You are on page 1of 415

-2-

-3-
-4-
-5-
‫‪-6-‬‬

‫العلم والعولمة‬
‫( دراسة فى أثر العولمة على القدرات المعرفية والتكنولجية للنظم العلمية )‬
‫( دراسة مقارنة للنظم العلمية الحرة والموجهة )‬
‫‪-7-‬‬

‫«‪ ..‬وما كان عطاءُ ربك محظورا‪»..‬‬


‫(سورة السراء ‪ -‬الية ‪)20‬‬

‫« لن الحقيقة نسبية‪ ..‬فإن حرية التعبير ينبغى أن تكون مطلقة‪ .‬فل أحد يمتلك الحقيقة‪..‬‬
‫حتى يصادر حق الخرين فى محاولة القتراب من حدودها»‪.‬‬

‫(دكتور‪ /‬محمد‬
‫محفوظ )‬

‫« تمهيـد »‬
‫الطار النظرى والمنهجى للدراسـة‬

‫أولً‪ :‬اعتبارات نظرية موجّهة للدراسة‬


‫‪ -1‬مشكلة الدراسة‬
‫‪ -2‬أبعاد الدراسة‬
‫‪ -3‬أسباب اختيار الدراسة‬
‫‪ -4‬المفاهيم المستخدمة فى الدراسة‬

‫ثانياً‪ :‬الجراءات المنهجية‬


‫‪ -1‬هدف الدراسة‬
‫‪ -2‬مجتمع الدراسة‬
‫‪ -3‬فروض وتساؤلت الدراسة‬
‫‪ -4‬نموذج الدراسة‬
‫‪ -5‬منهج الدراسة‬
‫‪ -6‬أدوات الدراسة‬
‫‪-8-‬‬

‫البـاب الول‬
‫ظاهـرة العولمـة‬
‫(البعاد الفكرية والمادية والمجتمعية والنسانية)‬

‫الفصـل الول‬
‫البعاد الفكرية لظاهرة العولمة‬

‫المبحث الول‪ :‬مدخل تاريخى‬


‫المبحث الثانى‪ :‬مدخل معرفى‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مدخل فلسفى‬

‫الفصـل الثانى‬
‫البعاد المادية لظاهرة العولمة‬

‫المبحث الول‪ :‬مظاهر العولمـة ‪.‬‬


‫أولً‪ :‬إستراتيجية التوحد والتكتل والندماج‬
‫ثانياً‪ :‬تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام‬

‫المبحث الثانى‪ :‬مؤسسات العولمـة ‪.‬‬


‫أولً‪ :‬مؤسسات البنية التحتية للعولمة ‪.‬‬
‫‪ -1‬خطوط المواصلت البحرية والجوية (السياحية والتجارية)‬
‫‪ -2‬شبكات التصالت والعلم (الكابلية واللسلكية) والبث الفضائى المباشر‬
‫‪ -3‬شبكة المعلومات الدولية (النترنت)‬
‫ثانياً‪ :‬مؤسسات البنية الفوقية للعولمة‬
‫‪ -1‬المنظمات والتفاقيات والمواثيق الدولية‬
‫‪ -2‬الشركات متعددة الجنسيات وأسواق المال العالمية ‪.‬‬
‫‪ -3‬المنظمات الدولية غير الحكومية (منظمات المجتمع المدنى)‬

‫الفصـل الثالث‬
‫البعاد المجتمعية والنسانية لظاهرة العولمـة‬

‫القسـم الول‬
‫البعاد المجتمعية لظاهرة العولمـة‬

‫المبحث الول‪ :‬البعاد السياسية لظاهرة العولمة (العولمة السياسية)‬


‫أولً‪ :‬العولمة وسيادة الدولة‬
‫ثانياً‪ :‬العولمة والديمقراطية‬
‫ثالثاً‪ :‬العولمة والمجتمع المدنى‬

‫المبحث الثانى‪ :‬البعاد القتصادية لظاهرة العولمة (العولمة القتصادية)‬


‫أولً‪ :‬العولمة ودور السوق وآلياته‬
‫‪-9-‬‬

‫ثانياً‪ :‬العولمة والشركات متعددة الجنسيات‬


‫ثالثاً‪ :‬العولمة والقوى الضابطة‬

‫المبحث الثالث‪ :‬البعاد الثقافية لظاهرة العولمة (العولمة الثقافية)‬


‫أولً‪ :‬العولمة والثقافة‬
‫ثانياً‪ :‬العولمة والحضارة‬
‫ثالثاً‪ :‬العولمة والهوية‬

‫المبحث الرابع‪ :‬البعاد العلمية لظاهرة العولمة (عولمة التصال)‬


‫أولً‪ :‬العولمة والنظم العلمية‬
‫ثانياً‪ :‬العولمة والمؤسسات العلمية‬
‫ثالثاً‪ :‬العولمة ووسائل العلم‬
‫رابعاً‪ :‬العولمة وجماهير المتلقين‬

‫القسـم الثانى‬
‫البعاد النسانية لظاهرة العولمة‬

‫المبحث الخامس‪ :‬ظاهرة العولمة والمشتركات النسانية (قراءة أخرى)‬

‫أولً‪ :‬المشترك النسانى المادى‬


‫‪ -1‬التفكيك‬
‫‪ -2‬التركيب‬
‫‪ -3‬المشتركات المادية‬
‫ثانياً‪ :‬المشترك النسانى المعنوى‬

‫البـاب الثانى‬
‫القدرات المعرفية والتكنولوجية للنظم العلمية الراهنة فى ظل البعاد العلمية للعولمـة‬

‫الفصـل الرابع‬
‫القدرات المعرفية والتكنولوجية للنظم العلمية الراهنة‬

‫المبحث الول‪ :‬المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية‬

‫المبحث الثانى‪ :‬القدرات التكنولوجية للنظم العلمية الراهنة فى ظل البعاد العلمية للعولمة‬
‫( من التصال المحدود إلى التصال شبه الكامل )‬

‫المبحث الثالث‪ :‬درجة شفافية النظم العلمية الراهنة فى ظل البعاد العلمية للعولمة‬
‫( القيود المعرفية فى النظم العلمية )‬
‫أولً‪ :‬القيود المجتمعية على القدرات المعرفية للنظم العلمية‬
‫‪ -1‬القيود التشريعية‬
‫أ ‪ -‬التشريعات المقيـّدة لحق الجماهير فى المعرفة‬
‫‪-‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪-‬‬

‫ب ‪ -‬التشريعات المقيــّدة لحق المؤسسات العلمية فى العلم‬


‫جـ ‪ -‬التشريعات المقيــّدة لحق المجتمع فى التصال‬
‫‪ -2‬القيود العملية‬
‫ثانياً‪ :‬القيود الذاتية على القدرات المعرفية للنظم العلمية‬
‫‪ -1‬تصنيف القيود الذاتية‬
‫أ ‪ -‬قيود السيطرة الحكومية أو الحزبية أو المؤسسية‬
‫ب ‪ -‬قيود الملكية الحتكارية‬
‫جـ ‪ -‬قيود الجمهور الموجه‬
‫د ‪ -‬القيود الفلسفية‬
‫‪ -2‬النظريات الموضّحة للساليب العملية لممارسة القيود الذاتية‬
‫أ ‪ -‬نظرية تحليل الطار العلمى‬
‫ب ‪ -‬نظرية حارس البوابة العلمية‬
‫جـ ‪ -‬نظرية ترتيب الولويات‬
‫د ‪ -‬التحليل الوظيفى لوسائل العلم خاتمـة الفصـل الرابع‬

‫الفصـل الخامس‬
‫المرجعيات الفلسفية للنظم العلمية الراهنـة‬

‫المبحث الول‪ :‬نظريات النظم العلمية‬


‫أولً‪ :‬تصنيفات نظريات النظم العلمية‬
‫‪ -1‬تصنيف سيبرت وبيترسون وشرام‬
‫‪ -2‬تصنيف لوينشتاين‬
‫‪ -3‬تصنيف ألتشول‬
‫‪ -4‬تصنيف ماكويل‬
‫‪ -5‬تصنيف هاشتين‬
‫‪ -6‬تصنيف جاى بلك وجينيج بريانت‬
‫ثانياً‪ :‬نقد تصنيفات نظريات النظم العلمية‬
‫المبحث الثانى‪ :‬نظرية المسئولية الجتماعية (رؤية نقدية)‬
‫أولً‪ :‬السس الفكرية لنظرية المسئولية الجتماعية‬
‫ثانياً‪ :‬نقد نظرية المسئولية الجتماعية‬
‫‪ -1‬المستوى التاريخى‬
‫‪ -2‬المستوى التنظيمى‬
‫‪ -3‬المستوى التطبيقى‬
‫‪ -4‬المستوى المعرفى‬
‫‪ -5‬المستوى التكنولوجى‬

‫الفصـل السـادس‬
‫الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية الحرة والموجهة‬

‫المبحث الول‪ :‬الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية الحرة‬

‫المبحث الثانى‪ :‬الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية الموجهة‬
‫‪-‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪-‬‬

‫البـاب الثـالث‬
‫نحو مسئولية إعلمية مناسـبة للنظم العلمية (الوظيفة المعرفية للنظم العلمية)‬

‫الفصـل السابع‬
‫الحرية المطلقة للتعبير وسلطة النظم العلمية ومسئوليتها‬

‫المبحث الول‪ :‬الطار الفكرى لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير‬


‫أولً‪ :‬نوع الطار اللزم لحرية التعبير‬
‫ثانياً‪ :‬مدى الطار اللزم لحرية التعبير‬
‫ثالثاً‪ :‬محتوى الطار اللزم لحرية التعبير‬
‫رابعاً‪ :‬التأثير الناتج عن حرية التعبير‬

‫المبحث الثانى‪ :‬البعاد الفكرية لسلطة النظم العلمية ومسئوليتها‬


‫أولً‪ :‬توصيف سلطة النظم العلمية‬
‫‪ -1‬الحقوق العلمية العامة‬
‫‪ -2‬الحقوق العلمية الخاصة‬
‫‪ -3‬الحقوق العلمية المساعدة‬
‫ثانياً‪ :‬توصيف مسئولية النظم العلمية‬
‫‪ -1‬وظائف وسائل العلم للمجتمع‬
‫‪ -2‬وظائف وسائل العلم للفرد‬

‫المبحث الثالث‪ :‬خصائص مفهوم المسئولية المعرفية للنظم العلمية‬


‫أولً‪ :‬مسئولية (مطلقة)‬
‫ثانياً‪ :‬مسئولية (ديمقراطية)‬
‫ثالثاً‪ :‬مسئولية (شعبية)‬
‫رابعاً‪ :‬مسئولية (عالمية)‬
‫خامساً‪ :‬مسئولية (شاملة ‪ -‬عملية ‪ -‬قياسية)‬

‫الفصـل الثامـن‬
‫البعاد العملية للمسئولية المعرفية للنظم العلمية‬

‫المبحث الول‪ :‬بُعـد الطـراف المعـرفيـة (المسئولية المعرفية والرسائل العلمية)‬


‫أولً‪ :‬المسئولية المعرفية والثار الضارة المحتملة للرسائل العلمية‬
‫ثانياً‪ :‬المسئولية المعرفية والمعرفة الكامنة بالرسائل العلمية‬
‫‪ -1‬المسئولية المعرفية والرسائل العلمية الخبارية‬
‫‪ -2‬المسئولية المعرفية والرسائل العلمية الدرامية‬
‫‪ -3‬المسئولية المعرفية والرسائل العلنية‬

‫المبحث الثانى‪ :‬بُعـد الطـراف التكنولوجيــة ( المسئولية المعرفية ووسائل العلم )‬

‫المبحث الثالث‪ :‬بُعـد الطـراف العتباريـة ( المسئولية المعرفية والمؤسسات العلمية )‬


‫‪-‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬بُعـد الطـراف الفاعلـة ( المسئولية المعرفية والقائمين بالتصال وجماهير‬
‫المتلقين )‬
‫أولً‪ :‬القائمون بالتصال ( العلميون )‬
‫ثانياً‪ :‬جماهير المتلقين‬

‫الفصـل التاسـع‬
‫الدوات القياسية لمفهوم المسئولية المعرفية للنظم العلمية (أسـاليب القياس العـلمى)‬

‫المبحث الول‪ :‬أساليب قياس المتغيرات الوظيفية الحاكمة المؤثرة على القدرات المعرفية للنظم‬
‫العلمية‬
‫أولً‪ :‬الحساب التقديرى لدرجة شفافية المجتمع‬
‫‪ -1‬الحساب التقديرى لنسبة القيود التشريعية غير الفاعلة‬
‫‪ -2‬الحساب التقديرى لنسبة القيود العملية غير الفاعلة‬
‫ثانياً‪ :‬الحساب التقديرى لدرجة شفافية المؤسسات العلمية‬
‫ثالثاً‪ :‬الحساب التقديرى للقدرات التكنولوجية للنظم العلمية‬

‫المبحث الثانى‪ :‬مقياس القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية المحظورة بالمؤسسات‬
‫العلمية‬

‫المبحث الثالث‪ :‬مقياس حرية النظم العلمية‬

‫المبحث الرابع‪ :‬الساليب الحتمالية لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة الثار الضارة‬
‫المحتملة للرسائل العلمية‬
‫أولً‪ :‬النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية المن القومى‬
‫والسرار العامة»‬
‫ثانياً‪ :‬النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية أخلقيات وقيم‬
‫المجتمع»‬
‫ثالثاً‪ :‬النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية طوائف المجتمع»‬
‫رابعاً‪ :‬النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية تشريعات‬
‫المجتمع»‬
‫خامساً‪ :‬النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية السمعة‬
‫والعتبار»‬
‫سادساً‪ :‬النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية الخصوصية‬
‫والسرار الخاصة»‬
‫سابعاً‪ :‬النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق المحاكمة العادلة»‬

‫الفصـل العاشـر‬
‫نحـو نظـام إعـلمى مسئول معرفيـاً‬

‫المبحث الول‪ :‬المعلومات العلمية والقيود فى النظم العلمية الراهنة (نموذج تخطيطى)‬
‫‪-‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحث الثانى‪ :‬المعلومات العلميـــة والقيود فى النظم العلميــة المســئولة معرفيــاً‬


‫(نموذج تخطيطى)‬
‫أولً‪ :‬مواصفات النظام العلمى المسئول معرفياً‬
‫ثانياً‪ :‬النشطة العملية للنظام العلمى المسئول معرفياً‬
‫ثالثاً‪ :‬تقييم وتقويم الداء بالنظام العلمى المسئول معرفياً‬

‫الفصـل الحادى عشر‬


‫المسئولية المعرفية وتشكيل الوعى الجتماعى فى النظم العلميـة الراهنـة‬

‫المبحث الول‪ :‬البعاد الفكرية لنظريات تشكيل الوعى الجتماعى‬


‫أولً‪ :‬نظريات التأثير العلمى وتشكيل الوعى الجتماعى‬
‫ثانياً‪ :‬تشكيل الوعى الجتماعى فى ظل أطروحات النظريات النقدية ومدرسة التبعية (تزييف‬
‫الوعى والختراق الثقافى)‬

‫المبحث الثانى‪ :‬المسئولية المعرفية وتشكيل الوعى الجتماعى فى ظل البعاد العلمية للعولمة‬
‫أولً‪ :‬نظريات تشكيل الوعى الجتماعى والنظم العلمية الراهنة (رؤية نقدية)‬
‫ثانياً‪ :‬تشكيل الوعى الجتماعى فى النظم العلمية المسئولة معرفياً‬

‫خاتمــة الدراســـة‬

‫أولً‪ :‬النتائج العامة للدراسة ثانياً‪ :‬النتائج التفصيلية للدراسة‬


‫ثالثاً‪ :‬اختبار الفرض المطروح بالدراسة رابعاً‪ :‬الجابة على تساؤلت الدراسة‬
‫سادساً‪ :‬تعقيب ختامى‬ ‫خامساً‪ :‬المصطلحات التى استحدثتها الدراسة‬
‫*******‬
‫‪-‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪-‬‬

‫مقدمـة‪:‬‬
‫تمثل ظاهرة العولمة القضية المركزية التى تدور حولها فاعليات العصر الراهن‪ ،‬فى‬
‫كا فة المجالت والبعاد وال صعدة‪ ،‬والعا مل المضاف الذى يطرح تأثيرا ته الحال ية والم ستقبلية‬
‫على جميع النشطة النسانية‪.‬‬
‫ولذلك‪ ..‬ف قد احتدم الجدل حول تلك القض ية المركز ية‪ ،‬وذلك العا مل المضاف‪ ،‬انطلقا‬
‫من شمول ية الظاهرة وتطورات ها المباغ تة‪ .‬وين بع الو جه المبا غت للعول مة من خلف ية الت سارع‬
‫التاري خى ب ين التطور المادى والتطور الفكرى للبشر ية‪ .‬ف فى ح ين كان ال سبق للتطور الفكرى‬
‫على التطور المادى فى عصور البشرية الولى‪ ،‬ثم بات الفارق بينهما يقل تدريجيا كلما ارتقت‬
‫النسانية‪ ،‬إل أنه يبدو أن التاريخ يتأهب الن لدورة عكسية‪ ،‬تمنح السبق للتطور المادى على‬
‫التطور الفكرى‪ .‬ولعله سبق غ ير م سبوق لت سارعه المتزا يد والمتعا ظم‪ ،‬إلى ال حد الذى يع طل‬
‫الكثيهر مهن المنظومات الفكريهة الحاليهة‪ ،‬وذلك لعدم قدرتهها على اللحاق بذلك التطور المادى‬
‫الهائل‪.‬‬

‫فالتطور الباهر فى مجالت العلوم الطبيعية التى تتعلق بالجوانب المادية من الوجود‬
‫( الفيزياء ‪ -‬الكيمياء ‪ -‬الجيولوج يا ‪ -‬البيولوج يا )‪ ،‬و ما أ سفر ع نه من تبلور التكنولوج يا‬
‫باعتبار ها الو جه الت طبيقى لتلك العلوم فى ال صناعة والزرا عة لنتاج كا فة احتياجات الن سان‪،‬‬
‫ذلك التطور لم يقابله تطور مماثهل فهى العلوم النسهانية التهى تتعلق بالنسهان ككائن اجتماعهى‬
‫وبكافة أنشطته المجتمعية‪.‬‬

‫لقد طرحت التكنولوجيا على النسان واقعا مجتمعيا ذا بنية تكنولوجية فائقة يتعامل معها‬
‫النسان ببنية فكرية تنتمى إلى الماضى‪ .‬حيث أصبح النسان يعيش فى الحاضر المتقدم بعقل‬
‫ينتمهى إلى الماضهى القهل تقدما‪ .‬المهر الذى أدى إلى قصهور المفاهيهم الفكريهة والفلسهفية عهن‬
‫ملحقة المنجزات المادية والتكنولوجيه‪ ،‬وأسفر عن التباس المفاهيم وغموضها‪ ،‬كأحد أعراض‬
‫تقدم الواقهع بخطوة أو عدة خطوات على الفكهر‪ ،‬وانفصهال تلك المفاهيهم عهن الواقهع‪ ،‬وسهيادة‬
‫تصوراتها وتفسيراتها غير الملئمة لتنفرد بتوجيه وإدارة الحاضر الوليد الجديد‪.‬‬

‫إن الوجهه المباغهت للعولمهة المُلخّصه لحصهيلة التقدم المادى للبشريهة هو الذى جعهل‬
‫الناس يدركون أنههم باتوا يعيشون فهى عالم متغيهر‪ ،‬وسهيتغير عمها كانوا يألفون بخطوات‬
‫متسارعة لم تكن معهودة من قبل‪ ،‬ول تفسرها الطر الفكرية السائدة‪ .‬ومن ثم فقد احتدم الجدل‬
‫حول هذه القض ية المركز ية التى تتعا مل مع ها ب عض الجماعات البشر ية باعتبار ها نات جة عن‬
‫تطور موجهه تقهف وراءه بعهض القوى السهاعية خلف مصهالحها؛ وبالتالى تنظهر لهها هذه‬
‫‪-‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪-‬‬

‫الجماعات بالكثير من الشك والريبة‪ ،‬وتتمسك بالطر الفكرية السائدة باعتبارها الدرع الواقى‬
‫من تغيرات غير منزهة عن الغرض‪ .‬بينما تتعامل معها جماعات أخرى باعتبارها ناتجة عن‬
‫تطور طبيعى للنسانية؛ وبالتالى تنظر لها بالكثير من التفاؤل‪ ،‬وتبحث عن أطر فكرية جديدة‬
‫تتيح لها التواصل مع الحاضر المفعم بالتغير‪.‬‬

‫وينعكهس هذا التفاوت بيهن التطور المادى والتطور الفكرى للبشريهة على واقهع النظهم‬
‫العلم ية المعا صرة ال تى بلغ تطور ها المادى التكنولو جى م ستويات فائ قة اخت صرت الزمان‬
‫والمكان معا‪ ،‬وبات معهها التصهال بديلً عهن النتقال‪ ،‬بينمها مازال تطورهها الفكرى يخضهع‬
‫لقيود المكان ( سياسيا واقتصاديا وثقافيا )‪ ،‬وارتباطات الزمان ( فلسفيا وأخلقيا )‪.‬‬

‫لقهد أصهبح التطور المادى التكنولوجهى فهى النظهم العلميهة يطرح مفاهيهم الشفافيهة‬
‫والعلنية والنشر‪ ،‬تلك المفاهيم التى تتيح الستثمار المثل لتلك المستحدثات التكنولوجية‪ ،‬بينما‬
‫مازال التطور الفكرى بالنظم العلمية يتمسك بمفاهيم السرية والتعتيم والحظر‪.‬‬

‫ويطرح هذا التصهور‪ ..‬أهميهة المراجعهة التحليليهة لمدى كفاءة النظهم العلميهة فهى‬
‫ممار سة وظيفت ها فى المجت مع فى ظل التأثيرات ال تى تعك سها علي ها ظاهرة العول مة‪ ،‬وذلك‬
‫للتعرف على در جة استجابة النظم العلمية ماديا وفكريا لهذه التأثيرات‪ ،‬ومدى حاجتها لبن ية‬
‫فكرية تتلءم مع التطورات العولمية الراهنة‪.‬‬

‫ولهذا‪ ..‬تتناول الدراسهة الماثلة مشكلة بحثيهة تدور حول تحديهد المتغيرات الوظيفيهة‬
‫الحاكمهة فهى بنيهة النظهم العلميهة‪ ،‬ورصهد الثار التهى تمارسهها عولمهة التصهال على هذه‬
‫المتغيرات‪ ،‬بمها يؤدى إلى توازنهها أو التفاوت فيمها بينهها‪ ،‬وبمها يؤدى إلى التأثيهر بالسهلب‬
‫أو اليجاب على كفاءة النظهم العلميهة فهى ممارسهتها لوظيفتهها فهى المجتمهع ( نوعيا وكيفيا‬
‫وكميا )؛ ومن ثم إبراز أو تقليص الوظيفة المعرفية لتلك النظم فى ظل التأثيرات التى تمارسها‬
‫عولمة التصال‪.‬‬

‫وتحاول الدراسهة القتراب مهن الحهل العلمهى لتلك المشكلة البحثيهة مهن خلل ثلثهة‬
‫خطوات متتابعهة‪ .‬حيهث تقوم الدراسهة أولً‪ ،‬بالتعرض للبعاد الفكريهة والماديهة والمجتمعيهة‬
‫والنسهانية لظاهرة العولمهة‪ ،‬وذلك مهن أجهل تكويهن فههم علمهى واضهح حول جذور وملمهح‬
‫ومنطلقات تلك الظاهرة‪ .‬ثم تقوم الدرا سة ثانيا‪ ،‬بتحد يد المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية‬
‫الن ظم العلم ية من أ جل ر صد الثار ال سلبية أو اليجاب ية؛ المتواز نة أو غ ير المتواز نة ال تى‬
‫تمار سها علي ها عول مة الت صال‪ ،‬ومدى م ساهمة ذلك فى إبراز أو تقل يص الوظي فة المعرف ية‬
‫‪-‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪-‬‬

‫لتلك النظهم‪ .‬ثهم تقوم الدراسهة ثالثا‪ ،‬بعرض الطار الفكرى والعملى والقياسهى والتخطيطهى‬
‫للوظي فة المعرف ية للن ظم العلم ية فى ظل البعاد العلم ية للعول مة‪ ،‬من خلل تقد يم الخلف ية‬
‫الفكر ية الفل سفية وال ساليب العمل ية والدوات القيا سية والبن ية التخطيط ية ال تى تض من كفاءة‬
‫الن ظم العلم ية فى ممار ستها لوظيفت ها فى المجت مع ( نوعيا وكيفيا وكميا )؛ و من ثم توف ير‬
‫القدرة لتلك النظم على الستثمار المثل للقدرات المتاحة لها فى ظل البعاد العلمية للعولمة‬
‫بدلً من تورطها فى الممارسات السلبية لتشكيل وعى جماهير المتلقين المتمثلة فى ممارسات‬
‫تزييف الوعى والختراق الثقافى‪.‬‬

‫وانطلقا من هذا المخطط العلمى فى التعامل مع مشكلة الدراسة‪ ،‬فقد تم تقسيم الدراسة‬
‫إلى ثلثة أبواب تضم أحد عشر فصلً تحتوى على اثنين وثلثين مبحثا‪.‬‬

‫الباب الول بعنوان‪ :‬ظاهرة العولمة ( البعاد الفكرية والمادية والمجتمعية والنسانية )‪.‬‬
‫ويسعى هذا الباب من خلل فصوله الثلثة‪ ،‬إلى اختبار مدى صحة الفرض المطروح بالدراسة‬
‫وينص على التى‪:‬‬
‫« تم ثل العول مة المشروع الفكرى والعملى للرأ سمالية العالم ية فى سعيها ن حو ال سيطرة على‬
‫العالم‪ ،‬ح يث تد فع العول مة ن حو تكو ين الكيانات ال كبرى و سحق الكيانات ال صغيرة على كا فة‬
‫المستويات السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية »‪.‬‬
‫ويعرض الفصصل الول مهن هذا الباب للبعاد الفكريهة لظاهرة العولمهة‪ ،‬مهن خلل‬
‫عرض مداخلها التاريخية والمعرفية والفلسفية‪ .‬ويعرض الفصل الثانى للبعاد المادية لظاهرة‬
‫العولمهة من خلل ر صد المظاههر الدالة عليهها والمؤ سسات التهى تعتمهد عليهها فى ممارسهة‬
‫فاعليات ها‪ .‬ويعرض الف صل الثالث للبعاد المجتمع ية لظاهرة العول مة ( ال سياسية والقت صادية‬
‫والثقافية والعلمية)‪ ،‬بالضافة إلى أبعادها النسانية‪.‬‬

‫الباب الثانصى للدراسهة بعنوان‪ :‬القدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة الراهنهة فهى ظهل‬
‫البعاد العلميهة للعولمهة‪ .‬ويسهعى هذا الباب مهن خلل فصهوله الثلثهه إلى الجابهة على‬
‫التساؤلين الول والثانى من تساؤلت الدراسة واللذان ينصان على التى‪:‬‬

‫التساؤل الول‪ :‬ما هو الثر الذى تمارسه عولمة التصال على المتغيرات الكائنة ببنية‬
‫النظم العلمية الراهنة‪ ،‬ومن ثم على وظيفتها بالمجتمع؟‬
‫التساؤل الثانى‪ :‬ما هو الثر الذى تمارسه المرجعيات الفلسفية العلمية التى تتبناها‬
‫النظم العلمية الراهنة‪ ،‬على القدرات المعرفية لتلك النظم؟‬
‫‪-‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪-‬‬

‫حيهث يعرض الفصصل الرابصع للقدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة الراهنهة‪ ،‬مهن خلل‬
‫تحد يد المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية تلك الن ظم‪ ،‬وال تى تتم ثل فى قدرات ها التكنولوج يا‬
‫ودرجهة شفافيتهها‪ .‬ويضهم الفصصل الخامصس تحليلً نقديا للمرجعيات الفلسهفية للنظهم العلميهة‬
‫الراهنهة‪ .‬ويرصهد الفصصل السصادس الممارسهات العمليهة لتقييهد القدرات المعرفيهة فهى النظهم‬
‫العلمية الحرة والموجهة‪.‬‬

‫الباب الثالث للدراسهة بعنوان‪ :‬نحهو مسهئولية إعلميهة مناسهبة للنظهم العلميهة‬
‫( الوظيفة المعرفية للنظم العلمية )‪ .‬ويسعى هذا الباب من خلل فصوله الخمسة إلى الجابة‬
‫على التساؤلين الثالث والرابع من تساؤلت الدراسة واللذان ينصان على‪:‬‬

‫الت ساؤل الثالث‪ :‬ما هو الطا بع الملئم لتو صيف ثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بن ية‬
‫النظم العلمية‪ ،‬بما يضمن الرتفاع بقدراتها المعرفية؟‬
‫الت ساؤل الرا بع‪ :‬ما هو الدور الذى تمار سه عول مة الت صال‪ ،‬فى مجال قيام الن ظم‬
‫العلمية بتشكيل الوعى الجتماعى لجماهير المتلقين؟‬

‫حيث يعرض الفصل ال سابع للطار الفكرى للحرية المطلقة للتعبير‪ ،‬والبعاد الفكرية‬
‫لسلطة النظم العلمية ومسئوليتها‪ ،‬وخصائص المسئولية المعرفية ( الوظيفة المعرفية ) للنظم‬
‫العلميهة‪ ،‬بمها يضمهن كفاءة النظهم العلميهة فهى ممارسهتها لوظيفتهها ( نوعيا )‪ .‬ويعرض‬
‫الفصصل الثامصن للبعاد العمليهة للمسهئولية المعرفيهة للنظهم العلميهة‪ ،‬مهن خلل تقديهم نماذج‬
‫مرشدة تتيهح النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة‪ ،‬بمها يضمهن كفاءة النظهم‬
‫العلم ية فى ممار ستها لوظيفت ها ( كيفيا )‪ .‬ويعرض الف صل التا سع للدوات القيا سية لمفهوم‬
‫الم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية ( أ ساليب القياس العل مى )‪ ،‬تلك ال ساليب الكم ية ال تى‬
‫تساعد على مراقبة درجة التزام النظم العلمية بوظيفتها فى المجتمع‪ ،‬بما يضمن كفاءة تلك‬
‫النظم فى ممارستها لوظيفتها ( كميا )‪ .‬ويضم الفصل العاشر عرضا للنموذج التخطيطى للنظم‬
‫العلمية الراهنة مقارنا بالنموذج التخطيطى المأمول للنظام العلمى المسئول معرفيا‪ ،‬وذلك‬
‫باسهتخدام أسهلوب تحليهل النظهم‪ .‬ويعرض الفصصل الحادى عشصر لممارسهات تشكيهل الوعهى‬
‫الجتما عى فى النظهم العلم ية الراه نة‪ ،‬من خلل عرض البعاد الفكر ية لنظريات تشك يل‬
‫الوعى الجتماعى‪ ،‬وتأثير البعاد العلمية للعولمة على ممارسات النظم العلمية فى مجال‬
‫تشكيل وعى جماهير المتلقين‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪-‬‬

‫واتساقا مع توجهات الدراسة‪ ،‬فإن الدراسة الماثلة تنتمى فى جانب منها إلى الدراسات‬
‫الو صفية‪ ،‬و فى جا نب آ خر إلى الدرا سات ال ستطلعية‪ .‬ح يث ت سعى الدرا سة الو صفية من‬
‫خلل المعارف التى قدمتها الدراسات السابقة حول ظاهرة العولمة ( فكريا وماديا ومجتمعيا )‬
‫إلى اختبار صهحة الفرض الذى تهم اسهتنباطه مهن تلك الدراسهات حول العولمهة‪ .‬بينمها تسهعى‬
‫الدراسهة السهتطلعية إلى الجابهة على التسهاؤلت المطروحهة بالدراسهة‪ ،‬مهن خلل تصهديها‬
‫لمشكلة بحثية لم تتعرض لها الدراسات السابقة‪ ،‬تتمثل فى التأثير الذى تمارسه عولمة التصال‬
‫على المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية‪ ،‬ودور هذا التأثير فى إبراز الوظيفة‬
‫المعرفية لتلك النظم‪ .‬وانطلقا من توجهات الدراسة فإن المنهج المقارن يصبح هو المنهج الذى‬
‫يت سق مع طبي عة تلك الدرا سة ال تى تقت ضى المقار نة ب ين الن ظم العلم ية الحرة والموج هة‪،‬‬
‫للمقار نة ب ين التأثيرات ال تى أحدثت ها العول مة فى المتغيرات الوظيف ية الحاك مة ببن ية تلك الن ظم‬
‫حرة كانت أم موجهة‪ ،‬والمقارنة بين الممارسات العملية لتلك النظم فى أرض الواقع العلمى‬
‫الراهن‪ .‬ولقد تمثلت الدوات التى تساعد فى التصدى لجوانب هذه الدراسة فى كل من المدخل‬
‫الوظيفى ‪ Functional‬ومدخل النظم ‪ Systems‬باعتبارهما الداة والمرجعية التى ستمثل أساس‬
‫التعامل مع مشكلة الدراسة‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فإن ما تطمح إليه الدراسة الراهنة يتمثل فى محاولة تطوير فاعليات النظم‬
‫العلم ية؛ ح تى تتوا كب مع الع صر الرا هن ول تتخلف ع نه‪ ،‬وح تى ت ساهم فى الن قل الوا فى‬
‫للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة إلى الجماهيهر‪ ،‬ول تتورط فهى ممارسهات التضليهل‬
‫العلمهى وتزييهف الوعهى‪ .‬وحتهى تصهبح مرآة صهادقة تعكهس صهورة المجتمهع ول تُجمّله‬
‫تفاصيلها‪ .‬وبالتالى يمتلك البشر الوعى‪ ،‬ومن ثم القدرة على التطور نحو مجتمع أفضل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪-‬‬

‫« تمهيــــد »‬
‫الطـار النظرى والمنهجى للدراســة‬

‫أول ً ‪ :‬اعتبارات نظريــــــــــة‬


‫جهـــــة للدراســـــة‬
‫مو ِّ‬
‫الجراءات المنهجية‬ ‫ثانياً‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪-‬‬

‫أولً‪ :‬اعتبارات نظريـة موجهـة للدراسـة‪:‬‬

‫(‪ )1‬مشكلة الدراســة‪:‬‬


‫كانت حرية العلم ‪ -‬ول تزال وستزال ‪ -‬الشغل الشاغل لنصار حرية التعبير فى‬
‫الماضهى القريهب والحاضهر المقيهم والمسهتقبل المنظور‪ .‬فمنهذ أن حلّت وسهائل العلم محهل‬
‫الت صال الشخ صى لن قل المعلومات ب ين الجماه ير حول الوقائع والحداث والمجريات والراء‬
‫والفكار فى أى مجت مع‪ ،‬م نذ ذلك الح ين أ صبحت و سائل العلم ركيزة اجتماع ية وجز ًء من‬
‫البن ية التركيب ية لى مجت مع حد يث أو معا صر؛ وبالتالى كا نت م سألة الحفاظ على سيولة تلك‬
‫القنوات التى تمر عبرها المعلومات بمثابة حفاظ على المرآة المجتمعية التى يرى فيها المجتمع‬
‫انعكا سات فاعليا ته‪ ،‬بح يث يمتلك القدرة ‪ -‬من خلل الفاعل ين ف يه ‪ -‬على مراج عة الخطوات‬
‫وتصحيح المسار‪.‬‬

‫ول قد أضا فت التطورات التكنولوج ية المذهلة فى الن صف الثا نى من القرن العشر ين‬
‫سهيولة مضاعفهة إلى تلك القنوات العلميهة‪ ،‬خرجهت بنطاقهها مهن حيهز المحليهة إلى رحاب‬
‫العالميهة‪ ،‬بحيهث أصهبحت المواد العلميهة المختلفهة الجنسهية والمنقولة عهبر البهث الفضائى‬
‫المباشر تتلقى كلها فى شاشة واحدة‪ ،‬سواء أكانت شاشة التلفزيون بقنواته الفضائية الجنبية‬
‫والمحلية‪ ،‬أو كانت شاشة الكومبيوتر بمواقعه العالمية والوطنية عبر شبكة النترنت‪ .‬وأدى هذا‬
‫إلى ف تح الباب وا سعا أمام تجاور الن ظم العلم ية ‪ -‬المتباي نة فى توجهات ها ومدى حريت ها فى‬
‫الت عبير عن مجتمعات ها ‪ -‬أمام أع ين جماه ير المتلق ين والمرا قبين وأن صار حر ية الت عبير‪ ،‬م ما‬
‫أش عل جذوة المقار نة ب ين ن ظم إعلم ية وأخرى‪ ،‬وممار سات إعلم ية وأخرى‪ .‬و ما كان لتلك‬
‫المقارنة أن تأتى أثرها ‪ -‬لدى أنصار حرية التعبير والمنشغلين بعلوم العلم ‪ -‬ما لم تتأسس‬
‫تلك المقارنهة حول تسهاؤلت مشروعهة عهن مدى كفاءة النظهم العلميهة الراهنهة فهى القيام‬
‫بوظائفهها‪ ،‬نوعيا وكيفيا وكميا‪ ،‬بحيهث يصهبح كهل مهن‪ :‬نوع الوظيفهة العلميهة ومضمونهها‬
‫الملئم ودرجهة فاعليتهها‪ ،‬بمثابهة مؤشرات دالة على درجهة كفاءة تلك النظهم العلميهة‬
‫أو قصورها‪ .‬فبعدما امتلكت النظم العلمية التكنولوجيا الفائقة ‪ -‬ولن كل تكنولوجيا وُجدت‬
‫لتُسهتخدم ‪ -‬فإن عدم اسهتثمار التكنولوجيها إعلميا لتسهليط الضوء على الحقائق المجتمعيهة‬
‫محليا‪ ،‬سهيجعل مهن تلك التكنولوجيها أداة للتعميهة والتضليهل على المسهتويات المحليهة‪ ،‬أو أداة‬
‫سهياسية للصهراع بيهن القوى والمصهالح المتنافسهة عالميا‪ .‬المهر الذى يضهع تلك التسهاؤلت‬
‫المشروعهة ‪ -‬حول مدى كفاءة النظهم العلميهة الراهنهة فهى القيام بوظائفهها ‪ -‬فهى قلب‬
‫‪-‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪-‬‬

‫المشكلت العلم ية ال تى ينب غى إخضاع ها للب حث المتع مق والدرا سة الم ستفيضة‪ ،‬باعتبار ها‬
‫َمعْهلما من معالم الطريق نحو الستثمار المثل للفرص التى تتيحها التكنولوجيا الحديثة‪.‬‬

‫ل كن التعا مل العل مى مع الن ظم العلم ية لتحد يد مدى كفاءت ها فى القيام بوظائف ها‬
‫( نوعيا وكيفيا وكميا ) يبت عد عن دائرة المترادفات ال تى يح فل ب ها ح قل الثقا فة العا مة ع ند‬
‫التعامهل مهع كهل مهن‪ :‬وسهائل العلم والمؤسهسات العلميهة والنظهم العلميهة باعتبارهها‬
‫م سميات متعددة لمدلول وا حد‪ ،‬إذ إن النظام العل مى فى المدلول العل مى يُ عد بمثا بة‪ ..‬كيانا‬
‫إعلميا جامعا للنشطة العلمية‪ ،‬ويعمل هذا الكيان فى ظل نظام سياسى وقانو نى مع ين‪،‬‬
‫وفى ظل مرجعية فلسفية معينة‪.‬‬

‫وانطلقا من هذا المدلول العل مى‪ ..‬فإن النظام العل مى ‪ -‬طبقا لتو صيف قطاعا ته ‪-‬‬
‫يتكون من ثلثة قطاعات تمثل مجمل النشطة العلمية‪ ..‬على النحو التالى‪:‬‬
‫قطاع المؤسهسات العلميهة‪ :‬بمها تضمهه هذه المؤسهسات مهن قائميهن بالتصهال‬ ‫أ ‪-‬‬
‫( العلميين ) وتجهيزات تكنولوجية للنتاج العلمى‪ ،‬وبما تنشره من رسائل إعلمية‪.‬‬
‫قطاع وسائل العلم‪ :‬بما يضمه من وسائل إعلمية مختلفة‪ ،‬باعتبارها القناة التى تقوم‬ ‫ب‪-‬‬
‫المؤسسات العلمية من خللها بنشر رسائلها العلمية إلى جماهير المتلقين‪.‬‬
‫قطاع جماهيهر المتلقيهن‪ :‬باعتبارههم الطرف الذى يحوز وسهائل العلم؛ لسهتقبال‬ ‫ج‪-‬‬
‫الرسائل العلمية التى تنشرها المؤسسات العلمية‪.‬‬

‫ك ما أن النظام العل مى يتكون ‪ -‬طبقا لتو صيف أطرا فه ‪ -‬من الطراف التال ية على‬
‫النحو التالى‪:‬‬
‫الطراف الفاعلة‪ :‬وتضهم كلً مهن القائميهن بالتصهال وجماهيهر المتلقيهن‪ ،‬باعتبارهمها‬ ‫أ ‪-‬‬
‫الطرفين الفاعلين فى العملية العلمية‪.‬‬
‫الطراف المعرفيصة‪ :‬ويمثلهها الرسهائل العلميهة‪ ،‬باعتبارهها حاملة المحتوى المعرفهى‬ ‫ب‪-‬‬
‫الكامن بالمعلومات العلمية المنشورة‪.‬‬
‫الطراف العتبارية‪ :‬ويمثلها المؤسسات العلمية‪ ،‬باعتبارها ذات شخصية اعتبارية‬ ‫ج‪-‬‬
‫من وجهة النظر القانونية‪.‬‬
‫الطراف التكنولوجيصة‪ :‬ويمثل ها و سائل العلم‪ ،‬باعتبار ها الو سيلة التكنولوج ية ال تى‬ ‫د ‪-‬‬
‫يمكن من خللها استقبال الرسائل العلمية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪-‬‬

‫وتمارس هذه القطاعات أو تلك الطراف دورها باعتبارها « ثوابت بنائية » فى البنية‬
‫التركيبية الستاتيكية للنظام العلمى‪ ،‬بينما تمارس دورها باعتبارها « متغيرات وظيفية » فى‬
‫البنية التركيبية الديناميكية للنظام العلمى أثناء ممارسته لفاعلياته فى المجتمع‪.‬‬

‫وتفسير ذلك‪ ..‬أن كافة النظم العلمية على مستوى العالم تتكون فى بنيتها التركيبية‬
‫الستاتيكية من هذه القطاعات أو الطراف‪ ،‬ولكن درجة فاعلية هذه القطاعات أو الطراف فى‬
‫البنية التركيبية الديناميكية للنظم العلمية أثناء ممارستها لفاعلياتها هى التى تتغير من مجتمع‬
‫إلى آخر‪.‬‬

‫فكافهة النظهم العلميهة فهى كهل المجتمعات تتكون مهن القائميهن بالتصهال وجماهيهر‬
‫المتلق ين والرسائل العلم ية والمؤسسات العلم ية وو سائل العلم‪ ..‬ولكن الذى يختلف من‬
‫مجتمع إلى آخر يتمثل فى كل من‪ :‬درجة فاعلية القائمين بالتصال ( من حيث العدد ومستوى‬
‫التأه يل والتدر يب والمكانات المهن ية )‪ .‬در جة فاعل ية الر سائل العلم ية ( من ح يث ن سبة‬
‫المعرفهة الكامنهة بهها )‪ .‬درجهة فاعليهة المؤسهسات العلميهة ( مهن حيهث العدد والتجهيزات‬
‫التكنولوج ية وكفاءة ما تض مه من قائم ين بالت صال ودر جة شفافيت ها فى ن قل المعر فة الكام نة‬
‫بالرسائل العلمية )‪ .‬درجة فاعلية وسائل العلم ( من حيث نسبة انتشارها فى المجتمع )‪.‬‬
‫درجة فاعلية جماهير المتلقين ( من حيث مستوياتهم الثقافية والقتصادية والفئوية التى تؤثر‬
‫على درجة حيازتهم لوسائل العلم )‪.‬‬

‫وبالتالى فإن كا فة تلك المتغيرات الوظيف ية ‪ -‬ال تى تتغ ير من مجت مع إلى آ خر ‪ -‬هى‬
‫التى تؤثر على مدى كفاءة النظم العلمية فى القيام بوظائفها‪ ،‬نوعيا وكميا وكيفيا‪ .‬طبقا لمدى‬
‫الرتفاع أو النخفاض فى نسب هذه المتغيرات‪.‬‬

‫ولكن ثمة متغيرات بعينها ‪ -‬ضمن هذه المتغيرات الوظيفية ‪ -‬يمكن أن يُطلق عليها‬
‫« المتغيرات الوظيفية الحاكمة » التى تشير درجة التغير فيها إلى التغير فى مجمل المتغيرات‬
‫الخرى‪.‬‬

‫و من ثم فإذا أم كن تحد يد المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى البن ية التركيب ية الديناميك ية‬


‫للنظام العلمى‪ ،‬فإنه سيمكن التعرف على مدى كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظائفها‬
‫نوعيا وكيفيا وكميا‪ ،‬وفقا لعدد محدود من المتغيرات الوظيف ية الحاك مة ال تى تش ير إلى مج مل‬
‫فاعليات المتغيرات الوظيفية الخرى المتعددة فى بنية تلك النظم‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪-‬‬

‫و فى إطار هذا الف هم للدور الذى تمار سه المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى التأث ير على‬
‫مدى كفاءة النظام العلمى فى ممارسته لوظائفه‪ ،‬تتبلور مشكلة الدراسة التى تتمثل فى أن أى‬
‫نظام ل يكت سب مقومات كفاء ته إل من خلل تطوي عه لمتغيرا ته الوظيف ية الحاك مة إلى ال حد‬
‫الق صى ‪ -‬من خلل تحق يق التوازن في ما بين ها ‪ -‬ب ما يم نع ارتفاع متغ ير ما على المتغيرات‬
‫الخرى؛ إذ إن أى تفاوت بيهن المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة بأى نظام يؤدى إلى عدم توازنهه‬
‫وتدنى كفاءته واختلله وظيفيا‪ ،‬وابتعاده عن الضطلع بوظائفه فى المجتمع‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فإذا كا نت المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية النظام العل مى هى ال تى‬


‫تؤثر على مدى كفاءة هذا النظام فى ممارسته لوظائفه فى المجتمع ( نوعيا وكيفيا وكميا)‪ ،‬فإن‬
‫تحد يد هذه المتغيرات الحاك مة‪ ،‬ور صد التأثيرات ال تى تمار سها علي ها عول مة الت صال ‪ -‬ب ما‬
‫يؤدى إلى توازنهها أو التفاوت فيمها بينهها ‪ -‬سهيقدم المؤشرات الموضحهة لمدى التوازن أو‬
‫الختلل الوظي فى فى بن ية النظام العل مى‪ ،‬ودر جة الكفاءة ال تى ي صل إلي ها هذا النظام فى‬
‫ممارسته لوظيفته فى المجتمع‪.‬‬

‫وبناءا عليه‪ ..‬يمكن تلخيص مشكلة الدراسة فى أنها‪:‬‬


‫تحديصد المتغيرات الوظيفيصة الحاكمصة فصى بنيصة النظصم العلميصة‪ ،‬ورصصد الثار التصى‬
‫تمار سها عول مة الت صال على هذه المتغيرات ب ما يؤدى إلى توازن ها أو التفاوت في ما بين ها‪،‬‬
‫وب ما يؤدى إلى التأث ير بال سلب أو اليجاب على كفاءة النظام العل مى فى ممار سته لوظيف ته‬
‫فى المجتمع ( نوعيا وكميا وكيفيا )‪.‬‬

‫(‪ )2‬أبعاد الدراسـة‪:‬‬


‫تنطلق الدراسة الراهنة من عدة أبعاد هى‪:‬‬
‫أ ‪ -‬البُعد الموضوعى‪ :‬دراسة البعاد الفكرية والمادية والمجتمعية والنسانية لظاهرة العولمة‬
‫من خلل درا سة مداخل ها التاريخ ية والمعرف ية والفل سفية ال تى تم ثل أبعاد ها الفكر ية‪،‬‬
‫ودرا سة مظاهر ها ومؤ سساتها ال تى تم ثل أبعاد ها الماد ية‪ ،‬ودرا سة تأثيرات ها ال سياسية‬
‫والقت صادية والثقاف ية والعلم ية والن سانية ال تى تم ثل أبعاد ها المجتمع ية والن سانية‪.‬‬
‫وتحديهد المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة فهى بنيهة النظهم العلميهة‪ ،‬ورصهد الدور الذى‬
‫تمارسه البعاد المتعددة للعولمة على هذه المتغيرات لتحقيق أو عدم تحقيق التوازن فيما‬
‫بينها؛ ومن ثم رصد مدى كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع فى‬
‫ظل التحولت العولمية الراهنة‪ .‬ومدى حاجة تلك النظم إلى إعادة توصيف وظيفتها فى‬
‫‪-‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪-‬‬

‫المجت مع‪ ،‬بح يث تتنا سب هذه الوظي فة مع تلك التحولت‪ ،‬وت ستجيب لطبي عة المتغيرات‬
‫الوظيفية الحاكمة فى بنية هذه النظم‪.‬‬

‫ب ‪ -‬البُ عد الزما نى‪ :‬هو التوق يت الذى ي تم ف يه إجراء الدرا سة للوقوف على ال صورة الن ية‬
‫لحالة وممارسات النظم العلمية الحرة والموجهة فى ذلك التوقيت‪.‬‬

‫جه ‪ -‬البُعد المكانى‪ :‬ل تهتم الدراسة بالمكان الجغرافى قدر اهتمامها بالمكان من حيث كونه‬
‫المؤثر الذى تلتصق مرجعياته الفلسفية وقيوده المعرفية بالنظم العلمية المنتمية إليه؛‬
‫وبالتالى فإن اهتمام الدراسة بحرية النظم العلمية أو توجيهها‪ ،‬سيدفعها إلى تتبع النظم‬
‫العلمية فى دول الشمال المتقدم ودول الجنوب النامى أو المتخلف‪ ،‬بحيث تقدم صورة‬
‫للممار سات العلم ية العمل ية فى كل من الن ظم العلم ية الحرة أو الموج هة‪ ،‬وت سلط‬
‫الضوء على مدى التوازن بيهن المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة ببنيهة تلك النظهم؛ وبالتالى‬
‫مدى كفاءة هذه النظم فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع‪.‬‬

‫(‪ )3‬أسباب اختيار الدراسة‪:‬‬


‫إن العولمة ‪ -‬كظاهرة حديثة التناول فى الدبيات العلمية ‪ -‬تحتاج إلى إلقاء المزيد من‬ ‫أ ‪-‬‬
‫الضوء على أبعادهها الفكريهة ( التاريخيهة والمعرفيهة والفلسهفية )‪ ،‬وأبعادهها الماديهة‬
‫( مظاهرهها ومؤسهساتها )‪ ،‬وأبعادهها المجتمعيهة ( السهياسية والقتصهادية والثقافيهة‬
‫والعلمية )‪ ،‬وأبعادها النسانية‪.‬‬

‫إن المسهتجدات التهى تطرحهها ظاهرة العولمهة فهى أرض الواقهع الراههن والمسهتقبل‬ ‫ب‪-‬‬
‫المنظور‪ ،‬تطرح أهميهة رصهد مدى مواكبهة المفاهيهم التقليديهة الراسهخة فهى أدبيات علم‬
‫العلم لتلك المستجدات‪.‬‬

‫ج ه ‪ -‬إ نه من الهام تحد يد المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية الن ظم العلم ية ودرا سة‬
‫التأثيرات التهى تمارسهها العولمهة على هذه المتغيرات؛ للتعرف على دور هذه التأثيرات‬
‫فهى الرتفاع أو النخفاض بكفاءة هذه النظهم فهى ممارسهتها لوظيفتهها فهى المجتمهع‪،‬‬
‫ودورها فى إبراز مدى ملءمة هذه الوظيفة للتحولت العولمية الراهنة‪.‬‬

‫د ‪ -‬إنه من الهام إعادة فحص المرجعيات الفلسفية التى تستند إليها النظم العلمية الراهنة‬
‫فى ممار ستها لوظيفت ها فى المجت مع؛ وذلك ح تى يم كن التعرف على مدى م سئولية تلك‬
‫المرجعيات الفلسفية عن التطورات السلبية أو اليجابية الطارئة على المتغيرات الوظيفية‬
‫الحاكمة فى بنية تلك النظم فى ظل التحولت العولمية الراهنة والمستقبلية؛ ومن ثم مدى‬
‫‪-‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪-‬‬

‫الحا جة إلى طرح مرجع ية فل سفية جديدة تت يح للن ظم العلم ية ممار سة وظيفت ها بكفاءة‬
‫كبيرة فى المجتمع‪.‬‬

‫هه ‪ -‬وبالتالى فإنهه يصهبح مهن الهام مراجعهة ثنائيهة السهلطة والمسهئولية فهى بنيهة النظهم‬
‫العلم ية الراه نة ال تى ت ستند إلى المرجعيات الفل سفية العلم ية القائ مة؛ وذلك للتعرف‬
‫على مدى مسئولية هذه الثنائية عن تقييد أو تفعيل المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية‬
‫الن ظم العلم ية‪ ،‬ومدى الحا جة إلى الب حث عن تو صيف جد يد لتلك الثنائ ية فى ظل‬
‫التحولت العولمية الراهنة والمستقبلية‪.‬‬

‫إن الممارسات السلبية للنظم العلمية فى مجال تشكيل الوعى تاريخيا‪ .‬تطرح أهمية‬ ‫و‪-‬‬
‫دراسة أثر البعاد العلمية للعولمة على دفع النظم العلمية نحو الممارسات السلبية‬
‫فهى مجال تشكيهل الوعهى التهى تتمثهل فهى تزييهف الوعهى والختراق الثقافهى‪،‬‬
‫أو الممارسهات اليجابيهة التهى تتمثهل فهى النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات‬
‫العلم ية إلى جماه ير المتلق ين؛ و من ثم توض يح مدى م سئولية الرتفاع أو النخفاض‬
‫فى ن سب المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية الن ظم العلم ية عن در جة فاعل ية هذه‬
‫الممارسات السلبية أو اليجابية‪.‬‬

‫(‪ )4‬المفاهيم المستخدمة فى الدراسـة‪:‬‬


‫أ ‪ -‬عولمة التصال‪:‬‬
‫تش ير العول مة فى أب سط تعاريف ها إلى زيادة در جة الرتباط المتبادل ب ين المجتمعات‬
‫النسههانية مههن خلل عمليات انتقال السههلع ورؤوس الموال وتقنيات النتاج والشخاص‬
‫والمعلومات‪ .‬ولقد تحققت هذه الزيادة فى الرتباط نتيجة التطور التكنولوجى الفائق فى وسائل‬
‫النتقال والت صال‪ .‬وبالتالى تش ير « عول مة الت صال » إلى التطورات ال تى أدت إلى اختراق‬
‫العلم والمعلومات والتصهالت للحدود الجغرافيهة والحواجهز التقليديهة‪ ،‬بحيهث اتسهع نطاق‬
‫انتشار الرسهائل العلميهة والمعلوماتيهة والتصهالية مهن المسهتويات المحليهة إلى المسهتويات‬
‫العالمية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬النظام العلمى‪:‬‬
‫هو كيان جامع للنشطة العلمية يعمل فى ظل نظام سياسى وقانونى معين‪ ،‬ويتبنى‬
‫مرجعية فلسفية معينة‪ .‬ويتكون النظام العلمى من القطاعات التالية‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪•0‬قطاع المؤسسات العلمية بما تضمه من قائمين بالتصال وتجهيزات تكنولوجية للنتاج‬
‫العلمى‪ ،‬وبما تنشره من رسائل إعلمية‪.‬‬
‫‪•0‬قطاع وسائل العلم بما تضمه من وسائل العلم المتنوعة المطبوعة واللكترونية‪.‬‬
‫‪•0‬قطاع جماهير المتلقين‪.‬‬

‫ج ‪ -‬الوظيفة المعرفية للنظم العلمية‪:‬‬


‫تضطلع النظهم العلميهة بمهمهة نقهل المعلومات فهى المجتمهع‪ ،‬إذ إن كافهة المواد‬
‫العلميهة ( إخباريهة أو دراميهة أو برامجيهة‪ ..‬إلخ ) مها ههى إل معلومات‪ .‬ول تقوم النظهم‬
‫العلم ية بن قل المعلومات لذات ها‪ ،‬ول كن للمعر فة الكام نة بتلك المعلومات‪ .‬وبالتالى فإن مه مة‬
‫نقل المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية هى المهمة المنوطة بالنظم العلمية‪ ،‬بحيث تصبح‬
‫وظيفة هذه النظم ‪ -‬وفقا لهذا المنظور ‪ -‬ما هى إل وظيفة معرفية‪ ،‬انطلقا من مضمون الدور‬
‫الذى تضطلع به تلك النظم فى كافة المجتمعات‪.‬‬

‫د ‪ -‬الثوابت البنائية بالنظم العلمية‪:‬‬


‫ههى القطاعات أو الطراف التهى تتكون منهها كافهة النظهم العلميهة مهمها تعددت‬
‫توجهاتها من حيث الحرية أو التوجيه‪ ،‬وتمارس هذه القطاعات أو الطراف دورها باعتبارها‬
‫وحدات ثابتة فى البنية التركيبية الستاتيكية للنظم العلمية‪.‬‬

‫هص ‪ -‬المتغيرات الوظيفية بالنظم العلمية‪:‬‬


‫هى القطاعات أو الطراف التى تتكون منها النظم العلمية‪ ،‬وذلك أثناء ممارسة تلك‬
‫القطاعات أو الطراف لدورها فى البنية التركيبية الديناميكية للنظام العلمى إبان اضطلعه‬
‫بفاعلياته فى المجتمع؛ وبالتالى فهى تتغير من مجتمع إلى آخر ومن نظام إعلمى إلى آخر‪.‬‬

‫و ‪ -‬المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى النظم العلمية‪:‬‬


‫هى المتغيرات الوظيفية التى تشير درجة التغير فيها إلى مجمل التغير فى المتغيرات‬
‫الوظيفية الخرى‪ ،‬بحيث يمكن لهذه المتغيرات تمثيل المتغيرات الخرى‪ ،‬وتقديم صورة شاملة‬
‫عن مجمل التغيرات فى النظام العلمى‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثانيـاً‪ :‬الجـراءات المنهجيـة‪:‬‬

‫(‪ )1‬هـدف الدراســة‪:‬‬


‫تهدف الدراسهة إلى بيان الدور الذى تلعبهه عولمهة التصهال لبراز الطابهع المعرفهى‬
‫لوظي فة الن ظم العلم ية فى المجت مع‪ ،‬ب ما يؤدى إلى الرتفاع بدر جة كفاءت ها فى ممار ستها‬
‫لوظيفتها فى المجتمع ( نوعيا وكيفيا وكميا )‪.‬‬
‫وفهى سهبيل الوصهول إلى هذا الهدف العام‪ ،‬تهدف الدراسهة إلى تحقيهق أهداف فرعيهة‬
‫تؤدى ‪ -‬فهى مجملهها ‪ -‬إلى الوصهول لذلك الهدف العام‪ ،‬مهن خلل عرض البعاد الفكريهة‬
‫والماديهة والمجتمعيهة والنسهانية لظاهرة العولمهة‪ ،‬حتهى يمكهن الحاطهة بجوانبهها وأبعادهها‬
‫العلم ية باعتبار ها ظاهرة حدي ثة التناول فى الدبيات العلم ية‪ .‬ثم العرض لمعالم التطورات‬
‫الحادثهة فهى المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة فهى بنيهة النظهم العلميهة‪ ،‬وبيان مدى مسهئولية‬
‫المرجعيات الفل سفية الراه نة ال تى تتبنا ها تلك الن ظم عن كل من‪ :‬الرتفاع أو النخفاض فى‬
‫ن سب هذه المتغيرات‪ ،‬وم سئوليتها عن ثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بنيت ها‪ ،‬ومدى تلؤم هذه‬
‫الثنائية مع الطابع المعرفى لوظيفة تلك النظم فى المجتمع؛ ومن ثم مدى حاجة النظم العلمية‬
‫الراهنة إلى مرجعية فلسفية مناسبة‪ ،‬وتوصيف جديد لثنائية السلطة والمسئولية فى بنيتها‪ ،‬بما‬
‫يضمن الرتفاع بدرجة كفاءتها فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع‪.‬‬

‫(‪ )2‬مجتمع الدراسـة‪:‬‬


‫القطاع المجتم عى الذى ته تم به الدرا سة هو الن ظم العلم ية‪ ،‬باعتبار ها نظاما فرعيا‬
‫دا خل المجت مع بو صفه نظاما عاما‪ ،‬وباعتبار ها بن ية ماد ية يحدد مدى كفاءت ها فى ممار ستها‬
‫لوظيفت ها مدى فاعل ية المتغيرات الوظيف ية الحاك مة ب ها‪ ،‬وباعتبار ها مدعو مة بمرجع ية فل سفية‬
‫تمارس سلطتها وتضطلع بمسئوليتها من خللها‪.‬‬
‫ويتهم التعامهل مهع الن ظم العلم ية فهى تلك الدرا سة فهى سياق يرت فع ب ها مهن إطار‬
‫التفا صيل الجزئ ية‪ ،‬بح يث يجرد ها فى أ طر عا مة تت سع لحتوائ ها وفقا لممار ساتها المتراو حة‬
‫بين الحرية أو التوجيه‪ ،‬بحيث يتم توصيف النظم العلمية فى هذه الدراسة وفقا لطابعين‪ :‬نظم‬
‫إعلمية حرة‪ ،‬ونظم إعلمية موجهة‪.‬‬

‫(‪ )3‬فروض وتساؤلت الدراسـة‪:‬‬


‫الفرض المطروح بالدراسة ‪ :‬تمثل العولمة المشروع الفكرى والعملى لقوى الرأسمالية العالمية‬
‫فى سعيها ن حو ال سيطرة على العالم؛ وذلك نظرا لد فع العول مة‬
‫نحهو تكويهن الكيانات الكهبرى وسهحق الكيانات الصهغيرة على‬
‫‪-‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪-‬‬

‫كافة المستويات السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية‪.‬‬

‫ما هو ال ثر الذى تمار سه عول مة الت صال على المتغيرات الوظيف ية‬ ‫التساؤل الول ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫الحاكمة فى بنية النظم العلمية الراهنه ومن ثم على تفعيل وظيفتها فى‬
‫المجتمع ؟‬

‫ما هو الثر الذى تمارسه المرجعيات الفلسفية العلمية التى تتبناها‬ ‫التساؤل الثانى ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫النظهم العلميهة الراهنهة على درجهة كفاءة تلك النظهم فهى ممارسهتها‬
‫لوظيفتها فى المجتمع ؟‬

‫ما هو الطابع الملئم لتوصيف ثنائية السلطة والمسئولية فى بنية النظم‬ ‫التساؤل الثالث ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫العلمية‪ ،‬بما يضمن الرتفاع بدرجة كفاءتها فى ممارستها لوظيفتها فى‬


‫المجتمع ؟‬

‫مها ههو الدور الذى تمارسهه عولمهة التصهال فهى مجال قيام النظهم‬ ‫التساؤل الرابع ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫العلمية بتشكيل الوعى الجتماعى لجماهير المتلقين ؟‬

‫(‪ )4‬نمـوذج الدراسـة‪:‬‬


‫انطلقا من أهداف الدراسة‪ ،‬فإن الدراسة الراهنة تنتمى فى جانب منها إلى الدراسات‬
‫الوصفية‪ ،‬وفى جانب آخر إلى الدراسات الستطلعية الكشفية∗‪.‬‬

‫ح يث ت سعى الدرا سة الو صفية ‪ -‬من خلل المعارف ال تى قدمت ها الدرا سات ال سابقة حول‬
‫ظاهرة العولمهة ‪ -‬إلى اختبار صهحة الفرض الذى قدمتهه الدراسهة حول ارتباط ظاهرة العولمهة‬
‫بالرأسمالية العالمية فى سعيها للسيطرة على العالم من خلل تكوين الكيانات الكبرى وسحق الكيانات‬
‫الصغيرة‪ .‬وفى سبيل ذلك تعرض الدراسة للبعاد الفكرية ( التاريخية والمعرفية والفلسفية ) لظاهرة‬
‫العولمة‪ ،‬وأبعادها المادية ( المظاهر التى تتسم بها‪ ،‬والمؤسسات التى تتكون منها )‪ ،‬وأبعادها‬
‫المجتمعية ( السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية )‪ ،‬وأبعادها النسانية‪.‬‬

‫بين ما ت سعى الدرا سة ال ستطلعية إلى درا سة مشكلة بحث ية لم تتعرض ل ها الدرا سات‬
‫ال سابقة‪ .‬و هى التأثيرات ال تى تمار سها عول مة الت صال على المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى‬

‫انظر‪ :‬سمير حسين‪ ،‬دراسات فى مناهج البحث العلمى ( بحوث العلم )‪ .‬ص ‪ .123‬حيث يقرر ما نصه‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫( تتداخل النواع الثلثة للبحوث ‪ -‬الستطلعية والوصفية والسببية ‪ -‬مع بعضها البعض أحيانا‪ ،‬بمعنى أنه ل توجد‬
‫حدود فاصلة بين كل منها‪ ،‬فضلً عن إمكانية استخدامها جميعا فى مختلف مراحل التطور العلمى فى العلوم المختلفة‪ ،‬أو فى‬
‫عمل بحثى واحد )‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪-‬‬

‫بنية النظم العلمية‪ .‬وأثر هذه التأثيرات على إبراز الوظيفة المعرفية للنظم العلمية‪ .‬وفى‬
‫سبيل ذلك تعرض الدرا سة بالتحل يل للمتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية الن ظم العلم ية‬
‫والتطورات التهى طرأت عليهها نتيجهة التأثيرات التهى تمارسهها ظاهرة العولمهة‪ .‬كمها توضهح‬
‫الدراسهة الثهر الذى تمارسهه المرجعيات الفلسهفية العلميهة ‪ -‬التهى تتبناهها النظهم العلميهة‬
‫الراه نة ‪ -‬فى تقي يد أو تفع يل هذه المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية تلك الن ظم‪ .‬وتعرض‬
‫للتو صيف الملئم لثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بن ية تلك الن ظم ب ما يض من الرتفاع بدر جة‬
‫كفاءتها فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع‪ .‬وتوضح الدور الذى تمارسه عولمة التصال فى‬
‫مجال تشكيل الوعى الجتماعى لجماهير المتلقين‪.‬‬

‫(‪ )5‬منهـج الدراسـة‪:‬‬


‫نظرا لن طبيعة الدراسة تقتضى المقارنة بين النظم العلمية الحرة والنظم العلمية‬
‫الموجهة‪ ،‬فإن المنهج المقارن قد يكون أكثر المناهج ملءمة لهداف الدراسة؛ وذلك للمقارنة‬
‫بين التأثيرات التى أحدثتها العولمة فى المتغيرات الوظيفية الحاكمة ببنية تلك النظم‪ ،‬حرة كانت‬
‫أم موجهة‪ ،‬والمقارنة بين الممارسات العملية لتلك النظم فى أرض الواقع العلمى الراهن‪.‬‬

‫(‪ )6‬أدوات الدراسـة‪:‬‬


‫سيتم ال ستعانة فى الدرا سة ب كل من المدخصل الوظيفصى ‪ Functional‬ومد خل النظصم‬
‫‪ Systems‬باعتبارهمها الداة أو المرجعيهة العلميهة التهى سهتمثل أسهاس التعامهل مهع مشكلة‬
‫الدراسة‪.‬‬
‫حيث ستتم الستفادة من أطروحات « نظرية البنائية الوظيفية » ‪Structural Functionalism‬‬
‫لتحديد المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية؛ ومن ثم توصيف الطابع الملئم‬
‫للوظيفة التى تضمن لتلك النظم القيام بدورها فى المجتمع بكفاءة‪.‬‬
‫كما ستتم ال ستفادة من أطروحات « مفهوم الن ظم » لتحل يل الن ظم العلم ية الراه نة‪،‬‬
‫وتحد يد مدخلت ها‪ ،‬والقيود التى تعترض هذه المدخلت خلل م سارها بتلك الن ظم ح تى تتحول‬
‫إلى مخرجات‪ .‬ثهم عرض نموذج للنظام العلمهى الذى يضمهن تقليهص تلك القيود‪ ،‬ويضمهن‬
‫الرتفاع بحجم المخرجات الناتجة من النظم العلمية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪-‬‬

‫البــاب الول‬
‫ظاهـــرة العـولمـــة‬
‫( البعاد الفكرية والمادية والمجتمعية والنسانية )‬

‫محتـويـات البــاب الول‬

‫مقـدمــة البــاب الول‬


‫البعاد الفكرية لظاهرة‬ ‫الفصل‬
‫العولمةالمادية لظاهرة‬
‫البعاد‬ ‫الول‪:‬‬
‫الفصل‬
‫العولمةالمجتمعية والنسانية‬
‫البعاد‬ ‫الثانى‪:‬‬
‫الفصل‬
‫الولالعولمة‬
‫لظاهرة‬ ‫الثالث‪:‬‬
‫خـاتمــة البــاب‬
‫الفصـل الول‬
‫البعـاد الفكرية لظاهرة العولمـة‬

‫محتـويـات الفصـل الول‬

‫مقدمـة الفصـل الول‬


‫المبحث مدخل تاريخى‬
‫الول‪ :‬مدخل معـرفى‬
‫المبحث‬
‫الثانى‪ :‬مدخل فلسفـى‬
‫المبحث‬
‫الثالث‪:‬‬
‫الفصـل الول‬ ‫خـاتمـة‬
‫‪-‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الول‬
‫مدخل تاريخى‬
‫إن المسيرة التى قطعتها البشرية بدءا من عصور الصيد الولى‪ ،‬ثم عصور الزراعة‬
‫فع صور ال صناعة‪ ،‬وح تى ع صر ما فوق الت صنيع الحالى ( ع صر المعلومات )‪ ،‬تبدو م سيرة‬
‫جديرة بالتأمل‪ ،‬حيث تبدو الرغبة فى الحاطة بأبعاد العالم رغبة بشرية مستمرة طوال مراحل‬
‫تلك المسيرة‪.‬‬

‫ف قد كان العالم ‪ -‬على مر التار يخ ‪ -‬يتش كل فى الرؤى الن سانية طبقا لن سبية كل من‪:‬‬
‫المدى الرضى المحيط‪ ،‬والفق السماوى المنظور‪ .‬حيث كان ذلك المدى وذاك الفق هما البُعدان‬
‫اللذان استطاعت البشرية الوصول إليهما لتعريف حدود ذلك العالم وتخومه وأطرافه ومنتهاه‪.‬‬

‫ل ( الذى يوضهح اتصهال الرض‬


‫ففهى عصهور الصهيد الولى‪ ..‬كان خهط الفهق أو ً‬
‫بالسماء )‪ ،‬والجبال الشامخة ثانيا‪ ،‬ثم البحار والمحيطات اللنهائية ثالثا ( بحور الظلمات )‪ ،‬هم‬
‫الذيهن يمثلون جميعا الحدود الطبيعيهة لنهايهة ذلك العالم‪ .‬وكان الترحهل الدائم ‪ -‬وراء المناخ‬
‫المناسب والغذاء الموسمى ‪ -‬يقطع الستقرار الذى قد يولّد لدى النسان رؤية تراكمية مركبة‬
‫للحدود ال تى يتطلع إلي ها لب سط النفوذ أو ال سلطة‪ .‬ف قد كان التن قل ضد حيازة الرض‪ ،‬وبالتالى‬
‫كانت الرض حينئذ مسرحا للحداث وليست شريكا فى هذه الحداث‪.‬‬

‫ومهع عصهور الزراعهة‪ ..‬وبدء السهتقرار النسهانى‪ ،‬وارتباط النسهان بالرض‬


‫المزروعة‪ ،‬وظهور فكرة الحيازة لرقعة أرض معينة‪ .‬بدأت الرض تمثل النواة لرؤية توسعية‬
‫لدى النسهان لمتلك المزيهد مهن هذه الرض‪ ،‬إمها بالمتداد الطهبيعى دون منازعهة‪،‬‬
‫أو بال صراع والقتال لحيازة المز يد من ها‪ .‬وحينئذ أ صبح سطح الرض بثروا ته الظاهر ية هو‬
‫المحرك للحداث والنزاعات وهو الدافع لها‪ .‬وهو المحفز للتوق النسانى إلى التملك والنتشار‬
‫والمتداد‪ .‬وبهذا أصبح سطح الرض شريكا فى الحداث‪.‬‬

‫ومع الثورة الصناعية‪ ..‬دخل باطن الرض بثرواته المعدنية المخبوءة حيز الصراع‪.‬‬
‫وأ صبحت قي مة الرض تقاس بموارد ها الباطن ية أيضا ولي ست الظاهر ية ف قط‪ .‬وبالتالى ات سع‬
‫تعريف ما هو مدى للنزاع لدى النسان‪ .‬بحيث لم تصبح الراضى المزروعة فقط هى محور‬
‫هذا النزاع‪ ،‬وإنما كل الراضى سواء أكانت ذات الثروات المنظورة أو المخبؤة‪ .‬وبهذا أصبح‬
‫باطن الرض شريكا فى الحداث‪.‬‬

‫ومع عصر المعلومات الحالى‪ ..‬امتد حيز الفق النسانى إلى ما فوق القشرة الرضية‬
‫‪-‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪-‬‬

‫من فضاء مح يط يتض من طبقات الغلف الجوى‪ ،‬ونطاق الجاذب ية الرض ية‪ ،‬ومدارات القمار‬
‫الصناعية‪ ،‬ونطاق ترددات الطيف الكهرومغناطيسى الحاملة للتصالت اللسلكية‪.‬‬

‫لقد كانت رقعة الرض المحدودة هى مسرح الحداث بداية‪ ،‬ثم أصبح سطح الرض‬
‫ومهن بعده باطنهها همها المحركان للحداث لحقا‪ ،‬والن أصهبحت الرض كلهها ‪ -‬بسهطحها‬
‫وباطن ها ونطاق جاذبيت ها ‪ -‬هى موضوع الحداث‪ .‬وتحق قت بذلك الرغ بة البشر ية القدي مة فى‬
‫الحاطة بأبعاد العالم‪ .‬بحيث أصبحت تلك الكرة المعلقة فى السماء فى مدار حول الشمس هى‬
‫النطاق المعلوم البعاد لتحركات النسان وخططه وصراعاته وطموحاته‪.‬‬

‫وطالما أصبح العالم موضوعا لكافة النشطة النسانية‪ ،‬فهذه إذن هى الرؤية النسانية‬
‫المكتملة لوحدة الم صير الن سانى على هذا الكو كب‪ ،‬والخطوة العالم ية المتم مة ل ما سبقها من‬
‫خطوات موغلة فى القدم وعدم الكتمال‪ .‬فالرغبة النسانية المستمرة فى الحاطة بأبعاد العالم‪،‬‬
‫والتهى تعهد ‪ -‬بعبارة مختصهرة ‪ -‬ملمحا إنسهانيا تاريخيا للتوجهه نحهو مها يُطلق عليهه اليوم‬
‫« العولمة »‪ ،‬تلك الرغبة ”هى التى نقلت النسان عند نهايات القرن العشرين من استخداماته‬
‫للرض فقط ( مع تطلعاته للسماء )‪ ،‬إلى استخداماته للرض ( مع اختراقه للفضاء ) “(‪.)1‬‬

‫وبهذا المعنى تصبح العولمة ” ظاهرة متميزة ولحظة جديدة فى التاريخ البشرى‪ .‬وهى‬
‫فى ال ساس وليدة ظروف ومعطيات تاريخ ية وحضار ية معا صرة‪ .‬ور غم أن ها لم تبرز فجأة‬
‫ومن دون مقدمات سابقة‪ .‬إل أنه ل يمكن استيعاب العولمة إل كفصل جديد من فصول التاريخ‬
‫له سماته وخصائصه المختلفة كل الختلف عن الفصول الخرى “(‪.)2‬‬

‫وهذا يوضح بأن ” النسانية تواجه الن قفزة كمية نحو المام “(‪ )3‬إذ ” إن عملية التغير‬
‫ل جدا منذ أن صارع الرجال والنساء الوائل من أجل الستفادة‬
‫التكنولوجى اطردت زمنا طوي ً‬
‫من بيئات هم‪ ،‬واكت سبوا المز يد والمز يد من قوة الد فع على مدى آلف ال سنين‪ .‬ول كن قوة الد فع‬
‫هذه تسارعت خلل القرون الثلثة الخيرة على نحو غير مسبوق‪ .‬وترتبت على هذا تحولت‬
‫بعيدة فى ظروف الحياة الجتماعية والنسانية بعامة “(‪.)4‬‬

‫() سيار الجميل‪ ،‬العولمة والمستقبل ( إستراتيجية تفكير )‪ .‬ط ‪ ،1‬عمان‪ :‬الهلية للنشر والتوزيع‪ .2000 ،‬ص ‪.102‬‬ ‫‪1‬‬

‫() عبههد الخالق عبههد ال‪ " ،‬العولمههة‪ :‬جذورههها وفروعههها وكيفيههة التعامههل معههها "‪ ،‬مجلة عالم الفكههر‬ ‫‪2‬‬

‫( عدد خاص بعنوان‪ :‬العولمة ظاهر العصر )‪ ( .‬العدد ‪ ،2‬أكتوبر ‪ -‬ديسمبر ‪ ،) 1999‬ص ‪.57‬‬
‫() آلفين توفلر‪ ،‬حضارة الموجة الثالثة‪ .‬ترجمة عصام الشيخ قاسم‪ ،‬ط ‪ ،1‬بنغازى‪ :‬الدار الجماهيرية‪ .1990 ،‬ص ‪.18‬‬ ‫‪3‬‬

‫() آر‪ .‬إيه‪ .‬بوكانان‪ ،‬اللة قوة وسلطة ( التكنولوجيا والنسان منذ القرن ‪17‬‬
‫حتى الوقت الحاضر )‪ .‬ترجمة شوقى جلل‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬عدد (‪ ،)259‬الكويت‪ :‬المجلس الوطنى للثقافة والفنون والداب‪ ،‬يوليو ‪ .2000‬ص ‪.7‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪-‬‬

‫ف فى ح ين ” سادت الزرا عة المجتمعات البشر ية لمدة عشرة آلف سنة‪ .‬واحتا جت هذه‬
‫المجتمعات إلى قرن واحد أو قرنين لتحقق تفوق الصناعة‪ ..‬الن تنفتح أمام المجتمعات البشرية‬
‫أبواب عصر جديد هو عصر ما فوق التصنيع “(‪ .)5‬عصر تتسارع معدلت التطور فيه بشكل لم‬
‫تعرفهه النسهانية مهن قبهل‪ ..‬وبذلك فإن العولمهة تفرض طابعهها على العالم الذى نعيهش فيهه‪،‬‬
‫باعتبارهها السهلوب المثهل للتعامهل مهع العالم المحيهط بنظرة شاملة تسهتلهم كافهة المنجزات‬
‫البشرية‪ .‬وهذا يتضح من أن ” استخدام أى أدوات تحليلية ذات طبيعة موضوعية سوف يُظهر‬
‫بوضوح أن العولمة عملية مستمرة وتيار متدفق يمكن ملحظة تأثيره‪ ،‬ويمكن قياس هذا التأثير‬
‫سواء بشكل أو طريقة كمية أو بشكل وطريقة نوعية وكيفية فى مجالت وجوانب متعددة “(‪.)6‬‬

‫فلقد أصبح ” مشهد العالم يتغير مع الثورة اللكترونية‪ .‬إذ ننتقل من النتاج الثقيل إلى‬
‫النتاج الناعم‪ ،‬ومن العمل اليدوى إلى عمال المعرفة‪ ،‬ومن وسائل النقل التقليدية إلى الوسائل‬
‫المتعددة‪ ،‬ومن الكلمة المطبوعة إلى الصورة المرئية‪ ...‬باختصار‪ :‬إننا ننتقل من زمن الجسم‬
‫والورق إلى زمن الرقم والضوء “(‪.)7‬‬

‫ول عل ” أولى بشائر الثورة التكنولوج ية والمعلومات ية أن طر يق التنم ية لم ي عد يقت ضى‬


‫اجتياز المراحل التاريخية نفسها التى سلكها الغرب؛ أى من المجتمع الزراعى إلى الصناعى‬
‫فالمعلوماتهى‪ ،‬حيهث إن المعلوماتيهة توفهر طريقا مختصهرا للحاق بالتطويهر والسهيطرة على‬
‫المستقبل‪ ،‬وتعد بتحطيم هذه الحلقة‪ ،‬وتمنح خيارا جديدا لمجابهة تحديات التنمية “(‪.)8‬‬

‫فل قد ” أفرزت متغيرات ال سنين الخيرة للقرن العشر ين م صدرا جديدا سوف تكون له‬
‫الغلبة فى قرننا ( الحالى ) الحادى العشرين‪ ،‬أل وهو المعرفة وامتلك المعلومة “(‪.)9‬‬

‫” فالمعرفة البشرية صارت تتضاعف مرة كل عشر سنوات بحيث خلّف العقد الماضى‬
‫معرفة علمية أكثر مما خلفه التاريخ البشرى بأكمله‪ .‬بينما تتضاعف قدرة الكومبيوتر كل ثمانية‬
‫عشهر شهرا‪ .‬وتتضاعهف قدرة النترنهت مرة كهل عام‪ .‬وتتضاعهف سهلسل الهه ‪ DNA‬التهى‬
‫يمكن تحليلها مرة كل عامين ”(‪.)10‬‬

‫() آلف ين توفلر‪ ،‬صدمة الم ستقبل ( المتغيرات فى عالم ال غد )‪ ،‬ترج مة مح مد على نا صف‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪ :‬نه ضة م صر‬ ‫‪5‬‬

‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ .1990 ،‬ص ‪.15‬‬


‫() محسن أحمد الخضيرى‪ ،‬العولمة ( مقدمة فى فكر واقتصاد وإدارة عصر اللدولة )‪ .‬ص ‪.33‬‬ ‫‪6‬‬

‫() على حرب‪ ،‬حديث النهايات ( فتوحات العولمة ومآزق الهوية )‪ .‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ :‬المركز الثقافى العربى‪ .2000 ،‬ص‬ ‫‪7‬‬

‫‪.139‬‬
‫() أنطوان بطرس‪ ،‬المعلوماتية على مشارف القرن الحادى والعشرين‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مكتبة لبنان‪ .1987 ،‬ص ‪.143‬‬ ‫‪8‬‬

‫() تركى الحمد‪ ،‬الثقافة العربية فى عصر العولمة‪ .‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الساقى‪ .1999 ،‬ص ‪.50‬‬ ‫‪9‬‬

‫() ميتشيو كاكو‪ ،‬رؤى مستقبلية ( كيف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين )‪ .‬ترجمة سعد الدين خرفان‪ ،‬سلسلة‬ ‫‪10‬‬

‫عالم المعرفة‪ ،‬عدد (‪ ،)270‬الكويت‪ :‬المجلس الوطنى للثقافة والفنون والداب‪ ،‬يونيو ‪ .2001‬ص ‪.13 - 12‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪-‬‬

‫إن العول مة بهذا المل مح ” سلسلة معقدة من العمليات تكت سب قوة دفع ها من خل يط من‬
‫المؤثرات ال سياسية والقت صادية‪ ،‬إن ها تغ ير مظا هر الحياة اليوم ية وب صفة خا صة فى الدول‬
‫المتقد مة‪ .‬و فى الو قت نف سه ف هى تخلق نظما وقوى عبر قوم ية جديدة‪ .‬إن ها أك ثر من مجرد‬
‫خلفية أو انعكسات لسياسات معاصرة‪ .‬وإذا ما نظرنا إليها نظرة كلية‪ ،‬فالعولمة آخذة فى تغيير‬
‫مؤسسات المجتمعات التى نعيش فيها “(‪.)11‬‬

‫وذلك من خلل ” ثلث ثورات متزام نة ومتراب طة تحدث فى الو قت الرا هن‪ .‬الثورة‬
‫ال سياسية وتعنهى النتقال مهن الشمول ية والسهلطوية إلى الديمقراط ية والتعدديهة واحترام حقوق‬
‫الن سان‪ .‬والثورة القيم ية وتع نى النتقال من الق يم الماد ية إلى الق يم ما ب عد الماد ية‪ .‬والثورة‬
‫المعرفية وهى تتركز فى النتقال من الحداثة إلى ما بعد الحداثة “(‪.)12‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فنحن ”نشهد اليوم التنصيب السريع للنظم المعقدة التى سوف تصبح بمثابة‬
‫ال سس التكنولوج ية والتجار ية للبن ية التحت ية لبيئة المعلومات الكون ية‪ .‬وهذا الفضاء الت صالى‬
‫التفاعلى الجد يد سوف يُوظّ ف بل شك كأداة قو ية لخد مة القت صاد‪ .‬ولك نه سوف يكون أيضا‬
‫بمثابة مركز للتغيرات الجذرية والبعيدة فى مجتمعاتنا“ (‪.)13‬‬

‫هة‬
‫هه الثالثه‬
‫هن توفلر » فإن ” حضارة الموجه‬
‫هى « آلفيه‬
‫هر المريكه‬
‫ها يقرر المفكه‬
‫وكمه‬
‫( حضارة عصر ما بعد الصناعة ) لن تستطيع أن تعمل بهيكلية الموجه الثانية ( عصر الصناعة ) ‪.‬‬
‫فكما لم يقدر الثوريون الذين أوجدوا العصر الصناعى على ممارسة سلطاتهم عن طريق نظام‬
‫القطاعية المتخلف‪ .‬كذلك تواجه الحضارة الجديدة الحاجة لبتكار أدوات سياسية حديثة‪ .‬وهذه‬
‫هى الرسالة السياسية للموجة الثالثة “(‪.)14‬‬

‫ولقهد قدم « منتدى كوبنهاجهن للتقدم الجتماعهى » المنعقهد عام ‪ 1997‬تفسهيرا هاما‬
‫للتفرقة بين العولمة كمرحلة من مراحل التطور التاريخى النسانى‪ ،‬والعولمة بوصفها مشروعا‬
‫سياسيا يقود القتصاد العالمى فى مرحلة محددة‪” .‬وأطلق المؤتمر على التوجه الول « التجاه‬
‫»‪ ..‬والذى يعنهى التقدم نحهو تضييهق المسهافات الماد ية ب ين الفراد وتنم ية العتماد المتبادل ب ين‬
‫الدول‪ .‬ب ما يم ثل تحركا أ ساسيا لت طبيق الشروط البشر ية الكافلة لن مو العلم والتكنولوج يا‪ .‬ويم ثل‬

‫() أنطونى جيدنز‪ ،‬الطريق الثالث ( تجديد الديمقراطية الجتماعية )‪ .‬ترجمة مالك عبيد أبو شهيوة ومحمود محمد خلف‪ ،‬ط‬ ‫‪11‬‬

‫‪ ،1‬طرابلس‪ :‬دار الرواد‪ .1999 ،‬ص ‪.66 - 65‬‬


‫() السهيد ياسهين‪ " ،‬فهى مفهوم العولمهة "‪ .‬فهى أسهامة أميهن الخولى ( محرر )‪ ،‬العرب والعولمهة ( بحوث ومناقشات الندوة‬ ‫‪12‬‬

‫الفكرية التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية )‪ .‬ط ‪ ،2‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ .1998 ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪)(Serexhe, Bernhard, Deregulation / Globalisation: The loss of Cultural Diversity? p. 1.‬‬
‫‪13‬‬

‫‪)Available from Internet(.‬‬


‫() آلفين توفلر‪ ،‬حضارة الموجة الثالثة‪ .‬ترجمة عصام الشيخ قاسم‪ ،‬ط ‪ ،1‬بنغازى‪ :‬الدار الجماهيرية‪ .1990 ،‬ص ‪.433‬‬ ‫‪14‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪-‬‬

‫اتجاها عاما للتغيهر يمكنهه البحار بواسهطة القرار النسهانى‪ .‬أمها التوجهه الثانهى فقهد أطلق عليهه‬
‫المؤت مر « المشروع »‪ ..‬وهو مشروع العولمة الرأ سمالية ( أو الرأسمالية الكونية ) وال تى تتمثل‬
‫فى تطبيق أفكار ومؤسسات اقتصاد السوق على العالم ككل‪ .‬والذى تبنته بنشاط الوليات المتحدة‬
‫المريك ية وعدد آ خر من الحكومات من دول كبيرة و صغيرة‪ ،‬بوا سطة أك ثر المنظمات العالم ية‬
‫قوة‪ ،‬والصفوة المالية والقتصادية فى العالم‪ .‬ووفقا لما نص عليه التقرير‪:‬‬
‫« فإن التمييز بين التوجهين يبدو هاما وذلك لنشاء فضاء للتفكير والفعل النسانى‪ .‬إذ‬
‫إ نه بدون ذلك ستبدو نها ية التار يخ م صاحبة لنها ية ال سياسة المتمثلة فى القت صار على ق طب‬
‫واحهد وشكهل واحهد للمنظمات السهياسية التهى يقتصهر دورهها على خدمهة مصهالح الرأسهمالية‬
‫الكونية‪ ،‬وتترك للحكومات غرفة صغيرة للمناورة» “(‪.)15‬‬

‫ولكن ” إذا كان صحيحا إن العولمة تكشف عن ذروة من ذرا تطور النظام الرأسمالى‬
‫العال مى‪ .‬فث مة اعتقادات أن التار يخ سيتجاوز هذه اللح ظة و سيكشف فى الم ستقبل المنظور أن‬
‫العولمة ‪ -‬بغض النظر عن نشأتها الرأسمالية ‪ -‬ستتجاوز شروط نشأتها لتصبح عملية عالمية‬
‫واسهعة المدى‪ .‬سهتنقل النسهانية كلهها ‪ -‬على اختلف ثراء وفقهر المهم ‪ -‬إلى آفاق عليها مهن‬
‫التطور الفكرى والعلمهى والتكنولوجهى والسهياسى والجتماعهى‪ .‬وبعبارة أخرى سهتحدث آثار‬
‫إيجابية لم تكن متصورة لدى من هندسوا عملية العولمة‪ .‬بل وستتجاوز الثار مخططاتهم التى‬
‫كا نت تهدف للهيم نة وال سيطرة على النظام العال مى‪ .‬و سيثبت التار يخ أ نه لن يتاح لدولة واحدة‬
‫مثل الوليات المتحدة المريكية أو حتى لمجموعة الدول الكبرى‪ ،‬أن تهيمن هيمنة كاملة على‬
‫العالم اقتصهاديا وسهياسيا وتكنولوجيها وعلميا‪ ،‬وإل حكمنها على شعوب الرض جميعا بالعقهم‬
‫وعدم الفاعلية “(‪.)16‬‬

‫‪15‬‬
‫‪)(Koshy, Ninan, Political Dimensions of Globalisation. P.1. )Available from Internet(.‬‬
‫() السيد ياسين‪ ،‬الزمن العربى والمستقبل العالمى‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار المستقبل العربى‪ .1998 ،‬ص ‪.74‬‬ ‫‪16‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪‬المبحـث الثـانى‬
‫مدخـل معـرفى‬

‫”أشار «قاموس أكسهفورد للكلمات النجليزيهة الجديدة» لمفهوم العولمهة للمرة الولى‬
‫عام ‪ 1991‬واصفا إياه أنه من الكلمات الجديدة التى برزت خلل التسعينات “(‪.)17‬‬
‫” ومفهوم العولمة ‪ -‬من الوجهة النظرية البحت ‪ -‬قد يعنى‪ :‬جعل الشئ على مستوى‬
‫عالمهى‪ .‬أى نقله مهن حيهز « المحدود » إلى آفاق « الل محدود » أى العالم بأسهره‪ .‬ومهن ثهم‬
‫يصهبح إطار الحركهة والتعامهل والتفاعهل والتبادل على اختلف صهوره وأبعاده السهياسية‬
‫والقتصهادية والثقافيهة والتقنيهة‪ ..‬وغيرهها‪ ،‬متجاوزا الحدود الجغرافيهة المعروفهة للدول‪ .‬لكهن‬
‫مفهوم ( العولمهة ) ل يقتصهر على هذا المعنهى وحده‪ ،‬بهل ينصهرف كذلك ‪ -‬حسهب مها تشيهر‬
‫الدبيات المريكية ‪ -‬إلى ما يعنى‪ :‬تعميم الشئ وتوسيع دائرته “(‪.)18‬‬

‫” ويجرى العرف السائد فى الدبيات الغربية على تعريف العولمة أنها‪ ..‬زيادة درجة‬
‫الرتباط المتبادل بيهن المجتمعات النسهانية مهن خلل عمليات انتقال السهلع ورؤوس الموال‬
‫وتقنيات النتاج والشخاص والمعلومات “(‪ .)19‬وبالتالى تع نى العول مة ” جملة عمليات تاريخ ية‬
‫متداخلة تتجسد فى تحريك المعلومات والفكار والموال والشياء وحتى الشخاص بصورة ل‬
‫سهابق لهها مهن السههولة والنيهة والشمول ية والديمومهة‪ .‬إنهها قفزة حضاريهة تتمثهل فهى تعميهم‬
‫التبادلت القتصهادية والجتماعيهة والثقافيهة على نحهو يجعهل العالم واحدا أكثهر مهن أى يوم‬
‫مضى من حيث كونه سوقا للتبادل أو مجالً للتداول أو أفقا للتواصل“ (‪.)20‬‬

‫” وإذا كان علم القتصهاد يُعهد أسهبق فروع العلم الجتماعهى فهى الكشهف عهن مقومات‬
‫وخ صائص ظاهرة العول مة‪ ،‬ور صد تأثيرات ها الن ية والم ستقبلية على شمال العالم وجنو به‪ .‬إل أن‬
‫الدوائر الكاديمية فى مجال علم الجتماع الثقافى والعلمى لم تتوصل بعد إلى تحديد إطار منهجى‬
‫ذى مضمون معرفى واضح يمكن الستناد إليه كإطار مرجعى عند استخدام مصطلح العولمة “(‪.)21‬‬

‫() عبد الخالق عبد ال‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.50‬‬ ‫‪17‬‬

‫() السيد الزيات‪ " ،‬هل تتلشى الدولة فى ظل العولمة؟ "‪ ،‬مجلة تحديات ثقافية‪ ( .‬عدد ‪ ،4‬أبريل‪ /‬يونيو ‪ ،) 2001‬ص ‪.63‬‬ ‫‪18‬‬

‫() عمرو محيى الدين‪ " ،‬تعقيب على ورقة السيد ياسين حول‪ :‬مفهوم العولمة "‪ ،‬فى أسامة أمين الخولى ( محرر )‪ ،‬العرب والعولمة‬ ‫‪19‬‬

‫( بحوث ومناقشات الندوة الفكريههههة التههههى نظمههههها مركههههز دراسههههات الوحدة العربيههههة )‪.‬‬
‫ط ‪ ،2‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ .1998 ،‬ص ‪.35‬‬
‫() على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.29‬‬ ‫‪20‬‬

‫() عواطف عبد الرحمن‪ ،‬العلم العربى وقضايا العولمة‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬العربى للنشر والتوزيع‪ .1999 ،‬ص ‪.12‬‬ ‫‪21‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪-‬‬

‫” ومهن الطهبيعى أن تختلف التعاريهف لمفهوم العولمهة باختلف أبعادهها وتجلياتهها‬


‫ومؤشرات ها على أرض الوا قع‪ .‬ويت ضح من خلل ر صد الدبيات فى هذا المجال وجود أر بع‬
‫مجموعات كبرى من التعاريف هى‪:‬‬
‫مجموعة تُركّز على البعد القتصادى للعولمة‪ ،‬وهو البُعد الذى يحتوى على مؤشرات‬ ‫أ‪-‬‬
‫واتجاهات ومؤسهسات اقتصهادية عالميهة جديدة غيهر معهودة فهى السهابق وتشكهل فهى‬
‫مجملها العولمة القتصادية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مجموعهة تركهز على البعهد الثقافهى‪ ،‬وههو البعهد الذى يشيهر إلى بروز الثقافهة كسهلعة‬
‫عالميهة تُسهـَوق كأى سهلعة تجاريهة أخرى؛ ومهن ثهم بروز وعهى وإدراك ومفاهيهم‬
‫وقناعات ورموز ووسائط ووسائل ثقافية عالمية الطابع‪.‬‬
‫جه ‪ -‬مجموعهة تركهز على البُعهد السهياسى‪ ،‬الذى يشيهر إلى قضايها سهياسية عالميهة جديدة‬
‫مرتبطة أشد الرتباط بالحالة الحادية السائدة حاليا‪.‬‬
‫د ‪ -‬مجموعهة تركهز على البعهد الجتماعهى‪ ،‬الذى يلحهظ بروز المجتمهع المدنهى العالمهى‬
‫وبروز قضايا إنسانية مشتركة تُشكّل فى مجملها العولمة الجتماعية “(‪.)22‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ..‬هناك عدة مستويات للتعامل مع العولمة‪ .‬فثمة مستوى للتعامل مع‬
‫العولمهة باعتبارهها ” أيدلوجيهة أو إطار فكرى يقوم على فكرة انتصهار الحضارة الغربيهة‪،‬‬
‫ويدّ عى تدش ين مرحلة جديدة فى التار يخ البشرى أو التأ سيس لحضارة إن سانية جديدة‪ .‬وي ستند‬
‫فهى هذه الدعاوى على مجموعهة مهن الطهر اليدلوجيهة كالليبراليهة الجديدة أو اتجاه مها بعهد‬
‫الحدا ثة أو مرحلة ما ب عد التنم ية أو ما ب عد المبريال ية‪ .‬وت سنده نظريات تف سيرية م ثل نظر ية‬
‫التحديث والتلقى ونظرية عبر القومية ونظرية القرية العالمية “(‪.)23‬‬
‫ولكن التحليل المتع مق يوضح أنه ل يم كن ” اعتبار العول مة أيدلوجية معينة أو مذهبا‬
‫سياسيا أو معتقدا فكريا‪ ،‬إذ تخبر نا تجليات ها النظر ية وتطبيقات ها المتنو عة أن ها ظاهرة تاريخ ية‬
‫كبرى‪ .‬ك ما هو الحال بالن سبة لظوا هر تاريخ ية عديدة‪ :‬كال ستكشافات الجغراف ية أو الثورات‬
‫التكنولوج ية‪ ...‬ل ها أنماط متعددة الوجوه ومنا هج متنو عة الحقول “(‪ ”.)24‬فاليدلوج يا تتعارض‬
‫مهع العولمهة كظاهرة جديدة‪ .‬والعولمهة فهى الحقيقهة نظام عالمهى جديهد له أدواتهه ووسهائله‬
‫وعنا صره وميكانزما ته‪ ،‬ومنجزات ها ح صيلة تاريخ ية لع صر تنو عت ف يه تلك التطورات ال تى‬
‫ازدحم بها التاريخ الحديث للنسان “(‪.)25‬‬

‫() ع بد الخالق ع بد ال‪ " ،‬مناقشات حول ور قة ال سيد ياسهين عن‪ :‬مفهوم العول مة "‪ ،‬فى أ سامة أم ين الخولى ( محرر )‪،‬‬ ‫‪22‬‬

‫مرجع سابق‪ .‬ص ‪.53 - 52‬‬


‫() صلح سالم زرنو قة‪ " ،‬مخا طر الب عد الثقا فى خارج ال سيطرة والفرص صعبة "‪ .‬جريدة الهرام بتار يخ ‪ ،27/9/2000‬صفحة‬ ‫‪23‬‬

‫الحوار القومى‪ ،‬ملف ( العرب والعولمة‪ :‬تقليص المخاطر وتعظيم الفرص )‪ .‬ص ‪.32‬‬
‫() سيار الجميل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.85‬‬ ‫‪24‬‬

‫() سيار الجميل‪ " ،‬تعقيب على ورقة السيد ياسين حول‪ :‬مفهوم العولمة "‪ ،‬فى أسامة أمين الخولى ( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‬ ‫‪25‬‬

‫‪.38‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪-‬‬

‫وث مة م ستوى ثان للتعا مل مع العول مة ” كظاهرة‪ ..‬بمع نى مجمو عة من الجراءات‬


‫والسهياسات والممارسهات المقصهودة والصهادرة عهن القوى الكهبرى فهى العالم ( خصهوصا‬
‫الوليات المتحدة المريكية ) والتى تحاول بشكل واع ومتعمد تحديد مضمون العولمة وفرض‬
‫شروط ها على كل التجمعات وبش كل يخدم م صالحها؛ و من ثم ف قد أ صبحت العول مة فى هذا‬
‫المستوى تعنى التدخل فى الشئون الداخلية من الناحية السياسية‪ ،‬والتحكم فى عمليات الصلح‬
‫القتصادى من الناحية القتصادية‪ ،‬والختراق العلمى والثقافى من الناحية الثقافية “(‪.)26‬‬
‫ولعل السباب التى تجعل هذا التجاه يجد صداه لدى بعض الوساط الفكرية‪ ،‬تتمثل فى‬
‫أن ” العولمههة ‪ -‬كظاهرة مازالت غيههر واضحههة المعالم ل مههن حيههث تحديههد المفهوم (‬
‫‪ ) Conceptually‬ول من حيث اختبارها على أرض الواقع ( ‪ - ) Empirically‬كل ما يمكن أن‬
‫يُقال عن ها أن ها تُعبّر عن ديناميك ية جديدة تبرز دا خل دائرة العلقات الدول ية‪ ،‬من خلل تحق يق‬
‫درجة عالية من الكثافة والسرعة فى عملية انتشار المعلومات والمكتسبات العلمية والتقنية‪ .‬وعلى‬
‫مها يبدو‪ ،‬ففهى إطار هذه الديناميكيهة ( الجديدة ) يتزايهد دور العامهل الخارجهى فهى تحديهد مصهير‬
‫الطراف الوطنية المكوّنة لهذه الدائرة المندمجة؛ وبالتالى لتوابعها ( أو‪ :‬هوامشها ) ”(‪.)27‬‬
‫و من ه نا‪ ،‬فإن تزا يد دور العالم الخار جى ل ي جب تف سيره كنوع من الهيم نة‪ ..‬والتحل يل‬
‫العل مى يث بت أن “ هيم نة الوليات المتحدة لن ت ستمر ب سبب مشاكل ها الداخل ية من ناح ية‪ ،‬ولتو قع‬
‫ظهور قوى جديدة من ناحية أخرى‪ .‬وسيبقى ( إذن ) للوليات المتحدة مركز « مهم » ل « مهيمن‬
‫» ”(‪.)28‬‬

‫أما المستوى الثالث للتعامل مع العولمة‪ ،‬فهو الذى يتعامل معها باعتبارها ” عملية‪..‬‬
‫بمع نى أن ها مرحلة تاريخ ية أو بمثا بة تطور نو عى جد يد فى التار يخ الن سانى‪ .‬وبالتالى ف هى‬
‫محصهلة تطور تاريخهى تراكمهى له جذوره التهى تحدّث عنهها الكثيرون والتهى حاول البعهض‬
‫وضعهها فهى شكهل حلقات متتاليهة‪ .‬وههى بذلك تجسهيد لمجموعهة مهن التطورات العلميهة‬
‫والقتصادية التى تجعل منها امتدادا لتجاهات سبق أن تحددت‪ .‬وهى بهذا المعنى تخرج عن‬
‫إمكان ية التح كم في ها‪ .‬بح يث تبدو م ستقلة تماما كقوى علم ية وتكنولوج ية واقت صادية عن إرادة‬
‫الدول ال كبرى‪ ،‬وبالتالى ظهور قوى جديدة تتح كم فى التجاهات العالم ية ( الشركات الدول ية‪،‬‬
‫المؤسسات المالية الدولية‪ ،‬أسواق المال العالمية‪ ،‬مافيات العنف والجريمة‪ ) ..‬وظهور شبكات‬
‫مهن التفاعهل ل تعرف الحدود ول تعترف بسهيادة الدولة‪ .‬وظهور أنسهاق عالميهة جديدة‬

‫() صلح سالم زرنوقة‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.32‬‬ ‫‪26‬‬

‫() حسههين معلوم‪ " ،‬التسههوية فههى زمههن العولمههة‪ :‬التداعيات المسههتقبلية لخيار العرب السههتراتيجى "‪ ،‬فههى‬ ‫‪27‬‬

‫عبد الباسط عبد المعطى ( محرر )‪ ،‬العولمة والتحولت المجتمعية فى الوطن العربى ( ندوة مهداة إلى سمير أمين )‪ .‬مركز البحوث‬
‫العربية ( الجمعية العربية لعلم الجتماع )‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولى‪ .1999 ،‬ص ‪.112‬‬
‫() أسامة أمين الخولى ( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.11‬‬ ‫‪28‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪-‬‬

‫( ن سق سياسى عال مى‪ ،‬ن سق اقت صادى عال مى‪ ،‬وآ خر إعل مى وكذلك ع سكرى ) ثم تع نى‬
‫ظهور قضايا عالمية جديدة “(‪.)29‬‬

‫‪ ..‬ولكن أيا كانت مستويات التعامل مع العولمة التى يؤدى تعددها إلى التباس المفهوم‪،‬‬
‫إل أنه من الهام الشارة إلى أن ” العولمة فى مفهومها الضمنى ومدلولها الصطلحى ليست هى‬
‫ل بعالم ية الديان∗ ‪ -‬أى د ين ‪ -‬كال سلم‬
‫العالم ية ب حد ذات ها ‪ -‬إذ ل يمكن نا ألب ته أن نقرن ها مث ً‬
‫الذى جاء إلى العالم كله‪ .‬أو بعالميهة بعهض المذاههب السهياسية والقتصهادية كالشتراكيهة التهى‬
‫جاءت لتعلن على لسهان كارل ماركهس « يها عمال العالم اتحدوا »‪ .‬وذلك لن « العالميهة »‬
‫مصهطلحا ومضمونا ارتبطهت بالرض والنسهان‪ ،‬أمها « العولمهة » مصهطلحا ومضمونا فقهد‬
‫ارتبطت بالكونية وأنظمة النسان المتنوعة سواء مع الرض أم فى الفضاء “(‪.)30‬‬

‫و من ن فس المنطلق‪ ،‬فإن ” العول مة لي ست هى «الدول ية»‪ .‬لن ها لي ست مجرد علقات‬


‫وطيدة بيهن المهم‪ .‬ولكنهها تتعلق بعمليات انبثاق المجتمهع المدنهى العالمهى والذى يتخلل حدود‬
‫المهم‪ .‬فالدول التهى تواجهه مخاطهر وأخطارا بدلً مهن أعداء ل تحتاج إلى رؤيهة العالم فهى‬
‫مصطلحات النظرية الواقعية‪ ،‬حيث تصبح الواقعية مصطلحا خطأ؛ وذلك لن العتقادات التى‬
‫تشير إليها قديمة ومهجورة “(‪.)31‬‬

‫ول عل كل هذا التبا ين فى الم ستويات المعرف ية المتعددة للتعا مل مع العول مة‪ ،‬يو ضح أن‬
‫العولمة ” شأنها شأن كل التحديات المصيرية ‪ -‬تجمع بين التهديدات والفرص ‪ -‬وهى بهذا ليست‬
‫كلها شرا بالضرورة‪ .‬وعلينا أن نمعن النظر‪ ..‬فيما يمكن أن تأتى به من فرص ومزايا“(‪.)32‬‬

‫إذ إنه ” ل يمكن اختزال العولمة فى المخاطر دون الفرص أو فى الفرص دون المخاطر‪.‬‬
‫ول يمكن تجاهل إيجابيات العولمة الواضحة كل الوضوح‪ .‬كما ل يمكن استبعاد سلبياتها البارزة‬
‫كل البروز‪ .‬كذلك ل يمكن التغافل عن المستجدات الحياتيه والفكرية المعاصرة‪ ،‬والعتقاد أن العالم‬
‫لم يتغير وبالتالى الستمرار بالقوالب الحياتية والفكرية السابقة نفسها‪ ،‬والتى ربما ل تناسب الفصل‬
‫الجد يد من التار يخ‪ ،‬ورب ما تو حى بالمواج هة وافتعال المعارك غ ير الضرور ية مع العول مة‪ .‬لذا‬

‫() صلح سالم زرنوقة‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.32‬‬ ‫‪29‬‬

‫انظر‪ :‬محمد أحمد بيومى‪ ،‬علم الجتماع الدينى‪ .‬ط ‪ ،2‬السكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪ ،1985 ،‬ص ‪ .44‬حيث‬ ‫∗‬ ‫‪‬‬

‫يقرر مها نصهه‪ « :‬توصهل النثروبولوجيون الذيهن حاولوا دراسهة المجتمعات البدائيهة فهى أفريقيها وآسهيا إلى ملحظتيهن‬
‫أ ساسيتين ه ما‪ :‬أولً‪ ،‬وجود ش كل من أشكال الد ين فى كل مكان‪ ،‬ثانيا‪ ،‬التنوع المذ هل فى أشكال ال سلوك الدي نى‪ .‬بمع نى‬
‫آخر‪ ،‬لوحظ الدين على أنه منتشر ومتنوع فى كل مكان »‪.‬‬
‫() سيار الجم يل‪ ،‬العول مة والم ستقبل ( إ ستراتيجية تفك ير )‪ .‬ط ‪ ،1‬عمان‪ :‬الهل ية للن شر والتوز يع‪ .2000 ،‬ص ‪- 85‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪.86‬‬
‫() أنطونى جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.188‬‬ ‫‪31‬‬

‫() أسامة أمين الخولى ( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.8‬‬ ‫‪32‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪-‬‬

‫ي صبح من المهم تشخيص العولمة تشخي صا متوازنا بكل ما لها وما عليها‪ ،‬ودون اتخاذ موا قف‬
‫عاطفية وعقائدية مسبقة‪ ،‬أو إطلق أحكام قيمية وأخلقية جاهزة تعبّر عن افتراضات وقناعات هى‬
‫أقرب إلى الوهام البعيدة كل الب عد عن حقي قة ما يجرى فى العالم من تحولت حضار ية عمي قة‪.‬‬
‫وبالتالى فالمطلوب فهم العولمة وليس افتعال المعارك معها “(‪.)33‬‬
‫ح يث إن هناك اتجاهات فكر ية معي نة تتعا مل مع العول مة باعتبار ها مؤامرة‪ ،‬وذلك مثل ما‬
‫” توصف العولمة من قبل الشتراكيين والراديكاليين بأنها خدعة إمبريالية من صنع الوليات المتحدة‬
‫المريكية للتدخل فى الشئون الداخلية للحصون الشتراكية أو القلع القومية أو القيم الوطنية‪ .‬أو كما‬
‫توصف من قبل الصوليين والوطنيين‪ ..‬والتراثيين والخصوصيين بأنها إمبريالية ثقافية تسعى إلى‬
‫تهجين العالم وتجريده من خصوصياته‪ ،‬وفرض النموذج الثقافى الغربى على شعوب الرض قاطبة‪.‬‬
‫وبالتالى فالكونية المستقبلية التى تسعى العولمة إليها ما هى ‪ -‬فى نظرهم ‪ -‬إل كونية استعمارية‬
‫كاذبة‪ .‬ل تحترم النسان ول تحافظ على جذوره وحضارته وموارده وتجاربه وثقافاته “ (‪ .)34‬وبالتالى‬
‫يصبح النعزال عن العولمة هو النتيجة الكيدة لمثل هذا الطرح‪.‬‬
‫ول شك أن ” الن سلخ الكا مل والعزلة الكاملة عن عمليات العول مة الجار ية ‪ -‬على‬
‫نحو ما يشير « سمير أمين » وبعض منظرى مدرسة التبعية فى السابق ‪ -‬أصبح نوعا من‬
‫( الفانتازيا )‪ .‬يقود أحيانا إلى « التخلف المستقل » وليس إلى « التنمية المستقلة »“(‪.)35‬‬
‫وذلك باعتبار أن ” التناقهض الذى تفرزه ظاهرة العولمهة مهن جههة وسهرعة التحولت‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬تجعل النماذج الفكرية المدرسية القديمة عاجزة عن فهمها وتحليلها والتنظير‬
‫لهها‪ ..‬وبالتالى فل مناص مهن تجديهد المناههج وتغييهر أسهاليب المقاربات ونبهذ عقليهة « الفكهر‬
‫الواحد » و« الفكر الواحد المضاد »‪ .‬والفادة من الجوانب اليجابية مثل‪ :‬كونية مبادئ حقوق‬
‫النسهان‪ ،‬والعتراف بالخهر‪ .‬واحترام الخصهوصيات الثقافيهة‪ ،‬والتصهدى للنظهم السهتبدادية‪.‬‬
‫ومقاومهة الجوانهب السهلبية مثهل‪ :‬محاولت السهيطرة وإملء الشروط على الشعوب الضعيفهة‪،‬‬
‫وتحالف سماسرة أمم ية رأس المال مع منظمات الماف يا وتجار المخدرات‪ .‬ول يم كن أن تن جح‬
‫هذه المقاومة إل من خلل العمل السياسى والنضال الجتماعى “(‪.)36‬‬
‫‪‬‬

‫() عبد الخالق عبد ال‪ " ،‬العولمة‪ :‬جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها "‪ ،‬مجلة عالم الفكر‬ ‫‪33‬‬

‫(عدد خاص بعنوان‪ :‬العولمة ظاهرة العصر)‪ ( .‬العدد ‪ ،2‬أكتوبر ‪ -‬ديسمبر ‪ .) 1999‬ص ‪.43‬‬
‫() سههيار الجميههل‪ " ،‬تعقيههب على ورقههة السههيد ياسههين حول‪ :‬مفهوم العولمههة "‪ ،‬فههى أسههامة أميههن الخولى‬ ‫‪34‬‬

‫( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.41‬‬


‫() محمود عبد الفضيل‪ " ،‬مناقشات حول ورقة إسماعيل صبرى عبد ال عن‪ :‬العولمة والقتصاد والتنمية العربية‪ ..‬العرب‬ ‫‪35‬‬

‫والكوكبة "‪ ،‬فى أسامة أمين الخولى ( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.401‬‬
‫() الحبيب الجنحانى‪ " ،‬ظاهرة العولمة‪ :‬الواقع والفاق "‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.12 - 11‬‬ ‫‪36‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الثالـث‬
‫مدخـل فلسـفى‬

‫يم ثل ق صور المفاه يم الفكر ية عن ملح قة المنجزات الماد ية والتقن ية معلما من معالم‬
‫العصر الراهن‪ .‬حيث أدى التطور المادى الهائل والمتسارع إلى الكشف عن فجوات فى هياكل‬
‫التطور الفكرى للبشريهة‪ .‬ففهى حيهن كان السهبق للتطور الفكرى على التطور المادى فهى‬
‫الع صور ال سابقة‪ .‬إل أن الع صر الحالى ‪ -‬ع صر المعلومات والمعر فة ‪ -‬تجاوز ف يه التطور‬
‫المادى التكنولو جى الكث ير من ال طر الفكر ية ال تى لم ت ستطع تطو ير مضمون ها ليتلءم مع‬
‫الوضاع الراهنة‪ ،‬أو على القل يتمكن من تفسيرها‪.‬‬

‫مهن هذا المنطلق تبدو العولمهة كظاهرة تاريخيهة كهبرى بمثابهة تجاوز للمشروع الفكرى‬
‫« للحداثة » و« ما بعد الحداثة » معا‪ ،‬وإن كانت بل شك هى ”أقرب إلى مرحلة ما بعد الحداثة‪...‬‬
‫التى برزت فى السبعينات والثمانينات وكان هدفها محاولة استيعاب اللحظة الحضارية والفكرية التى‬
‫تم تأسيسها منذ عصر التنوير ومنذ بروز الحضارة الغربية‪ .‬والعمل على تجاوزها من خلل إجراء‬
‫مراج عة نقد ية ل سجل هذه الحضارة‪ ،‬وإ سقاط م سلماتها والتأ سيس لحضارة جديدة وو عى حضارى‬
‫جديد أساسه التنوع الحضارى ونسبية المعرفة واحترام الفروقات ورفض التأطير “(‪.)37‬‬

‫وكانهت الحداثهة قهد أسهست “ لمشروع متكامهل يتضمهن رؤيهة متكاملة للعالم تبنتهها‬
‫الطبقات الرأسمالية ال صاعدة‪ .‬و هو يقوم على عدة أركان‪ :‬الفرد ية‪ ،‬والعقلن ية‪ ،‬والعتماد على‬
‫العلم والتكنولوجيا‪ ،‬وتبنى نظرة خطية عن التقدم النسانى ”(‪.)38‬‬

‫ولكهن أنصهار « مها بعهد الحداثهة » رأوا أن كافهة هذه الركان ل تصهمد أمام النقهد‪،‬‬
‫هوفيتى‬
‫هق السه‬
‫هة على النسه‬
‫هى غمار مجتمعات شموليه‬
‫هة “ أدت إلى ضياع الفرد فه‬
‫فالفرديه‬
‫أو مجتمعات جماهير ية على الن سق المري كى‪ .‬والعقلن ية العلم ية أدت ‪ -‬ح ين تجاهلت البعاد‬
‫النسانية ‪ -‬إلى سلبيات ل حدود لها‪ .‬أما العلم الذى أسئ استغلله والتكنولوجيا التى انطلقت‬
‫فى كل اتجاه بغير قيم أخلقية تحكمها‪ ،‬فقد أدت إلى اضطرابات سياسية واجتماعية وثقافية ل‬
‫حدود لها‪ .‬ويبقى وهم التقدم النسانى الصاعد للتاريخ‪ ،‬والذى بددته بغير شك حروب ومآسى‬
‫وكوارث القرن العشرين ”(‪.)39‬‬

‫‪37‬‬
‫اقتب سه ع بد الخالق ع بد ال‪ ،‬فى " العول مة‪)(Lyotard, J., The Postmodern Condition Minneapolis, 1984:‬‬
‫‪.‬جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها "‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪59‬‬
‫() السيد ياسين‪ ،‬الزمن العربى والمستقبل العالمى‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار المستقبل العربى‪ .1998 ،‬ص ‪.265‬‬ ‫‪38‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.265‬‬ ‫‪39‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪-‬‬

‫ويوضح الفيلسوف الفرنسى « فرانسوا ليوتار » فى كتابه « الوضع ما بعد الحداثى »‬


‫أن ”البشر ية مرت بمرا حل ثلث‪ ..‬الولى‪ :‬المرحلة القبائل ية وكا نت المعر فة في ها تن بع من‬
‫الخرافة والسطورة‪ ،‬والنقل من السلف إلى الخلف‪ .‬ثم المرحلة الثانية‪ :‬حالة المجتمع الحداثى‬
‫الذى يستمد مشروعية معارفه من اليدلوجيات السياسية والنظريات الفلسفية التى تقوم الدولة‬
‫بفرضها بواسطة المؤسسات التعليمية والعلمية تبريرا لسلطتها‪ .‬أما المرحلة الثالثة‪ :‬ما بعد‬
‫الحدا ثة ‪ Post Modernism‬ف هى مرحلة العلم الذى ل غش ف يه‪ ،‬إذ ي ستمد العلم مشروعي ته‬
‫من المعلومات المت سارعة المتدف قة عبر أجهزة الك مبيوتر وآليات النظ مة ال سوبرتكنولوجى‪.‬‬
‫وتلك المشروعية ل يتحكم فيها أى شئ على الطلق‪ .‬إنما هى متحررة من كل قيد بمنهاج‬
‫براجما تى » نف عى » متمرد على ال سلطة وعلى اليدلوجيات فى آن وا حد‪ .‬وبالتالى لم ت جد‬
‫التكنولوجيا كبير عناء فى إسقاط اليدلوجيات‪ ،‬بل وإسقاط مشروعية المعرفة التقليدية ”(‪.)40‬‬
‫هذه المراحل الثلث “ تؤلف ما يمكن تسميته ثالوث القدامة والحداثة وما بعد الحداثه‪.‬‬
‫أو بصيغة أحدث‪ :‬ثالوث الصولية والعالمية والعولمة ”(‪.)41‬‬

‫ولهذا يؤكهد ليوتار أنهه إذا كانهت “ مجتمعاتنها تتجهه صهوب عصهر مها بعهد الصهناعة‬
‫‪ Post-industrial age‬فإن ثقافتنا تتجه صوب عصر ما بعد الحداثة ” ‪.)42(Post-modern age‬‬

‫لقد كانت الحداثة ‪ -‬إذن ‪ -‬هى فلسفة «العالمية»‪ ،‬بينما تتقدم « ما بعد الحداثة » لتصير‬
‫هى فل سفة « العول مة »‪ “ .‬فالعالم ية هى ع صر المطلقات‪ .‬المطلق العل مى الذى أ سس ل صياغة‬
‫المطلقات الجتماعيهة‪ ،‬والحتميات العلميهة التهى أسهست لحتميات التغيهر الجتماعهى بواسهطة‬
‫الصراع أو الثورة‪ .......‬وبالتالى كان جوهر التغير الذى حصل من العالمية إلى العولمة‪ ،‬تغيّرا‬
‫من المطلقات إلى الممكنات أو الحتمالت المفتوحة‪ .....‬فالنتقال من نيوتن إلى أينشتاين‪ ،‬ومن‬
‫الحتم ية إلى الن سبية‪ .‬والنتقال من القليد ية إلى اللإقليد ية‪ ..‬ل بد من أن تواك به نظرات أخرى‬
‫للحياة ورؤى للعالم مختل فة‪ .‬ف فى عالم يح مل إمكانات كثيرة ل وجود ل صراع ذى ش كل وا حد‬
‫أو اتجاه واحد أو هدف واحد‪ .‬وهذا يحيل المجتمع إلى أفراد متنافسين‪ ،‬مختلفين‪ ،‬ومتفقين‪ .‬فتنتفى‬
‫قدرة الفكار على التأثير وقدرة النظريات الكلية على تقديم البدائل”(‪.)43‬‬

‫() مهدى بندق‪ " ،‬ليت كلينتون وبوش يعودان "‪ ،‬مجلة تحديات ثقافية‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.9 - 8‬‬ ‫‪40‬‬

‫() على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.11‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪42‬‬
‫‪)(Mattelart, Armand & Mattelart, Michele, Theories Of Communication )A Short‬‬
‫‪Introduction(.Translated by susan Gruenheck Taponier & James A. Cohen, London:‬‬
‫‪SAGE Publications Ltd, 1998. P. 143.‬‬
‫() فهي مة شرف الد ين‪ " ،‬تعق يب على ور قة الجابرى وبلقز يز حول‪ :‬العول مة فى الطار العر بى "‪ ،‬فى أ سامة أم ين الخولى‬ ‫‪43‬‬

‫( محرر )‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.322 - 321‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبالتالى فإن “ الحتميهة كمها سهقطت فهى العلم‪ ،‬سهقطت أيضا فهى مجال الممارسهة‬
‫الجتماع ية والف عل التاري خى‪ .‬فل يس هناك حتميات تقود شعوبا بأكمل ها إلى م صير مظلم‪ .‬لن‬
‫معنهى ذلك ‪ -‬كمها تقرر فلسهفة مها بعهد الحداثهة ‪ -‬اللغاء المطلق للرادة النسهانية‪ ،‬وإغلق‬
‫أبواب المل أمام التقدم ”(‪.)44‬‬

‫إن “ ما ب عد الحدا ثة تد عو إلى الن ساق الفكر ية المفتو حة‪ ،‬وتكره التعميمات‪ ،‬وتر كز‬
‫على الجزئى‪ ،‬وتهتم بالمجتمعات المحلية‪ ،‬وتغ ير طري قة صنع القرار‪ ،‬وتف تح الباب لمشاركات‬
‫إنسانية أوسع ”(‪.)45‬‬

‫وهذا يوضهح “ أن الحضارة الجديدة تتحدى بعمقهها الثورى كهل الفرضيات وأسهاليب‬
‫التفكير والمعادلت واليدلوجيات القديمة التى لم تعد تناسب الحقائق الجديدة بغض النظر عن‬
‫فعاليتها فى الماضى ”(‪.)46‬‬

‫وبالتالى “ لم ت عد ت فى بقراءة العالم وتدبر مشكل ته عقلن ية ديكارت أو ليبرال ية فولت ير‬
‫أو تنويرية كانط أو تقدمية ماركس أو استراتيجيات كلوزفيتز أو اقتصاديات كينز أو ديمقراطية‬
‫ل عن قومية القوميين وإسلمية السلميين وماركسية الماركسيين‪ ..‬المر‬
‫تشرشل وديجول‪ ،‬فض ً‬
‫يحتاج إلى شبكة جديدة من المفاهيم أو إلى أنظمة مختلفة من المعايير ”(‪.)47‬‬

‫إن العول مة بوجه ها الفكرى الفل سفى المتم ثل فى « ما ب عد الحدا ثة » تنطلق من وا قع‬
‫مادى يح مل الكث ير من التغيرات والتحولت غير الم سبوقة‪ .‬وا قع انت صر ف يه “ الزمان الفعلى‬
‫الذى يجرى بسرعة الضوء‪ ،‬على المكان التقليدى الممتد بأبعاده الثلثة‪ .‬حتى الن كان التاريخ‬
‫يجرى فى أمكنة محلية تشغلها الدول والوطان‪ ،‬أو فى أزمنة جزئية تمثلها التراثات والثقافات‬
‫الخاصهة بالشعوب والمهم التهى تغطهى الرض‪ .‬أمها الن فإن تاريهخ العالم يجرى وفقا لزمهن‬
‫واحد ووحيد هو زمن عالمى يوصف بأنه فورى ومباشر ومشهدى‪ .‬إنه زمن عابر للحدود بين‬
‫القارات والمجتمعات واللغات عبر شبكات التصال الفورى ”(‪.)48‬‬

‫ففهى الماضهى‪ ..‬مثل “تعارف الجميهع على أن المهم تتحهد معا إذا توافرت مسهاحة‬
‫متصلة من الرض تنطوى على قيمة اقتصادية‪ ،‬ولغة تساعد السكان الصليين على التصال‬
‫معا‪ ،‬وثقا فة وتار يخ مشترك وديا نة تن بع من ماضي هم المشترك فى ب عض الحيان‪ .‬ول كن هذه‬

‫() السيد ياسين‪ ،‬الزمن العربى والمستقبل العالمى‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار المستقبل العربى‪ .1998 ،‬ص ‪.84‬‬ ‫‪44‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫‪45‬‬

‫() آلفين توفلر‪ ،‬حضارة الموجة الثالثة‪ .‬ترجمة عصام الشيخ قاسم‪ ،‬ط ‪ ،1‬بنغازى‪ :‬الدار الجماهيرية‪ .1990 ،‬ص ‪.10‬‬ ‫‪46‬‬

‫() على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.52‬‬ ‫‪47‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.97‬‬ ‫‪48‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪-‬‬

‫القوى كلها تفقد محليتها المادية الن‪ ..‬مما يقلل الحاجة إلى دولة تقليدية تتواجد محليا وماديا‪.‬‬
‫وهكذا ف قد ل نتحدث أبدا رب ما ب عد ذلك عن ال مة باعتبار ها دولة ( أو مجمو عة دول ) وإن ما‬
‫باعتبار ها الشب كة ال تى تر بط المنتم ين إلى تلك ال مة فى ش تى أرجاء العالم ”(‪ .)49‬ل قد أ صبح‬
‫العالم شبكة “والشبكة تبدو كبرج بابل يثرثر بمئات اللسنة ”(‪.)50‬‬

‫لقد حلت إذن الشبكات محل الدول‪ ..‬بحيث أصبحنا “نحيا الن بين ثلثة عوالم‪ .‬الول‬
‫ههو عالم الفكار‪ ،‬والثانهى ههو العالم الفيزيائى ( المادى )‪ ،‬والثالث ههو العالم الفتراضهى الذى‬
‫تخلقه تقنيات التصال‪ .‬المر الذى يضعنا أمام تصنيف مغاير للعوالم تتغير معه سياسة الحقيقة‬
‫وإدارة الواقع‪ .‬فمنذ أفلطون حتى هيجل كانت معرفة الحقيقة هى التطابق مع ما هو واقع‪......‬‬
‫أما الن فإن الحاكم والناظم هو عالم الشباح الضوئية من المنتجات اللكترونية غير الملموسة‪.‬‬
‫ومع نى ذلك أن الحقي قة هى لي ست ما نعر فه‪ ،‬بل ما نختل قه من الوقائع أو ما ن صطنعه من‬
‫العوالم‪ ....‬وتلك هى المفارقه‪ :‬لم تعد الشباح ظلل الحقيقة‪ ،‬بل ما نصنع به الحقائق ”(‪.)51‬‬
‫إذ إن “ أعدادا متزايدة من المنتجات سيمكنها أن تت خذ ش كل ( البتات ) بدلً من ش كل‬
‫السلع المصنعة ”(‪ ،)52‬كما أن تكنولوجيا ( الواقع الفتراضى ) “ ستخلق نوعا جديدا من العلم‬
‫يُد عى ( العلم ال سبرانى ) الذى يعطي نا القدرة على محاكاة أنظ مة فيزيائ ية معقدة م ثل‪ :‬الثقوب‬
‫السوداء والنجوم المتفجرة والمناخ وسطوح الطائرات النفاثة السرع من الصوت ”(‪.)53‬‬

‫وبالتالى فإن هذا “ الضغهط للمكان والتسهريع ليقاع الزمهن سهيجعل البشريهة تقترب‬
‫من درجة الصفر فى المسافات الزمنية؛ مما يجعل كل العالم حاضر فى كل العالم فى لحظة‬
‫واحدة ”(‪ ...)54‬النترنت مثال لذلك‪.‬‬

‫هز الحضارى‬
‫هموبوليتية » ذات المركه‬
‫هة « الكوسه‬
‫هن “المدينه‬
‫هم النتقال مه‬
‫وبهذا يته‬
‫والتجارى‪ .‬وحيث النقل يتم من المركز نحو الهوامش والطراف‪ ،‬إلى مدينة من نوع جديد هى‬
‫المدي نة « الومنوبوليت ية » مدي نة الحضور والع مل من بُ عد‪ ،‬عبر الشبكات وطرقات العلم‬
‫السريعة التى تتيح الرؤية الفائقة بالسرعة القصوى من خلل التعامل مع المعطيات الرمزية‬

‫() مايكل ديرتوزوس‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ ( 345‬بتصرف )‪.‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪50‬‬
‫‪)(Wesemann, Arnd, Slaves of the Cyber - Market )An Interview with Geert Lovink(.‬‬
‫‪P.1. )Available from Internet(.‬‬
‫() على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.173‬‬ ‫‪51‬‬

‫() ب يل جي تس‪ ،‬المعلومات ية ب عد النتر نت ( طر يق الم ستقبل )‪ .‬ترج مة ع بد ال سلم رضوان‪ ،‬سلسلة عالم المعر فة‪ ،‬عدد (‬ ‫‪52‬‬

‫‪ ،)231‬الكويت‪ :‬المجلس الوطنى للثقافة والفنون والداب‪ ،‬مارس ‪ .1998‬ص ‪.397‬‬


‫() ميتشيو كاكو‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.57‬‬ ‫‪53‬‬

‫() زكى العائدى‪ ،‬الزمان العالمى‪ .‬اقتبسه سيار الجميل‪ ،‬العولمة والمستقبل ( إستراتيجية تفكير )‪ .‬ط ‪ ،1‬عمان‪ :‬الهلية للنشر‬ ‫‪54‬‬

‫والتوزيع‪ .2000 ،‬ص ‪.43‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪-‬‬

‫وشبه المادية‪ .‬هذه المدينة تفقد مركزيتها‪ ..‬فمركزها يوجد فى كل مكان بقدر ما ل يوجد فى‬
‫أى مكان‪ .‬إ نه مر كز فائق تتحول م عه المدن والعوا صم بهند ستها التقليد ية إلى مجرد دوائر أو‬
‫ضواح‪ ،‬من جراء الت صالت الفور ية العابرة للحدود ب ين الوطان والقارات أو ب ين الهويات‬
‫والثقافات ”(‪.)55‬‬

‫ول كن على الجا نب ال خر فث مة رؤى واتجاهات ترى أن « الحدا ثة » كمشروع فكرى‬


‫فل سفى لم َتمُ تْ‪ .‬وأن “الحدا ثة هى المشروع اللمتنا هى الذى مُ نح أ سس را سخة جديدة ب عد‬
‫قرون من سوء الستعمال ”(‪.)56‬‬
‫حيهث ترى تلك التجاهات أن هناك “ حاجهة إلى منظور نقدى جديهد يتعامهل مهع‬
‫العولمهة بوصهفها الصهيغة الخيرة فهى المناقشات القديمهة حول الحداثهة والرأسهمالية ”(‪.)57‬‬
‫وذلك على اعتبار أن “ ما ب عد الحدا ثة هى فى وا قع ال مر الطار المعر فى الكا من للنظام‬
‫العالمى الجديد‪ .‬فهى رؤية تنكر المركز والمرجعية‪ ،‬وترفض أن تعطى للتاريخ أى معنى‬
‫وللنسان أية قيمة أو مركزية أو إطلق‪ .‬وتُسقط كل اليدلوجيات ( عصر ما بعد اليدلوجيات ) ‪.‬‬
‫وتن كر التار يخ ( ع صر نها ية التار يخ )‪ .‬وتن كر الن سان ( ع صر ما ب عد الن سان )‪ .‬فعالم‬
‫حسهب هذه الرؤيهة يفتقهر إلى المركهز‪ ،‬فكهل المور ماديهة‪ ،‬وكهل المور متسهاوية‪ ،‬وكهل‬
‫المور نسبية‪ ،‬فهو عالم فى حالة سيولة كاملة‪ ...‬وكما يقول « فريدريك جيمسون » الناقد‬
‫المري كى المارك سى‪ :‬إن روح ما ب عد الحدا ثة تعبّر عن روح رأ سمالية ع صر الشركات‬
‫المتعددة القوميات‪ .‬حيههث قام رأس المال (هذا الشههئ المجرد المتحرك الذى ل يكترث‬
‫بالحدود أو الزمان أو المكان) بإلغاء كهل الخصهوصيات‪ ،‬كمها ألغهى الذات المتماسهكة التهى‬
‫يتحهد فيهها التاريهخ والعمهق والذاتيهة‪ ،‬وحلت القيمهة التبادليهة العامهة محهل القيمهة الصهلية‬
‫للشياء ”( ‪.)58‬‬

‫وبالتالى ”إذا كانت قيم العقل والتنوير والحرية والليبرالية قد ازدهرت فى بداية نشأة‬
‫النظام الرأسمالى‪ .‬فإن هذه المرحلة من حياة هذا النظام أخذت تُبرز فلسفة جديدة تسعى لهدار‬
‫هذه القيهم‪ ،‬وإشاعهة اللعقلنيهة والرؤى الجزئيهة المتشظيهة ودحهض المبادئ والنسهقة الكليهة‬
‫المعرفية والتاريخية والعلمية واليدلوجية والقيمية باسم ما بعد الحداثة‪ ،‬مستغلة فى ذلك الطابع‬
‫() على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.161‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪56‬‬
‫‪)(Mosterng, Kenneth, )Modernity, Post modernity, Social Marginality(. P.1. )Available‬‬
‫‪from Internet(.‬‬
‫‪57‬‬
‫‪)(Lloyd, Christopher, “ Globalization: Beyond the ultra-modernist narrative to a critical‬‬
‫‪realist perspective on geopolitics in the cyber age ”. In International Journal of urban and‬‬
‫‪regional Research,. vol. 24 )No. 16 - June 2000(, p. 258. )Available from Internet(.‬‬
‫() ع بد الوهاب الم سيرى‪ " ،‬فى نها ية التار يخ و صراع الحضارات "‪ ،‬فى فخرى لب يب ( محرر )‪ ،‬صراع الحضارات أم‬ ‫‪58‬‬

‫هراع الحضارات أم حوار الثقافات‪ ،‬القاهرة ‪ 12 - 10‬مارس‬


‫هر الدولى حول صه‬
‫حوار الثقافات (أوراق ومداخلت المؤتمه‬
‫‪ .)1997‬ص ‪.104‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪-‬‬

‫الشمولى المطلق الجامهد المتعصهب فهى ممارسهات بعهض المبادئ واليدلوجيات والتوجهات‬
‫الدائيهة والميكانيكيهة والسهتخدامات العدوانيهة والقمعيهة للعقلنيهة وللعلم نفسهه فهى كثيهر مهن‬
‫التجارب ال سياسية والجتماع ية والفكر ية طوال هذا القرن“(‪ ” .)59‬ف قد انتهزت تيارات ما ب عد‬
‫الحداثة هذه الحقائق لصالحها ‪ -‬مثل عجز الفكر الماركسى عن مواكبة العصر وسقوطه ذلك‬
‫السقوط المدوى ‪ -‬بأن عكست الوضع‪ ،‬وبدلً من الحديث عن القتصاد أصبح الحديث كله عن‬
‫الثقافهة وعهن الفكهر كأنهها أشياء ل علقهة لهها بالقتصهاد أو الجتماع‪ ،‬بالعلقات النتاجيهة‬
‫أو تقسهيم العمهل‪ ،‬بالطبقات أو وضهع المرأة فهى المجتمهع‪ .‬حيهث حولت التيارات الفكريهة‬
‫للرأ سمالية المعا صرة ال صراعات إلى معارك مف صولة عن الطار المادى الذى تتحرك ف يه‬
‫سعَت لتحويل الناس إلى م ستهلكين فى سوق ال سلع العال مى‪،‬‬
‫أو تتجاوزه أحيانا لتغيّ ر ف يه‪ ...‬و َ‬
‫وإلى مستهلكين للفكار والصور ولفلم المتعة والترفيه“(‪.)60‬‬

‫وبالتالى يؤدى هذا ‪ -‬مهن وجههة نظهر منتقدى مها بعهد الحداثهة ‪ -‬إلى سهيادة حضارة‬
‫جديدة ” حضارة الفردانيهة التهى تطيهح بنواة المجتمهع النوويهة ( العائلة )‪ ،‬وتطيهح بالتضامهن‬
‫الجماعى على قاعدة روحية ثقافية ( التراحم )‪ ،‬وتطيح بالتواصل الحميمى بين ( الشخاص )‬
‫لت حل محله ( الت صال ) ب ين أفراد‪ .‬وأ ساس هذا كله فى القت صاد الجتما عى وال سياسى هو‬
‫تسهييد دورة ( رأس المال ) فوق الجميهع‪ ،‬دورة النقود والسهلع والنقود‪ ..‬مرة أخرى‪ ،‬ومعهها‬
‫تسييد « القوة »‪ ،‬قوة الرأسمال ودولته أو دولة القوى بين الجميع “(‪ .)61‬وهذا سيؤدى إلى أنه‬
‫” بدلً مهن الماركسهية ( ماركسهيزم ) ظهرت السهوقية ( ماركتزم ) نسهبة إلى السهوق‪ ،‬وهذه‬
‫ال سوقية وهيمنت ها على العالم بأ سره بشماله وجنو به وشر قه وغر به‪ ....‬ستؤدى إلى أن العالم‬
‫سيحكمه إيقاع ثلثى‪ :‬المصنع ( حيث ينتج النسان ) ‪ -‬والسوق ( حيث يستبضع ) ‪ -‬وأماكن‬
‫الترفيه ( حيث يفرغ ما فيه من طاقة وتوترات وعقد وأبعاد )‪ .....‬وحينما يسيطر هذا اليقاع‬
‫الثلثهى على العالم بأسهره يظههر النظام العالمهى الجديهد وأيدلوجيات نهايهة التاريهخ ومها بعهد‬
‫الحداثة “(‪ .)62‬حيث ” الحياة الدنيوية القيمة الولى بل منازع‪ .‬فعندما ل يعود المرء يجد الخلود‬
‫أمامه‪ .‬تغدو الحياة نضال قَلِقا ضد الز من‪ .‬وبطبي عة الحال يغدو الز من الدنيوى ل نهائيا‪ ،‬غير‬
‫أن هذه اللنهائية ل تقوم إل بفتح مجال ل نهائى أمام قلق النسان الحديث “(‪.)63‬‬

‫() محمود أم ين العالم‪ ،‬حضارة وا حد وثقافات متعددة (مقار بة نظر ية عا مة)‪ .‬فى فخرى لب يب( محرر )‪ ،‬المر جع ال سابق‪،‬‬ ‫‪59‬‬

‫ص ‪.84‬‬
‫هب‬
‫هى فخرى لبيه‬
‫هة)‪ .‬فه‬
‫هد الحداثه‬
‫ها بعه‬
‫هر مه‬
‫هن ل تقربوا الدولر (فكه‬
‫هارعوا أو تحاوروا ولكه‬
‫هة‪ ،‬تصه‬
‫هف حتاته‬
‫() شريه‬ ‫‪60‬‬

‫( محرر )‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.222 - 221‬‬


‫() مح مد ع بد الشف يع‪ " ،‬هيروشيما تتذ كر الهو ية "‪ ،‬مجلة الع صور الجديدة (عدد خاص‪ :‬أمريكا‪ ..‬رو ما الجديدة‪ ..‬إمبريال ية‬ ‫‪61‬‬

‫الفضيلة)‪ ( .‬عدد ‪ ،13‬من سبتمبر ‪ ،) 2000‬ص ‪.102‬‬


‫() عبد الوهاب المسيرى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.94‬‬ ‫‪62‬‬

‫() سههيرج لتوش‪ ،‬تغريههب العالم ( بحههث حول دللة ومغزى وحدود تنميههط العالم )‪ .‬ترجمههة خليههل كلفههت‪،‬‬ ‫‪63‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ..‬وفهى الغالب‪ ..‬فإن دعاوى منتقدى تيار مها بعهد الحداثهة ل تجهد صهداها إل لدى‬
‫” أصهحاب المشاريهع اليدلوجيهة الذيهن يقرأون العولمهة قراءة نضاليهة مثاليهة طوباويهة مهن خلل‬
‫تهويمات الهوية وأطياف العدالة‪ .‬وهؤلء يدخلون على العولمة بمواقف مسبقة كما نجد لدى الكثيرين‬
‫من المثقفين العرب والفرنسيين بنوع خاص ممن تفاجئهم الحداث والتحولت‪ .‬مع هذا الفريق تُقرأ‬
‫الظاهرة الكونيهة والطفرة الحضاريهة بتعابيهر السهتتباع الحضارى والغزو الثقافهى‪ ،‬أو الرأسهمالية‬
‫الجديدة أو الهيمنة المريكية‪ ...‬أو موت الثقافة بفعل تسليع الفكار والجساد والشياء “ (‪.)64‬‬

‫وتقرر النظرة الموضوعية أن ” القراءة اليدلوجية هى قراءة وحيدة الجانب تقوم على‬
‫التبسيط والختزال‪ ،‬وذلك حيث تُقرأ العولمة بتعابير التمركز والهيمنة‪ ،‬أو السوق والسلعة‪ ،‬أو‬
‫الستعمار والرأسمالية‪ ،‬أو الختراق والغتصاب‪ ،‬أو الغزو والكتساح “(‪.)65‬‬

‫وبالتالى فإن الدعاء بأن ” الموا كب الحدي ثة ل تزال بحا جة لقار عى الطبول القدا مى ”(‪،)66‬‬
‫هو إدعاء غ ير صحيح‪ ،‬وذلك لن التعا مل اليدلو جى مع العول مة سيؤدى إلى عدم اللتفات إلى‬
‫سلبياتها الساسية التى تتمثل ‪ -‬فى رأى البعض ‪ -‬فى المخاطر التى ستترتب على غياب البُعد‬
‫الرو حى عن العالم الذى تد عو إل يه العول مة‪ ،‬ح يث إن ”انح سار المحتوى الرو حى العم يق لدى‬
‫الشعوب الثرية يعنى أن رسالتهم الرئيسية للشعوب الفقيرة والجماهير الناشطة سياسيا حديثا‪ ،‬إنما‬
‫هى لثارة الرغ بة لدي هم صوب المحاكاة الماد ية‪ ،‬ال تى هى وبب ساطة صعبة المنال لغلب العالم‬
‫المحروم‪ .‬وعل يه غدت ر سالة المحاكاة الماد ية و من غ ير ق صد العا مل المح فز لنوع من الح سد‬
‫المحبط الذى يمكن للمتطرفين الدهماويين المناورة به‪ ،‬والنتيجة هى أزمة روح عالمية “(‪.)67‬‬

‫ويُذكّر هذا بالخطأ الفاحش الذى وقعت فيه الشيوعية عندما ” اعتمدت فى نجاحها على‬
‫الداء المادى تماما بعد أن رفضت القيم الروحية الثابتة‪ ...‬وهنا لم تستطع النجاة لنها أخطأت‬
‫فى الح كم على طبي عة الن سان الخل قة‪ ،‬وتحديدا طبي عة الن سان نف سه‪ .‬ف هى لم ت ستطع ت سخير‬
‫المكانية النسانية لنها سحقت روح النسان “(‪ .)68‬وتناست تماما أن ” النسان يستمد إنسانيته‬
‫ل عن الطبيعة بقوانينها الصارمة وحتمياتها النهائية‪ .‬فرغم أنه يعيش داخلها‬
‫من كونه كائنا منفص ً‬

‫ط ‪ ،1‬سلسلة كتاب العالم الثالث‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار العالم الثالث‪ .1992 ،‬ص ‪.61‬‬
‫() على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.30‬‬ ‫‪64‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫‪65‬‬

‫() هارلن كليفل ند‪ ،‬ميلد عالم جد يد ( فر صة متا حة لقيادة عالم ية )‪ .‬ترج مة جمال على زهران‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬المكت بة‬ ‫‪66‬‬

‫الكاديمية‪ .2000 ،‬ص ‪.50‬‬


‫() زبغنيو بريجنسكى‪ ،‬الفوضى ( الضطراب العالمى عند مشارف القرن الحادى والعشرين )‪ .‬ترجمة مالك فاضل‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪67‬‬

‫عمان‪ :‬الهلية للنشر والتوزيع‪ .1998 ،‬ص ‪.55‬‬


‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.58‬‬ ‫‪68‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاضعا فى ب عض أو جه حيا ته لقوانين ها‪ .‬إل أ نه قادر على تجاوز ها وتجاوز قوانين ها ليتحرك‬
‫دا خل البنهى الن سانية‪ ،‬الحضار ية والتاريخ ية ال تى شيدتهها يداه‪ ،‬وال تى تش كل حيزا إنسهانيا له‬
‫قوانينه الخاصة‪ .‬هذا الحيز هو رقعة الحرية التى يمكن للنسان أن يمارس فيها حرية الختيار‬
‫والسهقوط والرتفاع‪ .‬حريهة أن يخطهئ ويصهيب‪ ،‬وأن يتحول إلى بطهل أو مهرج؛ ولذا يصهبح‬
‫التنبؤ بسلوكه فى حكم المستحيل‪ .‬إن النسان إنسان بسبب حضاريته وتاريخيته‪ ..‬وهذا ما تنكره‬
‫الرؤ ية المتمركزة حول الطبي عة ال تى ترد الن سان فى جم يع أبعاده إلى عالم الطبي عة ‪ /‬المادة‪،‬‬
‫وإلى قوانينها البسيطة التى يمكن التنبؤ بها والتحكم فيها وتوظيفها “(‪.)69‬‬

‫‪ ..‬إل أن غياب الُب عد الرو حى عن فل سفة ما ب عد الحدا ثة ‪ -‬والذى قد يع تبره الب عض‬
‫أقرب أو جه ن قد العول مة إلى الموضوع ية ‪ -‬قد يد عو إلى القياس التلقائى على م صير التجر بة‬
‫الشيوعية والتورط فى ” التفكير الساذج ذى الخطوط الطولية‪ ...‬والسقاطات الطولية التى تميز‬
‫معظم ما يُكتب حاليا عن المستقبل؛ وهى بالتالى تدفع إلى القلق من أجل أشياء مغالطة تماما لما‬
‫ينبغى القلق بشأنه‪ ،‬ذلك أننا لن نستطيع أن نفهم عصرنا ما لم نتقبل الفرضية المنطقية بأننا نندفع‬
‫نحهو مرحلة جديدة تماما مهن التطور القتصهادى والتكنولوجهى ‪ -‬مرحلة مها فوق التصهنيع ‪-‬‬
‫وبدون تقبلنا للمنطق الثورى فإننا لن نستطيع أن نحرر خيالنا لينطلق إلى آفاق المستقبل“(‪.)70‬‬

‫لذا‪ ..‬فإن محاولة التمادى فى تف سير الحا ضر بالما ضى لن تفلح لتقد يم إضا فة روح ية‬
‫إلى فكر وفلسفة ما بعد الحداثة‪ ..‬بحيث يمكنها تنمية مستقبل النسان المادى والروحى‪ .‬وحتى‬
‫يم كن ال سير فى هذا المضمار‪ ،‬فإ نه ينب غى أن يتولد الف هم الخالص بأن ” مشروع الحدا ثة قد‬
‫فشل‪ ،‬وأن فلسفة ما بعد الحداثة هم أول من أصدر شهادة الوفاة ”(‪.)71‬‬

‫وهذا يعنى بكل بساطة أن ” الظاهرة الكونية تتطلب تفسيرا كونيا ”(‪ ،)72‬تفسيرا مغايرا‬
‫للتف سيرات ال سابقة المتعارف علي ها‪ ،‬انطلقا من أن الع صر الرا هن بات صالته الشبك ية يف تح‬
‫الطر يق للجوا نب الماد ية فى حياة الن سان مثل ما يف تح الطر يق أيضا للجوا نب الروح ية‪ ،‬إذ إن‬
‫إمكانية التخاطب والتفاعل الحر من خلل شبكات المعلومات حاليا وطريق المعلومات السريع‬
‫فى المستقبل‪ ،‬وتنامى دور منظمات المجتمع المدنى غير الحكومية‪ ،‬كل ذلك سيؤدى إلى عدم‬
‫غياب الدعوة والتبشير من ناحية ب عض الجماعات بالقيم الروح ية وأهميتها فى حياة الن سان‪.‬‬

‫() عبد الوهاب المسيرى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.90‬‬ ‫‪69‬‬

‫() آلف ين توفلر‪ ،‬صدمة الم ستقبل ( المتغيرات فى عالم ال غد )‪ ،‬ترج مة مح مد على نا صف‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪ :‬نه ضة م صر‬ ‫‪70‬‬

‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ .1990 ،‬ص ‪.192‬‬


‫‪71‬‬
‫‪)(Beck, Ulrich, Beyond the nation state )globalization(. p.3. )Available from Internet(.‬‬
‫() صهامويل هنتنجتون‪ ،‬صهدام الحضارات ( إعادة صهنع النظام العالمهى )‪ .‬ترجمهة طلعهت الشايهب‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار سهطور‪،‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪ .1998‬ص ‪.160‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فل مجال للتطا بق ب ين غياب الجا نب الرو حى فى ع صر « الحدا ثة »‪ ،‬وغيا به فى‬
‫عصر « ما بعد الحداثة »∗‪ ..‬فثمة اختلفات جوهرية بين العصرين‪ ،‬فالحداثة لم توجد فيها إل‬
‫بنية اتصالية مصمتة لنقل وجهة النظر الواحدة فى الغالب العم‪ ،‬أما ما بعد الحداثة فلديها بنية‬
‫ات صالية شبك ية تتقا طع في ها اللف والملي ين من الرؤى ووجهات الن ظر‪ ..‬وبالتالى فال مر‬
‫متروك لخيار النسان‪..‬‬

‫‪‬‬

‫للمزيد حول مفهومى « الحداثة » و« ما بعد الحداثة »‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪-‬‬ ‫انظهر‪ :‬باسهم على خريسهان‪ ،‬العولمهة والتحدى الثقافهى‪ .‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الفكهر العربهى‪ .2001 ،‬صهفحات ‪99‬‬
‫‪.115‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمــة الفصـل الول‪:‬‬


‫عرضهت الدراسهة بالفصهل الول للبعاد الفكريهة لظاهرة العولمهة‪ ،‬مهن خلل دراسهة‬
‫مداخلها التاريخية والمعرفية والفلسفية‪.‬‬

‫حيهث تهبين مهن عرض المدخهل التاريخهى لظاهرة العولمهة أن العولمهة ‪ -‬مهن وجههة‬
‫النظر التاريخية ‪ -‬كانت نتاجا لرغبة النسان منذ بدء الخليقة فى الحاطة بأبعاد الرض التى‬
‫أو العالم الذى يعيهش فيهه‪ .‬وقهد تراكمهت التصهورات النابعهة مهن تلك الرغبهة عهبر العصهور‬
‫المتتالية التى شهدتها النسانية‪ .‬بحيث تطورت تلك التصورات من مجرد التعامل مع الرض‬
‫على أنها مسرح للحداث إبان عصور الصيد الولى‪ ،‬إلى التعامل مع سطح الرض باعتباره‬
‫شريكا فى الحداث إبان عصور الزراعة‪ ،‬ثم التعامل مع باطن الرض باعتباره هو الشريك‬
‫فى الحداث إبان ع صور ال صناعة من خلل الهتمام بالثروات المخبوءة دا خل الرض‪ ،‬ثم‬
‫أخيرا امتد حيز الفق النسانى إلى ما فوق القشرة الرضية من فضاء محيط فى ظل عصر‬
‫الفضاء والمعلومات بحيهث أصهبحت الرض كلهها بسهطحها وباطنهها ونطاق جاذبيتهها ههى‬
‫موضوع الحداث‪ .‬وبذلك تصهبح العولمهة مهن وجههة النظهر التاريخيهة‪ ،‬بمثابهة رؤيهة إنسهانية‬
‫لوحدة الم صير الن سانى على هذا الكو كب‪ ،‬الذى يم ثل فى الت صورات الن سانية المتراك مة‬
‫تاريخيا أبعاد العالم الرضى الذى يعيش فيه البشر جميعا‪.‬‬

‫كما تبين من عرض المدخل المعرفى لظاهرة العولمة أن العولمة ‪ -‬من وجهة النظر‬
‫المعرفيهة ‪ -‬مصهطلح خلفهى ل يوجهد اتفاق على تعريفهه‪ ،‬لنهه غالبا مها تؤدى التوجهات‬
‫اليدلوج ية إلى تعر يف م صطلح العول مة وفقا لمنظور كل أيدلوج ية‪ .‬ف فى ح ين يرا ها الب عض‬
‫شرا مطلقا يراهها البعهض الخهر خيرا مطلقا‪ ،‬وذلك وفقا للنتماءات اليدلوجيهة لكهل فريهق‪.‬‬
‫ولهذا فإن التعريف المحايد الذى يوصّف العولمة انطلقا من أنشطتها العملية هو الذى يرى أن‬
‫العولمة ما هى إل « زيادة درجة الرتباط المتبادل بين المجتمعات النسانية من خلل سهولة‬
‫عمليات انتقال السلع ورؤوس الموال وتقنيات النتاج والشخاص والمعلومات »‪.‬‬

‫ول قد تبين من عرض المد خل الفل سفى لظاهرة العول مة أن العول مة ‪ -‬من وج هة الن ظر‬
‫الفلسفية ‪ -‬يمكن اعتبارها الوجه التطبيقى لفلسفة ما بعد الحداثة‪ .‬إذ إن العولمة كظاهرة تاريخية‬
‫كبرى بمثابة تجاوز للمشروع الفكرى لفلسفة « الحداثة » وأقرب إلى فلسفة « ما بعد الحداثة »‪.‬‬
‫فلقد كانت الحداثة هى فلسفة « العالمية » بينما تبدو ما « ما بعد الحداثة » هى فلسفة العولمة‪.‬‬

‫إذ إن فل سفة ما ب عد الحدا ثة تبت عد عن المطلقات ال تى أ سست ل ها فل سفة الحدا ثة‪ ،‬وتقترب من‬
‫الممكنات والحتمالت المفتو حة‪ .‬وبالتالى ف هى بمثا بة انتقال من الحتم ية إلى الن سبية‪ ،‬و من «‬
‫‪-‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪-‬‬

‫رؤ ية « نيو تن » الحتم ية للكون إلى رؤ ية « أينشتا ين » النسبية لذات الكون‪ ،‬فب سقوط المطلق‬
‫الزمنى سقط أيضا المطلق المكانى‪ ،‬وأدت الثورة التصالية الشبكية على مستوى العالم إلى أن‬
‫ي تم ض غط المكان وت سريع إيقاع الز من‪ ،‬وبالتالى أ صبح العالم كله حاضرا فى كل نق طة من‬
‫نقاط المكنهة الموجودة على كوكهب الرض‪ .‬وبالتالى فإن فلسهفة مها بعهد الحداثهة تقدم نفسهها‬
‫باعتبار ها الخلف ية الفكر ية ال تى يتحرك أمام ها مش هد العول مة الذى ت سرى ف يه ال سلع ورؤوس‬
‫الموال والشخاص والمعلومات عبر أقطار العالم بسرعة الصوت أو الضوء‪.‬‬
‫ولكهن‪ ..‬إذا كانهت البعاد الفكريهة لظاهرة العولمهة تقدم الخلفيهة التاريخيهة والمعرفيهة‬
‫والفلسهفية التهى تنطلق منهها هذه الظاهرة‪ .‬فإن دراسهة البعاد الماديهة لظاهرة العولمهة تقدم‬
‫المظاهر المادية التى تنشأ عن فاعليات هذه الظاهرة‪ ،‬والكيانات المادية التى تعتمد عليها فى‬
‫ممارستها لهذه الفاعليات‪ ..‬وهذا ما سنعرض له فى الفصل القادم‪..‬‬

‫‪‬‬

‫الفصـل الثـانى‬
‫البعـاد المــاديـة لظاهرة العــولمـة‬
‫‪-‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪-‬‬

‫محتـويـات الفصـل الثـانى‬

‫مقـدمـة الفصـل الثـانى‬


‫مظاهر العولمة‬ ‫المبحث‬
‫مؤسسات‬ ‫الول‪:‬‬
‫المبحث‬
‫العولمة‬
‫الثـانى‬ ‫الثانى‪:‬‬
‫خـاتمــة الفصـل‬

‫المبحـث الول‬
‫مظـاهر العولمـة‬

‫يتيح تحليل مضمون أدبيات العولمة التعرف على المظاهر المرتبطة بها والناشئة عنها‬
‫والكاشفة عن آثارها المادية التى تعكسها على كافة الصعدة والمجالت‪.‬‬
‫ففهى الدبيات المؤيدة أو الناقدة للعولمهة ثمهة عبارات تتكرر بانتظام لتكشهف عهن المظاههر‬
‫المرتبطة بكافة عمليات العولمة فى أبعادها السياسية والقتصادية والثقافية والتصالية ( العلمية )‪.‬‬

‫وتتوارد هذه المضامين الدالة على مظاهر العولمة فى العبارات التالية‪:‬‬


‫توح يد ‪ -‬تو حد ‪ -‬انق سام ‪ -‬تف تت ‪ -‬تفرق ‪ -‬تنوع ‪ -‬تف كك ‪ -‬مشار كة ‪ -‬شمول ‪ -‬اندماج ‪-‬‬
‫تكا مل ‪ -‬تر كز ‪ -‬تك تل ‪ -‬ترا كم ‪ -‬تنم يط ‪ -‬تش ظى ‪ -‬تجا نس ‪ -‬تما ثل ‪ -‬اعتماد متبادل ‪-‬‬
‫تشابك ‪ -‬تفاعل ‪ -‬تقارب ‪ -‬تعاون ‪ -‬انتشار ‪ -‬تشابه ‪ -‬تذويب ‪ -‬ترابط ‪ -‬تداخل ‪ -‬تعددية ‪-‬‬
‫ل مركزية ‪ -‬فردية ‪ -‬تآكل ‪ -‬تخصص ‪ -‬مركزية ‪ -‬تحول ‪ -‬زوال ‪ -‬تسارع ‪ -‬سيولة ‪-‬‬
‫انفتاح ‪ -‬اختراق ‪ -‬تغيّره ‪ -‬توسهع ‪ -‬انحسهار ‪ -‬توازن ‪ -‬انكماش ‪ -‬عدم ارتداد ‪ -‬ضغهط‬
‫الزمان ‪ -‬ل مكان ‪ -‬اختزال‪ ....‬إلخ‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولعهل التحليهل اللغوى لمعانهى تلك العبارات يوضهح مدى التناقهض المتولد عهن تلك‬
‫العبارات المتعاكسة والمتضادة والمتفارقة فى دللتها ومضمونها وتأثيرها‪ .‬فالعولمة بذلك فى‬
‫أوضح مظاهرها تعبّر عن مجموعة متناقضات يعجز المنطق البسيط عن جمعها معا فى بوتقة‬
‫واحدة‪ .‬إذ كيف تتلقى المتناقضات لكى تُشكّل ‪ -‬فى مجملها ‪ -‬بناءا متكاملً متماسك الركان‬
‫ول يفتقر إلى الصلبة والقوة‪.‬‬

‫من هنا تنبع أهمية التعامل مع العولمة باعتبارها ” عملية مركبة مزدوجة ومتعارضة‬
‫يتجاذب فيها منطق التوحيد مع آليات النقسام‪ .‬ويعمل الميل إلى الئتلف والتجانس مع الميل‬
‫إلى الختلف والتنافر‪ .‬وهذا شأن كل اجتماع بشرى وكل تجمع حضارى أو فضاء ثقافى “(‪.)73‬‬

‫فالعولمة إذن ‪ -‬كعملية مركبة ‪ -‬تتشكل وتتمظهر فى إطار ما يمكن أن نطلق عليه‬
‫« استراتيجية التوحد والتكتل والندماج » و« تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام »‪.‬‬

‫ولعل هذه الحقيقة الملزمة لمظاهر العولمة ل تعبّر عن تناقض داخلى‪ ،‬بل هى تعبّر‬
‫عن منطق المور والشياء فى طبيعتها الفطرية‪ ،‬فالكل يتركب من الجزاء‪ ،‬والجزاء تتفرع‬
‫من الكل‪.‬‬

‫وبالتالى فإن العولمهة توحّده الطهر فهى إطار واحهد‪ ،‬بينمها تقسهّم المضاميهن‪ .‬تختصهر‬
‫المرجعيات‪ ،‬بينما تتفرع فى الوسائل والساليب‪.‬‬

‫ولهذا فإن الحديث عن مظا هر التوحد والتكتل والندماج فى العول مة‪ ،‬ل يم كن ف صله‬
‫عهن مظاهرالتشظهى والتجزؤ والنقسهام‪ .‬فالمظهران متلزمان‪ ،‬بحيهث يمكهن التقريهر أن أعهم‬
‫مظاهر العولمة يمكن صياغتها فى التعبير التالى‪ :‬التوحد الملزم للنقسام‪ ،‬أو التكتل الملزم‬
‫للتجزؤ‪ ،‬أو الندماج الملزم للتشظى‪ ..‬وهكذا‪.‬‬

‫وك ما يقول الرئ يس التشي كى « فاكلف هاف يل »‪” :‬ن حن نع يش الن « حضارة كون ية‬
‫واحدة »‪ ،‬وهى ليست أكثر من قشرة رقيقة‪ ،‬قشرة تغطى أو تخفى التنوع الكبير فى الثقافات‪،‬‬
‫فى الشعوب‪ ،‬فى عالم الديان‪ ،‬فى التقاليد التاريخية والتجاهات التى تشكلت على مر التاريخ‪،‬‬
‫وجمعيها يوجد تحت تلك القشرة على نحو ما “(‪.)74‬‬

‫() على حرب‪ ،‬حديث النهايات (فتوحات العولمة ومآزق الهوية)‪ .‬ص ‪.111‬‬ ‫‪73‬‬

‫() صامويل هنتنجتون‪ ،‬صدام الحضارات ( إعادة صنع النظام العالمى )‪ .‬ترجمة طلعت الشايب‪ ،‬ص ‪.94‬‬ ‫‪74‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبالتالى فإن هذا التوحهد الذى يضهم بداخله التنوع‪ ،‬ينبهع أيضا ‪ -‬كمها يقرر « بطرس‬
‫غالى » الم ين العام ال سابق لمنظ مة ال مم المتحدة ‪ -‬من ” أن كوكب نا يخ ضع لض غط تفرزه‬
‫قوتان عظيمتان متضادتان‪ :‬إنهما العولمة والتفكك “(‪.)75‬‬
‫كما ينبع مثلما يقرر « ميشيل كلوج » فى دراسته « أربع أطروحات حول العولمة »‬
‫مهن ” أن العولمهة كمها تعمهل على خلق التوحهد‪ ،‬إل أنهها ليسهت مرادفا لمصهطلح‬
‫« عالم واحد »‪ ،‬بل هى تتجه أكثر فأكثر إلى خلق نظام متشابك لعوالم متصلة ومترابطة فيما‬
‫بينها‪ ،‬بواسطة المستحدثات الكونية الجديدة والمتطورة “(‪.)76‬‬

‫إن العولمهة ‪ -‬إذن ‪ -‬تعمهل وفقا لسهتراتيجية التوحهد والتكتهل والندماج وتكتيكات‬
‫التشظهى والتجزؤ والنقسهام‪ .‬وبالتالى فإن العولمهة ” بقدر مها تولّد مشاعهر التقارب والتجانهس‬
‫والتشا بك ب ين الثقافات‪ ،‬تعزز مشا عر التما يز والخ صوصية‪ ،‬وتؤ كد الحدود ب ين هو ية وأخرى‬
‫”(‪ .)77‬وهذا يج عل ” ش كل العالم فى عمل ية العول مة هو أقرب إلى الشب كة م نه إلى الهرم“(‪.)78‬‬
‫لنهه ” إذا كان جوههر الحضارات واحدا‪ ،‬أل وههو عمارة الرض‪ .‬فإن جوههر الثقافات ههو‬
‫التعدد والتعددية‪ ،‬لنه متعلق بأساليب الحياة وإضفاء المعنى على الشياء “(‪.)79‬‬

‫ول عل هذا التلزم ب ين المتفارقات فى مظا هر العول مة‪ ،‬والذى يتم ثل فى إ ستراتيجية‬
‫التو حد والتك تل والندماج وتكتيكات التش ظى والتجزؤ والنق سام‪ ،‬يقت ضى أهم ية التعرض ل كل‬
‫مظهر من هذه المظاهر للتعرف عليه عن قرب‪ ،‬وذلك على النحو التالى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬إستراتيجية التوحد والتكتل والندماج‪:‬‬


‫تنطوى إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج على كا فة المظا هر العا مة ال تى‬
‫تقوّى الترا بط والتقارب والتدا خل على كا فة الم ستويات‪ .‬وذلك انطلقا من حقي قة ” أن العول مة‬
‫تُعتبر مرحلة تاريخية فى تطور العالم جوهرها وجود مجموعة من الظواهر والمستجدات ذات‬
‫الطابع العلمى والمعلوماتى والقتصادى والسياسى والثقافى العابرة لحدود الدول‪ ،‬والتى تؤدى‬
‫إلى مزيد من الترابط والتداخل والتأثير والتأثر بين دول العالم ومناطق مختلفة “(‪.)80‬‬

‫() أحمهد مجدى حجازى‪ " ،‬العولمهة وتهميهش الثقافهة الوطنيهة‪ :‬رؤيهة نقديهة مهن العالم الثالث "‪ ،‬مجلة عالم الفكهر‬ ‫‪75‬‬

‫( عدد خاص بعنوان‪ :‬العولمة ظاهرة العصر )‪ ( .‬العدد ‪ ،2‬أكتوبر ‪ -‬ديسمبر ‪ ،) 1999‬ص ‪.123‬‬
‫() سيار الجميل‪ ،‬العولمة والمستقبل ( استراتيجية تفكير )‪ .‬ص ‪.49‬‬ ‫‪76‬‬

‫() نيفيهن مسهعد‪ " ،‬تعقيهب على ورقهة‪ :‬العولمهة والدولة "‪ ،‬فهى أسهامة أميهن الخولى ( محرر )‪ ،‬العرب والعولمهة ( بحوث‬ ‫‪77‬‬

‫ومناقشات الندوة الفكرية التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية )‪ .‬ص ‪.185‬‬
‫() حيدر إبراهيم‪ " ،‬العولمة وجدل الهوية الثقافية " مجلة عالم الفكر‪ ( .‬مرجع سابق )‪ ،‬ص ‪.106‬‬ ‫‪78‬‬

‫() تركى الحمد‪ ،‬الثقافة العربية فى عصر العولمة‪ .‬ص ‪.67‬‬ ‫‪79‬‬

‫() حسنين توفيق إبراهيم‪ " ،‬العولمة‪ :‬البعاد والنعكاسات السياسية ( رؤية أولية من منظور علم السياسة ) "‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.187‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪-‬‬

‫فالعول مة تع مل على ”الزيادة المتنام ية فى وتيرة التدا خل ب ين الجماعات والمجتمعات‬


‫البشريهة فهى هذا العالم‪ ،‬ويبدو هذا التداخهل أكثهر وضوحا على صهعيدى القتصهاد والعلم‪.‬‬
‫ولكنه ل يقل عن ذلك شأنا فى مجالت الثقافة والسياسة‪ ..‬فل يمكن اليوم الحديث عن اقتصاد‬
‫منعزل‪ ..‬ك ما ل يم كن الحد يث عن حدود سياسية قادرة على الحما ية المطل قة للدولة‪ ..‬بف ضل‬
‫ثورة المعلومات والتصالت “(‪.)81‬‬

‫وبالتالى فإن العولمة كما يُعرفها «أنتونى جيدنز» بمثابة ” مرحلة جديدة‪ ..‬تتكثف فيها‬
‫العلقات الجتماع ية على ال صعيد العال مى‪ .‬ح يث يحدث تل حم غ ير قا بل للف صل ب ين الدا خل‬
‫والخارج‪ .‬وي تم في ها ر بط المحلى والعال مى بروا بط اقت صادية وثقاف ية و سياسية وإن سانية “(‪.)82‬‬
‫فالعولمة على الرغم من أنها ” تزيد من قبضة وصلبة وسيطرة المركز‪ ،‬لكنها تخلق مشاكل‬
‫واحدة‪،‬وتجر بة متقار بة‪ ،‬ووعيا متدرجا‪ ،‬وو سائل ودوا عى تو حد جهود الملي ين ض هد الخ طر‬
‫الكبر“(‪ ،)83‬سواء أكان هذا الخطر إنسانيا ( سياسيا اقتصاديا ثقافيا )‪ ،‬أم طبيعيا ( بيئيا )‪.‬‬

‫فل قد أدى تشا بك الت صالت العالم ية إلى ”تو سيع نطاق ال صراع المحلى ليد خل فى‬
‫زمرة قضايا المن العالمى‪ ،‬وتحويل الفقر المحلى إلى مشكلة تنمية عالمية‪ ،‬والتمكن من رؤية‬
‫الكيفية التى تتراكم بها سلوكيات الفراد لتصير تهديدات بيئية شاملة “(‪.)84‬‬

‫وبالتالى أصبحنا فى هذا العالم ”مرتبطين معا بطريقة راسخة‪ ،‬حيث لم نعد لول مرة‬
‫بقادريهن على البقاء كحضارات مانعهة ومغلقهة‪ ،‬سهواء أكانهت حضارة شرقيهة أم غربيهة‪ .‬إننها‬
‫نتقاسهم احتمالً مشتركا للبادة أو النجاز‪ ،‬وبالتالى ل نسهتطيع البقاء متعدديهن ولكهل تاريخهه‬
‫المختلف والمعزول‪ .‬إن تاريهخ كهل منها الثقافهى والوطنهى قهد تحول إلى قيهم مشتركهة عامهة‬
‫لمستقبل أفضل للبشرية “(‪.)85‬‬

‫ولهذا فثمة ”اتجاه صاعد يضغط فى سبيل صياغة نسق مُلزم من « القواعد الخلقية‬
‫الكونية »‪ .‬ومطروح الن فى الساحة الفكرية العالمية أكثر من مشروع لصياغة هذه القواعد‪.‬‬
‫بعضها مستمد من الديان السماوية الثلثة‪ ،‬بالضافة إلى الخبرة النسانية الممتدة‪ ،‬وما يسمى‬

‫() تركى الحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.20‬‬ ‫‪81‬‬

‫() عبد الخالق عبد ال‪ " ،‬العولمة‪ :‬جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها "‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪82‬‬

‫هط‬
‫هد الباسه‬
‫هى عبه‬
‫هن "‪ ،‬فه‬
‫همير أميه‬
‫هر سه‬‫هل الدولى‪ :‬حول فكه‬
‫هيم العمه‬
‫هة والمرأة وتقسه‬
‫هة‪ " ،‬العولمه‬
‫هف حتاته‬
‫() شريه‬ ‫‪83‬‬

‫عبد المعطى ( محرر )‪ ،‬العولمة والتحولت المجتمعية فى الوطن العربى‪ .‬ص ‪.256‬‬
‫() هارلن كليفلند‪ ،‬ميلد عام جديد‪ .‬ترجمة جمال على زهران‪ ،‬ص ‪.299‬‬ ‫‪84‬‬

‫() أ‪ .‬ك‪ .‬م‪ .‬خان‪ " ،‬تحدى الحضارة الكونية‪ :‬رد هندى "‪ ،‬فى فخرى لبيب ( محرر )‪ ،‬صراع الحضارات أم حوار الثقافات‬ ‫‪85‬‬

‫( أوراق ومداخلت المؤتمهر الدولى حول صهراع الحضارات أم حوار الثقافات‪ ،‬القاهرة ‪ 12 - 10‬مارس ‪ .) 1997‬ص‬
‫‪.359‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪-‬‬

‫« الثقافة المدنية » والتى تركز على الحرية السياسية وأهمية المجتمع المدنى واحترام حقوق‬
‫النسان “(‪.)86‬‬

‫ول عل هذا التجاه ن حو ن شر الثقا فة المدن ية ين بع من ” أن العمليات الديمقراط ية للبلدان‬


‫المنفردة قد أمست تتأثر شيئا فشيئا بشدة بالفكار‪ ...‬ذوات الصل الخارجى‪ .‬حيث باتت تنتمى‬
‫كل الحزاب السياسية الديمقراطية تقريبا إلى ائتلفات دولية شتى‪ .‬مما يزيد من اعتماد الدول‬
‫بعضها على البعض الخر ويضعف قوة الحدود الدولية التقليدية الفاصلة “(‪.)87‬‬

‫إن مظاهر التوحد والندماج التى تكشف عنها العولمة تغي ـِر من شكل العالم إلى حد‬
‫كبير‪ ،‬مما سيؤدى إلى ” نشوء مركز هو من الطغيان والحضور بحيث يوجد فى كل مكان ول‬
‫يو جد فى أى مكان معا‪ .‬إ نه مر كز عال مى يتوا فق مع احتياجات ال سوق الكل ية سوف ت صبح‬
‫جم يع المدن والعوا صم بالن سبة إل يه بمثا بة ضواح ل غ ير “(‪ ” .)88‬و من ثم ك سر جمود ض يق‬
‫نطاق المكان‪ ،‬وجعهل المكان ممتدا ل ينحصهر فهى نطاق حدود دولة بذاتهها‪ ،‬بهل يتعدى هذه‬
‫الحدود ليقيهم الفرد علقات وتعاملت مهع الخريهن على اتسهاع العالم وترامهى أطرافهه‪ ..‬إن‬
‫معاملت شبكة النترنت مثالً حيا على ذلك “(‪.)89‬‬

