وكينونتها .وحدة تؤدي
كل وظائفها كوحدة .وهي ل تستقيم في حركتها ول تتناسق خطواتها إل حين يحكمها منهج واحد منبثق في اصله
فأ ما ح ين تح كم ضم ير الن سان ووجدا نه شري عة ،ثم تح كم واق عه ونشا طه شري عة ..و كل من هذه وتلك
ينب ثق من ت صور مختلف ..هذه من ت صور الب شر ،وتلك من و حي ال ..فان شخ صيته ت صاب ب ما يش به داء
الفصام (شيزوفرنيا)! ويقع فريسة لهذا التمزق بين واقعه الشعوري الوجداني ،وواقعه الحركي العملي ،ويصيبه
القلق والحيرة ..ك ما نشا هد اليوم في أر قى البلد الوروب ية والمريك ية ،ثمرة لل صراع ب ين بقا يا الوجدان الدي ني
الذابلة وواقع الحياة العملية ،القائم على تصورات وقيم ل علقة لها بالوجدان الديني ..وذلك بعد (الفصام النكد)
الذي وقع هناك بين الدين والحياة ،وكانت له أسبابه الخاصة في تاريخ النصرانية بها(.)]4[1
و(دين ال) هو الذي يقدم التفسير الشامل الكامل للوجود ،وعلقته بخالقه العظيم .ولمركز النسان في هذا
الوجود؛ ولغايظة وجوده النسظاني ..ومظن ثظم يحدد تحديدا سظليما نوع الرتباطات التظي تحقظق غايظة وجود النوع
البشري ،في حدود مر كز هذا النوع في الوجود ،وحقو قه المخولة له بح كم هذا المر كز ،والو سائل ال تي يبلغ ب ها
هذه الغا ية ،ول تخرج عن حدود حقو قه ومركزه ،وال تي يبلغ ب ها من ثم ر ضى خال قه العظ يم؛ و سعادة الدن يا
والخرة ،بمنهج واحد ل يمزقه كل ممزق؛ ول يصيب شخصيته بداء الفصام اللعين! ول ينتهي به إلى التصادم
من ثم جاء كل دين من عند ال ،يقدم للبشر الساس التصوري العتقادي ،الذي يقوم عليه نظام حياتهم
كل ها :الوجدان ية والعمل ية ..جاء ليرد الب شر إلى رب هم؛ ويرد نظام حيات هم إلى منه جه المتفرد ..ك ما ي قع التواؤم
والتناسق بين ضميرهم وواقعهم؛ وبين وجدانهم ونشاطهم؛ وبين حركتهم ونواميس الكون أيضا..
شعور وجداني قابع في ضمائرهم .ول مجرد تهذيب روحي في أخلقهم .ول مجرد شعائر تعبدية في محاريبهم
ومساجدهم؛ ول مجرد أحوال شخصية في جانب واحد من حياتهم" :وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال"..
[النساء]64 :
وهكذا جاءت التوراة تتضمن عقيدة وشريعة ،وكلف أهلها أن يتحاكموا إليها في كل شؤون حياتهم؛ ل أن
يجعلوها مواعظ تهذيبية ل تتجاوز وجدانهم ،ول شعائر تعبدية يقيمونها في هياكلهم:
"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور .يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا ،والربانيون والحبار،
بمتا استتحفظوا متن كتاب ال ،وكانوا عليته شهداء ،فل تخشوا الناس واخشون ،ول تشتروا بآياتتي ثمنا قليلً
ومن لم يحكم بما انزل ال فأولئك هم الكافرون .وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ،والعين بالعين وال نف
بالنف والذن بالذن ،والسن بالسن ،والجروح قصاص .فمن تصدق به فهو كفارة له .ومن لم يحكم بما انزل
[المائدة]45-44:
وهذا الذي ذكره القرآن من شريعة التوراة مثل للكثير الذي تحتويه ،والذي نظم به موسى-عليه السلم-
ثم جاء المسيح-عليه السلم -بالنصرانية ..أرسله ال إلى بني إسرائيل -فهو أحد أنبيائهم -ومن ثم جاء
مصدقا لشريعة التوراة -مع بعض تعديلت خفيفة ،لرفع بعض الثقال التي فرضت عليهم في صورة عقوبات
"وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر .ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها-إل ما حملت ظهورهما
[النعام]146:
وقد أقرت هذه الشريعة المعدلة لتكون نظاما للحكم والحياة أيضا:
"وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم ،مصدقا لما بين يديه من التوراة ،وآتيناه النجيل فيه هدى ونور،
وم صدقا ل ما ب ين يد يه من التوراة ،وهدى وموع ظة للمتق ين .وليح كم أ هل النج يل ب ما انزل ال ف يه .و من لم
[المائدة]47-46:
ثم جاء محمد-صلى ال عليه وسلم -بالسلم ،ل ينقض الشرائع السماوية الصحيحة قبله،ولكن يصدقها،
ويهي من علي ها .ب ما ا نه الر سالة الخيرة الشاملة للبشر ية كا فة ،المعل نة عن الر شد الن ساني ،المتضم نة للتف سير
الواسع الكلي ،الذي يقوم عليه نظام الحياة النسانية ،الذي يخرج الناس من (الجاهلية) إلى (الربانية) ويكل واقعهم
"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق ،مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ..فاحكم بينهم بما انزل ال،
ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق .لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا.ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة ،ولكن
ليبلوكم فيما آتاكم .فاستبقوا الخيرات .إلى ال مرجعكم جميعا ،فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ..وان احكم بينهم
ب ما انزل ال؛ ول تت بع أهواء هم ،واحذر هم أن يفتنوك عن ب عض ما انزل ال إل يك .فإن تولوا فاعلم إن ما ير يد
ال إنّ ي صيبهم بب عض ذنوب هم .وان كثيرا من الناس لفا سقون ..أفح كم الجاهل ية يبغون؟ و من اح سن من ال
[المائدة]50-48:
ومظن قبظل هذه الديانات الرئيسظية جاء كظل ديظن ليرد الناس إلى ربوبيظة ال وحده؛ والى منهظج ال وحده..
وم نذ نوح-عل يه ال سلم -توالت الر سل على هذا المن هج الوا حد ،يختلف في تف صيلت الشري عة ويت فق في اصل
الت صور؛ و في الغا ية ال ساسية ال كبرى؛ و هي :إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة ال دون سواه .وإبطال
وفي موضع آخر يُجمل القرآن الكريم هذه الحقيقة ..ويبين طبيعة ذلك المنهج الواحد الموصول بال .بما
ان ال هظو خالق الكون والناس ،وبيده مقاليظد الكون والناس؛ ويظبين كذلك مقام هذا الديظن الخيظر ،وسظبب مجيئه
مهيمنا على الجميع ،ويعلن المفاصلة بين أهل هذا الدين ،وسائر الجاهليين:
"وما اختلف تم فيه من ش يء فحكمه إلى ال .ذلكم ال ربي ،عليه توكلت ،واليه أن يب .فاطر السموات
والرض ،جعتل لكتم متن أنفستكم أزواجا ،ومتن النعام ازواجا ،يذرؤكتم فيته ،ليتس كمثله شيتء وهتو الستميع
البصير .له مقاليد السماوات والرض،يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ،إنه بكل شيء عليم .شرع لكم من الدين
ما و صى به نوحا والذي أوحي نا إل يك ،و ما و صينا به إبراه يم ومو سى وعي سى :أن أقيموا الد ين ول تتفرقوا
فيه .كبر على المشركين ما تدعوهم إليه .ال يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب .وما تفرقوا إل من
ب عد ما جاء هم العلم ،بغيا بين هم ،ولول كل مة سبقت من ر بك إلى ا جل م سمى لق ضي بين هم .وان الذ ين أوتوا
الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ..فلذلك فادع واستقم كما امرت ،ول تتبع أهواءهم .وقل :آمنت بما انزل
ال من الكتاب ،وأمرت لعدل بينكم .ال ربنا وربكم .لنا أعمالنا ولكم أعمالكم .ل حجة بيننا وبينكم .ال يجمع
[الشورى]15-10:
وفيما يروي لنا القرآن عن شعيب-عليه السلم-وعن قومه ،أهل مدين ،يرد ذكر التشريع للحياة العملية،
واعتراض القوم عليظه ،لعدم إدراكهظم طبيعظة الديظن :وانظه منهظج للحياة شامظل ،ل للضميظر المكنون وحده ،ول
"والى مدين أخا هم شعيبا .قال :يا قوم اعبدوا ال ما لكم من اله غيره؛ ول تنقصوا المكيال والميزان.
أ ني أرا كم بخ ير ،وإ ني أخاف علي كم عذاب يوم مح يط .و يا قوم أوفوا المكيال والميزان بالق سط ،ول تبخ سوا
الناس أشياء هم ،ول تعثوا في الرض مف سدين ،بق ية ال خ ير ل كم إن كن تم مؤمن ين ،و ما ا نا علي كم بحف يظ..
قالوا :يا شع يب أ صلتك تأمرك أن نترك ما يع بد آباؤ نا ،أو أن نف عل في أموال نا ما نشاء؟ ا نك ل نت الحل يم
الرشيد."!..
[هود]87-84:
كذلك تبدو تلك الحقيقة في حكاية القرآن الكريم لقول صالح-عليه السلم-لقومه:
"فاتقوا ال وأطيعون .ول تطيعوا أمر المسرفين .الذين يفسدون في الرض ول يصلحون"..
[الشعراء]152-150:
فهظو يردهظم إلى ديظن ال ومنهجظه للحياة ،عظن ديظن المسظرفين المفسظدين ومنهجهظم ..أي انظه يردهظم مظن
و في مو ضع آ خر يحدد ال وظي فة الر سل كا فة ،ووظي فة كتاب ال عا مة :بأن ها الح كم ب ين الناس في ما
اختلفوا فيه:
"كان الناس أ مة واحدة .فب عث ال ال نبيين مبشر ين ومنذر ين ،وانزل مع هم الكتاب بال حق ،ليح كم ب ين
[البقرة]213:
فينتهي كل جدل في وظيفة الكتاب وفي وظيفة الرسل .ويتحدد معنى دين ال ،ومرادفته لنظام الحياة الذي
يريده ال..
ول حا جة ب نا إلى الطالة اك ثر من هذا -في الب حث المج مل -عن طبي عة (الد ين) وشموله لنظام الحياة
الواقعيظة .فانظه ل معنظى للديظن أصظلً إذا هظو تخلى عظن تنظيظم الحياة الواقعيظة؛ بتصظوراته الخاصظة ،ومفاهيمظه
الخاصة ،وشرائعه الخاصة ،وتوجيهاته الخاصة ،فهذه الحياة النسانية لبد أن يقوم نظامها الساسي على قاعدة
الت صور العتقادي ،الذي يف سر حقي قة الوجود ،وعلق ته بخال قه ،ومر كز الن سان ف يه ،وغا ية وجوده الن ساني،
ونوع الرتباطات التظي تحقظق هذه الغايظة .سظواء الرتباطات بيظن النسظان وربظه .او الرتباطات بيظن النسظان
والكون من حوله .او الرتباطات بين النسان وسائر الحياء .او الرتباطات بين بني النسان .كما يرتضيها ال
لعباده.
وإل يجظئ هذا التفسظير الشامظل الكامظل مظن عنظد ال ،وإل يقيظم نظام الحياة كله على هذا التفسظير الشامظل
الكامل ،فهي إذن أهواء البشر .وهي إذن ( الجاهلية) التي جاء كل دين من عند ال لخراج الناس منها ،ورفعهم
إلى (الربانية).
وإل ت كن العبود ية ل وحده-ممثلة في التل قي ع نه في هذا كله-ف هي العبود ية للعب يد ..و قد جاء د ين ال
تلك الملب سات النكدة ال تي قا مت في أورو با ،وأدت إلى ذلك ( الف صام الن كد) ب ين الد ين والدولة .بل ب ين الد ين
والحياة.
إنمظا المهظم أن نلقظي الن نظرة سظريعة على تلك الملبسظات النكدة ..التظي عصظمنا منهظا ال فظي تاريخنظا
الوجدانيظة ،والخلقيات التهذيبيظة ،والشعائر التعبديظة .او فظي ركظن ضيظق مظن أركان الحياة البشريظة ..ركظن مظا
ليس من طبيعة (الدين) أن يفرد ل -سبحانه -قطاعا ضيقا في ركن ضئيل-او سلبي -في الحياة البشرية،
ثم يسلم سائر قطاعات الحياة اليجابية العملية الواقعية للهة أخرى وأرباب متفرقين ،يضعون القواعد والمذاهب،
والنظمة والوضاع ،والقوانين والتشكيلت على أهوائهم ،دون الرجوع إلى ال!
ليظس مظن طبيعظة (الديظن) أن يشرع طريقا للخرة ،ل يمظر بالحياة الدن يا! طريقا ينتظظر الناس فظي نهايتظه
فردوس الخرة عن غير طريق العمل في الرض ،وعمارتها ،والخلفة فيها عن ال ،وفق منهجه الذي ارتضاه!
ليظس مظن طبيعظة (الديظن) أن يكون هذا المسظخ الشائه الهزيظل! ول هذه اللعوبظة المزوقظة التظي يلهظو بهظا
الطفال! ول هذه المراسم التقليدية التي ل علقة لها بنظم الحياة العملية!
ل يس من طبي عة (الد ين) -أي د ين فضلً عن د ين ال -أن يكون هذا الع بث المم سوخ الهز يل ..ف من أ ين
إذن جاءته هذه السلبية الهازلة ؟ وكيف إذن وقع ذلك (الفصام النكد) بين الدين والحياة ؟.
ل قد تم ذلك (الف صام الن كد) في ظروف نكدة! وكا نت له آثاره المدمرة في أورو با ..ثم في الرض كل ها،
ح ين ط غت الت صورات الغرب ية ،والنظ مة الغرب ية ،والوضاع الغرب ية ،على البشر ية كل ها في مشارق الرض
ومغاربها..
ولم يكن بد-وقد انفصمت حياة المخاليق عن منهج الخالق -ان تسير في هذا الطريق البائس؛ وان تنتهي
إلى هذه النهاية التعيسة؛ وان تحيط بالبشر الدائرة التي يتعذبون الن في داخلها ،ويذوق بعضهم بأس بعض ،بينما
وليس هنا مجال الحديث عن الشقوة التي تصطرخ فيها البشرية فسيجيء شيء عنها في الفصول التالية.
فلنعد إلى الحديث عن تلك الظروف النكدة ،التي وقع فيها ذلك (الفصام النكد).
كذلك جاءت النصرانية -بعد اليهودية -لتكون المنهج المعدل لبني إسرائيل.
ول كن اليهود لم يقبلوا ر سالة الم سيح-عل يه ال سلم -ولم يقبلوا م نه التخف يف الذي جاء هم به من ع ند ال.
"ومصدقا لما بين يدي من التوراة ،ولحل لكم بعض الذي حرم عليكم ،وجئتكم بآية من ربكم ،فاتقوا ال
وأطيعون"..
[آل عمران]50:
ومن ثم قاوموا المسيح-عليه السلم -وقاوموا دعوته إلى ال سماحة والسلم والتطهر الرو حي ،والتخفف
مظن المراسظم الشكليظة التظي ل رصظيد لهظا مظن تقوى القلوب! وانتهظى بهظم المظر إلى إغراء (بيلطظس) الحاكظم
الروما ني على ارض الشام يومئذ بمحاولة ق تل الم سيح-عل يه ال سلم-و صلبه .لول أن توفاه ال ورف عه إل يه ( في
صورة ل نعلم كيفيتها لنه ليس عندنا نص قاطع من قرآننا ول سنة نبينا عليها).
وأ يا ما كان ال مر ،ف قد سارت المور ب عد ذلك الح ين ب ين اليهود واتباع عي سى-عل يه ال سلم -سيرتها
البائسة .فبذرت بذور الحقد على اليهود في نفوس الذين صاروا نصارى .كما بذرت بذور الكره في نفوس اليهود
على هؤلء! وانتهظت بانفصظال اتباع المسظيح عظن اليهود ،وانفصظال النصظرانية عظن اليهوديظة (وهظي جاءت فظي
الصل لتكون تجديدا لليهودية وتعديلً طفيفا في أحكامها ،مع الحياء الروحي والتهذيب الخلقي العميق الواضح
ول ما وق عت الجفوة والفر قة -بل البغضاء والح قد -ب ين اتباع عي سى عل يه ال سلم واليهود ،انف صل كتاب هم
النجيظل-فظي حسظهم -عظن التوراة-وان بقيظت التوراة وكتبهظا معدودة عندهظم مظن الكتاب المقدس -وانفصظلت
شريعتهم عن شريعة التوراة .بينما جسم الشريعة لبني إسرائيل كلهم في التوراة ..وبذلك لم يعد للنصرانية بهذا
ولكن التصور العتقادي-كما جاء به المسيح عليه السلم من عند ال -كان كفيلً-لو ظل سليما -أن يقدم
التفسير الصحيح للوجود ،ولمركز النسان في هذا الوجود ،ولغاية وجوده النساني ..هذا التفسير الذي يمكن ان
يقوم عليه نظام اجتماعي .كما كان ذلك التصور -لو ظل سليما كما جاء من عند ال -كفيلً أن يرد النصارى
إلى الشريعة التي تضمنتها التوراة ،مع التعديلت التي جاء بها المسيح للتخفيف في بعض تكاليف العبادة وتكاليف
الحياة.
