Professional Documents
Culture Documents
تأليف
الدكتور عبد الكريم زيدان
أستاذ الشريعة السلمية ورئيس قسمها في كلية الحقوق
بجامعة بغداد سابقا ً
أستاذ الشريعة ورئيس قسم الدين بكلية الداب بجامعة بغداد
سابقا ً
أستاذ الشريعة بكلية الدراسات السلمية وعميدها سابقا ً
أستاذ متمرس بجامعة بغداد
مؤسسة الرسالة
ةةةةةة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
ص إن ما يقع في هذا العالم من حوادث ومجريصصات ل يقصصع صصصدفة ،
ول خبط عشواء .
وإنما يقع ويحدث وفق قانون عام دقيق ثابت صارم ل يخرج عصصن
أحكامه شيء .
2
ـ سورة النحل ،الية . 65
3
ـ سورة النحل ،الية . 78
4
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 2ص . 624
5
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 10ص . 151
بالنظر فيها من تحصيل العلوم الكسبية (( . 6والقرآن الكريم أمر
بالنظر والتفكيصصر فيمصصا خلصصق اللصصه فصصي السصصموات والرض ليصصزداد
الناس يقينا ً بأن الله هو الخالق العظيصصم ،وليعلمصصوا أن مصصا خلقصصه
الله كان بدقة ونظام ،وأن كل ما فيه يجري بأمر الله ،أي وفصصق
ما وضعه له من نظام .فمن هذه اليات الداعية إلصصى النظصصر فصصي
الكون والتأمل بما فيه للوقصصوف علصصى أسصصراره وكيفيصصة جريصصانه ،
َ
ض(، 7والْر ِت َوا ِ
ما َ
سصص َ
فصصي ال ّ
ذا ِ ظصصُروا ْ َ
مصصا َ ل ان ُ قصصوله تعصصالى ُ ) :
قصص ِ
فالصل في معرفة هذا القانون العام في وجهه الول هو النظصصر
والمشاهدة والتأمل والستقراء والتجارب .ومصصع هصصذا يوجصصد فصصي
القرآن الكريم إشارات لحقائق علمية يشملها هذا القصانون العصام
ص في وجهه الول ص أو إنها بعض تطبيقاته ذكرها الله تعصصالى فصصي
معرض بيان عظيم قدرته وعموم مشيئته وإرادته وتنظيمه لمصصور
مخلوقاته من ذلصصك كيفيصصة تكصصوين المطصصر وإنزالصصه وكيفيصصة تلقيصصح
النبصصات بالريصصاح كقصصوله تعصصالى ) :وأرسصصلنا الريصصاح لواقصصح( ومثصصل
الشارة إلى قلة الضغط الجوي كلما ارتفصصع النسصصان فصصي أعصصالي
الجو ،وهذا يفهم من تشبيه حال الضال وتضّيق صدره بحصصال مصصن
عد في السماء في قصصوله تعصصالى ) :ومصصن يصصرد أن يضصصله يجعصصل يص ّ
عد في السماء( . ص ّ ً ً
صدره ضيقا حرجا كأّنما ي ّ
ومعرفصصة هصصذا القصصانون فصصي وجهصصه الول مباحصصة للجميصصع ويمكصصن
الحصصصول عليهصصا مصصن قبصصل المسصصلم والكصصافر ،وأكثرهمصصا جديصصة
ونشاطا ً ونظرا ً وبحثا ً وسعيا ً أكثرهما وقوفا ً عليه وإحاطة بجوانبه
وجزئياته .فهذا العلم مشاع للجميع ول يختص المسلمون بشصصيء
منه باعتبارهم مسلمين ،اللهم إل فصصي القصصصد مصصن تعلمصصه وفصصي
أوجه النتفاع منصصه ،لن قصصصد المسصصلم وأوجصصه انتفصصاعه بالشصصياء
وبما يعلم ،كل ذلك محكوم بحكم الشريعة السصصلمية فمصصا تصصبيحه
أو توجبه فهو المباح أو الواجب وما تنهصصى عنصصه فهصصو المكصصروه أو
الحرام .
9ص الوجه الثاني من القانون العام :
أما الوجه الثصصاني مصصن القصصانون العصصام فهصصو الصصذي يتعلصصق بخضصصوع
البشر له باعتبارهم أفرادا ً وأمما ً وجماعات .وأعني بخضوعهم له
خضوع تصرفاتهم وأفعالهم وسصصلوكهم فصصي الحيصصاة ومصصا يكونصصون
عليه من أحصصوال ومصصا يصصترتب علصصى ذلصصك مصصن نتصصائج كالرفاهيصصة أو
الضيق فصصي العيصصش ،والسصصعادة والشصصقاء والعصصز والصصذل والرقصصي
والتأخر والقوة والضعف ونحو ذلصصك مصصن المصصور الجتماعيصصة فصصي
الدنيا وما يصيبهم في الخرة من عذاب أو نعيم وفقا ً لحكام هذا
القانون بوجهه الثاني ،وهذا هو موضوع بحثنا في هذا الكتاب .
6
ـ روح المعاني )) تفسير اللوسي (( ج ، 14ص . 201
7
ـ سورة يونس ،الية . 101
10ص هل يوجد هذا القانون في الشريعة السلمية :
ونتساءل هنا هل يوجد هذا القانون بصصوجهه الثصصاني فصصي الشصصريعة
السلمية ويخضع له البشر فصصي أفعصصالهم وسصصلوكهم ومصصا يصصترتب
عليها من نتائج في ضوء قواعد هذا القانون وأحكامه؟ والجواب :
إن الشريعة السلمية ص بكتابها العزيز القصصرآن ،وبالسصصنة النبويصصة
الكريمة ص تبين بوضوح وجلء وجود )سنة عامة( لله تخضع لحكمها
تصرفات البشر وأفعالهم وسلوكهم ومواقفهم من شرع الله وما
قد يترتب على ذلك من نتصصائج معينصصة فصصي الصصدنيا والخصصرة ،فهصصل
تعنصي )سصنة اللصه( مصا نعنيصه بالقصانون العصام الصذي نتكلصم عليصه؟
والجواب يعرف بعصد أن أبيصن تعريصف سصنة اللصه فصي اللغصة وفصي
اصطلح الفقهاء وعلماء التفسير .
ت الّلص ِ
ه سصن ّ ِ جصدَ ل ِ ُ وَلصن ت َ ِ ديل ً َ ه ت َْبص ِت الّلص ِ سن ّ ِ فَلن ت َ ِ
جد َ ل ِ ُ وقال تعالى َ ) :
ل(. 1وي ً ح ِ تَ ْ
صوهي مطردة ل تتخلف ،ويدل على اطرادها أن اللصصه تعصصالى ق ص ّ
ل بهصصا لنتعصصظ ونعتصصبر ول نفعصصل علينا قصص المم السابقة وما ح ّ
فعلهم لئل يصيبنا ما أصابهم ،ولول اطرادهصصا لمصصا أمكصصن التعصصاظ
والعتبار بها .فمن هذه اليات قوله تعالى ) :فصصاعبروا يصصا أولصصي
ل ببنصصي النضصصير لسصصوء ص الله تعالى علينا ما ح ّ البصار( بعد أن ق ّ
أعمالهم ،قال اللوسي في هصصذه اليصصة :أي فصصاتعظوا بمصصا جصصرى
عليهم ص أي على اليهود من بني النضير ص من المور الهائلة علصصى
وجه ل تكاد تهتدي إليه الفكار ،واتقوا مباشرة ما أداهم إليه من
الكفر والمعاصي ،واعتبروا من حصصالهم فصصي غصصدرهم واعتمصصادهم
على غير اللصصه تعصصالى ص ص الصصصائرة سصصببا ً لتخريصصب بيصصوتهم بأيصصديهم
وأيدي أعدائهم ومفارقة أوطانهم كارهين ص إلى حال أنفسكم فل
ل بصصل تعولوا على تعاضد السصصباب وتعتمصصدوا علصصى غيصصره ع صّز وج ص ّ
ن سصن َ ٌم ُ قب ْل ِك ُص ْمصصن َ ت ِ خل َص ْ ق صد ْ َ توكلوا عليه . 2وكذلك قوله تعصصالى َ ) :
ن }{137 مك َصذِّبي َ ة ال ْ ُقب َ ص ُعا ِ ن َ ف ك َصصا َ فان ْظُُروا ْ ك َي ْ َ ض َ ِ في ال َْر سيُروا ْ ِ ف ِ َ
ن( . 3
قي َ مت ّ ِ ْ ّ
ة لل ُ َ
عظ ٌ و ِم ْو َدى َ ه ًو ُس َ ّ هص َ
ن للّنا ِ ذا ب ََيا ٌ َ
وهي ،أي سنة الله ،تتصف بالعموم أي أنها عامة يسصري حكمهصا
خي ْ صٌر م َ فصصاُرك ُ ْ على الجميع دون محاباة ول تمييز ،قال تعصصالى ) :أ َك ُ ّ
ل هص ْ ف َم َ عك ُ ْشَيا َ هل َك َْنا أ َ ْقد ْ أ َ ْول َ َر( َ ) ، في الّزب ُ ِ كم ب ََراءةٌ ِ م لَ ُ من أ ُول َئ ِك ُ َ
مأ ْ ْ ّ ْ ْ
7
ـ سورة الحزاب ،الية . 62
1
ـ سورة فاطر ،الية . 43
2
ـ تفسير اللوسي ـ روح المعاني ـ ج ، 28ص . 41
3
ـ سورة آل عمران ،اليتان . 138 ، 137
ر( . 4أي ليس كفاركم خيرا ً من كفار من تقدم من المصصم مدّك ِ ٍ من ّ ِ
5
الذين أهلكوا بكفرهم .
ْ َ َ َ
مص ْ
ل ع َ
مصن ي َ ْ
ب َ
ل الك َِتصا ِ
هص ِ
يأ ْمصان ِ ّ
ول أ َ
م َ ُ
مصان ِي ّك ْ وقال تعالى ) :ل ّي ْ َ
س ب ِأ َ
ه( ، 6والمعنى أن كل من يعمل سوءا ً يلق جزاءه ؛ لن جَز ب ِ ِسوءا ً ي ُ ْ
ُ
الجزاء بحسب سّنة الله تعالى أثر طبيعي للعمل ل يتخلصصف عنه. 7
فسّنة الله تعالى ثابتة ومطصردة وعامصة غيصر مقتصصرة علصى فصرد
دون فصصرد ول علصصى قصصوم دون قصصوم .ولصصول ثباتهصصا واطرادهصصا
وعمومها لما كان معنى في ذكصصر قصصصص وأخبصصار المصصم السصصابقة
وطلب العتبار بما حل هم ،ولكن لما كان ما جرى لهصصم وعليهصصم
يجري على غيرهم إذا فعلوا فعلهم ،حسن ذكر قصصصصهم وطلصصب
العتبار والتعاظ بها .
01
ـ سورة النحل ،الية . 89
11
ـ تفسير اللوسي ،ج ، 14ص . 214
من السيىء إلى الحسن ،ومن حياة الذل إلصى حيصاة العصز ،ومصن
التبعية الذليلة المهينة للطواغيت والكفصرة والفجصرة ،إلصى حيصث
أراد الله تعصصالى للمصصؤمنين مصصن العصّزة والكرامصصة والقيصصادة للبشصصر
م ال َ ْ جميعا ً ،قال تعالى ) :ول َ ت َهُنوا ول َ ت َحزُنوا َ
كنُتم ن ِإن ُ و َ عل َ ْ وأنت ُ ُ َ ْ َ َ ِ َ
ن
ّ كصص
ِ َ لو ن
َ َ ني
ِ م
ِ ْ
ؤ م ْ
َ ُ لِ لو ه
ِ ِ ل سو رِ
َ َ ُل و ُ ة ز
ّ ع
ِ ْ ل ا ه
ِ ّ لِ لوَ ) : تعالى ن( ، 1وقال مِني َ ؤ ِم ْ ّ
2
ن( . مو َ
ُ َ لعْ َ ي َ
ل ن
َ قيِ ف
ِ نا
َ م
ا ُْ ل
1
ـ سورة آل عمران ،الية . 139
2
ـ سورة المنافقون ،الية . 8
] قانون التماثل والضداد [
الثامن ص سّنة الله في الترف والمترفين الفصل
] قانون الترف [
التاسع ص سّنة الله في الطغيان والطغاة الفصل
] قانون الطغيان والطغاة [
العاشر ص سّنة الله في بطر النعمة وتغيرها الفصل
] قانون بطر النعم وتغيرها [
الحادي عشر ص سّنة الله في الذنوب والسيئات الفصل
] قانون الذنوب والسيئات [
الثاني عشر ص ص س صّنة اللصصه فصصي التقصصوى واليمصصان والعمصصل الفصل
الصالح
] قانون التقوى واليمان والعمل الصالح [
الثالث عشر ص سّنة الله في الستدراج الفصل
] قانون الستدراج [
الرابع عشر ص سّنة الله في المكر والماكرين الفصل
] قانون المكر [
دنيا والخرةالخامس عشر ص سّنة الله في طلب ال ّ الفصل
] قانون طلب الدنيا والخرة [
السادس عشر ص سّنة الله في الرزق الفصل
] قانون الرزق [
السابع عشر ص سّنة الله في الفظاظة والغلظة والرفق الفصل
] قانون الفظاظة والغلظة والرفق [
الفصل الول
سنة الله في السباب والمسببات
] قانون السببية [
20ص تعريف السبب :
1
السبب في اللغة كل شيء يتوصل به إلى غيره .وبهصصذا المعنصصى
اللغوي للسبب ورد في قوله تعالى ) :وآتيناه من كل شيء سصصببا ً
فأتبع سببًا( فالمعنى :آتصصاه اللصصه مصصن كصصل شصصيء معرفصصة وذريعصصة
يتوصل بها فاتبع واحدا ً من تلك السباب. 2
وقال الزمخشري :السبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو
قدرة أو آلة . 3فالمنظور إليصصه فصصي كصصون الشصصيء سصصببا ً هصصو كصصونه
موصل ً إلى غيره سصصواء كصصان هصصذا الشصصيء مادي صا ً كآلصصة مصصن اللت
المادية أو كان معنويا ً كالعلم والقدرة .
تيمية رحمه اللصصه تعصصالى ) :فليصصس فصي الصدنيا والخصصرة شصصيء إل
بسبب ،والله خالق السباب والمسببات ( .1فمن السباب المادية
رْزق صا ً ت ِ
مَرا ِن الث ّ َ م َ
ه ِ ج بِ ِخَر َ فأ َ ْ
ماءً َ
ء َ
ما ِ
س َ
ن ال ّ
م َ وَأنَز َ
ل ِ قوله تعالى َ ) :
م عصصل ل ّ ُ
كصص ْ ج َ
ه يَ ْ قصصوا ْ الّلصص َم( . 2ومصصن السصصباب المعنويصصة َ) :إن ت َت ّ ُ لّ ُ
كصص ْ
ً 3
قانا( .كما سنبينه فيما بعد . فْر َُ
والقرآن الكريم ص كما يقول ابن القيم ص مملوء من ترتيب الحكام
الكونيصصة والشصصرعية والثصصواب والعقصصاب علصصى السصصباب بطصصرق
متنوعة ،فيأتي بباء السببية تارة كقوله تعصصالى ) :كلصصوا واشصصربوا
هنيئا ً بما أسلفتم في اليام الخالية( ،ويصصأتي بصصاللم تصصارة كقصصوله
تعالى ) :كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلصصى النصصور
بإذن ربهم( ويصصأتي بصصذكر الوصصصف المقتضصصي للحكصصم تصصارة كقصصوله
1
ـ لسان العرب لبن منظور ،ج ، 1ص . 43
2
ـ بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز ابادي ،ج ، 3ص . 169
3
ـ تفسير الزمخشري ،ج . 743
1
ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ،ص . 70
2
ـ سورة البقرة ،الية . 22
3
ـ سورة النفال ،الية . 29
ق الله يجعل له مخرج صًا( ، 4فصصالله تعصصالى اقتضصصت
تعالى ) :ومن يت ِ
5
حكمته ربط المسببات بأسبابها .
5
ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ،ج ، 8ص 69ـ .70
6
ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ،ج ، 8ص 529ـ . 530
7
ـ مدارج السالكين لبن القيم ،ج ، 3ص . 478
وليكصصن معلومصصا ً أن تعصصاطي السصصباب ل ينصصافي التوكصصل ،بصصل إن
التوكل نفسصصه مصصن أعظصصم السصصباب الصصتي يحصصصل بهصصا المطلصصوب
ويندفع بها المكروه ،فمن أنكر السباب لم يستقم منه التوكصصل .
