Professional Documents
Culture Documents
•أما على المدى الستراتيجي ،فكان التاريخ سيسجل أن الجزائر هي التي حفظت دماء البرياء التي
أريقت على يد الكيان الغاصب من بعد ،وأمنت الجيال العربية من شر السرطان الصهيوني للبد...
ولكن.
•بمجرد أن احتواني مقعد الطائرة في طريقي من القاهرة إلى دمشق ،للتنقيب عن إحدى أهم الحلقات
المفقودة في ملف المشاركة الجزائرية على الجبهتين المصرية والسورية عقب عدوان ،1967أخرجت
من حقيبتي بعض الوراق التي سجلت عليها في وقت سابق تصريحات الفريق "الحديدي" خاصة تلك
التي تتعلق بالجبهة السورية.
•فقد زوّدني الرجل بمعلومات حساسة وأمدني بأسماء شخصيات سورية ل تزال على قيد الحياة ،ولديها
ما تقوله ،لكنني تذكرت ملحوظة هامة نبهني لها الرجل ،فالمعلومة في سوريا ليست سهلة المنال مثلما
هو الحال في القاهرة ،لكن اقتناصها ليس صعبا على من يملك الحنكة والذكاء في التعامل والستدراج،
وللحق استشعرت أنني لن أنجح في المهمة ،ودفعتني غريزة الهجوم إلى تفحيص وتفصيص ما بين
السطور لتزود بالسلحة اللزمة للمعركة الوشيكة.
•
•خطة بومدين كانت تهدف القضاء على "إسرائيل"
•
67كان الجيش المصري قد فقد معظم قواته •يقول الفريق الحديدي" :في مساء اليوم الثالث من عدوان
في سيناء ،أما الحصيلة النهائية لتلك الخسائر فقد بلغت في صفوف الطيارين ، ٪04و ٪17من القوات
البرية ،وكانت الخسائر في المعدات قد بلغت ٪85في القوات البرية ،أما خسائر القوات الجوية من
القاذفات الثقيلة والخفيفة فقد وصلت إلى ٪100و ٪87من المقاتلت القاذفة والمقاتلت وكان عدد
الشهداء والمفقودين والسرى هو ،13600وهذه الرقام لم يكن قد أُعلن عنها بعد.
•لكن الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين قد فهم من كلم الرئيس عبد الناصر أن الجيش
المصري أصبح في حالة ل تسمح له بالقتال ،إل من خلل تدخل قوي على جبهات أخرى تشغل العدو
لحين إعادة ترتيب صفوف المصريين وتطوير القتال ،ناصر لم يبلغ بومدين بهذا المر صراحة ،لكن
الخير كان يحمل الكثير من مقومات الشخصية العسكرية القيادية والقادرة على التكيف مع تطورات
الميدان ،والغريب أن الرجل كان أكثر قربا وتحليل وقراءة لما يحدث على أرض القتال من القادة
العسكريين المصريين آنذاك.
•وعلى الفور اتصل بومدين بالرئيس السوري آنذاك نور الدين مصطفى التاسي ،وطلب منه سرعة
توجيه ضربة جوية للمطارات والممرات والقواعد العسكرية والمنشآت الحيوية وتدمير الكنيست
الصهيوني والمصانع الكيميائية ،وهذه المعلومة -يقول الحديدي -أبلغني بها أحد الدبلوماسيين السوريين
المقربين من التاسي ،وقدم لي الوثائق التي تؤكد صحة كلمه.
•ويضيف الفريق الحديدي" :لم يكن الرئيس الجزائري الراحل يطلب من سوريا مهمة مستحيلة،
فالمقاتلت الصهيونية كانت منهمكة في القتال في سماء مصر ،وكانت قواعد العدو منكشفة ،والوصول
إليها كان أمرا في غاية السهولة ،لذلك طلب بومدين أيضا من التاسي أن تتوغل القوات السورية في
فلسطين المحتلة ،وأظهرت خطة الراحل بومدين العسكرية أنها كانت متكاملة ومدمرة للعدو ،وكان من
شأنها أن تقلب الهزيمة نصرا ،بل وكان من الممكن أن تضع حدا للوجود الصهيوني في الراضي
العربية.
•وبالمعان أكثر في تفاصيل هذه الخطة ،نجد أن الرئيس الجزائري لم يطلب من الطيران الحربي
السوري مجابهة المقاتلت السورية واللتحام معها في معارك جوية من باب أن المعركة ستكون غير
متكافئة ،وإنما طالب بتدمير الممرات والمطارات مما يجعل هبوط ورجوع هذه المقاتلت إلى قواعدها
أو على القل التزود بالوقود والذخيرة متعذرا ،فتبقى عالقة في السماء حتى تسقط بمفردها مشلولة عن
الحركة ،أو على القل يتحيد دورها في المعركة ،ليتاح المجال للقتال البري ،وبذلك يعود جانب هام من
جوانب توازن القوى بعد أن ينكشف الغطاء الجوي للجيش الصهيوني ،مثلما حدث للجيش المصري".
