You are on page 1of 201

‫ةةةةة ةةةةةةة‬

‫ةة ةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬


‫ةة ةةةةةةة ةةةةةةةةة‬

‫تأليف‬
‫الدكتور عبد الكريم زيدان‬
‫أستاذ الشريعة السلمية ورئيس قسمها في كلية الحقوق‬
‫بجامعة بغداد سابقا ً‬
‫أستاذ الشريعة ورئيس قسم الدين بكلية الداب بجامعة بغداد‬
‫سابقا ً‬
‫أستاذ الشريعة بكلية الدراسات السلمية وعميدها سابقا ً‬
‫أستاذ متمرس بجامعة بغداد‬

‫مؤسسة الرسالة‬
‫ةةةةةة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة الناشر‬
‫ص إن ما يقع في هذا العالم من حوادث ومجريصصات ل يقصصع صصصدفة ‪،‬‬
‫ول خبط عشواء ‪.‬‬
‫وإنما يقع ويحدث وفق قانون عام دقيق ثابت صارم ل يخرج عصصن‬
‫أحكامه شيء ‪.‬‬

‫ص والكائنات الحية ص بما فيها النسان ص تخضع لهذا القانون ‪ ،‬فخلق‬


‫النسان والطوار التي يمر بها في بطن أمه يخضع في ذلك كّلصصه‬
‫إلى هذا القانون العام الثابت ‪.‬‬

‫ص والظاهرات الكونية هي من اليات الدالة على خالق هذا الكون ‪،‬‬


‫وهي خاضعة لهذا القانون الثابت ‪.‬‬

‫ص والنسصصان ل يسصصتطيع أن يغيصصر شصصيئا ً مصصن هصصذا القصصانون ‪ ،‬وإنمصصا‬


‫يستطيع أن يوسع معرفته بتفاصيله وجزئياته الكثيرة جدا ً ‪ .‬وذلصصك‬
‫بالنظر والمشاهدة والتأمل والستقراء والتجارب ‪.‬‬

‫ص والبشر يخضعون لقوانين ثابتة ص يسميها القرآن بالسصصنن صص فصصي‬


‫تصرفاتهم وأفعالهم وسلوكهم في الحياة وما يكونصون عليصه مصن‬
‫أحوال وما يترتب على ذلك مصصن نتصصائج كالرفاهيصصة أو الضصصيق فصصي‬
‫العيش ‪ ،‬والسعادة والشصصقاء ‪ ،‬والعصصز والصصذل ‪ ،‬والرقصصي والتصصأخر ‪،‬‬
‫والقوة والضعف ‪ ،‬وما يصيبهم في الصصدنيا والخصصرة مصصن عصصذاب أو‬
‫نعيم ‪..‬‬

‫ص وقد بّين الكاتب في كتصصابه خضصصوع البشصصر لهصصذا القصصانون والصصذي‬


‫جاءت اليات القرآنية مشيرة تارة وموضحة أخرى إلى تأكيد بعض‬
‫معصصاني الشصصريعة السصصلمية للمسصصلمين ونشصصرها فيمصصا بينهصصم‬
‫لتبصصصيرهم بهصصا ودعصصوتهم إلصصى مراجعصصة نفوسصصهم وصصصفاتهم‬
‫وأحوالهم ‪ .‬ليعلموا يقينا ً أن ما هم عليه ‪ ،‬ومصصا أصصصابهم ومصصا حصصل‬
‫في ديصصارهم ‪ ،‬لصصم يحصصدث شصصيء مصصن ذلصصك قصصط )صصصدفة( أو خبصصط‬
‫عشواء ‪ ،‬بل كان نتيجة حتمية لمصصا فعلصصوه أو قصصصروا فصصي فعلصصه ‪،‬‬
‫وليعلموا أيضا ً علصصى وجصصه اليقيصصن أن الخلص مصصن الحالصصة السصصيئة‬
‫التي هم عليها ل يكصصون أبصصدا ً إل بإتبصصاع مصصا تقضصصي بصصه سصصنن اللصصه‬
‫تعالى ‪ .‬عسى أن يكصون فيمصا كتبصه المؤلصصف محركصا ً ودافعصا ً لهصم‬
‫دي الدؤوب الصامت وفق صا ً لمقتضصصيات سصصنن اللصصه فصصي‬ ‫للعمل الج ّ‬
‫التبديل والتحويل من السيىء إلى الحسصصن ‪ ،‬إلصصى حيصصث أراد اللصصه‬
‫تعالى للمؤمنين من العزة والكرامة والقيادة للبشر جميعا ً ‪ ،‬والله‬
‫الموفق ‪.‬‬
‫رضوان دعبول‬
‫المقدمة‬
‫‪ 1‬ص الحمد لله رب العالمين والصصلة والسصلم علصى سصصيدنا محمصد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ‪:‬‬
‫فإن هذا العالم بكل ما فيه ومصصن فيصصه مصصن نبصصات وجمصصاد وحيصصوان‬
‫وإنسان وأجرام سماوية ‪ ،‬ومصصا يصصصدر عصصن هصصذه الموجصصودات ومصصا‬
‫يتعلق بها ويحل فيها ‪ ،‬وما يقع من حوادث كونيصصة كنصصزول المطصصر‬
‫وهبوب الريح وثوران بركان وتعاقب الليل والنهصصار ‪ ،‬ومصصا يحصصصل‬
‫للنسان من أطوار خلقه وتكصصوينه فصي بطصصن أمصصه ومصصا يحصصدث لصه‬
‫وللمة من شقاء وسعادة ورفعة وسقوط وعلصصو وانحطصاط وقصوة‬
‫وضعف وبقاء وفناء ونحو ذلك كل ذلك الذي ذكرنا وجوده وحدوثه‬
‫في العالم ل يقع صدفة ول خبط عشواء وإنما يقع ويحصصدث وفصصق‬
‫قانون عام دقيق ثابت صارم ل يخرج عن أحكامه شيء ‪.‬‬

‫‪ 2‬ص الوجه الول لهذا القانون العام ‪:‬‬


‫ولهذا القانون العام الذي أشرت إليه وجهان ‪ ) :‬الوجه الول ( هو‬
‫الذي تخضع له جميع الكائنات الحية فصصي وجودهصصا المصصادي وجميصصع‬
‫الحوادث المادية ‪ ،‬ويخضع له كيان النسان المادي وما يطرأ عليه‬
‫مثل نموه وحركة أعضائه ومرضه وهرمه ولوازم بقائه حي صا ً ونحصصو‬
‫ذلك ‪ .‬وهذا الوجه من القانون العام وما يخضع له مما ذكرناه مصصن‬
‫المور المادية للكائنصصات ‪ ،‬أقصصول هصصذا الصصوجه مصصن هصصذا القصصانون ل‬
‫يختلف في وجوده أهل العلم بهذه المور الماديصصة ‪ ،‬ول يختلفصصون‬
‫في خضوع ما ذكرناه له ‪.‬‬

‫‪ 3‬ص دللة وجود هذا الوجه من القانون ‪:‬‬


‫ووجود هذا الوجه من القانون العام مصصن أكصصبر الدلصصة علصصى وجصصود‬
‫ماء‬
‫الله تعالى الخالق العظيم لنه ل يمكن للمادة وهي جامصصدة صص ّ‬
‫ل تعقل أن تضع هذا القانون الهصصائل الصصدقيق لهصصذه الموجصصودات ‪،‬‬
‫وإنما المعقول والمقبول أن يكون واضع هذا القصصانون هصصو خصصالق‬
‫ل جلله ‪.‬‬‫هذه الموجودات ‪ .‬وهو الله ج ّ‬

‫‪ 4‬ص دللة القرآن على هذا الوجه من القانون ‪:‬‬


‫ل القرآن الكريم على هذا الوجه من هذا القانون العصصام فصصي‬ ‫قد د ّ‬
‫هصصا‬ ‫ّ‬
‫قّر ل َ‬ ‫سصت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ل ِ ُ‬ ‫جص ِ‬ ‫س تَ ْ‬‫م ُ‬ ‫شص ْ‬ ‫وال ّ‬ ‫آيات كثيرة ‪ ،‬منها قصصوله تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫د‬
‫عصصا َ‬ ‫حت ّصصى َ‬ ‫ل َ‬ ‫ز َ‬ ‫من َصصا ِ‬‫ق صدّْرَناهُ َ‬ ‫مَر َ‬ ‫ق َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫عِليم ِ }‪َ {38‬‬ ‫ز ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫زي‬ ‫ِ‬ ‫ديُر ال ْ َ‬
‫ع‬ ‫ق ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫ولَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مَر َ‬ ‫ق َ‬ ‫ك ال َ‬ ‫ر َ‬ ‫ها أن ت ُدْ ِ‬ ‫غي ل َ‬ ‫س َينب َ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬‫ديم ِ }‪ {39‬ل ال ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫جو ِ‬ ‫عْر ُ‬ ‫كال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪ ،‬وفي خلق النسصصان‬ ‫‪1‬‬
‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫َ‬
‫فل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ل ِ‬‫وك ُ ّ‬ ‫ر َ‬ ‫ها ِ‬ ‫ق الن ّ َ‬ ‫ساب ِ ُ‬‫ل َ‬ ‫ّ‬
‫اللي ْ ُ‬
‫قن َصصا‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق صد ْ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫وخضوعه لهصصذا الصصوجه مصصن القصصانون قصصوله تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ر‬
‫قصَرا ٍ‬ ‫فصي َ‬ ‫ة ِ‬ ‫فص ً‬ ‫عل َْنصاهُ ن ُطْ َ‬ ‫ج َ‬‫م َ‬ ‫ن }‪ُ {12‬ثص ّ‬ ‫طيص ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫ة ّ‬ ‫سَلل َ ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫ا ِْ‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة يس ‪ ،‬اليات ‪ 38‬ـ ‪. 40‬‬
‫قن َصصا‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ة َ‬ ‫غ ً‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ق َ‬ ‫عل َ َ‬ ‫قَنا ال ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ً‬ ‫عل َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ف َ‬ ‫قَنا الن ّطْ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن }‪ {13‬ث ُ ّ‬ ‫كي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫فت ََباَركَ‬ ‫خَر َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫عظاما َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫خلقا آ َ‬ ‫شأَناهُ َ‬ ‫م أن َ‬ ‫حما ث ُ ّ‬ ‫مل ْ‬ ‫عظا َ‬ ‫وَنا ال ِ‬ ‫س ْ‬ ‫فك َ‬ ‫ة ِ‬ ‫غ َ‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الل ّص ُ‬
‫‪2‬‬
‫ن( ‪ ،‬مصصن الواضصصح الصصبّين أن خلصصق النسصصان‬ ‫قي َ‬ ‫خصصال ِ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫سص ُ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬
‫والطوار التي يمر بها وهو في بطن أمه يخضع في ذلك كّله إلى‬
‫قانون عام ثابت ‪.‬‬
‫‪ 5‬ص من سمات هذا القانون الثبات والستمرار ‪:‬‬
‫ومصصن سصصمات هصصذا القصصانون العصصام فصصي وجهصصه الول ‪ ،‬ثبصصاته‬
‫طصصراد أحكصصامه وسصصريانها علصصى الحصصوادث‬ ‫واسصصتمراره بصصدليل ا ّ‬
‫والظصصواهر الصصتي يحكمهصصا هصصذا القصصانون ‪ ،‬فصصالرض تحيصصا بصصالمطر‬
‫َ‬
‫ة‬ ‫مي ْت َص ُ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫م اْلْر ُ‬ ‫هص ُ‬ ‫ة لّ ُ‬ ‫وآي َص ٌ‬ ‫ويخرج به منهصصا النبصصات ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ْ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪ .‬وكصصذلك جريصصان‬ ‫‪3‬‬
‫ه َيصصأك ُُلو َ‬ ‫مْنصص ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫حّبصصا ً َ‬ ‫هصصا َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫جَنصصا ِ‬ ‫خَر ْ‬ ‫هصصا َ‬ ‫حي َي َْنا َ‬ ‫أ ْ‬
‫الشمس والقمر ‪ ،‬وجريان الفلك في البحصصر وفق صا ً لهصصذا القصصانون‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫فل ْص ِ‬ ‫فصصي ال ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫هص ْ‬ ‫مل ْن َصصا ذُّري ّت َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م أن ّصصا َ‬ ‫هص ْ‬ ‫ة لّ ُ‬ ‫وآي َص ٌ‬ ‫العصصام ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ن(‪ ، 4‬ومما يدل على ثبات هذا القانون بوجهه الول الذي‬ ‫حو ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫نتكلم عليه أن الله تعالى يلفت النظار إلى هذه الظراهر الكونية‬
‫ويجعلها من اليات الدالة على خصصالقيته وربصصوبيته لقصصوم يعقلصصون‬
‫ويتفكرون ‪ ،‬ولول اطراد حدوثها مما يدل علصصى خضصصوعها لقصصانون‬
‫ثابت لما صح لفت النظار إليها واعتبارها من آيصصات اللصصه تعصصالى ‪.‬‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫فصصي َ ْ‬
‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سصص َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خلصص ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫فمن هذه اليات قوله تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ع‬ ‫فص ُ‬ ‫مصصا َين َ‬ ‫ر بِ َ‬ ‫حص ِ‬ ‫ْ‬
‫فصصي الب َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬‫ك ال ِّتي ت َ ْ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ها‬ ‫والن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ف الل ّي ْ ِ‬ ‫خت ِل َ ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫د‬ ‫ص‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫صاء‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫صن‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫ء‬
‫ِ‬ ‫ما‬ ‫ص‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬ ‫أن‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫ْ َ َ ْ َ‬ ‫ْ َ ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ َ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ر‬‫ِ‬ ‫خ‬‫ّ‬ ‫سصص‬ ‫ُ َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬‫ّ َ ِ‬ ‫حا‬ ‫س‬ ‫وال‬ ‫ّ َ ِ َ‬ ‫ح‬ ‫يا‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ف‬ ‫ري‬
‫َ ّ ٍ َ َ ْ ِ ِ‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫دآ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ث‬
‫ّ‬ ‫وب َ‬ ‫ها َ‬ ‫وت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫‪5‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ماء‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ْ ٍ َ ْ ِ‬ ‫َ ٍ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫بَ ْ َ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫فل ْ ُ‬ ‫ي ال ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ب ِ صأ ْ‬ ‫في ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ج ِ‬ ‫حَر ل ِت َ ْ‬ ‫م ال ْب َ ْ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫ذي س ّ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫وقال تعالى ‪) :‬الل ّ ُ‬
‫شصك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫عل ّك ُص ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫من َ‬
‫‪6‬‬
‫خَر‬ ‫سص ّ‬ ‫و َ‬ ‫ن( ‪ .‬وقصوله تعصصالى ‪َ ) :‬‬ ‫ه َ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫غوا ِ‬ ‫ول ِت َب ْت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فصصي ذَل ِصكَ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫من ْص ُ‬ ‫ميعصا ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫فصصي الْر ِ‬ ‫مصصا ِ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سص َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل َكم ّ‬ ‫ُ‬
‫ن( ‪ .‬ووجه الدللة بهصصاتين اليصصتين أن حصصصول‬ ‫‪7‬‬
‫فك ُّرو َ‬ ‫وم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت لّ َ‬ ‫َلَيا ٍ‬
‫تسخير الله تعالى البحر وما خلقه في السصصموات والرض لمنصصافع‬
‫الناس إنما يكون بأن يعرف الناس كيف يسصصتمدون منصصافعهم مصصن‬
‫خرات وذلك بأن يعرفوا ما تخضصصع لصصه هصصذه الموجصصودات‬ ‫مس ّ‬ ‫هذه ال ُ‬
‫من قواعد ثابتة أي من قانون عام فصصي وجودهصصا وطصصرق النتفصصاع‬
‫بها بموجب هذا القانون العام ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫هَتصصّز ْ‬ ‫ماء ا ْ‬ ‫ها ال َ‬ ‫علي ْ َ‬ ‫ذا أنَزلَنا َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫مدَةً َ‬ ‫ها ِ‬ ‫ض َ‬ ‫وت ََرى اْلْر َ‬ ‫وقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن‬ ‫ه أنَز َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬‬
‫من ك ُ ّ‬ ‫وربت َ‬
‫مص َ‬ ‫ل ِ‬ ‫والل ُ‬ ‫ج( ‪ .‬وقال تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫هي ٍ‬ ‫ج بَ ِ‬ ‫و ٍ‬ ‫ل َز ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وأنب َت َ ْ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة المؤمنون ‪ ،‬اليات ‪ 12‬ـ ‪. 14‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة يس ‪ ،‬الية ‪. 33‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ سورة يس ‪ ،‬الية ‪. 41‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 164‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة الجاثية ‪ ،‬الية ‪. 12‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة الجاثية ‪ ،‬الية ‪. 13‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة الحج ‪ ،‬الية ‪. 5‬‬
‫ة لّ َ‬ ‫فصصي ذَل ِص َ‬ ‫َ‬ ‫ء ماءً َ َ‬
‫وم ٍ‬
‫قص ْ‬ ‫ك لي َص ً‬ ‫ن ِ‬
‫هصصا إ ِ ّ‬
‫وت ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ع صد َ َ‬
‫ض بَ ْ‬
‫ه الْر َ‬
‫حَيا ب ِص ِ‬
‫فأ ْ‬
‫‪2‬‬
‫ما ِ َ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫عو َ‬‫م ُ‬‫س َ‬‫يَ ْ‬

‫‪ 6‬ص علم النسان يعني علمه بهذا القانون ‪:‬‬


‫وعلم النسان المتعلق بالموجودات من حيث كيانهصصا المصصادي ومصصا‬
‫يتعلق بها من حوادث مادية ‪ ،‬هذا العلم يعني العلم بهصصذا القصصانون‬
‫العصصام الصصذي يحكمهصصا ‪ .‬وبقصصدر مصصا يعصصرف النسصصان مصصن تفاصصصيل‬
‫وجزئيات هذا القانون العام يكون مقدار علمه ومقصصدار مصصا يمكنصصه‬
‫الستفادة منه ‪ .‬إن النسصصان ل يسصصتطيع أن يغيصصر شصصيئا ً مصصن هصصذا‬
‫القانون ‪ ،‬وإنمصا يسصتطيع أن يوسصع معرفتصه بتفاصصيله وجزئيصاته‬
‫الكصصثيرة جصصدا ً بمصصا أعطصصاه اللصصه تعصصالى مصصن آلت المعرفصصة بهصصذا‬
‫القانون ‪ ،‬فما هي هذه اللت ؟‬

‫‪ 7‬ص آلت المعرفة بهذا القانون ‪:‬‬


‫وآلت المعرفصصة بهصصذا القصصانون العصصام هصصي مصصا أشصصارت إليصصه اليصصة‬
‫شصْيئا ً‬ ‫ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫ن َ‬ ‫مصصو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م ل َ تَ ْ‬ ‫هصصات ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫مصصن ب ُطُصصو ِ‬ ‫جك ُصصم ّ‬‫خَر َ‬ ‫والل ّص ُ‬
‫الكريمة ‪َ ) :‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫وال ْ‬ ‫ل ل َك ُص ُ‬
‫عص َ‬
‫‪3‬‬
‫ن( ‪ .‬قصصال‬ ‫شصكُرو َ‬ ‫علكص ْ‬ ‫فئ ِدَةَ ل َ‬ ‫صصصاَر َ‬ ‫والب ْ َ‬‫ع َ‬‫م َ‬‫سص ْ‬‫م ال ّ‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫م( أي ما ركب فيكم‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫الية‬ ‫هذه‬ ‫تفسير‬ ‫في‬ ‫الزمخشري‬
‫هصصذه الشصصياء إل آلت لزالصصة الجهصصل الصصذي ولصصدتم عليصصه واجتلب‬
‫العلم والعمل به‪. 4‬‬
‫ة(‬ ‫فئ ِدَ َ‬‫وال َ ْ‬ ‫صصصاَر َ‬
‫َ‬
‫والب ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫سص ْ‬ ‫م ال ْ ّ‬ ‫ل ل َك ُص ُ‬ ‫ع َ‬‫ج َ‬
‫و َ‬ ‫وفي تفسير القرطبي ‪َ ) :‬‬
‫‪5‬‬
‫أي التي تعلمون بها وتدركون ‪.‬‬

‫‪ 8‬ص سبيل المعرفة بالقانون العام ) بوجهه الول ( ‪:‬‬


‫وسبيل المعرفة بالقانون باللت الصصتي ركبهصصا اللصصه فصي النسصصان‬
‫) السصصمع والبصصصر والفئدة ( يكصصون بالمشصصاهدة والنظصصر والتأمصصل‬
‫واستخلص النتائج في ضوء ذلك للتعرف على القواعد التي تحكم‬
‫موجودات هذا العالم وحوادثه المادية ‪.‬‬
‫من‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جكم ّ‬ ‫خَر َ‬
‫هأ ْ‬ ‫والل ُ‬ ‫جاء في تفسير اللوسي بصدد الية الكريمة ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫صصصاَر‬
‫والب ْ َ‬ ‫ع َ‬‫م َ‬ ‫سص ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ل ل َك ُص ُ‬
‫عص َ‬
‫ج َ‬ ‫ش صْيئا ً َ‬
‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫مصصو َ‬ ‫م ل َ تَ ْ‬ ‫هصصات ِك ُ ْ‬‫م َ‬‫نأ ّ‬ ‫ب ُطُصصو ِ‬
‫ن( ‪ ،‬قصصال اللوسصصي رحمصصه اللصصه تعصصالى ‪:‬‬ ‫ش صك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬‫عل ّك ُص ْ‬ ‫وال َ ْ‬
‫فئ ِدَةَ ل َ َ‬ ‫َ‬
‫)) والمعنصصى ‪ :‬جعصصل لكصصم هصصذه الشصصياء آلت تحصصصلون بهصصا العلصصم‬
‫والمعرفصصة بصصأن تحسصصوا بمشصصاعركم جزئيصصات الشصصياء وتصصدركوها‬
‫بصصأفئدتكم صص أي بعقصصولكم صص وتنتبهصصوا لمصصا بينهصصا مصصن المشصصاركات‬
‫والمباينات بتكرير الحساس فيحصل لكم علصصوم بديهيصصة تتمكنصصون‬

‫‪2‬‬
‫ـ سورة النحل ‪ ،‬الية ‪. 65‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة النحل ‪ ،‬الية ‪. 78‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 624‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 151‬‬
‫بالنظر فيها من تحصيل العلوم الكسبية ((‪ . 6‬والقرآن الكريم أمر‬
‫بالنظر والتفكيصصر فيمصصا خلصصق اللصصه فصصي السصصموات والرض ليصصزداد‬
‫الناس يقينا ً بأن الله هو الخالق العظيصصم ‪ ،‬وليعلمصصوا أن مصصا خلقصصه‬
‫الله كان بدقة ونظام ‪ ،‬وأن كل ما فيه يجري بأمر الله ‪ ،‬أي وفصصق‬
‫ما وضعه له من نظام ‪ .‬فمن هذه اليات الداعية إلصصى النظصصر فصصي‬
‫الكون والتأمل بما فيه للوقصصوف علصصى أسصصراره وكيفيصصة جريصصانه ‪،‬‬
‫َ‬
‫ض(‪، 7‬‬‫والْر ِ‬‫ت َ‬‫وا ِ‬
‫ما َ‬
‫سصص َ‬
‫فصصي ال ّ‬
‫ذا ِ‬ ‫ظصصُروا ْ َ‬
‫مصصا َ‬ ‫ل ان ُ‬ ‫قصصوله تعصصالى ‪ُ ) :‬‬
‫قصص ِ‬
‫فالصل في معرفة هذا القانون العام في وجهه الول هو النظصصر‬
‫والمشاهدة والتأمل والستقراء والتجارب ‪ .‬ومصصع هصصذا يوجصصد فصصي‬
‫القرآن الكريم إشارات لحقائق علمية يشملها هذا القصانون العصام‬
‫ص في وجهه الول ص أو إنها بعض تطبيقاته ذكرها الله تعصصالى فصصي‬
‫معرض بيان عظيم قدرته وعموم مشيئته وإرادته وتنظيمه لمصصور‬
‫مخلوقاته من ذلصصك كيفيصصة تكصصوين المطصصر وإنزالصصه وكيفيصصة تلقيصصح‬
‫النبصصات بالريصصاح كقصصوله تعصصالى ‪) :‬وأرسصصلنا الريصصاح لواقصصح( ومثصصل‬
‫الشارة إلى قلة الضغط الجوي كلما ارتفصصع النسصصان فصصي أعصصالي‬
‫الجو ‪ ،‬وهذا يفهم من تشبيه حال الضال وتضّيق صدره بحصصال مصصن‬
‫عد في السماء في قصصوله تعصصالى ‪) :‬ومصصن يصصرد أن يضصصله يجعصصل‬ ‫يص ّ‬
‫عد في السماء( ‪.‬‬ ‫ص ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صدره ضيقا حرجا كأّنما ي ّ‬
‫ومعرفصصة هصصذا القصصانون فصصي وجهصصه الول مباحصصة للجميصصع ويمكصصن‬
‫الحصصصول عليهصصا مصصن قبصصل المسصصلم والكصصافر ‪ ،‬وأكثرهمصصا جديصصة‬
‫ونشاطا ً ونظرا ً وبحثا ً وسعيا ً أكثرهما وقوفا ً عليه وإحاطة بجوانبه‬
‫وجزئياته ‪ .‬فهذا العلم مشاع للجميع ول يختص المسلمون بشصصيء‬
‫منه باعتبارهم مسلمين ‪ ،‬اللهم إل فصصي القصصصد مصصن تعلمصصه وفصصي‬
‫أوجه النتفاع منصصه ‪ ،‬لن قصصصد المسصصلم وأوجصصه انتفصصاعه بالشصصياء‬
‫وبما يعلم ‪ ،‬كل ذلك محكوم بحكم الشريعة السصصلمية فمصصا تصصبيحه‬
‫أو توجبه فهو المباح أو الواجب وما تنهصصى عنصصه فهصصو المكصصروه أو‬
‫الحرام ‪.‬‬
‫‪ 9‬ص الوجه الثاني من القانون العام ‪:‬‬
‫أما الوجه الثصصاني مصصن القصصانون العصصام فهصصو الصصذي يتعلصصق بخضصصوع‬
‫البشر له باعتبارهم أفرادا ً وأمما ً وجماعات ‪ .‬وأعني بخضوعهم له‬
‫خضوع تصرفاتهم وأفعالهم وسصصلوكهم فصصي الحيصصاة ومصصا يكونصصون‬
‫عليه من أحصصوال ومصصا يصصترتب علصصى ذلصصك مصصن نتصصائج كالرفاهيصصة أو‬
‫الضيق فصصي العيصصش ‪ ،‬والسصصعادة والشصصقاء والعصصز والصصذل والرقصصي‬
‫والتأخر والقوة والضعف ونحو ذلصصك مصصن المصصور الجتماعيصصة فصصي‬
‫الدنيا وما يصيبهم في الخرة من عذاب أو نعيم وفقا ً لحكام هذا‬
‫القانون بوجهه الثاني ‪ ،‬وهذا هو موضوع بحثنا في هذا الكتاب ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ـ روح المعاني )) تفسير اللوسي (( ج ‪ ، 14‬ص ‪. 201‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة يونس ‪ ،‬الية ‪. 101‬‬
‫‪ 10‬ص هل يوجد هذا القانون في الشريعة السلمية ‪:‬‬
‫ونتساءل هنا هل يوجد هذا القانون بصصوجهه الثصصاني فصصي الشصصريعة‬
‫السلمية ويخضع له البشر فصصي أفعصصالهم وسصصلوكهم ومصصا يصصترتب‬
‫عليها من نتائج في ضوء قواعد هذا القانون وأحكامه؟ والجواب ‪:‬‬
‫إن الشريعة السلمية ص بكتابها العزيز القصصرآن ‪ ،‬وبالسصصنة النبويصصة‬
‫الكريمة ص تبين بوضوح وجلء وجود )سنة عامة( لله تخضع لحكمها‬
‫تصرفات البشر وأفعالهم وسلوكهم ومواقفهم من شرع الله وما‬
‫قد يترتب على ذلك من نتصصائج معينصصة فصصي الصصدنيا والخصصرة ‪ ،‬فهصصل‬
‫تعنصي )سصنة اللصه( مصا نعنيصه بالقصانون العصام الصذي نتكلصم عليصه؟‬
‫والجواب يعرف بعصد أن أبيصن تعريصف سصنة اللصه فصي اللغصة وفصي‬
‫اصطلح الفقهاء وعلماء التفسير ‪.‬‬

‫‪ 11‬ص تعريف سنة الله ‪:‬‬


‫السنة في اللغة تعني السيرة ‪ ،‬حسنة كانت أو قبيحصصة ‪ ،‬كمصصا جصصاء‬
‫فصصي لسصصان العصصرب لبصصن منظصصور‪ . 1‬وفصصي النهايصصة لبصصن الثيصصر ‪:‬‬
‫والصل في هذا اللفظ ص السّنة ص الطريقة والسيرة ‪ .‬وفي حصصديث‬
‫المجصصوس )سصصنوا بهصصم سصصنة أهصصل الكتصصاب ( أي خصصذوهم علصصى‬
‫طريقتهم وأجروهم في قبول الجزية منهم مجراهم‪. 2‬‬
‫وقال الفيروز آبادي في معنصصى السصصنة ‪ :‬والصصصل فيهصصا الطريقصصة‬
‫ن سصصنة‬ ‫والسيرة ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬من س ّ‬
‫حسنة ( أي طرق طريقة حسصصنة ‪ ،‬وسصصنة النصصبي صصصلى اللصصه عليصصه‬
‫وسلم طريقته التي كان يتحّراها‪ . 3‬وقال شيخ السلم ابن تيميصصة‬
‫‪ ) :‬والسّنة هي العادة التي تتضمن أن يفعل في الثصصاني مثصصل مصصا‬
‫فعل بنظيره الول ‪ ،‬ولهذا أمر الله تعالى بالعتبار (‪. 4‬‬
‫وقصصصال المصصصام الصصصرازي فصصصي تفسصصصيره ‪ ) :‬والسصصصنة ‪ :‬الطريقصصصة‬
‫المستقيمة والمثال المتبع (‪ ، 5‬وقال رشصصيد رضصصا صصصاحب تفسصصير‬
‫المنار ‪ ) :‬السنن جمع سصنة ‪ ،‬وهصي الطريقصصة المعبصدة أو السصصيرة‬
‫المتبعة أو المثال المتبع (‪. 6‬‬

‫‪ 12‬ص التعريف المختار لسنة الله ‪:‬‬


‫يلحصصظ أن هصصذه الكلمصصة يصصدور معناهصصا علصصى معنصصى ))الطريقصصة‬
‫المتبعة(( فيكون معنصصى )سصصنة اللصصه( هصصي الطريقصصة المتبعصصة فصصي‬
‫معاملة الله تعالى للبشر بناء على سلوكهم وأفعصصالهم ومصصوقفهم‬
‫من شرع الله وأنبيائه وما يترتب على ذلك مصصن نتصصائج فصصي الصصدنيا‬
‫والخرة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ لسان العرب لبن منظور ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪. 89‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ النهاية في غريب الحديث والثر ‪ ،‬لبن الثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 409‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز ابادي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ 267‬ـ ‪. 268‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ مجموع الفتاوى لشيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 69‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 11‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 140‬‬
‫‪ 13‬ص سنة الله هي القانون العام ‪:‬‬
‫وحيث أن سنة الله تعالى المتعلقة بأفعال البشر وسصصلوكهم هصصي‬
‫طريقته المتبعة في معاملته للبشر ‪ ،‬كما قلنا ‪ ،‬ومصصا يصصترتب علصصى‬
‫ذلك من نتائج معينة فصصي الصصدنيا والخصصرة ‪ ،‬فهصصذا يعنصصي أن معنصصى‬
‫))السنة(( هصصو معنصصى )القصصانون العصصام( مصصن حيصصث خضصصوع أفعصصال‬
‫البشر وسلوكهم إلى أحكام هصصذه )السصصنة( الصصتي يمكصصن تسصصميتها‬
‫بالقانون العام ‪.‬‬

‫‪ 14‬ص سنة الله تتسم بالثبات والطراد والعموم ‪:‬‬


‫وما دامت )سنة الله( هي القانون العام الذي يحكم أفعال البشصصر‬
‫وسلوكهم فإنها تتسم بالثبات والطراد والعموم ‪ ،‬وهذا هو شصصأن‬
‫ة الل ّص ِ‬
‫ه‬ ‫س صن ّ َ‬
‫القاعدة القانونية‪ .‬فهي ثابتة ل تتغيصصر‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪ُ ) :‬‬
‫دي ً‬
‫ل(‪.7‬‬ ‫ة الل ّ ِ‬
‫ه ت َب ْ ِ‬ ‫سن ّ ِ‬ ‫وَلن ت َ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫من َ‬
‫قب ْ ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫وا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫في ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ِ‬

‫ت الّلص ِ‬
‫ه‬ ‫سصن ّ ِ‬ ‫جصدَ ل ِ ُ‬ ‫وَلصن ت َ ِ‬ ‫ديل ً َ‬ ‫ه ت َْبص ِ‬‫ت الّلص ِ‬ ‫سن ّ ِ‬ ‫فَلن ت َ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫وقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ل(‪. 1‬‬‫وي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ص‬‫وهي مطردة ل تتخلف ‪ ،‬ويدل على اطرادها أن اللصصه تعصصالى ق ص ّ‬
‫ل بهصصا لنتعصصظ ونعتصصبر ول نفعصصل‬ ‫علينا قصص المم السابقة وما ح ّ‬
‫فعلهم لئل يصيبنا ما أصابهم ‪ ،‬ولول اطرادهصصا لمصصا أمكصصن التعصصاظ‬
‫والعتبار بها ‪ .‬فمن هذه اليات قوله تعالى ‪ ) :‬فصصاعبروا يصصا أولصصي‬
‫ل ببنصصي النضصصير لسصصوء‬ ‫ص الله تعالى علينا ما ح ّ‬ ‫البصار( بعد أن ق ّ‬
‫أعمالهم ‪ ،‬قال اللوسي في هصصذه اليصصة ‪ :‬أي فصصاتعظوا بمصصا جصصرى‬
‫عليهم ص أي على اليهود من بني النضير ص من المور الهائلة علصصى‬
‫وجه ل تكاد تهتدي إليه الفكار ‪ ،‬واتقوا مباشرة ما أداهم إليه من‬
‫الكفر والمعاصي ‪ ،‬واعتبروا من حصصالهم فصصي غصصدرهم واعتمصصادهم‬
‫على غير اللصصه تعصصالى ص ص الصصصائرة سصصببا ً لتخريصصب بيصصوتهم بأيصصديهم‬
‫وأيدي أعدائهم ومفارقة أوطانهم كارهين ص إلى حال أنفسكم فل‬
‫ل بصصل‬ ‫تعولوا على تعاضد السصصباب وتعتمصصدوا علصصى غيصصره ع صّز وج ص ّ‬
‫ن‬ ‫سصن َ ٌ‬‫م ُ‬ ‫قب ْل ِك ُص ْ‬‫مصصن َ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َص ْ‬ ‫ق صد ْ َ‬ ‫توكلوا عليه‪ . 2‬وكذلك قوله تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ن }‪{137‬‬ ‫مك َصذِّبي َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬‫قب َ ص ُ‬‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ف ك َصصا َ‬ ‫فان ْظُُروا ْ ك َي ْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫في ال َْر‬ ‫سيُروا ْ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ة لل ُ‬ ‫َ‬
‫عظ ٌ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬‫و َ‬‫دى َ‬ ‫ه ً‬‫و ُ‬‫س َ‬ ‫ّ‬ ‫هص َ‬
‫ن للّنا ِ‬ ‫ذا ب ََيا ٌ‬ ‫َ‬
‫وهي ‪ ،‬أي سنة الله ‪ ،‬تتصف بالعموم أي أنها عامة يسصري حكمهصا‬
‫خي ْ صٌر‬ ‫م َ‬ ‫فصصاُرك ُ ْ‬ ‫على الجميع دون محاباة ول تمييز ‪ ،‬قال تعصصالى ‪) :‬أ َك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫هص ْ‬ ‫ف َ‬‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬‫شَيا َ‬ ‫هل َك َْنا أ َ ْ‬‫قد ْ أ َ ْ‬‫ول َ َ‬‫ر( ‪َ ) ،‬‬ ‫في الّزب ُ ِ‬ ‫كم ب ََراءةٌ ِ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫من أ ُول َئ ِك ُ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ْ ْ‬

‫‪7‬‬
‫ـ سورة الحزاب ‪ ،‬الية ‪. 62‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة فاطر ‪ ،‬الية ‪. 43‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ـ روح المعاني ـ ج ‪ ، 28‬ص ‪. 41‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬اليتان ‪. 138 ، 137‬‬
‫ر(‪ . 4‬أي ليس كفاركم خيرا ً من كفار من تقدم من المصصم‬ ‫مدّك ِ ٍ‬ ‫من ّ‬ ‫ِ‬
‫‪5‬‬
‫الذين أهلكوا بكفرهم ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مص ْ‬
‫ل‬ ‫ع َ‬
‫مصن ي َ ْ‬
‫ب َ‬
‫ل الك َِتصا ِ‬
‫هص ِ‬
‫يأ ْ‬‫مصان ِ ّ‬
‫ول أ َ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬
‫مصان ِي ّك ْ‬ ‫وقال تعالى ‪) :‬ل ّي ْ َ‬
‫س ب ِأ َ‬
‫ه(‪ ، 6‬والمعنى أن كل من يعمل سوءا ً يلق جزاءه ؛ لن‬ ‫جَز ب ِ ِ‬‫سوءا ً ي ُ ْ‬
‫ُ‬
‫الجزاء بحسب سّنة الله تعالى أثر طبيعي للعمل ل يتخلصصف عنه‪. 7‬‬
‫فسّنة الله تعالى ثابتة ومطصردة وعامصة غيصر مقتصصرة علصى فصرد‬
‫دون فصصرد ول علصصى قصصوم دون قصصوم ‪ .‬ولصصول ثباتهصصا واطرادهصصا‬
‫وعمومها لما كان معنى في ذكصصر قصصصص وأخبصصار المصصم السصصابقة‬
‫وطلب العتبار بما حل هم ‪ ،‬ولكن لما كان ما جرى لهصصم وعليهصصم‬
‫يجري على غيرهم إذا فعلوا فعلهم ‪ ،‬حسن ذكر قصصصصهم وطلصصب‬
‫العتبار والتعاظ بها ‪.‬‬

‫‪ 15‬ص السبيل لمعرفة سّنة الله ‪:‬‬


‫والسبيل لمعرفة )سنة الله( أي الوجه الثاني للقصصانون العصصام هصصو‬
‫الرجوع إلى كتاب الله العظيم وسّنة نبيه الكريم محمد صلى اللصصه‬
‫عليه وسلم فما فيهما هو القول الفصل ‪ ،‬وما بّيناه صص أي القصصرآن‬
‫والسّنة النبوية ص من أنصصه هصصو )سصصنة اللصصه( أي قصصانونه العصصام الصصذي‬
‫تجري بموجبه أحداث ووقائع البشر ‪ ،‬فهذا البيان هو الحق المبين‬
‫َ‬
‫ل(‪ ، 8‬وهو الخبصصار الحصصق‬ ‫قي ً‬
‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ ِ‬‫م َ‬‫صدَقُ ِ‬
‫نأ ْ‬‫م ْ‬
‫و َ‬
‫والقول الصدق ‪َ ) :‬‬
‫ً ‪9‬‬
‫ديثا( ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬
‫ه َ‬
‫ن الل ِ‬
‫م َ‬
‫صدَقُ ِ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬‫الصادق عن هذا القانون العام ) َ‬

‫‪ 16‬ص الخبار عن )سّنة الله( بصيغ متنوعة ‪:‬‬


‫وقد يخبرنا الله تعالى عصصن )سصصنته( أي عصصن القصصانون العصصام الصصذي‬
‫وضعه الله لحكم سلوك البشر وأفعالهم وما يصيبهم ‪ ،‬قد يخبرنصصا‬
‫عن ذلك بغير لفظ )السّنة( كأن يعصصبر عصصن )س صّنته( بتقريصصر نتيجصصة‬
‫معينة بناء على وصف معين أو حالة معينة أو بنصصاء علصصى سصصبب أو‬
‫شرط معينين ‪ ،‬فيكون هذا الخبار بهصصذه الصصصيغ إخبصصارا ً عصصن سصصنة‬
‫ثابتة لله تعالى كما في قوله تعالى ‪) :‬تلك القصصرى أهلكنصصاهم لمصصا‬
‫ن الله ل يغّير ما بقوم حّتى يغّيصصروا مصصا‬‫ظلموا( ‪ ،‬وقوله تعالى ‪) :‬إ ّ‬
‫بأنفسهم( ‪.‬‬

‫‪ 17‬ص أهمية دراسة سنن الله ‪:‬‬


‫وسنن الله تعالى التي بّينهصصا اللصصه فصصي القصصرآن الكريصصم أو بّينهصصا‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم جديرة بالدراسصصة والفهصصم ‪ ،‬بصصل إن‬
‫دراستها وفهمهصصا مصصن المصصور المهمصصة جصصدا ً والواجبصصة ديانصصة ‪ ،‬لن‬
‫‪4‬‬
‫ـ سورة القمر ‪ ،‬اليتان ‪. 51 ، 43‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 15‬ص ‪. 145‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة النساء ‪ ،‬الية ‪. 123‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 434‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ سورة النساء ‪ ،‬الية ‪. 122‬‬
‫‪9‬‬
‫ـ سورة النساء ‪ ،‬الية ‪. 87‬‬
‫ب‬‫ك ال ْك َِتصا َ‬‫عل َْيص َ‬‫ون َّزل َْنصا َ‬
‫معرفتها معرفة لبعض الدين قصال تعصالى ‪َ ) :‬‬
‫ن( ‪ .‬قصصال‬ ‫‪10‬‬
‫مي َ‬ ‫سصصل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫وب ُ ْ‬
‫شصصَرى ل ِل ُ‬ ‫ة َ‬
‫مصص ً‬
‫ح َ‬
‫وَر ْ‬
‫دى َ‬
‫هصص ً‬
‫و ُ‬
‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬
‫شصص ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ِب َْيانصصا ً ل ّ ُ‬
‫كصص ّ‬
‫اللوسي رحمه الله تعصصالى فصصي تفسصصيرهذه اليصصة‪)):‬والمصصراد مصصن‬
‫ء( ما يتعلق بأمور الدين أي بيانا ً بليغا ً لكل شصصيء يتعلصصق‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫)ك ُ ّ‬
‫بذلك‪ ،‬ومن جملته أحوال المم مع أنبيائهم (( ‪. 11‬‬
‫ومن الواضح أن أحوال المم مع أنبيائهم التي اعتبرها اللوسصصي‬
‫رحمه الله بحق أنها من جملة الدين ‪ ،‬هذه الحوال تعني ما جصصرى‬
‫ل فيهم بسبب سلوكهم معهصصم ومصصوقفهم‬ ‫لهم مع انبيائهم وما ح ّ‬
‫منهم وفقا ً لسّنة الله ‪ ،‬وما طلبه الله منصصا مصصن التعصصاظ والعتبصصار‬
‫بهم ‪ .‬فيتحصل من ذلصصك أن معرفصصة سصصنن اللصصه جصصزء مصصن معرفصصة‬
‫الدين أو معرفة لجصزء مصن الصدين ‪ ،‬وأن هصذه المعرفصة ضصرورية ‪.‬‬
‫ومن الواجبات الدينية لنها تبصرنا بكيفية السصصلوك الصصصحيح فصصي‬
‫الحياة حتى ل نقع في الخطأ والعثار والغرور والمصصاني الكاذبصصة ‪،‬‬
‫ذرنا الله منه ‪ ،‬ونظفر بمصا وعصد اللصه بصه عبصاده‬ ‫ما ح ّ‬ ‫وبذلك ننجو م ّ‬
‫المؤمنين المتقين ‪.‬‬

‫‪ 18‬ص الغرض من تأليف هذا الكتاب ‪:‬‬


‫والغرض مصصن تصصأليف هصصذا الكتصصاب توضصصيح بعصصض معصصاني الشصصريعة‬
‫السلمية للمسلمين ونرها فيما بينهم لتبصصصيرهم بهصصا ودعصصوتهم‬
‫إلى فحص نفوسهم وصفاتهم وأحوالهم وما هم عليصصه كصصأفراد أو‬
‫أمصصم أو دول أو جماعصصات فصصي ضصصوء سصصنن اللصصه الصصتي بّينهصصا لنصصا ‪،‬‬
‫وليعلموا يقينا ً أن ما هم عليه مما يحزن المحب ويسّر لصصه العصصدو ‪،‬‬
‫ل في ديارهم ‪ ،‬لم يحدث شصصيء مصصن ذلصصك قصصط‬ ‫وما أصابهم وما ح ّ‬
‫)صدفة( أو خبصصط عشصصواء ‪ ،‬بصصل كصصان نتيجصصة حتميصصة لمصصا فعلصصوه أو‬
‫صروا في فعله أو تسببوا في فعله أو التقصير فيه ‪ ..‬وليعلمصصوا‬ ‫ق ّ‬
‫أيضا على وجه اليقيصصن أن الخلص مصصن الحالصصة السصصيئة الصصتي هصصم‬ ‫ً‬
‫عليها ل يكون أبدا ً إل باتباع ما تقضي به سنن اللصه تعصالى وليصس‬
‫باتباع غيرها أو اتبصصاع مصصا يناقضصصها ‪ .‬وليعلمصصوا أيضصا ً أن مصصن يريصصد‬
‫تبديل حاله السيىء بغير تهيئة مقتضيات التبديل مثله كمثصصل مصصن‬
‫يريد تبريد الماء بوضعه على النصصار أو يريصصد تسصصخينه بوضصصعه علصصى‬
‫الثلج ‪..‬‬
‫إن تأليف هذا الكتصصاب ليصصس مصن قبيصصل الصصترف العقلصصي أو لغصصرض‬
‫التأليف العلمي النظري البحت ‪ ،‬وإنما هصصو لجصصل تعريصصف أحبصصائي‬
‫وإخواني المسلمين في كل مكان ببعض حقائق السصصلم العظيصصم‬
‫ومعانيه وقوانينه الثابتة ‪ ،‬ل ليخزنوا هذه المعرفة فصصي رؤوسصصهم‬
‫دي الصصصحيح‬ ‫وإنما ليجعلوها محركا ً ودافع صا ً لنفوسصصهم للعمصصل الج ص ّ‬
‫الدؤوب الصامت وفقا ً لمقتضيات سنن الله في التبديل والتحويل‬

‫‪01‬‬
‫ـ سورة النحل ‪ ،‬الية ‪. 89‬‬
‫‪11‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 14‬ص ‪. 214‬‬
‫من السيىء إلى الحسن ‪ ،‬ومن حياة الذل إلصى حيصاة العصز ‪ ،‬ومصن‬
‫التبعية الذليلة المهينة للطواغيت والكفصرة والفجصرة ‪ ،‬إلصى حيصث‬
‫أراد الله تعصصالى للمصصؤمنين مصصن العصّزة والكرامصصة والقيصصادة للبشصصر‬
‫م ال َ ْ‬ ‫جميعا ً ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬ول َ ت َهُنوا ول َ ت َحزُنوا َ‬
‫كنُتم‬ ‫ن ِإن ُ‬ ‫و َ‬ ‫عل َ ْ‬ ‫وأنت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫كصص‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ن‬
‫َ َ‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫َ ُ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬‫ِ‬
‫َ َ ُ‬‫ل‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬‫و‬‫َ‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫ن(‪ ، 1‬وقال‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫مو َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫قي‬‫ِ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ا ُ‬‫ْ‬ ‫ل‬

‫‪ 19‬ص منهج البحث وفصوله ‪:‬‬


‫قلنصصا إن موضصصوع بحثنصصا فصصي هصصذا الكتصصاب هصصو الصصوجه الثصصاني مصصن‬
‫القانون العام الذي يحكم المخلوقصصات فصصي هصصذا العصصالم ‪ .‬والصصوجه‬
‫الثاني من هذا القانون العصصام هصصو )سصصنة اللصصه( المتعلقصصة بسصصلوك‬
‫البشر وأفعالهم في الدنيا وما يترتب عليها من نتصصائج فصصي الصصدنيا‬
‫والخرة ‪.‬‬
‫ً‬
‫أما الوجه الول من القانون العام ‪ ،‬فيقابله أيضا فصصي اصصصطلحنا‬
‫الشرعي )سنة الله( ‪ .‬ولكن هذه السنة تتعلق بالشياء والظصصواهر‬
‫والحداث الماديصصة ‪ ،‬وهصصذه السصّنة ل أتكلصصم عليهصصا إل علصصى سصصبيل‬
‫التمثيل والستطراد وهي على كل حال شيء قليل جدا ً ‪.‬‬
‫وعلى هذا فقد جعلصصت هصصذا الكتصصاب فصصصول ً ‪ ،‬وجعلصصت لكصصل فصصصل‬
‫عنوانصصا ً ‪ ،‬وهصصذا العنصصوان اقتبسصصته مصصن مضصصمون الفصصصل ‪ ،‬وهصصذا‬
‫المضصصمون هصصو بعصصض مصصا اشصصتملت عليصصه )سصصنة اللصصه( ‪ ..‬كصصل ذلصصك‬
‫ليسصصهل علصصى القصصارىء الحاطصصة بمواضصصيع الكتصصاب بيسصصر ودون‬
‫اضطراب أو تشويش ‪ ،‬وعلى هذا جاءت فصول الكتاب على النحو‬
‫التالي ‪:‬‬
‫الفصل الول ص سّنة الله في السباب والمسببات‬
‫] قانون السببية [‬
‫الفصل الثاني ص سّنة الله في اتباع هداه والعراض عنه‬
‫] قانون الهدى والضلل [‬
‫الفصل الثالث ص سّنة الله في التدافع بين الحق والباطل‬
‫] قانون التدافع [‬
‫الفصل الرابع ص سّنة الله في الفتنة والبتلء‬
‫] قانون البتلء [‬
‫الفصل الخامس ص سّنة الله في الظلم والظالمين‬
‫] قانون الظلم [‬

‫الفصل السادس ص سّنة الله في الختلف والمختلفين‬


‫] قانون الختلف [‬
‫الفصل السابع ص سّنة الله في المتساوين والمختلفين‬

‫‪1‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 139‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة المنافقون ‪ ،‬الية ‪. 8‬‬
‫] قانون التماثل والضداد [‬
‫الثامن ص سّنة الله في الترف والمترفين‬ ‫الفصل‬
‫] قانون الترف [‬
‫التاسع ص سّنة الله في الطغيان والطغاة‬ ‫الفصل‬
‫] قانون الطغيان والطغاة [‬
‫العاشر ص سّنة الله في بطر النعمة وتغيرها‬ ‫الفصل‬
‫] قانون بطر النعم وتغيرها [‬
‫الحادي عشر ص سّنة الله في الذنوب والسيئات‬ ‫الفصل‬
‫] قانون الذنوب والسيئات [‬
‫الثاني عشر ص ص س صّنة اللصصه فصصي التقصصوى واليمصصان والعمصصل‬ ‫الفصل‬
‫الصالح‬
‫] قانون التقوى واليمان والعمل الصالح [‬
‫الثالث عشر ص سّنة الله في الستدراج‬ ‫الفصل‬
‫] قانون الستدراج [‬
‫الرابع عشر ص سّنة الله في المكر والماكرين‬ ‫الفصل‬
‫] قانون المكر [‬
‫دنيا والخرة‬‫الخامس عشر ص سّنة الله في طلب ال ّ‬ ‫الفصل‬
‫] قانون طلب الدنيا والخرة [‬
‫السادس عشر ص سّنة الله في الرزق‬ ‫الفصل‬
‫] قانون الرزق [‬
‫السابع عشر ص سّنة الله في الفظاظة والغلظة والرفق‬ ‫الفصل‬
‫] قانون الفظاظة والغلظة والرفق [‬
‫الفصل الول‬
‫سنة الله في السباب والمسببات‬
‫] قانون السببية [‬
‫‪ 20‬ص تعريف السبب ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫السبب في اللغة كل شيء يتوصل به إلى غيره ‪ .‬وبهصصذا المعنصصى‬
‫اللغوي للسبب ورد في قوله تعالى ‪) :‬وآتيناه من كل شيء سصصببا ً‬
‫فأتبع سببًا( فالمعنى ‪ :‬آتصصاه اللصصه مصصن كصصل شصصيء معرفصصة وذريعصصة‬
‫يتوصل بها فاتبع واحدا ً من تلك السباب‪. 2‬‬
‫وقال الزمخشري ‪ :‬السبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو‬
‫قدرة أو آلة‪ . 3‬فالمنظور إليصصه فصصي كصصون الشصصيء سصصببا ً هصصو كصصونه‬
‫موصل ً إلى غيره سصصواء كصصان هصصذا الشصصيء مادي صا ً كآلصصة مصصن اللت‬
‫المادية أو كان معنويا ً كالعلم والقدرة ‪.‬‬

‫‪ 21‬ص كل شيء بسبب ‪:‬‬


‫ل القرآن الكريم على أن كل شيء يحدث بسبب سواء كصصان‬ ‫وقد د ّ‬
‫هذا الحدث يتعلق بالجماد أو بالنبصصات أو بصصالحيوان أو بالنسصصان أو‬
‫بالجرام السماوية أو الظواهر الكونية المادية المختلفة ‪ .‬فقانون‬
‫السببية أي ربصصط المسصصببات بأسصصبابها والنتصصائج بمقصصدماتها ‪ ،‬هصصذا‬
‫القانون عام شامل لكل ما في العالم ولكصصل مصصا يحصصصل للنسصصان‬
‫في الدنيا والخرة ‪ .‬قال شيخ السلم ابن‬

‫تيمية رحمه اللصصه تعصصالى ‪ ) :‬فليصصس فصي الصدنيا والخصصرة شصصيء إل‬
‫بسبب ‪ ،‬والله خالق السباب والمسببات (‪ .1‬فمن السباب المادية‬
‫رْزق صا ً‬ ‫ت ِ‬
‫مَرا ِ‬‫ن الث ّ َ‬ ‫م َ‬
‫ه ِ‬ ‫ج بِ ِ‬‫خَر َ‬ ‫فأ َ ْ‬
‫ماءً َ‬
‫ء َ‬
‫ما ِ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫وَأنَز َ‬
‫ل ِ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫م‬ ‫عصصل ل ّ ُ‬
‫كصص ْ‬ ‫ج َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫قصصوا ْ الّلصص َ‬‫م(‪ . 2‬ومصصن السصصباب المعنويصصة ‪َ) :‬إن ت َت ّ ُ‬ ‫لّ ُ‬
‫كصص ْ‬
‫ً ‪3‬‬
‫قانا( ‪ .‬كما سنبينه فيما بعد ‪.‬‬ ‫فْر َ‬‫ُ‬
‫والقرآن الكريم ص كما يقول ابن القيم ص مملوء من ترتيب الحكام‬
‫الكونيصصة والشصصرعية والثصصواب والعقصصاب علصصى السصصباب بطصصرق‬
‫متنوعة ‪ ،‬فيأتي بباء السببية تارة كقوله تعصصالى ‪) :‬كلصصوا واشصصربوا‬
‫هنيئا ً بما أسلفتم في اليام الخالية( ‪ ،‬ويصصأتي بصصاللم تصصارة كقصصوله‬
‫تعالى ‪) :‬كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلصصى النصصور‬
‫بإذن ربهم( ويصصأتي بصصذكر الوصصصف المقتضصصي للحكصصم تصصارة كقصصوله‬

‫‪1‬‬
‫ـ لسان العرب لبن منظور ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 43‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز ابادي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 169‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪. 743‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 22‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 29‬‬
‫ق الله يجعل له مخرج صًا(‪ ، 4‬فصصالله تعصصالى اقتضصصت‬
‫تعالى ‪) :‬ومن يت ِ‬
‫‪5‬‬
‫حكمته ربط المسببات بأسبابها ‪.‬‬

‫‪ 22‬ص من مقالة قديمة لي في قانون السببية ‪:‬‬


‫وقد يكون من المفيد أن أذكر هنا شيئا ً ممصصا جصصاء فصصي مقالصصة لصصي‬
‫نشرتها في مجلة التربيصصة السصصلمية ببغصصداد قبصصل مصصا يقصصرب مصصن‬
‫ثلثين سنة بعنوان ))القانون الرهيب(( جصصاء فيهصصا‪ )) : 6‬كصصثيرا ً مصصا‬
‫يقول الناس إن الشيء الفلني حدث صصصدفة ‪ ،‬ويمصصر هصصذا اللفصصظ‬
‫على السماع كصصأنه قصصول صصصحيح ‪ ..‬والواقصصع أن هصصذا اللفصصظ غيصصر‬
‫صحيح ‪ ،‬وليس له المدلول الذي يتبادر إلى الذهان ‪ ..‬فليس فصصي‬
‫الكصصون مكصصان )للصصصدفة( وإنمصصا هنصصاك أسصصباب ومسصصببات ونتصصائج‬
‫تسبقها مقدمات ‪ ..‬وما يسمى )صصصدفة( مصصا هصصو فصصي الحقيقصصة إل‬
‫حدث يجهل الناس أسبابه ‪ ..‬ولكن الجهصصل بالشصصيء ل يعنصصي عصصدم‬
‫ن هذا الكون الواسصصع‬ ‫وجود ذلك الشيء ‪ ..‬وتوضيح هذه الحقيقة أ ّ‬
‫َ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫شص ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ن كص ّ‬ ‫س َ‬‫ح َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫العجيب المدهش الذي خلقه الله تعالى ‪) :‬ال ّ ِ‬
‫ن(‪. 7‬‬ ‫طي ٍ‬‫من ِ‬ ‫ن ِ‬‫سا ِ‬ ‫لن َ‬‫قا ِْ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫وب َدَأ َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ُ‬‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫ون قانونصا عامصا هصصو‬ ‫ً‬ ‫هذا الكون يجري بموجب أسباب ومسببات تك ّ‬
‫دقة والحكام والشمول بحيث ل يخصصرج عنصصه شصصيء ول‬ ‫في غاية ال ّ‬
‫يفلت منه مخلوق ‪ ..‬يحكم كل شيء من المخلوقصات بل اسصتثناء ‪:‬‬
‫من أصغر ذّرة إلى أكبر جرم ‪ ،‬ومن الجماد والنبات بأنواعه إل ذي‬
‫ذرة فصصي مادتهصصا الصصتي ل نشصصعر بهصصا‬ ‫الروح بأنواعه ‪ ،‬ومن حركة ال ّ‬
‫إلى حركة الريح العاصف الصصتي تقلصصع الشصصجار وتخصصرب الصصبيوت ‪..‬‬
‫فالكل خاضع ومنقاد لهذا القانون الرهيب ل يسصصتطيع منصصه تفلتصا ً‬
‫ول خلصا ً ‪ ..‬وهذا الخضوع التام من الجميع ما هصصو فصصي الحقيقصصة‬
‫إلى خضوع للملك القوي الجبار واضصصع هصصذا القصصانون وخصصالق هصصذا‬
‫س‬ ‫م ُ‬ ‫شص ْ‬ ‫وال ّ‬ ‫ل القرآن الكريصصم ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬ ‫الكون ‪ ،‬وعلى هذا د ّ‬
‫م( ‪ ،‬وقصصال تعصصالى ‪:‬‬ ‫‪8‬‬
‫عِلي ص ِ‬ ‫ز ال ْ َ‬‫زي ص ِ‬
‫ع ِ‬‫ديُر ال ْ َ‬ ‫ك تَ ْ‬
‫قص ِ‬ ‫ها ذَل ِص َ‬‫قّر ل ّ َ‬‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ل ِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وإ ِلْيصص ِ‬ ‫وكْرهصصا َ‬ ‫وعصصا َ‬ ‫ضط ْ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬‫سصص َ‬
‫فصصي ال ّ‬ ‫مصصن ِ‬ ‫م َ‬ ‫سصصل َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ولصص ُ‬ ‫) َ‬
‫‪9‬‬
‫ن( ‪ .‬وهصصذا القصصانون اللهصصي العصصام المسصصمى فصصي القصصرآن‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ي ُْر َ‬
‫الكريم )سنة الله( ل يقبل التبديل ول التحويل ‪.‬‬
‫وقد ذكرت كلمة )سنة الله( وأنها ل تتبصصدل ‪ ،‬فصصي القصصرآن الكريصصم‬
‫في مواضع كثيرة حصصتى يرسصصخ مفهومهصصا فصصي النفصصوس وتنحسصصر‬
‫الوهام عن العقول ‪) .‬وسنة الله( أو هذا القصصانون اللهصصي العصصام‬
‫يقوم على السباب والمسصصببات وربصصط النتصصائج بالمقصصدمات علصصى‬
‫دقة والصصصرامة والطصصراد ‪ ..‬والنسصصان ص ص وهصصو‬ ‫نحو هو في غاية ال ّ‬
‫‪4‬‬
‫ـ مدارج السالكين ‪ ،‬لبن القيم ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ 498‬ـ ‪. 499‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ مدارج السالكين ‪ ،‬لبن القيم ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 478‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ مجلة التربية السلمية ‪ ،‬العدد الول ‪ ،‬السنة السادسة شعبان ‪ 1383 /‬ـ كانون أول ‪ ، 1963 /‬ص ‪19‬ـ ‪ : 26‬القانون الرهيب ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة السجدة ‪ ،‬الية ‪. 7‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ سورة يس ‪ ،‬الية ‪. 38‬‬
‫‪9‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 83‬‬
‫جزء من هذا الكون ‪ ،‬ولكنه جزء ممتاز ص يخضع لهصصذا القصانون فصي‬
‫جميع حركاته وسصكناته وتقلبصات أحصواله ‪ ...‬كمصا تخضصع لصه أيضصا ً‬
‫المم في علوهصصا وانخفاضصصها وسصصعادتها وشصصقائها وعزهصصا وذلهصصا‬
‫وبقائها وهلكها ‪ ..‬وهذا الخضوع مصصن الفصصراد والمصصم فصصي جميصصع‬
‫أحوالهم لهذا القانون الرهيصصب يسصصاوي بالضصصبط خضصصوع الحصصداث‬
‫ن سقوط تفاحة مصصن شصصجرة‬ ‫الكونية المادية لهذا القانون ‪ ،‬فكما أ ّ‬
‫دت إلصصى هصصذا السصصقوط ‪ ،‬فكصصذلك‬ ‫هو نتيجة حتمية لسباب معينصصة أ ّ‬
‫دت‬ ‫يعتبر سقوط دولة أو هلك أمة نتيجة حتميصصة لسصصباب معينصصة أ ّ‬
‫إلى هذا السقوط ‪..‬‬
‫وهذا ما تقضصصي بصصه س صّنة اللصصه العامصصة الصصتي ل تقبصصل التخلصصف ول‬
‫التبديل ‪) :‬سّنة الله التي قد خلت من قبصصل ولصصن تجصصد لس صّنة اللصصه‬
‫ل( ‪ ،‬وكل الفرق بين الحداث الكونية الماديصصة وبيصصن الحصصداث‬ ‫تبدي ً‬
‫الجتماعيصصة هصصو أن أسصصباب الولصصى واضصصحة بّينصصة مضصصبوطة إذا‬
‫عرفناها أمكننا الحكم بدقة علصصى نتائجهصصا وميقصصات هصصذه النتصصائج ‪،‬‬
‫فالماء مثل ً ينجمد إذا بلغت درجة برودته كصصذا درجصصة ‪ ،‬ويصصصل إلصصى‬
‫الغليان إذا وصصصلت درجصصة حرارتصصه إلصصى كصصذا درجصصة وبعصصد كصصذا مصصن‬
‫الوقت ‪ ،‬وهكذا ‪ ..‬أما أسباب الحصصداث الجتماعيصصة فهصصي بمختلصصف‬
‫أنواعها من سياسية واقتصادية وحضارية وعمرانية وغلبصصة ونصصصر‬
‫وهزيمصصصة وخصصصذلن ‪ ..‬الصصصخ ‪ ،‬أسصصصباب دقيقصصصة وكصصصثيرة ومتشصصصعبة‬
‫ومتشابكة وقد يعسر على الكثيرين الحاطة بها تفصصصيل ً ‪ ..‬ولكصصن‬
‫مع هذا العسر يمكن للمتأمل الفاحص الدقيق أن يعرفهصصا ويحيصصط‬
‫بها علما ً ‪ ،‬كما يمكنه الجزم بحصول نتائج معينة بناء علصصى أسصصباب‬
‫معينة وإن لم يمكنه الجزم بميعاد حصول هذه النتائج ‪ ،‬فنسصصتطيع‬
‫مثل ً أن نحكم على وجه الجزم واليقين بزوال حكم أو سلطان إذا‬
‫وجدناه قائما ً علصصى الظلصصم والرهصصاب وإن كنصصا ل نسصصتطيع تحديصصد‬
‫وقت زوالصصه علصصى وجصصه الدقصصة والضصصبط كمصصا نحصصدد ميعصصاد غصصروب‬
‫الشمس أو شروقها ‪..‬‬
‫ومن أجل هذا الفرق بين الحداث الكونية الماديصة وبيصن الحصداث‬
‫البشرية يغفل الناس كثيرا ً عن سنة اللصصه فصصي الجتمصصاع البشصصري‬
‫وفي تصرفات وسلوك الفصصراد والمصصم ‪ ،‬ويظنصصون أن أمصصورهم ل‬
‫تخضع كما تخضع الظواهر الكونية لقانون السصصباب والمسصصببات ‪،‬‬
‫ويقصصوي هصصذا الظصصن الخصاطىء فصصي نفوسصصهم أنهصصم يصرون صص فصصي‬
‫الظاهر ص أسبابا ً متشابهة في دولتين أو أمصصتين ‪ ،‬ولكصصن أحوالهمصصا‬
‫مختلفة ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬أين هو القانون العام الذي تزعمصصون؟ وهصصذه‬
‫السباب فيهما واحدة ولكن لم تؤد إلى نتائج واحدة؟ وفصصاتهم أن‬
‫السباب تؤدي حتما ً إلى مسبباتها إل لمانع ‪ ،‬وأن المقدمات تؤدي‬
‫حتمصصصا ً إلصصصى نتائجهصصصا إل لعصصصارض ‪ ،‬وهصصصم لصصصم يبصصصصروا الموانصصصع‬
‫والعوارض ‪ ،‬كما لم يبصروا كل السباب والنتصصائج فصصتراكم الخطصصأ‬
‫عليهم فلم يعودوا يبصرون ‪..‬‬
‫وسّنة الله بّينتها آيات كثيرة فصصي القصصرآن الكريصصم ‪ ،‬فنحصصن نجصصدها‬
‫فصصي آيصصات قصصصص القصصرآن وسصصيرة النبيصصاء ‪ ،‬ومصصا جصصرى لهصصم مصصع‬
‫أقوامهم ‪ ،‬وفي أخبار المم السابقة وفي صصصراع أهصصل الحصصق مصصع‬
‫أهل الباطل ‪ .‬ولو ذهبنا نعدّ هذه اليات للفيناهصصا أكصصثر مصصن آيصصات‬
‫الحكام ‪ ،‬فعلى ماذا يصدل هصذا؟ نعتقصد أن هصذه الكصثرة مصن آيصات‬
‫القرآن التي جاء فيها ذكر )سنة الله ( ومعناهصصا وتطبيقهصصا ‪ ،‬تصصدل‬
‫دللة قاطعة على أهمية المعرفة بسّنة اللصصه فصصي الكصصون ووجصصوب‬
‫فهوها من قبل المسلمين ‪ ،‬كما يجب عليهم فهم أمصصور العبصصادات‬
‫ل ل يخصصص بالصصذكر فصصي القصصرآن‬ ‫التي تخصصصهم ‪ ،‬لن اللصصه ع صّز وج ص ّ‬
‫الكريم إل ما يلزم ذكره ويحتاج الناس إلصصى معرفتصصه ‪ ،‬فصصإذا تكصصرر‬
‫ل ذلك على أهميته ‪ ،‬ولهذا جاء في هذه اليصصات الصصتي‬ ‫ذكر شيء د ّ‬
‫أشرنا إليها ما يصصدعو إلصصى التأمصصل والتعصصاظ والفتكصصار فصصي سصصنن‬
‫الله ‪ ،‬كما جاء فيها دعوة صريحة إلى وجوب فهم سصنن اللصه فصي‬
‫الجتماع البشري ‪.‬‬
‫ة‬
‫عْبصَر ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫فصي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فمن النصوع الول قصوله تعصالى ‪) :‬ل َ‬
‫صص ِ‬ ‫ص ِ‬‫ق َ‬ ‫ن ِ‬
‫قصدْ كصا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مصصن‬ ‫ت ِ‬ ‫َ‬
‫خل ص ْ‬ ‫ق صد ْ َ‬‫ب(‪ . 1‬ومن النوع الثاني قوله تعصصالى ‪َ ) :‬‬ ‫وِلي الل َْبا ِ‬ ‫ّل ْ‬
‫ة‬‫قَبصص ُ‬‫عا ِ‬‫ن َ‬ ‫كصصا َ‬ ‫ف َ‬ ‫فصصان ْظُُروا ْ ك َْيصص َ‬
‫ض َ‬ ‫َ‬ ‫سصصيُروا ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قب ْل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫فصصي الْر ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫سصصن َ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫كصص ْ‬
‫‪2‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫َ‬
‫مكذِّبي َ‬ ‫ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولهصصذا نصرى أن مصصن الضصروري جصدا للمسصلمين عمومصا صص الحكصام‬
‫والمحكومين ص أن يتفهموا سنن الله في الجتماع البشري لينجوا‬
‫من الهلكة أو ليتخلصصصوا منهصصا إذا وقعصصوا فيهصصا وقصصد وقعصصوا فيهصصا‬
‫فعل ً ‪ ،‬وأن يعلموا أن هصذا الفهصم مصن لصوازم اليمصان ومصن فهصم‬
‫أحكام السلم‪. (( 3‬‬

‫‪ 23‬ص السباب والمسببات من فعل الله ‪:‬‬


‫وليكن معلوما ً أن كصصون الشصصيء سصصببا ً لغيصصره أو كصصونه مسصصببا عصن‬
‫ً‬
‫غيره ‪ ،‬هو من فعل الله تعالى وحكمه ‪ ،‬فهو تعالى خالق السباب‬
‫والمسببات‪ . 4‬ولوله لما صار هذا الشيء سببا ً لغيره ول صار هذا‬
‫مسّببا ً عنه ‪ .‬ومعنى ذلصصك أن السصصبب إنمصصا يعمصصل ويسصصتدعي‬ ‫الغير ُ‬
‫مسّببه بموجب سّنة الله ونفاذها ‪.‬‬

‫‪ 24‬ص المسببات تكون بأسبابها ل عندها ‪:‬‬


‫قال بعض الناس إن المسببات تكون عند وجود أسبايها ول تكصصون‬
‫بهذه السباب ‪ ،‬فالحراق مثل ً يحصل عند وجود النار وليس بالنار‬
‫‪ .‬وهذا القول غير صحيح ‪ ،‬فالمسببات تحصصدث أو تكصصون بالسصصباب‬
‫الموجبة لها ‪ ،‬ل أنها تحصصدث أو تكصصون عنصصد وجصصود هصصذه السصصباب ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة يوسف ‪ ،‬الية ‪. 111‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 137‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ انتهى القتباس من مقالتي )) القانون الرهيب (( التي أشرت إليها ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 70‬‬
‫والسباب إنما صارت أسبابا ً بما أودعه الله تعالى فيها من معاني‬
‫السببية التي تستوجب نتائج معينة تناسصصب هصصذه المعصصاني ‪ ،‬وكصصل‬
‫هذا بتقدير الله ومشيئته وسنته في خلقه ‪ .‬فالحراق يكون بالنار‬
‫‪ ،‬فالنار هي سبب الحراق ‪ ،‬والحراق يكون بالنصصار لمصصا أودع اللصصه‬
‫فيهصصا مصصن معصصاني الحصصرارة المسصصتوجبة للحصصراق ‪ ،‬ل أن الحصصراق‬
‫يحدث عند وجود النار ‪.‬‬
‫والشبع أو الغداء يكون أو يحصل بأكل الخبز ونحوه ل عند الكل ‪،‬‬
‫والولد يخلقه الله في بطن أمه بإلقاء ماء الرجل في رحم امرأته‬
‫ل أنه يخلقه عند هذا اللقاء ‪ ،‬والنبات يكون بالبذر ل عنصصد البصصذر ‪.‬‬
‫وإنما صارت المسببات ناتجة عن أسبابها لما أودعه الله في هصصذه‬
‫ن وقوى تستوجب هذه المسصصببات ‪ ،‬وسصصواء فصصي‬ ‫السباب من معا ٍ‬
‫هذه السصصباب الماديصصة والمعنويصصة والمسصصببات عنهمصصا ‪ ،‬كصصالحراق‬
‫الناتج عن النار ‪ ،‬فالنار سبب والحراق مسصبب عنهصا ‪ .‬وهصذا فصي‬
‫السباب الماديصصة ومسصصبباتها ‪ ،‬وكصصذلك جعصصل اللصصه تعصصالى الشصصياء‬
‫المعنوية أسبابا ً لنتائج معينة هي مسصببات عنهصا ‪ ،‬فجعصل اليمصان‬
‫والعمال الصالحة سببا ً لرضوان الله وسعادة النسان فصصي الصصدنيا‬
‫والخرة ‪ .‬وجعل الستغفار سصصببا ً لمغفصصرة اللصصه ورحمتصصه ‪ ،‬وجعصصل‬
‫الختلف المذموم والظلم من أسباب هلك المم وهكذا ‪..‬‬

‫‪ 25‬ص الرد على من ل يعتبر السباب ‪:‬‬


‫وقد ردّ ابن تيمية علصصى مصصن لصصم يعتصصبر السصصباب وينكصصر أن تكصصون‬
‫مسبباتها ناتجة عنها ‪ ،‬فقال رحمه الله تعالى ‪ )) :‬ومحو السصصباب‬
‫أن تكون أسبابا ً نقص في العقل وهصصو طعصصن فصصي الشصصرع أيض صا ً ‪،‬‬
‫فالله تعالى يقول ‪) :‬وما أنزل الله من السماء من مصصاء فأحيصصا بصصه‬
‫الرض بعد موتها( ‪ ،‬وقال تعالى ‪) :‬يهدي به الله من اتبع رضصصوانه‬
‫سبيل السلم( ‪ ،‬وأمثال ذلك ‪ ،‬فمن قال يفعل الله تعالى عندها ‪،‬‬
‫أي عند هذه السباب ‪ ،‬ل بها ‪ ،‬فقد خصصالف لفصصظ القصصرآن ‪ ،‬مصصع أن‬
‫س والعقل يشهدان أنها أسصصباب ‪ ،‬ويعلصصم الفصصرق بيصصن الجبهصصة‬ ‫الح ّ‬
‫والعين في اختصاص أحدهما بقوة ليس في الخر ‪ ،‬ويعلم الفرق‬
‫‪1‬‬
‫بين الخبز والحصى في أن أحدهما يحصل به الغذاء دون الخر ((‬
‫‪.‬‬

‫‪ 25‬ص مكرر ص اعتراض ودفعه ‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد يقال ‪ :‬إن السبب وإن كان صحيحا وتاما فليصصس مصصن المحتصصم‬
‫مسّبب ل يحدث بالسصصبب ‪،‬‬ ‫أن يستوجب مسّببه مما يدل على أن ال ُ‬
‫وإنما قد يحدث عنده ويدل على ذلك قول النبي صصصلى اللصصه عليصصه‬
‫وسصصلم ‪ )) :‬لصصن يصصدخل أحصصدكم الجنصصة بعملصصه ‪ .‬قصصالوا ‪ :‬ول أنصصت يصصا‬
‫رسصصول اللصصه؟ قصصال ‪ :‬ول أنصصا إل أن يتغمصصدني اللصصه برحمصصة منصصه‬
‫‪1‬‬
‫ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 175‬‬
‫ل‬‫وفضل (( مع قوله تعالى ‪) :‬ادخلوا الجنة بما كنتم تعلمون( ‪ ،‬فد ّ‬
‫ن المسّبب ل يحصل بالسبب بل عنده ‪.‬‬ ‫على أ ّ‬
‫والجواب ‪ :‬إن )الباء( في قوله تعصصالى ‪) :‬ادخلصصوا الجن ّصصة بمصصا كنتصصم‬
‫تعملون( هي )باء( السببية ‪ ،‬فالعمال الصالحة هي سصصبب دخصصول‬
‫الجّنة ‪ ،‬واسصصتوجبتها بوعصد اللصصه وسصصنته ‪ .‬فصصالمعنى ادخلصصوا الجن ّصصة‬
‫بسبب أعمالكم ‪ .‬والذي نفاه النبي صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم هصصو ‪:‬‬
‫)باء( المقابلة أو المعاوضة ‪ ،‬فليس العمصصل عوضصا ً ول ثمنصا ً كافيصا ً‬
‫لدخول الجّنة ‪ ،‬بل ل بد من عفو الله وفضله ورحمته‪. 2‬‬

‫‪ 26‬ص ل بدّ للسباب من شروط وانتفاء الموانع ‪:‬‬


‫وليكصصن معلومصصا ً أن السصصبب إنمصصا يسصصتوجب مسصصببه إذا تصصوفرت‬
‫شصصروطه أي إذا تحققصصت شصصروط عمصصل هصصذا السصصبب وفعصصاليته‬
‫واسصصتدعاءه لمسصصببه ‪ .‬كمصصا ل بصصد مصصن انتقصصاء مصصوانعه أي انتفصصاء‬
‫الموانع التي تعيق عمل هذا السبب أو تسلبه فعاليته بحيث يصبح‬
‫غير قادر على استدعاء مسببه ‪ .‬فالكل مثل ً سبب للغداء والشصصبع‬
‫واستدامة الحياة ‪ ،‬ولكن بشرط سلمة أعضاء النسصصان الضصصرورية‬
‫لتلقصصي الطعصصام والسصصتفادة منصصه ‪ ،‬وانتفصصاء الموانصصع أي انتفصصاء‬
‫العوائق التي تعيق عمل هذه العضاء في انتفاعها من الكل ‪.‬‬
‫والزرع سببه حرث الرض وإلقاء البذر ‪ ،‬وشصصرطه صصصلحية الرض‬
‫للنبات وصلحية هذا البذر للنبصصات وتصصوفر المصصاء الكصصافي وانتفصصاء‬
‫الموانع من خروج النبات والثمر كانتفاء الفات التي تهلك الصصزرع‬
‫والثمر أو تمنع نموه وهكذا ‪ ..‬وقد ‪ ،‬صّرح غيصصر واحصصد مصصن العلمصصاء‬
‫بضرورة تحقصصق شصصروط السصصبب وانتفصصاء مصصوانعه حصصتى ينتصصج هصصذا‬
‫السبب مسببه ‪ ،‬فمن أقوالهم قول الفقيه الشاطبي ‪ ) :‬وأمصصا إذا‬
‫لم تفعل السباب علصصى مصصا ينبغصصي ول اسصصتكملت شصصرائطها ولصصم‬
‫تنتصصف موانعهصصا فل تقصصع مسصصبباتها شصصاء المكلصصف أو أبصصى ‪ ،‬لن‬
‫المسببات ليس وقوعها أو عصصدم وقوعهصصا لختيصصاره ‪ .‬وأيض صا ً فصصإن‬
‫الشصصارع لصصم يجعلهصصا أسصصبابا ً مقتضصصية لمسصصبباتها إل مصصع وجصصود‬
‫شرائطها وانتفاء موانعها ‪ ،‬فإذا لم تتوفر لم يستكمل السصصبب أن‬
‫يكون سببا ً شرعيا ً سواء علينا أقلنا إن الشصصروط وانتفصصاء الموانصصع‬
‫أجزاء أسباب أم ل ‪ ،‬فالثمرة واحدة‪. 3‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ) :‬فكل سصصبب فهصصو موقصصوف علصصى‬
‫وجود الشروط وانتفاء الموانع (‪ . 4‬ثم قال ابن تيمية رحمه الله ‪:‬‬
‫) فل بد من تمام الشروط وزوال الموانع ‪ ،‬وكل ذلك بقضصصاء اللصصه‬
‫وقدره ‪ ،‬وليس شيء من السباب مستقل ً بمطلوبه بل ل بصصد مصصن‬
‫انضصصمام أسصصباب أخصصرى إليصصه ‪ ،‬ول بصصد أيضصصا ً مصصن صصصرف الموانصصع‬
‫والمعارضات عنه حتى يحصل المقصود ‪ ،‬فصصالمطر وحصصده ل ينبصصت‬
‫‪2‬‬
‫ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 70‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ الموافقات للشاطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 218‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 133‬‬
‫النبات إل بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك ‪ .‬ثم الصصزرع‬
‫ل يتم حتى تصرف عنه الفات المفسدة له ‪ .‬والطعصصام والشصصراب‬
‫ل يغذي إل بما جعل الله في البدن من العضاء والقوى‪. 5‬‬
‫وقوا ابن تيمية ‪ ) :‬وليس شيء من السصصباب مسصصتقل ً بمطلصصوبه ‪،‬‬
‫بل ل بد من انضمام أسباب أخرى إليه ( هذه السباب الخرى هي‬
‫التي يسميها البعصصض بالشصصروط ‪ ،‬وقصصد سصماها ابصصن تيميصصة نفسصصه‬
‫شصصروطا ً فصصي موضصصع آخصصر مصصن كلمه‪ . 1‬وكصصذلك أشصصار الفقيصصه‬
‫الشصصاطبي إلصصى هصصذه التسصصمية بقصصوله ‪ ) :‬وسصصواء علينصصا أقلنصصا إن‬
‫الشروط وانتفاء الموانع أجزاء أسباب أم ل (‪. 2‬‬

‫‪ 27‬ص السباب والقضاء والقدر ‪:‬‬


‫ول يجوز إسقاط السباب وعدم مباشرتها بحجة اليمان بالقضصصاء‬
‫والقدر كأن يترك النسان العمل وغيره من أسصباب الصرزق بحجصة‬
‫در له رزقا ً فل بد أن يأتيه ويحصل عليه عمل أو‬ ‫أنه إذا كان الله ق ّ‬
‫لم يعمل ‪.‬‬
‫ده النبي صلى اللصصه‬ ‫فهذا الحتجاج من قبيل الوهم والتوهم وقد ر ّ‬
‫عليه وسلم فقد أخرج المام مسلم في صحيحه عصصن علصصي رضصصي‬
‫الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كّنا في جنازة في بقيصصع الغرقصصد ‪ ،‬فأتانصصا رسصصول‬
‫الله صلى اللصصه عليصصه وسصصلم فقعصصد وقعصصدنا حصصوله ومعصصه مخصصصرة‬
‫كس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال ‪ :‬ما منكم من أحد ‪ ،‬مصصا مصصن‬ ‫فن ّ‬
‫نفس منفوسة إل وقد كتب الله مكانها من الجّنة والنار وإل وقصصد‬
‫كتبت شقية أو سعيدة ‪ .‬فقال رجصصل يصصا رسصصول اللصصه ‪ :‬أفل نمكصصث‬
‫علصى كتابنصصا ونصدع العمصصل؟ فقصال ‪ :‬مصن كصان مصن أهصل السصعادة‬
‫فسيصير إلى عمل أهصصل السصصعادة ومصصن كصصان مصصن أهصصل الشصصقاوة‬
‫سصصر أمصصا‬
‫فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة ‪ .‬فقال اعملوا فكصصل مي ّ‬
‫أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ‪ ،‬وأما أهصصل الشصصقاوة‬
‫فييسرون لعمل أهل الشقاوة ‪ ،‬ثم قرأ‪) :‬فأما من أعطى واتقصصى‬
‫مصصا مصن بخصصل واسصصتغنى‬ ‫دق بالحسصصنى فسنيسصصره لليسصصرى وأ ّ‬ ‫وصص ّ‬
‫‪3‬‬
‫ذب بالحسنى فسنيسره للعسرى( ‪.‬‬ ‫وك ّ‬
‫قال المام النووي في شرحه لهذا الحصصديث ‪ :‬وفصصي هصصذا الحصصديث‬
‫النهي عن ترك العمل والتكال على ما سبق به القدر ‪ ،‬بصصل تجصصب‬
‫ميسر لما خلق لصصه ل‬ ‫العمال والتكاليف التي ورد الشرع بها وكل ُ‬
‫يقدر على غيره‪. 4‬‬

‫‪ 5‬ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 167‬‬


‫‪ 1‬ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 70‬‬
‫‪ 2‬ـ الموافقات للشاطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 218‬‬
‫‪ 3‬ـ صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪195‬ـ ‪ . 196‬وقوله )فنّكس( أي خفض رأسه وطأطأ إلى الرض على هيئة المهموم ‪ .‬وقوله‬
‫) ينكت بمخصرته ( أي يخط بها خطًا يسيرًا مرة بعد مّرة ‪ .‬وهذا فعل المفكر المهموم ‪ .‬والمخصرة ـ بكسر الميم ـ ما أخذه النسان بيده‬
‫واختصره من عصا لطيفة وعكاز لطيف وغيرهما ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪. 196‬‬
‫وأيضا ً فإن الله تعالى أمر النصصاس بالصصدعاء والسصصتغفار وبغيرهمصصا‬
‫من السباب المؤدية إلى مسبباتها مصصن تفريصصج الكصصروب وغفصصران‬
‫الذنوب وتحصيل المقاصد ‪ ،‬ومن قال أنصصا ل أدعصصو ول أسصصأل اللصصه‬
‫تعالى ول أسصصتغفره اعتمصصادا ً علصصى الخطصصأ كصصان مخطئا ً ؛ لن اللصصه‬
‫تعالى جعل الدعاء ونحوه من العبصصادات أسصصبابا ً تنصصال بهصصا مغفرتصصه‬
‫در الله للعبد خيرا ً ينصصاله بالصصدعاء أو‬‫ورحمته وهداه ونصره ‪ .‬وإذا ق ّ‬
‫بغيره من السباب لم يحصل ما قصصدره لصصه بغيصصر هصصذا السصصبب مصصن‬
‫الدعاء وغيره ‪ .‬وما قدره اللصصه وقضصصاه وعلمصصه مصصن أحصصوال العبصصاد‬
‫وعصصواقبهم فإنمصصا قصصدره بأسصصباب تقصصع فيقصصع مصصا ارتبصصط بهصصا مصصن‬
‫مسببات ‪ ،‬فليس في الدنيا والخرة شيء إل بسصصبب واللصصه خصصالق‬
‫السباب والمسببات‪. 5‬‬

‫‪ 28‬ص السباب والتوكل ‪:‬‬


‫زعم البعض أن من تمام التوكل تصصرك السصصباب حصصتى الصصتي جصصرت‬
‫عادة الناس بها كحمل الزاد فصصي السصصفر مثل ً عصصن طريصصق سصصلوك‬
‫الصحراء كما كان الحال في الزمن الماضي حتى قال هذا البعصصض‬
‫من الناس ‪ ،‬إن من تمام التوكل أن ل يحمصصل المتوكصصل الصصزاد فصصي‬
‫سفره للحج وفي غيره من السفار فيدخل إلصصى الصصصحراء بل زاد‬
‫ول ماء اتكال ً على الله تعالى ‪.‬‬
‫ده على هذا القول ‪ ) :‬وهذا القول‬ ‫قال ابن تيمية رحمه الله في ر ّ‬
‫وأمثاله من قلة العلصصم بس صّنة اللصصه فصصي خلقصصه وأمصصره ‪ ،‬فصصإن اللصصه‬
‫تعالى خلق المخلوقات بأسباب ‪ ،‬وشرع للعباد أسصصبابا ً ينصصالون بهصصا‬
‫ن أنصصه بمجصصرد‬ ‫مغفرته ورحمته وثوابه في الدنيا والخرة ‪ .‬فمن ظ ّ‬
‫توكله مع تركه ما أمره الله به من السصصباب يحصصصل مطلصصوبه وأن‬
‫المطالب ل تتوقف على السباب التي جعلها الله أسبابا ً لها فهصصو‬
‫غالط (‪. 6‬‬
‫والحقيقة أن إسقاط السباب والعصصراض عنهصصا وعصصدم مباشصصرتها‬
‫بحجة التوكل على اللصصه تعصالى يفضصي بفاعصصل ذلصك إلصى مخالفصصة‬
‫الشرع فإن الله تعالى قد أمر بالخذ بالسباب فمن أعصصرض عنهصصا‬
‫فإنه يعرض عما أمره الله تعالى به ‪ ،‬قال ابصصن القيصصم رحمصصه اللصصه‬
‫تعالى ‪ ) :‬والله أمر بالقيام بالسباب فمن رفض ما أمره اللصصه أن‬
‫يقوم به فقد ضاد الله في أمره ‪ ،‬وكيف يحصصل لمسصصلم أن يرفصصض‬
‫السباب كّلها؟ (‪. 7‬‬

‫‪ 29‬ص تعاطي السباب ل ينافي التوكل ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪ 69‬ـ ‪.70‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪ 529‬ـ ‪. 530‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ مدارج السالكين لبن القيم ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 478‬‬
‫وليكصصن معلومصصا ً أن تعصصاطي السصصباب ل ينصصافي التوكصصل ‪ ،‬بصصل إن‬
‫التوكل نفسصصه مصصن أعظصصم السصصباب الصصتي يحصصصل بهصصا المطلصصوب‬
‫ويندفع بها المكروه ‪ ،‬فمن أنكر السباب لم يستقم منه التوكصصل ‪.‬‬
‫ثم إن حقيقة التوكل الثقصة بصالله والطمأنينصة بصه والسصكون إليصه‬
‫فالتوكل ص كما قال المام أحمد ص هو عمصصل القلصصب ‪ ،‬ومعنصصى ذلصصك‬
‫أنه عمل قلبي ليس بقول اللسان ول عمل الجوارح‪. 1‬‬
‫وعلى هذا فالتوكل الشرعي الصصصحيح هصصو العتمصصاد الكامصصل علصصى‬
‫الله والثقة بكفايته لعبده مع مباشرة العبصصد للسصصباب المشصصروعة‬
‫أو العادية التي جعلها الله مفضية إلى مسبباتها ‪ ،‬ويدل على ذلك‬
‫الحديث النبوي الشريف ‪ ) :‬لو أنكم كنتم توكلصصون علصصى اللصصه حصصق‬
‫توكله لرزقتم كما ترزق الطير تغدو خماص صا ً وتصصروح بطان صا ً ( رواه‬
‫الترمذي‪. 2‬‬
‫ففي هذا الحديث الشريف دللة علصصى مشصصروعية العمصصل للكسصصب‬
‫والخذ بالسباب ‪ ،‬فالطير ل يأتيها رزقها وهي في عشوشها بصصل‬
‫بسعيها ‪ ،‬فقد ألهمها تعالى بالسعي لتحصيل رزقها فتخرج جياعا ً‬
‫وترجصصع بطانصصا ً ممتلئة البطصصون شصصبعا ً ‪ .‬وهكصصذا ينبغصصي أن يكصصون‬
‫الصصصادق فصصي تصصوكله يباشصصر السصصباب للحصصصول علصصى مقصصصوده‬
‫ومطلوبه ‪ .‬وعن أنس أن رجل ً قال يا رسول الله ‪ ) :‬أعقلهصصا صص أي‬
‫نصصاقته أو بعيصصره ص ص وأتوكصصل؟ أو أطلقهصصا وأتوكصصل؟ قصصال ‪ :‬اعقلهصصا‬
‫وتوكل ( رواه الترمذي‪. 3‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صصصلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬المؤمن القوي خير وأحب إلصصى اللصصه مصصن‬
‫المؤمن الضعيف ‪ ،‬وفي كل خير ‪ .‬احرص على ما ينفعك واسصصتعن‬
‫بالله ول تعجز ‪( ..‬‬
‫ويقول شيخ السلم ابن تيمية في هذا الحديث ‪ :‬قوله صلى اللصصه‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬احرص على مصا ينفعصك واسصتعن بصالله ول تعجصز (‬
‫أمٌر بالتسبب المأمور به وهو الحرص على المنافع وأمٌر بالتسصصبب‬
‫المأمور به وهو الحرص على المنافع وأمٌر مع ذلك بالتوكصصل وهصصو‬
‫الستعانة بالله ‪ ،‬فمن اكتفى بأحدهما فقد عصى أحد المرين‪. 4‬‬

‫‪ 30‬ص العتماد على الله مع مباشرة السباب ‪:‬‬


‫ومع المر بتعاطي السباب ومباشرتها فإن العتماد القلبي على‬
‫الله تعالى ل عليها فيكون حال قلبصصه قيصصامه بصصالله ل بهصصا ‪ ،‬وحصصال‬
‫بصصدنه قيصصامه بهصصا ‪ ،‬وهصصداه هصصي حقيقصصة التوكصصل ‪ :‬يباشصصر المسصصلم‬
‫السباب وثقته بالله واعتماده عليصصه ‪ ،‬كصصالفلح فصصي أرض )الصصديم(‬

‫‪ 1‬ـ مدارج السالكين لبن القيم ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ 114‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التاج الجامع للصول من أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم للشيخ منصور علي ناصيف ج ‪ ، 5‬ص ‪ ، 205‬والخماص جمع خميص‬
‫وهو ضامر البطن الجائع ‪ .‬والبطان جمع بطين وهو عظيم البطن الشبعان ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع السابق ج ‪ ، 5‬ص ‪. 205‬‬
‫‪ 4‬ـ الفتاوى لبن تيمية ‪ ،‬طبعة فرج ال كردي ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 359‬‬
‫التي تسقى بماء المطر ‪ ،‬يحرث الرض ويلقصصي البصصذور واعتمصصاده‬
‫على الله في إنزال المطر وإخراج الزرع ‪ .‬وعلى هذا فصصإذا كصصانت‬
‫السباب مقدورة له وهو مأمور بها فعليه أن يقوم بها مصصع تصصوكله‬
‫جن ّصصة‬
‫على الله ‪ ،‬كما يؤدي الفرائض وكما يجاهد العدو وهو يلبصصس ُ‬
‫الحرب ويحمل السلح ول يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله‬
‫بدون توكله بدون أن بفعل ما أمره به الشرع مصصن أمصصور الجهصصاد ‪،‬‬
‫فمن ترك السباب المأمور بها فهو عاجز مفرط‪. 5‬‬

‫‪ 31‬ص سّنة الله في السباب وعلقتها بالسنن الخرى ‪:‬‬


‫س صّنة اللصصه فصصي السصصباب تشصصغل مسصصاحة كصصبيرة جصصدا ً مصصن سصصنته‬
‫الخرى ‪ ،‬وقد ل أكصصون مغاليصا ً إذا قلصصت إن السصصنن الخصصرى تقصصوم‬
‫على سنته تعالى في السصصباب بصصصورة مباشصصرة أو غيصصر مباشصصرة‬
‫حتى لتبدو للمتأمل فيها كأنها من مفردات سّنة الله في السباب‬
‫وليست سننا ً مستقلة ‪ ،‬وإن إفرادها بالصصذكر وبأسصصماء خاصصصة بهصصا‬
‫إنما هو لبرازها ولفت النظر إليها لمعنى خاص بها ‪ ،‬وتبقصصى مصصع‬
‫ذلك قائمة على سّنة في السباب ومعتمدة عليها بصورة مباشرة‬
‫أو غير مباشرة ‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫سّنة الله في اتباع هداه والعراض عنه‬
‫] قانون الهدى والضلل [‬
‫‪ 32‬ص هدى الله هو الهدى ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪) :‬ولصصن ترضصصى عن ص َ‬
‫ك اليهصصود ول النصصصارى حصصتى تتبصصع‬
‫مّلتهم قل إن هدى الله هو الهصصدى( ‪ ،‬أي قصصل يصصا محمصصد إن هصصدى‬
‫‪1‬‬

‫الله الذي بعثني به هو الدين المستقيم الصصصحيح الشصصامل‪ ، 2‬وهصصو‬


‫الهدى الحقيقي‪ 3‬الذي يصلح أن يسمى هدى وهو الهدى كّله ليس‬
‫وراءه هدى‪. 4‬‬

‫‪ 33‬ص هدى الله هو السلم ‪:‬‬


‫ً‬
‫وهدى الله الذي هصو الهصدى ‪ ،‬أرسصل بصه محمصدا صصلى اللصه عليصه‬
‫‪5‬‬
‫وسلم ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق(‬
‫‪ ،‬هذا الهدى هو السلم الذي فيه الهدى كل ّصصه ليصصس وراءه هصصدى ‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ مجموع الفتاوى لبن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪ 528‬ـ ‪. 529‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 120‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 163‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 94‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 34‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة الفتح ‪ ،‬الية ‪. 28‬‬
‫قال الزمخشري في قوله تعالى ‪) :‬قل إن هدى اللصصه هصصو الهصصدى(‬
‫يعني أن هدى الله الذي هو السلم هو الهدى الحق والذي يسمى‬
‫هدى وهو الهدى كّله ليس وراءه هصدى ‪ ،‬ومصا تصدعون اتبصاعه أيهصا‬
‫اليهود والنصارى ما هو يهدي إنما هو هوى‪. 6‬‬

‫‪ 34‬ص من يترك هدى الله يتركه الله وما اختاره ‪:‬‬


‫قال تعالى ‪) :‬ومن يشاقق الرسول مصصن بعصصد مصصا تصصبين لصصه الهصصدى‬
‫ويتبع غير سبيل المؤمنين نوّله مصصا تصصوّلى ونصصصله جهن ّصصم وسصصاءت‬
‫مصيرًا(‪ ، 7‬هصدى اللصه هصو السصلم وهصو سصبيل المصؤمنين ‪ ،‬فمصن‬
‫يشاقق الرسول صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم صص أي يعصاديه صص فل يتبصع‬
‫السلم ويتبع غير سبيل المؤمنين بعد أن تبين له هدى الله فصصإن‬
‫الله تعالى يتركه وشأنه وما اختاره لنفسه من ضلل ‪ .‬قال المام‬
‫الرازي في قوله تعالى ‪) :‬نوّله مصصا تصصوّلى( أي نصصتركه ومصصا اختصصاره‬
‫لنفسه ونكله إلى مصصا توكصصل عليه‪ . 8‬ومصصن المعلصصوم أن مصصا اختصصاره‬
‫لنفسه هو سبيل الضلل لنه ليس بعد الحق ص السلم الذي تركصصه‬
‫ص إل الضصصلل ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪) :‬فمصصاذا بعصصد الحصصق إل الضصصلل فصصأّنى‬
‫تصرفون(‪. 9‬‬

‫‪ 35‬ص تهديد من يتبع غير هدى الله ‪:‬‬


‫هدى الله هو السصلم وهصو الحصق الصواجب التبصاع ومصا عصداه هصو‬
‫الضلل الواجب تركه والقلع عنه ‪ ،‬فمن تمسصصك بصصه خسصصر تصصولي‬
‫الله له ونصرته إي ّصصاه وكصصان مصصن الظصصالمين ‪ ،‬قصصال تعصصالى مخاطبصا ً‬
‫رسصصوله صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم والمصصر لمتصصه ‪) :‬ولئن اتبعصصت‬
‫أهواءهم بعد الذي جاءك من العلصصم مالصصك مصصن اللصصه مصصن ولصصي ول‬
‫نصير( ‪. 10‬‬
‫قال ابن كثير في تفسيرها ‪ :‬في هذه اليصصة تهديصصد ووعيصصد شصصديد‬
‫للمة عن اتباع طوائف اليهود والنصارى بعدما علموا من القصصرآن‬
‫والسنة عياذا ً بالله من ذلصك ‪ .‬فصإن الخطصاب مصع الرسصول والمصر‬
‫لمته ‪. 11‬‬
‫وفي آية أخرى قال تعصصالى ‪) :‬ولئن اتبعصصت أهصصواءهم مصصن بعصصد مصصا‬
‫جاءك من العلم إنك إذن من الظالمين( ‪ . 12‬والذي جاءه من العلصصم‬
‫هو هدى الله وما شرعه له من أمور السلم ‪ ،‬فصصإذا فصصرض مجصصرد‬
‫فرض أن تتبع ما يهواه اليهود والنصارى إنك إذن لمن الظالمين ‪،‬‬
‫فالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد أمته ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 183‬‬
‫‪ 7‬ـ سورة النساء ‪ ،‬الية ‪. 115‬‬
‫‪ 8‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 43‬‬
‫‪ 9‬ـ سورة يونس ‪ ،‬الية ‪. 32‬‬
‫‪ 01‬ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 120‬‬
‫‪ 11‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 163‬‬
‫‪ 21‬ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 145‬‬
‫وفصصي اليصصة تهديصصد ووعيصصد لمصصن يتبصصع أهصصل الباطصصل فصصي بصصاطلهم‬
‫وأهوائهم استمالة لهم ‪ ،‬فقد جاء في تفسير المنصصار بشصصأن هصصذه‬
‫الية ‪ :‬هذا الخطاب بهصصذا الوعيصصد لعلصصى النصصاس مقام صا ً عنصصد اللصصه‬
‫تعالى وهو رسول الله صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم ‪ ،‬هصصو أشصصد وعيصصد‬
‫لغيره ممن يتبع الهوى ويحاول استرضاء الناس بمجصصاراتهم علصصى‬
‫ما هم عليه من الباطل ‪ ،‬فإنه أورده بالخطاب للرسول صلى اللصصه‬
‫عليه وسلم مع أن المصصراد أمتصصه ليعلصصم المصصؤمنين أن اتبصصاع أهصصواء‬
‫الناس ولو لغرض صحيح هو من الظلم العظيم الذي يقطع طريق‬
‫الحق ويردي الناس في مهاوي الباطل ‪. 13‬‬

‫‪ 36‬ص ل حزن ول خوف على متبع هدى الله ‪:‬‬


‫قال تعالى ‪) :‬قلنا اهبطوا منهصصا جميع صا ً فإمصصا يصصأتيّنكم من ّصصي هصصدى‬
‫فمن تبع هداي فل خوف عليهم ول هم يحزنون(‪ . 1‬قال ابن كصصثير‬
‫في تفسير هذه اليصصة ‪ :‬أي مصصن أقبصصل علصصى مصصا أنزلصصت بصصه الكتصصب‬
‫وأرسلت به الرسصصل فل خصصوف عليهصصم فيمصصا يسصصتقبلونه مصصن أمصصر‬
‫الخرة ول هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا‪. 2‬‬
‫وفي تفسير المنار ‪ :‬المهتدون بهدى الله تعصصالى ل يخصصافون ممصصا‬
‫هو آت ول يحزنون على ما فصات لن اتبصصاع الهصدى يسصهل عليهصصم‬
‫سبيل اكتساب الخيصصرات ويعصصدهم لسصصعادة الصصدنيا والخصصرة ‪ ،‬ومصصن‬
‫كانت هذه وجهته يسهل عليه كل ما يستقبله ويهون عليه كل مصصا‬
‫أصابه أو فقده لنه موقن بأن الله يخلقه‪. 3‬‬

‫‪ 37‬ص طيب العيش لمتبع الهدى ‪ ،‬والعيش الضنك للمعرض عنه ‪:‬‬
‫دى‬ ‫هص ً‬
‫من ّصصي ُ‬ ‫مصصا ي َصأ ْت ِي َن ّ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫فإ ِ ّ‬‫ميع صا ً َ‬ ‫ج ِ‬
‫هصصا َ‬
‫من ْ َ‬ ‫طوا ْ ِ‬‫هب ِ ُ‬
‫قل َْنا ا ْ‬
‫قال تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫ن( ‪ .‬فهصصذه اليصصات‬ ‫‪4‬‬
‫حَزن ُصصو َ‬ ‫م يَ ْ‬‫ه ْ‬‫ول َ ُ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫ف َ َ‬ ‫فل َ َ‬‫ي َ‬ ‫َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ٌ‬‫خ ْ‬ ‫دا َ‬
‫ه َ‬
‫ع ُ‬
‫من ت َب ِ َ‬‫ف َ‬
‫بّينصصت سصصنة اللصصه فصصي متبصصع هصصداه وسصصنته فصصي المعصصرض عنهصصا ‪.‬‬
‫والمقصود بهدى الله في هذه الية كتبه التي أنزلهصصا علصصى رسصصله‬
‫لتبليغها للناس‪. 5‬‬
‫سر بعضهم )هدى الله( بأنه القرآن الكريصصم لمصصا روي عصصن ابصصن‬ ‫وف ّ‬
‫عباس أنه قال ‪ ) :‬أجار الله تعالى تابع القرآن مصصن أن يضصصل فصصي‬
‫الدنيا أو يشقى في الخرة ‪ .‬ثم قرأ هذه الية (‪. 6‬‬

‫‪ 31‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 18‬‬


‫‪ 1‬ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 38‬‬
‫‪ 2‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 82‬‬
‫‪ 3‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 285‬‬
‫‪ 4‬ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 38‬‬
‫‪ 5‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 258‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير اللوسي ) روح المعاني ( ج ‪ ، 16‬ص ‪. 276‬‬
‫والواقع أن )هدى الله( يشمل جميع كتبه الصصتي أنزلهصصا اللصصه علصصى‬
‫رسله و أمرهم بتبليغ محتوياتها مصصن الهصصدى للنصصاس‪ ،‬ول شصصك أن‬
‫القرآن من جملتها ‪ ،‬بل وأفضلها وحيصصث أنصصه آخرهصصا ‪ ،‬وأن اتبصصاعه‬
‫هو الواجب دونها ‪ ،‬فبهذا العتبار جاز وصصصح تفسصصير )هصصدى اللصصه(‬
‫في هذه الية بأنه القرآن الكريم كما هو المروي عن ابن عباس ‪.‬‬

‫‪ 38‬ص سّنة الله في متبع هداه ‪ ،‬ودليلها ‪:‬‬


‫ن سّنة الله في متبع هداه ص أي القرآن ص هو تمتعصصه بطيصصب‬ ‫قلنا ‪ :‬إ ّ‬
‫العيش في الدنيا ‪ ،‬ودليل هصصذه السصّنة قصصوله تعصصالى ‪) :‬فمصصن اتبصصع‬
‫هداي فل يضل ول يشقى( ‪ .‬قال ابن عباس ‪) :‬ل يضل في الصصدنيا‬
‫ول يشصصقى فصصي الخصصرة (‪ ، 7‬والضصصلل فصصي الصصدنيا النحصصراف عصصن‬
‫السلم ‪ ،‬والشقاء في الخرة العقاب فيها ‪.‬‬
‫قصصال الزمخشصصري فصصي قصصوله تعصصالى ‪) :‬فل يضصصل ول يشصصقى( ‪،‬‬
‫والمعنى أن الشقاء في الخرة هو عقاب من ضل في الدنيا عصصن‬
‫طريق الدين فمن اتبصصع كتصصاب اللصصه وامتثصصل أوامصصره وانتهصصى عصصن‬
‫نواهيه نجا من الضلل ومن عقابه ‪ .8‬ولكصصن نظصصم اليصصة وسصصياقها‬
‫يتسعان للقول بصصأن الشصصقاء المنتفصصي عصصن متبصصع القصصرآن يشصصمل‬
‫انتفاءه عنه في الدنيا والخرة ‪ ،‬وهصصذا التفسصصير هصصو أحصصد الوجصصوه‬
‫في تفسصصير قصصوله تعصصالى ‪ ) :‬فل يضصصل ول يشصصقى( والصصذي ذكصصره‬
‫المام الرازي في تفسيره لهذه الية ‪ ،‬وأورد على هذا الوجه من‬
‫التفسير سؤال ً فقصال ‪ ) :‬الصوجه الثصصالث صص أي فصي تفسصصيرها صص ل‬
‫يضل ول يشقى فصصي الصصدنيا ‪ .‬فصإن قيصصل ‪ :‬المتبصصع لهصصدى اللصصه قصصد‬
‫يلحقه الشقاء في الصصدنيا ‪ .‬قلنصصا ‪ :‬المصصراد ل يضصصل فصصي الصصدين ول‬
‫يشقى بسبب الدين ‪ ،‬فإن حصل الشقاء بسبب آخر فل بأس (‪. 9‬‬
‫والواقع أن متبع هدى الله ص أي القرآن الكريم ص يحيصصا حيصصاة طيبصصة‬
‫ن‬‫مص ْ‬ ‫كما وعد الله تعالى وكما هو مقتضى سصصنته ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫حَيصاةً طَي ّب َص ً‬ ‫ل صاِلحا ً مصن ذَك َصر أ َ ُ‬
‫ة‬ ‫ه َ‬ ‫فل َن ُ ْ‬
‫حي ِي َّنص ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬‫مص ْ‬ ‫و ُ‬ ‫هص َ‬ ‫و أنَثصى َ‬
‫و ُ‬ ‫ٍ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م َ َ‬ ‫ع ِ‬‫َ‬
‫ن( ‪ ،‬والشصصأن بمتبصصع‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪10‬‬
‫ملصصو َ‬ ‫ع َ‬‫مصصا كصصاُنوا ي َ ْ‬
‫ن َ‬‫س ِ‬‫ح َ‬
‫هم ب ِأ ْ‬
‫جَر ُ‬ ‫مأ ْ‬‫ه ْ‬
‫زي َن ّ ُ‬
‫ج ِ‬
‫ولن َ ْ‬ ‫َ‬
‫هدى الله ص القرآن الكريم ص أنه مؤمن ويعمصصل الصصصالحات وإل لمصصا‬
‫كان متبعا ً للقرآن ‪ ،‬والحياة الطيبصصة الصصتي يحياهصصا ل يشصصقى فيهصصا‬
‫قطعا ً ‪ ،‬لنها تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت كما قصصال ابصصن‬
‫كثير فصصي تفسصصيره ‪ . 11‬ولن الشصصقاء ينصصافي الحيصصاة الطيبصصة الصصتي‬
‫يتمتع بها متبع القرآن ‪ ،‬فالشقاء إذن منفي عنه في الدنيا ‪ ،‬كمصصا‬
‫مصصه‬ ‫أن الضصصلل منفصصي عنصصه فصصي الصصدنيا ‪ .‬ولن متبصصع هصصدى اللصصه ه ّ‬

‫‪ 7‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 168‬‬


‫‪ 8‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 95‬‬
‫‪ 9‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 22‬ص ‪. 130‬‬
‫‪ 01‬ـ سورة النحل ‪ ،‬الية ‪. 97‬‬
‫‪ 11‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 585‬‬
‫مرضاة الله فهو قانع بما قسمه الله له في الصصدنيا غيصصر متسصصخط‬
‫على ذلك ؛ لنه سعيد بما أنعم الله عليصصه مصصن نعمصصة الصصدين ‪ ،‬فهصصو‬
‫فصصي عيصصش طيصصب رغيصصد ‪ ،‬لن تطلعصصه ص ص بعصصد أن أنعصصم اللصصه عليصصه‬
‫بالسلم ص إلى ما عند الله ل إلى الدنيا ومتاعهصصا الصصزائل ‪ ،‬فهصصو ل‬
‫يحرص على تحصصصيله وإن كصصان ل يرفضصصه إذا جصصاءه ول يأسصصف إذا‬
‫فاته فهو في طيب عيش وحياة طيبة قطعا ً ‪.‬‬

‫رض عن هداه ودليلها ‪:‬‬ ‫ع ِ‬


‫م ْ‬
‫‪ 39‬ص سّنة الله في ال ُ‬
‫وأما سنة الله في المعرض عن هداه ‪ ،‬وهي عيشصصه الضصصنك ‪ ،‬كمصصا‬
‫قلنا ‪ ،‬فهذه السنة ودليلها في قصصوله تعصصالى ‪) :‬ومصصن أعصصرض عصصن‬
‫ذكري فإن له معيشة ضنكا ً ‪ ( ..‬الخ ‪ ،‬وذكر الله هصو قرآنصه أو دينصصه‬
‫السلم ‪ ،‬والعراض عنه يعني تركه وعدم اتباعه ‪ ،‬وابتغاء الهصصدى‬
‫من غيره ‪ .‬قال ابن كثير رحمصصه اللصصه تعصصالى ‪) :‬ومصصن أعصصرض عصصن‬
‫ذكري( أي خصصالف أمصصري ومصصا أنزلتصصه علصصى رسصصولي وأعصصرض عنصصه‬
‫وتناساه وأخذ من غيره هداه‪. 1‬‬
‫وهذا المعرض عن هدى الله له المعيشة الضصصنك أي الضصصيقة فصصي‬
‫دة ‪ .‬ووجه ضيق معيشته أنصصه‬ ‫الدنيا ‪ ،‬لن الضنك أصله الضيق والش ّ‬
‫شديد الحرص على الدنيا متهالك عليها وعلى الزيادة منهصصا خصائف‬
‫من انتقاصها ‪ ،‬ل طمأنينة له ول انشراح لصدره ‪ ،‬بل صدره ضصصيق‬
‫حرج لضصصلله ‪ ،‬وإن تنعصصم ظصصاهره ولبصصس مصصا شصصاء وأكصصل مصصا شصصاء‬
‫وسكن حيث شاء فإن قلبه مالم يعمره هدى الله ل يحس بسعادة‬
‫ول بطيب العيش‪ . 2‬وهذا في الدنيا ‪.‬‬
‫أما في الخرة فقد مضت سّنة الله في الجزاء أنه سيصيبه عقاب‬
‫المعرضين عن هداه ‪ ،‬ومن هذا العقاب حشره يوم القيامة أعمصصى‬
‫لعماه عن آيات الله وهصداه ‪ ،‬قصال تعصالى مخصبرا ً عصن هصذا الجصزاء‬
‫وسببه ‪) :‬ومن أعرض عن ذكري فصصإن لصصه معيشصصة ضصصنكا ً ونحشصصره‬
‫م حشصصرتني أعمصصى وقصصد كنصصت‬ ‫ب ل ِص َ‬
‫يصصوم القيامصصة أعمصصى ‪ .‬قصصال ر ّ‬
‫بصيرا ً ‪ .‬قال كصذلك أتتصك آياُتنصا فنسصصيتها وكصصذلك اليصصوم تنسصى( ‪،‬‬
‫والمعنى أن هذا المعرض عن هدى الله يحشر يوم القيامة أعمصصى‬
‫م حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا( أي فصصي الصصدنيا‬ ‫ب لِ َ‬
‫فيقول ‪) :‬ر ّ‬
‫فيقصصول اللصصه تعصصالى لصصه ‪) :‬كصصذلك أتتصصك آياُتنصصا فنسصصيتها( أي لمصصا‬
‫أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلغهصصا‬
‫إليك فأنت قد عميت عنها لن من عمي عصصن شصصيء نسصصيه وتركصصه‬
‫)وكذلك اليوم تنسى( أي تترك في العمصصى كمصصا كنصصت أعمصصى عصصن‬
‫آيصصات اللصصه ‪ ،‬جصصزاءً وفاق صا ً لن الجصصزاء مصصن جنصصس العمل‪ . 3‬وهصصذا‬
‫العقاب الذي ينتظر المعرض عن هدى اللصصه هصصو أشصصد وأبقصصى مصن‬
‫عذاب الدنيا ‪ .‬وسيصيب أيضا ً المسرفين المكذبين بآيصصات اللصصه مصصا‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 168‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 168‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪. 277‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 169‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪. 278‬‬
‫أصاب المعرضين عصصن هصصدى اللصصه مصصن العيصصش الضصصنك فصصي الصصدنيا‬
‫والعذاب في الخرة لقوله تعالى ‪) :‬وكذلك نجزي من أسرف ولصصم‬
‫يؤمن بآيات ربه ولعذاب الخرة أشد وأبقى( ‪.‬‬