غير ان الذي حدث ،هو ان عهدا طويلً من الضطهاد الفظيع قد اظل اتباع عيسى عليه السلم .سواء من
اليهود المنكر ين ،او من الرومان الوثني ين ،الذ ين كانوا يحكمون و طن الم سيح .م ما اض طر الحواري ين-تلم يذ
المسيح -واتباعهم وتلميذهم الى التخفي ،والتنقل والعمل سرا ،فترة من الوقت طويلة .ومما اضطرهم كذلك إلى
تناقل نصوص النجيل ،وتاريخ عيسى عليه السلم ،وأحداث الفترة التي عاشها بينهم تناقلً خاطفا ،في ظروف ل
تسمح بالدقة ول بالتواتر ..مما انتهى إلى رواية نصوص النجيل الذي أنزله ال على عيسى-عليه السلم -في
ثنا يا روايات عن حيا ته وأعماله؛ يختلف بعض ها عن ب عض؛ في ما سمي بالناج يل ..و هي كلم هؤلء التلم يذ
وروايات هم عن حياة الم سيح ،متضم نة في ثنايا ها ب عض ما يروى من كلم ال سيد الم سيح ..و قد ك تب اقدم هذه
الناجيل بعد المسيح بجيل كامل ،ويختلف المؤرخون للنصرانية اختلفا كبيرا في تحديد تاريخه ما بين 40سنة و
64سنة ،كما يختلفون في اللغة التي كتب بها ..إذ لم توجد سوى ترجمة له..
ول قد كان من ن صيب (بولس) ( الذي لم ير الم سيح -عل يه ال سلم -وإن ما د خل الن صرانية من الوثن ية
الرومانية) أن يتولى نشر النصرانية في أوروبا .مطعمة بما رسب في تصوراته من الوثنية والفلسفة الغريقية..
وكانظت هذه كارثظة على النصظرانية منظذ أيامهظا الولى فظي أوروبظا ..فوق مظا لحظق بهظا مظن تحريظف فظي فترة
(وكتب بولس رسائله بعد ذلك-بعد القرن الول الميلدي -وهي شاهد على امتزاج المثلة الدينية بصور
الفلسفة-ول سيما فلسفة الحلول -وكان يقول :ان المسيح جالس على يمين ال ،ويدعو لمن يطلب لهم الخير "أن
تسكن فيهم كلمته" ويسأل لهم الغفران منه ،ويبشرهم بأنهم سيبلغون المجد متى عاد إلى الرض! ويبدو من جملة
كلمه انه كان ينتظر معاده في زمن قريب .وكثيرا ما أشار إليه-صلوات ال عليه -باسم":ربنا يسوع المسيح"!
وسمى نفسه باسم":رسول يسوع المسيح بحسب أمر ال مخلصنا وربنا يسوع المسيح!") (.)]5[1
([ )]5ص 169من كتاب "ال" للستاذ عباس محمود العقاد. 1
* * *
ول كن الكار ثة العظ مى كا نت في الحدث الذي تم ب عد ذلك .وكان ظاهره انت صار الن صرانية ،و هو دخول
المبراطور الروماني (قسطنطين) في النصرانية ،واستطاعة الحزب النصراني أن يصبح هو الحاكم سنة 355م.
ويصف درابر المريكي في كتابه(الدين والعلم) هذا الحادث وآثاره النكدة يقول:
( دخلت الوثنية والشرك في النصرانية بتأثير المنافقين ،الذين تقلدوا وظائف خطيرة ،ومناصب عالية في
الدولة الروم ية ،بتظاهر هم بالن صرانية ولم يكونوا يحفلون بأ مر الد ين ،ولم يخل صوا له يو ما من اليام ..وكذلك
كان (ق سطنطين) ..ف قد ق ضى عمره في الظلم والفجور؛ ولم يتقيد بأوامر الكني سة الدين ية إل قليلً في آ خر عمره
(سنة 337م).
( ان الجماعة النصرانية ،وان كانت قد بلغت من القوة بحيث ولت قسطنطين الملك ،ولكنها لم تتمكن من
أن تقطع دابر الوثنية ،وتقلع جرثومتها .وكان نتيجة كفاحها ان اختلطت مبادئها ،ونشأ من ذلك دين جديد ،تتجلى
فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء ..هنالك يختلف السلم عن النصرانية ،إذ قضى على منافسه (الوثنية) قضاء
(وان هذا المظبراطور الذي كان عبدا للدنيظا ،والذي لم تكظن عقائده الدينيظة تسظاوي شيئا ،رأى لمصظلحته
الشخ صية ،ولم صلحة الحزب ين المتناف سين-الن صراني والوث ني-ان يوحده ما ويؤلف بينه ما :ح تى إن الن صارى
الراسخين أيضا لم ينكروا عليه هذه الخطة .ولعلهم كانوا يعتقدون أن الديانة الجديدة ستزدهر إذا طعمت ولقحت
بالعقائد الوثنية القديمة! وسيخلص الدين النصراني عاقبة المر من أدناس الوثنية وأرجاسها) (.)]6[1
ولكظن الديانظة الجديدة لم تتخلص-بعظد ذلك -قظط مظن أدناس الوثنيظة وأرجاسظها-كمظا أمظل النصظارى
الرا سخون -ف قد ظلت تتل بس بهذه ال ساطير والت صورات الوثن ية .ثم زادت الطي نة بلة .فأ صبحت تتل بس كذلك
بالخلفات السياسية والعنصرية ،وأصبحت العقيدة تغير وتنقح لتحقيق أهداف سياسية:
يقول (الفرد بتلر) في كتابه( :فتح العرب لمصر) ترجمة الستاذ (محمد فريد أبو حديد):
([ )]6نقلً عن كتاب" :ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" للسيد أبي الحسن الندوي. 1
(إن ذينك القرنين-الخامس والسادس -كانا عهد نضال متصل بين المصريين والرومانيين .نضال يذكيه
اختلف في الجنس واختلف في الدين .وكان اختلف الدين اشد من اختلف الجنس إذ كانت علة العلل في ذلك
الوقت ،تلك العداوة بين (الملكانية) و (المونوفيسية) وكانت الطائفة الولى-كما يدل عليها اسمها -حزب مذهب
الدولة المبراطورية ،وحزب الملك والبلد .وكانت تعتقد العقيدة السنية الموروثة-وهي ازدواج طبيعة المسيح-
على حين أن الطائفة الخرى وهي حزب القبط المنوفيسيين-أهل مصر -كانت تستبشع تلك العقيدة وتستفظعها،
وتحاربهظا حربا عنيفظة ،فظي حماسظة هوجاء ،يصظعب علينظا ان نتصظورها ،او نعرف كنههظا فظي قوم يعقلون .بله
يؤمنون بالنجيل!)..
ويقول (ت.و.أرنولد) في كتا به( :الدعوة إلى ال سلم) ترج مة ح سن إبراه يم وزميل يه ،عن هذا الخلف
"… ولقد افلح (جستنيان) قبل الفتح السلمي بمئة عام في ان يكسب المبراطورية الرومانية مظهرا من
مظاهر الوحدة .ولكن سرعان ما تصدعت بعد موته ،وأصبحت في حاجة ماسة إلى شعور قوي مشترك ،يربط
(أ ما هر قل ف قد بذل جهودا لم ت صادف نجاحا كاملً في إعادة ر بط الشام بالحكو مة المركز ية .ول كن ما
اتخذه من وسائل عامة في سبيل التوفيق قد أدى-لسوء الحظ -إلى زيادة النقسام ،بدلً من القضاء عليه .ولم يكن
ث مة ما يقوم مقام الشعور بالقوم ية سوى العوا طف الدين ية .فحاول بتف سيره العقيدة تف سيرا ي ستعين به على تهدئة
على الدين وبين الكنيسة الرثوذكسية؛ وبينهم وبين الحكومة المركزية) (.)]7[1
(وكان مجمع خلقيدونية قد أعلن في سنة 451ميلدية أن المسيح ينبغي أن يعترف بأنه يتمثل في طبيعتيه،
ل اختلط بينهما ،ول تغير ،ول تجزؤ ،ول انفصال .ول يمكن أن ينتفي خلفهما بسبب اتحادهما .بل الحرى أن
تحتفظ كل طبيعة منها بخصائصها ،وتجتمع في أقنوم واحد ،وجسد واحد .ل كما لو كانت متجزئة او منفصلة في
أقنومين .بل مجتمعة في أقنوم واحد :هو ذلك البن ،وال ،والكلمة)..
([ )]7يدل هذا النص على أن جهود المبراطور لتفسير الدين لم تكن من أجل الدين ولكنها كانت محاولة سياسية بحتة دفعه إليها 1
القانيم .له كل الصفات اللهية والبشرية .ولكن المادة التي تحمل هذه الصفات لم تعد ثنائية بل أصبحت وحدة
مركبة القانيم..
وكان الجدل قد احتدم قرابة قرنين من الزمان بين طائفة الرثوذكس وبين اليعاقبة الذين ازدهروا بو جه
خاص في مصر والشام والبلد الخارجة عن نطاق المبراطورية البيزنطية ،في الوقت الذي سعى فيه هرقل في
إصلح ذات البين ،عن طريف المذهب القائل بان للمسيح مشيئة واحدة ..ففي الوقت الذي نجد فيه .هذا المذهب
يعترف بوجود الطبيعتين ،إذا به يتمسك بوحدة القنوم في حياة الم سيح البشرية .وذلك بإنكاره وجود نوعين من
الحياة في أقنوم وا حد .فالم سيح الوا حد-الذي هو ا بن ال-يح قق الجا نب الن ساني والجا نب الل هي ،بقوة إله ية
إنسانية واحدة .ومعنى هذا انه ل يوجد سوى إرادة واحدة ،في الكلمة المتجسدة..
ل كن هر قل قد ل قي الم صير الذي انت هى إل يه كثيرون جدا م من كانوا يأملون أن يقيموا دعائم ال سلم .ذلك
بان الجدل لم يحتدم مرة أخرى كأع نف ما يكون فح سب .بل إن هر قل نف سه قد و صم باللحاد ،و جر على نف سه
هذه الملب سات ال تي عاجلت الن صرانية في بدء نشأت ها أولً ،ثم ع ند انت صارها ال سياسي على ذلك الن حو
ثانيا ،ثم ما تل ذلك النتصار من خلفات سياسية وعنصرية وتحريفات وتعديلت في العقيدة بسببها ثالثا..
كل أولئك قد مل الت صور العتقادي في ها بعنا صر غري بة كل الغرا بة على طبيعت ها ،وعلى طبي عة(الد ين
اللهي) كله ..و من ثم لم يعد الت صور الن صراني-ك ما صنعته التحريفات المتوال ية أولً ثم ك ما صاغته المجامع
المقدسة العامة والخاصة أخيرا( - )]9[2قادرا على أن يعطي التفسير اللهي للوجود وحقيقته ،وحقيقة صلته بخالقه.
وحقي قة هذا الخالق و صفاته ،وحقي قة الوجود الن ساني وغاي ته وطري قه ..هذه المقومات ال تي ل بد أن ت صح كي
يصح النظام الجتماعي الذي ينبثق منها ،ويقوم بعد ذلك عليها.
([ )]9يراجع بالتفصيل كتاب محاضرات في النصرانية للستاذ محمد أبو زهرة. 2
غ ير أن ال مر لم ي قف ع ند ف ساد الت صور العتقادي على هذا الن حو؛ بل م ضت الملب سات النكدة في
لقظد أرادت الكنيسظة أن تقظف فظي وجظه الترف الرومانظي ،والسظعار الشهوانظي الذي كانظت المبراطوريظة
الرومانية قد انتهت اليه ،قبل دخولها في النصرانية ،والذي يصفه درابر المريكي في كتابه (الدين والعلم) بقوله:
"لمظا بلغظت الدولة الروميظة فظي القوة الحربيظة والنفوذ السظياسي اوجهظا ،ووصظلت الحضارة إلى أقصظى
الدرجات ..هبطظت فظي فسظاد الخلق ،وفظي النحطاط فظي الديظن والتهذيظب إلى أسظفل الدركات ..بطظر الرومان
معيشت هم واخلدوا إلى الرض ،وا ستهتروا ا ستهتارا ،وكان مبدؤ هم ان الحياة إن ما هي فر صة للتم تع ،ينت قل في ها
الن سان من نع يم إلى ترف ،و من ل هو إلى لذة .ولم ي كن اعتدال هم إل ليطول ع مر اللذة! كا نت موائد هم تز هو
بأوا ني الذ هب والف ضة مر صعة بالجوا هر ،ويح تف ب هم خدم في مل بس جميلة خل بة ،وغادات روم ية ح سان،
وغوان كاسظيات عاريات غيظر متعففات تدل دللً .ويزيظد فظي نعيمهظم حمامات باذخظة ،ومياديظن للهظو واسظعة،
ومصظارع يتصظارع فيهظا البطال مظع البطال ،أو مظع السظباع؛ ول يزالون يصظارعون ح تى يخظر الواحظد منهظم
صريعا يتش حط في د مه .و قد أدرك هؤلء الفاتحون الذ ين دوخوا العالم ،ا نه ان كان هناك ش يء ي ستحق العبادة
فهظو القوة ،لنظه بهظا يقدر النسظان ان ينال الثروة التظي يجمعهظا أصظحابها بعرق الجظبين وكظد اليميظن ،وإذا غلب
الن سان في ساحة القتال بقوة ساعده ،فحينئذ يم كن أن ي صادر الموال والملك ،ويع ين إيرادات القطاع ،وان
راس الدولة الرومية هو رمز لهذه القوة القاهرة ،فكان نظام رومة يشف عن أبهة الملك .ولكنه كان طلء خادعا
أرادت الكنيسة أن ت قف في وجه هذا السعار الجامح ،وهذا التردي الكا سح ..ولكنها لم تسلك إليه طريق
الفطرة ال سوية المعتدلة المتز نة ،ول كان قد ب قي ب ين يدي ها من حقي قة الت صور الن صراني ال صحيح ما تق يم به
الميزان بين الناس بالقسط ،ول ما تقيم به الميزان بين الفراط والتفريط في وظائف فطرتهم الطبيعية.
عندئذ اند فع في الجا نب ال خر تيار من (الرهبان ية) العات ية ،لعل ها كا نت اشأم على البشر ية من بهي مة
الرومان الوثن ية .وا صبح الحرمان من طيبات الحياة ،و سحق الخ صائص الفطر ية في الن سان ،وم حق الطاقات
([ )]10عن كتاب " :ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " للستاذ أبي الحسن الندوي. 1
وال ستعدادات ال تي خلق ها ال ف يه لتك فل بقاء النوع من ناح ية ،ك ما تك فل عمارة الرض والقيام بفرائض الخل فة
في ها من ناح ية أخرى ..ا صبح هذا النحراف العا تي عن الفطرة هو عنوان الكمال والتقوى والفضيلة ..ال مر
ولم ين شئ ذلك علجا لذلك النحلل .ولك نه ان شأ صراعا ب ين طرف ين جامح ين ،كله ما بع يد عن جادة
وي صور (لي كى) في كتا به( :تار يخ أخلق أورو با) ما كان عل يه العالم الن صراني في ذلك الع صر من
"إن التبذل والسفاف قد بلغا غايتهما في أخلق الناس واجتماعهم .وكانت الدعارة والفجور ،والخلد إلى
الترف ،والتسظاقط على الشهوات ،والتحلق فظي مجالس الملوك وأنديظة الغنياء والمراء ،والمسظابقة فظي زخارف
اللباس والحلي والزي نة في حدت ها وشدت ها ..كا نت الدن يا في ذلك الح ين تتأر جح ب ين الرهبان ية الق صوى والفجور
القصى .وان المدن التي ظهر فيها اكثر الزهاد كانت اسبق المدن في الخلعة والفجور(.)]11[1
وهكذا عجز نظام الرهبنة ،المنبثق من تصورات كنسية ومجمعية منحرفة عن اصل التصور النصراني
الربا ني ،عن أن يكون ح تى نظاما أخلقيا للعالم الن صراني .وخلف في النفوس جفوة للد ين-والد ين م نه براء!-
وترك فيها تحفزا للنتقاض عليه وعلى نظامه الذي ل تطيقه الفطرة ..وكان عاملً نكدا من عوامل ذلك ( الفصام
ثم كانت الطامة يوم اكتشف الناس ،الذين تأخذهم الكنيسة بهذا الحرمان القاسي ،وتنذرهم باستحالة نفاذهم
نقول :كانت الطامة يوم اكتشف الناس ان حياة رجال الكنيسة الشخصية ،ل تعج بالمتاع بالطيبات فحسب!
ول تسقط في الترف فحسب! وإنما هي تعج بالفواحش والمناكر في اشد صورها شذوذا وفحشا ونكرا!