‫إن « ا ستراتيجية التو حد والتك تل والندماج » ال تى تتمظ هر العول مة وفقا ل ها‪ ،‬سواء‬
‫أكانهت على المسهتويات القتصهادية بالتكتهل والتركهز‪ ،‬أم على المسهتويات السهياسية بالتوحهد‬
‫والترا بط والتعاون المتبادل‪ ،‬أم على الم ستويات الثقاف ية بالنفتاح والتقارب والت سامح‪ ،‬أم على‬
‫المستويات التصالية بالتشابك والتزامن والتفاعل‪ ،‬إن هذه الستراتيجية تمثل خطوة هامة نحو‬
‫توحيد الجنس البشرى فى نظرته صوب المال والخطار التى تواجه هذا العالم‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام ‪:‬‬


‫ت سفر تكتيكات العول مة للتجزؤ والتش ظى والنق سام عن كا فة المظا هر ال تى تقود ن حو‬
‫التعدد والتنوع والختلف‪.‬‬
‫وتبدو تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنق سام م ثل الك فة الخرى للميزان‪ ،‬الذى‬
‫يح مل على كف ته الولى ا ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج‪ .‬وبالتالى فإن مظا هر‬
‫العولمة تتوازن فيما بين الستراتيجية والتكتيك‪.‬‬

‫() السيد ياسين‪ ،‬الزمن العربى والمستقبل العالمى‪ .‬ص ‪.67‬‬ ‫‪86‬‬

‫() زبغن يو بريجن سكى‪ ،‬الفو ضى ( الضطراب العال مى ع ند مشارف القرن الحادى والعشر ين )‪ .‬ترج مة مالك فا ضل‪ ،‬ص‬ ‫‪87‬‬

‫‪.80‬‬
‫() على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.104‬‬ ‫‪88‬‬

‫() محسن أحمد الخضيرى‪ ،‬العولمة ( مقدمة فى فكر واقتصاد وادارة عصر اللدولة )‪ .‬ص ‪.177‬‬ ‫‪89‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪-‬‬

‫مهن هنها‪ ..‬فإن النظرة التهى ترى أن العولمهة مجرد هيمنهة ومركزيهة واسهتراتيجية كهبرى‬
‫للتو حد والتك تل والندماج‪ ،‬وتتغا فل عن جانب ها الدا فع للتعدد والتنوع والختلف هى مجرد نظرة‬
‫قا صرة‪ ،‬انطلقا من أن ” الرباطات ال تى وحدت مجت مع الت صنيع ‪ -‬رباطات القانون والق يم العا مة‬
‫ومركزية التعليم والثقافة ونمطيتها ‪ -‬كلها تتمزق‪ .‬إن النظريين المتشائمين المنذرين بمجتمع الكتلة‬
‫الواحدة هم فى الحقي قة قوم قد ا ستبد ب هم وا قع بدأ نا نتجاوزه‪ ..‬بح يث ما زالوا ي ستجيبون لظروف‬
‫مجتمع التصنيع‪ ،‬رغم أن هذا النظام يضمحل وسائر فى طريقه إلى البطلن “ (‪ .)90‬ورغم أن ”أى‬
‫نظرة فاحصة إلى هذا الدعاء ستثبت لنا أن العكس هو الصحيح‪ .‬إذ إننا نسير بسرعة نحو التشطير‬
‫والتنوع‪ ،‬ل فى إنتاجنا المادى فحسب‪ ،‬ولكن أيضا فى الفن وفى التعليم وفى الثقافة العامة “ (‪.)91‬‬

‫فعلى المسصتوى الحضارى تهم النتقال مهن ” مرحلة يغلب عليهها التأثيهر الموجهه مهن‬
‫إحدى الحضارات على غير ها‪ ،‬إلى تأث ير ذى تفاعلت متعددة التجاه ب ين كل الحضارات “(‪.)92‬‬
‫بحيهث أصهبحت ” أيهة هويهة جمعيهة ذات شأن كهبير للمجتمهع الدولى‪ ،‬ليسهت محتملة ول‬
‫ضرور ية‪ .......‬ل نه فى النظام العال مى الجد يد ي تم ج عل هذه المجتمعات ن سبية‪ ،‬باعتبار ها‬
‫أجزاءً من نظام تتش تت ف يه كل من ال سلطة ال سياسية والثقاف ية‪ .‬وإن هذا التش تت مل مح من‬
‫ملمح العالم‪ ...‬إن التعددية لبد أن تشكل ملمحا أساسيا من ملمح النظام الكونى “(‪.)93‬‬

‫وعلى المستوى المجتمعى ” فإن المجتمعات المتقدمة تكنولوجيا هى فى الواقع أبعد ما‬
‫تكون عهن الرتابهة والتماثهل‪ ......‬إذ إن ضربات مطارق ثورة مها فوق التصهنيع تنهال اليوم‬
‫على المجت مع فتشظ يه وتق سمه إلى أجزاء‪ .......‬إن ن فس قوى التنو يع ال تى تع مل من أ جل‬
‫تو سيع مجال الختيار الفردى لل سلع والمواد الثقاف ية‪ ،‬تع مل أيضا على م حو النمط ية والتما ثل‬
‫فى البنى الجتماعية “(‪.)94‬‬

‫وعلى الم ستوى ال سيا سى‪ ،‬فإن التقدم التكنولو جى سيعمل على خلق قوة جديدة هى‬
‫قوة «التقارب اللكترو نى»‪ .‬و ستعمل تلك القوة ” على زيادة عدد الناس الذ ين يم كن الو صول‬
‫إليهم‪ ..‬عبر المكان والزمان‪ ..‬وهذا التقارب يعمل على توزيع قوى السيطرة والتحكم‪ ،‬وانتقالها‬
‫من أيدى السلطات المركزية إلى جميع سكان العالم “(‪.)95‬‬

‫() آلفين توفلر‪ ،‬صدمة المستقبل ( المتغيرات فى عالم الغد )‪ .‬ترجمة محمد على ناصف‪ ،‬ص ‪.314 - 313‬‬ ‫‪90‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.281‬‬ ‫‪91‬‬

‫() صامويل هنتنجتون‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.87‬‬ ‫‪92‬‬

‫() عبهد العزيهز موافهى‪ " ،‬عرض لكتاب رونالد روبرتسهون ( العولمهة‪ :‬النظريهة الجتماعيهة والثقا فة الكونيهة ) "‪ ،‬مجلة تحديات‬ ‫‪93‬‬

‫ثقافية‪ ( .‬عدد ‪ ،4‬أبريل ‪ -‬يونيو ‪ ،) 2001‬ص ‪.136‬‬


‫() آلفين توفلر‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.296‬‬ ‫‪94‬‬

‫() مايكل ديرتوزوس‪ ،‬ماذا سيحدث ( كيف سيغير عالم المعلومات الجديد حياتنا )‪ .‬ترجمة بهاء شاهين‪ ،‬ص ‪.369‬‬ ‫‪95‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولعل نمو الفردية يمثل أحد الملمح الهامة فى مظاهر العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام‪.‬‬
‫فكمها يلحهظ عالم الجتماع «ألريهس بيهك» ‪ Ulrich Beck‬فهى مؤلفهه ‪The cosmopolitan‬‬
‫‪ manifesto‬ظهور ما يُ سمى ب ه « الفرد ية المؤ سساتية »‪ ،‬و هى تع نى ” أن مع ظم الحقوق‬
‫والمنهح التهى تقدمهها دولة الرفاهيهة مصهممة لفراد وليهس لعائلت‪ ......‬فالناس مدعوون إلى‬
‫تكوين أنفسهم كأفراد‪ ،‬أن يخططوا أو أن يفهموا ويصمموا أنفسهم كأفراد “(‪.)96‬‬

‫ول عل هذا يظ هر أيضا على الم ستوى ال صناعى من خلل ظهور ما يُ سمى «منتجات‬
‫التفرد الجماعى»‪ ” ،‬فهناك اتجاه واضح فى مجال التصنيع‪ ،‬نحو السلع المنخفضة التكلفة التى‬
‫تُصهنع وفقا لرغبهة العميهل‪ ....‬ومهع النخفاض الحتمهى المطرد للتكاليهف‪ ،‬ومهع تقدم أشكال‬
‫التكنولوجيا ونضجها‪ ،‬سوف يظهر النتاج المتفرد الجماعى ليميز هذا العصر “(‪.)97‬‬

‫‪ ..‬ولكن منتقدى العولمة يؤكدون أن إلغاء العولمة للحواجز المكانية بين الدول سيؤدى‬
‫إلى تنميط البشر وتماثلهم‪ .‬وبالتالى فل مجال لمنتجات التفرد الجماعى المزعومة طالما تماثل‬
‫هه إذا كان‬
‫هى أنه‬
‫هل فه‬
‫هن الرد على ذلك يتمثه‬
‫هة المكان‪ .‬ولكه‬
‫هة تضاؤل أهميه‬
‫هر نتيجه‬
‫البشه‬
‫” المكان يختفى تدريجيا كعامل من عوامل التمايز‪ ..‬فإنه ل ينبغى أن يفترض أحد أن الفروق‬
‫بيهن الجماعات تنمحهى كمها يفترض بعهض النظرييهن الجتماعييهن‪ ،‬بهل الحرى أن نقول أن‬
‫محور التنوع يتحول من أبعاد مكانية إلى أبعاد زمانية “(‪ ،)98‬وهذه البعاد الزمانية ستتمثل فى‬
‫الفروق ب ين الجيال المتعاق بة نتي جة ت سارع التغ ير على كا فة الم ستويات؛ وبالتالى فإذا كا نت‬
‫الفروق فى الماضى بين البشر اقتصرت على التمايزات الجغرافية والثقافية والحضارية‪ ،‬فإنها‬
‫ستمتد الن لكى تصل إلى التمايزات الزمنية العمرية الجيلية‪.‬‬

‫إن الواقع الجديد الذى يتشكل مع العولمة يحتاج من أجل فهمه إلى ” فكر غير مؤدلج‬
‫أو مذهب‪ .‬أى إلى فكر يتسم بالمرونة والنفتاح والبتكار‪ ..‬إنه يحتاج فى الدرجة الولى إلى‬
‫أن يغ ير المرء نظر ته الحاد ية التب سيطية‪ ..‬إلى الوا قع‪ ،‬ل كى ين ظر إل يه بتعقيدا ته والتبا ساته‪،‬‬
‫بفجواته وتفجراته “(‪.)99‬‬

‫() أنطو نى جيد نز‪ ،‬الطر يق الثالث ( تجد يد الديمقراط ية الجتماع ية )‪ .‬ترج مة مالك عب يد أ بو شهيوة ومحمود مح مد خلف‪،‬‬ ‫‪96‬‬

‫ص ‪.70 - 69‬‬
‫() مايكل ديرتوزوس‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.170‬‬ ‫‪97‬‬

‫() آلفين توفلر‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.304‬‬ ‫‪98‬‬

‫() تركى الحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.144‬‬ ‫‪99‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪-‬‬

‫ههة‬
‫ههن المركزيات الداريه‬
‫ههن خيارات إل التنازل عه‬
‫ههس هناك مه‬
‫وبالتالى ” فليه‬
‫والبيروقراطيات السلطوية والشموليات السياسية‪ ..‬لصالح التعدديات والتنوعيات‪.)100(“ ..‬‬

‫‪‬‬

‫() سيار الجميل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.50‬‬ ‫‪100‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الثـانى‬
‫مؤسسـات العـولمـة‬

‫تمارس العولمة فاعلياتها المادية التى تتجلى مظاهرها فى إستراتيجية التوحد والتكتل‬
‫والندماج وتكتيكات التشظهى والتجزؤ والنقسهام‪ ،‬مهن خلل قطاعات متعددة فهى العالم يمكهن‬
‫اعتبارهها ‪ -‬فهى مجموعهها ‪ -‬تمثهل المؤسهسات التهى تعبـهِر أنشطتهها عهن العولمهة‪ ،‬بكافهة‬
‫مستوياتها السياسية والقتصادية والثقافية والتصالية ( العلمية )‪.‬‬
‫وهذه المؤسسات يم كن تقسيمها إلى مؤ سسات للبنية التحت ية للعول مة ومؤ سسات للبن ية‬
‫الفوقية للعولمة‪ ،‬وذلك كالتالى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬مؤسسات البنية التحتية للعولمـة ‪:‬‬


‫تتمثل مؤسسات البنية التحتية للعولمة فى القطاعات الموفرة لقنوات ووسائل الربط‬
‫والت صال ب ين أجزاء العالم المتعددة‪ .‬تلك القنوات والو سائل الموا صلتية والت صالية ال تى‬
‫أدى التقدم التكنولوجى المتراكم على مدى التاريخ إلى بلوغها مرحلة متقدمة جدا‪ ،‬أسفرت‬
‫عهن تحقيهق التشابهك والترابهط ( المادى واللكترونهى ) بيهن أطراف العالم‪ .‬وتتكون تلك‬
‫المؤسسات من‪:‬‬

‫(‪ )1‬خطوط المواصلت البحرية والجوية ( السياحية والتجارية )‪:‬‬


‫ساهمت خطوط الموا صلت ‪ -‬البحر ية أولً والجو ية ثانيا ‪ -‬فى ك سر حا جز العزلة‬
‫التى كانت تفرضها البحار والمحيطات‪ .‬فلقد قامت الخطوط البحرية بربط قارات العالم تجاريا‬
‫وا ستكشافيا‪ ،‬وا ستمرت فى ذلك ح تى ” أ صبحت الخطوط الجو ية المدن ية م ستقرة تماما بحلول‬
‫عام ‪ 1939‬خا صة دا خل القارة المريك ية‪ .‬ح يث تو جد ب ها سوق مزدهرة للن قل فائق ال سرعة‬
‫فيما بين المراكز الحضرية التى تفصل فيما بينها مسافات واسعة‪ .‬ولكن على الرغم من هذا‬
‫التقدم ظلت الطرق العابرة للمحيطات خارج نطاق قدرات الطائرات ذات القواعهد الرضيهة‪،‬‬
‫وبالتالى كانهت تقوم بهها طائرات بحريهة “(‪ .)101‬إلى أن ظههر عقهب الحرب العالميهة الثانيهة‬
‫” ج يل جد يد من الطائرات الضخمة ذات الرب عة محركات‪ ..‬ود خل هذا النوع خد مة الطيران‬
‫عبر الطلسى‪ ..‬وبحلول الخمسينات أصبحت الطائرة فى هذا الوقت الوسيلة التى ل غنى عنها‬
‫لجم يع أشكال ن قل الركاب والبر يد لم سافات طويلة‪ ،‬وكذلك لن قل سلع ذات طبي عة خا صة‪ ،‬إلى‬

‫() آر‪ .‬إيه‪ .‬بوكانان‪ ،‬اللة قوة وسلطة ( التكنولوجيا والنسان منذ القرن ‪ 17‬حتى الوقت الحاضر )‪ .‬ترجمة شوقى جلل‪،‬‬ ‫‪101‬‬

‫ص ‪.173‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪-‬‬

‫أن تهم الظهور للمحرك النفاث والذى قام بدور مههم فهى سهبيل ترويهض النقهل الجوى‪ ،‬بحيهث‬
‫أصبح الطيران ميسورا للجميع‪ ..‬فى السفر عبر مسافات طويلة “(‪.)102‬‬

‫لقد كانت الخطوط البحرية ومن بعدها الجوية اللبنة الولى فى مؤسسات البنية التحتية‬
‫للعولمة‪ ..‬ول يمكن إنكار أن شبكات الطرق البرية كان لها أثر كبير فى كسر حاجز العزلة بين‬
‫أطراف العالم القديهم‪ ..‬ولكهن مهع ظهور قارات العالم الجديهد ظهرت الخطوط البحريهة عهبر‬
‫المحيطات‪ ،‬وتم اكتمالها بالخطوط الجوية لتحقيق الربط السريع بين أجزاء العالم ككل‪.‬‬

‫(‪ )2‬شبكات التصالت والعلم ( الكابلية واللسلكية ) والبث الفضائى المباشر‪:‬‬


‫لم تقتصر عملية ربط أجزاء العالم على خطوط المواصلت المادية ( البحرية والجوية )‬
‫فقهط‪ ،‬بهل تعدتهها إلى خطوط التصهالت اللكترونيهة ( الكهرومغناطيسهية )‪ ،‬سهواء أكانهت‬
‫با ستخدام ال سلك والكوا بل‪ ،‬أم با ستغلل الخواص الطبيع ية للطيهف الكهرومغناطي سى لن قل‬
‫الشارات الل سلكية فى أجواء الغلف الجوى لكو كب الرض‪ ،‬أم با ستخدام القمار ال صناعية‬
‫لنقل موجات الميكروويف التصالية من أحد أطراف الرض إلى أى من الطراف الخرى‪.‬‬

‫إل أ نه من خلل إمكان ية ا ستغلل التكنولوج يا الفضائ ية للغراض العلم ية‪ ،‬وال تى‬
‫تطورت من البث الفضائى غير المباشر إلى البث الفضائى المباشر‪ ،‬فقد تحققت المكانية لربط‬
‫جموع السهكان على مسهتوى العالم‪ ،‬ليبدأ بذلك عصهر العلم العالمهى متجاوزا بذلك عصهر‬
‫العلم الجماهيرى‪ ..‬ويمثل البث العلمى الفضائى المباشر اللبنة الولى فى صرح العولمة‬
‫العلمية‪.‬‬

‫وبالتالى فقد أدت التصالت اللكترونية إلى ربط أجزاء العالم صوتيا ومرئيا ولحظيا‬
‫وعن بعد‪ ،‬دون النتقال‪ ،‬بحيث أصبح التصال بديلً عن النتقال‪.‬‬

‫(‪ )3‬شبكة النترنت‪:‬‬


‫تمثهل شبكهة النترنهت الوسهيلة الكثهر شمولً وتقدما فهى عالم شبكات التصهالت‬
‫والعلم والمعلومات فى عالمنا الراهن‪.‬‬
‫حيث تملك شبكة النترنت القدرة على تحقيق التصال والعلم متعدد الوسائط ‪Multi‬‬
‫‪ ( Media‬السمعى البصرى المعلوماتى ) والذى تجتمع فيه ثلثية الصوت والصورة والنص‪،‬‬
‫مع القدرة الكاملة على تحقيق التفاعليه بين أطراف التصال لحظيا‪ .‬والسبب فى ذلك أن شبكة‬
‫النترنت تجتمع فيها كافة التكنولوجيات التصالية والعلمية والمعلوماتية فى حزمة واحدة‪،‬‬

‫() آر‪ .‬إيه‪ .‬بوكانان‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬صفحات ‪.175 - 173‬‬ ‫‪102‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪-‬‬

‫بح يث إنهها تمثهل ‪ -‬فهى مجموعهها ‪ -‬مؤسهسة البنيهة التحتيهة الحديثهة المؤهلة لتفع يل عمليات‬
‫ومظاهر العولمة على كافة المستويات‪.‬‬

‫وإذا كانهت « النترنهت » عبارة عهن شبكهة ضخمهة تتكون مهن عدد كهبير مهن الشبكات‬
‫المرتبطة بعضها ببعض ‪ interconnecting networks‬فإنه “ ل يوجد ثمة شخص أو مجموعة‬
‫أشخاص يم كن ل ها أن تد عى ملك ية أو إدارة النتر نت‪ .‬ول كن يم كن اعتبار كل م ستخدم و كل‬
‫مشترك فى النترنت مسئولً عن جهازه أو شبكته‪ .‬وكل شركة توفر خدمة اتصال بالنترنت‬
‫مسئولة عن شبكتها والمشتركين فيها ”(‪.)103‬‬
‫ول قد اكت سبت « النتر نت » ا ستقللها الحالى م نذ عام ‪ 1983‬عند ما “انق سمت شب كة‬
‫الربانت العسكرية ‪ -‬التى أنشئت للغراض التصالية العسكرية المريكية عام ‪ - 1969‬إلى‬
‫شبكتيهن‪ :‬الولى ظلت تابعهة لوزارة الدفاع المريكيهة وأطلق عليهها « ميلنهت »‪ ،‬والثانيهة‬
‫خصصت للستخدامات المدنية وأطلق عليها النترنت “(‪.)104‬‬
‫” ولقهد غيرت السههولة التهى يمكهن أن ينشهر بهها الفراد والشركات المعلومات عهبر‬
‫النترنت المفهوم الكامل لكلمة « نشر »‪ .‬كما رسخت النترنت نفسها كموقع لنشر المحتوى‪.‬‬
‫فههى تملك مها يكفهى مهن المسهتخدمين لكهى تفيهد مهن دورة التغذيهة المرتدة‪ .‬فكلمها زاد عدد‬
‫مشتركي ها زاد المحتوى الذى تتضم نه‪ .‬وكل ما زاد المحتوى الذى تتضم نه زاد عدد المشترك ين‬
‫المنضمين إليها “(‪.)105‬‬

‫ويُن ظر إلى « النتر نت » على أن ها الطراز الول البدائى من مشروع عملق يُ سمى‬
‫«الطريق السريع للمعلومات» ‪ ” information super highway‬والواقع أن الطريق طويل أمام‬
‫النترنت لتصبح طريق المعلومات السريع‪ .‬لكنها تبقى مع ذلك القتراب الكبر لنا اليوم منه‪،‬‬
‫و سوف تتطور بالف عل لتش كل طر يق المعلومات ال سريع ”(‪ ،)106‬بح يث ” إذا كان الطر يق غ ير‬
‫المُعبّ د ( الحالى ) للنتر نت م صنوعا فى مجمله من كابلت نحا سية‪ ،‬فإن طر يق المعلومات‬
‫السريع والمعبد ربما سيُصنع من اللياف البصرية الليزرية “(‪.)107‬‬

‫وبالتالى فإن المؤسسة المرشحة لكى تصبح مؤسسة البنية التحتية للعولمة بامتياز‪ ،‬هى‬
‫« الطريهق السهريع للمعلومات »‪ ،‬والذى سهيبدو بمثابهة تطويهر هائل لشبكهة النترنهت حيهث‬

‫()‬
‫شريف درويش اللبان‪ ،‬تكنولوجيا التصال ( المخاطر والتحديات والتأثيرات الجتماعية )‪ .‬ص ‪.103‬‬ ‫‪103‬‬

‫()‬
‫مايكل ديرتوزوس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.65‬‬ ‫‪104‬‬

‫()‬
‫بيل جيتس‪ ،‬المعلوماتية بعد النترنت ( طريق المستقبل )‪ .‬ترجمة عبد السلم رضوان‪ ،‬ص ‪.157‬‬ ‫‪105‬‬

‫()‬
‫نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.152‬‬ ‫‪106‬‬

‫() ميتشيو كاكو‪ ،‬رؤى مستقبلية ( ك يف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين )‪ ،‬ترجمة سعد الدين خرفان‪ ،‬ص‬ ‫‪107‬‬

‫‪.75‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪-‬‬

‫سيتجاوزها فى السرعات الفائقة لتبادل المعلومات‪ ،‬وفى البرامج الفائقة الذكاء للتعامل مع‬
‫الكم المهول من المعلومات المنسابة عبر ذلك الطريق‪ ،‬وفى امتداد هذا الطريق إلى كافة‬
‫مجالت الحياة البشريهة الماديهة والمعنويهة‪ ،‬بحيهث يصهبح قناة فريدة للتواصهل بيهن كافهة‬
‫أفراد وأجزاء العالم ككل‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬مؤسسات البنية الفوقية للعولمـة ‪:‬‬


‫تتمثهل مؤسهسات البنيهة الفوقيهة للعولمهة فهى القطاعات التهى تمارس أدوارا سهياسية‬
‫أو اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية أو إنسانية أو قانونية أو ثقافية أو إعلمية على مستوى العالم‬
‫ككهل‪ .‬ولعهل هذه المؤسهسات مها كان لهها أن تمارس أنشطتهها إل مهن خلل اسهتثمار فاعليات‬
‫مؤ سسات البن ية التحت ية للعول مة‪ ،‬باعتبار ها قناة الت صال والنتقال والتوا صل والعلم ال تى‬
‫تحقق الترابط بين أجزاء العالم؛ وبالتالى تتيح لنشطة تلك المؤسسات النتشار على والمتداد‬
‫إلى المستوى العالمى‪.‬‬
‫وتتكون تلك المؤسسات من‪:‬‬
‫(‪ )1‬المنظمات والتفاقيات والمواثيق الدولية‪:‬‬
‫تمثهل المنظمات والتفاقيات والمواثيهق الدوليهة الشكهل الذى تنتظهم ‪ -‬وفقا له ‪-‬‬
‫مؤسهسات البنيهة الفوقيهة للعولمهة ذات التمثيهل الحكومهى على مسهتوى العالم‪ ،‬وذلك مهن‬
‫خلل ربطهها للحكومات الممثلة لدول العالم فهى شكهل منظمات أو اتفاقيات أو مواثيهق‪.‬‬
‫وبالتالى فههى كيان مادى فاعهل على المسهتوى العالمهى لتحقيهق المهن والتعاون على‬
‫الم ستويات ال سياسية والقت صادية والجتماع ية والن سانية والبيئ ية والثقاف ية والعلم ية‬
‫والقانونية والنسانية‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫فعلى مسهتوى الحكومهة العالميهة ‪ -‬تقريبا ‪ -‬تبدو منظمهة المهم المتحدة ‪ UN‬ههى‬
‫المؤسهسة الدول ية الكثهر ت عبيرا عن هذا التو جه‪ ،‬مهن خلل وكالتهها المتخصهصة فهى كافهة‬
‫مجالت التعاون العالميهة‪ ،‬ومهن خلل الجمعيهة العامهة للمهم المتحدة ومجلس المهن‪ .‬فلقهد‬
‫“ لعبت المم المتحدة ومنظماتها التابعة دورا رئيسيا فى تأكيد أهمية العولمة‪ ،‬وأهمية العداد‬
‫لوحدة العالم‪ ،‬وأهمية إيجاد شكل من أشكال الفوقية فوق الدول والحكومات‪ ،‬خاصة فى أوقات‬
‫الزمات‪ .‬وأهمية أن تتنازل الدول والحكومات عن جزء من سيادتها إن لم تكن سيادتها كاملة‬
‫لصالح آليات أكبر‪ ،‬وبشكل يتسع ليشمل جميع دول العالم‪ ،‬وليشكل فيما بعد حكومة العولمة‪.‬‬
‫لقد استطاعت المم المتحدة منذ إنشائها عام ‪ 1945‬ومنظماتها العالمية أن تهيئ الفكر النسانى‬
‫لفكرة الحكومة العالمية ”(‪.)108‬‬

‫()‬
‫محسن أحمد الخضيرى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.71‬‬ ‫‪108‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪-‬‬

‫وعلى مستوى القتصاد العالمى تظهر مؤسسات عالمية مثل‪ “ :‬البنك الدولى وصندوق‬
‫النقهد الدولى واللذان تهم إنشائهمها بمقتضهى اتفاقيهة بريتون وودز عام ‪ )109(” 1944‬ومنظمهة‬
‫التجارة العالمية ‪ WTO‬التى تم إنشاؤها عام ‪” 1995‬لكى تحل محل التفاقية العامة للتعريفات‬
‫والتجارة « الجات »∗ التى تم توقيعها عام ‪.)110(” 1948‬‬
‫” ويقوم صندوق الن قد والب نك الدولى ‪ -‬إلى حد كبير ‪ -‬بمحاولة ض بط ال سياسات‬
‫المال ية والنقد ية لمختلف الدول “( ‪ ،)111‬بين ما ” ت ضع منظ مة التجارة العالم ية مجمو عة من‬
‫القواعد والقوانين التى تلتزم بها الدول العضاء فى مجال التجارة الدولية للسلع والخدمات‬
‫والفكار‪ ،‬وتعمهل على صهيانة وتأكيهد المنافسهة العادلة الحرة فهى التجارة الدوليهة‪ ،‬وعدم‬
‫وجود أى ش كل من أشكال التمي يز والتفر قة ب ين المنتجات المحل ية والمنتجات الم ستوردة‪،‬‬
‫وت ضع إطارا عاما للتزامات الدولة فى التخفيضات الجمرك ية‪ .‬و من أ جل حما ية المناف سة‬
‫تقوم بمكافحة الممارسات التجارية غير العادلة‪ ،‬مثل الدعم الحكومى للصادرات‪ ،‬أو لجوء‬
‫ب عض الم صدرين إلى تخف يض أ سعار المنتجات الم صدرة عن ال سعار المحل ية‪ ،‬و هو ما‬
‫يُعرف بالغراق “(‪.)112‬‬

‫وعلى المسهتوى القانونهى والقضائى العالمييهن‪ ،‬تقوم كهل مهن محكمهة العدل الدوليهة‬
‫والشرطهة الجنائيهة الدوليهة ( النتربول ) بالدور القضائى ومهام تنفيهذ القانون على المسهتوى‬
‫العالمى‪ ،‬وتدعمهما ‪ -‬فى ذلك ‪ -‬قواعد القانون الدولى العام والتفاقيات الدولية لمتابعة وتسليم‬
‫المجرمين فيما يتعلق بالجرائم الجنائية العادية‪ .‬بينما تقوم محكمة الجزاء الدولية بموجب قرار‬
‫من مجلس ال من بالن ظر فى المحاكمات المتعل قة بالجرائم ضد الن سانية‪ ،‬بالضا فة إلى الدور‬
‫الذى ستمارسه المحكمة الجنائية الدولية فى نفس هذا المضمار‪ ،‬ولكن فى نطاق الدول الموقعة‬
‫على اتفاقية إنشاء هذه المحكمة‪.‬‬

‫()‬
‫حازم الببلوى‪ ،‬دور الدولة فى القتصاد‪ .‬ص ‪.206‬‬ ‫‪109‬‬

‫تنص المادة (‪ )20‬من اتفاقية الجات على التى‪ .. « :‬ليس هناك شئ فى هذه التفاقية يمكن فهمه على أنه يمنع تبنى أو‬ ‫‪‬‬

‫إنفاذ أى طرف متعاقهد للتدابيهر‪ ..‬الضروريهة لحمايهة الخلق والمعنويات العامهة‪ ..،‬وحياة أو صهحة النسهان والحيوان‬
‫والنبات‪ ...‬أو الكنوز الوطنيههههههههة ذات القيمههههههههة الفنيههههههههة والتاريخيههههههههة‬
‫أو الركيولوجية‪ ،‬وصون الموارد الطبيعية القابلة للستنفاد‪.» ..‬‬
‫ان ظر‪ :‬جارى بيرتلس وآخرون‪ ،‬جنون العول مة ( تفن يد المخاوف من التجارة المفتو حة )‪ .‬ص ‪ .151‬و سعيد اللوندى‪،‬‬
‫بدائل العولمة ( طروحات جديدة لتجميل وجه العولمة القبيح )‪ .‬ص ‪.191‬‬
‫() جوموك‪ .‬سههوندارام‪ ،‬صههدام أم حوار ( بعههض الفكار القتصههادية للعصههر الجديههد )‪ .‬فههى فخرى لبيههب‬ ‫‪110‬‬

‫( محرر ) ( مرجع سابق )‪ ،‬ص ‪.132‬‬


‫()‬
‫حازم الببلوى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.231‬‬ ‫‪111‬‬

‫()‬
‫محسن أحمد الخضيرى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.76 - 75‬‬ ‫‪112‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪-‬‬

‫وعلى المسهتوى التشريعهى العالمهى‪ ،‬يظههر التحاد البرلمانهى الدولى الذى يضهم‬
‫برلمانات العالم‪ ،‬كأحد الشكال المبدئية لبرلمان عالمى‪.‬‬

‫(‪ )2‬الشركات المتعددة الجنسيات وأسواق المال العالمية‪:‬‬


‫تمثل الشركات المتعددة الجنسيات وأسواق المال العالمية القطاع القتصادى لمؤسسات‬
‫البنية الفوقية للعولمة‪ .‬وهى ‪ -‬فى الغالب ‪ -‬شركات تخضع فى ملكيتها وإدارتها لفراد القطاع‬
‫الخاص‪ ،‬وإن كانت الحكومات تشترك ‪ -‬فى بعض الدول ‪ -‬بنسب ملكية محدودة فيها‪ .‬ومعظم‬
‫هذه الشركات ‪ -‬فهى الغالب ‪ -‬ههى شركات مسهاهمة يسهاهم الفراد المختلفيهن على مسهتوى‬
‫العالم فى تملك أسهمها المطروحه فى أسواق المال ( البورصات ) العالمية‪ .‬والتى يتم تداولها‬
‫كل يوم من مساهم إلى آخر دون اللتفات إلى ديانته أو عرقه أو جنسيته‪.‬‬
‫ولقهد ظهرت الشركات المتعددة الجنسهيات للوجود فهى البدايهة فهى شكهل ” الشركات‬
‫التجار ية ال تى تع مل فى مجال التجارة الخارج ية‪ ،‬ثم شركات الن قل والموا صلت خا صة ال تى‬
‫تستخدم الخطوط الجوية والبحرية والبرية المنتظمة التى تجوب العالم‪ ،‬ثم شركات السياحة‪ ،‬ثم‬
‫البنوك ذات الفروع العالميهة‪ ..‬وتسهتمد هذه الشركات مواردهها الماليهة والبشريهة والتقنيهة مهن‬
‫مصادرها المختلفة المنتشرة فى جميع أنحاء العالم لتختار أفضل عناصر العمل والنتاج “(‪.)113‬‬
‫وبالتالى فمقار هذه الشركات موزعهة على أنحاء العالم ” فمقرهها الدارى فهى دولة‬
‫ومقرها التسويقى فى دولة ثانية‪ ،‬ومقرها الهندسى والفنى فى دولة ثالثة‪ ،‬ومقرها النتاجى فى‬
‫دولة راب عة‪ ،‬ومقرها القلي مى فى دولة خام سة‪ ،‬ومقر ها الدعائى والعلنى فى دولة سادسة‪،‬‬
‫ومقرها التنفيذى فى دولة سابعة‪ ..‬فهى تفترض أن العالم بالنسبة لها هو عالم بل حدود سياسية‬
‫أو اقتصادية أو جغرافية‪ ..‬وتعمل من منطلق أن حدودها هى حدود العالم بأسره؛ لذلك فهى ل‬
‫تجهد صهعوبة فهى نقهل سهلعها وخدماتهها وأصهولها وإداراتهها ومراكهز بحوثهها إلى أى مكان‬
‫مستخدمة آخر التقنيات فى تقلص الزمان والمكان “(‪.)114‬‬
‫ول قد كان التطور ال كبر لهذه الشركات فى الفترة من ‪ 1975‬إلى ‪ 1990‬ح يث ارت فع‬
‫عدد هذه الشركات ” مهن (‪ )11000‬شركهة لهها (‪ )82000‬فرع فهى شتهى أنحاء العالم عام‬
‫‪ ،1975‬إلى (‪ )37500‬شركة لها (‪ )207000‬فرع فى عام ‪.)115(” 1990‬‬

‫وثمة انطباع سائد بأن الشركات المتعددة الجنسيات قاصرة على شئون قطاعى التجارة‬
‫والصهناعة‪ .‬ولكهن الواقهع يقرر أن قطاع الخدمات يدخهل فهى إطار فاعليات الشركات المتعددة‬

‫()‬
‫محسن أحمد الخضيرى‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.80‬‬ ‫‪113‬‬

‫()‬
‫عبد الخالق عبد ال‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.70‬‬ ‫‪114‬‬

‫()‬
‫سيار الجميل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.80‬‬ ‫‪115‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪-‬‬

‫الجن سيات‪ ،‬وبالتالى فإن النش طة العلم ية العالم ية تمارس فاعليات ها هى الخرى من خلل‬
‫شركات متعددة الجنسههيات‪ .‬فالمجموعات الصههحفية الكههبرى فههى العالم وشبكات القنوات‬
‫التلفزيونية الفضائية ( كمثال ) ما هى إل شركات متعددة الجنسيات‪ ،‬بل ويمكن اعتبار وكالت‬
‫النباء بمثابة شركات متعددة الجنسيات‪.‬‬

‫حدِدة للقيمهة التجاريهة لتلك‬


‫وتمثهل أسهواق المال العالميهة ( البورصهات ) السهوق ال ُم َ‬
‫الشركات‪ ،‬وال تى ي تم في ها تداول ح صص من هذه الشركات فى ش كل أ سهم الم ساهمين بالب يع‬
‫والشراء‪ ” .‬ولتوازنات الوانهى المسهتطرقة خصهائص لهها تأثيرهها الخاص على معاملت‬
‫ال سواق الدول ية‪ ،‬ح يث تنت قل التجاهات ال تى تحدث فى إحدا ها‪ ،‬لت صيب بدر جة أو بأخرى‬
‫السهواق الخرى معززة بذلك حركهة رأس المال السهاخنة التهى ل تهدأ أو تسهتقر فهى سهوق‬
‫معي نة بذات ها‪ ،‬لتت جه وتفرض توازناتها على ال سواق الخرى‪ ،‬وتفرض آليات ها الن صياع ش به‬
‫الكا مل لتوازنات الوا نى الم ستطرقة‪ .‬وهكذا أر ست العول مة (القت صادية) قوانين ها‪ ...‬فال كل‬
‫داخل سوق واحد وإن تعددت ‪ -‬فى الظاهر ‪ -‬السواق “(‪.)116‬‬

‫لقد تمكن القطاع القتصادى من الستثمار الفائق لمؤسسات البنية التحتيه للعولمة‪ ،‬من‬
‫خطوط مواصلت برية وبحرية وجوية‪ ،‬وشبكات اتصالت وإعلم كابلية ولسلكية وفضائية‪،‬‬
‫ل إلى شبكة النترنت‪ ،‬وبذلك استطاع القطاع القتصادى النتقال بأنشطته إلى المستوى‬
‫وصو ً‬
‫العالمى‪.‬‬

‫(‪ )3‬المنظمات الدولية غير الحكومية ( منظمات المجتمع المدنى العالمى )‪:‬‬
‫وتمثهل المنظمات الدوليهة غيهر الحكوميهة قطاع مؤسهسات البنيهة الفوقيهة للعولمهة‬
‫المرتبط بقطاع المجتمع المدنى العالمى‪ .‬و” هى عبارة عن هيئات أو اتحادات دولية مستقلة‬
‫عهن الحكومات‪ ،‬وعادة مها يكون لهها فروع وأعضاء فهى العديهد مهن دول العالم‪ ،‬وتركهز‬
‫اهتماماتهها وأنشطتهها على قضايها مهنيهة‪ ،‬أو قضايها أخرى ذات طابهع عالمهى مثهل‪ :‬حقوق‬
‫النسهان وحمايهة البيئة وتحقيهق السهلم ومراقبهة النتخابات ومسهاعدة اللجئيهن وضحايها‬
‫الحروب والكوارث‪..‬إلخ “(‪.)117‬‬
‫ويش هد العالم تطورا متزايدا فى انتشار المنظمات الدول ية غ ير الحكوم ية ” ف فى نها ية‬
‫القرن العشر ين كان يوجد حوالى عشرون منظ مة حكوم ية دول ية‪ ،‬ومائة وثمانون منظ مة غير‬

‫()‬
‫محسن أحمد الخضيرى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.231‬‬ ‫‪116‬‬

‫()‬
‫حسنين توفيق إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.193‬‬ ‫‪117‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪-‬‬

‫حكوميهة تتجاوز الحدود القوميهة‪ .‬أمها اليوم فتوجهد أكثهر مهن ثلثمائة مهن المنظمات الحكوميهة‬
‫الدولية‪ ،‬وحوالى خمسمائة من المنظمات الدولية غير الحكومية “(‪.)118‬‬

‫ول قد أظهرت المنظمات الدول ية غ ير الحكوم ية فاعليات ها المؤثرة والضاغ طة فى عدد‬


‫مهن ” المؤتمرات العالميهة كمؤتمهر قمهة الرض فهى ريهو دى جانيرو‪ ،‬ومؤتمهر السهكان فهى‬
‫القاهرة‪ ،‬ومؤتمهر المرأة فهى بكيهن‪ ،‬ومؤتمهر حقوق النسهان فهى فيينها‪ ،‬ومؤتمهر مناهضهة‬
‫العنصرية فى ديربن بجنوب أفريقيا “(‪.)119‬‬
‫كمها تمارس عدد مهن تلك المنظمات الدوليهة غيهر الحكوميهة تأثيرهها الضاغهط على‬
‫الحكومات فهى مجالت البيئة وحقوق النسهان‪ ،‬مثهل‪ :‬منظمصة السصلم الخضصر الدوليصة‬
‫‪ ،Greenpeace‬ومنظمصة العفصو ‪ ،Amnesty International‬أو المفوضيصة الدوليصة للقضاة‪.‬‬
‫أو فى مجالت مكافحة الفساد فى دوائر المال والعمال العالمية مثل منظمة الشفافية الدولية‪.‬‬
‫أو فى مجالت تقديم المساعدة المالية لشعوب الدول المتخلفة والمناطق المنكوبة مثل‪ :‬منظمة‬
‫الوكسصفام ‪ ،Oxfam‬أو فهى مجال الرعايهة الصهحية مثهل منظمصة أطباء بل حدود‪ ،‬أو فهى‬
‫هر‬
‫هل منظمصصة أخوات حول العالم‪ ..‬إلخ تلك المنظمات غيه‬
‫هة حقوق المرأة مثه‬
‫مجالت حمايه‬
‫الحكومية دولية النشاط والتى تتداول وسائل العلم العالمية نشراتها وتقاريرها‪.‬‬

‫ل قد أفادت المنظمات الدول ية غ ير الحكوم ية من مؤ سسات البن ية التحت ية للعول مة ال تى‬


‫مكّنتها من إمكانية القيام بأنشطة مدنية غير حكومية على مستوى عالمى‪ .‬ولعل فاعليات شبكة‬
‫النترنت المتاحة حاليا للمنظمات الدولية غير الحكومية‪ ،‬تعزز كثيرا من قدرتها على الرتفاع‬
‫بدر جة تأثيرها فى كا فة المجالت ال تى تدخل فى إطار أنش طة منظمات المجت مع المدنى على‬
‫المستوى العالمى‪.‬‬

‫‪‬‬

‫()‬
‫أنطونى جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.191‬‬ ‫‪118‬‬

‫()‬
‫انظر كلً من‪:‬‬ ‫‪119‬‬

‫أ ‪ -‬عبد الخالق عبد ال‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.84‬‬


‫ب ‪ -‬هناء عبيد‪ ،‬العولمة‪ .‬صفحات ‪.29 - 27‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمــة الفصـل الثانى‪:‬‬


‫عرضهت الدراسهة بالفصهل الثانهى للبعاد الماديهة لظاهرة العولمهة مهن خلل دراسهة‬
‫مظاهرها ومؤسساتها‪ .‬حيث تبين من تحليل مضمون أدبيات العولمة أن مظاهر العولمة تتلزم‬
‫فيهها المتناقضات والمتفارقات بحيهث تبدو كعمليهة مركبهة مزدوجهة ومتعارضهة‪ ،‬يتجاذب فيهها‬
‫منطق التوحيد مع أليات النقسام‪ ،‬ويعمل الميل إلى الئتلف والتجانس مع الميل إلى الختلف‬
‫والتنافهر‪ .‬وبالتالى فالعولمهة فهى مظاهرهها العمليهة تُوحّده الطهر فهى إطار واحهد بينمها تقسهم‬
‫المضامين‪ ،‬وتختصر المرجعيات بينما تتفرع فى الوسائل والساليب‪ .‬ولهذا استحدثت الدراسة‬
‫ت صنيفا لمظا هر العول مة يق سمها إلى مظهر ين‪ ،‬وهذان المظهران ه ما‪ « :‬إ ستراتيجية التو حد‬
‫والتكتهل والندماج » و« تكتيكات التشظهى والتجزؤ والنقسهام »‪ .‬بحيهث تمارس العولمهة‬
‫فاعليات ها وفقا ل كل من‪ :‬إ ستراتيجية التو حد والتك تل والندماج ال تى تع مل على توح يد ال طر‬
‫والمرجعيات وتقويهة الترابهط والتقارب والتداخهل على كافهة المسهتويات‪ .‬وتكتيات التشظهى‬
‫والتجزؤ والنقسام التى تعمل فى ذات الوقت على تكريس التعدد والتنوع والختلف‪.‬‬

‫ول عل هذا التنا قض ب ين هذ ين المظهر ين ‪ -‬اللذ ين تتمظ هر العول مة وفقا له ما ‪ -‬هو‬


‫الذى يمنحها البنية الواقعية التى تعبّر عن منطق المور والشياء فى طبيعتها الفطرية‪ .‬فالكل‬
‫يتركب من الجزاء والجزاء تتفرع من الكل‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫وبالتالى‪ ..‬فإن أ عم مظاهر العولمة يمكن صياغتها فى التعبير التالى‪ :‬التوحد الملزم‬
‫للتشظى‪ ،‬والتكتل الملزم للتجزؤ‪ ،‬والندماج الملزم للنقسام‪.‬‬
‫كما تبين من رصد مؤسسات العولمة‪ ،‬إنه يمكن تقسيمها إلى نوعين‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مؤسهسات البنيهة التحتيهة للعولمهة‪ :‬وههى القطاعات الموفّرة لقنوات ووسهائل الربهط‬
‫والتصال بين أجزاء العالم المتعددة‪.‬‬
‫مؤسهسات البنيهة الفوقيهة للعولمهة‪ :‬وههى القطاعات التهى تمارس أدوارا سهياسية أو‬ ‫ب‪-‬‬
‫اقتصادية أو ثقافية أو إعلمية‪ ..‬إلخ‪ ،‬على مستوى العالم ككل‪.‬‬

‫ويو فر التعرف على مظا هر العول مة ومؤ سساتها‪ ،‬الفر صة للمز يد من المعر فة حول‬
‫الثار التهى تمارسهها هذه المظاههر والكيانات على النشطهة المجتمعيهة والنسهانية‪ ،‬فهى ظهل‬
‫الخلفيهة الفكريهة التهى تنطلق منهها العولمهة‪ ،‬والبنيهة الماديهة التهى تتمظههر وفقا لهها‪ .‬وهذا مها‬
‫سنعرض له فى الفصل القادم‪ ،‬حول البعاد المجتمعية والنسانية لظاهرة العولمة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفصـل الثالث‬
‫البعـاد المجتمعية والنسانية لظاهرة‬
‫العولمـة‬

‫محتـويـات الفصـل الثالث‬

‫مقدمــة الفصــل الثـالث‬

‫القســـــــــــــــم الول ‪ :‬البعاد‬


‫المبحـــــــث البعاد السـياسية لظاهرة‬
‫المجتمعيــــة لظاهرة العولمــــة‬
‫العولمــــــــــــــــــــــــة‬ ‫الول‪:‬‬
‫المبحـــــــث البعاد القتصـــــــــــادية‬
‫العولمـــــــــــــة‬
‫لظاهرة‬ ‫لظاهرةالثقافيــــة‬ ‫الثانــــــــى‪:‬‬
‫المبحـــــــث البعاد‬
‫العولمــــــــــــــــــــــــة‬ ‫الثالث‪:‬‬
‫المبحـــــــث البعاد العلميــة لظاهرة‬
‫الرابـــــــــع‪ :‬العولمــــــــــــــــــــــــة‬
‫القسـم الثانـى‪ :‬البعاد النسـانية‬
‫المبحـــــــث ظاهرة العولمــــــــــــــة‬
‫لظاهرة العولمــــــــــــــــــــــة‬
‫النســــانية‬ ‫والمشتركات‬
‫قــراءة أخـــرى)‬‫(‬ ‫الخامـــــس‪:‬‬

‫خـاتمــة الفصــل الثـالـث‬


‫‪-‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪-‬‬

‫القسـم الول‬
‫البعـاد المجتمعيـة لظاهرة العــولمـة‬
‫المبحـث الول‬
‫البعـاد السياسيـة للعـولمــة‬
‫(العـولمة السياسية)‬

‫تكشهف البعاد السهياسية للعولمهة عهن عدد مهن التغيرات المتدرجهة التهى أخذت تطرأ‬
‫على الم سلمات فى المفاه يم ال سياسية المعا صرة‪ ،‬وال تى با تت تتعلق بم ستقبل ن مو أو انكماش‬
‫دور الدولة‪ ،‬ومدى صههلحية الديمقراطيههة الغربيههة للنتشار عالميا‪ ،‬والدور المأمول لقوى‬
‫المجتمع المدنى على المستوى العالمى‪ .‬وذلك كالتالى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬العـولمـة وسيادة الدولـة‪:‬‬


‫تدفهع إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتكتهل والندماج إلى التحول التدريجهى ن حو نشأة‬
‫حكو مة عالم ية ذات مجال سيادة عال مى تنضوى تح ته سيادات الدول القوم ية المتفر قة‪ .‬بين ما‬
‫ت سفر تكتيكات التش ظى والتجزؤ والنقسهام عن تف تت البن ية ال سيادية للدولة القوم ية‪ ،‬ل صالح‬
‫دويلت انفصالية تنسلخ عن مجال سيادتها‪ ،‬أو لصالح مؤسسات المجتمع المدنى المتطلعة إلى‬
‫الختصاص ببعض مكونات هذه السيادة‪.‬‬

‫ولعل الواقع يقرر أن الدولة ” لم تعد هى الوحدة المركزية الساسية فى النظام العالمى‬
‫كما كانت عليه فى السابق‪ ،‬وبخاصة فى ظل بروز قوى اقتصادية واجتماعية محلية وعالمية‬
‫مناف سة “(‪ .)120‬ح يث أ صبحت ” الدولة المعا صرة مضطرة إلى تفك يك أبنيت ها الشمول ية ل صالح‬
‫المجتمعات المحل ية من خلل اللمركز ية‪ ..‬ول صالح مؤ سسات المجت مع المد نى الباز غة‪.....‬‬
‫والتنازل فى ن فس الو قت عن عد يد من مجالت سيادتها التقليد ية ل صالح المؤ سسات الدول ية‬
‫المهر الذى سهيؤدى إلى ” أن مؤسهسة الدولة لن تكون بتلك المحوريهة أو‬ ‫(‪)121‬‬
‫والكونيهة “‬
‫المركزية التى كانت عليها فى السابق‪ ،‬حين كانت تحتكر كل شئ أو مؤهلة لحتكار كل شئ‬

‫() عبهد الخالق عبهد ال‪ " ،‬مناقشهة حول ورقهة جلل أميهن عهن‪ :‬العولمهة والدولة "‪ ،‬فهى أسهامة أميهن الخولى‬ ‫‪120‬‬

‫( محرر )‪ ،‬العرب والعولمة ( بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية )‪ .‬ص ‪.202‬‬
‫()‬
‫السيد ياسين‪ ،‬الزمن العربى والمستقبل العالمى‪ .‬ص ‪.125‬‬ ‫‪121‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪-‬‬

‫يقع ضمن حدودها فى إطار سيادتها‪ .‬فمع الثورة التقنية المعاصرة‪ ...‬تتحول السيادة إلى مجرد‬
‫مفهوم قانونى ل قوة فعلية له “(‪ .)122‬حيث نقلت إستراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج ”‬
‫السهلطة ؛ بعيدا عهن المهم إلى فضاء عالمهى غيهر مسهيس “(‪ ”،)123‬ولعهل دهشهة السهياسيين‬
‫وانبهار هم من قدرة العول مة على تلي ين ‪ to soften up‬المؤ سسات‪ ،‬جعلت هم يعتقدون أن هم فى‬
‫طريقهم لن يصبحوا «حفارى قبورهم»“(‪.)124‬‬

‫ولهذا فقهد برز إلى الدبيات السهياسية العالميهة مفهوم « حهق التدخهل » والذى يمنهح‬
‫العالم حق تجاوز سيادة الدولة‪ .‬ففى ” عام ‪ 1977‬قال الرئيس المريكى « كارتر »‪ ..‬إنه ليس‬
‫هناك عضو فى المم المتحدة يمكنه أن يزعم أن إساءة معاملته لمواطنيه داخل دولته تُعد من‬
‫المور الخا صة به وحده “(‪ .)125‬علوة على ذلك‪ ..‬ف قد ” كان هناك اقتراح فرن سى تم تقدي مه‬
‫عام ‪ 1978‬بإمداد سكرتير عام المم المتحدة بالقدرة على مراقبة التحركات العسكرية بواسطة‬
‫القمار الصناعية “(‪.)126‬‬

‫ولقد تم تطبيق حق التدخل فى الواقع السياسى الفعلى إما ” لسباب إنسانية كما حدث‬
‫للتدخل الدولى فى الصومال‪ ،‬أو لسباب سياسية كما حدث بالنسبة للعراق تحت لواء الشرعية‬
‫الدولية “(‪ ،)127‬أو كما حدث فى كوسوفو بالنسبة للصرب واللبان‪.‬‬

‫ول شك فى أن الوا قع المعا صر يو ضح ” أن المشا كل الع مق ال تى توا جه الن سانية‬


‫أكبر من أن تستطيع الدولة القومية ‪ -‬وهى الوحدة التقليدية للشئون الدولية ‪ -‬معالجتها‪ ،‬ولكن‬
‫هذا القول ل يعنهى أن الدولة القوميهة قهد عفها الدههر على ضرورة وجودهها‪ .‬فالدولة القوميهة‬
‫ستبقى ‪ -‬ولوقت قادم ‪ -‬المحطة الرئيسية للولء المدنى‪ ..‬ومع هذا فإن عالم اليوم بحاجة إلى‬
‫أكثهر مهن مجرد دولة قوميهة‪ ،‬لتنظيهم سهلم عالمهى‪ ،‬ولرفهع رفاهيتهه‪ ،‬ونشهر قطاف العلم‬
‫والتكنولوج يا عالميا‪ ،‬والتما شى مع المشا كل البيئ ية والكون ية‪ ..‬فى إطار مجت مع أ كبر يع كس‬
‫عناصره الموحدة ويطمر العناصر التى ساعدت تقليديا على تقسيمه “(‪.)128‬‬

‫()‬
‫تركى الحمد‪ ،‬الثقافة العربية فى عصر العولمة‪ .‬ص ‪.52‬‬ ‫‪122‬‬

‫()‬
‫أنطونى جيدنز‪ ،‬الطريق الثالث (تجديد الديمقراطية الجتماعية)‪ .‬ص ‪.192‬‬ ‫‪123‬‬

‫()‪124‬‬
‫‪Beck, Ulrich, Beyond the nation state ) globalization (. p. 1. )Available from Internet(.‬‬
‫()‬
‫هارلن كليفلند‪ ،‬ميلد عالم جديد‪ .‬ترجمة جمال على زهران‪ ،‬ص ‪.199‬‬ ‫‪125‬‬

‫()‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬ ‫‪126‬‬

‫()‬
‫السيد ياسين‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.123‬‬ ‫‪127‬‬

‫() زبغن يو بريجن سكى‪ ،‬الفو ضى ( الضطراب العال مى ع ند مشارف القرن الحادى والعشر ين )‪ .‬ترج مة مالك فا ضل‪ ،‬ص‬ ‫‪128‬‬

‫‪.192‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪-‬‬

‫ول كن نظرا لن نا نش هد الن مرحلة انتقال ية من مجال ال سيادة التقليدى للدولة القوم ية إلى‬
‫مجال السهيادة العالمهى للحكومهة أو الدارة العالميهة‪ ،‬فإن المور تلتبهس على الفههم‪ ،‬وتبدو حمايهة‬
‫الدول القومية لمصالحها الستراتيجية بمثابة دليل على عدم صحة التوجهات العولمية‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن العول مة سرعان ما ستدفع ن حو تل قى كل الم صالح ال ستراتيجية القوم ية ت حت مظلة‬
‫المصلحة العالمية الكبرى‪ .‬ولعل هذا يفسر أن تناقض مصالح دولة مثل الوليات المتحدة المريكية‬
‫مع بعض المصالح العالمية هو أمر يمكن تفسيره فى سياق تلك المرحلة النتقالية‪ ،‬ولكن تدريجيا‬
‫سرعان ما ستتطابق المصالح العالمية مع المصالح القومية لتشكل مصلحة إستراتيجية عالمية‪.‬‬

‫على الجانب الخر‪ ..‬فإن تكتيكات العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام تدفع نحو نشوء‬
‫دويلت انفصهالية عرقيهة منسهلخة عهن الدولة القوميهة الم‪ .‬ويشههد العالم الن العديهد مهن‬
‫الحركات النفصالية فى أوربا الغربية والشرقية‪ ،‬وفى المغرب العربى والمشرق العربى‪ ،‬وفى‬
‫غرب أفريقيا وشرقها‪ ،‬وفى جنوب شرق آسيا وفى الشرق القصى‪ .‬علوة على ذلك فإن قوى‬
‫المجتمع المدنى الصاعدة تجد نفسها مؤهلة للضطلع بجزء من اختصاصات الدولة القومية‪.‬‬
‫وبالتالى سرعان ما تمتد منظمات المجتمع المدنى؛ لكى تمارس أدوارا مجتمعية كانت تحتكرها‬
‫الدولة القومية‪ ،‬وذلك تمشيا مع سلطتها الصاعدة التى لبد أن تقابلها اختصاصات متنامية على‬
‫كافة المستويات‪ .‬ومن هنا ينبغى التعامل مع الدولة باعتبارها ” ظاهرة تاريخية خاضعة للتغير‬
‫ول ها مآل معي نة بح كم التطور الجتما عى ول ي صح ت صنيم دور الدولة‪ ،‬بل يجدر تحد يد هذا‬
‫الدور فى ضوء حاجات التنمية والتقدم الجتماعى‪ ..‬إن التجربة تشير إلى مظاهر سلبية كثيرة‬
‫فهى مسهيرة الدولة الوطنيهة فهى‪ ..‬العالم الثالث بوجهه عام‪ .‬والشهئ المههم فهى اسهتخلصه مهن‬
‫التجربة السابقة هو التأكيد على أهمية الديمقراطية كمؤسسات حكم‪ ،‬وحقوق النسان باعتبارها‬
‫القاعدة الحقيقية لى دور فعال وسليم للدولة “(‪.)129‬‬

‫ولعهل ” متغيرات عصهرنا توحهى بأننها نعيهش فهى مرحلة مها بعهد الدولة القوميهة‬
‫أو إرها صاتها‪ ،‬فالقوم ية ظاهرة تاريخ ية معي نة ل ها أ سبابها‪ ،‬ولي ست فكرة مت سامية منف كة من‬
‫قيود الزمان والمكان “(‪.)130‬‬

‫وبالتالى فإن الشكهل الذى تتحول إليهه الدولة ‪ -‬بحيهث يُنقهل جزء مهن سهيادتها إلى‬
‫الم ستوى فوق القو مى ( حكو مة عالم ية )‪ ،‬وجزء آ خر إلى الم ستوى المحلى ( مجت مع مد نى‬

‫() مهدى الحافظ‪ " ،‬مناقشة حول ورقة جلل أمين عن‪ :‬العولمة والدولة "‪ .‬فى أسامة الخولى ( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪129‬‬

‫‪.200‬‬
‫()‬
‫تركى الحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.47‬‬ ‫‪130‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪-‬‬

‫وأقليات عرقيهة ) ‪ -‬لن يؤدى إل إلى اختفاء ” الدولة الرخوة ‪ ..The soft state‬التهى تتسهم‬
‫بالف ساد وتجا هل ح كم القانون وتغل يب م صالح أفراد ها الخا صة على الم صلحة العا مة) “(‪،)131‬‬
‫انطلقا مهن أن الدول لن يمكنهها البقاء فهى المجتمهع العالمهى إل ” مهن خلل التعاون الفعال مهع‬
‫بعضها البعض ومع محلياتها وأقاليمها ومع الجماعات والتجمعات عبر القومية “(‪.)132‬‬

‫وبالتالى فإن سهيادة الدولة التهى سهتتضاءل أمام سهيادة العالم‪ ،‬وسهلطة الدولة التهى‬
‫ستنكمش أمام سلطة الحركات النفصالية أو سلطة المجتمع المدنى‪ ،‬تطرحان أمام الدولة طريقا‬
‫آخر يوفر لها البقاء‪.‬‬

‫” لذلك على الدولة أن تكون حاسمة فى مهمتها من أجل تحديث الهوية الثقافية والتماسك‬
‫الجتما عى وذلك من أ جل تنم ية الديمقراط ية‪ .‬ل نه إذا كا نت الدولة فى طريق ها للختفاء‪ ،‬فلن‬
‫تو جد وحدة إن سانية جديدة ‪ -‬سواء أكا نت الكرة الرض ية أم الدولة العالم ية ‪ -‬يم كن أن تكون‬
‫مناسبة لستمرار التكاثر البشرى “(‪ .)133‬وهذا ما يفسر نزوع بعض الدبيات والمؤسسات الدولية‬
‫إلى إعادة التذكيهر بضرورة قوة الدولة ردا على الدعاوى المبشرة بانكماشهها‪ ” .‬فالبنهك الدولى‬
‫الذى كان من أول المتحدث ين عن انكماش الدولة بات يتب نى وجهة ن ظر أخرى‪ ..‬فهناك نمو فى‬
‫أدبيات قوة الدولة من حيث قوتها كشرط لقدرتها على تطبيق التغير “(‪.)134‬‬
‫وفهى سهبيل ذلك يضهع البنهك الدولى ” ثلثهة شروط أسهاسية لتحقيهق الحكهم الصهالح‬
‫‪ Good Governance‬ههى‪ -1 :‬إنشاء مؤسهسات قطاع عام قادر‪ -2 .‬الحهد مهن الفسهاد‬
‫والتصرفات التحكمية للدولة‪ -3 .‬تسهيل العمل الجماعى “(‪.)135‬‬

‫ولعهل هذا مها أدى إلى ظهور اتجاه « الطريهق الثالث »∗ فهى الدبيات السهياسية‬
‫الوربية‪ .‬كرد فعل على الجدال الدائر حول انكماش الدولة ” فالليبراليون الجدد يريدون تقليص‬
‫سلطات الدولة أو الحد من ها‪ .‬والديمقراطيون الجتماعيون تاريخيا يتحمسون لتوسيع سلطاتها‪.‬‬
‫الطر يق الثالث يطرح إعادة بناء الدولة لتتجاوز كلً من اليم ين الذى يطرح بأن الحكو مة هى‬
‫العدو واليسار الذى يقول بأن الحكومة هى الحل “(‪.)136‬‬

‫()‬
‫جلل أمين‪ " ،‬العولمة والدولة "‪ ،‬فى أسامة أمين الخولى ( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.162‬‬ ‫‪131‬‬

‫()‬
‫انطونى جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.64‬‬ ‫‪132‬‬

‫()‪133‬‬
‫‪Beck, Ulrich, op. cit, p. 3. )Available from Internet(.‬‬
‫()‪134‬‬
‫‪Koshy, Ninan, Political Dimensions of Globalisation. p. 4. )Available from Internet(.‬‬
‫() نيف ين م سعد‪ ،‬تعق يب على ور قة جلل أم ين عن ( العول مة والدولة )‪ .‬فى أ سامة الخولى ( محرر )‪ ،‬مر جع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪135‬‬

‫‪.185‬‬
‫انظر‪ :‬هناء عبيد‪ ،‬العولمة‪ .‬صفحات ‪.82 - 80‬‬ ‫‪‬‬

‫()‬
‫أنطونى جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114 - 113‬‬ ‫‪136‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪-‬‬

‫” إذن مطلوب دولة قوية وليست تسلطية‪ ،‬دولة مؤسسات وليست دولة أشخاص‪ ،‬دولة‬
‫قانون وشفافية وليست دولة يُشكل الفساد جزءً من بنيتها “(‪.)137‬‬

‫إن كل ما سبق يوضح أن الدولة القومية باعتبارها ”الوحدة السياسية الرئيسية لحقبة‬
‫الموجة الثانية‪ ،‬تتعرض إلى ضغوطات ل مفر منها‪ .‬إحدى هذه الضغوط تريد تحويل السلطة‬
‫ال سياسية من الدولة القوم ية إلى المنا طق والجماعات دون القوم ية‪ .‬وأخرى تر يد ن قل ال سلطة‬
‫مهن المهة إلى الوكالت والمنظمات الدوليهة‪ .‬إن هذه الضغوط تقود إلى تقسهيم المهم المتقدمهة‬
‫تكنولوجيا إلى وحدات أصغر وأقل سلطة “(‪.)138‬‬

‫إن التاريهخ يوضهح أن ” الدولة المعاصهرة ظاهرة تاريخيهة لم تجاوز فهى شكلهها‬
‫(‪)139‬‬
‫المعاصر أكثر من ثلثة أو أربعة قرون‪ .‬ومن المتصور بالتالى أن تعرف تطورا جديدا “‬
‫وهذا هو ما يحدث الن‪ ..‬حيث أصبحت مفاهيم مثل سيادة الدولة والدولة القومية ودور الدولة‬
‫فى الحكم ‪ -‬أصبحت فى ظل العولمة ‪ -‬مفاهيم ديناميكية قابلة للتغير بما يعزز من إستراتيجية‬
‫وتكتيكات العولمة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬العولمـة والديمقراطيـة‪:‬‬


‫تدفهع إسهتراتيجية العولمهة للتوحهد والتكتهل والندماج نحهو توحيهد أسهاليب الحكهم على‬
‫المستوى العالمى‪ ،‬وذلك من خلل تنامى التجاه نحو أسلوب الحكم الليبرالى الديمقراطى‪ .‬بينما‬
‫فهى المقابهل تدفهع تكتيكات التشظهى والتجزؤ والنقسهام نحهو انحسهار دور البرلمانات كنموذج‬
‫للديمقراطية التمثيلية‪ ،‬والتجاه نحو الديمقراطية الشعبية أو أشكال مبتكرة أخرى للديمقراطية‪.‬‬

‫فلقهد كان” أبرز تطورات الربهع الخيهر مهن القرن العشريهن ههو إماطهة اللثام عهن‬
‫أو جه الض عف الخطيرة فى أنظ مة العالم الديكتاتور ية‪ ،‬ح تى ما بدا من ها قويا عنيدا‪ .‬سواء‬
‫منها اليمين السلطوى العسكرى أو اليسار الشمولى الشيوعى‪ .‬فمن أمريكا اللتينية إلى شرق‬
‫أورو با‪ ،‬و من التحاد ال سوفيتى إلى الشرق الو سط وآ سيا‪ ،‬تهاوت حكومات قو ية على مدى‬
‫العقدين الماضيين “(‪.)140‬‬

‫() حسنين توفيق إبراهيم‪ " ،‬العولمة‪ :‬البعاد والنعكاسات السياسية ( رؤية أولية من منظور علم السياسة ) "‪ ،‬مجلة عالم الفكر ( عدد خاص‬ ‫‪137‬‬

‫بعنوان‪ :‬العولمة ظاهرة العصر )‪ ( .‬العدد ‪ ،2‬أكتوبر ‪ -‬ديسمبر ‪ ،) 1999‬ص ‪.211‬‬


‫()‬
‫آلفين توفلر‪ ،‬حضارة الموجة الثالثة‪ .‬ترجمة عصام الشيخ قاسم‪ ،‬ص ‪.343‬‬ ‫‪138‬‬

‫() حازم الببلوى‪ " ،‬تعقيب على ورقة اسماعيل صبرى عبد ال عن‪ :‬العولمة والقتصاد والتنمية العربية "‪ ،‬فى أسامة أمين‬ ‫‪139‬‬

‫الخولى ( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.392‬‬


‫()‬
‫فرانسيس فوكاياما‪ ،‬نهاية التاريخ وخاتم البشر‪ .‬ترجمة حسين أحمد أمين‪ ،‬ص ‪.10‬‬ ‫‪140‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪-‬‬

‫” ففى عام ‪ 1974‬سقط نظام البرتغال الذى وضعه « سالزار » ولم يستطع أن يحميه‬
‫خليفته « جايتانو »‪ .‬وتبعه نظام « فرانكو » بأسبانيا فى ‪ .1975‬كما عرف نفس المصير حكم‬
‫العسهكر فهى اليونان فهى ‪ .1974‬وعرفهت أمريكها اللتينيهة الشهيرة بانقلباتهها وديكتاتورياتهها‬
‫تسهاقطا متتابعا فهى الرجنتيهن (‪ )1982‬وأورجواى (‪ )1983‬والبرازيهل (‪ )1984‬وشيلى (‬
‫‪ .)1990‬وانتقلت الموجة إلى آسيا فسقط نظام كوريا القوى فى ‪ 1987‬كما سقط قبل ذلك نظام‬
‫كمبوديا الغاشم “(‪ .)141‬وكانت بداية النهاية للنظام العنصرى فى جنوب أفريقيا ” فى فبراير عام‬
‫‪ 1990‬عندمها أعلنهت حكومهة « دى كليرك » التهى يهيمهن عليهها البيهض ‪ -‬آنذاك ‪ -‬إطلق‬
‫سراح « نيلسون » مانديل ورفع الحظر على نشاط حزب المؤتمر الوطنى الفريقى “(‪.)142‬‬

‫وعلى الجانهب الشيوعهى فقهد توالت النهيارات‪ ،‬حيهث اسهتغرق ” إنهاء حكهم الحزب‬
‫الشيوعهى فهى بولندا عشهر سهنوات‪ ،‬وفهى المجهر عشرة شهور‪ ،‬وفهى ألمانيها الشرقيهة عشرة‬
‫أ سابيع‪ ،‬و فى تشيكو سلوفاكيا عشرة أيام‪ ،‬و فى رومان يا ل يس أك ثر من ع شر ساعات ‪ ..‬تلك‬
‫السلسلة من المفاجآت السياسية التى ملت شاشة التلفزيون فى ‪ .1989‬ثم فى خريف ‪1991‬‬
‫عندما انحل التحاد السوفيتى نفسه‪ ،‬وأخذت جمهورياته تحاول لملمة أجزائه المتبعثرة “(‪.)143‬‬
‫”وخلل الفترة من عام ‪ 1974‬إلى عام ‪ 1994‬تحولت ستون دولة من أنظمة شمولية‬
‫أو ديكتاتوريهة إلى أنظمهة ديمقراطيهة “(‪ ،)144‬بحيهث ارتفهع عدد الدول الديمقراطيهة مهن‬
‫” ثمان ية و سبعين قطرا إلى مائة وثمان ية وثلث ين قطرا‪ ،‬وارت فع معدل البلد الديمقراط ية من‬
‫‪ %44‬إلى ‪ %72‬من مجموع عدد الدول بالعالم “(‪.)145‬‬

‫إن انتشار الديمقراطية يوضح أن ” إجماعا ملحوظا قد ظهر فى السنوات القليلة الماضية‬
‫فى جم يع أنحاء العالم‪ ،‬حول شرع ية الديمقراط ية الليبرال ية كنظام للح كم‪ ،‬ب عد أن لح قت الهزي مة‬
‫باليدلوجيات المنافسة ‪ -‬مثل الملكية الوراثية والفاشية والشيوعية ‪ -‬فى الفترة الخيرة “(‪.)146‬‬

‫وهذا الملمح نحو توحيد أساليب الحكم ‪ -‬كأحد البعاد السياسية للعولمة ‪ -‬يوضح أن‬
‫”عدد الخيارات المتاحة أمام الدول فى تحديدها لكيفية تنظيم نفسها سياسيا واقتصاديا يتناقص‬
‫بمرور الزمهن‪ .‬فمهن بيهن النماط المختلفهة للنظمهة التهى ظهرت عهبر تاريهخ النسهانية‬

‫()‬
‫حازم الببلوى‪ ،‬دور الدولة فى القتصاد‪ .‬ص ‪.171‬‬ ‫‪141‬‬

‫()‬
‫فرانسيس فوكوياما‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.30‬‬ ‫‪142‬‬

‫()‬
‫هارلن كليفلند‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.43‬‬ ‫‪143‬‬

‫()‬
‫حسنين توفيق إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.190‬‬ ‫‪144‬‬

‫()‬
‫السيد ياسين‪ ،‬الحوار الحضارى فى عصر العولمة‪ .‬ص ‪.11‬‬ ‫‪145‬‬

‫()‬
‫فرانسيس فوكوياما‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.8‬‬ ‫‪146‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪-‬‬

‫( مهن الملكيات والرسهتوقراطيات‪ ،‬إلى الحكومات الدينيهة الخاضعهة لرجال الديهن‪ ،‬إلى‬
‫الديكتاتوريات الفاشية والشيوعية فى قرننا هذا ) نجد أن الشكل الوحيد للحكومة الذى بقى ثابتا‬
‫لم يُمس حتى نهاية القرن العشرين هو الديمقراطية الليبرالية “(‪.)147‬‬

‫ولعهل هذه الحركهة التاريخيهة توضهح أن الديمقراطيهة على الرغهم مهن كونهها وليدة‬
‫مجتمعات غرب ية مرت بظروف خا صة‪ ،‬ول كن ر غم ذلك ت ظل الديمقراط ية ” وبدون أن تكون‬
‫كاملة‪ ..‬هى النظام السياسى الرقى والكثر عقلنة بين سائر النظمة السياسية التى اخترعتها‬
‫البشرية فى مسارها التاريخى الطويل “(‪.)148‬‬

‫و” هناك ثلثة مستويات مترابطة ومتداخلة للنظر إلى الديمقراطية‪ .‬أولها‪ :‬الديمقراطية‬
‫كنظام للق يم‪ ..‬وتتم ثل الق يم الديمقراط ية فى الحر ية والعدالة والمشار كة والم ساواة والت سامح‬
‫السهياسى والفكرى والقبول بالتعدديهة والختلف والتداول السهلمى للسهلطة بالحتكام إلى إرادة‬
‫الشعب واحترام حقوق النسان وسيادة القانون‪ .‬وثانيها‪ :‬الديمقراطية كأسلوب لممارسة السلطة‬
‫وتنظيم العلقة بين الدولة والمجتمع‪ ..‬وذلك من خلل مجموعة من الطر القانونية والهياكل‬
‫السياسية والمؤسسية والقواعد الجرائية التى تنظم الممارسة الديمقراطية‪ .‬وهنا تبرز عناصر‬
‫عدة فى بن ية النظام الديمقرا طى تتعلق بتنظ يم العل قة ب ين ال سلطات وطبي عة النظام الحز بى‬
‫والنظام النتخا بى وبن ية البرلمان‪ .‬وثالث ها‪ :‬الديمقراط ية باعتبار ها ن مط حياة للمجت مع‪ ..‬وي تم‬
‫التركيهز هنها على مدى توافهر قيهم وممارسهات الديمقراطيهة على صهعيد مؤسهسات المجتمهع‬
‫كالسرة والمدرسة والجامعة والحزب والنادى‪ ....‬ومن منظور قضية العولمة يمكن القول أن‬
‫قيم الديمقراطية تعتبر ذات طابع عالمى باعتبارها قيما إنسانية عامة وثيقة الرتباط بالتطور‬
‫النسانى‪ ....‬أما الشكال والصيغ التنظيمية والمؤسسية التى تأخذها النظم الديمقراطية فهى‬
‫متعددة ويمكن أن تختلف من دولة إلى أخرى ”(‪.)149‬‬

‫ول شك فى أن الديمقراطية ‪ -‬كأسلوب للحكم ‪ -‬تعانى من عدد من المشكلت‪ .‬ولكن‬


‫قابل ية النظام الديمقرا طى للمراج عة والت صحيح تو ضح ” أ نه ل يس كافيا أن نش ير إلى مشكلت‬
‫فى الديمقراطيات الليبرالية المعاصرة حتى لو كانت مشكلت هامة مثل العجز فى الميزانية‬
‫أو التض خم أو الجري مة أو المخدرات أو تدم ير البيئة أو عدم الم ساواة‪ ،‬فالمشكلة ل تتحول إلى‬
‫تناقض إل إذا كانت من الخطورة بحيث ل يمكن حلها فى إطار النظام القائم “(‪.)150‬‬

‫()‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫‪147‬‬

‫()‬
‫جورج طرابيشى‪ ،‬فى ثقافة الديمقراطية‪ .‬ص ‪.5‬‬ ‫‪148‬‬

‫()‬
‫حسنين توفيق إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.206‬‬ ‫‪149‬‬

‫()‬
‫فرانسيس فوكاياما‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.130‬‬ ‫‪150‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪-‬‬

‫وفهى الواقهع‪ ..‬فإن مها تدفهع إليهه تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام‪ ،‬مهن‬
‫انحسهار فهى دور البرلمانات ودور التمثيهل النيا بى‪ ،‬يو ضح بأن ث مة تطويرا فهى ش كل النظهم‬
‫الديمقراط ية آخذا فى التكون‪ .‬وأن انتشار الديمقراط ية يراف قه انح سار لطر ها القدي مة‪ ،‬وميلد‬
‫لطر جديدة شعبية أكثر منها تمثيلية‪.‬‬

‫” فالمجتمع المعاصر يشهد ولدة أسئلة لم تعد السياسة والحزاب السياسية بقادرة على‬
‫الجابهة عنهها ول حتهى على صهياغتها‪ .‬فالسهياسة وصهدام اليدلوجيات كان لهمها معنهى‬
‫ما دام النقاش متمحورا حول مستوى إعادة توزيع الثروة الجتماعية‪ .‬ولكن مع توقف التفكير‬
‫فى بدائل للنظام القتصادى السائد مع سقوط الشيوعية‪ ،‬فإن اهتمامات الرأى العام باتت تنصب‬
‫على مسهائل غيهر قابلة للندراج فهى برامهج الحزاب ول فهى طقوسهها‪ .‬فقضايها البيئة مثلً‬
‫ع صية على الت صنيف فى خا نة اليم ين أو الي سار‪ ....‬وآليات الديمقراط ية التمثيل ية والحزب ية‬
‫تقهف مشلولة عهن الفعهل إزاء تطور ظاهرة الجنوح فهى ضواحهى العواصهم والمدن الكهبرى‪،‬‬
‫وظاهرة الدمان على المخدرات‪ ،‬ك ما ت قف عاجزة عن الجا بة على ال سئلة الخلق ية ال تى‬
‫ت ستأثر بالهتمام الجما عى م ثل التلق يح ال صطناعى والمهات الحاملت بالنيا بة وتجارة زرع‬
‫العضاء “(‪ ..)151‬والستنساخ‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫وبالتالى فإذا كانت الديمقراطية تواجه تغييرا فى أطرها ‪ -‬وليس فى قيمها ‪ -‬نابعا من‬
‫الح ساس بأز مة ما‪ ” .‬فإن أز مة الديمقراط ية تن بع من كون ها أن ها لي ست ديمقراط ية كاف ية‪.‬‬
‫فاليمان بالديمقراط ية لم يتغ ير فى الوليات المتحدة ح يث ‪ %90‬من ال سكان يؤمنون بالش كل‬
‫الديمقراطى للحكومة‪ .‬وفى إحصاء لحد عشر بلدا أوربيا فى الفترة ما بين ‪1990 - 1981‬‬
‫ظهر أن أكثر من ‪ %90‬مؤيدون لنظام ديمقراطى للحكومة ولكن النسبة نفسها وافقت على أنه‬
‫يجب البحث عن طرق لتطوير الديمقراطية “(‪.)152‬‬

‫ولعل ” السؤال المحورى الذى تثيره خبرات النظم الديمقراطية فى اللحظة الراهنة إنما‬
‫يتعلق بمدى احتفاظ البرلمانات بدورهها السهاسى وههو تمثيلهها لعموم الناخهبين‪ .‬فالقضيهة ههى‬
‫ات ساع دور الجماعات المنظ مة ونفوذ ها على ح ساب الغلب ية ال صامتة غ ير المنظ مة “(‪.)153‬‬
‫” فالقرارات لم تعهد تصهنعها اليوم المؤسهسات الحكوميهة والهيئات التمثيليهة أو الجراءات‬
‫النتخابية من برلمانات واستفتاءات‪ ،‬وإنما أصبحت شأنا عالميا يتعلق بسلطات جديدة أصحابها‬
‫()‬
‫جورج طرابيشى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.160‬‬ ‫‪151‬‬

‫()‬
‫أنطونى جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.115‬‬ ‫‪152‬‬

‫()‬
‫منار الشوربجى‪ " ،‬انحسار دور البرلمانات ظاهرة عالمية‪ ..‬ولكن "‪ ،‬جريدة الهرام‪ .‬بتاريخ ‪ ،25/7/2001‬ص ‪.10‬‬ ‫‪153‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪-‬‬

‫هم الذ ين ي سيطرون على و سائط العلم‪ ،‬ويحركون أموال هم ومنتجات هم اللماد ية من طرف‬
‫إلى آخر من أنحاء الرض “(‪.)154‬‬

‫إن كهل هذا أدى إلى ضرورة تطويهر طرق جديدة لممارسهة الديمقراطيهة‪ ،‬طرق تتجهه‬
‫رأسها إلى الشعهب متخطيهة جماعات المصهالح والبرلمانات والحزاب‪ .‬ويتضهح هذا فهى تنامهى‬
‫ظاهرة « اسهتطلعات الرأى » ” فمهع هذه التقنيهة‪ ..‬انتفهت الحاجهة إلى وسهاطة الحزاب‪.‬‬
‫فالمواج هة أض حت مباشرة من الن ف صاعدا ب ين و جه الزع يم ال سياسى وب ين الرأى العام ك ما‬
‫يتج سد فى ال ستطلعات‪ .‬ف فى إنجلترا م هد البرلمان ية‪ ،‬ن جد أن ا ستطلعات الرأى ‪ -‬ل لع بة‬
‫الكثرية والقلية البرلمانية ‪ -‬هى التى هزمت السيدة الحديدية « تاتشر »‪ .‬وفى الوليات المتحدة‬
‫المريك ية‪ ،‬أض حت المواج هة المزم نة ب ين الرئ يس والكونجرس مشرو طة بالنتائج ال سبوعية‬
‫أو الشهرية لستطلعات الرأى‪ ،‬فبقدر ما تتصاعد السهم الرئاسية يميل أعضاء الكونجرس إلى‬
‫المصالحة وبقدر ما تهبط يجنحون إلى المشاكسة‪ .....‬إن استطلعات الرأى تلغى المسافة التى‬
‫كا نت تف صل النا خب عن نا خبيه‪ ..‬وتع يد إلى الديمقراط ية نزرا من ذلك الطا بع المبا شر الذى‬
‫تجردها منه اللية التمثيلية‪ ،‬فمع تقنية استطلعات الرأى يعود للناخبين حضور شبه دائم “(‪.)155‬‬

‫وثمة أطر حديثة كثيرة مطروحة على الساحة لتطوير الممارسات الديمقراطية‪ ،‬وكلها‬
‫تصب فى مسار نقل السلطة للجماهير مثل ” آلية الستفتاءات السريعة على القرارات باستخدام‬
‫أسهلوب الرسهائل القصهيرة على المحمول؛ فهى السهتفتاء على رأى الجماهيهر تجاه الضرائب‬
‫الجديدة مثلً‪ ..‬أو التجاه ن حو اختفاء صندوق النتخاب بشكله التقليدى‪ ،‬وا ستبداله بمو قع على‬
‫النترنهت ( صهندوق الكترونهى ) يمكهن التصهويت مهن خلله‪ ..‬ولن يكون نظام القتراع‬
‫اللكترو نى المبا شر وال سريع هو الوح يد على ال ساحة‪ ،‬بل سيعمل جنبا إلى ج نب مع ن ظم‬
‫معلومات ن ظم ال ستفتاءات ال سريعة‪ ،‬ال تى تع مل فى حالة احتياج الحا كم لتخاذ قرارات مه مة‬
‫هس للبرلمان‪.‬‬
‫هب مباشرة وليه‬
‫ها اللجوء للشعه‬
‫هن معهه‬
‫هل الدولة يتعيه‬
‫هن قبه‬
‫هتراتيجية مه‬
‫اسه‬
‫علوة على ن ظم متاب عة أداء الحكومات وقياس شعب ية الم سئولين دوريا على كل الم ستويات‬
‫( إدارة محلية ‪ -‬وزراء فى حكومة مركزية ‪ -‬رؤساء وحكام ) “(‪.)156‬‬

‫بالضا فة إلى ذلك‪ ..‬فث مة أفكار أخرى تن بع من تقدم و سائل الت صال اللكترو نى من‬
‫خلل شب كة النتر نت‪ .‬م ثل ” إمكان ية ا ستخدام أ سلوب المقايضات التعاقب ية ‪ Trade-offs‬ب ين‬
‫()‬
‫على حرب‪ ،‬حديث النهايات ( فتوحات العولمة ومآزق الهوية )‪ .‬ص ‪.103‬‬ ‫‪154‬‬

‫()‬
‫جورج طرابيشى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬صفحات ‪.162 - 160‬‬ ‫‪155‬‬

‫() جمال محمهد غيطاس‪ " ،‬الديمقراطيهة الرقميهة والعودة إلى زمهن سهقراط‪ :‬مشاههد حيهة مهن الحياة الرقميهة " ‪ ،‬جريدة الهرام‪.‬‬ ‫‪156‬‬

‫بتاريخ ‪ ،14/8/2001‬ص ‪.24‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪-‬‬

‫الحزاب والقوى المجتمع ية‪ ،‬وال تى تتم ثل فى إجراء مقايضات واتفاقات ب ين تلك المجموعات‬
‫حول إمكان ية تب نى اتجاه مع ين والمواف قة عليه نظ ير الح صول على مواف قة الطرف الخر فى‬
‫قضيهة أخرى‪ ،‬أو جعهل النواب يصهوتون بنسهبة ‪ %50‬فقهط فهى أيهة مسهألة مطروحهة وتبقهى‬
‫ال صوات الخرى من حق عي نة عشوائ ية تم ثل الرأى العام‪ ،‬وبا ستخدام الحوا سب وو سائل‬
‫التصال عن بعد والقتراع يصبح المر بسيطا للغاية “(‪.)157‬‬

‫إن عولمة الديمقراطية تدفع إلى انتشار الديمقراطية وتوحيد أساليب الحكم فى الشكل‬
‫الديمقراطهى على مسهتوى العالم‪ .‬ولكنهها تدفهع أيضا فهى اتجاه انحسهار دور الديمقراطيهة‬
‫التمثيليهة والبرلمانات‪ ،‬والتجاه نحهو الديمقراطيهة الشعبيهة وانقسهام الجماعات السهياسية بعدد‬
‫أفراد المجتمع‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬العـولمـة والمجتمع المدنى‪:‬‬


‫تدفهع إسهتراتيجية العولمهة للتوحهد والتكتهل والندماج منظمات المجتمهع المدنهى‬
‫( المنظمات غ ير الحكوم ية ) إلى الندماج تدريجيا على الم ستوى العال مى فى تك تل يع كس‬
‫إرادة جماع ية فى مقا بل إرادة الحكومات‪ .‬فى ح ين تد فع تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ‬
‫والنق سام إلى تش ظى المجت مع المد نى على الم ستوى المحلى ليع كس إرادة القليات فى مقا بل‬
‫الرادة الجماعية للمجتمع المحلى‪.‬‬

‫وينبع ذلك من ” أن كثيرا من معطيات عملية العولمة ومخرجاتها سوف يقضى ‪-‬‬
‫ل محالة ‪ -‬إلى تقويهة بنيان المجتمهع المدنهى ومنظماتهه‪ .‬وإعادة صهوغ علقتهه بالدولة‬
‫ومؤ سساتها‪ ..‬ك ما أن اهتمام ب عض المنظمات الدول ية ‪ -‬و فى مقدمت ها هيئة ال مم المتحدة‬
‫ووكالت ها المتخ صصة ‪ -‬بإحياء المجت مع المد نى وإنعاش منظما ته على م ستوى الدولة‪.‬‬
‫وقيام بعهض الدول الكهبرى والمؤسهسات الدوليهة بتخصهيص نوع مهن المنهح والقروض‬
‫والمعونات لمنظمات المجت مع المد نى وتمو يل ب عض أنشطت ها‪ .‬كل ذلك ي سهم فى تنش يط‬
‫تلك المنظمات “( ‪.)158‬‬

‫ممها أدى إلى أن تصهبح تلك ” الحركات الجتماعيهة والجماعات والمنظمات غيهر‬
‫الحكومية الجديدة بالتالى قادرة على أن تعكس قوتها على المسرح العالمى “(‪.)159‬‬

‫()‬
‫آلفين توفلر‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬صفحات ‪.465 - 462‬‬ ‫‪157‬‬

‫()‬
‫السيد الزيات‪ " ،‬هل تتلشى الدولة فى ظل العولمة " مجلة تحديات ثقافية‪ ( .‬العدد ‪ ،4‬أبريل ‪ -‬يونيو ‪ ،) 2001‬ص ‪.73‬‬ ‫‪158‬‬

‫()‬
‫أنطونى جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.88‬‬ ‫‪159‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪-‬‬

‫وظههر ذلك فهى حركات المعارضهة القويهة والحتجاجات الواسهعة التهى مارسهها تكتهل‬
‫منظمات المجت مع المد نى فى المؤتمرات القت صادية الدول ية فى ال سنوات الخيرة‪ ،‬وال تى بدأت‬
‫ل فهى « سهياتل » بالوليات المتحدة‪ ،‬حتهى أن بعهض المعلقيهن أطلق على هذا التكتهل‬
‫أو ً‬
‫« ش عب سهياتل »∗‪ .‬حيهث إن ” الكثيريهن باتوا يعتقدون أن هناك جما عة واحدة أو ائتلفا واحدا‬
‫مهن الجماعات ههو الذى يقهف وراء تلك الحتجاجات‪ .‬والحقيقهة غيهر ذلك تماما‪ ،‬لن هناك‬
‫العشرات بل والمئات من الجماعات ال تى تعارض العول مة ومنظمات ها‪ ،‬و فى مع ظم الحيان ل‬
‫يكون هناك تنسيق بينها‪ ...‬ففيها جماعات يسارية‪ ،‬وأخرى يمينية‪ ،‬وثالثة محافظة‪ ،‬كما أن هناك‬
‫جماعات فوضو ية‪ ،‬وال كل يجمع ها هدف وا حد هو إ سقاط العول مة‪ ،‬وإن كا نت أ سباب كل من ها‬
‫مختلفة “(‪.)160‬‬

‫ولكن إذا كانت تلك التكتلت ‪ -‬فى مراحلها الولى ‪ -‬تتم دون محركات تنظيمية‪ .‬فإن‬
‫التقدم المتاح فهى وسهائل التصهال سهيتيح لهها فهى المسهتقبل إمكانيهة التقارب والتكتهل المنظهم‬
‫والهادف‪ .‬وهذا مها يؤكده « أنطونهى جيدنهز » مهن ” أن الحركات الجتماعيهة‪ ،‬ومجموعات‬
‫القضية الواحدة‪ ،‬والمنظمات غير الحكومية وغيرها من تجمعات المواطنين‪ ،‬سوف تلعب بكل‬
‫(‪)161‬‬
‫تأكيد جز ًء من الدور فى السياسة على أساس مستمر‪ ..‬من المستوى المحلى إلى العالمى “‬
‫انطلقا من أن ” تقدم العول مة يج عل الجما عة مر كز اهتمام وذلك لهم ية الضغوط ال تى يم كن‬
‫أن تمارسها من القاعدة “(‪.)162‬‬
‫كما يؤكده رئيس شركة « شيل » العالمية عندما قال ” كنا إلى حد ما بطيئين فى فهم أن‬
‫هذه الجماعات تتجه للحصول على السلطة‪ .‬لقد أسأنا تقدير مدى تأثير هذه التغيرات‪ .‬وأخفقنا فى‬
‫أن ندخل فى حوار جدى مع هذه الجماعات الجديدة‪ .‬ويضيف‪ ..‬إن مؤسسات المجتمع العالمى يُعاد‬
‫اكتشافها‪ ،‬فى الوقت الذى تعيد فيه التكنولوجيا تحديد العلقة بين الفراد والمنظمات “(‪.)163‬‬

‫ول كن إذا كا نت منظمات المجت مع المد نى تند مج على الم ستوى العال مى‪ ،‬فإن التش ظى‬
‫ههو الحادث على المسهتويات المحليهة‪ .‬حيهث توضهح كافهة الشارات أن ” المجتمهع التشكيلى‬
‫‪ Configurative‬سيحتل مكان المجت مع عالى الطبق ية ( مجت مع المجموعات ال كبرى المتحال فة‬

‫تنقسهم الجماعات المناهضهة للعولمهة إلى‪ :‬جماعات حقوق النسهان‪ ،‬جماعات البيئة‪ ،‬اتحادات عماليهة‪ ،‬جماعات طلبيهة‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫جماعات فوضوية وفوضويون‪ ،‬مطالبون بإصلح صندوق النقد الدولى‪ ،‬مطالبون بإلغاء ديون الدول الفقيرة‪.‬‬
‫انظههههر‪ :‬أشرف أبههههو الهول‪ " ،‬العولمههههة والحتجاجات "‪ ،‬جريدة العالم اليوم‪ .‬بتاريههههخ ‪،2/5/2000‬‬
‫ص ‪.10‬‬
‫()‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬ ‫‪160‬‬

‫()‬
‫أنطونى جيدنز‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.91‬‬ ‫‪161‬‬

‫()‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.123‬‬ ‫‪162‬‬

‫()‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.87‬‬ ‫‪163‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪-‬‬

‫سهويا ُمشَههكّلة الغلبيهة ) ويتألف هذا المجتمهع التشكيلى مهن آلف القليات‪ ،‬بعضهها مؤقهت‬
‫الوجود وبعضهها يشكهل أنماطا غريبهة جدا‪ ،‬لكنهها سهريعة الزوال‪ ،‬وههى نادرا مها تلتحهم فهى‬
‫إجماع نسبته ‪ %51‬على القضايا الكبرى “(‪.)164‬‬

‫ففهى دراسهة «روبرت وتهناو» ‪ Robert Wuthnow‬حول تطور حركهة الجماعات‬


‫ال صغيرة فى الوليات المتحدة المريك ية ” تبين أن ‪ %40‬من المريكي ين ينتمون على ال قل‬
‫إلى جماعة صغيرة واحدة تتقابل بانتظام “(‪.)165‬‬

‫ول قد أو ضح الرئ يس التشي كى « فاكلف هاف يل » ” بأن قوة من ل قوة ل هم تك من فى‬


‫التنظيهم الذاتهى للمجتمهع المدنهى‪ ،‬الذى يتحدى المنطهق الذرائغهى الكامهن فهى الدولة والجهزة‬
‫التكنولوجية للهيمنة والتحكم “(‪.)166‬‬

‫ولكن ينبغى النتباه إلى أن ” المجتمع المدنى ليس كما يتصور البعض مصدرا للتنظيم‬
‫العفوى والنسهجام‪ .‬فماذا يحدث عندمها تكون الجماعات الفاعلة لهها صهورة مختلفهة لمسهتقبل‬
‫الجماعة الواسعة؟ من الذى يقرر أين تقف نهاية جماعة وبداية أخرى؟‪ ..‬الحكومة يجب عليها‬
‫أن تقوم بالح كم فى هذه القض ية والقضا يا الصعبة الخرى‪ ،‬الدولة يجب أن تح مى الفراد من‬
‫صراع الم صالح فى المجت مع المد نى‪ ،‬الدولة ل ت ستطيع أن تتحول إلى المجت مع المد نى‪ :‬فإذا‬
‫كانت الدولة فى كل مكان فليس لها مكان ”(‪.)167‬‬

‫إن العولمة تجعل العالم ينتقل ” من أسلوب السلطة الهرمية المطلقة إلى أساليب جديدة‪،‬‬
‫أساليب تفاوضية أفقية وليست عمودية‪ ،‬أساليب أكثر تحضرا ولكنها أشد تعقيدا “(‪.)168‬‬

‫‪‬‬

‫المبحـث الثـانى‬
‫البعـاد القتصـادية لظاهـرة العـولمـة‬

‫()‬
‫آلفين توفلر‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.459‬‬ ‫‪164‬‬

‫()‬
‫أنطونى جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.124‬‬ ‫‪165‬‬

‫() سلفوى زيز يك‪ " ،‬ل م فر من من طق الرأ سمالية "‪ ،‬مجلة الثقا فة العالم ية‪ ( .‬العدد ‪ ،100‬ما يو ‪ -‬يون يو ‪ ،) 2000‬ص‬ ‫‪166‬‬

‫‪.214‬‬
‫()‬
‫أنطونى جيدنز‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.130‬‬ ‫‪167‬‬

‫() الحبيب الجنحانى‪ " ،‬ظاهرة العولمة‪ :‬الواقع والفاق "‪ ،‬مجلة عالم الفكر ( عدد خاص بعنوان‪ :‬العولمة ظاهرة العصر )‪.‬‬ ‫‪168‬‬

‫( العدد ‪ ،2‬أكتوبر ‪ -‬ديسمبر ‪ ،) 1999‬ص ‪.36‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪-‬‬

‫( العـولمـة القتصـادية )‬

‫تك شف البعاد القت صادية للعول مة عن عدد من التغيرات المتدر جة ال تى أخذت تطرأ‬
‫على المسلمات فى المفاهيم القتصادية المعاصرة‪ ،‬والتى باتت تتعلق بواقع تنامى أو انكماش‬
‫دور السوق وآلياته‪ ،‬ومدى اتساع دور الشركات المتعددة الجنسيات‪ ،‬والدور الذى تلعبه القوى‬
‫الضابطة لليات السوق أو لسياسات الشركات‪.‬‬

‫أولً‪ :‬العـولمـة ودور السـوق وآليـاته‪:‬‬


‫تدفع إستراتيجية العول مة للتوحد والتكتل والندماج ن حو عملية دمج لل سواق المحل ية‬
‫على مسهتوى العالم‪ ،‬بمها يؤدى إلى تكويهن سهوق عالميهة واحدة فهى مجالت حركصة السصلع‬
‫والخدمات والموال والتوظ يف‪ .‬بين ما تد فع تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنق سام ن حو‬
‫تجزؤ ال سواق وتعدد ها وتنوع ها فى مجال نوع ية ال سلع والخدمات‪ ،‬ب ما يتنا سب مع رغبات‬
‫كل عميل باتساع العالم‪.‬‬

‫ويم كن القول بأن ” أ هم خ صائص الحضارة ال صناعية ابتداع ها ال سوق كو سيط ب ين‬
‫النتاج على نطاق وا سع وال ستهلك على نطاق وا سع‪ .‬و هى ل تش به فى شئ ال سوق ال تى‬
‫عرفت ها الحضارة الزراع ية‪ .‬فال سوق فى الحضارة ال صناعية ت سيطر على كل مرا فق الحياة‬
‫وتتحكم فى النتاج والستهلك عن طريق مؤسساتها المختلفة “(‪.)169‬‬

‫ونظرا ” لن نظام السوق هو محصلة لتطور اجتماعى بطئ ومتدرج‪ ،‬وتاريخ طويل‬
‫من التجربة والخطأ‪ ......‬فمن هنا جاءت مرونة السوق وحيويتها‪ .‬فهى دائمة التطور والتلؤم‬
‫مع ظروف البيئة وتغيرات التكنولوجيا أو الذواق “(‪.)170‬‬

‫ونظرا ل ما فرض ته البن ية التحت ية للعول مة من سهولة فى الت صال والنتقال والن قل‬
‫والشحههن والتجارة‪ .‬فقههد أدى ذلك إلى ” زيادة معدلت التجارة العالميههة وحركههة انتقال‬
‫التكنولوجيها ورأس المال والعمالة عهبر الحدود‪ ..‬وزيادة الترابهط والتداخهل بيهن السهواق‬
‫والبورصهات الماليهة العالميهة “(‪ .)171‬المهر الذى سهيسفر عهن ” القضاء على عزلة السهواق‬
‫الجزئية ودمجها جميعا فى سوق واحد متعولم وبشكل تدريجى “(‪.)172‬‬

‫() راجى عنايت‪ ،‬ثورة حضارية زاحفة ( وماذا عن مستقبل مصر )‪ .‬ص ‪.9‬‬ ‫‪169‬‬

‫() حازم الببلوى‪ ،‬دور الدولة فى القتصاد‪ .‬ص ‪.95‬‬ ‫‪170‬‬

‫() حسنين توفيق إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.188‬‬ ‫‪171‬‬

‫() محسن أحمد الخضيرى‪ ،‬العولمة ( مقدمة فى فكر واقتصاد وإدارة عصر اللدولة )‪ .‬ص ‪.159‬‬ ‫‪172‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبالتالى ” أصبح من الواضح على نحو متزايد أن السياسة القتصادية لمة ما‪ ،‬قد‬
‫تؤثهر على البلدان الخرى‪ .‬فعندمها كانهت المهم منعزلة بحواجهز تجاريهة عاليهه‪ ،‬وكانهت‬
‫التدفقات التجارية محدودة‪ ،‬كان فى مقدور بلد ما أن يتجاهل السياسات القتصادية المحلية‬
‫لبلد آخر‪ .‬ولكن مع تهاوى الحواجز أصبحت السياسات المحلية للبلدان الخرى أكثر أهمية‬
‫بكث ير “(‪ . )173‬ال مر الذى أدى إلى أن ي صبح ” النشاط القت صادى‪ ..‬شد يد التأ ثر بأى تغي ير‬
‫فهى أسهعار البورصهات أو إحصهاءات موازيهن المدفوعات وأرقام البطالة ومعدلت ارتفاع‬
‫ال سعار‪ ..‬واكت سبت البيانات المال ية المجردة أهم ية ق صوى جاوزت ما وراء ها من حقائق‬
‫عينيهة‪ . )174(“ ..‬بحيهث تحول القتصهاد إلى نوع جديهد مهن القتصهاد‪ ،‬يُطلق عليهه‬
‫( القتصهاد الرمزى ) نسهبة إلى تأثره الشديهد بمدلولت رمزيهة أكثهر مهن تأثره بمدلولت‬
‫مادية تتمثل فى الصول العينية‪.‬‬

‫ولهذا كان ” سهياق نمهو تطور القوى‪ ،‬واتجاهات الحركهة المنظمهة للشياء‪ ،‬تدفهع إلى‬
‫التوجه الفاعل نحو التكتل والندماج‪ ..‬وقد فرض ذلك‪ ..‬عولمة النشاط النتاجى‪ ،‬حيث أصبح‬
‫من الم ستحيل على أى مؤ سسة أو شر كة أو مشروع ؛ النغلق تماما عن التأثيرات العالم ية‬
‫وعولمهة النشاط المالى واندماج وارتباط أسهواق النقهد والمال ببعضهها البعهض‪ ،‬واتجاههها إلى‬
‫التمركز والنتشار والتوسع “(‪.)175‬‬

‫ونتي جة لذلك ف قد أ صبحت ” النقود ب سبيلها الن لت صبح رقم ية على ن حو مطرد‪ ..‬ل قد‬
‫أصهبح هذا المهر واقعا الن بالنسهبة للبنوك الكهبيرة والمؤسهسات الدوليهة‪ .‬ومهن حوالى ‪4‬‬
‫تريليونات دولر تُتداول فى الوليات المتحدة‪ ،‬فإن الع شر من ها ف قط هو على ش كل ن قد حقي قى‬
‫وعملت مخزنة فى صناديق البنوك وجيوب الناس “(‪ .)176‬المر الذى أدى إلى أن النقود بدأت‬
‫” تأخهذ شكهل سهلعة تتداول خارج وظائفهها القتصهادية التقليديهة‪ .‬كمها خرجهت عهن سهيطرة‬
‫الحكومات‪ ،‬المحتكر الطبيعى لصدار النقود‪ .‬وبدأت النقود اللكترونية والمبادلت عبر شبكات‬
‫الت صال العال مى تتجاوز حدود ال سواق التقليد ية “(‪ ” .)177‬فأك ثر من تريليون دولر يوميا ي تم‬
‫تحويلها فى شكل تحويلت للعملة المتبادلة “(‪.)178‬‬

‫() جارى بيرتلس وآخرون‪ ،‬جنون العولمة ( تفنيد المخاوف من التجارة المفتوحة )‪ .‬ترجمة كمال السيد‪ ،‬ص ‪.115‬‬ ‫‪173‬‬

‫() حازم الببلوى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬ ‫‪174‬‬

‫() محسن أحمد الخضيرى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.7‬‬ ‫‪175‬‬

‫() ميتشيو كاكو‪ ،‬رؤى مستقبلية ( ك يف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين )‪ .‬ترجمة سعد الدين خرفان‪ ،‬ص‬ ‫‪176‬‬

‫‪.53 - 52‬‬
‫هط‬
‫هد الباسه‬
‫هى عبه‬
‫هى‪ .‬فه‬
‫هن العربه‬
‫هبة للوطه‬
‫ها بالنسه‬
‫هتعمارية الجديدة ومغزاهه‬
‫هد محمود المام‪ ،‬الظاهرة السه‬
‫() محمه‬ ‫‪177‬‬

‫عبد المعطى ( محرر )‪ ،‬العولمة والتحولت المجتمعية فى الوطن العربى‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫() أنطونى جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.61‬‬ ‫‪178‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبالضا فة إلى النقود اللكترون ية ف قد ظ هر فى الح قل القت صادى م صطلح « التجارة‬


‫اللكترون ية »‪ ..‬فمع تحول اقتصاد عصر ( ما ب عد ال صناعة ) إلى اقت صاد خدمات أك ثر م نه‬
‫اقتصاد منتجات صناعية وتحويلية‪ .‬فإن التجارة اللكترونية تصبح هى الكثر سرعة وإنجازا‪.‬‬

‫وتتكون التجارة اللكترونيهة مهن ” التجارة اللكترونيهة غيهر المباشرة والتهى تتعلق‬
‫بمعلومات عهن سهلع ماديهة فعليهة يتهم شحنهها بوسهائل النقهل التقليديهة‪ .‬والتجارة اللكترونيهة‬
‫المباشرة التى تشتمل على سلع هى نفسها عبارة عن معلومات يتم شحنها بش كل مباشر عبر‬
‫شبكات التصهال‪ .‬وهذه السهلع تشمهل البريهد اللكترونهى‪ ..‬والبرامهج‪ ..‬والكتيبات والكتهب‬
‫وال صور والت سجيلت الفن ية والمو سيقى والفلم وأدلة ال سفر والرشادات والخبار أو أ سعار‬
‫البور صات والموال والجراءات وال ستمارات والمواد التعليم ية‪ ...‬ونظرا لن ال سرعة ال تى‬
‫تتهم بهها عمليهة التوريهد تُرضهى الحاجهة النسهانية للشباع الفورى‪ .‬فمهن المرجهح أن تصهبح‬
‫التجارة اللكترونية المباشرة عنصرا هاما من عناصر سوق المعلومات “(‪.)179‬‬

‫وتف يد التقديرات بأن ” ح جم التجارة اللكترون ية فى العالم قد بلغ ‪ 1234‬مليار دولر‬


‫عام ‪ 2002‬مقابهل ‪ 73.9‬مليار دولر عام ‪ ....98‬وذلك لكونهها وسهيلة متميزة وغيهر مسهبوقة‬
‫للوصول إلى أسواق العالم جميعها وفى وقت واحد وبأقل النفقات الممكنة‪ ..‬وبذلك تُعد تطبيقا‬
‫حقيقيا لفكرة العول مة‪ .‬لكون ها و سيلة فعالة لع قد ال صفقات ب ين المتعامل ين عن طر يق الت صال‬
‫اللكترونهى المباشهر بينههم‪ ،‬وبذلك فإنهها ل تحتاج إلى المسهتندات الورقيهة ومها تسهتلزمه مهن‬
‫نفقات‪ .‬كما إنها توفر النفقات العامة والدارية ومصاريف النتقال “(‪.)180‬‬

‫لقهد أدت التجارة اللكترونيهة إلى أن تحهل ” التجارة فهى « البتّات » محهل التجارة فهى‬
‫الذرات‪ .‬فأثمن منتج فى التجارة الدولية فى الوقت الحالى هو المعلومات التى تُنقل إلكترونيا “(‪.)181‬‬
‫ولذا تتحول التجارة الحقيقيهة ببطهء ولكهن بثقهة ” إلى تجارة عهبر شبكهة النترنهت‪ ،‬وذلك لن‬
‫الغراء قوى جدا‪ .‬فليهس هناك متجهر يغلق إطلقا على النترنهت‪ ،‬ول يوجهد مكان بعيهد‬
‫ومعزول عن بقية العالم “(‪.)182‬‬

‫إن تحول القت صاد إلى اقت صاد خدمات على ن حو متزا يد‪ ،‬وظهور النقود اللكترون ية‬
‫والتجارة اللكترونية‪ ،‬بالضافة إلى سهولة النقل والشحن عبر الخطوط الجوية‪ ،‬كل ذلك أدى‬

‫هن‪،‬‬
‫هة بهاء شاهيه‬
‫هد حياتنهها )‪ .‬ترجمه‬
‫هيغير عالم المعلومات الجديه‬
‫هف سه‬
‫هيحدث ( كيه‬
‫هل ديرتوزوس‪ ،‬ماذا سه‬‫() مايكه‬ ‫‪179‬‬

‫ص ‪.245‬‬
‫() أسامة سليمان‪ 1234 " ،‬مليار دولر حجم التجارة اللكترونية عام ‪ ،" 2002‬جريدة العالم اليوم‪ .‬بتاريخ ‪ ،1/5/2000‬ص‬ ‫‪180‬‬

‫‪.5‬‬
‫() باتر يك جل ين وآخرون‪ " ،‬تعولم الف ساد "‪ ،‬فى كي مبرلى آن إليوت ( محرر )‪ ،‬الف ساد والقت صاد العال مى‪ .‬ترج مة مح مد‬ ‫‪181‬‬

‫جمال إمام‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫() ميتشيو كاكو‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.73 - 72‬‬ ‫‪182‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪-‬‬

‫إلى وجود ” اقتصهاد معولم كليها على مسهتوى السهواق الماليهة “(‪ ،)183‬وإلى تقارب السهواق‬
‫السلعية والخدمية على مستوى العالم تدريجيا؛ لكى تصبح سوقا واحدة مندمجة‪.‬‬

‫ول كن نظرا لن مظا هر العول مة تتلزم فى ظل ها تكتيكات التش ظى والتجزؤ والنق سام‬
‫مع استراتيجية التوحد والتكتل والندماج‪ ،‬فإنه إذا كانت السواق المالية قد تعولمت بالندماج‬
‫والترا بط‪ ،‬وال سواق التجار ية فى طريق ها لذلك من خلل تنا مى التجارة اللكترون ية‪ ،‬فإن تلك‬
‫السواق فى طريقها للتجزؤ والتشظى والتعدد والتنوع فى مجال نوعيات السلع والخدمات‪ ،‬بما‬
‫يتناسب مع رغبات كل عميل‪.‬‬

‫وذلك انطلقا من أن ” مجتمع المستقبل لن يقدم لهله فيضا من السلع المفيدة المنمطة‪،‬‬
‫بل أعظم توليفة منوعة من السلع والخدمات غير المنمطة شهدها أى مجتمع من قبل‪ .‬إننا نسير‬
‫ليس فى اتجاه مزيد من التنميط للسلع المادية‪ ،‬بل فى اتجاه النقيض الجدلى لذلك “(‪.)184‬‬

‫ويثبت التطور الصناعى أن ” التكنولوجيا البدائية هى فقط التى تفرض تنميط النتاج‪.‬‬
‫أمها « التوميشيهن » فعلى العكهس مهن ذلك يفتهح الطريهق إلى تنوع‪ ..‬ل نهايهة له‪.)185(“ ..‬‬
‫والبرهان على ذلك ” إن الحشد الثرى من المنتجات والمصنوعات المتاحة فى كثير من أنحاء‬
‫العالم حاليا يتجاوز كثيرا ما كان متاحا فى أى وقت فى الماضى “(‪ ،)186‬حيث ” حلت وفورات‬
‫النوع محل وفورات الحجم “(‪.)187‬‬

‫إن هذه القدرة التى ستوفرها التكنولوجيا الحديثة على التنوع السلعى والخدماتى تترافق‬
‫مع تنامى القدرة التى توفرها التكنولوجيا على التصال اللكترونى عبر شبكات التصال‪ .‬مما‬
‫سيؤدى إلى تحقيق الفكرة التى كان قد طرحها « آدم سميث » لمفهوم السواق فى كتابة ثروة‬
‫المم عام ‪ ،1776‬والتى مفادها أنه ” لو كان كل مشتر يعرف سعر كل بائع‪ .‬وكل بائع يعرف‬
‫ما الذى يرغب كل مشتر فى شرائه‪ .‬لصبح كل فرد فى « السوق » قادرا على اتخاذ قرارات‬
‫مبنية على معرفة كافية‪ .‬ولجرى توزيع موارد المجتمع بكفاءة “(‪.)188‬‬

‫() أنطوانى جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.62‬‬ ‫‪183‬‬

‫() آلفين توفلر‪ ،‬صدمة المستقبل ( المتغيرات فى عالم الغد )‪ .‬ترجمة محمد على ناصف‪ ،‬ص ‪.275‬‬ ‫‪184‬‬

‫() نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.276‬‬ ‫‪185‬‬

‫() جارى بيرتلس وأخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.149‬‬ ‫‪186‬‬

‫() عمرو محيهى الديهن‪ " ،‬مناقشات حول ورقهة جلل أميهن عهن‪ :‬العولمهة والدولة "‪ ،‬فهى أسهامة أميهن الخولى‬ ‫‪187‬‬

‫( محرر )‪ ،‬العرب والعولمة ( بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية )‪ .‬ص ‪.190‬‬
‫() بيل جيتس‪ ،‬المعلوماتية بعد النترنت (طريق المستقبل)‪ .‬ترجمة عبد السلم رضوان‪ ،‬ص ‪.257‬‬ ‫‪188‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولعل ما توفره شبكات الت صال ‪ -‬من قدرة فائ قة على الوصول لهذا الطرح فى ظل‬
‫تنامى التجارة اللكترونية ‪ -‬يوضح أن السوق العالمية الكبيرة تتجه إلى التجزؤ والنقسام وفقا‬
‫لرغبات العملء على م ستوى العالم ك كل فى مجال النوعيات ال سلعية والخدمات ية ال تى تقدم ها‬
‫تلك السوق العالمية عبر الشاشات اللكترونية المترابطة‪.‬‬
‫ح يث سيقود إنشاء طر يق المعلومات ال سريع فى الم ستقبل إلى تو سيع ” نطاق ال سوق‬
‫اللكترونية ويجعل منها الوسيط المطلق أو السمسار الشامل‪ ..‬وستكون كل السلع المعروضة‬
‫للبيع فى العالم بأسره متاحة لفحصها ومقارنتها‪ .‬بل لدخال تعديلت عليها‪ ..‬وسوف ينقلنا ذلك‬
‫إلى عالم جديهد مهن الرأسهمالية ضئيلة الحتكاك‪ ،‬وضئيلة النفقات المباشرة‪ ،‬حيهث تصهبح‬
‫المعلومات المتعلقة بالسوق وافرة‪ ،‬وحيث تكلفة التعاملت ضئيلة “(‪.)189‬‬

‫م ما سيؤدى إلى ” تعا ظم إمكان ية تحد يد موا صفات المن تج وفقا لرغبات العم يل “(‪.)190‬‬
‫ويؤدى إلى بروز اقتصهاد جديهد يطلق عليهه « آلفيهن توفلر » اقتصصاد المنتهلك ( أى المنتهج‪/‬‬
‫المستهلك )‪ ،‬والذى يعنى ”قيام المستهلك ببعض المراحل النهائية فى النتاج‪ ،‬من خلل إتاحة‬
‫ال ُمنْتِج ل سلع غ ير كاملة النتاج‪ ،‬وتوف ير أجهزة يمكن ها ا ستكمال النتاج منزليا‪ ،‬بح يث ت صبح‬
‫للمستهلك القدرة على إنتاج السلعة وفقا لرغبته أو تشكيل الخدمة وفقا لحاجته “(‪.)191‬‬

‫ثانياً‪ :‬العولمـة والشركات المتعددة الجنسيات‪:‬‬


‫فى إطار ا ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج تت جه الشركات ن حو الندماج‬
‫المؤسهسى مهن أجهل تكويهن كيانات عالميهة عملقهة‪ ،‬بينمها تعمهل تكتيكات التشظهى والتجزؤ‬
‫والنقسهام على التجاه بالنظهم النتاجيهة نحهو التخصهص‪ ،‬والتجاه بالسهاليب الداريهة نحهو‬
‫اللمركزية‪.‬‬

‫فلقد أدى الترابط العالمى الناشئ عن البنية التحتية للعولمة إلى تشابك السواق المحلية‬
‫فى سوق دول ية واحدة بات ساع العالم‪ ،‬وارت فع بذلك سقف الحتمالت الت سويقية للشركات من‬
‫نطاق ال سوق المحل ية إلى نطاق ال سوق العالم ية‪ .‬ال مر الذى قاد الشركات ن حو الندماج فى‬
‫كيان أكبر وأضخم من أجل ضمان رأس مال قادر على النتاج والتسويق على مستوى السوق‬
‫العالمية‪.‬‬

‫() نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.258‬‬ ‫‪189‬‬

‫() مايكل ديرتوزوس‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.248‬‬ ‫‪190‬‬

‫() انظر‪ :‬آلفين توفلر‪ ،‬حضارة الموجة الثالثة‪ .‬ترجمة عصام الشيخ قاسم‪ ،‬صفحات ‪.316 - 289‬‬ ‫‪191‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولقهد تبلورت سهياسة الندماجات القتصهادية فهى ” ثلثهة أنواع مهن الندماجات‪:‬‬
‫اندماجات صهغرى صهغيرة‪ ،‬واندماجات صهغرى كهبيرة‪ ،‬واندماجات كهبرى كهبيرة‪ ..‬ومنهها‬
‫اندماج الشرا كة و هو نوع من الندماج التداخلى والتكاملى بين الشركات‪ ..‬والندماج المرحلى‬
‫أو المؤقهت ( اندماج المتياز أو شراء الجههد )‪ ..‬والندماج القسهرى الذى يتهم عهن طريهق‬
‫البتلعات أو النضمام أو السحق ‪ ،‬أو شراء حقوق السماء التجارية وغيرها “(‪.)192‬‬

‫وث مة أمثلة واض حة فى ال سنوات الخيرة على تزا يد التجاه ن حو الندماجات ال كبرى‬
‫لتكوين كيانات عملقة على المستوى العالمى‪.‬‬
‫ففى ‪ 12/1/2000‬اندمجت شركة « أمريكا أون لين » ‪ AoL‬وشركة « تايم وارنر »‬
‫فى شركة واحدة قيمتها ‪ 350‬مليار دولر(‪.)193‬‬
‫وفى ‪ 6/2/2000‬اندمجت شركة « مانيزمان » اللمانية للتليفون المحمول مع شركة «‬
‫فودافون إيرتاتش » البريطانية فى شركة واحدة قيمتها ‪ 185‬مليار دولر(‪.)194‬‬
‫وفى ‪ 8/3/2000‬اندمج بنك « دويتش بنك » أكبر بنوك ألمانيا مع « درسدنربنك » ثالث‬
‫(‪ 1200‬مليار‬ ‫( ‪) 195‬‬
‫أكهبر بنوك ألمانيها ليشكل بنكا تزيهد قيمهة أرصهدته عهن ‪ 1.2‬تريليون دولر‬
‫دولر)‪.‬‬
‫و فى ‪ 15/4/2000‬اندم جت شر كة « ‪ BP‬أمو كو » مع شر كة « أطلنت يك رتشفيلد »‬
‫للبترول فهى شركهة واحدة قيمتهها ‪ 200‬مليار دولر لتصهبح ثالث أكهبر شركهة بترول فهى‬
‫العالم(‪.)196‬‬

‫وكما هو واضح من هذه المثلة التى أوردناها على سبيل المثال وليس الحصر‪ ،‬فإن‬
‫التجاه نحهو الندماج فهى عالم الشركات لتكويهن شركات عملقهة يمتهد إلى كافهة المجالت‬
‫والنشطة‪ ..‬العلمية‪ ،‬والتصالية‪ ،‬والمالية‪ ،‬والبترولية‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫ولعهل الفوائد التهى تجنيهها الشركات مهن الندماج والتكتهل والتركهز تتمثهل فهى الرتفاع‬
‫بمستوى حجم النتاج فى مقابل الهبوط بالتالى فى نسبة التكلفة‪ .‬وذلك من خلل ” تقديم منتجات‬
‫جديدة واسعة الستخدام‪ ،‬يتم انتاجها بأحجام اقتصادية كبيرة للدرجة التى يكاد يكون نصيب الوحدة‬
‫المنت جة من ها من عنا صر التكل فة الثاب تة صفرا‪ .‬و من ثم ر غم ضخا مة التكال يف الثاب تة‪ ،‬ور غم‬

‫() سيار الجميل‪ ،‬العولمة والمستقبل ( إستراتيجية تفكير )‪ .‬ص ‪.47‬‬ ‫‪192‬‬

‫() جريدة الهرام بتاريخ ‪ ،12/1/2000‬ص ‪.1‬‬ ‫‪193‬‬

‫() جريدة العالم اليوم بتاريخ ‪ ،6/2/2000‬ص ‪.2‬‬ ‫‪194‬‬

‫() جريدة الهرام بتاريخ ‪ ،8/3/2000‬ص ‪.1‬‬ ‫‪195‬‬

‫() جريدة العالم اليوم بتاريخ ‪ ،15/4/2000‬ص ‪.1‬‬ ‫‪196‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪-‬‬

‫ضخامهة المنفهق منهها على البحوث والدراسهات والتطويهر‪ ،‬ورغهم كونهها متزايدة القيمهة وبشكهل‬
‫مضطرد‪ ،‬إل أنها ل تشكل عبئا على الوحدات المنتجة لكونها أقرب بالنسبة لها إلى الصفر “(‪.)197‬‬

‫وينب غى الشارة إلى أن الندماجات الحال ية ال تى تت جه إلي ها الشركات العالم ية ل تؤدى‬


‫إلى خلق كيان عملق بن فس موا صفات الوحدات القت صادية الداخلة فى تكوي نه‪ .‬وذلك ل ما ث بت‬
‫مهن ” خطهأ القول بأن التنميهة الصهناعية تعنهى بالضرورة قيام بيروقراطيات متزايدة الحجهم‬
‫أو اتحادات عملقهة مهن الشركات الصهناعية‪ .‬فالبيروقراطيات الضخمهة تتضاءل فعاليتهها متهى‬
‫تجاوز حجمهها حدا معينا‪ .‬إذ تصهاب عندئذ بمها يسهميه القتصهاديون « عدم الوفهر الناجهم عهن‬
‫الحجم الكبير » وتضحى بالتالى أقل كفاءة من عدد أكبر من المنظمات الصغر “(‪ .)198‬وإنما ثمة‬
‫موا صفات اقت صادية جديدة غال بة على كا فة الندماجات الخذة فى التش كل تفرض ها تكتيكات‬
‫العول مة للتش ظى والتجزؤ والنق سام‪ ،‬ح يث ” حلت شب كة النتاج م حل الم صنع ال كبير‪ ،‬وحلت‬
‫وفورات النوع م حل وفورات الح جم‪ ،‬وأ صبحت وحدة النتاج هى العالم ك كل‪ ،‬ول يس المصنع‬
‫الكبير القائم فى موطن معين “(‪.)199‬‬

‫ولقهد أدى هذا إلى ضرورة إجراء تغييرات جذريهة فهى البنيهة التنظيميهة والداريهة‬
‫والخطهط النتاجيهة لتلك الشركات العملقهة؛ وبالتالى فقهد صهاحب ” توسهع نشاط الشركات‬
‫العالمية تغير جذرى فى نظم النتاج والدارة‪ ،‬وفى تقسيم العمل الدولى “(‪.)200‬‬
‫فقد ساعدت التكنولوجيا ” على استخدام مبادئ التخصص وتقسيم العمل الدولى بصورة‬
‫أكثر فاعلية‪ .‬حيث لن يتم التخصص فقط فى منتجات كاملة بذاتها‪ ،‬ولكن سيتم التخصص فى‬
‫إنتاج بعض مكونات المنتجات‪ .‬ومن هنا يتم تغطية عنصر المشاركة فى النتاج على المستوى‬
‫الدولى العام‪ .‬وبالتالى سهيادة قيهم ومبادئ السهتفادة مهن المزايها النسهبية والمطلقهة على نطاق‬
‫المعمورة بكاملها “(‪.)201‬‬
‫وإذا كان التخصهص فهى مجال النظهم النتاجيهة قرينهة للعولمهة القتصهادية‪ ،‬فإن‬
‫«اللمركزية الدارية والتنظيمية» صارت ملزمة للشركات العملقة‪ ،‬حيث أدى اتساع أنشطة‬
‫الشركات على مستوى العالم ككل إلى ضرورة ” إعادة صياغة الشركات وتحولها من التنظيم‬
‫الرأ سى إلى التنظ يم الذى يقوم على الشبكات “(‪ ،)202‬وإلى ” تكو ين أنواع جديدة من المنظمات‬
‫() محسن أحمد الخضيرى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.22‬‬ ‫‪197‬‬

‫() فرانسيس فوكوياما‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.83 - 82‬‬ ‫‪198‬‬

‫() عمرو محيى الدين‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.190‬‬ ‫‪199‬‬

‫() عمرو محيهى الديهن‪ " ،‬تعقيهب على ورقهة السهيد ياسهين حول‪ :‬مفهوم العولمهة "‪ ،‬فهى أسهامة أميهن الخولى‬ ‫‪200‬‬

‫( محرر )‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.36‬‬


‫() محسن أحمد الخضيرى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.29‬‬ ‫‪201‬‬

‫() السيد ياسين‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.119‬‬ ‫‪202‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪-‬‬

‫المستقبلية التى ستتمتع بهرمية تنفيذية أكثر تسطحا وأقل اعتمادا على سلطة عليا‪ .‬وهى تتألف‬
‫من عناصر وعوامل صغيرة لها علقاتها الخاصة مع العالم الخار جى‪ ،‬وسياساتها الخارج ية‬
‫المميزة تحافهظ عليهها دون المرور بالمركهز‪ ..‬وبالتالى سهتحل الشخصهية الشبكيهة ‪Network‬‬
‫‪ Character‬محل البنية الهرمية للمنظمة “(‪.)203‬‬

‫هة الدهوقراطية∗»‬
‫هة» إلى «اللمركزيه‬
‫هة البيروقراطيه‬
‫هن «المركزيه‬
‫إن التجاه مه‬
‫‪ AD-HOCRACY‬هو السمة المميزة للساليب الدارية والتنظيمية فى الشركات الندماجية‬
‫العمل قة‪ .‬وهناك الكثير من الشواهد التى تدل ” على أن الن ظم البيروقراطية لسلم المراتب‪،‬‬
‫تلك ال تى تف صل ب ين أولئك الذ ين ي صنعون القرارات وأولئك الذ ين ينفذون ها ف قط‪ ،‬قد أخذت‬
‫تتعدل وتتغير مساراتها أو تتحطم “(‪.)204‬‬

‫ثالثاً‪ :‬العولمـة والقوى الضابطـة‪:‬‬


‫فى ظل تنا مى قوة ال سوق وقوة الشركات ‪ -‬كأ حد البعاد القت صادية للعول مة ‪ -‬فإن‬
‫ثمة قوى ضابطة تعمل على ضبط ممارسات السوق وآلياته؛ للحفاظ على قيم المنافسة‪ ،‬وحرية‬
‫التجارة على مستوى العالم‪ .‬وقوى ضابطة أخرى تعمل على ضبط سياسات الشركات‪ ،‬للحفاظ‬
‫على حقوق العاملين‪.‬‬

‫وفى حين تضطلع بدور القوى الضابطة لممارسات السوق وآلياته؛ المنظمات الدولية‬
‫القت صادية والمال ية‪ ،‬م ثل الب نك الدولى و صندوق الن قد الدولى ومنظ مة التجارة العالم ية‪ .‬فإن‬
‫منظمهة العمهل الدوليهة والنقابات العماليهة والمهنيهة تضطلع بدور القوى الضابطهة لسهياسات‬
‫الشركات‪.‬‬

‫وفى إطار استراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج‪ .‬فإن القوى الضابطة لممارسات‬
‫ال سوق وآليا ته تت جه ن حو الندماج والتو حد‪ .‬ح يث إ نه من ” المر جح أن تن سق منظ مة التجارة‬
‫العالم ية برامج ها و سياساتها مع الب نك الدولى و صندوق الن قد الدولى‪ .‬والر جح أن تكون نتي جة‬
‫ذلك فرض مشروطية مؤسسية مشتركة‪ .‬وقد يترتب على ذلك أل تُمنح قروض البنك الدولى إل‬
‫إذا شهدت منظمة التجارة العالمية بأن طالب القرض قد التزم بقواعد المنظمة “(‪.)205‬‬

‫() آلفين توفلر‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.287 - 286‬‬ ‫‪203‬‬

‫انظههر‪ :‬آلفيههن توفلر‪ ،‬صههدمة المسههتقبل ( المتغيرات فههى عالم الغههد )‪ .‬ترجمههة محمههد على ناصههف‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫ص ‪ .127‬حيهث يقرر أن لفهظ ‪ AD HQC‬تعنهى فهى اللتينيهة‪ :‬مهن أجهل هذا الغرض بالذات‪ .‬وبالتالى فالمقصهود بهذا‬
‫المصطلح وصف المنظمات السريعة التغير ذات المرونة الهيكلية وفقا لهداف كل مشروع‪.‬‬
‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.141‬‬ ‫‪204‬‬

‫() جوموك‪ .‬سههوندارام‪ " ،‬صههدام أم حوار‪ :‬بعههض الفكار القتصههادية للعصههر الجديههد "‪ ،‬فههى فخرى لبيههب‬ ‫‪205‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪-‬‬

‫فلقد أدى التشابك القتصادى بين المم ‪ -‬والذى أفرزته كل من البنية التحتية والفوقية‬
‫للعولمة ‪ -‬إلى انطلق المم ” بأقصى السرعة فى تنافسها الكونى على تحقيق حصة منا سبة‬
‫فى السوق العالمية‪ .‬المر الذى يعنى أن عودة أى أمة من هذه المم إلى النكفاء على الداخل‬
‫سيكون كارثة على هذه المة بل مراء “(‪.)206‬‬

‫و من ه نا‪ ..‬ف قد تنا مى دور القوى الضاب طة لممار سات ال سوق العال مى وآليا ته‪ ،‬ح تى‬
‫تض من الحفاظ على ق يم ال سوق المتمثلة فى ضمان حر ية التجارة وضمان المناف سة الحرة ب ين‬
‫كافة دول العالم‪.‬‬

‫وكذلك تعمل إستراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج‪ ،‬على اتجاه القوى الضابطة‬
‫ل سياسات الشركات ‪ -‬والمتمثلة فى النقابات المهن ية والعمال ية المحل ية ‪ -‬ن حو التو حد والتك تل‬
‫تدريجيا على الم ستوى العال مى‪ .‬من أ جل أن تمارس دورها فى الحفاظ على ضمانات وحقوق‬
‫العاملين‪ ،‬وذلك بالتعاون مع منظمة العمل الدولية‪ .‬حيث أدى امتداد أنشطة الشركات وفروعها‬
‫فى أنحاء العالم‪ ،‬إلى فقدان النقابات العمال ية والمهن ية المحل ية قدرت ها على الض غط والم ساومة‬
‫لضمان حقوق أعضائهها‪ .‬وبالتالى كان التوجهه نحهو الندماج والتوحهد والتكامهل العالمهى ههو‬
‫الضامن لمواجهة الكيانات العملقة للشركات المتعددة الجنسيات‪.‬‬

‫ولكهن فهى إطار تكتيكات العولمهة للتجزؤ والتشظهى والنقسهام‪ ،‬فإن التنامهى المتدرج‬
‫للقوى الضاب طة لممار سات ال سوق وآليا ته والقوى الضاب طة ل سياسات الشركات‪ ،‬سيعمل على‬
‫تعزيهز النقسهام والصهدام والمواجههة بيهن هذه القوى؛ نظرا لتبايهن توجهاتهها واختلف نطاق‬
‫أنشطتها وتعارض سياساتها‪.‬‬

‫ول عل ما يؤ كد هذا‪ ،‬ال صدامات ب ين تلك القوى المتعار ضة فى المؤتمرات القت صادية‬
‫العالم ية للدول ال سبع الكبار أو منظ مة التجارة العالم ية أو صندوق الن قد والب نك الدولى‪ ،‬ح يث‬
‫إنه غالبا ما تتعارض مصالح وتوجهات القوى الضابطة لممارسات السوق وآلياته مع مصالح‬
‫القوى الضابطهة لسهياسات الشركات‪ ،‬ولعهل هذا سهيطرح تغييرا كهبيرا فهى دور الدولة فهى‬
‫القتصهاد على المسهتوى المحلى‪ ،‬حيهث إنهه سهتتحول الدولة ‪ -‬فهى ظهل هذه الظروف المولّدة‬
‫لكيانات عالميهة متعارضهة المصهالح ‪ -‬إلى مراقهب محلى يعمهل على فهض الشتباك وقيادة‬

‫( محرر )‪ ،‬صهراع الحضارات أم حوار الثقافات ( أوراق ومداخلت المؤتمهر الدولى حول صهراع الحضارات أم حوار‬
‫الثقافات‪ ،‬القاهرة ‪ 12 - 10‬مارس ‪ .)1997‬ص ‪.134‬‬
‫() ها نس ‪ -‬بيترمارت ين وهارالد شومان‪ ،‬فخ العول مة ( العتداء على الديمقراط ية والرفاه ية )‪ .‬ترج مة عدنان عباس على‪،‬‬ ‫‪206‬‬

‫ص ‪.387‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪-‬‬

‫المفاوضات والم ساومات ب ين هذه القوى‪ ،‬بح يث تضطلع الدولة بدور رقا بى تفاو ضى لضمان‬
‫الحفاظ على مستوى من الكفاءة القتصادية للطراف المتعارضة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الثالث‬
‫البعاد الثقافية لظاهرة العولمة‬
‫(العـولمة الثقافية)‬

‫تش ير البعاد الثقاف ية للعول مة إلى مجمو عة من التغيرات ال تى با تت تطرأ على وا قع‬
‫عدد من المفاه يم الثقاف ية م ثل‪ :‬الثقافة والحضارة والهو ية‪ ،‬ح يث تك شف العول مة ‪ -‬بمظاهر ها‬
‫المتعارضة ‪ -‬عن تأثيرات ملحوظة يمكن إدراك مداها عند التعامل مع تلك المفاهيم فى ظل‬
‫التطورات العولمية الراهنة‪.‬‬

‫و فى إطار عرض البعاد الثقاف ية للعول مة‪ ..‬سنحاول ‪ -‬بقدر الم ستطاع ‪ -‬الع مل على‬
‫إزالة اللبس الواضح فى المفاهيم الذى يصطدم به الباحث الساعى إلى تمييز الفروق بين معانى‬
‫ودللت كهل مهن‪ :‬الثقافهة والحضارة والهويهة‪ .‬إذ تُسهتخدم تلك المصهطلحات فهى الكثيهر مهن‬
‫الكتابات‪ ،‬بح يث يكون أحد ها مرادفا للخهر؛ ممها يؤدى إلى الخلط والتخبهط عنهد محاولة فههم‬
‫دللت تلك المفاهيم المتمايزة المتداخلة فى نفس الوقت‪.‬‬

‫وبدايةً‪ ..‬يمكهن تعريهف الثقافهة بأنهها ” شبكهة مهن المعانهى والرموز والشارات التهى‬
‫نسجها النسان بنفسه لعطاء الغاية لنفسه وجماعته والعالم والكون من حوله “(‪.)207‬‬

‫وهذا يعنى أن الثقافة فى جذورها ” عبارة عن معايير للفعل والسلوك “(‪ ،)208‬كما أنها‬
‫فى جوهرها ” إنتاج للرموز والنصوص “(‪.)209‬‬

‫صر‬
‫صم والمعاييص‬
‫هن‪ ..‬مجموع القيص‬
‫هى تتضمه‬
‫هة بهذا المعنه‬
‫هن القول أن الثقافه‬
‫وبهذا يمكه‬
‫والسلوكيات ال سائدة فى مجتمع من المجتمعات‪ ،‬بالضافة إلى المنتجات الفكرية والمعنوية‬
‫) الداب والفنون والعلوم والفلسفة‪ ..‬إلخ )‪.‬‬

‫وانطلقا من هذا التعر يف للثقا فة‪ ..‬فإن الحضارة ‪ -‬كامتداد مادى لهذا المع نى ‪ -‬ما‬
‫هى إل الثقافة‪ ،‬ولكن مرتبطة بالثار والمنجزات المادية الناتجة عن تلك الثقافة‪ .‬وتلك الثار‬
‫والمنجزات الماديهة تتمثهل فهى الدوات والجهزة والعمارة وتخطيهط المدن وكافهة وسهائل‬
‫السيطرة على البيئة الطبيعية‪.‬‬

‫() تركى الحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.17‬‬ ‫‪207‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬ ‫‪208‬‬

‫() على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.109‬‬ ‫‪209‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬وتأسيسا على هذا التعريف للحضارة‪ ،‬فإن الهوية ‪ -‬كطا بع لهذا المع نى ‪-‬‬
‫ما هى إل الحضارة‪ ،‬ولكن ملونة بالنتماءات الجغرافية أو الدينية أو العرقية‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫إذن‪ :‬الثقصصافصصة = قيم ‪ +‬معايير ‪ +‬سلوكيات ‪ +‬منتجات فكرية ومعنوية‬
‫الحضارة = الثقافة ‪ +‬الثار والمنجزات المادية الناتجة عن هذه الثقافة‬
‫الهويصصصصصة = الحضارة × النتماءات الجغرافية أو الدينية أو العرقية‪ ..‬إلخ‬
‫ومهن خلل هذه االمعانهى الدالة على هذه المفاهيهم‪ ،‬سهنتعرض للبعاد الثقافيهة للعولمهة فهى‬
‫مجالت الثقافة والحضارة والهوية‪ .‬وذلك على النحو التالى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬العولمــة والثقافـة‪:‬‬


‫تدفع إستراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج إلى التخلق التدريجى لثقافة عالمية‬
‫ذات طابهع إنسهانى يضهم القيهم والمبادئ النسهانية العامهة‪ ،‬بحيهث تتخلل تلك الثقافهة العالميهة‬
‫الن سانية بن ية الثقافات الراه نة ل كى ت صبح جزءا من ن سيجها‪ ،‬ال مر الذى يز يد من مل مح‬
‫التشابهه ب ين الثقافات‪ .‬فهى حيهن تدفهع تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام إلى زيادة‬
‫مل مح التعدد ية الثقاف ية فى صلب الثقا فة المركز ية ل كل مجت مع‪ ،‬نتي جة تعظ يم البن ية التحت ية‬
‫للعولمة لمكانية الترابط والتصال بين القليات‪.‬‬

‫فل قد أتا حت مؤ سسات البن ية التحت ية للعول مة ‪ -‬خا صة و سائل الت صال اللكترون ية ‪-‬‬
‫إمكانيهة التعرض بسههولة للثقافات المختلفهة والتعرف عليهها ومتابعتهها مهن خلل البهث الفضائى‬
‫المبا شر بالقمار ال صناعية‪ .‬بالضا فة إلى إمكان ية الت صال اللكترو نى التفاعلى ب ين الفراد من‬
‫ذوى الثقافات المختلفهة مهن خلل شبكات المعلومات‪ .‬وبالتالى فإن ذلك سهيؤدى إلى إحداث تقارب‬
‫بين الثقافات المتعددة‪ ،‬نتيجة تجاور تلك الثقافات المتمايزة داخل شاشة التلفزيون أو الحاسب اللى‪.‬‬
‫كما سيؤدى إلى خروج الثقافات المهمشة من حيز المحلية إلى نطاق العالمية‪ .‬ولعل هذا التقارب‬
‫سهيساعد تدريجيا على زيادة نطاق التوحهد والتشابهه والتهجيهن بيهن مل مح الثقافات المتعددة‪ .‬ممها‬
‫سيؤدى إلى احتواء كل ثقافة على ملمح عالمية تتزايد تدريجيا داخل إطارها المحلى‪.‬‬

‫ولهذا ” لم َت ُعدْ اليون سكو بصفتها منظ مة تهتم بالثقا فة تتردد فى الحد يث عن أخلقيات‬
‫عالم ية جديدة‪ .‬و فى تقرير ها عن التنوع البشرى الخلق‪ ،‬دعوة ل يخطئ ها الذ هن إلى عول مة‬
‫أو كونية تتسم بوحدة وتنوع الثقافة النسانية معا “(‪.)210‬‬

‫ومن ثم فقد ” ارتبطت العولمة بمجموعة من النتائج الثقافية‪ ،‬والتى يمكن تحليلها إلى‬
‫فئات تندرج تحت ثلث فرضيات رئيسية وهى‪:‬‬

‫() حيدر إبراه يم‪ " ،‬العول مة وجدل الهو ية الثقاف ية "‪ ،‬مجلة عالم الف كر ( عدد خاص‪ :‬العول مة ظاهرة الع صر )‪ ( .‬العدد ‪،2‬‬ ‫‪210‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬ديسمبر ‪ ،) 1999‬ص ‪.119‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪-‬‬

‫التجانس ‪ -‬الستقطاب ‪ -‬التهجين ( التوليد )‬


‫ح يث تو ضح فرض ية « التجا نس » أن الثقا فة الكون ية فى طريق ها إلى التو حد حول‬
‫النموذج الغربى أو المريكى‪ .‬وعلى الرغم من ظهور بعض الدلة التى تدعم هذه الرؤية‪ ،‬إل‬
‫أن حضور الثقافات البديلة ومظا هر المقاو مة للمعاي ير الغرب ية تج عل فرض ية « ال ستقطاب »‬
‫هى الجديرة بأن تقدم صورة أكثر إقناعا للتجاه الذى تتطور صوبه الثقافة الكونية‪.‬‬
‫ول كن نظرا لن الترا بط والعتماد الكو نى ل يعنيان بالضرورة التوا فق الثقا فى‪ .‬وذلك‬
‫لكون الثقا فة تبدو أك ثر صلبة من المنظمات القت صادية والتكنولوج ية فى مواج هة عمليات‬
‫توحيد المعايير‪ .‬وبالتالى فحتى الن‪ ..‬تبدو فكرة الستقطاب محاطة بالكثير من القيود‪.‬‬
‫أ ما فرض ية « التهج ين » ( التول يد )‪ ،‬فإن جدل ها الرئي سى ين صب حول أن الثقافات‬
‫تقوم با ستعارة ود مج عنا صرها المتعددة بين ها وب ين بعض ها الب عض‪ .‬وذلك لخلق امتدادات ها‬
‫وتشكيل صورها‪ .‬وتظهر الدلة التى تدعم هذا التصور بشكل رئيسى فى المؤسسات الشعبية‬
‫والشعائر الدينيهة‪ ....‬إن النتائج الثقافيهة للعولمهة تبدو إذن متنوعهة ومتعددة “(‪ .)211‬وذلك‬
‫انطلقا مهن ” أن كهل ثقافهة تملك الكثيهر الذى تعلمهه للثقافات الخرى‪ .‬وبوسهعها أن تغتنهى‬
‫بإسهامات عديدة “(‪.)212‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬فإن ” العولمة ليست بحاجة بالضرورة إلى فرض نظام ثقافى موحد‬
‫على كهل أنحاء العالم‪ .‬لن هناك اسهتحالة أمام كهل مهن يخطهط لمحهو التعدد الثقافهى العالمهى‪.‬‬
‫فالثقافات وإن كانت تنشأ وتتطور وتزيد فاعليتها فى مراحل المد التاريخى‪ ،‬وتذوى وتضعف‬
‫فى عهود النحسار والتراجع‪ .‬إل إنها مع ذلك تبقى وتستمر ‪ -‬وإن كانت تتغير عبر الزمن ‪-‬‬
‫لنها تعبّر عن جماعات بشرية بعينها لها تاريخها الجتماعى الفريد‪ ،‬الذى ل يمكن محوه ول‬
‫إزلة آثاره‪ ،‬ول إلقاؤه ليُستبدل بنزعات عولمية جديدة “(‪.)213‬‬

‫إن البعاد الثقافية للعولمة تطرح بذلك ثقافة عالمية آخذة فى التشكل ل تتكون من ثقافة‬
‫واحدة‪ ،‬ول كن من ثقافات رئي سية متعددة‪ ،‬تكون ن سب ومل مح التشا به والتما ثل في ها أك ثر من‬
‫نسب وملمح الختلف‪.‬‬

‫‪)(Holton, Robert, Globalization’s Cultural Consequences ) Dimensions of Globalization (. The‬‬


‫‪211‬‬

‫‪Annals of the American Academy of Political and social science, vol. 570 )No. 13 - July 2000(,‬‬
‫‪p. 140 . ) Available from Internet (.‬‬
‫() سيرج لتوش‪ ،‬تغريب العالم‪ .‬ترجمة خليل كلفت‪ ،‬ص ‪.126‬‬ ‫‪212‬‬

‫() السيد ياسين‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.77‬‬ ‫‪213‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪101‬‬ ‫‪-‬‬

‫وثمهة مؤشرات عديدة على بروز ملمهح لثقافهة عالميهة واحدة فهى صهلب الثقافات‬
‫العالمية على تعدد أصولها‪.‬‬
‫فل قد ” ن مت وتطورت فى عالم نا المعا صر ثقا فة مدن ية كون ية ‪global civic culture‬‬
‫يمكهن السهتيحاء مهن ينابيعهها لبناء أخلق كونيهة‪ .‬ففكرة حقوق النسهان‪ ،‬وفكرة الشرعيهة‬
‫الديمقراطيهة‪ ،‬وفكرة المحاسهبة العامهة‪ ،‬والفكرة الخاصهة بإقامهة الدليهل على أى دعوى‪ .‬كلهها‬
‫يم كن أن تكون أفكارا مرش حة للخلقيات الكون ية‪ ..‬ويم كن القول أن المطال بة باحترام حقوق‬
‫النسان والوعى البيئى‪ ..‬أدلة أخرى على وجود هذه الثقافة المدنية وأهميتها “(‪.)214‬‬

‫وهناك ” دراسات ترى أن النترنت ستؤثر على طبيعة المعرفة النسانية ذاتها‪ .‬ومن‬
‫النتائج البارزة المتوقعهة أن سهعة المعارف النسهانية‪ ،‬وإمكانيهة الطلع عليهها مهن مختلف‬
‫الم صادر والزوا يا‪ ،‬ستؤدى بالتدر يج إلى القضاء على التخ صصات العلم ية الجزئ ية و ستوسع‬
‫من نظرة الباحثين‪ .‬وستجعلهم يدورون فى مدارات أوسع بكثير من نطاق الدوائر الضيقة التى‬
‫يعيشون في ها‪ .‬م ما سيجعلهم أك ثر مو سوعية فى تناول الظوا هر‪ .‬م ما قد يؤدى إلى خلق ثقا فة‬
‫إنسانية من نوع جديد‪ ،‬ل تتسم بالتجزؤ الملحوظ فى الثقافة السائدة “(‪.)215‬‬

‫ول قد ” اقتر حت اللج نة الدول ية للثقا فة والتنم ية ال تى شكلت ها اليون سكو عام ‪ 1992‬أن‬
‫تكون المبادئ السهاسية التاليهة ههى جوههر الخلق الكونيهة الجديدة‪ .‬وههى‪ :‬احترام حقوق‬
‫الن سان ‪ -‬الديمقراط ية وعنا صر المجت مع المد نى ‪ -‬حما ية القليات ‪ -‬اللتزام بال حل ال سلمى‬
‫للمنازعات والمفاوضات النزيهة “(‪.)216‬‬

‫ول كن ث مة أدبيات ترى أن العول مة ” شمول ية جديدة لن ها تنت هى إلى محاولة فرض‬
‫ثقافهة واحدة ونمهط وحيهد للحياة على المهم‪ ،‬وتصهادر الخيارات الجتماعيهة والسهياسية‬
‫البديلة‪ .‬والعولمهة أيضا وههى تبشهر بانتهاء عصهر اليدلوجيات‪ ،‬تفسهح الطريهق إلى‬
‫أيديولوجيها وحيدة مهيمنهة‪ ،‬ل تعترف إل بثقافهة واحدة ∗ بمها تنطوى عليهه مهن أنماط إنتاج‬
‫واستهلك وحياة واحدة‪ .‬وهى ثقافة نهاية التاريخ التى تحاول أن تجمل وجهها الشائه بقناع‬
‫مخادع زائف مهن المصهطلحات التهى فقدت معناهها‪ :‬ديمقراطيهة‪ ،‬وحقوق النسهان‪ ،‬وتعدد‬
‫سياسى “(‪.)217‬‬
‫() السيد ياسين‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.266‬‬ ‫‪214‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.173‬‬ ‫‪215‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.268‬‬ ‫‪216‬‬

‫للمز يد حول ن قد البعاد الثقاف ية للعول مة‪ ،‬ان ظر‪ :‬جان بييرفارن يي‪ ،‬عول مة الثقا فة‪ .‬ترج مة ع بد الجل يل الزدى‪ ،‬القاهرة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫الدار المصرية اللبنانية‪.2002 ،‬‬


‫() محمد إبراهيم منصور‪ " ،‬مناقشات حول ورقتى الجابرى وبلقزيز عن‪ :‬العولمة والهوية الثقافية "‪ ،‬فى أسامة أمين الخولى‬ ‫‪217‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪-‬‬

‫أيضا فإن تلك الدبيات ترى أن طبيعة ثقافة العولمة ما هى إل‪:‬‬


‫”ثقا فة تم جد ال ستهلك ‪ -‬وتم هد للع نف ‪ -‬وتم جد الفرد ية والنان ية ‪ -‬وأن ها ثقا فة ماد ية ‪-‬‬
‫وت ستهين بكث ير من الق يم المجتمع ية ( النتماء ‪ -‬حقوق المواط نة ‪ -‬فرص الع مل ‪ -‬اعتبارات‬
‫البيئة ‪ -‬المجتمع المدنى ) “(‪.)218‬‬

‫وبالتالى فإن ما تطمح إليه البعاد الثقافية للعولمة هو أمركة الثقافة‪ ،‬فى حين ” تطرح‬
‫عمل ية أمر كة الثقا فة العالم ية خطرا على الديمقراط ية‪ ،‬وذلك لكون ها تعوق إمكان ية خلق مجت مع‬
‫مد نى حقي قى على الم ستوى الكو نى يتكون من مواطن ين أحرار يمثلون الثقافات المختل فة‪ .‬و فى‬
‫حين أن عالم ماك ( ‪ ) MC world‬ل يعارض الديمقراطية‪ ،‬إل أنه يبدو حياديا فى مواجهتها إذا‬
‫ما كان غرضها الوحيد هو تكوين مجتمع كونى قائم على المستهلكين‪ .‬وبالتالى سيؤدى غياب أى‬
‫رد فعهل تجاه هذه العمليهة‪ ،‬إلى عدم إنتاج العولمهة لثقافهة كونيهة متعددة الجنسهيات أو أى تعاون‬
‫عال مى‪ .‬بين ما سيقود ذلك إلى زوال التنوع والديمقراط ية فى مواج هة ال ستهلك الشا مل“ (‪.)219‬‬
‫وذلك ” لن وحدانيهة السهوق سهتعمل على تهشيهم مقاومهة كهل هؤلء الذيهن حافظوا على نظام‬
‫آخر للقيم يختلف عن القيم التجارية “(‪.)220‬‬

‫ومن الواضح أن تلك الدبيات التى تنظر بعين الشك إلى البعاد الثقافية للعولمة تنطلق‬
‫من فرضية أنه ” بعد انهيار التحاد السوفيتى أضحت الوليات المتحدة القوة العظمى الوحيدة‬
‫فى عالم يزداد تقل صا‪ .‬و مع تنا مى‪ ..‬العول مة فى مجالت ال سياسة وال من والقت صاد وتبادل‬
‫المعلومات والثقا فة‪ ،‬ونظرا إلى دور الوليات المتحدة المركزى فى مع ظم هذه المجالت‪ ،‬بات‬
‫من ال صعوبة بمكان التمي يز ب ين ال حد الذى ينت هى عنده النفوذ المري كى وال حد الذى تبدأ م عه‬
‫العول مة‪ .‬سواء أكا نت العول مة مجرد ش كل من أشكال المر كة العالم ية‪ ،‬أم كا نت فعلً ظاهرة‬
‫م ستقلة فى ذات ها ستنحسر ال سيطرة المريك ية عن ها شيئا فشيئا فى الم ستقبل المنظور “ (‪.)221‬‬
‫ولكن إلى أن يسفر المستقبل عن هذا‪ ،‬فإنه يبدو من الرجح القول بأن أمريكا ” لم تقولب العالم‬
‫على صورتها‪ ،‬ف قد يكون العالم متجها الن فى التجاه الذى سبق للوليات المتحدة أن اتج هت‬

‫( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.355‬‬


‫() حسين كامل بهاء الدين‪ ،‬الوطنية فى عالم بل هوية ( تحديات العولمة )‪ .‬ص ‪.150 - 149‬‬ ‫‪218‬‬

‫‪)(Barber, Benjamin R.,“Democracy at risk: American Culture in a global culture.”, World‬‬


‫‪219‬‬

‫‪policy Journal. )n2, summer 1998(,p. 29 )13(. )Available from Internet(.‬‬


‫روجيه جارودى‪ ،‬أمريكا طليعة النحطاط‪ .‬ترجمة عمرو زهيرى‪ ،‬ص ‪.27 - 26‬‬ ‫()‬ ‫‪220‬‬

‫بول سالم‪ " ،‬الوليات المتحدة والهيم نة‪ :‬معالم الهيم نة فى مطلع القرن الحادى والعشر ين "‪ ،‬فى أ سامة أم ين‬ ‫()‬ ‫‪221‬‬

‫الخولى ( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.209‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪103‬‬ ‫‪-‬‬

‫إل يه‪ ،‬و هى بالتالى ربمها تمثهل النمهط الذى تسهير نحوه شرائح كبيرة من أ هل الرض الذيهن‬
‫يلجون عالم الطبقة الوسطى الستهلكية التطلع “(‪.)222‬‬

‫وبالتالى فإ نه يم كن القول أن ” الخوف الهو سى من نتائج العول مة قض ية مبالغ في ها‪.‬‬


‫فمهما بلغت العولمة من شمولية ثقافية‪ ،‬فإنها لن تلغى الخصوصيات الثقافية تمام اللغاء‪ .‬فكما‬
‫إنه لم يكن هناك ثقافة أصلية نقية تمام النقاء فى أى مجتمع أو جما عة عبر التار يخ‪ .‬فإ نه لن‬
‫يكون هناك ثقافة عالمية ملغية تمام اللغاء للخصوصيات المحلية “(‪.)223‬‬
‫وذلك لنهه ” إذا كانصت جغرافيصة العالم تكاد تصصبح واحدة فإن التواريصخ مختلفصة‬
‫ومتعارضصة‪ .‬ذلك أن النسهان ل يحيها فهى المكان وحده‪ .‬إنمها ههو كائن زمنهى يجهر وراءه‬
‫تواري خه ويطوى أطواره‪ .‬والزمن هو زمن الخبرات والمعايشات التى تولّد ما ل يتناهى من‬
‫الفروقات بين الهويات والثقافات “(‪.)224‬‬

‫وبالتالى فمهن ” الحرى القول بوجود ثقافات تتفاعهل بقدر مها تتنافهس‪ .‬والثقافهة الحيهة‬
‫المتجددة تمتهص مها عنهد الثقافات الخرى مهن البداعات والنجازات‪ .‬كمها فعهل العرب مهع‬
‫منطهق اليونان وفكرههم‪ .‬وكمها تعامهل الغربيون مهع النجازات الفكريهة والعلميهة فهى الثقافهة‬
‫العرب ية ال سلمية “(‪ .)225‬وهذا يو ضح ” أن الطبي عة الن سانية العا مة للثفا فة القوم ية هى ال تى‬
‫تنتقل أكثر من تلك الخصوصيات المميزة للثقافة القومية “(‪.)226‬‬

‫إن ” الميزة ال ساسية فى العول مة أن الن سبية هى المطلق الوح يد ‪ -‬إن صح الت عبير‬
‫‪-‬فالعولمهة ل تسهعى إلى خلق مركهز أو قطهب واحهد كمها يبدو ظاهريا‪ ،‬ولكنهها تعمهل على‬
‫زحز حة الثوا بت‪ .‬و فى هذه الحالة ي صعب فرض ثقا فة مركز ية عالم ية‪ .‬ول كن ستوجد ثقافات‬
‫إنسانية عالمية تشترك فى طرائق تفكير واستخدام أدوات عالمية‪ .‬ولكنها تتنوع فى التعبير عن‬
‫خصوصية غير ثابتة‪ ..‬أى نسبية “(‪.)227‬‬

‫و من ه نا‪ ،‬فإن التغ ير الذى تمار سه البعاد الثقاف ية للعول مة على أ ية ثقا فة هو طبي عة‬
‫جوهرية فى كافة الثقافات‪ ،‬و” من الخطأ التعامل مع الثقافة باعتبارها شيئا جامدا معزولً غير‬

‫المرجع السابق‪ .‬ص ‪.222‬‬ ‫()‬ ‫‪222‬‬

‫تركى الحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.22‬‬ ‫()‬ ‫‪223‬‬

‫على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.95‬‬ ‫()‬ ‫‪224‬‬

‫نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.110‬‬ ‫()‬ ‫‪225‬‬

‫أح مد برقاوى‪ " ،‬ن حو تحد يد فل سفى‪ /‬إن سانى لمفهوم الثقا فة العالم ية‪ :‬مد خل ميتادولو جى "‪ ،‬فى فخرى لب يب‬ ‫()‬ ‫‪226‬‬

‫( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.257‬‬


‫حيدر إبراهيم‪ " ،‬إشكالية الحركة الصولية فى الوطن العربى فى ظل العولمة الثقافية "‪ ،‬فى عبد الباسط عبد‬ ‫()‬ ‫‪227‬‬

‫المعطى وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.332‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪104‬‬ ‫‪-‬‬

‫قابل للتغيير‪ .‬إذ إن كل الثقافات تتغير بمرور الزمن‪ ...‬فل توجد ثقافة ساكنة ل تتطور‪ .‬كما ل‬
‫توجد ثقافة منعزلة عن الثقافات الخرى‪ .‬فالثقافات المختلفة هى فى حالة تفاعل دائم‪ .‬وقد أدت‬
‫الثورة فهى وسهائل المواصهلت والتصهالت إلى زيادة هذا التفاعهل “(‪ .)228‬وبالتالى فقهد‬
‫” أصهبح متأخرا جدا بالنسهبة للثقافات لكهى تنظهر بعيهن العتبار إلى العزلة‪ .‬ولكنهه ليهس‬
‫متأخرا‪ ،‬لصياغة إستراتيجية جماعية‪ ،‬وللمقاومة‪ ،‬ولعادة صياغة التراث والهويات فى عالم‬
‫لم يعد يتصور المفاهيم المجردة‪ ،‬سواء أكانت محلية مجردة أم قومية مجردة أم حتى عولمية‬
‫مجردة “(‪.)229‬‬

‫ل أن ” يأتهى نظام سهياسى معيهن ‪ -‬ويأبهى باسهم‬


‫وهذا يوضهح أنهه لم يعهد مقبو ً‬
‫الخصوصية الثقافية ‪ -‬تنفيذ ما اتفقت عليه المم‪ .‬فإن ذلك يُعد فى الواقع إساءة استخدام بالغة‬
‫لح جة الخ صوصية الثقاف ية‪ .‬ذلك أ نه لو كا نت هناك خ صوصية ثقاف ية شأن ها أن تحرم الن سان‬
‫من حري ته ال سياسية أو تمن عه من الح صول على حقو قه المشرو عة القت صادية والجتماع ية‪،‬‬
‫فمعنى ذلك أنها خصوصية ثقافية متخلفة‪ ،‬ينبغى العمل على تغييرها وتطويرها حتى ترقى إلى‬
‫مستوى العصر “(‪.)230‬‬

‫وخل صة القول إن الثقا فة العالم ية الن سانية ال صاعدة ال تى تن مو فى ظل إ ستراتيجية‬


‫العولمة للتوحد والتكتل والندماج ل تلغى الخصوصيات الثقافية‪ .‬ولعل أفضل ما قيل فى هذا‬
‫الشأن هو العبارة ال تى أورد ها الكا تب المري كى « صامويل هنتنجتون » فى كتا به « صدام‬
‫الحضارات » ح يث قال‪ ” :‬عالم متعدد الثقا فة ل يم كن تجن به لن المبراطور ية الكون ية أ مر‬
‫مسهتحيل‪ ..‬البقاء على الوليات المتحدة والغرب يتطلب تجديهد الهويهة الغربيهة‪ ...‬أمهن العالم‬
‫يتطلب قبول التعددية الكونية “(‪.)231‬‬

‫‪ ...‬وفى المقابل‪ ..‬فإن تكتيكات العولمة للتجزؤ والتشظى والنقسام ستعمل على توفير‬
‫المكانيهة لتشابهك وترابهط الثقافات الهامشيهة وثقافات القليهة‪ ،‬بمها يؤدى إلى ظهور ملمهح‬
‫التعددية الثقافية فى صلب الثقافة المركزية لكل مجتمع‪.‬‬

‫طلعت المغربى‪ " ،‬دراسة هامة تناقش قضية التعصب والتسامح‪ :‬التكافؤ والمساواة بين الثقافات المختلفة شرط‬ ‫()‬ ‫‪228‬‬

‫أساسى لتحقيق التسامح "‪ ،‬جريدة الوفد‪ .‬بتاريخ ‪ ،17/7/2000‬ص ‪.8‬‬


‫‪229‬‬
‫‪)(Uncapher, Willard, Between Local and Global ) Placing the Media Scape in the‬‬
‫( ‪transnational Cultural flow, P. 15.) Available from Internet‬‬
‫السيد ياسين‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.68‬‬ ‫()‬ ‫‪230‬‬

‫صامويل هنتنجتون‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.515‬‬ ‫()‬ ‫‪231‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪-‬‬

‫فسهولة التصال اللكترونى بين أفراد كل أقلية ستؤدى إلى تشابكهم اللكترونى على‬
‫مستوى العالم أو الدولة الواحدة‪ .‬وبالتالى سيتيح ذلك الفرصة لتلك الثقافات التحتية‪ ،‬لكى تندرج‬
‫بوضوح ضمن إطار الثقافة المركزية لمجتمعها‪.‬‬
‫فل قد ”كا نت مع ظم مجتمعات الما ضى تع مل ض من إطار مجمو عة من الق يم العا مة‬
‫ال سائدة‪ .‬هذا الطار العام ينك مش الن‪ .‬ول يس هناك ما يعزز احتمال تكو ين إطار وا سع جد يد‬
‫جمَع عليها خلل العقود القادمة ( داخل كل مجتمع )‪ .‬إن كل الضغوط تتخذ اتجاها‬
‫من القيم ال ُم ْ‬
‫إلى الخارج نحو مزيد من التنوع وليس إلى الداخل طلبا لمزيد من التوحيد “(‪.)232‬‬

‫وكمها يقرر الكاتهب المريكهى « آلفيهن توفلر » ” فالحقيقهة ههى أن كهل دفعتنها نحهو‬
‫المستقبل إنما تحملنا بعيدا عن التنميط‪ .‬بعيدا عن السلع المتجانسة وعن التماثل فى الفن‪ .‬وعن‬
‫أسهلوب النتاج الكهبير فهى التعليهم والثقافهة‪ .‬إننها قهد وصهلنا إلى مفترق جدلى هام فهى التطور‬
‫التكنولوجى للمجتمع‪ .‬فالتكنولوجيا بدلً من أن تفرض قيودا على فرديتنا‪ .‬سوف تضاعف آسيا‬
‫من مجالت اختيارنا ومن آفاق حريتنا “(‪.)233‬‬

‫و قد يعت قد الب عض‪ ” ..‬أن طرح قض ية الخ صوصيات الثقاف ية ‪ -‬ال تى تطرح ها تكتيكات‬
‫العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام ‪ -‬يعيق النصهار الوطنى من منطلق أنه يكرس الفرقة‪ ،‬أى‬
‫يؤكد الختلف‪ .‬ولكن النظرة المتعمقة تؤكد أن العتراف بالخصوصيات الثقافية‪ ،‬يسعد ويريح‬
‫التجمعات البشريهة التهى تشعهر بالغتراب كأقليهة فهى وسهط أكثريهة‪ .‬فتكون الوحدة مهن خلل‬
‫التنوع‪ ،‬ويتقوى المجتمهع لنهه يوسهع الرضيهة المشتركهة ويؤكهد الحقوق المتكافئة “(‪.)234‬‬
‫و ”الواقهع أن التنوع البشرى الخلق ههو مبدأ الفعهل البتكارى فهى الثقافهة التهى تتوثهب بعافيهة‬
‫الحرية‪ .‬وتشيع معانى التسامح وحق الختلف واحترام المغايرة‪ .‬ول تنفر من إعادة النظر فى‬
‫تقاليدها “(‪“ .)235‬وربما كانت تعددية النسان على المستوى الثقافى كما على المستوى الوراثى‬
‫هصى شرط بقائه‪ .‬ومهن يدرى مها إذا كانهت الثقافات التهى يجرى اليوم إنكارهها والهزء بهها‪ ،‬لن‬
‫تكون غدا بحكم خصوصياتها ذاتها الكثر قدرة على أن تواجه تحديات التاريخ “(‪.)236‬‬

‫‪ ...‬لقد كان هذا المعنى ”هو ما أقره المدير العام لليونسكو فى نوفمبر ‪ 1997‬عندما‬
‫أشار إليه على النحو التالى‪ :‬كما أن حماية التنوع البيولوجى هو أمر لزم وضرورى لصحة‬

‫آلفين توفلر‪ ،‬صدمة المستقبل ( المتغيرات فى عالم الغد )‪ .‬ترجمة محمد على ناصف‪ ،‬ص ‪.318‬‬ ‫()‬ ‫‪232‬‬

‫نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.294‬‬ ‫()‬ ‫‪233‬‬

‫ميلد حنا وآخرون‪ ،‬المثقف العربى والخر ( بين الرفض والقبول واللمبالة )‪ .‬ص ‪.20‬‬ ‫()‬ ‫‪234‬‬

‫جابر عصفور‪ " ،‬تنوعنا الخلق "‪ ،‬مجلة تحديات ثقافية‪ ( .‬عدد ‪ ،1‬يوليو ‪ -‬سبتمبر ‪ ،) 2000‬ص ‪.18‬‬ ‫()‬ ‫‪235‬‬

‫سيرج لتوش‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.122‬‬ ‫()‬ ‫‪236‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪-‬‬

‫هو ضرورى ولزما لضمان‬


‫هى هه‬
‫هى واللغوى والفكرى والفنه‬
‫البيئة‪ .‬كذلك يكون التنوع الثقافه‬
‫الصحة الروحية للمجتمعات والفراد “(‪.)237‬‬

‫ثانياً‪ :‬العولمـة والحضــارة‪:‬‬


‫تك شف البعاد الثقاف ية للعول مة عن تغيرات با تت تطرأ على العلقات ب ين الحضارات‬
‫العالميهة تأثرا بمظاههر العولمهة التهى تتلزم فيهها إسهتراتيجية التوحهد والتكتهل والندماج مهع‬
‫تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام‪.‬‬

‫ح يث تمارس إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج آثار ها المتمثلة فى زيادة‬


‫در جة التقارب ب ين الحضارات‪ ،‬نتي جة سهولة و سائل الت صال اللكترو نى‪ ،‬وإمكان ية التعرف‬
‫على الحضارات الخرى بالتصهال دون النتقال‪ .‬ممها يدفهع نحهو بدايهة الظهور التدريجهى‬
‫لملمح حضارة عالمية إنسانية فى صلب الحضارات العالمية الخرى‪ .‬وتدل المؤشرات على‬
‫تصهاعد نمهو مفردات هذه الحضارة العالميهة النسهانية بازدياد القدرة على سههولة التصهال‬
‫والتقارب اللكترو نى‪ .‬بين ما تد فع تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنق سام ن حو ا ستثمار‬
‫الفروق والختلفات بيهن الحضارات فهى القضايها والمشكلت والنزاعات التهى تثار على‬
‫المستويات العالمية؛ مما يزيد من احتمالت الصدام والتنافر بين الحضارات‪ ،‬ومن احتمالت‬
‫تفتيت المجتمعات التى تضم حضارات متعددة‪.‬‬

‫ويدل عدد من الشوا هد على أن نا نش هد ”بدا ية تش كل حضارة عالم ية جديدة شعار ها‬
‫وحدة الجنسى البشرى “(‪.)238‬‬

‫فالنترنهت والبهث الفضائى التلفزيونهى المباشهر ‪ -‬وفهى المسهتقبل القريهب ‪ -‬الطريهق‬


‫السهريع للمعلومات‪ ،‬يمثلون جميعا العصهب الرئيسهى الذى تتجمهع حوله الملمهح الوليهة‬
‫للحضارة العالمية الناشئة‪.‬‬

‫حيث ”يتوقع علماء الكمبيوتر رؤية عالم بكامله يزدهر حول النترنت ‪ -‬ومن بعدها‬
‫الطريق السريع للمعلومات ‪ -‬يتمثل فى التجارة والصيرفه اللكترونيتين والمدارس والجامعات‬
‫الفتراضية والسواق والمكتبات السبرانية “(‪.)239‬‬

‫عواطف عبد الرحمن‪ " ،‬العولمة والحقوق الثقافية للشعوب "‪ ،‬جريدة الهرام‪ .‬بتاريخ ‪ ،31/3/2001‬ص ‪.10‬‬ ‫()‬ ‫‪237‬‬

‫السيد ياسين‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.52‬‬ ‫()‬ ‫‪238‬‬

‫ميتشيو كاكو‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.62‬‬ ‫()‬ ‫‪239‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪-‬‬

‫كما سيؤدى التوجه نحو إنشاء الطريق السريع للمعلومات إلى ”تركيب قشرة خارجية‬
‫حضارية من الخبرات المشتركة فوق ثقافات العالم الفردية “(‪ .)240‬حيث يقول الرئيس التشيكى‬
‫« فاكلف هافيل » ”نحن نعيش الن حضارة كونية واحدة‪ ،‬إنها ليست أكثر من قشرة رقيقة‪.‬‬
‫و هى قشرة تغ طى أو تخ فى التنوع ال كبير‪ ،‬فى الثقافات‪ ،‬فى الشعوب‪ ،‬فى عالم الديان‪ ،‬فى‬
‫التقال يد التاريخ ية والتجاهات ال تى تشكلت على مر التار يخ‪ ،‬وجميع ها يو جد ت حت تلك القشرة‬
‫على ن حو ما “(‪ .)241‬وبالتالى فإن ” ضرورات التعا يش الثقا فى تتطلب الب حث ع ما هو مشترك‬
‫بالنسبة لمعظم الحضارات “(‪.)242‬‬

‫∗‬
‫وُي عد « فران سيس فوكويا ما » مؤلف كتاب « نها ية التار يخ » من أبرز المبشر ين بنشأة‬
‫حضارة عالمية واحدة‪ .‬حيث يوضح ”أن العلوم الطبيعية الحديثة تخلق آفاقا متجانسة من إمكانات‬
‫النتاج القتصادى‪ .‬فالتكنولوجيا تتيح إمكانية تراكم الثروة بغير حدود‪ .‬وتتيح بالتالى إمكانية إشباع‬
‫قدر متزا يد دوما من الرغبات الن سانية‪ .‬ول شك فى أن هذه العمل ية تض من تجان سا متزايدا ب ين‬
‫كا فة المجتمعات البشر ية ب غض الن ظر عن أ صولها التاريخ ية أو تراث ها الحضارى‪ .‬ذلك أن كا فة‬
‫الدول التى تمارس تحديث اقتصادها لبد أن يزداد باطراد التشابه فيما بينها‪ .‬إذ يتعين عليها التوحد‬
‫قوميا على أسهاس مهن الدولة المركزيهة‪ ،‬والتوسهع فهى تأسهيس المدن‪ ،‬وال ستعاضة عهن الشكال‬
‫التقليدية للتنظيم الجتماعى ( كالقبيلة والطائفة والعائلة ) بأشكال يقرها منطق القتصاد تقوم على‬
‫أساس من الدور والكفاءة‪ ،‬وتوفر التعليم العام لكافة المواطنين‪ .‬وقد زادت الروابط التى تربط بين‬
‫مثهل هذه المجتمعات بفضهل السهواق العالميهة وانتشار الثقافهة السهتهلكية فهى العالم كله “(‪.)243‬‬
‫وبالتالى فإن « فوكويا ما » يب شر بحضارة عالم ية تتم ثل فى ” ازدهار حضارة إ ستهلكية عالم ية‬
‫تقوم على أساس من المبادئ القتصادية الليبرالية فى العالم الثالث والول والثانى على حد سواء‪.‬‬
‫فالعالم القت صادى النتا جى الدينا مى العظ يم الذى خلق ته التكنولوج يا المتقد مة والتنظ يم العقل نى‬
‫للعمل‪ ،‬يتمتع بقدرة عظيمة على تحقيق التجانس بين الشعوب والدول‪ ،‬وعلى الربط بين المجتمعات‬
‫المختلفة فى عالمنا بفضل إقامة أسواق عالمية “(‪.)244‬‬

‫ولكن مع تراكم الشواهد الدالة على ملمح الحضارة العالمية النسانية الصاعدة‪ ،‬فعلى‬
‫الجا نب المقا بل تع مل تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنق سام على التجاه ن حو ا ستثمار‬

‫مايكل ديرتوزوس‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.246‬‬ ‫()‬ ‫‪240‬‬

‫صامويل هنتنجتون‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.94‬‬ ‫()‬ ‫‪241‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.516‬‬ ‫()‬ ‫‪242‬‬

‫للمزيد حول تحليل فكر « فرانسيس فوكوياما »‬ ‫‪‬‬

‫انظر‪ :‬على حرب‪ ،‬الختام الصولية والشعائر التقدمية ( مصائر المشروع الثقافى العربى )‪ .‬صفحات ‪.219 - 212‬‬
‫فرانسيس فوكوياما‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.11‬‬ ‫()‬ ‫‪243‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.107‬‬ ‫()‬ ‫‪244‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفروق والختلفات ب ين الحضارات فى القضا يا والنزاعات العالم ية؛ م ما يؤدى إلى ال صدام‬
‫والتنافهر بيهن تلك الحضارات نتيجهة سههولة التصهال اللكترونهى والجدال بيهن الحضارات‬
‫المتعددة‪ ،‬وبالتالى زيادة احتمالت تفتيت المجتمعات التى تضم حضارات متعددة من جراء تلك‬
‫النزاعات‪.‬‬