‫‪ 40‬ص من يعرض عن هدى الله يقّيض له شيطانا ً ‪:‬‬


‫والمعرض عن هصصدى اللصصه ‪ ،‬أي القصصرآن ‪ ،‬يقيصصض اللصصه لصصه شصصيطانا ً‬
‫يصصصاحبه ول يفصصارقه ‪ ،‬يزيصصن لصصه عمصصل الشصصر ويصصصده عصصن سصصبيل‬
‫الحق ‪ ،‬ويحسب أنه على هدى وصواب ‪ ،‬وبهذا جرت ستة الله في‬
‫ن‬ ‫مص ِ‬ ‫ح َ‬
‫ر الّر ْ‬ ‫عصصن ِذك ْص ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عص ُ‬ ‫مصصن ي َ ْ‬ ‫و َ‬
‫المعرضين عن هداه قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن‬ ‫عص ِ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫دون َ ُ‬ ‫صص ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬‫هص ْ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬‫ن }‪َ {36‬‬ ‫ريص ٌ‬ ‫ق ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ل َص ُ‬‫هص َ‬‫ف ُ‬ ‫طانا ً َ‬ ‫شصي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض ل َص ُ‬‫قي ّ ْ‬ ‫نُ َ‬
‫‪4‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬
‫م ْ‬‫هم ّ‬ ‫ن أن ّ ُ‬‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وجاء في تفسير هاتين اليتين ‪ :‬أن من يتعامى ويتغافل ويعصصرض‬
‫عن ذكر الله أي عن القرآن الكريصصم ومصصا أنصصزل اللصصه فيصصه ‪ ،‬ويأخصصذ‬
‫بأقوال المضلين وأباطيلهم ‪ ،‬نقّيض له شيطانا ً أي نتح له شيطانا ً‬
‫فهو له قريصصن دائمصا ً ل يفصصارقه ‪ ،‬يمنعصصه مصصن الحلل ويبعثصصه علصصى‬
‫الحرام وينهاه عصصن الطاعصصة ويصصأمره بالمعصصصية ويزيصصن لصصه سصصيىء‬
‫العمال ‪ ..‬وهصصذا عقصاب لصه عصن إعراضصه عصصن هصصدى القصصرآن كمصا‬
‫يقصصال ‪ :‬إن اللصصه تعصصالى يعصصاقب علصصى المعصصصية بمزيصصد اكتسصصاب‬
‫السيئات ‪ .‬وإن الشصصياطين ليصصصدون أولئك المعرضصصين عصصن هصصدى‬
‫الله عن سبيل الحصصق ويحسصصب أولئك المعرضصصون عصصن هصصدى اللصصه‬
‫أنهم مهتدون إلى الحق‪ . 5‬وهؤلء الضالون المعرضصون عصن هصدى‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫سص ِ‬ ‫خ َ‬ ‫م ِباْل َ ْ‬ ‫ل ن ُن َب ّئ ُك ُص ْ‬ ‫هص ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫الله يصدق عليهم قول الله تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫ن‬ ‫سصصُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫و ُ‬ ‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫عي ُ ُ‬
‫س ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫ن َ‬ ‫مال ً }‪ {103‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ع َ‬ ‫أَ ْ‬
‫صْنعًا(‪. 6‬‬ ‫َ‬
‫ن ُ‬ ‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م يُ ْ‬
‫ه ْ‬ ‫أن ّ ُ‬

‫‪4‬‬
‫ـ سورة الزخرف ‪ ،‬اليتان ‪. 37 ، 36‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 128‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪ ، 89‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 25‬ص ‪. 80‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة الكهف ‪ ،‬اليتان ‪ 103‬ـ ‪. 104‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫سّنة الله في التدافع بين الحق والباطل‬
‫] قانون التدافع [‬
‫‪ 41‬ص تعريف الحق في اللغة ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ق‬
‫جاء في لسان العرب لبن منظور ‪ :‬الحق نقيصض الباطصل ‪ .‬وحص ّ‬
‫المصصر صصصار حق صا ً وثبصصت ‪ .‬وقصصال الزهصصري ‪ :‬معنصصاه وجصصب ‪ .‬وفصصي‬
‫التنزيل العزيز قوله تعالى ‪) :‬قال الصصذين حصصق عليهصصم القصصول( أي‬
‫ثبت ‪.‬‬
‫وقصصوله تعصالى ‪) :‬ولكصن حقصصت كلمصة العصذاب علصصى الكصافرين( أي‬
‫وجبت وثبتت واستحق الشيء ‪ :‬استوجبه ‪ .‬وفي التنزيل العزيصصز ‪:‬‬
‫قا إثمًا( أي استوجباه بالخيانة ‪.‬‬‫)فإن عثر على أنهما استح ّ‬
‫وفي المعجم الوسيط‪ : 2‬حق المر يحق حقا ً ‪ :‬صح وثبت وصصصدق ‪.‬‬
‫وتحقق المر ‪ :‬صح ووقع ‪ .‬وحقق المر ‪ :‬أثبته وصدقه ‪.‬‬
‫ومما تقدم يعلم أن )الحق( في اللغصصة يقصصوم علصصى معنصصى الثبصصوت‬
‫والوجوب والصحة ‪ .‬فالحق هو الثابت الواجب والصحيح ‪.‬‬

‫‪ 42‬ص تعريف الباطل في اللغة ‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫جاء في لسان العرب‪ 3‬بطصصل الشصصيء ذهصصب ضصصياعا وخسصصرا فهصصو‬
‫باطل ‪ .‬والباطل نقيض الحق ‪ ،‬والجمع أباطيل ‪.‬‬
‫وفي المعجصصم الوسصصيط‪ : 4‬بطصصل الشصصيء ‪ :‬فسصصد وسصصقط حكمصصه ‪.‬‬
‫وأبطل الشيء جعله باطل ً ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وفي مفردات غريب القصصرآن ‪ :‬الباطصصل نقيصصض الحصصق وهصصو مصصا ل‬
‫ثبات له عند الفحص عنه ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬ذلك بصصأن اللصصه هصصو الحصصق‬
‫وأن ما يدعون من دونه الباطل( ‪.‬‬

‫‪ 43‬ص الحق والباطل في الصطلح ‪:‬‬


‫لم ُيعن الفقهاء في تعريف الحق في الصطلح فكصصأنهم اكتفصصوا‬
‫بمعنصصاه اللغصصوي فاسصصتعملوه علصصى هصصذا السصصاس فصصأطلقوه فصصي‬
‫أبحاثهم الفقهيصصة علصصى كصصل مصصا هصصو ثصصابت وواجصصب بحكصصم الشصصرع‬
‫وبالتالي ل يكون صحيحا ً ول يترتب عليصصه مصصا يصصترتب علصصى مصصا هصصو‬
‫ثابت وصحيح شرعا ً ‪.‬‬

‫‪ 44‬ص معنى التدافع ‪:‬‬


‫‪6‬‬
‫جاء في لسان العرب ‪ :‬الدفع الزالة بقصصوة ‪ .‬يقصصال دفعصصه يصصدفعه‬
‫دفعا ً ودفاعا ً ‪ ،‬ودافع عنه بمعنى دفصصع ‪ .‬ونقصصول ‪ :‬دفصصع اللصصه عنصصك‬
‫‪1‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ ، 332‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ المعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 187‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 59‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ المعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 60‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ مفردات غريب القرآن للراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 50‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ ، 441‬وما بعدها ‪.‬‬
‫المكروه دفعا ً ودفاعا ً ‪ ،‬ودافصصع اللصصه عنصصك السصصوء دفاعصا ً ‪ .‬وتصصدافع‬
‫القوم ‪ :‬دفع بعضصصهم بعض صا ً ‪ .‬والمدافعصصة ‪ :‬المزاحمصصة ‪ .‬والنصصدفاع‬
‫المضي في المر ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫وجاء في المعجم الوسيط ‪ :‬دفع الشيء إذا نحصصاه وأزالصصه بقصصوة ‪.‬‬
‫وفصصي القصصرآن الكريصصم ‪) :‬ولصصول دفصصع اللصصه النصصاس بعضصصهم ببعصصض‬
‫لفسدت الرض( ‪ .‬ودفع القول ‪ :‬رده بالحجة ‪ .‬ودفع فلنا ً إلى كذا‬
‫‪ :‬اضصطره ‪ .‬دافصع عنصه مدافعصة ودفاعصا ً ‪ :‬حصامى عنصه وانتصصر لصه‬
‫فع ‪ :‬أي غيصصر‬ ‫مصصدا َ‬
‫ودافعه ‪ :‬زاحمصصه ‪ .‬ويقصصال هصصو سصصيد قصصومه غيصصر ُ‬
‫حم وتدافع القوم ‪ :‬دفع بعضهم بعضا ً ‪.‬‬ ‫مزا َ‬
‫ُ‬

‫‪ 45‬ص المقصود بالحق والباطل والتدافع بينهما ‪:‬‬


‫نريد بالحق في بحثنا ما هو ثابت وصحيح وواجصصب فعلصصه أو بقصصاؤه‬
‫من اعتقاد أو قول أو فعل بحكم الشرع ‪ .‬ونريصصد بالباطصصل نقيصصض‬
‫الحق أي ما ل ثبات له ول اعتبصصار ول يوصصصف بالصصصحة ويسصصتوجب‬
‫الترك ول يستحق البقاء ‪ ،‬بل يستوجب القلع والزالصصة وكصصل ذلصصك‬
‫بحكم الشرع ‪ .‬وعلصصى هصصذا فصصالحق يشصصمل كصصل مصصا أمصصر اللصصه بصصه ‪،‬‬
‫والباطل يشمل كل ما نهى عنه ‪.‬‬
‫ونريد )بالتدافع بين الحق والباطل( تنحية أحدهما للخر أو إزالتصصه‬
‫ومحوه بالقوة عند القتضاء ‪.‬‬

‫‪ 46‬ص التدافع بين الحق والباطل تدافع بين أصحابهما ‪:‬‬


‫والتدافع بين الحق والباطل في حقيقته تدافع بين أصحاب الحصصق‬
‫وأصحاب الباطل أي بين المؤمنين وبين غيرهم ‪ ،‬لنهم هم الذين‬
‫يحملون معاني الحق أو معاني الباطل ويسعون إلى إظهصصار هصصذه‬
‫المعاني في الخارج وإقامة شؤون الحياة على أساسصصها فيحصصصل‬
‫التعارض والصصتزاحم والتصصدافع بيصصن الفريقيصصن بيصصن أصصصحاب الحصصق‬
‫وأصحاب الباطل أي بين المؤمنين وبين غيرهم ‪.‬‬

‫‪ 47‬ص حتمية التدافع بين الحق والباطل ‪:‬‬


‫والتدافع بيصصن الحصصق والباطصصل أي بيصصن أصصصحابهما أم صٌر ل ب صدّ منصصه‬
‫وحتمي لنهما ضدان ‪ ،‬والضدان ل يجتمعان ‪ ،‬ولن تطبيق أحدهما‬
‫يسصصتلزم مزاحمصصة الخصصر وطصصرده ودفعصصه وإزالتصصه ‪ ،‬أو فصصي القصصل‬
‫ور‬
‫إضعافه ومنعه من أن يكون له تأثير في واقع الحياة ‪ .‬فل ُيتصصص ّ‬
‫إذن أن يعيش الحق والباطل في سلم من دون غلبة أحدهما على‬
‫الخر إل لعلة كضعف أصحابهما أو جهلهم بمعاني الحق والباطصصل‬
‫ومقتضيات ولصصوازم هصصذه المعصصاني أو ضصصعف تصصأثير هصصذه المعصصاني‬
‫فيهم ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ـ المعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 288‬‬
‫‪ 48‬ص للباطل قوة تطغيه ‪:‬‬
‫قلنا إن كلمة )تدافع( تعني في اللغة الزالة بقوة ‪ ،‬فتدافع الحصصق‬
‫والباطل أي تدافع أصحابهما يكون بقوة حيث يسعى كل من أهل‬
‫الحق والباطل إلى تنحية الخر عن مكانه ومركزه والغلبصصة عليصصه ‪.‬‬
‫فأهل الباطل ل يكفيهم بقاؤهم على باطلهم وإنما يسصصعون إلصصى‬
‫محق الحق وأهله وإزالة هذا الحق بالقوة وصد النصصاس عنصصه ببصصذل‬
‫المال وبالقتال وبكل ما يرون فيه قوة وقدرة لتحقيق ما يريدون‬
‫‪.‬‬
‫وهذا هو شأن الباطل وقصصوته ‪ ،‬تطغيصصه هصصذه القصصوة فتصصدفعه إلصصى‬
‫فصُروا ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّص ِ‬ ‫إزالة الحق وأهلصصه ولصصو بصصالقوة ‪ .‬قصصال تعصصالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫كصو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ها ُثص ّ‬ ‫قون َ َ‬ ‫ف ُ‬‫سصُين ِ‬‫ف َ‬ ‫ل الل ّص ِ‬
‫ه َ‬ ‫سصِبي ِ‬ ‫عن َ‬‫دوا ْ َ‬ ‫ص ّ‬‫م ل ِي َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫وال َ ُ‬‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ُين ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُقصصات ِلون َك ْ‬ ‫ُ‬
‫ول ي ََزالو َ‬ ‫َ‬ ‫ن) ‪ .‬وقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫‪1‬‬
‫غلُبو َ‬ ‫َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ُ‬
‫سَرةً ث ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ َ‬
‫ْ ‪2‬‬
‫علي ْ ِ‬
‫عوا( ‪ .‬وقتال الكفرة للمؤمنين‬ ‫ست َ َ‬
‫طا ُ‬ ‫نا ْ‬‫م إِ ِ‬‫عن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوك ُ ْ‬ ‫ى ي َُر ّ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫َ‬
‫قتال لنصرة بصصاطلهم فهصصو فصصي سصصبيل الطصصاغوت ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪:‬‬
‫فصي‬ ‫ن ِ‬ ‫قصات ُِلو َ‬ ‫فصُروا ْ ي ُ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫وال ّ ِ‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫مُنوا ْ ي ُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)ال ّ ِ‬
‫ت(‪. 3‬‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬

‫‪ 49‬ص ل بدّ للحق من قوة تحميه ‪:‬‬


‫وإذا كان المر كما ذكرنا مصصن شصصأن الباطصصل وقصصوته الصصتي تطغيصصه‬
‫وأهله فل بدّ للحق من قصصوة تحميصصه مصصن طغيصصان الباطصصل وأهلصصه ‪،‬‬
‫كن أهل الحق من محق الباطل والغلبة على أهله ‪ .‬ولهذا أمصصر‬ ‫وتم ّ‬
‫الله تعالى أهل الحق بإعداد القوة لرهاب أهصصل الباطصصل ومنعهصصم‬
‫عُتم‬ ‫سصصت َطَ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫دوا ْ ل َ ُ‬ ‫ع ّ‬‫وأ َ ِ‬ ‫من التحرش بأهل الحق ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن‬ ‫ريص َ‬ ‫خ ِ‬‫وآ َ‬ ‫م َ‬ ‫وك ُ ْ‬ ‫ع صد ُ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و الل ّص ِ‬ ‫عدْ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫هُبو َ‬ ‫ل ت ُْر ِ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫من ّرَبا ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ة َ‬ ‫و ٍ‬ ‫ق ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ّ‬
‫فصصي‬ ‫ء ِ‬ ‫ي ٍ‬ ‫َ‬
‫مصصن ش ص ْ‬ ‫ْ‬
‫فقصصوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫مصصا ُتن ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬‫عل ُ‬‫َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫مون َ ُ‬ ‫عل ُ‬‫َ‬ ‫م ل تَ ْ‬‫َ‬ ‫ه ْ‬
‫َ‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ِ‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫مو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ل ت ُظل ُ‬ ‫َ‬ ‫وأنت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ف إ ِلي ْك ْ‬‫َ‬ ‫و ّ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫وأمصصر اللصصه تعصصالى أهصصل الحصصق بالجهصصاد فصصي سصصبيل اللصصه بالمصصال‬
‫وبالنفس وبكل ما يمكن الجهاد بصصه لمحصصق الباطصصل وأهلصصه لتكصصون‬
‫كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفصصروا هصصي السصصفلى ‪ .‬واليصصات‬
‫فصُروا ْ‬ ‫في الجهصصاد بصصأنواعه ومنصصه القتصصال ‪ ،‬آيصصات كصصثيرة منهصصا ‪) :‬ان ْ ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه ذَل ِك ص ْ‬ ‫ل الل ّص ِ‬ ‫س صِبي ِ‬ ‫فصصي َ‬ ‫م ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وَأن ُ‬ ‫م َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫دوا ْ ب ِأ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫و َ‬ ‫قال ً َ‬ ‫وث ِ َ‬ ‫فافا ً َ‬ ‫خ َ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫قَتصصا ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫ُ‬
‫علي ْك ُ‬ ‫َ‬ ‫ب َ‬ ‫ُ‬
‫مون ( ‪ ،‬وقوله تعالى ‪) :‬كت ِ َ‬ ‫‪5‬‬ ‫َ‬
‫عل ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ُ‬
‫م ِإن كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫خي ٌْر لك ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سصصى أن‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫خي ْصٌر لك ُص ْ‬ ‫و َ‬ ‫هص َ‬ ‫و ُ‬‫شْيئا َ‬ ‫هوا َ‬ ‫سى أن ت َك َْر ُ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫و ك ُْرهٌ لك ُ ْ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬ ‫َ‬

‫‪1‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 36‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 217‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة النساء ‪ ،‬الية ‪. 76‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 60‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة التوبة ‪ ،‬الية ‪. 41‬‬
‫كصم والّلصه يعَلصم َ‬
‫ن(‪ . 6‬وقصال‬ ‫مصو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م ل َ تَ ْ‬‫وأنُتص ْ‬‫ُ َ ْ ُ َ‬ ‫شّر ل ّ ُ ْ َ‬‫و َ‬‫ه َ‬ ‫شْيئا ً َ‬
‫و ُ‬ ‫حّبوا ْ َ‬
‫تُ ِ‬
‫‪7‬‬ ‫ّ‬
‫ه ل ِله( ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن كل ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ُ‬
‫وي َكو َ‬‫ة َ‬‫فت ْن َ ٌ‬
‫ن ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حّتى ل ت َكو َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫ُ‬
‫قات ِلو ُ‬ ‫و َ‬
‫تعالى ‪َ ) :‬‬

‫‪ 50‬ص سّنة الله في تدافع الحق والباطل ‪:‬‬


‫قضت سّنة الله تعالى في تدافع الحق والباطصصل أن الغلبصصة للحصصق‬
‫ح‬
‫مصص ُ‬‫وي َ ْ‬
‫وأهله ‪ ،‬وأن الندحار والمحق للباطل وأهله ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ه(‪. 8‬‬ ‫ق ب ِك َل ِ َ‬
‫مات ِ ِ‬ ‫ق ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ح ّ‬‫وي ُ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ال َْباطِ َ‬
‫الل ّ ُ‬
‫قال الزمخشري في تفسير هذه الية ‪ :‬ومن عصصادة اللصصه أن يمحصصو‬
‫الباطل ويثبت الحق بكلماته أي بوحيه أو بقضائه كقصصوله تعصصالى ‪:‬‬
‫)بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق(‪. 9‬‬
‫ل‬‫ه ال َْباطِ ص َ‬
‫ح الل ّ ص ُ‬‫مص ُ‬‫وي َ ْ‬
‫وجاء في تفسير الرازي بشأن قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ه( أي ومن عصصادة اللصصه إبطصصال الباطصصل وتقريصصر‬ ‫ق ب ِك َل ِ َ‬
‫مات ِ ِ‬ ‫ق ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ح ّ‬‫وي ُ ِ‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫الحق ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ن اللصه ل يصصلح عمصل المفسصدين( ‪ ،‬وجصاء فصي‬ ‫وقال تعصالى ‪) :‬إ ّ‬
‫تفسيرها ‪ :‬وهذه قاعدة عامة مبينة لسصصنة اللصصه فصصي تنصازع الحصصق‬
‫والباطل والصلح والفساد ويدخل فيه سحر سحرة فرعصصون فصصإنه‬
‫باطل وفساد ‪ ،‬أي ل يجعل عمل المفسدين صالحا ً‪. 3‬‬
‫وقال الزمخشري في تفسيرها ‪ :‬ل يثبته ول يصصديمه ولكصصن يسصصلط‬
‫عليه الدمار‪ ، 4‬وقال اللوسي في تفسيرها ‪ :‬والمراد بعدم إصلح‬
‫ذلك عدم إثباته أو عدم تقويته بالتأييصصد اللهصصي أي أنصصه سصصبحانه ل‬
‫يثبت عمل المفسدين ول يديمه بل يزيله ويمحقه أو ل يقصصويه ول‬
‫يؤيده ‪ ،‬بل يظهر بطلنه ويجعله معدوما ً‪. 5‬‬

‫‪ 51‬ص سّنة الله في نصر المؤمنين ل تتخلف ‪:‬‬


‫إن سّنة الله تعالى في نصر المؤمنين ل تتخلف أبصصدا ً لنهصصا إخبصصار‬
‫من اللصه تعصالى واللصه أصصدق القصائلين ‪ .‬وأذكصر فيمصا يلصي بعصض‬
‫دلة على ذلك ‪.‬‬
‫النصوص من القرآن الكريم ال ّ‬

‫‪ 52‬ص النصوص في سّنة الله تعالى في نصر المؤمنين ‪:‬‬


‫م لَ‬ ‫َ‬
‫وا اْلدَْبصاَر ُثص ّ‬‫وّلص ُ‬
‫فصُروا ل َ َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫م اّلص ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قصات َل َك ُ ُ‬
‫و َ‬‫وَلص ْ‬
‫أ ص قصال تعصالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ولن‬ ‫ل َ‬ ‫من َ‬
‫قب ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ه الِتي َ‬ ‫ّ‬
‫ة الل ِ‬‫سن ّ َ‬
‫صيرا }‪ُ {22‬‬ ‫ً‬ ‫وَل ن َ ِ‬ ‫ول ِي ّا ً َ‬‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬
‫يَ ِ‬
‫ً ‪6‬‬
‫ديل( ‪.‬‬ ‫ه ت َب ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ة الل ِ‬ ‫سن ّ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬‫تَ ِ‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 216‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 39‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ سورة الشورى ‪ ،‬الية ‪. 24‬‬
‫‪9‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 222‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 27‬ص ‪. 168‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة يونس ‪ ،‬الية ‪. 81‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 468‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ 263‬ـ ‪. 264‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 167‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة الفتح ‪ ،‬اليتان ‪. 23 ، 22‬‬
‫مصن‬ ‫ت ِ‬ ‫خَلص ْ‬ ‫قصدْ َ‬ ‫ه ال ِّتصي َ‬ ‫ة الّلص ِ‬ ‫سصن ّ َ‬ ‫قال القرطبي في قوله تعصالى ‪ُ ) :‬‬
‫ل( يعنصصي طريقصصة اللصصه وعصصادته السصصالفة نصصصر أوليصصائه علصصى‬ ‫قْبصص ُ‬ ‫َ‬
‫‪7‬‬
‫أعدائه ‪ .‬وقال ابن كثير في تفسيرها ‪ :‬أي هذه سّنة اللصصه تعصصالى‬
‫وعادته في خلقه ‪ :‬ما تقابل الكفر واليمان في موطن فيصل إل‬
‫نصر الله اليمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل كما فعصصل‬
‫الله تعالى يوم بدر‪. 8‬‬
‫مصصا‬ ‫عل َصصى َ‬ ‫ص صب َُروا ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫قب ْل ِص َ‬ ‫مصصن َ‬ ‫ل ّ‬ ‫س ٌ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫قدْ ك ُذّب َ ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ب ص قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫وُأو ُ‬
‫‪9‬‬
‫ه( ‪.‬‬ ‫ت الل ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬ ‫مب َدّ َ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫صُرَنا َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫حّتى أَتا ُ‬ ‫ذوا ْ َ‬ ‫ك ُذُّبوا ْ َ‬
‫ه( أي الصصتي كتبهصصا‬ ‫ت الل ّص ِ‬ ‫مصصا ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬ ‫مب َصدّ َ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫وجصصاء فصصي تفسصصيرها ‪َ ) :‬‬
‫بالنصر فصصي الصصدنيا والخصصرة لعبصصاده المصصؤمنين كمصصا قصصال تعصصالى ‪:‬‬
‫ن‬
‫وإ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫صصوُرو َ‬ ‫من ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫عَباِدَنا ال ْ ُ‬ ‫مت َُنا ل ِ ِ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫قد ْ َ‬ ‫ول َ َ‬‫) َ‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫‪10‬‬
‫غال ُِبو َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫جندََنا ل ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫هصص ُ‬ ‫َ‬
‫مل ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫عَباِدَنا ال ُ‬ ‫مت َُنا ل ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ت كل ِ َ‬ ‫َ‬
‫سب َق ْ‬ ‫و ل قد ْ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج ص قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن( ‪ .‬وجصصاء فصصي تفسصصير‬ ‫‪11‬‬
‫غصصال ُِبو َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫هصص ُ‬ ‫َ‬
‫جنصصدََنا ل ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫صصصوُرو َ‬ ‫من ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫الزمخشري في هذه اليات ‪ :‬الكلمصصة ‪ :‬قصصوله تعصصالى ‪) :‬إنهصصم لهصصم‬
‫المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون( والمراد الوعد بعلوهم علصصى‬
‫عدوهم فصي مقصصام الحجصاج وملحصصم القتصال فصي الصصدنيا وعلصصوهم‬
‫عليهم في الخرة ‪. 12‬‬
‫‪1‬‬
‫د ص قال تعالى ‪) :‬كتب الله لغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز(‬
‫‪ 3‬وجاء في تفسيرها ‪ :‬أي قصد حكصصم اللصصه وكتصصب فصي كتصصابه الول‬
‫وقدره الذي ل يخالف ول ُيمانع ول ُيبصصدل بصصأن النصصصر لصصه ولكتصصابه‬
‫ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والخرة ‪. 14‬‬
‫ة الصصدّن َْيا‬ ‫حَيا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫سل ََنا َ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫ه ص وقال تعالى ‪) :‬إ ِّنا ل ََنن ُ‬
‫د( ‪ . 15‬قال ابصصن كصصثير فصصي تفسصصير هصصذه اليصصة ‪:‬‬ ‫ها ُ‬ ‫ش َ‬ ‫م اْل َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫و َ‬‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫) وهذه سّنة الله تعالى في خلقصصه فصصي قصصديم الصصدهر وحصصديثه أنصصه‬
‫ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ويقّر أعينهم ممن آذاهم ‪ .‬وقصصال‬
‫دي لم يبعث الله عز وجل رسول ً قط إلى قوم فيقتلصصونه ‪ ،‬أو‬ ‫الس ّ‬
‫قوما من المصصؤمنين يصصدعون إلصصى الحصصق فيقتلصصونهم فيصصذهب ذلصصك‬ ‫ً‬
‫القرن حتى يبعث الله تبارك وتعصصالى لهصصم مصصن ينصصصرهم فيطلصصب‬
‫بدمائهم ممن فعل ذلك بهصصم فصصي الصصدنيا ‪ ،‬قصصال السصصدي ‪ :‬فكصصانت‬
‫النبياء والمؤمنين يقتلون في الدنيا وهم منصورون فيها ( ‪. 16‬‬

‫‪ 7‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪. 280‬‬


‫‪ 8‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 192‬‬
‫‪ 9‬ـ سورة النعام ‪ ،‬الية ‪. 34‬‬
‫‪ 01‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 130‬‬
‫‪ 11‬ـ سورة الصافات ‪ ،‬الية ‪ 171‬ـ ‪. 173‬‬
‫‪ 21‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 67‬‬
‫‪ 31‬ـ سورة المجادلة ‪ ،‬الية ‪. 21‬‬
‫‪ 41‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 229‬‬
‫‪ 51‬ـ سورة غافر ‪ ،‬الية ‪. 51‬‬
‫‪ 61‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ 83‬ـ ‪. 84‬‬
‫ومعنى ذلك أن المؤمنين وهصصم أهصصل الحصصق هصصم المنصصصورون وإن‬
‫قتلهم أهل الباطل وانتصروا عليهصصم فصصي الظصصاهر إل أن العاقبصصة‬
‫والغلبة للمؤمنين ولو بعد حين ‪ ،‬حيث يأتي من يعصصاقب المبطليصصن‬
‫ويقتلهم جزاء ما فعلوه بأهل الحق ‪ ،‬وهذا علمة على اندحار أهل‬
‫الباطل وغلبة أهل الحق عليهم ‪.‬‬
‫و ص وقال تعالى ‪) :‬وكان حقا ً علينا نصصصر المصصؤمنين( ‪ .‬وجصصاء فصصي‬
‫‪1‬‬

‫تفسصصيرها ‪ :‬فيهصصا مزيصصد تشصصريف وتكرمصصة للمصصؤمنين حيصصث جعلصصوا‬


‫مستحقين على اللصصه تعصصالى أن ينصصصرهم ‪ ،‬وإشصصعار بصصأن النتقصصام‬
‫لجلهم ‪ .‬وظاهر الية أن هذا النصر فصي الصصدنيا وأنصصه عصام لجميصع‬
‫المؤمنين فيشمل من بعد الرسل من المة‪. 2‬‬

‫‪ 53‬ص قد يتأخر نصر المؤمنين لنصر أكبر ‪:‬‬


‫ن نصصصر المصصؤمنين حسصصب سصصنة اللصصه فصصي‬ ‫وممصصا يجصصب أن ُيعصصرف أ ّ‬
‫نصرهم قد يتأخر لن الله تعالى يريد لهم النصصصر الكصصبر والكمصصل‬
‫والعظصم والدوم والكصثر تصأثيرا ً فصي واقصع الحيصاة وفصي عمصوم‬
‫الناس بعد أن يتهيأ في المؤمنين القاعصصدة اللزمصصة لسصصتحقاقهم‬
‫هذا النصر الكبر واستقبالهم له ‪ ،‬ويدل على ذلك أن نصر رسصول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ومعه المؤمنين ‪ ،‬لم يحصل هذا النصصصر‬
‫في يوم وليلة ول سنة واحصصدة ‪ ،‬وإنمصصا تصصأخر فلصصم يحصصصل إل بعصصد‬
‫مضي أكثر مدة نبوته صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم ‪ ،‬فقصصد حصصصل هصصذا‬
‫النصر بالغلبة والنتصار على قريش وبفتح مكصصة وذلصصك فصصي سصصنة‬
‫ثمان للهجرة ‪ ،‬أي قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بسنتين ‪ ،‬وقد‬
‫دخل بسبب هذا النصر الناس في دين اللصصه أفواج صا ً ‪ ،‬وأنصصزل فيصصه‬
‫َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫س‬‫ت الن ّصصا َ‬ ‫وَرأي ْ ص َ‬‫ح }‪َ {1‬‬ ‫فت ْ ص ُ‬ ‫ه َ‬‫ص صُر الل ّ ص ِ‬
‫جصصاء ن َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫تعصصالى سصصورة ‪) :‬إ ِ َ‬
‫واجا ً }‪َ {2‬‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫فْرهُ إ ِن ّ ُ‬
‫غ ِ‬
‫ست َ ْ‬
‫وا ْ‬ ‫ك َ‬ ‫د َرب ّ َ‬
‫م ِ‬
‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬‫ف َ‬ ‫هأ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫في ِدي ِ‬‫ن ِ‬‫خُلو َ‬ ‫ي َدْ ُ‬
‫ً‬
‫وابا( ‪.‬‬
‫ن تَ ّ‬
‫كا َ‬ ‫َ‬
‫وجاء في تفسيرها ‪ :‬والمعنى ‪ :‬نصر رسول الله صصصلى اللصصه عليصصه‬
‫وسلم على العرب أو علصصى قريصصش وفتصصح مكصصة ‪ .‬وكصصان فتصصح مكصصة‬
‫لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان للهجرة ومع رسول الله‬
‫صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم عشصصر آلف مصصن المهصصاجرين والنصصصار‬
‫وطوائف العرب ‪ .‬وكانت تدخل في السلم بعد فتح مكة جماعات‬
‫كثيفة من الناس فكانت القبيلة تدخل في السلم بأسرها بعصصدما‬
‫كانوا يدخلون في السلم واحدا ً واحدا ً أو اثنين اثنين‪. 3‬‬

‫‪ 54‬ص قد يسبق نصر المؤمنين أذى من العدو وغلبة له ‪:‬‬


‫إن نصر الله تعالى للمؤمنين حسب س صّنته تعصصالى فصصي نصصصرهم ل‬
‫يصصأتي عصصادة دون جهصصد عظيصصم يبصصذلونه وتضصصحية يقصصدمونها فصصي‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة الروم ‪ ،‬الية ‪. 47‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 21‬ص ‪. 52‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ 810‬ـ ‪. 811‬‬
‫مصدافعتهم لهصصل الباطصصل ممصا قصد يصصترتب عليصصه عصصادة أذى شصديد‬
‫يلحقهم من أهل الباطل وغلبة لهؤلء المبطلين على المؤمنين ‪.‬‬
‫وهذا ل يتعارض مصصع سصنة اللصصه فصصي نصصصر المصصؤمنين ؛ لن المصصور‬
‫بخواتيمها وعاقبتها ‪ .‬والعاقبة دائما ً للمؤمنين فصصي نصصصرهم علصصى‬
‫أهل الباطل ‪ .‬ولله الحكمة فيمصصا يصصصيب المصصؤمنين مصصن أذى قبصصل‬
‫ل القصصرآن‬ ‫بلوغهم النصر الحاسم على أهل الباطصصل وعلصصى هصصذا د ّ‬
‫ح‬
‫قصصْر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫سصصك ُ ْ‬
‫س ْ‬‫م َ‬‫الكريم وأشار إليه المفسرون ‪ ،‬قال تعالى ‪ِ) :‬إن ي َ ْ‬
‫م‬‫عَلصص َ‬
‫ول ِي َ ْ‬‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ها ب َي ْ َ‬‫ول ُ َ‬‫دا ِ‬‫م نُ َ‬
‫ك الّيا ُ‬ ‫وت ِل ْ َ‬‫ه َ‬‫مث ْل ُ ُ‬‫ح ّ‬ ‫قْر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫س ال ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬‫َ‬
‫ن}‬ ‫مي َ‬ ‫ب الظّصصال ِ ِ‬ ‫حص ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫والل ّص ُ‬ ‫داء َ‬ ‫ه َ‬ ‫شص َ‬ ‫م ُ‬ ‫منك ُص ْ‬ ‫خ صذ َ ِ‬ ‫وي َت ّ ِ‬‫مُنوا ْ َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫الل ّ ُ‬
‫‪4‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬
‫كا ِ‬ ‫ق ال ْ َ‬‫ح َ‬ ‫م َ‬
‫وي َ ْ‬‫مُنوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ص الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬‫ول ِي ُ َ‬
‫‪َ {140‬‬
‫بي ّصصن اللصصه تعصصالى أن المصؤمنين الصذين يصصصيبهم قصرح أي جراحصصات‬
‫بسبب القتال يجب أن ل يضعف ذلك همتهم واجتهادهم في جهاد‬
‫العدو؛ لنه كما أصابهم قرح فقد أصاب عدوهم مثلصصه قبصصل ذلصصك ‪،‬‬
‫وعدوهم لم يفصصتروا لمصصا أصصصابهم مصصن القصصرح مصصن محصصاربتكم مصصع‬
‫كونهم مبطلين وسوء عاقبتهم ‪ ،‬فأنتم أيها المؤمنين أهصصل الحصصق‬
‫أولى أن ل تضعفوا ول تفتروا عن مجاهدة ومحاربة هؤلء العداء‬
‫المبطلين‪. 5‬‬
‫وقوله تعالى ‪) :‬وتلك اليام نداولها بين الناس( أي ونصصديل عليكصصم‬
‫العداء تارة وإن كانت لكم العاقبة لما لنا من الحكمة ‪ ،‬ومن هصصذه‬
‫الحكمة ‪ :‬ليعلم الله الذين آمنوا )ومنها( ليتخذ منكصصم شصصهداء بصصأن‬
‫ُيقتلوا في جهادهم لهل الباطصصل ‪) .‬ومنهصصا( ليمحصصص اللصصه الصصذين‬
‫آمنوا )ومنهصا( ليمحصق الكصافرين ‪ .‬فعصل ذلصك مصن وجصوه الحكمصصة‬
‫كالسبب والعّلة في تلك المداولة أي في غلبة العدو‪. 6‬‬
‫فاليام في الية الكريمة أوقات الظفر والفصصوز ‪ ،‬ومصصدوالتها بيصصن‬
‫المصصؤمنين وأعصصدائهم أي تحويصصل الظفصصر والغلبصصة بينهصصم مصصّرة‬
‫للمؤمنين ومّرة لعدائهم ‪ ،‬فهذه المداولة سّنة من سنن الله فصصي‬
‫تدافع أهل الحق مع أهل الباطل ‪ ،‬فل عجب أن تكون الدولة مصصّرة‬
‫للمبطل ومّرة للمحق ؛ لن المضمون والمؤكصصد لصصصاحب الحصصق أن‬
‫تكون العاقبة له ‪ ،‬والعمال بالخواتيم‪. 7‬‬
‫ولكن يجب أن ُيعرف بأن المداولة في الواقع مبنيصصة علصصى أعمصصال‬
‫الفريقيصصن فل تكصصون الغلبصصة لمصصن عصصرف أسصصبابها ورعاهصصا حصصق‬
‫رعايتها ‪ ،‬فإذا كانت المداولة فصصي النصصصر والغلبصصة بيصصن الفريقيصصن‬
‫منوطة بالعمصصال الصصتي تفضصصي إليهصصا كالجتمصصاع والثبصصات وصصصحة‬
‫النظر وقوة العزيمة وأخذ الهبة وإعداد ما يسصصتطيع مصصن القصصوة ‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬اليتان ‪ 140‬ـ ‪. 141‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 14‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 208‬تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 14‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 147‬‬
‫فعلى المؤمنين أن يقوموا بهذه العمال ونحوها من مسصصتلزمات‬
‫الغلبة والنصر حتى تكون المداولة لهم ل لعدوهم‪. 1‬‬
‫وقال تعالى ‪) :‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنصصا المرسصصلين إنهصصم لهصصم‬
‫المنصورون ‪ .‬وإن جندنا لهم الغصصالبون(‪ . 2‬وجصصاء فصصي تفسصصيرها ‪:‬‬
‫الكلمة هي قوله تعالى ‪) :‬إّنهم لهم المنصصصورون وإن جنصصدنا لهصصم‬
‫الغالبون( والمراد ‪ :‬الوعد بعلوهم على عدوهم في مقام الحجصصاج‬
‫وملحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم فصصي الخصصرة ‪ .‬ول يلصصزم‬
‫من انهزامهم في بعض المشاهد أن يكون نقضا ً للغلبصصة وللنصصصر ‪،‬‬
‫فإن الغلبة كانت لهم ولمن بعدهم في العاقبة ‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪) :‬إنا لننصر رسصصلنا والصصذين آمنصصوا فصصي الحيصصاة الصصدنيا‬
‫ويوم يقوم الشهاد(‪ . 3‬قال الزمخشري فصصي تفسصصيرها ‪ :‬إن اللصصه‬
‫تعالى يغّلبهم في الدارين جميعا ً بالحجة والظفر على مخصصالفيهم‬
‫وإن غلبوا في الدنيا في بعض الحصصايين امتحان صا ً مصصن اللصصه تعصصالى‬
‫فالعاقبة لهم‪ . 4‬وقال اللوسصي رحمصه اللصه فصي تفسصيرها ‪ :‬إننصا‬
‫ننصر رسلنا وأتباعهم في الحياة الدنيا بالحجة والظفر والنتقصصام‬
‫لهم من الكفرة ‪ ،‬ول يقصصدح فصصي ذلصصك مصصا قصصد يتفصصق للكفصصرة مصصن‬
‫صورة الغلبة امتحانا ً إذ العبرة إنما هي بالعواقب وغالب المر‪. 5‬‬

‫‪ 55‬ص عوامل نصر المؤمنين ومعوقاته ‪:‬‬


‫ن سّنة الله في نصر المؤمنين أهل الحصصق علصصى مخصصالفيهم أهصصل‬ ‫إ ّ‬
‫الباطل ‪ ،‬هذه السّنة اللهية إنما تتحقق في واقصصع النصصاس إذا هيصصأ‬
‫المؤمنون في أنفسهم وفي جمعهصصم عوامصصل النصصصر الصصتي أرشصصد‬
‫إليها السلم وأمر بها اللصصه تعصالى ‪ ،‬وأبعصدوا عصن أنفسصصهم وعصن‬
‫جمعهم عوامل الفشل ومعوقات النصر ‪ ،‬فما هي عوامصصل النصصصر‬
‫الواجب على المؤمنين تحصيلها وما هي معوقات النصصصر الصصواجب‬
‫عليهم إبعادها عن أنفسهم وجمعهم؟ هذا ما نبّينه فصصي الفقصصرات‬
‫التالية مبتدئين أول ً بعوامل النصر ‪.‬‬

‫‪ 56‬ص أول ً ‪ :‬اليمان ‪:‬‬


‫من عوامل النصر التي مضت بها سنة الله في النصر وأخبرنا بهصصا‬
‫ل جلله اليمان ‪ .‬قال تعالى وهو أصدق القصصائلين ‪) :‬وكصصان‬ ‫الله ج ّ‬
‫حقا ً علينا نصر المؤمنين( ‪ ،‬قال صاحب تفسير المنصصار فصصي هصصذه‬
‫‪6‬‬

‫ص في تعليصصل النصصصر باليمصصان‪ ، 7‬وقصصال اللوسصصي ‪:‬‬‫الية ‪ :‬وهي ن ّ‬

‫‪1‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 148‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة الصافات ‪ ،‬اليات ‪ 171‬ـ ‪. 173‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة غافر ‪ ،‬الية ‪. 51‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 172‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 24‬ص ‪. 76‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة الروم ‪ ،‬الية ‪. 47‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 38‬‬
‫وظاهر الية أن هذا النصر في الدنيا وأنصصه عصصام لجميصصع المصصؤمنين‬
‫فيشمل من بعد الرسل من المة‪. 8‬‬
‫و‬
‫هص َ‬ ‫هصصوا ْ َ‬
‫ف ُ‬ ‫وِإن َتنت َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫فت ْص ُ‬ ‫جصصاءك ُ ُ‬
‫قد ْ َ‬‫ف َ‬ ‫حوا ْ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫فت ِ ُ‬ ‫وقال تعالى ‪ِ) :‬إن ت َ ْ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫و كث ُصَر ْ‬ ‫َ‬
‫ول ص ْ‬ ‫ً‬
‫ش صْيئا َ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫فئ َت ُك ْ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫عنك ْ‬ ‫ي َ‬‫غن ِ َ‬‫ولن ت ُ ْ‬‫َ‬ ‫عد ْ َ‬‫دوا ْ ن َ ُ‬‫عو ُ‬‫وِإن ت َ ُ‬ ‫م َ‬‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬‫َ‬
‫ن( ‪ ،‬أي من كان الله في نصره لم تغلبه فئة‬ ‫‪9‬‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ع ال ُ‬‫م َ‬‫ه َ‬‫ن الل َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫وإن كثرت ‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫ومن الواضح أن هذه )المعية اللهية( للمؤمنين هصصي معيصصة خاصصصة‬


‫بهم ولهصصم بسصصبب إيمصصانهم ‪ ،‬فهصصي تتناسصصب مصصع مقصصدار إيمصصانهم‬
‫وعمقه ومدى انصباغهم وتأثرهم به ‪ .‬ول شك أن الصحابة الكرام‬
‫المخاطبين بهذه الية بوصف )المؤمنين( وأن )اللصصه معهصصم( كصصان‬
‫لهم النصيب الكصصبر مصن هصصذه المعيصصة الخاصصة لهصصل اليمصصان لمصا‬
‫عرفوا بصصه مصصن عمصصق اليمصصان وسصصعته وانصصصباغهم وتصصأثرهم بصصه ‪،‬‬
‫ولذلك تحقق لهم النصر على قلة عددهم وكثرة عدد أعدائهم في‬
‫زمن النبي صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم وبعصصد وفصصاته ‪) .‬فمعيصصة اللصصه(‬
‫للمؤمنين بالعون والتأييصصد ثصصم بالنصصصر تتناسصصب طردي صا ً مصصع كميصصة‬
‫اليمان وعمقه في نفوس المؤمين ‪.‬‬

‫‪ 57‬ص واقع المسلمين ل ينقض سّنة الله في نصر المؤمنين ‪:‬‬


‫ن سّنة الله في نصر المؤمنين المقررة بإخبار الله وإعلمنصصا بهصصا‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫في القرآن الكريم هي سنة مؤكدة يقينا ل يخامرنا فيها ذرة مصصن‬
‫الشك ‪ ،‬ول تنتقض أو تتزعزع بما ُيرى من واقصصع المسصصلمين فصصي‬
‫كصصونهم مغلصصوبين ل غصصالبين ومقهصصورين مصصن قبصصل أعصصدائهم غيصصر‬
‫منصصصورين عليهصصم‪ ،‬لن هصصذه الس صّنة هصصي فصصي )نصصصر المصصؤمنين(‬
‫والمؤمنون هم من يكونون مؤمنين بأوصصصاف ومقصصاييس ومعصصاني‬
‫اليمان التي بّينها اللصصه تعصصالى فصصي كتصصابه العزيصصز وبّينهصصا رسصصوله‬
‫صلى الله عليه وسلم في سنته النبوية الكريمة المطهصصرة ‪ ،‬ل أن‬
‫يكونوا مؤمنين بمقاييسهم وتخيلتهم وأمانيهم ‪ ،‬فعدم انتصارهم‬
‫على أهل الباطل يعني أن اليمان المطلوب منهم ومصصا يسصصتلزمه‬
‫هذا اليمان ويقتضصصيه مصصن صصصفات وأفعصصال غيصصر متحقصصق فيهصصم ‪،‬‬
‫وبالتالي ل يستحقون نصر الله الموعصصود بصصه للمصصؤمنين ‪ .‬فعليهصصم‬
‫أن يراجعوا أنفسهم ويعرضوها ويعرضوا أحوالهم وأفعصصالهم ومصصا‬
‫هم عليه على معاني اليمان ومقتضياته ويزنوها بميزانه ليعرفوا‬
‫الخلل الذي هم فيه ‪ ،‬والنقص الموجود فيهم فيقوموا بالتصصصحيح‬
‫والتقويم وتدارك ما فاتهم وتحقيق معاني اليمان فصي نفوسصصهم‬
‫وثمرات هذا اليمان في خارج نفوسهم حتى يدخلوا في مضمون‬
‫‪ 8‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 21‬ص ‪. 52‬‬
‫‪ 9‬ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 19‬‬
‫‪ 01‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 387‬‬
‫سّنة الله تعالى في نصر المصصؤمنين وفصصي متعلصصق إخبصصاره تعصصالى‪:‬‬
‫)وكان حقا ً علينا نصر المؤمنين( ‪.‬‬

‫‪ 58‬ص اليمان وعوامل النصر المادية ‪:‬‬


‫وليكن معلوما ً أن اليمان وحده ل يغني عن عوامل النصر الماديصصة‬
‫مثل عدد القتال وعصصدد المقصصاتلين وغيرهمصصا مصصن وسصصائل القتصصال‬
‫ومستلزماته وكذلك وسائل النصر المادية في غير سصصاحة القتصصال‬
‫أي في سوح الجهاد الخرى ومدافعة الباطل في هذه السوح ‪.‬‬
‫ولهصصذا أمرنصصا اللصصه تعصصالى بإعصصداد القصصوة الماديصصة ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪:‬‬
‫)وأعدوا لهم ما استطعتم مصصن قصصوة ومصصن ربصصاط الخيصصل ‪ (...‬؛ لن‬
‫السلم دين واقعي ل يغفل عما فصي العوامصل الماديصة مصن قصوة‬
‫وهو يقرر ما لليمان من قوة ومن سببية في النصر ‪ .‬ولكن هصصذه‬
‫القوة لليمان أو هذه السببية فيه للنصر لها حد محدود بّينصصه اللصصه‬
‫قصصه‬ ‫تعالى حتى ل نغالي في المور ‪ ،‬وحتى نعطصصي لكصصل شصصيء ح ّ‬
‫من التقييم والتقدير من دون مغالة فل نقع في الصصوهم والخطصصأ‬
‫في الحساب والتقدير فنخسر ول ننتصر على عدونا ‪.‬‬
‫ن‬ ‫مص ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ض ال ُ‬ ‫حصّر ِ‬ ‫ي َ‬ ‫هصصا الن ّب ِص ّ‬ ‫ويدل على ما قلته قوله تعالى ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫وِإن‬ ‫ن َ‬ ‫مصصائ َت َي ْ ِ‬ ‫غل ِب ُصصوا ْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫صصصاب ُِرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ش صُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ِ‬ ‫منك ُص ْ‬ ‫كن ّ‬ ‫ل ِإن ي َ ُ‬ ‫قَتا ِ‬ ‫عَلى ال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫م لّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫نك َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م صا ِئ َ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫و ٌ‬ ‫قص ْ‬ ‫ه ْ‬‫ف صُروا ب ِ صأن ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ص ِ‬ ‫مص َ‬ ‫غل ِب ُصصوا ألف صا ّ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫منكصصم ّ‬ ‫ي َكصصن ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ف صِإن‬ ‫عفا َ‬ ‫ضص ْ‬ ‫م َ‬ ‫فيك ُص ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مأ ّ‬ ‫عل ِ َ‬
‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫عنك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ف الل ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن }‪ {65‬ال َ‬ ‫هو َ‬ ‫ق ُ‬‫ف َ‬ ‫يَ ْ‬
‫غل ِب ُصصوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف يَ ْ‬ ‫م أل ص ٌ‬ ‫منك ُص ْ‬ ‫وِإن ي َك ُصصن ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬ ‫غل ُِبوا ِ‬ ‫صاب َِرةٌ ي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ ٌ‬
‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫كن ّ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫ن ب ِإ ِذْ ِ‬ ‫في ْ ِ‬‫أ َل ْ َ‬
‫وجه الستدلل بالية الولى أن الله تعالى أخبر المؤمنين أصحاب‬
‫رسول اللصصه صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم أن عشصصرين صصصابرين منهصصم‬
‫يغلبون مائتين من الكافرين ‪ ،‬وهذا قبل التخفيصصف ولصصم يقصصل ع صّز‬
‫ل أن العشرين مصصن المصصؤمنين الصصصابرين يغلبصصون ألفيصصن ؛ لن‬ ‫وج ّ‬
‫المؤمنين الصابرين وإن كان ليمانهم قوة وهي أقصصوى مصصن قصصوة‬
‫الكفر في نفوس الكافرين ‪ ،‬إل ّ أن هذه القصصوة اليمانيصصة لهصصا حصصد‬
‫محدود في غلبصصة قصصوة الكفصصر والكصصافرين ‪ ،‬فقصصد جعصصل اللصصه قصصوة‬
‫اليمان تصّير المؤمن الواحد أقوى من عشرة من الكفصصار فيغلصصب‬
‫العشرون من المؤمنين المائتين من الكافرين ‪.‬‬
‫أما إذا كان الكفار ألفا ً فليس في وعد الله وإخبصصاره أن العشصصرين‬
‫من المؤمنين يغلبون الكفار وهم ألف ؛ بصل إنهصا تشصير بصأن عصدد‬
‫المؤمنين في هذه الحالة ل يكفي ص عادة ص إلى نصصصرهم ‪ .‬ومعنصصى‬
‫ذلك أن للقوة المادية ص ومنها عدد المقاتلين ص وزنها وتأثيرها غير‬
‫المنكور وأن علصصى المصصؤمنين والمصصة عمومصا ً والجماعصصة المسصصلمة‬
‫ملحظة ذلك وفتح عيصونهم عليصه وأخصذ العصبرة منصه وأن يحسصبوا‬
‫حسابا ً دقيقا ً لقوتهم وقوة أعدائهم بحيث تكون قصصوتهم مسصصاوية‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬اليتان ‪. 66 ، 65‬‬
‫ذ المؤمنصصون بقصصوة إيمصصانهم‬
‫أو مقاربة لقوة عدوهم فيرجصصع عنصصدئ ٍ‬
‫على الكفار فتكون الغلبة للمؤمنين بإذن الله ‪.‬‬

‫‪ 59‬ص للقوة المادية تأثيرها في النفوس ‪:‬‬


‫وليكن معلوما ً أن للقوة المادية ص ومنها كثرة أهصصل الحصصق أو أهصصل‬
‫الباطل ص تأثيرا ً في النفوس ‪ ،‬نفوس المصصؤمنين والكصصافرين علصصى‬
‫حد سواء ‪ ،‬ومن هذا التأثير الحساس بزيادة القصصوة لصصدى الفريصصق‬
‫الذي يرى أنه أكثر قصصوة ماديصصة مصصن الفريصصق الخصصر فيتصصصرف ضصصد‬
‫خصمه في ضوء هذا الحسصصاس والشصصعور ‪ ،‬كصصأن يصصرى المؤمنصصون‬
‫الكافرين أقل عددا ً منهم مما يجّرئهم على قتال الكفار والهجصصوم‬
‫عليهم ‪ ،‬بعزم وثبات وصبر وثقة بالنصر ‪ ،‬ومثصصل كصصثرة المقصصاتلين‬
‫وقتلهم فيما يورثانه من إحسصصاس بزيصصادة أو قلصصة بصصالقوة ‪ ،‬سصصائر‬
‫القوى المادية الخرى كنوع السلح وكثرته ‪ .‬وهذه الحقيقة الصصتي‬
‫ذكرتها تدعو المؤمنين أفرادا ً وأممصا ً وجماعصصات ل سصصيما الجماعصصة‬
‫المسلمة ‪ ،‬أن يكونوا أقوى من أعدائهم فصي القصوى الماديصة فصي‬
‫هذا العصر الذي تنوعت فيه القوى المادية ولم تعد محصورة فصصي‬
‫نوع واحد منها ‪.‬‬
‫ل على تأثير القوة المادية في نفوس المقاتلين المصصؤمنين‬ ‫وقد د ّ‬
‫و‬ ‫َ‬
‫ول ص ْ‬ ‫قِليل ً َ‬ ‫ك َ‬ ‫مص َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫فصصي َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ص ُ‬ ‫هص ُ‬ ‫َ‬
‫ريك ُ‬ ‫َوالكافرين قوله تعصصالى ‪) :‬إ ِذْ ي ُ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول َت ََناَز ْ‬
‫ه‬
‫م إ ِن ّ ص ُ‬ ‫س صل َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ص َ‬ ‫ولص صك ِ ّ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫في ال ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫شل ْت ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫م ك َِثيرا ً ل ّ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫أَراك َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫عي ُن ِك ُص ْ‬ ‫فصصي أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قي ْت ُص ْ‬‫م إ ِِذ الت َ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مصصو ُ‬ ‫ريك ُ ُ‬ ‫وإ ِذْ ي ُ ِ‬ ‫ر }‪َ {43‬‬ ‫دو ِ‬‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫َ‬
‫وإ ِل َصصى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عصصول ً َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مصصرا ً ك َصصا َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ي الل ّص ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ل ِي َ ْ‬
‫ه ْ‬ ‫عي ُن ِ ِ‬‫في أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قل ّل ُك ُ ْ‬ ‫وي ُ َ‬‫قِليل ً َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫موُر( ‪.‬‬ ‫ع ال ُ‬ ‫ج ُ‬‫ه ت ُْر َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫وجاء في تفسير هصصاتين اليصصتين أن اللصصه تعصصالى أرى رسصصول اللصصه‬
‫صلى اللصصه عليصصه وسصصلم فصصي منصصامه عصصدد الكفصصار قليل ً قبيصصل بصصدء‬
‫القتال في معركة بدر ‪ ،‬فأخبر رسول الله صلى الله عليصصه وسصصلم‬
‫بذلك أصحابه فكان ذلك الخبار تثبيتا ً لهم وتشجيعا ً على عدوهم ‪.‬‬
‫م ك َِثيرًا(‬ ‫وبين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه َ)ل َ َ‬
‫ه ْ‬ ‫و أَراك َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫م( أي لصاب المؤمنين جبصصن‬ ‫ْ‬
‫شلت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫أي لو أراك عدد الكفار كثيرا )ل َ‬
‫م( أي‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫ولت َن َصصاَز ْ‬ ‫َ‬ ‫ووهن وهيبة من القدام والهجصصوم علصصى الكفصصار ) َ‬
‫ولحصصصل نصصزاع واختلف بيصصن المصصؤمنين وتفصصرق كلمتهصصم فيمصصا‬
‫يصنعونه من مقاتلتهم أو النصراف عنهم وعدم مقصصاتلتهم ‪ .‬ثصصم‬
‫بّين الله تعالى أنه أرى المؤمنين عند لقائهم بالعدو أراهم إيصصاهم‬
‫قليل ً تصديقا ً لرؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وليعاينوا ما‬
‫م‬ ‫كص ْ‬‫قل ّل ُ ُ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫دوا ويثبتصوا فصي قتصالهم ) َ‬ ‫أخبرهم به فبزداد يقينهم ويج ّ‬
‫م( أي يقلل المصصؤمنين فصصي أعيصصن الكفصصار ممصصا يجرئهصصم‬ ‫ه ْ‬ ‫عي ُن ِ ِ‬ ‫في أ َ ْ‬ ‫ِ‬
‫على الندفاع في مقاتلة المؤمنين مع قّلة مبالة بهم فتفجصصؤهم‬

‫‪1‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬اليتان ‪. 44 ، 43‬‬
‫كثرة المؤمنين التي لم يتوقعوها ولم يروها بأعينهم فيقع القتل‬
‫فيهم وينتصر المؤمنون عليهم‪. 2‬‬
‫ووجه الدللة بهاتين اليصصتين ومصصا جصصاء فصصي تفسصصيرهما أن القصصوة‬
‫المادية ص وهي هنا كثرة عدة المقاتلين أو قلتهم ص لها تأثيرها في‬
‫النفوس من جهة الندفاع في القتال والشجاعة فيه وفي نتيجته‬
‫من نصر أو خذلن ‪ .‬لنه إذا رأى هذا الفريق قّلة عدد خصمه فهذا‬
‫يجرئه على الندفاع إلى قتاله ويزيد في ثبصصاته ويصصزداد أملصصه فصصي‬
‫التغلب عليه ‪ .‬بخللف ما إذا رأى كثرة عدد خصمه فهذا قد يحملصصه‬
‫على التردد في قتاله والصمود فيه إذا باشره ‪ .‬ومثل القوة بعصصدد‬
‫المقاتلين من حيث كثرتهم وقلتهم وتأثير ذلك علصصى النحصصو الصصذي‬
‫بّينصصاه ‪ ،‬القصصوة بالسصصلح ونصصوعيته وكصصثرته وقلتصصه ‪ ،‬والقصصوة بسصصائر‬
‫مستلزمات القتال والتدافع بيصصن أهصصل الحصصق وأهصصل الباطصصل فصصي‬
‫ساحة القتال وفي غيرها من سوح الجهاد ‪.‬‬

‫‪ 60‬ص ثانيا ً ‪ :‬من عوامل النصر تقوى الله ‪:‬‬


‫َ‬ ‫ن أ َل َصصن ي َك ْ ِ‬
‫م َرب ّك ُصصم‬ ‫مصدّك ُ ْ‬
‫م أن ي ُ ِ‬ ‫فيك ُص ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مص ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬‫قصصو ُ‬‫قال تعصصالى ‪) :‬إ ِذْ ت َ ُ‬
‫قصصوا ْ‬ ‫وت َت ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫صصصب ُِروا َ‬ ‫َ‬
‫ن }‪ {124‬ب َلصصى ِإن ت َ ْ‬ ‫منَزِلي َ‬ ‫ة ُ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ف ّ‬‫ة آل َ ٍ‬ ‫ب ِث َل َث َ ِ‬
‫ة‬ ‫ملئ ِ َ‬
‫كصص ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬‫ف ّ‬ ‫ة آل ٍ‬ ‫س ِ‬‫م َ‬‫خ ْ‬ ‫م َرب ّ ُ‬
‫كم ب ِ َ‬ ‫ددْك ُ ْ‬‫م ِ‬
‫ذا ي ُ ْ‬ ‫هص َ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬‫و ِ‬‫ف ْ‬‫من َ‬ ‫كم ّ‬ ‫وي َأ ُْتو ُ‬ ‫َ‬
‫ن(‪. 3‬‬ ‫َ‬ ‫مي‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫س‬
‫ُ َ ّ‬ ‫م‬
‫وجاء في تفسيرهما ‪ :‬والظاهر فصصي المصصدد أن الملئكصصة يشصصركون‬
‫الجيش في القتصصال إن وقعصصت الحاجصصة إليهصصم ‪ ،‬ويجصصوز أن ل تقصصع‬
‫الحاجة إليهم في نفس القتال ‪ ،‬وأن يكون مجرد حضورهم كافي صا ً‬
‫وي القلصصب ‪ .‬وجعصصل مجيصصء خمسصصة آلف مصصن الملئكصصة‬ ‫فصصي تقصص ّ‬
‫مشصصروطا ً بثلثصصة أشصصياء ‪ :‬الصصصبر والتقصصوى ومجيصصء الكفصصار علصصى‬
‫الفور‪. 4‬‬
‫فمدد الملئكة للمؤمنين كصصان بسصصبب تقصصواهم ؛ لن صصصبرهم مصصن‬
‫جملة تقواهم ؛ لن التقوى كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ‪:‬‬
‫))التقوى تجمع فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه((‪ ، 5‬والصبر‬
‫من جملة ما أمر الله به ‪ .‬ثم إن مدد الملئكصصة للمصصؤمنين لتحقيصصق‬
‫نصرهم على الكفار ‪ ،‬فكانت التقوى ص تقوى الله صصص مصصن العوامصصل‬
‫المؤكدة لنصر المؤمنين حسب سّنة الله تعالى ‪.‬‬

‫‪ 61‬ص وصية عمر لجنده بتقوى الله ‪:‬‬


‫وفي وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسعد بن أبي وقصصاص‬
‫وجنده في حرب العراق ‪ ،‬جاء في هذه الوصية ‪ :‬فإني آمرك ومن‬
‫معك من أجناد بتقوى الله على كل حال فصصإن تقصصوى اللصصه أفضصصل‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ 224‬ـ ‪. 225‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬اليتان ‪. 125 ، 124‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 228‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 526‬‬
‫دة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب ‪ .‬وآمصصرك ومصصن معصصك‬ ‫الع ّ‬
‫أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب‬ ‫ً‬
‫الجيش أخوف عليهم من عدوهم ‪ .‬وإنما ُينصر المسلمون بمعصية‬
‫عدوهم لله ‪ ،‬ولصصول ذلصصك لصصم تكصصن لنصا بهصصم قصصوة لن عصددنا ليصصس‬
‫دتنا كعدتهم فإن اسصصتوينا فصصي المعصصصية كصصان لهصصم‬ ‫كعددهم ول ع ّ‬
‫الفضل علينا فصي القصوة ‪ ،‬وال ّ ُننصصر عليهصم بفضصلنا لصم نغلبهصم‬
‫بقوتنا ‪ .‬واعلموا أنه عليكم في مسيركم حفظة من اللصصه يعلمصصون‬
‫ما تفعلون فاستحيوا منهم ‪ ،‬ول تعملوا بمعاصي اللصصه وأنتصصم فصصي‬
‫سبيل الله ‪ ،‬ول تقولوا إن عدونا شّر منصصا فلصصن ُيس صّلط علينصصا وإن‬
‫سّلط علصصى بنصصي‬ ‫سّلط عليهم شّر منهم كما ُ‬ ‫أسأنا ‪ ،‬فرب قوم قد ُ‬
‫إسرائيل لما عملوا بمساخط الله ‪ ،‬كفار المجصصوس فجاسصصوا خلل‬
‫الديار وكان وعد الله مفعول ً ‪ .‬واسألوا الله العون علصصى أنفسصصكم‬
‫كما تسألونه النصر على عدوكم ‪ .‬أسأل الله ذلك لنا ولكم‪. 6‬‬
‫‪ 62‬ص ثالثا ً ‪ :‬من عوامل النصر نصرة الدين ‪:‬‬
‫ومن عوامل النصر التي جعلها اللصصه تعصصالى فصصي سصصنته فصصي نصصصر‬
‫المؤمنين وهم يدافعون الباطل وأهلصصه ‪ ،‬قيصصامهم بنصصصرة الصصدين ‪،‬‬
‫َ‬
‫مُنصصوا‬
‫نآ َ‬ ‫ها اّلصص ِ‬
‫ذي َ‬ ‫السلم ‪ ،‬بكل ما أوتوا من قوة قال تعالى ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫م(‪. 1‬‬‫مك ُ ْ‬
‫دا َ‬ ‫ت أَ ْ‬
‫ق َ‬ ‫وي ُث َب ّ ْ‬
‫م َ‬ ‫صْرك ُ ْ‬
‫ه َين ُ‬‫صُروا الل ّ َ‬
‫ِإن َتن ُ‬
‫وجاء في تفسصصيرها ‪ :‬إن تنصصصروا اللصصه ‪ ،‬أي إن تنصصصروا ديصصن اللصصه‬
‫ورسوله ينصركم على عصصدوكم ويفتصصح لكصصم ويثبصصت أقصصدامكم فصصي‬
‫مواطن الحرب أو على محجة السلم‪. 2‬‬
‫وقال المام الرازي في تفسيره ‪ :‬وفصصي نصصصر اللصصه تعصصالى وجصصوه‬
‫)الول( إن تنصروا دين الله وطريقه ‪) .‬والثاني( إن تنصروا حزب‬
‫الله وفريقه‪. 3‬‬
‫ونصرة دين الله تتحقق بأن يسّلم المسلم نفسه بالكليصصة للصصه رب‬
‫العالمين ‪ ،‬فل يبقصصى فيصصه شصصيء خصصارج عصصن الستسصصلم المطلصصق‬
‫والنقيصصصاد التصصصام للصصصه رب العصصصالمين ‪ .‬ويظهصصصر هصصصذا الخضصصصوع‬
‫والستسلم بالستسصصلم الكامصصل لشصصرع اللصصه تعصصالى ‪ ،‬وهصذا فصصي‬
‫نفسه وما ينطوي عليه قلبه وتقوم به جوارحه ثم تظهصصر النصصصرة‬
‫لدين الله بجهاد المسلم الدائم لقامة شرع الله في الرض بحيث‬
‫يكصصون هصصذا الشصصرع هصصو المهيمصصن والحصصاكم لجميصصع العلقصصات بيصصن‬
‫الناس فل يتحاكمون إل إليه ول يقبلون إل إّياه ‪.‬‬
‫ومسألة أخرى مهمة جدا ً فيما تتحقق به النصرة لله تعصصالى وهصصي‬
‫التي أشار إليها الرازي في أحد وجوه نصرة الله حيث قال رحمصصه‬
‫الله ‪ ) :‬إن تنصروا حزب الله وطريقه ( ‪ ،‬ومن المعلصصوم أن حصصزب‬
‫الله هو الذي يقوم بنصرة اللصصه أي بنصصصرة دينصصه أي بإقامصصة شصصرع‬
‫‪6‬‬
‫ـ العقد الفريد ‪ ،‬تأليف أبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 130‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة محمد ‪ ،‬الية ‪. 7‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 318‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 28‬ص ‪. 48‬‬
‫الله في الرض ‪ .‬ول شصصك أن بانضصصمام جهصصود المصصؤمنين بعضصصهم‬
‫إلصصى بعصصض لقامصصة شصصرع اللصصه وبالتناصصصر فيمصصا بينهصصم علصصى هصصذا‬
‫المقصد الشريف تتحقق منهصم النصصرة لصدين اللصه بشصصكل أسصرع‬
‫وأكمل مما لو قاموا بالنصرة لدين الله وهصصم فصصرادى متفرقصصون ‪،‬‬
‫وبهذا يتحقق منهم ما شرطه الله عليهم لينالوا ما وعدهم الله به‬
‫من نصرة ‪ .‬وعلى هذا فبمقدار ما يقوم به المؤمنصصون مصصن نصصصرة‬
‫لدين الله وجهاد في سبيله وإعداد لوسائل الجهاد ونصصصرة الصصدين‬
‫يتحقق لهم النصر حسب سنة الله التي وضعها لنصر المؤمنين ‪.‬‬
‫وآية أخرى في نصرة الدين كعامل من عوامل سنة الله في نصصصر‬
‫ن الّلص َ‬
‫ه‬ ‫صصُرهُ إ ِ ّ‬
‫مصن َين ُ‬ ‫ن الّلص ُ‬
‫ه َ‬ ‫ول ََين ُ‬
‫صصَر ّ‬ ‫المؤمنين هي قوله تعصالى ‪َ ) :‬‬
‫زي صٌز(‪ . 4‬قصصال المصصام الصصرازي فصصي هصصذه اليصصة ‪ :‬وعصصد اللصصه‬ ‫ع ِ‬
‫ي َ‬
‫و ّ‬ ‫لَ َ‬
‫ق ِ‬
‫‪5‬‬
‫ن الله من‬ ‫بالنصر لمن هذه حاله ‪ .‬وقال الزمخشري فيها ‪ :‬لينصر ّ‬
‫ينصر دينه وأولياءه‪ . 6‬وقد بّينا كيفيصصة قيصصام المسصصلم بنصصصرة اللصصه‬
‫وذلك بأن يبذل جهده في إقامة دين الله فصصي الرض فيكصصون هصصو‬
‫الحاكم على جميع تصرفات وأفعال وعلقات البشر ‪.‬‬

‫‪ 63‬ص التنظيم الجماعي لنصرة دين الله ‪:‬‬


‫ذكرنا في الفقرة السصصابقة قصصول الزمخشصصري فصصي تفسصصير قصصوله‬
‫ه( أي ينصصصر دينصصه وأوليصصاءه ‪.‬‬ ‫ص صُر ُ‬ ‫مصصن َين ُ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّص ُ‬ ‫ص صَر ّ‬ ‫ول ََين ُ‬ ‫تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫وذكرنا قصصول الصصرازي فصصي أحصصد وجصصوه تفسصصير قصصوله تعصصالى ‪ِ) :‬إن‬
‫م( أي إن تنصروا حزبه وفريقه ‪.‬‬ ‫صْرك ُ ْ‬‫ه َين ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫َتن ُ‬
‫فهل يعني هذا أن نصرة دين الله يجب أن تكصصون بطريصصق جمصصاعي‬
‫أي بقيام تنظيم جماعي للقيام بمتطلبات النصرة لدين الله حصصتى‬
‫يتحقق شرط نصر الله للمؤمنين؟‬
‫والجواب ‪ :‬إن المطلوب من كل مسلم أن يعمل لنصرة ديصصن اللصصه‬
‫بأن يسعى لقامة شرع الله فينصصصره اللصصه بقصصدر سصصعيه وجهصصده ‪.‬‬
‫ولكن مما ل شك فيه أن العمل الجماعي لنصرة السلم هو الذي‬
‫أرشصصد إليصصه السصصلم وأشصصار إليصصه القصصرآن الكريصصم ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫كن منك ُ ُ‬
‫ن‬
‫و َ‬
‫هص ْ‬
‫وي َن ْ َ‬
‫ف َ‬
‫عُرو ِ‬ ‫ن ِبصال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫مُرو َ‬
‫وي َصأ ُ‬
‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬
‫خي ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َدْ ُ‬
‫م ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ول ْت َ ُ‬‫) َ‬
‫ن( والمصصة فصصي أحصصد الصصوجهين‬ ‫‪7‬‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حصصو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫هص ُ‬‫ولصصئ ِك ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫منك ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫‪8‬‬
‫بعض المة وليس كلها ‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن المراد ب)المة( في الية جماعصصة مصصن المسصصلمين‬
‫تقوم بالدعوة إلى الله وتصصأمر بصصالمعروف وتنهصصى عصصن المنكصصر أي‬
‫تقوم بنصرة الدين ‪ .‬والجماعة تنظيم جمصصاعي ‪ ،‬فهصصي إذن تقصصوم‬
‫بنصرة الدين بشصصكل جمصصاعي منظصصم ‪ ،‬وعملهصصا هصصذا بهصصذا الشصصكل‬

‫‪4‬‬
‫ـ سورة الحج ‪ ،‬من الية ‪. 40‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 41‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 160‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 104‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 396‬‬
‫أجدى وأنفع من عمل المسلمين فرادى ومتفرقين ‪ .‬وهصصذا يعنصصي‬
‫أن ضم جهود الفراد بعضصصهم إلصصى بعصصض والعمصصل سصصوية بتنظيصصم‬
‫جماعي يحقق من النتائج مصصا ل يحققصصه العمصصل الفصصردي ‪ ،‬ومعنصصى‬
‫ذلك أن العمل الجماعي المنظم مما يحبصصه اللصصه ويطلبصصه السصصلم‬
‫مصة( تقصوم بنصصرة الصدين ‪ .‬وأيضصا ً فصإن اللصه‬ ‫ون )أ ّ‬‫قطعا ً للمر بتك ّ‬
‫تعالى يأمر بالتعاون ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وتعاونوا على البّر والتقوى ‪..‬‬
‫(‪. 9‬‬
‫والتعاون يقتضي ضم جهود المتعاونين بعضها إلصصى بعصصض ‪ ،‬وهصصذا‬
‫يعنصصي قيصصام )تنظيصصم جمصصاعي( أي جماعصصة إسصصلمية لتحقيصصق الصصبّر‬
‫المطلوب ومن أعظم البّر نصرة الدين ‪.‬‬
‫وعلى هذا يمكصصن القصصول ‪ :‬إن قيصصام )تنظيصصم جمصصاعي( أي جماعصصة‬
‫إسلمية أمر مرغوب فيه شرعا ً وتشتد درجة ندبه واستحبابه كلما‬
‫كان قيام هذا التنظيم ممكنا ً وكانت الحاجة إليه شصصديدة والغصصرض‬
‫منه نصرة الدين ‪ ،‬وقد يكون هذا التنظيم لنصصرة الصدين واجبصا ً إذا‬
‫كان الباطل قويا ً وأهله أشصصداء فصصي خصصصومتهم وعصصدواتهم للحصصق‬
‫وأهله ‪.‬‬
‫فمدافعة هذا الباطل وأهله وهم بهذه الدرجة من القوة ‪ ،‬كما هو‬
‫الحال في الوقت الحاضر ‪ ،‬ل تتأتى مدافعتهم بجهصصود فرديصصة بصصل‬
‫بجهود من أهل الحق مجتمعة بحيث تكون قوة أكثر من قوة أهصصل‬
‫الباطل أو في القل مساوية لهله ‪ ،‬ول يتأتى هذا إل إذا تجمعصصت‬
‫جهصود الغيصارى علصى السصصلم فصي تنظيصم واحصد أي فصي جماعصة‬
‫إسصصلمية واحصصدة تعمصصل بنظصصام لنصصصرة الصصدين ومدافعصصة الباطصصل ‪،‬‬
‫وعلى المسلمين أن ينضموا إلصصى هصصذه الجماعصصة المسصصلمة إذا مصصا‬
‫قامت لنها هي حزب الله وأفرادها أولياء الله ولنهصصا تحقصصق أمصصر‬
‫الله ‪) :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ‪ (..‬إلخ ‪.‬‬
‫مة( كما قلنا تعني )جماعة( تعني )تنظيما ً جماعي صا( والغصصرض‬
‫ً‬ ‫)وال ّ‬
‫من وجود هذه الجماعصصة نصصصرة ديصصن اللصصه ‪ ،‬ففصصي النضصصمام إليهصصا‬
‫مساهمة في نصرة دين الله ‪ ،‬ونصر هصصذا الصصدين واجصصب علصصى كصصل‬
‫مسلم ومسلمة ‪.‬‬

‫‪ 64‬ص رابعا ً ‪ :‬من عوامل النصر ‪ :‬الجهاد وإعداد القوة ‪:‬‬


‫الجهاد بالمال والنفس من فرائض السلم ‪ ،‬ولكنه فريضة منسية‬
‫من قبل أكثر المسلمين إن لم نقل عصامتهم ‪ ،‬مصع أن الجهصصاد هصصو‬
‫طريق النصر ووسيلة العز وإظهار دين الله ومحق الباطصل وأهلصه‬
‫ونوال رضوان الله ‪ ..‬وإن تركه يفضصي إلصصى غلبصصة الباطصل وأهلصه‬
‫وإذلل المؤمنين وذهاب قوتهم وزوال دولتهم ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ـ سورة المائدة ‪ ،‬من الية ‪. 2‬‬
‫هوا ْ‬ ‫سى َأن ت َك َْر ُ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬
‫م َ‬ ‫و ك ُْرهٌ ل ّك ُ ْ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫ل َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَتا ُ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬
‫ب َ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬ك ُت ِ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫عل َ ُ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫م َ‬‫شّر ل ّك ُ ْ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬ ‫شْيئا ً َ‬
‫حّبوا ْ َ‬
‫سى أن ت ُ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬ ‫شْيئا ً َ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪ .‬أي هو كرهٌ لكم في الطباع )وعسى( من الله‬ ‫‪1‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫عل ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫وأنت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫تعالى إيجاب ‪ .‬والمعنى ‪ :‬وعسى أن تكرهصصوا مصصا فصصي الجهصصاد مصصن‬
‫المشقة وهو خيٌر لكصصم فصصي أنكصصم تغلبصصون عصصدوكم وتظفصصرون بصصه‬
‫سصصى َأن‬ ‫ع َ‬‫و َ‬‫وتغنمصصون أمصصواله وتصصؤجرون وتثصصابون علصصى جهصصادكم ) َ‬
‫دعة والراحة وترك‬ ‫م( أي عسى أن تحبوا ال ّ‬ ‫شّر ل ّك ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬ ‫شْيئا ً َ‬ ‫حّبوا ْ َ‬ ‫تُ ِ‬
‫القتال وهو شٌر لكم في أنكصصم ُتغلبصصون وت ُصصذلون وتصصذهب قصصوتكم ‪.‬‬
‫قال المام القرطبي ‪ :‬وهذا صحيح ل غبصصار عليصصه كمصصا اتفصصق فصصي‬
‫بلد الندلس‬
‫تركوا الجهاد وجبنوا عنصصد القتصصال وأكصصثروا مصصن الفصصرار فاسصصتولى‬
‫العدو على البلد وأسر وقتل وسبى واسترق فصصإن للصصه وإنصصا إليصصه‬
‫راجعون ‪ ،‬ذلك بما قدمت أيديهم وكسبته‪. 2‬‬

‫‪ 65‬ص ترك الجهاد مدعاة إلى العذاب ‪:‬‬


‫ذكرنا في الفقرة السابقة ما في ترك الجهاد من ذل للمصصؤمنين ‪،‬‬
‫م‬ ‫ف صُروا ْ ي ُ َ‬
‫ع صذّب ْك ُ ْ‬ ‫ونزيد على ذلك ما جصصاء فصصي اليصصة الكريمصصة ‪) :‬إ ِل ّ َتن ِ‬
‫عَلى ُ‬ ‫َ‬
‫كصص ّ‬
‫ل‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬‫شْيئا ً َ‬ ‫ضّروهُ َ‬‫ول َ ت َ ُ‬‫م َ‬ ‫وما ً َ‬
‫غي َْرك ُ ْ‬ ‫ل َ‬
‫ق ْ‬ ‫د ْ‬
‫ست َب ْ ِ‬ ‫ذابا ً أِليما ً َ‬
‫وي َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫‪3‬‬
‫ديٌر( ‪.‬‬ ‫ء َ‬
‫ق ِ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫قال المام ابن العربي المالكي في هصصذه اليصصة ‪ :‬وجصصب بمقتضصصى‬
‫هذه الية النفير للجهاد والخروج إلى الكفصصار لمقصصاتلتهم علصصى أن‬
‫تكون كلمة الله هي العليا ‪ .‬والعذاب الليصصم هصصو الصصذي فصصي الصصدنيا‬
‫ل عليصصه وبالنصصار فصصي الخصصرة ‪.‬‬ ‫باستيلء العدو على مصصن لصصم يسصصتو ِ‬
‫وزيادة على ذلك باستبدال غيركم‪. 4‬‬
‫وقصصال الشصصهيد سصصيد قطصصب رحمصصه اللصصه تعصصالى ‪ :‬والعصصذاب الصصذي‬
‫يهددهم ليس عذاب الخرة وحده فهو كذلك عذاب الصصدنيا ‪ :‬عصصذاب‬
‫الذلة التي تصيب القاعدين عن الجهصصاد ‪ ،‬والغلبصصة عليهصصم للعصصداء‬
‫والحرمان من الخيرات واستغللها للعادين ‪ ،‬ومصصا مصصن أمصصة تركصصت‬
‫الجهاد إل ضرب الله عليها الذل فدفعت مرغمة صصصاغرة لعصصدائها‬
‫أضعاف ما كان يتطلبه منها كفاح العداء‪. 5‬‬

‫‪ 66‬ص ما يقال للقاعد أو للمتكاسل عن الجهاد ‪:‬‬


‫كر به قوله تعالى ‪َ) :‬يا‬ ‫أ ص يقال لمن قعد أو تكاسل عن الجهاد وُيذ ّ‬
‫َ‬
‫ل الل ّص ِ‬
‫ه‬ ‫سصِبي ِ‬
‫فصصي َ‬ ‫فصُروا ْ ِ‬ ‫م ان ِ‬ ‫ل ل َك ُص ُ‬‫قيص َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫مصصا ل َك ُص ْ‬
‫م إِ َ‬ ‫من ُصصوا ْ َ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫ها ال ّص ِ‬‫أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬‫مت َصصا ُ‬
‫مصصا َ‬ ‫ة َ‬
‫ف َ‬ ‫خصَر ِ‬
‫ن ال ِ‬ ‫مص َ‬ ‫ة الصدّن َْيا ِ‬ ‫حي َصصا ِ‬‫ضيُتم ِبال ْ َ‬ ‫ض أَر ِ‬ ‫م إ ِلى الْر ِ‬
‫قل ْت ُ ْ َ‬
‫اّثا َ‬

‫‪1‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 216‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ 38‬ـ ‪. 39‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة التوبة ‪ ،‬الية ‪. 39‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ أحكام القرآ ن ‪ ،‬لبن العربي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ 937‬ـ ‪. 938‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ في ظلل القرآن ‪ ،‬لسيد قطب م ‪ ، 4‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 224‬‬
‫ل(‪ . 6‬فمصصن لصصم يسصصتجب لصصدعوة‬ ‫قِليص ٌ‬‫ة إ ِل ّ َ‬
‫خصَر ِ‬‫فصصي ال ِ‬ ‫ة الصدّن َْيا ِ‬
‫حَيا ِ‬‫ال ْ َ‬
‫الجهاد في سبيل الله ‪ ،‬أو استجاب متثصصاقل ً متبصصاطئا ً ‪ ،‬فيقصصال لصصه‬
‫َ‬
‫ة( ‪ ،‬أي‬ ‫خ صَر ِ‬
‫ن ال ِ‬‫مص َ‬‫ة ال صدّن َْيا ِ‬ ‫ضصصيُتم ِبال ْ َ‬
‫حي َصصا ِ‬ ‫علصصى وجصصه التصصذكير ‪) :‬أَر ِ‬
‫أرضصصيتم براحصصة الصصدنيا ولصصذتها الناقصصصة الفانيصصة بصصدل ً مصصن سصصعادة‬
‫ة‬ ‫ع ال ْ َ‬
‫حَيصا ِ‬ ‫مَتصا ُ‬
‫مصا َ‬ ‫الخرة الكاملة الباقيصة الصتي تنالونهصا بالجهصاد ) َ‬
‫ف َ‬
‫ل( وقد شّبه النبي صلى الله عليه وسصصلم‬ ‫قِلي ٌ‬‫ة إ ِل ّ َ‬
‫خَر ِ‬
‫في ال ِ‬ ‫الدّن َْيا ِ‬
‫نعيم الدنيا بالنسبة إلى نعيم الخرة في قلتصه فصي نفسصه وزمنصه‬
‫بمن وضع إصبعه في اليم ثم أخرجها منه ‪ ،‬وقال صلى الله عليصصه‬
‫وسلم ‪ :‬فانظروا بم ترجع‪. 1‬‬
‫ب ص ويقال أيضا ً للمتكاسل أو القاعد عن الجهاد مصصا قصصاله رسصصول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في حق الجهاد والمجاهصصدين ومصصا قصصاله‬
‫أهل العلم في الجهاد مما فهموه مصصن كتصصاب اللصصه وسصصنة رسصصوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فمن ذلك قوله صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم ‪:‬‬
‫) ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما علصصى الرض‬
‫من شصصيء إل ّ الشصصهيد يتمنصصى أن يرجصصع إلصصى الصصدنيا فيقتصصل عشصصر‬
‫مرات لما يرى من الكرامصصة ( ‪ .‬وفصصي روايصصة لمصصا يصصرى مصصن فضصصل‬
‫الشهادة ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫وقال ابن بطال في شرحه لهذا الحصصديث ‪ :‬هصصذا الحصصديث أجصصل مصصا‬
‫جاء في فضل الشهادة وليس في أعمال البّر ما تبذل فيه النفس‬
‫غير الجهاد فلذلك عظم فيه الثواب‪ . 2‬وقال المام أحمد بن حنبل‬
‫‪ :‬ل أعلم شيئا ً من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد ‪ .‬فالذين‬
‫يقاتلون العدو هم الصصذين يصصدفعون عصصن السصصلم وعصصن حريمهصصم ‪،‬‬
‫فأي عمل أفضل منه؟ الناس آمنون وهم خائفون ‪ ،‬قد بذلوا مهج‬
‫أنفسهم في سصصبيل الله‪ . 3‬وقصصال شصصيخ السصصلم ابصصن تيميصصة فصصي‬
‫المرابطة في ثغور دار السصصلم وحصصدودها وهصصي مصصداخل العصصداء‬
‫ومواضصصع مهصصاجمتهم لصصدار السصصلم ‪ ،‬قصصال رحمصصه اللصصه تعصصالى ‪:‬‬
‫) المرابطة في سبيل الله أفضصصل مصصن المجصصاورة بمكصصة والمدينصصة‬
‫وبيت المقدس (‪. 4‬‬

‫‪ 67‬ص إعداد القوة للجهاد ‪:‬‬


‫وإذا صحت العزيمة للجهاد بقتال العدو والدفاع عن دار السصصلم ‪،‬‬
‫فهذا وحده ل يكفي بل ل بد من إعداد القوة اللزمة للجهصصاد كمصصا‬
‫مصصن‬ ‫س صت َطَ ْ‬
‫عُتم ّ‬ ‫مصصا ا ْ‬ ‫هصصم ّ‬ ‫دوا ْ ل َ ُ‬
‫ع ّ‬‫وأ َ ِ‬
‫ل شأنه ‪َ ) :‬‬ ‫أمر الله تعالى بقوله ج ّ‬
‫مصصن‬‫ن ِ‬‫ريص َ‬‫خ ِ‬
‫وآ َ‬‫م َ‬‫وك ُ ْ‬
‫ع صد ُ ّ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫و الل ِ‬ ‫عدْ ّ‬ ‫ه َ‬
‫ن بِ ِ‬
‫هُبو َ‬
‫ل ت ُْر ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫من ّرَبا ِ‬
‫و ِ‬
‫ة َ‬
‫و ٍ‬ ‫ُ‬
‫ق ّ‬

‫‪6‬‬
‫ـ سورة التوبة ‪ ،‬الية ‪. 38‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 423‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪ 32‬ـ ‪. 33‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ المغني لبن قدامة الحنبلي ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪ 348‬ـ ‪. 349‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 28‬ص ‪. 418‬‬
‫ل‬‫س صِبي ِ‬ ‫فصصي َ‬ ‫ء ِ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫قوا ْ ِ‬
‫ف ُ‬‫ما ُتن ِ‬‫و َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫م ُ‬‫عل َ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫مون َ ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫م ل َ تَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫دون ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫‪5‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مو َ‬ ‫م ل ت ُظل ُ‬ ‫وأنت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ف إ ِلي ْك ْ‬ ‫و ّ‬‫ه يُ َ‬ ‫الل ِ‬
‫ة( أي من كل ما يتقوى به فصصي الحصصرب مصصن‬ ‫و ٍ‬ ‫ق ّ‬ ‫من ُ‬ ‫وقوله تعالى ) ّ‬
‫ل( والرباط اسم للخيل الصصتي تربصصط فصصي‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ط ال َ‬ ‫من ّرَبا ِ‬ ‫و ِ‬ ‫عددها ‪َ ) ،‬‬
‫ه‬
‫ن ب ِص ِ‬‫هب ُصصو َ‬‫سبيل الله ‪ ،‬تخصيصا للخيل من بين ما يتقصصوى بصصه ‪) ،‬ت ُْر ِ‬ ‫ً‬
‫م( أي ترهبصصون بهصصذا الصصذي تعصصدونه عصصدو اللصصه‬ ‫وك ُ ْ‬ ‫ع صد ُ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و الّلصص ِ‬‫ع صد ْ ّ‬ ‫َ‬
‫م( أي مصصن‬ ‫هص ْ‬ ‫دون ِ ِ‬‫مصصن ُ‬ ‫ن ِ‬‫ري ص َ‬
‫خ ِ‬‫وآ َ‬‫وعدوكم من اليهود وكفار العصصرب ) َ‬
‫مصصن‬ ‫قصصوا ْ ِ‬‫ف ُ‬‫مصصا ُتن ِ‬ ‫و َ‬‫غيرهم من الكفصصرة الصصذين ل ُتعصصرف عصصداوتهم‪َ ) ،‬‬
‫ه( قليل ً أو كثيرا ً نقدا ً كان أو غيره فصصي إعصصداد‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ء ِ‬‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫المستطاع من القوة والمرابطة في ثغور المسلمين يعطكم اللصصه‬
‫جزاءه وافيا ً‪. 6‬‬

‫‪ 68‬ص معنى القوة وما تتحقق به ‪:‬‬


‫ة(‬‫و ٍ‬ ‫ُ‬
‫مصصن قص ّ‬
‫عُتم ّ‬ ‫َ‬
‫سصت َط ْ‬
‫مصصا ا ْ‬
‫هصصم ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫دوا ل ُ‬‫عص ّ‬ ‫وأ َ ِ‬
‫جاء فصصي اليصصة الكريمصصة ‪َ ) :‬‬
‫وة( نكرة غير محددة بنوع من أنواع القوة ‪ ،‬وإنمصصا‬ ‫فجاءت كلمة ) ُ‬
‫ق ّ‬
‫ل( تخصيصا ً لها مما يتقوى به ‪ .‬ول‬ ‫خي ْ ِ‬‫ط ال ْ َ‬
‫ذكر نوعا ً منها وهو )ّرَبا ِ‬
‫شك أن مما يشمله معنى القصوة الصتي يمكصن للمسصلمين مدافعصة‬
‫العدو بها أنواع وسائل القتال وعدده في كل زمان ومكصان ولكصصن‬
‫هل القصصوة المصصراد والمطلصصوب مصصن المسصصلمين إعصصدادها لمدافعصصة‬
‫العدو والتغلب عليه وردّ شره ‪ ،‬هل هذه القوة المطلوبة مقصورة‬
‫على عدد القتال والسلح الذي يقاتل بصه العصدو فعل ً ‪ ،‬وأن معنصى‬
‫القوة يكمن في سلح القتال فقط؟ الذي يتصبين لصي مصن معصاني‬
‫القوة واستعمالها أنها تعني القدرة على تنفيذ إدارة صاحبها شاء‬
‫الغير أم أبى هذا التنفيذ ‪.‬‬
‫ومتعّلق الرادة المراد تنفيذها قصصد يكصصون دفصصع الغيصصر أو إبعصصاده أو‬
‫إزالته أو التسلط عليه وحكمه أو إلزامه بدفع شيء ‪ ،‬وهذه القوة‬
‫تتحقق بما تتحقق به معناها وهو القدرة على تنفيذ إرادة صاحبها‬
‫‪ ،‬فقد يكون تحقيقها بإعداد السلح للجند ‪ ،‬وتدريبهم على فنصصون‬
‫القتال وتربيتهم على معصاني اليمصان الصتي تهيئهصم للقتصال فصي‬
‫سبيل الله والرغبة فصصي الشصصهادة فصصي سصصبيله كمصصا تحقصصق القصصوة‬
‫بالقيصصادة الكفصصؤة ‪ ،‬ويتصوفر مصا يحتصاجه الجنصد مصن طعصام ولبصاس‬
‫وحصصصون ونحصصو ذلصصك ‪ ،‬وبكصصون الدولصصة مكتفيصصة ذاتيصا ً مصصن الناحيصصة‬
‫القتصادية والنتاجية ‪ .‬وتتحقق القوة بالعلم والمعرفة الضرورية‬
‫لتحقيقهصصا وبإيجصصاد العلمصصاء فصصي جميصصع المجصصالت مثصصل مجصصالت‬
‫الزراعة والصناعة بأنواعها ‪ .‬وكصصل الصصذي ذكرتصصه يختلصصف بصصاختلف‬
‫المكصصان والزمصصان إل تربيصصة النفصصوس علصصى معصصاني اليمصصان فهصصي‬
‫الثابتة التي ل تتغير بتغير الزمان والمكان ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 60‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 232‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪ ، 38 ، 35‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪ ، 26‬تفسير المنار ‪ ،‬ج‬
‫‪ ، 10‬ص ‪. 61‬‬
‫‪ 69‬ص إعداد القوة من فروض السلم ‪:‬‬
‫وإعداد القوة للمة السصصلمية بصصالمعنى الصصذي بينتصصه )للقصصوة( مصصن‬
‫فروض السلم للمصصر بهصصا ‪ ،‬والصصصل فصصي المصصر أنصصه للوجصصوب إل‬
‫لقرينة صارفة لصه عصن الوجصوب ول قرينصة هنصا فيبقصى دال ً علصى‬
‫مصصن‬ ‫سصصت َطَ ْ‬
‫عُتم ّ‬ ‫مصصا ا ْ‬ ‫دوا ْ ل َ ُ‬
‫هصصم ّ‬ ‫وأ َ ِ‬
‫عصص ّ‬ ‫الوجصصوب وهصصو قصصوله تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ة ‪ . ( . .‬والمة هي المخاطبة بهذا المر ص إعداد القوة ص والصصذي‬ ‫و ٍ‬ ‫ُ‬
‫ق ّ‬
‫يمثلها ويقوم مقامها في تنفيذ هذا المر نيابة عنها هو وكيلها ‪:‬‬
‫الخليفة ‪ .‬فالمة ما انتخبته إل ليقوم مقامهصصا مسصصتعمل ً سصصلطتها‬
‫لتنفيذ ما هي مخاطبصصة بصصه مصصن أحكصصام الشصصرع الصصتي تخصصص المصصة‬
‫بمجموعهصصا ومنهصصا ‪ :‬المصصر بإعصصداد القصصوة ‪ .‬فل يجصصوز للخليفصصة أي‬
‫صصصر فعلصصى المصصة‬ ‫لولي المر التقصصصير فصصي هصصذا الصصواجب ‪ ،‬وإذا ق ّ‬
‫ل والعقصصد فيهصصا أن يطلبصصوا مصصن‬ ‫بجميع أفرادها لسصصيما أهصصل الح ص ّ‬
‫الخليفة القيام بإعداد القوة اللزمة لدولصصة السصصلم ‪ .‬وقصصد يكصصون‬
‫من ضرورات إعصصداد القصصوة تعلصصم العلصصوم الدنيويصصة فصصي المجصصالت‬
‫المختلفة ‪ ،‬فيكون تعلم هصصذه العلصصوم مصصن الواجبصصات الكفائيصصة لن‬
‫مال يتم الواجب إل به فهو واجب ‪.‬‬

‫‪ 70‬ص إعداد الجند المدرب من إعداد القوة ‪:‬‬


‫ومن إعداد القوة إعداد الجند المدرب فيلصصزم تصصدريبهم وإعصصدادهم‬
‫إعدادا ً إيمانيا ً على أساس معاني العقيصصدة السصصلمية ‪ ،‬وإعصصدادهم‬
‫إعدادا ً ماديا ً على استعمال مختلف السلحة وفنون القتال وإجراء‬
‫التدريبات العسكرية والتمارين أو ما يسمى بالمناورات العسكرية‬
‫بين حين وآخر حتى ل ينسوا ما تعلموه ‪ ،‬وقصصد يكصصون فصصي حصصديث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم مستندا ً ودليل ً مصصا أقصصول ‪ ،‬فقصصد‬
‫جاء في حديث رسول اللصصه صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم ‪ ) :‬مصصن علصصم‬
‫الرمي ثم تركه فليس منا ‪ .‬أو فقد عصى (‪. 1‬‬

‫‪ 71‬ص يجب أن تكون قوة المسلمين مرهبة للعدو ‪:‬‬


‫ة‬
‫و ٍ‬ ‫مصصن ُ‬
‫قص ّ‬ ‫عُتم ّ‬ ‫َ‬
‫سصت َط ْ‬
‫مصصا ا ْ‬‫هصصم ّ‬ ‫دوا ْ ل َ ُ‬
‫ع ّ‬ ‫وأ َ ِ‬‫ويلحظ في الية الكريمة ‪َ ) :‬‬
‫م ‪ (. .‬إن الله تعصصالى‬ ‫ُ‬
‫وك ْ‬ ‫عد ُ ّ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫و الل ِ‬ ‫عدْ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬
‫هُبو َ‬
‫ل ت ُْر ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫من ّرَبا ِ‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫أمرنا بإعداد القوة لنرهب بها عدو الله وعصصدونا ‪ ،‬ومعنصصى ذلصصك أن‬
‫القوة التي تعصصدها يجصصب أن تكصصون مرهبصصة للعصصدو ‪ ،‬وهصصي ل تكصصون‬
‫كذلك إل إذا كانت أكبر وأقوى مصصن قصصوته بحيصصث تجعلصصه يخصصاف أن‬
‫يتحرش بالمسلمين وبدولتهم ويرهب قوتهم وبالتالي ييصصأس مصصن‬
‫إمكان أن يحصصصل علصصى شصصيء مصصن المسصصلمين ودولتهصصم إذا هجصصم‬
‫عليهم أو تعرض ببلدهم ‪ ،‬فينكف شره عن المسلمين ‪ .‬إن إعصصداد‬
‫‪1‬‬
‫ـ رواه المام مسلم كما جاء في الجامع الصغير من حديث البشير النذير للسيوطي في الجزء الثاني منه ‪ ،‬ص ‪ ، 539‬ورقم الحديث ‪.8862‬‬
‫هصصذه القصصوة المرهبصصة للعصصدو ضصصروري ول يجصصوز التكاسصصل عنصصه أو‬
‫التفريط فيه ‪ ،‬إذ ل يكفي أن نقول إننصصا علصصى الحصصق وإنهصصم علصصى‬
‫الباطل لننتصر عليهم فل بد للحق من قوة تحميه وتخيف الباطل‬
‫وأهله وتمنعهم من التحرش بدولة السلم ‪.‬‬

‫‪ 72‬ص خامسا ً ‪ :‬من عوامل النصر ‪ :‬الصبر والمصابرة والمرابطة ‪:‬‬


‫قوا ْ‬ ‫َ‬
‫طوا ْ َ‬
‫وات ّ ُ‬ ‫وَراب ِ ُ‬
‫صاب ُِروا ْ َ‬
‫و َ‬‫صب ُِروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬‫قال تعالى ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ن)‪ . 2‬أي اصبروا على ما يلحقكم من الذى فصصي‬ ‫حو َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬
‫الل ّ َ‬
‫قتصصال العصصدو ومصصدافعته ‪ ،‬وصصصابروا العصصداء الصصذين يقصصاومونكم‬
‫ليغلبوكم على أمركم ويخذلون الحق الذي في أيصصديكم ول تكونصصوا‬
‫أقل صبرا ً منهم ‪ .‬فالمصابرة تعني مقاومة العصدو أو الخصصم فصي‬
‫ميدان الصبر )ورابطوا( أي أقيمصصوا فصصي الثغصصور رابطيصصن خيصصولكم‬
‫فيها استعدادا ً للقتصصال ومترصصصدين للعصصدو لئل يتسصصلل إلصصى داخصصل‬
‫بلدكم ‪.‬‬
‫وفي زماننا ينبغي أن يكون مع المرابطين ورباط الخيل كل أنواع‬
‫السصصلحة الحديثصصة اللزمصصة لحمايصصة البلد وثغورهصصا مصصن العصصداء ‪.‬‬
‫ن( والمعنصى فصإنكم لصم‬ ‫حصو َ‬ ‫م تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫كص ْ‬ ‫عل ّ ُ‬
‫ه لَ َ‬
‫قوا ْ الل ّ َ‬‫وات ّ ُ‬ ‫وقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫تصصؤمروا بالجهصصاد مصصن غيصصر تقصصوى ‪ ،‬فالصصصبر ومصصصابرة العصصداء‬
‫والمرابطة في ثغور بلد السصصلم وتقصصوى اللصصه باجتنصصاب معاصصصيه‬
‫وفعل ما يرضيه كلها من عوامل النصصصر علصصى العصصداء فصصي الصصدنيا‬
‫كما أنها مع حسن النّية وقصد إقامة الحصصق والعصصدل وديصصن اللصصه ص ص‬
‫السلم ص الذي هو شأن المسلم فصصي قتصصاله وجهصصاده مصصن أسصصباب‬
‫الفوز والفلح في الخرة‪. 3‬‬
‫هصصصذا وإن المصصصر بالصصصصبر والمصصصصابرة والمرابطصصصة وإن فسصصصرها‬
‫المفسصصرون علصصى أنهصصا فصصي مواجهصصة العصصداء وقتصصالهم ‪ ،‬إل أن‬
‫ظاهرها يتسع للقول بأنها تشمل كل حالة مع العدو سصصواء كصصانت‬
‫في ساحة القتال أو في غيرهصصا إذا كصصانت هصصذه الحالصصة مصصع العصصدو‬
‫تستلزم الصبر والمصابرة معه ‪ ،‬كما في حصصال المجادلصصة معهصصم أو‬
‫في حال أذى أهل الباطل لهصصل الحصصق او مقصصاطعتهم ونحصصو ذلصصك‬
‫مما قد يحصل من خصومهم في دار السلم ‪.‬‬

‫‪ 73‬ص ما يعين على الصبر ومصابرة العداء ‪:‬‬


‫وما يعين على الصصصبر ومصصابرة العصصداء تصصذكر قصصوله تعصصالى ‪ِ) :‬إن‬
‫ه(‪ 1‬بي ّصصن اللصصه تعصصالى فصصي‬‫مث ْل ُ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬
‫قْر ٌ‬ ‫و َ‬ ‫س ال ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ف َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ح َ‬
‫قْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫س ْ‬
‫م َ‬
‫يَ ْ‬
‫هذه الية بأن الذي يصيبهم من القرح أي من الجراحة أو ألمهصصا ل‬

‫‪ 2‬ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 200‬‬


‫‪ 3‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 160‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ 322‬ـ ‪ ، 327‬التفسير القيم لبن القيم ‪ ،‬ص ‪ ، 217‬تفسير المنار ‪ ،‬ج‬
‫‪ ، 4‬ص ‪ 318‬ـ ‪. 319‬‬
‫‪ 1‬ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 140‬‬
‫دهم واجتهادهم في جهاد العدو ومصصصابرته وذلصصك‬ ‫يجب أن يزيل ج ّ‬
‫لنه كما أصابهم ذلك فقد أصصصاب عصصدوهم مثلصصه قبصصل ذلصصك ‪ ،‬فصصإذا‬
‫كانوا مع باطلهم وسوء عاقبتهم لم يفتروا ولم يضعفوا لجل مصصا‬
‫أصابهم من قرح في القتال فإن ل يلحقكم ص وأنتم مؤمنون ص مصصع‬
‫حسن عاقبتكم وتمسككم بصصالحق أولصصى أن ل تفصصتروا ول تضصصعفوا‬
‫في مدافعتهم ومصابرتهم لما أصابكم من قرح‪. 2‬‬
‫ومما يعين أيضا ً على الصبر ومصابرة العداء تذكر قصصوله تعصصالى ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مصصا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م َيصصأل َ ُ‬ ‫ه ْ‬‫فإ ِن ّ ُ‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫كوُنوا ْ ت َأل َ ُ‬‫وم ِ ِإن ت َ ُ‬‫ق ْ‬‫غاء ال ْ َ‬ ‫في اب ْت ِ َ‬ ‫هُنوا ْ ِ‬ ‫ول َ ت َ ِ‬ ‫) َ‬
‫ً ‪3‬‬ ‫ْ‬
‫كيمصا( ‪،‬‬ ‫ح ِ‬ ‫عِليمصا ً َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلص ُ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫جو َ‬‫ما ل َ ي َْر ُ‬‫ه َ‬‫ن الل ّ ِ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫وت َْر ُ‬ ‫ت َأَلمو َ‬
‫ن َ‬
‫م(‬‫و ِ‬ ‫قص ْ‬ ‫غصصاء ال ْ َ‬ ‫في اب ْت ِ َ‬ ‫هُنوْا( أي ول تضعفوا ول تتوانوا ) ِ‬ ‫ول َ ت َ ِ‬ ‫ومعنى ) َ‬
‫ْ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫ف صإ ِن ّ ُ‬‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫كون ُصصوا ْ ت َصأل َ ُ‬ ‫أي فصصي طلصصب الكفصصار بالقتصصال فصصإنه )ِإن ت َ ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن( أي إن حصول اللصصم فصصي القتصصال والمصصصابرة‬ ‫ما ت َأَلمو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َأل َ ُ‬
‫فيه قدر مشترك بينكم وبينهم ‪ ،‬فلمصا لصصم يصصصر خصوف اللصم فصصي‬
‫القتال مانعا ً لهم عن قتالكم فيجب أن ل يكصصون خصصوف اللصصم فصصي‬
‫ن‬
‫مص َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جصصو َ‬ ‫القتال مانعا ً لكم عن قتالهم ‪ ،‬لنكم أيها المؤمنصصون )ت َْر ُ‬
‫ن( أي ترجون من الثواب من الله على جهادكم مصصا‬ ‫جو َ‬ ‫ما ل َ ي َْر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ل يرجونه لعدم إيمانهم بمصصا تؤمنصصون بصصه ‪ ،‬فصصأنتم أيهصصا المؤمنصصون‬
‫أولى منهم في الجد والصبر والمصابرة في قتالهم‪. 4‬‬

‫‪ 74‬ص سادسا ً ‪ :‬ومن عوامل النصر ‪ :‬ذكر الله ‪:‬‬


‫َ‬
‫ومن عوامل النصر للمؤمنين ذكر الله كثيرا ً قال تعالى ‪) :‬ي َصصا أي ّ َ‬
‫هصصا‬
‫م‬
‫كصص ْ‬ ‫عل ّ ُ‬‫ه ك َِثيصصرا ً ل ّ َ‬ ‫كصصُروا ْ الّلصص َ‬ ‫فصصاث ْب ُُتوا ْ َ‬
‫واذْ ُ‬ ‫ة َ‬
‫فئ َ ً‬
‫م ِ‬ ‫ذا ل َ ِ‬
‫قيُتصص ْ‬ ‫مُنصصوا ْ إ ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫اّلصص ِ‬
‫ن( ‪ .‬والمعنصصى ‪ :‬يصصا أيهصصا الصصذين آمنصصوا إذا لقيتصصم فئة مصصن‬ ‫‪5‬‬
‫حصصو َ‬‫فل َ ُ‬‫تُ ْ‬
‫أعدائكم الكفار وكذا من البغاة في القتال فاثبتوا لهم ول تفصصروا‬
‫من أمامهم فصصإن الثبصصات قصصوة معنويصصة طالمصصا كصصانت هصصي السصصبب‬
‫ه ك َِثيصصرًا(‬ ‫واذْك ُصُروا ْ الل ّص َ‬ ‫الخير للنصر والغلبة بين الفراد والجيوش ) َ‬
‫أي وأكثروا من ذكر الله في أثناء القتال وقبله ‪.‬‬
‫اذكروه في قلوبكم بذكر قصدرته ووعصده بنصصر رسصله والمصؤمنين‬
‫وبمعيته الخاصة للمؤمنين الصابرين وبذكر نهيصصه تعصصالى لكصصم عصن‬
‫البأس مهما اشتد البأس وبأن النصر بيده تعالى ينصصصر مصصن يشصصاء‬
‫وهو القوي العزيز ‪ .‬فمن ذكر هذا وتذكره وتصصأمله ل تهصصوله قصصوة‬
‫عدوه واستعداده ليمانه بأن الله تعالى أقصصوى مصصن عصصدوه ‪ .‬وفصصي‬
‫المر بذكر الله تعالى كثيرا ً إشعار بصصأن علصصى المسصصلم أن ل يفصصتر‬
‫م‬‫عل ّك ُص ْ‬‫عن ذكر ربه أشصصغل مصصا يكصصون قلبصا ً وأكصصثر مصصا يكصصون همصا ً )ل ّ َ‬
‫ن( هذا الرجاء بالفلح منصصوط بصصالمرين كليهمصصا أي بالثبصصات‬ ‫حو َ‬ ‫فل َ ُ‬‫تُ ْ‬

‫‪2‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 14‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة النساء ‪ ،‬الية ‪. 104‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 31‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 45‬‬
‫وذكر الله تعالى فهما السببان للفلح والفوز بالنصصصر فصصي الصصدنيا‬
‫ثم نيل الثواب في الخرة‪. 6‬‬
‫هذا وإن المر بذكر الله في مدافعة أهل الحق لهل الباطصصل فصصي‬
‫القتال يعني أن على المسلم والجماعة المسصصلمة فصصي مصصدافعتها‬
‫لهصصل الباطصصل أن تصصذكر اللصصه كصصثيرا ً كمصصا يصصذكره أهصصل الحصصق فصصي‬
‫مدافعتهم لهل الباطل في القتال ‪.‬‬

‫‪ 75‬ص سابعا ً ‪ :‬ومن عوامل النصر ‪ :‬الخذ بالحذر ‪:‬‬


‫ت‬ ‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فصصأ َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫في ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫الحذر مطلوب لبلوغ النصر قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ذا‬ ‫ف صإ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حت َ ُ‬ ‫س صل ِ َ‬ ‫ذوا ْ أ ْ‬ ‫خص ُ‬ ‫ول ْي َأ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫عص َ‬ ‫م َ‬ ‫هصصم ّ‬ ‫من ْ ُ‬‫ة ّ‬ ‫فص ٌ‬ ‫طآئ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فل ْت َ ُ‬ ‫صل َةَ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫ص صّلوا ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م يُ َ‬ ‫خ صَرى ل َص ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫فص ٌ‬ ‫طآئ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ول ْت َصأ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَرآئ ِك ُص ْ‬ ‫مصصن َ‬ ‫كون ُصصوا ْ ِ‬ ‫فل ْي َ ُ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫سص َ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن كف صُروا لص ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ودّ ال ص ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حت َ ُ‬ ‫سصل ِ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ح صذَر ُ‬ ‫خ صذوا ِ‬ ‫ولي َأ ُ‬ ‫عك َ‬ ‫م َ‬‫صلوا َ‬ ‫فلي ُ َ‬
‫مي ْل َص ً‬ ‫عل َي ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َ‬ ‫ح صدَةً َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ميُلو َ‬ ‫في َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عت ِك ُ ْ‬ ‫مت ِ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حت ِك ُ ْ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فُلو َ‬ ‫غ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫عوا ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مأ ً‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضص ُ‬ ‫ضصصى أن ت َ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫و كنُتم ّ‬ ‫رأ ْ‬ ‫مط ٍ‬ ‫من ّ‬ ‫ذى ّ‬ ‫ن ب ِك ْ‬ ‫م ِإن كا َ‬ ‫علي ْك ْ‬ ‫ح َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ُ‬
‫ً ‪7‬‬ ‫ً‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫هينا( ‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ذابا ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫عدّ ل ِلكا ِ‬ ‫هأ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حذَْرك ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫حت َك ْ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫الخطاب في هذه الية للرسول صلى الله عليه وسلم وفيها بيصان‬
‫لكيفية الصلة والمسلمون في مواجهة العدو للقتال ‪ ،‬والمعنى ‪:‬‬
‫فاجعلهم طائفتين ‪ ،‬فلتقم منهم طائفة معصصك صص أي مصع الرسصصول‬
‫ل بها ‪ ،‬فإذا سجدوا فليكونصصوا أي غيصصر‬ ‫صلى الله عليه وسلم ص فص ّ‬
‫م( ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ح صذَْر ُ‬ ‫ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ْ‬ ‫حت َ ُ‬ ‫س صل ِ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫ولي َأ ُ‬ ‫المصلين من ورائكم يحرسونكم ) َ‬
‫فقد جعل الله تعالى )الحذر( وهو التحذر والتيقظ أداة من أدوات‬
‫الحرب يستعملها المسلم في القتصصال فلصصذلك جمصصع )الحصصذر( بينصصه‬
‫م(‬ ‫ح صذَْرك ُ ْ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫خص ُ‬ ‫و ُ‬ ‫وبيصصن السصصلحة فصصي الخصصذ ‪ .‬ثصصم قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫خص الله لهم وضع السصصلح حصال المطصصر وحصصال‬ ‫والمعنى أنه لما ر ّ‬
‫المرض أمرهم الله تعالى مّرة أخرى بالتيقظ والتحفظ والمبالغصصة‬
‫في الحذر لئل يجترىء العدو عليهصصم احتيصصال ً فصصي الميصصل عليهصصم ‪.‬‬
‫والية دّلت على وجوب الحذر من العدو في الحصصرب ‪ ،‬فيصصدل ذلصصك‬
‫على وجوب الحذر من جميع المضار المحتملة‪. 8‬‬
‫هينصصًا(‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ذابا ً ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫عدّ ل ِل ْ َ‬ ‫ه أَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وقوله تعالى في هذه الية ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫والظاهر أن هذا العذاب المهين الذي يصيب الكصصافرين هصصو عصصذاب‬
‫الغلب وانتصار المسلمين عليهم إذا قاموا بما أمرهم اللله به من‬
‫تهيئة أسباب النصر على أعدائهم‪. 1‬‬

‫‪ 76‬ص القادة المسلمون يأمرون بالحذر وبغيره من عوامل النصر ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 226‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪ ، 14‬تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 21‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة النساء ‪ ،‬الية ‪. 102‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ 25‬ـ ‪. 26‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 375‬‬
‫وقد فقه المسصصلمون أمصصوامر اللصصه تعصصالى بالخصصذ بأسصصباب النصصصر‬
‫وعوامل الغلبة على أعدائهم ‪ ،‬فكصصان القصصادة المسصصلمون يصصأمرون‬
‫جنودهم بالخذ بها ‪.‬‬
‫من ذلك ما ذكره ابن كثير في أخبصصار معركصصة اليرمصصوك مصع الصصروم‬
‫فصصي فتصصوح الشصصام ‪ ،‬فقصصد قصصال رحمصصه اللصصه تعصصالى ‪):‬ولمصصا تصصراءى‬
‫الجمعصصان وتبصصارز الفريقصصان ‪ ،‬وعصصظ أبصصو عبيصصدة صصص قصصائد جيصصش‬
‫المسلمين صص جنصصده فكصصان ممصصا قصصاله ‪ :‬يصصا عبصصاد اللصصه انصصصروا اللصصه‬
‫ينصركم ويثبت أقدامكم ‪ .‬يا معشر المسلمين اصبروا فإن الصصصبر‬
‫منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعصصار ‪ ..‬ثصصم قصصال لهصصم ‪:‬‬
‫وشرعوا الرماح واستتروا بالدرق وألزموا الصمت إل من ذكر الله‬
‫في انفسكم حتى آمركم إن شاء الله‬
‫تعالى(‪.2‬‬
‫فقول أبي عبيصصدة رضصصي اللصصه عنصصه ‪) :‬واسصصتتروا بالصصدرق والزمصصوا‬
‫الصصصمت( أمصصر بالخصصذ بالحصصذر المشصصروع فيقصصاس عليصصه كصصل حصصذر‬
‫مشروع تتطلبه ظروف المعركة ‪ ،‬كما أن في موعظة أبصصي عبيصصدة‬
‫تذكيرا ً لجنوده بعوامل النصر ولزوم أخذهم بها كالصبر وذكر اللصصه‬
‫والعزم على نصرة الله ‪.‬‬