([ )]11عن كتاب " :ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " للستاذ أبي الحسن الندوي. 1
لم تكظن الرهبانيظة والنظام الدينظي السظلبي إل مصظادمة للفطرة .فبقيظت مقهورة بعوامظل الديانظة الجديدة
وسظلطانها الروحظي ،وسظاعدتها عوامظل أخرى .ثظم قهرت الطبيعظة ،وتسظرب الضعظف والنحراف إلى المراكظز
الدين ية ،ح تى صارت تزا حم المرا كز الدنيو ية-ورب ما ت سبقها في ف ساد الخلق والدعارة والفجور .لذلك وق فت
الحكو مة المآدب الدين ية ،والولياء وذكريات هم ،ال تي وجدت في ها الخل عة والفجور ح مى ومرتعا ،وات هم الق سوس
بكبائر ومنكرات.
(ويقول الراهظب جروم ( : )jerumeان عيظش القسظوس ونعيمهظم كان يزري بترف المراء والغنياء
المترف ين .و قد انح طت أخلق البابوات انحطاطا عظيما ،وا ستحوذ علي هم الج شع و حب المال ،وعدوا طور هم،
ح تى ان هم كانوا يبيعون المنا صب والوظائف كال سلع ،و قد تباع بالمزاد العل ني ،ويؤجرون ارض الج نة بالوثائق
والصظظكوك وتذاكظظر الغفران ،ويأذنون بنقظظض القانون ،ويمنحون شهادات النجاة ،وأجازات حظظل المحرمات
والمحظورات ،كأوراق النقظد وطوابظع البريظد ،ويرتشون ويرابون .وقظد بذروا المال تبذيرا ،حتظى اضطظر البابظا
(إنوسنت الثامن) أن يرهن تاج البابوية! ويذكر عن البابا (ليو العاشر) انه انفق ما ترك البابا السابق من ثروة
واموال ،وان فق ن صيبه ودخله ،وا خذ إيراد خليف ته المتر قب سلفا وأنف قه! ويروى ان مجموع د خل فرن سا لم ي كن
ومسألة صكوك الغفران التي يشير إليها درابر في الفقرة السابقة ،كانت الكنيسة قد قررت أن تمنح لنفسها
الحق في إعطائها في أحد المجامع الكنسية الكثيرة ،التي كانت تجتمع بين الحين والحين .وتغير وتبدل وتحرف
(وقد جاء في كتاب :تاريخ الكنيسة في بيان قرار المجمع الثاني عشر في هذا الشأن:
(أنهى المجمع تعليمه ،فيما يتعلق بأمر الغفران ،فقال :ان يسوع المسيح لما كان قد قلد كنيسته سلطان منح
الغفرانات ،و قد ا ستعملت الكني سة هذا ال سلطان الذي نال ته من العلي م نذ اليام الولى ،قد أعلم المج مع المقدس
وأمر ،بان تحفظه للكنيسة ،في الكنيسة ،هذه العملية الخلصية للشعب المسيحي ،والمثبتة بسلطان المجامع ..ثم
ضرب بسيف الحرمان من يزعمون ان الغفرانات غير مفيده ،او ينكرون على الكنيسة سلطان منحها .غير انه قد
([ )]12عن كتاب " :ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " للستاذ أبي الحسن الندوي. 1
ر غب في ان ي ستعمل هذا ال سلطان باعتدال واحتراز ،ح سب العادة المحفو ظة قديما ،والمثب تة في الكني سة ،لئل
(ربنا يسوع يرحمك (يا فلن) ،ويحلك باستحقاقات المة الكلية القداسة .وأنا بالسلطان الرسولي المعطى
لي ،احلك من جميع القصاصات ،والحكام والطائلت الكنسية التي استوجبتها وأيضا من جميع الفراط والخطايا
والذنوب ال تي ارتكبت ها-مهمظا كا نت عظي مة وفظي عة -و من كل علة-وان كا نت محفو ظة لبي نا القدس البا با
والكر سي الر سولي -وأم حو جم يع أقذار الذ نب ،و كل علمات المل مة ،ال تي رب ما جلبت ها على نف سك في هذه
الفرصة .وارفع القصاصات التي كنت تلتزم بمكابدتها في المطهر؛ وأردك حديثا إلى الشركة في أسرار الكنيسة،
وأقر نك في شر كة القدي سين .أردك ثان ية إلى الطهارة والبر اللذ ين كا نا لك ع ند معمودي تك ،ح تى ا نه في ساعة
الموت يغلق أما مك الباب الذي يد خل م نه الخ طأ إلى م حل العذاب والعقاب ،ويف تح الباب الذي يؤدي الى فردوس
الفرح .وان لم تمت سنين مستطيلة ،فهذه النعمة تبقى غير متغيرة ،حتى تأتي ساعتك الخيرة ..باسم الب والبن
فإذا أضف نا هذه إلى تلك ..إذا أضف نا ع نت الكني سة في ا خذ الناس بالحرمان القا سي ،با سم الد ين-والد ين
بر يء! -إلى ترف رجال الكني سة وف ساد حيات هم ..إلى مهزلة صكوك الغفران ،أدرك نا طرفا من تلك الملب سات
النكدة ،التي أدت في النهاية إلى (الفصام النكد) في تاريخ أوروبا المنكود!..
غير أن المر لم يقف عند هذه الحدود ..فقد دخلت الكنيسة في نزاع طويل وحاد مع الباطرة والملوك-ل
وبدأ النزاع والمنافسظة بيظن البابويظة والمبراطوريظة فظي القرن الحادي عشظر ،فاشتدت بعنظف ،وحمظى
بخضوع نحو البلط البابوي في قلعة كانوسا ..ولم يسمح له البابا بالدخول إل بعد أن يشفع له الرجال ،فسمح له
([ )]13من كتاب " :محاضرات في النصرانية " للستاذ الشيخ محمد أبو زهرة. 1
بالمثول بين يديه ،فدخل المبراطور حافيا .لبسا الصوف ،وتاب على يديه؛ فغفر له البابا زلته ..وكانت الحرب
وقد حدث في سنة -1245كما جاء في كتاب (سوسنة سليمان)-أن المجمع الثالث عشر انعقد في ليون من
أعمال فرنسا ،بأمر البابا( .إنوسنت) الرابع ،لجل عزل فردريك ملك فرنسا وحرمه .ولكن كنيسة فرنسا لم تسلم
ول ما كا نت الكني سة-إلى جوار صراعها مع الباطرة والملوك على ال سلطة -قد فر ضت لنف سها سلطانا
على الجماهير؛ واستغلته ابشع استغلل ،في فرض التاوات المالية الباهظة التي تجبى إليها مباشرة؛ مما جعل
الناس يئنون تحظت هذا الرهاق ،فقظد اسظتغل الحكام السظاخطون هذا الضغظط العام ليثيروا السظخط العام على
الكنيسة؛ واستخدموا لهذه الغاية كل وسيلة؛ وفي أولها فضح رجال الدين؛ وكشف أقذارهم وأدناسهم ،وبيان خبايا
حياتهم الشخصية ،التي يخفونها وراء وقار الزي الكهنوتي والمراسم الكنسية!!!
وكانت القاصمة التي تم بها ذلك (الفصام النكد) وانتهى بها المر في أوروبا بين الدين والحياة ،وانقطع
بها نهائيا ما بين التصور العتقادي والنظام الجتماعي من سبب ..بل كانت الجناية الكبرى التي جنتها الكنيسة
الغربيظة على نفسظها ،وعلى الديظن النصظراني ،ثظم على الديظن كله فظي الرض جميعا-إلى أن يأذن ال بتغييظر
لقظد احتجزت (الكنيسظة) لنفسظها حظق فهظم (الكتاب المقدس) وتفسظيره ،وحظرت على أي عقظل مظن خارج
ثم اتبعت هذا بإدخال معميات في العقيدة ل سبيل لدراكها او تصورها او تصديقها ..وقد ذكرنا مثلً من
هذه المعميات في النص الذي نقلناه عن (سيرت.م.أرنولد)عن حقيقة السيد المسيح وطبيعته..
ثم أدخلت مثل هذه المعميات في الشعائر التعبدية ..والمثال الصارخ لها هو مسألة (العشاء الرباني) الذي
كان أحد الحالت التي ثار عليها مارتن لوثر وكالفن وزنجلي فيما سمي (بالصلح الديني).
إن النصارى يأكلون في الفصح خبزا ،ويشربون خمرا ،ويسمون ذلك (العشاء الرباني).
وقد زعمت الكنيسة أن ذلك الخبز يستحيل إلى جسد المسيح وذلك الخمر يستحيل إلى دم المسيح المسفوك.
فمن أكلهما وقد استحال هذه الستحالة فقد ادخل المسيح في جسده .بلحمه ودمه...
وقظد فرضظت الكنيسظة على الناس قبول هذا الزعظم ومنعتهظم مظن مناقشتظه .وإل عرضوا أنفسظهم للطرد
والحرمان.
ثم لم تك تف الكني سة بتلك المعميات والخرافات في العقيدة و في الشعائر -مع كف الناس عن الب حث عن
أصظولها فظي (الكتاب المقدس) ومحاولة فهمظه او تفسظيره -بظل اتبعتهظا بأمثالهظا فظي الكون والحياة .فادعظت آراء
ونظريات جغراف ية وتاريخ ية وطبيع ية م ما كان سائدا في ع صرها ،مليئة بالخ طأ والخرا فة عن الكون والحياة
والنسان .وجعلتها (مقدسة) ل تجوز مناقشتها ول تصحيحها ول تجربتها ،ول القول بسواها.
وكانظت هذه هظي القاصظمة! لنهظا الباطظل الذي يسظهل على التجربظة بيان بطلنظه ،وكشظف زيفظه! ولنهظا
المنطقة التي أطلق ال فيها العقل النساني ليرتادها ،وهو مزود بكل المؤهلت التي تمكنه من كشفها وتحقيقها،
وفي هذا يقول السيد أبو الحسن الندوي ما يغنينا عن العادة ،ويصور اثر هذه القاصمة في ذلك (الفصام
النكد) تصويرا مختصرا دقيقا في كتابه القيم " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " :
( ..ولكن من أعظم أخطاء رجال الدين في أوروبا ،ومن اكبر جناياتهم على أنفسهم وعلى الدين الذي
كانوا يمثلونه ،انهم دسوا في كتبهم الدينية المقدسة ،معلومات بشرية ،ومسلمات عصرية ،عن التاريخ والجغرافيا
والعلوم الطبيعية ،ربما كانت أقصى ما وصلوا إليه من العلم في ذلك العصر ،وكانت حقائق راهنة ل يشك فيها
رجال ذلك العصر ،ولكنها ليست أقصى ما وصل إليه العلم النساني.
والتعارض .فان العلم الن ساني متدرج مترق ف من ب نى عل يه دي نه ف قد ب نى ق صرا على كث يب مه يل من الر مل.
ولعلهم فعلوا ذلك بنية حسنة ولكنه كان اكبر جناية على أنفسهم وعلى الدين فان ذلك كان سببا للكفاح المشئوم بين
الد ين والع قل والعلم ،الذي انهزم ف يه الد ين ،ذلك الد ين المختلط بعلم الب شر ،الذي ف يه ال حق والبا طل ،والخالص
والزائف ..هزيمظة منكرة ،وسظقط رجال الديظن سظقوطا لم ينهضوا بعده .وشظر مظن ذلك كله وأشأم :أن أوروبظا
أصبحت ل دينية.
ولم يكتف رجال الدين بما ادخلوه في كتبهم المقدسة ،بل درسوا كل ما تناقلته اللسن ،واشتهر بين الناس،
وذكره بعظض شراح التوراة والنج يل ومفسظريها من معلومات جغراف ية وتاريخ ية وطبيع ية .وصظبغوها صظبغة
دين ية ،وعدو ها من تعال يم الد ين وأ صوله ال تي ي جب العتقاد ب ها ،ون بذ كل ما يعارض ها ،وألفوا في ذلك كتبا
وتآليظف ،وسظموا هذه الجغرافيظا التظي مظا انزل ال بهظا مظن سظلطان( :الجغرافيظا المسظيحية) (Christian
وكان ذلك في ع صر انف جر ف يه بركان العقل ية في أورو با ،وح طم علماء الطبي عة والعلوم سلسل التقل يد
الديني .فزيفوا هذه النظريات الجغرافية التي اشتملت عليها هذه الكتب وانتقدوها في صرامة وصراحة ،واعتذروا
عظن عدم اعتقادهظا واليمان بهظا بالغيظب؛ وأعلنوا اكتشافاتهظم واختباراتهظم .فقامظت قيامظة الكنيسظة ،وقام رجالهظا
المتصرفون في زمام المور في أوروبا وكفروهم ،واستحلوا دماءهم وأموالهم في سبيل الدين المسيحي ،وأنشأوا
محا كم التفت يش ،ال تي تعا قب-ك ما يقول البا با(-أولئك الملحد ين والزناد قة الذ ين هم منتشرون في المدن والبيوت
وال سراب والغابات والمغارات والحقول!) ..فجدت واجتهدت و سهرت على عمل ها ،واجتهدت أل تدع في العالم
الن صراني عرقا نابضا ضد الكني سة ،وانب ثت عيون ها في طول البلد وعرض ها ،وأح صت على الناس النفاس،
وناقشت عليها الخواطر ،حتى يقول عالم نصراني " :ل يمكن لرجل ان يكون مسيحيا ويموت حتف انفه" ( يقصد
( ويقدر أن من عاقبت هذه المحاكم يبلغ عددهم ثلثمئة ألف .احرق منهم اثنان وثلثون ألف أحياء! كان
من هم العالم ال طبيعي المعروف (برو نو) ،نق مت م نه الكني سة آراء من اشد ها قوله بتعدد العوالم ،وحك مت عل يه
بالق تل ،واقتر حت بان ل تراق قطرة من د مه! وكان ذلك يع ني أن يحرق حيا! وكذلك كان! وكذلك عو قب العالم
الطبيعي الشهير (جاليليو) بالقتل لنه كان يعتقد بدوران الرض حول الشمس!.
( هنالك ثار المجددون المتنورون ،وعيظل صظبرهم ،واصظبحوا حربا لرجال الديظن وممثلي الكنيسظة،
والمحافظ ين على القد يم ،ومقتوا كل ما يت صل ب هم ،ويعزى إلي هم ،من عقيدة ،وثقا فة ،وعلم ،وأخلق ،وآداب،
وعادوا الد ين الم سيحي اولً ،والد ين المطلق ثان ية ،وا ستحالت الحرب ب ين زعماء الد ين الم سيحي-وبل فظ ا صح
الديانة البولسية -حربا بين العلم والدين مطلقا! وقرر الثائرون أن العلم والدين ضرتان ل تتصالحان ،وان العقل
والنظام الديني ضدان ل يجتمعان؛ فمن استقبل أحدهما استدبر الخر ،ومن آمن بالول كفر بالثاني .وإذا ذكروا
الد ين ذكروا تلك الدماء الزك ية ال تي أري قت في سبيل العلم والتحق يق ،وتلك النفوس البريئة ال تي ذه بت ضح ية
لق سوة الق ساوسة وو ساوسهم ،وتم ثل لعين هم وجوه كال حة عاب سة وجباه مقط بة ،وعيون تر مي بالشرر ،و صدور
ضيقظة حرجظة ،وعقول سظخيفة بليدة؛ فاشمأزت قلوبهظم؛ وآلوا على أنفسظهم كراهظة هؤلء ،وكظل مظا يمثلونظه،
( ولم يكن عند هؤلء الثائرين من الصبر والمصابرة على الدراسة والتفكير ،ومن الوداعة والهدوء ،ومن
العقل والجتهاد ،ما يميزون به بين الدين ،ورجاله المحتكرين لزعامته ،ويفرقون به بين ما يرجع إلى الدين من
عهدة وم سؤولية .و ما ير جع إلى رجال الكني سة من جمود وا ستبداد و سوء تمث يل ،فل ينبذوا الد ين ن بذ النواة..
ولكن الحفيظة وشنآن رجال الدين ،والستعجال ..لم يسمح بالنظر في أمر الدين والتريث في شأنه كغالب الثوار،
هذه-باخت صار وإجمال شديد ين -أ هم الملب سات النكدة لذلك (الف صام الن كد) الذي تعا ني أورو با-وتعا ني
معها البشرية كلها اليوم مع السف -آثاره التعيسة ،وتتجرع كأسه المريرة.
