Professional Documents
Culture Documents
دار الحمراء
الطبعة الولى
1990
كلمة الناشر
ل بأس من تذكير القارئ في تقديمنا لهذه «العترافات» بالقواعد التي طٌلب إليه أن يعضها نصب عينيه فيما لو
أراد أن يف هم ما تعن يه «لع بة ال مم» وتر مز إل يه هذه العبارة ال تي دخلت القاموس ال سياسي المعا صر .إن ها القوا عد
الست التالية:
كل أمة من المم تجعل في مقدمة أهدافها البقاء في اللعبة وممارستها وليس إلى الخروج منها.
تتصسرّف المسة فسي غالب الحيان على نحسو ل يهدف إلى احراز النجاح داخسل اللعبسة بقدر مسا تسسعى لضمان
التصسريحات الرسسمية حول السسياسة الخارجيسة ل يمكسن قياسسها بصسفاء النيّة ،بسل قوامهسا المناورة والمداورة
والكتمان والزدواجية :اللعب الرئيس ل يكشف أوراقه ،بل يظهر ما ل يبطّن .
ل تهدف المسم المتخاصسمة مسن وراء إظهار حسسن النوايسا والقرار بوجود أهداف مشتركسة سسوى إلى تحسسين
أوضاعها الداخلية أو إلى ممارسة الضغط على فريق ثالث ،وقلّما يحدوها المل المخلص في تحقيق ما تعلن عنه
حقيقة.
حين تعمد دولة عظمى إلى مغازلة أمة ضعيفة والتوّدد لها ،فإن المة الضعي فة سوف تلت فت في غالب الحيان
صوب الخ صم الرئ يس للدولة العظ مى بغ ية إثارة التنا فس ب ين الخ صمين وحمله ما على خ طب ودّ ها ل كي تنت هز
عند ما تحرز ال مة الضعي فة في اللع بة مركزا دبلوما سيا وقوة من خلل ا ستغلل مقولة التنا فس ،فإن من شأن ها
تبوء مر كز ا ستراتيجي ي سهم في م ساعدتها على ن يل المز يد من القوة والنفوذ ،وذلك من خلل لجوئ ها إلى التهد يد
بالقدام على مغامرات ل تحبذها الدول العظمى س لن فهمها للعبة يتطلّب ذلك !
1
هذه هي القواعد التي شرحها مايلز كوﭙلند عام 1969في كتا به عن «لعبة ال مم» .ولتبسيط الشرح وتلخ يص
القواعد بعبارة موجزة ،يمكن القول إن «لعبة المم» هي كناية عن النشاط الذي تمارسه نظارة الخارجية الميركية
في واشنطن من أجل رسم المخططات الملئمة لبسط النفوذ الميركي على بلدان العالم أجمع عن طريق استخدام
ل من اللجوء إلى أضرام نار الحرب الم سلّحة .إن ها التخ طط ال سياسي لتوج يه ال صراع
ال سياسة والخداع والحيلة بد ً
على مناطق النفوذ في العالم من خلل استخدام أساليب الحرب الباردة س وما أكثرها تنوعا وأوسعها حيلة !
وفسي الكتاب الذي بيسن أيدينسا يبوح العميسل السسياسي واللعسب المتّمرس فسي قواعسد اللعبسة بالكثيسر مسن الخفايسا
وال سرار ال تي اكتن فت ممار سة اللع بة في بلدان الشرق الو سط وغير ها من بلدان العالم .ويعترف المؤلف للقارئ
بوجود أكثر من لعبة يمارسها اللّعب على مختلف الصعدة وفي شتى المجالت .مثلما يكشف المؤلف عن «العمل
السياسي في الخفاء» والعمليات السرية أو الخفيّة التي تمارسها أجهزة إدارة اللعبة في الوليات المتحدة وخارجها،
هذا بالضافة إلى الحيل القذرة التي تستخدمها وتلجأ إليها على سبيل التغطية والتمويه ،متذّرعة ببلوغ الهدف .
ل يس الغرض من هذه الكل مة إثقال كا هل القارئ بالشروحات والتعليقات والت نبيهات .ول حا جة ب نا إلى التذك ير
بتلك الوفرة العار مة من الكث ير والترجمات والقتبا سات ال تي تقذف ب ها المطا بع وتمل رفوف المكتبات .بل نكت في
بالشارة إلى دللة هذه «العترافات» التي جرى تعريبها بتصرّف دون الساءة إلى فحواها وتشويه محتواها .
ومن نافل القول إن ناشر الكتاب ل يعتبر ما جاء على صفحات «اللعب واللعبة» بمثابة «فصل الخطاب»،كما
أنه ل يتبنى الراء والمواقف الواردة في فصوله .إنها وجهة نظر من داخل المؤسسة يبوح بها أحد اللعبين الكبار
والقدا مى على رق عة الع مل ال سياسي الخ في في الشرق الو سط .ول غرو فإن القارئ الف طن لن يفو ته الك شف عن
الكثيسر مسن الراء المتحّيزة والمعلومات الخاضعسة للتلعسب علوة على «التنظيسر» المضلّل والمملّ فسي كثيسر مسن
الحيان .فالطلع على هذه العترافات ،بالر غم من اللم سات والشطحات الشخصسية ال تي تشوب مواقسف الل عب
وتكتنسف مغامراتسه التنظيريسة واسستغراقه فسي السسرد سس يغدو ضرورة ل بسد منهسا على سسبيل أخسذ العلم واللمام
بالمخططات التسي ترسسم للسسيطرة على مقدرات بلدنسا والتحكسم بمصسيرنا مسن خلل التذرّع بتأميسن مصسالح الدول
الكبرى.
إنها اعترافات لعب متقا عد،واكب أجهزة بلده منذ أنشائها بهدف جمع المعلومات في ظروف الحرب العالم ية
الثانية وحتى اتساع نطاقها وتشعّب اهتماماتها وانتفاخها البيروقراطي ،وصولً إلى اعتماد الحيل القذرة والساليب
الل أخلق ية في ما يطلقون عل يه ت سمية «الع مل ال سياسي الخ في» .ول ض ير في الطلع على تفا صيل ال سجالت
وكيفية وضع السيناريو المطلوب لبلوغ الهداف المنشودة من وراء ممارسة اللعبة .
2
الفصل الول
من جامعة ستانفورد الذي سبق له أن عمل مع فريق الدكتور هنري موراي من جامعة هارڤارد ،والدكتور موراي
مؤلف كتاب «تقو يم الرجال» الذي صار في ما ب عد من المرا جع الكل سيكية في حقله أثناء الحرب العالم ية الثان ية .
وضّم أيضا الرائد وليم مورغن ،وهو عالم نفساني من جامعة ييل درس بإمعان قدرة العملء على «تحّمل الحباط»
في حالت «اليأس من تحقيق الغايات المنشودة» .وكانت في الفريق أيضا الدكتور مابل تيرنر وهي سيدة لطيفة في
العقد السابع من عمرها هبطت في صباها ست مرات وراء خطوط العدو في الحرب العالمية الثانية وحازت على
عدد مما ثل من الو سمة تقديرا لشجاعت ها وإقدام ها و هي أي ضا مؤل فة كتاب ارشادي عنوا نه « :العقل ية الجرام ية
وعمليات التجسسس» .ذاع صسيتها فسي وكالة السستخبارات المركزيسة (سسي .آي .إي سس ) CIAعلى أنهسا امرأة
عطوفة متوّقدة الذكاء والتفهم بحيث يعلم كل صاحب خطيئة أن عليه مراجعة خطاياه معها قبل بلوغ مرحلة تحديد
اللياقة المنية.
عندما بدأت جلسة التقويم كنا قرابة الثمانية أو التسعة رجال نرتدي بدلت من محلت «بروكس اخوان» ومعنا
شابة واحدة تضع على عينيها نظارتين وتبدو عليها دلئل الجدية ،وهي عائدة حديثا من حملة تنقيب عن الثار في
شرق افريق يا .ول ما حان مو عد المتحان الخطّي ،أطلت سكرتيرة برأ سها من خلف الباب ودعت ني دون غيري إلى
غر فة مجاورة ل يس في ها سوى طاولة واحدة وقلة من الكرا سي الخفي فة ح يث جل ست بمفردي للجا بة عن ا سئلة
بإحدى كلمتي«:نعم» أو«ل» وثم لختيار جواب صحيح من مجموعة أجوبة عن أسئلة أخرى،ثم لسرد ما توحيه إليّ
بعض الكلمات ،وأخيرا مررت باختبار «رورشاخ» وهو عبارة عن سرد ما توحيه إليّ بعض بقع الحبر المتناسقة
الترتيسب على قطعسة مسن الورق .وراحست أمرأتان شابتان وجذابتان ،عليهمسا مسسحة تومسئ بانتمائهمسا إلى الوسسط
الكاديمي ،تراقبانني عن كثب على امتداد المتحان الخّطي .فتارة تقرأ الواحدة منهما ما أسطّره على الورق وطورا
تحدّقان بوجهسي بإمعان لمراقبسة تغيرات قسسماته كلمسا واجهست اسسئلة وهمسا على علم مسسبق بمسا تنطوي عليسه مسن
خدعات .
انتهيت من المتحان الخّطي خلل فترة أقصر بكثير من الوقت المحدد له وعدت إلى الغرفة التي كنت فيها مع
المرشحين الخرين فإذا بهم قد ذهبوا كلهم وإذا بي أقف أمام العلماء النفسانيين الثلثة.بادرتني الدكتورة تيرنر بطلب
3
أن اذكر لها ودون التوقف للتفكير اسماء أشخاص ثلثة أك نّ لهم البغضاء .لم يخطر ببالي أي اسم وبعد أن حككت
قالت «:اسمع الن ،ل بد ان ثمة شخصا ل تحبه» .ومرة ثانية لم أتمكن من تلبية طلبها رغم محاولتي الصادقة،
بالطبع الذهاب إلى ذلك الحدّ في جوابي ،ولكن كان باستطاعتي وبكل صدق القول بأنني لم أقابل قط أي رجل س أو
أمرأة س أمق ته .غ ير أن حد سي فرض عليّ عدم البوح بذلك .ف قد ك نت ق يد الختبار ل كي ُي سدى إليّ القيام «بمه مة
خاصة» لمؤسسة ل تعتبر فيها المحبة المطلقة للنسانية من الصفات اُلمرجًَحة .
قلت« :ل ست من المع جبين جدا بادولف هتلر» .لم تحدث ملحظ تي تلك مجرد ابت سامة بل كا نت كقول مر يض
بداء اليدز(أو السيدا)« :إنني على القل أحافظ على انخفاض وزني» .وهنا توجه إليّ أحد الثلثة ببضعة أسئلة عن
معتقداتي الدينية .فقلت في نفسي لقد أدركت الن ما يرمي إليه بذلك السؤال ،وأوضحت له بأن محبتي للنسانية س
أو ان هذا العجز المؤسف عن مقت أي جزء منها س تعود إلى لشئ ل يتعدى في أهميته نقصا غدديا وبأن ليست
لديّ أي قاعدة اخلقيسة له على الطلق .وأضفست« :فإن كنتسم تريدون منسي تصسفية شخسص مسا فسسأفعل ذلك بكسل
سرور» .وأردفت بابتسامة بريئة «ولكن ل تطلبوا مني ان أكر هه» .جاء الجواب محكما وحصلت على أول مه مة
لي عبر البحار :في دمشق في سوريا حيث مثل ذلك الموقف جوهري.
وهكذا انتقلنسا إلى السسئلة التسي حملتنسي على ذكسر جلسسة المتحان هذه فسي هذا الفصسل بالذات .سسألني الدكتور
باللت شي « هل تتذ كر المؤثرات المبكرة في حيا تك ال تي أ سهمت في صيرورتك إلى ما أ نت عل يه اليوم؟» أجب ته
«:بالط بع ،هناك الن سة إدي والن سة آرشيبالد والن سة كالن وش خص أو اثنان غير هن ول كن ال سماء تفوت ني الن،
ول كن كان ل هن جميعا تأثيرات هن العمي قة» .وأوض حت له بأن ني ذكرت ال سماء الولى ال تي تبادرت إلى ذه ني من
قال« :لم يكن هناك رجال ؟ هل كان كل الذين علّموك في المدرسة نساء؟»
قلت « :أظن كان هناك البعض منهم ولكنهم نكرات وما عدت أذكر أيا منهم».
قلت « :أظن ينبغي أن أقول النسة ارشيبالد» .فاليونغ ارشيبالد !هل ثمة اسم أفضل؟ كانت تقريبا »...وتوقفت
عن الكلم لمشاهد تي دلئل اهتمام هم الشد يد ،ولك نه كان في غ ير محله .وأدر كت فجأة إل مَ كانوا يرمون،فقلت :
«أع نى ان ها ان سانة لطي فة جدا وأُعج بت بروح النك تة لدي ها وبطريقت ها في التعا طي مع الناس وغ ير ذلك .أ ما مثلي
العلى فهو دوغلس فيربانكس .نعم ،انه دوغلس فيربانكس»( .نجوت بأعجوبة).
4
تنفس الجميع الصعداء ذلك ان المه مة التي أعدّها لي رؤسائي تتطلب رجولة جدية ل مكان للهو في ها .وعل مت
في ما ب عد أن العلماء النف سانيين الثل ثة دوّنوا في ملف تقويم هم لشخ صيتي ملحظات متعددة من ها«:علقات جن سية
سليمة جدا» تليها مباشرة عبارة «ل اخلقيا تماما» .وتبين لي ،عندما سرقت ملفي الشخصي من ديوان الوكالة أن
نتيجة امتحان «ايحاء الكلمات» ،وبقع الحبر أظهرت للنساء تأثيرا بالغا في حياتي ،وهو بالطبع أمر ل يزال صحيحا
فيس يصسحّ أيضا فسي جميسع الشباب الذي ربوا فسي البامسا خلل العشرينات
حتسى اليوم .غيسر أن مسا يصسح قوله ّ
والثلثينات .وكانت النساء اللواتي يتمتعن بالذكاء والتربية الرفيعة والجاذبية س وكنا آنذاك ندعوهن «السيدات» س
يقبلن بالرواتسب المتدنيسة فسي قطاع التربيسة والتعليسم التسي لم يكسن الشباب يقبلونهسا رغسم الحاجسة فسي تلك السسنوات
العجاف.
ت أعلم الن ماذا حدا بي آنذاك للخروج بذلك الجواب ال سخيف الذي اع تبرته في حي نه ي صوّر حقي قة أفكاري.
ب ّ
ل إلى مك تب الخدمات ال ستراتيجية وم نه فورا إلى وكالة ال ستخبارات المركز ية ترك في نف سي
فعند ما ذه بت أو ً
علم وثقافسة كسل الذيسن رأيتهسم فيهمسا انطباعا عميقا ليسس فقسط لكونهسم حملة شهادات الدكتوراه بسل لكونهسم يحملون
شهادات هم تلك من جامعات م ثل هارفارد وي يل وغيره ما من جامعات الدر جة الولى .وأدر كت كذلك ان الن سات:
داخل غرف صفوف المدرسة ليس تلقينا بل اكتسابا للمعرفة والعلم وان مهمتهن هي اثارة اهتمامنا بهما وتزويدنا
ا ستعمال هذه الكل مة س ال تي نلت ها ا نا وغيري في «مدر سة إر سكن رمزي الفن ية العال ية» في مدي نة بيرمنغهام في
ول ية البا ما تضا هي تلك ال تي ح صلها الكثيرون من حملة شهادات الدكتوراه سواء من جام عة هارڤارد أو ي يل أو
برنستون الذين عملت معهم لحقا في الوكالة أكانوا أرفع أو أدنى مني رتبة.
دعوني أسوق هنا مثلً بسيطا .فقد طلب إلينا في المتحان استعمال البارومتر (جهاز قياس ضغط الهواء) لتحديد
ارتفاع ناط حة ال سحاب «امﭙا ير ستايت» في نيويورك.وفي ما راح المرشحون الخرون ي سترشدون ب ما تعلّموه من
أ صول الرياضيات في جامعات هم المختل فة خر جت بالجواب الذي ن تج ع نه ا ستدعائي إلى الغر فة المجاورة ح يث
خضعت للمتحان الفرادي كما سبق وأوضحت ،فقلت« :أبحث اولً عن المهندس الذي صمّم البناية وأقدّم له هدية
هي عبارة عن بارومتر جديد وجذاب شرط أن يقول لي الرقم الصحيح لرتفاع البناية» .وهذا بالفعل ما كنت لفعله
كانت دهشة الساتذة الثلثة س باللتشي ومورغن وتيرنر الذين صاروا فيما بعد من أقرب أصدقائي س كبيرة
من جوا بي بمقدار ما كا نت دهش تي من هم .ل قد كان شعوري إذ يح يط بي رجال ون ساء من ذوي الكفاءات العلم ية
5
الرفيعة مزيجا من التواضع أمامهم والحترام البالغ لتفوقهم العلمي من جهة والدهشة المستمرة من إصرارهم على
تحو يل القضا يا الب سيطة إلى قضا يا معقّدة من ج هة أخرى .ثم ،وب عد عجز هم عن حلّ ها ،ر غم معرفت هم لم سّبباتها،
تبقى لديهم غير قابلة للحل .العقليات المماثلة تحيط بي منذ بداية معاطاتي مع وكالة الستخبارات المركزية .ولدى
سؤالي عن المؤثرات الولى ال تي عملت في نف سي كان من ال طبيعي ان الجواب الول الذي سبق غيره إلى ذه ني
جاء متعلقا بمؤهلتسي الدراسسية رغسم ادراكسي للتفاوت الشاسسع بينهسا وبيسن تلك التسي يتمتسع بهسا أفراد الهيئة الذيسن
يستجوبونني.
لنرى إذا ممن جاءت تلك المؤثرات؟ أمن أبي؟ كل ،فقد كان أكبر سنا من والدتي بثمانية عشر أو بعشرين عاما
أي من سن أجداد أترابي ل من سن آبائهم.إن كل ما أذكره عنه أنه كان يؤمن بالتلقين ل بالتعليم وانني كنت أقاوم
كل ش يء أراد ني أن ابتل عه ابتلعا .فن تج عن ذلك وجود ثغرات في ادرا كي ح يث ينب غي أن أرى المور بجلء،
وتقزّز في نف سي ل كل ما هو مفروض عليّ فرضا .ام أن ها من أ مي؟ ا جل ،ف قد كا نت عطو فة وغفورة ومر حة
وقصاصة ممتازة ،وقادرة على رؤية البقعة المنيرة في أي محنة كالحة ،والناحية المضحكة في أي كارثة ،وشفوقة
أ صبت ق بل مو عد دخولي المدر سة بداء ال سبل ال صدري فقض يت سنتين في الفراش .وعند ما دخلت المدر سة
وجدتني متقدما جدا عمن هم بعمري من أترابي ذلك لنني قضيت سنتين من الدراسة المكثفة .فعلى َيدَي عمتي التي
اعتسبرت تعليمسي تحدّيا لهسا تعلمست القراءة والكتابسة والجمسع .وكان هناك أيضا جارنسا المفكسر وايتسس تايلور الذي
أرشدني إلى ماذا أقرأ،كما علّمني شقيقي الصغر ،هنتر ،وهو الرياضي في حينا،كيف استغلّ الرياضة في حياتي
المتبرعمة .وهكذا سرعان ما اكتشفت بعد دخولي المدرسة أن الذكاء ليس خطيئة ،وان هزال البنية ليس خطيئة هو
ال خر ،وان اجتماع الذكاء والهزال ه ما بالن سبة لبا قي الطلب بمثا بة العلم الحمراء لثور الم صارعة .تكّي في مع
أدركت عدم قدرتي على انتزاع ما أُريده منه بالقوة لجأت إلى الحيلة ونجحت فيها ،بل تفوقت.
قبسل بلوغسي العشريسن مسن العمسر صسار بإمكانسي ليسس فقسط التحايسل على شقيقسي بسل وكذلك على باقسي الرفاق
والح صول على ما ابتغ يه من هم .ف قد جعلت هم مرة يقفون طابورا طويلً لشراء طوابع بريد ية تذكار ية مزوّرة ،ومرة
أخرى لشراء تذا كر يان صيب «لرحلة ل غز» ،وثال ثة لشراء مهيّجات تؤ ثر في الشابات «المهذبات» ،وللشتراك في
«حدي قة حيوانات» تج مع في ها حيوانات ول ية آلبا ما بوا سطة الفخاخ في و قت غ ير محدد ،على أن يقوم الكشاف
المحلي بذلك .ولما انفضح أمري في نهاية المطاف قال المسترتي .سي .يونغ مدير المدرسة ان على ضحاياي ان
يشكرو ني لن ني لقّنت هم در سا سيكون بالغ الهم ية وجز يل الفائدة ل هم في الم ستقبل عند ما يدخلون العالم الحقي قي.
6
وكان المسستر يونسغ نفسسه أول «مشترك» فسي «حديقسة الحيوان» تلك،وأحسد الذيسن تذوقوا قبسل غيره لذّة طعسم العالم
ال ،ك يف تجر جر الذكريات بعض ها بعضا! جاك هولبندر،ن جم حفلة الرب يع في المدر سة سجل حدثا في التار يخ
المسرحي .فقد أصابة انتصاب وشوهد بوضوح من آخر مقعد في القاعة ،أثناء تأديته مع فتاة من عمرة تدعى مايبل
البرناثي أغنية «آه ،أوعديني» .لم يكن ذلك الفتى المسكين يدرك ،لحداثة سنة ،ما حدث له علما بأنه ل بد شعر بأن
ل م ساكه ب يد ماي بل شأنا ما بذلك .ولم تف طن ماي بل بدور ها ل ما يجري حول ها ح تى أخذت هم سات الحضور تتحول
إلى ضحك ثم إلى قهقهة فانتبهت إلى انتفاخ سروال جاك وصاحت بأعلى صوتها هاربة عن الخشبة ل تلوي على
شيء.
أما الفتى المسكين الخر هركي مكدومك فقد اعترته البراغيث س نعم ،براغيث! فلم يعد أحد يقترب منه ،ناهيك
عن الجلوس بقربه في الصفّ .ول بد انه كان في ذلك الوقت أتعس فتى في الوجود ،لجأ إلى الستحمام مرتين في
اليوم فضلً عسن اسستعمال جميسع أنواع العقاقيسر المعروفسة فسي حينسه ،ولكسن دون جدوى .وأخيرا عندمسا علمنسا أن
البراغيث ل تحّب سواه ول تنتقل إلى غيره صرنا نقترب منه أثناء الفرصة نمازحة بشأنها .ولكنها ل تكاد تودعه
حتى تعوده ثانية متجاهلة باقي الرفاق .وهكذا وبفضل البراغيث صار هركي للمرة الولى في حياته محور اهتمام
أترابسه فأشرقست أسساريره بالرضسى والرتياح واكتسسب ثقسة المجتمسع .وفسي اعتقادي ان عليسه العتراف بجميسل
وكان بين نا أيضا ف تى هز يل البن ية ق صير القا مة يد عى بوريغارد روزبلوم ا سميناه « بو» ت صغيرا وتحّببا ،صار
الن أحد كبار جراحي الدماغ في نيويورك .و«بو» هذا يلثغ بحرفي السين والكاف .وكمثل ديموستين الخطيب ،قام
بتنمية قدرته الخطابية فبات يسحر المؤتمرات الطبية ببلغته وإلقائه وهو يحاضر عن التهابات أطراف العصاب
وأمراض الغّدة النخامّ ية والحركات الع صبية اللإراد ية .وكان نط قه ميؤو سا م نه كليا و هو في الثاي نة عشرة من
عمره.في المناسبة التي أشير إليها هنا طلب من «بو» ان يلقي في الجتماع الدوري السبوعي في مدرج المدرسة
بدأ اللقاء« :منذ ثمانين وثبع ثنوات »...ثم استمر بجدية وبصوت آخذ في الرتفاع حتى كاد يصبح زعيقا فيما
كان المستمعون يضحكون لدى تلفظه بكل كلمة فيها حرف سين أو حرف كاف .ولما ضاق ذرعا توقف عن اللقاء
ونظر إلى الحضور نظرة اشمئزاز وتحدّي ثم تفوّه بكلمات صارت فيما بعد كلمات خالدة في المدينة ،اضافة إلى إن
سلح الشارة في الفرقة الحادية والثلثين من الحرس القومي قد تبّناها .صاح قائلً« :بامتانتُم تُّلتُسم أن تلحثوا تفاي
7
!!!» ونزل عن المنبر بخطى ثابتة تنم عن شعوره .فما كان من الحضور إلّ أن نهضوا من مقاعدهم يصفقون له
يبقى سرد بعض ذكرياتي هذه مبتورا إن أنا تغاضيت عن ذكر رجل طيب حقا هو الستاذ الوحيد الذي أتذكره
من بين الرجال الذين علموني في المدرسة .وكان باستطاعتي الفصاح بسهولة بالغة عن أنه أدّى قسطا وفيرا في
تكوين شخصيتي لول ذلك البحر الواسع من العلم والمعرفة الذي أحاط بي أثناء تأدية كل تلك الفحوص والمتحانات
في وكالة ال ستخبارات المركز ية .إ نه المدرب كلّي ،أو «فرد» ،ك ما صار ي سمح ل نا بمنادا ته ب عد بلوغ نا مرحلة
الشباب.
الزمان :أظنّه العام .1944والمكان جادة الشانزليزة في بار يس .ك نت سائرا في ذلك الشارع الشه ير وإذا بي
أرى المدرّب كلّي مقبلً عليّ .إنسه مثلي برتبسة نقيسب ،علما بأن رجلً يتمتسع بذكاء وشخصسية كلي ينبغسي أن يكون
برتبة عقيد أو أرفع منها .تبادلنا التحية بحرارة صادقة وسألته كيف يريدني أن أخاطبه ،ذلك أن «مستر كلّي» تبدو
عبارة سسخيفة ومصسطنعة فسي تبادل النكات بيسن ضابطيسن مسن رتبسة واحدة ،فقال :أن «فرد» تفسي بالغرض .ذهبنسا
لتناول الغداء وأخسبرني قصسة مدهشسة أعيدهسا الن لمصسلحة أصسدقائنا القدامسى فسي برمنغهام الذيسن قسد يقرأون هذا
الكتاب شرط أن يعدوني بألّ يفشوا سرّها .ولكن ل بد لي من سرد خلفية تلك العلقة الخاصة التي نشأت بيني وبين
المستر كلّي.
خلل العام الدرا سي 1930س 31ح صل في مدر ستنا سلسلة من المزاح ،بع ضه برئ والب عض ال خر أ قل
براءة ،كتبديسل العلقات على مسسابقات المتحانات وتعليسق نشرات على لوحات العلن عسن علقات عاطفيسة بيسن
المعلمات والمعلمين الشباب ومذكّرات تنصح وترشد ضحايا الحب والغرام إلى أساليب اكتساب ود الفريق الخر أو
إلى وسيلة للتخلص منه .كل ذلك من باب التسلية واللهو ولكنه ملفت للنظر .استعار الشخص عن تلك التقليعات اسم
أرسين لوبن ،اللص الباريسي المختص بسرقة التحف الفنية ودارت حول مغامراته قصة احد أول الفلم السينمائية
الناطقة .ولما كنت أحد الطلب المعروفين بشعورهم بالمسؤولية المجتمعية تقدمت بعدة اقتراحات للقبض على ذلك
النذل وذهبت إلى حد أنشاء فريق حراسة لمراقبة الردهات حيث توجد لوحات للعلنات .وفي النهاية قدمت للمستر
كلي قائمة بافخاخ ،إذا نصبت وخضعت للمراقبة بدقة ،أدت إلى كشف هويّة ذلك المحتال.
أما المستر كلّي الذي كان يعرف سرا تلك الهوية س أي أنا س فنصب الفخاخ في المكنة التي تضمن وقوعي
فيها وتمكن من ذلك قبل شروعي بحملة دعائية عن علقة عاطفية بينه وبين النسة مون ،معلمة الجغرافيا اللطيفة
المعروف عنهسا أنهسا تكّن له موّدة خاصسة .يسا له مسن ثعلب عتيسق! طلب رئيسس المدرسسة طردي منهسا عقابا على
أفعالي ،ول كن الم ستر كلّي كان قد ا ستمتع بتلك اللع يب ا نه ا ستطاع انقاذي م ما هو أك ثر جد ية بكث ير من البقاء
8
بعض الوقت الضافي بعد النصراف ولبضعة أيام في صف معلمة اللغة اللتينية الن سة غايم الجميلة فلم اعتبر
هكذا التقينا المستر كلّي س فرد س وأنا في باريس وكان قد بلغني انه مرّ بفترات صعبة .فعلى الرغم من كونه
رجلً شريفا وعلى الرغم من أن أحدا ليستطيع أن يتهمه بأي سوء ائتمان سواءً من حيث التلعب بأموال المدرسة
أو تضخيم فواتير نفقاته أو حتى خيانة زوجته مع أرملة ثرية ،لم يفقه مجلس أمناء المدرسة كيف استطاع المستر
كلّي شراء منزل جميل في حي راق وسيارتي بيوك واحدة له والثانية لزوجته .سأفضح الن سره.
أثنا تناولنا طعام الغداء قال فرد« :سأدلي باعتراف حبسته سرا طيلة هذه السنوات .هل سبق لك أن قرأت مجلة
«الش بح ؟» طبعا ،هل هناك من لم يقرأ ها ؟ ل قد كا نت أك ثر المجلت المخت صة بق صص الجرام والتحرّي شعب ية،
واقتُبس عنها برنامج اذاعي اسبوعي مدتّه ساعة كاملة اجتذب المستمعين من كل العمار مساء كل يوم أحد .حسنا،
اين العتراف؟ المدرس فرد كلّي هو «الشبح» فقد كان يتقاضى ثلثة سنتات عن كل كلمة يكتبها للمجلة في قصة
مؤلفة من 15ألف كلمة .ول شك في أن دَخلً متوسطه السبوعي 450دولر إضافية إلى راتبه في المدرسة وإلى
التاوة التي يتقاضاها من المحطة لقاء اذاعة رواياته شكل في تلك اليام مدخولً كبيرا .لقد كنا هو وأنا شخصين
متشابهين في التفكير ومختلفين في بعض وسائل التعبير .المدرب كلّي صاحب مخيلة غزيرة ومقدام ل يتورع عن
الخوض في أمور يعتبرها العاديون حوله بعيدة عن منالهم إلى حد وصف التفكير بها على انه مجرد أحلم ق صّية،
ولكنها كانت كافية لجعلهم في سنوات الكساد في الثلثينات ينعتونه بألطف القسوة الممكنة كقولهم« :إنه رجل طيّب
ولكن قدميه ليستا على الرض» .وإذا حذفنا عبارة «إنه رجل طيب» تظل العبارة الثانية هي الصفة التي ألصقها به
الفصل الثاني
والجيش الميركي
لنرى بماذا خر جت من مدر سة رامزي العال ية اضا فة إلى امتل كي لنظريات بولن في ال جبر وهند سة اقليدس
ولنظر ية لع بة الرياضيات ولمجمو عة التعاب ير الفل سفية ولمن طق الخلقيات و ما شا به ذلك؟ صحيح بماذا؟ ول كن
شغفت بنشاطين غير مدرسيين :الول هوس بمتابعة ما لدى رفاقي من دراهم الجيب ،لنني كنت قد حفظت عن
ظهر قلب تراكيب لعبتي البوكر والبلك جاك .أما الثاني فكان مبعث أمل لشاب حساس لم يبلغ العشرين من عمره
ب عد في أيام الك ساد ال كبير من أعوام الثلثينات :ا نه ن فخ البوق .لكن ني كدت أك فر بالبوق وبالن فخ ف يه لن والدي
9
جعلني أقضي ساعة من التدريب القسري عليه كل يوم .غير أن ميلي الطبيعي للموسيقى وأذني الحساسة جدا بها
سسهّل عليّ اتقان العزف والحلول فسي مرتبسة عازف البوق الول فسي فرقسة المدرسسة .ولكسن برز فسي تصسرفي
الموسيقي شواذ لم أدرك له سببا إلّ بعد ما صرت أبا لعبقري موسيقي :قلت ان والدي أجبرني على قضاء ساعة
في التمرين على العزف صباح كل يوم .فكنت أعزف خللها أحد اللحان المفضلة لديه ،نشازا فقط نكاية به وثأرا
من إكراهي على التمرين ،وفي الواقع كنت استرق ثلث أو أربع ساعات من التمرين بعد ظهر كل يوم قابعا في
يعود الفضل في صيرورتي عازفا مرموقا ل إلى تلك الساعة الكئيبة التي فرضها أبي عليّ داخل البيت بل إلى
ساعات التمر ين ال سرّي في المدر سة .و ما أن أ طل العام 1932ح تى أ صبحت أ حد عاز في فر قة الذا عة المحل ية
وتعاقدت مع نا احدى شركات العطورات لتقد يم اعلنات ها من الذا عة .تحولت الفر قة المتواض عة إلى فر قة كبيرة
وحملنسي البوق إلى جامعسة البامسا التسي دخلتهسا وكُلّي تصسميم على متابعسة الدروس فيهسا إلى أن اغاظنسي عازف
السكسوفون الكبير ،جيري جيروم ،حتى الجنون .ففي كل مرة زعق فيها بوقي بنوتة نشازا ،نظر إليّ جيري نظرة
اشمئزاز وتو قف بر هة عن العزف لي هز رأ سه ثم عاود العزف وكأ نه يقول« :ل حول ول »...وأطلق عليّ ل قب
«بوّاق المدرسة» .كنا آنذاك في فرقة عرفت باسم «كافاليرز» [الفرسان] .
فعلت بي نقائصسي المو سيقية ما فعله اللثسغ بسس « بو» .ف قد ك نت أيام المدر سة فسي بيرمنغهام ا سترق سساعات
التدريب استراقا أما الن فتخلّيت كليا عن التظاهر بمتابعة الدروس الجامعية وأخذت أقضي في التمرين من ستٍ
إلى ثماني ساعات يوميا ،وكان تلك طريقتي بالقول لجيري وغيره في فرقة كافاليرز«:بامتانتم تلتّم أن تلحثوا تفاي».
لم أق ضي ال ساعات الطويلة هذه بالتمرن على عزف ال سللم المو سيقية والدروس العاد ية بل على عزف و صلت
البوق المنفردة من ض من المعزو فة العا مة .صحيح أن ني لم أتعلم قط عزف مقطو عة«طيران ذكور الن حل» مثل ما
يعزفها هاري جايمس ،ول كن عندما التقى جيري بهاري في فرقة بني غودمن قال الول للثاني بأن عل يه التخفيف
من غلوّه ومتاب عة ما يقوم به صديقه القد يم في كل من بيرمنغهام ون يو أورلي نز .و في الوا قع أ خبرني هاري بذلك
كان انتزاع إعجاب جيري غا ية ب حد ذات ها عندي ،وب عد بلو غه أعلى ق مم الفرق المو سيقية آنذاك لم يك فّ عن
اطرائي في أو ساط فرق الجاز بح يث ب تّ مدينا له بعضو ية كل واحدة من الفرق ال كبرى ال تي انضم مت إلي ها في ما
ب عد.ل أن سى ذلك ال سبوع الذي حاولت ف يه جهدي مكاف حة النعاس طيلة أيا مه ال تي أمضينا ها في فر قة غل ين ميللر
نعزف في مربع ليلّي على سطح فندق روزفلت في نيو أورلينز أواخر صيف 1940وفي اعتقادي ان ذلك السبوع
رغم ما عانينا فيه من إرهاق شكّل قفزة كمّية في اسلوب حياتي الخذ بالتسارع .ففي آخر ليلة من ليالي تعاقدنا مع
10
الفندق جمع غلين أفراد الفرقة ليطلعنا على فكرة رائعة خطرت له ،وقال «:سيطالنا التجنيد الجباري جميعا فربما
استطعنا دخول الجيش معا» .كان غلين نفسه قد تخطّى سن خدمة العلم ،أما نحن فكنا كلنا شبابا أصحاء راقت لنا
جدا فكرة قضاء فترة الحرب نعزف الجاز ترفيها عن الجنود في مختلف الموا قع .حملت الفكرة على مح مل الجدّ ية
خصوصا بعدما قال غلين أنه هو وأفراد الفرقة الدائمون سينضمون إلى الجيش بعد انقضاء أجل التعاقد مع مربع
غاب عن ذه ني الن مع ظم تفا صيل دخولي الج يش ،لكن ني ما زلت أذ كر أن ني ذه بت ،ب عد عود تي إلى البا ما
بقرابة السبوعين ،إلى مركز الحرس القومي والتحقت بفرقة فرسان «راينبو» المشهورة بأن البلهاء فيها أكثر عددا
من الجياد .كنت آمال في النتهاء من فترة التدريب بحيث انضم إلى ميللر وفرقته لدى دخولهم الجيش ،ولكن شاءت
الظروف أن يتأخروا سنتين قضيته ما في الخد مة الفعل ية في أورو با و في حياة مختل فة كليا عن سابق ا سلوبي فبتّ
إنه لعالم جديد بالتأكيد .فبصفتي عازف جاز كنت أتقاضى راتبا كبيرا (بالمقارنة مع رواتب تلك اليام) وأحظى
باحترام بل وباعجاب زملئي ،كما كنت استمتع أيضا بعزف موسيقى الجاز أكثر من أي عمل آخر (أو بطالة عن
العمل) قمت به قبله أو بعده .ولكن عالم المرابع الليلية والفلك التي تدور فيها فرق الجاز لم يكن عالمي المفضّل.
أو ثماني سنوات ان قال لي أحدهم مجرد «قم لنذهب إلى السينما بعد ظهر اليوم» .وبالمقابل كانت الحياة في الجيش
مختلفة كليا .لقد كنت أسوأ جندي في العالم ولكنني استطعت الختلط بسلسة مع كل الذين اشتغلت برفقتهم .وخلت
كان آمر الوحدة هناك المقدم كوغديل يعمل في أيام السلم بائع لبوليصات تأمين .،ل يعرف في الشؤون العسكرية
بمقدار ما يعرفه من التزلّفات الرخيصة .انضمّ إلى الحرس القومي لن في ذلك فائدة له في تزويج أعماله واستطاع
بلوغ رت بة «مقدّم» ل نه تفوّق من ح يث مواه به بقدرات فتيان فرق الكشاف في أيام ال سلم .عيّن اب نه البالغ الثام نة
عشرة من العمر برتبة عريف أول ،وعين نائبا للعريف قاضي الناحية لنه سيحتاج إلى خدماته .أما معي أنا فقد
ارت كب احدى أفدح غلطا ته ،على كثرت ها .ذلك ا نه ل بد ان مظ هر ثرائي المتم ثل بأنا قة ملب سي وب سيارتي الفخ مة
ال تي و صلت في ها إلى المر كز قد أثرّ ف يه فعين ني الرق يب الثالث .ثم ع ين مع نا بوب كرا يغ و هو عازف الط بل في
احدى الفرق المو سيقية المحل ية المرمو قة وأ حد أمرح الرجال في الدن يا ،وجاء نا أيضا ب صديقي هيوياربر وبجورج
آلن سميث وهو ابن أحد القساوسة في المدينة الذي تجرأ أن ينافسني في مغازلة أجمل بنات المدينة ،وببضعة شباب
آخرين ارتحت كثيرا لمخالطتهم .لقد كان ذلك الجو جوّي المثل س لتلك الحقبة على القل.
11
أ ما الوظي فة؟ كا نت ممتازة حقا ،فل يحتاج المرء في ها ح تى لدما غه! فك نت أجلس طيلة النهار أرا جع ح سابات
الرواتسب بسسرعة ودون تفكيسر ،فيمسا يبتعسد عقلي عسن عملي ذاك مسسافة ألف ميسل .المقدم وابنسه أبلهان دون شسك،
ولكنني أحببتهما .فقد كانا لطيفين معي دون أن يخلو ذلك من بعض التزلّف ،وأضفيا الكثير من الهزلية على حياتنا.
فبحضورهما كان علينا بالطبع أن نحملهما على محمل الجدية .أما في غيابهما فكنت أنا وهيو وبوب نتبادل الراء
الشفهية والنكات عنهما وعن تصرفاتهما التي لو كتبناها آنذاك لكانت تشكل الن ،بعد أربعين سنة ،حوارا لسيناريو
الفيلم الذي طلب منسي كسبير أبنائي كتابتسه .الواقسع اننسي ،مثسل اينشتايسن ،بارع فسي الرياضيات وضعيسف جدا فسي
الح ساب .فأخطائي في الج مع الب سيط عديدة إضا فة إلى صعوبة تحد يد موا قع في الفوا صل في الك سور العشر ية.
ومنها مثلً انني حسبت الراتب لشهرين لملزم ثا نٍ في المركز على أنه 130 ,000دولر .ل ريب أنه قدّر لي
اريحي تي ولك نه كجندي نز يه ينت ظر ترقي ته إلى رت بة ملزم أعاد الش يك وعر ضه على المقدّم الذي أ مر فورا بد فع
راتبسه الصسحيح ،فقسط 130دولر ل غيسر( .قال لي الملزم لحقا« :سستكون هذه الحرب طويلة») .المهسم ان المقدم
حدّد مهمتي فقط بتعداد أوامر صرف الرواتب ل بتعبئة خانات الرقام فيها.
وفي النهاية اسمعني المقدم كوغديل ما يشبه العبارة التقليدية التي يقولها كل مدير مدرسة للطلب الراسبين بأنه
«قد يكون من الفضل لهم اللتحاق بمدرسة أكبر» مقترحا بكل ما أوتي من كياسة بأنني قد أكون «أكثر سعادة» في
وحدة «أ قل تميزا» ليس في ها أي مجال للح ساب س أي وحدة مشاة عاد ية أو ما شابه ها .وه نا أنقذي رن ين الجرس.
ل يكون مجيئي على ذكر اينشتاين مجرد هراء .فقد تبين أنني رجل ذكي فكان ذلك الكتشاف
ولكن تشاء الصدف أ ّ
نق طة تحول أخرى في حيا تي .فق بل أن ن ستقلّ القطار الع سكري باتجاه مخيّم بلندي نغ في ول ية فلوريدا ،و هو أول
عّرف آنذاك بالمتحان الت صنيفي العام للج يش ،و هو امتحان يش به امتحان تحد يد ن سبة الذكاء أدخلت عل يه تعديلت
لقياس المهارات ولسستثناء السسئلة «ذات الصسلة الحضاريسة» التسي مسن شأنهسا عدم انصساف الفراد المنتميسن إلى
عرقيات «أ قل ثقا فة» .ول ما كان مع ظم ال سئلة من النوع الذي يختار ف يه المر شح جوابا من ب ين عدة أجو بة،فأي
ان سان يتم تع بغريزة المقامرة يدرك بأن عل يه اهمال الجواب ين ال قل منط قة واختيار وا حد من الجواب ين الخر ين.
وهكذا فعندمسا أجهسل فعلً الجواب الصسحيح أُعمسل الحدس فسي الختيار .جاءت نتائجسي فسي المتحان ،كمسا عملت
وفي ما كان المقدم يكت شف مدى بله تي انكبّت دائرة شؤون الملك في الج يش على درا سة مجالت الفادة من
قدر تي العقل ية المتفو قة .و ما أن انتقلت فرقت نا إلى م ستنقعات لويزيا نا لجراء مناورات الرب يع ت حت الم طر س في
الراضي الموحلة ،حتى دعيت إلى مكتب مساعد القائد العام ومنه إلى معسكر ليفينغستون في مونروفيا،في ولية
12
لويزيانسا ،للخضوع لمتحانات اضافيسة .لم يكسن فسي غرفسة المتحان سوى جندييسن غيري .قدّمست المتحان فكا نت
النتي جة مشاب هة لنتائج المتحان ال سابق أي 160نق طة بين ما المعدل العام المقبول به للجنود محدد بمئة نق طة وذلك
المقبول به لتدريب الضباط هو 110نقاط ،مقابل 85نقطة فقط للسود والهنود الحمر س الواقع انني سجّلت 145
نق طة في المتحان الول و 160في الثا ني ،علما بان من يح صل على 140نق طة و ما فوق يع تبر في م صافّ
العباقرة.
بلغني فيما بعد أن علمتي الخيرة هي أعلى علمة سجّلت في القوات العسكرية الميركية ،وأعلى من علمة
ابسن خالي ،دون سسكوت (يبدو أن الذكاء مسن سسمات أسسرتنا) وتكاد تتماثسل مسع المسستوى المقدر للبرت اينشتايسن،
وليوهان فولفغانغ غوته .وللسيد المسيح حسب ما أظهرته دراسة أجراها فريق من علماء النفس في جامعة ستانفورد
ضم البروف سور إغرتُن باللت شي الذي ذكر ته في مطلع الف صل ال سابق .قلت لنف سي بأن ني ذو ع قل متفوّق .فماذا
تراني أفعل تحت المطر وفي الوحل بين كل هؤلء الفلحين المساكين؟
لمسا رجعست إلى خيمسة الماليسة أخذت قلما وورقا وسسطرت رسسالة إلى أحسسن رجسل فسي العالم ،النائب جون
سﭙاركمن ،الش يخ سﭙاركمن في ما ب عد ،وأقوى ر جل في لج نة مجلس الشيوخ للشؤون الخارج ية ،و صاحب أفضال
ي في ال سنوات اللح قة .ثم أدّع يت وفاة جد تي أو غير ها عذرا للح صول على اجازة لعشرة أيام
متعددة أ سبغها عل ّ
وتوجّهت بالقطار السريع إلى واشنطن العاصمة .ولدى سماعه عن عبقريتي الفذّة أرسلني النائب سﭙاركمن فورا إلى
مكتب الجنرال «وايلد بِل» دونوفان الذي كان آنذاك يشكل شيئا سمي «مكتب تنسيق الستعلمات» الذي تحول إلى
«مك تب الخدمات ال ستراتيجية» الش هر] = OSS= Office of Strategic Servicesو هو مك تب ال ستعلمات
الميركسي ليام الحرب ثسم إلى وكالة السستعلمات المركزيسة فسي أيام السسلم CIA =Central Intelligence
Agency
قامت بيني وبين الجنرال دونوفان علقة تفاهم ومودة منذ لقائنا الول .وصلت مكتبه بعيد الظهر ولم يكد يمضي
بضع دقائق حتى بدأت أقصّ عليه حكايات المناورات في مستنقعات لويزيانا والفترة التي قضيتها مع المقدم كوغديل
وابنه.راح الجنرال يضحك ويضحك ثم سألني عما إذا كنت قد تناولت طعام الغداء .فإذا بي بعد دقائق قليلة أتناول
السسندويشات وأشرب الجعسة فسي مكتسب وايلدبسل دونوفان الشهيسر علما بأن التصسال بسه متعذّر إلّ على الرئيسس
وهكذا عدت إلى الو حل وإلى تعداد أوا مر ال صرف .وأُ صبت بضر بة الش مس وت سممت ب سموم العشاب ونلت
حصتي من قرصات البعوض ونمت في فراش بلّلته المطار ونزلت بي جميع أشكال البؤس والشقاء التي يمكن أن
ل بانسان عليه العيش في مستنقع بارد وممطر ليلً وحار ورطب نهارا .كنت أحلق ذقني صباح كل يوم حتى في
تح ّ
13
أيام المناورات ،حسب الوامر ،أنا كانت بزّتي مجعدة وملطّخة بالوحل اليابس .باختصار كنت في حال تعيسة كحال
المقدم كوغد يل لدى معرف ته ،عبر الوا مر ال سرية جدا ،بأن ني مو ضع تحقيقات تمهيدا لتكلي في بمه مة في واشن طن.
ش عر المقّدم بارتياح كبير لفكرة التخّلص م ني لم يقابله شعور مما ثل ل ما تنّم ع نه تلك البشائر .دعا ني في احدى
المسيات قبيل موعد العشاء ولما رآني قال «:إنك تحقير لبزّتك!».
تحقير لتلك البّزة؟ حاولت جهدي التمالك من الضحك فلم أتمكن من ذلك .وعندما رأيت أن المقدم لم يقّدر الدعابة
في ذلك الموقف حاولت استعادة الجدية ثم انفجرت ضاحكا لعود وأتمالك نفسي ثم رحت أقهقه من جديد حتى أفلت
من يدي فأخذت أتدحرج على الرض والدموع تنه مر من عي ني من شدة الض حك ،في ح ين جلس المقدم كوغد يل
يزداد حنقا واحمرارا.وكان المقدم قد استشاط غضبا قبل تلك المقابلة لن دماغه ذا المئة وعشر نقاط قد تمكن بشكل
ما من الدراك بأن جد تي لم ت كن على فراش الموت وبأن ني ا ستعملت اجازة العشرة أيام ل عداد صفقة ما وبأن ني
ا ستعملت النفوذ ال سياسي الذي يخ تص هو به لتأم ين نجاح تلك ال صفقة.وك نت آنذاك قد أخذت أض حك م نه وجها
لوجسه .وهنسا قال لي« :مسن الفضسل لك أن تصسلّي ليليا مسن أجسل الحصسول على تلك المهمسة ،أيا تكسن ،ومسن الن
لم تقم وسيلته في جعل حياتي بؤسا على اعطائي المزيد من أوامر الصرف لعدها وهو أمر لم يكن ليهمنّي ،بل
على أهمالي كليا .فكان ذلك من ح سن حظّي ل نه سمح لي بأن أت سلّل إلى مو قع قيادة كتي بة لويزيا نا وزيارة فر قة
الجاز ال تي ت ضم مو سيقيين من ن يو اورلي نز وبعض هم من أ صدقائي والب عض ال خر انخرط في الج يش على أ مل
النضمام إلى فرقة غلين ميللر التي سيتم تأليفها بعد زهاء السنة .ومن دون الخوض في التفاصيل أجريت الترتيبات
لنقلي إلى الكتيبة المذكورة ريثما تنتهي الستقصاءات والتحقيقات المنية بشأني.
وهكذا عدت إلى فرقة للجاز.ولما رأى المقدم كوغديل ان انتقالي إلى الفرقة يعني تخفيض رتبتي من رقيب إلى
مجرد جندي ارتاح بل فرح ،وازداد فر حه عند ما سمع ان أفراد الفرق المو سيقية الع سكرية ل ينفخون في أبواق هم
في ساحات القتال الفعلي بل تسند إليهم مهمة اخلء جثث الجند القتلى .وفيما كان يوقّع على الوراق المتعلقة بنقلي
قال «:هذا العمل ينا سبك شرط ألّ يطلبوا منك ان تعّد الجثث».
ل يس من الد قة في ش يء القول بأن ني بل غت أوج خدم تي الع سكرية في ال سابيع القليلة ال تي تلت انتقالي .ف سحب
الدمي المخضبة بطلء أحمر من ساحة قتال وهمية لم يكن ذلك العمل المضني خصوصا وانه فرض علينا ساعة
من التمر ين على المو سيقى الع سكرية صباحا وثلث ساعات من التدر يب على مو سيقى الجاز ب عد الظ هر يوميا.
وبينما كنت أتأمل وضعي في ليلة ممطرة تحت خيمة شاطرني إياها هانك فرَيمن ،سمعت صوتا في العتمة الدامسة
يناديني باسمي .خامرني الشك في بادئ المر بحسن سمعي ،ولكن الصوت ازداد ارتفاعا ووضوحا بحيث لم يعد
14
ثمسة مجال للتشكيسك بمسا سسمعت إذ قال عنسد باب خيمتسي تلك« :الجندي كوﭙلنسد ،معسي أوامرسسرية جدا بحيسث ل
أستطيع قراءتها».
كان الساعي عريفا يرتدي معطفا يقيه المطر وعليه اشارات مضيئة تنبئ بمهمته .سلّمني الرسالة وأنار مصباح
يد كي ما أقرأ ها فقرأت ها وإذ ب ها تقول بوجوب توجّ هي فورا إلى مع سكر ليفينغ ستون و سحب مئ تي دولر ( ما يعادل
ألف دولر اليوم) وشراء تذكرة در جة أولى بالقطار ،وال سفر إلى واشن طن العا صمة عن طر يق ب ير منغهام ح يث
في اليوم التالي ،وب عد أن ا ستلمت أوراق ت سريحي من مع سكر ليفينغ ستون من الضا بط الم سؤول عن الملك
والذي أبدى اعجابا شديدا بالوامسر السسرية التسي أحملهسا،جلسست فسي مركبسة الطعام فسي القطار ارتشسف كأسسا مسن
المرطبات بانتظار تناول وج بة عشاء فا خر .نظرت من نافذة المرك بة في ما كان القطار ي سير م سرعا عبر ساحة
المناورات وإذا بب حر من الجنود ي ستعدّون لل مبيت في خيم هم في ليلة غزيرة المطار .وهكذا عدت إلى «الع صبة
الفصل الثالث
واشنطن في الحرب
ها أنا أخيرا في واشنطن .توجهت إلى مقر قيادة الجنرال دونوفان فوجّهوني إلى منزل خاص تحول إلى مك تب
أطلق عليه اسم «فرقة شرطة الستعلمات» التي ما لبث أن تحول اسمها لحقا إلى «مكتب مكافحة الجاسوسية».
والظاهر ان مكتب تنسيق الستعلمات كان في طور التحول إلى مكتب الخدمات الستراتيجية الذي لم يكن قد بلغ
مرحلة استيعاب «عملء» كمثل ما هو مقرر لي .غير ان جيم مورفي الم ساعد الرئيسي للجنرال دونوفان أكد لي
بأن المور تجري على ما يرام وبأن ني سأجد الع مل مع العق يد غوردن ش ين ،رئ يس فر قة شر طة ال ستعلمات،
وبأنني سأنقل فيما بعد إلى مكتب الخدمات الستراتيجية هذا في حال لم أقرر البقاء مع فرقة الشرطة المذكورة .
العق يد غوردن ش ين ش خص منف تح ونش يط و هو نموذج للرجولة و من أوائل الميركي ين الذ ين حازوا الحزام ين
السودين في فنيّ الجيدو والكاراتيه .وتبين أيضا انه جعل من نفسه ما يشبه جايمس بوند في أيامنا س ان لم يكن في
الواقع ففي تخيلته والقصص التي يسردها عن نفسه .المهم انه ممتاز وتجسيد لشخصية الرئيس الذي كنت بحاجة
للعمل تحت إشرافه في تلك الحقبة من حياتي .إن إدراكه المحدود جدا لواقع المورس هذا اذا توافرس نابع كله من
أقلم وروايات المغامرات البوليسية والجاسيوسية ،ولكن العقيد شين ليس بمهارة والترماتّي من حيث الخراج .لقد
درّ بّ نف سه تدريبا شاقا ومتقنا ك ما ا نه يتم تع دون ر يب بقدرة التعا طي الفعال مع أي من الحالت الم ستحيلة ال تي
يتصورها ،ويقضي ساعات يقظته كلها في اعداد الخطط الرامية إلى جعل تلك الحالت تحصل فعلً.
15
بكلم آخر أفسح العمل مع غوردن شين مجالً واسعا لشخص مثلي .ولحسن الحظ ،ومن أجل التدريب س مع
شين .إنه فرانك كيرنز الذي صار أقرب صديق ورفيق لي طيلة السنوات العشرين التي تلت لقاءنا ،وأضحى فيما
ب عد أ حد كبار المرا سلين الخارجي ين لوكالة سي .بي .أس للنباء .إ نه يتم تع بموه بة جعل ته ل يُقّدر بث من .ف ما أن
ين صب معدات الت صوير ،سواء في شارع خل في في كارات شي أو في جادة مطلة على الب حر في بيروت ح تى تبدأ
الحوادث المثيرة الجديرة بالتصسوير .طبعا كان ذلك بعسد لقائنسا الول بسسنوات عديدة .عندمسا التقيتسه للمرة الولى،
وكان آنذاك في السابعة والعشرين أو في الثامنة والعشرين من عمره ،بدا لي وكأنه توأم صديقي ورفيقي في احدى
فرق الجاز ،ستان كن تن ،إن ما أحا طت حلقتان بأ سفل عين يه من كثرة ال سهر والمغامرات المراف قة لل سهر ،وتماثلت
رغباتنا في الكثير من الحالت تماثلً سيزداد وضوحا من خلل صفحات هذا الكتاب.
كان معظم تدريبي على يدي فرانك كيرنز عبارة عن تركيز على اتقان استعمال كل العبارات التقليدية التي ترد
في تحر ير المقابلت والتحقيقات .وبم ساعدة فرا نك سرعان ما تعل مت فن تحرير ها دون القيام ب ها فعلً ،و هو فن
استغليته أحسن استغلل بعد سنوات عديدة عندما أنيط بي تحرير مراجعات الكتب في صحيفة «واشنطن بوست»،
هذا علما بأن معظم تلك الكتب كان على كل حال من باب الكلم الفارغ .وهكذا باستثناء فترات بعد الظهر التي لم
نكن نشاهد أنا وفرانك مباريات «البايس بول» أو فيلما في احدى دور السينما ،رحت أحاول التوفيق بين تخيلتي
وتخيلت العقيد شين فكانت محاولتي تلك تشبه محاولة اعادة معجون تنظيف السنان إلى انبوبه .وفي كل مرة ذهبنا
أنا وفرانك إلى مكتبه لبلغه عن نقص جديد ما اكتشفناه في نظام وقاية أمن بلد نا،كان يقول لنا شيئا شبيها بس
«يذكرني كلمكما بالمرة الولى التي زرت فيها طوكيو حيث أنيط بي أمر كشف وسيلة التخابر بين الستخبارات
ال سابقة في احدى مجلت المغامرات التاف هة ،هذا إضا فة إلى أن الروا ية تتغير في كل مرة عن سابقتها .ب عد احدى
تلك الزيارات قال لي فرانك« :إن العقيد المفضل عندنا رجل يصعب حمله على التقيد بشيء».
استطعنا أخيرا المساك به من ضمن ما كان احدى أصعب وأبله وأتعب المهمات التي أوكلت إليّ خلل السابيع
القليلة الولى من خدمتي في جهاز شرطة التجسس .ففي احدى الليالي القارصة في منتصف كانون الثاني (يناير)
أنيط بي وبفرانك القيام بالدورية من الساعة العاشرة ليلً حتى السابعة من صباح اليوم التالي حول المربع الذي يقوم
مراق بة جوا سيس أو مخرب ين من المتو قع أن يهاجموا المب نى في أي و قت .جوا سيس ومخربون يهاجمون جمع ية
16
الصليب الحمر؟ إنه حقا لخيال خصب! ما زلت أذكر انني لم أغضب من البارون مونشهاوزن *_ مثلما أخذ فرانك
يسسمّي العقيسد شيسن _ كمسا غضبست منسه فسي السساعات الولى مسن تلك المهمسة فسي صسقيع ووحدة ورياح تلك الليلة
الجليدية.
ل مجال للري بة في ان تلك المه مة س و هي الب ساطة بعين ها س أعدت أ صلً لبعاد نا أ نا وفرا نك عن مرا بع
جورجتاون الليل ية ،ولكن ها في مضامين ها تحولت إلى ما يش به روا ية معقدة الح بك .ل مجال ب ين دف تي هذا الكتاب
لذكر كل التفاصيل ولكن يكفي القول إن خبرة تلك الليلة باتت بمثابة القاعدة الساسية التي اعتمدتها في لعبة حياتي:
أي إذا كنت تبغي التيقن مما يرمي إليه عدوك عليك أولً أن تقدر مقدرته مثلما تقدر مهارة خصمك في لعبة البوكر
الظروف .
بعد ليلة من الدوران حول مبنى الصليب الحمر والبنية المجاورة وفي جو بارد حرارتة تحت الصفر وتفتيش
خزنات مقر الصليب الحمر ،وتصادم مع شرطة واشنطن ،وبعد رشوة رقيب في الشرطة وتهديده بفضحه لعادة
الرشوة إلي نا ،أمضي نا ساعتين في م قر إقامت نا أعدد نا خلله ما تقريرا بعنوان «المضام ين المن ية للف ساد في شر طة
واشنطن العاصمة» .وعند وصول العقيد شين إلى مكتبة في الساعة الثامنة صباحا اعترفنا أمامه بأننا لم نقض طيلة
الليل في الدوران سيرا على القدام في ذلك الطقس البارد ،بل استعملنا بعضا من تلك «المبادرة» التي طالما تغنى
بها أمامنا ،لندخل بناء الصليب الحمر بالكسر والخلع وفحصنا ملفّاته سعيا لمعرفة ما الذي يحتمل أن يبحث عنه
الجواسيس اللمان.
لم تبدو على العقيد شين إمارات تنم عن أي امتعاض أو دهشة ،بل تمتم قائلً :انه كان ليعتبرنا أكثر جنونا مما
ظن لو اننا قضينا تلك الليلة الجليدية نرتجف بردا .وأبدى اهتماما فوريا بالقتراح الذي عرضناه عليه .قلت «:أيها
العق يد ،ل قد بذل نا و ما زل نا نبذل جهدا كبيرا في تكد يس المعلومات والحفاظ على سريتها دون أن يكون عند نا أد نى
فكرة عن أي من تلك المعلومات يبحث اللمان .كما أننا ل نعرف كيف يحاولون الوصول إلى تلك المعلومات .إننا
نأ تي بافتراضات قسد ل يكون ل ها أي م سوغ ،وأ ظن بأن ثل ثة أرباع الجراءات الحتراز ية ال تي نتخذهسا لي ست
ضرورية وبأن الجواسيس اللمان الذين قد يكونون هنا يركزون على النقاط التي ل نوليها الحراسة الدائقة بها».
واقترحت بأن ننتحل أنا وفرانك شخصية جاسوسين المانيين لفترة لنرى ما يمكن أن نعثر عليه .ومن أجل ذلك
يمكن نا أن نف عل شيئ ين :الول معر فة ماذا يم كن لهؤلء الجوا سيس فعله لتخطّي مختلف و سائل الوقا ية والمراق بة
البال غة التكال يف ال تي ن صبناها .والثا ني ماذا يمكن هم معرف ته ب عد ذلك التخطّي .أضاف العق يد على ذلك اقتراحا ا نه
ب ا رو ن ك ا ر ل مونشهاوزن ضابط في القرن الثامن عشر بات بتلفيقاته الخيالية موضوع قصص خرافية. *
17
بإمكاننا أيضا معرفة ما الذي يفعله الجواسيس بالمعلومات بعد حصولهم عليها نظرا لن نقل المعلومات أصعب من
الح صول علي ها .ف هل ينقلون ها بوا سطة ر سائل بال حبر غ ير المرئي؟ أم هل لدي هم أجهزة ل سلكية يبثون ها وكأن ها
محاورة بريئة بيسن هواة التخابر بتلك الجهزة؟ واسسترسل فسي مثسل تلك الفتراضات .ثسم قال لنسا« :إن فكرتكمسا
مدهشة» ،وهنا تبادر إلى ذهني انه كان سيقول بأن الفكرة خطرت له نظرا لنه يعيش في عالم من نسج خياله.
ل و سيلة عندي لمعر فة ماذا حدث لفكرت نا بعد ما أر سلها غوردن ش ين إلى أعلى للمواف قة س وهذا يع ني بالط بع
موافقسة منظمسة الجنرال دونوفان التسي كانست منشغلة فسي صسراعاتها البيروقراطيسة لوضسع كسل هذه المشاريسع فسي
عهدت ها .ولكن ني أعرف ان ها ب عد أن أعيدت إلي نا مخف ضة إلى در جة ح تى لتكاد تعادل مجرد حا جز لل من .وب عد
النتظار جاءتنا التعليمات بأن نقوم بدور جاسوسين المانيين وزودنا بوثائق وأوراق الصليب الحمر المزورة تزويلً
واضحا .كان الغرض من ذلك معرفة أي من تدابيرنا الحترازية المتعددة يمكن اختراقها .
اسستعرضنا جميسع الحتمالت وأخيرا ركزّنسا على الوسسيلة التسي تؤدي إلى نتيجسة حقيقيسة هسي «تجنيسد العملء
وتفعيل هم» ال تي طلب إلّي ب عد ع شر سنوات أن أضع ها في كتاب اعتمد ته وكالة ال ستخبارات المركز ية في تعل يم
عملئها .ما هي السئلة التي يسعى ضابط الستعلمات للحصول على أجوبة عنها بواسطة التجسس؟ انها التالية :
س ما هي المعلومات التي يحتاج إليها رؤسائي لوضع خطتهم الدفاعية والهجومية وأي قسم من تلك المعلومات
يمكن الوصول إليه فقط بالتجسس عوضا عن استعمال الوسائل التقنية أو المراقبة المفضوحة ؟
س أي من هؤلء الشخاص بحاجة ماّسة إلى شيء ما بإمكاننا توفيره له ،أو بإمكاننا حمله على الحاجة إلى شيء
س ما هي أفضل طريقة لمقاربة هؤلء الشخاص ،وحملهم على الحاجة لشيء والعرض عليهم بتوفيره لهم مع
على كل حال انت هت لعبت نا هذه ب عد أن رفع نا تقريرا أعرب نا ف يه عن الحتمال بأن ال ستخبارات اللمان ية رب ما
بنت هيكلية جاسوسيتها حول أشخاص أميركيين اجتازوا التحقيقات المتعلقة بلياقتهم المنية راجين لهم الوصول إلى
معلومات سرية جدا ،ولكنهم معرّضون بطريقة ما للبتزاز أو ضعفاء أمام الغراءات المادية المشوقة.
لم يطل المرب نا ،أنا وفرانك ،حتى تقدم نا بطلب لنقلنا إلى خارج الوليات المتحدة .وبعد ظهر أحد أيام خر يف
العام 1942ك نت عائدا برف قة فرا نك إلى م قر إقامت نا ب عد التحق يق في قض ية بال غة ال صعوبة (أي ك نا عائد ين من
مباراة في لعبة البايس بول) فعلمنا أن فريقا من جهاز شرطة التجسس جمع على عجل وغادر المقّر قبل ربع ساعة
18
ف قط من و صولنا ووجه ته ا ستراليا .ولو أن نا عد نا إلى المّ قر ب سيارة تك سي لكان كل مجرى حيات نا قدتبدل .ول كن
فرا نك أ صّر على العودة بالباص كي يقت صد ب عض القروش ليو مه ال سود .صحيح أن ا ستراليا فاتت نا ولكن نا عينّ ا
لمه مة في لندن وأمر نا بالتو جه إلى مر كز طبي لتل قي التلق يح والتطع يم اللّزم ين للوقا ية من المراض ال تي قد
نتعرض لها في بريطانيا .زودنا بما يلزم لرحلة عبر المحيط الطلسي ،والتعليمات المنية المناسبة وبعد اسبوع كنا
كنا أثني عشر رجلً من المخابرات وكل منا باستثنائي أنا يحمل شهادتين جامعيتين أو أكثر ويحسن التكّلم بواحدة
أو أكثر من اللغات الوروبية ،كما كنا أذكى رجال جهاز مكافحة التجسس قاطبة( .تجدر الشارة هنا إلى أن جهاز
شرطة التجسس كان قد أعيد تسميته فصار يعرف بجهاز مكافحة التجسس) .قطعنا المحيط الطلسي الشمالي ببرده
وضبابسه واغسبراره على متسن سسفينة الكويسن اليزابيسث وكان معنسا ضباط وجنود فرقسة المشاة الولى فسي الجيسش
الميركسي المؤلفسة مسن مختلف أصسناف الجنود والضباط وزهاء الخمسسين ممرضسة وقسد أعطيسن المقصسورات
المخصصة لركاب الدرجة الولى إبّان رحلت السفينة الفخمة في أيام السلم .
ضّ مت وحدة جهاز مكاف حة التج سس في تلك الرحلة الث ني ع شر «عميلً خا صا» الذ ين ذكرت وثل ثة ضباط
باللباس الع سكري هم الرائد كير بي جيل يت والنق يب موراي فوك نر (شق يق الد يبين ولي مَ وجون) والملزم ل نْ آلن
وكلهم موظفون سابقون في مكتب التحقيق التحادي أبدوا اهتماما واحتراما بالغين بمن عهد بهم إليهم من أهل العلم
والعالم.ف قد أمنّوا ل نا كل ما أم كن تأمي نه في سفينة مكت ظة بالجنود ر غم معار ضة بائع الحذ ية ال سابق في مدي نة
مهف يس من ول ية تن سي المايجور جنرال آرنولد جنين غز الم سؤول الول عن جم يع من هم على ظ هر ال سفينة.بلغ
جنينغز رتبته هذه من خلل الحرس القومي .ولما كان غير واثق من نفسه وخائفا على مركزه صار يشك في كل
أ مر ل تنّص عل يه صراحة التعليمات الع سكرية ال تي ل تنط بق علي نا ب صفتنا مدني ين .ف قد قال ل نا مرة «إذا خال فت
أنظ مة الج يش وقواني نه أن تم أول من ير فع تقريرا بذلك ،وهذا ما أتو قع من كم فعله».ل شك في أن الجنرال جنين غز
ضابسط ممتاز يراعسي ضميره ومتقيسد بمبادئه على اسستعداد لبذل أفضسل طاقاتسه فسي سسبيل وطنسه .إنسه بكلم آخسر
في أيام السلم كانت الناحية المخصصة لنا في السفينة تشكل الجسر وغرفة المرضى ،وقد تأمنت لنا فيها أسباب
الراحة المقبولة قياسا إلى الظروف .ولكن وقع حدثان كان من شأنهما تحسين أوضاعنا على ظهرها .فقبل إبحارنا
با سبوع الت قى قبطان ال سفينة البريطا ني الكاب تن هاو يز بريلي في حفلة كوكت يل في نيويورك بالمقدم المح بب إلي نا
غوردن ش ين .ول بد أن هذا الخ ير ه مس في اذن الضا بط البريطا ني ( مع غمزة ل ها مغزا ها من عي نه الي سرى)
وبصسوت ينّم عسن أنسه يطلعسه على معلومات سسرية وحيويسة بأننسا«عملء خاصسّون» وبأنسه ،أي الكابتسن هاويسز
19
بريلي،يسدي خدمة ضرورية وفّعالة لتحسين العلقات البريطانية الميركية أن هو عاملنا المعاملة الحسنة والخاصة
واللئقة التي تستحقها مهمتنا الخطيرة .راح الكابتن يبحث عنا فع َثرَ علينا بعد يومين وأمّن لنا المشرب (بار) المزود
أحسن تزويد وطاولة وكدسات الورق للعب إضافة إلى عدد من المجلت التي تكثر فيها صور النساء والمصادرة
أما الشيء الثاني الذي زاد من تحسين وضعنا فكان القضية التي صارت فيما بعد تُعرف بس «الحادث» ،وقد تّم
وصفه في تقرير غطّى صفحة واحدة ل غير مكتوب باللة الكاتبة رفعت إلى الدوائر الرسمية المختصة .أما بالنسبة
إلي نا فكان «الحادث» قفزة كم ية إلى المام ك ما و صفها ل حقا الرائد كيري جيل يت الم سؤول عن وحدت نا .لم نشا هد
ف صول ذلك الحادث ان ما يبدو أن أفراد طا قم المط بخ في ال سفينة ،المؤلف من مدني ين بريطاني ين منتم ين إلى اتحاد
البحارة ،طلبوا من الجنود بقشيشا .ولما رفض هؤلء أخذ عمال المطبخ يرمون بالقمامة ،ومعظمها مواد سائلة،في
ل رماة الرشاشات التابعين لفرقة المشاة الولى .في اليوم الثالث من هذه الممارسة طلب آمر
المكان الذي يفترشه لي ً
الرماة العر يف أول جاك كويغلي س ويز يد وز نه عن المئة كيلو غرام من الع ضل المفتول س من الم سؤول عن
العّمال وممثل اتحاد البحارة على السفينة إزالة تلك الوساخ فأجابه« :نظفّها بنفسك» .
وهنا استدار كويغلي إلى رجال المشاة الواقفين يتفرجون وقال« :أنت ،وأنت ،وأنت وأنت ،ارموا بهذا البن كذا
إلى البحر» .ودون تردد ولو لبرهة قصيرة أمسك الرجال الربعة بالمسكين من يديه ورجليه وأرجحوه بضع مرات
ذّهل رجال طاقم السفينة الذين كانوا هناك وقبل أن يتمكنوا من العودة إلى صوابهم صاح كويغلي بالباقين «من
هو المسؤول بينكم»؟ فساد صمت قصير قطعه كويغلي بأن اشار إلى أضخمهم جثة وقال« :إسمع أنت وخذ هؤلء
البلهاء إلى أعمالهسم» .انتهسى المسر وأخسذ العمال المكانسس والمماسسح وشرعوا ينظفون المكان سسمع كويغلي أحسد
البريطانييسن يتمتسم عسن نوعيسة الخدمسة التسي سسيتلقاها الميركيون فأمسسك بسه وهدّد بأنسه إذا مسا شعسر أحسد الجنود
الميركي ين بمجرد ألم في المعدة أو في المعاء ف سينتهي ال مر بإلقاء جم يع الموظف ين البريطاني ين إلى الب حر .لم
يترك هذا الكلم أي مجال للشك في أذهان الموظفين بجذّبه الرقيب ،كما أن «الحادث» كله حصل خلل دقائق قليلة.
لم نشاهد «الحادث» بأنفسنا كما قلت بل سمعنا به في اليوم التالي من قبل الكابتن هاويز بريلي الذي لم يستدع
الرائد جيليت بل جاء بنفسه إلى مقرنا .إنه رجل مرح يوحي بالثقة وبالطيبة المتوقعة من قبطان سفينة سياحية جعل
المتمر سّين منا بالسفار يتذكرون بعض السفن الكبيرة التي كانت في أيام السلم والبحبوحة توظف قبطانين (أثنين)
للسفر بين ميناء لوهافر الفرنسي وميناء نيويورك يقوم احدهما بالقيادة ذهابا بينما يقضي الثاني وقته بالسكر ويعود
بها الثاني فيما يقضي الول وقته مع الركاب يحتسون مختلف أنواع الخمور .
20
بدأ الكاب تن هاو يز بريلي حدي ثه بطري قة تو مئ إلى ا نه يقوم بزيارة ودّ ية متحدثا عن محبّ ته للميركي ين وتقديره
لمجيئهم للمساعدة في الحرب وعن أقرباء له في مدينة ميووكي ثم انتقل إلى صلب الموضوع فقال« :يبدو ان بعضا
من شبابكم ألقوا بأحد طهاة السفينة في البحر» .وأخبرنا بما تناهي إليه عن الحادث مؤكدا انه سرد لنا كل ما يعرفه
بدا من كل مه ا نه ح مل كل الكلم الفارغ الذي سمعه من العق يد ش ين على مح مل ال جد واع تبر ان با ستطاعتنا
اجراء تحقيق «بصفتنا اختصاصيين» ولنا من التصالت على المستويات الرفيعة في واشنطن ولندن ما ل يعرفه
ل ال واعتبر أيضا اننا قادرون على تمييع القضية كي ل تؤدي إلى اساءة في العلقات بين البلدين .وسبق له ان
إّ
تحدث في الموضوع مع بائع الحذية واتفقنا على انه بإمكاننا القيام بما يلزم .
بعد دقائق فقط من مغادرة القبطان هاويز بريلي مقرنا و صَل قائدنا بائع الحذية سابقا وعلى وجهه كل دللت
الحترام والوجوم الذي يقارب الوجوم الجنائزي وأيد طلب القبطان بأن نقوم بالتحقيقات اللزمة ،وطلب إلينا إيداعه
تقريرا مفصلً وصادقا يكون في الوقت نفسه صالحا لرفعة إلى رؤسائه .أجابه الرائد جيليت :سيقوم بالمهمة بكل
سرور ،ورأى في ذلك فر صة أخرى جديرة بالقتناص بغ ية الح صول بالمقا بل على تح سينات أضاف ية في رفاهيت نا
انتدب كيربي جيليت للمهمة رفيقنا هاري أمرمن الذي ل يرف له جفن وهو رجل يمكن التكال عليه لستقصاء
الوقائع «بطريقة ذكية وخالية من العواطف كما لو كان زائرا حلّ بنا من كوكب أخر» ،حسب قول ل حق منسوب
إلى هنري كيسنجر .أعلن هاري فورا بأنه ليس بحاجة إلى أي مساعدة في عملية التحقيق بحد ذاتها ولكنه أسرّ بأنه
سسيكون شاكرا لي ولفرانسك إذا مسا عاونّاه على «اسستغلل الفرص» التسي توقسع توافرهسا نتيجسة لمجهوداتسه .جاءت
أحسد الكتبسة القليلي الذوق فسي قيادة الشرطسة العسسكرية) كان رجلً مهذبا وهادئا ومخلصسا لعمله قبسل بتمثيسل اتحاد
موظ في طا قم ال سفينة لعدم قبول أي ش خص آ خر به .وم ما كاد يُدمِع عينيّ حزنا عل يه ا نه كان من أم هر ل عبي
الﭙو كر وان نقي صته الوحيدة في الل عب ميله اللارادي إلى توز يع أوراق الل عب من أ سفل الكد سة ع ند تخلي ال حظ
ع نه .أ ما أفراد الطا قم المدنيون غيره والب عض من رجال الج يش المير كي ،فوضع هم مختلف كليا ،ذلك ا نه خلل
اسسبوعي الرحلة تمكنوا مسن اقامسة عمليات سسوق سسوداء فسي السسفينة مبنيسة على السسرقة مسن مسستودعاتها وتخبئة
«أن ني متأ كد م نذ الن بأن نا سنربح هذه الحرب !» ول كن «ال سوانح ال تي تنت ظر ال ستغلل» أ سالت لعاب نا ك ما ان ها
حولت أذهاننا عن التفكير بأن «أبن الكذا وكذا نال ما يستحق» إلى التفكير بالناحية الرياضية المسلية من القضية.
21
بعسد يوم أو اثنيسن مسن اسستجواب «الشهود» فسي وضسع كان يسستوجب التسستر عوضا عسن البحسث عسن الدقسة
والصراحة ،أعد هاري تقريرا بدأه بما يشبه الجملة التالية« :تقع البقعة التي لمست الضحية الماء فيها فوق منطقة
جرف فارادي ع ند طرف سلسلة جبال مغمورة تد عى جرف شمال الطل سي ح يث يبلغ ع مق المياه أك ثر من م يل
واحد بقليل » وأنهى تقريره بعبارة تصف مليين الليترات من المياة التي شكلت قبر البحار .وتضمن متن التقرير
سردا واقعيا للحادث مع ملحظة من قبل الضابط الول في السفينة بأنه سينبئ جميع موظفي المطبخ في مختلف
القوافل البحرية المقبلة بتفاصيل الحادث الذي وصفه بأنه «درس جيد».
أما نحن فتلقينا درسا من نوع أخر جاءنا عن اللجنة التي اعادت النظر في التقرير س وكانت نوعا من «لجنة
تحقيق» حسبما قيل لهاري .جلس حول طاولة تعلوها أكداس من كراريس النظمة العسكرية المختلفة كل من قائد
الشرطة العسكرية في فرقة المشاة الولى ونائب قائد الفرقة المسؤول عن التفاصيل الدارية المتعلقة بالرحلة وأمين
صندوق الباخرة وهو أيضا الضابط الحقوقي فيها ،إضافة إلى شخصين أو ثلثة أشخاص أخرين لم يعرف هويتهم .
بالنسبة للمجتمعين كان عنوان اللعبة تفادي المسؤولية فلم يظهروا أي اهتمام على الطلق «بالضحية» باستثناء أحد
كبار الضباط الذي سأل« :هل أخطرتم عائل ته ؟» للمرة الثالثة بعد أن ق يل له إن الفقيد لم يترك خلفه أي عائلة .ثم
قال أ حد أعضاء اللج نة« :آ مل بألّ نف سد ملف عر يف ممتاز ب سبب موت مد ني تا فه» .وه نا توج هت الن صار إلى
هاري الذي قال« :سأروي الشياء كما رأيتها » ولكن لما نمت نظراتهم عن عدم موافقتهم أردف قائلً «:إلى حد ما
بالطبع ».
بعد ان انتهى هاري من تقريره الشفهي أعرب كل من أعضاء اللجنة عن رأيه في طريقة التعاطي مع القضية
واختصر قائد الشرطة العسكرية النتيجة بقوله« :وقاة بسبب حادث مؤسف » ،وأعقبه بعبارة أو أثنتين تترك انطباعا
بأن شجارا قام بيسن مجمو عة مسن المجنديسن وأخرى مسن طاقسم السسفينة سسقط «الضحيسة» أثناءه فسي البحسر .وتحلّق
الضا بط حول هاري ينظرون إلى ما يكت به ،فعدل تقريره على الفور و صار التقر ير متوافقا مع الحقائق ال تي ن طق
كان كل ما جاء نا به هاري إلى غر فة الت سلية ال تي أقمنا ها بالقرب من موقع نا صفحة واحدة باللة الكات بة هي
عبارة عن صفحة غلف تقريره ال صلي المؤلف من اثن تي عشرة صفحة .أ ما الفرص القابلة لل ستغلل ف قد أن يط
أمرها بي وبفرانك واستلزم ذلك بعض التخطيط والتخيل ولكننا نفذنا المهمة التي برهنا على اننا بمستواها ففي بادئ
ال مر سجّلنا نق طة لصسالحنا مع العر يف كويغلي وشركائه الرب عة بالجري مة بأن أوهمناهسم بخطورة وضع هم ثم
طمأناهم بأننا سنصف الحادث بطريقة تقيهم شر العقاب .ثم تحولنا بالطريقة عينها إلى الطاقم البريطاني مؤكدين لهم
بأن نا سنشيح الن ظر في تقرير نا ع ما تك شف ل نا عن سرقاتهم وتهريب هم وعلقات هم بالممرضات (ح صل على ال قل
22
اغت صاب وا حد) على ظ هر ال سفينة ،وخوّف نا كبار ضباط ها أيضا بو سائل أخرى وبالمخالفات ال كبيرة ال تي كشفت ها
تحقيقات هاري.
انبرى فرانك فجأة ليقول لهؤلء« :لكم الحق في أن تتوقعوا تقديرا ماليا رمزيّا لما تقومون به حيالنا .لقاء تنادي
الشباب الذ ين قاموا بذلك الع مل الره يب ،تنادوا عن طي بة قلب ول يس عن شعور بأي الزام وقدموا مبلغا من المال
لنو صله إلي كم » .ثم تو جه نحوي قائلً« :هيّا ب نا ،أعط هم المبلغ» .فألزم ني بأن أد فع كل المبلغ الذي ربح ته من
رفاقي في لعبة الﭙوكر الليلة السابقة .لست أذكر قيمة المبلغ ولكنه بالطبع أكبر بكثير من كل البقشيش الذي حسب
عمال المطبخ انهم سيحصلون عليه من الجنود طيلة الرحلة .ونجحت العملية نجاحا تاما .أما الرجل الذي أُلقي به
إلى البحر فلم أعد أذكر إل مَ انت هت قضي ته أو أن الن سيان لفّها قبل نهاية رحلتنا ،وتبلغ أقرب أقربائه وهو ابن عم
أحد أبناء عم عمومته القدمين نبأ وفاته في رسالة تعزية تقليدية حذفت منها أسباب الوفاة مراعاة ل عتبارات تتعلق
بالمن القومي.
كم قدّر عمال المطبخ بادرتنا! وفيما أبديت مهارة في الضغط أظهر فرانك مهارة مماثلة في تحديد ال َبدَل .ولما
كان بنيتنسا الحصسول على خدمات أخرى جعلنسا البدل معقولً فقسد طلبنسا مسن زعماء عمال المطبسخ تحضيسر وجبات
طعام خا صة بأفراد فر يق جهاز مكاف حة التج سس وتقديم ها ل هم في مقر هم .وهكذا وخلل اليام ال سعة الخيرة من
رحلتنسا تناولنسا أصسنافا لذيذة مسن الطعام لم نتناول مسا يشبههسا طيلة سسنوات الحرب ،باسستثناء الشهسر القليلة التسي
ولكن بقي أمامنا سبعة أيام قبل الوصول إلى بريطانيا بيّنا خللها أن قيادة جهاز مكافحة التجسس في واشنطن
اتخذت قرارا حكيما جدا باختيارهسا أعضاء فريقنسا كأول فريسق ترسسله إلى بريطانيسا .وعلى الرغسم من أن المنط قة
المخ صصة للمرضات في ال سفينة محظورة على الرجال ا ستطاع فرا نك تهر يب الب عض من هن لقا مة حفلة راق صة
في موقع نا ثم هرب واحدة إلى مق صورة على الشر فة ح يث قض يا معا سويعات ب عد الظ هر ولليالي ال تي تبقّت من
المشاة الولى يعتمدون على الخرافات أك ثر من اعتماد هم على الرياضيات فكا نت النتي جة أن ني وطئت الياب سة في
بريطان يا و في ج يبي أك ثر من أل في دولر .وب عد الحرب قط عت المح يط الطل سي أك ثر من ع شر مرات على م تن
السفينة كوين اليزاب يت س 2وعلى سفن فخمة أخرى وكانت رحلتي تلك كلها في الدرجة الولى وأكثر ،ولكنني
أقول الن دون أي تردد أن رحلتسي فسي أيام الحرب وبرفقسة زملئي فسي مجموعسة جهاز مكافحسة التجسسس كانست
الفضل وأنني على استعداد للقيام بها ثانية لو أمكن ذلك ،وبدفع كلفتها في الدرجة الولى.
23
أما ماذا حدث لتقرير هاري؟ كانت تلك ضربة المعلم .فبينما كانت حقيبة الوراق السرية جدا على وشك أن تُقفَل
وتُختَم ا ستطاع هاري سحب تلك الور قة الملّف قة وأن يد سّ محل ها تقريره ال صلي وقد ك تب ب خط يده على ال صفحة
الولى« :فلتسقط القطع أينما شاءت» .أما إذا ما ُقيّض لها أن تسقط في أماكنها أو انها لم تسقط فيها ،فأمر لم يدرك
مسامعنا قط.
الفصل الرابع
لندن في الحرب
بعد شهر ممل في تشلثتم ملته المماحكة والمناقشات مع العقداء والمقدّمين في محاولتهم لمعرفة هويتنا وغايتنا،
أرتدي نا ألب سة مدن ية واستقلينا قطارا خاصا إلى لندن .ليست مح طة بدينغُتن أجمل ما بطالعك ع ند وصولك إلى ما
صارت الن مدين تي المفضلة وال تي و صلناها في يوم بارد ومم طر من أيام أيلول ( سبتمبر) .ول كن النطباع الول
إلى انه يضم الكثير من الفنادق الصغيرة يقيم فيها طلب فقراء وتنشقت فيه رائحة شحم الضان والسجّاد المتعفن.
وفيما كان الخرون ينتظرون بصبر من يستقبلهم امسكت بفرانك وبرفيق آخر وأوقفت سيارة تاكسي توجهت بنا
إلى مكتب إسكان كبار الضباط في شارع اودلي الجنوبي .أبرزنا هوياتنا أمام ملزم ثان فكان لها عميق الثر في
نفسه وأخبرناه بأننا في «مهمة خاصة وطويلة المد« وقلنا له بأننا نفضل مسكنا فخما يكون قريبا من سفارات الدول
ال كبرى في آ سيا وافريق يا وغ ير بع يد عن ال سفارة الميرك ية في ساحة غرو سفنور .حوّل نا فورا إلىم سكن كا مل
التأثيث في ساحة اوفنغتُن على بعد قرابة المئة متر من محلت هارودز الشهيرة ،ول شك في ان البيت المذكور قد
أصبح الن منزل أحد شيوخ النفط العرب ،وكان بدل اجاره الشهري في أيامنا 120جنيها نتقاسمها مثالثة .لم يطل
المر حتى جاءنا طاقم من الموظفين المنزليين المشهورة بهم البيوت البريطانية الثرية يضم بستانيا وخادمة وطاهيا
قادرا على تأمين فطورنا كل صباح وعلى اعداد وتقديم وليمة عشاء فاخرة لنا ولضيوفنا عند الحاجة ،نأتي بموادها
الول ية من الطا يب ال تي كا نت متوافرة في محلت هارودز و من أطا يب أخرى ن ستطيع تهريب ها من مط عم كبار
الضباط القائم في شارع أودلي الجنوبي.وقد استطعنا ذلك بمساعدة الضابط المسؤول عن مستودعات المطعم الذي
كنت بعد ظهر أحد أيام الحاد أتمشّى في شارع شافتسبوري فسمعت تدريبا على المقاطع الخيرة من كونشيرتو
للمؤلف راخمانينوف تُعزف على ﭙيانوي ين .اقتر بت من مد خل م سرح كا مبريدج ،م صدر المو سيقى و تبين لي أن
ماريا هِس تعزف على ﭙيانو وآرت تاتُم يعزف على الخر وجاء في العلنات عند باب المسرح أن العازفة الشابة
24
العجو بة مورا ليمﭙا ني تح يي الحفلة .مورا ليمﭙا ني! اندف عت دون التو قف لح ظة واحدة ن حو باب الم سرح الخل في
وقلت للبواب بأنني مندوب اوركسترا فيلدلفيا السمفونية وأن عليّ مقابلة النسة ليمباني ومدير أعمالها في غرفتها
داخل المسرح لبحث جولتها المقبلة في الوليات المتحدة .ولدى سماعه لهجتي الميركية سمح لي بالدخول دون أي
اسئلة .
توج هت ن حو مورا مباشرة و هي خار جة من على الم سرح ،و سط ت صيفق ي صّم الذان وعرفت ها بنف سي.وعلى
طريقتها الخاصة قالت لي :س «نعم ،نعم ،تفضل مع الخرين إلى كنغزوود بعد أن أعزف مقطوعة أخرى إرضاء
لصرار الحضور» .ليست أذكر بالتحديد كل «الخرين« إنما كان هناك عازفة بيانو ارجنتينية تحولت فيما بعد إلى
رجل وصديقها الشاب الغريب المظهر الذي تبيّن فيما بعد أنه عشيقها (مع بعض التصرف باستعمال هذه الكلمة)
و هو عازف ناي يع مل في مخزن لللت المو سيقية ،وطالب أو اثن ين ،ور جل بلجي كي وزوج ته وه ما من جيران
وكان أيضا ب ين أفراد هذه المجمو عة ر جل نح يل طو يل القا مة أن يق اللباس في أو ا سط الربعينات من الع مر
يضع نظارتين كشفت الطار ويدخن من حامل سجائر طويل .بدا لي هذا الرجل شريرا جدا .أتذكرون انني قلت في
بدا ية هذا الكتاب بأن ني لم أكره أحدا في حيا تي؟ غ ير أن هذا الر جل ،كولن ديفرا يز ،و هو القيّم على مورا ورفيق ها
ومرافقها في العزف على البيانو الثاني وعشيقها كما تبين لي سريعا ،هذا الرجل كاد أن يكون استثناء لما قلته في
بداية الكتاب .باختصار ،لم يستسغ واحدنا الخر منذ اللحظة الولى للقائنا.
كانت مورا مدهشة .فقد بدات تعاملني كما لو كنا صديقين منذ طفولتنا ،وانضم الخرون إلينا ودارت الحاديث
بيننا بالنكليزية وبالفرنسية في السيارة الفخمة التي نقلتنا إلى محطة واترلو التي انتقلنا منها بالقطار إلى كينغزوود
ثسم لتناول العشاء فسي منزل كولن النيسق حيسث كانست مورا تقيسم ومعهسا بيانواهسا .أبدى الجميسع مودة جمسة تجاهسي
با ستثناء كولون تناول نا طعام العشاء وقضي نا ساعات طويلة نتبادل الحاد يث قبالة نار بهي جة غذت ها ق طع الح طب
الضخ مة وانت هى بي ال مر أن بت ليل تي هناك.أف قت صباح اليوم التالي لتناول وج بة الفطور النكليز ية الشه ية ثم
قضيت بعض الوقت مع مورا نتنزّه في الغابة وساعتين استمع إليها تتمرن على البيانو قبل أن نستقل القطار عائدين
إلى لندن .وإذا ما تبين أن في تلك التجربة نقصا في اثارة غيرة كولن فل تجوز ملمتى للتقصير في المحاولة.
يوم الثلثاء التالي تناولت طعام الغداء مع مورا في فندق دورش ستر ،ودعوت ها لتناول العشاء في مط عم ميرا بل
برفقة فرانك كيرنز ومعه ممثلة مختصة بتمثيليات شكسبير اسمها روزالند فوللر تعرف إليها بطريقة شبيهة بطريقة
تعر في إلى مورا .ول كن مورا جاءت إلى المط عم برف قة كولن الذي كان بغيضا حقا في تلك المنا سبة .ف قد أ ستأثر
بالحديسث منسذ بدايسة اللقاء وطيلة السسهرة وغايتسه اظهار براعتسه فسي صسياغة الذم بصسيغة المدح التسي وجههسا إلى
25
الميركيين عموما (أنه يراهم قوما يبعثون «النتعاش» في النفوس) وإلي بشكل خاص .أما أنا فرأيت فيه «مشكلة
«حسب التعريف الوارد في التعليمات الموجهة إلى ضباط فريق جهاز مكافحة الجاسوسية ،اي انه شيء يجب ازالته
ول كن ك يف ال سبيل إلى ذلك؟ جل سنا قبالة المو قد المشت عل في منزل نا نب حث في ال صعوبات ال تي تعترض نا .و كم
كانست دهشتسي لمعرفتسي أن فرانسك كيرنسز اسستلطف كولن .على كسل حال ،وبعسد اسستعراض عدة احتمالت تسساءل
فرا نك« :لماذا ل نقتله ،هكذا بكل ب ساطة؟» لست أذكر تفاصيل بحثنا في الموضوع باستثناء ان فرانك كرر القول
بأننا في حال حرب وبأننا «سنقتل خللها الكثير من الناس» وأضاف متسائلً مرة ثانية «ماذا يهم نقصان أو زيادة
سفينغالي * واحد؟
شفينغالي! نعمرانه الجواب .لقد كان كولن سفينغالي عن حق وحقيق غرر بفتاة صغيرة موسيقية وعبقرية مثلي،
وأطبق عليها على براءتها ببراثنه الشريرة .أما قصتها،كما روتها لي خلل نزهتنا في الغابة فتتلخص بأنها كانت
فسي جولة موسسيقية فسي أوروبسا عنسد نشوب الحرب فاحتجزت هناك فترة ثسم عادت إلى بريطانيسا ومعهسا بيانواهسا
ووالدت ها وهرت ها ال صغيرة ول يس ل ها ب يت تأوي إل يه .تد خل ال صناعي الثري كولن ديفرا يز ،و هو أيضا من هواة
عزف البيانو الممتازين ،وعرض عليها القامة في منزله الجميل في كينغزوود ،إضافة إلى استعداده لمرافقتها على
البيانو الثاني في عزف المقاطع المخصّصة للوركسترا في الكونشيرتو فيما تعزف هي متن الكونشرتو .رأت مورا
أن العرض أفضل بكثير من أن يرفض خصوصا وان كولن أكد لها بأنه «من عمر أبيها».
وهكذا ،وخلل الش هر القليلة التال ية أخذنا أ نا وفرانك وجايمس نق ضي مع ظم أوقات نا في التخط يط جديا لغتيال
مواطن بريطاني معروف .وأولينا الموضوع كل الهتمام والمهارة المهنية اللذين عالجت بهما فيما بعد وأثناء عملي
في وكالة الستخبارات المركزية كل القضايا التي تهمنا على الصعيد الوطني .أخيرا قرّ رأينا على أن يضرب كولن
بالهراوات أثناء خلف محدود ومدبرّ سابقا س شرط أن يقوم بذلك شخص غيرنا حسب رأي قائدنا الرائد جيليت.
ح صل كل ذلك م نذ أك ثر من أربع ين عاما وبات ضباب الن سيان يلف التفا صيلٍ ،ولكن ني ما زلت أذ كر جيدا أن
الخطة بدت لنا في حينه ممتازة ،هذا فضلً عن اننا أعددنا خططا بديلة ومساندات ،كأي تخطيط عسكري صحيح.
وعندما أصبحنا على استعداد للتنفيذ كنا قد استشرنا كل الذين يحتمل أن نستعين بمعرفتهم ومهارتهم في القضية.
توقعنا بأننا سنحتاج إلى بعض العون الخارجي فذهبت إلى الشرطة وبحثت الموضوع أولً مع العريف بلك ثم مع
لمفتش كوڤني :المفوضين لوقاية وحدتنا من أي طيش .دعوني هنا أسدي نصيحة لكل منكم يريد أن يغتال أمه أو
زوجته :في أمر كهذا ل تعتمدوا على أية مساعدة تأتيكم من سكوتلنديارد أنهم جماعة ل يرجى منها خيرا !فهم ل
شخص يحاول عادة بالترغيب أو بالترهيب حمل شخص آخر على تنفيذ ما يطلبه منهSvingali. *
26
يكتفون بمعار ضة الغتيالت بل يخلقون ل كم جم يع العراق يل البيروقراط ية ال تي يم كن اقامت ها بوجه كم ،وهذا يع ني
الكثير في بريطانيا.
ح صلنا من زملئ نا الميركي ين على الكث ير من التأي يد والتشج يع وعلى القل يل جدا من الرشاد والم ساعدة ذات
القيمة الفعلية لمشروعنا .وعندما انتهينا من وضع اللمسات النهائية كان في ساحة غورسفنور كلها أقل من عشرة
أشخاص يجهلون بأننا نخطط لغتيال مواطن بريطاني بارز .على كل حال مازلت حتى اليوم أتلقى بطاقات بمناسبة
عيدي الميلد ورأس السنة من أصدقائي القدامى في ايتوزا (الحرف الولى من كلمات عبارة «المسرح الوروبي
لعليمات الجيش الميركي في أوروبا» تشكل كلمة «ايتوزا») .البعض منها في مظاريف معنونة على نحو« :السيد
والسيدة قاتل ك .كوبلند» وفي البعض منها عبارة« :هل تخلصتم من بريطاني ما في الفترة الخيرة؟»
أما ماذا حدث في النهاية ،ف قد سالت مياه كثيرة تحت الج سر منذ ولدة الفكرة والمو عد المحدّد لتنفيذها ،إلى ان
انقضى عدة شهور ونسيت كل التفاصيل باستثناء مورا ،ولعلّها تجد هي الى ،صعوبة في التعرف إليّ .هكذا انتهت
القضية .إن استمراري في التخطيط لها ونسج المؤامرات لتنفيذ المخططات إلى ان تخليت عنها ،عائد فقط إلى انني
انغمرت بالمخططات بحد ذاتها .ولم اكن مستعدا بالطبع للمضي في تنفيذ عملية الغتيال .فعلى الرغم من انني قتلت
زهاء ستة اشخاص منذ ذلك الوقت ولكن لم يكن بينهم اي شخص قامت بيني وبينه علقات اجتماعية .كل ،فالفرق
عند ما كتبت ها جاءت مؤامرات نا لغتيال كولن قط عة أدب ية رائ عة باعتراف الرائد كير بي جيل يت والضا بط الر فع
ل من أعمال الخيال
منه رتبة في هرمية القيادة رأى فيها جميع هؤلء السادة المثقفين ،أو ادعوا بأنهم رأوا فيها «عم ً
مكتوبا ليكون مثلً يساق في صفوف الركان » ،هذا على القل ما ورد في الكتاب المرفق بها الذي أرسله كيربي
إلى مكتب رئيس عمليات ايتوزا المعرّف عنه ب ج س . 3وتلقى كيربي ملحظة خطية من رئيسه العقيد كالفرت
جاء في ها« :آ مل بأن كم ت ستغلون هذه الموا هب في أمكنت ها المنا سبة»ف سّر كير بي الملح ظة هذه ان ها تع ني فرا نك
وتعني ني وان عل يه اختلق مهمات خال ية من المشا كل ينيط ها ب نا ن حن الثن ين ل بقائنا بعيد ين عن المتا عب.وهكذا
فبدلً من تكليف نا بتتبّع الجوا سيس والق بض علي هم جعل نا كير بي نتحرى خروقات سرّية أ من الدولة،الحقيق ية من ها
والخيالية.
انتاب نا الملك وب سببه حل ب نا التهورة * قبض نا مرة على «جا سوس» الما ني سمعت إشارا ته البرق ية احدى
صديقات فرانك (هكذا قالت) المقيمة في شقة محاذية لشقته.أخذناه إلىمقر جهاز مكافحة التجسس بسيارة تاكسي
وضعناه فيها بيننا وصوّب كل منا مسدسه المرعب من عيار 45إلى رأس المسكين الذي كان يرتعد فزعا.
27
دفعنا للسائق اجرته فعادر المكان على عجل وفيها هممنا بإدخال أسيرنا إلى المبنى توقفت سيارة رسمية خلفنا
وخرج منه صديقانا كوفني وبلك من سكوتلنديارد يرافقهما رائد أميركي اسمه روجر سكسن المساعد الخاص
للعقيد كالفرت.بصوت مرتفع قال لنا المفتش كوف ني« :سنهتم نحن بأمر هذا الر جل» ،فيما ارتسمت على وجه
الرائد سكسن امارات الشماته بنا وكأنه يقول«:هذه المرة ستنالن جزاء فعلتكما ،أيها الغبيان» .انقضى عدة أشهر
قبل أن أدرك ما عناه ولماذا لم تنل مبادرتنا الشجاعة الستحسان الذي حسبناها تستحقه .أما سكسن الذي سنأتي
على ذكره في فصول لحقة .فقد غمر قلبه القتناع بوقوعنا في ورطة صعبة أثلجت صدره.