‫ف فى مجال التف تت ن جد ” المجتمعات ال تى اتحدت عن طر يق اليدلوج يا أو الظروف‬


‫التاريخيهة‪ ،‬ولكنهها منقسهمة بسهبب الحضارات‪ .‬إمها إنهها تتفتهت كمها حدث للتحاد السهوفيتى‬
‫ويوغوسهلفيا‪ ..‬أو تتعرض لتوتهر شديهد كمها ههو الحال فهى أوكرانيها ونيجيريها والسهودان‬
‫وسريلنكا وغيرها “(‪.)245‬‬

‫وفى مجال الصدام يُعد الكاتب المريكى « صامويل هنتنجتون » من أبرز المبشرين‬
‫بإمكانية تصادم الحضارات‪ ،‬حيث يرى أنه ” فى عالم ما بعد الحرب الباردة لم تعد الفروق‬
‫المائزة بين الشعوب أيدلوجية أو سياسية أو اقتصادية‪ ،‬وإنما هى فروق ثقافية‪ .‬ولم تعد الكتل‬
‫الثلث التهى كا نت إبان الحرب الباردة ههى أههم التجمعات الدوليهة‪ .....‬الحضارات العالم ية‬
‫السهبع أو الثمانيهة ههى أههم التجمعات “(‪ ،)246‬حيهث ” انتقلت العلقات بيهن الحضارات فهى‬
‫القرن العشر ين من مرحلة يغلب علي ها التأث ير المو جه من إحدى الحضارات على غير ها‪،‬‬
‫إلى تأثيهر ذى تفاعلت متعددة التجاه بيهن كهل الحضارات “(‪ .)247‬ولكهن نظرا لن ” كهل‬
‫حضارة ترى نفسهها مركزا للعالم‪ ،‬أو تكتهب تاريخهها وكأنهه الدرامها الرئيسهية فهى التاريهخ‬
‫الن سانى‪ ...‬ورب ما كان ذلك ينط بق على الغرب أك ثر م ما هو على أى ثقا فة أخرى “(‪،)248‬‬
‫فإنهه ”فهى الحقبهة الناشئة ‪ -‬يصهبح ‪ -‬صهدام الحضارات ههو الخطهر الكثهر تهديدا للسهلم‬
‫العالمى‪ .‬والضمان ال كبر ضد حرب عالمية‪ ،‬هو نظام عالمى يقوم على الحضارات “(‪، )249‬‬
‫وليس على حضارة واحدة؛ وبالتالى‪ ” ..‬فإن تجنب حرب حضارات كونية يتوقف على قبول‬
‫قادة العالم بالشخصية متعددة الحضارات للسياسة الدولية وتعاونهم للحفاظ عليها “(‪.)250‬‬

‫ثالثاً‪ :‬العولمـة والهـويـة‪:‬‬


‫تبدو الهوية ‪ -‬من وجهة النظر التحليلية ‪ ” -‬عبارة عن مركب من العناصر المرجعية‬
‫المادية والجتماعية والذاتية المصطفاة‪ ،‬التى تسمح بتعريف خاص للفاعل الجتماعى‪ ..‬وطالما‬

‫صامويل هنتنجتون‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.47‬‬ ‫()‬ ‫‪245‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.39‬‬ ‫()‬ ‫‪246‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪87‬‬ ‫()‬ ‫‪247‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬ ‫()‬ ‫‪248‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.251‬‬ ‫()‬ ‫‪249‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬ ‫()‬ ‫‪250‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنها مركب من عناصر فهى بالضرورة متغيرة فى الوقت ذاته الذى تتميز فيه بثبات معين‪..‬‬
‫فالهوية منظورا إليها سوسيولوجيا متغير من المتغيرات‪ ،‬فالعربى اليوم مثلً ليس هو العربى‬
‫ق بل ألف عام‪ ،‬ولك نه يب قى عربيا‪ .‬ول كن المشكلة تك من فى صفة ال صطفاء أو ح تى الدل جة‬
‫التى تضفيها هذه النخبة أو تلك على عناصر منتقاة من عناصر الهوية‪ ،‬فتثبتها وتحدد الهوية‬
‫الصلية من خللها‪ ،‬وتضفى عليها هالة القداسة والسمو “(‪.)251‬‬

‫ونظرا لن ” الهو ية متغ ير اجتما عى م ثل أى متغ ير آ خر‪ .‬فإن محاولة تثبيت ها ذهنيا‬
‫ضمن عناصر منتقاة‪ ..‬يقضى عليها فى النهاية‪ ..‬فالحرص المبالغ فيه يؤدى غالبا إلى النتيجة‬
‫المتخوف منها “(‪.)252‬‬

‫وت ستمد النزاعات حول مفهوم الهو ية عنا صر ” قوت ها المهل كة من افتراض يز عم أن‬
‫الهويهة الثقافيهة تقابلهها بالضرورة هويهة سهياسية‪ ،‬ل تخلو ههى أيضا فهى الواقهع مهن طابعهها‬
‫الوه مى‪ ..‬وال حق أن كل الهويت ين تكون فى أح سن الحوال بنا ًء ثقافيا أو سياسيا أو أيدلوجيا‪،‬‬
‫أى بنا ًء تاريخيا أصهلً‪ .‬فل توجهد هويهة طبيعيهة تفرضهها الوضاع‪ ..‬فليسهت هناك سهوى‬
‫إستراتيجيات للهوية يتبعها بشكل رشيد محركون يمكن التعرف عليهم “(‪.)253‬‬

‫وترى ب عض الدرا سات ” أن مفهوم الهو ية يتما هى مع اليدلوجيا بمعنا ها السلبى‪ ،‬أى‬
‫تزييف الوعى‪ .‬فالهوية غير موجودة ولكن تُخلق وتُشكل اجتماعيا‪ .‬فهى ل تعدو كونها ظاهرة‬
‫اجتماعية أو إنسانية مما ينزع عنها ذلك الطابع الميتافيزي قى الذى يض فى على الهوية صفات‬
‫متعالية على الوجود الملموس “(‪.)254‬‬

‫وبالتالى فإن ” كل هوية إثنيه هى نتاج فى جزء منها لستخدام السلطة‪ .‬واختُرعت من‬
‫مصادر ثقافية مختلفة‪ .‬ففى مجال الثنية كما هو فى القومية ليس هناك شيئ أصيل “(‪.)255‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ...‬فإن النظر إلى العولمة ‪ -‬بوصفها معادية للهوية ‪ -‬يصبح بمثابة‬
‫” فخ يُنصب للهويات العاجزة والثقافات الكسولة‪ ،‬لكى تزداد عجزا وفقرا وتراجعا “(‪.)256‬‬

‫تركى الحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.18‬‬ ‫()‬ ‫‪251‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫()‬ ‫‪252‬‬

‫جان فرانسوا بايار‪ ،‬أوهام الهوية‪ .‬ترجمة حليم طوسون‪ ،‬ص ‪.7‬‬ ‫()‬ ‫‪253‬‬

‫حيدر إبراهيهم‪ " ،‬العولمهة وجدل الهويهة الثقافيهة "‪ ،‬مجلة عالم الفكهر ( عدد خاص بعنوان‪ :‬العولمهة ظاهرة‬ ‫()‬ ‫‪254‬‬

‫العصر )‪ ( .‬عدد ‪ ،2‬أكتوبر ‪ -‬ديسمبر ‪ ،) 1999‬ص ‪.103‬‬


‫أنطونى جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.184 - 183‬‬ ‫()‬ ‫‪255‬‬

‫على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.13‬‬ ‫()‬ ‫‪256‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬ف من خلل هذا الف هم لمفهوم الهوية ‪ -‬ال تى ما هى إل الحضارة ول كن ملونة‬
‫بالنتماءات الجغرافية أو الدينية أو العرقية‪ ..‬إلخ ‪ -‬يمكن ملحظة أن الثار الثقافية الناجمة عن‬
‫العول مة تؤدى وفقا ل ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج‪ ،‬إلى النشأة التدريج ية لهو ية‬
‫إن سانية عالم ية ت ستمد معالم ها ومضمون ها من المبادئ الن سانية المتضم نة فى الهويات العالم ية‬
‫المختلفهة‪ ،‬وبحيهث تقهف جنبا إلى جنهب مهع تلك الهويات‪ .‬بينمها تقود تكتيكات العولمهة للتشظهى‬
‫والتجزؤ والنق سام إلى تأك يد الحدود الفا صلة ب ين الهويات الثن ية والعرق ية والجغراف ية المتعددة‬
‫الراهنة‪ ،‬وإضافة أشكال أخرى من الهويات ذات النتماءات المحدودة إلى مجموع تلك الهويات‪،‬‬
‫بما يعزز واقع النفصال والتباعد والتفكك بين جميع تلك الشكال المتشظية للهوية‪.‬‬

‫ف فى إطار النشأة التدريج ية لهو ية إن سانية عالم ية‪ .‬ن جد أن ما أتاح ته التكنولوج يا من‬
‫سههولة التصهال إلكترونيا‪ ،‬وسههولة تحرك الشخاص وانتقالههم عهبر القارات‪ ،‬قهد أدى إلى‬
‫هة‪ ،‬وبل هويات متميزة‬
‫هع بل حدود نهائيه‬
‫هه الحياة على الرض‪ ،‬وذلك بخلق واقه‬
‫” تبدل وجه‬
‫بصورة حاسمة‪ .‬بحيث تصبح خارجية المكان الوجه الخر لمرونة الهويات‪ .‬المر الذى يضع‬
‫الهوية موضع التساؤل بفتحها على تعدد المكنة والعوالم والنتماءات “(‪. )257‬‬

‫فعلى مستوى المكان الجغرافى” فإننا نشهد فى الواقع اضمحللً تاريخيا لقيمة المكان‬
‫فى حياة الن سان‪ .‬إن نا نر بى سللة جديدة من البدو “(‪ ،)258‬وذلك ك ما يقرر المف كر المري كى‬
‫« آلف ين توفلر »‪ ...‬فل قد ” تضاءلت إلى حد بع يد قي مة المكان فى تحد يد الفروق ب ين الناس‪،‬‬
‫وذلك نتيجة لتزايد الحركة والتنقل‪ .‬كما اضمحلت فى نفس الوقت روح النتماء إلى مكان ما‪،‬‬
‫لدر جة بل غت وفقا ل ما يعبّر ع نه البروفي سور « جون ديكمان » من جام عة بن سلفانيا قائلً‪ :‬إن‬
‫الولء لمدينة أو ولية قد أصبح الن لدى الكثير أضعف من الولء لشركة أو مهنة أو منظمة‬
‫تطوعية “(‪ ،)259‬وهكذا يمكن القول أن ” الولء ينتقل من البنى الجتماعية ذات الطبيعة المكانية‬
‫( المدي نة‪ ،‬الول ية‪ ،‬ال مة‪ ،‬الجيرة ) إلى ( الشر كة والمه نة‪ ،‬ال صداقة وشب كة العمال ) وهذه‬
‫الخيرة متحركة بطبيعتها ويمكن لسباب عملية أن نعتبرها لمكانية “(‪.)260‬‬

‫فسهولة النتقال والتصال تؤدى إلى مرونة الهوية وقابليتها للتأثير والتأثر ” ويوفر لنا‬
‫التاريهخ والنثربولوجهى العديهد مهن المثلة لمجتمعات ليهس لديهها ثقافهة محددة‪ .‬يقيهم أعضاؤهها‬
‫هويتهم على التبادل والتهجين والستعداد للتأقلم مع أى بلد ومع كل عادات قوية متنوعة “(‪.)261‬‬

‫على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬ ‫()‬ ‫‪257‬‬

‫آلفين توفلر‪ ،‬صدمة المستقبل ( المتغيرات فى عالم الغد )‪ .‬ترجمة محمد على ناصف‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫()‬ ‫‪258‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.94‬‬ ‫()‬ ‫‪259‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.94‬‬ ‫()‬ ‫‪260‬‬

‫جان فرانسوا بايار‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.62‬‬ ‫()‬ ‫‪261‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪-‬‬

‫ويظ هر هذا بوضوح فى منا طق الموا نئ التاريخ ية والمنا طق ال ساحلية‪ ،‬وال تى تميزت تاريخيا‬
‫بكثرة التصهال بالقادميهن مهن مختلف البلدان والحضارات‪ ،‬فشكلت لدى قاطنيهها هويهة بمثابهة‬
‫مزيج من الهويات العالمية الوافدة‪.‬‬

‫وهذا مها تقدمهه العولمهة الن مهن خلل تسههيلها للتصهال بيهن مختلف الحضارات‬
‫بوا سطة شب كة النتر نت و من بعد ها الطر يق ال سريع للمعلومات‪ .‬ح يث ستساعد على ” تحول‬
‫الهويات عهن كونهها معسهكرات عقائديهة أو متاريهس عنصهرية أو حروبا أصهولية مقدسهة‪،‬‬
‫لتصهبح‪ ..‬بيئة للتلقهح والتفاعهل “(‪ .)262‬ومصن ثصم فإذا كانصت معالم الهويصة تتحول نحصو أطصر‬
‫لمكانية محددة‪ ،‬فإن العالم كله إذن سيصبح هو الطار المناسب للهوية العالمية التى تتجاوز‬
‫المكنة المحدودة إلى المكان الشمل والرحب‪.‬‬

‫أمها على مسهتوى « موضوع » الهويهة‪ ،‬فقهد برزت مضاميهن جديدة للهويهة ذات‬
‫امتدادات عالمية وإنسانية‪ ،‬مثل النتماء إلى الحركات ( البيئية ) النشطة التى تتضمن اهتماما‬
‫عالميا وإنسهانيا بالبيئة على كامهل كوكهب الرض‪ ،‬والنتماء إلى منظمات حقوق النسهان‬
‫العالميهة‪ ،‬بحيهث باتهت تهبرز ملمهح عالميهة ممتدة ومتسهعة لهويهة حضاريهة ناشئة‪ ،‬هويهة‬
‫موضوعها النسانية ومداها العالم ككل‪.‬‬

‫وفهى إطار مها تكشهف عنهه تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام مهن تأكيهد‬
‫للحدود الفا صلة بين الهويات التاريخ ية‪ ،‬وإضا فة هويات فئوية جديدة ضمن رقعة العالم‪ ،‬فإن‬
‫« نظر ية التم يز » فى علم الن فس الجتما عى تو ضح أن ” الناس يعرفون أنف سهم ب ما يجعل هم‬
‫مختلفين عن الخرين‪ ..‬فالنسان يرى نفسه على ضوء المواصفات التى تميزه عن غيره من‬
‫الب شر‪ .‬خا صة أولئك الذ ين هم من ن فس و سطه الجتما عى العادى‪ ...‬وح يث أن التطور فى‬
‫وسائل التصال والتجارة والنتقال يزيد من العلقات المتبادلة والمتداخلة بين الحضارات‪ .‬فإن‬
‫الناس يضفون وثاقة أكبر على هوياتهم الحضارية “(‪.)263‬‬

‫وك ما يقول المف كر الفرن سى « دوبر يه » ” فإن العالم يزداد تشرذما بازدياد وتائر توحيده‪.‬‬
‫ويعنهى بذلك أ نه كل ما تعمقهت العول مة القتصهادية تشرذمهت البن ية ال سياسية‪ .‬فتظههر النزاعات‬
‫القوم ية كرد ف عل لهذه العمل ية‪ .‬تلك النزاعات ال تى تأ خذ أحيانا صورا بال غة التطرف دفاعا عن‬
‫النتماء‪ ،‬سهواء كان و طنيا أو قوميا أو دينيا “(‪ ” .)264‬وفهى إطار هذه التحولت تهبرز المطالب‬

‫على حرب‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.51‬‬ ‫()‬ ‫‪262‬‬

‫صامويل هنتنجتون‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.112 - 111‬‬ ‫()‬ ‫‪263‬‬

‫أحمد مجدى حجازى‪ " ،‬العولمة وتهميش الثقافة الوطنية‪ :‬رؤية نقدية من العالم الثالث "‪ ،‬مجلة عالم الفكر ( عدد‬ ‫()‬ ‫‪264‬‬

‫خاص بعنوان‪ :‬العولمة ظاهرة العصر )‪ ( .‬عدد ‪ ،2‬أكتوبر ‪ -‬ديسمبر ‪ ،) 1999‬ص ‪.127‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪112‬‬ ‫‪-‬‬

‫ل عديدة بفعل القهر الشمولى والسلطوى “(‪.)265‬‬


‫الثقافية والسياسية للقليات التى كانت مقموعة أجيا ً‬
‫وذلك مثلما حدث بعد ” سقوط النظمة الشيوعية فى التحاد السوفيتى ويوغوسلفيا‪ ..‬حيث لم يعُد‬
‫الناس يُعرفون بأنهم شيوعيون أو مواطنون سوفيت أو يوغوسلف‪ .‬بل أصبحوا فى حاجة ملحة‬
‫ليجاد هويات جديدة وجدو ها فى البدائل الثن ية والدين ية القدي مة‪ ...‬النظام القم عى للدول ال تى ل‬
‫تؤمن بوجود إله‪ ،‬حل محله عنف الناس المؤمنين بآلهة مختلفين ”(‪.)266‬‬
‫وبالتالى ”فالعولمهة تجرف نحهو السهفل‪ .‬فههى تخلق حاجات جديدة‪ .‬وكذلك احتمالت‬
‫جديدة نحو إعادة انبعاث الهويات المحلية “(‪.)267‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬فإن سصهولة التصصال اللكترونصى تؤدى إلى التوحيصد الفتراضصى؛‬
‫ومن ثم النسلخ الواقعى للفراد المشتركين فى الهوية والموزعين على مستوى العالم‪ .‬فلقد‬
‫هراعات الممتدة بيهن‬
‫” لعبهت تجمعات الشتات دورا رئيسهيا على كل الجانهبين فهى الصه‬
‫السرائيليين والفلسطينيين‪ .‬وفى دعم الرمن والكروات والشيشان فى صراعاتهم‪ .‬ومن خلل‬
‫التليفزيون والفا كس والبر يد اللكترو نى‪ ،‬فإن التزامات الشتات ي تم تقويت ها وأحيانا ا ستقطابها‪،‬‬
‫من خلل التصال المستمر بأوطانهم السابقة “(‪.)268‬‬

‫وبالمثهل فقهد ” قوّت وسهائل التصهال الحديثهة مهن العلقات بيهن الشعوب السهلمية‬
‫و ساعدت على تطوير ها‪ .‬ك ما زادت بن سبة كبيرة أعداد الذ ين يذهبون إلى م كة لداء فري ضة‬
‫ال حج‪ ،‬م ما خلق إح ساسا أع مق بالهو ية المشتر كة ب ين الم سلمين من بلد بعيدة م ثل ال صين‬
‫والسنغال وبنجلديش‪ ....‬وهناك مؤتمرات منتظمة كثيرة ومشاورات تتم بين المثقفين والعلماء‬
‫المسلمين تُعقد فى مراكز مثل طهران ومكة وكواللمبور‪ ،‬وتنتشر أشرطة الكاسيت والفيديو‬
‫والمواعظ والدروس الدينية عبر الحدود الدولية‪ .‬لدرجة أن الدعاة والوعاظ المؤثرين أصبحوا‬
‫يصلون الن إلى جماهير بعيدة خارج مجتمعاتهم “(‪.)269‬‬

‫أمها على مسهتوى دفهع تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام إلى خلق هويات‬
‫فئويهة جديدة‪ ،‬فإن الكاتهب المريكهى « آلفيهن توفلر » يوضهح أن ” ضربات مطارق ثورة مها‬
‫فوق الت صنيع تنهال اليوم على المجت مع فتشظ يه وتق سمه إلى أجزاء وتفار يق‪ ...‬إن ن فس قوى‬
‫التنو يع ال تى تع مل من أ جل تو سيع مجال الختيار الفردى لل سلع وللمواد الثقاف ية‪ ،‬تع مل أيضا‬
‫على م حو النمط ية والتما ثل فى بنا نا الجتماع ية‪ .‬وهذا هو ال سر في ما نعان يه اليوم من انبثاق‬

‫السيد ياسين‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.103‬‬ ‫()‬ ‫‪265‬‬

‫صامويل هنتنجتون‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.425‬‬ ‫()‬ ‫‪266‬‬

‫أنطونى جيدنز‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.63‬‬ ‫()‬ ‫‪267‬‬

‫صامويل هنتنجتون‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.444‬‬ ‫()‬ ‫‪268‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.286‬‬ ‫()‬ ‫‪269‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪-‬‬

‫تؤدى إلى خلق هويات فئو ية جديدة متشظ ية فى‬ ‫(‪)270‬‬


‫مفا جئ ومتكرر لطوائف فرع ية جديدة “‬
‫صلب بنية الهويات المرجعية الرئيسية‪.‬‬

‫المبحـث الثالث‬
‫البعاد العلمية لظاهرة العولمة‬
‫(عـولمة التصال )‬
‫تبدو العولمهة التصهالية بمثابهة السهكة الحديديهة التهى سهارت عليهها قاطرة العولمهة بأبعادهها‬
‫الخرى السياسية والقتصادية والثقافية‪ ،‬حيث مارست بذلك دور قناة التصال ووسيلة الربط‬
‫ووسيط النقل‪.‬‬

‫وتم ثل النظ مة العلم ية والت صالية والمعلومات ية الراه نة ‪ -‬الموز عة على م ستوى‬
‫العالم ‪ -‬القطاع العلمهى فهى كيان العولمهة التصهالية‪ ،‬بالضافهة إلى قطاع آخهر ههو قطاع‬
‫المواصلت البحرية والجوية‪.‬‬

‫ولقهد كان يمكهن فهى الماضهى التفرقهة بيهن النظمهة العلميهة والنظمهة التصهالية‬
‫والنظ مة المعلومات ية‪ .‬ول كن أدى ظهور « شب كة النتر نت » إلى اندماج الثلث أنظ مة معا‪،‬‬
‫لتشكل بروز وسيلة جديدة إعلمية اتصالية معلوماتية فى نفس الوقت‪.‬‬

‫وما يعنينا فى هذه الدراسة هو القطاع العلمى التصالى المعلوماتى‪ ،‬والذى مارس‬
‫دوره كأ حد قطاعات البنيت ين الفوق ية والتحت ية للعول مة من خلل تحقي قه للر بط والتوا صل ب ين‬
‫الثقافات والحضارات والهويات والدول والشعوب والجماعات والشركات وال سواق‪ .‬بالضا فة‬
‫إلى كو نه يتأ ثر بمظا هر العول مة‪ ،‬ال تى شارك ويشارك هو نف سه فى ظهور ها‪ .‬بح يث تخ ضع‬
‫النظمة العلمية التصالية المعلوماتية لمظاهر العولمة التى تتلزم فيها إستراتيجية التوحد‬
‫والتكتل والندماج مع تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام‪.‬‬

‫وتكشهف البعاد العلميهة للعولمهة عهن عدد مهن التحولت التهى باتهت تطرأ على‬
‫النظ مة العلم ية المعا صرة بمكونات ها من‪ :‬المؤ سسات العلم ية وو سائل العلم وجماه ير‬
‫المتلقين‪ .‬وسنعرض لذلك على النحو التالى‪:‬‬
‫أول ‪ :‬العولمة و النظم العلمية ‪:‬‬

‫آلفين توفلر‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.296‬‬ ‫()‬ ‫‪270‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪-‬‬

‫تؤدى إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج إلى اتجاه النظ مة العلم ية إلى‬
‫التداخهل والتشابهك والنفتاح على بعضهها البعهض‪ ،‬ممها يسهاعد على التخلق التدريجهى لنظام‬
‫إعلمى عالمى‪ .‬بينما تؤدى تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام إلى تأكيد النظمة العلمية‬
‫التقليدية المحلية على انتماءاتها الحضارية والثقافية‪ ،‬المر الذى يساهم فى تنوع وتعدد النظمة‬
‫العلمية المعاصرة‪.‬‬

‫حيث يوضح الوضع الحالى الذى تطرحه البعاد العلمية للعولمة أن إستراتيجية‬
‫العولمة للتوحد والتكتل والندماج تعمل على زيادة التداخل والتشابك والنفتاح بين النظمة‬
‫العلم ية على م ستوى العالم؛ وذلك لمتداد تأث ير مضامين ها العلم ية إلى خارج حدود ها‬
‫وصولً إلى معظم دول العالم‪ .‬بحيث أصبحت شاسة التلفزيون أو الكومبيوتر مجالً لعرض‬
‫الرسائل العلمية الصادرة من كافة النظمة العلمية فى العالم من خلل شاشة واحدة‪.‬‬
‫وهذا يدفع تلك النظمة المختلفة إلى التنافس من أجل جذب أكبر نسبة من المشاهدين نحو‬
‫رسهائلها العلميهة‪ .‬وبالتالى محاولة إنتاج رسهائل إعلميهة ذات طابهع عالمهى وإنسهانى ل‬
‫تخا طب فئة بعين ها‪ ،‬وإن ما تخا طب المتل قى ب صفته إن سانا موط نه العالم‪ ،‬ال مر الذى ي ساعد‬
‫تدريجيا على نشأة ملمح لنظام إعلمى عالمى تندمج فيه النظمة العلمية العالمية‪.‬‬

‫والواقهع أن العالم “ يشههد حاليا تنافسها شديدا بيهن المحطات التلفزيونيهة الفضائيهة‬
‫للستحواذ على أكبر عدد ممكن من المشاهدين‪ ،‬ومن ثم تحقيق الهداف التى تصبو إليها تلك‬
‫المحطات‪ .‬وممها سهاعد فهى ازدياد حمهى التنافهس‪ ،‬التطورات الكهبيرة التهى تحققهت فهى مجال‬
‫تكنولوجيها القمار الصهناعية‪ ..‬وتتسهابق المحطات التلفزيونيهة لتوفيهر أفضهل الوسهائل لجذب‬
‫المشاهد على مستوى شكل البرامج ومضمونها‪ .‬ل سيما أن المشاهد سيجد أمامه أكثر من (‬
‫‪ )4000‬اختيار من المحطات التلفزيون ية الفضائ ية‪ .‬و فى ظل هذا التد فق الذى ل تحده حدود‪.‬‬
‫فإن اختياره سهيكون الفاصهل الحاسهم‪ .‬وههو اختيار تحكمهه فهى الغالب عوامهل عديدة‪ .‬أى أن‬
‫المشاهد سوف يُحوّل مؤشر جهازه نحو المحطة التى تستهويه وتلبى احتياجاته ”(‪.)271‬‬

‫والمثال على ذلك “ تجربهة محطهة ( ‪ ) CNN‬التهى حققهت نجاحا ملحوظا دفهع محطهة‬
‫( ‪ ) BBC‬إلى أن تحذو حذوهها‪ .‬إذ توجههت إلى قارتهى أفريقيها وأمريكها طامحهة إلى إزالة آثار‬
‫أسلوب اله ‪ .CNN‬ولمواجهة هذا الخطر التنافسى أسرعت محطة ‪ CNN‬إلى تكثيف جهودها‬
‫لتحسين البرامج التليفزيونية العالمية وافتتاح مكاتب إضافية فى عدد من دول العالم ”(‪.)272‬‬

‫إياد شاكر البكرى‪ ،‬عام ‪ 2000‬حرب المحطات الفضائية‪ .‬ص ‪.218 - 217‬‬ ‫()‬ ‫‪271‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.219‬‬ ‫()‬ ‫‪272‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪-‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬فإن ملحظة التطور السريع الذى تلعبه شبكة النترنت يوضح أنها‬
‫باتت بمثابة “ مجتمعا متكاملً له عاداته وتقاليده بل ولغته الخاصة‪ .‬مما سمح لبعض الباحثين‬
‫أن يقرروا أن النترنت أصبحت التعبير المثل عن ثقافة ما بعد الحداثة ”(‪ ،)273‬بالضافة إلى‬
‫أن سههولة تصهدير الكتهب والمؤلفات والفلم السهينمائية والتسهجيلت الموسهيقية مهع اكتمال‬
‫تطبيق اتفاقيات حرية التجارة‪ ،‬وسهولة طبع الصحف فى عدة دول بالعالم فى وقت واحد‪ .‬كل‬
‫ذلك أدى وسهيؤدى إلى امتداد النطاق المؤثهر للنظهم العلميهة المختلفهة إلى خارج حدودهها‬
‫ل تقريبا إلى العالم ككهل؛ ممها يؤدى ‪ -‬بالحتكاك والتنافهس ‪ -‬إلى نشأة ملمهح لنظام‬
‫وصهو ً‬
‫إعلمى عالمى ذو طابع إنسانى عام يتجاوز الختلفات والتنوعات الحضارية والثقافية‪.‬‬

‫ولكهن فهى المقابهل فإن تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام تدفهع النظمهة‬
‫العلمية نحو التأكيد على انتماءاتها الحضارية والثقافية‪ ،‬خاصة فى مجال محطات التلفزيون‬
‫الرض ية والمحطات الذاع ية المحل ية وال صحف والمجلت المحل ية‪ .‬ال مر الذى ي ساعد على‬
‫الحتفاظ بنظم إعلمية محلية متعددة ومتنوعة فى مقابل النشأة التدريجية لملمح نظام إعلمى‬
‫عالمى‪ ،‬بالضافة إلى بروز المواقع ذات الطابع المحلى على النترنت كرد فعل مضاد للمواقع‬
‫ذات الطابع العالمى‪.‬‬
‫ويهبرهن على هذا أن “ أحهد القوانيهن المعمول بهها فهى دول التحاد الوربهى ههو أن‬
‫يكون ‪ %51‬مهن المواد الدراميهة المعروضهة تليفزيونيا مهن إنتاج أوربهى ”(‪ .)274‬كمها طالبهت‬
‫فرن سا بإقرار مبدأ « ال ستثناء الثقا فى » فى اتفاق ية الجات المنشئة لمنظ مة التجارة العالم ية‪.‬‬
‫وذلك لن ها اكتش فت أن “ ن صيب ال سينما الفرن سية فى ال سوق المريك ية ‪ %0.5‬بين ما ن صيب‬
‫المن تج السينمائى المري كى فى ال سوق الفرن سية ‪ .)275(” %60‬ولذلك ف قد “ أعلن وز ير الثقا فة‬
‫الفرنسهى السهابق « جاك لنهغ » بأنهه خائف ويشكهو مهن وقوع الشعهب الفرنسهى ضحيهة‬
‫للستعمار الثقافى المريكى ”(‪.)276‬‬
‫و فى ن فس إطار التأك يد على الطا بع المحلى‪ ،‬انت هج النظام العل مى الم صرى سياسة‬
‫إنشاء محطات تليفزيونية أرضية محلية بامتداد القطر المصرى من الشمال إلى الجنوب‪ ،‬وبلغ‬
‫عدد هذه المحطات ثمانى محطات‪.‬‬

‫السيد ياسين‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.173‬‬ ‫()‬ ‫‪273‬‬

‫محمود عوض‪ " ،‬تعقيهب على ورقتهى الجابرى وبلقزيهز عهن‪ :‬العولمهة والهويهة الثقافيهة "‪ ،‬فهى أسهامة أميهن‬ ‫()‬ ‫‪274‬‬

‫الخولى ( محرر )‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.329‬‬


‫روجيه جارودى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.114‬‬ ‫()‬ ‫‪275‬‬

‫إياد شاكر البكرى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.250‬‬ ‫()‬ ‫‪276‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪116‬‬ ‫‪-‬‬

‫وحتى فى مجال النترنت‪ ،‬فقد تمادت بعض الدول فى “ الخوف من الثقافات الجنبية‪،‬‬
‫وفى التزامها الساسى تجاه الحفاظ على بيئة مواطنيها الجتماعية ورقابتها‪ .‬إذ أعلنت الصين‬
‫(‪)277‬‬
‫”‬ ‫وسهنغافورة وإيران عهن عزمهها على رقابهة الوصهول للمواد المنشورة على النترنهت‬
‫بالضا فة إلى كل من ال سعودية وأفغانسهتان‪ .‬ك ما “ صهرح وز ير الموا صلت ال صينى‪ :‬أن‬
‫الصهين باعتبارهها دولة ذات سهيادة تمارس رقابتهها على المعلومات‪ ...‬وإذا كنها سهنرتبط‬
‫بالنترنت فإن هذا ل يعنى الحرية المطلقة للمعلومات”(‪.)278‬‬
‫ثانيا ‪ :‬العولمة و المؤسسات العلمية ‪:‬‬
‫تمثل المؤسسة العلمية الكيان القتصادى المهنى الفنى الذى تنضوى تحته النشطة‬
‫العلمية الخاصة بجمع المعلومات ونشرها‪.‬‬
‫وتكشف استراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج عن اتجاه المؤسسات العلمية‬
‫إلى التوحد والندماج ضمن مؤسسات أكبر لستغلل المكانات التكنولوجية المتاحة لنشر وبث‬
‫المواد العلم ية على م ستوى العالم‪ .‬بين ما تد فع تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنق سام‬
‫نحو نشأة مؤسسات إعلمية صغيرة ومتعددة توازى تعدد وتنوع جماعات وطوائف ومنظمات‬
‫المجتمع المدنى الصاعدة‪.‬‬

‫طرِد فى تكنولوجيا التصال الحديثة إلى اتساع السواق التصالية‬


‫حيث أدى التقدم الم ّ‬
‫لتشمهل الرقعهة العالميهة ككهل‪ .‬وهذا يدفهع المؤسهسات العلميهة المتشابههة وظيفيا إلى التجاه‬
‫التدري جى ن حو « الندماج الوظي فى »‪ ،‬ح يث با تت تت حد المؤ سسات ال صحفية ‪ -‬مثل ‪ -‬فى‬
‫اندماجات وظيف ية والمؤ سسات الذاع ية فى اندماجات أخرى‪ ..‬وهكذا‪ .‬ك ما يد فع المؤ سسات‬
‫العلميهة غيهر المتشابههة وظيفيا‪ ،‬بهل المتشابههة نوعيا إلى « الندماج النوعهى » فهى إطار‬
‫اندماجات إعلميهة نوعيهة ضخمهة ( صهحفية تلفزيونيهة إذاعيهة )‪ .‬بالضافهة إلى اتجاه تلك‬
‫الندماجات العلمية النوعية إلى « التكتل » مع اندماجات نوعية اتصالية واندماجات نوعية‬
‫معلوماتية‪ .‬وذلك فى شكل تكتلت مؤسسية ضخمة ( إعلمية اتصالية معلوماتية )‪.‬‬
‫ويُعهد هذا الملمهح امتدادا للمسهار الذى تتبعهه الشركات كمنظمات اقتصهادية فهى ظهل‬
‫الثار الناجمة عن البعاد القتصادية للعولمة‪.‬‬

‫وتوضهح التقديرات “ أن ‪ %75‬مهن السهوق الحالى للتصهالت تحكمهه (‪ )80‬شركهة‬


‫متعددة الجنسهية ”(‪ .)279‬وفهى دراسهة « جون تومبسهون » عهن « الميديها والحداثهة » يقرر أن‬

‫مايكل ديرتوزوس‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.353‬‬ ‫()‬ ‫‪277‬‬

‫السيد ياسين‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.179‬‬ ‫()‬ ‫‪278‬‬

‫إياد شاكر البكرى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.224‬‬ ‫()‬ ‫‪279‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪-‬‬

‫شركة « سونى » اليابانية اشترت عام ‪ 1989‬اثنتين من أكبر شركات هوليوود لنتاج الفلم‬ ‫“‬

‫وبرا مج التلفزيون وه ما شرك تا « كولومب يا » و« تري ستار » بمبلغ ‪ 3.4‬بليون دولر‪ .‬وكا نت‬
‫شركة سونى قد اشترت قبلهما شركة ( سى‪ .‬سى‪ .‬إس ) للتسجيلت الموسيقية والغنائية‪ ،‬وفى‬
‫العام نف سه اشترت شر كة « مات سوشيتا » شر كة « إم‪ .‬سى‪ .‬إ يه » ‪ M.C.A‬ال تى تملك شر كة‬
‫« يونيفرسال » لنتاج الفلم السينمائية وبرامج التلفزيون بمبلغ ‪ 6.9‬مليار دلور ”(‪.)280‬‬
‫و فى ‪ “ 12/1/2000‬اندم جت كل من شر كة « أمري كا أون ل ين » ‪ AoL‬مع شر كة‬
‫«تايم وارنر» فى شركة عملقة واحدة بقيمة ‪ 350‬مليار دولر‪ ،‬حيث تضم تايم وارنر حوالى‬
‫عشهر شركات مهن بينهها‪ :‬مجلة « تايهم »‪ ،‬و« شبكهة سهى إن إن » ‪ ،CNN‬ومجلة « بيبول »‬
‫‪ ،People‬وشركهة « وارنربرازرز »‪ ..‬وغيرهها‪ .‬أمها مجموعهة « أمريكها أون ليهن » ‪AoL‬‬
‫فتضهم حوالى سهت شركات مهن بينهها‪ :‬أمريكها أون ليهن‪ ،‬وكومهبيوتر سهيرف‪ ،‬ونيتسهكيب‪..‬‬
‫وغيرها‪ .‬وتضم « شبكة أمريكا أون لين للنترنت » ما يزيد على ‪ 20‬مليون مشترك‪ ،‬ومجلة‬
‫« تا يم » يو جد لدي ها ‪ 30‬مليون مشترك‪ .‬أ ما « شب كة سى إن إن » ‪ CNN‬فإن مشاهدي ها فى‬
‫قارات العالم المختلفة يتجاوزون المليار مشاهد‪ ..‬و« شبكة تايم وارنر كيبل » تحظى به ‪13‬‬
‫هن القراء‬
‫هبر عدد مه‬
‫هى بأكه‬
‫هة الهائلة تحظه‬
‫هة العلميه‬
‫مليون مشترك‪ .‬أى أن تلك المجموعه‬
‫والمشتركين والمشاهدين فى أنحاء العالم بأسره ”(‪.)281‬‬
‫ولعههل هذا الندماج بمثابههة نموذج عملى لفكرة التكتلت المؤسههسية الضخمههة‬
‫( العلمية التصالية المعلوماتية ) والتى تضم شركات صحفية وإذاعية وتليفزيونية ومعلوماتية‪.‬‬

‫وقهد “ أكهد التحاد الدولى للصهحفيين‪ ..‬أن العالم يشههد حاليا هيمنهة عدد محدود مهن‬
‫الشركات التهى ت سيطر على العلم ووسهائل نقهل النباء‪ ..‬بدأت فهى منتصهف الثمانينات بامتلك‬
‫شبكات تليفزيونيهة عملقهة مهن بينهها ‪ ABC‬و ‪ ..NBC‬ويؤكهد «ديهن ألجهر» مؤلف كتاب‬
‫« ميجاميديا » عام ‪ ،1998‬أنه رغم إصدار الكونجرس المريكى لقانون التصالت عام ‪1996‬‬
‫فى محاولة لدعم المنافسة‪ ،‬إل إن العكس هو الذى حدث‪ .‬حيث أدى القانون إلى ظهور الندماجات‬
‫ل من تسهيل القدرة على المنافسة‪ ،‬كما كان‬
‫وانخفاض عدد الشركات المالكة للوسائل العلمية بد ً‬
‫يهدف القانون عند صدوره‪ ..‬وصرح « موريزيو كارلوتى » رئيس مجموعة « ميدياسيت » التى‬
‫تُعد أضخم مجموعة إعلمية خاصة فى إيطاليا‪ ،‬بأن الوقت قد حان لشركات تكنولوجيا المعلومات‬
‫الوربية للسراع بمعدلت الندماج لمواجهة ( غول ) الندماجات فى الوليات المتحدة فى الوقت‬
‫الراههن ”(‪ .)282‬وذلك كرد فعهل على “ اتفاق لجنهة التصهالت الفيدراليهة المريكيهة مهع عمالقهة‬
‫سامى خش بة‪ " ،‬الميد يا والتحد يث‪ :‬العول مة العلم ية شارع التجاه الوا حد أم الم سارات المتعددة "‪ ،‬جريدة‬ ‫()‬ ‫‪280‬‬

‫الهرام‪ .‬بتاريخ ‪ ،10/8/2001‬ص ‪.39‬‬


‫أحمد شاهين‪ " ،‬دكتاتورية التكنولوجيا "‪ ،‬مجلة أكتوبر‪ ( .‬عدد ‪ ،1214‬يناير ‪ ،) 2000‬ص ‪.41‬‬ ‫()‬ ‫‪281‬‬

‫ان ظر‪ :‬جريدة الهرام بتار يخ ‪ ،13/1/2000‬مخاوف عالم ية من تأ ثر حر ية ال صحافة وتد فق الخبار ب عد‬ ‫()‬ ‫‪282‬‬

‫اندماج أمريكا أون لين وتايم وارنر‪ .‬صفحة أخبار العالم‪.‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪118‬‬ ‫‪-‬‬

‫صناعة التلفزيون والك مبيوتر‪ ..‬على تب نى النظام الرق مى كطري قة إر سال قيا سية م ما يش جع على‬
‫ل مع الشب كة‪ ..‬وتوق عت اللج نة‬
‫الندماج ب ين التلفزيون والك مبيوتر ويج عل التلفزيون جهازا متفاع ً‬
‫بأن يُسهتغنى عهن إشارات التلفزيون التماثليهة فهى حدود عام ‪ ،)283(” 2006‬انطلقا مهن أن‬
‫“ تكنولوجيا الرقميات تمثل المنجم الجديد للرأسمالية العالمية‪ .‬ويدور صراع ضارى بين الشركات‬
‫العملقة للسيطرة على أسواق التصال والمعلومات ”(‪.)284‬‬

‫إن إسهتراتيجية العولمهة للتوحهد والتكتهل والندماج توضهح أن المؤسهسات العلميهة‬


‫تتحول سريعا ل كى ت صبح متعددة الجن سيات ( وعابرة للقوميات ) بش كل متزا يد‪ ،‬وذلك فى‬ ‫“‬

‫مجالت الملكية والتمويل والتنظيم والنتاج والتوزيع والمحتوى‪ ...‬إلخ ”(‪.)285‬‬

‫وفى المقابل‪ ،‬فإن تكتيات العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام تعمل على نشأة مؤسسات‬
‫إعلم ية صغيرة متعددة التوجهات ومتنو عة الهداف؛ وذلك انطلقا من التقدم التكنولو جى الذى‬
‫أدى إلى توفيهر المكانيهة ‪ -‬للجماعات ومنظمات المجتمهع المدنهى والطوائف ‪ -‬لنشهر وترويهج‬
‫برامج ها وأفكار ها ودعاوا ها م ستهدفة أعضاء ها ف قط أو جماه ير المتلق ين الخر ين‪ ،‬وذلك من‬
‫خلل مؤسهسات إعلميهة صهغيرة جدا‪ ،‬تكتفهى بإصهدار نشرة محدودة التوزيهع‪ ،‬أو إنشاء موقهع‬
‫صغير على شب كة النتر نت‪ ،‬أو من خلل الذاعات الضي قة النطاق ‪ Narrow-cast‬ذات المدى‬
‫الجغرافى المحدود والتى تتوجه إلى جماعات الجماهير القل عددا والكثر تجانسا‪.‬‬

‫إن نظر ًة على آلف المواقع على شبكة النترنت‪ ،‬تلك المواقع الخاصة بمجموعات النقاش‬
‫فى موضوعات محددة تتفاوت وتتنوع بتعدد وتنوع تلك المجموعات‪ ،‬أو الخاصة بالطوائف الدينية‬
‫أو الجمعيات الخير ية ومنظمات المجت مع المد نى المتعددة‪ .‬إن تلك النظرة تو ضح انقلب “ القوى‬
‫التى صنعت المجتمع الجماهيرى فجأة إلى قوى معاكسة‪ .‬حيث القومية أصبحت إقليمية فى التيار‬
‫التكنولو جى المتقدم‪ .‬وح يث تم ا ستبدال بوت قة الن صهار وضغوطات ها بإثن ية جديدة‪ .‬أ ما و سائل‬
‫العلم فأصبحت تنشر الثقافة اللجماهيرية بدل الثقافة الجماهيرية ”(‪.)286‬‬

‫إن كل ذلك يوضح أن حركة الندماج والتوحد لتكوين مؤسسات إعلمية عملقة وكبيرة‬
‫تتواكهب فهى ذات الوقهت مهع حركهة تشظهى وتفتهت واسهعة تنتهج عنهها آلف مهن المؤسهسات‬
‫العلم ية الصهغيرة التهى تخرج عن مجال نشاط واهتمام المؤسهسات العمل قة‪ .‬بح يث يترافهق‬

‫ميتشيو كاكو‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.78 - 77‬‬ ‫()‬ ‫‪283‬‬

‫عواطف عبد الرحمن‪ ،‬العلم العربى وقضايا العولمة‪ .‬ص ‪.29‬‬ ‫()‬ ‫‪284‬‬

‫‪)(.Mcquail, Denis, Mass Communication Theory )An Introduction(. P. 134285‬‬


‫آلفين توفلر‪ ،‬حضارة الموجة الثالثة‪ .‬ترجمة عصام الشيخ قاسم‪ ،‬ص ‪.252‬‬ ‫()‬ ‫‪286‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪119‬‬ ‫‪-‬‬

‫الندماج مهع التجزؤ والتوحهد مهع النقسهام‪ .‬ذلك “ أن العولمهة تشجهع التشظهى إلى عدد مهن‬
‫الجماعات مواز لعدد الهويات المرجعية ”(‪ ...)287‬كما أنها ‪ -‬بذات الوقت ‪ -‬تشجع الندماج‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬العولمة و الرسائل العلمية ‪:‬‬
‫تم ثل و سائل العلم القناة التكنولوج ية ال تى تقوم المؤ سسات العلم ية بن قل الر سائل‬
‫العلمية من خللها إلى جماهير المتلقين‪.‬‬
‫وتعمهل إسهتراتيجية العولمهة للتوحهد والتكتهل والندماج على الدمهج التدريجهى لكافهة‬
‫الوسهائل العلميهة فهى بنيهة هيكليهة إلكترونيهة واحدة‪ .‬بينمها تؤدى تكتيكات التشظهى والتجزؤ‬
‫والنقسام إلى إنتاج هذه البنية الهيكلية المدمجة وفقا لمدى واسع من التنوع فيما يتعلق بأساليب‬
‫الستخدام أو بنوعية التكنولوجيا المستخدمة‪.‬‬

‫ح يث تؤدى إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج إلى الد مج التدري جى لكا فة‬
‫وسائل العلم اللكترونية والورقية فى بنية هيكلية إلكترونية واحدة يمثلها الكومبيوتر المتعدد‬
‫الغراض‪ .‬حيث يتحول الكومبيوتر تدريجيا فى السنوات الخيرة إلى وسيلة إعلمية معلوماتية‬
‫اتصهالية مهن خلل اسهتقباله للبهث التليفزيونهى والذاعهى‪ ،‬وعرضهه للفلم والمسهرحيات‬
‫المصورة والتسجيلت المسموعة‪ ،‬وعرضه للمواقع اللكترونية للصحف والدوريات والكتب‪.‬‬
‫مما سيؤدى إلى إمكانية مطالعة كافة وسائل العلم فى وسيلة واحدة هى الكومبيوتر المتعدد‬
‫الغراض الذى يمكهن اسهتخدامه أيضا كوسهيلة « معلوماتيهه » للدخول إلى قواعهد البيانات‬
‫الرقميهة‪ ،‬واسهتخدامه كوسهيلة « اتصهالية » لجراء المكالمات التليفونيهة والمحادثات النصهية‬
‫( الدردشة ‪.)Chating‬‬
‫وبالتالى‪ ،‬فإن وسهائل العلم المتعددة‪ ،‬تتحول تدريجيا نحهو الندماج فهى بنيهة هيكليهة‬
‫واحدة يمثلها الكومبيوتر المتعدد الغراض‪.‬‬

‫وفى المقابل‪ ..‬تؤدى تكتيكات العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام إلى إنتاج هذه البنية‬
‫الهيكليهة اللكترونيهة المدمجهة‪ ،‬وفقا لمدى واسهع مهن التنوع فيمها يتعلق بأسهاليب السهتخدام‬
‫أو فيما يتعلق بنوعية التكنولوجيا المستخدمة‪ .‬فعلى مستوى « أساليب الستخدام » سيتم انتاج‬
‫هذه البنية الهيكلية اللكترونية المدمجة فى أشكال متعددة‪ :‬ثابتة ومحمولة‪ .‬حيث توضع الثابتة‬
‫فى المنازل ووسائل المواصلت ( السيارات ‪ -‬الطائرات ‪ -‬السفن )‪ ،‬بينما تُستخدم المحمولة‬
‫فى كافة الماكن المحتمل الوجود فيها‪.‬‬

‫دومينيهك فولتون‪ " ،‬مجتمهع النترنهت والوعود الزائفهة "‪ ،‬مجلة الدراسهات العلميهة‪ ( .‬عدد ‪ ،96‬يوليهو ‪-‬‬ ‫()‬ ‫‪287‬‬

‫سبتمبر ‪ ،) 1999‬ص ‪.57‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪120‬‬ ‫‪-‬‬

‫وعلى م ستوى « نوع ية التكنولوج يا » الم ستخدمة‪ ،‬فإن الفيزيائي ين يتوقعون أ نه بحلول‬
‫عام ‪ 2005‬لن يمكهن تصهغير شريحهة السهليكون المسهتخدمة فهى الكومهبيوتر إلى أقهل مهن‬
‫( ‪ 0.1‬ميكرون ) فهى الحجهم‪ .‬المهر الذى سهيؤدى إلى ظهور تكنولوجيات جديدة كبديهل عهن‬
‫شريحهة السهليكون∗ تتمثهل فهى اسهتخدام « الجزيئات » ذاتهها للحلول محهل شريحهة السهليكون‪،‬‬
‫أو اسهتخدام جزيئات الهه «د‪ .‬ن‪ .‬أ» ‪ D.N.A‬التهى ترمهز إلى الحماض النوويهة الربعهة بنواة‬
‫الخليهة الحيهة‪ .‬بحيهث يؤدى هذا إلى ظهور الكومهبيوتر الجزيئى أو كومهبيوتر الهه ‪.D.N.A‬‬
‫وبالتالى فإن تنوع التكنولوجيات الم ستحدثة سيؤدى إلى تنوع المكانات التكنولوج ية في ما يتعلق‬
‫بسهرعة معالجهة البيانات والقدرة الفائقهة على تخزينهها وعرض الصهور المجسهمة والصهوات‬
‫المتعددة البعاد‪ .‬بحيث تتنوع تلك البنية الهيكلية اللكترونية المدمجة ‪ -‬التى سيمثلها الكومبيوتر‬
‫المتعدد الغراض ‪ -‬فى إمكاناتها التكنولوجية بناءا على نوعية التكنولوجيا المستخدمة فيها‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬العولمة و جماهير المتلقين ‪:‬‬
‫تو ضح البعاد العلم ية للعول مة أن إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج تؤدى‬
‫إلى دمج قطاعات كبيرة من جماهير المتلقين على مستوى العالم تحت لواء رسائل اتصالية ذات‬
‫موا صفات عالم ية وإنسانية تبث ها ن ظم إعلم ية عملقة ذات توجهات عالم ية إن سانية أيضا‪ ،‬المر‬
‫الذى ي ساهم فى تكو ين رأى عام عال مى فى القضا يا العالم ية الطا بع‪ .‬بين ما تد فع تكتيات العول مة‬
‫للتشظى والتجزؤ والنقسام نحو تفكيك قطاعات جماهير المتلقين وفقا لمجالت اهتماماتهم الخاصة‬
‫أو انتماءاتهم المتنوعة‪ ،‬فى القضايا الشخصية الطابع‪.‬‬

‫ولعل بطولة كأس العالم لكرة القدم‪ ،‬والتغطية العلمية لحرب تحرير الكويت وحرب‬
‫كوسهوفو والحرب على العراق‪ ،‬ومراسهم تشييهع جنازة الميرة ديانها‪ ،‬ومراسهم افتتاح وختام‬
‫الدورات الوليمب ية‪ ،‬وأحداث تفج ير كل من مبن يى التجارة العال مى ووزارة الدفاع المريك ية‬
‫‪ ،11/9/2001‬والحرب ضهد تنظيهم القاعدة وجماعهة طالبان فهى‬ ‫( البنتاجون ) فهى‬
‫أفغان ستان‪ ....‬إن كل تلك الحداث الدور ية أو العار ضة تج مع مليارات من سكان العالم حول‬
‫شاشات التليفزيون أو الملي ين من هم حول شاشات الكو مبيوتر‪ ،‬بح يث تؤدى إلى د مج قطاعات‬
‫كبيرة من المتلقين داخل دائرة اهتمام واحدة‪ ،‬على الرغم من تعدد الحضارات والثقافات‪.‬‬

‫فلقد أدى “ الترابط العلمى بين مختلف أنحاء العالم بصورة لم تشهدها البشرية من‬
‫ق بل‪ ...‬إلى دخول قطاعات وشرائح جديدة من الب شر فى دائرة المشار كة المعرف ية‪ ،‬من خلل‬
‫المتابعة العلمية لمختلف الحداث العالمية والقرارات المصيرية(‪.)288‬‬

‫انظر‪ :‬ميتشيو كاكو‪ ،‬رؤى مستقبلية ( كيف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين )‪ .‬ترجمة سعد الدين خرفان‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫ص ‪ 133‬وما بعدها‪.‬‬
‫عواطف عبد الرحمن‪ ،‬العلم العربى وقضايا العولمة‪ .‬ص ‪.35‬‬ ‫()‬ ‫‪288‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪-‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬ف فى إطار إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج‪ ،‬لم ت صبح‬
‫القطاعات الكهبيرة لجماهيهر وسهائل العلم بمثابهة ذرات معزولة ومتفرقهة‪ ،‬بهل أصهبح لديهها‬
‫القدرة ‪ -‬مهن خلل القدرات التفاعليهة الجديدة التهى توفرهها شبكات المعلومات ‪ -‬على تحقيهق‬
‫الترابط مع وسائل العلم‪ ،‬أو تحقيق الترابط بين أفراد الجماهير وبعضهم البعض‪ .‬ذلك أن‬
‫الميزة الجوهر ية لللكترونيات الرقم ية هى سهولة الترا بط‪ .‬هذه ميزة لم تعرف ها الت صالت‬ ‫“‬

‫‪ .‬وذلك قبهل أن تتشابهك أجهزة‬ ‫(‪)289‬‬


‫”‬ ‫التقليديهة ول حتهى الجيهل الول مهن التقنيات الرقميهة‬
‫الكومبيوتر لكى تشكل شبكة مترابطة باتساع العالم ككل‪.‬‬
‫وإذا كانت الجماهير التى تتفاعل من خلل شبكات المعلومات ( النترنت حاليا والطريق‬
‫ال سريع للمعلومات فى الم ستقبل القر يب ) تم ثل ن سبة محدودة من إجمالى عدد سكان العالم‪ .‬إل‬
‫أن المنطهق القت صادى لشبكات المعلومات يفرض ضرورة د مج قطاعات واسهعة من جماهيهر‬
‫المتلقين المتجولين بتلك الشبكات‪ .‬وذلك لن “ هناك تكاليف ثابتة لتأليف المواد المعلوماتية‪ .‬لذلك‬
‫يتطلب ال مر من أ جل جعل ها منخف ضة التكل فة وجود جمهور وا سع‪ ...‬كذلك لن تد عم إيرادات‬
‫العلنات الطريهق السهريع للمعلومات لو لم تتقبله أغلبيهة مناسهبة مهن جمهور الناس‪ .‬ولكهى‬
‫يكون ذلك ههو واقهع الحال‪ ،‬فإن السهعر المحدد كمقابهل للتوصهيل سهيتعين تحقيقهه ”(‪ .)290‬ولعهل‬
‫الر جح أن كا فة التطورات الندماج ية والتفاعل ية فى ح قل قطاعات جماه ير المتلق ين ستساهم‬
‫فى نشأة رأى عام عالمى فى القضايا ذات الهتمام العالمى‪.‬‬

‫وعلى الجانهب الخهر‪ ..‬فإن تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام تؤدى إلى‬
‫تفكيهك وتشظهى قطاعات جماهيهر المتلقيهن‪ ،‬وفقا لمجالت اهتماماتههم الخاصهة أو انتماءاتههم‬
‫الثقاف ية أو الطائف ية أو العرق ية ‪ -‬فى القضا يا الشخ صية الطا بع ‪ -‬وذلك اعتمادا على تزاوج‬
‫التكنولوجيا الرقمية مع تكنولوجيا وسائل العلم التقليدية‪ ،‬والتى أصبحت تتيح خدمات الفيديو‬
‫عند الطلب ‪ vedio in demand‬أو خدمات التليفزيون المدفوع الجر ‪ ،pay T.V‬هذا بالضافة‬
‫إلى القدرات الفائقة التى توفرها شبكات المعلومات‪ ،‬والتى تتيح إمكانية تفاعلية واسعة تساعد‬
‫على توفير تنويعة مهولة من الختيارات التى تتلءم مع عدد أفراد قطاعات جماهير المتلقين‪.‬‬
‫وبالتالى سهيؤدى هذا إلى أن “ تتحول النشطهة التصهالية مهن توحيهد الجماهيهر‬
‫‪ Massification‬إلى تفتيهت الجماهيهر ‪ Demassification‬ومهن مركزيهة التصهال إلى ل‬
‫مركزية التصال ”(‪.)291‬‬
‫‪‬‬

‫و‪ .‬رسل نيومان‪ ،‬مستقبل الجمهور المتلقى‪ .‬ترجمة محمد جمول‪ ،‬ص ‪.120‬‬ ‫()‬ ‫‪289‬‬

‫بيل جيتس‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.406‬‬ ‫()‬ ‫‪290‬‬

‫حسن عماد مكاوى‪ ،‬تكنولوجيا التصال الحديثة فى عصر المعلومات‪ .‬ص ‪ 252‬بتصرف‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪291‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪122‬‬ ‫‪-‬‬

‫القسـم الثانى‬

‫البعاد النسانية لظاهرة العولمة‬


‫المبحث الخامس‬

‫ظاهرة العولمة والمشتركات النسانية‬


‫(قراءة أخرى)‬

‫توضهح المداخهل السهابقة‪ ..‬الفكريهة‪ ،‬والماديهة‪ ،‬والمجتمعيهة ( السهياسية والقتصهادية‬


‫والثقاف ية والت صالية ) ال تى تناول نا في ها ظاهرة العول مة بالف حص والتحل يل أن العول مة تم ثل‬
‫عمل ية مزدو جة يتلزم في ها الترك يب مع التفك يك‪ .‬ف هى عمل ية م ستمرة‪ ..‬تؤدى إلى ترك يب‬
‫الجزاء المتعددة فى كل واحد من خلل إستراتيجيتها للتوحد والتكتل والندماج‪ ..‬وتفكيك الكل‬
‫إلى أجزائه المتعددة من خلل تكتيكاتها للتشظى والتجزؤ والنقسام‪.‬‬

‫والعولمة بهذا التوصيف وذلك المعنى ما هى إل مرحلة متقدمة لوعى النسان بالعالم‬
‫الذى يعيهش فيهه‪ ،‬وإدراكهه للمشتركات النسهانية ( الماديهة والمعنويهة ) فهى هذا العالم‪ .‬وتلك‬
‫المرحلة المتقدمة سبقتها مراحل متعددة‪ ،‬مارست فيها الجيال البشرية المتتابعة عملية تركيب‬
‫وتفكيهك للطبيعهة مهن حولهها‪ ،‬وللوعهى داخلهها‪ ،‬فهى محاولة لبناء الدراك والتبصهر والفههم‬
‫والمعرفة على المستويين المادى والمعنوى‪.‬‬
‫أولً‪ :‬المشترك النسانى المادى‬
‫(‪ )1‬التفكيهك‪:‬‬
‫ل قد تطور الو عى الن سانى خلل الح قب المتتال ية ال تى مرت ب ها البشر ية‪ ،‬من الو عى‬
‫ل إلى الو عى الفائق∗‪ .‬وتراف قت تلك‬
‫الفطرى‪ ،‬إلى الو عى الب سيط‪ ،‬ثم الو عى المر كب‪ ،‬و صو ً‬
‫المرا حل المتتاب عة لتطور الو عى مع الع صور البشر ية المتتال ية المعبّرة عن النشاط الن سانى‪.‬‬

‫∗ انظر‪ :‬إسماعيل على سعد‪ ،‬التصال والرأى العام ( مبحث فى القوة واليدلوجية )‪ .‬ص ‪ .26‬حيث يقرر ما نصه‪ " :‬إن فكر‬ ‫‪‬‬

‫النسان‪ ،‬وهو الفارق الساسى بينه وبين مختلف الكائنات‪ ،‬بدأ بالملحظة المباشرة لما يدور حوله‪ ..‬وانتهى عبر حلقات متصلة‬
‫من التطور والتعقيد إلى أنساق أفكار بالغة التركيب "‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪-‬‬

‫بدءا من عصور الصيد‪ ،‬فعصور الزارعة‪ ،‬ثم عصور الصناعة‪ ،‬وصولً إلى عصرنا الحالى‬
‫( عصر ما بعد الصناعة ) أو عصر المعلومات‪.‬‬

‫ول قد كان الو عى الفطرى الذى ن شأ عن الملح ظة هو الو عى الذى قاد الن سان إلى‬
‫ملح ظة البيئة الطبيع ية من حوله‪ .‬وكان تحر كه خلل ها بمثا بة رد ف عل لحركت ها هى‪ .‬بح يث‬
‫كا نت انتقال ته ‪ -‬خلف قطعان ال صيد ون حو المنا طق النبات ية وم سارات النهار ‪ -‬من أ جل‬
‫توفير حاجته الغذائية من اللحوم والثمار والمياه‪ .‬وبالتالى قاد هذا الوعى الفطرى النسان نحو‬
‫النفعال الفطرى ب كل ما هو متحرك ونا مٍ‪ ،‬فكا نت حرك ته فى البيئة الطبيع ية بمثا بة رد ف عل‬
‫فطرى من جراء ملح ظة الحر كة والن مو‪ ،‬ال مر الذى أدى إلى أن ت صبح تلك الع صور هى‬
‫عصور الصيد والتقاط والثمار والترحال‪.‬‬

‫ثم كا نت المرحلة التال ية ال تى ارت قى في ها الو عى الن سانى من الو عى الفطرى إلى‬
‫الوعى البسيط‪ .‬وقادته الملحظة إلى التحكم فى البيئة من حوله‪ ،‬بحيث تنفعل هى من جراء‬
‫تدخلتهه فيهها‪ .‬حيهث سهيطر النسهان على البيئة النباتيهة مهن خلل اكتشاف الزراعهة‪ ،‬ومهن‬
‫خلل التح كم فى م صادر المياه ب شق الترع و القنوات للرا ضى الزراع ية‪ .‬ك ما تم كن من‬
‫التحكم فى البيئة الحيوانية من خلل استئناس الحيوانات الليفة والداجنة وحيوانات المراعى‪،‬‬
‫وال ستقرار حول م صبات وفروع النهار‪ .‬بح يث قادت مرحلة الو عى الب سيط الن سان ن حو‬
‫التحكم فى حركة ونمو البيئة الطبيعية المتحركة والنامية من حوله‪ .‬أى التحكم فى كل ما هو‬
‫ه ومتحرك‪ .‬وبالتالى كانهت تلك العصهور ههى عصهور الزراعهة وتربيهة الحيوانات‬
‫نام ٍ‬
‫والستقرار‪.‬‬

‫ولقهد كانهت مرحلة النتقال مهن الوعهى البسهيط إلى الوعهى المركهب بمثابهة تحول فهى‬
‫الوعى النسانى الذى ازداد تعقيدا‪ .‬حيث تطورت ملحظة النسان للبيئة الطبيعية‪ ،‬وامتدت إلى‬
‫ما هو ثا بت وغ ير نا مٍ من عنا صر الطبي عة ال صلبة وال سائلة والغاز ية‪ ،‬ومحاولة التعا مل مع ها‬
‫بالسهتخراج والصههر والتشكيهل والتركيهب‪ .‬بحيهث أكسهب النسهان ‪ -‬بوعيهه المركهب ‪ -‬تلك‬
‫العنا صر الجامدة الثاب تة غ ير النام ية‪ ،‬القدرة على الحر كة الميكانيك ية‪ .‬ل قد كان الو عى المر كب‬
‫الذى قاد النسان إلى التصنيع بمثابة نقلة نوعية هامة مكنت النسان من التحكم فى كل ما هو‬
‫جامد وثابت وغير نا مٍ‪ ،‬مثلما سبق له السيطرة على كل ما هو متحرك ونا مٍ‪ .‬وبالتالى كانت تلك‬
‫العصور هى عصور الصناعة وابتكار الجهزة والماكينات ووسائل النتقال‪.‬‬

‫ول كن عند ما تطور و عى الن سان من الو عى المر كب إلى الو عى الفائق‪ ،‬كا نت تلك‬
‫مرحلة جديدة تم ثل تعاظما كبيرا فى تعقّ د ذلك الو عى‪ .‬ح يث تطورت ملح ظة الن سان للبيئة‬
‫‪-‬‬ ‫‪124‬‬ ‫‪-‬‬

‫الطبيعية‪ ،‬وامتدت إلى ما هو مخفى فيها وغير ظاهر وغير ُم ْدرَك بالحواس الطبيعية‪ .‬وأسفر‬
‫هذا عهن اكتشاف التركيهب الخلوى للكائنات الحيهة النباتيهة والحيوانيهة والنسهانية‪ ،‬والتركيهب‬
‫الذرى للعنا صر ( ال صلبة وال سائلة والغاز ية )‪ .‬واكتشاف الكائنات الميكروب ية ( الفطريات ‪-‬‬
‫البكتيريا ‪ -‬الفيروسات )‪ ...‬لقد كان الوعى الفائق للنسان سبيلً إلى رفع الحجاب عن إدراك‬
‫الن سان من خلل ابتكاره لو سائل م ساعدة شكلت امتدادا فائقا لدرا كه وحوا سه‪ ،‬بل وتطور‬
‫ال مر إلى إضا فة امتدادات عظي مة لقدرا ته العقل ية أيضا من خلل ا ستغلل الخواص الخف ية‬
‫للظواههر الطبيعيهة كاللكترونات والكهرومغناطيسهية لنقهل التصهالت والمعلومات وتخزينهها‬
‫وتحليل ها من خلل ابتكار الحا سبات الل ية‪ .‬وبالتالى أ صبح الع صر الحالى هو ع صر ما ب عد‬
‫الصناعة أو عصر المعلومات أو العصر التكنوترونى أو اللكترونى‪.‬‬

‫(‪ )2‬التركيب∗‪:‬‬
‫ولكن هذا الوعى النسانى بمكونات وخصائص البيئة الطبيعية المحيطة‪ ،‬والذى ارتقى‬
‫من الوعى الفطرى إلى البسيط إلى المركب إلى الفائق‪ ،‬وبالتالى انتقل من ملحظة الظاهر إلى‬
‫معاينهة المخفهى‪ ،‬ومهن إدراك البنيهة الكليهة للمخلوقات والعناصهر إلى إدراك البنيهة الخلويهة‬
‫الجزيئ ية والذر ية والنووية لها‪ .‬هذا الو عى ‪ -‬الذى كان ذا طابع تفكيكى فى مجمله فى مجال‬
‫اهتما مه بالبيئة الطبيع ية المل صقة للن سان ‪ -‬كان على الجا نب ال خر وعيا ذا طا بع ترك يبى‬
‫فى مجال اهتمامه بالبيئة الفضائية المحيطة بالنسان والبعيدة عنه‪.‬‬

‫فلقهد كان الوعهى الفطرى يدرك الرض المحيطهة بوصهفها الكون بأكمله‪ .‬ويدرك أن‬
‫الجرام الخرى كالنجوم والشمس والقمر ما هى إل مصابيح يمكن من خلل متابعة تحركاتها‬
‫وغيابهها وظهورهها ضبهط مواق يت الف صول والزرا عة والتنبهؤ بمصهير الن سان‪ .‬فالكون هو‬
‫الرض المحيطة التى تحدها البحار السحيقة وغللة رقيقة هى السماء بمصابيحها المتحركة‪.‬‬

‫ثم ارتقى الوعى النسانى إلى مرحلة الوعى البسيط‪ ،‬من خلل تراكم عمليات الرصد‬
‫لتحركات الجرام السهماوية‪ .‬واسهتطاع « كلوديوس بطليموس » عام ‪140‬م أن يصهمم نظاما‬
‫مركزيا للكون قائما على التحركات المشاهدة لتلك الجرام‪ ،‬ام تد بموج به الكون وات سع‪ ،‬ح يث‬
‫أ صبحت الرض هى المر كز وحول ها الش مس والكوا كب فى مدارات دائر ية متتاب عة تف صل‬
‫بينها مسافات‪ ،‬ثم تأتى أخيرا السماء بنجومها الثابتة المضيئة كحد نهائى للكون‪ .‬وبذلك اتسعت‬

‫انظر كل من‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ج‪.‬ج‪ .‬كراوثههر‪ ،‬قصههة العلم‪ .‬ترجمههة يمنههى طريههف الخولى وبدوى عبههد الفتاح‪ ،‬سههلسلة العمال العلميههة‬ ‫أ‪-‬‬
‫( مهرجان القراءة للجميع ‪ -‬مكتبة السرة ‪ ،) 1999‬القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.1999 ،‬‬
‫ب ‪ -‬صلح محمود عثمان محمد‪ ،‬التصال واللتناهى بين العلم والفلسفة‪ .‬السكندرية‪ :‬منشأة المعارف‪.1998 .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪125‬‬ ‫‪-‬‬

‫حدود الكون الذى تحتههل الرض مركزه بفضههل النظام المركزى الذى صههممه بطليموس‪،‬‬
‫واستمر هذا الوعى بحدود الكون قائما لمدة تصل تقريبا إلى اللف عام‪.‬‬

‫ولكن مع مرحلة الوعى المركب‪ ،‬لم يتقبل النسان تلك المركزية للرض ول تلك الحدود‬
‫المزعو مة للكون‪ .‬وأ سهمت الجهود العلم ية ل كل من « نيقول كوبرنيكوس » ( ‪)1543 - 1473‬‬
‫و«جوهان كبلر» (‪ )1630 - 1571‬و«جاليليو جاليلى» (‪ )1642 - 1564‬فى وضع السس‬
‫اللز مة لظهور و عى مر كب جد يد بالكون ين فى فكرة مركز ية الرض‪ ،‬ويضع ها فى موقع ها‬
‫الحقيقى‪ ،‬باعتبارها كوكبا مثل باقى الكواكب التى تدور حول الشمس‪ ،‬تلك الشمس التى اتضح‬
‫‪ -‬مع تطور التل سكوب فى ز من « جاليل يو » ‪ -‬أن ها مجرد ن جم م ثل با قى النجوم ال تى تمل‬
‫السماء‪ .‬وعلى يد « إسحق نيوتن » (‪ )1727 - 1642‬تم اكتشاف قوانين الجاذبية التى تمسك‬
‫هذا الكون فهى ظهل نظام ميكانيكهى متكامهل ومنضبهط‪ .‬وبذلك أصهبح الكون بنا ًء ماديا شاسهع‬
‫التسههاع تتجاذب كههل أجرامههه بقوة الجاذبيههة وقوانينههها‪ ،‬ويغوص وسههط فضاء‬
‫ل نهائى‪ ،‬وبذلك اتسعت حدود الكون إلى ما ل نهاية‪.‬‬

‫ول قد كا نت مرحلة الو عى الفائق بمثا بة نقلة جبارة فى و عى الن سان بالكون المح يط‬
‫وظواهره‪ .‬وأسهمت الجهود العلمية له « ألبرت أينشتاين » (‪ )1955 - 1879‬فى صياغة‬
‫« نظرية النسبية »‪ ،‬والتى حطمت الكون الثابت الشاسع اللمتناهى لنيوتن‪ ،‬وأثبتت أن الكون‬
‫ما هو إل « متصل زمكانى » يحتل الزمن فيه البعد الرابع‪ ،‬وأنه كيان شاسع متناه ولكن غير‬
‫محدود؛ لنه دائم التمدد والتساع وقابل للنكماش بعد فترة غير معلومة من التمدد‪.‬‬
‫علوة على ذلك‪ ،‬فقهد أدى اكتشاف أن الوحدة فهى البناء السهماوى ههى المجرة ‪ -‬وأن‬
‫الكون يتكون من مجرات تنتظم فى داخلها مليارات النجوم ‪ -‬إلى نشوء فهم تركيبى جديد حول‬
‫الكون الذى يتكون مهن مجرات تتباعهد عن بعضهها نتيجهة تمدد هذا الكون‪ .‬وأن نجمنها الشمهس‬
‫الذى تدور حوله أرض نا ( كو كب الرض ) ما هو إل ن جم ضئ يل دا خل إحدى المجرات ال تى‬
‫تدور حول مركز الكون الذى يتمدد ويتسع وقد ينطوى وينكمش فى أجل آخر غير معلوم‪ ،‬وفقا‬
‫لطروحات نظرية « النفجار العظيم » ‪Big Bang‬التى تفسر نشأة هذا الكون‪.‬‬

‫لقهد اتضهح أن الكون ههو المشترك المادى الكهبر الذى يضهم كهل شهئ‪ ،‬والجسهيمات‬
‫الذرية هى المشترك الصغر التى نشأ عنها كل شئ‪ ،‬والعالم ( كوكب الرض ) هو المشترك‬
‫المادى النسانى الذى يضم الجنس البشرى ( النسان )‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )3‬المشتركات المادية‪:‬‬


‫إن ترافهق أو تزواج التركيهب مهع التفكيهك فهى الوعهى النسهانى‪ ،‬قاد ذلك الوعهى إلى‬
‫إدراك جو هر هذا الكون وماهي ته‪ .‬فالو عى التفكي كى أدى إلى إدراك وحدة البن ية الذر ية للكون‬
‫والعالم والنسهان‪ .‬والوعهى التركيهبى أدى إلى إدراك وحدة الكون المنظور على الرغهم مهن‬
‫ات ساعه‪ .‬وبالتالى فإذا كان المشترك المادى الجزئى النا تج عن التفك يك هو الذرة وج سيماتها‪،‬‬
‫والمشترك المادى الكلى النا تج عن الترك يب هو الكون‪ ،‬فإن المشترك الن سانى المادى بينه ما ‪-‬‬
‫الذى يمارس الن سان حيا ته عل يه أو فى مجاله أو فى نطا قه ‪ -‬يتم ثل فى‪ :‬كو كب الرض‬
‫أو المجموعة الشمسية أو المجرة‪ .‬أى أن ذلك التسلسل من جسيمات الذرة إلى كوكب الرض‬
‫إلى المجمو عة الشم سية إلى المجرة إلى الكون يُشكل ثمار الو عى الن سانى بالكون فى م ساره‬
‫من الكل إلى الجزء أو من الجزء إلى الكل‪.‬‬

‫وهكذا يبدو كوكهب الرض فهى المسهافة الرمزيهة مهن الذرة إلى الكون بمثابهة‬
‫« المشترك النسانى المادى » للجنس البشرى‪ .‬والمجموعة الشمسية هى « المجال » المادى‪.‬‬
‫والمجرة هى «المستقر» المادى‪ .‬والكون هو « المستودع » المادى الكلى‪.‬‬

‫و من ه نا‪ ..‬فإن الو عى بأن العالم ( الرض ) يم ثل المشترك المادى للج نس الن سانى‬
‫هو بمثابة وعى عولمى ( العولمة )‪.‬‬
‫والوعهى بأن المجموعهة الشمسهية تمثهل المجال المادى ههو بمثابهة وعهى كوكهبى‬
‫( الكوكبة )‪.‬‬
‫والوعى بأن المجرة تمثل المستقر المادى هو بمثابة وعى مجرى ( المجرية )‪.‬‬
‫والوعى بأن الكون يمثل المستودع المادى الكلى هو بمثابة وعى كونى ( الكونية )‪.‬‬

‫إن هذه الرؤيهة توضهح أن محاولت النسهان للتركيهب والتفكيهك قادتهه إلى إدراك‬
‫المشتركات الن سانية الماد ية‪ .‬وكان أول ها إدراك أن العالم هو المشترك الن سانى المادى‪ .‬وأن‬
‫البشر جميعهم فى سفينة واحدة هى كوكب الرض‪ .‬وبالتالى فالعولمة ‪ -‬تعنى بكل بساطة ‪-‬‬
‫أن نا فى عالم وا حد ول يس فى عوالم متعددة‪ ،‬وأن العول مة ما هى إل مرحلة متقد مة فى و عى‬
‫الن سان بأ صل الكون والعالم من خلل الترك يب والتفك يك‪ .‬وبذلك ت صبح العول مة ‪ -‬من هذا‬
‫المنظور ‪ -‬خروجا على المألوف المكانهى والمألوف الزمانهى وإنشاء أو تقديهم رؤيهة مشتركهة‬
‫لمألوف « زمكانهى » يضهم كهل سهكان هذا العالم‪ ،‬ذلك العالم الذى لن يمكهن مواجههة قضاياه‬
‫العالمية إل من خلل تنمية المشتركات النسانية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪127‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثانياً‪ :‬المشترك النسانى المعنوى‬


‫إن عملية التزواج بين التركيب والتفكيك فى الوعى البشرى ‪ -‬والتى قادت إلى إدراك‬
‫المشترك الن سانى المادى ‪ -‬هى ال تى أ سفرت أيضا عن إدراك المشترك الن سانى المعنوى‪.‬‬
‫وذلك انطلقا من أ نه إذا كان الو عى الن سانى بعنا صر البيئة الطبيع ية هو الذى صاغ وشكّ ل‬
‫التطورات الحضار ية ال كبرى فى تار يخ البشر ية‪ ،‬وذلك وفقا لم ستوى تطور هذا الو عى‪ .‬فإن‬
‫البحث عن منشأ هذا الوعى وموجهه‪ ،‬هو الذى سيقود إلى إدراك المشترك النسانى المعنوى‪.‬‬

‫ولقد قادت عملية التركيب فى الوعى النسانى إلى إدراك أن كل هذا الكون ما هو إل‬
‫نتاج لعقل مطلق يمثله ال سبحانه وتعالى‪ ،‬فهو عقل شامل محيط غير محدود‪.‬‬

‫كما قادت عملية التفكيك فى الوعى النسانى إلى إدراك أن التطور النسانى ما هو إل‬
‫نتاج لعقهل محدود يمثله النسهان‪ ،‬وذلك العقهل المحدود يكتسهب معارفهه بالتراكهم والتوارث‬
‫والخبرة والصواب والخطأ‪ ،‬فهو عقل جزئى محدود غير شامل وغير محيط‪.‬‬

‫ول قد كان المشترك الن سانى المنا سب للقيام بدور الو سيط ب ين الع قل المطلق الذى يمثله‬
‫ال سبحانه وتعالى‪ ،‬والعقل المحدود الذى يمثله النسان‪ ،‬يتمثل فى « قيمة الحرية »‪ .‬حيث تمثل‬
‫قي مة الحر ية المشترك الن سانى المعنوى القا بل لتو صيف العل قة ب ين ال والن سان‪ ،‬باعتبار أن‬
‫الحرية هى الشرط اللزم لصحة إيمان العقل النسانى المحدود بالعقل اللهى المطلق‪ ،‬والشرط‬
‫اللزم لشرعيهة مبدأى الثواب والعقاب اللهييهن‪ .‬فل مجال لحسهاب النسهان إل لو امتلك حريهة‬
‫الختيار ب ين الخ ير وال شر وب ين الخ طأ وال صواب‪ .‬وبالتالى فالمشترك الن سانى المعنوى النا تج‬
‫عن عملية التركيب التى تقود إلى العقل المطلق‪ ،‬أو عملية التفكيك التى تقود إلى العقل المحدود‪،‬‬
‫هو ( الحر ية الن سانية )‪ ،‬تلك القي مة ال تى لو تم كبت ها ومحا صرتها وتقلي صها؛ لف قد الن سان‬
‫الجوهر والمعنى الذى يمنحه التفوق على كافة كائنات الرض‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمة الفصل الثالث ‪:‬‬


‫عرضت الدراسة بالفصل الراهن‪ ،‬للبعاد المجتمعية ( السياسية والقتصادية والثقافية‬
‫والعلمية ) والبعاد النسانية للعولمة‪.‬‬
‫حيث تبين من دراسة « البعاد السياسية للعولمة » ‪ -‬فى مجالت سيادة الدولة وتطور‬
‫الديمقراطيهة ودور المجتمهع المدنهى ‪ -‬أن إسهتراتيجية العولمهة للتوحهد والتكتهل والندماج فهى‬
‫مجال سيادة الدولة تقود ن حو الن مو التدري جى لقيام حكو مة عالم ية على م ستوى العالم ك كل‪ ،‬قد‬
‫تكون هيئة المم المتحدة أقرب نموذج لمعالمها‪ ،‬ولكن المستقبل سيسفر عن الملمح العامة لتلك‬
‫الحكومة العالمية التى فى الغالب ستختلف عن الحكومات القومية الحالية‪ ،‬سواء فى مجال البنية‬
‫الهيكلية أو السلطات الدستورية والقانونية‪.‬‬
‫ك ما تك شف البعاد ال سياسية للعول مة أن تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنق سام‪،‬‬
‫سهتقود نحهو التقلص التدريجهى لدور الدولة على المسهتوى القومهى‪ ،‬ونقهل هذا الدور إلى‬
‫المستويات المحلية وقطاعات المجتمع المدنى‪.‬‬
‫والنتيجهة العامهة‪ ..‬أن العولمهة سهتؤدى إلى تطور دور الدولة‪ ،‬بحيهث تنقهل جزءا مهن‬
‫سيادتها إلى المستوى فوق القومى ( الحكومة العالمية )‪ ،‬جزءا آخر من سيادتها إلى المستوى‬
‫المحلى ( المجتمع المدنى )‪.‬‬

‫وفى مجال تطور الديمقراطية تكشف البعاد السياسية للعولمة‪ ..‬أن إستراتيجية العولمة‬
‫للتو حد والتك تل والندماج تقود ن حو توح يد أ ساليب الح كم على الم ستوى العال مى‪ ،‬وذلك من‬
‫خلل تنامى التجاه نحو أسلوب الحكم الليبرالى الديمقراطى على مستوى دول العالم‪.‬‬
‫بينمها تقود تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام نحهو انحسهار نموذج الديمقراطيهة‬
‫هة‬
‫هة وأشكال مبتكرة أخرى للممارسه‬
‫هة الشعبيه‬
‫هو نموذج الديمقراطيه‬
‫هة‪ ،‬والتجاه نحه‬
‫التمثيليه‬
‫الديمقراطية‪.‬‬

‫وفهى مجال دور المجتمهع المدنهى تكشهف البعاد السهياسية للعولمهة‪ ..‬أن إسهتراتيجية‬
‫العول مة للتو حد والتك تل والندماج‪ ،‬تقود منظمات المجت مع المد نى على الم ستوى العال مى إلى‬
‫الندماج فهى تكتلت تعكهس إرادة جماعيهة فهى مواجههة إرادة الحكومات‪ .‬بينمها تقود تكتيات‬
‫التشظى والتجزؤ والنقسام على المستوى المحلى إلى تشظى المجتمعات المحلية إلى تجمعات‬
‫صغيرة تعكس إرادة القليات فى مقابل الرادة الجماعية للمجتمع المحلى‪.‬‬

‫كما تبين من دراسة « البعاد القتصادية للعولمة » فيما يتعلق بتطور السوق وآلياته‪،‬‬
‫ودور الشركات متعددة الجنسيات‪ ،‬ودور القوى الضابطة لليات السوق أو سياسات الشركات‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪129‬‬ ‫‪-‬‬

‫أن إستراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج فى مجال تطور السوق وآلياته تقود نحو دمج‬
‫السهواق المحليهة على مسهتوى العالم بمها يؤدى إلى تكويهن سهوق عالميهة واحدة‪ .‬بينمها تقود‬
‫تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنق سام إلى تجزؤ ال سواق وتعدد ها وتنوع ها فى مجال‬
‫نوعيات السلع والخدمات بما يتناسب مع رغبات كل عميل باتساع العالم‪.‬‬

‫هة أن‬
‫هادية للعولمه‬
‫هف البعاد القتصه‬
‫هياساتها‪ ..‬تكشه‬
‫هى مجال تطور الشركات وسه‬
‫وفه‬
‫إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج تت جه بالشركات على م ستوى العالم ن حو الندماج‬
‫من أجل تكوين كيانات عالمية عملقة‪ ،‬بينما تقود تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام الشركات‬
‫إلى التجاه بالنظم النتاجية نحو التخصص‪ ،‬والتجاه بالساليب الدارية نحو اللمركزية‪.‬‬

‫وفهى مجال دور القوى الضابطهة لليات السهوق وسهياسات الشركات‪ ..‬تكشهف البعاد‬
‫القتصادية للعولمة أن إستراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج تقود القوى الضابطة لممارسات‬
‫ال سوق وآليا ته ن حو التو حد والندماج على الم ستوى العال مى‪ ،‬وذلك لممار سة دور ها فى ض بط‬
‫آليات السوق‪ .‬وتقود القوى الضابطة لسياسات الشركات نحو التكتل على الم ستوى العالمى وذلك‬
‫لممارسة دورها فى الحفاظ على ضمانات وحقوق العاملين‪.‬‬
‫بينما تكشف تكتيكات العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام عن التجاه نحو تعزيز النقسام‬
‫وت صاعد ال صدام‪ ،‬ما ب ين توجهات القوى الضاب طة لممار سات ال سوق وآليا ته والقوى الضاب طة‬
‫لسياسات الشركات‪ ،‬وذلك لتنامى التعارض بين توجهاتهما على المستوى المحلى أو العالمى‪.‬‬

‫ك ما تبين من درا سة البعاد الثقاف ية للعول مة في ما يتعلق ب كل من‪ :‬الحضارة‪ ،‬والثقا فة‪،‬‬
‫والهو ية‪ ..‬أن إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج فى مجال الثقا فة‪ ..‬تقود ن حو ن مو‬
‫ثقا فة ذات مل مح عالم ية على الم ستوى العال مى‪ ،‬تتض من قيما وأخلقيات ومعاي ير و سلوكيات‬
‫ومنتجات فكر ية ذات طا بع عال مى‪ .‬بين ما تؤدى تكتيكات التش ظى والتجزؤ والنق سام إلى تأك يد‬
‫التنوع والتما يز ب ين الثقافات المحل ية على الم ستوى العال مى‪ ،‬من خلل التفاف كل ثقا فة حول‬
‫ذاتها ومحاولة تأكيد ذاتيتها‪.‬‬

‫و فى مجال الحضارة‪ ..‬تك شف البعاد الثقاف ية للعول مة أن إ ستراتيجية التو حد والتك تل‬
‫والندماج تقود نحهو بدايهة الظهور التدريجهى لملمهح حضارة عالميهة اسهتهلكية فهى صهلب‬
‫الحضارات المتمايزة الراه نة‪ ،‬بح يث تش كل شب كة النتر نت حاليا والطر يق ال سريع للمعلومات‬
‫مستقبلً المحور الذى تتراكم حوله منجزات تلك الحضارة الصاعدة‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪130‬‬ ‫‪-‬‬

‫هد الفروق‬
‫هو تأكيه‬
‫هام إلى التجاه نحه‬
‫هى والتجزؤ والنقسه‬
‫ها تقود تكتيكات التشظه‬
‫بينمه‬
‫والختلفات بيههن الحضارات المتمايزة الراهنههة‪ ،‬بمهها يؤدى إلى إمكانيات الصههدام‬
‫أو التنافر فى محاولة لتأكيد الذات الحضارية‪.‬‬

‫وفهى مجال الهويهة‪ ..‬تكشهف البعاد الثقافيهة للعولمهة‪ ،‬أن إسهتراتيجية التوحهد والتكتهل‬
‫والندماج تقود نحهو نمهو هويهة ناشئة ‪ -‬ذات ملمهح عالميهة ‪ -‬موضوعهها النسهانية ومداهها‬
‫العالم ككهل‪ ،‬وذلك انطلقا مهن التغيرات التهى أدى إليهها التقدم فهى مجال التصهال والنتقال‪،‬‬
‫والتهى أسهفرت عهن اضمحلل القيمهة الجغرافيهة للمكان‪ ،‬واضمحلل الفروق بيهن العراق‬
‫والجناس ومعتنقهى الديانات المختلفهة‪ ،‬نتيجهة سههولة التلقهى والتقارب المادى أو اللكترونهى‬
‫بين كافة الفراد على مستوى العالم‪.‬‬
‫بينما تقود تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام نحو تخلق هويات فئوية جديدة متشظية‬
‫فى تنوعها وتعددها‪ ،‬ينتمى من خللها الفراد لطوائف فرعية ذات اهتمامات مستحدثة تتجاوب‬
‫مع القضايا المحلية والمشكلت الجتماعية‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫كمها تهبين مهن دراسهة « البعاد العلميهة للعولمهة » فيمها يتعلق بالنظهم العلميهة‬
‫والمؤ سسات العلم ية وو سائل العلم وجماه ير المتلق ين ‪ ..‬أن إ ستراتيجية العول مة للتو حد‬
‫والتكتهل والندماج ‪ -‬فهى مجال النظهم العلميهة ‪ -‬تقود تلك النظهم على مسهتوى العالم نحهو‬
‫التداخهل والتشابهك والنفتاح على بعضهها البعهض‪ ،‬بمها يسهاعد على التخلق التدريجهى لنظام‬
‫إعل مى ذى طا بع عال مى‪ ،‬ورأى عام عال مى وإن سانى‪ ،‬منف صلين عن تلك الن ظم‪ .‬بين ما تؤدى‬
‫تكتيكات التشظهى والتجزؤ والنقسهام إلى تأكيهد النظمهة العلميهة المحليهة الراهنهة على‬
‫انتماءاتهها الحضاريهة والثقافيهة‪ ،‬المهر الذى يسهاهم فهى تنوع وتعدد النظمهة العلميهة‬
‫المعاصرة‪ ،‬نتيجة محاولة كل نظام التمترس حول ذاته لحماية الهوية الوطنية‪.‬‬

‫و فى مجال المؤ سسات العلم ية‪ ..‬تك شف البعاد العلم ية للعول مة أن إ ستراتيجية‬
‫العولمهة للتوحهد والتكتهل والندماج تقود المؤسهسات العلميهة العالميهة إلى الندماج ضمهن‬
‫مؤ سسات أ كبر‪ ،‬من خلل اتجاه المؤ سسات العلم ية العالم ية المتشاب هة وظيفيا إلى الندماج‬
‫الوظي فى‪ ،‬واتجاه المؤ سسات العلم ية العالم ية المتشاب هة نوعيا إلى الندماج النو عى‪ ،‬واتجاه‬
‫الندماجات العلميهة النوعيهة إلى التكتهل مهع الندماجات التصهالية النوعيهة والندماجات‬
‫المعلوماتيهة النوعيهة‪ ،‬بحيهث تكوّن تكتلت مؤسهسية اندماجيهة ضخمهة ( إعلميهة اتصهالية‬
‫معلوماتية )‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪131‬‬ ‫‪-‬‬

‫بين ما تقود تكتيكات التش ظى والتجزؤ والنق سام إلى د عم نشوء المؤ سسات العلم ية‬
‫الصهغيرة ‪ -‬المتعددة التوجهات والمتنوعهة الهداف ‪ -‬التهى تسهتهدف جماهيهر فئويهة متعددة‪.‬‬
‫ال مر الذى يؤدى إلى نشوء آلف المؤ سسات العلم ية ال صغيرة ال تى يخرج مجال نشاط ها‬
‫عن مجال نشاط المؤسسات العلمية العملقة‪.‬‬

‫و فى مجال و سائل العلم‪ ..‬تك شف البعاد العلم ية للعول مة أن إ ستراتيجية العول مة‬
‫للتوحد والتكتل والندماج تعمل على الدمج التدريجى لكافة الوسائل العلمية فى بنية هيكلية‬
‫إلكترونية واحدة‪ .‬بينما تؤدى تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام إلى إنتاج هذه البنية الهيكلية‬
‫المدمجهة وفقا لمدى واسهع مهن التنوع‪ ،‬فيمها يتعلق بأسهاليب السهتخدام أو نوعيهة التكنولوجيها‬
‫المستخدمة‪.‬‬

‫وفى مجال جماهير المتلقين‪ ..‬تكشف البعاد العلمية للعولمة أن إستراتيجية العولمة‬
‫للتوحهد والتكتهل والندماج تقود إلى دمهج قطاعات كهبيرة مهن جماهيهر المتلقيهن على مسهتوى‬
‫العالم تحت لواء رسائل اتصالية ذات مواصفات عالمية إنسانية تبثها مؤسسات إعلمية عملقة‬
‫ذات توجهات عالمية إنسانية‪.‬‬
‫بينمها تقود تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنقسهام إلى تفكيهك وتشظهى قطاعات‬
‫جماهير المتلقين وفقا لمجالت اهتماماتهم الخاصة أو انتماءاتهم الثقافية أو الطائفية أو العرقية‬
‫وذلك تلبية للرسائل التصالية الفئوية التى تبثها مؤسسات إعلمية صغيرة متخصصة‪.‬‬

‫كمها تهبين مهن دراسهة البعاد النسهانية للعولمهة إن العولمهة مها ههى إل نتاج إدراك‬
‫النسان للمشتركات المادية النسانية والمشتركات المعنوية النسانية فى هذا العالم‪ .‬حيث أدت‬
‫محاولة النسان التراكمية الساعية إلى تفكيك وتركيب العالم من حوله ‪ -‬من أجل الوصول إلى‬
‫أصهل العالم أو الحاطهة بأبعاده ‪ -‬إلى نمهو إدراك النسهان بالمشتركات النسهانية الماديهة‬
‫والمعنوية فى هذا العالم‪.‬‬
‫وبالتالى فل قد أدت محاولت الن سان التراكم ية على مر الع صور لترك يب العالم من‬
‫حوله ‪ -‬تكويهن رؤيهة مركبهة للحاطهة بأبعاد العالم ‪ -‬إلى الوعهى بأن الكون ههو المشترك‬
‫النسانى الكبر‪.‬‬
‫كمها أدت محاولت النسهان التراكميهة على مهر العصهور لتفكيهك العالم مهن حوله ‪-‬‬
‫تكوين رؤية عن أصل الشياء ‪ -‬إلى الو عى بأن البن ية الذرية هى المشترك النسانى المادى‬
‫الصغر‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪132‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬يصبح كوكب الرض ( العالم ) الذى يوجد فى المسافة الرمزية بين الكون‬
‫والذرة هو المشترك النسانى المادى‪.‬‬
‫أ ما المشترك الن سانى المعنوى ف قد و صلت إل يه البشر ية من مج مل وعي ها الترك يبى‬
‫بالعقهل المطلق الذى يمثله ال سهبحانه وتعالى‪ ،‬ومجمهل وعيهها التفكيكهى بالعقهل المحدود الذى‬
‫يمثله النسان‪ .‬وبالتالى تَمثهـَل ذلك المشترك النسانى المعنوى فى قيمة ( الحرية ) التى هى‬
‫الشرط اللزم لصهحة إيمان العقهل النسهانى المحدود بالعقهل اللههى المطلق‪ .‬والشرط اللزم‬
‫لشرعيهة مبدأى الثواب والعقاب اللهييهن‪ ،‬وإل فل مجال لحسهاب النسهان لو لم يمتلك حريهة‬
‫الختيار بيهن الخيهر والشهر‪ .‬وبالتالى فإن المشترك النسهانى المعنوى ‪ -‬الناتهج عهن عمليهة‬
‫التركيب التى تقود إلى العقل المطلق وعملية التفكيك التى تقود إلى العقل المحدود ‪ -‬يتمثل فى‬
‫( الحرية النسانية )‪.‬‬

‫ولهذا‪ ..‬فإن التحل يل الخ ير فى سياق هذا الف هم يرى أن « العول مة ما هى إل مرحلة‬
‫متقد مة فى و عى الن سان بالعالم من حوله قاد ته من خلل عملي تى الترك يب والتفك يك على‬
‫المستويات المادية والمعنوية إلى إدراك المشتركات النسانية المادية والمعنوية »‪.‬‬

‫‪‬‬

‫خاتمةالباب الول ‪:‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪-‬‬

‫كشفت مجمل النتائج التى توصلت إليها الدراسة فى فصول الباب الول عن عدم دقة‬
‫الفرض المطروح بالدراسة حول ظاهرة العولمة‪ ،‬والذى ينص على التى‪:‬‬
‫« تمثل العولمة المشروع الفكرى والعملى للرأسمالية العالمية فى سعيها نحو السيطرة‬
‫على العالم‪ ،‬ح يث تد فع العول مة ن حو تكو ين الكيانات ال كبرى و سحق الكيانات ال صغيرة على‬
‫كافة المستويات السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية »‪.‬‬

‫حيهث كشهف التحليهل المتعمهق لظاهرة العولمهة ‪ -‬مهن خلل التعرف على مداخلهها‬
‫التاريخ ية والمعرف ية والفل سفية والتعرف على مؤ سساتها ومظاهر ها وأبعاد ها ‪ -‬عن ت صور‬
‫مغا ير لظاهرة العول مة يبت عد ب ها عن الت صورات غ ير الدقي قة النات جة عن عدم الف هم العل مى‬
‫للظاهرة أو عن التفسير اليدلوجى الضيق لها‪.‬‬
‫إذ تبين أن ظاهرة العولمة ليست من صنع الرأسمالية العالمية ول من صنع غيرها من‬
‫القوى‪ ،‬لن الواقع يقرر بأن العولمة لم يخترعها ولم يصنعها ولم يخطط لها أحد‪ .‬وليس معنى‬
‫ذلك أنها صنعت نفسها بنفسها‪ ،‬وإنما هذا يعنى أن العولمة ما هى إل مرحلة متقدمة فى وعى‬
‫الن سانية بالعالم من حول ها‪ ،‬ح يث أدى ترا كم المنجزات الن سانية ( الفكر ية والتكنولوج ية ) إلى‬
‫إدراك النسانية للمشتركات المادية والمعنوية فى هذا العالم التى تجمع البشرية كلها فى بوتقة‬
‫واحدة‪ .‬فالعولمة هى نتاج لمحاولت النسان التراكمية منذ بدء الخليقة لترك يب وتفكيك العالم‬
‫من حوله‪.‬‬

‫وبالتالى فقد قادت محاولت النسان لتركيب العالم من حوله ‪ -‬تكوين رؤية عن أبعاد‬
‫العالم ‪ -‬إلى إدراك المشترك النسهانى المادى الكهبر الذى يتمثهل فهى الكون الذى هو مسهتقر‬
‫ومستودع لكل شيئ‪.‬‬

‫كما قادت محاولت النسان لتفكيك العالم من حوله ‪ -‬تكوين رؤية عن أصل الشياء ‪-‬‬
‫إلى إدراك المشترك الن سانى ال صغر الذى يتم ثل فى البن ية الذر ية ال تى هى أ صل كل شئ‪.‬‬
‫وبإدراك النسان للمشترك النسانى المادى الكبر والمشترك النسانى المادى الصغر‪ ..‬أدرك‬
‫بذلك الجانهب المادى لظاهرة العولمهة والذى يتمثهل فهى أن كوكهب الرض ( العالم ) ههو‬
‫المشترك الن سانى المادى الذى ي قف ب ين الذرة الدقي قة والكون الشا سع العظ يم ل كى ي ضم على‬
‫سطحه الجنس البشرى‪.‬‬

‫وبنفهس المن طق فقهد قادت محاولت الن سان للتفك يك والترك يب ‪ -‬للبحهث عن من شأ‬
‫وعيه بذاته وبالعالم من حوله ‪ -‬إلى إدراك المشترك النسانى المعنوى‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪134‬‬ ‫‪-‬‬

‫ح يث قادت عمل ية الترك يب إلى إدراك أن كل هذا الكون ما هو إل نتاج لع قل مطلق‬


‫شامل محيط‪ ،‬غير محدود‪ ،‬يمثله ال سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫كمها قادت عمليهة التفكيهك إلى الوعهى بحقيقهة أن كهل مهن التطور النسهانى وإدراك‬
‫النسهان لذاتهه‪ ،‬مها همها إل نتاج لعقهل محدود جزئى غيهر شامهل يكتسهب معارفهه بالتراكهم‬
‫والتوارث والخبرة والصواب والخطأ‪ .‬ويمثل هذا العقل النسان‪.‬‬
‫ول قد كان المشترك الن سانى المعنوى المنا سب للقيام بدور الو سيط ب ين الع قل المطلق‬
‫الذى هو ال سبحانه وتعالى‪ ،‬والعقل المحدود الذى هو النسان‪ ،‬يتمثل فى « قيمة الحرية »‪.‬‬
‫حيث تمثل قيمة الحرية المشترك النسانى المعنوى القابل لتوصيف العلقة بين ال والنسان‪.‬‬
‫انطلقا من أن الحر ية هى الشرط اللزم ل صحة إيمان الع قل الن سانى المحدود بالع قل الل هى‬
‫المطلق‪ ،‬والشرط اللزم لشرعيهة مبدأى الثواب والعقاب اللهييهن‪ ،‬فل مجال لحسهاب النسهان‬
‫إل لو امتلك الحرية للختيار بين الخير والشر وبين الخطأ والصواب‪.‬‬
‫وبالتالى فإن المشترك النسهانى المعنوى يتمثهل فى ( الحر ية الن سانية )‪ ،‬تلك القيمهة‬
‫ال تى لو تم كبت ها ومحا صرتها وتقلي صها لف قد الن سان الجو هر والمع نى اللذان يمنحا نه التفوق‬
‫على كل كائنات الرض‪.‬‬

‫ونظرا لن ظاهرة العول مة بهذا الف هم ما هى إل نتاج للترك يب والتفك يك فإن ذلك أدى‬
‫إلى أن تحمل العولمة فى داخلها مظاهر تخلقها ونشأتها‪ ،‬وهى قدرتها على التركيب والتفكيك‪،‬‬
‫وبالتالى قدرتها على ممارسة الشيئ ونقيضه‪ .‬ومن هنا كانت مظاهر العولمة أثناء ممارستها‬
‫لفاعلياتها العملية فى الواقع تؤكد أنها كما تدفع إلى التوحد والتكتل والندماج ( التركيب ) فإنها‬
‫فى نفس الوقت تدفع إلى التشظى والتجزؤ والنقسام ( التفكيك )‪.‬‬

‫وهذا أدى إلى أن التحل يل ال سطحى لظاهرة العول مة ي قع دائما فى مأزق إدراك مظ هر‬
‫واحهد مهن مظاهرهها دون إدراك المظههر الخهر‪ ،‬نظرا لمها يدفهع إليهه إدراك المظهريهن مهن‬
‫ارتباك وتناقض‪.‬‬

‫وفى الواقع‪ ..‬فإن امتلك العولمة لهذه القدرة على الجمع بين الشئ ونقيضه‪ ،‬هى التى‬
‫تمنح ها صفة الظاهرة الشاملة‪ ،‬وتو فر ل ها التوازن فى المج مل العام‪ ،‬وتم نع ا ستئثار فر يق ما‬
‫بمفرده بالمكانات التى توفرها‪ .‬فكما تستفيد بعض القوى من مظاهر العولمة للتوحد والتكتل‬
‫والندماج لتحقيهق مصهالح معينهة‪ ،‬فإن بعهض القوى الخرى سهتستفيد مهن مظاههر العولمهة‬
‫للتشظى والتجزؤ والنقسام لتحقيق مصالح أخرى‪..‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪-‬‬

‫إن هذا الفههم لظاهرة العولمهة يوضهح بأنهها كظاهرة شاملة ل تنتمهى إلى قوة أو جههة‬
‫معينهة‪ ،‬وإنمها ههى تنتمهى إلى البشريهة كلهها‪ .‬كمها إنهها ل تصهلح لكهى تكون مشروعا فكريا‬
‫أو عمليا للرأسهمالية العالميهة للسهيطرة على مقدرات الشعوب والدول‪ ،‬وذلك لنهها تسهتعصى‬
‫على التوجيه وتخرج عن نطاق السيطرة‪ ،‬إذ إنها كما تدفع إلى التوحد والتكتل والندماج‪ ،‬فإنها‬
‫تدفع ‪ -‬بذات الوقت ‪ -‬إلى التشظى والتجزؤ والنقسام‪ .‬وبالتالى ل يمكن التعامل معها بوصفها‬
‫أيدلوجية لن اليدلوجية أحادية التجاه بينما ظاهرة العولمة تجمع المتناقضات‪.‬‬

‫إن كهل مها سهبق يوضهح عدم دقهة الفرض الول الذى اسهتنبطته الدراسهة مهن أغلب‬
‫الكتابات العربية والجنبية حول العولمة‪ ،‬ذلك الفرض الذى يمثل الخطاب السائد حول العولمة‬
‫فى دول العالم الثالث وفى المنطقة العربية‪ .‬ولعل هذا الخطاب يحمل أسباب ارتيابه فى ظاهرة‬
‫العولمهة انطلقا مهن أن جانبهها المعنوى المتمثهل فهى قيمهة الحريهة يتماثهل نسهبيا مهع فكرة‬
‫الديمقراطيهة الغربيهة‪ ،‬بينمها جانبهها المادى يشجهع تحريهر التجارة واقتصهاد السهوق واليمان‬
‫بالعلم‪ .‬ولكهن المنطهق الموضوعهى يقرر بأن الديمقراطيهة وتحريهر التجارة والسهوق والنظرة‬
‫العلم ية‪ ،‬كل ها مبادئ إن سانية منطق ية فر ضت نف سها لواقعيت ها ول يس لرأ سماليتها‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫العتراف بإن سانية هذه المبادئ هو فى حد ذا ته اعتراف بقابليت ها دوما للمراج عة والت صحيح‬
‫للحفاظ على جانب العدالة والتوازن فى توجهاتها‪.‬‬

‫والواقع يوضح أن العولمة كما تقوم على الشركات متعددة الجنسيات‪ ،‬فهى أيضا تقوم‬
‫على منظمات المجت مع المد نى‪ .‬وك ما تروج لثقا فة عالم ية إن سانية‪ ،‬ف هى تف تح الباب للثقافات‬
‫القوم ية‪ .‬وك ما تج عل من شب كة النتر نت سوقا للتجارة اللكترون ية‪ ،‬فإن ها تجعل ها أيضا ساحة‬
‫مفتوحة للفكار والمعرفة‪.‬‬

‫‪ ...‬و فى هذا الطار‪ ..‬فإن الدرا سة تقدم ح صيلة الف هم ال سابق للعول مة فى صورة‬
‫فرضيهن تدعهو إلى إعادة اختبارهمها فهى الدراسهات اللحقهة للتأكهد مهن مدى صهحتهما‬
‫وموضوعيتهما وهما كالتالى‪:‬‬
‫تمثل ظاهرة العولمة مرحلة متقدمة فى وعى النسان بالعالم من حوله نتجت من خلل‬ ‫•‬
‫محاولت النسان التراكمية عبر العصور لتركيب وتفكيك ذلك العالم‪ ،‬مما أدى إلى إدراكه‬
‫للمشترك النسهانى ( المادى ) المتمثهل فهى « العالم »‪ ،‬والمشترك النسهانى ( المعنوى )‬
‫المتمثل فى « الحرية النسانية »‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪136‬‬ ‫‪-‬‬

‫نظرا لن العولمة نتجت عن التركيب والتفكيك فإن مجمل مظاهرها يتمثل فى دفعها‬ ‫•‬
‫نحهو التوحهد والتكتهل والندماج فهى ذات الوقهت الذى تدفهع فيهه نحهو التشظهى والتجزؤ‬
‫والنقسام‪.‬‬

‫ولكن إذا كانت البعاد المجتمعية للعولمة ( السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية )‬
‫قهد تأثرت بإسهتراتيجية العولمهة للتوحهد والتكتهل والندماج‪ ،‬وتكتيكاتهها للتشظهى والتجزؤ‬
‫والنقسهام ‪ -‬كمها أوضحنها فهى المباحهث التاليهة ‪ -‬فإن هذا التأثيهر كمها انعكهس على الثوابهت‬
‫البنائية فى بنية تلك البعاد‪ ،‬قد انعكس أيضا بالضرورة على المتغيرات الوظيف ية الفاعلة ب ها‪.‬‬
‫ونظرا لن محور اهتمامنا فى هذه الرسالة ينصب على البعاد العلمية للعولمة‪ ،‬فإن محاولة‬
‫التعرف على الثار ال تى تحدثهها العول مة على المتغيرات الوظيف ية فى بن ية الن ظم العلم ية‬
‫يمثل المحور الذى سيدور حوله توجه الدراسة فى الباب القادم‪..‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪137‬‬ ‫‪-‬‬

‫البــاب الثـانى‬
‫القدرات المعرفية للنظم العلمية‬
‫الراهنة‬
‫فى ظل البعاد العلمية للعولمة‬

‫محتـويـات البــاب الثـانى‬

‫إشـــــــــــــــــــارات‬
‫البــاب الثــانى‬ ‫مقدمــة‬
‫القدرات المعرفية للنظم‬ ‫الفصل‬
‫الراهنة‬
‫الفلسفية للنظم‬ ‫العلمية‬
‫المرجعيات‬ ‫الرابع‪:‬‬
‫الفصل‬
‫الراهنة‬
‫العملية لتقييد‬ ‫العلمية‬
‫الممارسـات‬ ‫الخامس‪:‬‬
‫الفصل‬
‫القدرات المعرفية‬ ‫السادس‪:‬‬

‫للنظم العلمية الحرة‬


‫والموجهـة‬
‫خاتمـــة البــاب الثـانى‬
‫‪-‬‬ ‫‪138‬‬ ‫‪-‬‬

‫إشـــارات‬
‫« الم سئولية الولى للعلم هى م سئولية اجتماع ية‪ ..‬و هى م سئولية اجتماع ية ج سيمة‪..‬‬
‫فهناك دور اجتماعى لننا ندخل فى قلب السرة المصرية »‪.‬‬
‫الشريف)‬ ‫(وزير العلم المصرى‪ :‬محمد صفوت‬
‫( لقاء مع وزير العلم المصرى ببرنامج حديث المدينة بتاريخ ‪) 1/6/1999‬‬

‫« حرية البداع تنتهى عند حرية المجتمع‪ ،‬وخصوصا عندما يكون مجتمعا شرقيا له سمات‬
‫معي نة‪ .‬وأ نا أحذر دائما من عدم التطاول على الديان‪ ،‬أو خدش حر مة المجت مع أو حيائه‪..‬‬
‫أنا مهمتى حماية المجتمع دينيا‪ ،‬والحفاظ على أعرافه وتقاليده الجتماعية »‪.‬‬
‫حسنى )‬ ‫وزير الثقافة المصرى‪ :‬فاروق‬ ‫(‬
‫( نقل عن‪ :‬يسرى ال سيد‪ " ،‬فاروق حسنى‪ :‬أتابع حرية البداع‪ ..‬ولكن ال الغنى عن أعمال تهدم المجتمع "‪ ،‬جريدة الجمهورية‪.‬‬
‫بتاريخ ‪ ،11/1/2001‬ص ‪)13‬‬

‫« إن الصحافة المصرية تملك داخلها ضميرا حيا‪ ،‬ورقابة ذاتية‪ ،‬وإحساسا عميقا بالمسئولية‬
‫الوطنية »‪.‬‬
‫‪) 40‬‬ ‫( إبراهيم نافع‪ " ،‬عمود حقائق "‪ ،‬جريدة الهرام‪ .‬بتاريخ ‪ ،21/6/2001‬ص‬

‫«الحر ية ل تكون على ح ساب ازدراء الديان‪ ،‬وتشج يع الدب ل يكون على ح ساب قلة‬
‫الدب‪ .‬وجمال السلوب ل علقة له باللفاظ السوقية واللخلقية »‪.‬‬
‫‪ ،13/5/2000‬ص‬ ‫[إبراهيم سعدة‪ " ،‬القاهرة تحترق والحكومة تتفرج "‪ ( ،‬عمود الموقف السياسى )‪ ،‬جريدة أخبار اليوم‪ .‬بتاريخ‬
‫‪.] 1‬‬

‫« نؤكد لهذا السفير ( السفير المريكى )‪ ،‬أن حرية الصحافة فى مصر ل ينازعها منازع‪..‬‬
‫وهى حرية نعتز ونفخر بأنها غير موجودة بهذا القدر وتلك المساحة فى بلدهم ذاتها‪ ،‬رغم‬
‫مصا يتغنون بصه ليصل نهار‪ ..‬فالمجتمصع يعرف إلى أى مدى يتحكصم رأس المال فصى الصصحافة‬
‫عندهم‪ ،‬لتصبح فى النهاية معبرة عن مصالح فرد أو مجموعة أفراد‪ ......‬ثم أل يعلم السفير‬
‫المريكى أن الصحافة فى مصر تتمتع بالستقللية الكاملة ول ولية لية سلطة أخرى عليها‪،‬‬
‫سواء تنفيذية أو غير تنفيذية‪!!!!» ‍..‬‬
‫[ سمير رجب‪ " ،‬أقوال للسفير المريكى‪ :‬ليس لكائن من كان فى مصر سلطة منع الصحف من التحليل والتفكير‪ ..‬نعم هناك تداخلت‬
‫إلكترومغناطيسية تطيح بالطائرات فى الجو "‪ ( ،‬مقال خطوط فاصلة )‪ ،‬جريدة الجمهورية‪ .‬بتاريخ ‪ ،6/11/1999‬الصفحة الخيرة ]‪.‬‬

‫« ومتى ثبت ذلك فل محل للحديث عن النقد المباح‪ ،‬كما ل يُقبل من المتهمين إثبات صحة‬
‫الوقائع التى ساندوها للمدعى بالحق المدنى‪ ،‬بل ويتعين إدانتهم حتى ولو كانوا يستطيعون‬
‫‪-‬‬ ‫‪139‬‬ ‫‪-‬‬

‫إثبات ما اقترفوا به‪ .‬ورغم ذلك فقد عجز المتهمون عن إثبات صحة ما زعموه‪ ،‬كما عجزت‬
‫كل المستندات والوراق التى قذفوا بها فى ملف الدعوى فى أن تحقق ذلك‪ .‬وتلفت المحكمة‬
‫الن ظر إلى أن ما أو سع الش قة وأب عد الم سافة ب ين ن قد موضو عى يتحرى ف يه صاحبه و جه‬
‫صة‬
‫صة الحياة الخاصص‬
‫صبير الجادة وأدب الحوار‪ ،‬ويحترم حرمص‬
‫صيلة التعص‬
‫صة وملتزم بوسص‬
‫الحقيقص‬
‫للمواطنين دون أن يخوض بالباطل فيما ينال من حرماتهم ونزاهتهم ووطنيتهم‪ .‬وبين ما لجأ‬
‫المتهمون إل يه عند ما ملوا خزائن أقلم هم بال غل ال سود بد ًل من الحقي قة‪ ،‬ثم سكبوا فى‬
‫أوراقهم أحقاد عمياء للتشهير بالمجنى عليه »‪.‬‬
‫الشعب )‬ ‫حيثيات الحكم فى قضية د‪ .‬يوسف والى ضد جريدة‬ ‫(‬
‫( نقل عن‪ :‬جريدة الهرام‪ .‬بتاريخ ‪ ،15/8/1999‬ص ‪) 42‬‬

‫« إن حريصة الصصحافة لبصد أن تكون حريصة مسصئولة تحافصظ على قيصم المجتمصع وتقاليده‬
‫( بيان المجلس العلى للصحافة حول واقعة جريدة النبأ )‬ ‫ومصالحه العليا »‪.‬‬
‫( نقل عن‪ :‬جريدة الهرام‪ " .‬المجلس العلى للصحافة يدين جريدة النبأ ويرفع دعوى للغاء ترخيصها "‪ ،‬بتاريخ ‪ ،21/6/2001‬ص‬
‫‪.) 15‬‬

‫« أصدر الدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد بيانا يستنكر الجريمة البشعة التى ارتكبتها‬
‫جريدة النبصأ أمصس الول‪ ،‬والتصى اعتدت بهصا على تقاليصد وعادات المجتمصع المصصرى‪ ،‬عندمصا‬
‫نشرت ال صور الفاض حة للكا هن ال سابق المعزول‪ ،‬و هو يمارس أفعالً مناف ية للداب العا مة‬
‫والذوق الم صرى‪ .‬أ كد بيان حزب الو فد أن المجت مع الم صرى ُروع بال مس بطع نة مغر ضة‬
‫من صحيفة صفراء‪ ،‬اعتدت على كل ق يم وأخلقيات وعادات المجت مع الم صرى ال تى قا مت‬
‫عليهصا مصصر منصذ مئات السصنين‪ ،‬وقصد حدث ذلك فصى ظروف مريبصة ل تخدم سصوى العدو‬
‫السرائيلى المتربص بالمة »‪.‬‬
‫( جريدة الو فد‪ " .‬بيان الو فد إلى المة‪ :‬نطالب بمحاك مة عاجلة لتجار ال صحافة ال صفراء‪ ..‬نحذر من محاولت تفجير م صر من‬
‫الداخل "‪ ،‬بتاريخ ‪ ،19/6/2001‬ص ‪.) 1‬‬

‫»‬ ‫ل يس هناك الكث ير من الطرق لت ضع حذاءك على ع نق ش خص ما‪ ..‬إن ها دائ ما نف سها‬ ‫‪«.‬‬

‫‪) 162‬‬ ‫‪ (.‬نعوم تشومسكى‪ ،‬ضبط الرعاع‪ .‬ترجمة هيثم على حجازى‪ ،‬ص‬

‫« كلما زاد عدد المحرمات‪ ..‬زاد تخلف المجتمع »‪.‬‬


‫( مراد وهبه‪ :‬جرثومة التخلف )‬
‫( نقل عن‪ :‬رفعت السعيد‪ ،‬مصر‪ ..‬التنوير عبر ثقب إبرة‪ .‬ص ‪) 136‬‬

‫« مما له مغزى‪ ..‬أن تأميم الفكر سار فى كل مكان مع تأميم الصناعة »‪.‬‬
‫( إى‪ .‬هه‪ .‬كار )‬
‫( نقل عن‪ :‬ف‪ .‬ا‪ .‬هايك‪ ،‬الطريق إلى العبودية‪ .‬ص ‪) 153‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪140‬‬ ‫‪-‬‬

‫« مُتْ بداء الصمت‪ ..‬خير لك من داء الكلم‪ ..‬إنما العاقل‪ ..‬من ألجم فاه بلجام »(النواسى)‬
‫( نقل عن‪ :‬جابر عصفور‪ ،‬ضد التعصب‪ .‬ص ‪) 326‬‬

‫« الخ طأ الج سيم الذى ي قع ف يه العلم العر بى‪ ..‬إ نه يع يش ت حت و هم ال ظن بأن تجا هل‬
‫الشياء يلغى وجودها »‪.‬‬
‫( محمد إبراهيم الشوش‪ " ،‬ما هكذا كان عبد الناصر "‪ ،‬جريدة الهرام‪ .‬بتاريخ ‪ ،22/1/2000‬ص ‪) 9‬‬

‫« يق ضى الن سان سنواته الولى فى تعلم الن طق‪ ..‬وتق ضى النظ مة العرب ية بق ية عمره فى‬
‫( أحلم مستغانمى‪ :‬رواية ذاكرة الجسد )‬ ‫تعليمه الصمت »‪.‬‬
‫[ نقل عن‪ :‬رجاء النقاش‪ " ،‬ولي مة لعشاب الب حر‪ ..‬وذاكرة الج سد‪ ..‬روايتان متشابهتان‪ ..‬فأ ين ال صيل وأ ين ال صورة؟ "‪ ،‬مجلة‬
‫الهلل‪ ( .‬عدد ‪ ،2‬فبراير ‪ ،) 2001‬ص ‪.] 44‬‬

‫« فى الدعاية كما هو فى الحب‪ ..‬كل ما هو ناجح فهو مسموح به »‪.‬‬


‫جوبلز )‬ ‫وزير الدعاية النازى‪ :‬جوزيف‬ ‫(‬
‫] نقل عن‪ :‬ديفيد ويلتش‪ " ،‬قوى القناع "‪ ،‬مجلة الثقافة العالمية‪ ( .‬العدد ‪ ،100‬مايو ‪ ،) 2000‬ص ‪[ 206‬‬

‫« لقد صوّت الشعب ضد الحكومة‪ ..‬الحل البسط هو تغيير الشعب »‪.‬‬


‫( برتولد برخت )‬
‫( نقل عن‪ :‬روجيه جارودى‪ ،‬أمريكا طليعة النحطاط‪ .‬ترجمة عمرو زهيرى‪ ،‬ص ‪) 124‬‬

‫« موقف الطاغية‪ ،‬هو موقف ذلك الذى يقطع الشجرة لكى يقطف ثمرة »‪.‬‬
‫( مونتسكيو )‬
‫( نقل عن‪ :‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬الطاغية‪ .‬ص ‪.) 49‬‬

‫« كل سلطة ل تقدم الحقي قة كل الحقي قة للجماه ير‪ ،‬والجماه ير بإمكانيات ها العتبار ية ل‬


‫تستطيع بلوغ تلك الحقيقة‪ ،‬ومن هنا تُقاد الجماهير ضد مصالحها‪ ،‬بل تقود الجماهير نفسها‬
‫أحيانا ضد مصالحها بسبب عدم المعرفة »‪.‬‬
‫‪ (.‬سالم القمودى‪ ،‬سيكولوجية السلطة‪ :‬بحث فى الخصائص النفسية المشتركة للسلطة‪ .‬ص ‪) 82‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪-‬‬

‫مقـدمـة‬
‫البــاب الثـانى‬

‫تمثل دراسة مدى كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمعات قضية‬
‫هامهة تمتلك الكثيهر مهن مهبررات أهميتهها فهى ظهل البعاد المجتمعيهة للعولمهة ( السهياسية‬
‫والقت صادية والثقاف ية والعلم ية )‪ ،‬و فى ظل أبعاد ها الن سانية‪ .‬إذ إن النطلق ن حو تأ سيس‬
‫التقارب العولمى على مستوى العالم ( سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإعلميا ) لتعميق المشتركات‬
‫الن سانية لن يُك تب له النجاح لو كان المردود المعر فى النا تج عن النش طة العلم ية للن ظم‬
‫العلمية يتناقض مع ‪ -‬أو يبتعد عن ‪ -‬جوهر الوقائع والحداث والمجريات والراء والفكار‬
‫فى المجتمعات التى تمثل فى مجموعها الكيان العالمى‪.‬‬

‫لذلك‪ ..‬فإ نه ي صبح من الهام تحل يل الن ظم العلم ية إلى عنا صرها الرئي سية وتحد يد‬
‫المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية تلك الن ظم‪ ،‬وال تى يؤدى الرتفاع أو النخفاض في ها إلى‬
‫التأثير على مدى كفاءة هذه النظم فى القيام بوظيفتها فى المجتمعات المتعددة‪.‬‬

‫كمها إنهه يصهبح مهن الهام أيضا دراسهة الخلفيات الفكريهة التهى تتحرك فهى ظلهها هذه‬
‫المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة وتؤدى إلى التأثيهر عليهها‪ ،‬ومهن ثهم المسهاس بمدى كفاءة النظهم‬
‫العلم ية‪ .‬بالضا فة إلى أهم ية عرض الممار سات العمل ية للن ظم العلم ية الحرة والموج هة‪،‬‬
‫لمعاينة مدى فاعلية هذه المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى أرض الواقع العلمى‪.‬‬

‫وانطلقا من هذا الترتيب‪ ..‬فقد تم تقسيم الباب الماثل إلى ثلثة فصول‪ .‬الفصل الرابع‬
‫بعنوان‪ :‬القدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة الراهنهة‪ ،‬ويدور حول تحديهد المتغيرات الوظيفيهة‬
‫الحاكمة فى بنية النظم العلمية التى تؤثر على المردود المعرفى الناتج عن النشطة العلمية‬
‫لتلك النظم‪ .‬والفصل الخامس بعنوان‪ :‬المرجعيات الفلسفية للنظم العلمية الراهنة‪ ،‬ويدور حول‬
‫رصد الخلفيات الفكرية التى تؤثر على المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية‪ ،‬بما‬
‫يؤدى إلى التأث ير على كفاءة تلك الن ظم فى ممار ستها لوظيفت ها فى المجت مع‪ .‬والف صل ال سادس‬
‫بعنوان‪ :‬الممار سات العمل ية لتقي يد القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية الحرة والموج هة‪ ،‬ويدور‬
‫حول عرض الممارسات العملية المقيدة للقدرات المعرفية بالنظم العلمية الحرة والموجهة‪.‬‬

‫وسنعرض فيما يلى لتلك الفصول بمباحثها المتتالية‪...‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪142‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفصـل الرابـع‬
‫القدرات المعرفية للنظم العلمية‬
‫الراهنة‬

‫محتـويـات الفصـل الرابـع‬

‫مقدمـة الفصــل الرابـع‬

‫المبحـــــــث المتغيرات الوظيفيـة الحاكمـة فـى بنيـة‬


‫العلميــــــــــــــــة‬ ‫النظــــــــــــــــم‬
‫التكنولوجيـة للنظـم العلميـة‬ ‫الول‪:‬‬
‫المبحـــــــث القدرات‬
‫الثانــــــــى‪ :‬الراهنــــــــــة فــــــــــى ظــــــــــل‬

‫البعــاد العلميـــة للعـولمــة‬


‫(من التصال المحدود إلى التصال‬
‫شبه الكامل)‬
‫المبحـــــــث درجة شفافية النظم العلمية الراهنة‬
‫فـــــــــــــــــــــى ظـــــــــــــــــــــل‬ ‫الثالث‪:‬‬

‫البعــاد العلميـــة للعـولمــة‬


‫( القيود المعرفية فى النظم‬
‫العلمية )‬
‫خـاتمــة الفصــل الرابـع‬
‫‪-‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الول‬
‫المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية‬

‫يمارس النظام العل مى فاعليا ته فى المجت مع‪ ،‬باعتباره نظاما فرعيا فى البن ية الكل ية‬
‫للمجتمع بوصفه نظاما عاما‪.‬‬
‫وي تم التعا مل فى هذه الدرا سة مع النظام العل مى باعتباره‪ « :‬كيانا جامعا للنش طة‬
‫العلمية‪ ،‬يعمل فى ظل نظام سياسى وقانونى معين‪ ،‬وفى ظل مرجعية فلسفية معينة »‪.‬‬

‫ويتكون النظام العلمى ‪ -‬وفقا لهذا الطار ‪ -‬من ثلثة قطاعات كالتالى‪:‬‬
‫قطاع المؤ سسات العلم ية‪ :‬ب ما تض مه من قائم ين بالت صال وتجهيزات تكنولوج ية‬ ‫(‪)1‬‬
‫للنتاج العلمى‪ ،‬وبما تنشره من رسائل إعلمية‪.‬‬
‫قطاع وسائل العلم‪ :‬باعتبارها القناة التى تقوم المؤسسات العلمية ‪ -‬من خللها ‪-‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫بنشر رسائلها العلمية إلى جماهير المتلقين‪.‬‬
‫قطاع جماهيهر المتلقيهن‪ :‬باعتبارههم الطرف الذى يحوز وسهائل العلم للطلع على‬ ‫(‪)3‬‬
‫الرسائل العلمية التى تنشرها المؤسسات العلمية‪.‬‬

‫ويوضح الشكل التالى بناء النظام العلمى وفقا لتوصيف قطاعاته‪ ،‬وذلك على النحو‬
‫التالى‪:‬‬

‫كما أن النظام العلمى يتكون ‪ -‬طبقا لتوصيف أطرافه ‪ -‬من الطراف التالية‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪144‬‬ ‫‪-‬‬

‫الطراف الفاعلة‪ :‬ويمثل ها كلً من‪ :‬القائم ين بالت صال وجماه ير المتلق ين‪ ،‬باعتباره ما‬ ‫(‪)1‬‬
‫الطرفين الفاعلين فى العملية العلمية‪.‬‬
‫الطراف المعرفيصة‪ :‬ويمثلهها الرسهائل العلميهة‪ ،‬باعتبارهها حاملة محتوى المعرفهة‬ ‫(‪)2‬‬
‫الكامنة بالمعلومات العلمية المنشورة‪.‬‬
‫الطراف العتبارية‪ :‬ويمثلها المؤسسات العلمية‪ ،‬باعتبارها ذات شخصية اعتبارية‬ ‫(‪)3‬‬
‫من وجهة النظر القانونية‪.‬‬
‫الطراف التكنولوجيصة‪ :‬ويمثل ها و سائل العلم‪ ،‬باعتبار ها الو سيلة التكنولوج ية ال تى‬ ‫(‪)4‬‬
‫يمكن من خللها استقبال الرسائل العلمية‪.‬‬

‫ويو ضح الش كل التالى بناء النظام العل مى وفقا لتو صيف أطرا فه‪ ،‬وذلك على الن حو‬
‫التالى‪:‬‬

‫وكما هو واضح من الشكل رقم (‪ )1‬والشكل رقم ( ‪ ،)2‬فإن بناء النظام العلمى وفقا‬
‫لتوصيف قطاعاته‪ ،‬يتكافئ مع بناء النظام العلمى وفقا لتوصيف أطرافه‪.‬‬

‫وتمارس هذه القطاعات أو تلك الطراف دورها باعتبارها « ثوا بت بنائية » فى البنية‬
‫التركيبية الستاتيكية للنظام العلمى‪ .‬بينما تمارس دورها باعتبارها « متغيرات وظيفية » فى‬
‫البنية التركيبية الديناميكية للنظام العلمى أثناء ممارسته لفاعلياته فى المجتمع‪.‬‬
‫وتفسهير ذلك‪ ..‬أن كافهة النظهم العلميهة على مسهتوى العالم تتكون ‪ -‬فهى بنيتهها‬
‫التركيب ية ال ستاتيكية ‪ -‬من هذه القطاعات أو الطراف‪ ،‬ول كن در جة فاعل ية هذه القطاعات‬
‫‪-‬‬ ‫‪145‬‬ ‫‪-‬‬

‫أو الطراف فى البنية التركيبية الديناميكية للنظم العلمية أثناء ممارستها لفاعلياتها‪ ،‬هى التى‬
‫تتغير من مجتمع إلى آخر‪.‬‬

‫فكافهة النظهم العلميهة فهى كهل المجتمعات تتكون مهن القائميهن بالتصهال وجماهيهر‬
‫المتلق ين والر سائل العلم ية والمؤ سسات العلم ية وو سائل العلم‪ .‬ول كن الذى يختلف من‬
‫مجتمع إلى آخر يتمثل فى كل من‪ :‬درجة فاعلية القائمين بالتصال ( من حيث العدد ومستوى‬
‫التأه يل والتدر يب والمكانات المهن ية )‪ .‬در جة فاعل ية الر سائل العلم ية ( من ح يث ن سبة‬
‫المعرفهة الكامنهة بهها )‪ .‬درجهة فاعليهة المؤسهسات العلميهة ( مهن حيهث العدد والتجهيزات‬
‫التكنولوج ية وكفاءة ما تض مه من قائم ين بالت صال ودر جة شفافيت ها فى ن قل المعر فة الكام نة‬
‫بالرسائل العلمية )‪ .‬درجة فاعلية وسائل العلم ( من حيث نسبة انتشارها فى المجتمع)‪.‬‬
‫در جة فاعل ية جماه ير المتلق ين ( من ح يث م ستوياتهم الثقاف ية والقت صادية وت صنيفاتهم الفئو ية‬
‫التى تؤثر على درجة حيازتهم لوسائل العلم )‪.‬‬

‫وبالتالى فإن كا فة تلك المتغيرات الوظيف ية ‪ -‬ال تى تتغ ير من مجت مع إلى آ خر ‪ -‬هى‬
‫التى تؤثر على مدى كفاءة النظم العلمية فى القيام بوظائفها‪ ،‬نوعيا وكيفيا وكميا‪ ،‬طبقا لمدى‬
‫الرتفاع أو النخفاض فى نسب هذه المتغيرات‪.‬‬

‫ولكهن ثمهة متغيرات بعينهها ضمهن هذه المتغيرات الوظيفيهة؛ يمكهن أن يُطلق عليهها‬
‫المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة‪ ،‬والتهى تشيهر درجهة التغيهر فيهها إلى مجمهل التغيهر فهى كافهة‬
‫المتغيرات الوظيفية الخرى‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فإذا أمكن تحديد المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى البنية التركيبية الديناميكية‬
‫للنظام العلمى‪ ،‬فإنه سيمكن التعرف على مدى كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظائفها‬
‫نوعيا وكيفيا وكميا‪ ،‬وفقا لعدد محدود من المتغيرات الوظيف ية الحاك مة ال تى تش ير إلى مج مل‬
‫فاعليات المتغيرات الوظيفية الخرى المتعددة فى بنية تلك النظم‪.‬‬

‫ويمكهن اسهتنباط هذه المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة مهن خلل تحليهل فاعليات النظام‬
‫العلمهى؛ للتعرف على المتغيرات التهى تضهم بداخلهها عددا مهن المتغيرات الخرى‪ ،‬بحيهث‬
‫تكون دالة على مجمل أنشطة النظام العلمى‪ ،‬وموضحة لمدى كفاءته فى ممارسته لوظيفته‬
‫فى المجتمع‪.‬‬

‫ويمارس النظام العلمهى فاعلياتهه العلميهة مهن خلل قيام المؤسهسات العلميهة‬
‫( الطراف العتبارية ) بنقل الرسائل العلمية ( الطراف المعرفية ) ‪ -‬عبر وسائل العلم‬
‫‪-‬‬ ‫‪146‬‬ ‫‪-‬‬

‫( الطراف التكنولوجية ) ‪ -‬إلى جماهير المتلقين ( الطراف الفاعلة )‪ .‬أى أن همزة الوصل‬
‫بيهن « المؤسهسات العلميهة » و« جماهيهر المتلقيهن » تتمثهل فهى « وسهائل العلم » التهى‬
‫تتولى نقل « الرسائل العلمية »‪.‬‬

‫وهذا يوضهح أن « الرسهائل العلميهة » ههى العنصهر الدال على جميهع أنشطهة‬
‫« المؤ سسات العلم ية »‪ ،‬ب ما تض مه من « قائم ين بالت صال » يقومون بج مع المعلومات‬
‫العلمية وصياغتها فى صورة رسائل إعلمية‪ ،‬وبما تملكه من تجهيزات تكنولوجية تتيح لها‬
‫نشر هذه الرسائل‪.‬‬
‫وبالمثهل‪ ..‬فإن « وسهائل العلم » ههى العنصهر الدال على وصهول « الرسهائل‬
‫العلمية » إلى «جماهير المتلقين» من خلل حيازتهم لهذه الوسائل‪ ،‬وفقا لمستوياتهم التعليمية‬
‫والقتصادية والثقافية‪.‬‬
‫وتأ سيسا على ذلك‪ ..‬فإ نه يم كن اعتبار « الر سائل العلم ية » بمثا بة المؤ شر الدال‬
‫على مج مل فاعليات « المؤ سسات العلم ية »‪ ،‬ب ما تض مه من قائم ين بالت صال وتجهيزات‬
‫تكنولوجيهة‪ .‬واعتبار « وسهائل العلم » بمثابهة المؤشهر الدال على مجمهل فاعليات قطاع‬
‫« جماه ير المتلق ين »‪ .‬أى أن « الر سالة » تأتلف مع « الو سيلة » فى ظل عل قة بنائ ية‬
‫وظيف ية‪ ،‬بح يث تش ير الر سالة إلى مج مل فاعليات المؤ سسات العلم ية‪ ،‬وتش ير الو سيلة إلى‬
‫مجمل فاعليات جماهير المتلقين‪.‬‬

‫ونظرا لن « الرسائل العلمية » ‪ -‬باعتبارها ثابتا بنائيا فى بنية النظام العلمى ‪-‬‬
‫تطرح متغيرا وظيفيا عند ممارستها لفاعلياتها فى المجتمع يتمثل فى « نسبة المعرفة الكامنة‬
‫∗‬
‫بالرسهائل العلميهة » ‪ ،‬حيهث إن كافهة النظهم العلميهة تنتهج رسهائل إعلميهة ولكهن نسهبة‬
‫المعرفة الكامنة فيها هى التى تتغير من مجتمع إلى آخر‪ .‬ونظرا لن نسبة المعرفة الكامنة فى‬
‫تلك الرسهائل تتوقهف على درجهة عدم فاعليهة القيود العلميهة‪ ،‬أو بمعنهى آخهر على درجهة‬
‫الشفافية التى يتسم بها النظام العلمى فى نقله للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪ .‬فإن هذا‬
‫يوضح أن « درجة شفافية النظام العلمى » تمثل أحد المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية‬
‫النظام العلمى‪.‬‬
‫وبذات الكيفية‪ ..‬ونظرا لن « وسائل العلم » ‪ -‬باعتبارها ثابتا بنائيا فى بنية النظام‬
‫العلمهى ‪ -‬تطرح متغيرا وظيفيا عنهد ممارسهتها لفاعلياتهها فهى المجتمهع يتمثهل فهى‬
‫« نسبة انتشار وسائل العلم فى المجتمع »‪ ،‬حيث إن كافة النظم العلمية بها وسائل إعلم‬

‫تشير " نسبة المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية " إلى المخزون المعرفى الذى تحمله المعلومات العلمية ويترتب‬ ‫‪‬‬

‫عليه أثر معرفى لدى جماهير المتلقين‪ ،‬إذ إن المعلومات العلمية ل يتم إرسالها أو تلقيها لذاتها؛ وإنما للمخزون المعرفى‬
‫الكامن فيها‪ ،‬ذلك المخزون الذى يتعرض للتقلص نتيجة القيود المعرفية المتعددة‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪147‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولكن ن سبة انتشارها فى المجتمع هى التى تختلف من مجتمع إلى آ خر‪ .‬فإن هذا يوضح أن‬
‫« نسبة انتشار وسائل العلم فى المجتمع » تمثل أحد المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية‬
‫النظام العلمصى‪ .‬ونظرا لن « وسهائل العلم » تمثهل الطرف التكنولوجهى فهى بنيهة‬
‫النظام العل مى‪ .‬فإن « ن سبة انتشار وسائل العلم فى المجت مع » تصبح بمثا بة ت عبير عن‬
‫« القدرات التكنولوجية للنظام العلمى »‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فإن مدى كفاءة النظام العلمهى فهى ممارسهته لوظيفتهه فهى المجتمهع‬
‫( نوعيا وكميا وكيفيا ) تتوقف على اثنين من المتغيرات الوظيفية الحاكمة تتمثل فى كل من‪« :‬‬
‫درجة شفافية النظام العلمى» و«القدرات التكنولوجية للنظام العلمى »‪.‬‬

‫ويشيهر واقهع عمهل النظهم العلميهة إلى صهحة الطرح السهابق‪ ..‬إذ إن مجرد ضمان‬
‫و صول الر سائل العلم ية إلى أعلى ن سبة من جماه ير المتلق ين‪ ،‬ل يش ير إلى ممار سة النظام‬
‫العل مى لفاعليا ته بكفاءة‪ .‬وإن ما ل بد من ت عبير تلك الر سائل العلم ية عن مج مل الحداث‬
‫والوقائع والراء والفكار السهائدة بالمجتمهع‪ .‬وبالتالى فإذا مها كان النظام التشريعهى السهارى‬
‫بالمجتمهع يجرم نشهر نسهبة كهبيرة مهن المعلومات العلميهة فهى ذلك المجتمهع‪ .‬وكان النظام‬
‫السياسى ل يهتم بسن تشريعات تضمن حرية المعلومات‪ ،‬وتمنع قطاعات المجتمع المختلفة من‬
‫إخفاء المعلومات المشروعهة‪ .‬وكانهت المؤسهسات العلميهة تحظهر نوعيات مهن المعلومات‬
‫بمبادرة ذاتيهة منهها‪ ،‬ووفقا لتقديراتهها الخاصهة للمصهالح المجتمعيهة‪ .‬فإن كهل ذلك سهيعنى أن‬
‫الرسهائل العلميهة التهى يقوم النظام العلمهى بنقلهها ل تمثهل مجمهل أحداث ووقائع وآراء‬
‫وأفكار المجتمع‪ .‬ويعنى أن ارتفاع أو انخفاض « درجة شفافية النظام العلمى » ستؤثر على‬
‫نسبة المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪ ،‬مما يؤثر على درجة كفاءة النظام العلمى‪.‬‬
‫وبالمثهل‪ ،‬فإن مجرد ضمان ارتفاع نسهبة المعرفهة الكامنهه بالمعلومات العلميهة‪،‬‬
‫نتيجة ارتفاع درجة شفافية النظام العلمى‪ ،‬ل يشير إلى ممارسة النظام العلمى لفاعلياته‬
‫بكفاءة‪ ،‬وإنما لبد من وصول تلك المعرفة الكامنه إلى أكبر نسبة من جماهير المتلقين‪ ،‬وهذه‬
‫الن سبة تتو قف على ن سبة انتشار و سائل العلم فى المجت مع أى على القدرات التكنولوج ية‬
‫للنظام العلمى‪.‬‬

‫وهذا يوضح أن مدى كفاءة النظام العلمى فى ممارسته لوظيفته فى المجتمع تتوقف‬
‫على مدى ارتفاع أو انخفاض قدرته على نقل المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية إلى جماهير‬
‫المتلقين‪ .‬أى تتوقف على « المردود المعرفى » العائد على جماهير المجتمع ككل من جراء قيام‬
‫النظام العل مى ‪ -‬وفقا لدر جة شفافي ته ‪ -‬بن قل المعر فة الكام نة فى ر سائله العلم ية ‪ -‬وفقا‬
‫‪-‬‬ ‫‪148‬‬ ‫‪-‬‬

‫لنسهبة انتشار وسهائل العلم فهى المجتمهع ‪ -‬إلى جماهيهر المتلقيهن‪ .‬وبالتالى فإن هذا المردود‬
‫المعرفى العائد على جماهير المجتمع يمكن اعتباره بمثابة تعبير عن « القدرات المعرفية للنظام‬
‫العلمصى »‪ .‬بحيهث تصهبح « القدرات المعرفيهة للنظام العلمهى » بمثابهة المؤشهر الدال على‬
‫مدى كفاءة النظام العلمى فى ممارسته لوظيفته فى المجتمع ( نوعيا وكيفيا وكميا )‪.‬‬

‫وبهذا ي صبح المتغيران اللذان يؤثران فى « القدرات المعرف ية للنظام العل مى » ه ما‬
‫كل من‪:‬‬
‫‪ « -‬القدرات التكنولوجية للنظام العلمى »‪.‬‬
‫‪ « -‬درجة شفافية النظام العلمى »‪.‬‬

‫بحيهث إن ارتفاع أو انخفاض أى منهمها يؤثهر بالتالى طرديا على ارتفاع أو انخفاض‬
‫القدرات المعرفية للنظام العلمى‪ .‬ويمكن صياغة هذه العلقة رياضيا فى المعادلة التالية‪:‬‬

‫القدرات المعرفية للنظام العلمى =‬


‫درجة شفافية النظام العلمى × القدرات التكنولوجية للنظام العلمى‬

‫وتوضح العلقة الرياضية السابقة عددا من المؤشرات الهامة كالتالى‪:‬‬


‫إن القدرات المعرفيهة للنظام العلمهى ل يمكهن بأى حال مهن الحوال أن تزيهد على‬ ‫(‪)1‬‬
‫القدرات التكنولوجية لذلك النظام‪.‬‬

‫إن القدرات المعرفيهة للنظام العلمهى ل يمكهن بأى حال مهن الحوال أن تزيهد على‬ ‫(‪)2‬‬
‫درجة شفافية ذلك النظام‪.‬‬

‫إنه يمكن للقدرات المعرفية للنظام العلمى أن تتساوى فقط مع القدرات التكنولوجية‬ ‫(‪)3‬‬
‫لذلك النظام فى حالة واحدة ف قط‪ ،‬و هى الحالة ال تى ت صل في ها در جة شفافي ته إلى حد ها‬
‫الق صى؛ أى ت ساوى الوا حد ال صحيح‪ ،‬فعندئذ ف قط‪ ..‬تت ساوى القدرات المعرف ية للنظام‬
‫العلمى مع قدراته التكنولوجية‪ .‬وتمثل هذه الحالة مرحلة الستقرار للنظام العلمى‪.‬‬
‫حمّل‬
‫والتى تعنى استغلل النظام العلمى لمقومات كفاءته الذاتية إلى الحد القصى‪ ،‬و َت َ‬
‫ما يمكن أن نسميه ( مؤثرات غير إعلمية ) لمسئولية عدم بلوغ القدرات التكنولوجية ‪-‬‬
‫وبالتالى القدرات المعرفية ‪ -‬لذلك النظام إلى الحد القصى‪ .‬وتتمثل تلك المؤثرات غير‬
‫العلميهة فهى المؤثرات القتصهادية التهى تقلص مهن نسهبة انتشار وسهائل العلم‬
‫بالمجتمع‪ ،‬نتيجة ضعف القدرة القتصادية للسكان فى ذلك المجتمع‪ ،‬مما يعوق قدرتهم‬
‫على حيازة وسائل العلم‪ .‬كما تتمثل فى المؤثرات الثقافية التى تقلص من نسبة انتشار‬
‫‪-‬‬ ‫‪149‬‬ ‫‪-‬‬

‫وسهائل العلم المطبوعهة أو الحاسهبات اللكترونيهة فهى المجتمهع‪ ،‬نتيجهة ارتفاع نسهبة‬
‫المية اللغوية أو الكمبيوترية بين سكان ذلك المجتمع‪ ..‬وهكذا‪.‬‬

‫إ نه يم كن للقدرات المعرف ية للنظام العل مى أن تت ساوى مع در جة شفافي ته فى حالة‬ ‫(‪)4‬‬


‫و صول القدرات التكنولوج ية لذلك النظام إلى حد ها الق صى‪ ،‬و هى حالة غ ير دالة على‬
‫حرية النظام العلمى‪ ،‬إذ يمكن أن توجد فى النظم العلمية الموجهة التى توفر وسائل‬
‫العلم لمواطنيها بنسبة كبيرة لستخدامها فى الدعاية لنظام الحكم‪ ،‬كما يمكن أن توجد‬
‫فى الدول القليلة السكان والمرتفعة من حيث مستواها القتصادى‪.‬‬

‫إ نه ث مة عل قة طرد ية متبادلة ب ين كل من در جة شفاف ية النظام العل مى والقدرات‬ ‫(‪)5‬‬


‫التكنولوجية للنظام العلمى‪ .‬حيث يشير ارتفاع أو انخفاض درجة الشفافية إلى زيادة أو‬
‫محدودية التشريعات المقيدة لنشاء المؤسسات العلمية‪ ،‬ومن ثم زيادة أو محدودية نسبة‬
‫انتشار وسائل العلم فى المجتمع « القدرات التكنولوجية للنظام العلمى »‪ .‬وبالمثل‪..‬‬
‫يش ير ارتفاع أو انخفاض القدرات التكنولوج ية إلى زيادة أو محدود ية انتشار المؤ سسات‬
‫العلم ية فى النظام العل مى‪ ،‬و من ثم ارتفاع أو انخفاض ن سبة المعر فة الكام نة فى‬
‫المعلومات العلمية‪ ،‬والتى تتولى جمعها تلك المؤسسات‪ ،‬بما يعنى ارتفاع أو انخفاض‬
‫« درجة شفافية النظام العلمى »‪.‬‬

‫‪ ..‬إن ما سبق يوضح أن المتغير الوظيفى الحاكم ( التابع ) المتمثل فى « القدرات‬


‫المعرفيهة للنظام العلمهى » يتأثهر طرديا بالرتفاع أو النخفاض فهى كهل مهن المتغيريهن‬
‫الوظيفيين الحاكمين ( المستقلين ) اللذين يشير أحدهما إلى « درجة شفافية النظام العلمى »‬
‫والخر إلى « القدرات التكنولوجية للنظام العلمى »‪.‬‬

‫وبالتالى فإن درا سة الثار ال تى تمار سها عول مة الت صال على هذ ين المتغير ين هى‬
‫التى ستقدم التوصيف الدقيق للدور الذى تمارسه عولمة التصال على القدرات المعرفية للنظم‬
‫العلمية؛ ومن ثم على مدى كفاءتها فى القيام بوظيفتها فى المجتمع ( نوعيا وكيفيا وكميا )‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪150‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪‬المبحـث الثـانى‬
‫القدرات التكنولوجية للنظم العلمية فى ظل البعاد‬
‫العلمية للعولمة‬
‫( من التصال المحدود إلى التصال شبه الكامل )‬

‫كشفهت دراسهة البعاد العلميهة للعولمهة ( عولمهة التصهال ) عهن مظاههر التوحهد‬
‫والتكتهل والندماج‪ ،‬ومظاههر التشظهى والتجزؤ والنقسهام التهى باتهت تميهز توجهات النظهم‬
‫العلمية الراهنة بمؤسساتها العلمية ووسائلها العلمية وجماهيرها من المتلقين‪.‬‬

‫ولقد اكتسبت البعاد العلمية للعولمة قوة دفعها من قاعدة تكنولوجية عريضة نتجت‬
‫عهن التطورات التكنولوجيهة الفائقهة فهى حقول تكنولوجيها التصهال وتكنولوجيها العلم‬
‫وتكنولوجيها المعلومات‪ .‬تلك التطورات التهى كانهت دائما هدفا لسهعى النسهان الدؤوب نحهو‬
‫تحق يق الت صال ش به الكا مل عن بُ عد‪ ،‬والذى ي ستطيع من خلله تجاوز وتخ طى ال صعوبات‬
‫الت صالية الناشئة عن الحوا جز والحدود الجغراف ية المتعل قة بانتقال الت صال من مكان ل خر‪.‬‬
‫وال صعوبات الت صالية الناشئة عن العتبارات الم ساحية والزمن ية المتعل قة بخ صائص و سائل‬
‫الت صال ( إلكترون ية كا نت أم ورق ية )‪ .‬وال صعوبات الت صالية الناشئة عن العتبارات الفن ية‬
‫المتعلقة بمحدودية الموجات المتاحة بالطيف الكهرومغناطيسى المحيط بكوكب الرض‪.‬‬

‫وتمثلت ثمرة هذا السهعى التراكمهى فهى النجاح فهى تحقيهق التكامهل بيهن حقول‬
‫التكنولوجيات الثلث المسهئولة عهن عمليهة التصهال النسهانى ( تكنولوجيها التصهالت ‪-‬‬
‫تكنولوجيا العلم ‪ -‬تكنولوجيا المعلومات )‪ .‬فمن خلل تحقيق التكامل بين هذه التكنولوجيات‬
‫على الم ستوى العضوى‪ ،‬أ صبحت تم ثل ‪ -‬فى مجموع ها ‪ -‬بن ية ماد ية متكاملة لن قل الر سائل‬
‫التصالية العلمية المعلوماتية‪.‬‬

‫وقد أمكن تحقيق « التكامل التكنولوجى العضوى » من خلل اتجاه تكنولوجيا الوسائط‬
‫الناقلة إلى التكا مل عضويا في ما بين ها‪ .‬ح يث تراب طت تكنولوج يا كوا بل اللياف الضوئ ية مع‬
‫تكنولوج يا ا ستغلل الط يف الكهرومغناطي سى مع تكنولوج يا القمار ال صناعية مع تكنولوج يا‬
‫التصالت الرقم ية؛ لكى تشكل شب كة إلكترونية متكاملة عضويا تمثلها الن ‪ -‬بش كل أولى ‪-‬‬
‫البن ية الشبك ية الماد ية ‪ Hard ware‬لشب كة النتر نت‪ ،‬و سيمثلها فى الم ستقبل المنظور بش كل‬
‫‪-‬‬ ‫‪151‬‬ ‫‪-‬‬

‫متكامل « الطريق السريع للمعلومات » كبنية متقدمة من اللياف الضوئية والقمار الصناعية‬
‫المترابطة معا‪.‬‬

‫ولقهد ألقهى التكامهل التكنولوجهى العضوى بظلله على تكنولوجيها الوسهائل ( أجهزة‬
‫التصال والستقبال والعرض )؛ مما أسفر عن تحقيق « التكامل التكنولوجى الهيكلى » في ما‬
‫يتعلق بتكنولوج يا الو سائل‪ ،‬وأدى إلى حدوث تغيرات فى هيا كل وإمكانات و سائل العلم و قد‬
‫تمثلت هذه التغيرات فى التى‪:‬‬

‫دمصج الوسصائل‪ :‬حيهث أسهفر التكامهل التكنولوجهى الهيكلى عهن إنتاج وسهائل العلم‬ ‫•‬
‫والتصهال والمعلومات فهى بنيهة هيكليهة إلكترونيهة واحدة‪ ،‬أو منظومهة جهازيهة جماعيهة‬
‫متكاملة‪ ،‬اتحدت فيهها وسهائل العلم الورقيهة واللكترونيهة معا‪ ،‬بالضافهة إلى المكانات‬
‫التصالية والمعلوماتية‪ .‬بحيث يتم ‪ -‬من خلل تلك البنية الهيكلية اللكترونية المدمجة ‪-‬‬
‫اسهتقبال الرسهال الذاعهى والتليفزيونهى‪ ،‬والصهحف والدوريات والكتهب ذات المواقهع‬
‫هجيلت‬
‫هورة‪ ،‬والتسه‬
‫هرحيات المصه‬
‫هة على شبكات المعلومات‪ ،‬والفلم والمسه‬
‫اللكترونيه‬
‫المسموعة‪ ،‬واستقبال وإرسال المكالمات التليفونية والملفات النصية والرسومية‪.‬‬

‫• حركية الوسائل‪ :‬حيث أدى التقدم التكنولوجى إلى ابتكار وسائل اتصالية إعلمية معلوماتية‬
‫محمولة‪ ،‬تخرج بنطاق التعا مل التصهالى العل مى المعلوماتهى من الما كن المغل قة إلى‬
‫الما كن المفتو حة؛ وبالتالى تحولت تلك الو سائل من الش كل الثا بت إلى الشكال المحمولة‬
‫التى يسهل التعامل معها أثناء الحركة والتنقل وفى كافة المواقف والماكن‪.‬‬

‫ذكاء الوسصائل‪ :‬فمهن خلل تكامهل تكنولوجيها المعلومات مهع تكنولوجيها العلم‬ ‫•‬
‫والتصالت‪ ،‬اكتسبت الوسائل العلمية التصالية المعلوماتية القدرة على تحقيق رغبات‬
‫المسههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههتخدم‬
‫أو المتلقى‪ .‬فمن خلل استخدام برامج المرشحات ‪ Filters‬أو الجهزة الوقائية التى يمكنها‬
‫استقبال الرسائل واستبعاد أخرى‪ ،‬بالضافة إلى إمكانية الرسال والستقبال اللى للرسائل‬
‫العلمية التصالية المعلوماتية دون وجود القائم بالتصال أو المتلقى‪ .‬إن كل ذلك أضاف‬
‫كثيرا إلى إمكانات وسائل العلم‪ ،‬بحيث باتت تتميز بالذكاء اللكترونى‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فل قد أ سفرت التطورات التكنولوج ية الفائ قة ‪ -‬ال سابق عرض ها فى مجالت‬
‫تكنولوج يا الت صالت وتكنولوج يا العلم وتكنولوج يا المعلومات ‪ -‬عن ات ساع نطاق انتشار‬
‫وسائل العلم فى المجتمعات؛ وبالتالى ارتفاع القدرات التكنولوجية للنظم العلمية‪ ،‬حيث إن‬
‫‪-‬‬ ‫‪152‬‬ ‫‪-‬‬

‫منطق التطور التكنولوجى الصناعى يقود إلى تبنى سياسة وفورات النتاج الجماهيرى الكبير‪.‬‬
‫ال مر الذى يؤدى إلى النتاج الض خم والقي مة ال سعرية المنخف ضة‪ ،‬وبالتالى انتشار المبتكرات‬
‫التكنولوج ية فى المجتمعات‪ .‬ول قد أ سفر هذا المن حى عن ات ساع نطاق انتشار و سائل العلم‬
‫المتمثلة فهى أجهزة التليفزيون وأجهزة الريسهيفر الفضائيهة وأجهزة الراديهو وأجهزة الفيديهو‬
‫وأجهزة الكاسيت وأجهزة الكومبيوتر (فى قوالبها الثابتة أو المحمولة)‪ ،‬بالضافة إلى الرتفاع‬
‫فى ح جم الن سخ الموز عة من ال صحف والدوريات والك تب وشرائط الفيد يو وشرائط الكا سيت‬
‫وأقراص الكومبيوتر‪ ،‬علوة على انتشار دور العرض السينمائى ودور العرض المسرحى‪.‬‬

‫‪ ..‬ويوضح الجدول التالى اتساع نطاق انتشار وسائل العلم فى العالم ‪ -‬وخصوصا‬
‫الصحف والذاعة والتليفزيون ‪ -‬طبقا لخر الحصاءات المتاحة بمعرفة « مؤسسة اليونسكو‬
‫للح صاءات » ‪ Unesco Institute for statistics‬التاب عة لمنظ مة « اليون سكو »‪ ،‬وذلك على‬
‫∗‬
‫النحو التالى ‪:‬‬
‫أجهــــزة‬ ‫أجهـــزة الراديــو‬ ‫الصحـــــف اليـــوميــــة‬
‫التلفزيـون‬
‫عدد‬ ‫إجمالى‬ ‫عدد‬ ‫إجمالى‬ ‫عدد‬ ‫إجمال‬ ‫عدد‬
‫الجهزة‬ ‫عدد‬ ‫الجهزة‬ ‫عدد‬ ‫السنـــ‬ ‫النسخ‬ ‫ى‬ ‫الصح‬ ‫السـنـ‬ ‫الجهـــة‬
‫لكل‬ ‫أجهزة‬ ‫لكل (‬ ‫أجهزة‬ ‫ة‬ ‫لكل (‬ ‫عدد‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫ألف‬ ‫التلفزي‬ ‫‪)1000‬‬ ‫الراديو‬ ‫‪)1000‬‬ ‫النسخ‬ ‫اليومية‬
‫فـــرد‬ ‫ون‬ ‫فـــرد‬ ‫فـــرد‬ ‫(مليـو‬
‫(مليـو‬ ‫ن)‬
‫ن)‬
‫‪81‬‬ ‫‪299‬‬ ‫‪245‬‬ ‫‪906‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪392‬‬ ‫‪7947‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫العالم‬
‫‪240‬‬ ‫‪1396‬‬ ‫‪418‬‬ ‫‪2432‬‬ ‫‪1997‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪548‬‬ ‫‪8391‬‬ ‫‪1996‬‬
‫‪4.6‬‬ ‫‪1.6‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪199‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫أفريقيــــــــا‬
‫‪60‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪216‬‬ ‫‪158‬‬ ‫‪1997‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪224‬‬ ‫‪1996‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪171‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪1630‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫آســـــــــــيا‬
‫‪190‬‬ ‫‪672‬‬ ‫‪255‬‬ ‫‪900‬‬ ‫‪1997‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪229‬‬ ‫‪3010‬‬ ‫‪1996‬‬
‫‪205‬‬ ‫‪144‬‬ ‫‪465‬‬ ‫‪327‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫‪281‬‬ ‫‪193‬‬ ‫‪3133‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫أوربـــــــــــا‬
‫‪446‬‬ ‫‪325‬‬ ‫‪729‬‬ ‫‪531‬‬ ‫‪1997‬‬ ‫‪261‬‬ ‫‪190‬‬ ‫‪2115‬‬ ‫‪1996‬‬
‫‪209‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪698‬‬ ‫‪361‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫‪170‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪2876‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫أمريكـــــــــا‬
‫‪429‬‬ ‫‪342‬‬ ‫‪1017‬‬ ‫‪811‬‬ ‫‪1997‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪2939‬‬ ‫‪1996‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪2.7‬‬ ‫‪131‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪2.1‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫الدول‬
‫‪119‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪269‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪1997‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪9.2‬‬ ‫‪140‬‬ ‫‪1996‬‬ ‫العربيــــــــة‬

‫ملحوظة‪ :‬إجمالى عدد النسخ وعدد الجهزة بالمليون‬

‫‪‬‬
‫‪Uneco Institute for statistics, Global statistics ) Culture & Communication (. Available at:‬‬
‫‪http: // portal. unesco. org /uis/ TEMPLATE / html / cult And Com / Table_ IV_ S_ 1.ht1...,‬‬
‫‪) 6 April 2003 (.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪153‬‬ ‫‪-‬‬

‫جدول رقم ( ‪ :) 1‬حجم انتشار الصحف اليومية وأجهزة الراديو وأجهزة‬


‫التليفزيون على مستوى العالم‬
‫فى الفترة من ‪ 1970‬إلى ‪1996/1997‬‬

‫علوة على ذلك ‪ ..‬فقهد شهدت السهنوات العشهر الخيرة مهن القرن العشريهن ارتفاعا‬
‫متزايدا فى استخدام الكمبيوتر الشخصى على مستوى العالم‪ ،‬حيث « ارتفعت أعداد الكمبيوتر‬
‫الشخصى عبر العالم من ‪ 98‬مليون كمبيوتر عام ‪ 1990‬إلى أكثر من ‪ 500‬مليون كمبيوتر عام‬
‫‪.)292(» 2000‬‬

‫المر الذى يوضح أن تكنولوجيا التصالت والعلم والمعلومات قد امتلكت القدرات‬


‫الفائقهة التهى تسهمح لى مجتمهع فهى الوقهت الحالى ‪ -‬إذا امتلك المكانيات القتصهادية‬
‫( النتاجيهة أو السهتيرادية‪ ..‬والسهتهلكية ) والمكانيات الثقافيهة ( انعدام أو انخفاض نسهبة‬
‫المية اللغوية أو الكومبيوترية بين أفراده ) ‪ -‬أن يرتفع بالقدرات التكنولوجية لنظامه العلمى‬
‫إلى مرحلة الت صال ش به الكا مل‪ .‬وبالط بع فإن التكال يف القت صادية المطلو بة للو صول لتلك‬
‫المرحلة سهتتناقص بمرور الوقهت وفقا لمنطهق وفورات الحجهم الكهبير فهى مجال التصهنيع‬
‫التكنولو جى‪ .‬م ما يع نى أن تفوق القدرات التكنولوج ية للن ظم العلم ية الراه نة قد بات أمرا‬
‫اقتر بت م نه بالف عل ب عض الن ظم العلم ية‪ ،‬و ستصل إل يه فى الم ستقبل المنظور با قى الن ظم‬
‫العلمية‪ .‬وذلك نظرا للوضاع التى ترتبها البعاد السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية‬
‫للعول مة‪ ،‬وال تى تد فع ن حو هذا التجاه‪ .‬فالعول مة فى أبعاد ها ال سياسية تد فع ن حو المز يد من‬
‫التحول الديمقراطى‪ ،‬تأثرا بالمشترك النسانى المعنوى الذى يتمثل فى قيمة الحرية النسانية‪.‬‬
‫والتحول الديمقراطهى ‪ -‬كمفهوم ليهبرالى على المسهتوى السهياسى ‪ -‬يدفهع بدوره نحهو التحرر‬
‫على الم ستوى القت صادى‪ ،‬موج ها القت صاديات العالم ية ن حو اقت صاد ال سوق‪ .‬ويؤدى من طق‬
‫التحرر السهياسى والقتصهادى إلى نمهو الوعهى الثقافهى لدى الثقافات والحضارات والهويات‬
‫للتعهبير عهن نفسهها‪ ،‬وللتعرف على الثقافات والحضارات والهويات الخرى‪ ،‬باسهتخدام البعاد‬
‫العلم ية للعول مة على م ستوى الن ظم العلم ية والمؤ سسات العلم ية والو سائل العلم ية‬
‫وجماهير المتلقين‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فإن كهل مها سهبق يدفهع نحهو النتشار الواسهع المدى لوسهائل العلم فهى‬
‫المجتمعات‪ ،‬باعتبارها القناة الموصلة للمعلومات العلم ية التى يوفرها المجت مع‪ ،‬المر الذى‬

‫‪)(Unesco Institute for statistics, Facts and Figures 2000 ) Part 3 - culture and‬‬
‫‪292‬‬

‫= ‪Communication (. P. 31. Available at: http: // Portal. Unesco. org / uis/ ev. Php? uRL_ ID‬‬
‫‪3830, ) 6 April 2003 (.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪154‬‬ ‫‪-‬‬

‫يعنى تصاعد القدرات التكنولوجية للنظم العلمية تدريجيا حتى تصل إلى حدها القصى الذى‬
‫يمكن أن نطلق عليه « مرحلة التشبع التكنولوجى العلمى »‪.‬‬

‫ول عل التطور التكنولو جى المت سارع ل يج عل من هذه المرحلة أمرا بع يد المنال‪ ،‬بل‬
‫هى قيد التحقق‪ ،‬نظرا لما يرتبه التكامل التكنولوجى الهيكلى من فرصة دمج الوسائل العلمية‬
‫كل ها فى بن ية جهاز ية إلكترون ية مدم جة‪ ،‬بح يث لو تو فر ل كل أ سرة على و جه الرض جهاز‬
‫كمهبيوتر يرتبهط بخهط تليفون؛ فإن ذلك يعنهى إمكانيهة وصهولها إلى كافهة الوسهائل العلميهة‬
‫المتاحة فى العالم‪.‬‬

‫ويوضهح الجدول التالى وصهول بعهض الدول المتقدمهة إلى مرحلة التشبهع العلمهى‬
‫بالف عل ( تقريبا ) م نذ عام ‪ ،90/91‬في ما يتعلق بامتلك أجهزة التليفزيون‪ ،‬وتحقيق ها لم ستويات‬
‫مرتف عة فى عدد أجهزة الك مبيوتر الم ستخدمة‪ ،‬طبقا لح صاءات عام ‪ ،2000‬وذلك وفقا للن حو‬
‫التالى(‪:)293‬‬
‫عدد أجهزة الكمبيوتر‬ ‫نسبة امتلك السر‬
‫لكل (‪ )1000‬فرد‬ ‫لجهزة التليفزيون‬ ‫الـــــدولــــة‬
‫عام ‪2000‬‬ ‫عام ‪1991 - 1990‬‬
‫‪585‬‬ ‫‪98%‬‬ ‫الوليات المتحدة‬

‫‪465‬‬ ‫‪97%‬‬ ‫ههههههههههههها‬


‫بلجيكه‬

‫‪432‬‬ ‫‪98%‬‬ ‫الدنمارك‬

‫‪305‬‬ ‫‪95%‬‬ ‫فرنسهههههههههههههها‬

‫‪209‬‬ ‫‪98%‬‬ ‫ههههههههههههها‬


‫إيطاليه‬

‫‪395‬‬ ‫‪95%‬‬ ‫هولندا‬

‫‪143‬‬ ‫‪98%‬‬ ‫ههههههههههههبهانيا‬


‫أسه‬

‫‪507‬‬ ‫‪97%‬‬ ‫السهههههههههههههويد‬

‫‪502‬‬ ‫‪93%‬‬ ‫سهههههههههههههويسرا‬

‫‪338‬‬ ‫‪98%‬‬ ‫المملكهههههههههة المتحدة‬

‫جدول رقم (‪ :)2‬مرحلة التشبع العلمى التليفزيونى والمستويات المرتفعة لعدد‬


‫أجهزة الكمبيوتر بالدول المتقدمة‬

‫‪ ..‬ولن يقتصر هذا التقدم التدريجى نحو مرحلة التشبع العلمى على الدول المتقدمة‬
‫ف قط‪ ،‬بل سيمتد إلى كا فة دول العالم‪ .‬إذ إن محدود ية المكانات القت صادية أو الثقاف ية‪ ،‬وال تى‬

‫‪)(Comparative International Statistics )2002( No.1359 & Comparative Internatioinal‬‬


‫‪293‬‬

‫‪Statistics )1996( No. 1339. Available at: http: // www. census. gov, ) 6 April 2003 (.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪155‬‬ ‫‪-‬‬

‫يم كن أن تعوق ت صاعد القدرات التكنولوج ية للن ظم العلم ية إلى حد ها الق صى قد با تت ‪-‬‬
‫وفقا ل سياسات وفورات الح جم ال كبير وانخفاض القي مة ال سعرية للمبتكرات التكنولوج ية؛ ووفقا‬
‫للنتشار المتصهاعد للتعليهم على مسهتوى العالم تأثرا بكافهة التحولت التهى تطرحهها ظاهرة‬
‫العولمة ‪ -‬فى مآلها إلى الزوال التدريجى‪ ،‬بحيث يمكن لكافة المجتمعات الوصول فى المستقبل‬
‫المنظور إلى مرحلة النظم العلمية ذات القدرات التكنولوجية الكاملة‪.‬‬

‫وهذا يوضهح أن القدرات التكنولوجيهة للنظهم العلميهة فهى ظهل البعاد العلميهة‬
‫للعول مة وأبعاد ها ( ال سياسية والقت صادية والثقاف ية ) تند فع ن حو الت صاعد المت سارع‪ ،‬بح يث‬
‫تصل فى المستقبل المنظور إلى حدها القصى‪.‬‬
‫ك ما يو ضح أيضا‪ ..‬أن التطور التكنولو جى فى ح قل « الت صال الن سانى الجماهيرى‬
‫عن بُعد » كان يقود دائما عملية التصال نحو القتراب من أسلوب التصال شبه الكامل عن‬
‫بُعد‪ ،‬والذى يتلفى كافة الفجوات التصالية التى كانت تصنعها الفواصل المكانية والجغرافية‬
‫والخ صائص الفن ية والزمن ية والم ساحية لو سائل العلم والت صال‪ ...‬ف من الكتاب المخطوط‬
‫هى إلى‬
‫هو إلى التليفزيون الرضه‬
‫هة إلى الراديه‬
‫هحيفة الجماهيريه‬
‫إلى الكتاب المطبوع إلى الصه‬
‫التليفزيون الفضائى إلى شبكهة النترنهت‪ ،‬كان كهل تطور مهن تلك التطورات يسهد فجوة فهى‬
‫محدودية التصال‪ ،‬ويدفعه نحو أسلوب التصال النسانى الجماهيرى شبه الكامل عن بُعد‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪156‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الثـالث‬
‫درجة شفافية النظم العلمية فى ظل البعاد العلمية‬
‫للعولمة‬
‫( القيود المعرفية فى النظم العلمية )‬

‫أدت البعاد السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية للعولمة إلى تطور درجة شفافية‬
‫النظم العلمية‪ .‬حيث أدت العولمة السياسية ‪ -‬بدفعها نحو الديمقراطية ونمو المجتمع المدنى‬
‫وتقل يص سيادة الدولة ‪ -‬إلى تدع يم قوة الن ظم العلم ية وات ساع مدى ا ستقللها عن ال سلطة‪.‬‬
‫ك ما أدت العول مة القت صادية إلى تنا مى قوة المؤ سسات العلم ية وات ساع أ سواقها المحتملة‪،‬‬
‫وبالتالى ازدياد حجم جماهيرها المستهدفة‪ .‬كما أدت العولمة الثقافية ‪ -‬بما تطرحه من مظاهر‬
‫للتو حد والتجزؤ في ما يتعلق بالثقا فة والحضارة والهو ية ‪ -‬إلى ن مو ملحوظ فى ح جم المعارف‬
‫النسانية المتداولة والتى تستهدف العالم ككل أو القوميات المتعددة‪ .‬كما أدت العولمة التصالية‬
‫‪ -‬بمها تطرحهه مهن مظاههر للتكتهل والنقسهام فيمها يتعلق بالنظهم العلميهة ومكوناتهها مهن‬
‫المؤ سسات العلم ية وو سائل العلم وجماه ير المتلق ين ‪ -‬إلى ازدياد مهول فى ح جم المواد‬
‫العلمية المتداولة على مستوى العالم‪.‬‬

‫ول قد أ سفر كل ما سبق عن عدد من التطورات ال تى أضا فت إلى إمكانات الر سائل‬
‫العلمية‪ ،‬باعتبارها الطرف المعرفى الذى تشير نسبة المعرفة الكامنة فيه إلى درجة شفافية‬
‫النظم العلمية‪ .‬وتمثلت تلك التطورات فى التى‪:‬‬

‫‪•0‬التضخصم الكمصى للرسصائل العلميصة‪ :‬فلقهد أدت عولمهة التصهال الجماهيرى مهن خلل‬
‫المحطات الفضائية وشبكة النترنت‪ ،‬إلى سريان فيض من الرسائل العلمية التى تنهمر‬
‫ل يل نهار من ش تى البقاع والرجاء‪ .‬ح يث أ سفر التطور فى تكنولوج يا المعلومات عن‬
‫“ ظاهرة غيهر مسهبوقة‪ ..‬فزيادة المعلومات تدفهع إلى المزيهد مهن تطور تكنولوجيها‬
‫المعلومات‪ .‬وتطوير تكنولوجيا المعلومات يقود إلى توالد المعلومات ”(‪ .. )294‬وهكذا‪.‬‬

‫‪•0‬ديناميكيصة الرسصائل العلميصة‪ :‬حيهث توفهر شبكات المعلومات بقدراتهها الرقميهة رسهائل‬
‫ديناميك ية تحتوى على عنا صر ن صية ور سومية وفيديو ية و صوتية‪ .‬و هو ما يض فى على‬
‫المحتوى العلمى قدرا كبيرا من الديناميكية تتمثل فى قدرته على التحول من شكل إلى‬

‫() محمود علم الدين ومحمد تيمور عبد الحسيب‪ ،‬الحاسبات اللكترونية وتكنولوجيا التصال‪ .‬ص ‪.20‬‬ ‫‪294‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪157‬‬ ‫‪-‬‬

‫آخر بسهولة‪ ،‬خلفا للستاتيكية والثبات التى كان يتميز بها المحتوى العلمى فى العقود‬
‫السابقة‪.‬‬

‫‪•0‬مرونة الرسائل العلمية‪ :‬فلقد أدت المكانيات التفاعلية فى شبكات المعلومات إلى توفير‬
‫إمكانية اتفاق الرسائل العلمية مع رغبات المتلقى‪ ،‬المر الذى وفر مرونة كبيرة كانت‬
‫مفتقدة فى العلم غير التفاعلى‪.‬‬

‫‪•0‬حرية انتقال الرسائل العلمية‪ :‬حيث أدى البث التليفزيونى الفضائى المباشر إلى اختراق‬
‫حدود الدول‪ ،‬وبالتالى ا ستحالة ممار سة الرقا بة على الر سائل العلم ية الفضائ ية القاد مة‬
‫من الدول الخرى‪ .‬كما أدت فاعليات شبكة النترنت إلى صعوبة تحكم السلطات الوطنية‬
‫فى الطوفان المعلوماتى الذى توفره الشبكة‪ .‬مما أتاح الفرصة لتوفير قدر كبير من حرية‬
‫انتقال الرسهائل العلميهة متخطيهة فهى ذلك الحدود الدوليهة والحواجهز الجغرافيهة والقيود‬
‫القانونية‪.‬‬