وهذا هو (الدين) الذي ثارت عليه أوروبا ..ثم تابعها في الثورة الببغاوات والقرود في الرض كلها ،دون
وهذا هو(الدين) الذي ثارت عليه أوروبا ..الدين الذي شوهت معالمه منذ أول خطوة .ثم زيفت خصائصه
وهي كلها-ول الحمد -ملبسات (أوروبية) بحتة ،وليست إنسانية عالمية-ومتعلقة بنوع معين من (الدين)
ل بحقي قة الد ين .وخا صة بحق بة من التار يخ خا صة ،تملك البشر ية أن تتخلص من آثار ها التعي سة ،ح ين تف تح
ولكن هذا الخلص لن يجيء أبدا عن طريق العقلية الغربية ،ولن ينبثق أبدا من هذه العقلية المكبلة بأغلل
ذلك التاريخ المرير ،وبالرواسب التي خلفتها تلك المعركة التعيسة ،وبالموجات التي أطلقتها في الفكر والضمير،
وفي الدب والفن ،وفي السياسة والقتصاد ،وفي كل أوضاع الحياة التي قامت على ذلك (الفصام النكد) بعد ما
ل قد انت هى الع صر الذي ي سود ف يه الر جل الب يض .وبقاء تلك ال سيادة إلى ال بد ل يس قانونا من قوان ين
الطبي عة .واعت قد أن الر جل الب يض لن يل قى أياما رض ية كتلك ال تي لقي ها خلل أرب عة قرون ..إن الرو سي هو
الرجل البيض الوحيد الذي تسنح له الفرصة لنشر نفوذه في آسيا .والشعوب السيوية تمقت الستعمار ،وهم ل
يعتقدون أن (للكريمل ين) غايات ا ستعمارية ..لن هم لم يجربوه ..بين ما رزحوا أجيالً طويلة ت حت سلطان الر جل
الغر بي ،وا صبحوا يكرهون تلك التجر بة .ولهذا لست اعت قد أن للدولة الغرب ية فر صة في آسيا .ولك ني اعت قد أن
الهند قد تعيش في توافق مع العالم الغربي .أما العالم العربي-وكذلك مصر والباكستان -فستنحاز إلى المعسكر
الشيوعي!.
أطلق (برترا ند ر سل) نبوء ته هذه عام .1950ورب ما يبدو أن الوقائع ال تي تلت ذلك-وبخا صة سقوط
الصظين فظي قبضظة الشيوعيظة -تصظدق أسظاس هذه النبوءة ..ولكننظا نلحظظ أنهظا نظرة قريبظة الجذور سظطحية
المقدمات ،مادية السباب -وهو ما ل نستغربه من مفكر غربي أيا كانت قيمة تحرره العقلي الذي اشتهر عنه..
فهو أسير عقلية وبيئة ووراثات وحضارة معينة ،ل تسمح له بأن يفكر وراءها؛ ول ان يخرج من إسارها ،ليرى
ل قد انت هى الع صر الذي ي سود ف يه الر جل الب يض ،لن حضارة الر جل الب يض قد ا ستنفدت أغراض ها
المحدودة القري بة ،ولم ي عد لدي ها ما تعط يه للبشر ية من ت صورات ومفاه يم ومبادئ وق يم ،ت صلح لقيادة البشر ية،
وتسمح لها بالنمو والترقي الحقيقيين ..النمو والترقي للعنصر النساني ،وللقيم النسانية ،وللحياة (النسانية)..
لقظد أصظيبت بالع قم-او كادت -ب عد مظا ولد ته فظي (الماجنظا كارتظا) النجليزيظة .ومبادئ الثورة الفرنسظية.
رصيدا لبني النسان يصلح للبقاء مدة أطول من الفترة التي عاشتها تلك المبادئ الموقوتة!
وكلها كانت مبتوتة عن الصل الكبير الذي ل تقوم النظمة الجتماعية ،ول تعيش المبادئ والقيم ،إل إذا
انبث قت م نه ،وقا مت عل يه .ال صل العتقادي المرت بط بال ،والتفسير الكلي للوجود ،ومر كز النسان ف يه ،وغا ية
وجوده النساني ..ومن ثم كانت قيما محدودة موقوتة لنها في الصل قيم مبتوتة!( ..نبات شيطاني) ل جذور له
في أعماق الفطرة البشرية ،لنه ليس آتيا من المصدر الذي جاءت منه الفطرة البشرية.
ومن أجل أنها لم تنبثق من ذلك الصل؛ ولم تجئ من هذا المصدر ،فإنها قامت على أساس مناقض لفطرة
الحياة ،ولفطرة النسان؛ ولم تراع في السس التي قامت عليها ،ول في الوسائل التي اتخذتها ،ول في الطريق
ال تي سارت ف يه ..لم تراع في هذا كله احتياجات (الن سان) الحقيق ية ،المنبث قة من طبي عة تكوي نه ،وا صل خلق ته
وحقيقة فطرته وأهملت إهمالً شنيعا أهم مقوماته-التي بها صار النسان إنسانا -ولم تهملها فحسب ،بل طاردتها
وكان ذلك كله ب سبب تلك الملب سات النكدة ،ال تي أثمرت ذلك (الف صام الن كد) .فقا مت تلك الحضارة -من
ثم -على أ سس معاد ية للد ين ..أ سس فكر ية وشعور ية وواقع ية ..و سارت كذلك -من ثم -في طر يق معارض
للحقيقة النسانية ،وللحاجات الحقيقية لبني النسان وللقيم الصحيحة التي ينبغي أن تطبع الحياة النسانية وتميزها.
ومن ثم اخذ (النسان) يشقى شقا ًء مريرا بالحضارة ،التي قامت أصلً-او المفروض أنها قامت أصلً-
لخدمته وترقيته وإسعاده ..وحين تتناقض(الحضارة) مع (النسان) فالنتيجة الحتمية بعد فترة-تطول او تقصر-
من صراع النسان مع الحضارة ،ومن اللم والتضحيات ،والخسائر والمرارات ،ان ينتصر الن سان ،لنه هو
وعند ما يكون هذا هو مقياس البقاء ،فإن الرو سي ي قف مع النجليزي والمري كي والفرن سي وال سويسري
وبغ ير(حمامات الدم) و( حركات التطه ير) الدور ية ،ومع سكرات العتقال ،ومع سكرات الموت ...لشدة م صادمته
إن المارك سية -من الوج هة النظر ية -تقوم على جهالة عمي قة بالن فس البشر ية وطبيعت ها وتاريخ ها -فضلً
على الجهالة العميقة بالحقيقة الكونية ،وتفسير الكون والحياة -فهي إذ تصور جميع الدوافع النسانية قائمة على
جوعة المعدة والصراع على لقمة الخبز ،وتصور جميع الحركات التاريخية منبثقة من تغير أدوات النتاج ..تلغي
أهم مقومات النسان التي تفرق بين تاريخه وتاريخ البهيمة! وتلغي أهم وظائف النسان .وهي أن يكون العامل
اليجا بي الول في هذه الرض و في أطوار التار يخ ..ثم هي-فجأة -تت صور الم ستقبل خلوا من كل وراثات
البشرية؛ وتفترض أن الناس سيتحولون ملئكة خيرين ،ينتج كل منهم أقصى ما في طوقه ،ول يأخذ إل قدر ما
يكفيه ..وكل هذا بدون رقابة ،وبدون حكومة ،وبدون عقيدة سماوية تطمعه في جنة او تخيفه من نار .وبدون أي
سظبب معقول ..اللهظم إل ذلك النقلب الخرافظي العجيظب ،الذي يتظم فظي طبائع البشظر ،بمجرد تحطيظم العناصظر
وإذا كان هذا الت صور (العل مي) عن الم ستقبل يبدو (خرا فة) فان ذلك الت صور عن التار يخ ل ي قل ع نه
إمعانا في الجهالة (العلمية) بحقيقة النفس البشرية ،وطبيعتها ،وتاريخها على السواء.
حين يكون هذا الجهل العميق ،وهذه الخرافة الطاغية ،هما أساس التصور الماركسي ،فإننا ل ننتظر أبدا
أن يقوم على أ ساسه وا قع عملي في الحياة ال تي يزاول ها الب شر ،إل أن يكون ف يه من العت ساف قدر ما في هذا
التصور من رغبة جامحة في مجانية حقائق الفطرة ،التي تصطدم اصطداما عنيفا بذلك التصور.
و من ثم اضطرت المارك سية-ع ند الت طبيق العملي -ان تتخلى عن أ هم مقد ساتها المارك سية! وعللت هذا
التخلي الذي يكاد يكون كاملً ،بان الماركسية مذهب متطور ،على حين أن ليس هنالك مذهب يحتشد (بالحتميات)
ل قد تحط مت النظر ية (العلم ية) المارك سية ت حت مطارق الفطرة في مع ظم أجزائ ها الرئي سية .ولم ي بق إل
(الدولة) وإل النظمة الديكتاتورية البوليسية ،التي تعرفها روسيا جيدا في أيام القيصرية!
وو فق النظر ية (المحط مة) فان (الدولة) كان ينب غي أن تكون الن-وب عد حوالي ن صف قرن -في طريق ها
إلى الذبول والزوال ..ولكن الذي يعلمه كل أحد أن الدولة هناك ،تتضخم يوما بعد يوم ،وتبتلع كل شيء – بما في
ولعله مظن المفارقات الطريفظة أن الماركسظية التظي تفترض إمكان قيام المجتمظع بدون حكومظة فظي نهايظة
المطاف ،هي ال تي تنت هي في ها الحكو مة إلى أن ت صبح هي الش يء الوح يد الذي له وجود! ح يث ل وجود (للفرد)
إن المارك سية-كمذ هب -ل تز يد على أن تكون جهالة (علم ية) منقط عة النظ ير .أما النظام البولي سي الذي
قام باسمها ،فهو نظام تعرفه روسيا من قبل أيام القيصرية .وهو نظام يمكن أن تطيقه الشعوب المتخلفة-بعض
الوقت -ولكن الدميين الذين يستشعرون وجودهم (النساني) ل يصبرون عليه طويلً ..وحتى هذه الشعوب التي
ترزح ت حت وطأ ته فان فطرت ها تقاو مه مقاو مة عني فة-على الر غم من طول خضوع ها قبله للقي صرية الطاغ ية-
وهو ل يعيش إل في ظل الرهاب البوليسي؛ على الرغم من سيطرة (الحزب الشيوعي) القليل العدد ،على مرافق
البلد؛ وعلى الر غم من احتكار كل موارد الرتزاق والمعاش في يد الدولة ،ال مر الذي يذل ل ها الرقاب! وعلى
الرغم من بلشفة الصغار عن طريق المنظمات الخاصة للطفال وللشباب .وعلى الرغم من سيطرة الدولة على
كل أجهزة التوجيه والعلم .وعلى الرغم من أن المدرسين جميعا يتبعون(اليديولوجية الشيوعية) .وعلى الرغم
مظن حركات التطهيظر لكظل مظن يشظك فظي عدم ولئه للنظام الشيوعظي ..فلبظد ان يكون هذا النظام مظن الكراهيظة
والصظطدام بالفطرة إلى الحظد الذي ل تجدي كظل هذه العوامظل السظاحقة فظي جعله آمنا على نفسظه مظن انتقاض
الجماهير-او بتعبير آخر من انتقاض الفطرة ،التي يستحيل أن تصبر طويلً على مثل هذا النظام المتعسف -وآية
من ثم تبدد نبوءة (برترا ند ر سل) قري بة الجذور سطحية المقدمات ماد ية ال سباب .ل تخرج عن نطاق
النظمة الجتماعية والمناهج الفكرية والمذاهب الوضعية ،التي لم تنبثق من اصلها الواحد الصحيح؛ ومن ثم لم
ت عط الن سان التفسير الوا حد ال صحيح لحقي قة هذا الوجود وعلق ته بخال قه؛ ولحقي قة هذا الن سان ومركزه في هذا
إ نه (الف صام الن كد) الذي ت ستوي في القيام على أ ساسه كل النظ مة ال سائدة في عالم (الر جل الب يض)؛
والذي ي ستوي ف يه الرو سي والمري كي ،والنجليزي والفرن سي ،وال سويسري وال سويدي ..و سائر من يتبع هم في
انه ليس هنالك فارق حقيقي-من ناحية الصل الوضعي لهذه النظمة كلها! -ول عبرة بان تكون الكنائس
مثلً مفتوحة البواب في أمريكا الرأسمالية؛ او مغلقة البواب في روسيا الشيوعية؛ او مهملة ل لها ول عليها-
ل عبرة بهذه الفوارق الشكل ية ما دام أن الن ظم الجتماع ية ،والمذا هب الفكر ية في هذه البلد كل ها لي ست
منبثقة انبثاقا من التصور العتقادي اللهي ،الذي يكفل-وحده -التفسير الصحيح لحقيقة الوجود وعلقته بخالقه؛
ولحقيقة النسان ومركزه في هذا الوجود؛ ولغاية وجوده النساني ..هذه العناصر الساسية التي تنبثق منها أسس
النظام الجتما عي ،ك ما تنب ثق من ها منا هج الف كر ال صحيحة ،المو صولة بفطرة الن سان الحقيق ية ،الملب ية لحاجات
هذه هي القضية في جذورها العميقة الشاملة .ل كما يتصورها-داخل القضبان الفكرية!( -براتراند رسل)
شأ نه في التفك ير من دا خل القضبان شأن كل مفكري الغرب ،أ سارى بيئت هم وحضارت هم وتاريخ هم التع يس مع
كنيستهم الغاشمة ،وفصامهم النكد الذي طبع حياتهم كلها خلل خمسة قرون مريرة!
ثم ماذا؟
ثم ا نه الخواء ين خر في روح الحضارة الغرب ية ،بمذاهب ها جميعا .وبأنظمت ها جميعا ..الخواء الذي تخت نق
فيه روح (النسان) ،وتنهدر فيه قيمة (النسان) ،وتنحدر فيه خصائص (النسان) ..بينما تتكدس (الشياء) وتعلو
انظه الخواء الذي يهدد الحياة النسظانية ورقيهظا بالتوقظف .بظل يهددهظا بالنكسظة والنحدار-على الرغظم مظن
ضخامة النتاج المادي والفتوح العلمية والتقدم الصناعي -ذلك أن (النسان) ذاته لم تراع فطرته ،ول احتياجاته
إن بريق الحضارة المادية ل يجوز أن يغشي أبصارنا عن حقيقة الشقاء الذي باتت تعانيه البشرية في ظل
هذه الحضارة .وان الصظواريخ المطلقظة ،والقمار الصظاعدة ،ل يجوز ان تلهينظا عظن الدرك الذي ينحدر إليظه
إن الن سان هو اكرم ما في هذه الرض .ا نه هو الكائن ال ساسي في ها ،والم ستخلف في مقدرات ها .و كل
ش يء في ها في خدم ته-أو ينب غي أن يكون كذلك-و(إن سانيته) هي المقوم العلى الذي يقاس به مدى صعوده او
هبوطه .وسعادة روحه هي مقياس ما في الحضارة التي يعيش فيها من ملءمة لطبيعته أو مصادمة..
فإذا رأينا (النسان) ينحدر في صفاته (النسانية) وفي تصوره للقيم النسانية..
ل من توابعها..
إذا رأيناه وقودا لللة ،او عبدا لها ،او تابعا ذلي ً
إذا رأيناه يشقى ويقلق ويتحير ،ويعاني من القلق والحيرة ما لم يعانيه قط في تاريخه من الشقاء والتعاسة
إذا رأيناه هاربا من نف سه و من المخاوف والقل قل ال تي تل فه ب ها الحضارة الماد ية ،والنظ مة الجتماع ية
والخمور ،او مظا يشبظه المكيفات والخمور مظن الفكار السظود ،ومذاهظب اليأس الكابظي والقنوط الملبظس والضياع
إذا رأيناه يئد نسله ،او يبيع اولده ،ليشتري بهم ثلجات وغسالت كهربائية-كما جاءتنا النباء عن أوروبا
الضائعة..
إذا رأيناه في م ثل هذه الحال النكدة ..فان جم يع ما ي صل إل يه (العلم) في معزل عن (روح الن سان) من
تيسيرات للحياة المادية ،ومن رفاهيات حضارية ..ل يغير شيئا من حقيقة النحدار الذي تهوي إليه البشرية؛ ومن
حقيقة الشقاء الذي تعانيه؛ ومن حقيقة التعاسة التي تزاولها ..ثم ..من حقيقة فشل هذه الحضارة وقرب نهايتها..
ومن ثم حقيقة الحاجة الماسة إلي نظام آخر أصيل ،بريء-في أساسه -من العيوب الساسية التي أفسدت حياة
الب شر؛ وضي عت علي هم ثمار العلم والمعر فة والتقدم الحضاري ..نظام ي سمح للن سانية بان تح قق غا ية وجود ها
النسظاني-كمظا أرادهظا خالقهظا العظيظم -وان تسظتخدم (العقظل) و(العلم) و(التجربظة) اسظتخداما آخظر ،يتناسظق مظع
لقظد انتهظى دور الرجظل البيظض ..انتهظى دوره سظواء أكان روسظيا أم أمريكيا ،إنجليزيا أم فرنسظويا ،ام
سويسريا أم سويديا ..انتهى لن ذلك (الفصام النكد) في التاريخ الوروبي ،وفي جميع المذاهب والمناهج والنظم
والوضاع التي تقوم في الغرب ..قد حدد بدوره نهاية دور الرجل البيض!
إنه لبد من قاعدة من التصور العتقادي لكافة المذاهب والمناهج والنظم والوضاع التي تقوم عليها حياة
(النسان)..