قبل دخول قواتنا ساحات الحرب جديا مررنا بخبرة أخرى تعلمنا منها شيئا جديدا .واستنادا إلى تشكيك أبداه
أ حد الم سؤولين بأن يكون البريطانيون إ ما مهمل ين جدا في تع قب الجوا سيس والق بض علي هم ،أو ان هم يتعقبون هم
ويقبضون عليهسم دون اعلمنسا بذلك ،قرر رؤسساؤنا وجوب قيامنسا بمجهود مسستقل فسي هذا المجال بغيسة معرفسة
حقيقة واقعنا فيه .ولما كنا ضيوفا في بريطانيا لم نستطع متابعة ومعالجة القضايا المحددة كل بمفردها بل كان
بإمكاننسا على القسل تحديدهسا والتعرف إليهسا باعتبار انهسا قسد تشكسل خطرا على مجهودنسا الحربسي.ولدى تحديسد
المهمات قال العقيسد كالفرت بأن علينسا أنسا وكيربسي القيام ببعسض المهمات لميدانيسة ليسس مسن أجسل القبسض على
أضاف العقيد بأن السؤال الول المطروح هو :ما هي المعلومات التي تحتاج إليها اللمان عنا في قيادة ايتوزا
ل بتجاوز هم ضوابط نا المن ية؟ وبو صفنا خبراء في مكاف حة الجا سوسية افترض نا بأن
ول ي ستطيعون بلوغ ها إ ّ
اللمان يبذلون ق صارى جهد هم لمعر فة م تى وأ ين سنوجه ضربت نا ،وبأن أول ما علي نا فعله التعرف إلى نقاط
الضعف التي سيركز اللمان محاولتهم للنفاذ منها إلى جهاز مكافحة الجاسوسية عندنا.
استحوذت الفكرة على مشاعر فرانك فخرج على غير عادته برأي جيد :ان نسرق الخزنة من مكتب ج س 3
.أ خذ رأ يه هذا يزداد جاذب ية كل ما ازداد تفكير نا به وتقليب نا له وم ساء الجم عة قرر نا سرقة الخز نة .قضي نا طيلة
عطلة السبوع في التخطيط للعملية وصباح الثنين كنا أمام مدخل القيادة في شاحنة كبيرة ومقفلة سرقناها من
المرآب المشترك (ل يس من اللئق التقدم بطلب ر سمي للح صول على الشاح نة) .خرج من الشاح نة رقيبان في
الشر طة الع سكرية(بدلتاه ما م سروقتان أيضا) وخلفه ما رجلن بح جم الغوريل يجرّان عر بة لن قل ق طع الثاث
الثقيلة الوزن.
لم نلق أي صعوبة على الطلق في اجتياز المد خل ال ساسي ون حن في بدلت ين مدينت ين ومزود ين ببطاقت ين
مزورت ين لدخول المب نى .مرر نا بحراس المد خل الذي أدوا لنا التح ية وتوجه نا إلى المصعد فالطا بع الرابع .في
الساعة الواحدة تماما اي في موعد وجبة الظهر دخلنا المكتب «الهدف» وحيينا السكرتيرة ،وكانت بمفردها فيه،
28
وسألناها« :هل لك يا آنسة أن ترشدينا إلى الخزنة التي يريد العقيد آدامز نقلها إلى بناية نورفك؟»أشارت إليها
فوضعناها على العربة فيما عادت السكرتيرة إلى المجلة التي تقرأها( .أتذكرون كيف دخل مراسل صحيفة«دايلي
اكسبرس» إلى المنط قة المحرمة في مطار هيثرو ب عد تفجير طائرة ﭙان اميركان في كانون الثاني س يناير س
1989؟) وكذلك لم تعترضنا أي صعوبة إلّ عند بلوغنا الباب الرئيسي .فتح الحراس لنا الباب وفيما كنا نحمل
الخزنة في الشاحنة هرول نحونا ملزم ثان في شرخ شبابه وعلى ذراعه شارة الشرطة العسكرية .
قلت له« :آ سف أي ها الملزم،فن قل هذه الخز نة ل يس عمل ية عاد ية.ذلك ان الجنرال آرنولد أ مر بأن تكون هذه
الخزنة في مكتبه في مبنى نورفك قبل الساعة الثانية وها قد تجاوزت الساعة الن الواحدة »..ومضينا في مثل
هذا الكلم .ثم تحول نا تارة إلى الل طف وطورا إلى التهد يد ولم نح صل من الملزم الم سكين الذي اعتراه الر عب
إلّ على«:ن عم سيدي ،إن ني أف هم تماما ول كن الوا مر تق ضي بأل ن سمح بخروج أي ش يء من المب نى دون اذن
أخرج فرانك دفترا صغيرا من جيبه ودون فيه اسم الملزم س وما زلت أذكره تماما ،أنه ألبرت موللينز.ومع
اننا أرهبناه لم يتزحزح عن موقفه بعد اعطائنا اسمه .وفي هذا الوقت كنا قد استقلينا الشاحنة ولذنا بالفرار.وبعد
الغذاء اتخذ نا الترتيبات اللز مة لعادة الخز نة إلى مك تب ج س 3ثم جل ست لو ضع تقر ير عن الحادث مل ته
اطراء على الملزم موللي نز الشاب .ونظرا ل ما قد يتر تب على القض ية من ذيول فكر نا بأ نه من الف ضل ت سليم
التقرير باليد فتوجهنا إلى مكتب قائد الشرطة العسكرية ،العقيد براند في الطابق الول من المبتى رقم 20في
ساحة غرو سفنور .اكتشف نا ان العق يد برا ند ،ر غم سمو مركزه في الشر طة الع سكرية،ر جل ودود تأ ثر إيجابا
أخبر نا العق يد ب ما حدث وأدخل نا في تقرير نا الشف هي ب عض المضحكات ابت سم لدى سماعه الق سم الول من
الحكاية ولماوصفنا له كيف أصرّ الملزم موللينز على موقفه ارتفعت قهقهته عالية وكان ل يزال يضحك عندما
كان الملزم جال سا في الرد هة بانتظار مقابلة العق يد ليروي له الحكا ية على طريق ته ،ولم ي كن على علم بان نا
سبقناه إلى ذلك.فتح الباب ودخل ولما رآنا جالسين هناك شجب لونه حتى البياض ذلك انه لم يلحظ اننا جميعا
مبت سمين.قال له العق يد :هدّئ من رو عك يا آل.ف قد عل مت بأ نه ل يزال أمام نا فر صة لك سب هذه الحرب طال ما
29
بدا الرتياح على وجسه الشاب المسسكين وتحول إلى ابتهاج عندمسا أخسبره العقيسد بأننسي اقترحست التنويسه ،بسه
وأعدنا سرد وقائع الحكاية ضاحكين وإنني على يقين من أن آل موللينز يقصها على أحفاده .بالطبع كان الناتج
النهائي لحكايتنا وضع تقرير«يغطي غباوة جمع من البلهاء».ولما كنت على دراية وأعرف من أين تؤكل الكتف
لم ينطسو تقريري إلّ على التقريسظ.وضسع آلن كالفرت على التقريسر كلمسة«:نهائي» ،وأرسسله رأسسا إلى الجنرال
الفصل الخامس
في أوا خر العام 1942وفي ما كا نت مجمو عة الج يش الحادي والعشر ين ت ستعد للنزول عل شوا طئ شمال
افريقيسا،فصسلت إلى وحدة فسي قيادة المجموعسة وعيّنست نائبا لروجسر سسكسون،الرجسل الذي اغتبسط كثيرا عنسد
مشاهدتنا،أنا وفرانك كيرنز نسوق «الجاسوس» اللماني إلى مدخل المبنى رقم 20في ساحة غروسفنو .وبسبب
ق صة غرام ية عار مة ك نت فس خضم ها مع احدى سكريتيرات ال سفارة ،فضلت البقاء في لندن وأملت في ان
ي ساعدني رو جر في ذلك .ولك نه خذل ني إذ وا فق دون نقاش على وظيف تي الجديدة .رأ يت أن علي حملة اتخاذ
اجراء ما فأخترت إثارته بالتحجج بأنني قادر على اقصائه عن مركزه والحلول محلّة خلل شهر.ومع انه على
يقين من انني لن أتمكن من ذلك أدى به قلقه على مركزه إلى التحرك .فادعى القلق الشديد على صحتي وحالتي
العقلية وأخبر آلن كالفرت عن قصتي العاطفية مع موظفة السفارة وخفض سنها من أحدى وعشرين إلى ثماني
عشرة سنة ليظهر فارق السن بيني وبينها مما يدل على مدى التشويش العقلي الذي أعاني منه واقترح ان أعود
إلى الوليات المتحدة لقضاء شهسر مسن الراحسة كسي اسستعيد صسحتي العقليسة.أثارت تلفيقات روجسر سسكسون قلقا
ل فسي نفسس العقيسد آلن كالڤرت فوافسق على نقلي إلى الوليات المتحدة على أن أقضسي شهرا فسي مركسز
أصسي ً
التدريب على اعمال الستخبارات في معسكر ريتشي في ولية ماريلند حيث ألقى المحاضرات وأتلقى الدروس
الخاصسة بأعمال أركان السستخبارات المتعلقسة بغزونسا المنتظسر لشواطسئ أوروبسا عسبر بحسر المانسش(.عمليسة
لم يرق هذا الجراء لرو جر سكسون فراح يحاول ب كل ما أو تي من و سائل اقناع العق يد أوفرلورد)OVERLORD.
كاڤرت بأن ني ل ست في الوا قع على شف ير النهيار وبأن انتشالي وإنقاذي من بؤر لندن العاطف ية ي ستدعيان قضاء
شهر ين من ال ستشفاء في جبال ا سكتلندا ح يث أعل نت مدر سة مغاو ير القوات الحلي فة عن استعدادها لقبول عدد
محدود مسن ضباط القيادة شرط اجتيازهسم بنجاح فحسص اللياقسة البدنيسة.تقبسل العقيسد كالڤرت حجسج سسكسون
المقنعة،وعلى الخص قوله بانني ل أصلح للخدمة العسكرية ،فوافق دون نقاش .أسدى لي روجر سكسون خدمة
جليلة لم أدرك قيمتها إل لحقا .فالدروس التي تلقيتها في المدرسة المذكورة شكلت أحد أهم مراحل تعليمي .ذلك
30
انها رفعت لياقتي البدنية إلى أعلى مستوياتها وحسنت من مهارتي بتدبير أموري كقدرتي مثلً على تفادي المواد
القاسية ،والهم من ذلك أنها جعلتني أعمق استشفافا لعقلية مكافحة الشر مما كان له أثره العميق في عملي في
وكالة الستعلمات المركزية التي انضممت إليها بعد الحرب ،وعلمتني أيضا مبادئ الستراتيجية الشخصية التي
و صلت إلى لندن شخ صا مختلفا وكان أول ما ق مت به التخلي عن القا مة في الب يت برف قة فرا نك كير نز
وجاي مس ايخلبر غر و حل مكا ني رائد ما ا ستقال من من صبه في مك تب ال ستقصاءات التحادي «لخلف في
الرأي» مع مد ير المك تب ج .ادغار هو فر ،يق ضي كل أوقات فرا عه بتنظ يف م سدساته وبالتدر يب على سحبها
بسرعة أمام المرآة .ورأيت في فرانك رجل آخر أيضا فقد استقر في مهمته الجديدة كرئيس لفريق جهاز مكافحة
التجسس في لندن ويقضي عمله بمراقبة الوحدة المنية التي تعمل كشرطة سرية لدى القائد العسكري في لندن
أوائل العام 1944عاد إلى لندن الجنرال ايزنهاور بعد حملة موف قة في شمال افريق يا لي صبح القائد العلى للقوات
الهجومية الحليفة المسؤول عن «عملية اوفرلورد» :وهي خطة غزو أوروبا التي يحتلها النازيون .وأبدى فرانك
مقدرتة المميزة بأن استطاع اختراق سرية موعد وصول قطار الجنرال ايزنهاور إلى محطة بريمروز في لندن،
منت صف ل يل 15كانون الثا ني (ينا ير) ورا قب تقار ير الر صاد الجو ية ال تي انبأت بأن الضباب الكث يف سيلف
المنط قة في تلك الليلة فقام مع وحد ته با ستكشاف المح طة وجوار ها أثناء النهار للتأ كد من سلمتها المن ية ع ند
ثم تصادق فرانك مع كاي صمرسبي ،سائقة سيارة ايزنهاور ومساعدته الشخصية ،واستمرت علقته بها حتى
انتهست مسن وضسع كتاب بعنوان« :انزنهاور كان رئيسسي» (.العنوان الصسلي «اربسع سسنوات تحست ايزنهاور»
.وتعرف فرا نك عبر كاي إلى فتاة بريطان ية جذا بة جدا (*) ر فض من ق بل دار الن شر على ا نه عد يم الذوق»)
لم يمض وقت طويل حتى تزوجت أنا بدوري .أخذت بعد عودتي من مدرسة المغاوير ارتدي البزة العسكرية
ل جديدا
برتبة ملزم أول مما حرمني دخول نادي الضباط في شارع اودلي الجنوبي .أدخل التفكير بالزواج تعدي ً
في حياتي فقد نفضت عني الشعور بالحاجة إلى ما اسماه فرانك «كل المزينات والزركشات» التي تشكل جزءا
من الُلغز ية المحي طة برجال جهاز مكاف حة الجا سوسية .ك ما أدى الخلود إلى حياة أك ثر ا ستقرارا إلى ما أظ نه
حتم ية لقائي بالن سة لور ين ادي ،اب نة طبيب شه ير بجرا حة الدماغ والع صاب في شارع هارلي ،لقاء تبع ته
تجدر ال شارة هنسا إلى أن الظرف «تحست» فسي العنوان المرفوض يعنسي بال نكليزيسة أيضا «بأمسر» أو (*)
بخدمة».
31
(بحتم ية ايضا) عل قة غرام ية أو صلتنا إلى مذ بح الكني سة ل إلى العد يد من حفلت الخطو بة الزائ فة .وهكذا
تزوجنا س وأخذت لنا الصور لتنشر في المجلت الراقية س في كنيسة مريم في شارع غرايت ﭙورتلند وخلدنا
إلى حياة عائل ية هادئة في ضاح ية لندن« .كوبل ند الجد يد»! لم يح مل رؤ سائي هذا المفهوم على مح مل ال جد في
بادئ المسر ولكسن العقيسد كاڤرت قرر فسي النهايسة تكليفسي بعمسل تُسستغلّ فيسه مواهسبي العقليسة بدلً مسن ميلي إلى
المغامرة .وكان القرار وضعي في غرفة اللعبة! وكان ذلك ما ابتغيته .
انشئت «غر فة اللع بة» س«القيادة العل يا اللمان ية« ،ح سب ت سمية المثرثر ين لها س المب نى ر قم 20في ساحة
غرو سفنور لتكون «ش به هد ية بع يد الميلد» للجنرال ايزنهاور لدى عود ته من الجزائر في أوئل كانون الثا ني
(يناير) عام ،1944ليبدأ منها أعداد عملية «أوڤرلورد» .ولئن لم تلق الغرفة اهتماما يذكر من قبل الجنرال (وما
ك نت على علم آنذاك بأ نه يطلع في ها على الت صالت الدائرة ب ين القيادات اللمان ية ال تي ت صل ب عد فك رموز ها
المسماة «اشارت الحجية ») ،فقد حصلت لي تنويها أو اثنين ووسام جوفة الستحقاق .كان في الغرفة تقرير لم
يتمكن المخططون عند الجنرال ايزنهاور من تجاهله طويلً علما بأنه بقى منسيا مدة طويلة في الدراج في مبنى
نورفوك .فقد أشار بشكل مقنع إلى الحتمال بأن يكون اللمان قد حولوا اهتمامهم عن استراتيجيتهم التي قد بدأنا
نفهم ها ن حو تطو ير ج يل جد يد كليا من ال سلحة تتر كز في معظم ها على ال صواريخ .وعلى الر غم من ان
الم سؤولين دا خل «غر فة اللع بة» لم يكونوا على علم بالتقدم الذي أحرزناه في تطو ير القنبلة الذر ية س أو لعله
ب سبب جهل هم لذلك س جاء تقرير هم ب ما تقش عر له البدان .ف قد أشاروا ببراءتهم إلى احتمال وجود سلح نووي
لدى القيادة العليا اللمانية وان هتلر لن يتوانى عن اصدار المر باستعماله إذا ما شعر بأن الحرب انقلبت عكس
مصلحته .
و مع عل مي بوجود «مشروع منها تن » (ا سم برنا مج البحاث الخا صة بتطو ير و صنع القنبلة الذر ية) وبأ نه
يتعلق ب سلح عل مي متطور،لم أ كن حائزا على المرت بة المن ية اللز مة للو صول إلى تفا صيله .وهكذا تجاوز ني
النقاش ب ين 20ساحة غرو سفنور وب ين مب نى نور فك .ول كن العلماء في لوس الموس ،في ول ية نيومك سيكو،
حيث قيادة مشروع منهاتن كانوا على بينة تامة بما يجري .وقد وصل إلى لندن أحدهم المقدم بوريس باش إبان
بلوغ الزوبعة وسط الفنجان أوجها وذروتها بشأنه تقرير «غرفة اللعبة».
هكذا تعرّفت ببوريس باش الذي فتّح لي عينّي على حقيقة الحرب س بشكل خاص على حقيقة انه على الرغم
من التفوق الظاهري في قوة المان يا الع سكرية تب قى المشكلة ال ساسية ل يس ك يف نر بح الحرب بل ماذا سنفعل
بالقنبلة الذرية بعد كسب الحرب .فاحتمال أو أمكانية امتلك اللمان للقنبلة الذرية او اقترابهم من انجازها ،أقلق
32
ا ستراتجيتنا .ول كن بدأ يخ طر ببالي ب عد بض عة أ سابيع من الع مل مع العق يد باش ان قلق نا لم ي كن من احتمال
استعمال اللمان للقنبلة بقدر ما كان من احتمال بلوغ الروس قبلنا أسرار البحاث اللمانية بعد انتهاء الحرب .
بدأ عملي مع العقيد باش في اجتماع لما يسمى لجنة افضليات الستعلمات المشتركة عقد بعد ظهر يوم شديد
الحر في غرفة واسعة جدا في وزارة الحرب البريطانية سقفها بالغ الرتفاع ،وفيها طاولة كبيرة تتسع لعشرين
شخصا .جلس عند احد جانبي الطاولة أربعة أميركيين س ﭙاش وأنا وممثل عن سفارتنا في لندن وضابط في
ملحق ية البحر ية في ال سفارة ببز ته الع سكرية س واح تل المقا عد الخرى الباق ية مندوبون عن شركات بريطان ية
كبرى وموظفون رفي عو المرا كز في الحكو مة وممثلون عن وزارة البحر ية و عن وزارة الحرب ية و عن وزارة
التموين وعن وزارة الخارجية،وكان خلف المندوبين البريطانيين مجموعات من المساعدين والسكرتيرات الذين
ما انفكوا يتهامسون مع المندوبين الجالسين إلى الطاولة فكان الكثير من الرواح والمجيء ومن تقليب الوراق .
لسست فسي معرض وضسع النقاط على الحروف .ففيمسا كان البريطانيون يعرفون تماما سسبب وجودهسم فسي
و جب رف عه إلى رئي سي آنذاك العق يد آلن كالفرت :خلل ال سنتين الماضيت ين كان البريطانيون يفكرون بالهداف
التي سيتوجهون إليها يوم النصر في أوروبا ،وراحوا يفترضون ،حتى في أحلك ساعاتهم،بأن الحلفاء سيربحون
الحرب .إضا فة إلى ذلك فإن الهداف ال تي حددت ها اللجان البريطان ية لم ت كن ف قط أهدافا ع سكرية ،بل ع سكرية
وتجارية ،أو حتى تجارية كليا .فقد أدركوا منذ زمن بعيد ان البحاث التي يجريها اللمان تسبق بأشواط أبحاث
الميركييسن والبريطانييسن فسي مجالت الصسواريخ والمتفجرات والمحركات النفاثسة والكيمياء وصسناعة المعادن
والت صوير الفوتوغرا في ومختلف أو جه الهند سة .ول كن يبدو ان هم لم يقيموا لذلك التفوق أي وزن على الطلق
نظرا لقتناعهم بأن الفوز في تلك الحرب مؤكد لجانب نا ،وسيكون مايمكننا الح صول عليه من المكانات العلم ية
اللمانية «العنصر الثمن من عناصر تعويضات الحرب» التي قد يتسنى لنا الحصول عليها من العدو المهزوم .
ب تّ أدرك الن أن مع ظم كبار ضباط نا كانوا على بيّ نة من المعلومات ال تي جمعت ها خلل أبحا ثي في ذلك
ال سبوع،علما بأن ها كا نت جديدة عليّ آنذاك .ول عل التقر ير الذي رفع ته عن ها في حي نه هو الول الذي عرض
الموضوع في ال سياق التاري خي الذي كانوا بحا جة إل يه .وعل مت أن الركان المبراطور ية العا مة (البريطان ية)
انشأت «لج نة أبحاث وتطو ير محدودة» لو ضع مخ طط بغ ية و ضع ال يد على منشأت اللمان ال صناعية ولعلم ية
وان اللجنة ن سّقت مخططها ليتماشى مع عملية «اوڤرلود» دون تحسيس مخططي «اوڤرلود» بذلك،حسب ما قاله
لي لحقا أعضاء فسي قيادتنسا .واقام البريطانيون أيضا تسسهيلت التدريسب المحققيسن ورجال الكوماندوس الذيسن
أسندت إليهم مهمة تتبع كبار العلماء اللمان والقبض عليهم،بمعزل عن نشاط جهاز مكافحة التجسس (الميركي)
33
وشرطة أمن الميدان البريطانية .وبعد أن أخذت أرافق بوريس باش في جولته الميدانية علمت من اصدقائي س
فسي مكتسب الخدمات السستراتيجية ومختلف دوائر السستخبارات البريطانيسة الذيسن كانوا يعملون معا طورا
ويتنافسسون تارة سس بأن البريطانييسن ينظمون فرقسة اغارة خاصسة ليسسبقوا نظرائهسم السسوفيات فسي بلوغ منشآت
البحاث اللمانية ووضع اليد على وثائقها التي نريدها إما لبعادها عن أيدي السوفيات أو لستعمالها من قبلنا .
أعددت تقريري بم ساعدة ها مة جدا قّدم ها لي نات سامولز ،و هو محام مخ تص بالقانون الدولي ،أ سندت إل يه
مهمة تسجيل أرقام سيارات الجيب الخاصة بجهاز مكافحة التجسس تحت مراقبة النقيب دويل المتيقظة .سبق لي
أن اعتدت الح صول على تقد ير لعمال لم أ قم ب ها أ نا ،وعدم الح صول على التقد ير لعمال ق مت ب ها فعلً .أ ما
التقر ير الذي مكنّ ني نات دو يل من كتاب ته فكان الع مل الول الذي لم أح صل ف يه على أي تقد ير على ش يء لم
أفعله .و مع ان التقر ير ليح مل توقيعا لم ي بق ا حد من كبار ضباط ايتوزا الذ ين ي ستطيعون الرؤ ية إلى أب عد من
أنوفهم .وغاب التقرير عن نظري ولم أشاهده بعد رفعه إلى مرجعه إلّ في ملفات أيزنهاور الشخصية عندما كان
البروفسور ولي َم بوينع يقوم بأبحاثه لوضع كتابه الممتاز بعنوان «ايزنهاور الرئيس».
ع فا ال ع ما م ضى .غ ير أن ذلك الختبار علّم ني الكث ير لم صلحتي الشخ صية وو فر لي أبعادا جديدة وثمي نة
.إنني أذكر بشكل خاص نقطة اعتلم برزت خلل حديث جرى بيني وبين نات صامويلز من جهة وبين موظف
بريطاني رفيع المستوى من جهة أخرى .فبعد احتسائنا كمية من الكحول قال لنا الموظف ما مختصره «:عندما
تفكران بهذه الخبي صة تدركان ان ل ها نوعا من المع نى الشر ير .ها ن حن مشرفون على الدخول في معر كة مع
أفضسل مسا شهده العالم مسن الجيوش مسن حيسث التدريسب والنضباط والعتاد ،يتقارع فيهسا ايزنهاور وموتتغومري
وباتن وغيرهم من كبار قوادنا مع قواد شرفاء ومخلصون ،ومع ذلك نستطيع الفتراض باطمئنان إلى انه مقدر
هناك هتلر ،بالطبع .ولكن صديقنا البريطاني كان يفكر كيف أن شخصا مثل هتلر قد ارتقى إلى مركز يتمتع
بتلك القوة التي لتصدق في بلد متمدن مثل المانيا .وتساءل «:من سيستفيد في النهاية عندما تضع هذه الحرب
أوزارها ،من سيكون فوق ؟س ليس فقط من جهتنا بل ومن الجهة الثانية كذلك .ألقيا عليهم نظرية جيدة ثم اسأل
نفسيكما السؤال التالي :هل سيكونون بحال أفضل مما كانوا عليها قبل الحرب أم بحال أسوأ ؟ هل كانت الحرب
بالنسسبة إليهسم ربحا واضحا أم خسسارة واضحسة ؟ لقسد كانست الحرب بالنسسبة لي شخصسيا ربحا واضحا .وكانست
بالنسسبة لجميسع الخريسن تقريبا فسي مركسز قيادتنسا ،ولكننسي أشكسك فيمسا إذا كان صساحبنا البريطانسي يفكسر بتلك
الصسغائر .وفيمسا كنست عائدا إلى البيست برفقسة نات مشيا على القدام قال لي ان ذلك الرجسل يحاول تصسوير
الحقائق بشكل دراماتيكي .ثم أردف «:سيكون هناك دائما لعبون ولكن لن يستطيع أي منهم التيان بأي حركة
34
على رقعة اللعب إل عندما يقدم لهم شخص ما نوتة الموسيقى ويجمع افراد الوركسترا ويستأجر القاعة .إليك
أما بالنسبة لي فكان السؤال الهام في ذلك الوقت كيف أتعاطى في المستقبل مع منظمي الوركسترا عوضا
عن التعاطي مع العازفين وكيف أستطيع التوفيق بين ما تعلمته من الجنرال لوتن ،قائد مدرسة المغاوير وبين ما
تعلمته لتوي من نات .لم تكن الحرب العالمية الثانية،في نهاية المطاف ،حقبة تاريخية منفردة لها بدايتها ووسطها
ونهايتها ،بل أنها جزء من عملية طويلة تنطوي على خبيصة هائلة من العقد القتصادية والسياسية والعسكرية
تجعل أبطالها النيين يبدون تافهين بالمقارنة معها .فإذا وضعنا فارق السن جانبا ،فإن إدراك ذلك هو الذي جعل
الفصل السادس
ابت عد بور يس باش عن الم سرح ق بل عدة أش هر من مو عد انزال الجيوش الحلي فة إلى شوا طئ أورو با فذ هب
أولًَ إلى لوس الموس ثم عاد إلى لندن بمه مة سرية فوق العادة لم ي كن في ها بحا جة إلى م ساعدتي فعدت للع مل
مع رئيسي العاديين آلن كالفرت وهاورد ولسن اللذين اكتفيا بتكليفي بمهمات تتناسب ومواهبي ومزاجي الفني.
أنهما ،كل على طريقته ،رجلن خارقان وانني مدين لهما اكثر بكثير مما افدتهما س علما بأنني خدمتهما بكل ما
أوت يت من نشاط .ف قد كت بت أوراق التخط يط للعق يد كالفرت وق مت ب ين ح ين وآ خر «بتحقيقات خا صة» س أي
كا نت الحرب بالن سبة للعق يد آلن كالفرت أك ثر بقل يل من ت سلية .ف مع العلم بأ نه أخلص جدا لعمله وأتق نه تماما
فقد بقي في علقه وروحه ماكان عليه في الحياة المدنية أي احد أثرياء النفط من ولية اوكلهوما .اعتبر الحرب
حق بة «انتقال ية » ن ظر إلي ها بجد ية طال ما هو في ها ول كن كان اهتما مه ال كبر النتهاء من ها والعودة إلى حيا ته
الطبيعية .وكغيره من كبار الضباط في الرقم 20ساحة غروسفنور أعتبر بأننا سنخرج منها منتصرين .
أما هاورد ولسن فل يقل «انتقالية» في نظرته عن آلن كالفرت وهو محام من مدينة كينغزبورت في ولية
تنسي يتحلى بجميع الخصال التي نقدرها ،نحن أهل الجنوب :الكرامة المقرونة بالمرح وبروح النكتة على غرار
الديب مارك تواين .ففي تصرفاته الشخصية يلتزم التزاما صارما بالنضباطية ولكنه يتساهل بالقدر المعقول مع
ذلك النوع من الناس الذين يبدون ميلً نحو النشاطات الفكرية كما انه من ذوي العقول التي تهتم بالرأي السديد
35
أكثر من اهتمامها بالفكار الرائعة ،يترك هذه الخيرة لشخاص مثلي ومثل فرانك كيرنز وجايمس ايخلبر غر.
وفي ما أك تب كل هذا ،ب عد ن يف واربع ين سنة من حدو ثه ،ل شك في أن هاورد ول سن ،المعروف تحببا با سم
القاضسي ولسسن الختيار ،هسو الن فسي كينغزبورت بوليسة تنسسي منشغسل مسع السسيدات يحاولون جمسع الموال
للعمال الخيرية .عمل هاورد في مراحل علقاتنا الولى مع كل من ثيودور روزفلت ومع الشيخ سباركمن ومع
الجنرال دونوفان والعضاء الخرين في «هيكلنا» .وعندما أخذ فرانك كيرنز وزوجته يقضيان أكثر أوقاتهما مع
شلة تشلسي حل ولسن محل كيرنز كأفضل صديق لي س وهي علقة نمت أكثر فأكثر بعد استلمه رسالة من
زوجته بدأتها بعبارة « :عزيزي جون » (طلب الطلق) انتقل على أثرها للقامة في بيتنا بضاحية لندن .
عندما أفكر بالظاهرة الحكومية المعروفة بس«بناء المبراطورية» س الجديدة عندي آنذاك س يكون في ذهني
هاورد ولسن .ذلك انه في أي هيئة حديثة وكبيرة ،سواء كانت مصنعا أم جيشا ،هناك فريق يقرر ما يجب عمله
وفر يق آ خر ين فذ س أو اولئك الذ ين يرشدون الرئ يس إلى الهداف وإلى و سائل بلوغ ها وأولئك الذ ين يقومون
بتنفيذ العمل المطلوب .يعرف الفريق الول بأنه «الركان» ومهمته ما يسمى «وضع السياسة» أما الفريق الثاني
فيسسمى «الخسط» ويقوم أفراده مسا نسسميه نحسن الختصساصيين بمثسل هذه القضايسا« :العمليات» .ضباط الركان
يخرجون بالحلول؛ أما ضباط الخط فيطبقونها س ول داعي للقول بأن على هؤلء تقع الملمة والعقاب في حال
الفشل .من البديهي فيما بين مسؤولي مقر القيادة ان الفريق الول يتمتع بالسلطة الخالية من المسؤولية (ل أحد
يلقسي باللوم عليهسم إذا مسا قصسرت الحلول التسي خرجوا بهسا عسن حسل أي شيسء شرط أن تكون تلك الحلول قسد
« صيغت صياغة جيدة») والع كس بالع كس للفر يق ال خر .كان هاورد ول سن من أفراد «ال خط» في ما كان آلن
كالفرت في «أركان» فريق ج س 2بقيادة العقيد برايان كونراد .ولكن العلقات داخل جهاز مكافحة الجاسوسية
خلت من قضايا السلطة والمسؤولية إل عند مجيء ضباط ممتهنين مثل ابن الكذا وكذا روجر سكسن يبحثون عن
المشاكل والحلول ومن هو المسؤول عن هذه ومن المسؤول عن :تلك ،هذا هو جوهر القيادة العامة في أي
منظومة ،وتصرف العضو الطموح في المنظومة سيتأثر بل سيسترشد بهذه الحقيقة .فإن أنت أسندت م سؤولية
حل مشكل ما إلى فرد في المنظومة ل يثق باستقراره فيها س وهل ثمة عضو في منظومة كبيرة يشعر بتلك الثقة
؟س لن تكون أفكاره الولى موجهة نحو البحث عن كيفية حل المشكل .أفكاره هذه تأتي في المرتبة الثانية بكل
تأك يد .فال سؤال الول الذي يخ طر بباله هو «:ك يف أ ستطيع أن أج عل من هذا ال مر التا فه الذي اختر عه لي
ل ذا أهمية بالغة؟ س فمن البديهي أن المرء ينال تقديرا أكبر لحله مشكلً كبيرا مما
رئيسي ليشغل وقتي به ،مشك ً
36
وهكذا يمكنك ان تتصور ما كنا نمر به في جهاز مكافحة الجاسوسية س فليس بوسعك أن تتوقع من جواسيس
يعملون ضدك ان يفصسحوا عسن هوياتهسم .فكسر إذا بامكانات تضخيسم المشاكسل التسي ل تسستطيع رؤيتهسا !الوقائع
والحقائق قابلة للقياس ،أما التصور والخيال فل حدود لهما .نحن نشاهد بالعين أي جواسيس (وكان فرانك يجمع
الملحظات لتأليف كتاب بعد الحرب سيكون عنوانه« :لم نقبض على أي جاسوس») ،ولكن ذلك ل يعني انه لم
يكسن هناك جواسسيس .كسل مسا يعنيسه ان البريطانييسن المحتاليسن عرفوا كيسف يتحاشون يقظتنسا أو انهسم على علم
بحثست فسي أحسد اليام مسع هاورد ولسسن فسي كسل ذلك مشددا على عدم اتصسال سسلطات المسن البريطانيسة
بنا،خصوصا من قبل الفرع الخاص في سكوتلنديارد (لم نكن نعلم آنذا ك بوجود جهاز المن العسكري س 5عند
البريطانيين) وأشرت إلى انهم لما تمنعوا عن مساعدتنا في أمر صغير كاغتيال رجل يقف بين ضابط أميركي
وبين صديقته فليس لنا بالتالي أن نتوقع منهم المساعدة في قضية كبيرة كالقبض على جواسيس ألمان.
ثم حزرت الجواب .ترى لماذا انفعل الفرع الخاص في سكوتلند يارد س واغتبط روجر سكسن س عندما قمنا
أنا وفرانك بتمثيليتنا في ساحة غروسفنور مع«الجاسوس» اللماني الذي أرشدتنا إليه صديقة فرانك؟ إن الجواب
الوحيد المقنع ،على ضوء امتناع أصدقائنا البريطانيين عن التعاون معنا ،هو انهم قبضوا على جميع الجواسيس
اللما ني في بريطان يا وأن هم ل يريدون ان تتد خل جما عة من الهواة في طري قة ا ستعمالهم للجوا سيس و سيلة
لر سال معلومات مغلو طة إلى برل ين .سألت هاورد ول سن ع ما إذا كان ي ظن بأن ال مر كذلك فأجاب باليجاب
وأضاف بأن علي نا أن نح صر عمل نا بالشؤون ال تي ت خص الميركي ين وأل يغ يب عن بال نا بان نا ضيوف في بلد
ش عب ف ضى ب ضع سنوات في الحرب ولد يه ح ساسية تجاه حف نة من رعاة الب قر القادم ين إلي هم دون التر يث
لستيعاب الحساسيات العديدة في البلد .وأردف قائلً :إن ما تعوديت عليه من النظر «واقعيا »إلى مشكلة كسب
الحرب هي ب حد ذات ها عادة غ ير واقع ية .وأو ضح أن المشكلة الميرك ية الح قة لم ت كن كيف ية ك سب الحرب بل
كيف نحقق ذلك مع هذا النوع من «المبراطورية» بشكل يفيد منه الجميع .كدت ألطم وجهي غضبا من نفسي
لعدم استطاعتي إدراك تلك النقطة من دون مساعدة أبي الروحي الني .
إذا إ نه بناء المبراطور ية؛ و قد ساهم ف يه جهاز مكاف حة التج سس في م سرح العمليات الوروب ية م ساهمة
متواضعة انما فقط بمقدار الحصول على الموافقة لضابط ين واحد عشر عميلً من الجهاز لكل فرقة عسكرية.
ولكننا شرعنا مذاك بالعمل الجدي .وبدأ هاورد ونائبه الذي تعين حديثا وهو رجل بشوش مرح اسمه كلود غوزا،
يبعثان بالر سائل يطلبان في ها تزويد نا بالمز يد و من المز يد الرجال من مع سكر ريت شي في ول ية مريل ند ح يث
يجري تدريسب الجنود والضباط على القيام بمختلف أعمال جمسع المعلومات والسستطلع فاسستوعبنا كسل الذيسن
37
ا ستطاعوا ار سالهم ل نا فا سترسلنا في ذلك .ثم خ طر لهاورد أو لكلود ،لم ا عد أذ كر ل من منه ما ،با نه يو جد في
ايسلندا عدة مئات من رجال جهاز مكافحة الجاسوسية الذين يتمنون أن ينقلوا إلى بريطانيا الجميلة .وهكذا طيرت
برقيات م ستعجلة أدت إلى ن قل عدد من رجال الجهاز من أي سلند إلى بريطان يا في ز مر تتألف الواحدة من ها من
ثمانية إلى عشرين رجلً وقد عجبنا لما كانوا يفعلون في ايسلندا .
كنا نعلم ما العمل المتوقع من وحدات جهازنا القيام به عندما تصل إلى أوروبا فرق الجيش التي كانوا ملحقين
ب ها .وتشرع بمقابلة اللمان .حددت ل نا أوامر نا ان علي نا «تأم ين المناخات» المحي طة بقوات نا المقاتلة في تقدم ها
وتوغلها في أوروبا وبأن علينا عمل كل ما في وسعنا للتأكد من عدم وجود جواسيس المان بين السكان المدنيين
يستطيعون توجيه رسائل لسلكية إلى اللمان .ولكن وعلى ضوء ما راقبناه من الحرب حتى ذلك التاريخ ،فهل
لم يقسم المسستقبل الذي خططتسه لنفسسي ولزملئي فسي جهاز مكافحسة التجسسس على مفاهيسم القيادة لمسا ينبغسي
لوحدات المكاف حة ال سهام به في المجهود الحر بي بقدر ما قام على حقائق الو ضع ال تي اتض حت لي من سياق
أولً س إنه عندما تندفع القوات الحليفة داخل أوروبا لن يكون هناك أي استخبارات المانية لنجابهها .فتسعون
بالمئة من الفرنسيين والهولنديين والبلجيكيين واللمان الذين جندتهم الستخبارات اللمانية للعمل وراء الخطوط
الحليفة بصفة جواسيس ومخبرين سيتسابقون على النضمام إلى الفئة الرابحة في الحرب .أما العشرة بالمئة من
الذ ين تمنعوا عن ذلك ف سيكون الهتمام ب هم الغباء بعي نه .فإذا ك نا لنأ خذ الوا مر ال سارية المفعول على حرفيت ها
سينتهي بنا المر إلى الصيرورة نوعا من مؤسسة لرعاية المهجرين .وعليه ،فما ان تنزل قواتنا على شواطئ
مقاط عة نورمندي الفرن سية ح تى نر مي على عا تق الشر طة الع سكرية م سؤولية مه مة اعتقال ل يس الجوا سيس
الحقيقييسن الذيسن سسيسلمون أنفسسهم بسل كذلك جماعات السسوق السسوداء والناس العادييسن الذيسن سسيدعون بأنهسم
جوا سيس لي ستفيدوا من القا مة في مرا كز التحق يق المري حة بدلً من مع سكرات ا سرى الحرب البائ سة .وعلي نا
القيام بأعمال تتناسب مع المهارات التي حملتنا إلى جهاز مكافحة التجسس .حقا أنها «تأمين المناخات» السليمة .
ثانيا س علي نا الح صول على ح صة م ما سيصبح دون شك المه مة الرئي سية لمجهود ال ستخبارات الجمالي:
ملحقة اللمان والقبض عليهم سواء كانوا مدنيين أم عسكريين الذين ( )1قد يكونون مفيدين لنا بعد الحرب أي
العلماء الذ ين قدموا للمان يا تفوق ها التق ني ورجال ال ستخبارات الذ ين تج سسوا على ال سوفيات أو ( )2النازي ين
الصوليين الذين يحاولون الهرب إلى امكنة اخرى في العالم حيث يتمكنون من انعاش حركتهم من جديد .لم يكن
38
أي من هذين التصنيفين واردا على قائمة «التوقيت اللي» انهما لم يكونا ،حسب معلوماتي ،موضوع اهتمام أي
ثالثا س وأخيرا هناك الوا قع البدي هي و هو أن رؤ ساءنا المباشر ين س كالفرت وول سن وغيره ما س كل هم تواقون
لنتهاء الحرب والعودة إلى الو طن ،وعل يه سيوافقون مع أي تجديدات اجرائ ية تحول ع مل جهاز مكاف حة التج سس
إلى عمسل روتينسي يسسهم فسي تسسهيل حياتهسم فسي الفترة المتبقيسة مسن الحرب .كان العقيسد كالفرت كله آذان عندمسا
عرضت عليه تلك «الحقائق» فأخذها فورا إلى العقيد برايان كونراد في قيادة ج س 2وبعد اسبوع من العمل من
هيئة التخطيط صدرت أوامر جديدة اسندت إلى وحدات جهاز مكافحة التجسس مهمات أمنية بسيطة وسمحت بانشاء
وحدات خاصسة تقوم بأعمال «انتقاليسة» أي تلك التسي تسساعد فسي تحويسل المانيسا الهتلريسة إلى دولة تكون «مأمونسة
ه نا ،أح يل القراء الذ ين يظنون بأن ني أحاول إعطاء نف سي تقديرا يفرق ما ا ستحق (خلفا ل ما تعلم ته في مدر سة
المغاوير) أحيلهم على البراءة المرفقة بوسام جوقة الشرف التي تنص صراحة على انني نلته تقديرا «لسهامي في
وضع خطط مكافحة التجسس قبل عملية اوفرلورد» ،وعلى التاريخ الرسمي للحرب العاليمة الثانية الذي يفصل ذلك
التخط يط تف صيلً دقيقا .أ ما ما لم أح صل على تقد ير من أجله ف هو إ سهامي في تأل يف فر يق »انتقالي» خاص ب نا
مؤلف من أ حد ع شر عن صرا تم اختيار هم خ صيصا من ب ين عملء مكاف حة التج سس للخد مة بقيادة هارولد ول سن
وبأوامر خاصة كانت مطاطة ومثقلة بالتعابير العسكرية الروتينية إلى درجة أنها اشتملت على كل شيء س إنما على
ذهبت إلى أكثر من ذلك إذ جندت ،بموافقة هارولد ولسن بالطبع عددا من عملء جهاز مكافحة التجسس الوافدين
على بريطانيا من معسكر ريتشي للتدريب المخابراتي في ولية ماريلند .فقد كان معي نات سامولز الذي ارشدني
إلى مواط نه من شيكا غو هنري را غو الشا عر المعروف وا ستاذ من ا ساتذة الفل سفة في جام عة نوتردام صار لحقا
رئيسس تحريسر مجلة «شعسر» الراقيسة .وكان هناك أيضا بعسض الكاديمييسن الذيسن تعلموا وعلموا خارج الوليات
المتحدة ،ومرا سل أج نبي أو أك ثر لم ت سعفهم م ستنداتهم في الفلت من التجن يد الجباري ،ور جل الما ني المولد
وأميركي الجنسية يتقن اللغتين صار فيما بعد النجم الساطع عند الحاجة بين محققينا .وضمت مجموعتنا أيضا أفرادا
«عرقييسن» مسن الغرب الوسسط (الميركسي) مثسل انطونسي فايفادا وهسو ليتوانسي الصسل وأميركسي الجنسسية ومحلل
سياسي يتقن الفرنسية واللمانية فضلً عن مختلف لغات دول أوروبا الشرقية .أضفت على المجموعة كذلك رجلين
من تكساس هما تشارلي بوكر وجون باريش مساعد استاذ اللغة الفرنسية في جامعة تكساس .وعلى الرغم من انهما
تعلما الفرنسية من الكتب المدرسية فقد كانت طلقتهما بنطقها تفى بحاجاتنا ،هذا فضلً عن أنهما يكملن حكمتي
39
القروية التي جعلتنا نميز بين الصحيح والمزيف .ثم جاءنا هاورد ولسن بجول نولين وهو كندي فرنسي صار حلل
المشاكل في وحدتنا وكذلك بالثقيب دويل الذين احتفظ لسبب اجهله بس ناب صمويلز يدهن سيارات الجيب في لندن
.وكان دويل الرجل المثالي عندنا :فهو ل يدخن ول يشرب الكحول ول يطارد النساء.
ومنسذ ذلك الوقست وحتسى مرور شهسر على النزال فسي أوروبسا ،أي موعسد نقلنسا إلى فرنسسا ،قضينسا الوقست فسي
التعارف على بعض نا الب عض و في تبادل الفكار ع ما سنفعله عند ما ن صل القارة الوروب ية .أ ما أ نا فملت أوقات
فراغي بتجديد تعارفي بأصدقائي القدامى في مكتب الخدمات الستراتيجية وهو المؤسسة التي كنت آمل اللتحاق بها
و من خلل زيارا تي إلى قيادة المكتب بلغ ني أن منظ مة ال من البريطان ية المعرو فة بإشارة إم آي ( 5رب ما تع ني
«الستخبارات العسكرية س )5كانت قد أطبقت فعلً على كل الجواسيس اللمان ليس فقط في بريطانيا نفسها بل
وكذلك في أيسلندا وغرينلند وشبيتزبرغن وجزيرة جان مايان حيث كانت مهمتهم ارسال تقارير عن حلل الطقس
وهسي معلومات حيويسة جدا لسسلح الجسو اللمانسي فسي غاراتسه على الهداف البريطانيسة .وقسد وقسد جعسل النجاز
البريطاني هذا وجود جهاز مكافحة التجسس الميركي في تلك المناطق غير ذي شأن فلم يعد ثمة مجال للعجب من
أن فرق مكافحسة التجسسس الميركيسة وقائدهسا شعروا ليسس فقسط بسبرودة الجواء هناك بسل وبجسو مسن عدم المحبسة
والتقديسر .مسن هنسا إذا السسهولة التسي اسستطعنا بهسا سسحبهم إلى بريطانيسا .وبعسد أن قبسض جهاز المسن العسسكري
البريطاني على الجواسيس حولهم إلى خدمته ،وجعلهم يرسلون إلى الستخبارات اللماني معلومات خاطئة ترشدهم
الهم من ذلك انني علمت بعد أن حصلت على التصريح السري فوق العادة الذي صار يحق لي بموجبه الطلع
على تفاصيل «عملية اوفرلورد» ان ثمة أربعين أو خمسين ضابطا من كبار الضباط انشغلوا بتخطيط جميع تفاصيل
الفترة المتبق ية من الحرب وأن هم يمار سون «لعبات الحرب» ال تي أخذت في الح سبان عنا صر لم تخ طر لي ببال .
وباعتباري لعب بوكر اطلع على كل ما كتب حتى ذلك التاريخ عن نظرية اللعب والسجال أدركت أن وراء تلك
اللعاب خبرة واختصاصا رفيعي المستوى .وتسنى لي الجتماع بما يكفي من الضباط المنخرطين في تلك اللعاب
الفصل السابع
مسا هسو القاسسم المشترك بيسن هنري كيسسينجر وويلبور ايفلنسد وج .د .سسالينغر ووليسم سسارويان وجون غلينون
وجايمس ايخلبرغر ومايلز كوبلند؟ هل كونهم جميعا من أشد الرجال ذكاءً؟ أجل ،هذا واحد من القواسم المشتركة.
40
ولكن القاسم الذي كان يجول بخاطري هو اننا جميعا ذهبنا إلى أوروبا بعد يوم انزال الجيوش فيها وبصفتنا عملء
في جهاز مكافحة التجسس على أن يكون لكل منا دوره في اسقاط هتلر،حسبما جاء في مذكرات سبايك ميليغن عن
الحرب ،وقد نشرت بعدها بزهاء ثلثين سنة .على كل حال أذكر انني وصلت أوروبا في المجموعة التي ضمت
غلينون وسالينغر وكان ذلك قرابة الول من شهر آب (أغسطس) ،1944ولست أدري متى وصلها الخرون الذين
ذكرت
ب عد ليلة لطي فة ومثيرة رقد نا في آخر ها في أكياس النوم الع سكرية على شا طئ نور ماندي الرملي يلفح نا ن سيم
عاطر وتطل علينا النجوم البرا قة من سماء نق ية ،ويش نف أذان نا هدير الطائرات المستمر ودوي المدا فع التي من
بعيد،انطلقت بنا قافلة من ناقلت الجند وسيارات الجيب فحططنا رحالنا في مباني ثكنة فرنسية مهجورة في فالون
على ب عد كيلومترات قليلة من بلدة كا ين وأك ثر من مئة كيلوم تر من بار يس .ه نا في الثك نة أخرج نا النرد وورق
الل عب من جعبات نا وخل صت ب عض البلهاء من قرا بة 500دولر خلل أيام قليلة وخ سرت في ب عض الحيان ف قط
عندما عدنا إلى ثكنتنا أنا وهاورد ولسن وجون باريش عصر أحد قبيل موعد الكوكتيل رأينا عملئنا الثني عشر
في جهاز مكاف حة الجا سوسية و قد تحلقوا حول شاب يتكلم ب سرعة ولم يحلق ذق نه م ند بض عة أيام و في ا سمال بدلة
ضابط الماني ،استحوذ على انتباههم بما افترضنا انه قصة يرويها عن أحدى مغامراته الشخصية الحديثة.
و ما أن رآ نا أ حد عملئ نا (رب ما كان جول نولن) ح تى ق فز وأقفا على قدم ية ليقول ل نا« :إن اض خم غني مة في
مكافحة الجاسوسية خلل هذه الحرب» قد سقطت في أحضاننا .بدا الرجل أقرب إلى مهرج في أحد مرابع سوهر
الليل ية م نه إلى ضا بط الما ني .ولك نه كان في الوا قع ملزما في ال ستخبارات اللمان ية ،ضالعا في محاولة اغتيال
هل قلت آنفا كوكت يل ؟ أ جل هكذا كا نت حيات نا في وحدتناالمراف قة للقيادة .والحقي قة هي ان ام سياتنا في وحدات
جهاز مكافحة الجاسوسية في أوروبا تختلف إلى حد ما عن حياة باقي المجندين العاديين فقد استقدمنا الطهاة المهرة
الذين يعرفون كيف ومن أين يحصلون على اللحوم والخضار الطازجة.
في شخ صية هذا الضا بط اللما ني ،وا سمه هير من رد كي نوع من ال سحر .ف هو ،وان كان يتكلم بث قة المهرج
الم سرحي ،متوا ضع جدا يت قن النكليز ية اتقا نا ً تاما ذلك ا نه ن شأ في منها تن في نيويورك ح يث كان أبوه (ح سب
قوله) موظفا في شركة المانية اميركية للنقل البحري .وهو بطبيعته قصاص من الدرجة الولى ينقل معلوماته إلى
المستمع بشكل حكايات تشبه تلك التي تحكى حول نار المخيم في المهرجانات الكشفية .أما في سرد التفاصيل الدالة
41
على الذكاء فيتوقف عندها بما يكاد يشبه الهوس بها حتى اصغرها .ففي منتصف حكاية او نكتة ما عن أحد كبار
الضباط اللمان مثلً س كخلف بينه وبين زملئه أو بعض صفاته الشخصية ،او اسلوبه في لعب البوكر وغير ذلك
س تراه يتوقف ليسترسل في ذكر سن الضابط ووضعه العائلي وطول قامته ووزنه ولون شعره وعينيه.
لم نتم كن من سير غوره ولكن نا وجد نا ا نا وهاورد ول سن ان حكاي ته متما سكة جدا ومنطب قة تماما مع صورة
الو ضع العام في ذهن نا آنذاك لن تكون كل ها ملف قة .وعل يه قضي نا اليوم بأكمله نحاول ا ستشفاف غا ية مكيافيل ية أو
عمالة مشتر كة دف عت به للمج يء إلي نا .وعند ما طلب نا إل يه البوح بالحقي قة طلب م نا مواجه ته بضا بط جهاز مكاف حة
التجسس النقيب مارتن وس الذي علم عنه بطريقة ما انه موسوعة متحركة عن استخبارات القيادة العليا اللمانية .
ول عل ذ كر الضا بط اللما ني ل سم النق يب المير كي وس كان سبب اهتمام البروف سور جون بار يش الذي قال
لهاورد في اليوم التالي« :ل كي ن صدق أن هذا الر جل يقول الحقي قة ،علي نا أن ن صدق ان مار تي وس أ صاب الهدف
في وصفه تفاصيل لعبات الحرب التي يمارسها جميع ضباط القيادة العليا اللمانية .فهل تقول بشكل فوري ان هذا
الصعلوك حصل على معلوماته من مشاهداته الشخصية أم من قراءته ملف مارتن وس؟
كان الجواب واضحا ،أكده مارتن بنفسه عند وصوله إلى معسكرنا بعد ظهر اليوم نفسه ،إذ بادر أسيرنا بالقول:
س «مرحبا يا هرم»،
س«مرحبا يا مارتي» ،أجاب هرمن ببعض الكآبة وان كان قد بدأ يهدأ روعه قليلً.
انت هى ال مر ،ولحظ نا ع ند ذاك ان الجندي ين الذ ين و صل في سيارة الج يب مع مار تي ينتميان إلى الشر طة
العسكرية .توجه مارتي إليهما قائلً :بأن القوة ليست ضرورية وبأن هرم سيأتي طوعا .أما هرم ردمن وليس ردكي
س فكان ترجمانا باللغتين مع الجيش السابع ،سبق له أن اشتغل بأمرة مارتي .
الن ما هو الدرس ؟لقد كان الدرس الهم آنذاك كامنا في اجوبة هرم عن أسئلة وجهها سام إليه.فقد كانت فرق
جهاز مكاف حة التج سسس الميرك ية ح تى قدوم هرم إلى مع سكرنا تت صور بأن نا نحارب المان يا الناز ية.وكان الرجال
يؤمنون باستحالة محاولة العدو المهزوم النضمام إلينا في حرب ضد «عدو مشترك» هو روسيا السوفياتية.أما أنا
وبفضل عملي مع العقيد باش في لندن،فلم يستحوذ على مثل ذلك الوهم ،وبت الن أدرك ان ما سمعه زملئي من
هرمن كان الشارة إلي التي تلقوها عن أن كبار قادتنا ينظرون إلى أبعد من المانيا النازية،إلى الروس الذين تعلمنا
42
أن نتكلم عنهم بعطف ونسميهم«:حلفاءنا الحمر البطال» .فمن هرم العائد لتوه من مقر القيادة علمنا أن رؤساءنا في
ل حركة مناهضة للنازية وربما على نطاق واسع في الجيش اللماني،قد تكون
واشنطن ولندن يصدقون بأن هناك فع ً
هارولد ولسن وغيره من الذين لم يهمهم سوى انتهاء الحرب والعودة إلى حياتهم الطبيعية فلم تثرهم تلك الحقائق
إل قليلً بل ربما أزعجتهم بعض الشيء .أما بالنسبة إلينا نحن الذين نظروا إلى المستقبل من منظار الستخبارات
اضطررت ،بعد الكثير من التردد ،إلى وضع حد لقصة اعتمدتها لسنوات عديدة هي خرافة كوني أول اميركي
دخل باريس فور تحريرها من اللمان صحيح انني ل ادعي فخر القيام بعمل لم أقم به فعلً إل عندما أتيقن من أن
أمري لن ينفضح .أما في تلك الحال فقد كان هناك الكثير من ابواق الدعاية المناهضة لي ،من الذي يعرفون الحكاية
على حقيقتها ،ولعل واحدا منهم أو أكثر من بين قرابة المليون شخص الذين سيقع هذا الكتاب بين أيديهم يكن لي من
العداء ما يجعله يوجه رسالة إلى رئيس تحرير الصحيفة التي نشرت مراجعة لهذا الكتاب أثنت فيها عليه .
أمسا بشأن التفاصسيل فلسست على درايسة بكامسل الحكايسة لننسي لم أكسن أعرف إل القليسل ممسا يجري حولي وآخسذ
المور كما تصادفني دون تدوين ملحظات وحفظنا .كما أن ما اعرفه الن مستقى من مراجعتي للتقارير القديمة
ال تي وض عت عن الحداث ب عد وقوع ها بب عض الو قت ،وإلى محادثا تي مع ا صدقائي القدا مي أمثال لري كولي نز
ودومنيك لبيار اللذين ألف ذلك الكتاب الرائع «هل باريس تحترق؟» أما من حيث التواريخ فكل ما استطعت التثبت
م نه هو ان ني و صلت بار يس ق بل يوم وا حد من دخول ارن ست (ﭙا ﭙا) همينغواي إلي ها .ول بد أن قرائي القدماء ما
زالوا يذكرون انه ادعى لفترة من الزمن بانه أول أميركي وصل باريس في شهر آب (اغسطس) عام 1944س
وهو يعني بالطبع انه كان أول شخص من بين المشاهير أدى دورا بارزا في تحرير المدينة .ول ريب في انه كان
على علم بأن مكتسب الخدمات السستراتيجية اسستطاع تسسريب قرابسة الثنسى عشسر عميلً مسن عملئه إليهسا قبسل أن
لنبدأ من البداية .ففي اليوم التالي من إرسالنا هرمن إلى لندن للتقاط أنفاسه واستعادة عافيته النفسية وصل إلى
مع سكرنا مقدم في الج يش ا سمه غرو فر آدا مز ينت مي إلى ال سرة الشهيرة في بو سطن ،حاملً ظرفا مختوما كبيرا
ورسالة خاصة من رئيسه غوردن شين الذي رقي في حينه إلى رتبة عميد وكان آنذاك ل يزال في مقر قيادة جهاز
مكافحة التجسس في واشنطن .لم يطل به الوقت حتى طلبني المقدم وقال لي« :إن الجنرال شين يقدرك تقديرا رفيعا
43
ويرى بأنك العم يل المناسب للقيام بخد مة صغيرة له نصفها رسمي ون صفها الخر شخ صي .أ ما الن صف الرسمي
مسا هسي تلك «الخدمسة الصسغيرة ؟» انهسا حمسل الظرف إلى فندق «ماجيسستيك»الواقسع فسي جادة فيكتور هوغسو
المتفر عة عن جادة الشانزليز ية قرب ساحة النج مة في بار يس وت سليمه إلى المقدم كورت شاما خر م ساعد الجنرال
ديتريخ فون خولتتز قائد القوات اللمانية في باريس وضواحيها .أما النصف الرسمي من المهمة فكان استعمال شتى
الو سائل لتأم ين مكان في فندق «جورج الخا مس» للجنرال غوردن ش ين وكبار ضباط ج س 2الذ ين سيأتون من
واشنطن عندما تسقط باريس في أيدي الحلفاء .أضاف المقدم آدامز قائلً «انك تعرف هؤلء الدنيويين فإن لم نسبقهم
نحن إليه استقروا هم فيه .أما نحن الشخاص المهمين حقا في هذه الحرب فسيرسلونا إلى نزل صغير ».
ولكن اللمان كانوا يملون باريس فكيف لي ،بال عليك دخولها؟ أم هل أنكم تتوقعون مني وأنا في بزة ضابط
أميركي دخول فندق ماجستيك ،مقر القيادة الدارية للجيش اللماني والتوجه إلى مسؤول الستعلمات المهذب طالبا
منسه إرشادي إلى مكتسب القائد العام؟ «آه» قال آدامسس «:لقسد سسهلنا لك المور فل داع لن تطلع على محتويات
الظرف ول يس مطلوب م نك أن تعرف أن كورت شوما خر هو في الوا قع من كبار ضباط ال ستخبارات اللمان ية .
ول كن ي جب أن تعرف بأن الضا بط الذي سيرافقك إلى بار يس هو نق يب في ال ستخبارات اللمان ية ولدي نا جم يع
المسوغات ولوضع ثقتنا به وهو يعرف كل المداخل والمخارج .أنه النقيب فالتر غليم وستلتقي به في مدينة شارتر
حيث تم التصال بينه وبين وحدة مكتب الخدمات الستراتيجية .ومن هناك وصاعدا ستكون المور سهلة .
هكذا اذ كر الحد يث الذي جرى ق بل ن يف وأربع ين عاما .وكأي ان سان صارت حيا ته في أفول ل ست أذ كر طعام
الفطور صسباح اليوم انمسا ل زلت أذكسر بوضوح حد يث ذلك اليوم خصسوصا وانسه يشكسل مح طة ها مة فسي حياتسي
العملية .غير أنني عندما قصصت الحكاية ثانية على غروفر آدامز بعد عدة سنوات من حدوثها وكنا قد أصبحنا
صديقين وتشاركنا في بعض العمال،انكرها أولً ثم قال« :لعلي قلت شيئا من ذلك القبيل على سبيل المزاح .فكل
مسا أراده منسك الجنرال غوردن آنذاك العثور على شوماخسر أينمسا كان «حتسى ولو اسستلزم ذلك ذهابسك إلى فندق
ماجستيك ،للعثور عليه» قارنت ذكرياتي لذلك الحديث مع بعض الزملء القدامى فقالوا انهم يتذكرون ان المحادثة
المهم انني اعرف الن ما فهمته آنذاك .وعليه وبعد أربع وعشرين ساعة وبعد تحاشي طرق القوافل العسكرية،
والشر طة الع سكرية ال تي ت سهل ال سير ،والمرور بالمدني ين المرج ين بجنود نا ومختلف أ صناف الفو ضى في حرب
44
قار بت بلوغ نهايت ها ،أوقف نا سيارة الج يب أمام فندق ري في ل فه الهمال ي قع في غا بة متاخ مة لمدي نة شار تر وف يه
فرح دان كثيرا لرؤيتي وبادرني بالقول «:كلما عجلتم في تخليصنا من هذا الرجل كلما كانت الغاية أقرب منالً.
إ نه يح مل أوراقا ثبوت ية ها مة مدعو مة من ق بل الجنرال سيبرت ولدي تعليمات من ق بل العق يد بروس تق ضي بعدم
التعرض الفضولي له» أمسا الجنرال ادويسن سسيبرت فهسو قائد ج سس 2فسي مجموعسة الجيسش الثانسي ،أي رئيسسنا
جميعا،وأ ما العق يد داي فد بروس ف هو رئ يس مك تب الخدمات ال ستراتيجية في أورو با ،و سبق لي أن تعر فت به في
لندن .أردف قائلً «:انه حسب ذوقي مفرط بالثقة بنفسه ».
في غرفة هي عبارة عن مشرب (بار) وصالة للتسلية كان الغناء قد توقت ،وأصغى بعض صغار ضباط مكتب
الخدمات الستراتيجية ورجال المقاومة الفرنسية ،بإعجاب إلى شاب الماني أشقر الشعر ووسيم الوجه يتحدث بمزيج
من الفرن سية الباري سية والنكليز ية النيويورك ية قائلً «:ا سمعوا ،يا جما عة،ما هو أث من حيوان في الدن يا (بالفرن سية)
أن كم تعلمون! (بالنكليز ية) احزوا! (بالفرن سية)» .قلت في نف سي ل قد بل غت حكا ية التم ساح اللمان .ف قد كا نت ق يد
قال اللماني«:أتستسلمون؟ إذا سأخبركم .أنه ذكر التمساح .إنه أثمن الكائنات الحية في العالم .فالنثى تضع ألف
بي ضة في ال سنة ويأ تي الذ كر فيلتهم ها كل ها با ستثناء ع شر بيضات أو اثن تي عشرة من ها .فلوله لك نا غارق ين ح تى
الحقوين في بحر من التماسيح » .أخذ هذا اللماني الذي من المفروض أن أدخل باريس برفقته ،يقهقه على الحكاية
بمفرده .أمسا المسستمعون إليسه بكسل ذلك لهتمام المقرون بالنزعاج بدلً عسن السسرور فلم يفتسر ثغسر أي منهسم عسن
لم أبتسم أنا أيضا .لقد كان من السهل علي أن أتصور ذلك الشاب وعلى خديه ندبات من جراء المبارزة بالسيف
جالسا في مشرب للجعة في ميونيخ يصخب بصحبة فتيان نازيين .ولكنه مثل هرمن وكأنهما نسختان عن نفسيهما
في هوليود يتكملن النكليزية باللهجة الميركية الدارجة التي لتشوبها أي لكنة .
راقبت المشهد لبضع دقائق برفقة دان وكنا واقفين في الجهة المقابلة في الغرفة .وهنا سألني دان «:ما رأيك ؟».
قلت «:أود الذهاب إلى مكان أبكي فيه بمرارة .ولكن دعنا ننتهي من هذه القضية ».
رافقني دان إلى الطاولة التي جلس إليها النقيب فالتر غليم متحدثا .لم ينتظر غليم أن يعرف دان عنا بل نظر إلينا
نظرة يفترض فيها أن تكون نظرة صداقة وقال «:آه ،جاك ارمسترونغ ،الشاب الميركي بكليته !»
45
س قلت «:فرصة سعيدة».
أجاب ني «ل سان حالي» :هل سنحمل هذه المغامرة ال صغيرة على مح مل الجد ية ؟ أع ني هل تتو قع م ني جديا أن
كا نت فكرة دخول بار يس أثناء وجود اللمان في ها مجرد و هم خ طر بمخيل تي ،ول كن رأ يت نف سي عند ها أح مل
الموضوع فجأة على محمل الجدية فأجبته « :هذه هي الفكرة بشكل عام».
قال «:لبد أن هناك مجنونا» .وتحول إذ ذاك النقيب غليم إلى كل جديته فقال «:المكان يعج باللمان :أعني أنني
الحقيقة انني لم أدركه ولكن دان أدركه فأمسك بي من ذراعي وسرنا مبتعدين عنه ثم قال «:أظن انه من الفضل
أطلع ني دان أثناء تناول نا طعام العشاء على الو ضع العام في مك تب الخدمات ال ستراتيجية و في جهاز مكاف حة
التجسس وعلى الصورة العامة التي تكونت في ذهنه على أثر وصول النقيب اللماني .فقال :إن رؤساءنا اعتبروا
باريسس حينذاك عبئا علينسا .فقسد سسبق للجنرال ايزنهاور أن سسأل مسستشارية اللوجسستيين« :ماذا سستفعل بهسا بعسد
الستيلء عليها ؟» فأجابوه بأنه إذا أراد عدم تحمل مسؤولية تجويع شعب أجمل مدينة وأكثرها قابلية للنفجار في
العالم ،عليه أن يكون مستعدا لمدادهايوميا بأربعة آلف طن من الغذاء والدواء والوقود ،أي ثلثة أضعاف ما يلزم
الجيش الميركي في زحفه نحو الحدود اللمانية .إضافة إلى ذلك فإن القيام بهجوم مباشر على باريس سيجمد عدة
فرق من الجيش في حرب شوارع تدوم طويلً ين تج عنها خراب المدي نة وتحويلها إلى جبال من الركام على غرار
وفضلً عسن ذلك اعتسبر كبار محللي السستخبارت الميركيسة ان احتلل باريسس قبسل أن يصسبح ذلك ضرورة
استراتيجية سيضع الجنرال شارل ديغول (احدى المزعجات البروتوكول ية ،حسب قول دان) قبل الوان في موضع
الم سؤولية دا خل البلد .عندئذ ي صبح ب ين أيدي نا حكو مة ديغول ية تش كل ازعاجا شديدا ل نا ب عد الحرب .ولم ن كن قد
أدركنا آنذاك أن الحكومة التي يستطيع ديغول تأليفها هي بالضبط الحكومة التي كنا بحاجة لوجودها في فرنسا.
على كسل حال ،هكذا كان التفكيسر السسائد قبسل وصسولي إلى شارتسر ،ومسن مصسادر عليمسة عرف دان انسه مسن
المستحسن اتخاذ الترتيبات لقامة وحدته في شارتر اقامه مريحة ل حتمال بقائهافيها شهرا آخر على القل .قبل دان
(وهو الذي يجب التنزه في الشوارع الواسعة الجميلة ويتطلع إلى بلوغ باريس بلهفة صبي ينتظر حلول عيد الميلد)
46
بهذا الوا قع صاغرا وأر سل فريقا من الم ستطلعين لشراء الخمور الفاخرة والمكونات اللز مة لط بخ أطباق الذوا قة
وفجأة تغ ير كل ش يء وراح دان يت ساءل ع ما إذا كان لمهم تي ،أيا كا نت ،أي عل قة بال سيناريو الجد يد .غ ير أن
فالتر غليم ألقى بعض الضوء على الوضع :بدا ان رأي اللمان قد تبدل .أعتبرت القيادة العليا اللمانية أنها ستبقي
قواتها في باريس طالما أدى ذلك إلى تجميد قواتنا حول المدينة في محاولة لحتللها ،وأفرحها التفكير بأننا سنتحمل
أمام التار يخ م سؤولية تهديم ها في حرب الشوارع في ها .ولكن ها قررت لدى أدراك ها بان نا تخلي نا عن خ طة احتلل ها
وبأننا سنتجاوزها ،قررت س بل قرر هتلر س تدميرها لنحتلها أطللً وركاما متفحّما .
ولكن جاءت المفاجأة إذ علمنا أن الوغاد البريطانيين لم يكتفوا بالقبض على كل الجواسيس اللمان في بريطانيا
وتحويلهم إلى خدمتهم بل استوظفوا أيضا نسبة كبيرة من ضباط وعملء المخابرات اللمانية ليس فقط العاملين منهم
في فرنسا بل وكذلك في مركز قيادتهم العليا .إضافة إلى ذلك قاموا بعملهم هذا مزدرين بنا ازدراء المهنيين بالهواة:
ذلك أنهم أدركوا بأن دوافع الجاسوس آنية واتجاهها يميل نحوالفريق الذي يبدو رابحا .كما أنهم لم يثقوا ولم يقتنعوا
مطلقا بهذه «الجاسوسية المفاجئة» التي انشئت قبيل بدء تحول الحرب إلى مصلحتنا .وكان قد بات واضحا إل للذين
وبدا ذلك واضحا بشكل خاص للقائد اللماني في باريس الجنرال فون خولتيتز الذي تسلم أوامر من هتلر مباشرة
بوجوب تدمير باريس في آتون من نار ومتفجرات .ولكن فون خولتيتز الذي رأى ان اسمه سينزل في التاريخ على
أ نه أ شد جنونا من هتلر نف سه ،اح جم عن تنف يذ الوا مر .ول ما ظ هر تردده اند فع العملء البريطانيون ب ين ضبا طه،
ومعظمهم من أصحاب الرتب العالية في الستخبارات اللمانية ،يؤيدون موقفه ويستخدمونه رأس حربة في حركة
عنسد بزوغ شمسس يوم الثنيسن فسي 21آب (اغسسطس) 1944جاءتنسا الوامسر مسن قيادة فريقنسا بوجوب التحرك
الفوري ن حو رامبو يي الواق عة على ب عد 55كيلومترا عن بار يس ح يث سنلتقي بالمقدم كن يث دوا نز (رئ يس مك تب
الخدمات اعتمد البرودة وحتى النكماش وان كان دون تخل عن مودة .
سألته لماذا تقرف كال هبل في الليلة السابقة ،الستراتيجية في مجموعة الجيش الثاني عشر) اضافة إلى تشكيلة
من وحدات المكتب ومعها مما معها من أمر مهمة «بإحكام القبضة على المدينة لجهة الستخبارات» .وكان على
47
ولما كنا قد وصلنا أنا وفالتر ونحن على أتم الستعداد للمسير تيسر لنا بعض الوقت لتناول طعام الفطور ببعض
الراحة.
كان فال تر في ذلك ال صباح شخ صا مختلفا كليا ،هادئ الط بع بل ح تى واجما متأنقا في بزة ع سكرية ل شارات
عليها قد تكون لضابط من أي رتبة في جيش أي دولة وعليه امارات جدية العمل س ولكنه خلفا لما كان عليه في
الليلة السابقة ،فأجاب«:ما أرت حت ل صدقائك ول هم ارتاحوا لي وب كل تأك يد لم أ كن على ا ستعداد للجا بة على أي
من أسئلتهم.
لم يكن التحادث سهلً خلل رحلتنا إلى رامبويي بسبب ضجيج القافلة على طريق خربتها الدبابات والمجنزرات
وشاحنات المعدات الثقيلة ،إل ان فال تر ا ستطاع أن ي سمعني بأ نه من الف ضل اغتنام أول فر صة للتحدث في ما بين نا
بعيدا عن الباقيسن ،وأن يقول لي« :ل أظسن بأن الجنرال شيسن أراد منسك حقا الذهاب إلى باريسس .تذكسر بأنسه ل بسد
اختارك لنه يعتبر انك تقدم على أخذ المبادرة .أما الن فقد تغير الوضع كليا».
سنحت لنا فرصة التحدث بعد ذلك بقرابة ساعة من الزمن عندما توقفت قافلتنا افساحا في المجال لمرور الفرقة
الفرنسية الثانية .شرح لي قالتر ان ضابط الستخبارات اللماينة الذي على مقابلته في باريس كورت شوماخر هو
صديق قد يم للجنرال غوردن ش ين و قد سبق له ما قضاء عطلة ف صل ال صيف بكامل ها معا وه ما دون العشر ين من
ما أن مضى علينا في الحديث وقت قصير حتى انضم الينا دان فأوجزت له ما دار بيننا وأوضحت لفالتر انني
منذ الن فصاعدا سأبقي دان على اطلع تام بكل شيء .كانت نتيجة الحديث تفاهما على انني لن انحرف كثيرا عن
الوامر مهما كانت الظروف إل إذا أردت اقتحام باريس بمفردي ،وأنه من الفضل ان اترك لفالتر مهمة نقل رسالة
الجنرال شين إلى شوماخر .وبطريقة لم نكن قد حددناها بعد ،أذهب إلى باريس «بأسرع ما يمكن» .وشمل تفاهمنا
أيضا أن يغادر قالتر بضجيجهم حسبنا هم من رجال المقاومة السرية .ثم دخل رئيسنا جميعا العقيد دايقر بروس قائد
مكتب القافلة في سان كلود ويجد طريقه إلى بيت آمن يلتقي فيه بكورت شوماخر حسب خطة بديلة أعدت منذ مدة.
في مكان ما ون حن في الطريق ب ين شار تر ورامبويي تهنا عن القافلة فاضطررنا للب حث قليلً ن فندق «غراند
فينور» حيث من المقرر أن تلتقي وحدات مكتب الخدمات الستراتيجية .وعندما عثرنا على الفندق وجدنا أن حفلة
كوكت يل جار ية ف يه ح يث المقدم كن يث داو نز رئ يس وحدات مك تب الخدمات ال ستراتيجية التاب عة لمجمو عة الج يش
الثاني عشر يتبادل الحكايات مع جوني اوكس (من صحيفة نيويورك تايمز) وبن ولز (ابن مساعد وزير الخارجية
48
سمنر ولز) وفرانك هو كمب (رائد في المارينز ربي في باريس مثل دان هنز) وآخرين من نجوم مكتب الخدمات
الستراتيجية الذين أخذت انظر إليهم وقد استحوذت بي البهجة كطالب صغير محاط بشباب في حفلة تخرجهم من
الجام عة .ارتع شت عظا مي فرحا .وكان فال تر واقفا إلى جا نبي ولم ي سترع انتباه أ حد نظرا لوجود أشخاص كثير ين
يرتدون بزات عسكرية مختلفة ونظرا لنه يتكلم النكليزية كأي واحد منا.
عند الساعة التاسعة دعينا إلى عشاء فاخر يختلف كثيرا عما نتناوله عادة في نادي الضباط .وأثناء تناولنا الطعام
أوروبا كلها.
بدا لي لبعض الوقت أنه ل يمكن الوصول إلى العقيد بروس .وتوقفنا جميعا عن الطعام وانتصبنا واقفين وتوجهنا
للترحيب بضيوفنا المفاجئين .لم تمض ثوان قليلة حتى شاهدني .نظر إلي نظرة ود مقرونة بالدهشة ثم ناداني جانبا
و سألني« :ماذا تف عل ه نا ب حق الشياط ين؟» قد مت فال تر إل يه ثم ا خبرته عن الظرف المطلوب م ني أخذه إلى فندق
أوض حت له أن التعليمات تق ضي بأل يرى الظرف ا حد ق بل أن ي صبح ب ين يدي الضا بط اللما ني الذي ي جب أن
يصل إليه .العقيد بروس شهم واثق من مركزه رسميا واجتماعيا ولم ينخرط قط في المنافسات الداخلية في القيادة
العليا .اكتفى بابتسامة وقال» :أيها النقيب ،القرار عائد لك فافعل ما يمليه ضميرك .أما أنا فلن أطلب إليك ان تعصا
الوامر» .وهنا أخبرته بأن الوامر صادرة عن الجنرال شين فابتسم وقال» :امض في مهمتك ،يا بني ،سيكون كل
ش يء على ما يرام .ول كن لعله من الف ضل أن تخرج من هذا المكان ق بل أن تتحرك قافلة الغ جر هذه ب عد غد» .ثم
صافح فالتر وقال« :أتمنى لكما حظا سعيدا» ،وابتعد عنا وهو يبتسم ويهز رأسه.
استمرت الحفلة الليل بطوله تقريبا ووددت لو استطعت البقاء لمشاهدة وصلة همينغواي س أو قل لمشاهدة نجوم
مكتب الخدمات الستراتيجية ،بعضم يسر بها والبعض الخر يمل منها .وكنت في ذلك الحين وما زلت من محبذي
بابا همينغواي .وأكدت لي لقاءاتي معه بعد سنوات عديدة وحتى وفاته انطباعي الول عنه وهو «انه شخصية محببة
رغما عن نف سه» .ول كن كان عندي في تلك الم سية وال تر غل يم ووجوب التخط يط للقائ نا ب عد ان نفترق.خ طر لي
فجأة اننا على الرغم من الفترة القصيرة التي قضيناها نتبادل الثقة واحدنا بالخر اثناء رحلتنا إلى هذا المكان،لم نعر
أي اهتمام لما يجب أن نقوم به بعد افتراقنا في سان كلود .فغادرنا الغرفة وصخب الحفلة وجلسنا وحدنا على الشرفة
49
لم يمض على خلوتنا هذه إل بضع دقائق حتى انضم إليناكن داونز منسق عمليات دخول عملء مكتب الخدمات
السستراتيجية إلى باريسس .وحدث انسه اثناء الحفلة وصسل إلى فندق «غرانسد فينور» ضابسط فرنسسي مسن عملء
السستخبارات العسسكرية البريطانيسة «أم آي »6يحمسل أخبارا مفادهسا أن القائد اللمانسي لمنقسة باريسس الجنرا فون
خولتيتز قد قرر تنفيذ اوامر هتلر بنسف باريس برمتها ،وان فون خولتيتز ،خلفا لمعلوماتنا السابقة بات على وشك
التنف يذ .وكان كن داو نز قد أ مر الضا بط الفرن سي بالعودة سريعا إلى بار يس لم ساندة تحرك أمير كي ن حو بار يس
تتقدمه مجموعة الجيش الثاني عشر بقيادة الجنرال برادلي وقال كن« :سنكون بحاجة إلى كل عناصر الستخبارات
التي يمكننا الحصول عليها» ،وتوجه إلي بالكلم قائلً «:ربما باستطاعتك مساعدتنا».
دلنا ما قاله كن داونز على انه ليس على علم بمهمتنا ،غير ان ذلك لم يكن ذا شان بالنسبة إلينا .فقد عرض علينا
أن ينقلنا إلى باريس بحيث ندخلها قبل الوحدات الخرى من مكتب الخدمات الستراتيجية مع ضابط من المكتب هو
جاك موفينكسل وهسو مسن عمري تقريبا له ميول متقاربسة مسن ميولي وسسبق لي أن التقيتسه عدة مرات على طاولت
البو كر في لندن كما أ نه الرجل الذي أفضله على الخر ين من رجال المك تب لمرافق تي لدخول باريس أثناء وجود
اللمان فيها .لم يوافق فالتر وقال« :هذا الرجل راعي بقر .إذهب معه .أما أنا فسأبقى على اتفاقنا السابق وسأنفصل
ل ست أذ كر بالض بط ماذا حدث ب ين ذلك الو قت ولح ظة ا ستفاقتي ل جد نف سي مع سائق سيارتي الهندي الح مر
تشارلي هاتشت ضمن قافلة جاك الهادرة في شارع ايطاليا المفضي إلى قلب باريس .كل ما أعرفه انني لم أكن أول
أمير كي دخل باريس ح تى ولو ا ستثنيت زهاء المئة عميل من عنا صر مكتب الخدمات ال ستراتيجية الذ ين دخلو ها
ق بل قرا بة الش هر تمهيدا لحتفالت يوم التحر ير .غ ير ا نه با ستطاعتي القول المؤ كد ان نا ا نا وجاك وتشارلي ك نا
ل في
الميركيين الوائل الذين دخلوها دون أن يكون لهم مهمة محددة فيها .كانت نصيحة فالتر لنا هي النزواء قلي ً
بادئ المر إلى أن يكون الميركيون الخرون قد اخذوا يُشاهدون في المدينة بشكل مألوف لدى الناس ،ثم الخروج
وكأنني كنت فيها طول الوقت .وعليه انضم جاك وسيارات الجيب الثلث المرافقة إلى قافلة من الدبابات الفرنسية
المتج هه إلى شارع ريفولي .انعطف نا أ نا وتشارلي إلى شارع جا نبي وم نه إلى فندق ري تز في ما كان القتال ل يزال
دائرا في ساحة الكونكورد .وبينما كان جاك يقتحم فندق موريس حيث ينتظر الجنرال فون خولتيتز سنوح الفرصة
للستسلم كنت أنا وتشارلي نشرب الشمبانيا ونأكل الكافيار في مقصف فندق ريتز برفقة مديره الذي اخذته الدهشة.
وفيما كنت في قيلولتي بعد الغداء الكحولي الذي تناولته انضم كن دوانز إلى جاك وأخذا يقيمان مركز القيادة لرسال
حساسية الفرنسيين .وكان الهم من ذلك انه استطاع اللتقاء بالقوات الفرنسية التي اقتحمت فندق موريس لعتقال
50
القائد اللماني الجنرال فون خولتيتز وتقّبل استسلمه أما باقي تلك اليام التاريخية الربع المثيرة ابتداء من صباح
الربعاء في 23آب (اغ سطس) ح تى ال سبت في 26م نه فتتم ثل في ذاكر تي عقدا حبيباته صور صغيرة كل من ها
واضح تمام الوضوح انما بغياب تتاليها زمنيا .وفي سهرة طويلةن بعد قرابة الخمسة عشر علما من انتهاء الحرب
قضينا ها أ نا وبا با همنغواي ن ستعيد ذكريات نا ،أ صر هو على رواي ته ا نه ورفا قه من المقاو مة الفرن سية سبقوني أ نا
وزملئي من مكتب الخدمات الستراتيجية بدخول باريس .اما روايتي عن أحداث اليام الولى لتحريرها فمدعومة
بشهادات مسؤولي المكتب الذين راجعت معهم وقائعها وبشهادة أهم منها وهي شهادة فالتر غْليم وهو الن مصرفي
متقا عد يق يم في جبال اللب النم ساوية .ول كن فال تر أيّ د با با في وا حد من التفا صيل و هو ق صة روا ها أمام لري
يبدو انه في العشرين أو الحادي والعشرين من آب (اغسطس) س أي قبل يوم واحد من وصولنا انا ودان وفالتر
إلى رامبويي س أمضى همينغوا يبعد ظهر يوم وليلته في فندق غراند فينور وبذلك يكون قد سبقنا ببضع ساعات
وفي تلك الثناء خرج من مخبأ في غابة السنديان الدهرية المجاورة عدد من الضباط والجنود اللمان واستسلموا .
جردّهم بابا من سراويلهم وأرسلهم إلى المطبخ لتقشير البصل والبطاطا التي كانت من مكونات الطبق الرئيسي في
لم يخبرني فالتر بذلك الحادث في حينه ولكنه اليوم وبعد أربعين سنة من وقوعه قال انه شعر بالرتباك آنذاك
وارتداء ملبس سقاة الفندق المزينة ،انما فقط من الحقوين وصاعدا ،ليخدموا في غرفة الطعام .وأضاف فالتر انه
كان يتوقسع مسن همينغواي عندمسا دخسل الغرفسة بضجتسه وضجيجسه ومعسه رفاقسه الفرنسسيون ،أن يخلق ذلك الوضسع
مشهدا ،ولكنه لم يفعل .وباعتقادي ان بابا بنزعته إلى خلق المشاهد لم يكن يتوانى عن ذلك .
وذكرني تشارلي هاتش بأن ممرضة برتبة نقيب اسمها غريتا بلومي تابعة لمكتب الخدمات الستراتيجية رافقتنا
في إلى رحلت نا بار يس وكا نت طيلة الرحلة مم سكة باعضائه التنا سلية ت شد علي ها كل ما سمعت طلقا ناريا .أضاف
تشارلي بأنها تزوجت من طبيب نفساني يعمل في وكالة الستخبارات المركزية ثم وقعت بغرام احدى السكرتيرات
فطردت من عملها عندما تشددت سلطات المن بمطاردة أصحاب الشذوذ الشيوعيين وانتقلت إلى باريس للقامة مع
السكرتيرة في مكان ما من الضفة الشمالية على طريقة جرترود ستاين واليس توكلس.
51
ولئن كانت حياتي في الفترة التي انتهت بانتهاء الحرب العالمية الثانية بعيدة كل البعد عن الهدوء والرتابة ،فلعلها
لم ت كن مه مة بالن سبة لهذه ال سيرة الذات ية؟ يرتاب ني ال شك في 8ذلك ع ند ا ستعادة احداث ها في ذاكر تي ،ول كن ها كم
أمنت للجنرال غوردن شين وحاشيته من ج س 2اقامة مريحة في فندق جورج الخامس .وبعد أن تصادقت مع
مدير فندق ريتز جان ،ﭙول واسونفيل فحملته على مطالبة صديقه وزميله مدير فندق جورج الخامس الحتفاظ بطابق
كامل من الفندق «للمبعوثين الخاصين من قبل البيت البيض» المتوقع وصولهم إلى باريس في 26آب (اغسطس)
في الثالث والعشرين من الشهر نفسه ،وكان قد أمن لنفسه اقامة في فندق ريتز ،دخل ﭙاﭙا همينغواي الفندق مع
زمرة من رفاقة الطيبين وطلب تماما كما سبق له ان قال لي« :آة كأسا مزدوجة من المارتيني» .ثم دخلت باريس
قوات الجنرال لليكليرك وتلت ها فر قة المشارة الميرك ية الراب عة وأخيرا ،في 27م نه أقي مت احتفالت دخول الجنيرال
ديغول المظفر عبر جادة الشانزليزيه على أصوات هتاف الجماهير المبتهجة وتصفيقها.
ول ما ك نت «أميرك يا صرفا» (ح سب ما رأى الفرن سيين بي) وأت قن التكلم بالفرن سية صرت أ حد أفراد المجت مع
الباريسي الراقي الذي كان يضم في ما ضم في تلك اليام ،اشخاصا مثل دانيال داريو وفرنسوا روزاي وبيار فريتي
انت هى بي المطاف إلى جناح مر يح في الطا بق الثا ني من فندق صغير ي قع ع ند الم ستديرة القائ مة في منت صف
جادة شانزليز يه ب ين ساحة النج مة و ساحة الكونكورد ،قبالة مكا تب صحيفة «لوفيغارو» وفوق الم حل الذي صار
يعرف باسم «لو دراغستور» حيث يهرول السياح الميركيون لشراء اقراص اللكاسالزر والسبيرين بعد تصريف
وفيما كنت أنهي ما أسميته فترتي الباريسية» انسحبت من جهاز مكافحة التجسس للنضمام إلى مكتب الخدمات
الستراتيجية استعدادا إلى المهنة التي اعددتها لنفسي لعصر ما بعد الحرب .وينبغي علي القول ،خدمة للتاريخ ،أن
اهتماماتي في تلك الفترة انحصرت بالعلماء وبرجال المخابرات اللمان الذين قد تكون لهم بعد الحرب من فائدة لنا
وأما أصدقائي في فترة الحرب فقد أسعدهم أنتهاؤها ونسيانها باستثناء واحد أو اثنين من هم .وأما بشأن فترة ما
بعد الحرب من حياتي فقد عاد إليها ثم خرج منها فرانك جايمس ،وعاد إليها نات صمويلز بعد سنوات عديدة وقد
صار في منصب مساعد وزير الخارجية في ادارة الرئيس نيكسون .أما الشخصان صاحبا الفضل علي ومعبودي
52
آلن كالفرت وهاورد ولسن «فقد عادا إلى جذورهما» حسبما كتب لي هاورد في أحدى رسائله بعد عدة سنوات من
الفصل الثامن
باريس واللمان
انقضى قرابة السبوع على الستعراض المظفر الذي قاده الجنرال ديغول في جادة الشانزليزيه قبل بدء وصول
الضباط الميركييسن الكبار إلى باريسسء نزل العقيسد كالفرت هاينسز فسي فندق جورج الخامسس وتبعسه الرائد روجسر
سكسن ،وأ صر العق يد هاورد ول سن على القا مة مع رجال جهاز مكاف حة الجا سوسية في فندق ي خص شر كة كوك
ال سياحية كنا قد أمناه ل هم في جادة فيكتور هو غو ح يث تركزت قيادة «ايتوزا» ب عد أن أخله اللمان .وجاء برفق ته
مسؤول كبير وجديد في المجموعة العقيد أورفال راب مراقبا على النقيب دويل المشرف على دهان سيارات الجيب
ومجموعتسه ،وكلود غوزا وفرانسك كيرنسز وكامسل فصسيل باريسس مسن جهاز مكافحسة الجاسسوسية المؤلف مسن زهاء
ثلث ين عميلً خا صا وعميلً عاديا إضا فة إلى قرا بة العشرة عملء من العابر ين إلى مرا كز أخرى .لم ي كن الفندق
بفخامة الريتزبل كان نظيفا ومريحا وتأمن فيه للشباب قاعة طعام خاصة بهم مجهزة تجهيزا تاما ولهم أيضا طهاتهم
وسقاتهم ،أي أن القامة ف يه أنيسة ومري حة .درجت على تناول ب عض وجبات الطعام ف يه كلما ابتغ يت البتعاد عن
«ال جو اللط يف» الذي فر ضه علي وجود جاي مس ايخلبر غر وهنري را غو في جناحه ما القر يب من جنا حي في
ع للتأكيد هنا بأن أيا منهما لم تكن لديه الرغبة في أن يشاهده أحد في جادة فيكتور هوغو .
الفندق .ول دا ٍ
53
و ما أن و صل هاورد ول سن إلى بار يس ح تى شرع بتوز يع المهام على الم سؤولين م عه ،دون أن ي سمح لنف سه
بدقيقسة واحدة للسستمتاع بالشعور بروح المرح السسائدة ول حتسى لتقبيسل ثغسر فتاة فرنسسية واحدة .كان على فرانسك
كيرنز قيادة مجموعة للتحقيق في أي قضية تستوجب ذلك داخل مقر القيادة ،وتألفت فرق ضم كل منها ثمانية إلى
عشرة عملء مهمتها اجراء مسح أمني لجميع الوحدات العاملة في باريس وجوارها .وكان علي وعلى جون باريش
تمثيل جهاز مكافحة الجاسوسية ومكتب الخدمات الستراتيجية في «التعاونية» (التي صارت تعرف في النهاية باسم
«كوب») و هي عبارة عن مر كز يحال إل يه كل الذ ين يل قي الق بض علي هم عملء جهاز مكاف حة التج سس ومك تب
لخدمات السستراتيجية ورجال الحكومسة العسسكرية ،والمطلوبون مسن قبسل واحدة أو أكثسر مسن تلك الهيئات.
و«التعاونية» هذه أقيمت في قصر خاص بآل روتشيلد ،وقد نهبت جميع محتوياته ،قائم في جادة فوش بالقرب من
ساحة النجمة (اتوال) .وفيها تقرر توجيه الموقوفين كل إلى الجهة الصالحة للنظر في أمره.
عنسد وصسولنا إلى «التعاونيسة» وجدنسا الملزم ثانسي دان هنتسر برفقسة رائد فرنسسي اسسمه لوبوتيليسه يعملن فسي
مجموعة من السرى جاء بهم رجال المقاومة السرية الفرنسية او أنقذههم من بين براثن المقاومة رجال الشرطة
العسكرية في الجيش الميركي الخامس بقيادة الجنرال هودجس .أوضح لنادان أن الشيوعيين في المقاومة يوجهون
اتهامات التعاون مسع اللمان إلى خصسومهم خصسوصا إذا كان هؤلء مسن الثرياء الذيسن يملكون منازل أنيقسة يحلو
نهبها.
قضت الوامر الصادرة إلى دان بالتحري عن الفرنسيين المؤيدين للنازية الذين قد يتعاونون مع مجموعات من
المت صلبين في المان يا .وعلى الر غم من عدم وضوح ال مر في ذاكر تي أعت قد بأن دان ا ستطاع العثور على ب عض
منهم .وكان قد دس بين السرى أربعة أو خمسة من العملء الخسيسين الذين ساعدوه في عمله الشاق هذا .ولكنه
بذلك مجهودا أ كبر في تحري أوضاع ب عض الفرن سيين والفرن سيات الذ ين اع تبر بان هم قد يفيدو نه في عمله ب عد
الحرب .ففي تلك الحقبة وقبل أن يخطر بباله أن وكالة الستخبارات المركزية ستبصر النور في يوم من اليام ،أخذ
يخطسط للقامسة فسي باريسس ليكون على رأس أي منظمسة للسستخبارات قسد تقوم ممسن بيسن رماد مكتسب الخدمات
عثر نا ب ين سجنائنا الفرن سيين على شخ صيات مرمو قة تعاون بعض هم مع اللمان فعلً ،على م ستوى علقات
اجتماعية أو حتى على مستوى صفقات تجارية مربحة وكان أكثرهم من اليمينيين الثرياء الذين أراد رجال المقاومة
الفرن سية إ ما إذلل هم أو ن هب بيوت هم .ودأب دان على مراج عة سجلته يوميا بغ ية العثور على سجناء يفيدو نه ب عد
اطلق سراحهم .وكل ما اشت به بأحد هم نزل إلى ساحة المعت قل وتقدم من الش خص المع ني و سأله أو سألها بله جة
54
المستهجن قائلً«:أرجو المعذرة ،ولكن ألست البارونة فلنة؟» وعندما تجيبه باليجاب نقول«:يا للعار ! ساخرجك
من هذا المكان فورا!» ويخرجها فعلً .وكان كل ما عليه فعله أن يذهب إلى الرائد لوبوتييه ويشهد بالموقوف شهادة
على الر غم من أن «التعاون ية» في عهدة دان ي ساعده في ها رائد ونقيبان ب قي هو ملزما ثانيا ،طبعا ب سبب هفوة
إدارية .فقبضته على العمل وإدراكه العميق لسبب تعيينه فيه ولتطابقه مع المهمات التي تكلف بها الخرون عوامل
تستأهل رتبة عقيد .ولجملة من السباب صارت «التعاونية» بالنسبة لشخاص مثلي ومثل دان نقطة مراقبة ممتازة.
في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) وقبل اسبوعين من الهجوم اللماني المعاكس في منطقة الردين أرسلني العقيد
كالفرت بمهمة خاصة في مركز التدريب للستخبارات في معسكر ريتشي ،ولية ماريلند حيث بقيت حتى قبيل عيد
الميلد .لما عدت إلى باريس كانت معسكرات اسرى الحرب التي أقيمت حول باريس مكتظة بالسرى ،وكان عدد
من الضباط اللمان الذ ين يحاولون تحا شي احتجاز هم في لمع سكرات ويعرفون بوجود «التعاون ية» يتقدمون طوعا
من أبواب ها .إل أن دان أ خذ يحول من من هم ل يتكلم إل اللمان ية إلى الشر طة الع سكرية ويحت فظ بالذ ين يتكلمون
النكليزية أو الفرنسية ويرغبون بالدلء بمعلومات ،يحتفظ بهم «كمحتجزين من صنف خاص» ول يدون اسماءهم
في تقاريره اليوم ية ،في ستبقيهم المدة الكاف ية ليح صل من هم على كا مل معلومات هم عن المحور (المان يا س ايطال يا س
اليابان ).
جاءنا كل الضباط اللمان باللباس المدني وهذا بذاته يدل على انهم أدرى من زملئهم الخرين بطريقة تحاشي
الوقوع في السر العادي أو ان لديهم أسبابا أخرى للتخفي ،أو للسببين معا.
أخسذ دان على عاتقسه أمسر اسستجوابهم فيمسا أخذت أنسا دور المسستمع .وكانست الفئة الولى مسن المعلومات التسي
استقيناها منهم انهم يعرفون أكثر منا على أي نحو ستنتهي الحرب .لست متأكدا تماما من أن الرائد في الستخبارات
الكندية ملتون شولمان قد تحدث مع أي منهم ام ل ،ولكن ما قالوه لنا ينطبق تماما مع ما أورده ذلك الناقد السينمائي
والمسرحي الحاذق البصر والبصيرة في كتابه «هزيمة في الغرب» .لقد أجمع الضباط اللمان الذين راحوا يفرون
من ساحات الحرب بالعشرات س حتى بعد الهجوم على الردين ورغم ما بعثه من أمل في نفوس بعضهم في أحلك
أيام هم س على أن الج يش القوى والح سن عدة الذي عر فه العالم كان محكوما عل يه بالهزي مة م نذ البدا ية،وان ل
55
هل يقصر جيش مثله عن الظفر رغم انضباطه وتدريبه المثاليين وقد قال عنهما مارتن وس وغيره من خبراء
غرفة اللعبة بأنهما سيجعلنه يتفوق على جيوشنا القليلة الخبرة ؟ أن تدريبهم وانضباطهم بالذات سبب تقصيرهم عن
احراز الظفسر .فالضباط اللمان الذيسن جاءوا «التعاون ية» يمثلون أقليسة ضئيلة من ب ين الذ ين أدركوا حقي قة الوا قع
ادراكا صحيحا .أما الخرون فأطاعوا الوامر طاعة عمياء دون طرح اي اسئلة «حتى ولو كان تجاهلها هو السبيل
الوح يد للخلص» ،ح سب ماجاء في كتاب ملتون شولمان .إن مجرد التفك ير بالمن جي الذي رب ما اتخذ ته الحرب لو
خاضوها من دون هتلر لمر مرعب بحد ذاته ،وذلك ما كان مستحيلً حسب قول ضيوفنا في «التعاونية».
إذا .بماذا اختلف ضيوفنا عن غيرهم من الضباط اللمان؟ حسبنا في بداية المطاف بأنهم مناهضون للنازية وبأنه
ل يس بين هم من هم في فرق أس .أس .أو على ال قل أن من من هم في ها حاولوا اخفاء ذلك .ف تبين ل نا سريعا خ طأ
حسسابنا ذلك أن زهاء ثلثهسم ،حسسبما أذكسر ،كانوا فعلً مسن أعضاء أس .أس .ولم يترددوا عسن العتراف بذلك بسل
تجاهلوا كليا احتمال اعتبار نا ل هم كمجر مي حرب ب سبب انتمائ هم إلى منظ مة ارتك بت بعضا من أش نع الجرائم في
من نواحي النضباط العسكري اللماني استرعى اهتمامنا بشكل خاص س نحن رجال المخابرات س جهل كل
ضابط تقريبا من الضباط اللمان الذين استجوبناهم لما يجري في قطاعات غيره من الضباط (وضعت باسم العقيد
كالفرت تقريرا خا صا بهذا ال صدد رف عه هو إلى المرا جع المخت صة ) .إن ما ا ستقيناه من معلومات من زميل نا في
جهاز مكافحة التجسس الملزم ثاني سامي وانتراوب الذي يتقن اللمانية (ألبسناه بدلة عريف وطلبنا إليه «التظاهر
بمظهر البلهة» س كمن يطلب إلى دانيال داريو «التظاهر بمظهر الدمامة») كاد ان يكون فير قابل للتصديق .فقد
اخبرنسا بأن ضيوفنسا سسهروا سساعات طويلة بغسد إطفاء أنوار » التعاونيسة « يتبادلون بذهول المعلومات عمسا كان
لم ي كن «موقوفو نا الخا صون» م صدر معلومات نا الوح يد .فهناك أيضا ال سرى العاديون الذ ين ق بض علي هم على
ع جل رجال جهاز مكاف حة التج سس دون أن يت سنى ل هم الو قت لمعر فة ما إذا كان لمر هم أهم ية عند نا بل لن هم
شعروا بأن هم قد يكونون مفيد ين ل نا بش كل ما .وكان هناك اي ضا أ سرى أدر كت وحدات المكاف حة أهميت هم ولكن ها
احتفظت بهم لبعادهم عن صائدي النازيين الذين باتوا يشكلون مشكلة حقيقية .ولما بدا النصر قريب المنال أصدرت
القيادة العل يا للقوات الحلي فة في أورو با أمرا بانشاء وحدة خا صة في جهاز مكاف حة الجا سوسية مهمت ها التدق يق في
هويات جميع أسرى الحرب في سجلت القرى والمدن التي سقطت بأيدينا والبحث فيها عن أشخاص مشبته بأنهم
مجرمسو حرب .فكان أن أخسذ العملء يجمعون «مجرمسي الحرب» كيفمسا اتفسق،ذلك أن رجال جهاز مكافحسة
56
الجا سوسية ،با ستثناء القلة الضئيلة من هم مدنيون فسي قرارة نفو سهم هم هم ال كبر انهاء مهمت هم والعودة إلى الحياة
المدنيسة .وهكذا كاد أن يكونوا بكليتهسم تقريبا غيسر متعاطفيسن مسع مخططات المسسؤولين بعيدي النظسر فسي قياداتنسا
المختلفة ومطالبة هؤلء لهم بتوجيه بعض الهتمام بالسرى الذين قد تكون لهم أهميتهم لدى منظمات المخابرات .