‫ولقد دفعت كل هذه التطورات التى طرأت على إمكانات الرسائل العلمية نحو إرغام‬
‫النظم العلمية على الكشف عن بعض المعلومات التى كانت تريد حظرها؛ بسبب نشرها من‬
‫خلل نظم إعلمية أخرى عبر البث الفضائى المباشر أو عبر شبكة النترنت‪ .‬المر الذى دعم‬
‫من درجة شفافية النظم العلمية‪ ،‬ولكن بنسبة بسيطة‪ ،‬حيث إن عائق اللغة يقلص من حجم‬
‫التعرض للر سائل العلم ية الجنب ية‪ ،‬بالضا فة إلى عدم قدرة الن ظم العلم ية الجنب ية على‬
‫متاب عة كا فة القضا يا المحل ية فى البلدان الخرى؛ لهتمام ها فى المقام الول بمتاب عة قضا يا‬
‫البلدان التى تنتمى إليها‪.‬‬

‫ول يمكهن تجاههل أن كافهة تلك التطورات قهد أدت إلى تدعيهم « درجهة شفافيهة النظهم‬
‫العلميهة »؛ ومهن ثهم تدعيهم القدرات المعرفيهة لتلك النظهم‪ ،‬مقارنهة بقدراتهها المعرفيهة فهى‬
‫الماضى القريب‪ .‬ولكن الواقع يقرر أن ثمة قيودا معرفية مازالت تمارس دورها كحواجز فى‬
‫و جه ال سريان ال حر والوا فى للمعر فة الكام نة فى المعلومات العلم ية المنشورة‪ ،‬ال مر الذى‬
‫يؤثر بالسلب على درجة شفافية النظم العلمية؛ وبالتالى على القدرات المعرفية لتلك النظم‪.‬‬
‫حيهث ل يمكهن الرتفاع بالقدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة لكهى تتسهاوى مهع قدراتهها‬
‫التكنولوجيهة‪ ،‬إل مهن خلل الرتفاع بدرجهة شفافيهة النظهم العلميهة إلى حدهها القصهى‪،‬‬
‫أو بعبارة أخرى النخفاض بالقيود المعرفيهة على المعلومات العلميهة فهى المجتمهع إلى‬
‫ال صفر‪ ،‬وذلك وفقا للعل قة الرياض ية ‪ -‬ال سابق توضيح ها ‪ -‬ب ين القدرات المعرف ية والقدرات‬
‫التكنولوجيهة ودرجهة شفافيهة النظهم العلميهة‪ .‬وبالتالى فإن مهمهة محاصهرة القيود المعرفيهة‬
‫‪-‬‬ ‫‪158‬‬ ‫‪-‬‬

‫الكائنة بالنظم العلمية والعمل على إلغائها‪ ،‬تُعد مهمة ضرورية للرتفاع بالقدرات المعرفية‬
‫للنظم العلمية حتى تتساوى مع قدراتها التكنولوجية‪.‬‬

‫ويم كن تعر يف « القيود المعرف ية » بأن ها « مجمو عة العوائق ال تى تؤ ثر سلبيا ‪-‬‬


‫بأسلوب مباشر أو غير مباشر ‪ -‬على درجة شفافية النظم العلمية والقدرات التكنولوجية‬
‫لتلك النظم؛ ومن ثم على القدرات المعرفية للنظم العلمية »‪.‬‬

‫وتمارس القيود المعرف ية تأثير ها على القدرات التكنولوج ية للن ظم العلم ية ب صورة‬
‫غيهر مباشرة‪ ،‬وذلك مهن خلل إعاقتهها للنتشار الطهبيعى للمؤسهسات العلميهة فهى المجتمهع‬
‫نتيجة ربط خطوات إنشائها بالعديد من الشروط والمتطلبات العسيرة؛ مما يؤدى إلى انخفاض‬
‫عدد المؤ سسات العلم ية بالمجت مع وضعف ها‪ ،‬وبالتالى انخفاض ن سبة انتشار و سائل العلم‬
‫فى ذلك المجتمع؛ ومن ثم انخفاض القدرات التكنولوجية للنظام العلمى‪.‬‬
‫بينمها تمارس القيود المعرفيهة تأثيرهها بصهورة مباشرة على درجهة شفافيهة النظهم‬
‫العلمية‪ ،‬وذلك من خلل قيامها بحجب نوعيات معينة من المعلومات العلمية عن النشر‪،‬‬
‫المر الذى يؤدى إلى انخفاض نسبة المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية المنشورة؛ ومن ثم‬
‫انخفاض درجة شفافية النظم العلمية‪.‬‬

‫ويوضح التحليل التاريخى لمدى فاعلية القدرات المعرفية للنظم العلمية أن محدودية‬
‫نسبة انتشار وسائل العلم (تاريخيا) فى المجتمعات‪ ،‬أدت إلى اللقاء بمسئولية النخفاض فى‬
‫القدرات المعرفيهة لتلك النظهم على عاتهق قدراتهها التكنولوجيهة المحدودة‪ ،‬التهى لم تكهن تسهمح‬
‫بتكوين مردود معرفى مرتفع للمعلومات العلمية المنشورة فى هذه المجتمعات‪.‬‬
‫ول كن مع الوا قع الجد يد الذى تطر حه العول مة بأبعاد ها ال سياسية والقت صادية والثقاف ية‬
‫والعلمية‪ ،‬فإن المكانية التكنولوجية المتاحة الن للنظم العلمية للوصول إلى مرحلة التشبع‬
‫العلمى التكنولوجى أدت إلى انتشار وسائل العلم فى المجتمعات؛ ومن ثم الرتفاع بالقدرات‬
‫التكنولوجية للنظم العلمية مقارنة بالماضى‪ .‬وبالتالى فقد أدى هذا إلى توارى النطباع السائد‬
‫تاريخيا حول مسهئولية القدرات التكنولوجيهة المحدودة عهن انخفاض القدرات المعرفيهة للنظهم‬
‫العلميهة‪ ،‬وانتقال تلك المسهئولية إلى القيود المعرفيهة السهائدة فهى المجتمهع‪ ،‬والتهى تؤدى إلى‬
‫انخفاض درجة شفافية النظم العلمية؛ ومن ثم انخفاض القدرات المعرفية لتلك النظم‪.‬‬

‫وتتكون القيود المعرفية الكائنة ببنية النظم العلمية الراهنة من نوعين من القيود‪:‬‬
‫• القيود المجتمعية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪159‬‬ ‫‪-‬‬

‫• القيصود الذاتيصصصصة‪.‬‬
‫وسنعرض لهذه القيود بنوعيها على النحو التالى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬القيود المجتمعية على القدرات المعرفية للنظم العلمية‪:‬‬


‫تشيهر القيود المجتمعيهة‪ ..‬إلى القيود السهائدة فهى المجتمعات والتهى تؤدى إلى تقليهص‬
‫نسهبة المعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة الداخلة إلى المؤسهسات العلميهة‪ .‬وتتمثهل تلك‬
‫القيود فى الدساتير والقوانين السارية أو العراف والممارسات العملية السائدة فى المجتمعات‬
‫لتقييد حرية التعبير‪.‬‬

‫وبالتالى فإن « القيود المجتمعية » تنقسم وفقا لهذا التوصيف إلى نوعين‪:‬‬
‫• القيود التشريعية‪.‬‬
‫• القيصصود العمليصصصة‪.‬‬
‫وسنعرض لكل من النوعين على النحو التالى‪:‬‬

‫(‪ )1‬القيود التشريعية على القدرات المعرفية للنظم العلمية‪:‬‬


‫تشيهر « القيود التشريعيهة »‪ ..‬إلى القيود المجتمعيهة المقررة بموجهب التشريعات‬
‫( الد ساتير والقوان ين ) المقي ـِدة لحر ية الت عبير‪ ،‬وال تى تؤدى إلى تقل يص ن سبة المعلومات‬
‫الداخلة إلى المؤسسات العلمية‪.‬‬
‫وتمارس تلك التشريعات فاعلياتهها مهن خلل تقييدهها لمجموعهة « الحقوق العلميهة‬
‫∗‬
‫للنسان » ‪ .‬وبالتالى فإن تلك التشريعات تنقسم إلى‪:‬‬

‫أ ‪ -‬التشريعات المقيـِدة لحق الجماهير فى المعرفة‪:‬‬


‫∗‬
‫وهى مجموعة التشريعات التى تتولى حماية « الحقوق المضادة للحقوق العلمية » ‪،‬‬
‫وتتكون من التشريعات التالية‪:‬‬
‫تشيهر " الحقوق العلميهة للنسهان " إلى مجموعهة الحقوق التهى تكفهل للطراف الفاعلة فهى العمليهة العلميهة ( القائميهن‬ ‫‪‬‬

‫بالتصال وجماهير المتلقين )‪ ،‬ممارسة حريتها فى التعبير‪ .‬وتنقسم هذه الحقوق وفقا لمجال عملها إلى‪ :‬الحقوق العلمية العامة‪،‬‬
‫والحقوق العلمية الخاصة‪ ،‬والحقوق العلمية المساعدة‪.‬‬
‫هة‬
‫هق المعرفه‬
‫هن مفهوم حه‬
‫هرى مه‬ ‫هى المصه‬ ‫هف النظام العلمه‬‫هر المعلومات وموقه‬‫هد محفوظ‪ ،‬عصه‬ ‫هر‪ :‬محمه‬‫انظه‬
‫( دراسة نظرية فى الحقوق العلمية للنسان )‪ .‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬كلية الداب‪ ،‬جامعة السكندرية‪،1998 ،‬‬
‫صفحات ‪.184 - 174‬‬

‫تشيهر " الحقوق المضادة للحقوق العلميهة " إلى مجموعهة الحقوق الخاصهة بالفرد أو المجتمهع والتهى تسهتهدف فرض‬ ‫∗‬ ‫‪‬‬

‫نطاق لحماية الفرد أو المجتمع من تدخل المؤسسات العلمية أو اقتراب الجماهير‪ .‬وبالتالى فهى تنقسم إلى كل من‪ :‬الحقوق‬
‫المجتمعية المضادة للحقوق العلمية‪ ،‬والحقوق الفردية المضادة للحقوق العلمية‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫انظر‪ :‬محمد محفوظ‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬صفحات ‪187 - 185‬‬
‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪160‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬تشريعات حماية المن القومى والسرار العامة‪.‬‬


‫‪ -‬تشريعات حماية أخلقيات وقيم المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬تشريعات حماية تشريعات المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬تشريعات حماية مبادئ ورموز وسلطات وطوائف المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬تشريعات حماية السمعة والعتبار من التشهير والقذف‪.‬‬
‫‪ -‬تشريعات حماية الخصوصية والسرار الخاصة‪.‬‬
‫‪ -‬تشريعات كفالة عدالة المحاكمات القضائية‪.‬‬

‫التشريعات المقيـِدة لحق المؤسسات العلمية فى العلم‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬


‫وههى التشريعات الخاصهة بتنظيهم عمهل المؤسهسات العلميهة العاملة فهى مجالت‬
‫( الصهحافة ‪ -‬الذاعهة والتليفزيون ‪ -‬الكتاب والمطبوعات ‪ -‬المصهنفات السهمعية‬
‫والبصرية ‪ -‬المعلومات ‪ -‬الدعاية والتوجيه والعلن )‪.‬‬
‫وتتح كم تلك التشريعات فى قوا عد م نح التراخ يص للمؤ سسات العلم ية والعلمي ين‬
‫وقوا عد الرقا بة على تلك المؤ سسات وقوا عد إنشاء مجالس ال صحافة ومواث يق الشرف‬
‫الصحفى‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫التشريعات المقيـِدة لحق المجتمع فى التصال‪:‬‬ ‫ج‪-‬‬


‫وههى التشريعات الخاصهة بتنظيهم مرافهق التصهالت وتعريفات التصهالت وكافهة‬
‫المور المتعلقة بالنشطة التصالية فى المجتمع‪.‬‬

‫(‪ )2‬القيود العملية على القدرات المعرفية للنظم العلمية‪:‬‬


‫تشير « القيود العملية »‪ ..‬إلى القيود المجتمعية الناتجة عن غياب التشريعات الضامنة‬
‫لحريهة المعلومات العلميهة فهى المجتمهع‪ .‬وبالتالى فههى قيود يفرضهها الواقهع العملى الذى‬
‫يحظر بعض المعلومات عن المؤسسات العلمية على الرغم من عدم خضوع هذه المعلومات‬
‫للقيود التشريعية السارية فى المجتمع‪.‬‬

‫وبالتالى فإن « القيود العمليهة » تنشهأ فهى المجتمعات نتيجهة شيوع مفهوم السصرية‪،‬‬
‫وعدم تطبيق تشريعات تكبّل ذلك المفهوم‪ ،‬وتضمن حرية الوصول والطلع والحصول على‬
‫المعلومات‪.‬‬
‫وتواجهه المؤسهسات العلميهة فهى المجتمعات التهى تخلو مهن قوانيهن ضامنهة لحريهة‬
‫المعلومات‪ ،‬مأزق عدم إمكانية الحصول على المعلومات المشروعة‪ ،‬والتى تخفيها الحكومات‬
‫أو المؤسسات أو الفراد تحت طبقات من السرية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪161‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولعل الواقع يقرر‪ ..‬أن فاعلية القيود العملية فى أى مجتمع ‪ -‬من خلل شيوع مفهوم‬
‫السهرية وغياب مفهوم العلنيهة ‪ -‬تؤدى إلى ارتفاع درجهة عدم اليقيهن‪ ،‬وإلى اتسهاع مسهاحة‬
‫الغيب حول شئون الواقع لدى أفراد المجتمع‪ ،‬بالضافة إلى سيادة قناعات عدم الثقة فى أهلية‬
‫الجماهيهر للمعرفهة‪ ،‬إذ إن ” السهرية تُعتهبر دائما نقيضا للتعهبير الحهر وضده‪ .‬ولعنهة على‬
‫الديمقراطية المفتوحة‪ .‬كما إنها تُعتبر دافعا غريزيا لدى الحكومة‪ .‬فمنذ بدء وجود المة ظلت‬
‫ال سلطة التنفيذ ية تض غط بشدة وبا ستمرار على حقوق ها الد ستورية والفل سفية فى تكم يم الت عبير‬
‫ح تى تح مى أ سرار الدولة “(‪ .)295‬وبالتالى فإن تدع يم حق الجماه ير فى المعر فة ‪ -‬فى ظل‬
‫آليات السرية ‪ -‬يدفع إلى التساؤل حول ” كيف يمكن تكوين تقنيات جديدة تحقق توازنا جديدا‬
‫فى السيطرة على المعلومات بين السلطات المركزية والجمهور بمعناه الواسع “(‪.)296‬‬

‫وربما يبدو من الواضح ‪ -‬فى ظل التقدم التكنولوجى الهائل ‪ -‬أن السلطات الحكومية‬
‫با تت تف قد كثيرا من أساليب الستئثار بالمعلومات‪ ،‬وخ صوصا فى ظل التقدم المطرد لشبكات‬
‫المعلومات‪ ،‬وسهولة وصول الجماهير إلى المواقع المعلوماتية‪ .‬ولكن على الرغم من ذلك فإن‬
‫ال سرية ال تى تفرض ها الشركات والمؤ سسات على ب عض معلومات ها الخا صة ال تى ل تحمي ها‬
‫القوانين تحت دعوى عدم النيل من مراكزها التنافسية فى السواق‪ .‬بالضافة إلى السرية التى‬
‫تفرضها الحكومات على كم غير قليل من المعلومات التى ل تمتد إليها قوانين حماية السرار‬
‫العامة تحت دعوى انتمائها إلى المعلومات المتعلقة بالمن القومى وأسرار الدولة‪ .‬علوة على‬
‫السهرية الخاصهة ببعهض معلومات الفراد التهى ل تحميهها القوانيهن تحهت دعوى حمايهة‬
‫الخ صوصية‪ ..‬إن كل تلك الحوا جز المتتاب عة من ال سرية تج عل من ال صعب التحدث عن ”‬
‫مجت مع المعلومات‪ ..‬الذى أ صبح من ال صعب إدرا كه فى ظل قوا عد ال سرية المتنام ية على‬
‫المعلومات‪ ،‬إل لو افترض نا أن الحياة قابلة للتقلص إلى مجرد « بايتات »‪ ،‬بح يث ت صبح وحدة‬
‫واحدة من المعلومات أك ثر نفعا للديمقراط ية من غير ها “(‪ .)297‬وبالط بع فإن ل فظ ( غير ها )‬
‫يعود على المعلومات المحظورة تحت بند السرية‪.‬‬

‫وفهى الواقهع فإن السهرية ترتبهط ‪ -‬فهى أغلب الحوال ‪ -‬بالفسهاد وبالتالى ” فإن نظهم‬
‫الحكم المخادعة ( أو المؤسسات أو الفراد ) هى التى تؤيد السرية لخفاء ممارساتها الملتوية‬
‫وتعاملتها المريبة؛ لعتقادها بأن السرية تؤدى إلى التعجيل بإنجاز السياسات الحكومية‪ .‬وذلك‬

‫() رودنى أ‪ .‬سمولل‪ ،‬حرية التعبير فى مجتمع مفتوح‪ .‬ترجمة كمال عبد الرؤوف‪ ،‬ص ‪.447‬‬ ‫‪295‬‬

‫() و‪ .‬رسل نيومان‪ ،‬مستقبل الجمهور المتلقى‪ .‬ترجمة محمد جمول‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪296‬‬

‫‪)(Downing, John, “ Government Secrecy and the media in the united states and Britain, ” In‬‬
‫‪297‬‬

‫‪Peter Golding, & Murdock, Graham & Schlesinger, Philip, communicating Politics‬‬
‫‪) Mass communication and the Political process (. p. 170.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪162‬‬ ‫‪-‬‬

‫ا ستنادا إلى عدم الث قة فى اختيارات الجماه ير‪ .‬ال مر الذى يبرر الممار سة ال سرية في ما يتعلق‬
‫بكافة الشئون العامة “(‪.)298‬‬

‫وبالتالى فطالمها ظلت قيود السهرية تقلص القدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة‪ ،‬فإن‬
‫” مسهألة‪ ،‬متهى تسهتطيع الدولة‪ ..‬أن تتدخهل لفرض الحظهر على مضمون التصهالت‪ ،‬سهتظل‬
‫م سألة مركز ية من الم سائل ال تى تش غل الحق بة الحدي ثة “(‪ .)299‬وانطلقا من هذا‪ ..‬ي صبح من‬
‫الهام جدا التأك يد على الحقي قة المتمثلة فى ” أن فكرة مجت مع المعلومات تع نى أن هذا المجت مع‬
‫يعتمهد على اسهتخدام المعلومات‪ ،‬وليهس على اعتبار أن هذا المجتمهع ينتهج المعلومات فحسهب‬
‫”(‪.)300‬‬

‫ثانياً‪ :‬القيود الذاتية على القدرات المعرفية للنظم العلمية‪:‬‬


‫تشيهر « القيود الذاتيهة »‪ ..‬إلى القيود التهى تقلص نسهبة المعرفهة الكامنهة بالمعلومات‬
‫الخارجهة مهن المؤسهسات العلميهة إلى جماهيهر المتلقيهن‪ .‬وتضطلع المؤسهسات العلميهة‬
‫بممار سة هذه القيود بمبادرة ذات ية من ها‪ ،‬ا ستجابة لم صالح واتجاهات ب عض القوى المجتمع ية‪،‬‬
‫واستنادا إلى المرجعية الفلسفية التى يتبناها النظام العلمى‪.‬‬

‫(‪ )1‬تصنيف القيود الذاتية‪:‬‬


‫يتضح من التوصيف السابق للقيود الذاتية‪ ..‬أنها تنقسم إلى عدد من القيود كالتالى‪:‬‬
‫‪ -‬قيود الملكية الحتكارية‬ ‫‪ -‬قيود السيطرة الحكومية أوالحزبية أوالمؤسسية‬
‫‪ -‬قيود فلسفية‬ ‫‪ -‬قيود الجمهور الموجه‬
‫وسنعرض لهذه القيود على النحو التالى‪:‬‬

‫أ ‪ -‬قيود السيطرة الحكومية أو الحزبية أو المؤسسية‪:‬‬


‫تشيهر قيود السهيطرة الحكوميهة أو الحزبيهة أو المؤسهسية إلى المحاولت ‪ -‬المعلنهة‬
‫أو المسهتترة ‪ -‬للحكومات أو الحزاب أو المؤسهسات للسهيطرة على مصهادر المعلومات‪ .‬وتبدو‬
‫المؤسسات العلمية ‪ -‬فى هذا الصدد ‪ -‬المرشح الول لقبضة هذه السيطرة‪ .‬ومن هنا يبدو من‬
‫الهام ملحظهة طبيعهة ” العل قة ب ين المؤسهسات السهياسية ( الحكومات والحزاب ) والمؤسهسات‬
‫العلمية‪ .‬وتنبع هذه العلقة من طبيعة الرتباط بين رجل السياسة والعلم الناتج عن التفاعل‬

‫() أنتونى ديبونز وأسترهورن وسكوت كرونينويز‪ ،‬علم المعلومات والتكامل المعرفى‪ .‬ترجمة أحمد أنور بدر ومحمد فتحى‬ ‫‪298‬‬

‫عبد الهادى‪ ،‬ص ‪.231‬‬


‫‪)(Thayer, Frank, Legal Control of the Press. p. 165.‬‬
‫‪299‬‬

‫() نعوم تشومسكى‪ ،‬ردع الديمقراطية‪ .‬ترجمة فاضل جتكر‪ ،‬ص ‪.396‬‬ ‫‪300‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪163‬‬ ‫‪-‬‬

‫المستمر بينهما‪ .‬ويمكن رؤية هذا التفاعل من خلل رغبة كل النظامين فى المحافظة على النظام‬
‫الخر‪ ،‬وكذلك الشتراك فى انتاج الرسالة العلمية‪ .‬حيث نجد أن العضاء فى قمة الجهازين قد‬
‫يحتفظون باتصهالت مسهتمرة بينهمها تهدف إلى تنظيهم العلقات فيمها بينهمها‪ ،‬أو لحهل أوجهه‬
‫ال صراعات المحت مل تواجد ها “ (‪ .)301‬ول تقت صر علقات ال سيطرة ب ين ال سياسيين ( الحكومي ين‬
‫أو الحزبي ين ) وب ين المؤ سسات العلم ية على العلقات غ ير الر سمية‪ ،‬وإن ما تم تد إلى علقات‬
‫السيطرة الرسمية والمعلنة التى يمارسونها على المؤسسات العلمية الحكومية أو الحزبية‪ .‬والتى‬
‫قد تكون مفهومة إذا اقتصرت على تخصيص مساحات وبرامج لعرض وجهات النظر الحكومية‬
‫والحزب ية‪ .‬ولكن ها ل يم كن أن تكون مفهو مة إذا تور طت فى م نع ن شر وجهات الن ظر الخرى‬
‫المضادة للحكومة أو الحزب‪ ،‬أو إذا تورطت فى تحريف مضامين الخبار بما يتلءم مع توجهاتها‬
‫السهياسية‪ ..‬ونفهس المهر ينطبهق على علقات السهيطرة بيهن المؤسهسات الخاصهة والمؤسهسات‬
‫العلميهة‪ .‬والتهى تتهم مهن خلل العل قة غيهر الرسهمية‪ ،‬أو العل قة الرسهمية النابعهة مهن ملكيهة‬
‫المؤسسة الخاصة للمؤسسة العلمية وتجنيدها لخدمة أهدافها التجارية أو الصناعية أو الربحية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬قيود الملكية الحتكارية‪:‬‬


‫تشير قيود الملكية الحتكارية إلى الدور الذى تلعبه الملكية الحتكارية فى إعاقة النمو الحر‬
‫للقدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة فهى المجتمهع‪ .‬ذلك ” أن الحتكار يقولب والمنافسهة تؤدى إلى‬
‫التنوع “ (‪ .)302‬ول عل وا قع التجاه ن حو الندماجات العلم ية لتكو ين مؤ سسات أ كبر يطرح أهم ية‬
‫متابعة أساليب العمل داخل تلك المؤسسات حيث ” تتعدد ضغوط المؤسسة ( على العاملين بها )‪..‬‬
‫وتتمثل هذه الضغوط فى عوامل خارجية وداخلية‪ .‬وتعنى العوامل الخارجية موقع الوسيلة من النظام‬
‫الجتماعى القائم‪ ،‬ومدى ارتباطها بمصالح معينة‪ ..‬أما العوامل الداخلية فتشمل‪ :‬نمط الملكية وأساليب‬
‫السهيطرة والنظهم الداريهة وضغوط النتاج‪ .‬وتلعهب هذه العوامهل دورا مهما وملموسها فهى شكهل‬
‫المضمون الذى يُقدم للجمهور‪ .‬كما إنها تنتهى بالقائم بالتصال إلى أن يصبح جزءا من الكيان العام‬
‫(‪) 304‬‬
‫للمؤسسة “(‪ .) 303‬بحيث يتحول القائمون بالتصال إلى ” موظفين فى بيروقراطية جمع البناء “‬
‫وطالمها أن ” صهانعى الرأى باتوا يراقبون أنفسههم‪ ،‬ولم يعهد شهئ يفزع أصهحاب الملكيهة يسهتطيع‬
‫الو صول إلى المطب عة‪ .‬فإن ما يم كن أن ير عب أ صحاب الملك ية ي تم عموما إبقاؤه بعيدا عن أنظار‬
‫الجمهور بقدر مذهل تماما من النجاح فى بعض الحيان “ (‪.)305‬‬

‫() بسيونى إبراهيم حمادة‪ ،‬وسائل العلم والسياسة (دراسة فى ترتيب الولويات)‪ .‬ص ‪.293‬‬ ‫‪301‬‬

‫() بيير بورديو‪ ،‬التليفزيون وآليات التلعب بالعقول‪ .‬ترجمة درويش الحلوجى‪ ،‬ص ‪.39‬‬ ‫‪302‬‬

‫() أما نى ال سيد فه مى‪ " ،‬أ ثر الممار سة العلم ية للعامل ين فى أخبار التليفزيون على اتجاهات هم ن حو الع مل "‪ ،‬مجلة البحوث‬ ‫‪303‬‬

‫العلمية‪ .‬كلية اللغة العربية بالقاهرة ‪ -‬جامعة الزهر‪ ( ،‬العدد ‪ ،5‬يوليو ‪ ،) 1996‬اقتبسه حسن عماد مكاوى وليلى حسين‬
‫السيد‪ ،‬فى التصال ونظرياته المعاصرة‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد‪ ،‬التصال ونظرياته المعاصرة‪ .‬ص ‪.180‬‬ ‫‪304‬‬

‫() نعوم تشومسكى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.356‬‬ ‫‪305‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪164‬‬ ‫‪-‬‬

‫وعلى الر غم من أن الكيانات المؤ سسية العلم ية ال صغيرة ال تى أتا حت ل ها التكنولوج يا‬
‫الحديثة أن تتواجد بأقل قدر من التكلفة‪ ،‬يمكن أن توازن ‪ -‬فى مجموعها ‪ -‬قوة الحتكارات‪ ،‬إل‬
‫أن رغ بة بعهض تلك الكيانات فهى إضفاء نوع من التميهز على رسهائلها العلم ية المتخصهصة؛‬
‫يدفعهها إلى فرض رسهوم خاصهة أو اشتراطات معينهة للطلع على مواقعهها بالنترنهت أو‬
‫منشورات ها‪ .‬بح يث تؤدى تلك القيود إلى ” خلق نوع من الندرة الم صطنعة ح تى ت صبح المعلو مة‬
‫سهلعة تخضهع لقوانيهن العرض والطلب “(‪ .)306‬وبالتالى فإذا كانهت الكيانات الكهبيرة تحتكهر سهوق‬
‫الر سائل العلم ية العا مة؛ فإن الكيانات ال صغيرة تتحول ل كى تحت كر سوق الر سائل العلم ية‬
‫المتخصصة‪ .‬وبهذا تصبح القدرات المعرفية للنظم العلمية نهبا للحتكارات الكمية والكيفية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬قيود الجمهور الموجه‪:‬‬


‫تشيهر قيود الجمهور الموجهه إلى النقيهض الموضوعهى لمفهوم « الجمهور العليهم »‬
‫‪ .informed public‬إذ إن التفك ير ذا الب عد الوا حد النا تج عن التوج يه و سيادة قيود ال سيطرة‬
‫الحكومية والحزبية والمؤسسية والحتكار‪ ،‬يقضى تماما على قيم التعددية والتنوع التى يزدهر‬
‫فى ظلها مفهوم « السوق الحرة للفكار »‪ ،‬والتى تدعم عملية نقل المعرفة فى المجتمع‪ .‬المر‬
‫الذى يؤدى إلى وأد مفهوم حق المعرفة فى عقول الجماهير ذاتها‪ ،‬بحيث تصبح بمثابة جماهير‬
‫موجههة منقادة‪ ،‬تعادى الرأى الخهر والتفكيهر المنطلق المتحرر‪ .‬بينمها تقدس منطهق القوالب‬
‫الجامدة والفكار المعلبة الجاهزة‪ .‬وهكذا تصبح الجماهير نفسها ‪ -‬صاحبة الحق فى المعرفة ‪-‬‬
‫∗‬
‫بمثابة معوق لنمو هذا الحق فى المجتمع ‪.‬‬
‫ولقد عبّر « طه حسين » فى كتابه « مستقبل الثقافة » عن هذه الظاهرة‪ ،‬وذلك عندما‬
‫أعرب عن أ سفه قائلً “ ما أ كبر النبوغ الذى يض يع ويذ هب هدرا ل نه يك ظم نف سه‪ .‬ويُكره ها‬
‫على العراض عن النتاج خوفا من الدولة أو خوفا من القراء ”(‪.)307‬‬
‫ول عل هذا هو الهدف الذى يط مح إل يه أى نظام ير يد ال سيطرة على سريان المعلومات‬
‫فهى المجتمهع‪ .‬إذ إنهه ” على عاتهق أى نظام غسهيل دماغ يعمهل بشكهل سهليم‪ ،‬تقهع جملة مهن‬
‫الواجبات المختلفة بعضها حساس ودقيق إلى حد كبير‪ .‬وبالتالى فإن أحد أهداف نظام كهذا هو‬
‫الجماه ير الغب ية الجاهلة‪ ..‬ال تى ل بد من إلهائ ها بتب سيطات مفر طة مشحو نة بشحنات عاطف ية‬
‫قوية‪ ،‬لبد من تهميشها ولبد من عزلها‪ ....‬فكى يصبح الذعان سمة يُعوّل عليها‪ .‬لبد من‬
‫ترسيخه فى سائر الميادين‪ .‬بحيث يصبح الجمهور حشدا من المراقبين ل المشاركين “(‪.)308‬‬

‫() نبيل على‪ ،‬العرب وعصر المعلومات‪ .‬ص ‪.51‬‬ ‫‪306‬‬

‫للمزيد حول مفهوم " الجمهور العليم " ومفهوم " السوق الحرة للفكار "‬ ‫‪‬‬

‫انظر محمد محفوظ‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.107 - 106‬‬


‫() جابر عصفور‪ ،‬ضد التعصب‪ .‬ص ‪.27‬‬ ‫‪307‬‬

‫() نعوم تشومسكى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ 367‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪308‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪165‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولعل هذا السلوب يمثل أبرز صور التضليل العلمى‪ ،‬فعندما ” يعمد مديرو أجهزة‬
‫العلم إلى طرح أفكار وتوجهات ل تتطا بق مع حقائق الوجود الجتما عى‪ .‬فإن هم يتحولون‬
‫إلى سهائسى عقول‪ .‬ذلك أن الفكار التهى تنحهو عهن عمهد إلى اسهتحداث معنهى زائف‪ ،‬وإلى‬
‫إنتاج و عى ل يسهتطيع أن ي ستوعب بإراد ته الشروط الفعل ية للحياة القائمهة أو أن يرفض ها‪،‬‬
‫سواء على المستوى الشخصى أو الجتماعى‪ ،‬ليست فى الواقع سوى أفكار مموهة أو مضللة‬
‫”(‪.)309‬‬

‫إن قيود الجمهور الموجه هى النتيجة النهائية لوضع الحواجز والسدود ‪ -‬دون سند من‬
‫القانون ‪ -‬حول القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية‪ .‬بح يث تتحول الجماه ير ذات ها ‪ -‬صاحبة‬
‫الحق فى المعرفة ‪ -‬إلى أكبر عدو لهذه المعرفة‪.‬‬

‫د ‪ -‬القيود الفلسفية‪:‬‬
‫تشيهر القيود الفل سفية إلى القيود التهى تمارسهها المؤ سسات العلم ية بمبادرة ذاتيهة منهها‬
‫لحظر نسبة معينة من المعرفة الكامنة فى المعلومات الخارجة منها إلى جماهير المتلقين‪ ،‬وذلك‬
‫لحماية بعض المصالح المجتمعية‪ ،‬التى تعتبرها المرجعية الفلسفية ‪ -‬التى يتبناها النظام العلمى‬
‫‪ -‬جديرة بالحما ية‪ .‬علوة على ذلك‪ ..‬فغالبا ما ت ستخدم المؤ سسات العلم ية مبرر المرجع ية‬
‫الفلسفية التى يتبناها النظام العلمى لتأويل استخدامها للقيود الذاتية الخرى‪ .‬بحيث ل تعترف تلك‬
‫المؤسسات بممارستها لقيود السيطرة الحكومية أو الحزبية أو المؤسسية أو قيود الملكية الحتكارية‬
‫أو قيود الجمهور الموجه استجابة لمصالح أو ضغوط تلك الجهات‪ ،‬وإنما تدّعى ممارستها استجابة‬
‫للقيود الفلسفية النابعة من المرجعية الفلسفية التى يتبناها النظام العلمى‪.‬‬

‫‪---------------------------------------------------------‬‬
‫وبناءا على مها سهبق‪ ..‬يتضهح أن التأثيهر الذى تمارسهه كهل مهن القيود المعرفيهة‬
‫( المجتمعيهة أو الذاتيهة ) يؤدى إلى تقليهص درجهة شفافيهة النظهم العلميهة أو قدراتهها‬
‫التكنولوجية؛ ومن ثم تقليص القدرات المعرفية لتلك النظم‪.‬‬

‫ول كن‪ ..‬على الر غم من القوة الملحوظة للقيود المجتمع ية لعتماد ها على قوة المجتمع‬
‫التشريعيهة‪ ،‬إل أن القيود الذاتيهة تبدو أكثهر خطورة على القدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة‪،‬‬
‫وذلك انطلقا من أن القيود الذات ية ت تم ممار ستها وفقا ل ساليب م ستترة وغ ير مباشرة ي صعب‬
‫ملحظتها‪ ،‬بخلف القيود المجتمعية التى يسهل ملحظتها؛ لطبيعتها الملموسة‪.‬‬

‫() هربرت أ‪ .‬شيللر‪ ،‬المتلعبون بالعقول‪ .‬ترجمة عبد السلم رضوان‪ ،‬ص ‪.7‬‬ ‫‪309‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪166‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )2‬النظريات الموضّحة للساليب العملية لممارسة القيود الذاتية‪:‬‬


‫ر صدت مجمو عة من النظريات العلم ية ال ساليب العمل ية ال تى تتبع ها المؤ سسات‬
‫العلم ية للتح كم فى القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية با ستخدام القيود الذات ية‪ .‬ول شك أن‬
‫التف سير العل مى الذى تقد مه هذه النظريات لكيف ية التح كم فى ن سبة المعر فة الكام نة بالمعلومات‬
‫العلم ية المنشورة‪ ،‬يُ عد أ ساسا نظريا هاما لتوض يح ال ساليب ال تى ت تم ب ها هذه الممار سات‬
‫الذاتية السلبية لحظر نوعيات محددة من المعلومات فى النظم العلمية المختل فة‪ .‬وسنعرض‬
‫لهذه النظريات على النحو التالى‪:‬‬

‫أ ‪ -‬نظرية تحليل الطار العلمى‪:‬‬


‫وههى إحدى نظريات « المعرفهة مهن وسهائل العلم »‪ ،‬وتفترض هذه النظريهة ” أن‬
‫الحداث ل تنطوى فى حد ذات ها على مغزى مع ين‪ .‬وإن ما تكت سب مغزا ها من خلل وضع ها‬
‫فى إطار ‪ Frame‬يحدد ها وينظم ها ويض فى علي ها قدرا من الت ساق‪ ،‬من خلل الترك يز على‬
‫ب عض جوا نب الموضوع وإغفال جوا نب أخرى‪ .‬فالطار العل مى هو تلك الفكرة المحور ية‬
‫التى تنتظم حولها الحداث الخاصة بقضية معينة‪ ...‬والطار العلمى لقضية ما يعنى انتقاء‬
‫متع مد لب عض جوا نب الحدث أو القض ية وجعل ها أك ثر بروزا فى ال نص العل مى‪ ..‬وتش ير‬
‫دراسات عديدة سابقة إلى أن استخلص الجمهور لسباب قضية أو مشكلة ما وسبل علجها‪،‬‬
‫يرتبهط إلى حهد كهبير بنوع الطار العلمهى الذى يسهتخدمه القائم بالتصهال فهى شرح أبعاد‬
‫القض ية‪ ..‬ويتح كم فى تحد يد الطار العل مى خم سة متغيرات هى‪ :‬مدى ال ستقلل ال سياسى‬
‫لو سائل العلم ‪ -‬نوع م صادر الخبار ‪ -‬أنماط الممار سة العلم ية ‪ -‬المعتقدات اليدلوج ية‬
‫والثقافية للقائمين بالتصال ‪ -‬طبيعة الحداث ذاتها ”(‪.)310‬‬

‫ب ‪ -‬نظرية حارس البوابة العلمية ( ‪:) Gatekeeper‬‬


‫وتوضح تلك النظرية ” أنه على طول الرحلة التى تقطعها المادة العلمية حتى تصل‬
‫إلى الجمهور المستهدف‪ ،‬توجد نقاط ( بوابات ) يتم فيها اتخاذ قرارات بما يد خل وما يخرج‪.‬‬
‫وكل ما طالت المرا حل ال تى تقطع ها الخبار ح تى تظ هر فى الو سيلة العلم ية‪ .‬تزداد الموا قع‬
‫التى يصبح فيها من سلطة فرد أو عدة أفراد‪ ،‬تقرير ما إذا كانت الرسالة ستنتقل بنفس الشكل‬
‫أو بعد إدخال تعديلت عليها‪ .‬ويصبح نفوذ من يديرون هذه البوابات له أهمية كبيرة فى انتقال‬
‫المعلومات “(‪.)311‬‬

‫() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.350 - 348‬‬ ‫‪310‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.176‬‬ ‫‪311‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪167‬‬ ‫‪-‬‬

‫ج ‪ -‬نظرية ترتيب الولويات ( ‪:) Agenda‬‬


‫و هى إحدى نظريات « التأث ير المعتدل لو سائل العلم »‪ ،‬وتو ضح تلك النظر ية‬
‫“ أن وسهائل العلم تلعهب دورا هاما فهى تشكيهل الحقيقهة الجتماعيهة لنها‪ ،‬مهن خلل مها‬
‫تزودنها بهه مهن أخبار وموضوعات تنتقيهها لنها مهن العالم الخارجهى‪ .‬ول يتعلم الجمهور‬
‫القضايها والموضوعات العامهة فقهط مهن وسهائل العلم‪ .‬ولكنهه يتعلم مقدار الهميهة التهى‬
‫يمنح ها لقض ية أو موضوع مع ين من خلل الترك يز الذى يح ظى به فى و سائل العلم‪.‬‬
‫وهذا التأث ير لو سائل العلم‪ ..‬أى قدرت ها على أن تؤ ثر فى التغي ير المعر فى ب ين الفراد‪،‬‬
‫يُسمى بوظيفة وضع الجندة لوسائل العلم‪ .‬وهنا يكمن تأثير وسائل العلم الحديثة وهى‬
‫قدرتها على بناء العالم لنا ”(‪.)312‬‬

‫د ‪ -‬التحليل الوظيفى لوسائل العلم ( ‪:) Functional Analysis‬‬


‫وهو أحد تطبيقات نظرية « البنائية الوظيفية » على المؤسسات العلمية‪ ،‬ومن وجهة‬
‫نظهر التحليهل الوظيفهى‪ ،‬فإن دور الوحدات فهى أى نظام يكون “ وظيفيا ‪ Functional‬إذا كان‬
‫يساعد على استقرار النظام وحفظ توازنه‪ ،‬ويحدث الختلل الوظيفى ‪ Dysfunctional‬إذا كان‬
‫السهلوك الذى تمارسهه الوحدات يخهل باسهتقرار النظام ويعوق تقدمهه ”(‪ .)313‬ولقهد أدرك‬
‫« هارولد لزويهل » ‪ “ .Lasswell, H.D‬أن وسهائل العلم يمكهن أن تصهبح غيهر وظيفيهة‬
‫‪ Dysfunctional‬أى تُحدث أثارا ضارة للمجتمهع‪ ....‬نتيجهة عدم قدرة وسهائل العلم على‬
‫إرسال المعلومات بكفاءة‪ ،‬أو عدم استقبال هذه المعلومات من جانب الجمهور بمهارة ”(‪.)314‬‬

‫‪‬‬

‫‪ ...‬إن العرض السابق للنظريات الموض حة لل ساليب العمل ية لممار سة القيود الذات ية‬
‫يوضح الدوار التى يمكن أن تمارسها المؤسسات العلمية أو القائم بالتصال لتقليص درجة‬
‫شفاف ية الن ظم العلم ية؛ و من ثم تقل يص قدرات ها المعرف ية‪ .‬وتن بع خطورة هذه ال ساليب من‬
‫طبيعة ممارستها التى تتم خلف جدران المؤسسات العلمية‪ ،‬ومن طبيعة خلفيتها الفكرية التى‬
‫تستند إلى المرجعية الفلسفية التى يتبناها النظام العلمى‪.‬‬

‫‪‬‬

‫() بسيونى إبراهيم حمادة‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.278 - 277‬‬ ‫‪312‬‬

‫() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.128‬‬ ‫‪313‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫‪314‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪168‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمـة الفصـل الرابـع‪:‬‬


‫توصلت الدراسة ‪ -‬من خلل محاولة تحديد المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم‬
‫العلمية ‪ -‬إلى معادلة رياضية توضح العلقة بين تلك المتغيرات‪ ،‬وتتمثل فى التى‪:‬‬
‫القدرات المعرفيـة للنظام العلمـى = درجـة شفافيـة النظام العلمـى ×‬
‫قدراته التكنولوجية‬
‫حيهث يشيهر مصهطلح «القدرات المعرفيهة» إلى المردود المعرفهى الناتهج عهن نشهر‬
‫المعلومات العلمية بين جماهير المتلقين‪ ،‬بما يعنى قدرة النظام العلمى على نقل المعرفة‬
‫الكام نة بالمعلومات العلم ية إلى أ كبر قدر من جماه ير المتلق ين‪ .‬ويش ير م صطلح «در جة‬
‫شفاف ية النظام العل مى» إلى ن سبة المعر فة الكام نة بالمعلومات العلم ية المنشورة‪ .‬ويش ير‬
‫مصطلح «القدرات التكنولوجية» إلى نسبة انتشار وسائل العلم فى المجتمع‪.‬‬

‫ولقهد تهبين مهن رصهد التطورات التكنولوجيهة فهى الواقهع العلمهى أن القدرات‬
‫التكنولوجيهة للنظهم العلميهة تندفهع نحهو التصهاعد المتسهارع ‪ -‬فهى ظهل البعاد السهياسية‬
‫والقت صادية والثقاف ية والعلم ية للعول مة ‪ -‬إلى ال حد الذى سيتيح لى مجت مع فى الم ستقبل‬
‫المنظور الوصهول إلى مرحلة التشبهع التكنولوجهى العلمهى‪ ،‬والتهى تصهل فيهها القدرات‬
‫التكنولوجية لى نظام إعلمى إلى حدها القصى‪.‬‬

‫كمها تهبين مهن الدراسهة أن « درجهة شفافيهة النظهم العلميهة » قهد ارتفعهت نسهبيا‬
‫مقارنهة بالماضهى القريهب ‪ -‬تأثرا بالبعاد السهياسية والقتصهادية والثقافيهة والعلميهة‬
‫للعولمهة ‪ -‬ممها أدى إلى التضخهم الكمهى للرسهائل العلميهة‪ ،‬وديناميكيهة ومرونهة تلك‬
‫الرسهائل‪ ،‬وحريهة اختراقهها للحدود الدوليهة والحواجهز الجغرافيهة والقيود القانونيهة‪ .‬المهر‬
‫الذى أرغم النظم العلمية على الكشف عن بعض المعلومات التى اعتادت حظرها‪ ،‬نظرا‬
‫لنشرها فى نظم إعلمية أخرى عبر البث الفضائى المباشر أو عبر شبكة النترنت‪ .‬ولكن‬
‫نظرا لوجود عائق اللغهة وعائق صهعوبة المتابعهة الدقيقهة للقضايها المحليهة بمعرفهة نظهم‬
‫إعلم ية أجنب ية‪ ،‬فإن در جة شفاف ية الن ظم العلم ية ستظل تعا نى من التقلص‪ ،‬ل يس ف قط‬
‫بسبب تلك المؤثرات الخارجية؛ وإنما أيضا بسبب القيود المعرفية التى توجد فى بنية تلك‬
‫النظم‪ ،‬مما يؤدى إلى الحد من درجة شفافيتها‪ ،‬ومن ثم الحد من قدراتها المعرفية‪.‬‬

‫ولقد استحدثت الدراسة تصنيفا للقيود المعرفية التى تؤدى إلى تقليص درجة شفافية‬
‫النظم العلمية وقدراتها التكنولوجية‪ ،‬ومن ثم تقليص قدراتها المعرفية‪ .‬حيث تم تقسيمها‬
‫‪-‬‬ ‫‪169‬‬ ‫‪-‬‬

‫إلى التهى‪ :‬القيود المجتمع ية وتتكون من ( قيود تشريع ية وقيود عمل ية )‪ ،‬والقيود الذات ية‪،‬‬
‫حيث يفرض المجتمع القيود المجتمعية فى حين تفرض المؤسسات العلمية القيود الذاتية‪.‬‬
‫ولقهد تهبين أنهه رغهم القوة الملحوظهة للقيود المعرفيهة المجتمعيهة لعتمادهها على قوة‬
‫المجتمهع التشريعيهة‪ ،‬إل أن القيود المعرفيهة الذاتيهة تبدو أكثهر خطورة على القدرات المعرفيهة‬
‫للنظم العلمية‪ ،‬وذلك انطلقا من أن القيود الذاتية تتم ممارستها وفقا لساليب مستترة وغير‬
‫مباشرة يصعب ملحظتها‪ ،‬بخلف القيود المجتمعية التى يسهل ملحظتها لطبيعتها الملموسة‪.‬‬

‫ومهن ثهم فقهد قدمهت نتائج ذلك الفصهل الجابهة على التسهاؤل الول مهن تسهاؤلت‬
‫الدراسة‪ ،‬والذى ينص على التالى‪:‬‬
‫« ما هو ال ثر الذى تمار سه عول مة الت صال على المتغيرات الكائ نة ببن ية الن ظم‬
‫العلمية الراهنة‪ ،‬ومن ثم على وظيفتها فى المجتمع؟ »‬
‫وتمثلت تلك الجابة فى التالى‪:‬‬

‫تمارس عولمصة التصصال أثرا غيصر متوازن على المتغيرات الكائنصة فصى بنيصة النظصم‬
‫العلميصة‪ ،‬بمصا يؤدى إلى تصصاعد قدراتهصا التكنولوجيصة بمعدلت أكثصر تسصارعا مصن تصصاعد‬
‫درجة شفافيتها‪ ،‬وذلك نتيجة الدور السلبى الذى تمارسه القيود المعرفية فى بنية تلك النظم‪.‬‬

‫‪ ..‬ولكهن‪ ..‬إذا كانهت القيود المعرفيهة تؤدى إلى انخفاض القدرات المعرفيهة للنظهم‬
‫العلميهة‪ ،‬فإنهه يصهبح مهن الضرورى التعرف على الخلفيات الفكريهة التهى تتيهح لتلك القيود‬
‫اسهتمرار البقاء فهى بنيهة تلك النظهم‪ .‬وهذا مها سهيدور حوله موضوع الفصهل الخامهس حول‬
‫المرجعيات الفلسفية للنظم العلمية الراهنة‪ ،‬تلك المرجعيات التى تمثل الخلفيات الفكرية للنظم‬
‫العلمية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪170‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفصـل الخامس‬
‫المرجعيات الفلسفية للنظم العلمية‬
‫الراهنة‬

‫محتـويـات الفصـل الخامس‬

‫مقدمـة الفصـل الخامـس‬

‫نظريات النظم‬ ‫المبحث‬

‫نظرية المسئولية‬‫العلمية‬ ‫الول‪:‬‬


‫المبحث‬
‫الجتماعية‬ ‫الثانى‪:‬‬
‫(رؤيــة نقديـة)‬
‫خـاتمــة الفصــل الخامـس‬
‫‪-‬‬ ‫‪171‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الول‬
‫نظريات النظم العلمية‬

‫تنتظم نظريات النظم العلمية فى تصنيفات متعددة أسفرت عنها العديد من الدراسات‬
‫التى حاول كل منها توصيف النظم العلمية‪ ،‬ومحاولة وضع الحدود والخطوط الفاصلة التى‬
‫تميهز نظاما إعلميا مها عهن النظام الخهر‪ .‬ولقهد تمثلت أههم تصهنيفات النظهم العلميهة فهى‬
‫المحاولت التالية‪:‬‬

‫أولً‪ :‬تصنيفات نظريات النظم العلمية‪:‬‬


‫(‪ )1‬تصنيف « سيبرت وبيترسون وشرام »(‪:)315‬‬
‫ويُ عد هذا الت صنيف الذى ظ هر عام ‪ 1956‬بمثا بة الدرا سة الكل سيكية المرجع ية ال تى‬
‫أسست لمفهوم نظريات النظم العلمية‪ ،‬وذلك من خلل تصنيفها إلى أربعة تصنيفات‪:‬‬
‫النظر ية ال سلطوية ‪ -‬النظر ية الليبرال ية ‪ -‬النظر ية الشيوع ية ‪ -‬نظر ية الم سئولية الجتماع ية‬
‫وتمثهل النظريهة السهلطوية‪ ،‬المرجعيهة الفلسهفية التاريخيهة التهى نشأت فهى ظلهها كافهة النظهم‬
‫العلميهة وههى محاطهة بالعديهد مهن القيود القويهة‪ .‬ثهم تطورت فهى بعهض الدول الغربيهة‬
‫والوليات المتحدة المريك ية إلى النظر ية الليبرال ية‪ ،‬و فى ب عض دول أور با الشرق ية والدول‬
‫الشتراكيهة إلى النظريهة الشيوعيهة‪ .‬ثهم سهرعان مها تطورت النظريهة الليبراليهة فهى الوليات‬
‫المتحدة المريك ية وأور با الغرب ية إلى نظر ية الم سئولية الجتماع ية‪ .‬بين ما ل تزال مع ظم دول‬
‫العالم الثالث تتبنى خليطا من تلك النظريات‪ ،‬ولكن هذا الخليط ‪ -‬فى مجمله العام ‪ -‬يغلب عليه‬
‫الطابع السلطوى‪ ،‬وإن كان يتمسح فى منطلقات نظرية المسئولية الجتماعية‪.‬‬

‫(‪ )2‬تصنيف « لوينشتاين »(‪:)316‬‬


‫ويم ثل هذا الت صنيف إضا فة نقد ية ها مة لت صنيف نظريات العلم الر بع من خلل‬
‫تعامله م عه باعتباره ت صنيفا يفت قر إلى المرو نة اللز مة لو صف وتحل يل كل أنظ مة العلم‬
‫الموجودة فى العالم‪ .‬ولقد قسّم هذا التصنيف النظم العلمية إلى خمسة أنواع‪:‬‬
‫نظهم سهلطوية ‪ -‬نظهم سهلطوية اجتماعيهة ‪ -‬نظهم ليبراليهة ‪ -‬نظهم ليبراليهة اجتماعيهة ‪ -‬نظهم‬
‫مركزية اجتماعية‪.‬‬

‫‪)(Severing werner J. & Thankard, James W., Communication Theories ) origins, Methods,‬‬
‫‪315‬‬

‫‪Uses (. p. 210.‬‬
‫() جون ميرل ورالف لوينشتايههن‪ ،‬العلم وسههيلة ورسههالة‪ .‬ترجمههة سههاعد خضههر العرابههى الحارثههى‪،‬‬ ‫‪316‬‬

‫ص ‪.241 - 240‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪172‬‬ ‫‪-‬‬

‫حيث حل مفهوم السلطوية الجتماعية محل الشيوعية؛ ليستوعب بذلك كل دول الكتلة الشرقية‬
‫والنظم العلمية الموجهة فى الدول النامية‪ .‬كما تم استبعاد مفهوم المسئولية الجتماعية؛ ليحل‬
‫محله كل من مفهو مى الليبرال ية الجتماع ية والمركز ية الجتماع ية‪ ،‬ح يث تتض من الليبرال ية‬
‫الجتماعية حدا أدنى من القيود والسيطرة الحكومية لدعم قنوات التصال وتأكيد الروح العملية‬
‫للفلسفة الليبرالية‪ ،‬بينما تتضمن المركزية الجتماعية ملكية حكومية أو عامة لقنوات التصال‬
‫المحدودة لتأكيد الروح العملية للفلسفة الليبرالية‪.‬‬

‫(‪ )3‬تصنيف « ألتشول »‪:‬‬


‫قدم هذا التصنيف تقسيما جديدا للنظمة العلمية من خلل تقسيمها إلى ثلثة أنواع‪:‬‬
‫‪ -‬أنظمة تقدمية‬ ‫‪ -‬أنظمة السوق‬ ‫‪ -‬أنظمة ماركسية‬
‫بحيث يصبح هذا التصنيف موازيا للنظمة السياسية المطروحة عالميا‪ ،‬وهى النظم الشيوعية‬
‫والنظم الرأسمالية ودول العالم الثالث‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن ما أكده هذا التصنيف ‪ -‬من وجود اختلفات بين تلك النظم حول‬
‫مفهو مى الحر ية والم سئولية ‪ -‬إل أ نه ” أشار إلى وجود سبعة قوان ين قابلة للتوا جد فى كل‬
‫النظمة العلمية مهما تعارضت توجهاتها وهى‪:‬‬
‫فهى كهل النظمهة العلميهة‪ ،‬أجهزة العلم وكلء هؤلء الذيهن بيدههم السهلطة السهياسية‬ ‫‪-‬‬
‫والقتصادية‪.‬‬
‫إن محتوى أجهزة العلم يعكس دائما مصلحة هؤلء الذين يمولون العلم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫كل أجهزة العلم تقوم على معت قد الت عبير ال حر‪ ،‬وإن كان هذا الت عبير ي تم تعري فه بطرق‬ ‫‪-‬‬
‫مختلفة‪.‬‬
‫كل أجهزة العلم تؤ يد مبدأ الم سئولية الجتماع ية‪ ،‬وتعلن أن ها تل بى حاجات الش عب‬ ‫‪-‬‬
‫وتخدم مصالحه‪.‬‬
‫كهل نظام مهن أنظمهة العلم الثلثهة ينظهر إلى إعلم النظاميهن الخريهن على أنهه‬ ‫‪-‬‬
‫منحرف‪.‬‬
‫تقوم مدارس الصهحافة بنقهل أيدلوجيات أنظمهة مجتمعاتهها‪ ،‬وتتولى كذلك نقهل قيمهها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وبالتالى فهى تساعد الذين يمتلكون السلطة فى إبقاء سيطرتهم على أجهزة العلم‪.‬‬
‫الممارسات العلمية تختلف دائما عن النظرية “(‪.)317‬‬ ‫‪-‬‬

‫() جى‪ .‬هربرت ألتشول‪ ،‬سيمفونية العلم ( نظام للتصنيف )‪ .‬عرض وترجمة زكى الجابر‪ ،‬ص ‪.33 - 32‬‬ ‫‪317‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪173‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )4‬تصنيف « ماكويل »(‪:)318‬‬


‫قدم ماكويهل فهى هذا التصهنيف إضافهة هامهة إلى النظريات الربهع التقليديهة للنظهم‬
‫العلمية‪ ،‬حيث أضاف نظريتين جديدتين هما‪:‬‬
‫‪ -‬نظرية المشاركة الديموقراطية‬ ‫‪ -‬النظرية التنموية‬

‫حيث تسعى النظرية التنموية إلى توصيف وضع وسائل العلم فى الدول النامية وتوجيهها‬
‫ل كى تخدم عمل ية التنم ية‪ .‬بين ما ” تبرز نظر ية المشار كة الديمقراط ية‪ ،‬كرد ف عل للطا بع التجارى‬
‫والتجاه إلى الحتكار فى وسائل العلم الخاضعة للملكية الفردية‪ ،‬وبيروقراطية المؤسسات الذاعية‬
‫ال تى أقي مت على أ ساس الم سئولية الجتماع ية‪ .‬وبالتالى فإن و سائل العلم ي جب أن تو جد بش كل‬
‫أ ساسى من أ جل جماهير ها‪ ،‬ول يس من أ جل منظمات و سائل العلم أو المهني ين‪ .‬وأن الجماعات‬
‫والمنظمات والمجتمعات المحليهة يجهب أن تكون لهها وسهائل إعلمهها الخاصهة‪ .‬وأن أفضهل أشكال‬
‫العلم هى وسائل العلم الصغيرة التى يمكن من خللها تحقيق التفاعل أو المشاركة السياسية‪.‬‬
‫وأن التصال مهم جدا لدرجة ل يمكننا معها تركه للمهنيين وحدهم “(‪.) 319‬‬
‫” وتدا فع نظر ية المشار كة الديمقراط ية عن د عم و سائل العلم للتعدد الثقا فى إلى‬
‫أبعد مدى‪ ،‬حيث ينبغى أن تُستخدم وسائل العلم لتمثيل الجماعات المتعددة‪ .‬وعلى خلف‬
‫نظرية المسئولية الجتماعية التى تفترض أن وسائل العلم يمكن أن تؤدى تلك الوظيفة‪،‬‬
‫فإن نظر ية المشار كة الديمقراط ية ت ستدعى ‪ -‬من أ جل تنم ية البداعات ‪ -‬و سائل العلم‬
‫ال صغيرة ال تى يم كن إدارت ها مباشرة بوا سطة جماعات صغيرة‪ ،‬ينب غى على الحكو مة أن‬
‫تقدم ل ها الد عم والعانات والبرا مج التدريب ية‪ ،‬لتمك ين أعضاء ها من تعلم كيف ية إدارة تلك‬
‫الوسائل العلمية “( ‪.)320‬‬

‫(‪ )5‬تصنيف « هاشتين » ‪: Hachten‬‬


‫” قسم هذا التصنيف النظم العلمية وفقا لخمسة مفاهيم هى‪:‬‬
‫المفهوم الغربهى ‪ ،western concept‬والذى يشمهل النظريهة الليبراليهة ونظريهة المسهئولية‬ ‫‪-‬‬
‫الجتماعية‪.‬‬
‫المفهوم الثورى ‪ ،Revolutionary‬وذلك لتوصهيف وسهائل العلم فهى ثورات أوربها‬ ‫‪-‬‬
‫الشرقية فى التسعينات‪.‬‬
‫‪ -‬المفهوم السلطوى‬ ‫‪ -‬المفهوم الشيوعى‬ ‫المفهوم التنموى‬ ‫‪-‬‬

‫‪)(Mcquail, Denis, Mass Communication Theory ) An Introduction (. pp. 121 - 135.‬‬


‫‪318‬‬

‫() حمدى حسن‪ ،‬الوظيفة الخبارية لوسائل العلم‪ .‬ص ‪.157‬‬ ‫‪319‬‬

‫‪)(Mcquail, Denis, op.cit, p. 100.‬‬


‫‪320‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪174‬‬ ‫‪-‬‬

‫ل مهن النظريهة الليبراليهة ونظريهة المسهئولية‬


‫وبالتالى فقهد دمهج هذا التصهنيف ك ً‬
‫الجتماعية فى إطار المفهوم الغربى‪ .‬واستحدث مفهوم جديد هو المفهوم الثورى بالتطبيق على‬
‫صحافة دول أوربا الشرقية عقب انهيار النظام الشيوعى ”(‪.)321‬‬

‫(‪ )6‬تصنيف « جاى بلك وجيينج بريانت »‪:‬‬


‫ويقسم هذا التصنيف النظم العلمية إلى خمسة نظم وفقا لخمسة مفاهيم‪:‬‬
‫السلطوى ‪ -‬الشيوعى ‪ -‬الثورى ‪ -‬التنموى ‪ -‬الغربى‬
‫إل أن وجهه الخلف بينهه وبيهن تصهنيف هاشتيهن يتمثهل فهى ” إضافهة نظريهة الديمقراطيهة‬
‫الجتماعيهة إلى المفهوم الغربهى‪ .‬ونظام الديمقراطيهة الجتماعيهة ههو نظام خاص بدول أوربها‬
‫الغرب ية يعت مد على ف كر المارك سيين الجدد المختلط بكتابات الفل سفة الل يبراليين الكل سيكيين‪.‬‬
‫ويهدف إلى التنوع فى الراء من أ جل تعز يز الديمقراط ية فى كل المجالت الجتماع ية ب ما‬
‫في ها القت صاد‪ .‬ويمتلك هذا ال حق كل المواطن ين‪ .‬ويمت نع فى هذا النظام الت صادم المفرط مع‬
‫حقوق الفراد والم صالح الجتماع ية‪ .‬وتكون ملك ية و سائل العلم للش عب والمنظمات ال تى‬
‫ل تستهدف الربح والقطاع الخاص “(‪.)322‬‬

‫ثانياً‪ :‬نقد تصنيفات نظريات النظم العلمية‪:‬‬


‫أظهرت التصنيفات السابقة للنظم العلمية أن المدى الذى تم تصنيف النظم العلمية‬
‫خلله يتراوح ما بين‪ :‬مفهوم التوجيه أو مفهوم الحرية‪ .‬بحيث يمكن من خلل التعميم العلمى‬
‫تجميع النظم العلمية فى نظامين رئيسيين وهما‪:‬‬
‫ن ظم إعلم ية موج هة‪ :‬ويد خل فى إطار ها ‪ -‬بدرجات متفاو تة فى التوج يه ‪ ( -‬الن ظم‬ ‫•‬
‫السلطوية‪ ،‬النظم الشيوعية أو الماركسية أو السلطوية الجتماعية‪ ،‬النظم التنموية أو التقدمية‬
‫)‪.‬‬

‫نظصم إعلميصة حرة‪ :‬ويدخهل فهى إطارهها ‪ -‬بدرجات متفاوتهة فهى الحريهة ‪ ( -‬النظهم‬ ‫•‬
‫ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههة‬
‫الليبراليه‬
‫أو أنظمة السوق‪ ،‬النظم المسئولة اجتماعيا أو الليبرالية الجتماعية أو المركزية الجتماعية‬
‫أو الديمقراطية الجتماعية‪ ،‬نظام المشاركة الديمقراطية )‪.‬‬

‫‪ )( 321‬سليمان صالح‪ " ،‬التجاهات العلمية الحديثة لمفهوم حرية الصحافة "‪ ،‬مجلة الدراسات العلمية‪ ( .‬عدد ‪ ،93‬أكتوبر ‪-‬‬
‫ديسمبر ‪ ،) 1998‬ص ‪.92‬‬
‫‪322‬‬
‫‪)(Black, Jay & Bryant, Jennirgs, Introduction to Media Communication ) Understand the‬‬
‫‪Past, experience the present, marvel at the future (. p. 489.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪175‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولقهد قامهت تلك التصهنيفات بتصهنيف النظهم العلميهة وفقا لمحددات سهياسية‬
‫أو اقتصهادية أو اجتماعيهة أو ثقافيهة‪ .‬حيهث تشيهر المحددات السصياسية إلى علقهة النظام‬
‫العل مى بال سلطة من ح يث در جة التح كم وال سيطرة واليدلوج ية ال سائدة والحر ية المتا حة‪.‬‬
‫وتشيهر المحددات القتصصادية إلى أنماط الملكيهة السهائدة للنظهم العلميهة وأسهاليب إدارتهها‬
‫وتمويلهها‪ .‬وتشيهر المحددات الجتماعيصة إلى الدوار الجتماعيهة المنوطهة بالنظهم العلميهة‪.‬‬
‫بينما تشير المحددات الثقافية إلى الوظائف العلمية المتعلقة بنشر المعلومات والراء ومدى‬
‫كفالة النظم العلمية للتنوع والتعدد‪.‬‬

‫وإذا كانت النظم العلمية الموجهة تبدو كأحد أدوات السلطة‪ ،‬من حيث كونها أدوات‬
‫دعائ ية لن ظم الح كم وللترو يج اليدلو جى ود عم خ طط التنم ية فى المجت مع‪ .‬بين ما تبدو الن ظم‬
‫العلم ية الحرة ك سلطة راب عة فى مواج هة سلطات الدولة الثلث‪ ،‬ت ستهدف م صلحة المجت مع‬
‫ومصلحة كيانها الذاتى‪ ،‬باعتبارها مؤسسات اقتصادية تبغى الربح من خلل نشر المعلومات‬
‫والترويهج العلنهى‪ .‬فإنهه يمكهن القول إذن‪ ..‬أن النظهم العلميهة الموجههة تسهتهدف توجيهه‬
‫المجت مع من أ جل م صلحة الدولة‪ ،‬بين ما الن ظم العلم ية الحرة ت ستهدف ت سليط الضوء على‬
‫أنشطة الدولة من أجل مصلحة المجتمع‪.‬‬
‫ولكهن نظرا لنهه ل وجود للدولة بدون المجتمهع‪ ،‬فإن كافهة النظهم العلميهة الحرة‬
‫أو الموجههة تحاول أن تترجهم ممارسهاتها العلميهة فهى إطار التزامهها تجاه المجتمهع‪ .‬وكمها‬
‫أو ضح « ألتشول » ” فإن كل أجهزة العلم تؤ يد مبدأ الم سئولية الجتماع ية وتعلن أن ها تل بى‬
‫حاجات الشعب وتخدم مصالحه “(‪.)323‬‬

‫وبالتالى فإن نظريهة المسهئولية الجتماعيهة تبدو وكأنهها تقدم الطار النظرى الفلسهفى‬
‫الذى يصلح لكى تستند إليه كافة النظم العلمية الحرة والموجهة لتبرير ممارساتها العلمية‪.‬‬
‫المر الذى يطرح أهمية الدراسة النقدية لتلك النظرية‪ ،‬والتى تمثل المرجعية الفلسفية الرئيسية‬
‫التهى تسهتند إليهها معظهم النظهم السهياسية فهى تبريرهها لممارسهاتها لتقليهص القدرات المعرفيهة‬
‫لنظمها العلمية‪.‬‬

‫وسهنعرض فهى المبحهث التالى للسهس النظريهة التهى قامهت عليهها نظريهة المسهئولية‬
‫الجتماع ية‪ ،‬تمهيدا لخضاع تلك ال سس للدرا سة النقد ية للتعرف على مدى ملءمت ها للبعاد‬
‫السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية للعولمة‪ ،‬ومدى جدارتها بالتبنى باعتبارها مرجعية‬
‫فلسفية تهتدى بها النظم العلمية الراهنة فى تبرير تقليصها لقدراتها المعرفية‪.‬‬

‫() جى‪ .‬هربرت ألتشول‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.62‬‬ ‫‪323‬‬


- 176 -


‫‪-‬‬ ‫‪177‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الثـانى‬
‫نظرية المسئولية الجتماعية‬
‫( رؤيـــة نقــديــة )‬

‫أولً‪ :‬السس الفكرية لنظرية المسئولية الجتماعية‪:‬‬


‫يعتبر تقرير لجنة « هتشنز » ‪ Hutchins Commission‬الصادر عام ‪ 1947‬فى الوليات‬
‫المتحدة المريك ية ت حت عنوان « صحافة حرة وم سئولة» ‪ A Free and Responsible press‬هو‬
‫الساس الفكرى الذى قامت عليه نظرية المسئولية الجتماعية للنظم العلمية‪.‬‬

‫وقد أشارت نتائج هذا التقرير إلى الملحظات التالية(‪:)324‬‬


‫إن السوق الحرة قد فشلت فى تحقيق الوعد بحرية الصحافة‪.‬‬ ‫•‬
‫إن التطورات التكنولوجية والتجارية للصحافة أدت إلى تقليل فرص الفراد والجماعات‬ ‫•‬
‫المتنوعة فى الدخول إلى السوق والتمتع بحق النشر‪ .‬كما أدت إلى هبوط معايير الداء وإلى‬
‫فشل الصحافة فى تلبية احتياجات المجتمع الخلقية والجتماعية‪ .‬بالضافة إلى تناقص قدرة‬
‫الصحافة على إمداد المجتمع بالمعلومات‪ ،‬كما أدت إلى زيادة السيطرة الطبقية‪.‬‬
‫إن القلة القادرة على اسهتخدام وسهائل العلم تعمهل على خدمهة بعهض الجماعات فهى‬ ‫•‬
‫المجتمع ول تلبى حاجات المجتمع ككل‪.‬‬
‫إن الصحافة تصبح فى حاجة إلى نوع ما من التنظيم الذاتى أو السيطرة ‪ ،‬إذا استمرت‬ ‫•‬
‫فى انتهاج ممارسات ضارة بالمجتمع‪.‬‬
‫ول قد رأت اللج نة أن صناعة العلم فى الوليات المتحدة المريك ية ي جب أن ت ستمر فى يد‬
‫القطاع الخاص واض عة فى اعتبار ها الم صلحة العا مة‪ ..‬ووض عت اللج نة مجمو عة ت صورات‬
‫حول وظائف الصحافة‪ ..‬تتمثل فى التى‪:‬‬
‫• إعطاء تقرير صادق وشامل وذكى عن الحداث اليومية فى سياق يعطى لها مغزى‪.‬‬
‫• أن تعمل كمنبر لتبادل التعليق والنقد‪.‬‬
‫• أن تقدم صورة ممثلة للجماعات المتنوعة التى يتكون منها المجتمع‪.‬‬
‫• أن تقدم أهداف المجتمع وقيمه وتوضحها‪.‬‬
‫• أن توفر معلومات كاملة عما يجرى يوميا‪.‬‬

‫() انظر كلً من‪:‬‬ ‫‪324‬‬

‫أ ‪ -‬سليمان صالح‪ ،‬أزمة حرية الصحافة فى النظم الرأسمالية‪ .‬ص ‪.18‬‬


‫ب ‪ -‬حسن عماد مكاوى‪ ،‬أخلقيات العمل العلمى ( دراسة مقارنة )‪ .‬ص ‪.71‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪178‬‬ ‫‪-‬‬

‫” وأو صت اللج نة الحكو مة بت طبيق الضمانات الد ستورية لحر ية ال صحافة‪ ،‬وأن تع مل‬
‫الحكومهة على تسههيل ظهور وسهائل إعلم جديدة‪ ،‬واسهتمرار المنافسهة بيهن الوسهائل الكهبيرة‬
‫القائمة “(‪.)325‬‬

‫” ول قد تأ ثر الخطاب العلمى فى الوليات المتحدة بتقر ير اللج نة والنتائج ال تى تو صلت‬


‫إليها‪ .‬وكان من مؤيدى هذا التوجه العلمى « ثيودور بيترسون »‪ ،‬حيث كتب عام ‪ 1956‬عن‬
‫جوهر نظرية المسئولية الجتماعية وقال‪ ” :‬إن الحرية تحمل معها المسئولية‪ ،‬وأن الصحافة التى‬
‫تح ظى بمكا نة متميزة ع ند الحكو مة المريك ية ل بد أن تكون م سئولة عن المجت مع‪ ،‬وأن تح قق‬
‫الوظائف الرئيسية التى يؤديها العلم فى المجتمع الحديث‪ .‬وهكذا يتبين أن لجنة هتشنز كانت هى‬
‫الركيزة ال ساسية فى ولدة هذه النظر ية‪ .‬وأن الدرا سات العلم ية ال تى تناولت موضوع نظر ية‬
‫المسئولية الجتماعية كانت تستمد فلسفتها من النتائج التى وردت فى تقرير اللجنة “(‪.)326‬‬

‫وبالتالى فإن ” التصهور النظرى الذى بدأتهه لجنهة هتشنهز تبلور فيمها بعهد فهى كتابات‬
‫الصحفيين والمهتم ين بالعلم‪ ،‬ليكون أ ساسا للنظر ية التى عُر فت فيما ب عد بنظر ية الم سئولية‬
‫الجتماعية “(‪.)327‬‬

‫وتمثلت مبادئ نظرية المسئولية الجتماعية فى التالى(‪:)328‬‬


‫إن وسائل العلم يجب أن تقبل القيام بالتزامات معينة تجاه المجتمع‪.‬‬ ‫•‬
‫إن هذه اللتزامات يمكن تنفيذها بوضع معايير مهنية لنقل المعلومات تتمثل فى الحقيقة‬ ‫•‬
‫والدقة والموضوعية والتوازن‪.‬‬
‫لتنفيذ هذه اللتزامات يجب أن تنظم وسائل العلم نفسها بشكل ذاتى‪.‬‬ ‫•‬
‫إن وسهائل العلم يجهب أن تتجنهب نشهر مها يمكهن أن يؤدى إلى الجريمهة والعنهف‬ ‫•‬
‫والفوضى الجتماعية‪ ،‬أو توجيه أية إهانات إلى القليات‪.‬‬
‫إن وسائل العلم يجب أن تكون متعددة‪ ،‬وتعكس تنوع الراء وتلتزم بحق الرد‪.‬‬ ‫•‬
‫إن المجت مع والجمهور من ح قه أن يتو قع من و سائل العلم معاي ير رفي عة فى آدائ ها‬ ‫•‬
‫لوظائفها‪.‬‬
‫إن التدخل العام يمكن أن يكون مُبررا لتحقيق المصلحة العامة‪.‬‬ ‫•‬

‫() محمود علم الدين‪ ،‬الصحافة فى عصر المعلومات ( الساسيات والمستحدثات )‪ .‬ص ‪.82‬‬ ‫‪325‬‬

‫() محمد بن سعود البشر‪ ،‬المسئولية الجتماعية فى العلم‪ .‬ص ‪.20‬‬ ‫‪326‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪327‬‬

‫() سليمان صالح‪ ،‬مفهوم حر ية ال صحافة ( درا سة مقار نة ب ين جمهور ية م صر العرب ية والممل كة المتحدة فى الفترة من‬ ‫‪328‬‬

‫‪ 1945‬إلى ‪ .) 1985‬رسالة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬كلية العلم‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،1991 ،‬ص ‪.8 - 7‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪179‬‬ ‫‪-‬‬

‫وقهد طرحهت نظريهة المسهئولية الجتماعيهة بعهض الحلول لتحقيهق مبادئ المسهئولية‬
‫الجتماعية وتتمثل فى(‪:)329‬‬
‫التنظيهم الذاتهى لمهنهة الصهحافة مهن خلل إصهدار مواثيهق لحمايهة حريهة التحريهر‬ ‫•‬
‫والممارسة الصحفية‪.‬‬
‫إصدار قوانين للحد من الحتكار‪.‬‬ ‫•‬
‫إنشاء مجالس للصحافة‪.‬‬ ‫•‬
‫إنشاء نظام لتقديم إعانات للصحف بهدف المحافظة على التنوع الصحفى‪.‬‬ ‫•‬

‫ثانياً‪ :‬نقد نظرية المسئولية الجتماعية‪:‬‬


‫على الرغم من محاولة نظرية المسئولية الجتماعية لرساء مجموعة من المبادئ التى‬
‫ت ستهدف تحق يق نوع من التوازن ب ين حق المؤ سسات العلم ية فى العلم و حق جماه ير‬
‫المتلقين فى المعرفة‪ ،‬إل أن الواقع العلمى يوضح أن السلبيات التى نشأت نظرية المسئولية‬
‫الجتماعية من أجل القضاء عليها مازالت تسيطر على العمل العلمى‪.‬‬
‫ول قد تمثلت المعوقات ال تى ” جعلت أن صار نظر ية الم سئولية الجتماع ية فى العلم‬
‫ل يتجاوزون مرحلة التنظير إلى واقع التطبيق‪ ..‬فى‪ :‬النزعة الربحية فى اقتصاديات الوسيلة‪..‬‬
‫سهيطرة جماعات الضغهط والمصهالح‪ ..‬الهتمام بالوظيفهة الترفيهيهة وسهوء اسهتخدامها “(‪.)330‬‬
‫حيهث مازالت النزعهة الربحيهة فهى اقتصهاديات المؤسهسات العلميهة قائمهة‪ ،‬وتتجلى فهى‬
‫الندماجات المت صاعدة ب ين المؤ سسات العلم ية من أ جل تحق يق وفورات اقت صاديات الح جم‬
‫والنتاج الكبير‪ .‬وهذا بالطبع يؤدى إلى محاصرة التعددية وتقليص عدد المؤسسات العلمية‪.‬‬
‫وفهى مجال سهيطرة جماعات الضغهط والمصهالح‪ ،‬مازالت العلقات القائمهة علنا أو سهرا بيهن‬
‫المؤسسات العلمية وبين جماعات الضغط والمصالح فى المجتمعات تقيد كثيرا من قدرة تلك‬
‫المؤسسات على النشر الوافى للمعلومات العلمية‪ ..‬وفيما يتعلق بالهتمام بالوظيفة الترفيهية‬
‫على حسهاب الوظائف المعرفيهة‪ ،‬فإن المضمون الترفيههى مازال ههو المسهيطر على مجمهل‬
‫مساحات وساعات النتاج العلمى‪.‬‬

‫ول عل هذا ما يد عو أن صار نظر ية الم سئولية الجتماع ية إلى التحذ ير من أن ” زيادة‬
‫التبعية لمصالح مجتمع العمال ‪ -‬التى ل تفعل أكثر من الثارة والتضليل من أجل الربح ‪-‬‬
‫ستدعو إلى ن مو الرتياب الجماهيرى فى و سائل العلم‪ ،‬وإلى ال سيطرة الحكوم ية المحتو مة‬

‫() سليمان صالح‪ ،‬أزمة حرية الصحافة فى النظم الرأسمالية‪ .‬ص ‪.18‬‬ ‫‪329‬‬

‫() محمد بن سعود البشر‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬صفحات ‪ ( 44 - 10‬بتصرف )‪.‬‬ ‫‪330‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪180‬‬ ‫‪-‬‬

‫على تلك الوسهائل “(‪ .)331‬بينمها على الجانهب الخهر‪ ..‬يعبّر نقاد المسهئولية الجتماعيهة عهن‬
‫اقتناع هم بعدم وجود حا جة لتلك النظر ية‪ .‬ويؤكدون أن “ أى محاولة لو ضع يد الحكو مة على‬
‫صمامات ال صحافة ( العلم )‪ ،‬قد يد مر إلى أب عد مدى المفهوم ال صلى لحريت ها أك ثر م ما‬
‫ل للصلح ”(‪.)332‬‬
‫ستفعل مواطن الضعف المزعومة‪ ،‬والتى هى قابلة أص ً‬

‫ولكهن مها بيهن التأييهد والمعارضهة لنظريهة المسهئولية الجتماعيهة ‪ -‬باعتبارهها إحدى‬
‫نظريات النظم العلمية ‪ -‬فإن التحليل العلمى للسس التى قامت عليها تلك النظرية هو الذى‬
‫سهيوضح مدى جدارة تلك النظريهة بالتبنهى أو التطهبيق‪ .‬إذ إن اللفهت للنظهر أن ثمهة جاذبيهة‬
‫فكرية فى نظرية المسئولية الجتماعية جعلتها تمثل المبرر الجاهز الذى تستند إليه كافة النظم‬
‫العلمية تقريبا فى تبريرها لممارساتها المقيدة لقدراتها المعرفية‪.‬‬

‫ولعهل التحليهل العلمهى يوضهح أن ثمهة أوجهه قصهور عديدة فهى تلك النظريهة على‬
‫المستويات التاريخية والتنظيمية والتطبيقية والمعرفية والتكنولوجية‪ .‬وذلك وفقا للتفصيل التالى‪:‬‬

‫(‪ )1‬المستوى التاريخى‪:‬‬


‫إن التحليهل التاريخهى لظروف نشأة نظريهة المسهئولية الجتماعيهة يوضهح أن تلك‬
‫الظروف التاريخية لم تعد قائمة الن‪ .‬فلقد “ ظهرت نظرية المسئولية الجتماعية فى وقت كان‬
‫العالم فيه مُحاطا بالزمات‪ ،‬وكانت الديمقراطية نفسها تتعرض لتهديدات واضحة ”(‪.)333‬‬

‫ح يث ظهرت نظر ية الم سئولية الجتماع ية ع قب نها ية الحرب العالم ية بعام ين‪ .‬وكا نت‬
‫الفلسفة السياسية فى دول الغرب ‪ -‬على الرغم من النتصار العسكرى ‪ -‬تعانى الكثير من الضعف‬
‫وعدم الثقة‪ .‬فلقد أدى الصراع مع النازية والفاشية اللتين ظهرتا من قلب الليبرالية الغربية إلى اهتزاز‬
‫الث قة فى ال ُم ثل الليبرال ية فى كا فة المجالت‪ .‬كذلك كان لبروز المع سكر الشر قى الشيو عى بقيادة‬
‫التحاد السوفيتى دور كبير فى اتساع الدور الذى تمارسه الحزاب الشتراكية الديمقراطية فى الدول‬
‫الوربية فى محاولة لدرء خ طر اليدلوجية الماركسية‪ .‬و فى هذا المناخ المل بد بعدم الث قة والهتزاز‬
‫الفكرى ظهرت نظريهة المسهئولية الجتماعيهة فهى مجال العلم‪ ،‬باعتبارهها امتدادا للتجاه الذى‬
‫سهيطر على كافهة المجالت عقهب الحرب‪ ،‬ذلك التجاه الذى كان يرى أن الليبراليهة الكلسهيكية ‪-‬‬
‫بتوفيرها للحرية المطلقة على كافة الصعدة ‪ -‬تتيح بذلك ثغرات ومواطن ضعف يمكن من خللها‬
‫إساءة استخدام تلك الحرية أو النقلب عليها‪ .‬ولذلك كان لبد من تقنين فكرة التدخل التى تحد‬

‫‪331‬‬
‫‪)(Harless, James D., Mass Communication ) An Introductory survey (. p. 489.‬‬
‫‪332‬‬
‫‪)(Merrill, John C. & Lee, John & Lander, Edward J. F., Modern Mass Media. p. 181.‬‬
‫‪333‬‬
‫‪)(Baran, stanley J. & Davis, Dennis K., Mass Communication Theory ) Foundations,‬‬
‫‪Ferment and Future (. p. 100.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪181‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬نوعا ما ‪ -‬من فل سفة الحر ية المطل قة سواء أكا نت فى المجالت ال سياسية ( بح ظر اقا مة‬
‫أحزاب نازيهة أو فاشيهة ) أم فهى المجالت القتصهادية (بالسهماح بقدر مهن تدخهل الدولة فهى‬
‫القتصاد)‪ ،‬أم فى المجالت الجتماعية ( بإقامة شبكات تأمين وضمان إجتماعى واسعة )‪ ،‬أم‬
‫فى المجالت الثقافية والعلمية ( من خلل تحديد دور اجتماعى للمؤسسات الثقافية العلمية‬
‫يساعد على تحقيق التوازن فى المجتمع )‪.‬‬

‫ولكهن الواقهع الراههن الذى تشهده المجتمعات المعاصهرة فهى ظهل مها تطرحهه ظاهرة‬
‫العولمهة مهن تغيرات يختلف تماما عهن كهل تلك الظروف المواكبهة لنشأة نظريهة المسهئولية‬
‫الجتماعية‪ .‬فلقد أدى انهيار المعسكر الشتراكى إلى تصاعد الثقة فى النموذج الليبرالى بأبعاده‬
‫القت صادية المتمثلة فى ال سوق‪ ،‬وال سياسية المتمثلة فى الديمقراط ية‪ ،‬والجتماع ية المتمثلة فى‬
‫الفردية‪ ،‬والثقافية العلمية المتمثلة فى حرية الفكر وحرية التعبير‪.‬‬

‫وإذا كانهت بعهض التجاهات الفكريهة ترى أن التاريهخ يعيهد دورتهه ليوفهر الرضيهة‬
‫الخ صبة لن مو نظر ية الم سئولية الجتماع ية‪ ،‬انطلقا من أن الدعوة إلى الطر يق الثالث ال تى‬
‫تنتهج اتجاه « الديمقراطية الجتماعية » تتصاعد كرد فعل على تصاعد التجاه نحو سياسات‬
‫« الليبراليين الجدد »‪ .‬فإن عالم ما بعد الحرب الباردة يختلف عن عالم ما قبل الحرب الباردة‪.‬‬
‫والديمقراطية الجتماعية تختلف عن الشتراكية الديمقراطية‪ .‬ووسائل العلم التقليدية تختلف‬
‫عن و سائل العلم الجديدة ( النتر نت حاليا والطر يق ال سريع للمعلومات م ستقبلً )‪ .‬وبالتالى‬
‫فإن نظريهة المسهئولية الجتماعيهة فهى العلم لم تعهد تتواءم مهع الواقهع الراههن بكافهة أبعاده‬
‫السياسية والقتصادية والجتماعية والثقافية والعلمية‪.‬‬

‫ول عل هذا ما أدى بأ حد الباحث ين العلمي ين إلى الت ساؤل “ هل ستؤدى نها ية الحرب‬
‫الباردة وتأ سيس النظام العال مى الجد يد إلى تول يد نظر ية معيار ية جديدة ( للن ظم العلم ية )؟‬
‫وهل ستؤدى الزمات المحلية أو الداخلية الراهنة إلى ظهور الحافز الكافى لعادة التفكير فى‬
‫نظرية المسئولية الجتماعية أو تطوير نظرية أخرى جديدة ؟ ”(‪.)334‬‬

‫(‪ )2‬المستوى التنظيمى‪:‬‬

‫‪334‬‬
‫‪)(Baran, stanley J. & Davis, Dennis K., op.cit., p. 100.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪182‬‬ ‫‪-‬‬

‫تمثلت القوا عد التنظيم ية ال تى أشارت إلي ها نظر ية الم سئولية الجتماع ية لضمان تنف يذ‬
‫مبادئها فى القواعد التية‪ :‬المواثيق الخلقية ‪ -‬مجالس الصحافة والعلم ‪ -‬قوانين مكاف حة‬
‫الحتكار ‪ -‬العانات الحكومية‪.‬‬

‫ويتضهح مهن تلك القواعهد أن بعضا منهها يترجهم فلسهفة التنظيهم الذاتهى للمؤسهسات‬
‫العلميهة مهن خلل المواثيهق الخلقيهة ومجالس الصهحافة والعلم‪ ،‬والبعهض الخهر يبيهح‬
‫التدخهل العام مهن خلل العانات الحكوميهة‪ ،‬أو التدخهل التشريعهى مهن خلل قوانيهن منهع‬
‫الحتكار‪ .‬ولكن الواقع يقرر أن تلك المبادئ التنظيمية لم تكتسب ‪ -‬فى معظم حالت تطبيقها ‪-‬‬
‫القوة اللزمة لكى تؤكد المبادئ التى دعت إليها نظرية المسئولية الجتماعية‪.‬‬

‫ففههى الوليات المتحدة ‪ -‬باعتبارههها مهههد نظريههة المسههئولية الجتماعيههة ‪-‬‬


‫“ هناك مشكلة أساسية تتعلق بهذه النظرية‪ ،‬حيث ل يوجد اتفاق عام حول مسئوليات العلم‪،‬‬
‫∗‬
‫وعلى الر غم من وجود عدة مواث يق لمرا فق العلم المختلفة تحدد م سئوليات كل مر فق‪ ،‬إل‬
‫أنهه ل يوجهد ميثاق واحهد عام وشامهل وملزم للجميهع‪ .‬ويعود السهبب فهى هذا إلى موقهف‬
‫العلميين المريكيين أنفسهم الذين ل يرغبون فى تحديد المسئوليات بصورة دقيقة وحاسمة‬
‫خشيهة أن يؤدى هذا التحديهد إلى محاولة التزامههم بتلك المسهئوليات ”(‪ .)335‬لذا ” فإن أغلب‬
‫المبادئ التى تتضمنها مواثيق الخلقيات تُصاغ فى عبارات عامة وأحيانا غامضة أو مبهمة‪.‬‬
‫وبالذات ما يتعلق منها بمبادئ الموضوعية والحيدة والصدق وحرية العلم “(‪.)336‬‬

‫وفيمها يتعلق بمجالس الصهحافة والعلم‪ ،‬فإن بعهض الباحثيهن يرى ” أن الدور الذى‬
‫تقوم بهه مجالس الصهحافة غيهر ضرورى‪ ،‬بهل ينطوى على خطورة ضهد المجتمهع ووسهائل‬
‫العلم‪ .‬فهناك العديهد مهن الدول التهى تمارس الرقابهة على الصهحف مهن خلل مجالس‬
‫الصهحافة‪ .‬وذلك مهن خلل تخويهل المجالس بفرض رخهص على إصهدار الصهحف‪ .‬ومراقبهة‬
‫الممارسات الصحفية وعقاب الصحفيين الذين يعارضون سياسات الحكومة “(‪.)337‬‬

‫ولعهل المجلس العلى للصهحافة ( المصهرى ) نموذج للمجالس الصهحفية التهى تتولى‬
‫إصدار التراخيص للصحف‪ .‬ويمكن للحكومة ‪ -‬ممثلة فى رئيس الجمهورية ‪ -‬دعوته لجتماع‬

‫انظر‪ [ :‬قواعد أخلقيات العمل لمديرى التحرير فى وكالة أنباء أسوشيتدبرس ‪ -‬بيان جمعية رؤساء تحرير‬ ‫∗‬ ‫‪‬‬

‫ال صحف المريك ية عن مبادئ أخلقيات ال صحافة ‪ -‬بيان عن سياسة وكالة يونايتدبرس إنترناشيونال ‪ -‬جمع ية ال صحفيين‬
‫المحترفين ( قواعد الخلقيات ) ]‪ ،‬فى جون ل‪ .‬هاتلنج‪ ،‬أخلقيات الصحافة‪ .‬ترجمة كمال عبد الرؤوف‪ ،‬صفحات ‪- 121‬‬
‫‪.140‬‬
‫() محمد بن سعود البشر‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.49‬‬ ‫‪335‬‬

‫() محمود علم الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.95‬‬ ‫‪336‬‬

‫() حسن عماد مكاوى‪ ،‬أخلقيات العمل العلمى ( دراسة مقارنة )‪ .‬ص ‪.144‬‬ ‫‪337‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪183‬‬ ‫‪-‬‬

‫غ ير عادٍ‪ .‬بالضا فة إلى ما يقوم به المجلس من ر فع تقار ير سنوية لرئ يس الجمهور ية عن‬
‫أوضاع الصحافة∗‪.‬‬

‫وهناك أيضا مجلس ال صحافة فى الممل كة المتحدة الذى أن شئ عام ‪ ،1953‬والذى ” لم‬
‫ين شأ إل نتي جة التهد يد بإ صدار تشر يع بإنشائه‪ .‬لذلك سارعت الهيئات والمنظمات المهن ية إلى‬
‫حسهم خلفاتهها حول تشكيهل المجلس ودسهتوره‪ .‬وقهد لعهب ذلك دورا أسهاسيا فهى تقليهل ثقهة‬
‫الجمهور فى المجلس‪ ،‬والنظر إليه على أساس أنه جهاز قد جاء لحماية الصحافة ولم يأت ليقيم‬
‫علقة متوازنة بين الصحافة والجمهور‪ ..‬حيث لم يستطع أن ينفذ وظائفه أو أهدافه التى نص‬
‫عليها دستوره بشكل مرضٍ مما جعله معرضا للنقد من كافة التجاهات “(‪.)338‬‬

‫وفي ما يتعلق بقوان ين م نع الحتكار‪ ،‬فإ نه ” ر غم إ صدار الكونجوس المري كى لقانون‬


‫الت صالت عام ‪ 1996‬فى محاولة لد عم المناف سة‪ ،‬إل إن الع كس هو الذى حدث‪ .‬ح يث أدى‬
‫ل مهن‬
‫القانون إلى ظهور الندماجات وانخفاض عدد الشركات المالكهة للوسهائل العلميهة‪ ،‬بد ً‬
‫ت سهيل القدرة على المناف سة ك ما كان يهدف القانون ع ند صدوره “(‪ .)339‬ك ما أن القوان ين ال تى‬
‫صدرت لل حد من الحتكار والتر كز فى ملك ية ال صحافة فى بريطان يا وفرن سا ” لم ت ستطع أن‬
‫توقف معدل التركيز والحتكار أو تحفظ الحياة للصحف الصغيرة “(‪.)340‬‬

‫أ ما نظام العانات الحكوم ية ” ف قد ح قق ب عض النتائج اليجاب ية فى ب عض دول أور با‬


‫مثل السويد‪ ،‬التى قامت بمواجهة خطر سيطرة الحتكارات على صحافتها بانشاء نظام لتقديم‬
‫إعانات للصهحف بهدف المحافظهة على التنوع الصهحفى‪ .‬وقهد تهم تقديهم هذه المعونات إلى‬
‫الحزاب واتحادات العمال التهى تمتلك صهحفا‪ .‬وقهد نجحهت هذه المعونات فهى المحافظهة على‬
‫حياة الكث ير من ال صحف ال صغيرة فى ال سويد‪ .‬ول كن بالر غم من نجاح نظام تقد يم المعونات‬
‫للصحف فى السويد‪ ،‬إل إن فكرة تقديم معونات للصحف تم رفضها بشكل واسع فى الكثير من‬
‫الدول الوربيهة والوليات المتحدة المريكيهة‪ ،‬خوفا مهن اسهتغلل الحكومات لهها للتدخهل فهى‬
‫شئون الصحافة “(‪.)341‬‬

‫انظر قانون تنظيم الصحافة رقم ‪ 96‬لسنة ‪ 1996‬المواد أرقام ‪ 46‬و‪ 47‬و‪ 48‬و‪ 74‬و‪.78‬‬ ‫∗‬ ‫‪‬‬

‫() سليمان صالح‪ ،‬أزمة حرية الصحافة فى النظم الرأسمالية‪ .‬صفحات ‪ ( 259 - 226‬بتصرف )‪.‬‬ ‫‪338‬‬

‫() ان ظر‪ " :‬مخاوف عالم ية من تأ ثر حر ية ال صحافة وتد فق الخبار ب عد اندماج أمري كا أون ل ين وتا يم وار نر "‪ ،‬جريدة‬ ‫‪339‬‬

‫الهرام‪ .‬بتاريخ ‪ ،13/1/2000‬صفحة أخبار العالم‪.‬‬


‫() سههليمان صههالح‪ " ،‬التجاهات العلميههة الحديثههة لمفهوم حريههة الصههحافة "‪ ،‬مجلة الدراسههات العلميههة‪.‬‬ ‫‪340‬‬

‫( عدد ‪ ،93‬أكتوبر ‪ -‬ديسمبر ‪ .) 1998‬ص ‪.90‬‬


‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬ ‫‪341‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪184‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولهذا‪ ..‬يمكن القول أن القواعد التنظيمية التى وضعتها نظرية المسئولية الجتماعية لم‬
‫تستطع أن تحقق القدر المرجو من النجاح فى أرض الواقع العلمى الراهن‪ .‬ولعل ما تطرحه‬
‫البعاد العلمية للعولمة من تغيرات حالية ومستقبلية سيؤدى إلى زيادة ابتعاد الواقع العلمى‬
‫عهن تلك القواعهد‪ ،‬نتيجهة عدم ملءمتهها للوضاع العلميهة الراهنهة‪ .‬ومهن هنها سهتبدو تلك‬
‫القواعهد التنظيميهة ذات ” منفعهة محدودة طالمها تسهتطيع فقهط المسهاعدة على تنويهر الذهان‬
‫وإرشادها ولكنها تفتقر لى وسيلة للتطبيق “(‪.)342‬‬

‫(‪ )3‬المستوى التطبيقى‪:‬‬


‫على الرغهم مهن أن مها قدمتهه نظريهة المسهئولية الجتماعيهة مهن معاييهر مهنيهة لنقهل‬
‫المعلومات تتمثهل فهى‪ :‬الحقيقهة‪ ،‬والدقهة‪ ،‬والموضوعيهة‪ ،‬والتوازن‪ ،‬بحيهث تمثهل هذه المفاهيهم‬
‫معاي ير رفي عة ي ستخدمها العلميون فى أدائ هم لوظائف هم العلم ية‪ ،‬إل أن النظر ية تجاهلت‬
‫تماما وضع أى أساليب تطبيقية تساعد على تنفيذ تلك المعايير المجردة‪ .‬والخروج بها من حيز‬
‫التجريهد النظرى إلى نطاق الواقهع العملى‪ .‬م ما أدى إلى أن تلك المعاييهر با تت تم ثل إشكال ية‬
‫كبيرة فى توجهات العمل العلمى نظرا لشدة عموميتها وغموضها واتساع مدى تأويلها وفقا‬
‫لت صورات متعددة‪ .‬بل وأ صبحت تلك المعاي ير ‪ -‬فى حد ذات ها ‪ -‬بمثا بة مبرر جا هز يَ سهُل‬
‫السهتناد إليهه عنهد الرغبهة فهى الهجوم على وسهائل العلم‪ ،‬مهن خلل اتهامهها بعدم تحرى‬
‫الحقيقة والدقة والموضوعية والتوازن‪ .‬أو مبرر جاهز لدى العلميين أنفسهم لتبرير حظرهم‬
‫لبعض المعلومات تحت دعوى اللتزام بتلك المعايير‪.‬‬

‫ويمثل معيار « الحقيقة » تحديا كبيرا أمام أى نشاط إعلمى يطمح فى الوصول إليه‪،‬‬
‫إذ إن الحقي قة ن سبية‪ ،‬وترت بط بالمعر فة البشر ية ال تى ت عد قا صرة نتي جة التفاوت فى المجال‬
‫الدراكهى للحواس البشريهة والقدرات العقليهة والمدى المتغيهر ‪ -‬يوما بعهد آخهر ‪ -‬للتطورات‬
‫التكنولوج ية‪ ..‬إلخ‪ ..‬ال مر الذى يج عل من الحقي قة ‪ -‬كمعيار لح سن الداء العل مى ‪ -‬أمرا‬
‫يقع فى نطاق الستحالة العملية والنظرية معا‪.‬‬

‫وفهى نفهس الطار يأتهى معيار « الموضوعيهة » الذى يُطلق عليهه تعهبير « الكأس‬
‫المقدسة∗ للصحافة »‪ ،‬ليمثل عقبة أخرى فى طريق ما تطمح إليه نظرية المسئولية الجتماعية‪.‬‬
‫ويعا نى معيار الموضوع ية ” من ثل ثة قيود أو أو جه ق صور كمقياس لنتاج الخبار‪.‬‬
‫أولها‪ :‬إنه مبدأ مطلق بمعنى إما أنك موضوعى أو ل‪ .‬وثانيها‪ :‬إنه فى مستوى إدراك الصورة‬

‫() روبرت شمول ( محرر )‪ ،‬مسئوليات الصحافة‪ .‬ترجمة الفرد عصفور‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫‪342‬‬

‫‪‬‬
‫‪Bluemlein, Ann colleen, Testing objectivity: An experiment measuring objectivity in‬‬
‫‪Journalists and non - Journalists. ) Available from Internet (.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪185‬‬ ‫‪-‬‬

‫واستخدام اللغة‪ ،‬يستحيل على العلميين أن يحققوا الموضوعية الكاملة تماما‪ ،‬كما هو المر‬
‫بالن سبة لى ش خص آ خر‪ .‬وثالث ها‪ :‬إن ا ستخدام م صطلح الموضوع ية فى المجال ال صحفى‪..‬‬
‫يوحهى بسههولة بمسهتوى مهن النجاز الروتينهى الذى باسهتطاعته أن يخفهى المشاكهل الحقيقيهة‬
‫للتغطيهة الخباريهة‪ ..‬وبهذا المعنهى تكون الموضوعيهة مفهوما أو مصهطلحا يسهاعد على نزع‬
‫الصفة الجتماعية عن العلم وإبعاده عن احتمالت وشروط الممارسة “(‪.)343‬‬

‫ول عل هذا ما أكد ته ب عض الدرا سات ح ين قررت أن ” مفهوم الموضوع ية الذى يتبناه‬
‫العلميون من المفاه يم الروتين ية فى الع مل العل مى‪ ،‬وال تى ت ساعدهم على تج نب التعرض‬
‫للنتقادات أو التهام بالتحيهز‪ ..‬فالموضوعيهة ههى طقهس أو شعيرة اسهتراتيجية تُسهتخدم أسهاسا‬
‫للدفاع عهن طبيعهة ونوعيهة النتاج مهن نقاده‪ .‬حيهث إن وقهت العلمييهن قصهير أو محدود ول‬
‫يمكّن هم من التح قق م ما إذا كانوا قد ح صلوا على الحقائق ال صحيحة للخبار أم ل‪ ،‬فى الو قت‬
‫الذى ل يمكنههم فيهه الدعاء بصهدق وواقعيهة هذه الحقائق؛ ومهن ثهم فههم يتبعون مجموعهة مهن‬
‫الجراءات لدعاء الموضوعية ولحماية أماكنهم الوظيفية من مخاطر رفع قضايا ضدهم بالقذف‬
‫أو السب‪ ....‬ويؤدى اتباع هذا الروتين إلى حذف المعلومات التى قد تجلب ضررا “(‪.)344‬‬

‫ول قد أظهرت إحدى الدرا سات أن تبنّ ى العلمي ين لمعيار الموضوع ية يجعل هم أك ثر‬
‫حيادا عند الحكم على الحقائق المتنازع عليها‪ ” .‬ففى دراسة أجريت على عدد خمسة وأربعين‬
‫صحفيا وخمسة وثلثين من غير الصحفيين تم اطلعهم على تقرير متضارب حول اغتصاب‬
‫رجل أسود لمرأة بيضاء‪ .‬بحيث تضمن ذلك التقرير ثلث مجموعات من المعلومات‪ ،‬أولها‪:‬‬
‫الحقائق المتفق عليها ( من الطرف ين )‪ ،‬وثاني ها‪ :‬الحقائق ال ستنتاجية ( التى صرح بها طرف‬
‫ولم يناقضهها الطرف الخهر )‪ ،‬وثالثهها‪ :‬الحقائق المتنازع عليهها‪ .‬وعرّفهت تلك الدراسهة‪،‬‬
‫الموضوعيهة على أنهها البقاء على الحياد عنهد الحكهم على مصهداقية الشهادات المتقاربهة‪.‬‬
‫وأوضحت النتائج عدم وجود اختلف بين ردود فعل الصحفيين وغير الصحفيين تجاه الحقائق‬
‫المت فق علي ها أو ال ستنتاجية‪ .‬ول كن الختلف حدث فى مجال الحقائق المتنازع علي ها‪ ،‬ح يث‬
‫دلت النتائج على أن الصحفيين أكثر موضوعية من نظرائهم غير الصحفيين “(‪.)345‬‬

‫ولكن إذا كانت تلك الدراسة قد أثبتت أن العلميين أكثر موضوعية من غيرهم‪ ،‬إل‬
‫أنهها لم توضهح ههل ههم موضوعيون بالقدر الكافهى لوصهفهم بالموضوعيهة ؟! انطلقا مهن أن‬

‫() جون كورنر‪ ،‬التليفزيون والمجتمع ( الخصائص‪ ،‬التأثير‪ ،‬النوعية‪ ،‬العلنات )‪ .‬ترجمة أديب خضور‪ ،‬عرض وتلخيص‬ ‫‪343‬‬

‫محمد إبراهيم‪ ،‬فى مجلة الدراسات العلمية‪ ،‬عدد (‪ )96‬يوليو ‪ -‬سبتمبر ‪ ،1999‬ص ‪.161‬‬
‫‪344‬‬
‫‪)(Tuchman G., “ objectivity as strategic Ritual: An Examination of Newsmen’s Notions of‬‬
‫اقتبسه سيد بخيت‪ ،‬فى العمل‪objectivity ”, American Journal of sociology. ) vol. 77, 1977 (. pp 48 - 49.‬‬
‫‪.‬الصحفى فى مصر ( دراسة سسيولوجية للصحفيين المصريين )‪ ،‬ص ‪76‬‬
‫‪345‬‬
‫‪)(Bluemlein, Ann Colleen, op. cit.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪186‬‬ ‫‪-‬‬

‫الموضوعية ترى أن ” المعلومات المبنية عل الحقائق هى الوسيلة الصحيحة للمعرفة “(‪.)346‬‬


‫وبالتالى تظل إشكالية الموضوعية تطل برأسها باعتبارها معيارا يستعصى على التطبيق العام‪،‬‬
‫لما يتميز به ذلك المعيار من سيولة فائقة‪ ،‬ولعتماده على معيار الحقيقة الذى هو الخر مغرقا‬
‫فى الغموض والنسبية‪.‬‬

‫أمها بالنسهبة لمعيارى « الدقهة » و« التوازن »‪ ،‬فإذا كانهت بعهض الدراسهات ترى‬
‫” أنه من الممكن تحديد مستويات الدقة بدرجة جيدة‪ .‬فإن قياس التوازن ‪ -‬الذى هو تعبير عن‬
‫التجرد وعدم التحيهز ‪ -‬يثيهر الكثيهر مهن المصهاعب‪ ،‬وذلك لعدم وجود مقياس معتمهد يمكهن‬
‫اللجوء إليه بشكل مستقل عن التفسير التقييمى‪ .‬فتحديد زمان وقوع حدث صباحا أم مساءا هو‬
‫م سألة يتو قع المرء إمكان ية تدقيق ها ( بد قة ) ‪ ،‬والتأ كد من ها ب سرعة فى مع ظم الحالت‪ .‬بين ما‬
‫يصعب اعتبار ما إذا كان استخدام مشاهد معينة من فيلم‪ ،‬أو تعابير معينة من تقرير‪ ،‬أو حذف‬
‫أرقام معينة من رسالة بمثابة تحيزا أم ل “(‪.)347‬‬

‫إل أن دراسات أخرى ترى ” أن الدقة فى عملية تصنيع الخبار مازالت بعيدة المنال‪.‬‬
‫فاسهتقراء الواقهع يؤكهد غياب هذه السهمة فهى لغهة كتابهة الخهبر‪ .‬فاسهتخدام المفردات اللغويهة‬
‫والمصطلحات يحمل فى الكثير من الحيان إيحاءات ودللت ل تصور الحدث ذاته‪ ،‬بقدر ما‬
‫تصور ما يريد العلمى تصويره‪ .‬وتتناقض الدقة فى كتابة الخبار كلما تزايد عدد البوابات‬
‫ال تى ي مر ب ها الحدث ح تى ي صل للن شر‪ ..‬فل شك أن كل حارس بوا بة يم كن أن يقوم بإجراء‬
‫تعديلت على كتا بة ال خبر‪ .‬و هو ما يؤدى إلى أن يكون المن تج النهائى و هو ال خبر المنشور‪..‬‬
‫أقل دقة فى توصيف وتصوير الواقع “(‪.)348‬‬

‫ولعل هذا ينطبق أيضا على معيار التوازن‪ ،‬والذى تثبت الممارسات العلمية أنها فى‬
‫غيهر قليهل مهن الحداث تبتعهد عنهه كثيرا‪ ،‬بحيهث يصهبح التحيهز ههو المعيار السهائد والعنوان‬
‫الصريح للتغطية العلمية‪.‬‬
‫إن ما سبق يو ضح أن نظر ية الم سئولية الجتماع ية لم ت ستطع و ضع أ ساليب تطبيق ية‬
‫يمكن من خللها تنفيذ مبادئ المسئولية الجتماعية‪ ،‬بل إن المعايير التى وضعتها كانت أبعد ما‬
‫تكون عن إمكانية التطبيق لشدة تجريدها وسيولتها ونسبيتها‪.‬‬

‫(‪ )4‬المستوى المعرفى‪:‬‬

‫() دانييل يانكلوفيتش‪ ،‬الديمقراطية وقرار الجماهير‪ ،‬ترجمة كمال عبد الرؤوف‪ .‬ص ‪.275‬‬ ‫‪346‬‬

‫() جون كورنر‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.161‬‬ ‫‪347‬‬

‫() سليمان صالح‪ ،‬صناعة الخبار فى العالم المعاصر‪ .‬ص ‪.138 - 137‬‬ ‫‪348‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪187‬‬ ‫‪-‬‬

‫دعت نظرية المسئولية الجتماعية إلى إطار معرفى ينظم حرية المؤسسات العلمية‬
‫فى نشر الرسائل العلمية‪ ،‬ويتضمن تجنبها نشر ما يمكن أن يؤدى إلى‪ :‬الجريمة ‪ -‬العنف ‪-‬‬
‫الفوضى الجتماعية ‪ -‬توجيه إهانات إلى القليات أو الساءة إليهم‪.‬‬

‫وربما يقود التحليل السطحى إلى نتيجة مؤداها أن إفراط المؤسسات العلمية فى نشر‬
‫أخبار العنهف والجريمهة وأخبار الفضائح ‪ -‬على حسهاب الهتمام بمشاكهل المجتمهع وعرض‬
‫أصوات الجماعات المتعددة الفاعلة فيه ‪ -‬هو الذى أدى إلى دعوة نظرية المسئولية الجتماعية‬
‫إلى اللتزام بهذا الطار المعرفى‪.‬‬
‫وربمها أيضا‪ ..‬يقود التحليهل السهطحى إلى إسهناد ذلك الطار المعرفهى الذى وضعتهه‬
‫النظرية إلى الظروف القانونية للوليات المتحدة المريكية التى نشأت فيها هذه النظرية‪ .‬والتى‬
‫ينهص دسهتورها على عدم أحقيهة الكونجرس فهى إصهدار أى قانون يحهد مهن حريهة التعهبير‬
‫أو الصهحافة‪ .‬وبالتالى يضمهن هذا الطار المعرفهى ملء الفراغ التشريعهى الناشهئ عهن هذه‬
‫الصرامة الدستورية‪.‬‬

‫ولكهن كل التحليليهن السهطحيين عنهد محاولة التعمهق فهى أسهانيدهما يتهم اكتشاف‬
‫ابتعادهما عن الصواب‪ ...‬ذلك أن نشر أخبار الجنس والعنف والجريمة والفضائح وتجاهل‬
‫القليات ومشاكلههم‪ ..‬بمثابهة شهئ‪ ،‬ونشهر مها يؤدى إلى العنهف والجريمهة والفوضهى‬
‫الجتماع ية وال ساءة إلى القليات‪ ..‬بمثا بة شئ آ خر‪ .‬فالن شر عن أخبار الع نف ل يرت بط‬
‫بنشر الدعاوى المؤيدة للعنف أو التى تحرض عليه‪ ،‬وتجاهل مشاكل القليات غير الساءة‬
‫إلى القليات واحتقارها‪.‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬فإنهه على الرغهم مهن تقييهد الدسهتور للكونجرس المريكهى فهى‬
‫إصدار قوانين تحد من حرية التعبير والصحافة‪ .‬إل أن ذلك لم يمنع الكونجرس من إصدار‬
‫القوانين التى تحد من حرية التعبير الذى يؤدى إلى العنف أو الجريمة أو التشهير‪ .‬كما لم‬
‫يمنع المحك مة العل يا المريك ية من تب نى مبادئ قضائ ية لل حد من حر ية الت عبير الذى يؤدى‬
‫إلى العنهف أو الجريمهة أو التشهيهر‪ .‬ففهى الوقهت المعاصهر لظهور نظريهة المسهئولية‬
‫الجتماعية ” كان من ضمن المبادئ التى تتبناها المحكمة المريكية العليا مبدأ أحقية الحد‬
‫من حر ية الت عبير لمواج هة خ طر حالى وا ضح‪ .‬بالضا فة إلى كل من « قانون سميث »‬
‫‪ Smith Act‬الصادر عام ‪ ،1940‬الذى يعتبر الدعوة إلى تدمير الحكومة بالعنف تحريضا‪ .‬و«‬
‫قانون التحريههض » المريكههى الصههادر عام ‪ 1918‬الذى ينههص على عدم جواز قول‬
‫أو فعهل أى شيهئ يهدف إلى إثارة الحتقار أو الزدراء بطريقهة مهينهة للسهاءة إلى سهمعة‬
‫‪-‬‬ ‫‪188‬‬ ‫‪-‬‬

‫الحكو مة‪ .‬ك ما أن المحك مة العل يا ل تح مى الت عبير الحا فل بالكراه ية لى فئة إذا كان على‬
‫وشك أن يتحول لعمال عنف فورية ”( ‪.)349‬‬

‫ول عل هذا يو ضح أن الطار المعر فى الذى وضع ته نظر ية الم سئولية الجتماع ية لتقي يد‬
‫نشر بعض الرسائل العلمية التى تؤدى إلى العنف والجريمة والفوضى الجتماعية والساءة‬
‫للقليات‪ ،‬ذلك الطار المعرفهى مغطهى أسهاسا بالقوانيهن التهى كانهت سهائدة آنذاك بالمجتمهع‬
‫المريكى‪ .‬وبالتالى فإن ذلك الطار لم يغط فراغا تشريعيا‪ .‬بل أدى إلى الستناد إلى ذلك الطار‬
‫المعرفهى مهن جانهب الحكومهة أو المؤسهسات العلميهة فهى الوليات المتحدة أو كافهة الدول‬
‫الخرى‪ ،‬لتبرير حظر بعض المعلومات تحت دعوى أنها تؤدى إلى تلك المحاذير‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن كا فة الدول ب ها قوان ين وتشريعات تعا قب و سائل العلم ع ند تورط ها فى ن شر ر سائل‬
‫إعلميهة تنطوى على تلك المحاذيهر‪ .‬علوة على ذلك‪ ..‬فإن عددا غيهر قليهل مهن الباحثيهن‬
‫العلميهن أصهبح يسهتند إلى هذا الطار المعرفهى الذى روجتهه نظريهة المسهئولية الجتماعيهة‬
‫ل تبرير ح ظر ب عض المعلومات‪ .‬مثال ذلك ما يؤكده البا حث « وار ين بر يد » ‪waren Breed‬‬
‫عندما يقرر “ أنه فى بعض الحوال قد ل يقدم القائم بالتصال تغطية كاملة للحداث التى ت قع‬
‫من حوله‪ .‬ول يس هذا الغفال نتي جة لتق صير أو ع مل سلبى‪ .‬ول كن يُغ فل القائم بالت صال أحيانا‬
‫تقديم بعض الحداث إحساسا منه بالمسئولية الجتماعية‪ .‬وللحفاظ على بعض الفضائل الفردية أو‬
‫المجتمع ية‪ .‬ف قد تض حى و سائل العلم أحيانا بال سبق ال صحفى‪ .‬أو تت سامح ب عض الش يئ فى‬
‫واجبها الذى يفرض عليها تقديم كل الخبار التى تهم الجماهير‪ .‬وذلك رغبة منها فى تدعيم قيم‬
‫المجتمع وتقاليده‪ .‬كذلك تعمل وسائل العلم على حماية النماط الثقافية السائدة فى المجتمع‪..‬‬
‫وغالبا ما تتج نب وسائل العلم انتقاد الفراد الذين يقومون بتلك الدوار لتدعيم البناء الثقافى‬
‫للمجتمع ”(‪.)350‬‬

‫وهكذا ‪ -‬وت حت غطاء تبريرى نا تج عن تف سيرات وا سعة لمبادئ نظر ية الم سئولية‬
‫الجتماع ية ‪ -‬امتل كت المؤ سسات العلم ية ال حق فى ح ظر ب عض المعلومات ت حت دعاوى‬
‫مختل فة‪ .‬تعت مد على نوا يا وضمائر القائم ين بالت صال الذ ين يمار سون عمل هم على اعتبار أ نه‬
‫ر سالة مقد سة لحما ية ق يم المجت مع وم صالحه‪ .‬وبالتالى فإن هذا الطار المعر فى الذى طرح ته‬
‫نظر ية الم سئولية الجتماع ية لتقي يد نشر ب عض الرسائل العلم ية التى تتعارض مع م صلحة‬

‫() انظر‪ :‬حسن عماد مكاوى‪ ،‬أخلقيات العمل العلمى ( دراسة مقارنة )‪ .‬ص ‪ 77 - 76‬وصفحات ‪.116 - 108‬‬ ‫‪349‬‬

‫() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد‪ ،‬التصال ونظرياته المعاصرة‪ .‬ص ‪.178‬‬ ‫‪350‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪189‬‬ ‫‪-‬‬

‫المجتمهع‪ ،‬أدى إلى تشويهه وعهى القائميهن بالتصهال مهن خلل تحويلههم إلى حراس بوابات‬
‫أو أوصياء على المعلومات‪.‬‬
‫ويرى ب عض نقاد نظر ية الم سئولية الجتماع ية أن نظر ية الم سئولية الجتماع ية لم ي تم‬
‫اختراعها ” لتلقينها لطلب الصحافة والعلم‪ .‬ولكن لتقديم المنطق والمبرر للتحيزات الخاصة‬
‫لو سائل العلم‪ .....‬وبدلً من الكتا بة الواقع ية‪ ،‬يقوم المحررون الم سئولون اجتماعيا بتجا هل‬
‫الحداث التهى تقهع بالفعهل‪ .‬ويكتبون عهن الصهدق المتوارى خلف الحقيقهة‪ .)351(“ ...‬كمها يرى‬
‫بعض هؤلء النقاد أن نظرية المسئولية الجتماعية ” ل تمثل مشكلة فى حد ذاتها‪ .‬ولكنها فقط‬
‫علمهة على خداع وكذب السهللة التهى تتحكهم فهى وسهائل العلم‪ .‬وأن نظريهة المسهئولية‬
‫الجتماعيهة مها ههى إل اسهم اخترعتهه وسهائل العلم العديمهة الضميهر لسهتخدامه كغطاء‬
‫لفكارها المتحيزة “(‪.)352‬‬

‫ول عل الوا قع الذى تطر حه فاعليات شبكات المعلومات يج عل الطار المعر فى لنظر ية‬
‫المسهئولية الجتماعيهة غيهر ذى جدوى‪ .‬إذ إن القدرة اللمحدودة على النشهر اللكترونهى‬
‫للمعلومات عبر شب كة النتر نت تتخ طى مع ظم الحوا جز الرقاب ية وال طر المعرف ية‪ ،‬ول تت يح‬
‫‪-‬إل بإمكانيات باهظة التكلفة ومتناقصة التأثير مع استمرار التقدم التكنولوجى ‪ -‬القدرة على‬
‫ح ظر الر سائل العلم ية ال تى يؤدى نشر ها إلى الع نف أو الجري مة أو الفو ضى الجتماع ية‬
‫أو ال ساءة للقليات‪ .‬فل قد جعلت التكنولوج يا هذا ال مر اختياريا من خلل برا مج المرشحات‬
‫والفل تر اللكترون ية ال تى ي تم ا ستخدامها فرديا أو جماع يا فى ب عض موا قع النتر نت لح ظر‬
‫استقبال أو إرسال بعض الرسائل التحريضية‪.‬‬

‫(‪ )5‬المستوى التكنولوجى‪:‬‬


‫كش فت البعاد العلم ية للعول مة ‪ -‬من خلل ا ستراتيجية التو حد والتك تل والندماج ‪-‬‬
‫عهن اتجاه النظهم العلميهة على مسهتوى العالم نحهو التداخهل والتشابهك والنفتاح على بعضهها‬
‫الب عض‪ ،‬م ما ي ساعد على التخلق التدري جى لنظام إعل مى ذو مل مح عالم ية وتوجهات عالم ية‬
‫إنسانية‪ .‬كما ستؤدى استراتيجية التوحد والتكتل والندماج ‪ -‬فى مجال المؤسسات العلمية ‪-‬‬
‫إلى اتجاه تلك المؤسسات للندماج فى مؤسسات أكبر‪ ،‬وستؤدى الستراتيجية نفسها ‪ -‬فى مجال‬
‫جماهير المتلقين ‪ -‬إلى دمج قطاعات كبيرة من جماهير المتلقين على مستوى العالم تحت لواء‬
‫ر سائل ات صالية ذات موا صفات عالم ية وإن سانية‪ .‬وبالتالى ستؤدى التغيرات الناشئة عن التقدم‬
‫التكنولوجى إلى ضمور وتقلص فكرة المسئولية الجتماعية فى مجال العلم‪ .‬وذلك لن اتساع‬
‫‪351‬‬
‫‪)(Demarais, Robert A., The Biased Media’s Social Responsibility Theory. P.1. ) Avaliable‬‬
‫‪from Internet (.‬‬
‫‪352‬‬
‫‪)(Ibid p. 2.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪190‬‬ ‫‪-‬‬

‫مدى الرسائل العلمية ليشمل العالم سيؤدى إلى نشرها فى مجتمعات متباينة الظروف والعادات‬
‫والتقاليد والقيم‪ .‬وبالتالى فإن فكرة قبول وسائل العلم القيام بالتزامات معينة تجاه المجتمع‪ ،‬تلك‬
‫الفكرة التهى تمثهل صهلب نظريهة المسهئولية الجتماعيهة سهتواجه مأزق تعدد المجتمعات التهى‬
‫تستهدفها نفس الرسالة العلمية‪ .‬وبالتالى فإن قبول المؤسسات العلمية القيام بالتزامات معينة‬
‫تجاه كهل مجتمهع على و جه الرض يسهتقبل ر سائلها‪ ،‬سهتؤدى إلى تكريهس كمّ من اللتزامات‬
‫الجتماع ية المتناق ضة والمتضار بة ب سبب اختلف وتبا ين المجتمعات‪ .‬وبالتالى ستؤدى محاولة‬
‫اللتزام بكل شئ إلى عدم القدرة على اللتزام بشئ‪ ،‬أو بالحرى عدم القدرة على نشر أى شئ‪.‬‬

‫ومن هنا فإن فكرة المسئولية الجتماعية ستواجه صعوبة العتماد عليها كمبرر لحظر‬
‫بعهض المعلومات على النطاق العالمهى؛ وذلك لتناقضهها مهع أبعاد ومنطلقات هذا النطاق‪ .‬فهى‬
‫ح ين ستجد مكانا ل ها في ما ستوفره تكتيكات التش ظى والتجزؤ والنق سام الم صاحبة للعول مة‪،‬‬
‫والتهى سهتؤدى إلى توجهه النظهم العلميهة نحهو التأكيهد على انتماءاتهها الحضاريهة والثقافيهة‬
‫وخصهوصا فهى مجال محطات التليفزيون الرضيهة والمحطات الذاعيهة المحليهة والصهحف‬
‫والمجلت المحل ية‪ .‬وبالتالى يم كن ه نا لفكرة المسهئولية الجتماع ية أن تمارس عمل ها‪ ،‬ول كن‬
‫بصهعوبة نتيجهة التأثيهر الفائق للتغيرات المصهاحبة للعولمهة‪ .‬وإمكانيهة ظهور نظريهة جديدة‬
‫مضادة لتلك النظرية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫إن كل ما سبق يوضح‪ ..‬أن ما تعانيه نظرية المسئولية الجتماعية من أوجه قصور‬
‫عديدة ‪ -‬على الم ستويات التاريخ ية والتنظيم ية والتطبيق ية والمعرف ية والتكنولوج ية ‪ -‬يجعل ها‬
‫ل ت ستطيع ال صمود كنظر ية للن ظم العلم ية‪ .‬فاختلف ظروف نشأت ها التاريخ ية عن الوا قع‬
‫الراهن‪ .‬وقصور مبادئها التنظيمية ومعاييرها التطبيقية‪ .‬وعدم جدوى إطارها المعرفى لحظر‬
‫بعض الرسائل العلمية الضارة‪ .‬وصعوبة استخدامها فى ظل التقدم التكنولوجى الفائق الذى‬
‫امتد بنطاقات النظم العلمية إلى الحدود العالمية‪ .‬إن كل ذلك يوضح أن تلك النظرية لم تعد‬
‫صالحة لل ستخدام كنظر ية للن ظم العلم ية‪ .‬ال مر الذى أدى بأ حد الباحث ين العلمي ين إلى‬
‫التقريهر بأن ” المتابهع للدراسهات العلميهة الغربيهة ونتائج البحوث والدراسهات التهى يقدمهها‬
‫المتخصصون فى حقل العلم‪ ،‬يلحظ بونا شاشعا بين السس الفكرية والمنطلقات الجتماعية‬
‫ال تى قا مت علي ها هذه النظر ية‪ ،‬وب ين الت طبيق العملى ل ها‪ .‬أو ب ين أدبيات هذه النظر ية‪ ،‬ومدى‬
‫فههم القائميهن على الوسهائل العلميهة والمشتغليهن بالعلم لمعنهى هذه النظريهة ودللت‬
‫مضامين ها ومحاولة ال خذ ب ها “(‪ .)353‬وهذا ما تؤكده حقي قة أن ” نظر ية الم سئولية الجتماع ية‬
‫() محمد بن سعود البشر‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.10‬‬ ‫‪353‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪191‬‬ ‫‪-‬‬

‫فى العلم ليست مطبقة ‪ -‬على القل فى المجتمع الذى ظهرت فيه ‪ -‬بصيغتها وقالبها المهنى‬
‫والجتماعى والسياسى المعروف عند المتخصصين فى العلم “(‪.)354‬‬

‫وبالتالى فإن ما سبق عر ضه من ت صنيفات متعددة للن ظم العلم ية يو ضح أن كا فة‬


‫نظريات النظهم العلميهة ‪ -‬إمها الليبراليهة ومها تفرع منهها أو السهلطوية ومها تفرع منهها ‪-‬‬
‫لم ت ستطع تو صيف الن ظم العلم ية ب صورة صحيحة‪ .‬فالنظر ية الليبرال ية تعاملت مع الن ظم‬
‫العلمية باعتبارها سلطة بل مسئولية‪ ،‬ونظرا لن أى نظام يمارس سلطة بل مسئولية يتحول‬
‫إلى نظام ديكتاتورى‪ ،‬فقهد أفرزت النظريهة الليبراليهة ديكتاتوريهة المؤ سسات العلم ية‪ .‬بين ما‬
‫تعاملت نظرية المسئولية الجتماعية مع النظم العلمية باعتبارها سلطة تلتزم بمسئولية غير‬
‫مناسهبة‪ ،‬حيهث أدت المبادئ غيهر الواقعيهة الشديدة التجريهد إلى تحميهل المؤسهسات العلميهة‬
‫عبهء اللتزام بمسهئولية فضفاضهة‪ ،‬ممها أدى إلى اسهتغلل تلك المسهئولية لتقييهد المحتوى‬
‫المعرفى للرسائل العلمية تحت دعوى القيام بدور مسئول اجتماعيا‪ .‬أما النظريات السلطوية‬
‫وما تفرع منها من نظريات ( النظرية التنموية ‪ -‬النظرية الشيوعية ‪ -‬النظرية الثورية‪ ..‬إلخ )‪.‬‬
‫فقهد تعاملت جميعهها مهع النظهم العلميهة باعتبارهها كيانا بل سهلطة تابعا للسهلطة الحكوميهة‪،‬‬
‫ويلتزم هذا الكيان بمسئوليات تنموية أو دعائية أو توجيهية أو تعبوية‪ ،‬مما أدى إلى أن تصبح‬
‫المؤ سسات العلم ية م سئولة أمام الدولة أو الحزب أو الثورة‪ ..‬وبالتالى تخلت عن ا ستقللها‬
‫لت صبح فرعا من أفرع ال سلطة الحكوم ية‪ ،‬وبذلك تحولت المؤ سسات العلم ية إلى مؤ سسات‬
‫دعائية تمارس تزييف الوعى وتضليل للعقول‪.‬‬

‫ولعهل هذا يوضهح أن كافهة نظريات النظهم العلميهة تخلو مهن توصهيف مناسهب‬
‫ل سلطة تلك الن ظم وم سئوليتها‪ .‬فحيث ما توافرت ال سلطة غا بت الم سئولية‪ ،‬والع كس صحيح‪.‬‬
‫وبالتالى تك شف ممار سات تلك الن ظم فى الوا قع العلمهى عن تناقضات تؤدى إلى تقي يد‬
‫القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية سواء أكا نت فى الن ظم العلم ية الحرة أم فى الن ظم‬
‫العلمية الموجهة‪.‬‬

‫وفى سبيل تقديم صورة واضحة عن تلك الممارسات‪ ،‬سنعرض فى الفصل التالى لتلك‬
‫الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية الحرة والموجهة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬ ‫‪354‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪192‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمـة الفصـل الخامـس‪:‬‬


‫عرضت الدراسة بالفصل الماثل للمرجعيات الفلسفية للنظم العلمية الراهنة‪ .‬وتبين‬
‫مهن رصهد التصهنيفات الهامهة لنظريات النظهم العلميهة الحرة أو الموجههة‪ ،‬أن كافهة النظهم‬
‫العلميهة الحرة أو الموجههة تحاول أن تترجهم ممارسهاتها العلميهة فهى إطار التزامهها تجاه‬
‫المجت مع‪ .‬ف فى ح ين ت ستهدف الن ظم العلم ية الموج هة المجت مع من أ جل الدولة‪ ،‬فإن الن ظم‬
‫العلميهة الحرة تسهتهدف الدولة مهن أجهل المجتمهع‪ .‬ولكهن نظرا لنهه ل وجود للدولة بدون‬
‫المجتمهع‪ ،‬فإن هذا يؤدى بالضرورة إلى أن تحاول كافهة النظهم العلميهة ترجمهة ممارسهاتها‬
‫العلمية فى إطار التزامها تجاه المجتمع‪.‬‬

‫وتأ سيسا على النتي جة ال سابقة ف قد ا ستنبطت الدرا سة أن نظر ية الم سئولية الجتماع ية‬
‫تقدم الطار النظرى الفلسفى الذى تستند إليه كافة النظم العلمية الحرة أو الموجهة ‪ -‬بدرجة‬

‫أو بأخرى ‪ -‬لتبرير ممارساتها العلمية فى تقييد قدراتها المعرفية‪ .‬وبالتالى ف قد تم إخضاع‬
‫هذه النظرية للتحليل النقدى وتبين أنها تعانى من أوجه قصور عديدة على المستويات التاريخية‬
‫والتنظيمية والتطبيقية والمعرفية والتكنولوجية‪.‬‬

‫فعلى المستوى التاريخى‪ ..‬فإن مبادئ نظرية المسئولية الجتماعية أصبحت ل تتواكب‬
‫مهع البعاد السهياسية والقتصهادية والثقافيهة والعلميهة للعولمهة‪ .‬وذلك انطلقا مهن أن تلك‬
‫النظر ية نشأت ع قب الحرب العالم ية الثان ية‪ ،‬و صاغت مبادئ ها ب ما يؤدى إلى تلب ية الظروف‬
‫التاريخ ية الخا صة بتلك الفترة ب كل ما تحمله من هوا جس ال شك فى مبادئ النموذج الل يبرالى‬
‫الذى خر جت من معط فه الحركات الناز ية والفاش ية ال تى أشعلت نار الحرب العالم ية الثان ية‪،‬‬
‫وبكل ما تحمله تلك الفترة من صعود للنموذج الشيوعى الذى يمثله التحاد السوفيتى‪ .‬وبالتالى‬
‫فإن الظروف التاريخية الخاصة التى نشأت فيها تلك النظرية لم تعد قائمة فى الوقت الراهن‪.‬‬
‫المر الذى أدى إلى تجاوز الظروف الراهنة لمبادئ تلك النظرية‪.‬‬

‫وعلى الم ستوى التنظي مى‪ ..‬فإن التجر بة الواقع ية أثب تت عدم نجاح القوا عد التنظيم ية‬
‫التى صاغتها تلك النظرية لضمان تنفيذ مبادئ المسئولية الجتماعية‪ ،‬تلك القواعد التى تمثلت‬
‫فى‪ :‬المواث يق الخلق ية ‪ -‬مجالس ال صحافة والعلم ‪ -‬قوان ين مكاف حة الحتكار ‪ -‬العانات‬
‫الحكومية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪193‬‬ ‫‪-‬‬

‫وعلى الم ستوى الت طبيقى‪ ..‬لم تقدم نظر ية الم سئولية الجتماع ية أ ية أ ساليب تطبيق ية‬
‫تسهاعد على تنفيهذ المعاييهر المهنيهة التهى صهاغتها لضمان التزام النظهم العلم ية بمسهئوليتها‬
‫الجتماعية‪ .‬بحيث باتت تلك المعايير ‪ -‬والتى تمثلت فى معايير الحقيقة والدقة والموضوعية‬
‫والتوازن ‪ -‬تمثل إشكالية كبيرة فى توجهات العمل العلمى نظرا لشدة عموميتها وغموضها‬
‫واتساع مدى تأويلها وفقا لتصورات متعددة‪.‬‬

‫وعلى المسهتوى المعرفهى‪ ..‬تهبين مهن تحليهل الطار المعرفهى الذى قدمتهه نظريهة‬
‫المسهئولية الجتماعيهة ‪ -‬لتقييهد نشهر الرسهائل العلميهة التهى تؤدى إلى العنهف والجريمهة‬
‫والفوضى الجتماعية والساءة للقليات ‪ -‬إن ذلك الطار مغطى أساسا بالتشريعات العلمية‬
‫التى تحظر نشر تلك الرسائل‪ .‬وبالتالى فإن ذلك الطار المعرفى لم يغط فراغا تشريعيا وإنما‬
‫تهم السهتناد إليهه مهن جانهب الحكومات أو المؤسهسات العلميهة ‪ -‬بالنظهم العلميهة الحرة‬
‫أو الموج هة ‪ -‬ل تبرير ممار ساتها فى ح ظر ب عض المعلومات ت حت دعوى أن ها تؤدى إلى تلك‬
‫المحاذير التى تضمنها الطار المعرفى لنظرية المسئولية الجتماعية‪.‬‬

‫وعلى المسهتوى التكنولوجهى‪ ..‬يؤدى التطور التكنولوجهى المتواصهل إلى عدم قدرة‬
‫الن ظم العلم ية على اللتزام بالم سئولية الجتماع ية ( وذلك لن إ ستراتيجية العول مة للتو حد‬
‫والتكتهل والندماج سهتؤى إلى التخلق التدريجهى لنظام إعلمهى ذو ملمهح عالميهة وتوجهات‬
‫عالمية إنسانية‪ ،‬وإلى دفع المؤسسات العلمية العالمية للندماج فى مؤسسات أكبر‪ ،‬وإلى دمج‬
‫قطاعات كهبيرة مهن جماهيهر المتلقيهن على مسهتوى العالم تحهت لواء رسهائل اتصهالية ذات‬
‫موا صفات عالم ية إن سانية )‪ .‬وبالتالى فإن كل ذلك سيؤدى إلى ن شر الر سائل العلم ية فى‬
‫مجتمعات متباينهة الظروف والعادات والتقاليهد والقيهم‪ ،‬المهر الذى سهيؤدى إلى اسهتحالة القيام‬
‫بالتزامات اجتماعيهة تجاه تلك المجتمعات المتعددة والمتباينهة‪ .‬وإل فإن محاولة اللتزام بكهل‬
‫شيئ‪ ،‬ستؤدى إلى عدم القدرة على نشر شئ‪ ،‬أو بالحرى عدم القدرة على اللتزام بأى شئ‪.‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬ف قد ا ستنبطت الدرا سة من ر صد أو جه الق صور المتعددة فى بن ية‬
‫نظريهة المسهئولية الجتماعيهة‪ ،‬ومهن رصهد النظريات الخرى للنظهم العلميهة ( النظريهة‬
‫الليبراليهة ‪ -‬السهلطوية )‪ ،‬أن كافهة تلك النظريات تخلو مهن توصهيف دقيهق لسهلطة تلك النظهم‬
‫ومسهئوليتها‪ .‬فحيهث توافرت السهلطة غابهت المسهئولية والعكهس صهحيح‪ .‬فالنظريهة الليبراليهة‬
‫تعاملت مع النظم العلمية باعتبارها سلطة بل م سئولية مما أدى إلى ديكتاتورية المؤسسات‬
‫العلم ية‪ .‬والنظر ية ال سلطوية تعاملت مع الن ظم العلم ية باعتبار ها كيانا بل سلطة ويلتزم‬
‫بمسهئوليات تنمويهة أو دعائيهة أو توجيهيهة أو تعبويهة‪ ،‬ممها أدى إلى أن تصهبح المؤسهسات‬
‫‪-‬‬ ‫‪194‬‬ ‫‪-‬‬

‫العلم ية م سئولة أمام الدولة أو الحزب أو الثورة‪ ،‬وبالتالى تخلت عن ا ستقللها لت صبح فرعا‬
‫من أفرع ال سلطة الحكوم ية‪ ،‬وتحولت إلى مؤ سسات دعائ ية تمارس تزي يف الو عى وتضل يل‬
‫العقول‪ .‬أما نظرية المسئولية الجتماعية فقد تعاملت مع النظم العلمية باعتبارها سلطة تلتزم‬
‫بمسهئولية غيهر مناسهبة‪ ،‬حيهث أدت المبادئ اللواقعيهة شديدة التجريهد إلى تحميهل المؤسهسات‬
‫العلميهة بعبهء اللتزام بمسهئولية فضفاضهة‪ ،‬سهرعان مها تهم اسهتغللها ‪ -‬مهن قبهل تلك‬
‫المؤسهسات ذاتهها ‪ -‬لتقييهد المحتوى المعرفهى للرسهائل العلميهة تحهت دعوى اللتزام بدور‬
‫مسئول اجتماعيا‪.‬‬

‫‪ ..‬و من ثم ف قد قد مت نتائج ذلك الف صل الجا بة على الت ساؤل الثا نى من ت ساؤلت‬
‫الدراسة‪ ،‬والذى ينص على التى‪:‬‬
‫« ما هو ال ثر الذى تمار سه المرجعيات الفل سفية العلم ية ‪ -‬ال تى تتبنا ها الن ظم‬
‫العلمية الراهنة ‪ -‬على القدرات المعرفية لتلك النظم »؟‬

‫ولقد تمثلت الجابة على ذلك التساؤل فى النتيجة التالية‪:‬‬


‫تؤدى المرجعيات الفلسفية التى تتبناها النظم العلمية الراهنة إلى استمرار بقاء‬
‫القيود المعرفية ( المجتمعية والذاتية ) ببنية تلك النظم وفقا لدرجات متفاوتة‪ .‬المر الذى‬
‫يجعل تلك المرجعيات مسئولة عن الثر غير المتوازن الذى تمارسه عولمة التصال على‬
‫المتغيرات الوظيفيصة الحاكمصة ببنيصة النظصم العلميصة‪ ،‬ويؤدى إلى إعاقصة تصصاعد قدراتهصا‬
‫المعرفية‪.‬‬

‫‪ ..‬ولعل واقع استمرار القيود المعرفية فى بنية النظم العلمية استنادا إلى المرجعيات‬
‫الفلسفية التى تبرر بقاءها‪ ،‬يطرح أهمية التعرض للممارسات العملية لتقييد القدرات المعرف ية‬
‫فى كل من النظم العلمية الحرة والموجهة‪ ،‬حتى يمكن التعرف على المناخ العلمى السائد‬
‫فى الن ظم العلم ية الحرة ومقارن ته بالمناخ العل مى ال سائد فى الن ظم العلم ية الموج هة‪،‬‬
‫ومهن ثهم رصهد الدور الذى تلعبهه المرجعيات الفلسهفية بقيودهها المعرفيهة‪ ،‬فهى تقييهد القدرات‬
‫المعرفية بتلك النظم‪ ،‬سواء أكانت حرة أم موجهة‪.‬‬

‫وهذا ما سنطرحه فى الفصل القادم‪..‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪195‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفصـل الســادس‬
‫الممارســات العملية لتقييد القدرات‬
‫المعرفية‬
‫للنظم العلمية الحرة والموجهـة‬

‫محتـويـات الفصـل الســادس‬


‫مقـدمـة الفصـل السـادس‬
‫الممارسات العملية لتقييد‬ ‫المبحث‬
‫القدرات المعرفية للنظم‬ ‫الول‪:‬‬
‫العلميــة الحــرة‬
‫الممارسات العملية لتقييد‬ ‫المبحث‬
‫القدرات المعرفية للنظم‬ ‫الثانى‪:‬‬
‫العلميــة الموجهــة‬
‫الفصـل السـادس‬ ‫خـاتمــة‬
‫‪-‬‬ ‫‪196‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الول‬
‫الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية‬
‫للنظم العلمية الحرة‬

‫يقرر وا قع الممار سات العلم ية ” إن الح يز المتاح لحر ية الت عبير فى الغرب ل يس‬
‫مطلقا بل حدود‪ .‬بالر غم من أن الل غة ال سائدة فى الخطاب ال سياسى الغر بى قد تو حى بع كس‬
‫ذلك‪ .‬فالممار سة الغرب ية لم ترق أبدا إلى م ستوى الشعارات الغرب ية المرفو عة فى شأن حما ية‬
‫حق التعبير للجميع‪ .‬والحكومات والمجتمعات الغربية لم تنظر أبدا إلى حرية التعبير على أنها‬
‫أمر مقدس ل يجوز القتراب منه أو النتقاص من مكانته‪ .‬فنجد كثيرا من الحكومات الغرب ية‬
‫تُخرج بعهض الراء مهن دائرة حمايهة القانون‪ ..‬والسهباب التهى تد عو الحكومات الغربيهة إلى‬
‫انتهاك حر ية الت عبير متعددة‪ .‬ف قد يكون عموم المجت مع ضد ال سماح لب عض الراء فى الت عبير‬
‫العل نى‪ ،‬فت ستجيب الحكو مة للرأى العام‪ .‬وأحيانا يكون ح ظر الراء ا ستجابة لرغ بة قطاع م هم‬
‫من الناخبين أو أصحاب النفوذ أو ممولى الحملت النتخابية أو أقلية مؤثرة داخل الدولة‪ ،‬مما‬
‫يض طر الحكو مة لن تخ ضع لرغبات هم‪ .‬وأحيانا تل جأ الحكومات لمعاق بة ب عض الراء حفاظا‬
‫على السلم الجتماعى أو المن القومى “(‪.)355‬‬

‫وتو ضح الدرا سة المريك ية ل كل من « مار تن لى » و« نورمان سولومون » حول‪:‬‬


‫« مصادر غير موثوق فيها‪ :‬دليل إلى كشف التحيز فى أخبار الميديا » ” أن الصحافة الحرة‬
‫تخضهع لقيود قاسهية فهى الممارسهة‪ .‬فعلى قمهة الهرم العلمهى يتربهع مُلك المؤسهسة الذيهن‬
‫يملكون سلطة تعيين رؤساء التحرير وشاغلى المناصب التنفيذية الدارية وسلطة فصلهم‪ .‬وهذا‬
‫يعطيههم سهلطة التحكهم فهى السهياسة التحريريهة للصهحيفة‪ .‬وفهى النهايهة فإن مُلك الصهحيفة‬
‫ورؤساء ومديرى تحريرها هم الذين يحددون ما هى الفكار والتصورات والرؤى التى يجب‬
‫أن ت صل للرأى العام من خلل ها‪ .‬ول هم سلطة غ ير محدودة فى اقتراح ما يُن شر من ق صص‬
‫صهحفية أو اسهتخدام الفيتهو ضهد نشرهها‪ ..‬بحيهث يصهبح الخهبر ههو مها يقرر المالك ورئيهس‬
‫التحرير طبعه فى الجريدة‪ ،‬وليس الخبر هو ما يكتبه المحرر‪ ..‬وفى استطلع أجرته الجمعية‬
‫المريكيهة لمحررى الصهحف اعترف ‪ %33‬منههم بأنههم ل يشعرون بأن لديههم حريهة نشهر‬
‫القصص الصحفية التى يتوصلون إليها والتى تتعارض مع مصالح مؤسستهم “(‪.)356‬‬

‫() شريف عبد العظيم‪ ،‬حرية التعبير فى الغرب‪ .‬ص ‪.17 - 16‬‬ ‫‪355‬‬

‫() عاطهف الغمرى‪ " ،‬القوة الخفيهة فهى الصهحافة المريكيهة ( كتاب جديهد ) "‪ ،‬جريدة الهرام ( ملحهق الجمعهة )‪ .‬بتاريهخ‬ ‫‪356‬‬

‫‪ ،3/8/2001‬ص ‪.38‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪197‬‬ ‫‪-‬‬

‫وتو ضح درا سة « سليمان صالح » حول « د عم الدولة لل صحف وتأثيره على تعدد ية‬
‫الصهحف وتنوعهها » ” أن دراسهة واقهع الصهحافة فهى دول أوربها والوليات المتحدة‪ ،‬تكشهف‬
‫بوضوح أن ال سوق لم ت عد حرة‪ ،‬ولم ت عد مفتو حة للجم يع‪ .‬وأن ها تض يق يوما ب عد يوم ح تى‬
‫ل ي صبح في ها مجال لتعدد ية الراء ولتنوع ال صحف‪ .‬لي صبح هناك صوت وا حد هو صوت‬
‫الرأسمالية المحافظة التى تدعم بصحفها استمرارية الوضاع الراهنة‪ .‬وهو ما يعنى أن نطاق‬
‫الديمقراطيهة فهى المجتمعات الغربيهة يضيهق وأن قوى سهياسية كثيرة ل يمكنهها الوصهول إلى‬
‫الجماهير من خلل الصحافة‪ .‬وأن مبدأ سيادة المستهلك قد أصبح خرافة‪ .‬ف قد ضاق أمام هذا‬
‫المستهلك نطاق الختيار “(‪.)357‬‬

‫ل من « سالى ايثل ستون » و« مار تا وين جر » حول‪ « :‬من‬


‫و فى تحق يق صحفى لك ٍ‬
‫يملك الخبار » ” تهم عرض قائمهة بأسهماء الشركات والفراد الذيهن يملكون ويسهيطرون على‬
‫أكهبر الشركات التلفزيونيهة فهى الوليات المتحدة المريكيهة وكذلك محطات الراديهو وكهبريات‬
‫الصهحف والمجلت العالميهة مثهل‪ :‬بوسهتن هيرالد‪ ،‬شيكاغهو تريهبيون‪ ،‬لوس أنجلوس تايهم‪،‬‬
‫نيويورك تايمهز‪ ،‬يهو‪.‬إس‪ .‬توداى‪ ،‬وول سهتريت جورنال‪ ،‬واشنطهن بوسهت‪ ،‬تايهم‪ ،‬نيوزويهك‪..‬‬
‫ويذكر التحقيق أسماء شركات صناعية ومالية عالمية مثل‪ :‬كابيتال سيتيز‪ ،‬وجنرال إليكتريك‪،‬‬
‫وكوكس انتربرايز‪ ..‬بالضافة إلى أسماء كبار المالكين والمساهمين من أمثال‪ :‬روبرت مردوخ‪،‬‬
‫وارن بوف يت‪ ،‬لورا نس تي تش صاحب سلسلة فنادق لو يس‪ ،‬ت يد تير نر ( شب كة سى‪ .‬إن‪ .‬إن ) ‪،‬‬
‫أسرة أوشز ‪ -‬سلزبرجر‪ ،‬أسرة هيرست‪ ،‬أسرة جراهام‪.)358(“ ..‬‬

‫و فى درا سة « بييربورد يو » عن « التليفزيون وآليات التل عب بالعقول » يو ضح أن‬


‫” شبكة ‪ NBC‬مملوكة لشركة جنرال إليكتريك‪ ..‬وشبكة ‪ ABC‬مملوكة لشركة ديزنى‪ ..‬وشبكة‬
‫‪ CBS‬مملوكهة لشركهة وسهتنجهاوس‪ ..‬وأن القناة الفرنسهية الولى ‪ TF1‬مملوكهة لشركهة بويهج‬
‫”(‪.)359‬‬

‫وفهى الوليات المتحدة ” تمارس أقهل مهن عشرة تكتلت إعلميهة متعددة الجنسهيات‬
‫سيطرتها على با قى المؤ سسات العلم ية الخرى‪ .‬بين ما تتولى أ قل من د ستتين من المؤ سسات‬
‫العلميهة اتخاذ القرار للغلبيهة المقهورة مهن الصهحف والمجلت والفلم والتليفزيون والراديهو‬
‫والك تب‪ ..‬وبالتالى فإن الثقا فة ال سائدة فى النظام العلمى المري كى الن ‪ -‬فى كل مظاهر ها ‪-‬‬

‫() سليمان صالح‪ " ،‬د عم الدولة لل صحف وتأثيره على تعدد ية ال صحف وتنوع ها "‪ ،‬مجلة الدرا سات العلم ية‪ ( .‬عدد ‪،92‬‬ ‫‪357‬‬

‫يوليو ‪ -‬سبتمبر ‪ ،) 1998‬ص ‪.70 - 69‬‬


‫() بييربورديو‪ ،‬التليفزيون وآليات التلعب بالعقول‪ .‬ترجمة درويش الحلوجى‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫‪358‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫‪359‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪198‬‬ ‫‪-‬‬

‫تبدو كمباراة فهى السهتغلل التجارى‪ .‬ويتجلى ذلك فهى محاولة الضفاء الكامهل للصهفة التجاريهة‬
‫على النشطهة المختلفهة‪ ،‬واختفاء التصهورات الخاصهة بالخدمهة العامهة مهن المناقشات العامهة‪،‬‬
‫وانحطاط الصحافة والتغطية العلمية للحداث السياسية‪ ..‬وذلك تحت الضغط التجارى المتزايد‬
‫”(‪.)360‬‬

‫ول كن إذا كا نت المؤ سسات العلم ية تمارس باختيار ها تقي يد قدرات ها المعرف ية ت حت‬
‫وطأة ض غط الم صالح الحتكار ية‪ .‬فإن ث مة جهات متعددة فى المجت مع المد نى فى المجتمعات‬
‫الغرب ية تمارس هى الخرى ن فس المه مة‪ ” .‬وال سبب فى ذلك ير جع إلى قوة المجت مع المد نى‬
‫فى تلك البلد والقدرة ال كبيرة لدى أفراد المجت مع عموما على تنظ يم أنف سهم أو إدارة شئون هم‬
‫واللتفاف حول هدف يجمعهم بدون الحاجة إلى تدخل من الدولة “(‪.)361‬‬

‫ويوضهح التقريهر الذى ينشره « مكتهب حريهة المثقفيهن » التابهع لتحاد المكتبات‬
‫المريكية‪ ،‬والذى تضمن قائ مة بأهم مائة كتاب تعرضت لتحديات رقاب ية خلل العقد الخ ير‬
‫” أن الجهات التهى تمنهع أو تصهادر كتابا ههى‪ :‬إمها المجالس التعليميهة بالمدارس‪ ،‬أو مجالس‬
‫الباء‪ ،‬أو المسئولون عن المكتبات العامة بناء على اقتراح من روادها‪ .‬ويكون المنع مقصورا‬
‫على الجهة وحدها دون إلزام لى جهة أخرى‪ ..‬فرقابة أو منع كتاب فى إحدى الوليات ليس‬
‫مُلزِما ل ية ول ية أخرى‪ ..‬و قد تم ر صد ‪ 5718‬واق عة رقاب ية تم إبلغ مك تب حر ية المثقف ين‬
‫عنهها بيهن عامهى ‪ 1990‬و‪ %72 ،1999‬مهن هذه الوقائع تمهت فهى المدارس أو المكتبات‬
‫المدر سية‪ ،‬و‪ %26‬ت خص كتبا عُر ضت فى مكتبات عا مة‪ .‬أ ما أ صحاب الطلب بالم نع فمن هم‬
‫‪ %60‬مهن الباء‪ ،‬و‪ %16‬بواسهطة رواد المكتبات‪ ،‬و‪ %10‬مهن قبهل الدارييهن سهواء فهى‬
‫المجالس التعليمية أو المكتبات‪ ...‬ووفقا للتقرير فإن أكثر السباب التى يُمنع لجلها أحد الكتب‬
‫هو‪ :‬اليماءات الجنسية‪ ..‬أو اللغة المبتذلة أو المتضمنة لمفاهيم عنصرية أو لنها غير مناسبة‬
‫للفئات العمرية الصغيرة‪ ،‬أو بسبب أفكار تروج للديان غير الرسمية‪ ،‬أو العنف‪ ،‬أو الرعب‪،‬‬
‫أو الشذوذ الجنسى‪ ،‬أو العرى‪ ...‬والمفاهيم المضادة للقيم العائلية “(‪.)362‬‬

‫و فى درا سة « شر يف ع بد العظ يم » حول « حر ية الت عبير فى الغرب » يو ضح أن‬


‫” كل الجامعات المريك ية تقريبا ب ها ما يُ سمى « قوا عد إبداء الرأى » ‪ speech code‬وال تى‬
‫تم نع الطلب من مهاج مة أو انتقاد أى أقل ية عرق ية أو دين ية أو الشواذ جنسهيا‪ .‬ويُعا قب من‬

‫‪)(McChesney, Robert W., Making media Democratic. P. 1. ) Available from Internet (.‬‬
‫‪360‬‬

‫() شريف عبد العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.34 - 33‬‬ ‫‪361‬‬

‫() ماجدة الجندى‪ " ،‬فهى ضوء حجهم الرقابهة والمصهادرة‪ ..‬ههل أمريكها مجتمهع متحضهر؟ "‪ ،‬جريدة الهرام‪ .‬بتاريهخ‬ ‫‪362‬‬

‫‪ ،16/1/2001‬ص ‪.35‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪199‬‬ ‫‪-‬‬

‫يخالف هذه القوا عد إما بالفصل التام من الجامعة أو الحرمان المؤقت من الدرا سة أو التوب يخ‬
‫اللفظى أو بعض العقوبات الرمزية‪ ....‬وثمة منظمات بأكملها تنشأ كى تحارب نوعا من أنواع‬
‫الت عبير م ثل منظمات « الغالب ية الخلق ية » و« التحاد الفيدرالى للخلق القو يم »‪ ،‬ال تى تهدف‬
‫إلى محاربة الفلم والمجلت الفاضحة جنسيا‪ .‬ومنظمة « الدقة فى البحث الكاديمى » والتى‬
‫تعارض التوجهات اليسارية لبعض أساتذة الجامعات “(‪.)363‬‬

‫وإذا كان المجتمهع المدنهى ‪ -‬بعناصهره المتعددة ‪ -‬يقيهد القدرات المعرفيهة للنظهم‬
‫العلم ية با ستخدام « القيود العمل ية »‪ ،‬فإن الحكومات فى الدول الغرب ية تتد خل هى الخرى‬
‫بأشكال متعددة‪ ،‬ورب ما يت خذ هذا التد خل شكله ال سافر والمعلن ع ند التعرض للقضا يا المتعل قة‬
‫بالمن القومى أو عند إعلن حالة الحرب‪.‬‬
‫ولقهد قرر رئيهس الوزراء البريطانهى السهابق « ونسهتون تشرشهل » ” أنهه فهى زمهن‬
‫الحرب يكون الصدق ثمينا إلى حد أنه يجب أن يصحبه حرس من الكاذيب “(‪.)364‬‬
‫وهذا ما توضحه كهلُ من دراسة « سيمون سرفاتى وآخرون» حول « وسائل العلم‬
‫والسياسة الخارجية » ودراسة « رودنى سمول » حول « حرية التعبير فى مجتمع مفتوح »‪..‬‬
‫من خلل عرضهما للمأزق الكبير الذى تعرضت له المؤسسات العلمية أثناء تغطية أحداث‬
‫العمليات الحربيهة فهى كهل مهن حرب القوات البريطانيهة فهى جزر فوكلنهد‪ ،‬وحرب القوات‬
‫المريكية فى جرينادا وبنما وحرب تحرير الكويت ( عاصفة الصحراء )‪.‬‬
‫ففهى أثناء حرب جزر فوكلنهد عام ‪ ،1982‬مارسهت حكومهة « مارجريهت تاتشهر »‬
‫رقابة شديدة على وسائل العلم من خلل إنشاء ” نظام « المجموعات الصحفية »‪ ،‬وإصدار‬
‫جميع المعلومات العسكرية من مركز العلم العسكرى “(‪ ....)365‬وتشبها بالنموذج النجليزى‪،‬‬
‫ورغبهة مهن العسهكريين المريكييهن أثناء حرب جرينادا‪ ،‬فهى تجاوز عقدة حرب فيتنام التهى‬
‫وُ صفت بأن ها كا نت حرب تليفزيون ية ” انطلق الع سكريون انتقاما لتجاوزات حقيق ية أو متخيلة‬
‫للصهحافة فهى فيتنام‪ ،‬إلى التعامهل مهع المعلومات كأيهة سهلعة حربيهة أخرى‪ ...‬بحيهث منعهت‬
‫الوامر الرسمية الصحفيين من تغطية العملية حتى انتهت فعلً “(‪ ” .)366‬وعندما حاول بعض‬
‫الصهحفيين اسهتئجار سهفن خاصهة للوصهول إلى الجزيرة‪ ،‬اعترض السهطول المريكهى هذه‬
‫السفن وأرغم الصحفيين على القامة لمدة يومين على ظهر سفينة تابعة للبحرية المريكية‪....‬‬
‫و فى عمل ية غزو « بن ما » تم تأخ ير الطائرة ال تى كان مقررا أن تح مل المجمو عة ال صحفية‬
‫() شريف عبد العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.32 - 30‬‬ ‫‪363‬‬

‫() ر‪ .‬جريجورى نوكس‪ " ،‬ليبيا‪ :‬قصة حكومة "‪ ،‬فى سيمون سرفاتى ( محرر )‪ ،‬وسائل العلم والسياسة الخارجية‪ .‬ص‬ ‫‪364‬‬

‫‪.74‬‬
‫() رودنى أ‪ .‬سمولل‪ ،‬حرية التعبير فى مجتمع مفتوح‪ .‬ص ‪.445‬‬ ‫‪365‬‬

‫() سيتفن س‪ .‬روزنفلد‪ " ،‬فى الخل يج‪ :‬حروب ال صحافة "‪ ،‬فى سيمون سرفاتى ( محرر )‪ ،‬المر جع ال سابق‪ .‬ص ‪- 321‬‬ ‫‪366‬‬

‫‪.322‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪200‬‬ ‫‪-‬‬

‫المختارة خمس ساعات‪ ،‬حتى ل تصل إلى مدينة «بنما سيتى» عند وصول القوات المريكية‬
‫إلى المدينهة‪ .‬وعندمها وصهل الصهحفيون إلى العاصهمة‪ ،‬منهع الحراس العسهكريون المرافقون‬
‫للمجموعة؛ الصحفيين من الوصول إلى مناطق القتال أو الكتابة عنها طبقا لملحظاتهم “(‪.)367‬‬

‫ولقد تكرر نفس المر فى حرب تحرير الكويت « عاصفة الصحراء »‪ ،‬فلقد نصت‬
‫التعليمات ال تى أ صدرتها وزارة الدفاع المريك ية ‪ -‬فى ‪ 14/1/1991‬ت حت عنوان ‪Persian‬‬
‫‪ - Gulf Guide lines for media‬على التالى “ فى حالة نشوب المعارك فإن المعلومات ال تى‬
‫تحصل عليها المجموعة الصحفية تكون عرضة للمراجعة قبل السماح بنشرها‪ ،‬لتحديد ما إذا كانت‬
‫تحتوى على معلومات حسهههاسة عهههن الخطهههط العسهههكرية أو القدرات أو العمليات‬
‫أو نقاط الض عف‪ ..‬ال تى قهد تش كل خطورة على نتائج عمل ية حرب ية أو تهدد أ من قوات أمري كا‬
‫أو قوات الحلفاء‪ .‬و سيتم ف حص المادة للتأ كد ف قط من التزام ها بالقوا عد ال ساسية المرف قة‪ ،‬ول يس‬
‫لحتمال أن تعبّر عن نقد أو تتسبب فى حرج‪ .‬كما أن ضابط الشئون العامة المرافق للصحفيين فى‬
‫الموقع الذى يزورونه سوف يُراجع المادة الصحفية‪ ،‬ويناقش أية مشاكل لمخالفة القواعد الساسية‬
‫مهع المحرر‪ .‬وإذا لم يصهل الثنان إلى اتفاق حول المادة الصهحفية‪ ،‬تُرسهل المادة فورا إلى القيادة‬
‫الع سكرية فى « الظهران » لمراجعت ها بوا سطة مد ير ق سم ال صحافة هناك ومم ثل و سائل العلم‬
‫الموجود‪ .‬وإذا لم يتهم الوصهول إلى اتفاق تُرسهل المادة إلى مسهاعد وزيهر الدفاع للشئون العامهة‬
‫ليراجعها الرئيس المختص‪ .‬ولكن القرار النهائى حول النشر سيكون فى أيدى المؤسسة الصحفية‬
‫التهى يتبعهها المراسهل نفسهه ”(‪ .)368‬وعلى الرغهم مهن كهل هذه الضمانات لكفالة سهرية العمليات‬
‫الحربية‪ ،‬فقد أوقف وزير الدفاع المريكى “ إعطاء البلغات الصحفية عند بدء الهجوم البرى‪ .‬ولم‬
‫يكن هناك أية أخبار يومية من « المجموعة الصحفية » ول أية بلغات‪ .‬وهو حظر كامل على‬
‫ل من الصحفيين فقط خاطروا بجلب‬ ‫الخبار لم يسبق له مثيل فى التاريخ المريكى‪ .‬ولن عددا قلي ً‬
‫سخط القوات المسلحة‪ ،‬استطاع المريكيون فى الوقت المناسب أن يشاهدوا الستيلء على الدولة‬
‫التى كان الحلفاء يحاولون تحريرها لكثر من ستة أسابيع ”(‪.)369‬‬

‫ويقرر « رودنى سمولل » أن تحليل عملية الرقابة على التغطية العلمية فى حرب‬
‫∗‬
‫الخليج يؤكد بأن ” الخبار السيئة كان يتم تلوينها ‪ -‬وكلما أمكن ذلك ‪ -‬كان يتم التعمية على‬

‫() رودنى أ‪ .‬سمولل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.445‬‬ ‫‪367‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.429‬‬ ‫‪368‬‬

‫() ستيفن س‪ .‬روزنفلد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.326‬‬ ‫‪369‬‬

‫للمزيد حول التغطية العلمية لحروب الخليج‪ ،‬انظر كلً من‪:‬‬ ‫∗‬ ‫‪‬‬

‫عوا طف ع بد الرح من‪ ،‬التغط ية الخبار ية فى الصحافة العربية بين الستقلل والتبعية‪ :‬مصر نموذجا ( دراسة‬ ‫أ ‪-‬‬
‫حالة للعدوان المري كى على العراق )‪ .‬فى قضا يا الو طن العر بى فى ال صحافة خلل القرن العشر ين‪ ،‬صفحات‬
‫‪.122 - 101‬‬
‫هويدا م صطفى‪ ،‬دور العلم فى الزمات الدول ية ( درا سة حالة للدارة العلم ية لحرب الخل يج )‪ .‬القاهرة‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر‪.2000 ،‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪201‬‬ ‫‪-‬‬

‫الجزاء القبيحة من أخبار الحرب وإخفاؤها‪ .‬كما أن المعلومات كانت تتم عن طريق عدة نقاط‬
‫مركزيهة لعتمادهها‪ ،‬وفهى معظهم الحيان كانهت المعلومات تتعرض للتأخيهر أثناء بثهها “(‪.)370‬‬
‫بحيث إن خبرة وسائل العلم مع الحروب الحديثة أوضحت أنه إذا ” كانت فيتنام من بعض‬
‫النواحى هى حرب وسائل العلم‪ ..‬فإن العراق كانت حرب القوات المسلحة “(‪.)371‬‬

‫وهذا ” ما انتهت إليه دراسة صحيفة « لوموند » الفرنسية ‪ Le Monde‬على عينة من‬
‫ال صحفيين‪ .‬ح يث أعرب ‪ %48‬من هم أن هم يشعرون أن هم كانوا أدوات ب يد ال سلطات الع سكرية‪.‬‬
‫وأن العلم الفرنسهى كان تحهت سهيطرة ‪ -‬أو بمعنهى أخهر موجها مهن قبهل ‪ -‬قوات التحالف‬
‫وعلى رأسها الوليات المتحدة‪ .‬مما جعل وسائل العلم الفرنسية تخرج من تلك الزمة وهى‬
‫تعانى من فقدان المصداقية من قبل ‪ %53‬من عينة الدراسة ”(‪.)372‬‬

‫ولكهن‪ ..‬إذا كان التراجهع فهى القدرات المعرفيهة أصهبح ملحوظا فهى وسهائل العلم‬
‫التقليدية فى النظم العلمية الحرة‪ ،‬فثمة مخاوف من أن يمتد ذلك إلى وسائل العلم الجديدة‪،‬‬
‫النترنت ( حاليا ) والطريق السريع للمعلومات ( مستقبلً )‪.‬‬

‫وفى أطروحة « أونسانج يون » حول « التجاه البنائى لتنمية تكنولوجيا المعلومات »‬
‫تحاول الدرا سة الت صدى لف حص مدى جد ية تلك المخاوف‪ .‬ح يث ” تدور مشكلة الدرا سة حول‬
‫كيفية استخدام النترنت من أجل إدراك المكانية الديمقراطية للتصال التكنولوجى‪ .‬وفى سبيل‬
‫هة‬
‫هياسية والمجتمعيه‬
‫هى مؤداه‪ :‬أن الظروف السه‬
‫هة اختبار فرض رئيسه‬
‫ذلك تحاول الطروحه‬
‫تتعارض مهع السهتقلل التكنولوجهى‪ ،‬لن معظهم التطورات التكنولوجيهة تخضهع للتأثيرات‬
‫السياسية والجتماعية‪ ..‬وقد رصدت الطروحة أربعة عوامل رئيسية سياسية واجتماعية لها‬
‫إمكانيهة التأثيهر على النترنهت وههى‪ :‬الحكومهة ‪ -‬الشركات ‪ -‬الفراد ‪ -‬الجمهور‪ .‬وتوصهلت‬
‫الطروحة إلى أن البنية الصناعية الحالية للنترنت غير قادرة على التطور الجماعى المستند‬
‫إلى المجال العام والتشاور العام‪ .‬وأوصهت الدراسهة بأنهه يجهب على السهياسات المطبقهة فهى‬
‫مجالت‪ :‬مزودى خدمات النترنههت ‪ -‬أو شبكات النترنههت ‪ -‬أو محتويات النترنههت ‪-‬‬
‫أو مستخدمى النتر نت‪ .‬ي جب على تلك السياسات أن تشجع الفراد ل كى يصبحوا أعضا ًء فى‬
‫جماعات الجمهور‪ ،‬مهن خلل تحسهين قوة الجمهور وحمايهة التعهبير الفردى‪ .‬كمها أوضحهت‬

‫() رودنى أ‪ .‬سمولل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.446‬‬ ‫‪370‬‬

‫() ستيفن س‪ .‬روزنفلد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.335‬‬ ‫‪371‬‬

‫() منهههى الحديدى‪ ،‬اختراق القائم بالتصهههال‪ .‬فهههى أعمال ندوة الختراق العلمهههى للوطهههن العربهههى‬ ‫‪372‬‬

‫( القاهرة‪ 24 - 23 :‬نوفمبر ‪ ،) 1996‬ص ‪.166‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪202‬‬ ‫‪-‬‬

‫الدراسهة أن الحكومهة تحتاج إلى المشاركهة المباشرة فهى التصهالت المؤسهّسة للنترنهت مهن‬
‫خلل تأسيس هيئات عامة‪ ..‬بحيث تقدم الحكومة بذلك طرقا بديلة لستخدام النترنت “(‪.)373‬‬

‫‪ ..‬إن ما سبق يوضح أن ثمة ممارسات غير قليلة تمثل تراجعا فى القدرات المعرفية‬
‫للن ظم العلم ية الحرة ال مر الذى حدا بأ حد الباحث ين إلى أن يع تبر ” أن الت صور بأن المز يد‬
‫من التقدم القتصادى فى الدولة يعنى بالضرورة المزيد من الليبرالية وانفتاح الحكومة‪ ..‬ما هو‬
‫إل من هراءات القرن التاسع عشر‪ .‬إذ إن ما نواجهه الن ما هو إل محاولت مثابرة لتقليص‬
‫السهريان الحهر للمعلومات لدعهم سهرية الحكومهة والشركات فهى مجالت حقوق العمال‪،‬‬
‫وبالحرى مجالت المن القومى “(‪.)374‬‬

‫ولهذا‪ ..‬يبدو مهن الهام ضرورة توضيهح‪ ،‬أن التراجصع فصى القدرات المعرفيصة للنظصم‬
‫العلمية الحرة ناتج عن قصور فى بنية النظام العلمى الحر ذاته؛ بسبب غياب حلقة ما فى‬
‫سلسلة ذلك النظام‪ ،‬ول يس ناتجا عن مؤامرة كبرى يقف خلفها رجال الح كم ورجال العمال‪.‬‬
‫” لن النقاد الي ساريين يميلون إلى حيا كة ق صص عن تآ مر صارخ‪ ...‬انطلقا من أن النتي جة‬
‫النهائ ية هى أن مع ظم ما يراه وي سمعه مع ظم الناس فى و سائل العلم يب قى واحدا من ح يث‬
‫المضمون والرأى المطروح‪ ..‬ولكن هذه الحادية ليست نتيجة وجود حلقة كريهة من المخططين‬
‫المتآمر ين‪ .‬إن ها بنيو ية مرتب طة بح سابات ال سوق‪ ..‬كري هة بطريقت ها الخا صة‪ ..‬وتش كل عائقا‬
‫خطيرا فى طريقة تطور الوسائل الجديدة والمال الجديدة فى مجال التصالت السياسية “(‪.)375‬‬
‫و من ه نا فإن الب حث الموضو عى هو الذى ي ستهدف ك شف وعلج الق صور فى هذا النموذج‬
‫ال حر للعلم‪ .‬ول يس مجرد محاولة تحطي مه‪ ،‬دون أن يو جد بد يل غ ير ن ظم العلم الموج هة‬
‫فى الدول غ ير الديمقراط ية‪ ،‬وال تى ي تم وأد قدرات ها المعرف ية ت حت جبال من القيود المتع سفة‬
‫والمستبدة‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫‪)(Yun, Eunsang, structural approach to the development of the communications‬‬
‫‪technologies: A new conception of the public interest for the internet and the GCIP model.‬‬
‫‪) Available from Internet (.‬‬
‫‪374‬‬
‫‪)(Downing, John, “ Government secrecy and the media in the united states and Britain ”, In‬‬
‫‪Golding, Peter & Murdock, Graham & Schlesinger, Philip, Communicating Politics‬‬
‫‪) Mass communication and the Political Process (. p. 170.‬‬
‫() و‪ .‬رسل نيومان‪ ،‬مستقبل الجمهور المتلقى‪ .‬ترجمة محمد جمول‪ ،‬ص ‪.208‬‬ ‫‪375‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪203‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪‬المبحـث الثـانى‬
‫الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية‬
‫للنظم العلمية الموجهـة‬

‫يبدو التفاوت فيما بين المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية الموجهة أكثر‬
‫وضوحا‪ .‬ففهى حيهن امتهد التقدم التكنولوجهى ليطال القدرات التكنولوجيهة لتلك النظهم‪ ،‬إل أن التقدم‬
‫الديمقراطهى لم يمتهد بنفهس الدرجهة ليطال درجهة شفافيتهها؛ ممها أدى إلى اسهتمرار تقييهد قدراتهها‬
‫المعرفية‪.‬‬

‫ولعهل ذلك يظههر بوضوح فهى اتجاه العديهد مهن تلك النظهم العلميهة الموجههة إلى‬
‫ال سماح للقطاع الخاص بامتلك القنوات التليفزيون ية الفضائ ية‪ ،‬على ها مش احتكار الحكومات‬
‫لمحطات التليفزيون الرضى فى الغالبية العظمى من تلك الدول‪ .‬وكان هذا التوجه نحو القطاع‬
‫الخاص فى حقل العلم الفضائى‪ ،‬يهدف إلى موازنة البث الفضائى الجنبى ببث فضائى آخر‬
‫وطنهى يموله القطاع الخاص‪ ،‬للتخفيهف عهن كاههل ميزانيات تلك الدول التهى تحملت مهن قبهل‬
‫عبهء تمويهل المحطات الفضائيهة الرسهمية‪ .‬وبالطبهع لم تفلت أغلب هذه المحطات الفضائيهة‬
‫الخا صة من ذات القيود والقوا عد ال تى تق يد القدرات المعرف ية بالمحطات التليفزيون ية الر سمية‬
‫( الرضية أو الفضائية ) بتلك النظم‪.‬‬

‫وتمثل المنطقة العربية نموذجا واضحا لهذا التوجه نحو السماح بقنوات فضائية خاصة‬
‫ذات قدرات معرفيهة مقيدة إل فيمها ندر‪ .‬وتوضهح دراسهة « مجهد الهاشمهى » عهن « العلم‬
‫الكونهى وتكنولوجيها المسهتقبل » ” أن القنوات التلفزيونيهة الفضائيهة العربيهة تنقسهم إلى قسهمين‪:‬‬
‫الق سم الول‪ :‬قنوات فضائ ية عرب ية ‪ /‬عالم ية‪ ،‬و هى ال تى ت بث من خارج الو طن العر بى متخذة‬
‫عوا صم عالم ية مقرا ل ها‪ ،‬و هى قنوات خا صة وبرؤوس أموال تجار ية من القطاع الخاص ول‬
‫عل قة للدولة بشئون ها أو إدارت ها إطلقا‪ .‬وتتم ثل هذه القنوات فى‪ :‬قناة ‪ ( MBC‬مر كز تلفزيون‬
‫الشرق الوسهط ) ‪ -‬قناة ‪ Art‬شبكهة راديهو وتلفزيون العرب ‪ -‬شبكهة أوربهت ‪orbit- LBCI‬‬
‫الفضائ ية اللبنان ية ( العالم ية ) ‪ ANN -‬شب كة الخبار العرب ية ‪ -‬قناة الندلس الفضائ ية‪ .‬والق سم‬
‫الثانى‪ :‬قنوات فضائية عربية ‪ /‬عربية‪ ،‬وهى التى تبث داخل الوطن العربى إلى العالم‪ ،‬البعض‬
‫منها رسمية تُموّل من الحكومة مباشرة‪ ،‬والخرى خاصة يشرف عليها أحد الثرياء أو شركات‬
‫مساهمة لدارتها‪ .‬وتتمثل هذه القنوات بنوعيها فى‪ :‬الفضائية المصرية (‪ - )1‬الفضائية المصرية‬
‫(‪ - )2‬قناة الن يل الدول ية ‪ -‬قنوات الن يل المتخ صصة ‪ M2 -‬الخا صة المغرب ية ‪ RTM -‬القناة‬
‫الفضائيهة المغربيهة الحكوميهة ‪ TV7 -‬الفضائيهة التونسهية ‪ ALGerian TV -‬القناة الفضائيهة‬
‫‪-‬‬ ‫‪204‬‬ ‫‪-‬‬