ل بد من تف سير صحيح للوجود ،ولمر كز الن سان ف يه ،ولغا ية وجوده الن ساني ..وهذا التف سير ال صحيح،
وذلك التصظور المطابظق للحقيقظة-كمظا هظي فظي الواقظع لكمظا يراهظا الناس مظن خلل عدسظات عقولهظم القاصظرة
والن سان هو الن سان م نذ ن شأ .ا نه في حا جة إلى (عقيدة) تع مر قل به؛ وتنب ثق من ها ت صوراته؛ وتقدم له
التفسير الشامل لحياته وللكون من حوله؛ ولعلقته هو والكون بالخالق العلى(..عقيدة) ترسم له أهدافا اكبر من
ذاته ،واعم من جيله ،وابعد من حاضره ،وأرفع من واقعه؛ وتربطه بذات علوية ،لها عليه رقابة وسيطرة؛ يحبها
ويخشا ها؛ ويت قي غضب ها ويطلب رضا ها؛ وينت ظر عون ها على الخ ير؛ وي ستحي من مواجهت ها بال شر؛ وير جو
جزاءها العادل الكامل ،الذي يعوض عليه ما يفوته في صراعه للشر في هذه الحياة الدنيا؛ ويربط حياته كلها بها؛
ويتلقى عنها نظام حياته ،ومناهج فكره وسلوكه؛ كما يتلقى عنها شعائر عبادته سواء بسواء ..فتستقيم حياته كلها
ولقد يشغل النسان بعض الوقت بجوعة الجسد ،وما يتعلق بها من النتاج بشتى وسائله وصنوفه ،ومن
المتاع الحسظي بشتظى ألوانظه ومذاقاتظه ..ولكظن هذه الجوعظة وكظل مظا يتعلق بهظا ل تسظتغرق الكينونظة النسظانية.
وإشباع ها ل ي سد سائر الجوعات (الن سانية) .و ما أن تهدأ هذه الجو عة ح تى تتحرك في الكائن الن ساني جو عة
أخرى .جو عة ل ي سدها الطعام ،ول يروي ها الشراب ،ول يكفي ها الك ساء ،ول ت سكنها كل ضروب المتاع ..إن ها
جوعة من نوع آخر .جوعة إلى اليمان بقوة اكبر من البشر؛ وعالم اكبر من المحسوس؛ ومجال اكبر من الحياة
الدن يا ..وجو عة إلى الوئام ب ين ضم ير الن سان وواق عه ،ب ين الشري عة ال تي تح كم ضميره والشري عة ال تي تح كم
حياته .بين منهج حركته الذاتية ومنهج الحركة الكونية من حوله .جوعة إلى (إله) واحد؛ يتلقى منه شريعة قلبه
و كل نظام للحياة ل يح قق ال سعادة للكائن البشري إل إذا تض من كفا ية هذه الجوعات المتعددة في كينون ته
الخاوية من اليمان خواءها من الروح النساني-حضارة الرجل البيض -وتتنوع هذه الصرخات ..فتارة تكون
نذيرا بانحدار البشريظة كلهظا إلى الهاويظة .وتارة تكون نذيرا بانحدارهظا إلى الماركسظية! وتتنوع كذلك القتراحات
ولكنها كلها تحاول عبثا.لنها ل تعالج المشكلة من الساس .ول ترجع إلى جذور المشكلة العميقة البعيدة
ومظن خلل تلك الصظيحات ،ومظن خلل هذه القتراحات كذلك يتظبين لنظا نحظن مدى قصظر النظظر ،ومدى
وإننا نكاد نبصر بهؤلء الحيارى سجناء في قفص من (العلم)! يشد أقدامهم بالغلل؛ فإذا أرادوا الوثوب،
كان أقصى وثوبهم قفزة في داخل القفص! او سجناء في قفص من (الواقع) يعجزهم عن الستشراف لما وراءه!
وهظي ظاهرة تلقظي علينظا-نحظن أصظحاب المنهظج السظلمي -تبعظة خطيرة ..إن النقاذ الحقيقظي للبشريظة
المهددة في كينونتها النسانية ،ل يجيء إل عن طرق تحطيم هذا القفص ،والخروج منه ،ورؤية الوضع كله من
زاو ية م ستقلة تماما :وتقد يم ت صور كلي شا مل للمشكلة ،واقتراح حلول مبتكرة ،تنب ثق من هذا الت صور الشا مل
الجديد.
ول نريظد أن نسظبق السظياق ..فلنبدأ بإثبات نموذجيظن مظن نماذج تلك الصظيحات المنذرة بالخطظر؛ وتلك
أحد هذين النموذجين لعالم كبير من علماء هذا القرن هو دكتور ألكسيس كاريل .والخر لسياسي خطير
النسان؛ وأطلق فيه صيحة مدوية بالخطار التي تهدد الجنس البشري من جراء العتداء على القوانين الطبيعية،
التي ل تدع المعتدين عليها بل عقوبة؛ وأعلن جهل (العلم) بحقيقة النسان .بل بأبسط حقائق تكوينه الجسدي ذاته!
ونحن هنا نقتطف نتفا من هذه الشهادة؛ ومن صيحة الخطر المدوية فيها؛ ومن اقتراحاته كذلك لتلفي هذا
الخطر الداهم:
(إن هدف هذا الكتاب هو أن يضع تحت تصرف كل شخص مجموعة من المعلومات العلمية التي تتعلق
بالكائنات الح ية في ع صرنا .ف قد بدأ نا ندرك مدى ما في حضارت نا من ض عف ..وكثيرون يرغبون في أن يلقوا
عنهم التعاليم التي فرضها عليهم المجتمع الحديث .ولهؤلء أكتب هذا الكتاب ..كذلك كتبت لولئك الذين يجدون
مظن أنفسظهم شجاعظة كافيظة ليدركوا-ليظس فقظط ضرورة إحداث تغييرات عقليظة وسظياسية واجتماعيظة -بظل أيضا
ضرورة قلب الحضارة الصناعية وظهور فكرة أخرى للتقدم البشري… ) (ص 12-11مقدمة الكتاب)
(إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب ،لنها ل تلئمنا ،فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا
الحقيقيظة ،إذ أنهظا تولدت مظن خيالت الكتشافات العلميظة ،وشهوات الناس ،وأوهامهظم ،ونظرياتهظم ورغباتهظم .
وعلى الرغم من انها أنشئت بمجهوداتنا إل أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا( )...ص)38
(لقد أهمل تأثير المصنع على الحالة الفسيولوجية والعقلية للعمال ،إهمالً تاما عند تنظيم الحياة الصناعية.
إذ أن الصظناعة العصظرية تن هض على مبدأ " :ال حد القصظى من النتاج بأقظل التكاليظف " حتظى يسظتطيع فرد او
مجموعة من الفراد أن يحصلوا على اكبر مبلغ مستطاع من المال .وقد اتسع نطاقها دون أي تفكير في طبيعة
البشظر الذيظن يديرون اللت ،ودون أي اعتبار للتأثيرات التظي تحدثهظا طريقظة الحياة الصظناعية التظي يفرضهظا
(يجب أن يكون النسان مقياسا لكل شيء .ولكن الواقع هو عكس ذلك .فهو غريب في العالم الذي ابتدعه!
انه لم يستطع أن ينظم دنياه بنفسه ،لنه ل يملك معرفة عملية بطبيعته ...ومن ثم فان التقدم الهائل الذي أحرزته
([ )]16ترجمة شفيق أسعد فريد ،نشر مكتبة المعارف بيروت. 1
علوم الجماد على علوم الحياة هظو إحدى الكوارث التظي عانظت منهظا النسظانية ...فالبيئة التظي ولدتهظا عقولنظا
واختراعات نا غ ير صالحة ل بالن سبة لقوام نا ول بالن سبة لهيئت نا ...إن نا قوم تع ساء ،نن حط أخلقيا وعقليا ...إن
الجماعات وال مم ال تي بل غت في ها الحضارة ال صناعية اع ظم ن مو وتقدم هي على و جه الد قة ،الجماعات وال مم
الخذة في الضعف؛ والتي ستكون عودتها إلى البربرية والهمجية أسرع من عودة غيرها إليها .ولكنها ل تدرك
ذلك ،إذ ل يس هناك ما يحمي ها من الظروف العدائ ية ال تي شيد ها العلم حول ها… وحقي قة ال مر أن مدنيت نا م ثل
غامضظة… إن القلق والهموم التظي يعانظي منهظا سظكان المدن العصظرية تتولد عظن نظمهظم السظياسية والقتصظادية
والجتماعية…) (ص)44
(إننا لن نصيب أية فائدة من زيادة عدد الختراعات الميكانيكية .وقد يكون من الجدى أن ل نضفي مثل
هذا القدر الكبير من الهمية على اكتشافات الطبيعة والفلك والكيمياء .فحقيقة المر أن العلم الخالص ل يجلب لنا
مطلقا ضررا مباشرا .ول كن حين ما ي سيطر جماله الطا غي على عقول نا ،وي ستعبد أفكار نا في ممل كة الجماد ،فا نه
ي صبح خطرا .و من ثم ي جب أن يحول الن سان اهتما مه إلى نف سه والى ال سبب في عجزه الخل قي والعقلي .إذ ما
جدوى زيادة الراحة والفخامة والجمال والمنظر وأسباب تعقيد حضارتنا إذا كان ضعفنا يمنعنا من الستعانة بها
فيما يعود علينا بالنفع؟ حقا انه لمما ل يستحق أي عناء أن نمضي في تجميل طريق حياة تعود علينا بالنحطاط
(الن سان نتي جة الورا ثة والبيئة ،وعادات الحياة والتفك ير ال تي يفرض ها عل يه المجت مع الع صري ..ول قد
وصفنا كيف تؤثر هذه العادات في حسه وشعوره ...وعرفنا انه ل يستطيع تكييف نفسه بالنسبة للبيئة التي خلقتها
(التكنولوجيا) وأن مثل هذه البيئة تؤدي إلى انحلله؛ وان العلم والميكانيكا ليسا مسؤولين عن حالته الراهنة ،وإنما
ن حن الم سؤولون لن نا لم ن ستطع التمي يز ب ين الممنوع والمشروع… ل قد نقض نا قوان ين الطبي عة ،فارتكب نا بذلك
الخطيئة العظمى .الخطيئة التي يعاقب مرتكبها دائما ..إن مبادئ (الدين العلمي) و(الداب الصناعية) قد سقطت
تحت وطأة غزو الحقيقة(البيولوجية) .فالحياة ل تعطي إل إجابة واحدة حينما تستأذن في السماح بارتياد (الرض
المحر مة) ..إن ها تض عف ال سائل! ولهذا فان الحضارة آخذة في النهيار ،لن علوم الجماد قادت نا إلى بلد لي ست
لنا .فقبلنا هداياها جميعا بل تمييز ول تبصر! ولقد اصبح الفرد ضيقا ،متخصصا ،فاجرا ،غبيا ،غير قادر على
ول سوف يكون من ال صعب أن نتخلص من مذ هب ظل ي سيطر خلل اك ثر من ثلثمائة عام على عقول
القوم المتحضرين..
فإذا كان على الحضارة العلم ية ان تتخلى عن الطر يق الذي سارت ف يه م نذ ع صر النه ضة ،وتعود إلى
ملحظة المادة الجامدة ببساطة ،فسوف تقع أحداث عجيبة على الفور..
ستفقد المادة سيادتها؛ وي صبح النشاط العقلي كالنشاط الف سيولوجي .و سيبدو أل م فر من درا سة الوظائف
وسوف تبدو وسائل التعليم الحالية سخيفة ،وتضطر المدارس والجامعات إلى تعديل برامجها..
وسيسأل علماء الصحة عن السبب الذي يحدوهم إلى الهتمام فقط بمنع المراض العضوية دون المراض
العقل ية ،والضطرابات الع صبية ،ك ما سيسألون ع ما يجعل هم ل يبذلون اهتماما بال صحة الروح ية؟ ولماذا يعزلون
المرضظى بالمراض المعديظة ،ول يعزلون أولئك الذيظن ينشرون المراض العقليظة والدبيظة؟ ولماذا يعتظبرون
العادات المسئولة عن المراض العضوية عادات ضارة ،دون العادات التي تؤدي إلى الفساد والجرام والجنون؟
ول سوف يدرك القت صاديون أن (ب ني الن سان) يفكرون ويشعرون ويتألمون .و من ثم ي جب أن تقدم ل هم
أشياء أخرى غيظر العمظل والطعام ،والفراغ! وان لهظم احتياجات روحيظة مثظل الحتياجات الفسظيولوجية .كمظا
سيدركون أيضا أن أسباب الزمات القتصادية والمالية ،قد تكون أسبابا أدبية وعقلية..
وسظوف ل نضطظر إلى قبول أحوال البربريظة فظي المدن الكظبرى وطغيان المصظنع والمكتظب ،وتضحيظة
الكظبرياء الدبيظة فظي سظبيل المصظلحة القتصظادية ،او تضحيظة العقظل للمال ..ويجظب أيضا أن ننبظذ الختراعات
(ول ما كان من الوا ضح أن تحر ير الن سان من مذ هب (الماد ية) سوف يقلب اغلب جوا نب حيات نا ،فان
المجتمع العصري سوف يعارض بكل قوته هذا التقدم في آرائنا)( ...ص)331-329
(مه ما ي كن ،ي جب ان نت خذ دوا عي الحي طة ح تى ل يحدث ف شل المادة رد ف عل رو حي .إذ ل ما كا نت
(التكنولوجيا) وعبادة المادة لم يصيبا نجاحا ،فقد يستشعر الناس إغراءً عظيما لختيار الطقوس المضادة ..طقوس
العقل ..ولن تكون رئاسة السيكولوجيا أقل خطرا من رئاسة الفسيولوجيا والطبيعة والكيمياء! فقد احدث (فرويد)
أضرارا اكثظر مظن التظي أحدثهظا أكثظر علماء الميكانيكظا تطرفا! فان مظن الكوارث أن نختزل النسظان إلى جانبظه
العقلي ،م ثل اختزاله إلى آليا ته الطبيع ية-الكيماو ية ..ول م فر من درا سة ال صفات الطبيع ية لم صل الدم وتواز نه
اليونظي ،وقابليتظه اختراق البروتوبلزم ...الخ .كمظا ندرس الحلم والشهوة والتأثيرات السظيكولوجية للصظلة
وذاكرة الكلمات ...الخ .بيظد أن اسظتبدال الروحظي بالمادي لن يصظحح الخطظأ الذي ارتكبتظه النهضظة ...فاسظتبعاد
المادة سوف يكون أكثر إضرارا بالن سان من استبعاد الع قل! وإنما سيوجد الخلص ف قط في التنحي عن جميع
المذاهب (ص)332-331
ما الحل الذي يقترحه للخلص؟ ما المنهج الذي يصحح غلطة عصر النهضة في اليمان بالمادة-والمادة
وحدها -وفي الوقت ذاته ل يسبب الغلطة الخرى بإهمال المادة وإنما يسير وسطا ،يلحظ جوانب النسان كلها ،
وجوانب الحياة النسانية كلها ؟ ما المنهج الذي يجعل النسان سيدا للمادة ،دون ان يهملها او يلجأ إلى سيكلوجية
وماذا عنده بعد هذا الدراك العميق للكارثة التي تهدد الجنس البشري .ومناداته بضرورة (قلب الحضارة
( إن العلج الوحيد الممكن لهذا الشر المستطير هو معرفة اكثر عمقا بأنفسنا .فمثل هذه المعرفة ستمكننا
من أن نفهم ما هي العمليات الميكانيكية التي تؤثر بها الحياة العصرية على وجداننا وجسمنا ..وهكذا سوف نتعلم
كيف نكيف أنفسنا بالنسبة للظروف المحيطة بنا ،وكيف نغيرها .إذ لم يعد هناك مفر من أحداث ثورة فيها .ولئن
استطاع هذا العلم-علم النسان -أن يلقي الضوء على طبيعتنا الحقة ،وامكانياتنا ،والطريقة التي تمكننا من تحقيق
هذه المكانيات ،فا نه سيمدنا باليضاح ال صحيح ل ما يطرأ علي نا من ض عف ف سيولوجي .كذا لمراض نا الدب ية
والعقلية.
( إننا ل نملك وسيلة أخرى لمعرفة القواعد التي ل تلين لوجوه نشاطنا العضوي والروحي؛ وتمييز ما هو
محظور مما هو مباح؛ وإدراك أننا لسنا أحرارا لنعدل في بيئتنا وفي أنفسنا تبعا لهوائنا..
و ما دا مت الحوال الطبيع ية للحياة قد حطمت ها المدن ية الع صرية ،ف قد ا صبح (علم الن سان) اك ثر العلوم
ضرورة( ..ص)45-44
هذا هو كل ما في جعبة العالم العالمي الكبير؛ بعد كل هذا الدراك العميق للكارثة المحيقة!
وانتهاء الرجل إلى هذا القتراح ،واعتباره الحل الوحيد الممكن للمشكلة-مشكلة بقاء هذه البشرية متحفظة
بإن سانيتها ،او انحدار ها من ها وتراجع ها إلى البربر ية الوحش ية -اعتباره إن ال حل الوح يد المم كن هو (مز يد من
علوم النسان) ..هو ظاهرة تلفت النظر بشدة-كما أسلفنا -إلى فعل هذه الحضارة في تفكير أهلها وتصوراتهم،
بح يث تضع هم في ق فص حديدي من (حدود العلم والوا قع) ل يملكون الخروج من إ ساره! ك ما ان هذه الظاهرة
تجزم بأن الحل لن يجيء من هناك! لنه يحتاج إلى راقب يرقب الوضع من خارج القفص ل من داخله!