‫‪ 77‬ص عوائق النصر ‪:‬‬


‫وسصّنة اللصصه فصي نصصر المصؤمنين تسصتلزم تجنبهصصم عصوائق النصصصر‬
‫وإبعادها عن أنفسهم وعن أفعالهم ‪ .‬فمن هصصذه العصصوائق التنصصازع‬
‫والختلف ومخالفة أمر القائد ‪ ،‬والغرور والرياء ‪.‬‬

‫‪ 78‬ص أول ً ‪ :‬التنازع والختلف ‪:‬‬


‫واذْك ُصُروا ْ‬ ‫َ‬
‫فصصاث ْب ُُتوا ْ َ‬
‫ة َ‬‫فئ َ ً‬
‫م ِ‬ ‫ذا ل َ ِ‬
‫قيت ُ ص ْ‬ ‫من ُصصوا ْ إ ِ َ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫عوا ْ‬ ‫فل َحصصون َ‬
‫ول َ ت َن َصصاَز ُ‬
‫ه َ‬ ‫سصصول َ ُ‬‫وَر ُ‬ ‫عصصوا ْ الل ّ ص َ‬
‫ه َ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫م تُ ْ ُ‬ ‫عل ّك ُص ْ‬ ‫ه ك َِثيصصرا ً ل ّ َ‬‫الل ّ ص َ‬
‫حك ُ ْ‬ ‫وت َذْ َ‬ ‫شُلوا ْ َ‬‫ف َ‬ ‫فت َ ْ‬
‫َ‬
‫‪3‬‬
‫م( ‪.‬‬ ‫ري ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫ه َ‬
‫فالختلف والتنصصازع مصصدعاة للفشصصل ‪ ،‬وهصصو الخيبصصة والنكصصول عصصن‬
‫إمضاء المر ومن أكبر أسصصباب الضصصعف والجبصصن ‪ ،‬ولصصذلك فسصصروا‬
‫شُلوا( أي فتجبنصصوا عصصن عصصدوكم وتضصصعفوا عصصن‬ ‫ف َ‬ ‫فت َ ْ‬‫قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫م( أي تذهب قوتكم ودولتكم ‪ ،‬فقصصد شصصبهت‬ ‫ُ‬
‫حك ْ‬ ‫ري ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫ه َ‬ ‫وت َذْ َ‬ ‫قتالهم ) َ‬
‫‪4‬‬
‫الدولة في نفاذ أمرها بالريح وهبوبها ‪.‬‬

‫‪ 79‬ص ثانيا ً ‪ :‬الغرور والرياء ‪:‬‬


‫ومن معوقات النصر الغصصرور والخصصروج للقتصصال علصصى وجصصه البطصصر‬
‫والفخر والرياء ‪ .‬والله تعالى ل يعطي نصره إل لمصصن خصرج ابتغصصاء‬

‫‪ 2‬ـ البداية والنهاية لبن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 7‬‬


‫‪ 3‬ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 45‬‬
‫‪ 4‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪ ، 14‬تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪ ، 25‬وسنتكلم بشيء من التفصيل عن الختلف فيما بعد عند كلمنا عن‬
‫سنة ال في الختلف والمختلفين ‪ ،‬كما نتكلم عن مخالفة القائد والمير عند كلمنا عن سنة ال في الختلف ‪.‬‬
‫مرضاته ونصرة دينه ولهذا نهى الله تعالى عن مثل هذا الخصصروج ‪،‬‬
‫رَئاء‬ ‫هم ب َطَصصرا ً َ‬
‫و ِ‬ ‫ر ِ‬
‫مصصن ِدي َصصا ِ‬ ‫جوا ْ ِ‬
‫خَر ُ‬
‫ن َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كوُنوا ْ َ‬‫ول َ ت َ ُ‬
‫فقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫رَئاء الّنا ِ‬
‫‪5‬‬
‫س(أي خرجوا‬ ‫و ِ‬
‫س( ‪ ،‬ومعنى )ب َطرا( أي فخرا وأشرا ) َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ليثنصصصي عليهصصصم النصصصاس أي يمصصصدحونهم بالشصصصجاعة والسصصصماحة ‪.‬‬
‫والمقصصصود نهصصي المصصؤمنين أن يكونصصوا أمثصصال أولئك فصصي البطصصر‬
‫والرياء ‪ ،‬وأمرهم أن يكونوا أهل تقوى وإخلص‪. 6‬‬

‫‪ 80‬ص وما النصر إل من عند الله ‪:‬‬


‫قلنا ‪ :‬إن سنة الله في نصر المؤمنين سّنة ماضية ل تتخّلف أبدا ً ‪،‬‬
‫وإنهصصا تتحقصصق بتحقصصق عواملهصصا وانتفصصاء عوائقهصصا ‪ ،‬وإن علصصى‬
‫المسلمين أن يأخذوا بهذه العوامل ويتجنبوا هذه العوائق كما أمر‬
‫الله تعالى ‪ .‬ولكن مع هذا عليهم أن تكون ثقتهصصم بصصالله وتصصوكلهم‬
‫عليه ل على أسباب النصر التي باشروها وأعدوها كما أمصصر اللصصه ‪،‬‬
‫دوه مصصن عوامصصل النصصصر‬ ‫فاعتمادهم يكون على الله ل على مصصا أع ص ّ‬
‫وتجنب عوائقه ‪ ،‬فتبقى قلوبهم معلقة بالله متطلعة إلصصى تأييصصده‬
‫ومعونته معتمدة عليه وحده وليس علصى مصا باشصروه مصن أسصصباب‬
‫م‬‫ن َرب ّك ُص ْ‬‫غيُثو َ‬ ‫النصر ‪ .‬ويدل على مصصا قلنصصاه قصصوله تعصصالى ‪) :‬إ ِذْ ت َ ْ‬
‫س صت َ ِ‬
‫َ‬ ‫فاست َجاب ل َك ُ َ‬
‫مصصا‬‫و َ‬‫ن }‪َ {9‬‬ ‫في ص َ‬ ‫مْرِد ِ‬ ‫ة ُ‬ ‫ملئ ِك َص ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مص َ‬ ‫ف ّ‬ ‫كم ب ِأل ْ ٍ‬ ‫مد ّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫م أّني ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫ن‬
‫مص ْ‬ ‫ص صُر إ ِل ّ ِ‬
‫مصصا الن ّ ْ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫قلصصوب ُك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ول ِت َط َ‬ ‫شَرى لكم َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬
‫ه إ ِل ّ ب ُ ْ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ج َ‬
‫َ‬
‫زيٌز‬‫ع ِ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ّ‬
‫د الل ِ‬ ‫عن ِ‬ ‫ِ‬
‫‪1‬‬
‫م( ‪.‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫شَرى لكصصم( أي ومصصا جعصصل اللصصه‬ ‫ه إ ِل ّ ب ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬
‫َ َ َ َ ُ‬ ‫ج‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقوله‬
‫تعالى هذا الغمداد لكم بالملئكصصة إل بشصصرى لكصصم بصصأنه سينصصصركم‬
‫م( أي تسصصكن بعصصد ذلصصك الزلصصزال‬ ‫قُلوب ُك ُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ول ِت َطْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫كما وعدكم ‪َ ) .‬‬
‫ه( دون غيره من الملئكة‬ ‫د الل ّ ِ‬‫عن ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صُر إ ِل ّ ِ‬ ‫ما الن ّ ْ‬ ‫و َ‬‫الذي أصابها ‪َ ) .‬‬
‫أو غيرهم من السباب فهو عز وجصصل الفاعصصل للنصصصر مهمصصا تكصصن‬
‫أسبابه المادية والمعنوية إذ هو المسخر لها‪. 2‬‬

‫‪ 81‬ص نصر الجماعة المسلمة ‪:‬‬


‫الجماعة المسلمة فصصي قيامهصصا بالصصدعوة إلصصى اللصصه وتحكيصصم شصصرع‬
‫الله ‪ ،‬تخضع إلى )سنة التدافع بين الحق والباطصصل ( ‪ ،‬إلصصى سصصنته‬
‫تعصصالى فصصي نصصصر المصصؤمنين ‪ ،‬فعلصصى الجماعصصة أن تهيىصصء عوامصصل‬
‫النصر وتتجنب معوقاته حصصتى يتحقصصق لهصصا دفصصع الباطصصل وانتصصصار‬
‫الحق الصصذي تصصدعو إليصصه وهصصو ديصصن اللصصه ‪ ،‬السصصلم ‪ ،‬وإقامصصة دولصصة‬
‫السلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 47‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 14‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬اليتان ‪. 10 ، 9‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 202‬تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 608‬‬
‫والجماعة المسلمة في عملها النبيل وجهادها المصصبرور سصصتتعرض‬
‫إلى التكصصذيب والصصصدود مصصن النصصاس واتهامهصصا بالباطصصل مصصن قبصصل‬
‫خصومها ‪ ،‬فعليها أن تعرف ذلك وتضع فصي حسصابها بصأن تكصذيبها‬
‫ومقاومتها واتهامها بالباطل ‪ ،‬فهذا كّله بعصض مصا جصرت بصه سصّنة‬
‫الله في دعوة رسله الكصصرام ‪ ،‬فليسصصت الجماعصصة المسصصلمة بصصأكرم‬
‫على الله من رسله الكرام ‪ ،‬وليست هي بأقوم‬
‫حجة ول أعظم إخلص صا ً مصصن رسصصل اللصصه ‪ ،‬وهصصم قصصد أوذوا وكصصذبوا‬
‫واتهموا بالباطل ولكنهم صبروا كما أمرهم الله تعالى ‪ ،‬وبعد هصذا‬
‫ل‬ ‫سص ٌ‬‫ت ُر ُ‬ ‫قدْ ك ُصذّب َ ْ‬‫ول َ َ‬ ‫الصبر والثبات جاءهم نصر الله ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫وُأو ُ‬
‫ول َ‬‫ص صُرَنا َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫حت ّصصى أت َصصا ُ‬ ‫ذوا ْ َ‬ ‫مصصا ك ُصذُّبوا ْ َ‬ ‫عل َصصى َ‬ ‫صب َُروا ْ َ‬‫ف َ‬‫ك َ‬ ‫قب ْل ِ َ‬
‫من َ‬ ‫ّ‬
‫ه( ‪.‬‬‫‪3‬‬ ‫ّ‬
‫ت الل ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مب َدّل ل ِكل ِ َ‬ ‫ُ‬
‫والمقصود بكلمات الله التي ل مبدل لها هو قوله تعصصالى ‪) :‬ولقصصد‬
‫سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم َلهم المنصورون وإن جنصصدنا‬
‫لهم الغالبون( ‪ ،‬ومن البشارة للمؤمنين بهذه الية أن الله تعصصالى‬
‫وعد المصصؤمنين بمصصا وعصصد المرسصصلين مصصن النصصصر ‪ .‬وكصصذلك أخبرنصصا‬
‫تعالى بأن سنة الله ماضية وقاطعة في نصر المرسلين وأتباعهم‬
‫ة‬
‫حَيا ِ‬‫في ال ْ َ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫وال ّ ِ‬‫سل ََنا َ‬‫صُر ُر ُ‬ ‫المؤمنين ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬إ ِّنا ل ََنن ُ‬
‫د(‪. 4‬‬ ‫ها ُ‬ ‫م اْل َ ْ‬
‫ش َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫و َ‬‫وي َ ْ‬
‫الدّن َْيا َ‬
‫فسّنة الله في نصر المؤمنين تشمل الجماعة المسلمة مصصا دامصصت‬
‫ملتزمة بأسباب النصر وشروطه ‪.‬‬

‫‪ 82‬ص ما يلزم الجماعة المسلمة من القوة ‪:‬‬


‫وعلى الجماعة المسلمة أن تسعى إلى جعل قوتها أقوى من قوة‬
‫مخالفيها ‪ ،‬وقوتها تقوم على نشر الوعي السصصلمي بيصصن النصصاس‬
‫وتعميقه في نفوسهم ‪ ،‬وجذب الطيبين المؤمنين الصادقين إلصصى‬
‫صفوفها ‪ ،‬فكلما انتشصر الصوعي السصلمي وتعمصق فصي المجتمصع‬
‫واتسعت مساحته حصصتى عمصصت جميصصع فئات المجتمصصع ‪ ،‬كلمصصا ازداد‬
‫عدد أعضاء الجماعة وأنصارها وازدادت قوتها واقصصتربت مصصن نصصصر‬
‫الله ‪.‬‬

‫‪ 83‬ص على الجماعة المسلمة تجنب النزاع والختلف ‪:‬‬


‫وعلى الجماعة المسلمة أن تتجنب معوقات النصصصر ومنهصصا النصصزاع‬
‫والختلف بين أعضائها أو بينهم وبين رئيس الجماعصصة ‪ .‬والخلص‬
‫مصصن ذلصصك يكصصون بتطهيصصر النفصصس مصصن أدران الهصصوى مصصع دوام‬
‫استحضار مراقبة الله وإخلص النّية والمقصصصد للصصه تعصصالى ‪ .‬وهصصذا‬
‫وحده ل يكفي ‪ ،‬بل ل بد مصصن وضصصع نظصصام واضصصح ودقيصصق وصصصارم‬
‫لعمل الجماعة وعلقة أعضائها بها ‪ ،‬وحقوق وواجبات أميرهصصا أي‬

‫‪3‬‬
‫ـ سورة النعام ‪ ،‬الية ‪. 34‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ سورة غافر ‪ ،‬الية ‪. 51‬‬
‫رئيسها ‪ .‬فإذا كصصان مصصن نظصصام الجماعصصة تفصصويض العمصصل لميرهصصا‬
‫حسصصب اجتهصصاده بعصصد مشصصاورة مجلصصس شصصورى الجماعصصة ‪ ،‬فعلصصى‬
‫العضاء السمع والطاعة فيما يأمر به ما دام في أمره فصصي حصصدود‬
‫الشرع نصا ً أو اجتهادا ً ‪.‬‬
‫وإذا كان نظام الجماعة يقضي تقييصصد أميرهصصا بمصا يقصصرره مجلصصس‬
‫شورى الجماعة بصصأكثريته ‪ ،‬فعلصصى أميصصر الجماعصصة أن يتقيصصد بصصرأي‬
‫أكثرية مجلس شورى الجماعة مصصا دام فصصي حصصدود الشصصرع نص صا ً أو‬
‫اجتهصصادا ً وعلصصى أعضصصاء الجماعصصة السصصمع والطاعصصة لصصرأي مجلصصس‬
‫الشورى الذي يأمر به أميصصر الجماعصصة تنفيصصذا ً لصصه ‪ .‬وبهصصذا اللصصتزام‬
‫تسير الجماعة وتعمل بنظام وانتظصصام وبصصصورة جماعيصصة حقيقيصصة‬
‫دون خلل أو اختلل أو نزاع أو اختلف ‪ .‬ومثل هذا السير للجماعة‬
‫بهذه الكيفية ضروري لها حتى ولصصو وقعصصت فصصي خطصصأ فصصي بعصصض‬
‫مراحل سيرها أو في بعض جزئيصصات عملهصصا ‪ ،‬لن العمصصل المنظصصم‬
‫للجماعة وهي موحدة وإن كان في خطأ هصصو بالتأكيصصد أقصصل ضصصررا ً‬
‫على الجماعة من عملها الذي فيه الصواب وهي متفرقة مختلفصصة‬
‫متنازعة ‪ ،‬والضصرر القصل يتحمصصل لصدفع الضصصرر الكصبر بنصاء علصى‬
‫قاعدة دفع أعظم المفسدتين بتحمل أقلهما ‪.‬‬
‫‪ 84‬ص على الجماعة المسلمة تجنب الرياء والشبهات ‪:‬‬
‫وعلصصى الجماعصصة المسصصلمة أن تتجنصصب الريصصاء فصصي عملهصصا ‪ ،‬وأن ل‬
‫تحرص على ثناء الناس ورضاهم عليها مطلقا ً ‪ ..‬لن الرياء يفقصصد‬
‫الجماعة رضا الله وتأييده ‪ ،‬وإنما عليها أن تحرص على رضصصا اللصصه‬
‫بعمل ما يحبه الله وإن سخطه الناس ‪ ،‬وتبتعد عما يحبه الناس إذا‬
‫كان فيه سخط الله ‪.‬‬
‫ولكصصن هصذا ليعنصصي أنهصصا ل تتصوقى سصخط النصصاس ول ترغصصب فصصي‬
‫رضاهم ‪ ،‬ل ‪ .‬فرضا الناس يؤدي إلى ثقتهم بالجماعة ‪ ،‬والثقة بها‬
‫شيء مطلوب وضروري لها ‪ ،‬ولكن ل يجصصوز للجماعصصة طلصصب رضصصا‬
‫الناس بسخط الله ‪ ،‬وإنما لها أن تترك مصصا هصصو مبصصاح فصصي ذاتصصه أو‬
‫مباح بالنسبة إلصى آحصصاد النصصاس حصصتى تبعصصد عصصن نفسصصها الشصصكوك‬
‫والشبهات التي يشيرها المبطلون وينفثونها فصصي النصصاس ‪ ،‬وفصصي‬
‫الناس دائمصا ً مصصن يسصصمع التهصصام ويصصصدقه ول يطصصالب بالصصدليل ‪..‬‬
‫فتوقي الشبهات وترك المباح حتى ل تهتز ثقصة النصاس بالجماعصة‬
‫من المور المطلوبة الواجب ملحظتها من قبل الجماعة ‪ ،‬ودليلنا‬
‫على ما قلناه أن الله تعالى أبعد رسصصوله صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬
‫عن تعلم الكتابة والقراءة مع أن هذا التعلم مبصصاح حصصتى ل يتقصصول‬
‫المبطلون الكافرون أن هذا القرآن تعلمه من اطلعه علصصى كتصصب‬
‫وَل‬‫ب َ‬‫مصصن ك ِت َصصا ٍ‬
‫ه ِ‬
‫قب ْل ِص ِ‬ ‫ت ت َت ْل ُصصو ِ‬
‫مصصن َ‬ ‫ما ُ‬
‫كن ص َ‬ ‫و َ‬‫القدمين ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫مب ْطُِلو َ‬‫ب ال ْ ُ‬
‫ك ِإذا ً ّلْرَتا َ‬
‫مين ِ َ‬ ‫خطّ ُ‬
‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫تَ ُ‬

‫‪1‬‬
‫ـ سورة العنكبوت ‪ ،‬الية ‪. 48‬‬
‫ت تحسصصن القصصراءة والكتابصصة لرتصصاب‬‫وجصصاء فصصي تفسصصيرها لصصو كن ص َ‬
‫المبطلون وقالوا لعله تعلمه وكتبه بيده من كتب قبله مأثورة عن‬
‫النبياء ‪ ،‬مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي ل يقرأ ول يكتب‬
‫‪ .‬فرسول الله صلى الله عليه وسلم عاش بينهم فترة طويلة من‬
‫حياته ل يقرأ ول يكتب ثم جاءهم بهذا الكتصصاب العجيصصب المعجصصز ص ص‬
‫القرآن ص الذي يعجز القارئين والكاتبين ‪ ،‬ولرّبما كانت شبهتهم لو‬
‫أنه كان من قبل قارئا ً كاتبا ً فما شبهتهم وهذا ماضيه بينهم‪. 2‬‬

‫‪ 2‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 458‬تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 417‬تفسير الرازي ج ‪ ، 25‬ص ‪ ، 76‬في ظلل القرآن م ‪ ، 6‬ج‬
‫‪ ، 20‬ص ‪. 9‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫سنة الله في الفتنة والبتلء‬
‫] قانون البتلء[‬
‫‪ 85‬ص معنى الفتنة ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫جاء في لسان العرب ‪ :‬جمصصاع معنصصى الفتنصصة ‪ :‬البتلء والمتحصصان‬
‫والختبار وأصلها مصصأخوذ مصصن قولصصك ‪ :‬فتنصصت الفضصصة والصصذهب إذا‬
‫أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد أو إذا أدخلته النار لتنظر مصصا‬
‫جودته ‪.‬‬
‫والفتنصصة ‪ :‬الحصصراق ‪ ،‬الثصصم ‪ ،‬اختلف النصصاس بصصالراء ‪ ،‬الجنصصون ‪،‬‬
‫الزالة ومنه قوله تعالى ‪) :‬وإن كادوا ليفتنونك عصصن الصصذي أوحينصصا‬
‫إليك( أي يميلونك ويزيلونك عن الذي أوحينا إليك ‪.‬‬
‫والفتنصصة ‪ :‬الكفصصر ‪ ،‬كمصصا فصصي قصصوله تعصصالى ‪) :‬والفتنصصة أشصصد مصصن‬
‫القتل( ‪ ،‬والفتنصصة ‪ :‬مصصا يقصصع بيصصن النصصاس مصصن القتصصال ‪ .‬والفتنصصة ‪:‬‬
‫القتل كما في قوله تعالى ‪) :‬إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا( ‪.‬‬
‫وقوله صلى الله عليصصه وسصصلم ‪ ) :‬أرى الفتصصن خلل بيصصوتكم ( بصصأن‬
‫يكصصصون القتصصصل والحصصصروب والختلف الصصصذي يكصصصون بيصصصن فصصصرق‬
‫المسصصلمين ‪ .‬ويكصصون بمصصا يبلصصون بصصه مصصن زينصصة الصصدنيا وشصصهواتها‬
‫فيفتنون بذلك عن الخرة والعمل لها ‪.‬‬
‫وفي النهاية لبن الثير‪ : 4‬الفتنة ‪ :‬المتحان والختبار ‪ ،‬وقصصد كصصثر‬
‫استعمالها فيما أخرجه الختبار للمكروه ‪ .‬ثم كصصثر حصصتى اسصصتعمل‬
‫لفصصظ الفتنصصة بمعنصصى الثصصم والكفصصر والقتصصل والقتصصال والحصصراق‬
‫والزالة والصرف عن الشيء ‪.‬‬
‫وفصصي المعجصصم الوسصصيط‪ : 5‬الفتنصصة ‪ :‬الختبصصار بالنصصار ‪ ،‬والبتلء‬
‫والختبار ‪ .‬قال تعالى ‪) :‬ونبلوكم بالشر والخير فتنة( ‪ .‬والفتنصصة ‪:‬‬
‫العجاب بالشيء ‪ ،‬والضطراب وبلبلة الفكار ‪ ،‬والعذاب والضلل‬
‫ذبه ليحصصوله عصصن‬ ‫دة ليختبره ‪ .‬وفتن فلنا ً ‪ :‬ع ّ‬ ‫‪ .‬وفتنه ‪ :‬رماه في ش ّ‬
‫رأيه أو دينه ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫وفي المفردات في غريب القرآن ‪ :‬أصصصل الفتصصن إدخصصال الصصذهب‬
‫النار لتظهر جصودته عصن رداءتصه ‪ .‬وتصارة يسصصمون مصا يحصصل عنصه‬
‫العذاب فتنة فيستعملون هذا اللفظ فيصصه نحصصو قصصوله تعصصالى ‪) :‬أل‬
‫في الفتنة سقطوا( وتارة يسصتعملوا )الفتنصصة( فصي الختبصصار نحصو‬
‫قوله تعالى ‪) :‬وفتناك فتونًا( ‪ .‬وجعلت الفتنصصة كصصالبلء فصصي أنهمصصا‬
‫دة ورخصصاء وهمصصا فصصي‬ ‫دفع إليصصه النسصصان مصصن ش ص ّ‬ ‫يستعملن فيما ي ُ ْ‬
‫دة أظهر معنى وأكثر استعمال ً قال تعالى ‪) :‬ونبلصصوكم بالشصصر‬ ‫الش ّ‬
‫دة ‪) :‬فتنتصصم أنفسصصكم( أي‬ ‫والخير فتنصصة( ‪ .‬وقصصال تعصصالى فصصي الشص ّ‬
‫أوقعتموها في بلية وعذاب وقوله تعالى ‪) :‬واعلموا أنما أمصصوالكم‬
‫‪3‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬لبن منظور ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪ 193‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ النهاية لبن الثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ 410‬ـ ‪. 411‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ المعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 680‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ المفردات في غريب القرآن ‪ ،‬للراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪ 371‬ـ ‪. 372‬‬
‫وأولدكم فتنة( فقد سماهم هاهنا فتنة اعتبارا ً بما ينال النسصصان‬
‫من الختبار بهم ‪ .‬وقوله تعالى ‪) :‬الم ‪ .‬أحسب النصصاس أن يصصتركوا‬
‫أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون( أي ل يختبرون فيميز خبيثهم مصصن‬
‫طيبهم ‪.‬‬

‫‪ 86‬ص معنى البتلء ‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫جاء في لسان العرب ‪ :‬بلوت الرجل وابتليتصصه ‪ :‬اختصصبرته ‪ .‬وابتله‬
‫الله ‪ :‬امتحنه ‪ .‬والسم ‪ :‬البلصصوى والبلء ‪ .‬والبلء ‪ :‬الختبصصار يكصصون‬
‫في الخير والشر ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وفي المعجم الوسصصيط ابتله ‪ :‬جربصصه وعرفصصه ‪ .‬والبلء ‪ :‬الحصصادث‬
‫ينزل بالمرء ليختبره ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وفي النهاية لبن الثير ‪ :‬البتلء في الصل الختبار والمتحان ‪،‬‬
‫يقال ‪ :‬بلوته وأبليته وابتليتصصه ‪ .‬والمعصصروف أن البتلء يكصصون فصصي‬
‫الخير والشر معا ً من غير فرق بيصصن فعلهمصصا ومنصصه قصصوله تعصصالى ‪:‬‬
‫)ونبلوكم بالشر والخير فتنة(‬
‫‪4‬‬
‫وفي المفردات فصصي غريصصب القصصرآن ‪ :‬بلصصوته ‪ :‬اختصصبرته ‪ .‬وأبليصصت‬
‫فلن صا ً إذا اختصصبرته ‪ .‬وسصصمي التكليصصف بلء مصصن أوجصصه )أحصصدها( أن‬
‫التكاليف كلها مشاق على البدان فصصصارت مصصن هصصذا الصصوجه بلء ‪.‬‬
‫)والثاني( أنها اختبارات ولهذا قصال عصّز وجصصل ‪) :‬ولنبلصصونكم حصصتى‬
‫نعلصصم المجاهصصدين منكصصم والصصصابرين( ‪) .‬والثصصالث( أن اختبصصارالله‬
‫تعالى للعبد تارة بالمسار ليشكر وتصصارة بالمضصصار ليصصصبر فصصصارت‬
‫المحنة والمحنة جميعا ً بلء ‪.‬‬

‫‪ 87‬ص الخلصة في معنى الفتنة والبتلء ‪:‬‬


‫وخلصة المعنى الذي نريصصده فصصي الفتنصصة والبتلء فصصي بحثنصصا هصصو‬
‫دة والرخصصاء ‪ .‬وكصصذلك لفصصظ‬‫الختبار والمتحان للنسصصان فصصي الش ص ّ‬
‫البلء مصصع زيصصادة فصصي المعنصصى الصصذي نريصصده بلفصصظ ))البلء(( وهصصو‬
‫دة ومشصصقة وينصصزل بصصالمرء لغصصرض اختبصصاره‬ ‫الحادث الصصذي فيصصه شص ّ‬
‫وامتحانه به ‪.‬‬

‫‪ 88‬ص من سنة الله البتلء بالشر والخير ‪:‬‬


‫وقد مضت سنة الله في البتلء أنه يمتحصصن عبصصاده بالشصصر والخيصصر‬
‫أي يخصصبرهم بمصصا يصصصيبهم ممصصا يثقصصل عليهصصم كصصالمرض والفقصصر‬
‫والمصائب المختلفصصة كمصصا يخصصبرهم بمصا ينعصم عليهصصم مصصن النعمصصة‬
‫المختلفة التي تجعل حيصصاتهم فصصي رفاهيصصة ورخصصاء وسصصعة العيصصش‬
‫كالصحة والغنى ونحو ذلك ‪ .‬ليتبين بهذا المتحان مصصن يصصصبر فصصي‬
‫‪1‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 18‬ص ‪. 90‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ المعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 70‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ النهاية لبن الثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 155‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ المفردات في غريب القرآن ‪ ،‬للصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 61‬‬
‫دة ومن يشكر في حصصال الرخصصاء والنعمصصة ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪:‬‬ ‫حال الش ّ‬
‫َ‬
‫وإ ِلي ْن َصصا‬‫ة َ‬‫فت ْن َ ص ً‬‫ر ِ‬ ‫خي ْ ص ِ‬ ‫ْ‬
‫وال َ‬‫ش صّر َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ون َب ْلصصوكم ِبال ّ‬ ‫ت َ‬
‫و ِ‬
‫مص ْ‬ ‫ْ‬
‫ة ال َ‬ ‫ذائ ِ َ‬
‫قص ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫)ك ُص ّ‬
‫ف ص‪ٍ 5‬‬
‫ن( ‪ ،‬أي نختبركم بما يجب فيه الصبر من البليا والمصائب‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫والشدائد كالسقم والفقر وغير ذلك مما يجصصب فيصصه الصصصبر ‪ .‬كمصصا‬
‫نختبركم بما يجب فيه الشكر من النعم كالصصصحة والغنصصى والرخصصاء‬
‫ونحو ذلك فيقوم المنعم عليه بصصأداء مصصا افترضصصه اللصصه عليصصه فيمصصا‬
‫أنعم به عليه ‪.‬‬
‫ة( أي‬ ‫فت َْنصص ً‬
‫ر ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫شّر َ‬ ‫كم ِبال ّ‬ ‫ون َب ُْلو ُ‬
‫وكلمة )فتنة( في قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫كم( من غير لفظه ‪.‬‬ ‫ون َب ُْلو ُ‬‫ابتله فهي مصدر مؤكد لقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن(أي فنجصصازيكم علصصى حسصصب مصصا يوجصصد منكصصم مصصن‬ ‫عصصو َ‬‫ج ُ‬‫وإ ِل َي َْنا ت ُْر َ‬
‫) َ‬
‫‪6‬‬
‫الصصصبر أو الشصصكر ‪ .‬فاختبصصار اللصصه تعصصالى لعبصصاده تصصارة بالمسصصار‬
‫ليشكروا وتارة بالمضار ليصبروا ‪ ،‬فالمحنة والمحنصصة جميعصصا ً بلء ‪،‬‬
‫فالمحنصصة مقتضصصية للصصصبر والمحنصصة مقتضصصية للشصصكر ‪ ،‬والقيصصام‬
‫بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقصصوق الشصصكر ‪ ،‬فالمحنصصة أعظصصم‬
‫البلءين ‪ .‬وبهذا النظر قال عمر بن الخطاب رضي الله عنصصه بلينصصا‬
‫بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نصبر‪. 7‬‬

‫‪ 89‬ص من أنواع البتلء بالشر ‪:‬‬


‫قلنا ‪ :‬إن من سنة الله في البتلء أنصصه يمتحصصن عبصصاده بالشصصر كمصصا‬
‫يمتحنهم بالخير ‪ ،‬ومن امتحانه لهم بالشر إصابتهم بصصأنواع البليصصا‬
‫والمصائب والشدائد وما يشق على نفوسهم ‪ ،‬ومن هذا النوع من‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫شص ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ون ّك ُ ْ‬‫ول َن َب ْل ُص َ‬‫الختبار ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز ‪َ ) :‬‬
‫والن ُ‬ ‫َ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ر‬ ‫شصص ِ‬ ‫وب َ ّ‬‫ت َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫والث ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ق ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫جو ِ‬ ‫ف َ‬ ‫خو ْ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ه‬ ‫ص‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫صا‬
‫ص‬ ‫نص‬ ‫إ‬ ‫و‬
‫ِ ِ َ ِّ‬ ‫ه‬ ‫ص‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫ص‬ ‫ن‬
‫ِّ‬ ‫إ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫صا‬
‫ص‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ة‬ ‫ب‬‫صي‬
‫ص‬
‫ّ ِ َ ٌ‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫هم‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫صا‬‫ص‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ص‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‪.‬‬ ‫ري‬ ‫ب‬ ‫صا‬‫ص‬ ‫ص‬ ‫ال‬
‫ِ ْ ِ‬ ‫َ َ ْ ُ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ّ ِ ِ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هص ُ‬‫وأولصصئ ِك ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مص ٌ‬‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫هص ْ‬ ‫مصن ّرب ّ ِ‬ ‫ت ّ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صصل َ‬ ‫م َ‬ ‫هص ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ن‪ .‬أولصئ ِك َ‬ ‫جعو َ‬ ‫َرا ِ‬
‫ال ْ ُ‬
‫‪1‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬
‫م ْ‬
‫أخبرنا الله تعصالى أنصه يبتلصصي عبصاده أي يختصصبرهم فتصارة بالسصراء‬
‫وتارة بالضراء كالمصصذكور فصصي هصصذه اليصصات وهصصو الخصصوف والجصصوع‬
‫ونقص من الموال ‪ ،‬أي ذهاب بعضها ‪ ،‬ونقص في النفس كموت‬
‫الصصصحاب والقصصارب والحبصصاب ونقصصص فصصي الثمصصرات فل تثمصصر‬
‫الحدائق والمزارع والشجار كعادتها ‪ .‬فالذين يصصصبرون فصصي هصصذه‬
‫ن( ‪ ،‬أي يقولصصون ذلصصك‬ ‫جعصصو َ‬ ‫ه َرا ِ‬ ‫وإ ِّنصصصا إ ِل َي ْص ِ‬
‫ه َ‬ ‫البليا ويقولون ‪) :‬إ ِّنا ل ِل ّ ِ‬
‫عن علم ومعرفة بأنهم ملصصك للصصه يتصصصرف فصصي عبيصصده بمصصا يشصصاء‬
‫وعلموا أنه ل يضيع عنده مثقال ذّرة من خير ‪ ،‬ومن الخير صبرهم‬
‫‪ ،‬وعلموا أنهم راجعون إليه تعصصالى فيجصصازيهم علصصى صصصبرهم يصصوم‬

‫‪ 5‬ـ سورة النبياء ‪ ،‬الية ‪. 35‬‬


‫‪ 6‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 116‬تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 178‬تفسير القرطبي ج ‪ ، 11‬ص ‪ ، 287‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج‬
‫‪ ، 17‬ص ‪. 47‬‬
‫‪ 7‬ـ المفردات في غريب القرآن ‪ ،‬للصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 61‬‬
‫‪ 1‬ـ سورة البقرة ‪ ،‬اليات ‪ 155‬ـ ‪. 157‬‬
‫القيامة ‪ ،‬هؤلء الصابرون يبشرهم الله تعالى بما أخبرنا به وهو ‪:‬‬
‫ة( أي ثنصصاء مصصن اللصصه‬
‫مصص ٌ‬
‫ح َ‬
‫وَر ْ‬
‫م َ‬
‫هصص ْ‬
‫مصصن ّرب ّ ِ‬ ‫ت ّ‬‫وا ٌ‬ ‫صصصل َ َ‬
‫م َ‬ ‫هصص ْ‬
‫علي ْ ُ ِ‬ ‫)ُأوَلصصصئ ِ َ‬
‫ك َ َ‬
‫ن( أي مهتصصدون إلصصى الطريصصق‬ ‫دو َ‬ ‫هَتصص ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫هصص ُ‬‫ك ُ‬ ‫وأوَلصصصئ ِ َ‬ ‫ورحمصصة ‪َ ) :‬‬
‫‪2‬‬ ‫ّ‬
‫الصواب حيث استرجعوا وسلموا المر لله تعالى ‪.‬‬

‫‪ 90‬ص امتحان الناس بزينة الدنيا ‪:‬‬


‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عل َصصى الْر‬
‫ْ‬
‫م‬‫هص ْ‬
‫م أي ّ ُ‬
‫ه ْ‬
‫و ُ‬
‫هصصا ل ِن َب ْل ص َ‬‫ةل َ‬‫زين َص ً‬‫ِ‬ ‫ض‬‫ِ‬ ‫مصصا َ‬ ‫عل ْن َصصا َ‬ ‫ج َ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬إ ِّنا َ‬
‫ً ‪3‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جُرزا( ‪ .‬أي جعلنصصا مصصا‬ ‫عيدا ُ‬ ‫ص ِ‬‫ها َ‬ ‫علي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫علو َ‬ ‫جا ِ‬ ‫وإ ِّنا ل َ‬ ‫مل ً ‪َ .‬‬ ‫ع َ‬‫ن َ‬‫س ُ‬
‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫يصصصلح أن يكصصون زينصصة للض ولهلهصصا مصصن زخصصارف الصصدنيا ومصصا‬
‫يستحسن منها لنمتحن النصصاس بصصذلك‪ ، 4‬وذهصصب المصصام القرطصصبي‬
‫إلى أن )الزينة( تشمل كل مصصا علصصى وجصصه الرض ‪ ،‬فلفصصظ الزينصصة‬
‫في الية عموم لنه كل شيء على وجصصه الرض دال علصصى خصصالقه‬
‫ل جلله ‪ ،‬فكل ما على الرض فيه زينة من جهصصة خلقصصه وصصصنعه‬ ‫ج ّ‬
‫‪5‬‬
‫وإحكامه ‪.‬‬
‫وعلى هذا العموم الذي ذهب إليه المصصام القرطصصبي يكصصون معنصصى‬
‫الية ‪ :‬إن الله تعالى جعل ما علصصى الرض مصصن غيصصر ذوي العقصصول‬
‫زينة للرض تتزين به وتتحلى وهو شامل لزينة أهلها أيضا ً ‪ .‬وزينة‬
‫كل شيء بحسبه وهو زينة لهلها ‪ ،‬ول شيء مما علصصى الرض إل‬
‫وفيه جهة انتفاع ول أقل من الستدلل به على خصصالقه اللصصه ج ص ّ‬
‫ل‬
‫جلله‪. 6‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل( أي لنختبرهم في زينة الرض‬ ‫م ً‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م أي ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬‫ومعنى )ل ِن َب ْل ُ َ‬
‫ليتبين من هم أحسن عمل ً ‪ .‬وحسن العمل الزهد في زينصصة الصصدنيا‬
‫وعدم الغترار بها ‪ ،‬وجعلها ذريعة إلى معرفة خالقها والتمتع بها‬
‫حسبما أذن به الشرع واداء حقوقها والشكر على ما أوتي منها ل‬
‫اتخاذهصصا وسصصيلة إلصصى الشصصهوات والغصصراض الفاسصصدة كمصصا تفعلصصه‬
‫الكفرة وأصحاب الهواء ‪ .‬ومراتب حسن العمصصل صص أي الزهصصد فصصي‬
‫زينة الدنيا بالمعنى الذي نبّينه ص متفاوتة ‪ ،‬وكلما قوي الزهد كصصان‬
‫العمصصل أحسصصن ‪ ،‬ولهصصذا قصصال المصصام سصصفيان الثصصوري فصصي قصصوله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل( أي لنختبرهم أيهم أزهصصد فصي‬ ‫م ً‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫م أي ّ ُ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬ ‫تعالى ‪) :‬ل ِن َب ْل ُ َ‬
‫زينة الدنيا‪. 7‬‬

‫‪ 91‬ص ابتلء الناس بالتفاوت فيما بينهم ‪:‬‬


‫ومما يمتحن الله به عباده وجصصرت بصصه س صّنته تفصصاوتهم واختلفهصصم‬
‫في المواهب والرزاق ليظهر مدى قيامهم بما يلزمهم شرعا ً من‬
‫فعل أو ترك نحصو أنفسصهم وغيرهصم بنصاء علصى الحالصة الصتي هصم‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 197‬تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 207‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة الكهف ‪ ،‬اليتان ‪. 8 ، 7‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 704‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 354‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 15‬ص ‪. 206‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 355‬‬
‫عليها وامتازوا بها عن غيرهصم واختصصوا بهصا مصن دونهصم كصالعلم‬
‫والجاه والمال والمكانة الجتماعية والسصصلطان وكصصذلك بنصاء علصصى‬
‫َ‬
‫ض‬‫ف الْر ِ‬ ‫خل َئ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬‫فقرهم وضعفهم ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن َرّبصكَ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ُ‬
‫مصا آَتصاك ْ‬ ‫فصي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫وك ْ‬ ‫ت ل ّي َب ْلص َ‬
‫ُ‬ ‫جصا ٍ‬
‫ض دََر َ‬ ‫ع ٍ‬ ‫وقَ ب َ ْ‬ ‫ف ْ‬‫م َ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ع بَ ْ‬ ‫ف َ‬‫وَر َ‬‫َ‬
‫فوٌر‬‫غ ُ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬
‫ِ َ ِ ُ‬‫إ‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ري‬ ‫س‬
‫َ ِ‬
‫م(‪. 8‬‬ ‫ّر ِ ٌ‬
‫حي‬
‫والمعنى أن الله تعالى هو الذي جعلكم ص أيها المسصصلمون صص خلفصا ً‬
‫ض( أي‬ ‫عصص ٍ‬ ‫وقَ ب َ ْ‬ ‫فصص ْ‬‫م َ‬ ‫ضصصك ُ ْ‬ ‫ع َ‬‫ع بَ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫وَر َ‬ ‫للمم الماضية والقرون السابقة ) َ‬
‫فاوت وخالف بينكم في الخلق والصصرزق والقصصوة والفضصصل والعلصصم‬
‫والخلق والمحاسصصن والمسصصاوىء والمنصصاظر والشصصكال واللصصوان‬
‫وله الحكمة في ذلك ‪ .‬وقد جرت سصّنته تعصصالى فصصي هصصذا التفصصاوت‬
‫م(‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫وك ُ ْ‬ ‫ورفع بعضكم فوق بعض في هذا التفاوت )ل ّي َب ْل ُ َ‬
‫ي‬ ‫أي ليختبركم في الذي انعم به عليكم وامتحنكم به ليختصصبر الغنصص ّ‬
‫في غناه ويسأله عصصن شصصكره ‪ ،‬والفقيصصر فصصي فقصصره ويسصصأله عصصن‬
‫صبره ‪ ،‬وليختبر ذا الجاه والسلطان في أي شيء اسصصتعمل جصصاهه‬
‫‪9‬‬
‫م( لمن قام بشكر نعمته وأطاعه فيها‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر ّر ِ‬ ‫غ ُ‬‫ه لَ َ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬‫وسلطانه ) َ‬
‫‪.‬‬

‫‪ 92‬ص من سّنة الله في البتلء امتحان المؤمنين بالشدائد ‪:‬‬


‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ص ِ‬‫مث َص ُ‬
‫كم ّ‬ ‫مصصا ي َصأ ْت ِ ُ‬‫ول َ ّ‬
‫ة َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫م َأن ت َدْ ُ‬
‫خُلوا ْ ال ْ َ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬‫ح ِ‬‫م َ‬
‫َ‬
‫قال تعالى ‪) :‬أ ْ‬
‫ْ‬
‫ل‬ ‫حت ّصصى ي َ ُ‬
‫قصصو َ‬ ‫زل ُصصوا ْ َ‬ ‫وُزل ْ َِ‬‫ض صّراء َ‬ ‫وال ّ‬ ‫سصصاء َ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬‫ه ُ‬‫س صت ْ ُ‬ ‫م ّ‬‫قب ْل ِك ُصصم ّ‬
‫من َ‬ ‫وا ْ ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫صصصَر الّلصص ِ‬
‫ه‬ ‫ن نَ ْ‬‫ه أل إ ِ ّ‬ ‫صصصُر الّلصص ِ‬ ‫مَتصصى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬‫عصص ُ‬‫م َ‬‫مُنصصوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫واّلصص ِ‬‫ل َ‬‫سصصو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫ب( ‪ .‬قال أكثر المفسرين نزلت هذه الية في معركة الخندق‬ ‫‪1‬‬
‫ري ٌ‬ ‫ق ِ‬ ‫َ‬
‫حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة والبرد وسصصوء‬
‫العيش وأنواع الشدائد ‪.‬‬
‫وقال بعض المفسرين نزلت الية تسلية للمهصصاجرين حيصصن تركصصوا‬
‫ديارهم وأموالهم بأيصدي المشصصركين وآثصصروا رضصصا اللصصه ورسصصوله ‪،‬‬
‫فأنزل الله تعالى هذه الية تطييبا ً ‪ ،‬واستدعاهم اللصصه تعصصالى إلصصى‬
‫الصبر ووعدهم على ذلك بالنصر‪. 2‬‬
‫ْ‬
‫دة تصيب النسان في غير نفسه وبدنه كأخذ المصصال‬ ‫ساء( الش ّ‬ ‫)ال ْب َأ َ‬
‫والخراج من الديار وتهديد المن ومقاومة الدعوة ‪.‬‬
‫ضصصّراء( مصصا يصصصيب النسصصان فصصي نفسصصه كصصالجراح والقتصصل ‪.‬‬ ‫وال ّ‬ ‫) َ‬
‫ً‬
‫زلوا( أي أزعجصصوا إزعاجصا شصصديدا بصصأنواع البلء ‪ ،‬وخوفصصوا مصصن‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وُزل ِ‬ ‫) َ‬
‫‪3‬‬
‫العداء ‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ سورة النعام ‪ ،‬الية ‪. 165‬‬


‫‪ 9‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 199‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ ، 158‬تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 84‬تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص‬
‫‪. 250‬‬
‫‪ 1‬ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 214‬‬
‫‪ 2‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 34‬‬
‫‪ 3‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 299‬تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪ ، 21 ، 20‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 104‬‬
‫ومعنصصى اليصصة ‪ :‬أم ظننتصصم أن تصصدخلوا الجنصصة قبصصل أن تختصصبروا‬
‫وُتمتحنوا كما امتحن الذين من قبلكم من المصصم مسصصتهم البأسصصاء‬
‫والضراء وزلزلوا أي خوفوا من العصصداء تخويف صا ً شصصديدا ً وامتحنصصوا‬
‫امتحانا ً عظيما ً ‪ ،‬حتى إن الرسول صلى الله عليصصه وسصصلم والصصذين‬
‫آمنوا معه أخذوا يسصصتفتحون علصصى أعصصدائهم ويصصدعون اللصصه بقصصرب‬
‫الفرج والمخرج من الضيق الذي هصصو فيصصه ‪ .‬وكصصان الجصصواب لصصدعاء‬
‫َ‬
‫ب(‪. 4‬‬‫ري ٌ‬ ‫ه َ‬
‫ق ِ‬ ‫صَر الل ّ ِ‬
‫ن نَ ْ‬
‫المؤمنين أن قال لهم الله ‪) :‬أل إ ِ ّ‬
‫وفي تفسير القرطبي ‪ :‬وأكثر المتأولين على أن الكلم إلى آخصصر‬
‫الية هو من قول الرسول صلى الله عليه وسلم والمصصؤمنين ‪ .‬أي‬
‫إن الجهد قد بلغ بهم مبلغا ً عظيما ً حتى اسصصتبطؤوا النصصصر فقصصال‬
‫َ‬
‫ب( ‪ .‬ويكون ذلك مصصن قصصول الرسصصول‬ ‫ري ٌ‬
‫ق ِ‬ ‫صَر الل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫تعالى ‪) :‬أل إ ِ ّ‬
‫صلى الله عليصصه وسصصلم والمصصؤمنين علصصى معنصصى طلصصب اسصصتعجال‬
‫النصر ل على الشك والرتياب في حصول النصر ‪.‬‬
‫وقصصالت طائفصصة مصصن المفسصصرين ‪ :‬فصصي الكلم تقصصديم وتصصأخير ‪،‬‬
‫والتقصصدير ‪ :‬حصصتى يقصصول الصصذين آمنصصوا مصصتى نصصصر اللصصه؟ فيقصصول‬
‫م ذكصصر الرسصصول صصصلى‬ ‫د َ‬ ‫الرسول ‪ :‬أل إن نصر الله قريب ‪ .‬وإنما ُ‬
‫ق ِ‬
‫الله عليه وسلم فصصي اليصصة لمكصصانته وعلصصو منزلتصصه ثصصم قصصدم قصصول‬
‫المؤمنين لنه هصصو المتقصصدم فصصي الوقصصوع مصصن حيصصث الزمصصان ‪ ،‬أي‬
‫قالوا ذلك ثم أجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم بان نصر الله‬
‫قريب‪. 5‬‬
‫وفي تفسير الرازي ‪ :‬ولقصصول هصصذه الطائفصصة نظصصائر فصصي القصصرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬ومن ذلك قوله تعصصالى ‪) :‬ومصصن رحمتصصه جعصصل لكصصم الليصصل‬
‫والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضصصله( أي لتسصصكنوا فصصي الليصصل‬
‫ولتبتغوا من فضله في النهار‪. 6‬‬
‫وفي تفسير المنار ‪ :‬يقول الستاذ المام )محمصصد عبصصده( إن هصصذه‬
‫الية عتاب لهم ص أي للصحابة الكرام ص فكيف ل ينكر المسلم على‬
‫نفسه مثل هذا وهو يعلم أنه دون الصحابة الكرام إيمانا ً وإسصصلما ً‬
‫ودعوة إلى الحق وصصصبرا ً علصصى المكصصاره فصصي سصصبيل اللصصه تعصصالى ‪.‬‬
‫لماذا ل ينكر على نفسه وعلى من يراه من امثاله الذين يقولصصون‬
‫آمنا بالله ‪ ،‬فإذا أوِذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب اللصصه وآثصصر‬
‫ما عند الناس على ما عند الله‪. 7‬‬

‫‪ 93‬ص امتحان المؤمنين بالجهاد ‪:‬‬


‫ومصصن سصصنته تعصصالى امتحصصان عبصصاده المصصؤمنين بالجهصصاد بصصأن تتهيصصأ‬
‫ظروفه وأسبابه فيجب على المؤمنين فيظهر عند ذلك من يقصصوم‬
‫بهصصذه الفريضصصة ويصصصبر علصصى مقتضصصياتها فيسصصتحق بفضصصل اللصصه‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 251‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ 35‬ـ ‪. 36‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪. 23‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 303‬‬
‫م َأن َتصدْ ُ‬
‫خُلوا ْ‬ ‫سصب ْت ُ ْ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫وبحسب وعده وسنته الجنة ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬أ ْ‬
‫ن(‪. 8‬‬‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬ ‫عل َ َ‬
‫م ال ّ‬ ‫وي َ ْ‬
‫م َ‬ ‫دوا ْ ِ‬
‫منك ُ ْ‬ ‫ه ُ‬
‫جا َ‬
‫ن َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫ول َ ّ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬
‫قال المام ابن كثير في تفسير هصصذه اليصصة ‪ :‬أحسصصبتم أن تصصدخلوا‬
‫الجنة ولم تمتحنصصوا بالقتصصال والشصصدائد؟ أي ل يحصصصل لكصصم دخصصول‬
‫الجنصصة حصصتى تمتحنصصوا ويصصرى اللصصه منكصصم المجاهصصدين فصصي سصصبيله‬
‫والصابرن على مقاومة العداء‪. 9‬‬

‫‪ 94‬ص امتحان المؤمنين بأنواع الذى ‪:‬‬


‫ن‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّص ِ‬
‫مص َ‬‫ن ِ‬‫ع ّ‬‫م ُ‬
‫س َ‬ ‫ول َت َ ْ‬
‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬‫وَأن ُ‬ ‫م َ‬‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬
‫َ‬
‫في أ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫و ّ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬ل َت ُب ْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ذى ك َِثيرا ً َ‬
‫وِإن‬ ‫كوا ْ أ ً‬‫شَر ُ‬‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫و ِ‬
‫م َ‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬‫من َ‬ ‫ب ِ‬‫أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬
‫ُ‬ ‫قوا ْ َ‬
‫ر(‪ . 1‬إن من سنة اللصصه فصصي‬ ‫مو ِ‬‫عْزم ِ ال ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬‫ن ذَل ِ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫صب ُِروا ْ َ‬
‫وت َت ّ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫عباده المصصؤمنين الصصداعين إليصصه المجاهصصدين فصصي سصصبيله أن يبتلصصوا‬
‫بأنواع البلء ‪ ،‬يبتلوا في أمصصوالهم بمصصا يطلصصب منهصصم مصصن النفصصاق‬
‫منها في سبيل الله ‪ ،‬وبما يقع فيها من الفات ‪ .‬ومن البلء الذي‬
‫يمتحنون به البلء في أنفسهم بالقتل والجرح والسر فصصي قتصصال‬
‫العدو ويلحق به الحبس في زماننصصا حيصصث يسصصجن الطغصصاة الظلمصصة‬
‫المؤمنين الدعاة إلى الله تعالى ‪.‬‬
‫ومن البلء الذي يبتلون به على وجه المتحان وحسصصب مقتضصصيات‬
‫سصصنة اللصصه تعصصالى فصصي الصصداعين إليصصه المجاهصصدين فصصي سصصبيله مصصا‬
‫يسمعون من اهل الكتاب والمشصصركين وغيرهصصم مصصن الكفصصرة مصصن‬
‫أنصصواع الذى القصصولي كصصالطعن فصصي السصصلم وفصصي الصصدعاة إليصصه‬
‫وبإلصاق التهم الباطلة بهصصم لص صدّ النصصاس عنهصصم وعصصن دعصصوتهم ‪.‬‬
‫وغن من عزائم المور الصبر على هذا الذى واللتزام بصصالتقوى ‪،‬‬
‫فهذا مما يجب أن يعزم عليه المؤمنصصون مصصن المصصور الصصتي تزهصصق‬
‫الباطل وتنصر الحق وأهله‪. 2‬‬

‫‪ 95‬ص أشد الناس بلء النبياء ثم المثل فالمثل ‪:‬‬


‫أ ص أخرج الترمذي في جامعه عن مصعب بن سعد عن أبيصصه قصصال ‪،‬‬
‫ء؟ قصصال ‪) :‬النبيصصاء ثصصم‬‫قلت ‪ :‬يا رسصصول اللصصه ‪ ،‬أي النصصاس أشصصد بل ً‬
‫المثل فالمثل ‪ُ .‬يبلى الرجل علصصى حسصصب دينصصه ‪ ،‬فصصإن كصصان فصصي‬
‫قصة ابتلصصي علصى قصدر‬ ‫صلبا ً اشتد بلؤه ‪ ،‬وإن كان فصي دينصصه ر ّ‬ ‫دينه ُ‬
‫دينه ‪ ،‬فما يبرح البلء بالعبد حتى يتركه يمشصصي علصصى الرض ومصصا‬
‫عليه خطيئة(‪. 3‬‬
‫ب ص وفي حديث آخر أخرجه الطبراني في معجمه الكبير عن أخت‬
‫حذيفة بن اليمان فاطمة أو خولة قالت ‪ :‬قال رسصصول اللصصه صصصلى‬

‫‪8‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 142‬‬
‫‪9‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ 408‬ـ ‪. 409‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 186‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 449‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ جامع الترمذي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ 78‬ـ ‪ ، 79‬واخرجه المام أحمد وغيره كما في الجامع الصغير للسيوطي ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 136‬‬
‫اللصصه عليصصه وسصصلم ‪) :‬أشصصد النصصاس بلءً النبيصصاء ثصصم الصصصالحون ثصصم‬
‫المثل فالمثل(‪. 4‬‬

‫‪ 96‬ص شرح الحديثين في أشد الناس بلءً ‪:‬‬


‫والمقصصصصود بالمثصصصل فالمثصصصل ‪ :‬الشصصصرف فالشصصصرف والعلصصصى‬
‫فالعلى رتبة ومنزلة في الدين والفضل ‪ .‬وقال الراغب ‪ :‬المثصصل‬
‫يعبر به عن الشبه بالفاضل والقرب إلى الخير ‪ .‬وأماثصصل القصصوم‬
‫كناية عن خيارهم‪. 5‬‬
‫وإنما كان أكثر الناس بلءً ص أي محنة ص لتتضاعف أجورهم وتتكامل‬
‫فضائلهم ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهصصم ‪ ،‬ثصصم مصصن‬
‫دة البلء الصصذي يتعرضصصون لصصه ‪،‬‬ ‫بعدهم المثل فالمثل من جهة ش ص ّ‬
‫لن البلء في مقابلة النعمة ‪ :‬فمصصن كصصانت نعمصصة اللصصه عليصصه أكصصثر‬
‫فبلؤه أشصصد ‪ ،‬فهصصم صصص أي المثصصل فالمثصصل صصص معرضصصون للمحصصن‬
‫والمصصائب وطصروق المنغصصصات والمتصصاعب ويشصمل ذلصك كصصل مصا‬
‫يتأذى به النسان من أذى مصصادي أو معنصصوي فيبتلصصى الرجصصل علصصى‬
‫دة يقينه‬ ‫حسب دينه ‪ ،‬أي على مقدار دينه أي بقدر قوة إيمانه وش ّ‬
‫صلبا ً أي قويا ً شديدا ً اشتد بلؤه كمية وكيفيصصة‬ ‫‪ ،‬فإن كان في دينه ُ‬
‫ونوعا ً ‪.‬‬
‫قة أي ضعف ولين ابتلي على قدر دينه ‪ .‬فمصصا‬ ‫وإن كان في دينه ر ّ‬
‫يبرح البلء بالعبد أي ما يفارقه حصصتى يصصتركه يمشصصي علصصى الرض‬
‫وما عليه من خطيئة ‪ ،‬كناية عصن خلصصصه مصن الصذنوب فكصأنه كصصان‬
‫محبوسا ً ثم أطلق وخلي سبيله يمشي وما عليه بأس‪. 6‬‬

‫‪ 97‬ص ما يستفاد من الحديثين من سنة عامة لله تعالى ‪:‬‬


‫ويستفاد من الحديثين الصصذين ذكرتهمصصا أن سصصنة اللصصه العامصصة فصصي‬
‫البلء والمبتلين أن أشدهم بلءً أي محنا ً هم النبياء ‪ ،‬ثم الفضصصل‬
‫فالفضل فصي الصصصلح والصصدين وتقصصوى اللصصه تعصصالى ‪ .‬وهصصذه سصّنة‬
‫ماضية وباقية في المؤمنين دون تخلف ‪.‬‬

‫‪ 98‬ص تعليل هذه السنة العامة ‪:‬‬


‫وتعليل هذه بالسنة العامصصة وهصصي ‪) :‬أشصصد النصصاس بلءً النبيصصاء ثصصم‬
‫المثل فالمثل( أن النبياء يقومون بتبليغ رسالت رّبهم ويدعون‬
‫الناس إلى الله وعبادته فيكذبهم أهصصل الباطصصل ويصصؤذونهم بشصصتى‬
‫أنواع الذى كما قضت سّنة الله في التدافع بين الحق والباطل ‪.‬‬
‫وأما تعليل كثرة البلء على الصالحين ثصصم المثصصل فالمثصصل ‪ ،‬فصصإن‬
‫الصالحين هم القصائمون بمصا عليهصم مصصن حقصوق الحصق والخلق‪. 7‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ رواه الطبراني في معجمه الكبير كما جاء في الجامع الصغير للسيوطي ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 136‬سنن الدارمي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 320‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ المفردات في غريب القرآن للراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 463‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تحفة الحوذي شرح جامع الترمذي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ 78‬ـ ‪ ، 79‬فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ 518‬ـ ‪. 519‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 519‬‬
‫ومن هذه الحقوق المر بالمعروف والنهصصي عصصن المنكصصر والجهصصاد‬
‫ل جلله‬ ‫في سبيل الله وإعلء كلمة الله ودعوة الخلق إلى الحق ج ّ‬
‫‪ ،‬وما يترتب على ذلك ص حسب سّنة اللصصه فصصي التصصدافع بيصصن الحصصق‬
‫والباطل ص من أذى بشتى أنواعه يلحق بهم ‪ .‬وكّلمصا كصصان المصصؤمن‬
‫صلبا ً في دينه أي قويا ً في إيمانه كان أكثر جهادا ً في سصصبيل اللصصه‬
‫فيكون أكثر بلء من غيره لما يلقاه من الكفرة وأهل الباطل في‬
‫جهاده ومدافعته لهم ‪.‬‬
‫وأيضا ً من تعليل هذه السنة العامصصة قصصول أهصصل العلصصم فصصي تعليصصل‬
‫هصصذه السصصّنة فصصي حصصق النبيصصاء ‪) :‬لتتضصصاعف أجصصورهم وتتكامصصل‬
‫فضصصائلهم ويظهصصر للنصصاس صصصبرهم ورضصصاهم فيقتصصدى بهصصم(‪. 1‬‬
‫وقولهم بالنسبة لكصصثرة بلء المثصصل فالمثصصل ‪) :‬إن البلء بمقابلصصة‬
‫النعمة فمن كانت نعمة الله عليه أكثر فبلؤه أشد(‪. 2‬‬
‫ول شصصك أن نعمصصة اللصصه علصصى عبصصاده المصصؤمنين الصصصالحين نعمصصة‬
‫عظيمة إذ هداهم لليمان وهذه النعمصصة تسصصتحق الشصصكر وشصصكرها‬
‫القيام بحقوق الله ‪ ،‬ومنها الجهاد في سبيله وما يترتب عليه مصصن‬
‫أذى يلحق بالمجاهدين ومن تعليل هذه السنة الصصتي نحصصن بصصصددها‬
‫أن فصصي البلء كصصالمرض ونحصصوه زيصصادة أجصصر للمصصصاب بصصه وتكفيصصر‬
‫سيئات المؤمن كما جاء في الحصصديث الصصذي أخرجصصه البخصصاري فصصي‬
‫صحيحه عن الحارث بن سويد عصصن عبصصد اللصصه قصصال ‪) :‬دخلصصت علصصى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك رجلن منكم ‪ .‬قلت ‪:‬‬
‫ذلك بأن لك أجرين ‪ .‬قال ‪ :‬أجل ‪ ،‬ذلك كذلك ‪ ،‬ما من مسلم يصيبه‬
‫فر الله بها سيئاته كمصصا تحصصط‬ ‫ة فما فوقها ص إل ك ّ‬‫أذى ص حتى شوك ً‬
‫‪3‬‬
‫الشصصجرة ورقهصصا( ‪ .‬ومعنصصى الوعصصك الحمصصى وقيصصل ألصصم الحمصصى ‪،‬‬
‫وقوله )ذلك كصصذلك( إشصصارة إلصصى مضصصاعفة الجصصر بشصصدة الحمصصى ‪.‬‬
‫وقوله )أجل( أي نعم ‪ .‬فالحديث أثبت أن المرض ص وهصصو نصصوع مصصن‬
‫البلء ص إذا اشتد ضاعف الجر ‪ ،‬أو أن شدة المرض ترفع الصصدرجات‬
‫وتحط الخطيئات أيضا ً حتى ل يبقى منها شيء‪. 4‬‬

‫‪ 99‬ص ابتلء المم الكافرة ‪:‬‬


‫وقصصد مضصصت س صّنة اللصصه فصصي المصصم الكصصافرة أن يبتليهصصا بالبأسصصاء‬
‫والضراء عسى أن يردعها هذا البتلء عن كفرها وعنادهصصا وترجصصع‬
‫إلصصى ربهصصا ‪ ،‬فصإن لصصم تفعصصل ابتلهصصا بعصصد ذلصصك بالسصصراء عسصصى أن‬
‫دة على ذلك ‪ ،‬قصصال‬ ‫يحملها ذلك على التوبة بعد أن لم تحملها الش ّ‬
‫سصصاء‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خصذَْنا أ ْ‬ ‫ي إ ِل ّ أ َ َ‬ ‫في َ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫َ‬
‫هصصا ِبالب َأ َ‬
‫هل َ‬ ‫مصصن ن ّب ِص ّ‬ ‫ة ّ‬ ‫قْري َ ٍ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫و َ‬‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫فوا ْ‬
‫ع َ‬‫حّتى َ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ َ‬‫ح َ‬ ‫ة ال ْ َ‬‫سي ّئ َ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫كا َ‬‫م َ‬ ‫م ب َدّل َْنا َ‬ ‫ن ثُ ّ‬
‫عو َ‬‫ضّر ُ‬‫م يَ ّ‬‫ه ْ‬‫عل ّ ُ‬‫ضّراء ل َ َ‬
‫وال ّ‬
‫َ‬

‫‪1‬‬
‫ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 518‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 518‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 111‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ شرح العسقلني لصحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 112‬‬
‫م لَ‬ ‫هص ْ‬ ‫و ُ‬‫ة َ‬ ‫غت َص ً‬
‫هم ب َ ْ‬ ‫خ صذَْنا ُ‬‫فأ َ َ‬ ‫س صّراء َ‬ ‫وال ّ‬ ‫ض صّراء َ‬
‫س آَباءن َصصا ال ّ‬
‫مص ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫قاُلوا ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ّ‬
‫‪5‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫والمعنى أن سّنة الله تعالى في المم التي كذبت رسلها أن اللصصه‬
‫تعالى أخذها بالبأساء وبالضّراء أي بالشدة في أنفسهم وأبصصدانهم‬
‫وأرزاقهم وأموالهم ‪ ،‬وقد فعل الله تعالى ذلك بهم لكي يتضرعوا‬
‫‪ .‬والتضصصرع يعنصصي الخضصصوع والنقيصصاد إلصصى اللصصه تعصصالى ؛ لن مصصن‬
‫طبيعة البتلء بالشدة أن يوقظ الفطرة التي ما يصصزال فيهصصا خيصصر‬
‫يرجصصى وأن يحمصصل أولئك المعانصصدين علصصى التصصوجه إلصصى خصصالقهم‬
‫فيتضرعوا إليه ويطلبوا رحمته وعفوه ‪ ،‬فلم يفعلوا ذلك فأخصصذهم‬
‫س صي ّئ َ ِ‬
‫ة‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مك َصصا َ‬ ‫م ب َصدّل َْنا َ‬ ‫بالرخصصاء ليختصصبرهم فيصصه ‪ ،‬ولهصصذا قصصال ‪) :‬ث ُص ّ‬
‫دة إلصصى الرخصصاء ومصصن المصصرض‬ ‫ولنا حصصالهم مصصن الشص ّ‬ ‫سَنة( أي ح ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫والسقم إلى الصحة والعافية ‪ ،‬ومن الفقر إلى الغنصصى ‪ ،‬ليشصصكروا‬
‫على ذلك ويرجعوا إلى ربهم بالتوبصصة والنقيصصاد فلصصم يفعلصصوا ذلصصك‬
‫س‬‫مص ّ‬ ‫قدْ َ‬ ‫قاُلوا ْ َ‬ ‫فوْا( أي كثروا وكثرت أموالهم وأولدهم ) ّ‬
‫و َ‬ ‫ع َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫) َ‬
‫س صّراء( يقصصول تعصصالى ابتلينصصاهم بهصصذا وبهصصذا ‪ ،‬أي‬ ‫وال ّ‬ ‫ضّراء َ‬‫آَباءَنا ال ّ‬
‫بالضّراء والسّراء ليتضرعوا وينيبوا إلصصى اللصصه فلصصم ينفصصع فيهصصم ل‬
‫هذا ول هذا ‪ ،‬ول انتهوا عن غّيهم بهذا ول بهذا ‪ ،‬وإنمصصا قصصالوا قصصد‬
‫سنا من البأساء والضّراء ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب آباءنا‬ ‫م ّ‬
‫في قصديم الزمصان والصصدهر وهصصذه عصصادة الزمصصان فصي أهلصصه فمصصرة‬
‫دة والنكد ومّرة يحصصصل لهصصم الّرخصصاء والّراحصصة‬ ‫يحصل لهم فيه الش ّ‬
‫سنا من البأساء والضّراء عقوبة من اللصصه بسصصبب مصصا‬ ‫فلم يكن ما م ّ‬
‫نحن عليه من الدين والعمل ‪ ،‬فلم يتفطنصصوا لمصصر اللصصه فيهصصم ول‬
‫اتعظوا ول اعتبروا ول استشعروا امتحان اللصصه لهصم فصي الحصالين‬
‫ن(‬ ‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬‫م ل َ يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬
‫ة َ‬ ‫غت َ ً‬
‫هم ب َ ْ‬ ‫خذَْنا ُ‬‫فأ َ َ‬
‫فاستحقوا العقاب قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫أي أخذناهم بالعقوبة بغتة أي علصصى بغتصصة وعصصدم شصصعور منهصصم أي‬
‫أخذناهم فجأة‪. 6‬‬

‫‪ 100‬ص من ابتلء المم الكافرة ‪:‬‬


‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬ول َ َ َ‬
‫سصصاء‬ ‫م ِبالب َأ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫خ صذَْنا ُ‬ ‫فأ َ‬ ‫َ‬
‫قب ْل ِك َ‬ ‫من َ‬ ‫مم ٍ ّ‬ ‫سلَنا إ َِلى أ َ‬ ‫قدْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫هم بأ ْ‬
‫كن‬ ‫وَلص ص ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫عو‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ص‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫صاء‬ ‫ص‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ول‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ف‬‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫عل ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ضّراء ل َ َ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪ .‬والمعنى ‪:‬‬ ‫‪7‬‬
‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫طا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫ز‬ ‫َ‬ ‫و‬‫ْ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫لقد أرسلنا إليهم الرسل فكذبوهم فأخذناهم بالبأساء أي بالبؤس‬
‫كالفقر وضصصيق العيصصش وبالض صّراء أي بالضصصر كصصالمرض والسصصقام‬
‫ن( أي يتصصذللون‬ ‫عو َ‬ ‫ضصصّر ُ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫هصص ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫ونقصصصان المصصوال والنفصصس )ل َ َ‬
‫ول إ ِ ْ‬
‫ذ‬ ‫فَلصص ْ‬ ‫ويخشعون لربهم وينقادون إليه ويتوبون عن ذنصصوبهم ‪َ ) :‬‬
‫عوْا( أي لم يفعلوا ما كان حريا ً أن يفعلصصوا فلصصم‬ ‫ضّر ُ‬ ‫سَنا ت َ َ‬ ‫ْ‬
‫م ب َأ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫جاء ُ‬‫َ‬
‫‪ 5‬ـ سورة العراف ‪ ،‬اليتان ‪. 95 ، 94‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ ، 252‬تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 133‬في ظلل القرآن لسيد قطب م ‪ ، 3‬ج ‪ ، 8‬ص ‪ 17‬ـ ‪ ، 24‬تفسير‬
‫الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 14‬ص ‪ 183‬ـ ‪. 184‬‬
‫‪ 7‬ـ سورة النعام ‪ ،‬اليتان ‪. 43 ، 42‬‬
‫يتضرعوا ولم يلجأوا إلى اللصصه تعصالى ولصم يرجعصوا عصن عنصادهم ‪،‬‬
‫عوْا(‬ ‫ْ‬
‫ضصصّر ُ‬‫سصصَنا ت َ َ‬ ‫م ب َأ ُ‬‫ه ْ‬ ‫جاء ُ‬‫ول إ ِذْ َ‬‫فل َ ْ‬
‫ول( في قوله تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫وجاء ب)ل َ ْ‬
‫ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في تصصرك التضصصرع إل عنصصادهم وقسصصوة‬
‫قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم الصصتي زّينهصصا الشصصيطان لهصصم ‪ ،‬ولهصصذا‬
‫ن( مصصن‬ ‫مل ُصصو َ‬
‫ع َ‬‫مصصا ك َصصاُنوا ْ ي َ ْ‬‫ن َ‬
‫طا ُ‬ ‫ش صي ْ َ‬‫م ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫وَزي ّ َ‬
‫قال تعالى عنهم ‪َ ) :‬‬
‫الكفر والمعاصي بما يوسوس إليهم من تحسين ما هم عليصصه مصصن‬
‫كفر وعصيان لربهم‪. 1‬‬

‫‪ 101‬ص فتنة مدعي اليمان ‪:‬‬


‫م َل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هص ْ‬‫و ُ‬ ‫قول ُصصوا آ َ‬
‫من ّصصا َ‬ ‫س أن ي ُت َْرك ُصصوا أن ي َ ُ‬ ‫ب الن ّصصا ُ‬‫سص َ‬ ‫ح ِ‬ ‫قال تعصصالى ‪) :‬أ َ‬
‫قوا‬‫صصصدَ ُ‬‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫ه اّلصص ِ‬
‫ن الّلصص ُ‬ ‫عل َ َ‬
‫م ّ‬ ‫فل َي َ ْ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫قب ْل ِ ِ‬‫من َ‬‫ن ِ‬ ‫فت َّنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قدْ َ‬‫ول َ َ‬‫ن َ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن ال ْك َصصاِذِبي َ‬ ‫عل َ َ‬
‫ول َي َ ْ‬
‫‪2‬‬
‫ن( ‪ .‬والفتنصصة ‪ :‬المتحصصان بشصصدائد التكصصاليف مصصن‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫مفارقة الوطان ومجاهدة العداء وما يصترتب عليصه مصن أذى فصي‬
‫المصصوال والبصصدان ‪ ،‬والقيصصام بسصصائر الطاعصصات الشصصاقة وهجصصر‬
‫الشصصهوات والملصصذات ‪ ،‬وبصصالفقر والقحصصط وأنصصواع المصصصائب فصصي‬
‫النفصصس والمصصوال ‪ ،‬وبمصصصابرة الكفصصار علصصى أذاهصصم وكيصصدهم‬
‫وضصصرارهم ‪ .‬والمعنصصى ‪ :‬أحسصصب الصصذين نطقصصوا بكلمصصة الشصصهادة‬
‫وأظهروا القول باليمان أنهم يتركون بذلك غير ممتحنين؟ بل إن‬
‫الله تعالى يمتحنهم بضصروب المحصن حصتى يختصبر صصبرهم وثبصات‬
‫أقدامهم وصحة عقائدهم وصدق إيمانهم ليتميز المخلص من غير‬
‫المخلص ‪ ،‬والصادق في إيمصصانه مصصن الكصصاذب فيصصه ‪ ،‬والراسصصخ فصصي‬
‫الدين مصن المضصصطرب فيصصه ‪ ،‬فسصّنة اللصصه ل تتبصصدل وهصصي امتحصصان‬
‫مصصدعي اليمصصان ‪ ،‬ولهصصذا فقصصد امتحصصن اللصصه أتبصصاع النبيصصاء عليهصصم‬
‫السلم بأنواع المحن فل وجه لتخصيص المسلمين بعدم المتحان‬
‫‪ ،‬فسنة الله فصصي هصصذا المتحصان ماضصصية فيهصصم كمصصا مضصصت فيمصصن‬
‫سبقهم من المؤمنين أتبصصاع النبيصصاء السصصابقين ‪ .‬وبهصصذا المتحصان‬
‫يظهر الصادق في إيمانه ويتميز من الكاذب‪. 3‬‬

‫‪ 102‬ص فتنة النعمة ‪:‬‬


‫مّنصصا‬
‫ة ّ‬ ‫م ً‬ ‫ع َ‬ ‫ْ‬
‫ولَناهُ ن ِ ْ‬ ‫خ ّ‬
‫ذا َ‬ ‫م إِ َ‬‫عاَنا ث ُ ّ‬ ‫ضّر دَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫ْ‬
‫سا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫فإ ِ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن أكث ََر ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫علم ٍ ب َ ْ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬
‫مصصو َ‬ ‫عل ُ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫هص ْ‬ ‫ولك ِص ّ‬ ‫ة َ‬ ‫فت ْن َص ٌ‬
‫ي ِ‬‫ه َ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫على ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما أوِتيت ُ ُ‬‫ل إ ِن ّ َ‬
‫‪4‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫س صُبو َ‬ ‫ْ‬
‫مصصا كصصاُنوا ي َك ِ‬ ‫َ‬ ‫هم ّ‬ ‫عن ْ ُ‬‫غَنى َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ف َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫َ‬
‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ِ‬‫قال َ‬
‫يقول الله تبارك وتعالى مخبرا عن النسان أنه في حصصال الضصصّراء‬ ‫ً‬
‫وله نعمة منه‬ ‫ل وينيب إليه ويدعوه ‪ ،‬وإذا خ ّ‬ ‫يتضرع إلى الله عّز وج ّ‬
‫ً‬
‫بغى وطغى وقال إنما أوتيته على علم ‪ ،‬قال تعالى إنكصصارا لقصصول‬
‫‪ 1‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 23‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪ ، 424‬تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 132‬تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص‬
‫‪ ، 413‬في ظلل القرآن لسيد قطب م ‪ ، 3‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 211‬‬
‫‪ 2‬ـ سورة العنكبوت ‪ ،‬اليتان ‪. 3 ، 2‬‬
‫‪ 3‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 438‬تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 25‬ص ‪ ، 28‬تفسير القرطبي ج ‪ ، 3‬ص ‪ 323‬ـ ‪ ، 324‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج‬
‫‪ ، 20‬ص ‪ ، 135‬تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 404‬‬
‫‪ 4‬ـ سورة الزمر ‪ ،‬اليتان ‪. 50 ، 49‬‬
‫ة( أي ليصصس المصصر كمصصا زعصصم بصصل إنمصصا‬ ‫فت ْن َص ٌ‬
‫ي ِ‬
‫ه َ‬ ‫هذا النسان ‪) :‬ب َ ْ‬
‫ل ِ‬
‫أنعمنا عليه بهذه النعمة لنمتحنه فيما أنعمنا عليه أيطيع أم يعصي‬
‫‪ ،‬أيشكر أم يكفر ‪ ،‬مع علمنا المتقصصدم بصصذلك ‪ .‬فمصصا أعطينصصاه مصصن‬
‫نعمة فهي فتنة أي اختبار له ‪ ،‬وقد قال مثل مقالته ص وهي ))إنما‬
‫دعى هذه الدعوى كثير ممن‬ ‫أوتيته على علم ص وزعم هذا الزعم وا ّ‬
‫مصصا َ‬
‫كصصاُنوا‬ ‫َ‬
‫مصصا أ ْ‬ ‫سصصلف مصصن المصصم ومنهصصم قصصارون ) َ‬
‫هصصم ّ‬
‫عن ْ ُ‬
‫غَنصصى َ‬ ‫ف َ‬
‫ن( أي ما صح قولهم ول نفعهم ما كانوا يكسبون من متصصاع‬ ‫ي َك ْ ِ‬
‫سُبو َ‬
‫‪5‬‬
‫الدنيا وما كانوا يجمعون منه(( ‪.‬‬

‫‪ 103‬ص فتنة الموال والولد ‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عنصدَ ُ‬ ‫ن الّلص َ‬
‫ه ِ‬ ‫وأ ّ‬‫ة َ‬
‫فت ْن َ ٌ‬ ‫ول َدُك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫وأ ْ‬ ‫وال ُك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫موا ْ أن ّ َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫وا ْ‬
‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫م(‪ . 6‬والمعنى أن اللصصه تعصصالى جعصصل المصصوال والولد أي‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬
‫ع ِ‬
‫جٌر َ‬
‫أ ْ‬
‫اختبارا ً وامتحانا ً منصصه لكصصم إذ أعطصصاكموه ليعلصصم أتشصصكرونه عليهصصا‬
‫وتحافظون فيهصصم علصصى حصصدوده أو تشصصتغلون بهصصا عنصصه كمصصا قصصال‬
‫تعالى ‪) :‬يا أيها الذين آمنصصوا ل تلهكصصم أمصوالكم ول عصن ذكصصر اللصه‬
‫ومن يفعل ذلك فصصأولئك هصصم الخاسصصرون( ‪ .‬وقصصوله تعصصالى ‪) :‬وأن‬
‫الله عنده أجصٌر عظيصصم( أي ثصوابه وعطصصاؤه وجن ّصصاته خيصصر لكصصم مصصن‬
‫الموال والولد فإنه قد يوجد منهم عدو‪. 7‬‬

‫‪ 104‬ص الله وحده هو المنفرد بامتحان عباده ‪:‬‬


‫وليكن معلوما ً أن الله تعالى هو وحده المنفرد بامتحصصان عبصصده ول‬
‫يشركه أحد في هذا المتحان وما يتعلق بهمن حيث مكانه وزمصصانه‬
‫ومفرداته فهو تعالى يعين مفردات هذا المتحان أي أنواع الفتصصن‬
‫والمحن التي يمتحن الله بها عبده ‪ ،‬وهو تعصصالى ُيعي ّصصن وقصصت هصصذا‬
‫المتحان ومكانه ومدته ‪ .‬ول يجوز مطلقا ً للعبد كائنا ً مصصن كصصان أن‬
‫يعترض على هذا المتحان ول على مفرداتصصه ومواضصصيعه ول علصصى‬
‫دته ول أن يختار مفردات معينصصة لمتحصصانه ول أن‬ ‫زمانه ومكانه وم ّ‬
‫دة له ‪ ،‬فكل ذلصصك ل يجصصوز‬ ‫يختار مكانا ً أو زمانا لهذا المتحان ول م ّ‬
‫ً‬
‫مطلقا ً ‪ ،‬وإذا صدر من المسلم كان ذلك مناقضصصا ً ليمصصانه بصصل ر ّ‬
‫دة‬
‫عن السلم والعياذ بالله فليحذر المسلم ذلك ‪ .‬إن التلميذ ل يحق‬
‫له ان يفرض مفردات امتحانه علصصى أسصصتاذه ول ان يعصصترض علصصى‬
‫دته ‪ ،‬فكيف يجوز للعبد أن يفعل ذلك مع اللصصه‬ ‫المتحان ول على م ّ‬
‫ل جلله بشأن امتحانه؟ نعم ‪ ،‬يجوز للمسلم ان يدعو الله تعالى‬ ‫ج ّ‬
‫ان يخفف عليه المتحصصان ويسصصأله اللطصصف فيصصه ويسصصتعيذ بصصه مصصن‬
‫الفتن ‪ ،‬وهذا ما نبّينه في الفقرة التالية ‪.‬‬

‫‪ 105‬ص الستعاذة بالله من الفتن ‪:‬‬


‫‪5‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ 133‬ـ ‪ ، 134‬تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 57‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 28‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 301‬تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 214‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 397‬‬
‫قلت إن الله تعالى وحده هو المنفرد بامتحان عبصصاده وبجميصصع مصصا‬
‫يتعلق بهذا المتحان من جهة مفرداتصصه وزمصصانه ومكصصانه ومصصدذته ‪،‬‬
‫وإنه ل يجوز العتراض عليه في شصصيء مصصن ذلصصك أو يفصصرض علصصى‬
‫الله تعالى نمطا ً معينا ً من هذا المتحصصان أو مفرداتصصه ‪ ،‬أو يعصصترض‬
‫على نفس المتحان ‪ .‬ولكن يجوز للمسلم أن يسصصأل اللصصه تعصصالى‬
‫ويدعوه ويتوسل إليه أن ل يمتحنه بمصصا يشصصق عليصصه وبمصصا ل ينجصصح‬
‫فيه ‪ ،‬وأن يقيه شر الفتن التي قد يتعصصرض إليهصصا ‪ ،‬ولصصذلك جصصاءت‬
‫الدعية المأثورة فصصي السصصتعاذة بصصالله مصصن الفتصصن ‪ ،‬مصصن ذلصصك مصصا‬
‫أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم كان يقول ‪ )) :‬اللهم إنصصي أعصصوذ بصصك مصصن الكسصصل‬
‫والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر ومن فتنة‬
‫النار وعذاب النار ‪ ،‬ومن شر فتنصصة الغنصصى ‪ ،‬وأعصصوذ بصصك مصصن فتنصصة‬
‫جال ((‪. 1‬‬
‫المسيح الد ّ‬
‫وكان الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي اللصصه عنصصه يقصصول فصصي‬
‫دعائه ))‪ ..‬وأعوذ بصصك مصصن فتنصصة المحيصا وفتنصصة الممصات((‪ . 2‬وفصي‬
‫كتاب الله العزيز )ربنا ل تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنصصا ربنصصا‬
‫إنك أنت العزيز الحكيم(‪. 3‬‬
‫وجاء في تفسصصيرها ‪ :‬قصصال قتصصادة ‪ :‬ل تظهرهصصم علينصصا فيفتنونصصا ‪،‬‬
‫ق هصصم عليصصه ‪ .‬وعصصن ابصصن عبصصاس ‪ :‬ل‬ ‫يرون أنمصصا ظهصصروا علينص‪4‬صا لحص ٍ‬
‫تسلطهم علينا فيفتنونا ‪.‬‬
‫وفصصي تفسصصير اللوسصصي ))أي ل تسصصلطهم ص ص أي الكفصصار صصص علينصصا‬
‫سبونا ويعذبونا ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ .‬وقصصال مجاهصصد ‪ :‬أي ل تعصصذبنا‬ ‫في َ ْ‬
‫بأيديهم أو بعذاب من عندك فيظنوا أنهصصم محقصصون وأنصصا مبطلصصون‬
‫فيفتنوالذلك ‪ .‬والول أرجح‪. 5‬‬

‫‪ 106‬ص امتحان الجماعة المسلمة ‪:‬‬


‫إن البتلء كما يصيب الفرد والمة يصيب الجماعة المسلمة الصصتي‬
‫تدعو إلى الله وتأمر بالمعروف وتنهى عصصن المنكصصر ‪ ،‬فمصصا ذكرنصصاه‬
‫من أنواع البلء والبتلء مما يصصصيب المصصؤمنين فصصي جهصصادهم فصي‬
‫سبيل الله يصيب الجماعة المسلمة أيضا ً فيصيب أعضصصاءها أنصصواع‬
‫الذى في أموالهم بالمصادرة والستيلء عليها ‪ ،‬وفي أشخاصصصهم‬
‫بالحبس والتعذيب وبسصمعتهم بالتهامصات الباطلصصة ‪ ،‬لسصصيما فصي‬
‫زماننا الذي تنصصوعت فيصصه وسصصائل الدعايصصة لسصصيما إذا كصصان خصصصم‬
‫الجماعة المسلمة ذا سلطان بماله أو نفوذه أو سلطته بل وربمصصا‬
‫يكصصون خصصصمها الحكصصام وولة المصصر أنفسصصهم ‪ .‬فل بصصد للجماعصصة‬

‫‪1‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ ، 176‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪ 20‬ـ ‪. 21‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ ، 176‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪. 21‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة الممتحنة ‪ ،‬الية ‪. 5‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 348‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 28‬ص ‪. 73‬‬
‫وت علصصى خصصصومها مصصا‬ ‫المسلمة أن تعتصم بالصصصبر والتقصصوى لتف ص ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ع ّ‬
‫م ُ‬
‫سص َ‬ ‫ولت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫سصك ْ‬ ‫ف ِ‬‫وأن ُ‬ ‫م َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫مص َ‬‫في أ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫و ّ‬ ‫يريدون ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬ل َت ُب ْل َ ُ‬
‫ذى ك َِثيصصرا ً‬ ‫َ‬
‫كوا ْ أ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شصَر ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّص ِ‬ ‫م َ‬‫و ِ‬‫م َ‬‫قب ْل ِك ُ ْ‬
‫من َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ر( ‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ذَل ِك ِ‬ ‫ْ‬
‫قوا َ‬ ‫وت َت ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫مو ِ‬ ‫عْزم ِ ال ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫صب ُِروا َ‬
‫وِإن ت َ ْ‬‫َ‬

‫‪ 107‬ص البتلء للجماعة المسلمة تمييز وتمحيص ‪:‬‬


‫وليكصصن معلوم صا ً للجماعصصة المسصصلمة أن مصصا يصصصيبها مصصن مفصصردات‬
‫المتحصان الصصعب هصو مصا جصرت بصه سصّنة اللصه تعصالى فصي إعصداد‬
‫الجماعات المسلمة التي تحمل الدعوة إلى الله تعصصالى ‪ ،‬وإن فصصي‬
‫هذا المتحان الشاق خيرا ً كثيرا ً للجماعة نفسصصها لنصصه يتميصصز بهصصذا‬
‫المتحان القوي من الضعيف مصصن أعضصصائها والصصصادق فصصي إيمصصانه‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬‫مصص ْ‬‫ه ل َِيصصذََر ال ْ ُ‬
‫ن الّلصص ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫من الكاذب أو المنافق قال تعالى ‪ّ ) :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ميَز ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ن الل ص ُ‬ ‫َ‬
‫مصصا كصصا َ‬ ‫و َ‬‫ب َ‬ ‫ن الطي ّص ِ‬ ‫مص َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي ص َ‬ ‫ى يَ ِ‬ ‫حت ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ما أنت ُ ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫شصصاءُ‬ ‫مصصن ي َ َ‬ ‫ه َ‬‫سصل ِ ِ‬‫مصصن ّر ُ‬ ‫جت َب ِصصي ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللص َ‬ ‫ولك ِص ّ‬ ‫َ‬ ‫ب َ‬ ‫غي ْص ِ‬ ‫ْ‬
‫على ال َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫عك ْ‬ ‫ْ‬
‫ل ِي ُطل ِ َ‬
‫‪7‬‬
‫م( ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫وِإن ت ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫جٌر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫وت َت ّقوا فلك ْ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫وُر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مُنوا ِبالل ِ‬ ‫فآ ِ‬
‫والمعنى ‪ :‬ما كان الله ليذركم يا معشصصر المصصؤمنين علصصى مصصا أنتصصم‬
‫عليه من اختلط المؤمن بالمنافق وأشباهه حتى يميز الخبيث من‬
‫الطيب أي المنافق من المؤمن بإلقاء المحن والمصصصائب والقتصصل‬
‫والهزيمصصة ‪ ،‬فمصصن كصصان مؤمن صا ً ثبصصت علصصى إيمصصانه وعلصصى تصصصديق‬
‫الرسول صلى الله عليه وسصلم ‪ ،‬ومصصن كصان منافقصا ً ظهصصر نفصاقه‬
‫ب( أي ل يجصصوز أن‬ ‫غي ْص ِ‬ ‫عل َصصى ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُص ْ‬ ‫ه ل ِي ُطْل ِ َ‬ ‫ن الل ّص ُ‬ ‫مصصا ك َصصا َ‬ ‫و َ‬ ‫وكفره ‪َ ) ،‬‬
‫يحصل ذلك التمييز بان يطلعكم الله على غيبه فيقول ‪ :‬إن فلنصصا ً‬
‫منافق وفلنا ً مؤمن فإن سّنة الله جارية بأن ل يطلع عوام الناس‬
‫على غيبه ‪ ،‬فل سبيل لكم إلى معرفة ذلصك التمييصز إل بامتحصانكم‬
‫بما يصيبكم من المحن والفصصات حصصتى يتميصصز بصصذلك المنصصافق مصصن‬
‫المؤمن‪. 1‬‬
‫فتمحيص صفوف الجماعة المسلمة وتمييز أعضائها بحيث يعصصرف‬
‫الصادق في إيمانه الراسخ فيه كما يعصصرف الكصصاذب فصصي إيمصصانه أو‬
‫المنافق أو الضصصعيف فصصي إيمصصانه ‪ ،‬فصصإن هصصذا التمحيصصص والتمييصصز‬
‫والعرفصصصان ل يحصصصصل إل بصصصابتلء الجماعصصصة المسصصصلمة بصصصالمحن‬
‫والشدائد ‪ ،‬فالشدائد هي التي تميز القصصوي مصصن الضصصعيف وتزيصصل‬
‫اللتباس والخطأ بين الصادقين وغيرهم ‪ .‬ول شك أن هذا التمايز‬
‫ضروري جدا ً للجماعة المسلمة لنصصه قصصد ينضصصم إليهصصا ويعتصصبر مصصن‬
‫اعضصصائها ويحسصصب عليهصصا المصصؤمن الصصصادق والمنصصافق الكصصاذب ‪،‬‬
‫والقوي في إيمانه والضعيف فيه والمخلص في انتمصصائه للجماعصصة‬
‫والصصذي جاءهصصا للغنيمصصة أو للفتنصصة أو للتجسصصس أو لغيصصر ذلصصك مصصن‬
‫الغراض التي ليست هصصي أغصصراض الجماعصصة المسصصلمة ‪ ،‬فالتمصصايز‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 186‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 179‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 111‬‬
‫بين الخصصبيث والطيصصب مصصن أعضصصائها ضصصروري جصصدا ً لهصصا والشصصدائد‬
‫والمحن تقوم بهذا التمييز كما تقوم النار بتمييز المعدن الصصصيل‬
‫من غيره ‪.‬‬

‫‪ 108‬ص من حكمة ابتلء الجماعة المسلمة ‪:‬‬


‫ثصصم إن بصصابتلء الجماعصصة المسصصلمة بالشصصدائد تعصصرف الجماعصصة وزن‬
‫قوتهصصا الحقيقيصصة ؛ لن الشصصدائد كمصصا قلنصصا تمييصصز وتمحيصصص ‪،‬‬
‫فبانكشاف حصصال المنصصافقين المندسصصين فصصي صصصفوفها وانكشصصاف‬
‫حال القادمين إليها للغنيمة والجاه أو التجسس أو غيصصر ذلصصك مصصن‬
‫الغراض الدنيوية أو الخسيسصصة سصصيكون وزن قصصوة الجماعصصة قصصدر‬
‫وزن الذين ظهر صدقهم وإخلصهم وثباتهم ‪.‬‬
‫كما أن بالشدائد ينكشف حال أعضائها المؤمنين الضعفاء فتعرف‬
‫الجماعصصة أن هصصؤلء كصصانوا يزيصصدون فصصي عصصدد أعضصصائها فقصصط ول‬
‫يزيدون في وقتها ‪ ،‬والمنظور إليه في قصصوة الجماعصصة هصصو قوتهصصا‬
‫الحقيقية وليس بمجصصرد عصصدد أعضصصائها ‪ .‬وفصصي امتحصصان الجماعصصة‬
‫وابتلئها بصصالمحن سصصيعرف كصصل عضصصو مصصؤمن مخلصصص صصصادق فصصي‬
‫إيمانه مقدار إيمانه الحقيقصصي ومصصدى عمقصصه فصصي نفسصصه ومقصصدار‬
‫ثباته عليه ‪ ،‬ومثل هذه المعرفة مهمة جدا ً للعضو نفسه وللجماعة‬
‫نفسها ‪ ،‬فقد يغالي المصصؤمن المخلصصص فصصي تقصصدير إيمصصانه وثبصصاته‬
‫عليه وتصأثيره فصي نفسصصه ويعتقصصد بصأنه حاضصر للفصداء ومتطلبصصات‬
‫الجهاد بكل شيء في سصصبيل اللصصه ول يعصصرف مصصا فصصي نفسصصه مصصن‬
‫ن ما كان يجول في خصصاطره ومصصا كصصان يحصصس بصصه‬ ‫قصور وضعف وأ ّ‬
‫ن ذلك كّله كان مصصن‬ ‫قبل نزول البلء بشأن الجهاد وعزمه عليه ‪ ،‬إ ّ‬
‫ن الماني غير ما ُيعزم عليصصه ‪ ،‬ومصصا يعصصزم عليصصه‬ ‫قبيل الماني ‪ ،‬وإ ّ‬
‫غيصصر تنفيصصذه وفعلصصه فقصصد تنفسصصخ العصصزائم إذا ج صدّ الج صدّ وحقصصت‬
‫الحقائق ‪ .‬والفعل نفسه قد ينقطع ول يستمر ‪ ،‬أو يسصصتمر ولكصصن‬
‫فصصي الجصصو الهصصادىء المريصصح فقصصط وليصصس فصصي الريصصاح العاتيصصة‬
‫والعاصير الشديدة ‪.‬‬
‫فهذه المعرفة تنفع العضو المصصؤمن المخلصصص فينكشصصف لصصه حصصاله‬
‫تماما ً ممصصا يحملصصه علصصى اللتفصصات إلصصى نفسصصه يتأملهصصا ويفحصصصها‬
‫ليتعرف على أوجه الضصصعف فيهصصا فيتصصداركها بالتقويصصة ‪ ،‬ويتعصصرف‬
‫على ما في نفسه من كدورة ووسخ فيعمل على تنقيتها وغسلها‬
‫ويزيل عنها العوائق والشوائب التي تمنع من تغلغل اليمصصان فصصي‬
‫كيانه وتجعله حاضرا ً للفداء والجهصاد علصى وجصه الحقيقصة ل علصى‬
‫وجه الماني والرغبات ‪.‬‬

‫‪ 109‬ص من البتلء للجماعة المسلمة فقدُ أميرها ‪:‬‬


‫وقد تبتلى الجماعة المسلمة بفقد أميرها بالموت أو القتصصل وهصصو‬
‫ابتلء شديد ‪ ،‬فعلى الجماعة المسلمة أن تقصف الموقصف الصصحيح‬
‫أمام هذا المتحان الصعب وتقابله بالصبر الجميصصل والثبصصات علصصى‬
‫المعاني التي جاهد مصصن أجلهصصا فقيصصدها الغصصالي العزيصصز ‪ ،‬وقصصامت‬
‫الجماعة نفسها لهذه المعاني والجهاد لجلها ‪ ،‬وهي الصصدعوة إلصصى‬
‫الله تعصصالى وإعلء كلمصصة اللصصه بإقامصصة شصصرعه فصصي الرض ‪ .‬وهصصذه‬
‫المعاني باقية ل تزول ول تموت بموت أميرها ول بموت غيره فل‬
‫يجوز لها أن تضعف عن الجهاد لمصيبتها بفقد أميرها كما ل يجوز‬
‫أن توقف العمل وتقعد ‪.‬‬
‫أل تصصرى أن جماعصصة المصصصلين فصصي مسصصجد تسصصتمر علصصى صصصلتها‬
‫الجماعيصصة ولصصو مصصات إمصصام مسصصجدها؟ فكصصذلك الجماعصصة المسصصلمة‬
‫تستمر على عملها ولو مات أميرها ‪ .‬فقصصد حصصذر الشصصرع الصصصحابة‬
‫الكرام من وقف العمل والجهاد في سصصبيل اللصصه لمصصوت الرسصصول‬
‫ل‬‫سو ٌ‬ ‫مدٌ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم أو قتله فقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل أَ َ‬
‫علصصى‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ل انقلب ْت ُ ص ْ‬ ‫قت ِ ص َ‬‫و ُ‬
‫تأ ْ‬ ‫مصصا َ‬‫ف صِإن ّ‬ ‫سص ُ‬ ‫ه الّر ُ‬ ‫مصصن َ‬
‫قب ْل ِ ص ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ص ْ‬
‫ق صد ْ َ‬ ‫َ‬
‫زي‬ ‫ج ِ‬ ‫س صي َ ْ‬‫و َ‬ ‫ش صْيئا ً َ‬ ‫ه َ‬‫ض صّر الل ّ ص َ‬
‫فَلن ي َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫قب َي ْ ِ‬‫ع ِ‬‫ى َ‬ ‫عل َ َ‬‫ب َ‬ ‫قل ِ ْ‬ ‫من َين َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬‫قاب ِك ُ ْ‬ ‫ع َ‬‫أَ ْ‬
‫ن(‪. 2‬‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫وجاء في تفسيرها ‪ :‬أعلم الله تعصصالى فصصي هصصذه اليصصة أن الرسصصل‬
‫ليست باقية في قومها أبدا ً وأنه يجب التمسك بما أتت به الرسل‬
‫‪ ،‬وإن فقصصد الرسصصول بمصصوت أو قتصصل فالديصصان ل تصصزول بمصصوت‬
‫النبياء ‪ .‬ثم قال تعالى منكصصرا ً علصصى مصصن حصصصل لصصه ضصصعف لمصصوت‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم أو قتله فقال تعالى ‪) :‬أ َ َ‬
‫تأ ْ‬ ‫مصصا َ‬ ‫فصِإن ّ‬
‫م( أي رجعتصم القهقصرى وقعصدتم عصن‬ ‫قصاب ِك ُ ْ‬ ‫عَلصى أ َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫قل َب ُْتص ْ‬‫ل ان َ‬ ‫قت ِ َ‬ ‫ُ‬
‫الجهصصاد ‪ ،‬ومصصن فعصصل ذلصصك فلصصن يضصصر اللصصه شصصيئا ً وسصصيجزي اللصصه‬
‫الشاكرين أي الذين قاموا بطاعة اللصصه وقصاتلوا عصصن دينصصه واتبعصصوا‬
‫رسوله حيا ً وميتا ً‪.1‬‬

‫‪ 110‬ص حذار من جلب المحن أو الحرص عليها ‪:‬‬


‫والمحصصن وإن كصصانت ممصصا جصصرت بصصه سصصّنة اللصصه فصصي ابتلء عبصصاده‬
‫المؤمنين وفيه تمحيص لهم وتمييز بين الصادق والكاذب والخبيث‬
‫والطيب كما قلنا ‪ ،‬وإن هذه السّنة تسري على الجماعة المسصصلمة‬
‫ولكن حذار أن تجلب الجماعة المسلمة المحن لنفسها أي تسصصعى‬
‫لجلبها لنفسها أو تستعجل وقوعها لها مدفوعة بالحماس لنصصصرة‬
‫السلم أو مستحضرة في نفسها أن المحن والشدائد ل بدّ منها ‪،‬‬
‫وانها بدون المحن تنصب عليها ت ُّتهم بالضعف والقصورفي خدمصصة‬
‫السلم والعوة إليه مما يفقدها رضا الناس وثقتهم بها وتأييدهم‬
‫لها وإقبالهم عليها ‪ ...‬وهذا منها خطأ جسيم مرده الجهل بمعنصصى‬
‫سّنة الله في الفتن والبتلء أو طلبها السمعة والرياء أو تصورها‬

‫‪2‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 144‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 223‬تفسير ابن كثير ‪ ، ،‬ص ‪. 409‬‬
‫الخاطىء لما به ثقة الناس ‪ ،‬وهذا ما نوضحه في الفقرات التالية‬
‫‪.‬‬

‫‪ 111‬ص أول ً ‪ :‬استعجال المحن لجهل الجماعة المسلمة ‪:‬‬


‫وأعني بهذا الجهل جهل الجماعة المسلمة بمعنى س صّنة اللصصه فصصي‬
‫الفتنصة والمتحصان ومصا يجصب أن يكصون عليصه موقفهصا تجصاه هصذه‬
‫السّنة الربانية ‪ .‬وبيان ذلصصك أن هصصذه السصّنة تعنصصي فيمصصا تعنيصصه أن‬
‫المحن والشدائد مما يلقيه المؤمنون الداعون إلى الله ‪ ،‬ولكن ل‬
‫تعني وجوب أو استحباب أو إباحة تقصد جلب هذه المحصصن وتعمصصد‬
‫إيقاعها بالجماعة ‪.‬‬
‫كما ل تعني هذه السّنة عصصدم جصصواز الحصصذر أو الوقايصصة مصصن الفتصصن‬
‫والمحن والشدائد لئل تقع ول تمنع من رفصصع المحنصصة إذا وقعصصت ‪.‬‬
‫وعلى هذا الصحيح للجماعة المسلمة من هذه السّنة اللهيصصة فصصي‬
‫ضوء المعنى الصحيح لها هو ‪ :‬ل تسصصتغرب الجماعصصة المسصصلمة ول‬
‫تندهش إذا أصابتها المحن والشدائد ‪ ،‬وإنها صص أي الجماعصصة صص غيصصر‬
‫ممنوعة من الوقاية من هذه المحصن لئل تقصع وإذا وقعصصت فعليهصا‬
‫أن تقابلها بالصبر الجميل مع سعيها الحصصثيث لرفعهصصا لن الشصصرع‬
‫قد أذن أو ندب لذلك أو أوجبه عليها ‪.‬‬
‫ن من سنن الله في خلقصصه‬ ‫ومما يقرب إلى الذهان فهم ما قلته أ ّ‬
‫إصابتهم بالمراض بناء على سنة الله في السباب والمسببات أو‬
‫بناء على سنته في البتلء ‪ ،‬ولكن هذا ل يعني تحريم الوقاية مصصن‬
‫المراض ول رفعها بالدواء إذا وقعت وأصيب بها المسصصلم ‪ ،‬فكصصل‬
‫هذا ص أي الوقاية من المراض وعلجها بالدواء ص مأذون به شرعا ً ‪،‬‬
‫وإنما تعني سّنة الله في ابتلء الناس بالمراض وجصصوب مقابلتهصصا‬
‫بالصبر الجميل والتأمل في أسبابها وهل وقعصصت علصى المصصصابين‬
‫بها على وجه العقوبة لهم على معاصصصيهم فيقلعصصوا عنهصصا أو أنهصصا‬
‫جاءت بسبب تقصيرهم في وسصصائل الحميصصة المشصصروعة فيأخصصذوا‬
‫بالعلج ول يعصصودوا إلصصى تقصصصيرهم فصصي الحميصصة مصصن المصصراض ‪..‬‬
‫ومثال آخر يقرب إلى الذهان فهصم مصا قلتصصه أن الستشصهاد فصي‬
‫سبيل الله ممصصا جصصرت بصصه س صّنة اللصصه فصصي ابتلء المصصؤمنين بقتصصال‬
‫الكفار ‪ ،‬ولكصن ل تعنصصي هصصذه السصنة تسصليم المسصصلم نفسصه إلصى‬
‫الكفار ليقتلوه حتى يصير شهيدا ً ‪ ،‬وإنما تعني هصصذه السصصنة فقصصط‬
‫النهوض إلصصى قتصصالهم وعصصدم القعصصود عصصن قتصصالهم ‪ ،‬وأن عليصصه أن‬
‫يقاتلهم بأساليب القتال المشروعة مع الحذر المطلصصوب لئل يقصصع‬
‫بأيدي الكفار أسيرا ً أو قتيل ً ‪ ،‬وإن تعمد أن يأسره الكفار أو تعمصصد‬
‫أن يقتلوه مع قدرته على أن يقاتلهم دون أن يسلم نفسه إليهصصم‬
‫ليقتلوه فإنه يأثم فصصي الحصصالتين لعصصانتهم علصصى أسصصره أو قتلصصه ‪.‬‬
‫ولكن إذا قاتل كما ينبغصصي أن يكصصون عليصصه القتصصال ثصصم جصصرح فصصإنه‬
‫يصبر وإذا قتل مات شهيدا ً ‪.‬‬
‫‪ 112‬ص ل تمنوا لقاء العدو ‪:‬‬
‫ل على ما قلته الحديث النبوي الشصصريف الصصذي رواه المصصام‬ ‫وقد د ّ‬
‫البخاري في صحيحه عن عبد الله بن أبصصي أوفصصى أن النصصبي صصصلى‬
‫الله عليه وسصصلم قصصام فصصي النصصاس فقصصال ‪) :‬ل تمنصصوا لقصصاء العصصدو‬
‫وسلوا الله العافية ‪ ،‬فإذا لقيتموهم فاصبروا(‪. 2‬‬
‫وجاء في شرحه ‪ :‬قال ابن بطال ‪ :‬حكمة النهي أن المرء ل يعلصصم‬
‫ما يؤول إيه المر وهو نظير سؤال العافية من الفتن ‪ ،‬وقد قصصال‬
‫ي من‬ ‫ُ‬
‫ب إل ّ‬
‫أبو بكر الصديق رضي الله عنه ‪) :‬لن أعافى فأشكر أح ّ‬
‫أن أبتلى فأصبر( ‪ .‬وقال غيره ‪ :‬إنما نهى النبي صصصلى اللصصه عليصصه‬
‫وسلم عن تمني لقاء العدو لما فيه من صصصورة العجصصاب بصصالنفس‬
‫والتكال على النفوس والوثصصوق بصالقوة وقلصصة الهتمصصام بالعصصدو ‪،‬‬
‫وكل ذلك يخالف اغلحتياط والخذ بالحزم ‪.‬‬
‫وأخرج سعيد بن منصور حديثا ً مرسل ً عن النصصبي صصصلى اللصصه عليصصه‬
‫وسلم ‪) :‬ل تمنوا لقاء العدو فإنكم ل تدرون عسى أن تبتلوا بهم(‬
‫‪ ،‬وقال ابن دقيق العيد ‪ :‬لما كان لقاء المصصوت مصصن أشصصق الشصصياء‬
‫على النفوس وكانت المور الغائبة ليسصصت كصصالمور المحققصصة لصصم‬
‫يوثق أن يكون عند الوقوع كما ينبغي فيكره التمني لصصذلك ‪ ،‬ولمصصا‬
‫فيه لو وقع من احتمال أن يخالف النسان ما وعد من نفسه مصصن‬
‫الثبات عند لقاء العدو‪. 3‬‬
‫وفي وصيته صلى الله عليه وسلم لسامة بن زيد وقد جعله أميرا ً‬
‫علصصى جيصصش المسصصلمين لغصصزو الصصروم قبيصصل وفصصاته عليصصه الصصصلة‬
‫والسلم بأيام ‪ ،‬قال له ‪) :‬ول تمنوا لقصصاء العصصدو فصصإنكم ل تصصدرون‬
‫لعلكصصم تبتلصصون بهصصم ‪ ،‬ولكصصن قولصصوا ‪ :‬اللهصصم اكفنصصاهم واكفصصف‬
‫بأسهم(‪. 1‬‬

‫‪ 113‬ص الحرب خدعة ‪:‬‬


‫ودليل آخر على صحة ما قلتصصه أن الجماعصصة المسصصلمة وهصي تصصدعو‬
‫إلى الله ويقاومها أهل الباطل تصير معهم في حالصة تشصبه حالصة‬
‫الحرب ‪ .‬وغالبا ً ل تكون قوة الجماعة مكافئة لقوة خصومها الذين‬
‫يملكون قصصوة المصصال والعصصوان والسصصلطان ‪ .‬ويكصصون هصصذا التبصصاين‬
‫واضحا ً وجليا ً إذا كان خصوم الجماعة الدولة نفسصصها أي حكامهصصا ‪،‬‬
‫ففي هذه الحالة يجب علصصى الجماعصصة المسصصلمة أن تعصصرف وزنهصصا‬
‫وقوتها فل تتصرف إل بحذر وبقدر ما يأذن به الشرع وكأنهصصا فصصي‬
‫حالة حرب فعلية مع خصومها ‪.‬‬
‫وفي الحرب جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذ رواه‬
‫البخاري عن أبي هريرة قال ‪) :‬سمى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪2‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ج ‪ ، 6‬ص ‪. 156‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ شرح العسقلني لصحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪ 156‬ـ ‪. 157‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سيرة ابن هشام ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 33‬‬
‫الحرب خدعصصة(‪ . 2‬وجصصاء فصصي شصصرحه ‪ :‬وأصصصل الخصصداع إظهصصار أمصصر‬
‫وإضصصمار خلفصصه ‪ .‬وفيصصه التحريصصض علصصى أخصصذ الحصصذر فصصي الحصصرب‬
‫والندب إلى خداع الكفار ‪ ،‬وإن من لم يصصتيقظ لصصذلك لصصم يصصأمن أن‬
‫ينعكس المر عليه ‪ .‬قال النووي واتفقوا على جواز خداع الكفصصار‬
‫في الحرب كيفما أمكن إل ان يكون فيصصه نفصصض عهصصد أو أمصصان فل‬
‫يجصصوز ‪ .‬قصصال ابصصن العربصصي المصصالكي ‪ :‬الخصصداع فصصي الحصصرب يقصصع‬
‫بصصالتعريض وبصصالكمين ونحصصو ذلصصك ‪ .‬وفصصي الحصصديث إشصصارة إلصصى‬
‫استعمال الرأي في الحرب بل الحتياج إليصصه آكصصد مصصن الشصصجاعة ‪.‬‬
‫وقصصال ابصصن الصصتين ‪ :‬معنصصى )الحصصرب خدعصصة( أي الحصصرب الجيصصدة‬
‫لصاحبها الكاملة في مقصصصودها إنمصصا هصصي المخادعصصة ل المواجهصصة‬
‫وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر‪. 3‬‬

‫‪ 114‬ص خلصة ما يستفاد من الحديثين ‪:‬‬


‫وخلصة ما يستفاد من الحديثين الشريفين ‪) :‬ل تمنوا لقاء العصصدو‬
‫وسلوا الله العافية ‪ ،‬فإذا لقيتموهم فاصبروا( ‪ .‬وحصصديث )الحصصرب‬
‫خدعة( أن على الجماعصصة المسصصلمة أن ل تسصصتعجل وقصصوع المحصصن‬
‫وتتعمصصد وقوعهصصا ‪ ،‬وأن تتصصصرف مصصع خصصصومها بأسصصلوب الحصصرب ‪،‬‬
‫والحرب خدعة ‪ ،‬كما جاء في الحديث النبوي الشريف ‪ .‬ومن خداع‬
‫الحرب وأساليب الحرب ‪ :‬الكّر والفّر والختفاء والظهصصور وتبصصديل‬
‫أساليب الدفاع والهجوم والنسحاب ‪ ،‬وعدم الجمود على أسصصلوب‬
‫واحد ‪ ،‬وهكصصذا يجصصب أن تكصصون أسصصاليب الصصدعوة ووسصصائلها ‪ ،‬فصصإذا‬
‫علمت الجماعة المسلمة ان عدوها الكصصافر يصصتربص بهصصا ويراقبهصصا‬
‫ويرصد تحركاتها ليبطش بها فعليها ان ل تريه قوتها ول اعضاءها‬
‫ول تتحرك بعملها بشكل جماعي والطبول أمامها تقرع كما تفعل‬
‫الجيوش في سيرها ‪ ،‬ول أن ترفع صوتها بالتهديصصد والوعيصصد لمصصن‬
‫يخالفها أو يقف فصصي طريقهصصا ‪ ،‬ل تفعصصل ذلصصك ‪ ،‬فهصصذا الصصصراخ ل‬
‫يفيدها ‪ ،‬بصصل يجلصصب عليهصصا الضصصرر ويفتصصح عيصصون أعصصدائها عليهصصا ‪،‬‬
‫فيعرف مكانها ومكان أعضائها فيسهل عليه البطش بها وبهم ‪.‬‬
‫إن أساليب الدعوة كصصثيرة جصصدا ً وقصصد يكصصون مصصن أسصصلمها وأنفعهصصا‬
‫دائما ً الدعوة الفردية الصامتة بالقول والفعل والسلوك ‪ ،‬وإشاعة‬
‫الوعي السلمي في الناس وتعميقصصه فصصي نفوسصصهم وتبصصصيرهم‬
‫بحقائق السلم وبواجبهم نحوه ‪ ،‬ول تبدأ بمهاجمصصة الحكصصام فصصإن‬
‫آخر مصصا تفعلصصه هصصي مهصصاجمتهم ‪ ،‬وأمامهصصا سصصوح العمصصل للسصصلم‬
‫الميسرة المفتوحة كثيرة فلتبصصدأ بهصصا ‪ ،‬حصصتى إذا مصصا شصصاع الصصوعي‬
‫السلمي وانتشر في المجتمع وصار مسصصلما ً حق صا ً فصصإن الحكومصصة‬
‫المسلمة ستنبثق منه ‪ ،‬لن انبثاقهصصا مصصن الشصصعب المسصصلم شصصيء‬
‫طبيعي كخروج الثمرة من الشجرة ‪ ،‬والشصصعب المسصصلم هصصو الصصذي‬

‫‪2‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪. 158‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪. 158‬‬
‫يشصصيع فيصصه الصصوعي السصصلمي الصصصحيح وتكصصون طليعتصصه الجماعصصة‬
‫المسصصلمة المسصصتنيرة المخلصصصة الصصتي ينجصصذب إليهصصا الطيبصصون‬
‫المؤمنصصون الصصصادقون دون طلصصب منهصصا إلصصى هصصذا النجصصذاب كمصصا‬
‫ينجذب الحديد إلى المغناطيس ‪.‬‬