ثم إن حقيقة التوكل الثقصة بصالله والطمأنينصة بصه والسصكون إليصه
فالتوكل ص كما قال المام أحمد ص هو عمصصل القلصصب ،ومعنصصى ذلصصك
أنه عمل قلبي ليس بقول اللسان ول عمل الجوارح. 1
وعلى هذا فالتوكل الشرعي الصصصحيح هصصو العتمصصاد الكامصصل علصصى
الله والثقة بكفايته لعبده مع مباشرة العبصصد للسصصباب المشصصروعة
أو العادية التي جعلها الله مفضية إلى مسبباتها ،ويدل على ذلك
الحديث النبوي الشريف ) :لو أنكم كنتم توكلصصون علصصى اللصصه حصصق
توكله لرزقتم كما ترزق الطير تغدو خماص صا ً وتصصروح بطان صا ً ( رواه
الترمذي. 2
ففي هذا الحديث الشريف دللة علصصى مشصصروعية العمصصل للكسصصب
والخذ بالسباب ،فالطير ل يأتيها رزقها وهي في عشوشها بصصل
بسعيها ،فقد ألهمها تعالى بالسعي لتحصيل رزقها فتخرج جياعا ً
وترجصصع بطانصصا ً ممتلئة البطصصون شصصبعا ً .وهكصصذا ينبغصصي أن يكصصون
الصصصادق فصصي تصصوكله يباشصصر السصصباب للحصصصول علصصى مقصصصوده
ومطلوبه .وعن أنس أن رجل ً قال يا رسول الله ) :أعقلهصصا صص أي
نصصاقته أو بعيصصره ص ص وأتوكصصل؟ أو أطلقهصصا وأتوكصصل؟ قصصال :اعقلهصصا
وتوكل ( رواه الترمذي. 3
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صصصلى
الله عليه وسلم قال ) :المؤمن القوي خير وأحب إلصصى اللصصه مصصن
المؤمن الضعيف ،وفي كل خير .احرص على ما ينفعك واسصصتعن
بالله ول تعجز ( ..
ويقول شيخ السلم ابن تيمية في هذا الحديث :قوله صلى اللصصه
عليه وسلم ) :احرص على مصا ينفعصك واسصتعن بصالله ول تعجصز (
أمٌر بالتسبب المأمور به وهو الحرص على المنافع وأمٌر بالتسصصبب
المأمور به وهو الحرص على المنافع وأمٌر مع ذلك بالتوكصصل وهصصو
الستعانة بالله ،فمن اكتفى بأحدهما فقد عصى أحد المرين. 4
1ـ مدارج السالكين لبن القيم ،ج ، 1ص 114وما بعدها .
2ـ التاج الجامع للصول من أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم للشيخ منصور علي ناصيف ج ، 5ص ، 205والخماص جمع خميص
وهو ضامر البطن الجائع .والبطان جمع بطين وهو عظيم البطن الشبعان .
3ـ المرجع السابق ج ، 5ص . 205
4ـ الفتاوى لبن تيمية ،طبعة فرج ال كردي ،ج ، 1ص . 359
التي تسقى بماء المطر ،يحرث الرض ويلقصصي البصصذور واعتمصصاده
على الله في إنزال المطر وإخراج الزرع .وعلى هذا فصصإذا كصصانت
السباب مقدورة له وهو مأمور بها فعليه أن يقوم بها مصصع تصصوكله
جن ّصصة
على الله ،كما يؤدي الفرائض وكما يجاهد العدو وهو يلبصصس ُ
الحرب ويحمل السلح ول يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله
بدون توكله بدون أن بفعل ما أمره به الشرع مصصن أمصصور الجهصصاد ،
فمن ترك السباب المأمور بها فهو عاجز مفرط. 5
الفصل الثاني
سّنة الله في اتباع هداه والعراض عنه
] قانون الهدى والضلل [
32ص هدى الله هو الهدى :
قال تعالى ) :ولصصن ترضصصى عن ص َ
ك اليهصصود ول النصصصارى حصصتى تتبصصع
مّلتهم قل إن هدى الله هو الهصصدى( ،أي قصصل يصصا محمصصد إن هصصدى
1
37ص طيب العيش لمتبع الهدى ،والعيش الضنك للمعرض عنه :
دى هص ً
من ّصصي ُ مصصا ي َصأ ْت ِي َن ّ ُ
كم ّ فإ ِ ّميع صا ً َ ج ِ
هصصا َ
من ْ َ طوا ْ ِهب ِ ُ
قل َْنا ا ْ
قال تعالى ُ ) :
ن( .فهصصذه اليصصات 4
حَزن ُصصو َ م يَ ْه ْول َ ُ م َ
ه ْ ف َ َ فل َ َي َ َ
علي ْ ِ و ٌخ ْ دا َ
ه َ
ع ُ
من ت َب ِ َف َ
بّينصصت سصصنة اللصصه فصصي متبصصع هصصداه وسصصنته فصصي المعصصرض عنهصصا .
والمقصود بهدى الله في هذه الية كتبه التي أنزلهصصا علصصى رسصصله
لتبليغها للناس. 5
سر بعضهم )هدى الله( بأنه القرآن الكريصصم لمصصا روي عصصن ابصصن وف ّ
عباس أنه قال ) :أجار الله تعالى تابع القرآن مصصن أن يضصصل فصصي
الدنيا أو يشقى في الخرة .ثم قرأ هذه الية (. 6
4
ـ سورة الزخرف ،اليتان . 37 ، 36
5
ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 4ص ، 128تفسير القرطبي ،ج ، 16ص ، 89تفسير اللوسي ،ج ، 25ص . 80
6
ـ سورة الكهف ،اليتان 103ـ . 104
الفصل الثالث
سّنة الله في التدافع بين الحق والباطل
] قانون التدافع [
41ص تعريف الحق في اللغة :
1
ق
جاء في لسان العرب لبن منظور :الحق نقيصض الباطصل .وحص ّ
المصصر صصصار حق صا ً وثبصصت .وقصصال الزهصصري :معنصصاه وجصصب .وفصصي
التنزيل العزيز قوله تعالى ) :قال الصصذين حصصق عليهصصم القصصول( أي
ثبت .
وقصصوله تعصالى ) :ولكصن حقصصت كلمصة العصذاب علصصى الكصافرين( أي
وجبت وثبتت واستحق الشيء :استوجبه .وفي التنزيل العزيصصز :
قا إثمًا( أي استوجباه بالخيانة .)فإن عثر على أنهما استح ّ
وفي المعجم الوسيط : 2حق المر يحق حقا ً :صح وثبت وصصصدق .
وتحقق المر :صح ووقع .وحقق المر :أثبته وصدقه .
ومما تقدم يعلم أن )الحق( في اللغصصة يقصصوم علصصى معنصصى الثبصصوت
والوجوب والصحة .فالحق هو الثابت الواجب والصحيح .
7
ـ المعجم الوسيط ،ج ، 1ص . 288
48ص للباطل قوة تطغيه :
قلنا إن كلمة )تدافع( تعني في اللغة الزالة بقوة ،فتدافع الحصصق
والباطل أي تدافع أصحابهما يكون بقوة حيث يسعى كل من أهل
الحق والباطل إلى تنحية الخر عن مكانه ومركزه والغلبصصة عليصصه .
فأهل الباطل ل يكفيهم بقاؤهم على باطلهم وإنما يسصصعون إلصصى
محق الحق وأهله وإزالة هذا الحق بالقوة وصد النصصاس عنصصه ببصصذل
المال وبالقتال وبكل ما يرون فيه قوة وقدرة لتحقيق ما يريدون
.
وهذا هو شأن الباطل وقصصوته ،تطغيصصه هصصذه القصصوة فتصصدفعه إلصصى
فصُروا ْ ن كَ َ ذي َ ن ال ّص ِ إزالة الحق وأهلصصه ولصصو بصصالقوة .قصصال تعصصالى ) :إ ِ ّ
َ
ن كصو ُ م تَ ُ ها ُثص ّ قون َ َ ف ُسصُين ِف َ ل الل ّص ِ
ه َ سصِبي ِ عن َدوا ْ َ ص ّم ل ِي َ ُ
ه ْ وال َ ُم َ
نأ ْ قو َ ف ُ ُين ِ
م ُ ُ َ
ن ي ُقصصات ِلون َك ْ ُ
ول ي ََزالو َ َ ن) .وقال تعالى َ ) :
1
غلُبو َ َ م يُ ْ ُ
سَرةً ث ّ ح ْ م َ ه ْ َ َ
ْ 2
علي ْ ِ
عوا( .وقتال الكفرة للمؤمنين ست َ َ
طا ُ نا ْم إِ ِعن ِدين ِك ُ ْ م َ دوك ُ ْ ى ي َُر ّ حت ّ َ َ
قتال لنصرة بصصاطلهم فهصصو فصصي سصصبيل الطصصاغوت ،قصصال تعصصالى :
فصي ن ِ قصات ُِلو َ فصُروا ْ ي ُ َ ن كَ َ ذي َوال ّ ِ ل الل ّ ِ
ه َ سِبي ِ
في َ ن ِ قات ُِلو َ مُنوا ْ ي ُ َ نآ َ ذي َ )ال ّ ِ
ت(. 3 غو ِ طا ُ ل ال ّ سِبي ِ َ
1
ـ سورة النفال ،الية . 36
2
ـ سورة البقرة ،الية . 217
3
ـ سورة النساء ،الية . 76
4
ـ سورة النفال ،الية . 60
5
ـ سورة التوبة ،الية . 41
كصم والّلصه يعَلصم َ
ن( . 6وقصال مصو َ عل َ ُ
م ل َ تَ ْوأنُتص ُْ َ ْ ُ َ شّر ل ّ ُ ْ َو َه َ شْيئا ً َ
و ُ حّبوا ْ َ
تُ ِ
7 ّ
ه ل ِله( . ّ ُ
ن كل ُ دي ُ ن ال ّ ُ
وي َكو َة َفت ْن َ ٌ
ن ِ ُ َ
حّتى ل ت َكو َ م َه ْ ُ
قات ِلو ُ و َ
تعالى َ ) :
4
ـ سورة آل عمران ،اليتان 140ـ . 141
5
ـ تفسير الرازي ،ج ، 9ص . 14
6
ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 2ص ، 208تفسير الرازي ،ج ، 9ص . 14
7
ـ تفسير المنار ،ج ، 4ص . 147
فعلى المؤمنين أن يقوموا بهذه العمال ونحوها من مسصصتلزمات
الغلبة والنصر حتى تكون المداولة لهم ل لعدوهم. 1
وقال تعالى ) :ولقد سبقت كلمتنا لعبادنصصا المرسصصلين إنهصصم لهصصم
المنصورون .وإن جندنا لهم الغصصالبون( . 2وجصصاء فصصي تفسصصيرها :
الكلمة هي قوله تعالى ) :إّنهم لهم المنصصصورون وإن جنصصدنا لهصصم
الغالبون( والمراد :الوعد بعلوهم على عدوهم في مقام الحجصصاج
وملحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم فصصي الخصصرة .ول يلصصزم
من انهزامهم في بعض المشاهد أن يكون نقضا ً للغلبصصة وللنصصصر ،
فإن الغلبة كانت لهم ولمن بعدهم في العاقبة .
وقال تعالى ) :إنا لننصر رسصصلنا والصصذين آمنصصوا فصصي الحيصصاة الصصدنيا
ويوم يقوم الشهاد( . 3قال الزمخشري فصصي تفسصصيرها :إن اللصصه
تعالى يغّلبهم في الدارين جميعا ً بالحجة والظفر على مخصصالفيهم
وإن غلبوا في الدنيا في بعض الحصصايين امتحان صا ً مصصن اللصصه تعصصالى
فالعاقبة لهم . 4وقال اللوسصي رحمصه اللصه فصي تفسصيرها :إننصا
ننصر رسلنا وأتباعهم في الحياة الدنيا بالحجة والظفر والنتقصصام
لهم من الكفرة ،ول يقصصدح فصصي ذلصصك مصصا قصصد يتفصصق للكفصصرة مصصن
صورة الغلبة امتحانا ً إذ العبرة إنما هي بالعواقب وغالب المر. 5
1
ـ تفسير المنار ،ج ، 4ص . 148
2
ـ سورة الصافات ،اليات 171ـ . 173
3
ـ سورة غافر ،الية . 51
4
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 4ص . 172
5
ـ تفسير اللوسي ،ج ، 24ص . 76
6
ـ سورة الروم ،الية . 47
7
ـ تفسير المنار ،ج ، 7ص . 38
وظاهر الية أن هذا النصر في الدنيا وأنصصه عصصام لجميصصع المصصؤمنين
فيشمل من بعد الرسل من المة. 8
و
هص َ هصصوا ْ َ
ف ُ وِإن َتنت َ ُ
ح َ م ال ْ َ
فت ْص ُ جصصاءك ُ ُ
قد ْ َف َ حوا ْ َ ست َ ْ
فت ِ ُ وقال تعالى ِ) :إن ت َ ْ
ت َ
و كث ُصَر ْ َ
ول ص ْ ً
ش صْيئا َم َ ُ
فئ َت ُك ْ
م ِ ُ
عنك ْ ي َغن ِ َولن ت ُ َْ عد ْ َدوا ْ ن َ ُعو ُوِإن ت َ ُ م َخي ٌْر ل ّك ُ َْ
ن( ،أي من كان الله في نصره لم تغلبه فئة 9
م ْ ْ ّ َ
مِني َ ؤ ِ ع ال ُم َه َن الل َ وأ ّ َ
وإن كثرت .
10
1
ـ سورة النفال ،اليتان . 44 ، 43
كثرة المؤمنين التي لم يتوقعوها ولم يروها بأعينهم فيقع القتل
فيهم وينتصر المؤمنون عليهم. 2
ووجه الدللة بهاتين اليصصتين ومصصا جصصاء فصصي تفسصصيرهما أن القصصوة
المادية ص وهي هنا كثرة عدة المقاتلين أو قلتهم ص لها تأثيرها في
النفوس من جهة الندفاع في القتال والشجاعة فيه وفي نتيجته
من نصر أو خذلن .لنه إذا رأى هذا الفريق قّلة عدد خصمه فهذا
يجرئه على الندفاع إلى قتاله ويزيد في ثبصصاته ويصصزداد أملصصه فصصي
التغلب عليه .بخللف ما إذا رأى كثرة عدد خصمه فهذا قد يحملصصه
على التردد في قتاله والصمود فيه إذا باشره .ومثل القوة بعصصدد
المقاتلين من حيث كثرتهم وقلتهم وتأثير ذلك علصصى النحصصو الصصذي
بّينصصاه ،القصصوة بالسصصلح ونصصوعيته وكصصثرته وقلتصصه ،والقصصوة بسصصائر
مستلزمات القتال والتدافع بيصصن أهصصل الحصصق وأهصصل الباطصصل فصصي
ساحة القتال وفي غيرها من سوح الجهاد .
4
ـ سورة الحج ،من الية . 40
5
ـ تفسير الرازي ،ج ، 3ص . 41
6
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 3ص . 160
7
ـ سورة آل عمران ،الية . 104
8
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 1ص . 396
أجدى وأنفع من عمل المسلمين فرادى ومتفرقين .وهصصذا يعنصصي
أن ضم جهود الفراد بعضصصهم إلصصى بعصصض والعمصصل سصصوية بتنظيصصم
جماعي يحقق من النتائج مصصا ل يحققصصه العمصصل الفصصردي ،ومعنصصى
ذلك أن العمل الجماعي المنظم مما يحبصصه اللصصه ويطلبصصه السصصلم
مصة( تقصوم بنصصرة الصدين .وأيضصا ً فصإن اللصه ون )أ ّقطعا ً للمر بتك ّ
تعالى يأمر بالتعاون ،قال تعالى ) :وتعاونوا على البّر والتقوى ..
(. 9
والتعاون يقتضي ضم جهود المتعاونين بعضها إلصصى بعصصض ،وهصصذا
يعنصصي قيصصام )تنظيصصم جمصصاعي( أي جماعصصة إسصصلمية لتحقيصصق الصصبّر
المطلوب ومن أعظم البّر نصرة الدين .
وعلى هذا يمكصصن القصصول :إن قيصصام )تنظيصصم جمصصاعي( أي جماعصصة
إسلمية أمر مرغوب فيه شرعا ً وتشتد درجة ندبه واستحبابه كلما
كان قيام هذا التنظيم ممكنا ً وكانت الحاجة إليه شصصديدة والغصصرض
منه نصرة الدين ،وقد يكون هذا التنظيم لنصصرة الصدين واجبصا ً إذا
كان الباطل قويا ً وأهله أشصصداء فصصي خصصصومتهم وعصصدواتهم للحصصق
وأهله .