إن تأخر علوم البشر عن علوم الجماد ليس ظاهرة تلقائية-كما يميل دكتور كاريل في كتابه إلى تقريره-
وإن ما نتي جة طبي عة-تكاد تكون حتم ية -لتقد ير قي مة الن سان ودوره ،في الت صور الزائف الذي قا مت عل يه هذه
الحضارة ،حين افترقت في نشأتها عن التصور العتقادي الصحيح .الذي يحمل تكريم النسان ،واعتباره خليفة
كما أن تلك الفات التي ذكرها في نظام الصناعة ووسائل النتاج ،والتي ل اعتبار فيها لنسانية النسان،
وخصائصه الثمينة ،وحاجاته الحقيقية ..إنما ترجع إلى النظمة القتصادية المنبثقة من تصورات ومناهج تتوخى
العداء للتصظور العتقادي وللخلق الدينيظة؛ وتسظخر مظن فكرة تدخظل العنصظر الخلقظي فظي نظام الحياة
القتصادي!
كما أن اعتماد الناس على معلوماتهم القليلة ..او بتعبير أدق على جهلهم المطبق-كما يعبر دكتور كاريل-
بفطرة النسان وحقيقته ،في إقامة أنظمتهم الجتماعية والقتصادية والسياسية والتربوية ..لم يأت عفوا .إنما جاء
نتي جة مباشرة لروح العداء ل كل ما يج يء من ع ند ال؛ و من كل ما يمد هم به المن هج الل هي من معر فة بهذا
النسان على حقيقته ..هذا العداء الذي قامت هذه الحضارة على أساسه .بسبب تلك الملبسات النكدة بين الكنيسة
والعلم في أوروبا..
و من هذه اليماءات ال سريعة ندرك أن ال مر اع مق بكث ير م ما يت صوره هذا العالم العال مي ال كبير؛ وي قف
عنده ،بسبب القيود التي تشده بها عقليته ،الناشئة في ظل تلك الحضارة العقيم!
وكما أحس دكتور كاريل بالخطر على مقومات النسان وكينونته من الحضارة الصناعية المادية ..كذلك
أحس مستر دالس وزير خارجية أمريكا بالخطر على الوليات المتحدة ،وعلى العالم الغربي من الشيوعية التي
يقوم نظام ها الجتما عي على أ ساس من (المذ هب المادي) و من (التف سير القت صادي للتار يخ) ..وو جه م ستر
دالس في كتا به (:حرب أم سلم) صيحة الذ عر من هذا الخ طر ،وطالب بدف عه ،ول كن مقترحا ته كذلك جاءت
جزئية ،ل تعالج المشكلة من جذورها ..لقد طلب من رجال الكنيسة عنده أن يقوموا بما ليس من طوقهم ،ول في
طبيعة موقفهم ان يؤدوه ،بعد ذلك الواقع التاريخي في حياة الكنيسة وحياة المجتمع منذ عهد بعيد..
( إن هناك شيئا ما ي سير بش كل خا طئ في امت نا .وإل ل ما أ صبحنا في هذا الحرج ،و في هذه الحالة
النفسية ..ل يجدر بنا ان نأخذ موقفا دفاعيا ،وان يتملكنا الذعر ..إن ذلك أمر جديد في تاريخنا!
( إن ال مر ل يتعلق بالماديات ،فلدي نا أع ظم إنتاج عال مي في الشياء الماد ية ،ان ما ينق صنا هو إيمان
صظحيح قوي .فبدونظه يكون كظل مظا لدينظا قليلً .وهذا النقظص ل يعوضظه السظياسيون مهمظا بلغظت قدرتهظم ،او
الدبلوماسيون مهما كانت فطنتهم ،او العلماء مهما كثرت اختراعاتهم ،او القنابل مهما بلغت قوتها!
( فمتى شعر الناس بالحاجة إلى العتماد على الشياء المادية .فإن النتائج السيئة تصبح أمرا حتميا.
( و في بلد نا ل تجتذب نظم نا الخلص الرو حي اللزم للدفاع عن ها .وهناك حيرة في عقول الناس،
وتآ كل لرواحهم .وذلك يجعل أمتنا معرضة للتغلغل المعادي-كما كشف عنه نشاط الجواسيس الذين تم كشفهم
حتى الن -ولن تستطيع أي إدارة لمكافحة التجسس ان تقوم بحمايتها في هذه الظروف).
( لقد تقابلنا مع أقسى الختبارات التي يمكن ان يلتقي بها أي شعب ..وهو اختبار الحياة في رفاهية..
( لقد قال يسوع :إن هذه الشياء المادية سيحظى بها أولئك الذين يعملون من اجل ما أمر به ال ،ومن
اجظل تحقيظق عدالتظه ..ولكظن عندمظا يحدث ذلك فعندئذ يبدأ المتحان الكظبر .لن هذه الشياء الماديظة-كمظا انذر
( كذلك فإن لدي نا نموذجا معروفا .فالرجال الذ ين لدي هم إح ساس بالوا جب إزاء كائن أعلى ،يجاهدون
لتحق يق إراد ته ،لن إيمان هم يمنح هم القوة والفضيلة والحك مة المب سطة 00إن هم ل يبنون ليوم هم ف قط ،بل لل غد؛
وليس لنفسهم وحدهم ،وإنما للجنس البشري .ومجتمع هذا أساسه ستكون من نتائجه الثروة والرفاهية للكثيرين
إذا ساعدته الحوال ..وعندما تأتي هذه المنتجات الفرعية فإن ها تكون طيبة ،إلى درجة أنها تشجع على العتقاد
بأن ها النها ية المرتق بة! وبذا سيبتعد الناس عن بذل الجهود النشائ ية لل جل الطو يل؛ ويبدأون ال صراع من أ جل
( ومع ذلك التغير ينمو خطر متزايد .فالمريكيون قد حصلوا على المن بالطريقة الوحيدة التي يمكن بها
ضمان المن .أعني كنتيجة فرعية لمسعاهم العظيم .وعندما بدأنا نتقاعس عن سعينا ،ونطلب المن كنهاية في
ذاته ،أخذ المن يزداد بعدا عنا! وستظل الحال دائما هكذا ،ومهما تكن درجة ثرائنا .فالمن ل يمكن شراؤه بأي
ثمن نقدي 00وخمسة بليين ،أو خمسون بليونا ل تكفي .فالمن والسلم ليسا سلعتين يمكن شراؤهما .لقد حاول
الباطرة الرومان أيام انحدارهظم أن يشتروا السظلم .وكانظت النتيجظة فتظح شهيظة أولئك الذيظن كانوا يسظعون إلى
تدميرهم.
( وبينما ينحدر نفوذنا وأمننا ،فإن نفوذ الشيوعية السوفيتية وأمنها آخذان في الرتفاع 00إنها تستطيع أن
تنفذ –بل هي تنفذ فعلً -سياسات تحمل طابع " تجربة الشيوعية السوفييتية العظمى" تلك التجربة التي استطاع بها
الشيوعيون أن يجتذبوا إليهم خيال شعوب العالم .تماما كما فعلنا نحن في القرن التاسع عشر بالتجربة المريكية
العظمى!
( وإننظا نعلم أن التصظويرات الشيوعيظة خادعظة ومضللة؛ ونعلم أن الشيوعيظة السظوفيتية لن تفتظح أبواب
التجر بة ال تي قاموا ب ها في وطن هم للح كم علي ها حكما حرّا محايدا .ونعلم أن أولئك الذ ين يقعون في براثن هم من
جراء الغراء الزائف لهذا الت صوير ،سرعان ما يدركون الفرق بين ها وب ين الحقي قة 00إن العنكبوت ين سج بيتا
جميلً يتألق في ضوء الشمس ويدعوا الذباب إلى صالونه! والدعا ية الشيوعية جذابة م ثل بيت العنكبوت .ومتى
وقع في قبضتها شعب فإن الستبداد يمتص قواه الروحية 00ولكن الشيوعية –كأمل -لها قبول عند الجماهير في
كل مكان من آسيا ،وفي جزر الباسفيك ،وجنوب أمريكا ،وأفريقيا 00وحتى في أوروبا الغربية 00
( لقد قال ستالين :إن قوة وحيوية الماركسية –اللينينية ،تكمن ،في أنها تركز نشاطها العملي في الحاجة
( ويبدو أن كثيرا متن البلد غيتر الشيوعيتة –بمتا فتي ذلك الدول المستيحية الغربيتة -تعطتي الولويتة
"لتنمية الحياة المادية للمجتمع" وتجعل من "الروحية" أمرا ثانويّا يتعلق بالفراد أنفسهم..
( ويت خذ الشيوعيون ذلك مثالً ل كي يثبتوا أ نه ح تى المجتمعات الغرب ية كان علي ها أن تت بع النظريات
الماديتة للشيوعيتة! ول يقوم الزعماء الغربيون بإنكار ذلك بطريقتة مقنعتة 00وهكذا يرتفتع المستتوى الدبتي
ونشاطنا!
( إننا نستطيع أن نتحدث ببلغة عن التحرر والحرية ،و عن حقوق الن سان والحريات ال ساسية؛ و عن
الكرامة والقيمة النسانية للفرد 00ولكن معظم حديثنا مشتق من فترة كان مجتمعنا فيها قائما على "الفردية" 00
ونتيجة لذلك فليس لها أثر كبير عند أولئك الذين يعيشون في ظروف يكون معنى الفردية فيها هو الموت المبكر..
( ونستطيع كذلك أن نتحدث ببلغة عن التقدم المادي الذي حققناه ،وعن روائع النتاج الجماعي ،وعدد
السظيارات وأجهزة الراديظو والتليفزيون التظي يمتلكهظا أفراد شعبنظا ..ولكظن المبالغظة فظي وصظف الماديات تعطظي
البعض فكرة بأننا قد أفلسنا من الناح ية الروحية؛ وتجعل من البعض حاسدين ل نا ،وأميل إلى التمجيد الشيو عي
والعنف ،ما لم يكن لدينا إيمان ،واستعانة بالوسائل الروحية في مجتمعنا الحديث المعقد؛ والتي تحول نفسها إلى
أعمال خالصة من الدناءة ،وظروف الحياة الذليلة ،التي ل يمكن أن تنمو فيها الروح! )
( لقد أخفقنا بشكل يدعو إلى الرثاء في أن نرى أن من الممكن الحصول على عدالة اجتماعية ،دون أن
نمارس اللحاد والماديتة ..إن ذلك يعتمظد على الرغبظة الختياريظة للفرد فظي قبول أو التخلي عظن اللتزامات
( ونتي جة لذلك فإن كثيرا من قوم نا قد فقدوا إيمان هم في مجت مع حر .وكأ مة فقد نا كذلك إيمان نا الدي ني
وممارسة شعائرنا الدينية .رغم أننا ما زلنا متدينين! إننا نفرق بين الدين وممارسة الدين! ولم نعد نؤمن بأن
اليمان يتمشى مع الظروف الحديثة ..ومتى تحطمت الصلة بين اليمان والعمل ،فلن نستطيع بعد ذلك أن ننمي
( إن علي نا أن نغ ير كل ذلك .إن نا ن ستطيع -بل ي جب -أن نر فض كل ية النظر ية المارك سية القائلة :إن
الشياء المادية لها الولوية ،والروحية تابعة لها .إن العبودية والستبداد ل يمكن ان يكونا صوابا ،حتى ولو
ب صفة ا ستثنائية .وي جب أل نخ شى و ضع اليمان في مرت بة ال صدارة بالن سبة لحر ية الن سانية والتحرر ،وان
نتمسك بالرأي الديني القائل :إن ال قد خلق النسان لكي يكون اكثر من منتج مادي؛ وان غايته النهائية شيء
آخر غير المن الجثماني .يجب أن نؤمن بأنه يجب تحرير الناس في كل مكان من التضييق الروحي والعقلي
والقتصادي المتزايد ،بحجة أن ذلك سينمي الرفاهية القتصادية للمجتمع الذي ينتمون إليه! )..
( وي جب أن نف هم كذلك بوضوح أن مجتمعا حرا ل يس معناه مجتمعا ي سعى كل فرد ف يه لنف سه .بل ا نه
مجتمع متناسق .والقيود المفروضة هي ،قبل كل شيء ،روابط الخوة المنبعثة من اليمان .فان الناس خلقوا لكي
( وإيجاد هذه الرسالة هو قبل كل شيء مهمة الزعماء الروحيين لمتنا .وبعثورهم عليها يستطيعون أن
يساهموا بشكل حاسم في الحباط السلمي للساليب الشريرة ،والخطط التي تعدها الشيوعية السوفييتية.
( إن كثيرا من الوعاظ والمعلم ين يأ سفون لن المعر فة العلم ية قد زادت قدرة الن سان على الذى إلى
درجة كبيرة .ول يجب أن نصدق ان المعرفة في حد ذاتها شيء يمكن الهرب منه.
( إن القوة الماد ية ال كبيرة تكون خطرة في ع صر الماد ية ف قط؛ ول يس في ع صر رو حي .والمعر فة
والعمل .ولعله يكون اكثر أهمية لو أن العبادة الروحية تطورت بدلً من محاولة وقف التقدم العلمي ،او الرجوع
( ل قد ك تب الرئ يس ول سون ق بل وفا ته بأ سابيع قليلة مقالً ا ستعرض ف يه تهد يد المبادئ الثور ية وأعمال
الشيوعية .وختمه بقول :إن اختصار المسألة بأسرها هو ما يلي :إن حضارتنا ل تستطيع الستمرار في البقاء من
( هذا هو التحدي النهائي لكنائسنا ومنظماتنا السياسية وللرأسماليين عندنا ،ولكل فرد يخاف ال ،او يحب
بلده! ) ..
ول كن هذه ال صيحة ال تي أر سلها م ستر دالس-كال صيحة ال تي أر سلها دكتور كار يل من ق بل -ل تم كن
تلبيت ها بهذا ال سهولة! ول بهذا التحدي الذي يض عه دالس أمام كنائ سهم ومنظمات هم والرأ سماليين و كل فرد يخاف
إن المسظألة اعمظق مظن هذا بكثيظر .فالكنائس لم يعظد لديهظا مظن النصظرانية-منظذ مظا أفسظدها بولس أولً.
ل للحياة النسانية.
وقسطنطين ثانيا .والكنيسة والمجامع والبابوات ثالثا -ما يصلح أساسا شام ً
وحتظى البقيظة الباقيظة مظن التصظور النصظراني-هذه التظي يتحدث عنهظا مسظتر دالس -لم تعظد الحضارة
المريك ية الماد ية تطيق ها .هذه الحضارة ال تي قا مت ابتداء على (الفرد ية) الجام حة ،ممثلة في النظام الرأ سمالي
وما أظن مستر دالس نفسه قد فكر-وهو يرسل هذه الصيحة في ساعة الخطر -في تطبيق بقية التصور
النصظراني تلك .فان أول مظا تقتضيظه :إلغاء النظام الربوي الذي تقوم هذه الحضارة عليظه ،والذي يسظاهم بالقسظط
الول والو فر في ويلت البشر ية ،وويلت الحضارة الماد ية .والذي تحرّ مه الن صرانية ،ك ما يحر مه كل د ين
إن ما أراد م ستر دالس صورة باه تة من الن صرانية ل تتد خل في صميم النظام القت صادي .و في الو قت
وح تى لو كان جادا في أعمال الت صور الدي ني في صميم الحياة كل ها ..فان هنالك هوة ل ت عبر ،ول يقام
علي ها معبر بين التعاليم النصرانية ال صحيحة ،وب ين الحياة الواقع ية عنده .اشترك في حفرها وتعميقها خم سمائة
وهو يكلف رجال الكنيسة عنده والزعماء الروحيين مال قبل لهم به .حتى يطلب إليهم ،بما بين أيديهم من
رصظيد مهلهظل للديظن النصظراني ،ومظن تاريظخ مريظر بيظن الكنيسظة ورجالهظا والديظن وأهله وبيظن ضمائر الناس
وعقول هم ،و من ف صام ن كد قا مت بعده كل جوا نب الحياة والف كر والشعور على أ ساس العداء للد ين كله ..أقول
يكلفهم مال قبل لهم به ،وهو يطلب إليهم استحداث منهج من ذلك الرصيد المهلهل ،يصل بين اليمان والعمل.