‫‪ 115‬ص ثانيا ً ‪ :‬رياء الجماعة المسلمة يجلب المحن ‪:‬‬


‫وقد يكون الصصدافع للجماعصصة المسصصلمة فصصي سصصعيها لجلصصب المحصصن‬
‫لنفسها هو رياؤها وطلبهصصا السصصمعة لنفسصصها عنصصد النصاس ‪ .‬وهصصذا‬
‫الدافع للعمل ص الرياء وطلب السمعة ص ص داء قصصديم فصصي الجماعصصات‬
‫والفراد ولكن ضرره بالجماعة المسلمة أشد من ضصصرره بصصالفراد‬
‫ن الجماعة السلمية قصصامت علصصى أسصصاس‬ ‫وبالجماعات الدنيوية ‪ .‬إ ّ‬
‫المعاني السلمية وللدعوة إليها ‪ ،‬فمن التناقض أن يكون الصصدافع‬
‫لعملها هو ما حّرمه الله ‪ :‬الرياء وطلب السمعة عند النصصاس ‪ .‬إنهصصا‬
‫تسعى لعلء كلمة الله بتطبيق شرعه ونصرة دينه ابتغصصاء مرضصصاة‬
‫الله وطاعته فيجب أن تنأى عن الرياء بأي شكل كان ‪ .‬وعليها أن‬
‫تعلم أن خطر الرياء عظيم وتأثيره في النفس كبير ‪ ،‬فقد يحمصصل‬
‫الرياء المرائي على أن يعرض نفسه للقتل حتى يقول الناس ولو‬
‫بعد قتله ‪ :‬ما أشجعه وما أجرأه ‪.‬‬
‫فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه عصصن‬
‫ن أول النصصاس ُيقضصصى يصصوم‬ ‫النبي صلى الله عليه وسصصلم قصصال ‪) :‬إ ّ‬
‫ي به فعّرفه نعمة فعرفها ‪ .‬قصصال ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫القيامة عليه رجل استشهد فأت ِ َ‬
‫فما عملصصت فيهصصا؟ قصصال ‪ :‬قصصاتلت فيصصك حصصتى استشصصهدت ‪ .‬قصصال ‪:‬‬
‫كذبت ولكنك قاتلت لن يقصصال جريصصء ‪ ،‬فقصصد قيصصل ‪ ،‬ثصصم أمصصر بصصه‬
‫فسحب على وجهه حتى ُألقي في‬
‫النار ‪. 1(..‬‬
‫والمعنى أن أول الناس يجري عليه القضاء رجل مات في الجهصصاد‬
‫أي في قتال الكفار ‪ ،‬فيؤتى بصصه ويوقصصف بيصصن يصصدي اللصصه تعصصالى ‪،‬‬
‫فيعرفه الله بنعمه التي أنعصصم بهصصا عليصصه فصي الصدنيا فيعصترف بهصا‬
‫فيقول الله تعالى له فما عملت في هذه النعم الصصتي أنعمصصت بهصصا‬
‫عليك ‪ ،‬هل قمت بشكرها؟ فيقول هذا الرجل ‪ :‬قاتلت في سبيلك‬
‫وبطلب مرضاتك حتى استشهدت ‪ ،‬فيقصصول اللصصه تعصصالى ‪ :‬كصصذبت ‪،‬‬
‫ولكنك قاتلت حتى يقصال إنصك جريصء ‪ ،‬أي شصجاع ‪ ،‬وقصد قيصل مصا‬
‫قاتلت من أجله ‪ .‬فانظروا ص رحمكم الله ص يصصا جماعصصة المسصصلمين ‪،‬‬
‫كيف يعمل الرياء بصاحبه؟ إنه يحمله علصصى ان يمصصوت بيصصد الكفصصار‬
‫حتى يقول الناس ولو بعد موته إنه شجاع ‪ ،‬وفي الخصصرة ينتظصصره‬
‫عذاب أهصصل الريصصاء ‪ ،‬فهصصل يليصصق بالمسصصلم العاقصصل المصصؤمن بصصالله‬
‫واليصصوم الخصصر أن يبتغصصي بعملصصه مصصدح النصصاس وثنصصاءهم عليصصه مصصع‬

‫‪ 1‬ـ رواه مسلم والترمذي والنسائي ‪ ،‬انظر التاج الجامع للصول في أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم تأليف الشيخ منصور علي‬
‫ناصف ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ 57‬ـ ‪. 58‬‬
‫خسرانه الدنيا بفقد حياته وخسران الخرة بمقت الله له وإدخصصاله‬
‫النار؟‬

‫‪ 116‬ص افتضاح رياء الجماعة المسلمة ‪:‬‬


‫وأيضا ً فإن الجماعة المسلمة إذا عملت للرياء وطلب السمعة بصصان‬
‫تجلب على نفسها المحن والبليا ليقول النصصاس عنهصصا مصصا أجرأهصصا‬
‫وما أشصصجع أعضصصاءها فسيصصصيبها زيصصادة علصصى المحصصن الصصتي الصصتي‬
‫جلبتها لنفسها ما جصاء فصي حصديث رسصصول اللصصه صصصلى اللصصه عليصصه‬
‫وسلم الذي رواه البخاري في صحيحه عن جندب رضصصي اللصصه عنصصه‬
‫مع الله به ‪،‬‬ ‫مع س ّ‬‫قال ‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪) :‬من س ّ‬
‫ومن يرائي يرائي الله به(‪. 2‬‬
‫وجاء في شرح العسقلني لهصصذا الحصصديث ‪ :‬المصصراد بالريصصاء إظهصصار‬
‫العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها ‪ .‬والمراد بالسمعة‬
‫نحو في الرياء لكنها تتعلق بحاسة السمع والرياء بحاسصصة البصصصر ‪.‬‬
‫وقال الخطابي في هذا الحديث ‪ :‬معناه من عمل عمل ً علصصى غيصصر‬
‫إخلص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه ص أي يسمعوه مصصدحهم‬
‫وثناءهم عليه ص جوزي على ذلك بان يشهره الله ويفضحه ويظهصصر‬
‫ما كان يخفيه ‪.‬‬
‫ً‬
‫وقيل في معنى الحديث أيضا ‪ :‬مصصن قصصصد بعملصصه الجصصاه والمنزلصصة‬
‫عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله تعالى يجعلصصه حصصديثا ً عنصصد‬
‫الناس الذين أراد نيل المنزلة عنصصدهم ول ثصصواب لصصه فصصي الخصصرة ‪.‬‬
‫ومعنى )يرائي الله به( أي يطلعهم الله تعالى على انه فعل ذلصصك‬
‫العمل لهم ل لوجهه تعالى‪. 3‬‬
‫ويبدو لي أن المصصرائي الصصذي يقصصصد بعملصصه ثنصصاء النصصاس عليصصه قصصد‬
‫يحصل له ذلك كما في الحديث الذي يقاتل ليقال عنه جريء وقصصد‬
‫ذكرناه في الفقرة السابقة ‪ ،‬ثم يصصصيب المصصرائي انكشصصاف ريصصائه‬
‫للناس وما يترتب على ذلك من ذمهم له وازدرائهم له‪.‬‬

‫‪ 117‬ص قد تفعل الجماعصصة المسصصلمة مصصا يفعلصصه مصصن يقاتصصل للريصصاء‬


‫والسمعة ‪:‬‬
‫وقد تفعل الجماعة المسلمة فعل المرائي وطالب السصصمعة الصصذي‬
‫يقاتل ليعرف مكانه ويمدحه الناس بأن تتعمد الجمماعة المسصصلمة‬
‫المواجهة والمقابلة مع عدوها وهصصي تعلصصم عجزهصصا عصصن مصصواجهته‬
‫ومنازلته وتعلم أنها يسعها شرعا ً أن ل تفعل ذلصصك ولكنهصصا تفعلصصه‬
‫وتصر على فعله طالبا ً للسمعة والمنزلة عند الناس وحتى يقولوا‬
‫ما أشجع هذه الجماعة ومصا أجرأهصا ‪ ،‬ويكصون الثمصن الصذي تقصدمه‬
‫ثمنا ً باهظا ً جدا ً ‪ :‬إنه سخط الله عليها لنها لم تقصد بعملها وجصصه‬

‫‪2‬‬
‫ـ صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 326‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 326‬‬
‫الله وطاعته ومرضاته وإنمصصا أرادت بعملهصصا هصصذا مرضصصاة النصصاس ‪،‬‬
‫ومن طلب مرضاة الناس بسخط الله أسصصخط اللصصه عليصصه النصصاس ‪.‬‬
‫ومع سخط الله فإنها تعّرض أعضاءها ص وهم أمانصصة عنصصدها ص ص إلصصى‬
‫الذى وتنكيل العداء بهصصم وزجهصصم بالسصصجون ومصصصادرة أمصصوالهم‬
‫والعتداء على أعراضهم وتعريضهم للفتنة وزعزعة إيمانهم إلصصى‬
‫غيصصر ذلصصك مصصن البليصصا العظصصام الصصتي سصصببتها لهصصم جمصصاعتهم أو‬
‫قيادتهم‪.‬‬
‫ض‬
‫ف ّ‬ ‫ثم مع هذا الذي ذكرته ستضيق سبل العمل على الجماعة وي َن ْ َ‬
‫ضعاف اليمان من حولها خوفا ً من أن يمسهم الذى ص ص وقصصد كصصان‬
‫من المأمول تقوية إيمانهم لو بقيت الجماعة في منأى عصصن البلء‬
‫الذي نزل بها ص كما ان الناس ل يقبلون على الجماعصصة خوف صا ً مصصن‬
‫تنكيل خصومها بهم ‪.‬‬

‫‪ 118‬ص العمل الخالص لله هو المقبول عند الله ‪:‬‬


‫ن العمل الخالص لله المقبول عنده هو‬ ‫ولتعلم الجماعة المسلمة أ ّ‬
‫الخالي من الرياء وطلب السمعة ‪ ،‬فلتحرص أن يكون عملها دائما ً‬
‫خالصا ً لله بأن يكون الصصدافع لصصه مرضصصاة اللصصه وإعلء كلمصصة اللصصه ل‬
‫طلب السمعة وثناء النصصاس فقصصد جصصاء فصصي الحصصديث الصصذي أخرجصصه‬
‫البخاري في صحيحه عن أبي موسى رضي الله عنصصه قصصال ‪) :‬جصصاء‬
‫رجل إلصى النصصبي صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم فقصصال ‪ :‬الرجصصل يقاتصصل‬
‫للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل لُيرى مكانه فمن فصصي‬
‫سبيل الله؟ قال ‪ :‬من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهصصو فصصي‬
‫سبيل الله(‪. 1‬‬
‫وجاء في شصصرحه ‪ :‬قصصوله )والرجصصل يقاتصصل للصصذكر( أي ليصصذكر بيصصن‬
‫الناس ويشتهر بالشجاعة ‪ .‬وقوله ‪) :‬والرجل يقاتل ليصصرى مكصصانه(‬
‫وفي رواية أخرى )والرجل يقاتل ريصصاء( فمرجصصع الصصذي قبلصصه إلصصى‬
‫السمعة ومرجع هذا إلصى الريصاء وكلهمصا مصذموم ‪ .‬وقصوله ‪) :‬مصن‬
‫قاتل لتكون كلمة الله هصصي العليصصا فهصصو فصصي سصصبيل اللصصه( المصصراد‬
‫بكلمة الله كلمة التوحيد ودينه السلم المبني عليها والدعوة إليه‬
‫‪ .‬واشتمل طلب إعلء كلمة الله علصصى طلصصب رضصصاه وطلصصب ثصصوابه‬
‫وطلب دحض أعدائه‪. 2‬‬

‫‪ 119‬ص ل ينبغي للمسلم أن يذل نفسه ‪:‬‬


‫وأيضا ً ‪ ،‬إن في تعريض الجماعة أعضاءها إلى المحن التي تعمدت‬
‫وقوعها طلبا ً للسمعة والرياء إذلل ً لهصم علصى أيصصدي أعصدائها مصن‬
‫الكفرة الفجرة ‪ ،‬وهي ممنوعة من ذلك شصصرعا ً ‪ ،‬قصصال صصصلى اللصصه‬
‫عليه وسلم ‪) :‬ل ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ‪ .‬قالوا ‪ :‬كيف يصصذل‬

‫‪1‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪ 27‬ـ ‪. 28‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪ 28‬ـ ‪ ، 29‬وعمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني ‪ ،‬ج ‪ ، 14‬ص ‪. 108‬‬
‫نفسه؟ قال يتعرض من البلء لما ل يطيصصق(‪ ، 3‬والظصصاهر أنصصه فصصي‬
‫حق من يتعرض إلى البلء لظّنه بقدرته على ذلك ‪ ،‬ومصع هصصذا جصاء‬
‫ء للسصصمعة والريصصاء وهصصو‬
‫النهي عنه ‪ ،‬فكيف بالذي يتعرض إلصصى بل ٍ‬
‫يعلم أنه ل يطيق هذا البلء؟‬

‫‪ 120‬ص ثانيا ً ‪ :‬التصور الخاطىء للجماعة يحملها على جلصب المحصن‬


‫لنفسها ‪:‬‬
‫وقد تقع الجماعة في الوهم والتصور الخاطىء وسوء التقدير بما‬
‫تحصل به الجماعة على ثقصصة النصصاس ورضصصاهم فتعتقصصد أن ذلصصك ل‬
‫ت وقدمت أعضاءها إلى أعصصدائها ليجلصصدوهم‬ ‫ُ‬
‫يحصل لها إل إذا أوِذي ْ‬
‫ويعذبوهم بأنواع العذاب ويذلوهم ويحبسوهم أو يقتلوهم ‪ ،‬وبهذا‬
‫ص في تصورها ص تقدم الجماعة )شصصهادة حسصصن السصصلوك( لنفسصصها‬
‫لجماهير الناس حتى يثقوا بها ويرضوا عليها ‪ .‬وهذا خطصصأ جسصصيم‬
‫فإن ثقة الناس ورضاهم وإقبالهم عليها ل يحصصصل شصصيء منصصه إل‬
‫برضا الله فقط ‪ ،‬ورضاه يحصصصل بجعصصل عملهصصا صصصحيحا ً وبصصإخلص‬
‫نيتهصصا ‪ .‬ويكصصون عملهصصا صصصحيحا ً إذا وافصصق الشصصرع واخصصذت بسصصنته‬
‫العامة واعتبرت بها ‪ .‬وإخلص النّية بصصان يكصصون العمصصل للصصه وحصصده‬
‫فقط ل غير أي لطلب مرضاته فقصصط مصصائة بالمصصائة ‪ .‬فهصصذا النهصصج‬
‫من العمل إذا التزمت به الجماعة وعضت عليه بالنواجذ ولصصم تحصصد‬
‫عنه قط هو الذي يجلب ثقة الناس بها ورضاهم عليها ‪ ،‬ويكسصصبها‬
‫قبل هذا وذاك تأييد الله لها ‪.‬‬

‫‪ 121‬ص اعتراض ودفعه ‪:‬‬


‫وقصصد يعصصترض علينصصا معصصترض بصصأن معنصصى كلمصصي ومصصآله أن علصصى‬
‫الجماعة المسلمة أن تقعد ول تعمل حصصتى تنجصصو وينجصصو أعضصصاؤها‬
‫من المحن والبلء والشدائد ‪ ،‬فهصصل هصصذا يجصصوز؟ والجصصواب أنصصا لصصم‬
‫أقصصصد بكلمصصي هصصذا المعنصصى الصذي يقصصوله المعصصترض ‪ ،‬وإن كلمصصه‬
‫نفسه ل يدل على هذا المعنى ‪ ،‬وإنما قصدت بكلمي شيئين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬تعمصصد وقصصوع المحصصن مصصن قبصصل الجماعصصة وسصصعيها إلصصى‬
‫استجلبها وإيقاعها على نفسها وعلى أعضائها وقصصد بّينصصت خطصصأ‬
‫ذلك ودليله ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬بيان ما يدفع الجماعة المسلمة إلى سعيها إلى استجلب‬
‫المحن لنفسها ولعضائها فقلت بأن هذا الدافع قصد يكصون الريصاء‬
‫وطلب السمعة وقد يكون التصصصور الخصصاطىء لمصصا يجلصصب لهصصا ثقصصة‬
‫الناس ورضاهم عليها وبّينت أن هذا ل يجوز شرعا ً ‪.‬‬
‫أما أن مآل كلمي هو ما ذكره المعترض فهذا فهصصم غيصصر صصصحيح ؛‬
‫لن كلمي واضح ومع وضوحه أزيصصده وضصصوحا ً فصصأقول علصصى وجصصه‬
‫الجمصصال إن علصصى الجماعصصة المسصصلمة أن تصصزن أعمالهصصا كّلهصصا بل‬
‫‪3‬‬
‫ـ رواه الترمذي كما جاء في التاج الجامع للصول من أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 308‬‬
‫استثناء بميزان الشصصرع فصصإذا أذن لهصصا بالتقصصدم وبالعمصصل بأسصصلوب‬
‫معيصصن تقصصدمت وعملصصت ‪ ،‬وإذا منعهصصا مصصن ذلصصك امتنعصصت ؛ لنهصصا‬
‫محكومة بالشرع في كل تصصصرفاتها وفصصي أفعالهصصا وتروكهصصا ‪ ،‬ول‬
‫يجصصوز أن تخصصالف الشصصرع وهصصي تصصدعو النصصاس إلصصى حكصصم الشصصرع‬
‫وتحكيمه في جميع شؤونهم ‪ .‬وميصزان الشصرع يقصوم علصى كتصاب‬
‫الله وسّنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلصصى الجتهصصاد الصصصحيح‬
‫القائم على الكتاب والسّنة النبوية‪.‬‬
‫ومن معاني الشرع ومبادئه الثابتة ‪) :‬فصصاتقوا اللصصه مصصا اسصصتطعتم(‬
‫ودفع أعظم المفسدتين بتحمل أقلهما ‪ ،‬وإن درء المفاسصصد أولصصى‬
‫من جلب المصالح ‪) ،‬ول تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا‬
‫لقيتموهم فاصبروا( وإن من سّنة الله في تدافع الحصصق والباطصصل‬
‫وجوب إعداد القوة اللزمة لدفع الباطل ‪ ،‬وإنه قبل هذا العداد ل‬
‫يجوز المقابلة مع العدو بالقتال ‪.‬‬

‫‪ 122‬ص تذكير أخير للجماعة المسلمة ‪:‬‬


‫وتذكير أخير للجماعة المسلمة نختم به كلمنا بخصوص سصّنة اللصصه‬
‫في الفتن والبتلء ‪ ،‬فأقول إن من السهل لكل إنسان أن يتعمصصد‬
‫تقديم نفسه إلى عدوه ليأسره أو يحبسه أو يؤذيه أو يقتله ولكصصن‬
‫ليس من السهل لكل إنسان أن يجاهد عدوه ويخادعه فصصي جهصصاده‬
‫معه ول يعينه على أن يأسره أو يؤذيه ‪ ..‬والمطلوب مصصن الجماعصصة‬
‫المسلمة أن تعمل ول تتعمد تقديم نفسها أو تقديم أعضائها إلى‬
‫عصصدوها ليؤذيهصصا ويصصؤذيهم ويصصذلها ويصصذلهم ‪ ،‬ومصصن هصصذا التعمصصد‬
‫المحظور ‪ ،‬أو بأخذ حكمه ‪ ،‬إصصصرارها علصصى أسصصلوب معيصصن للعمصصل‬
‫يؤذيها مع أن الشرع يأذن لها بغيره ‪.‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫سّنة الله في الظلم والظالمين‬
‫] قانون الظلم [‬
‫‪ 122‬ص تعريف الظلم في اللغة ‪:‬‬
‫جاء في لسان العرب‪ : 1‬الظلم وضصصع الشصصيء فصصي غيصصر موضصصعه ‪.‬‬
‫وأصل الظلم الجوز ومجاوزة الحدّ ‪ .‬ويقال ‪ :‬ظلمه يظلمصصه ظلمصصا ً‬
‫مصصه‬ ‫ومظلمة ‪ ،‬فالظلم مصدر حقيقي ‪ .‬وهو ظالم وظلوم ‪ .‬والظَل َ َ‬
‫ه وهصصي‬ ‫ظلمة مصصا ُتظلم ص ُ‬ ‫هم المانعون أهل الحقوق حقوقهم ‪ .‬وال ُ‬
‫مظِْلمة ‪ .‬وتظالم القوم ‪ :‬ظلم بعضهم بعضا ً ‪.‬‬ ‫ال َ‬
‫‪2‬‬
‫وفي المفردات للراغب الصصصفهاني ‪ :‬والظلصصم عنصصد أهصصل اللغصصة‬
‫وكثير من أهل العلم ‪ :‬وضع الشيء في غير موضعه المختصصص بصصه‬
‫إما بنقصان أو بزيادة ‪ ،‬وإما بعدول عن وقته أو مكانه ‪.‬‬
‫وقال الفيروزآبادي‪ : 3‬والظلم يقال في مجاوزة الحق ويقال في‬
‫الكثير والقليل ‪.‬‬

‫‪ 124‬ص المعنى الشرعي للظلم ‪:‬‬


‫قال المام العسقلني في شرحه لصحيح البخاري ‪ :‬والظلم وضع‬
‫الشيء في غير موضعه الشرعي‪. 4‬‬
‫وقال المام العيني ‪ :‬الظلم أصله الجور ومجاورة الحصصد ‪ .‬ومعنصصاه‬
‫الشرعي وضع الشيء في غير موضعه الشرعي‪. 5‬‬

‫‪ 125‬ص الظلم ضد العدل ‪:‬‬


‫والظلم ضد العدل ونقيضه ‪ ،‬فما معنى العدل؟‬
‫جاء في لسان العرب ‪ :‬العدل ما قام فصصي النفصصوس أنصصه مسصصتقيم‬
‫وهو ضد الجور ‪ .‬وعدل الحاكم في الحكم يعدل عدل ً وهو عصصادل ‪.‬‬
‫والعدل الحكم بالحق ‪ .‬والعدل من الناس المرضي قوله وحكمه‪. 6‬‬
‫وجاء في المفردات للراغب الصفهاني ‪ :‬العدل هو المساواة في‬
‫المكافأة‪. 7‬‬
‫وجاء في النهاية لبن الثير ‪ :‬العدل هو الصصذي ل يميصصل بصصه الهصصوى‬
‫فيجور في الحكم‪. 8‬‬
‫وقال الفيروزآبادي ‪ :‬العدل خلف الجور‪ .‬وعدل عليه في القضية‬
‫فهو عادل‪. 9‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬لبن منظور ‪ ،‬ج ‪ ، 15‬ص ‪. 266‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ المفردات في غريب القرآن ‪ ،‬للراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 315‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 230‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 95‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري ‪ ،‬للعيني ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 238‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 156‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ المفردات في غريب القرآن ‪ ،‬للراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 325‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ النهاية لبن الثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 189‬‬
‫‪9‬‬
‫ـ بصائر ذوي التمييز للفيروزابادي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 28‬‬
‫‪ 126‬ص التعريف المختار للعدل ‪:‬‬
‫وفي ضوء ما قيل في تعريصصف العصصدل وأنصصه ضصصد الجصصور والظلصصم ‪،‬‬
‫ومن تعريف الظلم ‪ ،‬يمكن تعريف العدل بصصأنه وضصصع الشصصيء فصصي‬
‫موضعه الشرعي ‪ ،‬وإعطاء كل شيء حقه من المكانصصة أو المنزلصصة‬
‫أو الحكم أو العطاء ‪.‬‬

‫‪ 127‬ص تحريم الظلم في كل شيء ولكل إنسان ‪:‬‬


‫في القرآن الكريم آيات كصصثيرة صصصريحة فصصي تحريصصم الظلصصم بصصذكر‬
‫اسمه ‪ ،‬وآيات كثيرة في تحريم الظلم بصورة غير مباشصصرة وذلصصك‬
‫بالمر بالعدل لن المر بالعدل نهي عن الظلصصم فمصصن ذلصصك قصصوله‬
‫ن الله يأمر بالعدل( ‪ ،‬هكذا أمرا ً مطلقا ً بالعدل بكصصل مصصا‬ ‫تعالى ‪) :‬إ ّ‬
‫هو عدل ولكل إنسان فل يجوز ظلمه ولو كصصان كصصافرا ً أو ظالمصصا ً ‪،‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪)) :‬ولهذا كان العدل أمرا ً واجب صا ً فصصي‬
‫كل شيء وعلى كل أحد والظلم محرما ً في كل شيء ولكصصل أحصصد‬
‫فل يحل ظلم أحد أصل ً سواء كان مسلما ً أو كافرا ً أو كان ظالما ً ‪،‬‬
‫وامين للصصه شصصهداء‬ ‫قصصال تعصصالى ‪) :‬يصصا أّيهصصا الصصذين آمنصصوا كونصصوا ق ص ّ‬
‫بالقسط ول يجرمّنكم شصصنآن قصصوم علصصى أن ل تعصصدلوا اعصصدلوا هصصو‬
‫أقصصرب للتقصصوى( ‪ ،‬ومعنصصى شصصنآن قصصوم أي بغصصض قصصوم وهصصم‬
‫الكفار((‪. 1‬‬
‫وقال ابن تيمية أيضا ً ‪) :‬لنه صص أي العصصدل صص وهصصو الصصذي أنزلصصت بصصه‬
‫الكتب وأرسل به الرسل ص وضده الظلم وهو محّرم كمصصا جصصاء فصصي‬
‫الحديث القدسي كما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ‪:‬‬
‫يا عبادي إني حّرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمصصا ً فل‬
‫تظالموا(‪. 2‬‬

‫‪ 128‬ص توبة الظالم وهل تدفع عنه عقوبة الخرة ‪:‬‬


‫من المعلوم أن الظلم معصية ‪ ،‬وأن الظالم إذا لم يتب من ظلمصصه‬
‫عوقب عليه في الخرة ‪ ،‬وأنه إذا تاب توبة نصوحا ً مقبولة فتصصوبته‬
‫تسقط عنه عقوبة ظلمصصه ‪ .‬ولكصصن إذا كصصان ظلمصصه يتعلصصق بحقصصوق‬
‫الناس كما لو قتصصل غيصصره ظلمصا ً أو آذاه فصصي بصصدنه بغيصصر القتصصل أو‬
‫غصبه حقا ً له ثم تاب فهل تسقط تصصوبته عقوبصصة ظلمصصه هصصذا فصصي‬
‫الخرة؟ تعرض شيخ السلم ابن تيمية لهذه المسألة فقصصال ‪) :‬إن‬
‫التوبة المجّردة تسقط حق الله من العقاب وأما حق المظلوم فل‬
‫يسقط بمجرد التوبة ‪ ،‬فمن تاب من ظلم لصصم يسصصقط بتصصوبته حصصق‬
‫المظلوم ‪ ،‬لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته ‪ ،‬وإن لصصم‬
‫يعوضه في الدنيا فل بد له من العوض في الخرة فينبغي للظالم‬

‫‪1‬‬
‫ـ فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬طبعة فرج ال زكي الكردي الزهري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ 351‬ـ ‪. 352‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬طبعة فرج ال زكي الكردي الزهري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 353‬‬
‫التائب أن يستكثر مصصن الحسصصنات حصصتى إذا اسصصتوفى المظلومصصون‬
‫حقوقهم لم يبق مفلسًا‪ .‬ومع هذا فإذا شاء الله تعالى أن يعصصوض‬
‫المظلوم من عنده فل راد لفضله كمصصا إذا شصصاء أن يغفصصر مصصا دون‬
‫الشرك لمن‬
‫يشاء(‪. 3‬‬

‫‪ 129‬ص عقوبة الظالم في الدنيا ‪:‬‬


‫والغالب أن الظالم ص حسصب سصّنة اللصصه فصي الظلصم والظصصالمين صص‬
‫يعاقب في الدنيا على ظلمه للغير ‪ ،‬يدل على ذلك حصصديث رسصصول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجصصه أبصصو داود ‪) :‬مصصا مصصن ذنصصب‬
‫دخر‬ ‫جل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع مصصا ي ص ّ‬ ‫أجدر أن ُيع ّ‬
‫له في الخرة مثل البغي وقطيعة الرحم( ‪ .‬وجاء في شرحه ‪ :‬مصصا‬
‫من ذنب أحق وأولى لصاحبه أي لمرتكب الذنب أن يعجل اللصصه لصصه‬
‫العقوبة مع ما يؤجل من العقوبة له في الخرة مثصصل )البغصصي( أي‬
‫بغي الباغي وهو الظلم والخروج عن السلطان أو الكبر وقطيعصصة‬
‫الرحم أي ومن قطع صلة ذوي الرحام‪. 4‬‬
‫وأيضا ً فصصإن المظلصصوم مسصصتجاب الصصدعوة جصصاء فصصي الصصصحيح الصصذي‬
‫ن النصصبي صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬‫أخرجه البخاري عن ابن عباس أ ّ‬
‫قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن )‪ ..‬واتق ودعوة المظلوم‬
‫فإنها ليس بينها وبين الله حجاب( ‪ .‬وجاء في شرحه للعسقلني ‪:‬‬
‫أي تجنب الظلم لئل يدعو عليك المظلوم ‪ .‬وفيه تنبيه على المنصصع‬
‫من جميع أنواع الظلم ‪.‬‬
‫وقصصوله ‪) :‬ليصصس بينهصصا وبيصصن اللصصه حجصصاب( أي ليصصس لهصصا صصصارف‬
‫يصرفها ول مانع ‪ ،‬والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصصصيا ً كمصصا جصصاء‬
‫فصصي حصصديث أبصصي هريصصرة عنصصد أحمصصد مرفوعصصا ً ‪ ) :‬دعصصوة الظصصالم‬
‫مستجابة وإن كان فاجرا ً ففجوره على نفسه(‪. 5‬‬
‫ومما يكمل الستدلل بهذا الحديث النبوي الشريف أن نقول ‪ :‬إن‬
‫المظلصصوم يصدعو عصصادة علصى ظصصالمه لينتقصصم اللصصه منصصه فصي الصدنيا‬
‫ليشفي ما في صصصدره مصصن غيصصظ علصصى ظصصالمه ‪ ،‬وحيصصث إن دعصصوة‬
‫المظلوم مستجابة ‪ ،‬فإجابته ص إذا شاء الله ص تكون بمعاقبة الظالم‬
‫بالدنيا ‪.‬‬
‫‪ 130‬ص استدراك وتوضيح ‪:‬‬
‫ولكن ما قلناه من أن الغالب في الظالم معاقبته في الدنيا علصصى‬
‫ظلمصصه ‪ ،‬ل يعنصصي ص ص كمصصا هصصو واضصصح مصصن قولنصصا ‪ :‬إن الغصصالب فصصي‬
‫الظالم ‪ ..‬الخ ص إن كل ظالم يناله العقاب علصى ظلمصه فصي الصدنيا‬
‫‪ 3‬ـ فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 362‬وقول ابن تيمية ‪)) :‬حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسًا(( كأنه رحمه ال تعالى يشير‬
‫إلى الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة ‪)) :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم من كانت له مظلمة لخيه من عرضه أو شيء‬
‫فليتحلله منه اليوم قبل أن ل يكون دينار ول درهم ‪ ،‬إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات‬
‫صاحبه فحمل عليه(( ‪ ،‬صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 101‬‬
‫‪ 4‬ـ عون المعبود شرح سنن أبي داود ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 244‬‬
‫‪ 5‬ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 360 ، 357‬‬
‫حتما ً وفورا ً أو عاجل ً لن من سّنة الله أيضا ً إمهصال الظصالم ولكصن‬
‫دون إهماله ‪ .‬وقد يكون في عدم تعجيل عقوبته في الدنيا لحكمة‬
‫يعلمها الله ول نعلمها مثل استدراجه ‪ ،‬أو لكون المظلوم قد ظلم‬
‫ل فيه من ظلم هو جزاء ظلمصصه لغيصصره ‪ ،‬أو لعلصصم اللصصه‬ ‫غيره وما ح ّ‬
‫ً‬
‫بصلح هذا الظصصالم مسصصتقبل ً وتصصوبته توبصصة نصصصوحا وتحللصصه ممصصن‬
‫ظلمه ‪ ،‬أو لغير ذلك من موانع تعجيل العقوبة على الظالم فنحصصن‬
‫ل نحيط بكل جوانب حكمة الله ومفردات سننه في عباده ‪ ،‬وإنمصصا‬
‫نستطيع القول بان الظلم جدير بأن يعجل العقصصاب علصصى مرتكبصصه‬
‫كما جاء في الحديث الذي ذكرناه ‪ ،‬وإن المظلوم مستجاب الدعوة‬
‫وهو في الغالب يدعو على ظالمه بالنتقام العاجل ‪ ،‬فيكون ذلصصك‬
‫كّله من أسصصباب تعجيصصل العقوبصصة علصصى الظصصالم ولكصصن يبقصصى وراء‬
‫السباب حكمة الله ومشيئته النافذة في العباد ‪.‬‬

‫‪ 131‬ص من عقاب الظالم تسليط ظالم عليه ‪:‬‬


‫ن الرعية الظالمصصة أي‬ ‫من سنة الله تعالى في الظلم والظالمين أ ّ‬
‫التي يتظالم أفرادها فيما بينهم يوّلى عليها حاكم ظصصالم فيكصصون‬
‫تسلطه عليهم من العقاب لهم على ظلمهم قال تعالى ‪) :‬وكذلك‬
‫نوّلي بعض الظالمين بعضا ً بما كانوا يكسبون(‪. 1‬‬
‫وجاء في تفسيرها ‪ :‬نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله‬
‫‪ .‬وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالما ً‬
‫آخر ‪ .‬ويدخل في الية جميع من يظلم نفسه أو يظلصصم الرعيصصة أو‬
‫التاجر يظلم الناس في تجارته‪ . 2‬وقال المام الرازي في تفسير‬
‫هذه الية ‪) :‬الية تدل على أن الرعية مصصتى كصصانوا ظصصالمين فصصالله‬
‫تعالى يسلط عليهم ظالما ً مثلهصصم ‪ ،‬فصصإن أرادوا أن يتخلصصصوا مصصن‬
‫ذلك المير الظالم فليتركوا الظلم(‪ . 3‬وقال اللوسي في تفسصصير‬
‫هذه الية ‪) :‬وقد استدل بالية على أن الرعيصصة إذا كصصانوا ظصصالمين‬
‫فإن الله تعالى يسلط عليهم ظالما ً مثلهم ‪ ،‬وفصصي الحصصديث ‪ :‬كمصصا‬
‫تكونوا يولى عليكم(‪. 4‬‬

‫‪ 132‬ص ل يفلح الظالمون ‪:‬‬


‫ومصصن سصصنته تعصصالى فصصي الظلصصم والظصصالمين أنهصصم ل يفلحصصون ول‬
‫يفوزون في الدنيا كما ل يفلحون ول يفوزون في الخصصرة ‪ .‬قصصال‬
‫تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫قل يصصا قصصوم اعملصصوا علصصى مكصصانتكم إنصصي عامصصل فسصصوف‬
‫‪5‬‬
‫تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه ل يفلصصح الظصصالمون( ‪ ،‬وهصصذا‬
‫خطاب من الله تعالى لرسوله محمصصد صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم أن‬

‫‪1‬‬
‫ـ سورة النعام ‪ ،‬الية ‪. 129‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 85‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 194‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ج ‪ ، 8‬ص ‪. 27‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة النعام ‪ ،‬الية ‪. 135‬‬
‫يقول لقومه المصرين على كفرهم ما هو مذكور في الية ‪ ،‬وهصصو‬
‫تهديد شديد ووعيد أكيد ‪ ،‬أي اسصتمروا علصى طريقتكصم ونصاحيتكم‬
‫إن كنتصصم تظنصصون أنكصصم علصصى هصصدى فأنصصا مسصصتمر علصصى طريقصصتي‬
‫ومنهجي فسوف تعلمون بعد حين من تكون لصه العاقبصة الحسصنى‬
‫في هذه الدار ‪ ،‬وهي ل تكون إل لرسوله صلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬
‫وأتباعه المؤمنين كما وعد الله تعالى ووقع ما وعصصد اللصصه ‪ ،‬فنصصصر‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم على الكافرين ‪ ،‬وأشار إلى السصصبب‬
‫فصصي هصصذه العاقبصصة الحسصصنى لرسصصوله صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬
‫وللمؤمنين ‪ ،‬وهذا السبب هو أن مخالفيهم ظصصالمون ‪ ،‬وأن سصصنته‬
‫تعالى ‪) :‬إنه ل يفلح الظالمون( وإنما وضصع الظلصم موضصع الكفصصر‬
‫لنه أعم منه وهصصو أكصصثر فصصائدة لنصصه إذا لصصم يفلصصح الظصصالم فكيصصف‬
‫الكافر المتصف بأعظم أفراد الظلم؟‬
‫والظالمون الذين ل يفلحون يشصصمل الظصصالمين لنفسصصهم بصصالكفر‬
‫بنعم الله أو باتخاذ الشركاء له في ألوهيته كما يشصصمل الظصصالمين‬
‫للناس في حقوقهم ‪ .‬فالسنة ل تتخلف وهي أن الظالمين للناس‬
‫في حقوقهم ‪ .‬فالسّنة ل تتخلصصف وهصصي أن الظصصالمين ل يفلحصصون‬
‫فل ينتصرون ول يظفصصرون بمطلصصوبهم ‪ .‬وإذا كصصان الفلح منتفي صا ً‬
‫عن الظصصالمين بمصوجب شصصرع اللصصه وسصصنته العادلصصة انحصصصر الفلح‬
‫والفوز في أهل الحق والعصدل وهصؤلء هصم رسصل اللصه وأتبصاعهم‬
‫المؤمنون كما قال تعالى ‪) :‬إنا لننصصصر رسصصلنا والصصذين آمنصصوا فصصي‬
‫الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد( ‪ ،‬وقوله تعالى ‪) :‬ولقصصد سصصبقت‬
‫كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهصصم لهصصم المنصصصورون وإن جنصصدنا لهصصم‬
‫الغالبون(‪. 6‬‬

‫‪ 133‬ص هلك المة بظلمها ‪:‬‬


‫من سّنة الله في الظلصم والظصالمين هلك المصة بظلمهصا ‪ ،‬وفصي‬
‫بيان هذه السنة العامة آيات كثيرة في كتاب الله العزيز‬
‫منها ‪) :‬فقطع دابر القوم الصصذين ظلمصصوا( ‪ ،‬وقصصوله تعصصالى ‪) :‬هصصل‬
‫ن‬‫قصصُرو َ‬ ‫قد ْ أ َ ْ‬
‫هل َك َْنا ال ْ ُ‬ ‫ول َ َ‬
‫ُيهلك إل القوم الظالمون( ‪ ،‬وقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫موْا( ‪ ،‬وكلمة )لما( ظرف يدل على وقصصوع فعصصل‬ ‫ما ظَل َ ُ‬
‫م لَ ّ‬
‫قب ْل ِك ُ ْ‬
‫من َ‬
‫ِ‬
‫لوقوع غيره مما هو سبب له ‪ .‬وهذا يدل علصصى وقصصوع هلك المصصة‬
‫لوقصصوع سصصببه وهصصو الظلصصم ‪ .‬وهصصذا الظلصصم نوعصصان )الول( ظلصصم‬
‫الفصصراد لنفسصصهم بالفسصصق والفجصصور والخصصروج عصصن طاعصصة اللصصه‬
‫والتظالم فيما بينهم ‪) .‬والثاني( ظلم الحكام لهم على نحو يهصصدر‬
‫حقوقهم ويذهب بعزتهم ويعودهم على حياة الذل والمهانصصة ممصصا‬
‫يجعصصل المصصة ضصصعيفة غيصصر صصصالحة للبقصصاء فيسصصهل علصصى العصصداء‬
‫السصصتيلء عليهصصا واسصصتعبادها فيكصصون هصصذا محقصصا ً لهصصا وفنصصاءً‬

‫‪ 6‬ـ تفسير ابن كثير ج ‪ ، 2‬ص ‪ 178‬ـ ‪ ، 179‬تفسير اللوسي ج ‪ ، 8‬ص ‪ ، 31‬تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪ 119‬ـ ‪ ، 120‬في ظلل القرآن م ‪3‬‬
‫‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 113‬‬
‫مصصن‬ ‫مَنا ِ‬
‫صص ْ‬ ‫ق َ‬ ‫وك َص ْ‬
‫م َ‬ ‫لشخصيتها ‪ .‬فيصدق عليها قول اللصصه تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ن( ‪ ،‬وهصصذه السصصنة‬ ‫‪1‬‬
‫وم صا ً آ َ‬ ‫ها َ‬ ‫ة وَأن َ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ة َ‬ ‫َ‬
‫ري ص َ‬
‫خ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ع صد َ َ‬
‫ش صأَنا ب َ ْ‬ ‫م ً َ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫قْري َ ٍ‬
‫دائمة في المم ولها مواقيت لهلكهصصا بسصصبب الظلصصم ‪ ،‬تختلصصف ص ص‬
‫هذه المواقيت ص بصاختلف أحوالهصصا وأحصوال أعصدائها وهصصي آجالهصصا‬
‫َ‬ ‫ل أ ُم َ‬
‫فل َ‬‫م َ‬‫هص ْ‬‫جل ُ ُ‬
‫جصاء أ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫جص ٌ‬
‫ل إِ َ‬ ‫ةأ َ‬ ‫المشار إليها في قوله تعالى ‪) :‬ل ِك ُ ّ ّ ٍ‬
‫ن(‪. 2‬‬ ‫مو َ‬ ‫د ُ‬‫ق ِ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ة َ‬‫ع ً‬‫سا َ‬ ‫ن َ‬
‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ْ ِ‬
‫يَ ْ‬

‫‪ 134‬ص هلك المم الظالمة له أجل محدود ‪:‬‬


‫وهلك المصصم الظالمصصة لصصه أجصصل محصصدود ‪ ،‬بمعنصصى أن بقصصاء المصصة‬
‫الظالمصصة بقصصاء محصصدود المصصدة إذا انقضصصت هصصذه المصصدة جصصاء أجلهصصا‬
‫فتهلصصك كمصصا يهلصصك النسصصان ويمصصوت إذا حصصان أجلصصه بمضصصي مصصدة‬
‫عمره ‪ .‬وتوضيح ذلك أن الظالم في المة كصصالمرض فصصي النسصصان‬
‫يعجل في موته بعد أن يقضصصي المصدة المقصدرة لصه وهصو مريصصض ‪.‬‬
‫دة يحين أجصصل مصصوته ‪ ،‬فكصصذلك الظلصصم فصصي المصصة‬ ‫وبانتهاء هذه الم ّ‬
‫يعجل في هلكها بما يحدثه فيها من آثار مدمرة تؤدي إلى هلكها‬
‫واضمحللها خلل مدة معينة يعلمها الله هي الجل المقصصدر لهصصا ‪،‬‬
‫أي الذي قدره الله تعالى له بمصصوجب سصصنته العامصصة الصصتي وضصصعها‬
‫لجال المم بناء على ما يكون فيها من عوامل البقاء كالعدل ‪ ،‬أو‬
‫من عوامل الهلك كصالظلم الصتي يظهصر أثرهصا وهصو هللكهصا بعصد‬
‫ل أ ُم َ‬
‫ذا‬ ‫ل َ‬
‫ف صإ ِ َ‬ ‫جص ٌ‬ ‫ةأ َ‬ ‫ول ِك ُ ّ ّ ٍ‬‫دة محددة يعلمها الله ‪ .‬قال تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫مضي م ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن( قال اللوسي في‬ ‫مو َ‬‫د ُ‬
‫ق ِ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ة َ‬‫ع ً‬
‫سا َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬‫م ل َ يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫جل ُ ُ‬
‫جاء أ َ‬ ‫َ‬
‫ل( ‪ ،‬أي ولكل أمة من المم الهالكصصة أجصصل‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل أ ُمة أ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫)‬ ‫الية‬ ‫هذه‬
‫ّ ٍ َ‬ ‫َ‬
‫أي وقصصت معيصصن مضصصروب لستئصصصالهم‪ . 3‬ولكصصن هلك المصصم وإن‬
‫كان شيئا ً مؤكدا ً ولكن وقت حلوله مجهول لنا ‪ ،‬أي إننا نعلم يقينا ً‬
‫أن المة الظالمة تهلك حتما ً بسبب ظلمها حسب سنة الله تعصصالى‬
‫في الظلم والظالمين ‪ ،‬ولكننا ل نعرف وقت هلكها بالضبط ‪ ،‬فل‬
‫يمكن لحد أن يحدده باليصصام ول بالسصصنين ‪ ،‬وهصصو محصصدد عنصصد اللصصه‬
‫َ‬
‫م لَ‬ ‫جل ُ ُ‬
‫هصص ْ‬ ‫جصصاء أ َ‬ ‫فصصإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫تعصصالى بالسصصاعات ولصصذلك قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ن(‪. 4‬‬ ‫مو َ‬ ‫د ُ‬
‫ق ِ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ع ً‬ ‫سا َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ْ ِ‬
‫يَ ْ‬

‫‪ 135‬ص سنة الله مطردة في هلك المم الظالمة ‪:‬‬


‫ن‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫وسنة الله مطردة في هلك المم الظالمة قال تعالى ‪) :‬ذَل ِك ِ‬
‫كن‬ ‫وَلصصص ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫مَنصصا ُ‬‫مصصا ظَل َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫صيدٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫قآئ ِ ٌ‬‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬‫ك ِ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ه َ‬ ‫ص ُ‬‫ق ّ‬ ‫قَرى ن َ ُ‬ ‫َأنَباء ال ْ ُ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫م ال ِّتي ي َدْ ُ‬ ‫ه ُ‬‫هت ُ ُ‬
‫م آل ِ َ‬ ‫ه ْ‬‫عن ْ ُ‬‫ت َ‬ ‫غن َ ْ‬‫ما أ َ ْ‬ ‫ف َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬‫موا ْ َأن ُ‬ ‫ظَل َ ُ‬
‫ك‬ ‫خذُ َرب ّ َ‬ ‫ك أَ ْ‬‫وك َذَل ِ َ‬‫ب َ‬ ‫م َ‬
‫غي َْر ت َت ِْبي ٍ‬ ‫ه ْ‬ ‫دو ُ‬ ‫ما َزا ُ‬ ‫و َ‬‫ك َ‬ ‫مُر َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫جاء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ء لّ ّ‬
‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ِ‬

‫‪ 1‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ ، 315‬وآية )ولقد أهلكنا القرون لما ظلموا( في سورة يونس ورقمها )‪ ، (13‬وآية )وكم قصمنا‪..‬لها في سورة‬
‫النبياء ‪ ،‬ورقمها )‪. (11‬‬
‫‪ 2‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ ، 315‬والية في سورة يونس ‪ ،‬ورقمها ‪. 49‬‬
‫‪ 3‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪ ، 112‬والية في سورة العراف ‪ ،‬ورقمها ‪. 34‬‬
‫‪ 4‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 402‬‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫خذَ ال ْ ُ‬ ‫ذا أ َ َ‬
‫د(‪ . 5‬وقوله تعصصالى ‪:‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫خذَهُ أِلي ٌ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫و ِ‬ ‫قَرى َ‬ ‫إِ َ‬
‫م( أي مصصا ظلمنصصاهم بإهلكنصصا‬ ‫َ‬
‫موا أن ُ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫سص ُ‬ ‫ف َ‬ ‫كن ظل ُ‬ ‫ولص ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫مَنا ُ‬ ‫ما ظل ْ‬ ‫و َ‬
‫) َ‬
‫ُ‬
‫إياهم ولكن ظلموا أنفسهم بارتكاب ما به أهِلكوا ‪ .‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫ة( ‪ ،‬أي إن عصصذاب اللصصه‬ ‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬‫ي َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ِ‬‫قَرى َ‬ ‫خذَ ال ْ ُ‬ ‫ذا أ َ َ‬ ‫ك إِ َ‬ ‫خذُ َرب ّ َ‬ ‫ك أَ ْ‬‫وك َذَل ِ َ‬ ‫) َ‬
‫ليس بمقتصر على من تقدم مصصن المصصم الظالمصصة ‪ ،‬بصصل إن سصصنته‬
‫تعالى في أخذ كل الظالمين سّنة واحدة فل ينبغي أن يظصصن أحصصد‬
‫أن هذا الهلك قاصر بأولئك الظلمصصة السصصابقين ‪ ،‬لن اللصصه تعصصالى‬
‫ي‬
‫هص َ‬ ‫و ِ‬
‫ق صَرى َ‬ ‫ذا أ َ َ‬
‫خ صذ َ ا ل ْ ُ‬ ‫ك إِ َ‬ ‫خ صذُ َرب ّص َ‬ ‫ك أَ ْ‬ ‫وك َذَل ِ َ‬ ‫لما حكى أحوالهم قال ‪َ ) :‬‬
‫ة( ‪ ،‬فبّين الله تعالى أن كل من شارك أولئك المتقدمين في‬ ‫م ٌ‬‫ظال ِ َ‬ ‫َ‬
‫أفعالهم التي أدت إلى هلكهم فل بد أن يشاركهم في ذلك الخذ‬
‫الليم الشديد ‪ .‬فالية تحذير من وخامة الظلم ‪ ،‬فل يغصصتر الظصصالم‬
‫بالمهال‪. 6‬‬

‫‪ 136‬ص تبقى الدولة مع الكفر ول تبقى مع الظلم ‪:‬‬


‫‪7‬‬
‫قال تعالى ‪) :‬وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون(‬
‫‪ .‬إن الدولة الكافرة قد تكون عادلة بمعنى أن حكامها ل يظلمصصون‬
‫الناس والناس أنفسهم ل يتظالمون فيمصصا بينهصصم ‪ ،‬فهصصذه الدولصصة‬
‫مع كفرها تبقى ‪ ،‬إذ ليس من سّنته تعصصالى إهلك الدولصصة بكفرهصصا‬
‫فقط ‪ ،‬ولكن إذا انضم إلى كفرها ظلصصم حكامهصصا للرعيصصة وتظصصالم‬
‫الناس فيما بينهم ‪ ،‬وبهصصذا قصصال المفسصصرون وأهصصل العلصصم ‪ ،‬قصصال‬
‫المام الرازي في تفسيره )إن المراد من الظلصصم فصصي هصصذه اليصصة‬
‫الشصصرك ‪ .‬والمعنصصى أن اللصصه تعصصالى ل يهلصصك أهصصل القصصرى بمجصصرد‬
‫كونهم مشركين ‪ ،‬إذا كانوا مصلحين فصصي المعصصاملت فيمصصا بينهصصم‬
‫يعامل بعضهم بعضا ًً على الصلح ‪ ،‬وعدم الفساد(‪. 1‬‬
‫وفي تفسير القرطصصبي قصصوله تعصصالى ‪) :‬بظلصصم( أي بشصصرك وكفصصر‬
‫)وأهلها مصلحون( أي فيما بينهم في تعصصاطي الحقصصوق ‪ .‬ومعنصصى‬
‫الية ‪ :‬إن الله تعالى لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حصصتى ينضصصاف‬
‫إليه الفساد كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان وقوم‬
‫لوط باللواط‪. 2‬‬

‫‪ 137‬ص قول ابن تيمية في هلك الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة‬
‫‪:‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه اللصصه تعصصالى ‪) :‬وأمصصور النصصاس‬
‫إنما تستقيم في الدنيا مع العدل الصصذي قصصد يكصصون فيصصه الشصصتراك‬
‫في بعض أنواع الثم أكثر مما تسصصتقيم مصصع الظلصصم فصصي الحقصصوق‬

‫‪5‬‬
‫ـ سورة هود ‪ ،‬اليات ‪ 100‬ـ ‪. 102‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ 2‬ب ‪ ،‬ص ‪ ، 447‬تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪. 517‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة هود ‪ ،‬الية ‪. 117‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 18‬ص ‪. 76‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 114‬‬
‫وإن لم تشترك في إثم ‪ ،‬ولهذا قيل ‪ :‬إن الله يقيم الدولة العادلة‬
‫وإن كانت كافرة ‪ ،‬ول يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة ‪ .‬ويقصصال ‪:‬‬
‫الدنيا تدوم مع العدل والكفر ول تدوم مع الظلم والسلم ‪ .‬وذلك‬
‫أن العدل نظام كل شيء فإذا أقيم أمر الدنيا بالعصصدل قصصامت وإن‬
‫لم يكن لصاحبها من خلق ص أي في الخرة ص وإن لم تقصصم بالعصصدل‬
‫لم تقم وإن كان لصاحبها من اليمان ما يجزى به في الخرة(‪. 3‬‬

‫‪ 138‬ص من الظلم المهلك المحاباة في تطبيق القانون ‪:‬‬


‫تطصصبيق القصصانون علصصى الجميصصع وبالسصصوية وبصصدون محابصصاة يبعصصث‬
‫الطمأنينة في النفوس ‪ ،‬ويجعل الضعيف المحق يصصوقن بصصأنه فصصي‬
‫مأمن مصن ظلصم القصوي ‪ ،‬لن الدولصة معصه ممثلصة بقانونهصا الصذي‬
‫تطبقه محاكمها بعدل وبجدية وعلى الجميع وبدون محاباة لحصصد ‪،‬‬
‫ومن كانت معه الدولة وقانونها فهو أقوى مصصن غيصصره مهمصصا كصصان‬
‫هذا الغير ذا نفوذ وجاه وسلطان ‪.‬‬
‫فإذا اختل هذا الوضع فلصصم يطبصصق القصانون علصصى الجميصع وأخصصذت‬
‫المحاباة تفعل فعلها وهي التي يأخذ بها الحاكم ‪ ،‬كصصان ذلصصك مصصن‬
‫الظلم الذي تباشره الدولة أو تعين على وقوعه أو تسكت عنه فل‬
‫تمنعه ‪ ،‬فتتلبس الدولة بالظلم وتغشاها ظلمته فيقوم فيها سبب‬
‫الهلك فتهلك ‪ ،‬وهذا ما حذرنا منه رسصصول اللصصه صصصلى اللصصه عليصصه‬
‫وسصصلم ‪ ،‬فقصصد جصصاء فصصي الحصصديث الصصصحيح الصصذي أخرجصصه البخصصاري‬
‫ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا ً أهمها شصصأن المصصرأة‬
‫المخزومية التي سرقت ‪ ،‬فقالوا من يكلم فيها رسول الله صصصلى‬
‫ب‬‫الله عليه وسلم؟ فقالوا من يجترىء عليه إل أسامة بن زيصصد حصص ّ‬
‫ون وجصصه‬ ‫رسول اللصصه صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم ‪ .‬فكلمصصه فيهصصا فتلص ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليصصه وسصصلم وقصصال ‪ :‬أتشصصفع فصصي ح صدّ مصصن‬
‫حدود الله؟ فقال له أسامة ‪ :‬استغفر لي يا رسول الله ‪.‬‬
‫فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصصاختطب‬
‫فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال ‪ :‬أما بعد ‪ :‬فإنما أهلك الصصذين‬
‫من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ‪ ،‬وإذا سصصرق‬
‫ن‬
‫فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ ‪ ،‬وإني والذي نفسي بيصصده لصصو أ ّ‬
‫فاطمة بنت محمد سصصرقت لقطعصصت يصصدها ‪ .‬ثصصم أمصصر بتلصصك المصصرأة‬
‫التي سرقت فقطعت يدها‪. 4‬‬
‫وجاء في شرحه ‪ :‬وفيه ترك المحاباة فصصي إقامصصة الح صدّ علصصى مصصن‬
‫وجب عليه ولو كان ولدا ً أو قريبا ً أو كبير القدر والتشديد في ذلك‬
‫خص فيه‪. 5‬‬ ‫على من ر ّ‬

‫‪ 3‬ـ من رسالة المر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬تحقيق صلح الدين المنجد ‪ ،‬ص ‪. 40‬‬
‫‪ 4‬ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪ ، 87‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ ، 187‬وقوله ‪) :‬من يجترىء عليه(‬
‫الجرأة ‪ :‬القدام بادلل ‪ .‬والشريف هو الرجل الوجيه المحترم عند الناس ‪ .‬والوضيع هو الذي ل يبالي به ‪ :‬صحيح البخاري بشرح العيني ‪ ،‬ج‬
‫‪ ، 23‬ص ‪. 276‬‬
‫‪ 5‬ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 96‬‬
‫‪ 139‬ص تعليل هلك الدولة بالظلم ‪:‬‬
‫في الحديث الذي ذكرناه في المرأة التي سصصرقت جصصاء فصصي قصصول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪) :‬فإنما أهلك الذين من قبلكصم أنهصم‬
‫كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ‪ ،‬وإذا سصصرق فيهصصم الضصصعيف‬
‫أقاموا عليه الحدّ ( ‪ ،‬فالمحاباة في تطبيق القانون ظلم تقوم بصصه‬
‫الدولصصة أو تعيصصن عليصصه ‪ ،‬وكصصان المصصأمول أن تمنصصع الدولصصة الظلصصم‬
‫وتحمي المظلومين وتعاقب الظالمين ‪..‬‬
‫وأشد الظلصم وأوجعصصه مصا جصاءك ممصن واجبصصه أن يحميصصك ‪ ..‬وهصذا‬
‫الظلم وغيره من أنواعه المشينة ‪ ،‬إذا قامت به الدولة أو تسترت‬
‫عليه أو أعانت عليه ‪ ،‬فسيترك أثرا ً بليغا ً فصصي نفصصوس المصصواطنين‬
‫م‬
‫يتمثل بخيبة أملهم في الدولة وزعزعصصة ثقتهصصم بهصصا ‪ ..‬وُتس صِلمه ْ‬
‫هذه الحالة إلى حالصصة عصصدم الهتمصصام بالدولصصة وضصصعف الصصولء لهصصا‬
‫وعصصدم الحصصرص علصصى بقائهصصا ول الصصدفاع عنهصصا ‪ ..‬وتسصصلمهم هصصذه‬
‫الحالة إلى حالة أسوأ منها وهي رغبتهم في هلكهصا واضصمحللها‬
‫ولو باستيلء الغير عليها ولو كان مصصن أعصصداءها ‪ ..‬ولسصصان حصصالهم‬
‫يقول في تبرير رغبتهم هذه ‪ :‬إن الدولة لم تعد لنا الصصبيت الكصصبير‬
‫الذي نجد فيه المن والمان‬
‫والحمايصصة والطمأنينصصة علصصى حقوقنصصا وعصصدم اعتصصداء الظصصالمين‬
‫عليها ‪..‬‬
‫وإذا استمر الظلم وانتشر وشاع بفعصصل الدولصصة أو بتسصصترها عليصصه‬
‫وعدم منعها له وتغافلها عنه فإن المر يؤول بالناس المظلصصومين‬
‫والمنتصرن لهم من أقصصارب وأصصصدقاء إلصصى معاونصصة العصصداء علصصى‬
‫تهديم الدولة التي صارت في نظرهم عصصدوا ً لهصصم ‪ ..‬إن مصصا أقصصوله‬
‫ليس تبريرا ً لفعصصل المظلصصومين وإنمصصا هصصو وصصصف لصصواقعهم الصصذي‬
‫صاروا إليه بسبب الظلم الصصذي تصصوقعه الدولصصة أو تعيصصن الظصصالمين‬
‫على وقوعه أو ل تمنع وقوعه مع قدرتها على المنع ‪.‬‬

‫‪ 140‬ص من آثار الظلم خراب البلد ‪:‬‬


‫ومن آثار الظلم الذي يعجل في هلك الدولة الظالمة خراب البلد‬
‫اقتصاديا ً وعمرانيا ً لزهصد النصاس فصي العمصل والغنتصاج ‪ ،‬وسصعيهم‬
‫الدائم إلى الفرار والخروج منها ‪ .‬وكان هذا يؤثر في قوة الدولصصة‬
‫اقتصاديا ً وعسكريا ً ويقلصصل مواردهصصا الماليصصة الصصتي كصصان يمكصصن أن‬
‫تنفقها على إعداد قوتها في مختلف المجالت ‪ ،‬مما يجعل الدولة‬
‫ضصصعيفة أمصصام أعصصدائها الخصصارجين وإن بقيصصت قويصصة طاغيصصة علصصى‬
‫مواطنيها الضعفاء المساكين المظلومين ‪ ..‬وكل هصصذا يصصؤدي إلصصى‬
‫إغراء أعدائها من الدول القوية لتهجم عليهصصا وتسصصتولي عليهصصا أو‬
‫على بعض أقاليمها أو إلحصاق الذى والضصرر بهصا ممصا يعجصصل فصي‬
‫هلكها ‪.‬‬
‫وقد أشار علماؤنا رحمهم الله تعالى إلى أثصصر الظلصصم فصصي خصصراب‬
‫البلد ‪ ،‬ففي تفسصصير القرطصصبي قصصوله رحمصصه اللصصه ‪) :‬فصصإن الجصصور‬
‫والظلم يخ صّرب البلد بقتصصل أهلهصصا وانجلئهصصم منهصصا ‪ ،‬وترفصصع مصصن‬
‫الرض البركة(‪ . 1‬وفي تفسير اللوسي ‪) :‬وروي عصن ابصن عبصاس‬
‫أنه قال ‪ :‬أجد في كتاب الله تعالى أن الظلم يخرب البيوت ‪ ،‬وقرأ‬
‫ك َلي َص ً‬
‫ة‬ ‫فصصي ذَل ِص َ‬
‫ن ِ‬ ‫مصصا ظَل َ ُ‬
‫مصصوا إ ِ ّ‬ ‫ة بِ َ‬
‫وي َ ً‬
‫خا ِ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫فت ِل ْ َ‬
‫ك ب ُُيوت ُ ُ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن(‪. 2‬‬ ‫عل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫وم ٍ ي َ ْ‬ ‫لّ َ‬
‫ق ْ‬

‫‪ 141‬ص تأخير عقاب الظالمين ‪:‬‬


‫إن من أسماء الله الحسنى ))الحليم(( فحلمه تعصصالى واسصصع يسصصع‬
‫و‬‫ول َص ْ‬
‫الناس جميعا ً ‪ ،‬فل يعجصصل عقصصوبتهم لظلمهصصم قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫م‬ ‫ه ْ‬
‫خُر ُ‬ ‫ؤ ّ‬‫ول َك ِصصن ي ُص َ‬
‫ة َ‬‫دآب ّص ٍ‬
‫من َ‬ ‫ها ِ‬‫عل َي ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫ما ت ََر َ‬‫هم ّ‬ ‫س ب ِظُل ْ ِ‬
‫م ِ‬ ‫ه الّنا َ‬‫خذُ الل ّ ُ‬ ‫ؤا ِ‬‫يُ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َ‬ ‫ة َ‬ ‫ع ً‬‫سصصا َ‬ ‫ن َ‬‫خُرو َ‬ ‫سصصت َأ ِ‬‫م ل َ يَ ْ‬‫هصص ْ‬ ‫جل ُ ُ‬
‫جصصاء أ َ‬ ‫فصصإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫مى َ‬ ‫سصص ّ‬
‫م َ‬
‫ل ّ‬ ‫جصص ٍ‬ ‫إَلصصى أ َ‬
‫ن( ‪ ،‬أي لصصو يؤاخصصذهم بمصصا كسصصبوا مصصا تصصرك علصصى ظهصصر‬ ‫‪3‬‬
‫مو َ‬ ‫د ُ‬‫ق ِ‬‫ست َ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫ً‬
‫الرض مصصن دابصصة أي لهلصصك جميصصع دواب الرض تبع صا لهلك بنصصي‬
‫ل جلله يحلم ويستر وينظصصر إلصصى أجصصل مسصصمى‬ ‫آدم ‪ ،‬ولكن الله ج ّ‬
‫ً‪4‬‬
‫أي ل يعاجلهم بالعقوبة إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحدا ‪.‬‬

‫‪ 142‬ص سبل وقاية المة من عقوبة الظلم ‪:‬‬


‫وإذا كان الظلم سببا ً في هلك المة فمن الواجب شصصرعا النكصصار‬
‫ً‬
‫على الظالم ومنعه من الظلم وعدم الستكانة له ول الركون إليه‬
‫وبهذا تنجصصو المصصة ممصصا قصصد يحصصل بهصصا مصصن عقصصاب أو هلك بسصصبب‬
‫الظلم الواقصصع فيهصصا ‪ .‬ونتكلصصم فيمصا يلصصي عصصن سصصبل الوقايصة مصصن‬
‫الظلم وعقابه والتي اشرت إليها ‪.‬‬

‫‪ 143‬ص أول ً ‪ :‬النكار على الظالم ‪:‬‬


‫أخرجه الترمذي في جامعه عن أبي بكر الصصصديق رضصصي اللصصه عنصصه‬
‫أنه قال ‪) :‬يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه اليصة ‪) :‬يصا أيهصا الصذين‬
‫آمنصصوا عليكصصم أنفسصصكم ل يضصصركم مصصن ضصصل إذا اهتصصديتم( ‪ ،‬وإنصصي‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليصصه وسصصلم يقصصول ‪ :‬إن النصصاس إذا‬
‫رأوا ظالما ً فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم بعقاب منه( ‪.‬‬
‫وجاء في شرحه ‪ :‬أي إذا لم يمنعوه عصصن ظلمصصه مصصع القصصدرة علصصى‬
‫منعه أن يعمهم الله بعقاب منه أي بنوع من العذاب‪. 5‬‬
‫ومن الواضح أن الظالم الواجب منعصصه مصصن الظلصصم والنكصصار عليصصه‬
‫يشصصمل الحصصاكم الظصصالم وغيصصره مصصن الظلمصصة ‪ ،‬كمصصا أن العصصذاب أو‬

‫‪1‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 334‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 19‬ص ‪ ، 215‬والية في سورة النمل ورقمها ‪. 52‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة النحل ‪ ،‬الية ‪. 61‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 35‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تحفة الحوذي شرح جامعالترمذي ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 423‬‬
‫العقاب الذي يعمهم قد يكون به هلك المة ‪ ،‬وقد يكون بمصصا دون‬
‫الهلك ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 144‬ص ثانيا ‪ :‬عدم الستكانة للظالم ‪:‬‬
‫رفض الظلم وعدم الستكانة للظالم والنتصار منه ‪ ،‬كل ذلك مما‬
‫يجب أن يتربى عليه الفصصرد المسصصلم لنصصه شصصيء ضصصروري لتكصصوين‬
‫شخصصصيته السصصلمية ومصصن مقوماتهصصا الساسصصية ومصصن الصصصفات‬
‫الصصصلية للمسصصلم قصصال تعصصالى‪):‬والصصذين إذا أصصصابهم البغصصي هصصم‬
‫ينتصرون(‪ . 6‬وانتصارهم هو أن يقتصروا على ما جعلصصه اللصصه لهصصم‬
‫ول يعتدوا ‪ ،‬وهو محمودون على النتصار لن مصصن أخصصذ حقصه غيصصر‬
‫متعدّ حدّ الله وما أمر به فلم يسرف في القتصصل إذا كصصان ولصصي دم‬
‫او ردّ على سفيه محاماة على عرضه وردعا ً له فهو مطيع ‪ ،‬وكصصل‬
‫مطيع فهو محمود‪. 1‬‬
‫وفي تفسير القرطبي في هصصذه اليصصة ‪) :‬أي إذا نصصالهم ظلصصم مصصن‬
‫ظالم لم يستسلموا لظلمه(‪. 2‬‬
‫وفي صحيح البخاري ؛ قال إبراهيم النخعي كانوا ص أي الصصصحابة صصص‬
‫يكرهون أن ُيستذّلوا ‪ ،‬فإذا قدروا عفوا‪. 3‬‬
‫وقال اللوسي في تفسير الية التي ذكرناها )أي ينتقمون ممصصن‬
‫بغى عليهم على ما جعله الله تعالى لهم ول يعتدون‪ ..‬والعفو عن‬
‫العاجز المعترف بجرمه محمود ‪ ،‬والنتصار مصصن المخاصصصم المص صّر‬
‫محمود(‪. 4‬‬

‫‪ 145‬ص ثالثا ً ‪ :‬عدم الركون إلى الذين ظلموا ‪:‬‬


‫ومن سصبل الوقايصة مصن وقصوع الظلصم أو شصيوعه وانتشصاره ومصا‬
‫يترتب على ذلك من العقاب أو الهلك بالمة ‪ ،‬عصصدم الركصصون إلصصى‬
‫الذين ظلموا بأي نوع مصصن أنصصواع الركصصون إليهصصم حصصتى يعجصصزوا أو‬
‫يضصصعفوا عصصن ارتكصصاب الظلصصم لسصصيما الحكصصام الظلمصصة ‪ ،‬لنهصصم ل‬
‫يرتكبصصون المظصصالم إل بصصأعوانهم وبسصصكوت أهصصل الحصصق عنهصصم أو‬
‫بركونهم إليهم ‪ .‬قال تعالى محذرا ً من الركون إلى الذين ظلموا ‪:‬‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫دو ِ‬
‫من ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫و َ‬ ‫سك ُ ُ‬
‫م الّناُر َ‬ ‫م ّ‬ ‫موا ْ َ‬
‫فت َ َ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ول َ ت َْرك َُنوا ْ إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫) َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َِياء ث ُ ّ‬
‫‪5‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫صُرو َ‬
‫م ل ُتن َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫قال الزمخشري في تفسيرها ‪) :‬ول تركنوا ‪ ،‬من أركنه إذا أماله ‪.‬‬
‫والنهصصي متنصصاول للنحطصصاط فصصي هصصواهم ‪ ،‬والنقطصصاع إليهصصم‬
‫ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم والرضا بأعمالهم ‪،‬‬
‫والتشبه بهم والتزيي بزيهم ومدّ العيصصن إلصصى زهرتهصصم ‪ ،‬وذكرهصصم‬
‫ول َ ت َْرك َن ُصصوْا( فصصإن‬‫بمصصا فيصصه تعظيصصم لهصصم ‪ .‬وتأمصصل قصصوله تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة الشورى ‪ ،‬الية ‪. 39‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 229‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪. 39‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 99‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 25‬ص ‪. 47‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة هود ‪ ،‬الية ‪. 113‬‬
‫مصصوْا( أي‬
‫ن ظَل َ ُ‬ ‫الركون هو الميل اليسير ‪ .‬وقوله تعالى ‪) :‬إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪6‬‬
‫إلى الذين وجد منهم الظلم ‪ ،‬ولم يقل إلى الظالمين( ‪.‬‬

‫‪ 146‬ص رابعا ً ‪ :‬ل يعان الظالم على ظلمه ‪:‬‬


‫أعوان الظالم ظلمة مثله ‪ ،‬فل تجوز إعانة الظصصالم ‪ .‬لنصصه إذا كصصان‬
‫الركون بجميع أشصصكاله وأنصصواعه ل يجصصوز ‪ ،‬فمصصا يكصصون فيصصه إعانصصة‬
‫فعلية للظالم ‪ ،‬أولى أن ل يجوز ‪ .‬والواقع أن الحاكم الظالم إنمصصا‬
‫يتمكن من ظلمه بمعاونة أعوانه وأتباعه وليس بنفسه فقط ‪.‬‬
‫فالمعاونصصة لصصه بصصأي شصصكل مصصن أشصصكالها ل تجصصوز لنهصصا تقويصصة لصصه‬
‫ومساعدة له لتنفيذ ظلمه ‪ .‬ولهذا إذا نزل العذاب بالحاكم الظالم‬
‫نزل باعوانه أيضا ً لنهم مثله ظالمون كما حصل لفرعون وأعوانه‬
‫ن(‪، 7‬‬ ‫خصصاطِِئي َ‬ ‫مصصا ك َصصاُنوا َ‬
‫ه َ‬
‫جُنودَ ُ‬ ‫و ُ‬
‫ن َ‬ ‫مصصا َ‬
‫ها َ‬‫و َ‬‫ن َ‬ ‫و َ‬
‫عص ْ‬‫فْر َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قال تعصصالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫فالله تعالى جمعهصصم بوصصصف الخطيئة ‪ ،‬ومصصن خطيئتهصصم ‪ :‬الظلصصم‬
‫الذي كان يقترفه فرعون ويعاونه عليه هامصصان وجنودهمصصا ‪ .‬فلمصصا‬
‫ه‬
‫جُنصصودَ ُ‬ ‫و ُ‬‫خصصذَْناهُ َ‬‫فأ َ َ‬
‫نزل العذاب بفرعون نزل بأعوانه قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫م(‪ . 8‬وقصصال تعصصالى فصصي آيصصة أخصصرى ‪:‬‬ ‫مِليص ٌ‬ ‫و ُ‬ ‫هص َ‬‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫في ال ْي َ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫فن َب َذَْنا ُ‬
‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫فن َب َصذَْنا ُ‬‫جن ُصصودَهُ َ‬ ‫َ‬ ‫) َ‬
‫ة‬
‫قب َص ُ‬
‫عا ِ‬
‫ن َ‬ ‫ف كصصا َ‬ ‫فصصانظْر كي ْص َ‬ ‫فصصي الي َص ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬‫خذَْناهُ َ‬ ‫فأ َ‬
‫ً‬
‫ن( ‪ .‬فجعلهم الله تعالى جميعا ظالمين ‪ :‬فرعون وجنوده‬ ‫‪9‬‬
‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫الظال ِ ِ‬
‫ً‬
‫لمعاونة جنوده له ‪ ،‬فأهلكهم جميعا ‪.‬‬

‫‪ 147‬ص خامسا ً ‪ :‬ل يعان الظالم على بقائه ‪:‬‬


‫كنه علصصى الظلصصم ‪،‬‬ ‫ول يعان الظالم على بقائه في مركزه الذي يم ّ‬
‫ول ُيدعى له بالبقاء لن فصصي بقصصائه اسصصتمرارا ً لظلمصصه ‪ ،‬جصصاء فصصي‬
‫ب أن‬ ‫الحديث النبوي الشريف ‪):‬من دعصصا لظصصالم بالبقصصاء فقصصد أح ص ّ‬
‫ُيعصى الله في أرضه( ‪ ، 10‬وسئل المام سفيان الثوري عن ظصصالم‬
‫أشرف على الهلك في بّرية ‪ ،‬هل يسقى شربة ماء؟ فقصصال ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫فقيل له ‪ :‬يموت؟ فقال ‪ :‬دعه يموت ‪. 11‬‬

‫‪ 148‬ص الجماعة المسلمة وسنة الله في الظلم والظالمين ‪:‬‬


‫الجماعة المسلمة قامت في المجتمع استجابة لمر اللصصه تعصصالى ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫كن منك ُ ُ‬
‫ن‬
‫و َ‬‫هص ْ‬
‫وي َن ْ َ‬
‫ف َ‬
‫عُرو ِ‬ ‫ن ِبصال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫مُرو َ‬
‫وي َصأ ُ‬
‫ر َ‬‫ِ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬
‫خي ْ‬ ‫عو َ‬‫ة ي َدْ ُ‬
‫م ٌ‬
‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ول ْت َ ُ‬‫) َ‬
‫ن( ‪ ،‬فعليهصصا أن تقصصوم بفريضصصة‬ ‫‪1‬‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حصصو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ُ‬‫ه ُ‬‫ولصئ ِك ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ر َ‬
‫منك ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬ومن المنكر وقوع الظلم أو‬

‫‪ 6‬ـ تفسير الزمخشري ج ‪ ، 2‬ص ‪. 433‬‬


‫‪ 7‬ـ سورة القصص ‪ ،‬الية ‪. 8‬‬
‫‪ 8‬ـ سورة الذاريات ‪ ،‬الية ‪. 40‬‬
‫‪ 9‬ـ سورة القصص ‪ ،‬الية ‪. 40‬‬
‫‪ 01‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 433‬وقال مخرج أحاديث الكشاف ـ تفسير الزمـخشري ـ رواه البيهقي في شعب اليمان وذكره أبو‬
‫نعيم في الحلية من قول سسفيان الثوري ‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 433‬‬
‫‪ 1‬ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 104‬‬
‫توقع وقوعه في المجتمع ‪ ،‬وأقبح الظلصصم ظلصصم الحصصاكم ‪ ،‬فعليهصصا‬
‫أن تحصصدد موقفهصصا وتميصصزه وتظهصصره فصصي ضصصوء قواعصصد المصصر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر ومنها ما جصصاء فصصي الحصصديث النبصصوي‬
‫الشريف ‪) :‬من رأى منكم منكصصرا ً فليغيصصره بيصصده فصصإن لصصم يسصصتطع‬
‫فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان( ‪.‬‬

‫‪ 149‬ص ما تستحضره الجماعة في نفسها ول تنساه ‪:‬‬


‫وعلصصى الجماعصصة المسصصلمة أن تستحضصصر فصصي نفسصصها وتصصذكره ول‬
‫تنسصصاه أنهصصا أقصصوى مصصن الفصصرد وأضصصعف مصصن الدولصصة وأن الحصصاكم‬
‫الظصالم يصتربص بهصا مصا دامصت علصى المنهصج الجهصادي السصلمي‬
‫الصصصحيح ‪ ،‬فعليهصصا أن تتصصصرف فصصي ضصصوء هصصذه الحقصصائق وفصصي‬
‫السلوب الممكن الذي يأذن به الشرع ‪.‬‬

‫‪ 150‬ص على الجماعة المسلمة أن تحذر الركون إلى الظلمة ‪:‬‬


‫وعلصصى الجماعصصة المسصلمة أن تحصذر كصل الحصذر مصن الوقصوع فصي‬
‫معاني الركون إلى الذين ظلموا ‪ ،‬ولصصو بحسصصن الني ّصصة ‪ ،‬لن حسصصن‬
‫النية ل يقلب الخطصصأ صصصوابا ً ول الحصصرام حلل ً وإن كصصان قصصد يرفصصع‬
‫الثم عن صاحب النية الحسنة بشروط معينة ‪ .‬وعلى هذا ل يجصصوز‬
‫للجماعصصة المسصصلمة ممثلصصة بأميرهصصا وأعضصصائها مخالطصصة الحكصصام‬
‫الظلمة والظهور معهم أمام الناس دون إعلن النكار عليهم ممصصا‬
‫يوحي إلى الناس أن الجماعة تداهن الحكام الظلمصصة أو تؤيصصدهم ‪،‬‬
‫مما يجعل الناس يشكون فصصي إخلص الجماعصصة ‪ ،‬بصصل ويشصصركونها‬
‫في مسؤولية الحكام الظلمصة ‪ ،‬وبالتصالي ينفصض النصصاس عنهصصا ول‬
‫يسمعون منها ولو أن ما تقوله لهم هو حق وصصصواب ‪ ،‬لن النصصاس‬
‫جِبلوا على عدم قبصصول القصصول ولصصو كصصان حقصا ً ممصصن يخصالفه عمل ً‬ ‫ُ‬
‫لسيما في مداهنة الحكام الظلمصصة والركصصون إليهصصم ول سصصيما إذا‬
‫كان المداهن والراكن جماعصصة مسصصلمة تصصدعو النصصاس إلصصى معصصاني‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ 151‬ص استثناء من حظر الدخول إلى الظلمة ‪:‬‬
‫ويستثنى من مباشرة معاني الركون إلى الظلمة حسب الظاهر ص ص‬
‫مثل الدخول عليهم أو مجالستهم أو الطلب منهصصم ص ص وجصصود حالصصة‬
‫ضرورية تدعو لذلك أو وجود المبرر الشصصرعي الصذي يبيصصح ذلصك أي‬
‫يبيح مباشرة بعض ما يندرج في معاني الركون إلى الذين ظلمصصوا‬
‫ول َ‬‫كالتي مثلنا لها ‪ .‬قال المام الرازي وهو يفسر قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫سك ُ ُ‬
‫م الّناُر( ‪ ،‬قصصال ‪ :‬فأمصصا مصصداخاتهم‬ ‫م ّ‬ ‫موا ْ َ‬
‫فت َ َ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ت َْرك َُنوا ْ إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪2‬‬
‫لدفع ضرر أو اجتلب منفعة عاجلة فغير داخل في الركون إليهم‬
‫‪ ،‬وقصصال اللوسصصي فصصي معصصاني الركصصون إلصصى الصصذين ظلمصصوا ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 18‬ص ‪. 72‬‬
‫)ومجالستهم من غير داع شرعي( ‪ ،‬ومعنى ذلك جواز مجالسصصتهم‬
‫ع شرعي‪. 3‬‬‫لدا ٍ‬

‫‪ 152‬ص ل يجوز التوسع ول التسرع في الستثناء ‪:‬‬


‫وعلى الجماعة المسلمة أن ل تتوسصصع فصصي الخصصذ بالسصصتثناء عصصن‬
‫طريق القياس لن الستثناء ل يتوسصصع فيصصه ‪ .‬وأن ل تتسصصرع فصصي‬
‫الخذ بصصه بصصل عليهصصا أول ً أن تتأكصصد أن ل سصصيل لهصصا إل الخصصذ بهصصذا‬
‫الستثناء ‪ ،‬وأن مصلحته أكبر من مفسدته لنه يصصدفع عنهصصا ضصصررا ً‬
‫أكبر من مصلحة تركه ‪ ،‬وهذه مسألة تقديريصصة متروكصصة للجماعصصة ‪،‬‬
‫فق الجماعة إن شصصاء اللصصه تعصصالى‬ ‫ومع تقوى الله وإخلص النية تو ّ‬
‫إلى الصواب ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪) :‬ومن يتق الله يجعل لصصه مخرجصصًا(‬
‫وإذا انبهم عليها المر ولصصم تعصصد تعصصرف أيهمصصا الصصصلح لهصصا الخصصذ‬
‫بالسصصتثناء أو تركصصه فعليهصصا أن تأخصصذ بصصدعاء السصصتخارة وصصصلتها‬
‫وتسصصأل اللصصه أن يعرفهصصا بالصصصواب فصصي الخصصذ بالسصصتثناء أو فصصي‬
‫تركه ‪.‬‬

‫‪ 153‬ص جزاء الركون إلى الذين ظلموا ‪:‬‬


‫ويلحصصق الجماعصصة المسصصلمة بركونهصصا إلصصى الصصذين ظلمصصوا الجصصزاء‬
‫س صك ُ ُ‬
‫م‬ ‫م ّ‬‫فت َ َ‬‫موا ْ َ‬
‫ن ظَل َ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ول َ ت َْرك َُنوا ْ إ َِلى ال ّ ِ‬‫المذكور في قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ن( ‪ ،‬أي إذا‬ ‫‪4‬‬
‫ص صُرو َ‬‫م ل َ ُتن َ‬ ‫ول ِي َصصاء ث ُص ّ‬
‫نأ ْ‬‫مص ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّص ِ‬‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫الّناُر َ‬
‫ركنتم إلى الذين ظلموا فهذه هي عاقبصصة الركصصون إليهصصم ‪ :‬وهصصي‬
‫م الّناُر( أي فتصيبكم النار التي هي جالظصصالمين ‪ ،‬وجصصزاء‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫) َ‬
‫فت َ َ‬
‫مصصا ل َك ُصصم‬
‫و َ‬‫من يركن إليهم لن الركون إلى الظلصصم وأهلصصه ظلصصم ‪َ ) ،‬‬
‫َ‬
‫ول َِياء( أي ليس لكم مصصن أوليصصاء يخلصصصونكم مصصن‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ّ‬
‫ن( بسصصبب مصصن السصصباب ‪ ،‬ول تنصصصرون‬ ‫َ‬ ‫رو‬ ‫ص‬ ‫ص‬
‫ُ َ ُ‬ ‫تن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫ص‬‫ُ‬ ‫ث‬ ‫)‬ ‫صه‬‫ص‬ ‫الل‬ ‫عذاب‬
‫بنصصصر اللصصه وتأييصصده لن الصصذين يركنصصون إلصصى الظصصالمين يكونصصون‬
‫مصصا‬‫و َ‬
‫منهم ‪ ،‬واللصصه تعصصالى ل ينصصصر الظصصالمين كمصصا قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ر(‪. 5‬‬ ‫َ‬ ‫ِلل ّ‬
‫صا ٍ‬ ‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬

‫‪ 154‬ص على الجماعة المسلمة أن تبصر المة بتقصيرها وواجبها ‪:‬‬


‫صر المصصة بتقصصصيرها وبواجبهصصا ‪ .‬أمصصا‬
‫على الجماعة المسلمة أن تب ّ‬
‫تقصيرها فبسكوتها عن الحاكم الظالم ورضوخها إليه واستكانتها‬
‫له وركونها إليه ‪ ،‬بل ومعاونتها له ‪ .‬ولول هذا التقصصصير منهصصا لمصصا‬
‫بقي هذا الظالم في الحكصصم ول اسصصتمر فصصي ظلمصصه ‪ .‬فصصإذا أرادت‬
‫المة أن تتخلص منه فعليها القيام بواجبهصصا نحصصوه والعمصصل الجصصاد‬
‫لستئصال كل السباب التي أدت إلى تسلط هذا الحصصاكم الظصصالم‬
‫عليها سواء كانت هذه السباب تظالم المة فيما بينها أو انتشصصار‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 154‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ سورة هود ‪ ،‬الية ‪. 113‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬من الية ‪. 192‬‬
‫المعاصي فيها أو تفرق كلمتها أو إعانة الحاكم الظالم بأي شصصكل‬
‫ونوع من أشصصكال وأنصصواع العانصصة ثصصم إن عليهصصا أن تقصصوم بصصواجب‬
‫النكار عليه وتهيئة القوة اللزمصصة لتحقيصصق النكصصار الفعلصصي عليصصه‬
‫وإزالة منكر الظلم فعل ً ‪ .‬وهذا يقتضيها أن تلتصصف حصصول الجماعصصة‬
‫المسلمة التي ترفع راية السلم والجهاد في سبيل الله ‪.‬‬
‫وعلى كل الخيرين المؤمنين النضمام إلى هذه الجماعة المسلمة‬
‫ليكون لها صوت مسموع وقوة مرهبة تجبر الحصصاكم الظصصالم ‪ :‬إمصصا‬
‫على ترك ظلمه والرجوع إلى مقتضصصيات العصصدل واللصصتزام بشصصرع‬
‫الله وهديه ‪ ،‬وإما أن يترك السلطة ويتخلصصى عصصن الحكصصم فليسصصت‬
‫البلد أو الدولة ضيعة أو بستانا ً أو مزرعة لصصه أو لبصصائه ول الرعيصصة‬
‫عبيدا ً له ‪.‬‬

‫‪ 155‬ص تحذير الناس من الكفر بسبب الظلم ‪:‬‬


‫وعلى الجماعة المسلمة أن تحذر الناس مصصن الوقصصوع فصصي الكفصصر‬
‫دة عن السلم باعتراضهم على الله واتهامهم إياه‬ ‫والر ّ‬
‫صص نعصصوذ بصصالله صص بتأييصصد الحصصاكم الظصصالم بصصدليل بقصصائه فصصي الحكصصم‬
‫والسلطة ‪ .‬ومما يزين لهم الشيطان كفرهم قولهم أو احتجاجهم‬
‫بأنهم مسلمون ومع هذا يسلط الله عليهم حاكما ً ظالما ً بصصل وقصصد‬
‫يكون مع ظلمه كافرا ً أو مرتصصدا ً ‪ ،‬ويبقيصصه فصصي السصصلطة ول ينصصزل‬
‫عليه عذابه ليخلصصص مصصن شصصره البلد والعبصصاد وينتقصصم منصصه للنصصاس‬
‫المظلومين ‪ .‬فعلى الجماعة المسلمة أن تبين لهم جهلهم وأن ما‬
‫دة عصصن السصصلم وأنهصصم إذا أرادوا حاكم صا ً عصصادل ً‬ ‫يقولصصونه كفصصر ور ّ‬
‫بمقاييس الشصصرع السصصلمي وبصصاللتزام بهصصذا الشصصرع فعليهصصم أن‬
‫يقيموا العدل فيمصصا بينهصصم ‪ ،‬لن الرعيصصة الصصتي تريصصد حاكمصا ً عصصادل ً‬
‫كعمر بن الخطاب عليهصصا أن تكصصون رعيصصة عادلصصة كرعيصصة عمصصر بصصن‬
‫الخطاب لن القاعدة ‪) :‬كيفما تكونوا يولى عليكم( ‪.‬‬
‫فعلى الجماعة المسصصلمة أن تصصبين للنصصاس أن أمصصور الحيصصاة تجصصري‬
‫وفق سنن اللصه العامصة ومنهصا سصنته فصي السصباب والمسصببات ‪،‬‬
‫وسنته تعالى في تدافع الحق والباطل ‪ ،‬وأن الله تعالى لن يخرق‬
‫من أجل عيونهم قصصوانين الحيصصاة وسصصننها العامصصة فصصي الجتمصصاع ‪،‬‬
‫فهم ليسوا بأحسن حال ً ول أكرم على الله تعالى من رسول اللصصه‬
‫صلى الله عليه وسلم وصصحابته الكصرام وقصد قصص اللصه علينصا مصا‬
‫لقوم من شدائد وأذى وما تحملوه في سبيل الله وما قدموه مصصن‬
‫تضحية وفداء حتى اتاهم نصر الله بإزالة الطصصواغيت مصصن الرض ‪.‬‬
‫فعلى المسلمين أن يعلموا أن إزاحة الطواغيت والحكصصام الظلمصصة‬
‫ل يكصصون بمجصصرد تصصأففهم أو تضصصجرهم أو تحسصصرهم أو بالحتجصصاج‬
‫بأنهم مسلمون فل بصصد أن يهلصصك اللصصه الحكصصام الظلمصصة وهصصم فصصي‬
‫بيوتهم قاعدون يمنون على الله أن أسصصلموا فيريصصدون أن يرسصصل‬
‫الله ملئكة تقاتل عنهم وتزيح الحاكم الظالم فتخلصهم من شّره‬
‫‪ ،‬ل ‪ ،‬ل يكون هذا فالمسلم الحقيقي هو الذي يطيع الشرع وينفذ‬
‫أوامره ويهتصدي بسصننه العامصة ‪ ،‬فصإذا أرادوا الخلص مصصن الحصاكم‬
‫الظالم أو الكافر فعليهم سلوك الجهاد الشرعي بصصأنواعه وإعصصداد‬
‫القصصوة اللزمصصة لصصذلك ‪ ،‬ومصصن أولصصى خطصصواته ومسصصتلزماته وحصصدة‬
‫الكلمة وضم الجهود بعضصصها إلصصى بعصصض ‪ ،‬بصصالتجمع حصصول الجماعصصة‬
‫المسلمة والنضمام إلى عضويتها ‪ ،‬لنها جماعة تصصأمر بصصالمعروف‬
‫وتنهى عن المنكر ‪ ،‬ومن المنكصصر إزالصصة الظلصصم وتنحيصصة أهلصصه عصصن‬
‫الحكم والسلطان إذا لم يقلعوا عنه ‪.‬‬

‫الفصل السادس‬
‫سنة الله في الختلف والمختلفين‬
‫] قانون الختلف[‬
‫‪ 156‬ص الختلف في اللغة ‪:‬‬
‫الختلف في اللغة يعني عدم التفاق على الشيء بأن يأخصصذ كصصل‬
‫واحد طريقا ً غير طريق الخرين في أمر من المور ‪.‬‬
‫ويعنصصي أيضصا ً عصصدم التسصصاوي ‪ ،‬فكصصل مصصالم يتسصصاوى فقصصد تخصصالف‬
‫واختلف ‪ .‬والخلف هو المضادة ‪ ،‬وقد خالفه مخالفة وخلفا ً فهصصو‬
‫يدل على ما يدل عليه لفظ الختلف ‪ ،‬وإن كان معناه أعم إذ هصصو‬
‫من الضد ول يلزم من كل مختلفين أن يكونا ضدين وإن كصصان كصصل‬
‫ضدين مختلفين‪. 1‬‬

‫‪ 157‬ص الختلف في الصطلح الشرعي ‪:‬‬


‫الختلف في المعنى الصطلحي عند الختلف في الراء والنحل‬
‫والديان والمعتقدات فيما يسعد النسان به أو يشقى فصصي الصصدنيا‬
‫والخرة‪. 1‬‬
‫ولفصصظ الختلف يعنصصي مصصا يعنيصصه لفصصظ الخلف فصصي اسصصتعمالت‬
‫الفقهاء‪. 2‬‬

‫‪ 158‬ص السلم ينهى عن الختلف ‪:‬‬


‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى ‪) :‬وأمرنا الله تعالى‬
‫بالجتماع والئتلف ونهانصصا عصصن التفصصرق والختلف(‪ ، 3‬ومصصا قصصاله‬
‫ابن تيمية رحمه الله تعالى حق نطق به القرآن وجاءت بصصه السصصنة‬
‫ميعصا ً َ‬
‫ول َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الل ّص ِ‬
‫ه َ‬ ‫موا ْ ب ِ َ‬
‫حب ْص ِ‬ ‫صص ُ‬
‫عت َ ِ‬
‫وا ْ‬
‫هرة قال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫النبوية المط ّ‬
‫قوْا(‪ . 4‬وقال رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسصصلم ‪:‬‬ ‫فّر ُ‬
‫تَ َ‬

‫‪1‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 430‬وما بعدها ‪ ،‬مفردات الراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 156‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ الموافقات للشاطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ 144 ، 110‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 117‬وج ‪ ، 20‬ص ‪ ، 42‬مقدمة ابن خلدون ‪ ،‬ص ‪. 56‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 19‬ص ‪. 116‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬ومن الية ‪. 103‬‬
‫)‪ ..‬ول تختلفصصوا فصإن مصصن كصصان قبلكصم اختلفصصوا فهلكصوا(‪ ، 5‬وفصي‬
‫حصصديث أخرجصصه الترمصصذي قصصال صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم ‪) :‬عليكصصم‬
‫بالجماعة وإيصصاكم والفرقصصة فصصإن الشصصيطان مصصع الواحصصد وهصصو مصصن‬
‫الثنين أبعد(‪. 6‬‬

‫‪ 159‬ص ما يستفاد من النهي عن الختلف ‪:‬‬


‫وإذا كان السلم قد أمر بالجتماع والئتلف ونهصصى عصصن التفصصرق‬
‫والختلف ‪ ،‬فهذا النهي يدل على جملة امور )منهصصا( أن الختلف‬
‫يمكن وقوعه بين البشر وبين المسلمين أنفسهم ‪ ،‬لنصصه لصصو كصصان‬
‫مستحيل ً لما نهى السلم عنصه لن النهصصي عصن إيقصاع المسصتحيل‬
‫عبث ينزه عنه الشارع الحكيم ‪) .‬ومنهصصا( إذا كصصان الختلف يمكصصن‬
‫وقصصوعه بيصصن المسصصلمين فصإنه يمكصصن تصوقيعه تحصصصيل ضصصده وهصو‬
‫التفاق لما عصرف مصن أصصصول الشصصريعة ل تكليصصف إل بمقصصدور ول‬
‫تكليف بمستحيل )ومنها( إذا كان الختلف منهيا ً شصصرعا ً فهصصو إذن‬
‫مصصذموم لن الصصصل أن الصصذم يتبصصع النهصصي أو يقصصترن بصصه إل مصصا‬
‫استثني ‪) ،‬ومنها( إذا كان الختلف منهيا ً عنه ومذموما ً فمن وقع‬
‫فيه أو تلبس به حقت عليه المسؤولية الدينية ولحقه الجزاء علصى‬
‫النحو المقرر في الشريعة ‪) .‬ومنها( وإذا كان الختلف منهيا ً عنه‬
‫ومذموما ً ومعاقبا ً عليه فينبغي توقيه واتخصصاذ السصصباب والوسصصائل‬
‫المانعة من وقوعه والدافعة له بعد وقوعه ‪.‬‬

‫‪ 160‬ص وقوع الختلف بين المسلمين ‪:‬‬


‫والختلف وقع ويقع بين المسلمين بصصالرغم مصصن تحصصذير السصصلم‬
‫والنهصصي عنصصه تصصصديقا ً لخبصصارات النصصبي صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬
‫بوقوعه فقد قال صلى الله عليه وسلم ‪) :‬لتتبعن سصصنن مصن كصصان‬
‫قبلكصصم شصصبرا ً بشصصبر وذراعصصا ً بصصذراع حصصتى لصصو دخلصصوا فصصي حجصصر‬
‫لتبعتمصصوهم ‪ .‬قلنصصا ‪ :‬يصصا رسصول اللصصه ‪ ،‬اليهصصود والنصصارى؟ قصصال ‪:‬‬
‫فمن(‪ . 7‬وكان من سنن الذين مصصن قبلنصصا وقصصوعهم فصصي الختلف‬
‫والفتراق كما جاء في الحديث النبوي الشريف ‪) :‬افترقت اليهود‬
‫علصصى إحصصدى وسصصبعين فرقصصة ‪ ،‬وتفرقصصت النصصصارى علصصى اثنصصتين‬
‫وسبعين فرقة ‪ .‬وتفرقت أمتى على ثلث وسبعين(‪. 8‬‬

‫‪ 161‬ص الحكمة من التحذير من الختلف مع حتمية وقوعه ‪:‬‬


‫قلنا إن الختلف بين المسلمين يقع وقد وقع فعل ً ‪ ،‬ول بصصد يقصصع‬
‫لخبصصار النصصبي صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم بوقصصوعه وهصصو الصصصادق‬

‫‪5‬‬
‫ـ اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ التاج الجامع للصول من أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 308‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ مختصر صحيح مسلم للمنذري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 291‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ فيض القدير بشرح الجامع الصغير للمناوي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 20‬‬
‫المصدوق ‪ ،‬فما الحكمة من النهي عنصه والتحصذير منصه مصع حتميصة‬
‫وقوعه؟ والجواب من وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن الخلف الذي يقع ل يعم المة كلهصصا ‪ ،‬فقصد قصال صصلى‬
‫الله عليه وسلم ‪) :‬ل تزال طائفة من أمتى ظصصاهرين علصصى الحصصق‬
‫ول يضرهم من خالفهم حتى تقوم السصاعة( ول شصك أن التحصذير‬
‫من الختلف تنتفع بصصه هصصذه الطائفصصة فتبقصصى مستمسصصكة بصصالحق‬
‫متفقة عليه غير مختلفة فيه ‪.‬‬
‫ثانيصصا ً ‪ :‬إن نفصصس العلصصم بمصصا يكرهصصه الشصصرع السصصلمي صصص ومنصصه‬
‫الختلف ص وما يحبه ص ومنه الجتماع والتصديق بوقصصوع مصصا أخبرنصصا‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم بوقوعه ‪ ،‬كل ذلك خير للمسلم لما‬
‫فيه من زيادة إيمان لتصديقه باخبارات الشرع ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬التحذير من وقوع الختلف والنهي عنصصه مصصن جملصصة أحكصصام‬
‫السلم الواجب تبليغهصا للنصاس ‪ ،‬ومصن المعلصوم أن تبليصغ أحكصام‬
‫السلم واجب وإن كان في علم الله تعالى عدم السصصتجابة لهصصذه‬
‫الحكام أو لبعضها من قبل بعض الناس أو من قبل جميعهم ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬إن المسؤولية الينية وما يترتب عليها من الجصصزاء ل تكصصون‬
‫إل بعد البلغ والنذار ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وما كنا معذبين حصصتى نبعصصث‬
‫ل( فل بد من التحذير من الختلف والنهي عنصصه حصصتى تقصصوم‬ ‫رسو ً‬
‫الحجة على الناس عند اختلفهم ‪.‬‬

‫‪ 162‬ص هلك المة بالختلف ‪:‬‬


‫مضت سنة الله تعالى في المم أن الختلف مصصن أسصصباب هلكهصصا‬
‫كما أخبرنا بذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فصصي حصصديث‬
‫أخرجه إمام المحدثين البخاري رحمه الله تعالى وفيه قوله صصصلى‬
‫الله عليه وسلم ‪) :‬فإن مصصن كصصان قبلكصصم اختلفصصوا فهلكصصوا( وفصصي‬
‫رواية )فأهلكوا(‪. 1‬‬
‫وعند ابن حبان والحاكم عن ابن مسعود ‪) :‬فإنمصصا أهلصصك مصن كصصان‬
‫قبلكصصم الختلف(‪ ، 2‬قصصال ابصصن حجصصر العسصصقلني ‪ :‬وفصصي الحصصديث‬
‫والذي قبله الحض علصصى الجماعصصة واللفصصة والتحصصذير مصصن الفرقصصة‬
‫والختلف‪ . 3‬وقد أخرج هذا الحديث المام مسلم عن عبد الله بن‬
‫مسعود قال ‪) :‬سمعت رجل ً قرأ آية سمعت النبي صلى الله عليصصه‬
‫وسلم يقرأ خلفها فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فذكرت ذلك له فعرفت فصصي وجهصصه الكراهيصصة وقصصال ‪:‬‬
‫كلكما محسن ول تختلفوا فغن من كان قبلكم اختلفصصوا فهلكصصوا(‬
‫ذكر هذا الحديث شيخ السصلم ابصن تيميصصة وقصال ‪ :‬أخرجصصه المصصام‬
‫مسلم ثم قال ابن تيمية ‪ :‬نهى النبي صلى الله عليصصه وسصصلم عصصن‬
‫الختلف الذي فيه جحد كل واحد من المختلفين ما مع الخر مصصن‬
‫‪1‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 102 ، 101‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 102‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 102‬‬
‫الحق لن كل القارئين كان محسنا ً فيما قرأه ‪ .‬وعلصصل صصصلى اللصصه‬
‫عليه وسلم ذلك بقوله ‪ :‬بصصأن مصصن كصصان قبلنصصا اختلفصصوا فهلكصصوا‪، 4‬‬
‫فالخلف إذن عّلة هلك المة ‪.‬‬

‫‪ 163‬ص الخلف المهلك للمة هو الخلف المذموم ‪:‬‬


‫والختلف المهلك للمة هو الختلف المصصذموم وهصصو الصصذي يصصؤدي‬
‫إلى تفرقها وتشتتها وانعدام التناصصصر فيمصصا بيصصن المختلفيصصن لمصصا‬
‫يورثه الخلف من كراهية وربما عداوة فيما بينهم ‪ ،‬واعتقصصاد كصصل‬
‫طصصرف ببطلن مصصا عنصصد الطصصرف الخصصر ‪ ،‬وقصصد يصصؤؤل المصصر إلصصى‬
‫استباحة قتال بعضهم بعضا ً ‪.‬‬

‫‪ 164‬ص اختلف الفقهاء ليس من الختلف المذموم ‪:‬‬


‫أما اختلف الفقهاء فيما يجتهدون فيه فهذا ل يدخل في مفهصصوم‬
‫الختلف المذموم المهلك للمة وإنمصصا هصصو مصصن الختلف السصصائغ‬
‫غير المذموم ‪ ،‬وإن المذموم ما يرتبه عليصصه مقلصصدة المصصذاهب مصصن‬
‫تعصب لمن يقلدونه ومعاداة مصصن يخصصالفهم مصصن مقلصصدة المصصذاهب‬
‫الخرى ‪.‬‬

‫‪ 165‬ص تعليل هلك المة بالختلف ‪:‬‬


‫وإنما كان الختلف عّلة لهلك المة كما جصصاء فصصي حصصديث رسصصول‬
‫الله صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم لن الختلف المصصذموم الصصذي ذكرنصصا‬
‫بعض أوصافه يجعل المة فرقا ً شتى مما يضعف المة لن قوتهصصا‬
‫وهي مجتمعة أكبر من قوتها وهصصي متفرقصصة لتفصصرق قوتهصصا علصصى‬
‫الفرق كلها ‪ ،‬وقوة كل فرقة هي أضعف من قوة المة مجتمعصصة ‪،‬‬
‫وهذا الضعف العام الصصذي يصصصيب المصصة بمجموعهصصا يجرىصصء العصصدو‬
‫عليهصصا فيطمصصع فيهصصا فيهاجمهصصا ويحتصصل أرضصصها ويسصصتولي عليهصصا‬
‫ويستعيدها ويمسخ شخصيتها وفي ذلك انقراضها وهلكها ‪.‬‬

‫‪ 166‬ص ضصصعف المصصة بصصالختلف مصصع صصصواب البعصصض وحسصصن قصصصد‬


‫الخرين ‪:‬‬
‫وضعف المة بسبب اختلفها يحصصصل ولصصو كصصان بعصصض المختلفيصصن‬
‫على صواب ونيصصة المخصصالفين لهصصم نيصصة حسصصنة لظنهصصم أنهصصم هصصم‬
‫المصيبون ‪ ،‬لن ضعف المة بسبب اختلفها وتفرقها فرقا ً شصصتى‬
‫نتيجة حتمية للتفرق ول علقة لهصصا بالخطصصأ والصصصواب ول يحسصصن‬
‫النية أو سوئها ‪ ،‬لن التفرق واقعة مادية تستوجب نتيجتهصصا وهصصي‬
‫ضعف المختلفين جميع صا ً ول تمنصصع ول تصصدفع هصصذه النتيجصصة حسصصن‬
‫نوايا المختلفين ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ـ اقتضاء الصراط المستقيم لبن تيمية ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫ومصصا أحسصصن نصصصيحة ذلصصك الب الحكيصصم لولده وتعليمهصصم ضصصرر‬
‫الفرقة والختلف بالمثال المحسوس فقد أمرهصصم أن يجلصصب كصصل‬
‫واحد منهم عصا وكصصانوا عشصصرة أولد فلمصصا جصصاؤوه بمصصا أراد جعصصل‬
‫العصي حزمة وشدها وطلب منهم واحدا ً واحدا ً كسر تلصصك الحزمصة‬
‫فلم يستطيعوا ثم فصصرق الحزمصصة وأعطصصى كصصل واحصصد منهصصم عصصصا‬
‫وامره بكسرها فكسر كل واحد منهم عصاه بسهولة ويسر ‪ .‬وعند‬
‫ذلصصك التفصصت إليهصصم أبصصوهم وقصصال لهصصم إن فصصي الجتمصصاع قصصوة‬
‫تستعصي على الكسر من قبل العدو كما استعصت حزمة العصصصي‬
‫على الكسر ‪ ،‬وإن في التفرق والفرقة ضعفا ً للجميع مما يسصصهل‬
‫على العدو كسرهم والتغلب عليهم واحدا ً واحدا ً كما يسصصهل علصصى‬
‫العصي كسرها بعد تفرقها ‪.‬‬

‫‪ 167‬ص الختلف يضعف الجماعة المسلمة ويهلكها ‪:‬‬


‫والختلف كما يضعف المصصة ويهلكهصصا يضصصعف الجماعصصة المسصصلمة‬
‫التي تنهض بواجب الدعوة إلى الله ثم يهلكها ‪ .‬ولهذا كان شر مصصا‬
‫تبتلى به الجماعة المسلمة وقصصوع الختلف المصصذموم فيمصصا بينهصصا‬
‫بحيث يجعلها فرقا ً شتى ‪ ،‬بحيث تصصرى كصصل فرقصصة أنهصصا علصصى حصصق‬
‫وصواب وأن غيرها على خطأ وضلل ‪ ،‬وتعتقد كل فرقة أنها هصصي‬
‫التي تعمل لمصلحة الدعوة ‪ .‬وهيهات أن تكون الفرقصصة والتشصصتت‬
‫ن مصصصلحة الصصدعوة‬ ‫والختلف المصصذموم فصصي مصصصلحة الصصدعوة أو أ ّ‬
‫تأتي عن طريق التفرق ‪ ،‬ولكن الشيطان هو الصصذي يزيصصن الفرقصصة‬
‫والتفرق في اعين المتفرقين المختلفين فيجعلهصصم يعتقصصدون ان‬
‫اختلفهم وتفرقهم في مصلحة الدعوة ‪.‬‬
‫والختلف في الجماعة ل يقف تأثيره عنصصد حصصد إضصصعاف الجماعصصة‬
‫وإنمصصا يضصصعف تأثيرهصصا فصصي النصصاس وتجعصصل المغرضصصين ينفثصصون‬
‫باطلهم في الناس ويقولون ‪ :‬جماعصصة سصصوء تصصأمر النصصاس بأحكصصام‬
‫السصصلم ‪ ،‬والسصصلم يصصدعو إلصصى اللفصصة والجتمصصاع وينهصصى عصصن‬
‫الختلف ‪ ،‬وهي تخالفه إذ هي متفرقة مختلفة فيمصصا بينهصصا ‪ ،‬كصصل‬
‫فرقة تعيب الخرى وتصصدعي أنهصصا وحصصدها علصصى الحصصق ‪ .‬ثصصم يصصؤول‬
‫المصر إلصى انحسصار تصأثير الجماعصة فصي المجتمصع ثصم اضصمحللها‬
‫واندثارها وقيام جماعات جديدة مكانها هي فرق المنفصلين عنها‬
‫‪ ،‬ووقائع التاريخ البعيد والقريب تؤيد ما نقول ‪.‬‬

‫‪ 168‬ص توقي الهلك بتوقي الختلف ‪:‬‬


‫ولما كان الختلف المذموم منهيا ً عنه ومفضيا إلصصى ضصصعف المصصة‬
‫ً‬
‫وضصصعف الجماعصصة المسصصلمة ثصصم هلكهصصا فصصإن القلع عصصن هصصذا‬
‫الختلف واجب شرعي كما ان توقيه بتوقي أسبابه حصصتى ل يقصصع‬
‫هو الخر واجب شرعي فما هي سبل الوقاية من الختلف؟‬
‫‪ 169‬ص سبل الوقاية من الختلف ‪:‬‬
‫إن سبل الوقاية من الختلف تختلصصف بصصاختلف أطصصراف الخلف ‪،‬‬
‫فقصد يقصع الخلف بيصن المصة وحكامهصا ‪ ،‬أو بيصن أفرادهصا أو بيصن‬
‫أعضاء الجماعة المسلمة أو بين الجماعة السلمية ‪ .‬ونصصذكر فيمصصا‬
‫يلصصي سصصبل الوقايصصة مصصن الخلف فصصي هصصذه الحصصالت حصصتى ل يقصصع‬
‫الخلف أو لرفعه إذا وقع ‪ ،‬علم صا ً بصصأن الوقايصصة قصصد تنجصصح فل يقصصع‬
‫الخلف أو يقل كثيرا ً أو يضعف أثره ‪ ،‬وإذا وقع قصصد يرفصصع كلصصه أو‬
‫بعضه أو يضعف تأثيره ‪ .‬فسبل الوقاية كالدواء يؤخصصذ للحميصصة لئل‬
‫يقع المصصرض ‪ ،‬ويؤخصصذ للعلج بعصصد وقصصوع المصصرض وقصصد ينفصصع فصصي‬
‫الحالتين أو في أحدهما وقد ل ينفع تماما ً وقد ينفع جزئيا ً ‪ ،‬وكصصل‬
‫ذلك لسباب وعوامل متعددة ‪.‬‬

‫‪ 170‬ص أول ً ‪ :‬الوقاية من الخلف بين المة وحكامها ‪:‬‬


‫الخليفصصة ومصصن دونصصه مصصن ولة المصصور يباشصصرون السصصلطة والمصصر‬
‫والنهي في إدارة شؤون الدولة وفصصق اجتهصصادهم ومصصا يرونصصه مصصن‬
‫وجوه المصلحة للمة وهذا فيما عصصدا مصصا هصصو منصصصوص عليصصه فصصي‬
‫الشريعة ‪ ،‬لن ما هو منصوص عليه واجب على الخليفة ومن دونه‬
‫مصصن ولة المصصر التقيصصد بصصه إذ ل اجتهصصاد فصصي مصصورد النصصص ‪ ،‬وإنمصصا‬
‫ص فيه ومثل هذا الجتهاد جصصائز لصصولة المصصور ‪.‬‬ ‫الجتهاد فيما ل ن ّ‬
‫وقد يخالفهم غيرهم فيما يأمرون به أو ينهون عنصصه ‪ ،‬وقصصد يكصصون‬
‫المخالف فردا ً أو أفرادا ً أو جماعة تقصصوم بالصصدعوة إلصصى السصصلم ‪،‬‬
‫وقد يكون الصواب مع ولي المر والخطأ مع مخالفيه وقصصد يكصصون‬
‫العكس ‪ ،‬وفي جميع الحوال يكون من حق أفراد المة والجماعصصة‬
‫المسلمة أن يبدوا آراءهم في تصرفات ولي المر مؤيدين لهصصا أو‬
‫مخالفين ‪ ،‬وفق قواعد المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪.‬‬
‫ومن هذه القواعد ‪ :‬عدم النكار في المصصور الجتهاديصصة وإن كصصان‬
‫من الجائز لفراد المة أو للجماعصصة المسصصلمة إبصصداء آرائهصصم فيمصصا‬
‫ذهب إليه ولي المر في المصصور الجتهاديصصة كمصصا قلصصت ‪ ،‬ولكصصن ل‬
‫يجوز لهم اعتبار رأيهم هو الحق والصواب والصصواجب التنفيصصذ وأن‬
‫رأي ولي المر )الخليفة فمن دونه( المخالف لرأيهم باطل وخطأ‬
‫قطعا ً ول يجوز تنفيذه ‪ ،‬لن من القواعد الفقهيصصة أن الجتهصصاد ل‬
‫ينقض بمثله وأن حكم الحاكم يرفع الخلف في المور الجتهادية‬
‫‪ ،‬فإذا أخذ ولي المر برأيه واجتهاده المخالف لرأي غيره فهو قصصد‬
‫اسصصتعمل حقصصه ومصصن يسصصتعمل حقصصه فهصصو مصصصيب غيصصر مخطىصصء‬
‫ومحسن غير مسيء فل يجوز النكار عليصصه وتجميصصع النصصاس ضصصده‬
‫وإباحة الخروج عليه ‪ ،‬فهذا الصصصنيع مصصن مخصصالفيه يقصصع فصصي دائرة‬
‫الخلف والجماعة المسلمة أن يفقهوا هذا لئل يقعوا فصصي الخلف‬
‫المذموم وتحق عليهم المسؤولية الدينيصصة ومصصا يصصترتب عليهصصا مصصن‬
‫جزاء ‪.‬‬
‫‪ 171‬ص الخلف مع الحاكم الظالم ‪:‬‬
‫المركصصز القصصانوني للخليفصصة فصصي علقتصصه مصصع المصصة مركصصز النصصائب‬
‫والوكيل ‪ ،‬فالمة هي التي اختصارته وأنصابته منصاب نفسصها ليقصوم‬
‫بتنفيذ شرع الله ويدير شؤونها بما يحقصصق المصصصلحة لهصصا ويحفصصظ‬
‫حقوقها ‪ ،‬وحقوق أفرادها وفق الضوابط الشرعية ‪ .‬ولكصصن قصصد ل‬
‫يفعل الخليفة ذلك فتقصصع تصصصرفاته أو تصصصرفات نصصوابه فصصي دائرة‬
‫الظلم مثل غمط الناس حقوقهم أو سصصلبها منهصصم أو تقصصديم مصصن‬
‫حقه التأخير ‪ ،‬وتأخير من حقه التقديم ‪ ،‬ففصصي هصصذه الحالصصة علصصى‬
‫المصصة بأفرادهصصا المتضصصررين منهصصم بهصصذه التصصصرفات وغيرهصصم‬
‫وبالجماعات المسلمة فيها النكار عليه تكصرار النكصار حصتى يقلصع‬
‫عن الظلم ‪ .‬ولكن ل يجوز للمة ول للمتضررين من تصصصرف ولصصي‬
‫المر ول للجماعصصة المسصصلمة دفصصع النصصاس إلصصى التمصصرد والعصصصيان‬
‫والخروج على السلطان بالقوة وحمل السلح وتأجيصصج الفتنصصة لن‬
‫هذا السلوك في مواجهة ولي المر يضصصعف المصصة ويعرضصصها إلصصى‬
‫استيلء العدو عليها ‪ .‬وعلى المتضررين من بغي السلطان ))ولي‬
‫المر(( أو نوابه مراجعة القاضي لينصفهم عن ظلمهم ‪ ،‬فغن لصصم‬
‫يجدوا عند القاضي النصفة لهم لي سبب كان ‪ ،‬فل يجوز لهم ول‬
‫لغيرهصصم الخصصروج علصصى السصصلطان أي علصصى الدولصصة إيثصصارا ً منهصصم‬
‫للمصلحة العامة علصصى مصصلحتهم الخاصصة ‪ ،‬وعليهصم أن يسصتمروا‬
‫علصصى مصصوقفهم فصصي النكصصار علصصى ولصصي المصصر الظصصالم ومراجعصصة‬
‫القضاء مع الصبر وعصصدم الخصصروج علصصى الدولصصة ‪ .‬وليصصس فصصي هصصذا‬
‫الموقف النبيل من المة أو المتضررين من ظلم السصصلطان مذلصصة‬
‫ول استكانة للظلم وإنما فيه تضحية وإيثار للمصلحة العامصصة علصصى‬
‫المصلحة الخاصة ‪ ،‬وعلى هذا دّلت السنة النبوية الشريفة ‪ ،‬فمصصن‬
‫ذلك الحديث الذي أخرجه المام البخاري أن النبي صلى الله عليصصه‬
‫وسلم قال ‪) :‬من رأى من أميره شيئا ً يكرهه فليصصصبر عليصصه فصصإنه‬
‫من فارق الجماعة شبرا ً فمات مات ميتة الجاهلية(‪. 1‬‬
‫وجاء في شرحه ‪ :‬الحديث حجة في ترك الخصصروج علصصى السصصلطان‬
‫ولو جار‪. 2‬‬
‫وفي حديث آخر للبخصاري عصصن عبصادة بصن الصصامت ‪ :‬دعانصا النصصبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال ‪ :‬فيمصصا أخصصذ علينصصا أن بايعنصصا‬
‫علصى السصصمع والطاعصة فصي منشصصطنا ومكرهنصا وعسصصرنا ويسصرنا‬
‫وأثرة علينا وأن ل ننازع المر أهله إل أن تروا كفرا ً بواحا ً عنصصدكم‬
‫من الله فيه برهان‪ . 3‬وأخرجه المام مسلم عن أبي هريرة قال ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 5‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 7‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 5‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬عليصصك السصصمع والطاعصصة‬
‫في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك(‪. 4‬‬
‫وقال النووي في شصصرحه لهصصذا الحصصديث ‪ :‬قصصال العلمصصاء ‪ ،‬معنصصاه ‪:‬‬
‫تجب طاعة ولة المور فيما يشصصق وتكرهصصه النفصصوس وغيصصره ممصصا‬
‫ليصصصس بمعصصصصية ‪ ،‬فصصصإن كصصصانت لمعصصصصية فل سصصصمع ول طاعصصصة ‪.‬‬
‫))والثرة (( هي الستئثار والختصصصاص بصصأمور الصصدنيا أي اسصصمعوا‬
‫وأطيعصصوا وإن اختصصص المصصراء بالصصدنيا ولصصم يوصصصلوكم حقكصصم ممصصا‬
‫عندهم ‪ .‬وهذه الحصصاديث فصصي الحصصث علصصى السصصمع والطاعصصة فصصي‬
‫جميع الحوال وسببها اجتماع كلمة المسلمين فإن الخلف سصصبب‬
‫لفساد احوالهم في دينهم ودنياهم‪. 5‬‬
‫فهذه الحاديث النبوية الشريفة وأقوال العلماء فيها صريحة فصصي‬
‫وجوب طاعة المام والصبر علصصى شصصططه وجصصوره تجنبصا ً للفرقصصة‬
‫والنزاع المفضي غالبا ً إلى القطيعة والقتصصال ‪ .‬وهصصذا الصصصبر مصصن‬
‫المظلصصومين والمتضصصررين بظلصصم السصصلطان ل يصصدخل فصصي معنصصى‬
‫قبول الذل والهوان والرضا بظلصصم الظصصالمين ‪ ،‬وإنمصصا يصصدخل فصصي‬
‫معنصصى اليثصصار ‪ :‬إيثصصار المصصصلحة العامصصة علصصى المصصصلحة الخاصصصة ‪،‬‬
‫والمصصصلحة العامصصة هنصصا هصصي البقصصاء علصصى وحصصدة الجماعصصة وعصصدم‬
‫تفرقها بالخروج على السلطان والتمرد عليه وما يترتب عليه من‬
‫اقتتال بين أفراد المة مما يؤدي إلى ضعفها ‪ ،‬ثم إن الصبر علصصى‬
‫جور السلطان ل يعني الرضا بجوره أو السكوت عن النكار عليه ‪،‬‬
‫وإنما يعني فقط عدم الخروج عليه بالسلح لنه يدخل فصصي دائرة‬
‫البغي ‪ ،‬ومعصية السلطان بجوره ل تقابل بمعصية الخصصروج عليصصه‬
‫بالسلح ‪.‬‬