فمدافعة هذا الباطل وأهله وهم بهذه الدرجة من القوة ،كما هو
الحال في الوقت الحاضر ،ل تتأتى مدافعتهم بجهصصود فرديصصة بصصل
بجهود من أهل الحق مجتمعة بحيث تكون قوة أكثر من قوة أهصصل
الباطل أو في القل مساوية لهله ،ول يتأتى هذا إل إذا تجمعصصت
جهصود الغيصارى علصى السصصلم فصي تنظيصم واحصد أي فصي جماعصة
إسصصلمية واحصصدة تعمصصل بنظصصام لنصصصرة الصصدين ومدافعصصة الباطصصل ،
وعلى المسلمين أن ينضموا إلصصى هصصذه الجماعصصة المسصصلمة إذا مصصا
قامت لنها هي حزب الله وأفرادها أولياء الله ولنهصصا تحقصصق أمصصر
الله ) :ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير (..إلخ .
مة( كما قلنا تعني )جماعة( تعني )تنظيما ً جماعي صا( والغصصرض
ً )وال ّ
من وجود هذه الجماعصصة نصصصرة ديصصن اللصصه ،ففصصي النضصصمام إليهصصا
مساهمة في نصرة دين الله ،ونصر هصصذا الصصدين واجصصب علصصى كصصل
مسلم ومسلمة .
9
ـ سورة المائدة ،من الية . 2
هوا ْ سى َأن ت َك َْر ُ ع َ و َ
م َ و ك ُْرهٌ ل ّك ُ ْ
ه َ
و ُ
ل َ م ال ْ ِ
قَتا ُ عل َي ْك ُ ُ
ب َ قال تعالى ) :ك ُت ِ َ
َ
معل َ ُ والل ّ ُ
ه يَ ْ م َشّر ل ّك ُ ْو َ ه َو ُ شْيئا ً َ
حّبوا ْ َ
سى أن ت ُ ِ ع َ و َ خي ٌْر ل ّك ُ ْ
م َ و َ ه َو ُ شْيئا ً َ َ
ن( .أي هو كرهٌ لكم في الطباع )وعسى( من الله 1 َ َ َ
مو َ عل ُ م ل تَ ْ وأنت ُ ْ َ
تعالى إيجاب .والمعنى :وعسى أن تكرهصصوا مصصا فصصي الجهصصاد مصصن
المشقة وهو خيٌر لكصصم فصصي أنكصصم تغلبصصون عصصدوكم وتظفصصرون بصصه
سصصى َأن ع َو َوتغنمصصون أمصصواله وتصصؤجرون وتثصصابون علصصى جهصصادكم ) َ
دعة والراحة وترك م( أي عسى أن تحبوا ال ّ شّر ل ّك ُ ْ و َ ه َو ُ شْيئا ً َ حّبوا ْ َ تُ ِ
القتال وهو شٌر لكم في أنكصصم ُتغلبصصون وت ُصصذلون وتصصذهب قصصوتكم .
قال المام القرطبي :وهذا صحيح ل غبصصار عليصصه كمصصا اتفصصق فصصي
بلد الندلس
تركوا الجهاد وجبنوا عنصصد القتصصال وأكصصثروا مصصن الفصصرار فاسصصتولى
العدو على البلد وأسر وقتل وسبى واسترق فصصإن للصصه وإنصصا إليصصه
راجعون ،ذلك بما قدمت أيديهم وكسبته. 2
1
ـ سورة البقرة ،الية . 216
2
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 3ص 38ـ . 39
3
ـ سورة التوبة ،الية . 39
4
ـ أحكام القرآ ن ،لبن العربي ،ج ، 2ص 937ـ . 938
5
ـ في ظلل القرآن ،لسيد قطب م ، 4ج ، 10ص . 224
ل( . 6فمصصن لصصم يسصصتجب لصصدعوة قِليص ٌة إ ِل ّ َ
خصَر ِفصصي ال ِ ة الصدّن َْيا ِ
حَيا ِال ْ َ
الجهاد في سبيل الله ،أو استجاب متثصصاقل ً متبصصاطئا ً ،فيقصصال لصصه
َ
ة( ،أي خ صَر ِ
ن ال ِمص َة ال صدّن َْيا ِ ضصصيُتم ِبال ْ َ
حي َصصا ِ علصصى وجصصه التصصذكير ) :أَر ِ
أرضصصيتم براحصصة الصصدنيا ولصصذتها الناقصصصة الفانيصصة بصصدل ً مصصن سصصعادة
ة ع ال ْ َ
حَيصا ِ مَتصا ُ
مصا َ الخرة الكاملة الباقيصة الصتي تنالونهصا بالجهصاد ) َ
ف َ
ل( وقد شّبه النبي صلى الله عليه وسصصلم قِلي ٌة إ ِل ّ َ
خَر ِ
في ال ِ الدّن َْيا ِ
نعيم الدنيا بالنسبة إلى نعيم الخرة في قلتصه فصي نفسصه وزمنصه
بمن وضع إصبعه في اليم ثم أخرجها منه ،وقال صلى الله عليصصه
وسلم :فانظروا بم ترجع. 1
ب ص ويقال أيضا ً للمتكاسل أو القاعد عن الجهاد مصصا قصصاله رسصصول
الله صلى الله عليه وسلم في حق الجهاد والمجاهصصدين ومصصا قصصاله
أهل العلم في الجهاد مما فهموه مصصن كتصصاب اللصصه وسصصنة رسصصوله
صلى الله عليه وسلم ،فمن ذلك قوله صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم :
) ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما علصصى الرض
من شصصيء إل ّ الشصصهيد يتمنصصى أن يرجصصع إلصصى الصصدنيا فيقتصصل عشصصر
مرات لما يرى من الكرامصصة ( .وفصصي روايصصة لمصصا يصصرى مصصن فضصصل
الشهادة .رواه البخاري .
وقال ابن بطال في شرحه لهذا الحصصديث :هصصذا الحصصديث أجصصل مصصا
جاء في فضل الشهادة وليس في أعمال البّر ما تبذل فيه النفس
غير الجهاد فلذلك عظم فيه الثواب . 2وقال المام أحمد بن حنبل
:ل أعلم شيئا ً من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد .فالذين
يقاتلون العدو هم الصصذين يصصدفعون عصصن السصصلم وعصصن حريمهصصم ،
فأي عمل أفضل منه؟ الناس آمنون وهم خائفون ،قد بذلوا مهج
أنفسهم في سصصبيل الله . 3وقصصال شصصيخ السصصلم ابصصن تيميصصة فصصي
المرابطة في ثغور دار السصصلم وحصصدودها وهصصي مصصداخل العصصداء
ومواضصصع مهصصاجمتهم لصصدار السصصلم ،قصصال رحمصصه اللصصه تعصصالى :
) المرابطة في سبيل الله أفضصصل مصصن المجصصاورة بمكصصة والمدينصصة
وبيت المقدس (. 4
6
ـ سورة التوبة ،الية . 38
1
ـ تفسير المنار ،ج ، 10ص . 423
2
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 6ص 32ـ . 33
3
ـ المغني لبن قدامة الحنبلي ،ج ، 8ص 348ـ . 349
4
ـ مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ،ج ، 28ص . 418
لس صِبي ِ فصصي َ ء ِ ي ٍش ْ من َ قوا ْ ِ
ف ُما ُتن ِو َم َ ه ْ
م ُعل َ ُ
ه يَ ْ م الل ّ ُ ه ُ مون َ ُ عل َ ُ م ل َ تَ ْ ه ْدون ِ ِ ُ
5
ن( . َ ْ َ َ ُ َ ّ
مو َ م ل ت ُظل ُ وأنت ُ ْ م َ ف إ ِلي ْك ْ و ّه يُ َ الل ِ
ة( أي من كل ما يتقوى به فصصي الحصصرب مصصن و ٍ ق ّ من ُ وقوله تعالى ) ّ
ل( والرباط اسم للخيل الصصتي تربصصط فصصي خي ْ ِ ْ
ط ال َ من ّرَبا ِ و ِ عددها َ ) ،
ه
ن ب ِص ِهب ُصصو َسبيل الله ،تخصيصا للخيل من بين ما يتقصصوى بصصه ) ،ت ُْر ِ ً
م( أي ترهبصصون بهصصذا الصصذي تعصصدونه عصصدو اللصصه وك ُ ْ ع صد ُ ّ و َ ه َ و الّلصص ِع صد ْ ّ َ
م( أي مصصن هص ْ دون ِ ِمصصن ُ ن ِري ص َ
خ ِوآ َوعدوكم من اليهود وكفار العصصرب ) َ
مصصن قصصوا ْ ِف ُمصصا ُتن ِ و َغيرهم من الكفصصرة الصصذين ل ُتعصصرف عصصداوتهمَ ) ،
ه( قليل ً أو كثيرا ً نقدا ً كان أو غيره فصصي إعصصداد ل الل ّ ِ سِبي ِ في َ ء ِي ٍش ْ َ
المستطاع من القوة والمرابطة في ثغور المسلمين يعطكم اللصصه
جزاءه وافيا ً. 6
2
ـ تفسير الرازي ،ج ، 9ص . 14
3
ـ سورة النساء ،الية . 104
4
ـ تفسير الرازي ،ج ، 11ص . 31
5
ـ سورة النفال ،الية . 45
وذكر الله تعالى فهما السببان للفلح والفوز بالنصصصر فصصي الصصدنيا
ثم نيل الثواب في الخرة. 6
هذا وإن المر بذكر الله في مدافعة أهل الحق لهل الباطصصل فصصي
القتال يعني أن على المسلم والجماعة المسصصلمة فصصي مصصدافعتها
لهصصل الباطصصل أن تصصذكر اللصصه كصصثيرا ً كمصصا يصصذكره أهصصل الحصصق فصصي
مدافعتهم لهل الباطل في القتال .
6
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 2ص ، 226تفسير اللوسي ،ج ، 10ص ، 14تفسير المنار ،ج ، 10ص . 21
7
ـ سورة النساء ،الية . 102
8
ـ تفسير الرازي ،ج ، 11ص 25ـ . 26
1
ـ تفسير المنار ،ج ، 9ص . 375
وقد فقه المسصصلمون أمصصوامر اللصصه تعصصالى بالخصصذ بأسصصباب النصصصر
وعوامل الغلبة على أعدائهم ،فكصصان القصصادة المسصصلمون يصصأمرون
جنودهم بالخذ بها .
من ذلك ما ذكره ابن كثير في أخبصصار معركصصة اليرمصصوك مصع الصصروم
فصصي فتصصوح الشصصام ،فقصصد قصصال رحمصصه اللصصه تعصصالى ):ولمصصا تصصراءى
الجمعصصان وتبصصارز الفريقصصان ،وعصصظ أبصصو عبيصصدة صصص قصصائد جيصصش
المسلمين صص جنصصده فكصصان ممصصا قصصاله :يصصا عبصصاد اللصصه انصصصروا اللصصه
ينصركم ويثبت أقدامكم .يا معشر المسلمين اصبروا فإن الصصصبر
منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعصصار ..ثصصم قصصال لهصصم :
وشرعوا الرماح واستتروا بالدرق وألزموا الصمت إل من ذكر الله
في انفسكم حتى آمركم إن شاء الله
تعالى(.2
فقول أبي عبيصصدة رضصصي اللصصه عنصصه ) :واسصصتتروا بالصصدرق والزمصصوا
الصصصمت( أمصصر بالخصصذ بالحصصذر المشصصروع فيقصصاس عليصصه كصصل حصصذر
مشروع تتطلبه ظروف المعركة ،كما أن في موعظة أبصصي عبيصصدة
تذكيرا ً لجنوده بعوامل النصر ولزوم أخذهم بها كالصبر وذكر اللصصه
والعزم على نصرة الله .
5
ـ سورة النفال ،الية . 47
6
ـ تفسير اللوسي ،ج ، 10ص . 14
1
ـ سورة النفال ،اليتان . 10 ، 9
2
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 2ص ، 202تفسير المنار ،ج ، 9ص . 608
والجماعة المسلمة في عملها النبيل وجهادها المصصبرور سصصتتعرض
إلى التكصصذيب والصصصدود مصصن النصصاس واتهامهصصا بالباطصصل مصصن قبصصل
خصومها ،فعليها أن تعرف ذلك وتضع فصي حسصابها بصأن تكصذيبها
ومقاومتها واتهامها بالباطل ،فهذا كّله بعصض مصا جصرت بصه سصّنة
الله في دعوة رسله الكصصرام ،فليسصصت الجماعصصة المسصصلمة بصصأكرم
على الله من رسله الكرام ،وليست هي بأقوم
حجة ول أعظم إخلص صا ً مصصن رسصصل اللصصه ،وهصصم قصصد أوذوا وكصصذبوا
واتهموا بالباطل ولكنهم صبروا كما أمرهم الله تعالى ،وبعد هصذا
ل سص ٌت ُر ُ قدْ ك ُصذّب َ ْول َ َ الصبر والثبات جاءهم نصر الله ،قال تعالى َ ) :
َ وُأو ُ
ول َص صُرَنا َ م نَ ْ ه ْحت ّصصى أت َصصا ُ ذوا ْ َ مصصا ك ُصذُّبوا ْ َ عل َصصى َ صب َُروا ْ َف َك َ قب ْل ِ َ
من َ ّ
ه( .3 ّ
ت الل ِ ما ِ َ َ
مب َدّل ل ِكل ِ َ ُ
والمقصود بكلمات الله التي ل مبدل لها هو قوله تعصصالى ) :ولقصصد
سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم َلهم المنصورون وإن جنصصدنا
لهم الغالبون( ،ومن البشارة للمؤمنين بهذه الية أن الله تعصصالى
وعد المصصؤمنين بمصصا وعصصد المرسصصلين مصصن النصصصر .وكصصذلك أخبرنصصا
تعالى بأن سنة الله ماضية وقاطعة في نصر المرسلين وأتباعهم
ة
حَيا ِفي ال ْ َ مُنوا ِ نآ َ ذي َوال ّ ِسل ََنا َصُر ُر ُ المؤمنين ،قال تعالى ) :إ ِّنا ل ََنن ُ
د(. 4 ها ُ م اْل َ ْ
ش َ قو ُ م يَ ُو َوي َ ْ
الدّن َْيا َ
فسّنة الله في نصر المؤمنين تشمل الجماعة المسلمة مصصا دامصصت
ملتزمة بأسباب النصر وشروطه .
3
ـ سورة النعام ،الية . 34
4
ـ سورة غافر ،الية . 51
رئيسها .فإذا كصصان مصصن نظصصام الجماعصصة تفصصويض العمصصل لميرهصصا
حسصصب اجتهصصاده بعصصد مشصصاورة مجلصصس شصصورى الجماعصصة ،فعلصصى
العضاء السمع والطاعة فيما يأمر به ما دام في أمره فصصي حصصدود
الشرع نصا ً أو اجتهادا ً .
وإذا كان نظام الجماعة يقضي تقييصصد أميرهصصا بمصا يقصصرره مجلصصس
شورى الجماعة بصصأكثريته ،فعلصصى أميصصر الجماعصصة أن يتقيصصد بصصرأي
أكثرية مجلس شورى الجماعة مصصا دام فصصي حصصدود الشصصرع نص صا ً أو
اجتهصصادا ً وعلصصى أعضصصاء الجماعصصة السصصمع والطاعصصة لصصرأي مجلصصس
الشورى الذي يأمر به أميصصر الجماعصصة تنفيصصذا ً لصصه .وبهصصذا اللصصتزام
تسير الجماعة وتعمل بنظام وانتظصصام وبصصصورة جماعيصصة حقيقيصصة
دون خلل أو اختلل أو نزاع أو اختلف .ومثل هذا السير للجماعة
بهذه الكيفية ضروري لها حتى ولصصو وقعصصت فصصي خطصصأ فصصي بعصصض
مراحل سيرها أو في بعض جزئيصصات عملهصصا ،لن العمصصل المنظصصم
للجماعة وهي موحدة وإن كان في خطأ هصصو بالتأكيصصد أقصصل ضصصررا ً
على الجماعة من عملها الذي فيه الصواب وهي متفرقة مختلفصصة
متنازعة ،والضصرر القصل يتحمصصل لصدفع الضصصرر الكصبر بنصاء علصى
قاعدة دفع أعظم المفسدتين بتحمل أقلهما .
84ص على الجماعة المسلمة تجنب الرياء والشبهات :
وعلصصى الجماعصصة المسصصلمة أن تتجنصصب الريصصاء فصصي عملهصصا ،وأن ل
تحرص على ثناء الناس ورضاهم عليها مطلقا ً ..لن الرياء يفقصصد
الجماعة رضا الله وتأييده ،وإنما عليها أن تحرص على رضصصا اللصصه
بعمل ما يحبه الله وإن سخطه الناس ،وتبتعد عما يحبه الناس إذا
كان فيه سخط الله .