وبين الفردية والجماعية .وبين الروح والمادة .وبين التقدم العلمي والهيمنة الروحية على هذا التقدم .وبين العناية
بتنمية الحياة للمجتمع مع سيطرة الروح اليماني ..منهج ل يفرق بين الدين وممارسة الدين .ويرفض القول :بأنه
من غ ير المم كن الح صول على عدالة اجتماع ية بدون ممار سة اللحاد والماد ية .ك ما ير فض أن يكون للشياء
الماديظة الولو ية .او أن تكون العبوديظة والسظتبداد وسظيلة الكثار مظن النتاج المادي .او أن يعتدي على الحريظة
العقلية والروحية والقتصادية في سبيل هذا الكثار ..منهج ل يطلب وقف التقدم العلمي باسم (الدين)! ول يجعل
التد ين و سيلة واحدة هي عودة العلم والمعر فة القهقري! ..و في النها ية من هج تتطور (العبادة) ف يه ح تى ي صبح
فأنى يجدون هذا المنهج في بقايا التصور المهلهل؛ وفي أنقاض التاريخ المرير ،وفي الفجوة التي ل تعبر،
وال تي ل يقام علي ها م عبر ،ب ين طبي عة الد ين الذي عند هم-ك ما صاغته هذه الملب سات كل ها -وب ين طبي عة الحياة
إن الذي يملك استحداث هذا المنهج قوم آخرون ..والدين الذي يتضمن م ثل هذا المنهج في اكمل صورة
إن م ستر دالس ير يد أن يج ند (الد ين) لحما ية النظ مة الغرب ية من الشيوع ية ..ول كن الد ين ل يملك أن
يصنع شيئا في هذه المعركة الصغيرة! بين أنظمة مادية وأنظمة مادية من نوع آخر! انه ل يملك أن يصنع شيئا
في صورته الباهتة التي تراد له ..ل يملك أن يدافع عن الناس وهو مطرود من حياتهم طردا قبيحا!
إن (ديظن ال) ل يصظلح خادما يلبظس منطقظة الخدم ،ويقظف بحضرة (أسظياده) ،ويوجهونظه حيظث يريدون!
يطردو نه من حضرت هم فين صرف ،و هو يق بل الرض ب ين أيدي هم ..ثم ي قف وراء الباب -في شارة الخدم -ر هن
الشارة! ..ويستدعونه للخدمة ،فيقبل الرض بين أيديهم ،وينحني قائلً :لبيك يا مولي! كما يفعل من يسمونهم
(رجال الدين)!
كل! إن (ديظن ال) ل يرضظى إل أن يكون سظيدا مهيمنا .قويا متصظرفا .عزيزا كريما .حاكما ل محكوما.
إشارته .يصرفها بجملتها ،وينظمها من أطرافها ،وينسقها وفق شريعته 00حين يتحاكم إليه الناس في أمورهم
" فل ور بك ل يؤمنون ح تى يحكموك في ما ش جر بين هم ،ثم ل يجدوا في أنف سهم حرجا م ما قض يت
[النساء]65 :
ويومئذ فقط يؤدي دوره كاملً 00دور السيد المدبر 00ل دور الخادم الملبي00
ويومئذ فقط ينتهي ذلك الفصام النكد .الذي أنشأ كل هذا الشقاء المرير .وكل هذا الخطر الخطير00
ويومئذ فقط يجئ المخلص ،الذي تتعالى الصيحات بصفاته وسماته! هذا المخلص المرتقب للناس أجمعين
بمنقظذ ،وتتلفظت على (مخلص) ،وتتصظور لهذا المخلص سظمات وملمظح معينظة تطلبهظا فيظه 00وهذه السظمات
جاءت هذه الفقرة في الف صل الول من هذا الكتاب 00والف صل الذي سلف ( صيحات الخ طر) يتض من
التف سير الكا مل لهذه الفقرة في أقوال دكتور كار يل ،و في أقوال م ستر دالس على ال سواء! لول أن كل منه ما –
ل مر قد قدر -ل يت جه بدعائه للمخلص الحقي قي الذي عل يه وحده تنط بق هذه الو صاف؛ وف يه وحده تتح قق هذه
السمات!
إن دكتور كاريل يطلب منهجا للحياة غير (دين الصناعة) و (التكنولوجيا).
ير يد منهجا يع تبر (الن سان مقيا سا ل كل ش يء) ول يجعله (غريبا في العالم الذي ابتد عه) 00ول ين هض
منهجا ( ل يهمظل تأثيظر المصظنع على الحالة الفسظيولوجية والعقليظة للعمال إهمالً تاما عنظد تنظيظم الحياة
ال صناعية) ول ( ين هض على مبدأ ال حد الق صى من النتاج بأ قل قدر من التكال يف 00ح تى ي ستطيع فرد أو
منهجا ل ينشظئ بيئة (غيظر صظالحة ل بالنسظبة لقوامنظا ول بالنسظبة لهيئتنظا) .ول يجعلنظا ( ننحظط أخلقيا
وعقليا) .ول يكبت ويعطل ( نمو وجوه النشاط العاطفي والجمالي والديني فيخلق أشخاصا في المرتبة الدنيا .ذوي
منهجا ل يل غي شخ صية الفرد من ح سابه ،ولك نه كذلك ل ين سى حا جة الفرد للحياة الجماع ية .فل (نر بي
منهجا ل يلغي شخصية الذكر وشخصية النثى( .فإهمال انعدام المساواة بين الجنسين أمر خطر جدّا).
منهجا ل يدع حياة بنظي النسظان نهبا (لخيالت ماركظس ولينيظن وفرويظد) و (شهوات الناس وأهوائهظم
ونظرياتهم ورغباتهم).
منهجا ل يعتدي على قوان ين الفطرة .ول يش جع على (ارتياد الرض المحر مة) .ول ي صطدم من الحقائق
وأخيرا 00منهجا ل يتخذ من فشل (المادية) سببا للنكسة إلى (الروحية) السلبية التي عرفتها أوربا في
ولكن دكتور كاريل يطلب هذا المنهج الذي هذه سماته عند (علم النسان) الذي يطالب بإنشائه على الرغم
إنظه يطلب منهجا (ل يعطظي الولويظة المطلقظة لتنميظة الحياة الماديظة للمجتمظع مظع إعطاء الروحيظة أهميظة
منهجا (ل يقوم على الفردية المطلقة -كما عرفتها التجربة المريكية -هذه الفردية التي يكون معناها في
منهجا (ل يخفق –بشكل يد عو إلى الرثاء ! – في أن يرى أن من الممكن الح صول على عدالة اجتماعية
منهجا (ل يفرق بين الدين وممارسة الدين .ول يحطم الصلة بين اليمان والعمل .ول يزعم أن اليمان ل
منهجا (يرفض أن يكون للشياء المادية الولوية ول يجعل الروحية تابعة لها .ويرفض أن يعتبر العبودية
والسظتبداد صظوابا -ولو فظي حالة اسظتثنائية -ويرفظض اعتبار النسظان أداة إنتاج فحسظب .ويرفظض الرفاهيظة
تشدهم ،والتي تحفظ مجتمعهم من الفردية الطاغية ومن الجماعية الطاغية كذلك.
منهجا ي ظل الروح اليما ني ف يه مهيمنا على المعر فة العلم ية .فل يطلب و قف تقدم المعر فة والعلم بح جة
وأخيرا 00يريد منهجا يوضح العلقة بين العقيدة والعمل ،وتتطور فيه (العبادة) حتى يصبح العمل إحدى
صورها 000
ولكن مستر دالس يطلب هذا المنهج عند رجال الكنيسة المريكية ،وعند الزعماء الروحيين في بلده 000
على الرغم مما يعرفه من تاريخ الكنيسة الغربية ،ومن (الفصام النكد) بينها وبين المجتمع ،ورواسبه المريرة!
ولكن الذي ينبغي أن يكون واضحا 00أنه ل (علم النسان) يملك أن يستجيب لصيحة دكتور كاريل ،ول
إن هذه الصفات التي يطلبانها في (المخلص) ل تتوافر في أحد إل في (هذا الدين) .وإن هذا المنهج الذي
يصفانه ل يملكه إل السلم .من بين سائر المناهج والمذاهب والنظريات التي يعرفها بنو النسان!
ودكتور كار يل ل يت جه إلى هذا (المخلص) 00ل نه -على الر غم من سعة أف قه ،و من غزارة عل مه -
رجل أبيض 00يتجه بتمجيده كله للجنس البيض! ويؤلف كتابه لنقاذ الجنس الب يض! ويوجه اهتمامه لنقاذ
والسلم ليس من صنع الرجل البيض ،ومن ثم ل يمكن أن يتجه إليه العالم العالمي الكبير!
وم ستر دالس كذلك ل يت جه إلى هذا (المخلص) ل نه فوق أ نه (ر جل أب يض) ،فإن له مع هذا الد ين شأنا
00إنه الرجل الذي قام بأكبر نصيب قام به سياسي عالمي في العصر الحديث في حرب السلم ،وإقامة الجهزة
التي ترصد لهذا الدين في كل بقاع الرض بل استثناء ،وتحاول أن تحل محله تصورات وقيما أخرى من صنع
النسان!
ولكن هذا الدين ،هو وحده الذي يملك تلبية تلك الصرخات وهو وحده الذي تتحقق فيه هذه السمات .وهو
وحده الذي توجد عنده هذه (الوصفة) اللزمة لشفاء بني النسان!
إن السلم منهج جديد للحياة غير الذي عرفته أوروبا وعرفه العالم في فترة الفصام النكد وقبلها وبعدها
كذلك 00من هج أصيل ،م ستقل الجذور 00منهج شامل متكا مل .وليس مجرد تعد يل للحياة الراه نة وأوضاعها
القائ مة 00إ نه من هج للت صور والعتقاد؛ ك ما أ نه من هج للع مل والوا قع 00و من ثم ف هو -وحده -الك فء
ل قد أخ طأ المجت مع البشري طري قه .ل من يوم أن ات جه إلى تنم ية علوم الجماد وترك علوم الن سان بدون
نماء 00ول من يوم أن ترك اللة تتحكم في حياته ،وتكيفها هذا التكيف المناقض لطبيعة النسان 00ول من
يوم أن ترك النظم السياسية والجتماعية والقتصادية تحت رحمة المستغلين يوجهونها لغير صالح البشر ،ولغير
إنمظا أخطظأ المجتمظع طريقظه يوم أن جعظل تلك الملبسظات النكدة التظي صظاحبت عصظر الحياء وعصظر
التنوير ،وعصر النهضة الصناعية 00تصرفه عن منهج ال كله -ل عن تصورات الكنيسة وحدها -وتوقع
(الفصام النكد) في حياته ،بين التصور العتقادي اللهي ،ونظام الحياة الجتماعي 00
ولم ي عد ذلك الترق يع الجزئي عن طر يق العنا ية بعلوم الحياة وعلوم الن سان –ك ما ي ظن دكتور كار يل-
فالناس ل يوجظه حياتهظم ول يغيرهظا أن ( يعلموا ) ولكظن يوجظه حياتهظم ويغيرهظا أن ( يعتقدوا ) والنسظان هظو
النسان!
ولقظد انتظرت مظن دكتور كاريظل -وهظو يذكظر "ضرورة قلب الحضارة الصظناعية وظهور فكرة أخرى
للتقدم البشري" – أن ي ثب وث بة كاملة ،فيخرج من قف صه الحديدي "العل مي"! ولك نه لم ي ستطع هذه الوث بة ال كبرى
وبقي داخل القفص ،يهتف بصيحة الخطر الذي يراه يتهدد البشرية المسكينة الصائرة إلى البوار!
إن الحياة البشريظة المهددة فظي حاجظة إلى هذه الوث بة الكاملة ،فظي حاجظة إلى أن ترجظع إلى فطرتهظا التظي
فطر ها ال علي ها .و هي ل يم كن أن تر جع إلى هذه الفطرة بمبادئ ونظريات أو و سائل تن بع من ذلك الت صور
الحضاري الذي يك من ف يه الخ طر؛ والذي قام ابتداء على أ صول معاد ية ليناب يع لفطرة 00ل بد من ت صور جد يد
جدة حقيق ية كاملة؛ يغ ير قاعدة الحياة من ال ساس ويرد ها إلى الفطرة؛ ويقيم ها على أ ساس آخر يت فق مع طبي عة
التكوين الن ساني المتكا مل؛ ومع الحقي قة الكون ية – ك ما هي في الوا قع ل ك ما تبدو من خلل المناظ ير الملو نة،
إن علمنظا القليظل المحدود عظن الكائن البشري -أو جهلنظا المطبظق بهذا الكائن البشري -كمظا وصظفه هذا
العالم العال مي ال كبير ،ل ي سمح إطلقا بأن نكون ن حن -الب شر -الذي نتولى و ضع (الت صميم) ال ساسي ابتداءً
لحياة هذا الكائن 00ولو كان هذا مدى علمنا -أو مدى جهلنا -بجهاز مادي صغير ،ما أمن صاحبه أن يتركه
لنا لصلحه -بله تركي به! -ولكننا بهذا الجهل – نتصدى لقامة نظام (للنسان) 00أعز وأثمن ما في هذه
لقد أدركنا الغرور ،ونحن نرى العقل البشري يبدع في عالم المادة ،ويأتي بما يشبه الخوارق! فوهمنا أن
العقظل الذي يبدع الطائرة والصظاروخ؛ ويحطظم الذرة وينشظئ القنبلة اليدروجينيظة؛ ويعرف القوانيظن الطبيعيظة
ويستخدمها في هذا البداع 00وهمنا أن هذا العقل جدير بأن نكل إليه كذلك وضع (نظام) الحياة البشرية 00
وقواعد التصور والعتقاد ،وأسس الخلق والسلوك 00ناسين أنه حين يعمل في (عالم المادة) فإنه يعمل في
عالم يم كن أن يعر فه ،ل نه مج هز بإدراك قواني نه 00أ ما ح ين يع مل في (عالم الن سان) ف هو يع مل في متا هة
واسعة بالقياس إليه! هو غير مجهز ابتداء بإدراك حقيقتها الهائلة الغامضة.
ومظن عجظب أن الذي يقرر هذه الحقيقظة هظو العالم العالمظي الكظبير الذي يطلب هذه الحقيقظة عنظد (علم
النسان)!!
الحضارية من الحياة!
وهو وهم ساذج -على الرغم من أنه وهم كبير! -بل وهم مضحك! ولكنه -مع السف -يرتكن في
الغرب و في التاريظخ الحضاري له ،على وا قع تاريخظي طويظل .حتظى ليحتاج من مسظتر دالس إلى ذلك الفصظل
المطول في كتا به( :حرب أم سلم) 00ف صل( :حاجات نا الروح ية) الذي اقتطع نا م نه في الف صل ال سابق تلك
غ ير أن ال مر في المن هج الل هي ال صحيح ل يس على هذا الن حو 00إن (الد ين) ل يس بديلً من العلم
والحضارة .ول عدوّا للعلم والحضارة .إنمظا هظو إطار للعلم والحضارة ،ومحور للعلم والحضارة ،ومنهظج للعلم
والسلم -بالذات -كان هو العلن الشامل لحرية العقل البشري تجاه الكون المادي ،وقوانينه ،وقواه،
ومدخرا ته .وكان اليذان العام بانطلق هذا الع قل ليع مل ويبدع في ذلك الملك العر يض الذي ا ستخلفه ر به ف يه.
وكانت هذه إحدى الحقائق التي تضمنها التصور السلمي عن حقيقة علقة الخلق بالخالق؛ ومركز النسان في
ال تي كا نت تتيح ها ل ها الدوات والو سائل في حين ها -والدوات والو سائل قابلة دائما للتطور والتر قي -وال سلم
يد فع هذا الن مو ويقوده ،ولك نه يحف ظه دائما دا خل إطار الفطرة؛ ل ي صطدم بطبي عة الن سان وخ صائصه الثمي نة،
ول قد كان ال سلم هو الذي أن شأ -بطبي عة واقع ية منه جه -المن هج التجر يبي ،الذي انت قل إلى أور با من
جامعات الندلس؛ والذي أقام عليظه (روجظر بيكون) و (فرنسظيس بيكون) -الذي يسظمونه افتراء (أبظا المنهظج
التجريبي) -منهجهما كما قرر ذلك بريفولت وجوهرنج من الكتاب الغربيين أنفسهم(.)]18[2
إن ال سلم ي كل ر سم (الت صميم) ال ساسي للحياة البشر ية ،إلى العلم الكا مل الشا مل ،ال مبرأ من الج هل
والق صور والهوى كذلك يكله إلى علم ال -سبحانه -ب ما أن ال هو الذي أبدع الكون و ما ف يه؛ وأبدع قواني نه
كل حقائق الكينونة البشرية وكل حقائق الطبيعة الكونية 00فهو -وحده -القادر على أن يصنع للنسان نظام
حياة؛ شاملً لحياته الفردية والجماعية؛ ولحياته في الكون المحيط به 00عن (علم مطلق) يقابل (جهلنا المطبق)
00وفي الوقت ذاته ل يلغي العقل البشري -كما أرادت الكنيسة ذات يوم -هذه الداة العظيمة ،التي وهبها ال
للنسان ليعمل بها ويبدع؛ ل ليغلها أو يلغيها! وفقط يحوطها بالسياج الواقي من الهوى ،ومن التهور ،ومن الخبط
في الت يه ،ومن النك سة والنحدار .ويضع ل ها المن هج الذي يقوّمها من ها فل تم يل؛ ويهديها فل ت ضل؛ ويك فل لها
وبهذا يظل (النسان) هو سيد (المادة) بضمانة من المنهج الذي أبدعه له مبدع النسان والمادة .وبالتصور
الذي يشعره بكرامتظه على ال؛ كمظا يشعره بعبوديتظه ل .وفظي الوقظت ذاتظه يشعره بأنظه مسظتخلف فظي هذا الملك
العريض 00
و من هذا كله ي تبين أن ال سلم -وحده -هو المن هج الذي ي ستصرخه م ستر دالس -ولك نه ل يت جه
إليه! -المن هج الذي يملك أن يتقدم لتخليص البشرية من بربر ية الحضارة الصناعية –كما يعبر دكتور كار يل -
ومن مصيدة الشيوعية -كما يقول مستر دالس -وأننا نحن أصحاب المنهج السلم -وحدنا -الذين نملك تلك
الوثبة الكبرى!