‫الجزائر ية ‪ T.M -‬القناة الفضائ ية الموريتان ية ‪ Libya -‬القناة الجماهير ية الفضائ ية ‪Sodan -‬‬
‫القناة الفضائية السودانية ‪ -‬القناة الفضائية اليمنية ‪ -‬الفضائية السعودية ‪ -‬قناة دبى الفضائية ‪-‬‬
‫قناة د بى ‪ ( 2‬خا صة ) ‪ -‬قناة د بى الريا ضة ‪ -‬قناة د بى القت صادية ‪ -‬قناة د بى للدرا ما ‪ -‬قناة‬
‫أبهو ظهبى الفضائيهة ‪ -‬قناة الشارقهة الفضائيهة ‪ -‬قناة عجمان الفضائيهة ‪ B.TV -‬قناة البحريهن‬
‫∗‬
‫الفضائ ية ‪ -‬قناة عمان الفضائ ية ‪ -‬قناة الجزيرة القطر ية الفضائ ية ( خا صة ) ‪ -‬قناة الم ستقبل‬
‫اللبنانية ( خاصة ) ‪ -‬قناة ‪ NBN‬الخبارية اللبنانية الخاصة ‪ -‬الفضائية العربية الردنية ‪ -‬القناة‬
‫الفضائية السورية ‪ -‬قناة العراق الفضائية ‪ -‬قناة فلسطين الفضائية ”(‪.)376‬‬

‫ومن وسط هذا العدد الكبير للقنوات الفضائية العربية‪ ،‬فإن قناة الجزيرة القطرية الفضائية‬
‫هى التى استطاعت أن تنجو بشكل كبير من أسر القيود على قدراتها المعرفية إلى الحد الذى جعل‬
‫” العديد من المثقفين فى الشرق الوسط يرون أن ما تبثه هذه القناة رمزا محركا للثارة فى العالم‬
‫العربهى‪ .‬بينمها اعتهبر البعهض مها تبثهه ( فتنهة ) تثيهر المشاكهل والخلفات وتكشهف المخفهى‬
‫والمستور “(‪ ...)377‬إل أن حرب الوليات المتحدة ضد معاقل الرهاب فى أفغانستان أدت إلى أن‬
‫تتبوأ قناة الجزيرة مكانة عالمية سبق أن تبوأتها قناة ‪ CNN‬أثناء حرب تحرير الكويت؛ وذلك لن‬
‫حكام « طالبان » فى أفغان ستان ‪ -‬آنذاك ‪ -‬سمحوا ل ها بمفرد ها بتغط ية أحداث الحرب؛ م ما أدى‬
‫إلى أن تن قل عن ها كا فة و سائل العلم العالم ية‪ ...‬إن الستقللية ال كبيرة لقناة الجزيرة تو ضح أن‬
‫رفع القيود عن القدرات المعرفية هو الضامن الكبر لجذب المتلقين إلى المواد العلمية‪.‬‬

‫ول كن على الر غم من ذلك‪ ،‬فإن النظام العل مى الم صرى ان صرف عن هذا التو جه‬
‫عند ما قرر إنشاء « منط قة إعلم ية حرة » يم كن أن تُبَث من خلل ها قنوات فضائ ية م صرية‬
‫يمولها القطاع الخاص‪ ،‬ووضع ضوابط لعمل تلك القنوات تتمثل فى أنه ” ل يجوز الترخيص‬
‫لقنوات ذات صهبغة دينيهة أو طائفيهة أو حزبيهة أو تدعهو إلى الجنهس أو العنهف‪ ،‬كمها تلتزم‬
‫الشركات المرخهص لهها بالعمهل بميثاق الشرف العلمهى‪ ،‬ول يجوز التنازل للغيهر عهن‬
‫الترخيهص الممنوح إل بموافقهة مجلس إدارة المنطقهة الحرة “(‪ .)378‬وتهم بالفعهل الموافقهة على‬
‫∗‬
‫إنشاء أربع قنوات فضائية امتلكتها شركات مساهمة مصرية اعتبارا من ‪. 13/6/2001‬‬

‫قناة الجزيرة مؤسسة عامة مستقلة قد مت لها حكومة قطر قرضا قيمته ( ‪ )500‬مليون دولر لتمويل القناة‬ ‫∗‬ ‫‪‬‬

‫على مدى ( خ مس ) سنوات‪ ،‬على أن ت صبح قادرة على إعالة نف سها من خلل العلنات والشتراكات‪ .‬و قد انطل قت‬
‫القناة يوم ‪ .1/11/1996‬انظر‪ :‬مجد الهاشمى‪ ،‬العلم الكونى وتكنولوجيا المستقبل‪ .‬ص ‪.224‬‬
‫() مجد الهاشمى‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬صفحات ‪.242 - 140‬‬ ‫‪376‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.223‬‬ ‫‪377‬‬

‫() جريدة الهرام بتاريخ ‪ ،19/9/2000‬ص ‪.1‬‬ ‫‪378‬‬

‫انظر‪ :‬جريدة الهرام بتاريخ ‪ ،1/6/2001‬ص ‪.3‬‬ ‫∗‬ ‫‪‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪205‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولكن‪ ..‬إذا كانت القدرات المعرفية مقيدة بدرجة كبيرة فى مجالت العلم الذاعى‬
‫والتليفزيو نى فى الن ظم العلم ية الموج هة‪ ،‬فإن المؤ سسات ال صحفية على الر غم من كون ها‬
‫أكثهر تحررا فيمها يتعلق بالسهماح للقطاع الخاص والمعارضهة بإصهدار الصهحف‪ ،‬وبالتطرق‬
‫لمضاميهن إعلميهة ل يمكهن التطرق لهها بتاتا فهى العلم التليفزيونهى والذاعهى‪ ،‬إل أن‬
‫الممار سات العمل ية فى ح قل العلم ال صحفى تؤ كد أن تقي يد القدرات المعرف ية هو الغالب‬
‫على توجهات النظم العلمية الموجهة‪.‬‬

‫ف فى درا سة « فاروق أ بى ز يد » حول « الن ظم ال صحفية فى الو طن العر بى »‪ ،‬تبين‬


‫مهن خلل تحليهل مضمون سهتة عشهر قانونا للمطبوعات فهى كهل مهن‪ :‬مصهر‪ ،‬والسهودان‪،‬‬
‫والمملكهة العربيهة السهعودية‪ ،‬والكويهت‪ ،‬والبحريهن‪ ،‬وقطهر‪ ،‬ودولة المارات العربيهة المتحدة‪،‬‬
‫وعُمان‪ ،‬والعراق‪ ،‬وسوريا‪ ،‬ولبنان‪ ،‬والسودان‪ ،‬واليمن‪ ،‬وليبيا‪ ،‬وتونس‪ ،‬والجزائر‪ ،‬والمغرب‪..‬‬
‫تبين ” أن جم يع النظ مة ال صحفية العرب ية بن سبة ‪ %100‬تقوم بفرض الرقا بة على ال صحف‪،‬‬
‫سواء كانت هذه الرقابة سابقة على النشر أو لحقة عليه‪ ،‬أو كانت هذه الرقابة على الصحف‬
‫المحلية أو الصحف الجنبية الواردة من الخارج “(‪.)379‬‬

‫ومن الواضح أن ممارسة الرقابة أو حتى مجرد التلويح بممارستها يؤدى إلى قصور‬
‫خطير فى حركة سريان المعلومات العلمية فى المجتمع‪ .‬مما ينعكس بالتالى على القدرات‬
‫المعرف ية للن ظم العلم ية وعلى التوجهات المهن ية للقائم ين بالت صال‪ .‬ول عل هذا ما توض حه‬
‫درا سة « سيد بخ يت » حول « الع مل ال صحفى فى م صر‪ :‬درا سة سوسيولوجية لل صحفيين‬
‫الم صريين » ح يث أوض حت الدرا سة التطبيق ية ” أن ‪ %70‬من القيادات ال صحفية أجابوا بأ نه‬
‫ت صلهم تعليمات وتوجيهات لتقر ير ن شر نوع ية معي نة من الخبار أو عدم نشر ها‪ ،‬عن طر يق‬
‫مك تب ال صحافة الذى يت صل بال صحف لبلغ ها بهذه الخبار‪ .‬ك ما وا فق ‪ %95‬من القيادات‬
‫الصهحفية على خضوع الصهحافة القوميهة فيمها تنشره لسهياسة الحكومهة‪ .‬ووافهق ‪ %70‬مهن‬
‫المندوبين الصحفيين على خضوع الصحافة المعار ضة فيما تنشره لسياسة أحزاب ها‪ .‬كما رأى‬
‫‪ %93‬من المندوبين و‪ %85‬من القيادات الصحفية بأن الصحافة القومية تعكس رأى السلطة‪...‬‬
‫كمها أجاب ‪ %75‬مهن القيادات الصهحفية التنفيذيهة أن الصهحافة المصهرية ل تنشهر الخبار‬
‫المتعلقة بفساد بعض النخب “(‪.)380‬‬

‫ولكهن‪ ..‬إذا كان مناخ الرقابهة يقيهد فاعليات المؤسهسات العلميهة‪ .‬فإنهه ‪ -‬مهن جههة‬
‫أخرى ‪ -‬يؤدى إلى إكساب تلك المؤسسات الجرأة على تلوين محتوى رسائلها العلنية‪ ،‬وذلك‬

‫() فاروق أبو زيد‪ ،‬مدخل إلى علم الصحافة‪ .‬ص ‪.124‬‬ ‫‪379‬‬

‫() سيد بخيت‪ ،‬العمل الصحفى فى مصر ( دراسة سوسيولوجية للصحفيين المصريين )‪ .‬صفحات ‪.239 - 230‬‬ ‫‪380‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪206‬‬ ‫‪-‬‬

‫إمعانا فى مناخ الفساد والفساد العلمى القائم‪ .‬فقد أوضحت الدراسة السابقة ” أن ‪ %70‬من‬
‫القيادات ال صحفية أكدوا أن ال صحافة الم صرية تتحا يل على عدم تمي يز المادة التحرير ية عن‬
‫العلن‪ .‬كما أكد ‪ %65‬من تلك القيادات أن الصحافة المصرية تتردد فى نشر معلومات تسيئ‬
‫لبعض المعلنين “(‪.)381‬‬

‫ولعل هذا ما أكده ‪ -‬بكل شجاعة وقوة ‪ -‬الكاتب الصحفى المصرى « فهمى هويدى »‬
‫∗‬
‫فى مقاله القنبلة « صحفيون للب يع » ح يث أ كد أن ” جهاز الرقا بة الدار ية أ عد تقريرا عن‬
‫الصحفيين الذين يتقاضون رواتب ومكافآت شهرية من الوزارات والشركات ورجال العمال‪.‬‬
‫وتبين منه أن الغلبية الساحقة من المؤسسات الصحفية يتقاضى محرروها تلك المكافأت‪ .‬وأن‬
‫الحصة الكبر منها تذهب إلى محررى الصحف القومية‪ .‬وأن الذين يقبضون المكافآت وصل‬
‫عددهم فى إحدى المؤسسات الصحفية القومية إلى أكثر من ‪ 200‬صحفى‪ .‬بينما يهبط الرقم إلى‬
‫خمسهة أو سهبعة صهحفيين فهى الصهحف المسهتقلة أو المعارضهة‪ .‬وهؤلء يتقاضون شهريا‬
‫ما بين ألفين و‪ 15‬ألف جنيه “(‪.)382‬‬

‫ول يقتصهر المهر بالنظام العلمهى المصهرى على مجرد شراء ولء العلمييهن‬
‫« بذ هب الم عز »‪ ،‬وإن ما يم تد ال مر إلى حد تشر يد العلمي ين « ب سيف الم عز »‪ ،‬من خلل‬
‫إغلق المؤسهسات العلميهة‪ .‬فخلل الفترة مهن عام ‪ 1998‬إلى عام ‪ 2001‬تهم إيقاف ثلث‬
‫صحف عن ال صدور‪ .‬ف فى ‪ 25/2/1998‬تم إلغاء ترخ يص ط بع جريدة « الد ستور »‪ ،‬و هى‬
‫جريدة مصرية تصدر بترخيص من قبرص‪ ،‬وذلك بسبب نشرها بيان الجماعة السلمية الذى‬
‫يهدد باغتيال رجال العمال القباط فى مصر‪ .‬وفى شهر مايو ‪ 2000‬تم إيقاف صدور جريدة‬
‫« الشعهب » الصهادرة عهن حزب العمهل؛ بسهبب مها نشرتهه الجريدة مهن نقهد شديهد لروايهة‬
‫« ولي مة لعشاب الب حر » للكا تب ال سورى « حيدر حيدر »‪ ،‬وأدى ذلك إلى اندلع المظاهرات‬
‫فى جام عة الز هر‪ ،‬للت عبير عن الغ ضب م ما تضمن ته الروا ية من ادعاء بالتطاول على الذات‬
‫اللهيهة‪ .‬وفهى ‪ 5/7/2001‬قرر القضاء الدارى إيقاف ترخيهص جريدة « النبهأ » وحجبهها عهن‬
‫الصدور بسبب ما نشرته بتاريخ ‪ 17/6/2001‬فى عدد ها رقم ‪ 663‬عن الممارسات الجنسية‬
‫« للراههب‪ /‬برسهوم المحروقهى »‪ ،‬ومها صهاحب الموضوع مهن نشهر صهور لتلك الممارسهات‬
‫الجنسية أعقبها اندلع المظاهرات التى قام بها القباط احتجاجا على ما نشرته الصحيفة‪.‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬صفحات ‪.278 - 273‬‬ ‫‪381‬‬

‫على الرغم من أن مجلس نقابة الصحفيين أكد عدم تلقيه أية تقارير من جهات سيادية أو رقابية باتهام أحد من‬ ‫∗‬ ‫‪‬‬

‫الصهحفيين بالمخالفات المذكورة‪ .‬إل أن الحقيقهة التهى يعلمهها الكثيرون وجدت أخيرا مهن يمتلك الشجاعهة ليقولهها‪ .‬انظهر‪:‬‬
‫جريدة الهرام بتاريخ ‪ ،17/4/2001‬ص ‪.15‬‬
‫() فهمى هويدى‪ " ،‬صحفيون للبيع "‪ ،‬جريدة الوفد‪ .‬بتاريخ ‪ ،30/3/2001‬ص ‪.14‬‬ ‫‪382‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪207‬‬ ‫‪-‬‬

‫ول مجال للدهشهة‪ ..‬مهن قيام مظاهرات إسهلمية فهى حالة جريدة الشعهب‪ ،‬للمطالبهة‬
‫بم صادرة روا ية‪ .‬وقيام مظاهرات قبط ية فى حالة جريدة الن بأ‪ ،‬للمطال بة بم صادرة جريدة‪ .‬فالن ظم‬
‫العلمية الموجهة تؤدى إلى نمو مفهوم « الجمهور الموجه » الذى ل يعترف بالرأى الخر ول‬
‫يؤمن بالتعددية الفكرية‪ .‬وهذا يؤكد ” أن القمع يعيد إنتاج نفسه‪ .‬وأن فعل القمع ذاته ينعكس على‬
‫من يقع عليه‪ .‬مما يؤدى إلى تحول المقموعين إلى قامعين وانقلب المنفعلين بالقمع إلى فاعلين له‬
‫”(‪.)383‬‬

‫ول كن إذا أم كن للن ظم العلم ية الموج هة التح كم فى مؤ سساتها العلم ية التقليد ية‪ ،‬ف هل‬
‫يمكن لشبكات المعلومات أن تطرح تحديا كبيرا أمام تلك النظم‪ ،‬بما توفره من قدرات اتصالية فائقة‬
‫جدا يصهعب السهيطرة عليهها ومراقبتهها ؟‪ ...‬إن الواقهع يقرر‪ ..‬أنهه على الرغهم مهن التحدى‬
‫التكنولوجى الذى يقلص كثيرا من القدرة على تقييد شبكات المعلومات‪ ،‬إل أن ثمة وسائل وأساليب‬
‫تمار سها ب عض الن ظم لعا قة ال سريان ال حر للمعلومات ” ف فى عالم النتر نت الذى سقطت ف يه‬
‫الحدود ب ين الدول‪ .‬تُمارس لع بة ال قط والفأر ب ين الحكومات السيوية والمواطنين الذين يخاطرون‬
‫بالقبض عليهم من أجل حرية الوصول إلى الشبكة العالمية‪ .‬وتحاول دولتا الصين وسنغافورة إعاقة‬
‫و صول موا قع معي نة على الشب كة‪ ،‬هى الموا قع ال تى تحوى مضمونا سياسيا أو جن سيا ل ترغ به‬
‫الدولتان‪ .‬كما تقوم هاتان الدولتان بالحد من عدد الشركات العاملة فى مجال توزيع خدمة النترنت‬
‫على المواطنين‪ ،‬وتفرضان عليها استخدام مرشحات إلكترونية ‪ electronic filters‬لعاقة المواقع‬
‫غير المرغوب فيها ”(‪ .)384‬كما ” تستخدم السلطات السعودية تقنية متقدمة لحجب نحو ‪ 200‬ألف‬
‫مو قع على النتر نت وذلك لم نع م ستخدمى النتر نت من دخول الموا قع الباح ية أو ال تى تحتوى‬
‫على انتقادات للنظام السعودى أو النظمة الخليجية المجاورة “(‪.)385‬‬

‫ولكهن على الرغهم ممها سهبق‪ ..‬يمكهن القول‪ ..‬أن التقدم التكنولوجهى المطرد سهيقلص‬
‫كثيرا من قدرة ال سلطات على تقي يد حر ية الت صال بالنتر نت ( حاليا ) أو بالطر يق ال سريع‬
‫للمعلومات ( مستقبلً )‪.‬‬
‫‪‬‬

‫() جابر عصفور‪ ،‬ضد التعصب‪ .‬ص ‪.26‬‬ ‫‪383‬‬

‫() شريف درويش اللبان‪ ،‬تكنولوجيا التصال ( المخاطر والتحديات والتأثيرات الجتماعية )‪ .‬ص ‪.184‬‬ ‫‪384‬‬

‫() انظر كلً من‪:‬‬ ‫‪385‬‬

‫أحمد أبو الوفا‪ " ،‬حملة مداهمات عربية ضد المواقع الباحية والبرامج المنسوخة "‪ ،‬جريدة العالم اليوم‪ .‬بتاريخ‬ ‫أ ‪-‬‬
‫‪ ،7/5/2001‬ص ‪.13‬‬
‫أشرف أبو الهول‪ " ،‬السعودية تحظر ‪ 200‬ألف موقع آخر للنترنت‪ " ،‬جريدة العالم اليوم‪ .‬بتاريخ ‪،7/5/2001‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫ص ‪.13‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪208‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمـة الفصـل السـادس‪:‬‬


‫‪ ..‬كشهف العرض السهابق للدراسهات والوقائع الموضحهة للممارسهات العمليهة لتقييهد‬
‫القدرات المعرف ية فى كل من الن ظم العلم ية الحرة والموج هة‪ ،‬عن فاعل ية القيود المعرف ية‬
‫( المجتمع ية أو الذات ية ) فى بن ية الن ظم العلم ية الراه نة سواء الحرة أو الموج هة‪ .‬ح يث‬
‫تمارس القيود المجتمع ية دور ها من خلل القيود التشريع ية والعمل ية المقي ـِدة لحر ية الت عبير‪.‬‬
‫بين ما تمارس القيود الذات ية دور ها من خلل المبادرات الذات ية للقائم ين بالت صال والمؤ سسات‬
‫العلمية لتقييد حرية التعبير‪ .‬وإذا كانت القيود المجتمعية يمكن ملحظتها بسهولة لعتمادها‬
‫على تشريعات وممارسهات ظاهرة فهى المجتمهع‪ .‬فإن القيود الذاتيهة مهن الصهعب ملحظتهها؛‬
‫لعتمادها على نوايا المؤسسات العلمية‪ ،‬ولكونها تتم داخل جدران تلك المؤسسات‪.‬‬

‫وعلى الر غم من أن التقدم التكنولو جى قد ن جح جزئيا فى أن يقلص إلى حد ما من‬


‫المدى الذى تمتهد إليهه ( القيود المجتمعيهة ) لحظهر بعهض المعلومات‪ ،‬نتيجهة قدرة الفضائيات‬
‫وشبكات المعلومات على اختراق الحدود والحوا جز التقليد ية‪ .‬ونتي جة انتشار ال مد الديمقرا طى‬
‫ل من التقدم التكنولو جى وال مد الديمقرا طى‪ ،‬لن ي ستطيعا أن‬
‫على الم ستوى العال مى‪ .‬إل أن ك ً‬
‫يقل صا من فاعل ية القيود الذات ية فى بن ية الن ظم العلم ية الراه نة‪ ،‬وال تى اكت سبت المؤ سسات‬
‫العلم ية بموجب ها القدرة على ح ظر المعلومات المشرو عة بناءا على مبادرات ذات ية وكوا بح‬
‫طوعية‪.‬‬

‫ومن المرجح‪ ..‬أن المستقبل القريب سيقدم القيود الذاتية باعتبارها الخطر الكبر على‬
‫حريهة الت عبير قيا سا بالقيود المجتمعيهة‪ .‬إذ إن اسهتمرار تقلص القيود المجتمعيهة نتي جة الوا قع‬
‫الذى يفرضه التقدم التكنولوجى والمد الديمقراطى‪ ،‬يؤدى إلى منح مزيد من المعلومات الفرصة‬
‫للق فز من فوق أ سوار الح ظر التقليد ية‪ .‬ول كن بالمقا بل‪ ..‬تب قى القيود الذات ية بمنأى عن ذلك‬
‫التأث ير‪ ،‬وذلك لكون ها مخف ية وغ ير ملحو ظة‪ ،‬وتح ظى بد عم ال سلطات الحكوم ية والمؤ سسات‬
‫العلم ية ومنظمات المال والعمال؛ لن ها تمنح هم جميعا الفر صة لقا مة علقات نفع ية مع‬
‫بعضهم البعض تنال من درجة شفافية النظم العلمية‪ .‬المر الذى سيؤدى إلى إهدار الفرص‬
‫التى تتيحها البعاد المجتمعية للعولمة للرتفاع بالقدرات المعرفية للنظم العلمية‪.‬‬

‫و من الوا ضح أن ا ستمرار القيود المعرف ية ( المجتمع ية أو الذات ية ) فى بن ية كل من‬


‫النظم العلمية الحرة والموجهة‪ ،‬يستند إلى المرجعيات الفلسفية العلمية الراهنة التى تُسلّم‬
‫بضرورة تواجهد القيود المعرفيهة فهى بنيهة تلك النظهم‪ .‬وبالتالى فإن اسهتمرار تلك المرجعيات‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪209‬‬ ‫‪-‬‬

‫سيؤدى إلى استمرار العتراف بالقيود الذاتية حتى لو أدى التقدم التكنولوجى والديمقراطى إلى‬
‫تقليص القيود المجتمعية‪.‬‬

‫وانطلقا مهن هذا الواقهع‪ ..‬فإن تمهيهد الطريهق أمام تصهاعد القدرات المعرفيهة للنظهم‬
‫العلمية ‪ -‬بما يجعلها تستجيب للتطورات التى تطرحها البعاد المجتمعية للعولمة ‪ -‬يستلزم‬
‫أهم ية تب نى مرجعيات فل سفية إعلم ية جديدة ل تُ سلّم بضرورة توا جد القيود المعرف ية فى بن ية‬
‫النظم العلمية‪ ....‬وهذا ما سنحاول طرحه فى الفصل القادم‪..‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪210‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمـة البــاب الثـانى‪:‬‬


‫حاولت الدرا سة ‪ -‬من خلل ذلك الباب ‪ -‬الجا بة على الت ساؤلين الول والثا نى من‬
‫تساؤلت الدراسة‪ .‬وكان التساؤل الول ينص على التى‪:‬‬
‫« ما هو ال ثر الذى تمار سه عول مة الت صال على المتغيرات الكائ نة ببن ية الن ظم العلم ية‬
‫الراهنة‪ ،‬ومن ثم على وظيفتها فى المجتمع ؟ »‪.‬‬
‫وكان التساؤل الثانى ينص على التى‪:‬‬
‫« ما هو الثر الذى تمارسه المرجعيات الفلسفية العلمية ‪ -‬التى تتبناها النظم العلمية‬
‫الراهنة ‪ -‬على القدرات المعرفية لتلك النظم ؟ »‪.‬‬
‫وقهد توصهلت الدراسهة فهى محاولتهها للجابهة على التسهاؤل الول‪ ،‬إلى أن الثهر الذى‬
‫تمار سه عول مة الت صال على المتغيرات الكائ نة ببن ية الن ظم العلم ية الراه نة هو أ ثر غ ير‬
‫متوازن‪ ،‬ومن ثم ل يساعد تلك النظم على القيام بأعباء وظيفتها فى المجتمع على الوجه الكمل‪.‬‬

‫وتف صيل ذلك‪ ..‬أن الدرا سة تو صلت إلى أن المتغيرات الوظيف ية الحاك مة بين ية الن ظم‬
‫العلم ية تتحدد فى ثل ثة متغيرات هى‪ « :‬القدرات المعرف ية للنظام العل مى » و« در جة‬
‫شفافية النظام العلمى » و« القدرات التكنولوجية للنظام العلمى »‪ .‬وتنتظم هذه المتغيرات‬
‫الثلثة فى العلقة الرياضية التالية‪:‬‬
‫القدرات المعرفية للنظام العلمى = درجة شفافية النظام العلمى ×‬
‫قدراته التكنولوجية‬
‫وقد أثبتت الدراسة أن المتغيرين الوظيفيين الحاكمين ( المستقلين ) ل يستجيبان بدرجة‬
‫متوازنهة لل ثر الذى تمارسهه عليهمها عولمهة التصهال‪ ،‬وبالتالى فإن المتغيهر الوظيفهى الحاكهم‬
‫( التابع ) الذى يتمثل فى « القدرات المعرفية للنظم العلمية » يتصاعد بدرجة أقل من الدرجة‬
‫التى كان يمكن أن يتصاعد بها لو كانت استجابة المتغيرين الخرين تتم بدرجة متوازنة‪.‬‬
‫حيث تمارس عولمة التصال تأثيرها على « القدرات التكنولوجية للنظم العلمية »‬
‫انطلقا مهن النتائج التهى ترتبهت على التقدم التكنولوجهى الهائل فهى تكنولوجيات التصهالت‬
‫والعلم والمعلومات وأدت إلى التكامهل بيهن هذه التكنولوجيات الثلث ‪ -‬مهن خلل التكامهل‬
‫التكنولو جى العضوى فى مجال تكنولوج يا الو سائط الناقلة‪ ،‬والتكا مل التكنولو جى الهيكلى فى‬
‫مجال تكنولوج يا أجهزة ال ستقبال والعرض والت صال ‪ -‬ال مر الذى أ سفر عن د مج و سائل‬
‫العلم والتصهال والمعلومات فهى بنيهة هيكليهة إلكترونيهة مدمجهة واحدة يمثلهها الكومهبيوتر‬
‫المت صل بشبكات المعلومات‪ ،‬م ما أ سفر عن الت صاعد المطرد فى ن سبة انتشار و سائل العلم‬
‫فهى المجتمعات المختلفهة‪ ،‬وذلك انطلقا مهن الثار التهى تمارسهها البعاد القتصهادية للعولمهة‬
‫‪-‬‬ ‫‪211‬‬ ‫‪-‬‬

‫والتهى تؤدى إلى تبنهى سهياسات النتاج الضخهم وفقا لمبدأ وفورات الحجهم الكهبير فهى مجال‬
‫الت صنيع التكنولو جى لو سائل الت صال‪ ،‬ال مر الذى سيؤدى إلى انخفاض القي مة ال سعرية لتلك‬
‫الوسائل بالتزاوج مع التصاعد فى نسبة انتشارها على مستوى العالم‪ .‬وبالتالى‪ ..‬سينعكس هذا‬
‫على القدرات التكنولوج ية للن ظم العلم ية ب صورة إيجاب ية تي تح لغلب تلك الن ظم الو صول‬
‫بسههولة إلى مرحلة التشبهع التكنولوجهى العلمهى‪ ،‬تلك المرحلة التهى تعنهى وصهول القدرات‬
‫التكنولوجية للنظم العلمية إلى حدها القصى‪.‬‬

‫وعلى الجانب الخر ‪ ..‬فإن التأثير الذى تمارسه عولمة التصال على « درجة شفافية‬
‫الن ظم العلم ية » يتم ثل فى النفجار المعلوما تى وال كم المهول من الر سائل العلم ية ال تى‬
‫تنه مر ل يل نهار عبر قنوات الت صال الممتدة عبر أرجاء العالم‪ ،‬م ما أدى إلى تجاوز الر سائل‬
‫العلمية للحدود الجغرافية والقيود القانونية والخصائص الفنية لوسائل العلم التقليدية‪ ،‬المر‬
‫الذى انعكهس إيجابيا على « درجهة شفافيهة النظهم العلميهة »‪ .‬ولكهن مازالت بعهض العوائق‬
‫والقيود تمنع التصاعد المتسارع فى « درجة شفافية النظم العلمية » وتتمثل فى ضعف الثر‬
‫الذى تمار سه الر سائل العلم ية الفضائ ية الجنب ية المختر قة للحدود والموا نع القانون ية‪ ،‬وذلك‬
‫نتيجة العائق اللغوى‪ ،‬ونتيجة عدم قدرة النظم العلمية الجنبية على الهتمام الكبير بالقضايا‬
‫المحل ية اليوم ية ال تى تحجب ها الن ظم العلم ية المحل ية‪ ،‬هذا بالضا فة إلى التقي يد ال كبير الذى‬
‫تمارسه مجموعة القيود المعرفية الكائنة فى بنية النظم العلمية الراهنة والتى تتمثل فى القيود‬
‫المجتمعية ( التشريعية والعملية ) والقيود الذاتية التى تمارسها المؤسسات العلمية‪ ،‬مما يؤدى‬
‫‪ -‬فى المجمل العام ‪ -‬إلى عدم ارتفاع « درجة شفافية النظم العلمية » بنفس الدرجة التى‬
‫تتصهاعد بهها « القدرات التكنولوجيهة للنظهم العلميهة »‪ ،‬ويؤدى إلى عدم توازن الثهر الذى‬
‫تمار سه عول مة الت صال على هذ ين المتغير ين‪ ،‬وبالتالى ال حد من الدر جة ال تى كان يم كن أن‬
‫تتصاعد وفقا لها « القدرات المعرفية للنظم العلمية » نتيجة هذا الثر غير المتوازن‪ .‬المر‬
‫الذى يسفر عن عدم قدرة الن ظم العلم ية على القيام بوظيفتها فى المجت مع‪ ،‬والتى تتمثل فى‬
‫نقل معرفة وافية عن الحداث والمجريات والراء والفكار نتيجة الثار السلبية التى تمارسها‬
‫العوائق والقيود المعرفية على « درجة شفافية النظم العلمية »‪.‬‬

‫كما توصلت الدراسة فى محاولتها للجابة على التساؤل الثانى إلى وجود ارتباط بين‬
‫المرجعيات الفلسهفية العلميهة التهى تتبناهها النظهم العلميهة الراهنهة‪ ،‬وبيهن القيود المعرفيهة‬
‫الكائنة ببنية تلك النظم‪ .‬حيث تعترف كافة المرجعيات الفلسفية العلمية بشرعية تواجد القيود‬
‫المعرفية ببنية النظم العلمية بدرجات متفاوتة‪ ،‬المر الذى يؤدى إلى إعاقة تصاعد القدرات‬
‫المعرفية للنظم العلمية‪ ،‬ويؤثر سلبيا على قيامها بوظيفتها فى المجتمع‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪212‬‬ ‫‪-‬‬

‫وتفصهيل ذلك‪ ..‬أن الدراسهة عرضهت للتصهنيفات المتعددة لنظريات النظهم العلميهة‬
‫والتى أطلقت عليها الدراسة مصطلح المرجعيات الفلسفية باعتبارها تمثل الخلفية الفلسفية للنظم‬
‫العلمية‪ .‬حيث تبين أن المدى الذى يضم النظم العلمية الراهنة يتراوح ما بين كل من‪:‬‬

‫النظهم العلميهة الموجههة‪ :‬والتهى يندرج تحتهها وفقا لدرجات متفاوتهة فهى التوجيهه‬ ‫•‬
‫( النظهم السهلطوية ‪ -‬النظهم الشيوعيهة أو الماركسهية أو السهلطوية الجتماعيهة ‪ -‬النظهم‬
‫التنموية أو التقدمية )‪.‬‬

‫النظهم العلميهة الحرة‪ :‬والتهى يندرج تحتهها وفقا لدرجات متفاوتهة فهى الحريهة‬ ‫•‬
‫( الن ظم الليبرال ية أو أنظ مة ال سوق ‪ -‬الن ظم الم سئولة اجتماعيا أو الليبرال ية الجتماع ية‬
‫أو المركزية الجتماعية أو الديمقراطية الجتماعية ‪ -‬نظم المشاركة الديمقراطية )‪.‬‬

‫ونظرا لن عرض الممارسات العملية لتلك النظم أوضح أن النظم العلمية الموجهة‬
‫تمارس دورهها باعتبارهها أحهد أدوات السهلطة مهن حيهث كونهها أدوات دعائيهة لنظهم الحكهم‬
‫وللترويج اليدلوجى ودعم خطط التنمية‪ .‬بينما تمارس النظم العلمية الحرة دورها باعتبارها‬
‫سهلطة رابعهة ‪ -‬فهى مواجههة سهلطات الدولة الثلث ‪ -‬مهمتهها تسهليط الضوء على الحداث‬
‫والوقائع والفكار والراء فهى المجتمهع وتقديمهها للجماهيهر‪ .‬وبالتالى فإن النظهم العلميهة‬
‫الموجهة تستهدف تشكيل وعى المجتمع من أجل الدولة‪ ،‬بينما النظم العلمية الحرة تستهدف‬
‫كشف ممارسات الدولة من أجل المجتمع‪ .‬ولكن نظرا لنه ل وجود للدولة بدون المجتمع‪ ،‬فإن‬
‫كافة النظم العلمية سواء الحرة أو الموجهة تحاول أن تترجم ممارساتها العلمية فى إطار‬
‫التزامهها تجاه المجتمهع‪ .‬وانطلقا من هذه النتي جة ف قد اكتسهبت نظريهة المسهئولية الجتماعيهة‬
‫جاذبية خاصة جعلت من أطروحاتها الصيغة الكثر قبولً لدى كل من النظم العلمية الحرة‬
‫والموج هة‪ ،‬بح يث يأول ها كل من النظام ين لتحق يق أهدا فه ت حت دعوى اللتزام بدور م سئول‬
‫تجاه المجتمع‪.‬‬

‫حيث تبرر النظم العلمية الموجهة تشديدها للقيود المجتمعية على المعلومات‪ ،‬وتبرر‬
‫مؤسساتها العلمية تبنيها للقيود الذاتية‪ ،‬تحت دعوى اللتزام بدور مسئول اجتماعيا‪.‬‬

‫وبن فس المن طق تبرر الن ظم العلم ية الحرة ا ستمرار بقاء عدد من القيود المجتمع ية‬
‫داخهل بنيتهها‪ ،‬وتهبرر مؤسهساتها العلميهة تبنيهها للقيود الذاتيهة‪ ،‬تحهت دعوى اللتزام بدور‬
‫مسئول اجتماعيا‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪213‬‬ ‫‪-‬‬

‫وهذا يو ضح أن ا ستمرار بقاء القيود المعرف ية ( المجتمع ية و الذات ية ) فى بن ية الن ظم‬


‫العلمية الراهنة يرجع إلى اعتراف المرجعيات الفلسفية التى تتبناها تلك النظم بشرعية تلك‬
‫القيود ‪ -‬وفقا لدرجات متفاوتة من القوة والض عف ‪ -‬المر الذى ينعكس بالسلب على « درجة‬
‫شفاف ية الن ظم العلم ية » نتي جة تقل يص تلك القيود المجتمع ية والذات ية لن سبة المعر فة الكام نة‬
‫بالمعلومات المنشورة بتلك الن ظم‪ ،‬وبالتالى الم ساهمة فى إبطاء معدلت الت صاعد فى القدرات‬
‫المعرف ية للن ظم العلم ية الراه نة‪ ،‬بح يث تتحول التكنولوج يا الت صالية العلم ية المعلومات يه‬
‫الفائ قة الم صاحبة للبعاد العلم ية للعول مة ‪ -‬وال تى تتخ طى الحدود الجغراف ية والخ صائص‬
‫الفن ية ( الم ساحية والزمن ية ) بو سائل الت صال التقليد ية ‪ -‬إلى تكنولوج يا لن قل معر فة مكبلة‬
‫بالقيود المعرف ية ( المجتمع ية والذات ية )‪ .‬وبالتالى ي تم إهدار المكان ية ال تى توفر ها التكنولوج يا‬
‫لممارسة التصال شبه الكامل عن بعد وللنقل الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫ولقهد رصهدت الدراسهة ‪ -‬مهن خلل عرضهها لتصهنيفات تلك المرجعيات الفلسهفية‬
‫وعرضهها للطار الفكرى لنظريهة المسهئولية الجتماعيهة ‪ -‬عدم قدرة تلك المرجعيات جميعا‬
‫على التوصهيف الدقيهق لثنائيهة السهلطة والمسهئولية بتلك النظهم‪ ،‬تلك الثنائيهة التهى يؤدى عدم‬
‫التوصيف الدقيق للطابع الذى يميزها إلى اضطلع تلك النظم بأدوار تتجاهل حقوقها وتتناقض‬
‫مع واجبات ها‪ ..‬ول قد أوض حت الدرا سة أن المرجعيات الفل سفية الراه نة أدت بالن ظم العلم ية‬
‫الموج هة إلى أن تمارس م سئوليات غ ير إعلم ية مع افتقار ها ل ية سلطة‪ ،‬فى ح ين تمارس‬
‫النظم العلمية الحرة سلطتها فى مواجهة سلطات المجتمع الخرى مع افتقارها إلى مسئولية‬
‫إعلم ية تحدد واجبات ها ووظيفت ها ال صيلة‪ ..‬ول عل الوا قع يقرر بأ نه عند ما يمارس أى نظام‬
‫فاعليا ته دون التنظ يم الدق يق لثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بني ته الفكر ية والعمل ية‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يؤدى إلى تجاوزه لسلطاته أو تفريطه فى مسئولياته أو الثنين معا‪.‬‬

‫وبالتالى فإن تلك المرجعيات الفلسفية تؤدى إلى تقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية‬
‫الراه نة نتي جة اعتراف ها بثنائ ية القيود المجتمع ية والذات ية وعدم تو صيفها الج يد لثنائ ية ال سلطة‬
‫والمسئولية ببنية تلك النظم‪ .‬المر الذى يكشف عن مسئولية تلك المرجعيات الفلسفية عن الثر‬
‫غ ير المتوازن الذى تمار سه عول مة الت صال على القدرات التكنولوج ية ودر جة شفاف ية الن ظم‬
‫العلم ية‪ .‬م ما يع نى أن تلك المرجعيات قد با تت ل تتواءم مع التطورات الحال ية والم ستقبلية‬
‫التى تطرحها البعاد العلمية للعولمة‪ .‬تلك البعاد التى يتلزم فيها التوحد والتكتل والندماج‬
‫مهع التشظهى والتجزؤ والنقسهام‪ ،‬وتوفهر فرصهة عريضهة لتنميهة القدرات المعرفيهة للنظهم‬
‫العلم ية‪ ،‬انطلقا من قدرات ها التكنولوج ية المت سارعة الت صاعد وال تى ت سمح بالن قل الوا فى‬
‫للمعرفة‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪214‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولهذا‪ ..‬فإن النتائج ال تى تو صل إلي ها الباب الثا نى من الدرا سة يم كن صياغتها فى‬


‫التالى‪:‬‬
‫‪ « •0‬تمارس عولمصة التصصال أثرا غيصر متوازن على المتغيرات الوظيفيصة الحاكمصة فصى بنيصة‬
‫النظصم العلميصة بمصا يؤدى إلى تصصاعد القدرات التكنولوجيصة لتلك النظصم بمعدلت أكثصر‬
‫تسارعا من تصاعد درجة شفافيتها‪ ،‬وذلك نتيجة للدور السلبى الذى تمارسه القيود المعرفية‬
‫الكائنة فى بنية تلك النظم »‪.‬‬
‫‪ «•0‬تؤدى المرجعيات الفلسفية التى تتبناها النظم العلمية الراهنة إلى استمرار بقاء القيود‬
‫المعرفية ( المجتمعية والذاتية ) فى بنية تلك النظم ‪ -‬وفقا لدرجات متفاوتة ‪ -‬المر الذى‬
‫يجعل تلك المرجعيات مسئولة عن الثر غير المتوازن الذى تمارسه عولمة التصال على‬
‫المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية الن ظم العلم ية‪ ،‬ويؤدى إلى إعا قة ت صاعد قدرات ها‬
‫المعرفية »‪.‬‬

‫ولكن‪ ..‬إذا كانت المرجعيات الفلسفية الراهنة تؤدى إلى استمرار بقاء القيود المعرف ية‬
‫( المجتمع ية والذات ية ) فى بن ية الن ظم العلم ية ب ما يؤدى إلى تقل يص قدرة تلك الن ظم على‬
‫استثمار المكانات التكنولوجية والمعرفية التى تتيحها ظاهرة العولمة‪ ،‬فإنه يصبح من المناسب‬
‫حينئذ؛ البحث عن مرجعية فلسفية تضمن القضاء على القيود المعرفية فى النظم العلمية‪ ،‬بما‬
‫يتيح لتلك النظم الرتفاع بقدراتها المعرفية فى ظل البعاد العلمية للعولمة‪.‬‬

‫وهذا ما سنطرحه فى الباب الثالث‪...‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪215‬‬ ‫‪-‬‬

‫البــاب الثـالث‬
‫نحو مسئولية إعلمية منـاسـبة‬
‫للنظم العلمية‬
‫( الوظيفة المعرفية للنظم‬
‫العلمية )‬

‫محتـويـات البـاب الثـالث‬

‫إشـــــــــــــــــارات‬
‫مقـدمـة البـاب الثالـث‬
‫الحريـة المطلقـة للتعـبير وسـلطة النظـم‬ ‫الفصل السابع‪:‬‬
‫العلمية ومسئوليتها‬
‫البعاد العمليـــة للمســـئولية المعرفيـــة‬ ‫الفصـل الثامـن‪:‬‬
‫للنظــــــــــــــــــم العلميــــــــــــــــــة‬
‫الدوات القياسية لمفهوم المسئولية‬ ‫الفصـل التاسـع‪:‬‬
‫المعرفية للنظم العلمية‬
‫( أساليب القياس العلمى )‬
‫نحــــو نظام إعلمــــى مســــئول معرفياً‬ ‫الفصل العاشر‪:‬‬
‫الفصــل الحادى المســئولية المعرفيــة وتشكيــل الوعــى‬
‫عشـــــــــــــر‪ :‬الجتماعـــــــــى فـــــــــى النظـــــــــم‬

‫العلمية الراهنـة‬
‫خـاتمـة البـاب الثـالـث‬
‫‪-‬‬ ‫‪236‬‬ ‫‪-‬‬

‫إشـــارات‪:‬‬
‫« ل يجوز لحد أن يفرض على غيره صمتا ولو كان معززا بالقانون »‪.‬‬
‫]‬ ‫[ المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار عوض المُر‪ :‬قضية رقم ‪ 37‬لسنة ‪ 11‬قضائية (دستورية ) بتاريخ ‪6/2/1993‬‬
‫‪ (.‬نقل عن‪ :‬حسام محفوظ‪ ،‬الموسوعة الدستورية الشاملة‪ .‬ص ‪) 351‬‬

‫« ليس هناك من أحد يقبل ازدراء الديان‪ ،‬ولكن هل نُحرّم على الكُتاب والصحفيين القتراب‬
‫من رجال الدين والمؤسسات الدينية؟ وهل نحرم الرقابة المدنية على المؤسسة الدينية ؟ »‪.‬‬
‫[ رضا هلل‪ " ،‬الصحافة والسياسة والكنيسة "‪ ( ،‬عمود سياسة خارجية )‪ ،‬جريدة الهرام‪ .‬بتاريخ ‪ ،28/6/2001‬ص ‪] 4‬‬

‫« إن الوربي ين لي سوا مت سامحين خل قة‪ ،‬ولي سوا مع حر ية التفك ير والعتقاد بح كم أن هم‬


‫أوربيون‪ ،‬وإنما عرفوا التعصب والتزمت والتشدد‪ ،‬وقتلوا المخالفين‪ ،‬ومثلوا بهم‪ ،‬وشوهوا‬
‫وجوهم‪ ،‬وبتروا أطرافهم‪ ..‬حتى خرجوا من تخلفهم وانحطاطهم‪ ،‬وأدركوا أن تقدمهم كأمم‬
‫وأفراد مرهون بالتزامهم بالحرية‪ ،‬واحتكامهم للعقل‪ ،‬وإيمانهم جميعا بأنهم سواسية فى كل‬
‫شيئ‪ .‬فليس لحاكم مهما عل شأنه‪ ،‬ول لرجل دين مهما بلغ علمه‪ ،‬أن يزعم لنفسه امتيازا‬
‫خاصصصا يعطيصصه الحصصق فصصى أن يفرض على مواطصصن مصصن المواطنيصصن رأيا‪،‬‬
‫أو عقيدة‪ ،‬أو أسلوبا فى الحياة »‪.‬‬
‫‪ (.‬أحمد عبد المعطى حجازى‪ " ،‬الذين يطفئون الشموع "‪ ،‬جريدة الهرام‪ .‬بتاريخ ‪ ،17/5/2000‬ص ‪) 28‬‬

‫« حر ية ال صحافة لي ست بأى حال من الحوال امتيازا لل صحفى وإن ما للمجت مع‪ .‬ف هى حق‬
‫المجتمع فى المعرفة‪ ،‬والصحفى هو إحدى أدوات هذه المعرفة »‪.‬‬
‫] نبيل عمر‪ " ،‬الحرية فى خطر "‪ ( ،‬عمود أحداث فى الخبار )‪ ،‬جريدة الهرام‪ .‬بتاريخ ‪ ،9/5/2000‬ص ‪[ 6‬‬

‫« عندما تسمح المعلومة بتكوين ثروة ‪ -‬فى بضع دقائق ‪ -‬ل يمكن جمعها حتى بعد سنوات‬
‫من العمل الشاق أو طوال عمر كامل‪ ،‬فإن إغراء شراء أو بيع هذه المعلومة ل يُقاوم »‪.‬‬
‫( آلن كوتا‪ :‬الرأسمالية فى كل حالتها )‬
‫( نقل عن‪ :‬روجيه جارودى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪) 44 - 43‬‬

‫« أ ما ما جاء بكتاب ( القمنصى ) فى مجال الحديصث عن قضيصة ( نصصر أ بو ز يد ) ومو قف‬


‫( عبد الصبور شاهين ) منها‪ ،‬فإن ذلك ل يعدو أن يكون مناظرة بين رأى المؤلف ورأى الشيخ‬
‫عبد الصبور شاهين‪ ،‬وكلهما ينطق فى مجال مقاله بوجهة نظره‪ ،‬ومنع أيهما ومصادرة كلمته يمثل‬
‫حجرا على فكره‪ ،‬و هو ما تتأذى م نه الن سانية‪ .‬إذ إ نه بالمناظرات النقد ية ير قى الف كر وينجلى عن‬
‫الصواب دائما‪ .‬وهو أمر محمود‪ ،‬ول يمكن القول بأنه فى تلك المناظرة النقدية تعريض بأحد »‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪237‬‬ ‫‪-‬‬

‫( حيثيات حكم المستشار سلمة سليم رئيس محكمة شمال القاهرة )‬


‫( نقل عن‪ :‬جابر عصفور‪ ،‬ضد التعصب‪ .‬ص ‪) 337‬‬

‫« فشجاعة المناضلين فى سبيل الحرية وتفانيهم‪ ،‬واستعدادهم لن يتصدوا لكثر أشكال إرهاب‬
‫الدولة تطرفا‪ ،‬هى فى الغالب‪ ،‬أمور ملفتة للنظر‪ ،‬مثيرة للهتمام‪ ،‬جديرة بالملحظة »‪.‬‬
‫( نعوم تشومسكى‪ ،‬ردع الديمقراطية‪ .‬ترجمة فاضل جتكر‪ ،‬ص ‪) 399‬‬

‫« إن كل القوى المعادية للحرية‪ ..‬تتجمع ضد كل شيئ ليبرالى »‪.‬‬


‫( أ‪ .‬موللر فان دين بروك )‬
‫( نقل عن‪ :‬ف‪ .‬ا‪ .‬هايك‪ ،‬الطريق إلى العبودية‪ .‬ترجمة محمد مصطفى غنيم‪ ،‬ص ‪) 163‬‬

‫« الفكر الليبرالى ل يشغل نفسه بإقامة الجنة الرضية لن ذلك مستحيل‪ ،‬ولكنه يعمل على‬
‫الوصول إلى أفضل أنواع الجحيم‪ .‬وهو ل يعمل على توفير فرص العمل لكل الناس‪ ،‬بل يعمل‬
‫على توفير أكبر قدر من فرص العمل لكبر عدد من الناس‪ ...‬وهو يتعامل مع الحياة كما هى‬
‫عليه‪ ،‬وليس كما يتمناها‪ .‬ويتعامل مع البشر بل أوهام‪ ،‬فهم ليسوا بملئكة‪ ،‬كما أنهم ليسوا‬
‫بشياطين‪ ،‬هم مزيج من الثنين »‪.‬‬
‫] على سالم‪ " ،‬عبء الحرية الثقيل "‪ ،‬مجلة روز اليوسف‪ ( .‬عدد ‪ ،) 14/8/1999 - 3714‬ص ‪[ 76‬‬

‫« لمسصت لدى المريكييصن اعتقادا جازما‪ ،‬بأن انهيار التحاد السصوفيتى سصببه الول غياب‬
‫الديمقراطية والحرية الصحفية‪ ،‬ففى غيابهما تختفى الحقائق المُرة وراء جدار سميك من السرية‪،‬‬
‫وتتضاعف الخطاء والخطايا‪ ،‬إلى أن يحيق بالمجتمع بأيدى ابنائه ما هو أشر مما يدبره له أعداؤه‬
‫»‪.‬‬
‫( محمد عبد الله‪ ،‬جريدة الهرام‪ .‬بتاريخ ‪) 16/10/1997‬‬
‫‪ - 92‬يول يو‪ /‬سبتمبر‬ ‫فى التنشئة الديمقراط ية "‪ ،‬مجلة الدرا سات العلم ية ( عدد‬ ‫[ نقل عن‪ :‬جواد مر قة‪ " ،‬العلم ودوره‬
‫]‬ ‫‪ ،) 1998‬ص ‪17‬‬

‫« إن الحريصة ُمرَاوغصة‪ ..‬ويصصعب طالمصا تسصربت فصى مجتمصع مصا‪ ،‬أن يتمكصن أحصد مصن المسصاك‬
‫بتلبيب ها‪ ،‬فدائما ما يُفلت طرفُ من ها من ال سر‪ ،‬ويكون هو مقد مة الحقي قة‪ ..‬وهذه هى رو عة‬
‫الحرية »‬
‫( الباحث )‬

‫« إن الحر ية كال جن الذى يُطلق من قمق مه‪ ،‬ل ير غب بالضرورة أن ين صت لوا مر الش خص‬
‫( كازيميرا برونسكين‪ :‬رئيسة وزراء ليتوانيا‪ 3 ،‬مايو ‪)1990‬‬ ‫الذى نزع السدادة »‪.‬‬
‫( نقل عن‪ :‬هارلن كليفلند‪ ،‬ميلد عالم جديد‪ .‬ترجمة جمال على زهران‪ ،‬ص ‪) 33‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪238‬‬ ‫‪-‬‬

‫« النقد امتداد للنبوة‪ ..‬ولول النقاد لهلك الناس‪ ،‬ولطغى الباطل على الحق‪ ،‬ولمتطى الرذال‬
‫ظهور الفاضل‪ ..‬وبقدر ما يخفت صوت الناقد‪ ،‬يرتفع صوت الدجال »‪.‬‬
‫( بيرم التونسى )‬
‫( نقل عن‪ :‬محمد حسام محمود لطفى‪ ،‬ملف قضايا حرية الرأى والتعبير فى مصر‪ ،‬ص ‪) 1‬‬

‫« وحيث إنه مما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدى على الدين‪ ،‬بل‬
‫إن العبارات الماسة بالدين التى أوردها فى بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها فى سبيل‬
‫الب حث العل مى مع اعتقاده أن بح ثه يقتضي ها‪ ..‬وح يث إ نه من ذلك يكون الق صد الجنائى غ ير‬
‫متوفر‪ ..‬فلذلك‪ ..‬تحفظ الوراق إداريا‪ ..‬رئيس نيابة مصر‪ ..‬القاهرة فى ‪ 30‬مارس ‪.» 1927‬‬
‫( نص قرار محمد نور رئيس نيابة مصر فى قضية كتاب الشعر الجاهلى لطه حسين )‬
‫( نقل عن‪ :‬أمير سالم ومحمد عبد العال ومصطفى عويس‪ ،‬أحكام القضاء المصرى وحقوق النسان‪ .‬ص ‪.) 192‬‬

‫« إذا أُريد لحرية التعبير أن تتنفس فى المجال الذى ل يمكن أن تحيا بدونه‪ ،‬فإن قدرا من‬
‫التجاوز يتعيصن التسصامح فيصه‪ ،‬ول ي سوغ بحال أن يكون الش طط فصى بعصض الراء مسصتوجبا‬
‫إعاقة تداولها »‪.‬‬
‫قضائيههة‬ ‫‪11‬‬ ‫لسههنة‬ ‫‪37‬‬ ‫هر‪ :‬قضيههة رقههم‬
‫[ المحكمههة الدسههتورية العليهها برئاسههة المسههتشار عوض المُه‬
‫]‬ ‫( دستورية ) بتاريخ ‪6/2/1993‬‬
‫( نقل عن‪ :‬حسام محفوظ‪ ،‬الموسوعة الدستورية الشاملة‪ .‬ص ‪) 351‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪239‬‬ ‫‪-‬‬

‫مقـدمـة‬
‫البـاب الثـالـث‬
‫تم ثل ممار سات تقي يد القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية عق بة حقيق ية أمام إمكان ية‬
‫اسهتثمار النظهم العلميهة للفرص التهى تطرحهها البعاد العلميهة للعولمهة‪ .‬وذلك لن‬
‫التفاوت ب ين القدرات التكنولوج ية الفائ قة للن ظم العلم ية ب ما توفره من إمكان ية ن قل وا فٍ‬
‫للمعر فة؛ وب ين القدرات المعرف ية لتلك الن ظم‪ ،‬يو ضح محدود ية در جة شفاف ية تلك الن ظم‪،‬‬
‫ويوضح أن ثمة خللً فى الطار الفكرى الذى تنطلق منه المرجعيات الفلسفية الراهنة التى‬
‫تتبناهها النظهم العلميهة‪ .‬ويتمثهل هذا الخلل فهى غياب الرؤيهة الواضحهة المتكاملة للطار‬
‫هة باعتبارهها عاملً مضادا‬
‫هع القيود المعرفيه‬
‫هى أن يتعامهل مه‬
‫النظرى الملئم الذى ينبغه‬
‫لسهتقرار النظهم العلميهة وإمكانيهة وصهولها إلى مرحلة التسهاوى بيهن قدراتهها المعرفيهة‬
‫وقدراتها التكنولوجية‪.‬‬
‫ويتر تب على هذه النتي جة‪ ،‬أهم ية التو جه ن حو ترج يح المرجع ية الفل سفية ال تى تؤ من‬
‫بضرورة انعدام القيود المعرفية على النظم العلمية‪ ،‬ومن ثم تضمن الحرية المطلقة للتعبير‪.‬‬
‫وبالتالى‪ ..‬فإن هذا سيطرح ضرورة مراجعة ثنائية السلطة والمسئولية فى بنية النظم العلمية‬
‫لترسيم حدود وجوهر تلك السلطة ومسئوليتها‪ ،‬بما يتلءم مع منطلقات الحرية المطلقة للتعبير‪.‬‬

‫ونظرا‪ ..‬لن الواقهع العلمهى يثبهت دائما بأن سهلطة النظهم العلميهة ‪ -‬غالبا ‪ -‬ل‬
‫خلف عليها‪ ،‬وإنما يتمحور الخلف والصراع فى الغالب العم حول مسئولية تلك النظم‪ .‬فإنه‬
‫يصبح من الهام توضيح طابع وخصائص المسئولية المفترضة فى النظم العلمية بما يضمن‬
‫كفاءتها ( نوعيا ) فى القيام بوظيفتها فى المجتمع‪ .‬وتوضيح البعاد العملية لتلك المسئولية بما‬
‫يجعلها مسئولية ذات وجه تطبيقى غير تجريدى يتجاوز جوانب القصور التى سبق وأوضحناها‬
‫فى نظر ية الم سئولية الجتماع ية‪ ،‬ال مر الذى يض من كفاءة الن ظم العلم ية ( كيفيا ) فى القيام‬
‫بوظيفت ها فى المجت مع‪ .‬بالضا فة إلى أهم ية ابتكار مقاي يس رياض ية يم كن من خلل ها قياس‬
‫درجهة التزام النظهم العلميهة بمسهئوليتها المفترضهة بمها يضمهن كفاءتهها ( كميا ) فهى القيام‬
‫بوظيفتها فى المجتمع‪.‬‬

‫ك ما ي صبح من الهام‪ ..‬توض يح البن ية التخطيط ية الهيكل ية للنظام العل مى فى ظل‬


‫إقرار مبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪ ،‬ومقارنتها ببنية النظم العلمية الراهنة‪ ،‬ومدى تأثير هذه‬
‫البنية الجديدة على الدور الذى ستلعبه النظم العلمية فى مجال تشكيل وعى جماهير المتلقين‬
‫‪-‬‬ ‫‪240‬‬ ‫‪-‬‬

‫فهى ظهل البعاد العلميهة للعولمهة‪ ،‬مقارنهة بالدوار السهلبية النيههة التهى تمارسهها النظهم‬
‫العلمية الراهنة‪.‬‬

‫وانطلقا من هذه الهداف‪ ..‬ف قد تم تق سيم الباب الرا هن إلى خم سة ف صول‪ .‬الف صل‬
‫ال سابع بعنوان‪ :‬الحر ية المطل قة للت عبير و سلطة الن ظم العلم ية وم سئوليتها‪ .‬والف صل الثا من‬
‫بعنوان‪ :‬البعاد العمل ية للم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية‪ .‬والف صل التا سع بعنوان‪ :‬الدوات‬
‫القيا سية للم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية ( أ ساليب القياس العل مى )‪ .‬والف صل العا شر‬
‫بعنوان‪ :‬نحو نظام إعلمى مسئول معرفيا‪ .‬والفصل الحادى عشر بعنوان‪ :‬المسئولية المعرفية‬
‫وتشكيل الوعى الجتماعى فى النظم العلمية الراهنة‪.‬‬

‫وسنعرض فيما يلى لتلك الفصول بمباحثها المتتالية‪..‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪241‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفصـل السـابع‬
‫الحـريـة المطلقـة للتعـبير‬
‫وسلطة النظم العلمية ومسئوليتها‬

‫محتـويـات الفصـل السـابع‬

‫مقدمـة الفصـل السـابع‬


‫الطار الفكرى للحريـــة المطلقـــة‬ ‫المبحـــــــث‬
‫ومسـئولية‬ ‫البعاد الفكريـة لسـلطة‬
‫للتعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبير‬ ‫المبحـــــــث‬
‫الول‪:‬‬
‫المســـئولية المعرفيـــة‬ ‫العلمية‬ ‫النظم‬
‫خصـــائص‬ ‫الثانــــــــى‪:‬‬
‫المبحـــــــث‬
‫للنظــــــــــــــم العلميــــــــــــــة‬ ‫الثالث‪:‬‬
‫( الوظيفـة المعرفيـة )‬

‫خـاتمــة الفصـل السـابع‬


‫‪-‬‬ ‫‪242‬‬ ‫‪-‬‬

‫مقدمـة‬
‫الفصـل السـابع‬

‫القدرات المعرفية للنظام العلمى = درجة شفافية النظام العلمى ×‬


‫قدراته التكنولوجية‬
‫‪ .....‬توضح هذه العلقة الرياضية أن الحالة الوحيدة التى تسمح بتساوى القدرات التكنولوجية‬
‫مع القدرات المعرفية للنظام العلمى تتمثل فى الحالة التى تساوى فيها درجة شفافية النظام‬
‫العلمى الواحد الصحيح‪ ،‬بما يعنى انعدام القيود المعرفية فى بنية النظام العلمى‪.‬‬

‫وانطلقا مهن النتيجهة التهى توصهلت إليهها الدراسهة بشأن الثهر غيهر المتوازن الذى‬
‫تمارسه عولمة التصال بما يؤدى إلى تصاعد القدرات التكنولوجية للنظم العلمية بمعدلت‬
‫أكثهر تسهارعا مهن تصهاعد درجهة شفافيتهها‪ ،‬المهر الذى سهيؤدى إلى أن تصهل غالبيهة النظهم‬
‫العلم ية فى الم ستقبل المنظور إلى مرحلة التش بع التكنولو جى العل مى‪ ،‬ب ما يع نى و صول‬
‫قدرات ها التكنولوج ية إلى حد ها الق صى‪ .‬فإن هذا يو ضح‪ ..‬بأن الو ضع الذى سيسمح بانعدام‬
‫القيود المعرفية فى بنية النظم العلمية ‪ -‬ويضمن وصول درجة شفافيتها إلى حدها القصى ‪-‬‬
‫هو الوضع الذى سيجعل القدرات المعرفية للنظم العلمية مكتملة‪.‬‬

‫ونظرا لن إقرار مبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير ههو الذى سهيسمح بنشوء هذا الوضهع‪،‬‬
‫فإن دراسة البعاد الفكرية لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪ ،‬ودراسة ثنائية السلطة والمسئولية فى‬
‫النظم العلمية الراهنة‪ ،‬ودراسة أثر إقرار مبدأ الحرية المطلقة للتعبير على هذه الثنائية‪ ،‬إن‬
‫كهل ذلك سهيساهم فهى تكويهن فههم علمهى حول القاعدة الفكريهة التهى يمكهن للنظهم العلميهة‬
‫الرتكاز عليهها عنهد ممارسهتها لوظيفتهها فهى المجتمهع‪ ،‬بمها يضمهن كفاءة هذه الوظيفهة على‬
‫المستوى النوعى ( نوعيا )‪.‬‬

‫وانطلقا من هذا الت صور‪ ..‬ف قد تم تق سيم الف صل الرا هن إلى ثل ثة مبا حث‪ .‬المب حث‬
‫الول بعنوان‪ :‬الطار الفكرى للحرية المطلقة للتعبير‪ .‬والمبحث الثانى بعنوان‪ :‬البعاد الفكرية‬
‫لسلطة ومسئولية النظم العلمية‪ .‬والمبحث الثالث بعنوان‪ :‬خصائص المسئولية المعرفية للنظم‬
‫العلمية ( الوظيفة المعرفية )‪.‬‬

‫وسنعرض فيما يلى لتلك المباحث‪...‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪243‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الول‬
‫الطار الفكرى لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير‬

‫نظرا لن البعاد المجتمعيهة للعولمهة ( السهياسية والقتصهادية والثقافيهة والعلميهة )‬


‫تدفهع نحهو التصهاعد المطرد فهى القدرات التكنولوجيهة للنظهم العلميهة‪ ،‬انطلقا مهن سهياسة‬
‫وفورات النتاج الكهبير التهى تؤدى إلى انتشار وسهائل العلم فهى المجتمعات نظرا لنخفاض‬
‫قيمت ها ال سعرية؛ و من ثم ي صبح النخفاض فى القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية راجعا ف قط‬
‫إلى الثهر الذى تمارسهه القيود المعرفيهة ( المجتمعيهة والذاتيهة ) على نسهبة المعرفهة الكامنهة‬
‫بالمعلومات العلميهة المنشورة‪ ،‬المهر الذى سهيؤدى إلى أن تصهبح القيود المعرفيهة بمثابهة‬
‫عامل مضاد لتصاعد القدرات المعرفية للنظم العلمية‪.‬‬

‫ولعهل الطار الفكرى الذى يسهمح بإلغاء كافهة القيود المعرفيهة ( المجتمعيهة والذاتيهة )‬
‫على القدرات المعرفية للنظم العلمية يتمثل فى الطار الذى يعترف بمبدأ « الحرية المطلقة‬
‫للتعهبير »‪ .‬وذلك على اعتبار أن أى إطار فكرى يتعامهل مهع حريهة التعهبير باعتبارهها حريهة‬
‫مقيدة المدى ومحدودة النطاق‪ ،‬لن يسهاهم فهى الخروج مهن مأزق محدوديهة القدرات المعرفيهة‬
‫للنظم العلمية قياسا بقدراتها التكنولوجية‪.‬‬

‫وبالتالى فإن المدى المطلق لحر ية الت عبير هو الذى سيسمح بال سريان ال حر للر سائل‬
‫العلم ية؛ م ما يح قق التوازن المنشود ب ين القدرات المعرف ية والتكنولوج ية للن ظم العلم ية‪،‬‬
‫ويقضى على الخلل الوظيفى فى بنية النظم العلمية الراهنة‪.‬‬

‫ولكهن‪ ..‬تاريخيا‪ ..‬فإن النتائج السهلبية التهى ترتبهت على اليمان بالحريهة المطلقهة‬
‫للتعبير فى ظل النظرية الليبرالية للنظم العلمية تقدم الحجة للدعاء بضرورة توقف حرية‬
‫الت عبير ع ند مدى مع ين لحما ية الكث ير من العتبارات المن ية والوطن ية والجتماع ية‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫إل أن التحليل المتعمق يوضح أن النظرية الليبرالية للنظم العلمية لم تفشل لقرارها مبدأ‬
‫الحريهة المطلقهة للتعهبير‪ ،‬وإنمها فشلت لنهها لم تسهتطع صهياغة العلقهة بيهن سهلطة النظهم‬
‫العلميهة ومسهئوليتها‪ ،‬حيهث منحهت النظهم العلميهة سهلطة مطلقهة دون أن توضهح نوع‬
‫الم سئولية الملقاة على عا تق تلك الن ظم‪ .‬وبالتالى تحولت المؤ سسات العلم ية ‪ -‬فى ك نف‬
‫تلك النظرية ‪ -‬إلى كيانات تمارس سلطة بل مسئولية؛ مما أسفر عن الكثير من السلبيات فى‬
‫حقل العمل العلمى‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪244‬‬ ‫‪-‬‬

‫وانطلقا مما يكشف عنه الواقع الراهن من مسئولية القيود المعرفية عن تقلص القدرات‬
‫المعرفية للنظم العلمية مقارنة بقدراتها التكنولوجية‪ .‬فإن الطار الفكرى المَعنّى بإعادة تعريف‬
‫سلطة وم سئولية الن ظم العلم ية ينب غى أن يتأ سس على قاعدة اليمان بالحر ية المطل قة للت عبير‬
‫باعتبار ” أن النظريات التى تتوافق مع النماذج الموجودة يتم استيعابها بسهولة فى التركيب العام‬
‫للمعرفة‪ ،‬بينما النظريات التى ل تتفق تماما يتم تنحيتها جانبا بدون أى مبالة “ (‪.)386‬‬

‫وبالتالى فإن محاولة تجاهل محددات الواقع الراهن للنظم العلمية تحت دعوى ” أن‬
‫ما كان يرو جه فل سفة القرن الثا من ع شر من مطلقات‪ ،‬ل بد أن يؤ خذ بحذر شد يد وبتحفظات‬
‫كثيرة‪ ،‬نظرا لن الحريهة ليسهت دائما شيئا مرغوبا فيهه‪ ،‬وحريهة التعهبير لبهد أن يكون لهها‬
‫حدود “ (‪ .)387‬إن تلك المحاولة‪ ..‬سهتؤدى إلى التمسهك بأطهر فكريهة تتجاوزهها آليات الواقهع‬
‫الراهن؛ مما يؤدى إلى انفصال الفكر عن التطبيق والمثال عن الوا قع‪ ،‬ويؤدى إلى النحراف‬
‫ل محفوفا‬
‫بحريهة التعهبير مهن خلل دفهع العلمييهن وغيرههم إلى ممارسهتها باعتبارهها عم ً‬
‫بالحوا جز والحدود‪ ،‬ال مر الذى يؤدى إلى غلق البواب أمام الخلق والبداع والتحرر الفكرى‪،‬‬
‫ويفتح الباب واسعا أمام التحجر والتخلف والجمود‪.‬‬

‫ويم كن ف هم ال سس ال تى ترت كز علي ها الدعوة إلى ضرورة إطلق حر ية الت عبير من‬
‫خلل درا سة أرب عة محددات و هى‪ :‬نوع الطار الذى تنت مى إل يه حر ية الت عبير‪ ،‬والمدى الذى‬
‫ينب غى أن يم تد إل يه هذا الطار خلل ممار سة حر ية الت عبير لفاعليات ها‪ ،‬وتو صيف المحتوى‬
‫المعرفى الناشئ عن هذه الممارسة ضمن ذلك الطار‪ ،‬بالضافة إلى دراسة التأثير الناتج عن‬
‫انتشار هذا المحتوى المعرفى فى المجتمع‪.‬‬

‫ول عل درا سة تلك المحددات الرب عة ستساهم فى توض يح الطار الفكرى الذى يد عو‬
‫إلى ضرورة إطلق حرية التعبير وذلك على النحو التالى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬نوع الطار اللزم لحرية التعبير‪:‬‬


‫تعنى حرية التعبير ‪ -‬فى المعنى العام ‪ -‬المعاكس الموضوعى لحرية الفعل‪ ،‬حيث إن‬
‫التعبير النسانى يتجسد فى الدللت والرموز‪ ،‬بينما الفعل النسانى يتجسد فى الرادة المادية‬
‫والنش طة العمل ية‪ .‬فالطار المم يز للت عبير الن سانى هو إطار رمزى‪ ،‬والطار المم يز للف عل‬
‫النسهانى ههو إطار عملى‪ .‬ومهن هنها كانهت أدوات التعهبير النسهانى ههى الحروف واللفاظ‬

‫() دانييل يانكلوفيتش‪ ،‬الديمقراطية وقرار الجماهير‪ .‬ترجمة كمال عبد الرؤوف‪ ،‬ص ‪.264‬‬ ‫‪386‬‬

‫() جلل أمين‪ ،‬التنوير الزائف‪ .‬ص ‪.42‬‬ ‫‪387‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪245‬‬ ‫‪-‬‬

‫والشارات والرموز والصهور والحركات والنفعالت‪ ،‬ويتجلى ذلك فهى تعهبيرات مكتوبهة‬
‫أو منطوقة أو مرئية‪ .‬بينما أدوات الفعل النسانى هى القوة العضلية فى مجال تأثيرها المادى‬
‫واللت والجهزة والمعدات‪ ،‬ويتجلى ذلك فهى السهيطرة على والتحكهم فهى مكونات البيئة‬
‫الطبيعية من جماد ونبات وحيوان وإنسان‪.‬‬

‫وبالتالى فإن الطار الذى يضهم التعهبير النسهانى ههو إطار رمزى يتشكهل فهى عالم‬
‫الرموز والمعانهى‪ .‬بخلف الطار الذى يضهم الفعهل النسهانى الذى يتشكهل فهى عالم الوقائع‬
‫والحداث‪ ،‬وبالتالى فهو إطار مادى‪.‬‬

‫المر الذى يكشف عن أن التعامل مع التعبير النسانى يجب أن يتم فى إطار طبيعته‬
‫الرمز ية ال تى تميزه عن الف عل الن سانى‪ .‬وبالتالى فإن القوا عد القانون ية المقيدة لمجال حر ية‬
‫الفعهل النسهانى حتهى ل تمتهد آثاره إلى الخريهن بالضرر‪ ،‬ل تنطبهق بالضرورة على مجال‬
‫حرية التعبير النسانى‪ ،‬لكونه مجالً رمزيا يحتاج إلى قواعد أخرى غير قانونية تصلح للتعامل‬
‫مع الثار الضارة المحتملة لبعض الرموز والدللت التى يتضمنها التعبير النسانى‪.‬‬

‫وانطلقا مما سبق‪ ،‬فإن المُحدّد الول فى الطار الفكرى لحرية التعبير يوضح أن هذا‬
‫الطار ههو إطار رمزى بطهبيعته ونوعهه‪ ،‬لكونهه يتعامهل مهع الرموز والمعانهى ومهع الفكار‬
‫والدللت‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬مدى الطار اللزم لحرية التعبير‪:‬‬


‫تأ سيسا على رمز ية الطار الذى يم يز الت عبير الن سانى فإن ذلك الت عبير ي صبح تبعا‬
‫لذلك حرا بطصصبيعته‪ ،‬لن الطار الذى يميزه هههو إطار رمزى ل يعرف الحدود الماديههة‬
‫أو الحواجز الواقعية‪ .‬يُضاف إلى ذلك أن التعبير النسانى يصبح حرا نظرا لوظيفته‪ ،‬ذلك أن‬
‫مضمون هذا التعهبير ههو نقهل الفكار‪ .‬والفكار ينبغهى أن تكون حرة‪ ،‬لنهه ل يمكهن تهبين‬
‫صحتها من خطأ ها إل من خلل مناقشت ها‪ ،‬ومناقشت ها ت ستتبع بالضرورة إعلن ها‪ ،‬وإعلن ها‬
‫يسهتتبع بالضرورة كفالة الحريهة التامهة لذلك العلن حتهى يمكهن للمناقشهة أن تلم بأطراف‬
‫وجوههر تلك الفكار‪ ،‬وهذا يسهتتبع بالضرورة أن تكون تلك المناقشهة حرة حتهى يمكهن تحليهل‬
‫كافة جوانب تلك الفكار‪ ،‬كما يستتبع أن تكون تلك المناقشة علنية حتى يمكن ضمان أكبر عدد‬
‫من المناقشين لهذه الفكار‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫أ ما الفعال ‪ -‬فإن ها بخلف ذلك ‪ -‬ل يم كن تبين صحتها من خطأ ها إل ع ند أو ب عد‬
‫وقوعها‪ ،‬ومن ثم مناقشة فوائدها التى تحققت أو أضرارها‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪246‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولذلك يكت سب الت عبير الن سانى ‪ -‬نظرا لرمزي ته ‪ -‬مدى غ ير محدود لنطاق حري ته‪،‬‬
‫بخلف الفعل النسانى الذى يتقيد دائما بمدى محدد لنطاق حريته نظرا لماديته‪.‬‬

‫وانطلقا مهن تلك الرؤيهة‪ ،‬فإن حريهة التعهبير ‪ -‬نظرا لرمزيهة إطارهها ومداهها غيهر‬
‫المحدود ‪ -‬ما هى إل حر ية مطل قة غ ير مقيدة بحدود أو حوا جز‪ ،‬ح يث إن المدى المطلق هو‬
‫المدى الوحيهد الذى يوفهر لهها التوافهق مهع إطارهها الرمزى القائم على الرموز والفكار‬
‫والمعانى‪.‬‬

‫أما ” إذا أصبحت حرية التعبير غير مطلقة‪ ،‬فإن ذلك يعطى سلطة ما لشخص ما لكى‬
‫يقرر أين يوضع الخط الذى ينبغى عدم تجاوزه‪ ..‬ولو أصبح ذلك الشخص ُممَهثّلً فى الدولة‬
‫فإن الهبوط إلى أسفل المنحدر الزلق للرقابة سيصبح عندئذ ل يُقاوم “(‪ ” .)388‬فلقد مُنح النسان‬
‫العقل لكى يستخدمه‪ .‬فهل يمكن أن نقول للناس‪ :‬إن عليهم أل يستخدموا العقل إطلقا لنهم قد‬
‫يخطئون فى استخدامه “ (‪.)389‬‬

‫إن الوا قع يقرر أ نه ” ما دام مجال المناق شة والب حث مفتوحا فإن نا نأ مل أن نهتدى إلى‬
‫الرأى القرب إلى الصهواب‪ ..‬ول مجال للعتراض على التمادى فهى المناقشهة إلى أقصهى‬
‫الحدود‪ ..‬لن البرهان إذا لم ي صدق على أق صى حالة فإ نه لن ي صدق على أ ية حالة أخرى‪...‬‬
‫لن نا إذا ادعي نا اليق ين فى أ مر ما مع أن هناك ولو فرد وا حد ين كر ثبو ته‪ ..‬فإن نا بذلك ند عى‬
‫أننها‪ ..‬أصهحاب الحهق دون غيرنها فهى إصهدار الحكهم بثبوت ذلك المهر دون أن نسهمع لدفاع‬
‫الفر يق ال خر “(‪ .)390‬ول يُع تبر من قب يل المبال غة القول بأن ” الضرر الذى يتر تب على ك بت‬
‫حريهة الت عبير عن الرأى يتمثهل فهى سهلب الج نس البشرى بأكمله من ال سلف ح تى الجيهل‬
‫الحاضر من تلك الحرية‪ ..‬لنه إذا كان ذلك الرأى صائبا فهم قد حُهرِموا من فرصة يستبدلون‬
‫فيها الباطل بالحق‪ .‬وإذا كان خاطئا فإن الناس س ُيحْهـرمون من فرصة ‪ -‬ل تقل عن سابقتها‬
‫قي مة ‪ -‬هى فر صة الزدياد من التعرف على ال حق بش كل وا ضح حيوى‪ ،‬ن تج عن مقارن ته‬
‫بالخطأ “ (‪.)391‬‬

‫وفى ظل مجتمع المعلومات الذى نشهد بداياته الن ” ينبغى للمعلومات أن تكون متاحة‬
‫للتداول‪ .‬ذلك أن مجتمع المعلومات يمكن أن يوجد فقط لو لم تكن هناك عقبات تحول دون هذا‬
‫التداول‪ ،‬ف هو بالتعر يف مجت مع ل يتوا فق مع الح ظر وال سرية أو عدم الم ساواة فى الو صول‬
‫‪)(Collins, Richard & Murroni, Cristina, New Media - New policies. p. 95.‬‬
‫‪388‬‬

‫() جون ستيوارت مل‪ ،‬عن الحرية‪ .‬ترجمة عبد الكريم أحمد‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫‪389‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.93 - 92‬‬ ‫‪390‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫‪391‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪247‬‬ ‫‪-‬‬

‫للمعلومات “ (‪ .)392‬ولعهل السهماح بعدم إطلق حريهة التعهبير سهيؤدى إلى أن يتحول مجتمهع‬
‫المعلومات إلى مجتمهع ( بعهض المعلومات ) وليهس المعلومات كلهها؛ نظرا لمها سهتؤدى إليهه‬
‫الحدود والحواجز من إعاقة حركة بعض المعلومات والسماح ببعضها الخر‪.‬‬

‫إن الواقهع التكنولوجهى يقرر ‪ -‬مثلمها تقرر فلسهفة حريهة التعهبير ‪ -‬أن المدى الذى‬
‫يتحرك فى إطاره التعبير النسانى ينبغى أن يكون مدى مطلقا‪ ،‬بحيث تتمتع حرية التعبير فى‬
‫ظله بالحرية المطلقة‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬محتوى الطار اللزم لحرية التعبير‪:‬‬


‫يترتب على المدى المطلق لحرية التعبير نتيجة هامة تتمثل فى تعدد الراء وتنوع‬
‫المعلومات والفكار والمعانهى المتاحهة فهى المجتمهع‪ .‬وبالتالى فإن سهيادة أحهد الفكار‬
‫أو الراء لن تكون ناشئة عن احتكار م سبق ل ساحة الفكار‪ ،‬ول كن ناشئة عن مناق شة حرة‬
‫ب ين كا فة الراء تت يح للرأى ال سائد أن يتبوأ مكان ته بنا ًء على اختيار الغلب ية ( الجماه ير )‪.‬‬
‫إن تعدد الفكار والراء يؤدى إلى وفرتهها‪ ،‬وفهى أغلب الحوال ”الوفرة على كهل حال‬
‫تطرح تحديا أقل من الندرة “(‪ . )393‬حيث تؤدى وفرة الراء والفكار إلى اشتعال جذوة النقد‬
‫فى المجتمعات‪ .‬وكما قرر الفيلسوف « كانط » فإن ” النقد هو أفضل أداة بناء عرفها العقل‬
‫البشرى “ (‪.)394‬‬
‫وتتمثل فائدة النقد الناشئ عن تعدد الراء والفكار فى المجتمع فى حقيقة ” أن الرأى‬
‫ال سائد ‪ -‬فى أى مجت مع ‪ -‬إ ما أن يكون خ طأ وبالتالى فل بد أن يكون هناك رأى آ خر هو‬
‫الصواب‪ ،‬وإما أن يكون صوابا‪ ،‬مما يح بذ ضرورة معار ضة هذا ال صواب بما يناق ضه من‬
‫الخ طأ ح تى يتم كن الذ هن من الحا طة بال حق إحا طة تا مة‪ ..‬وإ ما قد يكون ل كل من الرأي ين‬
‫نصهيب مهن الحقيقهة‪ ..‬ولبهد حينئذ مهن تكميهل الرأى المقبول بالرأى المرفوض حتهى يأتلف‬
‫شمل الحقيقة “ (‪.)395‬‬
‫ول قد أثب تت العد يد من التجارب البشر ية ” أن الهتداء إلى الحقي قة فى جم يع الم سائل‬
‫الحيوية إنما يكون بالتوفيق بين آراء متناقضة “ (‪ ” )396‬وما دام الناس يضطرون إلى سماع كل‬

‫‪392‬‬
‫‪)(Mattelart, Armand & Mattelart, Michele, Theories of communication ) a short Introduction‬‬
‫‪(. p. 50.‬‬
‫() و‪ .‬رسل نيومان‪ ،‬مستقبل الجمهور المتلقى‪ .‬ترجمة محمد جمول‪ ،‬ص ‪.119‬‬ ‫‪393‬‬

‫() طارق حجى‪ ،‬نقد العقل العربى ( من عيوب تفكيرنا المعاصر )‪ .‬ص ‪.83‬‬ ‫‪394‬‬

‫() جون ستيوارت مل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.132‬‬ ‫‪395‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬ ‫‪396‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪248‬‬ ‫‪-‬‬

‫الطرفين والموازنة بين أقوالهما‪ ،‬فسوف يَسهُل التوصل إلى الحقيقة‪ .‬ولكنهم إذا اقتصروا على‬
‫سماع أحد الطرفين دون الخر‪ ،‬فهنا يظهر الخطأ وينحرف الصواب عن حقيقته “(‪.)397‬‬

‫ولعهل وسهائل العلم الجديدة المتمثلة فهى شبكات المعلومات تتوافهق بشكهل كبير مهع‬
‫مفهوم الوفرة والتعدد الذى يتسم به محتوى التعبير النسانى‪ .‬حيث تبدو « النترنت » الوسيلة‬
‫العلم ية الولى ال تى يتزاوج في ها نطاق ال بث العر يض مع نطاق ال بث الض يق‪ .‬لن سعتها‬
‫اللمحدودة تؤدى إلى إمكانية استخدامها للعلم الجماهيرى‪ ،‬بالضافة إلى إمكانية استخدامها‬
‫للت صال الجم عى أو الشخ صى أو الذا تى‪ .‬ح يث يم كن ل كل م ستخدم للنتر نت أن يل عب دور‬
‫المتلقهى والقائم بالتصهال ضمهن ملييهن جماهيهر المتلقيهن‪ ،‬أو دور المتلقهى والقائم بالتصهال‬
‫ضمن جماعة اتصالية صغيرة‪.‬‬

‫وبهذا فإن مفهوم التعدد الذى يتسم به محتوى التعبير النسانى هو المفهوم الذى يتوافق‬
‫مع التطور التكنولوجى الراهن فى وسائل العلم الحديثة‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬التأثير الناتج عن حرية التعبير‪:‬‬


‫يم ثل التأث ير النا تج عن إطلق حر ية الت عبير الهدف والغا ية من اليمان بهذا المفهوم‪.‬‬
‫فحرية التعبير المطلقة ليست غاية فى حد ذاتها‪ ،‬ولكنها الوسيلة المثلى لضمان السريان الحر‬
‫للفكار والمعرفهة فهى المجتمهع‪ .‬وكمها أكهد « جان جاك روسهو » فإن ” الحكهم السهليم يسهتند‬
‫دائما‪ ..‬على الرادة العا مة ال تى ل تقوم إل على ال صالح العام‪ ..‬وترب ية الفراد كفيلة بتكو ين‬
‫إرادات عامة ل يمكن التغرير بها أو إيقاعها فى الغش “ (‪.)398‬‬

‫ول شك أن تعدد الراء وتنوع المعلومات والفكار نتي جة إطلق حر ية الت عبير يؤدى‬
‫إلى تربيهة الفراد على خهبرة الختيار والنتقاء مهن جملة الراء والفكار المعروضهة‪ ،‬المهر‬
‫الذى يؤدى إلى تكوين الرادة العامة التى تحقق الصالح العام‪.‬‬

‫وبهذا فإن ضمان إيجابيهة تأثيهر الفكار والراء ينشهأ عهن ضمان تعددهها الذى ينشهأ‬
‫بدوره عن ضمان حريتها المطل قة‪ .‬وكما أوضح « جون ستيورات مل »‪ ،‬فإنه ” ح يث يسود‬
‫التفاق على عدم المجادلة فهى المبادئ والعقائد والمسهائل الكهبرى التهى تههم النسهانية‪ ،‬نجهد‬
‫النشاط العقلى خاملً “ (‪ .)399‬فتقييد حرية التعبير يؤدى إلى عدم وفرة الراء والفكار‪ ،‬وبالتالى‬

‫() جون ستيوارت مل‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.142‬‬ ‫‪397‬‬

‫() جان جاك روسو‪ ،‬المختار فى العقد الجتماعى‪ .‬ترجمة عبد الكريم أحمد‪ ،‬ص ‪.51 - 50‬‬ ‫‪398‬‬

‫() جون ستيورات مل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.114‬‬ ‫‪399‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪249‬‬ ‫‪-‬‬

‫إلى اعتياد الع قل البشرى على الخمول النا تج عن عدم مكابدة عناء الختيار‪ ،‬بل ويُضاف إلى‬
‫ذلك تحويل الفكار الكبرى المتفق عليها فى حياة الفراد إلى أطر خاوية بل مضامين‪ ” ،‬لن‬
‫عدم المناقشة ل يؤدى إلى نسيان السباب التى بُنيت عليها الراء فحسب‪ .‬بل يفضى غالبا إلى‬
‫نسيان معا نى الراء حتى تع جز اللفاظ ال تى تعب ـِر عن ها عن تو صيلها للذ هن‪ .‬وبدلً من أن‬
‫يصهبح الرأى فهى الذههن فكرة واضحهة وعقيدة مؤثرة‪ .‬ل تبقهى هناك إل بضهع كلمات جوفاء‬
‫ترددها الذاكرة عن ظهر قلب “ (‪.)400‬‬

‫إن إيجاب ية التأث ير هى الهدف من حر ية الت عبير المطل قة ال تى تؤدى إلى تعدد الراء‬
‫والفكار‪ ،‬وإلى إقا مة المجت مع الديمقرا طى الذى تتح قق فى ظله الم صلحة العا مة‪ .‬وك ما أ كد‬
‫« جون ديوى »‪ ،‬فإن ” الديمقراطيهة ليسهت غايهة بحهد ذاتهها‪ ،‬ولكنهها وسهيلة يكتشهف الناس‬
‫ويو سعون ويظهرون بوا سطتها طبيعتهم الن سانية ال صلية‪ .‬فالديمقراط ية تُن تج أنا سا أحرارا‪،‬‬
‫ذلك هو الهدف النهائى للمجت مع الديمقرا طى‪ .‬ل يس إنتاج البضائع‪ ،‬ول كن إنتاج كائنات بشر ية‬
‫حرة يرتبط الواحد منها بالخر بشروط المساواة “ (‪.)401‬‬

‫ول كن هل تض من دائما حر ية الت عبير المطل قة إيجاب ية التأث ير ؟ وذلك فى ظل بروز‬


‫إشكالية كبرى تطل بوجهها تتمثل فى أن الفعال تنشأ عن القوال والفكار والمعلومات‪ ،‬وأن‬
‫بعض القوال والفكار والمعلومات قد تؤدى إلى أفعال ضارة بالمجتمع؛ مما يؤدى إلى سلبية‬
‫التأثير الناتج عن الحرية المطلقة للتعبير وعدم إيجابيته‪.‬‬
‫ولعل الرتباط بين القوال والفكار والمعلومات وبين الفعال حقيقة ل يمكن إنكارها‪.‬‬
‫فعلى الرغم من اختلف الطار الرمزى للتعبير النسانى عن الطار العملى للفعل النسانى‪،‬‬
‫إل أن العلقة بينهما شديدة التلزم فى ظل علقة دائرية‪ ،‬بحيث يفضى كل منهما إلى الخر‪.‬‬
‫فالتعبير النسانى تصاحبه أو تنشأ عنه أفعال‪ ،‬والفعل النسانى تصاحبه أو تنشأ عنه تعبيرات‬
‫رمزية‪ ..‬وهكذا‪ ...‬وبالطبع ل تؤرقنا الثار اليجابية الناتجة عن التعبير النسانى‪ ،‬ولكن الذى‬
‫يثير القلق يتمثل فى الثار الضارة المترتبة على ذلك التعبير‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ،‬فإن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا المجال هو‪ :‬هل نقلص إذن من المدى‬
‫المطلق لحرية التعبير من أجل تلفى الثار الضارة الناشئة عن نشر بعض القوال أو الراء‬
‫أو الفكار أو المعلومات؟‬

‫() جون ستيورات مل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫‪400‬‬

‫() نعوم تشومسكى‪ ،‬ضبط الرعاع ( حوارات أجراها معه‪ :‬ديفيد بارساميان )‪ .‬ترجمة هيثم على حجازى ص ‪.231‬‬ ‫‪401‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪250‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولعل الجابة على هذا السؤال تتمثل فى أنه سبق وأن تبين أن القواعد القانونية المقيدة لمجال‬
‫حرية الفعل النسانى ‪ -‬حتى ل تمتد آثاره الضارة إلى الخرين ‪ -‬ل تنطبق بالضرورة على‬
‫مجال حرية التعبير النسانى الذى هو رمزى بطبيعته‪ ،‬ويحتاج إلى قواعد أخرى غير قانونية‬
‫تصلح للتعامل مع الثار الضارة المحتملة الناشئة عنه‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ،‬فإن رمزية التعبير النسانى تستتبع استخدام أساليب رمزية أيضا لمواجهة‬
‫الثار الضارة المحتملة لب عض أنواع الت عبير الن سانى‪ .‬وهذه ال ساليب الرمز ية ل ينب غى أن‬
‫تمارس أى نوع من الختصار للمدى المطلق لحرية التعبير‪ ،‬وإنما يتم استخدام تلك الساليب‬
‫على هامصش الطار المطلق لحريصة التعصبير‪ .‬وهذا يعنهى أن مواجهصة الثار الضارة المحتملة‬
‫لبعصض أنواع التعصبير النسصانى تتصم مصن خلل موازنتهصا بأنواع أخرى مصن التعصبير النسصانى‬
‫المعارض ل ها والمنا قض لتوجهات ها والكا شف لثار ها الضارة المحتملة‪ ..‬وهذا يو ضح بأن‬
‫السلوب المثل لمواجهة التعبير النسانى‪ ،‬يتمثل فى استخدام ذات الوسيلة وهى « التعبير‬
‫النسانى »‪ .‬وذلك من خلل ابتكار أساليب إعلمية تكفل ممارسة نوع من التدخل العلمى‬
‫على ها مش الر سائل العلم ية ال تى قد تؤدى إلى آثار ضارة محتملة‪ .‬انطلقا من أن المدى‬
‫المطلق لحرية التعبير ل يتضمن ‪ -‬بأى حال من الحوال ‪ -‬السماح بتقييد حرية التعبير بأى‬
‫قانون أو تشر يع‪ .‬فحر ية الت عبير بمجال ها الرمزى ل يجوز تقييد ها بأ ية قيود قانون ية‪ ،‬وإل تم‬
‫تفريغ ها بذلك من مضمون ها‪ .‬وإن ما ي تم التعا مل مع ها من خلل قوا عد غ ير قانون ية تضطلع‬
‫بتنفيذ ها المؤ سسات العلم ية‪ .‬وهذه القوا عد غ ير القانون ية يم كن أن نطلق علي ها « أ ساليب‬
‫التدخل العلمى لتخفيف الثار الضارة المحتملة للرسائل العلمية »‪.‬‬

‫وتجدر الشارة إلى أن الحتجاج بالثار السلبية التى نشأت عن حرية التعبير المطلقة‬
‫فهى النظام العلمهى الغربهى فهى فترات سهابقة‪ ،‬ممها أدى إلى ظهور نظريهة المسهئولية‬
‫الجتماع ية لمحاولة علج تلك الثار ال سلبية‪ .‬إن ذلك الحتجاج ل ينطلق من رؤ ية صحيحة‪.‬‬
‫ذلك لن النظر ية الليبرال ية فى العلم من حت المؤ سسات العلم ية سلطة مطل قة بل أد نى‬
‫مسئولية‪ .‬مما أدى إلى أن تقلص تلك المؤسسات من حدود حرية التعبير المطلقة الممنوحة لها‬
‫بمبادرة ذات ية من ها‪ .‬إذ إن ممار سة ال سلطة بل م سئولية‪ ،‬يف تح الباب لممار سة الحر ية بانتقائ ية‬
‫ت ستهدف المز يد من ال سلطة ول تتو قع أى قدر من الم ساءلة أو المحا سبة‪ .‬وبالتالى فإن حر ية‬
‫التعبير المطلقة لم يتم تطبيقها أصلً فى ظل النظام العلمى الغربى‪ ،‬نتيجة تجاهل النظرية‬
‫الليبرال ية لجا نب الم سئولية العلم ية‪ .‬وعلى الر غم من محاولة نظر ية الم سئولية الجتماع ية‬
‫إحياء جا نب الم سئولية المفقودة فى النظر ية الليبرال ية‪ .‬إل أن ها أكدت على م سئولية ل تتنا سب‬
‫‪-‬‬ ‫‪251‬‬ ‫‪-‬‬

‫مع طبي عة الن ظم العلم ية‪ .‬م ما أدى بالضرورة إلى تضحيت ها بمفهوم حر ية الت عبير المطل قة‬
‫باعتبارها تتناقض مع القيام بدور مسئول تجاه المجتمع‪.‬‬

‫وهذا يوضح أن إيجابية التأثير الناشئة عن حرية التعبير المطلقة لم يُهتَح لها التحقق‬
‫لعدم توفر الطر الفكرية ‪ -‬الضامنة لتفعيل دور حرية التعبير المطلقة ‪ -‬أصلً‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ،‬فلن يمكن للقدرات المعرفية للنظم العلمية أن تلحق بقدراتها التكنولوجية‪،‬‬
‫فهى ظهل مرجعيات فلسهفية تؤمهن بالحريهة المطلقهة للتعهبير‪ ،‬إل لو تضمنهت تلك المرجعيات‬
‫توصيفا دقيقا لجناحى السلطة والمسئولية فى بنية النظم العلمية الراهنة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫إن ما سبق يوضح‪ ..‬أن السمات المميزة للطار اللزم لحرية التعبير النسانى تؤدى‬
‫إلى إيجاب ية التأثيهر النا شئ عن حر ية الت عبير‪ ،‬باعتبار ” أن التنو ير ل يس فى حا جة إل إلى‬
‫الحريهة‪ ،‬وأفضهل الحريات الخاليهة مهن الضرر ههى تلك التهى تسهمح بالسهتخدام العام لعقهل‬
‫النسان فى جميع القضايا “ (‪.)402‬‬

‫وهذا يؤكهد أن « رمزيصة » التعهبير النسهانى ههى التهى تجعله « مطلق » الحريهة‪،‬‬
‫وحريتهه المطلقهة ههى التهى تكسهبه « التعدد والتنوع »‪ ،‬وتعدده وتنوعهه همها اللذان يضمنان‬
‫« إيجابية تأثيره »‪.‬‬

‫() مراد وهبة‪ ،‬مُلك الحقيقة المطلقة‪ .‬ص ‪.20‬‬ ‫‪402‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪252‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪‬المبحـث الثانى‬
‫البعاد الفكرية لسلطة ومسئولية النظم العلمية‬

‫تنطلق البعاد الفكرية لسلطة ومسئولية النظم العلمية من ثنائية [ الحق ‪ -‬الواجب ]‪.‬‬
‫إذ إن كل حق يجب أن يقابله واجب مناسب له حتى يمتلك شرعية وجوده‪ .‬وإل فإن ممار سة‬
‫ال حق بل التزام بأى وا جب ت صبح مدعاة للنحراف والف ساد والنفلت والت سيب‪ .‬بين ما ي صبح‬
‫اللتزام بالواجهب دون التمتهع بأى حهق بمثابهة سهلب للحافهز وقتهل للطموح وإهدار للمكانيهة‪.‬‬
‫وبالتالى ف من خلل ثنائ ية [ ال حق ‪ -‬الوا جب ] تنت ظم العلقات والقوى دا خل المجت مع كنظام‬
‫عام‪ ،‬أو داخل أى نظام فرعى كبير أو صغير يضمه المجتمع‪.‬‬

‫ولعهل ثنائيهة [ الحهق ‪ -‬الواجهب ] تناسهب الفراد كأعضاء فهى الجماعهة النسهانية‬
‫أو الو طن أو العالم‪..‬إلخ‪ .‬فى ح ين أن ثنائ ية [ ال سلطة ‪ -‬الم سئولية ] أك ثر تنا سبا مع الن ظم‬
‫بوصفها كيانات اعتبارية تمتلك ( السلطة ) التى هى مرادفة ( للحق )‪ ،‬وتلتزم ( بالمسئولية )‬
‫التى هى مرادفة ( للواجب )‪.‬‬

‫وبهذا ت صبح ثنائ ية [ ال سلطة ‪ -‬الم سئولية ] هى المقياس الذى يم كن من خلله ض بط‬
‫ممارسات النظم‪ .‬و ذلك فى إطار دراسة مدى اضطلعها بسلطتها ومدى التزامها بمسئوليتها‪.‬‬
‫ومدى التوازن بين تلك السلطة والمسئولية المقابلة لها‪ .‬بحيث إن أى خلل فى بنية تلك الثنائية‬
‫‪ -‬نتيجة عدم التناسب بين سلطة النظام ومسئوليته ‪ -‬يؤدى إلى اضطراب فى ممارسات النظام‬
‫وإلى البتعاد به عن السلوب الصحيح فى ممارسته لوظائفه الساسية فى المجتمع‪.‬‬

‫و فى مجال تو صيف سلطة وم سئولية الن ظم العلم ية‪ ،‬فإن حقوق النظصم العلميصة‬
‫تصصبح هصى سصلطتها‪ ،‬وواجبات النظصم العلميصة أو وظائفهصا تصصبح هصى مسصئوليتها‪ .‬وبهذا‬
‫ت صبح الحقوق العلم ية‪ ،‬ال تى تمارس بموجب ها الن ظم العلم ية دور ها فى المجت مع‪ ،‬هى‬
‫العناصر التى تتكون منها سلطة تلك النظم‪ .‬بينما تصبح الوظائف المنوطة بالنظم العلمية فى‬
‫المجتمع هى العناصر التى تتكون منها مسئولية تلك النظم‪.‬‬

‫أولً‪ :‬توصيف سلطة النظم العلمية‪:‬‬


‫تتجسهد عناصهر سهلطة النظهم العلميهة فهى الحقوق العلميهة المكفولة لتلك النظهم‪،‬‬
‫بحيث تصبح تلك الحقوق فى جملتها هى جماع السلطة الممنوحة لى نظام إعلمى‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪253‬‬ ‫‪-‬‬

‫وتتكون حقوق الن ظم العلم ية من مجمو عة الحقوق العلم ية للن سان ال تى تنق سم‬
‫إلى‪ :‬الحقوق العلميهة العامهة‪ ،‬والحقوق العلميهة الخاصهة‪ ،‬والحقوق العلميهة المسهاعدة‪.‬‬
‫∗‬
‫وذلك على النحو التالى ‪:‬‬

‫(‪ )1‬الحقوق العلمية العامة‪:‬‬


‫و هى الحقوق ذات المجال العملى العام‪ ،‬الذى يم تد إلى كل طر فى العمل ية العلم ية‬
‫( القائم بالتصال والمتلقى ) وتتكون من‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حق العلم ‪.Right to inform‬‬
‫ب ‪ -‬حق المعرفة ‪. Right to know‬‬
‫ج ‪ -‬حق التصال ‪.Right to communicate‬‬

‫(‪ )2‬الحقوق العلمية الخاصة‪:‬‬


‫وههى الحقوق ذات المجال العملى الخاص‪ ،‬الذى يقتصهر على أحهد طرفهى العمليهة‬
‫العلمية دون امتداده إلى الطرف الخر وتتكون من‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الحقوق العلمية الخاصة بالمتلقى وهى‪:‬‬
‫• حق الرد والتصحيح ‪.Right to Reply and correction‬‬
‫ب ‪ -‬الحقوق العلمية الخاصة بالقائم بالتصال وهى‪:‬‬
‫• حق النشر ( حق المؤلف ) ‪.Right to Publish or copy Right‬‬
‫• حق حماية سرية المصادر العلمية‪.‬‬

‫(‪ )3‬الحقوق العلمية المساعدة‪:‬‬


‫وهى الحقوق ذات المجال العملى التنفيذى‪ ،‬بمعنى ظهورها كمراحل تنفيذية فى صلب بناء‬
‫الحقوق العلمية العامة‪ ،‬حيث تتواجد تلك الحقوق المساعدة داخل بناء الحقوق العلمية العامة‬
‫وتشكل أدوات مساعدة لنجاز تلك الحقوق لهدافها‪ .‬وتتكون الحقوق العلمية المساعدة من‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حق الوصول إلى المعلومات‪.‬‬
‫ب ‪ -‬حق الطلع على المعلومات‪.‬‬
‫ج ‪ -‬حق الحصول على المعلومات‪.‬‬

‫‪ .....‬إذن فإن الحقوق العلمية العامة والخاصة والمساعدة تمثل جوهر سلطة النظم‬
‫ل مهن المؤسهسات العلميهة وجماهيهر المتلقيهن ‪-‬‬
‫العلميهة‪ .‬وهذه الحقوق مجتمعهة تكفهل لك ٍ‬

‫انظر‪ :‬محمد محفوظ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صفحات ‪.184 - 174‬‬ ‫∗‬ ‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪254‬‬ ‫‪-‬‬

‫باعتباره ما الطرف ين الفاعل ين بالنظام العلمى ‪ -‬إمكان ية الو صول والطلع والح صول على‬
‫المعلومات وجمع ها ونشر ها‪ .‬وبالتالى فهذه ال سلطة تمارس فاعليات ها ككيان « كا شف » ي سمح‬
‫للنظم العلمية بكشف نتاج أعمال السلطات والنظم الفرعية الخرى فى المجتمع للجماهير‪،‬‬
‫ومتابعة مدى التزام هذه السلطات والنظم الفرعية بسلطاتها ومسئولياتها‪.‬‬

‫وبهذا يمكن توصيف سلطة النظم العلمية بأنها‪:‬‬


‫« سلطة كاش فة تضطلع بمه مة ت سليط الضوء على أنش طة سلطات المجت مع الخرى ونظ مه‬
‫الفرعيصة‪ ،‬ويمارس هذه السصلطة المؤسصسات العلميصة وجماهيصر المتلقيصن مصن خلل اسصتخدام‬
‫أ ساليب إعلم ية م ستمدة من الحقوق العلم ية‪ ،‬وذلك بهدف ج مع المعلومات والراء ‪ -‬حول‬
‫و من ال سلطات والن ظم الفرع ية فى المجت مع ‪ -‬وترتيب ها وت صنيفها و صياغتها والتعل يق علي ها‬
‫ونشرها »‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬توصيف مسئولية النظم العلمية‪:‬‬


‫تتج سد عناصهر م سئولية الن ظم العلم ية فهى واجبات أو وظائف هذه الن ظم‪ ،‬بح يث‬
‫ت صبح تلك الواجبات أو الوظائف ‪ -‬فى جملت ها ‪ -‬هى جماع الم سئولية الملقاة على عا تق أى‬
‫نظام إعلمى بمؤسساته العلمية وجماهيره من المتلقين‪.‬‬

‫وثمهة تصهنيفات متعددة للوظائف التهى تؤديهها النظهم العلميهة وذلك على النحهو التالى‪:‬‬
‫(‪.)403‬‬

‫وظائف وسائل العلم للمجتمع‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫أ ‪ -‬مفهوم « لزويل »‪:‬‬
‫• ترابط أجزاء المجتمع فى الستجابة للبيئة‪.‬‬ ‫• مراقبة البيئة‪.‬‬
‫• نقل التراث الجتماعى عبر الجيال‪.‬‬

‫ب ‪ -‬مفهوم « تشارلس رايصت »‪ :‬أضاف تشارلس رايهت وظيفهة جديدة للوظائف التهى‬
‫قدمها « لزويل »‪ ،‬وهى‪:‬‬
‫• التهرفيهههه‪.‬‬

‫مفهوم « لزرسفيلد وميرتون »‪:‬‬ ‫ج‪-‬‬


‫• تدعيم المعايير الجتماعية‪.‬‬ ‫• التشاور (تبادل الراء)‪.‬‬

‫() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد‪ ،‬التصال ونظرياته المعاصرة‪ .‬صفحات ‪.80 - 70‬‬ ‫‪403‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪255‬‬ ‫‪-‬‬

‫• التخدير (الخلل الوظيفى)‪.‬‬

‫مفهوم « ولبور شرام »‪:‬‬ ‫د‪-‬‬


‫• التنشئة‪.‬‬ ‫• الوظيفة السياسية‪.‬‬ ‫• وظيفة المراقب‪.‬‬

‫هص ‪ -‬مفهوم « ماكويل »‪:‬‬


‫• تحقيق التماسك الجتماعى‪.‬‬ ‫• العلم‪.‬‬

‫• التعبئة‪.‬‬ ‫• تحقيق التواصل الجتماعى‪ • .‬الترفيه‪.‬‬

‫و ‪ -‬مفهوم « صمويل بيكر »‪ :‬لدور وسائل العلم فى خدمة النظام السياسى‪:‬‬


‫• تفسير المجتمع لنفسه‪.‬‬ ‫• تسهيل التماسك الجتماعى‪.‬‬
‫• دمههج السههكان الجدد فههى‬ ‫• خدمة النظام القتصادى‪.‬‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫وظائف وسائل العلم للفرد‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬


‫ب ‪ -‬تطويهر مفاهيمنها عهن‬ ‫أ ‪ -‬مراقبة البيئة أو التماس المعلومات‪.‬‬
‫التراث‪.‬‬
‫د ‪ -‬بديل للتفاعل الجتماعى‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬تيسير التفاعل الجتماعى‪.‬‬
‫هه ‪ -‬المساعدة فى التحرر العاطفى‪.‬‬
‫و ‪ -‬المساعدة فى الهروب من التوتر والغتراب‪.‬‬
‫ز ‪ -‬خلق طقوس يومية تمنحنا الحساس بالنظام والمن‪.‬‬

‫‪ ...‬يت ضح من تلك الت صنيفات المتعددة للوظائف المفتر ضة للنظهم العلم ية أن تلك‬
‫الوظائف تدور فى مجمل ها حول مضمون وا حد مه ما تعددت الهداف والم سميات‪ ،‬و هو ن قل‬
‫المعرفة الكام نة في البيانات والمعلومات والراء والقوال والفكار‪ .‬وذلك إما بأ سلوب مباشر‬
‫يتمثهل فهى وظائف معرفيهة مباشرة مثهل وظائف‪ :‬مراقبهة البيئة ‪ -‬نقهل التراث ‪ -‬التشاور ‪-‬‬
‫المراق بة ‪ -‬العلم ‪ -‬التماس المعلومات‪ .‬أو بأ سلوب غ ير مبا شر يتم ثل فى وظائف معرف ية‬
‫غ ير مباشرة م ثل وظائف‪ :‬ترا بط أجزاء المجت مع ‪ -‬الترف ية ‪ -‬تدع يم المعاي ير الجتماع ية ‪-‬‬
‫التنشئة ‪ -‬التماسك الجتماعى ‪ -‬التعبئة ‪ -‬المساعدة فى التحرر العاطفى‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪256‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبهذا يمكن توصيف مسئولية النظم العلمية انطلقا من وظيفتها الرئيسية التى تتمثل‬
‫فى « الن قل الوا فى للمعر فة الكام نة فى البيانات والمعلومات والراء والقوال والفكار »؛ أى‬
‫أنها « مسئولية معرفية » بحتة‪ ،‬شاغلها الوحيد هو النقل الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫وتجدر الشارة فى هذا المقام‪ ..‬إلى ضرورة التفر قة ب ين سلطة الن ظم العلم ية فى‬
‫نشر المعلومات‪ ،‬ومسئوليتها فى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بتلك المعلومات‪ ،‬وذلك انطلقا‬
‫من أن عملية نشر المعلومات ‪ -‬فى حد ذاتها ‪ -‬ل تعنى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بها‪ ،‬إذ‬
‫إن الكثير من النظم العلمية تلجأ إلى حجب نسبة من المعرفة الكامنة بالمعلومات‪ ،‬بحيث يتم‬
‫النشهر فعلً دون النقهل الوافهى للمعرفهة‪ .‬ولعهل المثلة على ذلك كثيرة فهى الواقهع العلمهى‬
‫∗‬
‫المعاصر سواء أكانت فى النظم العلمية الحرة أم الموجهة ‪.‬‬

‫‪ ....‬إن ما سبق يو ضح أن التو صيف الواق عى ل سلطة وم سئولية الن ظم العلم ية‬
‫يتم ثل فى التو صيف الذى يتعا مل مع النظام العل مى باعتباره نظاما يمتلك سلطة كاش فة‬
‫تتولى تسليط الضوء على أنشطة المجتمع ككل‪ ،‬وباعتباره نظاما يضطلع بمسئولية معرفية‬
‫تلتزم بوظيفة النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات والبيانات والراء والقوال والفكار‬
‫التى يوفرها المجتمع‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ ..‬فإن سلطة الن ظم العلم ية هى « سلطة كاش فة »‪ ،‬وم سئولية الن ظم‬
‫العلمية هى « مسئولية معرفية »‪.‬‬

‫‪‬‬

‫انظر الفصل السادس حول الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية الحرة والموجهة‪.‬‬ ‫∗‬ ‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪257‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الثالث‬
‫خصائص مفهوم المسئولية المعرفية للنظم العلمية‬

‫أو ضح التعا مل مع الن ظم العلم ية من خلل ثنائ ية [ ال سلطة ‪ -‬الم سئولية ] أن‬
‫الن ظم العلم ية تمارس « سلطة كاش فة » وتلتزم ب ه « م سئولية معرف ية »‪ .‬ح يث تتم ثل‬
‫السلطة الكاشفة فى سلطة جمع المعلومات والراء وترتيبها وتصنيفها وصياغتها ونشرها‪.‬‬
‫وتتمثهل المسهئولية المعرفيهة فهى مسهئولية النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بتلك المعلومات‬
‫والراء المتعددة التى تسرى المجتمع‪ .‬وعلى الرغم من أن غالبية النظم السياسية يمكنها أن‬
‫تتواءم ‪ -‬بش كل أو بآ خر ‪ -‬مع سلطة الن ظم العلم ية فى ج مع المعلومات‪ ،‬إلى در جة أن‬
‫ب عض تلك الن ظم ال سياسية قد تتعا مل مع الن ظم العلم ية باعتبار ها أجهزة م ساعدة فى‬
‫تسهليط الضوء على المعلومات التهى يحتاجهها النظام السهياسى‪ ،‬وتكون بعيدة بطبيعتهها عن‬
‫متناول الجهزة الرسمية للدولة‪ ،‬كما يمكنها أن تتواءم مع سلطة النظم العلمية فى نشر‬
‫المعلومات ال تى تر يد تلك الن ظم ال سياسية توجيه ها إلى الجماه ير على أو سع نطاق وبش كل‬
‫غ ير مبا شر‪ ،‬إل أن غالب ية الن ظم ال سياسية ل يمكن ها أن تتواءم بش كل كا مل مع م سئولية‬
‫النظم العلمية فى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات والراء والفكار‪ ..‬إلخ‪ .‬حيث‬
‫ي تم ه نا ال صطدام ب ين م سئوليتين‪ :‬م سئولية النظام ال سياسى فى تحق يق ال ستقرار وضمان‬
‫التأي يد ل سياساته‪ ،‬وم سئولية النظام العل مى فى الن قل الوا فى للمعر فة الكام نة بالمعلومات‬
‫العلميهة والراء والفكار‪ ،‬بصهرف النظهر عهن تأثيراتهها السهياسية أو القتصهادية أو‬
‫الجتماعية أو الثقافية أو المنية‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫لذا فإن تحديد خصائص المسئولية المعرفية للنظم العلمية ‪ -‬باعتبار جانب المسئولية‬
‫ههو الجانهب المثيهر للجدل فهى بنيهة النظام العلمهى ‪ -‬يسهاعد كثيرا على فههم طبيعهة الدور‬
‫المأمول واليجابى لعمل تلك النظم فى المجتمع‪.‬‬

‫ولعل طبيعة الدور الذى تؤديه المسئولية المعرفية ‪ -‬والمتمثل فى وظيفة النقل الوافى‬
‫للمعرفهة ‪ -‬يطبعهها بعدد مهن الخصهائص التهى يؤدى توفرهها إلى توضيهح معالم المجال الذى‬
‫تتحرك فى نطاقه لممارسة فاعلياتها فى المجتمع‪.‬‬

‫ويمكن ترتيب هذه الخصائص المميزة للمسئولية المعرفية على النحو التالى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪258‬‬ ‫‪-‬‬

‫أولً‪ :‬مسئولية ( مطلقـة )‪:‬‬


‫تت سم الم سئولية المعرف ية ‪ -‬نظرا لدور ها فى الن قل الوا فى للمعر فة ‪ -‬بأن ها م سئولية‬
‫مطلقة غير نسبية؛ وذلك لن مهمة النقل الوافى للمعرفة التى تقوم بها النظم العلمية تمثل‬
‫المظ هر العل مى العملى لفكرة حر ية الت عبير‪ .‬ونظرا ل ما أوضحناه سابقا من أن المدى الذى‬
‫يتحرك فى إطاره الت عبير الن سانى ينب غى أن يكون مدى مطلقا؛ وذلك نظرا للطبي عة الرمز ية‬
‫لحر ية الت عبير ال تى لتتلءم مع القيود الماد ية؛ لذا فإن الم سئولية المعرف ية ‪ -‬باعتبار ها الل ية‬
‫الملئمة التى تمتلكها النظم العلمية لتفعيل فكرة الحرية المطلقة للتعبير ‪ -‬ينبغى عليها هى‬
‫الخرى أن تكون مطلقة‪ ،‬بحيث تسمح بالنقل الوافى للمعرفة الكامنه بالراء والمعلومات التى‬
‫تش كل فى مجموع ها المعر فة ال سائدة فى المجت مع أو العالم‪ ،‬مع عدم ا ستبعاد أى جا نب من‬
‫جوانب تلك المعرفة‪ .‬فالمسئولية المعرفية مطلقة‪ ،‬بمعنى أنها ل يمكن أن تتقلص أو تتسع وفقا‬
‫للطهر النسهبية للنظمهة السهياسية المختلفهة أو الثقافات المتباينهة‪ .‬فالمدى النسهبى يعادى تماما‬
‫مفهوم المسهئولية المعرفيهة ويفرغهه مهن محتواه‪ ،‬لن الخضوع للتأثيرات السهياسية والثقافيهة‬
‫والخلقية المتفاوتة سيؤدى إلى وضع الحواجز المتتابعة فى طريق النقل الوافى للمعرفة‪ ،‬مما‬
‫يفرغ مفهوم المسئولية المعرفية من محتواه‪.‬‬

‫يُضاف إلى ذلك‪ ..‬أن نسبية الحقيقة ( أو المعرفة ) تؤدى إلى ضرورة أن تكون حرية‬
‫الت عبير مطل قة‪ .‬وذلك ح تى يم كن ضمان أ كبر قدر من القتراب من تلك الحقي قة المراو غة‪.‬‬
‫ولعل المسئولية المعرفية المطلقة للنظم العلمية هى التى يمكنها ضمان ذلك القتراب بفتحها‬
‫كافة القنوات للنقل الوافى للمعرفة دون أية قيود أو محددات‪.‬‬

‫إن الحدود المطل قة للم سئولية المعرف ية هى ال تى تج عل المؤ سسات العلم ية تمارس‬
‫سلطتها فى تغط ية الحداث‪ ،‬ثم نشر ها بمضمون ها المعر فى الكا مل بدلً من أن ت صبح “ فى‬
‫سباق ‪ -‬مع بعضها البعض ‪ -‬لطمس المعلومات ” (‪.)404‬‬
‫كما أن الحدود المطلقة للمسئولية المعرفية هى التى تجعل ” مسئولية العلمى أن يكون‬
‫إعلميا “ (‪ ..)405‬فقهط ل غيهر‪ .‬وبالتالى يتهم القضاء على ” الوضهع الراههن‪ ،‬والذى أصهبح فيهه‬
‫العلميون هم الدبلوماسيون الجدد‪ ،‬وهم المشاركون فى اللع بة العظ مى للحياة‪ ،‬ولم يعودوا بعد‬
‫ببساطة المراقبين فى الجنحة‪ ..‬فليس العلم هو البحث عن الحقيقة‪ ..‬بل البحث عن الحقائق‬
‫النسبية البسيطة‪ ..‬البحث الذى ل يكل عما يمكن أن يُعرف وليس عما ل يمكن أن يُعرف “ (‪.)406‬‬

‫() أدو ين نيومان‪ " ،‬م سئولية ال صحفى "‪ ،‬فى روبرت شمول ( محرر )‪ ،‬م سئوليات ال صحافة‪ .‬ترج مة ألفرد ع صفور‪ ،‬ص‬ ‫‪404‬‬

‫‪.34‬‬
‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫‪405‬‬

‫() جورجهى آن غايهر‪ " ،‬الصهحفيون‪ :‬الهداف الجديدة‪ ..‬الدبلوماسهيون الجدد والوسهطاء الجدد "‪ ،‬فهى روبرت شمول‬ ‫‪406‬‬

‫( محرر )‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.85‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪259‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبهذا فإن الحدود المطلقهة للمسهئولية المعرفيهة ‪ -‬بمها تؤدى إليهه مهن النقهل الوافهى‬
‫للمعرفة ‪ -‬ستؤدى إلى تربية الدراك لدى المتلقين‪ ،‬والذى يعد فى جوهره ” حالة تيقظ للوعى‪.‬‬
‫وحسهاسية للواقهع تسهبق الفعهل “ (‪ .)407‬وبالتالى إلى ترويهج اليمان بمبدأ ” أن إطلق الحريهة‬
‫التا مة للغ ير فهى معار ضة الراء ال سائدة ومناقضتهها‪ .‬يُ عد هو الشرط الجوهرى الذى يجيهز‬
‫افتراض صحة هذه الراء “ (‪.)408‬‬

‫إن الخاصية المطلقة للمسئولية المعرفية تمثل أكبر ضمان لفاعلية وقوة السلطة الكاشفة‬
‫للنظم العلمية‪ .‬لنها تتيح لها مجال غير محدود للن قل الوافى لنتائج تسليطها الضواء على‬
‫سهلطات المجتمهع وكافهة أنشطتهه‪ .‬المهر الذى يجعلهها تقهف أمام تلك السهلطات فهى موقهف‬
‫المواجهة فى ساحة مكشوفة تتسلط عليها أضواء الرأى العام‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬مسئوليـة ( ديمقراطية )‪:‬‬


‫إن الخاصية المطلقة التى تتسم بها المسئولية المعرفية توضح أن تفعيل تلك المسئولية‬
‫ل يمكن أن يتم إل فى ظل النظم الديمقراطية‪ .‬ومن ثم فهى مسئولية ديمقراطية ل يمكن لها أن‬
‫تمتلك فاعلياتها إل فى ظل حكم الغلبية‪.‬‬
‫إذ إن ن سبية الحقي قة تج عل الو صول إلى الجماع م ستحيلً‪ ..‬وبالتالى فإن الطار الذى‬
‫يو فر مدى غ ير محدود من المعلومات والراء‪ ،‬هو الطار الذى يم كن من خلله معر فة أك ثر‬
‫الراء إنتشارا‪ ،‬وبالتالى تبني ها باعتبار ها تم ثل رأى الغلب ية‪ ” .‬وطال ما أن النشقاق فى الرأى‬
‫ل يُك بت‪ ،‬ف سوف يكون هناك دائما من سوف ي شك فى الفكار ال تى تح كم معا صريه‪ ،‬وي ضع‬
‫أفكارا جديدة‪ ..‬وإن هذا التفا عل ب ين أفراد يمتلكون معر فة مختل فة وآراء مختل فة‪ .‬هو ما يش كل‬
‫حياة الف كر‪ .‬إذ إن ن مو الع قل هو عمل ية اجتماع ية تقوم على وجود م ثل هذه الختلفات “ (‪.)409‬‬
‫حيث ” إن إتاحة الفرصة للراء المختلفة أن تعبّر عن نفسها بحرية‪ ،‬هو السبيل الوحيد الذى‬
‫يض من لكا فة الهيئات والمؤ سسات ال سياسية والقت صادية والجتماع ية توا فر كل المعلومات‬
‫هة التجاوزات‪،‬‬
‫هة لتخاذ القرارات‪ ،‬ومراقبه‬
‫هة اللزمه‬
‫والفكار والمقترحات والبدائل المختلفه‬
‫وكشف الخطاء‪ ،‬والوصول لفضل الحلول‪ ،‬وتحقيق التقدم واستمرارية النمو‪ .‬كما أن حرية‬
‫التعهبير تفتهح الباب للمعارضهة السهلمية والرأى المخالف‪ ،‬ممها يقلل فرصهة اللجوء للعنهف‬
‫السياسى والجتماعى “ (‪.)410‬‬

‫() هربرت أ‪ .‬شيللر‪ ،‬المتلعبون بالعقول‪ .‬ترجمة عبد السلم رضوان‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪407‬‬

‫() جون ستيوارت مل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.88‬‬ ‫‪408‬‬

‫() ف‪ .‬ا‪ .‬هايك‪ ،‬الطريق إلى العبودية‪ .‬ترجمة محمد مصطفى غنيم‪ ،‬ص ‪.162‬‬ ‫‪409‬‬

‫() شريف عبد العظيم‪ ،‬حرية التعبير فى الغرب‪ .‬ص ‪.53 - 52‬‬ ‫‪410‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪260‬‬ ‫‪-‬‬

‫وانطلقا مهن هذه الرؤيهة فإن الخاصهية الديمقراطيهة للمسهئولية المعرفيهة ‪ -‬بتبنيهها‬
‫لفكرة الغلبيهة ‪ -‬تؤكهد‪ ..‬أولً‪ :‬سهيادة الشعهب و” أنهه ل يجوز السهماح ليهة هيئة تشريعيهة‬
‫أو تنفيذية ل تتفق مصالحها ومصالح الشعب أن تفرض على المة آرائها‪ .‬وأن تقرر للناس‬
‫النظريات والمناقشات التهى تسهمح لههم بالسهتماع إليهها “ (‪ .)411‬كمها أنهها تؤكهد‪ ..‬ثانيا‪ :‬حهق‬
‫القلية فى الدعوة لطارها الفكرى‪ ،‬وذلك انطلقا من أنه ” ل تكفى حماية الفرد من طغيان‬
‫الحا كم‪ .‬بل ي جب حماي ته أيضا من طغيان الشعور ال سائد والرأى العام‪ .‬و من م يل المجت مع‬
‫إلى أن يفرض ‪ -‬بوسهائل أخرى غيهر العقوبات المدنيهة ‪ -‬أفكاره وعاداتهه بوصهفها قواعهد‬
‫عامة لل سلوك على الذ ين يخرجون عليه‪ .‬فيعوق المجت مع بذلك ن مو الشخ صية الفرد ية ال تى‬
‫ل تتفق مع أساليبه فى الحياة “ (‪.)412‬‬

‫إن الخاصية الديمقراطية للمسئولية المعرفية تجعل النظام العلمى بمثابة أحد الركان‬
‫الرئيسية فى صلب بنيان المجتمع الديمقراطى‪ .‬وذلك بتمثيلها للنظام العلمى باعتباره المقابل‬
‫الرمزى لصندوق النتخاب‪ ،‬والذى تظهر من خلله آراء الغلبية بدلً من أصواتها النتخابية‪.‬‬
‫بح يث ي صبح النظام العل مى فى ظل ديمقراط ية الم سئولية المعرف ية ساحة للتدر يب على‬
‫العملية الديمقراطية‪.‬‬
‫فمشكلة الديمقراطيهة أنهها حكهم الغلبيهة‪ .‬ممها يتيهح للغلبيهة فرض إطارهها المادى‬
‫( برنامجها السياسى ) على القلية‪ .‬وبالتالى فحتى يمكن للقلية أن تمتلك الفرصة لكى تصبح‬
‫يوما ما هى الغلبية‪ .‬فإنه ينبغى إتاحة الفرصة لها لمحاولة إقناع الخرين بإطارها المادى‬
‫( برنامجها السياسى ) وذلك من خلل توفير الحرية الكاملة لها للتعبير عنه من خلل الطر‬
‫الرمزية ( حرية التعبير )‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مسئوليـة ( شعبيـة )‪:‬‬


‫انطلقا من أن الطار الذى يت سم به الت عبير الن سانى هو الطار الرمزى‪ .‬فإن الن ظم‬
‫العلم ية ‪ -‬باعتبار ها القناة المو صلة للت عبير الن سانى ‪ -‬تمارس دور ها من خلل فاعليات‬
‫رمزية غير مادية‪ .‬فالنظم العلمية ل تمتلك سلطة إصدار قرارات ملزمة بالمقارنة بالسلطات‬
‫الثلث الخرى للدولة‪ .‬فال سلطة التنفيذ ية ت صدر القرارات الدار ية الملز مة للجم يع‪ .‬وال سلطة‬
‫التشريعية تصدر القوانين الملزمة للكافة‪ .‬والسلطة القضائية تصدر أحكامها الواجبة النفاذ فى‬
‫مواجهة الفراد والسلطات الخرى‪ ...‬أى أن هذه السلطات تمتلك فاعليات مادية ملزمة‪ ،‬وذلك‬
‫بخلف الن ظم العلم ية ال تى ل تمتلك إل فاعليات رمز ية غ ير ملز مة ولكن ها مؤثرة‪ .‬بمع نى‬

‫() جون ستيوارت مل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.82‬‬ ‫‪411‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫‪412‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪261‬‬ ‫‪-‬‬

‫أنها تمتلك التأثير التلقائى فى نفوس المتلقين من خلل النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات‬
‫والراء فهى المجتمهع‪ ،‬المهر الذى يقود أولئك المتلقيهن إلى إصهدار قراراتههم بناءا على تلك‬
‫المعر فة‪ .‬وهذا يؤ كد أن سلطة الن ظم العلم ية بمثا بة سلطة شعب ية كاش فة‪ ،‬ل تمتلك هيا كل‬
‫تنظيم ية ل صدار قرارات ملز مة‪ .‬وإن ما تقدم نا تج عمل ها للش عب‪ ،‬من خلل التزام ها الكا مل‬
‫بمسئوليتها المعرفية المتمثلة فى النقل الوافى للمعرفة‪ .‬ويقوم الشعب ‪ -‬بناءا على تلك المعرفة ‪-‬‬
‫بالبناء التدريجى لتوجهاته وقراراته التى تنعكس على صناديق النتخاب‪.‬‬

‫إذن فالسلطة الكاشفة للنظم العلمية ذات طابع شعبى‪ ،‬لكونها سلطة ل تمتلك إصدار‬
‫قرارات ملزمهة ( مثلهها مثهل منظمات المجتمهع المدنهى )‪ .‬كمها أن المسهئولية المعرفيهة للنظهم‬
‫العلمية ذات توجه شعبى‪ ،‬لكونها مسئولية يقتصر دورها على النقل الوافى للمعرفة لجماهير‬
‫الشعب‪ ،‬وتترك للشعب مهمة صياغة التوجهات وتمحيص البدائل والقرارات‪.‬‬

‫ولعله مهن المصهلحة أن تمارس النظهم العلميهة دورهها كمنظمات شعبيهة وليهس‬
‫كمنظمات حكوميهة‪ .‬لن ” هناك أدلة وافرة على أن الناس ل يثقون بوسهائل إعلميهة زائدة‬
‫المركزية‪ .‬فالدراسات حول آلة الدعاية الداخلية فى ألمانيا النازية‪ ،‬بالضافة إلى سلوك وسائل‬
‫العلم لدى النظمهة السهتبدادية الحديثهة‪ ،‬تشيهر إلى أن الناس إجمالً يبحثون عهن معلومات‬
‫موثو قة من م صادر أخرى‪ .‬فح ين تل جأ وزارات العلم إلى المبال غة بش كل روتي نى‪ ،‬يعرف‬
‫الناس كيف يطرحون جانبا التقارير الخبارية التى تُقدم إليهم“ (‪ .)413‬وذلك انطلقا من أن تلك‬
‫التقارير تصدر عن نظم إعلمية غير مسئولة معرفيا‪ ،‬وإنما مسئولة حكوميا أو اجتماعيا؛ مما‬
‫ي صبغ ر سائلها العلم ية ب صبغة القرارات الحكوم ية الملز مة‪ ،‬ويجعل ها أب عد ما تكون عن‬
‫التوجه الشعبى الذى يطبعها بطابع التلقائية التى تقربها من جماهير الشعب‪.‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬فإن الطا بع الش عبى للم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية يع نى‬
‫أن التغيرات التهى تطرحهها تكتيكات العولمهة للتجزؤ والتشظهى والنقسهام ‪ -‬فيمها يخهص‬
‫جماهير المتلقين ‪ -‬تعظّم من إمكانية اشتراك الجماهير ‪ -‬بأى شعب ‪ -‬فى مسئولية النقل‬
‫الوا فى للمعر فة‪ ،‬وذلك من خلل الفاعليات التكنولوج ية الفائ قة لشبكات المعلومات‪ .‬وبهذا‬
‫تم تد الم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية إلى جماه ير الش عب الذ ين يشاركون فى تفع يل‬
‫تلك المسئولية من خلل مبادرتهم بالنقل الوافى للمعرفة الكامنه بالمعلومات والراء التى‬
‫تشكهل جماع المعرفهة فهى المجتمهع‪ .‬المهر الذى يطبهع المسهئولية المعرفيهة فهى النهايهة‬
‫بالطابع الشعبى‪.‬‬

‫() و‪ .‬رسل نيومان‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.269‬‬ ‫‪413‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪262‬‬ ‫‪-‬‬

‫ول شك ” أن مشاركة العديد من الناس فى النشاط العلمى بمبادراتهم الخاصة ومن‬


‫منطلق رغبتههم الخاصهة فهى التصهال‪ ،‬ههو أقوى دفاع على الطلق يملكهه أى مجتمهع فهى‬
‫مواجهة السيطرة العلمية وتوجيه العقول “ (‪.)414‬‬

‫رابعـاً‪ :‬مسئوليـة ( عـالميــة )‪:‬‬


‫تتسم المسئولية المعرفية للنظم العلمية بأنها مسئولية عالمية‪ .‬بمعنى أن المدى الذى‬
‫تع مل خلله يم تد إلى العالم بأ سره‪ ،‬ول يقت صر على حدود جغراف ية معي نة أو م صالح وطن ية‬
‫ل ‪ -‬التهى تفرض عليهها طبيعتهها أن تكون‬
‫ضيقهة‪ .‬وذلك بخلف المسهئولية الجتماعيهة ‪ -‬مث ً‬
‫محل ية‪ ،‬أى محددة بحدود المجت مع الذى ينتمهى إل يه النظام العلمهى‪ .‬ولمّ ا كا نت المجتمعات‬
‫تختلف وتتنوع وتتفاوت؛ فإن المسهئولية الجتماعيهة لنظام إعلمهى تختلف عهن المسهئولية‬
‫الجتماع ية لنظام إعل مى آ خر‪ ..‬أ ما الم سئولية المعرف ية فإن خ صائصها المطل قة الديمقراط ية‬
‫الشعب ية تج عل مجال عمل ها هو الن قل الوا فى للمعر فة على امتداد العالم دون التفات لختلف‬
‫الثقافات أو المجتمعات أو الحضارات‪ .‬وبالتالى فههى مسهئولية تكتسهب عالميتهها مهن طبيعتهها‬
‫المقتصرة فقط على وظيفة النقل الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬فإن المسهئولية المعرفيهة تكتسهب طابعهها العالمهى مهن حقيقهة‬
‫” أن ج سم المعر فة البشر ية ك نز اجتما عى‪ ،‬تجمّ ع جماعيا خلل التار يخ‪ .‬ول ي خص شخ صا‬
‫واحدا‪ ..‬أو بلدا معينا‪ .‬وي جب أن يكون هذا الك نز العام متاحا الو صول إل يه للجم يع‪ .‬ف هو ثروة‬
‫للبشريهة كلهها “ (‪ .)415‬وبالتالى فإذا كانهت المعرفهة ذات طبيعهة عالميهة‪ .‬فإن هذا ينعكهس‬
‫بالضرورة على المسئولية المعرفية للنظم العلمية التى تستهدف النقل الوافى لهذه المعرفة‪.‬‬

‫يُضاف إلى ذلك‪ ..‬أن اسهتراتيجية العولمهة العلميهة للتوحهد والتكتهل والندماج تؤدى‬
‫إلى بروز ملمهح لنظام إعلمهى عالمهى يتجاوز الختلفات الثقافيهة والحضاريهة‪ .‬ولعهل‬
‫المسئولية التى تتواءم مع هذا النظام العلمى العالمى ينبغى لها أن تتسم هى الخرى بطابع‬
‫عالمى‪ ،‬وهذا ما يتوفر فى المسئولية المعرفية للنظم العلمية نظرا لطابعها العالمى‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬مسئولية ( شاملة ‪ -‬عملية ‪ -‬قياسية )‬


‫انطلقا مهن أن المسهئولية المعرفيهة ههى التهى تتواءم مهع النظهم العلميهة فهى ظهل‬
‫التغيرات المترتبهة على البعاد العلميهة للعولمهة‪ ،‬نظرا لمها توفره مهن إمكانيهة الرتقاء‬
‫بالقدرات المعرفية للن ظم العلم ية حتى تتوازن مع قدرات ها التكنولوجية المتصاعدة‪ .‬فإن هذا‬

‫() هربرت أ‪ .‬شيللر‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.264‬‬ ‫‪414‬‬

‫() أحمد محمد صالح‪ " ،‬المعرفة فى عصر المعلومات "‪ ،‬مجلة الهلل‪ ( .‬العدد ‪ ،2‬فبراير ‪ ،) 2001‬ص ‪.10‬‬ ‫‪415‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪263‬‬ ‫‪-‬‬

‫يو ضح أن التعا مل مع الم سئولية المعرف ية ينب غى أن ي تم باعتبار ها م سئولية النظام العل مى‬
‫ككل‪ ،‬بكافة أطرافه الفاعلة وغير الفاعلة‪ .‬أى أن المسئولية المعرفية تمارس دورها كمسئولية‬
‫شاملة تمتد إلى كافة أطراف العملية التصالية‪ ،‬سواء أكانت الطراف الفاعلة فيها والتى تتمثل‬
‫فى‪ :‬القائمين بالتصال وجماهير المتلقين‪ ،‬أم الطراف العتبارية والتى تتمثل فى‪ :‬المؤسسات‬
‫العلمية‪ ،‬أم الطراف الرمزية والتى تتمثل فى الرسائل العلمية‪ ،‬أم الطراف التكنولوجية‬
‫وال تى تتم ثل فهى و سائل العلم‪ ...‬ول عل أ ية محاولة لقصهر نطاق الم سئولية المعرف ية على‬
‫أطراف بعينها فى العملية التصالية دون أطراف أخرى‪ ،‬ستؤدى إلى أن تصبح تلك المسئولية‬
‫مجرد مسئولية لتلك الطراف فقط وليس للنظام العلمى ككل‪.‬‬
‫وبالتالى فإن المسهئولية المعرفيهة ههى مسهئولية النظام العلمهى ككهل‪ ،‬حتهى يمكهن‬
‫الرتفاع بقدرا ته المعرف ية‪ .‬وهذا يطرح بالتبع ية أن جماه ير المتقل ين تمتلك دورا ينب غى علي ها‬
‫القيام به لتفعيل فكرة المسئولية المعرفية للنظم العلمية‪.‬‬

‫واستنادا إلى خاصية الشمول التى تتسم بها المسئولية المعرفية‪ ،‬فإن هذا يطرح أهمية‬
‫∗‬
‫انطواء هذه المسئولية على « أساليب عملية » تكون بمثابة قواعد مُهرشِدَة ‪ -‬غير حاكمة ‪-‬‬
‫لفاعليات كافة أطراف العملية التصالية‪ .‬فالحدود المطل قة للم سئولية المعرفية التى تنطلق من‬
‫مبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير تحتاج إلى قواعهد مرشدة ذات طابهع عملى غيهر تجريدى‪ .‬ممها‬
‫يساعد على ضمان التأثير اليجابى الناتج عن الحرية المطلقة للتعبير‪ .‬ولعل التعامل النقدى مع‬
‫مبادئ نظريهة المسهئولية الجتماعيهة أوضهح أن القواعهد المجردة التهى وضعتهها تلك النظريهة‬
‫والمتمثلة فى ( الد قة والموضوع ية والحياد‪ ) ...‬خل قت الفر صة للتحا يل على حر ية الت عبير‪،‬‬
‫ت حت دعوى اللتزام بتلك القوا عد المجردة ال تى كان من الع سير تطبيق ها فى الوا قع العملى‪.‬‬
‫لهذا فإن الم سئولية المعرف ية ‪ -‬باعتبار ها الم سئولية الملئ مة للن ظم العلم ية فى ظل البعاد‬
‫العلميهة للعولمهة ‪ -‬ينبغهى أن تكون مسهئولية تتسهم بطابهع عملى‪ ،‬حتهى توفهر أكهبر فرصهة‬
‫لتحقيق الثر اليجابى الناتج عن ضمان الحرية المطلقة للتعبير‪.‬‬

‫ولكن إذا كانت المسئولية المعرفية تتسم بكونها « عملية » من خلل وضعها لقواعد‬
‫«عملية إرشادية» لكافة أنشطة أطراف العملية التصالية‪ .‬فإن ذلك يستتبع أهمية وضع أساليب‬
‫« قياسية » يمكن من خللها قياس مدى تحقيق تلك القواعد العملية الرشادية للثر اليجابى‬
‫الناتج عن ضمان الحرية المطلقة للتعبير‪ ،‬وإل فإن افتقار المسئولية المعرفية للساليب القياسية‬
‫المق صود بالقوا عد المرشدة ( غ ير الحاك مة ) هو أ نه ل يتح تم اللتزام بن فس الجراءات أو ال طر ال تى تنطوى علي ها تلك‬ ‫‪‬‬

‫القواعههههد‪ ،‬وإنمهههها يمكههههن اللتزام باجراءات وأطههههر أخرى‪ .‬بشرط أن تحقههههق نفههههس الهدف‬
‫أو المضمون الذى كانت تسعى لتحقيقه القواعد الصلية‪ .‬وهذا يعنى أنها تمثل نموذجا إرشاديا غير ملزم فى إجراءاته الشكلية‬
‫( أى يمكن تنفيذ مضمونها بأشكال متعددة )‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪264‬‬ ‫‪-‬‬

‫سيؤدى إلى عدم وجود أ ية و سيلة يم كن من خلل ها التعرف على الثار النات جة عن الحر ية‬
‫المطل قة للت عبير‪ .‬وبالتالى سيتيح هذا الفر صة لمناه ضى حر ية الت عبير ل كى يكيلوا التهامات‬
‫الجزافية للحرية المطلقة للتعبير‪ ،‬فى محاولة منهم لفرض قيود تحد من هذه الحرية‪ .‬كما أنه‬
‫سهيحول دون وجود وسهيلة يمكهن مهن خللهها التعرف على المؤشرات السهلبية المتولدة عهن‬
‫النشطهة العلميهة؛ ممها يؤدى إلى ارتفاع قيمهة هذه المؤشرات التهى سهتسئ حتما إلى مبدأ‬
‫الحرية المطلقة للتعبير‪.‬‬

‫مهن هنها‪ ..‬فإن المسهئولية المعرفيهة للنظهم العلميهة ينبغهى لهها أن تكون مسهئولية‬
‫( شاملة ‪ -‬عمل ية ‪ -‬قيا سية )‪ ،‬وذلك ح تى يم كن توف ير الضمان ال كبر لفاعل ية مبدأ الحر ية‬
‫المطلقة للتعبير‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪265‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمـة الفصـل السـابع‪:‬‬


‫تبين من خلل درا سة البعاد الفكر ية للحر ية المطل قة للت عبير أن ث مة محددات فكر ية‬
‫مترابطة تقدم السس المنطقية التى يستند إليها مبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪ ..‬وهذه المحددات‬
‫هى‪:‬‬
‫نوع الطار الذى تنتمى إليه حرية التعبير‪.‬‬ ‫•‬
‫المدى الذى يمتد إليه هذا الطار خلل ممارسة حرية التعبير لفاعلياتها‪.‬‬ ‫•‬
‫المحتوى المعرفى الذى سيتضمنه هذا الطار نتيجة تلك الممارسات‪.‬‬ ‫•‬
‫الثر الناتج عن نشر هذا المحتوى المعرفى فى المجتمع‪.‬‬ ‫•‬

‫و قد تو صلت الدرا سة إلى أن نوع الطار الذى تنت مى إل يه حر ية الت عبير يتم ثل فى‬
‫( الطار الرمزى )‪ .‬وأن المدى الذى يم تد إل يه هذا الطار هو ( المدى المطلق )‪ .‬وأن‬
‫المحتوى المعرفههى الذى سههيتضمنه هذا الطار هههو محتوى يتسههم ( بتعدد الراء وتنوع‬
‫المعلومات والفكار والمعانى ) المتاحة فى المجتمع‪ .‬وأن الثر الناتج عن نشر هذا المحتوى‬
‫المعرفى هو فى مجمله العام ( أثر إيجابى )‪ ،‬وأن أية آثار ضارة محتملة قد تنشأ عن إطلق‬
‫حرية التعبير ل يجوز إستخدامها كمبرر لحظر التعبير‪ ،‬وإنما يصبح إجراء تدخلت إعلمية‬
‫معينهة لمحاولة التخفيهف مهن الثار الضارة المحتملة بمثابهة الجراء المناسهب الذى يجعهل‬
‫مواجهة التعبير النسانى تتم أيضا بذات الداة الرمزية التى هى التعبير النسانى‪ ،‬بحيث يُترك‬
‫ل سلطة القضاء مه مة تقد ير الضرار الماد ية الناشئة عن الت عبير الن سانى ومقاضاة الم سئول‬
‫عن ها‪ .‬والنتي جة العا مة تتم ثل فى أن « رمز ية » الت عبير الن سانى هى ال تى تجعله « مطلق »‬
‫الحريهة‪ ،‬وحريتهه المطلقهة ههى التهى تكسهبه « التعدد والتنوع »‪ ،‬وتعدده وتنوعهه همها اللذان‬
‫يضمنان « إيجابية تأثيره » فى المجمل العام‪.‬‬

‫كما تبين من دراسة البعاد الفكرية لسلطة ومسئولية النظم العلمية‪ ،‬أن سلطة النظم‬
‫العلمية تتمثل فى مجموعة الحقوق العلمية للنسان‪ ،‬وأن مسئولية النظم العلمية تتمثل‬
‫فى مجمو عة الوظائف المفتر ضة لتلك الن ظم‪ .‬و قد ا ستحدثت الدرا سة تو صيفا ل سلطة الن ظم‬
‫العلميهة يصهفها أنهها‪« :‬سهلطة كاشفهة تضطلع بمهمهة تسهليط الضوء على أنشطهة سهلطات‬
‫المجتمهع الخرى ونظمهه الفرعيهة فهى كافهة المجالت‪ .‬ويمارس هذه السهلطة المؤسهسات‬
‫العلميهة وجماهيهر المتلقيهن مهن خلل ممارسهتهم لحقوقههم العلميهة النابعهة مهن مجموعهة‬
‫الحقوق العلميهة للنسهان‪ ،‬وذلك بهدف جمهع المعلومات والراء ‪ -‬حول السهلطات والنظهم‬
‫الفرعية فى المجتمع ‪ -‬وترتيبها وتصنيفها وصياغتها والتعليق عليها ونشرها‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪266‬‬ ‫‪-‬‬

‫ك ما ا ستحدثت الدرا سة تو صيفا لم سئولية ( وظي فة ) الن ظم العلم ية ي صفها أن ها‪:‬‬


‫« مسئولية معرفية صرفة تضطلع بمهمة النقل الوافى للمعرفة الكامنة فى المعلومات والراء‬
‫والقوال والفكار والبداعات ال تى يوفر ها المجت مع‪ ،‬وذلك بهدف نقل ها لجماه ير المتلق ين »‪.‬‬
‫وذلك انطلقا من فحص التصنيفات المتعددة لوظائف النظم العلمية‪ ،‬والتى أوضحت أن تلك‬
‫الوظائف تدور فهى مجملهها حول مضمون واحهد مهمها تعددت الهداف‪ ،‬وههو نقهل المعرفهة‬
‫للجماه ير‪ .‬وي تم ذلك إ ما بأ سلوب مبا شر يتم ثل فى وظائف ( مراق بة البيئة ‪ -‬ن قل التراث ‪-‬‬
‫التشاور ‪ -‬المراقبهة ‪ -‬العلم ‪ -‬التماس المعلومات ) أو بأسهلوب غيهر مباشهر يتمثهل فهى‬
‫وظائف ( ترابهط أجزاء المجتمهع ‪ -‬نقهل التراث ‪ -‬الترفيهه ‪ -‬تدعيهم المعاييهر الجتماعيهة ‪-‬‬
‫التنشئة ‪ -‬التماسك الجتماعى ‪ -‬التعبئة ‪ -‬المساعدة فى التحرر العاطفى‪ ..‬إلخ )‪.‬‬

‫ول قد استنبطت الدرا سة أن الطابع المعر فى للم سئولية المعرف ية يجعلها تت سم بعدد من‬
‫الخ صائص‪ ،‬تتم ثل فى أن ها‪ :‬م سئولية ( مطل قة )‪ ( ،‬ديمقراط ية )‪ ( ،‬شعب ية )‪ ( ،‬عالم ية )‪،‬‬
‫( شاملة ‪ -‬عملية ‪ -‬قياسية )‪ .‬المر الذى يضمن قيام النظم العلمية بوظيفتها ( مسئوليتها )‬
‫فى المجتمع بكفاءة على المستوى النوعى ( نوعيا )‪.‬‬

‫ولقد قدمت نتائج هذا الفصل الجابة على السؤال الثالث من تساؤلت الدراسة والذى‬
‫ينص على‪:‬‬
‫« ما هو الطا بع الملئم لتو صيف ثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بن ية الن ظم العلم ية ب ما‬
‫يضمن ارتفاع قدراتها المعرفية ؟ »‪.‬‬
‫وتمثلت الجابة على هذا التساؤل فى النتيجة التالية‪:‬‬
‫يم ثل كلُ من الطا بع المعر فى لم سئولية الن ظم العلم ية والطا بع الكا شف ل سلطتها‬
‫الطابع ين الملئم ين للرتفاع بالقدرات المعرف ية للن ظم العلم ية‪ ،‬فى ظل مرجع ية فل سفية‬
‫تتبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪.‬‬

‫ولكن حتى يمكن للنظم العلمية أن تمارس سلطتها الكاشفة ومسئوليتها المعرفية ‪ -‬فى‬
‫ظل إقرار مبدأ الحر ية المطل قة للت عبير ‪ -‬ب صورة عمل ية تتجاوز ال طر التجريد ية‪ ،‬فإن الع مل‬
‫على مراجعة الدوار التى تضطلع بها كافة أطراف العملية العلمية‪ ،‬سيقدم البعاد العملية التى‬
‫تتحرك خللها النظم العلمية فى ظل إقرار مبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪ ،‬بما يضمن كفاءتها‬
‫( كيفيا ) فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع‪ ...‬وهذا ما سنعرض له فى الفصل القادم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪267‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفصـل الثامـن‬
‫البعـاد العمليـة للمسئوليـة المعـرفيـة‬
‫للنظـم العـلميـة‬

‫محتـويـات الفصـل الثامـن‬

‫مقدمـة الفصـل الثـامـن‬


‫المبحـــــــث بُعد الطراف المعرفية‬
‫( المســــئولية المعرفيــــة والرســــائل‬ ‫الول‪:‬‬
‫العلمية )‬
‫المبحـــــــث بُعد الطراف التكنولوجية‬
‫الثانــــــــى‪ ( :‬المســــئولية المعرفيـــــة ووســــائل‬
‫العلم )‬
‫المبحـــــــث بُعد الطراف العتبارية‬
‫( المســئولية المعرفيــة والمؤســسات‬ ‫الثالث‪:‬‬
‫العلمية )‬
‫المبحـــــــث بُعد الطراف الفاعلـة‬
‫الرابـــــــــع‪ ( :‬المســــئولية المعرفيــــة والقائميــــن‬
‫بالتصال وجماهير المتلقين )‬
‫خـاتمـة الفصـل الثـامـن‬
‫‪-‬‬ ‫‪268‬‬ ‫‪-‬‬

‫مقـدمـة‬
‫الفصـل الثـامـن‬

‫تطرح الخصائص التى تتسم بها المسئولية المعرفية للنظم العلمية ‪ -‬باعتبارها مسئولية‬
‫مطلقة‪ ،‬ديمقراطية‪ ،‬شعبية‪ ،‬شاملة عملية قياسية ‪ -‬ضرورة مراجعة الدوار التى تضطلع بها كافة‬
‫أطراف العمل ية الت صالية بح يث تتواءم تلك الدوار مع منطلقات الطا بع المعر فى لتلك الم سئولية‬
‫وخ صائصها‪ .‬ونظرا ل ما تتطل به الممار سة العمل ية من قوا عد مرشدة ( ولي ست حاك مة ) ت ساعد‬
‫على التوجهه بالنشطهة العلميهة نحهو كفالة الحريهة المطلقهة للتعهبير‪ .‬فإن محاولة صهياغة تلك‬
‫القواعد المرشدة تمثل خطوة ضرورية للبتعاد عن المفاهيم التجريدية غير العملية والقتراب من‬
‫تأسهيس مها يمكهن أن نطلق عليهه «البعاد العمليهة للمسهئولية المعرفيهة»‪ ،‬تلك البعاد التهى يمكهن‬
‫اعتبارها الوجه التطبيقى فى الواقع العملى للبعاد الفكرية لمفهوم المسئولية المعرفية‪ ،‬بما يضمن‬
‫قيام النظم العلمية بوظيفتها فى المجتمع بكفاءة على المستوى الكيفى ( كيفيا )‪.‬‬

‫ونظرا لن أطراف العملية التصالية تتمثل فى الطراف التالية‪:‬‬


‫‪ -‬الطراف الفاعلة‪ :‬وتتكون من القائمين بالتصال وجماهير المتلقين‪.‬‬
‫‪ -‬الطراف العتبارية‪ :‬وتتكون من المؤسسات العلمية‪.‬‬
‫‪ -‬الطراف المعرفية‪ :‬وتتكون من الرسائل العلمية‪.‬‬
‫‪ -‬الطراف التكنولوجية‪ :‬وتتكون من وسائل العلم‪.‬‬

‫فإن البعاد العملية للمسئولية المعرفية يمكن تحديدها فى أربعة أبعاد على النحو التالى‪:‬‬
‫بُ عد الطراف الفاعلة ‪ -‬بُ عد الطراف العتبار ية ‪ -‬بُ عد الطراف المعرف ية ‪ -‬بُ عد الطراف‬
‫التكنولوجية‪.‬‬

‫وانطلقا من هذا الت صور ف قد تم تق سيم الف صل الما ثل إلى أرب عة مبا حث‪ .‬المب حث الول‬
‫بعنوان‪ :‬بُعد الطراف المعرفية ( المسئولية المعرفية والرسائل العلمية )‪ .‬والمبحث الثانى بعنوان‪:‬‬
‫بُعهد الطراف التكنولوجيهة ( المسهئولية المعرفيهة ووسهائل العلم )‪ .‬والمبحهث الثالث بعنوان‪ :‬بُعهد‬
‫الطراف العتبار ية ( الم سئولية المعرف ية والمؤ سسات العلم ية )‪ .‬والمب حث الرا بع بعنوان‪ُ :‬ب عد‬
‫الطراف الفاعلة ( المسئولية المعرفية والقائمين بالتصال وجماهير المتلقين )‪ .‬وتدور هذه المباحث‬
‫حول الساليب الكيفية التى تضمن التزام الرسائل العلمية ووسائل العلم والمؤسسات العلمية‬
‫والقائمين بالتصال وجماهير المتلقين بالنقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪ .‬بما يساعد‬
‫النظم العلمية على ممارسة وظيفتها فى المجتمع بكفاءة ( كيفيا )‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪269‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الول‬
‫بُعد الطراف المعرفية‬
‫( المسئولية المعرفية والرسائل العلمية )‬

‫تح تل الر سائل العلم ية مقد مة البعاد العمل ية للم سئولية المعرف ية‪ ،‬باعتبار ها الطار‬
‫الذى يضهم المحتوى المعرفهى للعمليهة التصهالية‪ ،‬والمحور الذى تتمركهز حوله كافهة أهداف‬
‫العمل العلمى‪ .‬سواء أكانت من جانب القائمين بالتصال من خلل دورهم فى النقل الوافى‬
‫للمعرفة‪ ،‬أم من جانب جماهير المتلقين من خلل تلقيهم لتلك المعرفة‪.‬‬

‫ويؤدى تطهبيق مفهوم المسهئولية المعرفيهة على عمليهة التصهال النسهانى‪ ،‬إلى عدم‬
‫مواك بة المفهوم التقليدى للر سائل العلم ية للطا بع المعر فى للم سئولية المعرف ية وخ صائصها‪.‬‬
‫فالمفهوم التقليدى للرسهائل العلميهة القائم على مواصهفات الصهدق والدقهة والموضوعيهة‪،‬‬
‫ل يعتمد إل على أطر مطاطة تحتمل الكثير من التأويل‪ ،‬بما يؤدى إلى افتقاد تلك المواصفات‬
‫نفسها للصدق والدقة والموضوعية التى تدعو إليها∗‪ .‬ونظرا لرتباط مفهوم المسئولية المعرفية‬
‫بمبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير‪ ،‬فإن القاعدة المرشدة العامهة التهى ينبغهى أن تلتصهق بالرسهائل‬
‫العلم ية لتمنح ها تلك الحر ية المطل قة‪ ،‬تتم ثل فى نموذج [المعر فة أولً ‪ -‬المعر فة أخيرا ‪-‬‬
‫المعرفهة فقهط]‪ .‬بمعنهى أن الرسهائل العلميهة ينبغهى أل يتهم تطويعهها ليهة شروط‬
‫أو محظورات‪ ،‬كما ل ينبغى لها أن تتحمل بأية أعباء إل أعباء النقل الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫ويطرح نموذج [ المعرفصة أولً ‪ -‬المعرفصة أخيرا ‪ -‬المعرفصة فقصط ] باعتباره قاعدة‬
‫مرشدة للرسائل العلمية فى استهدافها الوحيد للمعرفة‪ ،‬إشكالية هامة تلقى بظللها على مبدأ‬
‫الحر ية المطل قة للت عبير‪ ،‬وتتم ثل‪ ..‬أولً‪ :‬فى كيف ية الملء مة ب ين ضمان الن قل الوا فى للمعر فة‬
‫الكامنة فى المعلومات العلمية‪ ،‬وبين تجنب الثار الضارة المحتملة للرسائل العلمية التى‬
‫قد تن شأ عن الحر ية المطل قة للت عبير‪ ،‬فى ظل عدم وجود تشريعات تق يد العلم‪ .‬وثانيا‪ :‬فى‬
‫كيفية ضمان النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالرسائل العلمية النوعية ( إخبارية ‪ -‬درامية ‪-‬‬
‫ل ‪ -‬المعرفة أخيرا ‪ -‬المعرفة فقط ]‪.‬‬
‫إعلنية )‪ ،‬بحيث تحقق نموذج [ المعرفة أو ً‬

‫وسنعرض فيما يلى لتلك القضايا الشكالية على النحو التالى‪:‬‬

‫انظر‪ :‬الفصل الخامس ( المبحث الثانى )‪ ،‬حول نقد المستوى التطبيقى لنظرية المسئولية الجتماعية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪270‬‬ ‫‪-‬‬

‫أولً‪ :‬المســــئولية المعرفيــــة والثار الضارة المحتملة للرســــائل‬


‫العلمية‪:‬‬
‫يؤدى إقرار مبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير إلى ضرورة غياب أيهة قيود تشريعيهة على‬
‫النشطة العلمية فى المجتمع‪ .‬ولكن نظرا لن بعض الرسائل العلمية قد تؤدى إلى نتائج‬
‫ماديهة محتملة تضهر الفراد أو المجتمهع‪ .‬فإن الفراغ القانونهى فهى هذا المجال سهيؤدى إلى أن‬
‫تصبح حرية التعبير منفلتة وتسفر عن نتائج ضارة ل يمكن تلفيها‪.‬‬

‫لذلك كان من الضرورى الع مل على صياغة قاعدة مرشدة يم كن من خلل ها التك هن‬
‫بالثار الضارة المحتملة التهى قهد تترتهب على نشهر بعهض الرسهائل العلميهة‪ .‬مهع التزام‬
‫المؤ سسات العلم ية بم سئولية التد خل العل مى على ها مش تلك الر سائل لضمان تخف يف‬
‫الثار الضارة الناشئة عهن النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بهها‪ .‬وهذا يعنهى أن المسهئولية‬
‫المعرف ية للن ظم العلم ية تفرض على المؤ سسات العلم ية ضرورة الن قل الوا فى للمعر فة‬
‫الكامنة بكافة الرسائل العلمية بما فيها الرسائل التى يمكن أن تكون لها آثار ضارة محتملة‬
‫على الفراد أو المجتمع‪ .‬ولكن بشرط أن تمارس تلك المؤسسات نوعا من التدخل العلمى‬
‫على هامش هذه الرسائل بحيث يتم التخفيف من الثار الضارة المحتملة الناشئة عن النشر‪.‬‬
‫ول شهك أن القاعدة المرشدة التهى تحقهق هذا المطلب تتناقهض تماما مهع واقهع عمهل النظهم‬
‫العلمية الراهنة التى يتم تقييد حرية التعبير فيها بالعديد من القيود التشريعية؛ مما أدى إلى‬
‫أن ت سترشد تلك الن ظم فى عمل ها بنموذج تب سيطى م خل؛ ح تى تتج نب الوقوع فى الم ساءلة‬
‫القانونية‪ .‬ويتمثل ذلك النموذج فى ثنائية [ الرسالة ‪ -‬التأثير ]‪ ،‬بمعنى أن الرسائل العلمية‬
‫ال تى يشت به فى تأثيرات ها الضارة على الفراد أو المجت مع ي تم حظر ها وعدم نشر ها‪ .‬وذلك‬
‫دون أ ية درا سة جادة لحتمالت ذلك التأث ير ومحاولة إجراء أى تد خل إعل مى لتخف يف تلك‬
‫الثار الضارة المحتملة‪.‬‬

‫ول كن فى ظل الحر ية المطل قة للت عبير ال تى يتبنا ها مفهوم الم سئولية المعرف ية‪ ،‬وال تى‬
‫تؤدى إلى غياب القيود التشريعية‪ .‬فإن القاعدة المرشدة التى تتجاوز نموذج [ الرسالة ‪ -‬التأثير‬
‫] تتم ثل فى نموذج [ حر ية الر سالة ‪ -‬احتمالت التأث ير ‪ -‬التد خل العل مى ]‪ ،‬ب ما يع نى أن‬
‫الحر ية المطل قة للر سالة مكفولة على الر غم من احتمالت التأث ير الضارة‪ ،‬من خلل ال سماح‬
‫للمؤسهسات العلميهة بإجراء تدخلت إعلميهة تتمثهل فهى القيام بإجراءات تحريريهة معينهة‬
‫للتخفيف من الثار الضارة المحتملة من جراء النشر‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪271‬‬ ‫‪-‬‬

‫ويم كن للمؤ سسات العلم ية إجراء درا سة احتمال ية لدرا سة احتمالت التأث ير الضار‬
‫للرسهائل العلميهة‪ ،‬وذلك مهن خلل السهلوب السهتفهامى التالى الذى يتكون مهن خمسهة‬
‫تساؤلت وفقا للنحو التالى‪:‬‬
‫‪ -1‬هل هناك أثر محتمل؟‬
‫‪ -2‬هل هو أثر مادى؟‬
‫‪ -3‬هل هو أثر مباشر؟‬
‫‪ -4‬هل هو أثر ضار؟‬
‫‪ -5‬هل هو ضار بالشخاص أو الممتلكات؟‬

‫وت تم درا سة احتمالت التأث ير الضار من خلل الجا بة المتتاب عة على تلك الت ساؤلت‬
‫الخمسة‪ ،‬والتى تُعتبر الجابة بالنفى على أى منها بمثابة دليل على عدم وجود أية آثار ضارة‬
‫محتملة للرسالة العلمية‪ ،‬فى حين أن الجابة عليها جميعا باليجاب تعنى وجود آثار ضارة‬
‫محتملة فى تلك الرسالة‪.‬‬

‫وهذا يعنهى أن التنبهؤ بالثار الضارة المحتملة للرسهائل العلميهة تحتاج إلى خمسهة‬
‫شروط تتمثهل فهى‪ :‬ضرورة وجود أثهر محتمهل‪ .‬وضرورة أن يكون هذا الثهر ماديا وليهس‬
‫معنويا‪ .‬وأن يكون هذا ال ثر المادى مباشرا فى احتمال ات صاله بالر سالة العلم ية‪ ،‬ب ما يع نى‬
‫أن الر سالة العلم ية ت سببت مباشرة فى حدو ثه‪ .‬وأن يكون هذا ال ثر المادى المبا شر ضارا‪،‬‬
‫بح يث ي سبب آثارا ضارة‪ .‬وأن يكون هذا ال ثر المادى المبا شر الضار موجها إلى الشخاص‬
‫أو الممتلكات وليس إلى المعانى أو الرموز‪.‬‬

‫ومهن الواضهح أن هذا السهلوب السهتفهامى المتدرج يتوافهق مهع المدى المطلق الذى‬
‫تتحرك فيه حرية الرسالة العلمية فى ظل إقرار مبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪ ،‬حيث ل يكفى‬
‫أن يكون للر سالة أ ثر احتمالى ضار ف قط‪ ،‬بل ي جب أن يكون أثرا احتماليا ماديا مباشرا ضارا‬
‫بالشخاص والممتلكات‪ .‬وهذا يعنهى أن الرسهالة العلميهة ذات الثهر المادى المباشهر غيهر‬
‫الضار ل ترافق ها أ ية تدخلت إعلم ية‪ .‬ك ما أن الر سالة العلم ية ذات ال ثر المادى الضار‬
‫غ ير المبا شر ل ترافق ها أ ية تدخلت إعلم ية‪ ،‬ح يث إن شرط إجراء تدخلت إعلم ية يتو قف‬
‫على مباشرة الثر المحتمل المادى الضار بالشخاص أو الممتلكات‪.‬‬

‫وتجدر الشارة إلى أن نموذج [ حرية الرسالة ‪ -‬احتمالت التأثير ‪ -‬التدخل العلمى ]‬
‫هو مجرد نموذج إرشادى يو ضح مدى حدوث أو عدم حدوث الضرر من جراء ن شر الر سالة‬
‫العلميهة‪ ،‬ولكنهه ل يوضهح كيفيهة التدخهل العلمهى لتخفيهف الثار الضارة المحتملة لتلك‬
‫‪-‬‬ ‫‪272‬‬ ‫‪-‬‬

‫الر سالة‪ ،‬ذلك التد خل الذى ل ي سوّغ ‪ -‬بأى صورة ‪ -‬ح ظر ن شر الر سالة أو التعت يم علي ها أو‬
‫تغي ير مضمون ها‪ .‬وإن ما ي سمح للمؤ سسات العلم ية بالتد خل على ها مش الر سالة العلم ية‬
‫لمجرد التخفيهف أو التحذيهر مهن الثار الضارة المحتملة‪ ،‬وفقا لجراءات تحريريهة متعددة‬
‫تختلف باختلف الحقوق المضادة للحقوق العلميهة التهى تنتهكهها تلك الرسهائل العلميهة‪.‬‬
‫وسهنعرض فهى الفصهل التالى لنموذج « الطريقهة الحتماليهة لتوصهيف التدخهل العلمهى فهى‬
‫مواجههة الحقوق المضادة للحقوق العلميهة »‪ ،‬والذى سهيتم مهن خلله توضيهح الجراءات‬
‫التحريريهة التهى يتهم إجراؤهها كنوع مهن التدخهل العلمهى؛ لتخفيهف الثار الضارة المحتملة‬
‫للرسائل العلمية‪ ،‬فى ظل مبدأ الحرية المطلقة للتعبير الذى تتبناه المسئولية المعرفية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬المسئولية المعرفية والمعرفة الكامنة بالرسائل العلمية‪:‬‬


‫(‪ )1‬المسئولية المعرفية والرسائل الخبارية‪:‬‬
‫ت ستحوذ الر سائل العلم ية الخبار ية على جزء كبير من ر صيد المعر فة ال تى تقوم‬
‫وسائل العلم بنقلها للجماهير‪ ،‬وذلك من خلل تقديمها لرؤية بانورامية يومية متجددة لحداث‬
‫المجتمع والعالم المحيط‪.‬‬
‫ويطرح تبنّىه مفهوم المسهئولية المعرفيهة للنظهم العلميهة ضرورة التزام الرسهائل‬
‫العلمية الخبارية بالنقل الوافى للمعرفة الكامنة بالحداث الجارية‪ ،‬وذلك من خلل اللتزام‬
‫بتغطية تلك الحداث من كافة الزوايا والبعاد‪ ،‬المر الذى يساهم فى تقديم معرفة وافية تكشف‬
‫الوا قع ول تحر فه‪ .‬ول يم كن تغط ية الحداث من مختلف الزوا يا إل من خلل بناء الر سائل‬
‫الخبار ية بطري قة متواز نة‪ ،‬بح يث تتوازن بداخل ها كا فة أبعاد الحدث ومحاوره‪ .‬وبالتالى فإن‬
‫التوازن المراد يتمثهل فهى العرض المتوازن لكافهة الزوايها المتاحهة للحدث‪ ،‬وليهس محاولة‬
‫العرض النتقائى لتلك الزوايا لحداث نوعا من التوازن المختلق‪.‬‬

‫ويمكهن أن نطلق على المبدأ الذى يضمهن التوازن فهى عرض جوانهب الرسهائل‬
‫العلميهة الخباريهة ( مبدأ العرض المتوازن )‪ ،‬ويخضهع هذا المبدأ لقاعدة مرشدة تتمثهل فهى‬
‫نموذج [ الحدث ‪ -‬الطراف ]‪ ،‬حيهث يشيهر نموذج [ الحدث ‪ -‬الطراف ] إلى الحقيقهة التهى‬
‫توضح أن كل حدث يرتبط بمجموعة من الطراف المختلفة وذلك على النحو التالى‪:‬‬

‫أطراف بمثابة موضوع للحدث إيجابيا‪ :‬وهم الطراف الفاعلون للحدث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أطراف بمثابة موضوع للحدث سلبيا‪ :‬وهم الطراف المتأثرون بالحدث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أطراف يكون الحدث موضوعا لهصم وظيفيا‪ :‬وههم الطراف المهتمون بالحدث بحكهم‬ ‫‪-‬‬
‫وظائفهم‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪273‬‬ ‫‪-‬‬

‫أطراف يكون الحدث موضوعا لهصم ظرفيا‪ :‬وههم الطراف المهتمون بالحدث بحكهم‬ ‫‪-‬‬
‫تواجدهم الظرفى ( المكانى أو الزمانى ) فى نطاق حدوثه‪.‬‬

‫وانطلقا من هذا التقسيم‪ ..‬فإن الصياغة المعرفية لبد أن تعرض لكافة تلك الطراف‬
‫فى صلب الرسالة الخبارية بشكل متوازن‪ ،‬بما يحقق النقل الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫وبهذا يقدم نموذج [ الحدث ‪ -‬الطراف ] ‪ -‬باعتباره قاعدة مرشدة لضمان التزام‬
‫النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية عند نقلها للخبار والحداث التى تقع بالمجتمع ‪ -‬وسيلة‬
‫عملية يمكن من خللها تحليل الرسائل الخبارية‪ ،‬بحيث يمكن اكتشاف مدى التزامها بالعرض‬
‫المتوازن بجوانب الحدث المتعددة‪ .‬كما أنه يمكن استخدامه كنموذج إرشادى يمكن اتباعه عند‬
‫الصياغة التحريرية للرسائل العلمية الخبارية‪.‬‬

‫وتجدر الشارة إلى أنهه يمكهن تطهبيق مبدأ ( العرض المتوازن ) القائم على نموذج‬
‫[ الحدث ‪ -‬الطراف ] على التحقيقات الصهحفية والتليفزيونيهة والذاعيهة وكافهة النشطهة‬
‫العلمية الخبارية الخرى‪.‬‬

‫(‪ )2‬المسئولية المعرفية والرسائل الدرامية‪:‬‬


‫تش كل الدرا ما ( التليفزيون ية وال سينمائية والذاع ية ) ركنا هاما إلى أق صى الحدود فى‬
‫حقل الرسائل العلمية‪ ،‬حيث يمثل المضمون الترفيهى الجانب العظم من اهتمامات مشاهدى‬
‫وسهائل العلم اللكترونيهة‪ .‬ويطرح تبنهى مفهوم المسهئولية المعرفيهة لمبدأ الحريهة المطلقهة‬
‫للتعبير‪ ،‬ضرورة تصميم نموذج للتعامل مع الرسائل العلمية الدرامية بحيث ل تصبح مجالً‬
‫للنقهل غيهر الوافهى للمعرفهة إلى الجماهيهر‪ .‬وعلى الخهص عنهد عرض العمال الدراميهة‬
‫( التاريخية أو السياسية أو الباحية أو فوق ال سّنية أو العنيفة )؛ وذلك لنها تمثل أهم المواد‬
‫الدرامية التى يمكن أن يتم فيها تجاهل النقل الوافى للمعرفة‪ ،‬بما يؤدى إلى نقل معرفة محرفة‬
‫أو مزيفة فى مجال الدراما التاريخية أو السياسية‪ ،‬أو نقل معرفة اقتحامية أو فوق سنية لبعض‬
‫هنية‬
‫هة أو فوق السه‬
‫ها الباحيه‬
‫هى مجال الدرامه‬
‫هس فه‬
‫هى الحه‬
‫هن أو مرهفه‬
‫الطفال أو المتدينيه‬
‫أو العنيفة‪.‬‬

‫ففى مجال الدراما التاريخية أو السياسية‪ ،‬تتمثل القاعدة المرشدة التى تضمن النقل الوافى‬
‫للمعرفة التاريخية أو السياسية‪ ،‬فى نموذج [ الرسالة الدرامية ‪ -‬المعلومات المرجعية ]‪ .‬حيث‬
‫يقدم ذلك النموذج الطار الذى يمكن من خلله وضع العمال الدرامية فى السياق الذى يضمن‬
‫النقهل الوافهى للمعرفهة‪ .‬وتعنهى « المعلومات المرجعيهة » تقديهم بيان شامهل يوضهح المصهادر‬
‫‪-‬‬ ‫‪274‬‬ ‫‪-‬‬

‫المختل فة ال تى تم العتماد علي ها لكتا بة المادة التاريخ ية أو ال سياسية للدرا ما‪ ،‬سواء أكا نت تلك‬
‫المصهادر كتبا أم دراسهات أم شهادات شخصهية‪ .‬بالضافهة إلى ضرورة إشارة تلك المعلومات‬
‫المرجع ية لى تد خل من المؤلف فى صياغة الحداث أو الشخ صيات طبقا لضرورات الكتا بة‬
‫الدرامية‪ .‬ويتم عرض تلك المعلومات المرجعية فى مقدمة ومؤخرة العمل الدرامى‪.‬‬

‫وتوفر تلك المعلومات المرجعية بُعدا معرفيا يوضح لجماهير المتلقين مدى جدية العمل‬
‫أو انحيازه لطرف مهن الطراف أو اتجاه مهن التجاهات‪ .‬وبذلك يمكهن للمتلقيهن التعرض‬
‫للر سالة العلم ية بو عى م سبق يحول دون الن سياق ل ية معلومات محر فة أو موج هة تهدف‬
‫إلى خدمة غرض سياسى أو ثقافى معين‪.‬‬

‫وفهى مجال الدرامها الباحيهة أو فوق السهّنية أو العنيفهة‪ ،‬تتمثهل القاعدة المرشدة التهى‬
‫تضمهن التعر يف الوا ضح والمسهبق بمضمون تلك الدرامها فى نموذج [ الرسصالة الدراميصة ‪-‬‬
‫التغليصف ]‪ ،‬حيهث يقدم ذلك النموذج الطار الذى يمكهن مهن خلله وضهع تلك العمال التهى‬
‫تحتوى على مشاهد إباحية أو مشاهد جنسية مكشوفة أو مشاهد عنف دامية فى سياق تحذيرى‪.‬‬
‫وذلك من خلل « تغليف » العمل الدرامى طوال مدة عرضه بإشارة رمزية أو كتابية توضح‬
‫استهدافه لفئة سنية معينة ( للكبار فقط )‪ ،‬بالضافة إلى توضيحها لمضمونه ( جنس ‪ -‬عنف )‪.‬‬
‫وبذلك يتم نقل معرفة وافية تتيح للمشاهد الفرصة لتجنب الرسائل العلمية الدرامية التى ل‬
‫ير غب فى مشاهدت ها لد يه فى أى و قت من أوقات عرض ها‪ .‬ك ما يت يح « التغل يف » الفر صة‬
‫لمنع تعرض الطفال للعمال الدرامية التى تتجاوز مراحلهم العمرية‪.‬‬