ولكصصن هصذا ليعنصصي أنهصصا ل تتصوقى سصخط النصصاس ول ترغصصب فصصي
رضاهم ،ل .فرضا الناس يؤدي إلى ثقتهم بالجماعة ،والثقة بها
شيء مطلوب وضروري لها ،ولكن ل يجصصوز للجماعصصة طلصصب رضصصا
الناس بسخط الله ،وإنما لها أن تترك مصصا هصصو مبصصاح فصصي ذاتصصه أو
مباح بالنسبة إلصى آحصصاد النصصاس حصصتى تبعصصد عصصن نفسصصها الشصصكوك
والشبهات التي يشيرها المبطلون وينفثونها فصصي النصصاس ،وفصصي
الناس دائمصا ً مصصن يسصصمع التهصصام ويصصصدقه ول يطصصالب بالصصدليل ..
فتوقي الشبهات وترك المباح حتى ل تهتز ثقصة النصاس بالجماعصة
من المور المطلوبة الواجب ملحظتها من قبل الجماعة ،ودليلنا
على ما قلناه أن الله تعالى أبعد رسصصوله صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم
عن تعلم الكتابة والقراءة مع أن هذا التعلم مبصصاح حصصتى ل يتقصصول
المبطلون الكافرون أن هذا القرآن تعلمه من اطلعه علصصى كتصصب
وَلب َمصصن ك ِت َصصا ٍ
ه ِ
قب ْل ِص ِ ت ت َت ْل ُصصو ِ
مصصن َ ما ُ
كن ص َ و َالقدمين ،قال تعالى َ ) :
ن( . 1
مب ْطُِلو َب ال ْ ُ
ك ِإذا ً ّلْرَتا َ
مين ِ َ خطّ ُ
ه ب ِي َ ِ تَ ُ
1
ـ سورة العنكبوت ،الية . 48
ت تحسصصن القصصراءة والكتابصصة لرتصصابوجصصاء فصصي تفسصصيرها لصصو كن ص َ
المبطلون وقالوا لعله تعلمه وكتبه بيده من كتب قبله مأثورة عن
النبياء ،مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي ل يقرأ ول يكتب
.فرسول الله صلى الله عليه وسلم عاش بينهم فترة طويلة من
حياته ل يقرأ ول يكتب ثم جاءهم بهذا الكتصصاب العجيصصب المعجصصز ص ص
القرآن ص الذي يعجز القارئين والكاتبين ،ولرّبما كانت شبهتهم لو
أنه كان من قبل قارئا ً كاتبا ً فما شبهتهم وهذا ماضيه بينهم. 2
2ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 3ص ، 458تفسير ابن كثير ،ج ، 3ص ، 417تفسير الرازي ج ، 25ص ، 76في ظلل القرآن م ، 6ج
، 20ص . 9
الفصل الرابع
سنة الله في الفتنة والبتلء
] قانون البتلء[
85ص معنى الفتنة :
3
جاء في لسان العرب :جمصصاع معنصصى الفتنصصة :البتلء والمتحصصان
والختبار وأصلها مصصأخوذ مصصن قولصصك :فتنصصت الفضصصة والصصذهب إذا
أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد أو إذا أدخلته النار لتنظر مصصا
جودته .
والفتنصصة :الحصصراق ،الثصصم ،اختلف النصصاس بصصالراء ،الجنصصون ،
الزالة ومنه قوله تعالى ) :وإن كادوا ليفتنونك عصصن الصصذي أوحينصصا
إليك( أي يميلونك ويزيلونك عن الذي أوحينا إليك .
والفتنصصة :الكفصصر ،كمصصا فصصي قصصوله تعصصالى ) :والفتنصصة أشصصد مصصن
القتل( ،والفتنصصة :مصصا يقصصع بيصصن النصصاس مصصن القتصصال .والفتنصصة :
القتل كما في قوله تعالى ) :إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا( .
وقوله صلى الله عليصصه وسصصلم ) :أرى الفتصصن خلل بيصصوتكم ( بصصأن
يكصصصون القتصصصل والحصصصروب والختلف الصصصذي يكصصصون بيصصصن فصصصرق
المسصصلمين .ويكصصون بمصصا يبلصصون بصصه مصصن زينصصة الصصدنيا وشصصهواتها
فيفتنون بذلك عن الخرة والعمل لها .
وفي النهاية لبن الثير : 4الفتنة :المتحان والختبار ،وقصصد كصصثر
استعمالها فيما أخرجه الختبار للمكروه .ثم كصصثر حصصتى اسصصتعمل
لفصصظ الفتنصصة بمعنصصى الثصصم والكفصصر والقتصصل والقتصصال والحصصراق
والزالة والصرف عن الشيء .
وفصصي المعجصصم الوسصصيط : 5الفتنصصة :الختبصصار بالنصصار ،والبتلء
والختبار .قال تعالى ) :ونبلوكم بالشر والخير فتنة( .والفتنصصة :
العجاب بالشيء ،والضطراب وبلبلة الفكار ،والعذاب والضلل
ذبه ليحصصوله عصصن دة ليختبره .وفتن فلنا ً :ع ّ .وفتنه :رماه في ش ّ
رأيه أو دينه .
6
وفي المفردات في غريب القرآن :أصصصل الفتصصن إدخصصال الصصذهب
النار لتظهر جصودته عصن رداءتصه .وتصارة يسصصمون مصا يحصصل عنصه
العذاب فتنة فيستعملون هذا اللفظ فيصصه نحصصو قصصوله تعصصالى ) :أل
في الفتنة سقطوا( وتارة يسصتعملوا )الفتنصصة( فصي الختبصصار نحصو
قوله تعالى ) :وفتناك فتونًا( .وجعلت الفتنصصة كصصالبلء فصصي أنهمصصا
دة ورخصصاء وهمصصا فصصي دفع إليصصه النسصصان مصصن ش ص ّ يستعملن فيما ي ُ ْ
دة أظهر معنى وأكثر استعمال ً قال تعالى ) :ونبلصصوكم بالشصصر الش ّ
دة ) :فتنتصصم أنفسصصكم( أي والخير فتنصصة( .وقصصال تعصصالى فصصي الشص ّ
أوقعتموها في بلية وعذاب وقوله تعالى ) :واعلموا أنما أمصصوالكم
3
ـ لسان العرب ،لبن منظور ،ج ، 17ص 193وما بعدها .
4
ـ النهاية لبن الثير ،ج ، 3ص 410ـ . 411
5
ـ المعجم الوسيط ،ج ، 2ص . 680
6
ـ المفردات في غريب القرآن ،للراغب الصفهاني ،ص 371ـ . 372
وأولدكم فتنة( فقد سماهم هاهنا فتنة اعتبارا ً بما ينال النسصصان
من الختبار بهم .وقوله تعالى ) :الم .أحسب النصصاس أن يصصتركوا
أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون( أي ل يختبرون فيميز خبيثهم مصصن
طيبهم .
8
ـ سورة آل عمران ،الية . 142
9
ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 1ص 408ـ . 409
1
ـ سورة آل عمران ،الية . 186
2
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 1ص . 449
3
ـ جامع الترمذي ،ج ، 7ص 78ـ ، 79واخرجه المام أحمد وغيره كما في الجامع الصغير للسيوطي ،ج ، 1ص . 136
اللصصه عليصصه وسصصلم ) :أشصصد النصصاس بلءً النبيصصاء ثصصم الصصصالحون ثصصم
المثل فالمثل(. 4
1
ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ،ج ، 1ص . 518
2
ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ،ج ، 1ص . 518
3
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 10ص . 111
4
ـ شرح العسقلني لصحيح البخاري ،ج ، 10ص . 112
م لَ هص ْ و ُة َ غت َص ً
هم ب َ ْ خ صذَْنا ُفأ َ َ س صّراء َ وال ّ ض صّراء َ
س آَباءن َصصا ال ّ
مص ّ قد ْ َ قاُلوا ْ َ و َ ّ
5
ن( . عُرو َ ش ُ يَ ْ
والمعنى أن سّنة الله تعالى في المم التي كذبت رسلها أن اللصصه
تعالى أخذها بالبأساء وبالضّراء أي بالشدة في أنفسهم وأبصصدانهم
وأرزاقهم وأموالهم ،وقد فعل الله تعالى ذلك بهم لكي يتضرعوا
.والتضصصرع يعنصصي الخضصصوع والنقيصصاد إلصصى اللصصه تعصصالى ؛ لن مصصن
طبيعة البتلء بالشدة أن يوقظ الفطرة التي ما يصصزال فيهصصا خيصصر
يرجصصى وأن يحمصصل أولئك المعانصصدين علصصى التصصوجه إلصصى خصصالقهم
فيتضرعوا إليه ويطلبوا رحمته وعفوه ،فلم يفعلوا ذلك فأخصصذهم
س صي ّئ َ ِ
ة ن ال ّ مك َصصا َ م ب َصدّل َْنا َ بالرخصصاء ليختصصبرهم فيصصه ،ولهصصذا قصصال ) :ث ُص ّ
دة إلصصى الرخصصاء ومصصن المصصرض ولنا حصصالهم مصصن الشص ّ سَنة( أي ح ّ ح َ ال ْ َ
والسقم إلى الصحة والعافية ،ومن الفقر إلى الغنصصى ،ليشصصكروا
على ذلك ويرجعوا إلى ربهم بالتوبصصة والنقيصصاد فلصصم يفعلصصوا ذلصصك
سمص ّ قدْ َ قاُلوا ْ َ فوْا( أي كثروا وكثرت أموالهم وأولدهم ) ّ
و َ ع َ حّتى َ ) َ
س صّراء( يقصصول تعصصالى ابتلينصصاهم بهصصذا وبهصصذا ،أي وال ّ ضّراء َآَباءَنا ال ّ
بالضّراء والسّراء ليتضرعوا وينيبوا إلصصى اللصصه فلصصم ينفصصع فيهصصم ل
هذا ول هذا ،ول انتهوا عن غّيهم بهذا ول بهذا ،وإنمصصا قصصالوا قصصد
سنا من البأساء والضّراء ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب آباءنا م ّ
في قصديم الزمصان والصصدهر وهصصذه عصصادة الزمصصان فصي أهلصصه فمصصرة
دة والنكد ومّرة يحصصصل لهصصم الّرخصصاء والّراحصصة يحصل لهم فيه الش ّ
سنا من البأساء والضّراء عقوبة من اللصصه بسصصبب مصصا فلم يكن ما م ّ
نحن عليه من الدين والعمل ،فلم يتفطنصصوا لمصصر اللصصه فيهصصم ول
اتعظوا ول اعتبروا ول استشعروا امتحان اللصصه لهصم فصي الحصالين
ن( عُرو َ ش ُم ل َ يَ ْ ه ْ و ُ
ة َ غت َ ً
هم ب َ ْ خذَْنا ُفأ َ َ
فاستحقوا العقاب قال تعالى َ ) :
أي أخذناهم بالعقوبة بغتة أي علصصى بغتصصة وعصصدم شصصعور منهصصم أي
أخذناهم فجأة. 6
1
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 11ص ، 176صحيح مسلم بشرح النووي ،ج ، 17ص 20ـ . 21
2
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 11ص ، 176صحيح مسلم بشرح النووي ،ج ، 17ص . 21
3
ـ سورة الممتحنة ،الية . 5
4
ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 4ص . 348
5
ـ تفسير اللوسي ،ج ، 28ص . 73
وت علصصى خصصصومها مصصا المسلمة أن تعتصم بالصصصبر والتقصصوى لتف ص ّ
َ َ َ
ن ع ّ
م ُ
سص َ ولت َ ْ م َ ُ
سصك ْ ف ِوأن ُ م َ وال ِك ُ ْ
مص َفي أ ْ ن ِ و ّ يريدون ،قال تعالى ) :ل َت ُب ْل َ ُ
ذى ك َِثيصصرا ً َ
كوا ْ أ ً َ ُ
شصَر ُ
نأ ْ ذي َ ن ال ّص ِ م َو ِم َقب ْل ِك ُ ْ
من َ ب ِ ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ ذي َن ال ّ ِ
م َ ِ
ر( . 6 ُ َ
ن ذَل ِك ِ ْ
قوا َ وت َت ّ ُ ْ
مو ِ عْزم ِ ال ُ ن َ م ْ فإ ِ ّ صب ُِروا َ
وِإن ت َ َْ
2
ـ سورة آل عمران ،الية . 144
1
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 4ص ، 223تفسير ابن كثير ، ،ص . 409
الخاطىء لما به ثقة الناس ،وهذا ما نوضحه في الفقرات التالية
.
2
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 6ص . 158
3
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 6ص . 158
يشصصيع فيصصه الصصوعي السصصلمي الصصصحيح وتكصصون طليعتصصه الجماعصصة
المسصصلمة المسصصتنيرة المخلصصصة الصصتي ينجصصذب إليهصصا الطيبصصون
المؤمنصصون الصصصادقون دون طلصصب منهصصا إلصصى هصصذا النجصصذاب كمصصا
ينجذب الحديد إلى المغناطيس .
1ـ رواه مسلم والترمذي والنسائي ،انظر التاج الجامع للصول في أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم تأليف الشيخ منصور علي
ناصف ،ج ، 1ص 57ـ . 58
خسرانه الدنيا بفقد حياته وخسران الخرة بمقت الله له وإدخصصاله
النار؟
2
ـ صحيح البخاري ،ج ، 11ص . 326
3
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 11ص . 326
الله وطاعته ومرضاته وإنمصصا أرادت بعملهصصا هصصذا مرضصصاة النصصاس ،
ومن طلب مرضاة الناس بسخط الله أسصصخط اللصصه عليصصه النصصاس .
ومع سخط الله فإنها تعّرض أعضاءها ص وهم أمانصصة عنصصدها ص ص إلصصى
الذى وتنكيل العداء بهصصم وزجهصصم بالسصصجون ومصصصادرة أمصصوالهم
والعتداء على أعراضهم وتعريضهم للفتنة وزعزعة إيمانهم إلصصى
غيصصر ذلصصك مصصن البليصصا العظصصام الصصتي سصصببتها لهصصم جمصصاعتهم أو
قيادتهم.
ض
ف ّ ثم مع هذا الذي ذكرته ستضيق سبل العمل على الجماعة وي َن ْ َ
ضعاف اليمان من حولها خوفا ً من أن يمسهم الذى ص ص وقصصد كصصان
من المأمول تقوية إيمانهم لو بقيت الجماعة في منأى عصصن البلء
الذي نزل بها ص كما ان الناس ل يقبلون على الجماعصصة خوف صا ً مصصن
تنكيل خصومها بهم .
1
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 6ص 27ـ . 28
2
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 6ص 28ـ ، 29وعمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني ،ج ، 14ص . 108
نفسه؟ قال يتعرض من البلء لما ل يطيصصق( ، 3والظصصاهر أنصصه فصصي
حق من يتعرض إلى البلء لظّنه بقدرته على ذلك ،ومصع هصصذا جصاء
ء للسصصمعة والريصصاء وهصصو
النهي عنه ،فكيف بالذي يتعرض إلصصى بل ٍ
يعلم أنه ل يطيق هذا البلء؟
1
ـ لسان العرب ،لبن منظور ،ج ، 15ص . 266
2
ـ المفردات في غريب القرآن ،للراغب الصفهاني ،ص . 315
3
ـ بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي ،ج ، 4ص . 230
4
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 5ص . 95
5
ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري ،للعيني ،ج ، 12ص . 238
6
ـ لسان العرب ،ج ، 13ص . 156
7
ـ المفردات في غريب القرآن ،للراغب الصفهاني ،ص . 325
8
ـ النهاية لبن الثير ،ج ، 3ص . 189
9
ـ بصائر ذوي التمييز للفيروزابادي ،ج ، 4ص . 28
126ص التعريف المختار للعدل :
وفي ضوء ما قيل في تعريصصف العصصدل وأنصصه ضصصد الجصصور والظلصصم ،
ومن تعريف الظلم ،يمكن تعريف العدل بصصأنه وضصصع الشصصيء فصصي
موضعه الشرعي ،وإعطاء كل شيء حقه من المكانصصة أو المنزلصصة
أو الحكم أو العطاء .