إن هذه الحضارة ال صناعية ال تي تح يط بالبشر ية اليوم ،تح طم أ هم ما في كيان (الن سان) وتحارب أر فع
مقوماته النسانية ،وفي الوقت الذي تقدم له تلك التسهيلت الرائعة -وإن كانت هذه التسهيلت قد تكون مؤذية
لكيانه المادي ذاته -كما يقرر العالم العالمي الكبير ،في مواضع شتى من كتابه القيم 00
والسلم -بطبيعة تصوره لحقيقة الكون ودور النسان فيه ،وبطبيعة منهجه الواقعي التجريبي -لن يعمد
إلى المصانع فيحطمها! ولن يعمد إلى تلك التيسيرات التي تقدمها الصناعة للحياة البشرية فيلغيها!
ولكظن السظلم سظيعمد -ابتداء -إلى تغييظر النظرة إلى هذه الحضاريات وقيمتهظا 00سظيمنحها قيمتهظا
الحقيقية بل مبالغة وبل بخس كذلك! بحيث يصبح الروح النساني المؤمن هو المسيطر عليها .ل أن تكون هي
إن السلم سيقر في خلد النسان قيمته العلوية ومقوماته الكريمة 00سيستنقذ الروح النساني من المهانة
التي فرضها عل يه (دارون) و (كارل مار كس) وأشباه هم! وعندئذ سيشعر أنه هو السيد ،الذي ينبغي أن يسيطر
وحين يصبح الروح النساني المؤمن هو المسيطر ،فيومئذ سيصبح متمتعا بحريته -في إطار عقيدته -
قادرا على الختيار 00فالختيار هو العن صر الهام الذي يفتقده الروح الن ساني الن .و هو م جبر مقهور ذل يل
والقدرة على الختيار ستتيح للروح الن ساني المؤ من ،أن ي ستبعد العنا صر الضارة في هذه الحضاريات،
وينمي العناصر الصالحة ،المتفقة مع الحاجات الحقيقية للكينونة النسانية .كما أن سيطرة الروح النساني المؤمن
سظتتيح له التحرر مظن الوضاع المنافيظة لكرامتظه ،ومظن طرائق النتاج وأنظمظه العمظل التظي تهدر فيهظا مقومات
الن سان الكري مة ،فلي ست طرائق النتاج وأنظ مة الع مل شرائع مقد سة! إن ما هي مجرد و سائل ا ستغللية لتنم ية
مقادير النتاج المادي ،على حساب المقومات النسانية! فإذا تقرر أن (النسان) أكرم وأغلى من (الشياء) تغيرت
طرائق النتاج وأنظمة العمل بحيث توائم بين وفرة النتاج ومقومات النسان الكريمة 00
و في حالة نشأة ت صورات وق يم جديدة ،منبث قة من المن هج ال سلمي للحياة 00و ما يت بع هذه النشأة من
سيطرة الروح الن ساني المؤ من على الحضارة ال صناعية وأدوات ها وطرائق ها ،مع القدرة على الختيار ال تي هي
وليدة تلك ال سيطرة 00في هذه الحالة ف قط ي صبح المز يد من (علوم الن سان) ذا قي مة حقيق ية في إطار الت صميم
الكلي .ك ما ي صبح من المم كن تلب ية هتاف م ستر دالس إلى المن هج الذي ي صف سماته ،ول يجده ب ين يد يه؛ ول
ومن حسن الحظ أن الفطرة النسانية ذاتها -كما أبدعها ال -متناسقة مع فطرة الكون .وأن فطرة الكون،
كفطرة النسان ،تحتوي على عناصر الحركة والبداع والنمو والترقي 00ومن ثم ستجد الفطرة أن الكثير من
هذه الحضاريات يلبي ويتمشى مع حاجاتها الحقيقية المترقية 00ولن تصطدم إل بما هو ضار بكينونة النسان
ذاته .وهذا ما يجب أن يطرد وينفى 00وهذا ما يكفله منهج ال للحياة 00هذا الدين 00المخلّص الذي يطل به
وحين يتقرر أن السلم هو -وحده -القادر على إنقاذ البشرية مما يحدق بها من أخطار ماحقة ،تدلف
إليهظا مقودة بسظلسل الحضارة الماديظة البراقظة .وهظو -وحده -القادر على منحهظا المنهظج الملئم لفطرتهظا
ولحتياجاتهظا الحقيقيظة .وهظو -وحده -الذي ينسظق بيظن خطاهظا فظي البداع المادي وخطاهظا فظي السظتشراف
الرو حي .و هو -وحده -الذي يملك أن يق يم لها نظاما واقعيا للحياة ي تم ف يه هذا التناسق الذي لم تعر فه البشر ية
ح ين يتقرر هذا كله تت ضح م عه شنا عة الجري مة ال تي يرتكب ها -في حق البشر ية كل ها -أولئك الذ ين
يوجهون الضربات الوحشيظة لطلئع البعظث السظلمي فظي كظل مكان -وفظي أولهظم مسظتر دالس الذي يصظرح
ويستصرخ في طلب مثل هذا المنهج -والذين يجندون قواهم كلها ،لطمس معالم المنهج السلمي ،ومواراته عن
أعين البشرية المتطلعة إلى منقذ ،المتلفتة على (مخلص) ،وتنفيرها منه بشتى الخدع والتمويهات والكاذيب!
إنها جريمة بشعة -في حق البشرية كلها -البشرية المسكينة المنكوبة بهذه الحضارة المناقضة لفطرتها
ولحتياجات ها الحقي قة -ك ما يقرر العالم الغر بي ال كبير -المهددة بغل بة الفل سفة الماد ية علي ها -ك ما ينذر م ستر
دالس – البشرية التي تدلف إلى الهاوية ،مقودة بسلسل هذه الحضارة المادية البراقة ،وهي في كل لحظة تقترب
من الهوة الرعي بة ،ول من قذ ل ها إل هذا الد ين ،الذي يحار به أعداء البشر ية ،في كل مكان على و جه الرض،
إل أن هذه الحرب المشبوبة على السلم ل تفقدنا الثقة المطلقة في أن (المستقبل لهذا الدين).
لقد صمد السلم في حياته المديدة ،لما هو أعنف وأقسى من هذه الضربات الوحش ية ،التي توجه اليوم
إلى طلئع البعث السلمي في كل مكان .وكافح -وهو مجرد من كل قوة غير قوته الذاتية -وانتصر ،وبقى،
وأبقى على شخصية الجماعات والوطان ،التي كان يحميها ،وهو مجرد من السلح!
إن السظلم هظو الذي حمظى الوطظن الٍسظلمي فظي الشرق مظن هجمات التتار؛ كمظا حماه مظن هجمات
ال صليبيين على ال سواء 00ولو انت صر ال صليبيون في الشرق ك ما انت صروا في الندلس قديما ،أو ك ما انت صر
ال صهيونيون في فل سطين حديثا ،ما بق يت قوم ية عرب ية ،ول ج نس عر بي ول و طن عر بي 00والندلس قديما
وفلسطين حديثا كلهما شاهد على أنه حين يطرد السلم من أرض ،فإنه ل تبقى فيها لغة ول قومية ،بعد اقتلع
الجذر الصيل!
والمماليك الذين حموا هذه البقعة من التتار ،لم يكونوا من جنس العرب إنما كانوا من جنس التتار! ولكنهم
صظمدوا فظي وجظه بنظي جنسظهم المهاجميظن ،حميظة للسظلم ،لنهظم كانوا مسظلمين! صظمدوا بإيحاء مظن العقيدة
ال سلمية ،وبقيادة روح ية إ سلمية من المام الم سلم (ا بن تيم ية) الذي قاد التعبئة الروح ية ،وقا تل فظي مقد مة
الصفوف!
ول قد ح مى صلح الد ين هذه البق عة من اندثار العرو بة من ها والعرب والل غة العرب ية 00و هو كردي ل
عربي 00ولكنه حفظ لها عروبتها ولغتها حين حفظ لها إسلمها من غارة الصليبيين .وكان السلم في ضميره
هو الذين كافح الصليبيين .كما كان السلم في ضمير الظاهر بيبرس ،والمظفر قطز ،والملك الناصر 00هو
والسلم هو الذي كافح في الجزائر مئة وخمسين عاما .وهو الذي استبقى أرومة العروبة فيها .حتى بعد
أن تحط مت مقومات ها الممثلة في الل غة والثقا فة ،حين ما اع تبرت فرن سا الل غة العرب ية – في الجزائر -ل غة أجنب ية
محظورا تعليمها! هنالك قام السلم -وحده -في الضمير ،يكافح الغزاة ،ويستعلي عليهم ،ول يحنى رأسه لهم
لن هم أعداؤه (ال صليبيون)! وبهذا -وحده -بق يت روح المقاو مة في الجزائر ،ح تى أزكت ها من جد يد الحر كة
السلمية التي قام بها عبد الحميد بن باديس ،فأضاءت شعلتها من جديد 00وهذه الحقيقة التي حاول أن يطمسها
إنهم على يقين أن (السلم) ،باستعلء روحه على أعدائه ،هو الذي يقف في طريقهم في الجزائر .ومن
ثم يعلنونها حربا على (المسلمين) 00ل على (العرب) ول على (الجزائريين)!
والسلم هو الذي هب في ال سودان في ثورة المهدي ال كبير على الحتلل البريطا ني للقسم الشمالي من
الوادي (مصر) ثم القسم الجنوبي (السودان) ومراجعة إعلنات (المهدي) الكبير ،ورسائل (عثمان دقنة) لكتشنر
وأول انتفاضظة فظي مراكظش ،كانظت منبثقظة مظن الروح السظلمي .وكان (الظهيظر البربري) الذي سظنه
00هو الفرنسيون سنة 1931وأرادوا به رد قبائل البربر هناك إلى الوثنية ،وفصلهم عن الشريعة السلمية
لقظد كافظح الٍسظلم -وهظو أعزل -لن عنصظر القوة كامظن فظي طظبيعته .كامظن فظي بسظاطته ووضوحظه
وشموله ،وملءمتظه للفطرة البشريظة ،وتلبيتظه لحاجاتهظا الحقيقيظة 00كامظن فظي السظتعلء عظن العبوديظة للعباد
بالعبودية ل رب العباد؛ وفي رفض التلقي إل منه ،ورفض الخضوع إل له من دون العالمين ..كامن كذلك في
السظتعلء بأهله على الملبسظات العارضظة كالوقوع تحظت سظلطان المتسظلطين .فهذا السظلطان يظظل خارج نطاق
الضمير مهما اشتدت وطأته ..ومن ثم ل تقع الهزيمة الروحية طالما عمر السلم القلب والضمير ،وإن وقعت
و من أ جل هذه الخ صائص في ال سلم يحار به أعداؤه هذه الحرب المنكرة ،ل نه ي قف ل هم في الطر يق،
يعوقهم عن أهدافهم الستعمارية الستغللية ،كما يعوقهم عن الطغيان والتأله في الرض كما يريدون!
ومن أجل هذه الخصائص يطلقون عليه حملت القمع والبادة ،كما يطلقون عليه حملت التشويه والخداع
والتضليل!
و من أ جل هذا يريدون أن ي ستبدلوا به قيما أخرى ،وت صورات أخرى ،ل ت مت ب سبب إلى هذا المنا ضل
العنيد؛ لتستريح الصهيونية العالمية ،والصليبية العالمية ،والستعمار العالمي من هذا المناضل العنيد!
إن خصائص السلم الذاتية هي التي تحنق عليه أعداءه الطامعين في أسلب الوطن السلمي 00هذه
ولكن الذي ل شك فيه -على الرغم من ذلك كله -هو أن (المستقبل لهذا الدين)..
( فمن طبيعة المنهج الذي يرسمه هذا الدين؛ ومن حاجة البشرية إلى هذا المنهج نستمد نحن يقيننا الذي ل
يتزعزع ،في أن الم ستقبل لهذا الد ين .وأن له دورا في هذه الرض هو مد عو لدائه -أراد أعداؤه أم لم يريدوا
-وأن دوره هذا المرتقب ل تملك عقيدة أخرى -كما ل يملك منهج آخر -أن يؤديه .وأن البشرية بجملتها ل
تملك كذلك أن تستغني طويلً عنه ) 00كما قلنا في صدر هذا الكتاب00
ول حا جة ب نا إلى الم ضي في توك يد هذه الحقي قة على هذا الن حو .فنكت في في هذا المو ضع بعرض عبرة
بينما كان (سراقة بن مالك) يطارد رسول ال صلى ال عليه وسلم .وصاحبه أبا بكر رضي ال عنه -
وهما مهاجران خفية عن أعين قريش 00وبينما كان سراقة يعثر به فرسه كلما هم أن يتابع الرسول وصاحبه،
طمعا في جائزة قر يش المغر ية ال تي ر صدتها ل من يأتي ها بمح مد و صاحبه أو ي خبر عنه ما 00وبين ما هو ي هم
بالرجوع –وقد عاهد النبي -صلى ال لعيه وسلم -أن يكفيهما من وراءه 00
في هذه اللح ظة قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم ( :يا سراقة .ك يف بك و سوارى ك سرى؟ ) 00يعده
وال وحده يعلم ما هي الخواطر التي دارت في رأس سراقة؛ حول هذا العرض العجيب؛ من ذلك المطارد
الوحيد 00إل من صاحبه الذي ل يغني شيئا عنه ،والمهاجظظر -سرّا ً -معه!
ولكن كالرسول -صلى ال عليه وسلم -كان عارفا بالحق الذي معه ،معرفته بالباطل الذي عليه الجاهلية
في الرض كلها يومذاك 00وكان واثقا من أن هذا الحق لبد أن ينتصر على هذا الباطل .وأنه ل يمكن أن يوجد
(الحق) في صورته هذه ،وأن يوجد (الباطل) في صورته هذه ،ثم ل يكون ما يكون!
كانت الشجرة القديمة قد تآكلت جذورها كل ها ،بحيث ل يصلها ري ول سماد 00كانت قد خب ثت بح يث
يتحتم أن تجتث 00وكانت البذرة الطيبة في يده هي المعبأة للغرس والنماء 00وكان واثقا من هذا كله ثقة اليقين
00
من ثم -أن ينق صنا اليق ين في العاق بة المحتو مة .العاق بة ال تي يش ير إلي ها كل ش يء من حول نا .على الر غم من
إن حاجة البشرية اليوم إلى هذا المنهج ،ليست بأقل من حاجتها يومذاك 00وإن وزن هذا المنهج اليوم -
بالقياس إلى كل ما لدى البشرية من مناهج -ل يقل عنه يومذاك 00
يتطرق إلى قلوبنا الشك ،بسبب ما نراه من حولنا ،من الضربات الوحشية التي تكال لطلئع البعث السلمي في
كل مكان ،ول بسبب ما نراه كذلك من ضخامة السس التي تقوم عليها الحضارة المادية 00إن الذي يفصل في
المر ليس هو ضخامة الباطل ،وليس هو قوة الضربات التي تكال للسلم .إنما الذي يفصل في المر هو قوة
إن نا لسنا وحد نا 00إن رصيد الفطرة مع نا 00فطرة الكون وفطرة الن سان 00و هو رصيد هائل ض خم
00أضخم من كل ما يطرأ على الفطرة من أثقال الحضارة 00ومتى تعارضت الفطرة مع الحضارة ،فل بد أن
أمر واحد يجب أن يكون في حسابنا 00إن أمامنا كفاحا مريرا شاقا طويلً .لستنقاذ الفطرة من الركام.
نرتفع إلى مستواه في حقيقة إيماننا بال .وفي حقيقة معرفتنا بال فإننا لن نؤمن به حق اليمان حتى نعرفه
ونرتفع إلى مستواه في عبادتنا ل .فإننا لن نعرف ال حق المعرفة إل إذا عبدناه حق العبادة.
واستقامت طريقته.
ونرت فع إلى م ستواه في إحاطت نا لثقا فة عصرنا وحضارته؛ وممار سة هذه الثقا فة وهذه الحضارة ممار سة
اختبار واختيار 00فإننا ل نملك الحكم على ما ينبغي أن نأخذ منها وما ينبغي أن ندع ،إل إذا سيطرنا عليها
ونرتفع إلى مستواه في إدراكنا لطبيعة الحياة البشرية وحاجاتها الحقيقية المتجددة ،فنرفض ما نرفض من
هذه الحضارة ،ونستبقي ما نستبقي عن خبرة بالحياة ذاتها تعادل خبرتنا بهذه الحضارة كذلك!
وهذا كفاح مرير 00وكفاح طويل 00ولكنه كفاح بصير وفاح أصيل..
وال معنا " 00وال غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون" 00
وصدق ال العظيم.