‫(‪ )3‬المسئولية المعرفية والرسائل العلنية‪:‬‬


‫يم ثل العلن القاعدة القت صادية للمؤ سسات العلم ية‪ ،‬بح يث أ صبحت أ ية محاولة‬
‫لكبح الفيضان العلنى أو القضاء على علقات العتماد فيما بينه وبين المؤسسات العلمية‬
‫بمثابهة محاولة فاشلة؛ لن معنهى نجاحهها ههو القضاء على التوازن القتصهادى لى نظام‬
‫إعلمى وتهديد لستقلله عن سلطة الدولة‪.‬‬

‫ويعانى السلوب الراهن لصياغة الرسائل العلنية من سلبيات كبيرة تتمثل فى عملية‬
‫ب يع « الم ستهلك العزل » إلى « المعلن » الم سلح بكا فة و سائل الغراء‪ ،‬من خلل ت صميم‬
‫الر سالة العلن ية ل كى تل بى الحاجات والرغبات والغرائز الن سانية ف قط‪ .‬وذلك وفقا للنموذج‬
‫الشهير [ المثير ‪ -‬الستجابة ]‪ ،‬مع الغفال التام لحق المتلقى « المستهلك » فى معرفة ماهية‬
‫السلعة ومكوناتها وسعرها وترتيبها فى تصنيفات الجودة للسلع المنافسة‪ ،‬وما إلى غير ذلك من‬
‫‪-‬‬ ‫‪275‬‬ ‫‪-‬‬

‫معلومات يجهب أن تكون ههى السهاس لجذب المسهتهلك‪ ،‬وليهس الخدع الدراميهة والنفسهية‬
‫لصطياد المستهلك ( المتلقى ) فى شرك المعلن ( المؤسسة العلنية )‪.‬‬

‫وبالتالى فإن القاعدة المرشدة التى تضمن التزام الرسائل العلنية بالنقل الوافى للمعرفة‬
‫الكامنهة فيهها‪ ،‬تتمثهل فهى نموذج [ الجودة ‪ /‬المثيصر ‪ -‬القدرة ‪ /‬السصتجابة ]‪ ،‬حيهث يقدم هذا‬
‫النموذج مفهوما جديدا للر سالة العلن ية يت يح ل ها ن قل معر فة واف ية دون إغفال جوا نب الثارة‬
‫الدرامية النفسية‪.‬‬

‫ويُقصهَد بعنصهر « الجودة » فهى النموذج ( الجودة السهلعية )‪ .‬ويتضمهن هذا العنصهر‬
‫ضرورة عرض المواصفات المختلفة للسلعة‪ ،‬بالضافة إلى ترتيبها فى تصنيفات الجودة السلعية‬
‫مقارنهة بالسهلع المشابههة‪ .‬بينمها يُقصهَد بعنصهر « القدرة » فهى النموذج ( القدرة الشرائيهة )‪.‬‬
‫ويتضمن هذا العنصر عرضا لثمن السلعة أو كافة السلع التى يروجها العلن‪ ،‬بحيث يختار‬
‫المتلقى ما يتناسب منها مع قدراته الشرائية‪.‬‬

‫وبذلك يضهع نموذج [ الجودة ‪ /‬المثيهر ‪ -‬القدرة ‪ /‬السهتجابة ] السهلعة فهى مواجههة‬
‫الم ستهلك فى ظل عل قة إيجاب ية ل تتجا هل حق المعلن فى محاولة إبراز ال سلعة وتجميل ها‪،‬‬
‫ول تتجاهل حق المستهلك أيضا فى محاولة معرفة المواصفات الخاصة بالسلعة ومدى جودتها‬
‫ومدى توافق سعرها مع قدرته الشرائية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪276‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الثانى‬
‫بُعد الطراف التكنولوجية‬
‫(المسئولية المعرفية والوسائل العلمية)‬

‫تم ثل الو سائل العلم ية الجماهير ية باختلف نوعيات ها ‪ -‬المطبو عة أو اللكترون ية‬
‫أو شبكات معلومات ‪ -‬القناة الموصلة للرسائل العلمية‪ ،‬والنافذة التى يطالع جماهير المتلقين‬
‫من خللها تلك الرسائل‪.‬‬

‫وفى إطار مفهوم المسئولية المعرفية للنظم العلمية‪ ،‬فإن الوسائل العلمية ينبغى أن‬
‫تكون بمثا بة قنوات مفتو حة تتم تع بال سيولة لتوف ير ال سريان ال حر للمعر فة‪ ،‬بح يث ل يق يد ذلك‬
‫السهريان أيهة عوائق أو موانهع إل العوائق أو الموانهع الناتجهة عهن الخصهائص المميزة لتلك‬
‫الوسائل على اختلف نوعياتها‪.‬‬
‫فالوسائل العلمية المطبوعة أو اللكترونية أو شبكات المعلومات‪ ،‬يختلف ك ُل منها عن‬
‫الخرى في ما يتعلق بخ صائصها المميزة‪ ،‬من ح يث ال سعة الزمن ية‪ ،‬والح يز الم ساحى‪ ،‬والبعاد‬
‫التصالية‪ ،‬والنتقائية المعرفية‪ .‬حيث تتقيد وسائل العلم التقليدية ( المطبوعة أو اللكترونية )‬
‫بتلك الخ صائص المميزة من ح يث ال سعة الزمن ية ال تى تتم ثل فى عدد ساعات اليوم بالن سبة‬
‫للوسائل اللكترونية‪ ،‬أو من حيث الحيز المساحى الذى يتمثل فى عدد الصفحات القابلة للتداول‬
‫بالنسهبة للوسهائل المطبوعهة‪ ،‬أو من حيهث البعاد التصصالية التهى تتمثهل فهى ضعهف قدراتهها‬
‫التفاعلية مع جماهير المتلقين والتى ل تزيد عن التفاعل مع عشرات أو مئات الجماهير‪ .‬المر‬
‫الذى يصهبغ رسهائلها العلميهة بالبُعهد الواحهد‪ ،‬وبالتالى بالنتقائيهة فهى اختيار موضوعات‬
‫واستبعاد أخرى لمراعاة السعة الزمن ية أو الحيز الم ساحى‪ ....‬أما شبكات المعلومات ( وسيلة‬
‫العلم الحديثة )‪ ،‬فإنها تتغلب على كل تلك القيود المتعلقة بالسعة الزمنية أو الحيز المساحى‬
‫أو البعاد التصالية أو النتقائية المعرفية‪ .‬إذ إن قدراتها التخزينية الرقمية والترابطية المهولة‬
‫تقدم مدى غيهر محدود تقريبا للسهعة والحيهز الحاوييهن للوان المعرفهة‪ .‬وبالتالى تتعدد فيهها‬
‫البعاد التصالية وتنعدم فيها النتقائية المعرفية‪.‬‬

‫ولكن على الر غم من التفاوت فى الخصائص المميزة للوسائل العلمية‪ ،‬فإن القاعدة‬
‫المرشدة التهى ينبغهى أن تضمهن قيامهها بالنقهل الوافهى للمعرفهة ‪ -‬فهى ظهل القيود الفنيهة التهى‬
‫تطرح ها تلك الخ صائص المميزة ‪ -‬تتم ثل فى نموذج [ النطاق الوا سع ‪ -‬النطاق الض يق ]‪.‬‬
‫ويعنهى هذا النموذج أن النظام العلمهى يجهب أن يضمهن كفالة وسهائله العلميهة ‪ -‬فهى‬
‫‪-‬‬ ‫‪277‬‬ ‫‪-‬‬

‫مجموع ها ‪ -‬ل كل من النطاق الوا سع ( الجماهيرى ) والنطاق الض يق ( الفئوى ) لن شر أو بث‬


‫الر سائل العلم ية‪ .‬بح يث تك فل تلك الو سائل ‪ -‬فى مجموع ها ‪ -‬نطاقات العلم الجماهيرى‬
‫الواسهع المتوجهه إلى الجماهيهر العريضهة على الرغهم مهن اختلف خصهائصها وسهماتها‬
‫وانتماءاتهها‪ .‬كمها تكفهل ‪ -‬بذات الوقهت ‪ -‬نطاقات العلم الجماهيرى الضيهق المتخصهص‬
‫المتوجه إلى جماعات نوعية من الجماهير وفقا لخصائصها وسماتها وانتماءاتها‪.‬‬

‫وتؤدى محاولة أى نظام إعلمى إلى قصر مدى وسائله العلمية على النطاق الواسع‬
‫فقهط دون النطاق الضيهق‪ ،‬إلى فشله فهى تحقيهق النقهل الوافهى للمعرفهة‪ ،‬وذلك لفتقار رسهائله‬
‫العلمية عندئذ إلى المعرفة المتخصصة التى تستهدف جماعات نوعية من الجماهير‪.‬‬
‫وبالمقابل فإن قصر النظام العلمى لمدى وسائله العلمية على النطاق الضيق فقط‬
‫دون النطاق الوا سع يؤدى بالم ثل إلى الخفاق فى الن قل الوا فى للمعر فة‪ ،‬وذلك لغياب المعر فة‬
‫الشاملة عندئذ عن مجال رسائله العلمية المتخصصة‪.‬‬

‫ول شك أن إستراتيجية التوحد والتكتل والندماج وتكتيكات التجزؤ والتشظى والنقسام‬


‫‪ -‬المصاحبة للعولمة ‪ -‬تؤدى ‪ -‬فى مجال أبعادها العلمية ‪ -‬إلى امتلك النظم العلمية‬
‫للقدرة على تلبية وسائلها العلمية فى مجموعها لكل من النطاق الواسع والنطاق الضيق لنشر‬
‫أو بث الر سائل العلم ية‪ .‬إذ إن المتداد النتشارى لشبكات المعلومات على م ستوى العالم ‪-‬‬
‫بالضافة إلى التوسع الفائق للبث الفضائى التليفزيونى المباشر ‪ -‬يؤدى إلى تحقق هذا الملمح‬
‫فههى معظههم النظههم العلميههة على مسههتوى العالم‪ ،‬مههن خلل المدى الواسههع‬
‫أو الضيق المتحقق أصلً فى شبكة النترنت‪ ،‬أو من خلل المدى الواسع المتحقق فى القنوات‬
‫الفضائية العامة أو الصحف والمجلت العامة أو تسجيلت الفيديو والكاسيت العامة‪ ،‬أو المدى‬
‫الضيهق المتحقهق فهى القنوات الفضائيهة المتخصهصة أو الصهحف أو المجلت المتخصهصة‬
‫أو تسجيلت الفيديو والكاسيت المتخصصة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪278‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الثالث‬
‫بُعد الطراف العتبارية‬
‫( المسئولية المعرفية والمؤسسات العلمية )‬

‫يطرح دخول مفهوم المسهئولية المعرفيهة ضمهن فاعليات العمليهة التصهالية أهميهة‬
‫مراج عة الدور الذى تقوم به المؤ سسات العلم ية‪ .‬ح يث تم ثل المؤ سسات العلم ية الطرف‬
‫العتبارى فى العمل ية الت صالية‪ ،‬وذلك نظرا لكونها شخ صية اعتبار ية وفقا للمفهوم القانونى‪،‬‬
‫ولكون ها كيانا اعتباريا جامعا ي ضم النش طة المهن ية العلم ية وفقا للمفهوم العل مى‪ .‬ح يث‬
‫تضم المؤسسات العلمية أحد الطراف الفاعلة فى عملية التصال وهو ( القائم بالتصال )‪،‬‬
‫كما تضم الطراف المعرفية فى عملية التصال وهى ( الرسائل العلمية )‪.‬‬

‫ويمثل السعى إلى الربح الحافز الكبر لضمان التنافس الحر بين المؤسسات العلمية‬
‫فى عملية جمعها للمعلومات العلمية والنقل الوافى للمعرفة الكامنة فى تلك المعلومات‪ .‬ولكن‬
‫التجارب التاريخية توضح أن السعى إلى الربح قد يجنح بالمؤسسات العلمية نحو اللجوء إلى‬
‫عدم ن شر جوا نب المعر فة ال تى تجعل ها ت صطدم ب سلطات الدولة أو ت ضر بموارد ها العلم ية‬
‫لدى الشركات المعلنة‪ .‬مما يؤدى إلى القتصار على نشر جوانب محدودة من المعرفة الكامنة‬
‫بالمعلومات العلميهة‪ ،‬والتعتيهم على جوانهب أخرى قهد تكون على قدر كهبير مهن الهميهة‬
‫والتأثير‪.‬‬

‫ول عل هذا التنا قض ب ين ال سعى إلى الر بح والن قل الوا فى للمعر فة ‪ -‬سواء أكان فى‬
‫النظهم العلميهة الحرة أم الموجههة ‪ -‬نشهأ نتيجهة عدم وضهع قواعهد مرشدة لبيان دور‬
‫المؤسسات العلمية فى نقل المعرفة‪ .‬ففى النظم العلمية الحرة لم تقدم النظرية الليبرالية‬
‫أ ية قوا عد مُرشدة لضمان التزام المؤ سسات العلم ية بن قل المعر فة‪ .‬م ما أدى إلى سهولة‬
‫جنوح المؤسسات العلمية نحو الربح اليسير القائم على عدم اللتزام بالنقل الوافى للمعرفة‪.‬‬
‫بينما وضعت نظرية المسئولية الجتماعية قواعد تحريرية لحظر بعض جوانب المعرفة‪ ،‬مما‬
‫أع طى الفر صة للتعت يم والح ظر ت حت دعوى اللتزام بدور م سئول اجتماعيا‪ .‬أ ما فى الن ظم‬
‫العلمية الموجهة فإن النتائج الفادحة التى يمكن أن تترتب على ال صطدام بالسلطة‪ ،‬توفر‬
‫دائما المبرر للمؤسسات العلمية لحظر بعض جوانب المعرفة لتجنب الغلق أو التعطيل‬
‫أو إلغاء الترخيص‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪279‬‬ ‫‪-‬‬

‫ونظرا لمها تطرحهه البعاد العلميهة للعولمهة مهن اتجاه المؤسهسات العلميهة نحهو‬
‫الندماج فى تكتلت ضخ مة‪ ،‬وذلك وفقا ل ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج‪ ،‬م ما‬
‫سهيزيد مهن احتمالت تأثيهر المصهالح التجاريهة والسهياسية للمؤسهسات المالكهة للمؤسهسات‬
‫العلميهة على مسهئولية النقهل الوافهى للمعرفهة‪ ،‬فإن القواعهد المرشدة التهى تقدمهها المسهئولية‬
‫المعرفيهة تبدو ههى المعادل الموضوعهى القابهل للتوازن مهع التأثيرات الندماجيهة للمؤسهسات‬
‫العلم ية‪ ،‬بالضافهة إلى مها تطرحهه تكتيكات العول مة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام مهن قدرة‬
‫متزايدة للمؤسسات العلمية الصغيرة على التواجد داخل المدى اللنهائى لشبكات المعلومات‪.‬‬
‫وبالتالى زيادة احتمالت نشهر جوانهب المعرفهة التهى يتهم التعتيهم عليهها‪ ،‬المهر الذى يجهبر‬
‫الندماجات العلمية على ضرورة النشر الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫ويمثهل نموذج [ الربصح ‪ -‬المعرفصة ] القاعدة المرشدة الضامنهة للتزام المؤسهسات‬


‫العلميهة بمسهئوليتها المعرفيهة‪ ،‬مهن خلل توضيهح تلك القاعدة المرشدة لحهق المؤسهسات‬
‫العلم ية فى الر بح‪ ،‬فى مقا بل التزام ها بالن قل الوا فى للمعر فة‪ .‬وبالتالى فإن قيام المؤ سسات‬
‫العلم ية بمحاولة تغليهب اعتبارات الربهح على اعتبارات النقهل الوافهى للمعرفهة سهتؤدى إلى‬
‫نشرها لمعرفة محدودة وغير وافية‪ ،‬نظرا لتداخلها مع المؤثرات السياسية والتجارية‪.‬‬
‫كمها أن أى محاولة لتغليهب اعتبارات النقهل الوافهى للمعرفهة على اعتبارات الربهح لن‬
‫تُنتج على المدى الطويل إل معرفة متحيزة لتوجهات القائمين على تمويل المؤسسات العلمية‬
‫غير الساعية إلى الربح‪.‬‬

‫لذا فإن أفضل ضمان يكفل النقل الوافى للمعرفة يتمثل فى العتراف بحق المؤسسات‬
‫العلمية فى الربح‪ ،‬فى مقابل مسئوليتها عن النقل الوافى للمعرفة‪ ،‬وذلك فى ظل علقة ثنائية‬
‫مترابطة يؤدى تحقق أحد أطرافها إلى تحقق الثانى بالضرورة‪.‬‬

‫ولعل أهم النتائج المترتبة على إقرار المؤسسات العلمية لنموذج [ الربح ‪ -‬المعرفة ]‬
‫لتعريف دورها فى المجتمع يتمثل فى القضاء على الراء المتعارضة التى كان بعضها يرى‬
‫أن المؤسسات العلمية ل ينبغى أن تسعى للربح‪ ،‬فى مواجهة الراء الخرى المعاكسة لذلك‪.‬‬
‫حيهث يؤدى نموذج [ الربهح ‪ -‬المعرفهة ] إلى التعامهل مهع المؤسهسات العلميهة باعتبارهها‬
‫مؤسسات اقتصادية تسعى إلى الربح فى مقابل التزامها بتقديم سلعة معرفية أو خدمة معرفية‬
‫سيُعرّضها للخسارة‬
‫ذات مواصفات قياسية متفق عليها‪ ،‬وأى محاولة للخلل بتلك المواصفات َ‬
‫وعدم رواج منتجاتها وفقدان سمعتها‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪280‬‬ ‫‪-‬‬

‫ول شك أ نه ل يمكهن التغاضهى ‪ -‬على الرغهم مهن ضغهط التوجهات المثال ية ‪ -‬عن‬
‫حقيقة أن ما تقدمه المؤسسات العلمية ما هو إل سلعة أو خدمة مثلها مثل أية سلعة أو خدمة‬
‫أخرى‪ .‬وبالتالى فإن مراعاة تلك السلعة أو الخدمة لمعيار المواصفات العلمية القياسية أمر‬
‫ضرورى لضمان رواجها‪ .‬ولعل المعيار هنا هو النقل الوافى للمعرفة‪ .‬بحيث تعتبر أية محاولة‬
‫لخفاء بعض المعلومات أو التعتيم عليها بمثابة عدم مراعاة للمواصفات العلمية‪ .‬واتجاه من‬
‫المؤسهسة العلميهة نحهو تقديهم معرفهة إعلميهة غيهر مطابقهة للمواصهفات وغيهر صهالحة‬
‫للستهلك المعرفى؛ لنها معرفة متحيزة أو ناقصة‪.‬‬

‫وتمثهل الرؤيهة الواقعيهة التهى تتعامهل مهع المؤسهسات العلميهة باعتبارهها مؤسهسات‬
‫اقتصهادية مدخلً هاما لتصهحيح التصهورات التهى تتعلق بالذهان حول تلك المؤسهسات‪ .‬لنهه‬
‫سهيؤدى إلى تنميهة المعاييهر النقديهة تجاه المعرفهة المنقولة خلل وسهائل العلم‪ ،‬وتقليهص‬
‫التصورات المثالية حول الدور النضالى الرسالى المزعوم للمؤسسات العلمية‪ .‬المر الذى‬
‫سيرتفع بدرجة الوعى لدى المتلقين ويدفعهم للتعامل مع المؤسسات العلمية من خلل أطر‬
‫واقعية حول طبيعة دورها فى المجتمع‪.‬‬
‫علوة على ذلك‪ ..‬فإن تلك الرؤيهة الواقعيهة سهتقضى على التناقهض الذى يحكهم‬
‫تصهورات المؤسهسات العلميهة ذاتهها؛ لطبيعهة دورهها فهى المجتمهع‪ ،‬والذى يتراوح مها بيهن‬
‫الكفاح المزعوم مهن أجهل الوصهول للحقيقهة‪ ،‬وبيهن التنافهس الشرس مهن أجهل ضمان الكفاءة‬
‫القتصادية‪.‬‬

‫و فى إطار تفع يل نموذج [ الر بح ‪ -‬المعر فة ] ‪ -‬باعتباره قاعدة مرشدة لضمان التزام‬
‫المؤ سسات العلم ية بم سئوليتها المعرف ية ‪ -‬فإن اللتزام بعدد من الجراءات التنظيم ية يُ عد‬
‫أمرا ضروريا للنتقال بذلك النموذج إلى المجال العملى‪.‬‬

‫وتتمثل تلك الجراءات فى اللتزامات التالية‪:‬‬


‫أولً‪ :‬تلتزم المؤسسات العلمية بالنص فى العقود التى تبرمها مع الوكالت العلنية‬

‫أو الشركات المعلنهة على عدم أحقيهة تلك الوكالت أو الشركات فهى فسهخ تعاقداتهها مهع‬
‫المؤسسات العلمية بسبب نشر موضوعات انتقادية تتعلق بتلك الشركات‪ ،‬ويحق للمؤسسات‬
‫العلمية فى حالة حدوث ذلك المطالبة قضائيا بفرض غرامات مالية على تلك الشركات‪ ،‬كما‬
‫ل يحهق للشركات المعلنهة وقهف التعامهل مهع أحهد المؤسهسات العلميهة لسهابق قيامهها بنشهر‬
‫‪-‬‬ ‫‪281‬‬ ‫‪-‬‬

‫موضوعات انتقادية تتعلق بها‪ ،‬وتتحمل الشركات المعلنة عبء إثبات السباب الحقيقية لوقف‬
‫التعامل أمام القضاء‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تلتزم المؤسسات العلمية بنشر كامل نصوص تعاقداتها العلنية بحيث تفرد‬
‫الصحف صفحات لنشر تلك التعاقدات‪ ،‬فى حين يمكن للمؤسسات العلمية العاملة فى مجال‬
‫وسائل العلم اللكترونية نشر نصوص تلك التعاقدات فى مواقع مخصصة لذلك على شب كة‬
‫النترنت‪ ،‬بحيث يؤدى ذلك النشر إلى متابعة ضمان تنفيذ اللتزام الوارد فى الفقرة السابقة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تلتزم المؤسهسات العلميهة بتخصهيص باب ثابهت يتضمهن جدولً موضحا بهه‪:‬‬
‫أسهماء الشركات المعلنهة‪ ،‬والقيمهة الماليهة لعلناتهها بالمؤسهسة‪ ،‬والرباح الناتجهة عهن تلك‬
‫العلنات‪ .‬ويتهم نشهر ذلك الجدول يوميا أسهوة بالجداول الموضّحهة لخبار أسهواق المال‬
‫( البور صات )‪ .‬و فى حالة و سائل العلم اللكترون ية ي تم الن شر فى موا قع مخ صصة لذلك‬
‫على شبكة النترنت‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬تلتزم المؤسسات العلمية بنشر أسماء الشركات أو الفراد المالكين لها‪ ،‬ويتم‬
‫ذلك النشهر فهى باب ثابهت يخصهص لذلك فهى حالة وسهائل العلم المطبوعهة‪ ،‬وفهى مواقهع‬
‫مخصصة لذلك على شبكة النترنت فى حالة وسائل العلم اللكترونية‪.‬‬

‫خامسصا‪ :‬تلتزم المؤسهسة العلميهة بنشهر الموضوعات النتقاديهة ‪ -‬التهى تنشرهها‬


‫المؤسهسات العلميهة الخرى ‪ -‬التهى تتعلق بالشركات أو الفراد المالكيهن لهها‪ ،‬وذلك على‬
‫اعتبار أن محاولة إلزام المؤسهسة العلميهة بالمبادرة بنشهر موضوعات انتقاديهة عهن الجههة‬
‫المالكهة لهها ههو إلزام غيهر واقعهى ولن يمكهن تحقيقهه‪ ،‬فهى حيهن أن اللتزام بنشهر مها تنشره‬
‫المؤسسات الخرى أمر يمكن اللزام به‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪282‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الرابع‬
‫بُعد الطراف الفاعلة‬
‫( المسئولية المعرفية والقائمين بالتصال وجماهير‬
‫المتلقين )‬

‫أولً‪ :‬القائمون بالتصال ( العلميـون )‪:‬‬


‫يمثهل القائمون بالتصهال ( العلميون ) ركنا هاما فهى البعاد العمليهة للمسهئولية‬
‫المعرف ية‪ ،‬وذلك باعتبار هم أ حد الطراف الفاعلة فى العمل ية الت صالية‪ ،‬بالضا فة إلى كون هم‬
‫الطرف المنشئ للرسالة العلمية من خلل جمع المعلومات وصياغتها وتصنيفها‪ ،‬ثم نشرها‬
‫فهى الوسهائل العلميهة المتعددة‪ .‬وانطلقا مهن الطار المطلق لحريهة التعهبير الذى تتبناه‬
‫الم سئولية المعرف ية‪ ،‬بالضا فة إلى تبني ها لنموذج [ الر بح ‪ -‬المعر فة ] باعتباره النموذج الذى‬
‫يعترف ب حق المؤ سسات العلم ية فى الر بح‪ ،‬فى مقا بل التزام ها بالن قل الوا فى للمعر فة‪ .‬فإن‬
‫بُعد القائم ين بالت صال ‪ -‬كأ حد البعاد العمل ية للم سئولية المعرف ية ‪ -‬ينب غى أن يتواءم مع تلك‬
‫المنطلقات للمسهئولية المعرفيهة‪ ،‬بحيهث يصهبح دافعا لهها؛ نظرا لدوره الريادى فهى العمليهة‬
‫العلمية‪.‬‬

‫و فى إطار ال سلطة الشعب ية الكاش فة والم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية‪ ،‬فى ظل‬
‫اليمان بالحريهة المطلقهة للتعهبير‪ .‬فإن القائم بالتصهال يمارس دوره باعتباره وكيلً عهن‬
‫الجماهير لستقاء المعلومات من مصادرها المتاحة والكامنة‪ .‬أى أن القائم بالتصال ما هو إل‬
‫ممثهل للجماهيهر بموجهب « وكالة معرفيهة » للحصهول على المعرفهة ونقلهها كاملة للجماهيهر‬
‫صاحبة تلك المعرفة‪.‬‬

‫وينطلق مفهوم القائم بالت صال ‪ -‬كوك يل عن الجماه ير ‪ -‬من حقي قة أن الجماه ير على‬
‫الرغم من امتلكها لمكانية استقاء المعلومات ذاتيا من مصادرها وفقا للصلحيات الممنوحة لها‬
‫بمو جب التشريعات الم ساندة ل حق المعر فة‪ .‬إل أن هذه المه مة تتعارض مع الدوار الجتماع ية‬
‫المختل فة والمتفاو تة‪ ،‬وال تى تم يز نشاط كل فرد فى المجت مع‪ .‬ولذلك ت صبح فكرة تكل يف وك يل‬
‫للقيام بتلك المهمة بمثابة وسيلة إيجابية لتمكين الجماهير من ممارسة حقها فى المعرفة‪ ،‬دونما‬
‫تعارض مهع مها تفرضهه العباء الجتماع ية المتعددة على الفراد‪ .‬وبالتالى تبدو فكرة « الوكالة‬
‫المعرفية » بمثابة عقد اجتماعى تتنازل بموجبه الجماهير عن حقها فى استقاء المعرفة‪ ،‬وتكلف‬
‫ل وافيا لولئك الجماهيهر‬
‫بهه العلمييهن‪ ،‬فهى مقابهل التزام العلمييهن بنقهل تلك المعرفهة نق ً‬
‫‪-‬‬ ‫‪283‬‬ ‫‪-‬‬

‫( الموكلين )‪ .‬ولهذا تصبح أية محاولة للتدخل بالتعديل أو الحذف أو التحريف أو الضافة لتلك‬
‫المعرفة‪ .‬بمثابة تجاوز لحدود الوكالة المعرفية أو تراخى عن القيام بأعبائها‪.‬‬

‫لذلك فإن القاعدة المرشدة الصالحة لصياغة دور القائم بالتصال باعتباره وكيلً تتمثل‬
‫فى نموذج [ الجماهير كموكل ‪ -‬القائم بالتصال كوكيل ]‪ ،‬بحيث يمارس القائم بالتصال دوره‬
‫باعتباره وكيلً فى مواجهة الجماهير صاحبة التوكيل‪ ،‬ويتمحور موضوع تلك الوكالة فى نقل‬
‫المعرفة الوافية إلى الجماهير‪.‬‬

‫ويقدم نموذج [ الجماهيهر كموكهل ‪ -‬القائم بالتصهال كوكيهل ] مهن خلل تلك الثنائيهة‬
‫تحديدا دقيقا لبعاد الدور الذى ينبغهى أن يقوم بهه القائم بالتصهال؛ حتهى ل يرتبهط ذلك الدور‬
‫بأدوار أخرى تؤدى إلى تقليهص ذلك الدور السهاسى المتمثهل فهى النقهل الوافهى للمعرفهة إلى‬
‫الجماهير بموجب حدود الوكالة المعرفية‪.‬‬
‫ولعل أهم تلك الدوار الخرى الشائعة فى ضمير القائم بالتصال أو جماهير المتلقين‬
‫تتم ثل فى التعا مل مع المه نة العلم ية باعتبار ها ر سالة‪ ،‬وبالتالى ل ي صبح القائم بالت صال‬
‫م سئولً أمام جماه ير المتلق ين‪ ،‬وإن ما أمام ضميره باعتباره يمارس ر سالة سامية تمن حه سلطة‬
‫استثنائية بل مسئولية ظاهرة‪ .‬وليس من قبيل المبالغة أن نقرر أن أشد الخطار التى يمكن أن‬
‫تح يق بالع مل العل مى‪ ،‬تتم ثل فى إ سباغ صفة الر سالة على مه نة العلم‪ ،‬والترو يج لهذه‬
‫ال صفة فى أذهان كلٍ من العلمي ين وجماه ير المتلق ين‪ .‬وتن بع هذه الخطورة من حقي قة أن‬
‫المتياز النسانى المتمثل فى التمسك بالمبادئ والقيم ‪ -‬انطلقا من الوازع الشخصى ورقابة‬
‫الضمير‪ ،‬دونما أية رقابة خارجية ‪ -‬ما هو إل مثالية مجردة تتناقض مع حقائق المور‪ ،‬تلك‬
‫الحقائق ال تى تقرر بأن المتياز الن سانى عُملة نادرة‪ ،‬وأن الضم ير الن سانى فى حا جة إلى‬
‫منشطات خارجية دائما ( القانون ‪ -‬الرقابة ‪ -‬العقاب ) حتى يمتلك اليقظة والنتباه‪ .‬وبالتالى‬
‫فإن التعامصل مصع القائم بالتصصال باعتباره مكلفا برسصالة تخضصع لرقابصة ضميره الشخصصى‪،‬‬
‫بمثابة خطأ فادح ودعوة للفساد والفساد تظللها شعارات فارغة وزائفة‪ .‬ذلك أن الثقة فى‬
‫التزام القائم بالتصصال بدوره المتمثصل فصى الوكالة المعرفيصة ينبغصى أن يقوم على إجراءات‬
‫عملية وليس شعارات مثالية‪.‬‬

‫وي ساهم نموذج [ الجماه ير كموكل ‪ -‬القائم بالت صال كوك يل ] بدر جة كبيرة فى نزع‬
‫هذه الصفة الرسالية عن القائم بالتصال‪ .‬مما يطبع دوره بالواقعية ويضعه فى حدود المسئولية‬
‫المعرفية فى مواجهة الجماهير صاحبة الحق فى المعرفة‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪284‬‬ ‫‪-‬‬

‫وانطلقا من هذا الطار الذى ل يخضع فيه القائم بالتصال لرقابة ضميره الشخصى‪،‬‬
‫بل لرقابة الجماهير صاحبة الوكالة المعرفية‪ .‬فإن قيام الجماهير بصياغة العديد من الجراءات‬
‫العمل ية ال تى تت يح ل ها مراق بة مدى التزام القائم بالت صال بحدود الوكالة المعرف ية‪ ،‬أو تق صيره‬
‫فى القيام بأعبائ ها ت صبح ضرورة عمل ية يفرض ها وا قع الع مل العل مى الذى يضطلع بأدائه‬
‫بشر يكتنف أعمالهم الخطأ والخطيئة بنفس الدرجة التى قد يكللها الصواب والصلح‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬جمـاهيـر المتلقيـن‪:‬‬


‫يمثهل جماهيهر المتلقيهن الطرف الفاعهل الخهر فهى العمليهة العلميهة‪ .‬ويتيهح التقدم‬
‫التكنولوجى الهائل فى حقل التصال العلمى الفرصة لجماهير المتلقين لتجاوز الدور السلبى‬
‫الذى فرض ته البعاد المحدودة لو سائل الت صال التقليد ية‪ .‬وذلك ب ما تطر حه و سائل الت صال‬
‫الحدي ثة ‪ -‬ممثلة فى شبكات المعلومات ‪ -‬من قدرة فائ قة على الت صال التفاعلى ب ين القائم ين‬
‫بالتصال وجماهير المتلقين‪.‬‬

‫وانطلقا من مفهوم المسئولية المعرفية الذى يتبنى ضرورة قيام النظم العلمية بنقل‬
‫معرفة وافية إلى جماهير المتلقين‪ .‬فإن جماهير المتلقين ‪ -‬كطرف فاعل بالنظام العلمى‪ ،‬فى‬
‫مواجهة المؤسسات العلمية كطرف اعتبارى ‪ -‬يصبح عليها مسئولية جديدة تتجاوز ما هو‬
‫أب عد من مجرد التفا عل الذى توفره التجهزات التكنولوج ية الحدي ثة‪ .‬فالتفا عل مه ما أ سفر عن‬
‫نتائج إيجابيهة‪ ،‬فإنهه ل يتجاوز حدود التفاعهل اللفظهى أو المطبوع الذى ل يملك وسهائل ماديهة‬
‫إيجابية للتأثير والتغيير‪ .‬وبالتالى يظل زمام المبادرة مرهونا بمدى رغبة المؤسسات العلمية‬
‫فى الستجابة لتطلعات المتلقين‪ .‬لكن فى ظل ما تطرحه المسئولية المعرفية من حرية مطلقة‬
‫للتعهبير فهى مقابهل التزام النظهم العلميهة بمسهئوليتها المعرفيهة؛ فإن مجرد توفيهر القنوات‬
‫التفاعلية للسماح لجماهير المتلقين بالشتراك فى فاعليات الرسالة العلمية بالنقد أو بالتأييد لم‬
‫يُ عد كافيا‪ .‬ح يث يطرح مفهوم الم سئولية المعرف ية على المتقل ين‪ ،‬م سئولية القيام بدور يتجاوز‬
‫التفاعل ية اللفظ ية أو المطبو عة‪ ،‬لي صل إلى الفاعل ية العمل ية‪ .‬ا ستنادا إلى القاعدة المرشدة ال تى‬
‫تتمثل فى نموذج [ المتلقى ‪ -‬الفاعلية ]‪ .‬حيث إن مفهوم الفاعلية يتض من ضرورة اضطلع‬
‫جماعات المتلقيهن بنشاط عملى إيجابهى‪ ،‬لضمان التزام المؤسهسات العلميهة بدورهها فهى‬
‫النقهل الوافهى للمعرفهة إلى الجماهيهر‪ .‬ويتهم ذلك مهن خلل قيام جماعات المتلقيهن بتكويهن‬
‫« المنظمات المدنيهة » أو « الجمعيات الهليهة » الحاميهة لمفهوم المسهئولية المعرفيهة للنظهم‬
‫العلم ية‪ .‬بح يث تتولى تلك المنظمات أو الجمعيات ‪ -‬ال تى ستعتبر فرعا من فروع منظمات‬
‫المجتمع المدنى ‪ -‬حماية البعاد العملية للمسئولية المعرفية للنظم العلمية‪ .‬وذلك من خلل‬
‫‪-‬‬ ‫‪285‬‬ ‫‪-‬‬

‫أضطلع كهل جمعيهة بحمايهة أحهد تلك البعاد العمليهة‪ ،‬أو إنشاء وحدات متخصهصة فهى كهل‬
‫جمعية لحماية بُعد من هذه البعاد‪.‬‬

‫ومهن هذا المنطلق فإن الجمعيات الهليهة أو منظمات المجتمهع المدنهى التهى يمكهن‬
‫تنظيمها لحماية المسئولية المعرفية للنظم العلمية يمكن أن تدور أنشطتها على النحو التالى‪:‬‬

‫(‪ )1‬جمعيات حماية المسئولية المعرفية للنظم العلمية‪:‬‬


‫حيهث تتولى تلك الجمعيات متابعهة مدى التزام النظهم العلميهة بمسهئوليتها المعرفيهة‬
‫المتمثلة فهى النقهل الوافهى للمعرفهة‪ .‬ويتهم ذلك مهن خلل أسهاليب قياسهية معينهة لقياس درجهة‬
‫المعرفة الكامنة فى مجمل الرسائل العلمية التى ينشرها النظام العلمى‪ ،‬وسنعرض لتلك‬
‫السهاليب القياسهية فهى الفصهل التالى‪ ،‬وبذلك تصهبح تلك الجمعيات بمثابهة عامهل ضغهط على‬
‫النظم العلمية لدفعها للرتقاء بمسئوليتها المعرفية‪.‬‬

‫(‪ )2‬جمعيات حماية المسئولية المعرفية للمؤسسات العلمية‪:‬‬


‫وتتولى تلك الجمعيات متابعهههة مدى التزام المؤسهههسات العلميهههة بنموذج‬
‫[ الر بح ‪ -‬المعر فة ]‪ ،‬وذلك من خلل التأ كد من ن شر المؤ سسات العلم ية لتعاقدات ها مع‬
‫المؤسهسات العلميهة‪ ،‬ونشهر قوائم بأسهماء الشركات المعلنهة‪ ،‬أو مُلك المؤسهسة‪ ،‬أو نشهر‬
‫الموضوعات النتقاد ية المتعل قة بالمؤ سسة ذات ها أو مُلك ها‪ ،‬وال تى قا مت بنشر ها المؤ سسات‬
‫الخرى‪.‬‬

‫(‪ )3‬جمعيات حماية المسئولية المعرفية للقائمين بالتصال‪:‬‬


‫حيث تتولى تلك الجمعيات متابعة التزام القائمين بالتصال بنموذج [ الجماهير كموكل‬
‫القائم بالتصهال كوكيهل ]‪ ،‬وذلك مهن خلل المبادرة بكشهف الممارسهات السهلبية للقائميهن‬
‫بالتصهال الذيهن ل يلتزمون بحدود الوكالة المعرفيهة‪ ،‬وطلب تقديمههم للمسهاءلة التأديبيهة فهى‬
‫النقابات المهنية‪.‬‬

‫(‪ )4‬جمعيات حماية المسئولية المعرفية للرسائل العلمية‪:‬‬


‫وتتولى تلك الجمعيات الض غط على المؤ سسات العلم ية لن شر الر سائل الخلف ية من‬
‫خلل قيامهها بتلقهى شكاوى العلمييهن أو المواطنيهن الذيهن مُنعهت أعمالههم التحريريهة‬
‫أو م ساهماتهم النقد ية‪ .‬ك ما تتولى الم ساعدة على توف ير الد فع القانو نى أمام جهات القضاء فى‬
‫حالة رفهع القضايها مهن إحدى الجهات أو الفراد ضهد المؤسهسات العلميهة التهى تمتنهع عهن‬
‫النشر‪ ،‬وتتخاذل عن القيام بأعباء مسئوليتها المعرفية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪286‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )5‬جمعيات حماية المسئولية المعرفية للرسائل العلنية‪:‬‬


‫وتتولى تلك الجمعيات رقابههة مدى قيام المؤسههسات العلميههة بتحقيههق نموذج‬
‫[ الجودة ‪ /‬المثيهر ‪ -‬القدرة ‪ /‬السهتجابة ]‪ ،‬وممارسهة الضغهط على تلك المؤسهسات لدفعهها إلى‬
‫اللتزام بتزويهد المسهتهلكين بالمعلومات اللزمهة حول جودة السهلع وقيمتهها السهعرية‪ .‬وفهى هذا‬
‫الطار ينبغصى على تلك الجمعيات ممارسصة الضغصط السصياسى؛ مصن أجصل إصصدار تشريعات تُلزم‬
‫المؤ سسات العلم ية باقتطاع ن سبة معلو مة من إيرادات ها العلن ية‪ ،‬وتخ صيصها لنشاء لجان‬
‫تكون مهمتها تكوين تصنيفات لمعايير الجودة السلعية وإعداد قوائم توضح ترتيب كل سلعة من‬
‫حيث درجة الجودة‪ ،‬على أن تخضع تلك اللجان لرقابة جمعيات حماية المسئولية المعرفية للرسائل‬
‫العلنية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪ ...‬وفى نفس هذا الطار‪ ..‬يمكن تكوين جمعيات حماية المسئولية المعرفية للرسائل‬
‫الدراميههة‪ ،‬والتههى تتولى متابعههة اللتزام بتطههبيق المؤسههسات العلميههة لنموذج‬
‫[ الر سالة ‪ -‬المعلومات المرجع ية ] فى مجال الر سائل الدرام ية ال سياسية أو التاريخ ية‪.‬‬
‫أو نموذج [ الرسهالة ‪ -‬التغليهف ] فهى مجال الرسهائل العنيفهة أو فوق السهنية أو الباحيهة‪.‬‬
‫وممارسهة الضغهط على المؤسهسات العلميهة المخال فة لدفعهها إلى اللتزام بذلك‪ ،‬أو بإصهدار‬
‫النشرات الدور ية للقاء الضوء على المؤ سسات العلم ية ال تى تتجا هل تنف يذ تلك اللتزامات‪.‬‬
‫ك ما يم كن تكو ين جمعيات حما ية الم سئولية المعرف ية للر سائل الخبار ية‪ ،‬وال تى تتولى متاب عة‬
‫مدى قيام المؤ سسات العلم ية بتحق يق التوازن فى عرض ها للموضوعات والقضا يا المختل فة‬
‫وفقا لمبدأ ( العرض المتوازن )‪ ،‬ونشهر المخالفات التهى ترتكبهها المؤسهسات العلميهة فهى‬
‫نشرات دور ية‪ .‬بالضا فة إلى تكو ين جمعيات الحما ية من الثار الضارة للر سائل العلم ية‪،‬‬
‫وال تى تتولى ممار سة الض غط على المؤ سسات العلم ية لللتزام بت طبيق التدخلت العلم ية‬
‫المناسبة لتخفيف الثار الضارة المحتملة لبعض الرسائل العلمية‪.‬‬

‫‪ ...‬وبهذا فإن نموذج [ المتلقى ‪ -‬الفاعلية ] يطرح تكوين دوائر فاعلة من جماعات‬
‫المتلقين تضطلع بدور إيجابى لحماية حقوق الجماهير فى المعرفة‪ ،‬من خلل المتابعة المستمرة‬
‫لنشطة المؤسسات العلمية‪ ،‬سواء أكانت بالرقابة الشعبية لضمان النقل الوافى للمعرفة‪ ،‬أم‬
‫بالضغط والدعاوى القضائية‪.‬‬
‫وبذلك يتطور الدور اليجابى لجماهير المتلقين من مجرد التفاعل إلى الفاعلية العملية‪،‬‬
‫التى تكفل وتضمن التزام المؤسسات العلمية بمسئوليتها المعرفية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪287‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪‬‬

‫خاتمـة الفصـل الثـامن‪:‬‬


‫توصهلت الدراسهة مهن خلل مراجعهة الدوار التهى تقوم بهها كافهة أطراف العمليهة‬
‫العلم ية‪ ،‬إلى عدد من ال ساليب العمل ية ( الكيف ية ) ال تى تض من التزام تلك الطراف بالن قل‬
‫الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫فعلى مسهتوى الرسهائل العلميهة توصهلت الدراسهة إلى أن مراجعهة دور الرسهائل‬
‫العلمية ‪ -‬باعتبارها الطرف المعرفى فى البعاد العملية لمفهوم المسئولية المعرفية ‪ -‬يطرح‬
‫أهمية استحداث عدد من النماذج والقواعد المرشدة التى تجعل الرسائل العلمية تحقق النقل‬
‫ل ‪ -‬المعر فة أخيرا ‪ -‬المعر فة‬
‫الوا فى للمعر فة‪ .‬ح يث ا ستحدثت الدرا سة نموذج [ المعر فة أو ً‬
‫فقط ] باعتباره قاعدة مرشدة للرسائل العلمية فى استهدافها الوحيد للمعرفة‪.‬‬

‫كما استحدثت الدراسة نموذج [ حرية الرسالة ‪ -‬احتمالت التأثير ‪ -‬التدخل العلمى ]‬
‫وهو نموذج استفهامى متدرج يسمح من خلل الجابة على خمسة تساؤلت بدراسة احتمالت‬
‫التأثير الضار للرسالة العلمية عند نشرها‪ .‬بحيث إذا ثبت أن الرسالة العلمية سينشأ عنها‬
‫أثر مادى مباشر ضار بالشخاص والممتلكات‪ ،‬فإن هذا يستدعى إجراء تدخلت تحريرية على‬
‫ها مش الر سالة العلم ية لمحاولة تخف يف هذه الضرار‪ ،‬ول كن بشرط أن ل يكون من ض من‬
‫خيارات التدخل العلمى ممارسة أى صورة من صور الحظر لتلك الرسالة العلمية‪.‬‬
‫هد على نموذج [ الحدث ‪-‬‬
‫هة « مبدأ العرض المتوازن » الذى يعتمه‬
‫هتحدثت الدراسه‬
‫ها اسه‬
‫كمه‬
‫الطراف ] والذى يمكن استخدامه كنموذج إرشادى عند الصياغة التحريرية للرسائل العلمية‬
‫الخبارية أو التحقيقات العلمية أو البرامج الحوارية الخلفية‪ ،‬بما يضمن تحقق النقل الوافى‬
‫للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪.‬‬

‫كما استحدثت الدراسة نموذج [ الرسالة الدرامية ‪ -‬المعلومات المرجعية ] والذى يمكن‬
‫ا ستخدامه كنموذج إرشادى ع ند عرض العمال الدرام ية التاريخ ية أو ال سياسية‪ ،‬ب ما يض من‬
‫توفير معرفة وافية للمتلقى حول المصادر المادية أو النسانية التى تم الستناد إليها عند كتابة‬
‫العمل الدرامى‪.‬‬

‫ك ما ا ستحدثت الدرا سة نموذج [ الر سالة الدرام ية ‪ -‬التغل يف ] والذى يم كن ا ستخدامه‬


‫كنموذج إرشادى عنهد عرض العمال الدراميهة الباحيهة أو التهى تتضمهن مشاههد جنسهية‬
‫أو موضوعات جنسية‪ ،‬وعند عرض دراما العنف أو الدراما فوق السنية والتى ل تتناسب مع‬
‫فئات عمرية معينة‪ .‬بحيث يوفر ذلك النموذج المكانية لوضع تلك العمال فى سياق تحذيرى‬
‫‪-‬‬ ‫‪288‬‬ ‫‪-‬‬

‫يتضمن تغليفها بالشارات التحذيرية التى توضح مضمونها‪ ،‬بما يضمن توفير الفرصة لتجنبها‬
‫من الفئات التى ل ترغب فى التعرض لها‪.‬‬

‫كما استحدثت الدراسة نموذج [ الجودة ‪ /‬المثير ‪ -‬القدرة ‪ /‬الستجابة ] والذى يضمن‬
‫عرض معر فة واف ية عن مضمون الر سائل العلن ية‪ .‬بح يث ي تم و ضع ال سلعة فى مواج هة‬
‫المستهلك فى ظل علقة إيجابية ل تتجاهل حق المعلن فى محاولة إبراز السلعة وتجميلها‪ ،‬ول‬
‫تتجاهل حق المستهلك فى معرفة المواصفات الخاصة بالسلعة ومدى جودتها وقيمتها السعرية‪.‬‬

‫وعلى مستوى وسائل العلم‪ ،‬توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور وسائل العلم ‪-‬‬
‫باعتبارها الطرف التكنولوجى فى البعاد العملية لمفهوم المسئولية المعرفية ‪ -‬يطرح استحداث‬
‫نموذج [ النطاق الواسع ‪ -‬النطاق الضيق ]‪ ،‬والذى يعنى أن النظام العلمى يضمن أن تكفل‬
‫وسهائله العلميهة فهى مجموعهها نطاقهى العلم الجماهيرى الواسهع المتوجهه إلى الجماهيهر‬
‫العريضهة رغهم اختلف خصهائصها‪ ،‬والعلم الجماهيرى الضيهق المتخصهص الموجهه إلى‬
‫جماعات نوعية من الجماهير وفقا لخصائصها وسماتها وانتماءاتها‪.‬‬

‫وعلى مستوى المؤسسات العلمية‪ ،‬توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور المؤسسات‬
‫العلميهة ‪ -‬باعتبارهها الطرف العتبارى فهى البعاد العمليهة لمفهوم المسهئولية المعرفيهة ‪-‬‬
‫يطرح اسهتحداث نموذج [ الربهح ‪ -‬المعرفهة ]‪ ،‬والذى يضمهن العتراف بحهق المؤسهسات‬
‫العلم ية فى الر بح‪ ،‬فى مقا بل التزام ها بم سئولية الن قل الوا فى للمعر فة‪ .‬و قد قد مت الدرا سة‬
‫عددا من الجراءات التنظيم ية ال تى ينب غى التزام المؤ سسات العلم ية ب ها ح تى يم كن تفع يل‬
‫هذا النموذج‪.‬‬

‫وعلى مستوى القائم بالتصال توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور القائم بالتصال ‪-‬‬
‫باعتباره يمثل أحد الطراف الفاعلة فى البعاد العملية لمفهوم المسئولية المعرفية ‪ -‬يطرح تبنى‬
‫نموذج [ الجماه ير كمو كل ‪ -‬القائم بالت صال كوك يل ]‪ ،‬والذى يض من ممار سة القائم بالت صال‬
‫ل فى مواج هة الجماه ير صاحبة التوك يل‪ ،‬ويتمحور موضوع تلك‬
‫لدوره العل مى باعتباره وكي ً‬
‫الوكالة حول النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية إلى تلك الجماهير‪.‬‬

‫وعلى مستوى جماهير المتلقين توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور جماهير المتلقين ‪-‬‬
‫باعتبارههم يمثلون الطراف الفاعلة فهى البعاد العمليهة لمفهوم المسهئولية المعرفيهة ‪ -‬يطرح‬
‫تبنهى نموذج [ المتلقهى ‪ -‬الفاعليهة ] والذى يضمهن اضطلع جماهيهر المتلقيهن بنشاط عملى‬
‫إيجا بى لضمان التزام المؤ سسات العلم ية بدور ها فى الن قل الوا فى للمعر فة‪ .‬بح يث يتجاوز‬
‫‪-‬‬ ‫‪289‬‬ ‫‪-‬‬

‫هذا الدور الجديهد التفاعليهة اللفظيهة أو المطبوعهة المتاحهة للمتلقيهن حاليا‪ ،‬ليرتقهى إلى إطار‬
‫الفاعل ية العمل ية المتمثلة فى إنشاء الجمعيات والمنظمات والمرا كز ال تى تتولى متاب عة أنش طة‬
‫المؤسسات العلمية لضمان التزامها بمسئولية النقل الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫ولكن إذا كان كل من الطابع المعرفى لمسئولية النظم العلمية‪ ،‬وكذلك البعاد العملية‬
‫لتلك الم سئولية‪ ،‬ه ما اللذان يضمنان قيام تلك الن ظم بوظيفت ها فى المجت مع بكفاءة نوعيا وكيفيا‬
‫( بالترت يب )‪ .‬فإن الع مل على ا ستحداث أ ساليب وأدوات قيا سية‪ ،‬لقياس در جة التزام الن ظم‬
‫العلميهة بوظيفتهها فهى المجتمهع‪ ،‬ههو الذى سهيتيح المكانيهة لمتابعهة مدى التزام تلك النظهم‬
‫بوظيفت ها فى المجت مع ( كميا )‪ .‬وبذلك تكت مل الثلث ية ال تى تع طى صورة واض حة عن مدى‬
‫كفاءة الن ظم العلم ية فى ممار ستها لوظيفت ها فى المجت مع ( نوعيا وكيفيا وكميا )‪ ،‬أو بت عبير‬
‫آخر ( معرفيا وعمليا وقياسيا )‪.‬‬

‫وسنقدم فى الفصل التالى الدوات القياسية التى يمكن من خللها اكتمال تلك الثلثية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪290‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفصـل التاسـع‬

‫الدوات القيــاسيــة‬
‫لمفهوم المسئولية المعرفية للنظــم‬
‫العلميــة‬
‫( أسـاليب القيـاس العـلمى )‬

‫محتـويـات الفصـل التاسـع‬


‫مقـدمـة الفصـل التاسـع‬
‫المبحـــــــث أسـاليب قياس المتغيرات المؤثرة على‬
‫القدرات المعرفية للنظم العلمية‬ ‫الول‪:‬‬

‫المبحـــــــث مقياس القيمـــــة الماديـــــة النســـــبية‬


‫الثانــــــــى‪ :‬للمعلومات العلميـــــــــــة المحظورة‬
‫بالمؤسسات العلمية‬
‫المبحـــــــث مقياس حرية النظم العلمية‬
‫الثالث‪:‬‬
‫المبحـــــــث الســاليب الحتماليــة لتوصــيف التدخــل‬
‫الرابـــــــــع‪ :‬العلمـــى فـــى مواجهـــة الثار الضارة‬
‫المحتملة للرسائل العلمية‬
‫خـاتمــة الفصـل التاسـع‬
‫‪-‬‬ ‫‪291‬‬ ‫‪-‬‬

‫مقدمـة‬
‫الفصـل التـاســع‬

‫تعتهبر مسهئولية النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة ههى المسهئولية‬
‫الوحيدة المنو طة بالن ظم العلم ية‪ ،‬ب ما يح قق كفاءت ها النوع ية المتمثلة فى اللتزام بالم سئولية‬
‫المعرف ية‪ .‬ول قد أوض حت البعاد العمل ية للم سئولية المعرف ية القوا عد المرشدة ال تى ينب غى أن‬
‫تلتزم ب ها كا فة أطراف العمل ية العلم ية‪ ،‬ب ما يح قق تلك الكفاءة الكيف ية ويض من الن قل الوا فى‬
‫للمعر فة‪ .‬ول كن النظرة الواقع ية تقرر أن غياب أ ية أ ساليب لقياس مدى قيام الن ظم العلم ية‬
‫بمسئوليتها المعرفية‪ ،‬سيؤدى إلى عدم فاعلية تلك المسئولية أو قواعدها المُرشدة وتحوّلها إلى‬
‫قواعد نظرية مجردة غير قابلة للتطبيق‪ .‬لذا كان من الضرورى محاولة صياغة أساليب قياسية‬
‫توفر المكانية لمتابعة درجة التزام النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية‪ ،‬كما تقدم للمؤسسات‬
‫العلمية طرقا قياسية يمكنها من خللها تجنب الثار الضارة المحتملة للنقل الوافى للمعرفة‬
‫الكامنهة ببعهض الرسهائل العلميهة‪ ....‬وسهنعرض فيمها يلى لعدد مهن السهاليب القياسهية فهى‬
‫المباحث التالية‪.‬‬

‫وانطلقا من هذا التصور‪ ،‬فقد تم تقسيم الفصل الماثل إلى أربعة مباحث‪ .‬المبحث الول‬
‫بعنوان‪ :‬أ ساليب قياس المتغيرات المؤثرة على القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية‪ ،‬ويدور حول‬
‫تقديم طرق رياضية لقياس قيمة المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية‪ .‬والمبحث‬
‫الثانهى بعنوان‪ :‬مقياس القيمهة الماديهة النسهبية للمعلومات العلميهة المحظورة بالمؤسهسات‬
‫العلميهة‪ ،‬ويدور حول القيمهة الماديهة المفترضهة المترتبهة على حظهر المعلومات العلميهة‪.‬‬
‫والمبحهث الثالث بعنوان‪ :‬مقياس حريهة النظهم العلميهة‪ ،‬ويقدم طريقهة رياضيهة للمقارنهة بيهن‬
‫م ستويات الحر ية المختل فة فهى الن ظم العلم ية المتشاب هة أو المتباي نة كيفيا‪ .‬والمب حث الرا بع‬
‫بعنوان‪ :‬السهاليب الحتماليهة لتوصهيف التدخهل العلمهى فهى مواجههة الثار الضارة المحتملة‬
‫للرسائل العلمية‪ ،‬ويدور حول تقديم طريق رياضية يمكن من خللها وصف التدخل العلمى‬
‫المنا سب الذى يم كن للقائم بالت صال والمؤ سسة العلم ية ممار سته للتقل يل من الثار الضارة‬
‫المحتملة لبعض الرسائل العلمية التى تنتهك الحقوق المضادة للحقوق العلمية‪.‬‬

‫وسنعرض فيما يلى لتلك المباحث‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪292‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحث الول‬
‫أساليب قياس المتغيرات المؤثرة على القدرات المعرفية‬
‫للنظم العلمية‬

‫أوضحنا فى المبحث الول من الفصل الرابع العلقة الرياضية التى توضح المتغيرات الوظيفية‬
‫الحاكمة ( التابعة والمستقلة ) فى بنية النظام العلمى‪ .‬والتى انتظمت رياضيا وفقا للنحو التالى‪:‬‬
‫القدرات المعرفية للنظم العلمية = درجة شفافية النظام × قدراته‬
‫التكنولوجية‬
‫وحتى يمكن ضمان مدى كفاءة النظم العلمية فى قيامها بوظيفتها فى المجتمع ( كميا )‪ ،‬فإنه‬
‫يصبح من الهام التوصل إلى طريقة حسابية يمكن من خللها تقدير قيم هذه المتغيرات‪.‬‬

‫ويوضح الشكل التالى نوعية ومسار المعلومات العلمية فى النظم العلمية كالتالى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪293‬‬ ‫‪-‬‬

‫حيث يوضح الشكل رقم (‪ )1‬أن هناك ثلث نوعيات من المعلومات كالتالى‪:‬‬
‫المعلومات العلمية الخام‪ :‬وهى المعلومات ذات ( القيمة العلمية )‪ ،‬التى تدل على‬ ‫•‬
‫مج مل أنش طة المجت مع فى كا فة المجالت‪ .‬وتكون ن سبة المعر فة الكام نة بهذه المعلومات‬
‫نسبة مطلقة‪ ،‬لكونها معلومات خام لم تتعرض بعد لية قيود‪ ....‬وبالتالى فإن نسبة المعرفة‬
‫الكامنة بها = ‪1‬‬

‫المعلومات العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية‪ :‬وهى المعلومات التى لم تعترضها‬ ‫•‬
‫القيود المعرف ية المجتمع ية‪ ،‬نتي جة عدم مخالفت ها ل كل من القيود التشريع ية أو القيود العمل ية‬
‫ال سارية فى المجت مع‪ .‬وتكون ن سبة المعر فة الكام نة بهذه المعلومات أ قل من ن سبة المعر فة‬
‫الكامنة بالمعلومات العلمية الخام‪.‬‬

‫المعلومات العلمية المنشورة‪ :‬وهى المعلومات التى لم تعترضها القيود الذاتية التى‬ ‫•‬
‫تمارسهها المؤسهسات العلميهة‪ ،‬نتيجهة عدم مخالفتهها لتلك القيود‪ .‬وتكون نسهبة المعرفهة‬
‫الكامنهة بهذه المعلومات أقهل مهن نسهبة المعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة الداخلة‬
‫للمؤسسات العلمية‪.‬‬

‫ونستخلص من نسبة المعرفة الكامنة بكل نوعية من هذه المعلومات النتائج التالية‪:‬‬

‫إن‪ :‬نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية الخام = ‪1‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫إن‪ :‬نسهبة المعرفهة الكامنهة فهى المعلومات العلميهة الداخلة للمؤسهسات العلميهة‬ ‫(‪)2‬‬
‫( أصغر من أو تساوى ) نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية الخام‪ .‬وذلك‬
‫بسبب التأثير الذى تمارسه ( القيود المجتمعية )‪ .‬وإذا جاز لنا أن نطلق على هذا التأثير‬
‫« درجة شفافية المجتمع »‪ .‬فإن هذا يعنى رياضيا التى‪:‬‬
‫إن‪ :‬نســـبة المعرفـــة الكامنـــة فـــى المعلومات العلميـــة الداخلة‬
‫للمؤسسات العلمية =‬
‫نسـبة المعرفـة الكامنـة فـى المعلومات العلميـة الخام × درجـة شفافيـة‬
‫المجتمع‬
‫ونظرا لن‪ :‬نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية الخام = ‪1‬‬
‫إذن‪ ..‬فإن‪ :‬نسـبة المعرفـة الكامنـة الكامنـة فـى المعلومات العلميـة‬
‫الداخلة للمؤسسات العلمية =‬
‫درجة شفافية المجتمع‬
‫إن‪ :‬نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية المنشورة ( أصغر من أو تساوى )‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪294‬‬ ‫‪-‬‬

‫نسهبة المعرفهة الكامنهة فهى المعلومات العلميهة الداخلة للمؤسهسات العلميهة‪ .‬وذلك‬
‫ب سبب التأث ير الذى تمار سه ( القيود الذات ية )‪ .‬وإذا جاز ل نا أن نطلق على هذا التأث ير‬
‫« درجة شفافية المؤسسات العلمية »‪ .‬فإن هذا يعنى رياضيا التى‪:‬‬
‫إن‪ :‬نســبة المعرفــة الكامنــة فــى المعلومات العلميــة المنشورة =‬
‫نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات‬
‫العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية × درجة شفافية المؤسسات‬
‫العلمية‬
‫ونظرا لن‪:‬‬
‫نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية الداخلة للمؤسسات‬
‫العلمية = درجة شفافية المجتمع‬
‫فإن‪ :‬نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية المنشورة =‬
‫درجة شفافية المجتمع × درجة شفافية المؤسسات‬

‫إن‪ :‬نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية المنشورة ( أصغر من أو تساوى )‬ ‫(‪)4‬‬
‫ن سبة المعر فة الكام نة فى المعلومات العلم ية الخام‪ .‬وذلك ب سبب التأث ير الذى تمار سه‬
‫القيود المعرف ية‪ .‬ول قد سبق وأن أطلق نا على هذا التأث ير « در جة شفاف ية النظام العل مى‬
‫»‪ .‬وبالتالى فإن هذا يعنى رياضيا التى‪:‬‬
‫إن‪ :‬نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية المنشورة =‬
‫نسـبة المعرفـة الكامنـة فـى المعلومات العلميـة الخام × درجـة شفافيـة‬
‫النظام العلمى‬
‫أى أن‪ :‬نسصبة المعرفصة الكامنصة فصى المعلومات العلميصة المنشورة = درجصة شفافيصة‬
‫النظام‬
‫ونظرا لن‪ :‬نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية المنشورة‬
‫=‬
‫درجة شفافية المجتمع × درجة شفافية المؤسسات العلمية‬
‫فإن هذا يعنى إن‪ :‬درجة شفافية النظام العلمى =‬
‫درجة شفافية المجتمع × درجة شفافية المؤسسات العلمية‬

‫ونظرا لن‪:‬‬
‫القدرات المعرفية للنظام العلمى =‬
‫درجة شفافية النظام العلمى × القدرات التكنولوجية للنظام العلمى‬
‫إذن‪:‬‬
‫القدرات المعرفية للنظام العلمى =‬
‫درجـة شفافيـة المجتمـع × درجـة شفافيـة المؤسـسات العلميـة × القدرات‬
‫التكنولوجية للنظام العلمى‬
‫‪-‬‬ ‫‪295‬‬ ‫‪-‬‬

‫وهذا يعنى أنه ينبغى التوصل إلى قيم هذه المتغيرات الثلثة‪ ..‬حتى يمكن الوصول إلى‬
‫قيمة « القدرات المعرفية للنظم العلمية »‪.‬‬

‫و سنعرض في ما يلى لعدد من ال ساليب التقدير ية ال تى يم كن من خلل ها التو صل إلى‬


‫حساب تقديرى لقيم هذه المتغيرات‪ ..‬وذلك وفقا للنحو التالى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪296‬‬ ‫‪-‬‬

‫أولً‪ :‬الحساب التقديرى لدرجة شفافية المجتمع‪:‬‬


‫تشير « درجة شفافية المجتمع » إلى التأثير الذى تمارسه نسبة القيود المجتمعية غير‬
‫الفاعلة على نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية الخام‪ .‬ونظرا لن القيود المجتمعية‬
‫تضهم نوعيهن مهن القيود‪ :‬القيود التشريعيهة والقيود العمليهة‪ .‬فإن هذا يعنهى أن درجهة شفافيهة‬
‫المجت مع تخ ضع لتأث ير مزدوج من كل من ن سبة القيود التشريع ية غ ير الفاعلة ون سبة القيود‬
‫العملية غير الفاعلة‪ .‬وبالتالى فإن المتوسط الحسابى الناتج عن مجموع نسب عدم فاعلية هذين‬
‫القيدين سيمثل القيمة التقديرية لدرجة شفافية المجتمع‪.‬‬

‫و سنعرض في ما يلى لل سلوب التقديرى لح ساب كل من ن سبة القيود التشريع ية غ ير‬


‫الفاعلة‪ ،‬ونسبة القيود العملية غير الفاعلة‪.‬‬

‫(‪ )1‬الحساب التقديرى لنسبة القيود التشريعية غير الفاعلة‪:‬‬


‫يمكن حساب نسبة القيود التشريعية غير الفاعلة فى أى نظام إعلمى من خلل حصر‬
‫التشريعات المقيدة للحقوق العلم ية للن سان‪ ،‬تلك الحقوق ال تى تم ثل سلطة الن ظم العلم ية‪،‬‬
‫وبالتالى تؤدى تلك التشريعات إلى حجب نسبة من المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية الخام‪.‬‬
‫ومن خلل دراسة مدى عدم فاعلية هذه القيود فى النظام العلمى محل الدراسة‪ ،‬يتم حساب‬
‫نسبة القيود التشريعية غير الفاعلة‪.‬‬

‫ويم كن درا سة مدى عدم فاعل ية القيود التشريع ية من خلل ت صميم جدول ي ضم تلك‬
‫القيود مجتمعة‪ ،‬ثم حساب درجة عدم فاعليتها من خلل مقياس ثلثى يعطى النسب التالية‪:‬‬

‫• قيود تشريعية غير فاعلة = ‪1‬‬

‫‪2‬‬‫• قيود تشريعية فاعلة نسبيا = ‪/1‬‬


‫• قيود تشريعية فاعلة = صفر‬

‫بمها يعنهى أن القيود التشريعيهة الفاعلة = صهفر‪ .‬لنهها تحجهب تماما المعرفهة الكامنهة‬
‫بالمعلومات العلميهة الخام ‪ -‬والتهى تكون محلً لتلك القيود ‪ -‬مهن الدخول إلى المؤسهسات‬
‫العلمية‪.‬‬
‫وذلك بخلف القيود التشريعيهة غيهر الفاعلة التهى ل تحجهب نسهبة المعرفهة الكامنهة‬
‫بالمعلومات العلمية الخام؛ وذلك لعدم فاعليتها‪ ..‬وبخلف القيود التشريعية الفاعلة نسبيا التى‬
‫تمارس تأثيرا متعادلً ما بين الحجب وعدم الحجب‪.‬‬
‫وبالتالى‪ ..‬فمن خلل تقدير قيمة المتوسط الحسابى لتلك القيم التقديرية؛ يمكن الوصول‬
‫‪-‬‬ ‫‪297‬‬ ‫‪-‬‬

‫إلى نسبة القيود التشريعية غير الفاعلة فى النظام العلمى محل الدراسة‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪298‬‬ ‫‪-‬‬

‫ويوضح الجدول رقم (‪ )3‬ما سبق إيضاحه على النحو التى‪:‬‬


‫غير‬ ‫درجصصة الفاعليصصة فصاعصصص فاعل نسبيا‬
‫فصاعل‬ ‫ل‬
‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2/1‬‬ ‫(صفر)‬ ‫القصيود التشصريعيصة‬
‫(‪ )1‬التشريعات المقيدة لحق الجماهير فى المعرفة‪.‬‬
‫* تشريعات حماية المن القومى‪.‬‬
‫* تشريعات حماية السرار العامة‪.‬‬
‫* تشريعات حماية مبادئ المجتمع‪.‬‬
‫* تشريعات حماية رموز المجتمع‪.‬‬
‫* تشريعات حماية سلطات المجتمع‪.‬‬
‫* تشريعات حماية طوائف المجتمع‪.‬‬
‫* تشريعات حماية قيم المجتمع‪.‬‬
‫* تشريعات حماية أخلقيات المجتمع‪.‬‬
‫* تشريعات حماية الخصوصية‪.‬‬
‫* تشريعات حماية السرار الخاصة‪.‬‬
‫* تشريعات حماية السمعة والعتبار‪.‬‬
‫* تشريعات كفالة عدالة المحاكمات القضائية‪.‬‬
‫(‪ )2‬التشريعات المقيدة لحق المؤسسات العلمية فى العلم‪.‬‬
‫* تشريعات إباحة الرقابة السابقة‪.‬‬
‫* تشريعات إباحة الرقابة اللحقة‪.‬‬
‫* تشريعات إباحة الوقف واللغاء الدارى‪.‬‬
‫* تشريعات إباحة الوقف واللغاء القضائى‪.‬‬
‫* تشريعات تقييد ملكية المؤسسات الصحفية‪.‬‬
‫* تشريعات تقييد ملكية المؤسسات الذاعية الرضية‪.‬‬
‫* تشريعات تقييد ملكية المؤسسات الذاعية الفضائية‪.‬‬
‫* تشريعات تقييد ملكية المؤسسات العلمية الخرى‪.‬‬
‫* تشريعات بشروط الترخيص للمؤسسات العلمية‪.‬‬
‫* تشريعات بشروط الترخيص للقائمين بالتصال‪.‬‬
‫(‪ )3‬التشريعات المقيدة لحق التصال‪.‬‬
‫* تشريعات تقييد ملكية المؤسسات التصالية‪.‬‬
‫* تشريعات تقييد ملكية المؤسسات المعلوماتية‪.‬‬
‫* تشريعات بشروط الترخيص للمؤسسات التصالية‪.‬‬
‫* تشريعات بشروط الترخيص للمؤسسات المعلوماتية‪.‬‬
‫* تشريعات بتحديد تعريفة التصالت‪.‬‬

‫جـدول رقم ( ‪) 3‬‬


‫الحساب التقديرى لنسبة القيـود التشريعية غير الفاعلة‬
‫‪-‬‬ ‫‪299‬‬ ‫‪-‬‬

‫ووفقا للجدول ال سابق يم كن حسهاب النسهب التقدير ية لعدم فاعل ية كل قيهد من القيود‬
‫التشريعية‪ ،‬ثم التعويض بقيمة تلك النسب فى المعادلة التالية‪:‬‬
‫مجموع النسب التقديرية لعدم فاعلية‬
‫القيود التشريعية‬
‫نسبة القيود التشريعية غير الفاعلة =‬
‫عدد القيود التشريعية‬
‫وبهذا يمكهن الحصهول على نسهبة تقريبيهة لنسهبة القيود التشريعيهة غيهر الفاعلة فهى النظام‬
‫العلمى الخاضع للدراسة‪.‬‬

‫(‪ )2‬الحساب التقديرى لنسبة القيود العملية غير الفاعلة‪:‬‬


‫تشيهر القيود العمليهة إلى القيود المجتمعيهة ( غيهر التشريعيهة ) الناتجهة عهن غياب‬
‫المعلومات الضامنة لحرية التعبير فى المجتمع‪ .‬وبالتالى فإن محاولة تقديرها كميا ل يمكن أن‬
‫تتم إل من خلل الحساب التقديرى لنسبة الضمانات التشريعية العلمية الفاعلة فى المجتمع‪،‬‬
‫وذلك انطلقا مهن أن التشريعات الضامنهة لحريهة التعهبير تؤدى إلى سهد الطريهق أمام القيود‬
‫العملية لممارسة فاعلياتها‪.‬‬

‫وبالتالى يم كن ت صميم جدول ي ضم التشريعات الضام نة لحر ية الت عبير‪ ،‬ودرا سة مدى‬
‫فاعليتها من خلل مقياس ثلثى يعطى النسب التقديرية التالية‪:‬‬
‫• تشريعات فاعلة لضمان حرية التعبير = ‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫• تشريعات فاعلة نسبيا لضمان حرية التعبير = ‪/1‬‬
‫• تشريعات غير فاعلة لضمان حرية التعبير = صفر‬

‫بحيث تعنى التشريعات الفاعلة لضمان حرية التعبير أن القيود العملية غير فاعلة‪ ،‬وبالتالى‬
‫فإن نسهبة عدم فاعليتهها = ‪ ،1‬وتعنهى التشريعات الفاعلة نسهبيا لضمان حريهة التعهبير أن القيود‬
‫العمل ية غ ير فاعلة ن سبيا‪ ،‬وبالتالى فإن ن سبة عدم فاعليت ها = ‪ ،2/1‬وتع نى التشريعات غ ير الفاعلة‬
‫لضمان حرية التعبير أن القيود العملية فاعلة تماما‪ ،‬وبالتالى فإن نسبة عدم فاعليتها = صفر‪.‬‬

‫و من خلل تقد ير قي مة المتو سط الح سابى لمجموع تلك الق يم التقدير ية يم كن الو صول‬
‫إلى نسبة التشريعات الفاعلة الضامنة لحرية التعبير؛ ومن ثم نسبة القيود العملية غير الفاعلة‬
‫فى النظام العلمى محل الدراسة‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪300‬‬ ‫‪-‬‬

‫ويوضح الجدول رقم (‪ )4‬ما سبق إيضاحه على النحو التالى‪:‬‬

‫غير‬ ‫درجصصة الفاعليصصة فصاعصصص فاعل نسبيا‬


‫فصاعل‬ ‫ل‬
‫(صفر)‬ ‫(‪)2/1‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫القصيود التشصريعيصة‬
‫التشريعات المقيدة ل حق ال سلطة التشريع ية فى إ صدار قوان ين‬ ‫*‬
‫تحد من حرية التعبير‪.‬‬
‫* التشريعات الخاصة بحرية المعلومات‪.‬‬

‫* التشريعات الخاصة بالجتماعات الحكومية المفتوحة‪.‬‬

‫* التشريعات الخاصة بوقاية وحماية القائمين بالتصال‪.‬‬

‫* التشريعات الخاصة بحق جماهير المتلقين فى الرد والتصحيح‪.‬‬

‫* التشريعات الخاصة بحماية حق النشر أو حق المؤلف‪.‬‬

‫جـدول رقم ( ‪) 4‬‬


‫الحساب التقديرى لنسبة القيـود العملية غير الفاعلة‬

‫ووفقا للجدول السابق يمكن حساب النسب التقديرية لفاعلية التشريعات الضامنة لحرية‬
‫التعبير‪ ،‬ثم التعويض بقيمة تلك النسب فى المعادلة التالية‪:‬‬

‫نسبة فاعلية التشريعات الضامنة لحرية التعبير =‬


‫مجموع النسب التقديرية لفاعلية التشريعات الضامنة‬
‫لحرية التعبير‬
‫عدد التشريعات الضامنة لحرية التعبير‬
‫ونظرا لن نسبة القيود العملية غير الفاعلة = نسبة التشريعات الفاعلة الضامنة لحرية التعبير‬
‫إذن‪:‬‬
‫نسبة القيود العملية غير الفاعلة =‬
‫مجموع النسب التقديرية لفاعلية التشريعات الضامنة‬
‫لحرية التعبير‬
‫عدد التشريعات الضامنة لحرية التعبير‬
‫وبهذا يمكهن الحصهول على نسهبة تقديريهة للقيود العمليهة غيهر الفاعلة فهى النظام العلمهى‬
‫الخاضع للدراسة‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فإن ما سبق يوضهح أنهه يمكهن حسهاب در جة شفافيهة المجتمهع من خلل المعادلة‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪301‬‬ ‫‪-‬‬

‫نسبة=القيود التشريعية غير الفاعلة ‪ +‬نسبة القيود‬


‫درجة شفافية المجتمع‬
‫العملية غير الفاعلة‬
‫‪2‬‬ ‫درجة شفافية المجتمع =‬
‫نسبة القيود التشريعية غير الفاعلة ‪ +‬نسبة التشريعات الفاعلة‬
‫الضامنة لحرية التعبير‬
‫‪2‬‬

‫ثانياً‪ :‬الحساب التقديرى لدرجة شفافية المؤسسات العلمية‪:‬‬


‫تش ير در جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية إلى ن سبة القيود الذات ية غ ير الفاعلة‪ ،‬وال تى‬
‫تو ضح در جة نفاذ ية المؤ سسات العلم ية لن شر المعلومات الداخلة إلي ها‪ ،‬من خلل مبادرت ها‬
‫الذات ية لن شر بعضا من تلك المعلومات‪ ،‬وح ظر الب عض ال خر من ها؛ وذلك ا ستجابة لم صالح‬
‫وتوجهات وضغوط مجتمعية وفلسفية‪.‬‬

‫ويمكن حساب نسبة القيود الذاتية غير الفاعلة من خلل توصيف علقات المؤسسات‬
‫العلم ية بمؤ سسات المجت مع المتعددة‪ .‬بح يث تصهبح المؤ سسات المجتمع ية ‪ -‬ال تى ل تقوم‬
‫المؤسهسات العلميهة بتسهليط الضوء على أنشطتهها ‪ -‬بمثابهة مؤسهسات مغلقهة أمام جماهيهر‬
‫المتلق ين‪ ،‬م ما يع نى فاعل ية القيود الذات ية في ما يتعلق بتلك المؤ سسات‪ .‬بين ما ت صبح المؤ سسات‬
‫المجتمعية ‪ -‬التى تقوم المؤسسات العلمية بتسليط الضوء على أنشطتها ‪ -‬بمثابة مؤسسات‬
‫مفتوحة أمام جماهير المتلقين؛ مما يعنى عدم فاعلية القيود الذاتية فيما يتعلق بتلك المؤسسات‪..‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫بحيث توصف المؤسسات المجتمعية التى يتم نشر أخبارها بأنها ( شفافة )‪ ،‬والمؤسسات‬
‫المجتمعية التى يتم نشر أخبارها نسبيا بأنها ( شفافة نسبيا )‪ .‬بينما توصف المؤسسات المجتمعية‬
‫التى ل يتم نشر أخبارها بأنها ( معتمة )‪.‬‬
‫وبالتالى يم كن ت صميم جدول ي ضم كا فة المؤ سسات ال تى يتكون من ها المجت مع‪ ،‬ودرا سة مدى‬
‫انفتاحها أمام جماهير المتلقين من خلل مقياس ثلثى يعطى النسب التقديرية التالية‪:‬‬
‫• مؤسسات مفتوحة = قيود ذاتية غير فاعلة = ‪1‬‬
‫• مؤسسات مفتوحة نسبيا = قيود ذاتية غير فاعلة نسبيا = ‪/1‬‬
‫‪2‬‬

‫• مؤسسات مغلقة = قيود ذاتية فاعلة = صفر‬

‫ولتبسيط هذه العملية الحسابية يمكن تصميم الجدول التالى‪:‬‬

‫معتمصة‬ ‫شفافة‬ ‫شفصافصة‬ ‫درجصصة الشفافيصصة‬


‫نسبيا‬
‫‪-‬‬ ‫‪302‬‬ ‫‪-‬‬

‫(صفصر)‬ ‫(‪)2/1‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫مصؤسسصصات المجتمصع‬


‫* مؤسسة الرئاسة‪.‬‬
‫* المؤسسة الحكومية‪.‬‬
‫* المؤسسة الحزبية‪.‬‬
‫* المؤسسة التشريعية‪.‬‬
‫* المؤسسة القضائية‪.‬‬
‫* المؤسسة العسكرية‪.‬‬
‫* المؤسسة المخابراتية‪.‬‬
‫* المؤسسة المنية الجنائية‪.‬‬
‫* المؤسسة المنية السياسية‪.‬‬
‫* المؤسسة القتصادية ( العامة )‪.‬‬
‫* المؤسسات القتصادية ( الخاصة )‪.‬‬
‫* المؤسسة الجتماعية‪.‬‬
‫* المؤسسة الدينية‪.‬‬
‫* المؤسسة الصحية‪.‬‬
‫* المؤسسة التعليمية‪.‬‬
‫* المؤسسة الثقافية‪.‬‬
‫* المؤسسة العلمية ( العامة )‪.‬‬
‫* المؤسسة العلمية ( الخاصة )‪.‬‬
‫* مؤسسات المجتمع المدنى ( الجتماعية )‪.‬‬
‫* مؤسسات المجتمع المدنى ( الحقوقية )‪.‬‬
‫* المؤسسات الرياضية‪.‬‬

‫جـدول رقم ( ‪) 5‬‬


‫الحساب التقديرى لدرجة شفافية المؤسسات العلميـة‬

‫ووفقا للجدول السهابق يمكهن حسهاب النسهب التقديريهة لعدم فاعليهة القيود الذاتيهة‪ ،‬ثهم‬
‫التعويض بقيمة تلك النسب فى المعادلة التالية‪:‬‬
‫نسبة المؤسسات المفتوحة‬
‫الفاعلة =‬
‫المجتمع‬ ‫معامل النشر = نسبة القيود الذاتية غيرفى‬
‫عدد المؤسسات فى المجتمع‬
‫‪-‬‬ ‫‪303‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الحساب التقديرى للقدرات التكنولوجية للنظام العلمى‪:‬‬


‫تش ير القدرات التكنولوج ية للن ظم العلم ية إلى ن سبة انتشار و سائل العلم المتعددة‬
‫فهى المجتمهع مقارنهة بعدد السهكان ( أفرادا أو أسهرا ) فهى ذلك المجتمهع‪ .‬أى أن القدرات‬
‫التكنولوجية للنظم العلمية يمكن حسابها وفقا للمعادلة التية‪:‬‬
‫مجموع نسب انتشار وسائل‬
‫القدرات التكنولوجية = العلم فى المجتمع‬
‫العدد النوعى لوسائل العلم فى‬
‫ويمكهن الحصهول على نسهبة انتشار وسهائل العلم فهى المجتمعات مهن الحصهائيات‬
‫العامة المعنية بالشئون العلمية‪ ،‬والتى توضح إجمالى أرقام توزيع الصحف‪ ،‬وإجمالى أرقام‬
‫توز يع الك تب وشرائط الكا سيت والفيد يو وأقراص الك مبيوتر‪ ،‬وإجمالى عدد أجهزة التليفزيون‪،‬‬
‫وإجمالى عدد أجهزة الراديهو‪ ،‬وإجمالى عدد مقاعهد دور العرض السهينمائى‪ ،‬وإجمالى عدد‬
‫مقاعهد دور العرض المسهرحى‪ ،‬وإجمالى عدد أجهزة الكومهبيوتر‪ ،‬وإجمالى عدد المتصهلين‬
‫بشبكة النترنت‪.‬‬

‫‪‬‬

‫∗‬
‫المقصهود بالعدد النوعهى ههو عدد أنواع وسهائل العلم فهى العالم‪ ،‬فوسهائل العلم الحاليهة ههى‪ :‬التليفزيون ‪ -‬الراديهو ‪-‬‬ ‫‪‬‬

‫الفيديو ‪ -‬الكاسيت ‪ -‬الكومبيوتر ‪ -‬الصحف ‪ -‬النترنت ‪ -‬السينما ‪ -‬المسرح ‪ -‬الكتب‪.‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪304‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الثـانى‬
‫مقياس القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية‬
‫المحظورة بالمؤسسسات العلمية‬

‫بقدر تعبير مفهوم القدرات المعرفية للنظم العلمية عن المردود المعرفى الناتج عن‬
‫النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة فهى المعلومات المنشورة‪ ،‬فإن مفهوم القيمهة الماديهة للمعلومات‬
‫العلميهة يُعبّر عهن المردود المادى المحتمهل الناتهج عهن نسهبة المعرفهة المحظورة بتلك‬
‫المعلومات عن المجتمع‪.‬‬
‫ويمكهن تعريهف مصهطلح « القيمهة الماديهة للمعلومات العلميهة » على أنهه‪:‬‬
‫« المردود المادى المحتمل العائد على المؤسسات العلمية أو القائمين بالتصال نتيجة حظر‬
‫نسبة من المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية الداخلة إلى تلك المؤسسات »‪.‬‬
‫والمقصهود بالمردود المادى فهى هذا الطار ههو المنفعهة المحتملة التهى تعود على‬
‫المؤسسات العلمية نتيجة حظرها لجانب من المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية‪ .‬إذ إن‬
‫الفائدة المرجوة من المعلومات العلم ية ل تتح قق إل من خلل ن قل المعر فة الكام نة ب ها إلى‬
‫الجماهيهر‪ ،‬فهى حيهن يؤدى حظرهها إلى تحقيهق فوائد أخرى لطراف أخرى ليهس مهن بينهها‬
‫الجماه ير‪ ....‬ول مجال للمجادلة فى هذا المقام‪ ،‬بأن المؤ سسات العلم ية تمارس هذا الح ظر‬
‫انطلقا من م سئوليتها الجتماع ية ال تى تح تم علي ها ح ظر ب عض جوا نب المعر فة حفاظا على‬
‫المجتمهع‪ ،‬دون أى منفعهة متوقعهة مهن ذلك الحظهر‪ .‬حيهث إن ذلك مردود أولً‪ :‬لنهه ل يجوز‬
‫للمؤ سسات العلم ية أن تشرّع قوان ين ذات ية فى غي بة عن ال سلطة التشريع ية فى المجت مع‪،‬‬
‫وتبيح حظر بعض جوانب المعرفة بناءا على تلك القوانين المجهولة‪ .‬كما أنه مردود ثانيا‪ :‬لن‬
‫حظر بعض جوانب المعرفة يفتح الباب واسعا أمام تمكن الفساد والفساد من جسد المؤسسات‬
‫العلمية‪ ،‬وذلك انطلقا من أن المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية الداخلة إلى المؤسسات‬
‫العلم ية‪ ،‬ت ساوى قي مة ماد ية معلو مة لدى المتضرر ين من نقل ها إلى المجت مع‪ .‬وبالتالى فإن‬
‫قيام المؤسسات العلمية بحظر تلك المعرفة ‪ -‬ولو بحسن نية ‪ -‬يضعها فى دائرة الشبهات‪.‬‬
‫إذ إن تلك المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية المحظورة يمكن مقايضتها مع المستفيدين من‬
‫عدم نقل ها إلى المجت مع‪ ،‬ب ما يم نع عن هم ضررا محتملً أو يو فر ل هم مك سبا متوقعا‪ .‬والوا قع‬
‫يقرر أن المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية تفقد قيمتها المادية‬
‫مهن خلل نقلهها نقلً وافيا إلى المجتمهع‪ ،‬حيهث تتبدد القيمهة الماديهة للمعلومات العلميهة بعهد‬
‫تجاوزها للحد الفاصل بين الحظر والعلنية‪ ،‬أو بين السرية والشفافية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪305‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ‬النموذج الرياضـى للقيمـة الماديـة النسـبية للمعلومات العلميـة‬


‫المحظورة‪:‬‬
‫يكشهف التحليهل النظرى لمفهوم القيمهة الماديهة عهن أن المعلومات العلميهة يكون لهها‬
‫وزن اقتصهادى عنهد المسهتفيد مهن إخفائهها ( المتضرر مهن نشرهها )‪ ،‬ويشيهر مصهطلح الوزن‬
‫القتصادى إلى نسبة القيمة القتصادية الكامنة بالمعلومات العلمية غير المنشورة‪ .‬علوة على‬
‫ذلك‪ ..‬فإن المعلومات العلميهة غيهر المنشورة تؤدى إلى إهدار القدرات المعرفيهة المفترضهة‬
‫التى كان يمكن للنظام العلمى الوصول إليها فى حالة نشر تلك المعلومات‪ .‬وكلما ارتفعت قيمة‬
‫تلك القدرات المعرفيهة المفترضهة‪ ،‬كلمها كان ذلك يعنهى اتسهاع النطاق المحتمهل لنشهر تلك‬
‫المعلومات‪ ،‬وبالتالى يؤدى ذلك إلى زيادة الوزن القتصهادى لهذه المعلومات لدى المتضرر مهن‬
‫نشرها‪.‬‬

‫ويوضهح الشكهل رقهم (‪ )4‬مسهار المعلومات العلميهة غيهر المنشورة فهى النظام‬
‫العلمى على النحو التالى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪306‬‬ ‫‪-‬‬

‫حيث يوضح الشكل أن المعلومات العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية يتم احتجاز‬
‫جزء منها طبقا لمعامل الحظر‪ .‬ويعنى «معامل الحظر» معكوس « درجة شفافية المؤسسات‬
‫العلمية »‪ ،‬أى أنه بصيغة رياضية = ( ‪ -1‬درجة شفافية المؤسسات العلمية )‪.‬‬

‫وبالتالى يم كن من خلل ح ساب مقدار القي مة النات جة من حا صل ضرب كل من‪:‬‬


‫درجهة شفافيهة المجتمهع × معامهل الحظهر × الوزن القتصهادى للمعلومات العلميهة الخام‪،‬‬
‫الحصول على مقدار الوزن القتصادى للمعلومات العلمية غير المنشورة‪.‬‬

‫إذن‪ ..‬يمكن التقرير وبصيغة رياضية‪ ،‬بأن القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية‬
‫غيهر المنشورة تتناسهب طرديا مهع الوزن القتصهادى لتلك المعلومات ومهع القدرات المعرفيهة‬
‫المفترضة للنظام العلمى‪.‬‬

‫ويمكن ترجمة هذه العلقة الطردية إلى معادلة رياضية على النحو التالى‪:‬‬
‫القيمــة الماديــة النســبية للمعلومات العلميــة غيــر المنشورة = الوزن‬
‫القتصادى للمعلومات العلمية غير‬
‫المنشورة × القدرات المعرفية المفترضة للنظام العلمى‬
‫وبما أن‪:‬‬
‫الوزن القتصادى للمعلومات العلمية غير المنشورة = الوزن القتصادى‬
‫للمعلومات العلمية التى يوفرها المجتمع × درجة شفافية المجتمع × معامل‬
‫الحظر‬
‫وبما أن‪:‬‬
‫القيمة المعرفية النسبية المفترضة للمعلومات العلمية غير المنشورة =‬
‫درجة شفافية المجتمع × معامل الحظر × القدرات التكنولوجية للنظام‬
‫العلمى‬

‫ومن خلل التعويض بتلك النتائج فى المعادلة الولى‪ ..‬فإن‪:‬‬


‫القيمة المادية للمعلومات العلمية غير المنشورة =‬
‫الوزن القتصادى للمعلومات العلمية الخام × ( درجة شفافية المجتمع‬
‫× معامل الحظر )‪ × 2‬القدرات التكنولوجية للنظام العلمى‪.‬‬

‫ونظرا لن نسهبة القيمهة القتصهادية الكامنهة بالمعلومات العلميهة الخام = ‪ ،1‬فإن‬


‫الوزن القتصادى للمعلومات العلمية الخام = ‪.1‬‬

‫وهذا يعنى أن‪:‬‬


‫القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية غير المنشورة =‬
‫( درجة شفافية المجتمع × معامل الحظر )‪ × 2‬القدرات المعرفية‬
‫المفترضة للنظام العلمى‬

‫وبهذا يمكن القول أن القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية غير المنشورة بمثابة‬
‫‪-‬‬ ‫‪307‬‬ ‫‪-‬‬

‫مؤشر عام يوضح نسبة المردود المادى المحتمل العائد على المؤسسات العلمية أو القائمين‬
‫بالتصال‪ ،‬نتيجة عدم نشر نسبة من المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪308‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الثالث‬
‫مقياس حرية النظم العلمية‬

‫تطرح المسهئولية الملقاة على عاتهق النظهم العلميهة ‪ -‬فهى ظهل البعاد العلميهة‬
‫للعولمة ‪ -‬ضرورة أن تتحرر تلك النظم من كافة القيود المعرفية التى تؤدى إلى تقليص درجة‬
‫شفافيتهها‪ ،‬وأن تتحرر مهن القيود القتصهادية والثقافيهة التهى تؤدى إلى تقليهص قدراتهها‬
‫التكنولوج ية؛ وذلك حتى ترت فع قدراتها المعرفية بما يض من قيام ها بوظيفتها فى النقل الوا فى‬
‫للمعرفة‪.‬‬

‫والوا قع‪ ..‬أن كا فة ال ساليب القيا سية ال تى تم عرض ها فى ال صفحات ال سابقة‪ ،‬ل تقدم‬
‫توصيف يمكن من خلله المقارنة بين درجة حرية نظام ما ونظام آخر‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك‪ ..‬فإذا افترضنها خضوع نظاميهن إعلمييهن للمقارنهة بيهن قدراتهمها‬
‫المعرفية‪ .‬وكانت قيم المتغيرين الوظيفيين الحاكمين فى كل نظام كالتالى‪:‬‬
‫‪2‬‬‫قدراته التكنولوجية = ‪/1‬‬ ‫• النظام الول‪ :‬درجة شفافيته = ‪1‬‬
‫قدراته التكنولوجية = ‪1‬‬ ‫‪2‬‬‫• النظام الثانى‪ :‬درجة شفافيته = ‪/1‬‬
‫وبحساب القدرات المعرفية لكل نظام سنجد التالى‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫القدرات المعرفية للنظام الول = ‪/1 = 2/1 × 1‬‬

‫‪2‬‬‫القدرات المعرفية للنظام الثانى = ‪/1 = 1 × 2/1‬‬

‫وهذا يعنى أن النظامين متساويين فى المردود المعرفى الناتج عن نشر المعرفة الكامنه‬
‫برسائلهم العلمية إلى جماهير المتلقين‪ .‬وعلى الرغم من أن النظام الول لديه درجة شفافية‬
‫قصوى‪ ،‬إل أن ذلك ليس دليلً على حري ته‪ ،‬التى تم تقييدها نتيجة ضعف قدرا ته التكنولوجية‬
‫بسبب قيود اقتصادية أو ثقافية‪.‬‬

‫لذلك كان مهن الضرورى محاولة صهياغة مقياس يمكهن مهن خلله وصهف الممارسهة‬
‫العامة للنظام‪ ،‬بما يوضح درجة حريته على كافة المستويات‪ ،‬المعرفية والقتصادية والثقافية‪.‬‬

‫ويعتمهد المقياس المقترح لقياس درجهة حريهة النظهم العلميهة على محاولة صهياغة‬
‫عل قة رياض ية تج مع بين كل من‪ :‬در جة شفاف ية النظام العل مى‪ ،‬والقدرات المعرف ية للنظام‬
‫العل مى‪ ،‬ومقياس القي مة الماد ية الن سبية للمعلومات العلم ية المحظورة‪ ،‬بح يث يكون الر قم‬
‫النسبى الناتج من تلك العلقة بمثابة مؤشر عام يوضح درجة حرية النظام العلمى‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪309‬‬ ‫‪-‬‬

‫ونظرا لن القدرات المعرفية للنظام العلمى ما هى إل مفهوم ناتج عن تأثير متبادل‬


‫لكهل مهن القدرات التكنولوجيهة للنظام العلمهى ودرجهة شفافيهة ذلك النظام على بعضهمها‬
‫البعض‪ .‬حيث إن‪:‬‬
‫القدرات المعرفية للنظام العلمى =‬
‫درجة شفافية النظام العلمى × القدرات التكنولوجية للنظام‬
‫العلمى‬

‫ونظرا لن مفهوم القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية المحظورة يمثل المردود‬
‫المادى المتو قع من حظهر المعلومات عن المجت مع‪ .‬م ما يدل على أ نه يتنا قض مع كل من‬
‫مفهومهى‪ :‬درجهة شفافيهة النظام العلمهى والقدرات المعرفيهة للنظام العلمهى‪ .‬فإن النتائج‬
‫الناشئة عن هذه العلقات توضح التى‪:‬‬

‫ل مهن مفهومهى‪ :‬درجهة شفافيهة النظام العلمهى‪ ،‬والقدرات المعرفيهة للنظام‬


‫إن ك ً‬ ‫•‬
‫العلمهى يتناسهبان طرديا مهع درجهة حريهة النظام العلمهى‪ ،‬ولكهن نظرا لن أحدهمها‬
‫( القدرات المعرفية للنظام العلمى ) ناتج عن الخر ( درجة شفافية النظام العلمى )؛‬
‫فإن المتوسط الحسابى الناتج عن جمع قيمتيهما يصبح هو النسبة الدالة بشكل ما عن حرية‬
‫النظام العلمى‪.‬‬

‫إن القي مة الماد ية الن سبية للمعلومات العلم ية المحظورة تتنا سب عك سيا مع در جة‬ ‫•‬
‫حرية النظام العلمى‪ ،‬باعتبار أنها تو ضح ممار سات الح ظر المعلوماتى فى ذلك النظام‪،‬‬
‫وبالتالى فهى تقلل من درجة حريته‪.‬‬

‫‪ ..‬ويمكن ترجمة هذه النتائج النظرية فى صورة رياضية كالتالى‪:‬‬


‫درجة حرية النظام العلمى ( تتناسب طرديا مع ) درجة شفافية النظام العلمى‪.‬‬ ‫•‬
‫درجهة حريهة النظام العلمهى ( تتناسهب طرديا مهع ) القدرات المعرفيهة للنظام‬ ‫•‬
‫العلمى‪.‬‬
‫درجة حرية النظام العلمى ( تتناسب عكسيا مع ) القيمة المادية النسبية للمعلومات‬ ‫•‬
‫العلمية المحظورة‪.‬‬

‫ولكن نظرا لن القدرات المعرفية ناتجة عن درجة شفافية النظام‪ ،‬فإنه يمكن القول إن‪:‬‬

‫طرديا ً مع)‬
‫شفافية النظام ‪ +‬قدراته‬ ‫درجة حرية النظام العلمى ( تتناسب‬
‫درجة‬
‫المعرفية‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪310‬‬ ‫‪-‬‬

‫ح يث تم ثل القي مة ال سابقة المتو سط الح سابى ل كل من در جة شفاف ية النظام والقدرات المعرف ية‬
‫للنظام‪.‬‬

‫وبالتالى يمكن كتابة هذه العلقات الرياضية فى شكل معادلة كالتالى‪:‬‬


‫مقياس درجة حرية النظام العلمى =‬
‫درجة شفافية النظام ‪ +‬القدرات‬
‫المعرفية للنظام‬ ‫(‬
‫‪2‬‬ ‫) ‪ -‬القيمـة المــادية‬

‫ويمكن استخدام هذا المقياس كمؤشر عام لقياس درجة حرية النظم العلمية‪ .‬كما يمكن تمثيل‬
‫درجة حرية النظم العلمية بيانيا من خلل المدرج البيانى التالى‪:‬‬

‫حيث يوضح ذلك المدرج الدرجات المختلفة لحرية النظم العلمية على النحو التالى‪:‬‬
‫• النظم العلمية الموجهة‪ :‬درجة الحرية = من صفر إلى ‪.0.24999‬‬
‫• النظم العلمية الموجهة نسبيا‪ :‬درجة الحرية = من ‪ 0.25‬إلى ‪0.49999‬‬
‫• النظم العلمية المتوسطة التوجيه والحرية‪ :‬درجة الحرية = من ‪ 0.50‬إلى ‪0.74999‬‬
‫• النظم العلمية الحرة نسبيا‪ :‬درجة الحرية = من ‪ 0.75‬إلى ‪0.99999‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪311‬‬ ‫‪-‬‬

‫• النظم العلمية الحرة‪ :‬درجة الحرية = ‪1‬‬

‫‪ ..‬وتوضح المثلة التالية كيفية استخدام ذلك المقياس‪ ..‬وفقا للنحو التالى‪:‬‬
‫مثصال‪:1‬‬
‫نظام إعلمى به درجة شفافية المجتمع = ‪ ،0.9‬درجة شفافية المؤسسات العلمية =‬
‫‪ ،0.9‬والقدرات التكنولوجية = ‪0.9‬‬
‫أوْجد درجة شفافية النظام العلمى والقدرات المعرفية للنظام العلمى والقيمة المادية النسبية‬
‫ودرجة حرية ذلك النظام وتوصيفه من حيث الحرية أو التوجيه‪.‬‬
‫الحصل‪:‬‬
‫القيمة المادية = ‪0.007‬‬ ‫درجة الشفافية = ‪ 0.81‬القدرات المعرفية = ‪0.72‬‬

‫‪0.72‬‬ ‫∴ درجة حرية النظام العلمى‪+ =0.81‬‬


‫‪2‬‬
‫‪0.76 = 0.007 -‬‬

‫∴ هذا النظام ينتمى إلى النظم العلمية الحرة نسبيا‪.‬‬

‫مثصال ‪:2‬‬
‫نظام إعل مى به در جة شفاف ية المجت مع = ‪ ،0.9‬در جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية = ‪،0.8‬‬
‫والقدرات التكنولوجية = ‪0.8‬‬
‫القيمة المادية = ‪0.052‬‬ ‫القدرات المعرفية = ‪0.576‬‬ ‫∴ درجة الشفافية = ‪0.72‬‬
‫درجة حرية النظام العلمى = ‪0.623‬‬
‫∴ هذا النظام ينتمى إلى النظم المتوسطة التوجيه والحرية‪.‬‬

‫مثصال ‪:3‬‬
‫نظام إعل مى به در جة شفاف ية المجت مع = ‪ ،0.8‬ودر جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية = ‪،0.7‬‬
‫والقدرات التكنولوجية = ‪0.7‬‬
‫القيمة المادية = ‪0.04‬‬ ‫القدرات المعرفية = ‪0.39‬‬ ‫∴ درجة شفافية النظام = ‪0.56‬‬
‫∴ درجة حرية النظام العلمى = ‪0.43‬‬
‫∴ هذا النظام ينتمى إلى النظم الموجهة نسبيا‪.‬‬

‫مثصال ‪:4‬‬
‫نظام إعلمى به درجة شفافية المجتمع = ‪ ،0.5‬ودر جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية = ‪،0.6‬‬
‫والقدرات التكنولوجية = ‪0.9‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪312‬‬ ‫‪-‬‬

‫القيمة المادية = ‪0.036‬‬ ‫القدرات المعرفية = ‪0.27‬‬ ‫∴ درجة شفافية النظام = ‪0.3‬‬
‫∴ درجة حرية النظام العلمى = ‪0.24‬‬
‫∴ هذا النظام ينتمى إلى النظم العلمية الموجهة‬

‫مثصال ‪:5‬‬
‫نظام إعل مى به‪ :‬در جة شفاف ية المجت مع = ‪ ،1‬ودر جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية = ‪،1‬‬
‫والقدرات التكنولوجية = ‪1‬‬
‫القيمة المادية = صفر‬ ‫القدرات المعرفية = ‪1‬‬ ‫∴ درجة شفافية النظام = ‪1‬‬

‫‪ -‬صفــر = ‪1‬‬
‫∴ درجة حرية النظام ‪+=1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫∴ هذا النظام ينتمى إلى النظم العلمية الحرة‪.‬‬

‫‪ ...‬إن التصنيف الخماسى السابق للنظم العلمية ‪ -‬فى تراوحها ما بين النظم الحرة‬
‫والنظهم الموجههة ومها بينهمها ‪ -‬يقدم إمكانيهة توصهيف النظام العلمهى مهن خلل عدد مهن‬
‫المقاييس الرقمية الحسابية‪ ،‬بحيث يتم تلخيص درجة حرية النظام ككل فى رقم واحد يوضح‬
‫مدى اقترابه من أو ابتعاده عن النظم الحرة أو النظم الموجهة‪.‬‬

‫والواقع أن هذا التصنيف على الرغم من طبيعته الحسابية التقديرية‪ ،‬إل أنه يساهم فى‬
‫توضيح الفروق بين النظم العلمية التى ل تنتمى إلى نفس الفئة التصنيفية‪ ،‬وذلك من خلل‬
‫أسهلوب كمهى غيهر كيفهى‪ ...‬علوة على ذلك‪ ،‬فإن الطبيعهة القياسهية الحسهابية لذلك التصهنيف‬
‫تؤدى إلى إمكانية ملحظة الفروق بين النظم العلمية التى تنتمى إلى ن فس الفئة الت صنيفية‪.‬‬
‫وذلك لوجود نطاق حسابى تتدرج خلله تلك النظم‪ ،‬بحيث يمكن ملحظة الفروق بين ما ينتمى‬
‫منهها إلى أدنهى هذا النطاق أو أوسهطه أو أعله‪ .‬فالنظهم العلميهة التهى تنتمهى مثلً إلى الفئة‬
‫التصنيفية للنظم العلمية الحرة نسبيا تتحرك درجاتها الحسابية من ‪ 0.75‬إلى ‪ 0.9999‬وبالتالى‬
‫‪0.85‬‬ ‫يمكهن ملحظهة الفروق بيهن نظام درجهة حريتهه ‪ 0.76‬ونظام درجهة حريتهه‬
‫‪ ...‬وهكذا‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪313‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الرابع‬
‫الساليب الحتمالية لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة‬
‫الثار الضارة المحتملة للرسائل العلمية‬

‫عرض نا فى المب حث الول فى الف صل ال سابق لنموذج [ حر ية الر سالة ‪ -‬احتمالت‬


‫التأث ير الضار ‪ -‬التد خل العل مى ]‪ ،‬والذى يت يح للمؤ سسات العلم ية إمكان ية تو قع الضرر‬
‫المحت مل من ن شر الر سائل العلم ية ال تى تنت هك « الحقوق المضادة للحقوق العلم ية » ∗‪.‬‬
‫وأوضحنا أن مفهوم المسئولية المعرفية يوجب نشر كافة الرسائل العلمية حتى الضارة منها‪،‬‬
‫ولكن مع التزام وسائل العلم بممارسة نوعا من التدخل على هامش تلك الرسائل العلمية‪،‬‬
‫لتخفيف الثار الضارة المتوقع حدوثها من جراء نشر تلك الرسائل‪.‬‬
‫و قد تم العتماد على « ال سلوب ال ستفهامى »‪ ،‬باعتباره و سيلة عمل ية تت يح إجراء‬
‫دراسهة احتماليهة لحدوث أو عدم حدوث آثار ضارة محتملة للرسهائل العلميهة‪ .‬حيهث اعتمهد‬
‫ذلك السلوب على الجابة المتتابعة على خمسة تساؤلت كالتالى‪:‬‬
‫(‪ )1‬هل هناك أثر محتمل للرسالة؟ ( ‪ )2‬هل هو أثر مادى؟ ( ‪ )3‬هل هو أثر مباشر؟‬
‫(‪ )4‬هل هو أثر ضار؟ (‪ )5‬هل هو ضار بالشخاص أو الممتلكات؟‬

‫وأوضحنا أن التأثير الضار المحتمل للرسالة العلمية ل يمكن أن يوضع فى العتبار‬


‫هث يؤدى تخلف أى شرط‬
‫إل إذا كان تأثيرا ماديا مباشرا ضارا بالشخاص أو الممتلكات‪ ،‬بحيه‬
‫من تلك الشروط الخمسة إلى نزع صفة التأثير الضار المحتمل عن الرسالة العلمية‪ ،‬ويحتم‬
‫نشرها بدون أى تدخل إعلمى‪.‬‬
‫ول كن فى حالة إثبات وجود أ ثر ضار محت مل للر سالة؛ فإن ذلك ال سلوب ال ستفهامى‬
‫لم يوضح نوعية التدخل العلمى الذى يمكن للمؤسسات العلمية أو القائم بالتصال انتهاجه‬
‫للتخفيف من تلك الثار الضارة المحتملة المترتبة على النشر‪.‬‬

‫لذلك‪ ..‬سهنعرض فهى الصهفحات القادمهة لطريقهة يمكهن من خللهها توصهيف التدخهل‬
‫العل مى المنا سب لمواج هة الثار الضارة المحتملة للر سائل العلم ية ال تى تنت هك أيّ ا من‬
‫الحقوق المضادة للحقوق العلميهة‪ ،‬بحيهث يختلف التدخهل العلمهى باختلف نوع الحهق‬

‫تتكون مجموعة الحقوق المضادة للحقوق العلمية من الحقوق التية‪ " :‬حق حماية المن القومى والسرار العامة "‪" ،‬‬ ‫‪‬‬

‫حهق حمايهة أخلقيات وقيهم المجتمهع "‪ " ،‬حهق حمايهة مبادئ ورموز سهلطات وطوائف المجتمهع "‪ " ،‬حهق حمايهة تشريعات‬
‫المجت مع "‪ " ،‬حق حما ية الخ صوصية وال سرار الخا صة "‪ " ،‬حق حما ية ال سمعة والعتبار "‪ " ،‬حق كفالة عدالة المحاكمات‬
‫الفضائية "‪ .‬وللمزيد حول الحقوق المضادة للحقوق العلمية‪ ،‬انظر‪ :‬محمد محفوظ‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬صفحات ‪.187 - 185‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪314‬‬ ‫‪-‬‬

‫المضاد الذى تنتهكه الر سالة العلمية‪ .‬وبح يث يتحدد ذلك التدخل بناءا على عدد من النماذج‬
‫التى يختص كل نموذج منها بأحد الحقوق المضادة التى يتم انتهاكها‪.‬‬

‫وتقوم الفكرة العامة لتلك النماذج على الخطوات التالية‪:‬‬


‫تحديد نوع الحق المضاد للحقوق العلمية‪ ،‬والذى تنتهكه الرسالة العلمية‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫تحد يد نوع العل قة ال تى يقوم النموذج بدرا ستها‪ ،‬وهذه العل قة ي تم صياغتها فى إطار‬ ‫(‪)2‬‬
‫ثنائى وفقا للتنظيم التالى‪:‬‬
‫[ الحق المضاد للحقوق العلمية ‪ -‬المقابل للحق المضاد ]‬
‫بمعنهى أنهه إذا كان الحهق المضاد الذى تتعرض له الرسهالة العلميهة ههو « حهق‬
‫الخ صوصية »‪ ،‬فإن العل قة ال تى سيقوم النموذج بدرا ستها ستكون وفقا للطار التالى‪:‬‬
‫[ الخاص ‪ -‬العام ]‪ ...‬أى الخاص فى مواجهة العام‪.‬‬

‫تكوين نموذج معيارى لرسالة إعلمية ل تنتهك الحق المضاد الذى تتعرض له الرسالة‬ ‫(‪)3‬‬
‫العلميهة‪ ،‬ويتركهب هذا النموذج المعيارى مهن العناصهر السهاسية التهى توضهح أبعاد‬
‫الحدث موضوع النشر‪.‬‬
‫وكمثال على نموذج معيارى لر سالة إعلم ية ل تنت هك « حق حما ية ال سمعة والعتبار‬
‫»‪ ،‬فإن النموذج سيكون كالتالى‪:‬‬
‫شخص عام ‪ -‬فى واقعة تتعلق بنشاط عام ‪ -‬تتضمن انحرافا عاما‬
‫فهذا النموذج المعيارى يتضمهن العناصهر السهاسية التهى توضهح أبعاد الحدث الذى‬
‫تتضمنه الرسالة العلمية التى تتعرض لحق حماية السمعة والعتبار‪.‬‬

‫إخضاع النموذج المعيارى السابق لدراسة احتمالية توضح الحتمالت المختلفة لتحقق‬ ‫(‪)4‬‬
‫أو عدم تح قق العنا صر ال ساسية ال تى يتكون من ها ذلك النموذج‪ .‬بح يث تغ طى الدرا سة‬
‫الحتماليهة كافهة الحتمالت المتعددة التهى يمكهن أن يتهم بهها الحدث موضوع الرسهالة‬
‫العلمية‪ ...‬وكمثال على نموذج معيارى لرسالة إعلمية ل تنتهك «حق حماية السمعة‬
‫والعتبار»‪ ،‬فإن النموذج المعيارى سيكون كالتالى‪:‬‬
‫شخص عام ‪ -‬فى واقعة تتعلق بنشاط عام ‪ -‬تتضمن انحرافا عاما‬
‫وستعرض الدراسة الحتمالية لكافة الحتمالت الممكنة لذلك الحدث‪ ،‬من خلل تحويل‬
‫كهل عنصهر مهن عناصهره إلى معكوسهه‪ ،‬ودراسهة الحتمالت الناتجهة عهن تحقهق هذه‬
‫العناصر معا‪ ،‬بحيث يمكن أن يتحول النموذج إلى‪:‬‬
‫شخص خاص ‪ -‬فى واقعة تتعلق بنشاط خاص ‪ -‬تتضمن انحرافا خاصا‬
‫‪-‬‬ ‫‪315‬‬ ‫‪-‬‬

‫أو‪ :‬شخصص خصصاص ‪ -‬فصى واقعصصصة تتعصصلق بنشصصاط عصصام ‪ -‬تتضمصن انحصصرافا‬
‫عصصاما‬
‫وهكذا‪ ..‬بح يث ي تم درا سة كا فة التباد يل والتواف يق المحتملة ال تى يم كن أن تنت ظم وفقا‬
‫لها العناصر الساسية التى يتكون منها النموذج المعيارى‪.‬‬

‫تطهبيق نتيجهة الدراسهة الحتماليهة على [ العلقهة ] التهى يقوم النموذج بدراسهتها‪ .‬فإذا‬ ‫(‪)5‬‬
‫كانت نتيجة الدراسة الحتمالية تدور فى إطار ( الحق المضاد للحقوق العلمية ) بما‬
‫يعنى أن الرسالة العلمية تنتهك ذلك الحق‪ ،‬فإن هذا سينجم عنه نشر الرسالة العلمية‬
‫كاملة‪ ،‬مهع ممارسهة نوعا مهن التدخهل العلمهى للتخفيهف مهن الثار الضارة المحتملة‬
‫الناشئة عهن النشهر‪ .‬أمها إذا كانهت نتيجهة الدراسهة الحتماليهة تدور فهى الطار‬
‫( المقابل للحق المضاد ) بما يعنى أن الرسالة العلمية ل تنتهك ذلك الحق‪ .‬فإن هذا‬
‫يتيح نشر الرسالة دون ممارسة أى تدخل‪.‬‬
‫وتجدر الشارة إلى أن الوصهول إلى نتيجهة الدراسهة الحتماليهة يتهم وفقا للتقديرات‬
‫المنطقية‪.‬‬

‫تحديهد نوع التدخهل العلمهى المناسهب الواجهب اتخاذه للتخفيهف مهن الثار الضارة‬ ‫(‪)6‬‬
‫المتوق عة من جراء الن شر‪ .‬والمق صود بالتد خل العل مى هو ممار سة إجراء تحريرى‬
‫مع ين يتض من ن شر الر سالة العلم ية كاملة‪ ،‬مع محاولة التخف يف من آثار ها الضارة‬
‫المحتملة‪ .‬و سنعرض للجراءات التحرير ية المتعددة ال تى يم كن ممار ستها فى مواج هة‬
‫احتمال انتهاك الرسهائل العلميهة للحقوق المضادة للحقوق العلميهة‪ ،‬وذلك فهى إطار‬
‫عرضنا لتلك النماذج على النحو التالى‪:‬‬

‫أول ً ‪ :‬النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «‬


‫حق حماية المن القومى والسرار العامة »‪:‬‬
‫يقوم هذا النموذج على علقهة [ السهرى ‪ -‬العلنهى ]‪ ،‬أى السهرى فهى مواجههة غيهر‬
‫السرى‪ .‬حيث يعنى ( السرى ) انتهاك الرسالة العلمية لحق حماية المن القومى والسرار‬
‫العا مة‪ ،‬م ما يو جب ضرورة التد خل لتخف يف الثار الضارة الناشئة عن الن شر‪ .‬بين ما يع نى‬
‫( العل نى ) ضرورة ن شر الر سالة العلم ية دون أى تد خل وذلك لعدم انتهاك ها ل حق حما ية‬
‫المن القومى والسرار العامة‪.‬‬

‫ويتركهب النموذج المعيارى للرسهالة العلميهة التهى تدور فهى الطار ( العلنهى ) ول‬
‫تنتهك حق حماية المن القومى والسرار العامة من العناصر التالية‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪316‬‬ ‫‪-‬‬

‫معلومات سرية ‪ -‬تتعلق بنشاط سرى ‪ -‬تكشف انحرافا ضارا‬

‫وعلى الرغم من احتواء الرسالة العلمية ‪ -‬موضوع ذلك النموذج المعيارى ‪ -‬على‬
‫معلومات سهرية تتعلق بنشاط سهرى‪ ،‬إل أنهها ل تنتههك حهق حمايهة المهن القومهى والسهرار‬
‫العا مة؛ وذلك لن ها ت ساهم فى ك شف انحراف ضار بالمجت مع‪ ،‬ال مر الذى ينزع عن ها صفة‬
‫السرية‪.‬‬

‫ويوضهح الجدول التالى الحتمالت المختلفهة التهى يمكهن أن تنتظهم وفقا لهها عناصهر‬
‫النموذج المعيارى‪ ،‬وذلك على النحو التالى‪:‬‬

‫تكشف انحرافاً‬ ‫تتعلق بنشاط‬ ‫معلومات‬ ‫موضوع‬


‫نــــوع التدخـــــل‬ ‫النتيجــ‬ ‫ضاراً‬ ‫سرى‬ ‫سرية‬ ‫الرسالة‬
‫ة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ل تكشف‬ ‫تتعلق بنشاط‬ ‫معلومات غير‬
‫انحرافا ً ضاراً‬ ‫الحتمالت‬
‫غير سرى ( ‪-‬‬ ‫سرية‬
‫(‪)-‬‬ ‫)‬ ‫(‪)-‬‬
‫نشر فورى‬ ‫علنهههى‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬
‫العلن عن إرجاء النشر لجل‬ ‫سهههرى‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬
‫مسمى ومحدود‬
‫العلن عن إرجاء النشر لجل‬ ‫سهههرى‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬
‫مسمى ومحدود‬
‫نشر فورى‬ ‫علنهههى‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬
‫نشر فورى‬ ‫علنهههى‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬
‫العلن عن إرجاء النشر لجل‬ ‫سهههرى‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬
‫مسمى ومحدود‬
‫نشر فورى‬ ‫علنهههى‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪7‬‬
‫نشر فورى‬ ‫علنهههى‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬

‫جـدول رقم ( ‪) 6‬‬

‫السلوب الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة « حق حماية المن‬


‫القومى والسرار العامـة »‬

‫‪ ..‬يوضح الجدول السابق ثمانية احتمالت يمكن أن تننظم وفقا لها عناصر الحدث‬
‫موضوع الر سالة العلم ية‪ .‬و من خلل ثنائ ية ال ه (‪ )1‬والهه ( صفر) يم كن تحو يل كل‬
‫عنصهر مهن عناصهر الحدث موضوع الرسهالة إلى معكوسهه‪ .‬ولقهد تضمنهت الحتمالت‬
‫المختل فة خ مس حالت تدور فى إطار ( العل نى )‪ ،‬م ما يع نى إتا حة حر ية ن شر بدون أى‬
‫تدخل إعلمى‪ ،‬وثلث حالت تدور فى إطار ( سرى )‪ ،‬مما يوجب ضرورة أن يترافق مع‬
‫‪-‬‬ ‫‪317‬‬ ‫‪-‬‬

‫النشر نوع من التدخل لتخفيف الثار الضارة الناشئة عن انتهاك حق حماية المن القومى‬
‫والسرار العامة‪.‬‬

‫ويتمثل التدخل العلمى المناسب فى‪ :‬تأجيل النشر لجل مسمى ومحدود‪.‬‬
‫وذلك من خلل إعلن المؤ سسة العلم ية عن ح صولها على معلومات سرية‪ ،‬أو معلومات‬
‫تتعلق بنشاط سهرى‪ ،‬ولكنهها ل تتعلق بانحراف ضار‪ .‬وأنهها سهتقوم بنشهر تلك المعلومات بعهد‬
‫مرور فترة زمنية معينة محددة‪ ،‬من أجل إتاحة الفرصة للجهات المسئولة عن تلك المعلومات‬
‫لتعد يل خطط ها ال سرية‪ .‬وبالتالى‪ ..‬يحترم هذا التد خل حق المؤ سسات العلم ية فى العلم‪،‬‬
‫وحق الجماهير فى المعرفة‪ ،‬وحق الجهات المسئولة فى حماية المن القومى والسرار العامة‪،‬‬
‫وذلك دون إخلل بالحرية المطلقة للتعبير‪.‬‬

‫ولعهل بعهض معارضهى مبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير قهد ل يجدون أى مهبرر لنشهر‬
‫معلومات لهها صهفة السهرية‪ ،‬طالمها أنهها ل تتعلق بانحراف ضار‪ .‬وذلك باعتبار أن النشهر‬
‫سيضر بالمن القومى دون أدنى فائدة تعود على المجتمع‪ .‬ول شك أن هذه نظرة غير دقيقة‪،‬‬
‫إذ إن قدرة المؤ سسات العلم ية فى الح صول على معلومات سرية بأ ساليب غ ير اقتحام ية‬
‫وغيهر مخالفهة للقانون ‪ -‬كأن يتهم إرسهالها بالبريهد مثلً ‪ -‬تعنهى توافهر نفهس القدرة لى عدو‬
‫محتمل‪ .‬المر الذى يكشف عن خلل فى النظام المنى لحماية أسرار المن القومى‪.‬‬
‫وبالتالى فإن مبادرة المؤسهسات العلميهة بإعلنهها الحصهول على معلومات سهرية‬
‫وإرجاء نشرهها لفترة معينهة‪ ،‬سهتؤدى إلى مبادرة الجهات المسهئولة لتدارك الخلل فهى نظامهها‬
‫المنهى‪ ،‬المهر الذى يعود بالفائدة على المهن القومهى‪ .‬بالضافهة إلى أن نشهر تلك المعلومات‬
‫السهرية على الرغهم مهن عدم كشفهها لنحراف ضار‪ ،‬سهيؤدى إلى قيام المؤسهسات العلميهة‬
‫بدورها لكشف أوجه القصور فى الداء فى مجالت حماية السرار المتعلقة بالمن القومى‪.‬‬

‫═▐‬ ‫╦╟نــي ╟≡‪╟ :‬لنــم ‪╟ ╠╨µ‬ل ╟═╩م ╟لى ل╩ ‪╒µ‬ي ▌ ╟ل ╩╧╬ل ╟ل ┼┌ل ╟مــى ▌ى م ‪╠╟µ‬ه ╔ «‬
‫═م ╟ي ╔ ├╬ل ╟▐ي ╟╩ ‪▐µ‬يم ╟لم ╠╩م ┌╗ ‪:‬‬

‫يقوم هذا النموذج على علقهة [ غيهر الخلقهى أو المناههض للقيهم ‪ -‬الخلقهى‬
‫أو الم ساند للق يم ]‪ ،‬أى غ ير الخل قى فى مواج هة الخل قى أو المنا هض للق يم ال سائدة فى‬
‫مواجههة المسهاند للقيهم السهائدة‪ .‬بحيهث إذا أثبتهت الدراسهة الحتماليهة أن مضمون الرسهالة‬
‫العلمية يدور فى الطار الخلقى أو المساند للقيم‪ ،‬فإن هذا يعنى حرية النشر دون ممارسة‬
‫أى تدخل إعلمى‪ .‬بينما إذا أثبتت الدراسة الحتمالية أن مضمون الرسالة العلمية يدور فى‬
‫الطار غيهر الخلقهى أو المناههض للقيهم السهائدة‪ ،‬ممها يؤدى إلى انتهاك حهق حمايهة قيهم‬
‫‪-‬‬ ‫‪318‬‬ ‫‪-‬‬

‫وأخلقيات المجت مع‪ ،‬فإن هذا يع نى ضرورة أن يترا فق مع حر ية الن شر نوع ما من التد خل‬
‫العلمى لتخفيف الثار الضارة المتوقعة من نشر الرسالة العلمية‪.‬‬

‫ويتركهب النموذج المعيارى للرسهالة العلميهة التهى تدور فهى الطار ( الخلقهى‬
‫أو المساند للقيم ) ول تنتهك حق حماية أخلقيات وقيم المجتمع من العناصر التالية‪:‬‬
‫قيم أو أخلقيات سائدة ‪ -‬يتم مخالفتها أو مناهضتها ‪ -‬بأسلوب علمى أو فنى‬
‫وعلى الر غم من احتواء الر سالة العلم ية ‪ -‬موضوع النموذج المعيارى ‪ -‬على ق يم‬
‫أو أخلقيات سائدة يتم مناهضتها‪ ،‬إل أنها ل تنتهك حق حماية أخلقيات وقيم المجتمع‪ ،‬وذلك‬
‫لعرض مضمون الر سالة العلم ية بأ سلوب عل مى أو ف نى‪ ،‬ال مر الذى يبت عد ب ها عن طبي عة‬
‫الرسائل غير الخلقية أو المناهضة للقيم‪.‬‬

‫ويوضهح الجدول التالى الحتمالت المختلفهة التهى يمكهن أن تنتظهم وفقا لهها عناصهر‬
‫النموذج المعيارى‪ ،‬وذلك على النحو التالى‪:‬‬
‫╚├╙ل‪╚µ‬‬ ‫ي╩م‬ ‫▐يم‬ ‫م‪┌µ╓µ‬‬
‫ن▄▄▄▄‪┌µ‬‬ ‫╟لن╩ي╠▄▄╔‬ ‫┌لمى‬ ‫م╬╟ل▌╩ه╟‬ ‫‪╬├µ‬ل╟▐ي‬ ‫╟ل╤╙╟ل╔‬
‫╟ل╩╧╬▄▄▄▄▄ل‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫╟╩‬
‫╙╟╞╧╔ (‬
‫‪)1‬‬
‫╚├╙ل‪╚µ‬‬ ‫ل╟ ي╩م‬ ‫▐يم‬
‫╟ل╟═╩م╟‬
‫█ي╤ ┌لمى‬ ‫م╬╟ل▌╩ه╟‬ ‫‪╬├µ‬ل╟▐ي‬
‫ل╟╩‬
‫(‪)-‬‬ ‫(‪)-‬‬ ‫╟╩‬
‫█ي╤‬
‫╙╟╞╧╔ ( ‪-‬‬
‫)‬
‫نشههر‬ ‫أخلقهى مسهاند للقيهم‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫نشر‬ ‫أخلقهى مسهاند للقيهم‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نشههر مههع التعليههق‬ ‫غير أخلقى غير مساند‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬
‫أو رسائل مضادة‬ ‫للقيم‬
‫نشر‬ ‫أخلقهى مسهاند للقيهم‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫نشر‬ ‫أخلقهى مسهاند للقيهم‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫نشههر مههع التعليههق‬ ‫غير أخلقى غير مساند‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬
‫أو رسائل مضادة‬ ‫للقيم‬
‫نشر‬ ‫أخلقهى مسهاند للقيهم‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪7‬‬

‫نشههر مههع التعليههق‬ ‫غير أخلقى غير مساند‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬
‫أو رسائل مضادة‬ ‫للقيم‬

‫╤▐م ( ‪) 7‬‬ ‫╠▄╧‪µ‬ل‬


‫═▄▐ ═م╟ي╔‬ ‫╟ل╪╤ي▐╔ ╟ل╟═╩م╟لي╔ ل╩‪╒µ‬ي▌ ╟ل╩╧╬ل ╟ل┼┌ل╟مى ▌ى م‪╠╟µ‬ه╔ «‬
‫├╬ل╟▐ي╟╩ ‪▐µ‬يم ╟لم╠╩م┌ ╗‬
‫‪-‬‬ ‫‪319‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ..‬يت ضح من الجدول ال سابق أن احتمالت عرض موضوع الر سالة تضم نت خ مس‬
‫حالت تدور فى إطار ( أخل قى أو م ساند للق يم )‪ ،‬ب ما يع نى حر ية نشر ها دون ممار سة أى‬
‫تدخهل‪ ،‬بينمها دارت ثلث حالت فهى إطار ( غيهر أخلقهى أو مناههض للقيهم )‪ ،‬ممها يعنهى‬
‫ضرورة أن يترافق مع حرية النشر نوع ما من التدخل للتخفيف من الثار الضارة الناشئة عن‬
‫انتهاك حق حماية أخلقيات وقيم المجتمع‪.‬‬

‫ويتمثل التدخل العلمى المناسب فى الجراءات التحريرية التالية‪:‬‬


‫• ن شر الر سائل العلم ية بالكا مل مع التعل يق علي ها‪ ،‬أو ن شر ر سائل إعلم ية مضادة ل ها‪،‬‬
‫وذلك فى حالة الرسائل العلمية التى تناهض القيم السائدة‪.‬‬
‫• أ ما فى حالة الر سائل العلم ية غ ير الخلق ية (الباح ية)‪ ،‬في تم نشر ها كاملة مع تغليف ها‬
‫بإشارات وتحذيرات توضهح اسهتهدافها للكبار فقهط‪ ،‬وأنهها تتضمهن مواد غيهر أخلقيهة‪ .‬ومهن‬
‫جرّم نشهر‬
‫جرّم قوانينهها الدعارة ول ُت َ‬
‫البدههى أن هذا التدخهل لن يتهم إل فهى الدول التهى ل ُت َ‬
‫الرسهائل العلميهة الباحيهة‪ .‬بينمها لن ينطبهق ذلك التدخهل على الرسهائل العلميهة غيهر‬
‫جرّم قوانينهها الدعارة والمواد العلميهة الباحيهة‪.‬‬
‫الخلقيهة التهى يتهم نشرهها فهى دول ُت َ‬
‫وإنمها سهينطبق عليهها حينئذ‪ ..‬النموذج الحتمالى لتوصهيف التدخهل العلمهى فهى مواجههة‬
‫« حق حماية تشريعات المجتمع »∗‪.‬‬

‫ومهن الجديهر بالذكهر أن بعهض الدعاوى قهد تنتقهد السهماح بنشهر الرسهائل العلميهة‬
‫المناهضة للقيم والتى تعادى الديان‪ ،‬مثل الرسائل العلمية اللحادية‪ .‬انطلقا من التساؤل حول‬
‫الفائدة المرجوة التهى سهتعود على المجتمهع مهن إباحهة الهجوم على الحقائق الدينيهة المطلقهة‪ ،‬أو‬
‫السماح بالتجريح فيها‪ ،‬باعتبار أن تلك الباحة لن تساهم إل فى زرع الشك أو إثارة الغضب فى‬
‫نفوس المؤمنين بالديان‪ ،‬نتيجة تعرضهم لرسائل إعلمية تسخف من إيمانهم‪.‬‬
‫ولعهل الرد على هذه الدعاوى يتمثهل فهى أن السهماح بنشهر تلك الراء المناهضهة للديان‬
‫أو الراء اللحاد ية أف ضل من حظر ها وكبت ها‪ ،‬انطلقا من أن ن شر تلك الراء سيفتح الباب للرد‬
‫عليها‪ .‬مما يوفر فرصة كبيرة لمكانية إقناع بعض معتنقى تلك الراء بعدم صحتها‪ .‬أو على القل‬
‫سيوفر هذا الفر صة للمخالف ين لتلك الراء‪ ،‬ل كى يزدادوا إيمانا بمعتقدات هم نتي جة إشمئزاز هم من‬
‫الراء المناه ضة للعقائد‪ .‬وبالتالى فإن الفائدة ال تى ستعود على العقيدة الدين ية ستكون متوفرة فى‬
‫حالة النشر من كافة الجوانب‪ .‬بينما سيؤدى الحظر إلى تداول تلك الراء المعارضة للعقائد الدينية‬
‫فى الخفاء‪ ،‬وتوفير الفرصة ليمان البعض بها‪ ،‬نتيجة عدم مواجهتها الجدلية مع الراء الدينية‪.‬‬

‫انظر‪ :‬صفحات ‪.294 - 290‬‬ ‫‪‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪320‬‬ ‫‪-‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬فإن ح ظر الراء المعار ضة للعقائد الدين ية سيؤدى إلى و هن إيمان‬
‫المؤمنين بإيمانهم‪ ،‬وذلك لستبعاد إعمال العقل فيما يتعلق بتلك المور‪ .‬مما يؤدى إلى التعامل‬
‫معها فى إطار التواتر والعتياد‪ ،‬وليس العقلنية والقتناع‪ .‬ولعل هذا هو أخطر وضع يمكن‬
‫أن تتعرض له العقائد الدينية‪ ،‬لما سيؤدى إليه ذلك من فقدان للجوهر الصيل الذى يميز كافة‬
‫الرسالت السماوية‪ ،‬والذى يتمثل فى الدعوة إلى إعمال العقل والتفكير‪.‬‬

‫‪ ..‬إن كفالة حر ية الت عبير للراء ال تى تنال من العقائد الدين ية‪ ،‬ت عد بمثا بة أ كبر د عم‬
‫يم كن تقدي مه لتلك العقائد؛ ل نه بدون الحفاظ على جذوة النقاش مشتعلة حول تلك الحقائق‪ ،‬فإن‬
‫مآلها سيكون عندئذ إلى الجمود والتحجر‪.‬‬

‫╟لنــــم ‪╟ ╠╨µ‬ل╟═╩م╟لى ل╩‪╒µ‬ي▌ ╟ل╩╧╬ل ╟ل┼┌ل╟مــــى ▌ى م‪µ‬‬ ‫╦╟ل ╦╟≡‪:‬‬

‫╟╠ه ╔ « ═▐ ═م ╟ي╔ ╪‪╟ ▌╞╟µ‬لم ╠╩م ┌ ╗‪:‬‬

‫يقوم هذا النموذج على علقهة [ الطائفهى ‪ -‬غيهر الطائفهى ]‪ ،‬أى الرسهالة العلميهة ذات‬
‫المضمون الطائ فى ال تى تنت هك حق حما ية طوائف المجت مع فى مواج هة الر سالة العلم ية ذات‬
‫المضمون غير الطائفى التى ل تنتهك هذا الحق‪ .‬بحيث إذا أثبتت الدراسة الحتمالية أن مضمون‬
‫الر سالة العلمية يدور فى الطار ( غير الطائ فى )‪ ،‬تم نشر ها دون تدخلت إعلم ية‪ .‬بينما إذا‬
‫أثبتت الدراسة الحتمالية أن مضمون الرسالة العلمية يدور فى الطار ( الطائفى )‪ ،‬مما يؤدى‬
‫إلى انتهاك حق حماية طوائف المجتمع؛ فإن هذا يعنى ضرورة أن يترافق مع حرية النشر نوع ما‬
‫من التدخل العلمى لتخفيف الثار الضارة المتوقعة لنشر الرسالة العلمية‪.‬‬

‫ويتركب النموذج المعيارى للرسالة العلمية التى تدور فى الطار ( غير الطائفى )‬
‫ول تنتهك حق حماية طوائف المجتمع من العناصر التالية‪:‬‬
‫معلومات أو آراء تحمل كراهية ‪ -‬تتعلق بطائفة تشكل أقلية ‪ -‬يتم عرضها بأسلوب علمى‬
‫وعلى الرغم من احتواء الرسالة العلمية ‪ -‬موضوع النموذج المعيارى ‪ -‬على كراهية تتعلق‬
‫بطائفهة تشكهل أقليهة‪ ،‬إل أنهها ل تنتههك حهق حمايهة طوائف المجتمهع؛ لن تلك المعلومات يتهم‬
‫عرضها بأسلوب علمى‪ ،‬المر الذى يبتعد بها عن طبيعة الرسائل العلمية المثيرة للكراهية‪.‬‬

‫ويوضح الجدول التالى الحتمالت المختلفة لعرض موضوع الرسالة كالتالى‪:‬‬

‫╚├╙ل‪╚µ‬‬ ‫╩╩┌ل▐‬ ‫م┌ل‪µ‬م╟╩‬ ‫م‪┌µ╓µ‬‬


‫ن▄▄▄▄‪┌µ‬‬ ‫╟لن╩ي╠▄▄╔‬ ‫┌لمى‬ ‫╚╪╟╞▌╔‬ ‫╩═مل‬ ‫╟ل╤╙╟ل╔‬
‫╟ل╩╧╬▄▄▄▄▄ل‬ ‫(‪)1‬‬ ‫╩╘▀ل‬ ‫▀╤╟هي╔ (‬
‫├▐لي╔ (‪)1‬‬ ‫‪)1‬‬
‫╚├╙ل‪╚µ‬‬ ‫╩╩┌ل▐‬ ‫م┌ل‪µ‬م╟╩‬
‫╟ل╟═╩م╟‬
‫█ي╤ ┌لمى‬ ‫╚╪╟╞▌╔‬ ‫ل╟ ╩═مل‬
‫ل╟╩‬
‫(‪)-‬‬ ‫ل╟‬ ‫▀╤╟هي╔‬
‫‪-‬‬ ‫‪321‬‬ ‫‪-‬‬

‫╩╘▀ل‬ ‫(‪)-‬‬
‫├▐لي╔ ( ‪) -‬‬
‫نشر‬ ‫غير طائفى‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫نشههر مههع التعليههق‬ ‫طائفى‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬


‫أو رسائل مضادة‬
‫نشههر مههع التعليههق‬ ‫طائفى‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬
‫أو رسائل مضادة‬
‫نشر‬ ‫غير طائفى‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫نشر‬ ‫غير طائفى‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫نشههر مههع التعليههق‬ ‫طائفى‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬


‫أو رسائل مضادة‬
‫نشر‬ ‫غير طائفى‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪7‬‬

‫نشههر مههع التعليههق‬ ‫طائفى‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬


‫أو رسائل مضادة‬

‫╤▐م ( ‪) 8‬‬ ‫╠▄╧‪µ‬ل‬


‫═▄▐ ═م╟ي╔ ╪‬ ‫╟ل├╙ل‪╟ ╚µ‬ل╟═╩م╟لى ل╩‪╒µ‬ي▌ ╟ل╩╧╬ل ╟ل┼┌ل╟مى ▌ى م‪╠╟µ‬ه╔ «‬
‫‪╟ ▌╞╟µ‬لم╠╩م┌ ╗‬

‫يتضح من الجدول السابق أن احتمالت عرض موضوع الرسالة تضمنت أربع حالت‬
‫تدور فى الطار ( غ ير الطائ فى )؛ م ما يع نى حر ية نشر ها دون تد خل‪ .‬بين ما تضم نت أر بع‬
‫حالت تدور فى الطار ( الطائفى )؛ مما يعنى ضرورة التدخل العلمى للتخفيف من الثار‬
‫الضارة الناشئة عن انتهاك حق حماية طوائف المجتمع‪.‬‬

‫ويتمثل التدخل العلمى المناسب فى الجراءات التحريرية التالية‪:‬‬


‫• النشر الكامل للرسالة العلمية الطائفية مع التعليق عليها لتفنيد دعاويها الطائفية‪.‬‬
‫• الن شر الكا مل للر سالة العلم ية الطائف ية مع ن شر ر سائل مضادة ل ها تدور فى إطار غ ير‬
‫طائفى‪.‬‬

‫و من المل حظ‪ ..‬أن النموذج الرا هن اقت صر ف قط على تو صيف التد خل العل مى فى‬
‫مواجهة حق حماية طوائف المجتمع دون الشارة إلى « حقوق حماية مبادئ ورموز وسلطات‬
‫المجتمع »‪ .‬ولعل ذلك ينبع من أن تلك الحقوق فى تقديرنا ‪ -‬من حيث حمايتها لمبادئ النظم‬
‫ال سياسية وعقائد ها‪ ،‬أو حمايت ها للرموز الماد ية أو الدلل ية أو الن سانية‪ ،‬أو حمايت ها لمنظو مة‬
‫سلطات الدولة الحدي ثة ‪ -‬ينب غى عدم تمتع ها بأ ية حما ية أو تد خل إعل مى‪ ،‬وذلك انطلقا من‬
‫عدم احتماليهة وجود أيهة آثار ضارة ناشئة عهن التعرض العلمهى لتلك الحقوق المزعومهة‪.‬‬
‫وال تى ما هى إل مجمو عة من ال صنام الحكوم ية‪ ،‬تطلب الحكومات الم ستبدة من رعايا ها‬
‫‪-‬‬ ‫‪322‬‬ ‫‪-‬‬

‫عبادتهها‪ ،‬بغرض كفالة نوعا مهن الجماع الشعهبى المصهطنع يتهم اسهتثماره للترويهج لشرعيهة‬
‫الحكم واستقرار قواعده‪ .‬ولعل مفهوم الدولة الديمقراطية الحديثة يتناقض تماما مع إسباغ نوع‬
‫مها مهن التقديهس لمبادئ أو رموز أو سهلطات‪ ،‬أيا كانهت‪ ،‬انطلقا مهن أن الديمقراطيهة تحترم‬
‫التعددية والتنوع وتؤمن بضرورة التغيير وأهميته‪.‬‬

‫═▐‬ ‫╤╟╚┌╟≡‪╟ :‬لنم‪╟ ╠╨µ‬ل╟═╩م╟لى ل╩‪╒µ‬ي▌ ╟ل╩╧╬ل ╟ل┼┌ل╟مى ▌ى م‪╠╟µ‬ه╔ «‬


‫═م╟ي╔ ╩╘╤ي┌╟╩‬

‫╟لم╠╩م┌ ╗‪:‬‬

‫يقوم هذا النموذج على علقهة [ غيهر المشروع ‪ -‬المشروع ]‪ ،‬أى الرسهالة العلميهة‬
‫ذات المضمون ( النا تج عن‪ ،‬أو المحرض على‪ ،‬أو ال تى تنطوى على‪ :‬ف عل غ ير مشروع )‪،‬‬
‫والتى تنتهك بذلك حق حماية تشريعات المجتمع‪ ،‬فى مواجهة الرسالة العلمية ذات المضمون‬
‫المشروع التى ل تنتهك ذلك الحق‪.‬‬
‫بح يث إذا أثب تت الدرا سة الحتمال ية أن مضمون الر سالة العلم ية يدور فى الطار‬
‫( المشروع )؛ تم نشرها دون تدخلت إعلمية‪ .‬أما إذا كان يدور فى الطار ( غير المشروع )‪،‬‬
‫ممها يؤدى إلى انتهاك حهق حمايهة تشريعات المجتمهع‪ ،‬فإن هذا يعنهى ضرورة أن يترافهق مهع‬
‫حريهة النشهر نوع مها مهن التدخهل العلمهى لتخفيهف الثار الضارة المتوقعهة مهن نشهر‬
‫الرسالة العلمية‪.‬‬

‫وتنقسم الرسائل العلمية التى تدور فى الطار ( غير المشروع ) إلى ثلثة أنواع‪..‬‬
‫كما يوضح الشكل التالى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪323‬‬ ‫‪-‬‬

‫╩╧‪╤µ‬‬ ‫╘▀ل ╤▐م ( ‪▄▄╙╤ : ) 6‬م ╩╬╪ي╪ى ي‪├ ═╓µ‬ن‪╟ ┌╟µ‬ل╤╙╟╞ل ╟ل┼┌ل╟مي╔ ╟ل╩ى‬
‫▌ى ╟ل┼╪╟╤ ( █ي╤ ╟لم╘╤‪) ┌µ‬‬

‫النوع الول‪ :‬الرسهائل العلميهة الناتجهة عهن فعهل غيهر مشروع‪ ،‬وههى الرسهائل‬
‫العلميهة التهى تهم الحصهول عليهها بناءا على أفعال عمديهة غيهر مشروعهة‪ ..‬مثهل‪ :‬القتحام‬
‫أوالتهديد أوالرشوة أوالتزوير‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫النوع الثا نى‪ :‬الر سائل العلم ية ال تى تحرض على ارتكاب ف عل غ ير مشروع‪ ،‬و هى‬
‫الر سائل العلم ية ال تى تتض من الدعوة إلى ارتكاب أفعال مخال فة للقوان ين‪ ..‬م ثل‪ :‬التحر يض‬
‫على القتل أو التخريب أو العتداء‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬الر سائل العلم ية ال تى تنطوى على ف عل غ ير مشروع‪ ،‬و هى الر سائل‬
‫العلمية التى تتضمن فى مادتها العلمية ذاتها أفعالً غير مشروعة‪ ..‬مثل‪ :‬المواد العلمية‬
‫الباح ية فى الدول ال تى تجرم الدعارة‪ ،‬أو المواد العلم ية ال تى تتض من مشا هد حقيق ية للق تل‬
‫والتعذيههب والعنههف‪ ..‬إلخ‪ ،‬أو المواد العلميههة التههى تتضمههن تهديدا بالقتههل‬
‫أو العتداء أو التخريب‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫ويتركهب النموذج المعيارى للرسهالة العلميهة التهى تدور فهى الطار ( المشروع )‬
‫ول تنتهك حق حماية تشريعات وقوانين المجتمع من العناصر التالية‪:‬‬
‫مواد إعلمية إخبارية ‪ -‬تذاع على الهواء ‪ -‬تنطوى على سلوك غير مشروع‬
‫أما معكوس هذا النموذج فيتركب من العناصر التالية‪:‬‬
‫مواد إعلمية غير إخبارية ‪ -‬مسجلة أو مطبوعة ‪ -‬ناتجة عن أو تحرض على سلوك غير مشروع‬

‫ويمثل النموذج الصلى الرسالة العلمية التى سيتم نشرها دون أية تدخلت إعلمية‬
‫على الرغم من انطوائها على سلوك غير مشروع‪ ،‬وذلك لنها تعرض لمادة إخبارية تُذاع على‬
‫الهواء مباشرة‪ ،‬وبالتالى ل يمكن إجراء أية تدخلت إعلمية عليها بأى شكل من الشكال‪.‬‬

‫بينمها يمثهل النموذج المعكوس الرسهالة العلميهة التهى سهيترافق مهع حريهة نشرهها‬
‫ممارسهة نوع مها مهن التدخلت العلميهة للتخفيهف مهن آثار انتهاكهها لحهق حمايهة تشريعات‬
‫المجتمع‪ ،‬وسيكون التدخل فى هذه الحالة متاحا لكون الرسالة مسجلة أو تُقدم فى شكل مطبوع‪،‬‬
‫مما يوفر الفرصة لممارسة التدخلت العلمية عليها‪.‬‬

‫ويوضح الجدول التالى الحتمالت المختلفة لعرض موضوع الرسالة العلمية كالتالى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪324‬‬ ‫‪-‬‬

‫╩ن╪‪µ‬ى ┌لى ╙ل‬ ‫╩╨╟┌ ┌لى‬ ‫م‪╧╟µ‬‬ ‫م‪┌µ╓µ‬‬


‫ن▄▄▄▄‪┌µ‬‬ ‫╟لن╩ي╠▄▄‬ ‫‪ ▀µ‬م╘╤‪)µ┌ )1‬‬ ‫╟له‪┴╟µ‬‬ ‫┼╬╚╟╤ي╔‬ ‫╟ل╤╙╟ل‬
‫╟ل╩╧╬▄▄▄▄▄ل‬ ‫╔‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫╔‬

‫ن╟╩╠╔ ┌ن ├‬ ‫م╙╠ل╔ ├‪µ‬‬ ‫م‪█ ╧╟µ‬ي╤‬


‫╟ل╟═╩م╟‬
‫‪┌ ╓╤═╩µ‬لى ╙ل‬ ‫م╪╚‪╔┌µ‬‬ ‫┼╬╚╟╤ي╔‬
‫ل╟╩‬
‫‪█ ▀µ‬ي╤ م╘╤‬ ‫(╒▌╤)‬ ‫(╒▌╤)‬
‫‪)╤▌╒( ┌µ‬‬
‫نشهههههههههههر‬ ‫مشروع‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫نشهههههههههههر‬ ‫مشروع‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نشهر مهع التنويهه وإبلغ‬ ‫غيههر مشروع‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬
‫السلطات‬
‫نشهر مهع التنويهه وإبلغ‬ ‫غيههر مشروع‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬
‫السلطات‬
‫هلوب العرض‬‫هر بأسه‬‫نشه‬ ‫غيههر مشروع‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬
‫ههر التجارى‬
‫الخاص غيه‬
‫وإبلغ السلطات‬
‫نشهههههههههههر‬ ‫مشروع‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬

‫نشهههههههههههر‬ ‫مشروع‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪7‬‬

‫نشهر مهع التنويهه وإبلغ‬ ‫غيههر مشروع‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬
‫السلطات‬

‫╤▐م ( ‪) 9‬‬ ‫╠▄╧‪µ‬ل‬


‫═▄▐ ═م╟ي╔‬ ‫╟ل├╙ل‪╟ ╚µ‬ل╟═╩م╟لى ل╩‪╒µ‬ي▌ ╟ل╩╧╬ل ╟ل┼┌ل╟مى ▌ى م‪╠╟µ‬ه╔ «‬
‫╩╘╤ي┌╟╩ ╟لم╠╩م┌╗‬

‫يتضح من الجدول السابق أن احتمالت عرض موضوع الرسالة تضمنت أربع حالت‬
‫تدور فى الطار ( المشروع )؛ ومن ثم فهى تتمتع بحرية النشر دون أى تدخل إعلمى‪ .‬بينما‬
‫تضمنت أربع حالت تدور فى الطار ( غير المشروع )؛ مما يعنى ضرورة التدخل العلمى‬
‫للتخفيف من الثار الضارة الناشئة عن انتهاك حق حماية تشريعات المجتمع‪.‬‬

‫ويتمثل التدخل العلمى المناسب فى الجراءات التحريرية التالية‪:‬‬


‫النشر الكامل للرسالة العلمية التى تدور فى الطار ( غير المشروع )‪ ،‬مع اللتزام‬ ‫•‬
‫بالتنويهه عهن احتواء تلك الرسهالة على مواد إعلميهة ناتجهة عهن أو تحرض على‬
‫أو تنطوى على فعل غير مشروع‪ ،‬واللتزام بإبلغ سلطات تنفيذ القانون بكافة المعلومات‬
‫المتوفرة عن الشخاص المتورطين فى تلك الفعال غير المشروعة‪.‬‬

‫النشر الكامل للرسالة العلمية بأسلوب « العرض الخاص غير التجارى » واللتزام‬ ‫•‬
‫بإبلغ السهلطات‪ .‬والمقصهود بأسهلوب العرض الخاص غيهر التجارى ههو عرض المواد‬
‫العلميهة بأسهلوب التشفيهر فهى المواد اللكترونيهة أو أسهلوب الشتراكات فهى المواد‬
‫‪-‬‬ ‫‪325‬‬ ‫‪-‬‬

‫المطبوعة‪ ،‬بحيث ل تستهدف تلك المواد إل الشخاص الراغبين فى استقبالها‪ ،‬وبحيث يتم‬
‫هس بهدف‬
‫ها‪ ،‬وليه‬
‫هن بمضمونهه‬
‫هط بهدف إعلم المتلقيه‬
‫عرض هذه المواد لمرة واحدة فقه‬
‫استغللها تجاريا من خلل تكرار عرضها‪ ،‬مع اللتزام بإبلغ سلطات تنفيذ القانون بكافة‬
‫المعلومات المتوفرة عن الشخاص المتورطين فى تلك الفعال غير المشروعة‪.‬‬

‫‪ ..‬ولعل الشكالية التى تطل برأسها فى هذا الصدد تتمثل فى أسلوب العرض الخاص‬
‫غ ير التجارى للمواد العلم ية غ ير الخبار ية الم سجلة أو المطبو عة وال تى تنطوى على ف عل‬
‫غير مشروع‪ ،‬وخصوصا فيما يتعلق بالمواد العلمية الباحية فى البلدان التى تجرم الدعارة‪.‬‬
‫وذلك لن أسهلوب التد خل العلمهى سيؤدى إلى نشهر تلك المواد العلميهة لمرة واحدة ف قط‬
‫وفقا لسهلوب التشفيهر أو الشتراكات‪ ،‬بحيهث يطّلع عليهها الشخاص الراغبون فهى اسهتقبالها‪.‬‬
‫المر الذى سيمثل ثغرة لعرض المواد العلمية الباحية‪.‬‬
‫ول كن ينب غى التنو يه إلى أن أ سلوب التد خل العل مى المقترح يفرض على المؤ سسة‬
‫العلم ية اللتزام بإبلغ سهلطات تنفيهذ القانون عهن كافهة المعلومات المتوفرة عن الشخاص‬
‫المتورطين فى إنتاج تلك المواد العلمية الباحية‪ .‬وهذا يستدعى منطقيا عدم قدرة المؤسسات‬
‫العلمية نفسها على المبادرة بإنتاج مواد إعلمية إباحية‪ ،‬لن ذلك سيعرضها لمخالفة قوانين‬
‫مكافحة الدعارة‪ ،‬وعدم قدرة تلك المؤسسات على التواطؤ مع منتجى تلك الشرائط لنشرها من‬
‫خلل وسائل العلم‪ ،‬لن كافة المشتركين فى إنتاج تلك العمال سيصبحون عرضة لملحقة‬
‫سلطات تنفيذ القانون‪ ،‬بالضافة إلى المؤسسة العلمية ذاتها لو ثبت تورطها فى ذلك‪.‬‬
‫وبالتالى‪ ..‬فإن الواقهع القانونهى فهى الدول التهى تجرم الدعارة سهيؤدى عمليا إلى عدم‬
‫قدرة المؤ سسات العلم ية على التعا مل مع المواد الباح ية‪ ،‬با ستثناء المواد الباح ية ال تى تم‬
‫الح صول علي ها بش كل عر ضى غ ير متع مد‪ ،‬أو المواد الباح ية غ ير النات جة عن الدعارة‪ ،‬بل‬
‫الناتجهة عهن وقائع حقيقيهة غيهر تمثيليهة‪ ،‬ونتهج عنهها مواد إعلميهة إباحيهة‪ ،‬مثهل‪ :‬الصهور‬
‫الفوتوغرافية أو شرائط الفيديو أو الشرائط الصوتية للعلقات الجنسية الحقيقية‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فإن أ سلوب العرض الخاص لن يم ثل عندئذ ثغرة لعرض العمال الباح ية فى‬
‫البلدان التهى تجرم الدعارة‪ .‬وذلك لن السهلطات إذا كان مهن حقهها القبهض على شبكات الدعارة‪،‬‬
‫وم صادرة متح صلت الدعارة من الفلم والمطبوعات والشرائط‪ ،‬فإ نه ل يس من حق ها م صادرة‬
‫الشرائط ال تى تنطوى على مواد إباح ية غ ير نات جة عن الدعارة‪ ،‬ول يس من حق ها م صادرة المادة‬
‫العلمية الباحية التى تحصل عليها المؤسسة العلمية بصورة عرضية غير متعمدة‪ ،‬وتعمل‬
‫على نشرها فى إطار نشاطها فى النقل الوافى للمعرفة‪ .‬حيث تدخل تلك المواد العلمية الباحية‬
‫فى إطار النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪ ،‬مع اللتزام بممارسة نوعا من التدخل‬
‫‪-‬‬ ‫‪326‬‬ ‫‪-‬‬

‫العل مى يتم ثل فى أ سلوب العرض الخاص غ ير التجارى وإبلغ ال سلطات عن أ ية معلومات‬


‫متوفرة عن المتورطين فى مخالفة القانون‪.‬‬

‫═▐‬ ‫╬╟م╙╟≡‪╟ :‬لنــم‪╟ ╠╨µ‬ل╟═╩م╟لى ل╩‪╒µ‬ي▌ ╟ل╩╧╬ل ╟ل┼┌ل╟مــى ▌ى م‪╠╟µ‬ه╔ «‬


‫═م╟ي╔ ╟ل╙م┌╔ ‪╟µ‬ل╟┌╩╚╟╤ ╗‪:‬‬

‫يقوم هذا النموذج على عل قة [ ال سمعة ‪ -‬ال صالح العام ]‪ ،‬أى الر سالة العلم ية ذات‬
‫المضمون الذى ينتههك حهق حمايهة السهمعة والعتبار فهى مواجههة الرسهالة العلميهة التهى‬
‫ل تنت هك هذا ال حق‪ .‬بح يث إذا أثب تت الدرا سة الحتمال ية أن مضمون الر سالة العلم ية يدور‬
‫فهى إطار ( الصهالح العام )؛ تهم نشرهها دون تدخلت إعلميهة‪ .‬وإذا كان يدور فهى إطار‬
‫( السمعة )‪ ،‬مما يؤدى إلى انتهاك حق حماية السمعة والعتبار؛ فإن هذا يعنى أن يترافق مع‬
‫حر ية الن شر نوع ما من ضرورة التد خل العل مى لتخف يف الثار الضارة المتوق عة من ن شر‬
‫الرسالة العلمية‪.‬‬

‫ويتر كب النموذج المعيارى للر سالة العلم ية ال تى تدور فى إطار ( ال صالح العام )‬
‫ول تنتهك حق حماية السمعة والعتبار من العناصر التالية‪:‬‬
‫شخص عام ‪ -‬فى واقعة تتعلق بنشاط عام ‪ -‬تتضمن انحرافا عاما‬

‫ويوضح الجدول التالى الحتمالت المختلفة لعرض هذا الموضوع كالتالى‪:‬‬


‫╩╩╓من‬ ‫‪╔┌▐╟µ‬‬ ‫╘╬╒ ┌╟م‬ ‫م‪┌µ╓µ‬‬
‫ن▄▄▄▄‪┌µ‬‬ ‫╟لن╩ي╠‬ ‫╟ن═╤╟▌╟‬ ‫╩╩┌ل▐‬ ‫(‪)1‬‬ ‫╟ل╤╙╟ل╔‬
‫╟ل╩╧╬▄▄▄▄▄ل‬ ‫▄▄╔‬ ‫≡‬ ‫╚ن╘╟╪‬
‫┌╟م╟≡ (‪)1‬‬ ‫┌╟م (‪)1‬‬
‫╩╩╓من‬ ‫‪╔┌▐╟µ‬‬ ‫╘╬╒ ╬╟╒‬
‫╟ل╟═╩م╟‬
‫╟ن═╤╟▌╟‬ ‫╩╩┌ل▐‬ ‫(‪)-‬‬
‫ل╟╩‬
‫≡ ╬╟╒╟≡‬ ‫╚ن╘╟╪‬
‫(‪)-‬‬ ‫╬╟╒ ( ‪) -‬‬
‫نشهههههههر‬ ‫صههالح عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫نشهههههههر‬ ‫صههالح عام‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نشهههههههر‬ ‫صههالح عام‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬

‫نشهههههههر‬ ‫صههالح عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫نشهههههههر‬ ‫صههالح عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫نشهههههههر‬ ‫صههالح عام‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬

‫نشهههههههر‬ ‫صههالح عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪7‬‬

‫نشرالصفة والحرف الولى من السم‬ ‫سههههمعة‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬


‫واللتزام بكشهف السهماء كاملة لمهن‬
‫يريد الطلع عليها من أفراد المجتمع‬
‫‪-‬‬ ‫‪327‬‬ ‫‪-‬‬

‫╤▐م ( ‪) 10‬‬ ‫╠▄╧‪µ‬ل‬


‫═▐ ═م╟ي╔‬ ‫╟ل├╙ل‪╟ ╚µ‬ل╟═╩م╟لى ل╩‪╒µ‬ي▌ ╟ل╩╧╬ل ╟ل┼┌ل╟مى ▌ى م‪╠╟µ‬ه╔ «‬
‫╟ل╙م┌╔ ‪╟µ‬ل╟┌╩╚╟╤ ╗‬

‫يت ضح من الجدول ال سابق أن الدرا سة الحتمال ية أوض حت سبعة احتمالت تدور فى‬
‫إطار ( الصالح العام )‪ ،‬مما يعنى إتاحة حرية النشر دون أى تدخل‪ .‬بينما ظهر احتمال واحد‬
‫يدور فى إطار (السمعة)؛ مما يعنى ضرورة النشر مع التدخل‪.‬‬

‫ويتمثل التدخل العلمى المناسب فى الجراءات التحريرية التالية‪:‬‬


‫نشهر تفاصهيل الحدث مهع اسهتبعاد ذكهر السهماء الكاملة للطراف موضوع الحدث‪،‬‬ ‫•‬
‫والكتفاء بذكر الحروف الولى من أسماء تلك الطراف‪.‬‬

‫التزام المؤسهسة العلميهة الناشرة للحدث بالكشهف عهن السهماء الكاملة ‪ -‬للطراف‬ ‫•‬
‫موضوع الحدث ‪ -‬ل كل من ير يد الطلع علي ها من أفراد المجت مع‪ .‬سواء أكا نت له عل قة‬
‫بهذه الطراف أو ل تربطهه بهها أيهة علقهة؛ وذلك انطلقا مهن احترام حهق الجماهيهر فهى‬
‫المعرفة‪.‬‬

‫ولعل التساؤل الذى يطرح نفسه فى هذا المجال يدور حول ماهية الفائدة التى ستعود‬
‫على المجتمهع مهن نشهر وقائع لشخصهيات خاصهة تتعلق بأنشطهة خاصهة ول تتضمهن انحرافا‬
‫عاما‪ ....‬ويتمثهل الرد على ذلك فهى أن الفائدة التهى سهتتحقق مهن النشهر سهتعود على بعهض‬
‫الشخاص المرتبطين بالطراف موضوع الحدث‪ ،‬وذلك من خلل إتا حة الفرصة لهم للتعرف‬
‫على بعهض الحقائق المخفيهة بشأن ذويههم‪ ،‬والتهى مها كان سهيتاح لههم معرفتهها إل مهن خلل‬
‫النشر‪ .‬أما البعض الخر من الشخاص ‪ -‬المرتبطين بالطراف موضوع الحدث ‪ -‬الذين قد‬
‫يتضررون من النشر‪ ،‬على اعتبار إنه يسئ إلى مركزهم الدبى فى المجتمع‪ .‬فإن الرد عليهم‬
‫يتمثل فى أن فشل الفراد فى اتخاذ التدابير اللزمة لخفاء انحرافاتهم الخاصة‪ ،‬ينزع عن تلك‬
‫النحرافات ‪ -‬على الر غم من خ صوصيتها وعدم تعلق ها بنشاط عام أو بش خص عام ‪ -‬صفة‬
‫الحما ية‪ .‬وطال ما تم تداول هذه النحرافات فى المجت مع بأى صورة؛ فإن هذا يت يح للمؤ سسات‬
‫العلميهة التعامهل مهع هذه النحرافات باعتبارهها رسهائل إعلميهة قابلة للنشهر‪ ،‬مهع ممارسهة‬
‫التدخهل العلمهى باسهتبعاد نشهر السهماء الكاملة والكتفاء بنشهر الحروف الولى‪ ،‬بشرط‬
‫اللتزام بالكشف عن تلك السماء الكاملة لكل من يطلبها من أفراد المجتمع‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪328‬‬ ‫‪-‬‬

‫أما الرسائل العلمية التى تتعلق بالشخصيات العامة‪ ،‬وتتعلق بنشاط خاص وتتضمن‬
‫انحرافا خاصا‪ .‬فإن ضريبة العمل العام هى التى تمنح المؤسسات العلمية الحق فى نشرها‪.‬‬
‫هن‬
‫هه عه‬
‫هص العام أن ينأى بنفسه‬
‫هل العام تفرض على الشخه‬
‫هة العمه‬
‫وذلك باعتبار أن ضريبه‬
‫النحراف‪ ،‬حتى ل يتم استثمار تلك النحرافات من أيه جهة لممارسة الضغط عليه‪ .‬وبالتالى‬
‫فطالما لم يلتزم الش خص العام باتخاذ التداب ير اللز مة لممار سة انحرافا ته الخا صة فى الخفاء‪،‬‬
‫فإن المؤسهسات العلميهة عندئذ لن تكون أكثهر حرصها منهه على إخفاء تلك النحرافات‪ ،‬بهل‬
‫يصهبح مهن حقهها نشهر تلك النحرافات نشرا كاملً دون أى تدخهل‪ .‬وذلك باعتبار أن تلك‬
‫النحرافات تدخل بكل وضوح فى دائرة الصالح العام‪.‬‬

‫═▐‬ ‫╙╟╧╙╟≡‪╟ :‬لنم‪╟ ╠╨µ‬ل╟═╩م╟لى ل╩‪╒µ‬ي▌ ╟ل╩╧╬ل ╟ل┼┌ل╟مى ▌ى م‪╠╟µ‬ه╔ «‬


‫═م╟ي╔ ╟ل╬╒‪╒µ‬ي╔ ‪╟µ‬ل├╙╤╟╤ ╟ل╬╟╒╔ ╗‪:‬‬

‫يقوم هذا النموذج على علقههة [ الخاص ‪ -‬العام ]‪ ،‬أى الرسههالة العلميههة ذات‬
‫المضمون الذى ينتههك حهق حمايهة الخصهوصية والسهرار الخاصهة فهى مواجههة الرسهالة‬
‫العلم ية ال تى ل تنت هك ذلك ال حق‪ .‬بح يث إذا أثب تت الدرا سة الحتمال ية أن مضمون الر سالة‬
‫العلم ية يدور فى الطار ( العام )؛ تم نشر ها دون تدخلت إعلم ية‪ .‬أ ما إذا كان يدور فى‬
‫الطار ( الخاص )‪ ،‬مما يؤدى إلى انتهاك حق حماية الخصوصية والسرار الخاصة‪ ،‬فإن هذا‬
‫يعنى ضرورة أن يترافق مع حرية النشر نوع ما من التدخل العلمى لتخفيف الثار الضارة‬
‫المحتملة المترتبة على النشر‪.‬‬

‫ويتركب النموذج المعيارى للرسالة العلمية التى تدور فى الطار (العام) ول تنتهك‬
‫حق حماية الخصوصية والسرار الخاصة من العناصر التالية‪:‬‬
‫شخص عام ‪ -‬فى واقعة تتعلق بنشاط عام ‪ -‬تمت فى مكان عام ‪ -‬لها تأثير عام‬

‫وقد تمت إضافة عنصر رابع إلى النموذج المعيارى يتمثل فى عنصر (مكان الواقعة)‪،‬‬
‫وذلك لن حق حماية الخصوصية والسرار الخاصة يرتبط فى معظم حالته بالمكان الخاص‬
‫الذى يتحرر فيه النسان من بعض القيود المجتمعية‪.‬‬

‫ويوضح الجدول التالى الحتمالت المختلفة لعرض موضوع الرسالة كالتالى‪:‬‬


‫له╟‬ ‫╩م╩ ▌ى‬ ‫‪╔┌▐╟µ‬‬ ‫╘╬╒‬ ‫م‪┌µ╓µ‬‬
‫ن▄▄▄▄‪╟ ┌µ‬ل╩╧╬▄▄▄▄▄ل‬ ‫╟لن╩‬ ‫╩├╦ي╤‬ ‫م▀╟ن‬ ‫╩╩┌ل▐‬ ‫┌╟م‬ ‫╟ل╤╙╟ل╔‬
‫ي╠▄‬ ‫┌╟م‬ ‫┌╟م (‪)1‬‬ ‫╚ن╘╟╪‬ ‫(‪)1‬‬
‫╔‬ ‫(‪)1‬‬ ‫┌╟م (‪)1‬‬
‫له╟‬ ‫╩م╩ ▌ى‬ ‫‪╔┌▐╟µ‬‬ ‫╘╬╒‬
‫╟ل╟═╩م╟‬
‫╩├╦ي╤‬ ‫م▀╟ن‬ ‫╩╩┌ل▐‬ ‫╬╟╒‬
‫ل╟╩‬
‫╬╟╒‬ ‫╬╟╒‬ ‫╚ن╘╟╪‬ ‫(‪)-‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪329‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪)-‬‬ ‫(‪)-‬‬ ‫╬╟╒ ( ‪) -‬‬


‫نشههر‬ ‫عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن شر ال صفة والحرف الولى من السم‬ ‫خاص‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬
‫واللتزام بنشرها كاملة لمن‬
‫يريد الطلع عليها‬
‫نشههر‬ ‫عام‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬
‫نشههر‬ ‫عام‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬
‫نشهر‬ ‫عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬
‫نشههر‬ ‫عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬
‫نشههر‬ ‫عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪7‬‬
‫نشههر‬ ‫عام‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬
‫نشههر‬ ‫عام‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪9‬‬
‫نفس التدخل الوارد بالحتمال الثانى‬ ‫خاص‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪10‬‬
‫نشههر‬ ‫عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪11‬‬
‫نشههر‬ ‫عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪12‬‬
‫نشههر‬ ‫عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪13‬‬
‫نشهر‬ ‫عام‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪14‬‬
‫نشههر‬ ‫عام‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪15‬‬
‫نفس التدخل الوارد بالحتمال العاشر‬ ‫خاص‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪16‬‬

‫╤▐م ( ‪) 11‬‬ ‫╠▄╧‪µ‬ل‬


‫═▐ ╟ل╬╒‬ ‫╟ل├╙ل‪╟ ╚µ‬ل╟═╩م╟لى ل╩‪╒µ‬ي▌ ╟ل╩╧╬ل ╟ل┼┌ل╟مى ▌ى م‪╠╟µ‬ه╔ «‬
‫‪╒µ‬ي▄╔ ╗‬

‫يتضهح مهن الجدول السهابق أن الحتمالت السهتة عشهر لحدوث موضوع الرسهالة‪،‬‬
‫تضمنهت ثلثهة عشهر احتمالً تدور فهى الطار ( العام )؛ ممها يعنهى نشرهها دون تدخهل‬
‫إعلمهى‪ .‬بينمها تضمنهت عدد ( ثلثهة ) احتمالت تدور فهى الطار ( الخاص )؛ المهر الذى‬
‫يوجب ضرورة أن يترافق مع حرية النشر نوع ما من التد خل العلمى للتخفيف من الثار‬
‫الضارة الناشئة عن انتهاك حق حماية الخصوصية والسرار الخاصة‪.‬‬

‫ويتمثل التدخل العلمى المناسب فى الجراءات التحريرية التالية‪:‬‬


‫نشهر الحدث مهع اسهتبعاد ذكهر السهماء الكاملة للطراف موضوع الحدث‪ ،‬والكتفاء‬ ‫•‬
‫بذكر الحروف الولى فقط لهذه السماء‪.‬‬
‫التزام المؤسهسة العلميهة الناشرة للحدث بالكشهف عهن السهماء الكاملة للطراف‬ ‫•‬
‫موضوع الحدث‪ ،‬وذلك لكل من يريد الطلع عليها من أفراد المجتمع‪ ،‬وذلك انطلقا من‬
‫احترام حق الجماهير فى المعرفة‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪330‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ..‬وكمها أوضحنها بنموذج التدخهل العلمهى لحمايهة حهق السهمعة والعتبار‪ ،‬فإن‬
‫الش خص العام ل يتم تع بأ ية حما ية لحيا ته الخا صة‪ ،‬وذلك لمكان ية تأث ير حيا ته الخا صة على‬
‫مسهئولياته العامهة‪ .‬وبالتالى فإن أدق خصهوصياته طالمها فشهل فهى ممارسهتها فهى إطار مهن‬
‫السرية‪ ،‬وطالما تم التوصل إليها بأساليب غير اقتحامية ومشروعة‪ ،‬فإنها تصبح حينئذ متاحة‬
‫للنشر دون أى تدخل إعلمى‪.‬‬
‫أمها فيمها يتعلق بالشخهص الخاص‪ ،‬فإن فشله فهى عدم القدرة على إحاطهة أمور حياتهه‬
‫الخاصهة بسهياج من السهرية يجعهل المؤسهسات العلميهة ليسهت أكثهر حرصها منهه على تلك‬
‫المور التى خرجت عن الطار الخاص‪ .‬وبالتالى يحق لها عندئذ نشر تلك المور مع اللتزام‬
‫باستبعاد النشر الكامل للسماء‪ ،‬والكتفاء بذكر الحرف الولى‪ ،‬مع اللتزام أيضا بالكشف عن‬
‫تلك السهماء لكهل مهن يريهد الطلع عليهها مهن أفراد المجتمهع‪ ،‬احترامها لحهق الجماهيهر فهى‬
‫المعرفة‪ .‬ذلك لن تلك المور الخاصة كما قد تسيئ إلى بعض الطراف المتصلين بالشخص‬
‫موضوع الحدث‪ ،‬فإنهها قهد تقدم معرفهة هامهة لبعهض الطراف الخريهن المرتبطيهن بذلك‬
‫الشخص‪ ،‬المر الذى يقدم لهم جوانب ربما تكون خافية عن الشخصية التى يتعاملون معها‪.‬‬

‫╙╟╚┌╟≡ ‪╟ :‬لنـــم‪╟ ╠╨µ‬ل╟═╩م╟لى ل╩‪╒µ‬ي▌ ╟ل╩╧╬ل ╟ل┼┌ل╟مـــى ▌ى م‪╠╟µ‬ه╔ «‬


‫═▐ ╟لم═╟▀م╔ ╟ل┌╟╧ل╔ ╗‪:‬‬

‫يقوم هذا النموذج على علقهة [ المحاكمهة غيهر العادلة ‪ -‬المحاكمهة العادلة ]‪ ،‬أى‬
‫الرسالة العلمية ذات المضمون الذى ينتهك حق الفرد فى محاكمة عادلة فى مواجهة الرسالة‬
‫العلمية التى ل تنتهك ذلك الحق‪.‬‬
‫حيهث تتضمهن الرسهالة العلميهة التهى تدور فهى إطار ( المحاكمهة غيهر العادلة )‬
‫معلومات غيهر محايدة أو غيهر متوازنهة عهن كافهة أطراف المحاكمهة‪ ،‬المهر الذى يعنهى‬
‫انتهاكهها لحهق المحاكمهة العادلة‪ .‬بينمها تتضمهن الرسهالة العلميهة التهى تدور فهى إطار‬
‫( المحاك مة العادلة)‪ ،‬معلومات متواز نة عن كا فة أطراف المحاك مة‪ ،‬وبالتالى ل تنت هك حق‬
‫المحاكمة العادلة‪.‬‬
‫فإذا ما أثبتت الدراسة الحتمالية أن الرسالة العلمية تدور فى إطار ( المحاكمة غير‬
‫العادلة )؛ فإن هذا يع نى ضرورة أن يترا فق مع حر ية الن شر نوع ما من التد خل العل مى‬
‫للتخفيف من الثار الضارة الناشئة عن انتهاك حق المحاكمة العادلة‪.‬‬
‫ويتركب النموذج المعيارى للرسالة العلمية التى تدور فى إطار ( المحاكمة العادلة )‬
‫ول تنتهك « حق المحاكمة العادلة » من العناصر التالية‪:‬‬
‫شخص عام ‪ -‬متهم فى محاكمة تتعلق بنشاط عام ‪ -‬والمعلومات المتاحة محايدة‬
‫‪-‬‬ ‫‪331‬‬ ‫‪-‬‬