1
ـ فتاوى ابن تيمية ،طبعة فرج ال زكي الكردي الزهري ،ج ، 1ص 351ـ . 352
2
ـ فتاوى ابن تيمية ،طبعة فرج ال زكي الكردي الزهري ،ج ، 1ص . 353
التائب أن يستكثر مصصن الحسصصنات حصصتى إذا اسصصتوفى المظلومصصون
حقوقهم لم يبق مفلسًا .ومع هذا فإذا شاء الله تعالى أن يعصصوض
المظلوم من عنده فل راد لفضله كمصصا إذا شصصاء أن يغفصصر مصصا دون
الشرك لمن
يشاء(. 3
1
ـ سورة النعام ،الية . 129
2
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 7ص . 85
3
ـ تفسير الرازي ،ج ، 13ص . 194
4
ـ تفسير اللوسي ج ، 8ص . 27
5
ـ سورة النعام ،الية . 135
يقول لقومه المصرين على كفرهم ما هو مذكور في الية ،وهصصو
تهديد شديد ووعيد أكيد ،أي اسصتمروا علصى طريقتكصم ونصاحيتكم
إن كنتصصم تظنصصون أنكصصم علصصى هصصدى فأنصصا مسصصتمر علصصى طريقصصتي
ومنهجي فسوف تعلمون بعد حين من تكون لصه العاقبصة الحسصنى
في هذه الدار ،وهي ل تكون إل لرسوله صلى اللصصه عليصصه وسصصلم
وأتباعه المؤمنين كما وعد الله تعالى ووقع ما وعصصد اللصصه ،فنصصصر
رسوله صلى الله عليه وسلم على الكافرين ،وأشار إلى السصصبب
فصصي هصصذه العاقبصصة الحسصصنى لرسصصوله صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم
وللمؤمنين ،وهذا السبب هو أن مخالفيهم ظصصالمون ،وأن سصصنته
تعالى ) :إنه ل يفلح الظالمون( وإنما وضصع الظلصم موضصع الكفصصر
لنه أعم منه وهصصو أكصصثر فصصائدة لنصصه إذا لصصم يفلصصح الظصصالم فكيصصف
الكافر المتصف بأعظم أفراد الظلم؟
والظالمون الذين ل يفلحون يشصصمل الظصصالمين لنفسصصهم بصصالكفر
بنعم الله أو باتخاذ الشركاء له في ألوهيته كما يشصصمل الظصصالمين
للناس في حقوقهم .فالسنة ل تتخلف وهي أن الظالمين للناس
في حقوقهم .فالسّنة ل تتخلصصف وهصصي أن الظصصالمين ل يفلحصصون
فل ينتصرون ول يظفصصرون بمطلصصوبهم .وإذا كصصان الفلح منتفي صا ً
عن الظصصالمين بمصوجب شصصرع اللصصه وسصصنته العادلصصة انحصصصر الفلح
والفوز في أهل الحق والعصدل وهصؤلء هصم رسصل اللصه وأتبصاعهم
المؤمنون كما قال تعالى ) :إنا لننصصصر رسصصلنا والصصذين آمنصصوا فصصي
الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد( ،وقوله تعالى ) :ولقصصد سصصبقت
كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهصصم لهصصم المنصصصورون وإن جنصصدنا لهصصم
الغالبون(. 6
6ـ تفسير ابن كثير ج ، 2ص 178ـ ، 179تفسير اللوسي ج ، 8ص ، 31تفسير المنار ،ج ، 8ص 119ـ ، 120في ظلل القرآن م 3
،ج ، 8ص . 113
مصصن مَنا ِ
صص ْ ق َ وك َص ْ
م َ لشخصيتها .فيصدق عليها قول اللصصه تعصصالى َ ) :
ن( ،وهصصذه السصصنة 1
وم صا ً آ َ ها َ ة وَأن َ ْ ت َ ة َ َ
ري ص َ
خ ِ ق ْ ع صد َ َ
ش صأَنا ب َ ْ م ً َ ظال ِ َ كان َ ْ قْري َ ٍ
دائمة في المم ولها مواقيت لهلكهصصا بسصصبب الظلصصم ،تختلصصف ص ص
هذه المواقيت ص بصاختلف أحوالهصصا وأحصوال أعصدائها وهصصي آجالهصصا
َ ل أ ُم َ
فل َم َهص ْجل ُ ُ
جصاء أ َ ذا َ جص ٌ
ل إِ َ ةأ َ المشار إليها في قوله تعالى ) :ل ِك ُ ّ ّ ٍ
ن(. 2 مو َ د ُق ِ ول َ ي َ ْ
ست َ ْ ة َع ًسا َ ن َ
خُرو َ ست َأ ْ ِ
يَ ْ
1ـ تفسير المنار ،ج ، 11ص ، 315وآية )ولقد أهلكنا القرون لما ظلموا( في سورة يونس ورقمها ) ، (13وآية )وكم قصمنا..لها في سورة
النبياء ،ورقمها ). (11
2ـ تفسير المنار ،ج ، 11ص ، 315والية في سورة يونس ،ورقمها . 49
3ـ تفسير اللوسي ،ج ، 8ص ، 112والية في سورة العراف ،ورقمها . 34
4ـ تفسير المنار ،ج ، 8ص . 402
م َ َ ن أَ ْ ي َ خذَ ال ْ ُ ذا أ َ َ
د( . 5وقوله تعصصالى : دي ٌ ش ِ خذَهُ أِلي ٌ ة إِ ّ م ٌ ظال ِ َ َ ه
و ِ قَرى َ إِ َ
م( أي مصصا ظلمنصصاهم بإهلكنصصا َ
موا أن ُْ َ َ َ َ َ
ه ْ سص ُ ف َ كن ظل ُ ولص ِ م َ ه ْمَنا ُ ما ظل ْ و َ
) َ
ُ
إياهم ولكن ظلموا أنفسهم بارتكاب ما به أهِلكوا .وقوله تعالى :
ة( ،أي إن عصصذاب اللصصه م ٌ ظال ِ َي َ ه َ و ِقَرى َ خذَ ال ْ ُ ذا أ َ َ ك إِ َ خذُ َرب ّ َ ك أَ ْوك َذَل ِ َ ) َ
ليس بمقتصر على من تقدم مصصن المصصم الظالمصصة ،بصصل إن سصصنته
تعالى في أخذ كل الظالمين سّنة واحدة فل ينبغي أن يظصصن أحصصد
أن هذا الهلك قاصر بأولئك الظلمصصة السصصابقين ،لن اللصصه تعصصالى
ي
هص َ و ِ
ق صَرى َ ذا أ َ َ
خ صذ َ ا ل ْ ُ ك إِ َ خ صذُ َرب ّص َ ك أَ ْ وك َذَل ِ َ لما حكى أحوالهم قال َ ) :
ة( ،فبّين الله تعالى أن كل من شارك أولئك المتقدمين في م ٌظال ِ َ َ
أفعالهم التي أدت إلى هلكهم فل بد أن يشاركهم في ذلك الخذ
الليم الشديد .فالية تحذير من وخامة الظلم ،فل يغصصتر الظصصالم
بالمهال. 6
137ص قول ابن تيمية في هلك الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة
:
وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه اللصصه تعصصالى ) :وأمصصور النصصاس
إنما تستقيم في الدنيا مع العدل الصصذي قصصد يكصصون فيصصه الشصصتراك
في بعض أنواع الثم أكثر مما تسصصتقيم مصصع الظلصصم فصصي الحقصصوق
5
ـ سورة هود ،اليات 100ـ . 102
6
ـ تفسير الزمخشري ،ج 2ب ،ص ، 447تفسير الرازي ،ج ، 17ص . 517
7
ـ سورة هود ،الية . 117
1
ـ تفسير الرازي ،ج ، 18ص . 76
2
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 9ص . 114
وإن لم تشترك في إثم ،ولهذا قيل :إن الله يقيم الدولة العادلة
وإن كانت كافرة ،ول يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة .ويقصصال :
الدنيا تدوم مع العدل والكفر ول تدوم مع الظلم والسلم .وذلك
أن العدل نظام كل شيء فإذا أقيم أمر الدنيا بالعصصدل قصصامت وإن
لم يكن لصاحبها من خلق ص أي في الخرة ص وإن لم تقصصم بالعصصدل
لم تقم وإن كان لصاحبها من اليمان ما يجزى به في الخرة(. 3
3ـ من رسالة المر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ السلم ابن تيمية ،تحقيق صلح الدين المنجد ،ص . 40
4ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 12ص ، 87صحيح مسلم بشرح النووي ،ج ، 11ص ، 187وقوله ) :من يجترىء عليه(
الجرأة :القدام بادلل .والشريف هو الرجل الوجيه المحترم عند الناس .والوضيع هو الذي ل يبالي به :صحيح البخاري بشرح العيني ،ج
، 23ص . 276
5ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 11ص . 96
139ص تعليل هلك الدولة بالظلم :
في الحديث الذي ذكرناه في المرأة التي سصصرقت جصصاء فصصي قصصول
النبي صلى الله عليه وسلم ) :فإنما أهلك الذين من قبلكصم أنهصم
كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،وإذا سصصرق فيهصصم الضصصعيف
أقاموا عليه الحدّ ( ،فالمحاباة في تطبيق القانون ظلم تقوم بصصه
الدولصصة أو تعيصصن عليصصه ،وكصصان المصصأمول أن تمنصصع الدولصصة الظلصصم
وتحمي المظلومين وتعاقب الظالمين ..
وأشد الظلصم وأوجعصصه مصا جصاءك ممصن واجبصصه أن يحميصصك ..وهصذا
الظلم وغيره من أنواعه المشينة ،إذا قامت به الدولة أو تسترت
عليه أو أعانت عليه ،فسيترك أثرا ً بليغا ً فصصي نفصصوس المصصواطنين
م
يتمثل بخيبة أملهم في الدولة وزعزعصصة ثقتهصصم بهصصا ..وُتس صِلمه ْ
هذه الحالة إلى حالصصة عصصدم الهتمصصام بالدولصصة وضصصعف الصصولء لهصصا
وعصصدم الحصصرص علصصى بقائهصصا ول الصصدفاع عنهصصا ..وتسصصلمهم هصصذه
الحالة إلى حالة أسوأ منها وهي رغبتهم في هلكهصا واضصمحللها
ولو باستيلء الغير عليها ولو كان مصصن أعصصداءها ..ولسصصان حصصالهم
يقول في تبرير رغبتهم هذه :إن الدولة لم تعد لنا الصصبيت الكصصبير
الذي نجد فيه المن والمان
والحمايصصة والطمأنينصصة علصصى حقوقنصصا وعصصدم اعتصصداء الظصصالمين
عليها ..
وإذا استمر الظلم وانتشر وشاع بفعصصل الدولصصة أو بتسصصترها عليصصه
وعدم منعها له وتغافلها عنه فإن المر يؤول بالناس المظلصصومين
والمنتصرن لهم من أقصصارب وأصصصدقاء إلصصى معاونصصة العصصداء علصصى
تهديم الدولة التي صارت في نظرهم عصصدوا ً لهصصم ..إن مصصا أقصصوله
ليس تبريرا ً لفعصصل المظلصصومين وإنمصصا هصصو وصصصف لصصواقعهم الصصذي
صاروا إليه بسبب الظلم الصصذي تصصوقعه الدولصصة أو تعيصصن الظصصالمين
على وقوعه أو ل تمنع وقوعه مع قدرتها على المنع .
1
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 9ص . 334
2
ـ تفسير اللوسي ،ج ، 19ص ، 215والية في سورة النمل ورقمها . 52
3
ـ سورة النحل ،الية . 61
4
ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 2ص . 35
5
ـ تحفة الحوذي شرح جامعالترمذي ،ج ، 8ص . 423
العقاب الذي يعمهم قد يكون به هلك المة ،وقد يكون بمصصا دون
الهلك .
ً
144ص ثانيا :عدم الستكانة للظالم :
رفض الظلم وعدم الستكانة للظالم والنتصار منه ،كل ذلك مما
يجب أن يتربى عليه الفصصرد المسصصلم لنصصه شصصيء ضصصروري لتكصصوين
شخصصصيته السصصلمية ومصصن مقوماتهصصا الساسصصية ومصصن الصصصفات
الصصصلية للمسصصلم قصصال تعصصالى):والصصذين إذا أصصصابهم البغصصي هصصم
ينتصرون( . 6وانتصارهم هو أن يقتصروا على ما جعلصصه اللصصه لهصصم
ول يعتدوا ،وهو محمودون على النتصار لن مصصن أخصصذ حقصه غيصصر
متعدّ حدّ الله وما أمر به فلم يسرف في القتصصل إذا كصصان ولصصي دم
او ردّ على سفيه محاماة على عرضه وردعا ً له فهو مطيع ،وكصصل
مطيع فهو محمود. 1
وفي تفسير القرطبي في هصصذه اليصصة ) :أي إذا نصصالهم ظلصصم مصصن
ظالم لم يستسلموا لظلمه(. 2
وفي صحيح البخاري ؛ قال إبراهيم النخعي كانوا ص أي الصصصحابة صصص
يكرهون أن ُيستذّلوا ،فإذا قدروا عفوا. 3
وقال اللوسي في تفسير الية التي ذكرناها )أي ينتقمون ممصصن
بغى عليهم على ما جعله الله تعالى لهم ول يعتدون ..والعفو عن
العاجز المعترف بجرمه محمود ،والنتصار مصصن المخاصصصم المص صّر
محمود(. 4
2
ـ تفسير الرازي ،ج ، 18ص . 72
)ومجالستهم من غير داع شرعي( ،ومعنى ذلك جواز مجالسصصتهم
ع شرعي. 3لدا ٍ
الفصل السادس
سنة الله في الختلف والمختلفين
] قانون الختلف[
156ص الختلف في اللغة :
الختلف في اللغة يعني عدم التفاق على الشيء بأن يأخصصذ كصصل
واحد طريقا ً غير طريق الخرين في أمر من المور .
ويعنصصي أيضصا ً عصصدم التسصصاوي ،فكصصل مصصالم يتسصصاوى فقصصد تخصصالف
واختلف .والخلف هو المضادة ،وقد خالفه مخالفة وخلفا ً فهصصو
يدل على ما يدل عليه لفظ الختلف ،وإن كان معناه أعم إذ هصصو
من الضد ول يلزم من كل مختلفين أن يكونا ضدين وإن كصصان كصصل
ضدين مختلفين. 1
1
ـ لسان العرب ،ج ، 1ص ، 430وما بعدها ،مفردات الراغب الصفهاني ،ص . 156
1
ـ الموافقات للشاطبي ،ج ، 4ص 144 ، 110وما بعدها .
2
ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ،ج ، 3ص ، 117وج ، 20ص ، 42مقدمة ابن خلدون ،ص . 56
3
ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ،ج ، 19ص . 116
4
ـ سورة آل عمران ،ومن الية . 103
) ..ول تختلفصصوا فصإن مصصن كصصان قبلكصم اختلفصصوا فهلكصوا( ، 5وفصي
حصصديث أخرجصصه الترمصصذي قصصال صصصلى اللصصه عليصصه وسصصلم ) :عليكصصم
بالجماعة وإيصصاكم والفرقصصة فصصإن الشصصيطان مصصع الواحصصد وهصصو مصصن
الثنين أبعد(. 6
5
ـ اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ السلم ابن تيمية ،ص . 35
6
ـ التاج الجامع للصول من أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم ،ج ، 5ص . 308
7
ـ مختصر صحيح مسلم للمنذري ،ج ، 2ص . 291
8
ـ فيض القدير بشرح الجامع الصغير للمناوي ،ج ، 2ص . 20
المصدوق ،فما الحكمة من النهي عنصه والتحصذير منصه مصع حتميصة
وقوعه؟ والجواب من وجوه :
الول :أن الخلف الذي يقع ل يعم المة كلهصصا ،فقصد قصال صصلى
الله عليه وسلم ) :ل تزال طائفة من أمتى ظصصاهرين علصصى الحصصق
ول يضرهم من خالفهم حتى تقوم السصاعة( ول شصك أن التحصذير
من الختلف تنتفع بصصه هصصذه الطائفصصة فتبقصصى مستمسصصكة بصصالحق
متفقة عليه غير مختلفة فيه .
ثانيصصا ً :إن نفصصس العلصصم بمصصا يكرهصصه الشصصرع السصصلمي صصص ومنصصه
الختلف ص وما يحبه ص ومنه الجتماع والتصديق بوقصصوع مصصا أخبرنصصا
الرسول صلى الله عليه وسلم بوقوعه ،كل ذلك خير للمسلم لما
فيه من زيادة إيمان لتصديقه باخبارات الشرع .
ثالثا ً :التحذير من وقوع الختلف والنهي عنصصه مصصن جملصصة أحكصصام
السلم الواجب تبليغهصا للنصاس ،ومصن المعلصوم أن تبليصغ أحكصام
السلم واجب وإن كان في علم الله تعالى عدم السصصتجابة لهصصذه
الحكام أو لبعضها من قبل بعض الناس أو من قبل جميعهم .
رابعا ً :إن المسؤولية الينية وما يترتب عليها من الجصصزاء ل تكصصون
إل بعد البلغ والنذار ،قال تعالى ) :وما كنا معذبين حصصتى نبعصصث
ل( فل بد من التحذير من الختلف والنهي عنصصه حصصتى تقصصوم رسو ً
الحجة على الناس عند اختلفهم .