•
•المقاتلت الجزائرية تأهبت لتدمير القوة الجوية الصهيونية
•
من ذلك ،حينما طمأن الرئيس بومدين •ويواصل الفريق الحديدي" :ذهبت الخطة الجزائرية إلى أبعد
الرئيس التاسي ،بأن المقاتلت الجزائرية تستعد لدخول المعركة بشكل مباشر ،وأن هناك عملية جوية
كبيرة تنوي الجزائر من خللها الشتباك مع المقاتلت الصهيونية ،وتدميرها في معركة عبّر عنها
الرئيس الجزائري بـ "السهلة" إذا لم تتح فرصة عودة تلك المقاتلت إلى قواعدها ،وأخبر بومدين
التاسي أن هناك عقبة وحيدة وهامة تعترض هذه العملية وهي مكان الهبوط والتزود ،خاصة وأن
المسافة من الجزائر إلى الراضي الفلسطينية لن تمكن المقاتلت الجزائرية التحليق في الجو أكثر من
25دقيقة إضافية.
•ولن المطارات المصرية دمرت بأكملها ،فكان منطقيا -يقول الحديدي -أن يطلب بومدين من سوريا
استخدام المطارات السورية لتكون قواعد انطلق وهبوط للمقاتلت الجزائرية ،وأكد الرئيس الجزائري
لنظيره السوري أن السطول الجوي الجزائري بأكمله سيشارك في تنفيذ هذه العملية ،وأن نسبة نجاحها
تفوق الـ 90في المئة ،وقال حرفيا :آن الوان للقضاء على هذا الطاعون ..مد يدك في يدي سيادة
الرئيس ليس فقط من أجل إنقاذ مصر ،ولكن من أجل أمتنا وشرفنا".
•أما عن الرد السوري ،والذي حرصت على معرفته ،فالفريق الحديدي يقول" :لم يكن هناك مبرر واحد
لرفض هذه العملية ،اللهم إذا كانت هناك رغبة من بعض الساسة العرب الخلص من عبد الناصر
وترك مصر تواجه مصيرها ،ففي تلك الثناء واجه ناصر عديد المؤامرات من الداخل والمحيط العربي
والدولي ،وكان هناك شبه إجماع من هذه الطراف على ضرورة استئصال الرجل ،لذلك تلحظ -يقول
الحديدي -أنني ركزت في شهادتي إليك على مواقف الرئيس الجزائري هواري بومدين الذي سار في
التجاه الخر ،وشذّ عن هذه المؤامرة ،لينفرد بهذا الموقف عن بقية القادة الذين حكموا العالم آنذاك،
ولعل هذا أحد أهم السباب الرئيسية التي دفعت الكتاب والمؤرخين إلى طمس كل المعلومات المتعلقة
بالدور الجزائري ،وهو الدور الذي يتناقض في حجمه وتفاعله مع كل الحاديث المتعلقة بهذا العدوان
أو حتى حرب ."73
•ويضيف الحديدي" :أبلغتني عديد الشخصيات السورية في حكومة التاسي أن الرجل لم يكن متحمسا
للعرض الجزائري ،وكان جل همه أن يبعد العدوان عن الراضي السورية ،وأنه أخبر الراحل بومدين
أن العملية تحتاج لتخطيط ووقت ،لكن الوقت كان أسرع مما توقع الرئيس السوري ،ولم يكن أمامه
سوى قبول الهزيمة بصدر رحب بعد أن أمر قواته بالنسحاب من الجولن قبل أن تصل إليها القوات
الصهيونية".
•
•الجزائر سلمت سوريا أسلحة بـ 100مليون دولر
•
•المسافة بالطائرة من القاهرة إلى دمشق ل تجاوز الـ 80دقيقة ،ومرت دون أن أشعر بها ،ولكن
المسافات السياسية بين البلدين أبعد مما بين المشرق والمغرب ،تناقض عجيب في العلقة بين البلدين
الذين انضويا يوما تحت راية الوحدة والدفاع العربي المشترك ،لكن هذا الخلف يجسد بوضوح اهتراء
نظرية التنسيق العربي ،حتى في أحلك الظروف ،المهم أنني وصلت أخيرا إلى الشخصية التي علّقت
عليها آمال كبيرة لزالة اللبس وختم هذا الملف ،إنه العميد ركن "شعيب سليمان" الذي وجدته في
انتظاري ،و"مرتب" للجابة على أسئلتي.
•سألته :أين كان موقعك أثناء عدوان 67؟
•فأجاب :كنت برتبة ملزم أول في فرع التوجيه المعنوي ،وفي عام 73كنت برتبة رائد في المداد.