‫ويوضهح الجدول التالى الحتمالت المختلفهة لعرض موضوع الرسهالة العلميهة‬


‫كالتالى‪:‬‬
‫╟لم┌ل‪µ‬م╟‬ ‫‪╔┌▐╟µ‬‬ ‫╘╬╒‬ ‫م‪┌µ╓µ‬‬
‫ن▄▄▄▄‪┌µ‬‬ ‫╟لن╩ي╠▄▄╔‬ ‫╩‬ ‫╩╩┌ل▐‬ ‫┌╟م‬ ‫╟ل╤╙╟ل╔‬
‫╟ل╩╧╬▄▄▄▄▄ل‬ ‫╟لم╩╟═╔‬ ‫╚ن╘╟╪‬ ‫(‪)1‬‬
‫م═╟ي╧╔ (‬ ‫┌╟م (‪)1‬‬
‫‪)1‬‬
‫╟لم┌ل‪µ‬م╟‬ ‫‪╔┌▐╟µ‬‬ ‫╘╬╒‬
‫╟ل╟═╩م╟‬
‫╩‬ ‫╩╩┌ل▐‬ ‫╬╟╒‬
‫ل╟╩‬
‫╟لم╩╟═╔‬ ‫╚ن╘╟╪‬ ‫(‪)-‬‬
‫█ي╤‬ ‫╬╟╒ ( ‪) -‬‬
‫م═╟ي╧╔ (‬
‫‪)-‬‬
‫نشههر‬ ‫محاكمهههههة عادلة‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬
‫نشر مع ذكر عدم حياد المعلومات‬ ‫محاكمهة غيهر عادلة‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نشر مع ذكر عدم حياد المعلومات‬ ‫محاكمهة غيهر عادلة‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬

‫نشههر‬ ‫محاكمهههههة عادلة‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬


‫نشههر‬ ‫محاكمهههههة عادلة‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬
‫نشر مع ذكر عدم حياد المعلومات‬ ‫محاكمهة غيهر عادلة‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬

‫نشههر‬ ‫محاكمهههههة عادلة‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪7‬‬


‫نشر مع ذكر عدم حياد المعلومات‬ ‫محاكمهة غيهر عادلة‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬

‫╤▐م ( ‪) 12‬‬ ‫╠▄╧‪µ‬ل‬


‫═▄▐ ╟لم═╟▀م╔‬ ‫╟ل├╙ل‪╟ ╚µ‬ل╟═╩م╟لى ل╩‪╒µ‬ي▌ ╟ل╩╧╬ل ╟ل┼┌ل╟مى ▌ى م‪╠╟µ‬ه╔ «‬
‫╟ل┌╟╧ل╔╗‬

‫يتضح من الجدول السابق أن احتمالت عرض الموضوع تضمنت أربعة احتمالت‬


‫تدور فى إطار ( المحاكمة العادلة )‪ ،‬مما يعنى إتاحة نشرها دون أى تدخل إعلمى‪ .‬بينما‬
‫تضمنهت أربعهة احتمالت تدور فهى إطار ( المحاكمهة غيهر العادلة )؛ ممها يعنهى ضرورة‬
‫نشر ها‪ ،‬مع ممار سة التد خل العل مى للتخف يف من الثار الضارة المحتملة المترت بة على‬
‫النشر‪.‬‬

‫ويتمثل التدخل العلمى المقترح فى الجراءات التحريرية التالية‪:‬‬


‫التزام المؤسهسة العلميهة بنشهر موضوع الرسهالة العلميهة كاملً‪ ،‬مهع ضرورة‬ ‫•‬
‫توضيهح عدم حياد المعلومات المتوفرة عهن بعهض أطراف المحاكمهة؛ وذلك لعدم إمكانيهة‬
‫الحصهول عليهها‪ ،‬وبالتالى سهيؤدى ذلك إلى ضمان عدم تكويهن صهورة خاطئة حول أبعاد‬
‫المحاكمة لدى جماهير المتلقين‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪332‬‬ ‫‪-‬‬

‫ول عل الت ساؤل الذى يطرح نف سه فى هذا المجال سيتمثل فى أن ال سماح للمؤ سسات‬
‫العلمية بنشر معلومات غير محايدة وغير متوازنة عن أطراف المحاكمات القضائية سيؤدى‬
‫إلى التأثير على القضاة والبتعاد بهم عن الحكم العادل الصحيح؛ وبالتالى النيل من حق الفراد‬
‫فى المحاكمات العادلة‪.‬‬
‫والرد على ذلك يتمثهل فهى أنهه ل مجال للتأثيهر على القضاة؛ لنههم يحكمون فهى‬
‫الدعاوى المطروحة أمامهم من خلل أوراق الدعوى بما تحويه من أدلة‪ ،‬وليس من خلل ما‬
‫تنشره وسائل العلم‪ .‬وإذا ما حاد القاضى عن الدلة المتوفرة فى أوراق الدعوى واستند إلى‬
‫أيهة أدلة أخرى؛ فإن الحكهم الصهادر عندئذ سهيتعرض للسهتئناف أو النقهض لمخالفتهه‬
‫لصحيح القانون‪.‬‬
‫أ ما فى أنظ مة القضاء ال تى تأ خذ بنظام المحلف ين‪ ،‬فل مجال أيضا للتأث ير على أولئك‬
‫المحلفيهن نتيجهة التعرض للرسهائل العلميهة غيهر المحايدة‪ ،‬وذلك لنهه محظور على هؤلء‬
‫المحلفيهن الطلع أصهلً على وسهائل العلم طوال مدة تداول الدعوى‪ ،‬وبالتالى فل مجال‬
‫لتأثرهم بما يُنشر فى تلك الرسائل‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ..‬فإن الجراء الذى يضمن تحقيق التوازن بين حق الجماهير فى معرفة ما‬
‫يدور فى المحاكمات القضائ ية‪ ،‬و حق المتهم ين فى محاك مة عادلة يتم ثل فى كفالة الحر ية‬
‫الكاملة للنشهر مهع ممارسهة نوعا مها مهن التدخهل العلمهى لتوضيهح عدم حياد المعلومات‬
‫المتاحهة عهن المحاكمهة‪ ،‬فهى حالة عدم حيادهها‪ .‬المهر الذى سهيوفر رسهائل إعلميهة تقدم‬
‫صهورة تخلو مهن شبههة عدم التوازن أو التأثيهر غيهر الموضوعهى فيمها يتعلق بالمحاكمات‬
‫القضائية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫إذن يمكن تلخيص التدخلت العلمية الواجب ممارستها للتخفيف من الثار الضارة‬
‫الناشئة عن نشر الرسائل العلمية التى تنتهك الحقوق المضادة للحقوق العلمية فى التى‪:‬‬

‫إرجاء الن شر أو تأج يل الن شر لمدى زم نى معلوم ي تم العلن ع نه‪ ،‬فى حالة الر سائل‬ ‫•‬
‫العلمية التى تنتهك حق حماية المن القومى والسرار العامة‪.‬‬

‫التعل يق على الر سائل العلم ية أو ن شر ر سائل مضادة ل ها‪ ،‬وذلك فى حالة انتهاك ها‬ ‫•‬
‫لحق حماية قيم المجتمع أو انتهاكها لحق حماية طوائف المجتمع‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪333‬‬ ‫‪-‬‬

‫التغليهف بإشارات وتحذيرات للرسهائل العلميهة التهى تنتههك أخلقيات المجتمهع فهى‬ ‫•‬
‫المجتمعات التى ل تجرم قوانينها الدعارة‪.‬‬

‫التنويه وإبلغ سلطات تنفيذ القانون‪ ،‬أو العرض الخاص غير التجارى وإبلغ سلطات‬ ‫•‬
‫تنفيهذ القانون‪ ،‬وذلك فهى حالة الرسهائل العلميهة ( الناتجهة عهن أو التهى تحرض على‬
‫أو التهى تنطوى على أفعال غيهر مشروعهة )‪ ،‬والتهى تنتههك بذلك حهق حمايهة تشريعات‬
‫وقوانين المجتمع‪.‬‬

‫ن شر الحرف الولى من ال سماء‪ ،‬مع اللتزام بالك شف عن ال سماء الكاملة ل كل من‬ ‫•‬
‫ير يد الطلع علي ها‪ ،‬وذلك فى حالة الر سائل العلم ية ال تى تنت هك حق حما ية ال سمعة‬
‫والعتبار وحق حماية الخصوصية والسرار الخاصة‪.‬‬

‫توضيح عدم حياد أو عدم توازن المعلومات المتوفرة عن أطراف المحاكمات القضائية‬ ‫‪-‬‬
‫فى حالة الرسائل العلمية التى تنتهك حق الفراد فى محاكمة عادلة‪.‬‬

‫‪ ...‬وينبغى الشارة مرة أخرى‪ ..‬إلى أن كافة تلك التدخلت المقترحة تتم بالتزاوج مع‬
‫الن شر الكا مل للر سائل العلم ية‪ ،‬دون ال سماح بممار سة أى أ سلوب للح ظر أو المتناع عن‬
‫النشر‪ .‬وذلك انطلقا من أن مفهوم المسئولية المعرفية يؤكد على مبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪.‬‬
‫ذلك المبدأ الذى ل يمكن تفعيله إل فى ظل غياب أية قوانين مقيدة لحرية المؤسسات العلمية‬
‫فهى العلم وحريهة الجماهيهر فهى المعرفهة وحريهة المجتمهع فهى التصهال‪ .‬وبالتالى فإن هذا‬
‫يستدعى ضرورة نشر كافة الرسائل العلمية ‪ -‬حتى الضارة منها ‪ -‬ولكن مع اللتزام بمبدأ‬
‫التدخل العلمى للتخفيف من الثار الضارة المحتملة لنشر تلك الرسائل‪.‬‬

‫ويمكهن القول‪ ..‬أن غياب أيهة قوانيهن مقيدة لحريهة التعهبير‪ ،‬مهع التزام المؤسهسات‬
‫العلم ية بإجراء التدخلت العلم ية المنا سبة للتخف يف من الثار الضارة المحتملة للر سائل‬
‫العلمية‪ ،‬لن يصادر حق المتضررين من نشر تلك الرسائل فى اللجوء إلى القضاء للمطالبة‬
‫بالتعو يض عن الضرار ال تى لح قت ب هم نتي جة الن شر‪ ،‬ول كن قد يم ثل ا ستخدام المؤ سسات‬
‫العلمية لسلوب التدخل العلمى برهانا ساطعا أمام القضاء على حسن نية تلك المؤسسات‪،‬‬
‫و عن مدى جد ية توجهاتها للمواز نة ب ين اعتبارات ال صالح العام وال صالح الخاص وم سئوليتها‬
‫المعرف ية‪ .‬وبالتالى سيؤدى ذلك إلى صعوبة إمكان ية إدا نة المؤ سسات العلم ية أمام القضاء‪،‬‬
‫وذلك لعدم وجود الدليل على تعمد إلحاق الضرر بالفراد أو المجتمع‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪334‬‬ ‫‪-‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬فإن أ سلوب التد خل العل مى يق طع الطر يق على معار ضى حر ية‬
‫التعبير الذين يكيلون التهامات إلى حرية التعبير المطلقة باعتبارها دعوة لنفلت المؤسسات‬
‫العلميهة مهن مسهئوليتها فهى رعايهة مصهالح المجتمهع والمواطنيهن‪ ..‬إذ إن أسهلوب التدخهل‬
‫العلمهى يقدم المؤسهسات العلميهة فهى إطار متماسهك مهن اللتزام بالمسهئولية‪ ،‬ولكنهها‬
‫الم سئولية المعرف ية ال تى تهدف إلى الن قل الوا فى للمعر فة إلى جماه ير المجت مع‪ ،‬وهذا الن قل‬
‫الوافى للمعرفة ل يتجاهل مصالح المجتمع أو المواطنين ولكنه يضعها فى موضعها الصحيح‬
‫الذى يحافظ عليها ويحافظ فى ذات الوقت على الحرية المطلقة للتعبير‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪335‬‬ ‫‪-‬‬

‫╟ ╩▄╟╙▄┌‪:‬‬ ‫╬╟╩م▄╔ ╟ل▌╒▄ل ل‬


‫حاولت الدراسهة اسهتحداث أدوات قياسهية يمكهن مهن خللهها قياس مدى كفاءة النظهم‬
‫العلمية فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع ( كميا )‪.‬‬
‫وتوصلت الدراسة فى المبحث الول إلى أن‪:‬‬
‫درجة شفافية النظام العلمى = درجة شفافية المجتمع × درجة شفافية المؤسسات العلمية‬
‫وبالتالى فقد استحدثت الدراسة طريقة تقديرية يمكن بمقتضاها حساب القيم التقديرية لكل من‬
‫در جة شفاف ية المجت مع ودر جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية‪ ،‬ح تى يم كن الو صول إلى قي مة‬
‫درجة شفافية النظم العلمية‪.‬‬

‫حيث تم التوصل من خلل تلك الطريقة إلى المعادلتين الرياضيتين التاليتين‪:‬‬


‫نسبة القيود التشريعية غير الفاعلة ‪ +‬نسبة القيود‬
‫العملية غير الفاعلة‬ ‫درجة شفافية المجتمع =‬
‫النسب التقديرية لنفتاح‬ ‫مجموع مقدار ‪2‬‬
‫درجة شفافية المؤسسات العلمية =مؤسسات المجتمع‬
‫عدد مؤسسات المجتمع‬
‫كمها تهم التوصهل إلى معادلة إحصهائية يمكهن مهن خللهها حسهاب القدرات التكنولوجيهة للنظام‬
‫العلمى‪ ،‬وذلك كالتالى‪:‬‬
‫مجموع نسب انتشار وسائل العلم‬
‫فى المجتمع‬ ‫القدرات التكنولوجية للنظام العلمى =‬
‫العدد النوعى لوسائل العلم فى‬
‫وبالتالى‪ ..‬يمكن من خلل الحصول على القيمة الحسابية لتلك المتغيرات الوصول إلى‬
‫قيمة تقديرية للقدرات المعرفية للنظام العلمى من خلل التعويض فى المعادلة التالية‪:‬‬
‫القدرات المعرفية للنظام العلمى = درجة شفافية النظام × قدراته التكنولوجية‬

‫ك ما تو صلت الدرا سة فى المب حث الثا نى إلى طري قة تقدير ية لح ساب القي مة الماد ية‬
‫المفترضة المترتبة على حظر المعلومات العلمية‪ .‬حيث استحدثت الدراسة مصطلح القي مة‬
‫الماد ية الن سبية للمعلومات العلم ية المحظورة‪ ،‬ويش ير هذا الم صطلح إلى « المردود المادى‬
‫العائد على المؤسسات العلمية أو القائمين بالتصال نتيجة عدم النقل الوافى للمعرفة الكامنه‬
‫بالمعلومات العلم ية إلى المجت مع »‪ .‬ويش ير م صطلح المردود المادى إلى‪ :‬الوزن القت صادى‬
‫هادى إلى‪ :‬مقدار الفائدة‬
‫هطلح الوزن القتصه‬
‫هر مصه‬
‫هة المحظورة‪ .‬ويشيه‬
‫للمعلومات العلميه‬
‫القتصهادية الكامنهة بالمعلومات العلميهة المحظورة‪ ...‬وقهد توصهلت الدراسهة إلى المعادلة‬
‫التالية لقياس القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية المحظورة وذلك كالتالى‪:‬‬

‫القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية المحظورة =‬


‫‪-‬‬ ‫‪336‬‬ ‫‪-‬‬

‫( درجة شفافية المجتمع × معامل الحظر )‪ × 2‬القدرات التكنولوجية‬


‫للنظام العلمى‬

‫كمها توصهلت الدراسهة فهى المبحهث الثالث إلى مقياس لحسهاب درجهة حريهة النظهم‬
‫العلمية‪ ،‬وذلك فى محاولة ليجاد مؤشر يوضح صورة عامة عن ممارسات النظم العلمية‬
‫فيما يتعلق بالنقل الوافى للمعرفة‪ ،‬من خلل ضم المؤشرات الثلثة ‪ -‬التى تم استحداثها لقياس‬
‫درجة شفافية النظام العلمى أو القدرات المعرفية للنظام العلمى أو القيمة المادية النسبية ‪-‬‬
‫فى مؤشر واحد‪ ،‬يتجاوز الجانب الواحد الذى كان يقدمه كل مؤشر منها عن النظام العلمى‪،‬‬
‫ويقدم صورة عامة عن مدى التزام النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية‪.‬‬
‫وقد توصلت الدراسة إلى المعادلة التالية لقياس درجة حرية النظام العلمى وذلك كالتالى‪:‬‬
‫مقياس درجة حرية النظام العلمى =‬
‫) ‪ -‬القيمــــــة‬ ‫‪+‬‬ ‫العلمى‬ ‫( درجة شفافية النظام‬
‫القدرات المعرفية‬ ‫المادية‬
‫‪2‬‬
‫وقد تم تصميم مدرج يوضح الدرجات المختلفة لحرية النظم العلمية‪ ،‬وذلك كالتالى‪:‬‬
‫• النظم العلمية المقيدة‪ :‬درجة الحرية = من صفر إلى ‪0.24999‬‬
‫• النظم العلمية المقيدة نسبيا‪ :‬درجة الحرية = من ‪ 2.5‬إلى ‪0.49999‬‬
‫• النظم العلمية متوسطة التقييد والحرية‪ :‬درجة الحرية = من ‪ 0.50‬إلى ‪0.74999‬‬
‫• النظم العلمية الحرة نسبيا‪ :‬درجة الحرية من ‪ 0.75‬إلى ‪0.99999‬‬
‫• النظم العلمية الحرة‪ :‬درجة الحرية = ‪1‬‬

‫كمها توصهلت الدراسهة فهى المبحهث الرابهع إلى طريقهة توضهح نوع التدخهل العل مى‬
‫المناسب لتخفيف الثار الضارة المحتملة للرسائل العلمية التى تنتهك الحقوق المضادة للحقوق‬
‫العلم ية‪ .‬وأطل قت الدرا سة على هذه الطري قة‪ :‬الطري قة الحتمال ية لتو صيف التد خل العلمى‬
‫فى مواجهة الثار الضارة المحتملة للرسائل العلمية‪ ،‬بحيث يتم من خلل هذه الطريقة إجراء‬
‫دراسة إحتمالية توضح مدى انتهاك الرسالة العلمية لحد الحقوق المضادة للحقوق العلمية‪،‬‬
‫وإجراء التدخلت العلمية المناسبة للتخفيف من الضرار المترتبة على هذا النتهاك‪.‬‬
‫و قد عر ضت الر سالة لعدد ( سبعة ) نماذج لتو صيف التد خل العل مى للتخف يف من‬
‫الضرار المترتبة على انتهاك الحقوق التالية‪:‬‬
‫• حق حماية المن القومى والسرار العامة‪.‬‬
‫• حق حماية أخلقيات وقيم المجتمع‪.‬‬
‫• حق حماية طوائف المجتمع‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪337‬‬ ‫‪-‬‬

‫• حق حماية تشريعات وقوانين المجتمع‪.‬‬


‫• حق حماية السمعة والعتبار‪.‬‬
‫• حق حماية الخصوصية والسرار الخاصة‪.‬‬
‫• حق كفالة المحاكمة العادلة‪.‬‬

‫وقهد توصهلت الدراسهة‪ ..‬إلى أن التدخلت العلميهة الواجهب ممارسهتها للتخفيهف مهن‬
‫الثار الضارة الناشئة عن نشر الرسائل العلمية التى تنتهك تلك الحقوق‪ ..‬تتلخص فى التى‪:‬‬
‫إرجاء الن شر لمدى زم نى معلوم في ما يتعلق بالر سائل ال تى تنت هك حق حما ية ال من‬ ‫•‬
‫القومى والسرار العامة‪.‬‬
‫التعليهق على الرسهائل العلم ية أو نشهر رسهائل مضادة لهها فهى حالة انتهاكهها لحهق‬ ‫•‬
‫حماية قيم المجتمع أو حق حماية طوائف المجتمع‪.‬‬
‫التغليف بإشارات تحذيرية للرسائل التى تنتهك حق أخلقيات المجتمع فى المجتمعات‬ ‫•‬
‫التى ل تجرم قوانينها الدعارة‪.‬‬
‫التنو ية وإبلغ السهلطات‪ ،‬أو العرض الخاص غيهر التجارى مهع إبلغ السهلطات فيمها‬ ‫•‬
‫يتعلق بالرسهائل العلميهة الناتجهة عهن أو التهى تحرض على أو التهى تنطوى على أفعال‬
‫غير مشروعة‪ ،‬والتى تنتهك حق حماية تشريعات وقوانين المجتمع‪.‬‬
‫ن شر الحرف الولى من ال سماء مع اللتزام بالك شف عن ال سماء الكاملة ل كل من‬ ‫•‬
‫يريد الطلع عليها فى حالة الرسائل العلمية التى تنتهك حق حماية السمعة والعتبار‬
‫وحق حماية الخصوصية والسرار الخاصة‪.‬‬
‫توضيح عدم حياد أو عدم توازن المعلومات المتوفرة عن أطراف المحاكمات القضائية‬ ‫•‬
‫فى حالة الرسائل العلمية التى تنتهك حق الفراد فى محاكمة عادلة‪.‬‬

‫ولكن‪ ..‬إذا أمكن فى الفصلين السابقين ‪ -‬وفى فصلنا الماثل ‪ -‬تحديد الطابع النوعى‬
‫والساليب الكيفية والدوات الكمية التى تضمن كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظيفتها‬
‫فى المجت مع ( نوعيا وكيفيا وكميا )‪ .‬فإ نه ي صبح من الهام التعرف على البن ية الهيكل ية ال تى‬
‫ينتظم وفقا لها النظام العلمى المسئول معرفيا مقارنة بالنظم العلمية الراهنة‪ .‬وسنقدم فى‬
‫الف صل التالى نموذج ين تخطيطي ين‪ ،‬أحده ما للنظام العل مى الم سئول معرفيا وال خر للن ظم‬
‫العلمية الراهنة سواء أكانت حرة أم موجهة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪338‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفصـل العـاشـر‬
‫نحـو نظـام إعـلمى مسئول معـرفيـاً‬

‫محتـويـات‬

‫الفصـل العـاشـر‬

‫مقـدمـة الفصـل العـاشــر‬


‫المبحـــــــث المعلومات العلمية والقيود فى النظم‬
‫العلمية الراهنة ( نموذج تخطيطى )‬ ‫الول‪:‬‬

‫المبحـــــــث المعلومات العلمية والقيود فى النظم‬


‫الثانــــــــى‪ :‬العلميـــة المســـئولة معرفيا ً ( نموذج‬
‫تخطيطى )‬
‫خـاتمــة الفصـل العـاشــر‬
‫‪-‬‬ ‫‪339‬‬ ‫‪-‬‬

‫مقدمــة‬
‫الفصــل العـاشــر‬

‫أوضح نا فى الف صلين ال سابع والثا من البعاد الفكر ية ال تى ينطلق من ها مبدأ الم سئولية‬
‫المعرف ية للن ظم العلم ية وخ صائص تلك الم سئولية وأبعاد ها العمل ية وأدوات ها القيا سية ب ما‬
‫يضمن كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع ( نوعيا وكيفيا وكميا )‪.‬‬

‫و فى إطار هذا العرض‪ ..‬ي صبح من الهام‪ ،‬ضرورة التعرف على المل مح ال تى يت سم‬
‫ب ها النظام العل مى الم سئول معرفيا فى ظل تفع يل عنا صر مبدأ الم سئولية المعرف ية‪ ،‬ومدى‬
‫اختلف ذلك النظام عن النظم العلمية الراهنة‪.‬‬

‫وانطلقا مهن هذا التصهور فقهد تهم تقسهيم الفصهل الماثهل إلى مبحثيهن‪ .‬المبحهث الول‬
‫بعنوان‪ :‬المعلومات العلم ية والقيود فى الن ظم العلم ية الراه نة (نموذج تخطي طى)‪ ،‬ويدور‬
‫حول تحليل النظم العلمية الراهنة باستخدام أسلوب تحليل النظم للتعرف على أثر القيود على‬
‫المدخلت والمخرجات فى هذه الن ظم‪ .‬والمب حث الثا نى بعنوان‪ :‬المعلومات العلم ية والقيود‬
‫فهى النظام العلمهى المسهئول معرفيا ( نموذج تخطيطهى )‪ ،‬ويدور حول تحليهل النظام‬
‫العلمهى المسهئول معرفيا للتعرف على أثهر اللتزام بالبعاد ( الفكريهة والعمليهة ) للمسهئولية‬
‫المعرفيهة وأدواتهها القياسهية على مدخلت ومخرجات هذا النظام مقارنهة بالنظهم العلميهة‬
‫الراهنة‪.‬‬

‫وسنعرض فيما يلى لتلك المباحث‪...‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪340‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الول‬
‫المعلومات والقيود فى النظم العلمية الراهنة‬
‫( نمـوذج تخطيـطى )‬

‫يوضح النموذج التخطيطى التالى البنية الهيكلية للنظم العلمية الراهنة‪ ،‬والتى تتفق جميعها فى‬
‫العناصر البنيوية ( الثوابت البنائية ) المكونة لها‪ ،‬بينما تختلف عن بعضها البعض فى درجة فاعلية تلك‬
‫العناصر ( التغير الوظيفى )؛ وبالتالى فى حجم المخرجات الناتجة عن كل نظام من تلك النظم‪.‬‬
‫وينتظم النموذج التخطيطى الموضح للنظم العلمية الراهنة وفقا للتصور التالى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪341‬‬ ‫‪-‬‬

‫يرصهد النموذج التخطيطهى السهابق مدخلت ومخرجات النظهم العلميهة الراهنهة‬


‫باسهتخدام أسهلوب تحليهل النظهم‪ .‬وكمها ههو موضهح فإن « المعلومات العلميهة الخام » تمهر‬
‫بثل ثة مرا حل ل كى تنت قل من طور « المدخلت » إلى طور « المخرجات » وذلك من خلل‬
‫عبورها عبر ثلث بوابات تمثل القيود المعرفية [ المجتمعية ( التشريعية والعملية )‪ ،‬والذاتية ]‪،‬‬
‫والتى تمارس دورها فى حظر نسبة من المعرفة الكامنة بتلك المعلومات طبقا لدرجة فاعليتها‬
‫فى كل نظام‪.‬‬

‫وتسهلك المعلومات العلميهة مسهارها لكهى تتحول مهن طور المدخلت إلى طور‬
‫المخرجات‪ ،‬وفقا للنحو التالى‪:‬‬
‫المرحلة (صصصصفر)‪ :‬وههى تمثهل « المعلومات العلميهة الخام » التهى تشيهر إلى مجمهل‬
‫أحداث المجتمع ومجرياته ووقائعه وتسمى « المدخلت »‪.‬‬

‫البوابصصصصصة ( أ )‪ :‬و هى تم ثل « القيود التشريع ية » ال تى تح ظر وتجرم ن شر ن سبة من‬


‫المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية الخام‪.‬‬

‫و هى تم ثل المعلومات ال تى ت سمح ب ها « القيود التشريع ية » ال سارية‬ ‫المرحلة (‪:)1‬‬


‫فهى المجتمهع‪ ،‬والتهى تقهل نسهبة المعرفهة الكامنهة فيهها عهن‬
‫« المعلومات العلمية الخام »‪.‬‬

‫البوابصصصصصة (ب)‪ :‬وهى تمثل « القيود العملية » السائدة فى المجتمع نتيجة غياب قوانين‬
‫حرية المعلومات‪ ،‬وبالتالى شيوع مفهوم « السرية » فى المجتمع‪.‬‬

‫وهى تمثل « المعلومات الداخلة للمؤسسات العلمية »‪ ،‬والتى تسمح‬ ‫المرحلة (‪:)2‬‬
‫بها « القيود العملية » السارية فى المجتمع‪ ،‬والتى تقل نسبة المعرفة‬
‫الكامنة فيها عن المعلومات فى المرحلة (‪.)1‬‬

‫صصصصصة (ج)‪ :‬وههى تمثهل « القيود الذاتيهة » التهى تمارسهها المؤسهسات العلم ية؛‬
‫البوابص‬
‫استجابة للضغوط والمصالح المجتمعية والمبررات الفلسفية‪.‬‬

‫وههى تمثهل المعلومات الخارجهة مهن المؤسهسات العلميهة‬ ‫المرحلة (‪:)3‬‬


‫« المعلومات المنشورة »‪ ،‬والتهى تقهل نسهبة المعرفهة الكامنهة فيهها‬
‫عن المعلومات فى المرحلة (‪ ،)2‬نتي جة ما تم حظره من ها تمشيا مع‬
‫اعتبارات القيود الذاتية‪ ،‬وتسمى « المخرجات »‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪342‬‬ ‫‪-‬‬

‫مرحلة ما ب عد الن شر‪ :‬وههى تمثهل « الرقابهة القضائيهة » التهى قهد تتعرض لهها بعهض‬
‫المعلومات المنشورة؛ لمخالفتهها للقيود التشريعيهة‪ ،‬أو لتسهببها فهى‬
‫أضرار تستدعى اللجوء للقضاء‪.‬‬

‫‪ ...‬وتوضح البوابات المتتابعة التى اجتازتها المعلومات العلمية الخام « المدخلت »‪،‬‬
‫وذلك ل كى تنت قل إلى طور المعلومات المنشورة « المخرجات »‪ ،‬تو ضح مدى التأث ير ال سلبى‬
‫الذى تمار سه القيود المتعددة التشريع ية والعمل ية والذات ية على المعلومات العلم ية الخام؛ ب ما‬
‫يؤدى إلى ح ظر ن سبة من المعر فة الكام نة بالحداث والوقائع ال تى تحدث فى المجت مع ت حت‬
‫وطأة الموانع التى تفرضها تلك القيود‪.‬‬

‫كما يوضح النموذج علقات الشراف والسيطرة ( الحكومية والحزب ية والمؤسسية )‪،‬‬
‫وقيود الملكيهة الحكوميهة والحزبيهة‪ ،‬والمؤسهسية ( العاديهة والحتكاريهة ) التهى تخضهع لهها‬
‫المؤسسات العلمية‪ ،‬والتى تنبع من العتبارات الناتجة عن القيود التشريعية والذاتية‪ .‬حيث‬
‫تمنح بعض التشريعات فى بعض النظمة السلطة للجهات الحكومية للشراف والسيطرة على‬
‫المؤ سسات العلم ية‪ ،‬ك ما تمارس ب عض الجهات الحكوم ية أو الحزب ية أو المؤ سسية صورا‬
‫خف ية من ال سيطرة على المؤ سسات العلم ية من خلل العلقات غ ير الر سمية لح ظر ب عض‬
‫المعلومات‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪343‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الثـانى‬
‫المعلومات العلمية والقيود فى النظم العلمية‬
‫المسئولة معرفياً‬
‫( نمـوذج تخطيـطى )‬

‫يوضهح النموذج التخطيطهى التالى البنيهة الهيكليهة للنظهم العلميهة المسهئولة معرفيا‪،‬‬
‫وذلك كالتالى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪344‬‬ ‫‪-‬‬

‫حيث يرصد النموذج التخطيطى السابق مدخلت ومخرجات النظام العلمى المسئول‬
‫معرفيا‪ ،‬وكما هو موضح فإن المعلومات العلمية الخام « المدخلت » تمر بالمسار التالى حتى‬
‫تنتقل إلى طور « المخرجات »‪ ،‬وذلك على النحو التالى‪:‬‬

‫و هى تم ثل « المعلومات العلم ية الخام » ال تى تش ير إلى مج مل‬ ‫صفر)‪:‬‬


‫‪ -‬المرحلة (صص‬
‫أحداث المجتمع ومجرياته وآرائه وأفكاره وتسمى « المدخلت »‪.‬‬

‫‪ -‬المنظم‪ /‬البوابة ( أ )‪ :‬حيث يمارس هذا « المنظم‪ /‬البوابة » وظيفة مزدوجة ومتعارضة‪.‬‬
‫ف هو يمارس أ ساليب التد خل العل مى المنا سبة على « المدخلت »‬
‫والتى تصل بكاملها إلى المؤسسات العلمية نتيجة عدم وجود قيود‬
‫تشريعية أو عملية فى النظام العلمى المسئول معرفيا‪ ،‬فى ظل تبنى‬
‫هة‬
‫هة بوابه‬
‫ها يمارس وظيفه‬
‫هبير‪ .‬بينمه‬
‫هة للتعه‬
‫هة المطلقه‬
‫مبدأ الحريه‬
‫« القيود الذاتية » التى تمارس فاعلياتها نتيجة قيام بعض المؤسسات‬
‫العلمية ‪ -‬استجابة لبعض الضغوط والمصالح المجتمعية ‪ -‬بحظر‬
‫بعض المعلومات العلمية‪.‬‬

‫‪ :)1‬وههى تمثهل « المخرجات » أى المعلومات المنشورة‪ ،‬والتهى تقهل‬ ‫‪ -‬المرحلة (‬


‫نسبة المعرفة الكامنة فيها؛ عن نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات‬
‫العلمية الخام نتيجة تأثير القيود الذاتية‪.‬‬

‫وهو يمثل « الفاعلية الجماهيرية » التى تشير إلى الشراف الشعبى‬ ‫‪ -‬المنظصصصم (ب)‪:‬‬
‫الجماهيرى على ممارسهات المؤسهسات العلميهة‪ ،‬وذلك مهن خلل‬
‫منظمات المجتمهع المدنهى المتخصهصة فهى حمايهة مفهوم الم سئولية‬
‫المعرف ية للن ظم العلم ية‪ ،‬و من خلل الض غط على تلك المؤ سسات‬
‫العلمية للزامها بالنقل الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫هى تلك المرحلة‬


‫هى فه‬
‫هن أن تتعرض مخرجات النظام العلمه‬
‫‪:‬مرحلة ما ب عد الن شر ‪ -‬ويمكه‬
‫للرقابة القضائية فى حالة تسببها فى أية أضرار للفراد أو المجتمع‪.‬‬

‫وكمها يبدو مهن النموذج التخطيطهى السهابق‪ ..‬فإن النظام العلمهى المسهئول معرفيا‬
‫يختلف عن النظم العلمية الراهنة فى كل من‪ :‬بنيته الهيكلية (مواصفاته)‪ ،‬وأنشطته العملية‪،‬‬
‫وأساليب مراقبة أدائه‪ ..‬وذلك على النحو التالى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪345‬‬ ‫‪-‬‬

‫أولً‪ :‬مواصــــفات النظام العلمــــى المســــئول معرفيا ً (البنيــــة‬


‫الهيكلية)‪:‬‬
‫غياب القيود التشريعيصة‪ :‬حيهث يتميهز النظام العلمهى المسهئول معرفيا بغياب بوابهة‬ ‫‪-1‬‬
‫القيود التشريعية من بنيته الهيكلية‪ ،‬وذلك انطلقا من تبنى هذا النظام لمبدأ الحرية المطلقة‬
‫للتعبير‪ ،‬المر الذى يعنى غياب أية تشريعات مقيدة لحرية التعبير‪.‬‬

‫غياب القيود العملية‪ :‬حيث يتميز النظام العلمى المسئول معرفيا بغياب بوابة القيود‬ ‫‪-2‬‬
‫العملية من بنيته الهيكلية‪ ،‬وذلك نتيجة سريان تشريعات لضمان حرية المعلومات فى ذلك‬
‫النظام‪ ،‬مما يؤدى إلى عدم شيوع مفهوم « السرية »‪.‬‬

‫تقلص القيود الذاتية نسبيا‪ :‬حيث يتشابه ‪ -‬نسبيا ‪ -‬النظام العلمى المسئول معرفيا‬ ‫‪-3‬‬
‫مهع النظهم العلميهة الراهنهة فيمها يتعلق باسهتمرار وجود بوابهة القيود الذاتيهة فهى بنيتهه‬
‫الهيكلية‪ .‬ول يعنى هذا اعتراف النظام العلمى المسئول معرفيا بتلك القيود‪ ،‬ولكن نظرا‬
‫لن ممارسهة القيود الذاتيهة تتهم خلف جدران المؤسهسات العلميهة وبعيدا عهن رقابهة‬
‫المجتمهع‪ ،‬فإن إغراء تفعيهل تلك القيود يظهل قائما‪ .‬ولكهن تختلف هذه القيود فهى النظام‬
‫العل مى الم سئول معرفيا ‪ -‬فى كل من نوعيت ها وفاعليت ها ‪ -‬عن مثيلت ها فى النظهم‬
‫العلميهة الراهنهة‪ ،‬فمهن جههة النوعيهة سهتقتصر تلك القيود الذاتيهة على قيود السهيطرة‬
‫الحكوميهة والحزبيهة والمؤسهسية‪ ،‬والملكيهة الحتكاريهة‪ ،‬وقيود الجمهور الموجهه‪ ،‬بينمها‬
‫تخت فى القيود الفل سفية لتناقض ها مع مبدأ الحر ية المطل قة للت عبير‪ .‬و من ج هة الفاعل ية فإن‬
‫القيود الذاتيهة فهى النظام المسهئول معرفيا سهتتم مواجهتهها مهن خلل فاعليهة الرقابهة‬
‫الجماهيرية التى تمارسها جماهير المتلقين بواسطة « جمعيات حماية المسئولية المعرفية‬
‫»‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬النشطـة العمليـة‪:‬‬


‫يختلف النظام العلمهى المسهئول معرفيا فهى أنشطتهه العمليهة عهن النظهم العلميهة‬
‫الراهنهة‪ ،‬إذ إنهه يضيهف أدورا جديدة لكافهة أطراف العمليهة التصهالية‪ ،‬تتمثهل فهى التدخلت‬
‫التحرير ية والقوا عد المرشدة غ ير الحاك مة ال تى تض من اللتزام بمه مة الن قل الوا فى للمعر فة‬
‫الكامنة بالمعلومات العلمية وذلك على النحو التالى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪346‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )1‬الطراف المعرفية‪:‬‬


‫تخضهع الرسهائل العلميهة على اختلف نوعياتهها إلى قواعده مرشدة غيهر حاكمهة‬
‫تضمن نقلها للمعرفة نقلً وافيا‪ .‬وتتمثل هذه القواعد فى النماذج التالية‪ ،‬أولها نموذج [ المعرفة‬
‫أول ‪ -‬المعرفة أخيرا ‪ -‬المعرفة فقط ]‪.‬‬

‫ويؤدى هذا النموذج إلى إعادة ترتيب منطلقات الرسائل العلمية بما يضمن توافقها‬
‫مع المسئولية المعرفية للنظم العلمية‪ .‬وذلك من خلل عدة نماذج فرعية كالتى‪:‬‬
‫نموذج [ حريهة الرسهالة ‪ -‬احتمالت التأثيهر ‪ -‬التدخهل العلمهى ] لدراسهة‬ ‫أ ‪-‬‬
‫احتمالت الثار الضارة المحتملة للرسههائل العلميههة وإجراء التدخههل‬
‫العلمى المناسب الذى يخفف من تلك الضرار‪.‬‬
‫ههق العرض المتوازن‬
‫ههن تحقيه‬
‫نموذج [ الحدث ‪ -‬الطراف ] الذى يضمه‬ ‫ب‪-‬‬
‫للرسائل الخبارية‪.‬‬
‫نموذج [ الرسهالة الدراميهة ‪ -‬المعلومات المرجعيهة ] الذى يضمهن تقديهم‬ ‫ج‪-‬‬
‫الرسهائل الدراميهة التاريخيهة فهى سهياق يوضهح المصهادر والمراجهع التهى‬
‫اعتمدت عليها‪.‬‬
‫نموذج [ الر سالة الدرام ية ‪ -‬التغل يف ] الذى يض من تقد يم الر سائل الدرام ية‬ ‫د ‪-‬‬
‫( الباح ية أو العني فة أو فوق ال سنية ) فى إطار يحذر من محتويات ها ذات‬
‫الطابع الخاص‪ ،‬بما يضمن عدم تعرض فئات معينة لها دون تحذير مسبق‪.‬‬
‫هه ‪ -‬نموذج [ الجودة ‪ /‬المث ير ‪ -‬القدرة ‪ /‬ال ستجابة ] الذى يض من تقد يم الر سائل‬
‫العلميهة فهى سهياق يوفهر للمتلقهى معلومات حول جودة السهلع والخدمات‬
‫ومواصفاتها ويوفر بيان بقيمتها السعرية‪.‬‬

‫(‪ )2‬الطراف التكنولوجية‪:‬‬


‫تخ ضع و سائل العلم المتعددة على اختلف قدرات ها التكنولوج ية والفن ية إلى نموذج‬
‫[ النطاق الواسع ‪ -‬النطاق الضيق ] الذى يضمن تحقيق وسائل العلم فى مجموعها لنطاقات‬
‫« العلم الجماهيرى الوا سع » المتو جه للجماه ير العري ضة المتعددة الخ صائص وال سمات‬
‫هه إلى جماعات‬
‫هص الموجه‬
‫هق » المتخصه‬
‫والنتماءات‪ ،‬ونطاقات « العلم الجماهيرى الضيه‬
‫نوعية من الجماهير متحدة الخصائص والسمات والنتماءات‪.‬‬

‫(‪ )3‬الطراف العتبارية‪:‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪347‬‬ ‫‪-‬‬

‫تمارس الطراف العتبار ية نشاط ها فى النظام العل مى الم سئول معرفيا من خلل‬
‫نموذج [ الربح ‪ -‬المعرفة ] الذى يعترف بحق المؤسسات العلمية فى السعى إلى الربح فى‬
‫مقابل ضرورة التزامها بمسئولية النقل الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫(‪ )4‬الطراف الفاعلة‪:‬‬


‫القائم بالت صال‪ :‬يمارس القائم بالت صال أنشط ته فى النظام العل مى الم سئول‬ ‫أ ‪-‬‬
‫معرفيا وفقا لنموذج [ الجماه ير كموكل ‪ -‬القائم بالت صال كوك يل ]‪ ،‬ح يث يض من‬
‫هذا النموذج ممار سة القائم بالت صال لدوره باعتباره وكيلً فى مواج هة الجماه ير‬
‫صاحبة التوكيل‪ ،‬ويتمحور موضوع تلك الوكالة حول النقل الوافى للمعرفة الكامنة‬
‫بالمعلومات العلمية إلى الجماهير‪.‬‬

‫ب ‪ -‬جماهيصر المتلقيصن‪ :‬تمارس الجماهيهر نشاطهها العملى فهى النظام العلمهى‬


‫المسئول معرفيا وفقا لنموذج [ المتلقى ‪ -‬الفاعلية ]‪ ،‬والذى يتيح للمتلقين تجاوز‬
‫مرحلة التفاعلية اللفظية أو المطبوعة السائدة بالنظم العلمية الراهنة‪ ،‬ويصل‬
‫إلى الفاعليهة العمليهة التهى تضمهن اضطلع الجماهيهر بأنشطهة عمليهة إيجابيهة‬
‫لرقابهة المؤسهسات العلميهة‪ ،‬والتأكهد مهن التزامهها بمسهئولية النقهل الوافهى‬
‫للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪.‬‬

‫ثالثـاً‪ :‬تقييم وتقـويم الداء‪:‬‬


‫يت سم النظام العل مى الم سئول معرفيا بمن حه الدور الرقا بى على أنش طة المؤ سسات‬
‫العلم ية إلى المجت مع المد نى‪ ،‬بالضا فة إلى المنظمات المهن ية أو النقاب ية وال تى تنت مى إلى‬
‫القائم بالتصال‪.‬‬
‫حيهث يتولى جماهيرالمتلقيهن مهن خلل عضويتههم بمنظمات المجتمهع المدنهى المعنيهة‬
‫مهمة تقييم وتقويم أداء المؤسسات العلمية‪ .‬وبهذا تصبح المؤسسات العلمية مسئولة أمام‬
‫الجماهيهر صهاحبة الحهق فهى المعرفهة‪ .‬المهر الذى يؤدى إلى تجاوز الشكاليهة الخطيرة التهى‬
‫كانت تمنح القائم بالتصال المتياز لكى يكون مسئولً أمام ضميره فقط أو أمام زملء المهنة‪،‬‬
‫وههى إشكاليهة أدت إلى ضياع الحقوق المعرفيهة للجماهيهر فهى ظهل غياههب الضمائر التهى‬
‫ل تكشف عما بداخلها إل لصحابها‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪348‬‬ ‫‪-‬‬

‫بالضافهة إلى ذلك‪ ..‬فإن النظام العلمهى المسهئول معرفيا يوفهر لمنظمات المجتمهع‬
‫المدنهى المعنيهة بتقييهم وتقويهم الداء‪ ،‬أسهاليب قياسهية تتيهح قياس الداء العلمهى للمؤسهسات‬
‫العلمية وللنظام العلمى كك ٍل وفقا لمقاييس كمية‪ ،‬وذلك من خلل مؤشرات كمية تتمثل فى‪:‬‬
‫• مقياس القدرات المعرفية للنظم العلمية‪.‬‬
‫• مقياس درجة شفافية النظام العلمى‪.‬‬
‫• مقياس درجة شفافية المؤسسات العلمية‪.‬‬
‫• مقياس درجة شفافية المجتمع‪.‬‬
‫• مقياس القيمة المادية النسبية للمعلومات المحظورة‪.‬‬
‫• مقياس حرية النظام العلمى‪.‬‬

‫كما يوفر النظام العلمى المسئول معرفيا أساليب احتمالية تتيح دراسة الثر الضار‬
‫المتوقع من نشر الرسائل العلمية‪ ،‬وتحديد التدخل العلمى المناسب لتخفيف الثار الضارة‬
‫المتوقعة المترتبة على عملية النشر‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪349‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمـة الفصـل العاشـر‪:‬‬


‫تبين من تحل يل الن ظم العلم ية العلم ية الراه نة سواء أكا نت حرة أم موج هة مدى‬
‫التأثيهر السهلبى الذى تمارسهه القيود المعرفيهة المجتمعيهة والذاتيهة على درجهة شفافيهة النظهم‬
‫العلمية‪ ،‬بما يؤدى إلى حظر جانب من الحداث والوقائع التى تحدث بالمجتمع تحت وطأة‬
‫الموانع التى تفرضها تلك القيود‪ .‬كما أوضح النموذج علقات الشراف والسيطرة ( الحكومية‬
‫والحزب ية والمؤ سسية ) ال تى تخ ضع ل ها المؤ سسات العلم ية‪ ،‬وال تى تن بع من العتبارات‬
‫النات جة عن القيود التشريع ية والذات ية‪ ،‬ال تى تت يح للحكومات ممار سة سيطرة ر سمية أو غ ير‬
‫ر سمية على المؤ سسات العلم ية‪ ،‬وتت يح لدوائر المال والعمال وال سياسة ممار سة سيطرة‬
‫أيدلوج ية أو سيطرة غ ير ر سمية ( احتكار ية ) من خلل تكو ين تكتلت واندماجات احتكار ية‬
‫تمارس تأثيرها السلبى على فاعليات المؤسسات العلمية‪.‬‬

‫كما تبين من تحليل النظام العلمى المسئول معرفيا أن ذلك النظام يختلف عن النظم‬
‫العلمية الراهنة فى كل من‪:‬‬
‫البنية الهيكلية ( المواصفات )‪ :‬حيث يتسم بغياب القيود التشريعية والقيود العملية من‬ ‫•‬
‫بني ته التركيب ية‪ .‬ك ما يت سم بتقلص القيود الذات ية‪ ،‬واقت صارها على قيود ال سيطرة والملك ية‬
‫الحكوم ية والحزب ية والمؤ سسية‪ ،‬وقيود الملك ية الحتكار ية‪ ،‬وقيود الجمهور المو جه‪ ،‬بين ما‬
‫تغيهب تماما القيود الفلسهفية مهن تلك البنيهة‪ ،‬نظرا لتبنهى النظام العلمهى المسهئول معرفيا‬
‫لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪.‬‬

‫النش طة العمل ية‪ :‬ح يث تمارس كا فة أطراف النظام العل مى الم سئول معرفيا أدوارا‬ ‫•‬
‫جديدة مهن خلل ممارسهة التدخلت العلميهة التحريريهة وتطهبيق القواعهد المُرشدة غيهر‬
‫الحاكمة التى تضمن التزام كافة الطراف العلمية بمهمة النقل الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫تقي يم وتقو يم الداء‪ :‬ح يث يم نح النظام العل مى الم سئول معرفيا مه مة تقي يم وتقو يم‬ ‫•‬
‫الداء إلى جماه ير المتلق ين بجا نب المنظمات المهن ية والنقاب ية‪ ،‬من خلل تنظ يم الجماه ير‬
‫لمنظمات المجت مع المد نى ال تى تتولى الدفاع عن قوا عد ومبادئ الم سئولية المعرف ية للن ظم‬
‫العلميهة‪ .‬ويوفهر النظام العلمهى المسهئول معرفيا لتلك المنظمات الجماهيريهة الشعبيهة‬
‫أسهاليب قياسهية تتيهح قياس أداء النظام العلمهى بصهورة كميهة‪ ،‬بالضافهة إلى أسهاليب‬
‫احتماليهة لتقييهم مدى فاعليهة التدخلت العلميهة لتجنهب الثار الضارة المحتملة لبعهض‬
‫الرسائل العلمية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪350‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولكهن‪ ..‬إذا كان النظام العلمهى المسهئول معرفيا يضمهن النقهل الوافهى للمعرفهة من‬
‫خلل تقليصهه للقيود المعرفيهة فهى بنيتهه‪ ،‬فإن هذا يدفهع إلى ضرورة التعرف على دور النظهم‬
‫العلمية المسئولة معرفيا فى تشكيل وعى جماهير المتلقين فى ظل البعاد العلمية للعولمة‪،‬‬
‫والتعرف على مدى تجاوز هذا الدور لل سلبيات القائ مة فى الن ظم العلم ية الراه نة‪ ،‬والمتعل قة‬
‫بتشكيل وعى جماهير المتلقين من خلل ممارسات تزييف الوعى والختراق الثقافى‪ .‬وهذا ما‬
‫سنتناوله فى الفصل القادم‪...‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪351‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفصـل الحادى عشر‬


‫المسئولية المعرفية وتشكيل الوعى‬
‫الجتماعى‬
‫فى النظم العلمية الراهنة‬

‫محتـويـات‬
‫الفصـل الحادى عشر‬

‫مقــدمـة الفصـل الحـادى عشـر‬


‫المبحـــــــث البعاد الفكرية لنظريات تشكيل الوعى‬
‫الجتماعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى‬ ‫الول‪:‬‬
‫المبحـــــــث المســئولية المعرفيــة وتشكيــل الوعــى‬
‫الثانــــــــى‪ :‬الجتماعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــى‬
‫فى ظل البعـاد العلميـة للعـولمــة‬
‫خـاتمــة الفصـل الحـادى عشـر‬
‫‪-‬‬ ‫‪352‬‬ ‫‪-‬‬

‫مقدمـة‬
‫الفصـل الحـادى عشر‬

‫تقود البعاد العلمية للعولمة فى جانبها المؤدى للتوحد والتكتل والندماج إلى تنمية‬
‫العتقاد بصهحة التوجهات التهى تتعامهل مهع النظهم العلميهة باعتبارهها أحهد أدوات الهيمنهة‬
‫والسيطرة ‪ -‬ومن ثم الختراق الثقافى ‪ -‬على المستوى العالمى‪.‬‬

‫كما تقود البعاد العلمية للعولمة فى جانبها المؤدى للتشظى والتجزؤ والنقسام إلى‬
‫تنميهة العتقاد بصهحة التوجهات التهى تتعامهل مهع النظهم العلميهة باعتبارهها أداة للتضليهل‬
‫والدعاية ‪ -‬ومن ثم تزييف الوعى ‪ -‬على المستويات الوطنية المحلية‪.‬‬

‫ول يم كن التأ كد من صحة هذه التوجهات إل من خلل ف حص نتائج النظريات ال تى‬


‫اهتمهت بدراسهة تأثيرات وسهائل العلم‪ ،‬وفحهص التجاهات التهى ابرزت النتائج السهلبية‬
‫المترت بة على هذه التأثيرات‪ ،‬وعرض أو جه الق صور فى هذه التجاهات‪ ،‬ثم بيان مدى تو سع‬
‫أو اضمحلل القدرات المتاحة للنظم العلمية لتشكيل الوعى الجتماعى فى ظل تبنى مفهوم‬
‫المسئولية المعرفية‪ ،‬وفى ظل البعاد العلمية للعولمة‪.‬‬

‫وانطلقا من هذا الت صور ف قد تم تق سيم الف صل الرا هن إلى مبحث ين‪ .‬المب حث الول‬
‫بعنوان‪ :‬البعاد الفكريهة لنظريات تشكيهل الوعهى الجتماعهى‪ ،‬ويدور حول عرض لنظريات‬
‫التأث ير العل مى وتشك يل الو عى الجتما عى للتعرف على القاعدة النظر ية ال تى تو ضح نتائج‬
‫البحوث فهى هذا المجال‪ .‬والمبحهث الثانهى بعنوان‪ :‬المسهئولية المعرفيهة وتشكيهل الوعهى‬
‫الجتماعى فى ظل البعاد العلمية للعولمة‪ ،‬ويدور حول التحليل النقدى لطروحات نظريات‬
‫تشك يل الو عى الجتما عى ع ند تطبيق ها على فاعليات الن ظم العلم ية الراه نة فى ظل البعاد‬
‫العلمية للعولمة‪ ،‬كما يدور حول المدى الذى تصل إليه ممارسات تشكيل الوعى الجتماعى‬
‫فى النظم العلمية المسئولة معرفيا وفى ظل البعاد العلمية للعولمة‪.‬‬

‫وسنعرض فيما يلى لتلك المباحث‪...‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪353‬‬ ‫‪-‬‬

‫المبحـث الول‬
‫البعاد الفكرية لنظريات تشكيل الوعى الجتماعى‬

‫أولً‪ :‬نظريات التأثير العلمى وتشكيل الوعى الجتماعى‪:‬‬


‫أدت الجهود البحثيهة المعنيهة بدراسهة تأثيرات وسهائل العلم على الفراد والمجتمهع‪،‬‬
‫إلى نشوء ما يُسمى بنظريات التأثير العلمى‪ .‬ولقد ركزت كل نظرية من هذه النظريات على‬
‫نوعيهة معينهة مهن الثار الناشئة مهن التعرض لوسهائل العلم ”فهناك نظريات تركهز على‬
‫الثار المباشرة والسهريعة‪ ،‬بينمها تركهز نظريات أخرى على الثار الطويلة أو غيهر المباشرة‪.‬‬
‫وهناك نظريات تركز على آثار العلم على القيم والتجاهات والسلوك‪ ،‬بينما تركز نظريات‬
‫أخرى على التأثيرات على المجت مع والثقا فة والمنظمات الجتماع ية‪ ...‬وتع كس مرا حل تطور‬
‫بحوث التأثيهر مسهتوى تطور أدوات ومنا هج الب حث فهى العلوم الجتماعيهة ووضعيهة العلم‬
‫كعلم آخذ فى التبلور‪ .‬كما تعبّر صراحة أو ضمنا عن خصوصية المجتمعات الغربية‪ ،‬وخاصة‬
‫المجتمهع المريكهى فهى تطوره خلل القرن العشريهن‪...‬ففهى هذا السهياق تمهت الدراسهات‬
‫العلميهة وبحوث التأثيهر‪ ،‬وخضعهت تحديدا لمناخ وآليات الحملت العلميهة‪ .‬لذلك تبدو‬
‫ملحظة «دينس ماكويل» صحيحة‪ ،‬حول كون أغلب ما كُتب عن آثار وسائل العلم قد جاء‬
‫لنا من نتائج بحوث ارتبطت بالحملت العلمية أو بفرضيات مواقف الحملة‪ ،‬رغم أن الحملة‬
‫ليست هى الشكل الشائع لعمل وسائل العلم‪ ،‬كما ل تمثل خبرة معتادة للجمهور “(‪.)416‬‬

‫وقد بدأت نظريات التأثير بنظرية الثار الموحدة لوسائل العلم‪ ،‬والتى كانت تتعامل‬
‫مع الوسائل العلمية باعتبارها طلقات سحرية موحدة التأثير طالما تعرض لها أفراد الجمهور‬
‫المعزول كل من هم عن ال خر‪ .‬ثم تطورت إلى نظريات التأث ير النتقائى‪ ،‬ال تى برزت كنتي جة‬
‫لتطور أ طر التحل يل الجتما عى والنف سى‪ ،‬وتفاو تت وفقا ل ها آثار و سائل العلم ا ستنادا إلى‬
‫الفروق الفرد ية بين الجماه ير‪ ،‬أو نظرا لنقسام الجماه ير إلى فئات اجتماع ية تتمايز كل منها‬
‫عن الخرى‪ ،‬أو ب سبب اكتشاف تد فق التصال على مرحلت ين ‪ -‬بل وأكثر من مرحلة ‪ -‬وما‬
‫أدى إليهه ذلك مهن ”التعرف على الدور المؤثهر للتصهال الشخصهى بقادة الرأى فهى المجتمعات‬
‫المختل فة‪ ،‬ودور الشبكات الجتماع ية التف سيرية المعقدة ال تى يتد فق خلل ها الت صال عبر عدة‬
‫مراحل‪ ،‬يتم عبرها المشاركة والنقاش فى المعلومات بين أشخاص متساوين “(‪.)417‬‬

‫() محمد شومان‪ ،‬دور العلم فى تكوين الرأى العام ( حرب الخليج نموذجا )‪ .‬ص ‪.86‬‬ ‫‪416‬‬

‫() و‪ .‬رسل نيومان‪ ،‬مستقبل الجمهور المتلقى‪ .‬ترجمة محمد جمول‪ ،‬ص ‪.142‬‬ ‫‪417‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪354‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فقهد ” كان التحول مهن نظريهة الثار الموحدة « الطلقهة السهحرية » التهى‬
‫تفترض تأث ير ر سائل الت صال على أفراد الجمهور بش كل مو حد ومتما ثل‪ ،‬إلى مفهوم نظريات‬
‫ل من مفاه يم ب سيطة‬
‫التأث ير النتقائى الذى تتب نى الثار غ ير المباشرة لو سائل العلم‪ ،‬كان تحو ً‬
‫ل من افتراض ( المنبه ‪ /‬الستجابة ) أو السبب والثر‪ ،‬أصبح لدينا‬
‫نسبيا إلى مفاهيم مركبة‪ .‬فبد ً‬
‫متغيرات وسيطة متداخلة بين المنبه والستجابة تتمثل فى كل العوامل النفسية والجتماعية التى‬
‫تميهز الفراد داخهل المجت مع وتتحكهم فى تأثرههم وتف سيراتهم للو سائل العلميهة‪ ..‬وذلك وفقا‬
‫لربع قواعد أساسية تتحكم فى سلوك أفراد الجمهور تجاه وسائل العلم‪ ،‬وتتعلق هذه القواعد‬
‫بهه ) الهتمام النتقائى أو التعرض النتقائى ‪ -‬الدراك النتقائى ‪ -‬التذكهر النتقائى ‪ -‬السهلوك‬
‫النتقائى ) وهى جميعا تقع فى بؤرة نظريات التأثير النتقائى لوسائل العلم “(‪.)418‬‬

‫ولكن رغم التأثيرات النتقائية لوسائل العلم‪ ،‬فإن درجة هذا التأثير من حيث القوة‬
‫أو العتدال تباي نت بشأن ها التجاهات‪ ،‬ولذلك ظهرت نظريات التأثيصر القوى ونظريات التأثيصر‬
‫المعتدل لوسائل العلم‪.‬‬
‫ح يث تقرر نظريات التأث ير القوى ” أن لو سائل الت صال الجماهير ية تأثيرات قو ية ‪-‬‬
‫خاصهة على المسهتوى القومهى ‪ -‬إذا مها تهم اسهتخدام هذه الوسهائل فهى إطار حملت إعلم ية‬
‫منظمة حسب المبادئ الساسية للتصال‪ ،‬والتى تتمثل فى إعادة الرسالة العلمية على مدى‬
‫زم نى مع ين ( التكرار )‪ ،‬والترك يز على جمهور مع ين ت ستهدفه الر سالة العلم ية‪ ،‬وتحد يد‬
‫الهداف بعناية لكى يقوم القائم بالتصال بإنتاج رسائل منسجمة مع هذه الهداف “(‪.)419‬‬
‫أ ما نظريات التأث ير المعتدل ” فتدرس التأثيرات بعيدة ال مد لو سائل العلم وتفترض‬
‫أن تلك التأثيرات ‪ -‬فى ظل ظروف معينة ‪ -‬تتنوع ما بين القوة والضعف “(‪.)420‬‬

‫ول قد انع كس هذا التطور المتل حق فى نظريات التأث ير العل مى على الف هم العل مى‬
‫لطبيعة الدور الذى تلعبه جماهير وسائل العلم فى عملية التصال العلمى‪ ،‬حيث تطورت‬
‫من ” المفهوم السلبى للمتلقى‪ ،‬إلى مفهوم المتلقى العنيد‪ ،‬إلى المتلقى الواثق من نفسه‪ ،‬ثم إلى‬
‫المتلقى النش يط‪ ....‬ولذلك اقترحت بحوث التأثير الهتمام بالثار المعرفية ل الثار القناعية‪،‬‬
‫والتمييهز بيهن التعرض لوسهائل العلم والنتباه للمضاميهن العلميهة‪ ،‬حيهث إن المتلقهى قهد‬
‫يتعرض بحكم العادة لوسائل العلم دون أن يهتم بما تقدمه من أخبار عن الشئون العامة “(‪.)421‬‬

‫() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد‪ ،‬التصال ونظرياته المعاصرة‪ .‬ص ‪.262 - 261‬‬ ‫‪418‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.269‬‬ ‫‪419‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.287‬‬ ‫‪420‬‬

‫() محمد شومان‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.89 - 88‬‬ ‫‪421‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪355‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولقد أدى هذا الهتمام بالثار المعرفية لوسائل العلم إلى بروز « نظريات المعرفة من‬
‫و سائل العلم »‪ ،‬و من أ هم هذه النظريات ” نظر ية التماس المعلومات ‪Information seeking‬‬
‫التهى تفترض أن التعرض النتقائى للفراد يجعلههم يختارون المعلومات التهى تؤيهد اتجاهاتههم‬
‫الراهنهة‪ .‬ونظريهة فجوة المعرفهة ‪ Knowledge gap‬التهى تفترض أن تدفهق المعلومات مهن‬
‫وسهائل العلم داخهل النظام الجتماعهى يؤدى إلى جعهل فئات الجمهور ذوى المسهتوى‬
‫القتصهادى الجتماعهى المرتفهع يكتسهبون هذه المعلومات بمعدلت أسهرع مهن الفئات ذوى‬
‫الم ستوى القت صادى الجتما عى المنخ فض‪ ،‬وبالتالى تت جه فجوة المعر فة ب ين فئات الجمهور‬
‫المختل فة إلى الزيادة بدلً من النق صان‪ .‬ونظر ية تحل يل الطار العل مى ‪Framing Analysis‬‬
‫التى تفترض أن الحداث ل تنطوى فى حد ذاتها على مغزى معين‪ ،‬وإنما تكتسب مغزاها من‬
‫خلل وضعها فى إطار ‪ Frame‬يحددها وينظمها ويضفى عليها قدرا من التساق‪ ،‬من خلل‬
‫التركيهز على بعهض جوانهب الموضوع وإغفال جوانهب أخرى‪ ،‬فالطار العلمهى ههو تلك‬
‫الفكرة المحورية التى تنتظم حولها الحداث الخاصة بقضية معينة ”(‪.)422‬‬

‫وتن بع واقع ية التعا مل مع الثار المعرف ية لو سائل العلم من النتائج المتراك مة لبحوث‬
‫التأثير العلمى على مدى العقود الماضية‪ ،‬والتى لم تستطع أن تحدد آثارا حتمية يمكن أن تنتج‬
‫عهن التعرض لوسهائل العلم‪ ،‬وإنمها ههى آثار يرتبهط احتمال تحققهها بالعديهد مهن الظروف‬
‫المصاحبة‪ .‬ولذلك يظل الطار الشهير الذى وضعه « برنارد ولسون » عام ‪ 1948‬صادقا تماما‪،‬‬
‫والذى ينص على أن ” بعض أنواع التصال لبعض أنواع القضايا تؤدى إلى اهتمام بعض البشر‬
‫بمحتوى وسائل العلم فى ظل بعض الظروف ما ينتج عنه بعض أنواع الثر “(‪.)423‬‬
‫حيث أثبتت البحوث المتراكمة لدراسة تأثيرات وسائل العلم‪ ،‬أن هناك خمس حالت‬
‫على القل يمكن أن تؤدى إلى إحداث تأثير ما لوسائل العلم وهى(‪:)424‬‬
‫‪ -‬أن تكون وسائل العلم هى السبب المباشر الوحيد لحدوث الثر وهى حالة نادرة الحدوث‪.‬‬
‫‪ -‬قد تكون وسائل العلم هى السبب فى إحداث الثر فى حالة وجود عوامل وسيطة‪.‬‬
‫‪ -‬قد تكون وسائل العلم هى العامل الوسيط وعوامل أخرى هى السبب فى إحداث التأثير‪.‬‬
‫‪ -‬قد تكون وسائل العلم سببا ضروريا ولكنه ليس كافيا لحداث الثر‪.‬‬
‫‪ -‬قد تكون وسائل العلم سببا كافيا ولكنه ليس ضروريا لحداث الثر‪.‬‬

‫() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬صفحات ‪.348 - 337‬‬ ‫‪422‬‬

‫‪)(Berelson, B., Communication and public opinion. In w.Schramm, )ed.(, Mass Communication,‬‬
‫‪423‬‬

‫‪.‬اقتبسه‪ :‬حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد‪ ،‬التصال ونظرياته المعاصرة‪ .‬ص ‪p. 500.396‬‬
‫() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.403 - 402‬‬ ‫‪424‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪356‬‬ ‫‪-‬‬

‫ولهذا فإن ” النتائج المتراكمة عبر خمسة عقود من البحث العلمى المنهجى‪ ..‬تبين أن‬
‫جمهور وسائل العلم‪ ..‬ليس عاجزا‪ .‬وأن وسائل العلم ليست طاغية‪ .‬وأن النظرية الناشئة‬
‫حول تأثيرات العلم المشروطهة والمتواضعهة‪ ،‬تسهاعد على وضهع الدورة التاريخيهة للخوف‬
‫الخل قى من و سائل العلم الجديدة ض من الت صور ال صحيح‪ ...‬ف قد تبين أن مؤثرات القناع‬
‫تُكبَح عن طريق دفاعات معرفية‪ ،‬يتمتع بها أولئك الذين أولوا الموضوع بعض التفكير بشكل‬
‫مسهبق وتوصهلوا إلى تكويهن قناعات عقليهة‪ ..‬فالناس ل يتلقون الرسهائل لمجرد تخزينهها على‬
‫صفحة معرف ية مل ساء‪ ..‬والفراد يعتمدون على معرفت هم المنظ مة الم سبقة فى تف سير وتكو ين‬
‫مغزى المعلومات والرسائل الواردة إليهم “(‪.)425‬‬

‫وبالتالى فإن معاينة التأثير العلمى تبدو عملية شديدة التعقيد‪ ،‬نظرا لتداخل العديد من‬
‫الظروف والعوا مل المحي طة بالمتلق ين مع مضمون الر سائل العلم ية المنشورة خلل و سائل‬
‫العلم‪ .‬المر الذى يجعل من معاينة الثر المعرفى أو المعرفة المنقولة بمثابة الوسيلة القرب‬
‫إلى الواقعية‪ ،‬والنتيجة القابلة للقياس‪ .‬فى حين يبدو تحديد الثر القناعى بمثابة محاولة تحتاج ‪-‬‬
‫ح تى يُك تب ل ها النجاح ‪ -‬إلى أفراد ت مت مراق بة ماضي هم بكا فة أبعاده‪ ،‬ح تى يم كن التفر قة ب ين‬
‫الثار الناشئة عن وسائل العلم والثار الناشئة عن المؤثرات العديدة الخرى‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬تشكيـل الوعـى الجتماعـى فـى ظـل أطروحات « النظريات‬


‫النقدية » و « مدرسة التبعية »‬
‫(تزييف الوعى والختراق الثقافى)‪:‬‬
‫تتب نى النظريات النقد ية التجاه الذى يؤ من بالتأث ير القوى لو سائل العلم‪ ،‬ول كن من‬
‫وجهة النظر الماركسية‪ .‬وتتمثل هذه النظريات فى التجاهات التالية(‪:)426‬‬
‫اتجاه مدرسههة فرانكفورت‪ :‬وهههى إحدى المدارس التههى قامههت مبكرا على فكرة‬ ‫(‪)1‬‬
‫الماركسهية الجديدة اعتبارا مهن عام ‪ 1923‬بفرانكفورت‪ ،‬وترى أن مها تقدمهه وسهائل‬
‫العلم عبارة عهن أعمال وضيعهة أو تشويهه للعمال الراقيهة بهدف إلهاء الناس عهن‬
‫البحهث عهن الحقيقهة‪ .‬فمهن خلل التجارة العالميهة والثقافهة الجماهيريهة ينجهح الحتكار‬
‫الرأسهمالى فهى تحقيهق أهدافهه‪ ..‬وترسهيخ الفكار الخاصهة بسهيطرة الطبقهة المالكهة أو‬
‫المهيمنة على المجتمع بمفهومه الرأسمالى‪.‬‬

‫() و‪ .‬رسل نيومان‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬صفحات ‪.144 - 142‬‬ ‫‪425‬‬

‫() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬صفحات ‪.122 - 120‬‬ ‫‪426‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪357‬‬ ‫‪-‬‬

‫اتجاه يتبنهى معطيات النظريهة الثقافيهة النقديهة‪ :‬التهى ترى أن وظيفهة وسهائل العلم‬ ‫(‪)2‬‬
‫ودورها الثقافى يتمحور فى دعم الهيمنة ‪ Hegemany‬لمن هم فى مراكز القوة‪.‬‬
‫اتجاه يتب نى توجهات نظر ية القت صاد ال سياسى‪ :‬ال تى اهت مت بدرا سة سيطرة ال صفوة‬ ‫(‪)3‬‬
‫على المؤ سسات القت صادية م ثل البنوك وال سواق ‪ ...‬وكيف ية سيطرة تلك المؤ سسات‬
‫القت صادية على المؤ سسات الجتماع ية ومن ها و سائل العلم ودفع ها لتحق يق أهداف ها‬
‫ومصالحها القتصادية‪.‬‬

‫وإذا كا نت النظريات الثلث ال سابقة تتب نى الرؤ ية النقد ية ال تى تو ضح أن الممار سات‬


‫العلم ية فى الدول الرأ سمالية ما هى إل ممار سات من أ جل تزي يف الو عى وتضليله على‬
‫المستوى الوطنى المحلى الداخلى‪.‬‬
‫فإن التجاه الذى تمثله « مدرسهة التبعيهة العلميهة والثقافيهة » يوضهح أن الممارسهات‬
‫العلم ية فى الدول الرأ سمالية ل تقت صر على عمل ية تزي يف الو عى فى الدا خل‪ ،‬بل تم تد ل كى‬
‫تمارس الختراق الثقافهى العلمهى على مسهتوى العالم مسهتهدفة دول الجنوب الفقيهر أو النامهى‪.‬‬
‫“ولقد خرجت مدرسة التبعية العلمية والثقافية من قلب المجتمع المريكى‪ ..‬ثم ضمت نفرا من‬
‫ال ساتذة والباحث ين العلمي ين الذ ين يمثلون الجناح الراديكالى فى المدر سة الغرب ية‪ .‬و قد انب ثق‬
‫اهتمام هم بقضا يا التبع ية العلم ية والثقاف ية فى العالم الثالث‪ ،‬انطلقا من الدرا سات الها مة ال تى‬
‫قدمت ها مدر سة التبع ية القت صادية فى أمري كا اللتين ية‪ ،‬وب عض الدرا سات ال تى قدمت ها المدر سة‬
‫ل عن الدراسات التى قدمها البروفيسور المريكى « هربرت شيللر »‬
‫الشتراكية فى العلم‪ ،‬فض ً‬
‫عن الستعمار الثقافى والعلمى مستعينا بوقائع وتطورات التجربة المريكية فى العلم ”(‪.)427‬‬
‫وتو ضح مدر سة التبع ية‪ ،‬أن التبع ية العلم ية والثقاف ية فى العالم الثالث ت تم من خلل‬
‫(‪)428‬‬
‫عدد مهن الليات‪ ،‬ويمكهن ملحظتهها فهى العديهد مهن المظاههر‪ .‬وذلك على النحهو التالى‪:‬‬
‫” حيهث تتمثهل آليات التبعيهة العلميهة الثقافيهة فهى وكالت النباء العالميهة والشركات المتعددة‬
‫الجنسهيات والعلنات‪ .‬بينمها تتمثهل مظاههر التبعيهة العلميهة والثقافيهة فهى‪ )1( :‬التبعيهة‬
‫التكنولوجيهة‪ :‬مهن خلل العتماد الجزئى أو الكلى على المجتمعات المتقدمهة فهى كهل مها يتعلق‬
‫بالبنى الساسية للتصال‪ )2( .‬التبعية الثقافية‪ :‬التى تتمثل فى السيطرة الثقافية التى تتخذ شكل‬
‫العتماد من جا نب الدول النام ية على المواد العلم ية الم ستوردة‪ ،‬ال تى تع كس ق يم وأ ساليب‬
‫الحياة الجنبية‪ ،‬م ما يهدد الذاتية الثقاف ية لشعوب العالم الثالث‪ )3( .‬التبع ية العلمية‪ :‬من خلل‬
‫الختلل الهائل فى التدفق العلمى على مستوى العالم‪ ،‬والذى يأخذ اتجاها واحدا ‪ -‬فى الغالب‬
‫العهم ‪ -‬مهن الشمال إلى الجنوب‪ )4( .‬التبعيهة فهى مجال البحوث العلميهة‪ :‬مهن خلل اعتماد‬

‫() عواطف عبد الرحمن‪ ،‬قضايا التبعية العلمية والثقافية فى العالم الثالث‪ .‬ص ‪ ( 47‬بتصرف )‪.‬‬ ‫‪427‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬صفحات ‪ ( 109 - 66‬بتصرف )‪.‬‬ ‫‪428‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪358‬‬ ‫‪-‬‬

‫البحوث العلميهة فهى أغلب دول العالم الثالث على النظريات والمناههج التهى نشأت فهى الدول‬
‫الغربية‪ ،‬ومحاولة تطبيقها على دول العالم الثالث رغم اختلف الخلفيات التاريخية والجتماعية “‪.‬‬

‫ولعله من الوا ضح أن البعاد العلم ية للعول مة يم كن ا ستثمارها من جا نب المؤيد ين‬


‫للنظريات النقد ية ومدر سة التبع ية للتأك يد على دور و سائل العلم فى تزي يف الو عى داخليا‬
‫والختراق الثقا فى خارج يا‪ ،‬ل يس على م ستوى العالم الثالث فح سب‪ ،‬بل وعلى مسهتوى دول‬
‫العالم المتقدم أيضا‪ .‬بحيهث لم يعهد الختراق الثقافهى ” حكرا على الدول الناميهة الضعيفهة‬
‫أو قصرا عليها وإنما أصبح ‪ -‬فى بعض أشكاله ومظاهره ‪ -‬ظاهرة عالمية‪ ،‬أو بالحرى هما‬
‫عالميا تشكو منه الدول الوربية ذاتها “(‪.)429‬‬
‫ولقد أثيرت المخاوف من الختراق الثقافى ” فى كل من إيطاليا وهولندا وفرنسا وفنلندا‬
‫والدنمارك‪ .‬وأعربهت الحكومهة الفرنسهية صهراحة عهن مخاوفهها ممها أسهمته بإمبرياليهة اللغهة‬
‫النجليزيهة‪ .‬بينمها أعربهت الحكومهة اليطاليهة عهن مخاوفهها مهن السهتعمار الثقافهى‪ .‬ولم تقهف‬
‫الحكومات الوربية عند حد العراب عن قلقها من خطر البرامج الجنبية على هوياتها الثقافية‪،‬‬
‫ولكن ها اتخذت إجراءات ملمو سة لو قف هذا الخ طر‪ .‬ح يث أ صدرت فرن سا تشريعا يق ضى بأل‬
‫تزيد نسبة البرامج الجنبية فى محطات الكوابل عن ثلثين فى المائة من إجمالى البرامج‪ .‬كما‬
‫تشجع الحكومة الفرنسية اتحاداتها المعنية وصناعاتها الثقافية على إنشاء تكتلت إعلمية تستطيع‬
‫مواج هة النتاج الض خم للشركات المريك ية ( ول قد صممت فرن سا على صياغة مبدأ ال ستثناء‬
‫الثقافهى ضمهن اتفاقيات الجات لحمايهة الخصهوصيات الثقافيهة )‪ .‬كمها تبذل الحكومهة الهولنديهة‬
‫جهود ها م نذ عام ‪ 1987‬لدخال تشريعات على قوانين ها لتحد يد ن سبة المواد القوم ية ال تى ي جب‬
‫تضمينها فى برامج الذاعة والتليفزيون‪ .‬كذلك اقترحت الحكومة الفنلندية أل يقل الحد الدنى من‬
‫البرامج الفنلندية على شبكات الكوابل عن ‪ %40‬من إجمالى البرامج “(‪.)430‬‬
‫بالضافهة إلى ذلك‪ ..‬فقهد ” أورد النقاد الغربيون مجموعهة مهن النتائج تتعلق بالثقافهة‬
‫المشو شة من ق بل المحطات الفضائ ية تتر كز فى‪ )1( :‬تر سيخ ق يم المتثال ية (‪ )2‬القضاء على‬
‫التنوع الثقافى فى المجتمع من خلل تقليل فرص التعرض لوسائل العلم الخرى الكثر عمقا‬
‫كالك تب والمطبوعات وق صر التعرض على الثقا فة التلفزيون ية‪ )3( .‬خلق مجت مع ا ستهلكى من‬
‫خلل ترويج الفضائيات للسلع ذات الطابع التجارى المرتبطة بالنتاج الرأسمالى “(‪.)431‬‬

‫() أيمن منصور ندا‪ " ،‬الختراق الثقافى عن طريق البث الوافد‪ :‬دراسة مسحية لدبيات الختراق "‪ ،‬فى سعد لبيب ( محرر‬ ‫‪429‬‬

‫)‪ ،‬أعمال ندوة الختراق العلمى للوطن العربى ( القاهرة ‪ 24 - 23‬نوفمبر ‪ .)1996‬ص ‪.24‬‬
‫() حسن حامد‪ " ،‬الختراق فى مجال الخبار والمعلومات "‪ ،‬فى سعد لبيب ( محرر )‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.81‬‬ ‫‪430‬‬

‫() إياد شاكر البكرى‪ ،‬عام ‪ 2000‬حرب المحطات الفضائية‪ .‬ص ‪.249‬‬ ‫‪431‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪359‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪‬المبحـث الثـانى‬
‫المسئولية المعرفية وتشكيل الوعى الجتماعى‬
‫فى ظل البعاد العلمية للعـولمـة‬

‫أولً‪ :‬نظريات تشكيل الوعى الجتماعى والنظم العلمية الراهنة‬


‫(رؤيـة نقديـة)‪:‬‬
‫ي صبح من الهام ‪ -‬فى ظل البعاد العلم ية للعول مة ‪ -‬الع مل على المراج عة النقد ية‬
‫للطروحات ال تى قدمت ها نظريات تشك يل الو عى الجتما عى‪ ،‬وذلك لعادة تقي يم نتائج ها فى‬
‫ضوء التغيرات التى تطرحها ظاهرة العولمة‪ ،‬وتتحدد تلك المراجعة النقدية فى البنود التالية‪:‬‬

‫رغم النتائج المبريقية التى توصلت إليها بحوث نظريات التأثير المعتدل لوسائل العلم‬ ‫(‪)1‬‬
‫حول تأثيرات وسهائل العلم المشروطهة والمتواضعهة الناشئة عهن ال ساليب النتقائيهة فهى‬
‫التعرض والدراك والتذكر‪ .‬وتطور خبرة المتلقى فى التعامل مع وسائل العلم من المتلقى‬
‫ل إلى المتل قى النش يط‪ .‬إل أن تلك البحوث اعتمدت فهى مع ظم نتائج ها على‬
‫ال سلبى‪ ،‬و صو ً‬
‫المتلقين فى الدول الغربية المتقدمة التى تحظى بمساحة كبيرة من حرية التعبير‪ ،‬المر الذى‬
‫كفل للمتلقين فى تلك الدول خبرة التعامل مع الراء المتعددة والتجاهات الفكرية المتنافسة‪.‬‬
‫وبالتالى تراكمت لديهم الخبرات العلمية التى تكفل القدرة على الختيار وتكوين المواقف‬
‫ومن ثم التعامل النشط غير السلبى مع ما تقدمه وسائل العلم‪ ..‬ولكن المر يختلف تماما‬
‫فهى دول العالم الثالث ذات النظهم العلميهة الموجههة التهى تفتقهر إلى الراء المتعددة‬
‫والتجاهات الفكريهة المتنافسهة‪ ،‬والتهى غالبا مها يسهود فيهها التجاه الواحهد الذى يعبّر عهن‬
‫توجهات ال سلطة الحاك مة‪ .‬وبالتالى تفت قر جماه ير و سائل العلم فى هذه الن ظم العلم ية‬
‫ل فى هذا المناخ‬
‫الموج هة للقدرة على التعا مل الن شط مع الراء المتعددة ال تى ل تو جد أ ص ً‬
‫الذى يتسم بالجمود الفكرى‪ .‬ولذلك فإن النتائج المبريقية التى توصلت إليها بحوث نظريات‬
‫التأث ير المعتدل لو سائل العلم‪ ،‬ل تنطبهق على المتلق ين بالنظهم العلم ية الموج هة‪ ،‬نظرا‬
‫لنجاح تلك النظهم فهى تزييهف وعهى جماهيرهها‪ .‬ورغهم مها تطرحهه التطورات الهائلة فهى‬
‫تكنولوجيها التصهال مهن تجاوز الرسهائل العلميهة الجنبيهة للقيود المعرفيهة المجتمعيهة‬
‫أو للحدود الجغرافية فى تلك الدول ذات النظم العلمية الموجهة‪ ،‬إل أن حاجز اللغة يجعل‬
‫من الر سائل العلم ية ‪ -‬ال تى تتخ طى تلك الحوا جز ‪ -‬بل جدوى لعدم إمكان ية فهم ها من‬
‫غالب ية المتلق ين‪ ،‬بالضا فة إلى محدود ية اهتمام تلك الر سائل العلم ية ال تى تتخ طى الحدود‬
‫الجغرافية بالقضايا الوطنية المحلية اليومية بدول العالم الثالث‪ ،‬نظرا لكونها تصدر عن نظم‬
‫‪-‬‬ ‫‪360‬‬ ‫‪-‬‬

‫إعلم ية أجنب ية ته تم فى المقام الول بقضا يا الدول ال تى تنت مى إلي ها‪ .‬وإلى أن ي تم تحط يم‬
‫حا جز الل غة با ستخدام الترج مة الل ية الفور ية للغات‪ ،‬فإن تزي يف و عى المتلق ين بدول العالم‬
‫الثالث سهيظل قائما باسهتخدام نظهم العلم الموجههة بتلك الدول‪ ،‬وبالتالى لن تنطبهق على‬
‫هؤلء المتلقين نتائج الدراسات المبريقية التى توصلت إليها بحوث نظريات التأثير المعتدل‬
‫لوسائل العلم‪.‬‬

‫وقعت كل من النظريات النقدية ومدرسة التبعية فى نفس الخطأ الذى وقعت فيه نظريات‬ ‫(‪)2‬‬
‫التأث ير المعتدل لو سائل العلم‪ ،‬وذلك من خلل تعم يم الثار القو ية لو سائل العلم بالن ظم‬
‫العلمية الموجهة وتطبيقها على جماه ير و سائل العلم بالنظم العلمية الحرة‪ .‬وبالتالى‬
‫أدى ذلك إلى تجاهل ها ل ما أثبت ته الدرا سات من تطور طبي عة الجمهور ‪ -‬بالن ظم العلم ية‬
‫الحرة ‪ -‬من مفهوم المتلقى السلبى إلى المتلقى العنيد أو النشيط‪ ،‬المر الذى يجعل من مفهوم‬
‫التأث ير الحت مى لو سائل العلم بالن ظم العلم ية الحرة مفهوما غ ير عل مى وغ ير واق عى‪.‬‬
‫حيهث أثبتهت البحاث فهى تلك النظهم الحرة ” أن الجماهيهر ينشئون معانيههم الخاصهة مهن‬
‫تفسيراتهم للنصوص العلمية‪ ،‬وهم غالبا ما يقاومون التفسيرات المفضلة التى توحى بها‬
‫تلك النصوص “(‪ .)432‬وهذا يؤكد أن الخطأ الذى يقع فيه منظرو مدرسة التبعية والنظريات‬
‫النقدية ينبع من ”أنهم يؤسسون نتائجهم على تحليل النصوص بدون الشارة عمليا إلى قُراء‬
‫تلك النصوص‪ ...‬حيث ل يبدو أن يخطر لهؤلء المنظرين أن المتلقى ربما قد ل يكون أقل‬
‫قدرة من الخبراء على‪ :‬إصدار الحكام ‪ -‬الفطنة ‪ -‬الشك ‪ -‬حاسة إدراك التساق ‪ -‬تقدير‬
‫ما هو مجرد قصة صحفية أو موضوع تلفزيونى ‪ -‬أو حتى يكون لديه شبه شك ماركسى‬
‫فهى المنظمات والمؤسهسات الرأسهمالية‪ ..‬إن مثهل هذه القدرات لو تهم تصهور امتدادهها إلى‬
‫المتلق ين ‪ -‬ما عدا المعتوه ين وغ ير النقدي ين من هم ‪ -‬فإن و سائل العلم بب ساطة لن تح قق‬
‫مهمتها فى الهيمنة “(‪.)433‬‬

‫وهذا ما أكد ته درا سة « بي كر‪ ،‬كي مبرلى » حول « المراهقون والمعا نى الم ستقاة من‬
‫التليفزيون » ح يث ” أثب تت الدرا سة عدم اكت ساب المراهق ين ‪ -‬و هم من الفئات العمر ية‬
‫القابلة للتأثر بدرجة أكثر من الفئات العمرية الكبر ‪ -‬لية معلومات جديدة تُشكّل أو تُغيّر‬
‫معتقدات هم الكائ نة‪ .‬فالمشاركون فى الدرا سة كانوا موحد ين تقريبا فى ا ستخدامهم و سائل‬
‫العلم لتعزيهز قيمههم ومعتقداتههم التهى جلبوهها معههم قبهل المشاهدة‪ ..‬حيهث فرق هؤلء‬

‫‪432‬‬
‫‪)(Recent developments: Overview )Post modernity(, In Mass media effects: recent‬‬
‫‪developments. pp. 1- 2. )Available from Internet(.‬‬
‫‪433‬‬
‫‪)(Criticisms of the Marxist approach, In Mass Media effects: Marxism - Criticism.‬‬
‫‪p. 2. )Available from Internet(.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪361‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفراد الصغار سنا بوضوح بين المواد العلمية التى يرونها فى التليفزيون وبين الحياة‬
‫الواقع ية‪ ،‬وذلك من خلل ا ستخدامهم للتليفزيون لمقار نة أنف سهم و خبراتهم بحياة وو ضع‬
‫الشخصهيات التمثيليهة التهى أدركوهها كمجرد خيال‪ ..‬وبهذا كان المراهقون المبحوثون‬
‫مشاهديهن نشطيهن يميلون لمعالجهة مضمون العرض الذى يشاهدونهه‪ ،‬حيهث أخذوا عصها‬
‫البلياردو مهن الشخصهيات المُشاهَدة‪ ،‬وكونوا أحكامههم عهن السهلوك الجيهد والردئ تبعا‬
‫لمعتقداتهم الخاصة‪ ،‬والنتيجة هى تعزيز معتقداتهم الكائنة “(‪.)434‬‬
‫وهذا يوضهح أن جمهور وسهائل العلم بالنظهم العلميهة فهى الدول المتقدمهة قهد‬
‫كوّن مهارة ل بأس بهها فهى ” تنظيهم وانتقاء واسهتخلص المعلومات مهن خلل‬
‫إسهتراتيجيات ناجحهة مهن الهتمام الجزئى “( ‪ ، )435‬ممها يجعهل مهمهة تزييهف الوعهى‬
‫أو الختراق الثقافهى مهمهة تزداد صهعوبة يوما بعهد آخهر بسهبب تنامهى الخهبرات‬
‫العلمية للمتلقين فى الدول المتقدمة‪.‬‬

‫(‪ )3‬إن البعاد العلم ية للعول مة ‪ -‬وال تى يتلزم في ها التك تل والتو حد والندماج مع التش ظى‬
‫والتجزؤ والنقسام ‪ -‬توضح على عكس توجهات النظريات النقدية ومدرسة التبعية‪ ،‬عددا‬
‫من التطورات اليجابية التى طرأت على الساحة العلمية‪ ،‬وقللت بالتالى من قدرة النظم‬
‫العلم ية العالم ية على ممار سة الختراق الثقا فى النات جة عن سريان الت صال فى اتجاه‬
‫وا حد من الشمال إلى الجنوب‪ .‬ح يث بدأت تتر سخ أقدام عدد من دول الجنوب فى مجال‬
‫إنتاج أو تصدير المواد العلمية على مستوى العالم ” بما فيها الفلم ( الهند ‪ -‬مصر )‬
‫أو البرا مج التليفزيون ية ( البراز يل ‪ -‬م صر ) وهذه التعدد ية الثقاف ية تع نى تنوع منت جى‬
‫المواد العلمية وتعدد اتجاهات التدفق الثقافى “(‪.)436‬‬

‫ول قد أثب تت العد يد من التجارب فى الكث ير من البلدان ” أن الجمهور يق بل أك ثر على‬


‫النتاج التلفزيونى الوطنى‪ ،‬وأنه إذا تم تطوير البرامج الوطنية فإنه لن يحتاج إلى البديل‬
‫الج نبى ‪ -‬خا صة ‪ -‬إن كان هذا البد يل بل غة أجنب ية “(‪ .)437‬ذلك أ نه من ” المعروف أن‬
‫سوق الفكار ليست من السواق التى تتدفق فيها الصادرات بسهولة‪ .‬فإذا تساوت المور‬

‫‪434‬‬
‫‪)(Baker, Kimberly Middleton., Adolescents and the meanings they make from‬‬
‫‪television.‬‬
‫‪) Available from Internet (.‬‬
‫() و‪ .‬رسل نيومان‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.147‬‬ ‫‪435‬‬

‫() حسن حامد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.78‬‬ ‫‪436‬‬

‫() مجد الهاشمى‪ ،‬العلم الكونى وتكنولوجيا المستقبل‪ .‬ص ‪.245‬‬ ‫‪437‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪362‬‬ ‫‪-‬‬

‫يختار الم ستهلكون ال سلع الفكر ية المحل ية لن ها تتم تع بمزا يا كثيرة تجعل ها مفضلة على‬
‫السلع الفكرية المستوردة “(‪.)438‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬فإن العدد الضخهم مهن القنوات الفضائيهة التهى انطلقهت مهن كافهة‬
‫الدول قهد أدى إلى تعزيهز مفهوم التعدديهة الثقافيهة الذى يختصهر بل شهك مهن مفهوم‬
‫الختراق الثقافهى‪ ،‬مهن خلل إتاحهة فرصهة عريضهة لعرض العديهد مهن الرسهائل‬
‫العلمية المعبّرة عن ثقافات متنوعة‪ .‬ولعل تجربة « قناة الجزيرة القطرية الفضائية »‬
‫خلل الحرب ضد الرهاب فى أفغانستان عام ‪ ،2001‬وتجربتها هى والقنوات العربية‬
‫الخرى خلل الحرب على العراق عام ‪ ،2003‬توضهح المدى الذى وصهل إليهه ذلك‬
‫التعدد العلمى الثقافى فى التعامل مع الحداث العالمية‪.‬‬

‫ل)‬
‫إن فاعليات شبكات المعلومات ( النترنهت حاليا والطريهق السهريع للمعلومات مسهتقب ً‬ ‫(‪)4‬‬
‫تقلل إلى حد كبير من صحة التفسيرات التى تطرحها النظريات النقدية ومدرسة التبعية حول‬
‫تزي يف الو عى أو الختراق الثقا فى‪ .‬ح يث تت يح تكنولوج يا الشبكات الفر صة لكا فة الثقافات‬
‫والجماعات للعلن عهن نفسهها دون تكبـهُد النفقات الباهظهة الناشئة عهن تكاليهف إنشاء‬
‫القنوات التلفزيونيهة الفضائيهة أو المؤسهسات الصهحفية‪ .‬المهر الذى سهيضمن تدريجيا عدم‬
‫سهيطرة ثقافهة واحدة مهيمنهة على سهاحة الفكار فهى العالم‪ ،‬ويوفهر الفرصهة لعرض التنوع‬
‫الثقافهى العالمهى عهبر مدى البهث الواسهع واللنهائى لشبكهة النترنهت‪ .‬وهذا يوضهح تقادم‬
‫ال مبررات ال تى كا نت ت ستند إلي ها النظريات النقد ية ومدر سة التبع ية فى تأكيد ها للختراق‬
‫الثقا فى‪ ،‬انطلقا من سريان الت صالت العالم ية فى اتجاه وا حد من الشمال إلى الجنوب‪،‬‬
‫وعدم تناسهب تلك المهبررات مهع مسهتحدثات العصهر الحالى‪ .‬وذلك لن شبكات المعلومات‬
‫أتاحت الفرصة للتصالت العالمية كى تسرى من وإلى كافة التجاهات‪ ،‬وذلك عبر نطاق‬
‫البث العريض للنترنت المتوفر لكل الثقافات لكى تمارس من خلله الرسال والستقبال فى‬
‫نفس الوقت‪.‬‬

‫إن النظريات النقديهة ومدرسهة التبعيهة‪ ،‬دأبهت على تصهوير المضمون الثقافهى للرسهائل‬ ‫( ‪)5‬‬
‫العلم ية الجنب ية باعتباره يم ثل خطرا فى حد ذا ته‪ ،‬لمجرد كو نه مضمونا أج نبيا صادرا‬
‫عهن ثقافهة أخرى‪ ،‬وذلك دون السهتناد إلى أيهة نتائج علميهة تجريبيهة مؤكدة توضهح ماهيهة‬
‫الخطار التى يتعرض لها المتلقى عند تعرضه لرسائل إعلمية صادرة عن ثقافات أخرى‪.‬‬
‫ول عل ذلك إن دل على شئ‪ ،‬فإن ما يدل على التعا مل مع الثقافات باعتبار ها كيان جا مد غ ير‬

‫() إياد شاكر البكرى‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.260‬‬ ‫‪438‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪363‬‬ ‫‪-‬‬

‫قا بل للتطور والمتزاج بالثقافات الخرى‪ .‬وأن كل ثقا فة ينب غى أن ت ظل معزولة عن با قى‬
‫الثقافات خوفا من خ طر فقدان الهوية والمرجعية‪ .‬المر الذى يؤدى إلى أن تنغلق كل ثقا فة‬
‫على مها بهها مهن سهلبيات دون أدنهى محاولة للتعرف على تلك السهلبيات فهى مرآة الثقافات‬
‫الخرى‪.‬‬
‫ول عل الوا قع العال مى هو أ هم درا سة تجريب ية يم كن ال ستناد إلي ها للرد على الدعاوى‬
‫الخا صة بأخطار الختراق الثقا فى‪ .‬فالدول المتقد مة على م ستوى العالم هى الدول ال تى‬
‫انتهجهت سهبيل النفتاح الثقافهى على كافهة الثقافات‪ ،‬مثهل ( الوليات المتحدة المريكيهة‬
‫واليابان والتحاد الورو بى‪ .) ..‬أ ما الدول ال تى انته جت ممار سات النغلق الثقا فى ف قد‬
‫انهارت وتفك كت م ثل ( التحاد ال سوفيتى ودول أور با الشرق ية )‪ .‬ول عل الوا قع يمنح نا‬
‫القدرة على التنبؤ بأن الصين لن تفلت من هذا المصير لو استمرت السيطرة الستبدادية‬
‫للحزب الشيوعى عليها‪ .‬إذ إن النظام الثقافى المغلق هو الذى يكون ضعيفا أمام الرسائل‬
‫العلمية الجنبية‪ .‬والدليل الكبر على ذلك يتمثل فى حقيقة أن البث الذاعى كان يمتد‬
‫من أوربا الشرقية إلى أوربا الغربية وبالعكس‪ ،‬ولكن الرسائل العلمية الغربية هى التى‬
‫كسبت الجولة لصدورها من ثقافات منفتحة إلى ثقافات منغلقة ضعيفة‪.‬‬
‫ورغم ما يؤكده الواقع العالمى من أن النفتاح الثقافى الناتج عن السياسات الديمقراطية‬
‫ههو السهبيل للتقدم‪ ،‬إل أن الكثيهر مهن الدبيات العلميهة التهى اقتبسهت أطروحاتهها مهن‬
‫كتابات النظريات النقديهة ومدرسهة التبعيهة‪ ،‬مازالت تصهر على التحذيهر مهن الخطار‬
‫المؤكدة للختراق الثقافهى على القيهم والمعتقدات‪ ..‬إلخ‪ ،‬وذلك رغهم عدم الثبات العلمهى‬
‫التجريبى المؤكد لصحة كافة هذه الخطار المزعومة‪ ،‬فلقد أثبتت معظم الدراسات ” أن‬
‫و سائل العلم تقوم بتدع يم المعتقدات الموجودة بالف عل لدى المتلق ين‪ ،‬وذلك نتي جة لتجاه‬
‫الب شر ال طبيعى لحما ية أنف سهم من خلل التعرض النتقائى والدراك النتقائى والتذ كر‬
‫النتقائى “(‪ .)439‬ول عل أ هم المعتقدات الرا سخة فى فطرة الن سان‪ ،‬نزو عه إلى الحر ية‪،‬‬
‫وكراهيته للستبداد‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فإن مفاهيهم الغتراب الثقافهى وتلشهى الهويهة القوميهة وخلخلة القيهم‪ ،‬كلهها‬
‫مفاهيهم فضفاضهة ل تصهمد أمام التحليهل العلمهى المتعمهق‪ .‬إذ إن محاولة التحدث عهن‬
‫الجوا نب ال سلبية للختراق الثقا فى ‪ -‬إن وجدت على سبيل الفرض ‪ -‬تث ير ت ساؤل هام‬
‫حول تجاهل الجوانب اليجابية للختراق الثقافى والتى لبد أن توجد فى أى ثقافة وافدة‬
‫بجوار الجوانهب السهلبية‪ .‬وإذا كان المهر متعلقا بالثقافهة الغربيهة أو المريكيهة فإن قيهم‬
‫الحرية والفردية ومفاهيم الديمقراطية واحترام العلم تبدو جوانب إيجابية تطمح أية ثقافة‬

‫() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.398‬‬ ‫‪439‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪364‬‬ ‫‪-‬‬

‫فى تبنيها واللتزام بها‪ ...‬ول يمكن تفسير هذا التجاهل الذى وقعت فيه الدراسات النقدية‬
‫ودراسهات مدرسهة التبعيهة إل لنهها ” كثيرا مها اكتفهت بتقويهم الثار انطلقا مهن تحليهل‬
‫المُنتَج العلمى تحليلً أحادى البعد‪ ،‬على اعتبار أن الثقافات المحلية مجرد وعاء متقبل‬
‫ل حول له ول قوة “ (‪.)440‬‬

‫إن المواقف الدفاعية التى تنتهجها بعض الدول الوربية أو الغربية ضد البث الجنبى‬ ‫(‪)6‬‬
‫الوافد ( وبخاصة المريكى ) ل ينبغى الستناد إليها باعتبارها أدلة على صحة التوجهات‬
‫ال تى تبالغ فى المخا طر المترت بة على الختراق الثقا فى الج نبى‪ ،‬ح يث إن تلك الموا قف‬
‫تن بع من منطلق الم صالح القت صادية ال صرفة لتلك الدول ال تى تحاول الحتفاظ بمو قع‬
‫متقدم لشركاتها العلمية الوطنية سواء فى السوق العلمية المحلية أو العالمية‪.‬‬

‫وإذا أخذنا فرنسا كمثال‪ ،‬فإن الصراع الفرنسى من أجل ترسيخ مبدأ الستثناء الثقافى فى‬
‫اتفاقيهة الجات لم يكهن نابعا مهن أهداف ثقافيهة صهرفة تسهعى إلى حمايهة الخصهوصيات‬
‫الثقافية‪ ،‬بقدر ما هو نابع من مصالح اقتصادية صرفة تحاول فرنسا حمايتها‪ .‬حيث ” تقوم‬
‫فرن سا بتأم ين خد مة إعلم ية مجان ية عن طر يق القمار ال صناعية ع ند أجواء الذاعات‬
‫والتليفزيونات الفريقيهة‪ .‬وههى تقدم يوميا عشهر دقائق مهن أحداث السهاعة العالميهة‬
‫والفريق ية‪ ،‬وأفلما ت سجيلية‪ ،‬ك ما أن ها ت بث ‪ 25000‬ساعة سنويا من البرا مج المجان ية‪،‬‬
‫وههى أخيرا توزع أفلما فرنسهية وتقدم إعانهة ماليهة لهه ‪ %80‬مهن العمال السهينمائية‬
‫لفريق يا الناط قة بالفرن سية “(‪ .)441‬ول تف عل فرن سا كل ذلك إل لضمان روابط ها التاريخ ية‬
‫مهع تلك الدول الفريقيهة التهى كانهت مسهتعمرات فرنسهية سهابقة‪ ،‬ممها يؤدى إلى ضمان‬
‫م صالحها القت صادية المترت بة على تلك الروا بط التاريخ ية‪ ،‬من خلل ا ستئثار الشركات‬
‫الفرنسية بغالبية فرص الستثمار فى هذه الدول‪.‬‬

‫ول عل درا سة قضا يا الختراق الثقا فى دون تجا هل الم صالح القت صادية للدول‪ ،‬يف سر‬
‫الكثير من الممارسات العلمية والثقافية الدولية بغير لغة التآمر والغزو‪ ..‬وما إلى ذلك‬
‫من تعبيرات تفتقر كثيرا إلى الصحة والواقعية‪.‬‬
‫فالوليات المتحدة مثلً لم تسهع إلى إدخال حقوق الملكيهة الفكريهة للمواد العلميهة‬
‫الثقافية ضمن اتفاقية الجات ‪ -‬بحيث تحظى تلك الحقوق بالحماية مثلها مثل باقى السلع‬
‫والخدمات ‪ -‬إل لنها اكتشفت ” أنها مقبلة على خسارة كبيرة فى صناعاتها الثقافية التى‬

‫() جوزيان جوال وسيلفى كودارى‪ ،‬تقنيات التصال الحديثة (توجهات وبحوث)‪ .‬ترجمة صالح العسلى‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫‪440‬‬

‫() سيرج لتوش‪ ،‬تغريب العالم‪ .‬ترجمة خليل كلفت‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫‪441‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪365‬‬ ‫‪-‬‬

‫تمثل ‪ %6‬من الناتج القومى المريكى‪ ،‬فسعت إلى إدخال جانب الخدمات الثقافية وتأكيده‬
‫عبر تحديد معايير هذه الخدمات وإجراءات حماية تلك الحقوق الفكرية “(‪.)442‬‬
‫وهذا يوضح بأن القضية ليست بأى حال من الحوال مؤامرة لغزو العالم ثقافيا‪ ،‬بقدر ما‬
‫هى رغبة حثيثة فى حماية المصالح القتصادية‪ .‬وإل لو كان المر رغبة فى الستعمار‬
‫الثقافى‪ ،‬فإن سياسة رفع كافة القيود عن حقوق الملكية الفكرية‪ ،‬كانت هى التى ستضمن‬
‫للمواد العلمية والثقافية المريكية غزو العالم ككل‪ ،‬اعتمادا على التفوق المريكى الهائل‬
‫فى هذا المجال‪.‬‬

‫علوة على ذلك‪ ..‬فإن التفوق المريكى فى مجال المواد العلمية والثقافية لم يترسخ‬
‫نتي جة مؤامرة لمر كة العالم أو ترو يج النزعات ال ستهلكية‪ ،‬وإنما لن الوليات المتحدة‬
‫أدركت ” أن الثقافة المتدنية المستوى لها سوقا أوسع كثيرا من سوق الثقافة الراقية على‬
‫م ستوى العالم‪ .‬ففي ما تن فق وزارات الثقا فة العل يا فى أور با الموال الباه ظة لد عم أف ضل‬
‫الفنانين والموسيقيين والشعراء والروائيين والمخرجين السينمائيين‪ ،‬تركت الولت المتحدة‬
‫المر إلى « هوليود » وإلى وكالت العلن فى نيويورك‪ ،‬لتقرر ما هى المنتجات الثقافية‬
‫الك ثر قابل ية للت سويق فى العالم‪ ..‬يُضاف إلى ذلك أن الوليات المتحدة ت ستطيع أن ت سوّق‬
‫ل أو اليابان أو بريطانيا أو فرنسا‬
‫منتجاتها العلمية والثقافية بسهولة أكثر من ألمانيا مث ً‬
‫أو ال صين أو إيطال يا أو إيران‪ ،‬وذلك لن ها بلد مهاجر ين ول يس ل ها هو ية إثن يه أو عرق ية‬
‫معينة‪ ،‬وليس لها هوية تاريخية أو حضارية عميقة الجذور‪ .‬وبالتالى فإن الثقافة المريكية‬
‫ل على المستوى العالمى الشامل مقارنة بالثقافات الخرى “(‪.)443‬‬
‫تصبح أكثر قبو ً‬

‫إن التوجهات الماركسية التى انطلقت منها النظريات النقدية ومدرسة التبعية‪ ،‬طبعت‬ ‫( ‪)7‬‬
‫أطروحاتها حول تزييف الوعى والختراق الثقافى بالطابع اليدلوجى‪ ،‬مما جعلها تركّز‬
‫هجومهها على النظهم العلميهة فهى الغرب الرأسهمالى المتقدم بهدف ل ينشهد إل حشهد‬
‫الدلة التهى تفضهح عدم صهدق توجهات تلك النظهم حول الحريهة العلميهة‪ ،‬وتعريهة‬
‫ممار سات تزي يف الو عى والختراق الثقا فى الم ستترة ت حت رداء تلك الحر ية‪ .‬ال مر‬
‫الذى جعهل تلك الجهود النقديهة تبدو كمها لو كانهت مجرد محاولت عبثيهة لثبات عدم‬
‫أفضل ية الن ظم العلم ية الغرب ية على الن ظم العلم ية الموج هة‪ ،‬مع تجا هل أ ية مزا يا‬
‫ن سبية تتم تع ب ها تلك الن ظم العلم ية الحرة فى مقا بل القيود العلم ية الشديدة ال تى‬
‫تُكبّل النظم العلمية الموجهة‪.‬‬

‫() مصطفى عبد الغنى‪ ،‬الجات والتبعية الثقافية‪ .‬ص ‪.20‬‬ ‫‪442‬‬

‫() بول سهالم‪ " ،‬الوليات المتحدة والعولمهة‪ :‬معالم الهيمنهة فهى مطلع القرن الحادى والعشريهن "‪ ،‬فهى أسهامة أميهن الخولى‬ ‫‪443‬‬

‫( محرر )‪ ،‬العرب والعولمهة ( بحوث ومناقشات الندوة الفكريهة التهى نظمهها مركهز دراسهات الوحدة العربيهة )‪ .‬ص ‪221‬‬
‫(بتصرف)‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪366‬‬ ‫‪-‬‬

‫وفهى الواقهع‪ ..‬فإن غلبهة الطابهع اليدلوجهى على الجهود العلميهة النقديهة فهى مجال‬
‫الدرا سات العلم ية الخا صة بتشك يل الو عى الجتما عى قد أ ضر كثيرا بالقي مة العلم ية لتلك‬
‫الدراسهات‪ ،‬وأدى إلى تعطيهل المحاولت الطامحهة إلى مناقشهة ممارسهات النظهم العلميهة‬
‫الغرب ية بموضوع ية تك شف سلبياتها الحقيق ية ولي ست المزعو مة‪ ،‬وت ضع تلك ال سلبيات فى‬
‫حجمها الحقيقى بدون مبالغة‪ .‬ولعل الممارسات العلمية تكفى وحدها للنهوض كدليل على‬
‫الشوط الكهبير الذى قطعتهه النظهم العلميهة الغربيهة فهى طريهق الحريهة العلميهة مقارنهة‬
‫بالحواجز والموانع التى مازالت النظم العلمية الموجهة تحاول تجاوزها‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬تشكيـل الوعـى الجتماعـى فـى النظـم العلميـة المسـئولة‬


‫معرفياً‪:‬‬
‫أدت البعاد العلميهة للعولمهة ‪ -‬التهى يتلزم فيهها التوحهد والتكتهل والندماج مهع‬
‫التش ظى والتجزؤ والنقسام ‪ -‬إلى تغي ير وجه الممار سات التقليد ية لتشكيل الو عى الجتما عى‬
‫سهواء أكانهت باسهتخدام أسهاليب الختراق الثقافهى على المسهتوى العالمهى أم كانهت بممارسهة‬
‫تزييهف الوعهى على المسهتويات المحليهة‪ .‬حيهث أدى التطور التكنولوجهى الفائق إلى صهعوبة‬
‫انفراد قوة ما أو ثقافة ما أو دولة ما بممارسة أساليب الختراق الثقافى دون عدم امتلك القوى‬
‫أو الثقافات أو الدول الخرى لذات المكانيهة‪ .‬كمها أدى التطور التكنولوجهى الفائق ‪ -‬فهى ذات‬
‫الوقت ‪ -‬باختراقه للحدود الجغرافية وللقيود المعرفية المجتمعية بالنظم العلمية الموجهة إلى‬
‫صعوبة مهمة تلك النظم ‪ -‬بشكل أو بآخر ‪ -‬فى تزييف وعى مواطنيها‪ .‬ولكن على الرغم من‬
‫ذلك‪ ..‬فإن المستقبل فى ظل نمو مظاهر العولمة ‪ -‬التى يتلزم فيها التوحد والتكتل والندماج‬
‫مع التش ظى والتجزؤ والنق سام ‪ -‬يو ضح أ نه يم كن ا ستخدام تلك المظا هر الناشئة عن التقدم‬
‫التكنولوجهى الفائق لعكهس دورة التاريهخ؛ مهن خلل تكريسهها لممارسهات الختراق الثقافهى‬
‫المتبادلة على مسهتوى العالم إلى الحهد الذى يبدو فهى صهورة حروب ثقافيهة متبادلة تعبّر عهن‬
‫الصهدام بيهن الحضارات‪ .‬علوة على اسهتغلل تلك المظاههر بتكنولوجياتهها الفائقهة لتكريهس‬
‫ممار سات تزي يف الو عى على الم ستويات المحل ية‪ ،‬انطلقا من تعم يق هوا جس الحفاظ على‬
‫الهوية القومية فى مواجهة التحولت العولمية المتصاعدة‪.‬‬
‫ولعهل الحافهز الكهبر لسهاءة اسهتخدام المكانات التهى توفرهها التكنولوجيها الحديثهة‬
‫وتكري سها لممار سات الختراق الثقا فى المتبادل‪ ،‬وممار سات تزي يف الو عى‪ ،‬يتم ثل فى غياب‬
‫المرجعية الفلسفية الملئمة لمنطلقات العولمة بأبعادها السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية‪.‬‬
‫إذ إن اسهتمرار التمسهك بالمرجعيات الفلسهفية الراهنهة التهى ل تتلءم مهع مبدأ الحريهة المطلقهة‬
‫للتعبير يفتح الباب واسعا أمام استغلل المكانات التكنولوجية الحديثة لممارسة الختراق الثقافى‬
‫‪-‬‬ ‫‪367‬‬ ‫‪-‬‬

‫وتزي يف الو عى‪ ،‬وذلك انطلقا من أن التطور التاري خى يؤ كد أن الن ظم العلم ية لي ست قابلة‬
‫للستغلل وإ ساءة الستخدام بطبيعت ها‪ ،‬وإن ما الذى يح كم توجهات ها هى المرجع ية الفل سفية ال تى‬
‫ل لتلك النظم باللتزام بمسئوليات تتناقض مع مسئوليتها الوحيدة والتى تتمثل فى النقل‬
‫تسمح أص ً‬
‫الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪.‬‬
‫هم‬
‫هى تقود توجهات النظه‬
‫هى الته‬
‫هة هه‬
‫هفية الراهنه‬
‫وبالتالى فإذا ظلت المرجعيات الفلسه‬
‫العلمية‪ ،‬فإن النتائج التالية هى التى يمكن أن تسود كالتالى‪:‬‬

‫ستؤدى إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج ‪ -‬فى ظل المرجعيات الفل سفية‬ ‫•‬
‫العلميهة القائمهة ‪ -‬إلى تكريهس إمكانات النظهم العلميهة لممارسهات الختراق الثقافهى‬
‫المتبادل بين النظم العلمية المتباينة ثقافيا على مستوى العالم‪.‬‬

‫سهتؤدى تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ النقسهام ‪ -‬فهى ظهل المرجعيات الفلسهفية‬ ‫•‬
‫العلم ية القائ مة ‪ -‬إلى ا ستغلل إمكانات الن ظم العلم ية لممار سة تزي يف الو عى على‬
‫المستويات المحلية‪.‬‬

‫وهذا يوضهح أن اسهتمرار تبنهى النظهم العلميهة لمفهوم غيهر مناسهب لمسهئوليتها‬
‫العلمية‪ ،‬انطلقا من المرجعيات الفلسفية القائمة التى تروج للمسئولية الجتماعية أو التنموية‬
‫أو اليدلوجية‪ ،‬سيؤدى بالضرورة إلى اعتراف المجتمع ضمنيا بحق النظم العلمية فى تقييد‬
‫القدرات المعرفية لتلك النظم‪ .‬وبالتالى تبنى الساليب التى تكرس استغلل المكانات التصالية‬
‫الحدي ثة للن ظم العلم ية فى ممار سات الختراق الثقا فى عالميا وتزي يف الو عى محليا‪ .‬وهذا‬
‫يوضهح‪ ..‬أن مفهوم المسهئولية المعرفيهة مهن خلل تبنيهه لمبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير يمثهل‬
‫المفهوم المضاد لممار سات تزي يف الو عى والختراق الثقا فى‪ ،‬وذلك لن ق صر م سئولية الن ظم‬
‫العلمية على مهمة النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪ ،‬وتدعيم هذه المسئولية‬
‫بعدد من القوا عد المُرشِدة والنماذج العمل ية ال تى تض من عدم التل عب فى المحتوى المعر فى‬
‫للرسائل العلمية‪ ،‬بالضافة إلى توفير الساليب القياسية التى تتيح قياس درجة التزام النظم‬
‫العلمية بهذه المسئولية‪ ..‬كل ذلك سيؤدى إلى عدم إمكانية استغلل إمكانيات النظم العلمية‬
‫فى ممار سات تزي يف الو عى أو الختراق الثقا فى‪ ...‬ك ما يو ضح أن المكانيات التكنولوج ية‬
‫الفائقهة المتاحهة حاليا للنظهم العلميهة ‪ -‬والتهى يمكهن اسهتثمارها للنقهل الوافهى للمعرفهة أو‬
‫ا ستغللها لتزي يف الو عى والختراق الثقا فى ‪ -‬لن يم كن تفعيل ها إل فى ظل م سئولية إعلم ية‬
‫( وظيفة إعلمية ) محددة تتجاوز كافة المسئوليات السائدة حاليا فى الساحة العلمية‪ .‬وهذه‬
‫المسهئولية المحددة ( المسهئولية المعرفيهة ) تتواءم مهع التدفهق المعلوماتهى الهادر التهى وفرتهه‬
‫‪-‬‬ ‫‪368‬‬ ‫‪-‬‬

‫القدرات الفائقة لعولمة التصال انطلقا من تبنيها لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪ ...‬وإل لو جاز‬
‫لهذه الم سئولية تقي يد حر ية الت عبير بالعد يد من القيود والحوا جز‪ ،‬فإن ها ستبدو كم سئولية من‬
‫الماضى‪ ،‬تتعامل مع واقع معلوماتى آخذ فى التحول والتش كل بخطوات متسارعة مبتعدا عن‬
‫هذا الماضى‪.‬‬

‫إن الواقهع العلمهى المعاصهر الذى يتشكهل وفقا للبعاد العلميهة للعولمهة ‪ -‬التهى‬
‫تتزاوج فيها مظاهر التوحد والتكتل والندماج مع مظاهر التشظى والتجزؤ والنقسام ‪ -‬يمثل‬
‫الرض ية المنا سبة لقرار مفهوم الم سئولية المعرف ية ( الوظي فة المعرف ية ) للن ظم العلم ية‪،‬‬
‫انطلقا من توافق تلك المسئولية ‪ -‬بخصائصها وأبعادها العملية وأساليبها القياسية وتبنيها لمبدأ‬
‫الحر ية المطل قة للت عبير ‪ -‬مع التد فق العل مى والمعلوما تى الهادر‪ ،‬عبر ال بث التليفزيو نى‬
‫الفضائى‪ ،‬وعهبر شبكات المعلومات العالميهة ( النترنهت حاليا والطريهق السهريع للمعلومات‬
‫مسهتقبلً )‪ .‬إذ إن المسهئولية المعرفيهة ههى المسهئولية القابلة لحتواء الممارسهات العلميهة‬
‫المعاصرة‪ ،‬وهى المسئولية التى تضمن انفتاح القنوات العلمية ونشر كافة الرسائل العلمية‬
‫‪ -‬ح تى الضارة من ها ‪ -‬مع توف ير الفر صة للمؤ سسات العلم ية لممار سة التد خل العل مى‬
‫للتخف يف من تلك الثار الضارة المحتملة‪ ،‬و هى ال تى تو فر أ ساليب قيا سية ح سابية يم كن من‬
‫خللهها قياس مدى التزام المؤسهسات العلميهة بالنقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات‬
‫العلم ية‪ .‬ول عل هذا يم ثل الضمان ال كبر لق صاء الن ظم العلم ية أو المؤ سسات العلم ية‬
‫عهن ممارسهات تزييهف الوعهى على المسهتوى المحلى‪ ،‬أو الختراق الثقافهى على المسهتوى‬
‫العالمهى‪ .‬المهر الذى يؤدى إلى إغلق الطريهق أمام النظهم العلم ية لتهديهد الهويات القوم ية‬
‫والثقافيهة‪ ،‬أو تهديهد السهرار العامهة أو الخاصهة‪ ،‬أو إثارة الدعاوى العرقيهة والطائفيهة‪،‬‬
‫أو مناهضهة قيهم المجتمهع وأخلقياتهه‪ ،‬وذلك انطلقا مهن أن توفيهر السهاليب التهى تسهمح‬
‫للمؤسسات العلمية بممارسة التدخل العلمى للتخفيف من الثار الضارة المحتملة للرسائل‬
‫العلم ية؛ سيؤدى إلى أن يتوازن مبدأ الحر ية المطل قة للت عبير مع الم صالح الخا صة للفراد‬
‫والمصالح العامة للمجتمع‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪369‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمـة الفصل الحادى عشر‪:‬‬


‫تهبين خلل التحليهل النقدى للطروحات التهى قدمتهها نظريات التأثيهر العلمهى‬
‫والنظريات النقدية ومدرسة التبعية ‪ -‬حول دور وسائل العلم فى تشكيل الو عى الجتما عى‬
‫ومدى مسايرة هذه الطروحات للبعاد العلمية للعولمة ‪ -‬وجود عدد من أوجه القصور فى‬
‫تلك الطروحات تمثلت فى التى‪:‬‬
‫الخطهأ فهى التعميهم الذى وقعهت فيهه نظريات التأثيهر المعتدل لوسهائل العلم عندمها‬ ‫•‬
‫عممت نتائج دراساتها المبريقية حول التأثيرات المتواضعة والمشروطة لوسائل العلم‪.‬‬
‫إذ إن تلك النتائج وإن كا نت تت فق مع أوضاع جماه ير المتلق ين فى الن ظم العلم ية الحرة‬
‫بالدول المتقد مة نتي جة ال خبرات ال تى اكت سبوها فى ظل ن ظم إعلم ية تتعدد في ها الراء‬
‫وتتنافهس‪ ،‬إل أن تلك النتائج ل تتفهق ‪ -‬على القهل حتهى الن ‪ -‬مهع أوضاع جماهيهر‬
‫المتلقين بالنظم العلمية الموجهة‪ ،‬والتى تصبح فيها آثار وسائل العلم غير متواضعة‬
‫نتيجهة ممارسهة تلك النظهم لسهاليب دعائيهة تهدف إلى تزييهف وعهى المتلقيهن‪ .‬ورغهم مها‬
‫تطرحه التطورات التكنولوجية من تجاوز للقيود والحدود الجغرافية والقانونية ‪ -‬من خلل‬
‫البهث الفضائى المباشهر وفاعليات شبكهة النترنهت ‪ -‬إل أن وجود عائق اللغهة وعائق‬
‫محدودية اهتمام النظم العلمية الجنبية بالقضايا المحلية فى الدول التى ل تنتمى إلي ها‪،‬‬
‫يؤدى إلى ضعف تأثير هذه المستجدات حتى الن‪ ،‬واستمرار المتلقى فى النظم العلمية‬
‫الموج هة فى وضع ية المتل قى ال سلبى ‪ -‬غ ير النش يط ‪ -‬القا بل لتزي يف وع يه من خلل‬
‫وسائل العلم‪.‬‬

‫وقوع النظريات النقد ية ومدر سة التبع ية فى ن فس الخ طأ التعمي مى‪ ،‬ح ين عم مت الثار‬ ‫•‬
‫القوية لوسائل العلم فى النظم العلمية الموجهة على جماهير المتلقين فى النظم العلمية‬
‫الحرة‪ ،‬على الر غم من أن جماه ير المتلق ين فى الدول المتقد مة تمكنوا من تكو ين خبرات‬
‫إعلمية تجعلهم فى وضعية المتلقى العنيد والنشط الذى يفند الرسائل العلمية المتنافسة‪.‬‬

‫تجاههل النظريات النقديهة ومدرسهة التبعيهة للنتائج التهى رتبتهها اسهتراتيجية العولمهة‬ ‫•‬
‫للتش ظى والتجزؤ والنق سام م ما أدى إلى القضاء على وضع ية سريان الت صال فى اتجاه‬
‫واحهد مهن الشمال إلى الجنوب‪ .‬حيهث بدأت النظهم العلميهة المتعددة تخترق حقهل البهث‬
‫العلمى الفضائى‪ ،‬وبالتالى أدى ذلك إلى سريان التصال من كل التجاهات‪.‬‬

‫تجا هل النظريات النقد ية ومدر سة التبع ية للنتائج ال تى رتبت ها فاعليات شب كة النتر نت‬ ‫•‬
‫وأدت إلى ال حد من القدرة على ممار سة الختراق الثقا فى على الم ستوى العال مى‪ .‬ح يث‬
‫‪-‬‬ ‫‪370‬‬ ‫‪-‬‬

‫تتيهح شبكهة النترنهت مهن خلل نطاق بثهها العريهض والواسهع الفرصهة لكافهة الثقافات‬
‫والجماعات للعلن عن نفسها دون تحمل النفقات الباهظة لوسائل العلم التقليدية‪.‬‬

‫خطهأ النظريات النقديهة ومدرسهة التبعيهة فهى التعامهل مهع المضمون الثقافهى الوافهد‬ ‫•‬
‫باعتباره يم ثل خطرا فى حد ذا ته‪ ،‬على الر غم من عدم وجود أ ية نتائج إمبريق ية مؤكدة‬
‫توضح مدى صحة هذا التوجه‪.‬‬
‫تجاهل النظريات النقدية ومدرسة التبعية للبعاد القتصادية التى تمثل الخلفية الحقيقية‬ ‫•‬
‫لمواقف الدول من البث الجنبى الوافد‪ ،‬إذ إن الصراع على المصالح القتصادية للدول حول‬
‫استثمارات الصناعات العلمية والثقافية هو الصل فى هذا المر‪ ،‬وليس الخطر الثقافى‪.‬‬
‫غل بة الطا بع اليدلو جى على التوجهات ال تى انطل قت من ها النظريات النقد ية ومدر سة‬ ‫•‬
‫التبعية‪ .‬بحيث تجاهلت ‪ -‬فى أغلب الحوال ‪ -‬اليجابيات التى تحظى بها نظم العلم فى‬
‫الدول الغربية‪.‬‬

‫وبالتالى فقد توصلت الدراسة إلى أن استمرار تبنى النظم العلمية للمرجعيات الفلسفية‬
‫غ ير الملئ مة ‪ -‬ال تى تعترف بوجود القيود المعرف ية فى بن ية الن ظم العلم ية ‪ -‬سيؤدى إلى‬
‫تكريس التقدم التكنولوجى الفائق وتكريس مظا هر العولمة لممارسات الختراق الثقافى المتبادل‬
‫على مستوى العالم‪ ،‬إلى الحد الذى يصل إلى حروب ثقافية متبادلة تعبّر عن صدام الحضارات‪،‬‬
‫بالضافة إلى ممارسات تزييف الو عى على المستويات المحلية‪ .‬وذلك انطلقا من أن استمرار‬
‫تبنهى المرجعيات الفلسهفية القائمهة ‪ -‬التهى تروج لمسهئوليات غيهر إعلميهة للنظهم العلميهة ‪-‬‬
‫سيؤدى إلى اعتراف المجتمعات ضمنيا بتقي يد القدرات المعرف ية لتلك الن ظم‪ ،‬وبالتالى ا ستغللها‬
‫من خلل القوى المجتمع ية أو العالم ية المتناف سة فى ممار سات تزي يف الو عى على الم ستويات‬
‫المحلية‪ ،‬وممارسات الختراق الثقافى على المستويات العالمية‪ ..‬وبالتالى فإن العتراف بالوظيفة‬
‫المعرف ية للن ظم العلم ية ( الم سئولية المعرف ية ) ال تى تتب نى مبدأ الحر ية المطل قة للت عبير‪ ،‬هو‬
‫الضمان لحماية النظم العلمية من تلك الممارسات‪.‬‬

‫وبهذا فقد قدمت نتائج هذا الفصل الجابة على التساؤل الرابع من تساؤلت الدراسة‬
‫والذى ينص على التى‪:‬‬
‫« ما هو الدور الذى تمارسه عولمة التصال فى مجال قيام النظم العلمية بتشكيل‬
‫الوعى الجتماعى لجماهير المتلقين ؟ »‪.‬‬
‫وقد تمثلت الجابة على هذا التساؤل فى النتيجة التية‪:‬‬
‫تؤدى طبيعصة النظصم العلميصة الراهنصة ‪ -‬التصى تسصمح مرجعياتهصا الفلسصفية بتواجصد‬
‫القيود المعرفيصة فصى بنيتهصا ‪ -‬إلى إسصاءة اسصتثمار الفرص التصى تطرحهصا عولمصة التصصال‬
‫‪-‬‬ ‫‪371‬‬ ‫‪-‬‬

‫وتكريسصها لممارسصات تزييصف الوعصى محليا والصصدام الثقافصى عالميا‪ ،‬بدلً مصن تكريسصها‬
‫للرتفاع بالقدرات المعرفية للنظم العلمية‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪372‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمـة البـاب الثـالث‪:‬‬


‫حاولت الدراسهة مهن خلل الباب الثالث الجابهة على التسهاؤلين الثالث والرابهع مهن‬
‫تساؤلت الدراسة‪.‬‬
‫وكان التساؤل الثالث ينص على التى‪:‬‬
‫« ما هو الطا بع الملئم لتو صيف ثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بن ية الن ظم العلم ية ب ما‬
‫يضمن الرتفاع بقدراتها المعرفية ؟ »‪.‬‬
‫وكان التساؤل الرابع ينص على التى‪:‬‬
‫« ما هو الدور الذى تمارسه عولمة التصال فى مجال قيام النظم العلمية بتشكيل الوعى‬
‫الجتماعى لجماهير المتلقين ؟ »‪.‬‬
‫و قد تو صلت الدرا سة فى محاولت ها للجا بة على الت ساؤل الثالث‪ ،‬إلى أن الطا بع‬
‫«الكا شف» هو الطا بع الملئم لتو صيف جا نب ال سلطة فى بن ية الن ظم العلم ية‪ ،‬بين ما‬
‫الطابع «المعرفى» هو الطابع الملئم لتوصيف جانب المسئولية فى بنية تلك النظم‪ ،‬وذلك‬
‫انطلقا من أن سلطة النظم العلمية ما هى إل « سلطة كاشفة »‪ ،‬ومسئوليتها ما هى إل‬
‫« مسهئولية معرفيهة »‪ .‬وبالتالى تتمثهل المرجعيهة الفلسهفية الملئمهة لهذه الثنائيهة فهى‬
‫المرجعية الفلسفية التى تتبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪ .‬المر الذى يضمن فى مجمله‬
‫العام إلغاء القيود المعرفيهة المجتمعيهة وتقليهص القيود المعرفيهة الذاتيهة‪ ،‬بمها يؤدى إلى‬
‫التصاعد المتسارع للقدرات المعرفية للنظم العلمية استجابة للثار التى تطرحها عولمة‬
‫التصال‪.‬‬

‫وتفصيل ذلك‪ ..‬أن تحليل ثنائية السلطة والمسئولية فى بنية النظم العلمية أوضح أن‬
‫سلطة النظم العلمية تتمثل فى مجموعة الحقوق العلمية للنسان‪ ،‬تلك الحقوق التى تعطى‬
‫لتلك النظم سلطة جمع المعلومات ونشرها‪ .‬بينما مسئولية النظم العلمية تتمثل فى مجموعة‬
‫الوظائف ال تى تؤدي ها تلك الن ظم بالمجت مع‪ ،‬وال تى تدور جميع ها حول محور وا حد هو الن قل‬
‫الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية التى يوفرها المجتمع عن مجمل أحداثه ووقائعه‪.‬‬
‫و من هذا المنطلق ت صبح سلطة الن ظم العلم ية سلطة كاش فة ت سلط أضواء ها الكاش فة على‬
‫مج مل أحداث المجت مع ووقائ عه‪ ،‬بين ما م سئولية الن ظم العلم ية ت صبح م سئولية معرف ية لن قل‬
‫المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪.‬‬

‫ول كن نظرا لن الجا بة على الت ساؤل الثا نى من ت ساؤلت الدرا سة تو صلت إلى أن‬
‫المرجعيات الفلسهفية التهى تتبناهها النظهم العلميهة الراهنهه تسهاهم فهى اسهتمرار بقاء القيود‬
‫‪-‬‬ ‫‪373‬‬ ‫‪-‬‬

‫المعرفية ( المجتمعية والذاتية ) فى بنية تلك النظم‪ ،‬فإن تلك المرجعيات تصبح غير ملئمة‬
‫لتبنهى مفهوم المسهئولية المعرف ية للن ظم العلم ية باعتباره مفهوما يتنا قض مع كافهة القيود‬
‫المعرف ية ( المجتمع ية والذات ية )‪ ،‬وال تى تؤدى إلى تقي يد القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية‪،‬‬
‫ومن ثم النيل من مسئوليتها المعرفية‪ .‬وانطلقا من هذه النتيجة‪ ..‬فإن المرجعية الملئمة التى‬
‫تو فر الفر صة الكاملة للن ظم العلم ية للقيام بأعباء م سئوليتها المعرف ية‪ ،‬هى المرجع ية ال تى‬
‫تتبنهى مبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير‪ ،‬باعتبار أن هذا المبدأ ههو الذى يضمهن عدم العتراف‬
‫بكا فة القيود المعرف ية ( المجتمع ية والذات ية ) فى بن ية الن ظم العلم ية‪ ،‬وبالتالى ي سمح لتلك‬
‫النظهم بممارسهة مسهئوليتها المعرفيهة المتمثلة فهى النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات‬
‫العلم ية ال تى يوفر ها المجت مع عن مج مل أحدا ثه ووقائ عه‪ .‬ال مر الذى يؤدى إلى الرتفاع‬
‫بالقدرات المعرفية للنظم العلمية‪ ،‬ويوفر لها الفرصة كاملة للقيام بأعباء وظيفتها المعرفية‬
‫فهى المجتمهع‪ ،‬بمها يتلءم مهع المنطلقات التهى تطرحهها البعاد العلميهة للعولمهة حاليا أو‬
‫مستقبلً‪.‬‬

‫كما توصلت الدراسة فى محاولتها للجابة على التساؤل الرابع إلى سلبية الدور الذى‬
‫تمار سه عول مة الت صال فى مجال قيام الن ظم العلم ية بتشك يل الو عى الجتما عى لجماه ير‬
‫المتلقيهن‪ ،‬ول يرجهع ذلك إلى طبيعهة عولمهة التصهال ذاتهها‪ ،‬وإنمها يرجهع إلى طبيعهة النظهم‬
‫العلم ية الراه نة‪ ،‬وال تى ت سمح بتوا جد القيود المعرف ية فى بنيت ها‪ ،‬م ما يؤدى إلى ا ستغلل‬
‫مظا هر عول مة الت صال ال تى يتلزم في ها التو حد مع النق سام‪ ،‬من أ جل تكر يس ممار سات‬
‫تزييف الوعى محليا‪ ،‬والصدام الثقافى عالميا‪.‬‬

‫وتفصهيل ذلك‪ ..‬أن الدراسهة عرضهت للدراسهات الغربيهة التهى تتبنهى فرضيهة التأثيهر‬
‫المعتدل لو سائل العلم‪ ،‬ا ستنادا إلى البحوث ال تى ر صدت تطور خبرات جماه ير المتلق ين‪،‬‬
‫وتطور المتلقهى مهن « المتلقهى السهلبى » إلى « المتلقهى النشيهط »‪ .‬كمها عرضهت الدراسهة‬
‫لدرا سات المدر سة النقد ية ومدر سة التبع ية وال تى تتب نى فرض ية التأث ير القوى لو سائل العلم‬
‫وقدرتها على تزييف وعى الجماهير محليا وممارسة الختراق الثقافى عالميا‪.‬‬
‫ولقهد أخضعهت الدراسهة نتائج هذه الدراسهات للتحليهل النقدى‪ ،‬وأوضحهت أن نتائج‬
‫الدراسات الغربية حول التأثير المعتدل لوسائل العلم والمتلقى النشيط ل تنطبق بأى حال‬
‫من الحوال على وضعية وسائل العلم والمتلقين بدول العالم الثالث ذات النظم العلمية‬
‫الموجههة‪ ،‬والتهى تمارس وسهائل العلم فيهها تأثيرا دعائيا قويا يؤدى إلى تزييهف وعهى‬
‫مواطني ها‪ .‬ك ما أو ضح التحل يل النقدى أن نتائج الدرا سات النقد ية ودرا سات مدر سة التبع ية‬
‫حول التأثيهر القوى لوسهائل العلم وقدرتهها على تزييهف الوعهى والختراق الثقافهى ل‬
‫‪-‬‬ ‫‪374‬‬ ‫‪-‬‬

‫تنط بق بدا ية على جماه ير المتلق ين بالدول الغرب ية والذ ين اكت سبوا خبرة فى التعا مل مع‬
‫و سائل العلم‪ ،‬ك ما ل ت صمد نتائج تلك الدرا سات أمام التطورات الراه نة ال تى فرضت ها‬
‫البعاد العلمية للعولمة‪ ،‬وأمام التطورات فى التكنولوجيا التصالية العلمية المعلوماتية‬
‫الفائقهة‪ ،‬ممها أدى إلى عدم قدرة أيهة قوة أو دولة أو جههة واحدة على النفراد بممارسهة‬
‫الختراق الثقافهى‪ .‬إذ إن تعدد مراكهز النتاج العلمهى واسهتمرار تزايهد عدد الفضائيات‬
‫العالم ية المختل فة الجن سيات والنتماءات‪ ،‬بالضا فة إلى الفاعليات المهولة لشب كة النتر نت‬
‫والمتاحهة لكافهة الثقافات‪ ،‬قهد أدت إلى إمكانيهة مواجههة الختراق الثقافهى باختراق ثقافهى‬
‫مضاد‪.‬‬

‫وتأسيسا على ذلك فقد أوضحت الدراسة أن البعاد العلمية للعولمة ‪ -‬والتى يتلزم‬
‫فيهها التوحهد والتكتهل والندماج مهع التشظهى والتجزؤ والنقسهام ‪ -‬قهد يمكهن إسهاءة اسهتثمار‬
‫نتائجها التكنولوجية والمعرفية من خلل تكريسها عالميا لممارسات الختراق الثقافى المتبادلة‬
‫على مسهتوى العالم‪ ،‬إلى الحهد الذى يمكهن أن يتطور إلى حروب وصهدامات ثقافيهة متبادلة‪،‬‬
‫بالضافة إلى إمكانية تكريسها محليا لممارسات تزييف الوعى‪ ،‬انطلقا من الهواجس الوطنية‬
‫المتطرفة للحفاظ على الهوية القومية فى مواجهة التحولت العولمية المتصاعدة‪.‬‬

‫و قد أوض حت الدرا سة أن ال ستثمار ال سيئ لنتائج العول مة ين بع من ا ستمرار تم سك‬


‫النظهم العلميهة بالمرجعيات الفلسهفية الراهنهة التهى تسهمح بتواجهد القيود المعرفيهة‬
‫( المجتمع ية والذات ية ) فى بنيت ها‪ ،‬م ما يؤدى إلى أن ت صبح تلك المرجعيات بمثا بة الحا فز‬
‫لساءة استثمار الثار اليجابية ( المعرفية والتكنولوجية ) للبعاد العلمية للعولمة‪.‬‬

‫وبالتالى فإن تبنى النظم العلمية لمفهوم المسئولية المعرفية ( الوظيفة المعرفية ) ‪-‬‬
‫بمرجعيتها الفلسفية الكافلة للحرية المطلقة للتعبير ‪ -‬هو الذى يضمن عدم إساءة استثمار الثار‬
‫اليجابيهة ( التكنولوجيهة والمعرفيهة ) للبعاد العلميهة للعولمهة‪ ..‬إذ إن الرتفاع بالقدرات‬
‫المعرفية للنظم العلمية من خلل تقليص القيود المعرفية ( المجتمعية والذاتية ) فى بنية تلك‬
‫النظهم سهيؤدى إلى الرتفاع بدرجهة صهعوبة انتهاج ممارسهات تزييهف الوعهى أو الختراق‬
‫الثقافى‪ ،‬وبالتالى تتمكن النظم العلمية من ممارسة فاعلياتها فى إطار التزامها بدورها الوحيد‬
‫المتمثل فى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية التى يوفرها المجتمع عن مجمل‬
‫أحداثه ووقائعه‪.‬‬

‫وبالتالى فإن النتائج التى توصل إليها الباب الثالث يمكن صياغتها فى التى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪375‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ « •1‬يمثصل كصل مصن الطابصع « المعرفصى » لمسصئولية النظصم العلميصة والطابصع « الكاشصف »‬
‫ل سلطتها الطابع ين الملئم ين للرتفاع بالقدرات المعرف ية للن ظم العلم ية فى ظل مرجع ية‬
‫فلسفية تتبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير »‪.‬‬

‫‪ « •2‬تؤدى طبيعصة النظصم العلميصة الراهنصة التصى تسصمح مرجعياتهصا الفلسصفية بتواجصد القيود‬
‫المعرف ية فى بنيت ها إلى إ ساءة ا ستثمار الفرص ال تى تطرح ها عول مة الت صال‪ ،‬وتكري سها‬
‫لممارسصات تزييصف الوعصى محليا والصصدام الثقافصى عالميا‪ ،‬بدلً مصن تكريسصها للرتفاع‬
‫بالقدرات المعرفية للنظم العلمية »‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪376‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمـــــة الــدراســـــة‬

‫محتـويـات‬
‫خاتمـــة الدراســة‬

‫إشـــــــــارات‬

‫النتائج العامة للدراسة‬ ‫أول ً ‪:‬‬


‫النتائج التفصيلية للدراسة‬ ‫ثانياً‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬اختبار الفرض المطروح‬


‫بالدراسة‬
‫رابعاً‪ :‬الجابة على تساؤلت‬
‫الدراسة‬
‫خامس المصطلحات التى‬
‫استحدثتها الدراسة‬ ‫اً‪:‬‬
‫تعقـيب ختـامـى‬ ‫س‬
‫ادساً‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪377‬‬ ‫‪-‬‬

‫إشـــارات‬
‫« فى مجال التفكير ‪ ..‬ليس ثمة عبارات سلطوية »‪.‬‬
‫( هيدجهر )‬
‫)‬ ‫( نقلً عن‪ :‬مراد وهبة‪ ،‬مُلك الحقيقة المطلقة‪ .‬ص ‪73‬‬

‫« يرى الكثيرون العلم م صدرا لليق ين‪ ،‬صندوقا مليئا بالجابات ال تى يم كن ا ستخراجها ع ند‬
‫مواجهصة أسصئلة الحياة‪ .‬ولكصن العلماء يرون غيصر هذا‪ ،‬إذ يرون العلم منهجا للبحار بفعاليصة‬
‫وكفاءة وسصط عالم الليقيصن‪ .‬وليصس العلم مسصألة تراكصم وتجميصع حقائق‪ .‬ذلك أن العالم‬
‫الخارجى نادرا ما يعرض علينا حقائق جلية صادقة تماما‪ ،‬وإنما يقدم لنا ضروبا متنوعة من‬
‫المؤشرات بحاجة إلى تفسير‪ ...‬إن ما يقدمه العلم ليس حقائق بل فهما‪ ،‬ول يقدم إجابات بل‬
‫خططا لحداث محتملة »‪.‬‬
‫[ يان ستيوارت وجاك كوهين‪ " ،‬وهم الحقيقة‪ :‬العقل الباحث عن المعرفة "‪ ،‬عرض شوقى جلل‪ ،‬سلسلة كراسات ( عروض )‪ .‬ص‬
‫]‬ ‫‪23‬‬

‫« أن تطرح أسئلة كبيرة فأنت تخاطر بالحصول على نتائج مغلوطة‪ .‬ولكن عدم طرحها على‬
‫( جورج شتاينر )‬ ‫الطلق هو تقييد لمكانية الفهم وكبح لها »‪.‬‬
‫( نقلً عن‪ :‬آلفين توفلر‪ ،‬حضارة الموجة الثالثة‪ .‬ترجمة عصام الشيخ قاسم‪ ،‬ص ‪) 14‬‬

‫« التجر بة ل تف ضى منطقيا للنظر ية العلم ية‪ ،‬بل هى بالحرى قراءة للمعر فة التجريب ية‬
‫بواسطة فعل فردى خلق‪ .‬ومجتمع البحث العلمى الباحث عن الصدق والحقيقة يمحص تلك‬
‫البصيرة الخلفة جيدا‪ ،‬قبل أن يُصدّق عليها »‪.‬‬
‫( جون بولكين هورن‪ " ،‬ما وراء العلم‪ :‬السياق النسانى الرحب "‪ ،‬عرض يمنى طريف الخولى‪ ،‬سلسلة كراسات ( عروض )‪.‬‬
‫)‬ ‫ص ‪28‬‬

‫« ل كى ت صبح النظر ية مقبولة كنموذج‪ ،‬ل بد أن تبدو أف ضل من النظريات ال تى تناف سها‪،‬‬


‫ولكنها ليست فى حاجة إلى أن تفسر كل الحقائق ال تى يمكن أن تواجهها‪ ،‬ول هى تفعل‬
‫( توماس كوهن‪ ،‬بنية الثورات العلمية )‬ ‫ذلك فى الواقع »‪.‬‬
‫ل عن‪ :‬صامويل هنتنجتون‪ ،‬صدام الحضارات‪ :‬إعادة صنع النظام العالمى‪ .‬ترجمة طلعت الشايب‪ ،‬ص ‪.) 49‬‬
‫( نق ً‬

‫« لعله من الخ طأ تأ سيس نظر ية ما على الكميات القابلة للمشاهدة ف قط‪ ،‬ذلك أن الوا قع هو‬
‫العكس تماما‪ ،‬فالنظرية هى التى تحدد ما يمكن مشاهدته‪ ،‬كما أن المشاهدة فى حد ذاتها تعد‬
‫( ألبرت أينشتاين )‬ ‫عملية معقدة للغاية »‪.‬‬
‫( نق ًل عن‪ :‬صلح محمود عثمان محمد‪ ،‬التصال واللتناهى بين العلم والفلسفة‪ .‬ص ‪) 236 - 235‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪378‬‬ ‫‪-‬‬

‫« إن البحث عن الصدق أثمن من امتلكه »‪.‬‬


‫(إبراهام لسنج )‬
‫( نقلً عن‪ :‬صلح محمود عثمان محمد‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪) 287‬‬

‫« اليقين يُولد من خيال ضعيف »‪.‬‬


‫)‬ ‫( إدوارد دو بونو‪ ،‬التفكير العملى‪ .‬ترجمة إيهاب محمد‪ ،‬ص ‪113‬‬

‫« ل يجب أن ندع أى إنسان يقنعنا بأن العلم قد أوشك على النتهاء‪ ،‬أو أن كل شيئ تقريبا‬
‫كان من الوا جب معرف ته قد عُرف‪ .‬فإذا عد نا للوراء وعدد نا النجازات جنبا إلى ج نب مع‬
‫الشياء الغام ضة ال تى لم يتو صل العلم لحل ها‪ .‬فرب ما يكون من ال سهل أن ن ستنتج أن العلم‬
‫ل يزال يخطو خطواته الولى »‪.‬‬
‫( أندريه سكوت‪ ،‬جوهر الطبيعة‪ .‬ترجمة هاشم أحمد محمد‪ ،‬ص ‪) 113‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪379‬‬ ‫‪-‬‬

‫أولً‪ :‬النتائج العامــة للدراسـة‪:‬‬


‫توصهلت الدراسهة مهن خلل دراسهة البعاد الفكريهة والماديهة والمجتمعيهة والنسهانية‬ ‫(‪)1‬‬
‫لظاهرة العول مة إلى أن مج مل مظا هر العول مة يتم ثل فى دفع ها ن حو التو حد والتك تل‬
‫والندماج فى ذات الو قت الذى تد فع ف يه ن حو التش ظى والتجزؤ والنق سام‪ .‬وبالتالى فإن‬
‫امتلك العولمهة لهذه القدرة على الجمهع بيهن الشيهئ ونقيضهه ههى التهى تمنحهها صهفة‬
‫الظاهرة الشاملة‪ ،‬وتو فر ل ها التوازن فى المج مل العام‪ ،‬وتم نع ا ستئثار فر يق ما بمفرده‬
‫بالمكانات ال تى توفر ها العول مة‪ .‬فك ما ت ستفيد ب عض القوى من مظا هر العول مة للتو حد‬
‫والتكتل والندماج لتحقيق مصالح معينة‪ ،‬فإن بعض القوى الخرى ستستفيد من مظاهر‬
‫العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام لتحقيهق مصهالح أخرى‪ .‬وهذا يوضهح أن العولمهة‬
‫كظاهرة شاملة ل تنتمى إلى قوة أو جهة معينة‪ ،‬وإنما هى تنتمى إلى البشرية كلها‪ .‬كما‬
‫إنهها ل تصهلح لكهى تكون مشروعا فكريا أو عمليا ( متكاملً ) للرأسهمالية العالميهة‬
‫للسهيطرة على مقدرات الشعوب والدول‪ ،‬وذلك لنهها تسهتعصى على التوجيهه‪ ،‬وتخرج‬
‫عن نطاق ال سيطرة‪ .‬وإن ما تم ثل العول مة فى أبعاد ها الن سانية مرحلة متقد مة فى و عى‬
‫الن سان بالعالم من حوله نت جت من خلل محاولت الن سان التراكم ية عبر الع صور‬
‫لتركيهب وتفكيهك ذلك العالم‪ ،‬ممها أدى إلى إدراكهه للمشتركات النسهانية ( الماديهة‬
‫والمعنوية ) التى تتمثل فى « العالم » باعتباره المشترك النسانى المادى و« الحرية »‬
‫باعتبارها المشترك النسانى المعنوى‪.‬‬

‫توصلت الدراسة إلى أن الثر الذى تمارسه عولمة التصال على المتغيرات الوظيفية‬ ‫(‪)2‬‬
‫الحاكمة فى بنية النظم العلمية الراهنة هو أثر غ ير متوازن‪ ،‬ومن ثم ل يساعد تلك‬
‫الن ظم على القيام بأعباء وظيفت ها فى المجت مع على الو جه الك مل‪ .‬ح يث تؤدى عول مة‬
‫الت صال إلى ت صاعد القدرات التكنولوج ية للن ظم العلم ية بمعدلت أك ثر ت سارعا من‬
‫تصاعد درجة شفافيتها‪ ،‬ول يتم ذلك بسبب خلل فى عولمة التصال ذاتها‪ ،‬وإنما نتيجة‬
‫للدور السلبى الذى تمارسه القيود المعرفية الكائنة فى بنية تلك النظم‪.‬‬
‫وقد توصلت الدراسة إلى معادلة رياضية توضح العلقة بين هذه المتغيرات الوظيفية‬
‫الحاكمة فى بنية النظام العلمى‪ ..‬تمثلت فى التى‪:‬‬
‫القدرات المعرفية للنظام العلمى = درجة شفافية النظام العلمى ×‬
‫قدراته التكنولوجية‬

‫توصهلت الدراسهة إلى وجود ارتباط بيهن المرجعيات الفلسهفية العلميهة التهى تتبناهها‬ ‫(‪)3‬‬
‫الن ظم العلم ية وب ين القيود المعرف ية الكائ نة فى بن ية تلك الن ظم‪ .‬ح يث تعترف كا فة‬
‫‪-‬‬ ‫‪380‬‬ ‫‪-‬‬

‫المرجعيات الفلسهفية العلميهة بشرعيهة تواجهد القيود المعرفيهة ببنيهة النظهم العلميهة‬
‫بدرجات متفاوتهة‪ ،‬كمها ل تقدم التوصهيف الجيهد لثنائيهة السهلطة والمسهئولية فهى بنيتهها‪،‬‬
‫المر الذى يؤدى إلى إعاقة تصاعد القدرات المعرفية للنظم العلمية ويؤثر سلبيا على‬
‫قيامها بوظيفتها فى المجتمع‪.‬‬

‫توصلت الدراسة إلى أن الطابع « الكاشف » هو الطابع الملئم لتوصيف جانب السلطة‬ ‫(‪)4‬‬
‫فى بن ية الن ظم العلم ية‪ ،‬بين ما الطا بع « المعر فى » هو الطا بع الملئم لتو صيف جا نب‬
‫المسئولية فى بنية تلك النظم‪ .‬وبالتالى فإن المرجعية الفلسفية التى تتلءم مع هذه الثنائية‬
‫تتمثل فى المرجعية التى تتبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪ .‬المر الذى يضمن فى مجمله‬
‫العام إلغاء القيود المعرف ية وعدم التعا مل مع ها باعتبار ها من الم سلمات فى بن ية الن ظم‬
‫العلم ية ويؤدى إلى الت صاعد المت سارع للقدرات المعرف ية للن ظم العلم ية‪ ،‬من خلل‬
‫تصاعد درجة شفافيتها بنفس معدل تصاعد قدراتها التكنولوجية‪ .‬مما يضمن توازن الثر‬
‫الذى تمارسه عولمة التصال على المتغيرات الوظيفية الحاكمة بالنظم العلمية‪.‬‬

‫تو صلت الدرا سة إلى سلبية الدور الذى تمار سه عول مة الت صال فى مجال قيام الن ظم‬ ‫(‪)5‬‬
‫العلمية بتشكيل الوعى الجتماعى لجماهير المتلقين‪ .‬ول يرجع ذلك إلى طبيعة عولمة‬
‫التصهال ذاتهها‪ ،‬وإنمها إلى طبيعهة النظهم العلميهة الراهنهة التهى تسهمح بتواجهد القيود‬
‫المعرفية فى بنيتها‪ ،‬مما يؤدى إلى استغلل مظاهر عولمة التصال ‪ -‬التى يتلزم فيها‬
‫التوحد مع النقسام ‪ -‬من أجل تكريس ممارسات تزييف الوعى محليا والصدام الثقافى‬
‫هههة‬
‫هههئوليتها المعرفيه‬
‫هههة بمسه‬
‫هههم العلميه‬
‫عالميا‪ .‬وبالتالى فإن التزام النظه‬
‫( وظيفتها المعرفية ) ‪ -‬التى تتبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير ‪ -‬هو الذى يضمن عدم‬
‫إساءة استثمار الثار اليجابية ( التكنولوجية والمعرفية ) للبعاد العلمية للعولمة‪.‬‬

‫تو صلت الدرا سة إلى أن عول مة الت صال ‪ -‬ب ما قدم ته من قدرات تكنولوج ية فائ قة‬ ‫(‪)6‬‬
‫للنظم العلمية‪ ،‬وبما كشفت عنه من تباطؤ معدلت تصاعد درجة شفافية تلك النظم‪،‬‬
‫و من ثم تقلص قدرات ها المعرف ية ‪ -‬قد ساهمت فى إبراز « الوظي فة المعرف ية » للن ظم‬
‫العلم ية‪ .‬إذ إن التزام تلك الن ظم بم سئوليتها ( وظيفت ها ) المعرف ية‪ ،‬هو الذى سيؤدى‬
‫إلى عدم إهدار المكانات التهى تتيحهها العولمهة للنقهل الوافهى للمعرفهة‪ ،‬فهى ظهل تطور‬
‫التصال الجماهيرى من التصال المحدود إلى التصال شبه الكامل عن بُعد‪ ،‬وفى ظل‬
‫المكانية المتاحة لكافة المجتمعات للوصول إلى مرحلة التشبع التكنولوجى العلمى‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪381‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثانياً‪ :‬النتائج التفصيليـة للدراسـة‪:‬‬


‫ا ستنبطت الدرا سة أن العول مة من وج هة الن ظر التاريخ ية كا نت نتاجا لرغ بة الن سان‬ ‫(‪)1‬‬
‫منذ بدء الخليقة فى الحاطة بأبعاد الرض التى أو العالم الذى يعيش فيه‪ .‬وقد تراكمت‬
‫التصورات النابعة من تلك الرغبة عبر العصور المتتالية التى شهدتها النسانية‪ .‬بحيث‬
‫تطورت تلك الت صورات من مجرد التعا مل مع الرض على أن ها م سرح للحداث إبان‬
‫عصور الصيد الولى‪ ،‬إلى التعامل مع سطح الرض باعتباره شريكا فى الحداث أثناء‬
‫ع صور الزرا عة‪ ،‬ثم التعا مل مع با طن الرض باعتباره هو الشر يك فى الحداث إبان‬
‫ع صور ال صناعة من خلل الهتمام بالثروات المخبوءة دا خل الرض‪ ،‬ثم أخيرا ام تد‬
‫حيهز الفهق النسهانى إلى مها فوق القشرة الرضيهة مهن فضاء محيهط فهى ظهل عصهر‬
‫الفضاء والمعلومات‪ ،‬بحيث أصبحت الرض كلها بسطحها وباطنها ونطاق جاذبيتها هى‬
‫موضوع الحداث‪ .‬وبذلك تصبح العولمة من وجهة النظر التاريخية‪ ،‬بمثابة رؤية إنسانية‬
‫لوحدة المصير النسانى على هذا الكوكب الذى يمثل فى التصورات النسانية المتراكمة‬
‫تاريخيا أبعاد العالم الرضى الذى يعيش فيه البشر جميعا‪.‬‬

‫ا ستنبطت الدرا سة من الدرا سات ال سابقة حول العول مة‪ ،‬أن العول مة من وج هة الن ظر‬ ‫(‪)2‬‬
‫المعرفيهة مصهطلح خلفهى ل يوجهد اتفاق على تعريفهه‪ ،‬لنهه غالبا مها تؤدى التوجهات‬
‫اليدلوجيهة إلى تعريهف مصهطلح العولمهة وفقا لمنظور كهل أيدلوجيهة‪ .‬ففهى حيهن يراهها‬
‫البعهض شرا مطلقا يراهها البعهض الخهر خيرا مطلقا‪ ،‬وذلك وفقا للنتماءات اليدلوجيهة‬
‫لكهل فريهق‪ .‬ولذلك فإن التعريهف المحايهد الذى يوصهّف العولمهة انطلقا مهن أنشطتهها‬
‫العمليهة‪ ،‬ههو الذى يرى أن العولمهة مها ههى إل « زيادة درجهة الرتباط المتبادل بيهن‬
‫المجتمعات النسهانية مهن خلل سههولة عمليات انتقال السهلع ورؤوس الموال وتقنيات‬
‫النتاج والشخاص والمعلومات »‪.‬‬

‫استنبطت الدراسة أن العولمة من وجهة النظر الفلسفية يمكن اعتبارها الوجه التطبيقى‬ ‫(‪)3‬‬
‫لفل سفة مها بعهد الحدا ثة‪ .‬إذ إن العول مة كظاهرة تاريخيهة كهبرى بمثابهة تجاوز للمشروع‬
‫الفكرى لفل سفة « الحدا ثة » وأقرب إلى فل سفة « ما ب عد الحدا ثة »‪ .‬فل قد كا نت الحدا ثة هى‬
‫فلسفة « العالمية » بينما تبدو ما « ما بعد الحداثة » هى فلسفة العولمة‪ .‬حيث تبتعد فلسفة‬
‫مها بعهد الحداثهة عهن المطلقات التهى أسهست لهها فلسهفة الحداثهة‪ ،‬وتقترب مهن الممكنات‬
‫والحتمالت المفتوحهة‪ .‬وبالتالى فههى بمثابهة انتقال مهن الحتميهة إلى النسهبية‪ ،‬ومهن رؤيهة‬
‫« نيوتن » الحتمية للكون إلى رؤية « أينشتاين » النسبية لذات الكون‪ ،‬فبسقوط المطلق الزمنى‬
‫‪-‬‬ ‫‪382‬‬ ‫‪-‬‬

‫سقط أيضا المطلق المكا نى‪ ،‬وأدت الثورة الت صالية الشبك ية على م ستوى العالم إلى أن‬
‫يتم ضغط المكان وتسريع إيقاع الز من‪ .‬وبالتالى أصبح العالم كله حاضرا فى كل نق طة‬
‫من نقاط المكنة الموجودة على كوكب الرض‪ ،‬ومن ثم فإن فلسفة ما بعد الحداثة تقدم‬
‫نفسها باعتبارها الخلفية الفكرية التى يتحرك أمامها مشهد العولمة الذى تسرى فيه السلع‬
‫ورؤوس الموال والشخاص والمعلومات عبر أقطار العالم بسرعة الصوت أو الضوء‪.‬‬

‫ا ستنبطت الدرا سة من ف حص الفاعليات العمل ية للعول مة على الصعدة المتعددة أن مظا هر‬ ‫(‪)4‬‬
‫العولمة تتلزم فيها المتناقضات والمتفارقات‪ ،‬بحيث تبدو كعملية مركبة مزدوجة ومتعارضة‪،‬‬
‫يتجاذب فيها منطق التوحيد مع أليات النقسام‪ ،‬ويعمل الميل إلى الئتلف والتجانس مع الميل‬
‫ح د ال طر فى إطار وا حد‬
‫إلى الختلف والتنا فر‪ .‬وبالتالى فالعول مة فى مظاهر ها العمل ية تُو ّ‬
‫بينمها تقسهم المضاميهن‪ ،‬وتختصهر المرجعيات بينمها تتفرع فهى الوسهائل والسهاليب‪ .‬ولهذا‬
‫استحدثت الدراسة تصنيفا لمظاهر العولمة يقسمها إلى مظهرين‪ ،‬وهذان المظهران هما‪:‬‬
‫« إستراتيجية التوحد والتكتل والندماج » و« تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام »‬
‫بحيث تمارس العولمة فاعلياتها وفقا لكل من‪ :‬إستراتيجية التوحد والتكتل والندماج التى‬
‫تعمهل على توحيهد الطهر والمرجعيات وتقويهة الترابهط والتقارب والتداخهل على كافهة‬
‫المستويات‪ ،‬وتكتيات التشظى والتجزؤ والنقسام التى تعمل فى ذات الوقت على تكريس‬
‫التعدد والتنوع والختلف‪.‬‬
‫ول عل هذا التنا قض ب ين هذ ين المظهر ين اللذ ين تتمظ هر العول مة وفقا له ما‪ ،‬هو الذى‬
‫يمنحها البنية الواقعية التى تعبّر عن منطق المور والشياء فى طبيعتها الفطرية‪ .‬فالكل‬
‫يتركب من الجزاء والجزاء تتفرع من الكل‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫وبالتالى‪ ..‬فإن أ عم مظاهر العولمة يمكن صياغتها فى التعبير التالى‪ :‬التوحد الملزم‬
‫للتشظى والتكتل الملزم للتجزؤ والندماج الملزم للنقسام‪.‬‬

‫ا ستحدثت الدرا سة ت صنيفا لمؤ سسات العول مة ‪ -‬ويُق صد ب ها القطاعات ال تى تمارس‬ ‫(‪)5‬‬
‫العولمة أنشطتها من خللها عبر العالم ‪ -‬يُقسّمها إلى نوعين‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مؤسهسات البنيهة التحتيهة للعولمهة‪ :‬وههى القطاعات الموفّرة لقنوات ووسهائل الربهط‬
‫والتصال بين أجزاء العالم المتعددة‪ ،‬وتتكون من‪:‬‬
‫• خطوط المواصلت البحرية والجوية ( السياحية والتجارية )‪.‬‬
‫• شبكات التصالت والعلم الكابلية واللسلكية وشبكات البث الفضائى المباشر‪.‬‬
‫• شبكة النترنت‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪383‬‬ ‫‪-‬‬

‫ب ‪ -‬مؤسهسات البنيهة الفوقيهة للعولمهة‪ :‬وههى القطاعات التهى تمارس أدورا سهياسية‬
‫أو اقتصادية أو ثقافية أو إعلمية على المستوى العالمى ككل وتتكون من‪:‬‬
‫• المنظمات والتفاقيات والمواثيق الدولية‪.‬‬
‫• الشركات متعددة الجنسيات وأسواق المالية العالمية‪.‬‬
‫• المنظمات الدولية غير الحكومية ( منظمات المجتمع المدنى )‪.‬‬

‫استنبطت الدراسة أن « البعاد السياسية للعولمة » تكشف عن النتائج التالية فيما يتعلق‬ ‫(‪)6‬‬
‫بسيادة الدولة وتطور الديمقراطية ودور المجتمع المدنى‪ ..‬وذلك كالتى‪:‬‬
‫سهيادة الدولة‪ :‬تكشهف البعاد السهياسية للعولمهة‪ ..‬أن إسهتراتيجية العولمهة للتوحهد‬ ‫أ‪-‬‬
‫والتكتل والندماج تقود نحو النمو التدريجى لقيام حكومة عالمية على مستوى العالم‬
‫ككل‪ ،‬قد تكون هيئة المم المتحدة أقرب نموذج لمعالمها‪ .‬ولكن المستقبل سيسفر عن‬
‫الملمح العامة لتلك الحكومة العالمية التى ‪ -‬فى الغالب ‪ -‬ستختلف عن الحكومات‬
‫القومية الحالية‪ ،‬سواء فى مجال البنية الهيكلية أم السلطات الدستورية والقانونية‪.‬‬
‫كمها تكشهف البعاد السهياسية للعولمهة أن تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ‬
‫والنق سام ستقود ن حو التقلص التدري جى لدور الدولة على الم ستوى القو مى‪ ،‬ون قل‬
‫هذا الدور إلى المستويات المحلية وقطاعات المجتمع المدنى‪.‬‬
‫والنتي جة العا مة‪ ..‬أن العول مة ستؤدى إلى تطور دور الدولة‪ ،‬بح يث تن قل جزءً‬
‫من سيادتها إلى المستوى فوق القومى ( الحكومة العالمية ) وجز ًء آخر من سيادتها‬
‫إلى المستوى المحلى ( المجتمع المدنى )‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تطور الديمقراطيهة‪ :‬تكشهف البعاد السهياسية للعولمهة‪ ..‬أن إسهتراتيجية العولمهة‬


‫للتو حد والتك تل والندماج تقود ن حو توح يد أ ساليب الح كم على الم ستوى العال مى‪،‬‬
‫وذلك من خلل نمو التجاه نحو أسلوب الحكم الليبرالى الديمقراطى على مستوى‬
‫دول العالم‪.‬‬
‫بينمها تقود تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام نحهو انحسهار نموذج‬
‫الديمقراطيهة التمثيليهة‪ ،‬والتجاه نحهو نموذج الديمقراطيهة الشعبيهة وأشكال مبتكرة‬
‫أخرى للممارسة الديمقراطية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬دور المجتمهع المدنهى‪ :‬تكشهف البعاد السهياسية للعولمهة‪ ..‬أن إسهتراتيجية العولمهة‬
‫للتوحد والتكتل والندماج تقود منظمات المجتمع المدنى على المستوى العالمى إلى‬
‫الندماج فى تكتلت تعكس إرادة جماعية فى مواجهة إرادة الحكومات‪ .‬بينما تقود‬
‫‪-‬‬ ‫‪384‬‬ ‫‪-‬‬

‫تكتيات التش ظى والتجزؤ والنق سام على الم ستوى المحلى‪ ،‬ن حو تش ظى المجتمعات‬
‫المحليهة إلى تجمعات صهغيرة تعكهس إرادة القليات فهى مقابهل الرادة الجماعيهة‬
‫للمجتمع المحلى‪.‬‬

‫ا ستنبطت الدرا سة أن « البعاد القت صادية للعول مة » تك شف عن النتائج التال ية في ما‬ ‫(‪)7‬‬
‫يتعلق بتطور السهوق وآلياتهه‪ ،‬ودور الشركات متعددة الجنسهيات‪ ،‬ودور القوى الضابطهة‬
‫لليات السوق أو سياسات الشركات‪ ..‬وذلك كالتالى‪:‬‬
‫تطور السوق وآلياته‪ :‬تكشف البعاد القتصادية للعولمة‪ ..‬أن إستراتيجية العولمة‬ ‫أ‪-‬‬
‫للتو حد والتك تل والندماج تقود ن حو د مج ال سواق المحل ية على م ستوى العالم ب ما‬
‫يؤدى إلى تكوين سوق عالمية واحدة‪ .‬بينما تقود تكتيكات العولمة للتشظى والتجزؤ‬
‫والنقسام إلى تجزؤ السواق وتعددها وتنوعها فى مجال نوعيات السلع والخدمات‬
‫بما يتناسب مع رغبات كل عميل باتساع العالم‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تطور الشركات وسهياساتها‪ :‬تكشهف البعاد القتصهادية للعولمهة أن إسهتراتيجية‬


‫العولمة للتوحد والتكتل والندماج تتجه بالشركات على مستوى العالم نحو الندماج‬
‫مهن أجهل تكويهن كيانات عالميهة عملقهة‪ .‬بينمها تقود تكتيكات التشظهى والتجزؤ‬
‫والنقسام الشركات إلى التجاه بالنظم النتاجية نحو التخصص‪ ،‬والتجاه بالساليب‬
‫الدارية نحو اللمركزية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬دور القوى الضابطهة لليات السهوق وسهياسات الشركات‪ :‬تكشهف البعاد القتصهادية‬
‫للعولمة أن إستراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج تقود القوى الضابطة لممارسات‬
‫السوق وآلياته نحو التوحد والندماج على المستوى العالمى‪ ،‬وذلك لممارسة دورها فى‬
‫ضبهط آليات السهوق‪ .‬وتقود القوى الضابطهة لسهياسات الشركات نحهو التكتهل على‬
‫المستوى العالمى وذلك لممارسة دورها فى الحفاظ على ضمانات وحقوق العاملين‪.‬‬
‫بينما تكشف تكتيكات العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام عن التجاه نحو تعزيز‬
‫النقسام وتصاعد الصدام ما بين توجهات القوى الضابطة لممارسات السوق وآلياته‬
‫والقوى الضاب طة ل سياسات الشركات‪ ،‬وذلك لتنا مى التعارض ب ين توجهاته ما على‬
‫المستوى المحلى أو العالمى‪.‬‬

‫استنبطت الدراسة أن البعاد الثقافية للعولمة تكشف عن النتائج التالية فيما يتعلق بكل‬ ‫(‪)8‬‬
‫من‪ :‬الحضارة‪ ،‬والثقافة‪ ،‬والهوية وذلك كالتالى‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪385‬‬ ‫‪-‬‬

‫الثقا فة‪ :‬تك شف البعاد الثقاف ية للعول مة‪ ..‬أن إ ستراتيجية التو حد والتك تل والندماج‬ ‫أ ‪-‬‬
‫تقود نحو نمو ثقافة ذات ملمح عالمية على المستوى العالمى تتضمن قيم وأخلقيات‬
‫ومعايير وسلوكيات ومنتجات فكرية ذات طابع عالمى‪ .‬بينما تؤدى تكتيكات التشظى‬
‫والتجزؤ والنقسهام إلى تأكيهد التنوع والتمايهز بيهن الثقافات المحليهة على المسهتوى‬
‫العالمى من خلل التفاف كل ثقافة حول ذاتها ومحاولة تأكيد ذاتيتها‪.‬‬

‫الحضارة‪ :‬تكشهف البعاد الثقافيهة للعولمهة أن إسهتراتيجية التوحهد والتكتهل‬ ‫ب‪-‬‬


‫والندماج تقود نحو بداية الظهور التدريجى لملمح حضارة عالمية استهلكية فى‬
‫صلب الحضارات المتمايزة الراه نة‪ ،‬بح يث تش كل شب كة النتر نت حاليا والطر يق‬
‫هم حوله منجزات تلك الحضارة‬
‫هتقبلً المحور الذى تتراكه‬
‫هريع للمعلومات مسه‬
‫السه‬
‫الصاعدة‪.‬‬
‫بينمها تقود تكتيكات التشظهى والتجزؤ والنقسهام إلى التجاه نحهو تأكيهد الفروق‬
‫والختلفات بيهن الحضارات المتمايزة الراهنهة‪ ،‬بمها يؤدى إلى إمكانيات الصهدام‬
‫أو التنافر فى محاولة لتأكيد الذات الحضارية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬الهوية‪ :‬تكشف البعاد الثقافية للعولمة أن إستراتيجية التوحد والتكتل والندماج تقود‬
‫نحو التجاه لنمو هوية ناشئة ذات ملمح عالمية موضوعها النسانية ومداها العالم‬
‫ككهل‪ .‬وذلك انطلقا مهن التغيرات التهى أدى إليهها التقدم فهى مجال التصهال‬
‫والنتقال‪ ،‬والتهى أسهفرت عهن اضمحلل القيمهة الجغرافيهة للمكان‪ ،‬واضمحلل‬
‫الفروق ب ين العراق والجناس ومعتن قى الديانات المختل فة‪ ،‬نتي جة سهولة التل قى‬
‫والتقارب المادى أو اللكترونى بين كافة الفراد على مستوى العالم‪.‬‬
‫بينمها تقود تكتيكات التشظهى والتجزؤ والنقسهام نحهو تخلق هويات فئويهة جديدة‬
‫متشظيهة فهى تنوعهها وتعددهها‪ ،‬ينتمهى مهن خللهها الفراد لطوائف فرعيهة ذات‬
‫اهتمامات مستحدثة تتجاوب مع القضايا المحلية والمشكلت الجتماعية‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫اسهتنبطت الدراسهة أن البعاد العلميهة للعولمهة تكشهف عهن النتائج التاليهة فيمها يتعلق‬ ‫(‪)9‬‬
‫بالنظم العلمية والمؤسسات العلمية ووسائل العلم وجماهير المتلقين وذلك كالتالى‪:‬‬
‫النظم العلمية‪ :‬تكشف البعاد العلمية للعولمة‪ ..‬أن إستراتيجية العولمة للتوحد‬ ‫أ‪-‬‬
‫والتك تل والندماج‪ ،‬تقود الن ظم العلم ية على م ستوى العالم ن حو التدا خل والتشا بك‬
‫والنفتاح على بعض ها الب عض‪ ،‬ب ما ي ساعد على التخلق التدري جى لنظام إعل مى ذى‬
‫طابع عالمى‪ ،‬ورأى عام عالمى وإنسانى‪ ،‬منفصلين عن تلك النظم‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪386‬‬ ‫‪-‬‬

‫بينما تؤدى تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام إلى تأكيد النظمة العلمية المحلية‬
‫الراهنة على انتماءاتها الحضارية والثقافية‪ ،‬المر الذى يساهم فى تنوع وتعدد النظمة‬
‫العلميهة المعاصهرة نتيجهة محاولة كهل نظام التمترس حول ذاتهه لحمايهة الهويهة‬
‫الوطنية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬المؤسهسات العلميهة‪ :‬تكشهف البعاد العلميهة للعولمهة أن إسهتراتيجية العولمهة‬


‫للتو حد والتك تل والندماج‪ ،‬تقود المؤ سسات العلم ية العالم ية إلى الندماج ض من‬
‫مؤسسات أكبر‪ ،‬من خلل اتجاه المؤسسات العلمية العالمية المتشابهة وظيفيا إلى‬
‫الندماج الوظيفهى‪ ،‬واتجاه المؤسهسات العلميهة العالميهة المتشابههة نوعيا إلى‬
‫الندماج النو عى‪ ،‬واتجاه الندماجات العلم ية النوع ية إلى التك تل مع الندماجات‬
‫الت صالية النوعية والندماجات المعلوماتية النوعية‪ ،‬بحيث تُكوّن تكتلت مؤسسية‬
‫اندماجية ضخمة ( إعلمية اتصالية معلوماتية )‪.‬‬
‫بينمها تقود تكتيكات التشظهى والتجزؤ والنقسهام إلى دعهم نشوء المؤسهسات‬
‫العلمية الصغيرة‪ ،‬المتعددة التوجهات والمتنوعة الهداف‪ ،‬والتى تستهدف جماهير‬
‫فئوية متعددة‪ .‬المر الذى يؤدى إلى نشوء آلف المؤسسات العلمية الصغيرة التى‬
‫يخرج مجال نشاطها عن مجال نشاط المؤسسات العلمية العملقة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬وسهائل العلم‪ :‬تكشهف البعاد العلميهة للعولمهة أن إسهتراتيجية العولمهة للتوحهد‬


‫والتك تل والندماج تع مل على الد مج التدري جى لكا فة الو سائل العلم ية فى بن ية‬
‫هيكلية إلكترونية واحدة‪.‬‬
‫بينمها تؤدى تكتيكات التشظهى والتجزؤ والنقسهام إلى إنتاج هذه البنيهة الهيكليهة‬
‫المدمجهة وفقا لمدى واسهع مهن التنوع فيمها يتعلق بأسهاليب السهتخدام أو نوعيهة‬
‫التكنولوجيا المستخدمة‪.‬‬

‫د ‪ -‬جماه ير المتلق ين‪ :‬تك شف البعاد العلم ية للعول مة أن إ ستراتيجية العول مة للتو حد‬
‫والتكتل والندماج تقود إلى دمج قطاعات كبيرة من جماهير المتلقين على مستوى‬
‫العالم ت حت لواء ر سائل ات صالية ذات موا صفات عالم ية إن سانية تبث ها مؤ سسات‬
‫إعلمية عملقة ذات توجهات عالمية إنسانية‪.‬‬
‫بينمها تقود تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام إلى تفكيهك وتشظهى‬
‫قطاعات جماه ير المتلق ين وفقا لمجالت اهتمامات هم الخا صة أو انتماءات هم الثقاف ية‬
‫‪-‬‬ ‫‪387‬‬ ‫‪-‬‬