4
ـ اقتضاء الصراط المستقيم لبن تيمية ،ص . 35
ومصصا أحسصصن نصصصيحة ذلصصك الب الحكيصصم لولده وتعليمهصصم ضصصرر
الفرقة والختلف بالمثال المحسوس فقد أمرهصصم أن يجلصصب كصصل
واحد منهم عصا وكصصانوا عشصصرة أولد فلمصصا جصصاؤوه بمصصا أراد جعصصل
العصي حزمة وشدها وطلب منهم واحدا ً واحدا ً كسر تلصصك الحزمصة
فلم يستطيعوا ثم فصصرق الحزمصصة وأعطصصى كصصل واحصصد منهصصم عصصصا
وامره بكسرها فكسر كل واحد منهم عصاه بسهولة ويسر .وعند
ذلصصك التفصصت إليهصصم أبصصوهم وقصصال لهصصم إن فصصي الجتمصصاع قصصوة
تستعصي على الكسر من قبل العدو كما استعصت حزمة العصصصي
على الكسر ،وإن في التفرق والفرقة ضعفا ً للجميع مما يسصصهل
على العدو كسرهم والتغلب عليهم واحدا ً واحدا ً كما يسصصهل علصصى
العصي كسرها بعد تفرقها .
1
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 13ص . 5
2
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 13ص . 7
3
ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 13ص . 5
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :عليصصك السصصمع والطاعصصة
في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك(. 4
وقال النووي في شصصرحه لهصصذا الحصصديث :قصصال العلمصصاء ،معنصصاه :
تجب طاعة ولة المور فيما يشصصق وتكرهصصه النفصصوس وغيصصره ممصصا
ليصصصس بمعصصصصية ،فصصصإن كصصصانت لمعصصصصية فل سصصصمع ول طاعصصصة .
))والثرة (( هي الستئثار والختصصصاص بصصأمور الصصدنيا أي اسصصمعوا
وأطيعصصوا وإن اختصصص المصصراء بالصصدنيا ولصصم يوصصصلوكم حقكصصم ممصصا
عندهم .وهذه الحصصاديث فصصي الحصصث علصصى السصصمع والطاعصصة فصصي
جميع الحوال وسببها اجتماع كلمة المسلمين فإن الخلف سصصبب
لفساد احوالهم في دينهم ودنياهم. 5
فهذه الحاديث النبوية الشريفة وأقوال العلماء فيها صريحة فصصي
وجوب طاعة المام والصبر علصصى شصصططه وجصصوره تجنبصا ً للفرقصصة
والنزاع المفضي غالبا ً إلى القطيعة والقتصصال .وهصصذا الصصصبر مصصن
المظلصصومين والمتضصصررين بظلصصم السصصلطان ل يصصدخل فصصي معنصصى
قبول الذل والهوان والرضا بظلصصم الظصصالمين ،وإنمصصا يصصدخل فصصي
معنصصى اليثصصار :إيثصصار المصصصلحة العامصصة علصصى المصصصلحة الخاصصصة ،
والمصصصلحة العامصصة هنصصا هصصي البقصصاء علصصى وحصصدة الجماعصصة وعصصدم
تفرقها بالخروج على السلطان والتمرد عليه وما يترتب عليه من
اقتتال بين أفراد المة مما يؤدي إلى ضعفها ،ثم إن الصبر علصصى
جور السلطان ل يعني الرضا بجوره أو السكوت عن النكار عليه ،
وإنما يعني فقط عدم الخروج عليه بالسلح لنه يدخل فصصي دائرة
البغي ،ومعصية السلطان بجوره ل تقابل بمعصية الخصصروج عليصصه
بالسلح .
1
ـ عون المعبود شرح سنن أبي داود ،ج ، 7ص . 267
2
ـ عون المعبود شرح سنن أبي داود ،ج ، 7ص . 267
الجتهادية المقبولة ،فالخروج علصصى هصصذا الميصصر المنتخصصب يعتصصبر
)بغي صًا( عليصصه وعلصصى الجماعصصة الصصتي يمثلهصصا ويعتصصبر دليل ً علصصى أن
الخارجين عليه فيهم صفة من صفات أهصصل الكتصصاب ،وهصصي أنهصصم
كانوا يرفضون رسالة من ل تهواه أنفسهم ،ول شصصك أن التشصصبه
بأهل الكتاب في صفاتهم الذميمة شصصيء ذميصصم قصصال تعصصالى فصصي
سصك ُ ُ
م وى َأن ُ
ف ُ مصصا ل َ ت َ ْ
هص َ سو ٌ
ل بِ َ م َر ُ جاءك ُ ْ ما َ فك ُل ّ َذمهم لهذه الصفة ) :أ َ َ
قت ُُلو َ
ن(. 3 ريقا ً ت َ ْ و َ
ف ِ م َ ريقا ً ك َذّب ْت ُ ْ ف َ
ف ِ ست َك ْب َْرت ُ ْ
م َ ا ْ
وليكن معلوما ً أن شر ما تبتلى به جماعة مسصصلمة تصصدعو إلصصى اللصصه
وقوع الخلف فيها وتفرقها ممصصا يسصصهل لعصصدائها اسصصتغلل ذلصصك
وإيذائها والمثلصصة علصصى ذلصصك كصصثيرة والعاقصصل مصصن اعتصصبر بغيصصره ،
والمؤمن ل يلدغ من جحر مرتين .
1
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 4ص . 249
مدى تقواهم وعلمهم ودرايتهم إلصصى غيصصر ذلصصك مصصن المصصور الصصتي
ليس هنا محل بسطها والكلم فيها .
1ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ،ج ، 13ص 19وما بعدها .
2ـ ابن كثير ،ج ، 1ص ، 408الزمخشري ،ج ، 1ص ، 408القرطبي ،ج ، 4ص ، 216الرازي ،ج ، 9ص 11ـ ، 13اللوسي ،
ج ، 4ص 65ـ ، 66تفسير المنار ،ج ، 4ص 139ـ . 140
3ـ سورة النعام ،الية . 6
القوة والسلطان والنعم الفيرة ما لم يعط مثله للمخصصاطبين مصصن
كفار قريش ثم لم تكن تلك المواهب والنعصصم والقصصوة والسصصلطان
بمانعة لهم من عذابنا لما استحقوه بتكذيبهم رسصصل اللصصه تعصالى ،
وأنشأنا من بعدهم جيل ً آخصر لنختصبرهم فعملصوا مثصل أعمصال مصن
سبقهم فأهلكوا كإهلكهم فاحذروا أيهصصا المخصصاطبون ص ص أي كفصصار
قريش ص أن يصيبكم مثصصل مصصا أصصصابهم فمصصا أنتصصم بصصأعز علصصى اللصصه
تعالى منهم. 4
207ص أول ً :من يبدل نعمة الله فإن الله شديد العقاب :
4
ـ ابن كثير ،ج ، 2ص ، 124القرطبي ،ج ، 6ص ، 131تفسيرالمنار ،ج ، 7ص ، 306ظلل ،م ، 2ج ، 7ص . 129
1
ـ سورة المائدة ،الية . 100
2
ـ القرطبي ،ج ، 6ص ، 327اللوسي ،ج ، 7ص ، 37تفسير المنار ،ج ، 7ص 122و . 124
مصصن و َ
ة َ ة ب َي ّن َص ٍن آي َ ص ٍمص ْ هم ّ م آت َي ْن َصصا ُل ك َص ْسَراِئي َ
ل ب َِني إ ِ ْ س ْقال تعالى َ ) :
ب( .3
قا ِ ع َ ْ
ديدُ ال ِ ش ِ ه َ ّ
ن الل َ ه َ
فإ ِ ّ جاءت ْ ُ
ما َد َ ع ِ
من ب َ ْ ه ِة الل ّ ِ م َ
ع َ ي ُب َدّ ْ
ل نِ ْ
مصصن ه ِ ّ
ة اللص ِ مص َع َ
ل نِ ْ مصصن ي ُب َصدّ ْ و َ قال المام القرطبي :قوله تعالى َ ) :
ه( لفظ عام لجميع الناس ،فاللفظ منسحب على كصصل جاءت ْ ُ ما َ د َ ع ِ
بَ ْ
4
مبدل نعمة الله ،أي فيصيب كل مبدل نعمصصة اللصصه العقصصاب الصصذي
ن الل ّص َ
ه ف صإ ِ ّيستحقه .ولم يقصصل فصصإن اللصصه يعصصاقبهم وإنمصصا قصصال َ ) :
ب( ليشعرنا بأن هذا من سنته العامة التي تجري علصصى قا ِ ع َ ديدُ ال ْ ِش ِ َ
المبدلين لنعمصصة اللصصه فصصي الحاضصصر والمسصصتقبل كمصصا جصصرت علصصى
المبدلين السابقين في الزمن الماضي.5
209ص ثانيا ً :من يخالف بعض شرع الله يعاقبه الله :
َ َ
م س صك ُ ْ ف َ ن أن ُ قت ُل ُصصو َ ؤلء ت َ ْ هص ص ُ م َ م أنت ُص ْ قال تعالى مخاطب صا ً اليهصصود ) :ث ُص ّ
ن َ َ م تَ َ من ُ ريقصصا ً ّ ن َ
هصصم ِبصصال ِث ْم ِ علي ْ ِ هُرو َ ظصصا َ ه ْ ر ِ مصصن ِدَيصصا ِ كصصم ّ
ُ ف ِ جصصو َ ر ُ خ ِ وت ُ ْ َ
م ُ
علي ْكصص ْ َ م َ حصصّر ٌ م َ و ُ هصص َ و ُم َ ه ْدو ُ َ
سصصاَرى ت ُفصصا ُ م أ َ ُ
وِإن َيصصأُتوك ْ ن َ وا ِ عصصدْ َ ْ
وال ُ َ
مصصن َ ُ ْ ْ ْ َ َ
جصَزاء َ ما َ ضف َ ع ٍ ن ب ِب َ ْ وت َكفُرو َ ب َ ض الك َِتا ِ ع ِ ن ب ِب َ ْ مُنو َ م أفت ُؤ ِ ه ْ ج ُ خَرا ُ إِ ْ
ن دو َ ة ي ُصَر ّمص ِ قَيا َ ْ
م ال ِ و َوي َص ْ ة الدّن َْيا َ حَيا ِ ْ
في ال َ ي ِ خْز ٌ ّ
م إ ِل ِ ُ
منك ْ ل ذَل ِك ِ َ ع ُ ْ
ي َف َ
ن( .7 ُ ّ ع َ ْ َ
إ َِلى أ َ
ملو َ ع َ ما ت َ ْ ع ّ
ل َ ف ٍ غا ِ ه بِ َ ما الل ُ و َ ب َذا ِ شد ّ ا ل َ
والمعنصصى أن اللصصه تعصصالى أخصصذ العهصصود علصصى اليهصصود أن ل يقتصصل
بعضهم بعضا ً ول يخرجوهم من ديارهم ول يظاهرون عليهصصم فصصي
ذلك ،وأن يفادوا أسراهم فأعرضوا عن كل ما أمروا به إل الفداء
،فصصوبخهم اللصصه تعصصالى علصصى ذلصصك توبيخ صا ً ُيتلصصى فقصصال تعصصالى :
ض( أي تأخصصذون الفصداء عص ٍ ن ب ِب َ ْ فصُرو َ وت َك ْ ُ ب َ ض ال ْك ِت َصصا ِ عص ِ ن ب ِب َ ْ مُنو َ ؤ ِ فت ُ ْ )أ َ َ
وتتركون البعض الخر من التوراة وهو النهي عن القتل والخراج
3
ـ سورة البقرة ،الية . 211
4
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 3ص . 28
5
ـ تفسير المنار ،ج ، 2ص . 268
6
ـ زمخشري ج ، 1ص ، 354رازي ،ج ، 6ص ، 3المنار ،ج ، 2ص ، 68ظلل م ، 1ج ، 2ص . 144
7
ـ سورة البقرة ،الية . 85
ة فصصي ال ْ َ
حي َصصا ِ ي ِ
خ صْز ٌ منك ُ ْ
م إ ِل ّ ِ ل ذَل ِ َ
ك ِ ع ُ من ي َ ْ
ف َ جَزاء َ
ما َ من ديارهم ) َ
ف َ
الدّن َْيا( أوعدهم الله تعالى كما أوعد من قبلهم ومن بعدهم بأنهم
يعاقبون على نقض ميثاق الدين وعصيانه وعدم اليمان بصه كلصه ،
والعقاب هو الخصصزي العاجصصل الصصذي يصصصيبهم فصصي الصصدنيا والعصصذاب
الجل في الخرة .وقد شهدت الوقائع التاريخية بأنه ما مصصن أمصصة
فسقت عن أمر ربهصصا واعتصصدت حصصدود شصصريعتها إل تفصصرق شصصملها
ونزل بها الذل والهوان وهو بعض الخصصزي فصصي الصصدنيا وهصصذه هصصي
سصصّنة اللصصه الصصتي يجصصب أن يحصصصل بهصصا العتبصصار ول يغفصصل عنهصصا
المسلمون. 1
وقال المصصام القرطصصبي بعصصد أن ذكصصر نقصصض العهصصود وميثصصاق اللصصه
عليهم قال رحمه الله تعالى ) :ولعمر الله لقد أعرضصصنا نحصصن عصصن
الجميع فتضافر بعضنا على بعض ليت بالمسصصلمين بصصل بالكصصافرين
حتى إخواننا أذلء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين فل حول
ول قوة إل بالله العلي العظيم( ، 2وما ذكره المام القرطصبي هصو
لبعض ما فعله المسلمون بعد عصصصره وفصصي عصصصرنا الحاضصصر فحص ّ
بهم ما حذر الله منه اليهود لن من سنة الله تسصصاوي المتسصصاوين
في موجبات العقاب بالعقاب الذي حذر منه .