•*لدي معلومات أنك كنت أحد المشرفين على نقل وتأمين السلحة الجزائرية إلى الجيش السوري عام
.67
•**للتوضيح لم يكن ذلك في عام ،67وإنما في عام ،73فالعلقات بين سوريا والجزائر كانت متوترة
بين عامي 67و ،70بفعل بعض الخلفات بين الرئيس السوري مصطفى التاسي والرئيس الجزائري
هواري بومدين ،ولم تنته هذه الخلفات إل بوصول الرئيس الراحل حافظ السد للحكم عام .1970
•*هل وضحت لنا سر هذه الخلفات؟
•**أول هي لم تصل حد القطيعة ،لكن الرئيس الجزائري كان يتهم التاسي بالتقاعس عن أداء واجباته
سرَت أقاويل في الشارع السوري تفيد بأن تجاه المة العربية خاصة أثناء حرب حزيران ،67و َ
التاسي فرّط مجانا في الجولن بفعل خطاب لبومدين تحدث فيه عن رفض الرئيس التاسي قصف
إسرائيل أثناء .67
•*وفي نظرك ..لماذا لم تقدم سوريا على هذه الخطوة؟
•**كان الوقت قد فات بالفعل ،فقد قصف الطيران السوري مصفاة حيفا ،لكن الرد السرائيلي كان كبيرا
حيث ضرب دمشق ،ولم يكن الجيش السوري يمتلك الجهوزية اللزمة لخوض معركة مع إسرائيل.
•*ترككم لمصر فريسة في يد الكيان الصهيوني عام ،67رغم أن جيشها تحرك من أجل سوريا ،هل
تراه أمرا منطقيا؟
•**بالطبع ل ،حتى أننا لحد الساعة ندفع ثمن هذا التردد ،لكن القرارات السياسية كانت تتخذ وفقا
لغراض معينة ،لذلك كان أحد أسباب ثورة التصحيح التي قادها الرئيس الراحل حافظ السد هو
تصحيح القرار السياسي خدمة للقضايا العربية وحفاظا على مصالح المة العربية ،بدليل أن علقات
الرئيس السد مع جميع الزعماء العرب اتسمت بالود والتفاهم ،وأن قرار حرب تشرين 73لم يكن
بعيدا عن سوريا ،بل ومن صنع يدها.
•*هل لك أن تصف لنا حجم المساعدة الجزائرية لسوريا لسترداد الراضي العربية المحتلة؟
•**الجزائر أمدت سوريا بصفقة أسلحة بلغت قيمتها الـ 100مليون دولر ،وكانت عبارة عن أسلحة
سوفييتية شملت صواريخ أرض -أرض ،وأرض -جو ،ودبابات وأجهزة رادارات وذخيرة ميدان
متنوعة.
•*وهل شاركت قوات جزائرية على الجبهة السورية؟
•**ل ..لم يحدث ذلك ،فجميع القوات الجزائرية المشاركة كانت على ضفاف قناة السويس ،بينما
شاركت قوات عربية أخرى على الجبهة السورية ،لكنها تمركزت في الخطوط الخلفية وليس في خط
المواجهة بالجولن وجبل الشيخ.
•*أيعني ذلك أن المساعدات العسكرية الجزائرية لسوريا كانت طفيفة؟
•**المعونات العسكرية الروسية التي كانت بمال جزائري أعادت تقوية الجيش السوري ومنحته القوة
اللزمة لصنع البطولت في القنيطرة والجولن وجبل الشيخ في تشرين . 73
•*هل يمكن أن نوصم الدور السوري في عدوان 67بالخيانة؟
•**الذي يستحق أن يوصف بالخيانة هو العلم العربي المضلل ،والذي ألبس الصورة على الساسة
وأثر سلبا على قراراتهم ،فقد خرجت الصحف المصرية آنذاك تنشر بياناتنا العسكرية الكاذبة عن
إسقاط طائرات العدو ،في الوقت الذي ُدمّر فيه السلح الجوي المصري تدميرا كامل ،وهذا هو ما
نعاني منه حتى الن طمس الحقيقة وإذاعة ونشر الخديعة ،والخائن هو من يتخلى عن واجباته وقت
الزمات ،فقد كان جنرالت عبد الناصر يتصارعون عقب هزيمة ،67ويلقون بالمسؤولية عليه بينما
هم لم يكونوا على مستوي الدراية بتطورات الحداث ويتحملون الجانب الكبر من الهزيمة
•*وما الدروس التي يجب أن نعيها من خلل هذه الهزيمة المُرّة؟
•**نحـن ل زلنـا لم نعِـ الدرس بعـد ،ول زلنـا نقلب الحقائق ،نمجـد الخونـة والعملء ،ونتّهـم الشرفاء،
فالهزيمــة كانــت ســريعة وفادحــة على جبهات ثلث ،وأدت إلى تغييــر كامــل للوضاع الســتراتيجية
ومكّنت إسرائيل من فرض نظرية المن الخاصة بها وهي تحقيق أغراضها على أساس توازن القوى
وليس توازن المصالح ،أما عن ميلد نظرية "القوة التي ل تقهر" جراء هذه الهزيمة ،فأرد بأن الجيوش
العربية كانت ضحية لقيادتها قبل أن تكون ضحية لعدو واجهته ،المر الذي يجعلنا نؤكد أن إسرائيل لم
تواجــه حتــى اليوم بالقدرة العربيــة الحقيقيــة ،فالقدرة موجودة ومتوافرة ولكــن اســتخدامها بالطريقــة
الصحيحة وفي الوقت الصحيح غائب سواء عن قصد أو جهل.
•
•الحلقة الخيرة/انتهى