‫‪ 172‬ص الخلف مع الحاكم الكافر ‪:‬‬


‫ولكن إذا كان انحراف الحاكم ص السلطان ونحوه ص يقصصع فصصي دائرة‬
‫الكفر البواح فعلى المة بأفرادها وجماعاتهصصا المسصصلمة أن تعمصصل‬
‫على قلع هصصذا الحصصاكم إذا لصصم ينفصصع معصصه النصصصح ولصصم يرجصصع إلصصى‬
‫السصصلم ‪ ،‬جصصاء فصصي الحصصديث النبصصوي الشصصريف عصصن عبصصادة بصصن‬
‫الصصصامت ‪) :‬دعانصصا النصصبي صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم فبايعنصصاه علصصى‬
‫السمع والطاعة فصصي منشصصطنا ومكرهنصصا وعسصصرنا ويسصصرنا وأثصصرة‬
‫علينا وأن ل ننازع المر أهله إل أن تروا كفصصرا ً بواح صا ً عنصصدكم مصصن‬
‫الله فيه برهان( أي ل ننازع من بيده الملصصك والمصصارة إل أن يصصرى‬
‫المسلمون من هذا السلطان كفرا ً صريحا ً واضحا ً بين صا ً عنصصدهم بصصه‬
‫ص من آية أو خبر صصصحيح ل يقبصصل التأويصصل ففصصي هصصذه الحالصصة ل‬ ‫ن ّ‬
‫تجوز طاعته بل تجب مجاهصصدته وخلعصصه إذا تصصوافرت القصصدرة علصصى‬
‫ذلك‪. 1‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 224‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ شرح النووي لصحيح مسلم ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪ 224‬ـ ‪. 225‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪ 7‬ـ ‪. 8‬‬
‫‪ 173‬ص ثانيا ً ‪ :‬الخلف بين أفراد المة والوقاية منه ‪:‬‬
‫وقد يقصصع الخلف بيصصن أفصصراد المصصة ويكصصون اختلفهصصم مصصن النصصوع‬
‫المذموم فليزمهم القلع عنه والوقاية فيه بعصصد تبصصصيرهم بحكصصم‬
‫الشرع فيما اختلفوا فيه ‪ .‬ومصصن هصصذا الختلف المصصذموم الصصواجب‬
‫الوقاية منه الخلف بين مقلدة المصذاهب والخلف بيصن المقلصدين‬
‫ومنكصصري التقليصصد والخلف بيصصن المتفقهصصة والمتصصصوفة ‪ .‬ونتكلصصم‬
‫فيما يلي عن طبيعة هذه الخلفات وسبل الوقاية منها ‪.‬‬

‫‪ 174‬ص أ ‪ :‬الخلف بين مقلدة المذاهب ‪:‬‬


‫تقليصصد المصصذاهب السصصلمية المعتصصبرة جصصائز للعصصاجز عصصن الجتهصصاد‬
‫باعتبصصار أن هصصذا التقليصصد يشصصمله المعنصصى العصصام لقصصوله تعصصالى ‪:‬‬
‫)فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون( ‪ ،‬إن المراد من سصصؤالهم‬
‫معرفة ما يجهلونه ويسألون عنه أهل الذكر ‪ .‬والمسلم يسأل أهل‬
‫العلم عن حكم الشرع في المسألة التي تهمه يسصصأل اهصصل العلصصم‬
‫عن حكمهصا الشصرعي ‪ .‬وسصؤال أهصل العلصم كمصا يكصون بصالمجيء‬
‫إليهصصم وهصصم أحيصصاء وسصصؤالهم مشصصافهة ومواجهصصة ‪ ،‬يكصصون بحكصصم‬
‫سصصؤالهم بصصالرجوع إلصصى أقصصوالهم الصصتي حرروهصصا فصصي المسصصائل‬
‫الشرعية وبينوا أحكامها ‪.‬‬
‫كما أن تبرير تقليدهم أنهم يعرفون من يقلصصدهم بحكصصم الشصصرع ‪.‬‬
‫فعلصصى هصصذا السصصاس جصصاز للجاهصصل أن يقلصصد المصصذاهب السصصلمية‬
‫المعتبرة ‪ ،‬ولكن ل يجوز للمقلصصد أن يعتقصصد أن أقصصوال مصصن يقلصصده‬
‫هي الحق والصواب قطعا ً وأن مصصا يخالفهصصا هصصو الخطصصأ قطعصا ً ثصصم‬
‫يرتب على ذلك نتائج غير مقبولة شرعا ً ومفرقصصة للمصصة ومضصصعفة‬
‫لها مثل إباحة المقلصصد لنفسصصه مقاطعصصة مصصن يخصصالفه فصصي تقليصصده‬
‫وعصصصدم الصصصصلة خلفصصصه ‪ ،‬وربمصصصا تجصصصاوز ذلصصصك إلصصصى الخصصصصومات‬
‫والمشاجرات والعداوات بين مقلدة المذاهب واتهام بعضهم بعضا ً‬
‫بأسوأ التهم ونعتهم بأسوأ الوصاف ‪ ،‬كما حصصدث شصصيء مصصن ذلصصك‬
‫في الماضي ‪ .‬ول شك أن هذا الخلف من النوع المذموم وقطعصصا ً‬
‫الصصذي يصصرده ولصصم يقصصصده أئمصصة المصصذاهب وإنمصصا يفعلصصه مقلصصدتهم‬
‫منهم ‪.‬‬

‫‪ 175‬ص الوقاية من هذا الخلف ‪:‬‬


‫والوقاية من هصصذا الخلف بيصصن مقلصصدة المصصذاهب تعريفهصصم بحكصصم‬
‫الشرع فيما اختلفوا فيه وتبصيرهم بحقيقصصة المصصذاهب السصصلمية‬
‫وطبيعتها ومعناها وموقف المسلم منها ‪ .‬فالمذاهب السلمية ما‬
‫هي إل وجصصوه لتفسصصير النصصصوص الشصصرعية فصصي القصصرآن والسصصنة‬
‫النبويصصة واسصصتنباط الحكصصام الشصصرعية منهصصا ومصصن المصصصادر الصصتي‬
‫أرشدت إليها هذه النصوص في ضوء ضوابط معينصصة وقواعصصد فصصي‬
‫فهم النصوص وتفسيرها ‪.‬‬
‫وإن أئمة المذاهب السلمية من أهل العلم المشهود لهم بصصالعلم‬
‫واليمان ‪ ،‬وإنهم أئمة فصصي الفقصصه السصصلمي وأهصصل لن يسصصألهم‬
‫الناس عن أحكام الشرع السصصلمي بصالمجيء إليهصصم فصي حيصصاتهم‬
‫وسؤالهم عما يريدون معرفته من أحكام الشرع ‪ .‬وبحكم سؤالهم‬
‫في حياتهم الرجوع إلى أقوالهم وفتصصاواهم بعصصد وفصصاتهم باعتبصصار‬
‫أن أقوالهم هذه مظّنة الصواب وتوصل إلى معرفة الحكام الصصتي‬
‫شرعها الله ‪ .‬ولكن هذه المظنصة للصصواب ليسصت مقصصورة علصى‬
‫مذهب معين أي على أقوال مجتهد بعينه وإنمصصا هصصي شصصائعة بيصصن‬
‫أئمة المذاهب المختلفة المعتبرة وإن كصصان بعضصصهم أقصصوى مظنصصة‬
‫للصواب من غيره إما مطلقا ً وإما في مسألة معينة أو فصصي جملصصة‬
‫مسائل من الفقه ‪.‬‬
‫وإذا كانت أقوال المذاهب السلمية المعتبرة سائغة على أسصصاس‬
‫أنها مظنة الصصصواب وموصصصل إلصصى حكصصم اللصصه ‪ ،‬وأن هصصذه المظنصصة‬
‫شائعة بين المذاهب السلمية المعتبرة وليست حكرا ً على مذهب‬
‫معين فل يجوز لمقلد أحصصد هصصذه المصصذاهب أن يحتكصصر لمصصذهبه كصصل‬
‫الصواب في جميصصع أقصصواله ويقصصرر الخطصصأ فصصي كصصل قصصول يخصصالف‬
‫مذهبه ‪ .‬فهذا لم يقله أي مذهب من المذاهب ولم ينسصصبه لنفسصصه‬
‫ولم يحتكره لجتهاده فكيف يدعيه مقلده له؟‬
‫وإذا كان اتباع المصصذاهب الفقهيصصة سصائغا ً للسصصباب الصصتي ذكرناهصا‬
‫وللعتبارات التي بيّناها فل يجوز التقاطع والمخاصمة بين مقلدة‬
‫المذاهب ول العتقاد بأن أقوال مذهبه كلها هي الصواب وأن مصصا‬
‫يخالفها هي الباطل قطعا ً وأن متبعها يستحق الهجر والقطيعصصة ‪،‬‬
‫فكصصل ذلصصك مصصن الخلف المصصذموم ‪ ،‬والوقايصصة منصصه يكصصون بتبصصصير‬
‫المقلدين بما قلناه والله هو الهادي إلى سواء السبيل ‪.‬‬

‫‪ 176‬ص ب ‪ :‬الخلف بين المقلدين ومنكري التقليد ‪:‬‬


‫وقد يقع الخلف بين مقلدة المذاهب جميعا ً من جهة وبين منكري‬
‫التقليد من جهة أخرى ‪ .‬وقد يصل الخلف فيما بينهم إلصصى درجصصة‬
‫العصصداوة الصصصريحة ورمصصي بعضصصهم بعض صا ً بالبتصصداع فصصي الصصدين أو‬
‫المصصروق منصصه ونحصصو ذلصصك مصصن التنصصابز باللقصصاب والتهصصام بأسصصوأ‬
‫الوصاف ‪.‬‬

‫‪ 177‬ص الوقاية من هذا الخلف ‪:‬‬


‫والوقايصصة مصصن هصصذا الخلف يكصصون بتبصصصير الفريقيصصن بمصصا قلنصصاه‬
‫بالنسبة للخلف بين مقلدة المذاهب أنفسصصهم ‪ ،‬ونزيصصد عليصصه بصصان‬
‫نقول لمنكري التقليد مطلقا ً ‪ ،‬إن المسألة بسيطة وواضصصحة جصصدا ً‬
‫ول ينبغي أن يكون بينكم وبين المقلصصدين خلف ‪ ،‬وبيصصان ذلصصك أن‬
‫المطلوب من المسلم معرفة حكم الشرع أي مصصا أنزلصصه اللصصه فصصي‬
‫القرآن والسنة ‪ ،‬أو ما أرشدت إليه نصوصهما مصصن مصصصادر يعصصرف‬
‫بها حكم الشرع كالجماع ‪ .‬فإذا كان المسلم قصصادرا ً علصصى تحصصصيل‬
‫هذه المعرفة بنفسصصه بصأن كصصان مصصن أهصصل الجتهصصاد فليفعصصل ذلصصك‬
‫وليصل إلى معرفة حكم الشرع بنفسه ويحرم عليصصه التقليصصد فصصي‬
‫هذه الحالة ‪.‬‬
‫ومن كان عاجزا ً عصصن ذلصصك فعليصصه أن يفعصصل مصصا أمصصره اللصصه عنصصدما‬
‫يجهل مسألة ويريد أن يعرفها قال تعالى ‪) :‬فاسصصألوا أهصصل الصصذكر‬
‫إن كنتم ل تعلمون( وأهل الصصذكر بالنسصصبة للحكصصام الشصصرعية هصصم‬
‫العارفون بها وهصصم فقهصصاء الشصصريعة وعلصصى رأسصصهم أئمصصة الفقصصه‬
‫المشصصهود لهصصم بالمامصصة بصصالفقه كأصصصحاب المصصذاهب المعروفصصة‬
‫بأسماء مؤسيسها ‪ ،‬وسصصؤالهم يكصصون بصصالمجيء إليهصصم وهصصذا فصصي‬
‫حياتهم وإما بالرجوع إلى أقوالهم وفتاواهم بعصصد ممصصاتهم ‪ ،‬فهصصم‬
‫ل لن‬ ‫ل لن ُيؤخذ قولهم ‪ ،‬كما أن سيبويه أهص ٌ‬ ‫ل لن ُيسألوا وأه ٌ‬ ‫أه ٌ‬
‫يؤخذ قوله فيما اختص وعرف به من علوم اللغة العربيصصة ‪ .‬وأيضصا ً‬
‫فإن المقلد إنما يأخذ أقوال من يقلده باعتبارهصصا مظنصصة الصصصواب‬
‫وموصلة إلى معرفصصة حكصصم الشصصرع ‪ ،‬ول ضصصير عليصصه ول لصصوم فصصي‬
‫سلوك هذا المسلك في معرفة حكم الشرع ‪ ،‬ومثلصصه فصصي مسصصلكه‬
‫هذا كمسلك الصصذي يريصصد الوصصصول إلصصى مكصصة بسصصلوك طريصصق الصصبّر‬
‫فيتخذ له دليل ً هو مظنة المعرفة بطرق الصصصحراء المنصصة ليوصصصله‬
‫إلى مكة فيسير وراءه ويتبعه فيما يشير به ويدله عليه من معالم‬
‫الطريق ‪.‬‬

‫‪ 178‬ص ادعاء الجاهل الجتهاد ‪:‬‬


‫ول يجوز للجاهل الذي ليست له أهلية الجتهصصاد ول القصصدرة علصصى‬
‫استنباط الحكام الشرعية مصصن مصصصادرها ‪ ،‬ل يجصصوز لصصه أن يصصدعي‬
‫القصصدرة علصصى الجتهصصاد والوصصصول إلصصى معرفصصة الحكصصم الشصصرعي‬
‫بنفسه فيتهجم على نصوص الشريعة في القرآن الكريم والسصصنة‬
‫النبوية فيفسرها كما يشاء ‪ ،‬ويستنبط الحكصصام منهصصا كمصصا يريصصد ‪،‬‬
‫ويقول بالحل والحرمة لفعل أو ترك لما يتراءى له من مصلحة أو‬
‫مفسدة من هذا الترك أو ذلك الفعل ‪ ،‬أو يقيس شيئا ً على شصصيء‬
‫بل معرفة بأصوله وضوابطه ‪ .‬وقد ل يدعي الجاهصصل لنفسصصه رتبصصة‬
‫الجتهاد والقدرة على الستنباط صراحة ‪ ،‬ولكنصصه يصصدعيها لنفسصصه‬
‫عمل ً بأن يتصرف تصرف المجتهدين فيفسر كتاب الله وآياته كمصصا‬
‫يهوى دون أن يرجع إلى ما قاله أهل العلم فيما يفسصصره هصصو مصصن‬
‫آيات وما يستنبطه منها من أحكام ‪ ،‬أو أنصصه يجصصد حصصديثا ً نبويصا ً فصصي‬
‫كتاب فيفسره كما يهوى دون أن يرجصصع إلصصى أهصصل العلصصم بالسصصنة‬
‫النبوية المطهرة وما قالوه في هذا الحديث الذي يفسره ‪ ،‬ومصصدى‬
‫علقته بالحاديث الخرى التي تخص موضوعه ‪ ،‬وما الحكصصم الصصذي‬
‫يدل عليه من إيجاب أو ندب أو إباحة إن كان بصيغة الطلب ‪ ،‬ومصصا‬
‫يدل عليه من تحريم أو كراهة إن كان بصيغة النهي إلى غير ذلصصك‬
‫مصصن المصصور المتعلقصصة بهصصذا الحصصديث والصصواجب معرفتهصصا قبصصل أن‬
‫يفسر الحديث ويقول بمقتضاه ‪.‬‬

‫‪ 179‬ص ل يجوز الطعن بأئمة المذاهب ‪:‬‬


‫د‬
‫وقد تبلغ الجهالة بمدعي الجتهصصاد ومنكصصري التقليصصد إلصصى حصدّ مص ّ‬
‫ألسنتهم بالسوء في أئمصصة الهصصدى والفقصصه ‪ ،‬مثصصل أئمصصة المصصذاهب‬
‫المعروفصصة بأسصصمائهم كالمصصام أبصصي حنيفصصة ‪ ،‬والمصصام الشصصافعي‬
‫دعاء هؤلء الجهال بأن هؤلء ص أئمصصة المصصذاهب صص قصصد‬ ‫وغيرهما ‪ ،‬وا ّ‬
‫ً‬
‫فرقوا الدين ول يجوز الخذ بأقوالهم مطلقا ‪ ،‬ويبيحون لنفسهم‬
‫الطعن بهم وتوهين منزلهصصم وسصصمعتهم عنصصد المسصصلمين ‪ ..‬وهصصذا‬
‫منهم من أعظم الصدلئل علصى جهلهصم وبغيهصم واتبصاعهم الهصوى‬
‫ومخالفتهم للكتاب والسنة ‪ ،‬فصصالله تعصصالى رفصصع أهصصل العلصصم قصصال‬
‫تعصصالى ‪) :‬يرفصصع اللصصه الصصذين آمنصصوا منكصصم والصصذين أوتصصوا العلصصم‬
‫درجات(‪. 1‬‬
‫ومما ل خلف فيه أن أبا حنيفة والشافعي ومالك بن أنس وأحمد‬
‫بن حنبل وغيرهم من أئمة المذاهب السلمية المعتصصبرة هصصم مصصن‬
‫أهل العلم ‪ ،‬فيدخلون في مضمون هذه الية وهي رفعة درجاتهم‬
‫عند الله تعالى ‪ ،‬لن العلم المقصود بالية العلم الشرعي ‪.‬‬
‫وقد يكون من المفيد أن أذكر هنا ما جاء فصصي تفسصصير هصصذه اليصصة‬
‫في تفسير اللوسي قال رحمصه اللصه ‪) :‬والصذين أوتصوا العلصم( أي‬
‫العلم الشرعي )درجات( أي كثيرة جليلة كمصصا يشصصعر بصصه المقصصام ‪،‬‬
‫وعطف ص الذين أوتوا العلم ص على )الذين آمنوا( من عطف الخاص‬
‫على العام تعظيمصا ً لهصصم بعصصدهم كصصأنهم جنصصس آخصصر ‪ .‬وعنصصه عليصصه‬
‫الصلة والسلم ‪) :‬يشفع يوم القيامة ثلثة ‪ :‬النبياء ثم العلماء ثم‬
‫الشهداء فأعظم بمرتبصصة بيصصن النبصصوة والشصصهادة بشصصهادة الصصصادق‬
‫المصصصدوق صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم ‪ .‬والصصدال علصصى فضصصل العلصصم‬
‫والعلماء أكثر من أن يحصى ‪ ،‬وأرجى حديث عندي في فضلهم ما‬
‫رواه المام أبو حنيفة في مسصصنده عصصن ابصصن مسصصعود قصصال ‪ ،‬قصصال‬
‫رسصصول اللصصه صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم ‪) :‬يجمصصع اللصصه العلمصصاء يصصوم‬
‫القيامة فيقول ‪ :‬إني لم أجعل حكمتي في قلصصوبكم إل وانصصا أريصصد‬
‫بكم الخيصصر ‪ ،‬اذهبصصوا إلصصى الجنصصة فقصصد غفصصرت لكصصم علصصى مصصا كصصان‬
‫منكم( ‪ .‬ودللة اليصصة علصصى فضصصل العلمصصاء ظصصاهرة بصصل أخصصرج ابصصن‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة المجادلة ‪ ،‬الية ‪. 11‬‬
‫ص الله تعصصالى العلمصصاء فصصي‬ ‫المنذر عن ابن مسعود أنه قال ‪ :‬ما خ ّ‬
‫ضصصل اللصصه الصصذين آمنصصوا وأوتصصوا‬ ‫شيء ما خصهم في هذه الية ‪ ..‬ف ّ‬
‫‪1‬‬
‫العلم على الذين آمنوا ولم يؤتصصوا العلصم بصدرجات ‪ .‬فصالله تعصالى‬
‫أخصصبر أنصصه رفصصع درجصصات العلمصصاء ‪ ،‬ويصصأتي هصصؤلء الجهصصال يريصصدون‬
‫تنقيص درجاتهم بالكلم السصصيء عليهصصم ‪ ،‬ول شصصك أن مصصن رفعصصه‬
‫الله لن يستطيع خفضه أهل الجهالة والهواء ‪.‬‬
‫وفصصي حصصديث رسصصول اللصصه صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم الصصذي أخرجصصه‬
‫البخاري ‪) :‬من يرد الله به خيرا ً يفقهه في الدين( شهادة صصصريحة‬
‫بأن الله تعالى أراد يأئمة الفقه خيرا ً كأبي حنيفصصة وامثصصاله لنهصصم‬
‫من اهل الفقه قطعا ً فهم ممصصن أراد اللصصه بهصصم خيصصرا ً بدللصصة هصصذا‬
‫الحديث النبوي الشريف ‪ .‬وعلى هذا فلن يذهب عنهم هصصذا الخيصصر‬
‫الذي أراده الله لهم ما يقوله الجصصاهلون عنهصصم ومصصا ينفثصصونه مصصن‬
‫قبيح الكلم فيهم ‪.‬‬
‫ويقال أيضا ً لمنكري التقليد الذين يبيحون لنفسهم الطعن بأئمصصة‬
‫المصصذاهب ويمنعصصون النصصاس مصصن الخصصذ بصصأقوالهم والجتمصصاع بهصصا‬
‫والتعويل عليها ‪ ،‬يقال لهؤلء ‪ :‬إن الحتجاج بأقوال أئمة كل علصصم‬
‫في موضوع علمه شيء مألوف ومقبول ول ينبغي أن يكصصون فيصصه‬
‫أي جدال ‪ ،‬أل يرى أننا نحتصج بقصول سصيبويه والكسصائي ونحوهمصا‬
‫في مسائل اللغة العربية وصرفها ونحوهصصا؟ واحتجاجنصصا بصصأقوالهم‬
‫مقبول من قبل الموافق والمخالف لنهما مصن أهصل العلصم بالغصة‬
‫العربيصصة ‪ ،‬فلمصصاذا نخصصرج علصصى هصصذا المقبصصول المصصألوف فنرفصصض‬
‫الحتجاج بأقوال أئمصصة الفقصصه والخصصذ بهصصا؟ إن الخصصذ بصصأقوالهم ل‬
‫يعني أنها تؤخذ مطلقصا ً ول يجصصوز تركهصصا وإنمصصا تعنصصي أنهصصا تصصصلح‬
‫للحتجاج بها والعمل بها ول تترك إل بدليل أقوى من دليلها ‪.‬‬

‫‪ 180‬ص نحترم أهل العلم ول نعتقد فيهم العصمة ‪:‬‬


‫ل أهصصل العلصصم ويحصصترمهم ويعصصرف‬‫والواجب علصصى المسصصلم أن يجص ّ‬
‫قصصدرهم ويصصدعو لهصصم ويسصصتغفر لهصصم ‪ ،‬وننتفصصع بعلمهصصم ونأخصصذ‬
‫بأقوالهم ‪ ،‬ولكن ل نعتقد فيهم العصمة من الخطأ ‪ ،‬فكصصل إنسصصان‬
‫يؤخذ منه ويرد عليه إل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وعليصصه‬
‫فإذا ظهر أن قول أحصصدهم خطصصأ وقصصام الصصدليل علصصى خطئه وجصصب‬
‫التحول عنه إلى غيره ‪ ،‬وكذلك إذا قام الدليل علصصى رجحصان قصول‬
‫آخر وجب الخذ بالراجح وترك المرجوح ‪.‬‬

‫‪ 181‬ص ل يترك الواجب لجل المندوب ‪:‬‬


‫قد يكون قول منكري التقليد في مسألة مصن المسصصائل هصصو الصصذي‬
‫تشهد له السنة النبوية بالصحة أو بالرجحان ‪ ،‬وإن قول المخصصالف‬
‫له من المقلدين هو الخطصصأ أو المرجصصوح ‪ ،‬ومصصن أمثلصصة ذلصصك رفصصع‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 28‬ص ‪. 29‬‬
‫اليدين عند الركوع وعنصصد الرفصصع منصصه ‪ ،‬ومثصصل وضصصع اليصصدين فصصوق‬
‫الصدر أو تحته ‪ ،‬ونحو ذلك ول يأخصصذ المقلصصد بقصصول منكصصر التقليصصد‬
‫فيشتد الخلف بينهما إلى درجة الخصومة مع أن المسألة ل تحتاج‬
‫إلى تصعيد الخلف إلى هذا الحدّ فهذه المور من مستحباتالصصصلة‬
‫أو سصصننها وليسصصت مصصن أركانهصصا ول واجباتهصصا ‪ ،‬والصصصلة بصصدونها‬
‫صصصحيحة وإن كصصان التيصصان بهصصا أفضصصل ‪ ،‬فل يجصصوز جعلهصصا أساسصا ً‬
‫للموالة والئتلف وعدمها سببا ً للنفصصرة والختلف والعصصداء ‪ ،‬لن‬
‫الئتلف والجتماع واجب ‪ ،‬والختلف المصصذموم ص ص كهصصذا الختلف‬
‫المؤددي إلى العداوة ص حرام فل يجصصوز تصصرك الصصواجب مصصع ارتكصصاب‬
‫الحرام من أجل منصصدوب أو مسصصتحب فصصي الصصدين ‪ ،‬وإنمصصا يقتضصصي‬
‫التلطف بالبيان والنصح في الدللة على ان السصصنة النبويصصة وردت‬
‫بهذه المستحبات كرفع اليصصدين فصصي الصصصلة ‪ ،‬عنصصد الركصصوع وعنصصد‬
‫الرفع منه ‪ ،‬كما قرر ذلصصك أهصصل الحصصديث وفقهصصاء الشصصريعة ‪ ،‬وإن‬
‫الئمة الذين لم يأخذوا بهذا المستحب في الصلة مصصع وروده فصصي‬
‫السنة ‪ ،‬لنهم لم تبلغهم هذه السنة النبوية أو بلغتهم ولصصم تثبصصت‬
‫عندهم فهم معذورون في عدم الخذ بها ‪ ،‬وغيرهم الذين بلغتهم‬
‫هذه السنة وثبتت عندهم صحتها ل ُيعذرون بتركها ‪ .‬فبهصصذا الكلم‬
‫ونحوه ينسد باب الجدل والخلف والخصام ‪ .‬وإذا لم يقتنع المقلد‬
‫بهذا الكلم فل يجصصوز هجصصره ومقصصاطعته وعصصداوته ونصصصب الخلف‬
‫المذموم معه لما قلته ‪ :‬إن الواجب هو الئتلف وإن المحظور هو‬
‫الخلف والفتراق فل يجصصوز تصصرك الصصواجب وارتكصصاب المحصصرم مصصن‬
‫أجل الخلف في المندوب ‪.‬‬

‫‪ 182‬ص ج ‪ :‬الخلف بين المتفقهة والمتصوفة ‪:‬‬


‫ومصصن الخلف المصصذموم مصصا يقصصع بيصصن المتفقهصصة والمتصصصوفة ‪،‬‬
‫فالولى قد تنكر على الثانية كل ما تدعيه وتؤكد عليه من احصصوال‬
‫القلوب وتزكيتها ‪ ،‬والمتصوفة قد تنكر علصصى المتفقهصصة تمسصصكها‬
‫بالظصصاهر وتأكيصصدها عليصصه وعصصدم اهتمامهصصا بالبصصاطن واحصصواله‬
‫واحكامه ‪ ،‬وقد ل تقيموزن صا ً لمسصصلك المتفقهصصة ومصصا تؤكصصد عليصصه ‪.‬‬
‫وهصصذا الخلف بيصصن الطرفيصصن علصصى هصصذا النحصصو يصصؤدي غالب صا ً إلصصى‬
‫التفرق والتقاطع والتباغض ‪ ،‬وكل هصصذا محظصصور فصصي ديصصن اللصصه ‪،‬‬
‫فينبغي عدم التسبب في وقوعه ‪ ،‬ورفعه إذا وقع ‪.‬‬

‫‪ 183‬ص الوقاية من هذا الخلف ‪:‬‬


‫ل منهمصصا لكصصل‬ ‫هم الطرفان بان هذا الغنكار المطلق من قبل ك ٍ‬ ‫ُيف ّ‬
‫ما عند الخر هو من صفات أهل الكتصصاب المذمومصصة الصصواجب عصصدم‬
‫د‬
‫هصصو ُ‬ ‫ت ال ْي َ ُ‬
‫قصصال َ ِ‬ ‫و َ‬‫التخلق بها ‪ ،‬قال تعالى ذاما ً لهم بهصصذه الصصصفة ‪َ ) :‬‬
‫عل َصصى‬‫هصصودُ َ‬ ‫ت ال ْي َ ُ‬ ‫صصصاَرى ل َي ْ َ‬
‫سص ِ‬ ‫قال َ ِ‬
‫ت الن ّ َ‬ ‫و َ‬
‫ء َ‬
‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫عل َ َ‬
‫ى َ‬ ‫صاَرى َ‬
‫ت الن ّ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫س ِ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫ول ِ ِ‬ ‫ل َ‬
‫قص ْ‬ ‫مث ْص َ‬
‫ن ِ‬
‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ن ل َ يَ ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قا َ‬‫ك َ‬‫ب ك َذَل ِ َ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬‫م ي َت ُْلو َ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬ ‫ء َ‬‫ي ٍ‬‫ش ْ‬‫َ‬
‫‪1‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫فو َ‬‫خت َل ِ ُ‬‫ه يَ ْ‬ ‫في ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ِ‬ ‫في َ‬‫ة ِ‬‫م ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬‫ه ْ‬ ‫م ب َي ْن َ ُ‬ ‫ُ‬
‫حك ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫فالل ُ‬ ‫َ‬
‫ويقال لهم أيضا إن كونهم من )المتفقهة( أو من )المتصصصوفة( ل‬ ‫ً‬
‫يمنحهم حصانة تمنع عنهم أي نقد أو تعقيب أو إنكصصار أو تجعلهصصم‬
‫معصومين من أي خطصصأ ‪ ،‬بصصل عليهصصم أن يخضصصعوا لحكصصم الشصصرع ‪،‬‬
‫وتخضع كل أقوالهم وتصرفاتهم لحكم الشرع فما أجازه منها جاز‬
‫وكان صحيحا ً ‪ ،‬وما لم يجزه كان خطصصأ محظصصورا ً ‪ .‬أي إن أقصصوالهم‬
‫وأفعصصالهم تأخصذ وصصصف الوجصوب أو النصدب أو الباحصة أو التحريصم‬
‫حسب حكم الشرع عليها رضوا أو كرهوا ‪.‬‬
‫ويقال لهم أيضا ً إن أحكام الشرع الخاصصصة بالظصصاهر تسصصري علصصى‬
‫الجميع ول يستثنى منها المتصوفة فهم مطالبون بصاللتزام بهصا ‪.‬‬
‫وإن أحكام الشرع الخاصة بالباطن مثل أعمال القلصصوب وتزكيتهصصا‬
‫تسري على الجميع ول يسصصتثنى منهصصا المتفقهصصة فهصصم مطصصالبون‬
‫باللتزام بها كغيرهم ‪ .‬فبهذا الكلم ونحوه يمكن أن يزال الخلف‬
‫بين المتفقهة والمتصوفة أو تقل شروره بإذن الله وتوفيقه ‪.‬‬

‫‪ 184‬ص ثالثا ً ‪ :‬الخلف بين الجماعات السلمية والوقاية منه ‪:‬‬


‫تقوم فصصي البلد السصصلمية جماعصصات تصصدعو إلصصى السصصلم وتقصصوم‬
‫بواجب المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬وهي مشكورة علصصى‬
‫أعمالها وتدخل في المفهوم العام للجهاد في سبيل الله إن شاء‬
‫الله تعالى ‪ .‬وقد يقصصع فيمصصا بينهصصا خلف فمصصا هصصي سصصبل الوقايصصة‬
‫منه؟‬

‫‪ 185‬ص توحيد هذه الجماعات ‪:‬‬


‫السصبيل القصوم لرفصع الخلفصات بيصن هصذه الجماعصات السصلمية‬
‫توحيدها في جماعة واحدة ‪ ،‬إذ ل حاجة لهذا التعدد ما دام الهصصدف‬
‫واحدا ً وهصصو خدمصصة السصصلم عصصن طريصصق نشصصر تعصصاليمه وإزالصصة مصصا‬
‫يناقضها ‪ .‬ولكن هذا الذي نراه وسيلة لرفع الخلف ‪ ،‬وهو ما يحبه‬
‫غب فيه ويدعو إليه ‪ ،‬غير موجود فصصي الواقصصع وقصصد ل‬ ‫السلم وير ّ‬
‫يتيسر في المستقبل المنظور ‪.‬‬

‫‪ 186‬ص ساحة العمل واسعة لمن يريده بإخلص ‪:‬‬


‫وإذا لم يتحقق توحيد الجماعات السلمية ‪ ،‬فيجصصب تفهيمهصصا بصصأن‬
‫ساحة العمل للسلم واسعة جدا ً لمن يريده بصصإخلص ولصصن تضصصيق‬
‫هذه الساحة بهم ‪ ،‬فالجميع يريصصدون خدمصصة السصصلم ‪ .‬ومصصن دلئل‬
‫صدق العمل للسلم فرح العاملين له إذا رأوا غيرهم يعمصصل لصصه ‪.‬‬
‫فإذا ساءهم عمل غيرهم وساءهم ظهصصور العصصاملين للسصصلم مصصن‬
‫غيرهم فلذلك دليل على كدورة إخلصه وعصصدم نقصصائه ‪ .‬فيجصصب أن‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 113‬‬
‫تبقى الجماعات السلمية في دائرة الئتلف الواسعة وتبتعد عن‬
‫كل معاني الخلف ومظاهره ‪ ،‬وليعتبروا تعصصددهم كتعصصدد جماعصصات‬
‫المصلين في المساجد وكتعصصدد حلقصصات الدراسصصة وذكصصر اللصصه ‪ ،‬ول‬
‫بصصأس مصصن التنصصافس فيمصصا بينهصصم بكصصثرة العمصصل الصصصالح الصصذي‬
‫يقدمونه ‪.‬‬

‫‪ 187‬ص رابعا ً ‪ :‬الخلف بين أعضاء الجماعة المسلمة ‪:‬‬


‫العمل الجماعي ليس سهل ً فهو أصعب من العمل الفصصردي ولكنصصه‬
‫أعمق أثرا ً منه وأعظم بركة وأوسع نفعا ً ‪ .‬ووجه هذه الصصصعوبة أن‬
‫العمل الجماعي يحتاج إلى تحرك موزون ومنظم ودقيصصق وصصصحيح‬
‫فهو أشبه ما يكون بحركة الجيش وسيره ‪ .‬ثم إن العمل الجماعي‬
‫يحتاج إلصصى ضصصبط نشصاط المشصصاركين فيصصه وهصم أعضصاء الجماعصصة‬
‫وتصوجيه هصذا النشصاط إلصى الوجهصة الصتي تراهصا الجماعصة ‪ ،‬ومنصع‬
‫انفلت هذا النشاط وخروجه عن مقتضيات الضبط والتوجيه ‪ ،‬لن‬
‫الجماعة تتحمل مسؤولية أي تصرف أو نشاط من أعضاء الجماعة‬
‫وتتحمل نتائجه ‪.‬‬

‫‪ 188‬ص ضرر الخلف في الجماعة المسلمة ‪:‬‬


‫ولمصصا قلنصصاه مصن صصصعوبة العمصصل الجمصاعي ودقتصصه واحتيصصاجه إلصى‬
‫الضبط وحسن التوجيه فإن الخلف في الجماعة يؤثر تأثيرا ً سصصيئا ً‬
‫فيهصصا ويضصصرها ضصصررا ً بليغصصا ً لنصصه سصصيوقف عملهصصا أو يصصؤخره‬
‫وسيضطرها إلى توجيه كثير من طاقاتهصا وجهصدها لمواجهصة هصذا‬
‫الخلف والقضاء عليه واتقاء شره ‪ ،‬وهصصذه سيشصصغلها عصصن عملهصصا‬
‫الصلي وهو العمل للسلم ومواجهة خصومه وخصصصومها ‪ .‬ثصصم إن‬
‫الخلف إذا لم يقض عليه بحزم وبسرعة وبصورة جذرية فسيؤدي‬
‫إلصصى نتصصائج خطيصصرة ومفجعصصة ومنهصصا خصصروج بعصصض أعضصصائها أو‬
‫إخراجهم من الجماعة ‪ ،‬وهذا قصد يصصؤدي بالخصصارجين أو المخرجيصصن‬
‫إلى تكوين جماعة أخرى ويكون من أهصصدافها الكيصصد للجماعصصة الم‬
‫الولى ‪ ،‬ولهذا غالبا ً ما يحصصدث بينهمصصا خصصصام واتهامصصات يسصصتغلها‬
‫خصوم السلم لصرف الناس عن الستجابة للدعوة إليه ‪.‬‬

‫‪ 189‬ص وسائل الوقاية من هذا الخلف ‪:‬‬


‫والوقاية من وقوع الخلف الذميم في الجماعة المسلمة تسصصتلزم‬
‫أمورا ً كثيرة )منها( أن يكون لها أمير مطاع تطيعه في غيرمعصية‬
‫الله ‪ ،‬وأن ياورها فيما يهصصم الجماعصصة وأمصصور الصصدعوة عصصن طريصصق‬
‫مشاورة مجلس الشورى فيها ‪ .‬وبوجود الميصصر المطصصاع والصصتزامه‬
‫بمبدأ الشورى ‪ ،‬يؤمل عدم وقوع الخلف أو يقل وقوعه ويضصصعف‬
‫أثصصره وضصصرره إذا وقصصع ‪ .‬ونتكلصصم عصصن ضصصرورة وجصصود هصصذا الميصصر‬
‫المطاع المشاور الذي يمنصصع الخلف أو يقلصصل وقصصوعه وضصصرره إذا‬
‫وقع ‪.‬‬

‫‪ 190‬ص المير ضروري للجماعة المسلمة ويمنع الخلف ‪:‬‬


‫السصصلم يصصدعو إلصصى أن يكصصون أميصصر لقصصل الجماعصصات وفصصي أقصصل‬
‫الغراض المباحة ‪ ،‬فلن يكون للجماعة المسلمة أمير أولى ‪ .‬فقد‬
‫أخرج أبو داود عن أبي سعيد الخصصدري أن رسصصول اللصصه صصصلى اللصصه‬
‫عليه وسلم قال ‪) :‬إذا خرج ثلثة في سفر فليؤمروا أحدهم( قال‬
‫المام الخطابي ‪ :‬إنما أمصصر صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم بصصذلك ليكصصون‬
‫أمرهم جميعا ً ول يتفرق بهم الرأي ول يقع بينهم الختلف‪. 1‬‬
‫وفي حديث آخر لبي داود عن نافع أبي سلمة عن أبي هريصصرة أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪) :‬إذا كان ثلثة فصصي سصصفر‬
‫فليؤمروا أحدهم( قال نصصافع فقلنصصا لبصصي سصصلمة ‪ :‬فصصأنت أميرنصصا ‪.‬‬
‫وجصصاء فصصي شصصرحه ‪ :‬أنصصه إذا كصصان جماعصصة وأقلهصصا ثلثصصة فليصصؤمروا‬
‫أحدهم أي فليجعلوا أحدهم أميرا ً عليهم‪. 2‬‬

‫‪ 191‬ص الجماعة تختار أميرها ‪:‬‬


‫والحديث يدل على مشروعية اختيار أمير للجماعة بل ووجوب هذا‬
‫الختيار لن الحديث الشريف يقول ‪) :‬فليؤمروا أحدهم( والصصصل‬
‫في المصصر أنصصه للوجصصوب ‪ .‬وهصصذا فصصي أقصصل الجماعصصات وفصصي أقصصل‬
‫الغراض فكيف بالجماعة التي تقوم لخدمة السلم والدعوة إليصصه‬
‫ويحتاج عملها إلى ضبط ونظام وتنظيم؟‪.‬‬
‫والحديث يدل على أن الجماعة نفسها هي التي تختار أميرهصصا أي‬
‫أن الذين يريدون الشصصتراك فصصي عمصصل مصصا ‪ ،‬هصصم الصصذين يختصصارون‬
‫أميرهصصم ‪ ،‬فكصصذلك الراغبصصون فصصي الشصصتراك فصصي العمصصل لخدمصصة‬
‫السلم وتكوين جمعية لهذا الغرض هم الذين يختارون أميرا ً لها ‪.‬‬
‫وسواء اشتراك جميع أعضاء الجمعيصصة فصصي اختيصصار الميصصر أو قصصام‬
‫بالختيار نخبة من العضاء يسمون ب))مجلس شصصورى الجماعصصة((‬
‫وهؤلء يعتبرون نوابا ً عن الجماعة في اختيار أميرهصصا ويشصصاورهم‬
‫في أمور الدعوة ‪.‬‬

‫‪ 192‬ص من تختاره الجماعة تجب طاعته ‪:‬‬


‫وإذا مصصا تصصم اختيصصار أميصصر للجماعصصة المسصصلمة وجصصب علصصى أفصصراد‬
‫الجماعة طاعته ول يسوغ لهم التمرد عليه وعدم طاعته بأية حجة‬
‫ما دام انتخابه كان بطريق مشروع ونزيه وعادل ول تزويصصر فيصصه ‪،‬‬
‫وما دام قد تحققت في المير المنتخب شروط المير فصصي حصصدها‬
‫الدنصصى ‪ ،‬لن انتخصصابه فصصي هصصذه الحالصصة دون غيصصره مصصن المصصور‬

‫‪1‬‬
‫ـ عون المعبود شرح سنن أبي داود ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 267‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ عون المعبود شرح سنن أبي داود ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 267‬‬
‫الجتهادية المقبولة ‪ ،‬فالخروج علصصى هصصذا الميصصر المنتخصصب يعتصصبر‬
‫)بغي صًا( عليصصه وعلصصى الجماعصصة الصصتي يمثلهصصا ويعتصصبر دليل ً علصصى أن‬
‫الخارجين عليه فيهم صفة من صفات أهصصل الكتصصاب ‪ ،‬وهصصي أنهصصم‬
‫كانوا يرفضون رسالة من ل تهواه أنفسهم ‪ ،‬ول شصصك أن التشصصبه‬
‫بأهل الكتاب في صفاتهم الذميمة شصصيء ذميصصم قصصال تعصصالى فصصي‬
‫سصك ُ ُ‬
‫م‬ ‫وى َأن ُ‬
‫ف ُ‬ ‫مصصا ل َ ت َ ْ‬
‫هص َ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل بِ َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فك ُل ّ َ‬‫ذمهم لهذه الصفة ‪) :‬أ َ َ‬
‫قت ُُلو َ‬
‫ن(‪. 3‬‬ ‫ريقا ً ت َ ْ‬ ‫و َ‬
‫ف ِ‬ ‫م َ‬ ‫ريقا ً ك َذّب ْت ُ ْ‬ ‫ف َ‬
‫ف ِ‬ ‫ست َك ْب َْرت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ا ْ‬
‫وليكن معلوما ً أن شر ما تبتلى به جماعة مسصصلمة تصصدعو إلصصى اللصصه‬
‫وقوع الخلف فيها وتفرقها ممصصا يسصصهل لعصصدائها اسصصتغلل ذلصصك‬
‫وإيذائها والمثلصصة علصصى ذلصصك كصصثيرة والعاقصصل مصصن اعتصصبر بغيصصره ‪،‬‬
‫والمؤمن ل يلدغ من جحر مرتين ‪.‬‬

‫‪ 193‬ص نصب المير لطاعته ولمنع الخلف ‪:‬‬


‫ومن أغراض نصب المير للجماعة منصصع الختلف فيمصصا بينهصصا كمصصا‬
‫أشار إلى ذلك المام الخطابي في شرحه لحصصديث أبصصي داود ‪) :‬إذا‬
‫خرج ثلثة في سفر فليؤمروا أحدهم( حيث قال رحمه الله ‪ :‬إنمصصا‬
‫أمر صلى الله عليه وسلم بذلك ليكصصون أمرهصصم جميعصا ً ول يتفصصرق‬
‫بهم الرأي ول يقع بينهم الختلف ‪.‬‬

‫‪ 194‬ص طاعة المير طاعة لله ولرسوله ‪:‬‬


‫إن المير إنما يختار لتطيعه الجماعة لنهصصا تعلصصم أن الميصصر يختصصار‬
‫ليطاع ‪ ،‬ول معنصصى لختيصصاره إذا لصصم تطعصصه الجماعصصة ‪ ،‬ولن طاعصصة‬
‫الجماعة المسلمة لميرها هي طاعصة للصه ولرسصوله ‪ ،‬فقصد أخصصرج‬
‫المام البخاري في صحيحه عصصن أبصصي هريصصرة رضصصي اللصصه عنصصه أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪) :‬من أطاعني فقط أطصصاع‬
‫الله ومن عصاني فقد عصى الله ‪ ،‬ومن أطاع أمير فقصصد أطصصاعني‬
‫ومن عصى أميري فقد عصاني(‪. 1‬‬
‫وجاء في شرحه لبن حجر العسصصقلني ‪ :‬وفصصي روايصصة همصصام عنصصد‬
‫مسلم ‪) :‬ومن أطصصاع الميصصر فقصصد أطصصاعني( ويمكصصن رد اللفظيصصن‬
‫لمعنى واحد فإن كل من يأمر بحق وكان عادل ً فهو أميصصر الشصصارع‬
‫لنه تولى بأمره وبشريعته ‪ ،‬ويؤيده توحيصصد الجصصواب فصصي المريصصن‬
‫وهو قوله ‪) :‬فقد أطاعني( أي عمل بما شرعته ‪ .‬ووقع في رواية‬
‫همام أيضا ً ‪) :‬ومن يطصصع الميصصر فقصصد أطصصاعني( بصصصيغة المضصصارع‬
‫وكذا ‪) :‬من يعص المير فقد عصاني( وهو أدخل في إرادة تعميصصم‬
‫من خوطب ومن جاء بعد ذلك‪. 2‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 87‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 111‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 112‬‬
‫وخلصة هذا الشصصرح أن مصصن يتصصولى إمصصرة شصصيء بمصصوجب الشصصرع‬
‫ويقضي بموجب الشرع فهو يعتبر أميرا ً من قبل الشصصرع وطصصاعته‬
‫واجبة ‪ ،‬فمن أطاعه فقد أطاع رسول الله صلى الله عليه وسصصلم‬
‫الذي أمر بطاعة مثل هذا المير ‪ ،‬ومصصن أطصصاع رسصصول اللصصه صصصلى‬
‫الله عليه وسلم فقد أطاع الله تعالى ‪ .‬ومن يعص المير المصذكور‬
‫ص الله ورسوله ‪.‬‬
‫فإنه يع ِ‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبصصي هريصصرة رضصصي اللصصه عنصصه قصصال ‪ ،‬قصصال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬من أطاعني فقط أطاع الله‬
‫ومن يعصني فقد عصى الله ‪ ،‬ومن يطع المير فقد أطاعني ومن‬
‫يعصى المير فقد عصاني( قال النووي في شرحه لهذا الحديث ‪:‬‬
‫)لن الله تعالى أمر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وأمر هو‬
‫صلى الله عليه وسلم بطاعة المير فتلزمت الطاعة( ‪.3‬‬

‫‪ 195‬ص ل يطاع المير في معصية الله ‪:‬‬


‫والطاعة الواجبة لمير الجماعة والتي تعصمها مصن الختلف إنمصا‬
‫تكون في غير معصية الله تعالى ‪ ،‬فإذا أمر بمعصية‬
‫الله فل تجوز طاعته ‪ ،‬يدل على ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري‬
‫ومسلم )على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إل أن يصصؤمر‬
‫بمعصية ‪ ،‬فإن أمر بمعصية فل سمع ول طاعة(‪. 4‬‬
‫قال المام النووي في شصصرحه لهصصذا الحصصديث ‪) :‬تجصصب طاعصصة ولة‬
‫المور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية ‪ ،‬فإن‬
‫كانت لمعصية فل سمع ول طاعة(‪. 5‬‬
‫وأخرج المام البخاري ومسلم عن علي رضصصي اللصصه عنصصه واللفصصظ‬
‫مصصر عليهصصم‬ ‫للبخاري ‪) :‬بعث النبي صلى الله عليه وسصصلم سصصرية وأ ّ‬
‫رجل ً مصصن النصصصار وأمرهصصم أن يطيعصصوه ‪ ،‬فغضصصب عليهصصم وقصصال ‪:‬‬
‫أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسصصلم أن تطيعصصوني؟ قصصالوا ‪:‬‬
‫بلى ‪ .‬قال قد عزمت عليكم لما جمعتصصم حطب صا ً وأوقصصدتم نصصارا ً ثصصم‬
‫دخلتم فيها ‪ .‬فجمعصصوا حطبصا ً فأوقصصدوا نصصارا ً فلمصصا همصصوا بالصصدخول‬
‫فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬إنما تبعنصا النصصبي‬
‫فصصرارا ً مصصن النصصار ‪ ،‬أفنصصدخلها؟ فبينمصصا هصصم كصصذلك إذ خمصصدت النصصار‬
‫وسكن غضبه ‪ .‬فصذكر للنصبي صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم فقصال ‪ :‬لصو‬
‫دخلوها ما خرجوا منها أبدا ً ‪ ،‬إنما الطاعة في المعروف(‪. 6‬‬

‫‪ 196‬ص مفهوم المعصية التي ل يطاع فيها المير ‪:‬‬


‫والمعصية التي ل يطاع فيها المير إذا أمصصر بهصا هصصي الصصتي عليهصصا‬
‫دليل شرعي واضح صريح ل يتحمل التفسصصير بصصأكثر مصصن وجصصه ول‬
‫‪3‬‬
‫ـ صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪ 223‬ـ ‪. 224‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ 121‬ـ ‪ ، 122‬صحيح مسلم ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 222‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 224‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ ، 122‬صحيح مسلم ‪ ،‬ص ‪. 224‬‬
‫الجتهاد في مدلوله كدخول النار الصصتي أمصصر أميصصر السصصرية أتبصصاعه‬
‫بدخولها ‪ ،‬لن الدخول في النصصار قتصصل للنفصصس ‪ ،‬وقتصصل النفصصس ل‬
‫يجوز قطعا ً ‪ .‬أما في المور الجتهادية فطاعته فيهصصا واجبصصة إذ ل‬
‫معصية في اختيار المير رأيا ً دون رأي فيما يجوز الجتهاد فيه ‪.‬‬

‫‪ 197‬ص أخذ المير بالشورى من موانع الخلف ‪:‬‬


‫ومن موانصصع الخلف فصصي الجماعصصة أخصصذ الميصصر بالشصصورى ‪ ،‬وهصصذا‬
‫واجب عليه لن الشورى من مبادىء السصصلم وصصصفات المصصؤمنين‬
‫وخاطب به الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم قصصال تعصصالى ‪:‬‬
‫)وأمرهم شصصورى بينهصصم( وقصصال تعصصالى ‪) :‬وشصصاورهم فصصي المصصر(‬
‫والمخاطب بهذا المر هصصو سصصيدنا محمصصد صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬
‫المؤيد بالوحي ليعلم المسلمون أنهم ملزمون بالشورى وأن على‬
‫حكام المسلمين وولة المور أن يفعلوا ذلك وإن تركصصوا الشصصورى‬
‫اسصصتحقوا العصصزل ‪ ،‬قصصال المصصام القرطصصبي ‪) :‬قصصال ابصصن عطيصصة ‪:‬‬
‫والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الحكام ‪ ،‬ومصصن ل يستشصصير‬
‫أهصصل العلصصم والصصدين فعزلصصه واجصصب(‪ 1‬فيجصصب علصصى أميصصر الجماعصصة‬
‫المسلمة أن يشاور الجماعة عن طريق مشاورة مجلصصس الشصصورى‬
‫فيها ‪ ،‬فيشاوره في أمور الدعوة والجماعصة قبصل أن يتخصذ الصرأي‬
‫الذي يأمر به الجماعة ‪.‬‬

‫‪ 198‬ص هل الشورى ملزمة للمير أو معلمة؟‬


‫وإذا كان الواجب على أمير الجماعة المسلمة أن يشصصاور الجماعصصة‬
‫عن طريق مشصصاورته لمجلصصس الشصصورى فيهصصا ‪ ،‬فهصصل يجصصب عليصصه‬
‫الخذ برأي المجلس المتفق عليه من قبل أعضائه أو برأي أكثرية‬
‫أعضائه ‪ ،‬فيقال للشصصورى فصصي هصصذه الحالصصة أنهصصا ))ملزمصصة(( أو ل‬
‫يجب عليه ذلك فله أن يأخذ برأي المجلس وله أن يرفض ولو كان‬
‫باتفاقهم ويأخذ برأي نفسه فيقال للشورى في هذه الحالصصة إنهصصا‬
‫))معلمة(( فقط وليست ))ملزمة((؟‬
‫والجواب يتوقف على نظصصام الجماعصصة ‪ ،‬فمصصا يقصصرره نظامهصصا مصصن‬
‫كون الشورى في الجماعة ملزمة لميرها أو معلمصصة فقصصط يكصصون‬
‫هو الواجب التنفيذ في حق المير وفي حق الجماعة كلها ‪ .‬وليس‬
‫من بحثنا هنا بيان أي العتبارين أرجح ‪ :‬اعتبار الشورى ملزمصصة أو‬
‫اعتبارها معلمة فقط ‪ .‬وكل كا نقصصوله هنصصا أن المسصصألة اجتهاديصصة‬
‫ويتوقف الترجيح على طبيعة ظروف الجماعة وأحوالها من حيصصث‬
‫ومن حيث المكان والزمان ومصصا يحيصصط بهصصا مصصن أوضصصاع وظصصروف‬
‫معينة ومن حيث طبيعة أعضائها من جهة قلتهم وكثرتهم ودينهم‬
‫وورعهم وعلمهم ومن حيث طبيعة المختارين للمصصارة مصصن حيصصث‬

‫‪1‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 249‬‬
‫مدى تقواهم وعلمهم ودرايتهم إلصصى غيصصر ذلصصك مصصن المصصور الصصتي‬
‫ليس هنا محل بسطها والكلم فيها ‪.‬‬

‫‪ 199‬ص نتيجةالخذ بوسائل الوقاية من الخلف ‪:‬‬


‫والخصصذ بوسصصائل الوقايصصة مصصن الخلف والصصتي ذكرنصصا منهصصا اختيصصار‬
‫الميصصر مصصن قبصصل الجماعصصة وأخصصذه بالشصصورى فصصي إدارتصصه أعمصصال‬
‫الجماعة على النحصو الصذي بينصاه ‪ ،‬فالخصذ بهصذه الوقايصة سصيجعل‬
‫الجماعة ص إن شاء الله تعالى ص بعيدة عن الختلف المذموم الصصذي‬
‫يفرقها ويوقصع الخصصام فيهصصا ‪ ،‬وإن وقصع الخلف أمكصصن معصصالجته‬
‫وحسمه وسدّ المنافذ فصصي وجصصوه المخصصالفين س صّيئي النيصصة الصصذين‬
‫يتوكؤون عادة لتبرير خلفهم وتمردهصصم علصصى الحتجصصاج بمصصصلحة‬
‫الدعوة ‪ ،‬ومصلحة الدعوة ل تكون بالخروج على نظصصام الجماعصصة ‪،‬‬
‫وإنما تكون بالتقيد واللتزام بهذا النظام وإعطاء المير ما أوجبصصه‬
‫الشصصرع لصصه مصصن حصصق الطاعصصة بصصالعروف بعصصد قيصصامه بالمشصصاورة‬
‫المطلوبة منه ‪.‬‬
‫الفصل السابع‬
‫سّنة الله في المتساوين والمختلفين‬
‫]قانون التماثل والضداد[‬
‫‪ 200‬ص المقصود بالمتساوين والمختلفين ‪:‬‬
‫نريد بالمتساوين في بحثنا هذا ‪ :‬المتشصصابهين أو المتمصصاثلين فصصي‬
‫المعاني والوصصاف الصصتي هصصي منصاط الحكصام أو الصتي تسصتوجب‬
‫نتائج معينة حسب سنن الله العامة ‪.‬‬
‫ونريصصصد بصصصالمختلفين ‪ :‬الضصصصداد أي المختلفيصصصن فصصصي المعصصصاني‬
‫والوصاف التي هي مناط الحكام أو التي تستوجب نتصصائج معينصصة‬
‫حسب سنن الله العامة ‪.‬‬
‫وهذا المعنى الذي نقصده فصصي المتسصصاوين والمختلفيصصن ينسصصحب‬
‫علصصى الفصصراد والمصصم والجماعصصات ‪ ،‬وعلصصى الفعصصال والتصصصرفات‬
‫وعلى كل ما يترتب عليه حكم أو نتيجة أو جزاء معيصصن فصصي الصصدنيا‬
‫والخرة ‪.‬‬

‫‪ 201‬ص التساوي والختلف في النتائج والحكام ‪:‬‬


‫والسنة العامة في التساوي والختلف فصصي النتصصائج والحكصصام أن‬
‫المتساوين والمختلفين بالمعنى الذي بيناه يتساوون أو يختلفون‬
‫في النتائج والحكام في الصصدنيا والخصصرة لتسصصاويهم أو اختلفهصصم‬
‫في المعاني والوصاف التي نبطت بها هصصذه النتصصائج والحكصصام أو‬
‫استوجبتها ‪.‬‬

‫‪ 202‬ص قول ابن تيمية في المتماثلين والمختلفين ‪:‬‬


‫قال شيخ السصصلم ابصصن تيميصصة رحمصصه اللصصه تعصصالى ‪ :‬وهصصو سصصبحانه‬
‫وتعالى كما يفرق بين المور المختلفة ‪ ،‬فإنه يجمع ويسصصوي بيصصن‬
‫المور المتماثلة فيحكم في الشيء خلقا ً وأمصصرا ً بحكصصم مثلصصه ‪ ،‬فل‬
‫يفرق بين المتماثلين ول يسوي بين شصصيئين غيصصر متمصصاثلين ‪ ،‬بصصل‬
‫و بينهمصصا ‪ .‬وقصصد بي ّصصن سصصبحانه‬‫إن كانا مختلفين متضصصادين لصصم يس ص ّ‬
‫وتعالى أن )السّنة( ل تتبدل ول تتحول في غيصصر موضصصع ‪ .‬والسصّنة‬
‫هصصي العصصادة الصصتي تتضصصمن أن يفعصصل فصصي الثصصاني مثصصل مصصا فعصصل‬
‫بنظيره ‪ ،‬ولهذا أمر سبحانه وتعصالى بالعتبصصار فقصصال ‪) :‬لقصصد كصصان‬
‫في قصصهم عبرة لولي اللباب( ‪.‬‬
‫والعتبار أن يقرن الشيء بمثله فيعلم أن حكمه مثل حكمه ‪ ،‬فإذا‬
‫قال تعالى ‪) :‬فاعتبروا يا أولي البصار( ‪ ،‬وقال ‪) :‬لقصصد كصصان فصصي‬
‫قصصهم عبرة لولي اللبصصاب( أفصصاد أن مصصن عمصصل مثصصل أعمصصالهم‬
‫جوزي مثل جزائهم ليحذر السصصامع أن يعمصصل مثصصل أعمصصال الكفصصار‬
‫غب في أن يعمل مثل أعمال المصصؤمنين أتبصصاع النبيصصاء ‪ ،‬قصصال‬ ‫ولير ّ‬
‫تعالى ‪) :‬لقد خلت من قبلكم سنن فسيروا فصصي الرض فصصانظروا‬
‫كيف كان عاقبة المكذبين( فالله تعالى أخبر أن سصصنته لصصن تتبصصدل‬
‫ولن تتحول ‪ .‬وسنته تعالى عادته التي يسصصوي فيهصصا بيصصن الشصصيء‬
‫وبيصصن نظيصصره الماضصصي أي الصصذي وقصصع قبلصصه ‪ ،‬وهصصذا يقتضصصي أنصصه‬
‫سبحانه يحكم في المور المتماثلة بأحكصصام متماثلصصة ‪ ،‬ولهصصذا قصصال‬
‫تعالى ‪) :‬أكفاركم خير من أولئكم( وقال تعالى ‪) :‬احشصصروا الصذين‬
‫ظلموا وأزواجهم( ‪ ،‬أي أشباههم ونظراءهم ‪ .‬وقال تعالى ‪) :‬وإذا‬
‫النفصصوس زوجصصت( ‪ ،‬أي قصصرن النظيصصر بنظيصصره ‪ .‬وقصصال تعصصالى ‪:‬‬
‫)والسابقون الولون مصصن المهصصاجرين والنصصصار والصصذين اتبعصصوهم‬
‫بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جن ّصصات تجصصري مصصن‬
‫تحتها النهار خالدين فيها أبدا ً ذلك الفوز العظيصصم( فجعصصل تعصصالى‬
‫التابعين لهصصم بإحسصصان مشصصاركين لهصصم فيمصصا ذكصصر مصصن الرضصصوان‬
‫والجنة‪. 1‬‬

‫‪ 203‬ص الدلةعلى قانون التماثل والضاد ‪:‬‬


‫الدليل الول ص التأمل في أحوال المكذبين ‪:‬‬
‫قال تعصصالى ‪) :‬لقصصد خلصصت مصصن قبلكصصم سصصنن فسصصيروا فصصي الرض‬
‫فانظروا كيصصف كصصان عاقبصصة المكصصذبين ‪ .‬هصصذا بيصصان للنصصاس وهصصدى‬
‫وموعظة للمتقين( ‪ .‬أي انظروا إلى مصصن تقصصدمكم مصصن الصصصالحين‬
‫والمكذبين ‪ ،‬فإذا سلكتم سبيل الصصصالحين فعصصاقبتكم كعصصاقبتهم ‪،‬‬
‫وإن سلكتم سبيل المكذبين فعاقبتكم كعاقبتهم ‪ ،‬أي هلككم كما‬
‫هلكصصوا ‪ .‬وهصصذا بيصصان مصصن اللصصه تعصصالى لجميصصع النصصاس ليهتصصدوا بصصه‬
‫وليعرفوا سنته ‪ .‬ومن سصصنته تعصصالى أن لسصصير النصصاس فصصي الحيصصاة‬
‫سننا ً يؤدي بعضها إلى الخير والسعادة وبعضها يصصؤدي إلصصى الهلك‬
‫والشقاوة وأن من يتبع تلك السنن فل بد أن ينتهي إلى ما توصل‬
‫إليه تلك السنن ‪ .‬والذي ينتفصصع بهصصذا البيصصان هصصم المتقصصون الصصذين‬
‫يهتدون به ويتعظون بما يقصه الله عليهم مصصن أحصصوال السصصابقين‬
‫ل فيهم بسبب تكذيبهم رسلهم ورفضهم هدى‬ ‫وما يبينه لهم ما ح ّ‬
‫الله تعالى‪. 2‬‬

‫‪ 204‬ص الدليل الثاني ‪ :‬العتبار بإهلك الكافر القوى ‪:‬‬


‫فصصي‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ّ‬
‫مكّنا ُ‬ ‫ن ّ‬‫قْر ٍ‬ ‫من َ‬ ‫هم ّ‬ ‫من َ‬
‫قب ْل ِ ِ‬ ‫هل َك َْنا ِ‬‫م أَ ْ‬ ‫وا ْ ك َ ْ‬‫م ي ََر ْ‬
‫َ‬
‫قال تعالى ‪) :‬أل َ ْ‬
‫عل ْن َصصا‬ ‫كن ل ّك ُصم َ‬ ‫َ‬
‫ج َ‬
‫و َ‬ ‫مصدَْرارا ً َ‬ ‫هصصم ّ‬ ‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬
‫ماء َ‬ ‫سص َ‬‫سصل َْنا ال ّ‬‫وأْر َ‬ ‫ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ال َْر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫وأ ن ْ َ‬ ‫هل َك َْنا ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫د ِ‬ ‫عص ِ‬‫مصصن ب َ ْ‬ ‫ش صأَنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫هم ب ِذُُنوب ِ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫حت ِ ِ‬
‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬
‫هاَر ت َ ْ‬‫الن ْ َ‬
‫ن( ‪ ،‬والقصصرن المصصة مصن النصاس ‪ .‬وقيصصل أهصصل قصرن ‪،‬‬ ‫‪3‬‬
‫ريص َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ً‬
‫قْرنصا آ َ‬ ‫َ‬
‫والقرن على هذا المعنى مدة مصصن الزمصصان قيصصل مئة سصصنة وعليصصه‬
‫أكصصثر أهصصل الحصصديث والمعنصصى ‪ :‬ألصصم يصصروا إلصصى مصصصارع الجيصصال‬
‫السابقة وقد مكنهم الله تعالى في الرض وأعطاهم مصصن أسصصباب‬

‫‪ 1‬ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪ 19‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 408‬الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 408‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 216‬الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ 11‬ـ ‪ ، 13‬اللوسي ‪،‬‬
‫ج ‪ ، 4‬ص ‪ 65‬ـ ‪ ، 66‬تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ 139‬ـ ‪. 140‬‬
‫‪ 3‬ـ سورة النعام ‪ ،‬الية ‪. 6‬‬
‫القوة والسلطان والنعم الفيرة ما لم يعط مثله للمخصصاطبين مصصن‬
‫كفار قريش ثم لم تكن تلك المواهب والنعصصم والقصصوة والسصصلطان‬
‫بمانعة لهم من عذابنا لما استحقوه بتكذيبهم رسصصل اللصصه تعصالى ‪،‬‬
‫وأنشأنا من بعدهم جيل ً آخصر لنختصبرهم فعملصوا مثصل أعمصال مصن‬
‫سبقهم فأهلكوا كإهلكهم فاحذروا أيهصصا المخصصاطبون ص ص أي كفصصار‬
‫قريش ص أن يصيبكم مثصصل مصصا أصصصابهم فمصصا أنتصصم بصصأعز علصصى اللصصه‬
‫تعالى منهم‪. 4‬‬

‫‪ 205‬ص الدليل الثالث ‪ :‬ل يستوي الخبيث والطيب ‪:‬‬


‫َ‬
‫ك ك َث ْصَر ُ‬
‫ة‬ ‫جب َص َ‬
‫ع َ‬
‫وأ ْ‬ ‫ول َص ْ‬
‫ب َ‬ ‫والطّي ّص ُ‬ ‫ث َ‬ ‫وي ال ْ َ‬
‫خِبي ص ُ‬ ‫قل ل ّ ي َ ْ‬
‫س صت َ ِ‬ ‫قال تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫عل ّك ُص ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫ب لَ َ‬
‫وِلي الل َْبا ِ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬‫فات ّ ُ‬
‫ث َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪1‬‬
‫ن( ‪ ،‬فصصي هصصذه‬ ‫حصصو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ه َيا أ ْ‬ ‫خِبي ِ‬
‫الية الكريمة حكم عام على نفي المساواة عنصصد اللصصه تعصصالى بيصصن‬
‫النصصوعين ‪ :‬الخصصبيث والطيصصب مصصن الشصصياء والعمصصال والمصصوال‬
‫والفاسد والصالح والحلل والحصرام ول يسصتوي الخصبيث والطيصب‬
‫من الناس كالظالم والعصصادل والمفسصصد والمصصصلح والصصبّر والفصصاجر‬
‫والمؤمن والكافر ‪ ،‬فلكل من الخبيث والطيصصب ممصصا ذكرنصصاه حكصصم‬
‫يليصصق بصصه ويناسصصبه ‪ ،‬فالمسصصاواة منتفيصصة بيصصن النصصوعين ‪ :‬الخصصبيث‬
‫ث( أي ولصصو أعجبصصك أيهصصا السصصامع‬ ‫خِبي ِ‬ ‫ك ك َث َْرةُ ال ْ َ‬‫جب َ َ‬ ‫و أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫والطيب ) َ‬
‫كثرة الخبيث من الناس لقوتهم أو من الموال المحرمة لسصصهولة‬
‫تناولها والتوسع في التمتع بها كأكل الربا والرشوة فل يسصصتويان‬
‫في أنفسهما ول عند اللصصه ولصصو فصصرض أن كصصثرة الخصصبيث أعجبتصصك‬
‫وغرتك ‪ ،‬فالعبرة بصفة الشيء وما هو عليه مصن خبصث أو طيصب ‪.‬‬
‫فاتقوا الله يا أصحاب العقصصول الراجحصصة ول تغصصتروا بكصصثرة المصصال‬
‫الخبيث ول بكثرة أهل الباطل والفساد الخبيثين ‪ ،‬فإن تقوى الله‬
‫‪2‬‬
‫هي التي تجعلكم في زمرة الطيبين الفائزين في الدنيا والخرة‬
‫‪.‬‬

‫‪ 206‬ص المتساوون في موجبات العقاب يعاقبون ‪:‬‬


‫موجبات العقاب من تكذيب الرسل أو عصيان شصصرع اللصصه أو ظلصصم‬
‫عباد الله أو الكفر بنعم الله وغير ذلك إذا تلبصصس بهصصا قصصوم أو فئة‬
‫أو شخص استوجبوا عقاب الله في الدنيا والخرة ‪ .‬ومن عقصصابهم‬
‫فصصي الصصدنيا هلكهصصم أو إصصصابتهم بالصصذل والهصصوان وضصصيق العيصصش‬
‫وزوال المن منهم والطمئنان وغير ذلك ‪ .‬وبهذا مضت سنة اللصصه‬
‫في الولين وتجري في الحاضرين واللحقين ‪ ،‬والمثلة على ذلك‬
‫نذكر بعضها مما قصه الله علينا للعبرة والتعاظ ‪.‬‬

‫‪ 207‬ص أول ً ‪ :‬من يبدل نعمة الله فإن الله شديد العقاب ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 124‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪ ، 131‬تفسيرالمنار ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ ، 306‬ظلل ‪ ،‬م ‪ ، 2‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 129‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة المائدة ‪ ،‬الية ‪. 100‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪ ، 327‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ ، 37‬تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ 122‬و ‪. 124‬‬
‫مصصن‬ ‫و َ‬
‫ة َ‬ ‫ة ب َي ّن َص ٍ‬‫ن آي َ ص ٍ‬‫مص ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫م آت َي ْن َصصا ُ‬‫ل ك َص ْ‬‫سَراِئي َ‬
‫ل ب َِني إ ِ ْ‬ ‫س ْ‬‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ب( ‪.‬‬‫‪3‬‬
‫قا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ْ‬
‫ديدُ ال ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه َ‬
‫فإ ِ ّ‬ ‫جاءت ْ ُ‬
‫ما َ‬‫د َ‬ ‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬ ‫ه ِ‬‫ة الل ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫ع َ‬ ‫ي ُب َدّ ْ‬
‫ل نِ ْ‬
‫مصصن‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫ة اللص ِ‬ ‫مص َ‬‫ع َ‬
‫ل نِ ْ‬ ‫مصصن ي ُب َصدّ ْ‬ ‫و َ‬ ‫قال المام القرطبي ‪ :‬قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ه( لفظ عام لجميع الناس ‪ ،‬فاللفظ منسحب على كصصل‬ ‫جاءت ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬
‫بَ ْ‬
‫‪4‬‬
‫مبدل نعمة الله ‪ ،‬أي فيصيب كل مبدل نعمصصة اللصصه العقصصاب الصصذي‬
‫ن الل ّص َ‬
‫ه‬ ‫ف صإ ِ ّ‬‫يستحقه ‪ .‬ولم يقصصل فصصإن اللصصه يعصصاقبهم وإنمصصا قصصال ‪َ ) :‬‬
‫ب( ليشعرنا بأن هذا من سنته العامة التي تجري علصصى‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ديدُ ال ْ ِ‬‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫المبدلين لنعمصصة اللصصه فصصي الحاضصصر والمسصصتقبل كمصصا جصصرت علصصى‬
‫المبدلين السابقين في الزمن الماضي‪.5‬‬

‫‪ 208‬ص المقصود بنعمة الله وتبديلها ‪:‬‬


‫والمقصود بنعمة الله التي يستوجب تبديلها عقاب الله هي نعمصصة‬
‫السلم واليمان وما أنزله الله تعالى مصصن اليصصات البّينصصات الدالصصة‬
‫على دينه الحق السلم ‪.‬‬
‫وتبديل هذه النعمة يعني عدم التصديق بهصصا أو عصصدم الهتصصداء بهصصا‬
‫وعدم القيام بما تستوجبه من طاعصصة اللصصه باتبصصاع شصصرعه المنصصزل‬
‫على رسصوله صصلى اللصه عليصه وسصلم ‪ .‬ومصا بصدلت البشصرية هصذه‬
‫النعمة إل أصابها العقصصاب الشصصديد فصصي حياتهصصا علصصى الرض قبصصل‬
‫ل بالمسصصلمين مصصن شصصقاء وضصصيق وعيصصش‬ ‫عقاب الخصصرة ‪ ،‬ومصصا ح ص ّ‬
‫تعيس فسببه تبديلهم نعمة اللصصه عليهصصم بنقيصض مصا تقتضصيه مصن‬
‫الشكر لله تعالى والعمل بشريعته‪. 6‬‬

‫‪ 209‬ص ثانيا ً ‪ :‬من يخالف بعض شرع الله يعاقبه الله ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫س صك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ُ‬ ‫قت ُل ُصصو َ‬ ‫ؤلء ت َ ْ‬ ‫هص ص ُ‬ ‫م َ‬ ‫م أنت ُص ْ‬ ‫قال تعالى مخاطب صا ً اليهصصود ‪) :‬ث ُص ّ‬
‫ن َ َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫من ُ‬ ‫ريقصصا ً ّ‬ ‫ن َ‬
‫هصصم ِبصصال ِث ْم ِ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫هُرو َ‬ ‫ظصصا َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫مصصن ِدَيصصا ِ‬ ‫كصصم ّ‬
‫ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫جصصو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫وت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫علي ْكصص ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫حصصّر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫و ُ‬ ‫هصص َ‬ ‫و ُ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫دو ُ‬ ‫َ‬
‫سصصاَرى ت ُفصصا ُ‬ ‫م أ َ‬ ‫ُ‬
‫وِإن َيصصأُتوك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ِ‬ ‫عصصدْ َ‬ ‫ْ‬
‫وال ُ‬ ‫َ‬
‫مصصن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جصَزاء َ‬ ‫ما َ‬ ‫ضف َ‬ ‫ع ٍ‬ ‫ن ب ِب َ ْ‬ ‫وت َكفُرو َ‬ ‫ب َ‬ ‫ض الك َِتا ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن ب ِب َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م أفت ُؤ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫ة ي ُصَر ّ‬‫مص ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫و َ‬‫وي َص ْ‬ ‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫ْ‬
‫في ال َ‬ ‫ي ِ‬ ‫خْز ٌ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل ِ‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫ل ذَل ِك ِ‬ ‫َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ْ‬
‫ي َف َ‬
‫ن( ‪.‬‬‫‪7‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫إ َِلى أ َ‬
‫ملو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ع ّ‬
‫ل َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫غا ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ما الل ُ‬ ‫و َ‬ ‫ب َ‬‫ذا ِ‬ ‫شد ّ ا ل َ‬
‫والمعنصصى أن اللصصه تعصصالى أخصصذ العهصصود علصصى اليهصصود أن ل يقتصصل‬
‫بعضهم بعضا ً ول يخرجوهم من ديارهم ول يظاهرون عليهصصم فصصي‬
‫ذلك ‪ ،‬وأن يفادوا أسراهم فأعرضوا عن كل ما أمروا به إل الفداء‬
‫‪ ،‬فصصوبخهم اللصصه تعصصالى علصصى ذلصصك توبيخ صا ً ُيتلصصى فقصصال تعصصالى ‪:‬‬
‫ض( أي تأخصصذون الفصداء‬ ‫عص ٍ‬ ‫ن ب ِب َ ْ‬ ‫فصُرو َ‬ ‫وت َك ْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ض ال ْك ِت َصصا ِ‬ ‫عص ِ‬ ‫ن ب ِب َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫)أ َ َ‬
‫وتتركون البعض الخر من التوراة وهو النهي عن القتل والخراج‬

‫‪3‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 211‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 28‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 268‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ زمخشري ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 354‬رازي ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪ ، 3‬المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 68‬ظلل م ‪ ، 1‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 144‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 85‬‬
‫ة‬ ‫فصصي ال ْ َ‬
‫حي َصصا ِ‬ ‫ي ِ‬
‫خ صْز ٌ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ ِ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫من ي َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫جَزاء َ‬
‫ما َ‬ ‫من ديارهم ) َ‬
‫ف َ‬
‫الدّن َْيا( أوعدهم الله تعالى كما أوعد من قبلهم ومن بعدهم بأنهم‬
‫يعاقبون على نقض ميثاق الدين وعصيانه وعدم اليمان بصه كلصه ‪،‬‬
‫والعقاب هو الخصصزي العاجصصل الصصذي يصصصيبهم فصصي الصصدنيا والعصصذاب‬
‫الجل في الخرة ‪ .‬وقد شهدت الوقائع التاريخية بأنه ما مصصن أمصصة‬
‫فسقت عن أمر ربهصصا واعتصصدت حصصدود شصصريعتها إل تفصصرق شصصملها‬
‫ونزل بها الذل والهوان وهو بعض الخصصزي فصصي الصصدنيا وهصصذه هصصي‬
‫سصصّنة اللصصه الصصتي يجصصب أن يحصصصل بهصصا العتبصصار ول يغفصصل عنهصصا‬
‫المسلمون‪. 1‬‬
‫وقال المصصام القرطصصبي بعصصد أن ذكصصر نقصصض العهصصود وميثصصاق اللصصه‬
‫عليهم قال رحمه الله تعالى ‪) :‬ولعمر الله لقد أعرضصصنا نحصصن عصصن‬
‫الجميع فتضافر بعضنا على بعض ليت بالمسصصلمين بصصل بالكصصافرين‬
‫حتى إخواننا أذلء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين فل حول‬
‫ول قوة إل بالله العلي العظيم(‪ ، 2‬وما ذكره المام القرطصبي هصو‬
‫ل‬‫بعض ما فعله المسلمون بعد عصصصره وفصصي عصصصرنا الحاضصصر فحص ّ‬
‫بهم ما حذر الله منه اليهود لن من سنة الله تسصصاوي المتسصصاوين‬
‫في موجبات العقاب بالعقاب الذي حذر منه ‪.‬‬

‫‪ 210‬ص ثالثا ً ‪ :‬عقاب الحتيال على شرع الله ‪:‬‬


‫وعقاب الحتيال على شرع الله لتعطيلصصه وعصصدم العمصصل بصصه ‪ ،‬هصصذا‬
‫العقاب يصيب كل محتال علصصى شصصرع اللصصه تعصصالى ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪:‬‬
‫كون ُصصوا ْ‬‫م ُ‬ ‫هص ْ‬‫قل ْن َصصا ل َ ُ‬‫ف ُ‬‫ت َ‬ ‫سصب ْ ِ‬ ‫فصصي ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫منك ُص ْ‬ ‫دوا ْ ِ‬‫عت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫مت ُ ُ‬
‫عل ِ ْ‬ ‫ول َ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫) َ‬
‫ة‬‫عظَ ص ً‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬
‫و َ‬‫هصصا َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫مصصا َ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن ي َدَي ْ َ‬‫ما ب َي ْ َ‬ ‫كال ً ل ّ َ‬
‫ها ن َ َ‬ ‫عل َْنا َ‬‫ج َ‬
‫ف َ‬‫ن َ‬ ‫سِئي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫قَردَةً َ‬ ‫ِ‬
‫لّ ُ ّ ِ َ‬ ‫ْ‬
‫‪3‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫قي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ل‬
‫الية الكريمة تشير إلى اعتداء اليهود بما فعلوه من احتيصصال علصصى‬
‫اصطياد الحيتان يوم السبت وكصصانوا ممنصصوعين منصصه فظنصصوا أنهصصم‬
‫باحتيالهم ينجون من العقاب فعاقبهم الله تعصصالى بعقوبصصة جعلهصصا‬
‫ل( أي عبرة لغيرهم لن النكال هو ما ُيفعل بشصصخص مصصن‬ ‫الله )نكا ً‬
‫ن( ‪ ،‬أي جعلنصصا مصصا‬ ‫قيصص َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ّل ْ ُ‬‫عظَ ً‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬ ‫إيذاء وإهانة ليعتبر به غيره ‪َ ) .‬‬
‫أحللنا بهؤلء من النصصاس مصصن العقصصاب فيمقابلصصة مصصا ارتكبصصوه مصصن‬
‫محارم الله وما تحيلوا به من الحيل فليحذر المتقون صنيعهم لئل‬
‫يصيبهم ما أصابهم‪. 4‬‬
‫ن( الصصوعظ يعنصصي‬ ‫قيصص َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ّل ْ ُ‬‫ظصص ً‬‫ع َ‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫وفصصي تفسصصير القرطصصبي ‪َ ) :‬‬
‫التخويف ‪.‬‬
‫ق مصن كصل أمصة ‪ .‬وقصال‬ ‫قال ابن عطية ‪ :‬اللفظ عام ‪ ،‬يعم كل متص ٍ‬
‫الزجاج ‪) :‬وموعظة للمتقين( لمة محمد صلى الله عليه وسلم أن‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ 372‬ـ ‪. 374‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير القر‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 22‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪ 65‬ـ ‪. 66‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ 105‬و ‪ ، 107‬تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 344‬‬
‫ينتهكوا ما نهاهم الله عنه فيصيبهم ما أصاب أصحاب السبت لمصصا‬
‫انتهكوا ما نهاهم الله عنه‪. 5‬‬

‫‪ 211‬ص رابعا ً ‪ :‬معاداة المؤمنين مجلبة للخذلن والدمار ‪:‬‬


‫س صل َ َ‬
‫ف‬ ‫مصصا َ‬
‫ق صد ْ َ‬ ‫هم ّ‬ ‫فْر ل َ ُ‬ ‫هوا ْ ي ُ َ‬
‫غ َ‬ ‫فُروا ْ ِإن َينت َ ُ‬‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫قل ل ِل ّ ِ‬ ‫قال تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫ن( ‪ .‬والمعنى أن هؤلء الكفصصار‬ ‫‪6‬‬ ‫َ‬ ‫دوا ْ َ‬
‫ف َ‬
‫وِلي ِ‬
‫ة ال ّ‬‫سن ّ ُ‬
‫ت ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫عو ُ‬
‫ن يَ ُ‬
‫وإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫إن انتهصصوا عصصن الكفصصر وعصصداوة الرسصصول صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬
‫والمؤمنين ودخلوا في السلم والتزموا شرائعه غفر الله لهم ما‬
‫قد سلف من كفرهم ‪ ،‬وإن عادوا إلى معاداة الرسول صصصلى اللصصه‬
‫عليه وسلم ومعاداة المؤمنين على معنصى إن داومصوا عليهصا فقصد‬
‫مضت سنة الله أي عادة اللصصه سصصبحانه وتعصصالى الجاريصصة ف الصصذين‬
‫تحزبوا على النبياء وأتباعهم المؤمنين أن تجري هذه السنة على‬
‫هؤلء المعادين للرسول صلى الله عليه وسلم وأتبصصاعه المصصؤمنين‬
‫بأن ينصر الله المؤمنين عليهم ويخذلهم ويدمرهم‪. 7‬‬

‫‪ 212‬ص خامسا ً ‪ :‬عاقبة الظلم تصيب كل ظالم ‪:‬‬


‫م‬ ‫قصصآئ ِ ٌ‬ ‫هصصا َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ك ِ‬ ‫عل َي ْ ص َ‬ ‫ه َ‬ ‫صص ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ق صَرى ن َ ُ‬ ‫ن َأنب َصصاء ال ْ ُ‬ ‫مص ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫قصصال تعصصالى ‪) :‬ذَل ِ ص َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مصوا ْ أن ُ‬
‫م‬ ‫هص ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫ت َ‬ ‫غَنص ْ‬ ‫مصصا أ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سص ُ‬ ‫ف َ‬ ‫كن ظَل َ ُ‬ ‫وَلصص ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مَنصا ُ‬ ‫ما ظَل َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫صصيدٌ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫مصصا‬ ‫و‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫جاء‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫من‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫من‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫تي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫آ َ ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬
‫ة‬‫مص ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫خصذَ ال ُ‬ ‫ك إِ َ‬‫خذُ َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫وك َذَل ِ َ‬ ‫م َ‬
‫ي ظال ِ َ‬ ‫هص َ‬ ‫و ِ‬ ‫قصَرى َ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫غي َْر ت َت ِْبي ٍ‬ ‫ه ْ‬ ‫دو ُ‬ ‫َزا ُ‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خذَهُ أِلي ٌ‬
‫‪8‬‬
‫د( ‪.‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫والمعنى أن تلك القرى ‪ ،‬بقي من بعضصصها شصصيء ‪ ،‬وبعضصصها هلصصك‬
‫وما بقي منه أثر البتصصة ثصصم قصصال تعصصالى ‪ :‬ومصصا ظلمنصصاهم بالعصصذاب‬
‫خص ُ‬
‫ذ‬ ‫ك أَ ْ‬ ‫وك َصذَل ِ َ‬ ‫والهلك ‪ ،‬ولكن ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية ‪َ ) .‬‬
‫ة( أي إن عذاب الله ليصصس بمقتصصصر‬ ‫م ٌ‬
‫ظال ِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ِ‬ ‫قَرى َ‬ ‫خذَ ال ْ ُ‬ ‫ذا أ َ َ‬ ‫ك إِ َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫على من تقدم بل الحصصال فصصي أخصصذ كصصل الظصصالمين يكصصون كصصذلك ‪.‬‬
‫ة( أي أهل تلك القرى ‪.‬‬ ‫م ٌ‬‫ظال ِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ِ‬‫وقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫وهصصذه الحكصصام الصصتي تضصصمنتها هصصذه اليصصة غيصصر مختصصصة بصصأولئك‬
‫ك‬ ‫وك َصذَل ِ َ‬ ‫المتقدمين لنه تعالى لما حكى أحوال المتقدمين قال ‪َ ) :‬‬
‫ة( فينبغصصي أن كصصل مصصن شصصارك‬ ‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ِ‬ ‫قَرى َ‬ ‫خذَ ال ْ ُ‬ ‫ذا أ َ َ‬
‫ك إِ َ‬ ‫خذُ َرب ّ َ‬ ‫أَ ْ‬
‫أولئك المتقدمين في فعل ما ل ينبغصصي ممصصا يصصصدق عليصصه وصصصف‬
‫))الظلم(( فل بد وأن يشاركهم في ذلك الخذ الليم الشديد‪. 1‬‬

‫‪ 213‬ص سادسا ً ‪ :‬من ُيسخط الله يصبه عقابه ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 424‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 38‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 15‬ص ‪ ، 162‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 406‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ سورة هود ‪ ،‬اليات ‪ 100‬ـ ‪. 102‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪ 56‬ـ ‪. 57‬‬
‫َ‬ ‫فأ َ ْ‬
‫ن‬
‫عيص َ‬‫م ِ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫قَنصا ُ‬ ‫غَر ْ‬ ‫م َ‬‫هص ْ‬‫من ْ ُ‬
‫مَنصا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫فوَنا انت َ َ‬ ‫سص ُ‬‫مصا آ َ‬ ‫فل َ ّ‬
‫قال تعصالى ‪َ ) :‬‬
‫سص ُ‬ ‫فل َ ّ‬‫ن( ‪ ،‬قوله تعصصالى ‪َ ) :‬‬ ‫مث َل ً ل ِْل ِ‬ ‫سَلفا ً َ‬ ‫عل َْنا ُ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫فوَنا(‬ ‫مصصا آ َ‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫ج َ‬
‫ف َ‬
‫ن(‬‫ري ص َ‬‫خ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫مث َل ل ِل ِ‬ ‫و َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫س صلفا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ْ‬
‫علن َصصا ُ‬‫ج َ‬ ‫أي أسخطونا ‪ .‬وقوله تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ف َ‬
‫أي قدوة للكفار الذين بعدهم يقتدون فيهم فصصي اسصصتحقاق مثصصل‬
‫عقابهم ونزوله بهم لتيانهم بمثل أفعالهم‪. 3‬‬

‫‪ 214‬ص سابعا ً ‪ :‬ينزل العقاب على مستحقيه مهما كانت قوتهم ‪:‬‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫م أَ ْ‬
‫هل َك َْنا ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬‫من َ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م ت ُب ّ ٍ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫أ ص قال تعالى ‪) :‬أ َ ُ‬
‫ن(‪ . 4‬فالعقصصاب ينصصزل علصصى المتسصصاوين فصصي‬ ‫مي ص َ‬ ‫ر ِ‬‫ج ِ‬ ‫م ك َصصاُنوا ُ‬
‫م ْ‬ ‫هص ْ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫اسصصتحقاقه وإن اختلفصصت مراكزهصصم فصصي القصصوة والسصصلطان لن‬
‫القوي أمام الله ضصصعيف مهمصصا كصصانت قصصوته فينصصزل عليصصه العصصذاب‬
‫الذي يستحقه ‪ .‬فإذا رأى الظالم المتمرد على الله أن اللصصه أهلصصك‬
‫من هو أقوى منه وأكثر أتباعا ً وأوسع سلطانا ً كان ذلك أدعصصى لصصه‬
‫إلى العبرة والتعاظ ‪ .‬فقوم )ت ُّبع( كانوا كافرين ولهم قوة ومنعة‬
‫ومع هذا أهلكهم الله تعالى لكونهم عتاة مجرمين متمرديصصن علصصى‬
‫شرع اللصصه ‪ ،‬فليحصصذر كفصصار قريصصش وغيرهصصم مصصن الكفصصرة الهلك‬
‫بسبب كفرهم كما أهلك من قبلهم‬
‫صص أي قصصوم تبصصع صص مصصع أنهصصم كصصانوا أكصصثر مصصن قريصصش قصصوة ومنعصصة‬
‫وسلطانا ً‪. 5‬‬
‫ل‬ ‫مَثصص ُ‬
‫ضصصى َ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫طشصصا ً َ‬ ‫هصصم ب َ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شصصدّ ِ‬ ‫هل َك َْنصصا أ َ َ‬ ‫فأ َ ْ‬‫ب صصص وقصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ن(‪ ، 6‬أي فأهلكنا المكذبين بالرسل وقصصد كصصانوا أشصصد بطش صا ً‬ ‫َ‬
‫وِلي َ‬ ‫اْل ّ‬
‫من هؤلء المكذبين لك يا محمد فجعلناهم عبرة لمصن بعصدهم مصن‬
‫المكذبين أن يصيبهم ما أصصصابهم أي مصصا أصصصاب مصصن سصصبقهم مصصن‬
‫المكذبين‪. 7‬‬
‫م ل َك ُصصم ب َصَراءةٌ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ج ص وقال تعالى ‪) :‬أ َك ُ ّ‬
‫فصصي‬ ‫مأ ْ‬ ‫ول َئ ِك ُص ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مص ْ‬ ‫خي ْصٌر ّ‬ ‫م َ‬ ‫فاُرك ُ ْ‬
‫من‬ ‫ل ِ‬‫ه ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫شَيا َ‬ ‫هل َك َْنا أ َ ْ‬ ‫قد ْ أ َ ْ‬ ‫ول َ َ‬‫ر( ‪ ،‬وقال تعالى ) َ‬
‫‪8‬‬
‫الّزب ُ ِ‬
‫ر( ‪ ،‬أي ليس كفاركم خيصصرا مصصن كفصصار مصصن تقصصدم مصصن المصصم‬ ‫ً‬ ‫‪9‬‬
‫مدّك ِ ٍ‬ ‫ّ‬
‫الذين أهلكوا بكفرهم ‪ ،‬لماذا أهلكوا وكانوا أكثر منكم قوة فكيصصف‬
‫تضمنون أنتم أن ل يصيبكم مثل ما أصابهم ‪ .‬ولقد أهلكنا أمثالكم‬
‫في الكفر من المم السابقة فهل من معتبر‬
‫بذلك؟‪. 10‬‬

‫‪ 215‬ص عاقبة الكفار واحدة ‪:‬‬


‫‪ 2‬ـ سورة الزخرف ‪ ،‬الية ‪. 56 ، 55‬‬
‫‪ 3‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 259‬تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 130‬‬
‫‪ 4‬ـ سورة الدخان ‪ ،‬الية ‪. 37‬‬
‫‪ 5‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 279‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 25‬ص ‪. 127‬‬
‫‪ 6‬ـ سورة الزخرف ‪ ،‬الية ‪. 8‬‬
‫‪ 7‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 123‬‬
‫‪ 8‬ـ سورة القمر ‪ ،‬الية ‪. 43‬‬
‫‪ 9‬ـ سورة القمر ‪ ،‬الية ‪. 51‬‬
‫‪ 01‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ 440‬ـ ‪ ، 441‬قرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 18‬ص ‪ ، 45‬آلوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 84‬‬
‫ة‬
‫قَبصص ُ‬
‫عا ِ‬
‫ن َ‬ ‫ف َ‬
‫كصصا َ‬ ‫فَينظُُروا ك َي ْ َ‬ ‫ض َ‬‫ِ‬ ‫في اْل َْر‬ ‫سيُروا ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬أ َ َ‬
‫َ‬
‫مصصر اللصصه‬‫ها( ‪ .‬د ّ‬ ‫مَثال ُ َ‬
‫نأ ْ‬‫ري َ‬
‫ف ِ‬‫كا ِ‬‫ول ِل ْ َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫مَر الل ّ ُ‬ ‫م دَ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫من َ‬
‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪11‬‬

‫عليهم أي أهلكهم ‪ ،‬ثم تواعصصد وهصصدد وحصصذر مشصصركي مكصصة فقصصال‬


‫َ‬
‫ها( أي لهصصم أمثصال عاقبصصة تكصصذيب المصم‬ ‫مَثال ُ َ‬‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫ول ِل ْ َ‬
‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫السالفة إن لم يؤمنوا ‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫‪ 216‬ص جزاء المجرمين والجاحدين كجزاء أمثالهم السابقين ‪:‬‬


‫م اْل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ع ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ن ك َذَل ِ َ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ن ُت ْب ِ ُ‬‫ن ثُ ّ‬ ‫وِلي َ‬ ‫ك اْل ّ‬ ‫هل ِ ِ‬ ‫م نُ ْ‬ ‫أ ص قال تعالى ‪) :‬أل َ ْ‬
‫ن(‪ 13‬أي ألصصم نهلصصك الوليصصن مصصن المكصصذبين للرسصصل‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِبصصال ْ ُ‬
‫المخالفين لما جاؤوا به مصصن ربهصصم ثصصم نتبعهصصم الخريصصن ‪ ،‬أي ثصصم‬
‫نفعل بأمثالهم من المجرمين اللحقين مثل ما فعلناه بالمجرمين‬
‫الولين ونسلك بهم سبيلهم لنهم كذبوا مثل تكذيبهم )كذلك( أي‬
‫مثل ذلك الفعل الشنيع وهو الهلك نفعل بكل من أجرم‪. 14‬‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫عل َْنا ل َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ّّناك ُ ْ‬ ‫ما ِإن ّ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مك ّّنا ُ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ب ص وقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ولَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫سمعا ً َ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫صصصاُر ُ‬ ‫ول أب ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ع ُ‬‫م ُ‬ ‫سص ْ‬ ‫م َ‬ ‫هص ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫ما أغَنى َ‬ ‫ْ‬ ‫ف َ‬ ‫فئ ِدَةً َ‬ ‫صارا ً َ‬ ‫وأب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ما كاُنوا‬ ‫َ‬ ‫هم ّ‬ ‫حاقَ ب ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ت الل ِ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ء إ ِذْ كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫هم ّ‬ ‫فئ ِدَت ُ ُ‬‫أَ ْ‬
‫ءون(‪. 1‬‬ ‫ز ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫بِ ِ‬
‫والمعنى ‪ :‬لقد أعطينا المم السابقة من الموال والولد والقوة‬
‫ما لم نعطكم مثلصصه ول قريبصا ً منصصه ‪ ،‬وجعلنصصا لهصصم سصصمعا ً وأبصصصارا ً‬
‫ن عنهم من شيء لنهم جحدوا بآيات اللصصه فأحصصاط‬ ‫وأفئدة فلم تغ ِ‬
‫بهم العذاب والنكال الذي كانوا يكذبون بصصه ويسصصتبعدون وقصصوعه ‪،‬‬
‫فاحذروا أيها المخاطبون ص ص يصصا كفصصار قريصصش ص ص أن تكونصصوا مثلهصصم‬
‫فيصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب في الصصدنيا والخصصرة‪ . 2‬وهصصذا‬
‫تحذير لكل جاحد ليات الله تعالى ‪.‬‬
‫ت‬ ‫خل ص ْ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫و ق صد ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫س صن َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ة قب ْل ال َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سي ّئ ِ‬ ‫ك ِبال ّ‬ ‫جُلون َ َ‬ ‫ع ِ‬‫ست َ ْ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ج ص وقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫مث ُل َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫مصصصن َ‬
‫‪3‬‬
‫ت( ‪ .‬والمعنصصصى ‪ :‬لقصصصد أوقعنصصصا )المثلت( أي‬ ‫هصصص ُ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫العقوبات بأمثالهم من المكذبين من المم الخاليصصة أي السصصالفة ‪،‬‬
‫وجعلناهم وما نزل بهم من العقوبات عبرة وعظة لمن اتعظ بهم‬
‫‪ ،‬فما لهم لم يعتبروا بذلك؟‪. 4‬‬

‫‪ 217‬ص ل مساواة بين المؤمن والكافر ‪:‬‬

‫‪ 11‬ـ سورة محمد ‪ ،‬الية ‪. 10‬‬


‫‪ 21‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪ ، 224‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 26‬ص ‪. 45‬‬
‫‪ 31‬ـ سورة المرسلت ‪ ،‬اليات ‪ 16‬ـ ‪. 18‬‬
‫‪ 41‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 459‬تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 679‬‬
‫‪ 1‬ـ سورة الحقاف ‪ ،‬الية ‪. 26‬‬
‫‪ 2‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 162‬‬
‫‪ 3‬ـ سورة الرعد ‪ ،‬الية ‪. 6‬‬
‫‪ 4‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 501‬تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 513‬‬
‫ف‬‫م ك َي ْص َ‬ ‫مصصا ل َك ُص ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬‫ج ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ك َصصال ْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫س صل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫عص ُ‬ ‫ج َ‬ ‫فن َ ْ‬ ‫أ ص قال تعصصالى ‪) :‬أ َ َ‬
‫ن(‪ 5‬أي أنساوي بين هؤلء وهؤلء في الجزاء؟ كل ‪ ،‬فكيصصف‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪6‬‬
‫تظنون ذلك ‪ .‬وفي تفسصصير القرطصصبي ‪ :‬قصصال ابصصن عبصصاس ‪ ،‬قصصال‬
‫كفار مكة ‪ :‬إنا ُنعطى في الخصصرة خيصصرا ً ممصصا ُيعطصصى المسصصلمون ‪،‬‬
‫ن( هصصذا‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫م ك َي ْ َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫فنزلت الية ثم وّبخهم فقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫الحكم العوج كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيصصه بمصصا‬
‫شئتم‪. 7‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫حا ِ‬ ‫صصصال ِ َ‬ ‫مل ُصصوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫من ُصصوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ص ِ‬ ‫عص ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ب ص ص وقصصال تعصصالى ‪) :‬أ ْ‬
‫كال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ر(‪ . 8‬والمعنصصى‬ ‫جصا ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ن َ‬ ‫قيص َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫عص ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫أن الله تعالى قصصد نفصصى المسصصاواة بيصصن المصصؤمنين والكفصصار وبيصصن‬
‫المتقين والفجار فل تساوي بينهم في الىخرة ول مسصصاواة أيضصصا ً‬
‫بينهم في الدنيا‪. 9‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫م‬ ‫هصص ْ‬‫عل َ ُ‬‫ج َ‬
‫ت أن ن ّ ْ‬ ‫سصصي َّئا ِ‬ ‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ج ص وقال تعالى ‪) :‬أ ْ‬
‫مصصا‬ ‫سصصاء َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مصصات ُ ُ‬‫م َ‬ ‫و َ‬‫هم َ‬ ‫حي َصصا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫واء ّ‬ ‫س َ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬
‫و َ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪ .‬قصصصال ابصصصن كصصصثير ‪) :‬أي ل يسصصصتوي المؤمنصصصون‬ ‫مصصصو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪10‬‬

‫والكافرون ‪ ،‬وساء مصصا ظن ّصصوا بنصصا وبعصصدلنا أن نسصصاوي بيصصن البصصرار‬


‫والفجار في الدار الخرة ‪ ،‬وفي هذه الدار ‪ ،‬ساء ما يحكمصصون(‪. 11‬‬
‫أي ساء حكمهم هذا وهو حكمهم بالتسصصاوي فيمصصا بيصصن المصصؤمنين‬
‫والكافرين‪ . 12‬ومن مظاهر عدم التسصصاوي بينهصصم فصصي الصصدنيا ‪ ،‬أن‬
‫الله تعالى هو ولي المؤمن في الدنيا ‪ ،‬وأنصصصاره هصصم المصصؤمنين ‪،‬‬
‫وعند الموت تبشره الملئكة بحسن العاقبة وبرحمة الله ورضوانه‬
‫‪ .‬أما الكافر فبالضد من ذلك يعيش كافرا ً ويكون الشيطان وليصصه ‪،‬‬
‫وعند الموت يموت على اليأس من رحمة الله ‪ ،‬وعلى الكفر به‪. 13‬‬

‫‪ 218‬ص ل مساواة بين المؤمن والكافر وإن عمل خيرا ً ‪:‬‬


‫الكافر ل يساوي المؤمن وإن عمل الكافر خيرا ً أي أعمصصال ً حسصصنة‬
‫بصصذاتها أو نافعصصة للنصصاس ‪ ،‬لن هصصذه العمصصال ل تقصصوى علصصى محصصو‬
‫جريمة كفره وتمرده على الله فل يمكن أن يساوي المؤمن الصصذي‬
‫عنده اليمان بالله وإن لم يتيسصر أن يعمصل خيصرا ً كصثيرا ً ‪ .‬فيبقصى‬
‫المؤمن ومعه حسصصنة اليمصصان أرجصصح دائمصا ً مصصن الكصصافر وإن عمصصل‬
‫شصصيئا ً حسصصنا ً مصصا دام بقصصي كصصافرا ً ‪ ،‬فل مسصصاواة أبصصدا ً وفصصي جميصصع‬
‫َ‬
‫ج‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫حصصا ّ‬ ‫سصص َ‬
‫قاي َ َ‬ ‫م ِ‬‫عل ْت ُ ْ‬
‫ج َ‬
‫الحوال بين المؤمن والكافر قال تعالى ‪) :‬أ َ‬

‫‪ 5‬ـ سورة القلم ‪ ،‬اليتان ‪ 35‬و ‪. 36‬‬


‫‪ 6‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 407‬‬
‫‪ 7‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 18‬ص ‪. 246‬‬
‫‪ 8‬ـ سورة ص ‪ ،‬الية ‪. 28‬‬
‫‪ 9‬ـ تفسير ابن العربي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 1634‬‬
‫‪ 01‬ـ سورة الجاثية ‪ ،‬الية ‪. 21‬‬
‫‪ 11‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 150‬‬
‫‪ 21‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 25‬ص ‪. 151‬‬
‫‪ 31‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 29‬‬
‫فصصي‬ ‫ه صد َ ِ‬
‫جا َ‬ ‫و َ‬‫ر َ‬
‫خ ِ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حَرام ِ ك َ َ‬ ‫د ال ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫ماَر َ‬ ‫ع َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫و َ‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫وال‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫عن‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫وو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ِ ِ‬ ‫بي‬ ‫س‬‫َ‬
‫قال ابن كثير‪ :‬إن المشركين قالوا ‪ :‬عمارة بيت الله والقيام على‬
‫السصصقاية خيصصر ممصصن آمصصن وجاهصصد ‪ ،‬وكصصانوا يفخصصرون بصصالحرم‬
‫مصصاره ‪ ،‬فميصصز اللصصه اليمصصان‬ ‫ويستكبرون به من أجل أنهم أهلصصه وع ّ‬
‫والجهاد مع النبي صلى الله عليصصه وسصصلم علصصى قيصصام المشصصركين‬
‫بعمارة البيت وقيامهم بالسقاية ولم يكن ينفعهم ذلصصك عنصصد اللصصه‬
‫تعالى مع شصصركهم بصصه وإن كصصانوا يعمصصرون بيتصصه قصصال تعصصالى ‪) :‬ل َ‬
‫ن( يعنصصي الصصذين‬ ‫مي َ‬ ‫م الظّصصال ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫دي ال ْ َ‬
‫قص ْ‬ ‫هص ِ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬ ‫والل ّص ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عندَ الل ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫وو َ‬ ‫ست َ ُ‬‫يَ ْ‬
‫ماهم اللصه ظصالمين بشصركهم فلصم‬ ‫زعموا أنهم أهل العمارة ‪ ،‬فس ّ‬
‫ن عنهم عمارة البيت شيئا ً‪. 1‬‬ ‫تغ ِ‬

‫‪ 219‬ص التفاضل بين أعمال البّر ‪:‬‬


‫أعمال البّر في السلم غير متساوية في المنزلة ول في الثصصواب‬
‫عند الله تعالى فبعضها أفضل من بعض ‪ ،‬وينبغي لصصذلك أن يكصصون‬
‫الهتمام بالهم والرجصصح والفضصصل والحصصب للصصه تعصصالى والعلصصى‬
‫منزلة عنده ‪ .‬وعلصصى هصصذا فعنصصد الصصتزاحم وتعصصذر عمصصل الثنيصصن أن‬
‫يقدم الفضل على المفضول والراجح على المرجوح والهم على‬
‫المهصصم والحصصب علصصى المحبصصوب ‪ .‬وهصصذا فصصي أعمصصال الصصبر غيصصر‬
‫الواجبة ‪ ،‬أما في عمل الصصواجب فصصي حصصق المسصصلم والقصصادر علصصى‬
‫فعله فهذا يلزم فعله ول يزاحمصصه عمصصل ب صّر منصصدوب ‪ ،‬لن مصصا هصصو‬
‫واجب مقدم على ما ليس بواجب دائما ً ‪.‬‬
‫ل على ما قلته أي على التفاضل في أعمال البّر الية التي‬ ‫وقد د ّ‬
‫َ‬
‫د‪ (..‬الصصخ فقصصد‬ ‫ج ِ‬
‫س ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ماَر َ‬
‫ع َ‬ ‫و ِ‬‫ج َ‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫حا ّ‬ ‫س َ‬
‫قاي َ َ‬ ‫عل ْت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ج َ‬
‫ذكرناها وهي )أ َ‬
‫جاء في تفسيرها وجه آخر غير الذي ذكرنصصاه ‪ ،‬فقصصد قصصال الصصرازي‬
‫في تفسيرها ‪ :‬يحتمل أن يقصال ‪ :‬هصذه اليصة مفاضصلة جصصرت بيصصن‬
‫المسلمين كما يحتمل أنها جرت بين المسصصلمين والكصصافرين ‪ .‬أمصصا‬
‫الذين قالوا إنها جرت بين المسلمين كما يحتمصل انهصا جصرت بيصن‬
‫المسلمين والكافرين ‪ .‬قالوا إنها جرت بين المسلمين والكافرين‬
‫أما الذين قصصالوا إنهصصا جصصرت بيصصن المسصصلمين فقصصد احتجصصوا بقصصوله‬
‫عظَ ُ‬
‫م‬ ‫تعالى بعد هذه الية في حق المؤمنين المهاجرين ‪) :‬أولئك أ َ ْ‬
‫ه( ‪ ،‬وهذا يقتضي أن يكون للمرجوح أيضا ً درجصصة عنصصد‬ ‫عندَ الل ّ ِ‬‫ة ِ‬
‫ج ً‬
‫دََر َ‬
‫‪2‬‬
‫الله تعالى وذلك ل يليق إل بالمؤمنين ‪.‬‬

‫‪ 220‬ص من أدلة التفاضل بين العمال ‪:‬‬


‫ومما يدل أيضا ً على التفاضل بيصصن العمصصال حصصديث البخصصاري عصصن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬
‫‪ 41‬ـ سورة التوبة ‪ ،‬الية ‪. 19‬‬
‫‪ 1‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 241‬‬
‫‪ 2‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪ 11‬ـ ‪. 12‬‬
‫سئل أي العمل أفضل؟ فقال ‪ :‬إيمان بصالله ورسصوله ‪ .‬قيصل ‪ :‬ثصم‬
‫ماذا؟ قال ‪ :‬الجهاد فصصي سصصبيل اللصصه ‪ ،‬قيصصل ثصصم مصصاذا؟ قصصال الحصصج‬
‫المبرور‪ . 3‬وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسصصلم‬
‫قال ‪ :‬اليمان بضع وسبعون شعبة ‪ :‬أفضصصلها قصصول ل إلصصه إل اللصصه‬
‫وأدناها إماطة الذى عن الطريق والحياء شعبة من اليمان‪. 4‬‬

‫‪ 221‬ص التفاضل بين المؤمنين بتفاضل أعمالهم ‪:‬‬


‫المؤمنين غير متساوين في الدرجة عند الله تعالى لتفاضلهم في‬
‫ق‬
‫فص َ‬ ‫ن َأن َ‬
‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫وي ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫أعمال البر التي يعملونها قال تعالى ‪َ) :‬ل ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ك أَ ْ‬ ‫قات َ َ ُ‬
‫مصصن‬‫قصصوا ِ‬ ‫ف ُ‬‫ن أن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّص ِ‬ ‫مص َ‬ ‫ة ّ‬‫جص ً‬ ‫عظَ ُ‬
‫م دََر َ‬ ‫ول َئ ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫فت ْ ِ‬ ‫من َ‬
‫قب ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪5‬‬
‫خِبي صٌر( ‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫صو‬‫ص‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫َ ْ َ‬ ‫ت‬ ‫صا‬‫ص‬ ‫م‬ ‫ب‬
‫ُ ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ص‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫وال‬‫َ‬ ‫نى‬ ‫ص‬ ‫س‬
‫ُ ْ َ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ص‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬‫ع‬
‫َ َ َ‬‫و‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫و‬‫بَ ْ ُ َ‬
‫د‬ ‫ع‬
‫والمعنى ل يستوي من أنفق قبل فتح مكة وقاتل ومن أنفق بعصصد‬
‫هذا الفتح وقاتل ‪ ،‬فأولئك الذين أنفقوا قبل الفتح وقاتلوا أعظم‬
‫درجصصة مصصن الصصذين أنفقصصوا وقصصاتلوا بعصصد الفتصصح ‪ .‬وكصصل واحصصد مصصن‬
‫الفريقين وعصصده اللصصه المثوبصصة الحسصصنى وهصصي الجنصصة مصصع تفصصاوت‬
‫الدرجات‪. 6‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬قيل يصصا رسصصول‬
‫الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليصصه وسصصلم ‪:‬‬
‫مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ‪ .‬قالوا ثصم مصن؟ قصال ‪:‬‬
‫مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره‪. 7‬‬

‫‪ 222‬ص أصناف المؤمنين بسبب تفاضلهم ‪:‬‬


‫ولتفاضصصل المصصؤمنين بسصصبب تفاضصصلهم فصصي أعمصصال الصصبّر صصصاروا‬
‫صنفين ‪ :‬أصحاب اليمين والمقربين ‪ .‬والمقربون أعلى درجة مصصن‬
‫ب‬ ‫ة َ َ‬
‫واج صا ً ث ََلث َ ص ً‬ ‫َ‬ ‫و ُ‬
‫حا ُ‬‫صص َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫م أْز َ‬ ‫كنت ُ ص ْ‬ ‫أصصصحاب اليميصصن ‪ .‬قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْميمَنصصة مصصا أ َصصصحاب ال ْميمَنصصة َ‬
‫ب‬ ‫حا ُ‬‫صصص َ‬‫مصصا أ ْ‬‫ة َ‬ ‫م ِ‬‫شصصأ َ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صصص َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪8‬‬
‫ن( ‪ .‬ففصصي يصصوم‬ ‫مقّرب ُصصو َ‬ ‫ولئ ِك ال ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سصصاب ِقو َ‬‫ن ال ّ‬
‫سصصاب ِقو َ‬
‫وال ّ‬‫ة َ‬‫م ِ‬
‫شأ َ‬
‫القيامة ينقسم الناس إلى ثلثة أصصصناف ‪ :‬صصنفان مصن المصؤمنين‬
‫وهم أصحاب الميمنة ص أصحاب اليميصصن صص وصصصنف المقربيصصن وهصصم‬
‫أخصصص وأحظصصى وأقصصرب وأعلصصى درجصصة مصصن أصصصحاب اليميصصن‪ ،‬لن‬
‫المقربين فيهم الرسل والنبياء والصديقون والشهداء فهم سادة‬
‫أصحاب اليمين وأقل عددا ً منهم‪. 1‬‬