5
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 1ص . 424
6
ـ سورة النفال ،الية . 38
7
ـ تفسير الرازي ،ج ، 15ص ، 162تفسير اللوسي ،ج ، 9ص . 406
8
ـ سورة هود ،اليات 100ـ . 102
1
ـ تفسير الرازي ،ج ، 17ص 56ـ . 57
َ فأ َ ْ
ن
عيص َم ِ ج َمأ ْ ه ْ قَنصا ُ غَر ْ م َهص ْمن ْ ُ
مَنصا ِ ق ْ فوَنا انت َ َ سص ُمصا آ َ فل َ ّ
قال تعصالى َ ) :
سص ُ فل َ ّن( ،قوله تعصصالى َ ) : مث َل ً ل ِْل ِ سَلفا ً َ عل َْنا ُ َ
2
فوَنا( مصصا آ َ ري َخ ِ و َ م َ
ه ْ ج َ
ف َ
ن(ري ص َخ ِ ْ ً
مث َل ل ِل ِ و َ ً َ
س صلفا َ م َ ه ْ ْ
علن َصصا ُج َ أي أسخطونا .وقوله تعصصالى َ ) :
ف َ
أي قدوة للكفار الذين بعدهم يقتدون فيهم فصصي اسصصتحقاق مثصصل
عقابهم ونزوله بهم لتيانهم بمثل أفعالهم. 3
214ص سابعا ً :ينزل العقاب على مستحقيه مهما كانت قوتهم :
م ه ْ م أَ ْ
هل َك َْنا ُ ه ْ قب ْل ِ ِمن َ ن ِذي َ وال ّ ِ ع َ م ت ُب ّ ٍ و ُ ق ْم َ َ
خي ٌْر أ ْ م َ ه ْ أ ص قال تعالى ) :أ َ ُ
ن( . 4فالعقصصاب ينصصزل علصصى المتسصصاوين فصصي مي ص َ ر ِج ِ م ك َصصاُنوا ُ
م ْ هص ْ إ ِن ّ ُ
اسصصتحقاقه وإن اختلفصصت مراكزهصصم فصصي القصصوة والسصصلطان لن
القوي أمام الله ضصصعيف مهمصصا كصصانت قصصوته فينصصزل عليصصه العصصذاب
الذي يستحقه .فإذا رأى الظالم المتمرد على الله أن اللصصه أهلصصك
من هو أقوى منه وأكثر أتباعا ً وأوسع سلطانا ً كان ذلك أدعصصى لصصه
إلى العبرة والتعاظ .فقوم )ت ُّبع( كانوا كافرين ولهم قوة ومنعة
ومع هذا أهلكهم الله تعالى لكونهم عتاة مجرمين متمرديصصن علصصى
شرع اللصصه ،فليحصصذر كفصصار قريصصش وغيرهصصم مصصن الكفصصرة الهلك
بسبب كفرهم كما أهلك من قبلهم
صص أي قصصوم تبصصع صص مصصع أنهصصم كصصانوا أكصصثر مصصن قريصصش قصصوة ومنعصصة
وسلطانا ً. 5
ل مَثصص ُ
ضصصى َ م َ و َ طشصصا ً َ هصصم ب َ ْ من ْ ُ شصصدّ ِ هل َك َْنصصا أ َ َ فأ َ ْب صصص وقصصال تعصصالى َ ) :
ن( ، 6أي فأهلكنا المكذبين بالرسل وقصصد كصصانوا أشصصد بطش صا ً َ
وِلي َ اْل ّ
من هؤلء المكذبين لك يا محمد فجعلناهم عبرة لمصن بعصدهم مصن
المكذبين أن يصيبهم ما أصصصابهم أي مصصا أصصصاب مصصن سصصبقهم مصصن
المكذبين. 7
م ل َك ُصصم ب َصَراءةٌ ِ َ ُ ج ص وقال تعالى ) :أ َك ُ ّ
فصصي مأ ْ ول َئ ِك ُص ْ نأ ْ مص ْ خي ْصٌر ّ م َ فاُرك ُ ْ
من ل ِه ْ ف َ م َ عك ُ ْ شَيا َ هل َك َْنا أ َ ْ قد ْ أ َ ْ ول َ َر( ،وقال تعالى ) َ
8
الّزب ُ ِ
ر( ،أي ليس كفاركم خيصصرا مصصن كفصصار مصصن تقصصدم مصصن المصصم ً 9
مدّك ِ ٍ ّ
الذين أهلكوا بكفرهم ،لماذا أهلكوا وكانوا أكثر منكم قوة فكيصصف
تضمنون أنتم أن ل يصيبكم مثل ما أصابهم .ولقد أهلكنا أمثالكم
في الكفر من المم السابقة فهل من معتبر
بذلك؟. 10
3
ـ صحيح البخاري ،ج ، 6ص . 77
4
ـ الجامع الصغير للسيوطي ،قال رواه أحمد ورقم الحديث . 3096
5
ـ سورة الحديد ،الية . 10
6
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 4ص ، 474ابن كثير ،ج ، 4ص 306ـ . 307
7
ـ صحيح البخاري ،ج ، 6ص . 6
8
ـ سورة الواقعة ،اليات 7ـ . 11
1
ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 4ص . 282
223ص الستخلف في الرض لمستحقيه :
ت حا ِ صصصال ِ َ ملصصوا ال ّ ُ ع ِ و َ م َمنك ص ُْ من ُصصوا ِ نآ َ ذي َه ال ّص ِ ع صدَ الل ّص ُ و َقصصال تعصصالى َ ) :
َ ّ َ َ ْ
ن ّ
مكن َ ص ّ ولي ُ َ م َ هص ْقب ْل ِ ِ من َ ن ِ ذي َف ال ِ خل َ ست َ ْما ا ْ َ
ضك َ في الْر ِ هم ِ فن ّ ُخل ِ َ
ست َ ْل َي َ ْ
منصا ً َ
مأ ْ ه ْ ف ِ و ِ خص ْد َ عص ِ مصصن ب َ ْ هم ّ ول َي ُب َصدّل َن ّ ُ م َ هص ْضصصى ل َ ُ ذي اْرت َ َ م ال ّص ِ ه ُم ِدين َ ُ ه ْ لَ ُ
ول َئ ِ َ ك َ ُ
م هص ُك ُ فصأ ْ عصدَ ذَِلص َ فصَر ب َ ْ مصن ك َ َ و َ شصْيئا ً َ ن ِبي َ كو َ ر ُ دون َِني َل ي ُ ْ
ش ِ عب ُ ُ يَ ْ
ن( .والمعنى أن الله تعالى وعد رسوله صلى الله عليه 2
قو َ س ُفا ِ ال ْ َ
وسلم بصصأنه سصيجعل أمتصصه خلفصصاء الرض أي أئمصصة النصصاس والصصولة
عليهم بهم تصلح البلد وتخضع لهم العباد وقد فعله الله تعالى. 3
والمقصود بتمكين الدين لهم ،أي دين السصصلم ،هصصو أن يؤيصصدهم
بالنصرة والعزاز ويجعل دينهم السلم ثابتا ً بأن يعلي الله شصصأنه
ويقوم المؤمنين بتطبيق أحكامه وجعلها هي المهيمنة على جميع
من صًا( َ
ول َي ُب َدّل َن ّ ُ
4
مأ ْ ه ْ ف ِ و ِخص ْد َ ع ِ من ب َ ْ هم ّ شؤون الناس .وقوله تعالى َ ) :
أي يبصصدلهم مصصن بعصصد خصصوفهم بمقتضصصى الطبيعصصة البشصصرية مصصن
أعدائهم أمنا ً وطمأنينة ،وقصصد وقصصع ذلصصك كل ّصصه فصصي عهصصد الصصصحابة
الكرام في زمن الخلفاء الراشدين ،ول ينافيه ما وقصصع فصصي عهصصد
عثمان وعلي من الضطراب لن المراد من المن من أعداء الدين
وهم الكفار. 5
2
ـ سورة النور ،الية . 55
3
ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 3ص . 300
4
ـ تفسير الرازي ،ج ، 24ص . 22
5
ـ تفسير اللوسي ،ج ، 18ص . 205
6
ـ في ظلل القرآن م ، 6ج ، 18ص . 119
الصصصالحات أي الصصذين جمعصصوا بيصصن اليمصصان والعمصصل الصصصالح أن
يستخلفهم في الرض(. 7
6
ـ مجموع فتاوى ابن تيمية ،ج ، 13ص ، 23والية من سورة التوبة ورقمها . 100
الفصل الثامن
سّنة الله في الترف والمترفين
]قانون الترف[
مْترف : 230ص معنى الترف وال ُ
1
جصصاء فصصي لسصصان العصصرب :الصصترف :التنعصصم .والصصترفه النعمصصة .
متَرف :هو الذي قد أبطرته النعمة وأترفته النعمة أي أطغته .وال ُ
وسصصعة العيصصش .والمصصترف :المتنعصصم المتوسصصع فصصي ملذ الصصدنيا
2
سع عليه .وفي مفصصردات الصصراغب مو ّمترف ُ : وشهواتها .ورجل ُ
الترف :التوسع في النعمة .
1
ـ سورة النازعات ،اليات 15ـ . 17
2
ـ تفسير الرازي ،ج ، 31ص . 39
3
ـ سورة النازعات ،الية . 24 ، 23
4
ـ تفسير اللوسي ،ج ، 16ص . 203
مربيكم والمحسن إليكم وليس للعالم إلصه حصصتى يكصون لصه عليكصصم
أمر ونهي ،فليس لحد عليكم أمر ول نهي إل لي(. 5
256ص ومن تبصير المة وجوب معاملة أعوان الظالم معاملته :
ومن تبصير الجماعة المسلمة بصأن أعصوانه سصيطغون كمصا يطغصى
سصصيدهم الحصصاكم الطاغيصصة لنهصصم يعينصصونه علصصى حكمصصه الظصصالم
فيعينهم على بغيهم وظلمهم للنصصاس وقصصد أشصصار القصصرآن الكريصصم
و سصت َك ْب ََر ُ
هص َ وا ْ
إلى طغيان أعصصوان فرعصصون فقصصال تعصصالى عنهصصم َ ) :
ق( ، 1وعلى هذا يعامل أعوان الحصصاكم ر ال ْ َ ْ َ
ح ّ غي ْ ِ
ض بِ َ
في الْر ِجُنودُهُ ِ
و ُ
َ
الظالم معاملته من جهصصة تحريصصم الركصصون إليهصصم ولصصزوم وعظهصصم
ونصحهم .
4
ـ سورة هود ،الية . 113
5
ـ سورة القصص ،الية . 8
6
ـ سورة طه ،الية . 78
7
ـ سورة القصص ،الية . 40
1
ـ سورة القصص ،الية . 39
ومن تبصير الجماعة المسصصلمة للمصصة أن يقصصال لهصصا :إن للمسصصلم
شخصية واحدة هي الشخصية السلمية المحكومة بالسلم حكما ً
شامل ً لكل مقومات ومعصاني الشخصصية ،فل يصصدر مصن المسصلم
من قول أو فعل إل وفق معاني السلم وأحكامه ولغرض مرضاة
مصصاِتيم َ
و َ ي َحي َصصا َ
م ْو َ
كي َ س ِ ون ُ ُصل َِتي َن َ ل إِ ّق ْالله وحده قال تعالى ُ ) :
ْ َ ْ َ ُ َ
2
ن( . مي َ سصل ِ ِ
م ْل ال ُ و ُ وأن َا أ ّ ت َ مْر ُ
كأ ِ وب ِذَل ِ َه َكل ُ ري َ ن لَ َ
ش ِ عال َ ِ
مي َ ب ال ْ َ ل ِل ّ ِ
ه َر ّ
أي إن صلتي وعبادتي وما آتيه في حيصاتي ومصا أمصوت عليصه مصن
اليمصصان والعمصصل الصصصالح ،فكصصل ذلصصك للصصه رب العصصالمين وحصصده ل
شريك له ل يشركه غيره فيها وبذلك من الخلص أمرت وأنا أول
المسلمين ،لن إسلم كل نبي متقدم لسلم أمته. 3
وعلصصى هصصذا ل يجصصوز للمسصصلم أن تكصصون لصصه شخصصصيتان :شخصصصية
إسلمية وهو في المسجد .وشخصصصية المعيصصن أو الخصصادم للحصصاكم
الطاغية المنفذ لبغيه وظلمه وطغيصصانه ،وهصصذه شخصصصية مناقضصصة
لمقتضيات الشخصية السلمية .فعلى المسصصلم أن يحصصافظ علصصى
شخصيته السلمية واضحة وأن تكصون أعمصاله منسصجمة مصع هصذه
الشخصية .
2
ـ سورة النعام ،اليتان . 163 ، 162
3
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 2ص ، 84تفسير القرطبي ،ج ، 7ص . 152
الفصل العاشر
سّنة الله في بطر النعمة وتغييرها
]قانون النعم وتغيرها[
258ص معنى النعمة :
4
جاء في لسان العرب :النعمة :الخفض ص خفض العيش ص والدعصصة
والمال .
وجمع النعمة :نعم وأنعم .والتنعم :الترفه .والنعمة ما أنعم بصصه
عليك .وفلن واسع النعمة أي واسع المال .ونعمة العيش حسنه
ونضارته .
5
وفي مفردات الراغب :النعمة :الحالة الحسنة ولين العيش .
4
ـ لسان العرب ،ج ، 16ص ، 57وما بعدها .
5
ـ مفردات الراغب الصفهاني ،ص . 499
6
ـ لسان العرب ،ج ، 5ص . 125
7
ـ مفردات الراغب ،ص . 439
1
ـ سورة النحل ،الية . 112
فأبطرتهم هذه النعمة فلم يقدروها حق قدرها ولم يشصصكروا اللصصه
عليها ولم يقوموا بحقها فأنزل الله فيهم نعمته ،فليحذر غيرهم
أن يفعلوا فعل اهل هذه القرية التي ضربها الله مثل ً لئل يصيبهم
ما أصابهم. 2
4
ـ تفسير المنار ،ج ، 10ص . 37
الفصل الحادي عشر
سّنة الله في الذنوب والسيئات
]قانون الذنوب والسيئات[
267ص تعريف الذنب والسيئة :
ً
الصصذنب يسصصتعمل فصصي كصصل فعصصل يسصصتوخم عقبصصاه ،اعتبصصارا بصصذنب
الشصصيء .وجمصصع الصصذنب ذنصصوب ،قصصال تعصصالى ) :فأخصصذهم اللصصه
بذنوبهم( ، 5والسيئة :الفعلة القبيحة ،وهي ضصصد الحسصصنة ،قصصال
تعالى ) :بلى من كسب سيئة( .والسوء كل ما يغم النسصصان مصصن
المصصور الدنيويصصة والخرويصصة ومصصن الحصصوال النفسصصية والبدنيصصة .
والسوء الفعل القبيح قال تعالى ) :من يعمصصل سصصوءا ً يجصصز بصصه( .
والحسنة والسيئة ضربان )أحدهما( بحسب اعتبار العقل والشصصرع
من نحو المذكور في قوله تعالى ) :من جصصاء بالحسصصنة فلصصه عشصصر
أمثالها ،ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها( ) .والثاني( حسصصنة
وسيئة بحسب اعتبار الطبع وذلك ما يستخفه الطبع وما يستثقله
،ومنه قوله تعالى )) :ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة(. 6
5
ـ مفردات الراغب ،ص . 181
6
ـ مفردات الراغب ،ص . 253
7
ـ مفردات الراغب ،ص ، 337المعجم الوسيط ،ج ، 2ص . 612
1
ـ سورة النساء ،من الية . 123
المام القرطبي في تفسيرها ) :وقال الجمهور لفظ الية عصصام ،
والكافر والمؤمن مجزي بعمله السوء . 2 ( ..
2
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 5ص . 396
3
ـ سورة غافر ،الية . 40
4
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 4ص . 168
5
ـ سورة النفال ،الية . 25
6
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 2ص ، 211تفسير اللوسي ،ج ، 9ص . 192
7
ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 2ص ، 299تفسير القرطبي ،ج ، 7ص . 391
8
ـ تفسير ابن العربي ،ج ، 2ص . 836
ولكن قد يقال إن الباقين قصصد ينكصصرون المنكصصر بألسصصنتهم ويبقصصى
المنكر ول يستطيعون تغييره بأيديهم ،وقد ل يستطيعون إنكصصاره
حتى بألسصصنتهم فينكرونصصه بقلصصوبهم لن هصصذا مصصا يقصصدرون عليصصه ،
وفي الحديث النبوي الشريف :من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده
،فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذلصصك أضصصعف
اليمصصان ،فمصصا وجصصه شصصمول الجميصصع بالعقصصاب فصصي هصصذه الحالصصة؟
والجواب أن على العاجزين عن تغيير المنكر الخروج من هذا البلد
الذي تعمل فيه المنكرات ول يستطاع تغييرها ،جصصاء فصصي تفسصصير
القرطبي ) :وإذا لم تغير ص اي المنكراتص وجب على المنكريصصن لهصصا
بقلوبهم هجران تلك البلصصدة والهصصرب منهصصا ،وبهصصذا قصصال السصصلف
رضي الله عنهصصم .وروى ابصصن وهصصب عصصن مالصصك أنصصه قصصال ُ :تهجصصر
الرض التي يصنع فيها المنكر جهارا ً ول يستقر فيها( . 9
274ص سؤال وجوابه :
ولكن إذا لم يستطع الهجرة من بلد المنكر من ل يستطيع تغييصصره
باليد ول باللسان وإنما بقلبه فقصصط ،فهصصل يصصصيبه العصصذاب العصصام
أيضا ً وينزل منزلة فاعل المنكر أو الراضي به؟
والجواب :نعم يشمله العقاب العام ويكون طهصصرة لصصه ثصصم يحشصصر
على نيته ،فقد جاء فصصي الحصصديث النبصصوي الشصصريف الصصذي أخرجصصه
مسلم في صحيحه عن زينب بنت جحش قصصالت :قلصصت يصصا رسصصول
الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال ) :نعم .إذا كصصثر الخبصصث( .قصصال
المام النووي في شرحه لهذا الحديث :الخبث ،فسصّره الجمهصصور
بالفسصصوق والفجصصور .وقيصصل المصصراد الزنصصا خاصصصة .والظصصاهر أنصصه
المعاصي مطلقا ً ،ومعنى الحديث :إن الخبث إذا كثر فقد يحصل
الهلك العام ،وإن كان هناك صالحون. 1
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضصي اللصصه عنهمصصا قصال :قصصال
رسول الله صلى الله عليصصه وسصصلم ) :إذا أنصصزل اللصصه بقصصوم عصصذابا ً
أصاب العذاب من كان فيهم ثم ُبعثوا علصصى أعمصصالهم( ،قصصال ابصصن
حجر العسقلني في شصصرحه لهصصذا الحصصديث :إذا أنصصزل اللصصه بقصصوم
عذابا ً أي عقوبة لهم على سيء أعمالهم )أصاب العذاب مصصن كصصان
فيهم( والمراد من كان فيهم ممن ليس هو على رأيهم )ثم بعثوا
على أعمالهم( أي بعث كل واحد منهم على حسب عملصصه إن كصصان
صالحا ً فعقباه صالحة وإل فسصصيئة فيكصصون ذلصصك طهصصرة للصصصالحين
ونقمة على الفاسقين. 2
3
ـ سورة آل عمران ،الية . 151
4
ـ تفسير الرازي ،ج ، 9ص 31ـ . 32
5
ـ في ظلل القرآن ،م ، 2ج ، 5ص . 101
6
ـ تفسير المنار ،ج ، 4ص 179ـ . 180
7
ـ سورة النعام ،الية . 6
عمره القصير ،ولكنها سنة ثابتصصة تخضصصع لهصصا المصصم حيصصن تفشصصو
فيها الذنوب ،فإنها تهلك إما بقارعصصة مصصن اللصصه تعصصالى كمصصا كصصان
يحدث في هلك المم السابقة ،وإما بالنحلل البطيء الطصصبيعي
الذي يسري فصصي كيصصان المصصة وهصصي توغصصل فصصي متاهصصات الصصذنوب
وتحسب أنها في أمان من الهلك. 8
8
ـ في ظلل القرآن ،م ، 3ج ، 7ص 129ـ . 130
1
ـ سورة غافر ،الية . 21
2
ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 4ص . 76
3
ـ سورة آل عمران ،الية . 155
4
ـ تفسير الرازي ،ج ، 9ص ، 51تفسير ابن كثير ،ج ، 1ص ، 418تفسير المنار ،ج ، 4ص . 192
َ َ
فصصو ع ُوي َ ْ
م َ ديك ُ ْ ت أي ْ ص ِ س صب َ ْ ما ك َ َ فب ِ َ ة َ صيب َ ٍ م ِ من ّ كم ّ صاب َ ُ ما أ َ و َ قال تعالى َ ) :
ر( ، 5أي وما أصابكم أيهصصا النصصاس أي مصصصيبة مصصن مصصصائب عن ك َِثي ٍ َ
الصصدنيا كصصالمرض وسصائر النكبصصات والحصصوال المكروهصصة نحصصو اللم
َ
م( أي ديك ُ ْ ت أي ْص ِ سصب َ ْ مصصا ك َ َ فب ِ َ والسقام والقحط والغصصرق وأشصصباهها ) َ
ر( أي ويعفصصو عصصن كِثي ص ٍَ فصصو َ ع ُ وي َ ْبسبب معاصيكم التي اكتسبتموها ) َ
عن كثير من الذنوب فل يعاقبكم عليها عاجل ً ،قيل وآجل .