وعلى الرغم من أنه ترتب عليهم طاعة الوامر كغيرهم في القوات العسكرية ،لم تكن عواطفهم منسجمة تماما مع
اعتمدنا على بعض وحدات جهاز مكافحة الجاسوسية التي كان الضباط المسؤولون عنها قد قرروا ،مثلي ومثل
دان ،احتراف العمل المخابراتي .وما أن حل ربيع العام 1945حتى كنا قد نظمنا طريقتنا في استعمال تلك الوحدات
بطريقسة جعلتهسا جهازا لمكافحسة الجاسسوسية ضمسن جهاز المكافحسة السساسي ،أي انهسا صسارت «الذنسب الذي يهسز
الكلب» باعتبار انها أخذت تقوم بالمهام المناطة به بينما تحول «الكلب » إلى مطاردة مجرمي الحرب .وقد كان ثمة
مسا يسسوغ موقسف رجال الجهاز السساسي باعتبار أن جهاز مخابرات العدو قسد انفرط عقده ولم يبسق هناك ،حسسب
وأثناء انتزاعنا الكثير من المعلومات من مختلف أصناف وأنواع السرى والضباط الذين أتونا بهم كان دان على
صسلة مسستمرة ،اجتماعيا ومهنيا،بكسل مسن جونسي اوكسس وبسن وللزوفران هوكومسب وغيرهسم فسي مكتسب الخدمات
ال ستراتيجية الذ ين جعلوا مكتب هم في جادة سوشيه مع ال ستخبارات الفرن سية .و من هؤلء وكذلك من «الموال ين»
لجهاز مكافحة التجسس تبين لنا أن البحث الهم بالنسبة إلينا يتضمن اربع فئات :
تضمنت الفئة الولى افراد «الوكسترا السوداء» وهم الضباط اللمان الضالعون بطريقة أو بأخرى مع الميرال
كاناريس في نشاطاته المناهضة لهتلر وخصوصا في محاولة اغتياله في 20تموز (يوليو) .1944وكان آلن دالس
المق يم في سويسرا آنذاك قد أقام ما أ سماه «عل قة مبدئ ية» مع بقا يا «منظ مة مقاو مة المان يا» انبث قت من جهاز
الستخبارات اللمانية .ولكننا كنا على علم مثل دالس بوجود زهاء مئة ضابط أو أكثر إما مختبئون أو أن أمرهم لم
وضمست الفئة الثانيسة ضباط اسستخبارات ،وأكثرهسم مسن النازييسن ،المختصسين بالشؤون السسوفياتية .وكانست
الستخبارات البريطانية قد علمت بوجود «مخطط» تعاون الماني أميركي ضد السوفيات وضعه الجنرال راينهارد
غيهلن ،قائد «شع بة مخابرات شر قي أورو با» و هي وحدة تحل يل تقار ير ال ستخبارات التي تغ طي الجب هة الشرق ية.
وقد اشتدت رغبتنا في سبق الروس إلى القبض على الجنرال غيهلن وعلى الضباط المتصلين بالمخطط (هذا إذا كان
هناك مخطط).
57
ثالثا س كان هناك عدد من العلماء اللمان الذ ين كشفت هم اللجان ال تي حضر نا اجتماعات ها في لندن أ نا وبور يس
باش بصفتنا مسؤولين عن التفوقية العلمية والتقنية المفروض أن اللمان يتمتعون بها .وكان همنا ان نقبض عليهم
قبل السوفيات وأظن بأن هؤلء هم الذين وضعهم الجنرال غوردن شين نصب عينيه.
رابعا س وأخيرا كان هناك النازيون الضالون الذين سعينا للقبض عليهم ليس لكونهم مجرمي حرب بقدر كونهم
يملكون القدرة على الهرب من الحرب والقامة في اسبانيا أو في جمهورية ارلندا أو في أميركا الجنوبية أو الشرق
الوسسط حيسث يخلقون خليسا فسي البنسى السسياسية المحليسة بغرض انشاء حركات نازيسة سسرية لتقوم يوما وتحاول
السيطرة على العالم( .حمل بعض زملئنا في دائرة ج س 2في القيادة العليا الحليفة على محمل الجد الشاعة التي
سرت بأن انتحار هتلر خبر كاذب وبأنه وسكرتير الحزب النازي مارتن بورمن قد فرا إلى الرجنتين ).
إذا ن حن نب حث عن راينهارد غيهلن ،ذلك النازي النح يل القذر حائك المكائد والمؤامرات الذي قال ف يه آلن دالس
إ نه ل يس ذاك الر جل الذي أق بل به في ناد أنت مى إل يه» .لم ي سبق ل نا أن سمعنا به إل عند ما جاء إلى «التعاون ية »
ضا بط برت بة نق يب ينت مي إلى مجمو عة الج يش المير كي الثا ني ع شر طالبا «نشره معلومات شاملة» قد تؤدي إلى
العثور على غيهلن .ويبدو أن غيهلن قسد جمسع كسل المعلومات المخابراتيسة المتعلقسة بالسسوفيات ،وأن رئيسس النقيسب
المذكور ،أي الجنرال سيبرت جا هد في ال سعي للعثور عل يه .وك نا ن حن على ا ستعداد لبذل أي مجهود لتأم ين ما
كان الجنرال سيبرت تج سيدا للبطولة في أع ين جم يع الضباط الميركي ين للمكانات ال تي يتيج ها احتراف الع مل
في ح قل المخابرات .اع تبر الجنرال على و جه العموم بأ نه الب عد نظرا ب ين رجال جم يع وحدات ج س ،2وح ظى
بعداء مرير من قبل اليساريين في واشنطن الذين استنكروا أي اشارة إلى اننا سنحول اهتمامنا إلى السوفيات فور
انتهائ نا من اللمان .وعند ما و صلت إلى واشن طن تقار ير تقول بأن سوء ال ستخبارات سبب الخ سائر ال تي لح قت
بالميركيين في معركة الردين قام اليساريون في الكونغرس وفي الدارة يستحثون وزارة الحربية لجراء تحقيق
وإلقاء المسؤولية على سيبرت شخصيا .فانضوينا فورا تحت لوائه وأمنا له تأييد مجموعات ج س 2في كل الفرق
والولويسة والجيسش التسي اسستطاعت أن تسبين أن السستخبارات أشارت بوضوح إلى الهجوم اللمانسي المتوقسع وان
كمسا تسم تجاهسل نشرات المعلومات الشاملة عسن الجنرال غيهلن التسي بعسث بهسا الجنرال سسيبرت .ولمسا اسستسلم
الجنرال غيهلن إلى وحدة مسن وحداتنسا التابعسة لجهاز مكافحسة الجاسسوسية فسي موقسع مينرباخ ،اسستقبله آمسر الوحدة
ل باردا هذا علما بأن غيهلن كان على أ حر من الج مر للت صال ب سيبرت بقدر ما كان سيبرت مهتما بالعثور
ا ستقبا ً
58
عل يه .أ ما آ مر الوحدة المذكورة النق يب ماريون بور تر ف هو ضا بط كفوء جدا ان ما متم هل بت صرفاته ينت ظر بفارغ
ال صبر انتهاء الحرب ول يولي بالتالي أي اهتمام «للق يم ال ستخباراتية»ال تي قد تكون مفيدة في حال قيام نزاع في
المسستقبل .ويبدو ان منظسر غيهلن وتصسرفاته لم ترق له .وعندمسا قدم غيهلن له نفسسه على انسه الضابسط اللمانسي
العلى الذي نسسق جميسع عمليات السستخبارات ضسد الروس أجابسه بورتسر بقوله« :تشرفنسا .سسنرسلك إلى الروس
ول كن خ طر ببال ماريون ،و هو ل يس بال غبي ،بأن لضرر من تغط ية نف سه فات صل بزم يل سابق له في وحدة
مكافحة الجاسوسية في باريس وسأله «:من هو هذا الرجل المدعو غيهلن ،وماذا يريد؟» نقل ضابط جهاز مكافحة
الجاسوسية في باريس فحوى المخابرة إلى العقيد ولسن الذي أرسل برقية مستعجلة بخصوصها إلى الجنرال سيبرت
في كرونبرغ .وفي ساعة متأخرة من الليلة عينها وصل اثنان من جهاز مكافحة التجسس وأخرجا الجنرال غيهلن
من معسكر أسرى الحرب الذي احتجزه فيه النقيب ماريون بورتر حفاظا على سلمته .وفي صباح اليوم لتالي كان
الجنرال غيهلن وأحسد مسساعديه ،وقسد نسسيت اسسمه ،يتناولن وجبسة فطور دافسئ ويحقسق معهمسا الخسبيران الوحيدان
بالشؤون السوفياتية في هيئة أركان الجنرال سيبرت .ولما أضفنا أسماءنا إلى قائمة تزداد طولً باسماء الذين ادعوا
الفضل بالعثور على الجنرال غيهلن ،كان في ذهننا ذلك التسلسل الخاطف للحداث التي أدت إليه .وفيما بعد تحول
الجنرال النازي المراوغ إلى المحور الهم في نشاطات وكالة الستخبارات المركزية داخل التحاد السوفياتي .
تتبعنا عن كثب ،نحن الذين رأينا ان مستقبلنا هو في احتراف العمل المخابراتي بعد الحرب تلك التطورات ،لن
ا ستراق سامي واينتراوب ال سمع والتن صت على مداولت ضيوف نا اللمان في الطا بق الثالث من ق صر آل روتشيلد
بعسد اطفاء النوار بيسن له أنهسم تكلموا عنسه كثيرا ،فاقتنسع ،وأقنعنسا ،بأن الجنرال غيهلن هسو على الرجسح مصسدر
معلومات واسعة عن السوفيات .والهم من ذلك ان أقوال ضيوفنا فيما بينهم دلت على ان الذين أدلوا بها رأوا في
الجنرال غيهلن الشخصية التي يلتف حولها المان غيرهم ومثلهم يتوقعون قيام تعاون الماني أميركي في المستقبل .
لخص سامي واينتراوب كل ما استرق سمعه في تقرير ل يختلف عن كل تقاريره من حيث الوضوح والترتيب
البديعيسن .طلب دان إلى النقيسب الذي جاء بنشرة المعلومات الشاملة عسن غيهلن أن يحمسل التقريسر ويوصسله إلى
الجنرال سيبرت .وبعد أيام قليلة توجه سامي إلى كرونبرغ للشتراك في استجواب الجنرال غيهلن ،ولم ألمحه البتة
إل بعد مضي عدة ِأشهر عندما التقينا في احد ممرات المبنى ل في وكالة الستخبارات المركزية في واشنطن وكان
59
كانت الفئة الثالثة من اللمان الذين طلب إلى «الموالين» من رجال جهاز مكافحة الجاسوسية إلقاء القبض عليهم
الفئة الك ثر ح ساسية .إن ها فئة العلماء الذ ين اراد علماؤ نا الح صول من هم على المعلومات عن التطور التق ني في
المانيسا ،وخصسوصا بشأن الصسواريخ ،كمسا كان السسوفيات أيضسا جاديسن فسي البحسث عنهسم .وفسي تلك الثناء أخسذ
المجهود ال ستخباراتي المير كي في أورو با يتعرض لنيران الن قد الحام ية للتهلم بأن م سؤوليه «يقدمون الو سيلة
المصلحية على المبادئ» .وشعرنا بألسنة النيران تقترب عندما دعي صديقي القديم موسى دكتر س وهو من ولية
آلبامسا مثلي وأسسود يتكلم عدة لغات ويحمسل شهادة دكتوراه سس إلى مكتسب نائب قائد «ايتوزا» فسي فندق ماجسستيك
ليشرح السباب التي حملته على الستعانة بالنازيين الذين كانوا يعملون لدى الجنرال فون خولتيتز لمساعدة الفريق
الفرنسي الميركي على تعجيل اعادة المنافع والخدمات العامة في باريس إلى العمل المنتظم .
وكان مو سى قد اجتذب للع مل م عه المد عو «بو بي» بندر (عم يل في ال ستخبارات اللمان ية ) وراوول نوردل نغ
(قنصل السويد العام في باريس ،تاجر في السوق السوداء استطاع انقاذ الكثيرين من رجال المقاومة الفرنسية من
السسجون اللمانيسة وتخليصسهم مسن الموت على يسد رجال الغسستايو) وغيرهسم مسن ذوي الصسلة بالنازييسن والواردة
أسسماؤهم فسي «لوائح التوقيسف الفوري» .وكلهسم اشتركوا بمسساعدة موسسى فسي العثور على العلماء اللمان الذيسن
تعاونوا مسع علماء فرنسسيين فسي مختلف المختسبرات والمصسانع الختباريسة فسي ضواحسي باريسس .قضست الوامسر
الصادرة إليه بالتعاون مع الديغوليين وهم مقاتلون ل مهندسين ،من اجل اعادة المرافق البلدية في باريس إلى العمل
بأ قل اعتماد مم كن على رجال الغ ستابو والمخابرات والشر طة اللمان المند سين بين هم .أ ما ذن به فكان الت سامح الذي
أبداه مع الفرن سيين من ذوي الموا هب ال تي لم يتم كن من ال ستغناء عن ها كالكهربائي ين وال سباكين والنجار ين الذ ين
سبق ل هم الع مل مع اللمان .ول شك في أ نه ن صح بعض هم بالفرار إلى سويسرا ومن هم بندر ونوردلي نغ وأخوه .لم
يتمكن نائب القائد من اثبات ذلك على موسى (ذلك ان قلبه لم يكن إلى جانب التحقيق) ولكن موسى لم ينكر التهام
إن المعلومات التي حصلنا عليها عن العملية التي شملت المسرح الوروبي بأكمله وعرفت باسم «عملية مشبك
الورق » أو باسسم «مؤامرة مشبسك الورق»سس والمسر هنسا يتوقسف على الجهسة التسي تنتمسي إليهسا سس جاءتنسا تلك
المعلومات من موسى وليس من زملئنا في جهاز مكافحة الجاسوسية .تتلخص عملية «المشبك» هذه بأن كل قيادة
فيها مجموعة كبيرة من البطاقات الفهرسية سواء كانت قيادة جيش أو فرقة أو لواء ،عين فيها رقيب أول أقسم يمين
المحاف ظة على ال سرية وأن يط به مراج هة البطاقات الفهر سية وو ضع مش بك للورق على كل واحدة تح مل ا سم ا حد
العلماء اللمان الذ ين قد يؤدي ا ستجوابهم إلى إلقاء الضوء على تلك التفوق ية التقن ية اللمان ية ال تي طال ما شغلت بال
قيادت نا في لندن .وب عد يوم الن صر على الم سرح الحر بي في أورو با را حت فرق مكاف حة الجا سوسية تنزل على
60
مع سكرات ا سرى الحرب وت سحب من ها العلماء المختار ين بتلك الطري قة ر غم اعتراض الم سؤولين في ب عض تلك
المعسكرات الذين كانوا على بينة من أن معظم العلماء المطلوبين هم نازيون .وتولت الفرق المذكورة نقل العلماء
إلى أمكنة إقامة مريحة حيث عوملوا معاملة خليقة بالشخصيات المرموقة.
أيدت العملية تأييدا تاما خصوصا عندما أعطيت الفضلية فيها «للموالين» من أفراد جهاز مكافحة الجاسوسية .
وخامرني الشك في بادئ المر أن تكون العملية المهمة التي أعدها الجنرال شين لي عندما رتب لي التصال بفالتر
غليم الذي لم يكن قد اتصل بي كما توقعت منه أن يفعل .ولكن ماذا كانت ردة الفعل على العملية؟ رفض جايمس
ايخلبرغسر وجسم غاردنسر وغيرهمسا فسي وحدتنسا فسي باريسس ،وكلهسم متحلون بالعقليسة الجامعيسة الليبيراليسة ،رفضوا
التعاطي معها .أما اليهود بيننا فانهمرت دموعهم عندما سمعوا بها .وبصفتي مسيحي مؤمن بالناجيل ومصاب بداء
«التشكيل المقلوب» س كما وصفني فرانك كيرنز في كل مرة غضب مني لحتفاظي بروح الدعابة إبان الزمات س
(دون ذكر تخلفي الفطري طبعا ) لم أتمكن من وضع أي هدف لنفسي غير كسب الحرب والعمل من اجل عدم قيام
حرب عالمية ثالثة .ل أريد هنا الدعاء بالترفع ولكني لم أر أي سبب بل لم أشعر بأي سبب للثأر من اللمان مهما
ولكن ونزولً عند إصرار صديقي الممثل المجنون ستيرلينغ هايدن ذهبت لتفرج على معتقل بوخنفالد النازي .
مكاف حة الجا سوسية ا سمه إرف نغ آرون سن .لر يب في أن مشاهدة المعت قل هزت ني ب ما ف يه الكفا ية وكان تأثير ها في
نف سي أقوى بع شر مرات من تأثيرا تي من الفلم ال تي شاهدنا ها عن المحارق على شاشات التلفزيون .ول كن تأث ير
مشاهدتها برفقة سامي وإرفنغ كان أقوى بمئة مرة .وافقت مع نات صمويلز وهو يهودي بمقدار سامي وإرفنغ ان
اذللنا المبرمج لللمان في أعقاب الحرب العالمية الولى كان سبب قيام هتلر،ولكنني رفضت الشتراك في عملية
بعد مرور خمسة وأربعين عاما على العملية اعترف طوم بووار من هيئة الذاعة البريطانية في كتابه «مؤامرة
مشبسك الوراق» بأنسه لربمسا لم نتم كن من الصسعود إلى القمسر لو أن «المؤامرة»فشلت ،وأضاف بأن ها كانست غيسر
اخلق ية وجاءت نتي جة «فرض سلطوي» من ق بل المؤ سستين الع سكريتين البريطان ية والميرك ية .وإذا كان سخط
بووار عليها الن بهذا المقدار فهل نستطيع أن نتصور مدى السخط عليها لخمس وأربعين سنة خلت ليس فقط بين
اليهود من أفراد جهاز مكافحة التجسس ومكتب الخدمات الستراتيجية بل كذلك بين كل الليبراليين منا؟
61
من ال صعب جدا وصفي بان ني ليبيرالي ،ل اليوم ول في أيام شبا بي ولك ني أكاد أعت نق الرأي الذي ابداه اي .ام
.فو ستر عند ما فر صديقنا المشترك ك يم فيل بي إلى مو سكو .قال« :إذا ما أجبرت يو ما على الخيار ب ين صديقي أو
بلدي أرجو أن تكون لي شجاعة اختيار صديقي» .ول كن إبان عملية «مشبك الورق» لم يكن الخيار المطروح على
ذلك النحو ،أو على القل لم أره على ذلك النحو ،وعليه قلت لهاورد ولسن انه لو طلب مني الشتراك به على أي
ننتقل الن إلى الفئة الرابعة أي إلى النازيين الضالين الذين يملكون القدرة والوسائل التي تمكنهم من الفرار إلى
اسبانيا أو جمهورية ارلندا أو أميركا الجنوبية أو الشرق الوسط .قلت في نفسي لعل هذه الفئة هي التي يفكر لي بها
الجنرال غوردن شين ،ولكن لم أكن لتأكد من ذلك بغياب فالتر غليم .وفي تلك الفترة بالذات ظهر فالتر من جديد!
ففي اليوم التالي لستسلم اليابان في 25آب (اغسطس) 1945سمعت طرقا خفيفا على باب جناحي في الفندق في
بار يس .وفي الباب وقف فالتر ببدلة زرقاء مفصلة له خصيصا وقبعة هومبورغ وشمسية ملفو فة باتقان وكأنه من
طب قة كبار النكل يز متو جه إلى عمله في شارع هوايتهول .ظن هنري ل ما ف تح الباب بأ نه ا حد ضباط المخابرات
لعسكرية البريطانيين المملين وكاد يقول له إنني خارج الجناح .ولكن فالتر لم يعره أهمية وسار نحو كرسي جلس
ده شت لثق ته بنف سه .ها كم ضا بط الما ني باللباس المد ني آت في و ضح النهار إلى ش قة ضا بط أمير كي دون أي
سرية أو تحفظ ظاهرين ،فتلعثمت وخانتني الكلمات واختفت من ذهني كل السئلة التي اعددتها لطرحها عليه منذ
اليوم الول لفتراق نا في سان كلود ح تى الو قت الذي واج هت ف يه وحدت نا في بار يس قض ية «مش بك الورق» وأمام
ذهولي ات خذ هو المبادرة وب عد تبادل التح ية بحرارة وال سؤال عن سير أعمالي ومماز حة هنري بأن الوضاع في
باريس أيام اللمان لم تكن بالسوء الذي يصورها به الفرنسيون سلمني ظرفا وقال «أظن أنه يحتوي على مستقبلك
أ ما هنري الذي أ طل من النافذة ليشا هد رحيله في ما ك نت أف تح الظرف فقال لي ا نه صعد في المق عد الخل في من
سيارة سيتروين فخ مة يقود ها سواق،و قد ان صرفت بهدوء ك ما لو كان راكب ها دبلوما سي ترك بطاقات في وزارة
ل بد لي من العتراف بأن محتويات الظرف و هي عبارة عن ا سماء دون اي ملحظات ل ست وعشر ين ()26
ضابطا الماينا من رتبة ملزم ثان إلى رتبة عقيد ليسوا من ضباط القوات العسكرية العادية بل من الس ssلم تعن
لي شيئا ح تى قابلت ها ب عد ظ هر ذلك ال سبت بالملفات المركز ية في فندق ماجي ستك .ولم أدرك ،ب عد مقابلة ال سماء
62
بمختلف القوائم بأسماء المطلوبين إلى أي فئة انتموا وتأكدي من أن ايا من السماء التي اعطيت لي موجود عليها،
لم أدرك فورا لماذا يأتي ضابط الماني قادر على التجول بحرية في باريس في سيارة يقودها سواق لزيارة ضابط
أميركي في وضح النهار ويسلمني مثل تلك القائمة .أمضيت بعض الساعات من التفكير للحصول على دليل .
أ ما أن تم الذ ين رأي تم نورا في ذلك في حق ل كم المفاخرى بذكائ كم الحاد .وأ ما في ما يخ صني فعند ما أضاء النور
طريقي لم يسعني إل التلفظ بعبارة« :ياللبلهة» .وكنت قد قررت العودة إلى التمرين على عزف البوق والنضمام
إلى فرق مو سيقى الجاز .ول كن الفضول ،إضا فة إلى مقدار من الشعور ب حب المغامرة الذي صار هو سا ،جعل ني
الفصل التاسع
مجددا في واشنطن
عندما استعرض مجمل مرا حل حياتي يتبين لي انها بدأت تأخذ معناها الحقيقي في أيلول (سبتمبر) 1945يوم
التحقت بوحدة الخدمات الستراتيجية وهي من بقايا مكتب الخدمات الستراتيجية الذي أخذ آنذاك يتحول تدريجيا إلى
وكالة الستخبارات المركزية التي ذاع صيتها .وبعد قضاء شهر في حر ورطوبة جو ولية آل باما ،ونوم هادئ
وفطور د سم لذ يذ في القطار ال سريع الذي أقل ني إلى واشن طن ،بل غت مح طة يونيون ح يث ا ستقبلني ن سيم الخر يف
العليل وسواق ببدلة رسمية قال لي إن الجنرال والسيدة لوتن،استاذي في مدرسة المغاوير في اسكتلندا يرغبان بأن
أقيم معهما في مبنى واردمن بارك حتى عثوري على منزل أقيم فيه .فكانت رحلة بسيارة كاديلك حكومية أقلتني من
محطة يونيون عبر واشنطن عن طريق شارع كاي وعبر منتزه رول كريك حيث اوراق الشجر أخذت تتحول إلى
و صلنا مب نى وارد من بارك .إ نه أعلى نق طة في واشن طن«،يج عل المدي نة بأكمل ها ت حت يد يك» ح سب الت عبير
المح بب ع ند ال سيدة لو تن ،وف يه يقدم الشاي ب عد الظ هر ،ك ما في كونوت لندن ،في الب هو ال كبير على أنغام ربا عي
وتري يعزف مقتطفات خفيفسة مسن مختلف مقطوعات الوبرا .فسي ذلك المبنسى أقامست السسيدة ايزنهاور أثناء وجود
الجنرال في ساحات القتال .وأقام ف يه أيضا نائب الرئيس البن باركلي وكذلك رئيس المحكمة العليا إرل وارن (ول
تزال السسيدة وارن تقيسم فيسه حتسى اليوم) ثسم جاء جورج بوش وسسبيرواغنيو وبيرل ميسستا المضيفسة الممتازة التسي
(حسبما يقال) «تغري الضيوف بتعل يق قط عة لحم في الشباك» .أما جناح آل لوتن في الطا بق السا دس ف قد أقامت
63
ذلك ب سنوات عديدة حللت في ها لثما ني سنوات بهي جة .أ ما ال سيدة مي ستا فكا نت في جناح مزدوج فوق جنا حي تماما
حيث كانت تقيم حفلتها الشهيرة س إلى أن صرت أنا بعد سنوات عديدة أحيي أنا حفلتي الخاصة.
كان آل لوتن يعدون اليام التي تفصلهم عن العودة إلى ولية كارولينا الجنوبية و«إلى العقل السليم» حسب قول
ال سيد لو تن .و مع ذلك توا فر ل هم مت سع من الو قت للحياة الجتماع ية فكان عند هم ضيوف على العشاء ليليا ،طبعا
حين ما ل يكونون في ها مدعوي ين هم لتناول طعام العشاء ع ند ل صدقاء .ا ما ضيوف هم فكل هم من أ صحاب المرا كز
المرمو قة ينتمون إلى الظاهرة الحدي ثة الع هد في واشن طن ظاهرة «المؤ سسة» .والحفلت ال تي أقامو ها يعود جزء
منها إلى شعورهم بالرضى عن مساعدتهم لصديق شاب في وضع قدميه على السلم ،فدعوا إليها شخصيات عسكرية
ودبلوماسسية لهسا صسلة بالتخطيسط لوضسع أسسرة المخابرات على سسكة العمسل فسي أيام السسلم .شغسل الجنرال وظيفسة
مستشار لدى دائرة الملحقين العسكريين .ومع انه لم يحمل عمله هذا على محمل الجد الصارم (ذلك انها اقتصرت
على اجراء المقابلت للضباط المرشحيسن مسن رتبسة جنرال الذيسن «يعرفون أي شوكسة يسستعملون فسي الولئم
الدبلوماسية» ،حسب وصف السيدة لوتن فقد أتاحت له مجال التصال بأسرة المخابرات ومكنته بالتالي من معرفة
مضى على وجودي في ضيافة آل لوتن اسبوعان فقط أدركت خللهما أن عددا قليلً جدا من الشخاص العاملين
داخل أسرة المخابرات سيكون لهم أي تأثير يذكر في مستقبلها .وخطر لي انه إذا كان الضيوف مؤشرا عمن سيكون
له ذلك التأثير ف سأواجه صعوبات كثيرة في عملي أول عمل معهم .لم أكن في المناسبات الرسمية التي جرت في
واشنطن في تلك اليام أكثر من ذبابة على الجدار فل أفتح فمى إل لطرح سؤا خجول بين آن وآخر .ولكنني كنت
كلي آذا نا صاغية .و في الحفلت ال تي أقام ها آل لو تن وفي ما كان النقاش حادا حول توز يع الوظائف في مختلف
المنظمات الناشئة طرحت سؤالً .قلت« :لنفرض بأننا سنتخلى كليا عن دوائر الستخبارات وأننا لن نتصارع مع أي
منهسا مطلقا .فماذا تخسسر البلد؟» لم أكسن أنوي مسن وراء ذلك السسؤال إلقاء ظلل الشسك حول ضرورة وجود
الستخبارات بل قصدت فرض قيام تفكير جدي بأهداف المنظمة التي ستنظم دوائر الستخبارات .هل نحن بحاجة
إليها ،وإذا كنا نحتاجها فلماذا؟ وبمعرفة الجوبة الصحيحة فقط عن أسئلة كهذه يستطيع المنظمون التأكيد من أنهم
قوبل سؤالي هذا بأدب وتهذيب فقط من قبل معظم الضيوف ،إل أن واحدا منهم فقط هو الجنرال جون مغرودر
حمله على مح مل ال جد فح كى ق صة اجتماع عقده الرئ يس ترو من مع رئ يس ال ستخبارات الجديدة آنذاك الميرال
سيدني سويرز .فعندما قال سويزر بأن وحدة الستخبارات المركزية الجديدة التي كان ينشئها مهمتها الحيلولة دون
64
حصول «بيرل هاربر» جديدة اجابه ترومن« :لم تصلك بعد المعلومات السرية جدا ،وإل لكنت علمت أن فك رموز
الشيفرة قد أنبأنا مسبقا بكل تفاصيل الهجوم على بيرل هاربور .إن الستخبارات التي كان الرئيس روزفلت بحاجة
إلي ها هي تلك ال تي تنبئه ع ما ي جب ان يفعله بتلك المعلومات» .الوا قع ان الرئ يس روزفلت كان على علم بمعلومات
الستخبارات وقرر السماح بحصول لهجوم على بيرل هاربور ليكون احدى وسائل اثارة الرأي العام الميركي الذي
كان لوله غيسر مبال بالحرب.ومضسى الجنرال مغرودر قائلً :انسه أمضرى الشهسر السسابق بطوله يتحدث عسن
الستخبارات وتنظيمها في أعلى الدوائر وانه لم يسمع خلل محادثاته كل مة واحدة تشير إلى ان ما قاله ترومن قد
بلغ م سامع أي من المخطط ين .و من ناح ية أخرى كان كبار الم سؤولين في وزارات الخارج ية والج يش والبحر ية
والطيران ناشطين في اختراع أخطار افتراضية تسوع لكل منهم المطالبة بزيادة مخصصات وزارته من الميزانية
العا مة ،وانطوت اختراعات هم على مجمو عة كاملة من التعاب ير والكليشيهات يدعمون ب ها حجج هم .وا ستدار نحوي
مجيبا عن سؤالي فقال« :ل أحد مطلقا يتساءل ما الذي يجب أن نخشاه ،نحن الميركيين ،في عالم ما بعد الحرب».
العسكرية ومن أسرة قديمة محترمة من ولية فرجينيا كان نائب الجنرال دونوثان في مكتب الخدمات الستراتيجية
وانه على وشك الصيرورة رئيس الوحدة التي انضممت إليها حديثا .وقال إن ذلك كان سبب دعوتهم له إلى العشاء.
وتن بأ الجنرال وقرين ته بأن مغرودر لن يب قى طويلً في من صبه وبأ نه من الف ضل أن أشا هد خرو جه من من صبه
لنني سأتعلم منه شيئا ،وأضاف« :لن تتمكن من ادراك معنى الحداث في واشنطن من دون معرفة كيف ينظر إليها
أصحاب النفوذ من الرجال والنساء» .ففي العاب واشنطن تأتي النتائج من تفسير الحداث ،سواء كانت صحيحة أم
خاطئة ،أكثسر ممسا تأتسي مسن الحداث نفسسها .ومسا كان الذيسن يتخذون القرارات الكثسر تأثيرا فسي حياتنسا ليتبواوا
مراكز هم لو لم يتعودوا في مرا حل حيات هم الولى على رؤ ية الحداث إل من المنظار الك ثر ملء مة لم صالحهم.
وإ نه ل من المؤ سف جدا ان الجنرال جون مغرودر ر جل على م ستوى من الخلص لوط نه أر فع من أن ي سمح له
بممارسسة لعبسة واشنطسن .على كسل حال قررت تلبيسة طلبسة وزيارتسه فسي مكتبسه قريبا وهسي دعوة وجههسا لي عنسد
وفيما كنت أقضي المسيات اتثقف على أيدي صانعي القرار في واشنطن ويتركون في نفسي أعمق الثر ،جعلت
أقضى اليام في مختلف المباني المؤقته التي أقيمت بالقرب من نصب لينكولن التذكاري والبحرة المرآة أمامة أقدم
المتحانات النفسانية ألتي أشرت إليها سابقا وأخضع لفحوص طبية وأتلقى دروسا في أصول المن وأعالج قضايا
شخ صية م ثل العثور على ش قة وشراء سيارة وأ ستغل مهار تي على أن ني أح سن تدبيسر أموري وأعرف المدا خل
والمخارج لتفادي العراق يل ال تي يضع ها الج يش في طري قي ل ستعدم زوج تي لور ين واب ني مايلز الثالث وكان في
65
الشهر الثامن عشر من عمره ،من بريطانيا .وقد وصل في اليوم عينه الذي ودعت فيه آل لوتن وانتقلنا إلى شقة لها
تضمنت مهمتي الولى العمل مع سيدة لطيفة في الثلثينات من عمرها تتقن النكليزية واللمانية مسؤولة عن
القسم المختص بالشؤون اللمانية في وحدة الخدمات الستراتيجية المناط بها قضايا مكافحة الجاسوسية .سأوفر على
القراء تفاصسيل تلك الحقبسة القصسية واختصسر بالقول ان اختياري لتلك المهمسة يعود إلى أن احدا مسن ذوي المراكسز
العليا قد رأى وهو يقلب أوراق ملفي انني طاردت التقنيين اللمان بنا على أوامر الجنرال شين ،وأن القائمة بأسماء
النازي ين ال ستة والعشر ين ال تي ح صلت علي ها من فال تر غل يم قد سمرتني إلى الدائرة اللمان ية إلى حد كاد ي ستلزم
ا صدار قانون من ق بل الكونغرس لنتقالي من ها .و في الوا قع جاء ما يعادل القانون إذ نقلت من ع مل إلى آ خر في ما
كا نت وحدة الخدمات ال ستراتيجية وكالة ال ستخبارات المركز ية تحول اهتمام ها عن مطاردة النازي ين إلى مراق بة
الشيوعيين.
لم أتوقف طيلة تلك الفترة عن التفكير بان التعليمات الصاردة إلى الوحدات العاملة على الرض ل تحدد ما الذي
يجب فعله بالنازيين الفارين بعد إلقاء القبض عليهم .فالذين استطاعوا الفلت منا منهمكون ،ل ريب ،بنشاطات ذات
تأثير مشؤوم على السياسات المحلية ،وهذا بالطبع ما يفعله أيضا عملء الشيوعيين في الحزاب الشيوعية المحلية.
وعليه أل يجوز التفكير بان يكون اللمان مفيدين لنا؟ ل شك في ان الفكرة تبعث على الحيرة ،ولكن عندما طرحتها
على الخريسن فسي القسسم المختسص بالشؤون اللمانيسة دب الرعسب فسي نفوسسهم وأصسروا على أن مطاردة أعدائنسا
السابقين هي غاية بحد ذاتها وعلى أن السوفيات لم يتحولوا إلى «أعداء» حتى الن.
على كل حال ،ولسباب ل علقة لها باخلقية القضية قررت مبدئيا البتعاد عنها وطلبت نقلي من القسم اللماني
وفي السنة التي تلت ذلك تقلبت في عدة وظائف أولها العمل في مكتب اسمه «وحدة اعادة التأهيل والحالة» تديره
كا ثي ماركوفي تش و هي تشيك ية ح صلت على الجن سية الميرك ية «تع طف عطفا خا صا» .ح سب قول ها ،على اولئك
الذ ين اشتغلوا « في براري التج سس الدولي الوا سعة و هو أ سوأ المجالت» .تضم نت أعمال نا في المك تب المذكور
باسستقبال عملئنسا الذيسن بعسث بهسم الجنرال دونوفان إلى أقاصسي المعمورة والترحيسب بهسم وتكريمهسم .والواقسع ان
الب عض من هم ل فة الن سيان ولم نع ثر علي هم إل من مراج عة القيود وال سجلت وكانوا في اما كن نائ ية بعيدة عن كل
ضروب المدينة حتى أنهم لم يدروا بانتهاء الحرب إل بعد مرور عدة أشهر على استسلم المانيا ثم اليابان .لم يكن
عملنسا هذا مثيرا بحسد ذاتسه ولكنسه فسي الوقست نفسسه شكسل معينا مسن الحكايات التسي اسستعملتها أثناء ولئم العشاء
والحفلت الخرى.
66
انتقلت من مك تب كا ثي ماركوفي تش إلى دائرة تدر يب × 2ح يث أتي حت لي فر صة ممار سة المنهج ية بالمع نى
الحقيقي لتلك الكلمة ل البديل المتفلسف لكلمة «طري قة» .وتر تب علينا استنباط الوسائل ال صحيحة للقيام بأعمال لم
ي سبق أن قام ب ها أ حد في ال سابق س م ثل تطو يع عملء للتج سس على ال سوفيات على افتراض ان التج سس هو
الو سيلة الن سب للح صول على المعلومات ال تي نحتاج إلي ها .ا سترعى التقر ير الذي وضع ته بهذا الشان اهتمام جم
انغلتن الذي بات معروفا على انه أمهر الخبراء بالوسائل التي يتبعها السوفيات في التجسس علينا .بعد ذلك عينت
لم ساعدة أ حد أ هم ضباط المخابرات و من أف ضل الرجال هو بيردي سيلفا الذي ا سندت إل يه مه مة و ضع الر سوم
البيان ية لتنظ يم الق سم المخ تص بالمخابرات في × 2وكان آنذاك ق يد التأ سيس و سيصبح فيماب عد وكالة ال ستخبارات
المركز ية .لم ي كن عملي هذا بالغ الهم ية ولك نه د عم ادعائي بأن ني أ حد مؤ سسي وكالة ال ستخبارات المركز ية.
(صرت فيما بعد أحد المئتي موظف الذي أدرجت أسماؤهم على لئحة الموظفين المحترفين عندما تحولت الوكالة
قض يت الش هر التالي ب ين يدي هاري روزت سكي الذي الذي ن ما وترعرع في بروكل ين ونال من جام عة هارفرد
دكتوراه في علم أ صول الل غة اللمان ية .لم ي كن هاري محللً وكاتيا ممتازا ف قط بل وكذلك خطيبا ساحرا،جل بت له
موهبته هذه من السى بمقدار ما منحته من الشهرة .ففي احدى محاضراته في صف من الصفوف التي كنت فيها
وكان الموضوع «المشكلة ال سوفياتية» ،اد عى طيلة ساعتين مو قف المدا فع عن النظام ال سوفياتي مثيرا بذلك أ سئلة
متعددة وجهها إليه الحاضرون ومنها« :ما قولك بانعدام حرية الرأي والكلم في التحاد السوفياتي؟» ولكنه ببراعته
الفائقة بين لنا ان اسئلتنا لم تعد كونها كليشيهات حمقاء وان السوفيات أقل بلهة بكثيرمما نحسبهم .لقد تعمد في تلك
المحاضرة أن يوضح لنا ما كان علينا ادراكه وهو انه ليس من الجائز اطلقا لي انسان الستهتار بخصمه.غير ان
واحدا على ال قل من الحضور تو جه فورا إلى العق يد غالواي،الذ ين ع ين حديثا لرئا سة وحد تي × 2وال ستخبارات
ولكسن دي سسيلفا بعمله هذا أيقظنسا جميعا .فقبسل الخطاب الذي ألقاه الرئيسس ترومسن فسي 12آذار (مارس)
1947المعروف باسم «شرعة ترومن» واتخذ فيه علنا موقفا مناهضا للتوسع السوفياتي لم يرد في التعليمات ول في
الخطسط التسي ترشدنسا فسي مهماتنسا أي ذكسر للسسوفيات .وبعسد اسسبوع واحسد فقسط على الخطاب أخست تنهال علينسا
التوجيهات المختل فة بالح صول على معلومات عن نوايا ال سوفيات ليس لجهة ما إذا كانوا سيتحركون بل وبماذا قد
يتحركون .وفسي نيسسان (ابريسل) 1947قالت تقديرات البنتاغون ان باسستطاعة السسوفيات ،مسن الناحيسة العسسكرية
الصرف .بلوغ شواطئ بحر المانش (فرنسا) إذا أر ادوا ذلك .وقال الجنرال كلي ،كبير مندوبينا في برلين آنذاك،
67
بأن حدسه ينبئه بأنهم على وشك القيام بذلك .كانت ردة فعل البنتاغون التنبؤ بغزو سوفياتي لوروبا الغربية كما أن
رجال نا .ول كن تراءى ل نا ،ن حن رجال المخابرات الحدي ثي الع هد بمهنت نا ان مو قف ستالين دفا عي كليا .فالحتمال
المنطقي هو أن تهاجم الوليات المتحدة القوية التحاد السوفياتي المنهوك القوى .وعلى الفتراض بأن السوفيات قد
يعتبرون أن الهجوم القوي هو ألفضل سبل الدفاع رددنا بالقول إن قوتهم السعكرية ل تعني شيئا طالما شعروا بأنهم
قضموا قضمة أكبر مما يقدرون على هضمه .لم يكن بالنسبة إلينا سوى سيناريو مقبول واحد حتى لدى السوفيات
الذين يعتربهم مرض الخوف والتشكيك هو ان ستالين سيعزز قبضته عسكريا على الدول التي استولى عليها ويقف
على أه بة ال ستعداد .وعوضا من النشغال باحتمال وقوع هجوم ع سكري ،علي نا الهتمام بأن لدى القادة ال سوفيات
اقتناعا بقرب انهيار اقتصسادنا وبأن الشيوعيسة سستتمكن ،ببعسض المسساعدة السسرية مسن الداخسل ،مسن اجتياح الغرب
برمته.
سيناريو « :الذئب!الذئب!»
على كل الحالت ،ومهما كانت مسوغات التأييد أو المعارضة ،فإذا كان محللونا العسكريون يرغبون في تعداد
الفرق العسكرية وفي تعليق الدبابيس على الخرائط فليكن لهم ما يريدون ،لعل في ذلك ما يحول دون تسكعهم في
الطرقات .خلل تلك الفترة بالذات كان قد صدر قول عن كبير محللينا شيرمان كنت أنسخ نصه هنا من الملحظات
التي دونتها آنذاك بخطي السيىء .قال« :التحليل هو القدرة على استخلص الوقائع وما له صلة بالموضوع من كل
الفرضى والتشويش والكلم الرنان المثير للعواطف والباعث على التحيز» .بالفعل ذلك ما كنا نحاول فعله فيما الذين
من حول نا يتخلون عن عقلنيت هم ب من في هم ،ح سب رأي نا آنذاك ،جورج ك نن ،ال سكرتير الول في سفارتنا في
مو سكو ،الذي خلت برقي ته الشهيرة المؤل فة من 6000كل مة عن النوا يا ال سوفياتية (مقال «الم ستر ×» في مجلة
فورين افيرز) ،في ظاهرها من برودة التفكير التي حسبنا انفسنا نتمتع بها .فخرجنا بتقديرات موجزها.
أولً:ل مجال للتوف يق بين نا وب ين القادة ال سوفيات على الو سائل الكفيلة بضمان ال من القو مي ل كل من الفريق ين
حسب تفسير كل منهما لذلك التعبير .فعند نهاية الحرب كان الزعماء السوفيات قد التزموا إلى حد اللرجوع بسياسة
اعتمدت على تدمير تأثير الوليات المتحدة الرأسمالي في العالم اعتمادا لم يعد بمقدورهم التخلي معه عنها حتى ولو
رغبوا بذلك .ونظرا للمناخ ال سياسي الذي مكن هم من بلوغ مو قع ال سلطة ونظرا لقدرت هم على البقاء ف يه فإن تخلي هم
عن تلك ال سياسة يعادل النتحار الشخ صي الفوري .وبالتالي لم ت كن القض ية ان ال سوفيات هم الشرار وان نا ن حن
68
الخيار ،بل القض ية تك من في المن حى الذي اتخذه الخلف :التزامات ل رجوع عن ها لدى أ حد الفريق ين جعلت من
نفسها قوة ل تقاوم ،تقابلها لدى الفريق الخر التزامات ل رجوع عنها تجعله ل يتزحزح من مكانه.
ثانيا :لم يكن السوفيات يتخذون اجراءات جدية تمهيدا لشن حرب «ساخنة» علينا ،تقليدية كانت أم ذرية س حتى
ولو افترضنا انه إذا لم يكن لديهم قنبلة ذرية بعد ،فهم على وشك الحصول عليها وبما ان القادة السوفيات ليسوا فقط
واقعيين بل مصابون بداء التشكيك والرتياب ،فهم يدركون بأنهم ل يمتلكون من القوة إل ما يكاد يسمح لهم بالحفاظ
على الدول التسي ضموهسا إلى فلكهسم ،وكذلك بأنهسم ،حتسى ولو صسار لديهسم قنبلة ذريسة ،متخلفون عنسا جدا بمعرفسة
ثالثا :فسي جميسع الحالت كان محللو السستخبارات الذيسن يدرسسون الشؤون السسوفياتية بهدوء وتعمسق («أن تفهسم
أوضاع ال سوفيات أجدى ل نا من أن نكره هم» ح سب قول هاري روزت سكي» كانوا وحد هم مقتنع ين بأن ال سوفيات
يرون أن ل وسيلة لتفادي نوع من الصراع معنا حتى النهاية واننا وإياهم في صراع متصاعد سواء أردنا ذلك أم
ل .لقد أدرك الينين تماما وكذلك ستالين من بعده ومثلهما أي شخص سيحل محل ستالين ان ل النظام السوفياتي ول
التحاد السسوفياتي نفسسه ول الكتله الشيوعيسة برمتهسا قادرة على البقاء فسي العالم نفسسه الذي ينبسض فيسه النظام
الرأ سمالي .فإذا كان الغرب واقفا على شف ير النهيار ،ك ما ح سب ستالين و جب إذا الد فع به إلى الهاو ية ،و في كل
رابعا :إذكان ال سوفيات غ ير قادر ين على الفوز في حرب « ساخنة» فبأي و سيلة ي ستطيعون الحاق الهزي مة ب نا؟
بالطري قة الوحيدة ال تي درج الدعائيون ال سوفيات ب عد الحرب مباشرة على الترو يج ل ها وكا نت ما ا سموه «المناف سة
اللعدائية» (وهي ما صفق لها من جانبنا اولئك الذي قال فيهم لينين« :البلهاء المفيدون»") ..ولكن هنا تكمن النقطة
الهامة والخطر ،حسبما رأيناهما :ليس بمقدور النظام السوفياتي أن ينافس بنجاح نظامنا الرأسمالي ان هو لعب لعبة
المنافسة المنصفة حسب أصولهم كما نفهم تلك الصول .لقد أدرك القادة ذلك أدراكا تاما .ففي عهد لينين وكذلك في
عهد ستالين من بعده ورد العتراف ضمنا من خلل الفلسفات السوفياتية حول موضوع بقائهم في عالم«رأسمالي س
امبريالي».
خامسا :استنادا إلى ماسبق يجب أن تكون نظرة السوفيات إلى المنافسة مغايرة تماما لنظرتنا .فهي ل تعني انتاج
مصنوعات أفضل بأسعار أدنى في أسواق يسهل وصول المصنوعات إليها .إنها تعني الحيلولة دون قدرتنا على
ف عل ذلك .فالكتابات ال سوفياتية حول الخلف ب ين الشرق والغرب تن ضح كل ها بالفرض ية الضمن ية بأن ا ستراتيجيتهم
تقوم بكليتها تقريبا ليس على كسب الصدقاء أو الراضي أو المواد الولية لنفسهم بل على حرماننا منها.
69
سادسا :إضافة إلى كل ذلك ففي أي صراع قد يدخله السوفيات ضدنا ستقوم استراتيجيتهم على مواطن الضعف
الميركية ل على مواطن القوة السوفياتية ،وعلى وجه العموم استبعدت استراتيجيتهم عن رقعة اللعبة الدولية ،كما
نفهم اللعبة نحن ،النظر الجدي بحرب شاملة (علما بأنها اتكلت على التلويح بها تحقيقا لكسب نفساني) ثم تحولت إلى
التشد يد على إحا طة العالم بحزام مجنون من الحروب القليم ية مقرو نة بخلق مختلف انواع المشا كل في أي مكان
في العالم ،ليس ذلك بغرض تحسين قدرة السوفيات التنافسية بل من أجل تخفيض قدراتنا المختلفة .لقد كان الحرمان
بمثابسة قلب الجوهسر فسي أمميسة لينيسن :حرماننسا ،نحسن «الرأسسماليين السستغلليين» ،مسن المواد الوليسة وأسسواق
الت صريف وإبعاد نا من ناح ية ثان ية عن القوا عد الع سكرية ال تي سنحتاج إلي ها إذا ما اضطرر نا «للجوء إلى الخيار
العسكري».
سابعا :ل قد ظن ال سوفيات (وكانوا على حق في ظن هم) بأن انت صارنا أو هزيمت نا في الحروب تح صل دا خل
الوليات المتحدة نفسهاقبلها في ساحات القتال الفعلي .واستنادا إلى ذلك استشفينا ان استراتيجيتهم على رقعة اللعب
الدولية ستكون متصلة صلة وثيقة ببرانامج لبث المعلومات المختلفة غايته «تخديرنا حيال أي تشكيك بنوايا هم قد
يخامر أذهاننا من جهة وتشويه سمعة أي منا ويجرؤ على التحذير من تلك النوايا من جهة أخرى.
ثامنا :ل يسعني وأنا أدون هذه السطر إل استغلل ما في القاء نظرة على الماضي من أغراء بأن أعطي صفة
التحليل لما كان خلل فترة 1947س ،1950مجرد افتراض يفتقر إلى البرهان.من هنا اعتبرنا ان المهمة الرئيسية
لوكالة الستخبارات الجديدة ،ان لم تكن مهمتها الوحيدة ،هي اختبارها .فعليه ،وفيما كان رؤساؤنا والمدراء يعدون
الر سوم البيان ية ويحضرون النظ مة لمختلف مكونات الوكالة الجديدة اخذ نا ن حن ،على الم ستوى التنفيذي ن ستشرف
بوضوح المفهوم الذي سنعمل بوحي منه .ومن مراجعة الوثائق والتقارير التي أعدت في حينه يتبين ان العتراف
بأسف جديد ،لم تتمكن وكالة الستخبارات المركزية من الستمرار في النهج الذي بدأت به .وبنظرة أخرى على
أولً :إن أي وكالة حكومية ،كما سبق وقلت ،تنظر دائما دون استثناء إلى أي مشكلة من خلل الوسائل المتوافرة
لها لحل تلك المشكلة .من هنا رأت الدوائر العسكرية في السوفيات مشكلة عسكرية .ولما كانت الوزارات والدوائر
الحكوم ية ذات الموازنات الض خم هي ال تي تتم تع بالق سط ال كبر من النفوذ ،ف ما كادت آلت نا المخابرات ية الشاملة
تنطلق ح تى تحول كل اهتمام الجهزة ،ومن ها وكالة ال ستخبارات المركز ية ،إلى اح صاء الفرق الع سكرية وتعداد
70
ثان يا :لم ت كن وكالت نا أقوى ح صانة من أي دائرة حكوم ية أخرى في موج هة تلك النز عة ،علما بأن العدة ال تي
تعتمد ها للقيام بعمل ها هي عدة وكالة لل ستخبارات ال سرية .وعلى الر غم من ان للبنتاغون ميزان ية أض خم ونفوذا
أوسع مما لدى وكالة الستخبارات المركزية الحديثة العهد ،فقد كان لمكتبنا الصغير نسبيا ،مكتب العمليات الخاصة
(أي ×2والستخبارات السرية معا) ميزانية أكبر وتأثير اوسع داخل وكالة الستخبارات المركزية من كل فروعها
الخرى مجتمعة .وانطلقا من ذلك الواقع أولينا اهتماما أكبر لستعمال الطرق السرية في الحصول على المعلومات
مما سوغته النتائج .وخلل سنوات قليلة تعلمنا ان الزبائن المهتمين بالحصول على المعلومات لم يتمكنوا من التحقق
إل من صحة جزء ي سير من المعلومات ال تي وفرنا ها ل هم ،وبلغ نا أيضا أن خم سة بالمئة او أ قل من ذلك الجزء
وثالثا وال هم أدرك نا سريعا بان أف ضل معلومات نا س بل أن ها الف ضل من كل المعلومات ال تي تجمع ها ال سرة
المخابراتية بمجملها س لم تكن تحمل على محمل الجدية إل إذا كانت ،حسب وصف شرين كنت« :من النوع المثير
للخوف والذعر» ،وهذ يعني التقارير المنطوية على تحذيرات من اخطار صيغت صياغة مرعبة إلى درجة ل يجرؤ
الب يت الب يض على تجاهل ها .فإذا كان لزبائن يريدون مرعبات فعلي ها سيحصلون .غ ير أن نا سرعان ما أكثر نا من
اطلق صرخات «الذئب ،الذئب» فتوقف البيت البيض عن الهتمام بأي معلومات نرفعها إليه س إل بالطبع إذا كان
هو أول منن دب فيه الرعب منها وفي تلك الحال يطلب إلينا تقديم كل ما يمكننا تقديمه تسويغا لذلك الرعب.
الفصل العاشر
لم ت كن خط بة «شر عة ترو من» ال تي ألقا ها الرئ يس ترو من في 12آذار (مارس) ،1947قط عة أدب ية بالمع نى
ال صحيح بل عبارة عن مقتطفات من آراء أعضاء احدى اللجان .غ ير ان ها تضم نت جملة واحدة دلت على ان في
البيت البيض شخصا ما،ربما كان ترومن بنفسه ،ادرك وجهة نظرنا .جاء في تلك الجملة قوله« :أعتقد بأن سياسة
الوليات المتحدة يجسب أن تكون تأييسد الشعوب الحرة التسي تقاوم محاولت اخضاعهسا مسن قيسل أقليات مسسلحة أو
صسغوط خارجيسة« .إذا ،أقليات مسسلحة وضغوط خارجيسة عوضا عسن تدخسل علنسي مسن قبسل القوات العسسكرية
ال سوفياتية؟ ذلك هو الض بط ما ك نا نخشاه إلى در جة ظن نا مع ها بأن رئي سنا آنذاك الجنرال فند نبرغ ،ل بد قد دس
كل مة أو أثنت ين في تلك الخط بة .من الثا بت إذا أن الجنرال فند نبرغ قد قرأ فعلً ما حرزناه من آراء سديدة وح كم
بليغسة ليسس فقسط تلك الواردة فسي مذكرات هاري روزتسسكي بسل وكذلك فسي مواد تدريبنسا وكراريسس التعليمات
71
والرشادات .مر بذهننا خاطر مفرح :لعل الشهر العديدة التي قضيناها في إعادة توجيه منظمتنا من العمليات ضد
الحركة النازية المتلشية إلى التركيز على الخطر السوفياتي ،لم تذهب سدى .
لم ينقض ذلك التحول دون معاناة وعلى الخص في قسم شؤون أوروبا الغربية حيث معظم أعضاء منظمتنا هم
من المهجرين اليهود اللمان أمثال هنري كيسنجر .ففي واشنطن وعبر البحار كان هؤلء مدركين تماما معنى قسم
التجنس الذي أدوه (بالتخلي مطلقا وكليا عن أي ولء واخلص لي أمير أو متنفذ أو دولة أو سيادة غريبة »...كما
كانوا أيضا يستنكرون أي ايماء بأنهم «بصفتهم يهود» يحق لهم «بوطن قومي خاص بهم » .فبالنسبة إليهم يعني هذا
الكلم ان كونهم يهودا اميركيين مرادف لعتبارهم ليسوا أميركيين حقيقيين ،وأن اميركا ليست بلدهم الوحد مثلما
هي البلد الوحد للميركيين غير اليهود .لذلك الكلم رنة تشبه كثيرا تلك الرنة التي هربوا من سماعها قبل سنوات
قليلة ،اي ان اليهود اللمان ليسوا المانا حقيقيين وانهم بالتالي محللين لوباش النازيين.
إن تقيدهم بذلك القسم لم يخفف من حساسيتهم حيال قضية إقامة دولة عبرية في فلسطين خصوصا كلما سمعوا
مناهضي السامية من الميركيين يؤيدون الصهيونيين بالمطالبة بإقامتها علها تحول اللجئين اليهود من أوروبا عن
الهجرة إلى الوليات المتحدة .وكانوا أي ضا على إدراك حاد من النقاش حول الموضوع ،خارج ال سرة المخابرات ية،
قد انحدر إلى أدنى المستويات ذلك ان السياسيين المناهضين للسامية في سرهم يتفوهون بما يظنونه يرضي الناخيين
اليهود ويتهمون الدبلوماسيين المحترفين في وزارة الخارجية بانهم مناهضون للسامية ومؤيدون للعرب .
سسمعت هذه المناقشات طيلة السسنوات الربعيسن الماضيسة .لم ترق لي فسي بدايتهسا ول تروق لي الن .غيسر أن
باستطاعتي قول ما يلي :خلل الربعين سنة هذه قابلت العديد من رجال الكونغرس المناهضين للسامية في سرهم
والمدعين بتأييدهم لسرائيل في العلن ،غير اني ما زلت بانتظار ان أقابل دبلوماسيا أميركيا محترفا واحدا مناهضا
للسسامية مناهضسة مهمسا كانست طفيفسة أو مؤيدا للعرب ،حتسى مسن بيسن اولئك الذيسن يسسمون «عروبيون»( ،خسبراء
بالشؤون العرب ية) من الذ ين قضوا في الشرق الو سط مع ظم سني حيات هم المهن ية .في العام 1947كان المو قف
السائد بين الدبلوماسيين المحترفين الموجودين في مناصبهم لدراكهم المهني بالتزامات الوليات المتحدة الخلقية
وبحاجاتها النية ،بأن علينا دعم قيام اسرائيل دون ان نخدع أنفسنا بالتفكير بأن في ذلك منافع لنا .
أ ما فسي البنتاغون فالحكايسة تختلف ،ذلك ا نه ل ما كان المخططون العسسكريون والمحلّلون المخابراتيون يرون أن
الخ طر ال سوفياتي ان ما هو في جوهره خ طر ع سكري ،ول ما كانوا يتوقعون نشوب حرب عالم ية ثال ثة تتقا تل في ها
الجيوش والساطيل البحرية وأسلحة الطيران رأوا في قيام دولة عبرية انها قد تصبح «أعظم حليف متوقّع لنا في
72
الشرق الوسط » متنبئين س نبوءة جاءت صحيحة س بأن جيشها سيكون أفضل جيوش العالم ،بل ربما أفضل من
جيشنا.
أ ما الدبلوما سيون والمحللون المخابراتيون الذ ين رأوا ان حرب الم ستقبل ستكون حربا غ ير مُعل نة ومزيجا غ ير
تقليدي من الحروب القليمية كحرب العصابات وغارات «المقاتلين من أجل الحرية» وألعمال الرهابية وما شابه
ذلك فرأوا أي ضا ان الدولة العبر ية ستشكل عبئا ثقيلً حمله ،ول كن ذلك لم ي عن ان هم عارضوا قيام ها أو دعم نا ل ها.
وقد انصب اهتمامهم الوحد على اصرار ادارة ترومن على جهلها المستعصي للمشاكل وعلى نظرتها السطحية إلى
الفكرة وأسسفوا لرؤيسة مسسؤولينا المنتخسبين يصسوتون إلى جانسب سسياسات يعرفون تماما بأنهسا مضرة بالمصسالح
وأما رأيي الشخصي ؟ أقول بكل صراحة انه لم يكن لي في الحقيقة أي رأي في الموضوع .ولكني في السنوات
الخيرة حبذت قيام تعاون وثيق ومفيد للطرفين مع الموساد وهو ثاني أفضل جهاز للمخابرات في العالم بعد الجهاز
ال سوفياتي ك ج ب ،ومتفوق جدا على ق سم العمليات الخا صة في وكالة ال ستخبارات المركز ية .ولك ني تحاش يت
النخراط في تلك الورطة في العام 1947وكانت وكالة الستخبارات المركزية المريكية ضالعة فيها .لقد تعاطفت
مع الفريقين طالما شعرت بأن حججهما أصيلة ومخلصة .ولكنني كمعظم زملئي المحترفين رأيت ان واقع الخلف
كناية عن تسلية خطرة على رقعة اللعبة العالمية واستهجنت دخول السياسيين فيها منجذبين بالسوانح التي توفرها
بكلم آ خر ،لم أوا فق ولم أعارض موا قف أي من الجا نبين لن ها لم ترق لي .برأ يي،ث مة مجال للكذب ولل سرقة
وللغتيالت ولكل أصناف المكر في الحروب غير المعلنة على رقعة اللعبة الدولية ،تماما كما للقتل والتدمير مكان
فسي الحروب المعلنسة كتلك التسي مررنسا بهسا أخيرا (الحرب العالميسة الثانيسة) ولكسن عندمسا يتعلق المسر بالسسياسات
أقول كل ذلك توضيحا للسعي الحثيث المفاجئ الذي شرعت به في العام 1947في محاولة لنقلي إلى الخارج .
ففسي الدرجسة الولى أردت البتعاد عسن سسوء التفاهسم والخلفات التسي أخذت تطفسو على وجسه الماء بيسن أصسدقائي
المقربين .ولكن وعلى الصعيد الستغللي الشخصي قصدت بأي ثمن الخروج من واشنطن حيث أخذت «السياسة
الخارجية في الداخل» تطغى فجأة على الدوائر الحكومية المعنية «بسياستنا الخارجية في الخارج» .فلم يقم جدل حاد
وبعيد عن العقلنية حول موضوع فلسطين فقط ،بل قام أيضا جدل مماثل ولو أقل علنية منه ،بشأن العلماء ورجال
المخابرات اللمان ،ومنهم نازيون كثر ،الذين درجنا على تهريبهم إلى الوليات المتحدة وإنقاذهم من قضاة التحقيق
73
في محكمة نورنبرغ .لقد كنت ،كما أوضحت سابقا ،مع تلك النشاطات قلبا وقالبا ،ولكنني سئمت فيما بعد من سماع
وث مة ش يء أ خر :لم أحاول الهرب من الخلف العر بي اليهودي ك ما ت صور وقال ب عض زملئي من اليهود .
فب صرف الن ظر عن الح ساسية ال تي يثير ها هذا الموضوع في نف سي ،لم أع تبره اقرب نقاط اللتهاب لشعال نار
الحرب العالمية الثالثة .لقد تبنى محللو المخابرات في البنتاغون نظرية مفادها انه عندما يبدأ العرب والدولة العبرية
الجديدة بالتقاتل سيهرع السوفيات لمساندة العرب ،وستنبري الوليات المتحدة لمساعدة اليهود ول يلبث الخلف في
تصاعد حتى تشتعل نار حرب عالمية .أما أنا فلم أنظر إلى القضية من تلك الزاوية ذلك ان تقديري لسياسة التحاد
السوفياتي الناتج عن قراءتي للمقاطع المترجمة إلى النكليزية أو الفرنسية من «مجموعة أعمال الينين» المؤلفة من
عشر ين مجلدا ،دل ني على ان ستالين لن يحاول ال ستيلء على ماتب قى من أورو با الحرة بالو سائل الع سكرية بل
سسيسعى بمختلف الطرق لحرمانهسا مسن بلوغ المواد الوليسة الفريقيسة فتتحول بالتالي إلى العتماد على البدائل مسن
أمسا مسساندة العرب إلى الحسد الذي يجعلهسم يخوضون حربا عالميسة ثالثسة فأمسر رأيتسه مسستبعدا كليا عسن نهسج
ال ستراتيجية ال سوفياتية الناشئة حديثا .واع تبرت بأن ال سوفيات سيقدمون لب عض الدول العرب ية الم ساعدات اللز مة
ل كي يخوضوا حرب هم بأنف سهم س أو بالحرى ما يك في لخلق أق صى ما يم كن خل قه من المشا كل ل كل ذوي العل قة
بالموضوع بما فيهم العرب أنفسهم س ولكنهم لم ولن يذهبوا إلى أبعد من ذلك في خدمة أي مصلحة عربية .والنهج
عينه ينطبق على أي مساعدة،مهما كان نوعها ،يقدمونها إلى مختلف المجموعات الثورية في افريقيا التي يهتم بها
السوفيات أكثر بكثير من اهتمامهم بالعرب لن أنظارهم موجهة إلى دول أوروبا الغربية .
لم يكن كل ذلك في حينه سوى مجرد نظريات هشة لم تجد من يعتمدها في مكتب العمليات الخاصة فاستحوذت
على حاسة لعب البوكر من تفكيري بحيث راهنت بمستقبلي المهني عليها.
وعليه شرعت أبحث عن منصب في الخارج بدءا من افريقيا .ولما كنت أتكلم الفرنسية عرض علي الخيار بين
ليوبوالدفيل وكوناكري وأبيدجان وكلها «مراكز مشقة » لم يتقدم لها احد فرفضتها بسبب تفكيري بعائلتي .ثم جاءني
عرضان استهوياتي :ريو دي جنايرو وستوكهولم ،ولكن زوجتي لورين رفضتها بسبب اهتمامها بي ،واعتبرت أن
ثم جاء الفرج :دع يت إلى مك تب ستيفن بنروز ( ستيف) ال خبير العت يق بشؤون الشرق الو سط الذي حل م حل
جي مي مور في في رئا سة مك تب الخدمات الخا صة قال ستيف ان خدما تي «الجليلة في معال جة موضوع النازي ين
74
الهاربين قد لقيت التقدير » (بعد طول انتظار) .ولما كنت ضعيف الشخصية ويستهويني التقدير على أعمال لم أقم
بها احمر وجهي تواضعا س بدلً من الجابة بصدق س وقلت له«:طيب يا ريس» ووافقت على انني أتمتع بما يحتاج
إليه العمل المخابراتي الذي يخولني العمل في أوروبا وأضفت بأنني أشعر أن واجبي الوطني يدعوني إلى القبول
لم تكن أوروبا واردة .وفيما كان دمي يتجمد في عروقي أخبرني ستيف بأن التقارير الواردة حديثا من صديقي
القد يم فال تر غل يم بي نت ان بقا يا «الحر كة الناز ية» يتجمعون في أمير كا الجنوب ية و في الشرق الو سط وان التحرك
النازي باتجاه الشرق الوسسط يثيسر جملة مشاكسل معقدة تسستلزم اهتمام ضابسط اسستخبارات قادر على العمسل بتجرد
كلي.
ك نت ح تى تلك الجل سة م صمما على أن الشرق الو سط هو آ خر مكان أ سعى للح صول على ع مل ف يه .ول كن
ستيف أراني تقريرا أثار اهتمامي جدا .أعد التقرير الرائد نيكولس اندونوفيتش مساعد الملحق العسكري المعين في
القدس وقوامه مقابلة مع ناصر الدين النشاشيبي وهو فلسطيني صار أحد أقرب أصدقائي .وردت في التقرير النقطة
التال ية :توا جه الحكومات من و قت إلى آ خر معضلت ل حلول ل ها تماما م ثل محاولة العثور على الجذر التربي عي
لنا قص وا حد ( .( v-1وعند ما تبين ان المعضلة هي من هذا النوع ي جب أن ي تبين كذلك بأن ها ت ستعصي على كل
الحلول وعلى المخططين عندئذٍ التخلي عن أي محاولة للعثور على حد لها وتحويل اهتمامهم إلى كيفية تقليل النتائج
()1س الدولة العبرية ستقوم سواء قبل بذلك العرب أو البريطانيون أو أي كان ام لم يقبلوا به.
( )2س الحكومة الميركية ستقدم لتلك الدولة أي مساعدة تحتاج إليها لجعلها قابلة للحياة اقتصاديا وقادرة
) س ل سبيل إلى و قف ت صعيد المعار ضة العرب ية لقيام الدولة العبر ية ولد عم الميركي ين ل ها .لذلك (3
ينبغي على الدوائر الحكومية الميركية تأجيل أي محاولة لحلل السلم بين الفريقين والتركيز على
تطوير الحتياطات لمواجهة الخطار التي ستتعرض لها المصالح الميركية بكل تأكيد.
أ ما (ن صري) النشاش يبي فله رأي خاص و هو أن العرب الذ ين سيقاتلوننا ،وعلى ال خص الفل سطينيون من هم،لن
يكونوا قوما أشرارا ل بمقاييسسهم الخلقيسة ول بمقاييسسنا نحسن .وعليسه ل حسق لنسا نحسن الميركييسن بلومهسم على
مقاومتهم لنا بأكثر مما نلم نحن على مقاتلتنا أي فريق يسعى لطردنا من ديارنا .وهكذا فإن مقاتلتنا لهم لن يكون
75
لها أرضية أخلقية تقف عليها .وعلينا مواجهة الواقع بأن أكثر ما سنفعله للتعايش سيكون حكما «ل أخلقيا إن من
وأما ستيف بنروز وهو سليل أسرة تبشيرية تنتمي إلى الكنيسة المشيخية ،فقد ترعرع في لبنان ،فلم يفرح لهذه
النقطسة الخيرة .وكسم كان بودي لو أسستطيع اتخاذ الموقسف عينسه .ولكننسي اعتسبرت الموضوع تحديا خاصسا جدا
للمنظ مة ال تي انتم يت إلي ها حديثا .ول ما ك نت من مؤيدي القول بأن «بلدي يأ تي أولً ،سواء كان على حق أم على
ضلل» ،لمعست فسي ذهنسي فكرة الشتراك فسي بعسض العمسل المسستتر الذي سسوغته لي خدمسة المصسلحة الوطنيسة
(الميركية) .أما كون العمل سيجري في الخفاء فبدا لي واضحا تماما عندما رأيت البيت البيض ونظارة الخارجية
قسد باشرا بوضسع مختلف أنواع المخططات للسسلم التسي لم ي َر فيهسا الدبلوماسسيون المحترفون المعايشون للشكسل أي
منطق .ولكن المحاولت الساذجة لحمل العرب على التوقف عن مقاومة انشاء دولة عبرية تشكل الغطاء المثل لي
من الو سائل الخف ية ال تي لم عت في مخيل تي .وكا نت ح جج ستيف مقن عة فبدأت أقت نع .و في تلك الثناء جاء حدثان
الحدث الول :إن الضابط الذي عين للعمل في دمشق وهو نقيب في المارينز عرف بشدة بأسه ونال الوسام تلو
الو سام لشجاع ته ،قد سقط في امتحان (جهاز) ك شف الكذب لج هة اللواط .وأ صر النق يب على ا نه جرب اللواط مرة
واحدة بالفتعال بطيار بريطانسي ولم تعجبسه التجربسة فكانست مرة وحيدة لم تتكرر ومسع ذلك حرم مسن العمسل فشغسر
أما الحدث الثاني :فكان مقتل دان دنت رئيس مركز الخدمات الستراتيجية _ وحدة الخدمات الخاصة في بيروت
في حادث سقوط طائرة في جبال اثيوبيا .ولما كانت الطائرة تحمل معدات اتصالت عسكرية حساسة تحتم إرسال
فريق من ضباط أقوياء البنية ويتمتعون بروح المغامرة لمواجهة أخطار القيام بحملة في أكثر مناطق العالم وعورة
وتعرضا لغارات العصابات ،أو انهم أغبياء إلى حد ل يقدرون معه خطورة المهمة .ولما كنت أتمتع بالصفتين معا
تشوقت إلى المشاركة في الحملة وتقدمت بطلب إلى نك مايكلسون ،وهو أميركي من أصل لبناني في قسم الشرق
الد نى وافريق يا .تأخرت يوما واحدا عن الو صول إل يه من أ جل الب حث في الطلب ،فاغت نم منا سبة زيار تي ليقترح
وهنسا دخسل المسسرح ارشيبالد روزفلت ،حفيسد الرئيسس السسبق ثيودور روزفلت ،احدى أكسبر الشخصسيات فسي
نظري .كان آرتشي على وشك الدخول لجراء مقابلة لوظيفة في بيروت يكون فيها فعلً منسق كل أعمال وأنشطة
السستخبارات فسي البلدان العربيسة مسن المغرب إلى العراق .وكان آرتشسي قسد خرج لتوه مسن امتحان فسي وزارة
76
الخارجيسة حيسث سسئل« :هسل تتكلم لغات أجنبيسة؟» فأجاب فورا العربيسة والفارسسية والكرديسة والروسسية والرمنيسة
والردويسة والتركيسة وبصسفة لهجات تركمانيسة .وعندمسا سسأل أحسد أفراد اللجنسة الفاحصسة« :أل تتكلم الفرنسسية أو
السبانية أو اللمانية ؟» أجاب بجزع« :يا إلهي ،هل تحسبون لها حسابا ؟»
إن السلك الخارجي الذي ل تعتبر فيه تلك اللغات أمرا مفروغا منه لم يكن خليقا بآرتشي ،لذلك خرج من وزارة
الخارجية وتوجه فورا إلى مبنى مكتب الخدمات الستراتيجية حيث طلب عملً قائلً لهم :إن أهم مؤهلته كونه عاد
لتوه من من صب م ساعد المل حق العسكري في العراق ثم في ايران حيث قضى قرا به الش هر في آذربيجان يرا قب
ال سوفيات في محاولت هم الرام ية لخضاع تلك المنط قة الم ستعصية ،دون أن يذ كر ان من مؤهل ته معرف ته لغات
الشرق الوسط.
عينه نك على الفور ثم دعاني وجدد عرضه السابق .لم أقبل به على الفور بل وافقت على دعوة آرتشي للعشاء
عندنا للبحث في الحتمالت .كان العشاء ناجحا كليا وشعرنا خلله وأثناء السهرة وكأننا أنا وآرتشي نعرف بعضنا
م نذ سنوات عديدة ك ما أذ هل آرت شي لور ين بمعرف ته للغات وحضارات الشرق الو سط وأدهش ته لور ين بدور ها
بمعرفت ها بآثاره ومعال مه .وال هم من ذلك ان آرت شي وا فق على آرائي بشأن ال ستراتيجية ال سوفياتية وذ هب إلى
القول بأ نه في ما يعت قد ال سوفيات بأن ساحة القتال الخ في الفضلي لخد مة أغراض هم ستكون افريق يا ،ي جب أن ندرك
صباح اليوم التالي تكلمت مع نك مايكلسون هاتفيا وقبلت عرضه .وانتحيت زاوية هادئة في غرفة المطالعة في
القسسم أقضسي فيهسا نهاري فسي قراءة كسل المواد ذات الصسلة بمهمتسي المقبلة ،فاكتشفست ان ثمسة مفاجآت مذهلة
بانتظاري .ها أنا في غرفة المطالعة في قسم الشرق الدنى وافريقيا أجمع المعلومات اللزمة لمهمة سأقوم بها في
المنطقة التي قضيت سنوات عديدة أحاول تجنبها ،وأعد نفسي للقيام بالعمل الذي كان آخر ما يساور رغباتي ،وإذ
بي خلل الساعة الولى من القراءة اكتشف بأن دمشق مدينة جميلة مناخها معتدل وساحرة بكل معنى الكلمة .إنها
وا حة كبيرة ت قع ب ين جبال لبنان وب ين حا فة ال صحراء ال سورية« .طق سها شبيه جدا بط قس مدي نة فين كس بول ية
أريزو نا» ومنط قة المجاري في ها مبن ية على مقر بة من مجرى ن هر بردي م ما يج عل النظا فة في ها «قري بة من ها في
مدي نة متو سطة من مدن كم بول ية كولورادو» .و من خلل ال صور المقتط عة من مجلة «ناشنال جيوغرا فك» تظ هر
على انها شبيهة جدا بمدينة متوسطة في ولية كولورادو .أما صور المنازل التي يقيم فيها الدبلوماسيون فتظهرها
77
وهكذا و في صبيحة يوم بد يع طق سه من أيام أيلوم ( سبتمبر) أخذت لور ين إلى آلبا ما ح يث يق يم قاض اتحادي
عتيق صديق أسرتنا منذ سنوات عديدة ليساعدها في الحصول على الجنسية الميركية في غضون أسابيع قليلة بدلً
من النتظار سنتين وركبت الطائرة برفقة أرتشي إلى بيروت مرورا بنيو فاوند لند وبريطانية ومالطا .قضينا كل
وقت نا في الطائرة بالكلم وتجاذب الحاد يث وشعرت بأن ني بدأت أغوص في ك نه شخ صية آرت شي الذي بدا وكأ نه
سر غامض لدى اصدقائنا المشتركين في قسم الشرق الدنى وافريقيا .انه مزيج عجيب من التناقضات :ارستقراطي
خال من كل تكلف ،ومثقف لمع ل يطيق المفكرين ،وعملني بارع رأسه بين الغيوم وستاذ شارد الذهن ل يفوته
أي حيلة وطفل بريء يصفح عن كل الثمين ،وشخص أحب جميع الناس وأحبه الجميع دون استثناء س وهذه صفة
لزالت ترافقه حتى اليوم ،بعد أربعين عاما على تعارفنا .وبدا لي انه قدر مواهبي إلى حد جعله يؤكد بأنني سأتعلم
العربيسة خلل بضعسة أشهسر فيمسا يقضسي الدبلوماسسيون العاديون سسنوات يتعلمونهسا فسي مدرسسة تشارلي فرغسسون
ال صغيرة في بيروت ،هذا إن اتقنو ها .تبين ا نه كان على حق في ظ نه ذلك أن ني ب عد قضاء سنة واحدة في دم شق
استطعت بمساعدة الرجل الثاني في وكالة الستخبارات المركزية هناك تأليف أول معجم بالعربية الدارجة .
قضيت ليلة واحدة برفقة آرتشي في بيروت مع بعض موظفي المفوضية الميركية فيها (قبل رفع مستوى التمثيل
الدبلوماسي إلى مستوى سفارة ) ثم توجهت إلى دمشق في سيارة المفوضية .استقبلني مسؤولو المفوضية الميركية
في دم شق ا ستقبالً حارا سبق ان ق يل لي بأل أتوق عه ،وبمثله قابل ني طا قم المفوض ية البريطان ية .وخلل أيام قليلة
تعل مت در سين عن ال سلكين الدبلوما سيين المير كي والبريطا ني ،وه ما در سان أقدمه ما لم صلحة الشباب والشابات
الدرس الول :إن حياة الدبلوما سيين وعيال هم والموظف ين أك ثر هناء بكث ير في المنا طق الم سماة «مرا كز الخد مة
الصعبة» منها في مراكز مثل لندن أو واشنطن أو باريس حيث العمل الشاق ل ينقطع .
ففي دمشق أقامت أسرتي المؤلفة من أربعة أشخاص في منزل فخم _ لول التمديدات المائية _ مؤلف من سبع
غرف يضاهي منازل الحياء الراقية في لندن أو في واشنطن .وكان عندنا أربعة خدام _ الطاهي والسائق وخادمة
ومربية ترعى الطفال _ وخلل صبحيات تناول القهوة تتجاذب زوجتي أطراف الحديث مع الكثيرات من زوجات
الدبلوماسيين اللواتي لم يسبق لهن ان شاهدن في حياتهن خداما في البيوت واللواتي عندما يكن داخل بلدهن يقضين
وقتهن بغسل الطباق وتنظيف ارض المنزل وغسل حفاظات الطفال وغير ذلك .فالخدمة في «المراكز الصعبة»
تسكر وتدير الرأس .ينزع الدبلوماسي الشاب إلى نسيان ان المتيازات والحترام التي يتمتع بها تعود في معظمها
إلى كونه موظفا في السلك الدبلوماسي الميركي أو البريطاني أكثر مما تنبع من جاذبية شخصيتة .وإن الكثيرين من
78
الثرياء والوجهاء المحليين وكذلك المراسلين والزوار القادمين من بلدة قد ل يمنحونه دقيقة واحدة من وقتهم لو انه
أما الدرس الثاني :فهو أن نسبة عالية جدا من الذين ينضمون إلى السلك الدبلوماسي آملين بالحصول على وظيفة
فسي لندن أو باريسس أو رومسا أو اسستوكهولم أو ريودي جنايروهسم فسي غالب الحيان مسن الشخاص المتعجرفيسن
تنقصهم الثقة بالنفس يتمكسون بالشكليات البروتوكولية ،قلما تراهم في خط المجابهة .إن أكثر الدبلوماسيين الذ ين
يعملون في كوناكري أو عدن أو دبي أو دمشق مثلً هم غالبا من الشباب الذين يبشرون بالنجاح اختيارهم لمناصبهم
مخط طو التوظ يف اختيارا دقيقا أو أن هم هم الذ ين طلبوا تعيين هم في مرا كز كهذه لهتمام هم الشخ صي في قضا يا
وتحديات رقعة اللعبة الدولية .على كل حال كان جميع زملئي في المفوضية ممتازين إن على الصيعد المهني أو
على الصعيد النساني ،وعليه فقولي بأنني أحببتهم جميعا ل يفي حقهم .لم أتمالك التخلي عما تدربت عليه في وكالة
الستخبارات المركزية فجعلت لكل منهم ملفا ولكن لست أخشى مغالطة أحد من رؤسائي في واشنطن إن قلت أنه لم
يكن في أي من الملفات ما يعرض أيا منهم للرباك إذا ما دعت الحاجة «لتأمين التعاون» حسب قول نك .وهناك
أيضا قض ية ثانو ية كدت أن ساها .ف قد ا ستطاع م خبر تعاملت م عه و هو مع الشع بة الثان ية في دم شق التقاط صورة
للمسؤول عن الشيفرة في مفوضيتنا يرقص والخد على الخد مع مسؤول الشيفرة في المفوضية البريطانية في أحد
مرابع الليل .ولسباب تتجاوز مجال هذا الكتاب لم أجعل منها قضية .
ينبغي ان أخبركم عن صديق خاص من بين موظ في المفوض ية المحلي ين .إ نه يوسف دبوس أو «القذر الدوار»
ح سب ت سمية القائم بأعمال المفوض ية .إ نه قذر كيف ما ن ظر المرء إل يه .ول كن على الر غم من ادرا كه لنقائ صه ،كان
ينهش صدره الطموح لتحصيل المال .فأخذ يخطط لمستقبله مقارنا بين حسناته وسيئاته.
قامته اشبه بثمرة الجاص ووجهه يتلءم معها .وسنه المامي الملبس ذهبا يطل عليك من ابتسامة فيقلب القصد
منها رأسا على عقب .مكره شبيه بمكر البهائم الغريزي ل يقاس بالفطنة اللزمة للتعامل التجاري في سوريا .انتهى
يو سف إلى ال ستنتاج بأ نه ل يتم تع ب ما في طو قة تقدي مه للمت ين .ول ما أعياه الح ساب قرر اللجوء إلى الشرف!لم
يسبقه أحد إلى في مجال العمال حيث الغش والتلعب معيار النجاح .وعليه اقترض مئة دولر من أحد المصارف
وسددها في الوقت المحدد ثم اقترض 500دولر وبعدها 1000دولر وسددها أيضا في موعد استحقاقها دون أن
يفو ته اعلم مد ير الم صرف ب ما تكبده من مش قة من أ جل التق يد بالمواع يد .وراح ب عد ذلك يق طع وعودا م ستغربة
ت صرفاته تلك با تت حد يث دم شق و صار أ صدقاؤه في ها ي سمونه «يو سف الم ين» ،والميركيون والبريطانيون
يدعونه «يوسف الشريف» .وسرعان ما أخذت الشركات الوروبية تتصل به في سعيها لتأمين مندوبين لمبيعاتها في
79
سوريا ،وهي واثقة من ان ما ل يمكنه تحقيقه لها في مجال المبيعات يعوضه بتخفيض بدلت عمولة الوسطاء(.قال
أحد الساخرين بيننا«:يظنون كلهم أن باستطاعتهم خداعه!») وراح رجال العمال يطلبون إليه قبول عضوية مجالس
ادارة شركات جديدة يؤسسونها لعلمهم بأن ظهور اسمه على مطبوعاتها سيترك انطباعا طيبا في نفوس المساهمين
المرتقسبين.كمسا حاولت المصسارف اغراؤه بعرض القروض عليسه بفوائد مخفضسة .ودعتسه ادارة مدرسسة الصسبيان
الميرك ية التاب عة للر سالية المشيخ ية للتحدث إلى طلب ها في مواض يع م ثل «النزا هة أف ضل ال سبل» و«ال يتو قع
منكم الحقيقة».
هكذا ودون مجهود كسبير صسعد يوسسف دوسسات سسلم النجاح فسي علم العمال (قالي لي مرة«:لسست أبلها بسل
مجرد غبي») وانت هى به المقام في مكان ما في جنوب فرن سا ح يث يع يش في بحبو حة وا سعة من مدخول العملم
الوح يد غ ير النز يه الذي ارتك به في حيا ته ،ح سبما روى لي مرة عند ما التقي نا على م تن ي خت عدنان الخاشق جي
نحتسي الشمبانيا .فقد سحب كل رصيده من بنك انترا في بيروت واستدان ما أمكنه من المصرف المذكور ثم راح
يروج الشاعات التي أدت إلى افلس المصرف (علمت لحقا من بول باركر ،نائب رئيس بنك أوف اميركا ،الذي
دعاه انترا لمعالجة أوضاعه أن يوسف تقاضى مبلغا ضخما بدل اتعاب استشارية فقط للفصاح عن خفايا عملته).
الخطوة الولى التسي خطاهسا يوسسف صسعودا كانست حصسوله على وظيفسة فسي المفوضيسة الميركيسة لدى مكتسب
الضابط الداري حيث راح يعرض نزاهته المعروفة نيابة عنا .فهو الذي ساعدنا في العثور على الرض التي تقوم
عليها السفارة الميركية حاليا في دمشق وأمن شراءها كما ساعد المفوضية في جميع المعاملت التجارية والقانونية
مع التجار السوريين والحكومة السورية .فكان وجوده فقط مبعثا للطمأنينة لى الفريقين ولم يخيب آمالنا مرة واحدة،
كما كان ،حسبما يحلو له القول«:نافذة التفاهم» التي أمكن عبرها لموظفين اميركيين شباب تنقصهم خبرة التفاهم مع
و جد زملئي في مفوضيت نا في دم شق في العام 1947ان تلك النافذة مغشاة ب عض الش يء.فالحضارة ال سورية
العري قة موضوع ش يق في ك تب التار يخ في الجام عة .ولكن هم جاءوا إلى الشرق الو سط مقتنع ين بأن جم يع الناس
هم ،في أعماق نفو سهم ،شبيهون بالميركي ين ،يؤمنون في قرارة ضمائر هم بالخلق ية البروت ستنتية وان كانوا ل
يعرفون ماهي .ولكن وكالة الستخبارات المركزية علمتي أشياء أخرى ،وان كان ساداتنا القديسون في واشنطن قد
رأوا انه قبل ان تتمكن الحكومة الميركية من رسم سياسة بناءةتتعامل بها مع الحكومة السورية ينبغي تعليم الشعب
السوري أصول الديموقراطية حسب السلوب الميركي .وهنا تبادرت إلى ذهني السوانح المتاحة في كوني المعلم
خ صوصا إذا كان يو سف بجا نبي يقدم لي الم ساعدة في المه مة .ول كن رأ يت أن علي ان أتعرف إلى نوع ال صورة
80
تبين لي من مراجعتي ملفات المفوضية أن المراسلت الخاصة بالعلقة السورية الميركية تحصل مع وحدة في
وزارة الخارجية مهمتها التأكد من أن شعوب أقاصي الكرة تتفهم وتدرك ما للحريات الميركية من أفضليات على
«الستعباد الشيوعي» .وبدا ان وزير الخارجية وكبار مساعديه اعتبروا ان الوليات المتحدة على خلف يكاد يكون
كليا مع الدول العرب ية وان الم سؤولية في ذلك ت قع كل ها تقريبا على القيادات المضللة في ها س ل يس عند نا بالط بع .
وتمكنوا أيضا بنظريت هم القائلة بان العرب سيكونون حلفاء نا ال طبيعيين لو قي ضت ل هم قيادة أك ثر فعال ية وتنورا.ذلك
انه ليس ما يخشونه منا بل لهم كل ما يخشونه من السوفيات ،وبالتالي فإنه لمن المغاير لطبيعة المور ال يرحبوا
بعروضنا لحمايتهم .شركاتنا النفطية ستجعلهم أثرياء وسيكونون أكبر المستفيدين من «حل ودي للقضية الفلسطينية»
الذي ل يقوى عليه غيرنا أحد.وعليه اعتبر المخططون عندنا أن رفض القادة العرب لرؤية المور من خلل ذلك
المنظار سببا كافيا بحد ذاته يسوغ لنا الطاحة بهم س او بالحرى تمكين شعوبهم من الطاحة بهم.لقد تملكت منا
نظريسة بأنسه إذا وجدت فسي أي مكان من الدنيسا قيادات ت ستفيد من تدخلنسا فسي شؤونهسا الداخل ية فتلك القيادات هسي
القيادات العربية.
شرحت ذلك كله ليوسف الذي أبدى اعجابه ،وذهب في حلم بهيج عندما اخبرته بأن وزارة الخارجية ،عبر وكالة
المعلومات الميركية قد أمرتنا بوضع «مشروع استرشادي» نخلق عبره وضعا مناسبا في واحدة من الدول العربية
بح يث إذا ما ك تب له النجاح نحاول ت طبيقه في غير ها .كان العراق أول الغراءات ،ل نه من جم يع نواح يه دولة
بوليسسية ذا حكومسة مكروهسة.ولكنسه مسن ناحيسة أخرى احدى الدول التسي يسستحيل على جهاز جيسد التدريسب على
الحركات ال سياسية،ناه يك عن جهاز طري العود مثل نا ،ان يتزحزح دون علم ومواف قة البريطاني ين .أ ما ال سعودية
فليست مؤهلة للديمقراطية بعد وأما لبنان والردن ومصر فقد استبعدت لسباب أخرى.
بعد ذلك الشرح كله قلت له«:إذا ستكون سوريا مشروعنا» .هز يوسف برأسه بوقار دون أن يتمكن من اخفاء
فرحه .وأضفت قائلً« :إن سوريا في وضع اقتصادي جيد وشعبها لم تروضه سنوات الحتللين العثماني والفرنسي
وظروف إجراء انتخابات ديمقرطية ظروف مثالية.ومن المؤكد ان الزعماء الذكياء والتعاونيين سيفوزون فيها».إذا
ستكون «انتخابات حرة» س يرافقها بالطبع ترتيبات من قبل المفوضية تضمن بأنها لن تكون حرة فقط بل تض من
بأن تا تي نتائج ها ك ما نريد ها أن تكون .سأوفر على القراء عناء التفا صيل فأقول بأن النتخابات من ح يث كون ها
وسيلة لدخال وكالة الستخبارات المركزية إلى سوريا كانت ممتازة .ولكن نتائجها لم تكن كما اشتهتها واشنطن.
ففسي حمسص كان القتراع مثالً للهدوء إنمسا فقسط لن كبار الملكيسن أو ضحوا للفلحيسن بان عليهسم عدم الكتراث
«بالكلم الفارغ عن الشيوع ية والمبريال ية» الوارد في المل صقات في ساحات المدي نة والقتراع ح سب ارشادات هم.
و في مختلف المنا طق الخرى كا نت النتخابات «الحرة» منا سبة لل سوريين الذ ين تربوا على اعتبار الحكو مة عق بة
81
فرضهسا الجانسب عليهسم للحيلولة دون ممارسستهم نزعتهسم للفوضسى والرشوة .وشهدت النتخابات أيضا معارك
بالسلحة النارية وبقبضات اليدي قتل وجرح خللها العشرات .ورأى المقترع البسيط العادي في النتخابات فرصة
للح صول على مقا بل نقدي مقا بل إدلئه ب صوته أو لد عم أ حد أقربائه للو صول إلى وظي فة تدر عل يه وعلى عائل ته
بعض المدخول.
على كل حال شهدت نشاطات المفوضية في سوريا في أواخر الخمسينات ولدة نوع التقارير الذي يرد من وكالة
الستخبارات المركزية ومهاراتها في «التدخل في الشؤون الداخلية لدول ذات سيادة» .ولكن تلك النشاطات لم تصل
مطلقا إلى مهارة تلك الدول ذات السسيادة التسي تتدخسل بشؤوننسا نحسن الداخيسة .غيسر ان تقاريسر وكالة السستخبارات
المركزية ما زالت متوافرة لي رئيس قادر على التجرد عن «السياسة الخارجية في الداخل» وإيجاد الوقت الكافي
له لفراءتها.
أما في يختص بمستقبل وكالة الستخبارات المركزية في الحرب الباردة وما يسمى «المجابهة من النوع الثالث»
تجربة في سوريا
1947س 1950
خلل اليام الثلثة ال تي استغرقتها رحلت نا بالطائرة من واشن طن إلى بيروت ر سم لي آرت شي صورة كاملة عن
ستيف ميد الذي كان له بين الفينة والفينة وعلى مدى أربعين عاما أثر هام في حياتنا.كان آرتشي قد التقى ستيف
عندمسا كان الول مسساعدا للملحسق العسسكري فسي طهران والثانسي يرتدي ملبسس قبلي كردي ويقوم بمهمسة فرار
ومراوغة لمكتب الخدمات الستراتيجية .وبعد ذلك وجد آرتشي مع ستيف وبعض رجال قبيلة قشقاي يطاردون عبر
ل مسن مغامري فرقسة أس .أس .اللمان وبحوزتهسم رهائن مسن أفراد إرسسالية أميركيسة
صسحراء دشتسي لوت فصسي ً
يحاولون الهرب بهم إلى بوشيرا .وكان ستيف قد عين مساعدا للملحق العسكرية في بيروت لن الملحق العسكري
فيها ضابط تقدمت به سنة وبات على عتبة الحالة على التقاعد ،وهو بالتالي بحاجة إلى مساعد قدير يعاونه على
معال جة حالت صعبة يحت مل بروز ها من و قت إلى آ خر في مر كز كبيروت.و من مراج عة ملف ستيف ر قم 201
تبين انه المساعد القدير المثل للرجل المهدب والخرق من فرجينيا الذي اختاره الجنرال لوتن لذلك المنصب.قال
آرتشي ان نك قد زوده «بتعليمات صارمة» لبعادي عن ستيف استنادا إلى رأي يقول إننا باجتماعنا نشكل وضعا
حيث يؤلف واحد زائد واحد أكثر من اثنين.وأضاف آرتشي بأن «نك يحمل ذلك على مجمل الجد.فعندما قال بأنه
82
ير يد م نك التم هل والتروي خلل الش هر ال ستة الولى كان يع ني ذلك .إ نك تعلم ،دون ر يب ،ا نه ل يس هناك ما
كانت لرتشي دواعيه الخاصة للستئثار بستيف لنه ينوي فتح أقنية على التحاد السوفياتي .من هنا اعتبر بأن
ستيف له قيمته في العمل مع المهاجرين لنه هو الخر يتكلم معظم لغات هم .أما أنا فاع تبرت ،دون الفصاح عن
رأ يي آنذاك ،بأن اتجا هل نك وآرت شي معا .فإذا كان ستيف حقا ك ما و صفه لي آرت شي ،ف قد احتاج إل يه في ب عض
العمال التي قررت القيام بها بنفسي غير اني وجدت عند وصولي دمشق بأن فيها الكثير من الشخاص الجديرين
باهتما مي .فهناك عم يل ال ستخبارات الع سكرية البريطا ني و هو محترف ذو خبرة وا سعة ا ستقبلني بمختلف انواع
المشار يع (من ها زرع أجهزة تن صت دا خل مب نى ال سفارة ال سوفياتية الجد يد) الجام عة ب ين المال المير كي والدهاء
البريطانسي .وهناك أيضا السسفير السسوفياتي دانيال سسولود وله ماض فسي السستخبارات السسوفياتية (ك .ج .ب)
ودبلوما سي من الطراز الول يكاد يضا هي مهارة سفيرنا في بغداد جورج رادزورث وسفيرنا في القاهرة جفر سن
كافري .ج عل سولود اقام ته في بيروت وكان يتردد على دم شق بانتظام .ا ما ضا بط أل « ك .ج .ب» النظا مي
فكان رجلً من جمهورية جورجيا وسيم الطلعة اسمه ايغور فيدورنكو،تفضل بزيارتي بعد يوم او اثنين من صولي
لي خبرني ،بابت سامة سلفية عري ضة بأن نا سنتسلى كثي ًر شرط أل أبالغ في جد ية عملي ول أهدر وق تي وت عبي في
محاولت سخيفة كزرع أجهزة تن صت دا خل سفارته ( .سبق ل نك أن نبه ني إلى ذلك قائلً« سيدرك ق بل موظ في
وفيما أخذت اختلط علنا بالدبلوماسيين النظاميين وبمجتمع دم شق الراقي من جهة،ر حت من جهة ثانية أخالط
الجوا سيس والمحار يك ال سياسيين في محاولة لنجاز ما من أجله جئت إلى دم شق.حاولت جهدي في بادئ ال مر
تج نب ستيف م يد كل ما جاء لزيارة أ صدقائه في الج يش ال سوري .إل أ نه في مجت مع دبلوما سي ومخابرا تي ض يق
كمجتمع بيروت س دمشق ل بد لفراده أن يلتقوا من حين إلى آخر فصرت أشاهد ستيف في مناسبات مختلفة تثير
فيها أي محاولة مقصودة من قبل أي منا لتجنب الخر فضول المراقبين المحترفين.وبعد شهر أو اثنين من لعبة القط
والفأر هذه قال لي ستيف في احدى حفلت المفوضية في بيروت«:دعنا نوقف هذه التمثيلية ،فلدينا مواضيع عديدة
أخذ مناخ اللعبة يتغير بسرعة في الوقت نفسه.فالستقلل المفاجئ الذي أحرزته دول رزحت تحت نير الستعمار
قرونا طويلة أخذ يخلق مصاعب لم يسبق ان شملتها خبرة جهازنا الدبلوماسي .وتعقدت المشاكل التي واجهتنا في
سوريا ولبنان ب سبب اعتقاد حكوماته ما ال صادق س أكان له ما ي سوغه أم ل س بأن حكومت نا تد عم ال صهيونيين ثم
اسرائيل بعد قيامها .وفيما كان موظفونا الدبلوماسيون الممتازون يتعرضون يوميا للحجج والمواقف العاطفية العربية
83
كذلك كان زملؤ هم في واشن طن يتعرضون لضغوط ال سياسات الميرك ية الداخل ية إلى در جة لم ي كن ليت سنى ل هم
الو قت الكا في ل ستيعاب ما نوا جه من صعوبات في مرا كز عمل نا .فتوالت اعتراضات نا ف قط ليقول ل نا أ صدقاؤنا
العاملون في واشن طن في الدوائر المخت صة بشؤون المنا طق ال تي نع مل في ها« :ان تم تعملون هناك ح سب مقتضيات
مواقعكم .أما نحن هنا فعلينا ان نعمل حسب تعليمات واشنطن .وفي النهاية لواشنطن الشأن الخير» .بالطبع لم يأتنا
هذا الرد عبر المراسلت الرسمية بل بواسطة الرسائل الشخصية بالبريد العادي.
كان زملؤ نا على حق في قول هم ،و في النها ية أ صبحت الدبلوما سية المحل ية عبارة عن ت سليم ر سائل خط ية أو
شفهية ل يتجاوز محتواها اكثر بكثير من عبارات مثل« :حكومتنا مهتمة بالمر» أو «يقلقها ذلك» ،كتأكيدات نسبت
إلى سفيرنا في القاهرة،جيفر سن كافري«:لست ه نا لناقش ح سنات وسيئات السياسة الميرك ية بل للتأ كد من أن كم
تدركون ما هي تلك ال سياسة» .أ ما من ح يث اللع بة الدبلوما سية ك ما أفهم ها أ نا فكا نت أشغال نا كثيرة .عاد المل حق
الثقا في لممار سة ادار ته لمكت بة مك تب المعلومات المير كي ،وتو قف الب حث في انتخابات «حرة ونزي هة» ال تي ،لو
اجريت لدت إلى إقفال المفوضية الميركية وإلى اعتبارنا بمثابة أشخاص غير مرغوب فيهم في دمشق.
وصف القائم بأعمل المفوضية طريقتي الشخصية بالعمل بعبارة «الدبلوماسية الخفية» التي مارستها على نطاق
عملي وانحصسرت بتقديسم مسساعدات فسي الحملت النتخابيسة للمرشحيسن الخليقيسن بمسساعدتنا وتشبسه إلى حسد مسا
المساعدات التي درج على تقديمها الفرنسيون والبريطانيون والسوفيات في سوريا ولبنان والعراق ومصر.والتزمنا
موقف النتظار والترقب لمعرفة ما الذي نفعله بالضبط .فكانت ممارستنا شبيهة بموقف لعب البوكر الماهر الذي
يدعى للعب مع لعبين ل يعرفهم ،فيشارك في فتة أو اثنتين بمراهنات صغيرة .ولكن ينتهي المر بأن ينفذ صبر
أكثرنا خبرة فيندفع مسترسلً في اللعبة .وهكذا انطلقنا في تنفيد عملية في سوريا وصفتها ل حقا في كتابي لعبة
المسم» على انهسا «المثسل الكلسسيكي عسن كيسف يجسب التمسسك بمبدأ عدم التدخسل فسي الشؤون الداخليسة لدولة ذات
سيادة» علما بأنني اعترفت بأنها «وفرت لنا استعراضا لخطاء بديهية يجب تلفي الوقوع فيها خلل علميات مماثلة
ل بد لي هنا أن أضيف في دفاعي عن «دبلوماسيتي الخفية» ان كبار المسؤولين في وزارة خارجيتنا اعتقدوا
في حي نه بأن الفراغ الذي خل فه البريطانيون ،اضا فة إلى موقف نا المؤ يد لل صهيونية الذي لم ي كن م نه مهرب،جعل
نجاح مهمت نا م ستحيلً ،وبالتالي فإن كل ما ن ستطيع أن نأ مل به «تخف يض وطأة الف شل» .لذلك صارت التعليمات
الصسادرة مسن واشنطسن إلى مختلف البعثات الدبلوماسسية واضحسة وضوح نبؤات دلفسي ،وراح رؤسساء تلك البعثات
يفسرونها حسب اختيارهم فيتحملون المسؤولية في حال الخطأ ويقطف المحاسيب السياسيون المعنيون في الوزارة
84
فسي واشنطسن ثمار أي نجاح جاء صسدقة .فسي مثسل تلك الحال كان لسستقامة ولسسعة حيلة المسسؤولين فسي البعثات
تم تع بوب ممين غر ،القائم بالعمال في مفوضيت نا في دم شق بق سط وا فر من ال ستقامة و سعة الحيلة والشجا عة
اللزمة لمهمة عادية .ولكن عندما صارت دولة اسرائيل الجديدة حقيقة واقعة اعتبرت وزارة الخارجية في واشنطن
اننسا بحاجسة إلى شخسص يتمتسع بمقدار أكسبر مسن تلك المزايسا ،وسسرعان مسا بعثوا بسه إلينسا.إنسه جايمسس هيسو
كيلي،دبلوما سي محترف ن قل من أثي نا ح يث ش غل من صب نائب رئ يس البع ثة ،هادئ الع صاب في الزمات ،قادر
على تحمل المسؤوليات وتوزيعها وعلى اتخاذ القرارات دون العودة إلى واشنطن بشأن أصغر التفاصيل.