‫‪3‬‬
‫ـ صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪. 77‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ الجامع الصغير للسيوطي ‪ ،‬قال رواه أحمد ورقم الحديث ‪. 3096‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة الحديد ‪ ،‬الية ‪. 10‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 474‬ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ 306‬ـ ‪. 307‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪. 6‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ سورة الواقعة ‪ ،‬اليات ‪ 7‬ـ ‪. 11‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 282‬‬
‫‪ 223‬ص الستخلف في الرض لمستحقيه ‪:‬‬
‫ت‬ ‫حا ِ‬ ‫صصصال ِ َ‬ ‫ملصصوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬‫منك ص ْ‬‫ُ‬ ‫من ُصصوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ه ال ّص ِ‬ ‫ع صدَ الل ّص ُ‬ ‫و َ‬‫قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫مكن َ ص ّ‬ ‫ولي ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫هص ْ‬‫قب ْل ِ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ف ال ِ‬ ‫خل َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫َ‬
‫ضك َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫هم ِ‬ ‫فن ّ ُ‬‫خل ِ َ‬
‫ست َ ْ‬‫ل َي َ ْ‬
‫منصا ً‬ ‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫و ِ‬ ‫خص ْ‬‫د َ‬ ‫عص ِ‬ ‫مصصن ب َ ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫ول َي ُب َصدّل َن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هص ْ‬‫ضصصى ل َ ُ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّص ِ‬ ‫ه ُ‬‫م ِدين َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ول َئ ِ َ‬ ‫ك َ ُ‬
‫م‬ ‫هص ُ‬‫ك ُ‬ ‫فصأ ْ‬ ‫عصدَ ذَِلص َ‬ ‫فصَر ب َ ْ‬ ‫مصن ك َ َ‬ ‫و َ‬ ‫شصْيئا ً َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫دون َِني َل ي ُ ْ‬
‫ش ِ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن( ‪ .‬والمعنى أن الله تعالى وعد رسوله صلى الله عليه‬ ‫‪2‬‬
‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وسلم بصصأنه سصيجعل أمتصصه خلفصصاء الرض أي أئمصصة النصصاس والصصولة‬
‫عليهم بهم تصلح البلد وتخضع لهم العباد وقد فعله الله تعالى‪. 3‬‬
‫والمقصود بتمكين الدين لهم ‪ ،‬أي دين السصصلم ‪ ،‬هصصو أن يؤيصصدهم‬
‫بالنصرة والعزاز ويجعل دينهم السلم ثابتا ً بأن يعلي الله شصصأنه‬
‫ويقوم المؤمنين بتطبيق أحكامه وجعلها هي المهيمنة على جميع‬
‫من صًا(‬ ‫َ‬
‫ول َي ُب َدّل َن ّ ُ‬
‫‪4‬‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫و ِ‬‫خص ْ‬‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫شؤون الناس ‪ .‬وقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫أي يبصصدلهم مصصن بعصصد خصصوفهم بمقتضصصى الطبيعصصة البشصصرية مصصن‬
‫أعدائهم أمنا ً وطمأنينة ‪ ،‬وقصصد وقصصع ذلصصك كل ّصصه فصصي عهصصد الصصصحابة‬
‫الكرام في زمن الخلفاء الراشدين ‪ ،‬ول ينافيه ما وقصصع فصصي عهصصد‬
‫عثمان وعلي من الضطراب لن المراد من المن من أعداء الدين‬
‫وهم الكفار‪. 5‬‬

‫‪ 224‬ص طبيعة استخلف المؤمنين في الرض ‪:‬‬


‫والستخلف الذي وعد الله به الذين آمنوا وعملصوا الصصالحات هصو‬
‫الذي يكون فيه إصلح البلد والعباد وحفظ الحقوق وهداية الناس‬
‫‪ .‬أما الغلبة والستيلء والحكم وأخذ السلطة من الكفرة الفجرة ‪،‬‬
‫فكل ذلك وسيلة لما ذكرنا مصصن إصصصلح وهدايصصة وحفصصظ الحقصصوق ‪.‬‬
‫ضصصى‬ ‫م ال ّص ِ‬
‫ذي اْرت َ َ‬ ‫هص ُ‬
‫م ِدين َ ُ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ول َي ُ َ‬
‫مك ّن َ ّ‬ ‫ويدل على ذلك قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫م( وتمكين الدين يتم بتمكينه في القلوب كما يتم بتمكينه فصصي‬ ‫لَ ُ‬
‫ه ْ‬
‫تصصصريف شصصؤون الحيصصاة وأمصصور النصصاس وتصصدبيرها وفقصصا ً لحكصصام‬
‫السلم بجعله هو المهيمصن علصى شصؤون الحيصاة وأمصور النصصاس ‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن السلم يأمر بالصلح وبالعدل وبحفظ الحقصصوق‬
‫لصصصحابها وبصصالحرص علصصى هدايصصة النصصاس ويصصأمر بعمصصارة الرض‬
‫والنتفاع بكل ما أودعه الله فيها من ثروة مع التوجه بكل نشصصاط‬
‫فيها إلى الله تعالى‪. 6‬‬

‫‪ 225‬ص شروط الستخلف ‪:‬‬


‫والسصصتخلف الصصذي وعصصدنا اللصصه بصصه مشصصروط باليمصصان والعمصصل‬
‫الصالح ‪ ،‬قال المام الرازي ‪) :‬فقد وعد الله الذين آمنصصوا وعملصصوا‬

‫‪2‬‬
‫ـ سورة النور ‪ ،‬الية ‪. 55‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 300‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 24‬ص ‪. 22‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 18‬ص ‪. 205‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ في ظلل القرآن م ‪ ، 6‬ج ‪ ، 18‬ص ‪. 119‬‬
‫الصصصالحات أي الصصذين جمعصصوا بيصصن اليمصصان والعمصصل الصصصالح أن‬
‫يستخلفهم في الرض(‪. 7‬‬

‫‪ 226‬ص الستخلف لكل من تحقق فيهم شرطه ‪:‬‬


‫والسصصتخلف فصصي الرض غيصصر مقصصصور علصصى عهصصد الصصصحابة أو‬
‫الخلفاء الراشدين ‪ ،‬وإنما هو وعد ثابت من الله تعالى وسّنة اللصصه‬
‫مطردة في التماثل والضداد ‪ ،‬وأن المتساوين في المعاني الصصتي‬
‫نبطت بها الحكام يتساوون في هذه الحكام ‪ ،‬وعليصصه فصصإن سصصنة‬
‫الله في الستخلف أنه يكون لمن تحقق فيهم شرط السصصتخلف‬
‫من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ‪ ،‬فهو حكصصم‬
‫عام وسنة عامة مطردة ‪ ،‬قصصال المصصام القرطصصبي منتصصصرا ً للقصصول‬
‫بعمصصصوم آيصصصة السصصصتخلف وعصصصدم قصصصصرها علصصصى عهصصصد الخلفصصصاء‬
‫الراشدين ‪ ،‬قال رحمه الله ‪ ...) :‬فصح أن الية عامصصة لمصصة محمصصد‬
‫صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم غيصصر مخصوصصصة بالخلفصصاء الراشصصدين إذ‬
‫التخصيص ل يكون إل بخير ممن يجب لصصه التسصصليم ‪ ،‬ومصصن الصصصل‬
‫المعلوم التمسك بالعموم(‪. 8‬‬

‫‪ 227‬ص ينقص من الستخلف بقدر ما ينقص من شرطه ‪:‬‬


‫قلنا إن من شرط الستخلف تحقق اليمان والعمل الصالح فيمن‬
‫ن وآثار بينها الشرع في القرآن الكريصصم‬ ‫يريدونه ‪ ،‬واليمان له معا ٍ‬
‫ً‬
‫والسنة النبوية المطهرة من ذلك أن يكون المسم محكوما بأحكام‬
‫السلم في جميع شؤونه وتصرفاته وفيمصصا يأخصصذه ويصصتركه وفصصي‬
‫أقواله وأحواله وأعماله القلبية ‪ ،‬وأن يعمل الصصصالحات الصصتي أمصصر‬
‫بها الشرع ‪.‬‬
‫وقصصصد تنقصصصص بعصصصض هصصصذه المعصصصاني فصصصي المسصصصلمين فينقصصصص‬
‫استحقاقهم في الستخلف الذي وعدهم اللصصه بصصه ‪ ،‬فيكصصون لهصصم‬
‫بعض معاني الستخلف ل كلها ‪ .‬وعلصصى هصصذا ل تتحقصصق لهصصم كصصل‬
‫معاني الستخلف من الغلبة والنتصار على العداء ونزع السلطة‬
‫من أيديهم وإقامة شؤون الدولة والمجتمع حسب أحكام السصصلم‬
‫والتمتع بكامل المن والطمئنان ‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا المام ابن كثير وهو يتكلم عن آية السصصتخلف‬
‫فقال رحمه الله تعالى ‪) :‬فالصحابة لمصصا كصصانوا أقصصوم النصصاس بعصصد‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم باموامر الله عز وجل وأطصصوعهم للصصه‬
‫تعالى كان نصرهم بحسبهم ‪ ،‬فأظهروا كلمة اللصصه فصصي المشصصارق‬
‫والمغارب وأيدهم اللصصه تأييصصدا ً عظيمصا ً وحكمصصوا فصصي سصصائر البلد ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 24‬ص ‪. 24‬‬
‫‪ 8‬ـ تفسير القرطبي ‪،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪ 298‬ـ ‪. 299‬‬
‫ولمصصا قصصصر النصصاس بعصصدهم فصصي بعصصض المصصور نقصصص ظهصصورهم‬
‫بحسصصبهم‪ ، 1‬أي بحسصصب مصصا عنصصدهم مصصن اليمصصان والعمصصل الصصصالح‬
‫وقيامهم بأوامر الله تعالى ‪.‬‬

‫‪ 228‬ص التساوي في استحقاق النصر للتساوي في موجباته ‪:‬‬


‫نصر الله يستحقه المؤمنون الذين يتبعون رسوله ويطيعونشصصرعه‬
‫وينصرون دينه ‪ .‬وهؤلء المستحقون لنصر الله تعالى نظرا ً لقيام‬
‫موجبات النصر فيهم متساوون في اسصصتحقاق هصصذا النصصصر ولهصصذا‬
‫يظفرون به في كل مكان وزمان حسب وعصصد اللصصه تعصصالى وسصصنته‬
‫في النصر ‪ .‬وإذا تخّلف النصر عنهم فكذلك لتخلصصف بعصصض معصصاني‬
‫ن النصر الصصذي يريصصده اللصصه غيصصر النصصصر الصصذي يريصصده‬ ‫موجباته أو ل ّ‬
‫المؤمنون ‪ ،‬لن المنظور إليه فصي )مفهصوم النصصر( هصو مصا يعصده‬
‫الله نصرا ً وإن لم يعده الناس نصرا ً ‪ .‬كما إن النصر ينظر إليه في‬
‫عاقبة المصصر وليصصس قبصصل ذلصصك ‪ ،‬فكمصصا أن النصصصر يتحقصصق ويتصصبين‬
‫ويعرف عند انتهاء الحرب والقتال تماما ً وليس عند انتهصاء معركصة‬
‫واحدة من معارك الحرب ‪ ،‬فكذلك المؤمنصصون الصصذين قصصامت فيهصصم‬
‫موجبصصات النصصصر ل بصصد أن ينتصصصروا مصصا دامصصت موجبصصات النصصصر‬
‫واستحقاقه قائمة فيهصصم ‪ .‬ولكصصن ل يجصصوز لهصصم أن يعينصصوا ميعصصادا ً‬
‫محصصددا ً لنصصصرهم ول صصصورة معينصصة أو شصصكل ً معينصصا ً لنصصصرهم ‪،‬‬
‫وحسبهم أن يثقوا كل الثقة بأن سصّنة اللصصه فصصي المتسصصاوين فصصي‬
‫موجبات نصره أّنهم يتساوون في تحقق هذا النصر لهصصم ‪ ،‬وعلصصى‬
‫ل القصصرآن فصصي آيصصاته الكصصثيرة ومنهصصا قصصوله تعصصالى ‪:‬‬ ‫مصصا قلنصصاه د ّ‬
‫زيصٌز( ‪ .‬قصصال الصصرازي‬ ‫‪2‬‬
‫ع ِ‬‫ي َ‬ ‫و ّ‬‫قص ِ‬ ‫ه لَ َ‬‫ن الل ّص َ‬‫ص صُرهُ إ ِ ّ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫صَر ّ‬ ‫ول ََين ُ‬‫) َ‬
‫د‬
‫قصص ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫‪3‬‬
‫رحمه الله ‪) :‬وعدنا بالنصر لمن هذه حاله( وقال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫جنصصدََنا‬ ‫ن ُ‬‫وإ ِ ّ‬‫ن َ‬
‫صوُرو َ‬
‫من ُ‬‫م ال ْ َ‬‫ه ُ‬‫م لَ ُ‬ ‫ه ْ‬
‫ن إ ِن ّ ُ‬
‫سِلي َ‬‫مْر َ‬ ‫عَباِدَنا ال ْ ُ‬‫مت َُنا ل ِ ِ‬‫ت ك َل ِ َ‬‫ق ْ‬‫سب َ َ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪.‬‬‫‪4‬‬
‫غال ُِبو َ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ه ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫قصصال اللوسصصي ‪ :‬المصصراد بالجنصصد أتبصصاع الرسصصل ‪ ،‬وإضصصافتهم إليصصه‬
‫تشريفا ً لهم وتنويها ً بهم ‪ ،‬واستمرار الغلبصصة للجنصصد مشصصروط بمصصا‬
‫جندََنا( فل ُيغلب اتباع الرسل‬ ‫تشعر به الضافة في قوله تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫ل مصا إلصى‬ ‫في حرب إل لخللهم بما تشعر بصه هصذه الضصافة كميص ٍ‬
‫الدنيا أو ضعف التوكل على الله تعالى ونحو ذلك‪. 5‬‬

‫‪ 229‬ص المشاركة في الثواب للمشاركة في موجباته ‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫صصصا ِ‬‫والن َ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬‫ِ‬ ‫ج‬‫هصصا ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫مصص َ‬‫ن ِ‬ ‫وُلصصو َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫قو َ‬‫سصصاب ِ ُ‬
‫وال ّ‬ ‫قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫هصص ْ‬
‫عصصدّ ل ُ‬
‫وأ َ‬‫ه َ‬‫عْنصص ُ‬‫ضوا َ‬ ‫وَر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫عن ْ ُ‬‫ه َ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬
‫ن ّر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬‫هم ب ِإ ِ ْ‬ ‫عو ُ‬
‫ن ات ّب َ ُ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 302‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة الحج ‪ ،‬الية ‪. 40‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 23‬ص ‪. 41‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ سورة الصافات ‪ ،‬اليات ‪ 171‬ـ ‪. 173‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ 155‬ـ ‪. 156‬‬
‫م( ‪،‬‬‫ظي ص ُ‬ ‫وُز ال ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫فص ْ‬ ‫ها أ ََبدا ً ذَل ِ َ‬
‫ك ال ْ َ‬ ‫في َ‬
‫ن ِ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫هاُر َ‬ ‫َ‬
‫ها الن ْ َ‬
‫حت َ َ‬
‫ري ت َ ْ‬
‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬
‫َ‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله في هذه الية ‪ :‬فجعل الله‬
‫تعصصالى التصصابعين لهصصم بإحسصصان مشصصاركين لهصصم فيمصصا ذكصصر مصصن‬
‫الرضوان والجنة‪ .6‬لن المهاجرين والنصار إنما ظفصصروا برضصصوان‬
‫الله وجناته ليمانهم بربهم وطاعتهم لصه وجهصادهم فصي سصصبيله ‪،‬‬
‫فالصصذين يتبعصصونهم بإحسصصان هصصم الصصذين يفعلصصون مثصصل فعلهصصم ‪،‬‬
‫ويؤمنون مثل إيمانهم فيشاركونهم فيمصصا ذكصصر مصصن رضصصوان اللصصه‬
‫وجناته لمشاركتهم لهم في موجبات رضوانه وجناته ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪ ، 23‬والية من سورة التوبة ورقمها ‪. 100‬‬
‫الفصل الثامن‬
‫سّنة الله في الترف والمترفين‬
‫]قانون الترف[‬
‫مْترف ‪:‬‬‫‪ 230‬ص معنى الترف وال ُ‬
‫‪1‬‬
‫جصصاء فصصي لسصصان العصصرب ‪ :‬الصصترف ‪ :‬التنعصصم ‪ .‬والصصترفه النعمصصة ‪.‬‬
‫متَرف ‪ :‬هو الذي قد أبطرته النعمة‬ ‫وأترفته النعمة أي أطغته ‪ .‬وال ُ‬
‫وسصصعة العيصصش ‪ .‬والمصصترف ‪ :‬المتنعصصم المتوسصصع فصصي ملذ الصصدنيا‬
‫‪2‬‬
‫سع عليه ‪ .‬وفي مفصصردات الصصراغب‬ ‫مو ّ‬‫مترف ‪ُ :‬‬ ‫وشهواتها ‪ .‬ورجل ُ‬
‫الترف ‪ :‬التوسع في النعمة ‪.‬‬

‫‪ 231‬ص ثلث صفات للترف والمترف ‪:‬‬


‫مترف في اللغة يتبين أن لهما ثلث صفات‬ ‫ومن صفات الترف وال ُ‬
‫هي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬الصصترف ‪ :‬بطصصر النعمصصة والمصصترف هصصو الصصذي أبطرتصصه النعمصصة‬
‫وسعة العيش ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الترف الطغيان بسبب النعمة ‪ .‬والمصصترف هصصو الصصذي أطغتصصه‬
‫النعمة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الصصترف ‪ :‬التنعصصم والتوسصصع فصصي ملذ الصصدنيا ‪ .‬والمصصترف هصصو‬
‫المتنعم المتوسع في ملذ الدنيا وشهواتها ‪.‬‬

‫‪ 232‬ص من عادة المترفين مسارعتهم في تكذيب الحق ورده ‪:‬‬


‫ومن عادة المصصترفين لمصصا يفعلصصه فيهصصم الصصترف مصصن بطصصر النعمصصة‬
‫وانغماس في الملذات والشصصهوات انهصصم يسصصارعون قبصصل غيرهصصم‬
‫في تكذيب رسل الله ورد الحق الذي جاؤوا به استدلل ً باطل ً بمصصا‬
‫هم عليه من كثرة المال والولد وسعة الجصصاه والسصصلطان وكصصثرة‬
‫فصصي‬ ‫سصل َْنا ِ‬ ‫َ‬
‫مصصا أْر َ‬ ‫و َ‬ ‫التباع وعلو منزلتهم عند الناس قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقصصالوا‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬‫فُرو َ‬ ‫ه كا ِ‬‫َ‬ ‫سل ُْتم ب ِ ِ‬
‫ما أْر ِ‬ ‫ها إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫مت َْر ُ‬‫ل ُ‬‫قا َ‬ ‫ر إ ِّل َ‬ ‫ذي ٍ‬‫من ن ّ ِ‬ ‫ة ّ‬ ‫قْري َ ٍ‬‫َ‬
‫سص ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ن َرب ّصصي ي َب ْ ُ‬‫ل إِ ّ‬ ‫قص ْ‬ ‫ن ُ‬‫عصذِّبي َ‬ ‫م َ‬
‫ن بِ ُ‬ ‫حص ُ‬ ‫مصصا ن َ ْ‬
‫و َ‬ ‫وَلدا ً َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫وال ً َ‬‫مص َ‬‫ن أك ْث َُر أ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن أكث َصَر الن ّصصا ِ‬ ‫من ي َ َ‬
‫‪3‬‬
‫ن( ‪ .‬فهصصذه‬ ‫مصصو َ‬ ‫عل ُ‬ ‫س ل يَ ْ‬ ‫ولك ِص ّ‬ ‫دُر َ‬ ‫وي َقص ِ‬ ‫شاءُ َ‬ ‫الّرْزقَ ل ِ َ‬
‫اليات الكريمة تبين عصصادة مطصصردة للمصصترفين فصصي مصصوقفهم مصصن‬
‫رسل الله وهي تكذيبهم لهم ورد ما جاؤوا به مصصن ربهصصم تعصصالى ‪،‬‬
‫فلم يبعصصث اللصصه رسصصول ً فصصي قريصصة إل كصصذبه مترفوهصصا وهصصم أولصصو‬
‫الحشمة والنعمة والثروة والرياسة‪. 4‬‬
‫وتخصيص المترفين بالتكصصذيب لنهصصم فصصي الغلصصب أول المكصصذبين‬
‫للرسل عليهم السلم لما شغلوا بصصه أنفسصصهم مصصن زخرفصصة الصصدنيا‬
‫‪1‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 360‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ مفردات الراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 74‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة سبأ ‪ ،‬اليات ‪ 34‬ـ ‪. 36‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 540‬‬
‫ومصصا غلصصب علصصى قلصصوبهم منهصصا فهصصم منهمكصصون فصصي الشصصهوات‬
‫ومستهينون بمن لم يظفر منها ما ظفروا هم به‪ . 5‬أو إنما نسصصب‬
‫القول بتكذيب الرسل إلى المترفين مع أن غيرهصصم أيض صا ً قصصالوا ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ن( ‪ ،‬لن الغنيصصاء المصصترفين هصصم الصصصل‬ ‫فُرو َ‬
‫كا ِ‬ ‫سل ُْتم ب ِ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ما أْر ِ‬
‫)إ ِّنا ب ِ َ‬
‫في ذلك القول ‪ ،‬أل ترى أن الله تعالى قال عن الذين استضعفوا‬
‫إنهم قالوا للمستكبرين ‪) :‬لول انتم لكنا مؤمنين(‪. 6‬‬

‫‪ 233‬ص حجتهم في التكذيب ‪:‬‬


‫أما حجتهم في التكذيب ص تكذيب رسل الله ص ص فهصصو مصصا حكصصاه اللصصه‬
‫قصصاُلوا ن َحصن أ َك ْث َصر أ َمصوال ً َ‬
‫ن‬ ‫حص ُ‬‫مصصا ن َ ْ‬ ‫وَلدا ً َ‬
‫و َ‬ ‫وأ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫و َ‬
‫عنهم بقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن( أي نحن أكثر منكم أموال ً وأولدا ً أو إن أموالنصصا وأولدنصصا‬ ‫عذِّبي َ‬‫م َ‬‫بِ ُ‬
‫كثيرة جدا ً وما نحن بمعذبين بشيء من أنواع العصصذاب الصصذي يكصصدر‬
‫علينصصا لصصذة كصصثرة المصصوال والولد مصصن خصصوف الملصصوك والمصصراء‬
‫والحكام وقهر العداء وعدم نفوذ كلمتنصصا فصصي النصصاس ونحصصو ذلصصك‬
‫دعاؤهم‬ ‫من المكدرات ‪ .‬وحاصل قول أولئك المترفين وحجتهم ‪ :‬ا ّ‬
‫بأنهم في نعمصصة ل يشصوبها نقمصصة ‪ ،‬وهصذا صص فصي زعمهصصم صص دليصصل‬
‫كرامتهم على الله عز وجل ورضاه عنهم ‪ ،‬وانه لصصو كصصان سصصاخطا ً‬
‫عليهم لشركهم لما أنعم عليهم بهذه النعم ‪ .‬وقد ردّ اللصصه عليهصصم‬
‫شصصاءُ‬‫مصصن ي َ َ‬ ‫سص ُ‬
‫ط ال صّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ن َرّبي ي َب ْ ُ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫هذه الحجة بقوله تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫ق ْ‬
‫دُر( أي يبسط الرزق لمن يشاء الله بسط الرزق له ‪ ،‬ويضصصيقه‬ ‫وي َ ْ‬
‫ق ِ‬ ‫َ‬
‫على من يشاء ‪ ،‬فربما يوسع الله سصصبحانه علصصى العاصصصي ويضصصيق‬
‫على المطيع وربما يعكس المصصر وربمصصا يوسصصع عليهمصصا مع صا ً وقصصد‬
‫ص تصصارة‬ ‫ً‬
‫يضيق عليهما معا ‪ ،‬وقد يوسع على شصصخص مطيصصع أو عصصا ٍ‬
‫ويضيق عليه أخرى يفعصصل كل ً مصصن ذلصصك حسصصبما تقتضصصيه مشصصيئته‬
‫تعالى وحكمته ولكن أكثر الناس ل يعلمون حكمصصة مصصا يفعلصصه اللصصه‬
‫من البسط والتضييق في الرزق على عباده‪. 1‬‬

‫‪ 234‬ص منهج المترفين في الحياة ‪:‬‬


‫المترفون ل يهتمون إل بملذ الدنيا وشهواتها وجمع المال لذلك ‪،‬‬
‫ول يهمهم ما يكون في الناس من منكصصرات فهصصي ل تقلقهصصم ول‬
‫ينهون عنها لن انشصصغالهم واهتمصصامهم بمصصا يجلصصب لهصصم الملصصذات‬
‫فقط ولو كصان ذلصك علصى حسصاب الخصرة ونعيمهصا قصال تعصالى ‪:‬‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫وُلوا ْ ب َ ِ‬ ‫قبل ِك ُ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫سصصاِد‬ ‫ف َ‬ ‫عصص ِ‬ ‫ن َ‬‫و َ‬ ‫ه ْ‬‫ة ي َن ْ َ‬
‫قي ّ ٍ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫من َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ول َ َ‬ ‫فل َ ْ‬
‫) َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مصصا‬‫مصصوا َ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ع ال ص ِ‬ ‫وات ّب َص َ‬‫م َ‬ ‫هص ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫جي ْن َصصا ِ‬‫ن أن َ‬‫مص ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قِليل ً ّ‬ ‫ض إ ِل ّ َ‬‫فصصي الْر ِ‬ ‫ِ‬
‫موا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫‪2‬‬ ‫ْ‬ ‫و َ‬ ‫ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ع ال ِ‬ ‫وات ّب َ َ‬ ‫ن( ‪ .‬وقوله تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ج ِ‬‫م ْ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫ه َ‬‫في ِ‬‫فوا ِ‬ ‫أت ْ ُِ‬
‫فوا( أراد بالذين ظلموا ‪ :‬تاركي النهصصي عصصن المنكصصرات ‪ ،‬أي‬ ‫ر ُ‬‫ما أت ْ ِ‬ ‫َ‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 22‬ص ‪. 147‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 261‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 22‬ص ‪ 147‬ـ ‪. 148‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة هود ‪ ،‬الية ‪. 116‬‬
‫لصصم يهتمصصوا بمصصا هصصو ركصصن عظيصصم مصصن أركصصان الصصدين وهصصو المصصر‬
‫بصصالمعروف والنهصصي عصصن المنكصصر وإنمصصا اهتمصصوا بصصالتنعم والصصترف‬
‫والنغماس فصصي الشصصهوات والتطلصصع إلصصى الرياسصصة والسصصعي لهصصا‬
‫وجمع الثروة وطلب العيش الهنيء ‪ ،‬ورفضصصوا مصصا وراء ذلصصك ممصصا‬
‫ينفعهم في الىخرة ونبذوه وراء ظهورهم‪. 3‬‬

‫‪ 235‬ص موقف المترفين من الجماعة المسلمة وموقفها منهم ‪:‬‬


‫وإذا كان من عادة المترفين رد الحق وتكصصذيب الرسصصل ومنهجهصصم‬
‫في الحياة النغماس فصصي الشصصهوات والهتمصصام بصصالترف والعيصصش‬
‫الرغيد ول تقلقهصصم منكصصرات المجتمصصع ‪ ،‬فمصصن البصصديهي أن يكصصون‬
‫موقفهم من الجماعة المسلمة الصصصدود عنهصصا ورد مصصا تصصدعو إليصصه‬
‫وتنفيصصر النصصاس عنهصصا ‪ ،‬لن دعوتهصصا ‪ ،‬وهصصي الصصدعوة إلصصى السصصلم‬
‫تظهر زيفهم وضللهم ‪ .‬فعلى الجماعة المسصصلمة ان تصصصبر علصصى‬
‫تكذيبهم ومعاداتهم وما يكيدونه لها ‪ ،‬وأن تدخل موقفهم هذا في‬
‫حسابها ‪ ،‬ول تعجب منه لن الترف كما يقصصول سصصيد قطصصب رحمصصه‬
‫الله تعالى ‪) :‬يغلظ القلوب ويفقدها الحساسصية ويفسصد الفطصرة‬
‫ويغشيها فل ترى دلئل الهداية فتستكبر على الهدى وتصصصر علصصى‬
‫الباطل ول تتفتح للنور ‪. 4(..‬‬
‫وربما احتج المترفون في صدودهم عن الجماعة وصصصدهم للنصصاس‬
‫عنها وردهم لدعوتها بما احتج به أسلفهم مصصن كصصثرة المصصال ومصصا‬
‫يولده من كثرة التباع وسعة الجاه والمكانة في المجتمع ‪ ،‬فعلصصى‬
‫الجماعة المسلمة أن ترد عليهم بما ذكرناه من رد القرىن عليهصصم‬
‫وان تصبر عليهم فإن ما تلقاه منهم هو بعصصض مصصا جصصرت بصه سصصنة‬
‫الله في ابتلء الدعاة غلى الله تعالى ‪.‬‬

‫‪ 236‬ص جزاء المترفين ‪:‬‬


‫وقد مضت سنة الله في المترفين الذين أبطرتهم النعمة فكصصذبوا‬
‫رسل الله وردوا دعوة الله أن يهلكهم ويذيقهم العذاب في الدنيا‬
‫مصصن‬ ‫مَنا ِ‬ ‫صص ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م َ‬ ‫وك َص ْ‬‫كما يذيقهم العذاب في الخرة ‪ ،‬قال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ة وَأن َ ْ‬
‫س صَنا‬
‫سصصوا ب َأ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫مصصا أ َ‬ ‫فل َ ّ‬
‫ن َ‬‫ري َ‬
‫ِ‬ ‫خ‬‫وما ً آ َ‬ ‫ها َ‬
‫ق ْ‬ ‫عد َ َ‬ ‫شأَنا ب َ ْ‬ ‫م ً َ‬ ‫ظال ِ َ‬‫ت َ‬ ‫ة َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫قْري َ ٍ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ر ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫إِ َ‬
‫فيص ِ‬ ‫م ِ‬ ‫فت ُص ْ‬ ‫مصصا أت ْ ِ‬ ‫عصصوا إ ِلصصى َ‬ ‫ج ُ‬‫واْر ِ‬‫ضصصوا َ‬‫ن ل ت َْرك ُ‬ ‫ضصصو َ‬ ‫هصصا ي َْرك ُ‬ ‫من ْ َ‬‫هم ّ‬ ‫ذا ُ‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سألو َ‬ ‫م تُ ْ‬‫علك ْ‬ ‫مل َ‬ ‫ساك ِن ِك ْ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وجاء في تفسير هذه اليات ‪ :‬إن أولئك القوم الظلمصصة المصصترفين‬
‫الذين أبطرتهم النعمة وأطغتهصصم فصصردوا الحصصق الصصذي جصصاءهم مصصن‬
‫ربهم فظلموا أنفسهم بذلك وظلموا غيرهم فاستحقوا العصصذاب ‪،‬‬
‫قيل لهم على وجصصه التهكصصم بهصصم لمصصا رأوا مقصصدمات العصصذاب ‪) :‬ل‬
‫تركضوا هاربين من نزول العذاب وارجعوا إلى مصصا كنتصصم فيصصه مصصن‬
‫‪3‬‬
‫ـ الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 437‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪ ، 161‬المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 191‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ في ظلل القرآن ‪ ،‬م ‪ ، 6‬ج ‪ ، 22‬ص ‪. 85‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة النبياء ‪ ،‬اليات ‪ 11‬ـ ‪. 13‬‬
‫النعمة والسصرور والمعيشصصة والمسصاكن الطيبصصة(‪ . 6‬وقصال المصام‬
‫ُ‬
‫م( أي إلصصى‬‫سصصاك ِن ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬
‫في ص ِ‬
‫م ِ‬ ‫ر ْ‬
‫فت ُص ْ‬ ‫عصصوا إ ِل َصصى َ‬
‫مصصا أ‪7‬ت ْ ِ‬ ‫ج ُ‬
‫واْر ِ‬
‫القرطبي ‪َ ) :‬‬
‫نعمكم التي كانت سبب بطركم ‪ .‬وفي تفسصصير الصصرازي ‪ :‬ارجعصصوا‬
‫إلى ما أترفتم فيه من العيش والرفاهية والحال الناعمة‪. 8‬‬

‫‪ 237‬ص هلك المة بفسق مترفيها ‪:‬‬


‫قوا ْ‬ ‫سص ُ‬ ‫ف َ‬‫هصصا َ‬ ‫َ‬ ‫ك َ‬ ‫هل ِص َ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬وإ َ َ‬
‫ف َ‬ ‫في َ‬
‫مت َْر ِ‬
‫مْرن َصصا ُ‬
‫ةأ َ‬‫قْري َص ً‬ ‫ذا أَردَْنا أن ن ّ ْ‬ ‫َ ِ‬
‫ميرًا(‪ . 9‬وجاء في تفسيرها ‪:‬‬ ‫ها ت َدْ ِ‬‫مْرَنا َ‬ ‫َ ّ‬ ‫د‬‫ف‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ها‬‫عل َي ْ َ‬
‫ق َ‬
‫ح ّ‬
‫ف َ‬‫ها َ‬‫في َ‬
‫ِ‬
‫وإذا دنصصا وقصصت هلكهصصا أمرنصصا بالطاعصصة مترفيهصصا أي متنعميهصصا‬
‫وجّباريها وملوكها ففسقوا فيها فحق عليهصصا القصصول فأهلكناهصصا ‪.‬‬
‫وإنما خص الله تعالى المترفين بالصصذكر مصصع تصصوجه المصصر بالطاعصصة‬
‫إلى الجميع لنهم أئمة الفسق ورؤسصصاء الضصصلل ‪ ،‬ومصصا وقصصع مصصن‬
‫سواهم إنما وقع باتباعهم وإغصصوائهم ‪ ،‬فكصصان تصصوجه المصصر إليهصصم‬
‫آكد‪. 1‬‬
‫الفصل التاسع‬
‫سنة الله في الطغيان والطغاة‬
‫]قانون الطغيان[‬
‫‪ 238‬ص معنى الطغيان في اللغة ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جاء في لسان العرب‪ : 2‬طغى يطغى طغيانا ويطغو طغيانا ‪ :‬جاوز‬
‫القدر ‪ ،‬وارتفع وغل في الكفر ‪ .‬وأطغصصاه المصصال ‪ :‬جعلصصه طاغي صا ً ‪.‬‬
‫وكل شيء جاوز القدر فقد طغى ‪ .‬وطغى المصصاء والبحصصر ‪ :‬ارتفصصع‬
‫وعل كل شيء ‪ .‬وجاء في مفردات الراغب‪ : 3‬أطغصصاه كصصذا ‪ :‬حملصصه‬
‫على الطغيان ‪ ،‬وذلك تجاوز الحددّ في العصصصيان ‪ .‬وقصصوله تعصصالى ‪:‬‬
‫)إنا لما طغى الماء( استعير الطغيان فيه لتجاوز الماء الحدّ ‪.‬‬
‫وجاء في المعجم الوسصصيط‪ : 4‬طغصصى طغيصا ً وطغيانصا ً ‪ :‬جصصاوز الح ص ّ‬
‫د‬
‫المقبول ‪ .‬وطغى الماء ‪ :‬فاض وتجاوز الحدّ في الزيصصادة ‪ .‬وطغصصى‬
‫فلن ‪ :‬غل فصصي العصصصيان ‪ .‬وطغصصى فلن ‪ :‬تجصصبر وأسصصرف فصصي‬
‫الظلم ‪.‬‬

‫‪ 239‬ص معنى الطغيان في الشرع ‪:‬‬


‫ومعنى الطغيان في الشرع يقوم على أساس معناه فصصي اللغصصة ‪،‬‬
‫فيراد به تجاوز النسان حده وقدره ‪ .‬وح صدّ النسصصان هصصو مصصا حصصده‬
‫الله له من حدود ل يجوز أن يتجاوزها ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 174‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 275‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 22‬ص ‪. 146‬‬
‫‪9‬‬
‫ـ سورة السراء ‪ ،‬الية ‪. 16‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 15‬ص ‪. 42‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 19‬ص ‪. 231‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ مفردات الراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 304‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ المعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 565‬‬
‫درهُ باعتباره عبصصدا ً للصصه تعصصالى فتلزمصصه طاعصصة‬
‫در النسان هو ق ْ‬
‫وق ْ‬
‫سيده وموله ‪ ،‬وبقاؤه في نطاق العبودية له ‪ ،‬فإن تجاوز مصصا حصصدّ‬
‫الله تعالى للنسان من حدود ل يتجاوزها او تجاوز قدره وقع في‬
‫المعصية والتمرد على الله ‪ .‬وعلى ما قلنصصاه مصصن معنصصى الطغيصصان‬
‫في الرع دلت آيات القرآن الكريم ‪ ،‬فمن هذه اليات ما يأتي ‪.‬‬

‫‪ 240‬ص أمثلة على معنى الطغيان في الشرع ‪:‬‬


‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ه‬‫وا إ ِّنصص ُ‬ ‫ول َ ت َط َ‬
‫غ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ع َ‬
‫م َ‬‫ب َ‬ ‫من َتا َ‬ ‫و َ‬‫ت َ‬ ‫مْر َ‬ ‫م كَ َ‬
‫ما أ ِ‬ ‫ق ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫فا ْ‬‫أ ص قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫وْا( ول تخرجوا عن‬ ‫غ ْ‬‫ول َ ت َطْ َ‬‫صيٌر( قال الزمخشري ‪َ ) :‬‬
‫‪5‬‬
‫مُلو َ‬
‫ن بَ ِ‬ ‫ع َ‬‫ما ت َ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫د‬
‫حص ّ‬ ‫وْا( أي ل تنحرفوا عمصصا ُ‬ ‫غ ْ‬‫ول َ ت َطْ َ‬
‫حدود الله ‪ ،‬وقال اللوسي ‪َ ) :‬‬
‫‪6‬‬

‫لكم بإفراط أو تفريط‪. 7‬‬


‫ب إ ِل َصصى‬ ‫هص ْ‬ ‫ب ص ص وقصصال تعصصالى مخاطب صا ً موسصصى عليصصه السصصلم ‪) :‬اذْ َ‬
‫غصصى( أي‬ ‫ه طَ َ‬ ‫غى( ‪ ،‬وقال القرطبي في معنى ‪) :‬إ ِن ّ ص ُ‬
‫‪8‬‬
‫ه طَ َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬‫و َ‬‫ع ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ِ‬
‫‪9‬‬
‫ه‬‫إنه عصى وتكبر وكفر وتجبر وجاوز الحدّ ‪ .‬وقال اللوسي ‪) :‬إ ِّنصص ُ‬
‫غى( أي جاوز الحدّ في التكبر والعتو والتجبر حتى تجاسر علصصى‬ ‫طَ َ‬
‫العظيمة التي هي دعوى الربوبية ‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪ 241‬ص ما يحمل النسان على الطغيان ‪:‬‬


‫وأعظم ما يحمل النسان على الطغيان ما يصصصير عنصصده مصصن مصصال‬
‫كثير أو ما يكون له من سلطان نافذ ‪ .‬فالول هو طغيصصان المصصال ‪،‬‬
‫أي الطغيان الذي سببه المال ‪ .‬والثاني هو طغيصصان السصصلطان أي‬
‫الطغيان الذي سببه السلطة التي تكصصون للنسصصان ‪ .‬وكل النصصوعين‬
‫من الطغيان مدمر ومهلك وفقا ً لسنة الله تعالى التي ل تتخلصصف ‪.‬‬
‫ونذكر فيما يلي شيئا ً عن هذين النوعين من الطغيان ‪.‬‬

‫‪ 242‬ص النوع الول ‪ :‬طغيان المال ‪:‬‬


‫صصصل بصصه‬
‫المال هو كل ما تميل إليه النفس ويهنصصأ بصصه العيصصش وُيتو َ‬
‫إلى ما تهواه النفس من متاع أو ملذات ‪.‬‬
‫ومن مظاهر طغيان المال أو من نتصصائجه وثمراتصصه جعصصل النسصصان‬
‫من المترفين ‪ .‬وقد ذكرنصصا بعصصض أوصصصافهم وأفعصصالهم ومنهجهصصم‬
‫في الحياة وسّنة الله تعالى فيهصصم ‪ .‬ومصصن ثمصصرات طغيصصان المصصال‬
‫بطر نعمة المال ‪ ،‬وسنتكلم إن شاء الله تعصصالى علصصى هصصذا البطصصر‬
‫عند كلمنا عن بطر النعمة بصورة عامة ‪ .‬ونتكلم هنا عصصن طغيصصان‬
‫السلطة وهو النوع الثاني من الطغيان ‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ سورة هود ‪ ،‬الية ‪. 112‬‬


‫‪ 6‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 433‬‬
‫‪ 7‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 153‬‬
‫‪ 8‬ـ سورة طه ‪ ،‬الية ‪. 24‬‬
‫‪ 9‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 192‬‬
‫‪ 01‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪. 181‬‬
‫‪ 243‬ص النوع الثاني ‪ :‬طغيان السلطة ‪:‬‬
‫ده وقصصدره بسصصبب مصصا‬ ‫المقصود بطغيان السلطة تجاوز النسان حص ّ‬
‫أوتيه من سلطة المصصر والنهصصي ونفاذهمصصا علصصى الغيصصر ولصصو جصصبرا ً‬
‫وقهرا ً عند القتضصصاء وأكصصثر مصصا يكصصون هصصذا الطغيصصان عنصصد الحكصصام‬
‫وولة المور لن سلطتهم وطغيانهم تتعلقان بعموم الناس وهصصم‬
‫الذين يبتلون بشرور طغيانهم ‪.‬‬

‫‪ 244‬ص النموذج لطغيان السلطة ‪:‬‬


‫والنمصصوذج لطغيصصان السصصلطة ‪ ،‬طغيصصان فرعصصون ‪ ،‬الصصذي كصصان مصصن‬
‫ده وقدره تكبره على الخالق حتى ادعى لنفسصصه‬ ‫مظاهر تجاوزه ح ّ‬
‫الربوبيصصة ‪ ،‬وتكصصبره علصصى خلصصق اللصصه حصصتى اسصصتعبدهم وظلمهصصم‬
‫وغمطهم حقوقهم ‪ .‬وقد كرر الله تعالى قصة فرعون فصصي آيصصات‬
‫كثيرة للعتبار والتعصصاظ لحاجصصة النصصاس إلصصى العتبصصار بقصصصة هصصذا‬
‫ل بصصه عقاب صا ً لطغيصصانه ‪ ،‬لكصصثرة مصصا يبتلصصى البشصصر‬ ‫الطاغيصصة ومصصا ح ص ّ‬
‫بطغيان السلطة ‪ .‬ومن جملة ما ورد في القرآن الكريصصم فرعصصون‬
‫ه ِبصصال ْ َ‬
‫واِد‬ ‫سى إ ِذْ َنا َ‬
‫داهُ َرب ّ ُ‬ ‫مو َ‬‫ث ُ‬‫دي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أَتا َ‬‫ه ْ‬ ‫وطغيانه قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫غى( ‪ .‬قال المام الرازي‬ ‫‪1‬‬ ‫َ‬
‫هط َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬
‫و َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ب إ َِلى ِ‬
‫فْر َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وى اذْ َ‬ ‫س طُ ً‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫قد ّ ِ‬
‫غى( قال بعض المفسرين معناه أنه تكبر‬ ‫ه طَ َ‬‫في قوله تعالى ‪) :‬إ ِن ّ ُ‬
‫على الله وكفر به ‪ .‬وقال آخرون إنه طغى علصصى بنصصي إسصصرائيل ‪.‬‬
‫والولى عنصصدي الجمصصع بيصصن المريصصن ‪ ،‬فصصالمعنى أنصصه طغصصى علصصى‬
‫الخصصالق بصصأن كفصصر بصصه وطغصصى علصصى الخلصصق بصصأن تكصصبر عليهصصم‬
‫واستعبدهم‪. 2‬‬

‫‪ 245‬ص طغيان السلطة ودعوى الربوبية ‪:‬‬


‫دعاء الربوبية لنفسه‬ ‫وقد يصل طغيان السلطة بالنسان إلى حد ا ّ‬
‫إما بلسان الحال وإمصصا بلسصصان المقصصال كمصصا فعصصل فرعصصون ‪ ،‬قصصال‬
‫ل أ َن َصصا‬ ‫ف َ‬
‫قصصا َ‬ ‫دى َ‬ ‫شَر َ‬
‫فَنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫دعاه فرعون لنفسه ‪َ ) :‬‬
‫ف َ‬ ‫تعالى حكاية عما ا ّ‬
‫م اْل َ ْ‬
‫عَلى(‪. 3‬‬ ‫َرب ّك ُ ُ‬

‫‪ 246‬ص ما تعنيه دعوى الربوبية ‪:‬‬


‫دعى الربوبية لنفسه فبلغ ذروة الطغيان والكفر ‪ ،‬وهصصذه‬ ‫فرعون ا ّ‬
‫الدعوى الباطلصصة لنفسصصه )أنصصه يجصصب علصصى مصصن تحصصت يصصده طصصاعته‬
‫والنقياد له وعدم الشتغال بطاعة غيصره(‪ ، 4‬وقصال الصرازي فيمصا‬
‫تعنيه هذه الصدعوى الصتي أطلقهصا لنفسصه )أي فأنصا ربكصم بمعنصى‬

‫‪1‬‬
‫ـ سورة النازعات ‪ ،‬اليات ‪ 15‬ـ ‪. 17‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 31‬ص ‪. 39‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة النازعات ‪ ،‬الية ‪. 24 ، 23‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪. 203‬‬
‫مربيكم والمحسن إليكم وليس للعالم إلصه حصصتى يكصون لصه عليكصصم‬
‫أمر ونهي ‪ ،‬فليس لحد عليكم أمر ول نهي إل لي(‪. 5‬‬

‫‪ 247‬ص من طغيان السلطة ظلم الناس ‪:‬‬


‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ماِد الت ِصصي لص ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م َ‬ ‫عاٍد إ َِر َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ف َ‬
‫ف َ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬أل َ ْ‬
‫ن‬
‫و َ‬ ‫عص ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫و ِ‬ ‫واِد َ‬ ‫خَر ب ِصصال ْ َ‬ ‫صص ْ‬ ‫جاُبوا ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مودَ ال ّ ِ‬ ‫في ال ْب َِلِد َ‬
‫وث َ ُ‬ ‫ها ِ‬ ‫مث ْل ُ َ‬‫ق ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫ب‬ ‫سصصادَ َ‬ ‫ْ‬
‫هصصا ال َ‬ ‫فصأك ْث َُروا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فصي الب ِلِد َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صص ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ف َ‬ ‫في َ‬ ‫وا ِ‬ ‫غص ْ‬
‫نط َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَتاِد ال ِ‬ ‫ِذي ال ْ‬
‫‪6‬‬
‫صاِد( ‪.‬‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫ك لِبال ِ‬ ‫َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫وط َ‬ ‫س ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل َي ْ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ف صأك ْث َُروا‬ ‫فصصي ال ْب َِلِد َ‬ ‫وا ِ‬ ‫غص ْ‬ ‫ن طَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال ابن كثير في قوله تعالى ‪) :‬ال ّ ِ‬
‫د( أي تمصصردوا وعتصصوا وعصصاثوا فصصي الرض بالفسصصاد‬ ‫سصصا َ‬ ‫ف َ‬ ‫هصصا ال ْ َ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫‪7‬‬
‫ن ِذي‬ ‫و‬ ‫ص‬‫عص‬
‫َ ِ ْ َ ْ َ‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫صالى‬ ‫تعص‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫اللوسي‬ ‫وقال‬ ‫‪.‬‬ ‫للناس‬ ‫والذى‬
‫َ‬
‫ذب أربعصصة‬ ‫مع ّ‬‫وَتاِد( وصف بذلك لكثرة جنوده أو لنه كان يدق للم ُ‬ ‫اْل ْ‬
‫أوتاد ويشده بها مطروحا ً على الرض فيعذبه بما يريد مصصن ضصصرب‬
‫أو إحراق أو غيره‪. 8‬‬
‫َ‬
‫وت َصصصاِد( أي الجنصصصود‬ ‫ن ِذي اْل ْ‬ ‫و َ‬ ‫عصصص ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫و ِ‬ ‫وفصصصي تفسصصصير القرطصصصبي ‪َ ) :‬‬
‫والعساكر والجموع والجيوش التي تشد ملكه‪ ،‬قاله ابن عباس‪.‬‬
‫وا( أي‬ ‫غص ْ‬ ‫في ال ْب َِلِد( يعنصصي عصصادا ً وثمصصود وفرعصصون )طَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫غ ْ‬‫ن طَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)ال ّ ِ‬
‫تمردوا وعتوا وتجاوزوا القدر في الظلم والعدوان‬

‫د( أي الجور والذى‪. 1‬‬


‫سا َ‬ ‫ها ال ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫فأ َك ْث َُروا ِ‬
‫في َ‬ ‫) َ‬

‫‪ 248‬ص جزاء طغيان السلطة ‪:‬‬


‫في اليات التي ذكرناها مصن سصورة الفجصر ‪ ،‬جصاء فيهصصا بعصد ذكصصر‬
‫هصصا‬ ‫فصصأ َك ْث َُروا ِ‬
‫في َ‬ ‫في ال ْب َِلِد َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن طَ َ‬
‫غ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫طغيان فرعون ومن قبله ‪) :‬ال ّ ِ‬
‫صصصاِد( ‪ ،‬وقصصد‬ ‫مْر َ‬ ‫ك ل َِبال ْ ِ‬
‫ن َرب ّ َ‬‫ب إِ ّ‬ ‫ع َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫ط َ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬
‫ك َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ف َ‬‫سادَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل بهصصم‬ ‫جاء في تفسيرها ‪) :‬أي أنزل عليهم رجزا ً من السماء وأح ص ّ‬
‫عقوبة ل يردها عن القوم المجرميصصن(‪ . 2‬وفصصي تفسصصير اللوسصصي‬
‫ن بصصان‬ ‫صاِد( تعليل لما قبله وإيذا ٌ‬ ‫مْر َ‬ ‫ك ل َِبال ْ ِ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫في قوله تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫كفصصار قصصومه صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم سيصصصيبهم مثصصل مصصا أصصصاب‬
‫أضرابهم المذكورين من العذاب ‪.‬‬
‫والية وعيد للعصاة مطلقا ً ‪ ،‬وقيل وعيصصد للعصصصاة ووعيصصد لغيرهصصم‬
‫وهو ظاهر قول الحسن‪ . 3‬وفي تفسير القرطبي في قوله تعالى‬
‫صاِد( أي يرصد عمل كل إنسان حتى يجازيه به‪. 4‬‬ ‫مْر َ‬ ‫ك ل َِبال ْ ِ‬
‫ن َرب ّ َ‬‫‪) :‬إ ِ ّ‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 31‬ص ‪. 42‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة الفجر ‪ ،‬اليات ‪ 6‬ـ ‪. 14‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 508‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 30‬ص ‪. 124‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 30‬ص ‪. 48‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 508‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 30‬ص ‪. 121‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 30‬ص ‪. 48‬‬
‫‪ 249‬ص سّنة الله في الطغاة‪:‬‬
‫وواضصصح مصصن أقصصوال المفسصصرين فصصي اليصصات الصصتي ذكرناهصصا فصصي‬
‫الفقرة السابقة أن سنة الله في الطغاة إنزال العقاب فيهم في‬
‫الدنيا ‪ ،‬فهي سّنة ماضية ل تتخلف جرت علصصى الطغصصاة السصصابقين‬
‫وستجري على الحاضرين والقادمين فلصصن يفلصصت أحصصد منهصصم مصصن‬
‫عقاب الله في الدنيا كما ل يفلت أحد منهم من عقاب الخرة ‪.‬‬

‫‪ 250‬ص من يعتبر بسنة الله في الطغاة؟ ‪:‬‬


‫وسنة الله في الطغاة وما ينزله من عقاب في الصصدنيا إنمصصا يعتصصبر‬
‫ل جلله ويخاف عقابه ويعلم‬ ‫بهذه السنة العامة من يخشى الله ج ّ‬
‫أن سنة اللصصه قصانون ثصابت ل يحصصابي أحصصدا ً قصصال تعصصالى فصي بيصان‬
‫ل بفرعصصون مصصن‬ ‫المعتبرين بسنته في الطغاة ‪ ،‬بعد أن ذكصصر مصصا حص ّ‬
‫ك‬‫فصي ذَِلص َ‬
‫ن ِ‬ ‫لوَلصى إ ِ ّ‬ ‫ة وا ْ ُ‬
‫خصَر ِ َ‬ ‫ل اْل ِ‬ ‫كصا َ‬ ‫ه نَ َ‬ ‫فأ َ َ‬
‫خصذَهُ الّلص ُ‬ ‫سوء العقصاب ‪َ ) ،‬‬
‫خ َ‬ ‫عب َْرةً ل ّ َ‬‫لَ ِ‬
‫‪5‬‬
‫شى( ‪.‬‬ ‫من ي َ ْ‬
‫قال ابن كثير في تفسير هذه اليات ‪) :‬أي انتقصصم اللصصه منصصه ص ص أي‬
‫من فرعون ص انتقاما ً جعله به عبرة ونكال ً لمثصصاله مصصن المتمرديصصن‬
‫لول َصصى( أي‬ ‫ة وا ْ ُ‬ ‫ل اْل ِ‬ ‫في الصصدنيا ‪ .‬والمصصراد بقصوله تعصصالى ‪) :‬ن َك َصصا َ‬
‫خصَر ِ َ‬
‫شصصى( أي لمصصن يتعصصظ‬ ‫خ َ‬‫مصصن ي َ ْ‬ ‫عب َْرةً ل ّ َ‬‫ك لَ ِ‬‫في ذَل ِ َ‬‫ن ِ‬ ‫الدنيا والخرة ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫فصي ذَل ِص َ‬
‫ك‬ ‫ن ِ‬ ‫وينزجر‪ . 6‬وفي تفسير الصصرازي فصي قصوله تعصالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫شى( والمعنى إن فيما اقتصصناه مصصن أمصصر موسصصى‬ ‫خ َ‬‫من ي َ ْ‬‫عب َْرةً ل ّ َ‬‫لَ ِ‬
‫وفرعون وما أحّله الله بفرعون من الخزي والعقاب ‪ ،‬وما أعطصصى‬
‫موسى من العلو والنصر ‪ ،‬عبرة لمن يخشى وذلك أن يدع التمصصرد‬
‫على الله تعالى والتكذيب لنبيائه خوفا ً من أن ينصصزل بصصه مصصا نصصزل‬
‫بفرعصصون ‪ ،‬فصصاعتبروا معاشصصر المكصصذبين لمحمصصد صصصلى اللصصه عليصصه‬
‫وسلم بما ذكرناه ‪ ،‬أي اعلموا أنكم إن شصصاركتموهم فصصي المعنصصى‬
‫الجالب للعقاب شاركتموهم في حلول العقاب بكم‪. 7‬‬

‫‪ 251‬ص الجماعة المسلمة وطغيان السلطة ‪:‬‬


‫قد توجصصد الجماعصصة المسصصلمة ‪ ،‬الصصتي تريصصد الصصصلح ‪ ،‬فصصي مجتمصصع‬
‫ابُتلي بحاكم طاغية موغل في الطغيان إلى درجة أنصصه يصصرى قتصصل‬
‫الصالحين المصلحين صصصوابا ً وصصصلحا ً ولمصصصلحة النصصاس كمصصا كصصان‬
‫فرعون يفعل ويقول ‪ ،‬فقد حكى الله لنصصا عنصصه أنصصه لمصصا أراد قتصصل‬
‫م إ ِّل‬
‫ديك ُ ْ‬ ‫مصصا أ َ ْ‬
‫هص ِ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫م إ ِّل َ‬
‫مصصا أَرى َ‬ ‫ريك ُص ْ‬
‫ُ‬
‫مصصا أ ِ‬
‫موسى قصصال للمل حصصوله ‪َ ) :‬‬
‫شاِد(‪ . 8‬أي ما أشير عليكصصم بصصرأي إل بمصصا أرى مصصن قتصصل‬ ‫ل الّر َ‬
‫سِبي َ‬
‫َ‬
‫موسصصى ‪ ،‬ومصصا أهصصديكم بهصصذا الصصرأي إل سصصبيل الرشصصاد أي سصصبيل‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة النازعات ‪ ،‬اليتان ‪. 26 ، 25‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 468‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 31‬ص ‪. 43‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ سورة غافر ‪ ،‬الية ‪. 29‬‬
‫الصواب والصلح‪ . 9‬فكان فرعون يبطش بالناس ويظلمهم ويصصرى‬
‫فعله حسنا ً لتزيين الشيطان له سوء عمله كما قصال تعصالى عنصه ‪:‬‬
‫ل(‪ . 10‬بصصل قصصد‬ ‫س صِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫عص ِ‬‫ص صد ّ َ‬ ‫و ُ‬‫ه َ‬‫مل ِص ِ‬‫ع َ‬
‫سوءُ َ‬‫ن ُ‬‫و َ‬‫ع ْ‬
‫فْر َ‬ ‫ن لِ ِ‬
‫ك ُزي ّ َ‬‫وك َذَل ِ َ‬
‫) َ‬
‫يكون للحاكم الطاغية حاشية سوء تزين له عمصصل الشصصر وتحرضصصه‬
‫على مطاردة المصلحين الدعاة إلى الله تعالى بحجة القضاء على‬
‫شرورهم وفسادهم كما كانت تفعل حاشية فرعون ‪ ،‬قصصال تعصصالى‬
‫َ‬
‫دوا ْ‬
‫س ُ‬ ‫ه ل ِي ُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫م ُ‬
‫و َ‬
‫ق ْ‬‫و َ‬
‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن أت َذَُر ُ‬‫عو َ‬‫فْر َ‬ ‫وم ِ ِ‬ ‫من َ‬
‫ق ْ‬ ‫مل ُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫و َ‬
‫قا َ‬ ‫عنهم ‪َ ) :‬‬
‫ض‪ . (..‬فماذا يجب على الجماعة المسلمة فعله في مثل‬ ‫‪1‬‬ ‫َ‬
‫في الْر ِ‬ ‫ِ‬
‫هذا المجتمع المبتلى بمثل هذا الحاكم الطاغية؟‬

‫‪ 252‬ص واجب الجماعة المسلمة عند طغيان السلطة ‪:‬‬


‫إذا واجهت الجماعة المسلمة حاكما ً طاغيصصة وقصصد يكصصون بأوصصصاف‬
‫فرعون في البطش والظلم والغرور وحاشية السوء الصصتي تحيصصط‬
‫به ‪ ،‬فإن واجب الجماعة المسلمة نصح هصصذا الحصصاكم الطاغيصصة لن‬
‫الدين النصيحة وتبصصصير المصصة بواجبهصصا نحصصوه ‪ ،‬فكيصصف يكصصون هصصذا‬
‫التبصير وتلك النصيحة ‪.‬‬

‫‪ 253‬ص اول ً ‪ :‬نصح الحاكم ‪:‬‬


‫تتقصصصدم الجماعصصصة المسصصصلمة إلصصصى الحصصصاكم الطاغيصصصة بالنصصصصيحة‬
‫والموعظة الحسنة فتذكره بحقيقصصة ذاتصه وأنصه كصان نطفصصة مصذرة‬
‫وآخره جيفة قذرة ‪ ،‬ومن كانت هذه بصصدايته وتلصصك هصصي نهصصايته فل‬
‫يليق به الطغيان والستكبار فصصي الرض والعتصصداء علصصى النصصاس ‪،‬‬
‫كر بأنه عبد الله تعالى ول يحق للعبصصد أن يتجصصبر ويطغصصى‬ ‫ثم إنه ُيذ ّ‬
‫ل جللصصه ‪ ،‬ول أن يطغصصى‬ ‫على عبيد سيده ‪ ،‬فهو وهصصم عبيصصد لصصه جص ّ‬
‫‪2‬‬
‫ويظلمهم فإن الله تعالى أقصصوى منصصه وأكصصبر ‪ .‬وتصصذكره الجماعصصة‬
‫بأن اللصه تعصالى يمهصصل الظصصالم لحلمصه الواسصع وعسصصى أن يثصوب‬
‫ويرجع ول يهمله فل يعاقبه على ظلمه ‪.‬‬
‫فهذا الكلم ونحصصوه يصصصلح أن يكصصون مصصن النصصصح الصصذي تتقصصدم بصصه‬
‫الجماعة إليه ‪ ،‬وقد يكون سببا ً ليقاظ ما بقي في قلبه من إيمان‬
‫أو خوف من الله تعالى ‪ ..‬ويكون هصصذا النصصصح بكصصل أسصصلوب نصصافع‬
‫وقول لين فقد قصصال تعصصالى لنصصبيه موسصصى وأخيصصه هصصارون عليهصصم‬
‫عل ّص ُ‬
‫ه‬ ‫ول ً ل ّّين صا ً ل ّ َ‬
‫قص ْ‬ ‫قصصوَل ل َص ُ‬
‫ه َ‬ ‫ف ُ‬
‫السلم ‪ ،‬وقد أرسلهما إلى فرعصصون ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫شصصى(‪ . 3‬ويكصصون النصصصح لصصه بمصصواجهته بصصالتعريض‬ ‫خ َ‬
‫و يَ ْ‬‫ي ََتصصذَك ُّر أ ْ‬
‫وبالتصصصريح حسصصبما يقتضصصيه المقصصام وقواعصصد المصصر بصصالمعروف‬
‫‪ 9‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 164‬‬
‫‪ 01‬ـ سورة غافر ‪ ،‬الية ‪. 37‬‬
‫‪ 1‬ـ سورة العراف ‪ ،‬الية ‪. 127‬‬
‫‪ 2‬ـ حدثني أحد معاصري الحكم العثماني قبل الحرب العالمية الولى أن العادة كانت لدى السلطان العثماني أن يأتي إلى جامع سلطان احمد‬
‫لداء فريضة الجمعة ‪ ،‬ويأتي راكبًا فرسه ‪ .‬فإذا وصل باب الجامع تقدم إليه أحد الجنود وكان بانتظاره ‪ ،‬فيقف أمام السلطان ‪ ،‬والسلطان‬
‫ل )سلطاني ل تغتر فال أكبر منك( ثم يترجل السلطان وينزل من فرسه ويدخل الجامع ‪.‬‬ ‫منكس رأسه ‪ ،‬ويقول له بصوت عا ٍ‬
‫‪ 3‬ـ سورة طه ‪ ،‬الية ‪. 44‬‬
‫والنهصي عصن المنكصر ‪ ،‬أو يكصون تقصديم النصصيحة لصه بالكتابصة ‪ ،‬أو‬
‫بإرسال رسول إليه ‪ ،‬أو بتكليف أحد المقربين له ليصال النصيحة‬
‫إليه أو بأي أسلوب آخر نافع وجائز شرعا ً ‪.‬‬

‫‪ 254‬ص ثانيا ً ‪ :‬تبصير المة بواجبها ‪:‬‬


‫تبصر الجماعة المسلمة المة بواجبهصا نحصو الحصاكم الطاغيصة بصأن‬
‫تعلمها بأن اللهحّرم معاونة الظالم ‪ ،‬بل ونهصصى عصصن الركصصون إليصصه‬
‫الذي يشمل أي ميل ومعونة لصصه بصصالقول أو بالفعصصل أو بالمصصدح أو‬
‫باستحسان ما يفعله من تعد على النصصاس ‪ ،‬أو بحضصصور مجلسصصه أو‬
‫إعلن البشر والسرور عند ملقاته لن هذا كّله يدخل في مفهوم‬
‫ول َ ت َْرك َن ُصصوا ْ‬
‫معاونة الظالم أو الركون إليصصه واللصصه تعصصالى يقصصول ‪َ ) :‬‬
‫سك ُ ُ‬
‫م الّناُر(‪. 4‬‬ ‫م ّ‬ ‫موا ْ َ‬
‫فت َ َ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪ 255‬ص من تبصير الجماعة للمة ‪:‬‬


‫ومن تبصير الجماعة المسلمة للمة بواجبها نحو الحصصاكم الطاغيصصة‬
‫أن تبين الجماعة للمة بأن الحاكم ما كان يستطيع أن يطغى لول‬
‫أعصصوانه ‪ ،‬وأعصصوانه أفصصراد مصصن المصصة ‪ ،‬فهصصم أدواتصصه فصصي الظلصصم‬
‫والطغيان ولهذا يعتبرون مجرمين مثله ومشاركين له في جريمصصة‬
‫طغيانه ‪ ،‬ولهذا وصصصف اللصصه فرعصصون وأعصصوانه بوصصصف واحصصد قصصال‬
‫ن(‪ ، 5‬ولمصصا‬ ‫مصصا ك َصصاُنوا َ‬
‫خصصاطِِئي َ‬ ‫ه َ‬‫جُنودَ ُ‬ ‫و ُ‬‫ن َ‬ ‫مصصا َ‬‫ها َ‬‫و َ‬‫ن َ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬‫فْر َ‬ ‫ن ِ‬ ‫تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫أهلك اللصصه تعصصالى فرعصصون أهلكهصصم معصصه قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ه ْ‬‫ع ُ‬
‫فصأت ْب َ َ‬
‫م(‪ . 6‬وفي آية أخصصرى ‪:‬‬ ‫ه ْ‬‫شي َ ُ‬
‫غ ِ‬‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْي َ ّ‬‫م َ‬‫هم ّ‬ ‫شي َ ُ‬‫غ ِ‬ ‫ف َ‬‫ه َ‬ ‫جُنوِد ِ‬ ‫ن بِ ُ‬
‫و ُ‬
‫ع ْ‬‫فْر َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫في ال ْي َ ّ‬ ‫فن َب َذَْنا ُ‬‫جُنودَهُ َ‬ ‫خذَْناهُ َ‬ ‫) َ‬
‫‪7‬‬
‫م( ‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫فأ َ‬

‫‪ 256‬ص ومن تبصير المة وجوب معاملة أعوان الظالم معاملته ‪:‬‬
‫ومن تبصير الجماعة المسلمة بصأن أعصوانه سصيطغون كمصا يطغصى‬
‫سصصيدهم الحصصاكم الطاغيصصة لنهصصم يعينصصونه علصصى حكمصصه الظصصالم‬
‫فيعينهم على بغيهم وظلمهم للنصصاس وقصصد أشصصار القصصرآن الكريصصم‬
‫و‬ ‫سصت َك ْب ََر ُ‬
‫هص َ‬ ‫وا ْ‬
‫إلى طغيان أعصصوان فرعصصون فقصصال تعصصالى عنهصصم ‪َ ) :‬‬
‫ق(‪ ، 1‬وعلى هذا يعامل أعوان الحصصاكم‬ ‫ر ال ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫غي ْ ِ‬
‫ض بِ َ‬
‫في الْر ِ‬‫جُنودُهُ ِ‬
‫و ُ‬
‫َ‬
‫الظالم معاملته من جهصصة تحريصصم الركصصون إليهصصم ولصصزوم وعظهصصم‬
‫ونصحهم ‪.‬‬

‫‪ 257‬ص للمسلم شخصيته السلمية ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ـ سورة هود ‪ ،‬الية ‪. 113‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة القصص ‪ ،‬الية ‪. 8‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة طه ‪ ،‬الية ‪. 78‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة القصص ‪ ،‬الية ‪. 40‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة القصص ‪ ،‬الية ‪. 39‬‬
‫ومن تبصير الجماعة المسصصلمة للمصصة أن يقصصال لهصصا ‪ :‬إن للمسصصلم‬
‫شخصية واحدة هي الشخصية السلمية المحكومة بالسلم حكما ً‬
‫شامل ً لكل مقومات ومعصاني الشخصصية ‪ ،‬فل يصصدر مصن المسصلم‬
‫من قول أو فعل إل وفق معاني السلم وأحكامه ولغرض مرضاة‬
‫مصصاِتي‬‫م َ‬
‫و َ‬ ‫ي َ‬‫حي َصصا َ‬
‫م ْ‬‫و َ‬
‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ون ُ ُ‬‫صل َِتي َ‬‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬‫ق ْ‬‫الله وحده قال تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫سصل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ل ال ُ‬ ‫و ُ‬ ‫وأن َا أ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مْر ُ‬
‫كأ ِ‬ ‫وب ِذَل ِ َ‬‫ه َ‬‫كل ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ن لَ َ‬
‫ش ِ‬ ‫عال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ه َر ّ‬
‫أي إن صلتي وعبادتي وما آتيه في حيصاتي ومصا أمصوت عليصه مصن‬
‫اليمصصان والعمصصل الصصصالح ‪ ،‬فكصصل ذلصصك للصصه رب العصصالمين وحصصده ل‬
‫شريك له ل يشركه غيره فيها وبذلك من الخلص أمرت وأنا أول‬
‫المسلمين ‪ ،‬لن إسلم كل نبي متقدم لسلم أمته‪. 3‬‬
‫وعلصصى هصصذا ل يجصصوز للمسصصلم أن تكصصون لصصه شخصصصيتان ‪ :‬شخصصصية‬
‫إسلمية وهو في المسجد ‪ .‬وشخصصصية المعيصصن أو الخصصادم للحصصاكم‬
‫الطاغية المنفذ لبغيه وظلمه وطغيصصانه ‪ ،‬وهصصذه شخصصصية مناقضصصة‬
‫لمقتضيات الشخصية السلمية ‪ .‬فعلى المسصصلم أن يحصصافظ علصصى‬
‫شخصيته السلمية واضحة وأن تكصون أعمصاله منسصجمة مصع هصذه‬
‫الشخصية ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ـ سورة النعام ‪ ،‬اليتان ‪. 163 ، 162‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 84‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 152‬‬
‫الفصل العاشر‬
‫سّنة الله في بطر النعمة وتغييرها‬
‫]قانون النعم وتغيرها[‬
‫‪ 258‬ص معنى النعمة ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫جاء في لسان العرب ‪ :‬النعمة ‪ :‬الخفض ص خفض العيش ص والدعصصة‬
‫والمال ‪.‬‬
‫وجمع النعمة ‪ :‬نعم وأنعم ‪ .‬والتنعم ‪ :‬الترفه ‪ .‬والنعمة ما أنعم بصصه‬
‫عليك ‪ .‬وفلن واسع النعمة أي واسع المال ‪ .‬ونعمة العيش حسنه‬
‫ونضارته ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وفي مفردات الراغب ‪ :‬النعمة ‪ :‬الحالة الحسنة ولين العيش ‪.‬‬

‫‪ 259‬ص والخلصة في معنى النعمة ‪:‬‬


‫أنها تعني ما يترفه به النسان ويتمتع به ويطيب به عيشصصه ويهنصصأ‬
‫وما يصلح بصصه حصصاله ومصا بصصه يسصصعد ‪ .‬ويصدخل فصصي مفهصصوم النعمصصة‬
‫الشياء المادية كالمال ولين العيش والسكن الحسن ‪ ،‬كما تشمل‬
‫النعمة الشياء المعنوية كالهداية إلصصى السصصلم وكصصالعتق بالنسصصبة‬
‫للعتيق ‪.‬‬

‫‪ 260‬ص بطر النعمة أو كفرانها ‪:‬‬


‫‪6‬‬
‫ويعني بطر النعمة الطغيان عند النعمة وعصصدم القيصصام بشصصكرها ‪.‬‬
‫ويطلق أيضا ً على بطصصر النعمصصة ‪ :‬كفصصران النعمصصة ‪ ،‬فقصصد جصصاء فصصي‬
‫مفردات الراغب ‪ :‬وكفر النعمة أو كفرانها يعني سترها بترك أداء‬
‫شكرها ‪ .‬والكفران في جحود النعمة أكثر استعمال ً ‪ ،‬والكفصصر فصصي‬
‫الدين أكثر استعمال ً ‪ ،‬والكفور يستعمل فيهما جميعا ً‪. 7‬‬

‫‪ 261‬ص سنة الله في بطر النعمة ‪:‬‬


‫أول ً ‪ :‬عقوبة البطرين بالجوع والخوف ‪:‬‬
‫ْ‬
‫هصصا‬
‫ة ي َأِتي َ‬
‫مئ ِن ّص ً‬‫مطْ َ‬‫ة ّ‬ ‫من َص ً‬‫تآ ِ‬ ‫ة ك َصصان َ ْ‬ ‫قْري َص ً‬‫مث َل ً َ‬‫ه َ‬‫ب الل ّص ُ‬‫ضَر َ‬ ‫و َ‬
‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ها الل ُ‬ ‫َ‬
‫ذاق َ‬ ‫ه فأ َ‬‫َ‬ ‫عم ِ الل ِ‬ ‫ت ب ِأن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن فكفَر ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مكا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫من ك ّ‬ ‫غدا ً ّ‬
‫ها َر َ‬ ‫رْز ُ‬
‫ق َ‬ ‫ِ‬

‫ن(‪ . 1‬أي جعصصل اللصصه تعصصالى‬


‫عو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬
‫ص صن َ ُ‬ ‫ما َ‬
‫ف بِ َ‬
‫و ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫خ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫س ال ْ ُ‬
‫جو ِ‬ ‫ل َِبا َ‬
‫القرية التي هذه حالها ص وهي أنها كانت تعيصصش بصصأمن واطمئنصصان‬
‫ول يزعجها قلق ول خوف ويأتيها رزقها رغدا ً أي واسصعا ً مصن كصل‬
‫مكان ص جعل الله تعالى هصصذه القريصصة مثل ً لهصصل مكصصة ولكصصل قصصوم‬
‫أنعصصم اللصصه تعصصالى عليهصصم بنعمصصة المصصن والصصرزق الصصوفير الواسصصع‬

‫‪4‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪ ، 57‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ مفردات الراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 499‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 125‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ مفردات الراغب ‪ ،‬ص ‪. 439‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة النحل ‪ ،‬الية ‪. 112‬‬
‫فأبطرتهم هذه النعمة فلم يقدروها حق قدرها ولم يشصصكروا اللصصه‬
‫عليها ولم يقوموا بحقها فأنزل الله فيهم نعمته ‪ ،‬فليحذر غيرهم‬
‫أن يفعلوا فعل اهل هذه القرية التي ضربها الله مثل ً لئل يصيبهم‬
‫ما أصابهم‪. 2‬‬

‫‪ 262‬ص ثانيا ً ‪ :‬إهلك البطرين وتخريب ديارهم ‪:‬‬


‫ومن سنته تعالى في البطرين تخريب ديارهم وإهلكهم ‪ ،‬ومعنى‬
‫ذلك أن بطر النعمة قصصد يسصصتوجب مثصصل هصصذا الجصصزاء كمصصا أنصصه قصصد‬
‫يستوجب العقاب الجوع والخوف الذي ذكرته في الفقرة السابقة‬
‫‪ ،‬فهصصذا الجصصزاء أو ذاك يمكصصن أن يصصصيب البطريصصن أو يصصصيبهم‬
‫وك َ ْ‬
‫م‬ ‫كلهما ‪ .‬قال تعالى في جزاء البطرين بالتخريب والتدمير ‪َ ) :‬‬
‫مصصن‬ ‫كن ّ‬ ‫سص َ‬ ‫م لَص ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫سصصاك ِن ُ ُ‬
‫م َ‬ ‫فت ِل ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫ها َ‬ ‫عي َ‬
‫شت َ َ‬ ‫م ِ‬‫ت َ‬ ‫ة ب َطَِر ْ‬ ‫من َ‬
‫قْري َ ٍ‬ ‫أَ ْ‬
‫هل َك َْنا ِ‬
‫ن(‪ ، 3‬أي وكصصم أهلكنصصا مصصن قريصصة‬ ‫رِثي َ‬‫وا ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫ح ُ‬‫وك ُّنا ن َ ْ‬
‫قِليل ً َ‬ ‫م إ ِّل َ‬
‫ه ْ‬‫د ِ‬‫ع ِ‬ ‫بَ ْ‬
‫بطصصرت معيشصصتها أي كصصانت حصصالهم كحصصال أهصصل مكصصة فصصي المصصن‬
‫وخفض العيش والدعصصة حصصتى بطصصروا واغصصتروا ولصصم يقومصصوا بحصصق‬
‫النعمصصة ولصصم يشصصكروا اللصصه عليهصصا فصصدمرهم اللصصه تعصصالى وخصصّرب‬
‫ديارهم ‪ ،‬فليعتبر كصل قصوم أن يصصيبهم مثصل مصا أصصاب أولئك إذا‬
‫فعلوا فعلهم في بطر النعمة‪. 4‬‬

‫‪ 263‬ص ثالثا ً ‪ :‬إهلك زروع البطرين وثمارهم ‪:‬‬


‫ومن سنة اللصصه فصصي البطريصصن إهلك زروعهصصم وثمصصارهم ‪ ،‬فليصصس‬
‫عقاب البطرين واحدا ً فقد يكون بالخوف والجوع كما ذكرنا ‪ ،‬وقد‬
‫يكون بتخريب بيوتهم وإهلكهم ‪ ،‬وكمصصا ذكرنصصا أيض صا ً ‪ ،‬وقصصد يكصصون‬
‫بصإهلك زروعهصم وثمصارهم ‪ ،‬وقصصد تجتمصع هصذه الجصصزاءات عليهصم‬
‫فيعاقبوا بالخوف والجوع ثم بإهلك الصصزروع والثمصصار ثصصم بتخريصصب‬
‫بيصوتهم وتصدميرهم ‪ .‬وقصد يحصل بهصم جصزاء واحصد فيتوبصوا ‪ ،‬وللصه‬
‫الحكمة البالغة يفعل ما يشاء ‪ .‬فمن اللجصصزاء بصصإهلك زروع وثمصصار‬
‫ق صدْ ك َصصا َ‬
‫ن‬ ‫البطرين ما ذكره الله تعالى بأهل سبأ ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪) :‬ل َ َ‬
‫ق‬ ‫مصصن ّرْز ِ‬ ‫ل ك ُل ُصصوا ِ‬ ‫ما ٍ‬ ‫شص َ‬
‫و ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مي ص ٍ‬ ‫عصصن ي َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫جن ّت َصصا ِ‬ ‫ة َ‬
‫م آي َ ٌ‬‫ه ْ‬ ‫سك َن ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫في َ‬ ‫سب َإ ٍ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ضوا َ‬ ‫َ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫َ‬
‫بغ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫ُ‬
‫ه ْ‬
‫عل َي ْ ِ‬ ‫سلَنا َ‬ ‫فأْر َ‬ ‫عَر ُ‬‫فأ ْ‬ ‫وَر ّ‬ ‫ة َ‬ ‫ه ب َلدَةٌ طي ّب َ ٌ‬ ‫شكُروا ل ُ‬ ‫م َ‬ ‫َرب ّك ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل‬‫وأث ْص ٍ‬ ‫ط َ‬‫مص ٍ‬ ‫خ ْ‬‫ل َ‬ ‫وات َصصى أك ص ٍ‬ ‫ن ذَ َ‬‫جن ّت َي ْص ِ‬‫م َ‬ ‫هص ْ‬ ‫جن ّت َي ْ ِ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫وب َصدّلَنا ُ‬ ‫رم ِ َ‬ ‫عص ِ‬‫ل ال َ‬ ‫سي ْ َ‬ ‫َ‬
‫جصصازي إ ِلّ‬ ‫هص ْ‬ ‫َ‬
‫مصصا ك َ‬ ‫َ‬
‫ل ذَل ِك َ‬ ‫ر َ‬ ‫و َ‬
‫ل نُ َ ِ‬ ‫و َ‬‫ف صُروا َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫جَزي ْن َصصا ُ‬ ‫قِلي ٍ‬ ‫سدْ ٍ‬‫من ِ‬ ‫ء ّ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫‪5‬‬
‫فوَر( ‪.‬‬ ‫ال ْك ُ‬
‫َ‬
‫وهذه اليات الكريمة نزلت في أهل سبأ وقصصد كصصان مصصن أخبصصارهم‬
‫التي تشير إليها هذه اليصصات أنهصصم كصصانوا فصصي نعمصصة وغبطصصة فصصي‬
‫بلدهم وفي عيشهم واتساع أرزاقهصصم وزروعهصصم وثمصصارهم وقصصد‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 638‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 14‬ص ‪ ، 242‬تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 589‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة القصص ‪ ،‬الية ‪. 58‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 423‬ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 395‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪ ، 301‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 20‬ص ‪. 98‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة سبأ ‪ ،‬اليات ‪ 15‬ـ ‪. 17‬‬
‫بعصصث اللصصه إليهصصم الرسصصل تصصأمرهم أن يصصأكلوا مصصن رزقصصه تعصصالى‬
‫ويشكروه على نعمه بتوحيده وعبادته ‪ ،‬فكانوا كذلك ما شصصاء اللصصه‬
‫تعالى ‪ ،‬ثم أعرضصصوا عمصصا ُأمصصروا بصصه أي أعرضصصوا عصصن توحيصصد اللصصه‬
‫وعبادته وحده وشكره على ما أنعم به عليهم وعصصدلوا إلصصى عبصصادة‬
‫غير الله تعالى فأرسل عليهم السيل العرم وهصصو المطصصر الشصصديد‬
‫وعن ابن عباس وغيره هو اسم الوادي الذي كان يأتي السيل فيه‬
‫‪ ،‬وبني السدّ فيه فأغرق أرضصصهم وزروعهصصم زبسصصاتينهم المثمصصرة‬
‫وعوضهم الله عنها ببساتين ثمرهصصا م صّر وبأثصصل وهصصو شصصجر يشصصبه‬
‫ل بهم من‬ ‫الطرفاء وشيء من سدر قليل ‪ .‬ثم بّين تعالى أن ما ح ّ‬
‫العقاب إنما هو جزاء كفرانهم النعمة التي أنعم الله بها عليهصصم ‪،‬‬
‫وهل يعاقب إل الكفور بنعم الله تعالى‪ . 6‬فمصصن سصصنة اللصصه تعصصالى‬
‫في البطرين الذين ل يؤدون شكر الله على نعمصصه إنصصزال العقصصاب‬
‫الصذي يسصتحقونه ومنصه العقصاب المصذكور فصي هصذه اليصات الصتي‬
‫عاقب بها أهل سبأ ‪.‬‬

‫‪ 264‬ص سنة الله في تغيير النعم ‪:‬‬


‫أ ص آية من القرآن في هذه السنة ‪:‬‬
‫مصصا‬ ‫ْ‬
‫غّيصصُروا َ‬
‫حّتصصى ي ُ َ‬
‫وم ٍ َ‬ ‫مصصا ب ِ َ‬
‫قصص ْ‬ ‫غّيصصُر َ‬ ‫ن الّلصص َ‬
‫ه ل َ يُ َ‬ ‫قصصال تعصصالى ‪ ..) :‬إ ِ ّ‬
‫م(‪ ، 7‬أي إن اللصصه تعصصالى ل يغيصصر مصصا بقصصوم مصصن النعمصصة‬ ‫ه ْ‬‫سصص ِ‬ ‫ب ِأ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬
‫والعافيصصة بصصأن يسصصلبها منهصصم حصصتى يغيصصروا مصصا بأنفسصصهم أي مصصا‬
‫اتصفت به أنفسهم من الحوال الحميدة ‪ ،‬فإذا حصل هذا التغييصصر‬
‫منهم فقدوا ما عندهم من نعمة‪. 8‬‬
‫وقال المام الرازي في هذه الية ‪ :‬إن كلم جمع المفسرين يدل‬
‫على أن المراد ‪ :‬أن الله تعالى ل يغير ما هم فيه من‬

‫النعصصم بصصإنزال النتقصصام منهصصم إل بصصأن يكصصون منهصصم المعاصصصي‬


‫والفساد‪. 1‬‬

‫‪ 265‬ص آية أخرى من القرآن في هذه السنة ‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪) :‬ذَل ِ َ َ‬
‫وم ٍ‬ ‫َ‬
‫علصصى قصص ْ‬‫ها َ‬
‫م َ‬
‫ع َ‬
‫ة أن ْ َ‬
‫م ً‬ ‫غّيرا ً ن ّ ْ‬
‫ع َ‬ ‫م َ‬‫ك ُ‬‫م يَ ُ‬ ‫ه لَ ْ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ك ب ِأ ّ‬
‫فسهم َ‬ ‫َ‬
‫م(‪ 2‬أي لم يكن شصصأنه‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫مي ٌ‬‫س ِ‬‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫غي ُّروا ْ َ‬
‫ما ب ِأن ُ ِ ِ ْ َ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬
‫َ‬
‫تعالى ول مقتضى سننه العامة في خلقه أن يغير نعمة ما أنعمهصصا‬
‫علصصى قصصوم حصصتى يغيصصروا هصصم مصصا بأنفسصصهم مصصن الحصصوال الصصتي‬
‫استحقوا بها تلك النعمة‪ . 3‬فنعم الله تعالى على القصصوام والمصصم‬
‫منوطة ابتصصداء ودوام صا ً بصصاخلق وصصصفات وعقصصائد وعصصوائد واعمصصال‬
‫‪6‬‬
‫ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 530‬زمخشري ج ‪ ، 3‬ص ‪ 573‬ـ ‪ ، 574‬آلوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 22‬ص ‪. 126‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة الرعد ‪ ،‬الية ‪. 11‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 517‬آلوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 16‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 19‬ص ‪. 22‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 53‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 36‬‬
‫تقتضيها ‪ ،‬فما دامت هذه الشياء لصقة بأنفسصصهم متمكنصصة فيهصصا‬
‫كانت تلك النعم ثابتة بثباتها حسب سصصنة اللصصه تعصصالى العامصصة فصصي‬
‫خلقه ‪ ،‬فإذا هم غيروا ما بأنفسهم من تلك العقائد والخلق ومصصا‬
‫ذ مصصا بأنفسصصهم‬‫يترتب عليها من محاسن العمصصال غي ّصصر اللصصه عنصصدئ ٍ‬
‫وسلب نعمتصصه منهصصم فصصصار الغنصصي فقيصصرا ً والعزيصصز ذليل ً والقصصوي‬
‫ضعيفا ً ‪ .‬هذا هو الصل المطرد فصصي القصصوام والمصصم وهصصو كصصذلك‬
‫في الفراد‪. 4‬‬

‫‪ 266‬ص الجماعة المسلمة وسنة الله في تغييرالنعم ‪:‬‬


‫وسنة الله في تغيير النعم تجصصري علصصى الجماعصصة المسصصلمة ‪ ،‬فمصصا‬
‫دامت مستمسكة بشرع الله في عملها وبالعتصام بحبل الله في‬
‫وحدتها فإن نعم الله عليها بالتأييد والنصر ودفع الذى عنها باقية‬
‫فإذا غيرت ذلك فلم تتقيد بشصصرع اللصصه فصصي عملهصصا وفرطصصت فصصي‬
‫وحدتها فإنها تسلب من نعم الله بالتأييد لها بقدر ما ضصصيعته مصصن‬
‫موجبات هذه النعم ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 37‬‬
‫الفصل الحادي عشر‬
‫سّنة الله في الذنوب والسيئات‬
‫]قانون الذنوب والسيئات[‬
‫‪ 267‬ص تعريف الذنب والسيئة ‪:‬‬
‫ً‬
‫الصصذنب يسصصتعمل فصصي كصصل فعصصل يسصصتوخم عقبصصاه ‪ ،‬اعتبصصارا بصصذنب‬
‫الشصصيء ‪ .‬وجمصصع الصصذنب ذنصصوب ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪) :‬فأخصصذهم اللصصه‬
‫بذنوبهم(‪ ، 5‬والسيئة ‪ :‬الفعلة القبيحة ‪ ،‬وهي ضصصد الحسصصنة ‪ ،‬قصصال‬
‫تعالى ‪) :‬بلى من كسب سيئة( ‪ .‬والسوء كل ما يغم النسصصان مصصن‬
‫المصصور الدنيويصصة والخرويصصة ومصصن الحصصوال النفسصصية والبدنيصصة ‪.‬‬
‫والسوء الفعل القبيح قال تعالى ‪) :‬من يعمصصل سصصوءا ً يجصصز بصصه( ‪.‬‬
‫والحسنة والسيئة ضربان )أحدهما( بحسب اعتبار العقل والشصصرع‬
‫من نحو المذكور في قوله تعالى ‪) :‬من جصصاء بالحسصصنة فلصصه عشصصر‬
‫أمثالها ‪ ،‬ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها( ‪) .‬والثاني( حسصصنة‬
‫وسيئة بحسب اعتبار الطبع وذلك ما يستخفه الطبع وما يستثقله‬
‫‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪)) :‬ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة(‪. 6‬‬

‫‪ 268‬ص المعصية وعلقتها بالذنب والسيئة ‪:‬‬


‫والمعصية تستعمل فيما يستعمل فيه الذنب أو السيئة لنها تعني‬
‫الخروج عصن الطاعصصة والمصصر‪ ، 7‬أي الخصروج عصن طاعصة مصن تجصصب‬
‫طاعته والذي تجب طاعته هو الله تعالى بطاعة شرعه الذي نزلصصه‬
‫على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لتبليغه للناس ‪.‬‬
‫فالمعصية والذنب والسيئة يجمعها جامع الخروج عصصن طاعصصة اللصصه‬
‫فيوصصصف هصصذا الخصصروج بالقبصصح وسصصوء العاقبصصة وبالصصذنب والسصصيئة‬
‫والمعصية ‪.‬‬

‫‪ 269‬ص من يعمل سوءأ ً ُيجَز به ‪:‬‬


‫عمصصل السصصيئات يسصصتوجب ترتصصب الجصصزاء عليهصصا بغصصض النظصصر عصصن‬
‫فاعلها ‪ ،‬فسنة الله تعالى في عمصصل السصصيئات ومصصا يصصترتب عليهصصا‬
‫سّنة عامة قاطعة تسري على جميع الخلق ول تتخلف عن فصصرد أو‬
‫أمة أو جماعة فل محاباة لحد من الخلق فصصي جريصصان هصصذه السصصنة‬
‫العامة ‪ ،‬فالله تعالى هو رب العصصالمين ‪ ،‬والكصصل أمصصام هصصذه السصصنة‬
‫العامة سواء ‪ ،‬فكل من يعمل سوءا ً يلق جزاءه بحسصصب سصصنة اللصصه‬
‫تعالى ‪ ،‬فل تتوقف هذه السنة الربانيصصة عصصن بعصصض وتسصصري علصصى‬
‫البعض الخر ‪ ،‬ومن يعتقد ذلك فهو واهم ومخطىء ‪ ،‬قصصال تعصصالى‬
‫في بيان هذه السنة العامة ‪) :‬مصصن يعمصصل سصصوءا ً ُيج صَز بصصه(‪ . 1‬قصصال‬

‫‪5‬‬
‫ـ مفردات الراغب ‪ ،‬ص ‪. 181‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ مفردات الراغب ‪ ،‬ص ‪. 253‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ مفردات الراغب ‪ ،‬ص ‪ ، 337‬المعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 612‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة النساء ‪ ،‬من الية ‪. 123‬‬
‫المام القرطبي في تفسيرها ‪) :‬وقال الجمهور لفظ الية عصصام ‪،‬‬
‫والكافر والمؤمن مجزي بعمله السوء ‪. 2 ( ..‬‬

‫‪ 270‬ص وجزاء سيئة سيئة مثلها ‪:‬‬


‫ج صَزى إ ِلّ‬ ‫َ‬
‫فل ي ُ ْ‬‫ة َ‬
‫سي ّئ َ ً‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ع ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫إن الجزاء بقدر السيئة قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ها(‪ 3‬لن الزيادة على مقدار السيئة أي على مقدار ما تستحقه‬ ‫مث ْل َ َ‬
‫ِ‬
‫من الجزاء ‪ ،‬هذه الزيادة قبيحة لنها ظلصم والظلصم ل يجصوز حصتى‬
‫مع الظالمين ‪ .‬وأما الزيادة على ما تستحقه الحسنة فهذه الزيادة‬
‫محمودة لنها فضل‪. 4‬‬

‫‪ 271‬ص إقرار المنكر ذنب يستوجب عقابا ً عاما ً ‪:‬‬


‫ة‬
‫صص ً‬‫خآ ّ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُص ْ‬ ‫مصصوا ْ ِ‬
‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ن ال ّ ص ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ة ل ّ تُ ِ‬
‫صصصيب َ ّ‬ ‫قوا ْ ِ‬
‫فت ْن َص ً‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫قصصوا ْ ِ‬ ‫ديدُ ال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫وات ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫موا ْ أ ّ‬
‫عل َ ُ‬
‫‪5‬‬
‫ة(‬‫فت ْن َص ً‬ ‫ب( ‪ .‬وقصصوله تعصصالى ‪َ ) :‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫وا ْ‬
‫َ‬
‫سصصر هصصذا الصصذنب بصصإقرار المنكصصر فصصي المجتمصصع ‪،‬‬ ‫ً‬
‫أي ذنبصصا ‪ .‬وف ّ‬
‫والمداهنة في المر بالمعروف والنهي عن المنكر وظهصصور البصصدع‬
‫والتكاسل في الجهاد‪ . 6‬والراجصصح فصصي المقصصصود ب)الفتنصصة( فصصي‬
‫هذه الية إقرار المنكر في المجتمع وعدم إنكاره ‪ ،‬فقصد جصاء عصن‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما أنصصه قصصال فصصي هصصذه اليصصة ‪ :‬أمصصر اللصصه‬
‫المؤمنين أن ل يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب‪. 7‬‬

‫‪ 272‬ص تعليل هذا العقاب العام ‪:‬‬


‫وقد يقال إن الصل المقطوع به في الشريعة السلمية هو قصر‬
‫العقوبة على من قام فيه سببها قال تعالى ‪) :‬ول تزر وازرة وزر‬
‫أخرى( فكل نفس بمصا كسصبت رهينصة ‪ ،‬وأنصه ل يؤاخصذ أحصد بصذنب‬
‫أحد ‪ ،‬وإنما تتعلق كل عقوبة بمن ارتكب موجب هذه العقوبة فمصصا‬
‫وجه شمول الجميع بالعقاب وعدم قصره على فاعل المنكر؟‬
‫والجواب ‪ :‬أنه كما يجب على مرتكصصب المنكصصر القلع عنصصه ‪ ،‬يجصصب‬
‫على الباقين إنكاره ورفعه ‪ ،‬فإذا لم يفعلوا كانوا آثميصصن جميعصصا ً ‪:‬‬
‫هو بفعله المنكر ‪ ،‬وهم بسكوتهم عنصصه ورضصصاهم بصصه ‪ ،‬وقصصد جعصصل‬
‫الله بحكمه وحكمته الراضي بصصالمنكر كفصصاعله ‪ ،‬فيصصصيبهم العصصذاب‬
‫جميعا ً لثمهم جميعا ً‪. 8‬‬

‫‪ 273‬ص اعتراض ودفعه ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 396‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة غافر ‪ ،‬الية ‪. 40‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 168‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 25‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 211‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 192‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 299‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 391‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ تفسير ابن العربي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 836‬‬
‫ولكن قد يقال إن الباقين قصصد ينكصصرون المنكصصر بألسصصنتهم ويبقصصى‬
‫المنكر ول يستطيعون تغييره بأيديهم ‪ ،‬وقد ل يستطيعون إنكصصاره‬
‫حتى بألسصصنتهم فينكرونصصه بقلصصوبهم لن هصصذا مصصا يقصصدرون عليصصه ‪،‬‬
‫وفي الحديث النبوي الشريف ‪ :‬من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده‬
‫‪ ،‬فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذلصصك أضصصعف‬
‫اليمصصان ‪ ،‬فمصصا وجصصه شصصمول الجميصصع بالعقصصاب فصصي هصصذه الحالصصة؟‬
‫والجواب أن على العاجزين عن تغيير المنكر الخروج من هذا البلد‬
‫الذي تعمل فيه المنكرات ول يستطاع تغييرها ‪ ،‬جصصاء فصصي تفسصصير‬
‫القرطبي ‪) :‬وإذا لم تغير ص اي المنكراتص وجب على المنكريصصن لهصصا‬
‫بقلوبهم هجران تلك البلصصدة والهصصرب منهصصا ‪ ،‬وبهصصذا قصصال السصصلف‬
‫رضي الله عنهصصم ‪ .‬وروى ابصصن وهصصب عصصن مالصصك أنصصه قصصال ‪ُ :‬تهجصصر‬
‫الرض التي يصنع فيها المنكر جهارا ً ول يستقر فيها( ‪. 9‬‬
‫‪ 274‬ص سؤال وجوابه ‪:‬‬
‫ولكن إذا لم يستطع الهجرة من بلد المنكر من ل يستطيع تغييصصره‬
‫باليد ول باللسان وإنما بقلبه فقصصط ‪ ،‬فهصصل يصصصيبه العصصذاب العصصام‬
‫أيضا ً وينزل منزلة فاعل المنكر أو الراضي به؟‬

‫والجواب ‪ :‬نعم يشمله العقاب العام ويكون طهصصرة لصصه ثصصم يحشصصر‬
‫على نيته ‪ ،‬فقد جاء فصصي الحصصديث النبصصوي الشصصريف الصصذي أخرجصصه‬
‫مسلم في صحيحه عن زينب بنت جحش قصصالت ‪ :‬قلصصت يصصا رسصصول‬
‫الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال ‪) :‬نعم ‪ .‬إذا كصصثر الخبصصث( ‪ .‬قصصال‬
‫المام النووي في شرحه لهذا الحديث ‪ :‬الخبث ‪ ،‬فسصّره الجمهصصور‬
‫بالفسصصوق والفجصصور ‪ .‬وقيصصل المصصراد الزنصصا خاصصصة ‪ .‬والظصصاهر أنصصه‬
‫المعاصي مطلقا ً ‪ ،‬ومعنى الحديث ‪ :‬إن الخبث إذا كثر فقد يحصل‬
‫الهلك العام ‪ ،‬وإن كان هناك صالحون‪. 1‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضصي اللصصه عنهمصصا قصال ‪ :‬قصصال‬
‫رسول الله صلى الله عليصصه وسصصلم ‪) :‬إذا أنصصزل اللصصه بقصصوم عصصذابا ً‬
‫أصاب العذاب من كان فيهم ثم ُبعثوا علصصى أعمصصالهم( ‪ ،‬قصصال ابصصن‬
‫حجر العسقلني في شصصرحه لهصصذا الحصصديث ‪ :‬إذا أنصصزل اللصصه بقصصوم‬
‫عذابا ً أي عقوبة لهم على سيء أعمالهم )أصاب العذاب مصصن كصصان‬
‫فيهم( والمراد من كان فيهم ممن ليس هو على رأيهم )ثم بعثوا‬
‫على أعمالهم( أي بعث كل واحد منهم على حسب عملصصه إن كصصان‬
‫صالحا ً فعقباه صالحة وإل فسصصيئة فيكصصون ذلصصك طهصصرة للصصصالحين‬
‫ونقمة على الفاسقين‪. 2‬‬

‫‪ 275‬ص الكفرة لكفرهم يخافون المؤمنين ‪:‬‬


‫‪9‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 392‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،‬ج ‪ ، 18‬ص ‪ 3‬ـ ‪. 4‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 60‬‬
‫الكفر أو الشرك أعظم المعاصي ومن سنة الله فيه وفي أصحابه‬
‫إلقاء الرعب في قلوبهم كلمصصا لقصصوا المصصؤمنين وقصصاتلوهم ‪ ،‬قصصال‬
‫كوا ْ ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫شَر ُ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫ب بِ َ‬
‫ع َ‬ ‫فُروا ْ الّر ْ‬‫ن كَ َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قُلو ِ‬ ‫في ُ‬ ‫قي ِ‬ ‫سن ُل ْ ِ‬
‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مث ْ َ‬ ‫وب ِئ ْ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي ُن َّز ْ‬
‫‪3‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫وى الظال ِ ِ‬ ‫س َ‬ ‫م الّناُر َ‬‫ه ُ‬ ‫وا ُ‬‫مأ َ‬ ‫و َ‬
‫سلطانا َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل بِ ِ‬ ‫َ‬
‫اختلف المفسرون في هذا الوعد هل هو مختصصص بمعركصصة أحصصد أو‬
‫هو عام في جميع الوقات؟ قال كثير من المفسرين ‪ :‬إنه مختص‬
‫بمعركة أحد وذلك لن جميع اليات المتقدمة إنما وردت في هصصذه‬
‫الواقعة ‪) .‬والقول الثاني( أن هذا الوعد غير مختص بمعركة أحد ‪،‬‬
‫بل هو عام فإن وعد الله هذا يتحقق كلما لقي المصصؤمنين الكفصصار‬
‫فسيلقي الله الرعب في قلوبهم حتى يغلبهم المصصؤمنين ويظهصصر‬
‫السلم على سائر الديان‪. 4‬‬
‫والقول الثاني يبين سنة عامصة للصه تعصالى ‪ ،‬فوعصده تعصالى قصائم‬
‫بإلقاء الرعب في قلوب الكفصصرة كلمصصا التقصصوا مصصع أهصصل اليمصصان ‪.‬‬
‫ولكن يجب أن توجد حقيقصصة اليمصصان فصصي قلصصوب المصصؤمنين حصصتى‬
‫يتحقق لهم هذا الوعد من اللصه تعصالى بإلقصاء الرعصصب فصي قلصوب‬
‫الكفار عند اللقاء بهم‪ . 5‬فالذين خوطبوا بهذه الية ووعدهم اللصصه‬
‫بهذا الوعد هم المؤمنصصون أصصصحاب رسصصول اللصصه صصصلى اللصصه عليصصه‬
‫وسلم الذين ذكر الله لنا أوصافهم في القرآن الكريصم مصن صصدق‬
‫اليمان ومحبة الله ورسوله وإيثار هصصذه المحبصصة علصصى مصصا سصصواه ‪،‬‬
‫وبذلهم المصصال والنفصصس فصصي سصصبيل اللصصه وهجصصر الصصوطن والهصصل‬
‫والمال نصرة لدين الله وانقيادهم الكامل الشامل لشرع الله إلى‬
‫غير ذلك من الصفات‪ ، 6‬فسنة الله في إلقصصاء الرعصصب فصصي قلصصوب‬
‫الكفار من المؤمنين في القتال وفي كل لقاء إنما هو للمصصؤمنين‬
‫حقيقة الذين قامت فيهم معاني اليمان وأوصافه وظهرت آثصصاره‬
‫في أقوالهم وأعمالهم ‪.‬‬

‫‪ 276‬ص الذنوب تهلك أصحابها ‪:‬‬


‫فصصي‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ّ‬
‫مكّنا ُ‬ ‫ن ّ‬ ‫َ‬
‫من قْر ٍ‬ ‫هم ّ‬ ‫َ‬
‫من قب ْل ِ ِ‬ ‫هل َكَنا ِ‬
‫ْ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫وا ْ ك َ ْ‬‫م ي ََر ْ‬
‫َ‬
‫قال تعالى ‪) :‬أل َ ْ‬
‫عل ْن َصصا‬ ‫كن ل ّك ُصم َ‬ ‫ال َْر‬
‫ج َ‬
‫و َ‬ ‫مصدَْرارا ً َ‬ ‫هصصم ّ‬ ‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬
‫ماء َ‬ ‫سص َ‬ ‫سصل َْنا ال ّ‬‫وأْر َ‬ ‫ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م نُ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫هم بذُُنوبهم وأ َن ْ َ ْ‬ ‫هل َك َْنا ُ‬‫فأ َ ْ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫د ِ‬ ‫عص ِ‬‫مصصن ب َ ْ‬ ‫ش صأَنا ِ‬ ‫ِ ِ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫حت ِ ِ‬
‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫هاَر ت َ ْ‬ ‫الن ْ َ‬
‫ن(‪. 7‬‬‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫قْرنا ً آ َ‬ ‫َ‬
‫وواضح من هذه اليصصات أن الهصصالكين إنمصصا أهلكهصصم اللصصه بصصذنوبهم‬
‫الصتي اقترفوهصا ‪ .‬وفصي هصذا الخبصار تقريصر حقيقصة ثابتصة وسصنة‬
‫مطردة ‪ :‬أن الذنوب تهلك أصحابها وأن الله تعالى هو الذي يهلصصك‬
‫المذنبين بذنوبهم ‪ ،‬وأن هذه سنة ماضية ولصصو لصصم يرهصصا أحصصد فصصي‬

‫‪3‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 151‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ 31‬ـ ‪. 32‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ في ظلل القرآن ‪ ،‬م ‪ ، 2‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 101‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ 179‬ـ ‪. 180‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة النعام ‪ ،‬الية ‪. 6‬‬
‫عمره القصير ‪ ،‬ولكنها سنة ثابتصصة تخضصصع لهصصا المصصم حيصصن تفشصصو‬
‫فيها الذنوب ‪ ،‬فإنها تهلك إما بقارعصصة مصصن اللصصه تعصصالى كمصصا كصصان‬
‫يحدث في هلك المم السابقة ‪ ،‬وإما بالنحلل البطيء الطصصبيعي‬
‫الذي يسري فصصي كيصصان المصصة وهصصي توغصصل فصصي متاهصصات الصصذنوب‬
‫وتحسب أنها في أمان من الهلك‪. 8‬‬

‫‪ 277‬ص المة تهلك بذنوبها وإن كانت قوية ‪:‬‬


‫فَينظُُروا ك َي ْ َ‬ ‫في اْل َْر‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫قَبصص ُ‬
‫عا ِ‬ ‫ن َ‬
‫كصصا َ‬‫ف َ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫سيُروا ِ‬‫م يَ ِ‬ ‫ول َ ْ‬
‫قال تعالى ‪) :‬أ َ‬
‫ض‬ ‫ْ َ‬
‫فصصي الْر ِ‬ ‫وآَثارا ً ِ‬ ‫وة ً َ‬ ‫م ُ‬
‫ق ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫شد ّ ِ‬‫م أَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م َ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬‫من َ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ق( أي أولصصم‬ ‫‪1‬‬
‫وا ٍ‬‫مصصن َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ ص ِ‬ ‫م َ‬ ‫هم ّ‬ ‫ن لَ ُ‬‫كا َ‬‫ما َ‬
‫و َ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ب ِذُُنوب ِ ِ‬‫م الل ّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫فأ َ َ‬
‫خذ َ ُ‬ ‫َ‬
‫يسر في الرض هؤلء المكذبون برسالتك يا محمد فينظروا كيصصف‬
‫ل بهصصم مصصن‬ ‫كان عاقبة من قبلهم من المم المكذبة بالنبياء ما ح ّ‬
‫العذاب مع أنهم كانوا أشد من هؤلء قوة وآثارا ً فصصي الرض فقصصد‬
‫شيدوا من البنايات والمعالم والديارات مال يقدر هؤلء عليه ومع‬
‫هذه القوة العظيمة والبأس الشديد أخصصذهم اللصصه بصصذنوبهم وهصصي‬
‫كفرهم برسلهم وما كان لهم من الله من واق أي وما دفع عنهم‬
‫عذاب الله أحد‪. 2‬‬

‫‪ 278‬ص الذنوب تضعف مقاومة المؤمن للشيطان ‪:‬‬


‫مصا‬‫ن إ ِن ّ َ‬
‫عصصا ِ‬‫م َ‬‫ج ْ‬ ‫ْ‬
‫قصى ال َ‬ ‫م ال ْت َ َ‬‫و َ‬
‫م ي َص ْ‬ ‫وا ْ ِ‬
‫منك ُص ْ‬ ‫ول ّص ْ‬
‫ن تَ َ‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّص ِ‬ ‫قصال تعصالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ن اللصص َ‬ ‫م إِ ّ‬‫هصص ْ‬‫عن ْ ُ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫فا الل ُ‬ ‫ع َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫ول َ‬ ‫ْ‬
‫سُبوا َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ض َ‬ ‫شي ْ َ‬‫م ال ّ‬ ‫ست ََزل ّ ُ‬
‫ع ِ‬ ‫ن ب ِب َ ْ‬
‫طا ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ا ْ‬
‫م( أي إن الذين تولوا عن القتال فصي معركصة أحصصد لصم‬ ‫‪3‬‬
‫حِلي ٌ‬‫فوٌر َ‬ ‫غ ُ‬‫َ‬
‫يكن ذلك منهم إل ناشئا ً عن بعض ما كسبوا من السيئات من قبل‬
‫‪ ،‬فهذه السيئات هي التي أحدثت الضعف فصصي نفوسصصهم وفتحصصت‬
‫ثغرة فيها تسلل منها الشيطان فقصصدر علصصى اسصصتزللهم بصصالتولي‬
‫عن القتال ‪ ،‬كما قال بعض السلف إن من ثواب الحسصصنة الحسصصنة‬
‫بعدها ‪ ،‬وإن من جزاء السيئة السصصيئة بعصصدها‪ . 4‬فالصصذنوب بالنسصصبة‬
‫لمرتكبها كالمراض بالنسصصبة للمصصصاب ‪ ،‬تضصصعف مقصصاومته وتفتصصح‬
‫ثغرة فصصي بصصدنه تتسصصلل منهصصا الجراثيصصم والمصصراض أو تقصصوي فيصصه‬
‫الموجودة منها في البدن أصل ً ‪.‬‬

‫‪ 279‬ص الذنوب سبب المصائب ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫ـ في ظلل القرآن ‪ ،‬م ‪ ، 3‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ 129‬ـ ‪. 130‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة غافر ‪ ،‬الية ‪. 21‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 76‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 155‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ ، 51‬تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 418‬تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 192‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فصصو‬ ‫ع ُ‬‫وي َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ص ِ‬ ‫س صب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫فب ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫صيب َ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫من ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫و َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ر(‪ ، 5‬أي وما أصابكم أيهصصا النصصاس أي مصصصيبة مصصن مصصصائب‬ ‫عن ك َِثي ٍ‬ ‫َ‬
‫الصصدنيا كصصالمرض وسصائر النكبصصات والحصصوال المكروهصصة نحصصو اللم‬
‫َ‬
‫م( أي‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْص ِ‬ ‫سصب َ ْ‬ ‫مصصا ك َ َ‬ ‫فب ِ َ‬ ‫والسقام والقحط والغصصرق وأشصصباهها ) َ‬
‫ر( أي ويعفصصو‬ ‫عصصن كِثي ص ٍ‬‫َ‬ ‫فصصو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫وي َ ْ‬‫بسبب معاصيكم التي اكتسبتموها ) َ‬
‫عن كثير من الذنوب فل يعاقبكم عليها عاجل ً ‪ ،‬قيل وآجل ‪.‬‬
‫ً ‪6‬‬

‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ :‬ومن المعلصصوم بمصصا أرانصصا اللصصه مصصن‬
‫آيصصاته فصصي الفصصاق وفصصي أنفسصصنا وبمصصا شصصهد بصصه فصصي كتصصابه أن‬
‫ة‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫َ‬
‫صصصيب َ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫مصصن ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫و َ‬ ‫المعاصي سبب المصائب ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّص ِ‬ ‫ر( وقصصال تعصصالى ‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫عصصن ك َِثي ص ٍ‬ ‫فصصو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫فب ِ َ‬ ‫َ‬
‫مصصا‬ ‫ض َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ست ََزل ّ ُ‬ ‫قى ال ْ َ‬ ‫م ال ْت َ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫وا ْ ِ‬ ‫ول ّ ْ‬
‫ع ِ‬ ‫ن ب ِب َ ْ‬ ‫طا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ُ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬‫عا ِ‬ ‫م َ‬‫ج ْ‬ ‫و َ‬‫م يَ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫ة‬
‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫صاب َت ْكم ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫َ‬
‫ول ّ‬ ‫م( وقال تعالى ‪) :‬أ َ‬ ‫ه ْ‬‫عن ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫عفا الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ولقدْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سُبوا َ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سك ُ ْ‬ ‫د أن ْ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫هص َ‬ ‫قل ْت ُ ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫مث ْل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪7‬‬
‫م( ‪.‬‬ ‫ف ِ‬ ‫عن ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ُ‬ ‫م أّنى َ‬ ‫صب ُْتم ّ‬ ‫قدْ أ َ‬

‫‪ 280‬ص مصائب ل يكون سببها المعاصي ‪:‬‬


‫والمصائب التي تصيب النسان وإن كان الغالب فيهصصا أنهصصا نتيجصصة‬
‫المعاصي والذنوب وهذه هصصي سصصببها ‪ ،‬إل أن هنصصاك مصصن تصصصيبهم‬
‫المصائب دون معصية منهم ‪ ،‬قال الزمخشري )فأمصصا مصصن ل جصصرم‬
‫له كالنبياء والطفال والمجانين فهؤلء إذا أصابهم شيء من ألم‬
‫أو غيره فللعوض الموفي والمصلحة( ‪. 8‬‬
‫وفي تفسير القرطبي ‪) :‬وقال عكرمة ‪ :‬ما من نكبة أصابت عبصصدا ً‬
‫فما فوقها إل بذنب لم يكن الله ليغفره له إل بها أو لينصصال درجصصة‬
‫لم يكن يوصله إل بها( ‪ . 9‬ومن هذا النصصوع مصصن المصصصائب أي الصصتي‬
‫يراد منها رفع درجته ل عقوبته ‪ ،‬ما يصاب به النبياء‪. 10‬‬

‫‪ 281‬ص الموقف الصحيح من المصائب في حق الفرد والجماعة ‪:‬‬


‫الموقف الصحيح من المصائب في حق الفرد والجماعة المسصصلمة‬
‫يقصصوم علصصى أربعصصة أو يسصصتلزمها وهصصي ‪) :‬أو ً‬
‫ل( العلصصم بأسصصبابها ‪.‬‬
‫)ثانيًا( لوم النفس ل الغير ‪) .‬ثالثًا( تحصين النفس ضصصد المصصصائب‬
‫)رابعًا( الصبر مع مدافعة المصائب ‪ .‬ونتكلم فيما يلي بإيجصصاز عصصن‬
‫هذه العناصر ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ سورة الشورى ‪ ،‬الية ‪. 30‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 116‬تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 27‬ص ‪، 172‬تفسير اللوسي ج ‪ ، 25‬ص ‪. 40‬‬
‫‪ 7‬ـ رسالة المر بالمعروف والنهي عن المنكر لبن تيمية ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫‪ 8‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 226‬‬
‫‪ 9‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪. 31‬‬
‫‪ 01‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪. 172‬‬
‫‪ 282‬ص أول ً ‪ :‬العلم بأسباب المصائب ‪:‬‬
‫على الفرد المسلم والجماعة المسلمة العلصصم علصصى وجصصه اليقيصصن‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫مصصا ك َ َ‬
‫س صب َ ْ‬ ‫ة َ‬
‫فب ِ َ‬ ‫صصصيب َ ٍ‬
‫م ِ‬
‫مصصن ّ‬ ‫صصصاب َ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫مصصا أ َ‬
‫و َ‬
‫بمضمون الية الكريمة ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫م ‪ . (. .‬ويجصصب عليهمصصا استحضصصار هصصذا العلصصم وهصصذه اليصصة‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫أْيصص ِ‬
‫الكريمة ‪ ،‬بل والنطق بها من قبل الفرد والجماعصصة لئل يقصصع فصصي‬
‫نفوسهم شيء من العتراض الخفصصي علصصى مصصا وقصصع عليهصصم مصصن‬
‫مصيبة بحجة عدم صدور شيء منهم يستوجب هذه المصصصيبة ‪ .‬لن‬
‫هذا العتراض الخفي بلسان المقال أو بلسان الحال ‪ ،‬مع ما فيصصه‬
‫من تزكية النفس ‪ ،‬فيه ما فيه من معاني الكفصصر والصصردة لتضصصمنه‬
‫اتهام الله تعالى بالظلم لصابتهم ص بزعمهم ص بالمصيبة بل صدور‬
‫شيء منهصصم يسصصتوجبها ‪ .‬إن الفصصرد المسصصلم والجماعصصة المسصصلمة‬
‫بحاجة شديدة ومستمرة للثبات على معاني اليمان وعدم الوقوع‬
‫فيما يخالفها مصصن معصصاني الكفصصر والصصردة ‪ ،‬وإل فقصصدوا تأييصصد اللصصه‬
‫واستحقوا عقابه ‪.‬‬

