You are on page 1of 2

‫بعد عام و بضعة ايام ‪..

‬‬

‫كان يوم العيد ‪ ....‬قابلته و عايدته و اخبرته اني أريد إصلح السيارة ‪ ,‬كان يملك‬
‫كراجاً لدهان السيارات ‪ ,‬و بحكم خبرته الطويلة في هذا المجال و معارفه الكثر ‪ ,‬كان‬
‫ينصحني بما يتوجب عليّ فعله للسيارة ‪.‬‬

‫كان شابا في اواخر الثلثينات ‪ ,‬ضخم الجثة ‪ ,‬قوي البنية ‪ ....‬ابتسامته ل تفارق‬
‫وجهه و لسانه رطب بذكر ال ‪.‬‬

‫التقينا يوم العيد في العيادة ‪ ,‬و كان يعاني من انفلونزا حادة ‪ ,‬لدرجة ان ظهره كان‬
‫متصلباً ‪ ,‬جلسنا نتحدث و هو ل يستطيع تحريك رأسه ‪ ,‬ال انه كان ل يعاني من شيء‬
‫آخر ‪ ,‬وقال لي ‪:‬‬
‫‪ -‬م ّر علي على المحل ‪ ,‬عندي بعض القطع بتفيدك ‪.‬‬

‫كان ذلك صباحا ً ‪ ,‬بعد صلة العصر ذهبت الى الميكانيكي و اصلحت بعض‬
‫الشياء و أخبرني عن بعض القطع اللزمة ‪ ,‬فذهبت الى صاحبي اريد تلك القطع ‪.‬‬

‫عندما طلبت منه القطع ‪ ,‬تناول قطعة صغيرة و رفعها حتى اصبحت على مستوى‬
‫صدره ‪ ,‬فسقطت منه ‪ ,‬اعاد تناولها مرة اخرى فسقطت ثانية ‪ ,‬فثالثة ‪ ,‬فرابعة ‪.‬‬

‫و انا اراقب ما يجري بدهشة شديدة !!!‬

‫كلمت الطبيب مباشرة فأخبرني ان ادعه يذهب الى العيادة ‪..‬‬


‫قال لي صديقي ‪ :‬خذ القطعة و زبّط السيارة و انا هيني سابقك عالعيادة ‪.‬‬

‫أخذت القطعة مسرعاً و ركبتها ‪ ,‬و أجلت بقية التصليح و ذهبت الى العيادة ‪ ,‬هناك‬
‫وجدت الطبيب قد اخبره بإنه ل يظهر معه شيء و نصحه بإجراء بعض الصور الطبقية‬
‫و مراجعة طبيب الختصاص ‪.‬‬
‫قال لي ‪ :‬سأذهب في الصباح الى البشير (مستشفى الطبقة الكادحة في عمان) ‪,‬‬
‫فتركته و ذهبت الى المنزل ‪.‬‬

‫لكن القدر لم ينتظر الصباح ‪..‬‬


‫في حوالي العاشرة و النصف مسا ًء اتصل بي الطبيب ليقول لي ‪ :‬لقد حوّلنا خليل‬
‫الى العناية المركزة ‪ ,‬لقد سقط على باب منزله فأحضروه الى هنا و اتصلوا بي ‪ ,‬لقد‬
‫اتضح ان معه نزيفاً في الدماغ في مرحلة متأخرة ‪.‬‬

‫ذهبت الى المستشفى و على باب العناية الحثيثة جلست اليومين التاليين ‪ ,‬انا و‬
‫اخوته ومن بعيد كنت اسمع نواح زوجته و اخواته ‪ -‬اللواتي تركن بيوتهن للطمئنان‬
‫عليه – و حتى من قريب كانت بين الفينة و الخرى تنطلق منّا صرخات اللم و البكاء‬

‫و في مساء الليلة الثانية اعلن الطباء انتقال روحه الى بارئها ‪.‬‬
‫صلينا عليه الجنازة بعد ظهر اليوم التالي ‪ ,‬قبل الصلة سمعت احدهم يقول للخر‬
‫الول ‪ :‬بتعرف خليل تاع البودي (‪ )Body‬؟؟!!‬
‫الثاني ‪ :‬آه ‪ ,‬ماله ؟؟؟!!!‬
‫الول ‪ :‬هاي جنازته ‪...‬‬
‫الثاني ‪ :‬ل حول و ل قوة إل بال ‪.‬‬

‫في المقبرة ‪ ,‬ياله من حشد ‪ ,‬كيوم الحشر ‪ ,‬خاله يبكي ‪ ....‬شريكه يكظم دمعة تغافله‬
‫‪ ,‬اخوه الصغر اغمي عليه ‪ ,‬نسيبه شارد الذهن وجم الوجه ‪ ...‬يستذكره ‪ ..‬وأنا حالي‬
‫كحالهم ‪.‬‬

‫انزلوه القبر ‪ ...‬صرخ اخوه ‪ :‬وين ماخذينه ‪ ...‬و ال العظيم لبوسه ‪.‬‬

‫لم استطع حينها ان امنع البكاء عن عينيّ ‪ ,‬حتى اله من صدري تحررت ‪ ...‬لم‬
‫اعلم ان اله تؤلم و لكنها آلمتني و أحرقتني ‪ ,‬قلة مثله الذين يستحقون البكاء‪.‬‬

‫و حتى الن بعد عام و بضعة أيام ل تزال هذه الحداث و اللحظات في مخيلتي‪,‬‬
‫ترسم نفسها بنفسها ‪ ,‬ما كذب الفاروق حين قال ‪ :‬كفى بك بالموت واعظاً ‪.‬‬

‫رحمك ال ابا ابراهيم ‪ ,‬وجمعنا بك في رفق الحبيب في الفردوس العلى ‪ ...‬اللهم‬


‫آمين ‪.‬‬

‫يزيد‬
‫غير منقول‬

You might also like