فسي اليوم الول لجلوسسه وراء مكتبسه برهسن أن الوزارة اختارت الشخسص المناسسب.ذلك ان مظاهرات معاديسة
لميركا عمت دمشق باكملها ومشى فيها ألوف الطلب نحو المفوضية مسلحين بما يشبه المعاول .وقبل أن يتبين
لكيلي ان ها ن سخ كرتون ية عن أ سلحة قدي مة خرج إلى ق مة ال سلم المؤدي إلى مد خل المفوض ية وأعلن ا نه إذا كانوا
يبغون شيئا منا فعليهم ان يأتوا في مجموعات ل يزيد عدد أفراد الوةاحدة منها عن ثلثة أشخاص في أوقات الدوام
الر سمي ،أي ب ين ال ساعة الثام نة والن صف صباحا والواحدة والن صف ظهرا وب ين ال ساعة الثال ثة ع صرا وال ساعة
السادسة مساء أيام السبوع العادية .وقبل الظهر في أيام السبت .قال ذلك بحزم أرفقه بابتسامة .وبدا ان شيئا ما في
أدرك وزير نا المفوض الجد يد ب سرعة ان الو ضع في سوريا يحتاج إلى ما هو أك ثر من الدبلوما سية التقليد ية،
وساهمت وكالة الستخبارات المركزية المؤلفة حديثا باقناعه ،عبر وزارة الخارجية ،بأنني الشخص المناسب للعمل
المطلوب سس أو بالحرى بأننسي الشخسص الذي سسيساعده هسو على القيام بسه .ومسن خلل مقابلتنسا الولى أقنعسه.
تواضعي الطبيعي واستحيائي من الطراء الذي شقعه فوق رأسي رؤسائي في وكالة الستخبارات المركزية،بأنني
صاحب الدبلوماسية الخفية الذي يحتاج إليه .واقتنع أيضا باقتراحي عن ضرورة نقل ستيف ميد من بيروت ليكون
عنصرا في «فريق عملنا».واكتشف،دون معاونة أحد ،إنه في حال اجتمعنا أنا وستيف ميد سيلزمنا أحد من أجل
التوازن فاختار الضابط السياسي في المفوضية دين هينتون الذي برهن رغم مظهره الفتي وتصرفاته المتناغمة مع
تجدر الشارة هنا إلى أنني كنت قد جمعت حولي بعض العلماء المحليين مستعملً لذلك الساليب التي استنبطتها
أثناء تدربي في وحدة الخدمات الخاصة.فقد تمكنت من الحصول على قائمة باسماء موظفي وزارة الدفاع بأن جعلت
سائق سيارتي ي سرق دل يل الها تف في الوزارة وت صادقت مع أ حد المراب ين ليزود ني بأ سماء موظف ين في وزارة
الدفاع يحتاجون إلى شيء مما استطيع توفيره لهم س كالدراهم عادة وكذلك في بعض الحالت سمة لزيارة الوليات
85
المتحدة أو منحة دراسية لشاب من القرباء في الجامات الميركية أو وكالة لسلعة أميركية ما .وخلل فترة وجيزة
تمكن المرابي من التعرف إلى سكرتيرين يعمل كل منهما في مكتب مسؤول كبير في الوزارة فاستخدمهما لسرقة
الوثائق الهامسة كسل مسن خزنسة رئيسسه .وخلل فترة وجيزة أخرى تمكنست مسن جمسع مسا يكفسي مسن المعلومات مسن
ال سكرتيرين لتجن يد الم سؤولين ال كبيرين بنف سيهما ،ولكن نا اضطرر نا للتخلي عن احده ما ل نه ر فع أ سعاره إلى حد
فاحش.
وقد استطعت ذلك بأن رتبت أموره بحيث جعلته يبدو عميلً عند صديقي إيغور في الس ك .ج .ب .أما الخر
ف قد ا ستمر با سداء خدمات ها مة ل نا و ما زال ح تى الن من أقرب أ صدقائي .ب عد مرور سنوات عديدة على لقائ نا
الول في دم شق سألته لماذا وا فق ش خص نز يه مثله على تقد يم معلومات سرية إلى حكو مة معرو فة بان ها ت ساعد
عدوه السرائيلي اللدود ،فأجابني :أولً :بأن المعلومات لم تكن بتلك السرية ،وثانيا«:إننا نحن السوريين تعلمنا من
خبرة طويلة مع التراك والفرنسيين والبريطانيين فصل القضايا العملية وابعادها عن القضايا السياسية».
رأى كيلي الذي تأ ثر ل يس ف قط بتقر ير كتب ته بل وكذلك بتقر ير مما ثل وض عه د ين هينتون ،ان ث مة سيناريون
لسوريا وكلهما غير مستحب .أما الول فقيام السياسيين الستغلليين بمساعدة سوفياتية بثورة دموية ضد الرئيس
شكري القوتلي .وأ ما الثا ني فإمكان ية ا ستيلء الج يش ال سوري على الح كم بد عم من «قبل نا (بش كل خ في بالط بع)
والحفاظ على المن والنظام ريثما يمكن تحقيق ثورة سلمية .استكره كيلي السياريو الثاني بمقدار ما استكره الول
تقريبا ،ولك نه رأى ف يه ا نه يخ فف من احتمالت سفك الدماء ويف سح المجال أمام عنا صر جديدة من المجت مع تش عر
بالمسؤولية وتقف بوجه العناصر التي ل مصدر للقوة لديها إل طاقتها على استعمال العنف.
وهكذا تمخ ضت دراسسات كيلي المتأنيسة علن انقلب حسسني الزع يم فسي 30آذار (مارس) .1949سمح بموجسب
تعليمات جديدة لرؤ ساء دوائر وكالة ال ستخبارات المركز ية في الخارج بحر ية الع مل ت حت رقا بة بعيدة من ق بل
القيادة وشرط ان يبقوا مختلف رؤسسائهم الدبلوماسسيين بمعزل عمسا يفعلون بحيسث يسستطيع هؤلء اللجوء إلى حيلة
«النكران القابل للتصديق» .أعطيت الضوء الخضر ولكن كيلي لم يقبل بفكرة النكران تلك .إنه يؤمن بمبدأ تفويض
ال صلحية س بالحرى بمبدأ ان الم سؤول ي ستطيع تفو يض ال سلطة إلى غيره دون تحميله الم سؤولية أي ا نه وان
فوضني بالسلطة اللزمة ل يتهرب من المسؤولية التي قد تترتب على ممارستي لها .وفي الحالت التي تصرفت
فيها دون علمه وقف بيني وبين القيادة متحملً مسؤولية فشلي ومشيدا بي عند نجاحي.هذا هو جيم كيلي .مررت،
ق بل ولو جي الع مل ال حر ،بأك ثر من عشرة رؤ ساء وبا ستطاعتي القول دون أي اعتراض من ق بل أي من زملئي
السابقين أن كيلي أوحى لدى مرؤوسية ولء اكثر من أي رئيس آخر اشتغلت معه أو عرفته أو سمعت به.
86
اعتمدت كثيرا على معاونة ستيف ميد الذي انتقل إلى دمشق بعد يوم أو اثنين من طلب كيلي بنقله إليها.بدأ ستيف
بالعمسل فور وصسوله مدركا أن طريقتسي تختلف كليا عسن طريقسة كيلي وهسي كمسا قلت انسه يتحمسل مسسؤولية فشلي
قلت لستيف «:عليك ان تنظر إلى الوضع من منظار انه يمكن الستغناء عنك ول يمكن الستغناء عني.كما اننا
أجابني بنبرة من أدرك المغزى وبنظرة فيها اعجاب «:إنك على القل صادق وانا اقدر الصدق في الرجال».
كانت مهمة ستيف بسيطة فكل ما عليه فعله استعمال سحر شخصيته ل ستمالة قائد اللواء الثالث العقيد حسني
الزعيم وهو كردي ضخم البنية عرف بإرادته الحديدة وبذهن ل يقل عنها صلبة .وكان على ستيف أيضا ان يتلمس
طري قه بحذر لوجود احتمال انقلب عمله عل يه فيطرد من البلد لعتباره عن صرا مثيرا للش غب.إضا فة إلى ذلك لم
تكن مهمته اليحاء لحسني الزعيم بالقيام بنشاطاته بل معرفة نواياه وطموحاته.
في تلك الثناء و عبر العميل ين الرفي عي الم ستوى في وزارة الدفاع جعلت جم يع الوا مر والمرا سلت وتقار ير
المخابرات ت صور حسني الزعيم على انه عسكري موال مئة بالمئة لمؤيد يه السياسيين من جهة وتنق صه من ج هة
اخرى سعة المخيلة اللزمة للكينونة خلفا .أما المعلومات المستعملة في تلك العملية فتركت أمر اختيارها للعميلين
المذكورين لن ذلك يحتاج إلى تفهم وشفاقية ل يدركهما من نما وترعرع في حضارة أجنبية.جاء عملهما ممتازا س
على كل حال وفي بالغرض المطلوب .فقد عين حسني الزعيم مديرا عاما للشرطة في دمشق ثم أسند إليه منصب
التخطيط تصور المسؤولون فيها بأن ستيف وأنا نضع جميع الخطط المتعلقة بالعملية س وهو تصور لم توجد أي
ضرورة لتصحيحه طالما انه يب عث البه جة في قلوب المع جبين بنا في واشنطن وطالما ل اعتراض لنا على زيادة
بعض النقاط الحسنة في ملف كل منا.أما الن وبعد مرور أربعين سنة أستطيع العتراف بأن السهام المهم الوحيد
الذي قدمناه في العملية كلها تأكيدنا لحسني [ الزعيم] وكان قد أصبح القائد العلى بان حكومتنا ستعترف به عمليات
فور ثبات ال سلطة له على أن يأ تي العتراف الر سمي ب عد أيام قليلة.ل قد قام ستيف بمراف قة ح سني في عدة جولت
حول المدينة بسيارة حسني الفخمة ودله على المباني والمؤسسات الواجب السيطرة عليها (محطة الذاعة ومولدات
الطاقة الكهربائية الرئيسية ومركز الهاتف الرئيسي ومختلف السياسيين الذين قد يشكلون مقاومة ما) وتظاهر حسني
بأدب بأن تلك الراء لم تخطسر بباله.أمسا أنسا فزودتسه بلئحسة بمسا يجسب فعله ومسا يجسب تحاشيسه مسن باب
الحتراز.وبفضسل عميلنسا «أ» داخسل وزارة الدفاع ،اسستطعت تأميسن بعسض المعلومات التسي لم يكسن باسستطاعته
87
الح صول علي ها من الوزارة دون إثارة الشكوك.غير أن كل ذلك لم يكن بالغ الضرورة لنجاح مخط طه .وباستثناء
عنصر واحد هو أديب الشيشكلي (سنعود إليه لحقا) كان حسني الزعيم بطل التمثيلية الوحد.
قدم ح سني الزع يم ا سهامين له ما نك هة أميرك ية في التمه يد للعمل ية :الول ،حملة تضل يل إعل مي بدائ ية غايت ها
ابراز سوء حالة المحاف ظة على أ من و سلمة الدبلوما سيين الجا نب في البلد؛ والثا ني ،الو سائل ال تي ا ستعملها
للحيلولة دون تسرب أي معلومات عن مخططه قبل بلوغه مرحلة من التقدم يعجز أي كان عن احباطه.
هل قلت إن «للمخطط نكهة اميركية؟» أجل كانت له تلك النكهة بكل تأكيد لنه حيك حول مهاجمتي شخصيا.ذلك
انه سبق وتنا هى إلي نا عن طر يق مو ظف محلي في المفوض ية أن يط به ا ستراق المعلومات لح ساب جهاز للتجسس
خاص بالرئيس شكري القوتلي ،ألرئ يس الجهاز هذا وهو ر جل عذب الكلم ورق يق الشعور معروف بشذوذه ا سمه
فخري البارودي ،يظن بأنني أقود عمليات وكالة الستخبارات المركزية في المنطقة ويحاول الحصول على البراهين
كي يرفعها للرئيس القوتلي .ول عتقادنا بأن فضوله قد يدفع به للقيام بعمل تجاهي أو تجاه المفوضية من شأنه أن
يكون مربكا أو ممي تا ً قرر نا أ نا وكيلي و سستيف ان نف ضح أمره .تو جه ستيف إلى ح سني وأ خبره بقرار نا فكان
سروره به عظيما وقال«:على العميل داخل المفوضية أن ينبئ فخري البارودي بأن من عادة كوبلند الحتفاظ في
منزله ل في مكتبه في المفوضية بكل الوثائق التي قد تثبت عليه أي اتهام ،لعل في ذلك ما يشوق فخري للغارة
على المنزل .وسسنضع بالقرب مسن المنزل بعسض رجال الشرطسة العسسكرية لتوقيسف المهاجميسن .وبذلك نسستعمل
الحادث دليلً إضافيا على ان الحال المنية ل تضمن سلمة الدبلوماسيين الجانب .وأما الباقي فاتركوا أمره لي».
أخذت برفقة ستيف أخطط لمعركة بالسلح الناري الحي ،تماما كما في الفلم السينمائية! وهنا جاءنا كيلي بدعم
جديد إذ تمكن من نقل الملحق الجوي القليمي من بيروت إلى دمشق .وبذلك توفر لنا ليس فقط طائرة النقل سي س
47المعدلة لتكون من الفخامة بما يليق بالملحق القليمي ،بل أيضا المقدم في سلح الجو جيم جيانتي لقيادتها ونقيب
شاب ا سمه دك رول م ساعدا له .وقضي نا ال سبوعين التالي ين ب ما يش به المرح الدائم إذا خ صصنا الدوام ال صباحي
لرسم خططنا المفصلة،ودوام بعد الظهر في التمارين على استعمال السلحة النارية في البادية القريبة من دمشق.
ل بد لي من العتراف هنا بأننا شعرنا بغبطة صبيانية من إثارتنا للفضول داخل المفوضية.فلسباب خارجة عن
نطاق خبرتي كان جيم جيانتي يحتفظ بشبه جبخانة في مكتبه.وكنا أنا وستيڤ وجيم ودك نركب على مرأى موظفي
المفوض ية وبألنب ستنا الع سكرية سيارات ال ستايشن المحملة بالم سدسات والبنادق الحرب ية وبنادق ال صيد والرشيشات
وبمدفع هاون أو اثنين ونتوجه إلى ما هو بداهة أكثر من رحلة صيد عادية .
ا ستمر أح مد،عم يل المخابرات ال سورية في المفوض ية ني مد فخري البارودي بالمعلومات المضللة لجتذا به إلى
فخ نا من ناح ية ،ويمد نا أ نا و ستيڤ بالمعلومات عن مدى قبول فخري ب صحة ما يزوده به من أخبار .وأخيرا جاء
88
اليوم العظيم :فقط طلب فخري من أحمد أن ينبئه عن المرة التالية التي سأكون فيها خارج البيت فأجابه أحمد بانه
على علم بذلك لنه سمع سكرتيرتي تعد الترتيبات لي ولزوجتي ولولدينا لقضاء عطلة لسبوع الطويلة في بيروت.
أجاب فخري بأنه سيرسل فريقه إلى منزلي يوم السبت وأردف قائلً «:يا احمد ستكون أنت في عداد الفريق».
انقب ضت ن فس أح مد فراح يف كر بو سائل التهرب من المه مة فأ سمعه ستيڤ كلما مشجعا تض من وعدا بالمكافأة
السخية إذا ما تابع في المخطط حسب التعليمات وبعقاب شديد ان هو تمنع .ومساء الخميس انتقلنا نحن الربعة إلى
منزلي.وصباح الجمعة وعلى مرأى من جميع جيراننا ركبت لورين وولداي السيارة المملوءة بحاجيات توحي بغياب
أكثر من ليلة وانطلقوا فيها (نسيت كيف أوحينا للناس بأنني سبقت أسرتي إلى بيروت).
مرب نا يوم الجم عة ونهار ال سبت ون حن ندور في أرجاء الب يت دون اشعال النوار ليلً و مع البتعاد عن النوا فذ
ل ونهارا .وامتنعنا عن إجابة الهاتف الذي كان يرن بين الحين والخر .وقرابة ظهر يوم الجمعة شاهدت شخصا
لي ً
يرا قب الب يت من أرض خال ية مقابلة وشخ صا آ خر في فناء الحدي قة الخلف ية .وم ساء ال سبت تقدم ش خص من باب
المد خل ودق الجرس ثم أضاء بم صباح كهربائي من النافذة زول ما لم يشا هد أحدا ق فل راجعا .وم ساء ال سبت و في
وقت كان ل يزال المارة في الشوارع بحيث يستطيع المهاجمون الفرار والختلط بهم ،حانت لحظة الحسم .
فاتتنسي الشارة إلى اننسا أعددنسا المنزل اعدادا ملئما إذ وضعنسا مصسابيح خاصسة بالمصسورين تضيسء القاعسة
الرئي سية في الو قت المنا سب وأفخاخا من الغاز الم سيل للدموع تنف جر في و جه من يحاول ف تح الدرج العلى من
مك تبي.ك نا منبطح ين أرضا وم سلحين بمختلف أنواع ال سلحة علما بأن ح سني الزع يم قد أ كد ل نا بان المهاجم ين
سيكونون ثل ثة رجل عزل من أي سلح .وهكذا وحوالي ال ساعة التا سعة م ساء رن جرس الباب ،وللمرة الثاي نة
شاهدنا شعاع مصباح كهربائي ينبعث من أحدى نوافذ واجهة المدخل ،وظننا بأن أمامنا مهمة سهلة.
و في الوا قع لم ت كن مهمت نا بتلك ال سهولة .وفي ما ك نا منبطح ين على الرض الباردة في ذلك المنزل الغارق في
الظلم و سلحنا في متناول اليدي سمعنا تح طم باب المد خل وشاهد نا أطياف أرب عة رجال ،ل ثل ثة ،يزحفون إلى
الداخل ينيرون طريقهم بالمصابيح الكهربائية .تجاوزوا خط بصرنا دون أي ضجة ودودن مشاهدتنا او سماع صوت
تنف سنا ثم دخلوا مك تبي المنزلي.و ما أن بدأوا يتيقنون من مواقع هم ح تى قرر ستيف الق بض علي هم ق بل انفجار قنبلة
الغاز المسيل للدموع .فصرخ«:اشعلوا النوار!» ثم صاح بالعربية «اخرجوا بهدوء وأيديكم فوق رؤوسكم» .عندئذ
ظهرت يد مم سكة بم سدس لتعلو أك ثر من 15سنتيمترا عن الرض وبدأت باطلق النار فرد علي ها ستيف بالنار
فثقب ها (ك ما علم نا لحقا) ثم أخذت تظ هر أ يد أخرى وكل ها تطلق نيران م سدساتها بعض ها على الم صابيح وأكثر ها
علينا.
89
باخت صار بدا ل نا أن أبواب الجح يم انفت حت على م صاريعها .كم من كم سمع صوت م سدس عيار 45في ح قل
رماية عادي؟ إنه يصم الى الذان ،أليس كذلك ؟ إذا تصوروا أصوات ثمانية مسدسات من هذا العيار تطلق نيرانها
معا داخسل منزل أرضسه رخاميسة وسسقفه مرتفسع يقسع فسي شارع قليسل الضجيسج .وممسا راد فسي الطيسن بلة ارتطام
الرصساص بالجدران وارتداده بمختلف التجاهات يشهسد على ذلك سسجادة بخارى عندنسا ل يزال فيهسا عشرون أو
ثلثون ثقبا أحدث ها الر صاص المر تد .وازداد الط ين بلة على بلة بوجود أرب عة شرطي ين على ال قل خارج المنزل
وهنا أود أن أسجل جبن النقيب في سلح الطيران الميركي رتشرد أي رول .فقد أعطيته أمرا مباشرا بالخروج
من الباب الخل في والتعا مل بالنار مع الشرطي ين .ف هل تعلمون ما قاله لي؟ «إخرس واذ هب إلي هم أ نت يا را عي
البقر،فلست على استعداد لن يثقب الرصاص قفاي لساعد رجال وكالتك المخنثين» .هكذا قال لي بالحرف.
وشعرنا بنوع من الراحة المضحكة عندما رن جرس الهاتف وكان المتكلم ارك درايك من شركة النفط اليرانية
البريطانية (لحقا السيرارك درايك رئيس شركة «بريتش بتروليوم») .رد جيم جيانتي على المخابرة وسمعته يقول:
«إن نا منشغلون قليلً الن» .ثم شرح باقتضاب ما يجري وقال« :إن هم يطلقون النار علي نا الن والر صاص يتطا ير
في كل التجاهات .أشكر لك مخبابرتك ولكن من الفضل ان اقفل الخط لنهم يطلقون النار علي مباشرة».
وهكذا في الواقع أزت رصاصة فوق رأس جيم وحطمت قنديلً سقط حطامه أرضا .وتوقف اطلق النار داخل
المنزل بينمسا اسستمر بغزارة خارجسه حيسث كان دك رول (ذلك الجبان الذي عصسا أوامري المباشرة) يتعامسل مسع
المتسللين اما الصوت في الداخل فكان من يراننا نحن ومن متسلل واحد يغطي فرار رفاقه من نافذة مكتبي ليساعده
ا ستمر اطلق النار اثنت ين وعشر ين دقي قة ح سب توق يف ستيف ول كن تلك الفترة من اطلق الر صاص ال حي
انتهت المعر كة وفر المهاجمون (بسيارة الشرطة دون ريب) فيما سجل حسني ما أراده .تركني ستيف استقبل
أ صدقاءنا في المفوض ية وتو جه بال سيارة لمقابلة ح سني الذي وجده يف يض فرحاص وحبورا.كان يقه قه جذلً ول كن
عند ما بادره ستيف بالقول« :أ نا على يق ين من ا نك دهش بت لرؤي تي» أدرك مغزى الكلم فورا وبدت عل يه إمارات
الندم.
أجاب حسني« :كل يا ستيف،فما زلت بحاجة لك،العالم كله بحاجة لك ! فها قد بدأ عملنا الن» .وتمتم بشيء عن
كيسف ان حادثا صسغيرا قسد تكون له نتائج مقبولة وان حادثا أكسبر تكون له نتائج أفضسل .وعليسه خرج سستيف دون
90
مرت ال سابيع ب عد ذلك ب سرعة وتر تب علي بالط بع تف سير أشياء عديدة ول كن متا عبي جاءت ن سبية نظرا ل
بقائي رؤ سائي على بي نة يوميا تقريبا من نشاطات نا.ولم يتوان ستيف كيلي عن تح مل اللوم ف قد بلغ وزارة الخارج ية
بأنه كان على علم بكامل العملية منذ بدايتها وبأنه ما زال موافقا عليها وبأنه إذا كان لوزارة الخارجية رأي مغاير
لحسن الحظ جاءت تقارير الصحف في طول البلد وعرضها متضاربة ومشوشة إلى حد أن وكالة الستخبارات
المركزية ووزارة الخارجية صارتا على استعداد للقبول بأي رواية من قبلنا .تضمنت برقية نك الولى فقط«:نرجو
أن يكون كل منكم انت ومعاونوك بخير» .وبعد اسبوع اتبعت ببرقية أخرى أكثر جدية ورد فيها«:اننا نتوقع ان تعد
تقريرا مفصلً عن تأثير الهجوم على منزلك وما سيتبع ذلك في مواقف كل من حكومتي الوليات المتحدة والتحاد
في تلك الثناء كان حسني يستغل الوضع إلى أقصى الحدود .فقد صور الهجوم على منزلي في وسائل العلم
على أنه اشارة واضحة إلى ما يمكن أن يحدث لجميع الدبلوماسيين الجانب إذا لم يحصل تشدد في ضبط المن في
دمشق .ودعم تحذيره هذا «بتقرير سري» استقاه من «مصدر موثوق بصحة معلوماته» (ليس من ستيف ول مني)
أدرجت فيه أسماء اثنتي عشرة شخصية مدعيا تارة بانها «مستهدفة» من قبل الشيوعيين وطورا من قبل الخوان
المسلمين .ثم استدعى قادة اللوية للبحث في الوضع المني العام وفي شتى وسائل دعم حكومة الرئيس القوتلي؟
وبالتالي تفادي الحاجسة إلى التخلص منهسا كليا» .وأخيرا «كشسف النقاب» عسن عدة فضائح داخسل الحكومسة علم بهسا
أثناء تول يه من صب قيادة لشر طة وأ صر على و صول تفا صيلها إلى مختلف أفراد الج يش ال سوري من أ جل زيادة
التذمر منها في صفوفه .أما المعلومات الوحيدة التي حصل عليها مني أو من ستيف لم ساعدته في هذا الشق من
استعداداته فكانت تقريرا صحيحا من مركز وكالة الستخبارات المركزية في سويسرا جاء فيه أن وزير الدفاع أحمد
ك نا على اقتناع مقبول بأن ح سني لم يف صح عن أي ن ية انقلب ية أمام أ حد من قادة اللو ية مع العلم بأن خط ته
شملت هم دون علم هم .ول كن أ سر لي مرة صديقي أد يب الشيشكلي بأن ح سني أل مح من بع يد إلى احتمال كهذا.و من
أ جل م صلحة ومعلومات المؤرخ ين في الم ستقبل أرى من وا جبي القول بأن القادة الرب عة كانوا أد يب الشيشكلي
(جركس) ومحمد ناصر (علوي) وبهيج كلس (مسيحي أزرق العينين وأشقر الشعر) وشوكت شقير (لبناني درزي
وأ حد اقرباء زو جة آرت شي ال سفيرة سلوى شق ير روزفلت) ولم ي كن أي من هم عربيا تماما ،ح سب ت عبير آرت شي ،
والهم من ذلك ان احدا منهم لم يكن منحمسا لقتال الجيش السرائيلي المرعب رغم حداثة تكوينه.
91
ل بد هنا من كلمة عن أديب الشيشكلي .كان حسني الزعيم صديق ستيف .أما صديقي أنا فكان أديب الشيشكلي
وهسو محتال محبوب فسي سسجله نقطسة واحدة لصسالحه :حسسب علمسي اليقيسن انسه لم يطأطسأ الرأس مرة أمام صسنم
منحوت .أ ما من الموبقات ف قد أرت كب التجد يف والك فر والغتيال والز نا وال سرقة ولم يتوان عن توج يه التهامات
الكاذ بة (دائ ما في خد مة قض ية ان سانية) .أ ما القول بأ نه لم «يش ته» مقتنيات جيرا نه المختل فة «ف شح في ا ستعمال
الحقيقة» حسب قول شاهد في احدى محاكم استراليا .وإضافة إلى خطاباه العادية هذه تعاطى الحشيشة بين آن وآخر
وتناول من الم سكرات مقاد ير فا قت ما يتنا سب مع و صفات الطباء .وخلل زيارا ته المتقار بة لل سجون «ا ستطاع
مراودة بعض رفاقه عن انفسهم» كما جاء في احد تقاريري إلى القيادة العامة .ولما كان نك ما يكلسون هناك يتتبع
باهتمام كبير صداقتي مع تلك الشخصية الفذة في «الثورة السورية المقبلة ،شدد على تلك النقطة في التقرير وأشار
في برق ية لي بأ نه «إذا ما كان عندي البرهان الك يد عن ها» ل بد من ت سجيلها من أ جل احتمال ا ستعمالها للبتزاز
وأ ما من ح يث ايجابيا تة فيتحّ تم عل يّ القول بأن ني عر فت به رجلً كريما ح تى الجنون ووفيّا في صداقتة (م عي
ومع ستيف مثلما مع الخرين) كما أنه لم يكن دنيئا أمام مغريات المال .في الساعات الولى من صباح يوم الحد
في 27شباط ،1949وقبيل ان يبصر ابني الثاني نور ذلك النهار سقطت زوجتي عن فراشها .ولما تأخر وصول
سيارة السعاف لنقلها إلى المستشفى اتصلت بأديب هاتفيا وما هي اإلى دقائق حتى رأيته أمامي وقدتعتعه السكر في
ليلة ش به بيضاء .فنقلنار زوج تي إلى المق عد الخل في في سيارته ال كبيرة وتوجه نا إلى الم ستشفى .جلس م عي أد يب
وأخذت ال صحوة تدب ف يه م حل ال سكر ح تى جاء إب ني إلى هذا العالم وزال الخ طر عن زوج تي .وجاء في سجل
الولدات في دمشق اسم أديب أسما ثانيا ل بني ايان كوبلند المدير المسرحي الشهير في نيويورك حاليا والوحد
بين أولدي الذي ل يزال يتكلم العربية والمعروف باسم أديب بين أصدقائه الكثر في بيروت.
دأب أديب ،قبل بضعة أشهر من مولد أيان وحتى قيام انقلب الزعيم ،ينبئني بشكوكه من ان لذى حسني الزعيم
«صديق ستيف» شيء أكبر من مجرد عصيان في الجيش .أما ستيڤ الذي سبق له أن اجرى عدة مقابلت مع اديب
حثا فيها الوضاع في العمق (أحاديثي مع أديب كانت في معظمها استرخائية واجتماعية الطابع) فسرعان ما أدرك
أن اديبا ،وان كان ينقصه حضور واطللة حسني وعلى الرغم من انه ليس الرجل الذي سيقبل به الشعب بديلً عن
شكري القوتلي ،فهو أذكى من حسني بعشر مرات وسيتحكم بكل حركاته وسكناته فور اعلن الحكومة الجديدة .كان
ستيف على حق ف ما ان ا ستلم ح سني الزع يم زمام الح كم ح تى تحولت مقاليده تدريجا لم صلحة أد يب إلى ان ترأس
هسسو ،وان ببعسسض التردد (كمسسا سسساوضح لحقا) انقلبا قام بسسه فسسي تشريسسن الثايسسن (نوفمسسبر) عام
. 1951
92
ا ستمر اد يب الشيشكلي في الح كم ثلث سنوات وعند ما انهار حك مه فر إلى بيروت ومن ها إلى الممل كة العرب ية
السعودية ثم إلى باريس في طريقه إعلى البرازيل .يعود إصراري على انه لم يكن «دنيئا أمام مغريات المال» إلى
ما بات ثابتا الن انه لم يحصل من السعودية على أك ثر من بض عة الوف من الدولرات بعد لجوئه إلي ها.وإلى انه
حين زرته في باريس كان يقيم في غرفة في فندق يقع على الضفة اليسرى يقدم لنزلئه وجبة الفطور فقط،ورفض
قبول أي مسساعدة ماليسة منسي ولكننسي دون علمسه حاسسبت الفندق لمدة شهسر فجاءت الفاتورة أكثسر مسن 500دولر
بقليل.
جاء في احدى الفقرات ال سابقة ،ق بل أن ي سبح ي الخيال في ب حر ذكريا تي الحلوة عن أد يب الشيشكلي ،قلت إن
حسني الزعيم قدم اسهامين بالغي الهمية في استعداداته للنقلب :الول حملة اعلمية تشهيرية برربها النقلب،
والثا ني الطري قة التي حال بها دون ت سرب أي معلومات عن مخططه ق بل بلو غه مرحلة من التقدم يع جز معها أي
كان عن احباطه.
وإلي كم الطري قة ال تي اتبع ها .في ساعة متأخرة من ليلة النقلب أ خذ اثن ين من ال سكرتارية الذكور في وزارة
الدفاع (أحدهما عميلي فيها!) وصعد بهما إلى الطابق الخير وجعلهما يكتبان على اللة الكاتبة أوامر تنص على ما
معناه:
ايها الجنود والمواطنون ،لقد دقت الساعة العظيمة في تاريخ أمتنا البية! ها قد بدأ عهد جديد الن! انتهينا من
الف ساد .سقطت د مى ال ستعمار والشيوع ية (عبارة الشيوع ية أضي فت إرضاء ل ستيف بدون معرف ته) .وللمرة الولى
...ومضى البيان ينسج على ذلك المنوال .لم يكن قطعة ادبية رائعة ولكنه وفى بالغرض المنشود ،خصوصا وان
اذاعة دمشق أضافت عليه التعابير البليغة التي أعلن بها حسني انقلبه مضيقا بأن الحكومة لعسكرية انما هي مؤقتة
وستزول لدى امكان اجراء «انتخابات حرة حقا» .واستطرد البيان باصدار الوامر المحددة :على الوحدة الفلنية أن
تفعل كذا وعلى الوحدة الخرى ان تنفذ كذا ،الخ .وضعت الوامر في مظاريف لتسلم إلى قادة اللوية الربعة على
أن تفض بحلول منتصف الليل وليس قبلة على الطلق .طبع السكرتيران الرسائل حسب أوامر حسني الذي استلمها
وخ تم المظار يف بنفسه ثم قاد الرقيبين إلى خزا نة أعدت م سبقا في الطابق نف سه وزج به ما في ها لما تب قى من تلك
الليلة وبر حا ف ها من سيين ح تى تم كن عميلي من تحط يم باب ها ب عد ظ هر اليوم التالي والخروج من ها ليرى الوزارة
مهجورة ويسسمع الهازيسج فسي الشارع ويتصسل بسي هاتفيا ليعرف مسا فاتسه مسن أحداث ويعتذر عسن عدم موافاتسي
بالتطورات في حينها.
93
قبيل منتصف الليل استلم قادة اللوية الوامر في المظاريف المختومة ولما لم يكن لديهم أي فكرة عن محتواها،
وكان الو قت قد تأ خر ليقدروا ان يفعلوا أي ش يء إذا كان المحتوى ل يروق ل هم ،أخذوا ينتظرون بدرجات متفاو تة
حلول الوقت المحدد لفتحها .ولما فتحوها رأوا ما تضمنته من تعليمات واضحة وملحة بحيث تعذر عليهم التصال
ببعض هم الب عض للتشاور في ها فهرع كل وا حد من هم لتنف يذ ما أ مر به .كان على الب عض إلقاء الق بض على رئ يس
الجمهورية وعلى غيرهم القاء القبض على رئيس مجلس الوزراء وعلى فريق آخر احتلل محطة الذاعة ومحطات
* * *
على مدى عقد ين من الز من اعتمدت وكالة ال ستخبارات المركز ية تدر يس خ طة ح سني ال تي نفذت بد قة كد قة
ال ساعة .وهكذا أفا قت دم شق صباح اليوم التالي على انغام الني شد الوط ني ال سوري المنبع ثة من دار الذا عة تله
ت سجيل ب صوت ح سني الزع يم أعلن ف يه ا نه تولى ال سلطة و سيستمر في الح كم ح تى إمكان اجراء «انتخابات حرة
قضيت الشهر القليلة المتبقية لي من مهمتي في سوريا منكبا على دراسة العبر البدائية إلى حد ما التي توصلت
إليهامن عملية حسني الزعيم ومن مجمل موضوع «التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة» .وخلل فترة
انتظاري للمهمة اليت سسأتولها في واشنطن كتبت عددا من التقارير عن الموضوع وجهت منها واحدا إلى وزارة
الخارجية دون توجيه نسخة منه إلى وكالة الستخبارات المركزية ،عالجت فيه نقطتين .الولى انه ليس في طوقنا،
بصفتنا أجانب ،فعل شيء لمساعدة دولة مثل سوريا للصيرورة والديمومة عضوا صالحا في ما درجنا على تسميته
العالم الغربي إل إذا كان ما نفعله قائما على تفهم عميق لعدم الستقرار السياسي المزمن الذي يترتب مواجهته على
حسسني الزعيسم أوة على أي زعيسم آخسر فسي البلد ،عسسكريا كان أم رئيسسا منتخبا .ووضعست فسي تقريري تاريسخ
اللمبالة الشعبية الطويل في سوريا وبروز التحالف بين ضباط الجيش الشباب وبين أفراد المجموعة المثقفة الناشئة
بيسن صسفوف الطبقسة الوسسطى مسن الشعسب» التسي دأب الضباط السسياسيون فسي مفوضيتنسا على تنميتهسا وتشجيعهسا
وأوض حت أن الحباطات الشخ صية والحقاد القدي مة والتباينات الجتماع ية الخرى ستؤدي بالتأك يد إلى ن سف أي
محاولة باتجاه قيام حكسم مسستقر بغيات بدائل قابلة للحياة.إن أي حكسم يواجسه مثسل تلك الضغوطات سسيرى ان عليسه
ا سداء وعود يعلم تماما با نه غ ير قادر على الوفاء ب ها وعندئذ ت كر ال سبحة على غرار انقلب ح سني الزع يم فيأ تي
قائد تلو قائد حتى يجيء واحد بارع في الكلم والديماغوجية فيعلق الشعب آمالة عليه،ولكن ينتهي به المر إلى إلقاء
تبعة فشله في عدم تحقيق الوعود على عاتق فريق آخر مؤهل لتحميله تلك التهامات مثل «الرأسمالية والستعمار»
94
أ ما النق طة الثان ية وال تي برزت على ان ها ال هم في التقر ير المذكور فكا نت ان نا بحا جة إلى تق هم أف ضل س بل
بالحرى إلى مجردتف هم س لم يحت مل أن يفعله الش عب ال سوري أو شعوب مج مل «العالم غ ير الغر بي» باحباطات هم
وبأ سباب تواترات هم.وإذا كا نت تلك الشعوب بخلفيات ها الحضار ية وأنماط دوافع ها الناب عة من تلك الخلفيات ستلومنا
يوما على ما هي ف يه من اشكالت و صعوبات ف سيتخذ موقف ها المعادي للميرك ية شكلً مختل فا من ش كل العداء
الورو بي للميرك ية ،إذا جازت المقار نة .ولو كا نت ت صرفات تلك الشعوب على غرار ت صرفات الوروبي ين لهان
نسسبيا التكهسن بهسا سس بسل وحتسى التأثيسر فيهسا» ( ابقسى كيلي على هذه العبارة فسي التقريسر رغسم اعتراض ضابسط
المفوضيسة السسياسي عليهسا) .وقلت فسي التقريسر أيضا لو «اسستطعنا نقسل كسل السسويسريين إلى سسوريا وحمسل كسل
السوريين إلى سويسرا لكان بين ايدينا مجموعة مختلفة تمام الختلف من مشاكل العلقات الدولية» .بالطبع سيبقى
الخلف بشان ا سرائيل قائما ول كن سيكون بمقدور نا حلة بطري قة عقلن ية ما ،عوضا عن الع مل المض ني في جو
تبين لنا في أكثر من نادرة حصلت داخل مفوضيتنا ان تقاليد وطقوس وسلم القيم والربط بين الفعال والنوايا لدى
السسوريين تختلف اختلفا جذريا عنهسا عندنسا .وجاء البرهان الحسسي على ذلك أثسر فكرة بسسيطة طلع بهسا المحلق
الثقافي بوب اوغدن اذ اقترح تبادل الصور الموقعة بين الرئي سين ترومن وحسني الزعيم.إنها لفكرة عظيمة قابلها
ح سني بحماس عند ما طرح ها ستيڤ عل يه فتناول فورا صورته باللباس الع سكري تز ين صدره خم سة ع شر أو
عشرون وساما وسلمها لستيڤ بعدأن وقعها بالعربية إلى جانب آية قرآنية كريمة كتبت بخط بديع.بالمقابل رحبت
واشنطن بالقتراح وأرسل ضابط العلقات العامة في البيت البيض لبوب اوغدن صورة للرئيس ترومن مشمرا عن
ذراعيسه يعاون زوجتسه،بسس،بتنشيسف الطباق فسي مطبسخ منزلهمسا العائلي فسي مسسقط رأسسه انديبندنسس فسي وليسة
ميزوري.
تعذر عينا العثور على سبب مقبول نتذرع به لعدم إرسال صورة حسني تلك إلى واشنطن (لم يكن لدى ستيڤ ما
يك في من الشجا عة ليشرح لح سني ال سباب ال تي حملت نا علىالتقد ير بان ها لي ست من النوع المنا سب إر ساله إلى
واشنطسن) فتسبرع سستيف بتقديسم صسورة تروم مسن المعلقسة على الجدار خلف مكتبسه.نزعناهسا عسن الجدار وبمعاونسة
سكرتيرتي روز وال سكرتيرة الم سؤولة عن الختام والتواق يع في وكالة ال ستخبارات المركز ية في دم شق محو نا
تحيات ترومسن الشخصسية لسستيف واسستعضنابآية مناسسبة مسن الكتاب المقدس ترجمهسا يوسسف دبوس إلى العربيسة
باسسلوب أنيسق.سسرور حسسني بالصسورة وامتنانسه لهسا لم يقابل بالمثسل لدى زعمائننسا المنتخسبين فسي واشنطسن.ألقوا
95
عليهانظرة واحدة واستنتجوا بأن أسوأ تقديراتهم قد تحققت :لقد جئنا إلى سدة الحكم فس سوريا بعسكري فاشي.من
ناي حة أخرى لم نرد بالقول بان نا لو قدم نا لح سني صورة رئي سنا المر سلة إلي نا من ق بل الب يت الب يض لقال ح سني
وكان هناك أيضا الستاذ داوود،استاذ اللغة العربية في المفوضية ،وأجوبته عن أسئلة فضولية طرحتها عليه في
أحد دروسنا.ينتمي الستاذ داوود إلى طبقة ذوي الياقات البيضاء (عمل عير يدوي) القليلي العدد في سورية الذ ين
يجرأون على التحدث بالمواضيع السياسية.أخبرنا الستاذ داوود مرة بأنه ينتمي إلى حرب البعث الذي أسسه ميشال
عفلق.والستاذ داوود أكثر إلماما بما يجري في العام من خريج حامعة أميركية عادي.سألتة عن رأيه بالمصاعب
التي تواجه حكم حسني الزعيم وعن رأيه في معالجة الحكم لها .جاءت أجوبته تنم عن حسن الطلع وعن سلمة
في التفكير وعن نقد ذكي.وعندما سألته عما كان ليفعله هو حيال تلك المشاكل لو انه في موقع مستشار عند حسني
الزعيم ،أغرقني في فيض من الجوابة الخياية والسيناريوهات المستوحاة مباشرة من حكايات السندباد.
منذ مجيء حسني الزعيم إلى الحكم وحتى انتهاء فترة خدمتي في دمشق في أواسط العام 1950كنا عاطلين عن
الع مل كليا لول ما أ سماه شر من ك نت «ال ستخباراتية الخل قة» .يقال ان رأس البطال مع مل الشيطان .صحيح،ل قد
فكر نا أن قليلً من «ال ستراتيجية الخل قة»المفيدة قد تتم خض عن ها عقول نا العاطلة عن الع مل ن سبيا شرط أل ين تج
عن ها أي ضرر جا نبي .في الوا قع عند ما أخذت أل فق التعار ير نيا بة عن مختلف الملحق ين بالمفوض ية لم أ كن أق صد
سوى التسلية البسيطة وإشباع رغبتي بالكتابة الدبية بسخرية لذعة.وبمرور الوقت تحول هذا النشاط البريء إلى
وسيلة مثالية أسمع بها حكومتناما يجب ان تسمعه ل بعادها عن ارتكاب بلهة ما فيما اضمن تقاريري الموجهة إلى
توفرت لي فرص القيام بذلك إثر فرض البنتاغون علينا إرسال تقرير اسبوعين صار يعرف باسم «ويكا» وهو
عبارة عن مخت صر للحداث تعده لج نة تلتئم صباح كل يوم جم عة وتتألف ( في مفوضيت نا) من المل حق الع سكري
وملحق السلح الجوي وضباط الشؤون السياسية في المفوضية ورئيس الفرع المحلي لوكالة الستخبارات المركزية
والوزيسر المفوض جيسم كيلي.بالطبسع احتفظست بمعلوماتسي الهامسة حقا للقنوات التسي أرسسل بهسا وإليهسا تقاريري
الجدية.ولكنني استعملت ظويكاز وسيلة للتعبير عن العرفان بجميل صديقنا ملحق سلح الجو جيم جيناتي لسماحه لنا
باستعمال طائرته الفخمة.يحمل جيم شهادة دكتوراه بالفيزياء النووية وله عقل معقد يتناسب معها كما أن اتقانه الرائع
للغسة النكليزيسة يأتسي فسي المرتبسة الولى اكاديميا ولكنسه ل يتناسسب مسع ضوابسط اللغسة المسستعملة فسي البرقيات
الحكوم ية.لذلك كا نت تقاريره بأ مس الحا جة إلى م ساعدة لج هة التحر ير فك نت بمنت هى ال سعادة أبادر للقيام بمه مة
96
تدبيجها عنه نظرا لنني رأيت ان تحرير التقارير التي ترسل إلى قيادته وليس إلى قيادتي يتيح لي فرصة فريدة ل
طلق العنان لمخيلتي في السعي ليجاد وسيلة لردم تلك الهوة الحضارية.
الفت بعض التقارير الباهرة فنالت حقها من تقدير جيم وكانت النتيجة انني حصلت على رحلت بطائرته أكثر
مما حصل عليه كيلي بنفسه،وصار موظفو المفوضية المؤيدون لي ولجيم يشاركوننا في رحلت آخر السبوع إلى
طهران أو كين يا أو فيي نا أو أي مكان نقرر زيار ته فجاة دون سابق تخط يط له.ولهذه الرحلت تف سير:فل كي يح صل
جيسم على دراهسم«بدل طيران» كان عليسه ان يطيسر عددا معينامسن السساعات فسي الشهسر فرأى ان مسن الفضسل له
ول سلح الطيران الذي يم ثل اكت ساب مودة أفراد المفوض ية عوضا عن الدوران ساعات طويلة فوق دم شق.و صار
يأتي كل يوم خميس تقريبا يقف بباب مكتبي مبتسما كطالب ينتظر عطلة نهاية السبوع ويسألني«:هل من اقتراحات
جديدة؟»
لم يخل المر بين آن وآخر ان استعملنا الطائرة صبيانيا إلى حد ما ومنها مرة انزلنا فيها الستاذ داوود بالمظلة
في منت صف الليل وفي قلب ال صحراء ح يث سيعثر على معلومات هامة يعود بها إلى المل حق العسكري الذي أ خذ
ي ستخدمه «عميلً» له(.عند ما جاءنسا مف تش من سسلح الطيران مسن واشنطسن واعترض على العمليسة لنهسا «غيسر
مجازة« اضافة إلى ان جيم قاد الطائرة وهو تحت تأثير المسكرات ،أجابه جيم«:اسمع يا بني،لقد قضيت من ساعات
الطيران وأنا سكران أكثر مما قضيته أنت وأنت صاح») .وفي مجمل الحالت اثبت التعاون بني مكتب ملحق سلح
ال جو ومك تب وكالة ال ستخبارات المركز ية ا نه أفاد الفريق ين .فع ند عود تي إلى واشن طن عل مت بان التقار ير ال تي
أعددتها نيابة عن جيم وباسمه اعتبرت أفضل بكثير من تلك التي أعدها بكل صدق واخلص أفراد لجنة «ويكا»
ف تح ا ستخدام المل حق الع سكري لداوود «عميلً» له مجالت جديدة متعددة.فب عد ان انزلناه بالمظلة في ال صحراء
ق ضى الم سكين ا سبوعا كاملً ح تى اهتدى إلى طر يق العودة إلىدم شق واكت شف خلله ان خد مة سيدين معا ،وأ نا
أحدهما ،هفوة فادحة .صباح يوم الثنين ،وبعد عودته من نزهته الصحراوية ،دخل الستاذ داوود مكتبي باكيا ليقص
علي الحكاية كاملة كيف ان «العقيد ماثيسون» ( حتلى ل أذكر اسمه الحقيقي) هدده بأنه سيفقد وظيفته التعليمية إن
هو لم يقدم الخدمات الضاف ية المطلوبة دون زيادة في الرا تب.وقال وهو يجهش بالبكاء«:يريد ني أن اتجسس له»،
وأضاف بأ نه ل يتم تع بالهل ية اللز مة للع بة لتج سس فضلً عن ا نه يفت قر إلى الم صار اللز مة ال ستقاء ما يطل به
العق يد ماثي سون من معلومات.وال سوأ من هذا ا نه خ شي من ا نه إذا ازداد فضوله ب ين معار فه من ضباط الج يش
ستنقض عليه المخابرات المعروف ان أفرادها يتعاطون بقسوة مع أمثال داوود ويخاطبونهم على النحو التالي«:انت
تجمع معلومات عسكرية لذلك العقيد البله في مفوضيتكم؟» هكذا ي صرخون بوجهه ثم يقولون«:كلم فارغ.ل شك
97
في انك تتجسس لذلك الخواجا في وكالة الستخبارات المركزية وتزوده بالمعلومات ليرسلها بدوره إلى أصدقائه في
اسرائيل».
كان قبول داوود بمسا عرضنسا ه عليسه مسن معلومات مزعومسة سسيحصل عليهسا فسي الصسحراء عائدا إلى شعوره
بالبأس .أما الن وقد اكتوى بما حصل له في السبوع السبق صار يحسب أنني بما لي نفوذ خفي استطيع انقاذه
ولكن خطرت لي فكرة أفضل.قلت للستاذ داوود«:إذهب إلى العقيد ماثيسون وقل له بأنك ل تستطيع القيام بعمل
جا سوسي احترا في لح سابه إلا إذا كان لذ يك م خبرون دالخ الحكو مة نف سها ،وا م ثل هؤلء الم خبرين يكلفون مبالغ
طائلة .لذلك ل بد لك من ح ساب للنفاق» .ع ند ذ كر ح ساب النفاق هذا لم عت عي نا داوود .ول ما أف صحت له عن
افكاره س بانه ليس بحا جة إلى مخبرين وان بامكانه الحتفاظ لنفسه بأموال حساب النفاق تحول بريق عينيه إلى
نشوة.وقلت له ان باستطاعتي تزويده بكفايته من «الجواسيس» لتسريب معلومات أفضل لذلك التيس العجوز وأكثر
مما توقعه منها .ابتسم داوود جذلً وخرج متمتما يندب افتقاره إلى التعمق الكافي في اللغة لتمكينه من انجاز تأليف
الكتاب الدراسي المطلوب منه لتعليم الدبلوماسيين الميركيين اللغة العربية .
اكتشفت ان سعة المعلومات قد تحمل صابحها عيئا ثقيلً .وسرعان ما أبلغت المفوضية كلها بالمشروع فصارت
«ويكا» أشبه بالمزحة .وعندما حاصرني ايغور فيدرنكو في احدى الحفلت الدبلوماسية ليسألني«:ما هي تلك الويكا
عندك ؟» كدت وبكل جدية أن اقايضه بها مقابل التقرير السبوعي المشابه الذي بلغني أن السفارة السوفياتية ترسله
إلى المعنيين في موسكو.على كل حال وطيلة الفترة التي بقيت لي لمغادرة دمشق كانت «ويكا» التسلية الوحيدة لنا
جميعا،بما فينا جيم كيلي ،نحول بها أفكارنا عن القضايا الجدية التي ترسل عنها مختلف فروع المفوضية ،باستثناء
أما سكرتيرتي روز فهي على مهارة فائقة في استنباط حالت تجسسية خيالية حتى انني ارتبت في انها تكتب
روايات جا سوسية وبولي سية ،مهمت ها تلف يق اجراءات بتعي ين أو طرد أو «تحي يد» م صادر للمعلومات بغ ية تبرير
رصد المال لحساب داوود وجعله يبدو على انه يقدم الخدمات التجسسية الجليلة .وكانت التقارير تكتب بلغة انكليزية
بليغسة ثسم تترجسم إلى انكليزيسة داوود الركيكسة ونشارك جميعا بوضعهسا باسستثناء ديسن هينتون الذي كانست له أسسبابه
الغري بة لعدم مشاطرت نا الت سلية.ف هو الوح يد بين نا الذي لم يف تر ثغره عن ابت سامة في كل مرة قا طع العق يد ماثي سون
النقاش الدائر في جل سة لج نة «وي كا» ليقول« :إن لدى مصسادري (لحظوا ا ستعمال صيغة الج مع) قراءة مختل فة
للموضوع» .ل داع للقول بأن التناقضات بين التقارير النظامية الصادرة عن المفوضية وبين «مصادر» العقيد كلها
98
ملفقةً .فقد اعتبر كيلي ان بعض التناقضات في النص تضفي على « ويكا» مسحة من الوجودية الفكرية يستسيغها
كان كيلي على حق وكذلك با قي أفراد المفوض ية ب ما في هم العق يد ماثي سون ،إن ما رغما ع نه .وعلى الر غم من
الوم قف المت كبر الذي يتخذه رؤ ساء المكا تب في وزارة الخارج ية تجاه أي ش يء ي صدر عن الع سكريين ف قد لق يت
تقارير«ويكا» ترحيبا حارا في الخارجية شأنها في البنتاغون كما ان وكالة الستخبارات المركزية نفسها استخرجت
منها من المقتطفات التي ضمنتها تقاريرها إلى البيت البيض أكثر مما استخرجت من تقاريري الكثر جدية .كانت
«ويكسا» مختصسرة وتعالج الموضوع مباشرة وهسي مسع ذلك مشبعسة بتعابيسر يتعشقهسا أنصساف المييسن فسي مختلف
الفروع «:الوسسائلية» عوضا عسن «الوسسيلة» و«المجتمعسي» بدلً عسن «اجتماعسي» و«اسستنظار» محسل «توفسع»
و«الطسر» عوضا عسن «الحدود» هذا إضافسة إلى فيسض مسن العبارات المركبسة مثسل «عكسسية النتاج» و«الطسر
المرجع ية»و«القفزات الكم ية»و«إضا فة ب عد جد يد» و ما يك في من التركيبات الكلم ية لرضاء أك ثر البيروقراطي ين
تزمتا .وإذا ما كان أحدكم أيها القراء يعد رسالة للدكتوراه عن سوريا ما بعد الحرب فعليكم استعمال حقكم في حرية
تأريخا تفيدون منه .انه متناسق مع الحكمة التقليدية في هذه اليام ومع ما أسماه لينين «اسطورة الشعب»كما يحتاج
إلى انتروبولوجي حضاري لتفسير الرسائل والبرقيات التي تعبر عن تقويمنا كاختصاصيين للمناطق التي نعمل فيها.
لم ير ستيف ميد ما يضحك في تنكيتنا على العقيد ماثيسون وعندما ارتفع الضحك في المفوضية إلى أعلى ما
ي ستسيغه ذو قه طلب اعاد ته إلى بيروت ح يث ف ضل الع مل م ساعدا لمل حق ع سكري غبي وجنتل من على الع مل مع
غبي ل صفة أخرى له .وأوضح قائلً :الذوق هو قضية ذوق فقط» .غير أن السبب الحقيقي لقراره هذا هو احتمال
عود ته إلى الع مل مع آرت شي روزفلت الذي كان في أوا خر العام 1949قد ق طع شوطا ل بأس به في ا ستقطاب
أشخاص من الر من والكراد والجراك سة وغير هم من أفراد القليات وتهريب هم إلى دا خل التحاد ال سوفياتي عن
طريق غرب تركيا .وثمة نبذة أخرى ل بد من ذكرها وهي قبول ستيف بتأدية دور «الرائد لينكولن» بطريقة أنقذت
للحكومة الميركية أحد أهم عناصرها الستخباراتية ،أي شخصي الكريم .
وفي ما أخذا ال صحيح والمل فق من الحكايات يتكا ثر في مختلف أنحاء الشرق الو سط عن صعود وهبوط ح سني
الزعيم وكان وليم دوغلس ،القا ضي الظر يف في المحكمة العليا الميرك ية يقوم باحدى جولته المعتادة على نقاط
المغامرات في الشرق الو سط وأوا سط آ سيا .ب عد ولي مة عشاء أقي مت في ال سفارة الميرك ية في طهران ل حظ
القا ضي ان ث مة من ي سترق ال سمع للحد يث ال سري بي نه وب ين ال سفير .كان المتن صت هو ال صحفي الشه ير درو
بيرسون صاحب عمود «أرجوحة واشنطن الدوارة» المتعاقد لنشره مع صحف عديدة في ظاهر المر بدا بيرسون
99
في نقاش حاد مع الضابط السياسي في السفارة ،ولكن القاضي والسفير يعلمان تماما بقدرته على الشتراك في نقاش
في احدى زوايا الغرفة واستراق سمع كل كلمة يهمس بها في الزاوية الخرى .
هنا حبك القاضي أحد مقالبه وراح يهمس في أذن السفير قصة مفادها انه في رحلته الخيرة إلى المنطقة الكردية
فسي شمال ايران كان يشوي اللحسم فوق نار المخيسم فطلع عليسه مسن بطسن الليسل الدامسس رجسل يرتدي ألبسسة محليسة
وعرف عن نف سه با سم «الرائد لينكولن» وأعطاه ر سالة شفو ية لينقل ها إلى ال سفير ثم عاد واخت فى في عت مة الل يل
.وتظا هر القا ضي بأ نه يه مس الر سالة في أذن ال سفير وراح هذا الخ ير ي هز رأ سه ا ستيعابا .في ال سبوع التالي
ظهرت حكا ية «الرائد لينكولن» على صفحات ب ضع مئات من الصسحف الميرك ية وب ضع عشرات ال صحف في
الشرق الوسط ململمة حول نفسها تفاصيل جديدة كلما انتقلت من بلد إلى أخر .
ول ما كا نت ال سفارة الفرن سية في الشرق الو سط على علم من سجلت دوائر ا ستخباراتها بأن ني ا ستعملت ا سم
«الرائد لينكولن» المسستعار فسي الحرب العالميسة الثانيسة ،تبادر لهسا فورا بأننسي ذلك الرجسل الذي شاهده القاضسي
دوغلس فسي ثياب مسستغربة الشكسل واللوان فسي شمال ايران .وعليسه راحست تلك السسفارات تسستعلم عنسي لدى
ال ستخبارات اليران ية والعراق ية وغير ها مثيرة اهتمام مختلف دوائر ال ستخبارات والتج سس في الشرق الو سط
ل وعرضا .و سخر صديقي .النشاش يبي من وق ته و هو يحاور جللة الملك ع بد ال عا هل الردن لكتا به مقال
طو ً
طويل في امتداحي على انني أفضل هدية قدمتها أميركا للدبلوماسية في الشرق الوسط ،نشرها في الصحيفة التي
عمل فيها سابقا .وقال لي في اليوم عينه« :عندما تصل أنباء المقال إلى واشنطن عليهم أن يعينوك سفيرا .
من ناحية أخرى اعتمدت اربع أو خمس هيئات أمنية أخرى في الشرق الوسط مواقف مختلفة حيال الموضوع .
فأظهر أديب الشيشكلي اهتماما واضحا وأرسل ستة من الرجال الشداء باللباس المدني لحمايتي على مدار الساعة .
وحذر الم ير فر يد شهاب ،مد ير عام ال من العام اللبنا ني ،آرت شي من أن ب عض ال سفاحين العرقي ين مروا لتو هم
ببيروت في طريق هم إلى دم شق لغتيالي .غ ير أ ني بم ساعدة ن صري الذي ش عر بالندم شي عت معلومات تف يد بأن
«الرائد لينكولن» المشبوه انما هو في الحقيقة الرائد ستيف ميد وليس أنا ،وألمحت إلى انه إذا كان القتلة يريدون حقا
أن تحفر اسماؤهم في التاريخ عليهم اغتياله هو ل انا .واعتبرونا أنا وجيم كيلي ان من الفضل عدم ابلغ ستيف
بالتضح ية الجليلة ال تي قد يقدم ها خد مة لبلده .وك نا على ا تم اليق ين ان با ستطاعتنا العتماد إلى آ خر المطاف على
اخلصه للوطن وعلى شجاعته .على كل الحوال كان ستيف على وشك ان ينقل إلى مركز أخر ،كما كان كيلي قد
اتخسذ كسل الجراءات مسع نظيره فسي بيروت لوضسع سستيف وعائلتسه على أول سسفينة مسن سسفن شركسة «اميركان
اكسبورت لينز» تغادر بيروت علم ستيف بالسهام الذي قدمه لخدمة المصلحة القومية من ضابط في الستخبارات
الفرنسية متوجه على السفينة عينها لقضاء عطلته في فرنسا .وأخذ الحكاية بروحه الرياضية كما كنا متأكدين .وبعد
100
وصوله إلى الوليات المتحدة بعث برسالة عاطفية لي ولجيم كيلي يشكرنا فيها على توفيرنا له الفرصة تلو الفرصة
(على فكرة ،بعد بضعة شهور على الحكاية اخبرني القاضي دوغلس ان اسمي المستعار «الرائد لينكولن» قفز
فجأة من عقله البا طن ،ول عل ذلك عائد إلى ان ني ا خبرته حكايات مثيرة متعددة عن «الرائد لينكولن» خلل لقاءات نا
بغياب ستيف وبا ستغناء أد يب الشيشكلي عن ن صائحنا في برمج ته للنقلبات المتعاق بة ال تي سترفعه إلى سدة
الحكم صارت حياتنا ن حن التنفيذي ين سواء في دم شق أو في بيروت شبي هة بحياة الطالب الداخلي في الجام عة إبان
عطلة ال صيف عند ما يكون الطلب الخرون قد ذهبوا إلى بيوت هم .وانت هى بي ال مر إلى الملل من تلف يق تقار ير
«ويكا» صباح كل يوم جمعة .ولما علمت باسم بديلي حولت مواهبي إلى نصب الفخاخ في طريقه .لم تدرج وكالة
الستخبارات المركزية في بداية عهدها على جميع الخبرات السابقة والفادة منها بل كانت المحطة تبدأ من الصفر
كل ما ع ين ل ها مد ير جد يد .ويرى المد ير هذا ان مهم ته جلء الفو ضى ال تي خلف ها سلفه واعداد م سرح جد يد لنف سه
يؤدي عليه دور البطل الرئيسي .أما المدير المنقول من المحطة فيرى المور من زاوية مختلفة .ففي سعيه لجعل
رؤسائه في واشنطن يتحسرون على «اليام الحلوة الماضية» يترك لخلفه ما يكفي من المشاكل والعقد ليشغل في
حلها كل دقيقة من وقته فل يبقى له هنيهة يعيد فيها كتابة التاريخ .من هذا المنطلق حرصت على ان يجد بديلي،
واسمه المستعار والتر سندرسون ،مايلزمه من القضايا الوهمية ليشغله عن محاولة التقليل من أهمية ما قمت به من
أعمال متواضعة.
ل طيبا جدا أمني ته الوحيدة «ال ستمرار في تاد ية الع مل الممتاز الذي ق مت به
وجدت في بديلي ب عد لقائ نا رج ً
وألهمنا ،نحن المستجدين في خدمة وكالة الستخبارات المركزية لمتابعة مسيرتك» ،كما جاء في عباراته المدروسة
بعناية فائقة لبدء تعارفنا .ظننت لبعض اللحظات انه ربما يعني حرفية ما قاله ولكن سرعان ما أضاف بأن نك كان
عودتي إلى واشنطن ومن ان كل ما سيبعث به من رسائل إلى واشنطن سيمر بي قبل بلوغه أي شخص آخر في
الوكالة .قلت له«:إن بقاءك إلى جانبي لن يحسرك شيئا» .وأدركت بأنه استوعب كل معاني ما قلت له عندما رأيته
خلل ال سبوع الول من ا ستلمه عمله ي عد م سرورا بل جذلً المواد اللز مة لداوود لتحويل ها إلى العق يد ماثي سون
101
واشنطن والحيل القذرة
استلمنا وانا وآرشتي روزفلت مراكزنا في دمشق وبيروت في التاريخ ذاته وكذلك حان نقلنا إلى مراكز أخرى
في مو عد وا حد .ول كن وق بل ش هر تماما من اليوم المحدد ل سفرنا إلى الوليات المتحدة انحر فت صحتنا فأ صيب
آرتشسي باضطرابات فسي القلب يبدو انهسا وراثيسة فسي اسسرته ونزل بسي داء اليرقان المعدي الذي ينتاب كسل الذيسن
يقضون فترة خدمة طويلة في الشرق الوسط .وحلت بنا طائفة من التوعكات اللطف وقعا كاللتهابات المعوية أثر
نزهات متعددة قادتنسا إلى قلب الصسحراء فسي سسورياوالردن والعراق ،ل يتسسع مجال هذا الكتاب لذكرهسا.فدخلنسا
ولما ودعنا المستشفى واجه آرتشي المسكين أوضاعا صعبة في آخر أيام خدمته في بيروت .فقد هربت زوجته
مع طبيبها النفساني ،وبعث السفير بنكرتون بتقرير من بيروت إلى واشنطن مفاده أن تصرفات آرتشي «مغمغرتية»
وهي كلمة وافق عليها نك مايكلسون في واشنطن بعد أن أعياه التفتيش في معجمه عن معناها ودون موافقته في
وهكذا تواجدنا في العام 1950انا وآرتشي في الوليات المتحدة ،أنا في واشنطن أعاون نك مايكلسون في فصل
الخيال عن الواقع في التقارير التي بعثنا بها خلل ثلث سنوات ،وآرتشي في نيويورك يراقب برامج صوت أميركا
الموجهة إلى الشرق الوسط وافريقيا .أحببت نك ولكن آرتشي مقته .وكان قريبه كرمت (أو كيم) روزفلت قد تبوأ
مركزاهاما في وكالة الستخبارات المركزية خلق لنا توترات أثرت فينا جميعا وفي آرتشي أكثر منا .إضافة إلى كل
ذلك استاء جدا من الملمات ال تي وج هت إل يه وكا نت آخر كلما ته لي أثناء صعوده سلم الباخرة «اك سكاليبر» التي
أقلته إلى نيويورك انه لن يقو على مقابلة محامي زوجته يطالبه بالطلق في السبوع الول لو صوله ثم قابلة نك
مايكلسون في السبوع التالي .لذلك قبل بالوظيفة التي عرضت عليه في اذاعة صوت اميركا.
وهكذا افترقنا وراح كل منا في طريقه ولكن بقي فكري معه .وبعد أن تركزت في واشنطن حددت لنفسي مهمة
في المم المتحدة تدوم اسبوعين لكي اتمكن خللها من الطمئنان إليه في عمله الجديد .وفي أحد اليام طلبني على
الهاتف وأنا أحاول التخلص من سكرة الليلة السابقة وقال« :لن نصدق ذلك ،ولكني التقيت بفتاة ،صبية ،جمالها يسيل
دمع عينك».
قلت«:أنت وفتاة ،هل حان ذلك لك والحبر لم يجف بعد عن أوراق طلقك؟»
قال«:ل ،أنا جاد في كلمي .هذه المرة انتهى لمر واود أن تتعرف إليها هذا المساء».
سألته :ظكيف شكلها وكيف هي؟ هل تنتمي إلى مجتمع بوسطن؟ أم انها من طبقة المفكرين في نيويورك ؟ أو
102
قال« :كفاك تذاكيا يا حمار .كم من سامي حقيقي قابلت في حياتك؟ اليهود؟ كلهم صقالبة .السوريون واللبنانيون؟
كلهم حثيون .ولكن هذه الفتان صافية ،أعني سامية قح .إنها درزية .حتى أن رأسها قصير!»
صحت في نفسي« :أخذته موجة الغرام!» ثم قلت له« :حسنا سنتناول العشاء معا هذا المساء».
وهكذا تعرفت بسلوى شقير .هل قال آرتشي انها جميلة؟ ما زالت سلوى قرة عين آرتشي وصارت أيضا السفيرة
روزفلت رئي سة دائرة المرا سم في ادارة ري غن ،و هي وان ناهزت الخم سين من الع مر ما زالت ت ستلفت النظار.
فكيف إذا بآنسة تخرجت لتوها من كلية فاسار للبنات وهي في العشرين؟
بعد فترة قصيرة من الزمن عاد آرتشي والتحق بوكالة الستعلمات المركزية وسلوى إلى جانبه على انها أمينة
سره الخا صة وغ ير الر سمية .كان قري بة ك يم في تلك الثناء قد أحدث انقلبا دا خل الوكالة فأطاح ب نك مايكل سون
ورك نه في وظي فة وضي عة في دائرة الت سجيل ،وج عل نف سه المشرف ل يس ف قط على عمليات ج مع المعلومات في
الشرق الو سط وجنوب شر قي آ سيا وافريق يا بل وعلى عمل نا الجد يد في تلك المنا طق المتض من الع مل ال سياسي
والحرب النفسية والحرب القتصادية وكذلك العمال شبه العسكرية .عينت نائبا لكيم لشؤون الستعلمات واعطيت
مجالً وا سعا للطلع على نشاط نائ به ال خر ند لوكارد الم سؤول عن عمليات الق سم ال سرية غ ير المت صلة بج مع
المعلومات .وعمل نا جميعا بقيادة فرا نك واي سنر رئ يس المنظ مة الجديدة ال يت انشئت أثناء غياب نا ،و سميت «:مك تب
تنسسيق السسياسات» ،أي انهسا تحولت إلى الذنسب الذي يحرك الكلب كله .ولمسا كان آل روزفلت وآل دالس أصسدقاء
قدماء ولما كنت على علقة حميمة بالسرتين صارت الزمرة المؤلفة منا نحن الثلثة تشكل فريقا مستقلً .من ناحية
اخرى درج فرانك وايسنر على دعوة كيم إلى مكتبه (مظهرا له الكثير من الهتمام به) للوقوف منه على معلومات
ليس هو في الواقع بحاجة إليها ،أو على دعوتي ودعوة آرتشي للغرض نفسه (متخذا معنا موقف القائد الصارم) فقط
تعر فت إلى ك يم في أوا خر العام 1947عند ما قم نا أ نا وآرت شي برفق ته بجولة على القلع ال صليبية وأمك نة غ ير
مطرو قة كثيرا في سوريا ولبنان .مر على صداقتنا أربعون سنة كان ك يم في ع شر من ها رئي سي والمدا فع ع ني
(يحميني من مختلف الذين عملت بأمرت هم ،وخصوصا من دك هلمز ،الذني لم ينفكوا عن محاولة سلخ جلد رأسي
لسسباب مسا زلت أجهلهسا) .كمسا كان خلل خمسس عشرة سسنة أخرى زميلً فسي العمسل ثسم فسي الخمسس عشرة سسنة
الخيرة صسديقا للعائلة تتقلب صسداقته صسعودا وهبوطا بشكسل متعاكسس مسع أوضاعسي الخاصسة( .كيسم صسديق عنسد
الضيق .عندما أربح مليون دولر تسمعه يقول ل صدقائنا المشتركين« :انني قلق على مايلز».عندما أخسرها يقف
بجا نبي و هو على أ تم ا ستعداد لعطائي كل ما يملك ب ما في ذلك القم يص الذي على ظهره .و قد أشار علي اب نه
103
جونا ثن ممرة بأن أذ هب إلى أب يه ببدلة ر ثة وأد عي الفلس وا ستدين م نه عشرة آلف دولر فتعود عندئذ علقت نا
إلى سابق عهدها ويرجع كيم فيدخل حياتي من جديد صديقا ومحسنا).
إبان غيابنا عن واشنطن ،أنا في دمشق وآرتشي في بيروت ،حدثت أشياء كثيرة كان البعض منها على مستويات
رفيعة داخل الحكومة حيث اشتد التنافس على السلطة والنفوذ في أعقاب إصدار مجلس المن القومي القرار رقم م.
أ .ق 4الذي حدد لوكالة الستخبارات المركزية صفتها الرمية ،وقرارات أخرى لحقة مبنية على ادراك الحكومة
المفا جئ بأ نه وإذا كان علي نا أن نجا به «النشاطات ال سرية الشريرة ال تي يقوم ب ها التحاد ال سوفياتي لتشو يه غايات
ونشاطات الوليات المتحدة» فمسن الخرى بنسا القيام ينشاطات شريرة غايتهسا مصسلحتنا.ولكسن لمسا كان هذا الكتاب
سيرة ذات ية ل كتابا عن وكالة ال ستخبارات المركز ية (يو جد ما يك في من ها في ال سواق) فلن أر هق القراء ب سرد
التجاذبات الدار ية ال تي ح صلت نتي جة تلك القرارات ،بل سأركز على التطورات ال تي طاولت ني شخ صيا وأع طت
لدى عودتي من سوريا عام 1950استرعى انتباهي بشكل خاص ذلك التباين الواضح بين نوعية موظفي مكتب
تن سيق ال سياسات ونوع ية أولئك العامل ين في مك تب العمليات الخا صة.فمع ظم موظ في مك تب العمليات الخا صة هم
مثلي من موظفي الستخبارات المحرتفين القدامى في مكتب العمليات الخاصة انضم إليهم بعض الموظفين السابقين
فسي مكتسب التحقيسق التحادي الذيسن التحقوا بنسا بعدالحرب اثسر اسستلم وكالة السستخبارات المركزيسة أعمال القسسم
المختص بشؤون أميركا الوسطى والجنوبية في مكتب التحقيق التحادي ،كان معظم أفراد مكتب تنسيق السياسات
من أ صدقاء فرا نك واي سنر أو آلن دالس الذ ين عادوا ب عد الحرب إلى ممار سة المحاماة أو إلى جامعات هم ،علما بأن
بعضا من الختصاصيين بشؤون مناطق معينة هم أصلً من أساتذة الجامعات .كان معظم موظفي مكتب العمليات
الخا صة يعتاشون من رواتب هم ويقيمون في منازل متواض عة في فرجين يا القري بة .وبالمقا بل بدا لي ان أك ثر أفراد
مك تب تن سيق ال سياسات هم من الثرياء أ صلً وأعضاء في النوادي الفخ مة يقيمون في منازل أني قة في ضاح ية
أ سوق على ذلك مثلً فأقول بأن منزل نك مايكل سون ومنزلي يقعان في مشروع سكني وكل نا يذ هب إلى عمله
يوميا بالباص .أما فرانك وايسنر ودس فيتزجرالد وجوني بروس وغيرهم من كبار مكتب تنسيق السياسات فيقيمون
إلي ال سناتور جون سباركمن وقبالة منزل الجنرال وال تر ب سميث .على ال صعيد الجتما عي يتخالط أفراد مك تب
تنسيق السياسات فيما بينهم وكذلك مع شخصيات مجتمع واشنطن وتظهر أسماؤهم في أعمدة النشاط الجتماعي في
ال صحف الها مة كالواشن طن بو ست واليفني نغ ستار .أ ما موظ فو مك تب العمليات الخا صة فعلى علقات ود ية ب ين
104
بعضهم البعض وخلل وجبات غداء العمل ،كما قامت علقات صداقة حميمة بين البعض منهم أثناء فترات تزاملهم
جئت على أذكسر ذلك لصسلته المباشرة بوضعسي الخاص باعتبار اننسي اخذت ابتعسد عسن مجال جمسع المعلومات
التجسسية واتوجه نحو العمل الخفي نظرا لمواهبي التي شرعت بتنميتها في دمشق وكذلك بفضل كيم روزفلت الذي
قدرها حق قدرها.صباح أحد ايام العلم دخل مكتبي مليونير شاب يشغل وظيفة متواضعة في قسمنا المتصل بمكتب
تنسيق السياسات وقال لي«:إن فرانك ليس مغتبطا للطريقة اليت عالجت بها قصة الباكستان».
سألته«:فرانك؟ أي فرانك؟»
أجاب«:فرانك وايسنر».تساءلت في نفسي عما كان ذلك الفتي يفعله من وراء ظهري بالتحدث إلى رئيسي؟ولما
ألى رأى دهشتي قال« :تحدثنا قليلً في الموضوع أثناء العشاء مساء أمس في بيت آلن».
لم ي سبق لي أن دع يت لتناول العشاء سواء في ب يت فرا نك أو في ب يت آلن ،الذي كان في ذلك الو قت «الم ستر
دالس» بالنسبة لي ،إل كمدعو ثانوي عند أحدهما في حفل استقبال مسؤول مخابراتي كبير في دولة اجنبية .وعليه
فإذا كان مو ظف صغير في مك تب تن سيق ال سياسات متمرن عندي ي ستطيع الثرثرة مع هم أثناء العشاء بشأن أمور
عظمى تهم الدولة بينما أقف أنا في الصف بانتظار مقابلة أحدهما في ساعات الدوام فذلك يعني بأنني أقف في الجهة
بعد ذلك بيومين قامت بيني وبين فرانك وايسنر مشادة كلمية حادة نسيت تفاصيلها ولكني ما زلت أذكر اني قلت
له«:ا سمع يا فرا نك ان نا نتنا قش في موضوع أفه مه تماما بين ما أ نت ل تعرف عنه شيئا على الطلق .فلماذا إذا ل
تكت في ب ما أقوله لك ع نه؟» أح مر وج هه ثم أنف جر في وج هي فانفجرت بدوري وأخبرته صراحة برٍأيي في أفكاره
وب عد ثوان قليلة وف ما ك نت أتع ثر بطري قي إلى مك تبي ويداي على صدغي ت ساءلت :ماذا فعلت ؟» أن ني أ حب
فرانك واعلم انه يحبني ،ولكن ل أحد يكلمه بمثل ما قلته له .لم يكن ثمة عذر لي .ثم قلت لنفسي بأنه سيطردني!
وإذا لم يكن فعلً قد طردني فيجب أن يفعل .فلو حدث معي شيء كهذا لطردت من كلمني على ذكل النحو .وفكرت
بأنني لن أتمكن في الشهر المقبل من دفع بدر اجار البيت ول شراء المواد الغذائية ول تسديد أقساط ثمن سيارتي.
ولن أتمكسن مسن الحصسول على وظيفسة أخرى إل بعسد أن أغرق فسي الديون وتصسبح شيكاتسي مرفوضسة لنهسا دون
مؤونة.
105
ا ستدرت على ع قبي وعدت إلى مك تب فرانكواعتذرت .أعتذرت؟ قلت«:ل ست أدري ماذا دها ني يا فرا نك ول يس
بمقدوري التعسبير عسن مدى أسسفي ،انسك تعرف الموضوع أكثسر منسي بكثيسر .وأعدك بأننسي لم ولن أكلمسك هكذا
ثانية...و» ل أذكر تماما ماذا حدث بعد ذلك ولكن يخيل إلي أنني أرتميت أرضا ورحت أقضم زاوية السجادة ندما
«ل عليك ل تفكر في الموضوع وانني آسف أيضا لني صرخت بوجهك» .أجاب فرانك .
قضي المر ،ولكن أمضيت ما تبقى من بعد الظهر وكذلك المساء والليل بطوله أندب حالي .تصور أنك تتكل
على وظي فة ،أي وظي فة إلى حد ل يمك نك م عه البوح ب ما تعت قد ا نه صحيح أو التم سك بمو قف تعرف با نه الف ضل
ليس فقط لبلدك بل وكذلك لمنظمتك ولرئيسك الذي يعارضك دون أن يقلقه احتمال نزول كارثة به .أدركت أنني في
ذلك الوضع تماما .وصباح اليوم التالي دخلت مكتب فرانك وذكرته بالعتذار الذي قدمته بالمس ثم قلت له بأنني ل
قلت له« :اعتقد بأنني أتكل ماليا على وظيفتي إلى درجة ل استطيع معها القيام بأعبائها على الوجه الفضل إن
تجاه نفسي أو تجاهك وعليه ل بد لي من الستقالة قبل ان اطرد ،لم أقرر بعدما الذي سأفعله .لكنني أعتقد انه من
السهل علي العثور على شيء ما عندما ل أكون تحت ضغط الحاجة من العثور عليه أنا واقع تحت ضغطها».
د هش فرا نك لذلك الكلم ،ول بد ا نه ا ستغرب ك يف يكون المرء بحا جة إلى وظي فة .ف في العالم الذي ينت مي إل يه
عندما يحصل «خلف في الرأي» بينه وبين رئيسه يستقيل فورا لن ذلك هو المسلك المشرف الوحيد.ثم يعود إلى
ممارسة الحقوق أو إلى التدريس في الجامعة أو إلى مزرعته في ماريلند ويبقى فيها حتى يستدعيه رئيس الجمهورية
الجد يد أو وز ير الخارج ية الجد يد فيعود إلى الخد مة.أ ما الفكرة بأن أي ان سان في مر كز م ثل مركزي عل يه اتخاذ
قراراته وفي رأس أفكاره انعكاسات تلك القرارات على استمرار بقائه في وظيفته أو عدمه ،فإنها فكرة يصعب على
استفسر عن أوضاعي المالية ليس من باب التطفل على شؤوني الخاصة بل للوقوف على معلومات اضافية عن
دوافع أحد مرؤوسيه لم يكن قد وقف عليها بعد ،ثم قال« :اسمع إذا كنت تواجه صعوبات في تسديد فواتيرك فسأدع
كيم يحصل لك ترقية جديدة ،وإذا ما شعرت ثانية بأنك ما زلت بحاجة سنجد لك شيئا ما .ل تقلق .لم يسبق لي حتى
ذلك اليوم أن رأيت فرانك مبتسما،ولما خرجت من باب مكتبه استدرت فرأيته يهز راسه ويضحك.
ول ما لم ي كن ث مة ما يغري ني آنذاك لترك وكالة ال ستخبارات المركز ية ،قدرت تطمينات فرا نك خ صوصا وان ها
مقرونة بايماء إلى انني إذا ما بقيت فيها سانتدت للقيام بالعمل الذي طالما حلمت به.اخبرت كيم بما جرى بيني وبين
فرا نك ف قط ل جد ا نه م ثل فرا نك لم ي كن يخ طر بباله ان بعضا من مرؤو سيه بحا جة إلى وظائف هم .ولك نه ،خلفا
106
لفرانك ض من تطمينا ته أشياء م سة إذ قال بي« :ا بق مع نا و سأسهر على ان تسند إل يك مه مة تو صلك إلى مكان ما
خارج الوكالة أو داخلها.ولكن عليك البدء بالتفكير للمد البعيد وليس بكل قضية على حدة كما هي عادتك» .كرر
إشار ته هذه أك ثر من مرة م نذ أن اجتمع نا للمرة الولى :أي أن «التفك ير لل مد البع يد» ي جب أن يكون بمعظ مه في
مجال العمال الخفية ل بمجرد مراقبة عمليات جمع المعلومات السرية التي يقوم بها فرعنا.
انشب هت إلى تلك الشارة م نذ المرة الولى .وبذاك أخذت أق ضي أوقات فرا غي كل ها في مطال عة جم يع التقار ير
والمحاضسر والوثائق التسي ترشدنسي إلى أسسباب انشاء مكتسب تنسسيق السسياسات ودمجسه ل حقا بمكتسب العمليات
السترتيجية ثم استحداث المنصب المسمى نائب المدير لشؤون التخط يط ،وتحولت بعد ذلك إلى دراسة التوجيهات
والوا مر ال تي قادت نا إلى بدا ية المشا كل مع الجناح الي ساري في البلد .وب عد عدة سنوات برزت حر كة تنادي بأن
الع مل الخ في ب حد ذا ته من كر ل يحت مل في مجت مع ديمقرا طي قوي كمجتمع نا ي ستطيع تح مل أي خ سارة قد ي سببها
المتناع عن اللجوةء إل يه .وهكذا در جت عادة إلقاء اللوم علي نا وتحميل نا م سؤولية كل مشا كل العالم ،والدعاء أن
بمقدور نا عدم الهتمام بالعالم كله ،بل وعلى الع كس أن على العالم أج مع أن يتأ ثر بمواقف نا ويقلق من ها .وه نا تجدر
الشارة إلى ان تفكيرنا لم يأخذ ذلك المنحى في أواخر الربعينات وأوائل الخمسينات .فقد منعنا هتلر من السيطرة
على أورو با وأطلق نا خ طة مارشال بق صد ر فع م ستوى معي شة الوروبي ين ،ب من في هم أ صدقاؤنا وأعداؤ نا ال سابقون
على ال سواء ،فارت فع إلى ما لم يبل غه من ق بل،وتحول نا إلى الوقوف بو جه عدو جد يد،عدو للوروبي ين ول نا ،ل ت قل
مطام حه سوءا عن مطا مح العدو الذي قضي نا عل يه .إن نا ل نش عر بحا جة إلى العتذار من أ حد وبأن ل أ حد سوى
الهبل يستطيع منازعتنا في حاجتنا إلى العمال السرية حسب تفسيرنا لها خصوصا وان الهداف التي ترمي إليها
لحظت أيضا مفارقة ثانية .فقد كان من الواضح تماما أن التوجيهات والتعليمات ومثلها السباب الموجبة انطوت
ضمنا على ان من مهام وكالة الستخبارات المركزية «ممارسة الحيل القذرة» .ولكن بدا لي ان أفراد الوكالة الذين
أنيطت بهم مهمة البحث عن وسائل التطبيق أغفلوا التوجيهات وما أنطوت عليه ضمنا .وكان من الواضح اننا فيما
أخذنا نطلق العنان لمخيلتنا في تصور الحيل القذرة لم نعر الغرض منها والغاية التي ستستعمل من أجلها اهتماما
يذكر .فقانون المن القومي الصادر عام 1947نص فقط على ان وكالة الستخبارات المركزية التي خلقت بموجبه
مهمت ها «:القيام بأعمال وواجبات أخرى مت صلة بال ستخبارات وذات عل قة بال من القو مي ح سبما ي صدره مجلس
المن القومي من توجيهات بين آن وآخر» .كما أن التعليمات اليضاحية اللحقة والمتعلقة صراحة بمكتب تنسيق
السياسات حددت مهمتها على انها مجابهة محاولت التحاد السوفياتي والدول الدائرة في فلكة «الرامية إلى تشوية
غايات ونشاطات الوليات المتحدة والدول الغربيسة الخرى» .صسحيح أن كلمتسي «سسري» و«خفسي»لم تردا فسي
107
النصسوص،ولكسن مطالبتنسا بالشتراك فسي أعمال تكتنفهسا السسرية والغموض تضمنتهسا بوضوح الشروط الواردة فسي
القانون المذكور لجهة وجوب تخطيطها وتنفيذها بشكل ل يتضح منه لي شخص غير مأذون له بذلك ان الحكومة
الميركيسة على علم بتلك العمليات أو مسسؤولة عنهسا ،وأيضا بشكسل يسسمح للحكومسة التنصسل منهسا ومسن أى نتيجسة
في حينه تبين لي من موقفي بأن ما كان يطبخ ويمر تحت أنف فرانك وايسنر وكيم روزفلت ليس مسيئا بل يبعد
كل البعد عما حاول خصوم الوكالة الصاقه بها من اتهامات .فلم نكن مطلقا مجموعة من عباقرة السوء نتآمر السوء
على غسل ادمغة العالم والسيطرة عليه بحيل الخرافات العلمية التي تعرض على االشاشات الصغيرة .بل كنا على
العكس من ذلك تماما ،مجموعة أطفال يلهون بألعاب جديدة رخص لهم بالسرقة.
ل قد تمك نت تارة بأوا مر مباشرة من ك يم أو من فرا نك وطورا بفضولي الشخ صي ورغب تي ال سليقية بالتل صص
(«إذا كان المرء ل يسستطيع التجسسس على قيادتسه فكيسف سسيتمكن مسن التجسسس على قيادة أعدائه؟» هذه احدى
فل سفاتي) ،تمك نت من رؤ ية كل المقترحات ال تي مرت بمكتبيه ما ،با ستثناء القل يل القل يل من ها.لذلك ا ستطيع التأك يد
الموثوق إلى حسد مسا انسه لم يمسر مسن تحست أنفيهمسا أي اقتراح تشتسم منسه رائحسة أسساليب الغسستابو أو «ينطوي
على«انتهاك للحريات المدنية» أو يعتبر انحرافا عن مبادئ الديمقراطية .ل شك ان بعض الخطط الخيالية عرضت
ولكننسي اسستطيع التأكيسد بأن أسسوأ مسا يسستطيع أي كان قوله فيهسا،رغسم الجواء السسائدة حاليا مسن حيسث التمسسك
بالخلقيات ،هو كونها بعيدة عن مجابهة «النشاطات السرية الشريرة التي يقوم بها التحاد السوفياتي».
دعو ني ه نا أ سوق مثلً س ل يس هو بالم ثل ول هو بال سوأ أو بالنموذ جي ،بل الف ضل من ح يث تناغ مه مع
سطحية هذه ال سيرة الذات ية .و هو م ثل ل يحتاج إل للقل يل من التجم يل والضافات لي صبح حل قة تلفزيون ية ناج حة
وحديسث الناس.إ نه المخطسط الذي تذر عت بسه لقضاء ا سبوع او اثن ين في نيويورك كي أطمئن عن حال صسديقي
تد ير ال سيدة مكمور تي «مدر سة ال سيدة مكمور تي للفت نة والنا قة» والمدر سة هذه من بنات أفكار ضا بط من
جورجيا اسمه المستعار «ادريان لوندكو يست« .والسيدة مكمورتي من سيدات مجتمع واشنطن الراقي عينها كيم
للشراف على وحدة صغيرة ا سمها وحدة المل بس وم ستحضرات التجم يل غايت ها د عم عمليات الهرب والمراو غة
التي كان يقوم بها ستيف ميد في آسيا الوسطى.في اجتماع أول السبوع الذي يعقد صباح كل يوم اثنين ،وكان ذلك
صسبيحة يوم ممطسر فسي شهسر تشريسن الول (اكتوبر) 1950قال لنسا لوندكويسست انسه أمضسى عطلة السسبوع فسي
نيويورك منشغلً بنشاطات اجتماعيسة أقنعتسه بأن السسرار الهامسة المتصسلة بالزمات الدوليسة إنمسا هسي فسي أذهان
108
الدبلوماسيين الفريقيين والسيويين والجنوب اميركيين وبأن استخلصها منهم ممكن بواسطة نساء جميلت مدربات
و جه لوندكوي ست نظرة نحوي ل ها مغزا ها وقال «:كم نعلم جميعا ن حن أ هل الجنوب ان الرجال سواء من اللون
ال سود أو السسمر أو ال صفر يفقدون كل شعور بوا جب كتمان ال سرار لدى احتكاك هم بن ساء ب يض البشرة ل هن
صدور وأقف ية عار مة» .وم ضى قائلً :بأن وكالة ال ستخبارات المركز ية ،و قد جم عت مع ظم موظفات ها من كليات
شهيرة للبنات م ثل سميث ورادكل يف وفا سار وبرا ين مورنلدي ها إذا مع ين من الن ساء اللوا تي يمتل كن تلك المؤهلت
ويستطعن بالتالي خدمة بل دهن بالعمل في نيويورك يستخلصن ال سرار من موظ في المم المتحدة ،خد مة أفضل
في يوم الثن ين هذا تأ خر فرا نك وك يم بالعودة إلى مكتبيه ما من عطلة نها ية ال سبوع ،فترأس الجتماع ضا بط
اخرق ،كانت آخر مهامه الميدانية «ترتيب» النتخابات اللبنانية عام ،1947اسمه المستعار «ورثنغتن آلسبوري»
يشغسل حاليا منصسبا اسسمه الرنان «مديسر الدارة الحتياطيسة» مهمتسه تنظيسم جردة متقنسة بمواد وأدوات التخريسب
اللمان ية ال تي جم عت ب عد نها ية الحرب العالم ية الثان ية وال تي لم ي كن قد تم ح تى ذلك التار يخ العثور على و سيلة
في الجو الذي ساد الجتماع وبغيات اليدي الرادعة تحول اقتراح ادريان لوندكويست من مذكرة ادارية بسيطة
لى عرض ر سمي لمشروع ،إلى أ مر يج يز للوندكوي ست بالشروع «بالعمليات ال ستقصائية» .وعل يه وز عت مذكرة
خدمه على جميع النساء العاملت من رتبة سكرتيرة عامة درجة تاسعة وما فوق ورد فيها احتمال انفتاح مجالت
للعمل في مجالت تتميز بالتحدي والسوانح» للنساء العاملت في الوكالة اللواتي يتمتعن «بالذكاء والتربية والرغبة»
وي ستطعن اغراء الرجال المنتم ين «إلى خلفيات حضار ية بعيدة جدا عن خلفيت نا» اغراء صاعقا .ولم تغ فل المذكرة
وعلى الرغم من عدم تحديد المهمات فل يخفى على أي فتى نبيه في العاشرة من العمر انها تتضمن مناسبات
اجتماعية براقة في النوادي والمطاعم الفخمة ومجالت للتحدث قليلً بالفرنسية أو السبانية وبعض النشاط الجنسي
والغراميات التي تتهم سيدات الوكالة انهن مقبلت عليها فور تقديم طلباتهن .ورأى لوندكويست أن الغراء الخير
مسن شأنسه اسستقطاب فتيات كليات سسميث ورادكليسف وفاسسار وبرايسن مور لنهسن مثسل نظرائهسن خريجسي جامعات
هارفرد وييسل وبرنسستون الذي انسسجموا فسي الحرب العالميسة الثانيسة مسع الكذب والغتيال وتدميسر الخزنات خدمسة
للغراض الوطنية سيكن سعيدات للمبيت مع أي كان كل ليلة إذاما استطعن اقناع أنفسهن بان في ذلك خدمة للعم
سام.
109
تبين من اقبال المرشحات على تلبية العدعوة بالحضور إلى قاعة التمارين الرياضية في مبنى الوكالة ان تقديرات
لوندكويست لم تخطئ كثيرا كما جاء الستعراض ،وهو أنسب كلمة لوصف ما جرى ،أكبر مهزلة في تاريخ وكالة
الستخبارات المركزية .فقد لبى الدعوة أربع وثلثون شابة راوحت ملبسهن بين أروع ابتكارات كريستيان ديور
وب ين ت صاميم ان سيترال ثورغود ،رئي سة فرع اللب سة في الكلة.دخلت المرشحات واحدة تلو الخرى إلى« سيناريو
كوكت يل» من اعداد ق سم التدر يب وق من بأدوار مدعوات ي سعين للختلط بجمهور المدعوي ين بهدوء و مع مراعات
كامسل اللياقات الدبلوماسسية .وكان على كسل مرشحسة التوصسل إلى التعرف على الشخسص «الهدف» المحدد لهسا بأي
وسيلة تبتكرها (قام بدور الشخص س الهدف احد أفراد المدربين الذي تدرب بدوره على التصرف كأحد دبلوماسيي
العالم الثالث) وتدخسل معسه فسي حوار وتجعله بتصسرفاتها يشعسر ملزما بتدبيسر لقاء آخسر فسي ظروف تسسمح ببعسض
التصرفات الطائشة.
أ ما الحضور ،و قد جل سوا في شر فة معت مة ،فترأ سهم ك يم روزفلت الذي سمع بالمشروع ب عد أن بلغ من التقدم
نقطة اللرجوع وأصر على الحضور لنه اعتبر نفسه المرجع الوحيد في الوكالة وصاحب الخبرة العملية بالساليب
التي ستعرض .فخلل الحرب العاليمة الثانية قبض عليه اللمان فيما كان في احدى مهامه وراء خطوطهم وتحمل
ببطولة العذاب الليم الذي أنزله به عملء الغستابو دون أن يحصلوا منه على أكثر بكثير من أسمه ورتبته ورقمه
الت سلسي أدلى ب ها إلى عميله في الغ ستابو أشف قت عل يه و هي ت ستمع بانتباه إلى شر حه أن عزرا باو ند هو المؤلف
الحقيقي لكتاب «الرض الخراب» رسخت ذكرى ذلك الختبار في ذهنه فأصر ،وهو مدير جميع العمليات السرية
في الشرق الوسط وافريقيا على الشراف شخصيا على كل الموظفات التي تتضمن مهامهن مجرد التعرف البسيط
أ ما با قي أفراد الحضور فكانوا روج ين أتك نز (ا سم م ستعار) و هو أغ نى مو ظف في الوكالة (تقدر ثرو ته بمئة
مليون دولر) وان سيسترال ثورغود مد ير دائرة الملبو سات والليدي وندر م ير (ا سم م ستعار) اخت صاصية التجم يل
و ستيف م يد و هو بطري قة إلى آ سيا الو سطى بمه مة الهرب والمراو غة ،هذا طبعا بالضا فة لي .يعود ادعاء اتك نز
بمعرفة إغراء النساء إلى تاريخ زيجاته (له أربع زوجات سابقات يتقاضين منه نفقة تفوق المليون دولر سنويا) .
ول عل سبب وجود ثورغود وويندرم ير ب ين حضور ال ستعراض كونه ما اللواطي ين الوحيد ين الذ ين منحته ما الوكالة
براءة أمنية بكامل معرفتهما لواقعهما .أما وجود ستيف بين الحضور فبسبب بعض أعماله الخارقة التي حملت إيان
فليم نغ على تأل يف حل قة في أفلم جاي مس بو ند على أ ساسها .ول سباب لن أب عث الض جر في نفوس القراء ب سردها
كنت أنا الخبير الوحيد في ذلك الموضوع.على كل حال وبصرف النظر عن مهارتنا أو عدمها كلجنة محكمين كان
110
علينا اختيار المرشحات العشر أو الثنتي عشرة اللواتي رأينا فيهن أفضل صفات الغراء ونرسل بهن إلى السيدة
جرى العرض شبيهاُ بتمثيل ية سخيفة قام بأدوار ها فر يق من الهواة القروي ين .كا نت المرشحات كل هن مقبولت
من حيث الغراء في ظروف العمل العادية في مكاتب الوكالة .ولكنهن بألبستهن المبهرجة وحركاتهن المدروسة كن
حتما ليقززن نفس أكثر الرجال حرمانا .إل ان العرض تضمن درسا كان علينا نحن الرجال الذين نعرف العالم ان
ندركه قبلً :أي ان المغريات التي ستعرضها النساء في مطاردتهن الرجال هي تماما السباب عينها التي تحمل أي
ر جل على التهرب من هن س هذا إذا كان رجلً محترما وعلى أد نى در جة من درجات الحضارة،ل مجرد قرد ه مه
الوحيد الفوز بأنثى سهلة المنال .أن القردة الذين يبحثون عن انثى سهلة المنال (كما يحدث لنا جميعا بين آن وآخر)
ل يتناسون السرية بالسهولة التي أشار إليها أدريان لوندكويست .ولو أن اي امرأة من الوكالة تصرفت على الطبيعة
كتصرفها في مهرجان لوندكويست لما استطاعت الحصول على أكثر من دليل للهاتف ..إنما مقابل التضحية بالكثير
ل بأس فقسد تعلمنسا درسسا أو اثنيسن عمسا يجسب أل نفعله فسي اسستخدام الجاسسوسات المسستقبليات،علما بأن مكتسب
العمليات الخاصة وفق ببعضهن وبأنه من الواجب سرد القصة التالية لنها تصور العفوية البريئة التي اتصفت بها
اليام الولى مسن أعمال مكتسب تنسسيق السسياسات،عفويسة بريئة حاول خصسوم الوكالة اسستغللها على انهسا روح
ال ستنباط الشيطان ية ال سائدة في الوكالة .بالط بع لم يتم تع جم يع الم سؤولين في ها بذلك الم ستوى الرف يع من روح
البتكار ،ولكن كان على زملئنا في مكتب تنسيق السياسات لو انهم حملوا البحث عن وسائل الغراء الفعالة على
محمل الجدية ،كان عليهم استشارة الخبراء في الموضوع اطلق العنان للحرية المفاجئة التي هبطت عليهم فراحوا
يقومون بتجارب عشوائية .كان عليهم استشارة الخبراء وهل أفضل من ستيف ومني خبرة ؟
وخد مة للمؤرخ ين من الجيال القاد مة ل بد لي من اختتام هذه الو صلة بالقولة ان ال سيدة مكمور تي و هي من
سيدات مجتمع واشنطن الراقي (احدى زوجات روبين اتكنز السابقات ،وذات ماض حافل س تزوجت ثلث أو أربع
مرات «وكل ها زيجات ناج حة و سعيدة» ح سب ا صرارها ومفاخرت ها) وان ها ا ستلمت ادراة «مدر سة المفا تن» عند ما
كان الغرض منها اعطاء دروس في البروتوكول لزوجات مندوبي الوكالة الذين يعينون في مناصب دبلوماسية في
الخارج .ولكن السيدة مكمورتي جعلت من نفسها اسطورة في الوكالة بأن دفعت بمدرستها خطوة كبيرة إلى المام .
إذا را حت تو صي ب عض المتدربات المختارات بعنا ية فائ قة بعدم اطلع أ حد على الطلق ب ما في ذلك أزواج هن
على الدروس المتقد مة في فن التج سس ثم تحول هن إلى رئ يس شع بة العمليات المخف ية ريتشارد هيل مز الذي ي سند
إليهن مهمات خاصة ل علم لزواجهن بها مطلقا .في الكثير من الحالت لم يدر الزواج بمركز زوجاتهن المهني
111
(ول بح ساباتهن المتنام ية في الم صاريف ال سويسرية) ،علما بأ نه حدث في احدى الحالت فضي حة ا سترعت انتباه
ور ضا آلن دالس .ف قد زود مو ظف جد يد أر سل إلى بيروت بتعليمات تقول إن صلة الو صل بي نه وب ين فر يق اث ني
معيسن موظسف لم تحدد التعليمات مسا إذا كان ذكرا أم أنثسى ،يعرف باسسم مسستعار«واندرلسست» ويعتسبر مسن أفضسل
العملء .ولما وصل الموظف الجديد إلى بيروت اكتشف بأن «واندرلست» ليست سوى زوجته التي طالما حسبها
بلهاء ،فهدد بالطلق منها وبالستقالة من وكالة الستخبارات المركزية .ولكنه لم يستطع إلى أي من التهديدين سبيلً
ذلك لن المهمسة الموكلة إليسه ليسس فيهسا سسوى مخرج واحسد وان«واندرلسست» ،حسسب تعليمات القيادة الصسارمة
مسن حيسث حاجسة التاريسخ والمؤرخيسن يكفسي مسا أوردتسه مسن تلك الحكايسة وفيهسا أيضسا نقطتان هامتان جديرتان
بالنتباه .أولً :إن ما أورد ته كان مجرد اختبار أي حما قة اخرى من تلك ال تي ارتك بت خلل المرحلة الولى من
قيام وكالة الستخبارات المركزية .وهي تجربة لم تستمر فضلً عن انها لم تشغل من اهتمام فرانك وايسنر أو كيم
روزفلت سوى أعشار الثانية ،ول حازت على اهتمام آلن دالس الذي لعله لم يسمع بها إل بعد أن صارت واحدة من
اساطير الوكالة .هذا مع العلم بأن في الموضوع موادا وافرة تمكن اصحاب المقالب من نسج حكايات كثيرة تصلح
للتندر بها في لقاءات قدامى موظفي الوكالة جيلً بعد جيل .وما من ريب انها من قبيل انطوائها على مواد للتنكيت
ستدوم أك ثر من أي اختبار آ خر حمل ته الوكالة على مح مل الجد ية .أ ما النق طة الثان ية ف هي ان تلك الحما قة خار جة
تماماُ عن م سؤوليات ومهام مك تب تن سيق ال سياسات ول ما كان الغرض من ها ابتكار و سائل جديدة لج مع المعلومات
وجب حصر المسؤولية عنها بمكتب العمليات الخاصة الذي ،كما سبقت ،حدد الغاية ووسائل بلوغها .
إن ما أورد ته أعله ينط بق على مختلف الختبارات الخرى ال تي أجرت ها الوكالة خلل إيام ها الولى .ول ما بدأ
تفعيسل مكتسب تنسسيق السسياسات كان جميسع أركان الوكالة على ادراك تام بالحاجسة إلى مسا عليهسم انجازه وبالحدود
المر سومة له للع مل ضمن ها .غ ير أن ب عض عنا صر دوائر الوكالة الذ ين ل عل قة ل هم مطلقا «بمكاف حة النشاطات
الشريرة الخفيسة التسي تقوم بهسا السسوفيات» اسستغلوا بعسض الغموض فسي تعليمات وتوجيهات مجلس المسن القومسي
فأخذوا يلجون مجالت ما كانوا ليحلموا بأكثر من التفكير بها .فمشاريع هؤلء ،ل مشاريع مكتب تنسيق السياسات،
هي التي تحولت إلى قرائن استغلها أعداء وكالة الستخبارات المركزية .
صحيح أن أحد فتياننا دس في شاي الرئيس الندونيزي سوكارنو مادة مهلوسة قبيل القائه خطبة كانت عبارة عن
مطالعة عقلنية جدا مؤيدة «للحياد اليجابي» ولو ترك على سجيته وطبيعته لجاءت الخطبة حفنة من الكلم الفارغ.
وجرب نا الت صال ب ين شخ صين بوا سطة «الدراك الخارج عن ال حس» ب ين ال سيدة براون في رتشمو ند بول ية
فرجينيا وبين زوجها السيد براون في استنبول ،فاستطاعت السيدة براون بالتخاطر (توارد الفكار) نقل رسائل إلى
112
زوجها وصلته بدقة ل بأس بها وقبل أن تصله الرسائل المثيلة التي نقلت إليه بواسطة قنوات التصال التي تستعملها
أحد عملئنا ،وقد تتلمذ على أيدي كاتب قصص الخرافات العلمية رون هوبارد نفسه أدخلناه جماعة من المؤمنين
بال سحر والتنج يم ثم أخذ نا نح صل على ما نطل به له من النفقات العملن ية (على غرار ما فعلناه من أ جل ال ستاذ
داوود الذي عمل بخدمة العقيد ماثيسون) فحولها في النهاية هي ومدخرات عمره لحساب تلك الجماعة وقضيتها .
ولكن مشاريعنا «المشؤومة والبديعة» وان كانت كلها مسلية جدا لم تكلف أي مال أو ان كلفت فالقليل منه،كما لم
تخلف أي ضرر دائم هذا فضلً انها ،تستأهل كل درهم انفق عليها لقاء ما اكسبتنا من وقاحة مهنية .وعلى الرغم
من رهبت ها لم تتم كن لج نة مجلس الشيوخ المميزة المخت صة بشؤون ال ستخبارات من العثور على حالة واحدة و قع
في ها فرا نك واي سنر أو ك يم روزفلت على عمل ية لغ سل دماغ أو تحو ير تفك ير أو تبد يل شخ صية أو اغتيال أ حد،
أميركيا كان ام اجنبيا .وقد حصل بعض اللغط عن خطط أعددناها لدس مادة في سيغار كاسترو يؤدي تدخينه له
لن ي سقط ش عر ذق نه .وجاء ني أ حد المحقق ين من اللج نة المذكورة ال تي يرأ سها الش يخ فرا نك تشير تش لي ستجوبني
ويسجل إفادتي بشأن المادة التي دسها أحد فتياني في شراب سوكارنو .هذا كل ما في المر .فهل يستأهل كاسترو
لقد اجريت جميع المشاريع التي استرعت انتباه لجنة تشيرتش خارج وكالة الستخبارات لمركزية وقام بها علماء
أو علماء مزيفون ت ستخدمهم جامعات وشركات ل صنع الدو ية والعقاق ير بمو جب عقود مع الوكالة من أ جل غايات
اعتبرناها محض اختبارية كما اعتبرنا ان ليس ثمة أي ضرر من أن يعلم المرء بالشياء التي يمكن تحقيقها.واستنادا
إلى ذلك المفهوم قام اولئك«العلماء» ،أو سمهم ما شئت ،ب صنع مواد تج عل «الش خص الم ستهدف» يقول الحقي قة أو
يهلوس أو يتصرف بطريقة تؤدي إلى هلكه أو يسقط ميتا دون امكانية العثور على سبب الوفاة .كان كل ذلك مسليا
للغاية مما جعلني أكتب مقالً فيه لمجلة ذي نيويوركر.وقد تضمن المقال اختبارا أجري في احدى الجامعات وشمل
رئيس فريق الباحثين الذي عاد إلى بيته تفوح منه رائحة كريهة إلى حد لم يطق معها أفراد عائلته البقاء معه تلك
الليلة .وأوردت ف يه أيضا ك يف قام وا عظ معمدا ني بالقاء ع ظة ال حد حشا ها بماتي سر له من بذاءات عوضا عن
تملكتنا الدهشة كما تملكت الرأي العام عندما ذاعت قصة ذلك المسكين الذي تناول على يد أحد الباحثين حبة إل.
اس .دي المهلوسسة فقفزة مسن الطابسق العاشسر صسائحا« :انطري يسا أماه اننسي اسستطيع الطيران» .ولكسن السسناتور
تشير تش الذي أخذت الوكالة تقل قه لم يقدر الناح ية الفكاه ية من الحادث حق قدر ها .ول ما أ خذ المحققون في لجن ته
يتوغلون أكثر فأكثر من زوايا وخبايا الوكالة عثروا على اختبارات تجرى في مجال الحرب الجرثومية وفي تحوير
113
الشخ صية و في م حو الذاكرة و في أ صول الغتيال وال أعلم ب ما اكتشفوه أيضا .في أوا خر العام 1950كلف ني ك يم
بالبحث عن مشاريع أخرى من المشاريع «المشؤومة والبديعة» التي يمكن اكتشافها من قبل لجان تحقيق أخرى قد
تأتي نا متطفلة ،فعثرت على ب عض من ها تنشرح ل ها ال صدور وتبت هج ب ها العقول .ول كن وجود تلك المشار يع لم يدل
على الشسر بمقدار مسا دل مرة أخرى على مسا يمكسن أن يحصسل فسي أقبيسة ودهاليسز مصسنع للحلم مثسل وكالة
إل انني استطيع الجزم والتأكيد ،خدمة للحق والحقيقة ،بأنني لم اعثر في تحرياتي في أواخر العام 1950ول في
تلك ال تي أجريت ها في أيار (ما يو) 1953على حالة واحدة ا ستعملت في ها منتجات عباقرة الباحث ين إل على اشخاص
تطوعوا للقيام بدور جرذان اختبارات آدمي ين.ك ما ا ستطيع القول ا ستنادا إلى سلطات موثو قة بأن المنا سبات الوحيدة
التي خطر في ها للوكالة خاطر استعمال عقاقير الفصاح بالحقيقة أو تحوير الراء أو ال سموم جاءت بمبادرات من
سلطات أعلى مقاما من وكالة ال ستخبارات المركز ية ،و من الب يت الب يض على و جه التخ صيص .وتضم نت تلك
المبادرات مؤامرات لغتيال باتريس لومبومبا في الكونغو وفيدل كاسترو في كوبا س علما بأنها كانت مجرد خطط
لنعد الن إلى قضايانا .كيف قضينا أوقاتنا بني 1950و 1953في مكتب تنسيق السياسات ؟ فكما قلت سابقا،لم
أكن قد انضممت رسميا بعد إلى المكتب المذكور ،بل كانت مهمتي في مكتب شؤون الشرق الدنى وافريقيا برئاسة
كيم روزفلت .كما انني لم اجرؤ على غزو مكتب نائبه تد لوكارد إل بأمر صريح من كيم .ومتى كان يأتيني المر
الصريح هذا؟ ما كان مثل ذاك المر يأتيني إل عندما يتهم محقق من الكونغرس أو صحافي فضولي مكتب التنسيق
بالقيام بأعمال امره بها مك تب العمليات الخا صة أو دوائر المن أو مكتب الستعلمات السرية أو دوائر أخرى في
الوكالة ا ستجابة لتوج يه صادر عن مجلس ال من القو مي بر قم م .ا .ق 2 /50يحدد ب صراحة وجوب قيام مك تب
التنسيق دون سواه بالتحقيق .غير أن ذلك لم يشغل من وقتي إل عشره أو أقل .
ول كن ،إذا كان »فرع الح يل القذرة« في وكالة ال ستخبارات المركز ية ،ح سب ت سميته من ق بل الرئ يس ترو من
بالذات ،ل يقوم بحيل قذرة فماذا عساه يعمل إذا؟ انني أصف هنا تلك الفترات التي كنت أقضيها في واشنطن بين
المه مة والخرى اللت ين أكلف به ما في الخارج .وأعود لكرر :مه ما بدت مرع بة لنقاد الوكالة اليوم نشاطات نا في
تلك الحقبة وما نسب الينا من نشاطات فيها فقد كانت جميعها متناغمة مع ما أراده الشعب الميركي آنذاك.ففي نظر
الرأي العام الذي ابت هج بمشاهدة فيلم «مك تب التحق يق التحادي في ال سلم والحرب« وبقراءة روايات جاي مس بو ند
وصفق لمحاولت السناتور جوزف رايموند مكارثي المسعورة لليقاع بالناس على أنهم شيوعيون ،في نظر الرأي
العام هذا كا نت وكالة ال ستخبارات المركز ية ت جر أقدام ها جرا ،أو تكاد .و في أع ين مك تب التحق يق التحادي ذي
114
الشعبة المتصاعدة بدا حماس الوكالة «لمكافحة الشيوعية» أدنى بكثير مما توقعه المواطنون .ول ريب في أن نقاد
الوكالة في أيامنا هذه سيصابون بالذهول لمعرفتهم بأن ظنون مك تب التحقيقات كانت في محلها .فحقيقة الواقع اننا
في الوكالة فعل نا كل ما في و سعنا للبقاء بمعزل عن المكارث ية ولتن صل من ها .من موقف نا هذا ا ستنتج أ هل مك تب
التحقيقات بأن الوكالة ليست ،في أفضل حالتها« ،سوى ناد بضم مجموعة من المخنثين».
بالطبع لم نكن كذلك ،وكلننا كنا قد تحولنا إلى مجموعة من البيروقرا طيين .فمنذ اليوم الول لقيام مكتب تنسيق
السياسات انهمك جميع كبار المسؤولين في الوكالة باعداد مشاريع الموازنات وهرمية التنظيم والمسؤوليات فلم يبق
لهسم الوقست للهتمام بمسا يقسع على عاتقنسا مسن واجبات .وانخرطنسا نحسن على المسستوى التنفيذي فسي تلك النشاطات
فصارت تأخذ حيزا ل بأس به من وقتنا الثمين .ولن أنسى ما اعترانا من قلق في محاولتنا تقرير ما ينبغي ان نطلبه
كمواز نة لق سمنا ،ق سم الشرق الد نى وافريق يا .ف هل ن حن بحا جة إلى مليون أو إلى خم سين مليون دولر نخ صصها
لم صر؟ وك يف ل نا أن نعلم ماذا يلزم نا؟ وجاء الفرج .د خل مك تبي المو ظف الم سؤول عن مك تب سوريا وقال ان
حسساباته تشيسر إلى ان مكتبسه يحتاج إلى 1 ,2مليون دولر .فإذا مكتسب سسوريا يحتاج هذا المبلغ ل بسد ان مكتسب
العراق يحتاج إلى ضعفه لن العراق أهم من سوريا بمرتين وسنحتاج إلى 4 ,8مليون لمصر لنها أربع مرات أهم
من سوريا ،وهكذا دواليك .وبلغ المجموع مبلغا ضئيلً ،زهاء 20مليون دولر (بل ربما 21 , 467 , 233دولر
و 56سنتا على وجه التحديد ) هذا علما بأن أحدا منا لم يكن يعلم كيف وعلى ماذا ستنفق تلك المبالغ .
ثم أخذنا الرقام ورحنا بها إلى مكتب كيم فذعر! وقال «:إن قسمنا أهم قسم في الوكالة .فإذا طلبنا مبلغا زهيدا
كعشريسن مليون دولر سسنصبح مضحكسة الجميسع » وعليسه طلبنسا مئة مليون أي خمسسة أضعاف عدنسا وعدلناهسا
فصارت 112 ,568 ,339دولرا و 20سنتا وحصلنا عليها ! وبنفس الطريقة كافحنا للحصول على عدد أكبر من
الموظفيسن .بدأ مكتسب تنسسيق السسياسات بقرابسة 300أو 400موظسف يشكلون قوة طوارئ صسغيرة تسستخدم للقيام
بعمليات في منا طق ح ساسة فشلت في ها الدبلوما سية والتهديدات با ستعمال القوة الع سكرية .و في العام ،1953عند ما
رجعت إلى الوليات المتحدة لدى انتهاء مهمة لي في الخارج كان عددهم قد فاق الخمسة آلف .
هسا هسي البيروقراطيسة حلت .فالبيروقراطيات ،مهمسا كانست مهمتهسا ،تكسبر وتنمسو أمسا بتوسسيعها نطاق المهمات
الم سندة إلي ها أو بتعظ يم اهم ية تلك المهمات .و «قوة الطوارئ ال صغيرة » ال تي بدأ نا ب ها كا نت ستنمو إلى منظ مة
عالميسة ولو فسي ايام السسلم والهدوء ولكسن جاءت حرب كوريسا تغذيهسا مثلمسا تغذى المخصسبات الكيميائيسة النباتات
ال ستوائية .وعند ما ظهرت «القوة ال صغيرة» على رق عة اللع بة الدول ية في أوا سط العام 1950أخذت لنف سها قوة
اندفاع خاصة بها كأي وكالة حكومية مستقلة وادعت بأكثر من نصف ميزانية وكالة الستخبارات المركزية .
115
اندلعت حرب كوريا فيما كنت استعد للعودة من المهمة التي انتدبت لها في دمشق .وعندما دخلت مقر الوكالة في
واشن طن في ايلول ( سبتمبر) 1950كان سبب الن قد الول الذي واجه ني تق صير الوكالة عن التن بؤ بح جم وبمو عد
هجوم الكوريين الشماليين على كوريا الجنوبية ،وعن امتلك الوكالة ما يلزم لتقدير وتصور الوضع على حقيقته .
ضاع توازن مدير الستخبارات المركزية آنذاك الميرال هلنكوتر في محاولته إرضاء رغبات وزير الخارجية من
ج هة ووز ير الدفاع من ج هة أخرى وكا نا على خلف مز من في ما بينه ما فأم ضى الش هر الخ ير من خدم ته في
مضي عة للو قت .وعند ما جاء مد ير جد يد مقدام هو الجنرال «بي تل» سميث وا ستلم زمام المور في تشر ين الول
(اكتوبر) وجسد الفراغ الذي يتناسسب مسع رغبتسه .فأظهسر ميلً نحسو ملئه بأكثسر مسن مجرد نشاطات السستخبارات
التقليدية.
جعسل الجنرال سسميث وزارتسي الخارجيسة والدفاع تطلبان منسه قيام وكالة السستخبارات المركزيسة بعمليات شبسه
ع سكرية في كور يا الشمال ية وكذلك في ال صين إضا فة إلى عمليات أخرى ع سكرية في جوهر ها .وهكذا ب ين ليلة
وضحا ها صار لمك تب تن سيق ال سياسات منظ مة أ كبر من مك تب العمليات الخا صة بمجل مه بأك ثر من مرت ين ،ك ما
كا نت ر تب موظف يه المدني ين ار فع من ر تب موظ في مك تب العمليات الخا صة بدر جة أو بأثنت ين .في بادئ ال مر
صار ذلك القسم أكبر من باقي القسام مجتمعة .ولما كان هؤلء جميعا مرتبطين بمكتب كوريا التابع لقسم الشرق
الق صى ارت فع عدد افراد مك تب كور يا لي صبح أك ثر بعدة أضعاف من عدد الموظف ين الم سؤولين عن مج مل بلدان
ل يجوز حدوث أ مر كهذا في أي بيروقراط ية ،ف قد كان بالمكان ضم جم يع العمليات المت صلة بالحرب الكور ية
في فر يق وا حد م ستقل كليا عن الفرق القليم ية الخرى .ول كن أي رئ يس فر يق يتم تع بالذكاء وبمعر فة ال صول
البيروقراط ية ي ستطيع الحيلولة دون ت طبيق ذلك .وعل يه وب عد الكث ير من ال خذ والرد ح صلت زيادة عا مة في عدد
موظفي قسم الشرق القصى ،وعين في المكاتب الخرى من الموظفين ما يفوق جاجتها بثلثة أو أربعة أضعاف،
ورافسق ذلك طبسخ «عمليات تعزيزيسة» لتسسويغ تلك الزيادات فسي اعداد الموظفيسن .وغنسي عسن القول بأن القسسام
الخرى ،ومنها قسم الشرق الدنى وافريقيا الذي أترأسه ،وجدت أو اخترعت ما يكفي من الزمات كل في منطقة
عمله تسبريرا لزيادة عدد موظفيهسا للبقاء على قدم المسساواة مسع فريسق الشرق القصسى .إن هذا التصسرف كثيرا مسا
يقول بعض أصدقائي القدامى ممن خدموا في قسم الشرق القصى آنذاك بأنني أبالغ .ولكن مراجعة نمو مكتب
تن سيق السياسات ب ين عا مي 1949و 1953تظ هر بوضوح ان لسبيل لتف سيره باي طري قة أخرى ح تى ولو أخذ نا
116
بالعتبار ان المك تب سينمو ويتو سع ،ح سب سنة البيروقراط ية .ل قد مر على ذلك كله ثلثون عاما ون يف ،وارا ني
كلمسا اسستعدته فسي مخيلتسي عاجزا عسن ادراك مسا كان يجول فسي اذهان سساداتنا آنذاك يوم فكروا بأن قوة ضاربسة
صغيرة قابعة على اهبة الستعداد في واشنطن بمقدورها فور صدور المر إليها القفز إلى الورغواي أو إلى مصر
او لوس أو البانيسا لمعاجسة مشكسل تعذر حله بالوسسائل الدبلوماسسية أو العسسكرية العاديسة .هسل تصسوروا بأننسا مثسل
الطفائي ين نل عب البو كر في المر كز مشمر ين عن سواعدنا وجاهز ين للنطلق لح ظة سماعنا جرس النذار ؟ ألم
يفطنوا ولو لبرهة قصيرة إلى حتمية سعينا للبحث عن حرائق نطفئها حتى ولو اضطررنا لشعالها بأنفسنا؟
فسي الواقسع لم نشعسر بالفتقار إلى الحرائق .ففور عودتسي مسن دمشسق كلفنسي نسك بمهمتسي الولى وكان منهمكا
بشؤون الشرق الدنى وافريقيا داخل مكتب العمليات الخاصة (بكلم آخر تقصي المعلومات عن التطورات الجارية
في الشرق الوسط ف قط ) إلى درجة فا ته معها إدراك التطورات التنظيمية الجار ية حوله .أما المهمة فكا نت انشاء
«شب كة داخل ية» في الشرق الو سط ا ستعدادا للحرب العالم ية الثال ثة ال تي اخذت ب عض ال صوات دا خل الحكو مة
وخارجها تنادي بها وتتنبأ بقرب وقوعها .فلم يمض شهر واحد على وجودي في واشنطن حتى كنت في طريقي إلى
قسبرص فالقاهرة ثسم بيروت وبعدهسا عمان ومنهسا إلى بغداد فالبصسرة وبعدهسا الرياض فالظهران ومنهسا إلى طهران
اجت مع في ها برؤ ساء فرق نا هناك شارحا ل هم برنا مج «الشب كة الداخل ية» وأ عد العدة ل هم ل ستلم الجهزة الل سلكية
ومعدات «الصمود والبقاء» التي ستصلهم على متن طائرات النقل التابعة لوكالة الستخبارات المركزية .
كانت مهمتي هذه عبارة عن مهزلة .ذلك ان كل ما ترتب علي هو ارشاد رئيس كل فريق إلى كيفية ذهابه إلى
صحراء قريبة وحفر عدد من الثقوب يدفن فيها كميات من المعدات المتقادم عهدها (كانت تعتبر قديمة عام ،1950
إذ بامكان هم الت صور ما ستكون عل يه ع ند اشتعال نار حرب عالم ية ثال ثة) ثم العثور على صخور كبيرة أو أج سام
أخرى تتناسب مع طبيعة المكان لتكون معالم يستدل بها على مواقع الثقوب .ولكن ،بناء على تعليمات سرية زودني
بها كيم روزفلت طرحت على رئيس كل فرقة قابلته ،بحضور السفير في البلد المعني ومرات بغيابه ،أسئلة مثل :
هل يجري في البلد الذي تعمل فيه ما يشكل حاليا أو ما قد يشكل في المستقبل خطرا على المصالح الميركية ؟ وإذا
كان جوابك ايجابا فهل من سبب يحول دون التعاطي مع ذلك المر بالسبل الدبلوماسية؟ وما رأيك بمساعدات مالية
أو تقنية س بكلم آخر ،هل نستطيع شراء تلك الدولة إما عبر حكومتها القائمة أو بواسطة حكومة نستطيع تنصيبها
بتقديم بعض العون الخفي؟ بمختصر الكلم كان علي التعرف إلى ما في منطقة الشرق الدنى وافريقيا من مشاكل
ل يمكن حلها إل بذلك النوع من العمليات التي أجيز استعمالها شرعا لمكتب تنسيق السياسات الحديث العهد.
عدت إلى واشن طن و في جعب تي جواب أ ساسي وا حد («لن نوا جه أي مشا كل إذا امتنع نا عن تأي يد ا سرائيل»)
إضافة إلى عشرات المشاكل الخرى المتوسطة والصغيرة التي يستطيع رجالنا التنفيذيون حلها بالوسائل السياسية،
117
حسب فهمنا لتلك الوسائل آنذاك .باختصار ،عدت ومعي حجة أخرى تسوغ زيادة تضخم مكتب تنسيق السياسات.
فخلفا للمرسسل الصسحفي الذي يؤدي مهمتسه بنجاح فسي الرجنتيسن هذا السسبوع ثسم ينجسح فسي برليسن الشرقيسة فسي
ال سبوع التالي ل يم كن للمو ظف التنفيذي ان يكون فعالً إل في منط قة واحدة ذلك أن ل يس بامكا نه ادراك طبي عة
المشاكل في تلك المنطقة ناهيك عن ايجاد الحلول لها إل إذا كان متعمقا في فهم أهلها ودوافعهم وسلم القيم لديهم.
وهذا يعنسي انسه بدلً مسن ان يكون لمكتسب تنسسيق السسياسات زمرة صسغيرة مسن رجال الطفاء متأهسبين للقفسز مسن
مركز هم في واشن طن إلى حيث ما تتفا قم أز مة ما ينب غي تجه يز المك تب بأعداد كبيرة من الموظف ين الدائم ين وبين هم
أختصاصيون بعلم الحضارات النسانية وتوزيعهم في مختلف أنحاء العالم حيث يمكن ان تدعو الحاجة إليهم.
حاز التقريسر الذي وضعتسه على اعجاب كيسم فحمله وأخذنسي معسه إلى مكتسب آلن دالس الذي كان على اعتاب
الصسيرورة نائبا للمديسر لشؤون التخطيسط ورئيسسا لمنظمتسي مكتسب العمليات الخاصسة ومكتسب تنسسيق السسياسات
المندمجتين.
كيم عرف بي على أنني عضو وكالة الستخبارات المركزية الوحيد الذي نفذ ،حتى ذلك التاريخ عملية سياسية
م ستترة س ح سب تعريف نا آنذاك للعمل ية ال سرية ،دون ذ كر العمليات الفعل ية أو ن صف العلن ية ال تي حظ يت بتغط ية
اعلمية واسعة .أجاب دالس بأنه سمع بي من خلل ما قمت به من أعمال في جهاز مكافحة الجاسوسية وفي مكتب
الخدمات الستراتيجية إبان الحرب .وكان ما تبقى مما قاله بمثابة اعتراف صريح بأنه اعتبرني الول حقا في مجال
اختصاصي .
على الر غم من ذلك أ خذ دالس وق ته ليشرح لي ان الحكو مة الميرك ية نج حت بالقيام بعمليات سياسية صريحة
وعلنيسة ،منهسا مثلً انهسا رأت ان الشيوعييسن كانوا على قاب قوسسين مسن الفوز بالنتخابات فسي ايطاليسا عام 1948
.فاستدعت وزارة الخارجية رئيس وزراء ايطاليا ألسيدي دي غاسبيري لزيارة واشنطن وبلغته بأن مبالغ المساعدات
الضخ مة ال تي تحتاج ها ايطال يا لعادة العمار لن تأ تي إل اذا تخلص من الشيوعي ين في حكوم ته .ثم أ خذ مك تب
المعلومات الميركي يشجع الميركيين من أصل ايطالي على كتابة الرسائل والبرقيات إلى اللوف من أقربائهم في
ايطاليسا ينبئونهسم فيهسا بأن شيكات المسساعدات التسي يتلقونهسا منهسم سستتوقف إذا لم ينضموا إلى الحركسة المناوئة
للشيوعية .وراحت الشخصيات الميركية المرموقة التي تتكلم اليطالية بطلقة تتحدث إلى اليطاليين عبر الذاعات
على المو جة الق صيرة عن البؤس الذي سيحل ببلد هم إذا ما سيطر علي ها الشيوعيون .و من ج هة أخرى أقي مت
المعارض الفوتوغرافية وبعثات النوايا الحسنة وزيارات الفرق الموسيقية واستعملت جميع الوسائل لظهار أفضلية
حسن العلقات اليطالية الميركية بالمقارنة مع نوع العلقات الخطرة التي كان اليطاليون على وشك الوقوع فيها
مع التحاد ال سوفياتي .أ ما إ سهام وكالة ال ستخبارات المركز ية في العمل ية كل ها فكان تقد يم مليون دولر ،أو أك ثر
118
بقليل ،لحزب واحد مناهض للشيوعية إضافة إلى بعض النصائح عرضتها على حكومة دي غاسبيري عما يستطيع
قال دالس ان على الوكالة ان تشجع إلى اقصى حد ممكن النشاطات العلنية وال تدعمها بالنشاطات المستترة إل
عند الحاجة .وأعرب عن أمله ان نعثر في الشرق الوسط على أشخاص ومجموعات محلية تقوم بعمل ما يلزم من
تلقاء نف سها مع ب عض الم ساعدة المال ية والرشاد من قبل نا .وأضاف بأن وزارة الخارج ية لن تكون بحا جة لخدمات نا
في معظم الحالت ولكنها قد تضطر للستعانة بنا عندما يصر متلقو مساعداتنا وإرشاداتها على بقائها سرية ،وبأن
وفي طريق عودتنا إلى مقر الوكالة قال لي كيم بأل أحمل ما سمعته على محمل الجدية لن آلن دالس يتصور
نفسه شخصية من شخصيات روايات جون بيوكان ول يستطيع ضبط نفسه ول ضبطنا إذا ما لحت لنا في الفق
فر صة القيام بالدور الم عد ل نا .وأضاف ك يم قائلً «:أن آلن على ا ستعداد للتضح ية ب س ...لن قل ب سبابة يده الي سرى
مقابل الذهاب إلى مسرح العمليات والقيام بنفسه بهندسة انقلب ».
منظمة أم بيروقراطية ؟
حدد لمك تب تن سيق ال سياسات خم سة أنواع من العمليات هي :الدعا ية والتحادات العمال ية واللجئون والعمال
ش به الع سكرية والنشاطات ال سياسية .وكان علي نا أن نو جه اهتمام نا ن حو أورو با الغرب ية أولً ثم الشرق الو سط
وتليه ما افريق يا .أمر أوروبا ل يهمني لنني أش عر وأنا برف قة الموظف ين الذين يتقنون لغتين أو ثلثا كأن ني أحد
القرباء القروي ين ،حسبما تبين لي خلل خدم تي القصيرة في مكتب المان يا ،فضلً عن أن ق سم أوروبا الغرب ية
من ناحية أخرى لم يكن ثمة مجال يذكر للنشاط في حقل التحادات العمالية لعدم وجود اتحادات تستحق اسمها
في الشرق الوسط .أما العمليات شبه العسكرية فهي ذلك النوع من الشاط الذي كنا نحتاج فيه إلى شهادة بالعجز
حتى مجيء «واحد من أصحاب الفكار الخلبة » واستنبط لنا دورا في الصراع العربي السرائيلي فاق كثيرا
ما كنا نفكر به .العمل السياسي ؟ انه دون ريب طفلي المدلل ،خصوصا وان المجهود الذي بذلناه للدفع بحسني
الزعيم إلى سدة الحكم في سوريا صار درسا يعطي في صفوف التدريب إل أن كيم روزفلت رأى من الفضل
التريث فترة نراقب فيها زملءنا في وزارة الخارجية ونستمع إليهم يبشرون بأن «حكومات منتخبة ديمقراطيا»
في الدول العربية سينتج عنها مواقف أكثر اعتدالً تجاه دولة اسرائيل التي قامت حديثا.
119
وفيما كنت أصفي أعمالي مع كيم رحت أستعد لستلم مركز خلق حديثا ،أي رئيس اركان التخطيط والمعلومات
للشرق الدنى وافريقيا ،ورافقه ترقية في الرتبة وعدني بها فرانك وايسنر .وكالة الستخبارات المركزية تعرف
كلمة «استخبارات» على انها المعلومات التي نستقيها عن الخرين ،وكلمة «معلومات» بالمعلومات التي ننشرها
عن أنفسنا بكلم آخر ،ما نريد الغير ان يظن بأنه يعرفه عنا .أشار كيم إلى أن التقارير التي كنت أبعث بها من
دمشق فيها من المعلومات أكثر مما فيها من الستخبارات وبالتالي يجب ان أرتاح كثيرا لعملي الجديد .
وافقت على ذلك ،وكانت مهمتي الجديدة عبارة عن توضيب المعلومات بشكل ملفت يضمن لها حظا كبيرا في أن
تتلقف ها ال صحف وتنطوي ضمنا على ما يد عم الم صالح الميرك ية ويل حق الضرر بالم صالح ال سوفياتية ،و هو
وهنا خطر ببالي جيم آيخلبرغر وقد انقطع التصال بيننا منذ افتراقنا عند نهاية الحرب .فقد بقي في باريس وأقام
فسي منزل على الضفسة اليسسرى وراح يكتسب مقالت غريبسة لمجلة «نيويوركسر» .وعلمست لحقا بأنسه انتقسل إلى
شيكا غو وتو ظف في أ كبر شر كة للعلقات العا مة في العالم ح يث يك تب المقالت با سم ال سياسيين ويح ضر ل هم
نصوص خطبهم .وما ان كلمته بالهاتف حتى كان بطريقة إلى واشنطن .
ليس هذا بآيخلبرغر الذي عرفته .ها هو ببدلة أنيقة وقميص ثمين وياقة عنق مناسبة يخبرني برصانة انه مرتاح
جدا لعمله في حقل العلقات العامة وعلى الخص من حيث الراتب وحساب النفقات .وأضاف انه استطاع بعد
بضعة أشهر من التمرين ان يتدنى بمستوى كتابته إلى مستوى أفضل موظفي الشركة .وانسجم جيم وكيم انسجام
أدبيين ،وبعد اجراء تحريات سريعة عنه ارضاءً لمتطلبات أنظمة المن والسلمة ،أقسم اليمين القانونية كموظف
في الوكالة بمرتبة ومرتب سمح له باستئجار منزل في ضاحية جورجتاون .وفي شقتين محاذيتين لشقة كتب كيم
أقمنا أنا وجيم مكتبينا ومعنا سكريتيرتان ،وبدأنا العمل بعد اسبوع من التحضيرات الدارية .قضينا زهاء شهرين
في وقت ممتع نتحدث مساء بالمواضيع الدبية والفكرية بعد نهار من العمل في اعداد مواضيع الدعاية .وهكذا
ما زلت أذكر حصول جيم على موافقة كيم بعد تردد على مخطط يرمي إلى اثارة حفيظة زعماء متهورين وغير
محبوبيسن فسي الشرق الوسسط بارسسال رسسائل إليهسم تحملهسم على الرد ردا عقلنيا نسستطيع إبرازه بشكسل يثيسر
التساؤل حول سلمة عقولهم .وكانت التجربة الوحيدة التي أجريناها سلسلة من الرسائل وجهناها إلى البارودي
المندوب ال سعودي لدى ال مم المتحدة .كا نت له جة الر سائل مزيجا من التقوى والها نة ك ما لو ان ها كت بت ب يد
م سلمين اتقياء وعرب متعصبين لقضيت هم القومية ،تتهمه بالتقا عس عن الدفاع عن الموقف العربي في الخلف
120
مع اسرائيل ربما لنه متأثر بوجهة النظر الغربية .وقع البارودي في الفخ وألقى عدة خطب طغى عليها هذيان
سر جيم آيخلبرغر بتلك المحاولة فوصفها على انها «أفضل نتيجة من حبوب ألس .إس .دي المهلوسة» .أما كيم
فلم يعجب بها ذلك انه أولً :على علقة طيبة بالسيد البارودي ويتفق بالرأي معه في الكثير مما يقوله هذيانا أو
غير هذيان .وثانيا :لنه ليرى أي خطأ في موقف السعوديين من الصراع العربي السرائيلي كما يعتبر أن من
الف ضل لم صلحة الوليات المتحدة أن يتمكنوا من ابداء موقف هم بوضوح وبش كل مق نع .وكان أك ثر ما أزع جه
رؤ ية ثل ثة من كبار « خبراء» مك تب تن سيق ال سياسات ب ما لدي هم من إمكانات الحكو مة الميرك ية يكر سون
مواهبهم لظهار صديق حسن النوايا بمظهر رجل مخبول سجل كيم ما أراد تسجيله وغرقنا نحن في الخجل .
ول كن كان لدى ك يم نقاط أخرى .ف قد كان علي نا،ن حن ق بل كل الخر ين ادراك مع نى المعر فة وادراك الفرق ب ين
المعر فة والعقيدة .ك ما كان علي نا ب صفتنا رجال دعا ية أن نف هم ان «المعلومات» ي جب تف صيلها لتلئم العقيدة ل
المعرفة .هذا الفرق ادر كه موسوليني (قال «:ل ار يد ش عبي أن يعرف بل أريده أن يؤ من بعقيدة») وعلينا أيضا
إدراك ذلك الفرق .ولكن المهم هنا هو معتقدات من نستهدفهم ل معتقداتنا نحن .
في تلك الحق بة بالذات لم ي كن ث مة مجال يذ كر للع مل الدعائي في الشرق الد نى وافريق يا .وكا نت عمل ية انقلب
حسني الزعيم التحرك السياسي الوحيد الذي قامت به وكالة الستخبارات المركزية دون مساعدة أي وكالة أخرى
من وكالت الحكومة الميركية .أخذت في دفء ذلك النجاز اعتبر نفسي أثمن الموجودات في مبنى القيادة للقيام
بعمليات فعل ية .أ ما من ح يث التخط يط فشعرت بأن ني انت مي إلى المرت بة الثان ية خ صوصا بعد ما شاهدت من آن
إلى آخسر عمليات التخطيسط فسي قسسم أوروبسا الغربيسة .فقسد كان لدى قسسم أوروبسا الغربيسة داخسل مكتسب تنسسيق
ال سياسات أك ثر من مئة مشروع ق يد التخط يط في آن معا :من ها التأث ير في النتخابات والت سلل إلى التحادات
العمالية والسيطرة عليها وانشاء اتحادات جديدة وتمويل الصحف واعداد كوادر سياسية داخل معسكرات اللجئين
كما كان ثلثون أو أربعون من تلك المشاريع قد بدأ العمل بها فعلً .أما الوضوح في تقديم المشاريع وعرضها
فج عل موظ في مك تب الخدمات ال ستراتيجية بكليشيهات هم التقليد ية يبدون أمي ين بالمقار نة .وعلى الر غم من أن
الشطر الكبر من عملي قد تحول في أواسط العام 1952إلى قسم التخطيط في مكتب تنسيق السياسات ،كنت ل
أزال مدرجا على أنني ضابط في مكتب الخدمات الستراتيجية .من هنا إيلم المقارنة .
وه نا جاء حدثان يعجلن من اقتراب المرحلة الجديدة من مهن تي المخابرات ية .أو له ما :جولة كبرى في افريق يا
.فعند ما تو حد مك تب تن سيق ال سياسات ومك تب العمليات الخا صة وع ين آلن دالس نائبا لمد ير التخط يط ورئي سا
للمكتسبين المندمجيسن صسار كيسم روزفلت رسسميا رئيسس قسسم الشرق الدنسى وافريقيسا الذي توسسع ليشمسل أيضا
121
افغانستان وباكستان والهند وسيلن .وبذلك أصبحت المنطقة المخصصة لنا تفوق من حيث المساحة كل المناطق
ل ر يب في ان منط قة بهذا الت ساع ع بء ثق يل يفوق طا قة ر جل وا حد .لذلك قرر ك يم القيام بجولة في الشرق
الو سط وش به القارة ال سيوية تاركا لي ب صفتي الم سؤول تالثا ين القيام بزيارة افريق يا ،فات خذ المبادرة وعاد ب عد
قرابة الشهر إلى واشنطن .عقد خلل رحلته هذه محادثات طويلة ليس فقط مع كل شخصية ذات شأن في غرب
ل تماما
آسيا بل ومع الزعماء المحليين الذي جند البعض منهم عملء لوكالة الستخبارات المركزية س ليس عم ً
إن ما «زبائن» على ا ستعداد «للتعاون» مع الحكو مة الميرك ية في كل الشؤون الدول ية ذات الم صلحة المشتر كة
عاد ك يم إلى واشن طن في يوم خم يس وقضي نا م مع زوجتي نا عطلة نها ية ال سبوع ن ستمع إلى حكايات رحل ته
ونتفرج على ما التقطه من صور خللها .ويوم الثنين ركبت الطائرة متوجها إلى القارة السوداء.لم يقدم لي أحد
فيها امارته ولكنني قمت ببعض التصالت المفيدة في السودان وأثيوبيا وكينيا وجنوب افريقيا ونيجيريا وتوغو
وليبيريا .أما في غانا وشاطئ العاج والسنيغال فكان لي أكثر من مجرد اتصالت .فقد كان في غانا مثلً رجل
أميركي من أكثر الرجال حكمة اسمه بوب فليمنغ يزن قرابة 150كيلوغراما وهو بمثابة لورنس افريقيا يؤدي
دور الم ستشار لقوا مي نكرو ما .وبالط بع كان هناك نكرو ما نف سه الذي تناولت م عه ،بف ضل فليم نغ ،طعام الغداء
وقضي نا ثلث ساعات من الحد يث وجد ته خلل ها من اك ثر الشخ صيات سحرا ،ذلك أ نه لم ي كن قد م ضى على
توليسه الزعامسة الوقست الكافسي لظهور اعراض داء العظمسة فيسه*كان نكرومسا ودودا يتمتسع بروح النكتسة ويتكلم
النكليزية بلهجة أفراد الفرق الموسيقية في نيو اورلينز .وكان هناك أيضا رئيس جمهورية شاطئ العاج فيليكس
هوفويسه بنغسي الذي يتكلم الفرنسسية بلهجسة وطلقسة الباريسسيين وقسد ترك فسي نفسسي انطباعا بأنسه رجسل مثقسف
و سياستي مح نك.وكان هناك بالط بع رئ يس ال سنيغال ليوبولد سنغور الد يب والشا عر ال كبير .والوا قع ان هذا
الثلثي وحده كان كافيا لعتبار رحلتي ناجحة جدا لجهتي مركزي في الوكالة ومستقبلي بعد الوكالة.
جاءت أهم نتائج رحلتي الفريقية من خلل احاديثي ومشاور اتي مع بوب فليمينغ .انه يشاطرني عطفي الطبيعي
على الفارقة ال سود ولكن إسرافه في الكلم عن نكروما أدى إلى طرده من البلد .وعلى الر غم من ابعاده إلى
نيجير يا ا ستمر بتقد يم المعلومات لتنو ير الحكو مة الميرك ية وزيادة تفهم ها لوضاع الفار قة ال سود بح يث ا خد
الموظفون فسي وكالة المسساعدة الدوليسة المحليسة يدركون ضرورة تلطيسف عطفهسم هذا بإضافسة بعسض «الحقائق
122
من محادثا تي مع بوب ات ضح لي نقطتان على صلة وثي قة بأفكار كا نت قد بدأت تجول في خاطري.الولى ان
النوع الوحيد من المجتمعات الذي يرتاح إليه الفارقة السود هو المجتمع القبلي وجوهره «السلطة القبلية (حسب
تفسسيره لهسا) .والثانيسة انسه ل يمكسن قيام زعامسة افريقيسة شاملة بقيادة شخسص واحسد أو مجموعسة صسغيرة مسن
الشخاص ،ل يس ف قط لتعارض ذلك مع «ال سلطة القبل ية»(ح سب تف سيره ل ها) بل لعدم وجود ل غة مشتر كة في
افريقيسا .فنصسف الفارقسة يسستعملون الفرنسسية لسسانا مشتركا للتخاطسب فيمسا بينهسم والنصسف الخسر يلجسا إلى
النكليزية .ولهم جميعا أكثر من مئتي لغة في كل منها عشرات اللهجات المحلية.
من عوامل التفرقة الخرى بين الفارقة السود تخوفهم من بعضهم البعض وتحاسدهم ،فضلً عن ان المتنورين
منهم بما فيه الكفاية لرسم تطلعات مستقبلية مختلفون فيما بينهم حول ما يجب ان تصبو إليه تلك التطلعات وحول
سبل بلوغها .عاشر بوب مختلف أصناف الفارقة وتحدث إليهم ورأى ان ما يعتبرونه «تطلعات» ل يعدو كونه
شعوذات بالنسبة إلينا نحن الغربيين ،ولكنها بالنسبة إليهم حقائق واقعة تستحق قيام حرب قبلية من أجلها.ولم تكن
الجتماعات للبحث في داء ال فم والحا فر الذي فتك بالماش ية في طول افريقيا وعرضها أكثر من مناقشات حول
العلجات بالسحر والشعوذة والتعاويذ ،علما بان أطباء تخرجوا من جامعة اكسفورد اشتركوا فيها بالحماس عينه
و عبر مارك سية بدائ ية منا سبة ا خذ ال سوفيات ب عض التقدم على مج مل الم سرح الفري قي لعتماد ا سلوب معاداة
شيء ما جزء منه حقيقي والجزء الخر وهمي .إن أقل شخص يعمل في حقل الدعاية يدرك ان الوسيلة الفضلي
لتوح يد مجتمعات متباي نة هي إرشاد ها إلى ش يء تلت قي على كر هه ومعادا ته بين ما تؤدي محاولة اعطائ هم ما
يريدونه إلى تبيان انهم يريدون اشياء متعددة وانهم ل يستطيعون التفاق على الولويات .ولكنهم في الوقع ذاته
قادرون على التفاق ف قط على من أو ما ي قف بين هم وب ين تعدد رغبات هم وبالتالي النحاء باللوم عل يه على ا نه
سبب حرمانهم.
قبل بحث الموضوع مع بوب فليمينغ راودتني أفكار عن ابراز نكروما كنوع من المخلص الفريقي وتراءى لي
انه إذا كان قد استطاع بلوغ مرتبة الزعامة في نيجيريا رغم ضعة أصله القبلي فقد بتمكن من بلوغها على نطاق
افريقيا السوداء الشامل .والواقع انه استغل صفة أصله القبلي ذلك انه باعلنه الحياد في الصراعات القبلية ارتفع
فوقهم مناديا بشعارات مستحبة لديهم جميعا .هكذا بدا الوضع لي ولكن بوب رأى بأنني على خطأ فادح ومخطر،
فالشياء لي ست على مظاهر ها .ف قد بدأ نكرو ما بد عي بأ نه «أع ظم من مو سى» وعلى ا ستعداد »لقيادة جم يع
شعوب افريق يا عبر ذلك الب حر الحمسر من البؤس ال ستعماري» .ولك ني رأ يت بأل أؤ خذ بأولى أعراض داء
العظمة هذا ،فيما كان بوب يتمنى أل تكون خبرتي الجديدة هذه انعكاسا لما يفكر به رؤساؤنا في واشنطن.ومما
123
قاله لي ان مجرد التلم يح إلى نكرو ما ع ند أي زع يم افري قي آ خر سيجعل م ني شخ صا غ ير مرغوب ف يه لدي هم
ويؤدي إلى ال ستهزاء بي وال سخر م ني واخرا جي من افريق يا.ولك نه وا فق على أن « سياسيا ساحر الشخ صية»
حتى ولو كان أبيض قد يتمكن من بلوغ زعامة عامة في افريقيا س « إذا ما كان ذلك شيئا مستحبا» ،حسب قول
بوب.
وعلى الر غم من عدم ظهور زعماء يذكرون ،كان في افريق يا فراغ قيادي وا ضح يأ مل ال سوفيات بملئه وبج مع
بعض التباع حول زعيم ينادي بشعارات مناهضة للستعمار لم يبرز بعد .لقد كانت افريقيا محفوفة بما أسماه
مخططونا في واشنطن «ظروف ما قبل الثورة» وفي الوقت نفسه كان رؤساؤنا في واشنطن على خطأ في ظنهم
ان البريطانيين والفرنسيين يسيطرون على الوضاع هناك .ولعل باستطاعة أي مراقب محايد أن يشاهد بوضوح
وضع الفارقة السود من مرض وسوء تغذية لول وجود الستعمار الفرنسي والبريطاني في افريقيا وان يدرك
في الوقت نفسه ان اميركا هي المصدر الوحيد القادر على توفير العون القتصادي والتقني اللزمين لنقاذهم من
المرض و سوء التغذ ية .و مع ذلك كان خبراء الدعا ية ال سوفيات واتباع هم المحليون الم ستجدون يحاولون اقناع
اصسحاب النشاط السسياسي الفارقسة بأن عليهسم التخلي عسن خصسوماتهم القبليسة مسن أجسل طرد «السستعمار
والرأسمالية».
إذا يمكن توحيد الفارقة ،وأخذ السوفيات يحاولون أن يبرهنوا ذلك .ولكن ل أستطيع القبول بتأكيد قدرتهم على
التحاد فقط بوجه عدو مقيت .كان اليوم الذي قضيته في ادغال شاطئ العاج مع عالم النسان اللماني الدكتور
هانسس غروبر كافيا ل قناعسي بأن الفارقسة ضعفاء أمام القيادة «السساحرة» مسن صسنف الدعاة الصسوليين الذيسن
يشدهون مسستمعيهم في قلب الجنوب عندنسا .فقسد قضسى البروفسسور غروبر قرا بة العشريسن سسنة يرا قب بهدوء
تصرفات أهل قرى آكان مثلما جاءت جاين غودال بعده بثلثين سنة تراقب تصرفات قردة الشمبنزي .فقد لحظ
بتدق يق ك يف يبرز زع يم في أوقات الشدة وي سير رجال ال قبيلة خل فه بهدوء دون أن يكون قد أل قى خطبا ور فع
شعارات نارية ،وهذا أمر شاهدته بنفسي .ففيما كنا أنا والبروفسور نقترب من احدى القرى سائرين وراء رئيس
ال قبيلة بب ضع خطوات رأي نا القروي ين يتبادلون ال صياح بشأن قض ية قبل ية .و ما أن شاهدوا رئي سهم ح تى تو قف
سألت البروفسور غروبر عما يتمتع به رئيس القبيلة دون أفراد قبيلته فأجاب بأنه يتمتع بسحر الشخصية .وما
هو ذلك السحر؟ وهل يستطيع احد افراد القبيلة العاديين تنميته وانتزاع القيادة ؟ أجاب بالنفي لن القائد يأتي أولً
ثم يأت يه ال سحر .أي ان القائد ل يس قائدا لن شخ صيته ساحرة بل أن شخ صيته ساحرة ل نه القائد ،هكذا ب كل
بساطة .أضاف ان المر في واقعة ليس بتلك البساطة ذلك انه يشبه حال من جاء أولً البيضة أم الدجاجة .فمن
124
المعقول إذا ان يتمكن المرء من تنمية السحر في شخصيته أو ان يُنمّى السحر فيها عن طريق العلقات العامة
بابرازه للرأي العام .ول كن ل يم كن ح صول ذلك ت حت أنوف التباع وعل يه ي جب أن يؤ تى من الخارج بالزع يم
غادرت افريقيا وجعبتي مليئة بمواد وأفكار جديدة بعضها غير كامل النضوج محورها اعتقاد راسخ اننا بحاجة
إلى زع يم وا حد في افريق يا ،أ سود كان أم ا سمر أم أب يض،قادر على توح يد جم يع الفار قة ال سود حول قض ية
ايجابية وبناءة ،وان علينا أن نؤمن لهم ذلك القائد .نظمت توصياتي في برقية أرسلتها إلى واشنطن يفوق طولها
طول البرقية التي بعث بها جورج كنان من موسكو قبل بضع سنوات .
لم يعسد بوسسعي ان أتذكسر الن بعسد مرور خمسس وثلثيسن سسنة مسن الخسبرة والنضوج على الراء الباهرة التسي
خرجت بها عامي 1951و ،1952لحل ما كان يجول في ذهني آنذاك .هل ما زلت أذكره ان مجموعة الفكار
التي عدت بها إلى واشنطن شغلت ثمانية أو عشرة موظفين شهرا ونيفا لتنظيمها في الطر المعينة،وانها،قبل ان
ينسفها كيم روزفلت تضخمت مثل كرة الثلج فصارت مشروعا اندرج في السجلت السرية لوكالة الستخبارات
المركز ية بعنوان «الب حث عن بيلي غراهام م سلم» .ويف عل مذكرة صدرت إلى جم يع الفروع في الخارج ج ند
رئيس مركز بغداد «داعية تقيا» من العراق وأرسله في جولة تبشيرية أدت إلى اعتقاله ومحاكمته فإعدامه على
يد حكومة نوري باشا السعيد الذي اعترض «من حيث المبدأ» على القضية برمتها .جاء اعتراضه هذا في كتاب
اعتذار وجهه إلى كيم روزفلت لدى معرفته بأن «الداعية»المسكين كان فعلً عميلً لوكالة الستخبارات المركزية
كانت رسالة نوري باشا أول ما سمعه كيم عن المشروع فثارت ثائرته واعتبرني جننت .وعلى الرغم من علمه
بأن موظ في مك تب تن سيق ال سياسات مجان ين ف قد كان يتو قع م ني ما هو أف ضل م ما صدر ع ني .وم ما قاله لي
«:ا نك تع جب بأفكارك من أ جل ذات ها وهذه هي مشكل تك .ول كن عل يك ان تكت سب عادة التم عن جيدا بأفكارك
النيرة وبمسا سستنتهي إليسه» .ولمسا كان كيسم مسن آل روزفلت ،السسرة ذات التقيلد القديسم فسي نوع خاص مسن
الزعامة،فقد فكر بالموضوع الذي لم أكن على دراية به حتى ذاك .وألقى علي محاضرة عن ان الزعماء،رغم ما
على كسل حال رأي كيسم ان فسي الفكرة بعسض الحسسنات وأدرك أيضا انهسا اكتسسبت قوة اندفاع خاصسة بهسا وقال
«:سسنضعها الن على نار خفي فة لبعسض الوقست ،ولكسن لدي فسي الوقست نفسسه رحلة أخرى لك .فعليسك مراف قة
كيركباترك وجونسستن فسي جولة على مراكزنسا فسي الخارج .وسستكون يداك مليئتيسن بالعمسل بلملمسة الركام الذي
125
سيخلفانه .وعل يك أيضا ال ستمرار بالب حث بجم يع الو سائل عن ذلك «ال ساحر» العظ يم مع ال خذ في العتبار
ملءمتهم للظروف المحلية في الماكن التي ستزورونها .على كل حال سنبحث في الموضوع بعد عودتك».
كان لي من كيركباترك رئ يس مك تب العمليات الخا صة،والعق يد كيلبورن جون ستن رئ يس مك تب تن سيق ال سياسات
خلفا لفرا نك واي سنر الذي حل م حل آلن دالس نائبا لمد ير التخط يط .إذا أ صبح كله ما من «الركان» ولم يعودا
من «الخط» (يعني ذلك بلغة الهندسة الدارية انه لم تعد لي منهما سلطة المر والنهي بل أصبح عملهما اعداد
الوراق السياسية ليسترشد بها رئيسهما آلن دالس ) .ومع العلم بأن انتقالهما إلى «الركان» اتخذ الصفة الرسمية
عجزت أنذاك ومسا زالت عاجزا عسن تحليسل شخصسية كيركباترك .فمنسذ انضمامسي إلى وكالة السستخبارات
المركزية أخذت أبذل جهدا خاصا في انشاء ملفات عن أي شخص فيها قد يكون له أي تاثير في وضعي الحالي
أو الم ستقبلي ،و هو شعور اندفا عي ن ما عندي أيام شغ في بل عب البو كر فاح فظ بد قة ت صرفات الل عبين الخر ين
وتحركات أيديهسم وقسسمات وجوههسم التسي تدلنسي عمسا إذا كانست أوراقهسم رابحسة أم انهسم يخدعون .ولكسن جمسع
المعلومات هذه عن كيرك أعياني ول أقو على تركيبها بما يسمح باستطلع طبيعته واستباق تصرفاته .ففي أيام
الفتوة عندما كان الفتيان والفتيات يسرقون سيارات ذويهم ويغازلون الفتيات (أو الفتيان ) ويجربون التدخين كان
كيرك يجمسع مسا تيسسر له مسن شارات السستحقاق بغيسة الصسيرورة أصسغر شاب تولى قيادة فريسق الكشاف فسي
روتش ستر بول ية نيويورك .وب عد بلو غه مرحلة الرجولة ا ستمر على ما كان عل يه من أهل ية بالث قة و من ولء
ورغبة بتقديم العون ،والود والتهذيب والقتصاد والشجاعة والنظافة والتقوى وإلى حد ما اللطف والطاعة .فأي
موظف يقع في ورطة مع قيادته يستطيع العتماد على تأييد كيرك في السراء والضراء ،ورغم ذلك تراه يطرد
موظفا تعي سا لمجرد ال ظن بأ نه ابدى ما قد يدل على عدم الن صياع للوا مر او ال تبرم ب ها .ث مة مدر سة فكر ية
تقول بأن كيرك تحول إلى العلج الذي هو عليه بعد جولتنا فصار «طموحاًَ دون شفقة» (حسب قول أحد الثقات )
بعد إصابته بداء شلل الطفال أثناء وجودنا في بانكوك ،كي يعوض عن العجز الذي حل به ويبرهن بأنه مازال
ندا لمنافسة ريتشارد هلمز .والحق يقال إنه كان في طريقه إلى ذلك قبل رحلتنا المشؤومة .
اعت مد كيرك م عي ا سلوب التع سف المتشدد متعمدا إربا كي أمام موظ في مك تب لخدمات الخا صة في كل مر كز
زرناه فقط ليظهر لهم مدى بأسه وسلطانه .ولكنه في الواقع كان غافلً عما يفعله بي حتى أبديت له اعتراضي
فانقلب صلفه إلى اعتذارات صادقة .أما العقيد جونستن وقد احتفظت بملحظات عنه تكفي لملء كتاب فلم يكن
أقل قسوة ولكن ق سوته لم تتخذ صفة التعمد الشخصي .إنه مدمن سابق على الكحول أصيب بنوبة قلبية واحدة
126
على ال قل واعت مد مظ هر المشا كس المت سلط الذي ساعده كثيرا في مركزه كرئ يس لمنظ مة مليئة (ح سب رأ يه)
بالمخنثين .وكان،رغم محاولته اخفاء ذلك،حاد الذكاء يعود صلفة وقسوته إلى تفوقه العقلي .
«بات» جونستن هو ابن هيو جونسن المجدد والمنظم الهام جدا في إدارة الرئيس فرانك روزفلت (أضاف حرف
على جونسون لخفاء القربى) .تعلم البيروقراطية وهو بعد في حضن ابيه ثم التحق بكلية وست يوينت الحربية
ح يث أت قن أ صول التنظ يم الع سكري ،فأض حى خلل الحرب العالم ية الثان ية أ حد أ هم شخ صيات برا مج التنظ يم
والدارة في الج يش المير كي وألف عدة كتيبات إرشاد ية بل غة نثر ية واض حة خال ية من الكليشيهات الع سكرية
.وكان قبل قيامنا برحلتنا قد قرأ كل الكتب الهامة عن التنظيم والدارة وحفظها فصار قادرا على تقيوء محتواها
هل قلت «بش كل مث ير؟» ف قد كا نت محاضرا ته الطويلة حول الموضوع ال تي ألقا ها امام جمهوره المؤلف م ني
بمفردي سساحرة حتسى لجعلت كتاب برنارد «مهمات المديسر التنفيذي» الممسل والقديسم المحتوى مقبولً ومشوقا
.وتقديرا لهتما مي بمحاضرا ته تلك أ سبغ علي قائ مة بأ سماء مجمو عة من الك تب ا ستنير ب ها ب عد عودت نا إلى
علي أن ال فت انتباه القراء إلى أ نه ل ح كم بات جون ستن ول قائ مة الك تب ال تي ن صحني بقرائت ها كا نت أول ما
سمعت به عن موضوع الدارة.ف قد سبق لي ان ساعدت ب ير دي سيلفا في و ضع الر سوم البيان ية أثناء د مج
م صلحة مكاف حة الجا سوسية بم صلحة ل ستخبارات ال سرية وق بل ظهور كيرك وبات على ال ساحة.ول كن تب قى
البيروقراط ية طب قي المف ضل على كل ما عدا ها من تنظ يم وادارة و«التنظ يم والدارة» بالمع نى الخاص الذي
أ سبغه عل يه في تلك اليام مؤل هو مفهوم الكفا ية .ف قد سبق لي أن قرأت أعمال مار كس ولين ين وما كس ف يبر
ولودفسك فون ميزه وفريدريسك فون هايسك إضافسة إلى فرانتسز نويمسن وروبرت مايكلز بشكسل خاص.ففسي كتابسه
«بهيموث»(كيان ضخسم قوي) ب ين نويمسن كيسف أفسسحت البيروقراط ية «كدولة ضمسن الدولة» المجال أمام هتلر
لبلوغ السلطة .وكذلك أظهرت نظية مايكلز القائلة «بحديدية سنة حكم القلة» أفكارا متعددة لم أدرك معناها ساعة
قرأتها ،وها ان معناها ينجلي في ذهني بعد مقابلتي لزعماء أفارقة بدأوا يرون البيروقراطية دونم تنمو وتخرج
من قبضتهم.
من مطالعاتي فهمت البيروقراطية على انها أكثر من نعت استهزائي يصف الدارة بأنها أنشئت من أجل الدارة
ومن أجل المعاملت الورقية ومن أجل موظفين يبتزون أموال الملكلفين.إنها،حسب تعبيري الخاص،عبارة عن
منظ مة (لي ست كل منظ مة بيروقراط ية) ل ها صفاتها الخا صة )1( :توز يع المهمات ح سب مهارات محددة)2(،
وهيكليسة لهسا الصسفة الرسسمية )3( ،و «تحديسد ووصسف طبيعسة العمسل» لكسل مسن أفرادهسا )4( ،وأنظمسة محددة
127
بوضوح تن ظم العلقات ب ين أفراد ها وض من فرق الع مل ودا خل الق سام.فإنشاء بيروقراط ية ،ح سب تعري في ل ها
(استنادا إلى ماكس فيبر وغيره) ل تزيد كثيرا عن وضع قائمة بكل شيء يجب عمله من أجل تمكين المنظمة
من بلوغ غاياتها ثم ادخال تلك العناصر الربعة بأقل تعقيد ممكن.يبقى ان أهم مميزاتها ان السلطة تترافق مع
اللقب ومع وصف الوظيفة ،ل مع الشخص ،بحيث ان ولء المرؤوس لرئيسه ليس مرتبطا باحترامه له كشخص
ما أ سهل التغلب على هذا النظام! ف في أي مجمو عة كبيرة من الناس يعملون معا تن شأ حكما شب كة من العلقات
الشخ صية المتداخلة الخيوط سواء رح بت الدارة بذلك أم لم تر حب .و قد ت ستطيع المنظ مة البيروقراط ية القيام
باعمالها بانتظام عندما ل تتعدى تلك العمال الرتابة الروتينية .أما في الزمات فتحل العلقات الشخصية محل
رتابسة النظام المعمول بسه .وعليسه وتحست اشراف بات اخترعست عبارة »خلق الزمات« ادراكا منسي بأن التفهسم
العميق لحركية المنظمات أمر أساسي في تخطيط عمل سياسي احتراقي طالما حلمت بإتقانه.فسعيت للتوصل إلى
طريقة أرقى من مجرد العثور على عقيد مغفل أرشده خطوة بعد خطوة لتنفيذ انقلب على الدولة.وخطر لي وانا
أطبق تعليمات بات على مشاهداتي في افريقيا ان البيروقراطية المتصلبة ل بد أن تكون في احد مستوياتها من
رأسها حتى أسفلها عرضة لنطباق مخططي عليها شرط توفر مجال يسمح بالتحرك من أجل «خلق الزمات»
باستطاعة الشخص الجالس على قمة منظمته والواقف على قنوات حركة المعلومات فيها ان يفعل شبكة العلقات
الشخ صية غ ير الر سمية ساعة يرى في ذلك تلؤما مع غايا ته س أو بت عبير أو ضح وأدق عند ما تتوا فر ف يه
مهارات اللعب بالمنظ مة حسب رغبا ته يستطيع استخدام تشا بك ما هو ر سمي مع ما هو غير رسمي في بن ية
المنظمسة لتحقيسق تلك الغايات مهمسا كان نوع ها .ول ريسب فسي ا نه سيعتمد على العلقات الشخ صية إذا كا نت
الزمسة المفتعلة مدروسسة باتقان واحكام .كمسا يسستطيع الفادة مسن الولء على صسعيد شخصسي ل على صسعيد
وظيفي تس شرط أن يكون قد مل المراكز في المنظمة بحيث يشغل مؤيدوه الشخصيون المراكز الحساسة.وإذا ما
قمت أنا بتدريب الموظفين في المراكز الدنى رتبة ونفوذا فسيتمددون إلى أدنى لخلق المشاكل وإلى أعلى ليبدأ
الشعور بوجودهم فتكون العلقة بينهم كعلقة الجذور بالنبتة وهي علقة معرضة جدا «للتأثيرات الخارجية» س
سبق لبات أن لفت انتباهي إلى ن بعضا مما أوردته أعله قد حدث فعلً لنسل جديد من المهنيين يطلق عليهم اسم
مهندسين اداريين .ففي كل بلد زرته في افريقيا كان الزعيم قد استلم السلطة إثر قطعه وعودا لم يستطع اليفاء
بها واستمر في مركزه بإلقائه اللوم على قوى الخارجية حالت دون تحقييقه تلك الوعود ،وبزج المشككين به في
128
السسجون.إن لسسلوب «اللوم والرهاب» جدواه ،ل ينجسح إل بتطسبيق مسا أسسماه مايكلز وغيره «السسيطرة
البيروقراطية» .وقد حاولت في بعض الصفحات السابقة اليضاح بأن انعدام تلك السيطرة أدى إلى سقوط حسني
الزعيم.
خلفا لمديسر السستخبارات المركزيسة الجنرال بيدل سسميث،لم يكسن كيسر كباتريسك (حسسب اصسرار بات) «رجسل
التنظيم المثل» بل كان «رجل البيروقراطية المثل» .أشرق علي هذا الدراك بكامل قوته بعد ان عكرنا المياه
على رؤساء فرقنا العاملة في نيودلهي وكلكوتا وكاراتشي وبغدا وبيروت ووصلنا إلى استنبول حيث كان فريقنا
بعهدة آرتشي.
خلل الجتماع الول افرغ كيرك وبات جعبتيه ما عن اندماج مك تب العمليات الخا صة بمك تب تن سيق ال سياسات
في منظمة واحدة بإدارة نائب مدير التخطيط وانهما انتقل إلى «الركان» من «الصف» .ثم اخرجا مخططاتهما
التنظيم ية وف سرا له ك يف ي جب عل يه ادارة شؤون فري قه .وه نا ل مع في ذه ني انه ما لم يظهرا أي فضول أ صيل
عن سبب وجود فرق في تلك المك نة بالذات أو بشأن الوضاع المحل ية ومدى تأثير ها في عمليات ت كد الفرق،
هذا إذا كان ثمة عمليات وامكانات اجرائها .ويبدو انهما لم يعتبرا ان لمثل تلك الشياء علقة بمهمتهما.
والدهى من ذكل انهما افتتحا عرضهما لرتشي بمفرده،ولكنهما قبل البحث فيه مسبقا معه على انفراد دعيا كل
الموظفين باستثناء السكرتيرات وعرضا التنظيمات التي قرراها أمام الجميع .وتضمنت تنظيماتهما وجود رئيس
فر يق (آرت شي) ونائب عن مد ير مك تب العمليات الخا صة ،ونائب عن مد ير مك تب تن سيق ال سياسات ورؤ ساء
لقسام الستخبارات ومكافحة الجاسوسية والعمل السياسي والشؤون العمالية والعمليات شبه العسكرية،هذا علما
بأن لدى آرتشي سلطة دمج أو رفع أو تخفيض أو حتى الغاء تلك الختصاصات كلها حسبما تقتضيه الوضاع
المحلية.أما آرتشي وهو ذلك الرجل الذي يفترض دوما وجود حسن الينة حتى يثبت العكس فسمح بالتمادي في
ذلك السراف إلى نقطة اللرجوع .وقبل أن يدرك آرتشي بأن بيانهما قد انتهى لتتبعه بضع أسئلة مهذبة ،كان
كيرك قد استدار نحوي وسأل« :هل ذلك واضح بالنسبة إليك يا مستر كويلند؟»
إجب ته«:أ جل ،ا نه وا ضح ب ما ف يه الكفا ية بالن سبة لي ،هذا علما بأن ما ساكبته عنك ما إي ها ال سيد ان ي صلح مقالً
لمجلة نيويوركر أكثر منه تقريرا سأبعث به إلى كم ،ثم اسأل آرتشي عما إذا كان واضحا بالنسبة إليه».
جلس آرتشي وقد اعتراه الذهول.ثم فعل شيئا لم يسبق لي أن شاهدته يصدر عنه.وانفجر غضبا! تاه عن بالي ما
قاله لهم وكل ما أذكره انه خاطبهما بكلمات وعبارات امتازت بحسن الختبار ،عندها نهض ضابط برتبة عقيد
المفروض فيه الشراف على العمليات شبه العسكرية وقذف نحو الحائط بالكرسي الذي كان يجلس عليه ،فتحطم.
129
يسا له مسن مشهسد! همدت فورا لهجسة بات وتحولت إلى التماس المصسالحة .فقسد أدرك انسه بإشارتسه للتمييسز بيسن
«الركان« و«ال خط» ارت كب هفوة كبيرة .أ ما كيرك فش عر بأن سلطته تعر ضت للتحدي وا نه بات مجرد نا ظر
مهمته السهر على النضباط حسب أوامر تأتيه من فوق .وحافظ على رباطة جأشه ،وبدا عليه الغضب بوضوح
جعله إمسا يتجاهسل بات أو ل يسسمعه وهسو يبدي اعتذاره بعسض التراجسع فقال بأنهمسا لم تعسد لهمسا أيسة «سسلطة»
بالمعنى المتعارف عليه للكلمة وبأنه يأمل أن يدرك آرتشي ما تنطوي عليه «توصياتهما» من »وزن سلطوي»
ظن نت بأن آرت شي الذي لم ي كن ل عى معر فة بله جة التقر ير الذي سأرفعه إلى ك يم ،قد ش عر بأن ني تخل يت ع نه
بانزوائي صامتا فيما كان كيرك يدلي ببلهاته .على كل حال كان من شأن تحطم الكرسي على الجدار ان خفف
التو تر قليلً وحول اهتمام كيرك ن حو محاولة تهدئة العق يد الذي ح طم الكر سي ليقول له بأ نه سينقله إلى مر كز
آخر حيث يقدرون مواهبة.ثم تناولنا طعام الغداء والصمت يخيم علينا نظرا لننا كلنا على درجات مختلفة من
الصسدمة،كمسا لم يعدو مسا تبادلناه مسن كلم على بعسض مسا تكلفناه مسن أدب مسع محاولة تطليعسه ببعسض النكات
والضحك المصطنع.
والغريب اننا بعد مغادرتنا استنبول جرت المور على خير بيننا فقد شعر من كل كيرك وبات بالراحة وبالسعادة
لنتهاء المه مة وكا نا يضحكان فعلً أثناء رحلت نا ب سيارة ال سفارة من مطار لندن إلى فندق كلردج ح يث جل سا
يعدان برقية لمدير الستخبارات السرية يتضمن اننا جميعا متعبون جدا من الرحلة وبحاجة إلى العودة بحرا.جاء
الجواب ايجابا فوفرت لنسا الباخرة الفخمسة «كويسن ماري» راحسة كنسا بأمسس الحاجسة إليهسا وكنست فسي أحسسن
استمتاعي بها عندما سمعت شابا من وكالة الستخبارات المركزية استقل الباخرة من مرفأ ساوث هامبتون،يسأل
بات صحة الشا عة عن حتم ية تعي ين كيرك مديرا لل ستخبارات المركز ية.أجاب بات بأن ل م فر من ذلك لن
كيرك مزيج مثالي من القدرة الدارية والعقلنية والصرامة وبأنه لدى بلوغه غايته هذه سيكون أقل «خرائية مما
هو عليها».
تج مد الدم في عرو قي.فحتم ية ارتقاء كيرك إلى الترؤس عي نا جميعا كا نت صدمة قو ية لي .ف هو سيصبح يوما
مديرنا وسيكون مديرا جيدا لن فهمه لجوهر المور محدود جدا .من هنا سيتمكن من ادارة وكالة الستخبارات
المركزية على انها منظمة ل مجرد اسطبل يضم مجموعة من راقصات البالية س مثلما يتعامل رئيس مستشفى
والترر يد العسكري مع الطباء الم ستقلي الرأي ف يه .أما مناف سة الرئي سي دك هلمز فلد يه ب عض المعلومات عن
ل مخطرا س ولكن كيم يعتبر «مستر نظيف» وهو وان كان يعلم ان الخط
الستخبارات س بما يكفي لجعله رج ً
130
المستقيم ليس بالضرورة أقصر مسافة بين نقطتين فهو اسلمها حتى يثبت العكس .إذا انه «رجل البيروقراطية»
المثل!
غير انه يوجد في السطبل راقصة لن يتمكن من قيادتها وهي أنا.عندما اتضحت في ذهني سخافة عملي في
وكالة استخبارات مركزية يديرها ليمن كيركباتريك صرت أفكر بأن «المنظمات خلقت للحرتقة بها ل لن اكون
فردا فيها» .وحسب ما أوحته لي محاضرات بات سأصبح،أنا،مهندس ادارة !ولما وصلنا واشنطن قضيت اسبوعا
في اعداد تقريري لك يم عن الرحلة (وجعلت ما حدث في ا ستنبول نموذجا عن ها)،وأمض يت جل سة أخرى قابعا
ب صمت في احدى الزوا يا ا ستمع إلى ك يم ي سرد على بات وكيرك رأ يه فيه ما ،اعددت ور قة أخرى أوردت في ها
أفكاري عن كيف ية الب حث عن «أب أب يض كبير» هذا إذا كان ب حث كهذا سيجري على الطلق ،والن ظر إل يه
كقضية تنظيمية (عنيت في الواقع «بيروقراطية» حسب تعريف ماركس وفيبر ومايكلز ،لكنني قلت «تنظيمية»
مراعاة لبات وغيره من القراء المحتمل ين والملم ين ،بأحدث ما ي صدر عن مك تب التنظ يم والدارة في الج يش
الميركي).
قوبلت أفكاري التي ضمنتها تقريري الواقع في ثلثين صفحة بالستحسان وعلى الخص فكرة استقالتي ل ستلم
عملي هذا أثناء لقاء طويسل على الغداء بينسي وبيسن رئيسس الشركسة بواسسطة مكتسب رالف سسمايلي فسي واشنطسن
وكتاب توصية يشع اطراء بي وقعه فرانك وايسنر.أعجب رالف بأفكاري حول القيادة والبيروقراطية (مستقاة من
«القانون الحديدي» لمايكلز المعدل للتلؤم مع الظروف في افريق يا والشرق الو سط ح سب فه مي ل ها) وقال بأن
أفكاري تلك قد تساعده إذا ما نجحت مخططاته لقامة قسم دولي لشركة بوز س آلن اند هملتون .
وهكذا وصلنا إلى مرحلة اخرى من مراحل عملي المتقاطعة ،مرحلة تصور المقولة القديمة انه يامكانك إخراج
الشاب من وكالة الستخبارات المركزية ولكن ليس بإمكانك اخراج وكالة الستخبارات من الشاب .
131
مهمة استطلعية في مصر؟
استقلت مرتين من عملي في وكالة الستخبارات المركزية بسبب حاجتي إلى المال ولم ألق ترحيبا لدى عودتي إل
مرة واحدة وك نت قد جم عت من المال ما سمح لي بالعودة إلى ترف الع مل في ذلك المكان المد هش .اعتاد أ حد
زملئي س وكان يعتمد على أبيه الثري لتغطية الفرق بين راتبه ونفقاته س القول بانه يشعر وكأنه ل يزل طالبا في
الجامعة إذا يكتب لبيه قائلً »:أبي الحبيب،أرجو أن ترسل لي المزيد من الدراهم كي أبقى في وكالة الستخبارات
المركز ية ستة أش هر اخرى» .ول ما لم ين كن لي والد ثري،اضطررت في لعام 1953إلى مغادرة الوكالة ال سنتين
لجمع ما كفاني من المال لشراء منزل جميل في ولية فرجينيا وسيارة ثانية وسترات رياضية من المخازن النيقة.
بلغ راتبي في شركة بوز س آلن اند هملتن ضعفي ما كنت اتقاضاه في وكالة الستخبارات المركزية،ولم يحسدني
على ذلك زملئي الكثسر فقرا منسي فيهسا بسل حاولوا اقتفاء أثري .وعندمسا أخذت عطلة مسن الشركسة فسي العام
وعندمسا تركست الوكالة ثانيسة عام 1957ارتفسع دخلي بعسد فترة وجيزة ممسا حمسل مجلت العمال الكسبرى على
ادراج اسمي بين العشرة مستشارين العلى راتبا في العالم .وبعدما أصبحت ثريا بحيث استطيع استئجار جناح
في برج واردمن وتوظيف بعض الخدم فيه لم يعد أحد من زملئي السابقين يتكلم معي .ولما غرقت الوكالة في
المشاكل بعد عملية «خليج الخنازير» الفاشلة عرضت خدماتي على ريتشرد بيسل الذي حل محل فرانك وايسنر
في منصب نائب مدير التخطيط ليقال لي بأن نار الثورة ستشتعل فورا في مباتي القيادة بمجرد التفكير باعادتي
إلى الوكالة .ثم تقدمت بعرض من نوع التعاقد للعمل مقابل دولرواحد في السنة ،فرفض هو الخر .ومنذ تلك
اليام وح تى الن وأ نا،ح سب ت سمية فرا نك واي سنر« ،الخر يج الم ين» أقوم بمهمات ي جب القيام ب ها ول تجرؤ
الوكالة على ذلك ( هل ل حظ تم الفرق) ،تارة أح صل على بدل أتعاب ضئ يل،وأخرى على مجرد ما دفع ته من
ج يبي ،وفسي أكثسر المرات اقدم اتعا بي دون مقابسل.والواقسع ان ولدي الثن ين أخذا فسي السسنوات الخيرة يمولن
نشاطاتي غير الرسمية (وغير الموافق عليها بشكل صريح) بواقع بضعة آلف من الدولرات في السنة وهي
مبالغ غير خاضعة للحسم من ضريبة الدخل .وفي الوقت نفسه،وعلى الرغم من انني ما زلت أنعم بصداقة وثقة
مل ح ظة :جرى ا ستبدال العنوان الصسلى من «بيلي غراهام الم سلم» إلى العبارة الواردة اعل ه،و من نا فل *
القول ان مايلز كوبلنسد ينظسر إلى الموضوع مسن زاويسة المخابرات المركزيسة ال ميركيسة وخطتهسا الراميسة إلى
التدخل في شؤون مصر.فاقتضى تنبيه القارئ لئل يأخذ ال مور على عل تها.
132
بعسض الصسدقاء الباقيسن فسي الوكالة ،أبقسى مضطرا لسسماع ثرثرة الباقيسن الذيسن اسستساغوا أفكاري واسستنكروا
وسائلي.
سأطلع كل قارئ يتع هد بالكتمان على ال سر الكا من في سيرة حيا تي،أو لن قل وراء دوا فع ت صرفاتي الكيف ية.ل قد
قض يت ال سنوات الثلث ين الماض ية في تت بع وتح سين نظر ية نشأت في ذه ني من خلل جول تي الفريق ية و من
احاديثسي مسع بات جونسستن ومسن ومراقبتسي لذلك البيروقراطسي المثسل ليسس مسن كيركباترك.ادعسى الرياضسي
الغري قي ارخميدس بأ نه اذا ما تي سر له نق طة أو مكان لي قف ف يه والراف عة المرت بة ترتيبا منا سبا ل ستطاع ر فع
الكرة الرضية من مكان ها.أما نظيرتي فقامت في بدايتها على اختيار زعماء من «البيروقراطيات الرئيسية في
العالم الحسر» وتهيئة «سسحر الشخصسية» لهسم فيكونوا رافعات صسالحة تسستطيع السسياسية الخارجيسة الميركيسة
المتنورة الستعانة بها لرفع مستوى العالم.وقد قلت في مذكرتي الوداعية قبل جولتي على الزملء ان من شان
تطبيق نظريتي بحكمة تمكين وكالة الستخبارات المركزية ،إذا ما أحسنب الستفادة منها ،من تحقيق ما وعد به
الرئ يس وودرو ول سون «بج عل هذا العالم مكانا أ سلم للديمقراط ية» من ج هة ،وبإزالة ما يجري ه نا وهناك من
مربكات ل سلوب الع يش المير كي ،من ج هة أخرى .وعلى الر غم من التح سينات ال تي أدخلت علي ها،لم تح قق
نظريتي على مر السنين تقدما يذكر ولكنها قادتني إلى بعض المآزق وكذلك إلى تحصيل بعض المال .إنما الهم
من ذلك كله انها علمتني الكثير عما ل يمكن العتماد عليه من أجل رفع مستوى العالم أو من أجل تخفيف وطأة
مشاكله المتنوعة.
الديمقراط ية ،مثلً ،واحدة من تلك المشا كل.ف قد تأ تي الديمقراط ية ال صيلة س بالمقار نة مع الديمقراط ية الزائ فة
التي يدعيها الشتراكيون س نقمة ل نعمة إل إذا انبتت نوعا معينا من القيادة ،عنيفة في نظريتي واستطاع هذا
النوع الثبات بو جه تقلبات الظروف والضغوط .و ها قد صار من لمقولت الشائ عة ان بلوغ ال سلطة يحتاج إلى
مجمو عة من ال صفات ،وان ا ستعمال تلك ال سلطة لخ ير الذ ين منحو ها ي ستلزم مجمو عة أخرى .و قد ات ضح لي
لغراض تناقسض غاياتهسا .يشهسد التاريسخ الحديسث على ان بعضا مسن أسسوأ طواغيست العالم شفوا طريقهسم إلى
السسلطة عسبر انتخابات ديمقراطيسة .ففسي العام 1980مثلً تبجسح روبرت موغابسي رئيسس زيمبابوي المنتخسب
ديمقراط يا با نه يح بذ الديمقراط ية لن ها «نظام ي سهل اخترا قه والتغلب عل يه .وتو صل أي ضا ً أشخا صا من أ قل
الناس أهل ية وكفاءة واكثر هم ثرثرة في التار يخ إلى مرا كز رفي عة بفوز هم من انتخابات ديمقرط ية لم ت كن في
واقع ها أك ثر من مباراة في الشعب ية ،و ما لبثوا ان خربوا م صالح بلدان هم لن هم لم يتمكنوا غل من ال سير وراء
133
جمهورهم على غرار ما كتبه ادموند بورك عن احد قادة الثورة الفرنسية الذي نسب إليه قوله«:إن الرعاع يمل
والمهم ان الغاية من ملحظاتي هذه ليست إلقاء درس في أصول القيادة السياسية .فهذا الكتاب سرد ذاتي لسيرة
حياتي أعبر فيه فيما أعبر عما كان يجول في خاطري عندما تخليت عن العمل في وكالة الستخبارات المركزية
عام ،1953ومن بينها الشارة إلى مواقع في بعض البيروقراطيات في العالم حيث تتخذ أكثر المقررات تأثيرا
في مصالح الوليات المتحدة .فقد مل ضميري آنذاك المل بأن أتمكن من التخطيط لعمال سياسية تدفع ببعض
من اختار من الطامح ين إلى الشتراك في ها وال ستمرار علي ها ثم ال سير في طرق تؤدي ب هم وب نا إلى الزدهار
والستقرار .والواقع انه بصرف النظر عن بعض التسليات العبثية تركزت كل نشاطاتي خلل الخمس والثلثين
سنة الماضية بشكل ما على المل في التعرف إلى أشخاص يبشرون بطاقة قيادية من اجل توجيههم نحو بلوغ
مستقبلهم المثل بالوسائل الديمقراطية ،إذا ما توافرت ،أو بأي وسيلة اخرى ودون تردد عند عدم توافرها.
و قع اختياري الول من الناح ية القليم ية على م صر .ف قد أبدى رؤ سائي المقبلون شر كة بوز س آلن آ ند همل تن
ورئيسي آنذاك كيم روزفلت اهتماما واضحا ومكشوفا بها ،وكل فريق لسباب ل صلة لها البتة بأسباب الفريق
ال خر ول كن ا سبابهم جاءت متضافرة تماما من وج هة نظري أ نا .ف قد كا نت الشر كة تفاوض الم صرف الوط ني
المصري بشأن اجراء مسح اداري شامل لدارته ولمختلف ممتلكاته ،فيما كان كيم ،دون علمه بنشاط الشركة ،
منشغلً بالفوضى السياسية في ذلك البلد الذي أصبح مفضلً عنده من خلل خبراته إبان الحرب العالمية الثانية .
ودون علمه باهتمام الشركة ورغم توسلي بأن يترك لي أمر الفكار الخارقة ،دخل كيم مكتبه صبيحة أحد اليام
ود عا الم سؤولين لجتماع طارئ أعلن ف يه أ نه ق ضى ليل ته يتقلب في فرا شه ويقلب في عقله ب عض الفكار ال تي
راودته بشأن انقاذ الملك فاروق الذي ليزال يحظى بعطف الغرب .فكان علينا اقناع «الزير السمين« حسبما لقبه
ب عض موظ في دائرة التخط يط في ق سم الشرق الد نى وافريق يا ،اثناء غياب ك يم طبعا،بأ نه إذا امت نع عن اجراء
تطهيرات بين موظفيه الفاسدين وفي نظام حكمه البالي وعن جعله أقرب إلى مجتمع المساواة ،فإن شخصا آخر
دو نت أفكار كيسم هذه بشكسل مشورع (أطلقنسا عل يه رمسز ز .س .أي «الزيسر السسمين ») أخسذ طري قه الروتين ية
لموافقة السلطات المنية عليه .وسرعان ما سبقنا أحداث القاهرة في يوم بات يعرف باسم «سبت مصر السود».
ففي أواخر العام 1951قررت حكومة ونستون تشرتشل التي عادت إلى الحكم بعد أن أضعفت الحكومة العمالية
بريطانيا دوليا وداخليا ،قررت معاقبة مصر على نقضها المعاهدتين اللتين سوغتا الوجود البريطاني في منطقة
قناة السسويس وعلى دعسم نقضهسا هذا بمحاصسرة المنطقسة بحرب العصسابات .ففسي كانون الول (ديسسمبر) دمسر
134
الجيش البريطاني قرية كان ينطلق منها المقاومون المصريون .وفي أوائل كانون الثاني (يناير) هاجموا مركزين
م صريين بالقرب من ال سماعيلية وقتلوا أو أ صابوا مع ظم الذ ين كانوا فيه ما توترت الجواء وأحر قت ودمرت
الجماهير الهائجة المؤلفة من مسلمين متطرفين كل مباني المدينة ذات الصلة «بالمبريالية البريطانية» س منها
فندق شبرد وتورف كلوب وكل مطعم أو بار أو دار للسينما عرفت بملزمة الجاليات الجنبية لها .
كل هذا في مصر الصبورة فبات صبرها هذا موضوع انتقادات في معظم العالم العربي .أما الحكومة البريطانية
التي استشاط غضبها وقلت حيلتها فأقسمت على اتخاذ اجراءات اضافية بحق المصريين .وأما وزارة الخارجية
الميركيسة وقسد كدرهسا تقصسير البريطانييسن عسن الدراك بأن «عهسد السستعمار قسد ولى» ،فأرسسلت احتجاجات
موزونة للحكومتين البريطانية والمصرية .ورأت وكالة الستخبارات المركزية فرصتها فقطعنا صلتنا الرسمية
مع الستخبارات السرية البريطانية ،وأخذ مشورع كيم (روزفلت) لنقاذ الملك فاروق «بالثورة السلمية» طريقة
إلى التنفيذ فنال موافقة آلن دالس أثناء تناوله الشاي في بيته في ضاحية جورجتاون بعد ظهر يوم الحد الذي تل
السبت السود وأعلن كيم ذلك في اجتماع المسؤولين في قسمه صباح اليوم التالي .
هل كان متوقعا ان يرسلني كيم إلى القاهرة للقيام بتلك المهمة ؟ل .لمجال مطلقا ؛ بل انه سيقوم بها بنفسه .أما
أ نا فيؤ تى بي للبقاء على قوة اندفاع المشروع ب عد نجا حه س شرط ان أتخلى ،ح سب قول ك يم عن «ا صراري
بعناد »على مغادرة وكالة الستخبارات المركزية سعيا وراء كسب أكبر .أجبت بأنني سأفكر في المر،ولم يكن
كيم على علم بالطبع بأنني سأذهب إلى مصر سواء قبل بذلك أم لم يقبل س باعتباري الموظف الذي يتكلم العربية
أثبتت لي اعادة قراءة ملف كيم بأنه على كامل الحق في أصراره على انه وحدة القادر على تحقيق المشروع .
ففي الحرب العالمية الثانية قامت علقة ودية بينه وبين الملك فاروق أثر فترة من التوتر بين الملك والبريطانيين
فرض عليه هؤلء فيها وتحت التهديد بالسلح ابعاد العناصر الموالية لللمان في حكومته واستبدالهم بعناصر من
اختيار هم .وفي ما الملك ير غي ويز يد في ق صره كان ك يم يزوره يوميا تقريبا لتطي يب خاطره باليماء إل يه بقيام
حق بة جديدة ب عد الحرب تن عم م صر في ها ب سيادة حقيق ية ويكون هو في ها «أول حا كم لول م صر حرة م نذ أل في
سنة» .وك ما ذكر نا ك يم في اجتماع الموظف ين في مكت به صباح ذلك الثن ين ،ف قد ارتاح الملك فاروق لحادي ثه
وبالتالي هناك مجال واسسع للعتقاد بأن زيارة له مسن قبسل كيسم لعادة الصسلة قسد تجعله يقبسل بتلك الفكار التسي
توصل إليها كيم في تلك الليلة البيضاء .وهكذا وخلل أقل من اسبوع كان كيم في طريقه إلى القاهرة .
صسحيح أن الملك اسستقبله بحرارة،وان بشكسل ملفست أكثسر ممسا هسو مطلوب .لزيارة «تكتسسي طابسع السسرية
القصوى» حسب ما ورد في برقية بعث بها كيم بالشيفرة عبر قنوات اتفق عليها مسبقا .تقدم مو ظف مصري
135
مهذب إلى الطائرة ورا فق ك يم عبر دوائر ال من والجمارك ب سرعة ق بل ال سماح لبا قي ركاب الطائرة بمغادرت ها
.وراحت السيارة التي أقلتهما وعليها الشعارات الملكية الواضحة تخترق الشوارع بسرعة وعجلتها تزعق في
الطرقات فتتبعثر أمامها السيارات والعربات ويفر من أمامها المارة والولد الذين اتخذوا الطريق ملعب هم .وقد
روع يت واحدة من تعليمات ال سرية ال تي طلب ها ك يم وكا نت تغط ية نوا فذ ال سيارة ب ستائر بح يث ا نه لم ي ستطع
معرفة وجهة رحلته إل عندما توقفت السيارة في حديقة استراحته الجيزة المطلة على الهرام .
بوصوله إلى الستراحة استعاد كيم من خبايا ذاكرته انطباعا تكون في ذهنه في اليام التي قضاها في القاهرة
إبان الحرب ،بأن الملك فاروق ليسس من ذوي الوزان العقليسة الثقيلة .وجاءت لقاءا ته به على مدى ال سبوعين
التاليين تؤكد صحة انطباعه .فقد كان الملك يبدي إدراكا جليا للحداث الجارية في البلد ولتأثيراتها المحتملة في
مستقبله ومستقبل عرشه فيوافق بحماس على اقتراحات كيم العلجية ،ويختفي في اليوم التالي عن البصار وقد
أهمل اصدار أمر كان بالمس قد وافق على انه حيوي للخطة التي عرضها كيم .ثم يعود بعد اسبوع ،وفي نزوة
آنية من نزواته،فيصدر أمرا آخر يؤدي إلى انهيار الخطة من أساسها .
ا ستغرقت زيارة ك يم للقاهرة قرا بة الش هر عاف على أثر ها «مشروع ز.س ».ح سبما كان عل يه في ال صل،
وعاد إلى واشنطن مقتنعا بأن ل مجال للعمل العقلني في مصر طالما بقي فاروق متربعا على العرش ،ومصمما
أكثر من أي وقت مضى على «انقاذ مصر من نفسها» ،حسب تعبيره .وفي تعلقه بحبال الهواء نفض كيم أكداس
الغبار عن فكر تي بالب حث عن «بيلي غراهام الم سلم » وقرر ار سالي إلى م صر في مه مة ا ستكتشاف .أمر ني
بزيارة القاهرة لجراء م سح شا مل للو ضع العام ،وبا ستقصاء مدى أي اضرار تكون قد نج مت عن ت صرفات
الملك الصبيانية ،وبالعودة بمخطط جديد .كانت أوامره بمثابة القول «اسبح ما شئت دون أن تبتل» .
ما ان و صلت القاهرة ح تى خال فت احدى و صايا الوكالة المقد سة آنذاك إذ قررت القيام بزيارة لل سفير المير كي
واطلعه على حرفية ما أنوي عمله والوقوف على رأيه .أم ذريعتي ،عندما بلغ واشنطن خبر تمردي هذا ،فهي
ان السسفير جفرسسون كافيري أكسبر موظفسي الخارجيسة سسنا وأشدهسم حكمسة وأعلم مسن أي مسستشرق بالشؤون
المصرية ،كما كان يعاونه في السفارة موظفان لهما اتصالت مع المصريين أوسع بكثير مما لمسؤولي الوكالة
كما في القاهرة .فقد قام مساعد الملحق العسكري المقدم دايفيد إيفانز والضابط السياسي (ل ينتمي إلى الوكالة)
بيل ليكلند بأعمال تفخر بها الوكالة كما لو انها هي التي قامت بها ،من حيث المراقبة الذكية للغليان المستتر
الذي اقلق كيم روزفلت والمحللين السياسيين في طاقمه في واشنطن .هذا فضلً عن انهما قدما لي العون الذكي
136
وعندمسا شرعست بالعمسل الجدي بحثا عسن زعيسم أو قائد ،بدأت خارج السسفارة مسستعينا بصسديقي ناصسر الديسن
النشاش يبي (أو ن صري) .تعود صداقتنا إلى أيام عملي في دم شق ،و هو من الج يل الحادي والثلث ين من سللة
المير أحمد ناصر الدين النشاشيبي حارس مساجد القدس والخليل في عهد المماليك .تعرفت إليه في الردن وهو
في العشرينات من العمر ،ياور لدى الملك عبد ال واستمر في ذلك المنصب حتى اغتيال الملك في تموز (يوليو)
. 1951
أما الن وقد أصبح من شخصيات المجتمع السياسي الرفيع في القاهرة فرجوته ان يفسر لي كيف يمكن لي قائد
يبرز من «الثورة ال سلمية» ال تي يت صورها ك يم روزفلت تحو يل المال إلى توقعات ،أو أي ش يء آ خر،ر غم ما
سيكون عليه من انشغال بكل المكائد التي حاكها كيم مع الملك فاروق .
أوض حت لن صري ،ون حن نتناول كأ سا من الشراب ،رغب تي في ان يكون آ خر ع مل أقوم به ق يل التخلي عن
وظيف تي في الحكو مة ،العثور على من قذ وتدري به لينطلق من م صر وين شر كلم ته ب ين الفار قة ورب ما في العالم
الثالث كله .وقلت له :إن المطلوب من الرجل الذي نختارة أل يكون فقط قادرا على اثارة المال بل على تحويلها
أيضا إلى توقعات سليمة وعلى قيادة شعوب العالم المحرومة نحو حياة أفضل ونحو المن ونحو «الحر ية»،هذا
في بداية الحديث أعرب نصري بالشكل المألوف عن امتعاضه عن تأييد أميركا لسرائيل ثم وافق على ان قائدا
ذا شخصية ساحرة ربما هو المطلوب لتحويل موجة الكراهية المتنامية لميركا ليس فقط في العالم العربي بل
و في مج مل غرب آ سيا وتوجيها ن حو م ستهدف آ خر .من ه نا فإن شخ صا له صفة دين ية ما وقادرا على سحر
الجماهير سيكون ذلك الشخص المثالي .ولكن يبقى السؤال هل من الضروري ان تكون حركة دينية موجهة منذ
بدايتها ضد شيء ما ؟ إذا ،علينا ان نخلق «شيئا» أشد من هولً وتهديدا من دولة عبرية ،علما بصعوبة التوصل
إلى ذلك في حقبة كانت خللها عبرية اسرائيل اهم مزاياها اطلقا .
إذا قاد ني الب حث عن عدو مقبول بديلً عن الوليات المتحدة وا سرائيل للقيام بجولة بدأت ها بزيارة «ج حر ميلو»
مسجد في المدينة القديمة المشرف على مسجد السلطان حسن بكل جماله ورهبته .وميلو هذا الواطي يوغسلفي،
تقي متعبد سلس الحديث ،اشتغل مخبرا في الحرب العالمية الثانية لدى اجهزة تجسس متعددة ،وضعته المخابرات
الم صرية في ق صر بناه أ حد أمناء ب يت المال أيام الممال يك في القرن الخا مس ع شر .حولت المخابرات غرف
القصر السرية وممراته وأروقته المخفية إلى دار شرقية للتسلية تتلءم مع كامل نشاطاتها الخرى الكثر غرابة
ل إلى تخد ير وخ طف الدبلوما سيين الجا نب .أ ما الغرف التقليد ية ف سمحت لميلو بتحويل ها
ابتداء بالتهر يب و صو ً
137
إلى ما أسماه «المربع الليلي لكافة المذاهب » حيث يمارس المشعوذون وأصحاب المذاهب العجيبة طقوسهم امام
السواح الجانب،هذا إلى جانب مذاهب أخرى «موقتة» يخترعها ميلو بنفسه لتنويع برامج تسلية زبائنه .
وليلة اصطحبت نصري إلى «جحر ميلو» كانت فرقة من الدراويش تقدم الوصلة الرئيسية حول مصطبة اشبه
بحلبة المصارعة الواسعة ينيرها ضوء بدر يكتمل جلس حول طاولتها المرتبة على غرار المرابع الليلية سواح
يرشفون الشمبان يا الم صرية .على ايقاع طبلة ينفر ها درو يش ضر ير راح افراد الفر قة يدورون في حل قة من
حلقات الذكر مرددين عبارة «:اذكروا ال» بغية إثارة نوبة من الشعور الديني علق نصري على المشهد بالقول
:إذا قصرت تلك التصرفات عن تحويل الهتمام من «الظلم المتمثل باقامة اسرائيل» فلن يقدر شيء آخر عليه .
أدركت من خلل شرح قصير همسه نصري في أذني بين وصلتين ان أفراد هذا المذهب يحاولون النتقال إلى
«عالم غيسر مرئي» بالرقصسات التسي نراهسا ،ويحررون انفسسهم مسن الخلفات الدنيويسة المعششسة فسي مصسر
.أستفسرت من نصري عن آرائهم بالتأييد الميركي لسرائيل فقال «:ل رأي لديهم ،أنهم مجانين».
لم يكن منطلق تفكيري «ظاهرة بيلي غراهام المسلم » نزوة للتسلية .فقد خطر لي وأنا ابن الباما التي شاهدت
فيها وعرفت بعض المبشرين والدعاة المعمدانيين وحواة الثعابين،خطر لي أن ربما ،وربما فقط ،كان لدي هؤلء
الناس ما هو قابل لن يحمل على محمل الجدية .فمن المسلم به انه يجب ان يكون للنسان عقل قبل ان يفقده،
وكذلك يجب ان يشعر المرء بانتمائه إلى العالم قبل الشعور بالرغبة في الهرب منه .قد استطيع الموافقة على ان
هؤلء الراق صين مجان ين حقا أو لعل هم حم قى .إن ما ل بد من وجود ف كر متقدم في ا صول تلك الحر كة جد ير
بالهتمام .أ كد لي ن صري ذلك قائلً :إن المذ هب من ال صوفية وكان لتبا عه مجتمع هم ومعابد هم وموقع هم في
أوا سط العالم ال سلمي .أ ما الن فلم ي بق ل هم صلة بأ صولهم القدي مة إل بمقدار ما لحضارة ال س إن كا من صلة
وهسل مسن ضيسر فسي ذلك؟ ولئن لفست نصسري انتباهسي إلى ان الصسراع العربسي السسرائيلي قسد حرك الطاقات
السياسية الواعية في مجتمع متفكك ،كنت في الواقع على بينه ،قياسا على مايجري في أميركا ،من ان العقلنية
والمن طق لي سا من الضروريات لجتذاب التباع لدعوات دين ية هذا في ز من سبق ا ستعمال التلفزيون و سيلة له
.فكان لبيلي غرا هم أمثال وانداد ل يجتذبون البلهاء والمتخلف ين عقليا ف قط بل يعدون ب ين اتباع هم أي ضا محام ين
وأطباء وا ساتذة جامعات يرغبون بان «يولدوا من جد يد» .قلت لن صري «:ل بد ان يكون ب ين هؤلء الدراو يش
138
فعلً كان بينهم من يستعملون عقولهم ولم يطل بي المر حتى اجتمعت بأحدهم .رفض نصري الذهاب إلى ما
وراء الكواليس حيث كان الممثلون يعودون إلى رشدهم ،وتقدم مني أحدهم (الواقع انني لم أذكر انني شاهدته بين
الراقصين) وسألني بتهذيب وبانكليزية ركيكة إذا كنت أبحث عن المراحيض .كنت على وشك اجابته عندما تقدم
م ني شاب يرتدي م ثل ثياب هم ،ولك نه أمير كي ،وقال لي ان ني ش خص غ ير مرغوب بوجوده في ذلك المكان وان
ولما عدت وانضممت إلى نصري ثانية أبدى استغرابه لما اخبرته عن الشاب الميركي وقال «:ظننت انه ل بد
من وجود مد ير أعمال م سرحي من نيويورك في هذا المكان» .ان ضم ميلو إلي نا وقضي نا ما تب قى من ال سهرة
ل وحم صا بطحي نة( .كا نت تلك ال سهرة بدا ية ل صداقة طويلة مع ميلو ا ستمرت
نشرب العرق ونأ كل كبابا مقبو ً
حتى وفاته في أوائل السبعينات وقد قضى السنوات الخيرة من حياته في السكندرية يتقاضى بدل تقاعد شهريا
ا صطحبني ن صري في الليلة التال ية إلى قا عة للمحاضرات بالقرب من جام عة الز هر ح يث ا ستمعنا إلى خط بة
نارية القاها رجل اسمه حسن الهضيبي سمى فيها الشياء بأسمائها .وكان السيد حسن الهضيبي قد عين حديثا
لرئاسسة جمعيسة الخوان المسسلمين ،فامتلت خطبتسه بالتهجسم على تأثيسر أميركسا المفسسد فسي العالم .سسبق لي أن
ا ستقيت ب عض المعلومات عن الخوان الم سلمين أثناء ال سابيع القليلة ال تي قضيت ها في مك تب شؤون المان يا في
مقسر قيادة الوكالة فسي واشنطسن .أسسس الجمعيسة الشيسخ حسسن البنسا فسي أواخسر العشرينات لتطهيسر السسلم مسن
«المؤثرات الجنبيسة» .وتسسيست الجمعيسة السسرية هذه أثناء الحرب العالميسة الثانيسة بدافسع مسن بعسض المكانات
العمل ية ال تي قدم ها اللمان واليطاليون وعلى ال خص طرد البريطاني ين من م صر .حل الش يخ ح سن الهض يبي
م حل الش يخ ح سن الب نا ،وكان خطيبا مفوها يتكلم بوتيرة واحدة سرعان ما ي سيطر ب ها على جمهور م ستمعيه
ليصبحوا آلة طيعة بين يديه .همست في أذن نصري بأنني أود التعرف إليه فظنني أمازحه وقال«:أليس هو من
عملء وكالة السستخبارات المركزيسة؟» ومسا أن انتهسى الجتماع حتسى سسحبني نصسري مسن مقعدي فسي مؤخرة
القاعة قبل أن يرانا أحد وفي أقل من دقيقة كنا في سيارته المرسيدس في طريقنا إلى قلب القاهرة.
وفيمسا نحسن خارجان مسن القاعسة لمحست الميركسي الذي شاهدتسه الليلة السسابقة عنسد ميلو،مرتديا هذه المرة كنزة
وفوقها سترة من المخمل المضلع .كان على مسافة العشرين قدما مني تقريبا ،ينظر إلي بإمعان .رفض نصري
ونحسن فسي السسيارة ايضاح مسا قاله لي عسن ان حسسن الهضيسبي عميسل للوكالة .أوصسلني إلى فندق سسميراميس
ومضى في طريقه دون ان يتمنى لي أن أصبح على خير .وعندما وصلت إلى جناحي في الطابق الخير وجدت
139
أن الشاب المير كي قد سبقني إل يه وجلس أرضا في و ضع يو غا بالقرب من كر سي.أدر كت هوي ته فورا ولم
يتأخر هو بتأكيدها.
بادر ني بال سؤال:ألم ي قل لك «فوكوا يز» ان تترك ني وشأ ني؟ فوكوا يز هو ال سم الم ستعار لك يم روزفلت دا خل
الوكالة.من البديهي ان هذا الشاب واحد من عملء كيم الخاصين وكنت قد علمت صدفة بوجوده من سكرتيرة
كيم.
سألته بح نق ظا هر «:قل لي ب حق جه نم،ماذا تف عل ه نا؟» كان حن قي موجها بالط بع إلى ك يم ول يس إلى الشاب
الم سكين الذي أدر كت من حدا ثة سنة ا نه ل يش غل مركزا رفي عا في الوكالة وان ي كن قد تو صل بش كل ما إلى
مشارف هدف هام،حسبما تبين لي من حديثي معه.لقد عرف الشاب الذي سأسميه روبرت في هذا الكتاب،من أنا
لنه شاهدني أكثر من مرة في مبنى القيادة.ولكنه لم يكن على علم بمهمتي الحالية.كما أبدى تقيدا صارما بالسرية
أخذته الدهشة! ثم افرغ جعبته .ففيما كنت في مهمة استطلعية كان كيم يعد العدة لنقلب ما على الملك فاروق
على أل يكون لي فيه دور .واتضح لكل منا نحن الثنين ،روبرت وأنا،ان امامنا وضعا من تلك الوضاع حيث
حصيلة واحد زائد واحد تأتي أكثر من اثنين ،وبالتالي سيكون من المعيد لكل منا تبادل المعلومات سرا.غير ان
أجهزة التجسس قلما تستخدم مواطنيها عملء لها) فهو بالتالي أدنى رتبة في هرمية وكالة الستخبارات المركزية
من عاملة على اللة الكاتبة .فهو إذا يقوم بمهام من يجب أن يكون في الرتبة 13على القل .ل بد ان كيم استغل
وضع هذا الشاب الجامعي الذي اعتاد على الراتب المنخفض واستخدمه في ادنى رتبة قبل بها .وبالتالي ما كان
مرة أخرى اضطررت إلى رفسع قبعتسي تقديرا لمهارة كيسم وحنكتسه بعسد الذي اخسبرتي بسه روبرت .ذلك ان كيسم
بمفرده وعلى الر غم من مراق بة فاروق الدائ مة له ا ستطاع س وت حت أ نف فاروق س ان يعلم بأ نه وان كان من
المفروض انه ما يتعاونان في و ضع مخططات »الثورة ال سلمية« ف قد راح الملك فاروق يع مل سرا مع زعماء
الخوان ل حداث انقلب تسيطر عليه حركة «العودة إلى ال» التي يقودها أصوليون مسلمون ،ظن فاروق ،وهو
على بعض الحق في ذلك ،بأن التشكيك بكونه مسلما يتقي ال لن يخفف من استعداد الصوليين القبول بمساعدة
مال ية ملك ية .و ظن ك يم بدوره ،و هو أيضا على ب عض ال حق في ما ذ هب إل يه ،ان ذلك التشك يك سيخفف من
استعدادهم هذا بما يكفي لنجاح ما أخذ يتبلور في ذهنه من مخطط لمناهضة فاروق بعد قضائه اسبوعا او اثنين
140
في محاولت ترمي إلى التعاون مع الز ير السمين .اقنع كيم الملك فاروق «بشراء» الخوان بتقديم مبالغ كبيرة
مسن المال إلى حسسن الهضيسبي.ولم يكسن فاروق على علم بأن أموال الرشوة هذه تسستخدم لسسد نفقات جانبيسة
تسستلزمها محاولة اجتذاب الجيسش المصسري إلى مخطسط الخوان النقلبسي ،وبأن تلك الموال بحسد ذاتهسا أدلة
اضاف ية على مدى ف ساده وإلحاده .ذلك ا نه يحاول رشوة من اختاره ال ! ترى إلى أي مدى ي صل الف ساد ؟لذلك
باكتمال جميع المعلومات المتوافرة عن الخوان بت علي يقين مما يجول في خاطري :ان النقلب الوحيد الذي
يمكن ان يكون فعالً ،سواء بالسيطرة على الحكومة او بتثبيت القبضة على الحكم بعد السيطرة عليه ل يتحقق إل
بتضا فر الجهود ب ين الج يش والخوان الم سلمين .و مع العلم بأن ني لم أ عط روبرت أك ثر من فكرة سطحية ع ما
يجول في خاطري ،ف قد كان ذلك كافيا للحصول على م ساعدته في معرفة الضباط من الرتب المتوسطة والعليا
الضباط في الج يش الم صري الذي ل هم أف ضل الحظوظ في الح صول على التأي يد الش عبي إذا ما قرر الج يش
لم يبد نصري ارتياحه لطلبي إل انه اعترف بوجود تململ واستياء واسع النطاق في طول البلد وعرضها وان
في نادي الضباط في ضاحية هيليوﭙوليس القاهرة همسا عن أن رجلً طيبا وشعبيا على صورة «الب الصالح«
م ثل الجنرال مح مد نج يب سيلقى الترح يب إذا ما صار الر جل الول في البلد بوجود الملك أو بدو نه .لم ي شأ
نصري الفصاح عن أكثر من ذكل وأجابني بأنه ل يعرف ضباطا كبارا ينتمون إلى حركة الخوان المسلمين،
لم ي كن روﭙرت في تلك الثناء عاطلً عن الع مل .فب عد يوم او اثن ين من حدي ثي مع ن صري رافق ني في ساعة
متأخرة من الل يل من إلى اجتماع سري جدا ع قد في ب يت بالقرب من الهرام و صلناه ب عد المرور بالزوار يب
والزقسة والطرق المتعرجسة بحيسث يسستحيل علي العودة إليسه بمفردي فسي وضسح النهار.كان هذا الجتماع الذي
انع قد في آذار (مارس) 1952هو عي نه الذي أورده مؤلفون م صريون وأوروبيون واميركيون بروايات مختل فة
تحدثست كلهسا عسن ان كيسم روزفلت أطلق خلله الشرارة التسي أدت بعده بأربعسة أشهسر إلى حصسول النقلب
العسكري .وتصحيحا لمعلومات محمد حسنين هيكل الذي ينكر علي كل ما أقوله ،اؤكد جازما ان كيم لم يحضر
ذلك الجتماع ولم يسمع به إلى ان رفعت له تقريرا عنه بعد عودتي إلى واشنطن واؤكد كذلك ان كلمة انقلب لم
ترد خلل ذلك الجتماع .كل ما قلته للضباط الثلثة ،ولم أكن اعرف أسماءهم ،هو ان حكومتي قلقة من تزايد
141
النقمة في مصر البلد الصديق وانها ترغب بالوقوف على «آراء ضباط يمثلون الجيش المصري بأمانة» حول ما
يمكننا عمله ،هذا إذا امكننا عمل أي شيء للمساعدة على الحيولة دون المزيد من تدهور الوضاع.
إن الملحظات الها مة الوحيدة ال تي أثار ها كل مي هي تلك المتعل قة بالبلد بمجمل ها س أكرر القول بأن ها لم ت كن
على صلة بالجيش وحده بل بالبلد كلها س انها الستياء الشامل حيال «استمرار الحتلل البريطاني» والطريقة
الصحيحة التي تعالج بها تلك القضية .واؤكد بأنه لم يرد ذكر اسرائيل إل في سياق النقد العنيف والستياء العارم
اللذ ين عبر عنه ما أ حد الضباط حيال الف ساد الم ستشري في الحكو مة م ما أدى إلى تكب يل الج يش والحيلولة دون
ادائه اداء أف ضل في الحرب العرب ية ال سرائيلية عام .1948و صحيح أيضا ما جاء من اخبار ان التقر ير الذي
ورد إلى واشنطن عن ذلك الجتماع (تقريري انا ل تقرير كيم س وهو تقرير رفعته إلى كيم وليس صادرا عنه)
انطوى على اشارة إلى الضا بط ال صاغ عبدالمن عم رؤوف الذي لم ي كن ف قط عضوا في الخوان الم سلمين بل
أيضا عضوا في مجمو عة الضباط الحرار ،أي حل قة ع بد النا صر الداخل ية .هذا الكلم صحيح ،ولكن ني لم أعلم
إل لحقا ان ال صاغ ع بد المن عم رؤوف قال لي بعبارات ل مجال ل سوء تف سيرها أو لعدم وضوح ها بأن ني أقدم
خد مة جليلة لبلدي نا ان أ نا أقن عت الحكو مة الميرك ية بالقلع عن التد خل بالشؤون الم صرية .ولم أعلم إل في
اليوم التالي وبواسسطة ضابسط مصسري شاب جاءنسي إلى الفندق بأن«مندوبيسن» عسن مجموعسة الضباط الحرار
السرية يسرها الجتماع إلى السيد روزفلت (رئيسكم) شرط التفاق مسبقا على مكان اللقاء خارج مصر.
في أواخر آذار ،1952بعد اسبوع من عودتي إلى واشنطن وقبل أربعة أشهر من النقلب الذي أطاح بالملك
فاروق،بدأ كيم روزفلت وجمال عبد الناصر بعقد سلسلة من الجتماعات اعتبرت فيما بع نماذج لتلك التي تسبق
العمليات السياسيةمن صنف النقلبات 5عقد كيم الجتماع الول مع لجنة من الضباط البعيدين مبما فيه الكفاية
عن لولب حركة الضباط الحرار بحيث يمكن الستغناء عنهم إذا دعت الحاجة ،علما انه بالمكان العتما عليهم
للدلء به دون الفصاح عن السرار الرئيسية.ثم حصل اجتماعان آخران حضر ثانيهما جمال عبدالناصر بنفسه
(يمكن لمحمد حسنين هيكل ان ينكرذلك ما شاء .ولكن الجتماع مدعوم بالوثائق والصور) .أما انا فلم أحضر أيا
منهسا وكنست مسع روبرت ننتظسر فسي الفندق فيمسا الجتماع الثالث منعقسد .أوردت مجال التفاق الواسسع الذي تسم
التوصل إليه بين كيم وعبد الناصر في تقرير وضعته استنادا إلى ما قاله لي كيم منه شفاهة فصار نصا يدرس
عن التفاهم المتبادل الذي ينبغي ان تقوم عليه أي عملية سياسية تقرر الحكومة الميركية دعمها.
تو صل عبدالنا صر وك يم إلى التفاق سريعا حول ثل ثة مواض يع عا مة .الول ،هو عدم احتمال قيام الجماه ير
بثورة بسبب الظروف القتصادية المرعبة .لقد أوضح كيم هذه النقطة مرات عديدة في وزارة الخارجية مكررا
انه لم تقم في التاريخ أي ثورة هامة لسباب اقتصادية وان حكومتنا ل تستطيع ارغام أي زعيم على التصرف
142
حسسب اهوائنسا بمجرد تهديده بقطسع المسساعدات القتصسادية .أدرك عبسد الناصسر ذلك خلل الجتماع المذكور
وجاءت خسبرته الشخصسية تؤكده لحقا :فكلمسا سستحاول الحكومسة الميركيسة معاقبتسه بحبسس صسنف هام مسن
الم ساعدات ع نه (الق مح مثلً) سينتهي به ال مر إلى ازدياد مركزه قوة بح يث ين مو شعور الش عب بأن اللوم ي قع
الموضوع الثاني الذي اتفقا عليه هو ان الحتمال ضئيل في ان تقوم الجماهير المصرية بأي ثورة وقد تصورت
حركتان ثوريتان آنذاك ه ما :الخوان الم سلمون والشيوعيون،ان الش عب الم صري س ومن هم الفلحون والعمال
والموظفون العاملون في المدن اضافة إلى طبقة المهنيين س أخذ أخيرا يقترب من نقطة الغليان وان ايصاله إليها
مم كن با ستعمال النداءات المنا سبة .لم ت نل تلك الفرض ية مواف قة ع بد النا صر الذي قال «تك من مشكلت نا في ان
الش عب ل ير يد ما يكف يه ،وأضاف بأن مع ظم الم صريين عاشوا ألوف ال سنين على شف ير الجوع وبا ستطاعتهم
ال ستمرار على ذلك الن حو للف سنة أخرى وهكذا ل مجال لقيام ثورة «شعب ية» أو «ديمقراط ية» .و تم التفا هم
م نذ البدا ية على ا ستلم الج يش الم صري لمقال يد الح كم في البلد على ان يترك له ا مر اختيار المو عد الظروف
المناسبة التي تضمن له التأييد الشعبي الواعي سياسيا في المدن،وان الريف سيقتفي الثر لحقا .
ثالثا وأخيرا تم التفاق على ا نه في العلقات المقبلة ب ين حكوم تي البلد ين علي نا (الميركي ين) تج نب ا ستعمال
عبارات مثسل «اعادة تثسبيت الجراءات الديمقراطيسة» و «حكومسة تمثيليسة حقا» .وفسي حال اسستعمال مثسل تلك
العبارات يجب ان يأتي ذلك في سياق مراسلت يمكن الفصاح عنها إلى الرأي العام .وتم التفاهم بيننا سرا ان
الظروف التي تسبق قيام حكومة ديمقراطية ليست موجودة ولن تتوافر في سنين عديدة .على ان مهمة الحكومة
أدرك ع بد النا صر ب سرعة توض يح ك يم ك يف أن الرأي العام المير كي ورجال الكونغرس وب عض ال صحفيين
وحتسى بعسض المسسؤولين فسي وزارة الخارجيسة وفسي بعسض الحالت الوزيسر بنفسسه سسيبدأون بترديسد الشعارات
القدي مة .و في الو قت نف سه ق بل ك يم برأي ع بد النا صر القائل بأن أي محاولة سابقة لوان ها باتجاه الديمقراط ية
ستعيد البلد إلى الفو ضى ال تي كا نت تتخ بط في ها :أي الخيار ب ين مرشح ين من هم من تدعم هم الوليات المتحدة
ومن هم من يدعم هم البريطانيون يتناف سون مع مرشح ين يدعم هم ال سوفيات،وش عب ري في (يقترع إذا ما اقترع)
حسب الوامر التي يصدرها إليه كبار ملكي الراضي .وأهل المدن الخائبة آمالهم الذين لم يبق لهم اي ملذ
سوى الشغب وسيلة للضغط فينضمون إما إلى الخوان أو إلى الحزب الشيوعي على ان أيا من الفريقين سيفيد
143
بالمقا بل هناك ب عض المواض يع ال تي كان التفاق ال صريح علي ها أك ثر صعوبة ولكن ها في الو قت نف سه شكلت
تفاهما متبادلً حول الدوافسع الكامنسة وراء النقلب القادم ،وقسد أدى البحسث فيهسا إلى مسا يمكسن اعتباره المبادئ
ان التفاق النهائي يتضمن حكما اتفاقا شاملً على بعض النقاط و«اتفاقا على الختلف» حول نقاط أخرى ويجب
أن يكون هناك تفاهم متبادل على تحديد المواضيع التي تقع في الخانة الولى وأيها يقع في الثانية بحيث يؤدي
أي خلف يتفسق الفريقان على انسه معسد للسستهلك الشعسبي إلى الحاق أدنسى نسسبة ممكنسة مسن الضرر بالتقاق
الساسي.
خلل محادثات كيسم مسع عبسد الناصسر قبسل النقلب كان هناك «اتفاق على الختلف» انطوى على اتفاق شامسل
أكثر منه على اي أثر للخلف :اتفاق على موقف عبد الناصر من اسرائيل .فالسياسيون والمؤلفون والمواطنون
العاديون في اي بلد عربي س إضافة إلى معظم الدبلوماسيين الجانب س يقولون لدبلوماسيينا ان «التصميم على
ا ستعادة فل سطين» يش كل الولو ية الولى لدى م صر .ك ما ان أك ثر مرا سلينا ال صحفيين تدقيقا ا صروا طيلة تلك
ال سنوات على ان هزي مة م صر على أيدي ا سرائيل عام 1948كا نت «اختبارا قا سيا» وان «كراه ية ا سرائيل»
كانت قضية الحتلل البريطاني لمنطقة قناة السويس قضية بالغة الدقة .والواقع ان الشيء الحسي الرئيسي الذي
تمخضت عنه محادثات عبد الناصر وكيم روزفلت هو احالة الشعور في الجيش المصري بالشمئزاز من وضع
البريطانيين في مصر ومن جميع المصريين القابلين به .أما بشأن البريطانيين كأفراد فكان لدى المصريين منهم
موقف مزدوج تغلب فيه العجاب .فقد أحب المصريون الميركيين واستساغوا مزجنا بين الرفقة والرغبة في
المساعدة ولكنهم في الوقت نفسه قدروا البريطانيين واحترموهم .لهذا السبب الحقت معاملة البريطانيين لهم على
انهم من طبقة أدنى ذلك الضرر الفادح في العلقات بين الفريقين .
لدى عودته إلى واشنطن عشية النقلب رفع كيم تقريراُ إلى وزير الخارجية دين اتشيسون ضمنه النقاط التالية :
ان «الثورة الشعبية» التي تنبأت بها الخارجية وتمناها الشيوعيون والخوان المسلمون ليست واردة .
)ان ل مجال مطلقا «لبقاء الجيسش بمعزل عنهسا» الذي توخاه المخططون فسي الخارجيسة الميركيسة (1
الذ ين انزعجوا من ت صرفات الع سكريين في سوريا ،وان الج يش الم صري بات على عت بة القيام
144
ان للضباط الذ ين يحت مل قيام هم بالنقلب دوا فع «عاد ية» تختلف كليا عن تلك الدوا فع «المني عة على الت صور»
التي عزاها اليهم معظم المراقبين الدبلوماسيين .وان من شأن دوافعهم هذه زيادة احتمالت نجاحهم أضافة إلى
انها ستجعل منهم مفاوضين أكثر مرونة وعقلنية بعد وصولهم إلى الحكم .
) ان على الحكو مة الميرك ية القبول بتنج ية الملك فاروق ورب ما القبول أي ضا بال ستغناء عن النظام (2
المل كي ،علما بأ نه ل ما نع من ابداء اعتراض موزون ارضاء لب سطاء القلوب ،اضا فة إلى ا نه من
المناسب ان يبدي السفير الميركي جفرسون كافيري بعض الهتمام بسلمة الملك فاروق الشخصية
.
ان على حكومتنسا،بعسد النقلب ،المتناع عسن بذل أي محاولت إل المحاولت الكلميسة الرمزيسة لقناع زمرة
الضباط باجراء انتخابات وباقامة حكومة دستورية وكل مايتبع ذلك .وان عليها التعاطي مع الحكومة الجديدة (في
مصر) من منطلق الدراك بأن المؤسسات الديمقراطية ستبنى من مداميكها الولى .
) ا نه على الر غم من كل تلك الجتماعات التآمر ية ال تي سبقت النقلب ل يجوز لي م سؤول في (3
حكومت نا التفك ير بأن النقلب هو لم صلحتنا أو من صنعنا .بل ي جب اعتباره ب صرامة على ا نه
قض ية م حض داخل ية بعيدة عن أي تأث ير ل نا في ها وان الم ساعدة الوحيدة ال تي يم كن ان نقدم ها له
تكمن في عدم معارضته .أما بشأن ضرورة وجود عدو يستهاب ،فيجب أل يكون السرائيليون ذلك
العدو بل طبقات المجتمع المصري العليا س إضافة إلى البريطانيين ،شئنا ذلك أم ابيناه .
منذ أواسط أيار (مايو) وحتى 23تموز (يوليو) ت يوم النقلب س تحملت عبء العمال في واشنطن بمفردي.
ذلك ان كيم رئيس الفريق المناط به جميع الحداث ابتداء من كايب تاون (جنوب افريقيا) حتى نيودلهي ،وبالتالي
فهو منهمك بمواضيع أخرى .لذلك خصصت كل وقتي للحيلولة دون تأثر وكالة الستخبارات المركزية ووزارة
لخارجيسة تأثرا عميقا بالتقاريسر المتشائمسة الواردة تباعا مسن القاهرة.فقسد كان روبرت ،بطلقسة لسسانه بالعربيسة
وبطريقته في البقاء بعيدا عن الضواء ،على اتصال بالضباط الذين التقيناهم في المنزل القريب من الهرام وبدا
من تقاريره إلى مركز الوكالة في القاهرة ان كل شيء يسير حسب الخطة المر سومة .أما رئيس المركز الذي
حصر علقاته بالشخصيات الكبيرة في الحكومة وبين السياسيين ،فكان يبعث بتقارير روبرت إلى واشنطن مرفقة
بمذكرات ت نم عن انطباعا ته الشخ صية .و في الوا قع ما ان فك يؤ من ح تى يوم النقلب بالذات بأن الملك فاروق
لديه اطلع دائم على نشاطات الضباط الحرار السرية وبأن الملك سيسلط عليهم سيف نقمته القاطع في اللحظة
145
ورد نا في 16تموز (يول يو) تقر ير من القاهرة انطوي على انت صار تشاؤ مي با هر مؤداه ان الملك فاروق عزل
أفراد لج نة نادي الضباط الدار ية من وظيفت هم و هم في أك ثر يت هم أعضاء في هيئة الضباط الحرار.وجاء في
نها ية التقريسر عبارة «القاء الق بض يت بع قريبا» .وب عد يوم أو اثن ين تل قى ك يم ر سالة «شخ صية» من روبرت
بواسطة احدى القنوات التي لم يفصح لي كيم عنها حتى يومنا هذا مآلها ان رئيس مركز الوكالة في القاهرة ليس
أذكى من حمار وان تصرفات فاروق إزاء البالونات التي يطلقها عبد الناصر تدل بوضوح على ان الملك لم يكن
على درايسة اطلقا بنوايسا الضباط الحرار .غيسر ان الملك قام بعدة خطوات يسستدل منهسا انسه شعسر بأن الجنرال
محمد نجيب يبيت شيئاما .هذا كل ما أدركه فاروق بشأن الجنرال محمد نجيب ،الشخصية المحببة التي اختارها
وهكذا و في 23تموز (يول يو) 1952ح صل النقلب دون أي عراق يل على الطلق وكان الجنرال مح مد نج يب
على رأسه،اسميا بالطبع .وخلل الشهر الستة الولى من النقلب انحصرت جميع العلقات بجمال عبد الناصر
وبمجلس قيادة الثورة وبكبار المسؤولين المدنيين في الحكومة الجديدة بالموظفين الرسميين في السفارة بمن فيهم
ب عد ع يد الميلد عام 1952سألت رالف سمايلي ،الم سؤول في شر كة بوز آلن ا ند همل تن ع ما إذا كان عرض
الشر كة ما زال قائما .و ما ان عل مت ا نه كذلك ح تى سطرت كتابا من نوع «هذه أ صعب ر سالة حك مت علي
الظروف ان أ سطرها« ،وضعت ها على مك تب فرا نك واي سنر أثناء غيا به ع نه .و ما أن و صلت إلى غر فة ك يم
لخبره بما فعلت حتى أخبرني بأنه تلقى مكالمة من فرانك طلب فيها منا الثنين موافاته فورا في مكتبه.وفي
الطريق (الممر طويل بين مكتب كيم وقاعة الجتماعات في مكتب فرانك) علمني كيم كيف اتعاطى مع فرانك
بقوله »:قسل له بأن عقلك وقلبسك دائما مسع الوكالة وانسك وان اسستقلت لتحصسل المزيسد مسن المال سستبقى «ذلك
أحرز الدرس النجاح ! إذ قال فرا نك» :ح سنا ،يم كن ان تكون خريجا مخل صا .ول كن ح سب معلوما تي الموثو قة
عن الشر كة ستحاول ان تح صل من عملك مع ها أك ثر م ما تدف عه لك .وبالتالي لن ت سمح لك با ستعمال وظيف تك
ستارا.غير انك تستطيع اللقاء مع روبن (السم المستعار الذي اطلقته على رئيس مركز الوكالة في القاهرة) في
المناسبات الجتماعية وان تخبره بأي شيء هام أو مثير تصادفه في وظيفتك».ضم كيم صوته إلى صوت فرانك
مقترحا بأن عملي أثناء الفترة المتبقية لي في الوكالة يمكن تحديده بشكل يتوافق مع مصلحة الحكومة الميركية
وم صلحة رؤ سائي الجدد.أ ظن بأن القراء سيغفرون لي أ صراري على التشد يد على هذه النق طة،ذلك ان ني اود
التأكيد على ان شركة بوز س آلن اند هملتن لم تكن على الطلق ستارا لنشاطي ،وعلى انني كنت موظفا بعض
146
الحيان متطلبات وظيفتي فيعود سببها إلى حماسي للعمل ت وكذلك إلى حماس كيم ،بالطبع .إن هذا المر مهم
بالنسبة لي ذلك لن معظم ما كتب حديثا من دراسات وتقارير ومقالت عن عهد عبدالناصر أشار إلى على انني
«عم يل في وكالة ال ستخبارات المركز ية» م ما سبب حرجا شديدا للشر كة ال تي ا ستوظفتني عن ح سن و سلمة
نية.
بعسد انقضاء قرابسة السسنة تماما على عودتسي مسن مهمتسي السستطلعية،رجعست إلى القاهرة فسي آذار (مارس)
1953في مهمة مشتركة بين وكالة الستخبارات المركزية وشركة بوز س آلن اند هملتن ليس فيها أي تضارب
ب ين م صالح الفريق ين .فمهم تي من ح يث الوكالة كا نت متاب عة المحادثات ال تي اجرا ها المل حق الع سكري دا بف
إيفا نز مع زكر يا مح يى الد ين الرئ يس الجد يد للمخابرات الم صرية والم ين الخاص لجمال ع بد النا صر حول
امكان ية قيام وكالة ال ستخبارات المركز ية بتدر يب المخابرات الم صرية على أ ساليب ج مع المعلومات ومكاف حة
الجاسوسية.أما من حيث عملي مع الشركة فكان متابعة ما إذا كان بنك مصر ،أي الهرف المركزي ،ينوي جديا
تكليفها باجراء مسح عام لجميع نشاطاته ابتداء من مصنع النسيج الذي يملكه في المحلة الكبرى وانتهاء بنشاطه
الم صرفي ،والوا قع ان ني نج حت في المهمت ين .ف قد قال لي زكر يا مح يي الد ين بأ نه ير غب في الح صول على
م ساعدة مدرب ين من وكالة ال ستخبارات المركز ية لعادة تنظ يم المخابرات الم صرية ،أ ما أح مد رشدي ،رئ يس
ب نك م صر ،فأ كد لي ا نه يود بالتأك يد ان تؤدي الشر كة المه مة ال تي بحث ها سفير م صر في واشن طن مع رالف
سمايلي بشأن البنك س أضاف وأنا على وشك الخروج من مكتبه ان على وكالة النماء الدولية تسديد الفواتير .
إن أي د جل قد ح صل مرده إلى رغب تي ال سليقية في الد مج ب ين المهمت ين .ح سبت ا نه لو ا ستطعت ح مل وكالة
السستخبارات المركزيسة على اقناع كبار مسسؤلي وكالة النماء الدوليسة (وكان ذلك أمرا غيسر مسستصعب بسسبب
وجود آلن دالس آنذاك على رأس وكالة السستخبارات المركزيسة وجون فوسستر دالس وزيرا للخارجيسة) تكون
مخططات مهمتي قد رسمت في فردوس ضابط الستخبارات.في ما يخصن شخصيا تؤلف وكالة الستخبارات
غطائي للمه مة المكلف ب ها من ق بل الشر كة ،وتكون الشر كة غطائي للمه مة ال تي أقوم ب ها لوكالة ال ستخبارات
147
المركز ية كأ حد خريجي ها المناء .ولن تكون أحداه ما م سؤولة عن الخرى طال ما ا ستطعت تأم ين ل كل منه ما
حاجت ها .في بادئ ال مر لم ي كن أ حد على علم بمهم تي المزدو جه إل ذكر يا مح يي الد ين .لم ي طل ال مر برالف
سمايلي رئيس مكتب الشركة في واشنطن حتى أدرك حقيقة واقعي ذلك انه لم ير أي سبب أخر لقدرة موظف
ثانوي في مكتبه في مصر على التصال سريعا بكبار المسؤولين في الحكومة المصرية .لم ير سمايلي أي داع
للعتراض على ذلك باعتبار ا نه ل ما كان واضحا ان ني ش خص مر ضي ع نه جدا في الدوائر العل يا في الحكو مة
المصرية فقد كنت في وضع مناسب للحصول على عقود مشوقة للشركة .
سرد لي سكرتير زكريا محيي الدين ونحن في المقعد الخلفي في السيارة الفخمة التي أقلتنا للجتماع به ،كيف
مثل زكريا ما يتوقعه من تصرف الملك فاروق ان هو علم مسبقا بالنقلب وكيف تصرف فعلً تماما كما توقع
زكريا .عندها أدركت ان زكريا محيي الدين سيكون ،أيا كانت وظيفته الشخصية الهم في فريق عبد الناصر
ت سنى لي خلل ال سبوعين اللذ ين قضيته ما في القاهرة في مهم تي هذه ع قد عدة اجتماعات طويلة مع زكر يا
محيي الدين تبين لي منها انه من حيث النزاهة والذكاء أرفع من كثيرين غيره .وبنهاية اجتماعنا الخير أعددنا
برنامسج للقاءات تعارف غيسر رسسمية ولندوات تضسم مصسريين وأميركييسن مسن «كبار البيروقراطييسن ،ودروس
تدريب لعضاء مجلس قيادة الثورة حول المتطلبات والمرفوضات الميركية التي ينبغي أخذها في العتبار لجهة
من المفروض طبعا ان يوا فق ك يم روزفلت وجمال عبدالنا صر على كل تلك المواض يع في اجتماعه ما المقرر
عقده فسي غضون شهسر تقريبا .واثناء الفترة الفاصسلة بيسن اجتماعسي بزكريسا والجتماع المقرر بيسن كيسم وعبسد
الناصر طرأ عنصر جديد وهام على ترتيباتنا تمثل بشخص النقيب حسن التهامي .ذلك ان زكريا كان قد وافق
على ارسال واحد من الضباط الحرار يتكلم النكليزية إلى واشنطن للقاء نظرة علينا في بلدنا.
وصل التهامي إلى واشنطن في 10نيسان (ابريل) 1953وتبين بعد وصوله انه أغرب ظاهرة بشرية صادفتها
في عملي الطويل من التعاطي مع الظاهرات البشرية الغريبة الطوار .اتضح لي بعد قضاء يوم واحد معه لماذا
اختاره زكريا س أو عبد الناصر س لتلك المهمة .فهو قبل كل شيء وطني متعصب ،ومتدين ورع ،ل شائبة على
نزاهته،إضافة إلى صفات أخرى اعطته المناعة في مواجهة كل المغريات التي كنا على استعداد لتقديمها له .
المسكرات ؟ لم يسبق له ان مسها في حياته .النساء ؟ في الليلة الثانية التي قضاها في واشنطن دعاه مرافقه إلى
مر بع ليلي ا سمه بلو اين جل (الملك الزرق) ف ما كان م نه إل ان صب كأس الكو كا كول فوق رأس «مضي فه»
جاءت تجلس في حض نه .الدرا هم ؟ في احدى مرا حل اقام ته في واشن طن سأله الضا بط الم سؤول المناوب ليلً
148
«:هل باستطاعتنا إقراضك بضع مئات من الدولرات لتتمكن من التسلية على طريقتك الخاصة ؟» فما كان منه
إل ان سحب مسدسا من وسطه وصوبه نحو رأس الضابط قائلً «:بما لي من حصانة دبلوماسية استطيع نشر
دماغك على ذلك الجدار البعيد دون ان اجازي بما يعادل ضبط مخالفة وقوف» .وعلى الرغم من انه من النوع
الذي كنا نسميه آنذاك «نمرة» فإنني أقول بفخر اننا أصبحنا بسرعة صديقين حميمين وما زلنا كذلك حتى ومنا
هذا رغم الفروقات الحضارية الواسعة بيننا ورغم التباين في نظرتنا إلى المور ومع انه كثيرا ما باعدت بيننا
السبل .
استغرقت زيارة التهامي لواشنطن اسبوعين قضاهما يتفرج على مختلف مجالت المساعدة الفنية والخدمات التي
يمكن ان تقدمها مختلف أجهزة الشرطة في المدن إلى الحكومة المصرية الجديدة :وكالة الستخبارات المركزية
ومكتب التحقيقات التحادي ومختلف أجهزة الشرطة الخرى في المدن .وخلل زيارته تلك قضيت معظم أوقاتي
برفقتسه .وبعسد مغادرة الوليات المتحدة رفعست اسستقالتي رسسميا مسن الوكالة وقمست بجولة وداعيسة على الجميسع
اغرقت نا جميعا بالد مع ،ك ما سافر ك يم إلى القاهرة لضفاء ال صفة الر سمية على الترتيبات مع ع بد النا صر الذي
كان آنذاك،على صعيد الرسميات نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية .أما أن فقضيت ربيع العام 1953
في نيويورك أقوم بمهمات اختارتها لي شركة بوز س آلن هملتن لكي أتعرف بواسطتها على أساليبها في العمل .
عدت بعد ذلك إلى واشنطن لبضعة أيام ،بوصفي الخريج المين ،لبداء تعليقاتي وملحظاتي على التقرير الذي
وضعه كيم عن اجتماعه بعبد الناصر وللتزود ببعض الرشادات والتعليمات ،ولحزم امتعتي والسفر إلى القاهرة
حاولت خلل السبوع الذي قضيته في واشنطن قبل سفري إلى القاهرة معرفة كيف يمكن توظيف «نجاحنا» في
مصسر ،إذا كان ذلك هكذا ،فسي خدمسة أهداف الوليات المتحدة .فقمست بزيارة الصسدقاء فسي وزارة الخارجيسة ،
وتناولت طعام الغداء في غر فة الطعام في مجلس الشيوخ برف قة صديقي القد يم و صاحب الف ضل علي ال سناتور
جون سباركمن ال سناتور ول يم فولبرا يت وغيره ما ،وقض يت عدة ساعات مع نائب الرئ يس ريتشرد نيك سون س
وجد ته أو سع تفهما لم صالح الوليات المتحدة في الشرق الو سط من جم يع كبار شخ صيات وكالة ال ستخبارات
المركزية ووزارة الخارجية ،باستثناء كيم روزفلت ،ولكن بمن فيهم الخوين دالس .غير انني لم استطع العثور
على اي ش خص في اي مكان يقدر على اعطائي جوابا ب سيطا على ال سؤال التالي :ماذا يتر تب علي نا فعله بهذا
التصال الذي تحقق لنا مع الحكومة المصرية الجديدة ؟ لنفرض ان بمقدورنا تنويم عبد الناصر مغنطيسيا ،فماذا
149
بالط بع جاءت ني أجو بة ولكن ها لم تتجا نس مطلقا مع ما نعل مه عن تطورات دينام ية ال سياسة في الشرق الو سط
آنذاك ومع ما عندنا عنها في تقاريرنا إلى البيت البيض وغيره من دوائر الدولة ووكالتها .بيل بوردت الضابط
الم سؤول عن مك تب م صر في وزارة الخارج ية قال ان هدف نا ي جب ان يكون إقناع الحكو مة الم صرية الجديدة
«بالتو صل إلى ترتيب تواف قي مع ا سرائيل» وباستعمال نفوذ ها لقناع حكومات عرب ية أخرى باقتفاء أثر ها .أما
مسساعد وزيسر الخارجيسة لشؤون الشرق الدنسى بيسل راونتري فقال إن علي اقناع عبسد الناصسر «بالتناغسم» مسع
مخططات حلف شمال الطلسي الدفاعية س وعلى وجه التحديد الشتراك في مخطط إقليمي دفاعي كان يجري
إعداده آنذاك من ق بل ال ستراتيجيين في وزار تي الخارج ية والدفاع .وعند ما سألت أعضاء مجلس الشيوخ ع ما
يمكن ان نطلبه منطقيا من حكومة مصرية مستعدة للتعاون أجابني السناتور وليم فولبرايت ان أي شيء قد يطلبه
السفير كافيري من عبدالناصر نيابة عن الحكومة الميركية سيكون في الواقع الطلب إليه أن يقدم على النتحار.
دعاني كيم لتناول طعام الغداء في آخر يوم في واشنطن وزودني بالمعلومات عن محصلة رحلة العشرة أيام التي
قام بها قبل شهر وزير الخارجية جون فوستر دالس في الشرق الوسط.ومما قاله لي ان ما سيخبرني به«:سري
جدا بالطبع ولكن إذا كان «ل بد لك ان تعرف» شيئا يا فتى فمن الضروي ان تعلم ما استقاه وزير خارجيتنا س
من معلومات»سباختصار:لشيء.فلما كان الوزيرعلى علم مسبق بكل شيء فمن الصعب جدا على أي انسان ان
يد خل في ذه نه ولو بالمطر قة والزم يل ان لع بد النا صر مشاكله أيضا.وهكذا أ صبح وزير نا،مثله م ثل البراك ين
وجبال الثلج ،ما ن سميه «:عا مل ل بد من الع يش م عه».على كل لحوال بدا ان الجم يع يتوقعون م ني انجازات
عظيمة ليس فقط لكوني خريجا أمينا بل باعتباري أيضا أول من حرك مشروع وكالة الستخبارات المركزية في
مصر .من دواعي السرور ان بعض التقدم كان قد تحقق في المجال الشخصي.فقد رتب كيم المور بحيث ينتقل
جيم ايخلبرغر إلى وزارة الخارجية ثم ينتقل إلى القهارة بصفة ملحق اقتصادي.كما حصل صديقنا القديم فرانك
كيرنز على عمل كمراسل متجول لشبكة سي .بي .أس وطلب الخر تعيينه في القهرة لكتمال حلقة التسلية
.ولك نه ر فض قبول اي مر كز ر سمي في وكالة ال ستخبارات المركز ية معربا عن ا ستعداده في الو قت نف سه
للتعاون معي ومع ايخلبرغر في تقديم بعض الرشادات المجانية لعبدالناصر في مجال العلقات العامة («حاولوا
حمله على البتسام أكثر بقليل«:هكذا نصحنا كيم) مقابل القليل من اليماء عن احداث ممكنة الحصول وقد تكون
صالحة للت صوير التلفزيو ني.و صلنا القاهرة ن حن الثل ثة مع عائلت نا في أوقات متقار بة وأخذ نا نقوم بات صالتنا
الجتماعية بشكل يومي إلى محمد حسنين هي كل وغيره بأننا جميعا «عملء في وكالة الستخبارات المركزية»
نستعمل شقة فرانك الفخمة في الزمالك (حساب نفقاته أكبر من حساباتنا) مقرا لعملنا.
150
بدأ عملي بداية حسنة في القاهرة حيث دبر لي صديقي حسن التهامي دارة جميلة لقامتي تقع في حي المعادي
الفخم كانت سابقا دارة الجنرال ولسون قائد القوات البريطانية في مصر ،يقوم خلفها بيت الضيوف أقام فيه هو
وي قع إلى جانب ها ب يت آ خر أعده لضا بط وكالة ال ستخبارات المركز ية الذي سيقوم بالرتباط الر سمي بي نه (أي
التهامي) وبين فريق الوكالة التي إلى مصر.لدارتي حديقة خلفية وحديقة أمامية فيها حوض واسع للسباحة على
أحد جنباته سقيفة للستظلل تصلح لتناول طعام الفطور صباحا والشاي بعد الظهر.أما فريق شركة بوز آلن اند
هملتن المؤلف من خمسة رجال فانتقلوا إلى مبنى جديد في غاردن سيتي حيث بدأوا العمل بجد ونشاط يحاولون
ما ا ستطاعوا تفهم تشابك شركات بنك مصر بعضها بب عض.وأما جيم ايخلبر غر فكان على أحسن ما يرام من
التفاهم مع السفير كافري والضابط السياسي في السفارة الميركية بيل ليكلند (دايف إيفانز نقل إلى البنتاغون)
هذا واسستطاع فرانسك كيرنسز إذاعسة بعسض اخباره على الهواء مباشرة فيمسا أصسبحت زوجتسه غون مسن أفضسل
في أول اجتماع لي معه في القاهرة اخبرني ايخلبرغر ان السئلة التي طرقها قبل مغادرتي واشنطن باسبوع قد
أثارت اهتمام اشخاص متعدديسن وجعلتهسم يدركون لول مرة بأنسه مسن الصسعب عليهسم الحكسم حكما مقبولً على
عملية ما إل إذا كانوا هم والمسؤولون المشرفون عليها قد أدركوا ما هي الغاية المنشودة منها.وأثناء وجودي في
مكتبه عرض علي ايخلبرغر وثيقة تحمل عنوانا يشبه «رهان اميركا في الشرق الوسط» وطلب إلي ان اقراها
مثنى وثلثا حتى تترسخ في ذهني ثم مساعدته في اعادة صياغتها إذا ما تسنى لي الوقت في عملي في الشركة.
وقال إ نه سينقلها إلى العرب ية على يد أ حد الطلب الخت صاصيين في وكالة ال ستخبارات المركز ية ،ثم أقوم أ نا
بنقلها إلى زكريا محيى الديف واطلب إليه ابداء تعليقاته عليها .بدت ل الوثيقة عادية إلى حد ما علما بأنها تحمل
خاتم «سري جدا» .وقال ايخلبر غر بان انقلها إلى زكريا ليس بوصفي ممثلً لوكالة الستخبارات المركزية بل
كخدمة شخصية للسفير كافيري باعتبار انني اتصل بزكريا محيى الدين بحكم عملي في الشركة (كان من واجبي
الشارة قبل الن ان عبدالناصر عين زكريا ضابط ارتباط مع الشركة ليس لن له أي علقة رسمية ببنك مصر
بسل لنسه كمديسر المخابرات المسسؤول المثسل لمراقبسة فريسق مسن الجانسب سسيتعاطون بأحسد أهسم حقول الدولة
حساسية ،أي ماليتها) .على كل حال رفضت الطلب فقال ايخلبرغر« :ان كنت غير مستعد للقيام بخدمات بسيطة
كهذه من وقت إلى آخر سيترتب علينا ابقاؤك خارج لعبتنا كليا .فعل ذلك الكلم فعله في نفسي وساندته رغبتي
في «ال سهام» ال تي تتغلب في النها ية .ات صلت بح سن التها مي وتوجه نا ن حن الثن ين إلى هليوبول يس (م صر
الجديد) وكان زكريا محيى الدين على وشك مغادرة مكتبه بعد ظهر الخميس لقضاء عطلة السبوع.الفى محيى
151
الديسن نظرة على الورقسة ،النسسخة النكليزيسة والنسسخة العربيسة وقال انسه سسيعرضها على الريسس ،أي
كانت تلك نهاية القضية بشقها المختص بي .ولكن ايخلبرغر أخبرني صباح الثنين التالي ان السفير «كافري»
قد ا ستعرضها باخت صار مع وز ير الخارج ية محمود فوزي.ف قد و صلت الور قة إلى محمود فوزي عبر قنوات
»غير رسمية« وغير دبلوماسية بحيث ان كافري أعرب عن دهشته وعن عدم علمه بها وتنصل من أي علقة
له بها ومسؤولية عنها وقال للوزير محمود فوزي انه إذا كانت تلك هي السياسة التي تبنتها الحكومة الميركية
في السبوع التالي،وفيما كنت ألقي احدى محاضراتي أمام كبار مدراء شركات بنك مصر لحظت ان في فناء
القاعة رجلً بلباس ضابط مصري طويل القامة وقوي البنية ل تنم تقاسيم وجهه عن أي ابتسامة يتابع بنهم ما
أنثره من درروح كم في ال صول الدار ية.إ نه عبدالنا صر بنف سه !ول ما صار وحده يش كل جمهور الم ستمعين
اتخذت موقف الجدية المهنية وتغاضيت عن بعض النكات التي أعددتها ليقاظ النائمين من المستمعين وحصرت
كل مي بالمناشدة «للع مل كفر يق».تض من كل مي أيضا نقدا لذعا لنظ مة الهرم ية في الشرق المبن ية لخد مة بل
ولتشجيع الخصومة بين أقسام المنظمة الواحدة تسهيلً لمهمة «الدارة بالتجسس» .فكان لقوالي أثرها في نفس
بعد انتهاء المحاضرة تقدمت منه وعرفته بنفسي فأعرب عن تقديره لما سمعه مني وسألني ما إذا كنت مرتبطا
بموعد لوجبة الغداء .اجبته بالنفي فاصطحبني إلى سيارته البويك القديمة وقال للسائق ان يتوجه بنا إلى مكتبه في
وزارة الداخليسة حيسث تناولنسا غداء مؤلفا مسن الشورباء والسسندويشات على طاولة عمله .ومنسذ ذلك اليوم وحتسى
تخلصسه من مح مد نجيسب ب عد عدة أشهرك نت أتناول طعام الغداء مسع عبسد الناصسر مرت ين أو ثلث مرات فسي
ال سبوع إ ما في وزارة الداخل ية أو في غر فة الطعام في م قر مجلس قيادة الثورة في الزمالك يرافق نا في مع ظم
الحيان حسن التهامي،وفي بعضها زكريا محيى الدين أو بعض اعضاء مجلس قيادة الثورة .وأشدد هنا على ان
قضت اسرة كوﭙلند في القاهرة سنتين سعيدتين هانئتين تخللتهما بين والحين فترات من النشاط التامري المحموم
والفوضىالدبلوماسية،كانت كلها مهنية في طابعها.وحتى اجتماعي الول بعبدالناصر كنت منهمكا بشهادة زملئي
في الشركة،بأعمال الدارة العامة الكثر تحديا وإثارة من أي أعمال في الهندسة الدارية سبق لي ان قمت بها
في أي وقت مضى.فقد كنا في الحقيقة كمن يعمل في أرض بكر نخترق ادغال الفوضى والتقاليد المتحجرة.
152
أثناء درا ستنا اعادة تنظ يم دوائر الجمرك مثلً ،والو سائل اليلة إلى ج عل خم سئمة مو ظف ينجزون الع مل الذي
كان يقوم بسه الفسا موظسف،قال لنسا زكريسا محيسى الديسن بأننسا تجاهلنسا «ضرورة أجتماعيسة» موضحا بأن مدراء
الجمارك البريطاني ين الذ ين نظموا دوائر الجمرك قد أبعدوا عن الشارع أل في مشا غب محت مل في ما ن حن نحاول
اعادة ألف وخم سمئة من هم إلى الطرقات.وأضاف أن الخبراء البريطاني ين استطاعوا تعق يد ،بل في الوا قع تأخ ير
معاملت تخل يص البضائع الم ستوردة ،طبعا ارضاء لجم يع من يهم هم ال مر با ستثناء الم ستوردين والمورد ين
ن صحنا زكر يا بأن «علي نا تنظ يم أولويات نا» وبأن الهيئت ين الك ثر جدارة بتح سين كفا ية الداء فيه ما من ب ين كل
الهيئات الحكوميسة همسا المخابرات ووزارة الداخليسة ،وهمسا الهيئتان اللتان تشرفان على مسن ومسا يدخسل البلد
ويخرج منها وتضبطان ما يجري في داخلها .لم يكن من مجال للتشكيك بأولوياته فعندما تشكلت لجنة من مجلس
قيادة الثورة لدراسة تحسين كفاية الدوائر الحكومية تبينت لها جدية البطالة الموروثة من العهد الملكي فأصرت
على عدم ت سريح مئات الموظف ين الفائض ين عن الحا جة في وزارة الداخل ية .ف ما كان م نه إل أن ج مع هؤلء
لموظفين في مبنى مستقل وأمرهم بنسخ القرآن الكريم نسخة نسخة .نعم ،هكذا فعل عندما حل محل عبدالناصر
وزيرا للداخليسة فسي أعقاب اعتلءعبسد الناصسر إلى مرتبسة الرئاسسة .فسي زيارتسي الولى لوزارة الداخليسة كان
عبدالناصر ممسكا بناصيتها يعتبرها الولوية الولى القادرة في حكومته الجديد على تأمين «قاعدة وقائية مستترة
نوعا ما غايتها وقاية عهد جديد من الضطرابات العامة التي تتصف بها فترات ما بعد الثورة في أي مكان.
أدى تكليفي بتقديم الستشارات لتنظيم وزارة الداخلية إلى ضم قوى شركة بوز س آلن اند هملتن إلى قوى وكالة
الستخبارات المركزية فكان عليهما القيام بمشروع ل يخص الوكالة بل حكومة الوليات المتحدة،باشراف وكالة
النماء الدولية.أما مشاركة الوكالة فيه فليس سببها رغبة الحكومة الميركية باسباغ صفة السرية عليه بل رغبة
الحكومة المصرية .ولعل هذه المرحلة من الكتاب هي المناسبة الملئمة لبداء الملحظة التالية التي تنطبق على
معظم الحالت :وهي أن الحكومة التي تتلقى مساعدة من الوليات المتحدة تتعرض للرباك السياسي التشديد ان
إذا،كا نت وزارة الداخل ية من ن صيبي في ما عالج خبيران القضا يا الثانو ية كبطاقات الهو ية وت سجيل ال سيارات
والليات وغيرهسا مسن الشؤون المشابهسة كتحسسين خدمات دائرة الهجرة والخدمات الجمركيسة دون تسسريح اي
مو ظف .أما مجال اختصاصي فكان بالطبع دوائر الشرطة .ونظرا لمحدودية خبرتي في هذا الحقل اضطررت
لل ستعانة برب عملي الول ،أي وكالة ال ستخبارات المركز ية.خلل قرا بة الش هر ب عد اجتما عي بع بد النا صر
فصلت كلية الشرطة الخاصة التي أنشأتها قبل استقالتي من الوكالة الملزم بات كيلي وهو ضابط لطيف متقدم
153
في السن أحيل حديثا على التقاعد من كلية الشرطة التعابة لدائرة شرطة نيويورك حيث خدم عدة سنوات رئيسا
انيطست بسي مهمتان:الولى وضسع لوحات بيانيسة تنظيميسة بهرميسة المسسؤوليات واعداد الدروس فسي المدرسسة
الجديدة.أما الثانية فينبغي تنفيذها بالتعاون مع فرانك ديوان وفرانك هوفر عميلي مكتب التحقيق التحادي اللذين
جاء بهما صديقي القديم أورفال يارغر لدارة مدرسة الشرطة التابعة لوكالة الستخبارات المركزية.
جاءت المهمة العملنية الوحيدة التي قمت بها للشرطة بمساعدة بات كيلي عندما صار السير انطوني ايدن بعد
بضع سنوات مهووسا بالرئيس المصري جمال عبد الناصر بحيث أصبح وزير خارجيتنا يتوقع ان يواجه في أي
يوم اصرارا بريطانيا على وضع مؤامرة اغتيال .تلقى رئيس مركز القاهرة في تلك الفترة رسالة من آلن دالس
بالذات أرسسلها بناء على اصسرار شقيقسة طلب فيهسا منسا البحسث عسن وسسائل اغتيال عبسد الناصسر إذا مسا دعست
الحاجة.انطوت الرسالة على لهجة مبطنة تبنئ بأن الخوين دالس يرحبان بجوات عليها مفاده استحالة الوصول
إلى عبدالناصر مع عدم التوض يح بالطبع باننا ن حن و سيلة الحيلولة دون وصول أيدي الغتيال إليه باعتبار اننا
لقسد حان الوقست أخيرا لعترافسي بصسحة نبذة واحدة مسن كسل الدعايسة المعاديسة لي التسي نشرهسا الشيوعيون فسي
السنوات القليلة الماضية وأخذها عنهم بعض السخفاء من الميركيين.نعم،لقد تناقشت في ذلك الموضوع بالذات
مع الرئ يس ع بد النا صر بنف سه،ك ما كان التقر ير الممتاز الذي حاز على مكافأة في واشن طن يتض من الكث ير من
سألته في سياق تلك المناقشة«:ما قولك بالسم؟ لنفرض انني غافلتك ودسست حبة سم في فنجان قهوتك».
قلت«:ربما استطعنا رشوة خادم ليدس لك السم في القهوة قبل الدخول بها عليك؟»
اجاب«:يبدو ان شرطيكسم النيويوركسي قسد فكسر بذلك .القهوة ل تقتسل إل ذائقهسا .عندمسا يسسقط الذائق مينا.أفلن
وهكذا كانت السئلة والجوبة .تبين بالفعل ان بات قد فكر بكل الحتمالت.ولكن وضع عبد الناصر على محك
تمثيل عملية اغتياله جعتله (أي بات) يدرك أهمية القضية بمجملها.
وكما قلت سابقا كل ذلك جرى في وقت لحق ،أما في العام 1953عندما كنا جاهد ين للحفاظ على حيا ته ،كان
خوفنسا الكسبر عليسه مسن قيام ثورة معاكسسة على يسد الفريسق الذي أوصسلنا إلى الجيسش :الخوان المسسلمون.عبسد
الناصسر يتمتسع بالقوة اللزمسة لخنقهسا ،ولكسن ثمسة عائقيسن فسي الطريسق .الول انسه حمسل على محمسل الصسدق
154
المعلومات المغلوطة التي أوصلناها له قبل النقلب ووصوله إلى السلطة عن ان الخوان المسلمين قد يكونوا
حلفاء ذوي شأن .والثاني انه لم يستطع ،بعد اكتشافه انهم ليسوا كذلك ،الخروج بفكرة لتحييدهم دون اظهار عهده
على ان قمعسي أكثسر مسن اللزوم.لقسد بسسطت المور كثيرا لننسي أردت اظهار النقطسة التاليسة :أن عبدالناصسر
الجد يد،كأي ع هد ثوري آ خر ،مض طر للمرور بفترة من القمع ية الشاملة .ذلك لن على الع هد ان ير سي لنف سه
تضم نت البرق ية الولى ال تي ت سلمها رئ يس مر كز وكالة ال ستخبارات المركز ية في القاهرة جوابا على تقريره
الطويل عن تقدم أعمالنا في وزارة الداخلية الطلب إليه أن يبلغني تنويه الخوين دالس بنجاحي في مهمتي ،ثم ان
يرفسع تقريرا عسن احتمالت اجراء «انتخابات حرة وشريفسة وديمقراطيسة فسي المسستقبل القريسب».كانست كسل
المراسلت التي تلت البرقية تتمحور حول الفرضية بأن الحكومة المنتخبة انتخابا حرا ومنصفا في بقعة من بقاء
العالم ستكون حكما مناهضة للتحاد السوفياتي ومؤيدة للوليات المتحدة حتى ولو كان السوفيات يقدمون لها كل
ما تحتاج إليه ولو كنا نحن نقف إلى جانب ألد أعدائها.
بتزايد ضغوط واشنطن علينا طلب مني جيم ايخلبرغر ان اساعده في اتخاذ دور «محامي الشيطان» في دراسة
للوضع العام في مصر كان قد طلبها منه السفير كافري .وبعد قبول السفير بتوقعاتنا نقاط انطلق تركت المور
الباقيسة لي ،أو بالحرى لي ولحسسن التهامسي فقضينسا الشهريسن التالييسن أياما مسن العمسر ،ذلك اننسا بموافقسة عبسد
عبدالنا صر .وضع نا أنف سنا في مكان مختلف الشخ صيات أو المجموعات المعرو فة إ ما بعدائ ها للنظام الجد يد أو
باحتمال صيرورتها مناف سة له .ولم نر تق ف قط إلى م صاف كبار ال خبراء العالمي ين في طرق زعز عة ا ستقرار
الحكومات والطا حة ب ها بل ربما أ صبحنا أ كبر الختصاصيين بذلك .علمتنا تلك الفترة العنا صر اللز مة لذلك،
فوضع نا قائ مة مف صلة بالضروريات ال ساسية اللز مة ،أو سع بكث ير م ما كان في ذ هن ستيف م يد عند ما را فق
ح سني الزع يم في مشوار بال سيارة في شوارع دم شق يدله على الهداف الوا جب ال سيطرة علي ها في ليلة تنف يذ
النقلب .وب عد ذلك بب ضع سنوات عند ما جل ست مع مجمو عة من خبراء المخابرات الميركي ين والبريطاني ين
نخطط للطاحة بعبدالناصر جديا ،لم يبد من زملئنا البريطانيين ما دل على الدراك بأنهم في حضرة الشخص
ل بسد لي الن مسن الدلء باعتراف أشسد خطورة مسن اعترافسي السسابق :هسل تعلمون مسن كان يعسد الكثيسر مسن
تصريحات عبدالناصر وسيل الدعاية المعادية للوليات المتحدة المتدفق من إذاعة القاهرة س اقوى وسائل الدعاية
في الشرق الوسط س التي أزعجت الدبلوماسيين المحترفين في وزارة خارجيتنا ؟طبعا أنتم ل تعلمون اننا كنا
155
نحن نعدها .ذلك لننا كنا ندرك مثلنا مثل عبد الناصر نفسه ان قبضة العهد الجديد على البلد تتوقف على قدرته
في ال ستمرار بالعداء لمير كا بش كل مق نع وان ل يس في مقدور ع بد النا صر المخاطرة بمجرد ابداء أي عقلن ية
في مواقفه حيال سياساتنا المختلفة في الشرق الوسط .وحتى لو ستطعنا تنويم عبد الناصر مغنطيسيا بحيث يطيع
أوامر واشنطن دون تردد،لحجمنا عن حمله على التصرف تصرفا نعلم مسبقا بأنه انتحاري .لذلك ساعدناه في
دعايته المعادية لميركا ومن ناحية أخرى بذلنا مجهودا كبيرا لجعل تلك الدعاية تأتي بنتائج عكسية إذ ضمناها
الكثير من السخافات الواضحة مع بقائنا بكامل السيطرة على انتاجها .وذهبنا في اتقاننا لهذه العمليات إلى استقدام
بول لنيبارغسر ،ولعله أقوى الدعائييسن «السسود» فسي التاريسخ،إلى مصسر لتدريسب الفريسق المصسري الميركسي
لقد كانت مهمتنا ،كما ترون ،خلق قناة اتصال سرية مصرية أميركية وبعيدا عن البيروقراطية ومنيعة بوجه أي
تأثيرات اف سادية ،والبقاء علي ها مفتو حة دون أن يكون ل ها اي تأث ير في ما ي مر عبرها .أ ما هذا ال مر الخ ير
فهسو مسن اختصساص وزارة خارجيتنسا .فإذا مسا أدت المراسسلت المارة عسبر تلك القناة إلى تلقسي الفكار تكون
النتي جة طي بة .أ ما إذا أظهرت تباينا صادقا إن ما غ ير قا بل للتوف يق ،عندئذ لن يكون بطوق نا ف عل أي ش يء ولن
ويتر تب علي هنسا أن أشدد على ان ذلك هو كسل مسا يم كن للفعسل السسياسي ان يحق قه .إذ ل يمك نه إل اسستغلل
الحرك ية ال سياسية الجار ية في حي نه الستغلل الم ثل،علما بأ نه ي ستطيع تعديل اتجاه ها أو خلق حركيات جديدة
في ب عض الحيان .ولك نه ل يمك نه إل نادرا جدا احداث تغييرات داخل ية في اي بلد با ستخدام قوى خارج ية س
أكان ذلك في مصر أو في كوبا أو في نيكاراغوا كما هي الحال حديثا .وعندما كنت ل أزال أعمل في الوكالة
جرى نقل كل الموظفين الذين خالفوا هذا الرأي إلى وظائف ادارية داخل الوكالة أو انهم طردوا منها .كان آلن
دالس منفتحا على المنطق ،أما شقيقه جون فوستر (وزير الخارجية) فبالعكس .ول شك في ان الوزير لم يكن من
ق مم الذكاء المتو قد ك ما كان يت صوره رئي سه،الرئ يس ايزنهاور،أو ك ما ت صور هو نف سه .أ ما عناده فيضرب به
المثل وهو الذي أضفى على عبارة «عقل مثل الفخ الفولذي» معناها الجديد .ولما لم يسبق له ان عايش وتعاطى
فعلً مع زبائنه من العالم الثالث اكتفى بالقتناع العمى بأنه يتمتع بتفهم ميكافيلي لكل المشاكل القليمية في العالم
بينما لم تكن آراؤه في نظرنا نحن الذين عملنا على الرض سواء كنا في وكالة الستخبارات المركزية أو في
وزارة الخارجية إل أقل بدائية من الترهات التي تلف افكار معظم سياسيي الشرق الوسط .
قضيت معظم ما تبقى من سنتي خدمتي في القاهرة ومن سنتين أخريين،بعد استقالتي من الشركة وعودتي إلى
وكالة ال ستخبارات المركز ية ب صفة رئ يس لق سم الع مل ال سيا سي في م ساعدة ك يم روزفلت نلملم معا شظا يا
156
الركام .ركام ماذا .الركام المتناثسر مسن سسياسات الوزيسر دالس التصسادمية أكان فسي مصسر أو فسي بلدان الشرق
الوسط الخرى .ذلك انه اصر على اتباع سياسات واتجاهات كان موظفو الخارجية والوكالة على يقين من انها
سستؤدي إلى كوارث .هسل حصسل الخطسأ مسن قبلنسا.؟ هسل تأخرنسا فسي انذار الوزيسر دالس وكبار معاونيسة وكبار
المعجبين به ومؤيديه في البيت البيض بأنه يكدس الخطاء فوق الخطاء ؟ لقد اخبرناه بكل ذلك وبكل تأكيد .
وما على من يشك بقولي هذا إل أن بتيقن من ذلك بمراجعة المراسلت حول الموضوع التي بات في متناول من
أ ما ن حن العامل ين ميدانيا ف قد تقيد نا كليا بأرب عة مبادئ اع تبرناه على برائت نا من طرق وأ ساليب واشن طن بأن ها
تنطبق على مبادئ المنطق السليم لدى رؤسائنا .لبد اننا أصبنا س من حيث المبادئ المذكورة وان لم يكن من
حيث الطاعة لرؤسائنا س باعتبار انه منذ ذلك الحين وحتى الن والكوارث تحل بأي عملية تنفذ دون التقيد بها .
سبق أن ذكرت المبدأ الول :و هو ا نه اذا اضطررت لتغي ير طبي عة او اتجاه حكو مة ما عل يك ان تف عل ذلك من
خلل القوى الموجودة داخل البلد .بالطبع هناك لزمة لهذا المبدأ وهي انه في غياب تلك القوى س أو حيث ل
توجد قوى نائمة يمكن ايقاظها أو تحريكها بدافع من مصالحها وتوجيهها في أقنية تخدم مصالحنا س عليك التخلي
عن الع مل ال سياسي واللجوء إلى ا سلوب آ خر ،أو محاولة التك يف مع و ضع تشو به ب عض النوا قص .ل يس هذا
المبدأ اكتشافا جديدا فقد أفصح استراتيجي صيني عن اسمه منذ قرابة الثلثة آلف سنة بقوله :إياك الدخول في
عراك ل ترى بوضوح طريقك نحو الفوز فيه؛ وإياك السير في عمل ما إل إذا كنت على بينة من احتمال مقبول
لنجاحه .وعليه يأتي دائما ثمن الخفاق في حل اشكال في العمل السياسي أعلى من ثمن البقاء عليه دون حل.
المبدأ الثا ني :ف هو الذي يل قي العاملون ميدانيا أ شد ال صعوبة في ادخاله عقول ا ستراتيجي المقا عد المري حة في
واشنطسن ،وهسو أن الديمقراطيسة والنتخابات الحرة فسي معظسم دول العالم الثالث ل تشكسل الحسل لمشكلت تلك
البلدان أنفسها ول الحل لمشكلتنا فيها .ففي أكثر الحالت يفوز في النتخابات الحرة في البلدان المسماة «نامية»
واحد من نوعين من المرشحين :فإما أن يكون سياسيا أ فريقا سياسيا يضع في رأس اولوياته لدى بلوغه السلطة
التو قف عن اجراء اي انتخابات حرة أخرى؛ أو غوغائي ق طع على نف سه وعودا يعلم ا نه غ ير قادر على الوفاء
بها ،يبدأ بعد فوزه بمطالبتنا بأشياء ل نستطيع القيام بها فينحى باللئمة علينا ويتهمنا بأننا وراء تقصيره .
والمبدأ الثالث :هو ان علينا العتراف بواقع ملخصه ان الحكومة التي ندفع بها إلى سدة السلطة تضع مصالحها
دوما قبسل مصسلحتنا .إن أشسد الحكومات موالة لميركسا تمتنسع عسن السسير فسي خططنسا مسا لم تخدم تلك الخطسط
م صالحها ق بل م صالحنا وشرط أل يعرض ذلك قبضت ها على بلد ها لي خ طر .هذه هي النظرة ال تي ا ستحال
157
علينسا نحسن العامليسن ميدانيا مسع حكومسة عبسد الناصسر اقناع واشنطسن بهسا .فقسد كانست الولويسة ،كمسا رأيناهسا
نحن،وجوب ابقاء عبد الناصر على رأس الحكم ؛ فهو ل يشكل اي قيمة لنا خارجة هذا إضافة إلى انه لم يكن له
أي بديل منظور .ورغم ذلك وطلب إلينا المرة تلو المرة حمله على اتخاذ اجراءات يعلم هو مثلنا بأنها انتحارية
.ولدى رفضه طلباتنا جاءتنا التعليمات بالشروع بخطط التخلص منه .
المبدأ الرابع :هو أن علينا العتراف بأن القسم الكبر من عملنا الفضل مع حكومة نريد بقاءها في السلطة يجب
أن يبقى سريا ليس لننا بحاجة إلى سريته بل لن السرية هي رغبة تلك الحكومة .يجب أن نعلم أن القادة في
البلدان التي تتلقى أريحيتنا ل يستفيدون كثيرا على الصعيد الشعبي من اعلنهم عن صداقتهم معنا س علما بأن
أكثرهسم يسسجلون بعسض النقاط لصسالحهم بتبجحهسم بقدرتهسم على اسستغللنا .باسستثناء حالت قليلة جدا لم يجسن
الزعماء القليميون الذين عرف عنهم الولء لميركا إل فقدان نفوذهم أو حياتهم .إل ان السرائيليين يشكلون إلى
حد ما شواذ القاعدة،هذا مع العلم بأن هؤلء ل يتأخرون ،بين آن وآخر،عن التبجح بأن نفوذهم عندنا أقوى من
نفوذنا عندهم على الرغم من المساعدة الضخمة التي نقدمها لهم .فحسب تعريفنا للعمل السياسي في اليام الطيبة
الغابرة كان تعاطينا به مع جميع الحكومات،باستثناء الحكومة السرائيلية ،ناجحا بمقدار ما حافظنا على سريته
.أما العلن عنه فل يعني فقط تخريبه بحد ذاته بل جعل تأثيراته عكسية بحيث تصبح كلفتها أكثر من المنافع
ولكن المشكل الرئيسي يكمن خارج مثل هذه العتبارات ففي سنوات قادمة ل بد أن يكتشف شاب ما في جامعة
ما من أبحاثه لعداد رسالة الدكتوراه أن الصعوبات في العمليات السياسية الميركية إبان الخمسينات نجمت ليس
من عدم قراءة تقاريرنا في واشنطن بمقدار ما نجمت من اننا في الميدان لم نكن على علم بأن ل أحد يقرأها .إن
المبادئ ال تي أشرت إلي ها موجودة في ال سجلت .فل ما عدت إلى واشن طن وجدت خزا نة محفوظات كاملة مليئة
ليس فقط بأوراق أشبه بمقالت دراسية تعالج بتوسع تفاصيلها بل بتقارير مفصلة عما كنا نقوم به من أعمال،مما
يعني ضمنا اننا كنا نراعي تلك المبادئ بدقة .ومع ذلك لم أعثر على وثيقة واحدة ل في ملفات وزارة الخارجية
ول في ملفات وكالة الستخبارات المركزية تقول لنا واشنطن فيها بأننا نعمل خارج نطاق التعليمات .وفي الواقع
عثرت على تنويهيسن موجهيسن لي شخصسيا ممسا يعنسي بوضوح ان واشنطسن اعتبرتنسا نعمسل فعلً ضمسن نطاق
التعليمات وانها أثنت بذلك صراحة على «استراتيجيتي» في التعاطي مع حكومة عبد الناصر .
وهكذا تابعنا العمل بثقة عمياء بأننا متقيدون بالحدود المرسومة مع واشنطن بينما كان واقع الحال اننا زججنا عبد
النا صر في المأزق تلو المأزق ثم ا ستحال علي نا الخروج من ها .وم ما زاد في سوء الو ضع ان الزوار الوافد ين
علينا من واشنطن يغادروننا مقتنعين بما شرحناه لهم في القاهرة ويرجعون إلى واشنطن فقط للعودة إلى ما كانوا
158
عليسه مسن آراء انعزاليسة وثابرت وزارة الخارجيسة تطالب عبدالناصسر باتباع سسياسات تؤدي بسه إلى النتحار
السياسي،ورحنا نحن في القاهرة نتنبأ بدقة بما ستكون ردة فعله على طلباتنا،حتى اننا تنبأنا كيف أن تصرفات
عبدالناصر والستراتيجيات الخذة بالتكون حولها ستبقيه أمامنا بخطوة في اللعبة طالما بقي جون فوستر دالس
وزيرا للخارجية.
لم يتمكسن الوزيسر دالس مسن فهسم المبدأ الول القائل بأنسه«:مسن النادر ان تفوز بلعبسة دون معرفتسك باشتراكسك
في ها».هذا فضلً عن ان ال ستراتيجية المضمو نة النجاح قد ت صل إلى نها ية مأ ساوية إن هي اغفلت التغيرات
الجذر ية الجار ية على رق عة اللع بة ذات ها.كان ع بد النا صر يقول«:إن ني ل أقوم بالع مل بل أرد عل يه».دعو نا من
نعم،نعم،ثمة أجراء واحد اتخذه عبدالناصر ،وقصرنا أنا وكيم روزفلت عن التنبؤبه.فعندما أعلن وزير الخارجية
دالس ان نا لن ن ساعد عبدالنا صر في بناء ال سد العالي،دعي نا إلى اجتماع ع قد في وزارة الخارج ية للم ساعدة في
استقراء ما ستكون ردة فعله.طرحت آراء كثير ولكن رئيسنا المحبب فرانك وايسنر انفرد بذكر احتمال تأميم عبد
الناصر لشركة قناة السويس.دسنا انا وكيم على رجل فرانك تحت الطاولة (اننا نحبه ولم ترق لنا رؤيته يجعل
من نفسه موضوع سخرية أمام الحاضرين) ولكنه ثابر في اصراره على رايه فيما اخذ كبار مسؤولي الخارجية
يشرحون له بحنو أبوي أسباب استحالة أو قلة احتمال اقدام عبد الناصر على اتخاذ مثل ذلك الجراء.
ولكن الرئيس عبد الناصر أمم شركة قناة السويس كما يعلم الجميع (لم يؤمم القناة نفسها كما يظن خطأ بل أمم
الشركة) فدعانا فرانك إلى مكتبه ليشمت بنا وقال«:أرجو أن تجلبا معكما الملحظات التي دونتماها عن الجتماع
دخلنا عليه فإذا به في نشوة الظفر وكأنه يقول «:ألم احذركم؟» ولكن مظهره تبدل عندما عجز عن العثور بين
أوراقه على ما يدعم نبوءته .قال بصوت عال« :ال تذكران؟قلت مرتين أو ثلت مرات ان عبد الناصر قد يلجأ
ن ظر ك يم إلي ونظرت إل يه ،ثم قال «:ل ست أذ كر ،يا فرا نك ،ا نك تفو هت بش يء من هذا القب يل .أتذ كر ا نت يا
مايلز؟»
قلت لكيم «:لم اسمع ذلك منه».ثم توجهت إلى فرانك بالسؤال« :هل انت متأكد من انك فكرت بذلك دون التفوه
ما انفك فرانك يصر على قوله«:انكما تعلمان بأنني قلتها» وما انفككنا أنا وكيم نردد وقد علت مظاهر الدهشة
وجهينا بأننا لم نسمعه .كانت لعبة قذرة كثيرا ما رددناها بندم خصوصا وان فرانك انتحر بعد مرور أقل من سنة
159
على فشسل عمليتسه المفضلة :ثورة هنغاريسا.وهنسا أود أن أسسجل للتاريسخ ان فرانسك وايسسنر الذي يجهسل معظسم
الميركيين من هو،رجل عظيم كبير القلب ومن افضل المدراء الذين اشتغلت معهم .فيه قال ستيوارت آلسوب
انه«:مات ضحية الحرب كمثل ميتة أي جندي في ساحة القتال»،وهو لعمري،قول يشهد على صحته كل أصدقاء
سبق لفرا نك واي سنر ان قال لي بأن ني سألقى الترح يب دوما في وكالة ال ستخبارات المركز ية وبأن في ها عملً
جاهزا بانتظاري متى شئت العودة إليها .وعليه ،عندما انقضت مدة تعاقدي مع شركة بوز س آلن اند هملتن في
مصر في تموز (يوليو) 1955راجعت حسابي في المصرف وتأكدت من أن فيه ما يكفي لشراء بيت جديد في
فرجينيا إضافة إلى سيارتين ،فكتبت رسالة استقالتي ثم وجهتها إلى رئيسي جيم آلن رئيس الشركة الذي أجابني
برسالة جاء فيها تماما ما سبق لفرانك ان قاله لي عندما استقلت من الوكالة قبل سنتين (أي انه يرحب بعودتي
إلى الشركسة فسي أي وقست أشاء) مضيفا بأنسه سسيحيلني على السستيداع إذا مسا شئت ذلك بحيسث ل أعتسبر
م ستقبلً.وهذا يع ني أن ني ما زلت مع تبرا في عطلة بالن سبة إلى الشر كة،إل إذا كان أ حد الكت بة في مكاتب ها في
قضيت في القاهرة وقتا ممتعاجدا ،وعندما استعيد ذكرياتي بين تموز 1953وتموز 1955أدرك انها كانت فترة
هامة جدا أفادت حكومتنا وأصدقائي المصريين والشركة ،كما جنيت منه منفعة كبيرة .وكم أتمنى لو استطعت
القول عينه في السنتين التاليتين.صحيح أنني أول منها سمي اختصاصيا بالعمل السياسي في الوكالة وأول رئيس
لوحدة مؤلفة من خمسة رجال اسمها أركان العمل السياسي.وصحيح أن للوظيفة وللقبها رنة مطربة على الغلف
الور قي لكتاب ح يث نبذة عن الكتاب و /أو المؤلف .ول كن ما أعطي ته فعلً هو عبارة عن ك يس فارغ أم سك
به.وبعد أن بدا الفريق بالعمل المفيد اضطررت أن أقضي معظم أوقاتي وعلى مدى سنتين في محاولت دائمة
لتلفي عمليات العمل السياسي تقوم بها داخل القسام القليمية وحدات تتجاهل وجودي.
ل كن دعو نا نعالج ال هم أولً.لم ي مض يوم وا حد على ا ستقراري في عملي الجد يد ح تى أدر كت ان ل أ حد من
رؤسائي المباشرين س ل آلن دالس ول حتى كيم روزفلت س كانوا على علم دقيق بما هو عملي بالضبط.ولدى
استفساري طالعني كل منهم بجواب مبني على ما قاله الرئيس ترومن وهو يوقع قرار مجلس المن القومي رقم
160
10/2الذي اخسبر بسه لوكالة السستخبارات ان تتوسسع مهمتهسا مسن وكالة لجمسع المعلومات والسستخبارات لتشمسل
«مكاف حة العمال الشريرة ال يت يقوم ب ها ال سوفيات في الخفاء» بأي و سيلة ممك نة.فال سوفيات يحاربون نا بالح يل
القذرة إذا علي نا محاربت هم ب سلحهم .ول كن أفل يع ني ذلك بأن نا قد انحدر نا إلى م ستواهم؟ واذا ا ستعملنا الح يل
القذرة لمجرد أنهم يستعملونها ،أفل نكون قد ماثلناهم سوءا؟ أسئلة قد يطرحها اليوم المهتمون بالفضائل والخلق
ا سمحوا لي ان أطلب المعذرة من كم ،يا مع شر الشباب الذ ين تعدون ر سائل لشهادات الدكتوراه ،إذا بدا ما أقوله
مفاخرة .فالمواد التي باتت في متناول أيديكم بفضل قانون حرية المعلومات تتيح لكم التيقن من انني كنت أول
مسن اقترح فسي رسسائل رسسمية انسه ل يجوز لي ذراع مسن أذرع الحكومسة الميركيسة ،سسواء كانست وكالة
ال ستخبارات المركز ية أو غير ها ،ل يجوز ل ها الخروج على العالم بالح يل القذرة لمجرد ان ال سوفيات يلجأون
إليها .في ورقة مؤلفة من عشر صفحات حول طبيعة الصراع الميركي السوفياتي س حسبما رأيته س قلت بأن
ل ان نحدد بدقسة الضرر الذي ينوي السسوفيات إلحاقسه بنسا وليسة غايسة ،وان نقوم بأي عمسل يحول دون
علينسا أو ً
وان ني وان ك نت أول من و ضع ذلك في ر سائل وأوراق ر سمية فآرائي هذه لم ت كن من بنات أفكاري ،بل يعود
معظمها إلى هاري روزتسكي كما يعود الفضل بتوضيحها إلى ريتشرد بيسل وهو أستاذ في القتصاد بعث به
إلينا البيت البيض حيث كان يعمل مستشارا في تنفيذ مشروع مارشال.بعد اسبوع من انضمامه إلى الوكالة رأى
فيه كيم روزفلت حليفا محتملً.لم يكن ريتشرد يعرف الكثير عما اسميناه «العقلية المستهدفة» ولكنه وافق معنا
على ان تفهم ها ضروري ق بل و ضع الخ طط اللز مة لعمليات مخابرات ية ضد أ صحابها.ضم مت ما سمعته من
هاري روزتسكي إلى ما استقيته من ريتشرد بيسل أثناء تناولنا الغداء معا بضع مرات وتوجهت نحو البنتاغون
ووزارة الخارج ية وموا قع صنع القرار الخرى للتعرف إلى أفكار الخت صاصيين في ها بشأن ما سيواجهنا في
تصدينا للسوفيات.
و سرعان ما تعل مت من جول تي در سا بات مذاك يلزم ني كاحدى الحقائق البديه ية:ان البيروقرا طي ،تعريفا،
ش خص يف صل المشا كل ح سب قياس ال حل ول يس الع كس .ماذا يحاول ال سوفيات ان يفعلوه ب نا ،وك يف ن ستطيع
إيقافهم؟ كل وحدة من وحدات الحكومة تجيب عن هذا السؤال بالطري قة التي تخدم غاياتها وهكذا تنبت «لعبة»
جديدة.انني اسمي ذلك »اللعبة البيروقراطية» واصنفها إلى جانب «اللعبة المحلية الداخلية» المتفرعة من «اللعبة
161
ان غاية كل لعب (أي كل وحدة داخل البيروقراطية) تحقيق موقع مسيطر على رقعة اللعبة ،موقع يمكنه من
تحديد المشكل بمجمله بطريقة تعطيه الدور الول في العثور على حل له.
ان الستراتيجية الرابحة تقوم بكليتها تقريبا على بناء امبراطورية أي جمع عدد أكبر من الموظفين برتب عالية
والقاب لئقة بها والتمركز في أبنية جديدة فخمة،والحصول على ميزانيات أكبر من ميزانيات اللعبين الخرين.
ان الحل المتفق عليه للمشكل بمجمله بين اللعبين المتنافسين ليس نتيجة التعاون لبلوغ غاية مشتركة بمقدار ما
ان طبيعة «الحل» (إذا جاز حقا تسميته كذلك) وما يشدد عليه تحددهما الوحدة التي تمكنت من استخلص أضخم
إن ني اتحدث ه نا عن اللع بة كمار رأيت ها في العام .1953و مذ ذاك توالت أدم غة أك ثر معر فة من دما غي على
و صف ال صراعات والتناف سات البيروقراط ية دا خل الحكو مة،وكل ها في النها ية تتوا فق مع أكثر ية الراء ال تي
ابديتها منذ نيف وثلثين عاما« :إن ما يعتبر في حكومتنا على انه سياسة الدفاع القومية»ليست حلً مدروسا بدقة
وتجرد لمشاكل أمن بلدنا بقدر ما هي تسويات توافقية بين البنتاغون ووزارة الخارجية وغيرها وغيرها ومن
وزارات الدولة ووكالتهسا فيمسا يتخسذ الرجسل المقيسم فسي البيست البيسض دور الحكسم بنسي اللعسبين.فسي العام
1953كان المقيسم فسي البيست البيسض الجنرال لدوايست ايزنهاور،العسسكري الذي بلغ الشهرة كقائد للقوات التسي
هزمت المانيا النازية .فبالنسبة إليه كانت الرئاسة آخر مرحلة في مهنته العسكرية.وبالتالي كان البنتاغون دوما
الفائز باللعبة.
ل حظست ان اللعبات الشخصسية تسسبب أعلى درجسة مسن الوهسن والرهاق فسي وزارة الخارجيسة .فأفراد السسلك
الخارجسي المحترفون ،وهسم العمود الفقري للوزارة ،يعتسبرون أنفسسهم دبلوماسسيين مهنييسن فقسط .ولمسا كنست قسد
قضيت الشطر العظم من السنوات الست الماضية في بلدان الشرق الوسط حيث العادات وطرق التفكير والقيم
الخلقية تختلف عنها عندنا،دابت على القول بأننا لن نستطيع تحقيق الحد الدنى من أهداف سياستنا الخارجية
في افريق يا وآ سيا وأمير كا الجنوب ية إل من خلل الدبلوما سيين وضباط المخابرات الذ ين ،ح سب قول آرت شي
روزفلت لحقا ،قد درسوا لغة وحضارة ومجتمع شعوب أخرى بحيث يتعلمون التفكير مثلهم ورؤية العالم مثلما
يرونه .ولكن لم يكن عليهم ان يهتموا بتلك المور في ايام الوزير دالس .لقد حاول اختصاصيو القاليم في وكالة
ال ستخبارات المركز ية الع مل مع الدبلوما سيين الميركي ين المحترف ين على ا ساس وحدة القض ية ول كن هؤلء
يعتبرون أن السلك الذي ينتمون إليه سلك متفوق عناصره مختارة من ذوي الختصاصات الشاملة الذين يعتبرون
أنف سهم في بيوت هم أكانوا في كابول أو في بار يس ،لكن هم في كل المكان ين أش به بال سمكة خارج الماء .من ب ين
162
الل عبين الرب عة في اللع بة البيروقراط ية الذ ين زرت هم ا ستعدادا لعملي كرئ يس لركان الع مل ال سياسي وجدت
السلك الدبلوماسي أقل الربعة ادراكا للخطار المحيقة بسلمتنا القومية والتي علينا مواجهتها .
لم يكن ثمة حا جة لخبير في تحليل المؤسسات من شر كة بوز س آلن اندهلم تن للتوقع بأننا سنكون في معر كة
دائ مة مع الدبلوما سيين المحترف ين :ف هم ل يحبون نا ويغتاظون من تطفل نا على طبقت هم المختارة .ول ما ك نا نخت بئ
وراء السفارات والمفوضيات والقنصليات في الخارج أصر الدبلوماسيون دائما على الشارة إلينا بطريقة خاصة
تدل على أي شخسص يعرف شيئا عسن أجهزة الموظفيسن إلى «أن هؤلء ليسسوا منسا»،وهسي عبارة درجوا على
اسستعمالها ليفسسروا للعراب سسبب وجودنسا معهسم .فإن كانوا يمقتوننسا فسي الحالت العاديسة فقسد كانوا بالتأكيسد
يكرهوننسا عندمسا كان جون فوسستر دالس وزيرا للخارجيسة وأخوه آلن رئيسسنا والمدافسع عنسا .وفسي ايام الوزيسر
دالس،وباسستثناء بعسض الحالت الفرديسة ،تخلى موظفسو الخارجيسة الدبلوماسسيون عسن أي ادعاء بالختصساص
إن ما رآه هؤلء الخت صاصيون النعزاليون ون صف المنبوذ ين هو ا ستراتيجية سوفياتية غايت ها حرمان نا من
مقومات حياتنا .كانت تلك الستراتيجية ،من حيث مقومات اليديولوجية الماركسية ،دفاعية في أسسها .ولم تكن
غايتها السيطرة على العالم بل الحيلولة دون سيطرة «المبريالية والرأسمالية» عليه إذا تعذر ذلك على الشيوعية
السوفياتية .لم يكن تفكير اللينينيين الجدد في موسكو من باب حسبان التمني حقيقة ،بل آمنوا حقا بأن القتصاد
في الغرب يقوم على «ا ستغلل» العالم الثالث،فظنوا أن هم إذا ما ا ستطاعوا بش كل ما حرمان حلفائ نا الوروبي ين
من الو صول إلى المواد الول ية وم صادر الطا قة من افريق يا والشرق الو سط تنهار «امبرياليت نا القت صادية» .
وأطلع ني رجال مخابرات سلح الطيران على ما اع تبرته براه ين قاط عة عن أن حرمان أورو با الغري بة من
بعض المواد الولية التي كانت تستوردها آنذاك من بلد واحد في جنوب افريقيا يؤدي إلى توقف صناعاتها خلل
أقل من شهر .من السهل إذا تصور ما قد يحدث لتحالفات أميركا العسكرية مع دول أوروبا الغربية لو صارت
تعتمد على سخاء السوفيات .واتفق ان التحاد السوفياتي كان قادرا على التقدم لمداد الوروبيين بأي مواد أولية
يحتاجونها ،بما في ذلك النفط،بعد توقف ورودها من افريقيا والشرق الوسط .
عدت مسن جولتسي على البيروقراطيات المعنيسة بسسياستنا الخارجيسة لجسد ان مهمتسي قدت لي .فقسد حرك كيسم
روزفلت فريقي أثناء غيابي وطلب من مساعدي الول ،وهو شاب ذكي وخلوق يحمل شهادة دكتوراه اسمه بوب
ماندلستام،القيام بأي عمل له صفة العمل السياسي كي ل يلحظ فرانك وايسنر ركودا في نشاط وحدتنا فيسرق
م نا غرف مكاتب نا ويجرد نا من الميزان ية المخ صصة ل نا .و سرعان ما أطلق بوب لمخيل ته العنان وراح يع مل
163
بدأ الع مل بتفع يل ما أ سماه «ال سحر في الطبقات الراق ية» و هي نظر ية من النشاط ال سياسي تقوم على درا سة
مفصلة عن أن الزعماء العالميين يتخذون قراراتهم على انها موحى بها إلهيا بطريقة أو بأخرى .فقد بعث إلينا
رئيسس وحدتنسا العاملة فسي كابول بتقريسر موثوق عسن ان السسياسيين الفغان بلجأون فسي حسل بعسض المعضلت
المسستعصية إلى صسراع الديوك داخسل مجلس النواب .بمعنسى ان كلً مسن فريقسي النزاع يلقسي بديسك فسي قاعسة
المجلس فيتقا تل الديكان ح تى ين فق أحده ما .عندئذ ير فع الرئ يس ما تب قى من الد يك الفائز ويعلن نها ية النزاع
السياسي .وبالفعل استشار بوب أحد مدربي مصارعة الديوك في المكسيك ،ولكن كيم أوقف المشروع قبل توسعه
معتبرا،بكل أسف،انه يجب تعريف رؤسائنا تدريجيا بتلك الساليب المستوردة وبما ستتمخض عنه مخيلتنا في
الم ستقبل .هذا إضا فة إلى ان ا ستغلل خرافات وتطيرات الشعوب ال سيوية والفريق ية من شأ نه اثارة مشا عر
ولمسا طلع بوب بفكرة زرع المنجميسن لدى بعسض الزعماء فسي بلدان أخرى لم تلق فكرتسه معارضسة تذكسر .بسل
ح صل فورا على تأ يد من ك يم وع مل الثنان على تذل يل مقاو مة فرا نك واي سنر مذكر ين إياه ب ما لب عض منج مي
جورجيان من نفوذ في الحياة الجتماع ية في واشن طن .ف قد كان ب عض سيدات المجت مع الرا قي في العا صمة
يستشرن منجمهن بأسماء المدعويين إلى حفلتهن ،كما أنه من المعلوم ان بعض رجال الكونغرس س لن أ ذكسسر
على تعاويذ السحر والشعوذة التي لقنته اياها وكالة الستخبارات المركزية .
ثم كان شيء اسمه حركة التسلح الخلقي وهي حركة سياسية دينية تضم أشخاصا من مختلف الديان أسسها
أحمق أبله اسمه فرانك بوخمان،وتزعم بأن غايتها تعميق روحانية حياة أعضائها وتحملهم بالتالي على التصرف
بمسؤولية وايثار وتسامح في المجتمع .استرعى المستوى الجتماعي الذي انتشرت فيه تلك الحركة انتباه واهتمام
بوب ،ذلك انهسا اسستهدفت بشكسل يكاد يكون حصسريا القادة والزعماء كمسا ان مطبوعاتهسا موجهسة إلى هؤلء .
تحرك برنا مج التدر يب على التنج يم بب طء في بادئ ال مر ولم تظ هر م نه أي نتائج تذ كر إلى ان زرع تا قارئا
للغيب إلى جانب نكروما رئيس جمهورية غانا فأقنعه بضرورة القيام بزيارة رسمية إلى الصين الشيوعية وهكذا
كان نكروما خارج البلد عندما قام صديقنا الجنرال آرثر انكراه بحركته النقلبية وأظهر البرنامج فائدته أيضا
ب عد بض عة أش هر على ذلك عند ما برمج نا جهاز ك مبيوتر أقن عت ا ستقراءاته لم ستقبل الرئ يس الندونيزي أح مد
سوركانو باتخاذ اجراءات مختلفة تلءمت مع أغراضنا .وأمنت لنا ترتيباتنا مع حركة التسلح الخلقي قنوات
سرية مفيدة تن فذ عبر ها ليس ف قط إلى افكار زعماء في افريقيا وآسيا بل وإلى افكار زعماء في أوروبا أيضا .
164
وفيما كان بوب يجري ترتيبات مماثلة مع حركة «الوجوديين الكونيين» التي أسسها الهبل الخر رون هوبارد،
كا تب ق صص الخرافات العلم ية ،ك نا في طريق نا ن حو بلوغ قدرة في الع مل ال سياسي ي ستحيل مع ها إلى مهزلة
«العمل السري» المفضوح والبالغ النفقات والقليل المردود الذي أخذت تقوم به وكالة الستخبارات المركزية بعد
أ ما أن تم أي ها المشككون من القراء ،و يا من تظنون أن كل مي هذا مزاح ،فانبذوا تلك الفكار من عقول كم في
سنوات الخمسينات أدرك بعض منا على القل ان معظم التحركات الجارية على رقعة اللعبة الدولية ،وان معظم
التحركات فسي اللعاب الداخليسة الدافعسة إليهسا تأثرت بالخرافات التقليديسة أكثسر منهسا بالمنطسق المكيافيللي .وهسل
ي ستطيع أ حد المناق شة اليوم في ان تأث ير رئ يس اركان الب يت الب يض الف طس دونلد ري غن في أفكار الرئ يس
رونلد ريغن؟ يتساوى مع تاثير العرافة المكتومة السم التي تستشيرها زوجة الرئيس ريغن .وكي أتقي الكلم
المبطسن بشأن هذه المهزلة الخيرة،أشعسر بوجوب القول هنسا بأن القدماء منسا الذيسن ل يزالون يتذكرون اليام
الطيبة،أيام فرانك وايسنر وكيم روزفلت ودس فيتزجرالد وفرانك لندساي وآرتشي روزفلت وايامي أنا ،يعتقدون
بأن تقه قر فعال ية وكالة ال ستخبارات المركز ية بدأ يوم أ خذ مدراؤ ها يفكرون تفكيرا «عمليا» اي الع مل انطلقا
من الفرضية بأن شعوب العالم الخرى تفكر على طريقة رجال العمال الميركيين القائمة على الوقائع والرقام
فقسط .تنفسسنا الصسعداء عندمسا شاع الخسبر بأن رئيسسنا يسستشير منجما عوضا عسن اسستشارة وزيسر الخارجيسة أو
قمنا أنا وبوب وبعض الباحثين بجولة فيما بعد على اقسام القاليم ورؤساء مكاتبها وطرحنا عليهم السئلة التالية
«:ماذا يمكسن أن يلحسق الضرر بالمصسالح الميركيسة ممسا يجري فسي منطقتكسم ؟ لماذا ؟ وكيسف يمكننسا تعديسل
الوضع ؟ غطينا الرض كلها من افغانستان إلى البانيا والجزائر واليمن ويوغسلفيا وزامبيا .ولم نكن في الواقع
نب حث عن كل ما ن ستطيع العثور عل يه من المشا كل ،بل من أخطار واض حة المعالم يم كن ا ستعمالها مشار يع
استرشادية نختبر بها أصول العمل السياسي المتواضعة التي تصورناها آنذاك .
أما الجواب الكثر تردادا على أسئلتنا فكان البلد الفلني ل يقدر السلوب الغربي للديمقراطية حتى قدره ،فهو ل
يجري «انتخابات حرة»فسي مواعيسد منتظمسة ،أو ان الفكار الغربيسة المتصسلة «بحقوق النسسان» لم تصسبح بعسد
جزءا من الحضارة المحل ية .أ ما ردة فعل نا على تلك الجو بة فكا نت« ،ح سنا» ،ول كن ك يف يل حق ذلك ال مر
الضرر بمصالحنا»؟ بالفعل وجدنا حالتين أو ثلثا حيث النتخابات الحرة إلى درجة معقولة تشكل مبدأ مقبولً في
165
المجت مع من ج هة وخطرا حقيقيا على م صالحنا،ذلك لن الشعوب لمقت ها أمير كا ،تقترع با ستمرار إلى جا نب
المرشحين الذين يتعهدون بالحاق الضرر بمصالحنا أينما استطاعوا إلى ذلك سبيل .ففي بلدان كهذه من الصعب
أن يكون من مصلحتنا الحماس لتشجيع «حرية التعبير» كما نفهمها ونتقبلها في بلدنا .
وورد علينسا أيضا طراز آ خر من الجو بة ان دل على شيسء فعلى داء «الزبائن ية» الذي يصسيب الكثيريسن مسن
خبرائنا القليميين .فمثلً يعود إلى واشنطن في اجازة سنوية مسؤول عن مكتب اقليمي أو رئيس فرع في بلد ما
ويخبرنسا بأن «الفلنييسن يقاتلون العلنييسن وان شرارة الحرب العالميسة الثالثسة سستنطلق مسن ذلك البلد بالذات!»
.وأمام مثل تلك القوال لم يكن بوسعنا سوى التثاؤب ثم القول ،بأن علينا وضع تلك الشرارات جانبا نظرا لكثرة
ما بين ايدينا من قضايا،إلى ان تكون قد أصبحت تشكل خطر حريق داهم .وكان الواقع البسيط،ول يزال ،أن من
جم يع الحروب المحل ية ال تي اندل عت ب عد نها ية الحرب العالم ية الثان ية لم ي كن من ها واحدة ح سبنا ان ها قد ت سبب
حربا عالمية ثالثة استنادا إلى طبيعة خلفاتنا مع السوفيات .وعندما رفعنا تقاريرنا س حسبما راينا س إلى وزارة
الخارجيسة ووزارة الدفاع والبيست البيسض ،توجهست إلينسا التهامات بأننسا معتدون بأنفسسنا،وتنقصسنا سسعة
المخيلة،وق صيرو الن ظر أو مجرد جهلة (.أثارت الوضاع على رق عة اللعاب الدول ية ،و ما تزال ،آراء مت صلبة
مبنية على معلومات ضئيلة ،أكثر تصلبا مما يسمح به في أي مجال آخر من مجالت النشاط البشري ).
غير اننا نتمتع بتفوق على متهمينا :فنحن نعلم ما نتحدث عنه فيما هم ليعلمون .استخباراتنا الممتازة تنبئنا بأن
الستراتيجية السوفياتية موجهة إلى نقاط الضعف في الغرب ول تقوم على نقاط القوة السوفياتية معتبرة ان أكثر
نقاط الضعف قابلية للستغلل هي الدول التي يحكمها قوم فاسدون مستبدون يستمدون قوتهم من معرفتهم من
اين تؤكل الك تف .إن الدول التي حددتها مجموعتي الصغيرة على انها خلي قة بأولوية الستهداف هي بلدان في
افريقسا وآسسيا وأميركسا الجنوبيسة يحكمهسا زعماء موالون لميركسا تجعلهسم تصسرفاتهم فريسسة سسهلة لعمليات
ال ستخبارات ال سوفياتية .عجز نا عن اقناع اي ادارة جمهور ية بأن هؤلء الزعماء يشكلون ل نا ارباكا باهظا س
فضلً عن كونهم أهدافا سهلة المنال للعمل السياسي السوفياتي بحيث يصعب اعطاؤهم أي مناعة ضد النقلبات
س علما بأن الب عض من هم يصلحون أهدافا لتدريب نا باعتبار ان ب عض أعضاء الكونغرس لم ي سبق ل هم ان سمعوا
بهم قط.
منذ ذلك الوقت ( )1955وحتى اليوم صدر عشرات من الكتب عن «أخطاء» خفية ارتكبتها وكالة الستخبارات
المركزيسة .كسل تلك العمليات كانست شبسه عسسكرية ومسن النوع الذي كرهناه نحسن قدماء الخسبراء فسي العمسل
ال سياسي،الخ في م نه والعل ني .تعطسي تلك الك تب انطباعا بأن ها تش مل مج مل مجهودات الوكالة خلل ال سنوات
الربعين الماضية.أما الواقع فهو انها ل تشكل كلها سوى جزء يسير مما فعلته الوكالة لبقاء العالم مكانا آمنا
166
للمصسالح الميركيسة وللحيلولة دون اشتعال حرب عالميسة ثالثسة .لم تلق أي عمليسة أرشدهسا فريقسي الصسغير او
لعمليات الخرى التسي أجريست على غرارهسا أي تغطيسة اعلميسة .وعلى الرغسم مسن انهسا لم تكلف مبالغ كسبيرة
كغيرها (لسنا بحاجة إلى جنود وأسلحة ودعم لوجيستي) فقد جاءت نتائجها الصافية أعمق بكثير واستمرت مدة
في هذه اليام،عندم أظهر في مقابلت تلفزيونية أو اشترك في ندوات يناقش فيها موضوع الوكالة أراني الوحيد
الذي ي صر على التأك يد بأن الترك يز هو على ما نقرأه في ال صحف عن عمليات الوكالة يتطرق بالتحد يد إلى
عمليات مكشوفة وليس إلى عمليات خفية وأضيف بان للوكالة من النجاح أضعاف ما عليها من تقصيرات ولكن
اخبار النجاح ل ترد مطلقا فسي الصسحف .بالطبسع قوبلت ،وتقابسل،أقوالي هذه دائما بالقهقهسة الصسابخة وبالتحدي
التالي «:حسنا ،هل تتفضل وتخبرنا عن نجاح واحد ل غير»؟فأجيب «:هنا يكمن السر .نجاحاتي الخفية ليست
معدة للعلن كتلك التي يكتب عنها المحررون .إنها خف ية،خفية،وهذا ما يحول دون وفوفكم عليها وانني لست
على و شك اطلع كم علي ها».ل دا عي للقول بأن هذا الجواب قل ما يق نع أحدا.إل ان الدلء به يب عث في نف سي
ق فز كتا بي حول أ صول الجا سوسية الحدي ثة (ن شر في بريطان يا ت حت عنوان« :عالم الجا سوسية الحقي قي» و في
الوليات المتحدة تحت عنوان « :من دون عباءة أو خنجر» إلى لئحة الكتب الكثر مبيعا بسبب ما نشر عنه من
مراجعات وصفته على انه «خليط بارع من الخداع والتحريف» و «نتاج من التلفيق الهزالي الصاخب».فصرت
ادعى للشتراك في مختلف أنواع الندوات اليسارية المعقودة بالوكالة وفي كل منها ترد اسماء ثلث عشرة دولة
اته مت الوكالة باجراء عمليات في ها تت صف بالخلق ية وبالخطاء الفاد حة وبإلحاق الذى بالم صالح «الحقيق ية»
للوليات المتحدة .أ ما البلدان الثل ثة ع شر الدائ مة الذ كر ف هي «:بور ما وال صين والفيل يبين وكو با واندوني سيا
والتيبت وسنغفورة والبرازيل وتشيلي والكونغو واليونان وايران وغواتيمال .لقد ارتكبت الوكالة بعض الهفوات
في تلك البلدان وغيرها ولكنها حازت في الوقت نفسه على تنويهات بأعمالها فيها جميعا باستثناء الصين وكوبا .
ولما كانت التنويهات التي تشير إلى النجاحات لم تصل أخبارها إلى الصحف مطلقا ول هي بلغت مسامع لجان
المراقبة في الكونغرس.
غير ان ما لفت انتباهي هو ان السرية التي درجنا عليها كانت بعيدة عن الكمال .ومع الوقت وتخف يض القيود
على موظفسي الوكالة الذيسن صساروا أدباء ومؤلفيسن حصسل تسسرب ل بأس بسه مسن المعلومات .بعسد أن ألهبست
مجموعة أركان العمل السياسي جذوة النشاط فيها من جديد نجحت الوكالة في أكثر من مئة عملية سياسية خفية
167
داخل أكثر من ثلثين دولة .وعلى الرغم من ذلك ثابر اعداء الوكالة على تجاهل كل النجادات تجاهلً تاما رغم
علمهم بها.
وكسي ل أكون مجحفا بحسق أولئك أبناء (كذا وكذا) اعترف بأن القضيسة قسد تكون قضيسة تعر يف .فبالنسسبة اليهسم
تنطبسق عبارة «العمسل السسياسي الخفسي» فقسط على تلك العمليات التسي أربكست الوكالة خارج الوليات المتحدة
وداخلها وتلك العمليات هي )1(:إما شبه عسكرية أو متصلة بالعمال العسكرية كتلك التي في فيتنام وافغانستان
واميركا الوسطى ،الخ ( )2أو ممولة من قبل الوكالة او عبر قنواتها وان تكن في معظم الحالت ليست بادارتها
)3(.نفذت في معظمها على أيدي متعاقدين (أي غير محترفين) أو عسكريين بدعم من الجيش أو سلح البحرية
أو سلح الطيران )4(.انها ليست «خفية» مطلقا أي انها نالت تغطية صحفية واسعة .
أما نحن في دائرة أركاننا الصغيرة فنعرف «العمل السياسي» على انه واحد أو أكثر من انواع العمليات التالية :
«اللوبي»:
رتبنا في البلدان المستهدفة مصالح صناعية وتجارية اقنعناها بتنظيم وسائل غير علنية للضغط على حكوماتها
ووفرنا التدريب اللزم لموظفي فروع العلقات العامة فيها على غرار ما تفعله عندنا لجان التعديلت لتتلءم مع
الوضاع المحلية في تلك البلدان .كان بعض ما دعونا إليه وعلمناه قانونيا كليا وفوق الطاولة،وبعضه مختلفا عن
ذلك .أما نسبة ما هو قانوني منها إلى ما هو غير قانوني فتتقارب مع النسبة المقابلة عند اللجان الجنبية العاملة
عندنا .
الع مل ال سياسي خلله ما،مدى ما بلغ ته عمليات نا تلك من ال صيرورة نموذجا يحتذى في أ صول ذلك الع مل .ف قد
تيسسر لي الوصسول الفوري إلى أهسم اعضاء مجلس قيادة الثورة .وعندمسا غادرت مصسر كان لنسا فيهسا خسبراء
اميركيون دائمون يعملون في دوائر الشرطة والمن العام والمخابرات .وكان لنا ايضاَ على أساس تعاقد مؤقت
خبراء م ثل بول لينبار غر يعاونون وز ير العلم والرئ يس ع بد النا صر نف سه في أ صول ا صدار ال صحافة
والذا عة اخبار وتعليقات تبدو في ظاهر ها مؤيدة لل سوفيات ولكن ها تل حق بالحقي قة بال سوفيات وبالشيوع ية من
الضرر أكثر مما تسديه إليهم من خدمات،إضافة إلى اخبار وتعليقات تبدو في ظاهرها مناهضة للوليات المتحدة
وتسدي لنا في الواقع من المنافع أكثر مما تلحقه بنا من أذى .أما الخبير شير من كنت ،وكان آنذاك رئيس مكتب
الوكالة المخ تص بشؤون التقديرات القوم ية ،ف قد أع طى المخابرات والباحث ين في مصر دروسا قي مة في أ صول
تحرير خلصات يومية بسيطة ومليئة بالوقائع التي يحتاجها الرئيس عبد الناصر فعلً،عوضا عن تلك الترهات
168
ال تي كا نت تمل بريده اليو مي .و عبر و سائل الت صال هذه وغير ها أقم نا عل قة وثي قة مع نظام ع بد النا صر
الثوري مكنتنا من تفهم دوافعه العامة ونواياها المحددة بحيث نستطيع التنبؤ بتحركاته والتكلم معه مباشرة في أي
وقت تدعو الحاجة إلى قناعة بالعدول عن اجراءات اعتبرناها مضرة بمصالحنا المشتركة .على كل حال لم يكن
لنا ان نقنع عبد الناصر بعدم القيام بأعمال تعود بوضوح بالنفع على بلده وحدها دون العودة بالنفع علينا .
بدأنا نشكك في المراحل الولى من علقاتنا معه بأن عبد الناصر يستعين بخبراء غير الذين نوفرهم له ،أي ان
ثقته بنا هي دون المئة بالمئة (.لماذا شرع حسن التهامي إذا يأخذ دروسا لتحسين لغته اللمانية؟) تأكدت شكوكنا
عند ما أ خبر العق يد ال سابق في فر قة أس .اس اللمان ية أو تو شكورز ني م سؤول الوكالة في مدر يد بأن المل حق
العسكري في ال سفارة الم صرية هناك اتصل به طالبا م نه الم ساعدة في تجنيد ضباط المان قد يرون في م صر
مخ بأ منا سبا ل هم يقي هم مطاردي النازي ين ال سابقين .ف هل با ستطاعة الوكالة تقد يم العون ؟ ان نا بالط بع قادرون .
وبمسساعدة أوتسو المذكور اختار ضابسط الوكالة الذي يتعاون مسع الجنرال راينهارد غيلن فسي بولخ [مركسز
المخابرات اللمان ية الغرب ية بالقرب من ميون يخ] ب عض الجنرالت والعقداء وغير هم من الضباط اللمان البلهاء
بح يث يم كن العتماد علي هم لتخر يب الج يش الم صري إلى در جة ل يعود يعرف مع ها طري قة من القاهرة إلى
لفكرة زرع المان متهم ين بجرائم الحرب لدى حكومات شرق أوسطية ح سنات عديدة .ذلك انهم ضد الميركي ين
كما هم ضد ال سوفيات فضلً عن كونهم غالبا معاد ين لل سامية أي ضد ا سرائيل .والواقع ان أكثر هم كانوا ضد
العرب أيضا ولكنهسم يتمتعون بمقدار مسن الذكاء لخفاء ذلك .المهسم انهسم كلهسم انتهازيون نفعيون على اسستعداد
لخدمسة مسن يدفسع لهسم لذلك كانوا على اسستعداد كامسل لتقديسم اي معلومات أردنسا وصسولها إلى أربابهسم الشرق
أو سطيين .كان من ال طبيعي ان نوا جه ب عض ال صعوبة في الح صول على مواف قة لمشار يع تتض من ا ستعمال
النازيين أو النازيين السابقين ولكن الصعوبات اضمحلت عندما اعترف اصدقاؤنا في الموساد في اسرائيل بأنهم
يستخدمون النازيين السابقين في بعض اغراضهم المشينة وللغايات عينها التي استسغنا نحن استعمالهم لجلها .
لعل افضل طريقة للتأثير في موقف رئيس الدولة في أي بلد ،ومنها بلدنا ،هي عبر اشخاص من مجتمعه ومن
جنسيته ودينه وأصوله الثنية له ثقة شخصية بهم .ركز «بوب» في عملياته تلك على اشخاص من ضمن هذه
الت صنيفات في ا ستعانته بالمنجم ين وقارئي ال كف وم ستقرئي الرقام وال سحرة وم ستحضري الرواح والمؤول ين
وغيرهم من المشعوذين .وجدنا اننا لم نحتج ،إل في حالة واحدة أو أثنتين،إلى «زرع» مشعوذين أتينا بهم من
169
خارج بطانة الشخاص المستهدفين ودربناهم على طريقتنا .لقد دلنا استعراض سريع للحكومات التي اخترناها
اهدافا ل نا أن الزعماء المحلي ين الذ ين يعتمدون إلى حد ما على المشعوذ ين هم أك ثر عددا من الذ ين ل يعتمدون
عليهم .ولما كان المشعوذون في خوف دائم من التودية بزبائنهم في التجاه المغلوط (انهم مشعوذون لكنهم ليسوا
بلهاء) ف قد أ سعدهم الح صول على م ساعدتنا .فب ها ي ستطيعون ا ستبدال ابهام هم بمادة صلبة،وب هم ن ستطيع تلق يم
ل عل الرئ يس عبدالنا صر هو وحده ب ين رؤ ساء الدول في افريق يا وآ سيا الذي لم ي عر المشعوذ ين اهتماما كبيرا .
ولكنه كان يستمع باهتمام إلى مساعدية وأصدقائه المقربين الذين يرتاح إلى مجالستهم بعد يوم طويل من العمل
المضنسي .وكان مسن بيسن هؤلء مثلً صسديقه القرب محمسد حسسنين هيكسل الذي باسستطاعته ايصسال «الكلمسة»
الميركيسة له بوضوح واقناع أقوى بكثيسر ممسا اسستطاعه أي مسن النكرات الذيسن شغلوا منصسب سسفير الوليات
المتحدة إبان السنوات الخيرة من حياته وكثيرا ما قلنا مازحين بأن الوليات المتحدة ليست بحاجة إلى سفير لها
في واشن طن طالما ب قي مح مد ح سنين هي كل إلى جا نب عبدالنا صر يجتمع به ساعة أو اثنت ين في ال سبوع يتلو
على م سامعه ما أر سلته واشن طن إلى رئ يس مجمو عة وكالة ال ستخبارات المركز ية في القاهرة .من ال صعب
تسمية محمد حسنين هيكل «عميل لوكالة الستخبارات» .ولكن المعلومات التي كان يقدمها لعبد الناصر لخدمة
تشمل هذه العبارة في أي بلد مختلف أصناف ذوي الهداف والرغبات الشخصية التي تتلءم تلؤما مناسبا مع ما
نبتغ يه والذ ين يمكن هم ،بقل يل من التشج يع والتأي يد،التحول إلى أشخاص أك ثر تأثيرا وفعال ية م ما كانوا عل يه أثناء
وق بل الم ساعدة والتشج يع .ك ما يو جد في أي بلد م ستهدف أشخاص م ستقلون بعمل هم قادورن على نفع نا إذا ما
بأن ما قالوه لنا أو فعلوه أفادنا بمقدار ما أفاد القضية المحلية التي يعتنقون .هؤلء يجب أن ندعهم وشأنهم .ولكن
يو جد في أي بلد أذهان متوقدة بحا جة إلى توج يه وتأي يد ول يهم ها من ا ين يأتيان ها .في أيا مي كان على رئ يس
الفريق في البلد المعني اكتشاف الفضل من بين هؤلء الناس أكانوا في الحكومة أو خارجها (في وسائل العلم
أو الجامعات أو المؤ سسات الدين ية أو في أي مكان قد يكون م نبرا ل هم ) وو ضع ترتيبات ر سمية مع هم لتبادل
الفكار وتقديم المساعدات المالية وغيرها ،وفي حالت قليلة جدا تقديم مكافأة مقابل الخدمة المسداة .
170
فخلفا للتهامات ال تي ت ساق ضد نا م نذ ب ضع سنوات،ان نا ل نملي على ال صحف ما نريد ها ان تن شر ول نو جه
اتحادات العمال في كيف ية ا ستعمال قوت ها ونفوذ ها ول ن صدر تعليمات صريحة للحركات ال سياسية وقادت ها ب ما
علي ها قوله أو فعله .عوضا عن ذلك اختر نا من ب ين هؤلء من ت صرفوا ويت صرفون بطرق تتلءم مع غايات نا
وقدمنا لهم الدعم اللزم كي يستمروا في سلوك نهجهم .وفي سنوات لحقة صارت عمليات وكالة الستخبارات
المركزية ضد حكومة اليندي في تشيلي مثلً ممتازا يدرس في الصفوف .فقد اتهمنا «بشراء» الصحف واتحادات
العمال .ولكن نا لم نف عل .جل ما فعلناه ان نا قدم نا لل صحف الورق الذي حرمت هم الحكو مة م نه،وأم نا لتحادات
العمال طعاما مجانيا بعد ان أقفلت الحكومة مخازن تموينهم .يخطئ خطأً فادحا كل من يظن بأن نا قدمنا لهم ما
القناع :
في بداية عهد الوكالة استعملنا كلمة ارهاب دون ارباك .فالرهاب عوضا عن الغتيال هو ما لجأنا إليه عندما
رغبنا في ثني أي مجموعة أو دولة عن التيان بأي عمل من شأنه تعريض مصالحنا المشروعة للخطر .وجاء
ح صول أي ق تل أو تشو يه صدفة غ ير مق صودة .ثم أخذ نا ن ستبدل كل مة الرهاب بكل مة «القناع» الك ثر لطفا
خصوصا بعد ان تفوق خصومنا علينا في استعمال الرهاب وسيلة للعمل السياسي،واكتشف اخت صاصيونا في
شؤون الدعايسة ان مسا تحمله كلمسة «ارهاب» مسن معان اضافيسة تصسلح فسي حربنسا ضسد الجاسسوسية.ومنسذ ذلك
الكتشاف صار فريق نا يق نع والفر يق ال خر ير هب.أ ما الت عبير اللط يف والرق يق «مقاتلو الحر ية» (المقاتلون في
سبيل الحرية) فلم يظهر إلى الوجود إل بعد مرور بضع سنوات على ذلك .
تعني كلمة «الرهاب» لي اختصاصي بالدعاية أي عمل ينطوي على العنف وتنطبق عليه التحديدين التاليين(:
)1انحراف عسن العراف المقبولة عموما فسي العمال الحربيسة و ( )2شرط ان يكون الفريسق الخسر هسو الذي
انحرف عن تلك العراف.أما بالنسبة لمخططي العمل السياسي أو لمحللي المخابرات فالرهاب عمل يقصد منه
تخو يف العدو ورد عه عن القيام بنشاط مع ين أو ا ستفزازه للقيام بع مل ل عقل ني يخدم اغراض نا ال ستراتيجية.
مثلً على ذلك مسا اتخذناه مسن اجراءات فسي أوروبسا المحتلة ابان الحرب العالميسة الثانيسة حيال المتعاونيسن مسع
اللمان مسن فرنسسيين وهولندييسن وبلجيكييسن.ف قد أثنست الناس عن مجرد التفكيسر بالتعاون معهسم .وإبان النتداب
البريطانسي لفلسسطين اسستعمل الصسهاينة،أي عصسابات شتيرن والرغون الرهاب لتدميسر معنويات البريطانييسن
ولثارة المعارضة في بريطانيا مما أدى في النهاية إلى خروجهم من فلسطين .لم تلجأ وكالة الستخبارات إلى
هذا السلوب إل نادرا منذ العام 1955وحتى مغادرتي الوكالة وشروعي بالعمل الفردي المستقل .وقد استعملته
171
بفعال ية كل ما أرادت إثارة دولة بولي سية ما لضرب شعب ها بطري قة تبرز طبيعت ها المتع سفة فت سهل ل نا عمل نا في
ا ستعيد من و قت إلى آ خر ذكريات أعمالي الماض ية عل ني أج مع موادا أؤلف من ها حكايات أروي ها لحفادي ق بل
الرقاد فأجد نفسي بين انقلبات وتزوير انتخابات وأشكال أكثر عنفا من تبديل أنظمة الحكم وغير ذلك من نشاطات
لجأنا إليها من وقت إلى آخر .إنها في الواقع مواد القصص البوليسية وحكايات الجاسوسية وروايات شد العصاب
التي نشاهدها على شاشة التلفزيون س ناهيك عما يرويه كتاب يساريون من دعاية مناهضة للوكالة وجدت طريقها
إلى الصسحفيين الفضولييسن،هذا فضلً عسن نتائج تحقيقات لجان الكونغرس .أمسا المواد المسسلية والمثيرة مثسل خسبر
بعنوان «:ر جل عض كلبا» تقرأه فسي الجريدة فتح ظى باهتمام أ كبر بكثيسر من الخبار العاد ية ال تي نطالعهسا كسل
يوم.وعلى الرغسم ممسا عندي مسن ذكريات محببسة عسن النقلبات والعمال الجريئة التسي كان لي ضلع فيهسا فإنسي
استعيدها في مخيلتي وكأنها حكايات من الطفولة .على كل حال احتفظنا حتى آخر يوم لي في الوكالة بقدرات على
تنفيذ عمليات الملذ الخير فكنت ألقي بانتظام دروسا في قسم التدريب على كيفية تخطيط وتنفيذ تلك العمليات.
ماذا فعلنا إذا بكل ذلك التطوير للوسائل والساليب؟ أما الجواب فهو اننا سجلنا خلل السنوات العشر أو الخمس
عشرة الخيرة النجاح تلو النجاح .وأعتقد بأنه من النصاف القول أن جميع العمليات التي نفذتها الوكالة بالساليب
والوسائل الواردة جاءت ناجحة برمتها.ولهذا السبب عينه لم تحصل على اعتراف بها داخل الوكالة وخارجها ،في
ح ين ان كوارث نا العديدة ح صلت على الشهرة والتمج يد في الدا خل على النتشار العل مي الوا سع في الخارج .
وباعتبارنا نعمل في الخفاء كنا نتمنى عدم الحصول على الشهرة والتمجيد،ونسعد بالحصول على الميزانية اللزمة
إن العمليات التي شرعنا بها بين عامي 1955و 1957تعامل حتى اليوم على انها سرية ولكنني استطيع ان أبوح
يتم يز بالكمال هو تعريفا ع مل ل يتخلله الحدث .ذلك لن ل ش يء يحدث خلله .إ نه ترت يب م ستمر ول يس عمل ية
متسلسلة كما انه ليس سلسلة من العمال تبدأ من نقطة انطلق وتصل إلى نهاية .إن العمليات التي وصفتها أعله
تحست عنوان« :قدرات الملذ الخيسر» قسد تكون شواذا عسن القاعسد ولكنهسا (تعريفا أيضا) لن تكون مطلقا كاملة
الصفات.
قلت سابقا ان العمل الول الذي قام به أركان العمل السياسي كان وضع قائمة بأسماء الدول حيث توجد مواد أو
مواقع ضرورية كليا لبقائنا ورفاهيتنا كالمواد الولية وأماكن تصلح لقامة مواقع عسكرية أو بحرية ملئمة في حال
172
قيام حرب أو مناطق يسهل اجتيازها لتقصير طرق تنقل الجيوش والمدادات .أذكر ان القائمة شملت بعضا وثلثين
دولة ومنطقة (حسبنا ما يسمى العالم العربي منطقة جرافية واحدة) تتناسب مع حاجاتنا.
خلل السنتين اللتين قضيتهما بالعمل الجدي كاختصاصي بالعمل السياسي أرسلت الوكالة إلى الخارج أكثر من
فئة من مختلف الخت صاصات ودر بت عددا مماثلً ،أو اك ثر ،من المحلي ين الكفوئ ين في البلدان الم ستهدفة .و قع
ل لنهم أظهروا مواهب واضحة في مجالت عملهم وثانيا ،ثانيا فقط ،باعتبار انهم قد يكونوا في
الختيار عليهم أو ً
المستقبل عملء يمكن التكال عليهم .وفي الوقت نفسه اتخذ رؤساء مراكزنا في تلك البلدان اجراءات مفيدة للفريقين
مسع الشرطسة المحليسة ودوائر المسن وبعسض الصسحف والمجلت المختارة والتحادات العماليسة والمنظمات الدينيسة
وغيرها من المنظمات وأبقوا تلك الجراءات سرية ليس لوجود أي عنصر غير قانوني أول أخلقي في النشاطات
كم أتمنى لو أستطعت القول بأن الوضاع لم تفلت من ايدينا قبل مغادرتي الوكالة .فالواقع المؤسف هو أن زمام
المور أفلت في العالم كله وبات على الوكالة القيام بأعمال تفوق مجرد ض بط الوضاع في البلدان ال يت تو جد في ها
مواد حيو ية من أ جل سلمتنا ورفاهيت نا .في الوكالة نف سها ظ هر الم يل البيروقرا طي ال طبيعي باتجاه التو سع.فراح
رؤ ساء الق سام يقيمون ل ها فروعا في بلدان لم ن كن بحا جة إلى تغطيت ها.ولدى و صول رؤ ساء الفروع إلى مرا كز
عملهم الجددة لم يكتفوا بفرك الكف والنتظار بل راحوا يعملون بجد واجتهاد لقناع أنفسهم ولقناعنا في واشنطن
بأن المنا طق ال يت عينوا في ها بؤرة للع مل ال سياسي الذي إذا لم يو ضع له حد سيتفشى إلى البلدان المجاورة الواردة
على قائمتنا.
ليس هذا جزءا من تفسير أسباب نمو وكالة الستخبارات المركزية من وحدة حكومية سهلة الدارة تقدم خدمات
لتقدر بثمن ،إلى امبراطورية واسعة أصبحت بفعل ضخامتها وتعدد نشاطاتها هدفا للستخبارات السوفياتية أولً ثم
«لبلهائها النافعين» من الدباء والمفكرين الميركيين وأخيرا لعضاء الكونغرس وغيرهم ممن لهم الحق المشروع
بالهتمام ببعض نشاطاتها.وبصرف النظر عن:من هو المسؤول ،الوكالة نفسها أم أعداؤها ،فإنه لمن الواضح للفرد
وللجم يع ان الوكالة وماا ستحالت إل يه في أوا خر الثمانينات تختلف كليا عن ذلك الق سم من المؤ سسة المتق نة المرك بة
بحكمة وذكاء الذي كان لي فيه دور في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات.لقد استمر هذا القسم بالذات يعمل بنجاح
ح تى انت هى أمره في الهج مة والحملة على الوكالة في ال سبعينات .إن جم يع الذ ين يشاطرون ني ذكريا تي عن وكالة
ال ستخبارات المركز ية ونشاطات ها الولى ح سب ارشادات مجلس ال من القو مي المختل فة سيوافقون على ان بذور
173
ايران وغواتيمال1953 :
في ما ك نت أ ستعد في اوائل 1953للشروع بعملي الجد يد م ستشارا اداريا في م صر ساد سكوت م ستغرب في
القسام التي تتعاطى مع الشؤون المصرية في وكالة الستخبارات المركزية .وفجأة لم يعد بالمكان التصال بس
كيم روزفلت أو بفرانك وايسنر أو بآلن دالس للبحث بقضايا تلك المنطقة من العالم التي شغلت لعدة أشهر المرتبة
الولى من اهتمامهم .وفي صبيحة أحد اليام دعاني كيم إلى مكتبه ليسر السبب في أذني.يبدو أنه خلل السابيع
القليلة السابقة قام نقاش حاد على مستوى سياسي مرتفع بين الحكومتين البريطانية والميركية حول ما يجب فعله
بشأن امكانية قيام ذلك المخادع العجوز محمد مصدق ،رئيس وزراء ايران ،بانقلب على الشاه وبتأميم شركة
الن فط البريطان ية اليران ية ،والتحول بالتالي إلى عق بة في و جه مخططات الوز ير دالس بإقا مة«الحزام الشمالي»
بعسد تبادل التحيات قال كيسم «:يؤسسفني ان أؤخسر سسفرك إلى مصسر ،فالحاجسة تدعسو لن تقوم ببعسض
الستكشافات».كان علي ان اذهب إلى ايران للحصول على اجوبة عن أربعة أو خمسة أسئلة يمكن اختصارها
بسؤال واحد :هل نستطيع أو هل ينبغي لنا القيام بعمل سياسي لدعم الشاه ولتشويه سمعة مصدق ومنع مؤيديه
من القيام ب ما خش يت وزار تا الخارج ية البريطان ية والميرك ية من قيام هم به؟جاءت تحريا تي حول أ سئلة ك يم
باجو بة أعتبر ها موثو قة .ن عم ،ن حن بحا جة إلى ع مل سياسي غ ير عادي في ايران لحما ية الم صالح الميرك ية
والبريطان ية هناك.أما الغاية من العمل السياسي فيجب أن تكون ازاحة مصدق من الحكم وجعله أضحوكة ب ين
الناس،وزج كبار مؤيديه في السجون واعطاء افضل الشاه أي مساعدة قد يحتاج إليها للنطلق ببرنامج علقات
عامة يظهر للشعب اليراني دقة المأزق الذي مروا به وخطورته ،وكم كان حظهم كبيرا لخروجهم منه.
بدأت تحرياي في مك تب ايران في وكالة ال ستخبارات وردي فه في وزارة الخارج ية ح يث ح صلت على نتائج
ممتازة ،ذلك أن أكثريسة الموظفيسن فسي كليهمسا سسبق لهسم ان خدموا فسي ايران ويعرفون جيدا.وفسي ايران نفسسها
وجدت أن كبار المسؤولين في السفارة وفي مركز الوكالة اختصاصيون ذو كفاءة بشؤون المنطقة وأوضاعها،ل
مجرد دبلوماسيين محترفين يعدون اليام التي تفصلهم عن النتقال إلى مركز أعلى في دولة ما من دول أوروبا
الغربية.فكان هناك السفير هندرسون وهو صديق شخصي للن دالس وكيم روزفلت والب الروحي لجميع قدماء
الموظفين الذين اشتغلوا في بلدان الشرق الوسط.وتعرفت على أربعة من كبار موظفي السفارة النظاميين يتقنون
174
الكلم بالفارسسية ،يتحلون بالشجاعسة الكافيسة لينزلوا إلى الشوارع ويتحسسسوا بمشاعسر مختلف طبقات المجتمسع
حيال الوضاع.
من صب وز ير الدفاع في ايطال يا مرة واحدة أيضا .أ ما هو فضا بط مخابرات ممتاز يت قن اللغات الثلث.ونائ به
(أستطيع الكشف عن هويته باعتبار انه أماط اللثام عنها منذ سنوات عديدة) :جون واللر ،الذي مضى يترقى حتى
بلغ من صب مف تش عام الوكالة قب يل تقاعدة و في الو قت الذي م ست حا جة الوكالة إلى مف تش عام اي عند ما كان
ال سناتو /فرا نك تشير تش وغيره في أوج حملت هم الم سعورة على الوكالة س أ من لي هؤلء جميعا الزاد الكا في
للجا بة عن كل أ سئلة ك يم ومن ها آخر ها :إذا ما أيد نا انقلبا شبيها بذاك الذي ساعدت في التحر يض عل يه في
دم شق،فإلى ا ين تراه يؤدي ب نا؟بكلم آ خر هل نتن جح العمل ية وماذا سيترتب علي ها؟ أج بت بن عم،ان ها ستنجح
و ستكون نتيجت ها ملئ مة ل نا عن الميركي ين وللبريطاني ين ولليراني ين كذلك ،شرط ان يكون الشاه حكيما وحذرا
في تثبيت موقفه المستعاد وال تصعد خمرة التفاؤل إلى راسه.
وعند عودي إلى واشنطن أراد مني كيم اسداء أي نصيحة يمكنني أسداؤها عن كيفية اجراء النقلب س إن كان
سيحدث انقلب حقا للحصول على بعض المساعدة في الجابة عن هذا السؤال اتصلت بما يسميه موظفو قسم
ايران «وكالة ال ستخبارات المركز ية الحقيق ية» أو «وكالة ال ستخبارات دا خل وكالة ال ستخبارات» و هي وحدة
صغيرة ترأسها زوجة موظف التصالت اللسلكية الملقبة «سيدة القطط» .أظن بأنني أول من كتب عنها وعن
وحدتها ليس فقط لقلة عدد الذين يعلمون بوجودها إن داخل أو خارج الوكالة،بل ربما لن لها وسائلها الخاصة
أطلعني كيم على وجود سيدة القطط فيما كنت على وشك السفر إلى طهران وحذرني من القتراب منها.ولكنه
بدل رأ يه عند ما تذ كر بأن ها هي وحد ها على ات صال م جد «بالخ طط .و هم مجمو عة من المرتد ين الميركي ين
المتحدريسن مسن أصسل ايرانسي (فرس ،بلوخيون ،أكراد ،تركمان ،الخ) .جاءوا بحثا عسن عمسل مسع المقاوليسن
الميركي ين ،اضا فة إلى «عمال قة الزركا نة» و هم مجمو عة من الرباع ين الذ ين تد عو الحا جة إلي هم في قيادة
المظاهرات المأجورة وال سيطرة علي ها س ك ما حدث مرة عند ما كا نت الجماه ير تنادي «يع يش م صدق والموت
للشاه» فحولوا النداءات إلى «الموت لمصدق .يعيش الشاه» .وأخبرني كيم ان من مواهبها الشخصية القدرة على
التظا هر بأن ال سكر يتعتع ها في ح ين تكون صاحية و صافية الذ هن ،أو ان ها تج هل الفار سية واللهجات اليران ية
الخرى علما بانها نشأت وترعرت في تبريز /وتتقنها كلها مثل أهل البلد.
175
لح ظت عند ما رأيت ها للمرة الولى ان شكل ها يو حي ب ما لي ست عل يه،ذلك ان ها و قد جاوزت الربع ين تبدو في
العشرينات من عمرها وعلى نوع مستغرب من الجاذب .ل بد انها أدركت أن اليرانيين يعتبرون النساء اللواتي
يتمت عن بجاذب جن سي خاليات من الع قل،فجعلت ت سريحة شعر ها ال سود الطو يل كع كة تلف ها في مؤخرة رأ سها
واختارت نظارة غليظة الطار واعتمدت الثياب السوداء ،ولم تنس مطلقا ارتداء الشادور خارج البيت تستر به
وجه ها .مظهر ها العام يو جي بأن ها من اليرانيات المطالبات بحقوق المراة سبق ل ها أن ق ضت سنة في كل ية
بيتها كوخ قريب من السفارة الميركية «يشكل جزءا من ملبسها» حسب وصف كيم وهو في الواقع كذلك .انه
يعج بالقطط والطفال الصاخبين،منه تنبعث أقرف الروائح وفيه يعلو الصراخ حتى ليكاد يستحيل تبادل الحاديث
العادية«.الملئكة الصغار» ،كما تسمهيم يلعبون في الغرفة المجاورة لعبة الطبيب .وفجأة انبعث زعيق جمد الدم
في عرو قي عل قت عل يه سيدة الق طط قائلة «:ل بد ان ضج يج الطفال يرت فع كثيرا في ب عض الحيان ،فل تأ به
ب هم».ول ما هدأ ال صراخ والزع يق و حل ال سكوت في الب يت ،قالت « :من الف ضل ان أرى ما هم عل يه».أ ما ما
كانوا عليه فكان ان هم قطعوا هرة ح ية بالمنشار إلى قطعت ين.ذلك ما شاهد ته بام الع ين عندما خرج كبيرهم و هو
في قرا بة العاشرة من الع مر يح مل ب كل يد ن صف الهرة المنشورة .اشعلت ال سيدة سيجارة وقالت له بهدوء :
حصل ذلك الجتماع صبيحة اليوم الثالث لو صولي طهران ،أي ب عد عثورها علي ذلك انها لو لم تع ثر علي لما
اسستطعت العثور عليهسا لن احدا فسي السسفارة لم يجرؤ على العتراف بانسه يعرفهسا ناهيسك عسن ارشادي إلى
منزلها.عندما علمت هي بوجودي،ولعل ذلك صدفة بواسطة زوجها،أرسلت لي سيارة السرة ،تلك الفولكسفاغن
المهلهلة التي أقلتني إلى بيتها حيث تناولنا قدحا من الشاي المنعنع وشاهدت ضحية لعبة «الجراح البيطري».ثم
قمنا بجولة في المدينة،فإذا بها تعرف كل شارع وطريق وزاروب وزقاق وزاوية ومنعطف فيها.
قض يت صبيحة ذلك النهار اتعرف بم ساعدتها طبعا إلى الهداف الوا جب التح كم ب ها على كل من يقوم بانقلب
(كالذاعة والمحطات الكهربائية الرئيسية ونقاط التحكم الساسية في شبكة الهاتف،ومنزل رئيس الوزراء مصدق
ومنازل غيره من الشخصيات الواردة اسماؤهم في قائمة المطلوبين ،الخ) .ثم أخذت أرسم الطرق التي ستسلكها
قطعان المتظاهرين والتقاطعات حيث يحدث ازدحام السير والمخارج التي تلجأ إليها الشرطة عندما تدعو الحاجة
استغرقت استطلعاتي هذه طيلة قبل الظهر وعند الساعة الواحدة قالت كأثي (كاثرين ل أعرف ماذا هو اسمها
الحقيقي)« :حان وقت الغداء» قادنا سائق سيارتها إلى نسخة فارسية عن المطاعم التي يرتادها سائقو الشاحنات
176
في أميركا .كان المطعم مليئا «بالقطط البشرية» التي أشرت إليها في فقرة أعله .قالت كاثي «:هؤلء محترفون
وليسوا مسيسين اطلقا وسيكون العم كيم بحاجة إليهم مهما كان نوع النقلب الذي يخامره».تبين لي من حديثي
العابر مع البعض منهم أن جمع جمهور يكفي للقيام بانقلب مؤيد للشاه ليس قضية صعبة وان «القوى القومية»
ال تي يك ثر التخوف من ها لن تش كل عائقا في طر يق النقلب .وا ستطعت كذلك تكو ين صورة ل بأس ب ها عن
«الشعسب» اليرانسي وعسن شعوره تجاه الشاه ومصسدق وشركات النفسط الجنبيسة .ولمسا عدت إلى واشنطسن كان
التقرير الذي رفعته إلى كيم كل ما احتاج إليه لقناع الخوين دالس بوجوب القدام على «عملية اجاكس» اضافة
ل بد لي هنا من تصحيح بعض ما ورد في الكثير من الكتب والمقالت التي اعتبرتني «العبقرية الكامنة وراء
عملية اجاكس» أو «الدماغ الذي يحرك كيرمت (كيم) روزفلت أو ما قاله البعض بطرق مختلفة من أن العملية
ما كا نت لتن جح «لول التخط يط والعداد الممتاز ين» اللذ ين ق مت به ما .ب عد نجاح العمل ية ببض عة أيام قال الشاه
وهو يتبادل النخاب مع كيم في القصر الشاهاني «:انني مدين بعرشي إلى ال وإلى ش عبي وإلى جي شي وإليك
وبالط بع إلى م ساعدك الم ستتر الذي لن أذ كر ا سمه» .وعند ما علق الرئ يس ايزنهاور و سام ال من القو مي على
صدر كيم،قال الخير بتواضعه المميز« :الحق انني ل استحق ذلك .نحن مدينون إلى أحد مساعدي الذي يفضل
الواقع ان الفضل كله يعود الى كيم في صيروره عملية اجاكس نموذجا حيا لعملية العمل السياسي الكاملة .ف قد
ا ستعملت عنا صر من دا خل البلد وفعلت مشا عر وقوى محل ية ل ستنهاضها .تضم نت العمل ية ال سيطرة على
الج يش واعادة توج يه ا ستهدافاته يش كل اك ثر فعال ية من أي ع مل آ خر ق مت به ،واقا مة توازن بالغ التفاق ب ين
القوة العسكرية وبين التأييد الشعبي .والواقع ان جميع الجراءات الروتينية قد اتخذت حسب الخطط المرسومة
(ال ستيلء على الذا عة وق طع الت صالت الهاتف ية،ألخ ).ول كن العمل ية سارت ب سلسة لم ت كن لت ستدعي تلك
الجراءات و مع ذلك كله كل فت الشعب الميركي أ قل من مليون دولر علما بأ نه رصد ل ها ثل ثة ملي ين .يب قى
ال هم من ذلك كله ان ها نج حت على المدى البع يد مثل ما نج حت على المدى القر يب .ف قد ب قي الشاه على عر شه
عشرين سنة أخرى استمتع خللها شعبه ببحبوحة لم يشهدها من قبل س مع العتراف بالطبع بأن الشعب تحمل
الحباطات والتوترات مثله مثسل اي شعسب آخسر يسسير نحسو التعصسرن بسسرعة تفوق مسا تقوى التقاليسد اسستيعابه
.انت هى كل ذلك بعد ما تحولت الحكو مة الميرك ية إلى سياسات تش به جدا ما د عا إل يه المفكرون الي ساريون و ما
177
لماذا إذا وا ستيائي وا ستياء المهني ين الخر ين من وكالة ال ستخبارات المركز ية ر غم كل ما حقق ته من نجاح ؟
المؤ سف ان الموظف ين الجدد ،والموظف ين القدا مى الذ ين أع يد تدريب هم ل بد تعلموا شيئا أو اثن ين م ما تعلموه في
غرف الدراسة عن وكالة الستخبارات .ولكن السادة رؤساءنا لم يتعلموا شيئا بل فاتتهم كل مقاصدها .لقد كانت
في الوا قع الف صل الخ ير في حكا ية المدن ية ك ما عرفنا ها ،و في الو قت نف سه الف صل الول في حكا ية وكالة
استخبارات مركزية معسكرة التنظيم وبيروقراطية الغايات ل اشعر بأن لي فيها مكانا فقد راحت تنافس البنتاغون
من حيث ضخامة الحجم وعدد الموظفين وضحالة كفاءتهم المهنية أدى ذلك إلى استقالة كيم روزفلت واستقالتي
أ نا وإلى اتكال الحكو مة الميرك ية على قوى خارج الوكالة لتحق يق ما ظن نا ان ارشادات مجلس ال من القو مي
ترمي إليه.
الوا قع هو ان ما جاء في أعقاب عمل ية اجا كس،ول يس العمل ية ب حد ذات ها ،هو الذي خ يب آمال نا ن حن الثن ين
.وبالتحد يد كا نت عمل ية غواتيمال هي ال سبب ،وبتحد يد أك ثر هو ان كبار م سؤولي الدولة وكبار العامل ين في
الوكالة مسن ذوي التوجهات العسسكرية الطابسع اعتسبروا عمليسة اجاكسس على انهسا جاءت بالسسوابق لنجاح عمليسة
غواتيمال .وإذا كا نت اجا كس قد تلء مت مع جم يع موا صفات عمل ية تحرك سياسي مثال ية،ف قد تلء مت عمل ية
غواتيمال مع جم يع موا صفات بنائي ال مبراطوريات دا خل وكالة ال ستخبارات المركز ية نف سها وفوق ها كذلك
.وليس في اذهان هؤلء البنائين سوى اعتبارات «لعبتهم» الداخلية والبيروقراطية .
دعوني أوضح الموضوع على النحو التالي :كا نت وكالة الستبخارات المركز ية يوم ولدت في مخيلة مؤسسيها
منظ مة تش به جدا الورك سترا ال سمفونية أو فر يق كرة القدم ح يث ل كل وا حد من أفراد ها الكفاءة الرفي عة في
اختصاصه كما انه يسعى باستمرار لبذل أفضل مجهوده لها وضمنها س تماما مثل المسؤولين عن مكتب ايران
في واشنطن والمسؤولين في سفارتنا في طهران وقد زرت الفريقين ،كما مر معنا،قبل الشروع بعملية اجاكس .
ولكن تحولنا سريعا إلى البيروقراطية (وقد أدركت الن ان هذا أمر محتوم) حيث اضحى موظفونا يتنافسون فيما
بين هم على المرا كز دا خل الوكالة .أنع كس مختلف «اللعاب الشخ صية» دا خل اللع بة البيروقراط ية ال تي را حت
الوكالة تنا فس في ها سائر الوكالت الحكوم ية للح صول على ميزانيات أض خم وعدد أ كبر من الموظف ين والمز يد
من التقدير على الصعيد الوطني .لقد حملتنا طموحاتنا البيروقراطية إلى تلك المجالت عينها التي ينبغي على أي
لن أحمسل القراء وزر حكايسة أخرى مسن حكايات عمليسة غواتيمال التسي نشسر منهسا الكثيسر مسن عشرات الكتسب
والمقالت من ها ما ف يه ب عض ال صحة ومن ها ما يفت قر إلي ها .بل أكت في بالقول بأن ني وط ني الشعور والولء مئة
178
بالمئة وبأن ني رأ سمالي مئة بالمئة وبأن ني أؤ من بأ سلوب الحياة المير كي وبأ سلوب الديمقراط ية المير كي س
لنفسي وللميركيين وان كنت أشكك بملءمته للحضارات العديدة التي تعاملت معها .ومع ذلك وبمثل هذا الموقف
اليديولوجي،وعلى الرغم من عدم علقتي بعملية غواتيمال فإنني اعتبرها اهانة وطنية كان من شأنها في نهاية
المطاف،وان لم يكسن بشكسل فوري آنذاك عام ،1955إنزال السسخط على وكالة السستخبارات المركزيسة وعلى
إل اننسي لم أر أي دليسل يشيسر إلى ان الذيسن شغلوا مناصسب القيادة فيهسا سسعوا للبروز أو كانوا غيسر شرفاء بأي
شكل من الشكال .ولكن السوأ من ذلك انهم برهنوا عن بلهة س أو ان سذاجة تصرفهم في مناصب تستدعي
أولً س انها نتيجة تحريض الوكالة من قبل شركة يونايتد فروت وهي شركة رفضت شركة بوز آلن اندهملتن
المختصة بالستشارات الدارية التعامل معها .وقد دلت تحريات بوز آلن الولية ان كبار المدراء التنفيذيين في
شركة يونايتد فروت كانوا ليعتبروا من طراز قديم ل يصلح اشراكهم في روايات تشارلز ديكنز،وعلى انخفاض
في م ستوى الذكاء ل يقوون م عه على ف هم تو صيات بوز آلن لو ان ها قد مت ل هم .في الوا قع ان قول مهاج مي
وكالة الستخبارات المركزية بأن مسؤولي شركة يونايتد فروت «تستغل السكان المحليين » قول ملطف جدا ذلك
أن الشركة خربت بيوت الهالي ودمرت اقتصاد غواتيمال .وبالمقارنة معهم يبدوا مدراء شركة النفط البريطانية
اليرانية كأنهم خريجو كليات ادارة العمال في جامعة هارفرد أو ستانفورد .
ثانيا س أعتمد مدراء الشركة في تعاطيهم مع حكومة غواتيمال ليس فقط على التعسف بل اعتمدوه مقرونا بانعدام
الشرف .سبق ان صفحت عن ب عض التجاوزات الرأ سمالية ول كن مدراء شر كة يوناي تد فروت على در جة من
انعدام الشرف المفضوح الذي ل يطاق بح يث ان الكاذ يب ال تي اختلقو ها ونقلو ها للم سؤولين في غواتيمال (ولم
ي كن هؤلء من خل صة النزا هة) هي في الوا قع عبارة عن مجمو عة اهانات وشتائم ل يحتمل ها أ حد .فعند ما
اسستملكت حكومسة غواتيمال،مثلً،مسساحات واسسعة مسن اراضسي الشركسة التسي لم تكسن (الشركسة) فسي وارد
استعمالها،عرضت الحكومة ثمنا لها المبلغ الذي أوردته الشركة رسميا في سجلتها ولكن الشركة طالبت بضعفيه
متذر عة ب كل صفاقة ان ها أوردت ذلك الث من ف قط «لغراض ضرائب ية» وا نه ا سلوب معترف به في كل مكان
ثالثا س كا نت الشر كة أ حد زبائن مك تب محاماة سليفن ا ند كرومو يل الذي يمل كه الخوان دالس ،ك ما كان ل كل
وا حد تقريبا من كبار موظ في الحكو مة الميرك ية الذ ين ل هم اي صلة بعمل ية غواتيمال عل قة مال ية بالشر كة س
179
ومنهم مساعد وزير الخارجية لشؤون الدول الميركية،ومدير شؤون المن في وزارة الخارجية،ووزير التجارة
وح تى نائب وز ير التجارة وح تى نائب وز ير الخارج ية الجنرال بيدل سميث الذي صار في ما ب عد أ حد أعضاء
مجلس ادارة الشركسة ممسا سساعد الذيسن يهاجمون الوكالة على القول بأن تعيينسه فسي المجلس كان مكافأة له على
الخدمات التي قدمها للشركة من أجل انجاح عملية غواتيمال .ولكن الصدمة التي جاءتني من ذلك ان أحدا من
هؤلء السادة الكرام لم يفقه مدى تأثير علقاته تلك في جعل العملية هدفا لدعاية المخابرات السوفياتية،والحكومة
الميركية ووكالة الستخبارات هدفا لهجمات «الغبياء المفيدين» من بين المفكرين الميركيين ،وفي إثارة عداوة
الذكياء والوطنيين من الميركيين الذين بدأ الشك يرقى إلى قلوبهم حول «المستوى الخلقي الرفيع» الذي ما
رابعاس فيما نستعيد ذكريات تلك العملية بعد مرور أكثر من ثلثين سنة عليها نرى انها كانت شبه عسكرية من
الصسنف الذي لم يكسن لوكالة السستخبارات شأن فسي التدخسل بهسا،عمليسة كان ل بسد مسن ان تقودنسا إلى «عمليات
مكشوفة س مخفية» قادتنا بعد ثلثين سنة إلى نيكاراغوا وتضمنت خرقا لكل مبادئ العمل الخفي ،حتى إلى وقت
عملية اجاكس .ولكن عندما تورطت وكالة الستخبارات المركزية في حرب كوريا وبعدها في فيتنام جاء اجلها
.وراحت تعتمد على مهووسين من البنتاغون يتصرفون على هواهم .ل شك انهم مقاتلون ممتازون في الحروب
ال سرية غ ير المعل نة .ول كن تلك الحروب تخاض ضد حكو مة أو ضد قوات ها الع سكرية بقوى من خارج البلد،
* وغرضها في الصل دحر العدو لزالة زبانيته أو تحويله إلى قيمة مفيدة.
أوردت فسي صسفحات سسابقة كيسف يلعسب الزعماء والفاعلون فسي مجتمسع مسا ثلث لعبات فسي آن معا (اللعبسة
الشخصية،واللعبة المحلية واللعبة الدولية س ولعبة رابعة في بعض الحيان هي اللعبة البيروقراطية)،وكيف يمكن
لشخص ذكي أو لوكالة أو لحزب سياسي أو حتى دولة تتحلى بالذكاء أن ينغمس الواحد منهم في تداخلت اللعبة
مل حظسة :تجدر ال شارة إلى ان المقصسود بتسسمية «حزب ال»س فسي ايران آنذاك هسي منظمسة «فدائيان *
إ سل م» بقيادة صفوي وزعامة آية ال سال سيد أبو القا سم الكاشاني،والتي وقفت إلى جانب حكومة الدكتور محمد
مصدق.
180
لنأ خذ مثلً رئ يس أي شر كة كبرى يب شر باجراءات في الشر كة تترك انطباعا طيبا في نفوس الم ساهمين خلل
ال سنة الجار ية،علما بأ نه يعرف أن اجراءا ته تلك ستؤدي إلى مشا كل ها مة ب عد ع شر سنوات س وب عد ع شر
سنوات نراه يستمتع بدفء أشعة الشمس بالقرب من حوض السباحة في حديقة بيتة بينما يشقى شخص آخر وراء
مكتبه السابق في مواجهة المساهمين.ولننظر أيضا إلى هؤلء القادة ال سوفيات،هم ليسوا بأ غبياء،ف قد تأكدوا منذ
زمن بعيد من أن الشيوعية ل تؤدي إلى الغاية المنشودة،ومع ذلك فهم ل يستطيعون التخلص منها لنها هي التي
أو صلتهم إلى مراكز هم ومنا صبهم ولن هم سيسقطون ضحا يا اللع بة البيروقراط ية ان هم لم يتم سكوا وي ستمروا
ب ها.ولنن ظر كذلك إلى رئ يس الجمهور ية في الوليات المتحدة الذي أعطا نا الزدهار بإغراق نا في ديون تكاد ل
تحصيها الرقام ونال هو الشعبية العارمة،هذا مع علمه بأن رئيسا ما في السمتقبل،غيره هو،سيشقى سعيا لتسديد
تلك الديون.
دعو نا نل قي نظرة من ه نا على العوا مل ال تي سارت بوكالة ال ستخبارات المركز ية في انزلق ها ن حو الهاو ية
.بدأت الوكالة العمل في أيام رئاسة هاري تروبن ومهمتها انباؤه بما يجب ان يعرفة من اجل حل مشاكل البلد
على رق عة اللع بة الدول ية.ول كن الرئ يس ترو من،ذلك الر جل الب سيط و«انموذج المير كي العادي»،لم ي كن ضليعا
في الشؤون الدولية،فكان على وكالة الستخبارات ليس فقط إرشاده إلى وسائل حل مشاكله بل أيضا تعريفه بتلك
المشا كل،اع تبر الرئ يس ان ال سوفيات م صممون على غزو العالم وان هم ينوون تحق يق نوايا هم بأ ساليب تتعارض
مسع اتفاقيات جنيسف.لذلك أجاز سسلسلة مسن التوجيهات صسدرت عسن مجلس المسن القومسي وخولت وكالة
الستخبارات المركزية ،وهي أصلً هيئة لجمع المعلومات،بالتمدد إلى مجال العمليات الخفية الشبيهة بما اعتبره
ثم جاءت ازمة كوريا وحربها التي أدخلت إلى الوكالة اشخاصا ذوي صفة شبه عسكرية .وتلتها عملية اجاكس
وعمل ية غواتيمال فكا نت بدا ية النها ية.وال سوأ من ذلك ان نا بدأنانأ تي إلى سدة الح كم برؤ ساء اع تبروا بأن هم
يعرفون ما هي المشاكل اليت توجههم،أو ابتهجوا بالحصول على تفسيرات لها ليس من خلل اسرة الستخبارات
بسل على أيدي اختصساصيين فسي العثور على حلول .إن الذيسن قرأوا بإمعان مسا كتبتسه حتسى الن يدركون ان
الشخاص والمنظمات المختصسسين بالعثور على الحلول ينزعون إلى العثور على مشاكسسل جديدة وإلى اعادة
لم ي مض و قت طو يل ح تى صارت الوكالة ت مد الب يت الب يض بالمعلومات ال تي يطلب ها ،ل بتلك ال تي يحتاج ها
.بكلم آخسر راحست الوكالة تتحرى عدد الفرق العسسكرية وتغرس الدبابيسس الملونسة فسي الخرائط وتجمسع مسن
المعلومات ما اع تبر الب يت الب يض ا نه بحا جة إلي ها ا ستعدادا لدرء حروب لم ي كن ال سوفيات بوارد خوض ها أو
181
شنها والسوأ من ذلك ان البيت البيض اندفع في اجراءاته هذه دون تفهم ولو بدئي للستراتيجية التي اختارها
ال سوفيات لنف سهم .وقا مو بممار ستها ،فا ستحال ع مل الوكالة في أوا خر الخم سينات جمعا لمعلومات تتلءم مع
استراتيجيا افترض مخططونا العسكريون مسبقا بأن السوفيات قد تبنوها.طبعا كان هؤلء المخططون أشد الناس
نفوذا في الحكومة الميركية لن ميزانية البنتاغون أضخم من ميزانية أي وزارة أو هيئة في الدولة فكان بالتالي
على أ هل البنتاغون تبرير ضخامت ها.لم يتو قف فرع وكالة ال ستخبارات المركز ية المخ تص برو سيا ال سوفياتية
عن التيان بمعلومات ممتازة تشيسر إلى ان السستراتيجيين السسوفيات حصسروا تفكيرهسم آنذاك بنوع مسن الحرب
الباردة ل صلة ل ها بحرب نووية ول بحرب تقليد ية .ووجدت تلك المعلومات طريق ها من سلة البر يد الوارد إلى
المسؤولين المختصين إلى سلة البريد الخارج دون ان تثير ولو شرارة اهتمام واحدة.
تحولت وكالة السستخبارات المركزيسة إلى وكالة تنعسم بميزانيسة كسبيرة باتست الحلول فيهسا تأتسي فسي المرتبسة
الولى.فأخذت على عاتق ها عدة عمليات ش به ع سكرية و جب ان تكون من م سؤولية البنتاغون .ثم را حت تقوم
بعمليات عسسكرية فسي جوهرهسا سس كغيرهسا مسن العمليات العسسكرية تتطلب اعدادا كسبيرة مسن الرجال وكميات
ضخمة من المعدات ومبالغ طائلة من الموال .وأخيرا أخذت تبحث عن مشاكل ل تستدعي الكثير من الذكاء إنما
المعلومات بالوسسائل التقنيسة اللبشريسة يأتسي بمعلومات واقعيسة دقيقسة،بينمسا تشوب بواطسن الضعسف البشري
المعلومات التي يجنيها الجواسيس العاديون .قلنا له :حسنا،اننا نعلم كل شيء عن الجواسيس ولسنا بحا جة لن
تخبر نا بنقاط ضعف هم .ول كن معدا تك التقن ية ل ت ستطيع قراءة الفكار ول ت ستطيع ان تخبر نا بش يء عن الدوا فع
والنوا يا والشخ صية (ه نا تد خل اللع بة الشخ صية) والعوا مل الخرى ذات التأث ير في ر سم الخ طط وال سياسات.
وعند ما تحلل ،ابتداء من الحا ضر ورجوعا إلى الما ضي ،المعلومات الواقع ية الواردة من اجهز تك التقن ية فإ نك
ترتكب خطأ الفتراض بان العقليات التي رسمت تلك الخطط والسياسات إنما هي مثل عقلياتنا نحن الميركيين،
فل ي سعك إذا بالو سائل التقن ية اكت ساب تف هم للخ صائص الحضار ية ال تي تؤ ثر في القرار الذي يحاول الش خص
المستهدف اتخاذه.
ما زلت أذكر بوضوح إلم تحولت وكالة الستخبارات المركزية خلل الفترة الواقعية بني 1955و ،1957وكيف
أخسذ يدب فسي نفوس رؤسساء المكاتسب القليميسة والعامليسن فسي المواقسع والمحطات خارج البلد الشعور بأننسا
مواطنون من الدر جة الثان ية .فات ني أن أذ كر ا نه حدث آنذاك فرار جا سوس إلى المع سكر ال خر ونج حت أحدى
عمليات الختراق فسي مجال السستخبارات.دعينسا إلى مكتسب المديسر لجتماعات دامست يوميسن ،فكانست وكالة
الستخبارات التي شاهدناها قبيل عيد الميلد لعام 1956مختلفة كليا عن تلك التي أسسناها قبل عشر سنوات .
182
وبالمقارنة مثلً ،كان آلن دالس بالنسبة إلى دك بيسل مثل طبيب الضاحية بالنسبة إلى بحاثة في علوم الطب،علما
بان لكل منهما بالطبع سيئاته وحسناته .ولكونهما مصدري اللهام الولين في الوكالة كان ينبغي أن يشكل فريقا
عظيما لو تعاونا سوية وكلهما عمل في اتجاهين مختلفين .وفي أواخر الخمسينات اندفعت الوكالة تعمل في كل
التجاهات مسن طائرات التجسسس و «الرهاب الجراحسي» والعقاقيسر والجيوش الخاصسة و«البنسى الداعمسة»
وغيرها ،فباتت بنظر ريتشارد هلمز،رئيس مكتب العمليات الخاصة،خارجة عن كل سيطرة واشراف.
قضيت أنا أيضا السنتين الخيرتين من خدمتي في الوكالة في ما يصعب وصفه بعمل الستخبارات التقليدي .
ولنعدام توا فر ما هو أف ضل شرع نا أ نا وك يم روزفلت نع مل في ما أ سميناه الدبلوما سية الخف ية،أي مناورات
دبلوماسسية وراء الكواليسس لم نكسن لنقوى على القيام بهسا لول وجود جون فوسستر على رأس وزارة الخارجيسة
وأخيه آلن على رأس وكالة الستخبارات المركزية .إسميا ،كنت أنا رئيس وحدة أركان العمل السياسي وتحملت
مسؤوليات عملي بكامل جديتها.ودأبت لدى عودتي من مصر على قضاء معظم أوقاتي في نشاطات الركان التي
سبق أن وصفتها )1( :تحديد أمكنه من العالم فيها أخطار تهدد سلمة الوليات المتحدة ول يمكن إبطال مفعولها
إل بالعمسل السسياسي حسسب تعريفسي له )2(،ثسم اسستنباط أشسد الوسسائل فعاليسة وأرخصسها ثمنا للقيام بالعمليات
اللزمة.وعندما رقي فرانك ايسنر إلى رتبة نائب المدير لشؤون التخطيط ،حل محله دزموند فيتزجرالد وهو من
بقايا مكتب الخدمات الستراتيجية قضى كل سني خدمته في الشرق القصى .كان دزموند بهي الطلعة وجنتلمان
من الطب قة الرفي عة ل ي ثق «بالوسيلة» ويعرف محدوديا ته كما ا نه بحا جة إلى أ حد لمراق بة منط قة ل يعرف هو
عنها شيئا ويراقب كذلك مسؤول الوكالة في تلك المنطقة أي كيم روزفلت .
هكذا صارت تحال علي أك ثر فأك ثر عمليات سياسية خا صة من الدبلوما سية الخف ية المتعل قة بالشرق الو سط،أو
هكذا ظن الخوان دالس .عند ما ت طل مشكلة في المنط قة يف كر الثنان فورا بك يم روزفلت ونادرا ما فكرا بأي
دبلوماسي محترف علما بأن في وزارة الخارجية عدة لجان تتعاطى مع مختلف أزمات ومشاكل الشرق الوسط.
وكان كيم يحضر معظم الجتماعات وادعى أنا إلى بعضها .أما إذا كان ل بد لحد ان يتوجه إلى ايران أو إلى
مصسر أو الردن أو المملكسة العربيسة السسعودية ليقابسل الشاه أو عبدالناصسر أو الملك حسسين أو الملك سسعود فل
يخ طر ببال الخو ين دالس إل ك يم أو أ نا و في ب عض الحالت كل نا معا و في حالت أخرى نذ هب برف قة ب عض
المحترفين المرموقين مثل أڤريك هاريمان أو روبرت اندرسون أو أرك جونستن .
ن ما هذا التقل يد من ايام غر فة اللعاب ل تي ساعدت في انشائ ها وكا نت آنذاك فكرة طي بة .ويبدو لي الن ،ب عد
مرور وقت طويل على انشائها انها لم تحقق من أحلمنا بمقدار ما توقعناه .ومع ذلك أبرزت على رقعة اللعاب
ب عض الحالت ال تي تحتاج إلى اعادة الن ظر في ها .غ ير ان نا أخفق نا في المكان الذي كان ينب غي ل نا النجاح ف يه
183
:التشد يد على ما يت خذ على رق عة اللعاب الدول ية من قرارات تؤ ثر تأثيرا عميقا في الم صالح الميرك ية في
الخارج إن ما يتخذ ها لعبون يع تبرون ان الم صالح الميرك ية تأ تي في المرت بة الثان ية ب عد م صالحهم ،والتشد يد
أيضا على انه عند تضارب مصالح اللعبين الجانب مع مصالحنا يجب أن تتحمل المصالح الميركية إلى حد
مسا تبعسة ذلك التضارب .فاللعسب ،أيا كان ،يعطسي الولويسة لمصسلحة بلده أولً وبأقصسر قدر مسستطاع
.وعبارة«أقصسى القدر المسستطاع» هذه هسي مسا يضعسه نصسب عين يه أي خسبير فسي العمسل السسياسي يطلب إليسه
التعاطي مع قضية اللعبة الدولية .إننا نحاول في تعاطينا مع اللعبين الخرين ،الصدقاء منهم والخصام ،ان
نخفض إلى الحد الدنى مقدار ما يمكن ان يولوه من أولوية لمصالحهم على حساب مصالحنا .وعليه يجب ال
تصدمنا أو تدهشنا محاولتهم الحصول على أقصى ما يستطيعون من منافع على حساب مصالحنا عندما ل تكون
مصسالح الفريقيسن متطابقسة .ففسي اللعبسة الدوليسة يكثسر الكلم عسن «تطابسق المصسالح» ولكسن دبلوماسسيينا
المحترف ين،العلني ين من هم والم ستترين،أعلم من أن يشاطروا جون فو ستر دالس تبرمه من ر فض الدول الخرى
لم يخالفني أصدقائي البريطانيون الرأي حول هذا الموضوع ولكن معرفتهم بعلقتي بالرئيس المصري جمال عبد
الناصر عكرت الجواء بيننا لذلك أرى من المناسب في هذا المجال الخوض في احد أوجه «التجربة الناصرية»
التي لتزال مجهولة عندهم :انه الدور الذي قامت به وكالة الستخبارات المركزية في قضية السويس والخلف
الذي نشأ بينها وب ين الحكومة البريطان ية،كما وبينها وب ين الحكومة الميرك ية .لقد ناقشت هذا الموضوع مرارا
ح تى لتكاد تتقزز نف سي لذكره .ول ما ك نت أك تب للتار يخ (فهذا نوع من ال سيرة الذات ية أدون ها) سأطرح مفهو مي
لدور وكالة الستخبارات المركزية في تلك القضية علما بأننا،نحن العاملين في المواقع ظننا أن عملنا يتطابق مع
مصالح السياسة الميركية،في حين كان يخالفها في بعض الوقات .وأود هنا أن ألفت النتباه إلى انني لست في
معرض الدفاع عن ذلك المفهوم (علما بأن ني أ ظن ان التار يخ قد بر هن على صحته) ،فأ نا ه نا أطلع القراء على
مضمونه .
لنن ظر أولً إلى رق عة اللع بة .في عدد من العتبارات الها مة اختل فت رق عة اللع بة الدول ية ال تي ح سبنا ان نا نل عب
عليها عن تلك التي حسب البريطانيون اننا كلنا نلعب عليها .فمع التزامنا التزاما ل رجوع عنه بتأييد اسرائيل،كنا
على بينة تامة أيضا بما سيكلفنا ذلك من عداء عربي ومن خطرعلى مصدر هام للنفط .ومع العلم بأننا نحاول احلل
السلم بين العرب واسرائيل،كانت الغاية الهم من ذلك إرضاء الرأي العام عندنا مع ما يتضمنه ذلك من ادراك تام
ان استمرار حال العداء أمر كتبت علينا معايشته .وفيما كانت كلمات ونستون تشرشل عن المبراطورية لتزال في
184
آذان البريطاني ين كنا قد أصبحنا متعاطف ين علنا مع الحركات القومية ،إذ اعترف وزير خارجيتنا علنا باعتقاده بأن
سياسات بريطانيا«الستعمارية» تحد من حرية التحرك الميركي وبأنه يحاول إبعاد حكومتنا عن تلك السياسات .
لم نح مل على مح مل ال جد كلم تشر شل وايدن من ان ع بد النا صر قد«أط بق بكل تا يد يه» على شريان حياة
المبراطورية وان القضية باتت قضية موت أو حياة المبراطورية البريطانية ،كلم راح الثنان يلقياته علينا
نحن الميركيين بروح أبوة متعالية وكأننا زمرة من الولد المعاقين .فقد بدالنا ان حبل حياة المبراطورية
(تر عة ال سويس) ل يس ت حت رح مة ع بد النا صر ،بل على الع كس فإن دواف عه لبقاء ح بل الحياة هذا مفتوحا
ثانيا :كان هناك عبدالناصر نفسه .عندما فكرنا ببيلي غراهام مسلم ،تصورناه لمثل رقعة اللعب هذه ،فكان جمال
عبد الناصر أقرب شبيه معقول به .ذلك اننا لم نلحظ في لعبتنا مكانا للدمى أمثال نوري باشا السعيد وغيره ممن
جعلهم البريطانيون على رقعة لعبتهم .فقد ابتغينا زعيما في مصر،زعيما تتناسق آراؤه إلى حد ما مع آرائنا ومع
آراء شعبه أيضا ليتمكن من البقاء والستمرار زعيما محبوبا .واعتبرنا انه إذا كان ل بد له من صب عدائه على
ش يء (وكان ل بد له من ذلك ح سب المبدأ القائل بأن تأل يب التباع ضد ش يء أ سهل من جمع هم لتأي يد ش يء)
وبالتالي فضل نا ان يو جه عداءه ن حو «ال ستعمار» على أن يوج هه ضد ا سرائيل .ورأي نا ان لبأس ح تى في ان
يت خذ موقفا عدائيا من أميركا نف سها شرط أل ير تد موق فه هذا بالضرر علينا وان يكون له مئة منفعة صريحة .
يبقسى ان أهسم مسا ابتغيناه منسه أن يكون زعيما شعسبيا قويا له مسن الجرأة مسا يمكنسه ،عنسد توافسر الفرص النفسسية
المناسسبة مسن اتخاذ قرارات صسعبة ،علما بأننسي أعود وأشدد هنسا على وجوب ان تكون قراراتسه تلك ملئمسة
ثالثا :كان على الرق عة أيضا لع بة ا سرائيل .ف في شباط ( فبراير) 1955شن ال سرائيليون غارة على غزة ذ هب
ضحيتها أكثر من ثلثين قتيلً .وقد وجدنا فيها رغم وحشيتها انها من وجهة نظر السرائيليين انطباقا تاما مع
أصول اللعب .ذلك انهم لما فقدوا كل امل بقبول عبد الناصر بعقد صفقة سلم معهم حسب شروطهم رأوا من
الفضسل ان يكون «عبسد الناصسر» الذي يريدونسه معهسم على رقعسة اللعسب الدوليسة عدوا عنيدا عوضا عسن عدو
معتدل قد يتم كن يوما من اغراء الميركي ين باعتداله وعقلني ته .والوا قع ان عداء ع بد النا صر ق بل الغارة على
غزة انصسب على السستعمار البريطانسي (لحظوا الفرق :العدو هسو السستعمار ،بريطانيسا) كمسا كان اهتمامسه
بالصراع العربي السرائيلي محدودا س حسب اعتقادنا .ولكن الغارة سببت سلسلة من الحداث كان واحد منها
نقلةعلى رق عة الل عب صبت في م صلحة ا سرائيل وقر بت أز مة ال سويس ،ان ال سرائيليين ماهرون في تخط يط
185
رابعا :كان هناك ب عد الغارة انقلب ومضادة .من الوا ضح ان الغارة ق ضت على أي م يل لدى عبدالنا صر ن حو
مسسايرة مخططات وزيسر الخارجيسة دالس لقامسة ترتيبات دفاعيسة اقليميسة (وحولت إلى مهزلة حججنسا امام عبسد
النا صر بأن عدوه الحقي قي هو رو سيا ال سوفياتية ولي ست ا سرائيل) ،وأثارت عا صفة من المطالبات الم صرية
بالحصول على اسلحة أميركية ارفقت بتهديدات واضحة من قبله بأنه سيتحول إلى التحاد السوفياتي إذا ما تعذر
عليه الح صول علي ها .وكا نت النقلة التي غيرت طبيعة اللع بة بأكملها ح صوله على السلحة السوفياتية وإعل نه
عسن ذلك فسي أيلول (سسبتمبر) 1955وفيمسا مضينسا فسي وكالة السستخبارات المركزيسة نصسر على زملئنسا فسي
الخارجية بأن عبد الناصر سيتخذ تلك الخطوة ،فقط لننا كلعبين ينبغي علينا العتراف بأن أيا منا كان ليتخذها
لو وجد نفسه في موقف كموقفه ،استمرت وزارة خارجيتنا هي الخرى في اصرارها على انه يخادع .على كل
الحوال،وبنا ًء على أمر من الخوين دالس ذهبنا أنا وكيم روزفلت إلى مصر لقناع عبد الناصر بأن علينا نحن
الفريقيسن الفادة مسن شعسبيته الكسبيرة المفاجئة للمغامرة باتخاذ قرار بغيسض :أي تحريسك مخطسط يؤدي إلى عقسد
خام سا :الوز ير دالس ق صير الن ظر وقل يل الع قل .ف قد غب نا عن ذاكر ته كليا! لم ي كن قد م ضى يوم كا مل على
وصولنا أنا وكيم إلى القاهرة ،وفي أعقاب حصولنا على مواف قة عبد النا صر على «القرار البغ يض» ،أصدرت
وزارة الخارجية بيانا صحفيا بأن مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الوسط جورج آلن سيتوجه إلى القاهرة
ليبلغ عبد الناصر «انذار» .لم يكن من الصعب على احد(وعلينا بشكل خاص) ادراك ما حمل عبد الناصر على
ان ير مي في سلة المهملت نص الخطاب الذي «أعدد ته» له لعلن خبر صفقة ال سلحة ال سوفياتية ،وي ستبدله
بخطاب غيسر معتدل حسسب المقاييسس الغربيسة .ومنسذ ذلك اليوم أخذت العلقات تنتقسل مسن سسيئ إلى أسسوأ فعبسد
النا صر يت خذ اجراءات نعتبرها ن حن منطب قة مع أ صول الل عب بين ما يت خذ الوز ير دالس ،الذي أ صبح في موقع
المبادرة ،اجراءات وخطوات ل تعطسي عبسد الناصسر أي مجال إل مجال التصسعيد باتخاذه الجراءات المعاكسسة
سادسا :جاء تراجعنا عن عرضنا السابق بتمويل مشروع سد أسوان .أدركنا تماما،نحن رجال وكالة المخابرات
المركزية ضرورة سحب عرضنا بتمويل مشروع السد العالي :فأعضاء مجلسي الكونغرس من الوليات الجنوبية
خافوا من ان يم كن المشروع الم صريين من زرع م ساحات اضاف ية قطنا؛ أ ما العضاء الذ ين يمثلون الوليات
الغربية فغاظهم ان ننظر بعين الرضا إلى بناء سد في مصر بينما ل يحصلون هم على الموال اللزمة لبناء
سدود في وليات هم .ك ما كان هناك احتمال ان يؤدي ال صرار على م نح م صر قرضا إلى تعر يض كل مشروع
اقامسة وكالة النماء الدوليسة للخطسر .وفسي احدى المسسيات ،بعسد انصسراف الموظفيسن إلى بيوتهسم ،جلس جون
186
فوسستر دالس وبيسل راونتري الذي حسل محسل جورج آلن فسي منصسب مسساعد وزيسر الخارجيسة لشؤون الشرق
الوسسط ،جلسسنا حتسى سساعة متأخرة مسن الليسل يكتبان توضيحا لسسبب سسحب القرض غايتسه الهاب مشاعسر
عبدالناصر ،وال أدرى ما السبب؟! أما نحن في الوكالة فلم تكن لنا أي علقة بالتوضيح المذكور .وعندما سأل
آلن دالس كيم روزفلت عن رأيه به كان غضب كيم منه يعادل ثورة جمال عبد الناصر ،علما بأن كيم مارس من
ضبط النفس مقدارا يفرق بقليل ما مارسه عبد الناصر .أقلقت ردة فعل كيم آلن دالس فما كان منه إل ان اخذنا
أ نا وفرا نك واي سنر وك يم إلى وزارة الخارج ية ح يث جل سنا حول طاولة نحاول ان نتن بأ بردة ف عل ع بد النا صر.
كان را يي ورأي ك يم وكذلك رأي ب عض الزملء في الخارج ية ان ردة فعله مه ما ت كن لن تكون في صالح ما
أسميناه ب سخرية «قض ية ال سلم في الشرق الو سط».ولكننا لم نتقدم بأي مقترحات محددة س باستثناء ما أورد ته
في ف صل سابق عن تطرق فرا نك واي سنر إلى احتمال قيام ع بد النا صر بتأم يم شر كة قناة ال سويس فأ سكتناه أ نا
وكيم.
سابعا :كان على الرقعة أيضا السخط البريطاني على تأميم عبد الناصر لشركة قناة السويس .فعند العلن عن
التأميم أطبق البريطانيون فورا على المبادرات.جاريناهم في لعبتهم على الرغم من معرفتنا من ان الستخبارات
البريطانية على ما هي عليه من تفوق في مناطق الشرق الوسط الخرى لم تكن على علم بكل ما يجري داخل
حكومة عبد الناصر وبالوضع العام في مصر.في احد الجتماعات التي عقدتها برفقة بعض زملئي في وكالة
ال ستخبارات المركز ية مع ضباط من المخابرات البريطان ية ق بل قرا بة الش هر من الهجوم البريطا ني الفرن سي
السرائيلي على مصر (العدوان الثلثي عام )1956للبحث في ما يجب ان نفعله بشأ ،عبدالناصر،عرض علي
احد الضباط البريطانيين وثيقة سرية جدا تبين تنظيم المخابرات المصرية.ظننت في بادئ المر انه يمازحني !
ذلك لنها الترجمة النكليزية للتنظيم الهرمي الذي أعددته بمساعدة زملئي في شركة بوز آلن آند هملتن .ويبدو
ان نظائرنا البريطانيين كانوا في جهل تام حيال ما كان يفعله فريق وكالتنا في مصر طيلة السنتين المنصرمتين.
كان أكثر ما أزعجنا عدم تصرف البريطانيين تصرف اللعبين المتمرسين ذوي العصاب الهادئة .فكل ما
قاله لنسا زملؤنسا فسي المخابرات البريطانيسة والخارجيسة البريطانيسة ل يمست بان صسلة إلى أي ضباط أو مدنييسن
م صريين يمكن هم تشك يل حكو مة إذا ما أز يل ع بد النا صر من الح كم،أو إلى الو ضع العام في م صر .ولم ت كن
أقوالهم أكثر من افتراضات وتكهنات ،كما بدا انهم لم يكترثوا س لكثر من الطاحة بعبد الناصر ،بصرف النظر
عسن النتائج ،بغيسة البرهان للعالم أن مغرورا برز حديثا مثله ل يسستطيع التباهسي بالدوس على ذنسب السسد
البريطاني دون عقاب .إن موقفهم هذا أشبه بموقف بطل من أبطال الشطرنج العالميين حاول تحطيم الطاولة لن
187
إذا ،ماذا كان يترتب علينا فعله؟ من المهم ادراك بأنه فيما كانت واشنطن تجاري لندن في الرغاء والزباد،
وفيما طرأت بين آن وآخر في ذهن الرئيس ايزنهاور نفسه فكرة «الطاحة بعبدالناصر» كنا نحن العاملين على
الرض على ات صال حميم برككار يا مح يى الد ين وغيره من كبار الم سؤولين المصريين بشأن ح سنات و سيئات
التأميم (كما لو كنا زوارا متجردين قادمين من كوكب آخر) ،نصفق للحسنات وننبه بحزم من السيئات .وكانت
حجتنا مع عبد الناصر بكل بساطة على النحو التالي« :حسنا ،لقد كسبت هذه الجولة ،ولكن وقبل ان تأتي جولة
أخرى ل تسستطيع كسسبها،لماذا ل تسستغل الفورة المؤيدة لك حاليا لتخاذ اجراء خليسق برجسل دولة باتجاه تحقيسق
السلم في المنطقة كلها؟» وافق! بدأ بالعلن (بمصداقية لم ترض وكالة الستخبارات المركزية وحدها،بل كذلك
وزارة الخارجية التي ما انفكت حتى اعلنه تهزا بالموضوع) عن انه سيبقى ترعة ال سويس مفتوحة للملحة،
وسيدفع التعويضات اللزمة لمالكي الشركة السابقين وسيراعي كل القضايا الخرى التي اعتبرها محامونا حدا
د عا ع بد الناصر مندوبين عن الدول التي در جت سفنها على ا ستعمال قناة ال سويس للبحث في ظلمات هم .
وتبين ان ليس لهم اي ظلمات مشروعة .وعندما استقال المرشدون البحريون الوروبيون استقالة جماعية،حل
محلهم مرشدون مصريون وأمنوا الملحة عبر القنال (الممر البحري) وحازوا رضا الجميع .والهم من ذلك كله
ان ع بد النا صر أبلغ الرئ يس ايزنهاور بأ نه على ا ستعداد،ب عد هدوء الض جة القائ مة حول قناة ال سويس،لل ستماع
باهتمام إلى أي اقتراح قد يتقدم به ايزنهاور لوضع برنامج عملي قابل للتطبيق من أجل تخفيض التوتر العربي
وجد نا في ذلك كله ما يرضي نا .أ ما البريطانيون فلم يرضوا عن ش يء مع تبرين ان قناة ال سويس هي «قنات هم»
زود العاملون منا مع عبدالناصر بتعليمات واضحة جدا بأن مهمتنا الولى هي المحافظة على بقائه في السلطة .
وعلى الرغم من كل سلبياته لم ير وزير الخارجية دالس أي سبب يحول دون ذلك .فهو محام قضى كل حياته
المهنية في معالجة قضايا ذات صلة بالقانون الدولي ،وعليه لم ير ان لبريطانيا أي قضية من الناحية القانونية .
فالرئيس عبد الناصر ل يستطيع تأميم القناة ذلك انها دون أدنى مجال للشك جزء من أرض الدولة المصرية فل
مجال إذا لتأميمها ،كما انه تصرف من ضمن حقوقه في تأميم شركة القناة وهي شركة مسجلة في مصر حسب
نصسوص القانون المصسري دون غيره ،مهمسا أراد السسير انطونسي ايدن وصسف اجراء عبسد الناصسر بالخدعسة
القانونية .فالقضية بالنسبة للمحامي دالس قضية قانون ،والقانون هو القانون .إضافة إلى ذلك فقد سبق ان تقبلنا
برضا عدة تاميمات أخرى ،وان كانت أقل رهجة من الناحية السياسية ،وكلها مشابهة لقضية تأميم شركة القناة
188
واقتصسر اصسرارنا على تأميسن التعويسض المناسسب أو الوعسد المقبول بسه سسواء كان موضوع التأميسم شركسة او
وأخيرا :كان هناك لعبتنا نحن .فحسب أصول لعبة العمل السياسي الخ في التي أضحينا نؤمن بها ايمانا ثابتا لم
ي كن في الهجوم البريطا ني الفرن سي ال سرائيلي على م صر أي ب صيص من المن طق بل كان ا سوأ ع مل يم كن
القيام به خصوصا وان تنفيذه جاء ساذجا جاعلً من مساندة وكالة الستخبارات المركزية الحالية لثوار الكونترا
تبدو بالمقارنة ذكية جدا هل يصعب على أحد تصور نتائج التشارك مع اسرائيل العدو المقيت ليس عند العرب
وحد هم وكذلك في العالم ال سلمي كله؟ ت صوروا ان الفرن سيين والبريطانيون دخلوا ساحة القتال «للف صل ب ين
الفريق ين المتنازع ين» أي ب ين م صر وا سرائيل ،ليقولوا له ما بالترا جع عشرة أميال عن قناة ال سويس بين ما كان
ل عنهسا .أفل يسستطيع السسرائيليون تفسسير ذلك المسر على انسه يعنسي
السسرائيليون ل يزالون على أربعيسن مي ً
السماح لهم بالتقدم ثلثين ميلً باتجاهها ! القضية كلها غباء ،بل غباء مطبق .
ا ستمر كبار الم سؤولين في وزار تي الخارج ية والدفاع في بريطان يا بال صرار على ا نه لو قم نا بتأخ ير
فرض النسحاب على غزاة مصر أربعا وعشرين ساعة فقط لسقط حكم عبد الناصر .في الواقع دهشنا لذلك
الكلم الفارغ الذي ل تؤيده أي معلومات ا ستخباراتية .فلم ي كن لدي نا أي معلومات تش ير إلى امكان ية صحته،
وإذا كان لدى البريطانييسن مسن معلومات حوله فلم يطلعونسا عليهسا ،إضافسة إلى ذلك لم يتمكسن أي منهسم مسن
ولننظر الن إلى ما حدث فعلً .فبدلً من ابقاء قناة السويس مفتوحة أمام الملحة البحرية أدت العملية إلى
إقفال ها و هو أ مر ي ستطيع التن بؤ به أ سخف محلل ا ستخباراتي سواء كان أميركيا أو بريطانيا .قط عت م صر
وسسوريا والمملكسة العربيسة السسعودية علقاتهسا الدبلوماسسية ببريطانيسا وفرنسسا والردن والعراق علقاتهمسا
الدبلوماسية بفرنسا وحدها ،ولكن علقاتهما ببريطانيا تعرضت لتوتر شديد مهد الطريق لنقلب عسكري في
العراق بعد قرابة السنتين ،مما أدى إلى سقوط حلف بغداد .أما على الصعيد الدولي فقد انصب على بريطانيا
وفرنسا ليس فقط لوم روسيا السوفياتية والصين الشيوعية بل وكذلك لوم بعض دول (الكومنولث) س رابطة
الشعوب البريطانية مثل كندا وباكستان والهند وسيلن .وظننا بأن أصدقاءنا البريطانيين قد تعلموا الدرس .
أكثر هم لم ي ستفد من الدرس شيئا وعزوا فشل هم إلى الضغوط الميرك ية ول يزالون ي صرون ح تى اليوم
بأننا تخلينا عنهم في وقت حاجتهم إلينا ،رافضين التصديق بأننا كأميركيين ،على الرغم من اننا عملنا بصلة
وثيقة مع جمال عبد الناصر منذ أن بدأ يفكر بالقيام بثورته وحتى وفاته المبكرة ،تفهمنا خلفية أزمة السويس
تفهما فاق ادراكهم لها.لم يبالوا مطلقا بأن التاريخ أظهر خطأهم .لعلنا كنا آنذاك أمام «حماقة تاريخية» قامت
189
على افكار تثبست مسسبقا مسع تجاهسل تام لكسل الشارات المعاكسسة .ولكننسي فكرت آنذاك ،ومسا زلت ،بأن
ن عم .هكذا سنفعل ،ذلك أن خبرة البشر ية الطويلة تش ير إلى ان الن سان ي سيء الع مل في مه نة الح كم
والحكومة أكثر منه في أي مجال أخر تقريبا من مجالت النشاط البشري .إن في هذه الحكمة ما ينطبق على
الحكومة في أميركا أكثر منه في بريطانيا ،ل سيما في مايختص باللعبة الدولية .ولكننا نحن أيضا نؤمن
أوضاعنا في النهاية بشكل ما ،لنعود ونخربط المور من جديد .اتضح بعد انقشاع غبار قضية السويس اننا
سجلنا ب عض التقدم ال ني على رق عة اللع بة الدول ية .ولم ي خف على أ حد أن ع بد النا صر خرج من أز مة
السويس أقوى مما كان عليه وأكثر شعبية في مصر وفي الشرق الوسط كله .ومع ذلك تعمد ،عبر سفيرنا
في القاهرة ريموند ه ير ،تقديم الشكر لما ا سدته له الوليات المتحدة من م ساعدة إبان الغزو الثلثي ،وذكر
السسفير فسي الوقست نفسسه بالوعسد الذي قطعسه له سسابقا «بعمسل شيسء مسا» مسن اجسل تخفيسض التوترات مسع
ا سرائيل» .وأعرب زعماء العالم العر بي الخرون عن تقدير هم «لوقوف نا بو جه ا سرائيل وحلفائ ها» ومن هم
نوري باشا السعيد الذي ل يزال الكثيرون من البريطانيين يصرون حتى اليوم بأنه أيد الهجوم الثلثي وهو
الذي قال ل سفيرنا في بغداد«:إن الهجوم الثل ثي عبارة عن مغامرة جنون ية» كا نت لتش كل له ارباكا جديا لو
انها نجحت .وقد أخبرني موظفون في المم المتحدة أثق بكلمهم ان وفودا من العالم الثالث صارت تلقي
مندوبينا في الهيئة الدولية بابتسامة ،وهو أمر استصعب تصديقه في بادئ المر .ومع السف لم يدم المر
ل ذلك لن اقتراح سفيرنا في القاهرة» بوجوب ا ستغلل الفر صة المؤات ية لتث بت مو قع قوى ل نا« ،ذلك
طوي ً
صحيح،مبدأ ايزنهاور! هذا الذي اعلن عنه بالدراك الدقيق للتوقيت الذي اشتهر به وزير خارجيتنا جون
فوستر دالس وكان تعهدا بان تقدم الوليات المتحدة قواتها المسلحة من أجل الدفاع عن أي حكومة في الشرق
الوسط «تتعرض لخطر العدوان المسلح المكشوف من قبل أي دولة واقعة تحت سيطرة الشيوعية الدولية».
ف في ذلك الو قت لم ي كن في الشرق الو سط كله دولة واحدة واق عة ت حت سيطرة الشيوع ية الدول ية ،ول اي
دولة مهددة بعدوان شيوعسي .بسل على العكسس مسن ذلك كان السسوفيات يعرضون السسلح والمسساعدات
القتصسادية والدعسم السسياسي لي دولة فسي الشرق الوسسط تقبسل بذلك .فكان مسن شأن مبدأ ايزنهاور اثارة
غضب تلك الدول العربية عينها التي كنا نحاول استمالتها بواسطة حملت عملنا السياسي ،ومن جهة أخرى
تنشيط ميول الفساد الخلقي لدى المرتزقة السياسيين العاملين لحسابنا .
190
وه نا ينب غي ان أكرر ما سبق ان كتب ته مرات عديدة مثلً ع ما قاله لي مرة ع بد النا صر «:ان عبقريت كم
أن تم الميركي ين تك من في ان كم ل تاتون مطلقا بأعمال غب ية واض حة ،بل ف قط بأعمال غب ية تجعل نا نف كر
باحتمال وجود أشياء فاتنا النتباه إليها » .وأضاف بانه يعتبر مبدأ ايزنهاور «احد أكثر الخطاء حنكة يمكن
لدبلوما سي من دولة عظ مى ارتكاب ها» .ك نت شابا آنذاك وأعرف البلدان الخرى معر فة أو ثق من معرف تي
لبلدي .وقد احتجت لعدد أكبر من سنوات الخبرة في واشنطن لدرك ان الكثير من «تحركاتنا الغبية» ،إذا
كانت كذلك ،اتخذت لسباب وجيهة جدا وليس من قبل اناس أغبياء .
كان ذلك الدرس نقطة تحول في حياتي وأحد حقائق الحياة التي عدلت بموجبها لعبتي الشخصية .
جاءت نق طة التحول في حيا تي وأ نا في أوا سط الثلثينات من الع مر يوم أدر كت أل أح مل على مح مل الحقي قة
والواقع كل ما يتل فظ به الناطقون باسم حكومت نا بغ ية إرضاء الرأي العام ،وان ما يقولونه ل يعكس بالضرورة
جو هر ما يفكرون به في أعماق نفو سهم ،وان ذلك ل يس نفاقا بل انعكا سا لحا جة ال سلطة لتنفيذ ية .إلى تعد يل
اجراءاتها من أجل مجاراة ما يفرضه الكونغرس عليها ولكن دون كشف أوراقها أمام اللعبين الجانب .
احتجت إلى سنة أو اثنتين في العمل في واشنطن لتعلم ان أي حكومة ديمقراطية ،عندنا أو في الخارج،تضطر
فسي ب عض الحيان إلى الخلط ب ين «الملح» و«المهسم»(تعل مت خلل الحرب العالم ية الثان ية ان الثن ين قليلً مسا
يتطابقان) وان الضغوط الداخليسة قسد تحملهسا على التصسرف بشكسل يبدو متهورا للمراقسب العادي .وسسرعان مسا
خرجت بالنظرية التالية :يوجد في عقل المة الباطن شيء من البراغماتية الباردة التي تتحكم بها «المؤسسة» .
والمؤ سسة هذه ،أو سمها ما شئت ت ستغل الخطاء والنتكا سات الق صيرة ال جل وتحو ها على المدى البع يد إلى
انتصارات.
فسي بحثسي عسن الحقيقسة وراء تصسرفات حكومتنسا حتسى العام 1957خطسر لي ان انقسب حول موضوع التعثسر
الظاهري بطرح السؤالين« :إلى اين نحن متوجهون حقا؟» و«هل ثمة كسب لنا هناك ؟» كنت في وضع سمح
لي أن أعلم بعدم وجود مخ طط شا مل أو عبقري ا ستراتيجي يعمل وراء ال ستار في توجيه تصرفاتنا اضا فة إلى
عدم وجود أي استراتيجية مرسومة بوضوح س باستثناء مهازل مثل مبدأ ايزنهاور ومعميات مشابهة طبخت تلبية
لغراض الحرب النفسية .إنما كان في أعماق ذلك كله مهارة خارقة في تخفيض الخسائر وزيادة المكاسب إلى
191
أقصى الحدود الممكنة بحيث نخرج في النهاية رابحين .لقد نجحت ديمقراطيتنا في تأدية اغراضها لنها أوصلت
رأى جيم ايخلبرغر (ايخ) كل ذلك بوضوح أكثر مني وكان قد سبق له ان عمل في فريقي للعمل السياسي في
م صر عام ،1955ح يث كتب نا م عا تقريرا عنوا نه« :مشا كل القوى ال تي تواج هه حكو مة ثور ية» .وب عد ترجم ته
إلى العرب ية واطلع زكر يا مح يى الد ين عل يه و فر ل نا ب عض الرشادات لت ثبيت ثورة عبدالنا صر .ووضع نا في
اعقاب قضية السويس تقريرا مشابها اقترحنا فيه على الحكومة الميركية خطوات واجراءات وتوصيات تستطيع
ال ستعانة ب ها لت ثبيت ما أ صابنا من مغا نم من جراء وقوف نا بو جه الغزو البريطا ني الفرن سي ال سرائيلي.ل ست
أدرى مطلقا إذا كان أ حد قط اطلع عل يه با ستثناء أفراد فريق نا ،ولك نه ف تح أما مي آفاقا وا سعة .ورح نا أ نا وآ يخ
نبحث جديا عما إذا كان ثمة اسلوب ما في العمال الجنونية التي ترتكبها حكومتنا وكلها بالطبع تسير في اتجاه
معاكس لما ورد في تقريرنا من توصيات ،فعثرنا على القليل من الجنون وعلى الكثير من الساليب.
ركز نا على ما اع تبرناه أك ثر الفكار جنون ية ،أي انشاء ما سمي «لج نة م ستعملي قناة ال سويس» ،وجو هر هذه
الفكرة ان يقوم جمهور من الوجهاء بزيارة القاهرة ليوضحوا لعبدالناصر ان تأميم القناة مرفوض عند دول العالم
الخرى ،وان عل يه ب عد انتهاء ت سليته بالموضوع اعادة القناة إلى رجال راشد ين يعرفون ادارة أمور كهذه.رأي نا
ا نا وآ يخ في تلك الفكرة مجالت وا سعة لم سرحيات هزل ية ساخرة (وك نا ومع نا ك يم روزڤلت قد عف نا محاولة
العثور على ش يء منط قي واحد في تلك الفو ضى) فاندفعنا بكل حماس ل ستغللها في ما انهمك كيم بأعمال خف ية
حقسا .وتمكسن فعل مسن اقناع آلن دالس ثسم أخيسه جون فوسستر بإيفاد روبرت اندرسسون (الملقسب بوب الشريسف)
المقرب من الرئيس ايزنهاور للتهويل على العاهل السعودي بقطع عائدات النفط عنه ان هو توانى عن النضمام
إلى جبهة مناوئة لعبد الناصر تشمل المنطقة كلها .كما أرسل كيم صديقنا القديم ويلبور «بيل» ايفلند للتأكيد من
ل ريب في ان اختيار هذين الرجلين كان بحد ذاته ضربا من العبقرية النادرة .ذلك ان بوب الشريف لم يكن من
أحذق محرت في الدبلوما سية المرموق ين ،ف هو وان كان مترفعا عن ال صغائر ،على ا ستعداد لن يقول لجلي سة أن
يرمي نفسه في البحر إذا كان في ذلك ارضاء لمرشده الرئيس ايزنهاور .وسبق لس كيم روزفلت ان عرف بيل
ايفلند على انه محترف ينزع إلى مخالطة الشخصيات المرموقة الخرى القل منه ذكاء ول يتواني من جهة
أخرى عسن خربطسة مجهودات تلك الشخصسيات اذا كان فسي ذلك مسا تنشرح له صسدور المسسؤولين عسن ملفسه
الشخ صي في واشن طن .أ ما اندر سون (بوب الشر يف) فيح سن الكلم كأي مؤ من مفوه بقض ية فضلً عن ان ل
مجال مطلقا للتشكيك في انه ل يستطيع التفاهم أبدا ً مع أشخاص ينتمون إلى حضارات أخرى .وهكذا ،وبتضافر
192
مجهودات ذينك الشخصين لن يحصل أي سوء تفاهم أو أي غموض .وعليه عندما قال اندرسون للملك سعود ما
معناه ان الوليات المتحدة سستتوقف عسن شراء النفسط السسعودي إذا توانست السسعودية عسن الشتراك فسي حملة
مناهضسة لعبدالناصسر ظسن الملك ان أذنيسة تخدعانسه وسسأل اندرسسون بماذا سسيستعيض الميركيون عسن النفسط
لم أ قف مطلقا على نوا يا ك يم آنذاك ،إن ما على ما علم ته ا نه تل قى برق ية ب عد عودة الشخ صيتين المذكورت ين إلى
واشن طن تف يد بأن الزيارة كا نت ناج حة .ب عد ذلك شبك نا ك يم ،آ يخ وا نا ،في سلسلة الجتماعات ال تي أت يت على
ذكرها في الفصل السابق ،وفي محاولت متقطعة للتعاطف مع الحركة المناهضة لعبدالناصر التي درجت في
تلك الحقبة .وتضمنت حملتها فيها تضمنت مساعدات مالية للردن ،وتعاونا مع البريطانيين للطاحة بالحكومة
السسورية ،وتقويسة سسبل التصسال بعبدالناصسر حتسى يكون هناك حركسة انقاذ مؤيدة له فسي حال فشسل محاولت
حكومتنا الرامية إلى الطاحة به .غير ان جمعية مستخدمي قناة السويس ظلت ما ظنناه أنا وآيخ (ثم انضم كيم
المفروض باخت صار ان تكون تلك الجمع ية منظ مة مؤل فة من الدول الغرب ية ال تي ت ستخدم القناة ،مهمت ها ادارة
الم مر البحري وتأم ين المرشد ين والخدمات وتح صل التاوات واعطاء م صر «ح صتها العادلة» من ها .ار سلت
الدعوات إلى من يلزم للحضور إلى لندن يوم 19أيلول ( سبتمبر) ومن ها كتاب إلى عبدالنا صر ي عبر عن ال مل
بتعاونه .وفي خطاب ألقاه في حفل تخريج ضباط في سلح الطيران المصري أعلن عبدالناصر عن نيته تشكيل
«جمعيسة لمسستخدمي» ميناء لندن مسن مختلف الجنسسيات مهمتهسا السسيطرة والشراف على الميناء وأضاف بانسه
ينوي أيضا ارسال كتاب إلى وزير الخارجية الميركي جون فوستر دالس يطلب فيه تعاونه معه .أما ما حصل
قيل لي عن وجود «محضر مباحثات» في الملفات السرية التي اف صح عنها الن .كتب ته فور عودتي من رحلة
سريعة لزيارة زكر يا مح يى الد ين في القاهرة بع يد عودة آ يخ إلى واشن طن.وح سبما أذ كر قد مت لمح يى الد ين
آنذاك روا ية معدلة ع ما قاله آ يخ لي ولك يم روزڤلت .ثم سألته رأ يه من فكرة برا قة خطرت ببال آ يخ و هو في
طريق عودته من لندن إلى واشنطن ،وهي انشاء منظومة نقل مشتركة تسهم بملكيتها شركات النفط ودول الشرق
الوسط العالمة في انتاج أو نقل النفط ؟ أي كونسورتيوم يتألف من الحكومات وصناعة النفط يملك ويدير خطوط
أنابيت النفط وقناة السويس على غرار طريقه ادارة خطوط السكك الحديدية في الوليات المتحدة.
كان ذلك ق بل بض عة أش هر من العدوان الثل ثي على ال سويس ،لذلك ل يس من ال صعب ادراك بأن محضري هذا
وجميع الوراق الخرى المتصلة بالموضوع قبع في درج مكتب آلن دالس ولم يقرأه أحد .وبعد أقل من اسبوع
193
على تراجع قوات الغزو الثلثي عن منطقة السويس عاد آلن إلى المحضر واستمسك به خشبة خلص وحيدة في
متناوله .أعدت كتاب ته مرارا بالتعاون مع آ يخ لتن سيقه مع ملحظات كان فرا نك واي سنر وغيره قد دونو ها في
الهوا مش ثم أخذ نا ال نص النهائي إلى م ساعد وز ير الخارج ية آنذاك هربرت هو فر ال بن الذي قال«:ا نه حري
بالتفكيربه» .وعليه أجيز لكل منا ،آيخ وأنا القيام بزيارة نيويورك وشيكاغو وسان فرانسيسكو لمناقشة الفكرة مع
المسؤولين التنفيذيين في شركات النفط الذين تعرفنا إليهم خلل اجتماعات ما سمي لجنة الطوارئ لقضايا الشرق
لم يعر أي من هؤلء اهتماما يذكر بفكرة منظومة النقل المشتركة ،ولكنهم اهتموا بالدرسة المضنية التي انطوت
الفكرة عليها ،فعرضت ثلث من الشركات الخمس التي زرناها (ستاندرد أويل س في نيو جرزي س وسوكوني
موبيل ،وغولف ،وتكساس وستاندرد أويل أوف كاليفورنيا) عرضت علينا وظائف فيها وقالت الشركتان الباقيتان
بأنهما على استعداد للتعاقد معنا بصفة خبراء شرط ان نؤمن زبائن آخرين .وبعد اسبوعين من تلك المحادثات
اضا فة إلى درا سات قم نا ب ها ،على ح ساب عمل نا في الوكالة بالط بع ،صعدت خمرة الث قة بالن فس إلى رأس كل
ورئيس قسم الشرق القصى حول عملية اقترح القيام بها في اندونيسيا ،قررنا اعتماد مخطط للجل الطويل نقبل
أنا وآيخ بموجبه عرضا تقدمت به شركة غولف اويل لنعمل معها بصفة مستشارين على ان ينضم كيم إلينا بعد
ا ستقراره .و في غضون ا سبوع ك نا قد تعاقد نا ل يس ف قط مع شر كة غولف بل وكذلك مع أ حد أ كبر الم صارف
العمل ية واحدى اض خم شركات الطيران ،شرط ابقاء تعاقد نا معه ما سرا لن مرا سلينا فيه ما ل يرتاحون لعلقت نا
بوكالة الستخبارات المركزية .وكان دخلنا من عقودنا تلك يربو على ثلثة أضعاف راتبنا من الحكومة.
أسباب متعددة حملتنا على القبول بصفة الستشارية في شر كة غولف ،منها ان مقرها يقع في مدينة بيتسبورغ
في ولية بنسيلفانيا حيث ولد آيخ وترعرع ،وانه ل يوجد في الشركة خبرة مثل خبرتي ،وهي الوحيدة التي ليس
فيها خبراء في الشؤون القليمية .فهي تحصل على معلوماتها القليمية من شركة بريتش بتروليوم ،شريكتها في
شركسة نفسط الكويست ال تي تمدهسا بنصسائح أبويسة ل قي مة واقع ية ل ها .ول بد ان المدراء التنفيذييسن فسي الشركسة
البريطانية اعتبروا شركاءهم الميركيين ابناء عم ريفيين يجب ال يتعدى دورهم تكديس الرباح على ان يتركوا
قسد يكون التنفيذيون فسي غولف أبناء عسم ريفييسن ولكنهسم زبائن ممتازون عنسد عميليسن عتيقيسن مسن عملء وكالة
ال ستخبارات المركز ية ل ما يمكنه ما تقدي مه ل هم من معلومات .ف هم يجهلون شؤون الشرق الو سط وحضارا ته
الغرب ية ع نا ويدركون جهل هم هذا فضلً عن كون هم اذكياء .رالف رودز،نائب الرئ يس التنفيذي هو الذي اكت شف
194
الن فط في الكو يت ولم ي سبق ان اكت شف من الن فط في العالم أ حد أك ثر م نه .إ نه ل يعرف الكو يت ول الشرق
الوسط ولكنه على درجة من الذكاء تكفي لتقدير الخبرة لدى مشاهدتها.أما رئيس الشركة بيل وايتفورد فمعروف
بأنه أقسى وأنشط وأكثر التنفيذيين أهلية وعدوانية في صناعة النفط ان لم يكن في الصناعة الميركية اطلقا.
وهناك أيضا دايفيد بروكتر ،رئيس مجلس ادارة غولد وهو أشبه برئيس قبيلة هادئ الطبع يتمتع بحك مة وطول
اناة وكان قد تجاوز سن الشباب راي نا ف يه امكان التقد ير بان شخ صين نشيط ين مثل نا يحتاجان إلى عطلة ق صيرة
وثمة الشركة عينها التي كانت قيمة موجوداتها عام 1946تقدر بسبعمئة واثنين وعشرين مليون دولر وارتفعت
إلى أك ثر من ثل ثة مليارات ون صف المليار دولر خلل احدى عشرة سنة ،في ما بلغ دخل ها خلل الفترة نف سها
ستة أضعاف ما كان عليه .وأ هم ما عرفناه عن ها ان ثلثي دخل ها يأ تي من عمليات ها خارج الوليات المتحدة :من
الكو يت مو قع أ هم مخزونات ها النفط ية ،وان كل فة انتاج البرم يل الوا حد أ قل من 10سنتات في ما تبيع البرم يل
بدولر و 85سنتا .أبناء عم ريفيون حقا ! على الر غم من ب عد تفكيري عن التجارة أدر كت ان هؤلء الرجال
الثل ثة هم أك ثر من مجرد مدراء في حانوت قروي .وخ طر لي ،ل ما كانوا رجال أعمال من أعلى الم ستويات،
بأن هم ل شك يقدرون أهم ية المعلومات ال تي تنق صهم ويم كن لشر كة م ثل «شر كة كوبل ند آ ند آيخلبر غر» .ك ما
وأخيرا أحببنسا مهمتنسا .فبدلًمسن العمسل لدى شركسة أخرى مسن شركات النفسط العالميسة ذات المصسالح فسي دول
متعددة،انحصسرت مهام نا في دولة واحدة في الشرق الو سط هي الكو يت .في الوا قع لم ت كن مهمت نا مراق بة
الكويت بمقدار ما كانت مراقبة جميع تطورات الشرق الوسط التي قد تؤثر في مصالح شركة نفط الكويت التي
تملك غولف نصفها س ومن تلك التطورات تقلبات قلق السرة الحاكمة في الكويت من التطورات السياسية في
العراق ومصر اللتين ما انفك قادتهما عن التفكير بخطط يقدمون هم فيها ذكاءهم بينما تقدم الكويت الموال.