‫‪ 283‬ص ثانيا ً ‪ :‬لوم النفس ل الغير ‪:‬‬


‫إن ممصصا ابُتلصصي بصصه المسصصلمون أفصصرادا ً وجماعصصات أنهصصم يلومصصون‬
‫غيرهصصم ل أنفسصصهم إذا وقعصصت عليهصصم نكبصصة أو مصصصيبة ‪ ،‬فصصتراهم‬
‫يفتشون على من يحملونه مسؤولية مصصا وقصصع عليهصصم مصصن نكبصصات‬
‫ومصائب وينسون أنفسهم ‪ ،‬فل يحملونها شيئا ً من مسصصؤولية مصصا‬
‫وقصصع ‪ .‬فصصإذا فقصصدوا بلصصدا ً مصصن بلدهصصم كفلسصصطين مثل ً قصصالوا ‪:‬‬
‫المستعمر هو المسؤول ‪ ،‬وراحوا يلومصصونه ويشصصتمونه ويحققصصون‬
‫في أنفسهم ما جاء في المثل العربي القصصديم ‪ :‬أوسصصعتهم شصصتما ً‬
‫وراحوا بالبل ‪ ...‬وإذا تسلط عليهم حكام طغاة ظلمصصة قصصالوا هصصذا‬
‫من تدبير الكفار فهم الذين جصاؤوا بهصم إلصى الحكصم والسصلطة ‪..‬‬
‫وإذا وقع نزاع بين فئتين أو جماعتين أو بلصصدين مسصصلمين قصصالوا ‪:‬‬
‫هذا من فعل اليهود وعملئهم ‪ ..‬وهكذا فقد تأصصصلت هصصذه العصصادة‬
‫عند المسلمين ‪ :‬وهي لصصوم الغيصصر ل النفصصس عنصصد وقصصوع النكبصصات‬
‫والمصائب ‪ .‬وهذا موقف مرفوض عقل ً وشرعا ً ‪.‬‬
‫أما عقل ً فلن من يلقون عليهم اللوم من المسصصتعمرين والكفصصار‬
‫واليهود ‪ ،‬يعرف المسلمون عداوتهم لهصصم ‪ ،‬والعصصدو ل يريصصد خيصصرا ً‬
‫بعدوه ‪ ،‬وهل في قولهم )هذا من فعل المستعمر( شيء جديصصد أو‬
‫اكتشاف جديد؟ إن عمل الشصصيطان وأعصصوانه ينصصصب علصصى الخلل‬
‫والفساد وإيذاء المؤمنين ولهذا كان شيطانا ً وكانوا له أعوانا ً فما‬
‫وجه لومهم؟‬
‫إن المسصصتعمر مصا كصان يسصتطيع أن يصصصل إلصى بغيتصصه لصول غفلصصة‬
‫المسلمين وإيجادهم الثغرات التي تسلل منهصصا المسصصتعمر وفعصصل‬
‫فيهم ما فعل ‪ .‬وإن طغيان الحكام الصصذين جصصاء بهصصم السصصتعمار ص ص‬
‫حسب زعمهم ص ما كان ليحصل لصصول عصصون النصصاس لهصصم وركصصونهم‬
‫إلى ظلمهم ‪ ،‬فلمصصاذا يلومصصون السصصتعمار الصصذي جصصاء بهصصم ص ص كمصصا‬
‫يقولون ص ول يلومون أنفسهم في خصصدمتهم وإعصصانتهم وتمكينهصصم‬
‫بذلك على البقاء والطغيان؟‬
‫وأما أن موقفهم هصصذا ص ص وهصصو لصصوم الغيصصر ل أنفسصصهم ص ص مرفصصوض‬
‫شرعا ً ‪ ،‬فلن الله تعالى بّين لنا بأن ما أصابنا كان بسبب منا قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م( ‪ ،‬وهصصذا‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫ت أي ْص ِ‬ ‫سصب َ ْ‬‫مصصا ك َ َ‬ ‫ة َ‬
‫فب ِ َ‬ ‫صصصيب َ ٍ‬‫م ِ‬
‫مصصن ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫صصصاب َ ُ‬ ‫مصصا أ َ‬ ‫و َ‬‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫يقتضي أن نلوم أنفسنا ل غيرنا ‪ ،‬فنحصصن إذن الملومصصون ‪ .‬وأيض صا ً‬
‫فقد بّين الله تعالى الجهة التي تلم عند وقوع النكبة أو المصصصيبة‬
‫م أ َّنصصى‬
‫قل ُْتصص ْ‬‫ها ُ‬ ‫مث ْل َي ْ َ‬
‫صب ُْتم ّ‬
‫ة َ َ‬
‫قدْ أ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ما أ َ‬ ‫ول َ ّ‬
‫َ‬
‫فقال تعالى ‪) :‬أ َ‬
‫دد الجهصصة الصصتي تلم‬ ‫م( فالله تعالى حص ّ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫د أ َن ْ ُ‬
‫عن ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫و ِ‬
‫ه َ‬‫ل ُ‬ ‫ذا ُ‬
‫ق ْ‬ ‫هص َ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫عند حلصصول النكبصصة أو المصصصيبة وهصصي أنفسصصنا فل يجصصوز شصرعا أن‬
‫نبرىء أنفسنا مما يقع علينا من النكبات والمصائب ونلقي اللصصوم‬
‫والمسؤولية على الغير ‪.‬‬

‫‪ 284‬ص فائدة لوم النفس ل الغير ‪:‬‬


‫ً‬
‫ولوم النفس ل الغيصصر عصصن حلصول المصصصيبة يفيصد جصصدا لنصصه يحفصصز‬
‫المصاب على السعي الجاد لزالة ما قام في النفصصس أو مصصا صصصدر‬
‫عنها من أسباب أدت إلى وقوع هذه النكبات والمصصصائب ‪ ،‬وإعصصداد‬
‫ما يلزم لرفعها ولمنع وقوعها في المستقبل ‪ .‬وهذا شصصيء مهصصم‬
‫جدا ً وهو ما يخشاه العداء لنهم ل يخشون شتم المسصصلمين لهصصم‬
‫ل فيهم هو من تدبير وفعصصل المسصصتعمرين ‪،‬‬ ‫أو صراخهم بأن ما ح ّ‬
‫إنمصصا الصصذي يخشصصاه المسصصتعمرون الكفصصرة أعصصداء الصصدين أن يفقصصه‬
‫ل بهصصم ‪ ،‬وهصصو أنفسصصهم‬ ‫المسصصلمون السصصبب الحقيقصصي لمصصا حصص ّ‬
‫وتقصيرهم فيحملهم هذا الفقه علصصى معالجصصة السصصبب الحقيقصصي‬
‫معالجة حقيقية حاسصصمة تصصرد الكصصافر المسصصتعمر كيصصده إلصصى نحصصره‬
‫وتسترجع منه جميع الحقصوق الصصتي سصصلبها مصن المسصلمين سصواء‬
‫كان المسلوب أرضا ً أو بلدا ً أو مال ً أو ثروة أو سيارة أو حكما ً ‪.‬‬
‫ل بالمسلمين من نكبات بسصصبب‬ ‫هذا هو المنهج السليم لرفع ما ح ّ‬
‫منهصصم ‪ ،‬وهصصو مصصا يخيصف الكفصصرة المسصصتعمرين ‪ ..‬وعلصى الجماعصصة‬
‫المسلمة أن تفقه الناس بما ذكرناه ‪ ،‬وأن تعمل هي نفسصها بصه ‪،‬‬
‫فإذا رأت فشل ً فصصي عملهصصا أو وقوف صا ً فصصي نشصصاطها أو انفضصصاض‬
‫الناس من حولها ‪ ،‬فعليها أن تبدأ بنفسها لتعلم هصصل أن مصصا تصصراه‬
‫من فشل في عملها أو وقوف فصي نشصاطها أو انفضصاض النصصاس‬
‫من حولها ‪ ،‬كان ذلك بسبب منها وتقصير في واجبها لتعالجه حال ً‬
‫أو كان بسبب ظروف ل قبل لها بها ‪ ،‬ولتراكم الفسصصاد والجهالصصة‬
‫في الناس مما يدعوها إلى مضاعفة الجهد والعمل فتسصصعى إلصصى‬
‫زيادة عملها وجهدها؟‬
‫‪ 285‬ص ثالثا ً ‪ :‬تحصين النفس ضد المصائب ‪:‬‬
‫والعنصر الثالث من عناصر الموقصصف الصصصحيح مصصن المصصصائب فصصي‬
‫حق الفرد المسلم والجماعة المسلمة ‪ ،‬هصصو تحصصصين النفصصس ضصصد‬
‫المصائب كما يحصن النسان نفسه ضد المراض ‪ ،‬وذلك بأن يأخذ‬
‫بسبل الوقاية الصحيحة التي تمنصع وقصوع هصذه المصصائب فيلصتزم‬
‫كل منهما بما أوجبه الشرع وعدم عصيانه ‪ ،‬وبهذا اللتزام الصارم‬
‫الدقيق الدائم تندفع عنهما الكوارث والنكبصصات والمصصصائب حسصصب‬
‫وا ْ‬
‫ول ّ ْ‬
‫ن تَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫ل على ما قلناه قوله تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫سنته تعالى ‪ .‬وقد د ّ‬
‫مصصا‬ ‫ض َ‬ ‫شصي ْ َ‬‫م ال ّ‬ ‫سصت ََزل ّ ُ‬ ‫قصصى ال ْ َ‬ ‫م ال ْت َ َ‬ ‫منك ُص ْ‬
‫عص ِ‬ ‫ن ب ِب َ ْ‬‫طا ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫مصصا ا ْ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬
‫عصصا ِ‬
‫م َ‬
‫ج ْ‬ ‫و َ‬‫م ي َص ْ‬ ‫ِ‬
‫م( ‪ ،‬وقد ذكرنصصا تفسصصير هصصذه اليصصة مصصن‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ع‬
‫ُ َ ْ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ َ‬ ‫د‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫بو‬‫َ ُ‬‫س‬ ‫َ‬ ‫ك‬
‫قبل وبينا أن الذنوب تضعف مقاومة المسلم للشصصيطان فيتسصصلل‬
‫إليه ويجره إلى المعصية‪. 1‬‬

‫‪ 286‬ص رابعا ً ‪ :‬التزام بالصبر ومدافعة للمصائب ‪:‬‬


‫الصصصبر ضصصروري للمسصصلم وللجماعصصة المسصصلمة ‪ ،‬ومصصن السصصباب‬
‫المهمة التي ل غنى عنهصصا لبلصصوغ الغايصصة وتحقيصصق الغلبصصة والنصصصر‬
‫على العقبات والعصصداء ‪ .‬وكصصذلك هصصو ص ص أي الصصصبر ص ص مصصن المصصور‬
‫الضرورية للفرد والجماعة عند حلول المصائب بهمصصا حصصتى يمكصصن‬
‫تجاوزها وآثارها ‪ .‬ومما يعين على الصبر تذكر ما ورد في الشصصرع‬
‫من أمر بالصبر وثواب عليصصه وحسصصن عصصاقبته فصصي الصصدنيا والخصصرة‬
‫والبشارة للصابرين الذين يعلمصصون أنهصصم عبيصصد للصصه فهصصو سصصيدهم‬
‫ومالكهم ‪ ،‬والمالك يتصرف بملكه كما يشاء وأنهصصم راجعصصون إليصصه‬
‫م‬‫ون ّك ُ ْ‬‫ول َن َب ْل ُص َ‬ ‫فيجازيهم على صبرهم أحسصصن الجصصزاء قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫والن ُ‬ ‫َ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ت‬ ‫مَرا ِ‬ ‫والث ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬‫ص ّ‬‫ق ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫جو ِ‬ ‫ف َ‬ ‫خو ْ‬ ‫م َ‬ ‫ء ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬
‫وإ ِّنصصا إ ِل َْيص ِ‬
‫ه‬ ‫ه َ‬ ‫قاُلوا ْ إ ِّنا ل ِّلص ِ‬
‫ة َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫هم ّ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬ ‫ر ال ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫وب َ ّ‬‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هص ُ‬‫وأولصصئ ِك ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مص ٌ‬
‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫م َ‬‫هص ْ‬ ‫مصصن ّرب ّ ِ‬ ‫ت ّ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صصل َ‬ ‫م َ‬ ‫هص ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ن أولصصئ ِك َ‬ ‫جعو َ‬ ‫َرا ِ‬
‫ال ْ ُ‬
‫‪2‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬‫م ْ‬

‫‪ 287‬ص مدافعة المصائب ل تناقض الصبر ‪:‬‬


‫ومن الوهم الذي قد يقع فيه الفرد المسلم أو الجماعة المسصصلمة‬
‫أن مدافعة المصائب تناقض الصبر ‪ ،‬وهذا وهصصم وغيصصر صصصحيح لن‬
‫حقيقة الصبر هصي ‪ :‬أن تثبصصت حيصصث أمصصرك الشصصرع بالثبصصات وأنصصت‬
‫تقوم بما أمرك الله بفعله أو أباحه لك ‪ .‬والشصرع أمصرك بصدفع مصا‬
‫يؤذيك ‪ ،‬وبدفع ما يستحق الدفع والزالة شصصرعا ً وإن كصصان الجميصصع‬
‫بقصصدر اللصصه تعصصالى فالمصصصيبة الصصتي يمكصصن رفعهصصا ودفعهصصا بإزالصصة‬
‫أسبابها أو بعمل ما يدفعها ‪ ،‬من المور المشروعة غير الممنوعصة‬
‫‪ .‬وعلصصى الفصصرد المسصصلم والجماعصصة المسصصلمة والمصصة كلهصصا ‪ ،‬أن‬

‫‪1‬‬
‫ـ انظر الفقرة ‪. 278‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬اليات ‪ 155‬ـ ‪. 157‬‬
‫ل فيهم مصصن‬ ‫يباشروا جميعا ً باتخاذ السباب المشروعة لزالة ما ح ّ‬
‫نكبات ومصائب ‪ ،‬وأن يصروا على ذلك بثبات وصصصبر واللصصه تعصصالى‬
‫دائما ً مع الصابرين ‪.‬‬

‫الفصل الثاني عشر‬


‫سّنة الله في اليمان والتقوى والعمل الصالح‬
‫]قانون التقوى واليمان والعمل الصالح[‬
‫‪ 288‬ص تعريف التقوى ‪:‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪) :‬التقوى تجمع فعل ما أمر اللصصه بصصه‬
‫وترك مصصا نهصصى عنصصه( ‪ .3‬وقصصال صصصاحب المفصصردات ‪) :‬التقصصوى فصصي‬
‫تعارف الشرع حفظ النفس عما يصصؤثم وذلصصك بصصترك المحظصصور( ‪. 4‬‬
‫ويمكن تعريف التقوى بأنها حفصظ النفصس عمصا يصؤثم ومصع الثصم‬
‫العقاب ‪ .‬وذلك بفعل الواجب وترك المحّرم شرعا ً ‪.‬‬

‫‪ 289‬ص تعريف اليمان ‪:‬‬


‫اليمان إذعان النفس للحق على سصصبيل التصصصديق وذلصصك باجتمصصاع‬
‫ثلثة أشياء تصديق بالقلب وإقصصرار باللسصصان وعمصصل بحسصصب ذلصصك‬
‫بالجوارح ‪ .‬ويقال لكل واحد من العتقاد والقول الصدق والعمصصل‬
‫الصالح إيمان ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وما كان الله ليضيع إيمانكم( ‪ .‬وقال‬
‫تعالى ‪) :‬وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين( قيل معناه بمصصصدق‬
‫لنا‪. 1‬‬

‫‪ 290‬ص تعريف العمل الصالح ‪:‬‬


‫العمل ‪ :‬كل فعل يكون من الحيوان بقصد فهو أخصصص مصصن الفعصصل‬
‫لن الفعل قد ينسب إلصصى الحيوانصات الصصتي يقصع منهصا فعصصل بغيصصر‬
‫قصد ‪ .‬وقد ينسب إلى الجمادات ‪ ،‬والعمل قلما ينسب إلى ذلصصك ‪.‬‬
‫ولصصم يسصصتعمل )العمصصل( فصصي الحيوانصصات إل فصصي قصصولهم ‪ :‬البقصصر‬
‫العوامل ‪ .‬والعمل يستعمل في العمال الصالحة والسصصيئة ‪ ،‬قصصال‬

‫‪3‬‬
‫ـ مجموع الفتاوى لشيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 526‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ مفردات غريب القرآن للراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪ 530‬ـ ‪. 531‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ مفردات غريب القرآن للراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪ 530‬ـ ‪. 531‬‬
‫ت( ‪ ،‬وقصصال تعصصالى ‪:‬‬‫حا ِ‬‫صصصال ِ َ‬‫مُلصصوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬
‫و َ‬
‫مُنصصوا َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن اّلصص ِ‬
‫تعصصالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫‪2‬‬
‫ها‪. (..‬‬ ‫د َ‬
‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ت ثُ ّ‬
‫م َتاُبوا ِ‬ ‫سي َّئا ِ‬‫مُلوا ال ّ‬
‫ْ‬ ‫ع ِ‬‫ن َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫) َ‬

‫‪ 291‬ص من ثمرة التقوى الفرقان للمتقين ‪:‬‬


‫قانصصا ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫فْر َ‬
‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫عل لكصص ْ‬ ‫ج َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫قوا ْ الل َ‬
‫ّ‬ ‫مُنوا ْ َإن ت َت ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى ‪ِ) :‬يا أي ّ َ‬
‫م(‪. 3‬‬ ‫ظي ص ِ‬‫ع ِ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫ضص ِ‬
‫ف ْ‬ ‫ذو ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬‫والل ّص ُ‬ ‫م َ‬ ‫ف صْر ل َك ُص ْ‬
‫غ ِ‬
‫وي َ ْ‬
‫م َ‬ ‫س صي َّئات ِك ُ ْ‬
‫م َ‬‫عنك ُ ْ‬ ‫وي ُك َ ّ‬
‫فْر َ‬ ‫َ‬
‫كلمصصة )الفرقصصان( فصصي اليصصة كلمصصة جامعصصة مطلقصصة مثصصل كلمصصة‬
‫)التقوى( ‪ .‬فالتقوى إذا شبهناه بالشجرة المثمرة ‪ ،‬فالفرقان هو‬
‫الثمرة ‪.‬‬
‫)والفرقصصان( فصصي أصصصل اللغصصة يعنصصي الفصصصل بيصصن الشصصيئين أو‬
‫الشياء ‪ .‬ومعنى الية ‪ :‬إن تتقوا الله في كصصل مصصا يجصصب أن يتقصصى‬
‫بمقتضى دينه وشرعه وبمقتضى سنته في نظام خلقه يجعل لكم‬
‫بمقتضى هذه التقوى وبسببها ملكة من العلم وهداية ونصصورا ً فصصي‬
‫قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل ‪ ،‬ونصرا ً يفرق بين المحصصق‬
‫والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلل الكافرين ومخرجا ً من الشبهات‬
‫ونجاة من الشدائد في الدنيا ومن العذاب في الخرة‪. 4‬‬

‫‪ ، 292‬ومن يتق الله يجعل له مخرجا ً ‪:‬‬


‫ث َل‬
‫حي ْص ُ‬
‫ن َ‬
‫مص ْ‬‫ه ِ‬
‫قص ُ‬ ‫خَرجا ً َ‬
‫وي َْرُز ْ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫عل ل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ق الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫من ي َت ّ ِ‬ ‫و َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ه( أي من يتق الله بعمل‬ ‫‪5‬‬
‫سب ُ ُ‬‫ح ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َ‬
‫ف ُ‬ ‫ّ‬
‫على الل ِ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫وك ّ ْ‬
‫من ي َت َ َ‬
‫و َ‬
‫ب َ‬
‫س ُ‬
‫حت َ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫ً‬
‫ما أمره به وتصصرك مصصا نهصصاه عنصصه يجعصصل لصصه مخرجصا مصصن كصصل شصصدة‬
‫ويرزقه من حيث ل يرجصصو ول يأمصصل ويبصصارك لصصه فيمصصا أتصصاه ومصصن‬
‫يتوكل على الله أي من فوض إليه أمره كفاه ما أهمه‪. 6‬‬

‫‪ 293‬ص معية الله للمتقين ‪:‬‬


‫‪7‬‬
‫ن( ‪.‬‬‫سصُنو َ‬‫ح ِ‬‫م ْ‬‫هصصم ّ‬‫ن ُ‬ ‫وال ّص ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قصصوا ْ ّ‬ ‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ع ال ّص ِ‬
‫مص َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫فالله تعالى مع المتقين بتأييده ونصصصره ومعصصونته وهصصديه ‪ .‬وهصصذه‬
‫معية خاصة للمتقين كقول النبي صلى الله عليه وسلم لبي بكصصر‬
‫الصديق وهما في الغار كما حكاه الله عنه ‪) :‬إذ يقصصول لصصصاحبه ل‬
‫ن( أي‬ ‫سُنو َ‬‫ح ِ‬‫م ْ‬‫هم ّ‬‫ن ُ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قوا ْ ّ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫تحزن إن الله معنا( ومعنى )ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫تركوا المحرمات وعملوا الواجبات فهؤلء يحفظهم الله ويؤيصصدهم‬
‫وينصرهم على أعدائهم‪. 8‬‬

‫‪ 2‬ـ مفردات الراغب ‪ ،‬ص ‪ ، 348‬والية الولى من سورة مريم ورقمها ‪ ، 96‬والثانية في العراف ورقمها ‪. 153‬‬
‫‪ 3‬ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 29‬‬
‫‪ 4‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 214‬ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 300‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ ، 196‬قرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ ، 396‬رازي ‪ ،‬ج ‪، 15‬‬
‫ص ‪. 153‬‬
‫‪ 5‬ـ سورة الطلق ‪ ،‬الية ‪. 2‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 379‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 18‬ص ‪ 159‬ـ ‪ ، 160‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 28‬ص ‪. 138‬‬
‫‪ 7‬ـ سورة النحل ‪ ،‬الية ‪. 128‬‬
‫‪ 8‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ 592‬ـ ‪. 593‬‬
‫‪ 294‬ص عون الله للمتقين في الحرب ‪:‬‬
‫ْ‬
‫هص ص َ‬
‫ذا‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫ر ِ‬
‫و ‪ِ9‬‬ ‫مصصن َ‬
‫فص ْ‬ ‫ُ‬
‫وي َصأُتوكم ّ‬ ‫قصصوا ْ َ‬ ‫صب ُِروا ْ َ‬
‫وت َت ّ ُ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬ب ََلى ِإن ت َ ْ‬
‫ن( ‪ .‬أي إن‬ ‫مي َ‬
‫و ِ‬
‫سصص ّ‬
‫م َ‬‫ة ُ‬ ‫ملئ ِ َ‬
‫كصص ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مصص َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ة آل ٍ‬ ‫سصص ِ‬
‫م َ‬
‫خ ْ‬ ‫م َرب ّ ُ‬
‫كصصم ب ِ َ‬ ‫ددْك ُ ْ‬
‫مصص ِ‬
‫يُ ْ‬
‫تصبروا على لقاء العدو وتتقوا معصيته يمددكم ربكم بما ذكر في‬
‫الية الكريمة‪. 10‬‬

‫‪ 295‬ص باليمان والتقوى يحصل الرخاء ‪:‬‬


‫هصصم‬ ‫حن َصصا َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫قصصوا ْ ل َ َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫وات ّ َ‬‫من ُصصوا ْ َ‬ ‫قصَرى آ َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫هص َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫قال تعصصالى ‪) :‬ول َص َ‬
‫وأ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫مصصا ك َصصاُنوا ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫هم‬ ‫َ ُ‬‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ص‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫أ‬‫ف‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫بو‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ص‬ ‫ك‬ ‫كن‬
‫ِ‬ ‫ص‬ ‫لص‬ ‫و‬ ‫ض‬
‫ْ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫ء‬
‫ِ‬ ‫ما‬‫سص َ‬
‫ن ال ّ‬
‫مص َ‬
‫ت ّ‬‫ب ََرك َصصا ٍ‬
‫ن( ‪ .‬أي لصصو أن أهصصل القصصرى آمنصصوا بصصالله وملئكتصصه وكتبصصه‬ ‫‪1‬‬
‫ي َك ْ ِ‬
‫سصُبو َ‬
‫ورسله واليصصوم الخصصر واتقصصوا مصصا نهصصى اللصصه عنصصه وحرمصصه لفتحنصصا‬
‫عليهم بركات من السماء والرض أي بالمطر والنبات ولكن كذبوا‬
‫الرسل فأخذهم الله بالجدوبصصة والقحصصط بمصصا كصصانوا يكسصصبون مصصن‬
‫الكفر والمعصية‪. 2‬‬

‫‪ 296‬ص للمؤمن المتقي أجره في الدنيا والخرة ‪:‬‬


‫قال تعالى ‪ ..) :‬ول َ ن ُضي َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خي ٌْر للص ِ‬
‫ة َ‬
‫خَر ِ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫جُر ال ِ‬ ‫ن َ‬
‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عأ ْ‬‫ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ن(‪ 3‬أي إن اللصصه تعصصالى يصصؤجر المحسصصنين الصصذين‬ ‫قو َ‬‫كاُنوا ْ ي َت ّ ُ‬
‫و َ‬‫مُنوا ْ َ‬
‫آ َ‬
‫جمعوا بين اليمان والتقوى ‪ ،‬يؤجرهم في الصصدنيا ويصصؤجرهم فصصي‬
‫الخرة ‪ ،‬ولجر الخرة خير لهصصم لنصصه دائم وأجصصر الصصدنيا متقطصصع ‪.‬‬
‫قال سفيان بن عيينصصة ‪ :‬المصصؤمن يثصصاب علصصى حسصصناته فصصي الصصدنيا‬
‫والخرة والكافر يعجل له الخير في الدنيا وما له في الخصصرة مصصن‬
‫خلق‪. 4‬‬

‫‪ 297‬ص نصر الله للمؤمنين ‪:‬‬


‫م‬
‫و َ‬
‫وي َ ْ‬
‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫في ال ْ َ‬
‫حَيا ِ‬ ‫مُنوا ِ‬
‫نآ َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬إ ِّنا ل ََنن ُ‬
‫صُر ُر ُ‬
‫د(‪ ، 5‬أي ننصصصرهم فصصي الصصدنيا والخصصرة بصصأن يغلبصصوا‬ ‫ها ُ‬ ‫م اْل َ ْ‬
‫شص َ‬ ‫يَ ُ‬
‫قصصو ُ‬
‫أعداءهم في الدنيا بالقتال وبالحجة وإن غلبوا في بعض الحيصصان‬
‫امتحانا ً لهم من الله تعالى ‪ ،‬ولكن العاقبة دائما ً لهم‪. 6‬‬

‫‪ 298‬ص إنجاء الله المؤمنين ‪:‬‬


‫م‬ ‫مصصن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫هص ْ‬
‫قب ْل ِ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل ص ْ‬
‫ن َ‬
‫ذي َ‬ ‫ل أّيام ِ ال ِ‬ ‫ن إ ِل ِ‬ ‫ل َينت َظُِرو َ‬ ‫ف َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وال ص ِ‬ ‫َ‬
‫س صلَنا َ‬‫جصصي ُر ُ‬ ‫م ن ُن َ ّ‬‫ن ثُ ّ‬
‫ري َ‬‫منت َظِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫عكم ّ‬ ‫م َ‬‫فانت َظُِروا ْ إ ِّني َ‬
‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ق ْ‬

‫‪ 9‬ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 125‬‬


‫‪ 01‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 195‬‬
‫‪ 1‬ـ سورة العراف ‪ ،‬الية ‪. 96‬‬
‫‪ 2‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 14‬ص ‪. 185‬‬
‫‪ 3‬ـ سورة يوسف ‪ ،‬اليتان ‪. 57 ، 56‬‬
‫‪ 4‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 483‬قرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ 219‬ـ ‪. 220‬‬
‫‪ 5‬ـ سورة غافر ‪ ،‬الية ‪. 51‬‬
‫‪ 6‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 172‬قرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 15‬ص ‪. 322‬‬
‫ن(‪ . 7‬والمعنصصى ‪ :‬فهصصل ينظصصر‬‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ج ال ْ ُ‬
‫مص ْ‬ ‫قا ً َ َ‬
‫علي ْن َصصا ُنن ص ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫مُنوا ْ ك َذَل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫آ َ‬
‫هؤلء المكذبون لك يا محمد من النقمصصة والعصصذاب إل مثصصل وقصصائع‬
‫اللصصه فصصي الصصذين خلصصوا مصصن قبلهصصم مصصن المصصم الماضصصية المكذبصصة‬
‫لرسصصلهم حيصصث أهلكهصصم اللصصه وأنجصصى رسصصله وأتبصصاعهم المصصؤمنين‬
‫وكصصذلك ننجصصي المصصؤمنين مثصصل ذلصصك النجصصاء ونهلصصك المشصصركين‬
‫وحدهم كما اهلكنا أمثالهم من المشركين ‪ ،‬فقد مضت سصصنة اللصصه‬
‫أنه إذا أنزل الله العذاب بقوم أخرج من بينهم الرسل والمصصؤمنين‬
‫وأنجاهم‪. 8‬‬

‫‪ 299‬ص المؤمنون هم العلون ‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِإن ُ‬
‫كنُتصصم‬ ‫عَلصص ْ‬
‫و َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫وأنُتصص ُ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬
‫حَزُنصصوا َ‬ ‫ول َ ت َ ِ‬
‫هُنصصوا َ‬ ‫قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ن(‪ 9‬أي ل تضعفوا ول تجبنصصوا يصصا أصصصحاب محمصصد صصصلى اللصصه‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ّ‬
‫عليه وسلم عن جهصصاد أعصصدائكم لمصصا أصصصابكم ول تحزنصصوا علصصى مصصا‬
‫م ال َ ْ‬ ‫أصابكم من الهزيمة والمصيبة في معركة أحد ) َ‬
‫ن( أي‬ ‫عل َ ْ‬
‫و َ‬ ‫وأنت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ن( فصصإن اليمصصان يصصوجب‬ ‫مِني َ‬ ‫مص ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫فلكم النصر في العاقبة )ِإن ُ‬
‫قوة القلب ومزيد الثقة بالله تعالى وعدم المبالة بأعدائه ‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪ 300‬ص ل سبيل للكافرين على المؤمنين ‪:‬‬


‫‪،‬‬ ‫‪11‬‬
‫ل(‬ ‫سصصِبي ً‬‫ن َ‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫على ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ري َ‬‫ف ِ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬
‫كا ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ع َ‬ ‫ج َ‬‫وَلن ي َ ْ‬
‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫أي إن الكافرين ل يكون لهم من حيث هصصم كصصافرون سصصبيل علصصى‬
‫المؤمنين من حيث هم مؤمنون يقومون بحقوق اليمصصان ويتبعصصوا‬
‫هصصديه ‪ .‬وكلمصصة ))سصصبيل(( هنصصا نكصصرة فصصي سصصياق النفصصي فتفيصصد‬
‫العموم ‪ .‬وانتفاء السبيل للكافرين على المؤمنين عام في الصصدنيا‬
‫والخرة فل سبيل للكافرين علصصى المصصؤمنين مطلق صا ً ‪ ،‬ومصصا غلصصب‬
‫الكافرون المسصصلمين فصصي الحصصروب السياسصصية وأسصصبابها العلميصصة‬
‫والعملية من حيث هم كافرون بصصل مصصن حيصصث إنهصصم صصصاروا أعلصصم‬
‫بسنن الله في خلقه وأحكصصم عمل ً بهصصا والمسصصلمون تركصصوا ذلك‪. 1‬‬
‫ويحتمصصل أن يكصصون المعنصصى ‪ :‬ولصصن يجعصصل اللصصه للكصصافرين علصصى‬
‫المؤمنين سبيل ً ‪ ،‬أي فصصي الصصدنيا بصصأن يسصصلطوا عليهصصم ويسصصتولوا‬
‫عليهم استيلء استئصال بالكلية وإن حصل لهصم ظفصر فصي بعصض‬
‫الحيصصان فصصإن العاقبصصة للمصصؤمنين فصصي الصصدنيا والخصصرة كمصصا قصصال‬
‫م‬‫و َ‬
‫و ي َص ْ‬
‫ة ال صدّن َْيا َ‬‫حي َصصا ِ‬‫فصصي ال ْ َ‬
‫من ُصصوا ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّص ِ‬ ‫سل ََنا َ‬‫صُر ُر ُ‬ ‫تعالى ‪) :‬إ ِّنا ل ََنن ُ‬
‫د(‪ . 2‬والظاهر أن النص عام في الدنيا والخصصرة ‪ ،‬إنصصه‬ ‫ها ُ‬ ‫ش َ‬ ‫م اْل َ ْ‬ ‫يَ ُ‬
‫قو ُ‬

‫‪ 7‬ـ سورة يونس ‪ ،‬اليتان ‪ 102‬ـ ‪. 103‬‬


‫‪ 8‬ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 434‬قرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪ ، 387‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ 195‬ـ ‪ . 196‬زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪، 373‬‬
‫الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪ 170‬ـ ‪. 171‬‬
‫‪ 9‬ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 139‬‬
‫‪ 01‬ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 408‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 217‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 65‬‬
‫‪ 11‬ـ سورة النساء ‪ ،‬الية ‪. 141‬‬
‫‪ 1‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 567‬‬
‫‪ 2‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 567‬‬
‫وعد صريح مصصن اللصصه تعصصالى بصصأن ل يكصصون للكصصافرين سصصبيل علصصى‬
‫المؤمنين ‪ .‬والمؤمنصصون هصم الصصذين قصامت فصي نفوسصصهم حقيقصصة‬
‫اليمان ثصصم ظهصصرت هصصذه الحقيقصصة اليمانيصصة فصصي الخصصارج بشصصكل‬
‫أعمال مرضية وجهاد في سبيل الله وإخلص كامل له واستسصصلم‬
‫تام لشرعه حتى لصصم يعصصد فصصي كيصصانهم شصصيء خصصارج عصصن النقيصصاد‬
‫والخضوع المطلق لله رب العالمين وشرعه القصصويم ‪ .‬إن السصصبيل‬
‫للكافرين في انتصارهم في بعصصض الحيصصان علصصى المصصؤمنين إنمصصا‬
‫كان أويكصون لحصدوث ثغصرة فصي حقيقتصه اليمانيصة ومصن اليمصان‬
‫دة وإعداد القوة في كل حين بنية‬ ‫ومستلزماته ومقتضياته أخذ الع ّ‬
‫الجهاد في سبيل الله وتحت هذه الرايصصة وحصصدها مجصصردة مصصن كصصل‬
‫إضافة ‪ .‬وبقدر هصصذه الثغصصرة فصي حقيقصصة اليمصصان تكصصون الهزيمصصة‬
‫الوقتيصصة علصصى المسصصلمين ثصصم يعصصود النصصصر للمصصؤمنين حق صا ً حيصصن‬
‫يوجدون‪. 3‬‬

‫‪ 301‬ص المتاع الحسن للمؤمنين المتقين ‪:‬‬


‫ومن سنته تعالى العامة فصصي خلقصصه تيسصصير سصصبل العيصصش الرغيصصد‬
‫والحياة المريحة إلى أهل اليمان والتقوى وإفاضة نعمه عليهصصم ‪،‬‬
‫ُ‬
‫كي صم ٍ‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫مصصن ل ّصدُ ْ‬ ‫ت ِ‬‫ص صل َ ْ‬ ‫م ُ‬
‫ف ّ‬ ‫ه ث ُص ّ‬‫ت آي َصصات ُ ُ‬‫م ْ‬ ‫حك ِ َ‬
‫بأ ْ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬اَلر ك َِتا ٌ‬
‫فُروا ْ‬ ‫كم من ْه ن َصذير وبشصصير َ‬ ‫ه إ ِن ِّني ل َ ُ‬ ‫خبي َ‬
‫غ ِ‬ ‫سصت َ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫وأ ِ‬‫ِ ٌ َ َ ِ ٌ َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫دوا ْ إ ِل ّ الل ّ َ‬ ‫عب ُ ُ‬‫ر أل ّ ت َ ْ‬ ‫َ ِ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ع ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫وي ُص ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫مى َ‬ ‫سص ّ‬‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫جص ٍ‬‫سصصنا إ ِلصصى أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫مَتاعا َ‬ ‫كم ّ‬ ‫مت ّ ْ‬ ‫ه يُ َ‬
‫م ُتوُبوا إ ِلي ْ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬‫َرب ّك ُ ْ‬
‫ه ‪ . (..‬طلصصب سصصيدنا محمصصد صصصلى اللصصه عليصصه‬ ‫‪4‬‬ ‫َ‬
‫ض صل ُ‬
‫ف ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ضص ٍ‬ ‫ف ْ‬ ‫ل ِذي َ‬ ‫كُ ّ‬
‫وسلم مصصن قصومه أن يعبصصدوا اللصصه وحصصده وأن يسصصتغفروه ويتوبصصوا‬
‫إليه ‪ .‬وهذا كل ّصصه اليمصصان بصصالله وبرسصصوله وعبصصادته وحصصده وتقصصواه‬
‫واستغفاره عن الذنوب السالفة والتوبة إليه فيما يستقبلونه مصصن‬
‫كل إعراض عن هدايته وتنكب عن سنته وأن يستمروا على ذلصصك ‪،‬‬
‫وأنهم إن فعلوا ذلك كان جزاؤهصصم أن يمتعهصصم اللصصه متاع صا ً حسصصنا ً‬
‫الذي هو ثمرة عبادتهم للصه وطصاعتهم لصه واسصتغفارهم وتصوبتهم‬
‫إليه ‪ .‬والمتصاع كصصل مصا ينتفصع بصه فصصي المعيشصصة وحاجصصة الصصبيوت ‪،‬‬
‫والمتاع الحسن يعنصصي تمتعهصصم بمنصصافع حسصصنة مرضصصية مصصن سصصعة‬
‫الرزق ورغد العيش وبالمن والراحة وبالنعم المتتالية عليهم ‪.‬‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫ت كص ّ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وُيص ْ‬‫وتمتعهم هذا يستمر مدة أعمصارهم ‪ .‬وقصوله تعصالى ‪َ ) :‬‬
‫ه( أي يصصؤتي كصصل ذي عمصصل مصصن العمصصال الصصصالحة‬ ‫ضصل َ ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ف ْ‬‫ِذي َ‬
‫‪5‬‬
‫جزاء عمله في الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫‪ 302‬ص الخصب وزيادة القوة باليمان والتقوى ‪:‬‬

‫‪ 3‬ـ في ظلل القرآن ‪ ،‬م ‪ ، 1‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ 263‬ـ ‪. 264‬‬


‫‪ 4‬ـ سورة هود ‪ ،‬اليات ‪ 1‬ـ ‪. 3‬‬
‫‪ 5‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 378‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ 3‬ـ ‪ ، 4‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ ، 207‬تفسير المنار ج ‪ ، 12‬ص ‪ ، 7‬في ظلل‬
‫القرآن ‪ ،‬م ‪ ، 4‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 27‬‬
‫ومن سنته تعالى في خلقه حصول الخصب بكثرة المطصار وسصعة‬
‫وة لهصصل التقصصوى واليمصصان ‪ .‬قصصال تعصصالى فيمصصا‬ ‫العيش وزيادة الق ّ‬
‫هصصودا ً‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬‫خا ُ‬ ‫عاٍد أ َ‬ ‫وإ ِلى َ‬ ‫يحكيه عن قول هود عليه السلم لقومه ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫فَتصُرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل ُ‬ ‫ن أنُتص ْ‬ ‫غي ُْرهُ إ ِ ْ‬ ‫ه َ‬‫ن إ َِلص ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫عب ُ ُ‬‫وم ِ ا ْ‬ ‫ق ْ‬‫ل َيا َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫فل َ‬ ‫َ‬
‫فطَرن ِصصي أ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َيا َ‬
‫على ال ص ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ج ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرا إ ِ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سألك ْ‬ ‫وم ِ ل أ ْ‬ ‫ق ْ‬
‫ماء‬ ‫سص َ‬‫ل ال ّ‬ ‫سص ِ‬ ‫ه ي ُْر ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ُتوب ُصصوا إ ِلي ْص ِ‬ ‫م ث ُص ّ‬ ‫ْ‬
‫فُروا َرب ّك ُص ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫سصت َ ْ‬ ‫وم ِ ا ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫وَيا َ‬‫ن َ‬ ‫قلو َ‬‫ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪6‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ج ِ‬‫م ْ‬ ‫وا ُ‬ ‫ْ‬ ‫ول ْ‬‫ّ‬ ‫ول َ ت َت َ َ‬‫م َ‬ ‫وت ِك ُ ْ‬‫ق ّ‬ ‫َ‬
‫وةً إ ِلى ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫م ُ‬ ‫زدْك ُ ْ‬‫وي َ ِ‬ ‫ً‬
‫مدَْرارا َ‬ ‫كم ّ‬ ‫علي ْ ُ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫والمعنى أن هودا ً عليه السلم أمرهم بعبادة الله وحده المتضصصمنة‬
‫اليمان به وطصصاعته وتقصصواه وأن يسصصتغفروه ويتوبصصوا إليصصه ‪ ،‬فصصإن‬
‫سر الله لهم سبل العيش الرغيد وأنزل عليهم المطر‬ ‫فعلوا ذلك ي ّ‬
‫متتاليا ً يتلو بعضه بعضا ً ‪ ،‬والمطر سبب كصصل خيصصر مصصن زرع وضصصرع‬
‫زادهم قوة إلى قوتهم أي زادهم شدة إلصصى شصصدتهم وخصصصبا ً إلصصى‬
‫خصبهم وعزا ً إلى عزتهم وكثرة في المال والولد والنعصصم وقصصوة‬
‫على النتفاع بهذه النعم‪. 7‬‬

‫‪ 303‬ص المؤمنون يرثون الرض ‪:‬‬


‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ول َ َ‬
‫قدْ ك َت َب َْنا ِ‬
‫ها‬‫رث ُ َ‬
‫ض يَ ِ‬
‫ن الْر َ‬‫رأ ّ‬‫د الذّك ِ‬
‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬
‫ر ِ‬
‫في الّزُبو ِ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫‪8‬‬
‫ن( ‪ .‬أي ولقد كتبنا في الزبور ص زبور داود صصص مصصن‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬
‫ي ال ّ‬
‫عَباِد َ‬
‫ِ‬
‫بعد الذكر وهو التوراة ‪ ،‬أن الرض أي أرض المصصم الكصصافرة يرثهصصا‬
‫المؤمنون ويستولون عليها بالفتوح‬

‫وهذا هو المروي عن ابن عباس‪. 1‬‬

‫‪ 304‬ص ل يحرم العامل المؤمن من ثمرة عمله ‪:‬‬


‫ن‬
‫ف صَرا َ‬ ‫فَل ك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مص ْ‬ ‫و ُ‬ ‫هص َ‬ ‫و ُ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صصصال ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مص َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫ف َ‬‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ه َ‬ ‫وإ ِّنا ل َ ُ‬
‫‪2‬‬
‫ن( ‪ .‬ومعنصصى ل كفصصران لسصصعيه أي ل حرمصصان‬ ‫كات ُِبو َ‬ ‫ه َ‬ ‫عي ِ ِ‬‫س ْ‬ ‫لِ َ‬
‫ن( أي مثبتصصون عملصصه فصصي صصصحيفة‬ ‫كات ُِبو َ‬‫ه َ‬ ‫وإ ِّنا ل َ ُ‬‫لثواب عمله ذلك ) َ‬
‫‪3‬‬
‫عمله فل يضيع بوجه ما ‪.‬‬
‫ل‬ ‫مص َ‬
‫ع ِ‬
‫ن َ‬ ‫مص ْ‬
‫و َ‬‫هصصا َ‬ ‫َ‬
‫مثل َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫جصَزى إ ِل ِ‬ ‫ة فل ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سصي ّئ ً‬ ‫ل َ‬ ‫مص َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مص ْ‬ ‫وقال تعصالى ‪َ ) :‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫صاِلحا ً من ذَك َ َ‬
‫ن‬‫ة ي ُْرَزقصصو َ‬ ‫جن ّ َ‬
‫ن ال َ‬ ‫خلو َ‬ ‫ولئ ِك ي َدْ ُ‬ ‫ن فأ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫و أنَثى َ‬ ‫رأ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫‪4‬‬
‫ب( ‪ .‬والمعنصصى أن مصصن يعمصصل سصصيئة ل يجصصزى إل‬ ‫سصصا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ر ِ‬‫غي ْص ِ‬ ‫ها ب ِ َ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫مثلها أي بقدرها لن الزيصادة علصى مقصدار جصزاء الحسصصنة فشصيء‬
‫حسن لنه فضل وإحسان والله ذو الفضل العظيصصم ‪ ،‬ولصصذلك قصصال‬
‫هصصا( يعنصصي أن جصصزاء‬ ‫مث ْل َ َ‬‫ب( وهو واقصصع فصصي مقابلصصة )إ ِّل ِ‬ ‫سا ٍ‬‫ح َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غي ْ ِ‬
‫)ب ِ َ‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة هود ‪ ،‬اليات ‪ 50‬ـ ‪. 52‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 449‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ ، 51‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪ 80‬ـ ‪. 81‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ سورة النبياء ‪ ،‬الية ‪. 105‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 128‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 349‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة النبياء ‪ ،‬الية ‪. 94‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪. 90‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ سورة غافر ‪ ،‬الية ‪. 40‬‬
‫السيئة لها حساب وتقدير لئل يزيد على مصصا تسصصتحقه مصصن جصصزاء ‪،‬‬
‫أما جزاء العمل الصالح فبغير تقديروحساب بل ما شصصاء اللصصه مصصن‬
‫الزيادة على مقدار الحسنة‪ ، 5‬واليمان شصصرط فصصي اعتبصصار العمصصل‬
‫الصالح والعتداد به والثواب عليه ودخول الجنة بسببه‪. 6‬‬

‫‪ 305‬ص باليمان والعمل الصالح تحصل الحياة الطيبة ‪:‬‬


‫مص ْ‬ ‫ل صصصاِلحا ً مصصن ذَك َصر أ َ ُ‬
‫ن‬ ‫م ٌ‬
‫ؤ ِ‬ ‫و ُ‬
‫هص َ‬ ‫و أنث َصصى َ‬
‫و ُ‬ ‫ٍ ْ‬ ‫ّ‬ ‫مص َ َ‬ ‫ع ِ‬
‫ن َ‬ ‫مص ْ‬
‫قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫كصصاُنوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مصصا َ‬‫ن َ‬ ‫سصص ِ‬‫ح َ‬
‫هصصم ب ِأ ْ‬
‫جَر ُ‬‫مأ ْ‬‫هصص ْ‬‫زي َن ّ ُ‬
‫ج ِ‬
‫ولن َ ْ‬‫ة َ‬
‫حَيصصاةً طي َّبصص ً‬
‫ه َ‬ ‫فل َن ُ ْ‬
‫حي ِي َّنصص ُ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪ .‬هذه اليصصة الكريمصة تصبين سصّنة مصن سصنن اللصه تعصالى‬ ‫‪7‬‬
‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ووعدا ً صادقا ً منه تعالى بأن من يعمل صصصالحا ً ذكصصرا ً كصصان أو أنصصثى‬
‫فإنه سيحيا في هذه الدنيا حياة طيبة ييسرها الله تعالى له جصصزاء‬
‫عمله الصالح ‪ ،‬وهذا إضافة إلى ما يناله من أجر حسن في الخرة‬
‫هو أحسن مما عملوه في الدنيا ‪.‬‬

‫‪ 306‬ص المقصود بالعمل الصالح ‪:‬‬


‫والمقصود بالعمل الصالح الصصذي هصصو مصصن شصصروط الظفصصر بالحيصصاة‬
‫الطيبصصة وبصصالجر الحسصصن فصصي الخصصرة هصصو العمصصل المشصصروع أي‬
‫الموافق لما شرعه الله في في كتصصابه الكريصصم وسصصنة نصصبيه صصصلى‬
‫الله عليه وسلم‪ . 8‬أما العمل المخالف للشرع فل يعتبر صالحا ً ول‬
‫يسصصتحق الجصصزاء المصصذكور فصصي اليصصة الكريمصصة ‪ .‬ول يشصصترط فصصي‬
‫العامل الذكورة فالذكر والنثى سواء في استحقاق الحياة الطيبة‬
‫بالعمل الصالح ‪.‬‬

‫‪ 307‬ص شرط اليمان مع العمل الصالح‪:‬‬


‫ويشترط مع العمل الصالح لفادته الحيصصاة الطيبصصة إيمصصان العامصصل‬
‫ن( وبهصصذا‬
‫م ٌ‬ ‫مص ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫و ُ‬‫هص َ‬
‫و ُ‬
‫بما يجب اليمان به وهو صريح قوله تعصصالى ) َ‬
‫قال المفسرون من ذلك قول الرازي ‪) :‬إن إفصادة العمصل الصصالح‬
‫للحياة الطيبة مشروط باليمان(‪ . 9‬وكذلك صرح ابصصن كصصثير فقصصال‬
‫في هذه الية ‪) :‬هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا ً من ذكر‬
‫أو أنثى من بني آدم وقلبه مؤمن بالله ورسوله(‪. 10‬‬

‫‪ 308‬ص هل الحياة الطيبة في الدنيا أم في الخرة؟ ‪:‬‬


‫والحياة الطيبة الموعود بها من يعمل العمل الصصصالح هصصي الحيصصاة‬
‫ة‬
‫حي َصصا ً‬‫فصصي الصصدنيا وبهصصذا صصصرح المفسصصرون ‪ ،‬قصصال الزمخشصصري ‪َ ) :‬‬
‫م(‬‫هص ْ‬ ‫زي َن ّ ُ‬ ‫ول َن َ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫طَي ّب َ ً‬
‫ة( يعني في الدنيا وهو الظصصاهر لقصصوله تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫‪ 5‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 168‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 24‬ص ‪. 71‬‬
‫‪ 7‬ـ سورة النحل ‪ ،‬الية ‪. 97‬‬
‫‪ 8‬ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 585‬‬
‫‪ 9‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 19‬ص ‪. 112‬‬
‫‪ 01‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 585‬‬
‫وعدهم الله ثواب الدنيا والخرة كقوله تعالى ‪) :‬فآتاهم الله ثواب‬
‫الدنيا وحن ثواب الخرة(‪. 11‬‬
‫وفي تفسير الرازي ‪ :‬وهذه الحياة الطيبة هل تحصصصل فصصي الصصدنيا‬
‫أو في القبر أو في الخرة؟ أقوال )القول الول( قال القاضصصي ‪:‬‬
‫القرب أنها تحصل فصصي الصصدنيا بصصدليل أنصصه تعصصالى أعقبصصه بقصصوله ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن( ول شصصبهة فصصي أن‬ ‫مل ُصصو َ‬ ‫ما ك َصصاُنوا ْ ي َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫ح َ‬‫هم ب ِأ ْ‬‫جَر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫زي َن ّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ول َن َ ْ‬
‫ج‬ ‫) َ‬
‫‪1‬‬
‫المصراد منصه مصا يكصون فصي الخصرة ‪ .‬وقصال اللوسصي فصي قصوله‬
‫ة( قال غير واحد هي في الدنيا‪. 2‬‬ ‫حَياةً طَي ّب َ ً‬ ‫ه َ‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬‫فل َن ُ ْ‬‫تعالى ‪َ ) :‬‬

‫‪ 309‬ص المقصود بالحياة الطيبة ‪:‬‬


‫والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت ‪ .‬وقصصد روي‬
‫عن ابن عباس وجماعصصة أنهصصم فسصصروها بصصالرزق الحلل الطيصصب ‪.‬‬
‫وعن علي رضي اللصصه عنصصه أنصصه فسصصرها بالقناعصصة وكصصذا قصصال ابصصن‬
‫عبصصاس وعكرمصصة ووهصصب بصصن منبصصه ‪ .‬وقصصال الضصصحاك هصصي الصصرزق‬
‫الحلل والعبادة فصصي الصصدنيا ‪ ،‬وقصصال أيض صا ً ‪ :‬هصصي العمصصل بالطاعصصة‬
‫والنشراح بها‪. 3‬‬
‫وقال المام ابن كثير ‪ :‬والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله‬
‫كما جاء في الحديث الذي رواه المام أحمد عن عبد الله بن عمصصر‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪) :‬قصصد أفلصصح مصصن أسصصلم‬
‫ورزق كفافا ً وقنعه الله بما آتاه(‪. 4‬‬
‫وأوضح الزمخشري كيف تكون الحيصاة الطيبصة لمصن يعمصل العمصل‬
‫الصالح وهو مؤمن فقال ‪) :‬وذلك أن المصصؤمن مصصع العمصصل الصصصالح‬
‫موسرا ً كصصان أو معسصصرا ً يعيصصش عيشصا ً طيبصا ً ‪ :‬إن كصصان موسصصرا ً فل‬
‫مقصصال فيصصه وإن كصصان معسصصرا ً فمعصصه مصصا تطيصصب عيشصصه وهصصو‬
‫القناعةوالرضا بقسمة الله ‪ .‬وأما الفاجر فأمره على العكس ‪ :‬إن‬
‫كان معسرا ً فل إشكال في أمصصره ‪ ،‬وإن كصصان موسصصرا ً فصصالحرص ل‬
‫يدعه يتهنأ بعيشه(‪. 5‬‬

‫‪ 310‬ص الحياة الطيبة تتحقق بأشياء كثيرة ‪:‬‬


‫والواقصصصع أن الحيصصصاة الطيبصصصة تتحقصصصق بأشصصصياء كصصصثيرة ‪ ،‬بالرصصصصا‬
‫والطمئنان وانشراح الصدر والشعور بالسصصعادة وطيصصب العيصصش ‪،‬‬
‫ن تنبعصصث مصصن النفصصس وتكصصون فصصي داخصصل المصصؤمن‬ ‫وهذه كلها معا ٍ‬
‫وهي غير متوقفة على المور الخارجية كالمصصال الصصوفير والمكصصان‬
‫المريح والطعام اللذيصصذ واللبصصاس الفصصاخر الثميصصن وغيصصر ذلصصك مصصن‬
‫المور المادية التي ل تنكر أنها تهيىء ما يرتاح به النسصصان ويلتصصذ‬
‫‪ 11‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 633‬‬
‫‪ 1‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 19‬ص ‪. 112‬‬
‫‪ 2‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 14‬ص ‪. 226‬‬
‫‪ 3‬ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 585‬تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 19‬ص ‪ ، 112‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 14‬ص ‪. 226‬‬
‫‪ 4‬ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 585‬‬
‫‪ 5‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 633‬‬
‫بها لذة بدنية غيصصر منكصصورة ‪ .‬ولكصصن السصصعادة الحقيقيصصة وانشصصراح‬
‫الصدر والشعور بالغبطة والهناء هصصي الصصتي تجعصصل الحيصصاة طيبصصة ‪،‬‬
‫وهصصذه المعصصاني غيصصر متوقفصصة علصصى الشصصياء الماديصصة الخارجيصصة‬
‫وبالتالي ل تتوقف عليها الحياة الطيبة ‪ .‬وما أحسن قول الشصصهيد‬
‫سيد قطب إذ يقول ‪) :‬وإن العمل الصالح مع اليمان جزاؤه حيصصاة‬
‫طيبصصة فصصي هصصذه الرض ‪ ،‬ول يهصصم أن تكصصون ناعمصصة رغصصدة ثريصصة‬
‫بالمال ‪ ،‬فقد تكون به وقد ل يكون معها ‪.‬‬
‫وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بهصصا الحيصصاة فصصي‬
‫حدود الكفاية ‪ :‬فيهصصا التصصال بصالله والثقصصة بصه والطمئنصان إلصى‬
‫رعايته وستره ورضاه ‪ ،‬وفيها الصصصحة والهصصدوء والرضصصا والبركصصة‬
‫وسصصكن الصصبيوت ومصصودة القلصصوب ‪ ،‬وفيهصصا الفصصرح بالعمصصل الصصصالح‬
‫وآثاره فصي الضصمير وآثصاره فصي الحيصاة وليصس المصال إل عنصصرا ً‬
‫واحدا ً يكفي منه القليل حين يتصل القلب بما هصو أعظصم وأزكصى‬
‫وأبقى عند الله(‪. 6‬‬

‫‪ 311‬ص الحياة الطيبة للمؤمن ل تنقص من أجره في الخرة ‪:‬‬


‫والحياة الطيبة في الدنيا التي يظفصر بهصا عامصصل الصصالحات وهصصو‬
‫مؤمن ‪ ،‬هذه الحياة ل تنقص من أجره فصصي الخصصرة ‪ ،‬بصصل إن اللصصه‬
‫تعالى وعد بأن يكون أجصصره فصصي الخصصرة علصصى أحسصصن عملصصه فصصي‬
‫الدنيا ‪ ،‬فما أعظمه من جزاء من رب كريم جواد‪. 7‬‬

‫‪6‬‬
‫ـ في ظلل القرآن ‪ ،‬م ‪ ، 5‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 97‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 585‬في ظلل القرآن ‪ ،‬م ‪ ، 5‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 97‬‬
‫الفصل الثالث عشر‬
‫سّنة الله في الستدراج‬
‫]قانون الستدراج[‬
‫‪ 312‬ص معنى الستدراج في اللغة ‪:‬‬
‫جاء فصصي لسصصان العصصرب‪ : 8‬اسصصتدرجه أي أدنصصاه منصصه علصصى التدريصصج‬
‫فتدرج هو ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وفصصي مفصصردات الصصراغب ‪ :‬سنسصصتدرجهم معنصصاه نأخصصذهم درجصصة‬
‫زل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فدرجة وذلك إدناؤهم من الشيء شيئا فشيئا كالمراقي والمنا ِ‬
‫في ارتفاعها ونزولها ‪.‬‬
‫وفي المعجم الوسيط‪ : 2‬استدرج الله العبد ‪ :‬أمهله ولم يباغته ‪.‬‬
‫وفي بصائر ذوي التمييز‪ : 3‬استدرج اللصصه المصصرء ‪ :‬ج صّره قليل ً قليل ً‬
‫إلى العذاب ‪.‬‬

‫‪ 312‬ص معنى الستدراج عند المفسرين ‪:‬‬


‫أ ص جاء في تفسير الزمخشصصري ‪ :‬اسصصتدرجه إلصصى كصصذا إذا اسصصتنزله‬
‫إليه درجة فدرجة حتى يورطه فيه ‪.‬‬
‫ب ص وفي تفسير القرطبي ‪) :‬الستدراج هو الخذ بالتدريج منزلصصة‬
‫بعد منزلة(‪. 4‬‬
‫ج ص ص وفصصي تفسصصير اللوسصصي ‪ :‬السصصتدراج اسصصتفعال مصصن الدرجصصة‬
‫بمعنى النقل درجة بعد درجة من سفل إلى علو فيكون استصعادا ً‬
‫أو بالعكس فيكون استنزال ً‪.5‬‬

‫‪ 314‬ص استدراج الكفرة والعصاة ‪:‬‬


‫ُ‬
‫ن‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫مِلي ل َ ُ‬ ‫وأ ْ‬‫ن َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ث َل ي َ ْ‬
‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫هم ّ‬
‫ج ُ‬
‫ر ُ‬
‫ست َدْ ِ‬
‫سن َ ْ‬
‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن(‪ 6‬فمن سنة الله تعالى في عباده الستدراج ‪ .‬ومعنى‬ ‫مِتي ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ك َي ْ ِ‬
‫الية أن الله يستدرج الكفرة والعصاة بأن يرزقهم الصحة والنعمة‬
‫فيجعلون رزق الله ذريعة إلى ازديصصاد الكفصصر والمعاصصصي ‪ .‬وهصصم ل‬
‫يعلمون أي وهم ل يشعرون أن هذا استدراج لهم ‪ ،‬بصصل يعتقصصدون‬
‫أن ذلك من الله كرامة لهم مصصع أنصصه فصصي نفصصس المصصر إهانصصة لهصصم‬
‫واستدراج ‪.‬‬
‫م( أي وأمهلهم فل أعصصاجلهم بالعقوبصصة ليصصزدادوا إثم صا ً‬ ‫) ُ‬
‫ه ْ‬ ‫مِلي ل َ ُ‬‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫دي‬ ‫ن ك َْيصص ِ‬ ‫وهصصم يزعمصصون أن ذلصصك لرادة الخيصصر والكصصرام لهصصم )إ ِ ّ‬
‫ن( سمى الله تعالى إحسانه وتمكينه للكفرة والعصاة كيدا ً لما‬ ‫مِتي ٌ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫سماه استدراجا لكونه في صورة الكيد حيث كصصان سصصببا للسصصقوط‬ ‫ً‬

‫‪ 8‬ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 92‬‬


‫‪ 1‬ـ مفردات الراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 167‬‬
‫‪ 2‬ـ المعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 277‬‬
‫‪ 3‬ـ بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 592‬‬
‫‪ 4‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 329‬‬
‫‪ 5‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 126‬‬
‫‪ 6‬ـ سورة القلم ‪ ،‬آية ‪. 45 ، 44‬‬
‫ف الهلكة ووصف كيده بانه متين لقوة أثر إحسصصانه فصصي التسصصبب‬
‫للهلك وأن هذا الهلك ل يدفعه شصصيء ‪ .‬وقصصد قيصصل كصصم مسصصتدرج‬
‫بالحسصصان إليصصه وكصصم مفتصصون بالثنصصاء عليصصه وكصصم مغصصرور بالسصصتر‬
‫عليه‪. 7‬‬

‫‪ 315‬ص استدراج المكذبين ‪:‬‬


‫ومن سنته تعالى في الستدراج استدراج المكذبين بآياته تعصصالى ‪،‬‬
‫ث لَ‬ ‫حي ْص ُ‬‫ن َ‬ ‫مص ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫ر ُ‬
‫س صت َدْ ِ‬ ‫ن ك َصذُّبوا ْ ِبآَيات ِن َصصا َ‬
‫سن َ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬‫ل‪َ ):‬‬ ‫قال عّز وج ّ‬
‫يعل َمون ُ‬
‫ن ك َي ْ ِ‬ ‫مِلي ل َ ُ‬
‫‪8‬‬
‫ن( ‪ .‬والمعنصصى أن الصصذين كصصذبوا‬ ‫مِتي ص ٌ‬‫دي َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫وأ ْ‬‫َ ْ ُ َ َ‬
‫بآيصصات اللصصه ولصصم تنفعهصصم هدايصصة الهصصادين كأهصصل مكصصة وغيرهصصم‬
‫ث لَ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫هم( أي سنقربهم إلى الهلك شيئا ً فشيئا ً ) ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫ر ُ‬‫ست َدْ ِ‬
‫سن َ ْ‬‫) َ‬
‫ن( ما يراد بهم وذلك بإدرار النعم عليهم مع انغماسهم فصصي‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫الغي والتكذيب ‪ ،‬فكلما جدد الله لهصصم نعمصصة ازدادوا بطصصرا ً وأشصصرا ً‬
‫وجددوا معصصصية فيتصصدرجون فصصي المعاصصصي بسصصبب تصصرادف النعصصم‬
‫عليهم ظانين أن ذلك من الله إكرام لهم وتقريب لهم منه ‪ ،‬وإنما‬
‫هذه النعم خذلن منه وتبعيد واستدراج ‪ُ ) .‬‬
‫م( أي أمهلهم‬ ‫مِلي ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫ماه اللصصه تعصصالى كيصصدا ً لنصصه شصصبيه‬ ‫ن( س ّ‬ ‫مِتي ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ك َي ْ ِ‬ ‫ليزدادوا إثما ً )إ ِ ّ‬
‫بالكيد من حيث إنصه فصي الظصصاهر إحسصصان وإنعصام وفصي الحقيقصة‬
‫خذلن ‪ ،‬ثم يأخذهم الله تعالى دفعة واحدة على حيصصن غ صّرة وهصصم‬
‫أغفل مصا يكونصون‪ . 9‬وفصي تفسصصير المنصصار ‪ :‬الكيصصد كصالمكر ‪ ،‬وهصو‬
‫التديبر الذي يقصد به غير ظاهره بحيث ينخدع المكيد له بمظهره‬
‫فل يفطن له حصصتى ينتهصصي إلصى مصا يسصؤوه مصن مخصبره وغصايته ‪.‬‬
‫ومعنى الية ‪ :‬أمهل هؤلء المكذبين المستدرجين وأمصدّ لهصصم فصصي‬
‫أسباب المعيشة والقدرة على الحرب كيدا ً أو مكرا ً بهم ل حبا ً بهم‬
‫ونصرا ً لهم ‪ ،‬وفي حديث البخاري ‪) :‬إن الله تعالى ليملي للظصصالم‬
‫حتى إذا أخذه لم يفلته(‪. 10‬‬

‫‪ : 316‬استدراج المم ‪:‬‬


‫سصصاء‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫خ صذَْنا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬ول َ َ َ‬
‫م ِبالب َأ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من قب ْل ِك فأ َ‬ ‫مم ٍ ّ‬ ‫سلَنا إ ِلى أ َ‬ ‫قدْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫هم بأ ْ‬
‫كن‬ ‫وَلص ص ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ص‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫صاء‬ ‫ص‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ول‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫ضّراء ل َ َ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫طا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫ز‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫ْ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫مصصا ُأوت ُصصوا ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫صو‬ ‫ص‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫تى‬ ‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫عل َيهم أ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حَنا‬ ‫فت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ذُك ُّروا ْ ب ِ ِ‬
‫مصصوا ْ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وم ِ ال ّ ص ِ‬ ‫قص ْ‬ ‫داب ُِر ال ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫قطِ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫ذا ُ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫غت َ ً‬ ‫هم ب َ ْ‬ ‫خذَْنا ُ‬ ‫أَ َ‬
‫مصصا ذُك ّصُروا ْ‬ ‫سوا ْ َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫ن(‪ . 1‬وقوله تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫مدُ ل ِل ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫َ‬
‫كصصروا بصصه وتناسصصوه وجعلصصوه وراء‬ ‫ه( أي فلمصصا أعرضصصوا عمصصا ذ ّ‬ ‫ِبصص ِ‬

‫‪ 7‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 595‬ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 408‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 18‬ص ‪. 251‬‬
‫‪ 8‬ـ سورة العراف ‪ ،‬اليتان ‪ 182‬ـ ‪. 183‬‬
‫‪ 9‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 182‬ابن كثير ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 270‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ ، 126‬الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 15‬ص ‪. 73‬‬
‫‪ 01‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 452‬‬
‫‪ 1‬ـ سورة النعام ‪ ،‬اليات ‪ 42‬ـ ‪. 45‬‬
‫ء( ‪ ،‬أي فتحنا عليهم أبواب‬ ‫ي ٍ‬ ‫ل َ‬‫ب كُ ّ‬ ‫َ‬ ‫حَنا َ َ‬ ‫ظهورهم ) َ‬
‫ش ْ‬ ‫وا َ‬
‫م أب ْ َ‬
‫ه ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫فت َ ْ‬
‫الرزق من كل ما يختارون ‪ .‬قال ابصصن كصصثير ‪ :‬وهصصذا اسصصتدراج منصصه‬
‫مصصا ُأوت ُصصوْا(‬ ‫حصصوا ْ ب ِ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذا َ‬‫حّتى إ ِ َ‬ ‫تعالى وإملء لهم ولهذا قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ذا‬‫فإ ِ َ‬‫ة( أي على غفلة ) َ‬ ‫غت َ ً‬‫هم ب َ ْ‬ ‫خذَْنا ُ‬ ‫من الموال والولد والرزاق )أ َ َ‬
‫ن( أي آيسون مصصن كصصل خيصصر ‪ .‬وروى المصصام أحمصصد عصصن‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫ُ‬
‫هقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليصصه وسصصلم قصصال ‪ :‬إذا رأيصصت‬
‫الله يعطي العبصصد مصصن الصصدنيا علصصى معاصصصيه مصصا يحصصب ‪ ،‬فإنمصصا هصصو‬
‫سصصوا ْ‬ ‫مصصا ن َ ُ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫استدراج ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسصصلم ‪َ ) :‬‬
‫ه‪ (..‬الخ‪. 2‬‬ ‫ذُك ُّروا ْ ب ِ ِ‬
‫ه(‬ ‫ما ذُك ُّروا ْ ب ِ ص ِ‬ ‫سوا ْ َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫فل َ ّ‬‫وفي تفسير اللوسي في قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫المراد أنهم انهمكوا فصصي معاصصصيهم ولصصم يتعظصصوا بمصصا نصصالهم مصصن‬
‫ء(‬ ‫ي ٍ‬ ‫ل َ‬‫كصص ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫َ‬ ‫حَنا َ َ‬ ‫البأساء والضراء فلما لم يتعظوا ) َ‬
‫شصص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫م أب ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫فت َ ْ‬
‫من النعم الكثيرة كالرخاء وسعة الرزق مكرا ً بهم واستدراجا ً لهصصم‬
‫ما ُأوُتوْا( من النعم ولم يقوموا بحق‬ ‫ر )ب ِ َ‬‫حوْا( فرح بط ٍ‬ ‫ر ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫) َ‬
‫ة( أي فجصصأة‬ ‫غت َص ً‬‫هم( عاقبناهم وأنزلنا بهم العصصذاب )ب َ ْ‬ ‫خذَْنا ُ‬ ‫َ‬
‫المنعم )أ َ‬
‫داب ِصُر‬ ‫ع َ‬ ‫قطِص َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن( أي آيسون من النجصصاة والرحمصصة ) َ‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫ذا ُ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫) َ‬
‫د‬
‫مص ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫وال َ‬ ‫موا( أي استؤصلوا ولم يبصصق منهصصم أحصصد ) َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن( على ما جرى عليهم مصن النكصصال والغهلك فصإن‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫إهلك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لهل الرض من شؤم‬
‫عقائدهم الفاسدة وأعمالهم الخبيثصصة نعمصصة جليلصصة يحصصق أن يحمصصد‬
‫عليها‪. 3‬‬

‫‪ 317‬ص سّنة الله العامة في المستدرجين ‪:‬‬


‫ومن آيات الستدراج التي ذكرناها في الفقصصرات السصصابقة يتصصبين‬
‫لنا أن سنة الله في المستدرجين إمهالهم بعد أن لم يتعظصصوا بمصصا‬
‫امتحنهم الله به من صفوف البأساء والضّراء أو بمصصا امتحنهصصم بصصه‬
‫من النعم أو بعد أن كذبوا بآيات اللصصه الصصتي مصصن شصصأنها أن تحمصصل‬
‫المتأمل فيها على اليمان ‪ ،‬وإن سنة الله تعالى فصصي هصصؤلء مصصدة‬
‫إمهالهم أن يوسع عليهم الصصرزق والخيصرات ويزيصد عليهصصم الرخصاء‬
‫الذي هم فيه ويعطيهم ما يتمنون من النعم على وجه السصصتدراج‬
‫لهم وزيادة إثمهم لما يقابلون هذه النعم بالمعاصي ‪.‬‬

‫‪ 318‬ص ما يجب التعاظ به من سّنة الله في المستدرجين ‪:‬‬


‫إن نعم الله تقابل بالشكر ‪ ،‬وهذا هو منهصصج المصصؤمنين ومسصصلكهم‬
‫في الحياة ‪ ،‬فكصصل نعمصصة يعطاهصصا المصصؤمن يقابلهصصا بطاعصصة جديصصدة‬
‫وشكر جديد ‪ ،‬فإذا غفل عن هذا ونسي شكر النعمة بشكر المنعم‬
‫فهو مقصر وغافل ‪ ،‬فإذا قابل النعمة بالمعصصصية فهصصو مسصصتدرج ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 132‬‬


‫‪ 3‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ ، 151‬ص ‪. 152‬‬
‫والفاصل بين المقصر والمستدرج خيط دقيق جدا ً ‪ ،‬فإن المقصصصر‬
‫فصصي شصصكر النعمصصة غفلصصة منصصه وجهل ً قصصد ينزلصصق إلصصى منحصصدر‬
‫السصصتدراج ‪ ،‬ولصصذلك كصصان العصصارفون يخشصصون علصصى أنفسصصهم‬
‫))الستدراج(( وأن يكونوا مستدرجين إذا توالت عليهم النعصصم مصصع‬
‫احتمال تقصيرهم في شصصكرها فيكصصون ذلصصك علمصصة اسصصتدراجهم ‪،‬‬
‫ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حملصصت إليصصه كنصصوز‬
‫كسرى ‪ :‬اللهم إني أعوذ بك أن أكصصون مسصصتدرجا ً ‪ ،‬فصصإني أسصصمعك‬
‫ن(‪. 4‬‬ ‫عل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ث َل ي َ ْ‬
‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫هم ّ‬
‫ج ُ‬
‫ر ُ‬
‫ست َدْ ِ‬
‫سن َ ْ‬
‫تقول ‪َ ) :‬‬
‫وقال الحسن البصري رحمه الله ‪ :‬كم مسصصتدرج بالحسصصان إليصصه ‪،‬‬
‫وكم مفتون بالثناء عليه وكم مغرور بالستر عليه‪. 5‬‬

‫‪ 319‬ص الخوف من الستدراج ‪:‬‬


‫وعلصصى هصصذا فينبغصصي للفصصرد المسصصلم والجماعصصة المسصصلمة والمصصة‬
‫بمجموعهصصا أن ل يغصصتروا بنعصصم اللصصه عليهصصم وأن يخصصافوا علصصى‬
‫أنفسهم من أن يكون تواتر النعصصم عليهصصم اسصصتدراجا ً لهصصم وليصصس‬
‫إكراما ً وإنعاما ً لهم ‪ .‬والذي يرجح أن هصصذه النعصصم إكصصرام لهصصم مصصن‬
‫الله تعالى مسارعتهم إلى شصصكرها بشصصكر المنعصصم عليهصصا بالقيصصام‬
‫بحق نعم اللصصه ووضصصعها فصي مواضصصعها والزيصصادة فصصي طاعصصة اللصصه‬
‫والتيان بما يحبه من الجهاد في سبيله ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬لبن منظور ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 92‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 18‬ص ‪. 251‬‬
‫الفصل الرابع عشر‬
‫سّنة الله في المكر والماكرين‬
‫]قانون المكر[‬
‫‪ 320‬ص تعريف المكر ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫أ ص المكر ‪ :‬احتيال في خفية ‪ ،‬والمكر ‪ :‬الحتيال والخديعة ‪.‬‬
‫ب ص المكر ‪ :‬صرف الغير عما يقصده بنوع من الحيلة‪. 2‬‬
‫ج ص المكر ‪ :‬إيصال المكروه إلى الغير على وجه يخفى عليه‪. 3‬‬
‫د ص المكر ‪ :‬وهو في الصل التدبير الخفي المفضي بصصالممكور بصصه‬
‫إلى مال يحتسب‪. 4‬‬

‫‪ 321‬ص التعريف المختار ‪:‬‬


‫والتعريف الخير هو ما نختاره مع شيء من التعديل لن المكصصر ل‬
‫يشترط في تعريف حقيقته إفضاؤه إلى مصصا جصصاء فصصي التعريصصف ‪،‬‬
‫ولهذا أرجح في تعريف المكر أن يقال فيه ‪ ،‬المكر ‪ :‬تصصدبير خفصصي‬
‫محكم ليقاع ما يريده الماكر بالممكور به من حيث ل يحتسب ‪.‬‬

‫‪ 322‬ص أنواع المكر ‪:‬‬


‫قال العلماء ‪ :‬المكر نوعان محمود ومذموم ‪ ،‬والمحمود ما يتحصصرى‬
‫به فعل جميل ‪ .‬والمذموم ما يتحرى بصصه فعصصل قبيصصح ‪ .‬ومصصن الول‬
‫قوله تعالى )والله خير الماكرين( ‪ .‬ومن الثصصاني ص ص أي المصصذموم ص ص‬
‫قوله تعصالى ‪) :‬ول يحيصق المكصر السصيء إل بصأهله(‪ . 5‬ولهصذا كصان‬
‫المكر ‪ :‬الحسن والسصصيء جميع صا ً ‪ .‬وفصصي المصصاكرين يوجصصد الخيصصار‬
‫والشرار‪. 6‬‬

‫‪ 323‬ص وجه إضافة المكر إلى الله تعالى ‪:‬‬


‫وإضافة المكر إلى الله تعالى على وجصصوه ‪) :‬الول( تسصصمية جصصزاء‬
‫المكصصر بصصالمكر ‪ .‬أي تسصصمية الجصصزاء الصصذي يصصوقعه اللصصه بالمصصاكر‬
‫ب)المكر( كقوله تعالى ‪) :‬وجزاء سصيئة سصيئة مثلهصا( ‪) .‬والثصاني(‬
‫تسمية معاملة الله تعالى للماكرين مكرا ً لكونها شصبيهة بصالمكر‪، 7‬‬
‫)الثالث( تسمية تدبير الله تعالى الصصذي يخفصصى علصصى عبصصاده مكصصرا ً‬
‫لخفصصائه ‪ .‬وهصصو إنمصصا يكصصون لقامصصة سصصننه واتمصصام حكمصصه وحكمتصصه‬
‫وإيقاع عذابه في أعدائه ‪ ،‬ودفعصصه عصصن أوليصصائه ‪ ،‬وكلهصصا خيصصر فصصي‬
‫صر العباد في معرفتها أو فهمها‪. 8‬‬ ‫نفسها وإن ق ّ‬

‫‪ 1‬ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 33 ، 32‬‬


‫‪ 2‬ـ بصائر التمييز للفيروز آبادي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 516‬‬
‫‪ 3‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 179‬‬
‫‪ 4‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 315‬‬
‫‪ 5‬ـ مفردات الراغب ‪ ،‬ص ‪ ، 47‬بصائر ذوي التمييز ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 516‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 315‬‬
‫‪ 7‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 10‬‬
‫‪ 8‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 315‬‬
‫‪ 324‬ص الغالب في المكر استعماله في السوء ‪:‬‬
‫قلنا إن المكصصر يعنصصي التصصدبير الخفصصي والحتيصصال لبلصصوغ المقصصصود‬
‫بالممكور به على وجه يخفى عليه ‪ .‬وهذا المعنصصى ل يكصصون غالبصصا ً‬
‫إل في الشر والفساد لن من يريد بغيصصره الخيصصر والصصصلح ل يكصصاد‬
‫يحتاج إلى إخفائه ‪ ،‬ولهذا غلب استعمال المكر في السوء والشصصر‬
‫والفساد وإيقاع الغير فيها ‪ ،‬وصرفه إلى الباطل‪. 9‬‬

‫‪ 325‬ص الكبراء هم أهل المكر غالبا ً ‪:‬‬


‫كصصُروا ْ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ةأ َ‬ ‫ل َ‬ ‫في ك ُ ّ‬‫عل َْنا ِ‬ ‫وك َذَل ِ َ‬
‫هصصا ل ِي َ ْ‬
‫مي َ‬
‫ر ِ‬
‫ج ِ‬
‫م َ‬
‫كاب َِر ُ‬ ‫قْري َ ٍ‬ ‫ج َ‬ ‫ك َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ن( ‪ .‬والمعنى ‪ :‬جعلنصصا‬ ‫‪10‬‬
‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬‫س ِ‬
‫ف ِ‬‫ن إ ِل ّ ب ِأن ُ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫و َ‬
‫ها َ‬
‫في َ‬
‫ِ‬
‫في كل قرية مجرميها أكابر أي العظماء والرؤسصصاء فيهصصا ‪ .‬وإنمصصا‬
‫خصهم بالذكر لنهم أقدر على الفساد وأقصصوى مصصن غيرهصصم علصصى‬
‫حمل الناس على اتباعهم في باطلهم‪ ، 11‬وقال الزجاج إنما جعصصل‬
‫المجرمين أكابر لنهم لجل‬

‫رياستهم أقدر على الغدر والمكر وترويصصج الباطيصصل علصصى النصصاس‬


‫من غيرهم‪. 1‬‬

‫‪ 326‬ص لماذا كان المجرمون أكابر المجتمع؟ ‪:‬‬


‫ولكصصن لمصصاذا كصصان المجرمصصون أكصصابر المجتمصصع والرؤسصصاء فيصصه؟‬
‫والجواب ‪ :‬صاروا أكابر المجتمع مع كونهم مجرمين بسصصبب غفلصصة‬
‫هل علصصى أهصصل‬ ‫أهل الحصصق وضصصعفهم وتفرقهصصم وجهلهصصم ممصصا سص ّ‬
‫الباطل أن يسيطروا عليهصصم ويتجصصرأوا عليهصصم وينصصصبوا أنفسصصهم‬
‫قادة ورؤساء وعظماء وكبراء عليهم وعلصصى المجتمصصع كلصصه ‪ .‬وقصصد‬
‫مضت سنة الله أن المجتمع الذي يتفرق فيه أهل الحصصق ويجبنصصون‬
‫عصصن مواجهصصة المجرميصصن ‪ ،‬ويجتمصصع فيصصه المجرمصصون ويتحصصدون‬
‫ويتقوون ويتقصصدمون لتنفيصصذ إرادتهصصم ‪ ،‬أن هصصؤلء المجرميصصن هصصم‬
‫الذين يسيطرون على المجتمصصع ويصصؤئرون فيصصه ويصصصيرون حكصصامه‬
‫وقصصادته ‪ ،‬يجعلصون أهصل الحصق المتفرقيصصن الجبنصاء معزوليصصن عصصن‬
‫المجتمع معن التأثير فيه ‪ .‬إن الحق ل بد له من قوة تحميه وتثبت‬
‫وجوده في المجتمع فإذا فقد هذه القوة برزت قوة الباطل بقوة‬
‫أهله وبرز المبطلون المجرمون وصاروا هم أكابر المجتمع وقادته‬
‫والرؤساء فيه ‪.‬‬

‫‪ 327‬ص لماذا يمكر المجرمون بالناس؟ ‪:‬‬

‫‪ 9‬ـ تفسير المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 315‬وج ‪ ، 8‬ص ‪. 33‬‬


‫‪ 01‬ـ سورة النعام ‪ ،‬الية ‪. 123‬‬
‫‪ 11‬ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 172‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ ، 79‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 22‬‬
‫‪ 1‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 114‬‬
‫ولكصصن لمصصاذا يمكصصر المجرمصصون بالنصصاس ويصصصرفونهم عصصن الحصصق‬
‫ويدفعونهم إلى الباطل ويوقعونهم في الضلل والفسصصاد؟ لمصصاذا‬
‫ل يكتفصصي المجرمصصون برياسصصة المجتمصصع وصصصيرورتهم أكصصابر فيصصه‬
‫ويتركون الناس وشأنهم؟ والجواب ‪ :‬إن المجرمين يخافون ظهور‬
‫الحق في المجتمع وتجمصصع النصصاس حصصوله فينكشصصف بهصصذا الظهصصور‬
‫إجرامهم وباطلهم مما يفقدهم رياستهم ومراكزهصصم ولهصصذا كصصان‬
‫المجرمون في الماضي يعادون رسل الله ويصصصرفون النصصاس عصصن‬
‫دعوتهم كما فعلوه بسيدنا ونبينصصا محمصصد صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬
‫وأتبصصصاعه المصصصؤمنين ‪ .‬وسصصصيظل هصصصؤلء الجرمصصصون هصصصذا دينهصصصم‬
‫ومنهجهم ‪ :‬يعادون المصصؤمنين الصصدعاة إلصصى الحصصق فصصي كصصل مكصصان‬
‫وزمان ‪ .‬فهي سنة ماضية وثابتة بأن ينتدب في كل قرية نفر من‬
‫أكابر المجرمين فيها يقفون موقصصف العصصداء مصصن ديصصن اللصصه ومصصن‬
‫الدعاة إليه لن دين الله يأمر بتجريد هؤلء الكابر المجرميصصن مصصن‬
‫السلطان الذي يستطيلون به على الناس ويستذلون به الرقاب ‪.‬‬

‫‪ 328‬ص أنواع المكر السيىء ‪:‬‬


‫أصحاب المكر السيء ل يقف مكرهم عند حدّ من حيث نوع المكصصر‬
‫ومن حيث من يوجهون مكرهم إليه ‪ .‬ونصصبين فيمصصا يلصصي مصصا أشصصار‬
‫إليه القرآن الكريم من أنواع المكر السيء الذي باشره أهلصصه مصصن‬
‫جصصه إليهصصم هصذا‬
‫و ّ‬
‫حيث طبيعة هذا المكر وأنواعه ‪ ،‬ومن حيصث مصصن ُ‬
‫المكر السيء ‪.‬‬

‫‪ 329‬ص أنواع المكر السيء من حيث طبيعته ‪:‬‬


‫أول ً ‪ :‬القتل والحبس والبعاد ‪:‬‬
‫من مكر المجرمين ص أكابر المجتمع صص تصصدبيرهم واحتيصصالهم ليقصصاع‬
‫الذى برسصصل اللصصه وأتبصصاعهم بالقتصصل أو الحبصصس أو البعصصاد مصصن‬
‫ديارهم ‪ .‬ونذكر فيما يلي بعض ما جاء في القصصرآن الكريصصم بشصصأن‬
‫هذا النوع من المكر ‪.‬‬
‫أ ص قال تعالى في مكر اليهصصود بعيسصصى بصصن مريصصم عليصصه السصصلم ‪:‬‬
‫)ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين(‪ . 2‬وجصصاء فصصي تفسصصيرها ‪:‬‬
‫س عيسى منهصصم الكفصصر ‪،‬‬ ‫ومكر الكفار من بني إسرائيل الذين أح ّ‬
‫ومكرهم أنهم وكلوا به من يقتله غيلة‪. 3‬‬
‫ب ص ومن مكر الكفرة برسولهم بقتله وقتصصل أهلصصه مصصا قصصصه اللصصه‬
‫علينا من أخبار ثمود مع نبيهم صالح عليه السلم وكيف أن رهطا ً‬
‫ة‬ ‫ع ُ‬‫سص َ‬‫ة تِ ْ‬ ‫ديَنص ِ‬ ‫م ِ‬ ‫فصي ال ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وك َصصا َ‬
‫منهم اتفقوا على قتله ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫موا ب ِصصالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سص ُ‬ ‫قا َ‬ ‫قصصاُلوا ت َ َ‬‫ن َ‬ ‫حو َ‬ ‫وَل ي ُ ْ‬
‫ص صل ِ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫فصصي اْل َْر‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫سص ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ط يُ ْ‬‫هص ٍ‬ ‫َر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وإ ِّنصصا‬
‫ه َ‬ ‫هِلصص ِ‬‫كأ ْ‬ ‫هِلصص َ‬ ‫م ْ‬
‫هدَْنا َ‬‫شصص ِ‬‫مصصا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ول ِي ّ ِ‬
‫ن ِلصص َ‬ ‫قصصول َ ّ‬ ‫م ل َن َ ُ‬
‫ه ُثصص ّ‬‫هَلصص ُ‬
‫وأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل َن ُب َي ّت َّنصص ُ‬

‫‪ 2‬ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 54‬‬


‫‪ 3‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 366‬‬
‫فانظُْر ك َي ْ َ‬
‫ف‬ ‫ن َ‬ ‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫كرا ً َ‬ ‫م ْ‬‫مك َْرَنا َ‬ ‫و َ‬ ‫كرا ً َ‬ ‫م ْ‬ ‫مك َُروا َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫صاِد ُ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫و َ‬ ‫مك ْ ِ‬ ‫َ‬
‫‪4‬‬
‫ن( ‪ ،‬وجصاء فصي‬ ‫عيص َ‬ ‫م ِ‬‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬ ‫و َ‬ ‫قص ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫مْرَنصا ُ‬ ‫م أن ّصصا دَ ّ‬ ‫ه ْ‬
‫ر ِ‬ ‫ة َ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫عا ِ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬
‫تفسير هذه اليات ‪ :‬أن المدينة هي )الحجر( التي فيها ثمود قصصوم‬
‫ط( أي تسعة أنفس وهصصم‬ ‫ه ٍ‬ ‫ة َر ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫س َ‬ ‫صالح عليه السلم وكان فيها )ت ِ ْ‬
‫الذين سعوا في عقر الناقة وكانوا عتاة قوم صالح عليه السلم ‪،‬‬
‫وكصصانوا مصصن أبنصصاء أشصصرافهم وكصصانوا يفسصصدون فصصي الرض ول‬
‫يصلحون ‪ .‬يعني أن شأنهم الفساد البحت الصصذي ل يخلصصط بشصصيء‬
‫من الصلح ‪ .‬فهؤلء قصصالوا متقاسصصمين أي حصصالفين بصصالله لنبصصاغت‬
‫صالحا ً وأهله ليل ً فنقتلهم ‪ .‬ومكروا ‪ ،‬وكان مكرهم ما أخفوه مصصن‬
‫تصصدبير الفتصصك بصصصالح عليصصه السصصلم وأهلصصه ‪ .‬ومكصصر اللصصه ‪ :‬تصصدبيره‬
‫بإهلكهم وإهلك قومهم من حيث ل يشعرون‪. 1‬‬
‫ج ص وعن مكر كفار قريش برسصصول اللصصه صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬
‫وتصصدبيرهم الخصصبيث لقتلصصه أو حبسصصه أو إخراجصصه مصصن مكصصة ‪ ،‬قصصال‬
‫قت ُُلو َ َ‬ ‫فروا ْ ل ِيث ْبُتو َ َ‬
‫ك‬‫جو َ‬ ‫ر ُ‬‫خ ِ‬‫و يُ ْ‬‫كأ ْ‬ ‫و يَ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫مك ُُر ب ِ َ‬ ‫وإ ِذْ ي َ ْ‬ ‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن( ‪ .‬تشصصير هصصذه اليصصة‬ ‫‪2‬‬
‫ري َ‬ ‫مصصاك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ْصُر ال َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫واللص ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫مكصُر اللص ُ‬ ‫ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫الكريمة إلى مكر كفار قريش برسول الله صلى الله عليصصه وسصصلم‬
‫ونصصوع المكصصر الصصذي دبصصروه ‪ .‬وكصصان مصصن أخبصصار مكرهصصم هصصذا أنهصصم‬
‫اجتمعوا في دار الندوة بمكة وتشاوروا فيما يفعلونه برسول الله‬
‫صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم واقصصترحوا أحصصد ثلثصصة أشصصياء هصصي ‪:‬‬
‫))ليثبتوك(( أي ليسجنوك أو ليقيدوك ‪ ،‬أو ))فيقتلوك(( بسيوفهم‬
‫‪ ،‬أو ))يخرجوك(( من مكة‪. 3‬‬
‫‪ 330‬ص ثانيا ً ‪ :‬تحريش الناس على أذى الرسل وأتباعهم ‪:‬‬
‫ً ‪4‬‬
‫كصصرا ً ك ُّبصصارا(‬ ‫م ْ‬ ‫كصصُروا َ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫قصصال تعصصالى عصصن قصصوم نصصوح ومكرهصصم ‪َ ) :‬‬
‫والماكرون هم الرؤساء ‪ ،‬ومكرهم احتيصصالهم فصصي الصصدين وكيصصدهم‬
‫لنوح عليه السلم وتحريش الناس علصصى أذاه وصصصدهم عصصن الميصصل‬
‫وَل‬ ‫م َ‬ ‫هت َك ُص ْ‬
‫ن آل ِ َ‬ ‫قصصاُلوا َل ت َصذَُر ّ‬ ‫و َ‬ ‫إليه والستماع منصصه وقصصولهم لهصصم ‪َ ) :‬‬
‫ً ‪5‬‬
‫سصصرا( ‪ .‬وفصي تفسصصير‬ ‫ون َ ْ‬ ‫عصصوقَ َ‬ ‫وي َ ُ‬‫ث َ‬ ‫غصو َ‬ ‫وَل ي َ ُ‬ ‫واعا ً َ‬ ‫سص َ‬‫وَل ُ‬ ‫ودّا ً َ‬ ‫ن َ‬ ‫َتصذَُر ّ‬
‫القرطبي ‪ :‬قيل مكرهصصم ‪ :‬تحريشصصهم سصصفهاءهم علصصى قتصصل نصصوح‬
‫عليه السلم‪. 6‬‬

‫‪ 331‬ص ثالثا ً ‪ :‬صد الناس عن دعوة الحق ‪:‬‬


‫ومن المكر السيء الذي قاموا به في الماضي ويقومصصون بصصه فصصي‬
‫كصصل حيصصن سصصعيهم الحصصثيث فصصي صصصدهم النصصاس عصصن دعصصوة الحصصق‬
‫بزخرف القول ‪ ،‬وبإشاعة الباطيل والفتراءات على هذه الصصدعوة‬
‫‪ 4‬ـ سورة النمل ‪ ،‬اليات ‪ 48‬ـ ‪. 51‬‬
‫‪ 1‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ 372‬ـ ‪. 373‬‬
‫‪ 2‬ـ سورة النفال ‪ ،‬الية ‪. 30‬‬
‫‪ 3‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 215‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪ ، 397‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 197‬‬
‫‪ 4‬ـ سورة نوح ‪ ،‬الية ‪. 22‬‬
‫‪ 5‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 619‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير القرطبي ج ‪ ، 18‬ص ‪. 37‬‬
‫المباركة وبتزيينهم الضلل الذي هم عليه في أعيصصن النسشصصاس ‪،‬‬
‫ن‬ ‫دوا ْ َ‬
‫عصص ِ‬ ‫صصص ّ‬
‫و ُ‬
‫م َ‬
‫هصص ْ‬ ‫فصصُروا ْ َ‬
‫مك ُْر ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ن ل ِّلصص ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قصصال تعصصالى ‪َ) :‬بصص ْ‬
‫ل ُزّيصص َ‬
‫سِبيلِ‪ ، 7(...‬قال مجاهصصد ‪ :‬مكرهصصم أي مصصاهم عليصصه مصصن الضصصلل‬ ‫ال ّ‬
‫‪8‬‬
‫والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار ‪.‬‬
‫وفي تفسير اللوسي ‪ :‬مكرهصصم أي كيصصدهم للسصصلم بشصصركهم أو‬
‫تمويههم الباطيل‪ . 9‬وقال تعالى ‪) :‬وكذلك جعلنا فصصي كصصل قريصصة‬
‫أكابر مجرميها ليمكصصروا فيهصصا( قصصال ابصصن كصصثير فصصي قصصوله تعصصالى‬
‫)ليمكروا فيها( المراد بالمكر هاهنا دعاؤهم إلى الضللة بزخصصرف‬
‫من المقال والفعال‪ . 10‬وهذا نوع من الصد عن دعوة الحق ‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬كان كفار مكة يجلسون على كل عقبصصة أربعصصة مصصن‬
‫أعوانهم الكفرة ينفرون الناس من اتبصاع النصبي صصلى اللصه عليصه‬
‫وسلم كما فعل من قبلهم من المم السابقة بأنبيائهم‪. 11‬‬
‫وقصصال تعصصالى ‪) :‬ول يحيصصق المكصصر السصصيء إل بصصأهله( قصصال المصصام‬
‫الرازي‪ :‬مكرهم السيء هو جميع ما كان يصدر منهصصم مصصن القصصصد‬
‫إلى اليذاء ومنع الناس من الدخول في اليمان‪. 12‬‬

‫‪ 332‬ص أنواع المكر السيء بالنسبة إلى من يوجه إليهم ‪:‬‬


‫أول ً ‪ :‬المكر برسل الله وأتباعهم ‪:‬‬
‫يوجه أصصصحاب المكصصر السصصيء مكرهصصم إلصصى أنبيصصاء اللصصه واتبصصاعهم‬
‫المؤمنين ‪ ،‬فيحاولون إيذاءهم جسديا ً ويشصصيعون فيهصصم الباطيصصل‬
‫والكاذيب لصد الناس عنهم وتنفيرهصصم عصصن دعصصوتهم وقصصد ذكرنصصا‬
‫بعصصض اليصصات فصصي ذلصصك ‪ ،‬والصصذي يتصصولى كصصبر هصصذا المكصصر السصصيء‬
‫الموجه إلى رسل الله وأتباعهم المؤمنين هصصم القصصادة والرؤسصصاء‬
‫المجرمين في كل مجتمع ‪ .‬قصصال تعصصالى ‪) :‬ولقصصد جعلنصصا فصصي كصصل‬
‫قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيهصصا( وقصصد بّينصصا أقصصوال المفسصصرين‬
‫فيها وسبب تخصيصهم بالذكر وهو أنهم أقصصدر مصصن غيرهصصم علصصى‬
‫الضرار والفساد ‪.‬‬

‫‪ 333‬ص ثانيا ً ‪ :‬المكر بالضعفاء ‪:‬‬


‫وأهل المكصصر السصصيء مصصن أهصصل الرياسصصة والقيصصادة فصصي المجتمصصع‬
‫يمكرون بالضعفاء من أتباعهم لصدهم عن دعوة الحصصق وصصصرفهم‬
‫عن قبولها بزخصصرف مصصن المقصصال والفعصصال ‪ .‬لن هصصؤلء الضصصعفاء‬
‫يتأخرون بمكر هؤلء الماكرين لما لهم من نفوذ وسلطان عليهصصم‬
‫‪ 7‬ـ سورة الرعد ‪ ،‬الية ‪. 33‬‬
‫‪ 8‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 526‬‬
‫‪ 9‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 162‬‬
‫‪ 01‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 172‬‬
‫‪ 11‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 79‬‬
‫‪ 21‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 26‬ص ‪. 34‬‬
‫وعلى المجتمع وقد أخبرنا الله تعالى عن هصؤلء التبصاع الضصعفاء‬
‫والمتبوعين كيف يتبادلون اللوم والعتاب والتهامات يوم القيامصصة‬
‫ع‬
‫جص ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫هص ْ‬ ‫عنصدَ َرب ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫فصصو َ‬ ‫قو ُ‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫و ت ََرى إ ِِذ الظّصصال ِ ُ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ْ‬
‫سصصت َكب َُروا‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫فوا ل ِل ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫ست ُ ْ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل يَ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ض ال َ‬‫ْ‬ ‫ع‬‫م إ َِلى ب َ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫بَ ْ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ح ُ‬ ‫فوا أن َ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ست َكب َُروا ل ِل ِ‬ ‫ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬‫ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م لكّنا ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ول أنت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ل اّلصص ِ‬ ‫قصصا َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫م ْ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ل ُ‬ ‫كم ب َ ْ‬ ‫جاء ُ‬ ‫عدَ إ ِذْ َ‬ ‫دى ب َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫صدَدَْناك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مُرون َن َصصا أن‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ص‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ب‬ ‫روا‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫فوا‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ذا َ‬ ‫عص َ‬ ‫وا ال ْ َ‬ ‫مصصا َرأ ُ‬ ‫ة لَ ّ‬ ‫مص َ‬ ‫دا َ‬ ‫سصّروا الن ّ َ‬ ‫وأ َ‬ ‫دادا ً َ‬ ‫ه أنص َ‬ ‫ل ل َص ُ‬ ‫عص َ‬ ‫ج َ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ف صَر ب ِصصالل ّ ِ‬ ‫ن ّك ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مصصا ك َصصاُنوا‬ ‫ن إ ِّل َ‬ ‫و َ‬ ‫ج صَز ْ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫هص ْ‬ ‫ف صُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ق ال ّ ِ‬ ‫عَنا ِ‬ ‫في أ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫غَل َ‬ ‫عل َْنا اْل ْ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪ .‬والمستضصصعفون هصصم التبصصاع ‪ .‬والمسصصتكبرون هصصم‬ ‫‪1‬‬
‫َ‬ ‫لصصو‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫يَ ْ َ‬ ‫ع‬
‫الرؤساء ‪ ،‬ولكن هذا العتاب واللوم وتبصصادل التهامصصات ل يفيصصدهم‬
‫شيئا ً ول ينفعهصصم فكلهصصم نصصادمون وينصصال العقصصاب ‪ :‬المسصصتكبرون‬
‫على ضللهم وإضصصللهم ‪ ،‬والمستضصصعفون علصى ضصللهم ‪ .‬ولهصذا‬
‫غَل َ‬ ‫عل َْنا اْل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫فصصي‬ ‫ل ِ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ع َ‬‫وا ال ْ َ‬ ‫ما َرأ ُ‬ ‫ة لَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫دا َ‬‫سّروا الن ّ َ‬ ‫وأ َ‬ ‫َ‬
‫فُروا( ‪ ،‬أي في أعناق هؤلء التباع والمتبوعين‪. 2‬‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ق ال ّ ِ‬ ‫عَنا ِ‬ ‫أَ ْ‬

‫‪ 334‬ص عقاب أهل المكر السيىء ‪:‬‬


‫أهل المكر السيء ل يفلتون مصصن العقصصاب ‪ ،‬وإذا ظنصصوا ذلصصك فهصصم‬
‫واهمون ومخطئون وخاسرون قال تعالى ‪) :‬أ َ َ َ‬
‫فل َ‬ ‫مك َْر الل ّص ِ‬
‫ه َ‬ ‫مُنوا َ‬
‫فأ ِ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ه إ ِل ّ ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن(‪ 3‬قصصال المصصام القرطصصبي فصصي‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫و ُ‬
‫ق ْ‬ ‫مك َْر الل ّ ِ‬
‫ن َ‬
‫م ُ‬
‫ي َأ َ‬
‫قوله تعالى ‪) :‬أ َ َ َ‬
‫ه( أي عذابه وجزاءه على مكرهم‪. 4‬‬ ‫مك َْر الل ّ ِ‬‫مُنوا َ‬ ‫فأ ِ‬

‫‪ 335‬ص ل يحيق المكر السيىء إل بأهله ‪:‬‬


‫َ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫ذيٌر‬ ‫م َنصص ِ‬ ‫ه ْ‬‫جصصاء ُ‬ ‫م ل َِئن َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مصصان ِ ِ‬ ‫هصصدَ أي ْ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ه َ‬ ‫موا ب ِصصالل ّ ِ‬ ‫سص ُ‬ ‫ق َ‬ ‫قصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫م إ ِّل‬ ‫هص ْ‬ ‫مصصا َزادَ ُ‬ ‫ذيٌر ّ‬ ‫م ن َص ِ‬ ‫ه ْ‬‫جصصاء ُ‬ ‫مصصا َ‬ ‫فل َ ّ‬‫م صم ِ َ‬ ‫ُ‬
‫دى اْل َ‬ ‫حص َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مص ْ‬ ‫دى ِ‬ ‫ه َ‬‫ن أَ ْ‬ ‫كون ُ ّ‬ ‫ل ّي َ ُ‬
‫ئ إ ِّل‬ ‫َ‬
‫سي ّ ُ‬ ‫مك ُْر ال ّ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫حي ُ‬ ‫وَل ي َ ِ‬ ‫ئ َ‬ ‫سي ّ ِ‬‫مك َْر ال ّ‬ ‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫في الْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ست ِك َْبارا ً ِ‬‫فورا ً ا ْ‬ ‫نُ ُ‬
‫ديل ً‬ ‫ه ت َب ْص ِ‬ ‫ت الل ّص ِ‬ ‫سصن ّ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫فَلن ت َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وِلي َ‬
‫َ‬
‫ت اْل ّ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫ن إ ِّل ُ‬ ‫ل َينظُُرو َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه َ‬
‫ف َ‬ ‫هل ِ ِ‬‫ب ِأ َ ْ‬
‫ل(‪ 5‬أي اسصصتكبروا فصصي الرض عصصن اتبصصاع‬ ‫وي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ه تَ ْ‬ ‫ت الل ّ ِ‬ ‫سن ّ ِ‬
‫جدَ ل ِ ُ‬ ‫وَلن ت َ ِ‬ ‫َ‬
‫آيات الله ومكروا بالناس في صدهم عصصن سصصبيل اللصصه ‪ ،‬ول يحيصصق‬
‫المكر السيء إل ّ بأهله أي وما يعود وبال ذلك المكر إل عليهصصم أي‬
‫على أصحاب المكر أنفسهم دون غيصصرهم‪ . 6‬وقصصال اللوسصصي فصصي‬
‫ه( أي ل يحيصصط ول‬ ‫هل ِ ِ‬ ‫ئ إ ِّل ب ِصأ َ ْ‬ ‫سصي ّ ُ‬ ‫مك ْصُر ال ّ‬ ‫ق ال ْ َ‬‫حي ُ‬ ‫وَل ي َ ِ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫يصيب ول ينزل المكر السيء إل بأهله ‪ .‬والية عامة على الصحيح‬
‫والمور بعواقبها ‪ ،‬والله يمهل ول يهمل ‪ .‬وبالجملة مصصن مكصصر بصصه‬

‫‪ 1‬ـ سورة سبأ ‪ ،‬اليات ‪ 31‬ـ ‪. 32‬‬


‫‪ 2‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ 584‬ـ ‪. 585‬‬
‫‪ 3‬ـ سورة العراف ‪ ،‬الية ‪. 99‬‬
‫‪ 4‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 254‬‬
‫‪ 5‬ـ سورة فاطر ‪ ،‬اليتان ‪. 43 ، 42‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 562‬‬
‫غيره ونفذ فيه المكر عاجل ً في الظاهر ففي الحقيقة هو الفصصائز‬
‫والماكر هو الهالك‪. 7‬‬

‫‪ 336‬ص سؤال وجوابه ‪:‬‬


‫فإن قيل كثيرا ً ما نرى أن المصصاكر يمكصصر ويغلصصب بمكصصره السصصيء ‪،‬‬
‫ه( تدل على عدم ذلك ‪ .‬قال‬ ‫ئ إ ِّل ب ِأ َ ْ‬
‫هل ِ ِ‬ ‫سي ّ ُ‬ ‫ق ال ْ َ‬
‫مك ُْر ال ّ‬ ‫حي ُ‬ ‫وَل ي َ ِ‬
‫والية ) َ‬
‫المام الرازي بعصصد أن أورد هصصذا السصصؤال ‪ :‬والجصصواب مصصن وجصصوه ‪:‬‬
‫)الول( أن المكر المذكور في الية هصصو المكصصر الصصذي مكصصره كفصصار‬
‫مكة مع النبي صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم مصصن العصصزم علصصى قتلصصه أو‬
‫إخراجه ولم يحق مكرهم السيء إل بهم حيصصث قتلصصوا فصصي معركصصة‬
‫بدر وغيرها‪) .‬الوجه الثاني( هو أن نقول ‪ :‬المكر السيء عام وهو‬
‫الصح فإن النبي صلى اللصصه عليصصه وسصصلم نهصصى عصصن المكصصر وفصصي‬
‫الخبر عنه صلى الله عليه وسصصلم أنصصه قصصال ‪ :‬ل تمكصصروا ول تعينصصوا‬
‫ه( إل أن‬ ‫ئ إ ِّل ِبصصأ َ ْ‬
‫هل ِ ِ‬ ‫سصصي ّ ُ‬ ‫م ْ‬
‫كصصُر ال ّ‬ ‫ق ال ْ َ‬‫حي ُ‬ ‫وَل ي َ ِ‬‫ماكرا ً فإن الله يقول ‪َ ) :‬‬
‫المور بعواقبها ومن مكر بصصه غيصصره ونفصصذ فيصصه المكصصر عصاجل ً فصي‬
‫الظاهر ففي الحقيقة هو الفائز ‪ ،‬والماكر هو الهالك وذلصصك مثصصل‬
‫راحة الكافر ومشقة المسلم في الدنيا ‪ ،‬ويبين هذا المعنى قصصوله‬
‫َ‬
‫ن( يعنصصي إذا كصصان لمكرهصصم‬ ‫وِلي َ‬ ‫ت اْل ّ‬ ‫سن ّ َ‬‫ن إ ِّل ُ‬‫ل َينظُُرو َ‬ ‫ه ْ‬ ‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ف َ‬
‫في الحال رواج فالعاقبة للتقوى والمور بخواتيمها فيهلكون كما‬
‫هلك الولون‪. 8‬‬

‫‪ 337‬ص تكملة جواب السؤال ‪:‬‬


‫َ‬
‫ئ إ ِّل ِبصأ ْ‬
‫ه(‬
‫هل ِ ِ‬ ‫سصي ّ ُ‬
‫كصُر ال ّ‬ ‫ق ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫وَل ي َ ِ‬
‫حيص ُ‬ ‫والحقيقصة أن قصوله تعصالى ‪َ ) :‬‬
‫قصصانون عصصام أي سصصنة عامصصة مصصن سصصنن اللصصه فصصي حيصصاة البشصصر‬
‫وعلقاتهم فيما بينهم مثصصل السصصنن العامصصة الصصتي تكلمنصصا عليهصصا ‪،‬‬
‫فهي ل تتخلف أبدا ً ولكن نفاذها وسريان حكمهصصا يسصصتلزم تحقصصق‬
‫أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها ‪ .‬كمصصا أن لنفصصاذ بعصصض السصصنن‬
‫العامة أوجها ً متعددة ‪ ،‬وقد يركز الناس على وجه واحد من النصر‬
‫أو على وجه واحد من إحاطة المكر السيء بأهله ‪ ،‬بينما يريد الله‬
‫تعالى نفاذ سنته في وجه آخر وصورة أخرى من صصصور نفصصاذ هصصذه‬
‫السصصنة ‪ .‬كمصصا أن نفصصاذ السصصنة ل يسصصتلزم النفصصاذ الفصصوري لهصصا إذا‬
‫تحققصت أسصبابها وشصروطها وانتفصت موانعهصا ‪ ،‬فقصد يكصون مصن‬
‫طبيعة هذا النفصصاذ بالنسصصبة لهصصذه السصصنة العامصصة أو بالنسصصبة لهصصذا‬
‫الشخص أو بالنسصصبة لهصصذه الجماعصصة تصصأخر هصصذا النفصصاذ إلصصى وقصصت‬
‫يعلمه الله تعالى ول نعلمه نحن على وجصصه الدقصصة فصصي س صّنة اللصصه‬
‫في الظلم والظالمين ‪ ،‬فهذه سّنة عامة تقضصصي بهلك الظصصالمين‬
‫وهي سنة ل تتخلف وإن كنا نجهل ميعصاد وتاريصصخ هلك الظصصاليمن‬

‫‪7‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 26‬ص ‪. 34‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 26‬ص ‪ 34‬ـ ‪. 35‬‬
‫على وجه الدقو والضبط ‪ .‬وكذلك سّنة الله في المكر السيء أنصصه‬
‫ل وقصصت‬‫ل ينزل إل بأهله متى تحقق شروطه وانتفت مصصوانعه وحص ّ‬
‫نفاذه وإن كنا نجهل هذا الوقت بالدقة والضبط ‪.‬‬

‫‪ 338‬ص عقاب المكر السيء في الدنيا والخرة ‪:‬‬


‫وسّنة الله تعالى في المكر السيء وأهله إصصصابتهم بالعصصذاب فصصي‬
‫ن‬ ‫عص ِ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫و ُ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مك ُْر ُ‬ ‫فُروا ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّ ِ‬‫الدنيا والخرة قال تعالى ‪ُ) :‬زي ّ َ‬
‫ة‬
‫حي َصصا ِ‬ ‫ْ‬
‫فصصي ال َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عص َ‬‫م َ‬ ‫هص ْ‬ ‫ّ‬
‫هصصاٍد ل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مص ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬‫ف َ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬‫من ي ُ ْ‬ ‫و َ‬‫ل َ‬ ‫سِبي ِ‬‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ق( ‪ .‬قصصال‬ ‫‪1‬‬
‫وا ٍ‬ ‫مصصن َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّص ِ‬ ‫مص َ‬
‫هصصم ّ‬ ‫مصصا ل َ ُ‬ ‫و َ‬‫ق َ‬ ‫شص ّ‬ ‫ةأ َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ذا ُ‬‫ع َ‬‫ول َ َ‬
‫الدّن َْيا َ‬
‫م( أي كيدهم للسلم بشركهم‬ ‫ه ْ‬ ‫مك ُْر ُ‬‫الزمخشري في هذه الية ‪َ ) :‬‬
‫ة الدّن َْيا( وهو ما ينالهم مصصن‬ ‫حَيا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫‪ ،‬وقوله تعالى ‪) :‬ل ّ ُ‬
‫القتل والسصصر وسصصائر المحصصن ول يلحقهصصم إل عقوبصصة لهصصم علصصى‬
‫ماه الله عذابا ً‪. 2‬‬ ‫الكفر ولذلك س ّ‬
‫ة‬‫حي َصصا ِ‬ ‫ْ‬
‫فصصي ال َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عص َ‬‫م َ‬ ‫هص ْ‬ ‫ّ‬
‫وفي تفسير اللوسي في قوله تعالى ‪) :‬ل ُ‬
‫الدّن َْيا( بالقتل والسر وسائر ما يصيبهم من المصائب فإنهصصا إنمصصا‬
‫ة‬ ‫خ صَر ِ‬‫ب ال ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫عص َ‬ ‫ول َ َ‬‫تصيبهم عقوبصصة مصصن اللصصه تعصصالى علصصى كفرهصصم ) َ‬
‫ق( لشدته ودوامه‪. 3‬‬ ‫ش ّ‬ ‫أَ َ‬

‫‪ 339‬ص عقاب الماكرين من حيث ل يحتسبون ‪:‬‬


‫وعقاب الله تعالى بأهل المكصصر السصيء يصأتيهم ويحصصل فيهصصم مصن‬
‫حيث ل يتوقعون مجيئه منه ‪ ،‬وهذا من مكر الله تعالى بهم ‪ ،‬قصصال‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫قبل ِهم َ َ‬
‫د‬
‫عصص ِ‬ ‫وا ِ‬
‫ق َ‬ ‫م َ‬ ‫هم ّ‬ ‫فأَتى الل ّ ُ‬
‫ه ب ُن َْيان َ ُ‬ ‫من َ ْ ِ ْ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬‫مك ََر ال ّ ِ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ث لَ‬ ‫حي ْص ُ‬‫ن َ‬ ‫مص ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫عص َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫وأت َصصا ُ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ق ِ‬‫و ِ‬ ‫مصصن َ‬
‫فص ْ‬ ‫ف ِ‬‫ق ُ‬ ‫سص ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫هص ُ‬ ‫خصّر َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ه‬‫فصأَتى الّلص ُ‬ ‫ن( قال المصام القرطصصبي فصي قصوله تعصالى ‪َ ) :‬‬ ‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬‫يَ ْ‬
‫د( هذا تمثيل ‪ ،‬والمعنى ‪ :‬أهلكوا فكانوا بمنزلة‬ ‫ع ِ‬ ‫وا ِ‬‫ق َ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫هم ّ‬ ‫ب ُن َْيان َ ُ‬
‫من سقط عليه بنيانه‪ .‬وقيصصل ‪ :‬أبطصصل تصصدبيرهم ومكرهصصم فهلكصصوا‬
‫ن‬ ‫مص ْ‬‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫عص َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ه ُ‬‫وأ ََتصا ُ‬‫كما هلك من نزل عليه السقف من فصوقه ‪َ ) :‬‬
‫‪4‬‬
‫ن( أي مصصن حيصصث ظنصصوا أنهصصم فصصي أمصصان ‪ .‬وهصصذا‬ ‫عُرو َ‬ ‫شص ُ‬ ‫ث ل َ يَ ْ‬ ‫حي ْص ُ‬ ‫َ‬
‫مخصصبر عنصصه فصصي هصصذه اليصصة‬ ‫العذاب النازل بأهل المكر السصصيء وال ُ‬
‫مباشصصرة ‪) :‬ثصصم يصصوم القيامصصة يخزيهصصم( أي يصصذلهم ‪ .‬فالظصصاهر أن‬
‫ضمائر الجمع للذين مكروا من قبل كأنه قيل ‪ :‬قد مكر الذين مصصن‬
‫قبلهم فعذبهم الله تعالى في الدنيا ثم يعذبهم في الخرة‪. 5‬‬

‫‪ 340‬ص انكشاف أمر الماكرين ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ سورة الرعد ‪ ،‬اليتان ‪. 34 ، 33‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 532‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 162‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 98‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 14‬ص ‪. 126‬‬
‫مك ْصُر‬‫و َ‬
‫ديدٌ َ‬ ‫ب َ‬
‫شص ِ‬ ‫عص َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬‫ت لَ ُ‬
‫سي َّئا ِ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬‫وال ّ ِ‬
‫قال تعالى ‪َ ..) :‬‬
‫و ي َُبوُر(‪ 6‬قال مجاهد وسعيد بن جبير وشهر بصصن حوشصصب ‪:‬‬ ‫ول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ه َ‬‫ك ُ‬ ‫أ ْ‬
‫هم المراؤون بأعمالهم ‪ :‬يعني يمكرون بالناس ‪ ،‬يوهمونهم أنهصصم‬
‫في طاعة اللصصه تعصصالى وهصصم بغضصصاء إلصصى اللصصه عصصز وجصصل يصصراؤون‬
‫بأعمالهم ‪ .‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هصصم المشصصركون ‪.‬‬
‫قال المام ابن كثير بعد أن ذكر القولين ‪ :‬والصحيح أن الية عامة‬
‫‪ ،‬والمشركون داخلون فيها بطريق الولصصى ‪ ،‬ولهصصذا قصصال تعصصالى ‪:‬‬
‫ول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫و ي َُبوُر( أي يفسد ويبطل ويظهصصر‬ ‫ه َ‬
‫ك ُ‬ ‫مك ُْر أ ْ‬
‫و َ‬‫ديدٌ َ‬ ‫ب َ‬
‫ش ِ‬ ‫ذا ٌ‬‫ع َ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫)ل َ ُ‬
‫د‬
‫زيفهم عصصن قريصصب لولصصي البصصصائر والنهصصى ‪ ،‬فصصإنه مصصا أس صّر أحص ٌ‬
‫سريرة إل أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتصصات لسصصانه ‪،‬‬
‫وما أسّر أحدٌ سريرة إل كساه الله رداءها إن خيرا ً فخير وإن شصرا ً‬
‫فشصصر ‪ .‬فصصالمرائي ل يصصروج أمصصره ويسصصتمر إل علصصى غصصبي ‪ ،‬أمصصا‬
‫المؤمنون المتفرسون فل يروج ذلك عليهم بل ينكشف لهصصم عصصن‬
‫قريب ‪ ،‬وعالم الغيب ل تخفى عليه خافية‪. 7‬‬

‫‪ 341‬ص الله أسرع مكرا ً ‪:‬‬


‫م إِ َ‬
‫ذا‬ ‫ه ْ‬‫سصت ْ ُ‬
‫م ّ‬ ‫ضصّراء َ‬ ‫د َ‬ ‫عص ِ‬ ‫مصصن ب َ ْ‬ ‫ة ّ‬‫مص ً‬‫ح َ‬
‫س َر ْ‬‫قَنا الّنا َ‬ ‫ذا أ َذَ ْ‬‫وإ ِ َ‬‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مصصا‬
‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫سصلَنا ي َكت ُب ُصصو َ‬
‫ن ُر ُ‬ ‫مكصصرا إ ِ ّ‬‫ْ‬ ‫ع َ‬‫سصَر ُ‬‫هأ ْ‬ ‫ل اللص ُ‬
‫قص ِ‬ ‫فصصي آَيات ِن َصصا ُ‬ ‫مك ٌْر ِ‬
‫هم ّ‬ ‫لَ ُ‬
‫ن(‪ 1‬والمعنى ‪ ،‬إذا كشف اللصصه تعصصالى عصصن الكفصصار ضصصرا ً قصصد‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫تَ ْ‬
‫أصابهم وأذاقهصصم رحمصصة منصصه ‪ ،‬مصصا كصصان منهصصم إل أن بصصادروا إلصصى‬
‫المكر وأسرعوا بالمفاجأة به بدل ً من الشصصكر والقلع عصصن الكفصصر‬
‫والتكذيب ‪ .‬ومن مكرهم لصرف االناس عن التعاظ بما نالهم من‬
‫ن ما وصصصلهم مصصن نعمصصة‬ ‫رحمة الله بعد كشف الضر عنهم قولهم إ ّ‬
‫هو من المصادفات ولم يحملهم ذلك على اليمان بالله وشكره ‪.‬‬
‫كرًا( أي قل أيها الرسول لهؤلء الذين يسرعون‬ ‫م ْ‬ ‫قل الل ّ َ‬
‫ع َ‬ ‫سَر ُ‬‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫) ُ ِ‬
‫في المكر بآيات الله تعالى إن الله تعالى أسرع منهم مكصصرا ً فقصصد‬
‫دّبر عقابهم وهو موقعه بهم قبل أن يدبروا كيف يعملون لطفصصاء‬
‫نور السلم ‪ ،‬إذ سبق في تدبير الله تعالى لمور العالم وتقصصديره‬
‫للجزاء على العمال أن يعاقبهم علصصى مكرهصصم عقاب صا ً فصصي الصصدنيا‬
‫قبل الخرة‪ ،‬فهو عالم بمكرهم ل يخفى عليه منه شيء‪. 2‬‬

‫‪ 342‬ص لله المكر جميعا ً ‪:‬‬


‫ما‬ ‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ميعا ً ي َ ْ‬ ‫مك ُْر َ‬
‫ج ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫فل ِل ّ ِ‬‫م َ‬‫ه ْ‬‫ِ‬ ‫قب ْل ِ‬‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫مك ََر ال ّ ِ‬ ‫و َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ر( ‪ .‬وصصصفهم‬ ‫‪3‬‬
‫دا ِ‬
‫قب َصصى ال ص ّ‬ ‫ع ْ‬‫ن ُ‬‫مص ْ‬ ‫فصصاُر ل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫م الك ُ ّ‬ ‫عل ُ‬‫َ‬ ‫سي َ ْ‬
‫و َ‬‫س َ‬ ‫ب كُ ّ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫ت َك ْ ِ‬
‫ف ٍ‬ ‫س ُ‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة فاطر ‪ ،‬الية ‪. 10‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ن ج ‪ ، 3‬ص ‪. 549‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة يونس ‪ ،‬الية ‪. 21‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 337‬الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪ ، 66‬المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 334‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ سورة الرعد ‪ ،‬الية ‪. 42‬‬
‫الله بالمكر ثم جعل مكرهم كالمعدوم بالضافة إلى مكصصره تعصصالى‬
‫مصصا‬ ‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫سر ذلك بقوله تعالى ‪) :‬ي َ ْ‬ ‫ميعًا( ثم ف ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫مك ُْر َ‬ ‫فل ِل ّ ِ‬
‫فقال ‪َ ) :‬‬
‫ر( لن مصصن علصصم‬ ‫دا ِ‬ ‫ع ْ‬
‫قَبى ال ص ّ‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫فاُر ل ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م الك ّ‬ ‫َ‬
‫عل ُ‬ ‫سي َ ْ‬
‫و َ‬
‫س َ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ت َك ْ ِ‬
‫ف ٍ‬ ‫س ُ‬
‫ما تكسب كل نفس وأعدّ لها جزاءها فهو المكر كلصصه لنصصه يصصأتيهم‬
‫من حيث ل يعلمون وهم غفلة ممصصا يصصراد بهم‪ . 4‬وسصصيعلم الكفصصار‬
‫لمن عقبى الدار ‪ ،‬أي لمن عاقبة دار الدنيا ثوابا ً وعقابا ً ‪ ،‬أو لمصصن‬
‫الثواب والعقاب في الدار الخرة‪. 5‬‬

‫‪ 342‬م ص ل يأمن مكر الله إل القوم الخاسرون ‪:‬‬


‫وينبغي للمسلم أن ل يأمن مكر الله فيسترسصصل بالمعاصصصي ظانصا ً‬
‫أنه مرضي عند الله بالرغم من معاصيه استدلل ً بالنعمة التي هصصو‬
‫فيها ‪ ،‬ولكونه مسصصلما ً ‪ ،‬وعفصصو اللصصه للمسصصلمين العصصصاة مصصأمول ‪.‬‬
‫فهذا التفكير من المسلم يعتبر من المكر به ‪ ،‬وعليه أن يقلع عنه‬
‫ويقبل على طاعة الله والقيام بشكر اللصصه علصصى نعمصصه واعظمهصصا‬
‫مك َْر‬ ‫ْ‬
‫ن َ‬ ‫فل َ ي َأ َ‬
‫م ُ‬ ‫نعمة السلم وبذلك يأمن مكر الله به قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن(‪. 6‬‬
‫سُرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ه إ ِل ّ ال ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫قال اللوسي في تفسيره ‪ :‬والمان من مكر الله استرسصصال فصصي‬
‫المعاصي اتكال ً على عفو الله‪. 7‬‬
‫وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى ‪:‬المؤمن يعمل بالطاعصصات‬
‫وهو مشفق وجل والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن‪.8‬‬

‫‪ 343‬ص العبرة بسّنةالله في المكر والماكرين ‪:‬‬


‫والعبرة فيما ذكرناه من سنة الله تعالى في المكر السيء وأهلصصه‬
‫أن يعلم المسلمون أفرادا ً كصانوا أو جماعصات أن المكصر السصيء ل‬
‫يحيصصق إل بصصأهله وأن عصصاقبته تظهصصر فصصي الصصدنيا بفضصصح المصصاكرين‬
‫وانكشاف أمرهم وحلول العذاب فيهم كما بينصصا مصصن قبصصل ‪ .‬وجصصاء‬
‫في تفسير ابن كثير ‪ ،‬قال محمصصد بصصن كعصصب القرظصصي ‪ :‬ثلث مصصن‬
‫فعلهن لم ينج من العصصذاب حصصتى ينصصزل بصصه ‪ :‬مصصن مكصصر أو بغصصى أو‬
‫نكث ‪ ،‬وتصديقها في كتاب الله تعالى ‪) :‬ول يحيق المكصصر السصصيء‬
‫إل بصأهله( وقصوله تعصصالى ‪) :‬إنمصا بغيكصصم علصى أنفسصصكم( ‪ ،‬وقصصوله‬
‫تعالى ‪) :‬ومن نكث فإنما ينكث على نفسه(‪. 9‬‬

‫‪ 344‬ص ما تعتبر به الجماعة المسلمة ‪:‬‬


‫وممصصا ينبغصصي أن تعتصصبر بصصه الجماعصصة المسصصلمة ‪ ،‬وهصصي تصصدعو إلصصى‬
‫السلم ‪ ،‬أن سنة الله في المكر والمصصاكرين سصصنة ماضصصية فيهصصا ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 535‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 335‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة العراف ‪ ،‬من الية ‪. 99‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪. 13‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 234‬‬
‫‪9‬‬
‫ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 562‬‬
‫فأهل المكر السيء ل ينفكون عصصن مكرهصصم بصصالمؤمنين وبالصصدعاة‬
‫منهم ‪ ،‬وبالجماعة المسلمة التي تنظم عمل الدعوة إلى الغسلم‬
‫‪ .‬ومكر أهل المكر السيء ل يقف عند حدّ ‪ ،‬فكل ما يرونه محقق صا ً‬
‫لغرضهم الخبيث وهو محق الدعوة إلى الله وصصصرف النصصاس عنهصصا‬
‫وعن الجماعصة المسصلمة فعلصوه ‪ ،‬فالكصذب ولصصق التهصم بالصدعاة‬
‫وبالجماعصصة المسصصلمة وبالتصصآمر عليهصصا وعلصصى قادتهصصا وأعضصصائها‬
‫والسعي الحثيث لتعطيل نشاطها ولو بحبسصصهم أو إخراجهصصم مصصن‬
‫ديارهم أو قتلهم ‪ ،‬كصصل ذلصصك بعصصض مكرهصصم فهصصم ل يرقبصصون فصصي‬
‫مؤمن إل ّ ول ذمصصة ‪ .‬فهصصذا الصصصنيع مصصن أهصصل المكصصر السصصيء سصصنة‬
‫ماضية ‪ ،‬ولكن الغلبة دائما ً لهل الحق لنهم ل يخوضون المعركصصة‬
‫وحدهم ضد الماكرين وإنما معهم اللصصه جص ّ‬
‫ل جللصصه مصصا دامصصوا معصصه‬
‫بالتوكل عليه والثقة به واللتزام بشرعه والهتداء بسصصنته العامصصة‬
‫في تدلفع الحق والباطل وأخذهم بالسباب ومنها الحصصذر لبطصصال‬
‫مكر الماكرين ‪ .‬فعلى الجماعة المسلمة ان تلحظ ذلك لنها فصصي‬
‫مواجهة مستمرة مع أهل المكر لسيما أكابرهم وسادتهم ‪.‬‬
‫الفصل الخامس عشر‬
‫سّنة الله في طلب الدنيا والخرة‬
‫]قانون طلب الدنيا والخرة[‬
‫‪ 345‬ص المقصود بطلب الدنيا والخرة ‪:‬‬
‫نقصد بطلب الدنيا في موضوعنا إرادة الشخص لها والحرص‬
‫عليها وإيثارها على الخرة مطلقا ً وعند تزاحمها مع متطلبات‬
‫الخرة ‪ .‬فرغبة مريدها فيها وتعلق قلبه بها وسعيه لها ‪.‬‬
‫ونقصد بطلب الخرة إرادة الشخص لها والحرص عليها وإيثارها‬
‫على الدنيا مطلقا ً وعند تزاحمها مع متطلبات الدنيا ‪ .‬فرغبة‬
‫مريدها فيها وتعلق قلبه بها وسعيه لها ‪.‬‬
‫‪ 346‬ص سنة الله في طلب الدنيا ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬من حيث نصيبهم منها ‪:‬‬
‫سّنة الله في طلب الدنيا من حيث نصيبهم منها ‪ ،‬أنهم ُيعطون‬
‫ما قسم لهم وليس ما يريدونه ويحرصون عليه ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫من‬ ‫ة ِ‬ ‫في اْل ِ‬
‫خَر ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫و َ‬‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ه ِ‬ ‫ث الدّن َْيا ُنؤت ِ ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريدُ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬‫من َ‬ ‫و َ‬ ‫) َ‬
‫ً‬
‫ب( أي من كان عمله للدنيا أعطي شيئا منها ل يريده‬ ‫‪1‬‬
‫صي ٍ‬ ‫نّ ِ‬
‫ويبتغيه ‪ ،‬وهو رزقه الذي قسم له ‪ ،‬وما له نصيب قط في‬
‫الخرة‪ . 2‬وهذا الذي يعطاه طالب الدنيا إنما هو لمن يشاء الله‬
‫إعطاءه هذا النصيب لن هذه الية مقيدة بالية الخرى وهي ‪:‬‬
‫عل َْنا‬‫ج َ‬‫م َ‬ ‫ريدُ ث ُ ّ‬‫من ن ّ ِ‬
‫شاء ل ِ َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جل َْنا ل َ ُ‬‫ع ّ‬‫ة َ‬‫جل َ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ريدُ ال ْ َ‬ ‫ن يُ ِ‬‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫) ّ‬
‫ً ‪3‬‬
‫حورا( ‪.‬‬ ‫مد ْ ُ‬ ‫موما ً ّ‬ ‫مذ ْ ُ‬‫ها َ‬ ‫صل َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫هن ّ َ‬‫ج َ‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬
‫‪4‬‬
‫وقال تعالى ‪) :‬ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها( ‪ .‬أي من كان‬
‫عمله للدنيا فقط ناله منها ما قدره الله له ولم يكن له في‬
‫من َ‬ ‫الخرة من نصيب ‪ ،‬وهذه الية مقيدة أيضا ً بآية ‪ّ ) :‬‬
‫‪5‬‬
‫د‬
‫ري ُ‬ ‫ن يُ ِ‬‫كا َ‬
‫د( فل ُيعطى طالب الدنيا‬ ‫ري ُ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫شاء ل ِ َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ها َ‬‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جل َْنا ل َ ُ‬ ‫ع ّ‬‫ة َ‬ ‫جل َ َ‬‫عا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪6‬‬
‫من ثوابها إل إذا شاء الله إعطاءه وبالقدر الذي يشاؤه تعالى ‪.‬‬

‫‪ 347‬ص ثانيا ً ‪ :‬توفيه أجور أعمالهم في الدنيا ‪:‬‬


‫ومن سنة الله في طلب الدنيا أنه يوفيهم أجور أعمالهم في‬
‫الدنيا فيخرجون من الدنيا ول حسنة لهم من تلك العمال‬
‫يكافؤون عليها في الخرة لنهم لم يعملوها للخرة ‪ ،‬وإنما للدنيا‬
‫فأثرها ونتيجتها في الدنيا فقط ‪ ،‬ول بقاء ول وزن لها في‬
‫ف‬
‫و ّ‬‫ها ن ُ َ‬
‫زين َت َ َ‬
‫و ِ‬‫حَياةَ الدّن َْيا َ‬‫ريدُ ال ْ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫الخرة قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م أَ ْ‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫سل ُ‬‫ن لي ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫ولصئ ِ َ‬ ‫نأ ْ‬‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ها ل َ ي ُب ْ َ‬ ‫في َ‬
‫م ِ‬‫ه ْ‬
‫و ُ‬‫ها َ‬‫في َ‬
‫م ِ‬ ‫مال َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫إ ِلي ْ ِ‬

‫‪ 1‬ـ سورة الشورى ‪ ،‬من الية ‪. 20‬‬


‫‪ 2‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 218‬‬
‫‪ 3‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 111‬والية في سورة السراء ‪ ،‬ورقمها ‪. 18‬‬
‫‪ 4‬ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 145‬‬
‫‪ 5‬ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 410‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 227‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 78‬‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وَباطِ ٌ‬
‫ل ّ‬ ‫ها َ‬ ‫عوا ْ ِ‬
‫في َ‬ ‫صن َ ُ‬‫ما َ‬ ‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬‫و َ‬ ‫ة إ ِل ّ الّناُر َ‬ ‫خَر ِ‬‫في ال ِ‬ ‫ِ‬
‫‪7‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ع َ‬‫يَ ْ‬
‫والمعنى ‪ :‬إن من أتى منهم من أعمال صالحة بحسب الظاهر‬
‫مثل صلة الرحم والصدقة على الفقراء وأراد بهذه العمال‬
‫الصالحة )الدنيا وزينتها( أي ما يزين الدنيا ويحسنها من الصحة‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫و ّ َ‬
‫ف إ ِلي ْ ِ‬ ‫والمن وكثرة الموال والولد والرياسة وغير ذلك ‪) :‬ن ُ َ‬
‫ن( أي نوصل إليهم أجور‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ها ل َ ي ُب ْ َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬
‫و ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫ع َ‬‫أَ ْ‬
‫أعمالهم في الدنيا وافية فل ينقصون منها ‪ .‬أي إن كل ما‬
‫يستحقون بها من ثواب فإنه يصل إليهم حال كونهم في الدنيا ‪،‬‬
‫فغذا خرجوا من دار الدنيا لم يبق معهم من تلك العمال حسنة‬
‫يجازون عليها في الخرة ‪ .‬ولكن ينبغي أن يعلم أن هذا ليس‬
‫من‬ ‫على إطلقه بل هو مقيد بسنة أخرى وهي قوله تعالى ‪ّ ) :‬‬
‫ريدُ ‪. 8(..‬‬‫من ن ّ ِ‬‫شاء ل ِ َ‬ ‫ما ن َ َ‬‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جل َْنا ل َ ُ‬‫ع ّ‬
‫ة َ‬ ‫جل َ َ‬‫عا ِ‬‫ريدُ ال ْ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬

‫‪ 348‬ص من نزلت فيهم آيات توفية أجورهم ‪:‬‬


‫وقد اختلف المفسرون فيمن نزلت فيهم آيات توفية أجورهم‬
‫ة‬
‫حَيا َ‬‫ريدُ ال ْ َ‬ ‫ن يُ ِ‬‫كا َ‬‫من َ‬ ‫التي ذكرناها في الفقرة السابقة وهي ‪َ ) :‬‬
‫ن‪(..‬‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬
‫ها ل ي ُب ْ َ‬ ‫في َ‬
‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬
‫ها َ‬ ‫في َ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫مال َ ُ‬ ‫م أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ّ َ‬
‫ف إ ِلي ْ ِ‬ ‫ها ن ُ َ‬ ‫زين َت َ َ‬
‫و ِ‬‫الدّن َْيا َ‬
‫الخ على قولين ‪:‬‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫القول الول ‪ :‬إنها مختصة بالكفار لن قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫حَياةَ الدّن َْيا( يندرج فيه المؤمن والكافر إذ من الممكن أن‬ ‫ريدُ ال ْ َ‬‫يُ ِ‬
‫يريد المؤمن التمتع بلذات الدنيا والنتفاع بخيراتها وشهواتها ‪،‬‬
‫إل أن آخر الية يدل على أن المراد منها هو الكافر فقط لن‬
‫حب ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ط‬ ‫و َ‬ ‫ة إ ِل ّ الّناُر َ‬ ‫خَر ِ‬‫في ال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫س لَ ُ‬ ‫ن ل َي ْ َ‬ ‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬ ‫وَلصئ ِ َ‬ ‫قوله تعالى ‪) :‬أ ْ‬
‫ن( ل يليق إل بالكفار ‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ّ‬ ‫وَباطِ ٌ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫عوا ْ ِ‬ ‫صن َ ُ‬
‫ما َ‬ ‫َ‬
‫القول الثاني ‪ :‬إجراء الية على ظاهرها في العموم فيندرج فيها‬
‫المؤمن الذي يأتي بأعمال الخير وبالعمال الصالحة في ظاهرها‬
‫وهو يعملها على سبيل السمعة والرياء ‪ .‬ويندرج في عموم الية‬
‫أيضا ً الكافر الذي يعمل هذه العمال لغراض الدنيا من السمعة‬
‫والرياء ونحوهما ‪ .‬وعلى هذا القول يكون المراد في قوله‬
‫ُ‬
‫ة إ ِل ّ الّناُر( أي بسبب‬ ‫خَر ِ‬‫في ال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫س لَ ُ‬ ‫ن ل َي ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫وَلصئ ِ َ‬ ‫تعالى ‪) :‬أ ْ‬
‫هذه العمال الفاسدة المقرونة بالرياء‪. 1‬‬

‫‪ 349‬ص ما يناله طلب الدنيا منها ‪:‬‬


‫إن طلب الدنيا الذين ل يريدون باعمالهم غيرها ل ينالون منها‬
‫إل ما يشاؤه الله تعالى منها ‪ .‬ثم إن هذا الذي يشاؤه الله تعالى‬

‫‪ 7‬ـ سورة هود ‪ ،‬اليتان ‪. 16 ، 15‬‬


‫‪ 8‬ـ القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ ، 13‬الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪ ، 198‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 23‬‬
‫‪ 1‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 384‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ ، 13‬الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪ 198‬ـ ‪ ، 199‬ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 439‬اللوسي ‪،‬‬
‫ج ‪ ، 12‬ص ‪ ، 23‬تفسير ابن العربي ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 1044‬‬
‫منها ل يعطيه جميع طلبها بل لمن يريد الله تعالى إعطاءه قال‬
‫ريدُ ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫ما ن َ َ‬
‫شاء ل ِ َ‬ ‫ها َ‬
‫في َ‬
‫ه ِ‬‫جل َْنا ل َ ُ‬
‫ع ّ‬
‫ة َ‬ ‫جل َ َ‬
‫عا ِ‬‫ريدُ ال ْ َ‬‫ِ‬ ‫ن يُ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫تعالى ‪ّ ) :‬‬
‫ً ‪2‬‬ ‫ً‬
‫حورا( يخبر الله تعالى في هذه‬ ‫مدْ ُ‬ ‫موما ّ‬ ‫مذْ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫صل َ‬ ‫م يَ ْ‬‫هن ّ َ‬
‫ج َ‬ ‫عل َْنا ل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ج َ‬
‫َ‬
‫الية أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصل له ما‬
‫طلبه وأراده منها وإنما يحصل لمن أراد الله وبالقدر الذي يشاؤه‬
‫الله له ‪ .‬فهذه الية مقيدة لطلق ما سواها من اليات الواردة‬
‫بشأن طلب الدنيا وطلبها وقد أشرنا إلى هذا في الفقرات‬
‫السابقة ‪ .‬وبناء على هذه الية صار طلب الدنيا )منهم( من‬
‫يتمنى ويطلب الدنيا ول يعطى إل بعضا ً مما طلب وتمنى‪.‬‬
‫)ومنهم( من يتمنى ويطلب الدنيا ول يعطى منها شيئا ً فيجتمع‬
‫عليه فقر الدنيا وضياع نعيم الخرة‪. 3‬‬

‫‪ 350‬ص سّنة الله في طلب الخرة ‪:‬‬


‫ن‬‫م ٌ‬ ‫ْ‬
‫مؤ ِ‬‫و ُ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫ها َ‬
‫عي َ َ‬
‫س ْ‬
‫ها َ‬ ‫َ‬
‫عى ل َ‬ ‫س َ‬
‫و َ‬ ‫ن أ ََرادَ ال ِ‬
‫خَرةَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫شكورا( ‪ .‬فهذه الية الكريمة تبين سنته‬ ‫ً ‪4‬‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬‫هم ّ‬ ‫عي ُ ُ‬‫س ْ‬ ‫ن َ‬‫كا َ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫َ‬
‫تعالى في طلب الخرة وطلبها ‪ ،‬فمن أراد الخرة أي من كانت‬
‫همه وقصده ومبتغاه وسعى لها سعيها أي عمل لها عملها من‬
‫الطاعات وهو مؤمن ص لن الطاعات ل تقبل إل من مؤمن ص فهو‬
‫وأمثاله من المؤمنين العاملين ‪ ،‬كان سعيهم مشكورا ً أي مقبول ً‬
‫عند الله تعالى غير مردود ‪ .‬فالشرط للسعي المشكور أن يقصد‬
‫به الدار الخرة وأن يكون صاحبه مؤمنا ً‪. 5‬‬

‫‪ 351‬ص زيادة أجر العامل للخرة ‪:‬‬


‫‪6‬‬
‫قال تعالى ‪) :‬من كان يريد حرث الخرة نزد له في حرثه‪، (..‬‬
‫فق في عمله‬ ‫و ّ‬
‫قال الزمخشري في هذه الية ‪) :‬من عمل للخرة ُ‬
‫وضوعفت حسناته( ‪ .‬وقال ابن كثير ‪) :‬أي من أراد عمل الخرة‬
‫نزد له في حرثه( أي نقويه ونعينه على ما هو بصدده ونكثر نماءه‬
‫ونجزيه الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله‬
‫تعالى‪. 7‬‬

‫‪ 352‬ص هل يمكن الجمع بين إرادة الدنيا والخرة ‪:‬‬


‫والجواب ‪ :‬نعم ‪ .‬يمكن ذلك بدليل أن الله تعالى مدح الذين‬
‫يطلبون خير الدنيا وخير الخرة ‪ ،‬فلو لم يكن تحصيل الخيرين‬
‫ممكنا ً لما أرشدنا الله إلى طلبهما منه تعالى ومدح فاعله وذم‬
‫س‬
‫ن الّنا ِ‬
‫م َ‬ ‫من قصر همته على طلب الدنيا فقط ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ف ِ‬
‫‪2‬‬
‫ـ سورة السراء ‪ ،‬الية ‪. 18‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 33‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 111‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ سورة السراء ‪ ،‬الية ‪. 19‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 155‬قرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪ ، 234‬ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 33‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ سورة الشورى ‪ ،‬الية ‪. 20‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 218‬‬
‫هم‬ ‫من ْ ُ‬
‫و ِ‬‫ق ِ‬ ‫خل َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫خَر ِ‬‫في ال ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫و َ‬‫في الدّن َْيا َ‬ ‫ل َرب َّنا آت َِنا ِ‬‫قو ُ‬ ‫من ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ع َ‬
‫ذا َ‬ ‫قَنا َ‬ ‫و ِ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ً‬‫ح َ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬‫في ال ِ‬ ‫و ِ‬‫ة َ‬ ‫سن َ ً‬
‫ح َ‬‫في الدّن َْيا َ‬ ‫ل َرب َّنا آت َِنا ِ‬‫قو ُ‬ ‫من ي َ ُ‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫ب( ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ع ال ِ‬ ‫ري ُ‬
‫س ِ‬‫ه َ‬
‫والل ُ‬ ‫سُبوا َ‬ ‫ما ك َ‬ ‫م ّ‬‫ب ّ‬‫صي ٌ‬ ‫م نَ ِ‬‫ه ْ‬
‫ر أولصئ ِك ل ُ‬ ‫الّنا ِ‬
‫والمعنى ‪ :‬أن من الناس من يدعو الله تعالى أن يجعل إيتاءه وما‬
‫يمنحه إياه في الدنيا خاصة للشارة إلى أن همته مقصورة على‬
‫مطالب الدنيا فهو يطلب حظوظ الدنيا فقط وماله في الخرة‬
‫من نصيب ‪ ،‬ولم يقل إنه يطلب حسنة في الدنيا لن من كانت‬
‫الدنيا كل همه فإنه ل يبالي أكانت شهواته وحظوظه فيها حسنة‬
‫أو سيئة فهو يطلب الدنيا من كل باب ويسلك إليها كل طريق ‪،‬‬
‫وهو باستيلء الدنيا عليه لم يكن للخرة موضع في نفسه يطلب‬
‫من الله تعالى نعيمها ويقيه شرها ‪.‬‬
‫وقد اختلف المفسرون في تعيين هذا الفريق من الناس ‪ ،‬فقيل‬
‫الكفار الذين ل يؤمنون بالخرة وقيل هم المسلمون الذين لم‬
‫تمس حقائق الدين وبشاشة اليمان قلوبهم فكان همهم‬
‫مقصورا ً على الدنيا ل على الخرة‪. 2‬‬

‫‪ 353‬ص تفسير آية الجمع بين إرادة الدنيا والخرة ‪:‬‬


‫في‬ ‫و ِ‬
‫ة َ‬
‫سن َ ً‬‫ح َ‬ ‫في الدّن َْيا َ‬
‫ل َرب َّنا آت َِنا ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫من ي َ ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬
‫الية هي ‪ِ ) :‬‬
‫هم( أي من‬ ‫من ْ ُ‬‫و ِ‬
‫ر( ‪ .‬وقوله تعالى ‪ِ ) :‬‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫ع َ‬
‫ذا َ‬ ‫قَنا َ‬ ‫و ِ‬‫ة َ‬ ‫سن َ ً‬‫ح َ‬‫ة َ‬‫خَر ِ‬
‫ال ِ‬
‫الناس وهم المسلمون يطلبون خير الدنيا والخرة ‪ .‬واختلفوا في‬
‫المقصود بالحسنة في الدنيا والحسنة في الخرة ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬
‫حسنة الدنيا تعني العاقبة في الصحة وكفاف المال ‪ .‬وقال غيره‬
‫الصحة والكفاف في العيش والتوفيق للخير في الدنيا والثواب‬
‫في الخرة ‪ .‬وقال الحسن ‪ :‬حسنة الدنيا العلم والعبادة ‪ .‬والذي‬
‫عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين ‪ :‬نعيم الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬وهذا هو الصحيح فإن اللفظ يقتضي هذا كّله‬
‫ة( نكرة في سياق الدعاء فهو محتمل لكل حسنة‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫فإن كلمة ) َ‬
‫‪3‬‬
‫من الحسنات ‪ .‬وحسنة الخرة الجنة بالجماع ‪ .‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫ر( أي نجنا منها ‪ .‬وهذه الية من جوامع الدعاء‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫ع َ‬
‫ذا َ‬ ‫قَنا َ‬ ‫و ِ‬
‫) َ‬
‫التي عمت خيري الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أنس قال ‪ :‬كان أكثر دعوة يدعو بها النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول ‪) :‬اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي‬
‫الىخرة حسنة وقنا عذاب النار(‪. 4‬‬

‫‪ 354‬ص ما يشترط للجمع بين إرادة الدنيا والخرة ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ سورة البقرة ‪ ،‬اليات ‪ 200‬ـ ‪. 202‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 248‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 90‬المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ 236‬ـ ‪. 237‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 248‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 432‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 433‬‬
‫ويشترط للجمع بين إرادة الدنيا والخرة حصول النية أي أن‬
‫يقصد طالب الدنيا جعلها بعد الحصول عليها وسيلة للظفر‬
‫بالخرة ‪ .‬وهذه النية ل تكلفه شيئا ً لنها عمل القلب واتجاهه ‪،‬‬
‫ولكنها مهمة جدا ً ول يصلح العمل بدونها لن الصل في‬
‫السلم ‪) :‬إنما العمال بالنّيات( فالنّية هي التي تلون العمل‬
‫ل أو الحرمة والقبول أو الرفض والثواب أو‬ ‫وتعطيه صفة من الح ّ‬
‫عدمه ‪ .‬فهو بهذه النية يجعل عمله المباح لنيل المال أو غيره من‬
‫نعم الدنيا عمل ً مأجورا ً عليه وقربة من القربات ‪ .‬فإذا ظفر‬
‫بمراده من الدنيا وهو بهذه النية لزمه استحضار نية الخرة أي‬
‫إرادته لها في استعمال ما حصل عليه من الدنيا ‪.‬‬

‫‪ 355‬ص التطبيق العملي للجمع بين إرادة الدنيا والخرة ‪:‬‬


‫قلنا إن الجمع بين إرادة الدنيا والخرة ممكن ‪ ،‬أما كيفية التطبيق‬
‫العملي لهذا الجمع فقد أرشدتنا إليه اليات الكريمة الواردة في‬
‫قصة قارون وما جرى بينه وبين قومه من حوار وجدال ‪ ،‬ومن‬
‫ذلك ما حكاه الله تعالى من قول الناصحين له من قومه ‪ ،‬قال‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫وآت َي َْناهُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫غى َ َ‬ ‫سى َ‬ ‫من َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫فب َ َ‬ ‫مو َ‬
‫ُ‬
‫وم ِ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫قاُرو َ‬ ‫تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ه لَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬
‫ق ْ‬ ‫لل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ة إ ِذْ َ‬ ‫و ِ‬‫ق ّ‬ ‫ة أوِلي ال ُ‬ ‫صب َ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ه لت َُنوءُ ِبال ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫فات ِ َ‬‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫ز َ‬ ‫الك ُُنو ِ‬
‫ة‬
‫خَر َ‬ ‫داَر اْل ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ما آَتا َ‬ ‫في َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ِ‬ ‫واب ْت َ‬‫ن َ‬ ‫حي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ف‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫فَر ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫غ‬‫ول ت َب ْ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ه إ ِلي ْ َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫سن ك َ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ن الدّن َْيا َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫صيب َ َ‬ ‫س نَ ِ‬ ‫ول َتن َ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪ .‬فالمسلم‬ ‫‪5‬‬
‫دي‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫د‬
‫َ َ‬‫سا‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ ِ‬
‫يستطيع أن يسعى لتحصيل نعم الدنيا بالوسائل المشروعة فهذا‬
‫مباح له غير محظور عليه ‪ ،‬وله أن يدعو الله لتمكينه من الحصول‬
‫على مطلوبه من نعم الدنيا كما أشرنا من قبل ‪ .‬فإذا حصل على‬
‫مراده من الدنيا فعليه أن يستعمل ما يؤتيه الله تعالى من مال‬
‫وغيره فيما ينفعه في الخرة كالتصدق في سبيل الله وأداء ما‬
‫أوجبه الله عليه فيما أنعم به عليه ‪ .‬أي أن يؤدي شكر الله تعالى‬
‫على نعمه عليه ‪ ،‬وأن يحسن إلى خلق الله كما أحسن الله عليه ‪.‬‬
‫وله أن يتمتع بما أباحه الله له من الطيبات من المآكل‬
‫والمشارب والملبس والمساكن والمراكب وغيرها وبهذا يتحقق‬
‫منه التطبيق العملي للجمع بين إرادة الدنيا والخرة ‪ .‬وبما قلناه‬
‫ل كلمهم عليه في‬ ‫صرح المفسرون أو أشاروا إليه أو د ّ‬
‫تفسيرهم لليات التي ذكرناها في قصة قارون ‪ ،‬فمن أقوالهم‬
‫ما يأتي ‪:‬‬

‫‪ 356‬ص أول ً ‪ :‬أقوال المفسرين في قوله تعالى ‪) :‬وابتغ فيما آتاك‬


‫الله الدار الخرة(‬

‫‪5‬‬
‫ـ سورة القصص ‪،‬اليتان ‪. 77 ، 76‬‬
‫أ ص قال القرطبي ‪ :‬أي اطلب فيما آتاك الله من الغنى والثروة‬
‫الدار الخرة بأن تعمل فيه أفعال الخير من التصديق الواجب‬
‫والمندوب إليه وتجعله زادك في الخرة‪. 1‬‬
‫ب ص قال الزمخشري ‪ :‬أي وابتغ فيما آتاك الله من الغنى والثروة‬
‫الدار الخرة بأن تعمل فيه أفعال الخير من التصدق الواجب‬
‫والمندوب إليه وتجعله زادك في الخرة‪. 2‬‬
‫ج ص وقال الرازي ‪ :‬المراد أن يصرف المال إلى ما يؤديه إلى‬
‫الجنة‪. 3‬‬
‫د ص وقال ابن كثير ‪ :‬أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال‬
‫الجزيل والنعمة الكاملة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع‬
‫القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والخرة‪. 4‬‬

‫‪ 357‬ص ثانيا ً ‪ :‬أقوال المفسرين في قوله تعالى ‪) :‬ول تن َ‬


‫س‬
‫نصيبك من الدنيا(‬
‫‪5‬‬
‫أ ص قال الرازي ‪ :‬أي ل بأس بالتمتع بالوجوه المباحة ‪.‬‬
‫ب ص قال القرطبي ‪ :‬وقال الحسن وقتادة ‪ :‬معناه ل تضيع حظك‬
‫من دنياك في تمتعك بالحلل وطلبك إياه ونظرك لعلقبة دنياك‪. 6‬‬
‫ج ص قال الزمخشري ‪ :‬أي أن تأخذ منها ما يكفيك ويصلحك‪. 7‬‬
‫د ص قال اللوسي ‪ :‬أي ل تنس حظك من الدنيا ‪ .‬وعن ابن عباس‬
‫أن تعمل فيها لخرتك ‪ .‬وعن قتادة هو أن تأخذ من الدنيا ما أحله‬
‫الله تعالى لك‪. 8‬‬
‫ه ص قال ابن كثير ‪ :‬أي مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب‬
‫والمساكن والمناكح ‪ ،‬فيجوز لك أن تتمتع به ‪ ،‬فإن لربك عليك‬
‫حقا ً وانفسك عليك حقا ً ولهلك عليك حقا ً ‪ ،‬فآت كل ذي حق‬
‫حقه‪. 9‬‬

‫‪ 358‬ص ثالثا ً ‪ :‬أقوال المفسرين في قوله تعالى ‪) :‬وأحسن كما‬


‫أحسن الله إليك(‬
‫أ ص قال الرازي ‪ :‬ويدخل في معنى الية العانة للفقير بالمال‬
‫والجاه وطلقة الوجه وحسن اللقاء وحسن الذكر‪. 10‬‬

‫‪ 1‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 314‬‬


‫‪ 2‬ـ الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 431‬‬
‫‪ 3‬ـ الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 25‬ص ‪. 15‬‬
‫‪ 4‬ـ ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 399‬‬
‫‪ 5‬ـ الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 25‬ص ‪. 15‬‬
‫‪ 6‬ـ القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 13‬ص ‪. 314‬‬
‫‪ 7‬ـ الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 431‬‬
‫‪ 8‬ـ اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 20‬ص ‪. 112‬‬
‫‪ 9‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 399‬‬
‫‪ 01‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 25‬ص ‪. 16‬‬
‫‪1‬‬
‫ب ص قال الزمخشري ‪ :‬وأحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك‬
‫‪.1‬‬
‫ج ص وقال اللوسي ‪ :‬وأحسن إلى عباد الله عّز وجل كما أحسن‬
‫الله إليك فيما أنعم به عليك‪. 12‬‬
‫د ص وقال ابن كثير ‪ :‬أي أحسن إلى خلقه كما هو أحسن إليك‪. 13‬‬

‫‪ 11‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 431‬‬


‫‪ 21‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 20‬ص ‪. 113‬‬
‫‪ 31‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 399‬‬
‫الفصل السادس عشر‬
‫سّنة الله في رزق العباد‬
‫]قانون الرزق[‬
‫‪ 359‬ص معنى الرزق ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫أ ص جاء في لسان العرب الّرزق بفتح الراء هو المصصصدر الحقيقصصي‬
‫للفعل َرَزقَ ‪ .‬وبكسر الراء الّرزق ما ينتفع به والجمع أرزاق ‪.‬‬
‫رزق ‪ :‬العطاء ‪ .‬وقد يسمى المطصصر رزقصا ً وذلصصك قصصوله تعصصالى ‪:‬‬ ‫وال ِ‬
‫)ومصصا أنصصزل مصصن رزق فأحيصصا بصصه الرض بعصصد موتهصصا( ‪ .‬والرزاق‬
‫نوعان ‪ :‬ظاهرة للبدان كالقوات ‪ ،‬وباطنة كالمعارف والعلوم ‪.‬‬
‫ب ص وجاء في المعجم الوسيط‪) : 2‬الصصرزق( بفتصصح الصصراء المصصصدر ‪.‬‬
‫رزق‬ ‫وبكسر الراء اسم الشيء المرزوق وهو كل ما ُينتفع به‪ .‬والص ِ‬
‫ما ينتفع به ممصصا يؤكصصل ويلبصصس ‪ .‬والصصرزق مصصا يصصصل إلصصى الجصصوف‬
‫وُيتغذى به ‪ .‬وفي التنزيل العزيز ‪) :‬فليأتكم برزق منصصه( والصصرزق ‪:‬‬
‫المطر ‪ ،‬لنه سبب الصصرزق ‪ .‬والصصرزق ‪ :‬العطصصاء ‪ ،‬والعطصصاء الجصصاري‬
‫يقال ‪ :‬كم رزقك في الشهر؟ أي كم راتبك‪ ،‬والجمع أرزاق ‪.‬‬
‫ج ص وفي النهاية لبن الثير‪ : 3‬من أسصماء اللصه تعصالى ))الصصرّزاق((‬
‫وهو الذي خلق الرزاق وأعطى الخلئق أرزاقها وأوصلها إليهصصم ‪.‬‬
‫والرزاق نوعصصان ‪ :‬ظصصاهرة للبصصدان كصصالقوات وباطنصصة للقلصصوب‬
‫والنفوس كالمعارف والعلوم ‪.‬‬
‫د ص وفي المفردات للراغب‪ : 4‬الرزق ‪ ،‬يقال للعطصصاء الجصاري تصارة‬
‫دنيويا ً كان أم أخرويا ً ‪ ،‬وللنصصصيب تصصارة ‪ ،‬ولمصصا يصصصل إلصصى الجصصوف‬
‫ويتغذى به تارة ‪ .‬يقال أعطى السلطان رزق الجند ‪ ،‬ورزقت علما ً‬
‫‪ .‬وقوله تعالى ‪) :‬وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يصصأتي أحصصدكم‬
‫الموت( أي من المال والجاه والعلصم ‪ .‬وقصوله تعصالى ‪) :‬وتجعلصون‬
‫رزقكصصم أنكصصم تكصصذبون( أي وتجعلصصون نصصصيبكم مصصن النعمصصة تحصصري‬
‫الكذب ‪ .‬وفي العطاء الخروي قصصوله تعصصالى ‪) :‬ول تحسصصبن الصصذين‬
‫قتلصصوا فصصي سصصبيل اللصصه أموات صا ً بصصل أحيصصاء عنصصد ربهصصم يرزقصصون( ‪.‬‬
‫والصصرازق يقصصال لخصصالق الصصرزق ومعطيصصه والمسصصبب لصصه وهصصو اللصصه‬
‫تعالى ‪ .‬ويقال ذلك للنسان الذي يصير سببا ً في وصصول الصصرزق ‪.‬‬
‫والصصرزاق ل يقصصال إل للصصه تعصصالى ‪ .‬وقصصوله تعصصالى ‪) :‬وجعلنصصا فيهصصا‬
‫معايش ومن لستم له برازقين( أي بسصصبب فصصي رزقصصه ول مصصدخل‬
‫لكم فيصصه ‪ .‬ويقصصال ارتصصزق الجنصصد ‪ :‬أخصصذوا أرزاقهصصم ‪ .‬والرزقصصة مصصا‬
‫ُيعطونه دفعة واحدة ‪.‬‬

‫‪ 360‬ص المعنى المراد من الرزق في بحثنا ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ 405‬ـ ‪. 406‬‬


‫‪ 2‬ـ المعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 342‬‬
‫‪ 3‬ـ النهاية لبن الثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 219‬‬
‫‪ 4‬ـ المفردات في غريب القرآن للراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 194‬‬
‫والمعنى الذي نريده من كلمة ))الرزق(( في بحثنا كل مال ينتفع‬
‫به سصواء كصان ماديصا ً كصالموال مصن ذهصب وفضصة وحيصوان وزروع‬
‫وثمار وعقار ‪ ،‬ومأكول وملبوس ومشروب ومسكون ونحو ذلصصك ‪.‬‬
‫أو كان معنوي صا ً كالمعصصارف والعلصصوم والمنزلصصة والجصصاه والسصصلطان‬
‫والعقل والذكاء وحسن الخلق ونحو ذلك ‪ .‬وسواء كان ما ينتفع به‬
‫في الدنيا وهو ما ذكرناه أو ينتفع به في الخرة وهو رضوان الله‬
‫تعالى وثوابه ونعيم الجنة ونحو ذلك مما أخبرنا الله تعالى به ‪.‬‬

‫‪ 361‬ص الله هو الرزاق ذو القوة المتين ‪:‬‬


‫الله تعالى هو خالق الرزق ومعطيه والمسبب لصصه ‪ ،‬ومصصن أسصصمائه‬
‫تعالى ))الرزاق(( فهو الذي خلق الرزاق وأعطى الخلئق أرزاقها‬
‫وأوصلها إليهم‪ . 5‬وفي القرآن الكريم آيصصات كصصثيرة تصصبين أن اللصصه‬
‫تعالى هو الرزاق بالمعنى الذي ذكرناه ‪ ،‬فمن ذلك ‪:‬‬

‫‪ 362‬ص آيات في كونه هو الرزاق ‪:‬‬


‫هصصا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫رْزق َ‬ ‫ه ِ‬ ‫علصصى اللص ِ‬ ‫ض إ ِل َ‬ ‫فصي الْر ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫دآّبص ٍ‬
‫مصن َ‬ ‫مصا ِ‬ ‫و َ‬ ‫أ ص قال تعصالى ‪َ ) :‬‬
‫ُ‬
‫ها ك ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫‪6‬‬
‫ن( ‪ .‬والداّبة اسصصم‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ب ّ‬ ‫في ك َِتا ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫ع َ‬‫ود َ َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ها َ‬‫قّر َ‬ ‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫وي َ ْ‬
‫َ‬
‫لكل حيوان ‪ ،‬لن الدابة اسم مأخوذ من الدبيب ‪ ،‬وأطلق على كصصل‬
‫حيوان ذي روح ذكرا ً كان أو أنثى ‪ .‬والمراد بهصصذا اللفصصظ ))داّبصصة((‬
‫فصصي هصصذه اليصصة الموضصصوع الصصصلي اللغصصوي فيصصدخل فيصصه جميصصع‬
‫الحيوانات ‪ ،‬وهذا متفق عليه بين المفسرين ‪ .‬ومعنصصى اليصصة ‪ :‬مصصا‬
‫من حيوان يدب على الرض إل على الله تعالى غصصذاؤه ومعاشصصه ‪،‬‬
‫وإن ذلك كالواجب عليه تعالى بحسب وعده تعالى بإيصصال الصرزق‬
‫إلى كل ذي روح تفضل ً منه وإحسان ‪ .‬والله يعلصصم مسصصتقرها ‪ ،‬أي‬
‫مكانها في الرض ومسكنها ويعلم مستودعها حيث كصصانت مودعصصة‬
‫قبل الستقرار من صلب أو رحم أو بيضة‪. 7‬‬
‫َ‬
‫هصصا‬ ‫ق َ‬ ‫ه ي َْرُز ُ‬‫هصصا الل ّص ُ‬
‫ق َ‬ ‫رْز َ‬‫ل ِ‬‫مص ُ‬ ‫ة َل ت َ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫داب ّص ٍ‬‫مصصن َ‬ ‫وك َصأّين ِ‬ ‫ب ص وقال تعالى ) َ‬
‫م( ‪ .‬والمعنى ‪ :‬وكم مصصن دابصصة ل تطيصصق‬ ‫‪8‬‬
‫عِلي ُ‬ ‫ْ‬
‫ع ال َ‬ ‫مي ُ‬ ‫س ِ‬
‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬‫م َ‬‫وإ ِّياك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫حمل رزقها لضعفها أو ل تدخره ‪ ،‬وإنما تصصبح ول شصيء عنصدها ‪،‬‬
‫فالله تعالى يرزقها وإيصصاكم ‪ ،‬فل يصصرزق تلصصك الصصدواب الضصصعاف إل‬
‫الله تعالى ول يرزقكم أيضا ً أيها النصاس إل اللصه تعصالى وإن كنتصم‬
‫در‬ ‫مطيقين لحمل أرزاقكم وكسبها لنه لصصو لصصم يقصصدركم ولصصم يق ص ّ‬
‫لكم أسباب الكسب لكنتم أعجز من الدواب التي ل تحمل رزقها ‪.‬‬
‫فالله تعالى رزق الكل بأسباب هو تعالى المسبب لها وحده‪. 1‬‬

‫‪ 5‬ـ النهاية لبن الثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 219‬‬


‫‪ 6‬ـ سورة هود ‪ ،‬الية ‪. 6‬‬
‫‪ 7‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪ ، 379‬رازي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪ ، 185‬آلوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 12‬ص ‪. 2‬‬
‫‪ 8‬ـ سورة العنكبوت ‪ ،‬الية ‪. 60‬‬
‫‪ 1‬ـ زمخشري ن ج ‪ ، 3‬ص ‪ ، 462‬آلوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 21‬ص ‪. 11‬‬
‫ج ص وقال تعالى ‪) :‬إن الله هو الرزاق ذو القصصوة المصصتين(‪ . 2‬فصصالله‬
‫تعالى هو الذي يرزق كل مفتقر إلى الرزق ل غيصصره وهصصو القصصوي‬
‫القادر البليغ القتدار على كل شيء‪. 3‬‬

‫‪ 363‬ص فابتغوا عند الله الرزق ‪:‬‬


‫وإذا كان الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين ‪ ،‬فعلصصى المسصصلم‬
‫أن يطلب الرزق منه ل من غيره ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬ند الله الصصرزق(‪. 4‬‬
‫وعلى هذا فينبغصصي للمسصصلم أن يتوكصصل علصصى ربصصه عصصز وجصصل فصصي‬
‫تحصيل رزقه ويدعوه أن ييسر له أسبابها ويباشصصرها فعل ً ويعينصصه‬
‫عليها ‪.‬‬

‫‪ 364‬ص سّنة الله في رزق عباده ‪:‬‬


‫جبل سصصبحانه وتعصصالى الحيوانصصات علصصى مباشصصرة أسصصباب اكتسصصاب‬
‫رزقها بالتحرك والنتقال من مكان إلى آخر وزودها بغرائز معينصصة‬
‫وأعضاء في بدنها تعينها على تحصيل رزقها ‪ .‬وسّنته تعصصالى فصصي‬
‫رزق عباده أنه تعالى جعل هذا الرزق يصلهم بأسصصباب يباشصصرونها‬
‫سصصر‬
‫باختيارهم وجعلها الله تعالى موصلة إلى اكتساب الصصرزق ‪ ،‬وي ّ‬
‫لهصصم هصصذه السصصباب ودعصصاهم بصصل وأمرهصصم بالسصصعي إلصصى كسصصب‬
‫الرزق ‪.‬‬

‫‪ 365‬ص السعي لكسب الرزق ‪:‬‬


‫قلنا إن سنة الله في رزق عباده إيصال هذا الرزق لهصصم بمباشصصرة‬
‫أسباب اكتسابه ودعاهم إلى مباشرة هذه السباب ومنهصصا التنقصصل‬
‫ض ذَُلصول ً‬ ‫َ‬
‫م اْلْر َ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫كص ُ‬ ‫عص َ‬‫ج َ‬
‫ذي َ‬ ‫و اّلص ِ‬‫هص َ‬
‫في أنحاء الرض قال تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫‪5‬‬
‫شصصوُر( ‪ .‬والمعنصصى ‪:‬‬ ‫وإ ِل َي ْ ِ‬
‫ه الن ّ ُ‬ ‫ه َ‬‫ق ِ‬
‫من ّرْز ِ‬‫وك ُُلوا ِ‬
‫ها َ‬
‫مَناك ِب ِ َ‬
‫في َ‬ ‫م ُ‬
‫شوا ِ‬ ‫َ‬
‫فا ْ‬
‫سصصافروا وتنقلصصوا حيصصث شصصئتم فصصي أنحصصاء الرض وتصصرددوا فصصي‬
‫أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات ‪ ،‬فقد جعل اللصصه‬
‫من‬ ‫وك ُُلوا ِ‬
‫الرض ذلول ً غير صعبة يسهل جدا ً عليكم السلوك فيها ) َ‬
‫ه( ‪ .‬أي انتفعوا بما أنعم الله عليكم ‪ .‬وقد استدل بهصصذه اليصصة‬ ‫ق ِ‬
‫ّرْز ِ‬
‫على استحباب التسبب في اكتساب الرزق ‪ ،‬وفي الحديث النبصصوي‬
‫الشريف ‪ :‬إن الله يحب العبد المؤمن المحترف‪. 6‬‬

‫‪ 366‬ص الحتطاب ول سؤال الناس ‪:‬‬


‫وإذا كان السصصعي لكتسصصاب الصصرزق هصصو السصصبيل المعتصصاد لوصصصول‬
‫الرزق إلى النسان وإن العمل وإن كصصان شصصاقا ً كالحتطصصاب فهصصو‬

‫‪ 2‬ـ سورة الذاريات ‪ ،‬الية ‪. 58‬‬


‫‪ 3‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 406‬قرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 17‬ص ‪ ، 57‬آلوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 27‬ص ‪ ، 23‬رازي ‪ ،‬ج ‪ ، 28‬ص ‪. 235‬‬
‫‪ 4‬ـ سورة العنكبوت ‪ ،‬من الية ‪. 17‬‬
‫‪ 5‬ـ سورة تبارك ‪ ،‬الية ‪. 15‬‬
‫‪ 6‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 397‬تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 29‬ص ‪. 14‬‬
‫خيصر مصن أن يسصأل المسصلم النصاس الصصدقة مصا دام قصادرا ً علصى‬
‫الكسب ‪ ،‬جاء في حديث البخاري عن الزبير بن العوام عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬لن يأخذ أحدكم حبله فيصصأتي بحزمصصة‬
‫الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خيصصر لصصه مصصن أن‬
‫يسأل الناس أعطوه أو منعوه(‪ . 7‬قال ابن حجصصر العسصصقلني فصصي‬
‫شصصرحه لهصصذا الحصصديث ‪ :‬فصصي الحصصديث الحصصث علصصى التعفصصف عصصن‬
‫المسألة والتنزه عنها ولصصوامتهن المصصرء نفسصصه فصصي طلصصب الصصرزق‬
‫وارتكب المشقة في ذلك‪. 8‬‬

‫‪ 367‬ص السعي لكتساب الرزق ل ينافي التوكل ‪:‬‬


‫والسعي لكتساب الرزق ومباشرة أسبابه ل ينصصافي التوكصصل فقصصد‬
‫أخرج المام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنصصه قصصال ‪:‬‬
‫سصصمعت رسصصول اللصصه صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم يقصصول ‪) :‬لصصو انكصصم‬
‫تتوكلون علصصى اللصصه حصصق تصصوكله لرزقكصصم كمصصا يصصرزق الطيصصر تغصصدو‬
‫خماصا ً وتروح بطانًا( قال المام ابن كثير بعد أن ذكر هذا الحديث‬
‫في تفسيره ‪ :‬قال الحكيم الترمذي ‪ :‬مّر عمر ابن الخطاب رضصصي‬
‫الله عنه بقوم فقال لهم ‪ :‬من انتم؟ فقصصالوا ‪ :‬المتوكلصصون ‪ .‬قصصال‬
‫أنتم المتأكلون ‪ .‬إنما المتوكل رجل ألقى حبصصه ص ص أي بصصذره ص ص فصصي‬
‫بطن الرض وتوكل على ربه عز وجل‪ . 9‬وسئل المصصام أحمصصد عصصن‬
‫رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال ‪ :‬ل أعمل شيئا ً ويأتيني‬
‫رزقي ‪ .‬فقال هذا رجل جهصصل العلصصم فقصصد قصصال صصصلى اللصصه عليصصه‬
‫وسلم ‪) :‬إن الله جعل رزقي تحت رمحي(‪. 1‬‬

‫‪ 368‬ص كسب المال الحلل بمنزلة الجهاد ‪:‬‬


‫َ‬ ‫م أ َن ّ َ‬
‫ه‬‫ف ُ‬‫ص َ‬ ‫ون ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ي الل ّي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫من ث ُل ُث َ‬ ‫م أدَْنى ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ك تَ ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫م أن ّلن‬ ‫َ‬ ‫قدُّر الل ّي ْ َ‬
‫عل ِ َ‬ ‫هاَر َ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ف ٌ‬‫طائ ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫وث ُل ُث َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سي َكو ُ‬ ‫م أن َ‬ ‫عل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن القْرآ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سَر ِ‬ ‫ما ت َي َ ّ‬ ‫م فاقَرؤوا َ‬ ‫علي ْك ْ‬ ‫ب َ‬ ‫صوهُ فَتا َ‬ ‫ح ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ل الل ص ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ضص ِ‬ ‫من ف ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫غو َ‬ ‫ض ي َب ْت َ ُ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫رُبو َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫وآ َ‬ ‫ضى َ‬ ‫مْر َ‬ ‫منكم ّ‬ ‫ِ‬
‫مصصوا‬ ‫َ‬ ‫ه فاقَر ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْص ُ‬ ‫س صَر ِ‬ ‫مصصا ت َي َ ّ‬ ‫ؤوا َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ي ُقات ِلو َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫وآ َ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫مصصا ت ُ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق صد ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫صن‬
‫ص‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫رض‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ص‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫صوا‬ ‫ص‬ ‫ض‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫أ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫صا‬‫ص‬ ‫ك‬ ‫ز‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫صوا‬ ‫ص‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫وآ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ص‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫جصصرا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خيصصرا ً وأ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ظصص‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫هصص‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫لصص‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫عنصص‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫دو‬ ‫ُ‬ ‫جصص‬ ‫ٍ ِ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫يصص‬ ‫ْ‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫مصص‬‫ّ‬ ‫كم‬ ‫سصص‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫لن‬
‫م(‪ . 2‬كان قيام الليل واجب صا ً ثصصم‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫فُروا الل ّ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫نسخ في حق المة وبيصن تعصالى علصة تخفيصف قيصام الليصل بنسصخ‬
‫منك ُصصم‬ ‫س صي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫وجوبه وإن بقي مستحبا ً فقصصال تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫م أن َ‬ ‫عل ِص َ‬
‫ضى‪ (..‬الية ‪ ،‬قال المام القرطبي ‪) :‬بّين سبحانه عّلة تخفيف‬ ‫مْر َ‬ ‫ّ‬

‫‪ 7‬ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 335‬‬


‫‪ 8‬ـ شرح العسقلني لصحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 336‬‬
‫‪ 9‬ـ تفسير اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 29‬ص ‪. 14‬‬
‫‪ 1‬ـ شرح العسقلني لصحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ 305‬ـ ‪. 306‬‬
‫‪ 2‬ـ سورة المزمل ‪ ،‬الية ‪. 20‬‬
‫قيام الليل ‪ ،‬فإن الخلق منهم المريض وشصصق عليهصصم قيصصام الليصصل‬
‫ويشق عليهم أن نفوتهم الصلة ‪ ،‬والمسافر في التجصصارات قصصد ل‬
‫يطيق قيام الليل ‪ ،‬والمجاهد كذلك ‪ ،‬فخفف الله عن الكصصل لجصصل‬
‫وى الله تعالى في هذه الية بين درجة المجاهصصدين‬ ‫هؤلء ‪ .‬وقد س ّ‬
‫والمكتسبين المال الحلل للنفقة على نفسصصه وعيصصاله والحسصصان‬
‫والفضال ‪ ،‬فكان هذا دليل ً علصصى أن كسصصب المصصال الحلل بمنزلصصة‬
‫الجهاد لنه جمعه مع الجهاد فصصي سصصبيل اللصصه(‪ . 3‬وقصصال الصصرازي ‪:‬‬
‫وى بيصصن المجاهصصدين‬ ‫)ومصصن لطصصائف هصصذه اليصصة أنصصه تعصصالى سصص ّ‬
‫والمسصصافرين للكسصصب الحلل(‪ . 4‬وقصصال الزمخشصصري ‪ :‬وقصصد بّيصصن‬
‫الحكمة في النسخ ص نسخ قيام الليصصل ص ص وهصصي تعصصذر القيصصام علصصى‬
‫المرضى والضاربين في الرض للتجارة والمجاهصصدين فصصي سصصبيل‬
‫وى اللصصه بيصصن المجاهصصدين والمسصصافرين لكسصصب‬ ‫اللصصه ‪ .‬وقيصصل س ص ّ‬
‫الحلل(‪. 5‬‬

‫‪ 369‬ص الرزق المبارك ‪:‬‬


‫ومن رزقه الله مال ً من غير طمع ول استشراف نفس ول سصصؤال‬
‫من الناس ‪ ،‬فقد جرت سنة الله في هذا المال حصول البركة فيه‬
‫ل على هذه السّنة حديث البخاري عن حكيم بصصن حصصزام أن‬ ‫‪ ،‬وقد د ّ‬
‫النبي صلى اللصه عليصه وسصلم قصال لصه ‪ :‬يصا حكيصم إن هصذا المصال‬
‫خضرة حلوة ‪ ،‬فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ‪ ،‬ومن أخصصذه‬
‫بإشراف نفس لم يبصصارك لصصه فيصصه كالصصذي يأكصصل ول يشصصبع ‪ .‬واليصصد‬
‫العليا خير من اليد السفلى‪ ، 6‬وفي الحديث تشبيه للمال والرغبصصة‬
‫فيصصه والميصصل إليصصه وحصصرص النفصصوس عليصصه بالفاكهصصة الخضصصراء‬
‫المستلذة فإن الخضر مرغصصوب فيصصه علصصى انفصصراده بالنسصصبة إلصصى‬
‫اليصصابس ‪ ،‬والحلصصو مرغصصوب فيصصه علصصى انفصصراد بالنسصصبة للحصصامض‬
‫فالعجاب بهما إذا اجتمعا أشد ‪ .‬فمن أخذ المال وحصل عليه بغير‬
‫شره ول الحاح أي من أخذه بغير سؤال بورك له فيه ‪ ،‬ومن أخذه‬
‫بإشراف نفس أي يتعرض له وحرص عليه وطمع فيه لم يبارك له‬
‫فيه‪. 7‬‬
‫ومعنى بورك له فيه حصول البركة له فصصي مصصاله ‪ ،‬والبركصصة ثبصصوت‬
‫الخير اللهي في الشيء ‪ .‬ولما كان الخير اللهي يصدر من حيصصث‬
‫ل ُيحس وعلى وجه ل يحصى ول يحصر قيل لكصل مصا يشصاهد منصه‬
‫زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة وإلى هذه الزيادة أشير‬
‫بما روي في الحديث الشريف أنه ل ينقص مال من صدقة ل إلصصى‬
‫النقصان المحسوس‪. 8‬‬
‫‪ 3‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 19‬ص ‪. 55‬‬
‫‪ 4‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 20‬ص ‪. 187‬‬
‫‪ 5‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 643‬‬
‫‪ 6‬ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 335‬‬
‫‪ 7‬ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 335‬‬
‫‪ 8‬ـ مفردات الراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 44‬‬
‫‪ 370‬ص الله يرزق المؤمن والكافر ‪:‬‬
‫إن الله تعالى رب العالمين وقد وعد وأخصصبر بصصأنه مصصا مصصن دابصصة إل‬
‫على الله رزقها ‪ .‬فكل ذي روح يدب على الرض فإن اللصصه تعصصالى‬
‫يرزقه ويهيىء له أسباب تلقصصي هصذا الصصرزق سصصواء كصصان كصصافرا ً أو‬
‫ك‬ ‫ع َ‬
‫طصصاء َرّبصص َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ؤلء ِ‬ ‫هص ُ‬ ‫و َ‬ ‫ؤلء َ‬ ‫هص ُ‬ ‫مؤمنا ً ولهذا قال تعالى ‪) :‬ك ُل ّ ن ّ ِ‬
‫مد ّ َ‬
‫حظُصصورًا(‪ ، 9‬أي نصصرزق الكصصافرين والمصصؤمنين‬ ‫م ْ‬
‫ك َ‬ ‫ع َ‬
‫طاء َرب ّص َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وبهذا صّرح المفسرون ‪ ،‬فمن أقوالهم في هذه الية ‪:‬‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ؤلء ِ‬ ‫هص ُ‬‫و َ‬
‫ؤلء َ‬ ‫هص ُ‬
‫مد ّ َ‬‫أ ص قال المام القرطبي ‪ :‬قوله تعالى‪):‬ك ُل ّ ن ّ ِ‬
‫ك(‪ ،‬أخبر أنه يرزق المؤمنين والكافرين ‪.‬‬
‫‪10‬‬ ‫ع َ‬
‫طاء َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ب ص وقال الزمخشري ‪ :‬كل واحد من الفريقين نمصصدهم ‪ :‬نزيصصدهم‬
‫من عطائنا ‪ ،‬فنرزق المطيع والعاصي علصصى وجصصه التفضصصل ‪ ،‬ومصصا‬
‫ص‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عطاء ربك وفضله محظورا أي ممنوعا ‪ ،‬ل يمنعصصه مصصن عصصا ٍ‬ ‫‪1‬‬
‫كان‬
‫لعصيانه ‪.‬‬
‫ج ص وقال الرازي ‪ :‬أي أنه تعالى يمد الفريقيصصن بصصالموال ويوسصصع‬
‫عليهما في الرزق مثل الموال والولد وغيرهما من أسباب العصصز‬
‫والزينة في الدنيا لن عطاءنا ليس بضيق عن أحصصد مؤمن صا ً كصصان أو‬
‫كافرا ً لن الكل مخلوقون في دار العمل‬
‫ص الدنيا ص فوجب ايصال متاع الدنيا إلى الكل‪. 2‬‬

‫‪ 371‬ص التمتع بالطيبات من الرزق ‪:‬‬


‫التحليل والتحريم من حق الله فل يجوز لحد أن يحرم شيئا ً أبصاحه‬
‫الله بحجة الزهد أو هضم النفس أو كونه من المسصصتلذات ‪ ..‬فصصإن‬
‫المنظور إليه هو كون الشيء حلل ً أو حراما ً ‪ ،‬فإن كان حلل ً جصصاز‬
‫التمتع بصصه وإن كصصان مسصصتلذا ً مسصصتطابا ً لن الشصصرع ل يمنصصع تمتصصع‬
‫النفس بالمسصصتلذات مصصا دامصصت مباحصصة ‪ .‬وإن كصصان الشصصيء حرام صا ً‬
‫وجب البتعاد عنه وعدم مباشرته وتناوله مهما كانت صفته ‪ .‬قال‬
‫تعالى رادا ً على من حّرم مصصا لصصم يحرمصصه اللصصه تعصصالى مصصن زينصصة أو‬
‫ي‬ ‫ه ال ّت ِص َ‬ ‫ة الل ّص ِ‬ ‫زين َص َ‬‫م ِ‬ ‫ح صّر َ‬ ‫ن َ‬ ‫مص ْ‬‫ل َ‬ ‫قص ْ‬ ‫طيبات الرزق ‪،‬فقال عز وجصصل ‪ُ ) :‬‬
‫ة‬ ‫حَيصصا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هي ل ِل ّ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّرْز‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫وال ْطّي َّبا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ج لِ ِ‬
‫خَر َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن(‪. 3‬‬ ‫مصصو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫وم ٍ ي َ ْ‬ ‫قص ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل الي َصصا ِ‬ ‫صص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬‫ة ك َذَل ِ َ‬‫م ِ‬‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬‫و َ‬ ‫ة يَ ْ‬‫ص ً‬ ‫خال ِ َ‬ ‫الدّن َْيا َ‬
‫يقول تعالى ردا على من حّرم شصيئا مصن المآكصل أو المشصارب أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫م‬ ‫حّر َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫الملبس من تلقاء نفسه من غير شرع من الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ق( أي هي مخلوقصصة‬ ‫ن الّرْز ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫وال ْطّي َّبا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عَباِد ِ‬‫ج لِ ِ‬‫خَر َ‬‫ي أَ ْ‬ ‫ه ال ّت ِ َ‬‫ة الل ّ ِ‬‫زين َ َ‬‫ِ‬
‫لمن آمن بالله وعبده في الحياة الدنيا وإن شصصكرهم فيهصصا الكفصصار‬

‫‪ 9‬ـ سورة السراء ‪ ،‬الية ‪. 20‬‬


‫‪ 01‬ـ القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 236‬‬
‫‪ 1‬ـ الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 656‬‬
‫‪ 2‬ـ الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 20‬ص ‪. 181‬‬
‫‪ 3‬ـ سورة العراف ‪ ،‬الية ‪. 32‬‬
‫فهي للمؤمنين خالصصصة يصصوم القيامصصة ل يشصصركهم فيهصصا أحصصد مصصن‬
‫الكفار فإن الجنة محّرمة على الكافرين‪. 4‬‬

‫‪ 372‬ص القانون في التمتع بالطيبات من الرزق ‪:‬‬


‫قال المام ابن العربي ‪ ،‬والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه ‪:‬‬
‫على المرء أن يأكل ما وجد طيبا ً كان أو قفصصارا ً ص ص الخصصبز بل أدم ص ص‬
‫ول يتكلف الطيب ويتخذه عادة ‪ ،‬وقد كان النبي صصصلى اللصصه عليصصه‬
‫وسصصلم يشصصبع إذا وجصصد ويصصصبر إذا عصدم ‪ ،‬ويأكصصل الحلصوى إذا قصصدر‬
‫عليها ويشرب العسل إذا اتفق له ويأكل اللحم إذا تيسر ول يعتمد‬
‫أصل ً ول يجعله ديدنا ً‪. 5‬‬

‫‪ 373‬ص الموال بذاتها ل تقرب صاحبها من الله ‪:‬‬


‫قد يرزق النسان مال ً كثيرا ً حسب سّنة اللصصه فصصي كسصصب المصصال ‪،‬‬
‫لن سنة الله مضت في إعطاء المال للكصصافر وللمصصؤمن وللمطيصصع‬
‫وللعاصي فمجرد كون النسان غنيا ً بأمواله ل تجعله هذه المصصوال‬
‫قريبا ً مصصن اللصصه تعصصالى ‪ ،‬وإنمصصا الصصذي يقربصصه مصصن اللصصه تعصصالى هصصو‬
‫وَلدُك ُصصم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وَل أ ْ‬ ‫م َ‬‫وال ُك ُ ْ‬‫مص َ‬
‫مصصا أ ْ‬ ‫و َ‬ ‫اليمان والعمل الصالح ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫م‬
‫هصص ْ‬ ‫َ‬
‫ولئ ِك ل ُ‬ ‫فصصأ ْ‬‫صاِلحا َ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬
‫ع ِ‬ ‫و َ‬‫ن َ‬‫م َ‬‫نآ َ‬ ‫فى إ ِّل َ‬
‫م ْ‬ ‫عندََنا ُزل ْ َ‬‫م ِ‬‫قّرب ُك ُ ْ‬‫ِبال ِّتي ت ُ َ‬
‫ن(‪. 6‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫تآ ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫في ال ْ ُ‬
‫غُر َ‬ ‫م ِ‬‫ه ْ‬ ‫مُلوا َ‬
‫و ُ‬ ‫ع ِ‬
‫ما َ‬‫ف بِ َ‬‫ع ِ‬ ‫ض ْ‬
‫جَزاء ال ّ‬ ‫َ‬
‫والمعنى ‪ :‬إن الموال ل تقّرب من الله تعالى ولكصصن الصصذي يقصّرب‬
‫العبد من ربه اليمان والعمل الصالح ‪ .‬وكذلك إذا رزق اللصصه عبصصده‬
‫أولدا ً فصصأولده ل يقربصصونه مصصن اللصصه بمجصصرد كصصونهم أولده إل إذا‬
‫أطاع الله فيهم بأن علمهم الخيصصر ووفقهصصم فصصي الصصدين وجعلهصصم‬
‫أعضاء صالحين في المجتمع‪. 7‬‬

‫‪ 374‬ص بسط الرزق وتضييقه وما يدلن عليه ‪:‬‬


‫قد يوسع الله على عبده بالرزق وقصصد يضصصيق عليصصه فيصصه ‪ ،‬فيكصصون‬
‫الول غني صا ً واسصصع الصصثراء ‪ ،‬ويكصصون الثصصاني معصصدوما ً فقيصصرا ً شصصديد‬
‫الفقر والحاجة ‪ ،‬فهل يدل ذلك على صلح الموسصصع عليصصه رزقصصه ‪،‬‬
‫وعدم صلح المضيق عليه رزقصصه؟ والجصصواب ل يصصدل بسصصط الصصرزق‬
‫وتضييقه على صلح الغنسان أو عدم صلحه ‪ ،‬فإن حصول الغنصصى‬
‫في الدنيا ل يدل على الستحقاق ول على أن صاحبه مرضي عنصصد‬
‫الله ‪ ،‬فإنه تعالى كثيرا ً ما يوسع على العصاة والكفصصرة ‪ ،‬إمصصا لنصصه‬
‫يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ‪ ،‬وأما يحكم بذلك لمصلحة أو لحكمة‬
‫‪ ،‬وإما على سبيل الستدراج والمكر ‪ .‬وقد يضيق الله تعالى علصصى‬
‫الصديقين لحكمصة يعلمهصا أو بنصاء علصى سصنة مصن سصننه العامصة ‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 211‬‬


‫‪ 5‬ـ تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 7‬ص ‪. 198‬‬
‫‪ 6‬ـ سورة سبأ ‪ ،‬الية ‪. 37‬‬
‫‪ 7‬ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 586‬‬
‫فينبغي للعبد أن ل يظن أن ذلك وقع وجرى للمجازاة أو بناء على‬
‫منزلة العبد بالقرب أو بالبعد عن ربه تعالى‪. 8‬‬
‫ل على ما قلناه قوله تعصصالى ‪َ َ ) :‬‬
‫مصصا اب ْت ََل ُ‬
‫ه‬ ‫ذا َ‬ ‫ن إِ َ‬‫سصصا ُ‬ ‫لن َ‬ ‫مصصا َ ا ْ ِ‬
‫فأ ّ‬ ‫وقد د ّ‬
‫قصدََر‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫مصا اب ْت َلهُ َ‬ ‫مصا إ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قصو ُ‬ ‫في َ ُ‬‫ه َ‬ ‫ْ‬ ‫ربه َ َ‬
‫ذا َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مص ِ‬
‫ل َرّبصي أكَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ون َ ّ‬
‫ه َ‬ ‫م ُ‬‫فأكَر َ‬ ‫َ ّ ُ‬
‫ولَ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ن الي َِتيصص َ‬ ‫مصصو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ْ‬
‫ن كل َبصصل ل ت ُك َِ‬ ‫َ‬ ‫هصصان َ ِْ‬
‫ل َرّبصصي أ َ‬ ‫قصصو ُ‬ ‫في َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قصص ُ‬ ‫رْز َ‬ ‫ه ِ‬ ‫عل َْيصص ِ‬‫َ‬
‫ن‬‫حب ّصصو َ‬ ‫وت ُ ِ‬
‫م صا َ‬‫ً‬ ‫ّ‬
‫ث أك ْل ً ل ّ‬ ‫ن الت ّصَرا َ‬ ‫ُ‬
‫وت َصأك ُلو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كي ِ‬
‫س ِ‬ ‫م ْ‬
‫عام ِ ال ِ‬ ‫على ط َ‬
‫ً ‪1‬‬
‫ن َ‬ ‫ضو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫تَ َ‬
‫ما( ‪ .‬وجاء في تفسير هذه اليات إن الله تعالى ينكر‬ ‫ج ّ‬ ‫حب ّا َ‬ ‫ً‬ ‫ل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫على النسان في اعتقاده إذا وسع اللصصه تعصصالى عليصصه فصي الصصرزق‬
‫ليختبره في ذلك فيعتقد أن ذلك من الله تعالى إكرام له ‪ ،‬وليصصس‬
‫المصصر كصصذلك بصصل هصصو ابتلء وامتحصصان ‪ .‬وكصصذلك إذا ابتله وامتحنصصه‬
‫وضيق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك مصصن اللصصه إهانصصة لصصه ‪ ،‬فقصصال‬
‫تعالى )ك َّل( أي ليس المر كما زعم ل في هذا ول فصصي هصصذا فصصإن‬
‫الله تعالى يعطصصي المصصال مصصن يحصصب ومصصن ل يحصصب ‪ ،‬ويضصصيق فصصي‬
‫الرزق على من يحب ومصصن ل يحصصب وإنمصصا المصصراد فصصي ذلصصك علصصى‬
‫طاعة الله في الحالتين ‪ :‬إذا كان غنيا ً بان يشكر الله علصصى ذلصصك ‪،‬‬
‫وإذا كان فقيرا ً بأن يصبر ‪ ،‬فبهذا الصبر وذاك الشكر تكون منزلصصة‬
‫العبد وقربه من ربه‪. 2‬‬

‫‪ 375‬ص حكمة التفاوت في الرزق ‪:‬‬


‫أول ً ‪ :‬ليخدم بعضهم بعضا ً ‪:‬‬
‫هصصم‬ ‫مَنا ب َي ْن َ ُ‬‫سصص ْ‬‫ق َ‬ ‫ن َ‬ ‫حصص ُ‬‫ك نَ ْ‬ ‫ة َرّبصص َ‬ ‫مص َ‬‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سص ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫هص ْ‬ ‫قصصال تعصصالى ‪) :‬أ َ ُ‬
‫ت‬‫جصا ٍ‬ ‫ض دََر َ‬ ‫عص ٍ‬ ‫وقَ ب َ ْ‬ ‫فص ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضص ُ‬‫ع َ‬ ‫عَنصا ب َ ْ‬ ‫ف ْ‬‫وَر َ‬ ‫ة الصدّن َْيا َ‬ ‫حَيصا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬
‫شت َ ُ‬ ‫عي َ‬‫م ِ‬‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫صو‬ ‫ص‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ج‬
‫َ ْ َ ُ‬ ‫ي‬ ‫صا‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫م‬
‫ْ ٌ ّ ّ‬‫ر‬ ‫ص‬ ‫ي‬‫خ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ص‬ ‫م‬
‫ِ ّ َ َ ْ َ ُ َ ّ‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫ي‬ ‫ر‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫ص‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫عض‬ ‫َ ْ‬ ‫ب‬ ‫هم‬ ‫َ‬
‫لِ َ ّ ِ َ ْ ُ ُ‬
‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ي‬
‫والمعنى ‪) :‬نحن قسمنا بينهصصم معيشصصتهم( أي أسصصباب معيشصصتهم‬
‫في الحياة الصصدنيا قسصصمة تقتضصصيها مشصصيئتنا المبنيصصة علصصى الحكصصم‬
‫ض( في الصصرزق وسصصائر مبصصادى‬ ‫ع ٍ‬ ‫وقَ ب َ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع َ‬ ‫عَنا ب َ ْ‬ ‫ف ْ‬‫وَر َ‬
‫والمصالح ) َ‬
‫المعصصاش وأسصصبابه )درجصصات( متفاوتصصة ‪ .‬فقصصد فاوتنصصا بينهصصم فيمصصا‬
‫أعطيناهم من الموال والرزاق والعقول والفهوم وغير ذلك مصصن‬
‫القوى الظاهرة والباطنة ‪ ،‬فكان منهم القوي والضصصعيف والعصصالم‬
‫والجاهصصل ‪ ،‬والحصصاذق والبلصصه ‪ ،‬والرئيصصس والمصصرؤوس والغنصصي‬
‫ري ًّا( أي ليسخر‬ ‫خ ِ‬ ‫س ْ‬‫عضا ً ُ‬ ‫هم ب َ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬‫خذ َ ب َ ْ‬ ‫والفقير ‪ .‬وإنما فعلنا ذلك )ل ِي َت ّ ِ‬
‫بعضهم بعضا ً في العمال لحتياج بعضهم إلى بعض ‪ ،‬وبهذا يمكن‬
‫أن يتعايشصصوا ويحصصصل كصصل منهصصم علصصى مصصا يحتصصاجه بمسصصاعدة‬
‫الخرين ‪ ،‬ولول هصصذا التفصصاوت فيمصصا ذكرنصصا لمصصا أمكصصن أن يقضصصي‬
‫بعضهم حاجة بعض ول أن يخدم بعضهم بعضا ً‪. 4‬‬
‫‪ 8‬ـ تفسير الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 31‬ص ‪. 169‬‬
‫‪ 1‬ـ سورة الفجر ‪ ،‬اليات ‪ 15‬ـ ‪. 20‬‬
‫‪ 2‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 509‬‬
‫‪ 3‬ـ سورة الزخرف ‪ ،‬الية ‪. 32‬‬
‫‪ 4‬ـ الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 248‬ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 127‬الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 27‬ص ‪ ، 209‬القرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪ . 83‬اللوسي ‪ ،‬ج‬
‫‪ ، 25‬ص ‪. 78‬‬
‫‪ 376‬ص ثانيا ً ‪ :‬لمنع البغي ‪:‬‬
‫ومن حكمة التفاوت في الرزق منع بغي الناس في الرض ‪ ،‬قصصال‬
‫ول َ ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ه ل َب َ َ‬
‫ل‬ ‫كن ي َُنصصّز ُ‬ ‫ض َ‬
‫في الْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫غ ْ‬ ‫عَباِد ِ‬
‫ه الّرْزقَ ل ِ ِ‬‫ط الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫وب َ َ‬ ‫تعالى ‪) :‬ول َ ْ‬
‫صيٌر(‪ . 5‬والمعنى لو وسع الله على‬ ‫خِبيٌر ب َ ِ‬
‫ه َ‬‫عَباِد ِ‬ ‫ه بِ ِ‬‫شاءُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ر ّ‬ ‫قد َ ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫عباده في الرزق لبغوا فصصي الرض أي لطغصصوا وعصصصوا أو لتكصصبروا‬
‫ول َك ِصصن‬‫في الرض وفعلوا ما يتبع الكبر من الفسصصاد والعلصصو فيهصصا ) َ‬
‫ء( أي ينزل أرزاقهصصم بقصصدر مصصا يشصصاء لكفصصايتهم‬ ‫شا ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ر ّ‬ ‫ل بِ َ‬
‫قد َ ٍ‬ ‫ي ُن َّز ُ‬
‫صيٌر( يعرف ما يؤول إليه أحصصوالهم فيقصصدر لهصصم‬ ‫خِبيٌر ب َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫)إ ِن ّ ُ‬
‫ما هو أقرب إلى جمع شملهم فيرزقهم من الرزق ما يختاره ممصصا‬
‫فيه صلحهم وهو أعلم بذلك ‪ ،‬فيغني من يستحق الغنى ‪ ،‬ويفقصصر‬
‫من يستحق الفقر كما توجبه حكمته تعصصالى ‪ .‬ولصصو أغنصصاهم جميع صا ً‬
‫لبغوا ‪ ،‬ولو أفقرهم جميعا ً لهلكوا ‪ ،‬ول شصصبهة فصصي أن البغصصي مصصع‬
‫الفقر أقل ‪ ،‬ومع الغنى أكثر وأغلب‪. 6‬‬

‫‪ 377‬ص المؤمن ل يحزن لهذا التفاوت ‪:‬‬


‫والمؤمن ل يحزن لهذا التفاوت الذي اقتضته حكمة الله حتى ولصصو‬
‫كان شديد الفقر ‪ ،‬لن كل ما يؤتاه النسان من الصصدنيا فهصصو متصصاع‬
‫قليل وزائل ول يسصصتحق أن تستشصصرف لصصه نفصصس المصصؤمن ول أن‬
‫يكصصون مقصصصدها وهمهصصا ول أن يحصصزن علصصى فصصوته أو فقصصده ‪ ،‬لن‬
‫مقصده الخرة وغايته طلب مرضاة الله ‪ ،‬ولنه يعلم مدى حقصصارة‬
‫الدنيا عند الله تعصصالى ‪ .‬وممصصا يصصدل علصصى حقصصارة الصصدنيا عنصصد اللصصه‬
‫تعالى وإنها وكل ما فيها مما تستشرف إليه النفس ‪ ،‬شيء تصصافه‬
‫وزائل ومتاع قليل ‪ ،‬مما يدل على ذلك أن الله تعالى بعد أن ذكصصر‬
‫ُ‬ ‫وَل َأن ي َ ُ‬
‫ة‬
‫مصص ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫ن الّنصصا ُ‬ ‫كصصو َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫التفاوت بين خلقه في الرزق قال ‪َ ) :‬‬
‫ج‬‫ر َ‬‫عا ِ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬‫ة َ‬‫ض ٍ‬ ‫ف ّ‬ ‫من َ‬ ‫قفا ً ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ل ِب ُُيوت ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫فُر ِبالّر ْ‬ ‫من ي َك ْ ُ‬ ‫عل َْنا ل ِ َ‬‫ج َ‬ ‫حدَةً ل َ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫وِإن‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خُرفا َ‬ ‫وُز ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ها ي َت ّك ِؤو َ‬ ‫علي ْ َ‬ ‫سُررا َ‬ ‫و ُ‬ ‫وابا َ‬ ‫م أب ْ َ‬ ‫ه ْ‬‫ول ِب ُُيوت ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫هُرو َ‬ ‫ها ي َظ َ‬ ‫علي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪.‬‬‫‪7‬‬
‫قي ص َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عن صدَ َرب ّصك ل ِل ُ‬ ‫خ صَرةُ ِ‬ ‫ْ‬
‫وال ِ‬ ‫ة ال صدّن َْيا َ‬ ‫حي َصصا ِ‬ ‫ْ‬
‫ع ال َ‬ ‫مت َصصا ُ‬‫مصصا َ‬ ‫َ‬
‫ل ذَل ِك ل ّ‬‫َ‬ ‫كُ ّ‬
‫والمعنى ‪ :‬لول أن يعتقد كثير من الجهلة أن اعطاءنا المصصال دليصصل‬
‫علصصى محبتنصصا لمصصن أعطنصصاه فيجتمعصصوا علصصى الكفصصر لجصصل المصصال‬
‫ج( أي‬ ‫ر َ‬‫عصصا ِ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫ضص ٍ‬ ‫ف ّ‬ ‫من َ‬ ‫قفا ً ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ل ِب ُُيوت ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫فُر ِبالّر ْ‬ ‫من ي َك ْ ُ‬ ‫عل َْنا ل ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫)ل َ َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫ول ِب ُي ُصصوت ِ ِ‬ ‫ن( أي يصصصعدون ) َ‬ ‫هصُرو َ‬ ‫ها ي َظْ َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫سللم ودرجا ً من فضة ) َ‬
‫َ‬
‫ن( أي جميصصع‬ ‫ؤو َ‬ ‫كصص ُ‬ ‫هصصا ي َت ّ ِ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫سُررا ً َ‬ ‫و ُ‬ ‫وابًا( أي أغلقا ً على أبوابهم ) َ‬ ‫أب ْ َ‬
‫خُرف صًا( أي وذهب صا ً ‪ .‬ثصصم قصصال تبصصارك وتعصصالى ‪:‬‬ ‫وُز ْ‬ ‫ذلك يكون فضة ) َ‬
‫ة ال صدّن َْيا( أي إنمصصا ذلصصك مصصن الصصدنيا‬ ‫حي َصصا ِ‬ ‫ْ‬
‫ع ال َ‬ ‫مت َصصا ُ‬ ‫مصصا َ‬‫ك لَ ّ‬ ‫ل ذَل ِص َ‬ ‫وِإن ك ُ ّ‬ ‫) َ‬
‫الفانية الزائلة الحقيرة عند الله تعالى ‪ .‬فهصصذا الصصذي يعطيصصه لهصصم‬
‫إنما يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا ليقصصدموا علصصى‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة الشورى ‪ ،‬الية ‪. 27‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 223‬القرطبي ‪ ، ،‬ص ‪ ، 27‬ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 115‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة ال‪ ،‬اليات ‪ 33‬ـ ‪. 35‬‬
‫الخرة وليس لهم عند الله تعصصالى حسصصنة يجزيهصصم بهصصا ‪ .‬ثصصم قصصال‬
‫ن( أي هصصي لهصصم خاصصصة ل‬ ‫قيصص َ‬ ‫ك ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫عنصصدَ َرّبصص َ‬ ‫واْل ِ‬
‫خصصَرةُ ِ‬ ‫تعصصالى ‪َ ) :‬‬
‫‪1‬‬
‫يشاركهم فيها أحد غيرهم ‪ .‬فالمؤمن ل يأسف علصصى شصصيء مصصن‬
‫الدنيا إذا كان مضيقا ً عليه في الرزق أو ل يتيسر له من متاعها ما‬
‫تيسصصر لغيصصره منهصصا ‪ ،‬فليكصصن حصصرص المصصؤمن علصصى نعيصصم الخصصرة‬
‫ورضوان الله ل على متاع الدنيا فإن الدنيا لو كانت تزن عند اللصصه‬
‫جناح بعوضة ما سقى منها كصصافرا ً شصصربة مصصاء أبصصدا ً كمصصا جصصاء فصصي‬
‫حديث الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصصذي ذكصصره‬
‫ابن كثير في تفسيره‪. 2‬‬

‫‪ 378‬ص تحذير من سوء الفهم ‪:‬‬


‫ول يفهم مما قلته أنصي أطلصب مصصن المسصلم أن يستسصلم للفقصر‬
‫ويقعد عن الكسب ‪ ،‬ل ‪ ،‬أنا لم أقصد ذلك ‪ ،‬وإنما الذي قصصصدته أن‬
‫المسلم إذا قصصام بمصصا أوجبصصه عليصصه الشصصرع مصصن الخصصذ بالسصصباب ‪،‬‬
‫وسعى لتحصيل رزقه بالوسائل المشروعة ‪ ،‬ومع هذا بقي رزقصصه‬
‫شحيحا ً قليل ً فعليه أن يتذكر ما قلته ول يحصصزن لضصصيق يصصده وقلصصة‬
‫رزقه ‪ ،‬فليست الحياة الطيبة الموعصصود بهصصا المصصؤمن تكصصون دائم صا ً‬
‫بنعومة العيش بل بشيء آخر أكبر من هذا العيش وقد أشرت إليه‬
‫عند كلمي عن سنة الله في التقوى واليمان والعمل الصالح ‪.‬‬

‫‪ 379‬ص موقف المسلم من سّنة الله في الرزق ‪:‬‬


‫قلنا إن من سنة الله في رزق عباده تفاوتهم فيه ورفصصع بعضصصهم‬
‫على بعض درجات فيه ‪ ،‬فمصا هصصو الموقصصف الصصصحيح للمسصصلم مصصن‬
‫ذلك؟ والجواب يختلف باختلف حال المسلم من جهة سصصعة رزقصصه‬
‫أو ضيقه وقلته ‪ ،‬وهذا ما نبينه فيما يأتي بإيجاز ‪.‬‬

‫‪ 380‬ص أول ً ‪ :‬موقف المسلم عند سعة رزقه وبسطه ‪:‬‬


‫في حال بسط الرزق وتوسعته ‪ ،‬على المسصصلم أن يستحضصصر فصصي‬
‫نفسه جملة معاني ‪ ،‬ويقوم بما أوجبه الله عليه وأرشده إليه فصصي‬
‫هذه الحالة ‪ ،‬ومن ذلك ما يأتي ‪:‬‬
‫أ ص أن يعلم يقينا ً ويستحضر هذا العلم فصصي ذهنصصه أن المصصال الصصذي‬
‫صار في يده هو مال الله قال تعالى ‪) :‬وآتوهم من مال الله الذي‬
‫آتاكم(‪ . 3‬وهو من رزق الله ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وأنفقصصوا ممصصا رزقكصصم‬
‫الله(‪. 4‬‬
‫ب ص أن يحذر طغيان المصصال لن المصصال قصصد يطغصصي صصصاحبه ‪ ،‬قصصال‬
‫تعالى مخاطبا ً بني إسرائيل ‪) :‬كلصصو مصصن طيبصصات مصصا رزقنصصاكم ول‬

‫‪ 1‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 127‬‬


‫‪ 2‬ـ تفسير ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 127‬‬
‫‪ 3‬ـ سورة النور ‪ ،‬من الية ‪. 33‬‬
‫‪ 4‬ـ سورة المنافقون ‪ ،‬من الية ‪. 10‬‬
‫تطغوا فيه فيحصصل عليكصصم غضصصبي ومصصن يحلصصل عليصصه غضصصبي فقصصد‬
‫هوى(‪ . 5‬وطغيصصانهم فيمصصا أنعصصم اللصصه عليهصصم مصصن رزق أن يتعصصدوا‬
‫حدود الله في نعمة الرزق بأن يكفروها ويغلهم اللهو والتنعم عن‬
‫القيام بشصصكرها ‪ ،‬وانفصصاقهم المصصال فصصي المعاصصصي وعصصدم إخصصراج‬
‫حقوق الفقراء من هذا المال‪. 6‬‬
‫ج ص أن يستحضر في نفسه قصة قصصارون الصصذي رزقصصه اللصصه المصصال‬
‫الكثير فطغى وبغى به وأعجبته نفسه وادعى أنه بنفسصصه وبعلمصصه‬
‫كسب المصال ول فضصل للصه بصه عليصه ‪ .‬وكصان نتيجصصة طغيصانه كمصا‬
‫أخبرنا الله عنه بقوله تعالى ‪) :‬فخسفنا به وبداره الرض(‪. 7‬‬

‫‪ 381‬ص ثانيا ً ‪ :‬موقف المسلم في حال تضييق الرزق عليه ‪:‬‬


‫والموقف الصحيح للمسصصلم فصصي هصصذه الحالصصة أي إذا كصصان مضصصيقا ً‬
‫عليه في الرزق يتحقق بما يأتي ‪:‬‬
‫أ ص أن يعلم المسلم يقينا ً ويستحضر في نفسه ما ذكرنصصاه مصصن أن‬
‫بسط الرزق وتضييقه ل يدلن على اكرام الله لعبده أو إهانته لصصه‬
‫وإنما هو امتحان وابتلء للعبد ‪ ،‬فإذا كان مضيقا ً عليه فصصي الصصرزق‬
‫ل ذلك على أن الله تعالى يريد أن يمتحنصصه بصصذلك ‪ ،‬واللصصه تعصصالى‬ ‫د ّ‬
‫يمتحن عباده بمصصا يشصصاء ومصصتى يشصصاء ‪ ،‬وقصصد شصصاء اللصصه تعصصالى أن‬
‫يمتحنه بالفقر وقلة الرزق ‪.‬‬
‫ن ما يلزمه من العبادة في هذه الحالصة ‪ ،‬هصو الصصصبر‬ ‫ب ص أن يعلم أ ّ‬
‫الجميل فإذا قصام بصه كصان مصن المتقيصن الصصابرين الصذين يؤتصون‬
‫أجورهم بغير حساب ‪.‬‬
‫ج ص أن ل يبتئس ويضيق صصصدره لضصصيق يصصده وقلصصة رزقصصه وخشصصونة‬
‫عيشه وليتذكر دائما ً معيشة رسصول اللصصه صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬
‫وأصحابه الكرام ‪.‬‬
‫د ص أن يعلم ان متاع الدنيا قليل ولذائذها فانية ل تسصصتحق السصصى‬
‫والحزن على فواتها ‪.‬‬
‫ً‬
‫ه ص لينظر إلى من هو أسفل منه ‪ ،‬أي أقل منه مصصال ونحصصوه ص ص ول‬
‫ينظر إلى من هصصو فصصوقه أي أكصصثر منصصه مصصال ً ونحصصوه ‪ ،‬فقصصد أخصصرج‬
‫المام البخاري عن أبصصي هريرةرضصصي اللصصه عنصصه عصصن رسصصول اللصصه‬
‫ل عليصصه‬ ‫ضص َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم قال ‪) :‬إذا نظرأحدكم إلى مصصن ُ‬
‫ف ّ‬
‫ضصصل‬‫ف ِ‬‫خْلق فلينظر إلى مصصن هصصو أسصصفل منصصه ممصصن ً‬ ‫في المال وال َ‬
‫عليه(‪. 1‬‬
‫وجاء في شرحه قوله )فصصي المصصال والخلصصق( ‪ ،‬ويحتمصصل أن يصصدخل‬
‫فصصي ذلصصك الولد والمتصصاع وكصصل مصصا يتعلصصق بزينصصة الصصدنيا ‪ .‬وقصصوله‬
‫)فلينظرإلى من هو أسفل منه( ‪ ،‬والمراد بذلك مصصا يتعلصصق بالصصدنيا‬
‫‪5‬‬
‫ـ سورة طه ‪ ،‬الية ‪. 81‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تفسير الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 79‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ سورة القصص ‪ ،‬من الية ‪. 81‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 322‬‬
‫أي إلى من أسفل منه مال ً ومتاعا ً ‪ .‬وزاد المام مسلم في روايته‬
‫لهذا الحديث عبارة )فهو أجصدر أن ل تصزدروا نعمصة اللصه عليكصم( ‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث دواء للحسد لن الشخص إذا نظصصر إلصصى مصصن هصصو‬
‫فوقه لم يأمن أن يحسده ودواء ما وقصصع فصصي قلبصصه مصصن حسصصد أن‬
‫ينظر إلى من هو أسفل منه ليكون ذلك داعيصا ً إلصصى الشصصكر وإلصصى‬
‫عدم ازدراء نعمة الله عليصصه الصصتي أعطيهصصا دون كصصثير ممصصن فضصصل‬
‫ر أوجب تفضيله عليهم‪. 2‬‬ ‫عليهم في الرزق من غير أم ٍ‬
‫و ص ليستحضر في قلبه حديث رسول الله صلى اللصصه عليصصه وسصصلم‬
‫الذي أخرجه البخاري عن ابن عمر قال ‪) :‬أخذ رسصصول اللصصه صصصلى‬
‫الله عليه وسلم بمنكبي فقصصال ‪ :‬كصصن فصصي الصصدنيا كأنصصك غريصصب أو‬
‫عابر سبيل(‪ 3‬فهذا الحديث أصل في الحث على الزهد فصصي الصصدنيا‬
‫والحتقصصار لهصصا والقناعصصة فيهصصا بالبلغصصة ‪ .‬وقصصال النصصووي ‪ :‬معنصصى‬
‫الحديث ل تركنوا إلى الدنيا ول تتخصصذوها وطنصا ً ول تحصصدث نفسصصك‬
‫بالبقصصاء فيهصصا ول تتعلصصق منهصصا بمصال يتعلصصق بصصه الغريصصب فصي غيصصر‬
‫وطنه ‪ .‬وقال غيره ‪ :‬عابر السبيل هو المصصار علصصى الطريصصق طالبصا ً‬
‫وطنه ‪ ،‬فالمرء في الدنيا كعبد أرسله سيده فصصي حاجصصة إلصصى غيصصر‬
‫بلده ‪ ،‬فشأنه أن يبادر بفعل ما أرسل فيه ثم يعود إلى وطنصصه ول‬
‫يتعلق بشيء غير ما هو فيه‪. 4‬‬

‫‪ 2‬ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ 322‬ـ ‪. 323‬‬


‫‪ 3‬ـ صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪. 233‬‬
‫‪ 4‬ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪ 233‬ـ ‪. 234‬‬
‫الفصل السابع عشر‬
‫سّنة الله في الفظاظة والغلظة والرفق‬
‫]قانون الفظاظة والغلظة والرفق[‬
‫‪ 382‬ص معنى الفظاظة والغلظة ‪:‬‬
‫جاء في لسان العرب‪ ، 5‬الفظ ‪ :‬الخشصصن الكلم ‪ ،‬ورجصصل فصصظ ‪ :‬ذو‬
‫فظاظة جاف غليظ في منطقصصه غلظصصة وخشصصونة ‪ .‬ورجصصل فصصظ ‪:‬‬
‫دة واسصصتطالة ‪ ،‬قصصال تعصصالى ‪:‬‬‫سصصيء الخلصصق ‪ .‬وفيصصه غلظصصة أي شص ّ‬
‫)وليجدوا فيكم غلظة( ‪ .‬ورجل غليظ فظ ‪ :‬فيصصه غلظصصة وفظاظصصة‬
‫وقساوة ‪ .‬ويقال غلظت عليه ‪ ،‬واغلظت له ‪.‬‬
‫ومصصن مفصصردات الصصراغب‪ . 6‬الفصصظ ‪ :‬الكريصصه الخلصصق ‪ .‬والغلظصصة ضصصد‬
‫الرقة ‪ .‬والغلظة الخشونة ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وليجدوا فيكم غلظة( ‪.‬‬
‫وفي المعجم الوسيط‪ 7‬الفظ ‪ :‬الجافي السيء ‪ .‬وغلظ عليصصه ولصصه‬
‫اشتد وعنف ‪ .‬وغلصصظ الخلصصق والطبصصع والقصصول والفعصصل والعيصصش‪:‬‬
‫اشتد وصعب فهو غليظ ‪.‬‬

‫‪ 383‬ص معنى الرفق ‪:‬‬


‫‪8‬‬
‫جاء في لسان العرب ‪ .‬الرفق ضد العنف ‪ .‬رفق بالمر وله وعليه‬
‫يرفق رفقا ً ‪ :‬لطصصف ‪ .‬وهصصو بصصه رفيصصق أي لطيصصف ‪ .‬والرفصصق ‪ :‬ليصصن‬
‫الجصصصانب ‪ .‬ولطافصصصة الفعصصصل خلف العنصصصف ‪ .‬وقصصصال ابصصصن حجصصصر‬
‫العسصصصقلني ‪ :‬الرفصصصق ليصصصن الجصصصانب بصصصالقول والفعصصصل والخصصصذ‬
‫بالسهل‪. 9‬‬

‫‪ 384‬ص سّنة الله في الفظاظة والغلظة ‪:‬‬


‫مضت سّنة الله في أحوال الناس واجتماعهم وفي اقبالهم علصصى‬
‫الشخص واجتماعهم عليه وقبولهم منه وسماعهم قوله وُأنسصصهم‬
‫ن النصصاس ينفضصصون عصصن الفصصظ‬ ‫به ‪ ،‬مضت سّنة الله فيما ذكرنصصاه أ ّ‬
‫الغليظ القلب حتى ولو كان ناصحا ً لهم مريدا ً للخيصصر لهصم حريصصا ً‬
‫ل جللصصه ‪:‬‬ ‫ل على مصصا قلنصصاه قصصول اللصصه جص ّ‬‫على ما ينفعهم ‪ ،‬وقد د ّ‬
‫ً‬
‫)فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا‬
‫من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في المر‪. 1(..‬‬
‫ومعنى الية ‪ :‬إنه صلى الله عليه وسلم لما رفق بمصصن تصصولى عصصن‬
‫القتال في معركة أحد ولم يعنفهم وإنما خصصاطبهم بصصالكلم الليصصن‬
‫بّين الله تعالى أنه إنما فعل ذلصصك بتوفيصصق اللصصه تعصصالى إيصصاه ‪ ،‬وإن‬
‫لينه لهم ما كان إل برحمة منه سصبحانه وتعصالى ‪ .‬وقصوله تعصالى ‪:‬‬
‫)ولو كنصصت فظ صا ً غليصصظ القلصصب( أي لصصو كنصصت سصصيء الكلم خشصصن‬
‫‪5‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ 321‬ـ ‪ 328 ، 322‬ـ ‪. 329‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ المفردات في غريب القرآن للراغب الصفهاني ‪ ،‬ص ‪. 382 ، 364‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ المعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪. 702 ، 664 ، 2‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪ 408‬ـ ‪. 410‬‬
‫‪9‬‬
‫ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 419‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪. 159‬‬
‫الجصصانب شصصرس الخلق جافيصا ً فصصي المعاشصصرة قصصول ً وفعل ً غليصصظ‬
‫القلب أي قاسيه أي ل يتأثر قلبه بشيء فل يرق لحد ول يرحمصصه‬
‫)لنفضوا من حولك( أي لتفرقوا عنك ونفروا منك حصصتى ل يبقصصى‬
‫حولك أحد منهم لن الفظاظة وغلظة القلب من الخلق المنفرة‬
‫للنصصاس ل يصصصبرونعلى معاشصصرة صصصاحبهما وإن كصصثرت فضصصائله‬
‫ورجيصصت فواضصصله بصصل يتفرقصصون ويصصذهبون مصصن حصصوله ويصصتركونه‬
‫وشأنه ‪ ،‬ول يبالون ما يفوتهم مصصن منصصافع القبصصال عليهصصم ‪ ،‬واذن‬
‫لفاتهم هدايتك ولصصم تبلصصغ قلصصوبهم دعوتصصك )فصصاعف عنهصصم( فيمصصا‬
‫يخص حقوقك )ر لهصصم اللصصه( فيمصصا يتعلصصق بحقصصوقه تعصصالى اتمامصا ً‬
‫للشفقة وإكمال ً للتربية‪. 2‬‬

‫‪ 385‬ص سنة الله في الرفق ‪:‬‬


‫سّنة الله في الرفق وأهله أنه يعطيهم مصصال يعطصصي علصصى العنصصف‬
‫وأهله فمن يرزق الرفق يرزق أسباب الخير ‪ ،‬ومصصن يحرمصصه ُيحصصرم‬
‫أسباب الخير فقد جاء في الحديث النبوي الشصصريف الصصذي أخرجصصه‬
‫المام مسلم في صحيحه قوله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬من يحرم‬
‫الرفق يحرم الخيصر( فصالرفق سصبب كصل خيصر ‪ .‬وفصي حصديث آخصر‬
‫اخرجه مسلم في صصصحيحه )إن اللصصه رفيصصق يحصصب الرفصصق ويعطصصي‬
‫على الرفق مال يعطي على العنف وما ل يعطى على مصصا سصصواه(‬
‫قال القاضي معناه ‪ :‬يتأتى به من الغراض ويسهل من المطصالب‬
‫مال يتأتى بغيره‪. 3‬‬

‫‪ 386‬ص الله يحب الرفق ‪:‬‬


‫أخرج البخاري في صحيحه قوله صلى الله عليه وسصصلم ‪) :‬إن اللصصه‬
‫يحب الرفق في المر كله(‪ . 4‬ومصصا دام الرفصصق محبوبصا ً للصصه تعصصالى‬
‫فينبغي للمسلم أن يحبه ويأخذ به في جميع أموره ‪ .‬لن ما يحبصصه‬
‫الله ينبغي أن يحبه المسلم ويعمل به ‪.‬‬

‫‪ 387‬ص نطاق الرفق المحبوب ‪:‬‬


‫والرفق المحبوب لله تعالى هو الذي ل يفضي إلى إهمال حق من‬
‫حقوق الله تعالى ‪ ،‬فإذا أفضى إلى ذلك لم يجز ولم يكن محبوبا ً ‪،‬‬
‫بل مبغوضا ً ومسخوطا ً عليصصه قصصال تعصصالى مخاطبصا ً المصصؤمنين فصصي‬
‫إقامة حدّ الزنا )ول تأخذكم بهما رأفة في دين الله(‪. 5‬‬

‫‪ 388‬ص من أخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق ‪:‬‬

‫‪ 2‬ـ زمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ 431‬ـ ‪ ، 432‬قرطبي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ 248‬ـ ‪ ، 249‬ابن كثير ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ ، 420‬اللوسي ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪، 106‬‬
‫الرازي ‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪ 60‬ـ ‪ ، 63‬المنار ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 199‬‬
‫‪ 3‬ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪. 145‬‬
‫‪ 4‬ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪. 419‬‬
‫‪ 5‬ـ سورة النور ‪ ،‬من الية ‪. 2‬‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم متواضعا ً مع أصحابه رفيق صا ً بهصصم‬
‫قصصال تعصصالى ‪) :‬واخفصصض جناحصصك لمصصن اتبعصصك مصصن المصصؤمنين(‪. 6‬‬
‫والمقصود بخفض الجناح ‪ :‬التواضع ولين الجانب‪ . 7‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫)لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم‬
‫بالمؤمنين رؤوف رحيم(‪ ، 8‬والشأن بالمسصصلم أن يقتصصدي برسصصول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله ‪.‬‬

‫‪ 389‬ص الجماعة المسلمة وسّنة الله في الفظاظة والرفق ‪:‬‬


‫على الجماعة المسلمة أن تعصصي وتفهصصم هصصذه السصّنة جيصصدا ً ‪ ،‬فصصإذا‬
‫كانت طبيعة الفظاظة وغلظ القلب تنفر الناس حتى من رسصصول‬
‫الله صلى الله عليصصه وسصصلم ولصصذلك عصصصمه اللصصه منهمصصا ‪ ،‬فنفصصرة‬
‫النصصاس مصصن الجماعصصة المسصصلمة إذا كصصانت موصصصوفة بالفظاظصصة‬
‫والغلظة أولى ‪ .‬ول يشفع لها إذا اتصفت بهصصاتين الخصصصلتين أنهصصا‬
‫تدعو إلى السلم وإن على الناس أن يتحموا فظاظتها وغلظتهصصا‬
‫معهصصم لنهصصا تعمصصل لمصصصلحتهم وتصصدعو إلصصى الحصصق ‪ ،‬فالنصصاس ل‬
‫يأخصصذون بهصصذا المنطصصق ‪ ،‬فمصصا تصصدعو إليصصه الجماعصصة ل يصصدخل إلصصى‬
‫قلوبهم إل إذا مالت إليه قلصصوبهم ‪ ،‬ول تميصصل إليصصه قلصصوبهم إل إذا‬
‫مالت إلى دعصاته ‪ ،‬وهصصي ل تميصل إلصى دعصاته إل إذا كصصانوا رحمصاء‬
‫بالنصصاس متواضصصعون معهصصم ‪ ،‬يخضصصعونهم بوجصصوه الصصبّر والشصصفقة‬
‫والمعونة بدون تكبر أو استعلء أو خشونة أو سوء خلق ‪ ،‬فالنصصاس‬
‫كما يقول سيد قطب رحمه الله تعالى في حاجة إلى كنف رحيصصم‬
‫وإلى رعاية فائقة وإلى بشاشة سمحة وإلصصى ودّ يعمهصصم وحلصصم ل‬
‫يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم ‪ .‬إنهم في حاجة إلى قلب كبير‬
‫يعطيهم ول يحتاج منهصصم إلصصى عطصصاء ‪ ،‬يحمصصل همصصومهم ويجصصدون‬
‫عنده دائما ً الهتمام والرعاية والعطف والسماحة‪. 1‬‬

‫‪ 390‬ص حاجة أمير الجماعة المسلمة إلى الرفق بأعضائها ‪:‬‬


‫يلزم أمير الجماعة الرفصصق بأعضصائها ‪ ،‬وتصصرك أي معنصصى أو مظهصصر‬
‫من معاني أو مظاهر الفظاظة وغلظة القلب لن أعضاء الجماعة‬
‫بحاجة دائمة لمير رفيق بهم شفيق عليهصصم رؤوف بهصصم متواضصصع‬
‫معهم يسعهم جميعا ً قلبه الكبير وحلمه الواسع ‪ ،‬يعفو عن زلتهصصم‬
‫ويتغافصصل عصصن أخطصصائهم كّلمصصا كصصان ذلصصك ممكن صا ً وجصصائزا ً شصصرعا ً ‪.‬‬
‫ويدلهم على أخطائهم بالتلميح ل بالتصريح ‪ ،‬ينظر إليهم كصصأولده‬
‫وإخوانه ويشعرهم بذلك بالقول والفعل ‪ ،‬يحرص على مصصصلحتهم‬

‫‪ 6‬ـ سورة الشعراء ‪ ،‬الية ‪. 215‬‬


‫‪ 7‬ـ الزمخشري ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 340‬‬
‫‪ 8‬ـ سورة التوبة ‪ ،‬الية ‪. 128‬‬
‫‪ 1‬ـ في ظلل القرآن للشهيد سيد قطب ‪ ،‬م ‪ ، 2‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 116‬‬
‫ويقيهصصم المكصصاره والسصصواء ‪ ،‬ول يلقيهصصم فصصي المهالصصك وإن رأى‬
‫منهم اندفاعا ً إلى البذل والتضحية لنه يعمل بموجب إذن الشصصرع‬
‫وأمره وليس بناء على اندفاعهم إلى ما يريصصدون ‪ .‬وبهصصذه الخلق‬
‫من امير الجماعة تسير الجماعصصة دون تخلخصصل أو اضصصطراب ولكصصن‬
‫بوحدة واتفاق وانسجام ‪.‬‬

‫‪ 391‬ص الخاتمة ‪:‬‬


‫سره الله تعالى لي من فصول في بيان سّنته تعالى فصصي‬ ‫هذا ما ي ّ‬
‫الفراد والمم والجماعات ‪ ،‬استقيتها من كتاب الله العزيصصز ومصصن‬
‫سصّنة نصصبيه الكريصصم محمصصد صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم ‪ ،‬ومصصن أقصصوال‬
‫المفسصصرين وأهصصل العلصصم ‪ .‬وآمصصل أن ينتفصصع بهصصذه الفصصصول مصصن‬
‫يقرؤها وأن يذكرني في دعائه فصصإن دعصصوة الخ لخيصصه فصصي ظهصصر‬
‫الغيب مستجابة ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪) :‬إنمصصا المؤمنصصون إخصصوة( وفصصي‬
‫الحديث النبوي الشريف )المسلم أخصصو المسصصلم‪ . (..‬واللصصه تعصصالى‬
‫أسأل أن يوفقني دائما ً إلى خدمة دينه وبيان معاني شصصريعته وأن‬
‫يجعل عملي خالصا ً لوجهه الكريم وأن يثيبني عليصصه يصصوم )ل ينفصصع‬
‫مال ول بنون إل من أتى الله بفلب سليم( وأن يوفصصق المسصلمين‬
‫لما يحبه ويرضاه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آلصصه وصصصحبه‬
‫وسلم والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫المؤلف‬
‫ب‬
‫غداد في ‪ 5‬جمادى الولى ‪ 1413‬ه‬
‫الموافق‬
‫‪ 992 / 10 / 31‬م‬

You might also like