‫أو الطائفية أو العرقية‪ ،‬وذلك تلبية للرسائل التصالية الفئوية التى تبثها مؤسسات‬
‫إعلمية صغيرة متخصصة‪.‬‬

‫(‪ )10‬توصهلت الدراسهة ‪ -‬مهن مجمهل عرض البعاد الفكريهة ( التاريخيهة والمعرفيهة‬
‫والفلسفية ) للعولمة‪ ،‬وأبعادها المادية ( مظاهرها ومؤسساتها )‪ ،‬وأبعادها المجتمعية‬
‫( ال سياسية والقت صادية والثقاف ية والعلم ية ) ‪ -‬إلى القتراب من البعاد الن سانية‬
‫للعولمهة‪ ،‬التهى توضهح أن العولمهة مها ههى إل نتاج إدراك النسهان للمشتركات‬
‫الن سانية( الماد ية والمعنو ية ) فى هذا العالم‪ .‬ح يث أدت محاولة الن سان التراكم ية‬
‫ال ساعية إلى تفك يك وترك يب العالم من حوله ‪ -‬من أ جل الو صول إلى أ صل العالم‬
‫أو الحاطة بأبعاده ‪ -‬إلى نمو إدراك النسان بالمشتركات النسانية المادية والمعنوية‬
‫فى هذا العالم‪.‬‬
‫وبالتالى فإن المشترك النسانى المادى الناتج عن محاولت النسان التراكمية على مر‬
‫العصور لتركيب العالم من حوله ( تكوين رؤية مركبة للحاطة بأبعاد العالم )‪ ،‬أدت إلى‬
‫الوعى بأن الكون هو المشترك النسانى المادى الكبر‪.‬‬
‫كمها إن المشترك النسهانى المادى الناتهج عهن محاولت النسهان التراكميهة على مهر‬
‫الع صور لتفك يك العالم من حوله ( تكو ين رؤ ية عن أ صل الشياء )‪ .‬أدت إلى الو عى‬
‫بأن البنية الذرية هى المشترك النسانى المادى الصغر‪.‬‬
‫وبالتالى‪ ..‬يصبح كوكب الرض ( العالم ) الذى يوجد فى المسافة الرمزية بين الكون‬
‫والذرة هو المشترك النسانى المادى‪.‬‬
‫أ ما المشترك الن سانى المعنوى‪ ،‬ف قد و صلت إل يه البشر ية من مج مل وعي ها الترك يبى‬
‫بالعقهل المطلق الذى ههو ال سهبحانه وتعالى‪ ،‬ومجمهل وعيهها التفكيكهى بالعقهل المحدود‬
‫الذى يمثله النسان‪ .‬وبالتالى َت َمثَهل ذلك المشترك النسانى المعنوى فى قيمة ( الحرية )‪،‬‬
‫التهى ههى الشرط اللزم لصهحة إيمان العقهل النسهانى المحدود بالعقهل اللههى المطلق‪،‬‬
‫والشرط اللزم لشرعية مبدأى الثواب والعقاب اللهيين‪ ،‬وإل فل مجال لحساب النسان‬
‫لو لم يمتلك حرية الختيار بين الخير والشر‪ .‬وبالتالى فإن المشترك النسانى المعنوى ‪-‬‬
‫النا تج عن عمل ية الترك يب ال تى تقود إلى الع قل المطلق وعمل ية التفك يك ال تى تقود إلى‬
‫العقل المحدود ‪ -‬هو ( الحرية النسانية )‪.‬‬
‫ولهذا فإن التحل يل الخ ير فى سياق هذا الف هم يرى بأن « العول مة ما هى إل مرحلة‬
‫متقد مة فى و عى الن سان بالعالم من حوله‪ ،‬قاد ته من خلل عملي تى الترك يب والتفك يك‬
‫على المستويات المادية والمعنوية إلى إدراك المشتركات النسانية المادية والمعنوية »‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪388‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )11‬استحدثت الدراسة تصنيفا للطراف التى يتكون منها النظام العلمى كالتالى‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الطراف الفاعلة‪ :‬ويمثلها كل من القائمين بالتصال وجماهير المتلقين‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الطراف العتبارية‪ :‬ويمثلها المؤسسات العلمية‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الطراف المعرفية‪ :‬ويمثلها الرسائل العلمية‪.‬‬
‫د ‪ -‬الطراف التكنولوجية‪ :‬ويمثلها وسائل العلم‪.‬‬

‫(‪ )12‬اسهتحدثت الدراسهة مصهطلح « المتغيرات فهى بنيهة النظهم العلميهة »‪ .‬ويشيهر هذا‬
‫المصطلح إلى التغيرات التى تطرأ على الطراف التى يتكون منها النظام العلمى عند‬
‫ممارسته لفاعلياته فى المجتمع‪ ،‬تلك الطراف التى يتم التعامل معها باعتبارها « ثوابت‬
‫بنائية » ولكنها تتحول إلى « متغيرات وظيفية » عند ممارسة النظام العلمى لفاعلياته‬
‫العملية فى المجتمع‪.‬‬
‫فو سائل العلم كثا بت فى بن ية الن ظم العلم ية‪ ،‬تطرح متغيرا هاما ع ند ممار ستها‬
‫لفاعليات ها فى المجت مع‪ ،‬يتم ثل فى « ن سبة انتشار و سائل العلم فى المجت مع »‪ .‬إذ إن‬
‫كافة المجتمعات بها وسائل إعلم‪ ،‬ولكن نسبة انتشارها هى التى تتغير من مجتمع إلى‬
‫آخر‪ .‬ونظرا لن وسائل العلم تمثل الطرف التكنولوجى‪ ،‬فقد أطلقت الدراسة على هذا‬
‫المتغير مصطلح « القدرات التكنولوجية »‪.‬‬
‫ك ما أن الرسهائل العلم ية كثا بت فهى بن ية النظهم العلميهة‪ ،‬تطرح متغيرا هاما عنهد‬
‫ممارستها لفاعلياتها فى المجتمع‪ ،‬يتمثل فى « نسبة المعرفة الكامنة بتلك الرسائل »‪ .‬فكافة‬
‫المجتمعات تن تج الر سائل العلم ية‪ ،‬ول كن ن سبة المعر فة الكام نة بتلك الر سائل هى ال تى‬
‫تتغ ير من مجت مع إلى آ خر‪ .‬ونظرا لن الر سائل العلم ية تم ثل الطرف المعر فى الذى‬
‫يش ير إلى مدى شفاف ية النظام العل مى‪ ،‬ف قد أطل قت الدرا سة على هذا المتغ ير م صطلح‬
‫« درجة شفافية النظم العلمية »‪.‬‬
‫بالضافة إلى ذلك‪ ..‬فإن النظام العلمى ذاته كثابت يطرح متغيرا هاما عند ممارسته‬
‫لفاعلياتهه فهى المجتمهع‪ ،‬يتمثهل فهى مدى كفاءتهه فهى قيامهه بأنشطتهه العلميهة‪ .‬فكافهة‬
‫المجتمعات بها ن ظم إعلم ية‪ ،‬ول كن در جة كفاءة هذه الن ظم هى ال تى تتغ ير من مجتمع‬
‫إلى آخر‪ .‬ونظرا لن النظام العلمى ككيان جامع للنشطة العلمية‪ ،‬يعبّر عن درجة‬
‫كفاءته من خلل المردود المعرفى العائد على المجتمع نتيجة قيام ذلك النظام بدوره فى‬
‫ن قل المعر فة إلى الجماه ير‪ ،‬ف قد أطل قت الدرا سة على هذا المتغ ير م صطلح « القدرات‬
‫المعرفية للنظم العلمية »‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪389‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )13‬توصلت الدراسة إلى علقة رياضية توضح العلقة بين المتغيرات الوظيفية الحاكمة‬
‫فى بنية النظم العلمية‪ ..‬وذلك على النحو التالى‪:‬‬
‫القدرات المعرفيـــة للنظام العلمـــى = درجـــة شفافيـــة النظام‬
‫العلمى × قدراته التكنولوجية‬
‫وتوصهلت الدراسهة مهن خلل العلقات بيهن المتغيرات فهى هذه المعادلة إلى عدد مهن‬
‫المؤشرات الهامة عن طبيعة عمل النظام العلمى تتمثل فى التى‪:‬‬
‫إن القدرات المعرفية للنظم العلمية ل يمكن أن تزيد عن قدراتها التكنولوجية‬ ‫•‬
‫وإنما يمكن أن تتساوى معها عندما تصل درجة شفافية النظام العلمى إلى حدها‬
‫الق صى‪ .‬و هى الحالة ال تى تش ير إلى ا ستقرار النظام العل مى وا ستغلله لمقومات‬
‫كفاء ته إلى أق صى حد‪ ،‬وم سئولية مؤثرات خارج ية غ ير إعلم ية عن عدم اكتمال‬
‫قدراته المعرفية‪.‬‬
‫إنهه فهى حالة زيادة « درجهة شفافيهة النظام العلمهى » عهن « القدرات‬ ‫•‬
‫التكنولوج ية للنظام العل مى »‪ ،‬فإن ذلك يع نى م سئولية القدرات التكنولوج ية عن‬
‫النخفاض فى القدرات المعرفية‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬
‫إن ث مة عل قة طرد ية متبادلة ب ين كل من « در جة شفاف ية النظام العل مى »‬ ‫•‬
‫و« القدرات التكنولوجية للنظام العلمى »‪.‬‬

‫(‪ )14‬اسهتنبطت الدراسهة أن القدرات التكنولوجيهة للنظهم العلميهة الراهنهة‪ ،‬اكتسهبت القوة‬
‫الداف عة لتطور ها من قاعدة تكنولوج ية عري ضة أدى إلي ها التكا مل التكنولو جى العضوى‬
‫بين تكنولوجيا التصالت وتكنولوجيا العلم وتكنولوجيا المعلومات‪ .‬حيث انعكس ذلك‬
‫التكامهل التكنولوجهى العضوى على القدرات التكنولوجيهة للنظهم العلميهة مهن خلل‬
‫تحقيهق التكامهل التكنولوجهى الهيكلى بيهن تكنولوجيات وسهائل العلم والتصهال‬
‫والمعلومات‪ ،‬وانتاج ها جميعا فى بن ية هيكل ية إلكترون ية واحدة تتم يز بالحرك ية وبالذكاء‬
‫اللكترو نى‪ ..‬وتو صلت الدرا سة إلى أن من طق التطور التكنولو جى ال صناعى يقود إلى‬
‫تبنهى سياسة وفورات النتاج الجماهيرى ال كبير‪ ،‬المهر الذى يؤدى إلى النتاج الض خم‬
‫والقيمة ال سعرية المنخف ضة‪ ،‬مما سيسفر عن ات ساع نطاق انتشار وسائل العلم نتي جة‬
‫ضخامة حجم إنتاجها وانخفاض قيمتها السعرية‪ ..‬ويشهد العالم الن ارتفاعا ملحوظا فى‬
‫ن سبة انتشار و سائل العلم‪ ،‬بح يث ستسمح التطورات التكنولوج ية الفائ قة لى مجت مع‬
‫فى الم ستقبل المنظور ‪ -‬لو امتلك المكانات القت صادية والثقاف ية ‪ -‬أن يرت فع بقدرا ته‬
‫التكنولوجيهة إلى مرحلة التشبهع التكنولوجهى العلمهى‪ ،‬والتهى تصهل فيهها القدرات‬
‫التكنولوج ية للن ظم العلم ية إلى حد ها الق صى‪ .‬وهذا يو ضح أن القدرات التكنولوج ية‬
‫‪-‬‬ ‫‪390‬‬ ‫‪-‬‬

‫للنظم العلمية فى ظل البعاد العلمية والسياسية والقتصادية والثقافية للعولمة تندفع‬


‫نحو التصاعد المتسارع‪.‬‬

‫(‪ )15‬استنبطت الدراسة أن « درجة شفافية النظم العلمية » قد ارتفعت نسبيا ‪ -‬مقارنة‬
‫بالماضهى القريهب ‪ -‬تأثرا بالبعاد السهياسية والقتصهادية والثقافيهة والعلميهة‬
‫للعولمة‪ .‬والتى أدت إلى التضخم الكمى للرسائل العلمية‪ ،‬وديناميكية ومرونة تلك‬
‫الرسهائل‪ ،‬وحريهة اختراقهها للحدود الدوليهة والحواجهز الجغرافيهة والقيود القانونيهة‪.‬‬
‫ال مر الذى أر غم الن ظم العلم ية على الك شف عن ب عض المعلومات ال تى اعتادت‬
‫حظر ها‪ ،‬نظرا لنشر ها فى ن ظم إعلم ية أخرى عبر ال بث الفضائى المبا شر أو عبر‬
‫شبكهة النترنهت‪ .‬ولكهن نظرا لوجود عائق اللغهة وعائق المتابعهة الدقيقهة للقضايها‬
‫المحل ية من ن ظم إعلم ية أجنب ية‪ ،‬فإن در جة شفاف ية الن ظم العلم ية لن تتم كن من‬
‫الرتفاع اعتمادا على تلك المؤثرات الخارجية فقط‪ .‬وإنما يجب أن يتم تقليص القيود‬
‫المعرفية التى توجد ببنية النظم العلمية‪ ،‬والتى تؤدى إلى الحد من درجة شفافيتها‬
‫ومن ثم الحد من قدراتها المعرفية‪.‬‬

‫(‪ )16‬اسهتحدثت الدراسهة تصهنيفا للقيود المعرفيهة التهى تؤدى إلى تقليهص درجهة شفافيهة‬
‫النظهم العلم ية وقدراتهها التكنولوجيهة‪ ،‬و من ثم تقليهص قدراتهها المعرف ية‪ .‬وذلك‬
‫على النحو التالى‪:‬‬
‫القيود المجتمعيهة‪ :‬وههى القيود التهى تقلص نسهبة المعرفهة الكامنهة بالمعلومات‬ ‫أ‪-‬‬
‫العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية وتنقسم إلى‪:‬‬
‫القيود التشريعيهة‪ :‬وههى القيود المجتمعيهة المقررة بموجهب التشريعات‬ ‫•‬
‫المقيدة لحريهة التعهبير‪ ،‬والتهى تؤدى إلى تقليهص نسهبة المعرفهة الكامنهة‬
‫بالمعلومات الداخلة إلى المؤسهسات العلميهة‪ .‬وتقوم تلك القيود بمحاصهرة‬
‫مجموعة الحقوق العلمية للنسان‪ ،‬وبالتالى فهى تنقسم إلى‪:‬‬
‫تشريعات مقيدة لحهق الجماهيهر فهى المعرفهة‪ ،‬وههى مجموعهة‬ ‫‪+‬‬
‫التشريعات التى تتولى حماية الحقوق المضادة للحقوق العلمية‪.‬‬
‫تشريعات مقيدة لحق المؤسسات العلمية فى العلم‪.‬‬ ‫‪+‬‬
‫تشريعات مقيدة لحق المجتمع فى التصال‪.‬‬ ‫‪+‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪391‬‬ ‫‪-‬‬

‫القيود العمليهة‪ :‬وههى القيود المجتمعيهة الناتجهة عهن غياب التشريعات‬ ‫•‬
‫الضامنة لحرية المعلومات العلمية فى المجتمع‪ ،‬وبالتالى فهى قيود يفرضها‬
‫الواقع العملى المؤيد لشيوع مفهوم السرية فى المجتمع‪.‬‬

‫القيود الذاتية‪ :‬وهى القيود التى تقلص نسبة المعرفة الكامنة بالمعلومات الخارجة‬ ‫ب‪-‬‬
‫من المؤ سسات العلم ية إلى جماه ير المتلق ين‪ .‬وتضطلع المؤ سسات العلم ية‬
‫بممار سة هذه القيود بمبادرة ذات ية من ها ا ستجابة لم صالح واتجاهات ب عض القوى‬
‫المجتمعية‪ ،‬واستنادا إلى المرجعية الفلسفية التى يتبناها النظام العلمى‪ .‬وتنقسم‬
‫القيود الذاتية إلى القيود التالية‪:‬‬
‫قيود السيطرة الحكومية والحزبية والمؤسسية‪.‬‬ ‫•‬
‫قيود الملكية الحتكارية‪.‬‬ ‫•‬
‫قيود الجمهور الموجه‪.‬‬ ‫•‬
‫قيود فلسفية‪.‬‬ ‫•‬

‫(‪ )17‬استنبطت الدراسة إنه رغم القوة الملحوظة للقيود المعرفية المجتمعية لعتمادها على‬
‫قوة المجت مع التشريع ية‪ ،‬إل أن القيود المعرف ية الذات ية تبدو أك ثر خطورة على القدرات‬
‫المعرفية للنظم العلمية‪ .‬وذلك انطلقا من أن القيود الذاتية تتم ممارستها وفقا لساليب‬
‫مستترة وغير مباشرة يصعب ملحظتها‪ ،‬بخلف القيود المجتمعية التى يسهل ملحظتها‬
‫لطبيعتها الملموسة‪.‬‬

‫(‪ )18‬ا ستنبطت الدرا سة من ر صد النظريات الموض حة لل ساليب العمل ية لممار سة القيود‬
‫الذاتية‪ ..‬أن تلك الساليب تمثلت فى التى‪:‬‬
‫وضع الحداث فى إطار معين يعطى لها مغزى خاص من خلل التركيز على‬ ‫أ ‪-‬‬
‫بعض جوانب الموضوع وإغفال جوانب أخرى‪ ( ،‬نظرية الطار العلمى )‪.‬‬
‫منهح سهلطة إجراء تعديلت على الرسهائل العلميهة لعدد مهن المسهئولين‬ ‫ب‪-‬‬
‫بالمؤسسات العلمية‪ ،‬بحيث يلعب أولئك المسئولون دور حراس البوابات للتحكم‬
‫فهى المعلومات العلميهة خلل رحلتهها منهذ الحصهول عليهها وحتهى نشرهها‬
‫( نظرية حارس البوابة )‪.‬‬
‫ج ‪ -‬تسليط الضواء على أحداث معينة بغرض تقدم أجندة للجماهير يتم ترتيب الولويات‬
‫فيها من وجهة نظر المؤسسات العلمية ( نظرية ترتيب الولويات )‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪392‬‬ ‫‪-‬‬

‫د ‪ -‬حظر نشر بعض المعلومات بصورة كاملة‪ ،‬المر الذى يمثل خروج عن الوظيفة‬
‫المحددة للمؤ سسات العلم ية فى المجت مع و هى ن شر المعلومات‪ ،‬ويؤدى إلى أن‬
‫ت صبح المؤ سسات العلم ية غ ير وظيف ية نظرا لت سببها فى خلل وظي فى بالنظام‬
‫العلمى يتمثل فى عدم قيامها بوظيفتها المحددة ( نظرية الخلل الوظيفى )‪.‬‬

‫(‪ )19‬اسهتحدثت الدراسهة مصهطلح المرجعيات الفلسهفية وذلك للدللة على نظريات النظهم‬
‫العلمية‪ ،‬تلك النظريات التى تم تصنيفها لتوصيف المنا هج التى تعمل وفقا لها النظم‬
‫العلمية المختلفة‪.‬‬

‫(‪ )20‬اسهتنبطت الدراسهة مهن خلل رصهدها لتصهنيفات نظريات النظهم العلميهة أن تلك‬
‫النظريات اكتفهت بتصهنيف النظهم العلميهة وفقا لمحددات سهياسية أو اقتصهادية‬
‫أو اجتماعية أو ثقافية يتم من خللها تصنيف النظم العلمية فى إطار مفاهيم‪ :‬الحرية‬
‫أو الملكيهة أو الوظيفهة أو المسهئولية‪ .‬كمها تجاهلت العمهل على تقديهم توصهيف دقيهق‬
‫لعن صرى ال سلطة والم سئولية فى بن ية الن ظم العلم ية‪ ،‬على الر غم من أن أى نظام ل‬
‫يمكنه العمل بشكل صحيح إل من خلل التحديد الدقيق لحدود سلطته ونطاق مسئوليته‪.‬‬

‫(‪ )21‬اسهتنبطت الدراسهة مهن خلل رصهدها لتصهنيفات نظريات النظهم العلميهة الحرة‬
‫أو الموجههة أن كافهة النظهم العلميهة الحرة أو الموجههة تحاول أن تترجهم ممارسهاتها‬
‫العلمية فى إطار التزام ها تجاه المجتمع‪ .‬ف فى ح ين ت ستهدف النظم العلمية الموجهة‬
‫المجت مع من أ جل الدولة‪ ،‬فإن الن ظم العلم ية الحرة ت ستهدف الدولة من أ جل المجت مع‪.‬‬
‫ول كن نظرا ل نه ل وجود للدولة بدون المجت مع‪ ،‬فإن هذا يؤدى بالضرورة إلى أن تحاول‬
‫كافة النظم العلمية ترجمة ممارساتها العلمية فى إطار التزامها تجاه المجتمع‪.‬‬

‫(‪ )22‬وتأ سيسا على النتي جة ال سابقة ف قد ا ستنبطت الدرا سة أن نظر ية الم سئولية الجتماع ية‬
‫تقدم الطار النظرى الفل سفى الذى ت ستند إل يه كا فة الن ظم العلم ية الحرة أو الموج هة‬
‫بدرجههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههة‬
‫أو بأخرى لتبرير ممارساتها العلمية فى تقييد قدراتها المعرفية‪.‬‬

‫(‪ )23‬تو صلت الدرا سة إلى أن نظر ية الم سئولية الجتماع ية تعا نى من أو جه ق صور عديدة‬
‫على المستويات التاريخية والتنظيمية والتطبيقية والمعرفية والتكنولوجية وذلك كالتى‪:‬‬
‫على الم ستوى التاري خى‪ ..‬فإن مبادئ نظر ية الم سئولية الجتماع ية أ صبحت ل‬ ‫أ‪-‬‬
‫تتواكهب مهع البعاد السهياسية والقتصهادية والثقافيهة والعلميهة للعولمهة‪ .‬وذلك‬
‫‪-‬‬ ‫‪393‬‬ ‫‪-‬‬

‫انطلقا من أن تلك النظرية نشأت عقب الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وصاغت مبادئها‬
‫ب ما يؤدى إلى تلب ية الظروف التاريخ ية الخا صة بتلك الفترة‪ ،‬ب كل ما تحمله من‬
‫هوا جس ال شك فى مبادئ النموذج الل يبرالى الذى خر جت من معط فه الحركات‬
‫النازيهة والفاشيهة التهى أشعلت نار الحرب العالميهة الثانيهة‪ ،‬وبكهل مها تحمله تلك‬
‫الفترة مهن صهعود للنموذج الشيوعهى الذى يمثله التحاد السهوفيتى‪ .‬وبالتالى فإن‬
‫الظروف التاريخية الخاصة التى نشأت فيها تلك النظرية لم تعد قائمة فى الوقت‬
‫الراهن‪ ،‬المر الذى أدى إلى تجاوز الظروف الراهنة لمبادئ تلك النظرية‪.‬‬

‫على المسهتوى التنظيمهى‪ ..‬فإن التجربهة الواقعيهة أثبتهت عدم نجاح القواعهد‬ ‫ب‪-‬‬
‫التنظيم ية ال تى صاغتها تلك النظر ية لضمان تنف يذ مبادئ الم سئولية الجتماع ية‪،‬‬
‫تلك القوا عد ال تى تمثلت فى‪ :‬المواث يق الخلق ية ‪ -‬مجالس ال صحافة والعلم ‪-‬‬
‫قوانين مكافحة الحتكار ‪ -‬العانات الحكومية‪.‬‬

‫على المستوى التطبيقى‪ ..‬لم تقدم نظرية المسئولية الجتماعية أية أساليب تطبيقية‬ ‫ج‪-‬‬
‫تسهاعد على تنفيهذ المعاييهر المهنيهة التهى صهاغتها لضمان التزام النظهم العلميهة‬
‫بمسهئوليتها الجتماعيهة‪ .‬وبالتالى باتهت تلك المعاييهر ‪ -‬والتهى تمثلت فهى‪ :‬معاييهر‬
‫الحقي قة والد قة والموضوع ية والتوازن ‪ -‬تم ثل إشكال ية كبيرة فى توجهات الع مل‬
‫العلمهى نظرا لشدة عموميتهها وغموضهها واتسهاع مدى تأويلهها وفقا لتصهورات‬
‫متعددة‪.‬‬

‫د ‪ -‬على المسهتوى المعرفهى‪ ..‬تهبين مهن تحليهل الطار المعرفهى الذى قدمتهه نظريهة‬
‫المسهئولية الجتماعيهة ‪ -‬لتقييهد نشهر الرسهائل العلميهة التهى تؤدى إلى العنهف‬
‫والجريمة والفوضى الجتماعية والساءة للقليات ‪ -‬أن ذلك الطار مغطى أساسا‬
‫بالتشريعات العلميهة التهى تحظهر نشهر تلك الرسهائل‪ .‬وبالتالى فإن ذلك الطار‬
‫المعرفى لم يغط فراغا تشريعيا‪ ،‬ولكن على الرغم من ذلك فقد تم الستناد إليه من‬
‫جانهب الحكومات أو المؤسهسات العلميهة بالنظهم العلميهة الحرة أو الموجههة‬
‫لتهبرير ممارسهاتها فهى حظهر بعهض المعلومات تحهت دعوى أنهها تؤدى إلى تلك‬
‫المحاذير التى تضمنها الطار المعرفى لنظرية المسئولية الجتماعية‪.‬‬

‫ه ه ‪ -‬على الم ستوى التكنولو جى‪ ..‬يؤدى التطور التكنولو جى المتوا صل إلى عدم قدرة‬
‫النظهم العلميهة على اللتزام بالمسهئولية الجتماعيهة‪ ،‬وذلك لن إسهتراتيجية‬
‫العولمة للتوحد والتكتل والندماج ستؤدى إلى التخلق التدريجى لنظام إعلمى ذى‬
‫‪-‬‬ ‫‪394‬‬ ‫‪-‬‬

‫ملمح عالمية وتوجهات عالمية إنسانية‪ ،‬وإلى دفع المؤسسات العلمية العالمية‬
‫للندماج فى مؤ سسات أ كبر‪ ،‬وإلى د مج قطاعات كبيرة من جماه ير المتلق ين ‪-‬‬
‫على مستوى العالم ‪ -‬تحت لواء رسائل اتصالية ذات مواصفات عالمية إنسانية )؛‬
‫وبالتالى فإن كل ذلك سيتيح للن ظم العلم ية القدرة على ن شر ر سائلها العلم ية‬
‫فى مجتمعات متباي نة الظروف والعادات والتقال يد والق يم‪ ،‬ال مر الذى سيؤدى إلى‬
‫اسهتحالة القيام اضطلع هذه النظهم بالتزاماتهها الجتماعيهة تجاه تلك المجتمعات‬
‫المتعددة والمتباي نة‪ ،‬إذ إن محاولة اللتزام بكهل شئ سهتؤدى إلى عدم القدرة على‬
‫نشر شئ‪ ،‬أو بالحرى عدم القدرة على اللتزام بكل شئ‪.‬‬

‫(‪ )24‬اسهتنبطت الدراسهة مهن رصهد أوجهه القصهور المتعددة فهى بنيهة نظريهة المسهئولية‬
‫الجتماعيهة‪ ،‬ومهن رصهد النظريات الخرى للنظهم العلميهة ( النظريهة الليبراليهة ‪-‬‬
‫السهلطوية )‪ ،‬أن كافهة تلك النظريات تخلو مهن توصهيف دقيهق لسهلطة تلك النظهم‬
‫ومسئوليتها‪ ،‬فحيث توافرت السلطة غابت المسئولية والعكس صحيح‪ .‬فالنظرية الليبرالية‬
‫تعاملت مهع النظهم العلميهة باعتبارهها سهلطة بل مسهئولية ممها أدى إلى ديكتاتوريهة‬
‫المؤسسات العلمية‪ .‬والنظرية السلطوية تعاملت مع النظم العلمية باعتبارها كيان‬
‫بل سلطة يلتزم بم سئوليات تنمو ية أو دعائ ية أو توجيه ية أو تعبو ية‪ ،‬م ما أدى إلى أن‬
‫تصبح المؤسسات العلمية مسئولة أمام الدولة أو الحزب أو الثورة‪ ،‬وبالتالى تخلت عن‬
‫ا ستقللها لت صبح فرعا من أفرع ال سلطة الحكوم ية‪ ،‬وتحولت لمؤ سسات دعائ ية تمارس‬
‫تزييف الو عى وتضليل العقول‪ .‬أما نظر ية الم سئولية الجتماع ية فقد تعاملت مع النظم‬
‫العلم ية باعتبار ها سلطة تلتزم بم سئولية غ ير منا سبة‪ ،‬ح يث أدت المبادئ اللواقع ية‬
‫شديدة التجريهد إلى تحميهل المؤسهسات العلميهة بعبهء اللتزام بمسهئولية فضفاضهة‪،‬‬
‫سهرعان ما تم ا ستغللها من تلك المؤ سسات ذات ها لتقي يد المحتوى المعرفهى للر سائل‬
‫العلمية تحت دعوى اللتزام بدور مسئول اجتماعيا‪.‬‬

‫(‪ )25‬ا ستنبطت الدرا سة من ر صد الممار سات العمل ية لتقي يد القدرات المعرف ية فى كل من‬
‫النظم العلمية الحرة والموجهة‪ ،‬أن تلك الممارسات هى المظهر العملى الذى يدل على‬
‫فاعل ية القيود المجتمع ية والذات ية فى كل من الن ظم الحرة والموج هة‪ .‬ال مر الذى يؤدى‬
‫بالضرورة إلى النتقاص من القدرات المعرف ية لتلك الن ظم‪ ،‬نتي جة التأث ير ال سلبى الذى‬
‫تمارسه تلك القيود على قدراتها المعرفية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪395‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )26‬توصلت الدراسة إلى أن فاعلية القيود المعرفية ( المجتمعية والذاتية ) فى بنية النظم‬
‫العلميهة الراهنهة ( الحرة والموجههة ) أدى إلى التأثيهر بشكهل سهلبى على قدراتهها‬
‫المعرفيهة‪ .‬وتمارس المرجعيات الفلسهفية التهى تعتنقهها النظهم العلميهة الراهنهة دور‬
‫الخلفية الشرعية التى تستند إليها كل من القيود المجتمعية والذاتية للحفاظ على مبرر‬
‫وجودها فى بنية تلك النظم‪.‬‬

‫(‪ )27‬ا ستنبطت الدرا سة أن المرجع ية الفل سفية ال تى تتب نى مبدأ الحر ية المطل قة للت عبير هى‬
‫المرجعية التى يمكنها العصف بكافة القيود المجتمعية والذاتية فى بنية النظم العلمية‪،‬‬
‫وبالتالى ال سماح بارتفاع قدرات ها المعرف ية ح تى تتوازن مع قدرات ها التكنولوج ية‪ ،‬وذلك‬
‫انطلقا من إنه إذا كان استمرار تواجد القيود المجتمعية والذاتية فى بنية النظم العلمية‬
‫ههو الذى يؤدى إلى اسهتمرار التفاوت بيهن قدراتهها المعرفيهة والتكنولوجيهة‪ ،‬فإن تبنهى‬
‫المرجع ية ال تى ل تعترف بتلك القيود هو الذى سيضمن ت صاعد القدرات المعرف ية لتلك‬
‫النظم‪.‬‬

‫(‪ )28‬ا ستحدثت الدرا سة أرب عة محددات فكر ية متراب طة تقدم ال سس المنطق ية ال تى ي ستند‬
‫إليها مبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪ ..‬وهذه المحددات هى‪:‬‬
‫نوع الطار الذى تنتمى إليه حرية التعبير‪.‬‬ ‫•‬
‫المدى الذى يمتد إليه هذا الطار خلل ممارسة حرية التعبير لفاعلياتها‪.‬‬ ‫•‬
‫المحتوى المعرفى الذى سيتضمنه هذا الطار نتيجة تلك الممارسات‪.‬‬ ‫•‬
‫الثر الناتج عن نشر هذا المحتوى المعرفى فى المجتمع‪.‬‬ ‫•‬

‫وقهد توصهلت الدراسهة إلى أن نوع الطار الذى تنتمهى إليهه حريهة التعهبير يتمثهل فهى‬
‫( الطار الرمزى )‪ ،‬وأن المدى الذى يمتهد إليهه هذا الطار ههو ( المدى المطلق )‪ ،‬وأن‬
‫المحتوى المعرفهى الذى سهيتضمنه هذا الطار ههو محتوى يتسهم ( بتعدد الراء وتنوع‬
‫المعلومات والفكار والمعانهى ) المتاحهة فهى المجتمهع‪ ،‬وأن الثهر الناتهج عهن نشهر هذا‬
‫المحتوى المعرفى هو فى مجمله العام ( أثر إيجابى ) وأية آثار ضارة محتملة قد تنشأ عن‬
‫إطلق حرية التعبير ل يجوز إستخدامها كمبرر لحظر التعبير؛ وإنما يصبح إجراء تدخلت‬
‫إعلمية معينة لمحاولة التخفيف من الثار الضارة المحتملة‪ ،‬بمثابة الجراء المناسب الذى‬
‫يج عل مواج هة الت عبير الن سانى ت تم أيضا بذات الداة الرمز ية ال تى هى الت عبير الن سانى‪.‬‬
‫ويُترك ل سلطة القضاء مه مة تقد ير الضرار الماد ية الناشئة عن الت عبير الن سانى ومقاضاة‬
‫المسئول عنها‪ .‬والنتيجة العامة تتمثل فى أن « رمزية » التعبير النسانى‪ ،‬هى التى تجعله‬
‫‪-‬‬ ‫‪396‬‬ ‫‪-‬‬

‫« مطلق » الحر ية‪ ،‬وحري ته المطل قة هى ال تى تك سبه « التعدد والتنوع »‪ ،‬وتعدده وتنو عه‬
‫هما اللذان يضمنان « إيجابية تأثيره » فى المجمل العام‪.‬‬

‫(‪ )29‬اسهتنبطت الدراسهة أن عناصهر سهلطة النظهم العلميهة تتكون مهن مجموعهة الحقوق‬
‫العلمية للنسان والتى تضم الحقوق التالية‪:‬‬
‫الحقوق العلميهة العامهة وتتكون مهن‪ ( :‬حهق العلم ‪ -‬حهق المعرفهة ‪ -‬حهق‬ ‫أ ‪-‬‬
‫التصال )‬
‫الحقوق العلمية الخاصة وتتكون من‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫• حقوق إعلمية خاصة بالمتلقى‪ ،‬وتتمثل فى‪ :‬حق الرد والتصحيح‪.‬‬
‫حقوق إعلميهة خاصهة بالقائم بالتصهال‪ ،‬وتتمثهل فهى‪ :‬حهق النشهر ( حهق‬ ‫•‬
‫المؤلف )‪ ،‬وحق حماية سرية المصادر العلمية‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الحقوق العلمية المساعدة وتتكون من‪:‬‬
‫( حق الو صول للمعلومات ‪ -‬حق الطلع على المعلومات ‪ -‬حق الح صول‬
‫على المعلومات )‪.‬‬

‫(‪ )30‬استحدثت الدراسة توصيفا لسلطة النظم العلمية يصفها أنها‪« :‬سلطة كاشفة‪ ،‬تضطلع‬
‫بمه مة ت سليط الضوء على أنش طة سلطات المجت مع الخرى ونظ مه الفرع ية فى كا فة‬
‫المجالت‪ .‬ويمارس هذه ال سلطة كل من المؤ سسات العلم ية وجماه ير المتلق ين من‬
‫خلل ممار ستهم لحقوق هم العلم ية الناب عة من مجمو عة الحقوق العلم ية للن سان‪،‬‬
‫وذلك بهدف ج مع المعلومات والراء ‪ -‬حول ال سلطات والن ظم الفرع ية فى المجت مع ‪-‬‬
‫وترتيبها وتصنيفها وصياغتها والتعليق عليها ونشرها »‪.‬‬

‫(‪ )31‬اسهتنبطت الدراسهة مهن فحهص التصهنيفات المتعددة لوظائف النظهم العلميهة ان تلك‬
‫الوظائف تدور فى مجمل ها حول مضمون وا حد مه ما تعددت الهداف و هو ن قل المعر فة‬
‫للجماهير‪ ،‬ويتم ذلك إما بأسلوب مباشر يتمثل فى وظائف ( مراقبة البيئة ‪ -‬نقل التراث ‪-‬‬
‫التشاور ‪ -‬المراق بة ‪ -‬العلم ‪ -‬التماس المعلومات )‪ ،‬أو بأ سلوب غ ير مبا شر يتم ثل فى‬
‫وظائف ( ترابهط أجزاء المجتمهع ‪ -‬الترفيهه ‪ -‬تدعيهم المعاييهر الجتماعيهة ‪ -‬التنشئة ‪-‬‬
‫التماسك الجتماعى ‪ -‬التعبئة ‪ -‬المساعدة فى التحرر العاطفى‪ ..‬إلخ )‪.‬‬

‫(‪ )32‬استحدثت الدرا سة توصيفا لم سئولية النظم العلمية يصفها أنها‪ « :‬مسئولية معرفية‬
‫صرفة‪ ،‬تضطلع بمه مة الن قل الوا فى للمعر فة الكام نة فى المعلومات والراء والقوال‬
‫والفكار والبداعات التى يوفرها المجتمع‪ ،‬وذلك بهدف نقلها لجماهير المتلقين »‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪397‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )33‬اسهتنبطت الدراسهة أن الطابهع المعرفهى للمسهئولية المعرفيهة يجعلهها تتسهم بعدد مهن‬
‫الخصائص كالتالى‪:‬‬
‫إنها مسئولية ( مطلقة )‪.‬‬ ‫أ ‪-‬‬
‫إنها مسئولية ( ديمقراطية )‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫إنها مسئولية ( شعبية )‪.‬‬ ‫ج‪-‬‬
‫إنها مسئولية ( عالمية )‪.‬‬ ‫د ‪-‬‬
‫هه ‪ -‬إنها مسئولية ( شاملة ‪ -‬عملية ‪ -‬قياسية )‪.‬‬

‫(‪ )34‬استحدثت الدراسة مصطلح « البعاد العملية للمسئولية المعرف ية » وهو يعنى البعاد‬
‫ال تى تمارس الم سئولية المعرف ية أنشطت ها العمل ية فى إطار ها‪ ،‬وتتم ثل هذه البعاد فى‬
‫الطراف التهى يتكون منهها النظام العلمهى‪ .‬وتوصهلت الدراسهة إلى أن دخول مفهوم‬
‫المسئولية المعرفية على عملية التصال النسانى‪ ،‬سيؤدى إلى ضرورة مراجعة الدوار‬
‫التى تضطلع بها كافة أطراف العملية التصالية‪ ،‬بحيث تتواءم تلك الدوار مع منطلقات‬
‫الطابع المعرفى للمسئولية المعرفية وخصائصها‪.‬‬

‫(‪ )35‬تو صلت الدرا سة إلى أن مراج عة دور الر سائل العلم ية باعتبار ها الطرف المعر فى‬
‫فى البعاد العمل ية لمفهوم الم سئولية المعرف ية‪ ،‬يطرح أهم ية ا ستحداث عدد من النماذج‬
‫والقواعد المرشدة التى تجعل الرسائل العلمية تحقق النقل الوافى للمعرفة الكامنة فيها‪.‬‬
‫ل ‪ -‬المعرفهة أخيرا ‪ -‬المعرفهة فقهط ]‬
‫حيهث اسهتحدثت الدراسهة نموذج [ المعرفهة أو ً‬
‫باعتباره قاعدة مرشدة للرسائل العلمية فى استهدافها الوحيد للمعرفة‪.‬‬
‫كمها اسهتحدثت الدراسهة نموذج [ حريهة الرسهالة ‪ -‬احتمالت التأثيهر ‪ -‬التدخهل‬
‫العلمى ] وهو نموذج استفهامى متدرج يسمح من خلل الجابة على خمسة تساؤلت‬
‫بدراسهة احتمالت التأثيهر الضار للرسهالة العلميهة عنهد نشرهها‪ .‬بحيهث إذا ثبهت أن‬
‫الر سالة العلم ية سينشأ عن ها أ ثر مادى مبا شر ضار بالشخاص والممتلكات‪ ،‬فإن هذا‬
‫يسهتدعى إجراء تدخلت تحرير ية على ها مش الرسهالة العلميهة لمحاولة تخفيهف هذه‬
‫الضرار‪ ،‬ول كن بشرط أن ل يكون من ض من خيارات التد خل العل مى ممار سة أى‬
‫صورة من صور الحظر لتلك الرسالة العلمية‪.‬‬
‫كما استحدثت الدراسة « مبدأ العرض المتوازن » الذى يعتمد على نموذج [ الحدث ‪-‬‬
‫الطراف ] والذى يم كن ا ستخدامه كنموذج إرشادى ع ند ال صياغة التحرير ية للر سائل‬
‫العلم ية الخبار ية أو التحقيقات العلم ية أو البرا مج الحوار ية الخلف ية‪ ،‬ب ما يض من‬
‫تحقق النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪398‬‬ ‫‪-‬‬

‫كما استحدثت الدراسة نموذج [ الرسالة الدرامية ‪ -‬المعلومات المرجعية ] والذى يمكن‬
‫اسهتخدامه كنموذج إرشادى عنهد عرض العمال الدراميهة التاريخيهة أو السهياسية‪ ،‬بمها‬
‫يضمن توفير معرفة وافية للمتلقى حول المصادر المادية أو النسانية التى تم الستناد‬
‫إليها عند كتابة العمل الدرامى‪.‬‬
‫ك ما ا ستحدثت الدرا سة نموذج [ الر سالة الدرام ية ‪ -‬التغل يف ] والذى يم كن ا ستخدامه‬
‫كنموذج إرشادى ع ند عرض العمال الدرام ية الباح ية أو ال تى تتض من مشا هد جن سية‬
‫أو موضوعات جنسهية‪ ،‬وعنهد عرض درامها العنهف أو الدرامها فوق السهنية والتهى ل‬
‫تتناسب مع فئات عمرية معينة‪ .‬بحيث يوفر ذلك النموذج المكانية لوضع تلك العمال‬
‫فى سياق تحذيرى يتض من تغليف ها بالشارات التحذير ية ال تى تو ضح مضمون ها‪ ،‬ب ما‬
‫يضمن توفير الفرصة لتجنبها من الفئات التى ل ترغب فى التعرض لها‪.‬‬
‫كما استحدثت الدراسة نموذج [ الجودة ‪ /‬المثير ‪ -‬القدرة ‪ /‬الستجابة ] والذى يضمن‬
‫عرض معرفهة وافيهة عهن مضمون الرسهائل العلنيهة‪ ،‬بحيهث يتهم وضهع السهلعة فهى‬
‫مواجههة المسهتهلك فهى ظهل علقهة إيجابيهة‪ ،‬ل تتجاههل حهق المعلن فهى محاولة إبراز‬
‫ال سلعة وتجميل ها‪ ،‬ول تتجا هل حق الم ستهلك فى معر فة الموا صفات الخا صة بال سلعة‬
‫ومدى جودتها وقيمتها السعرية‪.‬‬

‫(‪ )36‬تو صلت الدرا سة إلى أن مراج عة دور و سائل العلم باعتبار ها الطرف التكنولو جى‬
‫فى البعاد العملية لمفهوم المسئولية المعرفية يطرح استحداث نموذج [ النطاق الواسع ‪-‬‬
‫النطاق الضيق ]‪ ،‬الذى يعنى أن النظام العلمى يضمن أن تكفل وسائله العلمية فى‬
‫مجموعهها نطاقهى العلم الجماهيرى الواسهع المتوجهه إلى الجماهيهر العريضهة رغهم‬
‫اختلف خصهائصها‪ ،‬والعلم الجماهيرى الضيهق المتخصهص الموجهه إلى جماعات‬
‫نوعية من الجماهير وفقا لخصائصها وسماتها وانتماءاتها‪.‬‬

‫(‪ )37‬توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور المؤسسات العلمية باعتبارها الطرف العتبارى‬
‫فى البعاد العملية لمفهوم المسئولية المعرفية يطرح استحداث نموذج [ الربح ‪ -‬المعرفة ]‬
‫والذى يضمن العتراف بحق المؤسسات العلمية فى الربح‪ ،‬فى مقابل التزامها بمسئولية‬
‫النقل الوافى للمعرفة‪ .‬وقد قدمت الدراسة عددا من الجراءات التنظيمية التى ينبغى التزام‬
‫المؤسسات العلمية بها حتى يمكن تفعيل هذا النموذج‪.‬‬

‫(‪ )38‬توصهلت الدراسهة إلى أن مراجعهة دور القائم بالتصهال باعتباره يمثهل أحهد الطراف‬
‫الفاعلة فهى البعاد العمليهة لمفهوم المسهئولية المعرفيهة‪ ،‬يطرح تبنهى نموذج [ الجماهيهر‬
‫‪-‬‬ ‫‪399‬‬ ‫‪-‬‬

‫كموكهل ‪ -‬القائم بالتصهال كوكيهل ] والذى يضمهن ممارسهة القائم بالتصهال لدوره‬
‫العلمى باعتباره وكيلً فى مواجهة الجماهير صاحبة التوكيل‪ ،‬ويتمحور موضوع تلك‬
‫الوكالة حول النقل الوافى للمعرفة إلى تلك الجماهير‪.‬‬

‫(‪ )39‬توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور جماهير المتلقين باعتبارهم يمثلون الطراف‬
‫الفاعلة فههى البعاد العمليههة لمفهوم المسههئولية المعرفيههة يطرح تبنههى نموذج‬
‫[ المتل قى ‪ -‬الفاعل ية ] والذى يض من اضطلع جماه ير المتلق ين بنشاط عملى إيجا بى‬
‫لضمان التزام المؤسسات العلمية بدورها فى النقل الوافى للمعرفة‪ .‬بحيث يتجاوز‬
‫هذا الدور الجديهد للمتلقهى التفاعليهة اللفظيهة أو المطبوعهة المتاحهة للمتلقيهن حاليا‪،‬‬
‫ليرت قى إلى إطار الفاعل ية العمل ية المتمثلة فى إنشاء الجمعيات والمنظمات والمرا كز‬
‫التهى تتولى متابعهة أنشطهة المؤسهسات العلميهة لضمان التزامهها بمسهئولية النقهل‬
‫الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫(‪ )40‬توصلت الدراسة إلى أن غياب أية أساليب لقياس مدى قيام النظم العلمية بمسئوليتها‬
‫المعرفيهة سهيؤدى إلى عدم فاعليهة كافهة القواعهد المرشدة والنماذج التهى تهم اسهتحداثها‬
‫لتفع يل البعاد العمل ية لمفهوم الم سئولية المعرف ية‪ .‬وبالتالى تتحول تلك القوا عد والنماذج‬
‫إلى قواعد نظرية مجردة غير قابلة للتطبيق‪ ،‬المر الذى يستلزم أهمية استحداث أساليب‬
‫قياسية توفر المكانية لمتابعة مدى التزام النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية‪.‬‬

‫(‪ )41‬استنبطت الدراسة أن هناك ثلثة عوامل كمية تؤثر على النقل الوافى للمعرفة بالنظم‬
‫العلمية‪ ،‬وفى سبيل ذلك استحدثت ثلثة مؤشرات كالتالى‪:‬‬
‫درجة شفافية المجتمع‪ :‬وهى تشير إلى نسبة القيود المجتمعية ( التشريعية والعملية )‬
‫غير الفاعلة بالمجتمع التى تسمح بمرور جزء معلوم من المعلومات العلمية الخام إلى‬
‫المؤ سسات العلم ية‪ ،‬وبالتالى فإن هذا المؤ شر يو ضح در جة نفاذ ية المجت مع لتمر ير‬
‫المعلومات العلمية الخام إلى النظام العلمى‪.‬‬
‫در جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية‪ :‬و هى تش ير إلى ن سبة القيود الذات ية غ ير الفاعلة‬
‫بالمجتمهع التهى تسهمح بنشهر جزء معلوم مهن المعلومات الداخلة للمؤسهسات العلميهة‪،‬‬
‫وبالتالى فإن هذا المتغ ير يو ضح در جة نفاذ ية المؤ سسات العلم ية لتمر ير المعلومات‬
‫الداخلة إليها إلى جماهير المتلقين‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪400‬‬ ‫‪-‬‬

‫القدرات التكنولوجيهة للنظام العلمهى‪ :‬وههى تشيهر إلى النطاق الذى تنتشهر فيهه‬
‫المعلومات المنشورة من المؤ سسات العلم ية‪ ،‬وبالتالى فإن هذا المتغ ير يو ضح ن سبة‬
‫انتشار وسائل العلم فى المجتمع‪.‬‬
‫وتؤدى هذه المتغيرات الثلثة من خلل تحركها ارتفاعا وانخفاضا إلى التأثير السلبى‬
‫أو اليجابهى على حجهم المعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة‪ ،‬وبالتالى التأثيهر على‬
‫مسئولية النقل الوافى للمعرفة‪.‬‬

‫(‪ )42‬استحدثت الدراسة « طريقة تقديرية » يمكن من خللها حساب كل من درجة شفافية‬
‫المجتمع ودرجة شفافية المؤسسات العلمية وذلك نظرا لغلبة الطابع الكيفى غير القابل‬
‫للحصهاء الكمهى على تلك المؤشرات‪ .‬وقهد تهم التوصهل مهن خلل تلك الطريقهة إلى‬
‫المعادلتين الرياضيتين التاليتين‪:‬‬

‫درجة شفافية المجتمع =‬


‫نسبة القيود التشريعية غيرالفاعلة ‪ +‬نسبة القيود‬
‫العملية غير الفاعلة‬
‫النسب التقديرية لنفتاح‬ ‫مجموع مقدار‬
‫‪2‬‬ ‫درجة شفافية المؤسسات العلمية =‬
‫مؤسسات المجتمع‬
‫عدد مؤسسات المجتمع‬

‫(‪ )43‬استحدثت الدراسة معادلة إحصائية يمكن من خللها حساب « القدرات التكنولوجية للنظم‬
‫العلمية » وذلك كالتالى‪:‬‬
‫مجموع نسب انتشار وسائل‬
‫القدرات التكنولوجية للنظام العلمى =‬
‫العلم فى المجتمع‬
‫عدد وسائل العلم فى العالم‬
‫ويمكهن الحصهول على نسهب انتشار وسهائل العلم فهى أى مجتمهع مهن خلل‬
‫الحصاءات السنوية التى توضح هذه المؤشرات‪.‬‬

‫(‪ )44‬اسهتحدثت الدراسهة مصهطلح القيمهة الماديهة النسهبية للمعلومات العلميهة المحظورة‬
‫ويشير هذا المصطلح إلى « المردود المادى العائد على المؤسسات العلمية أو القائمين‬
‫بالتصال نتيجة عدم النقل الوافى للمعرفة الكامنه بالمعلومات العلمية إلى المجتمع »‪.‬‬
‫ويشيههر مصههطلح المردود المادى إلى‪ :‬الوزن القتصههادى للمعلومات العلميههة‬
‫المحظورة‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪401‬‬ ‫‪-‬‬

‫ويش ير م صطلح الوزن القت صادى إلى‪ :‬مقدار الفائدة القت صادية الكام نة بالمعلومات‬
‫العلم ية المحظورة‪ ...‬و قد تو صلت الدرا سة إلى المعادلة التال ية لقياس القي مة الماد ية‬
‫النسبية للمعلومات العلمية المحظورة وذلك كالتالى‪:‬‬
‫القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية المحظورة =‬
‫درجــة شفافيــة المجتمــع × معامــل الحظــر )‪ × 2‬القدرات التكنولوجيــة )‬
‫للنظام العلمى‬

‫(‪ )45‬استحدثت الدراسة مقياسا لحساب درجة حرية النظم العلمية من أجل إيجاد مؤشر‬
‫عام يوضح ممارسات النظم العلمية التى تتراوح فيما بين الحرية أو التوجيه‪ ،‬وذلك‬
‫مهن خلل ضهم المؤشرات الثلثهة ‪ -‬التهى تهم اسهتحداثها لقياس درجهة شفافيهة النظام‬
‫العل مى أو القدرات المعرف ية للنظام العل مى أو القي مة الماد ية الن سبية ‪ -‬فى مؤ شر‬
‫واحهد يتجاوز الجانهب الواحهد الذى كان يقدمهه كهل مؤشهر منهها عن النظام العلمهى‪،‬‬
‫ويقدم صورة عامة عن مدى التزام النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية‪.‬‬
‫وقهد توصهلت الدراسهة إلى المعادلة التاليهة لقياس درجهة حريهة النظام العلمهى وذلك‬
‫كالتالى‪:‬‬
‫مقياس درجة حرية النظام العلمى =‬
‫شفافية النظام العلمى ‪+‬‬
‫درجة (‬
‫القدرات المعرفية‬
‫) ‪ -‬القيمـة المــادية‬
‫‪2‬‬
‫وقد تم تصميم مدرج يوضح الدرجات المختلفة لحرية النظم العلمية‪ ،‬وذلك كالتالى‪:‬‬
‫• النظم العلمية المقيدة‪ :‬درجة الحرية = من صفر إلى ‪0.24999‬‬
‫• النظم العلمية المقيدة نسبيا‪ :‬درجة الحرية = من ‪ 2.5‬إلى ‪0.49999‬‬
‫• النظم العلمية متوسطة التقييد والحرية‪ :‬درجة الحرية = من ‪ 0.50‬إلى ‪0.74999‬‬
‫• النظم العلمية الحرة نسبيا‪ :‬درجة الحرية من ‪ 0.75‬إلى ‪0.99999‬‬
‫• النظم العلمية الحرة‪ :‬درجة الحرية = ‪1‬‬

‫(‪ )46‬اسهتحدثت الدراسهة طريقهة توضهح نوع التدخهل العلمهى المناسهب لتخفيهف الثار‬
‫الضارة المحتملة للرسهائل العلميهة التهى تنتههك الحقوق المضادة للحقوق العلميهة‪،‬‬
‫وأطلقت على هذه الطريقة‪ :‬الطريقة الحتمالية لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة‬
‫الثار الضارة المحتملة للرسهائل العلميهة‪ ،‬بحيهث يتهم مهن خلل هذه الطريقهة إجراء‬
‫دراسهة احتماليهة توضهح مدى انتهاك الرسهالة العلميهة لحهد الحقوق المضادة للحقوق‬
‫‪-‬‬ ‫‪402‬‬ ‫‪-‬‬

‫العلم ية‪ ،‬وإجراء التدخلت العلم ية المنا سبة للتخف يف من الضرار المترت بة على‬
‫هذا النتهاك‪.‬‬
‫وقهد عرضهت الرسهالة لعدد ( ‪ ) 7‬نماذج لتوصهيف التدخهل العلمهى للتخفيهف مهن‬
‫الضرار المترتبة على انتهاك الحقوق التالية‪:‬‬
‫حق حماية المن القومى والسرار العامة‪.‬‬ ‫•‬
‫حق حماية أخلقيات وقيم المجتمع‪.‬‬ ‫•‬
‫حق حماية طوائف المجتمع‪.‬‬ ‫•‬
‫حق حماية تشريعات وقوانين المجتمع‪.‬‬ ‫•‬
‫حق حماية السمعة والعتبار‪.‬‬ ‫•‬
‫حق حماية الخصوصية والسرار الخاصة‪.‬‬ ‫•‬
‫حق كفالة المحاكمة العادلة‪.‬‬ ‫•‬
‫و قد تو صلت الدرا سة‪ ..‬إلى أن التدخلت العلم ية الوا جب ممار ستها للتخف يف من‬
‫الثار الضارة الناشئة عن نشر الرسائل العلمية التى تنتهك تلك الحقوق‪ ..‬تتلخص فى‬
‫التى‪:‬‬
‫إرجاء الن شر لمدى زم نى معلوم في ما يتعلق بالر سائل ال تى تنت هك حق حما ية‬ ‫•‬
‫المن القومى والسرار العامة‪.‬‬
‫التعل يق على الر سائل العلم ية أو ن شر ر سائل مضادة ل ها فى حالة انتهاك ها‬ ‫•‬
‫لحق حماية قيم المجتمع أو حق حماية طوائف المجتمع‪.‬‬
‫التغليهف بإشارات تحذيريهة للرسهائل التهى تنتههك حهق أخلقيات المجتمهع فهى‬ ‫•‬
‫المجتمعات التى ل تجرم قوانينها الدعارة‪.‬‬
‫التنو ية وإبلغ ال سلطات‪ ،‬أو العرض الخاص غ ير التجارى مع إبلغ ال سلطات‬ ‫•‬
‫فيمها يتعلق بالرسهائل العلميهة الناتجهة عهن أو التهى تحرض على أو التهى تنطوى‬
‫على أفعال غير مشروعة‪ ،‬والتى تنتهك حق حماية تشريعات المجتمع‪.‬‬
‫ن شر الحرف الولى من ال سماء مع اللتزام بالك شف عن تلك ال سماء كاملة‬ ‫•‬
‫ل كل من ير يد الطلع علي ها‪ ،‬فى حالة الر سائل العلم ية ال تى تنت هك حق حما ية‬
‫السمعة والعتبار وحق حماية الخصوصية والسرار الخاصة‪.‬‬
‫توضيهح عدم حياد أو عدم توازن المعلومات المتوفرة عهن أطراف المحاكمات‬ ‫•‬
‫القضائية فى حالة الرسائل العلمية التى تنتهك حق الفراد فى محاكمة عادلة‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪403‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )47‬صممت الدراسة نموذجا تخطيطيا يوضح البنية الهيكلية للنظم العلمية الراهنة‪ .‬وقد‬
‫أوضح هذا النموذج مدى التأثير السلبى الذى تمارسه القيود المعرفية المجتمعية والذاتية‬
‫على درجة شفافية النظم العلمية بما يؤدى إلى حظر جانب من الحداث والوقائع التى‬
‫تحدث بالمجتمهع تحهت وطأة الموانهع التهى تفرضهها تلك القيود‪ .‬كمها أوضهح النموذج‬
‫علقات الشراف والسهيطرة ( الحكوميهة والحزبيهة والمؤسهسية ) التهى تخضهع لهها‬
‫المؤسسات العلمية‪ ،‬والتى تنبع من العتبارات الناتجة عن القيود التشريعية والذاتية‪،‬‬
‫التى تتيح للحكومات ممارسة سيطرة رسمية أو غير رسمية على المؤسسات العلمية‪،‬‬
‫وتتيح لدوائر المال والعمال والسياسة ممارسة سيطرة أيدلوجية أو سيطرة غير رسمية‬
‫( احتكارية ) من خلل تكوين تكتلت واندماجات احتكارية تمارس تأثيرها السلبى على‬
‫فاعليات المؤسسات العلمية‪.‬‬

‫(‪ )48‬صهممت الدراسهة نموذجا تخطيطيا مسهتحدثا ‪ -‬للنظام العلمهى المسهئول معرفيا ‪-‬‬
‫يختلف عن نموذج النظم العلمية الراهنة فى كل من‪:‬‬
‫البنيهة الهيكليهة ( المواصهفات )‪ :‬حيهث يتسهم بغياب القيود التشريعيهة والقيود‬ ‫•‬
‫العمليهة مهن بنيتهه التركيبيهة‪ .‬كمها يتسهم بتقلص القيود الذاتيهة واقتصهارها على قيود‬
‫السيطرة والملكية الحكومية والحزبية والمؤسسية‪ ،‬وقيود الملكية الحتكارية‪ ،‬وقيود‬
‫الجمهور الموجه‪ ،‬بينما تغيب تماما القيود الفلسفية من تلك البنية‪ ،‬نظرا لتبنى النظام‬
‫العلمى المسئول معرفيا لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪.‬‬
‫النشطة العملية‪ :‬حيث تمارس كافة أطراف النظام العلمى المسئول معرفيا‬ ‫•‬
‫أدوارا جديدة‪ ،‬من خلل ممار سة التدخلت العلم ية التحرير ية وت طبيق القوا عد‬
‫المُرشدة غ ير الحاك مة ال تى تض من التزام كا فة الطراف العلم ية بمه مة الن قل‬
‫الوافى للمعرفة‪.‬‬
‫تقي يم وتقو يم الداء‪ :‬ح يث يم نح النظام العل مى الم سئول معرفيا مه مة تقي يم‬ ‫•‬
‫وتقويهم الداء إلى جماهيهر المتلقيهن بجانهب المنظمات المهنيهة والنقابيهة‪ ،‬مهن خلل‬
‫تنظيهم الجماهيهر لمنظمات المجتمهع المدنهى التهى تتولى الدفاع عهن قواعهد ومبادئ‬
‫الم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية‪ .‬ويو فر النظام العل مى الم سئول معرفيا لتلك‬
‫المنظمات الجماهيريهة الشعبيهة أسهاليب قياسهية تتيهح قياس أداء النظام العلمهى‬
‫بصورة كمية‪ ،‬بالضافة إلى أساليب احتمالية لتقييم مدى فاعلية التدخلت العلمية‬
‫لتجنب الثار الضارة المحتملة لبعض الرسائل العلمية‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪404‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )49‬ا ستنبطت الدرا سة من خلل التحل يل النقدى للطروحات ال تى قدمت ها نظريات التأث ير‬
‫العل مى والنظريات النقد ية ومدر سة التبع ية ‪ -‬حول دور و سائل العلم فى تشك يل‬
‫الوعهى الجتماعهى‪ ،‬ومدى مسهايرة هذه الطروحات للبعاد العلميهة للعولمهة ‪ -‬عددا‬
‫من أوجه القصور فى تلك الطروحات تمثلت فى التى‪:‬‬
‫الخطأ فى التعميم الذى وقعت فيه نظريات التأثير المعتدل لوسائل العلم عندما‬ ‫•‬
‫عممهت نتائج دراسهاتها المبريقيهة حول التأثيرات المتواضعهة والمشروطهة لوسهائل‬
‫العلم‪ .‬إذ إن تلك النتائج وإن كا نت تت فق مع أوضاع جماه ير المتلق ين فى الن ظم‬
‫العلمية الحرة بالدول المتقدمة نتيجة الخبرات التى اكتسبوها من خبرات التعامل‬
‫فى ظل نظم إعلمية تتعدد فيها الراء وتتنافس‪ ،‬إل أن تلك النتائج ل تتفق ‪ -‬على‬
‫القهل حتهى الن ‪ -‬مهع أوضاع جماهيهر المتلقيهن بالنظهم العلميهة الموجههة التهى‬
‫ت صبح في ها آثار و سائل العلم غ ير متواض عة نتي جة ممار سة تلك الن ظم ل ساليب‬
‫دعائيهة تهدف إلى تزييهف وعهى المتلقيهن‪ .‬وعلى الرغهم مهن تجاوز التطورات‬
‫التكنولوجيهة للقيود والحدود الجغرافيهة والقانون ية مهن خلل البهث الفضائى المباشهر‬
‫وفاعليات شبكة النترنت‪ ،‬إل أن عائق اللغة وعائق محدودية اهتمام النظم العلمية‬
‫الجنبية بالقضايا المحلية فى الدول التى ل تنتمى إليها‪ ،‬يؤديان إلى ضعف تأثير هذه‬
‫المسهتجدات حتهى الن واسهتمرار المتلقهى ‪ -‬فهى النظهم العلميهة الموجههة ‪ -‬فهى‬
‫وضعية المتلقى السلبى غير النشيط‪ ،‬القابل لتزييف وعيه من خلل وسائل العلم‪.‬‬
‫وقوع النظريات النقد ية ومدر سة التبع ية فى ن فس الخ طأ التعمي مى ح ين عم مت‬ ‫•‬
‫الثار القوية لوسائل العلم فى النظم العلمية الموجهة على جماهير المتلقين فى‬
‫النظهم العلميهة الحرة‪ ،‬على الرغهم مهن أن جماهيهر المتلقيهن فهى الدول المتقدمهة‬
‫تمكنوا من تكوين خبرات إعلمية تجعلهم فى وضعية المتلقى العنيد النشط الذى يفند‬
‫الرسائل العلمية المتنافسة‪.‬‬
‫تجاهل النظريات النقدية ومدرسة التبعية للنتائج التى رتبتها استراتيجية العولمة‬ ‫•‬
‫للتش ظى والتجزؤ والنق سام م ما أدى إلى القضاء على وضع ية سريان الت صال فى‬
‫اتجاه واحهد مهن الشمال إلى الجنوب‪ .‬حيهث بدأت النظهم العلميهة المتعددة تخترق‬
‫حقهل البهث العلمهى الفضائى‪ ،‬وبالتالى أدى ذلك إلى سهريان التصهال مهن كهل‬
‫التجاهات‪.‬‬
‫تجاههل النظريات النقديهة ومدرسهة التبعيهة للنتائج التهى رتبتهها فاعليات شبكهة‬ ‫•‬
‫النتر نت وأدت إلى ال حد من القدرة على ممار سة الختراق الثقا فى على الم ستوى‬
‫العال مى‪ .‬ح يث تت يح شب كة النتر نت ‪ -‬من خلل نطاق بث ها العر يض والوا سع ‪-‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪405‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفر صة لكا فة الثقافات والجماعات للعلن عن نف سها دون تح مل النفقات الباه ظة‬
‫لوسائل العلم التقليدية‪.‬‬
‫خطأ النظريات النقدية ومدرسة التبعية فى التعامل مع المضمون الثقافى الوافد‬ ‫•‬
‫باعتباره يمثهل خطرا فهى حهد ذاتهه‪ ،‬على الرغهم مهن عدم وجود أيهة نتائج إمبريقيهة‬
‫مؤكدة توضح مدى صحة هذا التوجه‪.‬‬
‫تجا هل النظريات النقد ية ومدر سة التبع ية للبعاد القت صادية ال تى تم ثل الخلف ية‬ ‫•‬
‫الحقيقيهة لمواقهف الدول مهن البهث الجنهبى الوافهد‪ ،‬إذ إن الصهراع على المصهالح‬
‫القتصادية للدول حول استثمارات الصناعات العلمية والثقافية هو الصل فى هذا‬
‫المر‪ ،‬وليس الخطر الثقافى‪.‬‬
‫غلبهة الطابهع اليدلوجهى على التوجهات التهى انطلقهت منهها النظريات النقديهة‬ ‫•‬
‫ومدر سة التبع ية بح يث تجاهلت ‪ -‬فى أغلب الحوال ‪ -‬اليجابيات ال تى تح ظى ب ها‬
‫نظم العلم فى الدول الغربية‪.‬‬

‫(‪ )50‬توصهلت الدراسهة إلى أن اسهتمرار تبنهى النظهم العلميهة للمرجعيات الفلسهفية غيهر‬
‫الملئمة التى تعترف بوجود القيود المعرفية ببنية النظم العلمية‪ ،‬سيؤدى إلى تكريس‬
‫التقدم التكنولوجهى الفائق ‪ -‬وتكريهس مظاههر العولمهة ‪ -‬لممارسهات الختراق الثقافهى‬
‫المتبادل على مسهتوى العالم إلى الحهد الذى يصهل إلى حروب ثقافيهة متبادلة تُعبّر عهن‬
‫صدام الحضارات‪ ،‬بالضا فة إلى تكري سها لممار سات تزي يف الو عى على الم ستويات‬
‫المحليهة‪ .‬وذلك انطلقا مهن أن اسهتمرار تبنهى المرجعيات الفلسهفية القائمهة التهى تروج‬
‫لمسئوليات غير إعلمية للنظم العلمية‪ ،‬سيؤدى إلى اعتراف المجتمعات ضمنيا بتقييد‬
‫القدرات المعرف ية لتلك النظم‪ ،‬وبالتالى استغللها من خلل القوى المجتمع ية أو العالم ية‬
‫المتناف سة فى ممار سات تزي يف الو عى على الم ستويات المحل ية وممار سات الختراق‬
‫الثقافهى على المسهتويات العالميهة‪ ..‬وبالتالى فإن العتراف بالوظيفهة المعرفيهة للنظهم‬
‫العلميهة ( المسهئولية المعرفيهة ) ‪ -‬تلك المسهئولية التهى تتبنهى مبدأ الحريهة المطلقهة‬
‫للتعبير ‪ -‬يمثل الضمان المناسب لحماية النظم العلمية من تلك الممارسات‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪406‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثالثـاً‪ :‬اختبار الفرض المطـروح بالدراسـة‪:‬‬


‫الفرض المطروح بالدراسهة‪ :‬تمثهل العولمهة المشروع الفكرى والعملى للرأسهمالية‬
‫العالمية فى سعيها نحو السيطرة على العالم‪ ،‬حيث تدفع العولمة نحو تكوين الكيانات الكبرى‬
‫وسحق الكيانات الصغيرة على كافة المستويات السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية‪.‬‬

‫كشفت الدراسة عن عدم دقة الفرض المطروح بالدراسة الذى كان قد تم استنباطه من‬
‫العديهد مهن الكتابات العربيهة والجنبيهة التهى اطلع عليهها الباحهث‪ ،‬والتهى توصهّف العولمهة‬
‫باعتبارها المشروع الفكرى والعملى للرأسمالية العالمية فى سعيها نحو السيطرة على مقدرات‬
‫دول العالم‪.‬‬

‫ولكهن التحليهل المتعمهق لظاهرة العولمهة مهن خلل التعرف على مداخلهها التاريخيهة‬
‫والمعرفيهة والفلسهفية‪ .‬والتعرف على مؤسهساتها ومظاهرهها وأبعادهها‪ .‬كهل ذلك يكشهف عهن‬
‫ت صور مغا ير لظاهرة العول مة يبت عد ب ها عن الت صورات غ ير الدقي قة النات جة عن عدم الف هم‬
‫العلمى للظاهرة أو عن التفسير اليدلوجى الضيق لها‪.‬‬

‫ولقد كشفت الدراسة عن أن ظاهرة العولمة ليست من صنع الرأسمالية العالمية ول من‬
‫صنع غيرها من القوى‪ .‬لن الواقع يقرر بأن العولمة لم يخترعها ولم يصنعها ولم يخطط لها‬
‫أحد‪ ،‬وليس معنى ذلك أنها صنعت نفسها بنفسها‪ .‬وإنما هذا يعنى أن العولمة ما هى إل مرحلة‬
‫متقدمهة فهى وعهى النسهانية بالعالم مهن حولهها‪ .‬حيهث أدى تراكهم المنجزات النسهانية‬
‫( الفكر ية والتكنولوج ية ) إلى إدراك الن سانية للمشتركات الماد ية والمعنو ية فى هذا العالم‬
‫والتى تجمع البشرية كلها فى بوتقة واحدة‪ .‬فالعولمة هى نتاج لمحاولت النسان التراكمية منذ‬
‫بدء الخليقة لتركيب وتفكيك العالم من حوله‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪407‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبالتالى فقد قادت محاولت النسان لتركيب العالم من حوله ( تكوين رؤية عن أبعاد‬
‫العالم ) إلى إدراك المشترك الن سانى المادى ال كبر‪ ،‬الذى يتم ثل فى الكون الذى هو م ستقر‬
‫ومستودع لكل شئ‪.‬‬

‫كما قادت محاولت النسان لتفكيك العالم من حوله ( تكوين رؤية عن أصل الشياء )‬
‫إلى إدراك المشترك النسانى الصغر‪ ،‬الذى يتمثل فى البنية الذرية التى هى أصل كل شئ‪.‬‬
‫وبإدراك النسهان للمشترك النسهانى المادى الكهبر والمشترك النسهانى المادى الصهغر‪..‬‬
‫أدراك بذلك الجا نب المادى لظاهرة العول مة والذى يتم ثل فى أن كو كب الرض ( العالم ) هو‬
‫المشترك الن سانى المادى الذى ي قف ب ين الذرة الدقي قة والكون الشا سع العظ يم ل كى ي ضم على‬
‫سطحه الجنس البشرى‪.‬‬

‫وبنفهس المن طق فقهد قادت محاولت الن سان للتفك يك والترك يب ‪ -‬للبحهث عن من شأ‬
‫وعيه بذاته وبالعالم من حوله ‪ -‬إلى إدراك المشترك النسانى المعنوى‪.‬‬
‫ح يث قادت عمل ية الترك يب إلى إدراك أن كل هذا الكون ما هو إل نتاج لع قل مطلق‬
‫شامل محيط ‪ -‬غير محدود ‪ -‬يمثله ال سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫كما قادت عملية التفكيك إلى إدراك‪ ،‬أن كلً من التطور النسانى ووعى النسان بذاته‬
‫ما ه ما إل نتاج لع قل محدود جزئى غ ير شا مل يكت سب معار فه بالترا كم والتوارث وال خبرة‬
‫والصواب والخطأ‪ ،‬ويمثل هذا العقل النسان‪.‬‬
‫ولقهد كان المشترك النسهانى المعنوى المناسهب للقيام بدور الوسهيط بيهن العقهل‬
‫المطلق الذى يمثله ال سهبحانه وتعالى‪ ،‬والعقهل المحدود الذى يمثله النسهان‪ ،‬يتمثهل فهى‬
‫« قي مة الحر ية »‪ .‬ح يث تم ثل قي مة الحر ية المشترك الن سانى المعنوى القا بل لتو صيف‬
‫العلقهة بيهن ال والنسهان انطلقا مهن أن الحريهة ههى الشرط اللزم لصهحة إيمان العقهل‬
‫النسهانى المحدود بالعقهل اللههى المطلق‪ ،‬والشرط اللزم لشرعيهة مبدأى الثواب والعقاب‬
‫اللهي ين‪ ،‬فل مجال لح ساب الن سان إل لو امتلك الحر ية للختيار ب ين الخ ير وال شر وب ين‬
‫الخطأ والصواب‪.‬‬
‫وبالتالى فإن المشترك النسهانى المعنوى يتمثهل فى ( الحر ية الن سانية )‪ ،‬تلك القيمهة‬
‫ال تى لو تم كبت ها ومحا صرتها وتقلي صها لف قد الن سان الجو هر والمع نى اللذ ين يمنحا نه التفوق‬
‫على كل كائنات الرض‪.‬‬

‫ونظرا لن ظاهرة العول مة بهذا الف هم ما هى إل نتاج للترك يب والتفك يك فإن ذلك أدى‬
‫إلى أن تحمل العولمة فى داخلها مظاهر تخلقها ونشأتها التى تتمثل فى قدرتها على التركيب‬
‫‪-‬‬ ‫‪408‬‬ ‫‪-‬‬

‫والتفكيك‪ ،‬وبالتالى قدرتها على ممارسة الشيئ ونقيضه‪ .‬ومن هنا كانت مظاهر العولمة أثناء‬
‫ممار ستها لفاعليات ها العمل ية فى الوا قع تؤ كد أن ها ك ما تد فع إلى التو حد والتك تل والندماج‬
‫( التركيب ) فإنها فى نفس الوقت تدفع إلى التشظى والتجزؤ والنقسام ( التفكيك )‪.‬‬

‫وهذا أدى إلى أن يقع التحليل السطحى لظاهرة العولمة‪ ،‬فى مأزق إدراك مظهر واحد‬
‫من مظاهر ها دون إدراك المظ هر ال خر‪ .‬نظرا ل ما يد فع إل يه إدراك المظهر ين من ارتباك‬
‫وتناقض‪.‬‬

‫وفى الواقع‪ ..‬فإن امتلك العولمة لهذه القدرة على الجمع بين الشيئ ونقيضه هى الذى‬
‫تمنح ها صفة الظاهرة الشاملة وتو فر ل ها التوازن فى المج مل العام‪ .‬وتم نع ا ستئثار فر يق ما‬
‫بمفرده بالمكانات ال تى توفر ها هذه الظاهرة‪ .‬فك ما ت ستفيد ب عض القوى من مظا هر العول مة‬
‫للتوحد والتكتل والندماج لتحقيق مصالح معينة‪ ،‬فإن بعض القوى الخرى ستستفيد من مظاهر‬
‫العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام لتحقيق مصالح أخرى‪..‬‬
‫إن هذا الفههم لظاهرة العولمهة يوضهح أنهها كظاهرة شاملة ل تنتمهى إلى قوة أو جههة‬
‫معينهة‪ ،‬وإنمها ههى تنتمهى إلى البشريهة كلهها‪ .‬كمها أنهها ل تصهلح لكهى تكون مشروعا فكريا‬
‫أو عمليا للرأسهمالية العالميهة للسهيطرة على مقدرات الشعوب والدول‪ ،‬وذلك لنهها تسهتعصى‬
‫على التوجيه وتخرج عن نطاق السيطرة‪ ،‬وذلك لدفعها إلى التوحد والتكتل والندماج‪ ،‬فى ذات‬
‫الوقت الذى تدفع فيه إلى التشظى والتجزؤ والنقسام‪ .‬وبالتالى ل يمكن التعامل معها بوصفها‬
‫أيدلوجية لن اليدلوجية أحادية التجاه بينما ظاهرة العولمة تجمع المتناقضات‪.‬‬

‫إن كل ما سبق يو ضح عدم د قة الفرض الول ‪ -‬الذى ا ستنبطته الدرا سة من أغلب‬


‫الكتابات العرب ية والجنب ية حول العول مة ‪ -‬الذى يم ثل الخطاب ال سائد حول العول مة فى دول‬
‫العالم الثالث وفى المنطقة العربية‪ .‬ولعل هذا الخطاب يحمل أسباب ارتيابه فى ظاهرة العولمة‪،‬‬
‫انطلقا من أن جانب ها المعنوى المتم ثل فى قي مة الحر ية يتما ثل ن سبيا مع فكرة الديمقراط ية‬
‫الغربيهة‪ ،‬بينمها جانبهها المادى يشجهع تحريهر التجارة واقتصهاد السهوق واليمان بالعلم‪ .‬ولكهن‬
‫المنطهق الموضوعهى يقرر بأن الديمقراطيهة وتحريهر التجارة والسهوق والنظرة العلميهة كلهها‬
‫مبادئ إن سانية منطق ية فر ضت نف سها لواقعيت ها ول يس لرأ سماليتها‪ ،‬والعتراف بإن سانية هذه‬
‫المبادئ ههو فهى حهد ذاتهه اعتراف بإنهها قابلة دوما للمراجعهة والتصهحيح للحفاظ على جانهب‬
‫العدالة والتوازن فى توجهاتها‪.‬‬

‫والوا قع يو ضح أن العول مة ك ما تقوم على الشركات متعددة الجن سيات ف هى أيضا تقوم‬
‫على منظمات المجتمهع المدنهى‪ ،‬وكمها تروّج لثقافهة عالميهة إنسهانية فههى تفتهح الباب للثقافات‬
‫‪-‬‬ ‫‪409‬‬ ‫‪-‬‬

‫القوم ية‪ .‬وك ما تج عل من شب كة النتر نت سوقا للتجارة اللكترون ية فإن ها تجعل ها أيضا ساحة‬
‫مفتوحة للفكار والمعرفة‪.‬‬

‫‪ ...‬و فى هذا الطار‪ ..‬فإن الدرا سة تقدم ح صيلة الف هم ال سابق للعول مة فى صورة‬
‫فرضيهن تدعهو إلى إعادة اختبارهمها فهى الدراسهات اللحقهة للتأكهد مهن مدى صهحتهما‬
‫وموضوعيتهما وهما كالتالى‪:‬‬

‫تم ثل ظاهرة العول مة مرحلة متقد مة فى و عى الن سان بالعالم من حوله نت جت من‬ ‫•‬
‫خلل محاولت النسان التراكمية عبر الع صور لتركيب وتفك يك ذلك العالم‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫إدراكصه للمشترك النسصانى ( المادى ) المتمثصل فصى « العالم »‪ ،‬والمشترك النسصانى‬
‫( المعنوى ) المتمثل فى « الحرية النسانية »‪.‬‬

‫نظرا لن العولمة نتجت عن التركيب والتفكيك فإن مجمل مظاهرها يتمثل فى دفعها‬ ‫•‬
‫نحصو التوحصد والتكتصل والندماج فصى ذات الوقصت الذى تدفصع فيصه نحصو التشظصى والتجزؤ‬
‫والنقسام‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪410‬‬ ‫‪-‬‬

‫رابعـاً‪ :‬الجـابة على تسـاؤلت الدراسـة‪:‬‬


‫الت ساؤل الول‪ :‬ما هو ال ثر الذى تمار سه عول مة الت صال على المتغيرات الكائ نة‬
‫ببنية النظم العلمية الراهنة‪ ،‬ومن ثم على وظيفتها فى المجتمع؟‬

‫تو صلت الدرا سة إلى أن ال ثر الذى تمار سه عول مة الت صال على المتغيرات الكائ نة‬
‫ببن ية الن ظم العلم ية الراه نة هو أ ثر غ ير متوازن‪ ،‬و من ثم ل ي ساعد تلك الن ظم على القيام‬
‫بأعباء وظيفتها فى المجتمع على الوجه الكمل‪.‬‬

‫وتفصهيل ذلك‪ ..‬أن الدراسهة توصهلت إلى أن المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة فهى بنيهة‬
‫النظام العلمهى تتحدد فهى ثلثهة متغيرات ههى‪ « :‬القدرات المعرفيهة للنظام العلمهى »‬
‫و« درجة شفافية النظام العلمى » و« القدرات التكنولوجية للنظام العلمى »‪ .‬وتنتظم هذه‬
‫المتغيرات الثلثة فى العلقة الرياضية التالية‪:‬‬
‫القدرات المعرفية للنظام العلمى = درجة شفافية النظام العلمى ×‬
‫قدراته التكنولوجية‬
‫وقد أثبتت الدراسة أن المتغيرين الوظيفيين الحاكمين ( المستقلين ) ل يستجيبان بدرجة‬
‫متوازنهة لل ثر الذى تمارسهه عليهمها عولمهة التصهال‪ ،‬وبالتالى فإن المتغيهر الوظيفهى الحاكهم‬
‫( التابع ) الذى يتمثل فى « القدرات المعرفية للنظم العلمية » يتصاعد بدرجة أقل من الدرجة‬
‫التى كان يمكن أن يتصاعد بها‪ ،‬لو كانت استجابة المتغيرين الخرين تتم بدرجة متوازنة‪.‬‬
‫حيث تمارس عولمة التصال تأثيرها على « القدرات التكنولوجية للنظم العلمية »‬
‫انطلقا مهن النتائج التهى ترتبهت على التقدم التكنولوجهى الهائل فهى تكنولوجيات التصهالت‬
‫والعلم والمعلومات‪ ،‬وأدت إلى التكامهل بيهن هذه التكنولوجيات الثلث‪ ،‬مهن خلل التكامهل‬
‫التكنولو جى العضوى فى مجال تكنولوج يا الو سائط الناقلة‪ ،‬والتكا مل التكنولو جى الهيكلى فى‬
‫مجال تكنولوجيها أجهزة السهتقبال والعرض والتصهال‪ .‬المهر الذى أسهفر عهن دمهج وسهائل‬
‫العلم والتصهال والمعلومات فهى بنيهة هيكليهة إلكترونيهة مدمجهة واحدة‪ ،‬يمثلهها الكومهبيوتر‬
‫المتصل بشبكات المعلومات‪ ،‬وأسفر عن التصاعد المطرد فى نسبة انتشار وسائل العلم فى‬
‫المجتمعات المختل فة‪ ،‬وذلك انطلقا من الثار ال تى تمار سها البعاد القت صادية للعول مة وال تى‬
‫تؤدى إلى تب نى سياسات النتاج الض خم وفقا لمبدأ وفورات الح جم ال كبير فى مجال الت صنيع‬
‫التكنولو جى لو سائل الت صال‪ .‬ال مر الذى سيقود ن حو انخفاض القي مة ال سعرية لتلك الو سائل‬
‫بالتزاوج مهع التصهاعد فهى نسهبة انتشارهها على مسهتوى العالم‪ .‬وبالتالى‪ ..‬سهينعكس هذا على‬
‫القدرات التكنولوجية للنظم العلمية بصورة إيجابية‪ ،‬تيتح لغلب تلك النظم الوصول بسهولة‬
‫‪-‬‬ ‫‪411‬‬ ‫‪-‬‬

‫إلى مرحلة التشبع التكنولوجى العلمى‪ ،‬تلك المرحلة التى تعنى وصول القدرات التكنولوجية‬
‫للنظم العلمية إلى حدها القصى‪.‬‬

‫وعلى الجانهب الخهر ‪ ..‬فإن التأثيهر الذى تمارسهه عولمهة التصهال على « درجهة‬
‫شفافية النظم العلمية » يتمثل فى النفجار المعلوماتى والكم المهول من الرسائل العلمية‬
‫ال تى تنهمهر ليهل نهار عبر قنوات التصهال الممتدة عبر أرجاء العالم‪ ،‬ممها أدى إلى تجاوز‬
‫الرسهائل العلميهة للحدود الجغرافيهة والقيود القانونيهة والخصهائص الفنيهة لوسهائل العلم‬
‫التقليد ية‪ ،‬ال مر الذى انع كس إيجابيا على « در جة شفاف ية الن ظم العلم ية »‪ .‬ول كن مازالت‬
‫بعهض العوائق والقيود تمنهع التصهاعد المتسهارع فهى « درجهة شفافيهة النظهم العلميهة »‪،‬‬
‫وتتمثل فى ضعف الثر الذى تمارسه الرسائل العلمية الفضائية الجنبية المخترقة للحدود‬
‫والموا نع القانون ية‪ ،‬وذلك نتي جة العائق اللغوى‪ ،‬ونتي جة عدم قدرة الن ظم العلم ية الجنب ية‬
‫على الهتمام الكهبير بالقضايها المحليهة اليوميهة التهى تحجبهها النظهم العلميهة المحليهة‪ .‬هذا‬
‫بالضافهة إلى التقييهد الكهبير الذى تمارسهه مجموعهة القيود المعرفيهة الكائنهة ببنيهة النظهم‬
‫العلم ية الراه نة‪ ،‬وال تى تتم ثل فى القيود المجتمع ية ( التشريع ية والعمل ية ) والقيود الذات ية‬
‫التهى تمارسهها المؤسهسات العلميهة‪ .‬المهر الذى يؤدى فهى المجمهل العام إلى عدم ارتفاع‬
‫« در جة شفافية النظم العلمية » بن فس الدر جة ال تى تت صاعد ب ها « القدرات التكنولوجية‬
‫للن ظم العلم ية »‪ .‬ويؤدى إلى عدم توازن ال ثر الذى تمار سه عول مة الت صال على هذ ين‬
‫المتغيرين‪ ،‬وبالتالى الحد من الدرجة التى كان يمكن أن تتصاعد وفقا لها « القدرات المعرفية‬
‫للن ظم العلم ية » نتي جة هذا ال ثر غ ير المتوازن‪ .‬ال مر الذى ي سفر عن عدم قدرة الن ظم‬
‫العلمية على القيام بوظيفتها فى المجتمع‪ ،‬والتى تتمثل فى نقل معرفة وافية عن الحداث‬
‫والمجريات والراء والفكار‪ ،‬نتيجهة الثار السهلبية التهى تمارسهها العوائق والقيود المعرفيهة‬
‫على « درجة شفافية النظم العلمية »‪.‬‬

‫وبناءا على ما سبق‪ ..‬يم كن صياغة الجا بة على الت ساؤل ال سابق فى صورة فرض‬
‫يمكن للدراسات اللحقة اختباره‪ ..‬وذلك كالتالى‪:‬‬
‫« تمارس عول مة الت صال أثرا غ ير متوازن على المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية‬
‫النظصم العلميصة‪ ،‬بمصا يؤدى إلى تصصاعد القدرات التكنولوجيصة لتلك النظصم بمعدلت أكثصر‬
‫ت سارعا من ت صاعد در جة شفافيت ها نتي جة الدور ال سلبى الذى تمار سه القيود المعرف ية‬
‫الكائنة فى بنية تلك النظم »‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪412‬‬ ‫‪-‬‬

‫التساؤل الثانى‪ :‬ما هو الثر الذى تمارسه المرجعيات الفلسفية العلمية التى تتبناها‬
‫النظم العلمية الراهنة على القدرات المعرفية لتلك النظم؟‬

‫توصهلت الدراسهة إلى وجود ارتباط بيهن المرجعيات الفلسهفية العلميهة التهى تتبناهها‬
‫الن ظم العلم ية الراه نة وب ين القيود المعرف ية الكائ نة فى بن ية تلك الن ظم‪ ،‬ح يث تعترف كا فة‬
‫المرجعيات الفل سفية العلم ية بشرع ية توا جد القيود المعرف ية ببن ية الن ظم العلم ية بدرجات‬
‫متفاوتة‪ ،‬المر الذى يؤدى إلى إعاقة تصاعد القدرات المعرفية للنظم العلمية‪ ،‬ويؤثر سلبيا‬
‫على قيامها بوظيفتها فى المجتمع‪.‬‬

‫وتفصهيل ذلك‪ ..‬أن الدراسهة عرضهت للتصهنيفات المتعددة لنظريات النظهم العلميهة‬
‫والتى أطلقت عليها الدراسة مصطلح المرجعيات الفلسفية باعتبارها تمثل الخلفية الفلسفية للنظم‬
‫العلمية وتبين من ذلك العرض أن المدى الذى يضم النظم العلمية الراهنة يتراوح ما بين‬
‫كل من‪:‬‬

‫النظهم العلميهة الموجههة‪ :‬يندرج تحتهها وفقا لدرجات متفاوتهة فهى التوجيهه‬ ‫•‬
‫( النظهم السهلطوية ‪ -‬النظهم الشيوعيهة أو الماركسهية أو السهلطوية الجتماعيهة ‪ -‬النظهم‬
‫التنموية أو التقدمية )‪.‬‬

‫النظهم العلميهة الحرة‪ :‬يندرج تحتهها وفقا لدرجات متفاوتهة فهى الحريهة ( النظهم‬ ‫•‬
‫ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههة‬
‫الليبراليه‬
‫أو أنظمهة السهوق ‪ -‬النظهم المسهئولة اجتماعيا أو الليبراليهة الجتماعيهة أو المركزيهة‬
‫الجتماعية أو الديمقراطية الجتماعية ‪ -‬نظم المشاركة الديمقراطية )‪.‬‬

‫ونظرا لن عرض الممارسات العملية لتلك النظم أوضح أن النظم العلمية الموجهة‬
‫تمارس دورهها باعتبارهها أحهد أدوات السهلطة مهن حيهث كونهها أدوات دعائيهة لنظهم الحكهم‬
‫وللترويج اليدلوجى ودعم خطط التنمية‪ ،‬بينما تمارس النظم العلمية الحرة دورها باعتبارها‬
‫سهلطة رابعهة ‪ -‬فهى مواجههة سهلطات الدولة الثلث ‪ -‬مهمتهها تسهليط الضوء على الحداث‬
‫والوقائع والفكار والراء بالمجتمع وتقديمها للجماهير‪ .‬وبالتالى فإن النظم العلمية الموجهة‬
‫ت ستهدف تشك يل و عى المجت مع من أ جل الدولة‪ ،‬بين ما الن ظم العلم ية الحرة ت ستهدف ك شف‬
‫ممارسات الدولة من أجل المجتمع‪ .‬ولكن نظرا لنه ل وجود للدولة بدون المجتمع‪ ،‬فإن كافة‬
‫النظهم العلميهة سهواء الحرة أو الموجههة تحاول أن تترجهم ممارسهاتها العلميهة فهى إطار‬
‫التزامهها تجاه المجتمهع‪ .‬وانطلقا من هذه النتي جة ف قد اكتسهبت نظريهة المسهئولية الجتماعيهة‬
‫‪-‬‬ ‫‪413‬‬ ‫‪-‬‬

‫جاذبية خاصة جعلت من أطروحاتها الصيغة الكثر قبولً لدى كل من النظم العلمية الحرة‬
‫والموج هة‪ ،‬بح يث يأول ها كل من النظام ين لتحق يق أهدا فه ت حت دعوى اللتزام بدور م سئول‬
‫تجاه المجتمع‪.‬‬

‫حيث تبرر النظم العلمية الموجهة تشديدها للقيود المجتمعية على المعلومات‪ ،‬وتبرر‬
‫مؤسساتها العلمية تبنيها للقيود الذاتية‪ ،‬تحت دعوى اللتزام بدور مسئول اجتماعيا‪.‬‬
‫وبن فس المن طق تبرر الن ظم العلم ية الحرة ا ستمرار بقاء عدد من القيود المجتمع ية‬
‫داخهل بنيتهها‪ ،‬وتهبرر مؤسهساتها العلميهة تبنيهها للقيود الذاتيهة‪ ،‬تحهت دعوى اللتزام بدور‬
‫مسئول اجتماعيا‪.‬‬
‫وهذا يو ضح أن ا ستمرار بقاء القيود المعرف ية ( المجتمع ية والذات ية ) فى بن ية الن ظم‬
‫العلمية الراهنة‪ ،‬يرجع إلى اعتراف المرجعيات الفلسفية التى تتبناها تلك النظم بشرعية تلك‬
‫القيود ‪ -‬وفقا لدرجات متفاوتة من القوة والض عف ‪ -‬المر الذى ينعكس بالسلب على « درجة‬
‫شفاف ية الن ظم العلم ية » نتي جة تقل يص تلك القيود المجتمع ية والذات ية لن سبة المعر فة الكام نة‬
‫بالمعلومات المنشورة بتلك الن ظم‪ ،‬وبالتالى الم ساهمة فى إبطاء معدلت الت صاعد فى القدرات‬
‫المعرف ية للن ظم العلم ية الراه نة‪ ،‬بح يث تتحول التكنولوج يا الت صالية العلم ية المعلومات يه‬
‫الفائ قة الم صاحبة للبعاد العلم ية للعول مة ‪ -‬وال تى تتخ طى الحدود الجغراف ية والخ صائص‬
‫الفن ية ( الم ساحية والزمن ية ) بو سائل الت صال التقليد ية ‪ -‬إلى تكنولوج يا لن قل معر فة مكبلة‬
‫بالقيود المعرف ية ( المجتمع ية والذات ية )‪ .‬وبالتالى ي تم إهدار المكان ية ال تى توفر ها التكنولوج يا‬
‫لممارسة التصال شبه الكامل عن بعد وللنقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪.‬‬

‫ولقهد رصهدت الدراسهة ‪ -‬مهن خلل عرضهها لتصهنيفات تلك المرجعيات الفلسهفية‬
‫وللطار الفكرى لنظريههة المسههئولية الجتماعيههة ‪ -‬عدم قدرة تلك المرجعيات جميعا على‬
‫التوصيف الدقيق لثنائية السلطة والمسئولية بتلك النظم‪ ،‬تلك الثنائية التى يؤدى عدم التوصيف‬
‫الدقيق للطابع الذى يميزها إلى اضطلع النظم العلمية بأدوار تتجاهل حقوقها وتتناقض مع‬
‫واجباتهها‪ ..‬ولقهد أوضحهت الدراسهة أن المرجعيات الفلسهفية الراهنهة أدت بالنظهم العلميهة‬
‫الموج هة إلى أن تمارس م سئوليات غ ير إعلم ية مع افتقار ها ل ية سلطة‪ ،‬فى ح ين تمارس‬
‫النظم العلمية الحرة سلطتها فى مواجهة سلطات المجتمع الخرى مع افتقارها إلى مسئولية‬
‫إعلميهة تحدد واجباتهها ووظيفتهها الصهيلة‪ ..‬ولعهل الواقهع يقرر أنهه عندمها يمارس أى نظام‬
‫فاعليا ته دون تنظ يم لثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بني ته الفكر ية والعمل ية‪ ،‬فإن ذلك يؤدى إلى‬
‫تجاوزه لسلطاته أو تفريطه فى مسئولياته أو الثنين معا‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪414‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبالتالى فإن تلك المرجعيات الفلسفية تؤدى إلى تقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية‬
‫الراه نة نتي جة اعتراف ها بثنائ ية القيود المجتمع ية والذات ية وعدم تو صيفها الج يد لثنائ ية ال سلطة‬
‫والمسئولية ببنية تلك النظم‪ .‬المر الذى يكشف عن مسئولية تلك المرجعيات الفلسفية عن الثر‬
‫غ ير المتوازن الذى تمار سه عول مة الت صال على القدرات التكنولوج ية ودر جة شفاف ية الن ظم‬
‫العلم ية‪ .‬م ما يع نى أن تلك المرجعيات قد با تت ل تتواءم مع التطورات الحال ية والم ستقبلية‬
‫التى تطرحها البعاد العلمية للعولمة‪ ،‬تلك البعاد التى يتلزم فيها التوحد والتكتل والندماج‬
‫مهع التشظهى والتجزؤ والنقسهام‪ ،‬وتوفهر فرصهة عريضهة لتنميهة القدرات المعرفيهة للنظهم‬
‫العلم ية‪ ،‬انطلقا من قدرات ها التكنولوج ية المت سارعة الت صاعد وال تى ت سمح بالن قل الوا فى‬
‫للمعرفة‪.‬‬

‫وانطلقا من هذه النتائج فإ نه يم كن إعادة صياغة الجا بة على التسهاؤل ال سابق فهى‬
‫صورة فرض يمكن للدراسات اللحقة اختباره‪ ..‬وذلك كالتالى‪:‬‬
‫« تؤدى المرجعيات الفلسفية التى تتبناها النظم العلمية الراهنة إلى استمرار بقاء القيود‬
‫المعرف ية ( المجتمع ية والذات ية ) فى بن ية تلك الن ظم ‪ -‬وفقا لدرجات متفاو تة ‪ -‬ال مر الذى‬
‫يج عل تلك المرجعيات م سئولة عن ال ثر غ ير المتوازن الذى تمار سه عول مة الت صال على‬
‫المتغيرات الوظيفيصة الحاكمصة ببنيصة النظصم العلميصة‪ ،‬ويؤدى إلى إعاقصة تصصاعد قدراتهصا‬
‫المعرفية »‪.‬‬

‫التساؤل الثالث‪ :‬ما هو الطا بع الملئم لتو صيف ثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بنية‬
‫النظم العلمية بما يضمن الرتفاع بقدراتها المعرفية؟‬

‫تو صلت الدرا سة إلى أن الطا بع « الكا شف »‪ ،‬هو الطا بع الملئم لتو صيف جا نب‬
‫ال سلطة فى بن ية الن ظم العلم ية‪ .‬بين ما الطا بع « المعر فى » هو الطا بع الملئم لتو صيف‬
‫جانهب المسهئولية فهى بنيهة تلك النظهم‪ .‬انطلقا مهن أن سهلطة النظهم العلميهة مها ههى إل‬
‫« سلطة كاش فة »‪ ،‬وم سئوليتها ما هى إل « م سئولية معرف ية »‪ .‬وبالتالى تتم ثل المرجع ية‬
‫الفلسفية الملئمة لهذه الثنائية‪ ،‬فى المرجعية الفلسفية التى تتبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪.‬‬
‫ال مر الذى يضمن فى مجمله العام إلغاء القيود المعرفية المجتمعية وتقليص القيود المعرفية‬
‫الذاتية‪ ،‬بما يؤدى إلى التصاعد المتسارع للقدرات المعرفية للنظم العلمية‪ ،‬استجابة للثار‬
‫التى تطرحها عولمة التصال‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪415‬‬ ‫‪-‬‬

‫وتفصيل ذلك‪ ..‬أن تحليل ثنائية السلطة والمسئولية فى بنية النظم العلمية أوضح‬
‫أن سلطة النظم العلمية تتمثل فى مجموعة الحقوق العلمية للنسان‪ ،‬تلك الحقوق التى‬
‫تعطى لتلك النظم سلطة جمع المعلومات ونشرها‪ .‬بينما مسئولية النظم العلمية تتمثل فى‬
‫مجموعة الوظائف التى تؤديها تلك النظم بالمجتمع‪ ،‬والتى تدور جميعها حول محور واحد‬
‫هو الن قل الوا فى للمعر فة الكام نة بالمعلومات العلم ية ال تى يوفر ها المجت مع عن مج مل‬
‫أحداثهه ووقائعهه‪ .‬ومهن هذا المنطلق تصهبح سهلطة النظهم العلميهة سهلطة كاشفهة تسهلط‬
‫أضواءهها الكاشفهة على مجمهل أحداث المجتمهع ووقائعهه‪ ،‬بينمها مسهئولية النظهم العلميهة‬
‫تصهبح مسهئولية معرفيهة‪ ،‬لنقهل المعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة التهى تسهلط عليهها‬
‫أضواء سلطتها الكاشفة‪.‬‬

‫ولكن نظرا لن الجابة على التساؤل السابق توصلت إلى أن المرجعيات الفلسفية التى‬
‫تتبناها النظم العلمية الراهنة تساهم فى استمرار بقاء القيود المعرفية ( المجتمعية والذاتية )‬
‫فى بن ية تلك الن ظم‪ ،‬فإن تلك المرجعيات ت صبح غ ير ملئ مة لتب نى مفهوم الم سئولية المعرف ية‬
‫للنظم العلمية باعتباره مفهوما يتناقض مع كافة القيود المعرفية ( المجتمعية والذاتية ) التى‬
‫تؤدى إلى تقي يد القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية‪ ،‬و من ثم الن يل من م سئوليتها المعرف ية‪.‬‬
‫وانطلقا من هذه النتيجة‪ ..‬فإن المرجعية الملئمة التى توفر الفرصة الكاملة للنظم العلمية‬
‫للقيام بأعباء مسهئوليتها المعرفيهة‪ ،‬ههى المرجعيهة التهى تتبنهى مبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير‪،‬‬
‫باعتبار أن هذا المبدأ ههو الذى يضمهن عدم العتراف بكافهة القيود المعرفيهة ( المجتمعيهة‬
‫والذات ية ) فى بن ية الن ظم العلم ية‪ ،‬وبالتالى ي سمح لتلك الن ظم بممار سة م سئوليتها المعرف ية‬
‫المتمثلة فى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية التى يوفرها المجتمع عن مجمل‬
‫أحداثه ووقائعه‪ .‬المر الذى يؤدى إلى الرتفاع بالقدرات المعرفية للنظم العلمية‪ ،‬ويوفر لها‬
‫الفرصهة كاملة للقيام بأعباء وظيفتهها المعرفيهة فهى المجتمهع بمها يتلءم مهع المنطلقات التهى‬
‫تطرحها البعاد العلمية للعولمة حاليا أو مستقبلً‪.‬‬

‫وبهذا يم كن صياغة الجا بة على الت ساؤل ال سابق فى صورة فرض يم كن للدرا سات‬
‫اللحقة اختباره‪ ..‬وذلك كالتالى‪:‬‬
‫« يمثل كل من الطابع ( المعرفى ) لمسئولية النظم العلمية والطابع ( الكاشف ) لسلطتها‬
‫الطابعين الملئمين للرتفاع بالقدرات المعرفية للنظم العلمية فى ظل مرجعية فلسفية تتبنى‬
‫مبدأ الحرية المطلقة للتعبير »‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪416‬‬ ‫‪-‬‬

‫التسصاؤل الرابصع‪ :‬ما هصو الدور الذى تمارسصه عولمصة التصصال فى مجال قيام النظصم‬
‫العلمية بتشكيل الوعى الجتماعى لجماهير المتلقين؟‬

‫تو صلت الدرا سة إلى سلبية الدور الذى تمار سه عول مة الت صال فى مجال قيام الن ظم‬
‫العلميهة بتشكيهل الوعهى الجتماعهى لجماهيهر المتلقيهن‪ .‬ول يرجهع ذلك إلى طبيعهة عولمهة‬
‫الت صال ذات ها‪ ،‬وإن ما ير جع إلى طبي عة الن ظم العلم ية الراه نة ال تى ت سمح بتوا جد القيود‬
‫المعرف ية فى بنيتها‪ ،‬مما يؤدى إلى استغلل مظا هر عولمة الت صال التى يتلزم في ها التوحد‬
‫مع النقسام‪ ،‬من أجل تكريس ممارسات تزييف الوعى محليا‪ ،‬والصدام الثقافى عالميا‪.‬‬
‫وتفصهيل ذلك‪ ..‬أن الدراسهة عرضهت للدراسهات الغربيهة التهى تتبنهى فرضيهة التأثيهر‬
‫المعتدل لو سائل العلم‪ ،‬ا ستنادا إلى البحوث ال تى ر صدت تطور خبرات جماه ير المتلق ين‪،‬‬
‫وتطور المتلقهى مهن المتلقهى السهلبى إلى المتلقهى النشيهط‪ .‬كمها عرضهت الدراسهة لدراسهات‬
‫المدر سة النقد ية ومدر سة التبع ية وال تى تتب نى فرض ية التأث ير القوى لو سائل العلم وقدرت ها‬
‫على تزييف وعى الجماهير محليا وممارسة الختراق الثقافى عالميا‪.‬‬
‫ولقهد أخضعهت الدراسهة نتائج هذه الدراسهات للتحليهل النقدى‪ .‬وأوضحهت أن نتائج‬
‫الدراسات الغربية حول التأثير المعتدل لوسائل العلم والمتلقى النشيط ل تنطبق بأى حال من‬
‫الحوال على وضعيهة وسهائل العلم والمتلقيهن بدول العالم الثالث ذات النظهم العلميهة‬
‫الموجهة التى تمارس وسائل العلم فيها تأثيرا دعائيا قويا يؤدى إلى تزييف وعى مواطنيها‪.‬‬
‫ك ما أو ضح التحل يل النقدى أن نتائج الدرا سات النقد ية ودرا سات مدر سة التبع ية حول التأث ير‬
‫القوى لوسهائل العلم وقدرتهها على تزييهف الوعهى والختراق الثقافهى ل تنطبهق بدايهة على‬
‫جماه ير المتلق ين بالدول الغرب ية الذ ين اكت سبوا خبرة فى التعا مل مع و سائل العلم‪ ،‬ك ما ل‬
‫ت صمد نتائج تلك الدرا سات أمام التطورات الراه نة ال تى فرضت ها البعاد العلم ية للعول مة‪،‬‬
‫وأمام التطورات فهى التكنولوجيها التصهالية العلميهة المعلوماتيهة الفائقهة‪ ،‬ممها أدى إلى عدم‬
‫قدرة أيهة قوة أو دولة أو جههة واحدة على النفراد بممارسهة الختراق الثقافهى‪ .‬حيهث أدى ‪-‬‬
‫تعدد مراكهز النتاج العلمهى واسهتمرار تزايهد عدد الفضائيات العالميهة المختلفهة الجنسهيات‬
‫والنتماءات‪ ،‬بالضا فة إلى الفاعليات المهولة لشب كة النتر نت والمتا حة لكا فة الثقافات ‪ -‬إلى‬
‫إمكانية مواجهة الختراق الثقافى باختراق ثقافى مضاد‪.‬‬

‫وتأ سيسا على ذلك ف قد أوض حت الدرا سة أن البعاد العلم ية للعول مة وال تى يتلزم‬
‫فيها التوحد والتكتل والندماج مع التشظى والتجزؤ والنقسام‪ ،‬قد يمكن إساءة استثمار نتائجها‬
‫التكنولوجيهة والمعرفيهة مهن خلل تكريسهها عالميا لممارسهات الختراق الثقافهى المتبادلة على‬
‫مسهتوى العالم‪ ،‬إلى الحهد الذى يمكهن أن يتطور إلى حروب وصهدامات ثقافيهة متبادلة‪ ،‬ومهن‬
‫‪-‬‬ ‫‪417‬‬ ‫‪-‬‬

‫خلل تكريسها محليا لممارسات تزييف الوعى انطلقا من الهواجس الوطنية المتطرفة للحفاظ‬
‫على الهوية القومية فى مواجهة التحولت العولمية المتصاعدة‪.‬‬

‫وقد أوضحت الدراسة أن الستثمار السئ لنتائج العولمة ينبع من استمرار تمسك النظم‬
‫العلمية بالمرجعيات الفلسفية الراهنة التى تسمح بتواجد القيود المعرفية ( المجتمعية والذاتية )‬
‫فهى بنيتهها‪ ،‬ممها يؤدى إلى أن تصهبح تلك المرجعيات بمثابهة الحافهز لسهاءة اسهتثمار الثار‬
‫اليجابية ( المعرفية والتكنولوجية ) للبعاد العلمية للعولمة‪.‬‬

‫وبالتالى فإن تبنى النظم العلمية لمفهوم المسئولية المعرفية ( الوظيفة المعرفية ) ‪-‬‬
‫بمرجعيت ها الفل سفية الكافلة للحر ية المطل قة للت عبير ‪ -‬هو الذى يض من عدم إ ساءة ا ستثمار‬
‫الثار اليجابيهة ( التكنولوجيهة والمعرفيهة ) للبعاد العلميهة للعولمهة‪ ..‬إذ إن الرتفاع‬
‫بالقدرات المعرفية للن ظم العلم ية من خلل تقل يص القيود المعرف ية ( المجتمعية والذات ية )‬
‫فى بن ية تلك الن ظم سيؤدى إلى الرتفاع بدر جة صعوبة انتهاج ممار سات تزي يف الو عى‬
‫أو الختراق الثقافى‪ ،‬مما يتيح للنظم العلمية ممارسة فاعلياتها فى إطار التزامها بدورها‬
‫الوحيد المتمثل فى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية التى يوفرها المجتمع‬
‫عن مجمل أحداثه ووقائعه‪.‬‬

‫ويمكن صياغة الجابة على التساؤل السابق فى صورة فرض يمكن للدراسات السابقة‬
‫اختباره‪ ،‬وذلك كالتالى‪:‬‬
‫« تؤدى طبيعصة النظصم العلميصة الراهنصة التصى تسصمح مرجعياتهصا الفلسصفية بتواجصد القيود‬
‫المعرف ية فى بنيت ها إلى إ ساءة ا ستثمار الفرص ال تى تطرح ها عول مة الت صال‪ ،‬وتكري سها‬
‫لممارسات تزييف الوعى محليا والصدام الثقافى عالميا بدلً من تكري سها للرتفاع بالقدرات‬
‫المعرفية للنظم العلمية »‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪418‬‬ ‫‪-‬‬

‫خامساً‪ :‬المصطلحات التى استحدثتها الدراسة‪:‬‬


‫مؤسسات البنية التحتية للعولمة‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ههى القطاعات الموفرة لقنوات ووسهائل الربهط والتصهال بيهن أجزء العالم المتعددة‪،‬‬
‫والتى أدت إلى تحقيق التشابك والترابط المادى واللكترونى بين أطراف العالم‪.‬‬

‫مؤسسات البنية الفوقية للعولمة‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬


‫ههى القطاعات التهى تمارس أدوارا سهياسية أو اقتصهادية أو اجتماعيهة أو دينيهة أو‬
‫إنسانية أو قانونية أو ثقافية أو إعلمية على مستوى العالم ككل‪ .‬وتستثمر هذه القطاعات‬
‫فاعليات مؤسسات البنية التحتية للعولمة‪ ،‬للمتداد بأنشطتها إلى المستوى العالمى‪.‬‬

‫استراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬


‫هى إحدى المظاهر المادية للعولمة التى تدفع نحو تكوين الكيانات الكبرى‪ ،‬من خلل‬
‫زيادة فرص الرتباط والتداخل والتشابك والمركزية بين الكيانات المتشابهة‪.‬‬

‫تكتيكات العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬


‫هى إحدى المظاهر المادية للعولمة التى تدفع نحو تكوين الكيانات الصغرى‪ ،‬من خلل‬
‫زيادة فرص التفتت والتنوع واللمركزية‪.‬‬

‫الطراف الفاعلة بالنظام العلمى‪:‬‬ ‫(‪)5‬‬


‫ههى الطراف التهى تمتلك إرادة الفعهل فهى النظام العلمهى‪ ،‬وتتمثهل فهى « القائميهن‬
‫بالتصال » و« جماهير المتلقين »‪.‬‬

‫الطراف المعرفية بالنظام العلمى‪:‬‬ ‫(‪)6‬‬


‫هى الطراف التى تحمل المحتوى المعرفى بالنظام العلمى‪ ،‬وتتمثل فى « الرسائل‬
‫العلمية »‪.‬‬

‫الطراف العتبارية بالنظام العلمى‪:‬‬ ‫(‪)7‬‬


‫ههى الطراف ذات الشخصهية العتباريهة ‪ -‬مهن الناحيهة القانونيهة ‪ -‬فهى النظام‬
‫العلمى‪ ،‬وتتمثل فى المؤسسات العلمية‪.‬‬

‫الطراف التكنولوجية بالنظام العلمى‪:‬‬ ‫(‪)8‬‬


‫هى الطراف الل ية ال تى تقوم بدور الو سيط التكنولو جى لن قل الر سائل العلم ية إلى‬
‫جماهير المتلقين‪ ،‬وتتمثل فى وسائل العلم‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪419‬‬ ‫‪-‬‬

‫مرحلة التصال شبه الكامل عن بُعد‪:‬‬ ‫(‪)9‬‬


‫ههى المرحلة التهى وصهلت إليهها تكنولوجيها التصهال حاليا والتهى نتجهت عهن اتحاد‬
‫تكنولوجيها التصهال مهع تكنولوجيها العلم مهع تكنولوجيها المعلومات فهى منظومهة‬
‫تكنولوج ية واحدة‪ .‬م ما أدى إلى تخ طى العوائق الجغراف ية المتعل قة بانتقال الت صال من‬
‫مكان ل خر‪ ،‬والصعوبات التصالية الناشئة عن العتبارات الم ساحية والزمنية المتعل قة‬
‫بخ صائص و سائل التصهال ( مطبو عة كانهت أم إلكترون ية )‪ ،‬وال صعوبات التصهالية‬
‫الناشئة عههن العتبارات الفنيههة المتعلقههة بمحدوديههة الموجات المتاحههة بالطيههف‬
‫الكهرومغناطيسى‪ .‬حيث تم تخطى كافة تلك العوائق من خلل الستفادة من تكنولوجيا‬
‫القمار الصناعية وتكنولوجيا شبكات المعلومات وتكنولوجيا الضغط الرقمى‪.‬‬

‫(‪ )10‬مرحلة التشبع التكنولوجى العلمى‪:‬‬


‫ههى المرحلة التهى تصهل فيهها نسهبة انتشار وسهائل العلم فهى المجتمهع إلى حدهها‬
‫القصى‪ ،‬أى تساوى الواحد الصحيح‪.‬‬

‫(‪ )11‬المسئولية المعرفية للنظم العلمية ( الوظيفة المعرفية )‪:‬‬


‫هى الوظي فة الوحيدة أو الم سئولية الوحيدة المنو طة بالن ظم العلم ية والمنا سبة ل ها‪،‬‬
‫انطلقا من الطابع المعرفى الذى يتسم به دور تلك النظم فى المجتمعات‪ .‬وتتمثل هذه‬
‫الوظيفة أو المسئولية فى مهمة النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪ ،‬فى‬
‫ظل تبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير‪ ،‬ورفض وجود أية قيود معرفية على المعلومات‬
‫العلمية‪ ،‬مع التزام المؤسسات العلمية بممارسة التدخل العلمى المناسب لضمان‬
‫تخف يف الضرار الناشئة عن الر سائل العلم ية ال تى تنت هك الحقوق المضادة للحقوق‬
‫العلميهة‪ ،‬بمها يضمهن كفاءة النظام العلمهى فهى ممارسهته لوظيفتهه فهى المجتمهع‬
‫( نوعيا )‪.‬‬

‫(‪ )12‬أسلوب التدخل العلمى‪:‬‬


‫هو ممارسة المؤسسات العلمية لجراءات تحريرية على هامش الرسالة العلمية‪،‬‬
‫بمها يضمهن النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بتلك الرسهالة‪ ،‬ويضمهن تخفيهف الضرار‬
‫المحتملة الناشئة عن انتهاك هذه الرسالة لحد الحقوق المضادة للحقوق العلمية‪ .‬وهو‬
‫فى مجمله أسلوب لضمان النشر وليس لممارسة أى نوع من أنواع الحظر‪ ،‬بما يضمن‬
‫كفاءة النظام العلمى فى ممارسته لوظيفته فى المجتمع ( كيفيا )‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪420‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )13‬الحقوق المضادة للحقوق العلمية‪:‬‬


‫هى مجمو عة الحقوق الخا صة بالفرد أو المجت مع وال تى ت ستهدف فرض نطاق لحما ية‬
‫الفرد أو المجت مع من تد خل و سائل العلم أو اقتراب الجماه ير‪ .‬وبالتالى تؤدى حما ية‬
‫هذه الحقوق إلى انتهاك الحقوق العلميهة للنسهان‪ ،‬بحيهث تصهبح هذه الحقوق مضادة‬
‫للحقوق العلمية‪.‬‬

‫(‪ )14‬السلطة الكاشفة للنظم العلمية‪:‬‬


‫هى الحقوق المكفولة للن ظم العلم ية وال تى تمارس بموجب ها فاعليات ها فى المجت مع‪.‬‬
‫وتتمثل فى مجموعة الحقوق العلمية للنسان التى تتيح للنظم العلمية تسليط الضوء‬
‫على أنشطة سلطات المجتمع ونظمه الفرعية لكشفها لجماهير المتلقين‪.‬‬

‫(‪ )15‬القيود المعرفية بالنظم العلمية‪:‬‬


‫هى الموا نع المتعددة ال تى تؤدى ن سبة فاعليت ها إلى ح جب ن سبة من المعر فة الكام نة‬
‫بالمعلومات العلمية الخام والمعلومات العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية‪.‬‬

‫(‪ )16‬القيود المعرفية ( المجتمعية )‪:‬‬


‫هى الموانع التشريعية السارية أو الموانع العملية السائدة بالمجتمع والتى تؤدى نسب‬
‫فاعليتها إلى حجب نسبة من المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية الخام‪.‬‬

‫(‪ )17‬القيود المعرفية ( الذاتية )‪:‬‬


‫هى الموا نع ال تى تقوم المؤ سسات العلم ية بتفعيل ها بمبادرة ذات ية من ها وا ستجابة‬
‫لمصالح مجتمعية ومرجعيات فلسفية إعلمية يتبناها النظام العلمى‪ ،‬مما يؤدى إلى‬
‫حجههب نسههبة مههن المعرفههة الكامنههة بالمعلومات العلميههة الداخلة إلى‬
‫تلك المؤسسات‪.‬‬

‫(‪ )18‬نسبة المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪:‬‬


‫ههى بمثابهة مدلول يشيهر إلى المخزون المعرفهى الذى تحمله المعلومات العلميهة‬
‫ويترتب عليه أثر معر فى لدى جماهير المتلق ين‪ .‬ويتعرض هذا المخزون للتقلص نتي جة‬
‫القيود المعرفيهة المتعددة‪ .‬وبالتالى فإذا كان المخزون المعرفهى بالمعلومات العلميهة‬
‫الخام مكتملً لعدم تعرضهه بعهد لتلك القيود‪ ،‬فإنهه يتعرض للنقهص فهى المعلومات‬
‫العلميهة الداخلة للمؤسهسات العلميهة‪ ،‬ويزداد نقصها فهى المعلومات المنشورة‪ .‬وهذا‬
‫‪-‬‬ ‫‪421‬‬ ‫‪-‬‬

‫يوضهح أن نسهبة المعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة الخام = ‪ ،1‬ونسهبة المعرفهة‬


‫الكامنهة بالمعلومات العلميهة الداخلة للمؤسهسات العلميهة ( أقهل مهن ‪ ،) 1‬ونسهبة‬
‫المعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة المنشورة ( أقهل مهن ) نسهبة المعرفهة الكامنهة‬
‫بالمعلومات العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية‪.‬‬

‫(‪ )19‬القدرات المعرفية للنظام العلمى‪:‬‬


‫ههى المؤشهر الدال على قدرة النظام العلمهى على نقهل المعرفهة الكامنهة بالمعلومات‬
‫العلميهة إلى جماهيهر المتلقيهن‪ .‬أو المؤشهر الدال على المردود المعرفهى العائد على‬
‫جماه ير المتلق ين نتي جة ن قل المعر فة الكام نه بالمعلومات العلم ية المنشورة من النظام‬
‫العلمهى‪ .‬ويمكهن حسهاب القيمهة الرياضيهة للقدرات المعرفيهة للنظام العلمهى مهن‬
‫المعادلة الرياضية التالية‪:‬‬
‫القدرات المعرفية للنظام العلمى = درجة شفافية النظام العلمى ×‬
‫قدراته التكنولوجية‬

‫(‪ )20‬درجة شفافية النظام العلمى‪:‬‬


‫هى المؤ شر الدال على ن سبة المعر فة الكام نة بالمعلومات العلم ية المنشورة وال تى‬
‫ترتفع وتنخفض وفقا لدرجة فاعلية القيود المعرفية فى المجتمع والمؤسسات العلمية‪.‬‬
‫ويمكن حساب القيمة الرياضية لدرجة شفافية النظام العلمى من المعادلة الرياضية‬
‫التالية‪:‬‬
‫درجة شفافية النظام العلمى = درجة شفافية المجتمع × درجة‬
‫شفافية المؤسسات العلمية‬

‫(‪ )21‬درجة شفافية المجتمع‪:‬‬


‫هى المؤشر الدال على نسبة القيود المعرفية ( المجتمعية ) غير الفاعلة بالمجتمع‪.‬‬

‫(‪ )22‬درجة شفافية المؤسسات العلمية‪:‬‬


‫ههى المؤشهر الدال على نسهبة القيود المعرفيهة ( الذاتيهة ) غيهر الفاعلة بالمؤسهسات‬
‫العلمية‪.‬‬

‫(‪ )23‬القدرات التكنولوجية للنظام العلمى‪:‬‬


‫هى المؤشر الدال على نسبة انتشار وسائل العلم فى المجتمع والواردة بالحصاءات‬
‫العامة الموضحة لنسب توزيع وسائل العلم بين السكان بأى مجتمع‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪422‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )24‬أساليب القياس العلمى‪:‬‬


‫هى الساليب الحسابية ( الكمية ) التى يمكن من خللها التوصل إلى معدلت رياضية‬
‫تتيح قياس ممارسات النظم العلمية فى مجال نشر المعلومات أو حجبها‪ ،‬بما يضمن‬
‫كفاءة النظام العلمى فى ممارسته لوظيفته فى المجتمع ( كميا )‪.‬‬

‫(‪ )25‬القيمة المادية للمعلومات العلمية المحظورة بالمؤسسات العلمية‪:‬‬


‫هى المردود المادى المحت مل العائد على المؤ سسات العلم ية أو القائم ين بالت صال‬
‫نتيجة حظر نسبة من المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية الداخلة إلى تلك المؤسسات‪.‬‬

‫(‪ )26‬مقياس درجة حرية النظام العلمى‪:‬‬


‫ههو مقياس عام لتوصهيف الممارسهة العامهة للنظام العلمهى مهن حيهث الحريهة أو‬
‫التوجيه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪423‬‬ ‫‪-‬‬

‫سـادسـاً‪ :‬تعقـيب ختــامى‪:‬‬


‫« لن الحقيقصة نسصبية‪ ..‬فإن حريصة التعصبير ينبغصى أن تكون مطلقصة‪ .‬فل أحصد يمتلك‬
‫الحقيقة‪ ..‬حتى يصادر حق الخرين فى محاولة القتراب من حدودها »‪.‬‬

‫‪ ..‬بهذه المقولة ( المبدأ ) افتتحنا الدراسة الماثلة‪ ..‬وبها نختتمها‪ .‬فلقد كانت الحقيقة‬
‫دائما‪ ،‬هدف العلماء والمفكر ين والباحث ين‪ ..‬وغير هم‪ .‬وكل ما سنحت ل هم الفر صة ليعلنوا أن هم‬
‫أمسكوا بتلبييها أو تمكنوا من رسم حدودها‪ ،‬كانوا يدركون بأنهم لم يحاصروا إل الهواء‪ ،‬ولم‬
‫تقبض أيديهم إل على الرياح‪.‬‬

‫لقد كانت « نظرية النسبية » ومعها « نظرية الكم » بمثابة الثبات العملى على نسبية‬
‫الحقيقة وسيولتها‪ ،‬ليس فقط فى عالم الفكر‪ ،‬بل أيضا فى عالم المادة‪ .‬بحيث أصبح المبدآن اللذان‬
‫كشفت عنهما هاتان النظريتان‪ ،‬وهما « مبدأ النسبية » و« مبدأ الليقين »‪ ،‬بمثابة الشارة الولى‬
‫التهى تعلن أن الطريهق إلى الحقيقهة الفكريهة أو الماديهة‪ ،‬مها ههو إل طريهق يخلو مهن المعالم‬
‫والتجاهات والسهم والحدود‪ ..‬بل وحتى النهايات‪ .‬فطريق الحقيقة بل نهاية‪ ،‬لنها وبكل بساطة‬
‫نسبية‪ ،‬وذلك مصداقا لقوله تعالى‪ « :‬وما أوتيتم من العلم إل قليل »‪ .‬فالعلم القليل الذى وهبنا ال‬
‫إياه‪ ،‬ل يت يح الو صول للحقي قة‪ ،‬ولك نه ي ساعد ف قط على القتراب من ها‪ .‬ولهذا‪ ..‬فطال ما كان من‬
‫المستحيل الوصول للحقيقة‪ ،‬أفل تصبح محاولة القتراب من حدودها بمثابة التطبيق العملى لمبدأ‬
‫« ليس عليك إدراك النجاح ولكن يكفيك شرف المحاولة »‪ .‬ويتمثل شرف المحاولة فى إتاحة‬
‫الفرصة لكافة الراء والفكار والبداعات والمعلومات‪ ..‬وغيرها‪ ،‬لكى تدلى برؤيتها وتفسيراتها‬
‫وتصوراتها حول الحقيقة‪ ،‬بما يساعد على الوصول إلى أقرب نقطة من حدودها‪.‬‬

‫ول قد قد مت ظاهرة العول مة القاعدة الماد ية التكنولوج ية ال تى تت يح من خلل نطاق بث ها‬


‫العريض اللنهائى الفرصة لتعدد الفكار والراء والتصورات‪ ،‬مما يوفر الفرصة للقتراب من‬
‫حدود الحقي قة‪ .‬ول كن‪ ..‬تب قى البن ية الفكر ية الفل سفية للعول مة تعا نى من أعراض النف صال عن‬
‫الواقع الراهن‪ ،‬بما تحمله من مرجعيات فلسفية ل تستطيع استيعاب مستحدثات العصر الحالى‪،‬‬
‫ول تستطيع التخلى عن المسلمات التقليدية التى ترى الخطر ‪ -‬كل الخطر ‪ -‬فى إطلق حرية‬
‫الت عبير إلى مدا ها الق صى‪ .‬ال مر الذى يؤدى إلى إهدار فرص المكان ية التكنولوج ية المتا حة‪،‬‬
‫تحت وطأة المرجعيات الفلسفية غير الملئمة لمعطيات الحاضر أو إرهاصات المستقبل‪.‬‬

‫إن الطابهع الرمزى لحريهة التعهبير‪ ،‬هو الذى يكفهل لتلك الحريهة مداهها المطلق‪ .‬ولقهد‬
‫كا نت الفاق المحدودة ‪ -‬ل كل من الف كر والتكنولوج يا في ما م ضى ‪ -‬تق يد ذلك المدى‪ ..‬ول كن‬
‫‪-‬‬ ‫‪424‬‬ ‫‪-‬‬

‫القاعدة التكنولوجية الفائقة الحالية تتيح لذلك المدى المطلق فرصة التحقق‪ ،‬بشرط تطوير بنية‬
‫فكرية ( مرجعية فلسفية ) تستوعب هذا المدى المطلق لحرية التعبير‪.‬‬

‫لقهد توصهلت الدراسهة الماثلة إلى أن المرجعيات الفلسهفية العلميهة الراهنهة تؤدى إلى‬
‫تقليص كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع ( نوعيا وكيفيا وكميا )‪ .‬إذ إن‬
‫ال ثر غ ير المتوازن الذى تمار سه عول مة الت صال على المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية‬
‫الن ظم العلم ية يؤدى إلى ت صاعد القدرات التكنولوج ية لتلك الن ظم بمعدلت أك ثر ت سارعا من‬
‫ت صاعد در جة شفافيت ها‪ ،‬م ما يقود ن حو تقل يص القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية‪ .‬ول تمارس‬
‫عولمة التصال هذا الثر غير المتوازن نتيجة قصور فى طبيعتها ذاتها‪ ،‬وإنما بسبب قصور‬
‫المرجعيات الفلسفية العلمية الراهنة التى فشلت فى توصيف ثنائية السلطة والمسئولية فى بنية‬
‫الن ظم العلم ية‪ ،‬م ما أ سفر عن تكب يل القدرات المعرف ية لتلك الن ظم بم سئولية اجتماع ية دخيلة‬
‫وغير مناسبة تختصر من المدى المطلق للحرية التى ينبغى أن تمتلكها هذه النظم‪.‬‬

‫ولهذا‪ ..‬فقد وجدت الدراسة أن المسئولية ذات الطابع المعرفى « المسئولية المعرفية » هى‬
‫المسئولية المناسبة لمنطلقات النظم العلمية‪ ،‬إذ إنها هى التى تضمن كفاءة تلك النظم فى ممارستها‬
‫لوظيفت ها فى المجتمع ( نوعيا ) من خلل طابع ها المعر فى‪ ،‬و( كيفيا ) من خلل صياغتها لقوا عد‬
‫مرشدة غير حاكمة تضمن النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية‪ ،‬و( كميا ) من خلل‬
‫تصميمها لمقاييس حسابية تتيح قياس درجة التزام النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية‪.‬‬

‫‪ ...‬ول تتوقع الدراسة ‪ -‬حتى ل تسقط فى مأزق التصورات المثالية غير العملية ‪ -‬أن‬
‫ي تم تب نى توجهات ها الداع ية إلى الحر ية المطل قة للت عبير بدون مقاو مة شديدة وضار ية‪ .‬فدوائر‬
‫ال سلطة والمال والعمال‪ ،‬والجماعات الدين ية وال صولية والمحاف ظة‪ ،‬والتيارات المتطر فة فكريا‬
‫ووطنيا وقوميا‪ ..‬كلها ستناهض أية دعوة إلى الحرية المطلقة للتعبير‪ .‬إذ إن المدى المقيد لحرية‬
‫التعبير هو الذى يضمن لكافة تلك الدوائر والجماعات والتيارات المساك بحزمة القيود المعرفية‬
‫التى تحجب أضواء العلم الكاشفة عن المناطق التى تضر بمصالحها وتطلعاتها‪.‬‬

‫وبالتالى‪ ..‬فإن تفعيهل الدعوة إلى الحريهة المطلقهة للتعهبير يحتاج إلى نضال كافهة‬
‫المؤمنين بأهمية القتراب من حدود الحقيقة‪ ،‬وليس المتوهمون بوصولهم لها‪ ...‬إن الدعوة إلى‬
‫الحر ية المطل قة للت عبير ت ستند إلى من طق يحترم حق الخر ين فى الختلف ولهذا ف هو من طق‬
‫يخلو من الستبداد‪ ،‬بينما الدعوة إلى تقييد حرية التعبير تستند إلى منطق ل يعترف إل بذاته‪،‬‬
‫منطق يسكنه الستبداد‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪425‬‬ ‫‪-‬‬

‫إن الحرية المطلقة للتعبير تضمن حتى لمعارضيها حرية نشر أفكارهم‪ ..‬بينما الحرية‬
‫المقيدة للتعبير ل تضمن الحرية إل لنصارها‪ ..‬فأى الدعوتين إذن أكثر تسامحا‪ ..‬وأيهما أكثر‬
‫اقترابا من قوله تعالى « ول يزالون مختلفين »‪.‬‬

‫‪‬‬

‫قائمــة المراجــع‬
‫محتـويـات قـائمــة المـراجـع‬

‫المـــــــراجـع العربيـــــــة‬ ‫أول ً ‪:‬‬

‫المـــــراجـع المترجمــــــة‬ ‫ثانياً‪:‬‬

‫المـــــــراجـع الجنبيـــــــة‬ ‫ثالثاً‪:‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪426‬‬ ‫‪-‬‬

‫أولً‪ :‬المراجع العربية ( كتب ‪ -‬دوريات ‪ -‬بحوث )‬


‫(‪)1‬أحمد رشيد‪ ،‬تحليل النظم‪ .‬ط ‪ ،1‬الرياض‪ :‬عكاظ للنشر والتوزيع‪.1981 ،‬‬

‫(‪)2‬أحمهد شلبهى‪ ،‬كيصف تكتصب بحثا أو رسصالة ( دراسصجة منهجيصة لكتابصة البحوث وإعداد‬
‫رسائل الماجستير والدكتوراه )‪ .‬ط ‪ ،21‬القاهرة‪ :‬مكتبة النهضة المصرية‪.1992 ،‬‬

‫(‪)3‬أحمد مجدى حجازى‪ " ،‬العولمة وتهميش الثقافة الوطنية‪ :‬رؤية نقدية من العالم الثالث "‪،‬‬
‫مجلة عالم الفكههر‪ .‬عدد خاص بعنوان‪ :‬العولمههة ظاهرة العصههر‪ ( ،‬المجلد الثامههن‬
‫والعشرون‪ ،‬العدد الثانى‪ ،‬أكتوبر‪ /‬ديسمبر ‪.)1999‬‬

‫(‪)4‬أحمد مح مد صالح‪ " ،‬المعر فة فى عصر المعلومات "‪ ،‬مجلة الهلل‪ ( .‬العدد ‪ ،2‬فبراير‬
‫‪.) 2001‬‬

‫(‪)5‬أسهامة أميهن الخولى ( محرر )‪ ،‬العرب والعولمصة ( بحوث ومناقشات الندوة الفكريصة‬
‫التصى نظمهصا مركصز دراسصات الوحدة العربيصة )‪ .‬ط ‪ ،2‬بيروت‪ :‬مركهز دراسهات الوحدة‬
‫العربية‪.1998 ،‬‬

‫(‪)6‬إسهماعيل على سهعد‪ ،‬التصصال والرأى العام ( مبحصث فصى القوة واليدلوجيصة )‪.‬‬
‫السكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪.1989 ،‬‬

‫(‪)7‬الحهبيب الجنحانهى‪ " ،‬ظاهرة العولمصة‪ :‬الواقصع والفاق "‪ ،‬مجلة عالم الفكهر‪ .‬عدد خاص‬
‫بعنوان‪ :‬العولمهة ظاهرة العصهر‪ ،‬المجلد الثامهن والعشرون ( العدد الثانهى‪ ،‬أكتوبر‪/‬‬
‫ديسمبر ‪.)1999‬‬

‫(‪)8‬السهيد الزيات‪ " ،‬العولمصة وتلشصى الدولة القوميصة "‪ ،‬مجلة تحديات ثقافيهة‪ ( .‬عدد ‪،4‬‬
‫إبريل‪ /‬يونيو ‪.) 2001‬‬

‫(‪)9‬السيد بخيت‪ ،‬العمل الصحفى فى مصر ( دراسة سسيولوجية للصحفيين المصريين )‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬سلسلة دراسات فى العلم‪ ،‬القاهرة‪ :‬العربى للنشر والتوزيع‪.1998 ،‬‬

‫(‪)10‬السيد نفادى‪ ،‬السببية فى العلم‪ .‬القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.1998 ،‬‬

‫(‪)11‬السيد ياسين‪ ،‬الحوار الحضارى فى عصر العولمة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار نهضة مصر‪.2002 ،‬‬

‫(‪)12‬هههههههههههههههههه‪ ،‬الزمن العربى والمستقبل العالمى‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار‬


‫المستقبل العربى‪.1998 ،‬‬

‫(‪)13‬أنطوان بطرس‪ ،‬المعلوماتيصصة على مشارف القرن الحادى والعشريصصن‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪427‬‬ ‫‪-‬‬

‫مكتبة لبنان‪.1987 ،‬‬

‫(‪)14‬إياد شاكهههر البكرى‪ ،‬عام ‪ 2000‬حرب المحطات الفضائيصصصة‪ .‬ط ‪ ،1‬عمان‪ :‬دار‬
‫الشروق‪.1999 ،‬‬

‫(‪)15‬باسم على خريسان‪ ،‬العولمة والتحدى الثقافى‪ .‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الفكر العربى‪.2001 ،‬‬

‫(‪)16‬بسهيونى إبراهيهم حمادة‪ ،‬وسصائل العلم والسصياسة ( دراسصة فصى ترتيصب الولويات )‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار نهضة الشرق‪.1997 ،‬‬

‫(‪)17‬تركى الحمد‪ ،‬الثقافة العربية فى عصر العولمة‪ .‬ط ‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الساقى‪.1999 ،‬‬

‫(‪)18‬جلل أم ين‪ ،‬التنو ير الزائف ‪ .‬سلسلة اقرأ عدد ر قم (‪ ،)640‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪،‬‬
‫‪.1999‬‬

‫(‪)19‬جابر عصهفور‪ ،‬ضصد التعصصب‪ .‬سهلسلة العمال الفكريهة ( مهرجان القراءة للجميهع ‪-‬‬
‫مكتبة السرة ‪ ،) 2000‬القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.2000 ،‬‬

‫(‪)20‬جورج طرابيشى‪ ،‬فى ثقافة الديمقراطية‪ .‬سلسلة المفكر العربى‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الطليعة‪،‬‬
‫‪.1998‬‬

‫(‪)21‬حازم الببلوى‪ ،‬دور الدولة فصى القتصصاد‪ .‬سهلسلة العمال الفكريهة ( مهرجان القراءة‬
‫للجميع ‪ -‬مكتبة السرة ‪ ،)1999‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪.1999 ،‬‬

‫(‪)22‬ح سن عماد مكاوى وليلى ح سين ال سيد‪ ،‬الت صال ونظريا ته المعا صرة‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪:‬‬
‫الدار المصرية اللبنانية‪.1998 ،‬‬

‫(‪)23‬ههههههههههههههههههههههههه‪ ،‬أخلقيات العمصل العلمصى ( دراسصة‬


‫مقارنة )‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬الدار المصرية اللبنانية‪.1994 ،‬‬

‫(‪)24‬هههههههههههههههههههههههه‪ ،‬تكنولوجيا التصال الحديثة فى عصر‬


‫المعلومات‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬الدار المصرية اللبنانية‪.1993 ،‬‬

‫(‪)25‬ح سنين توف يق إبراه يم‪ " ،‬العولمصة‪ :‬البعاد والنعكاسصات السصياسية ( رؤيصة أوليصة مصن‬
‫منظور علم السياسة ) "‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ .‬عدد خاص بعنوان‪ :‬العولمة ظاهرة العصر‪،‬‬
‫المجلد الثامن والعشرون ( العدد الثانى‪ ،‬أكتوبر‪ /‬ديسمبر ‪.) 1999‬‬

‫(‪)26‬حسين كامل بهاء الدين‪ ،‬الوطنية فى عالم بل هوية ( تحديات العولمة )‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪.2000 ،‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪428‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪)27‬حمدى حسن‪ ،‬الوظيفة الخبارية لوسائل العلم‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العربى‪.1991 ،‬‬

‫(‪)28‬حيدر إبراهيهم‪ " ،‬العولمصة وجدل الهويصة الثقافيصة "‪ ،‬مجلة عالم الفكهر‪ .‬عدد خاص بعنوان‪:‬‬
‫العولمة ظاهرة العصر‪ ،‬المجلد الثامن والعشرون ( العدد الثانى‪ ،‬أكتوبر‪ /‬ديسمبر ‪.) 1999‬‬

‫(‪)29‬راجهى عنايهت‪ ،‬ثورة حضاريصة زاحفصة ( وماذا عصن مسصتقبل مصصر‪..‬؟ )‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫الهلل‪.1987 ،‬‬

‫(‪ )30‬سعد لبيب ( محرر )‪ ،‬أعمال ندوة الختراق العلمى للوطن العربى ( القاهرة ‪24 - 23‬‬
‫نوفمصبر ‪ .) 1996‬القاهرة‪ :‬المنظمهة العربيهة للتربيهة والثقافهة والعلوم ( معههد البحوث‬
‫والدراسات العربية )‪.1996 ،‬‬

‫(‪)31‬سهعيد اللوندى‪ ،‬بدائل العولمصة ( طروحات جديدة لتجميصل وجصه العولمصة القبيصح )‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار نهضة مصر‪.2002 ،‬‬

‫(‪ )32‬سليمان صالح‪ ،‬مفهوم حر ية ال صحافة ( درا سة مقار نة ب ين جمهور ية م صر العرب ية‬
‫والمملكة المتحدة فى الفترة من ‪ 1945‬إلى ‪ .) 1985‬رسالة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬كلية‬
‫العلم‪ ،‬جامعة القاهرة‪.1991 ،‬‬

‫(‪ )33‬هههههههههههههههههههه‪ ،‬أز مة حر ية ال صحافة فى الن ظم الرأ سمالية‬


‫( دراسصة تحليليصة نقديصة للتجربصة البريطانيصة )‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار النشهر للجامعات‬
‫المصرية‪.1995 ،‬‬

‫(‪ )34‬هههههههههههههههههههههههه‪ ،‬صناعة الخبار فى العالم المعا صر‪.‬‬


‫ط ‪ ،2‬القاهرة‪ :‬دار النشر للجامعات‪.1998 ،‬‬

‫(‪ )35‬هههههههههههههههههههههههه‪ " ،‬دعصم الدولة للصصحف وتأثيره على‬


‫تعدديصة الصصحف وتنوعهصا "‪ ،‬مجلة الدراسهات العلميهة‪ ( .‬عدد ‪ ،92‬يوليهو‪ /‬سهبتمبر‬
‫‪.) 1998‬‬

‫(‪ )36‬هههههههههههههههههههههههه‪ " ،‬التجاهات العلم ية الحدي ثة لمفهوم‬


‫حرية الصحافة "‪ ،‬مجلة الدراسات العلمية‪ ( .‬عدد ‪ ،93‬أكتوبر‪ /‬ديسمبر ‪.) 1998‬‬

‫(‪)37‬سهمير محمهد حسهين‪ ،‬بحوث العلم ( دراسصات فصى مناهصج البحصث العلمصى )‪ .‬ط ‪،3‬‬
‫القاهرة‪ :‬عالم الكتب‪.1999 ،‬‬

‫(‪ )38‬سيار الجم يل‪ ،‬العول مة والم ستقبل ( ا ستراتيجية تفك ير )‪ .‬ط ‪ ،1‬عمان‪ :‬الهل ية للن شر‬
‫والتوزيع‪.2000 ،‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪429‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪)39‬شريف درويش اللبان‪ ،‬تكنولوجيا التصال ( المخاطر والتحديات والتأثيرات الجتماعية )‪.‬‬
‫ط ‪ ،1‬سلسلة المكتبة العلمية‪ ،‬القاهرة‪ :‬الدار المصرية اللبنانية‪.2000 ،‬‬

‫(‪)40‬شريف عبد العظيم‪ ،‬حرية التعبير فى الغرب ( من سلمان رشدى إلى روجيه جارودى )‪.‬‬
‫ط ‪ ،1‬سلسلة فى التنوير السلمى (‪ ،)22‬القاهرة‪ :‬دار نهضة مصر‪.1998 ،‬‬

‫(‪)41‬صلح قنصوة‪ ،‬فلسفة العلم‪ .‬القاهرة‪ :‬دار قباء‪.1998 ،‬‬

‫(‪)42‬صهلح محمود عثمان محمهد‪ ،‬التصصال واللتناهصى بيصن العلم والفلسصفة‪ .‬السهكندرية‪:‬‬
‫منشأة المعارف‪.1998 ،‬‬

‫(‪)43‬طارق حجى‪ ،‬نقد العقل العربى ( من عيوب تفكيرنا المعاصر )‪ .‬سلسلة اقرأ عدد رقم (‬
‫‪ ،)633‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪.1999 ،‬‬

‫(‪)44‬عبد الباسط عبد المعطى ( محرر )‪ ،‬العولمة والتحولت المجتمعية فى الوطن العربى‬
‫( ندوة مهداة إلى سمير أمين )‪ .‬مركز البحوث العربية ( الجمعية العربية لعلم الجتماع )‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولى‪.1999 ،‬‬

‫(‪)45‬ع بد الخالق ع بد ال‪ " ،‬العول مة‪ :‬جذور ها وفروع ها وكيف ية التعا مل مع ها "‪ ،‬مجلة عالم‬
‫الفكهر‪ .‬عدد خاص بعنوان‪ :‬العولمهة ظاهرة العصهر‪ ،‬المجلد الثامهن والعشرون ( العدد‬
‫الثانى‪ ،‬أكتوبر ‪ /‬ديسمبر ‪.) 1999‬‬

‫(‪)46‬عدلى على أبهو طاحون‪ ،‬مناهصج وإجراءات البحصث الجتماعصى ( جهه ‪ 1‬وجهه ‪.) 2‬‬
‫السكندرية‪ :‬المكتب الجامعى الحديث‪.1998 ،‬‬

‫(‪)47‬على حرب‪ ،‬حديصصث النهايات ( فتوحات العولمصصة ومآزق الهويصصة )‪ .‬ط ‪ ،1‬بيروت‪:‬‬
‫المركز الثقافى العربى‪.2000 ،‬‬

‫(‪ )48‬هههههههههههههههههههههههه‪ ،‬الختام ال صولية والشعائر التقدم ية‬


‫( م صائر المشروع الثقا فى العر بى )‪ .‬ط ‪ ،1‬سلسلة سياسية الف كر (‪ ،)1‬الدار البيضاء‪:‬‬
‫المركههههههههههههههههههز الثقافههههههههههههههههههى‬
‫العربى‪.2001 ،‬‬

‫(‪)49‬هههههههههههههههههههههههه‪ ،‬أصنام النظرية وأطياف الحرية ( نقد‬


‫بورد يو وتشوم سكى )‪ .‬ط ‪ ،1‬سلسلة سياسة الف كر (‪ ،)2‬الدار البيضاء‪ :‬المر كز الثقا فى‬
‫العربى‪.2001 ،‬‬

‫(‪)50‬عواطهف عبهد الرحمهن‪ ،‬قضايصا التبعيصة العلميصة والثقافيصة فصى العالم الثالث‪ .‬ط ‪،2‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪430‬‬ ‫‪-‬‬

‫القاهرة‪ :‬دار الفكر العربى‪.1987 ،‬‬

‫(‪ )51‬هههههههههههههههههههههههه‪ ،‬العلم العر بى وقضا يا العول مة‪ .‬ط‬


‫‪ ،1‬القاهرة‪ :‬العربى للنشر والتوزيع‪.1999 ،‬‬

‫(‪ )52‬هههههههههههههههههههههههه‪ ،‬قضا يا الو طن العر بى فى ال صحافة‬


‫خلل القرن العشريصن‪ .‬ط‪ ،1‬سهلسلة دراسهات فهى العلم‪ ،‬القاهرة‪ :‬العربهى للنشهر‬
‫والتوزيع‪.2002 ،‬‬

‫(‪)53‬عوا طف ع بد الرح من وأخرون‪ ،‬بحوث فى ال صحافة المعا صرة‪ ،‬ط‪ ،1‬سلسلة درا سات‬
‫فى العلم‪ ،‬كتاب تذكارى جما عى مهدى إلى دكتورة عوا طف ع بد الرح من‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫العربى للنشر والتوزيع‪.2000 ،‬‬

‫(‪)54‬غر يب سيد أح مد‪ ،‬ت صميم وتنف يذ الب حث الجتما عى‪ .‬ط ‪ ،3‬ال سكندرية‪ :‬دار المعر فة‬
‫الجامعية‪.1994 ،‬‬

‫(‪)55‬فاروق أبو زيد‪ ،‬مدخل إلى علم الصحافة‪ .‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪ :‬عالم الكتب‪1997 ،‬‬

‫(‪)56‬فخرى لبيههب ( محرر )‪ ،‬صصصراع الحضارات أم حوار الثقافات ( أوراق ومداخلت‬


‫المؤتمصر الدولى حول صصراع الحضارات أم حوار الثقافات ‪ -‬القاهرة ‪ 12 /10‬مارس‬
‫‪ .) 1997‬مطبوعات التضامهن (‪ ،)173‬القاهرة‪ :‬قسهم العلم بمنظمهة تضامهن الشعوب‬
‫الفريقية السيوية‪.1997 ،‬‬

‫(‪)57‬مجهد هاشهم الهاشمهى‪ ،‬العلم الكونصى وتكنولوجيصا المسصتقبل‪ .‬ط ‪ ،1‬عمان‪ :‬دار‬
‫المستقبل‪.2001 ،‬‬

‫(‪)58‬محسن أحمد الخضيرى‪ ،‬العولمة ( مقدمة فى فكر واقتصاد وإدارة عصر اللدولة )‪ .‬ط‬
‫‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مجموعة النيل العربية‪.2000 ،‬‬

‫(‪)59‬محمد أحمد بيومى‪ ،‬علم الجتماع الدينى‪ .‬ط ‪ ،2‬السكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪.1985 ،‬‬

‫(‪)60‬محمد أحمد بيومى وعلى عبد الرازق جلبى‪ ،‬محاضرات فى مناهج البحث الجتماعى‬
‫( الجراءات والتطبيقات )‪ .‬السكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬

‫(‪)61‬محمد بن سعود البشر‪ ،‬المسئولية الجتماعية فى العلم ( النظرية وواقع التطبيق )‪.‬‬
‫الرياض‪ :‬دار عالم الكتب‪.1996 ،‬‬

‫(‪)62‬محمهد شومان‪ ،‬دور العلم فصى تكويصن الرأى العام ( حرب الخليصج نموذجا )‪ .‬ط ‪،1‬‬
‫القاهرة‪ :‬المنتدى العربى للدراسات والنشر‪.1998 ،‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪431‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪)63‬محمد عبد الحميد‪ ،‬البحث العلمى فى الدراسات العلمية ‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬عالم الكتب‪،‬‬
‫‪.2000‬‬

‫(‪)64‬محمهد عبهد الشفيهع عيسهى‪ " ،‬هيروشيمصا‪ ..‬تتذكصر الهويصة "‪ ،‬مجلة العصهور الجديدة‪ .‬عدد‬
‫خاص بعنوان‪ :‬أمري كا ( رو ما الجديدة‪ ..‬إمبريال ية الفضيلة )‪ ( ،‬العدد ‪ ،13‬سبتمبر ‪2000‬‬
‫)‪.‬‬

‫(‪)65‬محمهد على حوات‪ ،‬العرب والعولمصة ( شجون الحاضصر وغموض المسصتقبل )‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولى‪.2002 ،‬‬

‫(‪)66‬محمهد محمهد الهادى‪ ،‬أسصاليب إعداد وتوثيصق البحوث العلميصة‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬المكتبهة‬
‫الكاديمية‪.1995 ،‬‬

‫(‪)67‬محمد سعيد فرح‪ ،‬طريقة كتابة البحوث الجتماعية‪ .‬بدون ناشر‪.2002 ،‬‬

‫(‪)68‬محمهد محفوظ‪ ،‬عصهر المعلومات وموقهف النظام العلمهى المصهرى مهن مفهوم حهق‬
‫المعرفهة ( دراسهة نظريهة فهى الحقوق العلميهة للنسهان )‪ .‬رسهالة ماجسهتير غيهر‬
‫منشورة‪ ،‬كلية الداب‪ ،‬جامعة السكندرية‪.1998 ،‬‬

‫(‪)69‬محمود علم الديهن ومحمهد تيمور عبهد الحسهيب‪ ،‬الحاسصبات اللكترونيصة وتكنولوجيصا‬
‫التصال‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪.1997 ،‬‬

‫(‪)70‬محمود علم الديهن‪ ،‬الصصحافة فصى عصصر المعلومات ( السصاسيات والمسصتحدثات )‪.‬‬
‫القاهرة‪.2000 ،‬‬

‫(‪)71‬مراد وهبة‪ ،‬مُلّك الحقيقة المطلقة‪ .‬سلسلة العمال الفكرية ( مهرجان القراءة للجميع ‪-‬‬
‫مكتبة السرة ‪ ،) 1999‬القاهرة‪ :‬دار قباء‪.1999 ،‬‬

‫(‪)72‬مصهطفى عبهد الغنهى‪ ،‬الجات والتبعيصة الثقافيصة‪ .‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مركهز الحضارة‬
‫العربية‪.1998 ،‬‬

‫(‪)73‬م عن النقرى‪ ،‬المعلومات ية والمجت مع ( مجت مع ما ب عد ال صناعة ومجت مع المعلومات )‪.‬‬


‫ط‪ ،1‬الدار البيضاء‪ :‬المركز الثقافى العربى‪.2001 :‬‬

‫(‪)74‬مهدى بندق‪ " ،‬ليصت كلينتون وبوش يعودان "‪ ،‬مجلة تحديات ثقافيهة‪ ( .‬عدد ‪ ،4‬إبريهل‪/‬‬
‫يونيو ‪.) 2001‬‬

‫(‪)75‬ميلد حنها ومحمهد صهادق الحسهينى والصهادق المهدى‪ ،‬المثقصف العربصى‪ ..‬والخصر‬
‫هم (‪ ،)650‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫هلسلة اقرأ عدد رقه‬
‫صض والقبول واللمبالة )‪ .‬سه‬
‫صن الرفص‬
‫( بيص‬
‫‪-‬‬ ‫‪432‬‬ ‫‪-‬‬

‫المعارف‪.2000 ،‬‬

‫(‪)76‬نبيهل على‪ ،‬العرب وعصصر المعلومات‪ .‬سهلسلة عالم المعرفهة‪ ،‬عدد (‪ ،)184‬الكويهت‪:‬‬
‫المجلس الوطنى للثقافة والفنون والداب‪ ،‬أبريل ‪.1994‬‬

‫(‪)77‬هناء عبيهد‪ ،‬العولمصصة‪ .‬سهلسلة موسهوعة الشباب السهياسية‪ ،‬عدد (‪ ،)13‬القاهرة‪ :‬مركهز‬
‫الدراسات السياسية والستراتيجية بالهرام‪.2001 ،‬‬

‫(‪)78‬هويدا مصهطفى‪ ،‬دور العلم فصى الزمات الدوليصة ( دراسصة حالة للدارة العلميصة‬
‫لحرب الخليج )‪ .‬القاهرة‪ :‬مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر‪.2000 ،‬‬

‫(‪)79‬يحيى اليحياوى‪ ،‬العولمة ( أية عولمة ؟ )‪ .‬الدار البيضاء‪ :‬أفريقيا الشرق‪.1999 ،‬‬

‫(‪)80‬يسههرية زايههد‪ " ،‬الوثائق اللكترونيصصة على النترنصصت‪ :‬محاولة دوليصصة لتقنيصصن‬
‫الرجاعات الببليوجراف ية ل ها "‪ ،‬دور ية التجاهات الحدي ثة فى المكتبات والمعلومات‪.‬‬
‫( عدد ‪ ،12‬يوليو ‪.) 1999‬‬

‫ثانياً‪ :‬المراجع المترجمة (كتب ‪ -‬دوريات ‪ -‬بحوث)‬


‫(‪)81‬آر‪ .‬إيه‪ .‬بوكانان‪ ،‬اللة قوة وسلطة ( التكنولوجيا والنسان منذ القرن ‪ 17‬حتى الوقت‬
‫الحا ضر )‪ .‬ترج مة شو قى جلل‪ ،‬سلسلة عالم المعر فة‪ ،‬عدد (‪ ،)259‬الكو يت‪ :‬المجلس‬
‫الوطنى للثقافة والفنون والداب‪ ،‬يوليو ‪.2000‬‬

‫(‪)82‬آلفين توفلر‪ ،‬صدمة المستقبل ( المتغيرات فى عالم الغد )‪ ،‬ترجمة محمد على ناصف‪،‬‬
‫ط ‪ ،2‬القاهرة‪ :‬نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪.1990 ،‬‬

‫(‪)83‬آلف ين توفلر‪ ،‬حضارة المو جة الثال ثة‪ .‬ترج مة ع صام الش يخ قا سم‪ ،‬ط ‪ ،1‬بنغازى‪ :‬الدار‬
‫الجماهيرية‪.1990 ،‬‬

‫(‪)84‬أنتو نى ديبو نز وأ سترهورت و سكوت كرونينو يز‪ ،‬علم المعلومات والتكا مل المعر فى‪.‬‬
‫ترجمة وإضافة أحمد أنور بدر ومحمد فتحى عبد الهادى‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار قباء للنشر‬
‫والتوزيع‪.1998 ،‬‬

‫(‪)85‬أنطو نى جيد نز‪ ،‬الطر يق الثالث ( تجد يد الديمقراط ية الجتماع ية )‪ .‬ترج مة مالك عب يد‬
‫أبو شهيوة ومحمود محمد خلف‪ ،‬ط ‪ ،1‬طرابلس‪ :‬دار الرواد‪.1999 ،‬‬

‫(‪)86‬بيل جيتس‪ ،‬المعلوماتية بعد النترنت ( طريق المستقبل )‪ .‬ترجمة عبد السلم رضوان‪،‬‬
‫سلسلة عالم المعر فة‪ ،‬عدد (‪ ،)231‬الكو يت‪ :‬المجلس الوط نى للثقا فة والفنون والداب‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪433‬‬ ‫‪-‬‬

‫مارس ‪.1998‬‬

‫(‪)87‬بيير برديو‪ ،‬عن التليفزيون وآليات التلعب بالعقول‪ .‬ترجمة درويش الحلوجى‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫القاهرة‪ :‬مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر‪.1999 ،‬‬

‫(‪)88‬ج‪ .‬كراوثهر‪ ،‬قصصة العلم‪ .‬ترجمهة يمنهى طريهف الخولى وبدوى عبهد الفتاح‪ ،‬سهلسلة‬
‫العمال العلميهة ( مهرجان القراءة للجميهع ‪ -‬مكتبهة السهرة ‪ ،) 1999‬القاهرة‪ :‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪.1999 ،‬‬

‫(‪)89‬جارى بيرتلس وآخرون‪ ،‬جنون العولمصة ( تفنيصد المخاوف مصن التجارة المفتوحصة )‪.‬‬
‫ترجمة كمال السيد‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مركز الهرام للترجمة والنشر‪.1999 ،‬‬

‫(‪)90‬جان بيير فارنيى‪ ،‬عولمة الثقافة وأسئلة الديمقراطية‪ .‬ترجمة عبد الجليل الزدى‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫القاهرة‪ :‬الدار المصرية اللبنانية‪.2003 ،‬‬

‫(‪)91‬جان جاك روسو‪ ،‬المختار من العقد الجتماعى‪ .‬ترجمة عبد الكريم أحمد‪ ،‬سلسلة أمهات‬
‫الكتهب ( مهرجان القراءة للجميهع ‪ -‬مكتبهة السهرة ‪ ،)2000‬القاهرة‪ :‬الهيئة المصهرية‬
‫العامة للكتاب‪.2000 ،‬‬

‫(‪)92‬جان فرانسهوا بايار‪ ،‬أوهام الهويصة‪ .‬ترجمهة حليهم طوسهون‪ ،‬ط ‪ ،1‬سهلسلة كتاب العالم‬
‫الثالث‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار العالم الثالث‪.1998 ،‬‬

‫(‪)93‬جوزيان جوال وسيلفى كودارى‪ ،‬تقنيات التصال الحديثة ( توجهات وبحوث )‪ .‬ترجمة‬
‫صالح الع سلى‪ ،‬سلسلة درا سات إعلم ية‪ ،‬عدد (‪ ،)15‬تو نس‪ :‬المنظ مة العرب ية للترب ية‬
‫والثقافة والعلوم ‪ -‬إدارة الثقافة‪.1993 ،‬‬

‫(‪)94‬جون سهتيوارث مهل‪ ،‬عصن الحريصة‪ .‬ترجمهة عبهد الكريهم أحمهد‪ ،‬سهلسلة أمهات الكتهب‬
‫( مهرجان القراءة للجميهع ‪ -‬مكتبهة السهرة ‪ ،) 2000‬القاهرة‪ :‬الهيئة المصهرية العامهة‬
‫للكتاب‪.2000 ،‬‬

‫(‪)95‬جون ل‪ .‬هاتل نج‪ ،‬أخلقيات ال صحافة ( مناق شة علم ية للقوا عد الخلق ية لل صحافة ك ما‬
‫حددت ها جمع ية رؤ ساء تحر ير ال صحف المريك ية )‪ .‬ترج مة كمال ع بد الرؤوف‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫القاهرة‪ :‬الدار العربية للنشر والتوزيع‪.1993 ،‬‬

‫(‪)96‬جون ميرل و رالف لوينشتا ين‪ ،‬العلم و سيلة ور سالة‪ .‬ترج مة ساعد خضر العرا بى‪،‬‬
‫الرياض‪ :‬دار المريخ للنشر‪.1989 ،‬‬

‫(‪)97‬جهى‪ .‬هربرت ألتشول‪ ،‬سصيمفونية العلم ( نظام للتصصنيف )‪ .‬ترجمهة زكهى الجابر‪،‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪434‬‬ ‫‪-‬‬

‫سلسلة دراسات إعلمية‪ ،‬عدد (‪ ،)14‬تونس‪ :‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ‪-‬‬
‫إدارة الثقافة‪.1991 ،‬‬

‫(‪)98‬داني يل يانكلوفي تش‪ ،‬الديمقراط ية وقرار الجماه ير ( ك يف تن جح الديمقراط ية فى عالم‬


‫أكثصر تعقيدا )‪ .‬ترجمهة كمال عبهد الرؤوف‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬الجمعيهة المصهرية لنشهر‬
‫المعرفة والثقافة العالمية‪.1993 ،‬‬

‫(‪)99‬دومنيهك فولتون‪ " ،‬مجتمصع النترنصت والوعود الزائفصة "‪ ،‬مجلة الدراسهات العلميهة‪.‬‬
‫( عدد ‪ ،96‬يوليو ‪ /‬سبتمبر ‪.) 1999‬‬

‫روبرت شمول ( محرر )‪ ،‬مسئوليات الصحافة‪ .‬ترجمة الفرد عصفور‪ ،‬عمان‪ :‬مركز‬ ‫(‪)100‬‬

‫الكتب الردنى‪.1990 ،‬‬

‫روج يه جارودى‪ ،‬أمري كا طلي عة النحطاط‪ .‬ترج مة عمرو زهيرى‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار‬ ‫(‪)101‬‬

‫الشروق‪.1999 ،‬‬

‫رودنى أ‪ .‬سمولل‪ ،‬حرية التعبير فى مجتمع مفتوح‪ .‬ترجمة كمال عبد الرؤوف‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫(‪)102‬‬

‫القاهرة‪ :‬الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية‪.1995 ،‬‬

‫زبغنيهو بريجنسهكى‪ ،‬الفوضصى ( الضطراب العالمصى عنصد مشارف القرن الحادى‬ ‫(‪)103‬‬

‫والعشرين )‪ .‬ترجمة مالك فاضل‪ ،‬ط ‪ ،1‬عمان‪ :‬الهلية للنشر والتوزيع‪.1998 ،‬‬

‫(‪)81‬زكهى العايدى وآخرون‪ ،‬المعنصى والقوة فصى النظام العالمصى الجديصد‪ ،‬ترجمهة سهوزان‬
‫خليل‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬سينا للنشر‪.1994 ،‬‬

‫(‪ )81‬سلفوى زيزيك‪ ،‬ل مفر من منطق الرأسمالية‪ .‬ترجمة أحمد خضر‪ ،‬فى مجلة الثقافة‬
‫العالمية‪ ،‬عدد (‪ - )100‬مايو‪ /‬يونيو ‪.2000‬‬

‫(‪)81‬سيرج لتوش‪ ،‬تغريب العالم ( بحث حول دللة ومغزى وحدود تنميط العالم )‪ .‬ترجمة‬
‫خليل كلفت‪ ،‬ط ‪ ،1‬سلسلة كتاب العالم الثالث‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار العالم الثالث‪.1992 ،‬‬

‫(‪)81‬سهيمون سهيرفاتى ( محرر )‪ ،‬وسصائل العلم والسصياسة الخارجيصة‪ .‬ترجمهة محمهد‬


‫مصهطفى غنيهم‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬الجمعيهة المصهرية لنشهر المعرفهة والثقافهة العالميهة‪،‬‬
‫‪.1995‬‬

‫(‪ )81‬صامويل هنتنجتون‪ ،‬صدام الحضارات ( إعادة صنع النظام العال مى )‪ .‬ترج مة طل عت‬
‫الشايب‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار سطور‪.1998 ،‬‬

‫(‪)81‬عبد العزيز موافى‪ ،‬العولمة ( النظرية الجتماعية والثقافة الكونية )‪ .‬عرض لكتاب‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪435‬‬ ‫‪-‬‬

‫العول مة ( النظر ية الجتماع ية والثقا فة الكون ية )‪ ،‬تأل يف‪ :‬رونالد روبرت سون‪ ،‬ترج مة‪:‬‬
‫أحمد محمود ونورا أمين‪ ،‬مجلة تحديات ثقافية‪ ( .‬عدد ‪ ،4‬أبريل‪ /‬يونيو ‪.) 2001‬‬

‫(‪)81‬ا‪ .‬هايهك‪ ،‬الطريصق إلى العبوديصة‪ .‬ترجمهة محمهد مصهطفى غنيهم‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫الشروق‪.1994 ،‬‬

‫(‪)81‬فران سيس فوكويا ما‪ ،‬نها ية التار يخ وخا تم الب شر‪ .‬ترج مة ح سين أح مد أم ين‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫القاهرة‪ :‬مركز الهرام للترجمة والنشر‪.1993 ،‬‬

‫(‪)81‬كي مبرلى آن إليوت ( محرر )‪ ،‬الف ساد والقت صاد العال مى‪ .‬ترج مة مح مد جمال إمام‪،‬‬
‫ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مركز الهرام للترجمة والنشر‪.2000 ،‬‬

‫(‪)81‬مايكهل ديرتوزوس‪ ،‬ماذا سصيحدث ( كيصف سصيغير عالم المعلومات الجديصد حياتنصا )‪.‬‬
‫ترجمة بهاء شاهين‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪ :‬مركز الحضارة العربية‪.2000 ،‬‬

‫(‪)81‬محمههد إبراهيههم‪ ،‬التلفزيون والمجتمصصع‪ .‬عرض لكتاب‪ :‬التلفزيون والمجتمههع‬


‫( الخصهائص‪ ،‬التأثيهر‪ ،‬النوعيهة‪ ،‬العلنات )‪ ،‬تأليهف‪ :‬جون كورنهر‪ ،‬ترجمهة‪ :‬أديهب‬
‫خضور‪ ،‬مجلة الدراسات العلمية‪ ( .‬عدد ‪ ،96‬يوليو‪ /‬سبتمبر ‪.) 1999‬‬

‫(‪)81‬ميتشيو كاكو‪ ،‬رؤى مستقبلية ( كيف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين )‪.‬‬
‫ترجمهة سهعد الديهن خرفان‪ ،‬سهلسلة عالم المعرفهة‪ ،‬عدد (‪ ،)270‬الكويهت‪ :‬المجلس‬
‫الوطنى للثقافة والفنون والداب‪ ،‬يونيو ‪.2001‬‬

‫(‪)81‬نعوم تشومسهكى‪ ،‬ردع الديمقراطيصة‪ .‬ترجمهة فاضهل جتكهر‪ ،‬ط ‪ ،1‬دمشهق‪ :‬دار كنعان‬
‫للدراسات والنشر‪.1992 ،‬‬

‫(‪ )81‬ههههههههههههههههههههههه‪ ،‬ضبط الرعاع ( حوارات أجراها معه‪:‬‬


‫ديفيد بارساميان )‪ .‬ترجمة هيثم على حجازى‪ ،‬ط ‪ ،1‬عمان‪ :‬الهلية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪.1997‬‬

‫(‪ )81‬ههههههههههههههههههههههه‪ ،‬ال سيطرة على العلم‪ ،‬ترج مة أمي مة‬


‫عبد اللطيف‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪.2003 ،‬‬

‫(‪)81‬هارلن كليفلند‪ ،‬ميلد عالم جديد ( فرصة متاحة لقيادة عالمية )‪ .‬ترجمة جمال على‬
‫زهران‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬المكتبة الكاديمية‪.2000 ،‬‬

‫(‪)81‬هانههس ‪ -‬بيترمان و هارالد شومان‪ ،‬فصصخ العولمصصة ( العتداء على الديمقراطيصصة‬


‫والرفاه ية )‪ .‬ترج مة عدنان عباس على‪ ،‬سلسلة عالم المعر فة‪ ،‬عدد (‪ ،)238‬الكو يت‪:‬‬
- 436 -

.1998 ‫ أكتوبر‬،‫المجلس الوطنى للثقافة والفنون والداب‬

‫ سهلسلة عالم‬،2 ‫ ط‬،‫ ترجمهة عبهد السهلم رضوان‬.‫ المتلعبون بالعقول‬،‫ شيللر‬.‫)هربرت أ‬81(
.1999 ‫ مارس‬،‫ المجلس الوطنى للثقافة والفنون والداب‬:‫ الكويت‬،)243( ‫ عدد‬،‫المعرفة‬

‫ سلسلة دراسات فلسفية‬،‫ ترجمة محمد جمول‬.‫ مستقبل الجمهور المتلقى‬،‫)رسل نيومان‬81(
.1996 ،‫ وزارة الثقافة السورية‬:‫ دمشق‬،)22( ‫ عدد‬- ‫وفكرية‬

‫ ترجمة سمير‬.) ‫ أفول السيادة ( كيف تحوّل ثورة المعلومات عالمنا‬،‫ رستون‬.‫)ولتر ب‬81(
.1994 ،‫ دار النسر للنشر والتوزيع‬:‫ عمان‬،‫عزت نصار وجورج خورى‬

) ‫ بحوث‬- ‫ دوريات‬- ‫ المراجع الجنبية ( كتب‬:ً‫ثالثا‬


)124( Baker, Kimberly Middleton., Adolescents And The Meanings They
Make From Television. Dissertation Abstract )Phd(, Newyork university,
2000, Available at:
UMI Proquest Digital Dissertatioins - http:// wwwlib. umi - Com/
dissertations / fullict / 9981418, )31 July 2001(.

)125( Baran, stanley J. & Davis, Dennis K., Mass Communication Theory
)Foundations, Ferment And Future(. California: wadsworth Publishing
Company, 1995.
)126( Barber, Benjamin R., Democracy At Risk )American Culture In A
Global Culture(, World Policy Journal, )No. 2., summer 1998(, p. 29 )13(,
On line from:
Mailer - Daemon @ email - delivery. infotrac - Custom. Com, )26 July
2001(.
)127( Beck, ulrich, Beyond The Nation State )Globalisation(. Available at:
http: // www. Findarticles. Com / CF_ O/mOFQP / 4465_ 128/58447868/
print. Jhtml, )5 August 2001(.

)128( Black, Jay & Bryant, Jennirgs, Introduction To Media Communication


)Understand The Past, Experience The Present, Marvel At The
Future(. London: Brown & Benchmark Publishers, 1995.
- 437 -

)129( Bluemlein, Ann Colleen, Testing Objectivity )An Experiment Measuring


Objectivity In Journalists And Non - Journalists(. Dissertation Abstracts
)Master(, UTAH STATE university, 2000, Available at: UMI Proquest
Digital Dissertation - http: // www lib. umi. Com/ dissertations/ fullcit /
9975659, )31 July 2001(.

)130( Collins, Richard & Murroni, Cristina, New Media - New Policies.
Cambridge: Polity Press, 1996.
)131( Criticisms Of The Marxist Approach. In Mass Media effects: Marxism
- Criticism, Available at:
http: // www. Cultsock. ndirect. Co. Uk/ MUHome/ Cshtml / media /
marxcrit. html, )3 August 2001(.

)132( Demarais, Robert A., The Biased Media’s Social Responsibility Theory.
Available at: http: // Conservative 101. homestead. Com / Biasedmedia.
html, )9 August 2001(.

)133( Downing, John, Government Secrecy And The Media In The United
States And Britain. In Peter Golding & Graham Murdock & Philip
Schlesinger, Communicating Politics )Mass Communication And The
Political Process(. U.S.: Leicester university Press, 1986.

)134( Harless, James D., Mass Communication )An Introductory Survey(.


U.S.: Wm. C. Brown Publishers, 1990.

)135( Holton, Robert, Globalisation’s Cultural Consequences )Dimensions


Of Globalisation(, The Annals of the American Academy of Political
and social Science. V570 )July 2000(, P. 140 )13(, On line from:
Mailer - Daemon @ email - delivery. infotrac - Custom . Com, )26 July 2001(.

)136( Koshy, Ninan, Political Dimensions Of Globalisation. Available at:


http: // www. e pw. org. in /36 - 19/ persp. htm, )5 August 2001(.

)137( Lloyd, Christopher, Globalisation )Beyond The Ultra - Modernist


Narrative To A Critical Realist Perspective On Geopolitics In The Cyber
Age(,
- 438 -

In International Journal of urban and regional Research. V24 )June 2000(,


P. 258 )16(, On line from:
Mailer - Daemon @ email - delivery. infotrac - custom. com, )26 July 2001(.

)138( Mattelart, Armand & Mattelart, Michele, Theories Of Communication


)A Short Introduction(. Translated by susan Gruenheck Taponier &
James A. Cohen, London: SAGE Publications Ltd, 1998.

)139( Mcchesney, Robert W., Making Media Democratic. Available at:


http: // bostonreview. mit. edu / BR 23.3/ mcchesney. html, )5 Ausgust 2001(.

)140( Mcquail, Denis, Mass Communication Theory )An Introduction(.


3rd Edition, London: SAGE Publications LTd, 1994.

)141( Merrill, John C. & lee, John & lander, Edward J. F., Modern Mass
Media. N.Y.: Harper & Row, Publishers, 1990.

)142( Mostern, Kenneth, Modernity, Postmodernity, Social Marginality(. Available


at: http: // www. Ctheory. Com/ review / r 021. html, )2August 2001(.

)143( Recent Development: Over View )Postmodernity(. In Mass media


effects: recent developments, Available at:
http:// www. Cultsock. ndirect. Co. uk/ MU Home/ Cshtml / media /
recent. html, )3 August 2001(.

)144( Serexhe, Bernhard, Deregulation / Globalisation )The Loss Of


Culturlal Diversity?(. Available at:
http: // www. Ctheory. Com / global/ ga 110. html, )2 August 2001(.

)145( Severin, Werner J. & Tankard, James W., Communication Theories


)Origins, Methods, Uses(. Newyork & London: longman, 1988.

)146( Uncapher, willard, Between local And Global )Placing The Media
Space In The Transnational Cultural Flow(. On line from:
Paradox @ actlab. rtf. utexas. edu, )2 August 2001(.

)147( Wesemann, Arnd, Slaves Of The Cyber - Market ) An Interview With


Geert Lovink (. Available at:
- 439 -

http: // www. Ctheory. Com/ event /e 018. html, )2 August 2001(.

)148( Yun, Eunsang, Structural Approach To The Development Of The


Communication Technologies )A New Conception Of The Public
Interest For The Internet And The GCIP Model(. Dissertation
Abstracts )Phd(, The university of wisconsin - Madison, 2000, Available
at: UMI Proquest Digital Dissertations - http:// wwwlib- umi - Com /
dissertations / fullcit / 9981891, )31 July 2001(.



You might also like