ل ست أ ظن ،ر غم الفا صل الزم ني ب ين يوم نا هذا والعوام من 1957ح تى 1960أن أحدا ا ستطاع القيام بع مل
دقيسق ومجدي كالذي قم نا به أ نا وآيسخ .لقسد اشتغلت بعسد تلك الفترة مع شركات النفسط ال سبع الكسبرى باسستثناء
شركتي تكساس وبريتش بتروليوم ،وثلث من كبريات شركات النفط المستقلة واستحقيت كل فلس جنيته منها.
وللقراء الذ ين يطمحون ان ي صبحوا م ستشارين كبارا أقول :إن أ قل الشركات حا جة إلي كم هي الشركات القرب
إلى التعا قد مع كم .وهذا القول قا بل للنطباق على الزبائن الذ ين تعاملوا مع نا آنذاك س م صرف ض خم،وشر كة
طيران عالمية ثم شركة من كبريات شركات البناء ،وقد قمنا لصالحها ببعض التجسس الصناعي س وكانت كلها
195
بيروت في صيف 1957
وفي أواسط تموز (يوليو) 1957وصلنا بيروت واستقرينا في منازل مريحة وفتحنا مكاتبنا بلصق مكاتب شركة
التابل ين المشر فة على ادارة خط اناب يب النفط المم تد من الظهران في الممل كة العرب ية ال سعودية إلى صيدا في
لبنان ،لحساب شركة النفط العربية الميركية (آرامكو) التي تملكها أربع من شركات النفط الكبرى السبع ،أي
موبيسل وسستاندرد نيوجيرزي وتكسساكو وسستاندرد كاليفورنيسا .وبفضسل زميلنسا القديسم فسي وكالة السستخبارات
المركزية جيم انغلتن ،اخذنا نقيم الحفلت وصرنا خلل ستة أشهر نعرف باننا نقيم أسخى الحفلت في بيروت.
ل بد لي هنا من بعض التوضيح للحفلت التي أقمناها بتمويل من قبل انغلتن .فهذا الرجل هو الشخص الوحيد
في اسرة المخابرات في كل من واشنطن ولندن الذي كان متيقنا من ان هس .آ .ر ( .كيم) فيلبي هو عميل لدى
الستخبارات السوفياتية وسبق له ان قال ذلك لفيلبي نفسه في احد مطاعم جورجتاون فأجابه فيلبي ضاحكا«:لن
يصدقك أحد» غير ان جيم انغلتن قال لي،دون أن يضحك ،أن علي ،ولو لمرة واحدة التخلي عن شعوري بالثقة
بالناس وان ضم إلى عدد صغير من الم سؤولين في وكالة ال ستخبارات المركز ية الذ ين يؤمنون بامكان ية انتماء
فيلبسي إلى السستخبارات السسوفياتية .وأضاف مقترحا أن أراقسب فيلبسي (الذي سسبق ان اسستقر فسي بيروت قبلنسا
ببضعة أشهر) وانه سيتكفل بدفع كل النفقات س نفقات الحفلت نظرا لن عملي في مكافة الجاسوسية هذا سيكون
ما كاد يمر اسبوع أو اثنان على وجودنا في بيروت ،ولم يكن قد تسنى لنا بعد مجرد التفكير بس كيم فيلبي حتى
جاء هولمقابلتي .كنا قد دعونا بعض الصدقاء القدامى من أيام دمشق ،ومنهم سام ﭙوپ بروار مراسل صحيفة
نيويورك تايمز وزوجته اليانور عندما دخل فيلبي علينا برفقتهما .تعرفت إليه وأحببته عندما التقينا عام 1942
وكان يدرس فسي فرع السستخبارات العسسكرية البريطانيسة آنذاك وجاء فسي زيارة للوليات المتحدة ليسساعد فسي
تدريب الموظفين الجدد في مكتب الخدمات الستراتيجية .وتكررت لقاءاتنا في واشنطن في مناسبات اجتماعية
ومهن ية .عندما دخل علينا في بيروت برف قة سام وزوجته قابلناه بالترحاب خصوصا وان زوجتي لور ين وهي
اخت صاصية بالتنق يب عن الثار انذهلت لرؤي ته لن أباه ساينت جون فيل بي كان يع يش مع زوج ته البدو ية في
الممل كة العرب ية ال سعودية .و مذ ذاك أخذ نا ندعوه با ستمرار طال ما وكالة ال ستخبارات المركز ية ت سدد فوات ير
الحفلت.
لقسد اسستحقيت كسل فلس دفعسه لي جيسم انغلتسن .فقسد رتبست مثلً تعاونا مسع احسد كبار ضباط المسن العام اللبنانسي
لمساعدتي في بعض أعمال التجسس كوضع فيلبي قيد المراقبة ورصد تحركاته .ودلتني المعلومات التي زودني
بها ان فيلبي ل يزال على عادته القديمة في التخلص من المراقبة .وجاءني من صديقي في المن العام ان فيلبي
196
شوهد في بعض أغرب أحياء بيروت ،الحي الرم ني القريب من طريق الشام حيث تبين فيما بعد ان له هناك
شقة في أعلى طبقة من احدى البنايات يرسل منها اشارات بالضوء السود إلى موظف إشارة في الستخبارات
وأخيرا عرفت بعلقاته الغرامية بايليانور زوجة سام بروار واستنتجت بأن تحركاته الخفية كانت في خدمة تلك
العلقات .بعسد زواج فيلبسي وايليانور بلغست انغلتسن جزيسل شكري لتكاليسف الحفلت (إذ لم أعسد بحاجسة إلى مسن
ي سددها ع ني) وقلت له بأن فيل بي وزوج ته من الزوار الجدير ين بالدعوة وبأن مراقب تي له لي ست سوى إضا عة
للوقت .ومع ذلك أصر انغلتن على متابعتها ،كما استمر آل فيلبي يترددون على آل كويلند ان في المنزل او في
القارب حتى فر كيم فيلبي إلى التحاد السوفياتي في كانون الثاني (يناير) ،1963وأرسل في طلب زوجته .
أما أحداث الشرق الو سط التي اعتبرنا أ نا وآيخ قد تؤثر في أوضاع الكو يت وفي قلق ال سرة الحاكمة فكا نت
لحسن الحظ الكثر تطابقا مع كفاءاتنا :انها التأثيرات الجانبية للعبة هذا القرن المشارفة على بدايتها حيث جلس
كيم روزفلت في جهة يقابله جمال عبد الناصر في الجهة الثانية .ل بد لي هنا من التشديد على انني رغم بقائي
في وكالة الستخبارات المركزية على علم تام باستمرار علقاتي الطيبة مع عبد الناصر وبعض أفراد حكومته،لم
ي كن لي و صول إلى معلومات ع ما تفعله حكومت نا في مكافح ته با ستثناء ما ا ستقيه من ملحظا تي و من زملء
سابقين في الوكالة اختاروا إئتماني على بعض المعلومات رغم معرفتهم بأنني اعتبر العمليات المناهضة له خطأ
ما بعده خ طأ .وطيلة أيام أز مة لبنان في العام 1958تاب عت تزو يد رئ يس مجمو عة الوكالة في بيروت بكا مل
المعلومات عن ات صالتي بالم صريين ولم اش عر من الناح ية الثان ية باي مو جب لتبلي غه أي معلومات عن هم أعلم
بأن ها قد تكون مفيدة للوكالة في عمليات ها المناه ضة لع بد النا صر،ح تى ان ب عض أ صدقائي الم صريين اتهمو ني
بالل عب على الحبل ين ،لكن ني لم اف عل .وتأكيدا لذلك أقول بأن ك يم روزفلت هوالش خص الوح يد الذي تل قى تقار ير
شركتنا،وانني في موقع استطيع التأكيد منه بأن كيم تعاطى مع تلك التقارير بأقصى الحرص على سريتها .وبعد
قرابة السنة استقال كيم من الوكالة ،ل لينضم إلى شركتنا ،بل ليتبوأ منصب نائب رئيس شركة غولف اويل (أي
انه عاد وأصبح «رئيسنا» ثانية) واستأنف علقاته الودية مع جمال عبد الناصر.لم ينتح كيم جانب عبد الناصر
في خلفه المستمر مع حكومة الوليات المتحدة بل تعامل معه كصديق حول الحيلولة دون استمرار انزلقه نحو
الهاوية.
أظن انه كان باستطاعتي البقاء بعيدا عن اصدقائي في الوكالة لول شيء واحد هو شعوري بالحنين إليها! فقد كنا
نسبح في الموال ونعيش كالميركيين الثرياء خارج بلدهم (بيوت فخمة والكثير من الخدم ،الخ ).نعاشر طبقة
رجال العمال الثرياء في بيروت ،ومع ذلك افتقدت اصدقائي واجتذبني مركز الوكالة كما يجتذب الفراشة نور
197
السراج .إضافة إلى ذلك كانت المباراة القائمة مع عبد الناصر قد قاربت درجة الغليان عندما فصلت الوكالة إلى
فريق ها في بيروت عددا من ال صدقاء القدماء من مختلف مرا كز الشرق الو سط الخرى وكذلك من واشن طن
وبين هم ب عض «الشباب اللمع ين» المنتم ين إلى اركان الع مل ال سياسي الذي لم ي كن قد م ضى و قت طو يل على
استقالتي منه.
ومما زاد في حنيني بروز الخلفات بين الوحدات ذات الختصاص بحيث وجدت نفسي أقوم بدور الب الروحي
فأسستمع إلى تذمسر مختلف الفرقاء وأقسف بالطبسع على معلومات عمسا يجري فسي عالم التآمسر والخداع والعمليات
المخفية .أما رئيس فرع بيروت وهو عادة صديق مقرب فقد اعتبرني خصما له .ورغبة مني في اظهار حسن
النية تجاهه درجت على زيارته أكثر من مرة في السبوع لشير عليه كيف يدير وحدته .قد يظن المرء بأنه قدر
حسن نيتي ومساعدتي حق قدرها ،ل ،بل قال لي :بأل أتدخل بشؤون ل تعنيني .وما أن أخرج من مكتبه حتى
راح يرسل البرقيات راجيا ومستعطفا ريتشارد هيلمز إبعادي عنه .ولكن ل يمر وقت طويل حتى ترده برقية من
الخوين دالس يطلبان إليه فيها «الوقوف على رأي كوبلند وآيخلبرغر حول الوضع» فيقفز عن مقعده ليرتطم
رأسه بالسقف .لم يفهم المسكين أبدا انني ما كنت أقصد إل مساعدته .
أحجمست حتسى الن عسن ذكسر بعسض السسماء ولكسن لمسا كان رئيسس الفرع هذا قسد انتقسل إلى العالم الخسر بات
با ستطاعتي المخاطرة بإغضاب جما عة ال من في الوكالة .إ نه غ صن ز غبي المير كي اللبنا ني ال صل،ر جل
ممتاز بكل معنى الكلمة إضافة إلى تفوقه المهني .لم تكن عداوته الحقيقية موجهة لي بقدر ما كانت موجهة لحد
ال صدقاء القدا مى في الوكالة .ا نه ويلبور ايفل ند .م سكين ويلبور ف قد ا ستهلكت الم سكرات طاقا ته وت صح ف يه
مقولة «أنه عدو نفسه اللدود» كان لقاؤنا الول به انا وايخ في العام 1954في القاهرة حيث جاء برفقة العقيد آل
غيرهارت لقناع الرئيس جمال عبد الناصر بأن عدوه الحقي قي هو التحاد السوفياتي وليس إسرائيل ،رغم كل
الشواهد المناقضة لذلك.ما ان شاهدته آنذاك حتى احببته ،على العكس من آيخ ،لنه أخبرني في الدقائق الولى
للقائنا بعدم اقتناعه بالمهمة وبأن «جون فوستر» ألحقه بالعقيد للتأكد من تبليغ الرسالة لعبد الناصر «بشكل له رنة
الواقعية» وكانت آنذاك كلمة«واقعية» ل تعني شيئا لمن يتلفظ بها بل يترك تفسيرها لمن يسمعها.كما ان ذكره
ا سم «جون فو ستر» هكذا جعل ني اع تبره من الشلة لن ك يم روزفلت هو الوح يد في الوكالة الذي ي سمح لنف سه
تطاب قت آراء باقسي أفراد فر يق الوكالة في القاهرة مع رأي آ يخ ،وب عد اجتماع سريع مع هم (ك نت آنذاك ك ما
تذكرون «خريجا وفيا» أما آيخ فمن اهل البيت) وأجمع الرأي على اللجوء إلى خطة قديمة متبعة في الوكالة في
معاملة الزوار الذين نريدهم أن يشعروا انهم منا دون أن نعتبرهم منا حقيقة .أما الخطة فهي أل نخبرهم بشيء
198
ذي قي مة إن ما بشرح م ستفيض اي ما ك ثر دون أن يدل وبتك تم شد يد م صطنع .ول ما كان ويلبور من شله الذ ين
اكتسسب ويلبور تقديسر كيسم خلل الفترة الفاصسلة بيسن زيارتسه الولى للقاهرة وانتقاله إلى بيروت ليسساعد غصسن
ز غبي ،أو ليعر قل له عمله ،ح سب الظروف يوما بيوم .ف قد صار صلة الو صل ب ين ك يم ونظرائ نا البريطاني ين
حول قضية السويس،ينقل إليهم ما كثر دون أن يدل ويأتينا بمثيله من عندهم وما كنت لتي على ذكر خلفه مع
غصن لو لم يكن من النوع الذي يكثر حصوله في عالم الدبلوماسيين والجواسيس وأصحاب المقامات الرفيعة من
كان التد خل في النتخابات اللبنان ية عام 1957احدى العمليات ال تي شر عت ب ها الوكالة من ض من محاولت ها
لمكافحسة نفوذ عبسد الناصسر ال خذ بالتوسسع نتيجسة لمبدأ ايزنهاور .بسل يجوز القول الوقوف بو جه تدخسل سوريا
ومصر فيها ،حفاظا على مصالحنا ومصالح لبنان ومصلحة «العالم الحر» بكامله ولسباب فاتتني آنذا ،وأنا على
يقين من انها ستفوتني الني لو حاولت البحث عنها والتدقيق في موجباتها كان للوزير «جون فوستر» ولسفيرنا
في بيروت دونالد هيث ولغصن زغبي مرشح كل واحد منهم من المرشحين الطيبين أنما لكل منهم نقطة ضعفه .
أبدى ويلبور مهارة فائقة ليس فقط في افساد محاولت السفير هيث الرامية إلى اللتفاف على أوامر الوزير دالس
التي تقفز فوق السفير والسفارة بل كذلك في تضليل الشخصيات القادمة من واشنطن بين الحين والحين للتيقن من
حسن تنفيذ الوكالة والمسؤولين في السفارة والشخاص «غير الرسميين» للتعليمات المتصلة بالترويج لمبدأ ايزنهاور
.وعلى الر غم من كفا حه الم ستمر ضد م سؤولي الوكالة في بيروت والداري ين في واشن طن بشأن ال سراف في
النفقات حافسظ على علقات طيبسة مسع الخويسن «آلن» و«جون فوسستر» مسستمرا فسي دوره داخسل اوركسسترا كيسم
روزفلت الموجهة ضد عبد الناصر .من هنا ما زلت اعتبر الفترة بين عامي 1957و 1960على انها حقبة ويلبور
ما انفك الرئيس جمال عبد الناصر طيلة السنوات التي تلت تأليف «شركة كوبلند آند آيخلبرغر» مباشرة،يسجل
النتصار تلو النتصار فيما كانت الوكالة ووزارة الخارجية تنهزم أمامه مع الصرار على احراز النصر النهائي س
نصر على عبد الناصر وليس على القوى الوطنية المناهضة لسرائيل ولكل ما هو أميركي والتي استساغ الوزير
دالس ت سميتها «الشيوع ية الدول ية» .إن متاب عة اللع بة عن ك ثب أش به بمحاولة ح سم النقاش ب ين ولد ين حول من بدأ
الشجار بينه ما ،ف كل منه ما يقول« :بدأ الشجار عند ما رد لي لكم تي» .فالرئ يس ع بد النا صر قال ان ح صوله على
السسلحة السسوفياتية عام 1955مجرد جواب على رفضنسا امداده بهسا يوم كانست طائرات اسسرائيل تئز على علو
199
منخ فض فوق القاهرة خار قة جدار ال صوت فتح طم زجاج نوا فذ الفنادق .أ ما ن حن فادعي نا بأن الحر كة الولى في
اللع بة كا نت صفقة ال سحلة ال سوفياتية وان سحبنا عرض الم ساعدة في بناء ال سد العالي (الذي اع تبر ع بد النا صر
العلن عنه في الصحف إهانة) كان «ردة فعلنا» عليها .وكرت السبحة :تأميم ترعه السويس ،فالعدوان البريطاني
على الر غم من انعدام ال خبرة الخت صاصية في اعلن المبدأ المذكور ،ظن الب عض م نا أن بالمكان ا ستعماله
غطاء لب عض التحركات الرام ية إلى متاب عة النقاط ال تي ك سبناها لدى ع بد النا صر ع ند معارضت نا للعدوان الثل ثي
على مصر .لكن للوزير دالس رأيا آخر .فقد سارع إلى العتراف بأنه تعاطف سريا مع البريطانيين ولم يسكته عن
المجاهرة بذلك إل معارضسة الرئيسس ايزنهاور للهجوم فسي خطاب القاه .ثسم جاء حبسس شحنات القمسح عسن مصسر
وكذلك المسساعدات المال ية في ما كانست ت صارع لجلء غبار حرب ال سويس،فا ستغل عبسد الناصسر كل ذلك أحسسن
استغلل في حملته الدعائية وفي عملياته الخفية في مختلف الدول العربية .لقد حاول مرتين الطاحة بالحكم في
الردن وفشل ،وفشلت الوكالة في محاولتين لقلب النظام في سوريا .أما الفرق فكان ان عبد الناصر سوى أموره مع
الملك حسين ،بينما استمرينا نضغط على سوريا حتى فقدنا آخر أمل لنا فيها .في ذلك الوقت دأبت الوليات المتحدة
على تقديم المساعدات للدول العربية الصديقة فيما راح السوفيات يقدمون المساعدات العسكرية لدول غير صديقة لنا
وان لم ت كن بالضرورة صديقة ل هم .أدرك اخت صاصيو الوكالة بالشؤون ال سوفياتية ذلك الوا قع في ما أح جم الخوان
دالس عن ادراكه .فبالنسبة إليهما كل دولة مناهضة لميركا هي حكما دولة شيوعية .
يؤسفني ان ليس في حوزتي نسخ عن جميع التقارير التي بعثنا بها إلى شركة غولف اويل في بيتسبورغ خلل
تلك الفترة و ما زلت أذ كر ان رؤ ساءنا هناك سروا للطري قة ال تي ابقي نا في ها على ح صة غولف من الرباح على
م ستواها .ف قد كا نت نظرت نا إلى مهمت نا ان ها لم ت كن ف قط ارشاد الشر كة ول الكويتي ين إلى ما ي جب ان يخشوه بل
وكذلك ما يجب أل يخشوه .ومن خلل عملنا هذا تعلمنا درسا جديدا بشأن العمل الستشاري.
طلب منا رئيس شركة غولف بيل وايتفورد أل نحاول تسويغ المبالغ التي نتقاضاها بالكثار من التقارير عن كل
ما نشاهده .وقال« :ليس لدينا الوقت الكافي هنا للقراءة» .وصدف ان سكرتيرته سربت لنا انه بعد اجتماع لمجلس
الدارة سأل رالف رودز ،وهو أهم صلة لنا بالشركة«،لماذا ندفع الرواتب لهذين الرجلين؟» جاء استفهامه هذا بعد
مرور ش هر على بدئ نا بار سال ر سائل إلى الشر كة نقول في ها ان ل تطورات جديدة.ع ند تبليغ نا ر سالة ال سكرتيرة
عمدنا إلى استعمال طريقة الوكالة القديمة« :قل لهم ما كثر وقل دللة،واحطه بهالة من السرية والتكتم» .رأينا في
غمرة تسطير التقارير للشركة ان ل بأس من ادخال بعض الظرف فيها إضافة إلى بلغتنا وسعة اطلعنا فاعتمدنا
اسلوبا في التقارير جعلهم «يشعرون» حقا باجواء الشرق الوسط حيث مصدر معظم مداخيلهم.
200
اتبع نا الطري قة عين ها مع شر كة الطيران والم صرف المتعامل ين مع نا و في غضون سنة ارت فع عدد زبائن نا إلى
سبعة .ثم استقال كيم روزفلت من وكالة الستخبارت المركزية وانضم إلى شركة غولف اويل برتبة نائب الرئيس
المختص بالعلقات مع الحكومات الجنبية مستقرا في مكتب فخم في واشنطن .لم يطل المر كثيرا حتى بعث إلينا
بكتاب مطل عه« :هذه أ صعب ر سالة أكتب ها على الطلق» وانت قل من تلك العبارة إلى العتذار عن الجراء الذي
اتخذ مصرا على ان وجوده دا خل شر كة غولف اويل فيه فائدة لنا جميعا .وبله جة أكثر جدية بلغنا انه ذلك الح ين
فصساعدا علينسا رسسال جميسع التقاريسر إليسه ل إلى رالف رودز .ففعلنسا وإذا بسه بعسد فترة وجيزة يجنسي الدولرات
السمينة،حسب علم رودز .أما نحن فكنا نستلم حصتنا دون تحصيلها بعرق الجبين فيها الشركة تجهل ما نرسله إليها
أحدث انتقال ك يم من الوكالة إلى الشر كة تغيرات في حياة كل م نا (ا نا وآ يخ) .فبانتقاله إلى مك تب في واشن طن
يل يق بشخ صية نفط ية رفي عة المقام ا ستطاع ب سهولة الحفاظ على علقات اجتماع ية ود ية مع كبار الم سؤولين في
وكالة الستخبارات المركزية لقرب المسافة بينه وبينهم .قبلنا بحماس ان يحل كيم محلنا في عقدنا مع الشركة من
ج هة و مع الوكالة من جهة أخرى حسب ترت يب اع تبرته ملئما ولم يع تبر آيخ إل مجرد نا فع .وأ خذ آيخ يتل كأ في
الع مل ويش كك في هوي ته الضارة ويش كو من أزمات منت صف الحياة وي عبر عن حاج ته إلى ال سراف في المجون.
فأدر كت ان نها ية شركت نا قد د نت .و في نها ية العام 1959ف سخت شر كة غولف عقد ها مع «شر كة كوبل ند آ ند
آيخلبر غر» بين ما ا ستمريت ا نا أع مل لدى زبائن نا الخر ين وطلق آ يخ زوج ته وا ستقر في بار يس.و مع ان شر كة
غولف وكيسم اسستغنت عسن خدمات آيسخ اسستمريت أبعسث بالتقاريسر إلى غولف عسبر مكتسب كيسم فسي واشنطسن مسع
الحتفاظ بعلقا تي بالزبائن الخم سة أو سة أو ال ستة الخر ين .تمك نت بذلك التدب ير من تفادي مشا كل التمو يل و من
الحفاظ على مظا هر العلقات الطي بة مع أ صدقائي القدا مى في الوكالة علما بأ نه عند ما يب عث ك يم بتقاريري إلي هم
يشير إلى انها تأتيه «من مصارد عليمة جدا وموثوقة جدا».
م نذ العام 1960وح تى وفاة عبدالنا صر في العام 1970كا نت أهمي تي ال ساسية لشر كة غولف وزبائ ني الباق ين
وللوكالة ولكيم وحتى لنفسي ،استمرار علقتي بأصدقائي في مصر .وقرابة منتصف احداث العام 1958في لبنان
بعث زكريا محيى الدين باحد كبار ضباطه إلى بيروت للتصال بي وبسفير مصر فيها عبدالحميد غالب ،فيما راح
غ صن ز غبي و«قياد ته القليم ية» يجيشون طابورا من منت جي الفلم والدعائي ين ومهند سي ال صوت وال صيدليين
المختصين بعقاقير التأثيرات النفسية وتشكيلة من الختصاصيين المختلفين الذين يحسنون العربية والكردية والرمنية
وغير ها من اللغات المحك ية في المنط قة .وهكذا ،وفي ما كان سادتنا الحكام في واشن طن يتشدقون بالموا قف ويلقون
باللئمة على «الشيوعية الدولية» بوصفها سبب كل علل العالم ،دأب الختصاصيون بالعمل السياسي بلملمة ما امكن
201
مسن الحطام للحفاظ على التوازن بيسن فريقسي الحرب المصسطنعة فسي حقيقتهسا .ول وجوب للقول بأن التقاريسر عسن
اجتماعات متعددة ضمن زغبي وكبار أعضاء فريقه والسفير المصري ومبعوث زكريا محيى الدين وحضرتها انا
أيضا في منزل أ حد وجهاء بيروت إبان احتدام أحداث لبنان عام 1958س ل وجوب للقول بأن ها أر سلت بالطري قة
الروتين ية إلى م قر الوكالة في واشن طن بح يث ل يطلع علي ها من هم أرقسى رت بة من الضا بط المخ تص بشؤون
المنطقة.
من هنا يجوز تشبيه ما تسميه الحكومة الميركية فرق عملها الفعلي بالسمك السابح بهدوء في العماق غير آبه
بالنواء المزمجرة فوق سطح الماء ،إذ ما انف كت تلك الفرق تخرج من هزي مة لتعوض في اوحال معر كة خا سرة
آملة في نها ية المطاف بتحق يق الظ فر الخيرة .أ ما «فري قي الم صري» ،ك ما كان ي سمي الز غبي جهدي المتوا ضع
فش هد قيام الوحدة ال تي هند سها عبدالنا صر ب ين م صر و سوريا ،وتعا يش مع تفكك ها وا ستمر حيا إبان ضلوع ع بد
الناصر في قضية اليمن وفشلة في محاولتي انقلب في الردن ،تماما كما بقي «فريق دالس» على قيد الحياة رغم
عدد من النكسات ابتداء بقلب نظام الحكم الموالي للغرب في العراق وانتهاء بفرض عبد الناصر الحصار على ميناء
العقبسة واجبار قوات المسم المتحدة على الخروج مسن سسيناء .لقسد كان لعبسد الناصسر صسراعه مسع موقسف الحكومسة
الميركية المؤيد لسرائيل ومع اصرار دالس على البحث عن وجود «الشيوعية الدولية» وراء كل شيء،بينما كان
ينبغي عليه الدراك أن ما يحصل انما هو بدافع القومية الوطنية لبفعل الشيوعية الدولية .أما نحن الميركيين فقد
انشغلنا بتزايد قوة اندفاع عبد الناصر واصراره على قضم أكثر مما يتسع له فوه».
الفصل العشرون
عدت إلى القاهرة لجد ان سياسات «مصر أولً» التي اتبعها زكريا محيى الدين تحتضر وعلى وشك ان تنبثق
عن ها حق بة من الل عب ال سياسي أك ثر إثارة من أي حق بة آخرى عايشت ها في حيا تي .ف في آ خر محاولة لقناع ع بد
النا صر باتباع سياسة «م صر أولً» طلب زكر يا مح يى الد ين من ر جل الدولة والممول المير كي الشه ير روبرت
أندرسون (بوب الشريف) اختيار فريق من اصحاب المليين الميركيين من اصدقاء الرئيس جونسون واصطحابهم
إلى مصر ليشاهدوا بأنفسهم ما يقوم به من أعمال ،بغية إثارة اهتمام الرئيس الميركي وأدارته «بالعجلة التي تحاول
التوقف عن الصرير» .وفي أوائل العام 1967رافق سفير مصر في واشنطن محمد حبيب عددا من اثرياء ولية
تك ساس في زيارة لم صر للتعرف إلى الرئ يس ع بد النا صر وللح صول على انطباع مقبول عن القت صاد الم صري
والعودة به إلى الرئيس جونسون .نجحت الزيارة ولكن ومن أجل تدعيم حسن النطباع كان على زكريا محيى الدين
202
تقل يص الج يش وت سريح موظ في الحكو مة الفائض ين عن الحا جة واعادة ال صناعات المؤم مة إلى القطاع الخاص.
رضى الشعب المصري بالتقشف المفروض ،ولكن المساعدات الميركية الضافية ل توازي ما طلبه زكريا محيى
أخيرا تسنى للمسؤولين في سفارتنا في القاهرة ما يغرزون فيه اسنانهم :تزايد التململ في صفوف الشعب! ونتج
عن ذلك تزايد الرضا في واشنطن عن سياسات زكريا محيى الدين «المؤيدة لميركا» .في الوقت نفسه أخذنا ندرك
ان ال سرائيليين لم ي كن ف قط بمقدور هم التعا طي مع اعدائ هم ،بل ان هم يكرهون قيام مناف سين ل هم .ف ما أن شعروا
بوجود بوادر تعاطف في واشنطن مع سياسات زكريا محيى الدين حتى كتب الفشل لحكومة عبد الناصر .
أخذت الحداث تتوالى وراح ال سرائيليون ي سجلون النق طة ب عد النق طة على ا ستاذ اللع بة،الرئ يس ع بد النا صر،
يستدرجونه من فخ إلى آخر مسددين له الضربة تلو الضربة بين الفخ والفخ ،فيما هو يزداد شعبية ويحول الهزيمة
إلى فوز مهيب ،وهو فوز يخدم مصالحهم أكثر من خدمته مصالحه .
باختصسار مبسسط جدا ،بدأت الحكايسة بخطوات مسن جانسب زكريسا محيسى الديسن .ويبدو ان الخطوة الولى كانست
تقريرا سربه السرائيليون إلى السفير المصري في بروكسل لخصوا فيه تصريحا لمندوب أميركي أدلى به في أحد
اجتماعات حلف شمال الطل سي وجاء ف يه ان محاولت الحكو مة الميرك ية «الع مل مع العرب» لو ضع خ طط من
أجل الدفاع عن الشرق الوسط ،أخفقت بسبب «تقاعسهم عن التعاون» معها ضد الدعاية المعادية لميركا الصادرة
عن اذاعات القاهرة من جهة ،وتعاظم الصداقة المصرية السوفياتية من جهة أخرى .وانتهى التقرير إلى التأكيد بأن
أعقسب ذلك سسلسلة مسن الغارات السسرائيلية الخاطفسة على سسوريا والردن ادعسى السسرائيليون بأن غايتهسا
«القتصاص» من الهجمات الفلسطينية على اسرائيل .ولما عجز عبدالناصر عن الحصول على أي معلومات ثابتة
عن النشاط الفل سطيني في تلك الحق بة ،رأى ان ت صرف ا سرائيل جزء من ال ستعدادات لقا مة «محور ا سرائيلي
تر كي»( .ل ا ستطيع توض يح العل قة .كل ما أعل مه،ح سبما قاله ح سن التها مي آنذاك ا نه يرى العل قة وأقنع ني بأن
عبدالنا صر يرا ها أيضا) .وعند ما دمرت غارة ا سرائيلية قر ية ال سموع ال سورية* أعلن ال سرائيليون بأن الغارة لم
تكن لمجرد العقاب بل لتدمير قاعدة شرع السوريون ببنائها لتقوم منها قوات نظامية سورية بهجمات تخريبية على
إذا كان المقصسود بلفظسة Samuقريسة السسموع فسي منطفسة الخليسل الجنوبيسة،فإن اسسرائيل شنست *
هجومهسا على القريسة المذكورة بتاريسخ 13تشريسن الثانسي (نوفمسبر) . 1966ول توجسد قريسة سسورية
الميركي السادس يرسو على مقربة من الشواطئ لدعم اسرائيل في حال قرر السوريون ان الوقت حان لقيام حرب
أخد السرائيليون يتتعبون الستفزاز بالستفزاز في حملة مقرونة ببرنامج حاذق من المعلومات التضليلية اتخذ
منحيين :حمل الول عبدالناصر على العتقاد بأن اسرائيل على وشك شن هجوم واسع على سوريا هدفه الظهار
ان م صر ل تقوى على م ساعدتها؛ وح مل العالم على ت صور الع كس أي ان عبدالنا صر ي عد لمهاج مة ا سرائيل .ثم
جاءت أك ثر الحركات دهاء .ف في ر سائل عسكرية سرية مكتو بة بالشفيرة تبادل ها السرائيليون في ما بين هم و هم على
ثقسة تامسة بأن السسوفيات سسيلتقطونها ويحلون رموزهسا ،أوهموا العالم بأنهسم يخادعون .وعليسه انبسأ السسوفيات
عبدالنا صر ،تماما ك ما خ طط ال سرائيليون ،ان با ستطاعته الت صرف باطمئنان بالظهور بمظ هر القوة في ع مل ما
كان عبدالناصر في تلك الثناء ل يزال في وضع من الرتباك الشديد (وأظن بأنه أدرك ان السرائيليين قد فاقوه
حنكسة) حمله على العتقاد بأن أقسل وسسائل «عرض العضلت والقوة» كلفسة وأسسهلها المطالبسة باجلء قوات المسم
المتحدة عن الحدود الم صرية ال سرائيلية في منط قة الب حر الح مر وإحلل قوات م صرية محل ها .ل ر يب في ان
طلبا كهذا في م ثل تلك الظروف مدعاة ل ستهجان شد يد .ول كن الم ين العام لل مم المتحدة يو ثا نت فا جأ الجم يع،
ومنهم عبدالناصر بالستجابة للطلب .وهكذا تحول عبدالناصر إلى أسير طلبه ،ولم يعد في وسعه التراجع عنه دون
تحمسل خسسارة معنويسة فأدحسة ،كمسا لم يبسق امامسه سسوى حركسة واحدة يقوى علهسا :فحاصسر مضائق تيران وحرم
ال سرائيليين من الو صول إلى ايلت مينائهم الوحيد على البحر الح مر .ومما زاد الو ضع سوءا ان ت صرفاته تلك
قوبلت بالترح يب العارم في الدول العرب ية وعلى رأ سها سوريا .فأل قى خطابا ل بد لي زع يم عر بي أن يل قي مثله
في ظروف مماثلة ،تضمن عبارات مثل «نحن على استعداد لمجابهة اسرائيل»...و «نحن نقرر الزمان والمكان،ل
ا سرائيل» .كلم حما سي ينطوي على التهور ،إن ما ا ستساغه م ستمعوه العرب واغت بط له زعماء ا سرائيل إذ كانوا
أمسا بخصسوص مسا حدث فسي أعقاب ذلك فإننسي أتكلم مسن خلل خسبرتي الشخصسية .فقبسل يوميسن مسن اسستغلل
السرائيليين للفرصة التي قدمت لهم على طبق من فضة قال وزير خارجية مصر للموظف في السفارة الميركية
ريتشارد باركر ان عبدالناصر عنى كل كلمة تفوه بها وانه من الفضل ان تحاول حكومتنا البحث عن وسيلة «لنزع
فتيل الوضع المتفجر».بطريقي إلى بيروت صباح اليوم التالي مررت بزكريا محيى الدين وسمعت منه قولً مماثلً.
204
وفوق ذلك قال لي ان الثير ازدحم بالبرقيات المتبادلة أثناء الليل بين القاهرة وواشنطن وان الوليات لمحدة ستقوم
بكل ما في وسعها من أجل السلم .وأضاف زكريا ،وهو نائب رئيس الجمهورية والشخصية الثانية في مصر بأنه
سسيجتمع إلى نائب الرئيسس الميركسي هيموبرت همفري على متسن طراد أميركسي فسي البحسر البيسض المتوسسط،
وسيتوصلون إلى اتفاق ما ،أي اتفاق ،يمكن مصر من الستجابة إلى رغبة الرأي العام العالمي وسحب قواتها من
المنط قة العازلة ثم يد عو عبدالنا صر قوات ال مم المتحدة للعودة إلى مواقع ها .وأن هى زكر يا كل مه بالقول« :وهكذا
ينتهي كل شيء أجبته قائلً« :زكريا ،من المفروض ان استقل الطائرة ظهرا إلى بيروت ،كما أن الطائرة المتوجهة
إلى لندن تقلع في نفس الوقت تقريبا .وبعد سماعي ما قلته لي سأركب الطائرة الثانية لبتعد إلى أقصى ما يمكن عن
الشرق الوسسط .فالسسرائيليون ليسسوا مجانيسن ليفوتوا على أنفسسهم الفرصسة التسي منحسم إياهسا جمال (الرئيسس
عبدالناصر) .لقد قضوا سنوات في انتظارها مع علمهم التام بأنها قد ل تتاح لهم ثانية» .وبالفعل توجهت إلى لندن.
وفيما كان زكريا يحزم حقائبه راجيا الجتماع بنائب الرئيس همفري ،ضرب السرائيليون ضربتهم ودمروا اسلحة
طيران م صر و سوريا والردن وقتلوا ألو فا من جنود الدول الثلث (ولم يفقدوا إل أ قل من سبعمئة قت يل) واحتلوا
بعضا من أراضي ها ول يزالون (با ستثناء سيناء ال تي أعادو ها لم صر في أعقاب اتفاق عقدوه مع ال سادات خلي فة
عبدالناصر).
هل انتهى جمال عبدالناصر؟ كل! مساء 9حزيران (يونيو) ،أي بعد يوم واحد من قبوله وقف اطلق النار ألقى
عبدالناصر خطبة فعل الندامة فأبكت المة بأسرها معلنا استقالته ،دون سابق بحث في المر مع أي من وزرائه،
وتعيين زكريا محيى الدين رئيسا للبلد .وصلت القاهرة في اليوم التالي وقبل لي ان الصمت والجمود سادا مصر
كل ها في ما كا نت م كبرات ال صوت تن قل خطب ته والجماه ير م سمرة على الر صفة ت ستمع بوجوم ،ولول صوته لكان
يسمع رنين سقوط دبوس على الرض .وما ان انتهى من إلقاء خطبته حتى انفتحت أبواب الجحيم فراحت زمامير
السيارات تزعق والجماهير تجهش بالبكاء وانضم المشاة في الشوارع بعضهم إلى بعض كأنهم في مظاهرة نظمت
أخسبرني حسسن التهامسي الذي أقلنسي بالسسيارة مسن المطار ان عبدالناصسر لم يخسبر أحدا ممسن كانوا فسي منزله
بمضمون الخطاب ولم يسستثن أحدا حتسى أقرب الناس إليسه مثسل عبدالحكيسم عامسر ومحمسد حسسنين هيكسل،علما بأن
ترتيبات كثيرة قد اتخذت م ثل ترك يب م كبرات ال صوت واحتياطات أمن ية أشارت كل ها إلى تر قب ش يء هام.أخذت
البرقيات تنهال على القاهرة من جميع أنحاء العالم العربي تناشد عبدالناصر البقاء في منصبه و «الثأر لذلك اليوم!»
فقبل الرئيس جمال عبدالناصر المناشدات» «ونزل عند إرادة الشعب» فارتاح العرب وكذلك اسرائيل (وهي بحاجة
205
كان ذلك درسا لن أنساه تكونت خطوطه الكبرى في ذهني من الذاعات والصحف التي اطلعت عليها في لندن.
و صلت القاهرة في 10حزيران (يون يو) وعل مت من ح سن التها مي ان امتع تي قد نقلت من شق تي إلى جناح في
الطابسق العاشسر مسن فندق هيلتون حيسث أقمست لسسنتين متتاليتيسن .أمضيست اليوميسن التالييسن لوصسولي بأصسدقائي
الم صريين القدا مى الذ ين ا ستطعت العثور علي هم (لم أتم كن من الجتماع إلى زكر يا) وبأ صدقائي في ما تب قى من
سسفارتنا وبمختلف المراسسلين البريطانييسن والميركييسن الذيسن تجمعوا فسي الفندق .قضيست يوميسن فسي اعداد تقريسر
لزبائ ني ثم سافرت إلى بار يس ومن ها إلى واشن طن ح يث اطلع ني ا صدقائي في وكالة ال ستخبارات المركز ية ان
الوكالة تتبعت تطور الحداث منذ البداية وأنهم رأوا بوضوح أكثر مني أن «تصرفات زكريا محيى الدين الموالية
لميركا» لم تحمل على محمل الجدية في وزارة الخارجية وفي البيت البيض.
عدت ب عد ا سبوعين إلى القاهرة ل جد ان ا صدقائي الم صريين تعلموا الدرس جيدا .فب عد الحك يم عا مر ،رئ يس
أركان الجيش المصري وصديق عبدالناصر الحميم ،قابع في بيته يلعق جراحه ويستعين بتدخين الحشيش .وزكريا
محيى الدين استقال من رئاسة الوزارة للمرة الثانية وراح يولي اهتمامه لمزرعته في المحلة الكبرى .وحل محمد
حسنين هيكل محل عبدالحكيم عامر في صداقة عبدالناصر وصار صلة الوصل بين عبدالناصر وبقايا سفارتنا التي
تحولت بعد قطع العلقات الدبلوماسية إلى فرع المصالح الميركية في السفارة السويسرية ،وكذلك رفيقي الدائم في
كل زياراتي لعبدالناصر .في اجتماعي الول به بعد الحرب استقبلني عبدالناصر بحرارة ،خصوصا بعد أن أعربت
له عن اعتقادي ان بإمكان م صر ال ستمرار في علقات مع الغرب مفيدة للفريق ين عبر الم ضي في ح سن علقات
عملية بحتة ل سياسية ،مع المؤسسات التجارية الميركية ،ومن ضمن ما يراه ضروريا لما يعتبره«مصالح أميركا
السياسية» .
من دون أي تف سير لك يف وا ين وم تى ح صل ذلك ،قال لي ا نه سمع لتوه كلما مشابها من فم صديقنا المشترك
روبرت اندرسون (بوب الشريف) .حملني ذلك الجتماع على اعادة النظر كليا في عملي الستشاري .فاجتمعت في
اليوم التالي بمم ثل شر كة ستاندرد أو يل اوف انديا نا في م صر ،وبمم ثل شر كة طيران بان اميركان الذي عين ني
مسستشارا لقاء دفسع فواتيري فسي فندق هيلتون .ثسم ذهبست إلى بيروت حيسث انتدبست مسستشارا لشركتيسن للكمسبيوتر
والليكترونيات ولشركة بناء كبرى وعدتها جميعا بحسن المعاملة في مصر والمملكة العربية السعودية.
وكان با ستطاعتي تقد يم المز يد من الوعود ذلك ان تقاريري لزبائ ني الوائل وتوقعا تي الدقي قة عن حرب اليام
ال ستة وتأثيرات ها المتوق عة في سير اعمال هم ساهمت كثيرا في زيادة الطلب على خدما تي .أ ما الخطوط العري ضة
206
• س إن الغا ية ،من ح يث م صلحة زبون بمفرده ،تقد يم ادار ته المركز ية المعلومات اللز مة لتت خذ
الدارة القرارات الصحيحة بشأن امكانية استمرارها في العمل المربح من جهة والضامن لسلمة
• س اننا في جميع الحالت نجمع المعلومات في البلد المعنى نفسه وليس عنه وبوسائل مشرو عة
وعلينة.
•س إننا نستقي معلوماتنا الساسية (بالمقارنة مع «معلومات عامة»س شائعات وثرثرة صالونات،
الخ).من الراء العلمية والتقديرات العقلنية لدى المسؤولين في الشركة ليت تتعاطى معنا .ذلك
اننا نجري بانتظام دق يق مقابلت مع جميع موظفيها الذ ين سبق ان تأكد نا من سلمة معلومات هم
• س ا ستطعت في نها ية ال مر اقناع زبائ ني الكبار (أهم هم شركات الن فط) بان موظ في مكاتب هم
المختصسة بالعلقسة مسع الحكومات يجسب أن يكونوا ممسن يحسسنون اللغتيسن ويشعرون بدقائق
الحضارة المحليسة وقادريسن أيضا على إقامسة علقات طيبسة مسع الشرطسة ودوائر المسن بغيسة
الحصول على معلومات ذات طبيعة عامة .إن أهميتي كمستشار نابعة من انني أجمع المعلومات
حسب حاجته.
•سس عندمسا أصسبحت جهودي القليميسة معروفسة (لسست اعتمسد السسرية بنشاطهسا) تحولت مكاتسب
العلقات الحكوميسة هذه ومكاتسبي فسي بيروت والقاهرة إلى ملتقسى لجميسع اصسناف مروجسي
عملء السسفارات (ومنهسا سسفارتنا) وعملء الحكومسة المحلييسن .واتبعنسا فسي مكاتسبي الطريقسة
الكلسيكية لتحليل المعلومات :ل تسل عن «ماذا» انما سل عن «لماذا» .قد تأتيك المعلومات من
نوع رديسء ولكسن مجموع الحقائق ،وأنصساف الحقائق ،والكاذيسب المقصسودة لخدمسة أغراض
إن النجاح الذي لقي ته عائد إلى القدرة على تق بل المتناقضات وإلى نوع من المهارة في م ساعدة زبائ ني على
التكيف معها بإبعاد مصالحهم عن سياسات حكومتنا دون التنكر لها .على المستشار السياسي ان يكون حاذقا في
تف هم وتقد ير ماه ية ومدى أ صالة المشا عر المعاد ية لمير كا وقادرا على مقاو مة اغراء التعا طف مع ها .قد يكون
الشعور بالكراهية الذي يكنه الكثيرون من الجانب لنا صادقا .ولكن ل بد من دوام التذكير بأن هؤلء الجانب
207
أنفسهم ينقلون عنا أزياءنا ويشاهدون أفلمنا ويستمعون إلى أغانينا ،ويعجبون سرا بفوزنا في مختلف المجلت.
المنتم ية إلى حضارات أخرى ت حب الميركي ين الذ ين يحبون ها ولكن ها تش كك بالميركي ين الذ ين يحاولون الهبوط
إلى مستواها (أو الرتقاء إليه) .إن آرتشي روزفلت ،وهو من أرباب الذين يحسنون التفاهم مع شعوب تنتمي إلى
حضارات أخرى يتعمد الكلم بأقصى لكنة اميركية في نطقه بالعربية حفاظا على التقيد بهذه القاعدة.
بدأت أدرك خلل فترة ما ب عد حرب اليام ال ستة ان ال خبرة والمعر فة المكت سبين من الع مل ال سياسي الخ في
النا جح لزمتان في مجالت وا سعة من النشاطات ب ين حكو مة وحكو مة خارج نطاق الدبلوما سية التقليد ية و فن
سياسة الدولة .فم نذ أوا خر ال ستينات وح تى تقاعدي «الخ ير» اشتر كت في قرا بة العشرة أو أك ثر من العمال
ال سياسية الخف ية وا ستطعت ح مل حكومات متنو عة على احترام اتفاقات عقدت ها مع زبائ ني وكان بإمكان ها لولي
نقضها ،وحلحلت عدة عقد مستعصية في مفاوضات هامة ،عقد عائدة إلى سوء تفاهم سياسي (أو عائدة في بعض
الحالت إلى ادرك سياسي وا ضح وصحيح) .وتابعت كذلك اخطاء الحكومة الميرك ية على رقعة اللع بة الدولية
(و في حالت عديدة بمواف قة ضمن ية وم ساعدة خف ية من ق بل وكالة ال ستخبارات) من أ جل بلوغ معادلت تم كن
زبائني من الحصول على عقود مربحة أو من الستمرار في أعمالهم بموجب العقود المبرمة معهم.
ب عد القيام بتلك المهمات وغير ها عرض علي م صرف تجاري بريطا ني الع مل م عه في العام 1974لخطاره
بتوقعاتي عن موعد استقالة الرئيس نيكسون في أعقاب فضيحة واترغايت،وكان غرض المصرف معرفة متى
يشتري أو يبيع الذهب في أسواق المال العالية .فانتقلت إلى شقة في برج واردمن في واشنطن واستمر أبنائي،بعد
انتهاء والع قد مع الم صرف ،بت سديد بدل إقام تي في ها ح يث ر حت أرا قب ال سياسة دا خل الوليات المتحدة.وهكذا
صار لي،إذا جاز الت عبير ،مق عد داخلي في ما ا ستفاق ضم ير ال مة ب عد حرب فيتنام .كان من شأن تدم ير ادارة
نيكسسون إسسالة لعاب «الصسحفيين المنقسبين» الذيسن أخذوا يعدون العدة للتحقيسق فسي اوضاع وكالة السستخبارات
المركزيسة والشركات الكسبرى متعددة الجنسسيات ومختلف المجموعات والفراد المؤيديسن للشعور الوطنسي القديسم
الطراز .وكان ثمسة مسا يحمسل على العتقاد بأن السستخبارات السسوفياتية اخذت تعتمسد على «مناهضسة مناهضسة
الشيوع ية» كما در جت في الوليات المتحدة في الثلثينات أقل من اعتمادها على الشيوعية التقليد ية.فمناه ضو
مناهضة الشيوعية معرفون باليمينيين السذج ،أو «البلهاء النافعين» .ولكنهم يبغضون ويخافون القلة المدركة التي
208
قبل طرده من وظيفته زارني جيم آنغلتون ليريني رزمة من وثائق الكرملين المترجمة التي اعطاها له عملء
من الموساد .ومع الخذ في العتبار ان السرائيليين ادخلوا عليها بعض التعديلت وهي في طريقها بين موسكو
وواشنطن فقد تبين من الوثائق ان ما يعده السوفيات من حملت ل علقة له مطلقا بوسائل الدفاع التي يخطط لها
استراتيجيونا العسكريون .أخبرني جيم انه ناقش محتويات تلك الوثائق مع مرتد سوفياتي انتقل حديثا إلى الغرب
اخسبره بأن المخابرات السسوفياتية اكتشفست فسي أعقاب تردي الوضسع فسي فيتنام شعور الميركييسن بعقدة الذنسب
فقررت اللقاء بكامل ثقل حربها النفسية وراء تزكية ذلك الشعور ليس بواسطة قنوات دعايتها العادية بل بتدبير
احداث في مختلف انحاء العالم يتها فت علي ها الي ساريون في و سائل اعلم نا وي سيئون تف سيرها .وأشار المر تد
السوفياتي إلى أن المخابرات السوفياتية اختارت تشيلي والفيليبين وكوريا الجنوبية وزائير أهدافا مفضلة ليس لن
الوضاع فيها سيئة في اعين السوفيات أو في اعيننا،بل لن احداثا تثار فيها ستكون مشاهد تلفزيونية أشد اثارة
ولكسن السسوفيات وجدوا داخسل الوليات المتحدة اكثسر المواضيسع قابليسة للسستقلل .ففسي السسبعينات كانست
الخلفات حول مواضيسع داخليسة محددة مثسل الخلف بيسن مؤيدي الجهاض ومعارضيسه موضوعا هاما بالنسسبة
للسستراتيجية السسوفياتية باعتبار انسه يحول طاقات الميركييسن فسي خلفاتهسم الداخليسة عسن الهتمام بالمصسلحة
الوطنيسة العامسة .ورأى السسوفيات فسي القليات الثنيسة عنصسرا هاما يخدم اسستراتيجيتهم :اليونانيون الميركيون
للوقوف فسي وجسه أي خطسة دفاعيسة يتصسورها البنتاغون تنطوي على التعاون مسع تركيسا ،واليهود الميركيون
لزعزعة العلقات الميركية العربية ،والعرب الميركيون للوقوف في وجه أي مخطط يرمي للحفاظ على سلمة
مصادر امدادنا بنفط الشرق الوسط وقد يشتمل على تعاون مع اسرائيل .إن مجموع الضغوط التي تسببها تلك
القضايا إضافة إلى ضغوط أخرى ناجمة عن مواضيع تخريبية الطابع ،تشكل عبئا على امننا القومي أشد تأثيرا
من أي ش يء ا ستطاع ال سوفيات تحقي قه بو سائلهم الذات ية .ل قد سعى ال سوفيات لج عل أمير كا بلدا يض طر ف يه
الزعماء ال سياسيون إلى اكت ساب تأي يد ل يس 51بالمئة من المقترع ين بل خم سا وعشر ين مرة اثن ين بالمئة زائد
وا حد بالمئة ،ويكون هذا الوا حد بالمئة من المقترع ين بانتظار الفر صة ال تي ت سمح له بترج يح ك فة الفر يق الذي
يقدم له السسعر العلى .فمسن مصسلحة السسوفيات ان ننهمسك «باللعبسة المحليسة» حيسث «يتنافسس افرقاء متعددون
ويسعى كل لتأمين مصلحته الخاصة ،بشكل ينعكس على تحركاتنا على رقعة اللعبة الدولية .كانت تلك الحقبة في
برج وارد من المنا سبة الولى خلل خم سة وعشر ين عاما ال تي أت يح لي في ها مراق بة بلدي من المنظار المه ني
فصرت أرى زعماءها منشغلين بالقضايا المحلية والداخلية بحيث لم يكن بمقدورهم النضواء تحت لواء سياسة
209
يدعم ها الحزبان لر سم وتنف يذ « سياسة خارج ية خارج ية» [ عن حق وحق يق وب كل مع نى الكل مة] تخدم م صالح
البلد بأجملها.
ربما كان كبير أبنائي ،مايلز الثالث،يفكر بالتخلي يوما عن هوليود ليصبح وبدعم منها وزيرا للخارجية .
ولعله من أ جل ذلك جاء ني باقتراح ير مي من ورائة إلى تو سيع آفا قة في الم ستقبل .والقتراح ب سيط خل صته
تكر يس موا هبي الفذة لمراق بة أوضاع بلدي وت صور ما ت ستطيع المخابرات ال سوفياتية انجازه دا خل الوليات
المتحدة بلجوئ ها إلى ال ساليب ال تي ت ستخدمها وكالة ال ستخبارات المركز ية على م سرح سياستنا الداخل ية .وقال
ا نه ل ير يد الح صول على آراء رجال ال ستخبارات المهني ين بل يود الح صول على فكرة ن الخطار المحد قة
بأميركا كما يتصورها هو والميركيون القحاح مثله .وعليه ،وبالتعاون مع فيرونيك رود من السكرتيرة الخاصة
سابقا للوزير السابق هنري كيسنجر ،وضعنا ورقة عمل بعنوان :اثنتا عشرة طريقة لتدمير أميركا».ولما كانت
فيرونيك قد انض مت إلى مكتبي بعد استقالتها من خد مة كسينجرنكلفتها باجراء مقابلت مع عدد من المواطن ين
الرا سخين في يمينت هم والوقوف على آرائ هم واقتراحات هم .جاء ما كتب ته خل صة لجماع آرائ هم مثيرا للهتمام
لسببين :الول ،تبيان أن ما نفعله ببلدنا يكاد يتطابق مع ما كان السوفيات يودون فعله لو لم نسبقهم إليه .والثاني
انه أظهر بشكل مذهل المواقف الفكرية التي كان من شأنها تكريس رونالد ريغن أكثر رؤساء هذه البلد شعبية
أ ما بالن سبة لي شخ صا ف قد ف عل الدرس في نف سي ما ف تح عي ني إلى ان اليميني ين الميركي ين المتطرف ين ،شأن هم
شأن أمثالهسم البريطانييسن ،يبنون آراء بالغسة التشدد اسستنادا إلى معلومات بالغسة الضحالة .اعتقدت قبسل ذينسك
الكتشافيسن ان الذيسن يرسسمون لنسا مثالياتنسا ليسسوا منقسسمين بيسن اليسسار واليميسن أو او بينهسم «الحمائم» مسن جهسة
و«ال صقور» من ج هة ،بقدر ما هم إ ما براغماتيون (ذرائعيون) عمليون ي صرون على وجوب وجود فكرة واض حة
عسن نتائج أي عمسل قبسل القدام عليسه .أو مثاليون يؤمنون بوجوب القيام «بالعمسل الصسحيح» مهمسا كانست نتائجسه.
وظننست أيضا اننسا نحسن اليمينييسن دائما براغماتيون وان المثالييسن حكما يسساريون .إل انسه تسبين لي كذلك ان نسسبة
القتناع إلى المعر فة لدى المفكر ين اليميني ين متقار بة جدا مع مثيلت ها لدى نظرائ هم الي ساريين وان اليميني ين أك ثر
مثالية من اليساريين وانهم يعدلون المعلومات لتتناسب مع آرائهم بدلً من اعتماد العكس.
تبادر لي فجأة ان موافق تي على الفكار الواردة في ور قة «الثن تي عشرة طري قة لتدم ير أمير كا» ان ما هي
منبثقة من آراء ل تستند إلى معلومات .فأقربائي في السياسة على حق انما لعدة اسباب مغلوطة كما انهم اتخذوا
لنفسهم ادوارا لم أقو على القبول بها ،فقد اعتبروا أنفسهم «قلقة» في حين كلمة «دفاع» تفي بالعرض،وصرت
كلما أصغيت إلى تكرار آرائهم أخال نفسي أسمع صوت البعض والكراهبة الوارد في العهد القديم المناقض للقيم
210
الواردة في الناج يل ال تي جعلت ها جزءا من طريق تي في الحياة .وشعرت بان أي تحرك قد نقوم به على رق عة
اللعبة الدولية وفي ذهننا كلمات سقر تثنية الشتراع الوارد في الصحاحين السادس والسابع [الشهادات الفرائض
والحكام والو صايا ال تي أو صى ب ها الرب] سيؤدي ب نا إلى صعوبات لن تقوي دولة بقوة دولت نا على معالجت ها
وتخطيها.
وفيما كنت انهي سنواتي الثماني من مراقبة ادارتي كارتر وريغن ضم أبنائي وغيرهم من كبار العاملين في
صناعة السينما والتسجيل الموسيقى جهدهم وقدموا تبرعات لعدد من المؤسسات الخيرية تتكلم باسم «الميركيين
الميركي ين» أي تلك القل ية ال تي تد ين بالولء لبلد وا حد هو الوليات المتحدة ول توزع ولء ها ب ين الوليات
المتحدة وايرلندا أو بينهسا وبيسن اليونان أو بينهسا وبيسن اسسرائيل .جاء آخسر تسبرعاتهم حمولة طائرة مسن المواد
الغذائية والطبية لبلد في شرق افريقيا حيث يموت آلف الناس حوعا .رافقت الطائرة بطلب من مرسليها وزرت
مخيما رأ يت ف يه اللوف ممدد ين على الرض ل يقوون على الوقوف من هزال هم .ب عد جول تي تلك تحد ثت إلى
) س ا نه يع تبر اللوف المرتم ين أرضا «أفقي ين» والذ ين ي ستطيعون الوقوف على اقدام هم وا ستعمال (1
البنادق «عموديين» .
( )2س إذا انخ فض عدد سكان افريق يا بقرا بة ال ستة ملي ين ش خص لن يكون ذلك بمثا بة كار ثة عال ية أو
فكرة سيئة ؛
) س ال مح من خلل ملحظات أخرى إلى ان حكوم ته مدي نة بعرفان الجم يل إلى ال سوفيات أك ثر من ها (3
إلى الميركيين والوروبيين الغربيين ،لن السوفيات يقدمون السلح «للعموديين» القادرين على تأييد
حكومة تعمل «من اجل مصلحة الشعب كله»،بينما ل نقدم نحن الغربيين سوى الطعمة التي ل تشفي
بل تطيل أمد البؤس والشقاء الذي يعيشه «الفقيون» الذين ل خير يرجى منهم .من هنا رأيت ان ل
بد لي من التفك ير ثان ية بمضام ين مفهوم «ن حن س هم» الوارد تكرارا في الع هد القد يم من الكتاب
و«بيست النمسل»
بعسد انقضاء قرابسة السسبوع على اتخاذي قرارا بتأليسف هذا الكتاب رن جرس الهاتسف فسي منزلي فسي لندن
ووجدت على الطرف الخر من الخط صديقا حميما هو نائب الرئيس المختص بالعمليات في أوروبا في احدى
211
شركات النفط التي تعاملت معي سابقا .طلب مني بصوت ل يخلو من التوتر موافاته إلى بيته القريب من بيتي
وقال ا نه بحا جة الى خد مة شخ صية ها مة .طالع ني في غر فة المكت بة عنده رئ يس دائرة أ من الشر كة القادم من
نيويورك ومحامي الشركة في لندن ورجل متوسط في السن يرتدي بدلة رمادية لم يعرفني به أحد .أما موضوع
الخد مة المطلوبة فهو اختفاء كليمنت ين ،ابنة صديقي «بوب» (اسم مستعار) وعمرها خم سة وعشرون عاما وقد
الوقائع المتوافرة بسسيطة .غادرت الفتاة منزل أبيهسا عنسد السساعة التاسسعة مسساء يوم الحسد فيمسا كان أبوهسا
يستضيف زهاء عشرين مدعوا لوليمة عشاء درج على اقامتها كل شهر تقريبا .لم تخبر أحدا بسبب خروجها في
برد تلك الليلة الممطرة .انقضى منتصف الليل ولم تعد فقلق أبواها .وخلل مكالمة هاتفية دورية درج أبوها على
اجرائ ها في منت صف ل يل كل يوم أ حد مع رئ يس الشر كة «جون» (ا سم م ستعار) في نيويورك ،جاء على ذ كر
اختفائ ها فأبدى جون اهتماما غ ير عادي بالموضوع وو جه إلى بوب أ سئلة ل ها مغازي ها عن عادات ها الشخ صية،
مصرا عليه التصال بمسؤول أمن الشركة في نيويورك اذا تخلفت عن العودة عند الساعة التاسعة من صباح
الثنين .وهكذا فعل بوب فاستقل مسؤول المن طائرة الشركة وتوجه إلى لندن .
سألت :ما المطلوب م ني ،فأجاب ني الم سؤول« :العثور على الفتاة دون ال ستعانة بشر طة لندن» .ول ما نظرت
إلى بوب مومئا بالر فض قال« :ل ست أدري م نك ب سبب عدم معال جة هذه القض ية على ان ها عائل ية بل على ان ها
تخص الشركة .ومن ضمن الخدمة الشخصية التي أرجوها منك ضم جهلك بالموضوع إلى جهلي به وساعدني
للعثور على ابن تي علما بأن الشر كة ستدفع بدل أتعا بك مه ما بلغ» .وه نا انحلت عقدة ل سان الم سؤول عن أ من
الشركة فقال انه استقال من مكتب التحقيقات التحادي وانضم فورا إلى ملك أمن الشركة ليجد أن رؤساءه الجدد
يتابعون عن كثب قضايا الرهاب الدولي عموما واحتمال خطف مدراء الشركات خصوصا .أضاف «:ليس من
المفروض ان اطل عك على ان في مك تب التحقيقات ملفا خا صا بكليمنت ين وف يه ان ها شوهدت أخيرا برف قة ب عض
الشخاص المشبوه ين جدا .ا ستنتجت فورا بأن هؤلء ينتمون إلى هيئة ت سمى «اللج نة البريطان ية العرب ية لتفا هم
قبلت المهمة وقمت برفقة مسؤول المن في الشركة واسمه الحقيقي جيري كوالسكي ومعنا بوب وصديقي قائد
شر طة المنط قة نب حث عن ها في المحلة فلم نع ثر علي ها .عد نا إلى ب يت بوب ل ستجماع أفكار نا وخلل الحد يث
أ خبرني بوب ان ابن ته تلت قي فعلً ب من قد يبدون للنيويوركي ين «أشخا صا مشبوه ين جدا» .أ صر بوب على ان
كليمنتين «فتاة أميركية عادية» ل علقة لها بالسياسة وان كانت لها آراؤها بشأن الصراع العربي السرائيلي .
ف قد تعل مت في مدر سة في بيروت و ما يزال رفاق ها ال سابقون في المدر سة يت صلون ب ها من و قت إلى آ خر،
212
وبعضهم فلسطينيون .التفت بوب إلي قائلً :إننا إذا لم نعثر على أي دليل في لندن ينبغي أن أذهب إلى نيويورك
للوقوف مسن جون على سسبب الهتمام الذي أبداه مسساء الحسد السسبق أثناء مكالمتهمسا الهاتفيسة .هنسا فقسط تكلم
صاحب البدلة الرماد ية .أ نه المشرف على «المشار يع الخا صة» في الشر كة و هو مخول بتغط ية كا فة نفقا تي
إضافة إلى بدل اتعاب يكفي للتعويض عن تنازلي للقبول بمهمة ليست لمن هم في سني وفي مركزي الجتماعي.
ولمسا كنست قسد باشرت بوضسع هذا الكتاب وانهمكست فسي الطلع على مشاكسل الرهاب الدولي ومتابعتهسا
ب صفتي خريجا وفيا من وكالة ال ستخبارات المركز ية ،وجدت في الخد مة الشخ صية المطلو بة م ني فر صة ل
يجوز تفويت ها مطلقا .قض يت ا سبوعا في لندن أتن قل ب ين أ صدقائي في مختلف دوائر التحري وال من ومكاف حة
الجا سوسية أج مع المعلومات حول نشاطات الفل سطينيين في لندن من خ طف وا ستقطاب مؤيد ين وتحو يل أموال
وتعاون مسع الجيسش الجمهوري اليرلندي وغيرهسا .ثسم توجهست إلى نيويورك وواشنطسن فوجدت فسي الولى ان
السسلطات تنظسر إلى النشاطات التسي قسد تشيسر إلى اسسباب اختفاء كليمنتيسن على انهسا مواضيسع تسستدعي اتخاذ
اجراءات وقائ ية دون أي اشارة إلى الفلسطينيين أو أي مجموعات أخرى قد تحظى بعطف ما داخل دول نفط ية
.أما في واشنطن فوجدت ان مكافحة الرهاب باتت صناعة نامية ومتوسعة يحدد فيها السياسيون الهداف ويقوم
مدعو الختصاص بها بلملمة الحطام .لم ترشدني مقابلتي في المدينتين إلى أي دليل يقودني إلى كليمنتين وإلى
سبب اختفائ ها ،ولكن ها انارت ب صيرتي حيال ملب سات اختفائ ها وال جو المب ني على الفتراضات والتكهنات الذي
لن أحاول و صف متاهات التعا طي هذا بل سأعلق ف قط على ك يف قاد ني الب حث عن كليمنت ين للو صول إلى
نظرية «مكافحة الكارثة» كما يفهمها اي مقامر يعرف كيف يتجنب الدخول في طريق مسدود .فالطريق الذي بدأ
صباح يوم مم طر في منزل بوب في لندن لم يل بث ان تش عب م نه طريقان ثم أرب عة ثم ستة ع شر وهكذا ح تى
صار ككرة الثلج ممتدا إلى ب عض أقطار أورو با وافريق يا والشرق الو سط فعرج على اك ثر من مئة دبلوما سي
ووكالة ا ستخبارات ودائرة شر طة ،وأدى إلى اكتشاف عشرات الرهابي ين غ ير المعروف ين سابقا والمجموعات
السسياسية السسرية مسن جنسسيات مختلفسة ،دون اكتراث يذكسر باختفاء كليمنتيسن ،علما بأن صسدفة غريبسة أدت إلى
العثور عليها.
أم سك كاوال سكي بطرف الخ يط الذي أدى إلى العثور على كليمنت ين بأن ر كب رقما هاتفيا مغلوطا .ول ما كان
ذلك الرقسم سسريا غيسر مدرج فسي الدليسل اعتسبر المتكلم على الطرف الخسر م نه ان باسستطاعته الحديسث ببعسض
الحرية باعتبار ان الرقم ليس معروفا إل لدى شلة معينة وذكر شيئا عن «فتاة اميركية مفقودة» تلك هي الصدفة
213
التي أدت إلى التحركات التي أوردت ذكرها أعله وإلى العثور على كليمنتين .ومن خلل تأملي في كل ما جرى
اتبعت طريقة بسيطة أدت بي إلى تطوير نظرية «مكافحة الكارثة» رسمت على ورقة ما بذل من جهد في
كل من ها غا ية جديدة ت سبب نتائج جديدة فانته يت إلى فروع وأغ صان متشاب كة ل تع ني شيئا سوى الدللة على
اندفاع من أ جل غا ية واحدة ،وعلى وجود الكث ير من الطرق الم سدودة والمتطلبات المغلو طة .و تبين من خلل
ذلك كله ان مع ظم المشترك ين في هذا الج هد شاح نظر هم عن غا ية بحث هم ال ساسية أو ان هم اثناء بحث هم ألهت هم
قضايا ل علقة لها بموضوع نشاطهم فغاصوا فيها لبلوغ نهاياتها وكشف غموضها .ورسمت على ورقة شفافة
كسل مسا اسستطعت اعتباره ذا صسلة واضحسة بموضوع البحسث وطبقست الورقسة الثانيسة على الولى فتعرفست إلى
موا طن الن قص وبذا اكتش فت ما اسميته «النمط» أي الطري قة التي يتب عا فر يق من الناس يعملون معا في مه مة
رسمية أو ينتمون إلى حضارات مشتركة ولهم حوافز مشتركة ،في مواجهة تحد واضح المعالم .ففريق كهذا يبدأ
بالبحث عن قضية واحدة أو بالعمل على مسألة محددة ثم يوسع بحثه محددا تصنيف القضية ويتوسع بتفسيرها ثم
تندفع وحداته المختلفة في اتجاهات متعددة وتبقى الغاية المشتركة سليمة .
كان من دواعي اعتزازي بالطبع ان يضعني زملئي في مصاف ألبرت اينشتاين وغيره من العباقرة .ولكنني
اعترف بتواضسع كلي ان نظريسة مكافحسة الكارثسة ليسست سسوى اظهار صسلة العلوم النظريسة الصسرفة بالعلوم
التطبيقية في مجال التحقيقات والتحريات .ولكن فلننظر فيها ،إلى جانب ما قلته في فصول سابقة عن مستويات
اللعبة وعن تفاعل الدوافع الشخصية في نفس أي لعب بمفرده ،وننظر عبر ذلك إلى تصرفات اللعب الهم
لنأخذ مثلً مجلس المن القومي .فهو يتألف من رئيس الجمهورية ونائبه ووزيري الخارجية والدفاع ورئيس
أركان القوات العسكرية ومدير الستخبارات .من المفروض ان يلتئم المجلس اسبوعيا لدراسة «تنسيق السياسات
الداخل ية والخارج ية والع سكرية المت صلة بال من القو مي» .و من المفروض ان يكون موضوع الب حث ما يقد مه
ش خص لق به الر سمي «م ساعد الرئ يس» ولك نه يعرف عموما على ا نه م ستشار الرئ يس لشؤون ال من القو مي.
والمفروض في هذا الخ ير ودائر ته المؤل فة من أك ثر من اربع ين موظفا ج مع كل المعلومات الواردة إلى الب يت
البيض عبر وكالة الستخبارات المركزية وغيرها من الوكالت وتصنيفها في ابوابها وتحويلها إلى تقارير تحدد
214
من ح يث المبدأ ،لبأس في تركي بة كهذه .ول كن توضيحا لنظر ية مكاف حة الكار ثة دعو نا نن ظر في «أ سوأ
سيناريو مم كن ت صوره» ،أل و هو :ادارة الرئ يس ري غن .ف من ب ين م ستشارية للشؤون الدول ية :وز ير الخارج ية
المشهود له بالذكاء الحاد والكفاءة الرفي عة مع الفتقار الكلي إلى اي خبرة في التعا طي مع الجا نب والحكومات
الجنبيسة ،وينقصسه فوق ذلك «التحسسس» بأي حضارة غيسر الحضارة الميركيسة ،اضافسة إلى انسه يتحول إلى
العاطفية بعيدا عن المنطق لدى مواجهته اشخاصا ل يقدرون ويحترمون «القيم الميركية» مثله .ومن بينهم أيضا
مدير وكالة الستخبارات المركزية وهو رجل يتحلى بمستوى رفيع من الحكمة والكفاءة ،ولكنه لم يبرهن عنهما
في مجال جمع وتحليل المعلومات بل في مجال ادارة حملة ريغن النتخابية .وبر هن المستشار الثالث الهام في
سبحة المستشارين ،وقد قضى بعض الوقت في العمل في حقل المن القومي واكتسب خبرة ضئيلة فيه ،برهن ان
يتبين مما أوردته ان تركيبة الستخبارات وال من القومي في ايام ريغن لم تكن مثالية ،وان سابقاتها أفضل
منها وان تلك التي تنت ظم في عهد الرئ يس جورج بوش قد تكون افضل بكث ير .ول كن من طبي عة المور ان اي
منظو مة مناط ب ها تحل يل وتلخ يص المعلومات ووضع ها على مك تب رئ يس الوليات المتحدة معر ضة لتأثيرات
قوى الف ساد والف ساد وبالتالي لي ست مثال ية .ف في اعتقادي ا نه لو حاول ال سيد لي اياكو كا ادارة شر كة كرايزلر
استنادا إلى معلومات هزيلة كالتي يتلقاها رئيس الوليات المتحدة لفلست كرايزلر خلل سنة أو أقل .
ولكسن الوليات المتحدة ليسست على أبواب الفلس ،او نسستطيع على القسل القول بأن احتمال هزيمتهسا فسي
اللعبة الدولية أدنى بكثير مما تشير إليه المعلومات الموثوقة .وهذا ما ينقلني إلى نظريتي «:مكافحة الكار ثة».
وإلى مسا اسسميناه فسي وكالة السستخبارات المركزيسة القديمسة «بيست النمسل» .يقول المؤمنون بالكوارث ان خفقان
جناحسي فراشسة قسد يثيسر تيارا خافتا يؤثسر تأثيرا محدودا جدا فسي اتجاه مجرى هوائي اقوى وان مجموع تلك
التحولت قسد يحدث اعصسارا فسي بقعسة كانست لتبقسى هادئة لول ذلك الخفقان .كمسا ان مجنونا يطلق النار على
سسياسي محلي فسي بلد مغمور فتتوالى الحداث وتؤدي إلى نشوب الحرب العالميسة الثالثسة .أمسا نظريسة مكافحسة
الكارثة فأقول فيها بأن في المستويات الوسطى من موظفي وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالة الستخبارات
المركز ية والب يت الب يض إدراك أب كم و صلب مج ند بطري قة ما وراء غا ية مشتر كة دون ان يكون الموظفون
المشار إليهم على معرفة بتلك الغاية ،أو معرفة بعضهم البعض .فمن دون جلبه يحول هؤلء برتابة دؤوبة جبال
رؤ سائهم التكتيك ية إلى كومات ا ستراتيجية صغيرة يدفعون ب ها بهدوء ال صفحات الداخل ية في صحفنا .كان ج يم
آنغلتون الخبير بمكافحة الجاسوسية يقول لنا :إن النملة الواحدة خالية من اي ذكاء ولكن لبيت النمل،كمجموعة،
ذكاء جماعيا مذهلً .هكذا يبدو حال «نملت نا» اي مجت مع ال ستخبارات المير كي الذي ل يعرف افراده بعض هم
215
بعضا كما انهم ليسوا على دراية حتى بوجوده .فنظرة تفحص دقيقة على كوارث كانت محتملة الحصول ونزع
فتيلها بحيث كادت ل تستاهل العلن عنها تبين ان كبار صانعي القرارات عندنا يرسمون السياسات التي تتناهى
إلينا (كقولهم «اننا ل نفاوض الرهابيين») ولكنهم ل يحددون المنحى الذي تتخذه سياساتهم تلك.
سأعطيكم على ذلك مثلً .فبعد اختطاف سفينة السياح «اكيلي لورو» قرر كبار مستشاري الرئيس ريغن الرد
المنا سب :ق صف الج هة المفترض ان تكون وراء الختطاف أي حكو مة العق يد مع مر القذا في في ليب يا .وهذا ما
فعلتسه اميركسا .كانست غارتنسا غلطسة وعلى الرغسم مسن إنكار البعسض ذلك ،فقسد اعتبرهسا المهنيون فسي دوائر
ا ستخباراتنا و في الخارج ية خ طأ فادحا .ول كن الرئ يس ري غن وجورج شول تز وكا سبر واي نبرغر وول يم كاي سى
وغيرهسم مسن كبار رجال دولتنسا صسفقوا للغارة على ليبيسا على انهسا نجاح باهسر وتبجحوا بأنهسا اسسكتت القذافسي
وأوق فت الرهاب الدولي ولو مؤقتا .ل شك فسي انكسم تذكرون الحكايسة ون في وز ير الخارج ية شول تز ان يكون
هدفها قتل القذافي والتخلص منه ،علما بأنه اضاف وعلى وجهة ابتسامة ماكرة بأنه لو مات القذافي فلن تتساقط
لريب في انكم تتصورون ان الحكومة الميركية تصرفت بعد الغارة كما لو انها حلت المعضلة فعلً .فلو ان
كبار الم سؤولين عند نا آمنوا حقا ب ما هنأوا أنف سهم عل يه ،افل يخلدون إلى ال سترخاء وتخف يض ميزان ية مكاف حة
الرهاب ؟ أو ل يعيدون زوجات دبلوماسيينا إلى ازواجهن في العواصم التي اعتبروها معرضة للرهاب أكثر
من غيرهسا .ل ،على الع كس ،ف قد تعززت الجراءات المن ية حول بعثاتنسا الدبلوما سية فسي الخارج وأع يد إلى
الوليات المتحدة زوجات وأولد الدبلوماسيين في اكثر من عشر بعثات ،وزيدت ميزانية مكافحة الرهاب بأكثر
وخلل ال سنة ال تي تلت الغارة على ليب يا تضا عف عدد المحاولت الرهاب ية ول كن ق ضى على اكثر ها ق بل
تنفيذها .حصل ذلك أثر زيادة اليقظة في منظومتنا المنية وباستبدال من عينوا انفسهم «خبراء مستشارين للبيت
البيسض بشؤون الرهاب الدولي» بمهنييسن اصسيلين .بعسد الغارة على ليبيسا سسيطر ضباط سسوفيات صسغار على
مقدرات ادارة القذافسي وأدخلوا التحسسينات على نشاطات ارهابيسة حسسب ارشادات الخسبراء السسوفيات .إل ان
«نملت» وكالة ال ستخبارات المركز ية اخترقوا ب صمت خل يا تدر يب الرهابي ين الخذة بالنشوء خارج ليبيسا،
وحولو هم إلى مقاتلة بعض هم الب عض .جرى كل ذلك في ما كان كبار الم سؤلين في حكومت نا ،ب من في هم الم سؤول
الول عسن الدائرة المختصسة بذلك ،غافليسن تماما .هذه هسي النقطسة التسي اردت بلوغهسا ،اي انسه فيمسا قامست
«النملت» بمهمتها كانت هي الخرى تبدو جاهلة بأن عملها انما يتناقض مع العتقاد بأن الغارة كانت ناجحة .
216
اني اؤمن بفعالية حكومتنا على وجه العموم وبقدراتها الداخلية على انقاذ نفسها من نفسها،وان كنت أرتاب في
بعض الحيان بحسن قيادتها س ل أعني القادة أنفسهم بل منظومة القيادة في اي دولة ديمقراطية .فهناك قدرتنا
على انجاح سياسة خاطئة بمجرد اللقاء بثقلنا خلفها .لقد أخطأنا مرات عديدة في الماضي ،ولكن ثمة دلئل تشير
إلى احتمال فقداننا ما نحتاج إليه لتركيز قوانا وطاقاتنا لمواجهة القوى التي تحاول تدميرها .إضافة إلى ذلك ثمة
ما يحمل على التشكيك في ان قوتنا ليست من الصنف المناسب لمواجهة اخطار وشيكة ،كقوة السد أو الفيل إذا
هاجمت أيا منهما اسراب من النحل السام .قد نستطيع منازلة دولة عظمى في حرب تبدأ غدا وقد نظفر فيها .
اليرانييسن و«العرب» والعالم السسلمي او العالم الثلث كله ان هسو قرر التحول ضدنسا .لدينسا مسا يحملنسا على
العتقاد بأن السستراتيجيين السسوفيات يدركون هذا المسر تماما وبأن الحرب العالميسة الثالثسة التسي يتصسورونها
ستكون مواج هة بين نا وب ين قوى غ ير محددة الش كل في العالم الثلث يد عي في ها ال سوفيات مو قف الحياد .و مع
ا ستمرار تفاؤلي بم ستقبلنا ا ستطيع الشارة إلى عدة و سائل تمكن نا من تح سين أوضاع نا ،علما بأن ني مررت ب ها
ضمنيا في الفصول السابقة .فمن حيث انني اؤمن بما عندي من خبرة أقول ان «العمل السياسي الخفي» الذي
نجحت فيه بشكل فريد مكن في بعض الحالت أمن الوليات المتحدة من تجنب اخطار جدية ،وساعد في احيان
اخرى زبائنسي التجارييسن على البقاء المربسح فسي أمكنسة كانوا لول مهارتسي ليطردوا منهسا .وأسستطيع القول بأن
اما الذين يقولون بوجوب منع العمل السياسي الخفي فإنهم يريدون التخلي عن الحل قبل ادراك ماهية المشكلة
ادراكا كاملً .فالزعماء الذين ل يهتمون إل للنتائج والذين كتب علينا العتماد عليهم يبدأون مناقشة المشكلة من
نهايتها .فقد يقررون ان من الفضل ترك المشاكل دون حل على المخاطرة بحلول قد تخلق المزيد من المشاكل .
أ ما إذا قرروا ان المشا كل جد ية إلى حد يتح تم م عه ايجاد ال حل فعلي هم الن ظر في كل الحلول الممك نة .وإذا ما
وجدوا حلولً أخرى أ شد فعال ية وأ قل كل فة وأ خف خطرا ف من واجب هم اللجوء إلي ها .وإذا ما رأوا ان ل و سيلة
أخرى فعلي هم الت سليم بأن ل حول ول قوة إل بال سماح بالع مل ال سياسي الخ في .وه نا ل يكون الت ساؤل «ع ما إذا
أرى الن وقد تجاوزت الخامسة والسبعين ان السنوات ما بين 1981و 1987أحدى سني حياتي .صحيح ان
أوا خر العشرينات وأوائل الثلثينات من الع مر غالبا ما تكون سنوات رائ عة في حياة الن سان ،ول كن للشيخو خة
217
بهاؤهسا ورونقهسا .وأنسي لفضسل أواخسر السستينات وأوائل السسبعينات عليهسا مسا دام النسسان ينعسم بصسحة العقسل
والجسد .فحذار من كلم عجوز يقول العكس .ففي هذه الفترة تكون قد حققت من الحياة ما تيسر لك تحقيقه من
نجاح ،وبت في وضع يسمح لك بتقييم انجازاتك أو سقطاتك ويؤهلك لدراك ما فاتك ادراكه من عملك يوم كنت
غارقا فسي محاولة انجازه وقسد بدالك فسي حينسه انسه يؤدي إلى كارثسة محتومسة .ومسن المفروض بسك وقسد بلغست
الخامسة والستين ان تكون قد جمعت ثروة س هذا ان كنت قد أدركت في شبابك «ان المستقبل هو من نصيب
الذين يخططون له» ،وتذكرت ايضا ان الماضي كان المستقبل في ما سبقه من أيام .
كان العام ما بين تموز (يوليو) 1980والشهر عينه من العام التالي من أعظم سني حياتي .فبعد حفلة شيقة
أقامها الصدقاء في 16تموز 1980احتفالً بعيد ميلدي السابع والستين قضيت ما تبقى من ذلك الصيف أجوب
جنوب البلد داعيا لتسمية جورج بوش مرشحا عن الحزب الجمهوري لنتخابات الرئاسة .ولما فاز رونلد ريغن
بالت سمية حولت نشا طي ن حو حث الناس على انتخا به رئي سا .وأ سست بالتعاون مع ب عض الزملء القدا مى في
وكالة الستخبارات المركزية «عصبية بوش» ليكون نائب الرئيس الفضل معرفة بأحداث العالم شهدته الوليات
المتحدة في تاريخ ها .و من أ جل ذلك أق مت حفلت ولقاءات متعددة في منزلي أول ها ولي مة صباحية على شرف
جورج بوش وزوجته يوم تنصيب ريغن في كانون الثاني (يناير) ،1980وكنت في المساء بين ضيوف الشرف
في الحفلة الرسمية لمناسبة التنصيب .وهكذا انهالت علي بين شهري كانون الثاني (يناير) وآذار (مارس) 1980
التصالت من زبائني القدماء في شركات النفط والطيران والمصارف لتنويرهم عما تخبئ لهم اليام في عهد
أردت من الكلم عن نشا طي هذا الشارة إلى ان ني واج هت صعوبة في الفترة الولى من ع هد ري غن ال تي
لولها لما اكتملت هذه السيرة الذاتية .غير انني استطيع وصف السنوات السبع التي تلتها واختتمت بها نشاطي
في مجال العمل السياسي الخفي بأنها «سنوات هامة» .ذلك انه عندما اخذت ادارة ريغن تعين الهواة في المراكز
الح ساسة في مجال السياسة الخارج ية س مهندس صناعي عمل في ح قل التفاوض مع التحادات العمالية صار
وزيرا للخارجيسة ،ومديسر تنفيذي فسي شركسة بناء أصسبح وزيرا للدفاع ،والمشرف على حملة ريغسن النتخابيسة
استحال مديرا لوكالة الستخبارات المركزية ،ومحام من كاليفورنيا أضحى رئيس أركان مجلس المن القومي س
ع ند ذاك أخذت الشركات الميرك ية ذات الم صالح المنتشرة في انحاء مختل فة من العالم تت كل أك ثر فأك ثر على
سياساتها الخارجية الخاصة بها .وفي اعتقادي ان تضاؤل المسؤولية الحكومية عن مجريات المور على رقعة
اللعبة الدولية هو من السباب التي حملت الشركات على القتراع إلى جانب ريغن .أفلم نسمع تكرارا في خطبهم
المؤيدة لريغن «ان الحكومة القل تدخلً هي الحكومة الفضل حكما ؟»
218
غير ان أعداء «التدخل الحكومي الواسع» ومنهم الرئيس ريغن بنفسه ،تجاهلو ظاهرة جديدة أخذت بالتنامي
دا خل الدارة الجديدة .ل قد عوض الهواة عن جهل هم بحما سهم،ول عل ب عض ال سبب في ذلك ان هم لم يولوا خشو نة
اللعبة التي دخلوها فجأة ما تستدعيه عن اهتمام .فل ريب في ان الجميع يذكر كيف فوجئنا جميعا بكوكبات من
اللوبيين ينزلون عليهم من كل اتجاه مدعين العلم والخبرة في مختلف اوجه ومجالت السياسة الخارجية،وهم في
الحقيقة ل يعرفون شيئا يذكر عما يدعون،بل جل ما يتحلون به مقدره على اجترار الكلم المتلئم مع الراء التي
كونها مسبقا كبار مساعدي ريغن المشار إليهم .لذا باتوا يظهرون في ندوات تلفزيونية على انهم «مستشارون في
البيت البيض» .وراحت هوة العداء تتوسع بين هؤلء المتطفلين وما أنشأوه من «معاهد» ،ومن هنا تضخمت
بدلت اتعابهم لقاء الستشارات الموثوقة المرفوعة إلى الشركات الخاصة .
وما أن تركزت ادارة ريغن في مواقعها واطمأنت إليها حتى قررت ان باستطاعتها التخلي عن خدماتي،مما
يدل على انها نيست تماما الثمن الباهظ الذي اضطرت ادارة كارتر قبلها دفعه لرتكابها الخطأ عينه .ومع ذلك
لم أجد نفسي عاطلً عن العمل إذ ان الشركات الميركية الكبرى العاملة على مستويات عالمية أخذت تخفف من
اظهار اميركيتها وتسمي نفسها «متعددة الجنسيات» للبتعاد عن الحكومة الميركية وسياساتها الخارجية،معتمدة
أكثر فأكثر على اساليبها الخاصة في جمع المعلومات وفي توفير أمنها .
وسرعان ما أصبحنا نعيش في عالمين مختلفين أدركهما بعضنا،داخل الحكومة وخارجها،عندما أعلن الرئيس
الجد يد ب عد تن صيبه بأيام معدودة ان الرهابي ين الذ ين يخالفون «أ صول ال سلوك الدولي» سينالون «عقابا سريعا
وفعالً» .وما عتم حتى أخذ ريغن يشكل اللجان الحكومية المختلفة بغية تحبييش امكانات المة «لخوض حرب
ضسد الرهاب» مومئا بوضوح إلى وزارتسي الخارجيسة والدفاع وإلى وكالة السستخبارات المركزيسة وإلى مكتسب
التحقيقات التحادي ومصسلحة السستخبارات فسي وزارة الخزانسة« :إن الحرب » سسيكون النهسج السساسي فسي
ال سياسة الخارج ية ح تى اشعار آ خر .فكان في وزارة الخارج ية «مك تب مكاف حة الرهاب» وعلى رأ سه ال سفير
انثونسي كواينتسن ،وهسو دبلوماسسي محترف له مسن الحكمسة مسا جعله يدرك بأن ل هسو ول أي شخسص آخسر فسي
الخارجية يمتلك معلومات تذكر عن الموضوع .ولم يطل المر حتى تألفت اعداد من اللجان ومن «فرق العمل»
ومهمتها الترويج لهتمام الدارة بالقضية أكثر من اهتمامها بحلها س «مركز مكافحة الرهاب» اقيم داخل وكالة
الستخبارات ،و«فريق الد عم في الحالت الطارئة» ،داخل الوكالة أيضا ،و«قيادة العمليات الخا صة المشتر كة»
في وزارة الدفاع ،وقوات «دلتا» في الجيش،وسواها من القوات الخاصة للتدخل والنتشار السريع ،وما هذا إل
219
نما حول معظم تلك البدع العديد من الطفيليين الذين يدعون لنفسهم الخبرة في موضوع الرهاب،علما بأنه لم
يتسسن إل لقلة ضئيلة منهسم أي خسبرة مباشرة بالرهاب او الرهابييسن أو بالظروف التسي سسببت قيام الرهاب
والرهابيين .
ما ان مر عامان أو ثل ثة أعوام على وجود ادراة ري غن في الح كم إل وكا نت واشن طن مغمورة بفيضان من
المعلومات المغلوطسة والمدسسوسة حول الرهاب ،والرهاب فسي المدن ،والرهاب الدولي والرهاب الحكومسي،
و ما ي سمى بسس «الرهاب المؤ سساتي» .و قد اثارت هذه الض جة اهتمام ال سوفيات ذلك ان الحكو مة الميرك ية
كانت غارقة في الحيرة عينها التي تخدم أرغض لينينيي موسكو الخذين بالنمو حول غورباتشوف فقد أوضح
هؤلء بطرق مكشو فة ل حا جة مع ها إلى التج سس وال ستخبارات ان الوليات المتحدة،ح سب ت صورهم للحرب
العالمية الثالثة سبجد نفسها مضطرة للخوض في حالت تشعر فيها بأن عليها القيام بدور دولة قوية ،بينما يرى
العالم كله انهسا مجرد مسن كسل قوة .وبوجود ادارة ريغسن فسي الحكسم كان فسي متناول اليسد صسنف جديسد كليا مسن
«البلهاء المفيدين».
وأثناء انشغال واشنطن الرسمية بالتعارف والصلحيات القانونية والولويات والتساؤل عما إذا كان السوفيات
وراء أك ثر أعمال الرهاب الدولي أو كل ها ،كا نت شركات الن فط والطيران والم صارف الدول ية وشركات البناء
الكسبرى تعمسل مسع حكومات بلدان فيهسا أهسم مسا يسستهدفه الرهابيون فسي مجالت الخطسف والتعدي على الفراد
ل رغسم ابتعاده
والتخريسب وأسساليب الرهاب الخرى .ومسع هذا كان الجهسد بعيدا عسن الضواء والضجيسج وفعا ً
على قدر المكان عن الحكومة الميركية وان كان بيت النمل قد قدم لنا مساعدات دون أن يدري بها .ومن ناحية
ومع كل ما خربه الميرال تيرنر في وكالة الستبخارات ايام ادارة الرئيس كارتر ،أبقى فيها على نواة صلبة من
الختصاصيين الكفوئين لغويا كل بشؤون القليم المخصص له الذين استمروا على اتصال بين الحين والحين .
ومنسذ ذلك الوقست وحتسى اليوم لم يحصسل فسي أي مسن الشركات التسي اسستعانت بخسبرتي وخسبرة أمثالي ،خطسف
وفيما أنا أكتب هذه الصفحات ينهمك الرئيس بزياراته الوداعية في واشنطن ويعمل الرئيس المنتخب جورج
بوش ومعاونوه المرحليون اسستعدادا لدخول البيست البيسض .ويخامرنسي الرجاء بأن يتحلى الرئيسس بوش ،وهسو
الذي رأى العالم بعي ني ر جل العمال ،بالعقلن ية الكاف ية لن يتر كه وشا نه ض من ما يك في من حدود .وأر جو
كذلك ان يعين في مراكز السياسة الخارجية العليا رجالً ناضجين يدركون معنى المسؤولية وأعباءها ويتحاشون
ارتكاب الخطاء أكثر مما يصرون على فعل ما يرونه صوابا .ففي الشؤون الدولية ،وان لم يكن بالضرورة في
الشؤون الداخلية أيضا ،يصح قول ادموند بيرك بأن قيمة الحكومة ترتفع بانخفاض ما تبديه من حماس.
220
ترى لماذا ،ب عد ان يكون الرئ يس وم ستشاروه قسد قرأوا وهضموا كل ما كتب ته ،لماذا يلزمنسي الشعور بأن
ت صرفات الحكو مة الميرك ية حيال قضا يا ال من القو مي ستستمر ك ما لو التز مت ح بل ال صمت ؟ ول ما كان هذا
الكتاب سير ذاتية نظننت من الفضل اختتامه بالجابة عن سؤال حول سيرتي كلها.
منذ سنوات عديدة طلب إلي وجيه من أصدقائي مساعدته في كتابة بضع مئات من الكلمات ليلقيها في ندوة
موضوع ها «بهذا اؤ من» .و مع عل مي بأ نه التزم في حيا ته بادئ ثاب تة و صارمة (مثلً«:النزا هة هي في العادة
أفضل سياسة يتبعها المرئ ،إل ان لهذه القاعدة حالت شاذة») ف قد تعذر عليه التعبير عنها ،كما انني لم أتمكن
من مساعدته .وعندما صدر الكتاب أخيرا ،تضمن أقوالً لكثر من أربعين شخصية من بريطانيين وأميركيين ،لم
ي ستطع في ها أي من هم ال سهام باك ثر من إشارة إلى المبادئ ال تي وج هت حياة كل من هم .أ ما أ نا فلم أوا جه تلك
ل بد لي هنا أن أقص عليكم حكاية عن ابنتي ليني حدثت عندما كانت في السابعة أو الثامنة من العمر.بدأت
الحكا ية عند ما دخلت لي ني ق فص الع صافير في حدي قة منزل ها في بيروت ووجدت ببغاء ها «أو سكار» ميتا.عل
صراخها ونحيبها وراحت تلطم الجدران برأسها حتى قمت لستدعي طبيبا يهدئ نوبتها الهيستيرية بالمسكنات .
ولكن خطرت لي فكرة أفضل .اخذتها من يدها الصغيرة وذهبت بها إلى الشرفة المطلة على البحر وجلسنا
على الرجوحسة .بصسوت ملؤه الحنان حاولت ان أضسع الكارثسة فسي اطارهسا الصسحيح فبدأت بالقول» :اسسمعي
يالينسي ،ليسست هذه نهايسة العالم فأشياء كهذه تحدث لنسا أيضا لن الموت مسن حقائق الحياة .دعينسي أقول لك مسا
سنفعله سأدع هاغوب النجار ي صنع له نعشا صغيرا تفر شه أ مك بقط عة من الحر ير ثم ند عو الكا هن الب بيار
ليتلو صسلة قصسيرة ثسم نضسع اوسسكار فسي النعسش ،وندعسو لك أصسدقائك إلى حفلة وداعسه يكون فيهسا المثلجات
الشاطئ نغني ونلوح له فيما القاب يبتعد في البحر.سيكون ذلك مأتم كمأتم أبطال الڤايكن القدماء».
كان اعجا بي ببلغ تي قد تملك م ني في ما لي ني ت ستوعب كل كل مة أتفوه ب ها عند ما سمعنا صوتا غريبا خافتا
ينبعث من القفص .نهضنا عن الرجوحة وتوجهنا إلى مصدر الصوت الخذ بالرتفاع فوجدنا اوسكار واقفا على
ارجوحته ينقرريشه .وقفنا مشدوهين لبضع ثوان ثم نظرت ليني إلي قالت بحماس« :دعنا نقتله».
هل أدركتم ما أحاول قوله؟ فلو نظر الناس نظرة دراية حقا إلى المور لرأوا في كل قضية تواجههم وصلة
في لعبة الحياة ،ولباتت الكوارث قابلة للحتمال ،بل ونوعا من المتعة .ففي آذار (مارس) 1986تعرضت لحادث
221
سير خط ير ولم ي بق سالما إل القل يل من عظام ج سدي ،فقض يت ستة أش هر في الم ستشفى معظم ها في آلم
مبرحة .ولكنني في الواقع استمتعت بها .وكان ذلك الحادث والستشفاء الذي تبعه خبرة جديدة في حياتي قضيت
* * *
ملت ال صفحات ال سابقة كل ها بالحد يث عن «اللعاب» و«خ طط اللعاب» ،الخ .ح تى ان الب عض من كم الذ ين
بلغوا هذه الصفحة سئموا منه .وغايتي من كل ذلك الوصول إلى النقطة التالية ،في سيرتي الذاتية :وجدت انكم
اذا كنتم ترون الحياة على انها «لعبة» س وهي تعبير استعمله بالمعنى الذي يستعمله الستراتيجيون العسكريون
وا لسسياسيون والتجاريون وليسس بمعنسى اللهسو والمجون سس فإن فسي ذلك فوائد عديدة ،منهسا القدرة على القتداء
بالقول «دع المور ت سير في أعنت ها »...فل تدع ال سعيدة من ها تحملك على اجن حة الخ فة وفقدان ال صواب ،ول
السيئة منها تسحقك .ففي مقال كتبته مرة ل حدى المجلت بعنوان« :هل ثمة حياة بعد الولدة» قلت اننا جميعا
نولد وجميعا نموت (الب عض يبكرون كثيرا) ويتخلل هذ ين الحدث ين الكث ير من الفعال من ها الج يد ومن ها ال سيء
ولكننا نحاول تغليب الجيد على السيء .يبقى المهم هو اننا نعمل ما يستهوينا عمله وان حياتنا تكون جيدة بمقدار
ما نستطيع المعادلة بين «الممتع» و«القيم»( .بمعنى «له مغزى» و«دللة».
و ما هو «الق يم»؟ يعود أ مر تعري فه إلى كل امرئ بمفرده ،ول كن إذا جاز لي ا ستعارة ب عض كلمات ال سير
نورمن انغل الذي قض يت بين يديه بضعة أشهر في نيويورك في أواخر الثلثينات،أقول ما يلي :ان القيم التي
تتوقت عليها صفة مجتمعنا تتأثر بالقوى العاطفية اكثر من القوى العقلنية وقد تكون تلك القوى عمياء وباطلة
ك ما قد تكون خيرة .وكان ال سير نور من ي صر على ان بمقدور كل فرد بمقدار قل يل من ترو يض الن فس ض بط
القوى اللعقلنية الموجودة في كل واحد منا .لقد غابت عن ذاكرتي رتابة التدريب الذاتي الذي اقترحه،ولكني
اتبعت اسلوبا شخصيا أو صي به من يشاء :ان مجرد الدراك بأن «الحياة لعبة» هو بحد ذاته تدريب كاف.
تصر زوجتي على القول بأن وصف الحياة أو أي شيء آخر بأنه لعبة انما هو انتقاص من قيمة الحياة .ولكن
الخطأ الذي ترتكبه في ذلك هو اعتبارها كلمة «لعبة» تعني ذلك اللهو الذي مارسته في صباها أيام الدراسة .فقد
ثارت ثائرت ها عند ما و صفت الش هر ال ستة ال تي قضيت ها في الم ستشفى بان ها » فترة من ال خبرة الممت عة».و من
أجسل تنويسر قراء مثلهسا يعتسبرون ان كلمسة «لعبسة» تعنسي كرة القدم أو كرة السسلة أشدد على القول بأننسي أكتسب
ح صرا عن اللعاب «الجد ية» [أو ال سجال] ال تي ك تب عن ها عالم الرياضيات الشه ير جون فون نوي من والعالم
القتصسادي الذائع الصسيت أوسسكار مورغنشتيرن فسي كتابهمسا القيسم «نظريسة اللعاب وصسلتها بالتصسرف
القت صادي» وتلك ال تي كت بت عن ها في كتا بي الق يم المت بع في مع هد وكالة ال ستخبارات المركز ية وعنوا نه
222
«ألعاب دون رياضيات لمختلف ضباط السستخبارات».ان النظرة إلى الحياة على انهسا لعبسة ل تنطوي على اي
انتقاص؛ انها تجعل المرء يرى المور في نصابها الحقيقي،من حيث «الحصول على أقصى المنفعة» و«تحمل
أد نى الخ سائر» ح سب قول فون نوي من ومورغنشتيرن .و هي في الو قت نف سه تو فر المعاي ير ال تي تحدد ما هو
فكروا في ذلك .ان مجرد التأمل به يجعل منكم أناسا أفضل حتى ولو لم تدركوا الغاية «المفتاح» أو (اللغز)
223