ً 6
وقال شيخ السلم ابن تيمية :ومن المعلصصوم بمصصا أرانصصا اللصصه مصصن
آيصصاته فصصي الفصصاق وفصصي أنفسصصنا وبمصصا شصصهد بصصه فصصي كتصصابه أن
ة صاب َ ُ َ
صصصيب َ ٍ م ِ مصصن ّ كم ّ ما أ َ و َ المعاصي سبب المصائب ،قال تعالى َ ) :
َ
ن ذي َ ن ال ّص ِ ر( وقصصال تعصصالى ) :إ ِ ّ عصصن ك َِثي ص ٍ فصصو َ ع ُ وي َ ْ م َ ديك ُ ْ ت أي ْ ِ سب َ ْ ما ك َ َ فب ِ َ َ
مصصا ض َ شي ْ َ م ال ّ ست ََزل ّ ُ قى ال ْ َ م ال ْت َ َ منك ُ ْ وا ْ ِ ول ّ ْ
ع ِ ن ب ِب َ ْ طا ُ
َ َ
ه ُ ما ا ْ ن إ ِن ّ َعا ِ م َج ْ و َم يَ ْ تَ َ
ة
صيب َ ٌ م ِ ُ
صاب َت ْكم ّ ما أ َ َ
ول ّ م( وقال تعالى ) :أ َ ه ْعن ْ ُ ه َ ّ
عفا الل ُ َ ولقدْ َ َ َ ْ
سُبوا َ كَ َ
َ َ َ
سك ُ ْ د أن ْ ُ ق ْ ذا ُ هص َ قل ْت ُ ْ ها ُ مث ْل َي ْ َ َ
7
م( . ف ِ عن ِ ن ِ م ْ و ِ ه َ ل ُ م أّنى َ صب ُْتم ّ قدْ أ َ
1
ـ انظر الفقرة . 278
2
ـ سورة البقرة ،اليات 155ـ . 157
ل فيهم مصصن يباشروا جميعا ً باتخاذ السباب المشروعة لزالة ما ح ّ
نكبات ومصائب ،وأن يصروا على ذلك بثبات وصصصبر واللصصه تعصصالى
دائما ً مع الصابرين .
3
ـ مجموع الفتاوى لشيخ السلم ابن تيمية ،ج ، 8ص . 526
4
ـ مفردات غريب القرآن للراغب الصفهاني ،ص 530ـ . 531
1
ـ مفردات غريب القرآن للراغب الصفهاني ،ص 530ـ . 531
ت( ،وقصصال تعصصالى :حا ِصصصال ِ َمُلصصوا ال ّ ع ِ
و َ
مُنصصوا َنآ َ ذي َن اّلصص ِ
تعصصالى ) :إ ِ ّ
2
ها. (.. د َ
ع ِمن ب َ ْ ْ ت ثُ ّ
م َتاُبوا ِ سي َّئا ِمُلوا ال ّ
ْ ع ِن َ وال ّ ِ
ذي َ ) َ
2ـ مفردات الراغب ،ص ، 348والية الولى من سورة مريم ورقمها ، 96والثانية في العراف ورقمها . 153
3ـ سورة النفال ،الية . 29
4ـ زمخشري ،ج ، 2ص ، 214ابن كثير ،ج ، 2ص ، 300اللوسي ،ج ، 9ص ، 196قرطبي ،ج ، 7ص ، 396رازي ،ج ، 15
ص . 153
5ـ سورة الطلق ،الية . 2
6ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 4ص ، 379تفسير القرطبي ،ج ، 18ص 159ـ ، 160تفسير اللوسي ،ج ، 28ص . 138
7ـ سورة النحل ،الية . 128
8ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 2ص 592ـ . 593
294ص عون الله للمتقين في الحرب :
ْ
هص ص َ
ذا م َ
ه ْ
ر ِ
و ِ9 مصصن َ
فص ْ ُ
وي َصأُتوكم ّ قصصوا ْ َ صب ُِروا ْ َ
وت َت ّ ُ قال تعالى ) :ب ََلى ِإن ت َ ْ
ن( .أي إن مي َ
و ِ
سصص ّ
م َة ُ ملئ ِ َ
كصص ِ ن ال ْ َ
مصص َ ف ّ ة آل ٍ سصص ِ
م َ
خ ْ م َرب ّ ُ
كصصم ب ِ َ ددْك ُ ْ
مصص ِ
يُ ْ
تصبروا على لقاء العدو وتتقوا معصيته يمددكم ربكم بما ذكر في
الية الكريمة. 10
6
ـ في ظلل القرآن ،م ، 5ج ، 12ص . 97
7
ـ تفسير ابن كثير ،ج ، 2ص ، 585في ظلل القرآن ،م ، 5ج ، 12ص . 97
الفصل الثالث عشر
سّنة الله في الستدراج
]قانون الستدراج[
312ص معنى الستدراج في اللغة :
جاء فصصي لسصصان العصصرب : 8اسصصتدرجه أي أدنصصاه منصصه علصصى التدريصصج
فتدرج هو .
1
وفصصي مفصصردات الصصراغب :سنسصصتدرجهم معنصصاه نأخصصذهم درجصصة
زل ً ً
فدرجة وذلك إدناؤهم من الشيء شيئا فشيئا كالمراقي والمنا ِ
في ارتفاعها ونزولها .
وفي المعجم الوسيط : 2استدرج الله العبد :أمهله ولم يباغته .
وفي بصائر ذوي التمييز : 3استدرج اللصصه المصصرء :ج صّره قليل ً قليل ً
إلى العذاب .
7ـ زمخشري ،ج ، 4ص ، 595ابن كثير ،ج ، 4ص ، 408اللوسي ،ج ، 18ص . 251
8ـ سورة العراف ،اليتان 182ـ . 183
9ـ زمخشري ،ج ، 2ص ، 182ابن كثير ج ، 2ص ، 270اللوسي ،ج ، 9ص ، 126الرازي ،ج ، 15ص . 73
01ـ تفسير المنار ،ج ، 9ص . 452
1ـ سورة النعام ،اليات 42ـ . 45
ء( ،أي فتحنا عليهم أبواب ي ٍ ل َب كُ ّ َ حَنا َ َ ظهورهم ) َ
ش ْ وا َ
م أب ْ َ
ه ْ
علي ْ ِ فت َ ْ
الرزق من كل ما يختارون .قال ابصصن كصصثير :وهصصذا اسصصتدراج منصصه
مصصا ُأوت ُصصوْا( حصصوا ْ ب ِ َ ر ُ ف ِ ذا َحّتى إ ِ َ تعالى وإملء لهم ولهذا قال تعالى َ ) :
ذافإ ِ َة( أي على غفلة ) َ غت َ ًهم ب َ ْ خذَْنا ُ من الموال والولد والرزاق )أ َ َ
ن( أي آيسون مصصن كصصل خيصصر .وروى المصصام أحمصصد عصصن سو َ مب ْل ِ ُ هم ّ ُ
هقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليصصه وسصصلم قصصال :إذا رأيصصت
الله يعطي العبصصد مصصن الصصدنيا علصصى معاصصصيه مصصا يحصصب ،فإنمصصا هصصو
سصصوا ْ مصصا ن َ ُ فل َ ّ استدراج ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسصصلم َ ) :
ه (..الخ. 2 ذُك ُّروا ْ ب ِ ِ
ه( ما ذُك ُّروا ْ ب ِ ص ِ سوا ْ َ ما ن َ ُ فل َ ّوفي تفسير اللوسي في قوله تعالى َ ) :
المراد أنهم انهمكوا فصصي معاصصصيهم ولصصم يتعظصصوا بمصصا نصصالهم مصصن
ء( ي ٍ ل َكصص ّ ب ُ َ حَنا َ َ البأساء والضراء فلما لم يتعظوا ) َ
شصص ْ وا َ م أب ْ َ ه ْ علي ْ ِ فت َ ْ
من النعم الكثيرة كالرخاء وسعة الرزق مكرا ً بهم واستدراجا ً لهصصم
ما ُأوُتوْا( من النعم ولم يقوموا بحق ر )ب ِ َحوْا( فرح بط ٍ ر ُ ف ِ ذا َ حّتى إ ِ َ ) َ
ة( أي فجصصأة غت َص ًهم( عاقبناهم وأنزلنا بهم العصصذاب )ب َ ْ خذَْنا ُ َ
المنعم )أ َ
داب ِصُر ع َ قطِص َ ف ُ ن( أي آيسون من النجصصاة والرحمصصة ) َ سو َ مب ْل ِ ُ هم ّ ذا ُ فإ ِ َ ) َ
د
مص ُ ح ْ ْ
وال َ موا( أي استؤصلوا ولم يبصصق منهصصم أحصصد ) َ ْ َ َ
ن ظل ُ ذي َ ّ
وم ِ ال ِ ق ْ ال ْ َ
ن( على ما جرى عليهم مصن النكصصال والغهلك فصإن مي َ عال َ ِ ب ال ْ َ ه َر ّ ل ِل ّ ِ
إهلك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لهل الرض من شؤم
عقائدهم الفاسدة وأعمالهم الخبيثصصة نعمصصة جليلصصة يحصصق أن يحمصصد
عليها. 3
4
ـ لسان العرب ،لبن منظور ،ج ، 3ص . 92
5
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 18ص . 251
الفصل الرابع عشر
سّنة الله في المكر والماكرين
]قانون المكر[
320ص تعريف المكر :
1
أ ص المكر :احتيال في خفية ،والمكر :الحتيال والخديعة .
ب ص المكر :صرف الغير عما يقصده بنوع من الحيلة. 2
ج ص المكر :إيصال المكروه إلى الغير على وجه يخفى عليه. 3
د ص المكر :وهو في الصل التدبير الخفي المفضي بصصالممكور بصصه
إلى مال يحتسب. 4
7
ـ تفسير اللوسي ،ج ، 26ص . 34
8
ـ تفسير الرازي ،ج ، 26ص 34ـ . 35
على وجه الدقو والضبط .وكذلك سّنة الله في المكر السيء أنصصه
ل وقصصتل ينزل إل بأهله متى تحقق شروطه وانتفت مصصوانعه وحص ّ
نفاذه وإن كنا نجهل هذا الوقت بالدقة والضبط .
1
ـ سورة الرعد ،اليتان . 34 ، 33
2
ـ تفسير الزمخشري ،ج ، 2ص . 532
3
ـ تفسير اللوسي ،ج ، 13ص . 162
4
ـ تفسير القرطبي ،ج ، 10ص . 98
5
ـ تفسير اللوسي ،ج ، 14ص . 126
مك ْصُرو َ
ديدٌ َ ب َ
شص ِ عص َ
ذا ٌ م َه ْت لَ ُ
سي َّئا ِ مك ُُرو َ
ن ال ّ ن يَ ْ
ذي َوال ّ ِ
قال تعالى َ ..) :
و ي َُبوُر( 6قال مجاهد وسعيد بن جبير وشهر بصصن حوشصصب : ول َئ ِ َ ُ
ه َك ُ أ ْ
هم المراؤون بأعمالهم :يعني يمكرون بالناس ،يوهمونهم أنهصصم
في طاعة اللصصه تعصصالى وهصصم بغضصصاء إلصصى اللصصه عصصز وجصصل يصصراؤون
بأعمالهم .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هصصم المشصصركون .
قال المام ابن كثير بعد أن ذكر القولين :والصحيح أن الية عامة
،والمشركون داخلون فيها بطريق الولصصى ،ولهصصذا قصصال تعصصالى :
ول َئ ِ َ ُ
و ي َُبوُر( أي يفسد ويبطل ويظهصصر ه َ
ك ُ مك ُْر أ ْ
و َديدٌ َ ب َ
ش ِ ذا ٌع َ
م َ ه ْ)ل َ ُ
د
زيفهم عصصن قريصصب لولصصي البصصصائر والنهصصى ،فصصإنه مصصا أس صّر أحص ٌ
سريرة إل أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتصصات لسصصانه ،
وما أسّر أحدٌ سريرة إل كساه الله رداءها إن خيرا ً فخير وإن شصرا ً
فشصصر .فصصالمرائي ل يصصروج أمصصره ويسصصتمر إل علصصى غصصبي ،أمصصا
المؤمنون المتفرسون فل يروج ذلك عليهم بل ينكشف لهصصم عصصن
قريب ،وعالم الغيب ل تخفى عليه خافية. 7
1
ـ سورة البقرة ،اليات 200ـ . 202
2
ـ زمخشري ،ج ، 1ص ، 248اللوسي ،ج ، 2ص ، 90المنار ،ج ، 2ص 236ـ . 237
3
ـ زمخشري ،ج ، 1ص ، 248القرطبي ،ج ، 2ص . 432
4
ـ القرطبي ،ج ، 2ص . 433
ويشترط للجمع بين إرادة الدنيا والخرة حصول النية أي أن
يقصد طالب الدنيا جعلها بعد الحصول عليها وسيلة للظفر
بالخرة .وهذه النية ل تكلفه شيئا ً لنها عمل القلب واتجاهه ،
ولكنها مهمة جدا ً ول يصلح العمل بدونها لن الصل في
السلم ) :إنما العمال بالنّيات( فالنّية هي التي تلون العمل
ل أو الحرمة والقبول أو الرفض والثواب أو وتعطيه صفة من الح ّ
عدمه .فهو بهذه النية يجعل عمله المباح لنيل المال أو غيره من
نعم الدنيا عمل ً مأجورا ً عليه وقربة من القربات .فإذا ظفر
بمراده من الدنيا وهو بهذه النية لزمه استحضار نية الخرة أي
إرادته لها في استعمال ما حصل عليه من الدنيا .
5
ـ سورة القصص ،اليتان . 77 ، 76
أ ص قال القرطبي :أي اطلب فيما آتاك الله من الغنى والثروة
الدار الخرة بأن تعمل فيه أفعال الخير من التصديق الواجب
والمندوب إليه وتجعله زادك في الخرة. 1
ب ص قال الزمخشري :أي وابتغ فيما آتاك الله من الغنى والثروة
الدار الخرة بأن تعمل فيه أفعال الخير من التصدق الواجب
والمندوب إليه وتجعله زادك في الخرة. 2
ج ص وقال الرازي :المراد أن يصرف المال إلى ما يؤديه إلى
الجنة. 3
د ص وقال ابن كثير :أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال
الجزيل والنعمة الكاملة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع
القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والخرة. 4
2ـ زمخشري ،ج ، 1ص 431ـ ، 432قرطبي ،ج ، 4ص 248ـ ، 249ابن كثير ،ج ، 1ص ، 420اللوسي ،ج ، 4ص ، 106
الرازي ،ج ، 9ص 60ـ ، 63المنار ،ج ، 4ص . 199
3ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 16ص . 145
4ـ صحيح البخاري بشرح العسقلني ،ج ، 10ص . 419
5ـ سورة النور ،من الية . 2
كان النبي صلى الله عليه وسلم متواضعا ً مع أصحابه رفيق صا ً بهصصم
قصصال تعصصالى ) :واخفصصض جناحصصك لمصصن اتبعصصك مصصن المصصؤمنين(. 6
والمقصود بخفض الجناح :التواضع ولين الجانب . 7وقال تعالى :
)لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم
بالمؤمنين رؤوف رحيم( ، 8والشأن بالمسصصلم أن يقتصصدي برسصصول
الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله .