Professional Documents
Culture Documents
-3-
-4-
-5-
-6-
العلم والعولمة
( دراسة فى أثر العولمة على القدرات المعرفية والتكنولجية للنظم العلمية )
( دراسة مقارنة للنظم العلمية الحرة والموجهة )
-7-
« لن الحقيقة نسبية ..فإن حرية التعبير ينبغى أن تكون مطلقة .فل أحد يمتلك الحقيقة..
حتى يصادر حق الخرين فى محاولة القتراب من حدودها».
(دكتور /محمد
محفوظ )
« تمهيـد »
الطار النظرى والمنهجى للدراسـة
البـاب الول
ظاهـرة العولمـة
(البعاد الفكرية والمادية والمجتمعية والنسانية)
الفصـل الول
البعاد الفكرية لظاهرة العولمة
الفصـل الثانى
البعاد المادية لظاهرة العولمة
الفصـل الثالث
البعاد المجتمعية والنسانية لظاهرة العولمـة
القسـم الول
البعاد المجتمعية لظاهرة العولمـة
القسـم الثانى
البعاد النسانية لظاهرة العولمة
البـاب الثانى
القدرات المعرفية والتكنولوجية للنظم العلمية الراهنة فى ظل البعاد العلمية للعولمـة
الفصـل الرابع
القدرات المعرفية والتكنولوجية للنظم العلمية الراهنة
المبحث الثانى :القدرات التكنولوجية للنظم العلمية الراهنة فى ظل البعاد العلمية للعولمة
( من التصال المحدود إلى التصال شبه الكامل )
المبحث الثالث :درجة شفافية النظم العلمية الراهنة فى ظل البعاد العلمية للعولمة
( القيود المعرفية فى النظم العلمية )
أولً :القيود المجتمعية على القدرات المعرفية للنظم العلمية
-1القيود التشريعية
أ -التشريعات المقيـّدة لحق الجماهير فى المعرفة
- 10 -
الفصـل الخامس
المرجعيات الفلسفية للنظم العلمية الراهنـة
الفصـل السـادس
الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية الحرة والموجهة
المبحث الول :الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية الحرة
المبحث الثانى :الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية الموجهة
- 11 -
البـاب الثـالث
نحو مسئولية إعلمية مناسـبة للنظم العلمية (الوظيفة المعرفية للنظم العلمية)
الفصـل السابع
الحرية المطلقة للتعبير وسلطة النظم العلمية ومسئوليتها
الفصـل الثامـن
البعاد العملية للمسئولية المعرفية للنظم العلمية
المبحث الرابع :بُعـد الطـراف الفاعلـة ( المسئولية المعرفية والقائمين بالتصال وجماهير
المتلقين )
أولً :القائمون بالتصال ( العلميون )
ثانياً :جماهير المتلقين
الفصـل التاسـع
الدوات القياسية لمفهوم المسئولية المعرفية للنظم العلمية (أسـاليب القياس العـلمى)
المبحث الول :أساليب قياس المتغيرات الوظيفية الحاكمة المؤثرة على القدرات المعرفية للنظم
العلمية
أولً :الحساب التقديرى لدرجة شفافية المجتمع
-1الحساب التقديرى لنسبة القيود التشريعية غير الفاعلة
-2الحساب التقديرى لنسبة القيود العملية غير الفاعلة
ثانياً :الحساب التقديرى لدرجة شفافية المؤسسات العلمية
ثالثاً :الحساب التقديرى للقدرات التكنولوجية للنظم العلمية
المبحث الثانى :مقياس القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية المحظورة بالمؤسسات
العلمية
المبحث الرابع :الساليب الحتمالية لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة الثار الضارة
المحتملة للرسائل العلمية
أولً :النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية المن القومى
والسرار العامة»
ثانياً :النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية أخلقيات وقيم
المجتمع»
ثالثاً :النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية طوائف المجتمع»
رابعاً :النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية تشريعات
المجتمع»
خامساً :النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية السمعة
والعتبار»
سادساً :النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق حماية الخصوصية
والسرار الخاصة»
سابعاً :النموذج الحتمالى لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة «حق المحاكمة العادلة»
الفصـل العاشـر
نحـو نظـام إعـلمى مسئول معرفيـاً
المبحث الول :المعلومات العلمية والقيود فى النظم العلمية الراهنة (نموذج تخطيطى)
- 13 -
المبحث الثانى :المسئولية المعرفية وتشكيل الوعى الجتماعى فى ظل البعاد العلمية للعولمة
أولً :نظريات تشكيل الوعى الجتماعى والنظم العلمية الراهنة (رؤية نقدية)
ثانياً :تشكيل الوعى الجتماعى فى النظم العلمية المسئولة معرفياً
خاتمــة الدراســـة
مقدمـة:
تمثل ظاهرة العولمة القضية المركزية التى تدور حولها فاعليات العصر الراهن ،فى
كا فة المجالت والبعاد وال صعدة ،والعا مل المضاف الذى يطرح تأثيرا ته الحال ية والم ستقبلية
على جميع النشطة النسانية.
ولذلك ..ف قد احتدم الجدل حول تلك القض ية المركز ية ،وذلك العا مل المضاف ،انطلقا
من شمول ية الظاهرة وتطورات ها المباغ تة .وين بع الو جه المبا غت للعول مة من خلف ية الت سارع
التاري خى ب ين التطور المادى والتطور الفكرى للبشر ية .ف فى ح ين كان ال سبق للتطور الفكرى
على التطور المادى فى عصور البشرية الولى ،ثم بات الفارق بينهما يقل تدريجيا كلما ارتقت
النسانية ،إل أنه يبدو أن التاريخ يتأهب الن لدورة عكسية ،تمنح السبق للتطور المادى على
التطور الفكرى .ولعله سبق غ ير م سبوق لت سارعه المتزا يد والمتعا ظم ،إلى ال حد الذى يع طل
الكثيهر مهن المنظومات الفكريهة الحاليهة ،وذلك لعدم قدرتهها على اللحاق بذلك التطور المادى
الهائل.
فالتطور الباهر فى مجالت العلوم الطبيعية التى تتعلق بالجوانب المادية من الوجود
( الفيزياء -الكيمياء -الجيولوج يا -البيولوج يا ) ،و ما أ سفر ع نه من تبلور التكنولوج يا
باعتبار ها الو جه الت طبيقى لتلك العلوم فى ال صناعة والزرا عة لنتاج كا فة احتياجات الن سان،
ذلك التطور لم يقابله تطور مماثهل فهى العلوم النسهانية التهى تتعلق بالنسهان ككائن اجتماعهى
وبكافة أنشطته المجتمعية.
لقد طرحت التكنولوجيا على النسان واقعا مجتمعيا ذا بنية تكنولوجية فائقة يتعامل معها
النسان ببنية فكرية تنتمى إلى الماضى .حيث أصبح النسان يعيش فى الحاضر المتقدم بعقل
ينتمهى إلى الماضهى القهل تقدما .المهر الذى أدى إلى قصهور المفاهيهم الفكريهة والفلسهفية عهن
ملحقة المنجزات المادية والتكنولوجيه ،وأسفر عن التباس المفاهيم وغموضها ،كأحد أعراض
تقدم الواقهع بخطوة أو عدة خطوات على الفكهر ،وانفصهال تلك المفاهيهم عهن الواقهع ،وسهيادة
تصوراتها وتفسيراتها غير الملئمة لتنفرد بتوجيه وإدارة الحاضر الوليد الجديد.
إن الوجهه المباغهت للعولمهة المُلخّصه لحصهيلة التقدم المادى للبشريهة هو الذى جعهل
الناس يدركون أنههم باتوا يعيشون فهى عالم متغيهر ،وسهيتغير عمها كانوا يألفون بخطوات
متسارعة لم تكن معهودة من قبل ،ول تفسرها الطر الفكرية السائدة .ومن ثم فقد احتدم الجدل
حول هذه القض ية المركز ية التى تتعا مل مع ها ب عض الجماعات البشر ية باعتبار ها نات جة عن
تطور موجهه تقهف وراءه بعهض القوى السهاعية خلف مصهالحها؛ وبالتالى تنظهر لهها هذه
- 15 -
الجماعات بالكثير من الشك والريبة ،وتتمسك بالطر الفكرية السائدة باعتبارها الدرع الواقى
من تغيرات غير منزهة عن الغرض .بينما تتعامل معها جماعات أخرى باعتبارها ناتجة عن
تطور طبيعى للنسانية؛ وبالتالى تنظر لها بالكثير من التفاؤل ،وتبحث عن أطر فكرية جديدة
تتيح لها التواصل مع الحاضر المفعم بالتغير.
وينعكهس هذا التفاوت بيهن التطور المادى والتطور الفكرى للبشريهة على واقهع النظهم
العلم ية المعا صرة ال تى بلغ تطور ها المادى التكنولو جى م ستويات فائ قة اخت صرت الزمان
والمكان معا ،وبات معهها التصهال بديلً عهن النتقال ،بينمها مازال تطورهها الفكرى يخضهع
لقيود المكان ( سياسيا واقتصاديا وثقافيا ) ،وارتباطات الزمان ( فلسفيا وأخلقيا ).
لقهد أصهبح التطور المادى التكنولوجهى فهى النظهم العلميهة يطرح مفاهيهم الشفافيهة
والعلنية والنشر ،تلك المفاهيم التى تتيح الستثمار المثل لتلك المستحدثات التكنولوجية ،بينما
مازال التطور الفكرى بالنظم العلمية يتمسك بمفاهيم السرية والتعتيم والحظر.
ويطرح هذا التصهور ..أهميهة المراجعهة التحليليهة لمدى كفاءة النظهم العلميهة فهى
ممار سة وظيفت ها فى المجت مع فى ظل التأثيرات ال تى تعك سها علي ها ظاهرة العول مة ،وذلك
للتعرف على در جة استجابة النظم العلمية ماديا وفكريا لهذه التأثيرات ،ومدى حاجتها لبن ية
فكرية تتلءم مع التطورات العولمية الراهنة.
ولهذا ..تتناول الدراسهة الماثلة مشكلة بحثيهة تدور حول تحديهد المتغيرات الوظيفيهة
الحاكمهة فهى بنيهة النظهم العلميهة ،ورصهد الثار التهى تمارسهها عولمهة التصهال على هذه
المتغيرات ،بمها يؤدى إلى توازنهها أو التفاوت فيمها بينهها ،وبمها يؤدى إلى التأثيهر بالسهلب
أو اليجاب على كفاءة النظهم العلميهة فهى ممارسهتها لوظيفتهها فهى المجتمهع ( نوعيا وكيفيا
وكميا )؛ ومن ثم إبراز أو تقليص الوظيفة المعرفية لتلك النظم فى ظل التأثيرات التى تمارسها
عولمة التصال.
وتحاول الدراسهة القتراب مهن الحهل العلمهى لتلك المشكلة البحثيهة مهن خلل ثلثهة
خطوات متتابعهة .حيهث تقوم الدراسهة أولً ،بالتعرض للبعاد الفكريهة والماديهة والمجتمعيهة
والنسهانية لظاهرة العولمهة ،وذلك مهن أجهل تكويهن فههم علمهى واضهح حول جذور وملمهح
ومنطلقات تلك الظاهرة .ثم تقوم الدرا سة ثانيا ،بتحد يد المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية
الن ظم العلم ية من أ جل ر صد الثار ال سلبية أو اليجاب ية؛ المتواز نة أو غ ير المتواز نة ال تى
تمار سها علي ها عول مة الت صال ،ومدى م ساهمة ذلك فى إبراز أو تقل يص الوظي فة المعرف ية
- 16 -
لتلك النظهم .ثهم تقوم الدراسهة ثالثا ،بعرض الطار الفكرى والعملى والقياسهى والتخطيطهى
للوظي فة المعرف ية للن ظم العلم ية فى ظل البعاد العلم ية للعول مة ،من خلل تقد يم الخلف ية
الفكر ية الفل سفية وال ساليب العمل ية والدوات القيا سية والبن ية التخطيط ية ال تى تض من كفاءة
الن ظم العلم ية فى ممار ستها لوظيفت ها فى المجت مع ( نوعيا وكيفيا وكميا )؛ و من ثم توف ير
القدرة لتلك النظم على الستثمار المثل للقدرات المتاحة لها فى ظل البعاد العلمية للعولمة
بدلً من تورطها فى الممارسات السلبية لتشكيل وعى جماهير المتلقين المتمثلة فى ممارسات
تزييف الوعى والختراق الثقافى.
وانطلقا من هذا المخطط العلمى فى التعامل مع مشكلة الدراسة ،فقد تم تقسيم الدراسة
إلى ثلثة أبواب تضم أحد عشر فصلً تحتوى على اثنين وثلثين مبحثا.
الباب الول بعنوان :ظاهرة العولمة ( البعاد الفكرية والمادية والمجتمعية والنسانية ).
ويسعى هذا الباب من خلل فصوله الثلثة ،إلى اختبار مدى صحة الفرض المطروح بالدراسة
وينص على التى:
« تم ثل العول مة المشروع الفكرى والعملى للرأ سمالية العالم ية فى سعيها ن حو ال سيطرة على
العالم ،ح يث تد فع العول مة ن حو تكو ين الكيانات ال كبرى و سحق الكيانات ال صغيرة على كا فة
المستويات السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية ».
ويعرض الفصصل الول مهن هذا الباب للبعاد الفكريهة لظاهرة العولمهة ،مهن خلل
عرض مداخلها التاريخية والمعرفية والفلسفية .ويعرض الفصل الثانى للبعاد المادية لظاهرة
العولمهة من خلل ر صد المظاههر الدالة عليهها والمؤ سسات التهى تعتمهد عليهها فى ممارسهة
فاعليات ها .ويعرض الف صل الثالث للبعاد المجتمع ية لظاهرة العول مة ( ال سياسية والقت صادية
والثقافية والعلمية) ،بالضافة إلى أبعادها النسانية.
الباب الثانصى للدراسهة بعنوان :القدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة الراهنهة فهى ظهل
البعاد العلميهة للعولمهة .ويسهعى هذا الباب مهن خلل فصهوله الثلثهه إلى الجابهة على
التساؤلين الول والثانى من تساؤلت الدراسة واللذان ينصان على التى:
التساؤل الول :ما هو الثر الذى تمارسه عولمة التصال على المتغيرات الكائنة ببنية
النظم العلمية الراهنة ،ومن ثم على وظيفتها بالمجتمع؟
التساؤل الثانى :ما هو الثر الذى تمارسه المرجعيات الفلسفية العلمية التى تتبناها
النظم العلمية الراهنة ،على القدرات المعرفية لتلك النظم؟
- 17 -
حيهث يعرض الفصصل الرابصع للقدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة الراهنهة ،مهن خلل
تحد يد المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية تلك الن ظم ،وال تى تتم ثل فى قدرات ها التكنولوج يا
ودرجهة شفافيتهها .ويضهم الفصصل الخامصس تحليلً نقديا للمرجعيات الفلسهفية للنظهم العلميهة
الراهنهة .ويرصهد الفصصل السصادس الممارسهات العمليهة لتقييهد القدرات المعرفيهة فهى النظهم
العلمية الحرة والموجهة.
الباب الثالث للدراسهة بعنوان :نحهو مسهئولية إعلميهة مناسهبة للنظهم العلميهة
( الوظيفة المعرفية للنظم العلمية ) .ويسعى هذا الباب من خلل فصوله الخمسة إلى الجابة
على التساؤلين الثالث والرابع من تساؤلت الدراسة واللذان ينصان على:
الت ساؤل الثالث :ما هو الطا بع الملئم لتو صيف ثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بن ية
النظم العلمية ،بما يضمن الرتفاع بقدراتها المعرفية؟
الت ساؤل الرا بع :ما هو الدور الذى تمار سه عول مة الت صال ،فى مجال قيام الن ظم
العلمية بتشكيل الوعى الجتماعى لجماهير المتلقين؟
حيث يعرض الفصل ال سابع للطار الفكرى للحرية المطلقة للتعبير ،والبعاد الفكرية
لسلطة النظم العلمية ومسئوليتها ،وخصائص المسئولية المعرفية ( الوظيفة المعرفية ) للنظم
العلميهة ،بمها يضمهن كفاءة النظهم العلميهة فهى ممارسهتها لوظيفتهها ( نوعيا ) .ويعرض
الفصصل الثامصن للبعاد العمليهة للمسهئولية المعرفيهة للنظهم العلميهة ،مهن خلل تقديهم نماذج
مرشدة تتيهح النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة ،بمها يضمهن كفاءة النظهم
العلم ية فى ممار ستها لوظيفت ها ( كيفيا ) .ويعرض الف صل التا سع للدوات القيا سية لمفهوم
الم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية ( أ ساليب القياس العل مى ) ،تلك ال ساليب الكم ية ال تى
تساعد على مراقبة درجة التزام النظم العلمية بوظيفتها فى المجتمع ،بما يضمن كفاءة تلك
النظم فى ممارستها لوظيفتها ( كميا ) .ويضم الفصل العاشر عرضا للنموذج التخطيطى للنظم
العلمية الراهنة مقارنا بالنموذج التخطيطى المأمول للنظام العلمى المسئول معرفيا ،وذلك
باسهتخدام أسهلوب تحليهل النظهم .ويعرض الفصصل الحادى عشصر لممارسهات تشكيهل الوعهى
الجتما عى فى النظهم العلم ية الراه نة ،من خلل عرض البعاد الفكر ية لنظريات تشك يل
الوعى الجتماعى ،وتأثير البعاد العلمية للعولمة على ممارسات النظم العلمية فى مجال
تشكيل وعى جماهير المتلقين.
- 18 -
واتساقا مع توجهات الدراسة ،فإن الدراسة الماثلة تنتمى فى جانب منها إلى الدراسات
الو صفية ،و فى جا نب آ خر إلى الدرا سات ال ستطلعية .ح يث ت سعى الدرا سة الو صفية من
خلل المعارف التى قدمتها الدراسات السابقة حول ظاهرة العولمة ( فكريا وماديا ومجتمعيا )
إلى اختبار صهحة الفرض الذى تهم اسهتنباطه مهن تلك الدراسهات حول العولمهة .بينمها تسهعى
الدراسهة السهتطلعية إلى الجابهة على التسهاؤلت المطروحهة بالدراسهة ،مهن خلل تصهديها
لمشكلة بحثية لم تتعرض لها الدراسات السابقة ،تتمثل فى التأثير الذى تمارسه عولمة التصال
على المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية ،ودور هذا التأثير فى إبراز الوظيفة
المعرفية لتلك النظم .وانطلقا من توجهات الدراسة فإن المنهج المقارن يصبح هو المنهج الذى
يت سق مع طبي عة تلك الدرا سة ال تى تقت ضى المقار نة ب ين الن ظم العلم ية الحرة والموج هة،
للمقار نة ب ين التأثيرات ال تى أحدثت ها العول مة فى المتغيرات الوظيف ية الحاك مة ببن ية تلك الن ظم
حرة كانت أم موجهة ،والمقارنة بين الممارسات العملية لتلك النظم فى أرض الواقع العلمى
الراهن .ولقد تمثلت الدوات التى تساعد فى التصدى لجوانب هذه الدراسة فى كل من المدخل
الوظيفى Functionalومدخل النظم Systemsباعتبارهما الداة والمرجعية التى ستمثل أساس
التعامل مع مشكلة الدراسة.
وبالتالى ..فإن ما تطمح إليه الدراسة الراهنة يتمثل فى محاولة تطوير فاعليات النظم
العلم ية؛ ح تى تتوا كب مع الع صر الرا هن ول تتخلف ع نه ،وح تى ت ساهم فى الن قل الوا فى
للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة إلى الجماهيهر ،ول تتورط فهى ممارسهات التضليهل
العلمهى وتزييهف الوعهى .وحتهى تصهبح مرآة صهادقة تعكهس صهورة المجتمهع ول تُجمّله
تفاصيلها .وبالتالى يمتلك البشر الوعى ،ومن ثم القدرة على التطور نحو مجتمع أفضل.
- 19 -
« تمهيــــد »
الطـار النظرى والمنهجى للدراســة
ول قد أضا فت التطورات التكنولوج ية المذهلة فى الن صف الثا نى من القرن العشر ين
سهيولة مضاعفهة إلى تلك القنوات العلميهة ،خرجهت بنطاقهها مهن حيهز المحليهة إلى رحاب
العالميهة ،بحيهث أصهبحت المواد العلميهة المختلفهة الجنسهية والمنقولة عهبر البهث الفضائى
المباشر تتلقى كلها فى شاشة واحدة ،سواء أكانت شاشة التلفزيون بقنواته الفضائية الجنبية
والمحلية ،أو كانت شاشة الكومبيوتر بمواقعه العالمية والوطنية عبر شبكة النترنت .وأدى هذا
إلى ف تح الباب وا سعا أمام تجاور الن ظم العلم ية -المتباي نة فى توجهات ها ومدى حريت ها فى
الت عبير عن مجتمعات ها -أمام أع ين جماه ير المتلق ين والمرا قبين وأن صار حر ية الت عبير ،م ما
أش عل جذوة المقار نة ب ين ن ظم إعلم ية وأخرى ،وممار سات إعلم ية وأخرى .و ما كان لتلك
المقارنة أن تأتى أثرها -لدى أنصار حرية التعبير والمنشغلين بعلوم العلم -ما لم تتأسس
تلك المقارنهة حول تسهاؤلت مشروعهة عهن مدى كفاءة النظهم العلميهة الراهنهة فهى القيام
بوظائفهها ،نوعيا وكيفيا وكميا ،بحيهث يصهبح كهل مهن :نوع الوظيفهة العلميهة ومضمونهها
الملئم ودرجهة فاعليتهها ،بمثابهة مؤشرات دالة على درجهة كفاءة تلك النظهم العلميهة
أو قصورها .فبعدما امتلكت النظم العلمية التكنولوجيا الفائقة -ولن كل تكنولوجيا وُجدت
لتُسهتخدم -فإن عدم اسهتثمار التكنولوجيها إعلميا لتسهليط الضوء على الحقائق المجتمعيهة
محليا ،سهيجعل مهن تلك التكنولوجيها أداة للتعميهة والتضليهل على المسهتويات المحليهة ،أو أداة
سهياسية للصهراع بيهن القوى والمصهالح المتنافسهة عالميا .المهر الذى يضهع تلك التسهاؤلت
المشروعهة -حول مدى كفاءة النظهم العلميهة الراهنهة فهى القيام بوظائفهها -فهى قلب
- 21 -
المشكلت العلم ية ال تى ينب غى إخضاع ها للب حث المتع مق والدرا سة الم ستفيضة ،باعتبار ها
َمعْهلما من معالم الطريق نحو الستثمار المثل للفرص التى تتيحها التكنولوجيا الحديثة.
ل كن التعا مل العل مى مع الن ظم العلم ية لتحد يد مدى كفاءت ها فى القيام بوظائف ها
( نوعيا وكيفيا وكميا ) يبت عد عن دائرة المترادفات ال تى يح فل ب ها ح قل الثقا فة العا مة ع ند
التعامهل مهع كهل مهن :وسهائل العلم والمؤسهسات العلميهة والنظهم العلميهة باعتبارهها
م سميات متعددة لمدلول وا حد ،إذ إن النظام العل مى فى المدلول العل مى يُ عد بمثا بة ..كيانا
إعلميا جامعا للنشطة العلمية ،ويعمل هذا الكيان فى ظل نظام سياسى وقانو نى مع ين،
وفى ظل مرجعية فلسفية معينة.
وانطلقا من هذا المدلول العل مى ..فإن النظام العل مى -طبقا لتو صيف قطاعا ته -
يتكون من ثلثة قطاعات تمثل مجمل النشطة العلمية ..على النحو التالى:
قطاع المؤسهسات العلميهة :بمها تضمهه هذه المؤسهسات مهن قائميهن بالتصهال أ -
( العلميين ) وتجهيزات تكنولوجية للنتاج العلمى ،وبما تنشره من رسائل إعلمية.
قطاع وسائل العلم :بما يضمه من وسائل إعلمية مختلفة ،باعتبارها القناة التى تقوم ب-
المؤسسات العلمية من خللها بنشر رسائلها العلمية إلى جماهير المتلقين.
قطاع جماهيهر المتلقيهن :باعتبارههم الطرف الذى يحوز وسهائل العلم؛ لسهتقبال ج-
الرسائل العلمية التى تنشرها المؤسسات العلمية.
ك ما أن النظام العل مى يتكون -طبقا لتو صيف أطرا فه -من الطراف التال ية على
النحو التالى:
الطراف الفاعلة :وتضهم كلً مهن القائميهن بالتصهال وجماهيهر المتلقيهن ،باعتبارهمها أ -
الطرفين الفاعلين فى العملية العلمية.
الطراف المعرفيصة :ويمثلهها الرسهائل العلميهة ،باعتبارهها حاملة المحتوى المعرفهى ب-
الكامن بالمعلومات العلمية المنشورة.
الطراف العتبارية :ويمثلها المؤسسات العلمية ،باعتبارها ذات شخصية اعتبارية ج-
من وجهة النظر القانونية.
الطراف التكنولوجيصة :ويمثل ها و سائل العلم ،باعتبار ها الو سيلة التكنولوج ية ال تى د -
يمكن من خللها استقبال الرسائل العلمية.
- 22 -
وتمارس هذه القطاعات أو تلك الطراف دورها باعتبارها « ثوابت بنائية » فى البنية
التركيبية الستاتيكية للنظام العلمى ،بينما تمارس دورها باعتبارها « متغيرات وظيفية » فى
البنية التركيبية الديناميكية للنظام العلمى أثناء ممارسته لفاعلياته فى المجتمع.
وتفسير ذلك ..أن كافة النظم العلمية على مستوى العالم تتكون فى بنيتها التركيبية
الستاتيكية من هذه القطاعات أو الطراف ،ولكن درجة فاعلية هذه القطاعات أو الطراف فى
البنية التركيبية الديناميكية للنظم العلمية أثناء ممارستها لفاعلياتها هى التى تتغير من مجتمع
إلى آخر.
فكافهة النظهم العلميهة فهى كهل المجتمعات تتكون مهن القائميهن بالتصهال وجماهيهر
المتلق ين والرسائل العلم ية والمؤسسات العلم ية وو سائل العلم ..ولكن الذى يختلف من
مجتمع إلى آخر يتمثل فى كل من :درجة فاعلية القائمين بالتصال ( من حيث العدد ومستوى
التأه يل والتدر يب والمكانات المهن ية ) .در جة فاعل ية الر سائل العلم ية ( من ح يث ن سبة
المعرفهة الكامنهة بهها ) .درجهة فاعليهة المؤسهسات العلميهة ( مهن حيهث العدد والتجهيزات
التكنولوج ية وكفاءة ما تض مه من قائم ين بالت صال ودر جة شفافيت ها فى ن قل المعر فة الكام نة
بالرسائل العلمية ) .درجة فاعلية وسائل العلم ( من حيث نسبة انتشارها فى المجتمع ).
درجة فاعلية جماهير المتلقين ( من حيث مستوياتهم الثقافية والقتصادية والفئوية التى تؤثر
على درجة حيازتهم لوسائل العلم ).
وبالتالى فإن كا فة تلك المتغيرات الوظيف ية -ال تى تتغ ير من مجت مع إلى آ خر -هى
التى تؤثر على مدى كفاءة النظم العلمية فى القيام بوظائفها ،نوعيا وكميا وكيفيا .طبقا لمدى
الرتفاع أو النخفاض فى نسب هذه المتغيرات.
ولكن ثمة متغيرات بعينها -ضمن هذه المتغيرات الوظيفية -يمكن أن يُطلق عليها
« المتغيرات الوظيفية الحاكمة » التى تشير درجة التغير فيها إلى التغير فى مجمل المتغيرات
الخرى.
و فى إطار هذا الف هم للدور الذى تمار سه المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى التأث ير على
مدى كفاءة النظام العلمى فى ممارسته لوظائفه ،تتبلور مشكلة الدراسة التى تتمثل فى أن أى
نظام ل يكت سب مقومات كفاء ته إل من خلل تطوي عه لمتغيرا ته الوظيف ية الحاك مة إلى ال حد
الق صى -من خلل تحق يق التوازن في ما بين ها -ب ما يم نع ارتفاع متغ ير ما على المتغيرات
الخرى؛ إذ إن أى تفاوت بيهن المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة بأى نظام يؤدى إلى عدم توازنهه
وتدنى كفاءته واختلله وظيفيا ،وابتعاده عن الضطلع بوظائفه فى المجتمع.
المجت مع ،بح يث تتنا سب هذه الوظي فة مع تلك التحولت ،وت ستجيب لطبي عة المتغيرات
الوظيفية الحاكمة فى بنية هذه النظم.
ب -البُ عد الزما نى :هو التوق يت الذى ي تم ف يه إجراء الدرا سة للوقوف على ال صورة الن ية
لحالة وممارسات النظم العلمية الحرة والموجهة فى ذلك التوقيت.
جه -البُعد المكانى :ل تهتم الدراسة بالمكان الجغرافى قدر اهتمامها بالمكان من حيث كونه
المؤثر الذى تلتصق مرجعياته الفلسفية وقيوده المعرفية بالنظم العلمية المنتمية إليه؛
وبالتالى فإن اهتمام الدراسة بحرية النظم العلمية أو توجيهها ،سيدفعها إلى تتبع النظم
العلمية فى دول الشمال المتقدم ودول الجنوب النامى أو المتخلف ،بحيث تقدم صورة
للممار سات العلم ية العمل ية فى كل من الن ظم العلم ية الحرة أو الموج هة ،وت سلط
الضوء على مدى التوازن بيهن المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة ببنيهة تلك النظهم؛ وبالتالى
مدى كفاءة هذه النظم فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع.
إن المسهتجدات التهى تطرحهها ظاهرة العولمهة فهى أرض الواقهع الراههن والمسهتقبل ب-
المنظور ،تطرح أهميهة رصهد مدى مواكبهة المفاهيهم التقليديهة الراسهخة فهى أدبيات علم
العلم لتلك المستجدات.
ج ه -إ نه من الهام تحد يد المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية الن ظم العلم ية ودرا سة
التأثيرات التهى تمارسهها العولمهة على هذه المتغيرات؛ للتعرف على دور هذه التأثيرات
فهى الرتفاع أو النخفاض بكفاءة هذه النظهم فهى ممارسهتها لوظيفتهها فهى المجتمهع،
ودورها فى إبراز مدى ملءمة هذه الوظيفة للتحولت العولمية الراهنة.
د -إنه من الهام إعادة فحص المرجعيات الفلسفية التى تستند إليها النظم العلمية الراهنة
فى ممار ستها لوظيفت ها فى المجت مع؛ وذلك ح تى يم كن التعرف على مدى م سئولية تلك
المرجعيات الفلسفية عن التطورات السلبية أو اليجابية الطارئة على المتغيرات الوظيفية
الحاكمة فى بنية تلك النظم فى ظل التحولت العولمية الراهنة والمستقبلية؛ ومن ثم مدى
- 25 -
الحا جة إلى طرح مرجع ية فل سفية جديدة تت يح للن ظم العلم ية ممار سة وظيفت ها بكفاءة
كبيرة فى المجتمع.
هه -وبالتالى فإنهه يصهبح مهن الهام مراجعهة ثنائيهة السهلطة والمسهئولية فهى بنيهة النظهم
العلم ية الراه نة ال تى ت ستند إلى المرجعيات الفل سفية العلم ية القائ مة؛ وذلك للتعرف
على مدى مسئولية هذه الثنائية عن تقييد أو تفعيل المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية
الن ظم العلم ية ،ومدى الحا جة إلى الب حث عن تو صيف جد يد لتلك الثنائ ية فى ظل
التحولت العولمية الراهنة والمستقبلية.
إن الممارسات السلبية للنظم العلمية فى مجال تشكيل الوعى تاريخيا .تطرح أهمية و-
دراسة أثر البعاد العلمية للعولمة على دفع النظم العلمية نحو الممارسات السلبية
فهى مجال تشكيهل الوعهى التهى تتمثهل فهى تزييهف الوعهى والختراق الثقافهى،
أو الممارسهات اليجابيهة التهى تتمثهل فهى النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات
العلم ية إلى جماه ير المتلق ين؛ و من ثم توض يح مدى م سئولية الرتفاع أو النخفاض
فى ن سب المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية الن ظم العلم ية عن در جة فاعل ية هذه
الممارسات السلبية أو اليجابية.
ب -النظام العلمى:
هو كيان جامع للنشطة العلمية يعمل فى ظل نظام سياسى وقانونى معين ،ويتبنى
مرجعية فلسفية معينة .ويتكون النظام العلمى من القطاعات التالية:
- 26 -
•0قطاع المؤسسات العلمية بما تضمه من قائمين بالتصال وتجهيزات تكنولوجية للنتاج
العلمى ،وبما تنشره من رسائل إعلمية.
•0قطاع وسائل العلم بما تضمه من وسائل العلم المتنوعة المطبوعة واللكترونية.
•0قطاع جماهير المتلقين.
- 27 -
ما هو ال ثر الذى تمار سه عول مة الت صال على المتغيرات الوظيف ية التساؤل الول :
الحاكمة فى بنية النظم العلمية الراهنه ومن ثم على تفعيل وظيفتها فى
المجتمع ؟
ما هو الثر الذى تمارسه المرجعيات الفلسفية العلمية التى تتبناها التساؤل الثانى :
النظهم العلميهة الراهنهة على درجهة كفاءة تلك النظهم فهى ممارسهتها
لوظيفتها فى المجتمع ؟
ما هو الطابع الملئم لتوصيف ثنائية السلطة والمسئولية فى بنية النظم التساؤل الثالث :
مها ههو الدور الذى تمارسهه عولمهة التصهال فهى مجال قيام النظهم التساؤل الرابع :
ح يث ت سعى الدرا سة الو صفية -من خلل المعارف ال تى قدمت ها الدرا سات ال سابقة حول
ظاهرة العولمهة -إلى اختبار صهحة الفرض الذى قدمتهه الدراسهة حول ارتباط ظاهرة العولمهة
بالرأسمالية العالمية فى سعيها للسيطرة على العالم من خلل تكوين الكيانات الكبرى وسحق الكيانات
الصغيرة .وفى سبيل ذلك تعرض الدراسة للبعاد الفكرية ( التاريخية والمعرفية والفلسفية ) لظاهرة
العولمة ،وأبعادها المادية ( المظاهر التى تتسم بها ،والمؤسسات التى تتكون منها ) ،وأبعادها
المجتمعية ( السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية ) ،وأبعادها النسانية.
بين ما ت سعى الدرا سة ال ستطلعية إلى درا سة مشكلة بحث ية لم تتعرض ل ها الدرا سات
ال سابقة .و هى التأثيرات ال تى تمار سها عول مة الت صال على المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى
انظر :سمير حسين ،دراسات فى مناهج البحث العلمى ( بحوث العلم ) .ص .123حيث يقرر ما نصه:
( تتداخل النواع الثلثة للبحوث -الستطلعية والوصفية والسببية -مع بعضها البعض أحيانا ،بمعنى أنه ل توجد
حدود فاصلة بين كل منها ،فضلً عن إمكانية استخدامها جميعا فى مختلف مراحل التطور العلمى فى العلوم المختلفة ،أو فى
عمل بحثى واحد ).
- 29 -
بنية النظم العلمية .وأثر هذه التأثيرات على إبراز الوظيفة المعرفية للنظم العلمية .وفى
سبيل ذلك تعرض الدرا سة بالتحل يل للمتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية الن ظم العلم ية
والتطورات التهى طرأت عليهها نتيجهة التأثيرات التهى تمارسهها ظاهرة العولمهة .كمها توضهح
الدراسهة الثهر الذى تمارسهه المرجعيات الفلسهفية العلميهة -التهى تتبناهها النظهم العلميهة
الراه نة -فى تقي يد أو تفع يل هذه المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية تلك الن ظم .وتعرض
للتو صيف الملئم لثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بن ية تلك الن ظم ب ما يض من الرتفاع بدر جة
كفاءتها فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع .وتوضح الدور الذى تمارسه عولمة التصال فى
مجال تشكيل الوعى الجتماعى لجماهير المتلقين.
- 30 -
البــاب الول
ظاهـــرة العـولمـــة
( البعاد الفكرية والمادية والمجتمعية والنسانية )
المبحـث الول
مدخل تاريخى
إن المسيرة التى قطعتها البشرية بدءا من عصور الصيد الولى ،ثم عصور الزراعة
فع صور ال صناعة ،وح تى ع صر ما فوق الت صنيع الحالى ( ع صر المعلومات ) ،تبدو م سيرة
جديرة بالتأمل ،حيث تبدو الرغبة فى الحاطة بأبعاد العالم رغبة بشرية مستمرة طوال مراحل
تلك المسيرة.
ف قد كان العالم -على مر التار يخ -يتش كل فى الرؤى الن سانية طبقا لن سبية كل من:
المدى الرضى المحيط ،والفق السماوى المنظور .حيث كان ذلك المدى وذاك الفق هما البُعدان
اللذان استطاعت البشرية الوصول إليهما لتعريف حدود ذلك العالم وتخومه وأطرافه ومنتهاه.
ومع الثورة الصناعية ..دخل باطن الرض بثرواته المعدنية المخبوءة حيز الصراع.
وأ صبحت قي مة الرض تقاس بموارد ها الباطن ية أيضا ولي ست الظاهر ية ف قط .وبالتالى ات سع
تعريف ما هو مدى للنزاع لدى النسان .بحيث لم تصبح الراضى المزروعة فقط هى محور
هذا النزاع ،وإنما كل الراضى سواء أكانت ذات الثروات المنظورة أو المخبؤة .وبهذا أصبح
باطن الرض شريكا فى الحداث.
ومع عصر المعلومات الحالى ..امتد حيز الفق النسانى إلى ما فوق القشرة الرضية
- 38 -
من فضاء مح يط يتض من طبقات الغلف الجوى ،ونطاق الجاذب ية الرض ية ،ومدارات القمار
الصناعية ،ونطاق ترددات الطيف الكهرومغناطيسى الحاملة للتصالت اللسلكية.
لقد كانت رقعة الرض المحدودة هى مسرح الحداث بداية ،ثم أصبح سطح الرض
ومهن بعده باطنهها همها المحركان للحداث لحقا ،والن أصهبحت الرض كلهها -بسهطحها
وباطن ها ونطاق جاذبيت ها -هى موضوع الحداث .وتحق قت بذلك الرغ بة البشر ية القدي مة فى
الحاطة بأبعاد العالم .بحيث أصبحت تلك الكرة المعلقة فى السماء فى مدار حول الشمس هى
النطاق المعلوم البعاد لتحركات النسان وخططه وصراعاته وطموحاته.
وطالما أصبح العالم موضوعا لكافة النشطة النسانية ،فهذه إذن هى الرؤية النسانية
المكتملة لوحدة الم صير الن سانى على هذا الكو كب ،والخطوة العالم ية المتم مة ل ما سبقها من
خطوات موغلة فى القدم وعدم الكتمال .فالرغبة النسانية المستمرة فى الحاطة بأبعاد العالم،
والتهى تعهد -بعبارة مختصهرة -ملمحا إنسهانيا تاريخيا للتوجهه نحهو مها يُطلق عليهه اليوم
« العولمة » ،تلك الرغبة ”هى التى نقلت النسان عند نهايات القرن العشرين من استخداماته
للرض فقط ( مع تطلعاته للسماء ) ،إلى استخداماته للرض ( مع اختراقه للفضاء ) “(.)1
وبهذا المعنى تصبح العولمة ” ظاهرة متميزة ولحظة جديدة فى التاريخ البشرى .وهى
فى ال ساس وليدة ظروف ومعطيات تاريخ ية وحضار ية معا صرة .ور غم أن ها لم تبرز فجأة
ومن دون مقدمات سابقة .إل أنه ل يمكن استيعاب العولمة إل كفصل جديد من فصول التاريخ
له سماته وخصائصه المختلفة كل الختلف عن الفصول الخرى “(.)2
وهذا يوضح بأن ” النسانية تواجه الن قفزة كمية نحو المام “( )3إذ ” إن عملية التغير
ل جدا منذ أن صارع الرجال والنساء الوائل من أجل الستفادة
التكنولوجى اطردت زمنا طوي ً
من بيئات هم ،واكت سبوا المز يد والمز يد من قوة الد فع على مدى آلف ال سنين .ول كن قوة الد فع
هذه تسارعت خلل القرون الثلثة الخيرة على نحو غير مسبوق .وترتبت على هذا تحولت
بعيدة فى ظروف الحياة الجتماعية والنسانية بعامة “(.)4
() سيار الجميل ،العولمة والمستقبل ( إستراتيجية تفكير ) .ط ،1عمان :الهلية للنشر والتوزيع .2000 ،ص .102 1
() عبههد الخالق عبههد ال " ،العولمههة :جذورههها وفروعههها وكيفيههة التعامههل معههها " ،مجلة عالم الفكههر 2
( عدد خاص بعنوان :العولمة ظاهر العصر ) ( .العدد ،2أكتوبر -ديسمبر ،) 1999ص .57
() آلفين توفلر ،حضارة الموجة الثالثة .ترجمة عصام الشيخ قاسم ،ط ،1بنغازى :الدار الجماهيرية .1990 ،ص .18 3
() آر .إيه .بوكانان ،اللة قوة وسلطة ( التكنولوجيا والنسان منذ القرن 17
حتى الوقت الحاضر ) .ترجمة شوقى جلل، 4
سلسلة عالم المعرفة ،عدد ( ،)259الكويت :المجلس الوطنى للثقافة والفنون والداب ،يوليو .2000ص .7
- 39 -
ف فى ح ين ” سادت الزرا عة المجتمعات البشر ية لمدة عشرة آلف سنة .واحتا جت هذه
المجتمعات إلى قرن واحد أو قرنين لتحقق تفوق الصناعة ..الن تنفتح أمام المجتمعات البشرية
أبواب عصر جديد هو عصر ما فوق التصنيع “( .)5عصر تتسارع معدلت التطور فيه بشكل لم
تعرفهه النسهانية مهن قبهل ..وبذلك فإن العولمهة تفرض طابعهها على العالم الذى نعيهش فيهه،
باعتبارهها السهلوب المثهل للتعامهل مهع العالم المحيهط بنظرة شاملة تسهتلهم كافهة المنجزات
البشرية .وهذا يتضح من أن ” استخدام أى أدوات تحليلية ذات طبيعة موضوعية سوف يُظهر
بوضوح أن العولمة عملية مستمرة وتيار متدفق يمكن ملحظة تأثيره ،ويمكن قياس هذا التأثير
سواء بشكل أو طريقة كمية أو بشكل وطريقة نوعية وكيفية فى مجالت وجوانب متعددة “(.)6
فلقد أصبح ” مشهد العالم يتغير مع الثورة اللكترونية .إذ ننتقل من النتاج الثقيل إلى
النتاج الناعم ،ومن العمل اليدوى إلى عمال المعرفة ،ومن وسائل النقل التقليدية إلى الوسائل
المتعددة ،ومن الكلمة المطبوعة إلى الصورة المرئية ...باختصار :إننا ننتقل من زمن الجسم
والورق إلى زمن الرقم والضوء “(.)7
فل قد ” أفرزت متغيرات ال سنين الخيرة للقرن العشر ين م صدرا جديدا سوف تكون له
الغلبة فى قرننا ( الحالى ) الحادى العشرين ،أل وهو المعرفة وامتلك المعلومة “(.)9
” فالمعرفة البشرية صارت تتضاعف مرة كل عشر سنوات بحيث خلّف العقد الماضى
معرفة علمية أكثر مما خلفه التاريخ البشرى بأكمله .بينما تتضاعف قدرة الكومبيوتر كل ثمانية
عشهر شهرا .وتتضاعهف قدرة النترنهت مرة كهل عام .وتتضاعهف سهلسل الهه DNAالتهى
يمكن تحليلها مرة كل عامين ”(.)10
() آلف ين توفلر ،صدمة الم ستقبل ( المتغيرات فى عالم ال غد ) ،ترج مة مح مد على نا صف ،ط ،2القاهرة :نه ضة م صر 5
() على حرب ،حديث النهايات ( فتوحات العولمة ومآزق الهوية ) .ط ،1بيروت :المركز الثقافى العربى .2000 ،ص 7
.139
() أنطوان بطرس ،المعلوماتية على مشارف القرن الحادى والعشرين .ط ،1بيروت :مكتبة لبنان .1987 ،ص .143 8
() تركى الحمد ،الثقافة العربية فى عصر العولمة .ط ،1بيروت :دار الساقى .1999 ،ص .50 9
() ميتشيو كاكو ،رؤى مستقبلية ( كيف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين ) .ترجمة سعد الدين خرفان ،سلسلة 10
عالم المعرفة ،عدد ( ،)270الكويت :المجلس الوطنى للثقافة والفنون والداب ،يونيو .2001ص .13 - 12
- 40 -
إن العول مة بهذا المل مح ” سلسلة معقدة من العمليات تكت سب قوة دفع ها من خل يط من
المؤثرات ال سياسية والقت صادية ،إن ها تغ ير مظا هر الحياة اليوم ية وب صفة خا صة فى الدول
المتقد مة .و فى الو قت نف سه ف هى تخلق نظما وقوى عبر قوم ية جديدة .إن ها أك ثر من مجرد
خلفية أو انعكسات لسياسات معاصرة .وإذا ما نظرنا إليها نظرة كلية ،فالعولمة آخذة فى تغيير
مؤسسات المجتمعات التى نعيش فيها “(.)11
وذلك من خلل ” ثلث ثورات متزام نة ومتراب طة تحدث فى الو قت الرا هن .الثورة
ال سياسية وتعنهى النتقال مهن الشمول ية والسهلطوية إلى الديمقراط ية والتعدديهة واحترام حقوق
الن سان .والثورة القيم ية وتع نى النتقال من الق يم الماد ية إلى الق يم ما ب عد الماد ية .والثورة
المعرفية وهى تتركز فى النتقال من الحداثة إلى ما بعد الحداثة “(.)12
وبالتالى ..فنحن ”نشهد اليوم التنصيب السريع للنظم المعقدة التى سوف تصبح بمثابة
ال سس التكنولوج ية والتجار ية للبن ية التحت ية لبيئة المعلومات الكون ية .وهذا الفضاء الت صالى
التفاعلى الجد يد سوف يُوظّ ف بل شك كأداة قو ية لخد مة القت صاد .ولك نه سوف يكون أيضا
بمثابة مركز للتغيرات الجذرية والبعيدة فى مجتمعاتنا“ (.)13
هة
هه الثالثه
هن توفلر » فإن ” حضارة الموجه
هى « آلفيه
هر المريكه
ها يقرر المفكه
وكمه
( حضارة عصر ما بعد الصناعة ) لن تستطيع أن تعمل بهيكلية الموجه الثانية ( عصر الصناعة ) .
فكما لم يقدر الثوريون الذين أوجدوا العصر الصناعى على ممارسة سلطاتهم عن طريق نظام
القطاعية المتخلف .كذلك تواجه الحضارة الجديدة الحاجة لبتكار أدوات سياسية حديثة .وهذه
هى الرسالة السياسية للموجة الثالثة “(.)14
ولقهد قدم « منتدى كوبنهاجهن للتقدم الجتماعهى » المنعقهد عام 1997تفسهيرا هاما
للتفرقة بين العولمة كمرحلة من مراحل التطور التاريخى النسانى ،والعولمة بوصفها مشروعا
سياسيا يقود القتصاد العالمى فى مرحلة محددة” .وأطلق المؤتمر على التوجه الول « التجاه
» ..والذى يعنهى التقدم نحهو تضييهق المسهافات الماد ية ب ين الفراد وتنم ية العتماد المتبادل ب ين
الدول .ب ما يم ثل تحركا أ ساسيا لت طبيق الشروط البشر ية الكافلة لن مو العلم والتكنولوج يا .ويم ثل
() أنطونى جيدنز ،الطريق الثالث ( تجديد الديمقراطية الجتماعية ) .ترجمة مالك عبيد أبو شهيوة ومحمود محمد خلف ،ط 11
الفكرية التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ) .ط ،2بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية .1998 ،ص .25
)(Serexhe, Bernhard, Deregulation / Globalisation: The loss of Cultural Diversity? p. 1.
13
اتجاها عاما للتغيهر يمكنهه البحار بواسهطة القرار النسهانى .أمها التوجهه الثانهى فقهد أطلق عليهه
المؤت مر « المشروع » ..وهو مشروع العولمة الرأ سمالية ( أو الرأسمالية الكونية ) وال تى تتمثل
فى تطبيق أفكار ومؤسسات اقتصاد السوق على العالم ككل .والذى تبنته بنشاط الوليات المتحدة
المريك ية وعدد آ خر من الحكومات من دول كبيرة و صغيرة ،بوا سطة أك ثر المنظمات العالم ية
قوة ،والصفوة المالية والقتصادية فى العالم .ووفقا لما نص عليه التقرير:
« فإن التمييز بين التوجهين يبدو هاما وذلك لنشاء فضاء للتفكير والفعل النسانى .إذ
إ نه بدون ذلك ستبدو نها ية التار يخ م صاحبة لنها ية ال سياسة المتمثلة فى القت صار على ق طب
واحهد وشكهل واحهد للمنظمات السهياسية التهى يقتصهر دورهها على خدمهة مصهالح الرأسهمالية
الكونية ،وتترك للحكومات غرفة صغيرة للمناورة» “(.)15
ولكن ” إذا كان صحيحا إن العولمة تكشف عن ذروة من ذرا تطور النظام الرأسمالى
العال مى .فث مة اعتقادات أن التار يخ سيتجاوز هذه اللح ظة و سيكشف فى الم ستقبل المنظور أن
العولمة -بغض النظر عن نشأتها الرأسمالية -ستتجاوز شروط نشأتها لتصبح عملية عالمية
واسهعة المدى .سهتنقل النسهانية كلهها -على اختلف ثراء وفقهر المهم -إلى آفاق عليها مهن
التطور الفكرى والعلمهى والتكنولوجهى والسهياسى والجتماعهى .وبعبارة أخرى سهتحدث آثار
إيجابية لم تكن متصورة لدى من هندسوا عملية العولمة .بل وستتجاوز الثار مخططاتهم التى
كا نت تهدف للهيم نة وال سيطرة على النظام العال مى .و سيثبت التار يخ أ نه لن يتاح لدولة واحدة
مثل الوليات المتحدة المريكية أو حتى لمجموعة الدول الكبرى ،أن تهيمن هيمنة كاملة على
العالم اقتصهاديا وسهياسيا وتكنولوجيها وعلميا ،وإل حكمنها على شعوب الرض جميعا بالعقهم
وعدم الفاعلية “(.)16
15
)(Koshy, Ninan, Political Dimensions of Globalisation. P.1. )Available from Internet(.
() السيد ياسين ،الزمن العربى والمستقبل العالمى .ط ،1القاهرة :دار المستقبل العربى .1998 ،ص .74 16
- 42 -
المبحـث الثـانى
مدخـل معـرفى
”أشار «قاموس أكسهفورد للكلمات النجليزيهة الجديدة» لمفهوم العولمهة للمرة الولى
عام 1991واصفا إياه أنه من الكلمات الجديدة التى برزت خلل التسعينات “(.)17
” ومفهوم العولمة -من الوجهة النظرية البحت -قد يعنى :جعل الشئ على مستوى
عالمهى .أى نقله مهن حيهز « المحدود » إلى آفاق « الل محدود » أى العالم بأسهره .ومهن ثهم
يصهبح إطار الحركهة والتعامهل والتفاعهل والتبادل على اختلف صهوره وأبعاده السهياسية
والقتصهادية والثقافيهة والتقنيهة ..وغيرهها ،متجاوزا الحدود الجغرافيهة المعروفهة للدول .لكهن
مفهوم ( العولمهة ) ل يقتصهر على هذا المعنهى وحده ،بهل ينصهرف كذلك -حسهب مها تشيهر
الدبيات المريكية -إلى ما يعنى :تعميم الشئ وتوسيع دائرته “(.)18
” ويجرى العرف السائد فى الدبيات الغربية على تعريف العولمة أنها ..زيادة درجة
الرتباط المتبادل بيهن المجتمعات النسهانية مهن خلل عمليات انتقال السهلع ورؤوس الموال
وتقنيات النتاج والشخاص والمعلومات “( .)19وبالتالى تع نى العول مة ” جملة عمليات تاريخ ية
متداخلة تتجسد فى تحريك المعلومات والفكار والموال والشياء وحتى الشخاص بصورة ل
سهابق لهها مهن السههولة والنيهة والشمول ية والديمومهة .إنهها قفزة حضاريهة تتمثهل فهى تعميهم
التبادلت القتصهادية والجتماعيهة والثقافيهة على نحهو يجعهل العالم واحدا أكثهر مهن أى يوم
مضى من حيث كونه سوقا للتبادل أو مجالً للتداول أو أفقا للتواصل“ (.)20
” وإذا كان علم القتصهاد يُعهد أسهبق فروع العلم الجتماعهى فهى الكشهف عهن مقومات
وخ صائص ظاهرة العول مة ،ور صد تأثيرات ها الن ية والم ستقبلية على شمال العالم وجنو به .إل أن
الدوائر الكاديمية فى مجال علم الجتماع الثقافى والعلمى لم تتوصل بعد إلى تحديد إطار منهجى
ذى مضمون معرفى واضح يمكن الستناد إليه كإطار مرجعى عند استخدام مصطلح العولمة “(.)21
() عبد الخالق عبد ال ،مرجع سابق .ص .50 17
() السيد الزيات " ،هل تتلشى الدولة فى ظل العولمة؟ " ،مجلة تحديات ثقافية ( .عدد ،4أبريل /يونيو ،) 2001ص .63 18
() عمرو محيى الدين " ،تعقيب على ورقة السيد ياسين حول :مفهوم العولمة " ،فى أسامة أمين الخولى ( محرر ) ،العرب والعولمة 19
( بحوث ومناقشات الندوة الفكريههههة التههههى نظمههههها مركههههز دراسههههات الوحدة العربيههههة ).
ط ،2بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية .1998 ،ص .35
() على حرب ،مرجع سابق .ص .29 20
() عواطف عبد الرحمن ،العلم العربى وقضايا العولمة .ط ،1القاهرة :العربى للنشر والتوزيع .1999 ،ص .12 21
- 43 -
ومن هذا المنطلق ..هناك عدة مستويات للتعامل مع العولمة .فثمة مستوى للتعامل مع
العولمهة باعتبارهها ” أيدلوجيهة أو إطار فكرى يقوم على فكرة انتصهار الحضارة الغربيهة،
ويدّ عى تدش ين مرحلة جديدة فى التار يخ البشرى أو التأ سيس لحضارة إن سانية جديدة .وي ستند
فهى هذه الدعاوى على مجموعهة مهن الطهر اليدلوجيهة كالليبراليهة الجديدة أو اتجاه مها بعهد
الحدا ثة أو مرحلة ما ب عد التنم ية أو ما ب عد المبريال ية .وت سنده نظريات تف سيرية م ثل نظر ية
التحديث والتلقى ونظرية عبر القومية ونظرية القرية العالمية “(.)23
ولكن التحليل المتع مق يوضح أنه ل يم كن ” اعتبار العول مة أيدلوجية معينة أو مذهبا
سياسيا أو معتقدا فكريا ،إذ تخبر نا تجليات ها النظر ية وتطبيقات ها المتنو عة أن ها ظاهرة تاريخ ية
كبرى .ك ما هو الحال بالن سبة لظوا هر تاريخ ية عديدة :كال ستكشافات الجغراف ية أو الثورات
التكنولوج ية ...ل ها أنماط متعددة الوجوه ومنا هج متنو عة الحقول “( ”.)24فاليدلوج يا تتعارض
مهع العولمهة كظاهرة جديدة .والعولمهة فهى الحقيقهة نظام عالمهى جديهد له أدواتهه ووسهائله
وعنا صره وميكانزما ته ،ومنجزات ها ح صيلة تاريخ ية لع صر تنو عت ف يه تلك التطورات ال تى
ازدحم بها التاريخ الحديث للنسان “(.)25
() ع بد الخالق ع بد ال " ،مناقشات حول ور قة ال سيد ياسهين عن :مفهوم العول مة " ،فى أ سامة أم ين الخولى ( محرر )، 22
الحوار القومى ،ملف ( العرب والعولمة :تقليص المخاطر وتعظيم الفرص ) .ص .32
() سيار الجميل ،مرجع سابق .ص .85 24
() سيار الجميل " ،تعقيب على ورقة السيد ياسين حول :مفهوم العولمة " ،فى أسامة أمين الخولى ( محرر ) ،مرجع سابق .ص 25
.38
- 44 -
أما المستوى الثالث للتعامل مع العولمة ،فهو الذى يتعامل معها باعتبارها ” عملية..
بمع نى أن ها مرحلة تاريخ ية أو بمثا بة تطور نو عى جد يد فى التار يخ الن سانى .وبالتالى ف هى
محصهلة تطور تاريخهى تراكمهى له جذوره التهى تحدّث عنهها الكثيرون والتهى حاول البعهض
وضعهها فهى شكهل حلقات متتاليهة .وههى بذلك تجسهيد لمجموعهة مهن التطورات العلميهة
والقتصادية التى تجعل منها امتدادا لتجاهات سبق أن تحددت .وهى بهذا المعنى تخرج عن
إمكان ية التح كم في ها .بح يث تبدو م ستقلة تماما كقوى علم ية وتكنولوج ية واقت صادية عن إرادة
الدول ال كبرى ،وبالتالى ظهور قوى جديدة تتح كم فى التجاهات العالم ية ( الشركات الدول ية،
المؤسسات المالية الدولية ،أسواق المال العالمية ،مافيات العنف والجريمة ) ..وظهور شبكات
مهن التفاعهل ل تعرف الحدود ول تعترف بسهيادة الدولة .وظهور أنسهاق عالميهة جديدة
() حسههين معلوم " ،التسههوية فههى زمههن العولمههة :التداعيات المسههتقبلية لخيار العرب السههتراتيجى " ،فههى 27
عبد الباسط عبد المعطى ( محرر ) ،العولمة والتحولت المجتمعية فى الوطن العربى ( ندوة مهداة إلى سمير أمين ) .مركز البحوث
العربية ( الجمعية العربية لعلم الجتماع ) ،القاهرة :مكتبة مدبولى .1999 ،ص .112
() أسامة أمين الخولى ( محرر ) ،مرجع سابق .ص .11 28
- 45 -
( ن سق سياسى عال مى ،ن سق اقت صادى عال مى ،وآ خر إعل مى وكذلك ع سكرى ) ثم تع نى
ظهور قضايا عالمية جديدة “(.)29
..ولكن أيا كانت مستويات التعامل مع العولمة التى يؤدى تعددها إلى التباس المفهوم،
إل أنه من الهام الشارة إلى أن ” العولمة فى مفهومها الضمنى ومدلولها الصطلحى ليست هى
ل بعالم ية الديان∗ -أى د ين -كال سلم
العالم ية ب حد ذات ها -إذ ل يمكن نا ألب ته أن نقرن ها مث ً
الذى جاء إلى العالم كله .أو بعالميهة بعهض المذاههب السهياسية والقتصهادية كالشتراكيهة التهى
جاءت لتعلن على لسهان كارل ماركهس « يها عمال العالم اتحدوا » .وذلك لن « العالميهة »
مصهطلحا ومضمونا ارتبطهت بالرض والنسهان ،أمها « العولمهة » مصهطلحا ومضمونا فقهد
ارتبطت بالكونية وأنظمة النسان المتنوعة سواء مع الرض أم فى الفضاء “(.)30
ول عل كل هذا التبا ين فى الم ستويات المعرف ية المتعددة للتعا مل مع العول مة ،يو ضح أن
العولمة ” شأنها شأن كل التحديات المصيرية -تجمع بين التهديدات والفرص -وهى بهذا ليست
كلها شرا بالضرورة .وعلينا أن نمعن النظر ..فيما يمكن أن تأتى به من فرص ومزايا“(.)32
إذ إنه ” ل يمكن اختزال العولمة فى المخاطر دون الفرص أو فى الفرص دون المخاطر.
ول يمكن تجاهل إيجابيات العولمة الواضحة كل الوضوح .كما ل يمكن استبعاد سلبياتها البارزة
كل البروز .كذلك ل يمكن التغافل عن المستجدات الحياتيه والفكرية المعاصرة ،والعتقاد أن العالم
لم يتغير وبالتالى الستمرار بالقوالب الحياتية والفكرية السابقة نفسها ،والتى ربما ل تناسب الفصل
الجد يد من التار يخ ،ورب ما تو حى بالمواج هة وافتعال المعارك غ ير الضرور ية مع العول مة .لذا
انظر :محمد أحمد بيومى ،علم الجتماع الدينى .ط ،2السكندرية :دار المعرفة الجامعية ،1985 ،ص .44حيث ∗
يقرر مها نصهه « :توصهل النثروبولوجيون الذيهن حاولوا دراسهة المجتمعات البدائيهة فهى أفريقيها وآسهيا إلى ملحظتيهن
أ ساسيتين ه ما :أولً ،وجود ش كل من أشكال الد ين فى كل مكان ،ثانيا ،التنوع المذ هل فى أشكال ال سلوك الدي نى .بمع نى
آخر ،لوحظ الدين على أنه منتشر ومتنوع فى كل مكان ».
() سيار الجم يل ،العول مة والم ستقبل ( إ ستراتيجية تفك ير ) .ط ،1عمان :الهل ية للن شر والتوز يع .2000 ،ص - 85 30
.86
() أنطونى جيدنز ،مرجع سابق .ص .188 31
() أسامة أمين الخولى ( محرر ) ،مرجع سابق .ص .8 32
- 46 -
ي صبح من المهم تشخيص العولمة تشخي صا متوازنا بكل ما لها وما عليها ،ودون اتخاذ موا قف
عاطفية وعقائدية مسبقة ،أو إطلق أحكام قيمية وأخلقية جاهزة تعبّر عن افتراضات وقناعات هى
أقرب إلى الوهام البعيدة كل الب عد عن حقي قة ما يجرى فى العالم من تحولت حضار ية عمي قة.
وبالتالى فالمطلوب فهم العولمة وليس افتعال المعارك معها “(.)33
ح يث إن هناك اتجاهات فكر ية معي نة تتعا مل مع العول مة باعتبار ها مؤامرة ،وذلك مثل ما
” توصف العولمة من قبل الشتراكيين والراديكاليين بأنها خدعة إمبريالية من صنع الوليات المتحدة
المريكية للتدخل فى الشئون الداخلية للحصون الشتراكية أو القلع القومية أو القيم الوطنية .أو كما
توصف من قبل الصوليين والوطنيين ..والتراثيين والخصوصيين بأنها إمبريالية ثقافية تسعى إلى
تهجين العالم وتجريده من خصوصياته ،وفرض النموذج الثقافى الغربى على شعوب الرض قاطبة.
وبالتالى فالكونية المستقبلية التى تسعى العولمة إليها ما هى -فى نظرهم -إل كونية استعمارية
كاذبة .ل تحترم النسان ول تحافظ على جذوره وحضارته وموارده وتجاربه وثقافاته “ ( .)34وبالتالى
يصبح النعزال عن العولمة هو النتيجة الكيدة لمثل هذا الطرح.
ول شك أن ” الن سلخ الكا مل والعزلة الكاملة عن عمليات العول مة الجار ية -على
نحو ما يشير « سمير أمين » وبعض منظرى مدرسة التبعية فى السابق -أصبح نوعا من
( الفانتازيا ) .يقود أحيانا إلى « التخلف المستقل » وليس إلى « التنمية المستقلة »“(.)35
وذلك باعتبار أن ” التناقهض الذى تفرزه ظاهرة العولمهة مهن جههة وسهرعة التحولت
من جهة أخرى ،تجعل النماذج الفكرية المدرسية القديمة عاجزة عن فهمها وتحليلها والتنظير
لهها ..وبالتالى فل مناص مهن تجديهد المناههج وتغييهر أسهاليب المقاربات ونبهذ عقليهة « الفكهر
الواحد » و« الفكر الواحد المضاد » .والفادة من الجوانب اليجابية مثل :كونية مبادئ حقوق
النسهان ،والعتراف بالخهر .واحترام الخصهوصيات الثقافيهة ،والتصهدى للنظهم السهتبدادية.
ومقاومهة الجوانهب السهلبية مثهل :محاولت السهيطرة وإملء الشروط على الشعوب الضعيفهة،
وتحالف سماسرة أمم ية رأس المال مع منظمات الماف يا وتجار المخدرات .ول يم كن أن تن جح
هذه المقاومة إل من خلل العمل السياسى والنضال الجتماعى “(.)36
() عبد الخالق عبد ال " ،العولمة :جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها " ،مجلة عالم الفكر 33
(عدد خاص بعنوان :العولمة ظاهرة العصر) ( .العدد ،2أكتوبر -ديسمبر .) 1999ص .43
() سههيار الجميههل " ،تعقيههب على ورقههة السههيد ياسههين حول :مفهوم العولمههة " ،فههى أسههامة أميههن الخولى 34
والكوكبة " ،فى أسامة أمين الخولى ( محرر ) ،مرجع سابق .ص .401
() الحبيب الجنحانى " ،ظاهرة العولمة :الواقع والفاق " ،مجلة عالم الفكر .مرجع سابق .ص .12 - 11 36
- 47 -
المبحـث الثالـث
مدخـل فلسـفى
يم ثل ق صور المفاه يم الفكر ية عن ملح قة المنجزات الماد ية والتقن ية معلما من معالم
العصر الراهن .حيث أدى التطور المادى الهائل والمتسارع إلى الكشف عن فجوات فى هياكل
التطور الفكرى للبشريهة .ففهى حيهن كان السهبق للتطور الفكرى على التطور المادى فهى
الع صور ال سابقة .إل أن الع صر الحالى -ع صر المعلومات والمعر فة -تجاوز ف يه التطور
المادى التكنولو جى الكث ير من ال طر الفكر ية ال تى لم ت ستطع تطو ير مضمون ها ليتلءم مع
الوضاع الراهنة ،أو على القل يتمكن من تفسيرها.
مهن هذا المنطلق تبدو العولمهة كظاهرة تاريخيهة كهبرى بمثابهة تجاوز للمشروع الفكرى
« للحداثة » و« ما بعد الحداثة » معا ،وإن كانت بل شك هى ”أقرب إلى مرحلة ما بعد الحداثة...
التى برزت فى السبعينات والثمانينات وكان هدفها محاولة استيعاب اللحظة الحضارية والفكرية التى
تم تأسيسها منذ عصر التنوير ومنذ بروز الحضارة الغربية .والعمل على تجاوزها من خلل إجراء
مراج عة نقد ية ل سجل هذه الحضارة ،وإ سقاط م سلماتها والتأ سيس لحضارة جديدة وو عى حضارى
جديد أساسه التنوع الحضارى ونسبية المعرفة واحترام الفروقات ورفض التأطير “(.)37
وكانهت الحداثهة قهد أسهست “ لمشروع متكامهل يتضمهن رؤيهة متكاملة للعالم تبنتهها
الطبقات الرأسمالية ال صاعدة .و هو يقوم على عدة أركان :الفرد ية ،والعقلن ية ،والعتماد على
العلم والتكنولوجيا ،وتبنى نظرة خطية عن التقدم النسانى ”(.)38
ولكهن أنصهار « مها بعهد الحداثهة » رأوا أن كافهة هذه الركان ل تصهمد أمام النقهد،
هوفيتى
هق السه
هة على النسه
هى غمار مجتمعات شموليه
هة “ أدت إلى ضياع الفرد فه
فالفرديه
أو مجتمعات جماهير ية على الن سق المري كى .والعقلن ية العلم ية أدت -ح ين تجاهلت البعاد
النسانية -إلى سلبيات ل حدود لها .أما العلم الذى أسئ استغلله والتكنولوجيا التى انطلقت
فى كل اتجاه بغير قيم أخلقية تحكمها ،فقد أدت إلى اضطرابات سياسية واجتماعية وثقافية ل
حدود لها .ويبقى وهم التقدم النسانى الصاعد للتاريخ ،والذى بددته بغير شك حروب ومآسى
وكوارث القرن العشرين ”(.)39
37
اقتب سه ع بد الخالق ع بد ال ،فى " العول مة)(Lyotard, J., The Postmodern Condition Minneapolis, 1984:
.جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها " ،مجلة عالم الفكر .مرجع سابق .ص 59
() السيد ياسين ،الزمن العربى والمستقبل العالمى .ط ،1القاهرة :دار المستقبل العربى .1998 ،ص .265 38
ولهذا يؤكهد ليوتار أنهه إذا كانهت “ مجتمعاتنها تتجهه صهوب عصهر مها بعهد الصهناعة
Post-industrial ageفإن ثقافتنا تتجه صوب عصر ما بعد الحداثة ” .)42(Post-modern age
لقد كانت الحداثة -إذن -هى فلسفة «العالمية» ،بينما تتقدم « ما بعد الحداثة » لتصير
هى فل سفة « العول مة » “ .فالعالم ية هى ع صر المطلقات .المطلق العل مى الذى أ سس ل صياغة
المطلقات الجتماعيهة ،والحتميات العلميهة التهى أسهست لحتميات التغيهر الجتماعهى بواسهطة
الصراع أو الثورة .......وبالتالى كان جوهر التغير الذى حصل من العالمية إلى العولمة ،تغيّرا
من المطلقات إلى الممكنات أو الحتمالت المفتوحة .....فالنتقال من نيوتن إلى أينشتاين ،ومن
الحتم ية إلى الن سبية .والنتقال من القليد ية إلى اللإقليد ية ..ل بد من أن تواك به نظرات أخرى
للحياة ورؤى للعالم مختل فة .ف فى عالم يح مل إمكانات كثيرة ل وجود ل صراع ذى ش كل وا حد
أو اتجاه واحد أو هدف واحد .وهذا يحيل المجتمع إلى أفراد متنافسين ،مختلفين ،ومتفقين .فتنتفى
قدرة الفكار على التأثير وقدرة النظريات الكلية على تقديم البدائل”(.)43
() مهدى بندق " ،ليت كلينتون وبوش يعودان " ،مجلة تحديات ثقافية .مرجع سابق ،ص .9 - 8 40
42
)(Mattelart, Armand & Mattelart, Michele, Theories Of Communication )A Short
Introduction(.Translated by susan Gruenheck Taponier & James A. Cohen, London:
SAGE Publications Ltd, 1998. P. 143.
() فهي مة شرف الد ين " ،تعق يب على ور قة الجابرى وبلقز يز حول :العول مة فى الطار العر بى " ،فى أ سامة أم ين الخولى 43
وبالتالى فإن “ الحتميهة كمها سهقطت فهى العلم ،سهقطت أيضا فهى مجال الممارسهة
الجتماع ية والف عل التاري خى .فل يس هناك حتميات تقود شعوبا بأكمل ها إلى م صير مظلم .لن
معنهى ذلك -كمها تقرر فلسهفة مها بعهد الحداثهة -اللغاء المطلق للرادة النسهانية ،وإغلق
أبواب المل أمام التقدم ”(.)44
إن “ ما ب عد الحدا ثة تد عو إلى الن ساق الفكر ية المفتو حة ،وتكره التعميمات ،وتر كز
على الجزئى ،وتهتم بالمجتمعات المحلية ،وتغ ير طري قة صنع القرار ،وتف تح الباب لمشاركات
إنسانية أوسع ”(.)45
وهذا يوضهح “ أن الحضارة الجديدة تتحدى بعمقهها الثورى كهل الفرضيات وأسهاليب
التفكير والمعادلت واليدلوجيات القديمة التى لم تعد تناسب الحقائق الجديدة بغض النظر عن
فعاليتها فى الماضى ”(.)46
وبالتالى “ لم ت عد ت فى بقراءة العالم وتدبر مشكل ته عقلن ية ديكارت أو ليبرال ية فولت ير
أو تنويرية كانط أو تقدمية ماركس أو استراتيجيات كلوزفيتز أو اقتصاديات كينز أو ديمقراطية
ل عن قومية القوميين وإسلمية السلميين وماركسية الماركسيين ..المر
تشرشل وديجول ،فض ً
يحتاج إلى شبكة جديدة من المفاهيم أو إلى أنظمة مختلفة من المعايير ”(.)47
إن العول مة بوجه ها الفكرى الفل سفى المتم ثل فى « ما ب عد الحدا ثة » تنطلق من وا قع
مادى يح مل الكث ير من التغيرات والتحولت غير الم سبوقة .وا قع انت صر ف يه “ الزمان الفعلى
الذى يجرى بسرعة الضوء ،على المكان التقليدى الممتد بأبعاده الثلثة .حتى الن كان التاريخ
يجرى فى أمكنة محلية تشغلها الدول والوطان ،أو فى أزمنة جزئية تمثلها التراثات والثقافات
الخاصهة بالشعوب والمهم التهى تغطهى الرض .أمها الن فإن تاريهخ العالم يجرى وفقا لزمهن
واحد ووحيد هو زمن عالمى يوصف بأنه فورى ومباشر ومشهدى .إنه زمن عابر للحدود بين
القارات والمجتمعات واللغات عبر شبكات التصال الفورى ”(.)48
ففهى الماضهى ..مثل “تعارف الجميهع على أن المهم تتحهد معا إذا توافرت مسهاحة
متصلة من الرض تنطوى على قيمة اقتصادية ،ولغة تساعد السكان الصليين على التصال
معا ،وثقا فة وتار يخ مشترك وديا نة تن بع من ماضي هم المشترك فى ب عض الحيان .ول كن هذه
() السيد ياسين ،الزمن العربى والمستقبل العالمى .ط ،1القاهرة :دار المستقبل العربى .1998 ،ص .84 44
() آلفين توفلر ،حضارة الموجة الثالثة .ترجمة عصام الشيخ قاسم ،ط ،1بنغازى :الدار الجماهيرية .1990 ،ص .10 46
القوى كلها تفقد محليتها المادية الن ..مما يقلل الحاجة إلى دولة تقليدية تتواجد محليا وماديا.
وهكذا ف قد ل نتحدث أبدا رب ما ب عد ذلك عن ال مة باعتبار ها دولة ( أو مجمو عة دول ) وإن ما
باعتبار ها الشب كة ال تى تر بط المنتم ين إلى تلك ال مة فى ش تى أرجاء العالم ”( .)49ل قد أ صبح
العالم شبكة “والشبكة تبدو كبرج بابل يثرثر بمئات اللسنة ”(.)50
لقد حلت إذن الشبكات محل الدول ..بحيث أصبحنا “نحيا الن بين ثلثة عوالم .الول
ههو عالم الفكار ،والثانهى ههو العالم الفيزيائى ( المادى ) ،والثالث ههو العالم الفتراضهى الذى
تخلقه تقنيات التصال .المر الذى يضعنا أمام تصنيف مغاير للعوالم تتغير معه سياسة الحقيقة
وإدارة الواقع .فمنذ أفلطون حتى هيجل كانت معرفة الحقيقة هى التطابق مع ما هو واقع......
أما الن فإن الحاكم والناظم هو عالم الشباح الضوئية من المنتجات اللكترونية غير الملموسة.
ومع نى ذلك أن الحقي قة هى لي ست ما نعر فه ،بل ما نختل قه من الوقائع أو ما ن صطنعه من
العوالم ....وتلك هى المفارقه :لم تعد الشباح ظلل الحقيقة ،بل ما نصنع به الحقائق ”(.)51
إذ إن “ أعدادا متزايدة من المنتجات سيمكنها أن تت خذ ش كل ( البتات ) بدلً من ش كل
السلع المصنعة ”( ،)52كما أن تكنولوجيا ( الواقع الفتراضى ) “ ستخلق نوعا جديدا من العلم
يُد عى ( العلم ال سبرانى ) الذى يعطي نا القدرة على محاكاة أنظ مة فيزيائ ية معقدة م ثل :الثقوب
السوداء والنجوم المتفجرة والمناخ وسطوح الطائرات النفاثة السرع من الصوت ”(.)53
وبالتالى فإن هذا “ الضغهط للمكان والتسهريع ليقاع الزمهن سهيجعل البشريهة تقترب
من درجة الصفر فى المسافات الزمنية؛ مما يجعل كل العالم حاضر فى كل العالم فى لحظة
واحدة ”( ...)54النترنت مثال لذلك.
هز الحضارى
هموبوليتية » ذات المركه
هة « الكوسه
هن “المدينه
هم النتقال مه
وبهذا يته
والتجارى .وحيث النقل يتم من المركز نحو الهوامش والطراف ،إلى مدينة من نوع جديد هى
المدي نة « الومنوبوليت ية » مدي نة الحضور والع مل من بُ عد ،عبر الشبكات وطرقات العلم
السريعة التى تتيح الرؤية الفائقة بالسرعة القصوى من خلل التعامل مع المعطيات الرمزية
50
)(Wesemann, Arnd, Slaves of the Cyber - Market )An Interview with Geert Lovink(.
P.1. )Available from Internet(.
() على حرب ،مرجع سابق .ص .173 51
() ب يل جي تس ،المعلومات ية ب عد النتر نت ( طر يق الم ستقبل ) .ترج مة ع بد ال سلم رضوان ،سلسلة عالم المعر فة ،عدد ( 52
() زكى العائدى ،الزمان العالمى .اقتبسه سيار الجميل ،العولمة والمستقبل ( إستراتيجية تفكير ) .ط ،1عمان :الهلية للنشر 54
وشبه المادية .هذه المدينة تفقد مركزيتها ..فمركزها يوجد فى كل مكان بقدر ما ل يوجد فى
أى مكان .إ نه مر كز فائق تتحول م عه المدن والعوا صم بهند ستها التقليد ية إلى مجرد دوائر أو
ضواح ،من جراء الت صالت الفور ية العابرة للحدود ب ين الوطان والقارات أو ب ين الهويات
والثقافات ”(.)55
وبالتالى ”إذا كانت قيم العقل والتنوير والحرية والليبرالية قد ازدهرت فى بداية نشأة
النظام الرأسمالى .فإن هذه المرحلة من حياة هذا النظام أخذت تُبرز فلسفة جديدة تسعى لهدار
هذه القيهم ،وإشاعهة اللعقلنيهة والرؤى الجزئيهة المتشظيهة ودحهض المبادئ والنسهقة الكليهة
المعرفية والتاريخية والعلمية واليدلوجية والقيمية باسم ما بعد الحداثة ،مستغلة فى ذلك الطابع
() على حرب ،مرجع سابق .ص .161 55
56
)(Mosterng, Kenneth, )Modernity, Post modernity, Social Marginality(. P.1. )Available
from Internet(.
57
)(Lloyd, Christopher, “ Globalization: Beyond the ultra-modernist narrative to a critical
realist perspective on geopolitics in the cyber age ”. In International Journal of urban and
regional Research,. vol. 24 )No. 16 - June 2000(, p. 258. )Available from Internet(.
() ع بد الوهاب الم سيرى " ،فى نها ية التار يخ و صراع الحضارات " ،فى فخرى لب يب ( محرر ) ،صراع الحضارات أم 58
الشمولى المطلق الجامهد المتعصهب فهى ممارسهات بعهض المبادئ واليدلوجيات والتوجهات
الدائيهة والميكانيكيهة والسهتخدامات العدوانيهة والقمعيهة للعقلنيهة وللعلم نفسهه فهى كثيهر مهن
التجارب ال سياسية والجتماع ية والفكر ية طوال هذا القرن“( ” .)59ف قد انتهزت تيارات ما ب عد
الحداثة هذه الحقائق لصالحها -مثل عجز الفكر الماركسى عن مواكبة العصر وسقوطه ذلك
السقوط المدوى -بأن عكست الوضع ،وبدلً من الحديث عن القتصاد أصبح الحديث كله عن
الثقافهة وعهن الفكهر كأنهها أشياء ل علقهة لهها بالقتصهاد أو الجتماع ،بالعلقات النتاجيهة
أو تقسهيم العمهل ،بالطبقات أو وضهع المرأة فهى المجتمهع .حيهث حولت التيارات الفكريهة
للرأ سمالية المعا صرة ال صراعات إلى معارك مف صولة عن الطار المادى الذى تتحرك ف يه
سعَت لتحويل الناس إلى م ستهلكين فى سوق ال سلع العال مى،
أو تتجاوزه أحيانا لتغيّ ر ف يه ...و َ
وإلى مستهلكين للفكار والصور ولفلم المتعة والترفيه“(.)60
وبالتالى يؤدى هذا -مهن وجههة نظهر منتقدى مها بعهد الحداثهة -إلى سهيادة حضارة
جديدة ” حضارة الفردانيهة التهى تطيهح بنواة المجتمهع النوويهة ( العائلة ) ،وتطيهح بالتضامهن
الجماعى على قاعدة روحية ثقافية ( التراحم ) ،وتطيح بالتواصل الحميمى بين ( الشخاص )
لت حل محله ( الت صال ) ب ين أفراد .وأ ساس هذا كله فى القت صاد الجتما عى وال سياسى هو
تسهييد دورة ( رأس المال ) فوق الجميهع ،دورة النقود والسهلع والنقود ..مرة أخرى ،ومعهها
تسييد « القوة » ،قوة الرأسمال ودولته أو دولة القوى بين الجميع “( .)61وهذا سيؤدى إلى أنه
” بدلً مهن الماركسهية ( ماركسهيزم ) ظهرت السهوقية ( ماركتزم ) نسهبة إلى السهوق ،وهذه
ال سوقية وهيمنت ها على العالم بأ سره بشماله وجنو به وشر قه وغر به ....ستؤدى إلى أن العالم
سيحكمه إيقاع ثلثى :المصنع ( حيث ينتج النسان ) -والسوق ( حيث يستبضع ) -وأماكن
الترفيه ( حيث يفرغ ما فيه من طاقة وتوترات وعقد وأبعاد ) .....وحينما يسيطر هذا اليقاع
الثلثهى على العالم بأسهره يظههر النظام العالمهى الجديهد وأيدلوجيات نهايهة التاريهخ ومها بعهد
الحداثة “( .)62حيث ” الحياة الدنيوية القيمة الولى بل منازع .فعندما ل يعود المرء يجد الخلود
أمامه .تغدو الحياة نضال قَلِقا ضد الز من .وبطبي عة الحال يغدو الز من الدنيوى ل نهائيا ،غير
أن هذه اللنهائية ل تقوم إل بفتح مجال ل نهائى أمام قلق النسان الحديث “(.)63
() محمود أم ين العالم ،حضارة وا حد وثقافات متعددة (مقار بة نظر ية عا مة) .فى فخرى لب يب( محرر ) ،المر جع ال سابق، 59
ص .84
هب
هى فخرى لبيه
هة) .فه
هد الحداثه
ها بعه
هر مه
هن ل تقربوا الدولر (فكه
هارعوا أو تحاوروا ولكه
هة ،تصه
هف حتاته
() شريه 60
() سههيرج لتوش ،تغريههب العالم ( بحههث حول دللة ومغزى وحدود تنميههط العالم ) .ترجمههة خليههل كلفههت، 63
- 53 -
..وفهى الغالب ..فإن دعاوى منتقدى تيار مها بعهد الحداثهة ل تجهد صهداها إل لدى
” أصهحاب المشاريهع اليدلوجيهة الذيهن يقرأون العولمهة قراءة نضاليهة مثاليهة طوباويهة مهن خلل
تهويمات الهوية وأطياف العدالة .وهؤلء يدخلون على العولمة بمواقف مسبقة كما نجد لدى الكثيرين
من المثقفين العرب والفرنسيين بنوع خاص ممن تفاجئهم الحداث والتحولت .مع هذا الفريق تُقرأ
الظاهرة الكونيهة والطفرة الحضاريهة بتعابيهر السهتتباع الحضارى والغزو الثقافهى ،أو الرأسهمالية
الجديدة أو الهيمنة المريكية ...أو موت الثقافة بفعل تسليع الفكار والجساد والشياء “ (.)64
وتقرر النظرة الموضوعية أن ” القراءة اليدلوجية هى قراءة وحيدة الجانب تقوم على
التبسيط والختزال ،وذلك حيث تُقرأ العولمة بتعابير التمركز والهيمنة ،أو السوق والسلعة ،أو
الستعمار والرأسمالية ،أو الختراق والغتصاب ،أو الغزو والكتساح “(.)65
وبالتالى فإن الدعاء بأن ” الموا كب الحدي ثة ل تزال بحا جة لقار عى الطبول القدا مى ”(،)66
هو إدعاء غ ير صحيح ،وذلك لن التعا مل اليدلو جى مع العول مة سيؤدى إلى عدم اللتفات إلى
سلبياتها الساسية التى تتمثل -فى رأى البعض -فى المخاطر التى ستترتب على غياب البُعد
الرو حى عن العالم الذى تد عو إل يه العول مة ،ح يث إن ”انح سار المحتوى الرو حى العم يق لدى
الشعوب الثرية يعنى أن رسالتهم الرئيسية للشعوب الفقيرة والجماهير الناشطة سياسيا حديثا ،إنما
هى لثارة الرغ بة لدي هم صوب المحاكاة الماد ية ،ال تى هى وبب ساطة صعبة المنال لغلب العالم
المحروم .وعل يه غدت ر سالة المحاكاة الماد ية و من غ ير ق صد العا مل المح فز لنوع من الح سد
المحبط الذى يمكن للمتطرفين الدهماويين المناورة به ،والنتيجة هى أزمة روح عالمية “(.)67
ويُذكّر هذا بالخطأ الفاحش الذى وقعت فيه الشيوعية عندما ” اعتمدت فى نجاحها على
الداء المادى تماما بعد أن رفضت القيم الروحية الثابتة ...وهنا لم تستطع النجاة لنها أخطأت
فى الح كم على طبي عة الن سان الخل قة ،وتحديدا طبي عة الن سان نف سه .ف هى لم ت ستطع ت سخير
المكانية النسانية لنها سحقت روح النسان “( .)68وتناست تماما أن ” النسان يستمد إنسانيته
ل عن الطبيعة بقوانينها الصارمة وحتمياتها النهائية .فرغم أنه يعيش داخلها
من كونه كائنا منفص ً
ط ،1سلسلة كتاب العالم الثالث ،القاهرة :دار العالم الثالث .1992 ،ص .61
() على حرب ،مرجع سابق .ص .30 64
() هارلن كليفل ند ،ميلد عالم جد يد ( فر صة متا حة لقيادة عالم ية ) .ترج مة جمال على زهران ،ط ،1القاهرة :المكت بة 66
خاضعا فى ب عض أو جه حيا ته لقوانين ها .إل أ نه قادر على تجاوز ها وتجاوز قوانين ها ليتحرك
دا خل البنهى الن سانية ،الحضار ية والتاريخ ية ال تى شيدتهها يداه ،وال تى تش كل حيزا إنسهانيا له
قوانينه الخاصة .هذا الحيز هو رقعة الحرية التى يمكن للنسان أن يمارس فيها حرية الختيار
والسهقوط والرتفاع .حريهة أن يخطهئ ويصهيب ،وأن يتحول إلى بطهل أو مهرج؛ ولذا يصهبح
التنبؤ بسلوكه فى حكم المستحيل .إن النسان إنسان بسبب حضاريته وتاريخيته ..وهذا ما تنكره
الرؤ ية المتمركزة حول الطبي عة ال تى ترد الن سان فى جم يع أبعاده إلى عالم الطبي عة /المادة،
وإلى قوانينها البسيطة التى يمكن التنبؤ بها والتحكم فيها وتوظيفها “(.)69
..إل أن غياب الُب عد الرو حى عن فل سفة ما ب عد الحدا ثة -والذى قد يع تبره الب عض
أقرب أو جه ن قد العول مة إلى الموضوع ية -قد يد عو إلى القياس التلقائى على م صير التجر بة
الشيوعية والتورط فى ” التفكير الساذج ذى الخطوط الطولية ...والسقاطات الطولية التى تميز
معظم ما يُكتب حاليا عن المستقبل؛ وهى بالتالى تدفع إلى القلق من أجل أشياء مغالطة تماما لما
ينبغى القلق بشأنه ،ذلك أننا لن نستطيع أن نفهم عصرنا ما لم نتقبل الفرضية المنطقية بأننا نندفع
نحهو مرحلة جديدة تماما مهن التطور القتصهادى والتكنولوجهى -مرحلة مها فوق التصهنيع -
وبدون تقبلنا للمنطق الثورى فإننا لن نستطيع أن نحرر خيالنا لينطلق إلى آفاق المستقبل“(.)70
لذا ..فإن محاولة التمادى فى تف سير الحا ضر بالما ضى لن تفلح لتقد يم إضا فة روح ية
إلى فكر وفلسفة ما بعد الحداثة ..بحيث يمكنها تنمية مستقبل النسان المادى والروحى .وحتى
يم كن ال سير فى هذا المضمار ،فإ نه ينب غى أن يتولد الف هم الخالص بأن ” مشروع الحدا ثة قد
فشل ،وأن فلسفة ما بعد الحداثة هم أول من أصدر شهادة الوفاة ”(.)71
وهذا يعنى بكل بساطة أن ” الظاهرة الكونية تتطلب تفسيرا كونيا ”( ،)72تفسيرا مغايرا
للتف سيرات ال سابقة المتعارف علي ها ،انطلقا من أن الع صر الرا هن بات صالته الشبك ية يف تح
الطر يق للجوا نب الماد ية فى حياة الن سان مثل ما يف تح الطر يق أيضا للجوا نب الروح ية ،إذ إن
إمكانية التخاطب والتفاعل الحر من خلل شبكات المعلومات حاليا وطريق المعلومات السريع
فى المستقبل ،وتنامى دور منظمات المجتمع المدنى غير الحكومية ،كل ذلك سيؤدى إلى عدم
غياب الدعوة والتبشير من ناحية ب عض الجماعات بالقيم الروح ية وأهميتها فى حياة الن سان.
() آلف ين توفلر ،صدمة الم ستقبل ( المتغيرات فى عالم ال غد ) ،ترج مة مح مد على نا صف ،ط ،2القاهرة :نه ضة م صر 70
.1998ص .160
- 55 -
وبالتالى ..فل مجال للتطا بق ب ين غياب الجا نب الرو حى فى ع صر « الحدا ثة » ،وغيا به فى
عصر « ما بعد الحداثة »∗ ..فثمة اختلفات جوهرية بين العصرين ،فالحداثة لم توجد فيها إل
بنية اتصالية مصمتة لنقل وجهة النظر الواحدة فى الغالب العم ،أما ما بعد الحداثة فلديها بنية
ات صالية شبك ية تتقا طع في ها اللف والملي ين من الرؤى ووجهات الن ظر ..وبالتالى فال مر
متروك لخيار النسان..
- انظهر :باسهم على خريسهان ،العولمهة والتحدى الثقافهى .ط ،1بيروت :دار الفكهر العربهى .2001 ،صهفحات 99
.115
- 56 -
حيهث تهبين مهن عرض المدخهل التاريخهى لظاهرة العولمهة أن العولمهة -مهن وجههة
النظر التاريخية -كانت نتاجا لرغبة النسان منذ بدء الخليقة فى الحاطة بأبعاد الرض التى
أو العالم الذى يعيهش فيهه .وقهد تراكمهت التصهورات النابعهة مهن تلك الرغبهة عهبر العصهور
المتتالية التى شهدتها النسانية .بحيث تطورت تلك التصورات من مجرد التعامل مع الرض
على أنها مسرح للحداث إبان عصور الصيد الولى ،إلى التعامل مع سطح الرض باعتباره
شريكا فى الحداث إبان عصور الزراعة ،ثم التعامل مع باطن الرض باعتباره هو الشريك
فى الحداث إبان ع صور ال صناعة من خلل الهتمام بالثروات المخبوءة دا خل الرض ،ثم
أخيرا امتد حيز الفق النسانى إلى ما فوق القشرة الرضية من فضاء محيط فى ظل عصر
الفضاء والمعلومات بحيهث أصهبحت الرض كلهها بسهطحها وباطنهها ونطاق جاذبيتهها ههى
موضوع الحداث .وبذلك تصهبح العولمهة مهن وجههة النظهر التاريخيهة ،بمثابهة رؤيهة إنسهانية
لوحدة الم صير الن سانى على هذا الكو كب ،الذى يم ثل فى الت صورات الن سانية المتراك مة
تاريخيا أبعاد العالم الرضى الذى يعيش فيه البشر جميعا.
كما تبين من عرض المدخل المعرفى لظاهرة العولمة أن العولمة -من وجهة النظر
المعرفيهة -مصهطلح خلفهى ل يوجهد اتفاق على تعريفهه ،لنهه غالبا مها تؤدى التوجهات
اليدلوج ية إلى تعر يف م صطلح العول مة وفقا لمنظور كل أيدلوج ية .ف فى ح ين يرا ها الب عض
شرا مطلقا يراهها البعهض الخهر خيرا مطلقا ،وذلك وفقا للنتماءات اليدلوجيهة لكهل فريهق.
ولهذا فإن التعريف المحايد الذى يوصّف العولمة انطلقا من أنشطتها العملية هو الذى يرى أن
العولمة ما هى إل « زيادة درجة الرتباط المتبادل بين المجتمعات النسانية من خلل سهولة
عمليات انتقال السلع ورؤوس الموال وتقنيات النتاج والشخاص والمعلومات ».
ول قد تبين من عرض المد خل الفل سفى لظاهرة العول مة أن العول مة -من وج هة الن ظر
الفلسفية -يمكن اعتبارها الوجه التطبيقى لفلسفة ما بعد الحداثة .إذ إن العولمة كظاهرة تاريخية
كبرى بمثابة تجاوز للمشروع الفكرى لفلسفة « الحداثة » وأقرب إلى فلسفة « ما بعد الحداثة ».
فلقد كانت الحداثة هى فلسفة « العالمية » بينما تبدو ما « ما بعد الحداثة » هى فلسفة العولمة.
إذ إن فل سفة ما ب عد الحدا ثة تبت عد عن المطلقات ال تى أ سست ل ها فل سفة الحدا ثة ،وتقترب من
الممكنات والحتمالت المفتو حة .وبالتالى ف هى بمثا بة انتقال من الحتم ية إلى الن سبية ،و من «
- 57 -
رؤ ية « نيو تن » الحتم ية للكون إلى رؤ ية « أينشتا ين » النسبية لذات الكون ،فب سقوط المطلق
الزمنى سقط أيضا المطلق المكانى ،وأدت الثورة التصالية الشبكية على مستوى العالم إلى أن
ي تم ض غط المكان وت سريع إيقاع الز من ،وبالتالى أ صبح العالم كله حاضرا فى كل نق طة من
نقاط المكنهة الموجودة على كوكهب الرض .وبالتالى فإن فلسهفة مها بعهد الحداثهة تقدم نفسهها
باعتبار ها الخلف ية الفكر ية ال تى يتحرك أمام ها مش هد العول مة الذى ت سرى ف يه ال سلع ورؤوس
الموال والشخاص والمعلومات عبر أقطار العالم بسرعة الصوت أو الضوء.
ولكهن ..إذا كانهت البعاد الفكريهة لظاهرة العولمهة تقدم الخلفيهة التاريخيهة والمعرفيهة
والفلسهفية التهى تنطلق منهها هذه الظاهرة .فإن دراسهة البعاد الماديهة لظاهرة العولمهة تقدم
المظاهر المادية التى تنشأ عن فاعليات هذه الظاهرة ،والكيانات المادية التى تعتمد عليها فى
ممارستها لهذه الفاعليات ..وهذا ما سنعرض له فى الفصل القادم..
الفصـل الثـانى
البعـاد المــاديـة لظاهرة العــولمـة
- 58 -
المبحـث الول
مظـاهر العولمـة
يتيح تحليل مضمون أدبيات العولمة التعرف على المظاهر المرتبطة بها والناشئة عنها
والكاشفة عن آثارها المادية التى تعكسها على كافة الصعدة والمجالت.
ففهى الدبيات المؤيدة أو الناقدة للعولمهة ثمهة عبارات تتكرر بانتظام لتكشهف عهن المظاههر
المرتبطة بكافة عمليات العولمة فى أبعادها السياسية والقتصادية والثقافية والتصالية ( العلمية ).
ولعهل التحليهل اللغوى لمعانهى تلك العبارات يوضهح مدى التناقهض المتولد عهن تلك
العبارات المتعاكسة والمتضادة والمتفارقة فى دللتها ومضمونها وتأثيرها .فالعولمة بذلك فى
أوضح مظاهرها تعبّر عن مجموعة متناقضات يعجز المنطق البسيط عن جمعها معا فى بوتقة
واحدة .إذ كيف تتلقى المتناقضات لكى تُشكّل -فى مجملها -بناءا متكاملً متماسك الركان
ول يفتقر إلى الصلبة والقوة.
من هنا تنبع أهمية التعامل مع العولمة باعتبارها ” عملية مركبة مزدوجة ومتعارضة
يتجاذب فيها منطق التوحيد مع آليات النقسام .ويعمل الميل إلى الئتلف والتجانس مع الميل
إلى الختلف والتنافر .وهذا شأن كل اجتماع بشرى وكل تجمع حضارى أو فضاء ثقافى “(.)73
فالعولمة إذن -كعملية مركبة -تتشكل وتتمظهر فى إطار ما يمكن أن نطلق عليه
« استراتيجية التوحد والتكتل والندماج » و« تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام ».
ولعل هذه الحقيقة الملزمة لمظاهر العولمة ل تعبّر عن تناقض داخلى ،بل هى تعبّر
عن منطق المور والشياء فى طبيعتها الفطرية ،فالكل يتركب من الجزاء ،والجزاء تتفرع
من الكل.
وبالتالى فإن العولمهة توحّده الطهر فهى إطار واحهد ،بينمها تقسهّم المضاميهن .تختصهر
المرجعيات ،بينما تتفرع فى الوسائل والساليب.
ولهذا فإن الحديث عن مظا هر التوحد والتكتل والندماج فى العول مة ،ل يم كن ف صله
عهن مظاهرالتشظهى والتجزؤ والنقسهام .فالمظهران متلزمان ،بحيهث يمكهن التقريهر أن أعهم
مظاهر العولمة يمكن صياغتها فى التعبير التالى :التوحد الملزم للنقسام ،أو التكتل الملزم
للتجزؤ ،أو الندماج الملزم للتشظى ..وهكذا.
وك ما يقول الرئ يس التشي كى « فاكلف هاف يل »” :ن حن نع يش الن « حضارة كون ية
واحدة » ،وهى ليست أكثر من قشرة رقيقة ،قشرة تغطى أو تخفى التنوع الكبير فى الثقافات،
فى الشعوب ،فى عالم الديان ،فى التقاليد التاريخية والتجاهات التى تشكلت على مر التاريخ،
وجمعيها يوجد تحت تلك القشرة على نحو ما “(.)74
() على حرب ،حديث النهايات (فتوحات العولمة ومآزق الهوية) .ص .111 73
() صامويل هنتنجتون ،صدام الحضارات ( إعادة صنع النظام العالمى ) .ترجمة طلعت الشايب ،ص .94 74
- 60 -
وبالتالى فإن هذا التوحهد الذى يضهم بداخله التنوع ،ينبهع أيضا -كمها يقرر « بطرس
غالى » الم ين العام ال سابق لمنظ مة ال مم المتحدة -من ” أن كوكب نا يخ ضع لض غط تفرزه
قوتان عظيمتان متضادتان :إنهما العولمة والتفكك “(.)75
كما ينبع مثلما يقرر « ميشيل كلوج » فى دراسته « أربع أطروحات حول العولمة »
مهن ” أن العولمهة كمها تعمهل على خلق التوحهد ،إل أنهها ليسهت مرادفا لمصهطلح
« عالم واحد » ،بل هى تتجه أكثر فأكثر إلى خلق نظام متشابك لعوالم متصلة ومترابطة فيما
بينها ،بواسطة المستحدثات الكونية الجديدة والمتطورة “(.)76
إن العولمهة -إذن -تعمهل وفقا لسهتراتيجية التوحهد والتكتهل والندماج وتكتيكات
التشظهى والتجزؤ والنقسهام .وبالتالى فإن العولمهة ” بقدر مها تولّد مشاعهر التقارب والتجانهس
والتشا بك ب ين الثقافات ،تعزز مشا عر التما يز والخ صوصية ،وتؤ كد الحدود ب ين هو ية وأخرى
”( .)77وهذا يج عل ” ش كل العالم فى عمل ية العول مة هو أقرب إلى الشب كة م نه إلى الهرم“(.)78
لنهه ” إذا كان جوههر الحضارات واحدا ،أل وههو عمارة الرض .فإن جوههر الثقافات ههو
التعدد والتعددية ،لنه متعلق بأساليب الحياة وإضفاء المعنى على الشياء “(.)79
ول عل هذا التلزم ب ين المتفارقات فى مظا هر العول مة ،والذى يتم ثل فى إ ستراتيجية
التو حد والتك تل والندماج وتكتيكات التش ظى والتجزؤ والنق سام ،يقت ضى أهم ية التعرض ل كل
مظهر من هذه المظاهر للتعرف عليه عن قرب ،وذلك على النحو التالى:
() أحمهد مجدى حجازى " ،العولمهة وتهميهش الثقافهة الوطنيهة :رؤيهة نقديهة مهن العالم الثالث " ،مجلة عالم الفكهر 75
( عدد خاص بعنوان :العولمة ظاهرة العصر ) ( .العدد ،2أكتوبر -ديسمبر ،) 1999ص .123
() سيار الجميل ،العولمة والمستقبل ( استراتيجية تفكير ) .ص .49 76
() نيفيهن مسهعد " ،تعقيهب على ورقهة :العولمهة والدولة " ،فهى أسهامة أميهن الخولى ( محرر ) ،العرب والعولمهة ( بحوث 77
ومناقشات الندوة الفكرية التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ) .ص .185
() حيدر إبراهيم " ،العولمة وجدل الهوية الثقافية " مجلة عالم الفكر ( .مرجع سابق ) ،ص .106 78
() تركى الحمد ،الثقافة العربية فى عصر العولمة .ص .67 79
() حسنين توفيق إبراهيم " ،العولمة :البعاد والنعكاسات السياسية ( رؤية أولية من منظور علم السياسة ) " ،مجلة عالم الفكر. 80
وبالتالى فإن العولمة كما يُعرفها «أنتونى جيدنز» بمثابة ” مرحلة جديدة ..تتكثف فيها
العلقات الجتماع ية على ال صعيد العال مى .ح يث يحدث تل حم غ ير قا بل للف صل ب ين الدا خل
والخارج .وي تم في ها ر بط المحلى والعال مى بروا بط اقت صادية وثقاف ية و سياسية وإن سانية “(.)82
فالعولمة على الرغم من أنها ” تزيد من قبضة وصلبة وسيطرة المركز ،لكنها تخلق مشاكل
واحدة،وتجر بة متقار بة ،ووعيا متدرجا ،وو سائل ودوا عى تو حد جهود الملي ين ض هد الخ طر
الكبر“( ،)83سواء أكان هذا الخطر إنسانيا ( سياسيا اقتصاديا ثقافيا ) ،أم طبيعيا ( بيئيا ).
فل قد أدى تشا بك الت صالت العالم ية إلى ”تو سيع نطاق ال صراع المحلى ليد خل فى
زمرة قضايا المن العالمى ،وتحويل الفقر المحلى إلى مشكلة تنمية عالمية ،والتمكن من رؤية
الكيفية التى تتراكم بها سلوكيات الفراد لتصير تهديدات بيئية شاملة “(.)84
وبالتالى أصبحنا فى هذا العالم ”مرتبطين معا بطريقة راسخة ،حيث لم نعد لول مرة
بقادريهن على البقاء كحضارات مانعهة ومغلقهة ،سهواء أكانهت حضارة شرقيهة أم غربيهة .إننها
نتقاسهم احتمالً مشتركا للبادة أو النجاز ،وبالتالى ل نسهتطيع البقاء متعدديهن ولكهل تاريخهه
المختلف والمعزول .إن تاريهخ كهل منها الثقافهى والوطنهى قهد تحول إلى قيهم مشتركهة عامهة
لمستقبل أفضل للبشرية “(.)85
ولهذا فثمة ”اتجاه صاعد يضغط فى سبيل صياغة نسق مُلزم من « القواعد الخلقية
الكونية » .ومطروح الن فى الساحة الفكرية العالمية أكثر من مشروع لصياغة هذه القواعد.
بعضها مستمد من الديان السماوية الثلثة ،بالضافة إلى الخبرة النسانية الممتدة ،وما يسمى
() عبد الخالق عبد ال " ،العولمة :جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها " ،مجلة عالم الفكر .مرجع سابق ،ص .53 82
هط
هد الباسه
هى عبه
هن " ،فه
همير أميه
هر سههل الدولى :حول فكه
هيم العمه
هة والمرأة وتقسه
هة " ،العولمه
هف حتاته
() شريه 83
عبد المعطى ( محرر ) ،العولمة والتحولت المجتمعية فى الوطن العربى .ص .256
() هارلن كليفلند ،ميلد عام جديد .ترجمة جمال على زهران ،ص .299 84
() أ .ك .م .خان " ،تحدى الحضارة الكونية :رد هندى " ،فى فخرى لبيب ( محرر ) ،صراع الحضارات أم حوار الثقافات 85
( أوراق ومداخلت المؤتمهر الدولى حول صهراع الحضارات أم حوار الثقافات ،القاهرة 12 - 10مارس .) 1997ص
.359
- 62 -
« الثقافة المدنية » والتى تركز على الحرية السياسية وأهمية المجتمع المدنى واحترام حقوق
النسان “(.)86
إن مظاهر التوحد والندماج التى تكشف عنها العولمة تغي ـِر من شكل العالم إلى حد
كبير ،مما سيؤدى إلى ” نشوء مركز هو من الطغيان والحضور بحيث يوجد فى كل مكان ول
يو جد فى أى مكان معا .إ نه مر كز عال مى يتوا فق مع احتياجات ال سوق الكل ية سوف ت صبح
جم يع المدن والعوا صم بالن سبة إل يه بمثا بة ضواح ل غ ير “( ” .)88و من ثم ك سر جمود ض يق
نطاق المكان ،وجعهل المكان ممتدا ل ينحصهر فهى نطاق حدود دولة بذاتهها ،بهل يتعدى هذه
الحدود ليقيهم الفرد علقات وتعاملت مهع الخريهن على اتسهاع العالم وترامهى أطرافهه ..إن
معاملت شبكة النترنت مثالً حيا على ذلك “(.)89
إن « ا ستراتيجية التو حد والتك تل والندماج » ال تى تتمظ هر العول مة وفقا ل ها ،سواء
أكانهت على المسهتويات القتصهادية بالتكتهل والتركهز ،أم على المسهتويات السهياسية بالتوحهد
والترا بط والتعاون المتبادل ،أم على الم ستويات الثقاف ية بالنفتاح والتقارب والت سامح ،أم على
المستويات التصالية بالتشابك والتزامن والتفاعل ،إن هذه الستراتيجية تمثل خطوة هامة نحو
توحيد الجنس البشرى فى نظرته صوب المال والخطار التى تواجه هذا العالم.
() السيد ياسين ،الزمن العربى والمستقبل العالمى .ص .67 86
() زبغن يو بريجن سكى ،الفو ضى ( الضطراب العال مى ع ند مشارف القرن الحادى والعشر ين ) .ترج مة مالك فا ضل ،ص 87
.80
() على حرب ،مرجع سابق .ص .104 88
() محسن أحمد الخضيرى ،العولمة ( مقدمة فى فكر واقتصاد وادارة عصر اللدولة ) .ص .177 89
- 63 -
مهن هنها ..فإن النظرة التهى ترى أن العولمهة مجرد هيمنهة ومركزيهة واسهتراتيجية كهبرى
للتو حد والتك تل والندماج ،وتتغا فل عن جانب ها الدا فع للتعدد والتنوع والختلف هى مجرد نظرة
قا صرة ،انطلقا من أن ” الرباطات ال تى وحدت مجت مع الت صنيع -رباطات القانون والق يم العا مة
ومركزية التعليم والثقافة ونمطيتها -كلها تتمزق .إن النظريين المتشائمين المنذرين بمجتمع الكتلة
الواحدة هم فى الحقي قة قوم قد ا ستبد ب هم وا قع بدأ نا نتجاوزه ..بح يث ما زالوا ي ستجيبون لظروف
مجتمع التصنيع ،رغم أن هذا النظام يضمحل وسائر فى طريقه إلى البطلن “ ( .)90ورغم أن ”أى
نظرة فاحصة إلى هذا الدعاء ستثبت لنا أن العكس هو الصحيح .إذ إننا نسير بسرعة نحو التشطير
والتنوع ،ل فى إنتاجنا المادى فحسب ،ولكن أيضا فى الفن وفى التعليم وفى الثقافة العامة “ (.)91
فعلى المسصتوى الحضارى تهم النتقال مهن ” مرحلة يغلب عليهها التأثيهر الموجهه مهن
إحدى الحضارات على غير ها ،إلى تأث ير ذى تفاعلت متعددة التجاه ب ين كل الحضارات “(.)92
بحيهث أصهبحت ” أيهة هويهة جمعيهة ذات شأن كهبير للمجتمهع الدولى ،ليسهت محتملة ول
ضرور ية .......ل نه فى النظام العال مى الجد يد ي تم ج عل هذه المجتمعات ن سبية ،باعتبار ها
أجزاءً من نظام تتش تت ف يه كل من ال سلطة ال سياسية والثقاف ية .وإن هذا التش تت مل مح من
ملمح العالم ...إن التعددية لبد أن تشكل ملمحا أساسيا من ملمح النظام الكونى “(.)93
وعلى المستوى المجتمعى ” فإن المجتمعات المتقدمة تكنولوجيا هى فى الواقع أبعد ما
تكون عهن الرتابهة والتماثهل ......إذ إن ضربات مطارق ثورة مها فوق التصهنيع تنهال اليوم
على المجت مع فتشظ يه وتق سمه إلى أجزاء .......إن ن فس قوى التنو يع ال تى تع مل من أ جل
تو سيع مجال الختيار الفردى لل سلع والمواد الثقاف ية ،تع مل أيضا على م حو النمط ية والتما ثل
فى البنى الجتماعية “(.)94
وعلى الم ستوى ال سيا سى ،فإن التقدم التكنولو جى سيعمل على خلق قوة جديدة هى
قوة «التقارب اللكترو نى» .و ستعمل تلك القوة ” على زيادة عدد الناس الذ ين يم كن الو صول
إليهم ..عبر المكان والزمان ..وهذا التقارب يعمل على توزيع قوى السيطرة والتحكم ،وانتقالها
من أيدى السلطات المركزية إلى جميع سكان العالم “(.)95
() آلفين توفلر ،صدمة المستقبل ( المتغيرات فى عالم الغد ) .ترجمة محمد على ناصف ،ص .314 - 313 90
() عبهد العزيهز موافهى " ،عرض لكتاب رونالد روبرتسهون ( العولمهة :النظريهة الجتماعيهة والثقا فة الكونيهة ) " ،مجلة تحديات 93
() مايكل ديرتوزوس ،ماذا سيحدث ( كيف سيغير عالم المعلومات الجديد حياتنا ) .ترجمة بهاء شاهين ،ص .369 95
- 64 -
ولعل نمو الفردية يمثل أحد الملمح الهامة فى مظاهر العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام.
فكمها يلحهظ عالم الجتماع «ألريهس بيهك» Ulrich Beckفهى مؤلفهه The cosmopolitan
manifestoظهور ما يُ سمى ب ه « الفرد ية المؤ سساتية » ،و هى تع نى ” أن مع ظم الحقوق
والمنهح التهى تقدمهها دولة الرفاهيهة مصهممة لفراد وليهس لعائلت ......فالناس مدعوون إلى
تكوين أنفسهم كأفراد ،أن يخططوا أو أن يفهموا ويصمموا أنفسهم كأفراد “(.)96
ول عل هذا يظ هر أيضا على الم ستوى ال صناعى من خلل ظهور ما يُ سمى «منتجات
التفرد الجماعى» ” ،فهناك اتجاه واضح فى مجال التصنيع ،نحو السلع المنخفضة التكلفة التى
تُصهنع وفقا لرغبهة العميهل ....ومهع النخفاض الحتمهى المطرد للتكاليهف ،ومهع تقدم أشكال
التكنولوجيا ونضجها ،سوف يظهر النتاج المتفرد الجماعى ليميز هذا العصر “(.)97
..ولكن منتقدى العولمة يؤكدون أن إلغاء العولمة للحواجز المكانية بين الدول سيؤدى
إلى تنميط البشر وتماثلهم .وبالتالى فل مجال لمنتجات التفرد الجماعى المزعومة طالما تماثل
هه إذا كان
هى أنه
هل فه
هن الرد على ذلك يتمثه
هة المكان .ولكه
هة تضاؤل أهميه
هر نتيجه
البشه
” المكان يختفى تدريجيا كعامل من عوامل التمايز ..فإنه ل ينبغى أن يفترض أحد أن الفروق
بيهن الجماعات تنمحهى كمها يفترض بعهض النظرييهن الجتماعييهن ،بهل الحرى أن نقول أن
محور التنوع يتحول من أبعاد مكانية إلى أبعاد زمانية “( ،)98وهذه البعاد الزمانية ستتمثل فى
الفروق ب ين الجيال المتعاق بة نتي جة ت سارع التغ ير على كا فة الم ستويات؛ وبالتالى فإذا كا نت
الفروق فى الماضى بين البشر اقتصرت على التمايزات الجغرافية والثقافية والحضارية ،فإنها
ستمتد الن لكى تصل إلى التمايزات الزمنية العمرية الجيلية.
إن الواقع الجديد الذى يتشكل مع العولمة يحتاج من أجل فهمه إلى ” فكر غير مؤدلج
أو مذهب .أى إلى فكر يتسم بالمرونة والنفتاح والبتكار ..إنه يحتاج فى الدرجة الولى إلى
أن يغ ير المرء نظر ته الحاد ية التب سيطية ..إلى الوا قع ،ل كى ين ظر إل يه بتعقيدا ته والتبا ساته،
بفجواته وتفجراته “(.)99
() أنطو نى جيد نز ،الطر يق الثالث ( تجد يد الديمقراط ية الجتماع ية ) .ترج مة مالك عب يد أ بو شهيوة ومحمود مح مد خلف، 96
ص .70 - 69
() مايكل ديرتوزوس ،مرجع سابق .ص .170 97
ههة
ههن المركزيات الداريه
ههن خيارات إل التنازل عه
ههس هناك مه
وبالتالى ” فليه
والبيروقراطيات السلطوية والشموليات السياسية ..لصالح التعدديات والتنوعيات.)100(“ ..
المبحـث الثـانى
مؤسسـات العـولمـة
تمارس العولمة فاعلياتها المادية التى تتجلى مظاهرها فى إستراتيجية التوحد والتكتل
والندماج وتكتيكات التشظهى والتجزؤ والنقسهام ،مهن خلل قطاعات متعددة فهى العالم يمكهن
اعتبارهها -فهى مجموعهها -تمثهل المؤسهسات التهى تعبـهِر أنشطتهها عهن العولمهة ،بكافهة
مستوياتها السياسية والقتصادية والثقافية والتصالية ( العلمية ).
وهذه المؤسسات يم كن تقسيمها إلى مؤ سسات للبنية التحت ية للعول مة ومؤ سسات للبن ية
الفوقية للعولمة ،وذلك كالتالى:
() آر .إيه .بوكانان ،اللة قوة وسلطة ( التكنولوجيا والنسان منذ القرن 17حتى الوقت الحاضر ) .ترجمة شوقى جلل، 101
ص .173
- 67 -
أن تهم الظهور للمحرك النفاث والذى قام بدور مههم فهى سهبيل ترويهض النقهل الجوى ،بحيهث
أصبح الطيران ميسورا للجميع ..فى السفر عبر مسافات طويلة “(.)102
لقد كانت الخطوط البحرية ومن بعدها الجوية اللبنة الولى فى مؤسسات البنية التحتية
للعولمة ..ول يمكن إنكار أن شبكات الطرق البرية كان لها أثر كبير فى كسر حاجز العزلة بين
أطراف العالم القديهم ..ولكهن مهع ظهور قارات العالم الجديهد ظهرت الخطوط البحريهة عهبر
المحيطات ،وتم اكتمالها بالخطوط الجوية لتحقيق الربط السريع بين أجزاء العالم ككل.
إل أ نه من خلل إمكان ية ا ستغلل التكنولوج يا الفضائ ية للغراض العلم ية ،وال تى
تطورت من البث الفضائى غير المباشر إلى البث الفضائى المباشر ،فقد تحققت المكانية لربط
جموع السهكان على مسهتوى العالم ،ليبدأ بذلك عصهر العلم العالمهى متجاوزا بذلك عصهر
العلم الجماهيرى ..ويمثل البث العلمى الفضائى المباشر اللبنة الولى فى صرح العولمة
العلمية.
وبالتالى فقد أدت التصالت اللكترونية إلى ربط أجزاء العالم صوتيا ومرئيا ولحظيا
وعن بعد ،دون النتقال ،بحيث أصبح التصال بديلً عن النتقال.
() آر .إيه .بوكانان ،مرجع سابق .صفحات .175 - 173 102
- 68 -
بح يث إنهها تمثهل -فهى مجموعهها -مؤسهسة البنيهة التحتيهة الحديثهة المؤهلة لتفع يل عمليات
ومظاهر العولمة على كافة المستويات.
وإذا كانهت « النترنهت » عبارة عهن شبكهة ضخمهة تتكون مهن عدد كهبير مهن الشبكات
المرتبطة بعضها ببعض interconnecting networksفإنه “ ل يوجد ثمة شخص أو مجموعة
أشخاص يم كن ل ها أن تد عى ملك ية أو إدارة النتر نت .ول كن يم كن اعتبار كل م ستخدم و كل
مشترك فى النترنت مسئولً عن جهازه أو شبكته .وكل شركة توفر خدمة اتصال بالنترنت
مسئولة عن شبكتها والمشتركين فيها ”(.)103
ول قد اكت سبت « النتر نت » ا ستقللها الحالى م نذ عام 1983عند ما “انق سمت شب كة
الربانت العسكرية -التى أنشئت للغراض التصالية العسكرية المريكية عام - 1969إلى
شبكتيهن :الولى ظلت تابعهة لوزارة الدفاع المريكيهة وأطلق عليهها « ميلنهت » ،والثانيهة
خصصت للستخدامات المدنية وأطلق عليها النترنت “(.)104
” ولقهد غيرت السههولة التهى يمكهن أن ينشهر بهها الفراد والشركات المعلومات عهبر
النترنت المفهوم الكامل لكلمة « نشر » .كما رسخت النترنت نفسها كموقع لنشر المحتوى.
فههى تملك مها يكفهى مهن المسهتخدمين لكهى تفيهد مهن دورة التغذيهة المرتدة .فكلمها زاد عدد
مشتركي ها زاد المحتوى الذى تتضم نه .وكل ما زاد المحتوى الذى تتضم نه زاد عدد المشترك ين
المنضمين إليها “(.)105
ويُن ظر إلى « النتر نت » على أن ها الطراز الول البدائى من مشروع عملق يُ سمى
«الطريق السريع للمعلومات» ” information super highwayوالواقع أن الطريق طويل أمام
النترنت لتصبح طريق المعلومات السريع .لكنها تبقى مع ذلك القتراب الكبر لنا اليوم منه،
و سوف تتطور بالف عل لتش كل طر يق المعلومات ال سريع ”( ،)106بح يث ” إذا كان الطر يق غ ير
المُعبّ د ( الحالى ) للنتر نت م صنوعا فى مجمله من كابلت نحا سية ،فإن طر يق المعلومات
السريع والمعبد ربما سيُصنع من اللياف البصرية الليزرية “(.)107
وبالتالى فإن المؤسسة المرشحة لكى تصبح مؤسسة البنية التحتية للعولمة بامتياز ،هى
« الطريهق السهريع للمعلومات » ،والذى سهيبدو بمثابهة تطويهر هائل لشبكهة النترنهت حيهث
()
شريف درويش اللبان ،تكنولوجيا التصال ( المخاطر والتحديات والتأثيرات الجتماعية ) .ص .103 103
()
مايكل ديرتوزوس ،مرجع سابق ،ص .65 104
()
بيل جيتس ،المعلوماتية بعد النترنت ( طريق المستقبل ) .ترجمة عبد السلم رضوان ،ص .157 105
()
نفس المرجع ،ص .152 106
() ميتشيو كاكو ،رؤى مستقبلية ( ك يف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين ) ،ترجمة سعد الدين خرفان ،ص 107
.75
- 69 -
سيتجاوزها فى السرعات الفائقة لتبادل المعلومات ،وفى البرامج الفائقة الذكاء للتعامل مع
الكم المهول من المعلومات المنسابة عبر ذلك الطريق ،وفى امتداد هذا الطريق إلى كافة
مجالت الحياة البشريهة الماديهة والمعنويهة ،بحيهث يصهبح قناة فريدة للتواصهل بيهن كافهة
أفراد وأجزاء العالم ككل.
فعلى مسهتوى الحكومهة العالميهة -تقريبا -تبدو منظمهة المهم المتحدة UNههى
المؤسهسة الدول ية الكثهر ت عبيرا عن هذا التو جه ،مهن خلل وكالتهها المتخصهصة فهى كافهة
مجالت التعاون العالميهة ،ومهن خلل الجمعيهة العامهة للمهم المتحدة ومجلس المهن .فلقهد
“ لعبت المم المتحدة ومنظماتها التابعة دورا رئيسيا فى تأكيد أهمية العولمة ،وأهمية العداد
لوحدة العالم ،وأهمية إيجاد شكل من أشكال الفوقية فوق الدول والحكومات ،خاصة فى أوقات
الزمات .وأهمية أن تتنازل الدول والحكومات عن جزء من سيادتها إن لم تكن سيادتها كاملة
لصالح آليات أكبر ،وبشكل يتسع ليشمل جميع دول العالم ،وليشكل فيما بعد حكومة العولمة.
لقد استطاعت المم المتحدة منذ إنشائها عام 1945ومنظماتها العالمية أن تهيئ الفكر النسانى
لفكرة الحكومة العالمية ”(.)108
()
محسن أحمد الخضيرى ،مرجع سابق .ص .71 108
- 70 -
وعلى مستوى القتصاد العالمى تظهر مؤسسات عالمية مثل “ :البنك الدولى وصندوق
النقهد الدولى واللذان تهم إنشائهمها بمقتضهى اتفاقيهة بريتون وودز عام )109(” 1944ومنظمهة
التجارة العالمية WTOالتى تم إنشاؤها عام ” 1995لكى تحل محل التفاقية العامة للتعريفات
والتجارة « الجات »∗ التى تم توقيعها عام .)110(” 1948
” ويقوم صندوق الن قد والب نك الدولى -إلى حد كبير -بمحاولة ض بط ال سياسات
المال ية والنقد ية لمختلف الدول “( ،)111بين ما ” ت ضع منظ مة التجارة العالم ية مجمو عة من
القواعد والقوانين التى تلتزم بها الدول العضاء فى مجال التجارة الدولية للسلع والخدمات
والفكار ،وتعمهل على صهيانة وتأكيهد المنافسهة العادلة الحرة فهى التجارة الدوليهة ،وعدم
وجود أى ش كل من أشكال التمي يز والتفر قة ب ين المنتجات المحل ية والمنتجات الم ستوردة،
وت ضع إطارا عاما للتزامات الدولة فى التخفيضات الجمرك ية .و من أ جل حما ية المناف سة
تقوم بمكافحة الممارسات التجارية غير العادلة ،مثل الدعم الحكومى للصادرات ،أو لجوء
ب عض الم صدرين إلى تخف يض أ سعار المنتجات الم صدرة عن ال سعار المحل ية ،و هو ما
يُعرف بالغراق “(.)112
وعلى المسهتوى القانونهى والقضائى العالمييهن ،تقوم كهل مهن محكمهة العدل الدوليهة
والشرطهة الجنائيهة الدوليهة ( النتربول ) بالدور القضائى ومهام تنفيهذ القانون على المسهتوى
العالمى ،وتدعمهما -فى ذلك -قواعد القانون الدولى العام والتفاقيات الدولية لمتابعة وتسليم
المجرمين فيما يتعلق بالجرائم الجنائية العادية .بينما تقوم محكمة الجزاء الدولية بموجب قرار
من مجلس ال من بالن ظر فى المحاكمات المتعل قة بالجرائم ضد الن سانية ،بالضا فة إلى الدور
الذى ستمارسه المحكمة الجنائية الدولية فى نفس هذا المضمار ،ولكن فى نطاق الدول الموقعة
على اتفاقية إنشاء هذه المحكمة.
()
حازم الببلوى ،دور الدولة فى القتصاد .ص .206 109
تنص المادة ( )20من اتفاقية الجات على التى .. « :ليس هناك شئ فى هذه التفاقية يمكن فهمه على أنه يمنع تبنى أو
إنفاذ أى طرف متعاقهد للتدابيهر ..الضروريهة لحمايهة الخلق والمعنويات العامهة ..،وحياة أو صهحة النسهان والحيوان
والنبات ...أو الكنوز الوطنيههههههههة ذات القيمههههههههة الفنيههههههههة والتاريخيههههههههة
أو الركيولوجية ،وصون الموارد الطبيعية القابلة للستنفاد.» ..
ان ظر :جارى بيرتلس وآخرون ،جنون العول مة ( تفن يد المخاوف من التجارة المفتو حة ) .ص .151و سعيد اللوندى،
بدائل العولمة ( طروحات جديدة لتجميل وجه العولمة القبيح ) .ص .191
() جوموك .سههوندارام ،صههدام أم حوار ( بعههض الفكار القتصههادية للعصههر الجديههد ) .فههى فخرى لبيههب 110
()
محسن أحمد الخضيرى ،مرجع سابق .ص .76 - 75 112
- 71 -
وعلى المسهتوى التشريعهى العالمهى ،يظههر التحاد البرلمانهى الدولى الذى يضهم
برلمانات العالم ،كأحد الشكال المبدئية لبرلمان عالمى.
وثمة انطباع سائد بأن الشركات المتعددة الجنسيات قاصرة على شئون قطاعى التجارة
والصهناعة .ولكهن الواقهع يقرر أن قطاع الخدمات يدخهل فهى إطار فاعليات الشركات المتعددة
()
محسن أحمد الخضيرى ،المرجع السابق .ص .80 113
()
عبد الخالق عبد ال ،مرجع سابق .ص .70 114
()
سيار الجميل ،مرجع سابق .ص .80 115
- 72 -
الجن سيات ،وبالتالى فإن النش طة العلم ية العالم ية تمارس فاعليات ها هى الخرى من خلل
شركات متعددة الجنسههيات .فالمجموعات الصههحفية الكههبرى فههى العالم وشبكات القنوات
التلفزيونية الفضائية ( كمثال ) ما هى إل شركات متعددة الجنسيات ،بل ويمكن اعتبار وكالت
النباء بمثابة شركات متعددة الجنسيات.
لقد تمكن القطاع القتصادى من الستثمار الفائق لمؤسسات البنية التحتيه للعولمة ،من
خطوط مواصلت برية وبحرية وجوية ،وشبكات اتصالت وإعلم كابلية ولسلكية وفضائية،
ل إلى شبكة النترنت ،وبذلك استطاع القطاع القتصادى النتقال بأنشطته إلى المستوى
وصو ً
العالمى.
( )3المنظمات الدولية غير الحكومية ( منظمات المجتمع المدنى العالمى ):
وتمثهل المنظمات الدوليهة غيهر الحكوميهة قطاع مؤسهسات البنيهة الفوقيهة للعولمهة
المرتبط بقطاع المجتمع المدنى العالمى .و” هى عبارة عن هيئات أو اتحادات دولية مستقلة
عهن الحكومات ،وعادة مها يكون لهها فروع وأعضاء فهى العديهد مهن دول العالم ،وتركهز
اهتماماتهها وأنشطتهها على قضايها مهنيهة ،أو قضايها أخرى ذات طابهع عالمهى مثهل :حقوق
النسهان وحمايهة البيئة وتحقيهق السهلم ومراقبهة النتخابات ومسهاعدة اللجئيهن وضحايها
الحروب والكوارث..إلخ “(.)117
ويش هد العالم تطورا متزايدا فى انتشار المنظمات الدول ية غ ير الحكوم ية ” ف فى نها ية
القرن العشر ين كان يوجد حوالى عشرون منظ مة حكوم ية دول ية ،ومائة وثمانون منظ مة غير
()
محسن أحمد الخضيرى ،مرجع سابق .ص .231 116
()
حسنين توفيق إبراهيم ،مرجع سابق .ص .193 117
- 73 -
حكوميهة تتجاوز الحدود القوميهة .أمها اليوم فتوجهد أكثهر مهن ثلثمائة مهن المنظمات الحكوميهة
الدولية ،وحوالى خمسمائة من المنظمات الدولية غير الحكومية “(.)118
()
أنطونى جيدنز ،مرجع سابق .ص .191 118
()
انظر كلً من: 119
ويو فر التعرف على مظا هر العول مة ومؤ سساتها ،الفر صة للمز يد من المعر فة حول
الثار التهى تمارسهها هذه المظاههر والكيانات على النشطهة المجتمعيهة والنسهانية ،فهى ظهل
الخلفيهة الفكريهة التهى تنطلق منهها العولمهة ،والبنيهة الماديهة التهى تتمظههر وفقا لهها .وهذا مها
سنعرض له فى الفصل القادم ،حول البعاد المجتمعية والنسانية لظاهرة العولمة.
- 75 -
الفصـل الثالث
البعـاد المجتمعية والنسانية لظاهرة
العولمـة
القسـم الول
البعـاد المجتمعيـة لظاهرة العــولمـة
المبحـث الول
البعـاد السياسيـة للعـولمــة
(العـولمة السياسية)
تكشهف البعاد السهياسية للعولمهة عهن عدد مهن التغيرات المتدرجهة التهى أخذت تطرأ
على الم سلمات فى المفاه يم ال سياسية المعا صرة ،وال تى با تت تتعلق بم ستقبل ن مو أو انكماش
دور الدولة ،ومدى صههلحية الديمقراطيههة الغربيههة للنتشار عالميا ،والدور المأمول لقوى
المجتمع المدنى على المستوى العالمى .وذلك كالتالى:
ولعل الواقع يقرر أن الدولة ” لم تعد هى الوحدة المركزية الساسية فى النظام العالمى
كما كانت عليه فى السابق ،وبخاصة فى ظل بروز قوى اقتصادية واجتماعية محلية وعالمية
مناف سة “( .)120ح يث أ صبحت ” الدولة المعا صرة مضطرة إلى تفك يك أبنيت ها الشمول ية ل صالح
المجتمعات المحل ية من خلل اللمركز ية ..ول صالح مؤ سسات المجت مع المد نى الباز غة.....
والتنازل فى ن فس الو قت عن عد يد من مجالت سيادتها التقليد ية ل صالح المؤ سسات الدول ية
المهر الذى سهيؤدى إلى ” أن مؤسهسة الدولة لن تكون بتلك المحوريهة أو ()121
والكونيهة “
المركزية التى كانت عليها فى السابق ،حين كانت تحتكر كل شئ أو مؤهلة لحتكار كل شئ
() عبهد الخالق عبهد ال " ،مناقشهة حول ورقهة جلل أميهن عهن :العولمهة والدولة " ،فهى أسهامة أميهن الخولى 120
( محرر ) ،العرب والعولمة ( بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ) .ص .202
()
السيد ياسين ،الزمن العربى والمستقبل العالمى .ص .125 121
- 77 -
يقع ضمن حدودها فى إطار سيادتها .فمع الثورة التقنية المعاصرة ...تتحول السيادة إلى مجرد
مفهوم قانونى ل قوة فعلية له “( .)122حيث نقلت إستراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج ”
السهلطة ؛ بعيدا عهن المهم إلى فضاء عالمهى غيهر مسهيس “( ”،)123ولعهل دهشهة السهياسيين
وانبهار هم من قدرة العول مة على تلي ين to soften upالمؤ سسات ،جعلت هم يعتقدون أن هم فى
طريقهم لن يصبحوا «حفارى قبورهم»“(.)124
ولهذا فقهد برز إلى الدبيات السهياسية العالميهة مفهوم « حهق التدخهل » والذى يمنهح
العالم حق تجاوز سيادة الدولة .ففى ” عام 1977قال الرئيس المريكى « كارتر » ..إنه ليس
هناك عضو فى المم المتحدة يمكنه أن يزعم أن إساءة معاملته لمواطنيه داخل دولته تُعد من
المور الخا صة به وحده “( .)125علوة على ذلك ..ف قد ” كان هناك اقتراح فرن سى تم تقدي مه
عام 1978بإمداد سكرتير عام المم المتحدة بالقدرة على مراقبة التحركات العسكرية بواسطة
القمار الصناعية “(.)126
ولقد تم تطبيق حق التدخل فى الواقع السياسى الفعلى إما ” لسباب إنسانية كما حدث
للتدخل الدولى فى الصومال ،أو لسباب سياسية كما حدث بالنسبة للعراق تحت لواء الشرعية
الدولية “( ،)127أو كما حدث فى كوسوفو بالنسبة للصرب واللبان.
()
تركى الحمد ،الثقافة العربية فى عصر العولمة .ص .52 122
()
أنطونى جيدنز ،الطريق الثالث (تجديد الديمقراطية الجتماعية) .ص .192 123
()124
Beck, Ulrich, Beyond the nation state ) globalization (. p. 1. )Available from Internet(.
()
هارلن كليفلند ،ميلد عالم جديد .ترجمة جمال على زهران ،ص .199 125
()
المرجع السابق ،ص .91 126
()
السيد ياسين ،مرجع سابق .ص .123 127
() زبغن يو بريجن سكى ،الفو ضى ( الضطراب العال مى ع ند مشارف القرن الحادى والعشر ين ) .ترج مة مالك فا ضل ،ص 128
.192
- 78 -
ول كن نظرا لن نا نش هد الن مرحلة انتقال ية من مجال ال سيادة التقليدى للدولة القوم ية إلى
مجال السهيادة العالمهى للحكومهة أو الدارة العالميهة ،فإن المور تلتبهس على الفههم ،وتبدو حمايهة
الدول القومية لمصالحها الستراتيجية بمثابة دليل على عدم صحة التوجهات العولمية ،على الرغم
من أن العول مة سرعان ما ستدفع ن حو تل قى كل الم صالح ال ستراتيجية القوم ية ت حت مظلة
المصلحة العالمية الكبرى .ولعل هذا يفسر أن تناقض مصالح دولة مثل الوليات المتحدة المريكية
مع بعض المصالح العالمية هو أمر يمكن تفسيره فى سياق تلك المرحلة النتقالية ،ولكن تدريجيا
سرعان ما ستتطابق المصالح العالمية مع المصالح القومية لتشكل مصلحة إستراتيجية عالمية.
على الجانب الخر ..فإن تكتيكات العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام تدفع نحو نشوء
دويلت انفصهالية عرقيهة منسهلخة عهن الدولة القوميهة الم .ويشههد العالم الن العديهد مهن
الحركات النفصالية فى أوربا الغربية والشرقية ،وفى المغرب العربى والمشرق العربى ،وفى
غرب أفريقيا وشرقها ،وفى جنوب شرق آسيا وفى الشرق القصى .علوة على ذلك فإن قوى
المجتمع المدنى الصاعدة تجد نفسها مؤهلة للضطلع بجزء من اختصاصات الدولة القومية.
وبالتالى سرعان ما تمتد منظمات المجتمع المدنى؛ لكى تمارس أدوارا مجتمعية كانت تحتكرها
الدولة القومية ،وذلك تمشيا مع سلطتها الصاعدة التى لبد أن تقابلها اختصاصات متنامية على
كافة المستويات .ومن هنا ينبغى التعامل مع الدولة باعتبارها ” ظاهرة تاريخية خاضعة للتغير
ول ها مآل معي نة بح كم التطور الجتما عى ول ي صح ت صنيم دور الدولة ،بل يجدر تحد يد هذا
الدور فى ضوء حاجات التنمية والتقدم الجتماعى ..إن التجربة تشير إلى مظاهر سلبية كثيرة
فهى مسهيرة الدولة الوطنيهة فهى ..العالم الثالث بوجهه عام .والشهئ المههم فهى اسهتخلصه مهن
التجربة السابقة هو التأكيد على أهمية الديمقراطية كمؤسسات حكم ،وحقوق النسان باعتبارها
القاعدة الحقيقية لى دور فعال وسليم للدولة “(.)129
ولعهل ” متغيرات عصهرنا توحهى بأننها نعيهش فهى مرحلة مها بعهد الدولة القوميهة
أو إرها صاتها ،فالقوم ية ظاهرة تاريخ ية معي نة ل ها أ سبابها ،ولي ست فكرة مت سامية منف كة من
قيود الزمان والمكان “(.)130
وبالتالى فإن الشكهل الذى تتحول إليهه الدولة -بحيهث يُنقهل جزء مهن سهيادتها إلى
الم ستوى فوق القو مى ( حكو مة عالم ية ) ،وجزء آ خر إلى الم ستوى المحلى ( مجت مع مد نى
() مهدى الحافظ " ،مناقشة حول ورقة جلل أمين عن :العولمة والدولة " .فى أسامة الخولى ( محرر ) ،مرجع سابق ،ص 129
.200
()
تركى الحمد ،مرجع سابق .ص .47 130
- 79 -
وأقليات عرقيهة ) -لن يؤدى إل إلى اختفاء ” الدولة الرخوة ..The soft stateالتهى تتسهم
بالف ساد وتجا هل ح كم القانون وتغل يب م صالح أفراد ها الخا صة على الم صلحة العا مة) “(،)131
انطلقا مهن أن الدول لن يمكنهها البقاء فهى المجتمهع العالمهى إل ” مهن خلل التعاون الفعال مهع
بعضها البعض ومع محلياتها وأقاليمها ومع الجماعات والتجمعات عبر القومية “(.)132
وبالتالى فإن سهيادة الدولة التهى سهتتضاءل أمام سهيادة العالم ،وسهلطة الدولة التهى
ستنكمش أمام سلطة الحركات النفصالية أو سلطة المجتمع المدنى ،تطرحان أمام الدولة طريقا
آخر يوفر لها البقاء.
” لذلك على الدولة أن تكون حاسمة فى مهمتها من أجل تحديث الهوية الثقافية والتماسك
الجتما عى وذلك من أ جل تنم ية الديمقراط ية .ل نه إذا كا نت الدولة فى طريق ها للختفاء ،فلن
تو جد وحدة إن سانية جديدة -سواء أكا نت الكرة الرض ية أم الدولة العالم ية -يم كن أن تكون
مناسبة لستمرار التكاثر البشرى “( .)133وهذا ما يفسر نزوع بعض الدبيات والمؤسسات الدولية
إلى إعادة التذكيهر بضرورة قوة الدولة ردا على الدعاوى المبشرة بانكماشهها ” .فالبنهك الدولى
الذى كان من أول المتحدث ين عن انكماش الدولة بات يتب نى وجهة ن ظر أخرى ..فهناك نمو فى
أدبيات قوة الدولة من حيث قوتها كشرط لقدرتها على تطبيق التغير “(.)134
وفهى سهبيل ذلك يضهع البنهك الدولى ” ثلثهة شروط أسهاسية لتحقيهق الحكهم الصهالح
Good Governanceههى -1 :إنشاء مؤسهسات قطاع عام قادر -2 .الحهد مهن الفسهاد
والتصرفات التحكمية للدولة -3 .تسهيل العمل الجماعى “(.)135
ولعهل هذا مها أدى إلى ظهور اتجاه « الطريهق الثالث »∗ فهى الدبيات السهياسية
الوربية .كرد فعل على الجدال الدائر حول انكماش الدولة ” فالليبراليون الجدد يريدون تقليص
سلطات الدولة أو الحد من ها .والديمقراطيون الجتماعيون تاريخيا يتحمسون لتوسيع سلطاتها.
الطر يق الثالث يطرح إعادة بناء الدولة لتتجاوز كلً من اليم ين الذى يطرح بأن الحكو مة هى
العدو واليسار الذى يقول بأن الحكومة هى الحل “(.)136
()
جلل أمين " ،العولمة والدولة " ،فى أسامة أمين الخولى ( محرر ) ،مرجع سابق .ص .162 131
()
انطونى جيدنز ،مرجع سابق .ص .64 132
()133
Beck, Ulrich, op. cit, p. 3. )Available from Internet(.
()134
Koshy, Ninan, Political Dimensions of Globalisation. p. 4. )Available from Internet(.
() نيف ين م سعد ،تعق يب على ور قة جلل أم ين عن ( العول مة والدولة ) .فى أ سامة الخولى ( محرر ) ،مر جع سابق ،ص 135
.185
انظر :هناء عبيد ،العولمة .صفحات .82 - 80
()
أنطونى جيدنز ،مرجع سابق ،ص .114 - 113 136
- 80 -
” إذن مطلوب دولة قوية وليست تسلطية ،دولة مؤسسات وليست دولة أشخاص ،دولة
قانون وشفافية وليست دولة يُشكل الفساد جزءً من بنيتها “(.)137
إن كل ما سبق يوضح أن الدولة القومية باعتبارها ”الوحدة السياسية الرئيسية لحقبة
الموجة الثانية ،تتعرض إلى ضغوطات ل مفر منها .إحدى هذه الضغوط تريد تحويل السلطة
ال سياسية من الدولة القوم ية إلى المنا طق والجماعات دون القوم ية .وأخرى تر يد ن قل ال سلطة
مهن المهة إلى الوكالت والمنظمات الدوليهة .إن هذه الضغوط تقود إلى تقسهيم المهم المتقدمهة
تكنولوجيا إلى وحدات أصغر وأقل سلطة “(.)138
إن التاريهخ يوضهح أن ” الدولة المعاصهرة ظاهرة تاريخيهة لم تجاوز فهى شكلهها
()139
المعاصر أكثر من ثلثة أو أربعة قرون .ومن المتصور بالتالى أن تعرف تطورا جديدا “
وهذا هو ما يحدث الن ..حيث أصبحت مفاهيم مثل سيادة الدولة والدولة القومية ودور الدولة
فى الحكم -أصبحت فى ظل العولمة -مفاهيم ديناميكية قابلة للتغير بما يعزز من إستراتيجية
وتكتيكات العولمة.
فلقهد كان” أبرز تطورات الربهع الخيهر مهن القرن العشريهن ههو إماطهة اللثام عهن
أو جه الض عف الخطيرة فى أنظ مة العالم الديكتاتور ية ،ح تى ما بدا من ها قويا عنيدا .سواء
منها اليمين السلطوى العسكرى أو اليسار الشمولى الشيوعى .فمن أمريكا اللتينية إلى شرق
أورو با ،و من التحاد ال سوفيتى إلى الشرق الو سط وآ سيا ،تهاوت حكومات قو ية على مدى
العقدين الماضيين “(.)140
() حسنين توفيق إبراهيم " ،العولمة :البعاد والنعكاسات السياسية ( رؤية أولية من منظور علم السياسة ) " ،مجلة عالم الفكر ( عدد خاص 137
() حازم الببلوى " ،تعقيب على ورقة اسماعيل صبرى عبد ال عن :العولمة والقتصاد والتنمية العربية " ،فى أسامة أمين 139
” ففى عام 1974سقط نظام البرتغال الذى وضعه « سالزار » ولم يستطع أن يحميه
خليفته « جايتانو » .وتبعه نظام « فرانكو » بأسبانيا فى .1975كما عرف نفس المصير حكم
العسهكر فهى اليونان فهى .1974وعرفهت أمريكها اللتينيهة الشهيرة بانقلباتهها وديكتاتورياتهها
تسهاقطا متتابعا فهى الرجنتيهن ( )1982وأورجواى ( )1983والبرازيهل ( )1984وشيلى (
.)1990وانتقلت الموجة إلى آسيا فسقط نظام كوريا القوى فى 1987كما سقط قبل ذلك نظام
كمبوديا الغاشم “( .)141وكانت بداية النهاية للنظام العنصرى فى جنوب أفريقيا ” فى فبراير عام
1990عندمها أعلنهت حكومهة « دى كليرك » التهى يهيمهن عليهها البيهض -آنذاك -إطلق
سراح « نيلسون » مانديل ورفع الحظر على نشاط حزب المؤتمر الوطنى الفريقى “(.)142
وعلى الجانهب الشيوعهى فقهد توالت النهيارات ،حيهث اسهتغرق ” إنهاء حكهم الحزب
الشيوعهى فهى بولندا عشهر سهنوات ،وفهى المجهر عشرة شهور ،وفهى ألمانيها الشرقيهة عشرة
أ سابيع ،و فى تشيكو سلوفاكيا عشرة أيام ،و فى رومان يا ل يس أك ثر من ع شر ساعات ..تلك
السلسلة من المفاجآت السياسية التى ملت شاشة التلفزيون فى .1989ثم فى خريف 1991
عندما انحل التحاد السوفيتى نفسه ،وأخذت جمهورياته تحاول لملمة أجزائه المتبعثرة “(.)143
”وخلل الفترة من عام 1974إلى عام 1994تحولت ستون دولة من أنظمة شمولية
أو ديكتاتوريهة إلى أنظمهة ديمقراطيهة “( ،)144بحيهث ارتفهع عدد الدول الديمقراطيهة مهن
” ثمان ية و سبعين قطرا إلى مائة وثمان ية وثلث ين قطرا ،وارت فع معدل البلد الديمقراط ية من
%44إلى %72من مجموع عدد الدول بالعالم “(.)145
إن انتشار الديمقراطية يوضح أن ” إجماعا ملحوظا قد ظهر فى السنوات القليلة الماضية
فى جم يع أنحاء العالم ،حول شرع ية الديمقراط ية الليبرال ية كنظام للح كم ،ب عد أن لح قت الهزي مة
باليدلوجيات المنافسة -مثل الملكية الوراثية والفاشية والشيوعية -فى الفترة الخيرة “(.)146
وهذا الملمح نحو توحيد أساليب الحكم -كأحد البعاد السياسية للعولمة -يوضح أن
”عدد الخيارات المتاحة أمام الدول فى تحديدها لكيفية تنظيم نفسها سياسيا واقتصاديا يتناقص
بمرور الزمهن .فمهن بيهن النماط المختلفهة للنظمهة التهى ظهرت عهبر تاريهخ النسهانية
()
حازم الببلوى ،دور الدولة فى القتصاد .ص .171 141
()
فرانسيس فوكوياما ،المرجع السابق .ص .30 142
()
هارلن كليفلند ،مرجع سابق .ص .43 143
()
حسنين توفيق إبراهيم ،مرجع سابق .ص .190 144
()
السيد ياسين ،الحوار الحضارى فى عصر العولمة .ص .11 145
()
فرانسيس فوكوياما ،مرجع سابق .ص .8 146
- 82 -
( مهن الملكيات والرسهتوقراطيات ،إلى الحكومات الدينيهة الخاضعهة لرجال الديهن ،إلى
الديكتاتوريات الفاشية والشيوعية فى قرننا هذا ) نجد أن الشكل الوحيد للحكومة الذى بقى ثابتا
لم يُمس حتى نهاية القرن العشرين هو الديمقراطية الليبرالية “(.)147
ولعهل هذه الحركهة التاريخيهة توضهح أن الديمقراطيهة على الرغهم مهن كونهها وليدة
مجتمعات غرب ية مرت بظروف خا صة ،ول كن ر غم ذلك ت ظل الديمقراط ية ” وبدون أن تكون
كاملة ..هى النظام السياسى الرقى والكثر عقلنة بين سائر النظمة السياسية التى اخترعتها
البشرية فى مسارها التاريخى الطويل “(.)148
و” هناك ثلثة مستويات مترابطة ومتداخلة للنظر إلى الديمقراطية .أولها :الديمقراطية
كنظام للق يم ..وتتم ثل الق يم الديمقراط ية فى الحر ية والعدالة والمشار كة والم ساواة والت سامح
السهياسى والفكرى والقبول بالتعدديهة والختلف والتداول السهلمى للسهلطة بالحتكام إلى إرادة
الشعب واحترام حقوق النسان وسيادة القانون .وثانيها :الديمقراطية كأسلوب لممارسة السلطة
وتنظيم العلقة بين الدولة والمجتمع ..وذلك من خلل مجموعة من الطر القانونية والهياكل
السياسية والمؤسسية والقواعد الجرائية التى تنظم الممارسة الديمقراطية .وهنا تبرز عناصر
عدة فى بن ية النظام الديمقرا طى تتعلق بتنظ يم العل قة ب ين ال سلطات وطبي عة النظام الحز بى
والنظام النتخا بى وبن ية البرلمان .وثالث ها :الديمقراط ية باعتبار ها ن مط حياة للمجت مع ..وي تم
التركيهز هنها على مدى توافهر قيهم وممارسهات الديمقراطيهة على صهعيد مؤسهسات المجتمهع
كالسرة والمدرسة والجامعة والحزب والنادى ....ومن منظور قضية العولمة يمكن القول أن
قيم الديمقراطية تعتبر ذات طابع عالمى باعتبارها قيما إنسانية عامة وثيقة الرتباط بالتطور
النسانى ....أما الشكال والصيغ التنظيمية والمؤسسية التى تأخذها النظم الديمقراطية فهى
متعددة ويمكن أن تختلف من دولة إلى أخرى ”(.)149
()
المرجع السابق ،ص .56 147
()
جورج طرابيشى ،فى ثقافة الديمقراطية .ص .5 148
()
حسنين توفيق إبراهيم ،مرجع سابق .ص .206 149
()
فرانسيس فوكاياما ،مرجع سابق .ص .130 150
- 83 -
وفهى الواقهع ..فإن مها تدفهع إليهه تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام ،مهن
انحسهار فهى دور البرلمانات ودور التمثيهل النيا بى ،يو ضح بأن ث مة تطويرا فهى ش كل النظهم
الديمقراط ية آخذا فى التكون .وأن انتشار الديمقراط ية يراف قه انح سار لطر ها القدي مة ،وميلد
لطر جديدة شعبية أكثر منها تمثيلية.
” فالمجتمع المعاصر يشهد ولدة أسئلة لم تعد السياسة والحزاب السياسية بقادرة على
الجابهة عنهها ول حتهى على صهياغتها .فالسهياسة وصهدام اليدلوجيات كان لهمها معنهى
ما دام النقاش متمحورا حول مستوى إعادة توزيع الثروة الجتماعية .ولكن مع توقف التفكير
فى بدائل للنظام القتصادى السائد مع سقوط الشيوعية ،فإن اهتمامات الرأى العام باتت تنصب
على مسهائل غيهر قابلة للندراج فهى برامهج الحزاب ول فهى طقوسهها .فقضايها البيئة مثلً
ع صية على الت صنيف فى خا نة اليم ين أو الي سار ....وآليات الديمقراط ية التمثيل ية والحزب ية
تقهف مشلولة عهن الفعهل إزاء تطور ظاهرة الجنوح فهى ضواحهى العواصهم والمدن الكهبرى،
وظاهرة الدمان على المخدرات ،ك ما ت قف عاجزة عن الجا بة على ال سئلة الخلق ية ال تى
ت ستأثر بالهتمام الجما عى م ثل التلق يح ال صطناعى والمهات الحاملت بالنيا بة وتجارة زرع
العضاء “( ..)151والستنساخ ..إلخ.
وبالتالى فإذا كانت الديمقراطية تواجه تغييرا فى أطرها -وليس فى قيمها -نابعا من
الح ساس بأز مة ما ” .فإن أز مة الديمقراط ية تن بع من كون ها أن ها لي ست ديمقراط ية كاف ية.
فاليمان بالديمقراط ية لم يتغ ير فى الوليات المتحدة ح يث %90من ال سكان يؤمنون بالش كل
الديمقراطى للحكومة .وفى إحصاء لحد عشر بلدا أوربيا فى الفترة ما بين 1990 - 1981
ظهر أن أكثر من %90مؤيدون لنظام ديمقراطى للحكومة ولكن النسبة نفسها وافقت على أنه
يجب البحث عن طرق لتطوير الديمقراطية “(.)152
ولعل ” السؤال المحورى الذى تثيره خبرات النظم الديمقراطية فى اللحظة الراهنة إنما
يتعلق بمدى احتفاظ البرلمانات بدورهها السهاسى وههو تمثيلهها لعموم الناخهبين .فالقضيهة ههى
ات ساع دور الجماعات المنظ مة ونفوذ ها على ح ساب الغلب ية ال صامتة غ ير المنظ مة “(.)153
” فالقرارات لم تعهد تصهنعها اليوم المؤسهسات الحكوميهة والهيئات التمثيليهة أو الجراءات
النتخابية من برلمانات واستفتاءات ،وإنما أصبحت شأنا عالميا يتعلق بسلطات جديدة أصحابها
()
جورج طرابيشى ،مرجع سابق .ص .160 151
()
أنطونى جيدنز ،مرجع سابق .ص .115 152
()
منار الشوربجى " ،انحسار دور البرلمانات ظاهرة عالمية ..ولكن " ،جريدة الهرام .بتاريخ ،25/7/2001ص .10 153
- 84 -
هم الذ ين ي سيطرون على و سائط العلم ،ويحركون أموال هم ومنتجات هم اللماد ية من طرف
إلى آخر من أنحاء الرض “(.)154
إن كهل هذا أدى إلى ضرورة تطويهر طرق جديدة لممارسهة الديمقراطيهة ،طرق تتجهه
رأسها إلى الشعهب متخطيهة جماعات المصهالح والبرلمانات والحزاب .ويتضهح هذا فهى تنامهى
ظاهرة « اسهتطلعات الرأى » ” فمهع هذه التقنيهة ..انتفهت الحاجهة إلى وسهاطة الحزاب.
فالمواج هة أض حت مباشرة من الن ف صاعدا ب ين و جه الزع يم ال سياسى وب ين الرأى العام ك ما
يتج سد فى ال ستطلعات .ف فى إنجلترا م هد البرلمان ية ،ن جد أن ا ستطلعات الرأى -ل لع بة
الكثرية والقلية البرلمانية -هى التى هزمت السيدة الحديدية « تاتشر » .وفى الوليات المتحدة
المريك ية ،أض حت المواج هة المزم نة ب ين الرئ يس والكونجرس مشرو طة بالنتائج ال سبوعية
أو الشهرية لستطلعات الرأى ،فبقدر ما تتصاعد السهم الرئاسية يميل أعضاء الكونجرس إلى
المصالحة وبقدر ما تهبط يجنحون إلى المشاكسة .....إن استطلعات الرأى تلغى المسافة التى
كا نت تف صل النا خب عن نا خبيه ..وتع يد إلى الديمقراط ية نزرا من ذلك الطا بع المبا شر الذى
تجردها منه اللية التمثيلية ،فمع تقنية استطلعات الرأى يعود للناخبين حضور شبه دائم “(.)155
وثمة أطر حديثة كثيرة مطروحة على الساحة لتطوير الممارسات الديمقراطية ،وكلها
تصب فى مسار نقل السلطة للجماهير مثل ” آلية الستفتاءات السريعة على القرارات باستخدام
أسهلوب الرسهائل القصهيرة على المحمول؛ فهى السهتفتاء على رأى الجماهيهر تجاه الضرائب
الجديدة مثلً ..أو التجاه ن حو اختفاء صندوق النتخاب بشكله التقليدى ،وا ستبداله بمو قع على
النترنهت ( صهندوق الكترونهى ) يمكهن التصهويت مهن خلله ..ولن يكون نظام القتراع
اللكترو نى المبا شر وال سريع هو الوح يد على ال ساحة ،بل سيعمل جنبا إلى ج نب مع ن ظم
معلومات ن ظم ال ستفتاءات ال سريعة ،ال تى تع مل فى حالة احتياج الحا كم لتخاذ قرارات مه مة
هس للبرلمان.
هب مباشرة وليه
ها اللجوء للشعه
هن معهه
هل الدولة يتعيه
هن قبه
هتراتيجية مه
اسه
علوة على ن ظم متاب عة أداء الحكومات وقياس شعب ية الم سئولين دوريا على كل الم ستويات
( إدارة محلية -وزراء فى حكومة مركزية -رؤساء وحكام ) “(.)156
بالضا فة إلى ذلك ..فث مة أفكار أخرى تن بع من تقدم و سائل الت صال اللكترو نى من
خلل شب كة النتر نت .م ثل ” إمكان ية ا ستخدام أ سلوب المقايضات التعاقب ية Trade-offsب ين
()
على حرب ،حديث النهايات ( فتوحات العولمة ومآزق الهوية ) .ص .103 154
()
جورج طرابيشى ،مرجع سابق .صفحات .162 - 160 155
() جمال محمهد غيطاس " ،الديمقراطيهة الرقميهة والعودة إلى زمهن سهقراط :مشاههد حيهة مهن الحياة الرقميهة " ،جريدة الهرام. 156
الحزاب والقوى المجتمع ية ،وال تى تتم ثل فى إجراء مقايضات واتفاقات ب ين تلك المجموعات
حول إمكان ية تب نى اتجاه مع ين والمواف قة عليه نظ ير الح صول على مواف قة الطرف الخر فى
قضيهة أخرى ،أو جعهل النواب يصهوتون بنسهبة %50فقهط فهى أيهة مسهألة مطروحهة وتبقهى
ال صوات الخرى من حق عي نة عشوائ ية تم ثل الرأى العام ،وبا ستخدام الحوا سب وو سائل
التصال عن بعد والقتراع يصبح المر بسيطا للغاية “(.)157
إن عولمة الديمقراطية تدفع إلى انتشار الديمقراطية وتوحيد أساليب الحكم فى الشكل
الديمقراطهى على مسهتوى العالم .ولكنهها تدفهع أيضا فهى اتجاه انحسهار دور الديمقراطيهة
التمثيليهة والبرلمانات ،والتجاه نحهو الديمقراطيهة الشعبيهة وانقسهام الجماعات السهياسية بعدد
أفراد المجتمع.
وينبع ذلك من ” أن كثيرا من معطيات عملية العولمة ومخرجاتها سوف يقضى -
ل محالة -إلى تقويهة بنيان المجتمهع المدنهى ومنظماتهه .وإعادة صهوغ علقتهه بالدولة
ومؤ سساتها ..ك ما أن اهتمام ب عض المنظمات الدول ية -و فى مقدمت ها هيئة ال مم المتحدة
ووكالت ها المتخ صصة -بإحياء المجت مع المد نى وإنعاش منظما ته على م ستوى الدولة.
وقيام بعهض الدول الكهبرى والمؤسهسات الدوليهة بتخصهيص نوع مهن المنهح والقروض
والمعونات لمنظمات المجت مع المد نى وتمو يل ب عض أنشطت ها .كل ذلك ي سهم فى تنش يط
تلك المنظمات “( .)158
ممها أدى إلى أن تصهبح تلك ” الحركات الجتماعيهة والجماعات والمنظمات غيهر
الحكومية الجديدة بالتالى قادرة على أن تعكس قوتها على المسرح العالمى “(.)159
()
آلفين توفلر ،مرجع سابق .صفحات .465 - 462 157
()
السيد الزيات " ،هل تتلشى الدولة فى ظل العولمة " مجلة تحديات ثقافية ( .العدد ،4أبريل -يونيو ،) 2001ص .73 158
()
أنطونى جيدنز ،مرجع سابق .ص .88 159
- 86 -
وظههر ذلك فهى حركات المعارضهة القويهة والحتجاجات الواسهعة التهى مارسهها تكتهل
منظمات المجت مع المد نى فى المؤتمرات القت صادية الدول ية فى ال سنوات الخيرة ،وال تى بدأت
ل فهى « سهياتل » بالوليات المتحدة ،حتهى أن بعهض المعلقيهن أطلق على هذا التكتهل
أو ً
« ش عب سهياتل »∗ .حيهث إن ” الكثيريهن باتوا يعتقدون أن هناك جما عة واحدة أو ائتلفا واحدا
مهن الجماعات ههو الذى يقهف وراء تلك الحتجاجات .والحقيقهة غيهر ذلك تماما ،لن هناك
العشرات بل والمئات من الجماعات ال تى تعارض العول مة ومنظمات ها ،و فى مع ظم الحيان ل
يكون هناك تنسيق بينها ...ففيها جماعات يسارية ،وأخرى يمينية ،وثالثة محافظة ،كما أن هناك
جماعات فوضو ية ،وال كل يجمع ها هدف وا حد هو إ سقاط العول مة ،وإن كا نت أ سباب كل من ها
مختلفة “(.)160
ولكن إذا كانت تلك التكتلت -فى مراحلها الولى -تتم دون محركات تنظيمية .فإن
التقدم المتاح فهى وسهائل التصهال سهيتيح لهها فهى المسهتقبل إمكانيهة التقارب والتكتهل المنظهم
والهادف .وهذا مها يؤكده « أنطونهى جيدنهز » مهن ” أن الحركات الجتماعيهة ،ومجموعات
القضية الواحدة ،والمنظمات غير الحكومية وغيرها من تجمعات المواطنين ،سوف تلعب بكل
()161
تأكيد جز ًء من الدور فى السياسة على أساس مستمر ..من المستوى المحلى إلى العالمى “
انطلقا من أن ” تقدم العول مة يج عل الجما عة مر كز اهتمام وذلك لهم ية الضغوط ال تى يم كن
أن تمارسها من القاعدة “(.)162
كما يؤكده رئيس شركة « شيل » العالمية عندما قال ” كنا إلى حد ما بطيئين فى فهم أن
هذه الجماعات تتجه للحصول على السلطة .لقد أسأنا تقدير مدى تأثير هذه التغيرات .وأخفقنا فى
أن ندخل فى حوار جدى مع هذه الجماعات الجديدة .ويضيف ..إن مؤسسات المجتمع العالمى يُعاد
اكتشافها ،فى الوقت الذى تعيد فيه التكنولوجيا تحديد العلقة بين الفراد والمنظمات “(.)163
ول كن إذا كا نت منظمات المجت مع المد نى تند مج على الم ستوى العال مى ،فإن التش ظى
ههو الحادث على المسهتويات المحليهة .حيهث توضهح كافهة الشارات أن ” المجتمهع التشكيلى
Configurativeسيحتل مكان المجت مع عالى الطبق ية ( مجت مع المجموعات ال كبرى المتحال فة
تنقسهم الجماعات المناهضهة للعولمهة إلى :جماعات حقوق النسهان ،جماعات البيئة ،اتحادات عماليهة ،جماعات طلبيهة،
جماعات فوضوية وفوضويون ،مطالبون بإصلح صندوق النقد الدولى ،مطالبون بإلغاء ديون الدول الفقيرة.
انظههههر :أشرف أبههههو الهول " ،العولمههههة والحتجاجات " ،جريدة العالم اليوم .بتاريههههخ ،2/5/2000
ص .10
()
المرجع السابق ،ص .10 160
()
أنطونى جيدنز ،المرجع السابق .ص .91 161
()
المرجع السابق ،ص .123 162
()
المرجع السابق ،ص .87 163
- 87 -
سهويا ُمشَههكّلة الغلبيهة ) ويتألف هذا المجتمهع التشكيلى مهن آلف القليات ،بعضهها مؤقهت
الوجود وبعضهها يشكهل أنماطا غريبهة جدا ،لكنهها سهريعة الزوال ،وههى نادرا مها تلتحهم فهى
إجماع نسبته %51على القضايا الكبرى “(.)164
ولكن ينبغى النتباه إلى أن ” المجتمع المدنى ليس كما يتصور البعض مصدرا للتنظيم
العفوى والنسهجام .فماذا يحدث عندمها تكون الجماعات الفاعلة لهها صهورة مختلفهة لمسهتقبل
الجماعة الواسعة؟ من الذى يقرر أين تقف نهاية جماعة وبداية أخرى؟ ..الحكومة يجب عليها
أن تقوم بالح كم فى هذه القض ية والقضا يا الصعبة الخرى ،الدولة يجب أن تح مى الفراد من
صراع الم صالح فى المجت مع المد نى ،الدولة ل ت ستطيع أن تتحول إلى المجت مع المد نى :فإذا
كانت الدولة فى كل مكان فليس لها مكان ”(.)167
إن العولمة تجعل العالم ينتقل ” من أسلوب السلطة الهرمية المطلقة إلى أساليب جديدة،
أساليب تفاوضية أفقية وليست عمودية ،أساليب أكثر تحضرا ولكنها أشد تعقيدا “(.)168
المبحـث الثـانى
البعـاد القتصـادية لظاهـرة العـولمـة
()
آلفين توفلر ،مرجع سابق .ص .459 164
()
أنطونى جيدنز ،مرجع سابق .ص .124 165
() سلفوى زيز يك " ،ل م فر من من طق الرأ سمالية " ،مجلة الثقا فة العالم ية ( .العدد ،100ما يو -يون يو ،) 2000ص 166
.214
()
أنطونى جيدنز ،المرجع السابق .ص .130 167
() الحبيب الجنحانى " ،ظاهرة العولمة :الواقع والفاق " ،مجلة عالم الفكر ( عدد خاص بعنوان :العولمة ظاهرة العصر ). 168
( العـولمـة القتصـادية )
تك شف البعاد القت صادية للعول مة عن عدد من التغيرات المتدر جة ال تى أخذت تطرأ
على المسلمات فى المفاهيم القتصادية المعاصرة ،والتى باتت تتعلق بواقع تنامى أو انكماش
دور السوق وآلياته ،ومدى اتساع دور الشركات المتعددة الجنسيات ،والدور الذى تلعبه القوى
الضابطة لليات السوق أو لسياسات الشركات.
ويم كن القول بأن ” أ هم خ صائص الحضارة ال صناعية ابتداع ها ال سوق كو سيط ب ين
النتاج على نطاق وا سع وال ستهلك على نطاق وا سع .و هى ل تش به فى شئ ال سوق ال تى
عرفت ها الحضارة الزراع ية .فال سوق فى الحضارة ال صناعية ت سيطر على كل مرا فق الحياة
وتتحكم فى النتاج والستهلك عن طريق مؤسساتها المختلفة “(.)169
ونظرا ” لن نظام السوق هو محصلة لتطور اجتماعى بطئ ومتدرج ،وتاريخ طويل
من التجربة والخطأ ......فمن هنا جاءت مرونة السوق وحيويتها .فهى دائمة التطور والتلؤم
مع ظروف البيئة وتغيرات التكنولوجيا أو الذواق “(.)170
ونظرا ل ما فرض ته البن ية التحت ية للعول مة من سهولة فى الت صال والنتقال والن قل
والشحههن والتجارة .فقههد أدى ذلك إلى ” زيادة معدلت التجارة العالميههة وحركههة انتقال
التكنولوجيها ورأس المال والعمالة عهبر الحدود ..وزيادة الترابهط والتداخهل بيهن السهواق
والبورصهات الماليهة العالميهة “( .)171المهر الذى سهيسفر عهن ” القضاء على عزلة السهواق
الجزئية ودمجها جميعا فى سوق واحد متعولم وبشكل تدريجى “(.)172
() راجى عنايت ،ثورة حضارية زاحفة ( وماذا عن مستقبل مصر ) .ص .9 169
() محسن أحمد الخضيرى ،العولمة ( مقدمة فى فكر واقتصاد وإدارة عصر اللدولة ) .ص .159 172
- 89 -
وبالتالى ” أصبح من الواضح على نحو متزايد أن السياسة القتصادية لمة ما ،قد
تؤثهر على البلدان الخرى .فعندمها كانهت المهم منعزلة بحواجهز تجاريهة عاليهه ،وكانهت
التدفقات التجارية محدودة ،كان فى مقدور بلد ما أن يتجاهل السياسات القتصادية المحلية
لبلد آخر .ولكن مع تهاوى الحواجز أصبحت السياسات المحلية للبلدان الخرى أكثر أهمية
بكث ير “( . )173ال مر الذى أدى إلى أن ي صبح ” النشاط القت صادى ..شد يد التأ ثر بأى تغي ير
فهى أسهعار البورصهات أو إحصهاءات موازيهن المدفوعات وأرقام البطالة ومعدلت ارتفاع
ال سعار ..واكت سبت البيانات المال ية المجردة أهم ية ق صوى جاوزت ما وراء ها من حقائق
عينيهة . )174(“ ..بحيهث تحول القتصهاد إلى نوع جديهد مهن القتصهاد ،يُطلق عليهه
( القتصهاد الرمزى ) نسهبة إلى تأثره الشديهد بمدلولت رمزيهة أكثهر مهن تأثره بمدلولت
مادية تتمثل فى الصول العينية.
ولهذا كان ” سهياق نمهو تطور القوى ،واتجاهات الحركهة المنظمهة للشياء ،تدفهع إلى
التوجه الفاعل نحو التكتل والندماج ..وقد فرض ذلك ..عولمة النشاط النتاجى ،حيث أصبح
من الم ستحيل على أى مؤ سسة أو شر كة أو مشروع ؛ النغلق تماما عن التأثيرات العالم ية
وعولمهة النشاط المالى واندماج وارتباط أسهواق النقهد والمال ببعضهها البعهض ،واتجاههها إلى
التمركز والنتشار والتوسع “(.)175
ونتي جة لذلك ف قد أ صبحت ” النقود ب سبيلها الن لت صبح رقم ية على ن حو مطرد ..ل قد
أصهبح هذا المهر واقعا الن بالنسهبة للبنوك الكهبيرة والمؤسهسات الدوليهة .ومهن حوالى 4
تريليونات دولر تُتداول فى الوليات المتحدة ،فإن الع شر من ها ف قط هو على ش كل ن قد حقي قى
وعملت مخزنة فى صناديق البنوك وجيوب الناس “( .)176المر الذى أدى إلى أن النقود بدأت
” تأخهذ شكهل سهلعة تتداول خارج وظائفهها القتصهادية التقليديهة .كمها خرجهت عهن سهيطرة
الحكومات ،المحتكر الطبيعى لصدار النقود .وبدأت النقود اللكترونية والمبادلت عبر شبكات
الت صال العال مى تتجاوز حدود ال سواق التقليد ية “( ” .)177فأك ثر من تريليون دولر يوميا ي تم
تحويلها فى شكل تحويلت للعملة المتبادلة “(.)178
() جارى بيرتلس وآخرون ،جنون العولمة ( تفنيد المخاوف من التجارة المفتوحة ) .ترجمة كمال السيد ،ص .115 173
() ميتشيو كاكو ،رؤى مستقبلية ( ك يف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين ) .ترجمة سعد الدين خرفان ،ص 176
.53 - 52
هط
هد الباسه
هى عبه
هى .فه
هن العربه
هبة للوطه
ها بالنسه
هتعمارية الجديدة ومغزاهه
هد محمود المام ،الظاهرة السه
() محمه 177
عبد المعطى ( محرر ) ،العولمة والتحولت المجتمعية فى الوطن العربى ،ص .95
() أنطونى جيدنز ،مرجع سابق .ص .61 178
- 90 -
وتتكون التجارة اللكترونيهة مهن ” التجارة اللكترونيهة غيهر المباشرة والتهى تتعلق
بمعلومات عهن سهلع ماديهة فعليهة يتهم شحنهها بوسهائل النقهل التقليديهة .والتجارة اللكترونيهة
المباشرة التى تشتمل على سلع هى نفسها عبارة عن معلومات يتم شحنها بش كل مباشر عبر
شبكات التصهال .وهذه السهلع تشمهل البريهد اللكترونهى ..والبرامهج ..والكتيبات والكتهب
وال صور والت سجيلت الفن ية والمو سيقى والفلم وأدلة ال سفر والرشادات والخبار أو أ سعار
البور صات والموال والجراءات وال ستمارات والمواد التعليم ية ...ونظرا لن ال سرعة ال تى
تتهم بهها عمليهة التوريهد تُرضهى الحاجهة النسهانية للشباع الفورى .فمهن المرجهح أن تصهبح
التجارة اللكترونية المباشرة عنصرا هاما من عناصر سوق المعلومات “(.)179
لقهد أدت التجارة اللكترونيهة إلى أن تحهل ” التجارة فهى « البتّات » محهل التجارة فهى
الذرات .فأثمن منتج فى التجارة الدولية فى الوقت الحالى هو المعلومات التى تُنقل إلكترونيا “(.)181
ولذا تتحول التجارة الحقيقيهة ببطهء ولكهن بثقهة ” إلى تجارة عهبر شبكهة النترنهت ،وذلك لن
الغراء قوى جدا .فليهس هناك متجهر يغلق إطلقا على النترنهت ،ول يوجهد مكان بعيهد
ومعزول عن بقية العالم “(.)182
إن تحول القت صاد إلى اقت صاد خدمات على ن حو متزا يد ،وظهور النقود اللكترون ية
والتجارة اللكترونية ،بالضافة إلى سهولة النقل والشحن عبر الخطوط الجوية ،كل ذلك أدى
هن،
هة بهاء شاهيه
هد حياتنهها ) .ترجمه
هيغير عالم المعلومات الجديه
هف سه
هيحدث ( كيه
هل ديرتوزوس ،ماذا سه() مايكه 179
ص .245
() أسامة سليمان 1234 " ،مليار دولر حجم التجارة اللكترونية عام ،" 2002جريدة العالم اليوم .بتاريخ ،1/5/2000ص 180
.5
() باتر يك جل ين وآخرون " ،تعولم الف ساد " ،فى كي مبرلى آن إليوت ( محرر ) ،الف ساد والقت صاد العال مى .ترج مة مح مد 181
إلى وجود ” اقتصهاد معولم كليها على مسهتوى السهواق الماليهة “( ،)183وإلى تقارب السهواق
السلعية والخدمية على مستوى العالم تدريجيا؛ لكى تصبح سوقا واحدة مندمجة.
ول كن نظرا لن مظا هر العول مة تتلزم فى ظل ها تكتيكات التش ظى والتجزؤ والنق سام
مع استراتيجية التوحد والتكتل والندماج ،فإنه إذا كانت السواق المالية قد تعولمت بالندماج
والترا بط ،وال سواق التجار ية فى طريق ها لذلك من خلل تنا مى التجارة اللكترون ية ،فإن تلك
السواق فى طريقها للتجزؤ والتشظى والتعدد والتنوع فى مجال نوعيات السلع والخدمات ،بما
يتناسب مع رغبات كل عميل.
وذلك انطلقا من أن ” مجتمع المستقبل لن يقدم لهله فيضا من السلع المفيدة المنمطة،
بل أعظم توليفة منوعة من السلع والخدمات غير المنمطة شهدها أى مجتمع من قبل .إننا نسير
ليس فى اتجاه مزيد من التنميط للسلع المادية ،بل فى اتجاه النقيض الجدلى لذلك “(.)184
ويثبت التطور الصناعى أن ” التكنولوجيا البدائية هى فقط التى تفرض تنميط النتاج.
أمها « التوميشيهن » فعلى العكهس مهن ذلك يفتهح الطريهق إلى تنوع ..ل نهايهة له.)185(“ ..
والبرهان على ذلك ” إن الحشد الثرى من المنتجات والمصنوعات المتاحة فى كثير من أنحاء
العالم حاليا يتجاوز كثيرا ما كان متاحا فى أى وقت فى الماضى “( ،)186حيث ” حلت وفورات
النوع محل وفورات الحجم “(.)187
إن هذه القدرة التى ستوفرها التكنولوجيا الحديثة على التنوع السلعى والخدماتى تترافق
مع تنامى القدرة التى توفرها التكنولوجيا على التصال اللكترونى عبر شبكات التصال .مما
سيؤدى إلى تحقيق الفكرة التى كان قد طرحها « آدم سميث » لمفهوم السواق فى كتابة ثروة
المم عام ،1776والتى مفادها أنه ” لو كان كل مشتر يعرف سعر كل بائع .وكل بائع يعرف
ما الذى يرغب كل مشتر فى شرائه .لصبح كل فرد فى « السوق » قادرا على اتخاذ قرارات
مبنية على معرفة كافية .ولجرى توزيع موارد المجتمع بكفاءة “(.)188
() آلفين توفلر ،صدمة المستقبل ( المتغيرات فى عالم الغد ) .ترجمة محمد على ناصف ،ص .275 184
() عمرو محيهى الديهن " ،مناقشات حول ورقهة جلل أميهن عهن :العولمهة والدولة " ،فهى أسهامة أميهن الخولى 187
( محرر ) ،العرب والعولمة ( بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ) .ص .190
() بيل جيتس ،المعلوماتية بعد النترنت (طريق المستقبل) .ترجمة عبد السلم رضوان ،ص .257 188
- 92 -
ولعل ما توفره شبكات الت صال -من قدرة فائ قة على الوصول لهذا الطرح فى ظل
تنامى التجارة اللكترونية -يوضح أن السوق العالمية الكبيرة تتجه إلى التجزؤ والنقسام وفقا
لرغبات العملء على م ستوى العالم ك كل فى مجال النوعيات ال سلعية والخدمات ية ال تى تقدم ها
تلك السوق العالمية عبر الشاشات اللكترونية المترابطة.
ح يث سيقود إنشاء طر يق المعلومات ال سريع فى الم ستقبل إلى تو سيع ” نطاق ال سوق
اللكترونية ويجعل منها الوسيط المطلق أو السمسار الشامل ..وستكون كل السلع المعروضة
للبيع فى العالم بأسره متاحة لفحصها ومقارنتها .بل لدخال تعديلت عليها ..وسوف ينقلنا ذلك
إلى عالم جديهد مهن الرأسهمالية ضئيلة الحتكاك ،وضئيلة النفقات المباشرة ،حيهث تصهبح
المعلومات المتعلقة بالسوق وافرة ،وحيث تكلفة التعاملت ضئيلة “(.)189
م ما سيؤدى إلى ” تعا ظم إمكان ية تحد يد موا صفات المن تج وفقا لرغبات العم يل “(.)190
ويؤدى إلى بروز اقتصهاد جديهد يطلق عليهه « آلفيهن توفلر » اقتصصاد المنتهلك ( أى المنتهج/
المستهلك ) ،والذى يعنى ”قيام المستهلك ببعض المراحل النهائية فى النتاج ،من خلل إتاحة
ال ُمنْتِج ل سلع غ ير كاملة النتاج ،وتوف ير أجهزة يمكن ها ا ستكمال النتاج منزليا ،بح يث ت صبح
للمستهلك القدرة على إنتاج السلعة وفقا لرغبته أو تشكيل الخدمة وفقا لحاجته “(.)191
فلقد أدى الترابط العالمى الناشئ عن البنية التحتية للعولمة إلى تشابك السواق المحلية
فى سوق دول ية واحدة بات ساع العالم ،وارت فع بذلك سقف الحتمالت الت سويقية للشركات من
نطاق ال سوق المحل ية إلى نطاق ال سوق العالم ية .ال مر الذى قاد الشركات ن حو الندماج فى
كيان أكبر وأضخم من أجل ضمان رأس مال قادر على النتاج والتسويق على مستوى السوق
العالمية.
() انظر :آلفين توفلر ،حضارة الموجة الثالثة .ترجمة عصام الشيخ قاسم ،صفحات .316 - 289 191
- 93 -
ولقهد تبلورت سهياسة الندماجات القتصهادية فهى ” ثلثهة أنواع مهن الندماجات:
اندماجات صهغرى صهغيرة ،واندماجات صهغرى كهبيرة ،واندماجات كهبرى كهبيرة ..ومنهها
اندماج الشرا كة و هو نوع من الندماج التداخلى والتكاملى بين الشركات ..والندماج المرحلى
أو المؤقهت ( اندماج المتياز أو شراء الجههد ) ..والندماج القسهرى الذى يتهم عهن طريهق
البتلعات أو النضمام أو السحق ،أو شراء حقوق السماء التجارية وغيرها “(.)192
وث مة أمثلة واض حة فى ال سنوات الخيرة على تزا يد التجاه ن حو الندماجات ال كبرى
لتكوين كيانات عملقة على المستوى العالمى.
ففى 12/1/2000اندمجت شركة « أمريكا أون لين » AoLوشركة « تايم وارنر »
فى شركة واحدة قيمتها 350مليار دولر(.)193
وفى 6/2/2000اندمجت شركة « مانيزمان » اللمانية للتليفون المحمول مع شركة «
فودافون إيرتاتش » البريطانية فى شركة واحدة قيمتها 185مليار دولر(.)194
وفى 8/3/2000اندمج بنك « دويتش بنك » أكبر بنوك ألمانيا مع « درسدنربنك » ثالث
( 1200مليار ( ) 195
أكهبر بنوك ألمانيها ليشكل بنكا تزيهد قيمهة أرصهدته عهن 1.2تريليون دولر
دولر).
و فى 15/4/2000اندم جت شر كة « BPأمو كو » مع شر كة « أطلنت يك رتشفيلد »
للبترول فهى شركهة واحدة قيمتهها 200مليار دولر لتصهبح ثالث أكهبر شركهة بترول فهى
العالم(.)196
وكما هو واضح من هذه المثلة التى أوردناها على سبيل المثال وليس الحصر ،فإن
التجاه نحهو الندماج فهى عالم الشركات لتكويهن شركات عملقهة يمتهد إلى كافهة المجالت
والنشطة ..العلمية ،والتصالية ،والمالية ،والبترولية ..إلخ.
ولعهل الفوائد التهى تجنيهها الشركات مهن الندماج والتكتهل والتركهز تتمثهل فهى الرتفاع
بمستوى حجم النتاج فى مقابل الهبوط بالتالى فى نسبة التكلفة .وذلك من خلل ” تقديم منتجات
جديدة واسعة الستخدام ،يتم انتاجها بأحجام اقتصادية كبيرة للدرجة التى يكاد يكون نصيب الوحدة
المنت جة من ها من عنا صر التكل فة الثاب تة صفرا .و من ثم ر غم ضخا مة التكال يف الثاب تة ،ور غم
() سيار الجميل ،العولمة والمستقبل ( إستراتيجية تفكير ) .ص .47 192
ضخامهة المنفهق منهها على البحوث والدراسهات والتطويهر ،ورغهم كونهها متزايدة القيمهة وبشكهل
مضطرد ،إل أنها ل تشكل عبئا على الوحدات المنتجة لكونها أقرب بالنسبة لها إلى الصفر “(.)197
ولقهد أدى هذا إلى ضرورة إجراء تغييرات جذريهة فهى البنيهة التنظيميهة والداريهة
والخطهط النتاجيهة لتلك الشركات العملقهة؛ وبالتالى فقهد صهاحب ” توسهع نشاط الشركات
العالمية تغير جذرى فى نظم النتاج والدارة ،وفى تقسيم العمل الدولى “(.)200
فقد ساعدت التكنولوجيا ” على استخدام مبادئ التخصص وتقسيم العمل الدولى بصورة
أكثر فاعلية .حيث لن يتم التخصص فقط فى منتجات كاملة بذاتها ،ولكن سيتم التخصص فى
إنتاج بعض مكونات المنتجات .ومن هنا يتم تغطية عنصر المشاركة فى النتاج على المستوى
الدولى العام .وبالتالى سهيادة قيهم ومبادئ السهتفادة مهن المزايها النسهبية والمطلقهة على نطاق
المعمورة بكاملها “(.)201
وإذا كان التخصهص فهى مجال النظهم النتاجيهة قرينهة للعولمهة القتصهادية ،فإن
«اللمركزية الدارية والتنظيمية» صارت ملزمة للشركات العملقة ،حيث أدى اتساع أنشطة
الشركات على مستوى العالم ككل إلى ضرورة ” إعادة صياغة الشركات وتحولها من التنظيم
الرأ سى إلى التنظ يم الذى يقوم على الشبكات “( ،)202وإلى ” تكو ين أنواع جديدة من المنظمات
() محسن أحمد الخضيرى ،مرجع سابق .ص .22 197
() عمرو محيهى الديهن " ،تعقيهب على ورقهة السهيد ياسهين حول :مفهوم العولمهة " ،فهى أسهامة أميهن الخولى 200
المستقبلية التى ستتمتع بهرمية تنفيذية أكثر تسطحا وأقل اعتمادا على سلطة عليا .وهى تتألف
من عناصر وعوامل صغيرة لها علقاتها الخاصة مع العالم الخار جى ،وسياساتها الخارج ية
المميزة تحافهظ عليهها دون المرور بالمركهز ..وبالتالى سهتحل الشخصهية الشبكيهة Network
Characterمحل البنية الهرمية للمنظمة “(.)203
هة الدهوقراطية∗»
هة» إلى «اللمركزيه
هة البيروقراطيه
هن «المركزيه
إن التجاه مه
AD-HOCRACYهو السمة المميزة للساليب الدارية والتنظيمية فى الشركات الندماجية
العمل قة .وهناك الكثير من الشواهد التى تدل ” على أن الن ظم البيروقراطية لسلم المراتب،
تلك ال تى تف صل ب ين أولئك الذ ين ي صنعون القرارات وأولئك الذ ين ينفذون ها ف قط ،قد أخذت
تتعدل وتتغير مساراتها أو تتحطم “(.)204
وفى حين تضطلع بدور القوى الضابطة لممارسات السوق وآلياته؛ المنظمات الدولية
القت صادية والمال ية ،م ثل الب نك الدولى و صندوق الن قد الدولى ومنظ مة التجارة العالم ية .فإن
منظمهة العمهل الدوليهة والنقابات العماليهة والمهنيهة تضطلع بدور القوى الضابطهة لسهياسات
الشركات.
وفى إطار استراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج .فإن القوى الضابطة لممارسات
ال سوق وآليا ته تت جه ن حو الندماج والتو حد .ح يث إ نه من ” المر جح أن تن سق منظ مة التجارة
العالم ية برامج ها و سياساتها مع الب نك الدولى و صندوق الن قد الدولى .والر جح أن تكون نتي جة
ذلك فرض مشروطية مؤسسية مشتركة .وقد يترتب على ذلك أل تُمنح قروض البنك الدولى إل
إذا شهدت منظمة التجارة العالمية بأن طالب القرض قد التزم بقواعد المنظمة “(.)205
انظههر :آلفيههن توفلر ،صههدمة المسههتقبل ( المتغيرات فههى عالم الغههد ) .ترجمههة محمههد على ناصههف،
ص .127حيهث يقرر أن لفهظ AD HQCتعنهى فهى اللتينيهة :مهن أجهل هذا الغرض بالذات .وبالتالى فالمقصهود بهذا
المصطلح وصف المنظمات السريعة التغير ذات المرونة الهيكلية وفقا لهداف كل مشروع.
() المرجع السابق ،ص .141 204
() جوموك .سههوندارام " ،صههدام أم حوار :بعههض الفكار القتصههادية للعصههر الجديههد " ،فههى فخرى لبيههب 205
- 96 -
فلقد أدى التشابك القتصادى بين المم -والذى أفرزته كل من البنية التحتية والفوقية
للعولمة -إلى انطلق المم ” بأقصى السرعة فى تنافسها الكونى على تحقيق حصة منا سبة
فى السوق العالمية .المر الذى يعنى أن عودة أى أمة من هذه المم إلى النكفاء على الداخل
سيكون كارثة على هذه المة بل مراء “(.)206
و من ه نا ..ف قد تنا مى دور القوى الضاب طة لممار سات ال سوق العال مى وآليا ته ،ح تى
تض من الحفاظ على ق يم ال سوق المتمثلة فى ضمان حر ية التجارة وضمان المناف سة الحرة ب ين
كافة دول العالم.
وكذلك تعمل إستراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج ،على اتجاه القوى الضابطة
ل سياسات الشركات -والمتمثلة فى النقابات المهن ية والعمال ية المحل ية -ن حو التو حد والتك تل
تدريجيا على الم ستوى العال مى .من أ جل أن تمارس دورها فى الحفاظ على ضمانات وحقوق
العاملين ،وذلك بالتعاون مع منظمة العمل الدولية .حيث أدى امتداد أنشطة الشركات وفروعها
فى أنحاء العالم ،إلى فقدان النقابات العمال ية والمهن ية المحل ية قدرت ها على الض غط والم ساومة
لضمان حقوق أعضائهها .وبالتالى كان التوجهه نحهو الندماج والتوحهد والتكامهل العالمهى ههو
الضامن لمواجهة الكيانات العملقة للشركات المتعددة الجنسيات.
ولكهن فهى إطار تكتيكات العولمهة للتجزؤ والتشظهى والنقسهام ،فإن التنامهى المتدرج
للقوى الضاب طة لممار سات ال سوق وآليا ته والقوى الضاب طة ل سياسات الشركات ،سيعمل على
تعزيهز النقسهام والصهدام والمواجههة بيهن هذه القوى؛ نظرا لتبايهن توجهاتهها واختلف نطاق
أنشطتها وتعارض سياساتها.
ول عل ما يؤ كد هذا ،ال صدامات ب ين تلك القوى المتعار ضة فى المؤتمرات القت صادية
العالم ية للدول ال سبع الكبار أو منظ مة التجارة العالم ية أو صندوق الن قد والب نك الدولى ،ح يث
إنه غالبا ما تتعارض مصالح وتوجهات القوى الضابطة لممارسات السوق وآلياته مع مصالح
القوى الضابطهة لسهياسات الشركات ،ولعهل هذا سهيطرح تغييرا كهبيرا فهى دور الدولة فهى
القتصهاد على المسهتوى المحلى ،حيهث إنهه سهتتحول الدولة -فهى ظهل هذه الظروف المولّدة
لكيانات عالميهة متعارضهة المصهالح -إلى مراقهب محلى يعمهل على فهض الشتباك وقيادة
( محرر ) ،صهراع الحضارات أم حوار الثقافات ( أوراق ومداخلت المؤتمهر الدولى حول صهراع الحضارات أم حوار
الثقافات ،القاهرة 12 - 10مارس .)1997ص .134
() ها نس -بيترمارت ين وهارالد شومان ،فخ العول مة ( العتداء على الديمقراط ية والرفاه ية ) .ترج مة عدنان عباس على، 206
ص .387
- 97 -
المفاوضات والم ساومات ب ين هذه القوى ،بح يث تضطلع الدولة بدور رقا بى تفاو ضى لضمان
الحفاظ على مستوى من الكفاءة القتصادية للطراف المتعارضة.
- 98 -
المبحـث الثالث
البعاد الثقافية لظاهرة العولمة
(العـولمة الثقافية)
تش ير البعاد الثقاف ية للعول مة إلى مجمو عة من التغيرات ال تى با تت تطرأ على وا قع
عدد من المفاه يم الثقاف ية م ثل :الثقافة والحضارة والهو ية ،ح يث تك شف العول مة -بمظاهر ها
المتعارضة -عن تأثيرات ملحوظة يمكن إدراك مداها عند التعامل مع تلك المفاهيم فى ظل
التطورات العولمية الراهنة.
و فى إطار عرض البعاد الثقاف ية للعول مة ..سنحاول -بقدر الم ستطاع -الع مل على
إزالة اللبس الواضح فى المفاهيم الذى يصطدم به الباحث الساعى إلى تمييز الفروق بين معانى
ودللت كهل مهن :الثقافهة والحضارة والهويهة .إذ تُسهتخدم تلك المصهطلحات فهى الكثيهر مهن
الكتابات ،بح يث يكون أحد ها مرادفا للخهر؛ ممها يؤدى إلى الخلط والتخبهط عنهد محاولة فههم
دللت تلك المفاهيم المتمايزة المتداخلة فى نفس الوقت.
وبدايةً ..يمكهن تعريهف الثقافهة بأنهها ” شبكهة مهن المعانهى والرموز والشارات التهى
نسجها النسان بنفسه لعطاء الغاية لنفسه وجماعته والعالم والكون من حوله “(.)207
وهذا يعنى أن الثقافة فى جذورها ” عبارة عن معايير للفعل والسلوك “( ،)208كما أنها
فى جوهرها ” إنتاج للرموز والنصوص “(.)209
صر
صم والمعاييص
هن ..مجموع القيص
هى تتضمه
هة بهذا المعنه
هن القول أن الثقافه
وبهذا يمكه
والسلوكيات ال سائدة فى مجتمع من المجتمعات ،بالضافة إلى المنتجات الفكرية والمعنوية
) الداب والفنون والعلوم والفلسفة ..إلخ ).
وانطلقا من هذا التعر يف للثقا فة ..فإن الحضارة -كامتداد مادى لهذا المع نى -ما
هى إل الثقافة ،ولكن مرتبطة بالثار والمنجزات المادية الناتجة عن تلك الثقافة .وتلك الثار
والمنجزات الماديهة تتمثهل فهى الدوات والجهزة والعمارة وتخطيهط المدن وكافهة وسهائل
السيطرة على البيئة الطبيعية.
وبالتالى ..وتأسيسا على هذا التعريف للحضارة ،فإن الهوية -كطا بع لهذا المع نى -
ما هى إل الحضارة ،ولكن ملونة بالنتماءات الجغرافية أو الدينية أو العرقية ..إلخ.
إذن :الثقصصافصصة = قيم +معايير +سلوكيات +منتجات فكرية ومعنوية
الحضارة = الثقافة +الثار والمنجزات المادية الناتجة عن هذه الثقافة
الهويصصصصصة = الحضارة × النتماءات الجغرافية أو الدينية أو العرقية ..إلخ
ومهن خلل هذه االمعانهى الدالة على هذه المفاهيهم ،سهنتعرض للبعاد الثقافيهة للعولمهة فهى
مجالت الثقافة والحضارة والهوية .وذلك على النحو التالى:
فل قد أتا حت مؤ سسات البن ية التحت ية للعول مة -خا صة و سائل الت صال اللكترون ية -
إمكانيهة التعرض بسههولة للثقافات المختلفهة والتعرف عليهها ومتابعتهها مهن خلل البهث الفضائى
المبا شر بالقمار ال صناعية .بالضا فة إلى إمكان ية الت صال اللكترو نى التفاعلى ب ين الفراد من
ذوى الثقافات المختلفهة مهن خلل شبكات المعلومات .وبالتالى فإن ذلك سهيؤدى إلى إحداث تقارب
بين الثقافات المتعددة ،نتيجة تجاور تلك الثقافات المتمايزة داخل شاشة التلفزيون أو الحاسب اللى.
كما سيؤدى إلى خروج الثقافات المهمشة من حيز المحلية إلى نطاق العالمية .ولعل هذا التقارب
سهيساعد تدريجيا على زيادة نطاق التوحهد والتشابهه والتهجيهن بيهن مل مح الثقافات المتعددة .ممها
سيؤدى إلى احتواء كل ثقافة على ملمح عالمية تتزايد تدريجيا داخل إطارها المحلى.
ولهذا ” لم َت ُعدْ اليون سكو بصفتها منظ مة تهتم بالثقا فة تتردد فى الحد يث عن أخلقيات
عالم ية جديدة .و فى تقرير ها عن التنوع البشرى الخلق ،دعوة ل يخطئ ها الذ هن إلى عول مة
أو كونية تتسم بوحدة وتنوع الثقافة النسانية معا “(.)210
ومن ثم فقد ” ارتبطت العولمة بمجموعة من النتائج الثقافية ،والتى يمكن تحليلها إلى
فئات تندرج تحت ثلث فرضيات رئيسية وهى:
() حيدر إبراه يم " ،العول مة وجدل الهو ية الثقاف ية " ،مجلة عالم الف كر ( عدد خاص :العول مة ظاهرة الع صر ) ( .العدد ،2 210
علوة على ذلك ..فإن ” العولمة ليست بحاجة بالضرورة إلى فرض نظام ثقافى موحد
على كهل أنحاء العالم .لن هناك اسهتحالة أمام كهل مهن يخطهط لمحهو التعدد الثقافهى العالمهى.
فالثقافات وإن كانت تنشأ وتتطور وتزيد فاعليتها فى مراحل المد التاريخى ،وتذوى وتضعف
فى عهود النحسار والتراجع .إل إنها مع ذلك تبقى وتستمر -وإن كانت تتغير عبر الزمن -
لنها تعبّر عن جماعات بشرية بعينها لها تاريخها الجتماعى الفريد ،الذى ل يمكن محوه ول
إزلة آثاره ،ول إلقاؤه ليُستبدل بنزعات عولمية جديدة “(.)213
إن البعاد الثقافية للعولمة تطرح بذلك ثقافة عالمية آخذة فى التشكل ل تتكون من ثقافة
واحدة ،ول كن من ثقافات رئي سية متعددة ،تكون ن سب ومل مح التشا به والتما ثل في ها أك ثر من
نسب وملمح الختلف.
Annals of the American Academy of Political and social science, vol. 570 )No. 13 - July 2000(,
p. 140 . ) Available from Internet (.
() سيرج لتوش ،تغريب العالم .ترجمة خليل كلفت ،ص .126 212
وثمهة مؤشرات عديدة على بروز ملمهح لثقافهة عالميهة واحدة فهى صهلب الثقافات
العالمية على تعدد أصولها.
فل قد ” ن مت وتطورت فى عالم نا المعا صر ثقا فة مدن ية كون ية global civic culture
يمكهن السهتيحاء مهن ينابيعهها لبناء أخلق كونيهة .ففكرة حقوق النسهان ،وفكرة الشرعيهة
الديمقراطيهة ،وفكرة المحاسهبة العامهة ،والفكرة الخاصهة بإقامهة الدليهل على أى دعوى .كلهها
يم كن أن تكون أفكارا مرش حة للخلقيات الكون ية ..ويم كن القول أن المطال بة باحترام حقوق
النسان والوعى البيئى ..أدلة أخرى على وجود هذه الثقافة المدنية وأهميتها “(.)214
وهناك ” دراسات ترى أن النترنت ستؤثر على طبيعة المعرفة النسانية ذاتها .ومن
النتائج البارزة المتوقعهة أن سهعة المعارف النسهانية ،وإمكانيهة الطلع عليهها مهن مختلف
الم صادر والزوا يا ،ستؤدى بالتدر يج إلى القضاء على التخ صصات العلم ية الجزئ ية و ستوسع
من نظرة الباحثين .وستجعلهم يدورون فى مدارات أوسع بكثير من نطاق الدوائر الضيقة التى
يعيشون في ها .م ما سيجعلهم أك ثر مو سوعية فى تناول الظوا هر .م ما قد يؤدى إلى خلق ثقا فة
إنسانية من نوع جديد ،ل تتسم بالتجزؤ الملحوظ فى الثقافة السائدة “(.)215
ول قد ” اقتر حت اللج نة الدول ية للثقا فة والتنم ية ال تى شكلت ها اليون سكو عام 1992أن
تكون المبادئ السهاسية التاليهة ههى جوههر الخلق الكونيهة الجديدة .وههى :احترام حقوق
الن سان -الديمقراط ية وعنا صر المجت مع المد نى -حما ية القليات -اللتزام بال حل ال سلمى
للمنازعات والمفاوضات النزيهة “(.)216
ول كن ث مة أدبيات ترى أن العول مة ” شمول ية جديدة لن ها تنت هى إلى محاولة فرض
ثقافهة واحدة ونمهط وحيهد للحياة على المهم ،وتصهادر الخيارات الجتماعيهة والسهياسية
البديلة .والعولمهة أيضا وههى تبشهر بانتهاء عصهر اليدلوجيات ،تفسهح الطريهق إلى
أيديولوجيها وحيدة مهيمنهة ،ل تعترف إل بثقافهة واحدة ∗ بمها تنطوى عليهه مهن أنماط إنتاج
واستهلك وحياة واحدة .وهى ثقافة نهاية التاريخ التى تحاول أن تجمل وجهها الشائه بقناع
مخادع زائف مهن المصهطلحات التهى فقدت معناهها :ديمقراطيهة ،وحقوق النسهان ،وتعدد
سياسى “(.)217
() السيد ياسين ،مرجع سابق .ص .266 214
للمز يد حول ن قد البعاد الثقاف ية للعول مة ،ان ظر :جان بييرفارن يي ،عول مة الثقا فة .ترج مة ع بد الجل يل الزدى ،القاهرة:
وبالتالى فإن ما تطمح إليه البعاد الثقافية للعولمة هو أمركة الثقافة ،فى حين ” تطرح
عمل ية أمر كة الثقا فة العالم ية خطرا على الديمقراط ية ،وذلك لكون ها تعوق إمكان ية خلق مجت مع
مد نى حقي قى على الم ستوى الكو نى يتكون من مواطن ين أحرار يمثلون الثقافات المختل فة .و فى
حين أن عالم ماك ( ) MC worldل يعارض الديمقراطية ،إل أنه يبدو حياديا فى مواجهتها إذا
ما كان غرضها الوحيد هو تكوين مجتمع كونى قائم على المستهلكين .وبالتالى سيؤدى غياب أى
رد فعهل تجاه هذه العمليهة ،إلى عدم إنتاج العولمهة لثقافهة كونيهة متعددة الجنسهيات أو أى تعاون
عال مى .بين ما سيقود ذلك إلى زوال التنوع والديمقراط ية فى مواج هة ال ستهلك الشا مل“ (.)219
وذلك ” لن وحدانيهة السهوق سهتعمل على تهشيهم مقاومهة كهل هؤلء الذيهن حافظوا على نظام
آخر للقيم يختلف عن القيم التجارية “(.)220
ومن الواضح أن تلك الدبيات التى تنظر بعين الشك إلى البعاد الثقافية للعولمة تنطلق
من فرضية أنه ” بعد انهيار التحاد السوفيتى أضحت الوليات المتحدة القوة العظمى الوحيدة
فى عالم يزداد تقل صا .و مع تنا مى ..العول مة فى مجالت ال سياسة وال من والقت صاد وتبادل
المعلومات والثقا فة ،ونظرا إلى دور الوليات المتحدة المركزى فى مع ظم هذه المجالت ،بات
من ال صعوبة بمكان التمي يز ب ين ال حد الذى ينت هى عنده النفوذ المري كى وال حد الذى تبدأ م عه
العول مة .سواء أكا نت العول مة مجرد ش كل من أشكال المر كة العالم ية ،أم كا نت فعلً ظاهرة
م ستقلة فى ذات ها ستنحسر ال سيطرة المريك ية عن ها شيئا فشيئا فى الم ستقبل المنظور “ (.)221
ولكن إلى أن يسفر المستقبل عن هذا ،فإنه يبدو من الرجح القول بأن أمريكا ” لم تقولب العالم
على صورتها ،ف قد يكون العالم متجها الن فى التجاه الذى سبق للوليات المتحدة أن اتج هت
بول سالم " ،الوليات المتحدة والهيم نة :معالم الهيم نة فى مطلع القرن الحادى والعشر ين " ،فى أ سامة أم ين () 221
إل يه ،و هى بالتالى ربمها تمثهل النمهط الذى تسهير نحوه شرائح كبيرة من أ هل الرض الذيهن
يلجون عالم الطبقة الوسطى الستهلكية التطلع “(.)222
وبالتالى فمهن ” الحرى القول بوجود ثقافات تتفاعهل بقدر مها تتنافهس .والثقافهة الحيهة
المتجددة تمتهص مها عنهد الثقافات الخرى مهن البداعات والنجازات .كمها فعهل العرب مهع
منطهق اليونان وفكرههم .وكمها تعامهل الغربيون مهع النجازات الفكريهة والعلميهة فهى الثقافهة
العرب ية ال سلمية “( .)225وهذا يو ضح ” أن الطبي عة الن سانية العا مة للثفا فة القوم ية هى ال تى
تنتقل أكثر من تلك الخصوصيات المميزة للثقافة القومية “(.)226
إن ” الميزة ال ساسية فى العول مة أن الن سبية هى المطلق الوح يد -إن صح الت عبير
-فالعولمهة ل تسهعى إلى خلق مركهز أو قطهب واحهد كمها يبدو ظاهريا ،ولكنهها تعمهل على
زحز حة الثوا بت .و فى هذه الحالة ي صعب فرض ثقا فة مركز ية عالم ية .ول كن ستوجد ثقافات
إنسانية عالمية تشترك فى طرائق تفكير واستخدام أدوات عالمية .ولكنها تتنوع فى التعبير عن
خصوصية غير ثابتة ..أى نسبية “(.)227
و من ه نا ،فإن التغ ير الذى تمار سه البعاد الثقاف ية للعول مة على أ ية ثقا فة هو طبي عة
جوهرية فى كافة الثقافات ،و” من الخطأ التعامل مع الثقافة باعتبارها شيئا جامدا معزولً غير
أح مد برقاوى " ،ن حو تحد يد فل سفى /إن سانى لمفهوم الثقا فة العالم ية :مد خل ميتادولو جى " ،فى فخرى لب يب () 226
قابل للتغيير .إذ إن كل الثقافات تتغير بمرور الزمن ...فل توجد ثقافة ساكنة ل تتطور .كما ل
توجد ثقافة منعزلة عن الثقافات الخرى .فالثقافات المختلفة هى فى حالة تفاعل دائم .وقد أدت
الثورة فهى وسهائل المواصهلت والتصهالت إلى زيادة هذا التفاعهل “( .)228وبالتالى فقهد
” أصهبح متأخرا جدا بالنسهبة للثقافات لكهى تنظهر بعيهن العتبار إلى العزلة .ولكنهه ليهس
متأخرا ،لصياغة إستراتيجية جماعية ،وللمقاومة ،ولعادة صياغة التراث والهويات فى عالم
لم يعد يتصور المفاهيم المجردة ،سواء أكانت محلية مجردة أم قومية مجردة أم حتى عولمية
مجردة “(.)229
...وفى المقابل ..فإن تكتيكات العولمة للتجزؤ والتشظى والنقسام ستعمل على توفير
المكانيهة لتشابهك وترابهط الثقافات الهامشيهة وثقافات القليهة ،بمها يؤدى إلى ظهور ملمهح
التعددية الثقافية فى صلب الثقافة المركزية لكل مجتمع.
طلعت المغربى " ،دراسة هامة تناقش قضية التعصب والتسامح :التكافؤ والمساواة بين الثقافات المختلفة شرط () 228
فسهولة التصال اللكترونى بين أفراد كل أقلية ستؤدى إلى تشابكهم اللكترونى على
مستوى العالم أو الدولة الواحدة .وبالتالى سيتيح ذلك الفرصة لتلك الثقافات التحتية ،لكى تندرج
بوضوح ضمن إطار الثقافة المركزية لمجتمعها.
فل قد ”كا نت مع ظم مجتمعات الما ضى تع مل ض من إطار مجمو عة من الق يم العا مة
ال سائدة .هذا الطار العام ينك مش الن .ول يس هناك ما يعزز احتمال تكو ين إطار وا سع جد يد
جمَع عليها خلل العقود القادمة ( داخل كل مجتمع ) .إن كل الضغوط تتخذ اتجاها
من القيم ال ُم ْ
إلى الخارج نحو مزيد من التنوع وليس إلى الداخل طلبا لمزيد من التوحيد “(.)232
وكمها يقرر الكاتهب المريكهى « آلفيهن توفلر » ” فالحقيقهة ههى أن كهل دفعتنها نحهو
المستقبل إنما تحملنا بعيدا عن التنميط .بعيدا عن السلع المتجانسة وعن التماثل فى الفن .وعن
أسهلوب النتاج الكهبير فهى التعليهم والثقافهة .إننها قهد وصهلنا إلى مفترق جدلى هام فهى التطور
التكنولوجى للمجتمع .فالتكنولوجيا بدلً من أن تفرض قيودا على فرديتنا .سوف تضاعف آسيا
من مجالت اختيارنا ومن آفاق حريتنا “(.)233
و قد يعت قد الب عض ” ..أن طرح قض ية الخ صوصيات الثقاف ية -ال تى تطرح ها تكتيكات
العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام -يعيق النصهار الوطنى من منطلق أنه يكرس الفرقة ،أى
يؤكد الختلف .ولكن النظرة المتعمقة تؤكد أن العتراف بالخصوصيات الثقافية ،يسعد ويريح
التجمعات البشريهة التهى تشعهر بالغتراب كأقليهة فهى وسهط أكثريهة .فتكون الوحدة مهن خلل
التنوع ،ويتقوى المجتمهع لنهه يوسهع الرضيهة المشتركهة ويؤكهد الحقوق المتكافئة “(.)234
و ”الواقهع أن التنوع البشرى الخلق ههو مبدأ الفعهل البتكارى فهى الثقافهة التهى تتوثهب بعافيهة
الحرية .وتشيع معانى التسامح وحق الختلف واحترام المغايرة .ول تنفر من إعادة النظر فى
تقاليدها “(“ .)235وربما كانت تعددية النسان على المستوى الثقافى كما على المستوى الوراثى
هصى شرط بقائه .ومهن يدرى مها إذا كانهت الثقافات التهى يجرى اليوم إنكارهها والهزء بهها ،لن
تكون غدا بحكم خصوصياتها ذاتها الكثر قدرة على أن تواجه تحديات التاريخ “(.)236
...لقد كان هذا المعنى ”هو ما أقره المدير العام لليونسكو فى نوفمبر 1997عندما
أشار إليه على النحو التالى :كما أن حماية التنوع البيولوجى هو أمر لزم وضرورى لصحة
آلفين توفلر ،صدمة المستقبل ( المتغيرات فى عالم الغد ) .ترجمة محمد على ناصف ،ص .318 () 232
ميلد حنا وآخرون ،المثقف العربى والخر ( بين الرفض والقبول واللمبالة ) .ص .20 () 234
جابر عصفور " ،تنوعنا الخلق " ،مجلة تحديات ثقافية ( .عدد ،1يوليو -سبتمبر ،) 2000ص .18 () 235
ويدل عدد من الشوا هد على أن نا نش هد ”بدا ية تش كل حضارة عالم ية جديدة شعار ها
وحدة الجنسى البشرى “(.)238
حيث ”يتوقع علماء الكمبيوتر رؤية عالم بكامله يزدهر حول النترنت -ومن بعدها
الطريق السريع للمعلومات -يتمثل فى التجارة والصيرفه اللكترونيتين والمدارس والجامعات
الفتراضية والسواق والمكتبات السبرانية “(.)239
عواطف عبد الرحمن " ،العولمة والحقوق الثقافية للشعوب " ،جريدة الهرام .بتاريخ ،31/3/2001ص .10 () 237
كما سيؤدى التوجه نحو إنشاء الطريق السريع للمعلومات إلى ”تركيب قشرة خارجية
حضارية من الخبرات المشتركة فوق ثقافات العالم الفردية “( .)240حيث يقول الرئيس التشيكى
« فاكلف هافيل » ”نحن نعيش الن حضارة كونية واحدة ،إنها ليست أكثر من قشرة رقيقة.
و هى قشرة تغ طى أو تخ فى التنوع ال كبير ،فى الثقافات ،فى الشعوب ،فى عالم الديان ،فى
التقال يد التاريخ ية والتجاهات ال تى تشكلت على مر التار يخ ،وجميع ها يو جد ت حت تلك القشرة
على ن حو ما “( .)241وبالتالى فإن ” ضرورات التعا يش الثقا فى تتطلب الب حث ع ما هو مشترك
بالنسبة لمعظم الحضارات “(.)242
∗
وُي عد « فران سيس فوكويا ما » مؤلف كتاب « نها ية التار يخ » من أبرز المبشر ين بنشأة
حضارة عالمية واحدة .حيث يوضح ”أن العلوم الطبيعية الحديثة تخلق آفاقا متجانسة من إمكانات
النتاج القتصادى .فالتكنولوجيا تتيح إمكانية تراكم الثروة بغير حدود .وتتيح بالتالى إمكانية إشباع
قدر متزا يد دوما من الرغبات الن سانية .ول شك فى أن هذه العمل ية تض من تجان سا متزايدا ب ين
كا فة المجتمعات البشر ية ب غض الن ظر عن أ صولها التاريخ ية أو تراث ها الحضارى .ذلك أن كا فة
الدول التى تمارس تحديث اقتصادها لبد أن يزداد باطراد التشابه فيما بينها .إذ يتعين عليها التوحد
قوميا على أسهاس مهن الدولة المركزيهة ،والتوسهع فهى تأسهيس المدن ،وال ستعاضة عهن الشكال
التقليدية للتنظيم الجتماعى ( كالقبيلة والطائفة والعائلة ) بأشكال يقرها منطق القتصاد تقوم على
أساس من الدور والكفاءة ،وتوفر التعليم العام لكافة المواطنين .وقد زادت الروابط التى تربط بين
مثهل هذه المجتمعات بفضهل السهواق العالميهة وانتشار الثقافهة السهتهلكية فهى العالم كله “(.)243
وبالتالى فإن « فوكويا ما » يب شر بحضارة عالم ية تتم ثل فى ” ازدهار حضارة إ ستهلكية عالم ية
تقوم على أساس من المبادئ القتصادية الليبرالية فى العالم الثالث والول والثانى على حد سواء.
فالعالم القت صادى النتا جى الدينا مى العظ يم الذى خلق ته التكنولوج يا المتقد مة والتنظ يم العقل نى
للعمل ،يتمتع بقدرة عظيمة على تحقيق التجانس بين الشعوب والدول ،وعلى الربط بين المجتمعات
المختلفة فى عالمنا بفضل إقامة أسواق عالمية “(.)244
ولكن مع تراكم الشواهد الدالة على ملمح الحضارة العالمية النسانية الصاعدة ،فعلى
الجا نب المقا بل تع مل تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنق سام على التجاه ن حو ا ستثمار
انظر :على حرب ،الختام الصولية والشعائر التقدمية ( مصائر المشروع الثقافى العربى ) .صفحات .219 - 212
فرانسيس فوكوياما ،مرجع سابق .ص .11 () 243
الفروق والختلفات ب ين الحضارات فى القضا يا والنزاعات العالم ية؛ م ما يؤدى إلى ال صدام
والتنافهر بيهن تلك الحضارات نتيجهة سههولة التصهال اللكترونهى والجدال بيهن الحضارات
المتعددة ،وبالتالى زيادة احتمالت تفتيت المجتمعات التى تضم حضارات متعددة من جراء تلك
النزاعات.
وفى مجال الصدام يُعد الكاتب المريكى « صامويل هنتنجتون » من أبرز المبشرين
بإمكانية تصادم الحضارات ،حيث يرى أنه ” فى عالم ما بعد الحرب الباردة لم تعد الفروق
المائزة بين الشعوب أيدلوجية أو سياسية أو اقتصادية ،وإنما هى فروق ثقافية .ولم تعد الكتل
الثلث التهى كا نت إبان الحرب الباردة ههى أههم التجمعات الدوليهة .....الحضارات العالم ية
السهبع أو الثمانيهة ههى أههم التجمعات “( ،)246حيهث ” انتقلت العلقات بيهن الحضارات فهى
القرن العشر ين من مرحلة يغلب علي ها التأث ير المو جه من إحدى الحضارات على غير ها،
إلى تأثيهر ذى تفاعلت متعددة التجاه بيهن كهل الحضارات “( .)247ولكهن نظرا لن ” كهل
حضارة ترى نفسهها مركزا للعالم ،أو تكتهب تاريخهها وكأنهه الدرامها الرئيسهية فهى التاريهخ
الن سانى ...ورب ما كان ذلك ينط بق على الغرب أك ثر م ما هو على أى ثقا فة أخرى “(،)248
فإنهه ”فهى الحقبهة الناشئة -يصهبح -صهدام الحضارات ههو الخطهر الكثهر تهديدا للسهلم
العالمى .والضمان ال كبر ضد حرب عالمية ،هو نظام عالمى يقوم على الحضارات “(، )249
وليس على حضارة واحدة؛ وبالتالى ” ..فإن تجنب حرب حضارات كونية يتوقف على قبول
قادة العالم بالشخصية متعددة الحضارات للسياسة الدولية وتعاونهم للحفاظ عليها “(.)250
أنها مركب من عناصر فهى بالضرورة متغيرة فى الوقت ذاته الذى تتميز فيه بثبات معين..
فالهوية منظورا إليها سوسيولوجيا متغير من المتغيرات ،فالعربى اليوم مثلً ليس هو العربى
ق بل ألف عام ،ولك نه يب قى عربيا .ول كن المشكلة تك من فى صفة ال صطفاء أو ح تى الدل جة
التى تضفيها هذه النخبة أو تلك على عناصر منتقاة من عناصر الهوية ،فتثبتها وتحدد الهوية
الصلية من خللها ،وتضفى عليها هالة القداسة والسمو “(.)251
ونظرا لن ” الهو ية متغ ير اجتما عى م ثل أى متغ ير آ خر .فإن محاولة تثبيت ها ذهنيا
ضمن عناصر منتقاة ..يقضى عليها فى النهاية ..فالحرص المبالغ فيه يؤدى غالبا إلى النتيجة
المتخوف منها “(.)252
وت ستمد النزاعات حول مفهوم الهو ية عنا صر ” قوت ها المهل كة من افتراض يز عم أن
الهويهة الثقافيهة تقابلهها بالضرورة هويهة سهياسية ،ل تخلو ههى أيضا فهى الواقهع مهن طابعهها
الوه مى ..وال حق أن كل الهويت ين تكون فى أح سن الحوال بنا ًء ثقافيا أو سياسيا أو أيدلوجيا،
أى بنا ًء تاريخيا أصهلً .فل توجهد هويهة طبيعيهة تفرضهها الوضاع ..فليسهت هناك سهوى
إستراتيجيات للهوية يتبعها بشكل رشيد محركون يمكن التعرف عليهم “(.)253
وترى ب عض الدرا سات ” أن مفهوم الهو ية يتما هى مع اليدلوجيا بمعنا ها السلبى ،أى
تزييف الوعى .فالهوية غير موجودة ولكن تُخلق وتُشكل اجتماعيا .فهى ل تعدو كونها ظاهرة
اجتماعية أو إنسانية مما ينزع عنها ذلك الطابع الميتافيزي قى الذى يض فى على الهوية صفات
متعالية على الوجود الملموس “(.)254
وبالتالى فإن ” كل هوية إثنيه هى نتاج فى جزء منها لستخدام السلطة .واختُرعت من
مصادر ثقافية مختلفة .ففى مجال الثنية كما هو فى القومية ليس هناك شيئ أصيل “(.)255
ومن هذا المنطلق ...فإن النظر إلى العولمة -بوصفها معادية للهوية -يصبح بمثابة
” فخ يُنصب للهويات العاجزة والثقافات الكسولة ،لكى تزداد عجزا وفقرا وتراجعا “(.)256
جان فرانسوا بايار ،أوهام الهوية .ترجمة حليم طوسون ،ص .7 () 253
حيدر إبراهيهم " ،العولمهة وجدل الهويهة الثقافيهة " ،مجلة عالم الفكهر ( عدد خاص بعنوان :العولمهة ظاهرة () 254
وبالتالى ..ف من خلل هذا الف هم لمفهوم الهوية -ال تى ما هى إل الحضارة ول كن ملونة
بالنتماءات الجغرافية أو الدينية أو العرقية ..إلخ -يمكن ملحظة أن الثار الثقافية الناجمة عن
العول مة تؤدى وفقا ل ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج ،إلى النشأة التدريج ية لهو ية
إن سانية عالم ية ت ستمد معالم ها ومضمون ها من المبادئ الن سانية المتضم نة فى الهويات العالم ية
المختلفهة ،وبحيهث تقهف جنبا إلى جنهب مهع تلك الهويات .بينمها تقود تكتيكات العولمهة للتشظهى
والتجزؤ والنق سام إلى تأك يد الحدود الفا صلة ب ين الهويات الثن ية والعرق ية والجغراف ية المتعددة
الراهنة ،وإضافة أشكال أخرى من الهويات ذات النتماءات المحدودة إلى مجموع تلك الهويات،
بما يعزز واقع النفصال والتباعد والتفكك بين جميع تلك الشكال المتشظية للهوية.
ف فى إطار النشأة التدريج ية لهو ية إن سانية عالم ية .ن جد أن ما أتاح ته التكنولوج يا من
سههولة التصهال إلكترونيا ،وسههولة تحرك الشخاص وانتقالههم عهبر القارات ،قهد أدى إلى
هة ،وبل هويات متميزة
هع بل حدود نهائيه
هه الحياة على الرض ،وذلك بخلق واقه
” تبدل وجه
بصورة حاسمة .بحيث تصبح خارجية المكان الوجه الخر لمرونة الهويات .المر الذى يضع
الهوية موضع التساؤل بفتحها على تعدد المكنة والعوالم والنتماءات “(. )257
فعلى مستوى المكان الجغرافى” فإننا نشهد فى الواقع اضمحللً تاريخيا لقيمة المكان
فى حياة الن سان .إن نا نر بى سللة جديدة من البدو “( ،)258وذلك ك ما يقرر المف كر المري كى
« آلف ين توفلر » ...فل قد ” تضاءلت إلى حد بع يد قي مة المكان فى تحد يد الفروق ب ين الناس،
وذلك نتيجة لتزايد الحركة والتنقل .كما اضمحلت فى نفس الوقت روح النتماء إلى مكان ما،
لدر جة بل غت وفقا ل ما يعبّر ع نه البروفي سور « جون ديكمان » من جام عة بن سلفانيا قائلً :إن
الولء لمدينة أو ولية قد أصبح الن لدى الكثير أضعف من الولء لشركة أو مهنة أو منظمة
تطوعية “( ،)259وهكذا يمكن القول أن ” الولء ينتقل من البنى الجتماعية ذات الطبيعة المكانية
( المدي نة ،الول ية ،ال مة ،الجيرة ) إلى ( الشر كة والمه نة ،ال صداقة وشب كة العمال ) وهذه
الخيرة متحركة بطبيعتها ويمكن لسباب عملية أن نعتبرها لمكانية “(.)260
فسهولة النتقال والتصال تؤدى إلى مرونة الهوية وقابليتها للتأثير والتأثر ” ويوفر لنا
التاريهخ والنثربولوجهى العديهد مهن المثلة لمجتمعات ليهس لديهها ثقافهة محددة .يقيهم أعضاؤهها
هويتهم على التبادل والتهجين والستعداد للتأقلم مع أى بلد ومع كل عادات قوية متنوعة “(.)261
آلفين توفلر ،صدمة المستقبل ( المتغيرات فى عالم الغد ) .ترجمة محمد على ناصف ،ص .76 () 258
ويظ هر هذا بوضوح فى منا طق الموا نئ التاريخ ية والمنا طق ال ساحلية ،وال تى تميزت تاريخيا
بكثرة التصهال بالقادميهن مهن مختلف البلدان والحضارات ،فشكلت لدى قاطنيهها هويهة بمثابهة
مزيج من الهويات العالمية الوافدة.
وهذا مها تقدمهه العولمهة الن مهن خلل تسههيلها للتصهال بيهن مختلف الحضارات
بوا سطة شب كة النتر نت و من بعد ها الطر يق ال سريع للمعلومات .ح يث ستساعد على ” تحول
الهويات عهن كونهها معسهكرات عقائديهة أو متاريهس عنصهرية أو حروبا أصهولية مقدسهة،
لتصهبح ..بيئة للتلقهح والتفاعهل “( .)262ومصن ثصم فإذا كانصت معالم الهويصة تتحول نحصو أطصر
لمكانية محددة ،فإن العالم كله إذن سيصبح هو الطار المناسب للهوية العالمية التى تتجاوز
المكنة المحدودة إلى المكان الشمل والرحب.
أمها على مسهتوى « موضوع » الهويهة ،فقهد برزت مضاميهن جديدة للهويهة ذات
امتدادات عالمية وإنسانية ،مثل النتماء إلى الحركات ( البيئية ) النشطة التى تتضمن اهتماما
عالميا وإنسهانيا بالبيئة على كامهل كوكهب الرض ،والنتماء إلى منظمات حقوق النسهان
العالميهة ،بحيهث باتهت تهبرز ملمهح عالميهة ممتدة ومتسهعة لهويهة حضاريهة ناشئة ،هويهة
موضوعها النسانية ومداها العالم ككل.
وفهى إطار مها تكشهف عنهه تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام مهن تأكيهد
للحدود الفا صلة بين الهويات التاريخ ية ،وإضا فة هويات فئوية جديدة ضمن رقعة العالم ،فإن
« نظر ية التم يز » فى علم الن فس الجتما عى تو ضح أن ” الناس يعرفون أنف سهم ب ما يجعل هم
مختلفين عن الخرين ..فالنسان يرى نفسه على ضوء المواصفات التى تميزه عن غيره من
الب شر .خا صة أولئك الذ ين هم من ن فس و سطه الجتما عى العادى ...وح يث أن التطور فى
وسائل التصال والتجارة والنتقال يزيد من العلقات المتبادلة والمتداخلة بين الحضارات .فإن
الناس يضفون وثاقة أكبر على هوياتهم الحضارية “(.)263
وك ما يقول المف كر الفرن سى « دوبر يه » ” فإن العالم يزداد تشرذما بازدياد وتائر توحيده.
ويعنهى بذلك أ نه كل ما تعمقهت العول مة القتصهادية تشرذمهت البن ية ال سياسية .فتظههر النزاعات
القوم ية كرد ف عل لهذه العمل ية .تلك النزاعات ال تى تأ خذ أحيانا صورا بال غة التطرف دفاعا عن
النتماء ،سهواء كان و طنيا أو قوميا أو دينيا “( ” .)264وفهى إطار هذه التحولت تهبرز المطالب
أحمد مجدى حجازى " ،العولمة وتهميش الثقافة الوطنية :رؤية نقدية من العالم الثالث " ،مجلة عالم الفكر ( عدد () 264
خاص بعنوان :العولمة ظاهرة العصر ) ( .عدد ،2أكتوبر -ديسمبر ،) 1999ص .127
- 112 -
علوة على ذلك ..فإن سصهولة التصصال اللكترونصى تؤدى إلى التوحيصد الفتراضصى؛
ومن ثم النسلخ الواقعى للفراد المشتركين فى الهوية والموزعين على مستوى العالم .فلقد
هراعات الممتدة بيهن
” لعبهت تجمعات الشتات دورا رئيسهيا على كل الجانهبين فهى الصه
السرائيليين والفلسطينيين .وفى دعم الرمن والكروات والشيشان فى صراعاتهم .ومن خلل
التليفزيون والفا كس والبر يد اللكترو نى ،فإن التزامات الشتات ي تم تقويت ها وأحيانا ا ستقطابها،
من خلل التصال المستمر بأوطانهم السابقة “(.)268
وبالمثهل فقهد ” قوّت وسهائل التصهال الحديثهة مهن العلقات بيهن الشعوب السهلمية
و ساعدت على تطوير ها .ك ما زادت بن سبة كبيرة أعداد الذ ين يذهبون إلى م كة لداء فري ضة
ال حج ،م ما خلق إح ساسا أع مق بالهو ية المشتر كة ب ين الم سلمين من بلد بعيدة م ثل ال صين
والسنغال وبنجلديش ....وهناك مؤتمرات منتظمة كثيرة ومشاورات تتم بين المثقفين والعلماء
المسلمين تُعقد فى مراكز مثل طهران ومكة وكواللمبور ،وتنتشر أشرطة الكاسيت والفيديو
والمواعظ والدروس الدينية عبر الحدود الدولية .لدرجة أن الدعاة والوعاظ المؤثرين أصبحوا
يصلون الن إلى جماهير بعيدة خارج مجتمعاتهم “(.)269
أمها على مسهتوى دفهع تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام إلى خلق هويات
فئويهة جديدة ،فإن الكاتهب المريكهى « آلفيهن توفلر » يوضهح أن ” ضربات مطارق ثورة مها
فوق الت صنيع تنهال اليوم على المجت مع فتشظ يه وتق سمه إلى أجزاء وتفار يق ...إن ن فس قوى
التنو يع ال تى تع مل من أ جل تو سيع مجال الختيار الفردى لل سلع وللمواد الثقاف ية ،تع مل أيضا
على م حو النمط ية والتما ثل فى بنا نا الجتماع ية .وهذا هو ال سر في ما نعان يه اليوم من انبثاق
المبحـث الثالث
البعاد العلمية لظاهرة العولمة
(عـولمة التصال )
تبدو العولمهة التصهالية بمثابهة السهكة الحديديهة التهى سهارت عليهها قاطرة العولمهة بأبعادهها
الخرى السياسية والقتصادية والثقافية ،حيث مارست بذلك دور قناة التصال ووسيلة الربط
ووسيط النقل.
وتم ثل النظ مة العلم ية والت صالية والمعلومات ية الراه نة -الموز عة على م ستوى
العالم -القطاع العلمهى فهى كيان العولمهة التصهالية ،بالضافهة إلى قطاع آخهر ههو قطاع
المواصلت البحرية والجوية.
ولقهد كان يمكهن فهى الماضهى التفرقهة بيهن النظمهة العلميهة والنظمهة التصهالية
والنظ مة المعلومات ية .ول كن أدى ظهور « شب كة النتر نت » إلى اندماج الثلث أنظ مة معا،
لتشكل بروز وسيلة جديدة إعلمية اتصالية معلوماتية فى نفس الوقت.
وما يعنينا فى هذه الدراسة هو القطاع العلمى التصالى المعلوماتى ،والذى مارس
دوره كأ حد قطاعات البنيت ين الفوق ية والتحت ية للعول مة من خلل تحقي قه للر بط والتوا صل ب ين
الثقافات والحضارات والهويات والدول والشعوب والجماعات والشركات وال سواق .بالضا فة
إلى كو نه يتأ ثر بمظا هر العول مة ،ال تى شارك ويشارك هو نف سه فى ظهور ها .بح يث تخ ضع
النظمة العلمية التصالية المعلوماتية لمظاهر العولمة التى تتلزم فيها إستراتيجية التوحد
والتكتل والندماج مع تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام.
وتكشهف البعاد العلميهة للعولمهة عهن عدد مهن التحولت التهى باتهت تطرأ على
النظ مة العلم ية المعا صرة بمكونات ها من :المؤ سسات العلم ية وو سائل العلم وجماه ير
المتلقين .وسنعرض لذلك على النحو التالى:
أول :العولمة و النظم العلمية :
تؤدى إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج إلى اتجاه النظ مة العلم ية إلى
التداخهل والتشابهك والنفتاح على بعضهها البعهض ،ممها يسهاعد على التخلق التدريجهى لنظام
إعلمى عالمى .بينما تؤدى تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام إلى تأكيد النظمة العلمية
التقليدية المحلية على انتماءاتها الحضارية والثقافية ،المر الذى يساهم فى تنوع وتعدد النظمة
العلمية المعاصرة.
حيث يوضح الوضع الحالى الذى تطرحه البعاد العلمية للعولمة أن إستراتيجية
العولمة للتوحد والتكتل والندماج تعمل على زيادة التداخل والتشابك والنفتاح بين النظمة
العلم ية على م ستوى العالم؛ وذلك لمتداد تأث ير مضامين ها العلم ية إلى خارج حدود ها
وصولً إلى معظم دول العالم .بحيث أصبحت شاسة التلفزيون أو الكومبيوتر مجالً لعرض
الرسائل العلمية الصادرة من كافة النظمة العلمية فى العالم من خلل شاشة واحدة.
وهذا يدفع تلك النظمة المختلفة إلى التنافس من أجل جذب أكبر نسبة من المشاهدين نحو
رسهائلها العلميهة .وبالتالى محاولة إنتاج رسهائل إعلميهة ذات طابهع عالمهى وإنسهانى ل
تخا طب فئة بعين ها ،وإن ما تخا طب المتل قى ب صفته إن سانا موط نه العالم ،ال مر الذى ي ساعد
تدريجيا على نشأة ملمح لنظام إعلمى عالمى تندمج فيه النظمة العلمية العالمية.
والواقهع أن العالم “ يشههد حاليا تنافسها شديدا بيهن المحطات التلفزيونيهة الفضائيهة
للستحواذ على أكبر عدد ممكن من المشاهدين ،ومن ثم تحقيق الهداف التى تصبو إليها تلك
المحطات .وممها سهاعد فهى ازدياد حمهى التنافهس ،التطورات الكهبيرة التهى تحققهت فهى مجال
تكنولوجيها القمار الصهناعية ..وتتسهابق المحطات التلفزيونيهة لتوفيهر أفضهل الوسهائل لجذب
المشاهد على مستوى شكل البرامج ومضمونها .ل سيما أن المشاهد سيجد أمامه أكثر من (
)4000اختيار من المحطات التلفزيون ية الفضائ ية .و فى ظل هذا التد فق الذى ل تحده حدود.
فإن اختياره سهيكون الفاصهل الحاسهم .وههو اختيار تحكمهه فهى الغالب عوامهل عديدة .أى أن
المشاهد سوف يُحوّل مؤشر جهازه نحو المحطة التى تستهويه وتلبى احتياجاته ”(.)271
والمثال على ذلك “ تجربهة محطهة ( ) CNNالتهى حققهت نجاحا ملحوظا دفهع محطهة
( ) BBCإلى أن تحذو حذوهها .إذ توجههت إلى قارتهى أفريقيها وأمريكها طامحهة إلى إزالة آثار
أسلوب اله .CNNولمواجهة هذا الخطر التنافسى أسرعت محطة CNNإلى تكثيف جهودها
لتحسين البرامج التليفزيونية العالمية وافتتاح مكاتب إضافية فى عدد من دول العالم ”(.)272
إياد شاكر البكرى ،عام 2000حرب المحطات الفضائية .ص .218 - 217 () 271
علوة على ذلك ..فإن ملحظة التطور السريع الذى تلعبه شبكة النترنت يوضح أنها
باتت بمثابة “ مجتمعا متكاملً له عاداته وتقاليده بل ولغته الخاصة .مما سمح لبعض الباحثين
أن يقرروا أن النترنت أصبحت التعبير المثل عن ثقافة ما بعد الحداثة ”( ،)273بالضافة إلى
أن سههولة تصهدير الكتهب والمؤلفات والفلم السهينمائية والتسهجيلت الموسهيقية مهع اكتمال
تطبيق اتفاقيات حرية التجارة ،وسهولة طبع الصحف فى عدة دول بالعالم فى وقت واحد .كل
ذلك أدى وسهيؤدى إلى امتداد النطاق المؤثهر للنظهم العلميهة المختلفهة إلى خارج حدودهها
ل تقريبا إلى العالم ككهل؛ ممها يؤدى -بالحتكاك والتنافهس -إلى نشأة ملمهح لنظام
وصهو ً
إعلمى عالمى ذو طابع إنسانى عام يتجاوز الختلفات والتنوعات الحضارية والثقافية.
ولكهن فهى المقابهل فإن تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام تدفهع النظمهة
العلمية نحو التأكيد على انتماءاتها الحضارية والثقافية ،خاصة فى مجال محطات التلفزيون
الرض ية والمحطات الذاع ية المحل ية وال صحف والمجلت المحل ية .ال مر الذى ي ساعد على
الحتفاظ بنظم إعلمية محلية متعددة ومتنوعة فى مقابل النشأة التدريجية لملمح نظام إعلمى
عالمى ،بالضافة إلى بروز المواقع ذات الطابع المحلى على النترنت كرد فعل مضاد للمواقع
ذات الطابع العالمى.
ويهبرهن على هذا أن “ أحهد القوانيهن المعمول بهها فهى دول التحاد الوربهى ههو أن
يكون %51مهن المواد الدراميهة المعروضهة تليفزيونيا مهن إنتاج أوربهى ”( .)274كمها طالبهت
فرن سا بإقرار مبدأ « ال ستثناء الثقا فى » فى اتفاق ية الجات المنشئة لمنظ مة التجارة العالم ية.
وذلك لن ها اكتش فت أن “ ن صيب ال سينما الفرن سية فى ال سوق المريك ية %0.5بين ما ن صيب
المن تج السينمائى المري كى فى ال سوق الفرن سية .)275(” %60ولذلك ف قد “ أعلن وز ير الثقا فة
الفرنسهى السهابق « جاك لنهغ » بأنهه خائف ويشكهو مهن وقوع الشعهب الفرنسهى ضحيهة
للستعمار الثقافى المريكى ”(.)276
و فى ن فس إطار التأك يد على الطا بع المحلى ،انت هج النظام العل مى الم صرى سياسة
إنشاء محطات تليفزيونية أرضية محلية بامتداد القطر المصرى من الشمال إلى الجنوب ،وبلغ
عدد هذه المحطات ثمانى محطات.
محمود عوض " ،تعقيهب على ورقتهى الجابرى وبلقزيهز عهن :العولمهة والهويهة الثقافيهة " ،فهى أسهامة أميهن () 274
وحتى فى مجال النترنت ،فقد تمادت بعض الدول فى “ الخوف من الثقافات الجنبية،
وفى التزامها الساسى تجاه الحفاظ على بيئة مواطنيها الجتماعية ورقابتها .إذ أعلنت الصين
()277
” وسهنغافورة وإيران عهن عزمهها على رقابهة الوصهول للمواد المنشورة على النترنهت
بالضا فة إلى كل من ال سعودية وأفغانسهتان .ك ما “ صهرح وز ير الموا صلت ال صينى :أن
الصهين باعتبارهها دولة ذات سهيادة تمارس رقابتهها على المعلومات ...وإذا كنها سهنرتبط
بالنترنت فإن هذا ل يعنى الحرية المطلقة للمعلومات”(.)278
ثانيا :العولمة و المؤسسات العلمية :
تمثل المؤسسة العلمية الكيان القتصادى المهنى الفنى الذى تنضوى تحته النشطة
العلمية الخاصة بجمع المعلومات ونشرها.
وتكشف استراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج عن اتجاه المؤسسات العلمية
إلى التوحد والندماج ضمن مؤسسات أكبر لستغلل المكانات التكنولوجية المتاحة لنشر وبث
المواد العلم ية على م ستوى العالم .بين ما تد فع تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنق سام
نحو نشأة مؤسسات إعلمية صغيرة ومتعددة توازى تعدد وتنوع جماعات وطوائف ومنظمات
المجتمع المدنى الصاعدة.
شركة « سونى » اليابانية اشترت عام 1989اثنتين من أكبر شركات هوليوود لنتاج الفلم “
وبرا مج التلفزيون وه ما شرك تا « كولومب يا » و« تري ستار » بمبلغ 3.4بليون دولر .وكا نت
شركة سونى قد اشترت قبلهما شركة ( سى .سى .إس ) للتسجيلت الموسيقية والغنائية ،وفى
العام نف سه اشترت شر كة « مات سوشيتا » شر كة « إم .سى .إ يه » M.C.Aال تى تملك شر كة
« يونيفرسال » لنتاج الفلم السينمائية وبرامج التلفزيون بمبلغ 6.9مليار دلور ”(.)280
و فى “ 12/1/2000اندم جت كل من شر كة « أمري كا أون ل ين » AoLمع شر كة
«تايم وارنر» فى شركة عملقة واحدة بقيمة 350مليار دولر ،حيث تضم تايم وارنر حوالى
عشهر شركات مهن بينهها :مجلة « تايهم » ،و« شبكهة سهى إن إن » ،CNNومجلة « بيبول »
،Peopleوشركهة « وارنربرازرز » ..وغيرهها .أمها مجموعهة « أمريكها أون ليهن » AoL
فتضهم حوالى سهت شركات مهن بينهها :أمريكها أون ليهن ،وكومهبيوتر سهيرف ،ونيتسهكيب..
وغيرها .وتضم « شبكة أمريكا أون لين للنترنت » ما يزيد على 20مليون مشترك ،ومجلة
« تا يم » يو جد لدي ها 30مليون مشترك .أ ما « شب كة سى إن إن » CNNفإن مشاهدي ها فى
قارات العالم المختلفة يتجاوزون المليار مشاهد ..و« شبكة تايم وارنر كيبل » تحظى به 13
هن القراء
هبر عدد مه
هى بأكه
هة الهائلة تحظه
هة العلميه
مليون مشترك .أى أن تلك المجموعه
والمشتركين والمشاهدين فى أنحاء العالم بأسره ”(.)281
ولعههل هذا الندماج بمثابههة نموذج عملى لفكرة التكتلت المؤسههسية الضخمههة
( العلمية التصالية المعلوماتية ) والتى تضم شركات صحفية وإذاعية وتليفزيونية ومعلوماتية.
وقهد “ أكهد التحاد الدولى للصهحفيين ..أن العالم يشههد حاليا هيمنهة عدد محدود مهن
الشركات التهى ت سيطر على العلم ووسهائل نقهل النباء ..بدأت فهى منتصهف الثمانينات بامتلك
شبكات تليفزيونيهة عملقهة مهن بينهها ABCو ..NBCويؤكهد «ديهن ألجهر» مؤلف كتاب
« ميجاميديا » عام ،1998أنه رغم إصدار الكونجرس المريكى لقانون التصالت عام 1996
فى محاولة لدعم المنافسة ،إل إن العكس هو الذى حدث .حيث أدى القانون إلى ظهور الندماجات
ل من تسهيل القدرة على المنافسة ،كما كان
وانخفاض عدد الشركات المالكة للوسائل العلمية بد ً
يهدف القانون عند صدوره ..وصرح « موريزيو كارلوتى » رئيس مجموعة « ميدياسيت » التى
تُعد أضخم مجموعة إعلمية خاصة فى إيطاليا ،بأن الوقت قد حان لشركات تكنولوجيا المعلومات
الوربية للسراع بمعدلت الندماج لمواجهة ( غول ) الندماجات فى الوليات المتحدة فى الوقت
الراههن ”( .)282وذلك كرد فعهل على “ اتفاق لجنهة التصهالت الفيدراليهة المريكيهة مهع عمالقهة
سامى خش بة " ،الميد يا والتحد يث :العول مة العلم ية شارع التجاه الوا حد أم الم سارات المتعددة " ،جريدة () 280
ان ظر :جريدة الهرام بتار يخ ،13/1/2000مخاوف عالم ية من تأ ثر حر ية ال صحافة وتد فق الخبار ب عد () 282
صناعة التلفزيون والك مبيوتر ..على تب نى النظام الرق مى كطري قة إر سال قيا سية م ما يش جع على
ل مع الشب كة ..وتوق عت اللج نة
الندماج ب ين التلفزيون والك مبيوتر ويج عل التلفزيون جهازا متفاع ً
بأن يُسهتغنى عهن إشارات التلفزيون التماثليهة فهى حدود عام ،)283(” 2006انطلقا مهن أن
“ تكنولوجيا الرقميات تمثل المنجم الجديد للرأسمالية العالمية .ويدور صراع ضارى بين الشركات
العملقة للسيطرة على أسواق التصال والمعلومات ”(.)284
وفى المقابل ،فإن تكتيات العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام تعمل على نشأة مؤسسات
إعلم ية صغيرة متعددة التوجهات ومتنو عة الهداف؛ وذلك انطلقا من التقدم التكنولو جى الذى
أدى إلى توفيهر المكانيهة -للجماعات ومنظمات المجتمهع المدنهى والطوائف -لنشهر وترويهج
برامج ها وأفكار ها ودعاوا ها م ستهدفة أعضاء ها ف قط أو جماه ير المتلق ين الخر ين ،وذلك من
خلل مؤسهسات إعلميهة صهغيرة جدا ،تكتفهى بإصهدار نشرة محدودة التوزيهع ،أو إنشاء موقهع
صغير على شب كة النتر نت ،أو من خلل الذاعات الضي قة النطاق Narrow-castذات المدى
الجغرافى المحدود والتى تتوجه إلى جماعات الجماهير القل عددا والكثر تجانسا.
إن نظر ًة على آلف المواقع على شبكة النترنت ،تلك المواقع الخاصة بمجموعات النقاش
فى موضوعات محددة تتفاوت وتتنوع بتعدد وتنوع تلك المجموعات ،أو الخاصة بالطوائف الدينية
أو الجمعيات الخير ية ومنظمات المجت مع المد نى المتعددة .إن تلك النظرة تو ضح انقلب “ القوى
التى صنعت المجتمع الجماهيرى فجأة إلى قوى معاكسة .حيث القومية أصبحت إقليمية فى التيار
التكنولو جى المتقدم .وح يث تم ا ستبدال بوت قة الن صهار وضغوطات ها بإثن ية جديدة .أ ما و سائل
العلم فأصبحت تنشر الثقافة اللجماهيرية بدل الثقافة الجماهيرية ”(.)286
إن كل ذلك يوضح أن حركة الندماج والتوحد لتكوين مؤسسات إعلمية عملقة وكبيرة
تتواكهب فهى ذات الوقهت مهع حركهة تشظهى وتفتهت واسهعة تنتهج عنهها آلف مهن المؤسهسات
العلم ية الصهغيرة التهى تخرج عن مجال نشاط واهتمام المؤسهسات العمل قة .بح يث يترافهق
عواطف عبد الرحمن ،العلم العربى وقضايا العولمة .ص .29 () 284
الندماج مهع التجزؤ والتوحهد مهع النقسهام .ذلك “ أن العولمهة تشجهع التشظهى إلى عدد مهن
الجماعات مواز لعدد الهويات المرجعية ”( ...)287كما أنها -بذات الوقت -تشجع الندماج.
ثالثا :العولمة و الرسائل العلمية :
تم ثل و سائل العلم القناة التكنولوج ية ال تى تقوم المؤ سسات العلم ية بن قل الر سائل
العلمية من خللها إلى جماهير المتلقين.
وتعمهل إسهتراتيجية العولمهة للتوحهد والتكتهل والندماج على الدمهج التدريجهى لكافهة
الوسهائل العلميهة فهى بنيهة هيكليهة إلكترونيهة واحدة .بينمها تؤدى تكتيكات التشظهى والتجزؤ
والنقسام إلى إنتاج هذه البنية الهيكلية المدمجة وفقا لمدى واسع من التنوع فيما يتعلق بأساليب
الستخدام أو بنوعية التكنولوجيا المستخدمة.
ح يث تؤدى إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج إلى الد مج التدري جى لكا فة
وسائل العلم اللكترونية والورقية فى بنية هيكلية إلكترونية واحدة يمثلها الكومبيوتر المتعدد
الغراض .حيث يتحول الكومبيوتر تدريجيا فى السنوات الخيرة إلى وسيلة إعلمية معلوماتية
اتصهالية مهن خلل اسهتقباله للبهث التليفزيونهى والذاعهى ،وعرضهه للفلم والمسهرحيات
المصورة والتسجيلت المسموعة ،وعرضه للمواقع اللكترونية للصحف والدوريات والكتب.
مما سيؤدى إلى إمكانية مطالعة كافة وسائل العلم فى وسيلة واحدة هى الكومبيوتر المتعدد
الغراض الذى يمكهن اسهتخدامه أيضا كوسهيلة « معلوماتيهه » للدخول إلى قواعهد البيانات
الرقميهة ،واسهتخدامه كوسهيلة « اتصهالية » لجراء المكالمات التليفونيهة والمحادثات النصهية
( الدردشة .)Chating
وبالتالى ،فإن وسهائل العلم المتعددة ،تتحول تدريجيا نحهو الندماج فهى بنيهة هيكليهة
واحدة يمثلها الكومبيوتر المتعدد الغراض.
وفى المقابل ..تؤدى تكتيكات العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام إلى إنتاج هذه البنية
الهيكليهة اللكترونيهة المدمجهة ،وفقا لمدى واسهع مهن التنوع فيمها يتعلق بأسهاليب السهتخدام
أو فيما يتعلق بنوعية التكنولوجيا المستخدمة .فعلى مستوى « أساليب الستخدام » سيتم انتاج
هذه البنية الهيكلية اللكترونية المدمجة فى أشكال متعددة :ثابتة ومحمولة .حيث توضع الثابتة
فى المنازل ووسائل المواصلت ( السيارات -الطائرات -السفن ) ،بينما تُستخدم المحمولة
فى كافة الماكن المحتمل الوجود فيها.
دومينيهك فولتون " ،مجتمهع النترنهت والوعود الزائفهة " ،مجلة الدراسهات العلميهة ( .عدد ،96يوليهو - () 287
وعلى م ستوى « نوع ية التكنولوج يا » الم ستخدمة ،فإن الفيزيائي ين يتوقعون أ نه بحلول
عام 2005لن يمكهن تصهغير شريحهة السهليكون المسهتخدمة فهى الكومهبيوتر إلى أقهل مهن
( 0.1ميكرون ) فهى الحجهم .المهر الذى سهيؤدى إلى ظهور تكنولوجيات جديدة كبديهل عهن
شريحهة السهليكون∗ تتمثهل فهى اسهتخدام « الجزيئات » ذاتهها للحلول محهل شريحهة السهليكون،
أو اسهتخدام جزيئات الهه «د .ن .أ» D.N.Aالتهى ترمهز إلى الحماض النوويهة الربعهة بنواة
الخليهة الحيهة .بحيهث يؤدى هذا إلى ظهور الكومهبيوتر الجزيئى أو كومهبيوتر الهه .D.N.A
وبالتالى فإن تنوع التكنولوجيات الم ستحدثة سيؤدى إلى تنوع المكانات التكنولوج ية في ما يتعلق
بسهرعة معالجهة البيانات والقدرة الفائقهة على تخزينهها وعرض الصهور المجسهمة والصهوات
المتعددة البعاد .بحيث تتنوع تلك البنية الهيكلية اللكترونية المدمجة -التى سيمثلها الكومبيوتر
المتعدد الغراض -فى إمكاناتها التكنولوجية بناءا على نوعية التكنولوجيا المستخدمة فيها.
رابعا :العولمة و جماهير المتلقين :
تو ضح البعاد العلم ية للعول مة أن إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج تؤدى
إلى دمج قطاعات كبيرة من جماهير المتلقين على مستوى العالم تحت لواء رسائل اتصالية ذات
موا صفات عالم ية وإنسانية تبث ها ن ظم إعلم ية عملقة ذات توجهات عالم ية إن سانية أيضا ،المر
الذى ي ساهم فى تكو ين رأى عام عال مى فى القضا يا العالم ية الطا بع .بين ما تد فع تكتيات العول مة
للتشظى والتجزؤ والنقسام نحو تفكيك قطاعات جماهير المتلقين وفقا لمجالت اهتماماتهم الخاصة
أو انتماءاتهم المتنوعة ،فى القضايا الشخصية الطابع.
ولعل بطولة كأس العالم لكرة القدم ،والتغطية العلمية لحرب تحرير الكويت وحرب
كوسهوفو والحرب على العراق ،ومراسهم تشييهع جنازة الميرة ديانها ،ومراسهم افتتاح وختام
الدورات الوليمب ية ،وأحداث تفج ير كل من مبن يى التجارة العال مى ووزارة الدفاع المريك ية
،11/9/2001والحرب ضهد تنظيهم القاعدة وجماعهة طالبان فهى ( البنتاجون ) فهى
أفغان ستان ....إن كل تلك الحداث الدور ية أو العار ضة تج مع مليارات من سكان العالم حول
شاشات التليفزيون أو الملي ين من هم حول شاشات الكو مبيوتر ،بح يث تؤدى إلى د مج قطاعات
كبيرة من المتلقين داخل دائرة اهتمام واحدة ،على الرغم من تعدد الحضارات والثقافات.
فلقد أدى “ الترابط العلمى بين مختلف أنحاء العالم بصورة لم تشهدها البشرية من
ق بل ...إلى دخول قطاعات وشرائح جديدة من الب شر فى دائرة المشار كة المعرف ية ،من خلل
المتابعة العلمية لمختلف الحداث العالمية والقرارات المصيرية(.)288
انظر :ميتشيو كاكو ،رؤى مستقبلية ( كيف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين ) .ترجمة سعد الدين خرفان،
ص 133وما بعدها.
عواطف عبد الرحمن ،العلم العربى وقضايا العولمة .ص .35 () 288
- 121 -
علوة على ذلك ..ف فى إطار إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج ،لم ت صبح
القطاعات الكهبيرة لجماهيهر وسهائل العلم بمثابهة ذرات معزولة ومتفرقهة ،بهل أصهبح لديهها
القدرة -مهن خلل القدرات التفاعليهة الجديدة التهى توفرهها شبكات المعلومات -على تحقيهق
الترابط مع وسائل العلم ،أو تحقيق الترابط بين أفراد الجماهير وبعضهم البعض .ذلك أن
الميزة الجوهر ية لللكترونيات الرقم ية هى سهولة الترا بط .هذه ميزة لم تعرف ها الت صالت “
وعلى الجانهب الخهر ..فإن تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام تؤدى إلى
تفكيهك وتشظهى قطاعات جماهيهر المتلقيهن ،وفقا لمجالت اهتماماتههم الخاصهة أو انتماءاتههم
الثقاف ية أو الطائف ية أو العرق ية -فى القضا يا الشخ صية الطا بع -وذلك اعتمادا على تزاوج
التكنولوجيا الرقمية مع تكنولوجيا وسائل العلم التقليدية ،والتى أصبحت تتيح خدمات الفيديو
عند الطلب vedio in demandأو خدمات التليفزيون المدفوع الجر ،pay T.Vهذا بالضافة
إلى القدرات الفائقة التى توفرها شبكات المعلومات ،والتى تتيح إمكانية تفاعلية واسعة تساعد
على توفير تنويعة مهولة من الختيارات التى تتلءم مع عدد أفراد قطاعات جماهير المتلقين.
وبالتالى سهيؤدى هذا إلى أن “ تتحول النشطهة التصهالية مهن توحيهد الجماهيهر
Massificationإلى تفتيهت الجماهيهر Demassificationومهن مركزيهة التصهال إلى ل
مركزية التصال ”(.)291
و .رسل نيومان ،مستقبل الجمهور المتلقى .ترجمة محمد جمول ،ص .120 () 289
حسن عماد مكاوى ،تكنولوجيا التصال الحديثة فى عصر المعلومات .ص 252بتصرف. () 291
- 122 -
القسـم الثانى
والعولمة بهذا التوصيف وذلك المعنى ما هى إل مرحلة متقدمة لوعى النسان بالعالم
الذى يعيهش فيهه ،وإدراكهه للمشتركات النسهانية ( الماديهة والمعنويهة ) فهى هذا العالم .وتلك
المرحلة المتقدمة سبقتها مراحل متعددة ،مارست فيها الجيال البشرية المتتابعة عملية تركيب
وتفكيهك للطبيعهة مهن حولهها ،وللوعهى داخلهها ،فهى محاولة لبناء الدراك والتبصهر والفههم
والمعرفة على المستويين المادى والمعنوى.
أولً :المشترك النسانى المادى
( )1التفكيهك:
ل قد تطور الو عى الن سانى خلل الح قب المتتال ية ال تى مرت ب ها البشر ية ،من الو عى
ل إلى الو عى الفائق∗ .وتراف قت تلك
الفطرى ،إلى الو عى الب سيط ،ثم الو عى المر كب ،و صو ً
المرا حل المتتاب عة لتطور الو عى مع الع صور البشر ية المتتال ية المعبّرة عن النشاط الن سانى.
∗ انظر :إسماعيل على سعد ،التصال والرأى العام ( مبحث فى القوة واليدلوجية ) .ص .26حيث يقرر ما نصه " :إن فكر
النسان ،وهو الفارق الساسى بينه وبين مختلف الكائنات ،بدأ بالملحظة المباشرة لما يدور حوله ..وانتهى عبر حلقات متصلة
من التطور والتعقيد إلى أنساق أفكار بالغة التركيب ".
- 123 -
بدءا من عصور الصيد ،فعصور الزارعة ،ثم عصور الصناعة ،وصولً إلى عصرنا الحالى
( عصر ما بعد الصناعة ) أو عصر المعلومات.
ول قد كان الو عى الفطرى الذى ن شأ عن الملح ظة هو الو عى الذى قاد الن سان إلى
ملح ظة البيئة الطبيع ية من حوله .وكان تحر كه خلل ها بمثا بة رد ف عل لحركت ها هى .بح يث
كا نت انتقال ته -خلف قطعان ال صيد ون حو المنا طق النبات ية وم سارات النهار -من أ جل
توفير حاجته الغذائية من اللحوم والثمار والمياه .وبالتالى قاد هذا الوعى الفطرى النسان نحو
النفعال الفطرى ب كل ما هو متحرك ونا مٍ ،فكا نت حرك ته فى البيئة الطبيع ية بمثا بة رد ف عل
فطرى من جراء ملح ظة الحر كة والن مو ،ال مر الذى أدى إلى أن ت صبح تلك الع صور هى
عصور الصيد والتقاط والثمار والترحال.
ثم كا نت المرحلة التال ية ال تى ارت قى في ها الو عى الن سانى من الو عى الفطرى إلى
الوعى البسيط .وقادته الملحظة إلى التحكم فى البيئة من حوله ،بحيث تنفعل هى من جراء
تدخلتهه فيهها .حيهث سهيطر النسهان على البيئة النباتيهة مهن خلل اكتشاف الزراعهة ،ومهن
خلل التح كم فى م صادر المياه ب شق الترع و القنوات للرا ضى الزراع ية .ك ما تم كن من
التحكم فى البيئة الحيوانية من خلل استئناس الحيوانات الليفة والداجنة وحيوانات المراعى،
وال ستقرار حول م صبات وفروع النهار .بح يث قادت مرحلة الو عى الب سيط الن سان ن حو
التحكم فى حركة ونمو البيئة الطبيعية المتحركة والنامية من حوله .أى التحكم فى كل ما هو
ه ومتحرك .وبالتالى كانهت تلك العصهور ههى عصهور الزراعهة وتربيهة الحيوانات
نام ٍ
والستقرار.
ولقهد كانهت مرحلة النتقال مهن الوعهى البسهيط إلى الوعهى المركهب بمثابهة تحول فهى
الوعى النسانى الذى ازداد تعقيدا .حيث تطورت ملحظة النسان للبيئة الطبيعية ،وامتدت إلى
ما هو ثا بت وغ ير نا مٍ من عنا صر الطبي عة ال صلبة وال سائلة والغاز ية ،ومحاولة التعا مل مع ها
بالسهتخراج والصههر والتشكيهل والتركيهب .بحيهث أكسهب النسهان -بوعيهه المركهب -تلك
العنا صر الجامدة الثاب تة غ ير النام ية ،القدرة على الحر كة الميكانيك ية .ل قد كان الو عى المر كب
الذى قاد النسان إلى التصنيع بمثابة نقلة نوعية هامة مكنت النسان من التحكم فى كل ما هو
جامد وثابت وغير نا مٍ ،مثلما سبق له السيطرة على كل ما هو متحرك ونا مٍ .وبالتالى كانت تلك
العصور هى عصور الصناعة وابتكار الجهزة والماكينات ووسائل النتقال.
ول كن عند ما تطور و عى الن سان من الو عى المر كب إلى الو عى الفائق ،كا نت تلك
مرحلة جديدة تم ثل تعاظما كبيرا فى تعقّ د ذلك الو عى .ح يث تطورت ملح ظة الن سان للبيئة
- 124 -
الطبيعية ،وامتدت إلى ما هو مخفى فيها وغير ظاهر وغير ُم ْدرَك بالحواس الطبيعية .وأسفر
هذا عهن اكتشاف التركيهب الخلوى للكائنات الحيهة النباتيهة والحيوانيهة والنسهانية ،والتركيهب
الذرى للعنا صر ( ال صلبة وال سائلة والغاز ية ) .واكتشاف الكائنات الميكروب ية ( الفطريات -
البكتيريا -الفيروسات ) ...لقد كان الوعى الفائق للنسان سبيلً إلى رفع الحجاب عن إدراك
الن سان من خلل ابتكاره لو سائل م ساعدة شكلت امتدادا فائقا لدرا كه وحوا سه ،بل وتطور
ال مر إلى إضا فة امتدادات عظي مة لقدرا ته العقل ية أيضا من خلل ا ستغلل الخواص الخف ية
للظواههر الطبيعيهة كاللكترونات والكهرومغناطيسهية لنقهل التصهالت والمعلومات وتخزينهها
وتحليل ها من خلل ابتكار الحا سبات الل ية .وبالتالى أ صبح الع صر الحالى هو ع صر ما ب عد
الصناعة أو عصر المعلومات أو العصر التكنوترونى أو اللكترونى.
( )2التركيب∗:
ولكن هذا الوعى النسانى بمكونات وخصائص البيئة الطبيعية المحيطة ،والذى ارتقى
من الوعى الفطرى إلى البسيط إلى المركب إلى الفائق ،وبالتالى انتقل من ملحظة الظاهر إلى
معاينهة المخفهى ،ومهن إدراك البنيهة الكليهة للمخلوقات والعناصهر إلى إدراك البنيهة الخلويهة
الجزيئ ية والذر ية والنووية لها .هذا الو عى -الذى كان ذا طابع تفكيكى فى مجمله فى مجال
اهتما مه بالبيئة الطبيع ية المل صقة للن سان -كان على الجا نب ال خر وعيا ذا طا بع ترك يبى
فى مجال اهتمامه بالبيئة الفضائية المحيطة بالنسان والبعيدة عنه.
فلقهد كان الوعهى الفطرى يدرك الرض المحيطهة بوصهفها الكون بأكمله .ويدرك أن
الجرام الخرى كالنجوم والشمس والقمر ما هى إل مصابيح يمكن من خلل متابعة تحركاتها
وغيابهها وظهورهها ضبهط مواق يت الف صول والزرا عة والتنبهؤ بمصهير الن سان .فالكون هو
الرض المحيطة التى تحدها البحار السحيقة وغللة رقيقة هى السماء بمصابيحها المتحركة.
ثم ارتقى الوعى النسانى إلى مرحلة الوعى البسيط ،من خلل تراكم عمليات الرصد
لتحركات الجرام السهماوية .واسهتطاع « كلوديوس بطليموس » عام 140م أن يصهمم نظاما
مركزيا للكون قائما على التحركات المشاهدة لتلك الجرام ،ام تد بموج به الكون وات سع ،ح يث
أ صبحت الرض هى المر كز وحول ها الش مس والكوا كب فى مدارات دائر ية متتاب عة تف صل
بينها مسافات ،ثم تأتى أخيرا السماء بنجومها الثابتة المضيئة كحد نهائى للكون .وبذلك اتسعت
ج.ج .كراوثههر ،قصههة العلم .ترجمههة يمنههى طريههف الخولى وبدوى عبههد الفتاح ،سههلسلة العمال العلميههة أ-
( مهرجان القراءة للجميع -مكتبة السرة ،) 1999القاهرة :الهيئة المصرية العامة للكتاب.1999 ،
ب -صلح محمود عثمان محمد ،التصال واللتناهى بين العلم والفلسفة .السكندرية :منشأة المعارف.1998 .
- 125 -
حدود الكون الذى تحتههل الرض مركزه بفضههل النظام المركزى الذى صههممه بطليموس،
واستمر هذا الوعى بحدود الكون قائما لمدة تصل تقريبا إلى اللف عام.
ولكن مع مرحلة الوعى المركب ،لم يتقبل النسان تلك المركزية للرض ول تلك الحدود
المزعو مة للكون .وأ سهمت الجهود العلم ية ل كل من « نيقول كوبرنيكوس » ( )1543 - 1473
و«جوهان كبلر» ( )1630 - 1571و«جاليليو جاليلى» ( )1642 - 1564فى وضع السس
اللز مة لظهور و عى مر كب جد يد بالكون ين فى فكرة مركز ية الرض ،ويضع ها فى موقع ها
الحقيقى ،باعتبارها كوكبا مثل باقى الكواكب التى تدور حول الشمس ،تلك الشمس التى اتضح
-مع تطور التل سكوب فى ز من « جاليل يو » -أن ها مجرد ن جم م ثل با قى النجوم ال تى تمل
السماء .وعلى يد « إسحق نيوتن » ( )1727 - 1642تم اكتشاف قوانين الجاذبية التى تمسك
هذا الكون فهى ظهل نظام ميكانيكهى متكامهل ومنضبهط .وبذلك أصهبح الكون بنا ًء ماديا شاسهع
التسههاع تتجاذب كههل أجرامههه بقوة الجاذبيههة وقوانينههها ،ويغوص وسههط فضاء
ل نهائى ،وبذلك اتسعت حدود الكون إلى ما ل نهاية.
ول قد كا نت مرحلة الو عى الفائق بمثا بة نقلة جبارة فى و عى الن سان بالكون المح يط
وظواهره .وأسهمت الجهود العلمية له « ألبرت أينشتاين » ( )1955 - 1879فى صياغة
« نظرية النسبية » ،والتى حطمت الكون الثابت الشاسع اللمتناهى لنيوتن ،وأثبتت أن الكون
ما هو إل « متصل زمكانى » يحتل الزمن فيه البعد الرابع ،وأنه كيان شاسع متناه ولكن غير
محدود؛ لنه دائم التمدد والتساع وقابل للنكماش بعد فترة غير معلومة من التمدد.
علوة على ذلك ،فقهد أدى اكتشاف أن الوحدة فهى البناء السهماوى ههى المجرة -وأن
الكون يتكون من مجرات تنتظم فى داخلها مليارات النجوم -إلى نشوء فهم تركيبى جديد حول
الكون الذى يتكون مهن مجرات تتباعهد عن بعضهها نتيجهة تمدد هذا الكون .وأن نجمنها الشمهس
الذى تدور حوله أرض نا ( كو كب الرض ) ما هو إل ن جم ضئ يل دا خل إحدى المجرات ال تى
تدور حول مركز الكون الذى يتمدد ويتسع وقد ينطوى وينكمش فى أجل آخر غير معلوم ،وفقا
لطروحات نظرية « النفجار العظيم » Big Bangالتى تفسر نشأة هذا الكون.
لقهد اتضهح أن الكون ههو المشترك المادى الكهبر الذى يضهم كهل شهئ ،والجسهيمات
الذرية هى المشترك الصغر التى نشأ عنها كل شئ ،والعالم ( كوكب الرض ) هو المشترك
المادى النسانى الذى يضم الجنس البشرى ( النسان ).
- 126 -
وهكذا يبدو كوكهب الرض فهى المسهافة الرمزيهة مهن الذرة إلى الكون بمثابهة
« المشترك النسانى المادى » للجنس البشرى .والمجموعة الشمسية هى « المجال » المادى.
والمجرة هى «المستقر» المادى .والكون هو « المستودع » المادى الكلى.
و من ه نا ..فإن الو عى بأن العالم ( الرض ) يم ثل المشترك المادى للج نس الن سانى
هو بمثابة وعى عولمى ( العولمة ).
والوعهى بأن المجموعهة الشمسهية تمثهل المجال المادى ههو بمثابهة وعهى كوكهبى
( الكوكبة ).
والوعى بأن المجرة تمثل المستقر المادى هو بمثابة وعى مجرى ( المجرية ).
والوعى بأن الكون يمثل المستودع المادى الكلى هو بمثابة وعى كونى ( الكونية ).
إن هذه الرؤيهة توضهح أن محاولت النسهان للتركيهب والتفكيهك قادتهه إلى إدراك
المشتركات الن سانية الماد ية .وكان أول ها إدراك أن العالم هو المشترك الن سانى المادى .وأن
البشر جميعهم فى سفينة واحدة هى كوكب الرض .وبالتالى فالعولمة -تعنى بكل بساطة -
أن نا فى عالم وا حد ول يس فى عوالم متعددة ،وأن العول مة ما هى إل مرحلة متقد مة فى و عى
الن سان بأ صل الكون والعالم من خلل الترك يب والتفك يك .وبذلك ت صبح العول مة -من هذا
المنظور -خروجا على المألوف المكانهى والمألوف الزمانهى وإنشاء أو تقديهم رؤيهة مشتركهة
لمألوف « زمكانهى » يضهم كهل سهكان هذا العالم ،ذلك العالم الذى لن يمكهن مواجههة قضاياه
العالمية إل من خلل تنمية المشتركات النسانية.
- 127 -
ولقد قادت عملية التركيب فى الوعى النسانى إلى إدراك أن كل هذا الكون ما هو إل
نتاج لعقل مطلق يمثله ال سبحانه وتعالى ،فهو عقل شامل محيط غير محدود.
كما قادت عملية التفكيك فى الوعى النسانى إلى إدراك أن التطور النسانى ما هو إل
نتاج لعقهل محدود يمثله النسهان ،وذلك العقهل المحدود يكتسهب معارفهه بالتراكهم والتوارث
والخبرة والصواب والخطأ ،فهو عقل جزئى محدود غير شامل وغير محيط.
ول قد كان المشترك الن سانى المنا سب للقيام بدور الو سيط ب ين الع قل المطلق الذى يمثله
ال سبحانه وتعالى ،والعقل المحدود الذى يمثله النسان ،يتمثل فى « قيمة الحرية » .حيث تمثل
قي مة الحر ية المشترك الن سانى المعنوى القا بل لتو صيف العل قة ب ين ال والن سان ،باعتبار أن
الحرية هى الشرط اللزم لصحة إيمان العقل النسانى المحدود بالعقل اللهى المطلق ،والشرط
اللزم لشرعيهة مبدأى الثواب والعقاب اللهييهن .فل مجال لحسهاب النسهان إل لو امتلك حريهة
الختيار ب ين الخ ير وال شر وب ين الخ طأ وال صواب .وبالتالى فالمشترك الن سانى المعنوى النا تج
عن عملية التركيب التى تقود إلى العقل المطلق ،أو عملية التفكيك التى تقود إلى العقل المحدود،
هو ( الحر ية الن سانية ) ،تلك القي مة ال تى لو تم كبت ها ومحا صرتها وتقلي صها؛ لف قد الن سان
الجوهر والمعنى الذى يمنحه التفوق على كافة كائنات الرض.
- 128 -
وفى مجال تطور الديمقراطية تكشف البعاد السياسية للعولمة ..أن إستراتيجية العولمة
للتو حد والتك تل والندماج تقود ن حو توح يد أ ساليب الح كم على الم ستوى العال مى ،وذلك من
خلل تنامى التجاه نحو أسلوب الحكم الليبرالى الديمقراطى على مستوى دول العالم.
بينمها تقود تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام نحهو انحسهار نموذج الديمقراطيهة
هة
هة وأشكال مبتكرة أخرى للممارسه
هة الشعبيه
هو نموذج الديمقراطيه
هة ،والتجاه نحه
التمثيليه
الديمقراطية.
وفهى مجال دور المجتمهع المدنهى تكشهف البعاد السهياسية للعولمهة ..أن إسهتراتيجية
العول مة للتو حد والتك تل والندماج ،تقود منظمات المجت مع المد نى على الم ستوى العال مى إلى
الندماج فهى تكتلت تعكهس إرادة جماعيهة فهى مواجههة إرادة الحكومات .بينمها تقود تكتيات
التشظى والتجزؤ والنقسام على المستوى المحلى إلى تشظى المجتمعات المحلية إلى تجمعات
صغيرة تعكس إرادة القليات فى مقابل الرادة الجماعية للمجتمع المحلى.
كما تبين من دراسة « البعاد القتصادية للعولمة » فيما يتعلق بتطور السوق وآلياته،
ودور الشركات متعددة الجنسيات ،ودور القوى الضابطة لليات السوق أو سياسات الشركات.
- 129 -
أن إستراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج فى مجال تطور السوق وآلياته تقود نحو دمج
السهواق المحليهة على مسهتوى العالم بمها يؤدى إلى تكويهن سهوق عالميهة واحدة .بينمها تقود
تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنق سام إلى تجزؤ ال سواق وتعدد ها وتنوع ها فى مجال
نوعيات السلع والخدمات بما يتناسب مع رغبات كل عميل باتساع العالم.
هة أن
هادية للعولمه
هف البعاد القتصه
هياساتها ..تكشه
هى مجال تطور الشركات وسه
وفه
إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج تت جه بالشركات على م ستوى العالم ن حو الندماج
من أجل تكوين كيانات عالمية عملقة ،بينما تقود تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام الشركات
إلى التجاه بالنظم النتاجية نحو التخصص ،والتجاه بالساليب الدارية نحو اللمركزية.
وفهى مجال دور القوى الضابطهة لليات السهوق وسهياسات الشركات ..تكشهف البعاد
القتصادية للعولمة أن إستراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج تقود القوى الضابطة لممارسات
ال سوق وآليا ته ن حو التو حد والندماج على الم ستوى العال مى ،وذلك لممار سة دور ها فى ض بط
آليات السوق .وتقود القوى الضابطة لسياسات الشركات نحو التكتل على الم ستوى العالمى وذلك
لممارسة دورها فى الحفاظ على ضمانات وحقوق العاملين.
بينما تكشف تكتيكات العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام عن التجاه نحو تعزيز النقسام
وت صاعد ال صدام ،ما ب ين توجهات القوى الضاب طة لممار سات ال سوق وآليا ته والقوى الضاب طة
لسياسات الشركات ،وذلك لتنامى التعارض بين توجهاتهما على المستوى المحلى أو العالمى.
ك ما تبين من درا سة البعاد الثقاف ية للعول مة في ما يتعلق ب كل من :الحضارة ،والثقا فة،
والهو ية ..أن إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج فى مجال الثقا فة ..تقود ن حو ن مو
ثقا فة ذات مل مح عالم ية على الم ستوى العال مى ،تتض من قيما وأخلقيات ومعاي ير و سلوكيات
ومنتجات فكر ية ذات طا بع عال مى .بين ما تؤدى تكتيكات التش ظى والتجزؤ والنق سام إلى تأك يد
التنوع والتما يز ب ين الثقافات المحل ية على الم ستوى العال مى ،من خلل التفاف كل ثقا فة حول
ذاتها ومحاولة تأكيد ذاتيتها.
و فى مجال الحضارة ..تك شف البعاد الثقاف ية للعول مة أن إ ستراتيجية التو حد والتك تل
والندماج تقود نحهو بدايهة الظهور التدريجهى لملمهح حضارة عالميهة اسهتهلكية فهى صهلب
الحضارات المتمايزة الراه نة ،بح يث تش كل شب كة النتر نت حاليا والطر يق ال سريع للمعلومات
مستقبلً المحور الذى تتراكم حوله منجزات تلك الحضارة الصاعدة.
- 130 -
هد الفروق
هو تأكيه
هام إلى التجاه نحه
هى والتجزؤ والنقسه
ها تقود تكتيكات التشظه
بينمه
والختلفات بيههن الحضارات المتمايزة الراهنههة ،بمهها يؤدى إلى إمكانيات الصههدام
أو التنافر فى محاولة لتأكيد الذات الحضارية.
وفهى مجال الهويهة ..تكشهف البعاد الثقافيهة للعولمهة ،أن إسهتراتيجية التوحهد والتكتهل
والندماج تقود نحهو نمهو هويهة ناشئة -ذات ملمهح عالميهة -موضوعهها النسهانية ومداهها
العالم ككهل ،وذلك انطلقا مهن التغيرات التهى أدى إليهها التقدم فهى مجال التصهال والنتقال،
والتهى أسهفرت عهن اضمحلل القيمهة الجغرافيهة للمكان ،واضمحلل الفروق بيهن العراق
والجناس ومعتنقهى الديانات المختلفهة ،نتيجهة سههولة التلقهى والتقارب المادى أو اللكترونهى
بين كافة الفراد على مستوى العالم.
بينما تقود تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام نحو تخلق هويات فئوية جديدة متشظية
فى تنوعها وتعددها ،ينتمى من خللها الفراد لطوائف فرعية ذات اهتمامات مستحدثة تتجاوب
مع القضايا المحلية والمشكلت الجتماعية ..إلخ.
كمها تهبين مهن دراسهة « البعاد العلميهة للعولمهة » فيمها يتعلق بالنظهم العلميهة
والمؤ سسات العلم ية وو سائل العلم وجماه ير المتلق ين ..أن إ ستراتيجية العول مة للتو حد
والتكتهل والندماج -فهى مجال النظهم العلميهة -تقود تلك النظهم على مسهتوى العالم نحهو
التداخهل والتشابهك والنفتاح على بعضهها البعهض ،بمها يسهاعد على التخلق التدريجهى لنظام
إعل مى ذى طا بع عال مى ،ورأى عام عال مى وإن سانى ،منف صلين عن تلك الن ظم .بين ما تؤدى
تكتيكات التشظهى والتجزؤ والنقسهام إلى تأكيهد النظمهة العلميهة المحليهة الراهنهة على
انتماءاتهها الحضاريهة والثقافيهة ،المهر الذى يسهاهم فهى تنوع وتعدد النظمهة العلميهة
المعاصرة ،نتيجة محاولة كل نظام التمترس حول ذاته لحماية الهوية الوطنية.
و فى مجال المؤ سسات العلم ية ..تك شف البعاد العلم ية للعول مة أن إ ستراتيجية
العولمهة للتوحهد والتكتهل والندماج تقود المؤسهسات العلميهة العالميهة إلى الندماج ضمهن
مؤ سسات أ كبر ،من خلل اتجاه المؤ سسات العلم ية العالم ية المتشاب هة وظيفيا إلى الندماج
الوظي فى ،واتجاه المؤ سسات العلم ية العالم ية المتشاب هة نوعيا إلى الندماج النو عى ،واتجاه
الندماجات العلميهة النوعيهة إلى التكتهل مهع الندماجات التصهالية النوعيهة والندماجات
المعلوماتيهة النوعيهة ،بحيهث تكوّن تكتلت مؤسهسية اندماجيهة ضخمهة ( إعلميهة اتصهالية
معلوماتية ).
- 131 -
بين ما تقود تكتيكات التش ظى والتجزؤ والنق سام إلى د عم نشوء المؤ سسات العلم ية
الصهغيرة -المتعددة التوجهات والمتنوعهة الهداف -التهى تسهتهدف جماهيهر فئويهة متعددة.
ال مر الذى يؤدى إلى نشوء آلف المؤ سسات العلم ية ال صغيرة ال تى يخرج مجال نشاط ها
عن مجال نشاط المؤسسات العلمية العملقة.
و فى مجال و سائل العلم ..تك شف البعاد العلم ية للعول مة أن إ ستراتيجية العول مة
للتوحد والتكتل والندماج تعمل على الدمج التدريجى لكافة الوسائل العلمية فى بنية هيكلية
إلكترونية واحدة .بينما تؤدى تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام إلى إنتاج هذه البنية الهيكلية
المدمجهة وفقا لمدى واسهع مهن التنوع ،فيمها يتعلق بأسهاليب السهتخدام أو نوعيهة التكنولوجيها
المستخدمة.
وفى مجال جماهير المتلقين ..تكشف البعاد العلمية للعولمة أن إستراتيجية العولمة
للتوحهد والتكتهل والندماج تقود إلى دمهج قطاعات كهبيرة مهن جماهيهر المتلقيهن على مسهتوى
العالم تحت لواء رسائل اتصالية ذات مواصفات عالمية إنسانية تبثها مؤسسات إعلمية عملقة
ذات توجهات عالمية إنسانية.
بينمها تقود تكتيكات العول مة للتش ظى والتجزؤ والنقسهام إلى تفكيهك وتشظهى قطاعات
جماهير المتلقين وفقا لمجالت اهتماماتهم الخاصة أو انتماءاتهم الثقافية أو الطائفية أو العرقية
وذلك تلبية للرسائل التصالية الفئوية التى تبثها مؤسسات إعلمية صغيرة متخصصة.
كمها تهبين مهن دراسهة البعاد النسهانية للعولمهة إن العولمهة مها ههى إل نتاج إدراك
النسان للمشتركات المادية النسانية والمشتركات المعنوية النسانية فى هذا العالم .حيث أدت
محاولة النسان التراكمية الساعية إلى تفكيك وتركيب العالم من حوله -من أجل الوصول إلى
أصهل العالم أو الحاطهة بأبعاده -إلى نمهو إدراك النسهان بالمشتركات النسهانية الماديهة
والمعنوية فى هذا العالم.
وبالتالى فل قد أدت محاولت الن سان التراكم ية على مر الع صور لترك يب العالم من
حوله -تكويهن رؤيهة مركبهة للحاطهة بأبعاد العالم -إلى الوعهى بأن الكون ههو المشترك
النسانى الكبر.
كمها أدت محاولت النسهان التراكميهة على مهر العصهور لتفكيهك العالم مهن حوله -
تكوين رؤية عن أصل الشياء -إلى الو عى بأن البن ية الذرية هى المشترك النسانى المادى
الصغر.
- 132 -
وبالتالى ..يصبح كوكب الرض ( العالم ) الذى يوجد فى المسافة الرمزية بين الكون
والذرة هو المشترك النسانى المادى.
أ ما المشترك الن سانى المعنوى ف قد و صلت إل يه البشر ية من مج مل وعي ها الترك يبى
بالعقهل المطلق الذى يمثله ال سهبحانه وتعالى ،ومجمهل وعيهها التفكيكهى بالعقهل المحدود الذى
يمثله النسان .وبالتالى تَمثهـَل ذلك المشترك النسانى المعنوى فى قيمة ( الحرية ) التى هى
الشرط اللزم لصهحة إيمان العقهل النسهانى المحدود بالعقهل اللههى المطلق .والشرط اللزم
لشرعيهة مبدأى الثواب والعقاب اللهييهن ،وإل فل مجال لحسهاب النسهان لو لم يمتلك حريهة
الختيار بيهن الخيهر والشهر .وبالتالى فإن المشترك النسهانى المعنوى -الناتهج عهن عمليهة
التركيب التى تقود إلى العقل المطلق وعملية التفكيك التى تقود إلى العقل المحدود -يتمثل فى
( الحرية النسانية ).
ولهذا ..فإن التحل يل الخ ير فى سياق هذا الف هم يرى أن « العول مة ما هى إل مرحلة
متقد مة فى و عى الن سان بالعالم من حوله قاد ته من خلل عملي تى الترك يب والتفك يك على
المستويات المادية والمعنوية إلى إدراك المشتركات النسانية المادية والمعنوية ».
كشفت مجمل النتائج التى توصلت إليها الدراسة فى فصول الباب الول عن عدم دقة
الفرض المطروح بالدراسة حول ظاهرة العولمة ،والذى ينص على التى:
« تمثل العولمة المشروع الفكرى والعملى للرأسمالية العالمية فى سعيها نحو السيطرة
على العالم ،ح يث تد فع العول مة ن حو تكو ين الكيانات ال كبرى و سحق الكيانات ال صغيرة على
كافة المستويات السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية ».
حيهث كشهف التحليهل المتعمهق لظاهرة العولمهة -مهن خلل التعرف على مداخلهها
التاريخ ية والمعرف ية والفل سفية والتعرف على مؤ سساتها ومظاهر ها وأبعاد ها -عن ت صور
مغا ير لظاهرة العول مة يبت عد ب ها عن الت صورات غ ير الدقي قة النات جة عن عدم الف هم العل مى
للظاهرة أو عن التفسير اليدلوجى الضيق لها.
إذ تبين أن ظاهرة العولمة ليست من صنع الرأسمالية العالمية ول من صنع غيرها من
القوى ،لن الواقع يقرر بأن العولمة لم يخترعها ولم يصنعها ولم يخطط لها أحد .وليس معنى
ذلك أنها صنعت نفسها بنفسها ،وإنما هذا يعنى أن العولمة ما هى إل مرحلة متقدمة فى وعى
الن سانية بالعالم من حول ها ،ح يث أدى ترا كم المنجزات الن سانية ( الفكر ية والتكنولوج ية ) إلى
إدراك النسانية للمشتركات المادية والمعنوية فى هذا العالم التى تجمع البشرية كلها فى بوتقة
واحدة .فالعولمة هى نتاج لمحاولت النسان التراكمية منذ بدء الخليقة لترك يب وتفكيك العالم
من حوله.
وبالتالى فقد قادت محاولت النسان لتركيب العالم من حوله -تكوين رؤية عن أبعاد
العالم -إلى إدراك المشترك النسهانى المادى الكهبر الذى يتمثهل فهى الكون الذى هو مسهتقر
ومستودع لكل شيئ.
كما قادت محاولت النسان لتفكيك العالم من حوله -تكوين رؤية عن أصل الشياء -
إلى إدراك المشترك الن سانى ال صغر الذى يتم ثل فى البن ية الذر ية ال تى هى أ صل كل شئ.
وبإدراك النسان للمشترك النسانى المادى الكبر والمشترك النسانى المادى الصغر ..أدرك
بذلك الجانهب المادى لظاهرة العولمهة والذى يتمثهل فهى أن كوكهب الرض ( العالم ) ههو
المشترك الن سانى المادى الذى ي قف ب ين الذرة الدقي قة والكون الشا سع العظ يم ل كى ي ضم على
سطحه الجنس البشرى.
وبنفهس المن طق فقهد قادت محاولت الن سان للتفك يك والترك يب -للبحهث عن من شأ
وعيه بذاته وبالعالم من حوله -إلى إدراك المشترك النسانى المعنوى.
- 134 -
ونظرا لن ظاهرة العول مة بهذا الف هم ما هى إل نتاج للترك يب والتفك يك فإن ذلك أدى
إلى أن تحمل العولمة فى داخلها مظاهر تخلقها ونشأتها ،وهى قدرتها على التركيب والتفكيك،
وبالتالى قدرتها على ممارسة الشيئ ونقيضه .ومن هنا كانت مظاهر العولمة أثناء ممارستها
لفاعلياتها العملية فى الواقع تؤكد أنها كما تدفع إلى التوحد والتكتل والندماج ( التركيب ) فإنها
فى نفس الوقت تدفع إلى التشظى والتجزؤ والنقسام ( التفكيك ).
وهذا أدى إلى أن التحل يل ال سطحى لظاهرة العول مة ي قع دائما فى مأزق إدراك مظ هر
واحهد مهن مظاهرهها دون إدراك المظههر الخهر ،نظرا لمها يدفهع إليهه إدراك المظهريهن مهن
ارتباك وتناقض.
وفى الواقع ..فإن امتلك العولمة لهذه القدرة على الجمع بين الشئ ونقيضه ،هى التى
تمنح ها صفة الظاهرة الشاملة ،وتو فر ل ها التوازن فى المج مل العام ،وتم نع ا ستئثار فر يق ما
بمفرده بالمكانات التى توفرها .فكما تستفيد بعض القوى من مظاهر العولمة للتوحد والتكتل
والندماج لتحقيهق مصهالح معينهة ،فإن بعهض القوى الخرى سهتستفيد مهن مظاههر العولمهة
للتشظى والتجزؤ والنقسام لتحقيق مصالح أخرى..
- 135 -
إن هذا الفههم لظاهرة العولمهة يوضهح بأنهها كظاهرة شاملة ل تنتمهى إلى قوة أو جههة
معينهة ،وإنمها ههى تنتمهى إلى البشريهة كلهها .كمها إنهها ل تصهلح لكهى تكون مشروعا فكريا
أو عمليا للرأسهمالية العالميهة للسهيطرة على مقدرات الشعوب والدول ،وذلك لنهها تسهتعصى
على التوجيه وتخرج عن نطاق السيطرة ،إذ إنها كما تدفع إلى التوحد والتكتل والندماج ،فإنها
تدفع -بذات الوقت -إلى التشظى والتجزؤ والنقسام .وبالتالى ل يمكن التعامل معها بوصفها
أيدلوجية لن اليدلوجية أحادية التجاه بينما ظاهرة العولمة تجمع المتناقضات.
إن كهل مها سهبق يوضهح عدم دقهة الفرض الول الذى اسهتنبطته الدراسهة مهن أغلب
الكتابات العربية والجنبية حول العولمة ،ذلك الفرض الذى يمثل الخطاب السائد حول العولمة
فى دول العالم الثالث وفى المنطقة العربية .ولعل هذا الخطاب يحمل أسباب ارتيابه فى ظاهرة
العولمهة انطلقا مهن أن جانبهها المعنوى المتمثهل فهى قيمهة الحريهة يتماثهل نسهبيا مهع فكرة
الديمقراطيهة الغربيهة ،بينمها جانبهها المادى يشجهع تحريهر التجارة واقتصهاد السهوق واليمان
بالعلم .ولكهن المنطهق الموضوعهى يقرر بأن الديمقراطيهة وتحريهر التجارة والسهوق والنظرة
العلم ية ،كل ها مبادئ إن سانية منطق ية فر ضت نف سها لواقعيت ها ول يس لرأ سماليتها ،ولذلك فإن
العتراف بإن سانية هذه المبادئ هو فى حد ذا ته اعتراف بقابليت ها دوما للمراج عة والت صحيح
للحفاظ على جانب العدالة والتوازن فى توجهاتها.
والواقع يوضح أن العولمة كما تقوم على الشركات متعددة الجنسيات ،فهى أيضا تقوم
على منظمات المجت مع المد نى .وك ما تروج لثقا فة عالم ية إن سانية ،ف هى تف تح الباب للثقافات
القوم ية .وك ما تج عل من شب كة النتر نت سوقا للتجارة اللكترون ية ،فإن ها تجعل ها أيضا ساحة
مفتوحة للفكار والمعرفة.
...و فى هذا الطار ..فإن الدرا سة تقدم ح صيلة الف هم ال سابق للعول مة فى صورة
فرضيهن تدعهو إلى إعادة اختبارهمها فهى الدراسهات اللحقهة للتأكهد مهن مدى صهحتهما
وموضوعيتهما وهما كالتالى:
تمثل ظاهرة العولمة مرحلة متقدمة فى وعى النسان بالعالم من حوله نتجت من خلل •
محاولت النسان التراكمية عبر العصور لتركيب وتفكيك ذلك العالم ،مما أدى إلى إدراكه
للمشترك النسهانى ( المادى ) المتمثهل فهى « العالم » ،والمشترك النسهانى ( المعنوى )
المتمثل فى « الحرية النسانية ».
- 136 -
نظرا لن العولمة نتجت عن التركيب والتفكيك فإن مجمل مظاهرها يتمثل فى دفعها •
نحهو التوحهد والتكتهل والندماج فهى ذات الوقهت الذى تدفهع فيهه نحهو التشظهى والتجزؤ
والنقسام.
ولكن إذا كانت البعاد المجتمعية للعولمة ( السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية )
قهد تأثرت بإسهتراتيجية العولمهة للتوحهد والتكتهل والندماج ،وتكتيكاتهها للتشظهى والتجزؤ
والنقسهام -كمها أوضحنها فهى المباحهث التاليهة -فإن هذا التأثيهر كمها انعكهس على الثوابهت
البنائية فى بنية تلك البعاد ،قد انعكس أيضا بالضرورة على المتغيرات الوظيف ية الفاعلة ب ها.
ونظرا لن محور اهتمامنا فى هذه الرسالة ينصب على البعاد العلمية للعولمة ،فإن محاولة
التعرف على الثار ال تى تحدثهها العول مة على المتغيرات الوظيف ية فى بن ية الن ظم العلم ية
يمثل المحور الذى سيدور حوله توجه الدراسة فى الباب القادم..
- 137 -
البــاب الثـانى
القدرات المعرفية للنظم العلمية
الراهنة
فى ظل البعاد العلمية للعولمة
إشـــــــــــــــــــارات
البــاب الثــانى مقدمــة
القدرات المعرفية للنظم الفصل
الراهنة
الفلسفية للنظم العلمية
المرجعيات الرابع:
الفصل
الراهنة
العملية لتقييد العلمية
الممارسـات الخامس:
الفصل
القدرات المعرفية السادس:
إشـــارات
« الم سئولية الولى للعلم هى م سئولية اجتماع ية ..و هى م سئولية اجتماع ية ج سيمة..
فهناك دور اجتماعى لننا ندخل فى قلب السرة المصرية ».
الشريف) (وزير العلم المصرى :محمد صفوت
( لقاء مع وزير العلم المصرى ببرنامج حديث المدينة بتاريخ ) 1/6/1999
« حرية البداع تنتهى عند حرية المجتمع ،وخصوصا عندما يكون مجتمعا شرقيا له سمات
معي نة .وأ نا أحذر دائما من عدم التطاول على الديان ،أو خدش حر مة المجت مع أو حيائه..
أنا مهمتى حماية المجتمع دينيا ،والحفاظ على أعرافه وتقاليده الجتماعية ».
حسنى ) وزير الثقافة المصرى :فاروق (
( نقل عن :يسرى ال سيد " ،فاروق حسنى :أتابع حرية البداع ..ولكن ال الغنى عن أعمال تهدم المجتمع " ،جريدة الجمهورية.
بتاريخ ،11/1/2001ص )13
« إن الصحافة المصرية تملك داخلها ضميرا حيا ،ورقابة ذاتية ،وإحساسا عميقا بالمسئولية
الوطنية ».
) 40 ( إبراهيم نافع " ،عمود حقائق " ،جريدة الهرام .بتاريخ ،21/6/2001ص
«الحر ية ل تكون على ح ساب ازدراء الديان ،وتشج يع الدب ل يكون على ح ساب قلة
الدب .وجمال السلوب ل علقة له باللفاظ السوقية واللخلقية ».
،13/5/2000ص [إبراهيم سعدة " ،القاهرة تحترق والحكومة تتفرج " ( ،عمود الموقف السياسى ) ،جريدة أخبار اليوم .بتاريخ
.] 1
« نؤكد لهذا السفير ( السفير المريكى ) ،أن حرية الصحافة فى مصر ل ينازعها منازع..
وهى حرية نعتز ونفخر بأنها غير موجودة بهذا القدر وتلك المساحة فى بلدهم ذاتها ،رغم
مصا يتغنون بصه ليصل نهار ..فالمجتمصع يعرف إلى أى مدى يتحكصم رأس المال فصى الصصحافة
عندهم ،لتصبح فى النهاية معبرة عن مصالح فرد أو مجموعة أفراد ......ثم أل يعلم السفير
المريكى أن الصحافة فى مصر تتمتع بالستقللية الكاملة ول ولية لية سلطة أخرى عليها،
سواء تنفيذية أو غير تنفيذية!!!!» ..
[ سمير رجب " ،أقوال للسفير المريكى :ليس لكائن من كان فى مصر سلطة منع الصحف من التحليل والتفكير ..نعم هناك تداخلت
إلكترومغناطيسية تطيح بالطائرات فى الجو " ( ،مقال خطوط فاصلة ) ،جريدة الجمهورية .بتاريخ ،6/11/1999الصفحة الخيرة ].
« ومتى ثبت ذلك فل محل للحديث عن النقد المباح ،كما ل يُقبل من المتهمين إثبات صحة
الوقائع التى ساندوها للمدعى بالحق المدنى ،بل ويتعين إدانتهم حتى ولو كانوا يستطيعون
- 139 -
إثبات ما اقترفوا به .ورغم ذلك فقد عجز المتهمون عن إثبات صحة ما زعموه ،كما عجزت
كل المستندات والوراق التى قذفوا بها فى ملف الدعوى فى أن تحقق ذلك .وتلفت المحكمة
الن ظر إلى أن ما أو سع الش قة وأب عد الم سافة ب ين ن قد موضو عى يتحرى ف يه صاحبه و جه
صة
صة الحياة الخاصص
صبير الجادة وأدب الحوار ،ويحترم حرمص
صيلة التعص
صة وملتزم بوسص
الحقيقص
للمواطنين دون أن يخوض بالباطل فيما ينال من حرماتهم ونزاهتهم ووطنيتهم .وبين ما لجأ
المتهمون إل يه عند ما ملوا خزائن أقلم هم بال غل ال سود بد ًل من الحقي قة ،ثم سكبوا فى
أوراقهم أحقاد عمياء للتشهير بالمجنى عليه ».
الشعب ) حيثيات الحكم فى قضية د .يوسف والى ضد جريدة (
( نقل عن :جريدة الهرام .بتاريخ ،15/8/1999ص ) 42
« إن حريصة الصصحافة لبصد أن تكون حريصة مسصئولة تحافصظ على قيصم المجتمصع وتقاليده
( بيان المجلس العلى للصحافة حول واقعة جريدة النبأ ) ومصالحه العليا ».
( نقل عن :جريدة الهرام " .المجلس العلى للصحافة يدين جريدة النبأ ويرفع دعوى للغاء ترخيصها " ،بتاريخ ،21/6/2001ص
.) 15
« أصدر الدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد بيانا يستنكر الجريمة البشعة التى ارتكبتها
جريدة النبصأ أمصس الول ،والتصى اعتدت بهصا على تقاليصد وعادات المجتمصع المصصرى ،عندمصا
نشرت ال صور الفاض حة للكا هن ال سابق المعزول ،و هو يمارس أفعالً مناف ية للداب العا مة
والذوق الم صرى .أ كد بيان حزب الو فد أن المجت مع الم صرى ُروع بال مس بطع نة مغر ضة
من صحيفة صفراء ،اعتدت على كل ق يم وأخلقيات وعادات المجت مع الم صرى ال تى قا مت
عليهصا مصصر منصذ مئات السصنين ،وقصد حدث ذلك فصى ظروف مريبصة ل تخدم سصوى العدو
السرائيلى المتربص بالمة ».
( جريدة الو فد " .بيان الو فد إلى المة :نطالب بمحاك مة عاجلة لتجار ال صحافة ال صفراء ..نحذر من محاولت تفجير م صر من
الداخل " ،بتاريخ ،19/6/2001ص .) 1
» ل يس هناك الكث ير من الطرق لت ضع حذاءك على ع نق ش خص ما ..إن ها دائ ما نف سها «.
) 162 (.نعوم تشومسكى ،ضبط الرعاع .ترجمة هيثم على حجازى ،ص
« مما له مغزى ..أن تأميم الفكر سار فى كل مكان مع تأميم الصناعة ».
( إى .هه .كار )
( نقل عن :ف .ا .هايك ،الطريق إلى العبودية .ص ) 153
- 140 -
« مُتْ بداء الصمت ..خير لك من داء الكلم ..إنما العاقل ..من ألجم فاه بلجام »(النواسى)
( نقل عن :جابر عصفور ،ضد التعصب .ص ) 326
« الخ طأ الج سيم الذى ي قع ف يه العلم العر بى ..إ نه يع يش ت حت و هم ال ظن بأن تجا هل
الشياء يلغى وجودها ».
( محمد إبراهيم الشوش " ،ما هكذا كان عبد الناصر " ،جريدة الهرام .بتاريخ ،22/1/2000ص ) 9
« يق ضى الن سان سنواته الولى فى تعلم الن طق ..وتق ضى النظ مة العرب ية بق ية عمره فى
( أحلم مستغانمى :رواية ذاكرة الجسد ) تعليمه الصمت ».
[ نقل عن :رجاء النقاش " ،ولي مة لعشاب الب حر ..وذاكرة الج سد ..روايتان متشابهتان ..فأ ين ال صيل وأ ين ال صورة؟ " ،مجلة
الهلل ( .عدد ،2فبراير ،) 2001ص .] 44
« موقف الطاغية ،هو موقف ذلك الذى يقطع الشجرة لكى يقطف ثمرة ».
( مونتسكيو )
( نقل عن :إمام عبد الفتاح إمام ،الطاغية .ص .) 49
مقـدمـة
البــاب الثـانى
تمثل دراسة مدى كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمعات قضية
هامهة تمتلك الكثيهر مهن مهبررات أهميتهها فهى ظهل البعاد المجتمعيهة للعولمهة ( السهياسية
والقت صادية والثقاف ية والعلم ية ) ،و فى ظل أبعاد ها الن سانية .إذ إن النطلق ن حو تأ سيس
التقارب العولمى على مستوى العالم ( سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإعلميا ) لتعميق المشتركات
الن سانية لن يُك تب له النجاح لو كان المردود المعر فى النا تج عن النش طة العلم ية للن ظم
العلمية يتناقض مع -أو يبتعد عن -جوهر الوقائع والحداث والمجريات والراء والفكار
فى المجتمعات التى تمثل فى مجموعها الكيان العالمى.
لذلك ..فإ نه ي صبح من الهام تحل يل الن ظم العلم ية إلى عنا صرها الرئي سية وتحد يد
المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية تلك الن ظم ،وال تى يؤدى الرتفاع أو النخفاض في ها إلى
التأثير على مدى كفاءة هذه النظم فى القيام بوظيفتها فى المجتمعات المتعددة.
كمها إنهه يصهبح مهن الهام أيضا دراسهة الخلفيات الفكريهة التهى تتحرك فهى ظلهها هذه
المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة وتؤدى إلى التأثيهر عليهها ،ومهن ثهم المسهاس بمدى كفاءة النظهم
العلم ية .بالضا فة إلى أهم ية عرض الممار سات العمل ية للن ظم العلم ية الحرة والموج هة،
لمعاينة مدى فاعلية هذه المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى أرض الواقع العلمى.
وانطلقا من هذا الترتيب ..فقد تم تقسيم الباب الماثل إلى ثلثة فصول .الفصل الرابع
بعنوان :القدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة الراهنهة ،ويدور حول تحديهد المتغيرات الوظيفيهة
الحاكمة فى بنية النظم العلمية التى تؤثر على المردود المعرفى الناتج عن النشطة العلمية
لتلك النظم .والفصل الخامس بعنوان :المرجعيات الفلسفية للنظم العلمية الراهنة ،ويدور حول
رصد الخلفيات الفكرية التى تؤثر على المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية ،بما
يؤدى إلى التأث ير على كفاءة تلك الن ظم فى ممار ستها لوظيفت ها فى المجت مع .والف صل ال سادس
بعنوان :الممار سات العمل ية لتقي يد القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية الحرة والموج هة ،ويدور
حول عرض الممارسات العملية المقيدة للقدرات المعرفية بالنظم العلمية الحرة والموجهة.
الفصـل الرابـع
القدرات المعرفية للنظم العلمية
الراهنة
المبحـث الول
المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية
يمارس النظام العل مى فاعليا ته فى المجت مع ،باعتباره نظاما فرعيا فى البن ية الكل ية
للمجتمع بوصفه نظاما عاما.
وي تم التعا مل فى هذه الدرا سة مع النظام العل مى باعتباره « :كيانا جامعا للنش طة
العلمية ،يعمل فى ظل نظام سياسى وقانونى معين ،وفى ظل مرجعية فلسفية معينة ».
ويتكون النظام العلمى -وفقا لهذا الطار -من ثلثة قطاعات كالتالى:
قطاع المؤ سسات العلم ية :ب ما تض مه من قائم ين بالت صال وتجهيزات تكنولوج ية ()1
للنتاج العلمى ،وبما تنشره من رسائل إعلمية.
قطاع وسائل العلم :باعتبارها القناة التى تقوم المؤسسات العلمية -من خللها - ()2
بنشر رسائلها العلمية إلى جماهير المتلقين.
قطاع جماهيهر المتلقيهن :باعتبارههم الطرف الذى يحوز وسهائل العلم للطلع على ()3
الرسائل العلمية التى تنشرها المؤسسات العلمية.
ويوضح الشكل التالى بناء النظام العلمى وفقا لتوصيف قطاعاته ،وذلك على النحو
التالى:
كما أن النظام العلمى يتكون -طبقا لتوصيف أطرافه -من الطراف التالية:
- 144 -
الطراف الفاعلة :ويمثل ها كلً من :القائم ين بالت صال وجماه ير المتلق ين ،باعتباره ما ()1
الطرفين الفاعلين فى العملية العلمية.
الطراف المعرفيصة :ويمثلهها الرسهائل العلميهة ،باعتبارهها حاملة محتوى المعرفهة ()2
الكامنة بالمعلومات العلمية المنشورة.
الطراف العتبارية :ويمثلها المؤسسات العلمية ،باعتبارها ذات شخصية اعتبارية ()3
من وجهة النظر القانونية.
الطراف التكنولوجيصة :ويمثل ها و سائل العلم ،باعتبار ها الو سيلة التكنولوج ية ال تى ()4
يمكن من خللها استقبال الرسائل العلمية.
ويو ضح الش كل التالى بناء النظام العل مى وفقا لتو صيف أطرا فه ،وذلك على الن حو
التالى:
وكما هو واضح من الشكل رقم ( )1والشكل رقم ( ،)2فإن بناء النظام العلمى وفقا
لتوصيف قطاعاته ،يتكافئ مع بناء النظام العلمى وفقا لتوصيف أطرافه.
وتمارس هذه القطاعات أو تلك الطراف دورها باعتبارها « ثوا بت بنائية » فى البنية
التركيبية الستاتيكية للنظام العلمى .بينما تمارس دورها باعتبارها « متغيرات وظيفية » فى
البنية التركيبية الديناميكية للنظام العلمى أثناء ممارسته لفاعلياته فى المجتمع.
وتفسهير ذلك ..أن كافهة النظهم العلميهة على مسهتوى العالم تتكون -فهى بنيتهها
التركيب ية ال ستاتيكية -من هذه القطاعات أو الطراف ،ول كن در جة فاعل ية هذه القطاعات
- 145 -
أو الطراف فى البنية التركيبية الديناميكية للنظم العلمية أثناء ممارستها لفاعلياتها ،هى التى
تتغير من مجتمع إلى آخر.
فكافهة النظهم العلميهة فهى كهل المجتمعات تتكون مهن القائميهن بالتصهال وجماهيهر
المتلق ين والر سائل العلم ية والمؤ سسات العلم ية وو سائل العلم .ول كن الذى يختلف من
مجتمع إلى آخر يتمثل فى كل من :درجة فاعلية القائمين بالتصال ( من حيث العدد ومستوى
التأه يل والتدر يب والمكانات المهن ية ) .در جة فاعل ية الر سائل العلم ية ( من ح يث ن سبة
المعرفهة الكامنهة بهها ) .درجهة فاعليهة المؤسهسات العلميهة ( مهن حيهث العدد والتجهيزات
التكنولوج ية وكفاءة ما تض مه من قائم ين بالت صال ودر جة شفافيت ها فى ن قل المعر فة الكام نة
بالرسائل العلمية ) .درجة فاعلية وسائل العلم ( من حيث نسبة انتشارها فى المجتمع).
در جة فاعل ية جماه ير المتلق ين ( من ح يث م ستوياتهم الثقاف ية والقت صادية وت صنيفاتهم الفئو ية
التى تؤثر على درجة حيازتهم لوسائل العلم ).
وبالتالى فإن كا فة تلك المتغيرات الوظيف ية -ال تى تتغ ير من مجت مع إلى آ خر -هى
التى تؤثر على مدى كفاءة النظم العلمية فى القيام بوظائفها ،نوعيا وكيفيا وكميا ،طبقا لمدى
الرتفاع أو النخفاض فى نسب هذه المتغيرات.
ولكهن ثمهة متغيرات بعينهها ضمهن هذه المتغيرات الوظيفيهة؛ يمكهن أن يُطلق عليهها
المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة ،والتهى تشيهر درجهة التغيهر فيهها إلى مجمهل التغيهر فهى كافهة
المتغيرات الوظيفية الخرى.
وبالتالى ..فإذا أمكن تحديد المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى البنية التركيبية الديناميكية
للنظام العلمى ،فإنه سيمكن التعرف على مدى كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظائفها
نوعيا وكيفيا وكميا ،وفقا لعدد محدود من المتغيرات الوظيف ية الحاك مة ال تى تش ير إلى مج مل
فاعليات المتغيرات الوظيفية الخرى المتعددة فى بنية تلك النظم.
ويمكهن اسهتنباط هذه المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة مهن خلل تحليهل فاعليات النظام
العلمهى؛ للتعرف على المتغيرات التهى تضهم بداخلهها عددا مهن المتغيرات الخرى ،بحيهث
تكون دالة على مجمل أنشطة النظام العلمى ،وموضحة لمدى كفاءته فى ممارسته لوظيفته
فى المجتمع.
ويمارس النظام العلمهى فاعلياتهه العلميهة مهن خلل قيام المؤسهسات العلميهة
( الطراف العتبارية ) بنقل الرسائل العلمية ( الطراف المعرفية ) -عبر وسائل العلم
- 146 -
( الطراف التكنولوجية ) -إلى جماهير المتلقين ( الطراف الفاعلة ) .أى أن همزة الوصل
بيهن « المؤسهسات العلميهة » و« جماهيهر المتلقيهن » تتمثهل فهى « وسهائل العلم » التهى
تتولى نقل « الرسائل العلمية ».
وهذا يوضهح أن « الرسهائل العلميهة » ههى العنصهر الدال على جميهع أنشطهة
« المؤ سسات العلم ية » ،ب ما تض مه من « قائم ين بالت صال » يقومون بج مع المعلومات
العلمية وصياغتها فى صورة رسائل إعلمية ،وبما تملكه من تجهيزات تكنولوجية تتيح لها
نشر هذه الرسائل.
وبالمثهل ..فإن « وسهائل العلم » ههى العنصهر الدال على وصهول « الرسهائل
العلمية » إلى «جماهير المتلقين» من خلل حيازتهم لهذه الوسائل ،وفقا لمستوياتهم التعليمية
والقتصادية والثقافية.
وتأ سيسا على ذلك ..فإ نه يم كن اعتبار « الر سائل العلم ية » بمثا بة المؤ شر الدال
على مج مل فاعليات « المؤ سسات العلم ية » ،ب ما تض مه من قائم ين بالت صال وتجهيزات
تكنولوجيهة .واعتبار « وسهائل العلم » بمثابهة المؤشهر الدال على مجمهل فاعليات قطاع
« جماه ير المتلق ين » .أى أن « الر سالة » تأتلف مع « الو سيلة » فى ظل عل قة بنائ ية
وظيف ية ،بح يث تش ير الر سالة إلى مج مل فاعليات المؤ سسات العلم ية ،وتش ير الو سيلة إلى
مجمل فاعليات جماهير المتلقين.
ونظرا لن « الرسائل العلمية » -باعتبارها ثابتا بنائيا فى بنية النظام العلمى -
تطرح متغيرا وظيفيا عند ممارستها لفاعلياتها فى المجتمع يتمثل فى « نسبة المعرفة الكامنة
∗
بالرسهائل العلميهة » ،حيهث إن كافهة النظهم العلميهة تنتهج رسهائل إعلميهة ولكهن نسهبة
المعرفة الكامنة فيها هى التى تتغير من مجتمع إلى آخر .ونظرا لن نسبة المعرفة الكامنة فى
تلك الرسهائل تتوقهف على درجهة عدم فاعليهة القيود العلميهة ،أو بمعنهى آخهر على درجهة
الشفافية التى يتسم بها النظام العلمى فى نقله للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية .فإن هذا
يوضح أن « درجة شفافية النظام العلمى » تمثل أحد المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية
النظام العلمى.
وبذات الكيفية ..ونظرا لن « وسائل العلم » -باعتبارها ثابتا بنائيا فى بنية النظام
العلمهى -تطرح متغيرا وظيفيا عنهد ممارسهتها لفاعلياتهها فهى المجتمهع يتمثهل فهى
« نسبة انتشار وسائل العلم فى المجتمع » ،حيث إن كافة النظم العلمية بها وسائل إعلم
تشير " نسبة المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية " إلى المخزون المعرفى الذى تحمله المعلومات العلمية ويترتب
عليه أثر معرفى لدى جماهير المتلقين ،إذ إن المعلومات العلمية ل يتم إرسالها أو تلقيها لذاتها؛ وإنما للمخزون المعرفى
الكامن فيها ،ذلك المخزون الذى يتعرض للتقلص نتيجة القيود المعرفية المتعددة.
- 147 -
ولكن ن سبة انتشارها فى المجتمع هى التى تختلف من مجتمع إلى آ خر .فإن هذا يوضح أن
« نسبة انتشار وسائل العلم فى المجتمع » تمثل أحد المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية
النظام العلمصى .ونظرا لن « وسهائل العلم » تمثهل الطرف التكنولوجهى فهى بنيهة
النظام العل مى .فإن « ن سبة انتشار وسائل العلم فى المجت مع » تصبح بمثا بة ت عبير عن
« القدرات التكنولوجية للنظام العلمى ».
وبالتالى ..فإن مدى كفاءة النظام العلمهى فهى ممارسهته لوظيفتهه فهى المجتمهع
( نوعيا وكميا وكيفيا ) تتوقف على اثنين من المتغيرات الوظيفية الحاكمة تتمثل فى كل من« :
درجة شفافية النظام العلمى» و«القدرات التكنولوجية للنظام العلمى ».
ويشيهر واقهع عمهل النظهم العلميهة إلى صهحة الطرح السهابق ..إذ إن مجرد ضمان
و صول الر سائل العلم ية إلى أعلى ن سبة من جماه ير المتلق ين ،ل يش ير إلى ممار سة النظام
العل مى لفاعليا ته بكفاءة .وإن ما ل بد من ت عبير تلك الر سائل العلم ية عن مج مل الحداث
والوقائع والراء والفكار السهائدة بالمجتمهع .وبالتالى فإذا مها كان النظام التشريعهى السهارى
بالمجتمهع يجرم نشهر نسهبة كهبيرة مهن المعلومات العلميهة فهى ذلك المجتمهع .وكان النظام
السياسى ل يهتم بسن تشريعات تضمن حرية المعلومات ،وتمنع قطاعات المجتمع المختلفة من
إخفاء المعلومات المشروعهة .وكانهت المؤسهسات العلميهة تحظهر نوعيات مهن المعلومات
بمبادرة ذاتيهة منهها ،ووفقا لتقديراتهها الخاصهة للمصهالح المجتمعيهة .فإن كهل ذلك سهيعنى أن
الرسهائل العلميهة التهى يقوم النظام العلمهى بنقلهها ل تمثهل مجمهل أحداث ووقائع وآراء
وأفكار المجتمع .ويعنى أن ارتفاع أو انخفاض « درجة شفافية النظام العلمى » ستؤثر على
نسبة المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية ،مما يؤثر على درجة كفاءة النظام العلمى.
وبالمثهل ،فإن مجرد ضمان ارتفاع نسهبة المعرفهة الكامنهه بالمعلومات العلميهة،
نتيجة ارتفاع درجة شفافية النظام العلمى ،ل يشير إلى ممارسة النظام العلمى لفاعلياته
بكفاءة ،وإنما لبد من وصول تلك المعرفة الكامنه إلى أكبر نسبة من جماهير المتلقين ،وهذه
الن سبة تتو قف على ن سبة انتشار و سائل العلم فى المجت مع أى على القدرات التكنولوج ية
للنظام العلمى.
وهذا يوضح أن مدى كفاءة النظام العلمى فى ممارسته لوظيفته فى المجتمع تتوقف
على مدى ارتفاع أو انخفاض قدرته على نقل المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية إلى جماهير
المتلقين .أى تتوقف على « المردود المعرفى » العائد على جماهير المجتمع ككل من جراء قيام
النظام العل مى -وفقا لدر جة شفافي ته -بن قل المعر فة الكام نة فى ر سائله العلم ية -وفقا
- 148 -
لنسهبة انتشار وسهائل العلم فهى المجتمهع -إلى جماهيهر المتلقيهن .وبالتالى فإن هذا المردود
المعرفى العائد على جماهير المجتمع يمكن اعتباره بمثابة تعبير عن « القدرات المعرفية للنظام
العلمصى » .بحيهث تصهبح « القدرات المعرفيهة للنظام العلمهى » بمثابهة المؤشهر الدال على
مدى كفاءة النظام العلمى فى ممارسته لوظيفته فى المجتمع ( نوعيا وكيفيا وكميا ).
وبهذا ي صبح المتغيران اللذان يؤثران فى « القدرات المعرف ية للنظام العل مى » ه ما
كل من:
« -القدرات التكنولوجية للنظام العلمى ».
« -درجة شفافية النظام العلمى ».
بحيهث إن ارتفاع أو انخفاض أى منهمها يؤثهر بالتالى طرديا على ارتفاع أو انخفاض
القدرات المعرفية للنظام العلمى .ويمكن صياغة هذه العلقة رياضيا فى المعادلة التالية:
إن القدرات المعرفيهة للنظام العلمهى ل يمكهن بأى حال مهن الحوال أن تزيهد على ()2
درجة شفافية ذلك النظام.
إنه يمكن للقدرات المعرفية للنظام العلمى أن تتساوى فقط مع القدرات التكنولوجية ()3
لذلك النظام فى حالة واحدة ف قط ،و هى الحالة ال تى ت صل في ها در جة شفافي ته إلى حد ها
الق صى؛ أى ت ساوى الوا حد ال صحيح ،فعندئذ ف قط ..تت ساوى القدرات المعرف ية للنظام
العلمى مع قدراته التكنولوجية .وتمثل هذه الحالة مرحلة الستقرار للنظام العلمى.
حمّل
والتى تعنى استغلل النظام العلمى لمقومات كفاءته الذاتية إلى الحد القصى ،و َت َ
ما يمكن أن نسميه ( مؤثرات غير إعلمية ) لمسئولية عدم بلوغ القدرات التكنولوجية -
وبالتالى القدرات المعرفية -لذلك النظام إلى الحد القصى .وتتمثل تلك المؤثرات غير
العلميهة فهى المؤثرات القتصهادية التهى تقلص مهن نسهبة انتشار وسهائل العلم
بالمجتمع ،نتيجة ضعف القدرة القتصادية للسكان فى ذلك المجتمع ،مما يعوق قدرتهم
على حيازة وسائل العلم .كما تتمثل فى المؤثرات الثقافية التى تقلص من نسبة انتشار
- 149 -
وسهائل العلم المطبوعهة أو الحاسهبات اللكترونيهة فهى المجتمهع ،نتيجهة ارتفاع نسهبة
المية اللغوية أو الكمبيوترية بين سكان ذلك المجتمع ..وهكذا.
وبالتالى فإن درا سة الثار ال تى تمار سها عول مة الت صال على هذ ين المتغير ين هى
التى ستقدم التوصيف الدقيق للدور الذى تمارسه عولمة التصال على القدرات المعرفية للنظم
العلمية؛ ومن ثم على مدى كفاءتها فى القيام بوظيفتها فى المجتمع ( نوعيا وكيفيا وكميا ).
- 150 -
المبحـث الثـانى
القدرات التكنولوجية للنظم العلمية فى ظل البعاد
العلمية للعولمة
( من التصال المحدود إلى التصال شبه الكامل )
كشفهت دراسهة البعاد العلميهة للعولمهة ( عولمهة التصهال ) عهن مظاههر التوحهد
والتكتهل والندماج ،ومظاههر التشظهى والتجزؤ والنقسهام التهى باتهت تميهز توجهات النظهم
العلمية الراهنة بمؤسساتها العلمية ووسائلها العلمية وجماهيرها من المتلقين.
ولقد اكتسبت البعاد العلمية للعولمة قوة دفعها من قاعدة تكنولوجية عريضة نتجت
عهن التطورات التكنولوجيهة الفائقهة فهى حقول تكنولوجيها التصهال وتكنولوجيها العلم
وتكنولوجيها المعلومات .تلك التطورات التهى كانهت دائما هدفا لسهعى النسهان الدؤوب نحهو
تحق يق الت صال ش به الكا مل عن بُ عد ،والذى ي ستطيع من خلله تجاوز وتخ طى ال صعوبات
الت صالية الناشئة عن الحوا جز والحدود الجغراف ية المتعل قة بانتقال الت صال من مكان ل خر.
وال صعوبات الت صالية الناشئة عن العتبارات الم ساحية والزمن ية المتعل قة بخ صائص و سائل
الت صال ( إلكترون ية كا نت أم ورق ية ) .وال صعوبات الت صالية الناشئة عن العتبارات الفن ية
المتعلقة بمحدودية الموجات المتاحة بالطيف الكهرومغناطيسى المحيط بكوكب الرض.
وتمثلت ثمرة هذا السهعى التراكمهى فهى النجاح فهى تحقيهق التكامهل بيهن حقول
التكنولوجيات الثلث المسهئولة عهن عمليهة التصهال النسهانى ( تكنولوجيها التصهالت -
تكنولوجيا العلم -تكنولوجيا المعلومات ) .فمن خلل تحقيق التكامل بين هذه التكنولوجيات
على الم ستوى العضوى ،أ صبحت تم ثل -فى مجموع ها -بن ية ماد ية متكاملة لن قل الر سائل
التصالية العلمية المعلوماتية.
وقد أمكن تحقيق « التكامل التكنولوجى العضوى » من خلل اتجاه تكنولوجيا الوسائط
الناقلة إلى التكا مل عضويا في ما بين ها .ح يث تراب طت تكنولوج يا كوا بل اللياف الضوئ ية مع
تكنولوج يا ا ستغلل الط يف الكهرومغناطي سى مع تكنولوج يا القمار ال صناعية مع تكنولوج يا
التصالت الرقم ية؛ لكى تشكل شب كة إلكترونية متكاملة عضويا تمثلها الن -بش كل أولى -
البن ية الشبك ية الماد ية Hard wareلشب كة النتر نت ،و سيمثلها فى الم ستقبل المنظور بش كل
- 151 -
متكامل « الطريق السريع للمعلومات » كبنية متقدمة من اللياف الضوئية والقمار الصناعية
المترابطة معا.
ولقهد ألقهى التكامهل التكنولوجهى العضوى بظلله على تكنولوجيها الوسهائل ( أجهزة
التصال والستقبال والعرض )؛ مما أسفر عن تحقيق « التكامل التكنولوجى الهيكلى » في ما
يتعلق بتكنولوج يا الو سائل ،وأدى إلى حدوث تغيرات فى هيا كل وإمكانات و سائل العلم و قد
تمثلت هذه التغيرات فى التى:
دمصج الوسصائل :حيهث أسهفر التكامهل التكنولوجهى الهيكلى عهن إنتاج وسهائل العلم •
والتصهال والمعلومات فهى بنيهة هيكليهة إلكترونيهة واحدة ،أو منظومهة جهازيهة جماعيهة
متكاملة ،اتحدت فيهها وسهائل العلم الورقيهة واللكترونيهة معا ،بالضافهة إلى المكانات
التصالية والمعلوماتية .بحيث يتم -من خلل تلك البنية الهيكلية اللكترونية المدمجة -
اسهتقبال الرسهال الذاعهى والتليفزيونهى ،والصهحف والدوريات والكتهب ذات المواقهع
هجيلت
هورة ،والتسه
هرحيات المصه
هة على شبكات المعلومات ،والفلم والمسه
اللكترونيه
المسموعة ،واستقبال وإرسال المكالمات التليفونية والملفات النصية والرسومية.
• حركية الوسائل :حيث أدى التقدم التكنولوجى إلى ابتكار وسائل اتصالية إعلمية معلوماتية
محمولة ،تخرج بنطاق التعا مل التصهالى العل مى المعلوماتهى من الما كن المغل قة إلى
الما كن المفتو حة؛ وبالتالى تحولت تلك الو سائل من الش كل الثا بت إلى الشكال المحمولة
التى يسهل التعامل معها أثناء الحركة والتنقل وفى كافة المواقف والماكن.
ذكاء الوسصائل :فمهن خلل تكامهل تكنولوجيها المعلومات مهع تكنولوجيها العلم •
والتصالت ،اكتسبت الوسائل العلمية التصالية المعلوماتية القدرة على تحقيق رغبات
المسههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههتخدم
أو المتلقى .فمن خلل استخدام برامج المرشحات Filtersأو الجهزة الوقائية التى يمكنها
استقبال الرسائل واستبعاد أخرى ،بالضافة إلى إمكانية الرسال والستقبال اللى للرسائل
العلمية التصالية المعلوماتية دون وجود القائم بالتصال أو المتلقى .إن كل ذلك أضاف
كثيرا إلى إمكانات وسائل العلم ،بحيث باتت تتميز بالذكاء اللكترونى.
وبالتالى ..فل قد أ سفرت التطورات التكنولوج ية الفائ قة -ال سابق عرض ها فى مجالت
تكنولوج يا الت صالت وتكنولوج يا العلم وتكنولوج يا المعلومات -عن ات ساع نطاق انتشار
وسائل العلم فى المجتمعات؛ وبالتالى ارتفاع القدرات التكنولوجية للنظم العلمية ،حيث إن
- 152 -
منطق التطور التكنولوجى الصناعى يقود إلى تبنى سياسة وفورات النتاج الجماهيرى الكبير.
ال مر الذى يؤدى إلى النتاج الض خم والقي مة ال سعرية المنخف ضة ،وبالتالى انتشار المبتكرات
التكنولوج ية فى المجتمعات .ول قد أ سفر هذا المن حى عن ات ساع نطاق انتشار و سائل العلم
المتمثلة فهى أجهزة التليفزيون وأجهزة الريسهيفر الفضائيهة وأجهزة الراديهو وأجهزة الفيديهو
وأجهزة الكاسيت وأجهزة الكومبيوتر (فى قوالبها الثابتة أو المحمولة) ،بالضافة إلى الرتفاع
فى ح جم الن سخ الموز عة من ال صحف والدوريات والك تب وشرائط الفيد يو وشرائط الكا سيت
وأقراص الكومبيوتر ،علوة على انتشار دور العرض السينمائى ودور العرض المسرحى.
..ويوضح الجدول التالى اتساع نطاق انتشار وسائل العلم فى العالم -وخصوصا
الصحف والذاعة والتليفزيون -طبقا لخر الحصاءات المتاحة بمعرفة « مؤسسة اليونسكو
للح صاءات » Unesco Institute for statisticsالتاب عة لمنظ مة « اليون سكو » ،وذلك على
∗
النحو التالى :
أجهــــزة أجهـــزة الراديــو الصحـــــف اليـــوميــــة
التلفزيـون
عدد إجمالى عدد إجمالى عدد إجمال عدد
الجهزة عدد الجهزة عدد السنـــ النسخ ى الصح السـنـ الجهـــة
لكل أجهزة لكل ( أجهزة ة لكل ( عدد ف ة
ألف التلفزي )1000 الراديو )1000 النسخ اليومية
فـــرد ون فـــرد فـــرد (مليـو
(مليـو ن)
ن)
81 299 245 906 1970 107 392 7947 1970 العالم
240 1396 418 2432 1997 96 548 8391 1996
4.6 1.6 93 33 1970 12 4 199 1970 أفريقيــــــــا
60 44 216 158 1997 16 12 224 1996
20 42 81 171 1970 49 102 1630 1970 آســـــــــــيا
190 672 255 900 1997 66 229 3010 1996
205 144 465 327 1970 281 193 3133 1970 أوربـــــــــــا
446 325 729 531 1997 261 190 2115 1996
209 108 698 361 1970 170 88 2876 1970 أمريكـــــــــا
429 342 1017 811 1997 141 111 2939 1996
21 2.7 131 16 1970 17 2.1 105 1970 الدول
119 31 269 71 1997 36 9.2 140 1996 العربيــــــــة
Uneco Institute for statistics, Global statistics ) Culture & Communication (. Available at:
http: // portal. unesco. org /uis/ TEMPLATE / html / cult And Com / Table_ IV_ S_ 1.ht1...,
) 6 April 2003 (.
- 153 -
علوة على ذلك ..فقهد شهدت السهنوات العشهر الخيرة مهن القرن العشريهن ارتفاعا
متزايدا فى استخدام الكمبيوتر الشخصى على مستوى العالم ،حيث « ارتفعت أعداد الكمبيوتر
الشخصى عبر العالم من 98مليون كمبيوتر عام 1990إلى أكثر من 500مليون كمبيوتر عام
.)292(» 2000
وبالتالى ..فإن كهل مها سهبق يدفهع نحهو النتشار الواسهع المدى لوسهائل العلم فهى
المجتمعات ،باعتبارها القناة الموصلة للمعلومات العلم ية التى يوفرها المجت مع ،المر الذى
)(Unesco Institute for statistics, Facts and Figures 2000 ) Part 3 - culture and
292
= Communication (. P. 31. Available at: http: // Portal. Unesco. org / uis/ ev. Php? uRL_ ID
3830, ) 6 April 2003 (.
- 154 -
يعنى تصاعد القدرات التكنولوجية للنظم العلمية تدريجيا حتى تصل إلى حدها القصى الذى
يمكن أن نطلق عليه « مرحلة التشبع التكنولوجى العلمى ».
ول عل التطور التكنولو جى المت سارع ل يج عل من هذه المرحلة أمرا بع يد المنال ،بل
هى قيد التحقق ،نظرا لما يرتبه التكامل التكنولوجى الهيكلى من فرصة دمج الوسائل العلمية
كل ها فى بن ية جهاز ية إلكترون ية مدم جة ،بح يث لو تو فر ل كل أ سرة على و جه الرض جهاز
كمهبيوتر يرتبهط بخهط تليفون؛ فإن ذلك يعنهى إمكانيهة وصهولها إلى كافهة الوسهائل العلميهة
المتاحة فى العالم.
ويوضهح الجدول التالى وصهول بعهض الدول المتقدمهة إلى مرحلة التشبهع العلمهى
بالف عل ( تقريبا ) م نذ عام ،90/91في ما يتعلق بامتلك أجهزة التليفزيون ،وتحقيق ها لم ستويات
مرتف عة فى عدد أجهزة الك مبيوتر الم ستخدمة ،طبقا لح صاءات عام ،2000وذلك وفقا للن حو
التالى(:)293
عدد أجهزة الكمبيوتر نسبة امتلك السر
لكل ( )1000فرد لجهزة التليفزيون الـــــدولــــة
عام 2000 عام 1991 - 1990
585 98% الوليات المتحدة
..ولن يقتصر هذا التقدم التدريجى نحو مرحلة التشبع العلمى على الدول المتقدمة
ف قط ،بل سيمتد إلى كا فة دول العالم .إذ إن محدود ية المكانات القت صادية أو الثقاف ية ،وال تى
Statistics )1996( No. 1339. Available at: http: // www. census. gov, ) 6 April 2003 (.
- 155 -
يم كن أن تعوق ت صاعد القدرات التكنولوج ية للن ظم العلم ية إلى حد ها الق صى قد با تت -
وفقا ل سياسات وفورات الح جم ال كبير وانخفاض القي مة ال سعرية للمبتكرات التكنولوج ية؛ ووفقا
للنتشار المتصهاعد للتعليهم على مسهتوى العالم تأثرا بكافهة التحولت التهى تطرحهها ظاهرة
العولمة -فى مآلها إلى الزوال التدريجى ،بحيث يمكن لكافة المجتمعات الوصول فى المستقبل
المنظور إلى مرحلة النظم العلمية ذات القدرات التكنولوجية الكاملة.
وهذا يوضهح أن القدرات التكنولوجيهة للنظهم العلميهة فهى ظهل البعاد العلميهة
للعول مة وأبعاد ها ( ال سياسية والقت صادية والثقاف ية ) تند فع ن حو الت صاعد المت سارع ،بح يث
تصل فى المستقبل المنظور إلى حدها القصى.
ك ما يو ضح أيضا ..أن التطور التكنولو جى فى ح قل « الت صال الن سانى الجماهيرى
عن بُعد » كان يقود دائما عملية التصال نحو القتراب من أسلوب التصال شبه الكامل عن
بُعد ،والذى يتلفى كافة الفجوات التصالية التى كانت تصنعها الفواصل المكانية والجغرافية
والخ صائص الفن ية والزمن ية والم ساحية لو سائل العلم والت صال ...ف من الكتاب المخطوط
هى إلى
هو إلى التليفزيون الرضه
هة إلى الراديه
هحيفة الجماهيريه
إلى الكتاب المطبوع إلى الصه
التليفزيون الفضائى إلى شبكهة النترنهت ،كان كهل تطور مهن تلك التطورات يسهد فجوة فهى
محدودية التصال ،ويدفعه نحو أسلوب التصال النسانى الجماهيرى شبه الكامل عن بُعد.
- 156 -
المبحـث الثـالث
درجة شفافية النظم العلمية فى ظل البعاد العلمية
للعولمة
( القيود المعرفية فى النظم العلمية )
أدت البعاد السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية للعولمة إلى تطور درجة شفافية
النظم العلمية .حيث أدت العولمة السياسية -بدفعها نحو الديمقراطية ونمو المجتمع المدنى
وتقل يص سيادة الدولة -إلى تدع يم قوة الن ظم العلم ية وات ساع مدى ا ستقللها عن ال سلطة.
ك ما أدت العول مة القت صادية إلى تنا مى قوة المؤ سسات العلم ية وات ساع أ سواقها المحتملة،
وبالتالى ازدياد حجم جماهيرها المستهدفة .كما أدت العولمة الثقافية -بما تطرحه من مظاهر
للتو حد والتجزؤ في ما يتعلق بالثقا فة والحضارة والهو ية -إلى ن مو ملحوظ فى ح جم المعارف
النسانية المتداولة والتى تستهدف العالم ككل أو القوميات المتعددة .كما أدت العولمة التصالية
-بمها تطرحهه مهن مظاههر للتكتهل والنقسهام فيمها يتعلق بالنظهم العلميهة ومكوناتهها مهن
المؤ سسات العلم ية وو سائل العلم وجماه ير المتلق ين -إلى ازدياد مهول فى ح جم المواد
العلمية المتداولة على مستوى العالم.
ول قد أ سفر كل ما سبق عن عدد من التطورات ال تى أضا فت إلى إمكانات الر سائل
العلمية ،باعتبارها الطرف المعرفى الذى تشير نسبة المعرفة الكامنة فيه إلى درجة شفافية
النظم العلمية .وتمثلت تلك التطورات فى التى:
•0التضخصم الكمصى للرسصائل العلميصة :فلقهد أدت عولمهة التصهال الجماهيرى مهن خلل
المحطات الفضائية وشبكة النترنت ،إلى سريان فيض من الرسائل العلمية التى تنهمر
ل يل نهار من ش تى البقاع والرجاء .ح يث أ سفر التطور فى تكنولوج يا المعلومات عن
“ ظاهرة غيهر مسهبوقة ..فزيادة المعلومات تدفهع إلى المزيهد مهن تطور تكنولوجيها
المعلومات .وتطوير تكنولوجيا المعلومات يقود إلى توالد المعلومات ”( .. )294وهكذا.
•0ديناميكيصة الرسصائل العلميصة :حيهث توفهر شبكات المعلومات بقدراتهها الرقميهة رسهائل
ديناميك ية تحتوى على عنا صر ن صية ور سومية وفيديو ية و صوتية .و هو ما يض فى على
المحتوى العلمى قدرا كبيرا من الديناميكية تتمثل فى قدرته على التحول من شكل إلى
() محمود علم الدين ومحمد تيمور عبد الحسيب ،الحاسبات اللكترونية وتكنولوجيا التصال .ص .20 294
- 157 -
آخر بسهولة ،خلفا للستاتيكية والثبات التى كان يتميز بها المحتوى العلمى فى العقود
السابقة.
•0مرونة الرسائل العلمية :فلقد أدت المكانيات التفاعلية فى شبكات المعلومات إلى توفير
إمكانية اتفاق الرسائل العلمية مع رغبات المتلقى ،المر الذى وفر مرونة كبيرة كانت
مفتقدة فى العلم غير التفاعلى.
•0حرية انتقال الرسائل العلمية :حيث أدى البث التليفزيونى الفضائى المباشر إلى اختراق
حدود الدول ،وبالتالى ا ستحالة ممار سة الرقا بة على الر سائل العلم ية الفضائ ية القاد مة
من الدول الخرى .كما أدت فاعليات شبكة النترنت إلى صعوبة تحكم السلطات الوطنية
فى الطوفان المعلوماتى الذى توفره الشبكة .مما أتاح الفرصة لتوفير قدر كبير من حرية
انتقال الرسهائل العلميهة متخطيهة فهى ذلك الحدود الدوليهة والحواجهز الجغرافيهة والقيود
القانونية.
ولقد دفعت كل هذه التطورات التى طرأت على إمكانات الرسائل العلمية نحو إرغام
النظم العلمية على الكشف عن بعض المعلومات التى كانت تريد حظرها؛ بسبب نشرها من
خلل نظم إعلمية أخرى عبر البث الفضائى المباشر أو عبر شبكة النترنت .المر الذى دعم
من درجة شفافية النظم العلمية ،ولكن بنسبة بسيطة ،حيث إن عائق اللغة يقلص من حجم
التعرض للر سائل العلم ية الجنب ية ،بالضا فة إلى عدم قدرة الن ظم العلم ية الجنب ية على
متاب عة كا فة القضا يا المحل ية فى البلدان الخرى؛ لهتمام ها فى المقام الول بمتاب عة قضا يا
البلدان التى تنتمى إليها.
ول يمكهن تجاههل أن كافهة تلك التطورات قهد أدت إلى تدعيهم « درجهة شفافيهة النظهم
العلميهة »؛ ومهن ثهم تدعيهم القدرات المعرفيهة لتلك النظهم ،مقارنهة بقدراتهها المعرفيهة فهى
الماضى القريب .ولكن الواقع يقرر أن ثمة قيودا معرفية مازالت تمارس دورها كحواجز فى
و جه ال سريان ال حر والوا فى للمعر فة الكام نة فى المعلومات العلم ية المنشورة ،ال مر الذى
يؤثر بالسلب على درجة شفافية النظم العلمية؛ وبالتالى على القدرات المعرفية لتلك النظم.
حيهث ل يمكهن الرتفاع بالقدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة لكهى تتسهاوى مهع قدراتهها
التكنولوجيهة ،إل مهن خلل الرتفاع بدرجهة شفافيهة النظهم العلميهة إلى حدهها القصهى،
أو بعبارة أخرى النخفاض بالقيود المعرفيهة على المعلومات العلميهة فهى المجتمهع إلى
ال صفر ،وذلك وفقا للعل قة الرياض ية -ال سابق توضيح ها -ب ين القدرات المعرف ية والقدرات
التكنولوجيهة ودرجهة شفافيهة النظهم العلميهة .وبالتالى فإن مهمهة محاصهرة القيود المعرفيهة
- 158 -
الكائنة بالنظم العلمية والعمل على إلغائها ،تُعد مهمة ضرورية للرتفاع بالقدرات المعرفية
للنظم العلمية حتى تتساوى مع قدراتها التكنولوجية.
وتمارس القيود المعرف ية تأثير ها على القدرات التكنولوج ية للن ظم العلم ية ب صورة
غيهر مباشرة ،وذلك مهن خلل إعاقتهها للنتشار الطهبيعى للمؤسهسات العلميهة فهى المجتمهع
نتيجة ربط خطوات إنشائها بالعديد من الشروط والمتطلبات العسيرة؛ مما يؤدى إلى انخفاض
عدد المؤ سسات العلم ية بالمجت مع وضعف ها ،وبالتالى انخفاض ن سبة انتشار و سائل العلم
فى ذلك المجتمع؛ ومن ثم انخفاض القدرات التكنولوجية للنظام العلمى.
بينمها تمارس القيود المعرفيهة تأثيرهها بصهورة مباشرة على درجهة شفافيهة النظهم
العلمية ،وذلك من خلل قيامها بحجب نوعيات معينة من المعلومات العلمية عن النشر،
المر الذى يؤدى إلى انخفاض نسبة المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية المنشورة؛ ومن ثم
انخفاض درجة شفافية النظم العلمية.
ويوضح التحليل التاريخى لمدى فاعلية القدرات المعرفية للنظم العلمية أن محدودية
نسبة انتشار وسائل العلم (تاريخيا) فى المجتمعات ،أدت إلى اللقاء بمسئولية النخفاض فى
القدرات المعرفيهة لتلك النظهم على عاتهق قدراتهها التكنولوجيهة المحدودة ،التهى لم تكهن تسهمح
بتكوين مردود معرفى مرتفع للمعلومات العلمية المنشورة فى هذه المجتمعات.
ول كن مع الوا قع الجد يد الذى تطر حه العول مة بأبعاد ها ال سياسية والقت صادية والثقاف ية
والعلمية ،فإن المكانية التكنولوجية المتاحة الن للنظم العلمية للوصول إلى مرحلة التشبع
العلمى التكنولوجى أدت إلى انتشار وسائل العلم فى المجتمعات؛ ومن ثم الرتفاع بالقدرات
التكنولوجية للنظم العلمية مقارنة بالماضى .وبالتالى فقد أدى هذا إلى توارى النطباع السائد
تاريخيا حول مسهئولية القدرات التكنولوجيهة المحدودة عهن انخفاض القدرات المعرفيهة للنظهم
العلميهة ،وانتقال تلك المسهئولية إلى القيود المعرفيهة السهائدة فهى المجتمهع ،والتهى تؤدى إلى
انخفاض درجة شفافية النظم العلمية؛ ومن ثم انخفاض القدرات المعرفية لتلك النظم.
وتتكون القيود المعرفية الكائنة ببنية النظم العلمية الراهنة من نوعين من القيود:
• القيود المجتمعية.
- 159 -
• القيصود الذاتيصصصصة.
وسنعرض لهذه القيود بنوعيها على النحو التالى:
وبالتالى فإن « القيود المجتمعية » تنقسم وفقا لهذا التوصيف إلى نوعين:
• القيود التشريعية.
• القيصصود العمليصصصة.
وسنعرض لكل من النوعين على النحو التالى:
بالتصال وجماهير المتلقين ) ،ممارسة حريتها فى التعبير .وتنقسم هذه الحقوق وفقا لمجال عملها إلى :الحقوق العلمية العامة،
والحقوق العلمية الخاصة ،والحقوق العلمية المساعدة.
هة
هق المعرفه
هن مفهوم حه
هرى مه هى المصه هف النظام العلمههر المعلومات وموقههد محفوظ ،عصه هر :محمهانظه
( دراسة نظرية فى الحقوق العلمية للنسان ) .رسالة ماجستير غير منشورة ،كلية الداب ،جامعة السكندرية،1998 ،
صفحات .184 - 174
تشيهر " الحقوق المضادة للحقوق العلميهة " إلى مجموعهة الحقوق الخاصهة بالفرد أو المجتمهع والتهى تسهتهدف فرض ∗
نطاق لحماية الفرد أو المجتمع من تدخل المؤسسات العلمية أو اقتراب الجماهير .وبالتالى فهى تنقسم إلى كل من :الحقوق
المجتمعية المضادة للحقوق العلمية ،والحقوق الفردية المضادة للحقوق العلمية.
. انظر :محمد محفوظ ،المرجع السابق .صفحات 187 - 185
- 160 -
وبالتالى فإن « القيود العمليهة » تنشهأ فهى المجتمعات نتيجهة شيوع مفهوم السصرية،
وعدم تطبيق تشريعات تكبّل ذلك المفهوم ،وتضمن حرية الوصول والطلع والحصول على
المعلومات.
وتواجهه المؤسهسات العلميهة فهى المجتمعات التهى تخلو مهن قوانيهن ضامنهة لحريهة
المعلومات ،مأزق عدم إمكانية الحصول على المعلومات المشروعة ،والتى تخفيها الحكومات
أو المؤسسات أو الفراد تحت طبقات من السرية.
- 161 -
ولعل الواقع يقرر ..أن فاعلية القيود العملية فى أى مجتمع -من خلل شيوع مفهوم
السهرية وغياب مفهوم العلنيهة -تؤدى إلى ارتفاع درجهة عدم اليقيهن ،وإلى اتسهاع مسهاحة
الغيب حول شئون الواقع لدى أفراد المجتمع ،بالضافة إلى سيادة قناعات عدم الثقة فى أهلية
الجماهيهر للمعرفهة ،إذ إن ” السهرية تُعتهبر دائما نقيضا للتعهبير الحهر وضده .ولعنهة على
الديمقراطية المفتوحة .كما إنها تُعتبر دافعا غريزيا لدى الحكومة .فمنذ بدء وجود المة ظلت
ال سلطة التنفيذ ية تض غط بشدة وبا ستمرار على حقوق ها الد ستورية والفل سفية فى تكم يم الت عبير
ح تى تح مى أ سرار الدولة “( .)295وبالتالى فإن تدع يم حق الجماه ير فى المعر فة -فى ظل
آليات السرية -يدفع إلى التساؤل حول ” كيف يمكن تكوين تقنيات جديدة تحقق توازنا جديدا
فى السيطرة على المعلومات بين السلطات المركزية والجمهور بمعناه الواسع “(.)296
وربما يبدو من الواضح -فى ظل التقدم التكنولوجى الهائل -أن السلطات الحكومية
با تت تف قد كثيرا من أساليب الستئثار بالمعلومات ،وخ صوصا فى ظل التقدم المطرد لشبكات
المعلومات ،وسهولة وصول الجماهير إلى المواقع المعلوماتية .ولكن على الرغم من ذلك فإن
ال سرية ال تى تفرض ها الشركات والمؤ سسات على ب عض معلومات ها الخا صة ال تى ل تحمي ها
القوانين تحت دعوى عدم النيل من مراكزها التنافسية فى السواق .بالضافة إلى السرية التى
تفرضها الحكومات على كم غير قليل من المعلومات التى ل تمتد إليها قوانين حماية السرار
العامة تحت دعوى انتمائها إلى المعلومات المتعلقة بالمن القومى وأسرار الدولة .علوة على
السهرية الخاصهة ببعهض معلومات الفراد التهى ل تحميهها القوانيهن تحهت دعوى حمايهة
الخ صوصية ..إن كل تلك الحوا جز المتتاب عة من ال سرية تج عل من ال صعب التحدث عن ”
مجت مع المعلومات ..الذى أ صبح من ال صعب إدرا كه فى ظل قوا عد ال سرية المتنام ية على
المعلومات ،إل لو افترض نا أن الحياة قابلة للتقلص إلى مجرد « بايتات » ،بح يث ت صبح وحدة
واحدة من المعلومات أك ثر نفعا للديمقراط ية من غير ها “( .)297وبالط بع فإن ل فظ ( غير ها )
يعود على المعلومات المحظورة تحت بند السرية.
وفهى الواقهع فإن السهرية ترتبهط -فهى أغلب الحوال -بالفسهاد وبالتالى ” فإن نظهم
الحكم المخادعة ( أو المؤسسات أو الفراد ) هى التى تؤيد السرية لخفاء ممارساتها الملتوية
وتعاملتها المريبة؛ لعتقادها بأن السرية تؤدى إلى التعجيل بإنجاز السياسات الحكومية .وذلك
() رودنى أ .سمولل ،حرية التعبير فى مجتمع مفتوح .ترجمة كمال عبد الرؤوف ،ص .447 295
() و .رسل نيومان ،مستقبل الجمهور المتلقى .ترجمة محمد جمول ،ص .61 296
)(Downing, John, “ Government Secrecy and the media in the united states and Britain, ” In
297
Peter Golding, & Murdock, Graham & Schlesinger, Philip, communicating Politics
) Mass communication and the Political process (. p. 170.
- 162 -
ا ستنادا إلى عدم الث قة فى اختيارات الجماه ير .ال مر الذى يبرر الممار سة ال سرية في ما يتعلق
بكافة الشئون العامة “(.)298
وبالتالى فطالمها ظلت قيود السهرية تقلص القدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة ،فإن
” مسهألة ،متهى تسهتطيع الدولة ..أن تتدخهل لفرض الحظهر على مضمون التصهالت ،سهتظل
م سألة مركز ية من الم سائل ال تى تش غل الحق بة الحدي ثة “( .)299وانطلقا من هذا ..ي صبح من
الهام جدا التأك يد على الحقي قة المتمثلة فى ” أن فكرة مجت مع المعلومات تع نى أن هذا المجت مع
يعتمهد على اسهتخدام المعلومات ،وليهس على اعتبار أن هذا المجتمهع ينتهج المعلومات فحسهب
”(.)300
() أنتونى ديبونز وأسترهورن وسكوت كرونينويز ،علم المعلومات والتكامل المعرفى .ترجمة أحمد أنور بدر ومحمد فتحى 298
() نعوم تشومسكى ،ردع الديمقراطية .ترجمة فاضل جتكر ،ص .396 300
- 163 -
المستمر بينهما .ويمكن رؤية هذا التفاعل من خلل رغبة كل النظامين فى المحافظة على النظام
الخر ،وكذلك الشتراك فى انتاج الرسالة العلمية .حيث نجد أن العضاء فى قمة الجهازين قد
يحتفظون باتصهالت مسهتمرة بينهمها تهدف إلى تنظيهم العلقات فيمها بينهمها ،أو لحهل أوجهه
ال صراعات المحت مل تواجد ها “ ( .)301ول تقت صر علقات ال سيطرة ب ين ال سياسيين ( الحكومي ين
أو الحزبي ين ) وب ين المؤ سسات العلم ية على العلقات غ ير الر سمية ،وإن ما تم تد إلى علقات
السيطرة الرسمية والمعلنة التى يمارسونها على المؤسسات العلمية الحكومية أو الحزبية .والتى
قد تكون مفهومة إذا اقتصرت على تخصيص مساحات وبرامج لعرض وجهات النظر الحكومية
والحزب ية .ولكن ها ل يم كن أن تكون مفهو مة إذا تور طت فى م نع ن شر وجهات الن ظر الخرى
المضادة للحكومة أو الحزب ،أو إذا تورطت فى تحريف مضامين الخبار بما يتلءم مع توجهاتها
السهياسية ..ونفهس المهر ينطبهق على علقات السهيطرة بيهن المؤسهسات الخاصهة والمؤسهسات
العلميهة .والتهى تتهم مهن خلل العل قة غيهر الرسهمية ،أو العل قة الرسهمية النابعهة مهن ملكيهة
المؤسسة الخاصة للمؤسسة العلمية وتجنيدها لخدمة أهدافها التجارية أو الصناعية أو الربحية.
() بسيونى إبراهيم حمادة ،وسائل العلم والسياسة (دراسة فى ترتيب الولويات) .ص .293 301
() بيير بورديو ،التليفزيون وآليات التلعب بالعقول .ترجمة درويش الحلوجى ،ص .39 302
() أما نى ال سيد فه مى " ،أ ثر الممار سة العلم ية للعامل ين فى أخبار التليفزيون على اتجاهات هم ن حو الع مل " ،مجلة البحوث 303
العلمية .كلية اللغة العربية بالقاهرة -جامعة الزهر ( ،العدد ،5يوليو ،) 1996اقتبسه حسن عماد مكاوى وليلى حسين
السيد ،فى التصال ونظرياته المعاصرة ،ص .180
() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد ،التصال ونظرياته المعاصرة .ص .180 304
وعلى الر غم من أن الكيانات المؤ سسية العلم ية ال صغيرة ال تى أتا حت ل ها التكنولوج يا
الحديثة أن تتواجد بأقل قدر من التكلفة ،يمكن أن توازن -فى مجموعها -قوة الحتكارات ،إل
أن رغ بة بعهض تلك الكيانات فهى إضفاء نوع من التميهز على رسهائلها العلم ية المتخصهصة؛
يدفعهها إلى فرض رسهوم خاصهة أو اشتراطات معينهة للطلع على مواقعهها بالنترنهت أو
منشورات ها .بح يث تؤدى تلك القيود إلى ” خلق نوع من الندرة الم صطنعة ح تى ت صبح المعلو مة
سهلعة تخضهع لقوانيهن العرض والطلب “( .)306وبالتالى فإذا كانهت الكيانات الكهبيرة تحتكهر سهوق
الر سائل العلم ية العا مة؛ فإن الكيانات ال صغيرة تتحول ل كى تحت كر سوق الر سائل العلم ية
المتخصصة .وبهذا تصبح القدرات المعرفية للنظم العلمية نهبا للحتكارات الكمية والكيفية.
للمزيد حول مفهوم " الجمهور العليم " ومفهوم " السوق الحرة للفكار "
ولعل هذا السلوب يمثل أبرز صور التضليل العلمى ،فعندما ” يعمد مديرو أجهزة
العلم إلى طرح أفكار وتوجهات ل تتطا بق مع حقائق الوجود الجتما عى .فإن هم يتحولون
إلى سهائسى عقول .ذلك أن الفكار التهى تنحهو عهن عمهد إلى اسهتحداث معنهى زائف ،وإلى
إنتاج و عى ل يسهتطيع أن ي ستوعب بإراد ته الشروط الفعل ية للحياة القائمهة أو أن يرفض ها،
سواء على المستوى الشخصى أو الجتماعى ،ليست فى الواقع سوى أفكار مموهة أو مضللة
”(.)309
إن قيود الجمهور الموجه هى النتيجة النهائية لوضع الحواجز والسدود -دون سند من
القانون -حول القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية .بح يث تتحول الجماه ير ذات ها -صاحبة
الحق فى المعرفة -إلى أكبر عدو لهذه المعرفة.
د -القيود الفلسفية:
تشيهر القيود الفل سفية إلى القيود التهى تمارسهها المؤ سسات العلم ية بمبادرة ذاتيهة منهها
لحظر نسبة معينة من المعرفة الكامنة فى المعلومات الخارجة منها إلى جماهير المتلقين ،وذلك
لحماية بعض المصالح المجتمعية ،التى تعتبرها المرجعية الفلسفية -التى يتبناها النظام العلمى
-جديرة بالحما ية .علوة على ذلك ..فغالبا ما ت ستخدم المؤ سسات العلم ية مبرر المرجع ية
الفلسفية التى يتبناها النظام العلمى لتأويل استخدامها للقيود الذاتية الخرى .بحيث ل تعترف تلك
المؤسسات بممارستها لقيود السيطرة الحكومية أو الحزبية أو المؤسسية أو قيود الملكية الحتكارية
أو قيود الجمهور الموجه استجابة لمصالح أو ضغوط تلك الجهات ،وإنما تدّعى ممارستها استجابة
للقيود الفلسفية النابعة من المرجعية الفلسفية التى يتبناها النظام العلمى.
---------------------------------------------------------
وبناءا على مها سهبق ..يتضهح أن التأثيهر الذى تمارسهه كهل مهن القيود المعرفيهة
( المجتمعيهة أو الذاتيهة ) يؤدى إلى تقليهص درجهة شفافيهة النظهم العلميهة أو قدراتهها
التكنولوجية؛ ومن ثم تقليص القدرات المعرفية لتلك النظم.
ول كن ..على الر غم من القوة الملحوظة للقيود المجتمع ية لعتماد ها على قوة المجتمع
التشريعيهة ،إل أن القيود الذاتيهة تبدو أكثهر خطورة على القدرات المعرفيهة للنظهم العلميهة،
وذلك انطلقا من أن القيود الذات ية ت تم ممار ستها وفقا ل ساليب م ستترة وغ ير مباشرة ي صعب
ملحظتها ،بخلف القيود المجتمعية التى يسهل ملحظتها؛ لطبيعتها الملموسة.
() هربرت أ .شيللر ،المتلعبون بالعقول .ترجمة عبد السلم رضوان ،ص .7 309
- 166 -
() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد ،مرجع سابق .ص .350 - 348 310
...إن العرض السابق للنظريات الموض حة لل ساليب العمل ية لممار سة القيود الذات ية
يوضح الدوار التى يمكن أن تمارسها المؤسسات العلمية أو القائم بالتصال لتقليص درجة
شفاف ية الن ظم العلم ية؛ و من ثم تقل يص قدرات ها المعرف ية .وتن بع خطورة هذه ال ساليب من
طبيعة ممارستها التى تتم خلف جدران المؤسسات العلمية ،ومن طبيعة خلفيتها الفكرية التى
تستند إلى المرجعية الفلسفية التى يتبناها النظام العلمى.
() بسيونى إبراهيم حمادة ،مرجع سابق .ص .278 - 277 312
() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد ،مرجع سابق .ص .128 313
ولقهد تهبين مهن رصهد التطورات التكنولوجيهة فهى الواقهع العلمهى أن القدرات
التكنولوجيهة للنظهم العلميهة تندفهع نحهو التصهاعد المتسهارع -فهى ظهل البعاد السهياسية
والقت صادية والثقاف ية والعلم ية للعول مة -إلى ال حد الذى سيتيح لى مجت مع فى الم ستقبل
المنظور الوصهول إلى مرحلة التشبهع التكنولوجهى العلمهى ،والتهى تصهل فيهها القدرات
التكنولوجية لى نظام إعلمى إلى حدها القصى.
كمها تهبين مهن الدراسهة أن « درجهة شفافيهة النظهم العلميهة » قهد ارتفعهت نسهبيا
مقارنهة بالماضهى القريهب -تأثرا بالبعاد السهياسية والقتصهادية والثقافيهة والعلميهة
للعولمهة -ممها أدى إلى التضخهم الكمهى للرسهائل العلميهة ،وديناميكيهة ومرونهة تلك
الرسهائل ،وحريهة اختراقهها للحدود الدوليهة والحواجهز الجغرافيهة والقيود القانونيهة .المهر
الذى أرغم النظم العلمية على الكشف عن بعض المعلومات التى اعتادت حظرها ،نظرا
لنشرها فى نظم إعلمية أخرى عبر البث الفضائى المباشر أو عبر شبكة النترنت .ولكن
نظرا لوجود عائق اللغهة وعائق صهعوبة المتابعهة الدقيقهة للقضايها المحليهة بمعرفهة نظهم
إعلم ية أجنب ية ،فإن در جة شفاف ية الن ظم العلم ية ستظل تعا نى من التقلص ،ل يس ف قط
بسبب تلك المؤثرات الخارجية؛ وإنما أيضا بسبب القيود المعرفية التى توجد فى بنية تلك
النظم ،مما يؤدى إلى الحد من درجة شفافيتها ،ومن ثم الحد من قدراتها المعرفية.
ولقد استحدثت الدراسة تصنيفا للقيود المعرفية التى تؤدى إلى تقليص درجة شفافية
النظم العلمية وقدراتها التكنولوجية ،ومن ثم تقليص قدراتها المعرفية .حيث تم تقسيمها
- 169 -
إلى التهى :القيود المجتمع ية وتتكون من ( قيود تشريع ية وقيود عمل ية ) ،والقيود الذات ية،
حيث يفرض المجتمع القيود المجتمعية فى حين تفرض المؤسسات العلمية القيود الذاتية.
ولقهد تهبين أنهه رغهم القوة الملحوظهة للقيود المعرفيهة المجتمعيهة لعتمادهها على قوة
المجتمهع التشريعيهة ،إل أن القيود المعرفيهة الذاتيهة تبدو أكثهر خطورة على القدرات المعرفيهة
للنظم العلمية ،وذلك انطلقا من أن القيود الذاتية تتم ممارستها وفقا لساليب مستترة وغير
مباشرة يصعب ملحظتها ،بخلف القيود المجتمعية التى يسهل ملحظتها لطبيعتها الملموسة.
ومهن ثهم فقهد قدمهت نتائج ذلك الفصهل الجابهة على التسهاؤل الول مهن تسهاؤلت
الدراسة ،والذى ينص على التالى:
« ما هو ال ثر الذى تمار سه عول مة الت صال على المتغيرات الكائ نة ببن ية الن ظم
العلمية الراهنة ،ومن ثم على وظيفتها فى المجتمع؟ »
وتمثلت تلك الجابة فى التالى:
تمارس عولمصة التصصال أثرا غيصر متوازن على المتغيرات الكائنصة فصى بنيصة النظصم
العلميصة ،بمصا يؤدى إلى تصصاعد قدراتهصا التكنولوجيصة بمعدلت أكثصر تسصارعا مصن تصصاعد
درجة شفافيتها ،وذلك نتيجة الدور السلبى الذى تمارسه القيود المعرفية فى بنية تلك النظم.
..ولكهن ..إذا كانهت القيود المعرفيهة تؤدى إلى انخفاض القدرات المعرفيهة للنظهم
العلميهة ،فإنهه يصهبح مهن الضرورى التعرف على الخلفيات الفكريهة التهى تتيهح لتلك القيود
اسهتمرار البقاء فهى بنيهة تلك النظهم .وهذا مها سهيدور حوله موضوع الفصهل الخامهس حول
المرجعيات الفلسفية للنظم العلمية الراهنة ،تلك المرجعيات التى تمثل الخلفيات الفكرية للنظم
العلمية.
- 170 -
الفصـل الخامس
المرجعيات الفلسفية للنظم العلمية
الراهنة
المبحـث الول
نظريات النظم العلمية
تنتظم نظريات النظم العلمية فى تصنيفات متعددة أسفرت عنها العديد من الدراسات
التى حاول كل منها توصيف النظم العلمية ،ومحاولة وضع الحدود والخطوط الفاصلة التى
تميهز نظاما إعلميا مها عهن النظام الخهر .ولقهد تمثلت أههم تصهنيفات النظهم العلميهة فهى
المحاولت التالية:
)(Severing werner J. & Thankard, James W., Communication Theories ) origins, Methods,
315
Uses (. p. 210.
() جون ميرل ورالف لوينشتايههن ،العلم وسههيلة ورسههالة .ترجمههة سههاعد خضههر العرابههى الحارثههى، 316
ص .241 - 240
- 172 -
حيث حل مفهوم السلطوية الجتماعية محل الشيوعية؛ ليستوعب بذلك كل دول الكتلة الشرقية
والنظم العلمية الموجهة فى الدول النامية .كما تم استبعاد مفهوم المسئولية الجتماعية؛ ليحل
محله كل من مفهو مى الليبرال ية الجتماع ية والمركز ية الجتماع ية ،ح يث تتض من الليبرال ية
الجتماعية حدا أدنى من القيود والسيطرة الحكومية لدعم قنوات التصال وتأكيد الروح العملية
للفلسفة الليبرالية ،بينما تتضمن المركزية الجتماعية ملكية حكومية أو عامة لقنوات التصال
المحدودة لتأكيد الروح العملية للفلسفة الليبرالية.
وعلى الرغم من أن ما أكده هذا التصنيف -من وجود اختلفات بين تلك النظم حول
مفهو مى الحر ية والم سئولية -إل أ نه ” أشار إلى وجود سبعة قوان ين قابلة للتوا جد فى كل
النظمة العلمية مهما تعارضت توجهاتها وهى:
فهى كهل النظمهة العلميهة ،أجهزة العلم وكلء هؤلء الذيهن بيدههم السهلطة السهياسية -
والقتصادية.
إن محتوى أجهزة العلم يعكس دائما مصلحة هؤلء الذين يمولون العلم. -
كل أجهزة العلم تقوم على معت قد الت عبير ال حر ،وإن كان هذا الت عبير ي تم تعري فه بطرق -
مختلفة.
كل أجهزة العلم تؤ يد مبدأ الم سئولية الجتماع ية ،وتعلن أن ها تل بى حاجات الش عب -
وتخدم مصالحه.
كهل نظام مهن أنظمهة العلم الثلثهة ينظهر إلى إعلم النظاميهن الخريهن على أنهه -
منحرف.
تقوم مدارس الصهحافة بنقهل أيدلوجيات أنظمهة مجتمعاتهها ،وتتولى كذلك نقهل قيمهها. -
وبالتالى فهى تساعد الذين يمتلكون السلطة فى إبقاء سيطرتهم على أجهزة العلم.
الممارسات العلمية تختلف دائما عن النظرية “(.)317 -
() جى .هربرت ألتشول ،سيمفونية العلم ( نظام للتصنيف ) .عرض وترجمة زكى الجابر ،ص .33 - 32 317
- 173 -
حيث تسعى النظرية التنموية إلى توصيف وضع وسائل العلم فى الدول النامية وتوجيهها
ل كى تخدم عمل ية التنم ية .بين ما ” تبرز نظر ية المشار كة الديمقراط ية ،كرد ف عل للطا بع التجارى
والتجاه إلى الحتكار فى وسائل العلم الخاضعة للملكية الفردية ،وبيروقراطية المؤسسات الذاعية
ال تى أقي مت على أ ساس الم سئولية الجتماع ية .وبالتالى فإن و سائل العلم ي جب أن تو جد بش كل
أ ساسى من أ جل جماهير ها ،ول يس من أ جل منظمات و سائل العلم أو المهني ين .وأن الجماعات
والمنظمات والمجتمعات المحليهة يجهب أن تكون لهها وسهائل إعلمهها الخاصهة .وأن أفضهل أشكال
العلم هى وسائل العلم الصغيرة التى يمكن من خللها تحقيق التفاعل أو المشاركة السياسية.
وأن التصال مهم جدا لدرجة ل يمكننا معها تركه للمهنيين وحدهم “(.) 319
” وتدا فع نظر ية المشار كة الديمقراط ية عن د عم و سائل العلم للتعدد الثقا فى إلى
أبعد مدى ،حيث ينبغى أن تُستخدم وسائل العلم لتمثيل الجماعات المتعددة .وعلى خلف
نظرية المسئولية الجتماعية التى تفترض أن وسائل العلم يمكن أن تؤدى تلك الوظيفة،
فإن نظر ية المشار كة الديمقراط ية ت ستدعى -من أ جل تنم ية البداعات -و سائل العلم
ال صغيرة ال تى يم كن إدارت ها مباشرة بوا سطة جماعات صغيرة ،ينب غى على الحكو مة أن
تقدم ل ها الد عم والعانات والبرا مج التدريب ية ،لتمك ين أعضاء ها من تعلم كيف ية إدارة تلك
الوسائل العلمية “( .)320
() حمدى حسن ،الوظيفة الخبارية لوسائل العلم .ص .157 319
نظصم إعلميصة حرة :ويدخهل فهى إطارهها -بدرجات متفاوتهة فهى الحريهة ( -النظهم •
ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههة
الليبراليه
أو أنظمة السوق ،النظم المسئولة اجتماعيا أو الليبرالية الجتماعية أو المركزية الجتماعية
أو الديمقراطية الجتماعية ،نظام المشاركة الديمقراطية ).
)( 321سليمان صالح " ،التجاهات العلمية الحديثة لمفهوم حرية الصحافة " ،مجلة الدراسات العلمية ( .عدد ،93أكتوبر -
ديسمبر ،) 1998ص .92
322
)(Black, Jay & Bryant, Jennirgs, Introduction to Media Communication ) Understand the
Past, experience the present, marvel at the future (. p. 489.
- 175 -
ولقهد قامهت تلك التصهنيفات بتصهنيف النظهم العلميهة وفقا لمحددات سهياسية
أو اقتصهادية أو اجتماعيهة أو ثقافيهة .حيهث تشيهر المحددات السصياسية إلى علقهة النظام
العل مى بال سلطة من ح يث در جة التح كم وال سيطرة واليدلوج ية ال سائدة والحر ية المتا حة.
وتشيهر المحددات القتصصادية إلى أنماط الملكيهة السهائدة للنظهم العلميهة وأسهاليب إدارتهها
وتمويلهها .وتشيهر المحددات الجتماعيصة إلى الدوار الجتماعيهة المنوطهة بالنظهم العلميهة.
بينما تشير المحددات الثقافية إلى الوظائف العلمية المتعلقة بنشر المعلومات والراء ومدى
كفالة النظم العلمية للتنوع والتعدد.
وإذا كانت النظم العلمية الموجهة تبدو كأحد أدوات السلطة ،من حيث كونها أدوات
دعائ ية لن ظم الح كم وللترو يج اليدلو جى ود عم خ طط التنم ية فى المجت مع .بين ما تبدو الن ظم
العلم ية الحرة ك سلطة راب عة فى مواج هة سلطات الدولة الثلث ،ت ستهدف م صلحة المجت مع
ومصلحة كيانها الذاتى ،باعتبارها مؤسسات اقتصادية تبغى الربح من خلل نشر المعلومات
والترويهج العلنهى .فإنهه يمكهن القول إذن ..أن النظهم العلميهة الموجههة تسهتهدف توجيهه
المجت مع من أ جل م صلحة الدولة ،بين ما الن ظم العلم ية الحرة ت ستهدف ت سليط الضوء على
أنشطة الدولة من أجل مصلحة المجتمع.
ولكهن نظرا لنهه ل وجود للدولة بدون المجتمهع ،فإن كافهة النظهم العلميهة الحرة
أو الموجههة تحاول أن تترجهم ممارسهاتها العلميهة فهى إطار التزامهها تجاه المجتمهع .وكمها
أو ضح « ألتشول » ” فإن كل أجهزة العلم تؤ يد مبدأ الم سئولية الجتماع ية وتعلن أن ها تل بى
حاجات الشعب وتخدم مصالحه “(.)323
وبالتالى فإن نظريهة المسهئولية الجتماعيهة تبدو وكأنهها تقدم الطار النظرى الفلسهفى
الذى يصلح لكى تستند إليه كافة النظم العلمية الحرة والموجهة لتبرير ممارساتها العلمية.
المر الذى يطرح أهمية الدراسة النقدية لتلك النظرية ،والتى تمثل المرجعية الفلسفية الرئيسية
التهى تسهتند إليهها معظهم النظهم السهياسية فهى تبريرهها لممارسهاتها لتقليهص القدرات المعرفيهة
لنظمها العلمية.
وسهنعرض فهى المبحهث التالى للسهس النظريهة التهى قامهت عليهها نظريهة المسهئولية
الجتماع ية ،تمهيدا لخضاع تلك ال سس للدرا سة النقد ية للتعرف على مدى ملءمت ها للبعاد
السياسية والقتصادية والثقافية والعلمية للعولمة ،ومدى جدارتها بالتبنى باعتبارها مرجعية
فلسفية تهتدى بها النظم العلمية الراهنة فى تبرير تقليصها لقدراتها المعرفية.
- 177 -
المبحـث الثـانى
نظرية المسئولية الجتماعية
( رؤيـــة نقــديــة )
” وأو صت اللج نة الحكو مة بت طبيق الضمانات الد ستورية لحر ية ال صحافة ،وأن تع مل
الحكومهة على تسههيل ظهور وسهائل إعلم جديدة ،واسهتمرار المنافسهة بيهن الوسهائل الكهبيرة
القائمة “(.)325
وبالتالى فإن ” التصهور النظرى الذى بدأتهه لجنهة هتشنهز تبلور فيمها بعهد فهى كتابات
الصحفيين والمهتم ين بالعلم ،ليكون أ ساسا للنظر ية التى عُر فت فيما ب عد بنظر ية الم سئولية
الجتماعية “(.)327
() محمود علم الدين ،الصحافة فى عصر المعلومات ( الساسيات والمستحدثات ) .ص .82 325
() محمد بن سعود البشر ،المسئولية الجتماعية فى العلم .ص .20 326
() سليمان صالح ،مفهوم حر ية ال صحافة ( درا سة مقار نة ب ين جمهور ية م صر العرب ية والممل كة المتحدة فى الفترة من 328
1945إلى .) 1985رسالة دكتوراه غير منشورة ،كلية العلم ،جامعة القاهرة ،1991 ،ص .8 - 7
- 179 -
وقهد طرحهت نظريهة المسهئولية الجتماعيهة بعهض الحلول لتحقيهق مبادئ المسهئولية
الجتماعية وتتمثل فى(:)329
التنظيهم الذاتهى لمهنهة الصهحافة مهن خلل إصهدار مواثيهق لحمايهة حريهة التحريهر •
والممارسة الصحفية.
إصدار قوانين للحد من الحتكار. •
إنشاء مجالس للصحافة. •
إنشاء نظام لتقديم إعانات للصحف بهدف المحافظة على التنوع الصحفى. •
ول عل هذا ما يد عو أن صار نظر ية الم سئولية الجتماع ية إلى التحذ ير من أن ” زيادة
التبعية لمصالح مجتمع العمال -التى ل تفعل أكثر من الثارة والتضليل من أجل الربح -
ستدعو إلى ن مو الرتياب الجماهيرى فى و سائل العلم ،وإلى ال سيطرة الحكوم ية المحتو مة
() سليمان صالح ،أزمة حرية الصحافة فى النظم الرأسمالية .ص .18 329
() محمد بن سعود البشر ،مرجع سابق .صفحات ( 44 - 10بتصرف ). 330
- 180 -
على تلك الوسهائل “( .)331بينمها على الجانهب الخهر ..يعبّر نقاد المسهئولية الجتماعيهة عهن
اقتناع هم بعدم وجود حا جة لتلك النظر ية .ويؤكدون أن “ أى محاولة لو ضع يد الحكو مة على
صمامات ال صحافة ( العلم ) ،قد يد مر إلى أب عد مدى المفهوم ال صلى لحريت ها أك ثر م ما
ل للصلح ”(.)332
ستفعل مواطن الضعف المزعومة ،والتى هى قابلة أص ً
ولكهن مها بيهن التأييهد والمعارضهة لنظريهة المسهئولية الجتماعيهة -باعتبارهها إحدى
نظريات النظم العلمية -فإن التحليل العلمى للسس التى قامت عليها تلك النظرية هو الذى
سهيوضح مدى جدارة تلك النظريهة بالتبنهى أو التطهبيق .إذ إن اللفهت للنظهر أن ثمهة جاذبيهة
فكرية فى نظرية المسئولية الجتماعية جعلتها تمثل المبرر الجاهز الذى تستند إليه كافة النظم
العلمية تقريبا فى تبريرها لممارساتها المقيدة لقدراتها المعرفية.
ولعهل التحليهل العلمهى يوضهح أن ثمهة أوجهه قصهور عديدة فهى تلك النظريهة على
المستويات التاريخية والتنظيمية والتطبيقية والمعرفية والتكنولوجية .وذلك وفقا للتفصيل التالى:
ح يث ظهرت نظر ية الم سئولية الجتماع ية ع قب نها ية الحرب العالم ية بعام ين .وكا نت
الفلسفة السياسية فى دول الغرب -على الرغم من النتصار العسكرى -تعانى الكثير من الضعف
وعدم الثقة .فلقد أدى الصراع مع النازية والفاشية اللتين ظهرتا من قلب الليبرالية الغربية إلى اهتزاز
الث قة فى ال ُم ثل الليبرال ية فى كا فة المجالت .كذلك كان لبروز المع سكر الشر قى الشيو عى بقيادة
التحاد السوفيتى دور كبير فى اتساع الدور الذى تمارسه الحزاب الشتراكية الديمقراطية فى الدول
الوربية فى محاولة لدرء خ طر اليدلوجية الماركسية .و فى هذا المناخ المل بد بعدم الث قة والهتزاز
الفكرى ظهرت نظريهة المسهئولية الجتماعيهة فهى مجال العلم ،باعتبارهها امتدادا للتجاه الذى
سهيطر على كافهة المجالت عقهب الحرب ،ذلك التجاه الذى كان يرى أن الليبراليهة الكلسهيكية -
بتوفيرها للحرية المطلقة على كافة الصعدة -تتيح بذلك ثغرات ومواطن ضعف يمكن من خللها
إساءة استخدام تلك الحرية أو النقلب عليها .ولذلك كان لبد من تقنين فكرة التدخل التى تحد
331
)(Harless, James D., Mass Communication ) An Introductory survey (. p. 489.
332
)(Merrill, John C. & Lee, John & Lander, Edward J. F., Modern Mass Media. p. 181.
333
)(Baran, stanley J. & Davis, Dennis K., Mass Communication Theory ) Foundations,
Ferment and Future (. p. 100.
- 181 -
-نوعا ما -من فل سفة الحر ية المطل قة سواء أكا نت فى المجالت ال سياسية ( بح ظر اقا مة
أحزاب نازيهة أو فاشيهة ) أم فهى المجالت القتصهادية (بالسهماح بقدر مهن تدخهل الدولة فهى
القتصاد) ،أم فى المجالت الجتماعية ( بإقامة شبكات تأمين وضمان إجتماعى واسعة ) ،أم
فى المجالت الثقافية والعلمية ( من خلل تحديد دور اجتماعى للمؤسسات الثقافية العلمية
يساعد على تحقيق التوازن فى المجتمع ).
ولكهن الواقهع الراههن الذى تشهده المجتمعات المعاصهرة فهى ظهل مها تطرحهه ظاهرة
العولمهة مهن تغيرات يختلف تماما عهن كهل تلك الظروف المواكبهة لنشأة نظريهة المسهئولية
الجتماعية .فلقد أدى انهيار المعسكر الشتراكى إلى تصاعد الثقة فى النموذج الليبرالى بأبعاده
القت صادية المتمثلة فى ال سوق ،وال سياسية المتمثلة فى الديمقراط ية ،والجتماع ية المتمثلة فى
الفردية ،والثقافية العلمية المتمثلة فى حرية الفكر وحرية التعبير.
وإذا كانهت بعهض التجاهات الفكريهة ترى أن التاريهخ يعيهد دورتهه ليوفهر الرضيهة
الخ صبة لن مو نظر ية الم سئولية الجتماع ية ،انطلقا من أن الدعوة إلى الطر يق الثالث ال تى
تنتهج اتجاه « الديمقراطية الجتماعية » تتصاعد كرد فعل على تصاعد التجاه نحو سياسات
« الليبراليين الجدد » .فإن عالم ما بعد الحرب الباردة يختلف عن عالم ما قبل الحرب الباردة.
والديمقراطية الجتماعية تختلف عن الشتراكية الديمقراطية .ووسائل العلم التقليدية تختلف
عن و سائل العلم الجديدة ( النتر نت حاليا والطر يق ال سريع للمعلومات م ستقبلً ) .وبالتالى
فإن نظريهة المسهئولية الجتماعيهة فهى العلم لم تعهد تتواءم مهع الواقهع الراههن بكافهة أبعاده
السياسية والقتصادية والجتماعية والثقافية والعلمية.
ول عل هذا ما أدى بأ حد الباحث ين العلمي ين إلى الت ساؤل “ هل ستؤدى نها ية الحرب
الباردة وتأ سيس النظام العال مى الجد يد إلى تول يد نظر ية معيار ية جديدة ( للن ظم العلم ية )؟
وهل ستؤدى الزمات المحلية أو الداخلية الراهنة إلى ظهور الحافز الكافى لعادة التفكير فى
نظرية المسئولية الجتماعية أو تطوير نظرية أخرى جديدة ؟ ”(.)334
334
)(Baran, stanley J. & Davis, Dennis K., op.cit., p. 100.
- 182 -
تمثلت القوا عد التنظيم ية ال تى أشارت إلي ها نظر ية الم سئولية الجتماع ية لضمان تنف يذ
مبادئها فى القواعد التية :المواثيق الخلقية -مجالس الصحافة والعلم -قوانين مكاف حة
الحتكار -العانات الحكومية.
ويتضهح مهن تلك القواعهد أن بعضا منهها يترجهم فلسهفة التنظيهم الذاتهى للمؤسهسات
العلميهة مهن خلل المواثيهق الخلقيهة ومجالس الصهحافة والعلم ،والبعهض الخهر يبيهح
التدخهل العام مهن خلل العانات الحكوميهة ،أو التدخهل التشريعهى مهن خلل قوانيهن منهع
الحتكار .ولكن الواقع يقرر أن تلك المبادئ التنظيمية لم تكتسب -فى معظم حالت تطبيقها -
القوة اللزمة لكى تؤكد المبادئ التى دعت إليها نظرية المسئولية الجتماعية.
وفيمها يتعلق بمجالس الصهحافة والعلم ،فإن بعهض الباحثيهن يرى ” أن الدور الذى
تقوم بهه مجالس الصهحافة غيهر ضرورى ،بهل ينطوى على خطورة ضهد المجتمهع ووسهائل
العلم .فهناك العديهد مهن الدول التهى تمارس الرقابهة على الصهحف مهن خلل مجالس
الصهحافة .وذلك مهن خلل تخويهل المجالس بفرض رخهص على إصهدار الصهحف .ومراقبهة
الممارسات الصحفية وعقاب الصحفيين الذين يعارضون سياسات الحكومة “(.)337
ولعهل المجلس العلى للصهحافة ( المصهرى ) نموذج للمجالس الصهحفية التهى تتولى
إصدار التراخيص للصحف .ويمكن للحكومة -ممثلة فى رئيس الجمهورية -دعوته لجتماع
انظر [ :قواعد أخلقيات العمل لمديرى التحرير فى وكالة أنباء أسوشيتدبرس -بيان جمعية رؤساء تحرير ∗
ال صحف المريك ية عن مبادئ أخلقيات ال صحافة -بيان عن سياسة وكالة يونايتدبرس إنترناشيونال -جمع ية ال صحفيين
المحترفين ( قواعد الخلقيات ) ] ،فى جون ل .هاتلنج ،أخلقيات الصحافة .ترجمة كمال عبد الرؤوف ،صفحات - 121
.140
() محمد بن سعود البشر ،مرجع سابق .ص .49 335
() حسن عماد مكاوى ،أخلقيات العمل العلمى ( دراسة مقارنة ) .ص .144 337
- 183 -
غ ير عادٍ .بالضا فة إلى ما يقوم به المجلس من ر فع تقار ير سنوية لرئ يس الجمهور ية عن
أوضاع الصحافة∗.
وهناك أيضا مجلس ال صحافة فى الممل كة المتحدة الذى أن شئ عام ،1953والذى ” لم
ين شأ إل نتي جة التهد يد بإ صدار تشر يع بإنشائه .لذلك سارعت الهيئات والمنظمات المهن ية إلى
حسهم خلفاتهها حول تشكيهل المجلس ودسهتوره .وقهد لعهب ذلك دورا أسهاسيا فهى تقليهل ثقهة
الجمهور فى المجلس ،والنظر إليه على أساس أنه جهاز قد جاء لحماية الصحافة ولم يأت ليقيم
علقة متوازنة بين الصحافة والجمهور ..حيث لم يستطع أن ينفذ وظائفه أو أهدافه التى نص
عليها دستوره بشكل مرضٍ مما جعله معرضا للنقد من كافة التجاهات “(.)338
انظر قانون تنظيم الصحافة رقم 96لسنة 1996المواد أرقام 46و 47و 48و 74و.78 ∗
() سليمان صالح ،أزمة حرية الصحافة فى النظم الرأسمالية .صفحات ( 259 - 226بتصرف ). 338
() ان ظر " :مخاوف عالم ية من تأ ثر حر ية ال صحافة وتد فق الخبار ب عد اندماج أمري كا أون ل ين وتا يم وار نر " ،جريدة 339
ولهذا ..يمكن القول أن القواعد التنظيمية التى وضعتها نظرية المسئولية الجتماعية لم
تستطع أن تحقق القدر المرجو من النجاح فى أرض الواقع العلمى الراهن .ولعل ما تطرحه
البعاد العلمية للعولمة من تغيرات حالية ومستقبلية سيؤدى إلى زيادة ابتعاد الواقع العلمى
عهن تلك القواعهد ،نتيجهة عدم ملءمتهها للوضاع العلميهة الراهنهة .ومهن هنها سهتبدو تلك
القواعهد التنظيميهة ذات ” منفعهة محدودة طالمها تسهتطيع فقهط المسهاعدة على تنويهر الذهان
وإرشادها ولكنها تفتقر لى وسيلة للتطبيق “(.)342
ويمثل معيار « الحقيقة » تحديا كبيرا أمام أى نشاط إعلمى يطمح فى الوصول إليه،
إذ إن الحقي قة ن سبية ،وترت بط بالمعر فة البشر ية ال تى ت عد قا صرة نتي جة التفاوت فى المجال
الدراكهى للحواس البشريهة والقدرات العقليهة والمدى المتغيهر -يوما بعهد آخهر -للتطورات
التكنولوج ية ..إلخ ..ال مر الذى يج عل من الحقي قة -كمعيار لح سن الداء العل مى -أمرا
يقع فى نطاق الستحالة العملية والنظرية معا.
وفهى نفهس الطار يأتهى معيار « الموضوعيهة » الذى يُطلق عليهه تعهبير « الكأس
المقدسة∗ للصحافة » ،ليمثل عقبة أخرى فى طريق ما تطمح إليه نظرية المسئولية الجتماعية.
ويعا نى معيار الموضوع ية ” من ثل ثة قيود أو أو جه ق صور كمقياس لنتاج الخبار.
أولها :إنه مبدأ مطلق بمعنى إما أنك موضوعى أو ل .وثانيها :إنه فى مستوى إدراك الصورة
() روبرت شمول ( محرر ) ،مسئوليات الصحافة .ترجمة الفرد عصفور ،ص .17 342
Bluemlein, Ann colleen, Testing objectivity: An experiment measuring objectivity in
Journalists and non - Journalists. ) Available from Internet (.
- 185 -
واستخدام اللغة ،يستحيل على العلميين أن يحققوا الموضوعية الكاملة تماما ،كما هو المر
بالن سبة لى ش خص آ خر .وثالث ها :إن ا ستخدام م صطلح الموضوع ية فى المجال ال صحفى..
يوحهى بسههولة بمسهتوى مهن النجاز الروتينهى الذى باسهتطاعته أن يخفهى المشاكهل الحقيقيهة
للتغطيهة الخباريهة ..وبهذا المعنهى تكون الموضوعيهة مفهوما أو مصهطلحا يسهاعد على نزع
الصفة الجتماعية عن العلم وإبعاده عن احتمالت وشروط الممارسة “(.)343
ول عل هذا ما أكد ته ب عض الدرا سات ح ين قررت أن ” مفهوم الموضوع ية الذى يتبناه
العلميون من المفاه يم الروتين ية فى الع مل العل مى ،وال تى ت ساعدهم على تج نب التعرض
للنتقادات أو التهام بالتحيهز ..فالموضوعيهة ههى طقهس أو شعيرة اسهتراتيجية تُسهتخدم أسهاسا
للدفاع عهن طبيعهة ونوعيهة النتاج مهن نقاده .حيهث إن وقهت العلمييهن قصهير أو محدود ول
يمكّن هم من التح قق م ما إذا كانوا قد ح صلوا على الحقائق ال صحيحة للخبار أم ل ،فى الو قت
الذى ل يمكنههم فيهه الدعاء بصهدق وواقعيهة هذه الحقائق؛ ومهن ثهم فههم يتبعون مجموعهة مهن
الجراءات لدعاء الموضوعية ولحماية أماكنهم الوظيفية من مخاطر رفع قضايا ضدهم بالقذف
أو السب ....ويؤدى اتباع هذا الروتين إلى حذف المعلومات التى قد تجلب ضررا “(.)344
ول قد أظهرت إحدى الدرا سات أن تبنّ ى العلمي ين لمعيار الموضوع ية يجعل هم أك ثر
حيادا عند الحكم على الحقائق المتنازع عليها ” .ففى دراسة أجريت على عدد خمسة وأربعين
صحفيا وخمسة وثلثين من غير الصحفيين تم اطلعهم على تقرير متضارب حول اغتصاب
رجل أسود لمرأة بيضاء .بحيث تضمن ذلك التقرير ثلث مجموعات من المعلومات ،أولها:
الحقائق المتفق عليها ( من الطرف ين ) ،وثاني ها :الحقائق ال ستنتاجية ( التى صرح بها طرف
ولم يناقضهها الطرف الخهر ) ،وثالثهها :الحقائق المتنازع عليهها .وعرّفهت تلك الدراسهة،
الموضوعيهة على أنهها البقاء على الحياد عنهد الحكهم على مصهداقية الشهادات المتقاربهة.
وأوضحت النتائج عدم وجود اختلف بين ردود فعل الصحفيين وغير الصحفيين تجاه الحقائق
المت فق علي ها أو ال ستنتاجية .ول كن الختلف حدث فى مجال الحقائق المتنازع علي ها ،ح يث
دلت النتائج على أن الصحفيين أكثر موضوعية من نظرائهم غير الصحفيين “(.)345
ولكن إذا كانت تلك الدراسة قد أثبتت أن العلميين أكثر موضوعية من غيرهم ،إل
أنهها لم توضهح ههل ههم موضوعيون بالقدر الكافهى لوصهفهم بالموضوعيهة ؟! انطلقا مهن أن
() جون كورنر ،التليفزيون والمجتمع ( الخصائص ،التأثير ،النوعية ،العلنات ) .ترجمة أديب خضور ،عرض وتلخيص 343
محمد إبراهيم ،فى مجلة الدراسات العلمية ،عدد ( )96يوليو -سبتمبر ،1999ص .161
344
)(Tuchman G., “ objectivity as strategic Ritual: An Examination of Newsmen’s Notions of
اقتبسه سيد بخيت ،فى العملobjectivity ”, American Journal of sociology. ) vol. 77, 1977 (. pp 48 - 49.
.الصحفى فى مصر ( دراسة سسيولوجية للصحفيين المصريين ) ،ص 76
345
)(Bluemlein, Ann Colleen, op. cit.
- 186 -
أمها بالنسهبة لمعيارى « الدقهة » و« التوازن » ،فإذا كانهت بعهض الدراسهات ترى
” أنه من الممكن تحديد مستويات الدقة بدرجة جيدة .فإن قياس التوازن -الذى هو تعبير عن
التجرد وعدم التحيهز -يثيهر الكثيهر مهن المصهاعب ،وذلك لعدم وجود مقياس معتمهد يمكهن
اللجوء إليه بشكل مستقل عن التفسير التقييمى .فتحديد زمان وقوع حدث صباحا أم مساءا هو
م سألة يتو قع المرء إمكان ية تدقيق ها ( بد قة ) ،والتأ كد من ها ب سرعة فى مع ظم الحالت .بين ما
يصعب اعتبار ما إذا كان استخدام مشاهد معينة من فيلم ،أو تعابير معينة من تقرير ،أو حذف
أرقام معينة من رسالة بمثابة تحيزا أم ل “(.)347
إل أن دراسات أخرى ترى ” أن الدقة فى عملية تصنيع الخبار مازالت بعيدة المنال.
فاسهتقراء الواقهع يؤكهد غياب هذه السهمة فهى لغهة كتابهة الخهبر .فاسهتخدام المفردات اللغويهة
والمصطلحات يحمل فى الكثير من الحيان إيحاءات ودللت ل تصور الحدث ذاته ،بقدر ما
تصور ما يريد العلمى تصويره .وتتناقض الدقة فى كتابة الخبار كلما تزايد عدد البوابات
ال تى ي مر ب ها الحدث ح تى ي صل للن شر ..فل شك أن كل حارس بوا بة يم كن أن يقوم بإجراء
تعديلت على كتا بة ال خبر .و هو ما يؤدى إلى أن يكون المن تج النهائى و هو ال خبر المنشور..
أقل دقة فى توصيف وتصوير الواقع “(.)348
ولعل هذا ينطبق أيضا على معيار التوازن ،والذى تثبت الممارسات العلمية أنها فى
غيهر قليهل مهن الحداث تبتعهد عنهه كثيرا ،بحيهث يصهبح التحيهز ههو المعيار السهائد والعنوان
الصريح للتغطية العلمية.
إن ما سبق يو ضح أن نظر ية الم سئولية الجتماع ية لم ت ستطع و ضع أ ساليب تطبيق ية
يمكن من خللها تنفيذ مبادئ المسئولية الجتماعية ،بل إن المعايير التى وضعتها كانت أبعد ما
تكون عن إمكانية التطبيق لشدة تجريدها وسيولتها ونسبيتها.
() دانييل يانكلوفيتش ،الديمقراطية وقرار الجماهير ،ترجمة كمال عبد الرؤوف .ص .275 346
() سليمان صالح ،صناعة الخبار فى العالم المعاصر .ص .138 - 137 348
- 187 -
دعت نظرية المسئولية الجتماعية إلى إطار معرفى ينظم حرية المؤسسات العلمية
فى نشر الرسائل العلمية ،ويتضمن تجنبها نشر ما يمكن أن يؤدى إلى :الجريمة -العنف -
الفوضى الجتماعية -توجيه إهانات إلى القليات أو الساءة إليهم.
وربما يقود التحليل السطحى إلى نتيجة مؤداها أن إفراط المؤسسات العلمية فى نشر
أخبار العنهف والجريمهة وأخبار الفضائح -على حسهاب الهتمام بمشاكهل المجتمهع وعرض
أصوات الجماعات المتعددة الفاعلة فيه -هو الذى أدى إلى دعوة نظرية المسئولية الجتماعية
إلى اللتزام بهذا الطار المعرفى.
وربمها أيضا ..يقود التحليهل السهطحى إلى إسهناد ذلك الطار المعرفهى الذى وضعتهه
النظرية إلى الظروف القانونية للوليات المتحدة المريكية التى نشأت فيها هذه النظرية .والتى
ينهص دسهتورها على عدم أحقيهة الكونجرس فهى إصهدار أى قانون يحهد مهن حريهة التعهبير
أو الصهحافة .وبالتالى يضمهن هذا الطار المعرفهى ملء الفراغ التشريعهى الناشهئ عهن هذه
الصرامة الدستورية.
ولكهن كل التحليليهن السهطحيين عنهد محاولة التعمهق فهى أسهانيدهما يتهم اكتشاف
ابتعادهما عن الصواب ...ذلك أن نشر أخبار الجنس والعنف والجريمة والفضائح وتجاهل
القليات ومشاكلههم ..بمثابهة شهئ ،ونشهر مها يؤدى إلى العنهف والجريمهة والفوضهى
الجتماع ية وال ساءة إلى القليات ..بمثا بة شئ آ خر .فالن شر عن أخبار الع نف ل يرت بط
بنشر الدعاوى المؤيدة للعنف أو التى تحرض عليه ،وتجاهل مشاكل القليات غير الساءة
إلى القليات واحتقارها.
علوة على ذلك ..فإنهه على الرغهم مهن تقييهد الدسهتور للكونجرس المريكهى فهى
إصدار قوانين تحد من حرية التعبير والصحافة .إل أن ذلك لم يمنع الكونجرس من إصدار
القوانين التى تحد من حرية التعبير الذى يؤدى إلى العنف أو الجريمة أو التشهير .كما لم
يمنع المحك مة العل يا المريك ية من تب نى مبادئ قضائ ية لل حد من حر ية الت عبير الذى يؤدى
إلى العنهف أو الجريمهة أو التشهيهر .ففهى الوقهت المعاصهر لظهور نظريهة المسهئولية
الجتماعية ” كان من ضمن المبادئ التى تتبناها المحكمة المريكية العليا مبدأ أحقية الحد
من حر ية الت عبير لمواج هة خ طر حالى وا ضح .بالضا فة إلى كل من « قانون سميث »
Smith Actالصادر عام ،1940الذى يعتبر الدعوة إلى تدمير الحكومة بالعنف تحريضا .و«
قانون التحريههض » المريكههى الصههادر عام 1918الذى ينههص على عدم جواز قول
أو فعهل أى شيهئ يهدف إلى إثارة الحتقار أو الزدراء بطريقهة مهينهة للسهاءة إلى سهمعة
- 188 -
الحكو مة .ك ما أن المحك مة العل يا ل تح مى الت عبير الحا فل بالكراه ية لى فئة إذا كان على
وشك أن يتحول لعمال عنف فورية ”( .)349
ول عل هذا يو ضح أن الطار المعر فى الذى وضع ته نظر ية الم سئولية الجتماع ية لتقي يد
نشر بعض الرسائل العلمية التى تؤدى إلى العنف والجريمة والفوضى الجتماعية والساءة
للقليات ،ذلك الطار المعرفهى مغطهى أسهاسا بالقوانيهن التهى كانهت سهائدة آنذاك بالمجتمهع
المريكى .وبالتالى فإن ذلك الطار لم يغط فراغا تشريعيا .بل أدى إلى الستناد إلى ذلك الطار
المعرفهى مهن جانهب الحكومهة أو المؤسهسات العلميهة فهى الوليات المتحدة أو كافهة الدول
الخرى ،لتبرير حظر بعض المعلومات تحت دعوى أنها تؤدى إلى تلك المحاذير ،على الرغم
من أن كا فة الدول ب ها قوان ين وتشريعات تعا قب و سائل العلم ع ند تورط ها فى ن شر ر سائل
إعلميهة تنطوى على تلك المحاذيهر .علوة على ذلك ..فإن عددا غيهر قليهل مهن الباحثيهن
العلميهن أصهبح يسهتند إلى هذا الطار المعرفهى الذى روجتهه نظريهة المسهئولية الجتماعيهة
ل تبرير ح ظر ب عض المعلومات .مثال ذلك ما يؤكده البا حث « وار ين بر يد » waren Breed
عندما يقرر “ أنه فى بعض الحوال قد ل يقدم القائم بالتصال تغطية كاملة للحداث التى ت قع
من حوله .ول يس هذا الغفال نتي جة لتق صير أو ع مل سلبى .ول كن يُغ فل القائم بالت صال أحيانا
تقديم بعض الحداث إحساسا منه بالمسئولية الجتماعية .وللحفاظ على بعض الفضائل الفردية أو
المجتمع ية .ف قد تض حى و سائل العلم أحيانا بال سبق ال صحفى .أو تت سامح ب عض الش يئ فى
واجبها الذى يفرض عليها تقديم كل الخبار التى تهم الجماهير .وذلك رغبة منها فى تدعيم قيم
المجتمع وتقاليده .كذلك تعمل وسائل العلم على حماية النماط الثقافية السائدة فى المجتمع..
وغالبا ما تتج نب وسائل العلم انتقاد الفراد الذين يقومون بتلك الدوار لتدعيم البناء الثقافى
للمجتمع ”(.)350
وهكذا -وت حت غطاء تبريرى نا تج عن تف سيرات وا سعة لمبادئ نظر ية الم سئولية
الجتماع ية -امتل كت المؤ سسات العلم ية ال حق فى ح ظر ب عض المعلومات ت حت دعاوى
مختل فة .تعت مد على نوا يا وضمائر القائم ين بالت صال الذ ين يمار سون عمل هم على اعتبار أ نه
ر سالة مقد سة لحما ية ق يم المجت مع وم صالحه .وبالتالى فإن هذا الطار المعر فى الذى طرح ته
نظر ية الم سئولية الجتماع ية لتقي يد نشر ب عض الرسائل العلم ية التى تتعارض مع م صلحة
() انظر :حسن عماد مكاوى ،أخلقيات العمل العلمى ( دراسة مقارنة ) .ص 77 - 76وصفحات .116 - 108 349
() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد ،التصال ونظرياته المعاصرة .ص .178 350
- 189 -
المجتمهع ،أدى إلى تشويهه وعهى القائميهن بالتصهال مهن خلل تحويلههم إلى حراس بوابات
أو أوصياء على المعلومات.
ويرى ب عض نقاد نظر ية الم سئولية الجتماع ية أن نظر ية الم سئولية الجتماع ية لم ي تم
اختراعها ” لتلقينها لطلب الصحافة والعلم .ولكن لتقديم المنطق والمبرر للتحيزات الخاصة
لو سائل العلم .....وبدلً من الكتا بة الواقع ية ،يقوم المحررون الم سئولون اجتماعيا بتجا هل
الحداث التهى تقهع بالفعهل .ويكتبون عهن الصهدق المتوارى خلف الحقيقهة .)351(“ ...كمها يرى
بعض هؤلء النقاد أن نظرية المسئولية الجتماعية ” ل تمثل مشكلة فى حد ذاتها .ولكنها فقط
علمهة على خداع وكذب السهللة التهى تتحكهم فهى وسهائل العلم .وأن نظريهة المسهئولية
الجتماعيهة مها ههى إل اسهم اخترعتهه وسهائل العلم العديمهة الضميهر لسهتخدامه كغطاء
لفكارها المتحيزة “(.)352
ول عل الوا قع الذى تطر حه فاعليات شبكات المعلومات يج عل الطار المعر فى لنظر ية
المسهئولية الجتماعيهة غيهر ذى جدوى .إذ إن القدرة اللمحدودة على النشهر اللكترونهى
للمعلومات عبر شب كة النتر نت تتخ طى مع ظم الحوا جز الرقاب ية وال طر المعرف ية ،ول تت يح
-إل بإمكانيات باهظة التكلفة ومتناقصة التأثير مع استمرار التقدم التكنولوجى -القدرة على
ح ظر الر سائل العلم ية ال تى يؤدى نشر ها إلى الع نف أو الجري مة أو الفو ضى الجتماع ية
أو ال ساءة للقليات .فل قد جعلت التكنولوج يا هذا ال مر اختياريا من خلل برا مج المرشحات
والفل تر اللكترون ية ال تى ي تم ا ستخدامها فرديا أو جماع يا فى ب عض موا قع النتر نت لح ظر
استقبال أو إرسال بعض الرسائل التحريضية.
مدى الرسائل العلمية ليشمل العالم سيؤدى إلى نشرها فى مجتمعات متباينة الظروف والعادات
والتقاليد والقيم .وبالتالى فإن فكرة قبول وسائل العلم القيام بالتزامات معينة تجاه المجتمع ،تلك
الفكرة التهى تمثهل صهلب نظريهة المسهئولية الجتماعيهة سهتواجه مأزق تعدد المجتمعات التهى
تستهدفها نفس الرسالة العلمية .وبالتالى فإن قبول المؤسسات العلمية القيام بالتزامات معينة
تجاه كهل مجتمهع على و جه الرض يسهتقبل ر سائلها ،سهتؤدى إلى تكريهس كمّ من اللتزامات
الجتماع ية المتناق ضة والمتضار بة ب سبب اختلف وتبا ين المجتمعات .وبالتالى ستؤدى محاولة
اللتزام بكل شئ إلى عدم القدرة على اللتزام بشئ ،أو بالحرى عدم القدرة على نشر أى شئ.
ومن هنا فإن فكرة المسئولية الجتماعية ستواجه صعوبة العتماد عليها كمبرر لحظر
بعهض المعلومات على النطاق العالمهى؛ وذلك لتناقضهها مهع أبعاد ومنطلقات هذا النطاق .فهى
ح ين ستجد مكانا ل ها في ما ستوفره تكتيكات التش ظى والتجزؤ والنق سام الم صاحبة للعول مة،
والتهى سهتؤدى إلى توجهه النظهم العلميهة نحهو التأكيهد على انتماءاتهها الحضاريهة والثقافيهة
وخصهوصا فهى مجال محطات التليفزيون الرضيهة والمحطات الذاعيهة المحليهة والصهحف
والمجلت المحل ية .وبالتالى يم كن ه نا لفكرة المسهئولية الجتماع ية أن تمارس عمل ها ،ول كن
بصهعوبة نتيجهة التأثيهر الفائق للتغيرات المصهاحبة للعولمهة .وإمكانيهة ظهور نظريهة جديدة
مضادة لتلك النظرية.
إن كل ما سبق يوضح ..أن ما تعانيه نظرية المسئولية الجتماعية من أوجه قصور
عديدة -على الم ستويات التاريخ ية والتنظيم ية والتطبيق ية والمعرف ية والتكنولوج ية -يجعل ها
ل ت ستطيع ال صمود كنظر ية للن ظم العلم ية .فاختلف ظروف نشأت ها التاريخ ية عن الوا قع
الراهن .وقصور مبادئها التنظيمية ومعاييرها التطبيقية .وعدم جدوى إطارها المعرفى لحظر
بعض الرسائل العلمية الضارة .وصعوبة استخدامها فى ظل التقدم التكنولوجى الفائق الذى
امتد بنطاقات النظم العلمية إلى الحدود العالمية .إن كل ذلك يوضح أن تلك النظرية لم تعد
صالحة لل ستخدام كنظر ية للن ظم العلم ية .ال مر الذى أدى بأ حد الباحث ين العلمي ين إلى
التقريهر بأن ” المتابهع للدراسهات العلميهة الغربيهة ونتائج البحوث والدراسهات التهى يقدمهها
المتخصصون فى حقل العلم ،يلحظ بونا شاشعا بين السس الفكرية والمنطلقات الجتماعية
ال تى قا مت علي ها هذه النظر ية ،وب ين الت طبيق العملى ل ها .أو ب ين أدبيات هذه النظر ية ،ومدى
فههم القائميهن على الوسهائل العلميهة والمشتغليهن بالعلم لمعنهى هذه النظريهة ودللت
مضامين ها ومحاولة ال خذ ب ها “( .)353وهذا ما تؤكده حقي قة أن ” نظر ية الم سئولية الجتماع ية
() محمد بن سعود البشر ،مرجع سابق .ص .10 353
- 191 -
فى العلم ليست مطبقة -على القل فى المجتمع الذى ظهرت فيه -بصيغتها وقالبها المهنى
والجتماعى والسياسى المعروف عند المتخصصين فى العلم “(.)354
ولعهل هذا يوضهح أن كافهة نظريات النظهم العلميهة تخلو مهن توصهيف مناسهب
ل سلطة تلك الن ظم وم سئوليتها .فحيث ما توافرت ال سلطة غا بت الم سئولية ،والع كس صحيح.
وبالتالى تك شف ممار سات تلك الن ظم فى الوا قع العلمهى عن تناقضات تؤدى إلى تقي يد
القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية سواء أكا نت فى الن ظم العلم ية الحرة أم فى الن ظم
العلمية الموجهة.
وفى سبيل تقديم صورة واضحة عن تلك الممارسات ،سنعرض فى الفصل التالى لتلك
الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية الحرة والموجهة.
وتأ سيسا على النتي جة ال سابقة ف قد ا ستنبطت الدرا سة أن نظر ية الم سئولية الجتماع ية
تقدم الطار النظرى الفلسفى الذى تستند إليه كافة النظم العلمية الحرة أو الموجهة -بدرجة
أو بأخرى -لتبرير ممارساتها العلمية فى تقييد قدراتها المعرفية .وبالتالى ف قد تم إخضاع
هذه النظرية للتحليل النقدى وتبين أنها تعانى من أوجه قصور عديدة على المستويات التاريخية
والتنظيمية والتطبيقية والمعرفية والتكنولوجية.
فعلى المستوى التاريخى ..فإن مبادئ نظرية المسئولية الجتماعية أصبحت ل تتواكب
مهع البعاد السهياسية والقتصهادية والثقافيهة والعلميهة للعولمهة .وذلك انطلقا مهن أن تلك
النظر ية نشأت ع قب الحرب العالم ية الثان ية ،و صاغت مبادئ ها ب ما يؤدى إلى تلب ية الظروف
التاريخ ية الخا صة بتلك الفترة ب كل ما تحمله من هوا جس ال شك فى مبادئ النموذج الل يبرالى
الذى خر جت من معط فه الحركات الناز ية والفاش ية ال تى أشعلت نار الحرب العالم ية الثان ية،
وبكل ما تحمله تلك الفترة من صعود للنموذج الشيوعى الذى يمثله التحاد السوفيتى .وبالتالى
فإن الظروف التاريخية الخاصة التى نشأت فيها تلك النظرية لم تعد قائمة فى الوقت الراهن.
المر الذى أدى إلى تجاوز الظروف الراهنة لمبادئ تلك النظرية.
وعلى الم ستوى التنظي مى ..فإن التجر بة الواقع ية أثب تت عدم نجاح القوا عد التنظيم ية
التى صاغتها تلك النظرية لضمان تنفيذ مبادئ المسئولية الجتماعية ،تلك القواعد التى تمثلت
فى :المواث يق الخلق ية -مجالس ال صحافة والعلم -قوان ين مكاف حة الحتكار -العانات
الحكومية.
- 193 -
وعلى الم ستوى الت طبيقى ..لم تقدم نظر ية الم سئولية الجتماع ية أ ية أ ساليب تطبيق ية
تسهاعد على تنفيهذ المعاييهر المهنيهة التهى صهاغتها لضمان التزام النظهم العلم ية بمسهئوليتها
الجتماعية .بحيث باتت تلك المعايير -والتى تمثلت فى معايير الحقيقة والدقة والموضوعية
والتوازن -تمثل إشكالية كبيرة فى توجهات العمل العلمى نظرا لشدة عموميتها وغموضها
واتساع مدى تأويلها وفقا لتصورات متعددة.
وعلى المسهتوى المعرفهى ..تهبين مهن تحليهل الطار المعرفهى الذى قدمتهه نظريهة
المسهئولية الجتماعيهة -لتقييهد نشهر الرسهائل العلميهة التهى تؤدى إلى العنهف والجريمهة
والفوضى الجتماعية والساءة للقليات -إن ذلك الطار مغطى أساسا بالتشريعات العلمية
التى تحظر نشر تلك الرسائل .وبالتالى فإن ذلك الطار المعرفى لم يغط فراغا تشريعيا وإنما
تهم السهتناد إليهه مهن جانهب الحكومات أو المؤسهسات العلميهة -بالنظهم العلميهة الحرة
أو الموج هة -ل تبرير ممار ساتها فى ح ظر ب عض المعلومات ت حت دعوى أن ها تؤدى إلى تلك
المحاذير التى تضمنها الطار المعرفى لنظرية المسئولية الجتماعية.
وعلى المسهتوى التكنولوجهى ..يؤدى التطور التكنولوجهى المتواصهل إلى عدم قدرة
الن ظم العلم ية على اللتزام بالم سئولية الجتماع ية ( وذلك لن إ ستراتيجية العول مة للتو حد
والتكتهل والندماج سهتؤى إلى التخلق التدريجهى لنظام إعلمهى ذو ملمهح عالميهة وتوجهات
عالمية إنسانية ،وإلى دفع المؤسسات العلمية العالمية للندماج فى مؤسسات أكبر ،وإلى دمج
قطاعات كهبيرة مهن جماهيهر المتلقيهن على مسهتوى العالم تحهت لواء رسهائل اتصهالية ذات
موا صفات عالم ية إن سانية ) .وبالتالى فإن كل ذلك سيؤدى إلى ن شر الر سائل العلم ية فى
مجتمعات متباينهة الظروف والعادات والتقاليهد والقيهم ،المهر الذى سهيؤدى إلى اسهتحالة القيام
بالتزامات اجتماعيهة تجاه تلك المجتمعات المتعددة والمتباينهة .وإل فإن محاولة اللتزام بكهل
شيئ ،ستؤدى إلى عدم القدرة على نشر شئ ،أو بالحرى عدم القدرة على اللتزام بأى شئ.
علوة على ذلك ..ف قد ا ستنبطت الدرا سة من ر صد أو جه الق صور المتعددة فى بن ية
نظريهة المسهئولية الجتماعيهة ،ومهن رصهد النظريات الخرى للنظهم العلميهة ( النظريهة
الليبراليهة -السهلطوية ) ،أن كافهة تلك النظريات تخلو مهن توصهيف دقيهق لسهلطة تلك النظهم
ومسهئوليتها .فحيهث توافرت السهلطة غابهت المسهئولية والعكهس صهحيح .فالنظريهة الليبراليهة
تعاملت مع النظم العلمية باعتبارها سلطة بل م سئولية مما أدى إلى ديكتاتورية المؤسسات
العلم ية .والنظر ية ال سلطوية تعاملت مع الن ظم العلم ية باعتبار ها كيانا بل سلطة ويلتزم
بمسهئوليات تنمويهة أو دعائيهة أو توجيهيهة أو تعبويهة ،ممها أدى إلى أن تصهبح المؤسهسات
- 194 -
العلم ية م سئولة أمام الدولة أو الحزب أو الثورة ،وبالتالى تخلت عن ا ستقللها لت صبح فرعا
من أفرع ال سلطة الحكوم ية ،وتحولت إلى مؤ سسات دعائ ية تمارس تزي يف الو عى وتضل يل
العقول .أما نظرية المسئولية الجتماعية فقد تعاملت مع النظم العلمية باعتبارها سلطة تلتزم
بمسهئولية غيهر مناسهبة ،حيهث أدت المبادئ اللواقعيهة شديدة التجريهد إلى تحميهل المؤسهسات
العلميهة بعبهء اللتزام بمسهئولية فضفاضهة ،سهرعان مها تهم اسهتغللها -مهن قبهل تلك
المؤسهسات ذاتهها -لتقييهد المحتوى المعرفهى للرسهائل العلميهة تحهت دعوى اللتزام بدور
مسئول اجتماعيا.
..و من ثم ف قد قد مت نتائج ذلك الف صل الجا بة على الت ساؤل الثا نى من ت ساؤلت
الدراسة ،والذى ينص على التى:
« ما هو ال ثر الذى تمار سه المرجعيات الفل سفية العلم ية -ال تى تتبنا ها الن ظم
العلمية الراهنة -على القدرات المعرفية لتلك النظم »؟
..ولعل واقع استمرار القيود المعرفية فى بنية النظم العلمية استنادا إلى المرجعيات
الفلسفية التى تبرر بقاءها ،يطرح أهمية التعرض للممارسات العملية لتقييد القدرات المعرف ية
فى كل من النظم العلمية الحرة والموجهة ،حتى يمكن التعرف على المناخ العلمى السائد
فى الن ظم العلم ية الحرة ومقارن ته بالمناخ العل مى ال سائد فى الن ظم العلم ية الموج هة،
ومهن ثهم رصهد الدور الذى تلعبهه المرجعيات الفلسهفية بقيودهها المعرفيهة ،فهى تقييهد القدرات
المعرفية بتلك النظم ،سواء أكانت حرة أم موجهة.
- 195 -
الفصـل الســادس
الممارســات العملية لتقييد القدرات
المعرفية
للنظم العلمية الحرة والموجهـة
المبحـث الول
الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية
للنظم العلمية الحرة
يقرر وا قع الممار سات العلم ية ” إن الح يز المتاح لحر ية الت عبير فى الغرب ل يس
مطلقا بل حدود .بالر غم من أن الل غة ال سائدة فى الخطاب ال سياسى الغر بى قد تو حى بع كس
ذلك .فالممار سة الغرب ية لم ترق أبدا إلى م ستوى الشعارات الغرب ية المرفو عة فى شأن حما ية
حق التعبير للجميع .والحكومات والمجتمعات الغربية لم تنظر أبدا إلى حرية التعبير على أنها
أمر مقدس ل يجوز القتراب منه أو النتقاص من مكانته .فنجد كثيرا من الحكومات الغرب ية
تُخرج بعهض الراء مهن دائرة حمايهة القانون ..والسهباب التهى تد عو الحكومات الغربيهة إلى
انتهاك حر ية الت عبير متعددة .ف قد يكون عموم المجت مع ضد ال سماح لب عض الراء فى الت عبير
العل نى ،فت ستجيب الحكو مة للرأى العام .وأحيانا يكون ح ظر الراء ا ستجابة لرغ بة قطاع م هم
من الناخبين أو أصحاب النفوذ أو ممولى الحملت النتخابية أو أقلية مؤثرة داخل الدولة ،مما
يض طر الحكو مة لن تخ ضع لرغبات هم .وأحيانا تل جأ الحكومات لمعاق بة ب عض الراء حفاظا
على السلم الجتماعى أو المن القومى “(.)355
() شريف عبد العظيم ،حرية التعبير فى الغرب .ص .17 - 16 355
() عاطهف الغمرى " ،القوة الخفيهة فهى الصهحافة المريكيهة ( كتاب جديهد ) " ،جريدة الهرام ( ملحهق الجمعهة ) .بتاريهخ 356
،3/8/2001ص .38
- 197 -
وتو ضح درا سة « سليمان صالح » حول « د عم الدولة لل صحف وتأثيره على تعدد ية
الصهحف وتنوعهها » ” أن دراسهة واقهع الصهحافة فهى دول أوربها والوليات المتحدة ،تكشهف
بوضوح أن ال سوق لم ت عد حرة ،ولم ت عد مفتو حة للجم يع .وأن ها تض يق يوما ب عد يوم ح تى
ل ي صبح في ها مجال لتعدد ية الراء ولتنوع ال صحف .لي صبح هناك صوت وا حد هو صوت
الرأسمالية المحافظة التى تدعم بصحفها استمرارية الوضاع الراهنة .وهو ما يعنى أن نطاق
الديمقراطيهة فهى المجتمعات الغربيهة يضيهق وأن قوى سهياسية كثيرة ل يمكنهها الوصهول إلى
الجماهير من خلل الصحافة .وأن مبدأ سيادة المستهلك قد أصبح خرافة .ف قد ضاق أمام هذا
المستهلك نطاق الختيار “(.)357
وفهى الوليات المتحدة ” تمارس أقهل مهن عشرة تكتلت إعلميهة متعددة الجنسهيات
سيطرتها على با قى المؤ سسات العلم ية الخرى .بين ما تتولى أ قل من د ستتين من المؤ سسات
العلميهة اتخاذ القرار للغلبيهة المقهورة مهن الصهحف والمجلت والفلم والتليفزيون والراديهو
والك تب ..وبالتالى فإن الثقا فة ال سائدة فى النظام العلمى المري كى الن -فى كل مظاهر ها -
() سليمان صالح " ،د عم الدولة لل صحف وتأثيره على تعدد ية ال صحف وتنوع ها " ،مجلة الدرا سات العلم ية ( .عدد ،92 357
تبدو كمباراة فهى السهتغلل التجارى .ويتجلى ذلك فهى محاولة الضفاء الكامهل للصهفة التجاريهة
على النشطهة المختلفهة ،واختفاء التصهورات الخاصهة بالخدمهة العامهة مهن المناقشات العامهة،
وانحطاط الصحافة والتغطية العلمية للحداث السياسية ..وذلك تحت الضغط التجارى المتزايد
”(.)360
ول كن إذا كا نت المؤ سسات العلم ية تمارس باختيار ها تقي يد قدرات ها المعرف ية ت حت
وطأة ض غط الم صالح الحتكار ية .فإن ث مة جهات متعددة فى المجت مع المد نى فى المجتمعات
الغرب ية تمارس هى الخرى ن فس المه مة ” .وال سبب فى ذلك ير جع إلى قوة المجت مع المد نى
فى تلك البلد والقدرة ال كبيرة لدى أفراد المجت مع عموما على تنظ يم أنف سهم أو إدارة شئون هم
واللتفاف حول هدف يجمعهم بدون الحاجة إلى تدخل من الدولة “(.)361
ويوضهح التقريهر الذى ينشره « مكتهب حريهة المثقفيهن » التابهع لتحاد المكتبات
المريكية ،والذى تضمن قائ مة بأهم مائة كتاب تعرضت لتحديات رقاب ية خلل العقد الخ ير
” أن الجهات التهى تمنهع أو تصهادر كتابا ههى :إمها المجالس التعليميهة بالمدارس ،أو مجالس
الباء ،أو المسئولون عن المكتبات العامة بناء على اقتراح من روادها .ويكون المنع مقصورا
على الجهة وحدها دون إلزام لى جهة أخرى ..فرقابة أو منع كتاب فى إحدى الوليات ليس
مُلزِما ل ية ول ية أخرى ..و قد تم ر صد 5718واق عة رقاب ية تم إبلغ مك تب حر ية المثقف ين
عنهها بيهن عامهى 1990و %72 ،1999مهن هذه الوقائع تمهت فهى المدارس أو المكتبات
المدر سية ،و %26ت خص كتبا عُر ضت فى مكتبات عا مة .أ ما أ صحاب الطلب بالم نع فمن هم
%60مهن الباء ،و %16بواسهطة رواد المكتبات ،و %10مهن قبهل الدارييهن سهواء فهى
المجالس التعليمية أو المكتبات ...ووفقا للتقرير فإن أكثر السباب التى يُمنع لجلها أحد الكتب
هو :اليماءات الجنسية ..أو اللغة المبتذلة أو المتضمنة لمفاهيم عنصرية أو لنها غير مناسبة
للفئات العمرية الصغيرة ،أو بسبب أفكار تروج للديان غير الرسمية ،أو العنف ،أو الرعب،
أو الشذوذ الجنسى ،أو العرى ...والمفاهيم المضادة للقيم العائلية “(.)362
)(McChesney, Robert W., Making media Democratic. P. 1. ) Available from Internet (.
360
() شريف عبد العظيم ،مرجع سابق .ص .34 - 33 361
() ماجدة الجندى " ،فهى ضوء حجهم الرقابهة والمصهادرة ..ههل أمريكها مجتمهع متحضهر؟ " ،جريدة الهرام .بتاريهخ 362
،16/1/2001ص .35
- 199 -
يخالف هذه القوا عد إما بالفصل التام من الجامعة أو الحرمان المؤقت من الدرا سة أو التوب يخ
اللفظى أو بعض العقوبات الرمزية ....وثمة منظمات بأكملها تنشأ كى تحارب نوعا من أنواع
الت عبير م ثل منظمات « الغالب ية الخلق ية » و« التحاد الفيدرالى للخلق القو يم » ،ال تى تهدف
إلى محاربة الفلم والمجلت الفاضحة جنسيا .ومنظمة « الدقة فى البحث الكاديمى » والتى
تعارض التوجهات اليسارية لبعض أساتذة الجامعات “(.)363
وإذا كان المجتمهع المدنهى -بعناصهره المتعددة -يقيهد القدرات المعرفيهة للنظهم
العلم ية با ستخدام « القيود العمل ية » ،فإن الحكومات فى الدول الغرب ية تتد خل هى الخرى
بأشكال متعددة ،ورب ما يت خذ هذا التد خل شكله ال سافر والمعلن ع ند التعرض للقضا يا المتعل قة
بالمن القومى أو عند إعلن حالة الحرب.
ولقهد قرر رئيهس الوزراء البريطانهى السهابق « ونسهتون تشرشهل » ” أنهه فهى زمهن
الحرب يكون الصدق ثمينا إلى حد أنه يجب أن يصحبه حرس من الكاذيب “(.)364
وهذا ما توضحه كهلُ من دراسة « سيمون سرفاتى وآخرون» حول « وسائل العلم
والسياسة الخارجية » ودراسة « رودنى سمول » حول « حرية التعبير فى مجتمع مفتوح »..
من خلل عرضهما للمأزق الكبير الذى تعرضت له المؤسسات العلمية أثناء تغطية أحداث
العمليات الحربيهة فهى كهل مهن حرب القوات البريطانيهة فهى جزر فوكلنهد ،وحرب القوات
المريكية فى جرينادا وبنما وحرب تحرير الكويت ( عاصفة الصحراء ).
ففهى أثناء حرب جزر فوكلنهد عام ،1982مارسهت حكومهة « مارجريهت تاتشهر »
رقابة شديدة على وسائل العلم من خلل إنشاء ” نظام « المجموعات الصحفية » ،وإصدار
جميع المعلومات العسكرية من مركز العلم العسكرى “( ....)365وتشبها بالنموذج النجليزى،
ورغبهة مهن العسهكريين المريكييهن أثناء حرب جرينادا ،فهى تجاوز عقدة حرب فيتنام التهى
وُ صفت بأن ها كا نت حرب تليفزيون ية ” انطلق الع سكريون انتقاما لتجاوزات حقيق ية أو متخيلة
للصهحافة فهى فيتنام ،إلى التعامهل مهع المعلومات كأيهة سهلعة حربيهة أخرى ...بحيهث منعهت
الوامر الرسمية الصحفيين من تغطية العملية حتى انتهت فعلً “( ” .)366وعندما حاول بعض
الصهحفيين اسهتئجار سهفن خاصهة للوصهول إلى الجزيرة ،اعترض السهطول المريكهى هذه
السفن وأرغم الصحفيين على القامة لمدة يومين على ظهر سفينة تابعة للبحرية المريكية....
و فى عمل ية غزو « بن ما » تم تأخ ير الطائرة ال تى كان مقررا أن تح مل المجمو عة ال صحفية
() شريف عبد العظيم ،مرجع سابق .ص .32 - 30 363
() ر .جريجورى نوكس " ،ليبيا :قصة حكومة " ،فى سيمون سرفاتى ( محرر ) ،وسائل العلم والسياسة الخارجية .ص 364
.74
() رودنى أ .سمولل ،حرية التعبير فى مجتمع مفتوح .ص .445 365
() سيتفن س .روزنفلد " ،فى الخل يج :حروب ال صحافة " ،فى سيمون سرفاتى ( محرر ) ،المر جع ال سابق .ص - 321 366
.322
- 200 -
المختارة خمس ساعات ،حتى ل تصل إلى مدينة «بنما سيتى» عند وصول القوات المريكية
إلى المدينهة .وعندمها وصهل الصهحفيون إلى العاصهمة ،منهع الحراس العسهكريون المرافقون
للمجموعة؛ الصحفيين من الوصول إلى مناطق القتال أو الكتابة عنها طبقا لملحظاتهم “(.)367
ولقد تكرر نفس المر فى حرب تحرير الكويت « عاصفة الصحراء » ،فلقد نصت
التعليمات ال تى أ صدرتها وزارة الدفاع المريك ية -فى 14/1/1991ت حت عنوان Persian
- Gulf Guide lines for mediaعلى التالى “ فى حالة نشوب المعارك فإن المعلومات ال تى
تحصل عليها المجموعة الصحفية تكون عرضة للمراجعة قبل السماح بنشرها ،لتحديد ما إذا كانت
تحتوى على معلومات حسهههاسة عهههن الخطهههط العسهههكرية أو القدرات أو العمليات
أو نقاط الض عف ..ال تى قهد تش كل خطورة على نتائج عمل ية حرب ية أو تهدد أ من قوات أمري كا
أو قوات الحلفاء .و سيتم ف حص المادة للتأ كد ف قط من التزام ها بالقوا عد ال ساسية المرف قة ،ول يس
لحتمال أن تعبّر عن نقد أو تتسبب فى حرج .كما أن ضابط الشئون العامة المرافق للصحفيين فى
الموقع الذى يزورونه سوف يُراجع المادة الصحفية ،ويناقش أية مشاكل لمخالفة القواعد الساسية
مهع المحرر .وإذا لم يصهل الثنان إلى اتفاق حول المادة الصهحفية ،تُرسهل المادة فورا إلى القيادة
الع سكرية فى « الظهران » لمراجعت ها بوا سطة مد ير ق سم ال صحافة هناك ومم ثل و سائل العلم
الموجود .وإذا لم يتهم الوصهول إلى اتفاق تُرسهل المادة إلى مسهاعد وزيهر الدفاع للشئون العامهة
ليراجعها الرئيس المختص .ولكن القرار النهائى حول النشر سيكون فى أيدى المؤسسة الصحفية
التهى يتبعهها المراسهل نفسهه ”( .)368وعلى الرغهم مهن كهل هذه الضمانات لكفالة سهرية العمليات
الحربية ،فقد أوقف وزير الدفاع المريكى “ إعطاء البلغات الصحفية عند بدء الهجوم البرى .ولم
يكن هناك أية أخبار يومية من « المجموعة الصحفية » ول أية بلغات .وهو حظر كامل على
ل من الصحفيين فقط خاطروا بجلب الخبار لم يسبق له مثيل فى التاريخ المريكى .ولن عددا قلي ً
سخط القوات المسلحة ،استطاع المريكيون فى الوقت المناسب أن يشاهدوا الستيلء على الدولة
التى كان الحلفاء يحاولون تحريرها لكثر من ستة أسابيع ”(.)369
ويقرر « رودنى سمولل » أن تحليل عملية الرقابة على التغطية العلمية فى حرب
∗
الخليج يؤكد بأن ” الخبار السيئة كان يتم تلوينها -وكلما أمكن ذلك -كان يتم التعمية على
للمزيد حول التغطية العلمية لحروب الخليج ،انظر كلً من: ∗
عوا طف ع بد الرح من ،التغط ية الخبار ية فى الصحافة العربية بين الستقلل والتبعية :مصر نموذجا ( دراسة أ -
حالة للعدوان المري كى على العراق ) .فى قضا يا الو طن العر بى فى ال صحافة خلل القرن العشر ين ،صفحات
.122 - 101
هويدا م صطفى ،دور العلم فى الزمات الدول ية ( درا سة حالة للدارة العلم ية لحرب الخل يج ) .القاهرة: ب-
مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر.2000 ،
- 201 -
الجزاء القبيحة من أخبار الحرب وإخفاؤها .كما أن المعلومات كانت تتم عن طريق عدة نقاط
مركزيهة لعتمادهها ،وفهى معظهم الحيان كانهت المعلومات تتعرض للتأخيهر أثناء بثهها “(.)370
بحيث إن خبرة وسائل العلم مع الحروب الحديثة أوضحت أنه إذا ” كانت فيتنام من بعض
النواحى هى حرب وسائل العلم ..فإن العراق كانت حرب القوات المسلحة “(.)371
وهذا ” ما انتهت إليه دراسة صحيفة « لوموند » الفرنسية Le Mondeعلى عينة من
ال صحفيين .ح يث أعرب %48من هم أن هم يشعرون أن هم كانوا أدوات ب يد ال سلطات الع سكرية.
وأن العلم الفرنسهى كان تحهت سهيطرة -أو بمعنهى أخهر موجها مهن قبهل -قوات التحالف
وعلى رأسها الوليات المتحدة .مما جعل وسائل العلم الفرنسية تخرج من تلك الزمة وهى
تعانى من فقدان المصداقية من قبل %53من عينة الدراسة ”(.)372
ولكهن ..إذا كان التراجهع فهى القدرات المعرفيهة أصهبح ملحوظا فهى وسهائل العلم
التقليدية فى النظم العلمية الحرة ،فثمة مخاوف من أن يمتد ذلك إلى وسائل العلم الجديدة،
النترنت ( حاليا ) والطريق السريع للمعلومات ( مستقبلً ).
وفى أطروحة « أونسانج يون » حول « التجاه البنائى لتنمية تكنولوجيا المعلومات »
تحاول الدرا سة الت صدى لف حص مدى جد ية تلك المخاوف .ح يث ” تدور مشكلة الدرا سة حول
كيفية استخدام النترنت من أجل إدراك المكانية الديمقراطية للتصال التكنولوجى .وفى سبيل
هة
هياسية والمجتمعيه
هى مؤداه :أن الظروف السه
هة اختبار فرض رئيسه
ذلك تحاول الطروحه
تتعارض مهع السهتقلل التكنولوجهى ،لن معظهم التطورات التكنولوجيهة تخضهع للتأثيرات
السياسية والجتماعية ..وقد رصدت الطروحة أربعة عوامل رئيسية سياسية واجتماعية لها
إمكانيهة التأثيهر على النترنهت وههى :الحكومهة -الشركات -الفراد -الجمهور .وتوصهلت
الطروحة إلى أن البنية الصناعية الحالية للنترنت غير قادرة على التطور الجماعى المستند
إلى المجال العام والتشاور العام .وأوصهت الدراسهة بأنهه يجهب على السهياسات المطبقهة فهى
مجالت :مزودى خدمات النترنههت -أو شبكات النترنههت -أو محتويات النترنههت -
أو مستخدمى النتر نت .ي جب على تلك السياسات أن تشجع الفراد ل كى يصبحوا أعضا ًء فى
جماعات الجمهور ،مهن خلل تحسهين قوة الجمهور وحمايهة التعهبير الفردى .كمها أوضحهت
() منهههى الحديدى ،اختراق القائم بالتصهههال .فهههى أعمال ندوة الختراق العلمهههى للوطهههن العربهههى 372
الدراسهة أن الحكومهة تحتاج إلى المشاركهة المباشرة فهى التصهالت المؤسهّسة للنترنهت مهن
خلل تأسيس هيئات عامة ..بحيث تقدم الحكومة بذلك طرقا بديلة لستخدام النترنت “(.)373
..إن ما سبق يوضح أن ثمة ممارسات غير قليلة تمثل تراجعا فى القدرات المعرفية
للن ظم العلم ية الحرة ال مر الذى حدا بأ حد الباحث ين إلى أن يع تبر ” أن الت صور بأن المز يد
من التقدم القتصادى فى الدولة يعنى بالضرورة المزيد من الليبرالية وانفتاح الحكومة ..ما هو
إل من هراءات القرن التاسع عشر .إذ إن ما نواجهه الن ما هو إل محاولت مثابرة لتقليص
السهريان الحهر للمعلومات لدعهم سهرية الحكومهة والشركات فهى مجالت حقوق العمال،
وبالحرى مجالت المن القومى “(.)374
ولهذا ..يبدو مهن الهام ضرورة توضيهح ،أن التراجصع فصى القدرات المعرفيصة للنظصم
العلمية الحرة ناتج عن قصور فى بنية النظام العلمى الحر ذاته؛ بسبب غياب حلقة ما فى
سلسلة ذلك النظام ،ول يس ناتجا عن مؤامرة كبرى يقف خلفها رجال الح كم ورجال العمال.
” لن النقاد الي ساريين يميلون إلى حيا كة ق صص عن تآ مر صارخ ...انطلقا من أن النتي جة
النهائ ية هى أن مع ظم ما يراه وي سمعه مع ظم الناس فى و سائل العلم يب قى واحدا من ح يث
المضمون والرأى المطروح ..ولكن هذه الحادية ليست نتيجة وجود حلقة كريهة من المخططين
المتآمر ين .إن ها بنيو ية مرتب طة بح سابات ال سوق ..كري هة بطريقت ها الخا صة ..وتش كل عائقا
خطيرا فى طريقة تطور الوسائل الجديدة والمال الجديدة فى مجال التصالت السياسية “(.)375
و من ه نا فإن الب حث الموضو عى هو الذى ي ستهدف ك شف وعلج الق صور فى هذا النموذج
ال حر للعلم .ول يس مجرد محاولة تحطي مه ،دون أن يو جد بد يل غ ير ن ظم العلم الموج هة
فى الدول غ ير الديمقراط ية ،وال تى ي تم وأد قدرات ها المعرف ية ت حت جبال من القيود المتع سفة
والمستبدة.
373
)(Yun, Eunsang, structural approach to the development of the communications
technologies: A new conception of the public interest for the internet and the GCIP model.
) Available from Internet (.
374
)(Downing, John, “ Government secrecy and the media in the united states and Britain ”, In
Golding, Peter & Murdock, Graham & Schlesinger, Philip, Communicating Politics
) Mass communication and the Political Process (. p. 170.
() و .رسل نيومان ،مستقبل الجمهور المتلقى .ترجمة محمد جمول ،ص .208 375
- 203 -
المبحـث الثـانى
الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية
للنظم العلمية الموجهـة
يبدو التفاوت فيما بين المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية الموجهة أكثر
وضوحا .ففهى حيهن امتهد التقدم التكنولوجهى ليطال القدرات التكنولوجيهة لتلك النظهم ،إل أن التقدم
الديمقراطهى لم يمتهد بنفهس الدرجهة ليطال درجهة شفافيتهها؛ ممها أدى إلى اسهتمرار تقييهد قدراتهها
المعرفية.
ولعهل ذلك يظههر بوضوح فهى اتجاه العديهد مهن تلك النظهم العلميهة الموجههة إلى
ال سماح للقطاع الخاص بامتلك القنوات التليفزيون ية الفضائ ية ،على ها مش احتكار الحكومات
لمحطات التليفزيون الرضى فى الغالبية العظمى من تلك الدول .وكان هذا التوجه نحو القطاع
الخاص فى حقل العلم الفضائى ،يهدف إلى موازنة البث الفضائى الجنبى ببث فضائى آخر
وطنهى يموله القطاع الخاص ،للتخفيهف عهن كاههل ميزانيات تلك الدول التهى تحملت مهن قبهل
عبهء تمويهل المحطات الفضائيهة الرسهمية .وبالطبهع لم تفلت أغلب هذه المحطات الفضائيهة
الخا صة من ذات القيود والقوا عد ال تى تق يد القدرات المعرف ية بالمحطات التليفزيون ية الر سمية
( الرضية أو الفضائية ) بتلك النظم.
وتمثل المنطقة العربية نموذجا واضحا لهذا التوجه نحو السماح بقنوات فضائية خاصة
ذات قدرات معرفيهة مقيدة إل فيمها ندر .وتوضهح دراسهة « مجهد الهاشمهى » عهن « العلم
الكونهى وتكنولوجيها المسهتقبل » ” أن القنوات التلفزيونيهة الفضائيهة العربيهة تنقسهم إلى قسهمين:
الق سم الول :قنوات فضائ ية عرب ية /عالم ية ،و هى ال تى ت بث من خارج الو طن العر بى متخذة
عوا صم عالم ية مقرا ل ها ،و هى قنوات خا صة وبرؤوس أموال تجار ية من القطاع الخاص ول
عل قة للدولة بشئون ها أو إدارت ها إطلقا .وتتم ثل هذه القنوات فى :قناة ( MBCمر كز تلفزيون
الشرق الوسهط ) -قناة Artشبكهة راديهو وتلفزيون العرب -شبكهة أوربهت orbit- LBCI
الفضائ ية اللبنان ية ( العالم ية ) ANN -شب كة الخبار العرب ية -قناة الندلس الفضائ ية .والق سم
الثانى :قنوات فضائية عربية /عربية ،وهى التى تبث داخل الوطن العربى إلى العالم ،البعض
منها رسمية تُموّل من الحكومة مباشرة ،والخرى خاصة يشرف عليها أحد الثرياء أو شركات
مساهمة لدارتها .وتتمثل هذه القنوات بنوعيها فى :الفضائية المصرية ( - )1الفضائية المصرية
( - )2قناة الن يل الدول ية -قنوات الن يل المتخ صصة M2 -الخا صة المغرب ية RTM -القناة
الفضائيهة المغربيهة الحكوميهة TV7 -الفضائيهة التونسهية ALGerian TV -القناة الفضائيهة
- 204 -
الجزائر ية T.M -القناة الفضائ ية الموريتان ية Libya -القناة الجماهير ية الفضائ ية Sodan -
القناة الفضائية السودانية -القناة الفضائية اليمنية -الفضائية السعودية -قناة دبى الفضائية -
قناة د بى ( 2خا صة ) -قناة د بى الريا ضة -قناة د بى القت صادية -قناة د بى للدرا ما -قناة
أبهو ظهبى الفضائيهة -قناة الشارقهة الفضائيهة -قناة عجمان الفضائيهة B.TV -قناة البحريهن
∗
الفضائ ية -قناة عمان الفضائ ية -قناة الجزيرة القطر ية الفضائ ية ( خا صة ) -قناة الم ستقبل
اللبنانية ( خاصة ) -قناة NBNالخبارية اللبنانية الخاصة -الفضائية العربية الردنية -القناة
الفضائية السورية -قناة العراق الفضائية -قناة فلسطين الفضائية ”(.)376
ومن وسط هذا العدد الكبير للقنوات الفضائية العربية ،فإن قناة الجزيرة القطرية الفضائية
هى التى استطاعت أن تنجو بشكل كبير من أسر القيود على قدراتها المعرفية إلى الحد الذى جعل
” العديد من المثقفين فى الشرق الوسط يرون أن ما تبثه هذه القناة رمزا محركا للثارة فى العالم
العربهى .بينمها اعتهبر البعهض مها تبثهه ( فتنهة ) تثيهر المشاكهل والخلفات وتكشهف المخفهى
والمستور “( ...)377إل أن حرب الوليات المتحدة ضد معاقل الرهاب فى أفغانستان أدت إلى أن
تتبوأ قناة الجزيرة مكانة عالمية سبق أن تبوأتها قناة CNNأثناء حرب تحرير الكويت؛ وذلك لن
حكام « طالبان » فى أفغان ستان -آنذاك -سمحوا ل ها بمفرد ها بتغط ية أحداث الحرب؛ م ما أدى
إلى أن تن قل عن ها كا فة و سائل العلم العالم ية ...إن الستقللية ال كبيرة لقناة الجزيرة تو ضح أن
رفع القيود عن القدرات المعرفية هو الضامن الكبر لجذب المتلقين إلى المواد العلمية.
ول كن على الر غم من ذلك ،فإن النظام العل مى الم صرى ان صرف عن هذا التو جه
عند ما قرر إنشاء « منط قة إعلم ية حرة » يم كن أن تُبَث من خلل ها قنوات فضائ ية م صرية
يمولها القطاع الخاص ،ووضع ضوابط لعمل تلك القنوات تتمثل فى أنه ” ل يجوز الترخيص
لقنوات ذات صهبغة دينيهة أو طائفيهة أو حزبيهة أو تدعهو إلى الجنهس أو العنهف ،كمها تلتزم
الشركات المرخهص لهها بالعمهل بميثاق الشرف العلمهى ،ول يجوز التنازل للغيهر عهن
الترخيهص الممنوح إل بموافقهة مجلس إدارة المنطقهة الحرة “( .)378وتهم بالفعهل الموافقهة على
∗
إنشاء أربع قنوات فضائية امتلكتها شركات مساهمة مصرية اعتبارا من . 13/6/2001
قناة الجزيرة مؤسسة عامة مستقلة قد مت لها حكومة قطر قرضا قيمته ( )500مليون دولر لتمويل القناة ∗
على مدى ( خ مس ) سنوات ،على أن ت صبح قادرة على إعالة نف سها من خلل العلنات والشتراكات .و قد انطل قت
القناة يوم .1/11/1996انظر :مجد الهاشمى ،العلم الكونى وتكنولوجيا المستقبل .ص .224
() مجد الهاشمى ،المرجع السابق .صفحات .242 - 140 376
ولكن ..إذا كانت القدرات المعرفية مقيدة بدرجة كبيرة فى مجالت العلم الذاعى
والتليفزيو نى فى الن ظم العلم ية الموج هة ،فإن المؤ سسات ال صحفية على الر غم من كون ها
أكثهر تحررا فيمها يتعلق بالسهماح للقطاع الخاص والمعارضهة بإصهدار الصهحف ،وبالتطرق
لمضاميهن إعلميهة ل يمكهن التطرق لهها بتاتا فهى العلم التليفزيونهى والذاعهى ،إل أن
الممار سات العمل ية فى ح قل العلم ال صحفى تؤ كد أن تقي يد القدرات المعرف ية هو الغالب
على توجهات النظم العلمية الموجهة.
ومن الواضح أن ممارسة الرقابة أو حتى مجرد التلويح بممارستها يؤدى إلى قصور
خطير فى حركة سريان المعلومات العلمية فى المجتمع .مما ينعكس بالتالى على القدرات
المعرف ية للن ظم العلم ية وعلى التوجهات المهن ية للقائم ين بالت صال .ول عل هذا ما توض حه
درا سة « سيد بخ يت » حول « الع مل ال صحفى فى م صر :درا سة سوسيولوجية لل صحفيين
الم صريين » ح يث أوض حت الدرا سة التطبيق ية ” أن %70من القيادات ال صحفية أجابوا بأ نه
ت صلهم تعليمات وتوجيهات لتقر ير ن شر نوع ية معي نة من الخبار أو عدم نشر ها ،عن طر يق
مك تب ال صحافة الذى يت صل بال صحف لبلغ ها بهذه الخبار .ك ما وا فق %95من القيادات
الصهحفية على خضوع الصهحافة القوميهة فيمها تنشره لسهياسة الحكومهة .ووافهق %70مهن
المندوبين الصحفيين على خضوع الصحافة المعار ضة فيما تنشره لسياسة أحزاب ها .كما رأى
%93من المندوبين و %85من القيادات الصحفية بأن الصحافة القومية تعكس رأى السلطة...
كمها أجاب %75مهن القيادات الصهحفية التنفيذيهة أن الصهحافة المصهرية ل تنشهر الخبار
المتعلقة بفساد بعض النخب “(.)380
ولكهن ..إذا كان مناخ الرقابهة يقيهد فاعليات المؤسهسات العلميهة .فإنهه -مهن جههة
أخرى -يؤدى إلى إكساب تلك المؤسسات الجرأة على تلوين محتوى رسائلها العلنية ،وذلك
() فاروق أبو زيد ،مدخل إلى علم الصحافة .ص .124 379
() سيد بخيت ،العمل الصحفى فى مصر ( دراسة سوسيولوجية للصحفيين المصريين ) .صفحات .239 - 230 380
- 206 -
إمعانا فى مناخ الفساد والفساد العلمى القائم .فقد أوضحت الدراسة السابقة ” أن %70من
القيادات ال صحفية أكدوا أن ال صحافة الم صرية تتحا يل على عدم تمي يز المادة التحرير ية عن
العلن .كما أكد %65من تلك القيادات أن الصحافة المصرية تتردد فى نشر معلومات تسيئ
لبعض المعلنين “(.)381
ولعل هذا ما أكده -بكل شجاعة وقوة -الكاتب الصحفى المصرى « فهمى هويدى »
∗
فى مقاله القنبلة « صحفيون للب يع » ح يث أ كد أن ” جهاز الرقا بة الدار ية أ عد تقريرا عن
الصحفيين الذين يتقاضون رواتب ومكافآت شهرية من الوزارات والشركات ورجال العمال.
وتبين منه أن الغلبية الساحقة من المؤسسات الصحفية يتقاضى محرروها تلك المكافأت .وأن
الحصة الكبر منها تذهب إلى محررى الصحف القومية .وأن الذين يقبضون المكافآت وصل
عددهم فى إحدى المؤسسات الصحفية القومية إلى أكثر من 200صحفى .بينما يهبط الرقم إلى
خمسهة أو سهبعة صهحفيين فهى الصهحف المسهتقلة أو المعارضهة .وهؤلء يتقاضون شهريا
ما بين ألفين و 15ألف جنيه “(.)382
ول يقتصهر المهر بالنظام العلمهى المصهرى على مجرد شراء ولء العلمييهن
« بذ هب الم عز » ،وإن ما يم تد ال مر إلى حد تشر يد العلمي ين « ب سيف الم عز » ،من خلل
إغلق المؤسهسات العلميهة .فخلل الفترة مهن عام 1998إلى عام 2001تهم إيقاف ثلث
صحف عن ال صدور .ف فى 25/2/1998تم إلغاء ترخ يص ط بع جريدة « الد ستور » ،و هى
جريدة مصرية تصدر بترخيص من قبرص ،وذلك بسبب نشرها بيان الجماعة السلمية الذى
يهدد باغتيال رجال العمال القباط فى مصر .وفى شهر مايو 2000تم إيقاف صدور جريدة
« الشعهب » الصهادرة عهن حزب العمهل؛ بسهبب مها نشرتهه الجريدة مهن نقهد شديهد لروايهة
« ولي مة لعشاب الب حر » للكا تب ال سورى « حيدر حيدر » ،وأدى ذلك إلى اندلع المظاهرات
فى جام عة الز هر ،للت عبير عن الغ ضب م ما تضمن ته الروا ية من ادعاء بالتطاول على الذات
اللهيهة .وفهى 5/7/2001قرر القضاء الدارى إيقاف ترخيهص جريدة « النبهأ » وحجبهها عهن
الصدور بسبب ما نشرته بتاريخ 17/6/2001فى عدد ها رقم 663عن الممارسات الجنسية
« للراههب /برسهوم المحروقهى » ،ومها صهاحب الموضوع مهن نشهر صهور لتلك الممارسهات
الجنسية أعقبها اندلع المظاهرات التى قام بها القباط احتجاجا على ما نشرته الصحيفة.
على الرغم من أن مجلس نقابة الصحفيين أكد عدم تلقيه أية تقارير من جهات سيادية أو رقابية باتهام أحد من ∗
الصهحفيين بالمخالفات المذكورة .إل أن الحقيقهة التهى يعلمهها الكثيرون وجدت أخيرا مهن يمتلك الشجاعهة ليقولهها .انظهر:
جريدة الهرام بتاريخ ،17/4/2001ص .15
() فهمى هويدى " ،صحفيون للبيع " ،جريدة الوفد .بتاريخ ،30/3/2001ص .14 382
- 207 -
ول مجال للدهشهة ..مهن قيام مظاهرات إسهلمية فهى حالة جريدة الشعهب ،للمطالبهة
بم صادرة روا ية .وقيام مظاهرات قبط ية فى حالة جريدة الن بأ ،للمطال بة بم صادرة جريدة .فالن ظم
العلمية الموجهة تؤدى إلى نمو مفهوم « الجمهور الموجه » الذى ل يعترف بالرأى الخر ول
يؤمن بالتعددية الفكرية .وهذا يؤكد ” أن القمع يعيد إنتاج نفسه .وأن فعل القمع ذاته ينعكس على
من يقع عليه .مما يؤدى إلى تحول المقموعين إلى قامعين وانقلب المنفعلين بالقمع إلى فاعلين له
”(.)383
ول كن إذا أم كن للن ظم العلم ية الموج هة التح كم فى مؤ سساتها العلم ية التقليد ية ،ف هل
يمكن لشبكات المعلومات أن تطرح تحديا كبيرا أمام تلك النظم ،بما توفره من قدرات اتصالية فائقة
جدا يصهعب السهيطرة عليهها ومراقبتهها ؟ ...إن الواقهع يقرر ..أنهه على الرغهم مهن التحدى
التكنولوجى الذى يقلص كثيرا من القدرة على تقييد شبكات المعلومات ،إل أن ثمة وسائل وأساليب
تمار سها ب عض الن ظم لعا قة ال سريان ال حر للمعلومات ” ف فى عالم النتر نت الذى سقطت ف يه
الحدود ب ين الدول .تُمارس لع بة ال قط والفأر ب ين الحكومات السيوية والمواطنين الذين يخاطرون
بالقبض عليهم من أجل حرية الوصول إلى الشبكة العالمية .وتحاول دولتا الصين وسنغافورة إعاقة
و صول موا قع معي نة على الشب كة ،هى الموا قع ال تى تحوى مضمونا سياسيا أو جن سيا ل ترغ به
الدولتان .كما تقوم هاتان الدولتان بالحد من عدد الشركات العاملة فى مجال توزيع خدمة النترنت
على المواطنين ،وتفرضان عليها استخدام مرشحات إلكترونية electronic filtersلعاقة المواقع
غير المرغوب فيها ”( .)384كما ” تستخدم السلطات السعودية تقنية متقدمة لحجب نحو 200ألف
مو قع على النتر نت وذلك لم نع م ستخدمى النتر نت من دخول الموا قع الباح ية أو ال تى تحتوى
على انتقادات للنظام السعودى أو النظمة الخليجية المجاورة “(.)385
ولكهن على الرغهم ممها سهبق ..يمكهن القول ..أن التقدم التكنولوجهى المطرد سهيقلص
كثيرا من قدرة ال سلطات على تقي يد حر ية الت صال بالنتر نت ( حاليا ) أو بالطر يق ال سريع
للمعلومات ( مستقبلً ).
() شريف درويش اللبان ،تكنولوجيا التصال ( المخاطر والتحديات والتأثيرات الجتماعية ) .ص .184 384
أحمد أبو الوفا " ،حملة مداهمات عربية ضد المواقع الباحية والبرامج المنسوخة " ،جريدة العالم اليوم .بتاريخ أ -
،7/5/2001ص .13
أشرف أبو الهول " ،السعودية تحظر 200ألف موقع آخر للنترنت " ،جريدة العالم اليوم .بتاريخ ،7/5/2001 ب-
ص .13
- 208 -
ومن المرجح ..أن المستقبل القريب سيقدم القيود الذاتية باعتبارها الخطر الكبر على
حريهة الت عبير قيا سا بالقيود المجتمعيهة .إذ إن اسهتمرار تقلص القيود المجتمعيهة نتي جة الوا قع
الذى يفرضه التقدم التكنولوجى والمد الديمقراطى ،يؤدى إلى منح مزيد من المعلومات الفرصة
للق فز من فوق أ سوار الح ظر التقليد ية .ول كن بالمقا بل ..تب قى القيود الذات ية بمنأى عن ذلك
التأث ير ،وذلك لكون ها مخف ية وغ ير ملحو ظة ،وتح ظى بد عم ال سلطات الحكوم ية والمؤ سسات
العلم ية ومنظمات المال والعمال؛ لن ها تمنح هم جميعا الفر صة لقا مة علقات نفع ية مع
بعضهم البعض تنال من درجة شفافية النظم العلمية .المر الذى سيؤدى إلى إهدار الفرص
التى تتيحها البعاد المجتمعية للعولمة للرتفاع بالقدرات المعرفية للنظم العلمية.
سيؤدى إلى استمرار العتراف بالقيود الذاتية حتى لو أدى التقدم التكنولوجى والديمقراطى إلى
تقليص القيود المجتمعية.
وانطلقا مهن هذا الواقهع ..فإن تمهيهد الطريهق أمام تصهاعد القدرات المعرفيهة للنظهم
العلمية -بما يجعلها تستجيب للتطورات التى تطرحها البعاد المجتمعية للعولمة -يستلزم
أهم ية تب نى مرجعيات فل سفية إعلم ية جديدة ل تُ سلّم بضرورة توا جد القيود المعرف ية فى بن ية
النظم العلمية ....وهذا ما سنحاول طرحه فى الفصل القادم..
- 210 -
وتف صيل ذلك ..أن الدرا سة تو صلت إلى أن المتغيرات الوظيف ية الحاك مة بين ية الن ظم
العلم ية تتحدد فى ثل ثة متغيرات هى « :القدرات المعرف ية للنظام العل مى » و« در جة
شفافية النظام العلمى » و« القدرات التكنولوجية للنظام العلمى » .وتنتظم هذه المتغيرات
الثلثة فى العلقة الرياضية التالية:
القدرات المعرفية للنظام العلمى = درجة شفافية النظام العلمى ×
قدراته التكنولوجية
وقد أثبتت الدراسة أن المتغيرين الوظيفيين الحاكمين ( المستقلين ) ل يستجيبان بدرجة
متوازنهة لل ثر الذى تمارسهه عليهمها عولمهة التصهال ،وبالتالى فإن المتغيهر الوظيفهى الحاكهم
( التابع ) الذى يتمثل فى « القدرات المعرفية للنظم العلمية » يتصاعد بدرجة أقل من الدرجة
التى كان يمكن أن يتصاعد بها لو كانت استجابة المتغيرين الخرين تتم بدرجة متوازنة.
حيث تمارس عولمة التصال تأثيرها على « القدرات التكنولوجية للنظم العلمية »
انطلقا مهن النتائج التهى ترتبهت على التقدم التكنولوجهى الهائل فهى تكنولوجيات التصهالت
والعلم والمعلومات وأدت إلى التكامهل بيهن هذه التكنولوجيات الثلث -مهن خلل التكامهل
التكنولو جى العضوى فى مجال تكنولوج يا الو سائط الناقلة ،والتكا مل التكنولو جى الهيكلى فى
مجال تكنولوج يا أجهزة ال ستقبال والعرض والت صال -ال مر الذى أ سفر عن د مج و سائل
العلم والتصهال والمعلومات فهى بنيهة هيكليهة إلكترونيهة مدمجهة واحدة يمثلهها الكومهبيوتر
المت صل بشبكات المعلومات ،م ما أ سفر عن الت صاعد المطرد فى ن سبة انتشار و سائل العلم
فهى المجتمعات المختلفهة ،وذلك انطلقا مهن الثار التهى تمارسهها البعاد القتصهادية للعولمهة
- 211 -
والتهى تؤدى إلى تبنهى سهياسات النتاج الضخهم وفقا لمبدأ وفورات الحجهم الكهبير فهى مجال
الت صنيع التكنولو جى لو سائل الت صال ،ال مر الذى سيؤدى إلى انخفاض القي مة ال سعرية لتلك
الوسائل بالتزاوج مع التصاعد فى نسبة انتشارها على مستوى العالم .وبالتالى ..سينعكس هذا
على القدرات التكنولوج ية للن ظم العلم ية ب صورة إيجاب ية تي تح لغلب تلك الن ظم الو صول
بسههولة إلى مرحلة التشبهع التكنولوجهى العلمهى ،تلك المرحلة التهى تعنهى وصهول القدرات
التكنولوجية للنظم العلمية إلى حدها القصى.
وعلى الجانب الخر ..فإن التأثير الذى تمارسه عولمة التصال على « درجة شفافية
الن ظم العلم ية » يتم ثل فى النفجار المعلوما تى وال كم المهول من الر سائل العلم ية ال تى
تنه مر ل يل نهار عبر قنوات الت صال الممتدة عبر أرجاء العالم ،م ما أدى إلى تجاوز الر سائل
العلمية للحدود الجغرافية والقيود القانونية والخصائص الفنية لوسائل العلم التقليدية ،المر
الذى انعكهس إيجابيا على « درجهة شفافيهة النظهم العلميهة » .ولكهن مازالت بعهض العوائق
والقيود تمنع التصاعد المتسارع فى « درجة شفافية النظم العلمية » وتتمثل فى ضعف الثر
الذى تمار سه الر سائل العلم ية الفضائ ية الجنب ية المختر قة للحدود والموا نع القانون ية ،وذلك
نتيجة العائق اللغوى ،ونتيجة عدم قدرة النظم العلمية الجنبية على الهتمام الكبير بالقضايا
المحل ية اليوم ية ال تى تحجب ها الن ظم العلم ية المحل ية ،هذا بالضا فة إلى التقي يد ال كبير الذى
تمارسه مجموعة القيود المعرفية الكائنة فى بنية النظم العلمية الراهنة والتى تتمثل فى القيود
المجتمعية ( التشريعية والعملية ) والقيود الذاتية التى تمارسها المؤسسات العلمية ،مما يؤدى
-فى المجمل العام -إلى عدم ارتفاع « درجة شفافية النظم العلمية » بنفس الدرجة التى
تتصهاعد بهها « القدرات التكنولوجيهة للنظهم العلميهة » ،ويؤدى إلى عدم توازن الثهر الذى
تمار سه عول مة الت صال على هذ ين المتغير ين ،وبالتالى ال حد من الدر جة ال تى كان يم كن أن
تتصاعد وفقا لها « القدرات المعرفية للنظم العلمية » نتيجة هذا الثر غير المتوازن .المر
الذى يسفر عن عدم قدرة الن ظم العلم ية على القيام بوظيفتها فى المجت مع ،والتى تتمثل فى
نقل معرفة وافية عن الحداث والمجريات والراء والفكار نتيجة الثار السلبية التى تمارسها
العوائق والقيود المعرفية على « درجة شفافية النظم العلمية ».
كما توصلت الدراسة فى محاولتها للجابة على التساؤل الثانى إلى وجود ارتباط بين
المرجعيات الفلسهفية العلميهة التهى تتبناهها النظهم العلميهة الراهنهة ،وبيهن القيود المعرفيهة
الكائنة ببنية تلك النظم .حيث تعترف كافة المرجعيات الفلسفية العلمية بشرعية تواجد القيود
المعرفية ببنية النظم العلمية بدرجات متفاوتة ،المر الذى يؤدى إلى إعاقة تصاعد القدرات
المعرفية للنظم العلمية ،ويؤثر سلبيا على قيامها بوظيفتها فى المجتمع.
- 212 -
وتفصهيل ذلك ..أن الدراسهة عرضهت للتصهنيفات المتعددة لنظريات النظهم العلميهة
والتى أطلقت عليها الدراسة مصطلح المرجعيات الفلسفية باعتبارها تمثل الخلفية الفلسفية للنظم
العلمية .حيث تبين أن المدى الذى يضم النظم العلمية الراهنة يتراوح ما بين كل من:
النظهم العلميهة الموجههة :والتهى يندرج تحتهها وفقا لدرجات متفاوتهة فهى التوجيهه •
( النظهم السهلطوية -النظهم الشيوعيهة أو الماركسهية أو السهلطوية الجتماعيهة -النظهم
التنموية أو التقدمية ).
النظهم العلميهة الحرة :والتهى يندرج تحتهها وفقا لدرجات متفاوتهة فهى الحريهة •
( الن ظم الليبرال ية أو أنظ مة ال سوق -الن ظم الم سئولة اجتماعيا أو الليبرال ية الجتماع ية
أو المركزية الجتماعية أو الديمقراطية الجتماعية -نظم المشاركة الديمقراطية ).
ونظرا لن عرض الممارسات العملية لتلك النظم أوضح أن النظم العلمية الموجهة
تمارس دورهها باعتبارهها أحهد أدوات السهلطة مهن حيهث كونهها أدوات دعائيهة لنظهم الحكهم
وللترويج اليدلوجى ودعم خطط التنمية .بينما تمارس النظم العلمية الحرة دورها باعتبارها
سهلطة رابعهة -فهى مواجههة سهلطات الدولة الثلث -مهمتهها تسهليط الضوء على الحداث
والوقائع والفكار والراء فهى المجتمهع وتقديمهها للجماهيهر .وبالتالى فإن النظهم العلميهة
الموجهة تستهدف تشكيل وعى المجتمع من أجل الدولة ،بينما النظم العلمية الحرة تستهدف
كشف ممارسات الدولة من أجل المجتمع .ولكن نظرا لنه ل وجود للدولة بدون المجتمع ،فإن
كافة النظم العلمية سواء الحرة أو الموجهة تحاول أن تترجم ممارساتها العلمية فى إطار
التزامهها تجاه المجتمهع .وانطلقا من هذه النتي جة ف قد اكتسهبت نظريهة المسهئولية الجتماعيهة
جاذبية خاصة جعلت من أطروحاتها الصيغة الكثر قبولً لدى كل من النظم العلمية الحرة
والموج هة ،بح يث يأول ها كل من النظام ين لتحق يق أهدا فه ت حت دعوى اللتزام بدور م سئول
تجاه المجتمع.
حيث تبرر النظم العلمية الموجهة تشديدها للقيود المجتمعية على المعلومات ،وتبرر
مؤسساتها العلمية تبنيها للقيود الذاتية ،تحت دعوى اللتزام بدور مسئول اجتماعيا.
وبن فس المن طق تبرر الن ظم العلم ية الحرة ا ستمرار بقاء عدد من القيود المجتمع ية
داخهل بنيتهها ،وتهبرر مؤسهساتها العلميهة تبنيهها للقيود الذاتيهة ،تحهت دعوى اللتزام بدور
مسئول اجتماعيا.
- 213 -
ولقهد رصهدت الدراسهة -مهن خلل عرضهها لتصهنيفات تلك المرجعيات الفلسهفية
وعرضهها للطار الفكرى لنظريهة المسهئولية الجتماعيهة -عدم قدرة تلك المرجعيات جميعا
على التوصهيف الدقيهق لثنائيهة السهلطة والمسهئولية بتلك النظهم ،تلك الثنائيهة التهى يؤدى عدم
التوصيف الدقيق للطابع الذى يميزها إلى اضطلع تلك النظم بأدوار تتجاهل حقوقها وتتناقض
مع واجبات ها ..ول قد أوض حت الدرا سة أن المرجعيات الفل سفية الراه نة أدت بالن ظم العلم ية
الموج هة إلى أن تمارس م سئوليات غ ير إعلم ية مع افتقار ها ل ية سلطة ،فى ح ين تمارس
النظم العلمية الحرة سلطتها فى مواجهة سلطات المجتمع الخرى مع افتقارها إلى مسئولية
إعلم ية تحدد واجبات ها ووظيفت ها ال صيلة ..ول عل الوا قع يقرر بأ نه عند ما يمارس أى نظام
فاعليا ته دون التنظ يم الدق يق لثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بني ته الفكر ية والعمل ية ،فإن ذلك
يؤدى إلى تجاوزه لسلطاته أو تفريطه فى مسئولياته أو الثنين معا.
وبالتالى فإن تلك المرجعيات الفلسفية تؤدى إلى تقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية
الراه نة نتي جة اعتراف ها بثنائ ية القيود المجتمع ية والذات ية وعدم تو صيفها الج يد لثنائ ية ال سلطة
والمسئولية ببنية تلك النظم .المر الذى يكشف عن مسئولية تلك المرجعيات الفلسفية عن الثر
غ ير المتوازن الذى تمار سه عول مة الت صال على القدرات التكنولوج ية ودر جة شفاف ية الن ظم
العلم ية .م ما يع نى أن تلك المرجعيات قد با تت ل تتواءم مع التطورات الحال ية والم ستقبلية
التى تطرحها البعاد العلمية للعولمة .تلك البعاد التى يتلزم فيها التوحد والتكتل والندماج
مهع التشظهى والتجزؤ والنقسهام ،وتوفهر فرصهة عريضهة لتنميهة القدرات المعرفيهة للنظهم
العلم ية ،انطلقا من قدرات ها التكنولوج ية المت سارعة الت صاعد وال تى ت سمح بالن قل الوا فى
للمعرفة.
- 214 -
ولكن ..إذا كانت المرجعيات الفلسفية الراهنة تؤدى إلى استمرار بقاء القيود المعرف ية
( المجتمع ية والذات ية ) فى بن ية الن ظم العلم ية ب ما يؤدى إلى تقل يص قدرة تلك الن ظم على
استثمار المكانات التكنولوجية والمعرفية التى تتيحها ظاهرة العولمة ،فإنه يصبح من المناسب
حينئذ؛ البحث عن مرجعية فلسفية تضمن القضاء على القيود المعرفية فى النظم العلمية ،بما
يتيح لتلك النظم الرتفاع بقدراتها المعرفية فى ظل البعاد العلمية للعولمة.
- 215 -
البــاب الثـالث
نحو مسئولية إعلمية منـاسـبة
للنظم العلمية
( الوظيفة المعرفية للنظم
العلمية )
إشـــــــــــــــــارات
مقـدمـة البـاب الثالـث
الحريـة المطلقـة للتعـبير وسـلطة النظـم الفصل السابع:
العلمية ومسئوليتها
البعاد العمليـــة للمســـئولية المعرفيـــة الفصـل الثامـن:
للنظــــــــــــــــــم العلميــــــــــــــــــة
الدوات القياسية لمفهوم المسئولية الفصـل التاسـع:
المعرفية للنظم العلمية
( أساليب القياس العلمى )
نحــــو نظام إعلمــــى مســــئول معرفياً الفصل العاشر:
الفصــل الحادى المســئولية المعرفيــة وتشكيــل الوعــى
عشـــــــــــــر :الجتماعـــــــــى فـــــــــى النظـــــــــم
العلمية الراهنـة
خـاتمـة البـاب الثـالـث
- 236 -
إشـــارات:
« ل يجوز لحد أن يفرض على غيره صمتا ولو كان معززا بالقانون ».
] [ المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار عوض المُر :قضية رقم 37لسنة 11قضائية (دستورية ) بتاريخ 6/2/1993
(.نقل عن :حسام محفوظ ،الموسوعة الدستورية الشاملة .ص ) 351
« ليس هناك من أحد يقبل ازدراء الديان ،ولكن هل نُحرّم على الكُتاب والصحفيين القتراب
من رجال الدين والمؤسسات الدينية؟ وهل نحرم الرقابة المدنية على المؤسسة الدينية ؟ ».
[ رضا هلل " ،الصحافة والسياسة والكنيسة " ( ،عمود سياسة خارجية ) ،جريدة الهرام .بتاريخ ،28/6/2001ص ] 4
« حر ية ال صحافة لي ست بأى حال من الحوال امتيازا لل صحفى وإن ما للمجت مع .ف هى حق
المجتمع فى المعرفة ،والصحفى هو إحدى أدوات هذه المعرفة ».
] نبيل عمر " ،الحرية فى خطر " ( ،عمود أحداث فى الخبار ) ،جريدة الهرام .بتاريخ ،9/5/2000ص [ 6
« عندما تسمح المعلومة بتكوين ثروة -فى بضع دقائق -ل يمكن جمعها حتى بعد سنوات
من العمل الشاق أو طوال عمر كامل ،فإن إغراء شراء أو بيع هذه المعلومة ل يُقاوم ».
( آلن كوتا :الرأسمالية فى كل حالتها )
( نقل عن :روجيه جارودى ،مرجع سابق .ص ) 44 - 43
« فشجاعة المناضلين فى سبيل الحرية وتفانيهم ،واستعدادهم لن يتصدوا لكثر أشكال إرهاب
الدولة تطرفا ،هى فى الغالب ،أمور ملفتة للنظر ،مثيرة للهتمام ،جديرة بالملحظة ».
( نعوم تشومسكى ،ردع الديمقراطية .ترجمة فاضل جتكر ،ص ) 399
« الفكر الليبرالى ل يشغل نفسه بإقامة الجنة الرضية لن ذلك مستحيل ،ولكنه يعمل على
الوصول إلى أفضل أنواع الجحيم .وهو ل يعمل على توفير فرص العمل لكل الناس ،بل يعمل
على توفير أكبر قدر من فرص العمل لكبر عدد من الناس ...وهو يتعامل مع الحياة كما هى
عليه ،وليس كما يتمناها .ويتعامل مع البشر بل أوهام ،فهم ليسوا بملئكة ،كما أنهم ليسوا
بشياطين ،هم مزيج من الثنين ».
] على سالم " ،عبء الحرية الثقيل " ،مجلة روز اليوسف ( .عدد ،) 14/8/1999 - 3714ص [ 76
« لمسصت لدى المريكييصن اعتقادا جازما ،بأن انهيار التحاد السصوفيتى سصببه الول غياب
الديمقراطية والحرية الصحفية ،ففى غيابهما تختفى الحقائق المُرة وراء جدار سميك من السرية،
وتتضاعف الخطاء والخطايا ،إلى أن يحيق بالمجتمع بأيدى ابنائه ما هو أشر مما يدبره له أعداؤه
».
( محمد عبد الله ،جريدة الهرام .بتاريخ ) 16/10/1997
- 92يول يو /سبتمبر فى التنشئة الديمقراط ية " ،مجلة الدرا سات العلم ية ( عدد [ نقل عن :جواد مر قة " ،العلم ودوره
] ،) 1998ص 17
« إن الحريصة ُمرَاوغصة ..ويصصعب طالمصا تسصربت فصى مجتمصع مصا ،أن يتمكصن أحصد مصن المسصاك
بتلبيب ها ،فدائما ما يُفلت طرفُ من ها من ال سر ،ويكون هو مقد مة الحقي قة ..وهذه هى رو عة
الحرية »
( الباحث )
« إن الحر ية كال جن الذى يُطلق من قمق مه ،ل ير غب بالضرورة أن ين صت لوا مر الش خص
( كازيميرا برونسكين :رئيسة وزراء ليتوانيا 3 ،مايو )1990 الذى نزع السدادة ».
( نقل عن :هارلن كليفلند ،ميلد عالم جديد .ترجمة جمال على زهران ،ص ) 33
- 238 -
« النقد امتداد للنبوة ..ولول النقاد لهلك الناس ،ولطغى الباطل على الحق ،ولمتطى الرذال
ظهور الفاضل ..وبقدر ما يخفت صوت الناقد ،يرتفع صوت الدجال ».
( بيرم التونسى )
( نقل عن :محمد حسام محمود لطفى ،ملف قضايا حرية الرأى والتعبير فى مصر ،ص ) 1
« وحيث إنه مما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدى على الدين ،بل
إن العبارات الماسة بالدين التى أوردها فى بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها فى سبيل
الب حث العل مى مع اعتقاده أن بح ثه يقتضي ها ..وح يث إ نه من ذلك يكون الق صد الجنائى غ ير
متوفر ..فلذلك ..تحفظ الوراق إداريا ..رئيس نيابة مصر ..القاهرة فى 30مارس .» 1927
( نص قرار محمد نور رئيس نيابة مصر فى قضية كتاب الشعر الجاهلى لطه حسين )
( نقل عن :أمير سالم ومحمد عبد العال ومصطفى عويس ،أحكام القضاء المصرى وحقوق النسان .ص .) 192
« إذا أُريد لحرية التعبير أن تتنفس فى المجال الذى ل يمكن أن تحيا بدونه ،فإن قدرا من
التجاوز يتعيصن التسصامح فيصه ،ول ي سوغ بحال أن يكون الش طط فصى بعصض الراء مسصتوجبا
إعاقة تداولها ».
قضائيههة 11 لسههنة 37 هر :قضيههة رقههم
[ المحكمههة الدسههتورية العليهها برئاسههة المسههتشار عوض المُه
] ( دستورية ) بتاريخ 6/2/1993
( نقل عن :حسام محفوظ ،الموسوعة الدستورية الشاملة .ص ) 351
- 239 -
مقـدمـة
البـاب الثـالـث
تم ثل ممار سات تقي يد القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية عق بة حقيق ية أمام إمكان ية
اسهتثمار النظهم العلميهة للفرص التهى تطرحهها البعاد العلميهة للعولمهة .وذلك لن
التفاوت ب ين القدرات التكنولوج ية الفائ قة للن ظم العلم ية ب ما توفره من إمكان ية ن قل وا فٍ
للمعر فة؛ وب ين القدرات المعرف ية لتلك الن ظم ،يو ضح محدود ية در جة شفاف ية تلك الن ظم،
ويوضح أن ثمة خللً فى الطار الفكرى الذى تنطلق منه المرجعيات الفلسفية الراهنة التى
تتبناهها النظهم العلميهة .ويتمثهل هذا الخلل فهى غياب الرؤيهة الواضحهة المتكاملة للطار
هة باعتبارهها عاملً مضادا
هع القيود المعرفيه
هى أن يتعامهل مه
النظرى الملئم الذى ينبغه
لسهتقرار النظهم العلميهة وإمكانيهة وصهولها إلى مرحلة التسهاوى بيهن قدراتهها المعرفيهة
وقدراتها التكنولوجية.
ويتر تب على هذه النتي جة ،أهم ية التو جه ن حو ترج يح المرجع ية الفل سفية ال تى تؤ من
بضرورة انعدام القيود المعرفية على النظم العلمية ،ومن ثم تضمن الحرية المطلقة للتعبير.
وبالتالى ..فإن هذا سيطرح ضرورة مراجعة ثنائية السلطة والمسئولية فى بنية النظم العلمية
لترسيم حدود وجوهر تلك السلطة ومسئوليتها ،بما يتلءم مع منطلقات الحرية المطلقة للتعبير.
ونظرا ..لن الواقهع العلمهى يثبهت دائما بأن سهلطة النظهم العلميهة -غالبا -ل
خلف عليها ،وإنما يتمحور الخلف والصراع فى الغالب العم حول مسئولية تلك النظم .فإنه
يصبح من الهام توضيح طابع وخصائص المسئولية المفترضة فى النظم العلمية بما يضمن
كفاءتها ( نوعيا ) فى القيام بوظيفتها فى المجتمع .وتوضيح البعاد العملية لتلك المسئولية بما
يجعلها مسئولية ذات وجه تطبيقى غير تجريدى يتجاوز جوانب القصور التى سبق وأوضحناها
فى نظر ية الم سئولية الجتماع ية ،ال مر الذى يض من كفاءة الن ظم العلم ية ( كيفيا ) فى القيام
بوظيفت ها فى المجت مع .بالضا فة إلى أهم ية ابتكار مقاي يس رياض ية يم كن من خلل ها قياس
درجهة التزام النظهم العلميهة بمسهئوليتها المفترضهة بمها يضمهن كفاءتهها ( كميا ) فهى القيام
بوظيفتها فى المجتمع.
فهى ظهل البعاد العلميهة للعولمهة ،مقارنهة بالدوار السهلبية النيههة التهى تمارسهها النظهم
العلمية الراهنة.
وانطلقا من هذه الهداف ..ف قد تم تق سيم الباب الرا هن إلى خم سة ف صول .الف صل
ال سابع بعنوان :الحر ية المطل قة للت عبير و سلطة الن ظم العلم ية وم سئوليتها .والف صل الثا من
بعنوان :البعاد العمل ية للم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية .والف صل التا سع بعنوان :الدوات
القيا سية للم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية ( أ ساليب القياس العل مى ) .والف صل العا شر
بعنوان :نحو نظام إعلمى مسئول معرفيا .والفصل الحادى عشر بعنوان :المسئولية المعرفية
وتشكيل الوعى الجتماعى فى النظم العلمية الراهنة.
- 241 -
الفصـل السـابع
الحـريـة المطلقـة للتعـبير
وسلطة النظم العلمية ومسئوليتها
مقدمـة
الفصـل السـابع
وانطلقا مهن النتيجهة التهى توصهلت إليهها الدراسهة بشأن الثهر غيهر المتوازن الذى
تمارسه عولمة التصال بما يؤدى إلى تصاعد القدرات التكنولوجية للنظم العلمية بمعدلت
أكثهر تسهارعا مهن تصهاعد درجهة شفافيتهها ،المهر الذى سهيؤدى إلى أن تصهل غالبيهة النظهم
العلم ية فى الم ستقبل المنظور إلى مرحلة التش بع التكنولو جى العل مى ،ب ما يع نى و صول
قدرات ها التكنولوج ية إلى حد ها الق صى .فإن هذا يو ضح ..بأن الو ضع الذى سيسمح بانعدام
القيود المعرفية فى بنية النظم العلمية -ويضمن وصول درجة شفافيتها إلى حدها القصى -
هو الوضع الذى سيجعل القدرات المعرفية للنظم العلمية مكتملة.
ونظرا لن إقرار مبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير ههو الذى سهيسمح بنشوء هذا الوضهع،
فإن دراسة البعاد الفكرية لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير ،ودراسة ثنائية السلطة والمسئولية فى
النظم العلمية الراهنة ،ودراسة أثر إقرار مبدأ الحرية المطلقة للتعبير على هذه الثنائية ،إن
كهل ذلك سهيساهم فهى تكويهن فههم علمهى حول القاعدة الفكريهة التهى يمكهن للنظهم العلميهة
الرتكاز عليهها عنهد ممارسهتها لوظيفتهها فهى المجتمهع ،بمها يضمهن كفاءة هذه الوظيفهة على
المستوى النوعى ( نوعيا ).
وانطلقا من هذا الت صور ..ف قد تم تق سيم الف صل الرا هن إلى ثل ثة مبا حث .المب حث
الول بعنوان :الطار الفكرى للحرية المطلقة للتعبير .والمبحث الثانى بعنوان :البعاد الفكرية
لسلطة ومسئولية النظم العلمية .والمبحث الثالث بعنوان :خصائص المسئولية المعرفية للنظم
العلمية ( الوظيفة المعرفية ).
- 243 -
المبحـث الول
الطار الفكرى لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير
ولعهل الطار الفكرى الذى يسهمح بإلغاء كافهة القيود المعرفيهة ( المجتمعيهة والذاتيهة )
على القدرات المعرفية للنظم العلمية يتمثل فى الطار الذى يعترف بمبدأ « الحرية المطلقة
للتعهبير » .وذلك على اعتبار أن أى إطار فكرى يتعامهل مهع حريهة التعهبير باعتبارهها حريهة
مقيدة المدى ومحدودة النطاق ،لن يسهاهم فهى الخروج مهن مأزق محدوديهة القدرات المعرفيهة
للنظم العلمية قياسا بقدراتها التكنولوجية.
وبالتالى فإن المدى المطلق لحر ية الت عبير هو الذى سيسمح بال سريان ال حر للر سائل
العلم ية؛ م ما يح قق التوازن المنشود ب ين القدرات المعرف ية والتكنولوج ية للن ظم العلم ية،
ويقضى على الخلل الوظيفى فى بنية النظم العلمية الراهنة.
ولكهن ..تاريخيا ..فإن النتائج السهلبية التهى ترتبهت على اليمان بالحريهة المطلقهة
للتعبير فى ظل النظرية الليبرالية للنظم العلمية تقدم الحجة للدعاء بضرورة توقف حرية
الت عبير ع ند مدى مع ين لحما ية الكث ير من العتبارات المن ية والوطن ية والجتماع ية ..إلخ.
إل أن التحليل المتعمق يوضح أن النظرية الليبرالية للنظم العلمية لم تفشل لقرارها مبدأ
الحريهة المطلقهة للتعهبير ،وإنمها فشلت لنهها لم تسهتطع صهياغة العلقهة بيهن سهلطة النظهم
العلميهة ومسهئوليتها ،حيهث منحهت النظهم العلميهة سهلطة مطلقهة دون أن توضهح نوع
الم سئولية الملقاة على عا تق تلك الن ظم .وبالتالى تحولت المؤ سسات العلم ية -فى ك نف
تلك النظرية -إلى كيانات تمارس سلطة بل مسئولية؛ مما أسفر عن الكثير من السلبيات فى
حقل العمل العلمى.
- 244 -
وانطلقا مما يكشف عنه الواقع الراهن من مسئولية القيود المعرفية عن تقلص القدرات
المعرفية للنظم العلمية مقارنة بقدراتها التكنولوجية .فإن الطار الفكرى المَعنّى بإعادة تعريف
سلطة وم سئولية الن ظم العلم ية ينب غى أن يتأ سس على قاعدة اليمان بالحر ية المطل قة للت عبير
باعتبار ” أن النظريات التى تتوافق مع النماذج الموجودة يتم استيعابها بسهولة فى التركيب العام
للمعرفة ،بينما النظريات التى ل تتفق تماما يتم تنحيتها جانبا بدون أى مبالة “ (.)386
وبالتالى فإن محاولة تجاهل محددات الواقع الراهن للنظم العلمية تحت دعوى ” أن
ما كان يرو جه فل سفة القرن الثا من ع شر من مطلقات ،ل بد أن يؤ خذ بحذر شد يد وبتحفظات
كثيرة ،نظرا لن الحريهة ليسهت دائما شيئا مرغوبا فيهه ،وحريهة التعهبير لبهد أن يكون لهها
حدود “ ( .)387إن تلك المحاولة ..سهتؤدى إلى التمسهك بأطهر فكريهة تتجاوزهها آليات الواقهع
الراهن؛ مما يؤدى إلى انفصال الفكر عن التطبيق والمثال عن الوا قع ،ويؤدى إلى النحراف
ل محفوفا
بحريهة التعهبير مهن خلل دفهع العلمييهن وغيرههم إلى ممارسهتها باعتبارهها عم ً
بالحوا جز والحدود ،ال مر الذى يؤدى إلى غلق البواب أمام الخلق والبداع والتحرر الفكرى،
ويفتح الباب واسعا أمام التحجر والتخلف والجمود.
ويم كن ف هم ال سس ال تى ترت كز علي ها الدعوة إلى ضرورة إطلق حر ية الت عبير من
خلل درا سة أرب عة محددات و هى :نوع الطار الذى تنت مى إل يه حر ية الت عبير ،والمدى الذى
ينب غى أن يم تد إل يه هذا الطار خلل ممار سة حر ية الت عبير لفاعليات ها ،وتو صيف المحتوى
المعرفى الناشئ عن هذه الممارسة ضمن ذلك الطار ،بالضافة إلى دراسة التأثير الناتج عن
انتشار هذا المحتوى المعرفى فى المجتمع.
ول عل درا سة تلك المحددات الرب عة ستساهم فى توض يح الطار الفكرى الذى يد عو
إلى ضرورة إطلق حرية التعبير وذلك على النحو التالى:
() دانييل يانكلوفيتش ،الديمقراطية وقرار الجماهير .ترجمة كمال عبد الرؤوف ،ص .264 386
والشارات والرموز والصهور والحركات والنفعالت ،ويتجلى ذلك فهى تعهبيرات مكتوبهة
أو منطوقة أو مرئية .بينما أدوات الفعل النسانى هى القوة العضلية فى مجال تأثيرها المادى
واللت والجهزة والمعدات ،ويتجلى ذلك فهى السهيطرة على والتحكهم فهى مكونات البيئة
الطبيعية من جماد ونبات وحيوان وإنسان.
وبالتالى فإن الطار الذى يضهم التعهبير النسهانى ههو إطار رمزى يتشكهل فهى عالم
الرموز والمعانهى .بخلف الطار الذى يضهم الفعهل النسهانى الذى يتشكهل فهى عالم الوقائع
والحداث ،وبالتالى فهو إطار مادى.
المر الذى يكشف عن أن التعامل مع التعبير النسانى يجب أن يتم فى إطار طبيعته
الرمز ية ال تى تميزه عن الف عل الن سانى .وبالتالى فإن القوا عد القانون ية المقيدة لمجال حر ية
الفعهل النسهانى حتهى ل تمتهد آثاره إلى الخريهن بالضرر ،ل تنطبهق بالضرورة على مجال
حرية التعبير النسانى ،لكونه مجالً رمزيا يحتاج إلى قواعد أخرى غير قانونية تصلح للتعامل
مع الثار الضارة المحتملة لبعض الرموز والدللت التى يتضمنها التعبير النسانى.
وانطلقا مما سبق ،فإن المُحدّد الول فى الطار الفكرى لحرية التعبير يوضح أن هذا
الطار ههو إطار رمزى بطهبيعته ونوعهه ،لكونهه يتعامهل مهع الرموز والمعانهى ومهع الفكار
والدللت.
ولذلك يكت سب الت عبير الن سانى -نظرا لرمزي ته -مدى غ ير محدود لنطاق حري ته،
بخلف الفعل النسانى الذى يتقيد دائما بمدى محدد لنطاق حريته نظرا لماديته.
وانطلقا مهن تلك الرؤيهة ،فإن حريهة التعهبير -نظرا لرمزيهة إطارهها ومداهها غيهر
المحدود -ما هى إل حر ية مطل قة غ ير مقيدة بحدود أو حوا جز ،ح يث إن المدى المطلق هو
المدى الوحيهد الذى يوفهر لهها التوافهق مهع إطارهها الرمزى القائم على الرموز والفكار
والمعانى.
أما ” إذا أصبحت حرية التعبير غير مطلقة ،فإن ذلك يعطى سلطة ما لشخص ما لكى
يقرر أين يوضع الخط الذى ينبغى عدم تجاوزه ..ولو أصبح ذلك الشخص ُممَهثّلً فى الدولة
فإن الهبوط إلى أسفل المنحدر الزلق للرقابة سيصبح عندئذ ل يُقاوم “( ” .)388فلقد مُنح النسان
العقل لكى يستخدمه .فهل يمكن أن نقول للناس :إن عليهم أل يستخدموا العقل إطلقا لنهم قد
يخطئون فى استخدامه “ (.)389
إن الوا قع يقرر أ نه ” ما دام مجال المناق شة والب حث مفتوحا فإن نا نأ مل أن نهتدى إلى
الرأى القرب إلى الصهواب ..ول مجال للعتراض على التمادى فهى المناقشهة إلى أقصهى
الحدود ..لن البرهان إذا لم ي صدق على أق صى حالة فإ نه لن ي صدق على أ ية حالة أخرى...
لن نا إذا ادعي نا اليق ين فى أ مر ما مع أن هناك ولو فرد وا حد ين كر ثبو ته ..فإن نا بذلك ند عى
أننها ..أصهحاب الحهق دون غيرنها فهى إصهدار الحكهم بثبوت ذلك المهر دون أن نسهمع لدفاع
الفر يق ال خر “( .)390ول يُع تبر من قب يل المبال غة القول بأن ” الضرر الذى يتر تب على ك بت
حريهة الت عبير عن الرأى يتمثهل فهى سهلب الج نس البشرى بأكمله من ال سلف ح تى الجيهل
الحاضر من تلك الحرية ..لنه إذا كان ذلك الرأى صائبا فهم قد حُهرِموا من فرصة يستبدلون
فيها الباطل بالحق .وإذا كان خاطئا فإن الناس س ُيحْهـرمون من فرصة -ل تقل عن سابقتها
قي مة -هى فر صة الزدياد من التعرف على ال حق بش كل وا ضح حيوى ،ن تج عن مقارن ته
بالخطأ “ (.)391
وفى ظل مجتمع المعلومات الذى نشهد بداياته الن ” ينبغى للمعلومات أن تكون متاحة
للتداول .ذلك أن مجتمع المعلومات يمكن أن يوجد فقط لو لم تكن هناك عقبات تحول دون هذا
التداول ،ف هو بالتعر يف مجت مع ل يتوا فق مع الح ظر وال سرية أو عدم الم ساواة فى الو صول
)(Collins, Richard & Murroni, Cristina, New Media - New policies. p. 95.
388
() جون ستيوارت مل ،عن الحرية .ترجمة عبد الكريم أحمد ،ص .86 389
للمعلومات “ ( .)392ولعهل السهماح بعدم إطلق حريهة التعهبير سهيؤدى إلى أن يتحول مجتمهع
المعلومات إلى مجتمهع ( بعهض المعلومات ) وليهس المعلومات كلهها؛ نظرا لمها سهتؤدى إليهه
الحدود والحواجز من إعاقة حركة بعض المعلومات والسماح ببعضها الخر.
إن الواقهع التكنولوجهى يقرر -مثلمها تقرر فلسهفة حريهة التعهبير -أن المدى الذى
يتحرك فى إطاره التعبير النسانى ينبغى أن يكون مدى مطلقا ،بحيث تتمتع حرية التعبير فى
ظله بالحرية المطلقة.
392
)(Mattelart, Armand & Mattelart, Michele, Theories of communication ) a short Introduction
(. p. 50.
() و .رسل نيومان ،مستقبل الجمهور المتلقى .ترجمة محمد جمول ،ص .119 393
() طارق حجى ،نقد العقل العربى ( من عيوب تفكيرنا المعاصر ) .ص .83 394
الطرفين والموازنة بين أقوالهما ،فسوف يَسهُل التوصل إلى الحقيقة .ولكنهم إذا اقتصروا على
سماع أحد الطرفين دون الخر ،فهنا يظهر الخطأ وينحرف الصواب عن حقيقته “(.)397
ولعهل وسهائل العلم الجديدة المتمثلة فهى شبكات المعلومات تتوافهق بشكهل كبير مهع
مفهوم الوفرة والتعدد الذى يتسم به محتوى التعبير النسانى .حيث تبدو « النترنت » الوسيلة
العلم ية الولى ال تى يتزاوج في ها نطاق ال بث العر يض مع نطاق ال بث الض يق .لن سعتها
اللمحدودة تؤدى إلى إمكانية استخدامها للعلم الجماهيرى ،بالضافة إلى إمكانية استخدامها
للت صال الجم عى أو الشخ صى أو الذا تى .ح يث يم كن ل كل م ستخدم للنتر نت أن يل عب دور
المتلقهى والقائم بالتصهال ضمهن ملييهن جماهيهر المتلقيهن ،أو دور المتلقهى والقائم بالتصهال
ضمن جماعة اتصالية صغيرة.
وبهذا فإن مفهوم التعدد الذى يتسم به محتوى التعبير النسانى هو المفهوم الذى يتوافق
مع التطور التكنولوجى الراهن فى وسائل العلم الحديثة.
ول شك أن تعدد الراء وتنوع المعلومات والفكار نتي جة إطلق حر ية الت عبير يؤدى
إلى تربيهة الفراد على خهبرة الختيار والنتقاء مهن جملة الراء والفكار المعروضهة ،المهر
الذى يؤدى إلى تكوين الرادة العامة التى تحقق الصالح العام.
وبهذا فإن ضمان إيجابيهة تأثيهر الفكار والراء ينشهأ عهن ضمان تعددهها الذى ينشهأ
بدوره عن ضمان حريتها المطل قة .وكما أوضح « جون ستيورات مل » ،فإنه ” ح يث يسود
التفاق على عدم المجادلة فهى المبادئ والعقائد والمسهائل الكهبرى التهى تههم النسهانية ،نجهد
النشاط العقلى خاملً “ ( .)399فتقييد حرية التعبير يؤدى إلى عدم وفرة الراء والفكار ،وبالتالى
() جان جاك روسو ،المختار فى العقد الجتماعى .ترجمة عبد الكريم أحمد ،ص .51 - 50 398
إلى اعتياد الع قل البشرى على الخمول النا تج عن عدم مكابدة عناء الختيار ،بل ويُضاف إلى
ذلك تحويل الفكار الكبرى المتفق عليها فى حياة الفراد إلى أطر خاوية بل مضامين ” ،لن
عدم المناقشة ل يؤدى إلى نسيان السباب التى بُنيت عليها الراء فحسب .بل يفضى غالبا إلى
نسيان معا نى الراء حتى تع جز اللفاظ ال تى تعب ـِر عن ها عن تو صيلها للذ هن .وبدلً من أن
يصهبح الرأى فهى الذههن فكرة واضحهة وعقيدة مؤثرة .ل تبقهى هناك إل بضهع كلمات جوفاء
ترددها الذاكرة عن ظهر قلب “ (.)400
إن إيجاب ية التأث ير هى الهدف من حر ية الت عبير المطل قة ال تى تؤدى إلى تعدد الراء
والفكار ،وإلى إقا مة المجت مع الديمقرا طى الذى تتح قق فى ظله الم صلحة العا مة .وك ما أ كد
« جون ديوى » ،فإن ” الديمقراطيهة ليسهت غايهة بحهد ذاتهها ،ولكنهها وسهيلة يكتشهف الناس
ويو سعون ويظهرون بوا سطتها طبيعتهم الن سانية ال صلية .فالديمقراط ية تُن تج أنا سا أحرارا،
ذلك هو الهدف النهائى للمجت مع الديمقرا طى .ل يس إنتاج البضائع ،ول كن إنتاج كائنات بشر ية
حرة يرتبط الواحد منها بالخر بشروط المساواة “ (.)401
وبالتالى ،فإن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا المجال هو :هل نقلص إذن من المدى
المطلق لحرية التعبير من أجل تلفى الثار الضارة الناشئة عن نشر بعض القوال أو الراء
أو الفكار أو المعلومات؟
() نعوم تشومسكى ،ضبط الرعاع ( حوارات أجراها معه :ديفيد بارساميان ) .ترجمة هيثم على حجازى ص .231 401
- 250 -
ولعل الجابة على هذا السؤال تتمثل فى أنه سبق وأن تبين أن القواعد القانونية المقيدة لمجال
حرية الفعل النسانى -حتى ل تمتد آثاره الضارة إلى الخرين -ل تنطبق بالضرورة على
مجال حرية التعبير النسانى الذى هو رمزى بطبيعته ،ويحتاج إلى قواعد أخرى غير قانونية
تصلح للتعامل مع الثار الضارة المحتملة الناشئة عنه.
وبالتالى ،فإن رمزية التعبير النسانى تستتبع استخدام أساليب رمزية أيضا لمواجهة
الثار الضارة المحتملة لب عض أنواع الت عبير الن سانى .وهذه ال ساليب الرمز ية ل ينب غى أن
تمارس أى نوع من الختصار للمدى المطلق لحرية التعبير ،وإنما يتم استخدام تلك الساليب
على هامصش الطار المطلق لحريصة التعصبير .وهذا يعنهى أن مواجهصة الثار الضارة المحتملة
لبعصض أنواع التعصبير النسصانى تتصم مصن خلل موازنتهصا بأنواع أخرى مصن التعصبير النسصانى
المعارض ل ها والمنا قض لتوجهات ها والكا شف لثار ها الضارة المحتملة ..وهذا يو ضح بأن
السلوب المثل لمواجهة التعبير النسانى ،يتمثل فى استخدام ذات الوسيلة وهى « التعبير
النسانى » .وذلك من خلل ابتكار أساليب إعلمية تكفل ممارسة نوع من التدخل العلمى
على ها مش الر سائل العلم ية ال تى قد تؤدى إلى آثار ضارة محتملة .انطلقا من أن المدى
المطلق لحرية التعبير ل يتضمن -بأى حال من الحوال -السماح بتقييد حرية التعبير بأى
قانون أو تشر يع .فحر ية الت عبير بمجال ها الرمزى ل يجوز تقييد ها بأ ية قيود قانون ية ،وإل تم
تفريغ ها بذلك من مضمون ها .وإن ما ي تم التعا مل مع ها من خلل قوا عد غ ير قانون ية تضطلع
بتنفيذ ها المؤ سسات العلم ية .وهذه القوا عد غ ير القانون ية يم كن أن نطلق علي ها « أ ساليب
التدخل العلمى لتخفيف الثار الضارة المحتملة للرسائل العلمية ».
وتجدر الشارة إلى أن الحتجاج بالثار السلبية التى نشأت عن حرية التعبير المطلقة
فهى النظام العلمهى الغربهى فهى فترات سهابقة ،ممها أدى إلى ظهور نظريهة المسهئولية
الجتماع ية لمحاولة علج تلك الثار ال سلبية .إن ذلك الحتجاج ل ينطلق من رؤ ية صحيحة.
ذلك لن النظر ية الليبرال ية فى العلم من حت المؤ سسات العلم ية سلطة مطل قة بل أد نى
مسئولية .مما أدى إلى أن تقلص تلك المؤسسات من حدود حرية التعبير المطلقة الممنوحة لها
بمبادرة ذات ية من ها .إذ إن ممار سة ال سلطة بل م سئولية ،يف تح الباب لممار سة الحر ية بانتقائ ية
ت ستهدف المز يد من ال سلطة ول تتو قع أى قدر من الم ساءلة أو المحا سبة .وبالتالى فإن حر ية
التعبير المطلقة لم يتم تطبيقها أصلً فى ظل النظام العلمى الغربى ،نتيجة تجاهل النظرية
الليبرال ية لجا نب الم سئولية العلم ية .وعلى الر غم من محاولة نظر ية الم سئولية الجتماع ية
إحياء جا نب الم سئولية المفقودة فى النظر ية الليبرال ية .إل أن ها أكدت على م سئولية ل تتنا سب
- 251 -
مع طبي عة الن ظم العلم ية .م ما أدى بالضرورة إلى تضحيت ها بمفهوم حر ية الت عبير المطل قة
باعتبارها تتناقض مع القيام بدور مسئول تجاه المجتمع.
وهذا يوضح أن إيجابية التأثير الناشئة عن حرية التعبير المطلقة لم يُهتَح لها التحقق
لعدم توفر الطر الفكرية -الضامنة لتفعيل دور حرية التعبير المطلقة -أصلً.
وبالتالى ،فلن يمكن للقدرات المعرفية للنظم العلمية أن تلحق بقدراتها التكنولوجية،
فهى ظهل مرجعيات فلسهفية تؤمهن بالحريهة المطلقهة للتعهبير ،إل لو تضمنهت تلك المرجعيات
توصيفا دقيقا لجناحى السلطة والمسئولية فى بنية النظم العلمية الراهنة.
إن ما سبق يوضح ..أن السمات المميزة للطار اللزم لحرية التعبير النسانى تؤدى
إلى إيجاب ية التأثيهر النا شئ عن حر ية الت عبير ،باعتبار ” أن التنو ير ل يس فى حا جة إل إلى
الحريهة ،وأفضهل الحريات الخاليهة مهن الضرر ههى تلك التهى تسهمح بالسهتخدام العام لعقهل
النسان فى جميع القضايا “ (.)402
وهذا يؤكهد أن « رمزيصة » التعهبير النسهانى ههى التهى تجعله « مطلق » الحريهة،
وحريتهه المطلقهة ههى التهى تكسهبه « التعدد والتنوع » ،وتعدده وتنوعهه همها اللذان يضمنان
« إيجابية تأثيره ».
المبحـث الثانى
البعاد الفكرية لسلطة ومسئولية النظم العلمية
تنطلق البعاد الفكرية لسلطة ومسئولية النظم العلمية من ثنائية [ الحق -الواجب ].
إذ إن كل حق يجب أن يقابله واجب مناسب له حتى يمتلك شرعية وجوده .وإل فإن ممار سة
ال حق بل التزام بأى وا جب ت صبح مدعاة للنحراف والف ساد والنفلت والت سيب .بين ما ي صبح
اللتزام بالواجهب دون التمتهع بأى حهق بمثابهة سهلب للحافهز وقتهل للطموح وإهدار للمكانيهة.
وبالتالى ف من خلل ثنائ ية [ ال حق -الوا جب ] تنت ظم العلقات والقوى دا خل المجت مع كنظام
عام ،أو داخل أى نظام فرعى كبير أو صغير يضمه المجتمع.
ولعهل ثنائيهة [ الحهق -الواجهب ] تناسهب الفراد كأعضاء فهى الجماعهة النسهانية
أو الو طن أو العالم..إلخ .فى ح ين أن ثنائ ية [ ال سلطة -الم سئولية ] أك ثر تنا سبا مع الن ظم
بوصفها كيانات اعتبارية تمتلك ( السلطة ) التى هى مرادفة ( للحق ) ،وتلتزم ( بالمسئولية )
التى هى مرادفة ( للواجب ).
وبهذا ت صبح ثنائ ية [ ال سلطة -الم سئولية ] هى المقياس الذى يم كن من خلله ض بط
ممارسات النظم .و ذلك فى إطار دراسة مدى اضطلعها بسلطتها ومدى التزامها بمسئوليتها.
ومدى التوازن بين تلك السلطة والمسئولية المقابلة لها .بحيث إن أى خلل فى بنية تلك الثنائية
-نتيجة عدم التناسب بين سلطة النظام ومسئوليته -يؤدى إلى اضطراب فى ممارسات النظام
وإلى البتعاد به عن السلوب الصحيح فى ممارسته لوظائفه الساسية فى المجتمع.
و فى مجال تو صيف سلطة وم سئولية الن ظم العلم ية ،فإن حقوق النظصم العلميصة
تصصبح هصى سصلطتها ،وواجبات النظصم العلميصة أو وظائفهصا تصصبح هصى مسصئوليتها .وبهذا
ت صبح الحقوق العلم ية ،ال تى تمارس بموجب ها الن ظم العلم ية دور ها فى المجت مع ،هى
العناصر التى تتكون منها سلطة تلك النظم .بينما تصبح الوظائف المنوطة بالنظم العلمية فى
المجتمع هى العناصر التى تتكون منها مسئولية تلك النظم.
وتتكون حقوق الن ظم العلم ية من مجمو عة الحقوق العلم ية للن سان ال تى تنق سم
إلى :الحقوق العلميهة العامهة ،والحقوق العلميهة الخاصهة ،والحقوق العلميهة المسهاعدة.
∗
وذلك على النحو التالى :
.....إذن فإن الحقوق العلمية العامة والخاصة والمساعدة تمثل جوهر سلطة النظم
ل مهن المؤسهسات العلميهة وجماهيهر المتلقيهن -
العلميهة .وهذه الحقوق مجتمعهة تكفهل لك ٍ
انظر :محمد محفوظ ،مرجع سابق ،صفحات .184 - 174 ∗
- 254 -
باعتباره ما الطرف ين الفاعل ين بالنظام العلمى -إمكان ية الو صول والطلع والح صول على
المعلومات وجمع ها ونشر ها .وبالتالى فهذه ال سلطة تمارس فاعليات ها ككيان « كا شف » ي سمح
للنظم العلمية بكشف نتاج أعمال السلطات والنظم الفرعية الخرى فى المجتمع للجماهير،
ومتابعة مدى التزام هذه السلطات والنظم الفرعية بسلطاتها ومسئولياتها.
وثمهة تصهنيفات متعددة للوظائف التهى تؤديهها النظهم العلميهة وذلك على النحهو التالى:
(.)403
ب -مفهوم « تشارلس رايصت » :أضاف تشارلس رايهت وظيفهة جديدة للوظائف التهى
قدمها « لزويل » ،وهى:
• التهرفيهههه.
() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد ،التصال ونظرياته المعاصرة .صفحات .80 - 70 403
- 255 -
...يت ضح من تلك الت صنيفات المتعددة للوظائف المفتر ضة للنظهم العلم ية أن تلك
الوظائف تدور فى مجمل ها حول مضمون وا حد مه ما تعددت الهداف والم سميات ،و هو ن قل
المعرفة الكام نة في البيانات والمعلومات والراء والقوال والفكار .وذلك إما بأ سلوب مباشر
يتمثهل فهى وظائف معرفيهة مباشرة مثهل وظائف :مراقبهة البيئة -نقهل التراث -التشاور -
المراق بة -العلم -التماس المعلومات .أو بأ سلوب غ ير مبا شر يتم ثل فى وظائف معرف ية
غ ير مباشرة م ثل وظائف :ترا بط أجزاء المجت مع -الترف ية -تدع يم المعاي ير الجتماع ية -
التنشئة -التماسك الجتماعى -التعبئة -المساعدة فى التحرر العاطفى ..إلخ.
- 256 -
وبهذا يمكن توصيف مسئولية النظم العلمية انطلقا من وظيفتها الرئيسية التى تتمثل
فى « الن قل الوا فى للمعر فة الكام نة فى البيانات والمعلومات والراء والقوال والفكار »؛ أى
أنها « مسئولية معرفية » بحتة ،شاغلها الوحيد هو النقل الوافى للمعرفة.
وتجدر الشارة فى هذا المقام ..إلى ضرورة التفر قة ب ين سلطة الن ظم العلم ية فى
نشر المعلومات ،ومسئوليتها فى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بتلك المعلومات ،وذلك انطلقا
من أن عملية نشر المعلومات -فى حد ذاتها -ل تعنى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بها ،إذ
إن الكثير من النظم العلمية تلجأ إلى حجب نسبة من المعرفة الكامنة بالمعلومات ،بحيث يتم
النشهر فعلً دون النقهل الوافهى للمعرفهة .ولعهل المثلة على ذلك كثيرة فهى الواقهع العلمهى
∗
المعاصر سواء أكانت فى النظم العلمية الحرة أم الموجهة .
....إن ما سبق يو ضح أن التو صيف الواق عى ل سلطة وم سئولية الن ظم العلم ية
يتم ثل فى التو صيف الذى يتعا مل مع النظام العل مى باعتباره نظاما يمتلك سلطة كاش فة
تتولى تسليط الضوء على أنشطة المجتمع ككل ،وباعتباره نظاما يضطلع بمسئولية معرفية
تلتزم بوظيفة النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات والبيانات والراء والقوال والفكار
التى يوفرها المجتمع.
وبعبارة أخرى ..فإن سلطة الن ظم العلم ية هى « سلطة كاش فة » ،وم سئولية الن ظم
العلمية هى « مسئولية معرفية ».
انظر الفصل السادس حول الممارسات العملية لتقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية الحرة والموجهة. ∗
- 257 -
المبحـث الثالث
خصائص مفهوم المسئولية المعرفية للنظم العلمية
أو ضح التعا مل مع الن ظم العلم ية من خلل ثنائ ية [ ال سلطة -الم سئولية ] أن
الن ظم العلم ية تمارس « سلطة كاش فة » وتلتزم ب ه « م سئولية معرف ية » .ح يث تتم ثل
السلطة الكاشفة فى سلطة جمع المعلومات والراء وترتيبها وتصنيفها وصياغتها ونشرها.
وتتمثهل المسهئولية المعرفيهة فهى مسهئولية النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بتلك المعلومات
والراء المتعددة التى تسرى المجتمع .وعلى الرغم من أن غالبية النظم السياسية يمكنها أن
تتواءم -بش كل أو بآ خر -مع سلطة الن ظم العلم ية فى ج مع المعلومات ،إلى در جة أن
ب عض تلك الن ظم ال سياسية قد تتعا مل مع الن ظم العلم ية باعتبار ها أجهزة م ساعدة فى
تسهليط الضوء على المعلومات التهى يحتاجهها النظام السهياسى ،وتكون بعيدة بطبيعتهها عن
متناول الجهزة الرسمية للدولة ،كما يمكنها أن تتواءم مع سلطة النظم العلمية فى نشر
المعلومات ال تى تر يد تلك الن ظم ال سياسية توجيه ها إلى الجماه ير على أو سع نطاق وبش كل
غ ير مبا شر ،إل أن غالب ية الن ظم ال سياسية ل يمكن ها أن تتواءم بش كل كا مل مع م سئولية
النظم العلمية فى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات والراء والفكار ..إلخ .حيث
ي تم ه نا ال صطدام ب ين م سئوليتين :م سئولية النظام ال سياسى فى تحق يق ال ستقرار وضمان
التأي يد ل سياساته ،وم سئولية النظام العل مى فى الن قل الوا فى للمعر فة الكام نة بالمعلومات
العلميهة والراء والفكار ،بصهرف النظهر عهن تأثيراتهها السهياسية أو القتصهادية أو
الجتماعية أو الثقافية أو المنية ..إلخ.
لذا فإن تحديد خصائص المسئولية المعرفية للنظم العلمية -باعتبار جانب المسئولية
ههو الجانهب المثيهر للجدل فهى بنيهة النظام العلمهى -يسهاعد كثيرا على فههم طبيعهة الدور
المأمول واليجابى لعمل تلك النظم فى المجتمع.
ولعل طبيعة الدور الذى تؤديه المسئولية المعرفية -والمتمثل فى وظيفة النقل الوافى
للمعرفهة -يطبعهها بعدد مهن الخصهائص التهى يؤدى توفرهها إلى توضيهح معالم المجال الذى
تتحرك فى نطاقه لممارسة فاعلياتها فى المجتمع.
ويمكن ترتيب هذه الخصائص المميزة للمسئولية المعرفية على النحو التالى:
- 258 -
يُضاف إلى ذلك ..أن نسبية الحقيقة ( أو المعرفة ) تؤدى إلى ضرورة أن تكون حرية
الت عبير مطل قة .وذلك ح تى يم كن ضمان أ كبر قدر من القتراب من تلك الحقي قة المراو غة.
ولعل المسئولية المعرفية المطلقة للنظم العلمية هى التى يمكنها ضمان ذلك القتراب بفتحها
كافة القنوات للنقل الوافى للمعرفة دون أية قيود أو محددات.
إن الحدود المطل قة للم سئولية المعرف ية هى ال تى تج عل المؤ سسات العلم ية تمارس
سلطتها فى تغط ية الحداث ،ثم نشر ها بمضمون ها المعر فى الكا مل بدلً من أن ت صبح “ فى
سباق -مع بعضها البعض -لطمس المعلومات ” (.)404
كما أن الحدود المطلقة للمسئولية المعرفية هى التى تجعل ” مسئولية العلمى أن يكون
إعلميا “ ( ..)405فقهط ل غيهر .وبالتالى يتهم القضاء على ” الوضهع الراههن ،والذى أصهبح فيهه
العلميون هم الدبلوماسيون الجدد ،وهم المشاركون فى اللع بة العظ مى للحياة ،ولم يعودوا بعد
ببساطة المراقبين فى الجنحة ..فليس العلم هو البحث عن الحقيقة ..بل البحث عن الحقائق
النسبية البسيطة ..البحث الذى ل يكل عما يمكن أن يُعرف وليس عما ل يمكن أن يُعرف “ (.)406
() أدو ين نيومان " ،م سئولية ال صحفى " ،فى روبرت شمول ( محرر ) ،م سئوليات ال صحافة .ترج مة ألفرد ع صفور ،ص 404
.34
() المرجع السابق ،ص .45 405
() جورجهى آن غايهر " ،الصهحفيون :الهداف الجديدة ..الدبلوماسهيون الجدد والوسهطاء الجدد " ،فهى روبرت شمول 406
وبهذا فإن الحدود المطلقهة للمسهئولية المعرفيهة -بمها تؤدى إليهه مهن النقهل الوافهى
للمعرفة -ستؤدى إلى تربية الدراك لدى المتلقين ،والذى يعد فى جوهره ” حالة تيقظ للوعى.
وحسهاسية للواقهع تسهبق الفعهل “ ( .)407وبالتالى إلى ترويهج اليمان بمبدأ ” أن إطلق الحريهة
التا مة للغ ير فهى معار ضة الراء ال سائدة ومناقضتهها .يُ عد هو الشرط الجوهرى الذى يجيهز
افتراض صحة هذه الراء “ (.)408
إن الخاصية المطلقة للمسئولية المعرفية تمثل أكبر ضمان لفاعلية وقوة السلطة الكاشفة
للنظم العلمية .لنها تتيح لها مجال غير محدود للن قل الوافى لنتائج تسليطها الضواء على
سهلطات المجتمهع وكافهة أنشطتهه .المهر الذى يجعلهها تقهف أمام تلك السهلطات فهى موقهف
المواجهة فى ساحة مكشوفة تتسلط عليها أضواء الرأى العام.
() هربرت أ .شيللر ،المتلعبون بالعقول .ترجمة عبد السلم رضوان ،ص .70 407
() ف .ا .هايك ،الطريق إلى العبودية .ترجمة محمد مصطفى غنيم ،ص .162 409
() شريف عبد العظيم ،حرية التعبير فى الغرب .ص .53 - 52 410
- 260 -
وانطلقا مهن هذه الرؤيهة فإن الخاصهية الديمقراطيهة للمسهئولية المعرفيهة -بتبنيهها
لفكرة الغلبيهة -تؤكهد ..أولً :سهيادة الشعهب و” أنهه ل يجوز السهماح ليهة هيئة تشريعيهة
أو تنفيذية ل تتفق مصالحها ومصالح الشعب أن تفرض على المة آرائها .وأن تقرر للناس
النظريات والمناقشات التهى تسهمح لههم بالسهتماع إليهها “ ( .)411كمها أنهها تؤكهد ..ثانيا :حهق
القلية فى الدعوة لطارها الفكرى ،وذلك انطلقا من أنه ” ل تكفى حماية الفرد من طغيان
الحا كم .بل ي جب حماي ته أيضا من طغيان الشعور ال سائد والرأى العام .و من م يل المجت مع
إلى أن يفرض -بوسهائل أخرى غيهر العقوبات المدنيهة -أفكاره وعاداتهه بوصهفها قواعهد
عامة لل سلوك على الذ ين يخرجون عليه .فيعوق المجت مع بذلك ن مو الشخ صية الفرد ية ال تى
ل تتفق مع أساليبه فى الحياة “ (.)412
إن الخاصية الديمقراطية للمسئولية المعرفية تجعل النظام العلمى بمثابة أحد الركان
الرئيسية فى صلب بنيان المجتمع الديمقراطى .وذلك بتمثيلها للنظام العلمى باعتباره المقابل
الرمزى لصندوق النتخاب ،والذى تظهر من خلله آراء الغلبية بدلً من أصواتها النتخابية.
بح يث ي صبح النظام العل مى فى ظل ديمقراط ية الم سئولية المعرف ية ساحة للتدر يب على
العملية الديمقراطية.
فمشكلة الديمقراطيهة أنهها حكهم الغلبيهة .ممها يتيهح للغلبيهة فرض إطارهها المادى
( برنامجها السياسى ) على القلية .وبالتالى فحتى يمكن للقلية أن تمتلك الفرصة لكى تصبح
يوما ما هى الغلبية .فإنه ينبغى إتاحة الفرصة لها لمحاولة إقناع الخرين بإطارها المادى
( برنامجها السياسى ) وذلك من خلل توفير الحرية الكاملة لها للتعبير عنه من خلل الطر
الرمزية ( حرية التعبير ).
أنها تمتلك التأثير التلقائى فى نفوس المتلقين من خلل النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات
والراء فهى المجتمهع ،المهر الذى يقود أولئك المتلقيهن إلى إصهدار قراراتههم بناءا على تلك
المعر فة .وهذا يؤ كد أن سلطة الن ظم العلم ية بمثا بة سلطة شعب ية كاش فة ،ل تمتلك هيا كل
تنظيم ية ل صدار قرارات ملز مة .وإن ما تقدم نا تج عمل ها للش عب ،من خلل التزام ها الكا مل
بمسئوليتها المعرفية المتمثلة فى النقل الوافى للمعرفة .ويقوم الشعب -بناءا على تلك المعرفة -
بالبناء التدريجى لتوجهاته وقراراته التى تنعكس على صناديق النتخاب.
إذن فالسلطة الكاشفة للنظم العلمية ذات طابع شعبى ،لكونها سلطة ل تمتلك إصدار
قرارات ملزمهة ( مثلهها مثهل منظمات المجتمهع المدنهى ) .كمها أن المسهئولية المعرفيهة للنظهم
العلمية ذات توجه شعبى ،لكونها مسئولية يقتصر دورها على النقل الوافى للمعرفة لجماهير
الشعب ،وتترك للشعب مهمة صياغة التوجهات وتمحيص البدائل والقرارات.
ولعله مهن المصهلحة أن تمارس النظهم العلميهة دورهها كمنظمات شعبيهة وليهس
كمنظمات حكوميهة .لن ” هناك أدلة وافرة على أن الناس ل يثقون بوسهائل إعلميهة زائدة
المركزية .فالدراسات حول آلة الدعاية الداخلية فى ألمانيا النازية ،بالضافة إلى سلوك وسائل
العلم لدى النظمهة السهتبدادية الحديثهة ،تشيهر إلى أن الناس إجمالً يبحثون عهن معلومات
موثو قة من م صادر أخرى .فح ين تل جأ وزارات العلم إلى المبال غة بش كل روتي نى ،يعرف
الناس كيف يطرحون جانبا التقارير الخبارية التى تُقدم إليهم“ ( .)413وذلك انطلقا من أن تلك
التقارير تصدر عن نظم إعلمية غير مسئولة معرفيا ،وإنما مسئولة حكوميا أو اجتماعيا؛ مما
ي صبغ ر سائلها العلم ية ب صبغة القرارات الحكوم ية الملز مة ،ويجعل ها أب عد ما تكون عن
التوجه الشعبى الذى يطبعها بطابع التلقائية التى تقربها من جماهير الشعب.
علوة على ذلك ..فإن الطا بع الش عبى للم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية يع نى
أن التغيرات التهى تطرحهها تكتيكات العولمهة للتجزؤ والتشظهى والنقسهام -فيمها يخهص
جماهير المتلقين -تعظّم من إمكانية اشتراك الجماهير -بأى شعب -فى مسئولية النقل
الوا فى للمعر فة ،وذلك من خلل الفاعليات التكنولوج ية الفائ قة لشبكات المعلومات .وبهذا
تم تد الم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية إلى جماه ير الش عب الذ ين يشاركون فى تفع يل
تلك المسئولية من خلل مبادرتهم بالنقل الوافى للمعرفة الكامنه بالمعلومات والراء التى
تشكهل جماع المعرفهة فهى المجتمهع .المهر الذى يطبهع المسهئولية المعرفيهة فهى النهايهة
بالطابع الشعبى.
علوة على ذلك ..فإن المسهئولية المعرفيهة تكتسهب طابعهها العالمهى مهن حقيقهة
” أن ج سم المعر فة البشر ية ك نز اجتما عى ،تجمّ ع جماعيا خلل التار يخ .ول ي خص شخ صا
واحدا ..أو بلدا معينا .وي جب أن يكون هذا الك نز العام متاحا الو صول إل يه للجم يع .ف هو ثروة
للبشريهة كلهها “ ( .)415وبالتالى فإذا كانهت المعرفهة ذات طبيعهة عالميهة .فإن هذا ينعكهس
بالضرورة على المسئولية المعرفية للنظم العلمية التى تستهدف النقل الوافى لهذه المعرفة.
يُضاف إلى ذلك ..أن اسهتراتيجية العولمهة العلميهة للتوحهد والتكتهل والندماج تؤدى
إلى بروز ملمهح لنظام إعلمهى عالمهى يتجاوز الختلفات الثقافيهة والحضاريهة .ولعهل
المسئولية التى تتواءم مع هذا النظام العلمى العالمى ينبغى لها أن تتسم هى الخرى بطابع
عالمى ،وهذا ما يتوفر فى المسئولية المعرفية للنظم العلمية نظرا لطابعها العالمى.
() أحمد محمد صالح " ،المعرفة فى عصر المعلومات " ،مجلة الهلل ( .العدد ،2فبراير ،) 2001ص .10 415
- 263 -
يو ضح أن التعا مل مع الم سئولية المعرف ية ينب غى أن ي تم باعتبار ها م سئولية النظام العل مى
ككل ،بكافة أطرافه الفاعلة وغير الفاعلة .أى أن المسئولية المعرفية تمارس دورها كمسئولية
شاملة تمتد إلى كافة أطراف العملية التصالية ،سواء أكانت الطراف الفاعلة فيها والتى تتمثل
فى :القائمين بالتصال وجماهير المتلقين ،أم الطراف العتبارية والتى تتمثل فى :المؤسسات
العلمية ،أم الطراف الرمزية والتى تتمثل فى الرسائل العلمية ،أم الطراف التكنولوجية
وال تى تتم ثل فهى و سائل العلم ...ول عل أ ية محاولة لقصهر نطاق الم سئولية المعرف ية على
أطراف بعينها فى العملية التصالية دون أطراف أخرى ،ستؤدى إلى أن تصبح تلك المسئولية
مجرد مسئولية لتلك الطراف فقط وليس للنظام العلمى ككل.
وبالتالى فإن المسهئولية المعرفيهة ههى مسهئولية النظام العلمهى ككهل ،حتهى يمكهن
الرتفاع بقدرا ته المعرف ية .وهذا يطرح بالتبع ية أن جماه ير المتقل ين تمتلك دورا ينب غى علي ها
القيام به لتفعيل فكرة المسئولية المعرفية للنظم العلمية.
واستنادا إلى خاصية الشمول التى تتسم بها المسئولية المعرفية ،فإن هذا يطرح أهمية
∗
انطواء هذه المسئولية على « أساليب عملية » تكون بمثابة قواعد مُهرشِدَة -غير حاكمة -
لفاعليات كافة أطراف العملية التصالية .فالحدود المطل قة للم سئولية المعرفية التى تنطلق من
مبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير تحتاج إلى قواعهد مرشدة ذات طابهع عملى غيهر تجريدى .ممها
يساعد على ضمان التأثير اليجابى الناتج عن الحرية المطلقة للتعبير .ولعل التعامل النقدى مع
مبادئ نظريهة المسهئولية الجتماعيهة أوضهح أن القواعهد المجردة التهى وضعتهها تلك النظريهة
والمتمثلة فى ( الد قة والموضوع ية والحياد ) ...خل قت الفر صة للتحا يل على حر ية الت عبير،
ت حت دعوى اللتزام بتلك القوا عد المجردة ال تى كان من الع سير تطبيق ها فى الوا قع العملى.
لهذا فإن الم سئولية المعرف ية -باعتبار ها الم سئولية الملئ مة للن ظم العلم ية فى ظل البعاد
العلميهة للعولمهة -ينبغهى أن تكون مسهئولية تتسهم بطابهع عملى ،حتهى توفهر أكهبر فرصهة
لتحقيق الثر اليجابى الناتج عن ضمان الحرية المطلقة للتعبير.
ولكن إذا كانت المسئولية المعرفية تتسم بكونها « عملية » من خلل وضعها لقواعد
«عملية إرشادية» لكافة أنشطة أطراف العملية التصالية .فإن ذلك يستتبع أهمية وضع أساليب
« قياسية » يمكن من خللها قياس مدى تحقيق تلك القواعد العملية الرشادية للثر اليجابى
الناتج عن ضمان الحرية المطلقة للتعبير ،وإل فإن افتقار المسئولية المعرفية للساليب القياسية
المق صود بالقوا عد المرشدة ( غ ير الحاك مة ) هو أ نه ل يتح تم اللتزام بن فس الجراءات أو ال طر ال تى تنطوى علي ها تلك
القواعههههد ،وإنمهههها يمكههههن اللتزام باجراءات وأطههههر أخرى .بشرط أن تحقههههق نفههههس الهدف
أو المضمون الذى كانت تسعى لتحقيقه القواعد الصلية .وهذا يعنى أنها تمثل نموذجا إرشاديا غير ملزم فى إجراءاته الشكلية
( أى يمكن تنفيذ مضمونها بأشكال متعددة ).
- 264 -
سيؤدى إلى عدم وجود أ ية و سيلة يم كن من خلل ها التعرف على الثار النات جة عن الحر ية
المطل قة للت عبير .وبالتالى سيتيح هذا الفر صة لمناه ضى حر ية الت عبير ل كى يكيلوا التهامات
الجزافية للحرية المطلقة للتعبير ،فى محاولة منهم لفرض قيود تحد من هذه الحرية .كما أنه
سهيحول دون وجود وسهيلة يمكهن مهن خللهها التعرف على المؤشرات السهلبية المتولدة عهن
النشطهة العلميهة؛ ممها يؤدى إلى ارتفاع قيمهة هذه المؤشرات التهى سهتسئ حتما إلى مبدأ
الحرية المطلقة للتعبير.
مهن هنها ..فإن المسهئولية المعرفيهة للنظهم العلميهة ينبغهى لهها أن تكون مسهئولية
( شاملة -عمل ية -قيا سية ) ،وذلك ح تى يم كن توف ير الضمان ال كبر لفاعل ية مبدأ الحر ية
المطلقة للتعبير.
- 265 -
و قد تو صلت الدرا سة إلى أن نوع الطار الذى تنت مى إل يه حر ية الت عبير يتم ثل فى
( الطار الرمزى ) .وأن المدى الذى يم تد إل يه هذا الطار هو ( المدى المطلق ) .وأن
المحتوى المعرفههى الذى سههيتضمنه هذا الطار هههو محتوى يتسههم ( بتعدد الراء وتنوع
المعلومات والفكار والمعانى ) المتاحة فى المجتمع .وأن الثر الناتج عن نشر هذا المحتوى
المعرفى هو فى مجمله العام ( أثر إيجابى ) ،وأن أية آثار ضارة محتملة قد تنشأ عن إطلق
حرية التعبير ل يجوز إستخدامها كمبرر لحظر التعبير ،وإنما يصبح إجراء تدخلت إعلمية
معينهة لمحاولة التخفيهف مهن الثار الضارة المحتملة بمثابهة الجراء المناسهب الذى يجعهل
مواجهة التعبير النسانى تتم أيضا بذات الداة الرمزية التى هى التعبير النسانى ،بحيث يُترك
ل سلطة القضاء مه مة تقد ير الضرار الماد ية الناشئة عن الت عبير الن سانى ومقاضاة الم سئول
عن ها .والنتي جة العا مة تتم ثل فى أن « رمز ية » الت عبير الن سانى هى ال تى تجعله « مطلق »
الحريهة ،وحريتهه المطلقهة ههى التهى تكسهبه « التعدد والتنوع » ،وتعدده وتنوعهه همها اللذان
يضمنان « إيجابية تأثيره » فى المجمل العام.
كما تبين من دراسة البعاد الفكرية لسلطة ومسئولية النظم العلمية ،أن سلطة النظم
العلمية تتمثل فى مجموعة الحقوق العلمية للنسان ،وأن مسئولية النظم العلمية تتمثل
فى مجمو عة الوظائف المفتر ضة لتلك الن ظم .و قد ا ستحدثت الدرا سة تو صيفا ل سلطة الن ظم
العلميهة يصهفها أنهها« :سهلطة كاشفهة تضطلع بمهمهة تسهليط الضوء على أنشطهة سهلطات
المجتمهع الخرى ونظمهه الفرعيهة فهى كافهة المجالت .ويمارس هذه السهلطة المؤسهسات
العلميهة وجماهيهر المتلقيهن مهن خلل ممارسهتهم لحقوقههم العلميهة النابعهة مهن مجموعهة
الحقوق العلميهة للنسهان ،وذلك بهدف جمهع المعلومات والراء -حول السهلطات والنظهم
الفرعية فى المجتمع -وترتيبها وتصنيفها وصياغتها والتعليق عليها ونشرها.
- 266 -
ول قد استنبطت الدرا سة أن الطابع المعر فى للم سئولية المعرف ية يجعلها تت سم بعدد من
الخ صائص ،تتم ثل فى أن ها :م سئولية ( مطل قة ) ( ،ديمقراط ية ) ( ،شعب ية ) ( ،عالم ية )،
( شاملة -عملية -قياسية ) .المر الذى يضمن قيام النظم العلمية بوظيفتها ( مسئوليتها )
فى المجتمع بكفاءة على المستوى النوعى ( نوعيا ).
ولقد قدمت نتائج هذا الفصل الجابة على السؤال الثالث من تساؤلت الدراسة والذى
ينص على:
« ما هو الطا بع الملئم لتو صيف ثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بن ية الن ظم العلم ية ب ما
يضمن ارتفاع قدراتها المعرفية ؟ ».
وتمثلت الجابة على هذا التساؤل فى النتيجة التالية:
يم ثل كلُ من الطا بع المعر فى لم سئولية الن ظم العلم ية والطا بع الكا شف ل سلطتها
الطابع ين الملئم ين للرتفاع بالقدرات المعرف ية للن ظم العلم ية ،فى ظل مرجع ية فل سفية
تتبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير.
ولكن حتى يمكن للنظم العلمية أن تمارس سلطتها الكاشفة ومسئوليتها المعرفية -فى
ظل إقرار مبدأ الحر ية المطل قة للت عبير -ب صورة عمل ية تتجاوز ال طر التجريد ية ،فإن الع مل
على مراجعة الدوار التى تضطلع بها كافة أطراف العملية العلمية ،سيقدم البعاد العملية التى
تتحرك خللها النظم العلمية فى ظل إقرار مبدأ الحرية المطلقة للتعبير ،بما يضمن كفاءتها
( كيفيا ) فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع ...وهذا ما سنعرض له فى الفصل القادم.
- 267 -
الفصـل الثامـن
البعـاد العمليـة للمسئوليـة المعـرفيـة
للنظـم العـلميـة
مقـدمـة
الفصـل الثـامـن
تطرح الخصائص التى تتسم بها المسئولية المعرفية للنظم العلمية -باعتبارها مسئولية
مطلقة ،ديمقراطية ،شعبية ،شاملة عملية قياسية -ضرورة مراجعة الدوار التى تضطلع بها كافة
أطراف العمل ية الت صالية بح يث تتواءم تلك الدوار مع منطلقات الطا بع المعر فى لتلك الم سئولية
وخ صائصها .ونظرا ل ما تتطل به الممار سة العمل ية من قوا عد مرشدة ( ولي ست حاك مة ) ت ساعد
على التوجهه بالنشطهة العلميهة نحهو كفالة الحريهة المطلقهة للتعهبير .فإن محاولة صهياغة تلك
القواعد المرشدة تمثل خطوة ضرورية للبتعاد عن المفاهيم التجريدية غير العملية والقتراب من
تأسهيس مها يمكهن أن نطلق عليهه «البعاد العمليهة للمسهئولية المعرفيهة» ،تلك البعاد التهى يمكهن
اعتبارها الوجه التطبيقى فى الواقع العملى للبعاد الفكرية لمفهوم المسئولية المعرفية ،بما يضمن
قيام النظم العلمية بوظيفتها فى المجتمع بكفاءة على المستوى الكيفى ( كيفيا ).
فإن البعاد العملية للمسئولية المعرفية يمكن تحديدها فى أربعة أبعاد على النحو التالى:
بُ عد الطراف الفاعلة -بُ عد الطراف العتبار ية -بُ عد الطراف المعرف ية -بُ عد الطراف
التكنولوجية.
وانطلقا من هذا الت صور ف قد تم تق سيم الف صل الما ثل إلى أرب عة مبا حث .المب حث الول
بعنوان :بُعد الطراف المعرفية ( المسئولية المعرفية والرسائل العلمية ) .والمبحث الثانى بعنوان:
بُعهد الطراف التكنولوجيهة ( المسهئولية المعرفيهة ووسهائل العلم ) .والمبحهث الثالث بعنوان :بُعهد
الطراف العتبار ية ( الم سئولية المعرف ية والمؤ سسات العلم ية ) .والمب حث الرا بع بعنوانُ :ب عد
الطراف الفاعلة ( المسئولية المعرفية والقائمين بالتصال وجماهير المتلقين ) .وتدور هذه المباحث
حول الساليب الكيفية التى تضمن التزام الرسائل العلمية ووسائل العلم والمؤسسات العلمية
والقائمين بالتصال وجماهير المتلقين بالنقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية .بما يساعد
النظم العلمية على ممارسة وظيفتها فى المجتمع بكفاءة ( كيفيا ).
- 269 -
المبحـث الول
بُعد الطراف المعرفية
( المسئولية المعرفية والرسائل العلمية )
تح تل الر سائل العلم ية مقد مة البعاد العمل ية للم سئولية المعرف ية ،باعتبار ها الطار
الذى يضهم المحتوى المعرفهى للعمليهة التصهالية ،والمحور الذى تتمركهز حوله كافهة أهداف
العمل العلمى .سواء أكانت من جانب القائمين بالتصال من خلل دورهم فى النقل الوافى
للمعرفة ،أم من جانب جماهير المتلقين من خلل تلقيهم لتلك المعرفة.
ويؤدى تطهبيق مفهوم المسهئولية المعرفيهة على عمليهة التصهال النسهانى ،إلى عدم
مواك بة المفهوم التقليدى للر سائل العلم ية للطا بع المعر فى للم سئولية المعرف ية وخ صائصها.
فالمفهوم التقليدى للرسهائل العلميهة القائم على مواصهفات الصهدق والدقهة والموضوعيهة،
ل يعتمد إل على أطر مطاطة تحتمل الكثير من التأويل ،بما يؤدى إلى افتقاد تلك المواصفات
نفسها للصدق والدقة والموضوعية التى تدعو إليها∗ .ونظرا لرتباط مفهوم المسئولية المعرفية
بمبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير ،فإن القاعدة المرشدة العامهة التهى ينبغهى أن تلتصهق بالرسهائل
العلم ية لتمنح ها تلك الحر ية المطل قة ،تتم ثل فى نموذج [المعر فة أولً -المعر فة أخيرا -
المعرفهة فقهط] .بمعنهى أن الرسهائل العلميهة ينبغهى أل يتهم تطويعهها ليهة شروط
أو محظورات ،كما ل ينبغى لها أن تتحمل بأية أعباء إل أعباء النقل الوافى للمعرفة.
ويطرح نموذج [ المعرفصة أولً -المعرفصة أخيرا -المعرفصة فقصط ] باعتباره قاعدة
مرشدة للرسائل العلمية فى استهدافها الوحيد للمعرفة ،إشكالية هامة تلقى بظللها على مبدأ
الحر ية المطل قة للت عبير ،وتتم ثل ..أولً :فى كيف ية الملء مة ب ين ضمان الن قل الوا فى للمعر فة
الكامنة فى المعلومات العلمية ،وبين تجنب الثار الضارة المحتملة للرسائل العلمية التى
قد تن شأ عن الحر ية المطل قة للت عبير ،فى ظل عدم وجود تشريعات تق يد العلم .وثانيا :فى
كيفية ضمان النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالرسائل العلمية النوعية ( إخبارية -درامية -
ل -المعرفة أخيرا -المعرفة فقط ].
إعلنية ) ،بحيث تحقق نموذج [ المعرفة أو ً
انظر :الفصل الخامس ( المبحث الثانى ) ،حول نقد المستوى التطبيقى لنظرية المسئولية الجتماعية.
- 270 -
لذلك كان من الضرورى الع مل على صياغة قاعدة مرشدة يم كن من خلل ها التك هن
بالثار الضارة المحتملة التهى قهد تترتهب على نشهر بعهض الرسهائل العلميهة .مهع التزام
المؤ سسات العلم ية بم سئولية التد خل العل مى على ها مش تلك الر سائل لضمان تخف يف
الثار الضارة الناشئة عهن النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بهها .وهذا يعنهى أن المسهئولية
المعرف ية للن ظم العلم ية تفرض على المؤ سسات العلم ية ضرورة الن قل الوا فى للمعر فة
الكامنة بكافة الرسائل العلمية بما فيها الرسائل التى يمكن أن تكون لها آثار ضارة محتملة
على الفراد أو المجتمع .ولكن بشرط أن تمارس تلك المؤسسات نوعا من التدخل العلمى
على هامش هذه الرسائل بحيث يتم التخفيف من الثار الضارة المحتملة الناشئة عن النشر.
ول شهك أن القاعدة المرشدة التهى تحقهق هذا المطلب تتناقهض تماما مهع واقهع عمهل النظهم
العلمية الراهنة التى يتم تقييد حرية التعبير فيها بالعديد من القيود التشريعية؛ مما أدى إلى
أن ت سترشد تلك الن ظم فى عمل ها بنموذج تب سيطى م خل؛ ح تى تتج نب الوقوع فى الم ساءلة
القانونية .ويتمثل ذلك النموذج فى ثنائية [ الرسالة -التأثير ] ،بمعنى أن الرسائل العلمية
ال تى يشت به فى تأثيرات ها الضارة على الفراد أو المجت مع ي تم حظر ها وعدم نشر ها .وذلك
دون أ ية درا سة جادة لحتمالت ذلك التأث ير ومحاولة إجراء أى تد خل إعل مى لتخف يف تلك
الثار الضارة المحتملة.
ول كن فى ظل الحر ية المطل قة للت عبير ال تى يتبنا ها مفهوم الم سئولية المعرف ية ،وال تى
تؤدى إلى غياب القيود التشريعية .فإن القاعدة المرشدة التى تتجاوز نموذج [ الرسالة -التأثير
] تتم ثل فى نموذج [ حر ية الر سالة -احتمالت التأث ير -التد خل العل مى ] ،ب ما يع نى أن
الحر ية المطل قة للر سالة مكفولة على الر غم من احتمالت التأث ير الضارة ،من خلل ال سماح
للمؤسهسات العلميهة بإجراء تدخلت إعلميهة تتمثهل فهى القيام بإجراءات تحريريهة معينهة
للتخفيف من الثار الضارة المحتملة من جراء النشر.
- 271 -
ويم كن للمؤ سسات العلم ية إجراء درا سة احتمال ية لدرا سة احتمالت التأث ير الضار
للرسهائل العلميهة ،وذلك مهن خلل السهلوب السهتفهامى التالى الذى يتكون مهن خمسهة
تساؤلت وفقا للنحو التالى:
-1هل هناك أثر محتمل؟
-2هل هو أثر مادى؟
-3هل هو أثر مباشر؟
-4هل هو أثر ضار؟
-5هل هو ضار بالشخاص أو الممتلكات؟
وت تم درا سة احتمالت التأث ير الضار من خلل الجا بة المتتاب عة على تلك الت ساؤلت
الخمسة ،والتى تُعتبر الجابة بالنفى على أى منها بمثابة دليل على عدم وجود أية آثار ضارة
محتملة للرسالة العلمية ،فى حين أن الجابة عليها جميعا باليجاب تعنى وجود آثار ضارة
محتملة فى تلك الرسالة.
وهذا يعنهى أن التنبهؤ بالثار الضارة المحتملة للرسهائل العلميهة تحتاج إلى خمسهة
شروط تتمثهل فهى :ضرورة وجود أثهر محتمهل .وضرورة أن يكون هذا الثهر ماديا وليهس
معنويا .وأن يكون هذا ال ثر المادى مباشرا فى احتمال ات صاله بالر سالة العلم ية ،ب ما يع نى
أن الر سالة العلم ية ت سببت مباشرة فى حدو ثه .وأن يكون هذا ال ثر المادى المبا شر ضارا،
بح يث ي سبب آثارا ضارة .وأن يكون هذا ال ثر المادى المبا شر الضار موجها إلى الشخاص
أو الممتلكات وليس إلى المعانى أو الرموز.
ومهن الواضهح أن هذا السهلوب السهتفهامى المتدرج يتوافهق مهع المدى المطلق الذى
تتحرك فيه حرية الرسالة العلمية فى ظل إقرار مبدأ الحرية المطلقة للتعبير ،حيث ل يكفى
أن يكون للر سالة أ ثر احتمالى ضار ف قط ،بل ي جب أن يكون أثرا احتماليا ماديا مباشرا ضارا
بالشخاص والممتلكات .وهذا يعنهى أن الرسهالة العلميهة ذات الثهر المادى المباشهر غيهر
الضار ل ترافق ها أ ية تدخلت إعلم ية .ك ما أن الر سالة العلم ية ذات ال ثر المادى الضار
غ ير المبا شر ل ترافق ها أ ية تدخلت إعلم ية ،ح يث إن شرط إجراء تدخلت إعلم ية يتو قف
على مباشرة الثر المحتمل المادى الضار بالشخاص أو الممتلكات.
وتجدر الشارة إلى أن نموذج [ حرية الرسالة -احتمالت التأثير -التدخل العلمى ]
هو مجرد نموذج إرشادى يو ضح مدى حدوث أو عدم حدوث الضرر من جراء ن شر الر سالة
العلميهة ،ولكنهه ل يوضهح كيفيهة التدخهل العلمهى لتخفيهف الثار الضارة المحتملة لتلك
- 272 -
الر سالة ،ذلك التد خل الذى ل ي سوّغ -بأى صورة -ح ظر ن شر الر سالة أو التعت يم علي ها أو
تغي ير مضمون ها .وإن ما ي سمح للمؤ سسات العلم ية بالتد خل على ها مش الر سالة العلم ية
لمجرد التخفيهف أو التحذيهر مهن الثار الضارة المحتملة ،وفقا لجراءات تحريريهة متعددة
تختلف باختلف الحقوق المضادة للحقوق العلميهة التهى تنتهكهها تلك الرسهائل العلميهة.
وسهنعرض فهى الفصهل التالى لنموذج « الطريقهة الحتماليهة لتوصهيف التدخهل العلمهى فهى
مواجههة الحقوق المضادة للحقوق العلميهة » ،والذى سهيتم مهن خلله توضيهح الجراءات
التحريريهة التهى يتهم إجراؤهها كنوع مهن التدخهل العلمهى؛ لتخفيهف الثار الضارة المحتملة
للرسائل العلمية ،فى ظل مبدأ الحرية المطلقة للتعبير الذى تتبناه المسئولية المعرفية.
ويمكهن أن نطلق على المبدأ الذى يضمهن التوازن فهى عرض جوانهب الرسهائل
العلميهة الخباريهة ( مبدأ العرض المتوازن ) ،ويخضهع هذا المبدأ لقاعدة مرشدة تتمثهل فهى
نموذج [ الحدث -الطراف ] ،حيهث يشيهر نموذج [ الحدث -الطراف ] إلى الحقيقهة التهى
توضح أن كل حدث يرتبط بمجموعة من الطراف المختلفة وذلك على النحو التالى:
أطراف بمثابة موضوع للحدث إيجابيا :وهم الطراف الفاعلون للحدث. -
أطراف بمثابة موضوع للحدث سلبيا :وهم الطراف المتأثرون بالحدث. -
أطراف يكون الحدث موضوعا لهصم وظيفيا :وههم الطراف المهتمون بالحدث بحكهم -
وظائفهم.
- 273 -
أطراف يكون الحدث موضوعا لهصم ظرفيا :وههم الطراف المهتمون بالحدث بحكهم -
تواجدهم الظرفى ( المكانى أو الزمانى ) فى نطاق حدوثه.
وانطلقا من هذا التقسيم ..فإن الصياغة المعرفية لبد أن تعرض لكافة تلك الطراف
فى صلب الرسالة الخبارية بشكل متوازن ،بما يحقق النقل الوافى للمعرفة.
وبهذا يقدم نموذج [ الحدث -الطراف ] -باعتباره قاعدة مرشدة لضمان التزام
النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية عند نقلها للخبار والحداث التى تقع بالمجتمع -وسيلة
عملية يمكن من خللها تحليل الرسائل الخبارية ،بحيث يمكن اكتشاف مدى التزامها بالعرض
المتوازن بجوانب الحدث المتعددة .كما أنه يمكن استخدامه كنموذج إرشادى يمكن اتباعه عند
الصياغة التحريرية للرسائل العلمية الخبارية.
وتجدر الشارة إلى أنهه يمكهن تطهبيق مبدأ ( العرض المتوازن ) القائم على نموذج
[ الحدث -الطراف ] على التحقيقات الصهحفية والتليفزيونيهة والذاعيهة وكافهة النشطهة
العلمية الخبارية الخرى.
ففى مجال الدراما التاريخية أو السياسية ،تتمثل القاعدة المرشدة التى تضمن النقل الوافى
للمعرفة التاريخية أو السياسية ،فى نموذج [ الرسالة الدرامية -المعلومات المرجعية ] .حيث
يقدم ذلك النموذج الطار الذى يمكن من خلله وضع العمال الدرامية فى السياق الذى يضمن
النقهل الوافهى للمعرفهة .وتعنهى « المعلومات المرجعيهة » تقديهم بيان شامهل يوضهح المصهادر
- 274 -
المختل فة ال تى تم العتماد علي ها لكتا بة المادة التاريخ ية أو ال سياسية للدرا ما ،سواء أكا نت تلك
المصهادر كتبا أم دراسهات أم شهادات شخصهية .بالضافهة إلى ضرورة إشارة تلك المعلومات
المرجع ية لى تد خل من المؤلف فى صياغة الحداث أو الشخ صيات طبقا لضرورات الكتا بة
الدرامية .ويتم عرض تلك المعلومات المرجعية فى مقدمة ومؤخرة العمل الدرامى.
وتوفر تلك المعلومات المرجعية بُعدا معرفيا يوضح لجماهير المتلقين مدى جدية العمل
أو انحيازه لطرف مهن الطراف أو اتجاه مهن التجاهات .وبذلك يمكهن للمتلقيهن التعرض
للر سالة العلم ية بو عى م سبق يحول دون الن سياق ل ية معلومات محر فة أو موج هة تهدف
إلى خدمة غرض سياسى أو ثقافى معين.
وفهى مجال الدرامها الباحيهة أو فوق السهّنية أو العنيفهة ،تتمثهل القاعدة المرشدة التهى
تضمهن التعر يف الوا ضح والمسهبق بمضمون تلك الدرامها فى نموذج [ الرسصالة الدراميصة -
التغليصف ] ،حيهث يقدم ذلك النموذج الطار الذى يمكهن مهن خلله وضهع تلك العمال التهى
تحتوى على مشاهد إباحية أو مشاهد جنسية مكشوفة أو مشاهد عنف دامية فى سياق تحذيرى.
وذلك من خلل « تغليف » العمل الدرامى طوال مدة عرضه بإشارة رمزية أو كتابية توضح
استهدافه لفئة سنية معينة ( للكبار فقط ) ،بالضافة إلى توضيحها لمضمونه ( جنس -عنف ).
وبذلك يتم نقل معرفة وافية تتيح للمشاهد الفرصة لتجنب الرسائل العلمية الدرامية التى ل
ير غب فى مشاهدت ها لد يه فى أى و قت من أوقات عرض ها .ك ما يت يح « التغل يف » الفر صة
لمنع تعرض الطفال للعمال الدرامية التى تتجاوز مراحلهم العمرية.
ويعانى السلوب الراهن لصياغة الرسائل العلنية من سلبيات كبيرة تتمثل فى عملية
ب يع « الم ستهلك العزل » إلى « المعلن » الم سلح بكا فة و سائل الغراء ،من خلل ت صميم
الر سالة العلن ية ل كى تل بى الحاجات والرغبات والغرائز الن سانية ف قط .وذلك وفقا للنموذج
الشهير [ المثير -الستجابة ] ،مع الغفال التام لحق المتلقى « المستهلك » فى معرفة ماهية
السلعة ومكوناتها وسعرها وترتيبها فى تصنيفات الجودة للسلع المنافسة ،وما إلى غير ذلك من
- 275 -
معلومات يجهب أن تكون ههى السهاس لجذب المسهتهلك ،وليهس الخدع الدراميهة والنفسهية
لصطياد المستهلك ( المتلقى ) فى شرك المعلن ( المؤسسة العلنية ).
وبالتالى فإن القاعدة المرشدة التى تضمن التزام الرسائل العلنية بالنقل الوافى للمعرفة
الكامنهة فيهها ،تتمثهل فهى نموذج [ الجودة /المثيصر -القدرة /السصتجابة ] ،حيهث يقدم هذا
النموذج مفهوما جديدا للر سالة العلن ية يت يح ل ها ن قل معر فة واف ية دون إغفال جوا نب الثارة
الدرامية النفسية.
ويُقصهَد بعنصهر « الجودة » فهى النموذج ( الجودة السهلعية ) .ويتضمهن هذا العنصهر
ضرورة عرض المواصفات المختلفة للسلعة ،بالضافة إلى ترتيبها فى تصنيفات الجودة السلعية
مقارنهة بالسهلع المشابههة .بينمها يُقصهَد بعنصهر « القدرة » فهى النموذج ( القدرة الشرائيهة ).
ويتضمن هذا العنصر عرضا لثمن السلعة أو كافة السلع التى يروجها العلن ،بحيث يختار
المتلقى ما يتناسب منها مع قدراته الشرائية.
وبذلك يضهع نموذج [ الجودة /المثيهر -القدرة /السهتجابة ] السهلعة فهى مواجههة
الم ستهلك فى ظل عل قة إيجاب ية ل تتجا هل حق المعلن فى محاولة إبراز ال سلعة وتجميل ها،
ول تتجاهل حق المستهلك أيضا فى محاولة معرفة المواصفات الخاصة بالسلعة ومدى جودتها
ومدى توافق سعرها مع قدرته الشرائية.
- 276 -
المبحـث الثانى
بُعد الطراف التكنولوجية
(المسئولية المعرفية والوسائل العلمية)
تم ثل الو سائل العلم ية الجماهير ية باختلف نوعيات ها -المطبو عة أو اللكترون ية
أو شبكات معلومات -القناة الموصلة للرسائل العلمية ،والنافذة التى يطالع جماهير المتلقين
من خللها تلك الرسائل.
وفى إطار مفهوم المسئولية المعرفية للنظم العلمية ،فإن الوسائل العلمية ينبغى أن
تكون بمثا بة قنوات مفتو حة تتم تع بال سيولة لتوف ير ال سريان ال حر للمعر فة ،بح يث ل يق يد ذلك
السهريان أيهة عوائق أو موانهع إل العوائق أو الموانهع الناتجهة عهن الخصهائص المميزة لتلك
الوسائل على اختلف نوعياتها.
فالوسائل العلمية المطبوعة أو اللكترونية أو شبكات المعلومات ،يختلف ك ُل منها عن
الخرى في ما يتعلق بخ صائصها المميزة ،من ح يث ال سعة الزمن ية ،والح يز الم ساحى ،والبعاد
التصالية ،والنتقائية المعرفية .حيث تتقيد وسائل العلم التقليدية ( المطبوعة أو اللكترونية )
بتلك الخ صائص المميزة من ح يث ال سعة الزمن ية ال تى تتم ثل فى عدد ساعات اليوم بالن سبة
للوسائل اللكترونية ،أو من حيث الحيز المساحى الذى يتمثل فى عدد الصفحات القابلة للتداول
بالنسهبة للوسهائل المطبوعهة ،أو من حيهث البعاد التصصالية التهى تتمثهل فهى ضعهف قدراتهها
التفاعلية مع جماهير المتلقين والتى ل تزيد عن التفاعل مع عشرات أو مئات الجماهير .المر
الذى يصهبغ رسهائلها العلميهة بالبُعهد الواحهد ،وبالتالى بالنتقائيهة فهى اختيار موضوعات
واستبعاد أخرى لمراعاة السعة الزمن ية أو الحيز الم ساحى ....أما شبكات المعلومات ( وسيلة
العلم الحديثة ) ،فإنها تتغلب على كل تلك القيود المتعلقة بالسعة الزمنية أو الحيز المساحى
أو البعاد التصالية أو النتقائية المعرفية .إذ إن قدراتها التخزينية الرقمية والترابطية المهولة
تقدم مدى غيهر محدود تقريبا للسهعة والحيهز الحاوييهن للوان المعرفهة .وبالتالى تتعدد فيهها
البعاد التصالية وتنعدم فيها النتقائية المعرفية.
ولكن على الر غم من التفاوت فى الخصائص المميزة للوسائل العلمية ،فإن القاعدة
المرشدة التهى ينبغهى أن تضمهن قيامهها بالنقهل الوافهى للمعرفهة -فهى ظهل القيود الفنيهة التهى
تطرح ها تلك الخ صائص المميزة -تتم ثل فى نموذج [ النطاق الوا سع -النطاق الض يق ].
ويعنهى هذا النموذج أن النظام العلمهى يجهب أن يضمهن كفالة وسهائله العلميهة -فهى
- 277 -
وتؤدى محاولة أى نظام إعلمى إلى قصر مدى وسائله العلمية على النطاق الواسع
فقهط دون النطاق الضيهق ،إلى فشله فهى تحقيهق النقهل الوافهى للمعرفهة ،وذلك لفتقار رسهائله
العلمية عندئذ إلى المعرفة المتخصصة التى تستهدف جماعات نوعية من الجماهير.
وبالمقابل فإن قصر النظام العلمى لمدى وسائله العلمية على النطاق الضيق فقط
دون النطاق الوا سع يؤدى بالم ثل إلى الخفاق فى الن قل الوا فى للمعر فة ،وذلك لغياب المعر فة
الشاملة عندئذ عن مجال رسائله العلمية المتخصصة.
- 278 -
المبحـث الثالث
بُعد الطراف العتبارية
( المسئولية المعرفية والمؤسسات العلمية )
يطرح دخول مفهوم المسهئولية المعرفيهة ضمهن فاعليات العمليهة التصهالية أهميهة
مراج عة الدور الذى تقوم به المؤ سسات العلم ية .ح يث تم ثل المؤ سسات العلم ية الطرف
العتبارى فى العمل ية الت صالية ،وذلك نظرا لكونها شخ صية اعتبار ية وفقا للمفهوم القانونى،
ولكون ها كيانا اعتباريا جامعا ي ضم النش طة المهن ية العلم ية وفقا للمفهوم العل مى .ح يث
تضم المؤسسات العلمية أحد الطراف الفاعلة فى عملية التصال وهو ( القائم بالتصال )،
كما تضم الطراف المعرفية فى عملية التصال وهى ( الرسائل العلمية ).
ويمثل السعى إلى الربح الحافز الكبر لضمان التنافس الحر بين المؤسسات العلمية
فى عملية جمعها للمعلومات العلمية والنقل الوافى للمعرفة الكامنة فى تلك المعلومات .ولكن
التجارب التاريخية توضح أن السعى إلى الربح قد يجنح بالمؤسسات العلمية نحو اللجوء إلى
عدم ن شر جوا نب المعر فة ال تى تجعل ها ت صطدم ب سلطات الدولة أو ت ضر بموارد ها العلم ية
لدى الشركات المعلنة .مما يؤدى إلى القتصار على نشر جوانب محدودة من المعرفة الكامنة
بالمعلومات العلميهة ،والتعتيهم على جوانهب أخرى قهد تكون على قدر كهبير مهن الهميهة
والتأثير.
ول عل هذا التنا قض ب ين ال سعى إلى الر بح والن قل الوا فى للمعر فة -سواء أكان فى
النظهم العلميهة الحرة أم الموجههة -نشهأ نتيجهة عدم وضهع قواعهد مرشدة لبيان دور
المؤسسات العلمية فى نقل المعرفة .ففى النظم العلمية الحرة لم تقدم النظرية الليبرالية
أ ية قوا عد مُرشدة لضمان التزام المؤ سسات العلم ية بن قل المعر فة .م ما أدى إلى سهولة
جنوح المؤسسات العلمية نحو الربح اليسير القائم على عدم اللتزام بالنقل الوافى للمعرفة.
بينما وضعت نظرية المسئولية الجتماعية قواعد تحريرية لحظر بعض جوانب المعرفة ،مما
أع طى الفر صة للتعت يم والح ظر ت حت دعوى اللتزام بدور م سئول اجتماعيا .أ ما فى الن ظم
العلمية الموجهة فإن النتائج الفادحة التى يمكن أن تترتب على ال صطدام بالسلطة ،توفر
دائما المبرر للمؤسسات العلمية لحظر بعض جوانب المعرفة لتجنب الغلق أو التعطيل
أو إلغاء الترخيص.
- 279 -
ونظرا لمها تطرحهه البعاد العلميهة للعولمهة مهن اتجاه المؤسهسات العلميهة نحهو
الندماج فى تكتلت ضخ مة ،وذلك وفقا ل ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج ،م ما
سهيزيد مهن احتمالت تأثيهر المصهالح التجاريهة والسهياسية للمؤسهسات المالكهة للمؤسهسات
العلميهة على مسهئولية النقهل الوافهى للمعرفهة ،فإن القواعهد المرشدة التهى تقدمهها المسهئولية
المعرفيهة تبدو ههى المعادل الموضوعهى القابهل للتوازن مهع التأثيرات الندماجيهة للمؤسهسات
العلم ية ،بالضافهة إلى مها تطرحهه تكتيكات العول مة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام مهن قدرة
متزايدة للمؤسسات العلمية الصغيرة على التواجد داخل المدى اللنهائى لشبكات المعلومات.
وبالتالى زيادة احتمالت نشهر جوانهب المعرفهة التهى يتهم التعتيهم عليهها ،المهر الذى يجهبر
الندماجات العلمية على ضرورة النشر الوافى للمعرفة.
لذا فإن أفضل ضمان يكفل النقل الوافى للمعرفة يتمثل فى العتراف بحق المؤسسات
العلمية فى الربح ،فى مقابل مسئوليتها عن النقل الوافى للمعرفة ،وذلك فى ظل علقة ثنائية
مترابطة يؤدى تحقق أحد أطرافها إلى تحقق الثانى بالضرورة.
ولعل أهم النتائج المترتبة على إقرار المؤسسات العلمية لنموذج [ الربح -المعرفة ]
لتعريف دورها فى المجتمع يتمثل فى القضاء على الراء المتعارضة التى كان بعضها يرى
أن المؤسسات العلمية ل ينبغى أن تسعى للربح ،فى مواجهة الراء الخرى المعاكسة لذلك.
حيهث يؤدى نموذج [ الربهح -المعرفهة ] إلى التعامهل مهع المؤسهسات العلميهة باعتبارهها
مؤسسات اقتصادية تسعى إلى الربح فى مقابل التزامها بتقديم سلعة معرفية أو خدمة معرفية
سيُعرّضها للخسارة
ذات مواصفات قياسية متفق عليها ،وأى محاولة للخلل بتلك المواصفات َ
وعدم رواج منتجاتها وفقدان سمعتها.
- 280 -
ول شك أ نه ل يمكهن التغاضهى -على الرغهم مهن ضغهط التوجهات المثال ية -عن
حقيقة أن ما تقدمه المؤسسات العلمية ما هو إل سلعة أو خدمة مثلها مثل أية سلعة أو خدمة
أخرى .وبالتالى فإن مراعاة تلك السلعة أو الخدمة لمعيار المواصفات العلمية القياسية أمر
ضرورى لضمان رواجها .ولعل المعيار هنا هو النقل الوافى للمعرفة .بحيث تعتبر أية محاولة
لخفاء بعض المعلومات أو التعتيم عليها بمثابة عدم مراعاة للمواصفات العلمية .واتجاه من
المؤسهسة العلميهة نحهو تقديهم معرفهة إعلميهة غيهر مطابقهة للمواصهفات وغيهر صهالحة
للستهلك المعرفى؛ لنها معرفة متحيزة أو ناقصة.
وتمثهل الرؤيهة الواقعيهة التهى تتعامهل مهع المؤسهسات العلميهة باعتبارهها مؤسهسات
اقتصهادية مدخلً هاما لتصهحيح التصهورات التهى تتعلق بالذهان حول تلك المؤسهسات .لنهه
سهيؤدى إلى تنميهة المعاييهر النقديهة تجاه المعرفهة المنقولة خلل وسهائل العلم ،وتقليهص
التصورات المثالية حول الدور النضالى الرسالى المزعوم للمؤسسات العلمية .المر الذى
سيرتفع بدرجة الوعى لدى المتلقين ويدفعهم للتعامل مع المؤسسات العلمية من خلل أطر
واقعية حول طبيعة دورها فى المجتمع.
علوة على ذلك ..فإن تلك الرؤيهة الواقعيهة سهتقضى على التناقهض الذى يحكهم
تصهورات المؤسهسات العلميهة ذاتهها؛ لطبيعهة دورهها فهى المجتمهع ،والذى يتراوح مها بيهن
الكفاح المزعوم مهن أجهل الوصهول للحقيقهة ،وبيهن التنافهس الشرس مهن أجهل ضمان الكفاءة
القتصادية.
و فى إطار تفع يل نموذج [ الر بح -المعر فة ] -باعتباره قاعدة مرشدة لضمان التزام
المؤ سسات العلم ية بم سئوليتها المعرف ية -فإن اللتزام بعدد من الجراءات التنظيم ية يُ عد
أمرا ضروريا للنتقال بذلك النموذج إلى المجال العملى.
أو الشركات المعلنهة على عدم أحقيهة تلك الوكالت أو الشركات فهى فسهخ تعاقداتهها مهع
المؤسسات العلمية بسبب نشر موضوعات انتقادية تتعلق بتلك الشركات ،ويحق للمؤسسات
العلمية فى حالة حدوث ذلك المطالبة قضائيا بفرض غرامات مالية على تلك الشركات ،كما
ل يحهق للشركات المعلنهة وقهف التعامهل مهع أحهد المؤسهسات العلميهة لسهابق قيامهها بنشهر
- 281 -
موضوعات انتقادية تتعلق بها ،وتتحمل الشركات المعلنة عبء إثبات السباب الحقيقية لوقف
التعامل أمام القضاء.
ثانيا :تلتزم المؤسسات العلمية بنشر كامل نصوص تعاقداتها العلنية بحيث تفرد
الصحف صفحات لنشر تلك التعاقدات ،فى حين يمكن للمؤسسات العلمية العاملة فى مجال
وسائل العلم اللكترونية نشر نصوص تلك التعاقدات فى مواقع مخصصة لذلك على شب كة
النترنت ،بحيث يؤدى ذلك النشر إلى متابعة ضمان تنفيذ اللتزام الوارد فى الفقرة السابقة.
ثالثا :تلتزم المؤسهسات العلميهة بتخصهيص باب ثابهت يتضمهن جدولً موضحا بهه:
أسهماء الشركات المعلنهة ،والقيمهة الماليهة لعلناتهها بالمؤسهسة ،والرباح الناتجهة عهن تلك
العلنات .ويتهم نشهر ذلك الجدول يوميا أسهوة بالجداول الموضّحهة لخبار أسهواق المال
( البور صات ) .و فى حالة و سائل العلم اللكترون ية ي تم الن شر فى موا قع مخ صصة لذلك
على شبكة النترنت.
رابعا :تلتزم المؤسسات العلمية بنشر أسماء الشركات أو الفراد المالكين لها ،ويتم
ذلك النشهر فهى باب ثابهت يخصهص لذلك فهى حالة وسهائل العلم المطبوعهة ،وفهى مواقهع
مخصصة لذلك على شبكة النترنت فى حالة وسائل العلم اللكترونية.
- 282 -
المبحـث الرابع
بُعد الطراف الفاعلة
( المسئولية المعرفية والقائمين بالتصال وجماهير
المتلقين )
و فى إطار ال سلطة الشعب ية الكاش فة والم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية ،فى ظل
اليمان بالحريهة المطلقهة للتعهبير .فإن القائم بالتصهال يمارس دوره باعتباره وكيلً عهن
الجماهير لستقاء المعلومات من مصادرها المتاحة والكامنة .أى أن القائم بالتصال ما هو إل
ممثهل للجماهيهر بموجهب « وكالة معرفيهة » للحصهول على المعرفهة ونقلهها كاملة للجماهيهر
صاحبة تلك المعرفة.
وينطلق مفهوم القائم بالت صال -كوك يل عن الجماه ير -من حقي قة أن الجماه ير على
الرغم من امتلكها لمكانية استقاء المعلومات ذاتيا من مصادرها وفقا للصلحيات الممنوحة لها
بمو جب التشريعات الم ساندة ل حق المعر فة .إل أن هذه المه مة تتعارض مع الدوار الجتماع ية
المختل فة والمتفاو تة ،وال تى تم يز نشاط كل فرد فى المجت مع .ولذلك ت صبح فكرة تكل يف وك يل
للقيام بتلك المهمة بمثابة وسيلة إيجابية لتمكين الجماهير من ممارسة حقها فى المعرفة ،دونما
تعارض مهع مها تفرضهه العباء الجتماع ية المتعددة على الفراد .وبالتالى تبدو فكرة « الوكالة
المعرفية » بمثابة عقد اجتماعى تتنازل بموجبه الجماهير عن حقها فى استقاء المعرفة ،وتكلف
ل وافيا لولئك الجماهيهر
بهه العلمييهن ،فهى مقابهل التزام العلمييهن بنقهل تلك المعرفهة نق ً
- 283 -
( الموكلين ) .ولهذا تصبح أية محاولة للتدخل بالتعديل أو الحذف أو التحريف أو الضافة لتلك
المعرفة .بمثابة تجاوز لحدود الوكالة المعرفية أو تراخى عن القيام بأعبائها.
لذلك فإن القاعدة المرشدة الصالحة لصياغة دور القائم بالتصال باعتباره وكيلً تتمثل
فى نموذج [ الجماهير كموكل -القائم بالتصال كوكيل ] ،بحيث يمارس القائم بالتصال دوره
باعتباره وكيلً فى مواجهة الجماهير صاحبة التوكيل ،ويتمحور موضوع تلك الوكالة فى نقل
المعرفة الوافية إلى الجماهير.
ويقدم نموذج [ الجماهيهر كموكهل -القائم بالتصهال كوكيهل ] مهن خلل تلك الثنائيهة
تحديدا دقيقا لبعاد الدور الذى ينبغهى أن يقوم بهه القائم بالتصهال؛ حتهى ل يرتبهط ذلك الدور
بأدوار أخرى تؤدى إلى تقليهص ذلك الدور السهاسى المتمثهل فهى النقهل الوافهى للمعرفهة إلى
الجماهير بموجب حدود الوكالة المعرفية.
ولعل أهم تلك الدوار الخرى الشائعة فى ضمير القائم بالتصال أو جماهير المتلقين
تتم ثل فى التعا مل مع المه نة العلم ية باعتبار ها ر سالة ،وبالتالى ل ي صبح القائم بالت صال
م سئولً أمام جماه ير المتلق ين ،وإن ما أمام ضميره باعتباره يمارس ر سالة سامية تمن حه سلطة
استثنائية بل مسئولية ظاهرة .وليس من قبيل المبالغة أن نقرر أن أشد الخطار التى يمكن أن
تح يق بالع مل العل مى ،تتم ثل فى إ سباغ صفة الر سالة على مه نة العلم ،والترو يج لهذه
ال صفة فى أذهان كلٍ من العلمي ين وجماه ير المتلق ين .وتن بع هذه الخطورة من حقي قة أن
المتياز النسانى المتمثل فى التمسك بالمبادئ والقيم -انطلقا من الوازع الشخصى ورقابة
الضمير ،دونما أية رقابة خارجية -ما هو إل مثالية مجردة تتناقض مع حقائق المور ،تلك
الحقائق ال تى تقرر بأن المتياز الن سانى عُملة نادرة ،وأن الضم ير الن سانى فى حا جة إلى
منشطات خارجية دائما ( القانون -الرقابة -العقاب ) حتى يمتلك اليقظة والنتباه .وبالتالى
فإن التعامصل مصع القائم بالتصصال باعتباره مكلفا برسصالة تخضصع لرقابصة ضميره الشخصصى،
بمثابة خطأ فادح ودعوة للفساد والفساد تظللها شعارات فارغة وزائفة .ذلك أن الثقة فى
التزام القائم بالتصصال بدوره المتمثصل فصى الوكالة المعرفيصة ينبغصى أن يقوم على إجراءات
عملية وليس شعارات مثالية.
وي ساهم نموذج [ الجماه ير كموكل -القائم بالت صال كوك يل ] بدر جة كبيرة فى نزع
هذه الصفة الرسالية عن القائم بالتصال .مما يطبع دوره بالواقعية ويضعه فى حدود المسئولية
المعرفية فى مواجهة الجماهير صاحبة الحق فى المعرفة.
- 284 -
وانطلقا من هذا الطار الذى ل يخضع فيه القائم بالتصال لرقابة ضميره الشخصى،
بل لرقابة الجماهير صاحبة الوكالة المعرفية .فإن قيام الجماهير بصياغة العديد من الجراءات
العمل ية ال تى تت يح ل ها مراق بة مدى التزام القائم بالت صال بحدود الوكالة المعرف ية ،أو تق صيره
فى القيام بأعبائ ها ت صبح ضرورة عمل ية يفرض ها وا قع الع مل العل مى الذى يضطلع بأدائه
بشر يكتنف أعمالهم الخطأ والخطيئة بنفس الدرجة التى قد يكللها الصواب والصلح.
وانطلقا من مفهوم المسئولية المعرفية الذى يتبنى ضرورة قيام النظم العلمية بنقل
معرفة وافية إلى جماهير المتلقين .فإن جماهير المتلقين -كطرف فاعل بالنظام العلمى ،فى
مواجهة المؤسسات العلمية كطرف اعتبارى -يصبح عليها مسئولية جديدة تتجاوز ما هو
أب عد من مجرد التفا عل الذى توفره التجهزات التكنولوج ية الحدي ثة .فالتفا عل مه ما أ سفر عن
نتائج إيجابيهة ،فإنهه ل يتجاوز حدود التفاعهل اللفظهى أو المطبوع الذى ل يملك وسهائل ماديهة
إيجابية للتأثير والتغيير .وبالتالى يظل زمام المبادرة مرهونا بمدى رغبة المؤسسات العلمية
فى الستجابة لتطلعات المتلقين .لكن فى ظل ما تطرحه المسئولية المعرفية من حرية مطلقة
للتعهبير فهى مقابهل التزام النظهم العلميهة بمسهئوليتها المعرفيهة؛ فإن مجرد توفيهر القنوات
التفاعلية للسماح لجماهير المتلقين بالشتراك فى فاعليات الرسالة العلمية بالنقد أو بالتأييد لم
يُ عد كافيا .ح يث يطرح مفهوم الم سئولية المعرف ية على المتقل ين ،م سئولية القيام بدور يتجاوز
التفاعل ية اللفظ ية أو المطبو عة ،لي صل إلى الفاعل ية العمل ية .ا ستنادا إلى القاعدة المرشدة ال تى
تتمثل فى نموذج [ المتلقى -الفاعلية ] .حيث إن مفهوم الفاعلية يتض من ضرورة اضطلع
جماعات المتلقيهن بنشاط عملى إيجابهى ،لضمان التزام المؤسهسات العلميهة بدورهها فهى
النقهل الوافهى للمعرفهة إلى الجماهيهر .ويتهم ذلك مهن خلل قيام جماعات المتلقيهن بتكويهن
« المنظمات المدنيهة » أو « الجمعيات الهليهة » الحاميهة لمفهوم المسهئولية المعرفيهة للنظهم
العلم ية .بح يث تتولى تلك المنظمات أو الجمعيات -ال تى ستعتبر فرعا من فروع منظمات
المجتمع المدنى -حماية البعاد العملية للمسئولية المعرفية للنظم العلمية .وذلك من خلل
- 285 -
أضطلع كهل جمعيهة بحمايهة أحهد تلك البعاد العمليهة ،أو إنشاء وحدات متخصهصة فهى كهل
جمعية لحماية بُعد من هذه البعاد.
ومهن هذا المنطلق فإن الجمعيات الهليهة أو منظمات المجتمهع المدنهى التهى يمكهن
تنظيمها لحماية المسئولية المعرفية للنظم العلمية يمكن أن تدور أنشطتها على النحو التالى:
...وفى نفس هذا الطار ..يمكن تكوين جمعيات حماية المسئولية المعرفية للرسائل
الدراميههة ،والتههى تتولى متابعههة اللتزام بتطههبيق المؤسههسات العلميههة لنموذج
[ الر سالة -المعلومات المرجع ية ] فى مجال الر سائل الدرام ية ال سياسية أو التاريخ ية.
أو نموذج [ الرسهالة -التغليهف ] فهى مجال الرسهائل العنيفهة أو فوق السهنية أو الباحيهة.
وممارسهة الضغهط على المؤسهسات العلميهة المخال فة لدفعهها إلى اللتزام بذلك ،أو بإصهدار
النشرات الدور ية للقاء الضوء على المؤ سسات العلم ية ال تى تتجا هل تنف يذ تلك اللتزامات.
ك ما يم كن تكو ين جمعيات حما ية الم سئولية المعرف ية للر سائل الخبار ية ،وال تى تتولى متاب عة
مدى قيام المؤ سسات العلم ية بتحق يق التوازن فى عرض ها للموضوعات والقضا يا المختل فة
وفقا لمبدأ ( العرض المتوازن ) ،ونشهر المخالفات التهى ترتكبهها المؤسهسات العلميهة فهى
نشرات دور ية .بالضا فة إلى تكو ين جمعيات الحما ية من الثار الضارة للر سائل العلم ية،
وال تى تتولى ممار سة الض غط على المؤ سسات العلم ية لللتزام بت طبيق التدخلت العلم ية
المناسبة لتخفيف الثار الضارة المحتملة لبعض الرسائل العلمية.
...وبهذا فإن نموذج [ المتلقى -الفاعلية ] يطرح تكوين دوائر فاعلة من جماعات
المتلقين تضطلع بدور إيجابى لحماية حقوق الجماهير فى المعرفة ،من خلل المتابعة المستمرة
لنشطة المؤسسات العلمية ،سواء أكانت بالرقابة الشعبية لضمان النقل الوافى للمعرفة ،أم
بالضغط والدعاوى القضائية.
وبذلك يتطور الدور اليجابى لجماهير المتلقين من مجرد التفاعل إلى الفاعلية العملية،
التى تكفل وتضمن التزام المؤسسات العلمية بمسئوليتها المعرفية.
- 287 -
فعلى مسهتوى الرسهائل العلميهة توصهلت الدراسهة إلى أن مراجعهة دور الرسهائل
العلمية -باعتبارها الطرف المعرفى فى البعاد العملية لمفهوم المسئولية المعرفية -يطرح
أهمية استحداث عدد من النماذج والقواعد المرشدة التى تجعل الرسائل العلمية تحقق النقل
ل -المعر فة أخيرا -المعر فة
الوا فى للمعر فة .ح يث ا ستحدثت الدرا سة نموذج [ المعر فة أو ً
فقط ] باعتباره قاعدة مرشدة للرسائل العلمية فى استهدافها الوحيد للمعرفة.
كما استحدثت الدراسة نموذج [ حرية الرسالة -احتمالت التأثير -التدخل العلمى ]
وهو نموذج استفهامى متدرج يسمح من خلل الجابة على خمسة تساؤلت بدراسة احتمالت
التأثير الضار للرسالة العلمية عند نشرها .بحيث إذا ثبت أن الرسالة العلمية سينشأ عنها
أثر مادى مباشر ضار بالشخاص والممتلكات ،فإن هذا يستدعى إجراء تدخلت تحريرية على
ها مش الر سالة العلم ية لمحاولة تخف يف هذه الضرار ،ول كن بشرط أن ل يكون من ض من
خيارات التدخل العلمى ممارسة أى صورة من صور الحظر لتلك الرسالة العلمية.
هد على نموذج [ الحدث -
هة « مبدأ العرض المتوازن » الذى يعتمه
هتحدثت الدراسه
ها اسه
كمه
الطراف ] والذى يمكن استخدامه كنموذج إرشادى عند الصياغة التحريرية للرسائل العلمية
الخبارية أو التحقيقات العلمية أو البرامج الحوارية الخلفية ،بما يضمن تحقق النقل الوافى
للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية.
كما استحدثت الدراسة نموذج [ الرسالة الدرامية -المعلومات المرجعية ] والذى يمكن
ا ستخدامه كنموذج إرشادى ع ند عرض العمال الدرام ية التاريخ ية أو ال سياسية ،ب ما يض من
توفير معرفة وافية للمتلقى حول المصادر المادية أو النسانية التى تم الستناد إليها عند كتابة
العمل الدرامى.
يتضمن تغليفها بالشارات التحذيرية التى توضح مضمونها ،بما يضمن توفير الفرصة لتجنبها
من الفئات التى ل ترغب فى التعرض لها.
كما استحدثت الدراسة نموذج [ الجودة /المثير -القدرة /الستجابة ] والذى يضمن
عرض معر فة واف ية عن مضمون الر سائل العلن ية .بح يث ي تم و ضع ال سلعة فى مواج هة
المستهلك فى ظل علقة إيجابية ل تتجاهل حق المعلن فى محاولة إبراز السلعة وتجميلها ،ول
تتجاهل حق المستهلك فى معرفة المواصفات الخاصة بالسلعة ومدى جودتها وقيمتها السعرية.
وعلى مستوى وسائل العلم ،توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور وسائل العلم -
باعتبارها الطرف التكنولوجى فى البعاد العملية لمفهوم المسئولية المعرفية -يطرح استحداث
نموذج [ النطاق الواسع -النطاق الضيق ] ،والذى يعنى أن النظام العلمى يضمن أن تكفل
وسهائله العلميهة فهى مجموعهها نطاقهى العلم الجماهيرى الواسهع المتوجهه إلى الجماهيهر
العريضهة رغهم اختلف خصهائصها ،والعلم الجماهيرى الضيهق المتخصهص الموجهه إلى
جماعات نوعية من الجماهير وفقا لخصائصها وسماتها وانتماءاتها.
وعلى مستوى المؤسسات العلمية ،توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور المؤسسات
العلميهة -باعتبارهها الطرف العتبارى فهى البعاد العمليهة لمفهوم المسهئولية المعرفيهة -
يطرح اسهتحداث نموذج [ الربهح -المعرفهة ] ،والذى يضمهن العتراف بحهق المؤسهسات
العلم ية فى الر بح ،فى مقا بل التزام ها بم سئولية الن قل الوا فى للمعر فة .و قد قد مت الدرا سة
عددا من الجراءات التنظيم ية ال تى ينب غى التزام المؤ سسات العلم ية ب ها ح تى يم كن تفع يل
هذا النموذج.
وعلى مستوى القائم بالتصال توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور القائم بالتصال -
باعتباره يمثل أحد الطراف الفاعلة فى البعاد العملية لمفهوم المسئولية المعرفية -يطرح تبنى
نموذج [ الجماه ير كمو كل -القائم بالت صال كوك يل ] ،والذى يض من ممار سة القائم بالت صال
ل فى مواج هة الجماه ير صاحبة التوك يل ،ويتمحور موضوع تلك
لدوره العل مى باعتباره وكي ً
الوكالة حول النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية إلى تلك الجماهير.
وعلى مستوى جماهير المتلقين توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور جماهير المتلقين -
باعتبارههم يمثلون الطراف الفاعلة فهى البعاد العمليهة لمفهوم المسهئولية المعرفيهة -يطرح
تبنهى نموذج [ المتلقهى -الفاعليهة ] والذى يضمهن اضطلع جماهيهر المتلقيهن بنشاط عملى
إيجا بى لضمان التزام المؤ سسات العلم ية بدور ها فى الن قل الوا فى للمعر فة .بح يث يتجاوز
- 289 -
هذا الدور الجديهد التفاعليهة اللفظيهة أو المطبوعهة المتاحهة للمتلقيهن حاليا ،ليرتقهى إلى إطار
الفاعل ية العمل ية المتمثلة فى إنشاء الجمعيات والمنظمات والمرا كز ال تى تتولى متاب عة أنش طة
المؤسسات العلمية لضمان التزامها بمسئولية النقل الوافى للمعرفة.
ولكن إذا كان كل من الطابع المعرفى لمسئولية النظم العلمية ،وكذلك البعاد العملية
لتلك الم سئولية ،ه ما اللذان يضمنان قيام تلك الن ظم بوظيفت ها فى المجت مع بكفاءة نوعيا وكيفيا
( بالترت يب ) .فإن الع مل على ا ستحداث أ ساليب وأدوات قيا سية ،لقياس در جة التزام الن ظم
العلميهة بوظيفتهها فهى المجتمهع ،ههو الذى سهيتيح المكانيهة لمتابعهة مدى التزام تلك النظهم
بوظيفت ها فى المجت مع ( كميا ) .وبذلك تكت مل الثلث ية ال تى تع طى صورة واض حة عن مدى
كفاءة الن ظم العلم ية فى ممار ستها لوظيفت ها فى المجت مع ( نوعيا وكيفيا وكميا ) ،أو بت عبير
آخر ( معرفيا وعمليا وقياسيا ).
وسنقدم فى الفصل التالى الدوات القياسية التى يمكن من خللها اكتمال تلك الثلثية.
- 290 -
الفصـل التاسـع
الدوات القيــاسيــة
لمفهوم المسئولية المعرفية للنظــم
العلميــة
( أسـاليب القيـاس العـلمى )
مقدمـة
الفصـل التـاســع
تعتهبر مسهئولية النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة ههى المسهئولية
الوحيدة المنو طة بالن ظم العلم ية ،ب ما يح قق كفاءت ها النوع ية المتمثلة فى اللتزام بالم سئولية
المعرف ية .ول قد أوض حت البعاد العمل ية للم سئولية المعرف ية القوا عد المرشدة ال تى ينب غى أن
تلتزم ب ها كا فة أطراف العمل ية العلم ية ،ب ما يح قق تلك الكفاءة الكيف ية ويض من الن قل الوا فى
للمعر فة .ول كن النظرة الواقع ية تقرر أن غياب أ ية أ ساليب لقياس مدى قيام الن ظم العلم ية
بمسئوليتها المعرفية ،سيؤدى إلى عدم فاعلية تلك المسئولية أو قواعدها المُرشدة وتحوّلها إلى
قواعد نظرية مجردة غير قابلة للتطبيق .لذا كان من الضرورى محاولة صياغة أساليب قياسية
توفر المكانية لمتابعة درجة التزام النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية ،كما تقدم للمؤسسات
العلمية طرقا قياسية يمكنها من خللها تجنب الثار الضارة المحتملة للنقل الوافى للمعرفة
الكامنهة ببعهض الرسهائل العلميهة ....وسهنعرض فيمها يلى لعدد مهن السهاليب القياسهية فهى
المباحث التالية.
وانطلقا من هذا التصور ،فقد تم تقسيم الفصل الماثل إلى أربعة مباحث .المبحث الول
بعنوان :أ ساليب قياس المتغيرات المؤثرة على القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية ،ويدور حول
تقديم طرق رياضية لقياس قيمة المتغيرات الوظيفية الحاكمة فى بنية النظم العلمية .والمبحث
الثانهى بعنوان :مقياس القيمهة الماديهة النسهبية للمعلومات العلميهة المحظورة بالمؤسهسات
العلميهة ،ويدور حول القيمهة الماديهة المفترضهة المترتبهة على حظهر المعلومات العلميهة.
والمبحهث الثالث بعنوان :مقياس حريهة النظهم العلميهة ،ويقدم طريقهة رياضيهة للمقارنهة بيهن
م ستويات الحر ية المختل فة فهى الن ظم العلم ية المتشاب هة أو المتباي نة كيفيا .والمب حث الرا بع
بعنوان :السهاليب الحتماليهة لتوصهيف التدخهل العلمهى فهى مواجههة الثار الضارة المحتملة
للرسائل العلمية ،ويدور حول تقديم طريق رياضية يمكن من خللها وصف التدخل العلمى
المنا سب الذى يم كن للقائم بالت صال والمؤ سسة العلم ية ممار سته للتقل يل من الثار الضارة
المحتملة لبعض الرسائل العلمية التى تنتهك الحقوق المضادة للحقوق العلمية.
- 292 -
المبحث الول
أساليب قياس المتغيرات المؤثرة على القدرات المعرفية
للنظم العلمية
أوضحنا فى المبحث الول من الفصل الرابع العلقة الرياضية التى توضح المتغيرات الوظيفية
الحاكمة ( التابعة والمستقلة ) فى بنية النظام العلمى .والتى انتظمت رياضيا وفقا للنحو التالى:
القدرات المعرفية للنظم العلمية = درجة شفافية النظام × قدراته
التكنولوجية
وحتى يمكن ضمان مدى كفاءة النظم العلمية فى قيامها بوظيفتها فى المجتمع ( كميا ) ،فإنه
يصبح من الهام التوصل إلى طريقة حسابية يمكن من خللها تقدير قيم هذه المتغيرات.
ويوضح الشكل التالى نوعية ومسار المعلومات العلمية فى النظم العلمية كالتالى:
- 293 -
حيث يوضح الشكل رقم ( )1أن هناك ثلث نوعيات من المعلومات كالتالى:
المعلومات العلمية الخام :وهى المعلومات ذات ( القيمة العلمية ) ،التى تدل على •
مج مل أنش طة المجت مع فى كا فة المجالت .وتكون ن سبة المعر فة الكام نة بهذه المعلومات
نسبة مطلقة ،لكونها معلومات خام لم تتعرض بعد لية قيود ....وبالتالى فإن نسبة المعرفة
الكامنة بها = 1
المعلومات العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية :وهى المعلومات التى لم تعترضها •
القيود المعرف ية المجتمع ية ،نتي جة عدم مخالفت ها ل كل من القيود التشريع ية أو القيود العمل ية
ال سارية فى المجت مع .وتكون ن سبة المعر فة الكام نة بهذه المعلومات أ قل من ن سبة المعر فة
الكامنة بالمعلومات العلمية الخام.
المعلومات العلمية المنشورة :وهى المعلومات التى لم تعترضها القيود الذاتية التى •
تمارسهها المؤسهسات العلميهة ،نتيجهة عدم مخالفتهها لتلك القيود .وتكون نسهبة المعرفهة
الكامنهة بهذه المعلومات أقهل مهن نسهبة المعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة الداخلة
للمؤسسات العلمية.
ونستخلص من نسبة المعرفة الكامنة بكل نوعية من هذه المعلومات النتائج التالية:
إن :نسهبة المعرفهة الكامنهة فهى المعلومات العلميهة الداخلة للمؤسهسات العلميهة ()2
( أصغر من أو تساوى ) نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية الخام .وذلك
بسبب التأثير الذى تمارسه ( القيود المجتمعية ) .وإذا جاز لنا أن نطلق على هذا التأثير
« درجة شفافية المجتمع » .فإن هذا يعنى رياضيا التى:
إن :نســـبة المعرفـــة الكامنـــة فـــى المعلومات العلميـــة الداخلة
للمؤسسات العلمية =
نسـبة المعرفـة الكامنـة فـى المعلومات العلميـة الخام × درجـة شفافيـة
المجتمع
ونظرا لن :نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية الخام = 1
إذن ..فإن :نسـبة المعرفـة الكامنـة الكامنـة فـى المعلومات العلميـة
الداخلة للمؤسسات العلمية =
درجة شفافية المجتمع
إن :نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية المنشورة ( أصغر من أو تساوى ) ()3
- 294 -
نسهبة المعرفهة الكامنهة فهى المعلومات العلميهة الداخلة للمؤسهسات العلميهة .وذلك
ب سبب التأث ير الذى تمار سه ( القيود الذات ية ) .وإذا جاز ل نا أن نطلق على هذا التأث ير
« درجة شفافية المؤسسات العلمية » .فإن هذا يعنى رياضيا التى:
إن :نســبة المعرفــة الكامنــة فــى المعلومات العلميــة المنشورة =
نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات
العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية × درجة شفافية المؤسسات
العلمية
ونظرا لن:
نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية الداخلة للمؤسسات
العلمية = درجة شفافية المجتمع
فإن :نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية المنشورة =
درجة شفافية المجتمع × درجة شفافية المؤسسات
إن :نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية المنشورة ( أصغر من أو تساوى ) ()4
ن سبة المعر فة الكام نة فى المعلومات العلم ية الخام .وذلك ب سبب التأث ير الذى تمار سه
القيود المعرف ية .ول قد سبق وأن أطلق نا على هذا التأث ير « در جة شفاف ية النظام العل مى
» .وبالتالى فإن هذا يعنى رياضيا التى:
إن :نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية المنشورة =
نسـبة المعرفـة الكامنـة فـى المعلومات العلميـة الخام × درجـة شفافيـة
النظام العلمى
أى أن :نسصبة المعرفصة الكامنصة فصى المعلومات العلميصة المنشورة = درجصة شفافيصة
النظام
ونظرا لن :نسبة المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية المنشورة
=
درجة شفافية المجتمع × درجة شفافية المؤسسات العلمية
فإن هذا يعنى إن :درجة شفافية النظام العلمى =
درجة شفافية المجتمع × درجة شفافية المؤسسات العلمية
ونظرا لن:
القدرات المعرفية للنظام العلمى =
درجة شفافية النظام العلمى × القدرات التكنولوجية للنظام العلمى
إذن:
القدرات المعرفية للنظام العلمى =
درجـة شفافيـة المجتمـع × درجـة شفافيـة المؤسـسات العلميـة × القدرات
التكنولوجية للنظام العلمى
- 295 -
وهذا يعنى أنه ينبغى التوصل إلى قيم هذه المتغيرات الثلثة ..حتى يمكن الوصول إلى
قيمة « القدرات المعرفية للنظم العلمية ».
ويم كن درا سة مدى عدم فاعل ية القيود التشريع ية من خلل ت صميم جدول ي ضم تلك
القيود مجتمعة ،ثم حساب درجة عدم فاعليتها من خلل مقياس ثلثى يعطى النسب التالية:
بمها يعنهى أن القيود التشريعيهة الفاعلة = صهفر .لنهها تحجهب تماما المعرفهة الكامنهة
بالمعلومات العلميهة الخام -والتهى تكون محلً لتلك القيود -مهن الدخول إلى المؤسهسات
العلمية.
وذلك بخلف القيود التشريعيهة غيهر الفاعلة التهى ل تحجهب نسهبة المعرفهة الكامنهة
بالمعلومات العلمية الخام؛ وذلك لعدم فاعليتها ..وبخلف القيود التشريعية الفاعلة نسبيا التى
تمارس تأثيرا متعادلً ما بين الحجب وعدم الحجب.
وبالتالى ..فمن خلل تقدير قيمة المتوسط الحسابى لتلك القيم التقديرية؛ يمكن الوصول
- 297 -
إلى نسبة القيود التشريعية غير الفاعلة فى النظام العلمى محل الدراسة.
- 298 -
ووفقا للجدول ال سابق يم كن حسهاب النسهب التقدير ية لعدم فاعل ية كل قيهد من القيود
التشريعية ،ثم التعويض بقيمة تلك النسب فى المعادلة التالية:
مجموع النسب التقديرية لعدم فاعلية
القيود التشريعية
نسبة القيود التشريعية غير الفاعلة =
عدد القيود التشريعية
وبهذا يمكهن الحصهول على نسهبة تقريبيهة لنسهبة القيود التشريعيهة غيهر الفاعلة فهى النظام
العلمى الخاضع للدراسة.
وبالتالى يم كن ت صميم جدول ي ضم التشريعات الضام نة لحر ية الت عبير ،ودرا سة مدى
فاعليتها من خلل مقياس ثلثى يعطى النسب التقديرية التالية:
• تشريعات فاعلة لضمان حرية التعبير = 1
2 • تشريعات فاعلة نسبيا لضمان حرية التعبير = /1
• تشريعات غير فاعلة لضمان حرية التعبير = صفر
بحيث تعنى التشريعات الفاعلة لضمان حرية التعبير أن القيود العملية غير فاعلة ،وبالتالى
فإن نسهبة عدم فاعليتهها = ،1وتعنهى التشريعات الفاعلة نسهبيا لضمان حريهة التعهبير أن القيود
العمل ية غ ير فاعلة ن سبيا ،وبالتالى فإن ن سبة عدم فاعليت ها = ،2/1وتع نى التشريعات غ ير الفاعلة
لضمان حرية التعبير أن القيود العملية فاعلة تماما ،وبالتالى فإن نسبة عدم فاعليتها = صفر.
و من خلل تقد ير قي مة المتو سط الح سابى لمجموع تلك الق يم التقدير ية يم كن الو صول
إلى نسبة التشريعات الفاعلة الضامنة لحرية التعبير؛ ومن ثم نسبة القيود العملية غير الفاعلة
فى النظام العلمى محل الدراسة.
- 300 -
ووفقا للجدول السابق يمكن حساب النسب التقديرية لفاعلية التشريعات الضامنة لحرية
التعبير ،ثم التعويض بقيمة تلك النسب فى المعادلة التالية:
وبالتالى ..فإن ما سبق يوضهح أنهه يمكهن حسهاب در جة شفافيهة المجتمهع من خلل المعادلة
التالية:
- 301 -
ويمكن حساب نسبة القيود الذاتية غير الفاعلة من خلل توصيف علقات المؤسسات
العلم ية بمؤ سسات المجت مع المتعددة .بح يث تصهبح المؤ سسات المجتمع ية -ال تى ل تقوم
المؤسهسات العلميهة بتسهليط الضوء على أنشطتهها -بمثابهة مؤسهسات مغلقهة أمام جماهيهر
المتلق ين ،م ما يع نى فاعل ية القيود الذات ية في ما يتعلق بتلك المؤ سسات .بين ما ت صبح المؤ سسات
المجتمعية -التى تقوم المؤسسات العلمية بتسليط الضوء على أنشطتها -بمثابة مؤسسات
مفتوحة أمام جماهير المتلقين؛ مما يعنى عدم فاعلية القيود الذاتية فيما يتعلق بتلك المؤسسات..
وهكذا.
بحيث توصف المؤسسات المجتمعية التى يتم نشر أخبارها بأنها ( شفافة ) ،والمؤسسات
المجتمعية التى يتم نشر أخبارها نسبيا بأنها ( شفافة نسبيا ) .بينما توصف المؤسسات المجتمعية
التى ل يتم نشر أخبارها بأنها ( معتمة ).
وبالتالى يم كن ت صميم جدول ي ضم كا فة المؤ سسات ال تى يتكون من ها المجت مع ،ودرا سة مدى
انفتاحها أمام جماهير المتلقين من خلل مقياس ثلثى يعطى النسب التقديرية التالية:
• مؤسسات مفتوحة = قيود ذاتية غير فاعلة = 1
• مؤسسات مفتوحة نسبيا = قيود ذاتية غير فاعلة نسبيا = /1
2
ووفقا للجدول السهابق يمكهن حسهاب النسهب التقديريهة لعدم فاعليهة القيود الذاتيهة ،ثهم
التعويض بقيمة تلك النسب فى المعادلة التالية:
نسبة المؤسسات المفتوحة
الفاعلة =
المجتمع معامل النشر = نسبة القيود الذاتية غيرفى
عدد المؤسسات فى المجتمع
- 303 -
∗
المقصهود بالعدد النوعهى ههو عدد أنواع وسهائل العلم فهى العالم ،فوسهائل العلم الحاليهة ههى :التليفزيون -الراديهو -
المبحـث الثـانى
مقياس القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية
المحظورة بالمؤسسسات العلمية
بقدر تعبير مفهوم القدرات المعرفية للنظم العلمية عن المردود المعرفى الناتج عن
النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة فهى المعلومات المنشورة ،فإن مفهوم القيمهة الماديهة للمعلومات
العلميهة يُعبّر عهن المردود المادى المحتمهل الناتهج عهن نسهبة المعرفهة المحظورة بتلك
المعلومات عن المجتمع.
ويمكهن تعريهف مصهطلح « القيمهة الماديهة للمعلومات العلميهة » على أنهه:
« المردود المادى المحتمل العائد على المؤسسات العلمية أو القائمين بالتصال نتيجة حظر
نسبة من المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية الداخلة إلى تلك المؤسسات ».
والمقصهود بالمردود المادى فهى هذا الطار ههو المنفعهة المحتملة التهى تعود على
المؤسسات العلمية نتيجة حظرها لجانب من المعرفة الكامنة فى المعلومات العلمية .إذ إن
الفائدة المرجوة من المعلومات العلم ية ل تتح قق إل من خلل ن قل المعر فة الكام نة ب ها إلى
الجماهيهر ،فهى حيهن يؤدى حظرهها إلى تحقيهق فوائد أخرى لطراف أخرى ليهس مهن بينهها
الجماه ير ....ول مجال للمجادلة فى هذا المقام ،بأن المؤ سسات العلم ية تمارس هذا الح ظر
انطلقا من م سئوليتها الجتماع ية ال تى تح تم علي ها ح ظر ب عض جوا نب المعر فة حفاظا على
المجتمهع ،دون أى منفعهة متوقعهة مهن ذلك الحظهر .حيهث إن ذلك مردود أولً :لنهه ل يجوز
للمؤ سسات العلم ية أن تشرّع قوان ين ذات ية فى غي بة عن ال سلطة التشريع ية فى المجت مع،
وتبيح حظر بعض جوانب المعرفة بناءا على تلك القوانين المجهولة .كما أنه مردود ثانيا :لن
حظر بعض جوانب المعرفة يفتح الباب واسعا أمام تمكن الفساد والفساد من جسد المؤسسات
العلمية ،وذلك انطلقا من أن المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية الداخلة إلى المؤسسات
العلم ية ،ت ساوى قي مة ماد ية معلو مة لدى المتضرر ين من نقل ها إلى المجت مع .وبالتالى فإن
قيام المؤسسات العلمية بحظر تلك المعرفة -ولو بحسن نية -يضعها فى دائرة الشبهات.
إذ إن تلك المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية المحظورة يمكن مقايضتها مع المستفيدين من
عدم نقل ها إلى المجت مع ،ب ما يم نع عن هم ضررا محتملً أو يو فر ل هم مك سبا متوقعا .والوا قع
يقرر أن المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية تفقد قيمتها المادية
مهن خلل نقلهها نقلً وافيا إلى المجتمهع ،حيهث تتبدد القيمهة الماديهة للمعلومات العلميهة بعهد
تجاوزها للحد الفاصل بين الحظر والعلنية ،أو بين السرية والشفافية.
- 305 -
ويوضهح الشكهل رقهم ( )4مسهار المعلومات العلميهة غيهر المنشورة فهى النظام
العلمى على النحو التالى:
- 306 -
حيث يوضح الشكل أن المعلومات العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية يتم احتجاز
جزء منها طبقا لمعامل الحظر .ويعنى «معامل الحظر» معكوس « درجة شفافية المؤسسات
العلمية » ،أى أنه بصيغة رياضية = ( -1درجة شفافية المؤسسات العلمية ).
إذن ..يمكن التقرير وبصيغة رياضية ،بأن القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية
غيهر المنشورة تتناسهب طرديا مهع الوزن القتصهادى لتلك المعلومات ومهع القدرات المعرفيهة
المفترضة للنظام العلمى.
ويمكن ترجمة هذه العلقة الطردية إلى معادلة رياضية على النحو التالى:
القيمــة الماديــة النســبية للمعلومات العلميــة غيــر المنشورة = الوزن
القتصادى للمعلومات العلمية غير
المنشورة × القدرات المعرفية المفترضة للنظام العلمى
وبما أن:
الوزن القتصادى للمعلومات العلمية غير المنشورة = الوزن القتصادى
للمعلومات العلمية التى يوفرها المجتمع × درجة شفافية المجتمع × معامل
الحظر
وبما أن:
القيمة المعرفية النسبية المفترضة للمعلومات العلمية غير المنشورة =
درجة شفافية المجتمع × معامل الحظر × القدرات التكنولوجية للنظام
العلمى
وبهذا يمكن القول أن القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية غير المنشورة بمثابة
- 307 -
مؤشر عام يوضح نسبة المردود المادى المحتمل العائد على المؤسسات العلمية أو القائمين
بالتصال ،نتيجة عدم نشر نسبة من المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية.
- 308 -
المبحـث الثالث
مقياس حرية النظم العلمية
تطرح المسهئولية الملقاة على عاتهق النظهم العلميهة -فهى ظهل البعاد العلميهة
للعولمة -ضرورة أن تتحرر تلك النظم من كافة القيود المعرفية التى تؤدى إلى تقليص درجة
شفافيتهها ،وأن تتحرر مهن القيود القتصهادية والثقافيهة التهى تؤدى إلى تقليهص قدراتهها
التكنولوج ية؛ وذلك حتى ترت فع قدراتها المعرفية بما يض من قيام ها بوظيفتها فى النقل الوا فى
للمعرفة.
والوا قع ..أن كا فة ال ساليب القيا سية ال تى تم عرض ها فى ال صفحات ال سابقة ،ل تقدم
توصيف يمكن من خلله المقارنة بين درجة حرية نظام ما ونظام آخر.
وكمثال على ذلك ..فإذا افترضنها خضوع نظاميهن إعلمييهن للمقارنهة بيهن قدراتهمها
المعرفية .وكانت قيم المتغيرين الوظيفيين الحاكمين فى كل نظام كالتالى:
2قدراته التكنولوجية = /1 • النظام الول :درجة شفافيته = 1
قدراته التكنولوجية = 1 2• النظام الثانى :درجة شفافيته = /1
وبحساب القدرات المعرفية لكل نظام سنجد التالى:
2 القدرات المعرفية للنظام الول = /1 = 2/1 × 1
وهذا يعنى أن النظامين متساويين فى المردود المعرفى الناتج عن نشر المعرفة الكامنه
برسائلهم العلمية إلى جماهير المتلقين .وعلى الرغم من أن النظام الول لديه درجة شفافية
قصوى ،إل أن ذلك ليس دليلً على حري ته ،التى تم تقييدها نتيجة ضعف قدرا ته التكنولوجية
بسبب قيود اقتصادية أو ثقافية.
لذلك كان مهن الضرورى محاولة صهياغة مقياس يمكهن مهن خلله وصهف الممارسهة
العامة للنظام ،بما يوضح درجة حريته على كافة المستويات ،المعرفية والقتصادية والثقافية.
ويعتمهد المقياس المقترح لقياس درجهة حريهة النظهم العلميهة على محاولة صهياغة
عل قة رياض ية تج مع بين كل من :در جة شفاف ية النظام العل مى ،والقدرات المعرف ية للنظام
العل مى ،ومقياس القي مة الماد ية الن سبية للمعلومات العلم ية المحظورة ،بح يث يكون الر قم
النسبى الناتج من تلك العلقة بمثابة مؤشر عام يوضح درجة حرية النظام العلمى.
- 309 -
ونظرا لن مفهوم القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية المحظورة يمثل المردود
المادى المتو قع من حظهر المعلومات عن المجت مع .م ما يدل على أ نه يتنا قض مع كل من
مفهومهى :درجهة شفافيهة النظام العلمهى والقدرات المعرفيهة للنظام العلمهى .فإن النتائج
الناشئة عن هذه العلقات توضح التى:
إن القي مة الماد ية الن سبية للمعلومات العلم ية المحظورة تتنا سب عك سيا مع در جة •
حرية النظام العلمى ،باعتبار أنها تو ضح ممار سات الح ظر المعلوماتى فى ذلك النظام،
وبالتالى فهى تقلل من درجة حريته.
ولكن نظرا لن القدرات المعرفية ناتجة عن درجة شفافية النظام ،فإنه يمكن القول إن:
طرديا ً مع)
شفافية النظام +قدراته درجة حرية النظام العلمى ( تتناسب
درجة
المعرفية
2
- 310 -
ح يث تم ثل القي مة ال سابقة المتو سط الح سابى ل كل من در جة شفاف ية النظام والقدرات المعرف ية
للنظام.
ويمكن استخدام هذا المقياس كمؤشر عام لقياس درجة حرية النظم العلمية .كما يمكن تمثيل
درجة حرية النظم العلمية بيانيا من خلل المدرج البيانى التالى:
حيث يوضح ذلك المدرج الدرجات المختلفة لحرية النظم العلمية على النحو التالى:
• النظم العلمية الموجهة :درجة الحرية = من صفر إلى .0.24999
• النظم العلمية الموجهة نسبيا :درجة الحرية = من 0.25إلى 0.49999
• النظم العلمية المتوسطة التوجيه والحرية :درجة الحرية = من 0.50إلى 0.74999
• النظم العلمية الحرة نسبيا :درجة الحرية = من 0.75إلى 0.99999
- 311 -
..وتوضح المثلة التالية كيفية استخدام ذلك المقياس ..وفقا للنحو التالى:
مثصال:1
نظام إعلمى به درجة شفافية المجتمع = ،0.9درجة شفافية المؤسسات العلمية =
،0.9والقدرات التكنولوجية = 0.9
أوْجد درجة شفافية النظام العلمى والقدرات المعرفية للنظام العلمى والقيمة المادية النسبية
ودرجة حرية ذلك النظام وتوصيفه من حيث الحرية أو التوجيه.
الحصل:
القيمة المادية = 0.007 درجة الشفافية = 0.81القدرات المعرفية = 0.72
مثصال :2
نظام إعل مى به در جة شفاف ية المجت مع = ،0.9در جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية = ،0.8
والقدرات التكنولوجية = 0.8
القيمة المادية = 0.052 القدرات المعرفية = 0.576 ∴ درجة الشفافية = 0.72
درجة حرية النظام العلمى = 0.623
∴ هذا النظام ينتمى إلى النظم المتوسطة التوجيه والحرية.
مثصال :3
نظام إعل مى به در جة شفاف ية المجت مع = ،0.8ودر جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية = ،0.7
والقدرات التكنولوجية = 0.7
القيمة المادية = 0.04 القدرات المعرفية = 0.39 ∴ درجة شفافية النظام = 0.56
∴ درجة حرية النظام العلمى = 0.43
∴ هذا النظام ينتمى إلى النظم الموجهة نسبيا.
مثصال :4
نظام إعلمى به درجة شفافية المجتمع = ،0.5ودر جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية = ،0.6
والقدرات التكنولوجية = 0.9
- 312 -
القيمة المادية = 0.036 القدرات المعرفية = 0.27 ∴ درجة شفافية النظام = 0.3
∴ درجة حرية النظام العلمى = 0.24
∴ هذا النظام ينتمى إلى النظم العلمية الموجهة
مثصال :5
نظام إعل مى به :در جة شفاف ية المجت مع = ،1ودر جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية = ،1
والقدرات التكنولوجية = 1
القيمة المادية = صفر القدرات المعرفية = 1 ∴ درجة شفافية النظام = 1
-صفــر = 1
∴ درجة حرية النظام +=1
1
2
∴ هذا النظام ينتمى إلى النظم العلمية الحرة.
...إن التصنيف الخماسى السابق للنظم العلمية -فى تراوحها ما بين النظم الحرة
والنظهم الموجههة ومها بينهمها -يقدم إمكانيهة توصهيف النظام العلمهى مهن خلل عدد مهن
المقاييس الرقمية الحسابية ،بحيث يتم تلخيص درجة حرية النظام ككل فى رقم واحد يوضح
مدى اقترابه من أو ابتعاده عن النظم الحرة أو النظم الموجهة.
والواقع أن هذا التصنيف على الرغم من طبيعته الحسابية التقديرية ،إل أنه يساهم فى
توضيح الفروق بين النظم العلمية التى ل تنتمى إلى نفس الفئة التصنيفية ،وذلك من خلل
أسهلوب كمهى غيهر كيفهى ...علوة على ذلك ،فإن الطبيعهة القياسهية الحسهابية لذلك التصهنيف
تؤدى إلى إمكانية ملحظة الفروق بين النظم العلمية التى تنتمى إلى ن فس الفئة الت صنيفية.
وذلك لوجود نطاق حسابى تتدرج خلله تلك النظم ،بحيث يمكن ملحظة الفروق بين ما ينتمى
منهها إلى أدنهى هذا النطاق أو أوسهطه أو أعله .فالنظهم العلميهة التهى تنتمهى مثلً إلى الفئة
التصنيفية للنظم العلمية الحرة نسبيا تتحرك درجاتها الحسابية من 0.75إلى 0.9999وبالتالى
0.85 يمكهن ملحظهة الفروق بيهن نظام درجهة حريتهه 0.76ونظام درجهة حريتهه
...وهكذا.
- 313 -
المبحـث الرابع
الساليب الحتمالية لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة
الثار الضارة المحتملة للرسائل العلمية
لذلك ..سهنعرض فهى الصهفحات القادمهة لطريقهة يمكهن من خللهها توصهيف التدخهل
العل مى المنا سب لمواج هة الثار الضارة المحتملة للر سائل العلم ية ال تى تنت هك أيّ ا من
الحقوق المضادة للحقوق العلميهة ،بحيهث يختلف التدخهل العلمهى باختلف نوع الحهق
تتكون مجموعة الحقوق المضادة للحقوق العلمية من الحقوق التية " :حق حماية المن القومى والسرار العامة "" ،
حهق حمايهة أخلقيات وقيهم المجتمهع " " ،حهق حمايهة مبادئ ورموز سهلطات وطوائف المجتمهع " " ،حهق حمايهة تشريعات
المجت مع " " ،حق حما ية الخ صوصية وال سرار الخا صة " " ،حق حما ية ال سمعة والعتبار " " ،حق كفالة عدالة المحاكمات
الفضائية " .وللمزيد حول الحقوق المضادة للحقوق العلمية ،انظر :محمد محفوظ ،مرجع سابق .صفحات .187 - 185
- 314 -
المضاد الذى تنتهكه الر سالة العلمية .وبح يث يتحدد ذلك التدخل بناءا على عدد من النماذج
التى يختص كل نموذج منها بأحد الحقوق المضادة التى يتم انتهاكها.
تحد يد نوع العل قة ال تى يقوم النموذج بدرا ستها ،وهذه العل قة ي تم صياغتها فى إطار ()2
ثنائى وفقا للتنظيم التالى:
[ الحق المضاد للحقوق العلمية -المقابل للحق المضاد ]
بمعنهى أنهه إذا كان الحهق المضاد الذى تتعرض له الرسهالة العلميهة ههو « حهق
الخ صوصية » ،فإن العل قة ال تى سيقوم النموذج بدرا ستها ستكون وفقا للطار التالى:
[ الخاص -العام ] ...أى الخاص فى مواجهة العام.
تكوين نموذج معيارى لرسالة إعلمية ل تنتهك الحق المضاد الذى تتعرض له الرسالة ()3
العلميهة ،ويتركهب هذا النموذج المعيارى مهن العناصهر السهاسية التهى توضهح أبعاد
الحدث موضوع النشر.
وكمثال على نموذج معيارى لر سالة إعلم ية ل تنت هك « حق حما ية ال سمعة والعتبار
» ،فإن النموذج سيكون كالتالى:
شخص عام -فى واقعة تتعلق بنشاط عام -تتضمن انحرافا عاما
فهذا النموذج المعيارى يتضمهن العناصهر السهاسية التهى توضهح أبعاد الحدث الذى
تتضمنه الرسالة العلمية التى تتعرض لحق حماية السمعة والعتبار.
إخضاع النموذج المعيارى السابق لدراسة احتمالية توضح الحتمالت المختلفة لتحقق ()4
أو عدم تح قق العنا صر ال ساسية ال تى يتكون من ها ذلك النموذج .بح يث تغ طى الدرا سة
الحتماليهة كافهة الحتمالت المتعددة التهى يمكهن أن يتهم بهها الحدث موضوع الرسهالة
العلمية ...وكمثال على نموذج معيارى لرسالة إعلمية ل تنتهك «حق حماية السمعة
والعتبار» ،فإن النموذج المعيارى سيكون كالتالى:
شخص عام -فى واقعة تتعلق بنشاط عام -تتضمن انحرافا عاما
وستعرض الدراسة الحتمالية لكافة الحتمالت الممكنة لذلك الحدث ،من خلل تحويل
كهل عنصهر مهن عناصهره إلى معكوسهه ،ودراسهة الحتمالت الناتجهة عهن تحقهق هذه
العناصر معا ،بحيث يمكن أن يتحول النموذج إلى:
شخص خاص -فى واقعة تتعلق بنشاط خاص -تتضمن انحرافا خاصا
- 315 -
أو :شخصص خصصاص -فصى واقعصصصة تتعصصلق بنشصصاط عصصام -تتضمصن انحصصرافا
عصصاما
وهكذا ..بح يث ي تم درا سة كا فة التباد يل والتواف يق المحتملة ال تى يم كن أن تنت ظم وفقا
لها العناصر الساسية التى يتكون منها النموذج المعيارى.
تطهبيق نتيجهة الدراسهة الحتماليهة على [ العلقهة ] التهى يقوم النموذج بدراسهتها .فإذا ()5
كانت نتيجة الدراسة الحتمالية تدور فى إطار ( الحق المضاد للحقوق العلمية ) بما
يعنى أن الرسالة العلمية تنتهك ذلك الحق ،فإن هذا سينجم عنه نشر الرسالة العلمية
كاملة ،مهع ممارسهة نوعا مهن التدخهل العلمهى للتخفيهف مهن الثار الضارة المحتملة
الناشئة عهن النشهر .أمها إذا كانهت نتيجهة الدراسهة الحتماليهة تدور فهى الطار
( المقابل للحق المضاد ) بما يعنى أن الرسالة العلمية ل تنتهك ذلك الحق .فإن هذا
يتيح نشر الرسالة دون ممارسة أى تدخل.
وتجدر الشارة إلى أن الوصهول إلى نتيجهة الدراسهة الحتماليهة يتهم وفقا للتقديرات
المنطقية.
تحديهد نوع التدخهل العلمهى المناسهب الواجهب اتخاذه للتخفيهف مهن الثار الضارة ()6
المتوق عة من جراء الن شر .والمق صود بالتد خل العل مى هو ممار سة إجراء تحريرى
مع ين يتض من ن شر الر سالة العلم ية كاملة ،مع محاولة التخف يف من آثار ها الضارة
المحتملة .و سنعرض للجراءات التحرير ية المتعددة ال تى يم كن ممار ستها فى مواج هة
احتمال انتهاك الرسهائل العلميهة للحقوق المضادة للحقوق العلميهة ،وذلك فهى إطار
عرضنا لتلك النماذج على النحو التالى:
ويتركهب النموذج المعيارى للرسهالة العلميهة التهى تدور فهى الطار ( العلنهى ) ول
تنتهك حق حماية المن القومى والسرار العامة من العناصر التالية:
- 316 -
وعلى الرغم من احتواء الرسالة العلمية -موضوع ذلك النموذج المعيارى -على
معلومات سهرية تتعلق بنشاط سهرى ،إل أنهها ل تنتههك حهق حمايهة المهن القومهى والسهرار
العا مة؛ وذلك لن ها ت ساهم فى ك شف انحراف ضار بالمجت مع ،ال مر الذى ينزع عن ها صفة
السرية.
ويوضهح الجدول التالى الحتمالت المختلفهة التهى يمكهن أن تنتظهم وفقا لهها عناصهر
النموذج المعيارى ،وذلك على النحو التالى:
..يوضح الجدول السابق ثمانية احتمالت يمكن أن تننظم وفقا لها عناصر الحدث
موضوع الر سالة العلم ية .و من خلل ثنائ ية ال ه ( )1والهه ( صفر) يم كن تحو يل كل
عنصهر مهن عناصهر الحدث موضوع الرسهالة إلى معكوسهه .ولقهد تضمنهت الحتمالت
المختل فة خ مس حالت تدور فى إطار ( العل نى ) ،م ما يع نى إتا حة حر ية ن شر بدون أى
تدخل إعلمى ،وثلث حالت تدور فى إطار ( سرى ) ،مما يوجب ضرورة أن يترافق مع
- 317 -
النشر نوع من التدخل لتخفيف الثار الضارة الناشئة عن انتهاك حق حماية المن القومى
والسرار العامة.
ويتمثل التدخل العلمى المناسب فى :تأجيل النشر لجل مسمى ومحدود.
وذلك من خلل إعلن المؤ سسة العلم ية عن ح صولها على معلومات سرية ،أو معلومات
تتعلق بنشاط سهرى ،ولكنهها ل تتعلق بانحراف ضار .وأنهها سهتقوم بنشهر تلك المعلومات بعهد
مرور فترة زمنية معينة محددة ،من أجل إتاحة الفرصة للجهات المسئولة عن تلك المعلومات
لتعد يل خطط ها ال سرية .وبالتالى ..يحترم هذا التد خل حق المؤ سسات العلم ية فى العلم،
وحق الجماهير فى المعرفة ،وحق الجهات المسئولة فى حماية المن القومى والسرار العامة،
وذلك دون إخلل بالحرية المطلقة للتعبير.
ولعهل بعهض معارضهى مبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير قهد ل يجدون أى مهبرر لنشهر
معلومات لهها صهفة السهرية ،طالمها أنهها ل تتعلق بانحراف ضار .وذلك باعتبار أن النشهر
سيضر بالمن القومى دون أدنى فائدة تعود على المجتمع .ول شك أن هذه نظرة غير دقيقة،
إذ إن قدرة المؤ سسات العلم ية فى الح صول على معلومات سرية بأ ساليب غ ير اقتحام ية
وغيهر مخالفهة للقانون -كأن يتهم إرسهالها بالبريهد مثلً -تعنهى توافهر نفهس القدرة لى عدو
محتمل .المر الذى يكشف عن خلل فى النظام المنى لحماية أسرار المن القومى.
وبالتالى فإن مبادرة المؤسهسات العلميهة بإعلنهها الحصهول على معلومات سهرية
وإرجاء نشرهها لفترة معينهة ،سهتؤدى إلى مبادرة الجهات المسهئولة لتدارك الخلل فهى نظامهها
المنهى ،المهر الذى يعود بالفائدة على المهن القومهى .بالضافهة إلى أن نشهر تلك المعلومات
السهرية على الرغهم مهن عدم كشفهها لنحراف ضار ،سهيؤدى إلى قيام المؤسهسات العلميهة
بدورها لكشف أوجه القصور فى الداء فى مجالت حماية السرار المتعلقة بالمن القومى.
═▐ ╦╟نــي ╟≡╟ :لنــم ╟ ╠╨µل ╟═╩م ╟لى ل╩ ╒µي ▌ ╟ل ╩╧╬ل ╟ل ┼┌ل ╟مــى ▌ى م ╠╟µه ╔ «
═م ╟ي ╔ ├╬ل ╟▐ي ╟╩ ▐µيم ╟لم ╠╩م ┌╗ :
يقوم هذا النموذج على علقهة [ غيهر الخلقهى أو المناههض للقيهم -الخلقهى
أو الم ساند للق يم ] ،أى غ ير الخل قى فى مواج هة الخل قى أو المنا هض للق يم ال سائدة فى
مواجههة المسهاند للقيهم السهائدة .بحيهث إذا أثبتهت الدراسهة الحتماليهة أن مضمون الرسهالة
العلمية يدور فى الطار الخلقى أو المساند للقيم ،فإن هذا يعنى حرية النشر دون ممارسة
أى تدخل إعلمى .بينما إذا أثبتت الدراسة الحتمالية أن مضمون الرسالة العلمية يدور فى
الطار غيهر الخلقهى أو المناههض للقيهم السهائدة ،ممها يؤدى إلى انتهاك حهق حمايهة قيهم
- 318 -
وأخلقيات المجت مع ،فإن هذا يع نى ضرورة أن يترا فق مع حر ية الن شر نوع ما من التد خل
العلمى لتخفيف الثار الضارة المتوقعة من نشر الرسالة العلمية.
ويتركهب النموذج المعيارى للرسهالة العلميهة التهى تدور فهى الطار ( الخلقهى
أو المساند للقيم ) ول تنتهك حق حماية أخلقيات وقيم المجتمع من العناصر التالية:
قيم أو أخلقيات سائدة -يتم مخالفتها أو مناهضتها -بأسلوب علمى أو فنى
وعلى الر غم من احتواء الر سالة العلم ية -موضوع النموذج المعيارى -على ق يم
أو أخلقيات سائدة يتم مناهضتها ،إل أنها ل تنتهك حق حماية أخلقيات وقيم المجتمع ،وذلك
لعرض مضمون الر سالة العلم ية بأ سلوب عل مى أو ف نى ،ال مر الذى يبت عد ب ها عن طبي عة
الرسائل غير الخلقية أو المناهضة للقيم.
ويوضهح الجدول التالى الحتمالت المختلفهة التهى يمكهن أن تنتظهم وفقا لهها عناصهر
النموذج المعيارى ،وذلك على النحو التالى:
╚├╙ل╚µ ي╩م ▐يم م┌µ╓µ
ن▄▄▄▄┌µ ╟لن╩ي╠▄▄╔ ┌لمى م╬╟ل▌╩ه╟ ╬├µل╟▐ي ╟ل╤╙╟ل╔
╟ل╩╧╬▄▄▄▄▄ل ()1 ()1 ╟╩
╙╟╞╧╔ (
)1
╚├╙ل╚µ ل╟ ي╩م ▐يم
╟ل╟═╩م╟
█ي╤ ┌لمى م╬╟ل▌╩ه╟ ╬├µل╟▐ي
ل╟╩
()- ()- ╟╩
█ي╤
╙╟╞╧╔ ( -
)
نشههر أخلقهى مسهاند للقيهم 1 1 1 1
نشههر مههع التعليههق غير أخلقى غير مساند - 1 1 3
أو رسائل مضادة للقيم
نشر أخلقهى مسهاند للقيهم 1 - - 4
نشههر مههع التعليههق غير أخلقى غير مساند - 1 - 6
أو رسائل مضادة للقيم
نشر أخلقهى مسهاند للقيهم 1 - 1 7
نشههر مههع التعليههق غير أخلقى غير مساند - - - 8
أو رسائل مضادة للقيم
..يت ضح من الجدول ال سابق أن احتمالت عرض موضوع الر سالة تضم نت خ مس
حالت تدور فى إطار ( أخل قى أو م ساند للق يم ) ،ب ما يع نى حر ية نشر ها دون ممار سة أى
تدخهل ،بينمها دارت ثلث حالت فهى إطار ( غيهر أخلقهى أو مناههض للقيهم ) ،ممها يعنهى
ضرورة أن يترافق مع حرية النشر نوع ما من التدخل للتخفيف من الثار الضارة الناشئة عن
انتهاك حق حماية أخلقيات وقيم المجتمع.
ومهن الجديهر بالذكهر أن بعهض الدعاوى قهد تنتقهد السهماح بنشهر الرسهائل العلميهة
المناهضة للقيم والتى تعادى الديان ،مثل الرسائل العلمية اللحادية .انطلقا من التساؤل حول
الفائدة المرجوة التهى سهتعود على المجتمهع مهن إباحهة الهجوم على الحقائق الدينيهة المطلقهة ،أو
السماح بالتجريح فيها ،باعتبار أن تلك الباحة لن تساهم إل فى زرع الشك أو إثارة الغضب فى
نفوس المؤمنين بالديان ،نتيجة تعرضهم لرسائل إعلمية تسخف من إيمانهم.
ولعهل الرد على هذه الدعاوى يتمثهل فهى أن السهماح بنشهر تلك الراء المناهضهة للديان
أو الراء اللحاد ية أف ضل من حظر ها وكبت ها ،انطلقا من أن ن شر تلك الراء سيفتح الباب للرد
عليها .مما يوفر فرصة كبيرة لمكانية إقناع بعض معتنقى تلك الراء بعدم صحتها .أو على القل
سيوفر هذا الفر صة للمخالف ين لتلك الراء ،ل كى يزدادوا إيمانا بمعتقدات هم نتي جة إشمئزاز هم من
الراء المناه ضة للعقائد .وبالتالى فإن الفائدة ال تى ستعود على العقيدة الدين ية ستكون متوفرة فى
حالة النشر من كافة الجوانب .بينما سيؤدى الحظر إلى تداول تلك الراء المعارضة للعقائد الدينية
فى الخفاء ،وتوفير الفرصة ليمان البعض بها ،نتيجة عدم مواجهتها الجدلية مع الراء الدينية.
علوة على ذلك ..فإن ح ظر الراء المعار ضة للعقائد الدين ية سيؤدى إلى و هن إيمان
المؤمنين بإيمانهم ،وذلك لستبعاد إعمال العقل فيما يتعلق بتلك المور .مما يؤدى إلى التعامل
معها فى إطار التواتر والعتياد ،وليس العقلنية والقتناع .ولعل هذا هو أخطر وضع يمكن
أن تتعرض له العقائد الدينية ،لما سيؤدى إليه ذلك من فقدان للجوهر الصيل الذى يميز كافة
الرسالت السماوية ،والذى يتمثل فى الدعوة إلى إعمال العقل والتفكير.
..إن كفالة حر ية الت عبير للراء ال تى تنال من العقائد الدين ية ،ت عد بمثا بة أ كبر د عم
يم كن تقدي مه لتلك العقائد؛ ل نه بدون الحفاظ على جذوة النقاش مشتعلة حول تلك الحقائق ،فإن
مآلها سيكون عندئذ إلى الجمود والتحجر.
يقوم هذا النموذج على علقهة [ الطائفهى -غيهر الطائفهى ] ،أى الرسهالة العلميهة ذات
المضمون الطائ فى ال تى تنت هك حق حما ية طوائف المجت مع فى مواج هة الر سالة العلم ية ذات
المضمون غير الطائفى التى ل تنتهك هذا الحق .بحيث إذا أثبتت الدراسة الحتمالية أن مضمون
الر سالة العلمية يدور فى الطار ( غير الطائ فى ) ،تم نشر ها دون تدخلت إعلم ية .بينما إذا
أثبتت الدراسة الحتمالية أن مضمون الرسالة العلمية يدور فى الطار ( الطائفى ) ،مما يؤدى
إلى انتهاك حق حماية طوائف المجتمع؛ فإن هذا يعنى ضرورة أن يترافق مع حرية النشر نوع ما
من التدخل العلمى لتخفيف الثار الضارة المتوقعة لنشر الرسالة العلمية.
ويتركب النموذج المعيارى للرسالة العلمية التى تدور فى الطار ( غير الطائفى )
ول تنتهك حق حماية طوائف المجتمع من العناصر التالية:
معلومات أو آراء تحمل كراهية -تتعلق بطائفة تشكل أقلية -يتم عرضها بأسلوب علمى
وعلى الرغم من احتواء الرسالة العلمية -موضوع النموذج المعيارى -على كراهية تتعلق
بطائفهة تشكهل أقليهة ،إل أنهها ل تنتههك حهق حمايهة طوائف المجتمهع؛ لن تلك المعلومات يتهم
عرضها بأسلوب علمى ،المر الذى يبتعد بها عن طبيعة الرسائل العلمية المثيرة للكراهية.
╩╘▀ل ()-
├▐لي╔ ( ) -
نشر غير طائفى 1 1 1 1
يتضح من الجدول السابق أن احتمالت عرض موضوع الرسالة تضمنت أربع حالت
تدور فى الطار ( غ ير الطائ فى )؛ م ما يع نى حر ية نشر ها دون تد خل .بين ما تضم نت أر بع
حالت تدور فى الطار ( الطائفى )؛ مما يعنى ضرورة التدخل العلمى للتخفيف من الثار
الضارة الناشئة عن انتهاك حق حماية طوائف المجتمع.
و من المل حظ ..أن النموذج الرا هن اقت صر ف قط على تو صيف التد خل العل مى فى
مواجهة حق حماية طوائف المجتمع دون الشارة إلى « حقوق حماية مبادئ ورموز وسلطات
المجتمع » .ولعل ذلك ينبع من أن تلك الحقوق فى تقديرنا -من حيث حمايتها لمبادئ النظم
ال سياسية وعقائد ها ،أو حمايت ها للرموز الماد ية أو الدلل ية أو الن سانية ،أو حمايت ها لمنظو مة
سلطات الدولة الحدي ثة -ينب غى عدم تمتع ها بأ ية حما ية أو تد خل إعل مى ،وذلك انطلقا من
عدم احتماليهة وجود أيهة آثار ضارة ناشئة عهن التعرض العلمهى لتلك الحقوق المزعومهة.
وال تى ما هى إل مجمو عة من ال صنام الحكوم ية ،تطلب الحكومات الم ستبدة من رعايا ها
- 322 -
عبادتهها ،بغرض كفالة نوعا مهن الجماع الشعهبى المصهطنع يتهم اسهتثماره للترويهج لشرعيهة
الحكم واستقرار قواعده .ولعل مفهوم الدولة الديمقراطية الحديثة يتناقض تماما مع إسباغ نوع
مها مهن التقديهس لمبادئ أو رموز أو سهلطات ،أيا كانهت ،انطلقا مهن أن الديمقراطيهة تحترم
التعددية والتنوع وتؤمن بضرورة التغيير وأهميته.
╟لم╠╩م┌ ╗:
يقوم هذا النموذج على علقهة [ غيهر المشروع -المشروع ] ،أى الرسهالة العلميهة
ذات المضمون ( النا تج عن ،أو المحرض على ،أو ال تى تنطوى على :ف عل غ ير مشروع )،
والتى تنتهك بذلك حق حماية تشريعات المجتمع ،فى مواجهة الرسالة العلمية ذات المضمون
المشروع التى ل تنتهك ذلك الحق.
بح يث إذا أثب تت الدرا سة الحتمال ية أن مضمون الر سالة العلم ية يدور فى الطار
( المشروع )؛ تم نشرها دون تدخلت إعلمية .أما إذا كان يدور فى الطار ( غير المشروع )،
ممها يؤدى إلى انتهاك حهق حمايهة تشريعات المجتمهع ،فإن هذا يعنهى ضرورة أن يترافهق مهع
حريهة النشهر نوع مها مهن التدخهل العلمهى لتخفيهف الثار الضارة المتوقعهة مهن نشهر
الرسالة العلمية.
وتنقسم الرسائل العلمية التى تدور فى الطار ( غير المشروع ) إلى ثلثة أنواع..
كما يوضح الشكل التالى:
- 323 -
╩╧╤µ ╘▀ل ╤▐م ( ▄▄╙╤ : ) 6م ╩╬╪ي╪ى ي├ ═╓µن╟ ┌╟µل╤╙╟╞ل ╟ل┼┌ل╟مي╔ ╟ل╩ى
▌ى ╟ل┼╪╟╤ ( █ي╤ ╟لم╘╤) ┌µ
النوع الول :الرسهائل العلميهة الناتجهة عهن فعهل غيهر مشروع ،وههى الرسهائل
العلميهة التهى تهم الحصهول عليهها بناءا على أفعال عمديهة غيهر مشروعهة ..مثهل :القتحام
أوالتهديد أوالرشوة أوالتزوير ..إلخ.
النوع الثا نى :الر سائل العلم ية ال تى تحرض على ارتكاب ف عل غ ير مشروع ،و هى
الر سائل العلم ية ال تى تتض من الدعوة إلى ارتكاب أفعال مخال فة للقوان ين ..م ثل :التحر يض
على القتل أو التخريب أو العتداء ..إلخ.
النوع الثالث :الر سائل العلم ية ال تى تنطوى على ف عل غ ير مشروع ،و هى الر سائل
العلمية التى تتضمن فى مادتها العلمية ذاتها أفعالً غير مشروعة ..مثل :المواد العلمية
الباح ية فى الدول ال تى تجرم الدعارة ،أو المواد العلم ية ال تى تتض من مشا هد حقيق ية للق تل
والتعذيههب والعنههف ..إلخ ،أو المواد العلميههة التههى تتضمههن تهديدا بالقتههل
أو العتداء أو التخريب ..إلخ.
ويتركهب النموذج المعيارى للرسهالة العلميهة التهى تدور فهى الطار ( المشروع )
ول تنتهك حق حماية تشريعات وقوانين المجتمع من العناصر التالية:
مواد إعلمية إخبارية -تذاع على الهواء -تنطوى على سلوك غير مشروع
أما معكوس هذا النموذج فيتركب من العناصر التالية:
مواد إعلمية غير إخبارية -مسجلة أو مطبوعة -ناتجة عن أو تحرض على سلوك غير مشروع
ويمثل النموذج الصلى الرسالة العلمية التى سيتم نشرها دون أية تدخلت إعلمية
على الرغم من انطوائها على سلوك غير مشروع ،وذلك لنها تعرض لمادة إخبارية تُذاع على
الهواء مباشرة ،وبالتالى ل يمكن إجراء أية تدخلت إعلمية عليها بأى شكل من الشكال.
بينمها يمثهل النموذج المعكوس الرسهالة العلميهة التهى سهيترافق مهع حريهة نشرهها
ممارسهة نوع مها مهن التدخلت العلميهة للتخفيهف مهن آثار انتهاكهها لحهق حمايهة تشريعات
المجتمع ،وسيكون التدخل فى هذه الحالة متاحا لكون الرسالة مسجلة أو تُقدم فى شكل مطبوع،
مما يوفر الفرصة لممارسة التدخلت العلمية عليها.
ويوضح الجدول التالى الحتمالت المختلفة لعرض موضوع الرسالة العلمية كالتالى:
- 324 -
نشهر مهع التنويهه وإبلغ غيههر مشروع - - 1 3
السلطات
نشهر مهع التنويهه وإبلغ غيههر مشروع 1 - 1 4
السلطات
هلوب العرضهر بأسهنشه غيههر مشروع 1 - - 5
ههر التجارى
الخاص غيه
وإبلغ السلطات
نشهههههههههههر مشروع 1 1 - 6
نشهر مهع التنويهه وإبلغ غيههر مشروع - - - 8
السلطات
يتضح من الجدول السابق أن احتمالت عرض موضوع الرسالة تضمنت أربع حالت
تدور فى الطار ( المشروع )؛ ومن ثم فهى تتمتع بحرية النشر دون أى تدخل إعلمى .بينما
تضمنت أربع حالت تدور فى الطار ( غير المشروع )؛ مما يعنى ضرورة التدخل العلمى
للتخفيف من الثار الضارة الناشئة عن انتهاك حق حماية تشريعات المجتمع.
النشر الكامل للرسالة العلمية بأسلوب « العرض الخاص غير التجارى » واللتزام •
بإبلغ السهلطات .والمقصهود بأسهلوب العرض الخاص غيهر التجارى ههو عرض المواد
العلميهة بأسهلوب التشفيهر فهى المواد اللكترونيهة أو أسهلوب الشتراكات فهى المواد
- 325 -
المطبوعة ،بحيث ل تستهدف تلك المواد إل الشخاص الراغبين فى استقبالها ،وبحيث يتم
هس بهدف
ها ،وليه
هن بمضمونهه
هط بهدف إعلم المتلقيه
عرض هذه المواد لمرة واحدة فقه
استغللها تجاريا من خلل تكرار عرضها ،مع اللتزام بإبلغ سلطات تنفيذ القانون بكافة
المعلومات المتوفرة عن الشخاص المتورطين فى تلك الفعال غير المشروعة.
..ولعل الشكالية التى تطل برأسها فى هذا الصدد تتمثل فى أسلوب العرض الخاص
غ ير التجارى للمواد العلم ية غ ير الخبار ية الم سجلة أو المطبو عة وال تى تنطوى على ف عل
غير مشروع ،وخصوصا فيما يتعلق بالمواد العلمية الباحية فى البلدان التى تجرم الدعارة.
وذلك لن أسهلوب التد خل العلمهى سيؤدى إلى نشهر تلك المواد العلميهة لمرة واحدة ف قط
وفقا لسهلوب التشفيهر أو الشتراكات ،بحيهث يطّلع عليهها الشخاص الراغبون فهى اسهتقبالها.
المر الذى سيمثل ثغرة لعرض المواد العلمية الباحية.
ول كن ينب غى التنو يه إلى أن أ سلوب التد خل العل مى المقترح يفرض على المؤ سسة
العلم ية اللتزام بإبلغ سهلطات تنفيهذ القانون عهن كافهة المعلومات المتوفرة عن الشخاص
المتورطين فى إنتاج تلك المواد العلمية الباحية .وهذا يستدعى منطقيا عدم قدرة المؤسسات
العلمية نفسها على المبادرة بإنتاج مواد إعلمية إباحية ،لن ذلك سيعرضها لمخالفة قوانين
مكافحة الدعارة ،وعدم قدرة تلك المؤسسات على التواطؤ مع منتجى تلك الشرائط لنشرها من
خلل وسائل العلم ،لن كافة المشتركين فى إنتاج تلك العمال سيصبحون عرضة لملحقة
سلطات تنفيذ القانون ،بالضافة إلى المؤسسة العلمية ذاتها لو ثبت تورطها فى ذلك.
وبالتالى ..فإن الواقهع القانونهى فهى الدول التهى تجرم الدعارة سهيؤدى عمليا إلى عدم
قدرة المؤ سسات العلم ية على التعا مل مع المواد الباح ية ،با ستثناء المواد الباح ية ال تى تم
الح صول علي ها بش كل عر ضى غ ير متع مد ،أو المواد الباح ية غ ير النات جة عن الدعارة ،بل
الناتجهة عهن وقائع حقيقيهة غيهر تمثيليهة ،ونتهج عنهها مواد إعلميهة إباحيهة ،مثهل :الصهور
الفوتوغرافية أو شرائط الفيديو أو الشرائط الصوتية للعلقات الجنسية الحقيقية.
وبالتالى ..فإن أ سلوب العرض الخاص لن يم ثل عندئذ ثغرة لعرض العمال الباح ية فى
البلدان التهى تجرم الدعارة .وذلك لن السهلطات إذا كان مهن حقهها القبهض على شبكات الدعارة،
وم صادرة متح صلت الدعارة من الفلم والمطبوعات والشرائط ،فإ نه ل يس من حق ها م صادرة
الشرائط ال تى تنطوى على مواد إباح ية غ ير نات جة عن الدعارة ،ول يس من حق ها م صادرة المادة
العلمية الباحية التى تحصل عليها المؤسسة العلمية بصورة عرضية غير متعمدة ،وتعمل
على نشرها فى إطار نشاطها فى النقل الوافى للمعرفة .حيث تدخل تلك المواد العلمية الباحية
فى إطار النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية ،مع اللتزام بممارسة نوعا من التدخل
- 326 -
يقوم هذا النموذج على عل قة [ ال سمعة -ال صالح العام ] ،أى الر سالة العلم ية ذات
المضمون الذى ينتههك حهق حمايهة السهمعة والعتبار فهى مواجههة الرسهالة العلميهة التهى
ل تنت هك هذا ال حق .بح يث إذا أثب تت الدرا سة الحتمال ية أن مضمون الر سالة العلم ية يدور
فهى إطار ( الصهالح العام )؛ تهم نشرهها دون تدخلت إعلميهة .وإذا كان يدور فهى إطار
( السمعة ) ،مما يؤدى إلى انتهاك حق حماية السمعة والعتبار؛ فإن هذا يعنى أن يترافق مع
حر ية الن شر نوع ما من ضرورة التد خل العل مى لتخف يف الثار الضارة المتوق عة من ن شر
الرسالة العلمية.
ويتر كب النموذج المعيارى للر سالة العلم ية ال تى تدور فى إطار ( ال صالح العام )
ول تنتهك حق حماية السمعة والعتبار من العناصر التالية:
شخص عام -فى واقعة تتعلق بنشاط عام -تتضمن انحرافا عاما
يت ضح من الجدول ال سابق أن الدرا سة الحتمال ية أوض حت سبعة احتمالت تدور فى
إطار ( الصالح العام ) ،مما يعنى إتاحة حرية النشر دون أى تدخل .بينما ظهر احتمال واحد
يدور فى إطار (السمعة)؛ مما يعنى ضرورة النشر مع التدخل.
التزام المؤسهسة العلميهة الناشرة للحدث بالكشهف عهن السهماء الكاملة -للطراف •
موضوع الحدث -ل كل من ير يد الطلع علي ها من أفراد المجت مع .سواء أكا نت له عل قة
بهذه الطراف أو ل تربطهه بهها أيهة علقهة؛ وذلك انطلقا مهن احترام حهق الجماهيهر فهى
المعرفة.
ولعل التساؤل الذى يطرح نفسه فى هذا المجال يدور حول ماهية الفائدة التى ستعود
على المجتمهع مهن نشهر وقائع لشخصهيات خاصهة تتعلق بأنشطهة خاصهة ول تتضمهن انحرافا
عاما ....ويتمثهل الرد على ذلك فهى أن الفائدة التهى سهتتحقق مهن النشهر سهتعود على بعهض
الشخاص المرتبطين بالطراف موضوع الحدث ،وذلك من خلل إتا حة الفرصة لهم للتعرف
على بعهض الحقائق المخفيهة بشأن ذويههم ،والتهى مها كان سهيتاح لههم معرفتهها إل مهن خلل
النشر .أما البعض الخر من الشخاص -المرتبطين بالطراف موضوع الحدث -الذين قد
يتضررون من النشر ،على اعتبار إنه يسئ إلى مركزهم الدبى فى المجتمع .فإن الرد عليهم
يتمثل فى أن فشل الفراد فى اتخاذ التدابير اللزمة لخفاء انحرافاتهم الخاصة ،ينزع عن تلك
النحرافات -على الر غم من خ صوصيتها وعدم تعلق ها بنشاط عام أو بش خص عام -صفة
الحما ية .وطال ما تم تداول هذه النحرافات فى المجت مع بأى صورة؛ فإن هذا يت يح للمؤ سسات
العلميهة التعامهل مهع هذه النحرافات باعتبارهها رسهائل إعلميهة قابلة للنشهر ،مهع ممارسهة
التدخهل العلمهى باسهتبعاد نشهر السهماء الكاملة والكتفاء بنشهر الحروف الولى ،بشرط
اللتزام بالكشف عن تلك السماء الكاملة لكل من يطلبها من أفراد المجتمع.
- 328 -
أما الرسائل العلمية التى تتعلق بالشخصيات العامة ،وتتعلق بنشاط خاص وتتضمن
انحرافا خاصا .فإن ضريبة العمل العام هى التى تمنح المؤسسات العلمية الحق فى نشرها.
هن
هه عه
هص العام أن ينأى بنفسه
هل العام تفرض على الشخه
هة العمه
وذلك باعتبار أن ضريبه
النحراف ،حتى ل يتم استثمار تلك النحرافات من أيه جهة لممارسة الضغط عليه .وبالتالى
فطالما لم يلتزم الش خص العام باتخاذ التداب ير اللز مة لممار سة انحرافا ته الخا صة فى الخفاء،
فإن المؤسهسات العلميهة عندئذ لن تكون أكثهر حرصها منهه على إخفاء تلك النحرافات ،بهل
يصهبح مهن حقهها نشهر تلك النحرافات نشرا كاملً دون أى تدخهل .وذلك باعتبار أن تلك
النحرافات تدخل بكل وضوح فى دائرة الصالح العام.
يقوم هذا النموذج على علقههة [ الخاص -العام ] ،أى الرسههالة العلميههة ذات
المضمون الذى ينتههك حهق حمايهة الخصهوصية والسهرار الخاصهة فهى مواجههة الرسهالة
العلم ية ال تى ل تنت هك ذلك ال حق .بح يث إذا أثب تت الدرا سة الحتمال ية أن مضمون الر سالة
العلم ية يدور فى الطار ( العام )؛ تم نشر ها دون تدخلت إعلم ية .أ ما إذا كان يدور فى
الطار ( الخاص ) ،مما يؤدى إلى انتهاك حق حماية الخصوصية والسرار الخاصة ،فإن هذا
يعنى ضرورة أن يترافق مع حرية النشر نوع ما من التدخل العلمى لتخفيف الثار الضارة
المحتملة المترتبة على النشر.
ويتركب النموذج المعيارى للرسالة العلمية التى تدور فى الطار (العام) ول تنتهك
حق حماية الخصوصية والسرار الخاصة من العناصر التالية:
شخص عام -فى واقعة تتعلق بنشاط عام -تمت فى مكان عام -لها تأثير عام
وقد تمت إضافة عنصر رابع إلى النموذج المعيارى يتمثل فى عنصر (مكان الواقعة)،
وذلك لن حق حماية الخصوصية والسرار الخاصة يرتبط فى معظم حالته بالمكان الخاص
الذى يتحرر فيه النسان من بعض القيود المجتمعية.
يتضهح مهن الجدول السهابق أن الحتمالت السهتة عشهر لحدوث موضوع الرسهالة،
تضمنهت ثلثهة عشهر احتمالً تدور فهى الطار ( العام )؛ ممها يعنهى نشرهها دون تدخهل
إعلمهى .بينمها تضمنهت عدد ( ثلثهة ) احتمالت تدور فهى الطار ( الخاص )؛ المهر الذى
يوجب ضرورة أن يترافق مع حرية النشر نوع ما من التد خل العلمى للتخفيف من الثار
الضارة الناشئة عن انتهاك حق حماية الخصوصية والسرار الخاصة.
..وكمها أوضحنها بنموذج التدخهل العلمهى لحمايهة حهق السهمعة والعتبار ،فإن
الش خص العام ل يتم تع بأ ية حما ية لحيا ته الخا صة ،وذلك لمكان ية تأث ير حيا ته الخا صة على
مسهئولياته العامهة .وبالتالى فإن أدق خصهوصياته طالمها فشهل فهى ممارسهتها فهى إطار مهن
السرية ،وطالما تم التوصل إليها بأساليب غير اقتحامية ومشروعة ،فإنها تصبح حينئذ متاحة
للنشر دون أى تدخل إعلمى.
أمها فيمها يتعلق بالشخهص الخاص ،فإن فشله فهى عدم القدرة على إحاطهة أمور حياتهه
الخاصهة بسهياج من السهرية يجعهل المؤسهسات العلميهة ليسهت أكثهر حرصها منهه على تلك
المور التى خرجت عن الطار الخاص .وبالتالى يحق لها عندئذ نشر تلك المور مع اللتزام
باستبعاد النشر الكامل للسماء ،والكتفاء بذكر الحرف الولى ،مع اللتزام أيضا بالكشف عن
تلك السهماء لكهل مهن يريهد الطلع عليهها مهن أفراد المجتمهع ،احترامها لحهق الجماهيهر فهى
المعرفة .ذلك لن تلك المور الخاصة كما قد تسيئ إلى بعض الطراف المتصلين بالشخص
موضوع الحدث ،فإنهها قهد تقدم معرفهة هامهة لبعهض الطراف الخريهن المرتبطيهن بذلك
الشخص ،المر الذى يقدم لهم جوانب ربما تكون خافية عن الشخصية التى يتعاملون معها.
يقوم هذا النموذج على علقهة [ المحاكمهة غيهر العادلة -المحاكمهة العادلة ] ،أى
الرسالة العلمية ذات المضمون الذى ينتهك حق الفرد فى محاكمة عادلة فى مواجهة الرسالة
العلمية التى ل تنتهك ذلك الحق.
حيهث تتضمهن الرسهالة العلميهة التهى تدور فهى إطار ( المحاكمهة غيهر العادلة )
معلومات غيهر محايدة أو غيهر متوازنهة عهن كافهة أطراف المحاكمهة ،المهر الذى يعنهى
انتهاكهها لحهق المحاكمهة العادلة .بينمها تتضمهن الرسهالة العلميهة التهى تدور فهى إطار
( المحاك مة العادلة) ،معلومات متواز نة عن كا فة أطراف المحاك مة ،وبالتالى ل تنت هك حق
المحاكمة العادلة.
فإذا ما أثبتت الدراسة الحتمالية أن الرسالة العلمية تدور فى إطار ( المحاكمة غير
العادلة )؛ فإن هذا يع نى ضرورة أن يترا فق مع حر ية الن شر نوع ما من التد خل العل مى
للتخفيف من الثار الضارة الناشئة عن انتهاك حق المحاكمة العادلة.
ويتركب النموذج المعيارى للرسالة العلمية التى تدور فى إطار ( المحاكمة العادلة )
ول تنتهك « حق المحاكمة العادلة » من العناصر التالية:
شخص عام -متهم فى محاكمة تتعلق بنشاط عام -والمعلومات المتاحة محايدة
- 331 -
نشر مع ذكر عدم حياد المعلومات محاكمهة غيهر عادلة - 1 1 3
ول عل الت ساؤل الذى يطرح نف سه فى هذا المجال سيتمثل فى أن ال سماح للمؤ سسات
العلمية بنشر معلومات غير محايدة وغير متوازنة عن أطراف المحاكمات القضائية سيؤدى
إلى التأثير على القضاة والبتعاد بهم عن الحكم العادل الصحيح؛ وبالتالى النيل من حق الفراد
فى المحاكمات العادلة.
والرد على ذلك يتمثهل فهى أنهه ل مجال للتأثيهر على القضاة؛ لنههم يحكمون فهى
الدعاوى المطروحة أمامهم من خلل أوراق الدعوى بما تحويه من أدلة ،وليس من خلل ما
تنشره وسائل العلم .وإذا ما حاد القاضى عن الدلة المتوفرة فى أوراق الدعوى واستند إلى
أيهة أدلة أخرى؛ فإن الحكهم الصهادر عندئذ سهيتعرض للسهتئناف أو النقهض لمخالفتهه
لصحيح القانون.
أ ما فى أنظ مة القضاء ال تى تأ خذ بنظام المحلف ين ،فل مجال أيضا للتأث ير على أولئك
المحلفيهن نتيجهة التعرض للرسهائل العلميهة غيهر المحايدة ،وذلك لنهه محظور على هؤلء
المحلفيهن الطلع أصهلً على وسهائل العلم طوال مدة تداول الدعوى ،وبالتالى فل مجال
لتأثرهم بما يُنشر فى تلك الرسائل.
ومن ثم ..فإن الجراء الذى يضمن تحقيق التوازن بين حق الجماهير فى معرفة ما
يدور فى المحاكمات القضائ ية ،و حق المتهم ين فى محاك مة عادلة يتم ثل فى كفالة الحر ية
الكاملة للنشهر مهع ممارسهة نوعا مها مهن التدخهل العلمهى لتوضيهح عدم حياد المعلومات
المتاحهة عهن المحاكمهة ،فهى حالة عدم حيادهها .المهر الذى سهيوفر رسهائل إعلميهة تقدم
صهورة تخلو مهن شبههة عدم التوازن أو التأثيهر غيهر الموضوعهى فيمها يتعلق بالمحاكمات
القضائية.
إذن يمكن تلخيص التدخلت العلمية الواجب ممارستها للتخفيف من الثار الضارة
الناشئة عن نشر الرسائل العلمية التى تنتهك الحقوق المضادة للحقوق العلمية فى التى:
إرجاء الن شر أو تأج يل الن شر لمدى زم نى معلوم ي تم العلن ع نه ،فى حالة الر سائل •
العلمية التى تنتهك حق حماية المن القومى والسرار العامة.
التعل يق على الر سائل العلم ية أو ن شر ر سائل مضادة ل ها ،وذلك فى حالة انتهاك ها •
لحق حماية قيم المجتمع أو انتهاكها لحق حماية طوائف المجتمع.
- 333 -
التغليهف بإشارات وتحذيرات للرسهائل العلميهة التهى تنتههك أخلقيات المجتمهع فهى •
المجتمعات التى ل تجرم قوانينها الدعارة.
التنويه وإبلغ سلطات تنفيذ القانون ،أو العرض الخاص غير التجارى وإبلغ سلطات •
تنفيهذ القانون ،وذلك فهى حالة الرسهائل العلميهة ( الناتجهة عهن أو التهى تحرض على
أو التهى تنطوى على أفعال غيهر مشروعهة ) ،والتهى تنتههك بذلك حهق حمايهة تشريعات
وقوانين المجتمع.
ن شر الحرف الولى من ال سماء ،مع اللتزام بالك شف عن ال سماء الكاملة ل كل من •
ير يد الطلع علي ها ،وذلك فى حالة الر سائل العلم ية ال تى تنت هك حق حما ية ال سمعة
والعتبار وحق حماية الخصوصية والسرار الخاصة.
توضيح عدم حياد أو عدم توازن المعلومات المتوفرة عن أطراف المحاكمات القضائية -
فى حالة الرسائل العلمية التى تنتهك حق الفراد فى محاكمة عادلة.
...وينبغى الشارة مرة أخرى ..إلى أن كافة تلك التدخلت المقترحة تتم بالتزاوج مع
الن شر الكا مل للر سائل العلم ية ،دون ال سماح بممار سة أى أ سلوب للح ظر أو المتناع عن
النشر .وذلك انطلقا من أن مفهوم المسئولية المعرفية يؤكد على مبدأ الحرية المطلقة للتعبير.
ذلك المبدأ الذى ل يمكن تفعيله إل فى ظل غياب أية قوانين مقيدة لحرية المؤسسات العلمية
فهى العلم وحريهة الجماهيهر فهى المعرفهة وحريهة المجتمهع فهى التصهال .وبالتالى فإن هذا
يستدعى ضرورة نشر كافة الرسائل العلمية -حتى الضارة منها -ولكن مع اللتزام بمبدأ
التدخل العلمى للتخفيف من الثار الضارة المحتملة لنشر تلك الرسائل.
ويمكهن القول ..أن غياب أيهة قوانيهن مقيدة لحريهة التعهبير ،مهع التزام المؤسهسات
العلم ية بإجراء التدخلت العلم ية المنا سبة للتخف يف من الثار الضارة المحتملة للر سائل
العلمية ،لن يصادر حق المتضررين من نشر تلك الرسائل فى اللجوء إلى القضاء للمطالبة
بالتعو يض عن الضرار ال تى لح قت ب هم نتي جة الن شر ،ول كن قد يم ثل ا ستخدام المؤ سسات
العلمية لسلوب التدخل العلمى برهانا ساطعا أمام القضاء على حسن نية تلك المؤسسات،
و عن مدى جد ية توجهاتها للمواز نة ب ين اعتبارات ال صالح العام وال صالح الخاص وم سئوليتها
المعرف ية .وبالتالى سيؤدى ذلك إلى صعوبة إمكان ية إدا نة المؤ سسات العلم ية أمام القضاء،
وذلك لعدم وجود الدليل على تعمد إلحاق الضرر بالفراد أو المجتمع.
- 334 -
علوة على ذلك ..فإن أ سلوب التد خل العل مى يق طع الطر يق على معار ضى حر ية
التعبير الذين يكيلون التهامات إلى حرية التعبير المطلقة باعتبارها دعوة لنفلت المؤسسات
العلميهة مهن مسهئوليتها فهى رعايهة مصهالح المجتمهع والمواطنيهن ..إذ إن أسهلوب التدخهل
العلمهى يقدم المؤسهسات العلميهة فهى إطار متماسهك مهن اللتزام بالمسهئولية ،ولكنهها
الم سئولية المعرف ية ال تى تهدف إلى الن قل الوا فى للمعر فة إلى جماه ير المجت مع ،وهذا الن قل
الوافى للمعرفة ل يتجاهل مصالح المجتمع أو المواطنين ولكنه يضعها فى موضعها الصحيح
الذى يحافظ عليها ويحافظ فى ذات الوقت على الحرية المطلقة للتعبير.
- 335 -
ك ما تو صلت الدرا سة فى المب حث الثا نى إلى طري قة تقدير ية لح ساب القي مة الماد ية
المفترضة المترتبة على حظر المعلومات العلمية .حيث استحدثت الدراسة مصطلح القي مة
الماد ية الن سبية للمعلومات العلم ية المحظورة ،ويش ير هذا الم صطلح إلى « المردود المادى
العائد على المؤسسات العلمية أو القائمين بالتصال نتيجة عدم النقل الوافى للمعرفة الكامنه
بالمعلومات العلم ية إلى المجت مع » .ويش ير م صطلح المردود المادى إلى :الوزن القت صادى
هادى إلى :مقدار الفائدة
هطلح الوزن القتصه
هر مصه
هة المحظورة .ويشيه
للمعلومات العلميه
القتصهادية الكامنهة بالمعلومات العلميهة المحظورة ...وقهد توصهلت الدراسهة إلى المعادلة
التالية لقياس القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية المحظورة وذلك كالتالى:
كمها توصهلت الدراسهة فهى المبحهث الثالث إلى مقياس لحسهاب درجهة حريهة النظهم
العلمية ،وذلك فى محاولة ليجاد مؤشر يوضح صورة عامة عن ممارسات النظم العلمية
فيما يتعلق بالنقل الوافى للمعرفة ،من خلل ضم المؤشرات الثلثة -التى تم استحداثها لقياس
درجة شفافية النظام العلمى أو القدرات المعرفية للنظام العلمى أو القيمة المادية النسبية -
فى مؤشر واحد ،يتجاوز الجانب الواحد الذى كان يقدمه كل مؤشر منها عن النظام العلمى،
ويقدم صورة عامة عن مدى التزام النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية.
وقد توصلت الدراسة إلى المعادلة التالية لقياس درجة حرية النظام العلمى وذلك كالتالى:
مقياس درجة حرية النظام العلمى =
) -القيمــــــة + العلمى ( درجة شفافية النظام
القدرات المعرفية المادية
2
وقد تم تصميم مدرج يوضح الدرجات المختلفة لحرية النظم العلمية ،وذلك كالتالى:
• النظم العلمية المقيدة :درجة الحرية = من صفر إلى 0.24999
• النظم العلمية المقيدة نسبيا :درجة الحرية = من 2.5إلى 0.49999
• النظم العلمية متوسطة التقييد والحرية :درجة الحرية = من 0.50إلى 0.74999
• النظم العلمية الحرة نسبيا :درجة الحرية من 0.75إلى 0.99999
• النظم العلمية الحرة :درجة الحرية = 1
كمها توصهلت الدراسهة فهى المبحهث الرابهع إلى طريقهة توضهح نوع التدخهل العل مى
المناسب لتخفيف الثار الضارة المحتملة للرسائل العلمية التى تنتهك الحقوق المضادة للحقوق
العلم ية .وأطل قت الدرا سة على هذه الطري قة :الطري قة الحتمال ية لتو صيف التد خل العلمى
فى مواجهة الثار الضارة المحتملة للرسائل العلمية ،بحيث يتم من خلل هذه الطريقة إجراء
دراسة إحتمالية توضح مدى انتهاك الرسالة العلمية لحد الحقوق المضادة للحقوق العلمية،
وإجراء التدخلت العلمية المناسبة للتخفيف من الضرار المترتبة على هذا النتهاك.
و قد عر ضت الر سالة لعدد ( سبعة ) نماذج لتو صيف التد خل العل مى للتخف يف من
الضرار المترتبة على انتهاك الحقوق التالية:
• حق حماية المن القومى والسرار العامة.
• حق حماية أخلقيات وقيم المجتمع.
• حق حماية طوائف المجتمع.
- 337 -
وقهد توصهلت الدراسهة ..إلى أن التدخلت العلميهة الواجهب ممارسهتها للتخفيهف مهن
الثار الضارة الناشئة عن نشر الرسائل العلمية التى تنتهك تلك الحقوق ..تتلخص فى التى:
إرجاء الن شر لمدى زم نى معلوم في ما يتعلق بالر سائل ال تى تنت هك حق حما ية ال من •
القومى والسرار العامة.
التعليهق على الرسهائل العلم ية أو نشهر رسهائل مضادة لهها فهى حالة انتهاكهها لحهق •
حماية قيم المجتمع أو حق حماية طوائف المجتمع.
التغليف بإشارات تحذيرية للرسائل التى تنتهك حق أخلقيات المجتمع فى المجتمعات •
التى ل تجرم قوانينها الدعارة.
التنو ية وإبلغ السهلطات ،أو العرض الخاص غيهر التجارى مهع إبلغ السهلطات فيمها •
يتعلق بالرسهائل العلميهة الناتجهة عهن أو التهى تحرض على أو التهى تنطوى على أفعال
غير مشروعة ،والتى تنتهك حق حماية تشريعات وقوانين المجتمع.
ن شر الحرف الولى من ال سماء مع اللتزام بالك شف عن ال سماء الكاملة ل كل من •
يريد الطلع عليها فى حالة الرسائل العلمية التى تنتهك حق حماية السمعة والعتبار
وحق حماية الخصوصية والسرار الخاصة.
توضيح عدم حياد أو عدم توازن المعلومات المتوفرة عن أطراف المحاكمات القضائية •
فى حالة الرسائل العلمية التى تنتهك حق الفراد فى محاكمة عادلة.
ولكن ..إذا أمكن فى الفصلين السابقين -وفى فصلنا الماثل -تحديد الطابع النوعى
والساليب الكيفية والدوات الكمية التى تضمن كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظيفتها
فى المجت مع ( نوعيا وكيفيا وكميا ) .فإ نه ي صبح من الهام التعرف على البن ية الهيكل ية ال تى
ينتظم وفقا لها النظام العلمى المسئول معرفيا مقارنة بالنظم العلمية الراهنة .وسنقدم فى
الف صل التالى نموذج ين تخطيطي ين ،أحده ما للنظام العل مى الم سئول معرفيا وال خر للن ظم
العلمية الراهنة سواء أكانت حرة أم موجهة.
- 338 -
الفصـل العـاشـر
نحـو نظـام إعـلمى مسئول معـرفيـاً
محتـويـات
الفصـل العـاشـر
مقدمــة
الفصــل العـاشــر
أوضح نا فى الف صلين ال سابع والثا من البعاد الفكر ية ال تى ينطلق من ها مبدأ الم سئولية
المعرف ية للن ظم العلم ية وخ صائص تلك الم سئولية وأبعاد ها العمل ية وأدوات ها القيا سية ب ما
يضمن كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع ( نوعيا وكيفيا وكميا ).
و فى إطار هذا العرض ..ي صبح من الهام ،ضرورة التعرف على المل مح ال تى يت سم
ب ها النظام العل مى الم سئول معرفيا فى ظل تفع يل عنا صر مبدأ الم سئولية المعرف ية ،ومدى
اختلف ذلك النظام عن النظم العلمية الراهنة.
وانطلقا مهن هذا التصهور فقهد تهم تقسهيم الفصهل الماثهل إلى مبحثيهن .المبحهث الول
بعنوان :المعلومات العلم ية والقيود فى الن ظم العلم ية الراه نة (نموذج تخطي طى) ،ويدور
حول تحليل النظم العلمية الراهنة باستخدام أسلوب تحليل النظم للتعرف على أثر القيود على
المدخلت والمخرجات فى هذه الن ظم .والمب حث الثا نى بعنوان :المعلومات العلم ية والقيود
فهى النظام العلمهى المسهئول معرفيا ( نموذج تخطيطهى ) ،ويدور حول تحليهل النظام
العلمهى المسهئول معرفيا للتعرف على أثهر اللتزام بالبعاد ( الفكريهة والعمليهة ) للمسهئولية
المعرفيهة وأدواتهها القياسهية على مدخلت ومخرجات هذا النظام مقارنهة بالنظهم العلميهة
الراهنة.
- 340 -
المبحـث الول
المعلومات والقيود فى النظم العلمية الراهنة
( نمـوذج تخطيـطى )
يوضح النموذج التخطيطى التالى البنية الهيكلية للنظم العلمية الراهنة ،والتى تتفق جميعها فى
العناصر البنيوية ( الثوابت البنائية ) المكونة لها ،بينما تختلف عن بعضها البعض فى درجة فاعلية تلك
العناصر ( التغير الوظيفى )؛ وبالتالى فى حجم المخرجات الناتجة عن كل نظام من تلك النظم.
وينتظم النموذج التخطيطى الموضح للنظم العلمية الراهنة وفقا للتصور التالى:
- 341 -
وتسهلك المعلومات العلميهة مسهارها لكهى تتحول مهن طور المدخلت إلى طور
المخرجات ،وفقا للنحو التالى:
المرحلة (صصصصفر) :وههى تمثهل « المعلومات العلميهة الخام » التهى تشيهر إلى مجمهل
أحداث المجتمع ومجرياته ووقائعه وتسمى « المدخلت ».
البوابصصصصصة (ب) :وهى تمثل « القيود العملية » السائدة فى المجتمع نتيجة غياب قوانين
حرية المعلومات ،وبالتالى شيوع مفهوم « السرية » فى المجتمع.
وهى تمثل « المعلومات الداخلة للمؤسسات العلمية » ،والتى تسمح المرحلة (:)2
بها « القيود العملية » السارية فى المجتمع ،والتى تقل نسبة المعرفة
الكامنة فيها عن المعلومات فى المرحلة (.)1
صصصصصة (ج) :وههى تمثهل « القيود الذاتيهة » التهى تمارسهها المؤسهسات العلم ية؛
البوابص
استجابة للضغوط والمصالح المجتمعية والمبررات الفلسفية.
مرحلة ما ب عد الن شر :وههى تمثهل « الرقابهة القضائيهة » التهى قهد تتعرض لهها بعهض
المعلومات المنشورة؛ لمخالفتهها للقيود التشريعيهة ،أو لتسهببها فهى
أضرار تستدعى اللجوء للقضاء.
...وتوضح البوابات المتتابعة التى اجتازتها المعلومات العلمية الخام « المدخلت »،
وذلك ل كى تنت قل إلى طور المعلومات المنشورة « المخرجات » ،تو ضح مدى التأث ير ال سلبى
الذى تمار سه القيود المتعددة التشريع ية والعمل ية والذات ية على المعلومات العلم ية الخام؛ ب ما
يؤدى إلى ح ظر ن سبة من المعر فة الكام نة بالحداث والوقائع ال تى تحدث فى المجت مع ت حت
وطأة الموانع التى تفرضها تلك القيود.
كما يوضح النموذج علقات الشراف والسيطرة ( الحكومية والحزب ية والمؤسسية )،
وقيود الملكيهة الحكوميهة والحزبيهة ،والمؤسهسية ( العاديهة والحتكاريهة ) التهى تخضهع لهها
المؤسسات العلمية ،والتى تنبع من العتبارات الناتجة عن القيود التشريعية والذاتية .حيث
تمنح بعض التشريعات فى بعض النظمة السلطة للجهات الحكومية للشراف والسيطرة على
المؤ سسات العلم ية ،ك ما تمارس ب عض الجهات الحكوم ية أو الحزب ية أو المؤ سسية صورا
خف ية من ال سيطرة على المؤ سسات العلم ية من خلل العلقات غ ير الر سمية لح ظر ب عض
المعلومات.
- 343 -
المبحـث الثـانى
المعلومات العلمية والقيود فى النظم العلمية
المسئولة معرفياً
( نمـوذج تخطيـطى )
يوضهح النموذج التخطيطهى التالى البنيهة الهيكليهة للنظهم العلميهة المسهئولة معرفيا،
وذلك كالتالى:
- 344 -
حيث يرصد النموذج التخطيطى السابق مدخلت ومخرجات النظام العلمى المسئول
معرفيا ،وكما هو موضح فإن المعلومات العلمية الخام « المدخلت » تمر بالمسار التالى حتى
تنتقل إلى طور « المخرجات » ،وذلك على النحو التالى:
-المنظم /البوابة ( أ ) :حيث يمارس هذا « المنظم /البوابة » وظيفة مزدوجة ومتعارضة.
ف هو يمارس أ ساليب التد خل العل مى المنا سبة على « المدخلت »
والتى تصل بكاملها إلى المؤسسات العلمية نتيجة عدم وجود قيود
تشريعية أو عملية فى النظام العلمى المسئول معرفيا ،فى ظل تبنى
هة
هة بوابه
ها يمارس وظيفه
هبير .بينمه
هة للتعه
هة المطلقه
مبدأ الحريه
« القيود الذاتية » التى تمارس فاعلياتها نتيجة قيام بعض المؤسسات
العلمية -استجابة لبعض الضغوط والمصالح المجتمعية -بحظر
بعض المعلومات العلمية.
وهو يمثل « الفاعلية الجماهيرية » التى تشير إلى الشراف الشعبى -المنظصصصم (ب):
الجماهيرى على ممارسهات المؤسهسات العلميهة ،وذلك مهن خلل
منظمات المجتمهع المدنهى المتخصهصة فهى حمايهة مفهوم الم سئولية
المعرف ية للن ظم العلم ية ،و من خلل الض غط على تلك المؤ سسات
العلمية للزامها بالنقل الوافى للمعرفة.
وكمها يبدو مهن النموذج التخطيطهى السهابق ..فإن النظام العلمهى المسهئول معرفيا
يختلف عن النظم العلمية الراهنة فى كل من :بنيته الهيكلية (مواصفاته) ،وأنشطته العملية،
وأساليب مراقبة أدائه ..وذلك على النحو التالى:
- 345 -
غياب القيود العملية :حيث يتميز النظام العلمى المسئول معرفيا بغياب بوابة القيود -2
العملية من بنيته الهيكلية ،وذلك نتيجة سريان تشريعات لضمان حرية المعلومات فى ذلك
النظام ،مما يؤدى إلى عدم شيوع مفهوم « السرية ».
تقلص القيود الذاتية نسبيا :حيث يتشابه -نسبيا -النظام العلمى المسئول معرفيا -3
مهع النظهم العلميهة الراهنهة فيمها يتعلق باسهتمرار وجود بوابهة القيود الذاتيهة فهى بنيتهه
الهيكلية .ول يعنى هذا اعتراف النظام العلمى المسئول معرفيا بتلك القيود ،ولكن نظرا
لن ممارسهة القيود الذاتيهة تتهم خلف جدران المؤسهسات العلميهة وبعيدا عهن رقابهة
المجتمهع ،فإن إغراء تفعيهل تلك القيود يظهل قائما .ولكهن تختلف هذه القيود فهى النظام
العل مى الم سئول معرفيا -فى كل من نوعيت ها وفاعليت ها -عن مثيلت ها فى النظهم
العلميهة الراهنهة ،فمهن جههة النوعيهة سهتقتصر تلك القيود الذاتيهة على قيود السهيطرة
الحكوميهة والحزبيهة والمؤسهسية ،والملكيهة الحتكاريهة ،وقيود الجمهور الموجهه ،بينمها
تخت فى القيود الفل سفية لتناقض ها مع مبدأ الحر ية المطل قة للت عبير .و من ج هة الفاعل ية فإن
القيود الذاتيهة فهى النظام المسهئول معرفيا سهتتم مواجهتهها مهن خلل فاعليهة الرقابهة
الجماهيرية التى تمارسها جماهير المتلقين بواسطة « جمعيات حماية المسئولية المعرفية
».
ويؤدى هذا النموذج إلى إعادة ترتيب منطلقات الرسائل العلمية بما يضمن توافقها
مع المسئولية المعرفية للنظم العلمية .وذلك من خلل عدة نماذج فرعية كالتى:
نموذج [ حريهة الرسهالة -احتمالت التأثيهر -التدخهل العلمهى ] لدراسهة أ -
احتمالت الثار الضارة المحتملة للرسههائل العلميههة وإجراء التدخههل
العلمى المناسب الذى يخفف من تلك الضرار.
ههق العرض المتوازن
ههن تحقيه
نموذج [ الحدث -الطراف ] الذى يضمه ب-
للرسائل الخبارية.
نموذج [ الرسهالة الدراميهة -المعلومات المرجعيهة ] الذى يضمهن تقديهم ج-
الرسهائل الدراميهة التاريخيهة فهى سهياق يوضهح المصهادر والمراجهع التهى
اعتمدت عليها.
نموذج [ الر سالة الدرام ية -التغل يف ] الذى يض من تقد يم الر سائل الدرام ية د -
( الباح ية أو العني فة أو فوق ال سنية ) فى إطار يحذر من محتويات ها ذات
الطابع الخاص ،بما يضمن عدم تعرض فئات معينة لها دون تحذير مسبق.
هه -نموذج [ الجودة /المث ير -القدرة /ال ستجابة ] الذى يض من تقد يم الر سائل
العلميهة فهى سهياق يوفهر للمتلقهى معلومات حول جودة السهلع والخدمات
ومواصفاتها ويوفر بيان بقيمتها السعرية.
تمارس الطراف العتبار ية نشاط ها فى النظام العل مى الم سئول معرفيا من خلل
نموذج [ الربح -المعرفة ] الذى يعترف بحق المؤسسات العلمية فى السعى إلى الربح فى
مقابل ضرورة التزامها بمسئولية النقل الوافى للمعرفة.
بالضافهة إلى ذلك ..فإن النظام العلمهى المسهئول معرفيا يوفهر لمنظمات المجتمهع
المدنهى المعنيهة بتقييهم وتقويهم الداء ،أسهاليب قياسهية تتيهح قياس الداء العلمهى للمؤسهسات
العلمية وللنظام العلمى كك ٍل وفقا لمقاييس كمية ،وذلك من خلل مؤشرات كمية تتمثل فى:
• مقياس القدرات المعرفية للنظم العلمية.
• مقياس درجة شفافية النظام العلمى.
• مقياس درجة شفافية المؤسسات العلمية.
• مقياس درجة شفافية المجتمع.
• مقياس القيمة المادية النسبية للمعلومات المحظورة.
• مقياس حرية النظام العلمى.
كما يوفر النظام العلمى المسئول معرفيا أساليب احتمالية تتيح دراسة الثر الضار
المتوقع من نشر الرسائل العلمية ،وتحديد التدخل العلمى المناسب لتخفيف الثار الضارة
المتوقعة المترتبة على عملية النشر.
- 349 -
كما تبين من تحليل النظام العلمى المسئول معرفيا أن ذلك النظام يختلف عن النظم
العلمية الراهنة فى كل من:
البنية الهيكلية ( المواصفات ) :حيث يتسم بغياب القيود التشريعية والقيود العملية من •
بني ته التركيب ية .ك ما يت سم بتقلص القيود الذات ية ،واقت صارها على قيود ال سيطرة والملك ية
الحكوم ية والحزب ية والمؤ سسية ،وقيود الملك ية الحتكار ية ،وقيود الجمهور المو جه ،بين ما
تغيهب تماما القيود الفلسهفية مهن تلك البنيهة ،نظرا لتبنهى النظام العلمهى المسهئول معرفيا
لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير.
النش طة العمل ية :ح يث تمارس كا فة أطراف النظام العل مى الم سئول معرفيا أدوارا •
جديدة مهن خلل ممارسهة التدخلت العلميهة التحريريهة وتطهبيق القواعهد المُرشدة غيهر
الحاكمة التى تضمن التزام كافة الطراف العلمية بمهمة النقل الوافى للمعرفة.
تقي يم وتقو يم الداء :ح يث يم نح النظام العل مى الم سئول معرفيا مه مة تقي يم وتقو يم •
الداء إلى جماه ير المتلق ين بجا نب المنظمات المهن ية والنقاب ية ،من خلل تنظ يم الجماه ير
لمنظمات المجت مع المد نى ال تى تتولى الدفاع عن قوا عد ومبادئ الم سئولية المعرف ية للن ظم
العلميهة .ويوفهر النظام العلمهى المسهئول معرفيا لتلك المنظمات الجماهيريهة الشعبيهة
أسهاليب قياسهية تتيهح قياس أداء النظام العلمهى بصهورة كميهة ،بالضافهة إلى أسهاليب
احتماليهة لتقييهم مدى فاعليهة التدخلت العلميهة لتجنهب الثار الضارة المحتملة لبعهض
الرسائل العلمية.
- 350 -
ولكهن ..إذا كان النظام العلمهى المسهئول معرفيا يضمهن النقهل الوافهى للمعرفهة من
خلل تقليصهه للقيود المعرفيهة فهى بنيتهه ،فإن هذا يدفهع إلى ضرورة التعرف على دور النظهم
العلمية المسئولة معرفيا فى تشكيل وعى جماهير المتلقين فى ظل البعاد العلمية للعولمة،
والتعرف على مدى تجاوز هذا الدور لل سلبيات القائ مة فى الن ظم العلم ية الراه نة ،والمتعل قة
بتشكيل وعى جماهير المتلقين من خلل ممارسات تزييف الوعى والختراق الثقافى .وهذا ما
سنتناوله فى الفصل القادم...
- 351 -
محتـويـات
الفصـل الحادى عشر
مقدمـة
الفصـل الحـادى عشر
تقود البعاد العلمية للعولمة فى جانبها المؤدى للتوحد والتكتل والندماج إلى تنمية
العتقاد بصهحة التوجهات التهى تتعامهل مهع النظهم العلميهة باعتبارهها أحهد أدوات الهيمنهة
والسيطرة -ومن ثم الختراق الثقافى -على المستوى العالمى.
كما تقود البعاد العلمية للعولمة فى جانبها المؤدى للتشظى والتجزؤ والنقسام إلى
تنميهة العتقاد بصهحة التوجهات التهى تتعامهل مهع النظهم العلميهة باعتبارهها أداة للتضليهل
والدعاية -ومن ثم تزييف الوعى -على المستويات الوطنية المحلية.
وانطلقا من هذا الت صور ف قد تم تق سيم الف صل الرا هن إلى مبحث ين .المب حث الول
بعنوان :البعاد الفكريهة لنظريات تشكيهل الوعهى الجتماعهى ،ويدور حول عرض لنظريات
التأث ير العل مى وتشك يل الو عى الجتما عى للتعرف على القاعدة النظر ية ال تى تو ضح نتائج
البحوث فهى هذا المجال .والمبحهث الثانهى بعنوان :المسهئولية المعرفيهة وتشكيهل الوعهى
الجتماعى فى ظل البعاد العلمية للعولمة ،ويدور حول التحليل النقدى لطروحات نظريات
تشك يل الو عى الجتما عى ع ند تطبيق ها على فاعليات الن ظم العلم ية الراه نة فى ظل البعاد
العلمية للعولمة ،كما يدور حول المدى الذى تصل إليه ممارسات تشكيل الوعى الجتماعى
فى النظم العلمية المسئولة معرفيا وفى ظل البعاد العلمية للعولمة.
- 353 -
المبحـث الول
البعاد الفكرية لنظريات تشكيل الوعى الجتماعى
وقد بدأت نظريات التأثير بنظرية الثار الموحدة لوسائل العلم ،والتى كانت تتعامل
مع الوسائل العلمية باعتبارها طلقات سحرية موحدة التأثير طالما تعرض لها أفراد الجمهور
المعزول كل من هم عن ال خر .ثم تطورت إلى نظريات التأث ير النتقائى ،ال تى برزت كنتي جة
لتطور أ طر التحل يل الجتما عى والنف سى ،وتفاو تت وفقا ل ها آثار و سائل العلم ا ستنادا إلى
الفروق الفرد ية بين الجماه ير ،أو نظرا لنقسام الجماه ير إلى فئات اجتماع ية تتمايز كل منها
عن الخرى ،أو ب سبب اكتشاف تد فق التصال على مرحلت ين -بل وأكثر من مرحلة -وما
أدى إليهه ذلك مهن ”التعرف على الدور المؤثهر للتصهال الشخصهى بقادة الرأى فهى المجتمعات
المختل فة ،ودور الشبكات الجتماع ية التف سيرية المعقدة ال تى يتد فق خلل ها الت صال عبر عدة
مراحل ،يتم عبرها المشاركة والنقاش فى المعلومات بين أشخاص متساوين “(.)417
() محمد شومان ،دور العلم فى تكوين الرأى العام ( حرب الخليج نموذجا ) .ص .86 416
() و .رسل نيومان ،مستقبل الجمهور المتلقى .ترجمة محمد جمول ،ص .142 417
- 354 -
وبالتالى ..فقهد ” كان التحول مهن نظريهة الثار الموحدة « الطلقهة السهحرية » التهى
تفترض تأث ير ر سائل الت صال على أفراد الجمهور بش كل مو حد ومتما ثل ،إلى مفهوم نظريات
ل من مفاه يم ب سيطة
التأث ير النتقائى الذى تتب نى الثار غ ير المباشرة لو سائل العلم ،كان تحو ً
ل من افتراض ( المنبه /الستجابة ) أو السبب والثر ،أصبح لدينا
نسبيا إلى مفاهيم مركبة .فبد ً
متغيرات وسيطة متداخلة بين المنبه والستجابة تتمثل فى كل العوامل النفسية والجتماعية التى
تميهز الفراد داخهل المجت مع وتتحكهم فى تأثرههم وتف سيراتهم للو سائل العلميهة ..وذلك وفقا
لربع قواعد أساسية تتحكم فى سلوك أفراد الجمهور تجاه وسائل العلم ،وتتعلق هذه القواعد
بهه ) الهتمام النتقائى أو التعرض النتقائى -الدراك النتقائى -التذكهر النتقائى -السهلوك
النتقائى ) وهى جميعا تقع فى بؤرة نظريات التأثير النتقائى لوسائل العلم “(.)418
ولكن رغم التأثيرات النتقائية لوسائل العلم ،فإن درجة هذا التأثير من حيث القوة
أو العتدال تباي نت بشأن ها التجاهات ،ولذلك ظهرت نظريات التأثيصر القوى ونظريات التأثيصر
المعتدل لوسائل العلم.
ح يث تقرر نظريات التأث ير القوى ” أن لو سائل الت صال الجماهير ية تأثيرات قو ية -
خاصهة على المسهتوى القومهى -إذا مها تهم اسهتخدام هذه الوسهائل فهى إطار حملت إعلم ية
منظمة حسب المبادئ الساسية للتصال ،والتى تتمثل فى إعادة الرسالة العلمية على مدى
زم نى مع ين ( التكرار ) ،والترك يز على جمهور مع ين ت ستهدفه الر سالة العلم ية ،وتحد يد
الهداف بعناية لكى يقوم القائم بالتصال بإنتاج رسائل منسجمة مع هذه الهداف “(.)419
أ ما نظريات التأث ير المعتدل ” فتدرس التأثيرات بعيدة ال مد لو سائل العلم وتفترض
أن تلك التأثيرات -فى ظل ظروف معينة -تتنوع ما بين القوة والضعف “(.)420
ول قد انع كس هذا التطور المتل حق فى نظريات التأث ير العل مى على الف هم العل مى
لطبيعة الدور الذى تلعبه جماهير وسائل العلم فى عملية التصال العلمى ،حيث تطورت
من ” المفهوم السلبى للمتلقى ،إلى مفهوم المتلقى العنيد ،إلى المتلقى الواثق من نفسه ،ثم إلى
المتلقى النش يط ....ولذلك اقترحت بحوث التأثير الهتمام بالثار المعرفية ل الثار القناعية،
والتمييهز بيهن التعرض لوسهائل العلم والنتباه للمضاميهن العلميهة ،حيهث إن المتلقهى قهد
يتعرض بحكم العادة لوسائل العلم دون أن يهتم بما تقدمه من أخبار عن الشئون العامة “(.)421
() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد ،التصال ونظرياته المعاصرة .ص .262 - 261 418
ولقد أدى هذا الهتمام بالثار المعرفية لوسائل العلم إلى بروز « نظريات المعرفة من
و سائل العلم » ،و من أ هم هذه النظريات ” نظر ية التماس المعلومات Information seeking
التهى تفترض أن التعرض النتقائى للفراد يجعلههم يختارون المعلومات التهى تؤيهد اتجاهاتههم
الراهنهة .ونظريهة فجوة المعرفهة Knowledge gapالتهى تفترض أن تدفهق المعلومات مهن
وسهائل العلم داخهل النظام الجتماعهى يؤدى إلى جعهل فئات الجمهور ذوى المسهتوى
القتصهادى الجتماعهى المرتفهع يكتسهبون هذه المعلومات بمعدلت أسهرع مهن الفئات ذوى
الم ستوى القت صادى الجتما عى المنخ فض ،وبالتالى تت جه فجوة المعر فة ب ين فئات الجمهور
المختل فة إلى الزيادة بدلً من النق صان .ونظر ية تحل يل الطار العل مى Framing Analysis
التى تفترض أن الحداث ل تنطوى فى حد ذاتها على مغزى معين ،وإنما تكتسب مغزاها من
خلل وضعها فى إطار Frameيحددها وينظمها ويضفى عليها قدرا من التساق ،من خلل
التركيهز على بعهض جوانهب الموضوع وإغفال جوانهب أخرى ،فالطار العلمهى ههو تلك
الفكرة المحورية التى تنتظم حولها الحداث الخاصة بقضية معينة ”(.)422
وتن بع واقع ية التعا مل مع الثار المعرف ية لو سائل العلم من النتائج المتراك مة لبحوث
التأثير العلمى على مدى العقود الماضية ،والتى لم تستطع أن تحدد آثارا حتمية يمكن أن تنتج
عهن التعرض لوسهائل العلم ،وإنمها ههى آثار يرتبهط احتمال تحققهها بالعديهد مهن الظروف
المصاحبة .ولذلك يظل الطار الشهير الذى وضعه « برنارد ولسون » عام 1948صادقا تماما،
والذى ينص على أن ” بعض أنواع التصال لبعض أنواع القضايا تؤدى إلى اهتمام بعض البشر
بمحتوى وسائل العلم فى ظل بعض الظروف ما ينتج عنه بعض أنواع الثر “(.)423
حيث أثبتت البحوث المتراكمة لدراسة تأثيرات وسائل العلم ،أن هناك خمس حالت
على القل يمكن أن تؤدى إلى إحداث تأثير ما لوسائل العلم وهى(:)424
-أن تكون وسائل العلم هى السبب المباشر الوحيد لحدوث الثر وهى حالة نادرة الحدوث.
-قد تكون وسائل العلم هى السبب فى إحداث الثر فى حالة وجود عوامل وسيطة.
-قد تكون وسائل العلم هى العامل الوسيط وعوامل أخرى هى السبب فى إحداث التأثير.
-قد تكون وسائل العلم سببا ضروريا ولكنه ليس كافيا لحداث الثر.
-قد تكون وسائل العلم سببا كافيا ولكنه ليس ضروريا لحداث الثر.
() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد ،مرجع سابق .صفحات .348 - 337 422
)(Berelson, B., Communication and public opinion. In w.Schramm, )ed.(, Mass Communication,
423
.اقتبسه :حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد ،التصال ونظرياته المعاصرة .ص p. 500.396
() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد ،مرجع سابق .ص .403 - 402 424
- 356 -
ولهذا فإن ” النتائج المتراكمة عبر خمسة عقود من البحث العلمى المنهجى ..تبين أن
جمهور وسائل العلم ..ليس عاجزا .وأن وسائل العلم ليست طاغية .وأن النظرية الناشئة
حول تأثيرات العلم المشروطهة والمتواضعهة ،تسهاعد على وضهع الدورة التاريخيهة للخوف
الخل قى من و سائل العلم الجديدة ض من الت صور ال صحيح ...ف قد تبين أن مؤثرات القناع
تُكبَح عن طريق دفاعات معرفية ،يتمتع بها أولئك الذين أولوا الموضوع بعض التفكير بشكل
مسهبق وتوصهلوا إلى تكويهن قناعات عقليهة ..فالناس ل يتلقون الرسهائل لمجرد تخزينهها على
صفحة معرف ية مل ساء ..والفراد يعتمدون على معرفت هم المنظ مة الم سبقة فى تف سير وتكو ين
مغزى المعلومات والرسائل الواردة إليهم “(.)425
وبالتالى فإن معاينة التأثير العلمى تبدو عملية شديدة التعقيد ،نظرا لتداخل العديد من
الظروف والعوا مل المحي طة بالمتلق ين مع مضمون الر سائل العلم ية المنشورة خلل و سائل
العلم .المر الذى يجعل من معاينة الثر المعرفى أو المعرفة المنقولة بمثابة الوسيلة القرب
إلى الواقعية ،والنتيجة القابلة للقياس .فى حين يبدو تحديد الثر القناعى بمثابة محاولة تحتاج -
ح تى يُك تب ل ها النجاح -إلى أفراد ت مت مراق بة ماضي هم بكا فة أبعاده ،ح تى يم كن التفر قة ب ين
الثار الناشئة عن وسائل العلم والثار الناشئة عن المؤثرات العديدة الخرى.
() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد ،مرجع سابق .صفحات .122 - 120 426
- 357 -
اتجاه يتبنهى معطيات النظريهة الثقافيهة النقديهة :التهى ترى أن وظيفهة وسهائل العلم ()2
ودورها الثقافى يتمحور فى دعم الهيمنة Hegemanyلمن هم فى مراكز القوة.
اتجاه يتب نى توجهات نظر ية القت صاد ال سياسى :ال تى اهت مت بدرا سة سيطرة ال صفوة ()3
على المؤ سسات القت صادية م ثل البنوك وال سواق ...وكيف ية سيطرة تلك المؤ سسات
القت صادية على المؤ سسات الجتماع ية ومن ها و سائل العلم ودفع ها لتحق يق أهداف ها
ومصالحها القتصادية.
() عواطف عبد الرحمن ،قضايا التبعية العلمية والثقافية فى العالم الثالث .ص ( 47بتصرف ). 427
البحوث العلميهة فهى أغلب دول العالم الثالث على النظريات والمناههج التهى نشأت فهى الدول
الغربية ،ومحاولة تطبيقها على دول العالم الثالث رغم اختلف الخلفيات التاريخية والجتماعية “.
() أيمن منصور ندا " ،الختراق الثقافى عن طريق البث الوافد :دراسة مسحية لدبيات الختراق " ،فى سعد لبيب ( محرر 429
) ،أعمال ندوة الختراق العلمى للوطن العربى ( القاهرة 24 - 23نوفمبر .)1996ص .24
() حسن حامد " ،الختراق فى مجال الخبار والمعلومات " ،فى سعد لبيب ( محرر ) ،المرجع السابق .ص .81 430
() إياد شاكر البكرى ،عام 2000حرب المحطات الفضائية .ص .249 431
- 359 -
المبحـث الثـانى
المسئولية المعرفية وتشكيل الوعى الجتماعى
فى ظل البعاد العلمية للعـولمـة
رغم النتائج المبريقية التى توصلت إليها بحوث نظريات التأثير المعتدل لوسائل العلم ()1
حول تأثيرات وسهائل العلم المشروطهة والمتواضعهة الناشئة عهن ال ساليب النتقائيهة فهى
التعرض والدراك والتذكر .وتطور خبرة المتلقى فى التعامل مع وسائل العلم من المتلقى
ل إلى المتل قى النش يط .إل أن تلك البحوث اعتمدت فهى مع ظم نتائج ها على
ال سلبى ،و صو ً
المتلقين فى الدول الغربية المتقدمة التى تحظى بمساحة كبيرة من حرية التعبير ،المر الذى
كفل للمتلقين فى تلك الدول خبرة التعامل مع الراء المتعددة والتجاهات الفكرية المتنافسة.
وبالتالى تراكمت لديهم الخبرات العلمية التى تكفل القدرة على الختيار وتكوين المواقف
ومن ثم التعامل النشط غير السلبى مع ما تقدمه وسائل العلم ..ولكن المر يختلف تماما
فهى دول العالم الثالث ذات النظهم العلميهة الموجههة التهى تفتقهر إلى الراء المتعددة
والتجاهات الفكريهة المتنافسهة ،والتهى غالبا مها يسهود فيهها التجاه الواحهد الذى يعبّر عهن
توجهات ال سلطة الحاك مة .وبالتالى تفت قر جماه ير و سائل العلم فى هذه الن ظم العلم ية
ل فى هذا المناخ
الموج هة للقدرة على التعا مل الن شط مع الراء المتعددة ال تى ل تو جد أ ص ً
الذى يتسم بالجمود الفكرى .ولذلك فإن النتائج المبريقية التى توصلت إليها بحوث نظريات
التأث ير المعتدل لو سائل العلم ،ل تنطبهق على المتلق ين بالنظهم العلم ية الموج هة ،نظرا
لنجاح تلك النظهم فهى تزييهف وعهى جماهيرهها .ورغهم مها تطرحهه التطورات الهائلة فهى
تكنولوجيها التصهال مهن تجاوز الرسهائل العلميهة الجنبيهة للقيود المعرفيهة المجتمعيهة
أو للحدود الجغرافية فى تلك الدول ذات النظم العلمية الموجهة ،إل أن حاجز اللغة يجعل
من الر سائل العلم ية -ال تى تتخ طى تلك الحوا جز -بل جدوى لعدم إمكان ية فهم ها من
غالب ية المتلق ين ،بالضا فة إلى محدود ية اهتمام تلك الر سائل العلم ية ال تى تتخ طى الحدود
الجغرافية بالقضايا الوطنية المحلية اليومية بدول العالم الثالث ،نظرا لكونها تصدر عن نظم
- 360 -
إعلم ية أجنب ية ته تم فى المقام الول بقضا يا الدول ال تى تنت مى إلي ها .وإلى أن ي تم تحط يم
حا جز الل غة با ستخدام الترج مة الل ية الفور ية للغات ،فإن تزي يف و عى المتلق ين بدول العالم
الثالث سهيظل قائما باسهتخدام نظهم العلم الموجههة بتلك الدول ،وبالتالى لن تنطبهق على
هؤلء المتلقين نتائج الدراسات المبريقية التى توصلت إليها بحوث نظريات التأثير المعتدل
لوسائل العلم.
وقعت كل من النظريات النقدية ومدرسة التبعية فى نفس الخطأ الذى وقعت فيه نظريات ()2
التأث ير المعتدل لو سائل العلم ،وذلك من خلل تعم يم الثار القو ية لو سائل العلم بالن ظم
العلمية الموجهة وتطبيقها على جماه ير و سائل العلم بالنظم العلمية الحرة .وبالتالى
أدى ذلك إلى تجاهل ها ل ما أثبت ته الدرا سات من تطور طبي عة الجمهور -بالن ظم العلم ية
الحرة -من مفهوم المتلقى السلبى إلى المتلقى العنيد أو النشيط ،المر الذى يجعل من مفهوم
التأث ير الحت مى لو سائل العلم بالن ظم العلم ية الحرة مفهوما غ ير عل مى وغ ير واق عى.
حيهث أثبتهت البحاث فهى تلك النظهم الحرة ” أن الجماهيهر ينشئون معانيههم الخاصهة مهن
تفسيراتهم للنصوص العلمية ،وهم غالبا ما يقاومون التفسيرات المفضلة التى توحى بها
تلك النصوص “( .)432وهذا يؤكد أن الخطأ الذى يقع فيه منظرو مدرسة التبعية والنظريات
النقدية ينبع من ”أنهم يؤسسون نتائجهم على تحليل النصوص بدون الشارة عمليا إلى قُراء
تلك النصوص ...حيث ل يبدو أن يخطر لهؤلء المنظرين أن المتلقى ربما قد ل يكون أقل
قدرة من الخبراء على :إصدار الحكام -الفطنة -الشك -حاسة إدراك التساق -تقدير
ما هو مجرد قصة صحفية أو موضوع تلفزيونى -أو حتى يكون لديه شبه شك ماركسى
فهى المنظمات والمؤسهسات الرأسهمالية ..إن مثهل هذه القدرات لو تهم تصهور امتدادهها إلى
المتلق ين -ما عدا المعتوه ين وغ ير النقدي ين من هم -فإن و سائل العلم بب ساطة لن تح قق
مهمتها فى الهيمنة “(.)433
وهذا ما أكد ته درا سة « بي كر ،كي مبرلى » حول « المراهقون والمعا نى الم ستقاة من
التليفزيون » ح يث ” أثب تت الدرا سة عدم اكت ساب المراهق ين -و هم من الفئات العمر ية
القابلة للتأثر بدرجة أكثر من الفئات العمرية الكبر -لية معلومات جديدة تُشكّل أو تُغيّر
معتقدات هم الكائ نة .فالمشاركون فى الدرا سة كانوا موحد ين تقريبا فى ا ستخدامهم و سائل
العلم لتعزيهز قيمههم ومعتقداتههم التهى جلبوهها معههم قبهل المشاهدة ..حيهث فرق هؤلء
432
)(Recent developments: Overview )Post modernity(, In Mass media effects: recent
developments. pp. 1- 2. )Available from Internet(.
433
)(Criticisms of the Marxist approach, In Mass Media effects: Marxism - Criticism.
p. 2. )Available from Internet(.
- 361 -
الفراد الصغار سنا بوضوح بين المواد العلمية التى يرونها فى التليفزيون وبين الحياة
الواقع ية ،وذلك من خلل ا ستخدامهم للتليفزيون لمقار نة أنف سهم و خبراتهم بحياة وو ضع
الشخصهيات التمثيليهة التهى أدركوهها كمجرد خيال ..وبهذا كان المراهقون المبحوثون
مشاهديهن نشطيهن يميلون لمعالجهة مضمون العرض الذى يشاهدونهه ،حيهث أخذوا عصها
البلياردو مهن الشخصهيات المُشاهَدة ،وكونوا أحكامههم عهن السهلوك الجيهد والردئ تبعا
لمعتقداتهم الخاصة ،والنتيجة هى تعزيز معتقداتهم الكائنة “(.)434
وهذا يوضهح أن جمهور وسهائل العلم بالنظهم العلميهة فهى الدول المتقدمهة قهد
كوّن مهارة ل بأس بهها فهى ” تنظيهم وانتقاء واسهتخلص المعلومات مهن خلل
إسهتراتيجيات ناجحهة مهن الهتمام الجزئى “( ، )435ممها يجعهل مهمهة تزييهف الوعهى
أو الختراق الثقافهى مهمهة تزداد صهعوبة يوما بعهد آخهر بسهبب تنامهى الخهبرات
العلمية للمتلقين فى الدول المتقدمة.
( )3إن البعاد العلم ية للعول مة -وال تى يتلزم في ها التك تل والتو حد والندماج مع التش ظى
والتجزؤ والنقسام -توضح على عكس توجهات النظريات النقدية ومدرسة التبعية ،عددا
من التطورات اليجابية التى طرأت على الساحة العلمية ،وقللت بالتالى من قدرة النظم
العلم ية العالم ية على ممار سة الختراق الثقا فى النات جة عن سريان الت صال فى اتجاه
وا حد من الشمال إلى الجنوب .ح يث بدأت تتر سخ أقدام عدد من دول الجنوب فى مجال
إنتاج أو تصدير المواد العلمية على مستوى العالم ” بما فيها الفلم ( الهند -مصر )
أو البرا مج التليفزيون ية ( البراز يل -م صر ) وهذه التعدد ية الثقاف ية تع نى تنوع منت جى
المواد العلمية وتعدد اتجاهات التدفق الثقافى “(.)436
434
)(Baker, Kimberly Middleton., Adolescents and the meanings they make from
television.
) Available from Internet (.
() و .رسل نيومان ،مرجع سابق .ص .147 435
() مجد الهاشمى ،العلم الكونى وتكنولوجيا المستقبل .ص .245 437
- 362 -
يختار الم ستهلكون ال سلع الفكر ية المحل ية لن ها تتم تع بمزا يا كثيرة تجعل ها مفضلة على
السلع الفكرية المستوردة “(.)438
علوة على ذلك ..فإن العدد الضخهم مهن القنوات الفضائيهة التهى انطلقهت مهن كافهة
الدول قهد أدى إلى تعزيهز مفهوم التعدديهة الثقافيهة الذى يختصهر بل شهك مهن مفهوم
الختراق الثقافهى ،مهن خلل إتاحهة فرصهة عريضهة لعرض العديهد مهن الرسهائل
العلمية المعبّرة عن ثقافات متنوعة .ولعل تجربة « قناة الجزيرة القطرية الفضائية »
خلل الحرب ضد الرهاب فى أفغانستان عام ،2001وتجربتها هى والقنوات العربية
الخرى خلل الحرب على العراق عام ،2003توضهح المدى الذى وصهل إليهه ذلك
التعدد العلمى الثقافى فى التعامل مع الحداث العالمية.
ل)
إن فاعليات شبكات المعلومات ( النترنهت حاليا والطريهق السهريع للمعلومات مسهتقب ً ()4
تقلل إلى حد كبير من صحة التفسيرات التى تطرحها النظريات النقدية ومدرسة التبعية حول
تزي يف الو عى أو الختراق الثقا فى .ح يث تت يح تكنولوج يا الشبكات الفر صة لكا فة الثقافات
والجماعات للعلن عهن نفسهها دون تكبـهُد النفقات الباهظهة الناشئة عهن تكاليهف إنشاء
القنوات التلفزيونيهة الفضائيهة أو المؤسهسات الصهحفية .المهر الذى سهيضمن تدريجيا عدم
سهيطرة ثقافهة واحدة مهيمنهة على سهاحة الفكار فهى العالم ،ويوفهر الفرصهة لعرض التنوع
الثقافهى العالمهى عهبر مدى البهث الواسهع واللنهائى لشبكهة النترنهت .وهذا يوضهح تقادم
ال مبررات ال تى كا نت ت ستند إلي ها النظريات النقد ية ومدر سة التبع ية فى تأكيد ها للختراق
الثقا فى ،انطلقا من سريان الت صالت العالم ية فى اتجاه وا حد من الشمال إلى الجنوب،
وعدم تناسهب تلك المهبررات مهع مسهتحدثات العصهر الحالى .وذلك لن شبكات المعلومات
أتاحت الفرصة للتصالت العالمية كى تسرى من وإلى كافة التجاهات ،وذلك عبر نطاق
البث العريض للنترنت المتوفر لكل الثقافات لكى تمارس من خلله الرسال والستقبال فى
نفس الوقت.
إن النظريات النقديهة ومدرسهة التبعيهة ،دأبهت على تصهوير المضمون الثقافهى للرسهائل ( )5
العلم ية الجنب ية باعتباره يم ثل خطرا فى حد ذا ته ،لمجرد كو نه مضمونا أج نبيا صادرا
عهن ثقافهة أخرى ،وذلك دون السهتناد إلى أيهة نتائج علميهة تجريبيهة مؤكدة توضهح ماهيهة
الخطار التى يتعرض لها المتلقى عند تعرضه لرسائل إعلمية صادرة عن ثقافات أخرى.
ول عل ذلك إن دل على شئ ،فإن ما يدل على التعا مل مع الثقافات باعتبار ها كيان جا مد غ ير
قا بل للتطور والمتزاج بالثقافات الخرى .وأن كل ثقا فة ينب غى أن ت ظل معزولة عن با قى
الثقافات خوفا من خ طر فقدان الهوية والمرجعية .المر الذى يؤدى إلى أن تنغلق كل ثقا فة
على مها بهها مهن سهلبيات دون أدنهى محاولة للتعرف على تلك السهلبيات فهى مرآة الثقافات
الخرى.
ول عل الوا قع العال مى هو أ هم درا سة تجريب ية يم كن ال ستناد إلي ها للرد على الدعاوى
الخا صة بأخطار الختراق الثقا فى .فالدول المتقد مة على م ستوى العالم هى الدول ال تى
انتهجهت سهبيل النفتاح الثقافهى على كافهة الثقافات ،مثهل ( الوليات المتحدة المريكيهة
واليابان والتحاد الورو بى .) ..أ ما الدول ال تى انته جت ممار سات النغلق الثقا فى ف قد
انهارت وتفك كت م ثل ( التحاد ال سوفيتى ودول أور با الشرق ية ) .ول عل الوا قع يمنح نا
القدرة على التنبؤ بأن الصين لن تفلت من هذا المصير لو استمرت السيطرة الستبدادية
للحزب الشيوعى عليها .إذ إن النظام الثقافى المغلق هو الذى يكون ضعيفا أمام الرسائل
العلمية الجنبية .والدليل الكبر على ذلك يتمثل فى حقيقة أن البث الذاعى كان يمتد
من أوربا الشرقية إلى أوربا الغربية وبالعكس ،ولكن الرسائل العلمية الغربية هى التى
كسبت الجولة لصدورها من ثقافات منفتحة إلى ثقافات منغلقة ضعيفة.
ورغم ما يؤكده الواقع العالمى من أن النفتاح الثقافى الناتج عن السياسات الديمقراطية
ههو السهبيل للتقدم ،إل أن الكثيهر مهن الدبيات العلميهة التهى اقتبسهت أطروحاتهها مهن
كتابات النظريات النقديهة ومدرسهة التبعيهة ،مازالت تصهر على التحذيهر مهن الخطار
المؤكدة للختراق الثقافهى على القيهم والمعتقدات ..إلخ ،وذلك رغهم عدم الثبات العلمهى
التجريبى المؤكد لصحة كافة هذه الخطار المزعومة ،فلقد أثبتت معظم الدراسات ” أن
و سائل العلم تقوم بتدع يم المعتقدات الموجودة بالف عل لدى المتلق ين ،وذلك نتي جة لتجاه
الب شر ال طبيعى لحما ية أنف سهم من خلل التعرض النتقائى والدراك النتقائى والتذ كر
النتقائى “( .)439ول عل أ هم المعتقدات الرا سخة فى فطرة الن سان ،نزو عه إلى الحر ية،
وكراهيته للستبداد.
وبالتالى ..فإن مفاهيهم الغتراب الثقافهى وتلشهى الهويهة القوميهة وخلخلة القيهم ،كلهها
مفاهيهم فضفاضهة ل تصهمد أمام التحليهل العلمهى المتعمهق .إذ إن محاولة التحدث عهن
الجوا نب ال سلبية للختراق الثقا فى -إن وجدت على سبيل الفرض -تث ير ت ساؤل هام
حول تجاهل الجوانب اليجابية للختراق الثقافى والتى لبد أن توجد فى أى ثقافة وافدة
بجوار الجوانهب السهلبية .وإذا كان المهر متعلقا بالثقافهة الغربيهة أو المريكيهة فإن قيهم
الحرية والفردية ومفاهيم الديمقراطية واحترام العلم تبدو جوانب إيجابية تطمح أية ثقافة
() حسن عماد مكاوى وليلى حسين السيد ،مرجع سابق .ص .398 439
- 364 -
فى تبنيها واللتزام بها ...ول يمكن تفسير هذا التجاهل الذى وقعت فيه الدراسات النقدية
ودراسهات مدرسهة التبعيهة إل لنهها ” كثيرا مها اكتفهت بتقويهم الثار انطلقا مهن تحليهل
المُنتَج العلمى تحليلً أحادى البعد ،على اعتبار أن الثقافات المحلية مجرد وعاء متقبل
ل حول له ول قوة “ (.)440
إن المواقف الدفاعية التى تنتهجها بعض الدول الوربية أو الغربية ضد البث الجنبى ()6
الوافد ( وبخاصة المريكى ) ل ينبغى الستناد إليها باعتبارها أدلة على صحة التوجهات
ال تى تبالغ فى المخا طر المترت بة على الختراق الثقا فى الج نبى ،ح يث إن تلك الموا قف
تن بع من منطلق الم صالح القت صادية ال صرفة لتلك الدول ال تى تحاول الحتفاظ بمو قع
متقدم لشركاتها العلمية الوطنية سواء فى السوق العلمية المحلية أو العالمية.
وإذا أخذنا فرنسا كمثال ،فإن الصراع الفرنسى من أجل ترسيخ مبدأ الستثناء الثقافى فى
اتفاقيهة الجات لم يكهن نابعا مهن أهداف ثقافيهة صهرفة تسهعى إلى حمايهة الخصهوصيات
الثقافية ،بقدر ما هو نابع من مصالح اقتصادية صرفة تحاول فرنسا حمايتها .حيث ” تقوم
فرن سا بتأم ين خد مة إعلم ية مجان ية عن طر يق القمار ال صناعية ع ند أجواء الذاعات
والتليفزيونات الفريقيهة .وههى تقدم يوميا عشهر دقائق مهن أحداث السهاعة العالميهة
والفريق ية ،وأفلما ت سجيلية ،ك ما أن ها ت بث 25000ساعة سنويا من البرا مج المجان ية،
وههى أخيرا توزع أفلما فرنسهية وتقدم إعانهة ماليهة لهه %80مهن العمال السهينمائية
لفريق يا الناط قة بالفرن سية “( .)441ول تف عل فرن سا كل ذلك إل لضمان روابط ها التاريخ ية
مهع تلك الدول الفريقيهة التهى كانهت مسهتعمرات فرنسهية سهابقة ،ممها يؤدى إلى ضمان
م صالحها القت صادية المترت بة على تلك الروا بط التاريخ ية ،من خلل ا ستئثار الشركات
الفرنسية بغالبية فرص الستثمار فى هذه الدول.
ول عل درا سة قضا يا الختراق الثقا فى دون تجا هل الم صالح القت صادية للدول ،يف سر
الكثير من الممارسات العلمية والثقافية الدولية بغير لغة التآمر والغزو ..وما إلى ذلك
من تعبيرات تفتقر كثيرا إلى الصحة والواقعية.
فالوليات المتحدة مثلً لم تسهع إلى إدخال حقوق الملكيهة الفكريهة للمواد العلميهة
الثقافية ضمن اتفاقية الجات -بحيث تحظى تلك الحقوق بالحماية مثلها مثل باقى السلع
والخدمات -إل لنها اكتشفت ” أنها مقبلة على خسارة كبيرة فى صناعاتها الثقافية التى
() جوزيان جوال وسيلفى كودارى ،تقنيات التصال الحديثة (توجهات وبحوث) .ترجمة صالح العسلى ،ص .45 440
() سيرج لتوش ،تغريب العالم .ترجمة خليل كلفت ،ص .27 441
- 365 -
تمثل %6من الناتج القومى المريكى ،فسعت إلى إدخال جانب الخدمات الثقافية وتأكيده
عبر تحديد معايير هذه الخدمات وإجراءات حماية تلك الحقوق الفكرية “(.)442
وهذا يوضح بأن القضية ليست بأى حال من الحوال مؤامرة لغزو العالم ثقافيا ،بقدر ما
هى رغبة حثيثة فى حماية المصالح القتصادية .وإل لو كان المر رغبة فى الستعمار
الثقافى ،فإن سياسة رفع كافة القيود عن حقوق الملكية الفكرية ،كانت هى التى ستضمن
للمواد العلمية والثقافية المريكية غزو العالم ككل ،اعتمادا على التفوق المريكى الهائل
فى هذا المجال.
علوة على ذلك ..فإن التفوق المريكى فى مجال المواد العلمية والثقافية لم يترسخ
نتي جة مؤامرة لمر كة العالم أو ترو يج النزعات ال ستهلكية ،وإنما لن الوليات المتحدة
أدركت ” أن الثقافة المتدنية المستوى لها سوقا أوسع كثيرا من سوق الثقافة الراقية على
م ستوى العالم .ففي ما تن فق وزارات الثقا فة العل يا فى أور با الموال الباه ظة لد عم أف ضل
الفنانين والموسيقيين والشعراء والروائيين والمخرجين السينمائيين ،تركت الولت المتحدة
المر إلى « هوليود » وإلى وكالت العلن فى نيويورك ،لتقرر ما هى المنتجات الثقافية
الك ثر قابل ية للت سويق فى العالم ..يُضاف إلى ذلك أن الوليات المتحدة ت ستطيع أن ت سوّق
ل أو اليابان أو بريطانيا أو فرنسا
منتجاتها العلمية والثقافية بسهولة أكثر من ألمانيا مث ً
أو ال صين أو إيطال يا أو إيران ،وذلك لن ها بلد مهاجر ين ول يس ل ها هو ية إثن يه أو عرق ية
معينة ،وليس لها هوية تاريخية أو حضارية عميقة الجذور .وبالتالى فإن الثقافة المريكية
ل على المستوى العالمى الشامل مقارنة بالثقافات الخرى “(.)443
تصبح أكثر قبو ً
إن التوجهات الماركسية التى انطلقت منها النظريات النقدية ومدرسة التبعية ،طبعت ( )7
أطروحاتها حول تزييف الوعى والختراق الثقافى بالطابع اليدلوجى ،مما جعلها تركّز
هجومهها على النظهم العلميهة فهى الغرب الرأسهمالى المتقدم بهدف ل ينشهد إل حشهد
الدلة التهى تفضهح عدم صهدق توجهات تلك النظهم حول الحريهة العلميهة ،وتعريهة
ممار سات تزي يف الو عى والختراق الثقا فى الم ستترة ت حت رداء تلك الحر ية .ال مر
الذى جعهل تلك الجهود النقديهة تبدو كمها لو كانهت مجرد محاولت عبثيهة لثبات عدم
أفضل ية الن ظم العلم ية الغرب ية على الن ظم العلم ية الموج هة ،مع تجا هل أ ية مزا يا
ن سبية تتم تع ب ها تلك الن ظم العلم ية الحرة فى مقا بل القيود العلم ية الشديدة ال تى
تُكبّل النظم العلمية الموجهة.
() مصطفى عبد الغنى ،الجات والتبعية الثقافية .ص .20 442
() بول سهالم " ،الوليات المتحدة والعولمهة :معالم الهيمنهة فهى مطلع القرن الحادى والعشريهن " ،فهى أسهامة أميهن الخولى 443
( محرر ) ،العرب والعولمهة ( بحوث ومناقشات الندوة الفكريهة التهى نظمهها مركهز دراسهات الوحدة العربيهة ) .ص 221
(بتصرف).
- 366 -
وفهى الواقهع ..فإن غلبهة الطابهع اليدلوجهى على الجهود العلميهة النقديهة فهى مجال
الدرا سات العلم ية الخا صة بتشك يل الو عى الجتما عى قد أ ضر كثيرا بالقي مة العلم ية لتلك
الدراسهات ،وأدى إلى تعطيهل المحاولت الطامحهة إلى مناقشهة ممارسهات النظهم العلميهة
الغرب ية بموضوع ية تك شف سلبياتها الحقيق ية ولي ست المزعو مة ،وت ضع تلك ال سلبيات فى
حجمها الحقيقى بدون مبالغة .ولعل الممارسات العلمية تكفى وحدها للنهوض كدليل على
الشوط الكهبير الذى قطعتهه النظهم العلميهة الغربيهة فهى طريهق الحريهة العلميهة مقارنهة
بالحواجز والموانع التى مازالت النظم العلمية الموجهة تحاول تجاوزها.
وتزي يف الو عى ،وذلك انطلقا من أن التطور التاري خى يؤ كد أن الن ظم العلم ية لي ست قابلة
للستغلل وإ ساءة الستخدام بطبيعت ها ،وإن ما الذى يح كم توجهات ها هى المرجع ية الفل سفية ال تى
ل لتلك النظم باللتزام بمسئوليات تتناقض مع مسئوليتها الوحيدة والتى تتمثل فى النقل
تسمح أص ً
الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية.
هم
هى تقود توجهات النظه
هى الته
هة هه
هفية الراهنه
وبالتالى فإذا ظلت المرجعيات الفلسه
العلمية ،فإن النتائج التالية هى التى يمكن أن تسود كالتالى:
ستؤدى إ ستراتيجية العول مة للتو حد والتك تل والندماج -فى ظل المرجعيات الفل سفية •
العلميهة القائمهة -إلى تكريهس إمكانات النظهم العلميهة لممارسهات الختراق الثقافهى
المتبادل بين النظم العلمية المتباينة ثقافيا على مستوى العالم.
سهتؤدى تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ النقسهام -فهى ظهل المرجعيات الفلسهفية •
العلم ية القائ مة -إلى ا ستغلل إمكانات الن ظم العلم ية لممار سة تزي يف الو عى على
المستويات المحلية.
وهذا يوضهح أن اسهتمرار تبنهى النظهم العلميهة لمفهوم غيهر مناسهب لمسهئوليتها
العلمية ،انطلقا من المرجعيات الفلسفية القائمة التى تروج للمسئولية الجتماعية أو التنموية
أو اليدلوجية ،سيؤدى بالضرورة إلى اعتراف المجتمع ضمنيا بحق النظم العلمية فى تقييد
القدرات المعرفية لتلك النظم .وبالتالى تبنى الساليب التى تكرس استغلل المكانات التصالية
الحدي ثة للن ظم العلم ية فى ممار سات الختراق الثقا فى عالميا وتزي يف الو عى محليا .وهذا
يوضهح ..أن مفهوم المسهئولية المعرفيهة مهن خلل تبنيهه لمبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير يمثهل
المفهوم المضاد لممار سات تزي يف الو عى والختراق الثقا فى ،وذلك لن ق صر م سئولية الن ظم
العلمية على مهمة النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية ،وتدعيم هذه المسئولية
بعدد من القوا عد المُرشِدة والنماذج العمل ية ال تى تض من عدم التل عب فى المحتوى المعر فى
للرسائل العلمية ،بالضافة إلى توفير الساليب القياسية التى تتيح قياس درجة التزام النظم
العلمية بهذه المسئولية ..كل ذلك سيؤدى إلى عدم إمكانية استغلل إمكانيات النظم العلمية
فى ممار سات تزي يف الو عى أو الختراق الثقا فى ...ك ما يو ضح أن المكانيات التكنولوج ية
الفائقهة المتاحهة حاليا للنظهم العلميهة -والتهى يمكهن اسهتثمارها للنقهل الوافهى للمعرفهة أو
ا ستغللها لتزي يف الو عى والختراق الثقا فى -لن يم كن تفعيل ها إل فى ظل م سئولية إعلم ية
( وظيفة إعلمية ) محددة تتجاوز كافة المسئوليات السائدة حاليا فى الساحة العلمية .وهذه
المسهئولية المحددة ( المسهئولية المعرفيهة ) تتواءم مهع التدفهق المعلوماتهى الهادر التهى وفرتهه
- 368 -
القدرات الفائقة لعولمة التصال انطلقا من تبنيها لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير ...وإل لو جاز
لهذه الم سئولية تقي يد حر ية الت عبير بالعد يد من القيود والحوا جز ،فإن ها ستبدو كم سئولية من
الماضى ،تتعامل مع واقع معلوماتى آخذ فى التحول والتش كل بخطوات متسارعة مبتعدا عن
هذا الماضى.
إن الواقهع العلمهى المعاصهر الذى يتشكهل وفقا للبعاد العلميهة للعولمهة -التهى
تتزاوج فيها مظاهر التوحد والتكتل والندماج مع مظاهر التشظى والتجزؤ والنقسام -يمثل
الرض ية المنا سبة لقرار مفهوم الم سئولية المعرف ية ( الوظي فة المعرف ية ) للن ظم العلم ية،
انطلقا من توافق تلك المسئولية -بخصائصها وأبعادها العملية وأساليبها القياسية وتبنيها لمبدأ
الحر ية المطل قة للت عبير -مع التد فق العل مى والمعلوما تى الهادر ،عبر ال بث التليفزيو نى
الفضائى ،وعهبر شبكات المعلومات العالميهة ( النترنهت حاليا والطريهق السهريع للمعلومات
مسهتقبلً ) .إذ إن المسهئولية المعرفيهة ههى المسهئولية القابلة لحتواء الممارسهات العلميهة
المعاصرة ،وهى المسئولية التى تضمن انفتاح القنوات العلمية ونشر كافة الرسائل العلمية
-ح تى الضارة من ها -مع توف ير الفر صة للمؤ سسات العلم ية لممار سة التد خل العل مى
للتخف يف من تلك الثار الضارة المحتملة ،و هى ال تى تو فر أ ساليب قيا سية ح سابية يم كن من
خللهها قياس مدى التزام المؤسهسات العلميهة بالنقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات
العلم ية .ول عل هذا يم ثل الضمان ال كبر لق صاء الن ظم العلم ية أو المؤ سسات العلم ية
عهن ممارسهات تزييهف الوعهى على المسهتوى المحلى ،أو الختراق الثقافهى على المسهتوى
العالمهى .المهر الذى يؤدى إلى إغلق الطريهق أمام النظهم العلم ية لتهديهد الهويات القوم ية
والثقافيهة ،أو تهديهد السهرار العامهة أو الخاصهة ،أو إثارة الدعاوى العرقيهة والطائفيهة،
أو مناهضهة قيهم المجتمهع وأخلقياتهه ،وذلك انطلقا مهن أن توفيهر السهاليب التهى تسهمح
للمؤسسات العلمية بممارسة التدخل العلمى للتخفيف من الثار الضارة المحتملة للرسائل
العلم ية؛ سيؤدى إلى أن يتوازن مبدأ الحر ية المطل قة للت عبير مع الم صالح الخا صة للفراد
والمصالح العامة للمجتمع.
- 369 -
وقوع النظريات النقد ية ومدر سة التبع ية فى ن فس الخ طأ التعمي مى ،ح ين عم مت الثار •
القوية لوسائل العلم فى النظم العلمية الموجهة على جماهير المتلقين فى النظم العلمية
الحرة ،على الر غم من أن جماه ير المتلق ين فى الدول المتقد مة تمكنوا من تكو ين خبرات
إعلمية تجعلهم فى وضعية المتلقى العنيد والنشط الذى يفند الرسائل العلمية المتنافسة.
تجاههل النظريات النقديهة ومدرسهة التبعيهة للنتائج التهى رتبتهها اسهتراتيجية العولمهة •
للتش ظى والتجزؤ والنق سام م ما أدى إلى القضاء على وضع ية سريان الت صال فى اتجاه
واحهد مهن الشمال إلى الجنوب .حيهث بدأت النظهم العلميهة المتعددة تخترق حقهل البهث
العلمى الفضائى ،وبالتالى أدى ذلك إلى سريان التصال من كل التجاهات.
تجا هل النظريات النقد ية ومدر سة التبع ية للنتائج ال تى رتبت ها فاعليات شب كة النتر نت •
وأدت إلى ال حد من القدرة على ممار سة الختراق الثقا فى على الم ستوى العال مى .ح يث
- 370 -
تتيهح شبكهة النترنهت مهن خلل نطاق بثهها العريهض والواسهع الفرصهة لكافهة الثقافات
والجماعات للعلن عن نفسها دون تحمل النفقات الباهظة لوسائل العلم التقليدية.
خطهأ النظريات النقديهة ومدرسهة التبعيهة فهى التعامهل مهع المضمون الثقافهى الوافهد •
باعتباره يم ثل خطرا فى حد ذا ته ،على الر غم من عدم وجود أ ية نتائج إمبريق ية مؤكدة
توضح مدى صحة هذا التوجه.
تجاهل النظريات النقدية ومدرسة التبعية للبعاد القتصادية التى تمثل الخلفية الحقيقية •
لمواقف الدول من البث الجنبى الوافد ،إذ إن الصراع على المصالح القتصادية للدول حول
استثمارات الصناعات العلمية والثقافية هو الصل فى هذا المر ،وليس الخطر الثقافى.
غل بة الطا بع اليدلو جى على التوجهات ال تى انطل قت من ها النظريات النقد ية ومدر سة •
التبعية .بحيث تجاهلت -فى أغلب الحوال -اليجابيات التى تحظى بها نظم العلم فى
الدول الغربية.
وبالتالى فقد توصلت الدراسة إلى أن استمرار تبنى النظم العلمية للمرجعيات الفلسفية
غ ير الملئ مة -ال تى تعترف بوجود القيود المعرف ية فى بن ية الن ظم العلم ية -سيؤدى إلى
تكريس التقدم التكنولوجى الفائق وتكريس مظا هر العولمة لممارسات الختراق الثقافى المتبادل
على مستوى العالم ،إلى الحد الذى يصل إلى حروب ثقافية متبادلة تعبّر عن صدام الحضارات،
بالضافة إلى ممارسات تزييف الو عى على المستويات المحلية .وذلك انطلقا من أن استمرار
تبنهى المرجعيات الفلسهفية القائمهة -التهى تروج لمسهئوليات غيهر إعلميهة للنظهم العلميهة -
سيؤدى إلى اعتراف المجتمعات ضمنيا بتقي يد القدرات المعرف ية لتلك الن ظم ،وبالتالى ا ستغللها
من خلل القوى المجتمع ية أو العالم ية المتناف سة فى ممار سات تزي يف الو عى على الم ستويات
المحلية ،وممارسات الختراق الثقافى على المستويات العالمية ..وبالتالى فإن العتراف بالوظيفة
المعرف ية للن ظم العلم ية ( الم سئولية المعرف ية ) ال تى تتب نى مبدأ الحر ية المطل قة للت عبير ،هو
الضمان لحماية النظم العلمية من تلك الممارسات.
وبهذا فقد قدمت نتائج هذا الفصل الجابة على التساؤل الرابع من تساؤلت الدراسة
والذى ينص على التى:
« ما هو الدور الذى تمارسه عولمة التصال فى مجال قيام النظم العلمية بتشكيل
الوعى الجتماعى لجماهير المتلقين ؟ ».
وقد تمثلت الجابة على هذا التساؤل فى النتيجة التية:
تؤدى طبيعصة النظصم العلميصة الراهنصة -التصى تسصمح مرجعياتهصا الفلسصفية بتواجصد
القيود المعرفيصة فصى بنيتهصا -إلى إسصاءة اسصتثمار الفرص التصى تطرحهصا عولمصة التصصال
- 371 -
وتكريسصها لممارسصات تزييصف الوعصى محليا والصصدام الثقافصى عالميا ،بدلً مصن تكريسصها
للرتفاع بالقدرات المعرفية للنظم العلمية.
- 372 -
وتفصيل ذلك ..أن تحليل ثنائية السلطة والمسئولية فى بنية النظم العلمية أوضح أن
سلطة النظم العلمية تتمثل فى مجموعة الحقوق العلمية للنسان ،تلك الحقوق التى تعطى
لتلك النظم سلطة جمع المعلومات ونشرها .بينما مسئولية النظم العلمية تتمثل فى مجموعة
الوظائف ال تى تؤدي ها تلك الن ظم بالمجت مع ،وال تى تدور جميع ها حول محور وا حد هو الن قل
الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية التى يوفرها المجتمع عن مجمل أحداثه ووقائعه.
و من هذا المنطلق ت صبح سلطة الن ظم العلم ية سلطة كاش فة ت سلط أضواء ها الكاش فة على
مج مل أحداث المجت مع ووقائ عه ،بين ما م سئولية الن ظم العلم ية ت صبح م سئولية معرف ية لن قل
المعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية.
ول كن نظرا لن الجا بة على الت ساؤل الثا نى من ت ساؤلت الدرا سة تو صلت إلى أن
المرجعيات الفلسهفية التهى تتبناهها النظهم العلميهة الراهنهه تسهاهم فهى اسهتمرار بقاء القيود
- 373 -
المعرفية ( المجتمعية والذاتية ) فى بنية تلك النظم ،فإن تلك المرجعيات تصبح غير ملئمة
لتبنهى مفهوم المسهئولية المعرف ية للن ظم العلم ية باعتباره مفهوما يتنا قض مع كافهة القيود
المعرف ية ( المجتمع ية والذات ية ) ،وال تى تؤدى إلى تقي يد القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية،
ومن ثم النيل من مسئوليتها المعرفية .وانطلقا من هذه النتيجة ..فإن المرجعية الملئمة التى
تو فر الفر صة الكاملة للن ظم العلم ية للقيام بأعباء م سئوليتها المعرف ية ،هى المرجع ية ال تى
تتبنهى مبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير ،باعتبار أن هذا المبدأ ههو الذى يضمهن عدم العتراف
بكا فة القيود المعرف ية ( المجتمع ية والذات ية ) فى بن ية الن ظم العلم ية ،وبالتالى ي سمح لتلك
النظهم بممارسهة مسهئوليتها المعرفيهة المتمثلة فهى النقهل الوافهى للمعرفهة الكامنهة بالمعلومات
العلم ية ال تى يوفر ها المجت مع عن مج مل أحدا ثه ووقائ عه .ال مر الذى يؤدى إلى الرتفاع
بالقدرات المعرفية للنظم العلمية ،ويوفر لها الفرصة كاملة للقيام بأعباء وظيفتها المعرفية
فهى المجتمهع ،بمها يتلءم مهع المنطلقات التهى تطرحهها البعاد العلميهة للعولمهة حاليا أو
مستقبلً.
كما توصلت الدراسة فى محاولتها للجابة على التساؤل الرابع إلى سلبية الدور الذى
تمار سه عول مة الت صال فى مجال قيام الن ظم العلم ية بتشك يل الو عى الجتما عى لجماه ير
المتلقيهن ،ول يرجهع ذلك إلى طبيعهة عولمهة التصهال ذاتهها ،وإنمها يرجهع إلى طبيعهة النظهم
العلم ية الراه نة ،وال تى ت سمح بتوا جد القيود المعرف ية فى بنيت ها ،م ما يؤدى إلى ا ستغلل
مظا هر عول مة الت صال ال تى يتلزم في ها التو حد مع النق سام ،من أ جل تكر يس ممار سات
تزييف الوعى محليا ،والصدام الثقافى عالميا.
وتفصهيل ذلك ..أن الدراسهة عرضهت للدراسهات الغربيهة التهى تتبنهى فرضيهة التأثيهر
المعتدل لو سائل العلم ،ا ستنادا إلى البحوث ال تى ر صدت تطور خبرات جماه ير المتلق ين،
وتطور المتلقهى مهن « المتلقهى السهلبى » إلى « المتلقهى النشيهط » .كمها عرضهت الدراسهة
لدرا سات المدر سة النقد ية ومدر سة التبع ية وال تى تتب نى فرض ية التأث ير القوى لو سائل العلم
وقدرتها على تزييف وعى الجماهير محليا وممارسة الختراق الثقافى عالميا.
ولقهد أخضعهت الدراسهة نتائج هذه الدراسهات للتحليهل النقدى ،وأوضحهت أن نتائج
الدراسات الغربية حول التأثير المعتدل لوسائل العلم والمتلقى النشيط ل تنطبق بأى حال
من الحوال على وضعية وسائل العلم والمتلقين بدول العالم الثالث ذات النظم العلمية
الموجههة ،والتهى تمارس وسهائل العلم فيهها تأثيرا دعائيا قويا يؤدى إلى تزييهف وعهى
مواطني ها .ك ما أو ضح التحل يل النقدى أن نتائج الدرا سات النقد ية ودرا سات مدر سة التبع ية
حول التأثيهر القوى لوسهائل العلم وقدرتهها على تزييهف الوعهى والختراق الثقافهى ل
- 374 -
تنط بق بدا ية على جماه ير المتلق ين بالدول الغرب ية والذ ين اكت سبوا خبرة فى التعا مل مع
و سائل العلم ،ك ما ل ت صمد نتائج تلك الدرا سات أمام التطورات الراه نة ال تى فرضت ها
البعاد العلمية للعولمة ،وأمام التطورات فى التكنولوجيا التصالية العلمية المعلوماتية
الفائقهة ،ممها أدى إلى عدم قدرة أيهة قوة أو دولة أو جههة واحدة على النفراد بممارسهة
الختراق الثقافهى .إذ إن تعدد مراكهز النتاج العلمهى واسهتمرار تزايهد عدد الفضائيات
العالم ية المختل فة الجن سيات والنتماءات ،بالضا فة إلى الفاعليات المهولة لشب كة النتر نت
والمتاحهة لكافهة الثقافات ،قهد أدت إلى إمكانيهة مواجههة الختراق الثقافهى باختراق ثقافهى
مضاد.
وتأسيسا على ذلك فقد أوضحت الدراسة أن البعاد العلمية للعولمة -والتى يتلزم
فيهها التوحهد والتكتهل والندماج مهع التشظهى والتجزؤ والنقسهام -قهد يمكهن إسهاءة اسهتثمار
نتائجها التكنولوجية والمعرفية من خلل تكريسها عالميا لممارسات الختراق الثقافى المتبادلة
على مسهتوى العالم ،إلى الحهد الذى يمكهن أن يتطور إلى حروب وصهدامات ثقافيهة متبادلة،
بالضافة إلى إمكانية تكريسها محليا لممارسات تزييف الوعى ،انطلقا من الهواجس الوطنية
المتطرفة للحفاظ على الهوية القومية فى مواجهة التحولت العولمية المتصاعدة.
وبالتالى فإن تبنى النظم العلمية لمفهوم المسئولية المعرفية ( الوظيفة المعرفية ) -
بمرجعيتها الفلسفية الكافلة للحرية المطلقة للتعبير -هو الذى يضمن عدم إساءة استثمار الثار
اليجابيهة ( التكنولوجيهة والمعرفيهة ) للبعاد العلميهة للعولمهة ..إذ إن الرتفاع بالقدرات
المعرفية للنظم العلمية من خلل تقليص القيود المعرفية ( المجتمعية والذاتية ) فى بنية تلك
النظهم سهيؤدى إلى الرتفاع بدرجهة صهعوبة انتهاج ممارسهات تزييهف الوعهى أو الختراق
الثقافى ،وبالتالى تتمكن النظم العلمية من ممارسة فاعلياتها فى إطار التزامها بدورها الوحيد
المتمثل فى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية التى يوفرها المجتمع عن مجمل
أحداثه ووقائعه.
وبالتالى فإن النتائج التى توصل إليها الباب الثالث يمكن صياغتها فى التى:
- 375 -
« •1يمثصل كصل مصن الطابصع « المعرفصى » لمسصئولية النظصم العلميصة والطابصع « الكاشصف »
ل سلطتها الطابع ين الملئم ين للرتفاع بالقدرات المعرف ية للن ظم العلم ية فى ظل مرجع ية
فلسفية تتبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير ».
« •2تؤدى طبيعصة النظصم العلميصة الراهنصة التصى تسصمح مرجعياتهصا الفلسصفية بتواجصد القيود
المعرف ية فى بنيت ها إلى إ ساءة ا ستثمار الفرص ال تى تطرح ها عول مة الت صال ،وتكري سها
لممارسصات تزييصف الوعصى محليا والصصدام الثقافصى عالميا ،بدلً مصن تكريسصها للرتفاع
بالقدرات المعرفية للنظم العلمية ».
- 376 -
خاتمـــــة الــدراســـــة
محتـويـات
خاتمـــة الدراســة
إشـــــــــارات
إشـــارات
« فى مجال التفكير ..ليس ثمة عبارات سلطوية ».
( هيدجهر )
) ( نقلً عن :مراد وهبة ،مُلك الحقيقة المطلقة .ص 73
« يرى الكثيرون العلم م صدرا لليق ين ،صندوقا مليئا بالجابات ال تى يم كن ا ستخراجها ع ند
مواجهصة أسصئلة الحياة .ولكصن العلماء يرون غيصر هذا ،إذ يرون العلم منهجا للبحار بفعاليصة
وكفاءة وسصط عالم الليقيصن .وليصس العلم مسصألة تراكصم وتجميصع حقائق .ذلك أن العالم
الخارجى نادرا ما يعرض علينا حقائق جلية صادقة تماما ،وإنما يقدم لنا ضروبا متنوعة من
المؤشرات بحاجة إلى تفسير ...إن ما يقدمه العلم ليس حقائق بل فهما ،ول يقدم إجابات بل
خططا لحداث محتملة ».
[ يان ستيوارت وجاك كوهين " ،وهم الحقيقة :العقل الباحث عن المعرفة " ،عرض شوقى جلل ،سلسلة كراسات ( عروض ) .ص
] 23
« أن تطرح أسئلة كبيرة فأنت تخاطر بالحصول على نتائج مغلوطة .ولكن عدم طرحها على
( جورج شتاينر ) الطلق هو تقييد لمكانية الفهم وكبح لها ».
( نقلً عن :آلفين توفلر ،حضارة الموجة الثالثة .ترجمة عصام الشيخ قاسم ،ص ) 14
« التجر بة ل تف ضى منطقيا للنظر ية العلم ية ،بل هى بالحرى قراءة للمعر فة التجريب ية
بواسطة فعل فردى خلق .ومجتمع البحث العلمى الباحث عن الصدق والحقيقة يمحص تلك
البصيرة الخلفة جيدا ،قبل أن يُصدّق عليها ».
( جون بولكين هورن " ،ما وراء العلم :السياق النسانى الرحب " ،عرض يمنى طريف الخولى ،سلسلة كراسات ( عروض ).
) ص 28
« لعله من الخ طأ تأ سيس نظر ية ما على الكميات القابلة للمشاهدة ف قط ،ذلك أن الوا قع هو
العكس تماما ،فالنظرية هى التى تحدد ما يمكن مشاهدته ،كما أن المشاهدة فى حد ذاتها تعد
( ألبرت أينشتاين ) عملية معقدة للغاية ».
( نق ًل عن :صلح محمود عثمان محمد ،التصال واللتناهى بين العلم والفلسفة .ص ) 236 - 235
- 378 -
« ل يجب أن ندع أى إنسان يقنعنا بأن العلم قد أوشك على النتهاء ،أو أن كل شيئ تقريبا
كان من الوا جب معرف ته قد عُرف .فإذا عد نا للوراء وعدد نا النجازات جنبا إلى ج نب مع
الشياء الغام ضة ال تى لم يتو صل العلم لحل ها .فرب ما يكون من ال سهل أن ن ستنتج أن العلم
ل يزال يخطو خطواته الولى ».
( أندريه سكوت ،جوهر الطبيعة .ترجمة هاشم أحمد محمد ،ص ) 113
- 379 -
توصلت الدراسة إلى أن الثر الذى تمارسه عولمة التصال على المتغيرات الوظيفية ()2
الحاكمة فى بنية النظم العلمية الراهنة هو أثر غ ير متوازن ،ومن ثم ل يساعد تلك
الن ظم على القيام بأعباء وظيفت ها فى المجت مع على الو جه الك مل .ح يث تؤدى عول مة
الت صال إلى ت صاعد القدرات التكنولوج ية للن ظم العلم ية بمعدلت أك ثر ت سارعا من
تصاعد درجة شفافيتها ،ول يتم ذلك بسبب خلل فى عولمة التصال ذاتها ،وإنما نتيجة
للدور السلبى الذى تمارسه القيود المعرفية الكائنة فى بنية تلك النظم.
وقد توصلت الدراسة إلى معادلة رياضية توضح العلقة بين هذه المتغيرات الوظيفية
الحاكمة فى بنية النظام العلمى ..تمثلت فى التى:
القدرات المعرفية للنظام العلمى = درجة شفافية النظام العلمى ×
قدراته التكنولوجية
توصهلت الدراسهة إلى وجود ارتباط بيهن المرجعيات الفلسهفية العلميهة التهى تتبناهها ()3
الن ظم العلم ية وب ين القيود المعرف ية الكائ نة فى بن ية تلك الن ظم .ح يث تعترف كا فة
- 380 -
المرجعيات الفلسهفية العلميهة بشرعيهة تواجهد القيود المعرفيهة ببنيهة النظهم العلميهة
بدرجات متفاوتهة ،كمها ل تقدم التوصهيف الجيهد لثنائيهة السهلطة والمسهئولية فهى بنيتهها،
المر الذى يؤدى إلى إعاقة تصاعد القدرات المعرفية للنظم العلمية ويؤثر سلبيا على
قيامها بوظيفتها فى المجتمع.
توصلت الدراسة إلى أن الطابع « الكاشف » هو الطابع الملئم لتوصيف جانب السلطة ()4
فى بن ية الن ظم العلم ية ،بين ما الطا بع « المعر فى » هو الطا بع الملئم لتو صيف جا نب
المسئولية فى بنية تلك النظم .وبالتالى فإن المرجعية الفلسفية التى تتلءم مع هذه الثنائية
تتمثل فى المرجعية التى تتبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير .المر الذى يضمن فى مجمله
العام إلغاء القيود المعرف ية وعدم التعا مل مع ها باعتبار ها من الم سلمات فى بن ية الن ظم
العلم ية ويؤدى إلى الت صاعد المت سارع للقدرات المعرف ية للن ظم العلم ية ،من خلل
تصاعد درجة شفافيتها بنفس معدل تصاعد قدراتها التكنولوجية .مما يضمن توازن الثر
الذى تمارسه عولمة التصال على المتغيرات الوظيفية الحاكمة بالنظم العلمية.
تو صلت الدرا سة إلى سلبية الدور الذى تمار سه عول مة الت صال فى مجال قيام الن ظم ()5
العلمية بتشكيل الوعى الجتماعى لجماهير المتلقين .ول يرجع ذلك إلى طبيعة عولمة
التصهال ذاتهها ،وإنمها إلى طبيعهة النظهم العلميهة الراهنهة التهى تسهمح بتواجهد القيود
المعرفية فى بنيتها ،مما يؤدى إلى استغلل مظاهر عولمة التصال -التى يتلزم فيها
التوحد مع النقسام -من أجل تكريس ممارسات تزييف الوعى محليا والصدام الثقافى
هههة
هههئوليتها المعرفيه
هههة بمسه
هههم العلميه
عالميا .وبالتالى فإن التزام النظه
( وظيفتها المعرفية ) -التى تتبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير -هو الذى يضمن عدم
إساءة استثمار الثار اليجابية ( التكنولوجية والمعرفية ) للبعاد العلمية للعولمة.
تو صلت الدرا سة إلى أن عول مة الت صال -ب ما قدم ته من قدرات تكنولوج ية فائ قة ()6
للنظم العلمية ،وبما كشفت عنه من تباطؤ معدلت تصاعد درجة شفافية تلك النظم،
و من ثم تقلص قدرات ها المعرف ية -قد ساهمت فى إبراز « الوظي فة المعرف ية » للن ظم
العلم ية .إذ إن التزام تلك الن ظم بم سئوليتها ( وظيفت ها ) المعرف ية ،هو الذى سيؤدى
إلى عدم إهدار المكانات التهى تتيحهها العولمهة للنقهل الوافهى للمعرفهة ،فهى ظهل تطور
التصال الجماهيرى من التصال المحدود إلى التصال شبه الكامل عن بُعد ،وفى ظل
المكانية المتاحة لكافة المجتمعات للوصول إلى مرحلة التشبع التكنولوجى العلمى.
- 381 -
ا ستنبطت الدرا سة من الدرا سات ال سابقة حول العول مة ،أن العول مة من وج هة الن ظر ()2
المعرفيهة مصهطلح خلفهى ل يوجهد اتفاق على تعريفهه ،لنهه غالبا مها تؤدى التوجهات
اليدلوجيهة إلى تعريهف مصهطلح العولمهة وفقا لمنظور كهل أيدلوجيهة .ففهى حيهن يراهها
البعهض شرا مطلقا يراهها البعهض الخهر خيرا مطلقا ،وذلك وفقا للنتماءات اليدلوجيهة
لكهل فريهق .ولذلك فإن التعريهف المحايهد الذى يوصهّف العولمهة انطلقا مهن أنشطتهها
العمليهة ،ههو الذى يرى أن العولمهة مها ههى إل « زيادة درجهة الرتباط المتبادل بيهن
المجتمعات النسهانية مهن خلل سههولة عمليات انتقال السهلع ورؤوس الموال وتقنيات
النتاج والشخاص والمعلومات ».
استنبطت الدراسة أن العولمة من وجهة النظر الفلسفية يمكن اعتبارها الوجه التطبيقى ()3
لفل سفة مها بعهد الحدا ثة .إذ إن العول مة كظاهرة تاريخيهة كهبرى بمثابهة تجاوز للمشروع
الفكرى لفل سفة « الحدا ثة » وأقرب إلى فل سفة « ما ب عد الحدا ثة » .فل قد كا نت الحدا ثة هى
فلسفة « العالمية » بينما تبدو ما « ما بعد الحداثة » هى فلسفة العولمة .حيث تبتعد فلسفة
مها بعهد الحداثهة عهن المطلقات التهى أسهست لهها فلسهفة الحداثهة ،وتقترب مهن الممكنات
والحتمالت المفتوحهة .وبالتالى فههى بمثابهة انتقال مهن الحتميهة إلى النسهبية ،ومهن رؤيهة
« نيوتن » الحتمية للكون إلى رؤية « أينشتاين » النسبية لذات الكون ،فبسقوط المطلق الزمنى
- 382 -
سقط أيضا المطلق المكا نى ،وأدت الثورة الت صالية الشبك ية على م ستوى العالم إلى أن
يتم ضغط المكان وتسريع إيقاع الز من .وبالتالى أصبح العالم كله حاضرا فى كل نق طة
من نقاط المكنة الموجودة على كوكب الرض ،ومن ثم فإن فلسفة ما بعد الحداثة تقدم
نفسها باعتبارها الخلفية الفكرية التى يتحرك أمامها مشهد العولمة الذى تسرى فيه السلع
ورؤوس الموال والشخاص والمعلومات عبر أقطار العالم بسرعة الصوت أو الضوء.
ا ستنبطت الدرا سة من ف حص الفاعليات العمل ية للعول مة على الصعدة المتعددة أن مظا هر ()4
العولمة تتلزم فيها المتناقضات والمتفارقات ،بحيث تبدو كعملية مركبة مزدوجة ومتعارضة،
يتجاذب فيها منطق التوحيد مع أليات النقسام ،ويعمل الميل إلى الئتلف والتجانس مع الميل
ح د ال طر فى إطار وا حد
إلى الختلف والتنا فر .وبالتالى فالعول مة فى مظاهر ها العمل ية تُو ّ
بينمها تقسهم المضاميهن ،وتختصهر المرجعيات بينمها تتفرع فهى الوسهائل والسهاليب .ولهذا
استحدثت الدراسة تصنيفا لمظاهر العولمة يقسمها إلى مظهرين ،وهذان المظهران هما:
« إستراتيجية التوحد والتكتل والندماج » و« تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام »
بحيث تمارس العولمة فاعلياتها وفقا لكل من :إستراتيجية التوحد والتكتل والندماج التى
تعمهل على توحيهد الطهر والمرجعيات وتقويهة الترابهط والتقارب والتداخهل على كافهة
المستويات ،وتكتيات التشظى والتجزؤ والنقسام التى تعمل فى ذات الوقت على تكريس
التعدد والتنوع والختلف.
ول عل هذا التنا قض ب ين هذ ين المظهر ين اللذ ين تتمظ هر العول مة وفقا له ما ،هو الذى
يمنحها البنية الواقعية التى تعبّر عن منطق المور والشياء فى طبيعتها الفطرية .فالكل
يتركب من الجزاء والجزاء تتفرع من الكل ..وهكذا.
وبالتالى ..فإن أ عم مظاهر العولمة يمكن صياغتها فى التعبير التالى :التوحد الملزم
للتشظى والتكتل الملزم للتجزؤ والندماج الملزم للنقسام.
ا ستحدثت الدرا سة ت صنيفا لمؤ سسات العول مة -ويُق صد ب ها القطاعات ال تى تمارس ()5
العولمة أنشطتها من خللها عبر العالم -يُقسّمها إلى نوعين:
أ -مؤسهسات البنيهة التحتيهة للعولمهة :وههى القطاعات الموفّرة لقنوات ووسهائل الربهط
والتصال بين أجزاء العالم المتعددة ،وتتكون من:
• خطوط المواصلت البحرية والجوية ( السياحية والتجارية ).
• شبكات التصالت والعلم الكابلية واللسلكية وشبكات البث الفضائى المباشر.
• شبكة النترنت.
- 383 -
ب -مؤسهسات البنيهة الفوقيهة للعولمهة :وههى القطاعات التهى تمارس أدورا سهياسية
أو اقتصادية أو ثقافية أو إعلمية على المستوى العالمى ككل وتتكون من:
• المنظمات والتفاقيات والمواثيق الدولية.
• الشركات متعددة الجنسيات وأسواق المالية العالمية.
• المنظمات الدولية غير الحكومية ( منظمات المجتمع المدنى ).
استنبطت الدراسة أن « البعاد السياسية للعولمة » تكشف عن النتائج التالية فيما يتعلق ()6
بسيادة الدولة وتطور الديمقراطية ودور المجتمع المدنى ..وذلك كالتى:
سهيادة الدولة :تكشهف البعاد السهياسية للعولمهة ..أن إسهتراتيجية العولمهة للتوحهد أ-
والتكتل والندماج تقود نحو النمو التدريجى لقيام حكومة عالمية على مستوى العالم
ككل ،قد تكون هيئة المم المتحدة أقرب نموذج لمعالمها .ولكن المستقبل سيسفر عن
الملمح العامة لتلك الحكومة العالمية التى -فى الغالب -ستختلف عن الحكومات
القومية الحالية ،سواء فى مجال البنية الهيكلية أم السلطات الدستورية والقانونية.
كمها تكشهف البعاد السهياسية للعولمهة أن تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ
والنق سام ستقود ن حو التقلص التدري جى لدور الدولة على الم ستوى القو مى ،ون قل
هذا الدور إلى المستويات المحلية وقطاعات المجتمع المدنى.
والنتي جة العا مة ..أن العول مة ستؤدى إلى تطور دور الدولة ،بح يث تن قل جزءً
من سيادتها إلى المستوى فوق القومى ( الحكومة العالمية ) وجز ًء آخر من سيادتها
إلى المستوى المحلى ( المجتمع المدنى ).
ج -دور المجتمهع المدنهى :تكشهف البعاد السهياسية للعولمهة ..أن إسهتراتيجية العولمهة
للتوحد والتكتل والندماج تقود منظمات المجتمع المدنى على المستوى العالمى إلى
الندماج فى تكتلت تعكس إرادة جماعية فى مواجهة إرادة الحكومات .بينما تقود
- 384 -
تكتيات التش ظى والتجزؤ والنق سام على الم ستوى المحلى ،ن حو تش ظى المجتمعات
المحليهة إلى تجمعات صهغيرة تعكهس إرادة القليات فهى مقابهل الرادة الجماعيهة
للمجتمع المحلى.
ا ستنبطت الدرا سة أن « البعاد القت صادية للعول مة » تك شف عن النتائج التال ية في ما ()7
يتعلق بتطور السهوق وآلياتهه ،ودور الشركات متعددة الجنسهيات ،ودور القوى الضابطهة
لليات السوق أو سياسات الشركات ..وذلك كالتالى:
تطور السوق وآلياته :تكشف البعاد القتصادية للعولمة ..أن إستراتيجية العولمة أ-
للتو حد والتك تل والندماج تقود ن حو د مج ال سواق المحل ية على م ستوى العالم ب ما
يؤدى إلى تكوين سوق عالمية واحدة .بينما تقود تكتيكات العولمة للتشظى والتجزؤ
والنقسام إلى تجزؤ السواق وتعددها وتنوعها فى مجال نوعيات السلع والخدمات
بما يتناسب مع رغبات كل عميل باتساع العالم.
ج -دور القوى الضابطهة لليات السهوق وسهياسات الشركات :تكشهف البعاد القتصهادية
للعولمة أن إستراتيجية العولمة للتوحد والتكتل والندماج تقود القوى الضابطة لممارسات
السوق وآلياته نحو التوحد والندماج على المستوى العالمى ،وذلك لممارسة دورها فى
ضبهط آليات السهوق .وتقود القوى الضابطهة لسهياسات الشركات نحهو التكتهل على
المستوى العالمى وذلك لممارسة دورها فى الحفاظ على ضمانات وحقوق العاملين.
بينما تكشف تكتيكات العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام عن التجاه نحو تعزيز
النقسام وتصاعد الصدام ما بين توجهات القوى الضابطة لممارسات السوق وآلياته
والقوى الضاب طة ل سياسات الشركات ،وذلك لتنا مى التعارض ب ين توجهاته ما على
المستوى المحلى أو العالمى.
استنبطت الدراسة أن البعاد الثقافية للعولمة تكشف عن النتائج التالية فيما يتعلق بكل ()8
من :الحضارة ،والثقافة ،والهوية وذلك كالتالى:
- 385 -
الثقا فة :تك شف البعاد الثقاف ية للعول مة ..أن إ ستراتيجية التو حد والتك تل والندماج أ -
تقود نحو نمو ثقافة ذات ملمح عالمية على المستوى العالمى تتضمن قيم وأخلقيات
ومعايير وسلوكيات ومنتجات فكرية ذات طابع عالمى .بينما تؤدى تكتيكات التشظى
والتجزؤ والنقسهام إلى تأكيهد التنوع والتمايهز بيهن الثقافات المحليهة على المسهتوى
العالمى من خلل التفاف كل ثقافة حول ذاتها ومحاولة تأكيد ذاتيتها.
ج -الهوية :تكشف البعاد الثقافية للعولمة أن إستراتيجية التوحد والتكتل والندماج تقود
نحو التجاه لنمو هوية ناشئة ذات ملمح عالمية موضوعها النسانية ومداها العالم
ككهل .وذلك انطلقا مهن التغيرات التهى أدى إليهها التقدم فهى مجال التصهال
والنتقال ،والتهى أسهفرت عهن اضمحلل القيمهة الجغرافيهة للمكان ،واضمحلل
الفروق ب ين العراق والجناس ومعتن قى الديانات المختل فة ،نتي جة سهولة التل قى
والتقارب المادى أو اللكترونى بين كافة الفراد على مستوى العالم.
بينمها تقود تكتيكات التشظهى والتجزؤ والنقسهام نحهو تخلق هويات فئويهة جديدة
متشظيهة فهى تنوعهها وتعددهها ،ينتمهى مهن خللهها الفراد لطوائف فرعيهة ذات
اهتمامات مستحدثة تتجاوب مع القضايا المحلية والمشكلت الجتماعية ..إلخ.
اسهتنبطت الدراسهة أن البعاد العلميهة للعولمهة تكشهف عهن النتائج التاليهة فيمها يتعلق ()9
بالنظم العلمية والمؤسسات العلمية ووسائل العلم وجماهير المتلقين وذلك كالتالى:
النظم العلمية :تكشف البعاد العلمية للعولمة ..أن إستراتيجية العولمة للتوحد أ-
والتك تل والندماج ،تقود الن ظم العلم ية على م ستوى العالم ن حو التدا خل والتشا بك
والنفتاح على بعض ها الب عض ،ب ما ي ساعد على التخلق التدري جى لنظام إعل مى ذى
طابع عالمى ،ورأى عام عالمى وإنسانى ،منفصلين عن تلك النظم.
- 386 -
بينما تؤدى تكتيكات التشظى والتجزؤ والنقسام إلى تأكيد النظمة العلمية المحلية
الراهنة على انتماءاتها الحضارية والثقافية ،المر الذى يساهم فى تنوع وتعدد النظمة
العلميهة المعاصهرة نتيجهة محاولة كهل نظام التمترس حول ذاتهه لحمايهة الهويهة
الوطنية.
د -جماه ير المتلق ين :تك شف البعاد العلم ية للعول مة أن إ ستراتيجية العول مة للتو حد
والتكتل والندماج تقود إلى دمج قطاعات كبيرة من جماهير المتلقين على مستوى
العالم ت حت لواء ر سائل ات صالية ذات موا صفات عالم ية إن سانية تبث ها مؤ سسات
إعلمية عملقة ذات توجهات عالمية إنسانية.
بينمها تقود تكتيكات العولمهة للتشظهى والتجزؤ والنقسهام إلى تفكيهك وتشظهى
قطاعات جماه ير المتلق ين وفقا لمجالت اهتمامات هم الخا صة أو انتماءات هم الثقاف ية
- 387 -
أو الطائفية أو العرقية ،وذلك تلبية للرسائل التصالية الفئوية التى تبثها مؤسسات
إعلمية صغيرة متخصصة.
( )10توصهلت الدراسهة -مهن مجمهل عرض البعاد الفكريهة ( التاريخيهة والمعرفيهة
والفلسفية ) للعولمة ،وأبعادها المادية ( مظاهرها ومؤسساتها ) ،وأبعادها المجتمعية
( ال سياسية والقت صادية والثقاف ية والعلم ية ) -إلى القتراب من البعاد الن سانية
للعولمهة ،التهى توضهح أن العولمهة مها ههى إل نتاج إدراك النسهان للمشتركات
الن سانية( الماد ية والمعنو ية ) فى هذا العالم .ح يث أدت محاولة الن سان التراكم ية
ال ساعية إلى تفك يك وترك يب العالم من حوله -من أ جل الو صول إلى أ صل العالم
أو الحاطة بأبعاده -إلى نمو إدراك النسان بالمشتركات النسانية المادية والمعنوية
فى هذا العالم.
وبالتالى فإن المشترك النسانى المادى الناتج عن محاولت النسان التراكمية على مر
العصور لتركيب العالم من حوله ( تكوين رؤية مركبة للحاطة بأبعاد العالم ) ،أدت إلى
الوعى بأن الكون هو المشترك النسانى المادى الكبر.
كمها إن المشترك النسهانى المادى الناتهج عهن محاولت النسهان التراكميهة على مهر
الع صور لتفك يك العالم من حوله ( تكو ين رؤ ية عن أ صل الشياء ) .أدت إلى الو عى
بأن البنية الذرية هى المشترك النسانى المادى الصغر.
وبالتالى ..يصبح كوكب الرض ( العالم ) الذى يوجد فى المسافة الرمزية بين الكون
والذرة هو المشترك النسانى المادى.
أ ما المشترك الن سانى المعنوى ،ف قد و صلت إل يه البشر ية من مج مل وعي ها الترك يبى
بالعقهل المطلق الذى ههو ال سهبحانه وتعالى ،ومجمهل وعيهها التفكيكهى بالعقهل المحدود
الذى يمثله النسان .وبالتالى َت َمثَهل ذلك المشترك النسانى المعنوى فى قيمة ( الحرية )،
التهى ههى الشرط اللزم لصهحة إيمان العقهل النسهانى المحدود بالعقهل اللههى المطلق،
والشرط اللزم لشرعية مبدأى الثواب والعقاب اللهيين ،وإل فل مجال لحساب النسان
لو لم يمتلك حرية الختيار بين الخير والشر .وبالتالى فإن المشترك النسانى المعنوى -
النا تج عن عمل ية الترك يب ال تى تقود إلى الع قل المطلق وعمل ية التفك يك ال تى تقود إلى
العقل المحدود -هو ( الحرية النسانية ).
ولهذا فإن التحل يل الخ ير فى سياق هذا الف هم يرى بأن « العول مة ما هى إل مرحلة
متقد مة فى و عى الن سان بالعالم من حوله ،قاد ته من خلل عملي تى الترك يب والتفك يك
على المستويات المادية والمعنوية إلى إدراك المشتركات النسانية المادية والمعنوية ».
- 388 -
( )11استحدثت الدراسة تصنيفا للطراف التى يتكون منها النظام العلمى كالتالى:
أ -الطراف الفاعلة :ويمثلها كل من القائمين بالتصال وجماهير المتلقين.
ب -الطراف العتبارية :ويمثلها المؤسسات العلمية.
ج -الطراف المعرفية :ويمثلها الرسائل العلمية.
د -الطراف التكنولوجية :ويمثلها وسائل العلم.
( )12اسهتحدثت الدراسهة مصهطلح « المتغيرات فهى بنيهة النظهم العلميهة » .ويشيهر هذا
المصطلح إلى التغيرات التى تطرأ على الطراف التى يتكون منها النظام العلمى عند
ممارسته لفاعلياته فى المجتمع ،تلك الطراف التى يتم التعامل معها باعتبارها « ثوابت
بنائية » ولكنها تتحول إلى « متغيرات وظيفية » عند ممارسة النظام العلمى لفاعلياته
العملية فى المجتمع.
فو سائل العلم كثا بت فى بن ية الن ظم العلم ية ،تطرح متغيرا هاما ع ند ممار ستها
لفاعليات ها فى المجت مع ،يتم ثل فى « ن سبة انتشار و سائل العلم فى المجت مع » .إذ إن
كافة المجتمعات بها وسائل إعلم ،ولكن نسبة انتشارها هى التى تتغير من مجتمع إلى
آخر .ونظرا لن وسائل العلم تمثل الطرف التكنولوجى ،فقد أطلقت الدراسة على هذا
المتغير مصطلح « القدرات التكنولوجية ».
ك ما أن الرسهائل العلم ية كثا بت فهى بن ية النظهم العلميهة ،تطرح متغيرا هاما عنهد
ممارستها لفاعلياتها فى المجتمع ،يتمثل فى « نسبة المعرفة الكامنة بتلك الرسائل » .فكافة
المجتمعات تن تج الر سائل العلم ية ،ول كن ن سبة المعر فة الكام نة بتلك الر سائل هى ال تى
تتغ ير من مجت مع إلى آ خر .ونظرا لن الر سائل العلم ية تم ثل الطرف المعر فى الذى
يش ير إلى مدى شفاف ية النظام العل مى ،ف قد أطل قت الدرا سة على هذا المتغ ير م صطلح
« درجة شفافية النظم العلمية ».
بالضافة إلى ذلك ..فإن النظام العلمى ذاته كثابت يطرح متغيرا هاما عند ممارسته
لفاعلياتهه فهى المجتمهع ،يتمثهل فهى مدى كفاءتهه فهى قيامهه بأنشطتهه العلميهة .فكافهة
المجتمعات بها ن ظم إعلم ية ،ول كن در جة كفاءة هذه الن ظم هى ال تى تتغ ير من مجتمع
إلى آخر .ونظرا لن النظام العلمى ككيان جامع للنشطة العلمية ،يعبّر عن درجة
كفاءته من خلل المردود المعرفى العائد على المجتمع نتيجة قيام ذلك النظام بدوره فى
ن قل المعر فة إلى الجماه ير ،ف قد أطل قت الدرا سة على هذا المتغ ير م صطلح « القدرات
المعرفية للنظم العلمية ».
- 389 -
( )13توصلت الدراسة إلى علقة رياضية توضح العلقة بين المتغيرات الوظيفية الحاكمة
فى بنية النظم العلمية ..وذلك على النحو التالى:
القدرات المعرفيـــة للنظام العلمـــى = درجـــة شفافيـــة النظام
العلمى × قدراته التكنولوجية
وتوصهلت الدراسهة مهن خلل العلقات بيهن المتغيرات فهى هذه المعادلة إلى عدد مهن
المؤشرات الهامة عن طبيعة عمل النظام العلمى تتمثل فى التى:
إن القدرات المعرفية للنظم العلمية ل يمكن أن تزيد عن قدراتها التكنولوجية •
وإنما يمكن أن تتساوى معها عندما تصل درجة شفافية النظام العلمى إلى حدها
الق صى .و هى الحالة ال تى تش ير إلى ا ستقرار النظام العل مى وا ستغلله لمقومات
كفاء ته إلى أق صى حد ،وم سئولية مؤثرات خارج ية غ ير إعلم ية عن عدم اكتمال
قدراته المعرفية.
إنهه فهى حالة زيادة « درجهة شفافيهة النظام العلمهى » عهن « القدرات •
التكنولوج ية للنظام العل مى » ،فإن ذلك يع نى م سئولية القدرات التكنولوج ية عن
النخفاض فى القدرات المعرفية ،والعكس صحيح.
إن ث مة عل قة طرد ية متبادلة ب ين كل من « در جة شفاف ية النظام العل مى » •
و« القدرات التكنولوجية للنظام العلمى ».
( )14اسهتنبطت الدراسهة أن القدرات التكنولوجيهة للنظهم العلميهة الراهنهة ،اكتسهبت القوة
الداف عة لتطور ها من قاعدة تكنولوج ية عري ضة أدى إلي ها التكا مل التكنولو جى العضوى
بين تكنولوجيا التصالت وتكنولوجيا العلم وتكنولوجيا المعلومات .حيث انعكس ذلك
التكامهل التكنولوجهى العضوى على القدرات التكنولوجيهة للنظهم العلميهة مهن خلل
تحقيهق التكامهل التكنولوجهى الهيكلى بيهن تكنولوجيات وسهائل العلم والتصهال
والمعلومات ،وانتاج ها جميعا فى بن ية هيكل ية إلكترون ية واحدة تتم يز بالحرك ية وبالذكاء
اللكترو نى ..وتو صلت الدرا سة إلى أن من طق التطور التكنولو جى ال صناعى يقود إلى
تبنهى سياسة وفورات النتاج الجماهيرى ال كبير ،المهر الذى يؤدى إلى النتاج الض خم
والقيمة ال سعرية المنخف ضة ،مما سيسفر عن ات ساع نطاق انتشار وسائل العلم نتي جة
ضخامة حجم إنتاجها وانخفاض قيمتها السعرية ..ويشهد العالم الن ارتفاعا ملحوظا فى
ن سبة انتشار و سائل العلم ،بح يث ستسمح التطورات التكنولوج ية الفائ قة لى مجت مع
فى الم ستقبل المنظور -لو امتلك المكانات القت صادية والثقاف ية -أن يرت فع بقدرا ته
التكنولوجيهة إلى مرحلة التشبهع التكنولوجهى العلمهى ،والتهى تصهل فيهها القدرات
التكنولوج ية للن ظم العلم ية إلى حد ها الق صى .وهذا يو ضح أن القدرات التكنولوج ية
- 390 -
( )15استنبطت الدراسة أن « درجة شفافية النظم العلمية » قد ارتفعت نسبيا -مقارنة
بالماضهى القريهب -تأثرا بالبعاد السهياسية والقتصهادية والثقافيهة والعلميهة
للعولمة .والتى أدت إلى التضخم الكمى للرسائل العلمية ،وديناميكية ومرونة تلك
الرسهائل ،وحريهة اختراقهها للحدود الدوليهة والحواجهز الجغرافيهة والقيود القانونيهة.
ال مر الذى أر غم الن ظم العلم ية على الك شف عن ب عض المعلومات ال تى اعتادت
حظر ها ،نظرا لنشر ها فى ن ظم إعلم ية أخرى عبر ال بث الفضائى المبا شر أو عبر
شبكهة النترنهت .ولكهن نظرا لوجود عائق اللغهة وعائق المتابعهة الدقيقهة للقضايها
المحل ية من ن ظم إعلم ية أجنب ية ،فإن در جة شفاف ية الن ظم العلم ية لن تتم كن من
الرتفاع اعتمادا على تلك المؤثرات الخارجية فقط .وإنما يجب أن يتم تقليص القيود
المعرفية التى توجد ببنية النظم العلمية ،والتى تؤدى إلى الحد من درجة شفافيتها
ومن ثم الحد من قدراتها المعرفية.
( )16اسهتحدثت الدراسهة تصهنيفا للقيود المعرفيهة التهى تؤدى إلى تقليهص درجهة شفافيهة
النظهم العلم ية وقدراتهها التكنولوجيهة ،و من ثم تقليهص قدراتهها المعرف ية .وذلك
على النحو التالى:
القيود المجتمعيهة :وههى القيود التهى تقلص نسهبة المعرفهة الكامنهة بالمعلومات أ-
العلمية الداخلة للمؤسسات العلمية وتنقسم إلى:
القيود التشريعيهة :وههى القيود المجتمعيهة المقررة بموجهب التشريعات •
المقيدة لحريهة التعهبير ،والتهى تؤدى إلى تقليهص نسهبة المعرفهة الكامنهة
بالمعلومات الداخلة إلى المؤسهسات العلميهة .وتقوم تلك القيود بمحاصهرة
مجموعة الحقوق العلمية للنسان ،وبالتالى فهى تنقسم إلى:
تشريعات مقيدة لحهق الجماهيهر فهى المعرفهة ،وههى مجموعهة +
التشريعات التى تتولى حماية الحقوق المضادة للحقوق العلمية.
تشريعات مقيدة لحق المؤسسات العلمية فى العلم. +
تشريعات مقيدة لحق المجتمع فى التصال. +
- 391 -
القيود العمليهة :وههى القيود المجتمعيهة الناتجهة عهن غياب التشريعات •
الضامنة لحرية المعلومات العلمية فى المجتمع ،وبالتالى فهى قيود يفرضها
الواقع العملى المؤيد لشيوع مفهوم السرية فى المجتمع.
القيود الذاتية :وهى القيود التى تقلص نسبة المعرفة الكامنة بالمعلومات الخارجة ب-
من المؤ سسات العلم ية إلى جماه ير المتلق ين .وتضطلع المؤ سسات العلم ية
بممار سة هذه القيود بمبادرة ذات ية من ها ا ستجابة لم صالح واتجاهات ب عض القوى
المجتمعية ،واستنادا إلى المرجعية الفلسفية التى يتبناها النظام العلمى .وتنقسم
القيود الذاتية إلى القيود التالية:
قيود السيطرة الحكومية والحزبية والمؤسسية. •
قيود الملكية الحتكارية. •
قيود الجمهور الموجه. •
قيود فلسفية. •
( )17استنبطت الدراسة إنه رغم القوة الملحوظة للقيود المعرفية المجتمعية لعتمادها على
قوة المجت مع التشريع ية ،إل أن القيود المعرف ية الذات ية تبدو أك ثر خطورة على القدرات
المعرفية للنظم العلمية .وذلك انطلقا من أن القيود الذاتية تتم ممارستها وفقا لساليب
مستترة وغير مباشرة يصعب ملحظتها ،بخلف القيود المجتمعية التى يسهل ملحظتها
لطبيعتها الملموسة.
( )18ا ستنبطت الدرا سة من ر صد النظريات الموض حة لل ساليب العمل ية لممار سة القيود
الذاتية ..أن تلك الساليب تمثلت فى التى:
وضع الحداث فى إطار معين يعطى لها مغزى خاص من خلل التركيز على أ -
بعض جوانب الموضوع وإغفال جوانب أخرى ( ،نظرية الطار العلمى ).
منهح سهلطة إجراء تعديلت على الرسهائل العلميهة لعدد مهن المسهئولين ب-
بالمؤسسات العلمية ،بحيث يلعب أولئك المسئولون دور حراس البوابات للتحكم
فهى المعلومات العلميهة خلل رحلتهها منهذ الحصهول عليهها وحتهى نشرهها
( نظرية حارس البوابة ).
ج -تسليط الضواء على أحداث معينة بغرض تقدم أجندة للجماهير يتم ترتيب الولويات
فيها من وجهة نظر المؤسسات العلمية ( نظرية ترتيب الولويات ).
- 392 -
د -حظر نشر بعض المعلومات بصورة كاملة ،المر الذى يمثل خروج عن الوظيفة
المحددة للمؤ سسات العلم ية فى المجت مع و هى ن شر المعلومات ،ويؤدى إلى أن
ت صبح المؤ سسات العلم ية غ ير وظيف ية نظرا لت سببها فى خلل وظي فى بالنظام
العلمى يتمثل فى عدم قيامها بوظيفتها المحددة ( نظرية الخلل الوظيفى ).
( )19اسهتحدثت الدراسهة مصهطلح المرجعيات الفلسهفية وذلك للدللة على نظريات النظهم
العلمية ،تلك النظريات التى تم تصنيفها لتوصيف المنا هج التى تعمل وفقا لها النظم
العلمية المختلفة.
( )20اسهتنبطت الدراسهة مهن خلل رصهدها لتصهنيفات نظريات النظهم العلميهة أن تلك
النظريات اكتفهت بتصهنيف النظهم العلميهة وفقا لمحددات سهياسية أو اقتصهادية
أو اجتماعية أو ثقافية يتم من خللها تصنيف النظم العلمية فى إطار مفاهيم :الحرية
أو الملكيهة أو الوظيفهة أو المسهئولية .كمها تجاهلت العمهل على تقديهم توصهيف دقيهق
لعن صرى ال سلطة والم سئولية فى بن ية الن ظم العلم ية ،على الر غم من أن أى نظام ل
يمكنه العمل بشكل صحيح إل من خلل التحديد الدقيق لحدود سلطته ونطاق مسئوليته.
( )21اسهتنبطت الدراسهة مهن خلل رصهدها لتصهنيفات نظريات النظهم العلميهة الحرة
أو الموجههة أن كافهة النظهم العلميهة الحرة أو الموجههة تحاول أن تترجهم ممارسهاتها
العلمية فى إطار التزام ها تجاه المجتمع .ف فى ح ين ت ستهدف النظم العلمية الموجهة
المجت مع من أ جل الدولة ،فإن الن ظم العلم ية الحرة ت ستهدف الدولة من أ جل المجت مع.
ول كن نظرا ل نه ل وجود للدولة بدون المجت مع ،فإن هذا يؤدى بالضرورة إلى أن تحاول
كافة النظم العلمية ترجمة ممارساتها العلمية فى إطار التزامها تجاه المجتمع.
( )22وتأ سيسا على النتي جة ال سابقة ف قد ا ستنبطت الدرا سة أن نظر ية الم سئولية الجتماع ية
تقدم الطار النظرى الفل سفى الذى ت ستند إل يه كا فة الن ظم العلم ية الحرة أو الموج هة
بدرجههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههة
أو بأخرى لتبرير ممارساتها العلمية فى تقييد قدراتها المعرفية.
( )23تو صلت الدرا سة إلى أن نظر ية الم سئولية الجتماع ية تعا نى من أو جه ق صور عديدة
على المستويات التاريخية والتنظيمية والتطبيقية والمعرفية والتكنولوجية وذلك كالتى:
على الم ستوى التاري خى ..فإن مبادئ نظر ية الم سئولية الجتماع ية أ صبحت ل أ-
تتواكهب مهع البعاد السهياسية والقتصهادية والثقافيهة والعلميهة للعولمهة .وذلك
- 393 -
انطلقا من أن تلك النظرية نشأت عقب الحرب العالمية الثانية ،وصاغت مبادئها
ب ما يؤدى إلى تلب ية الظروف التاريخ ية الخا صة بتلك الفترة ،ب كل ما تحمله من
هوا جس ال شك فى مبادئ النموذج الل يبرالى الذى خر جت من معط فه الحركات
النازيهة والفاشيهة التهى أشعلت نار الحرب العالميهة الثانيهة ،وبكهل مها تحمله تلك
الفترة مهن صهعود للنموذج الشيوعهى الذى يمثله التحاد السهوفيتى .وبالتالى فإن
الظروف التاريخية الخاصة التى نشأت فيها تلك النظرية لم تعد قائمة فى الوقت
الراهن ،المر الذى أدى إلى تجاوز الظروف الراهنة لمبادئ تلك النظرية.
على المسهتوى التنظيمهى ..فإن التجربهة الواقعيهة أثبتهت عدم نجاح القواعهد ب-
التنظيم ية ال تى صاغتها تلك النظر ية لضمان تنف يذ مبادئ الم سئولية الجتماع ية،
تلك القوا عد ال تى تمثلت فى :المواث يق الخلق ية -مجالس ال صحافة والعلم -
قوانين مكافحة الحتكار -العانات الحكومية.
على المستوى التطبيقى ..لم تقدم نظرية المسئولية الجتماعية أية أساليب تطبيقية ج-
تسهاعد على تنفيهذ المعاييهر المهنيهة التهى صهاغتها لضمان التزام النظهم العلميهة
بمسهئوليتها الجتماعيهة .وبالتالى باتهت تلك المعاييهر -والتهى تمثلت فهى :معاييهر
الحقي قة والد قة والموضوع ية والتوازن -تم ثل إشكال ية كبيرة فى توجهات الع مل
العلمهى نظرا لشدة عموميتهها وغموضهها واتسهاع مدى تأويلهها وفقا لتصهورات
متعددة.
د -على المسهتوى المعرفهى ..تهبين مهن تحليهل الطار المعرفهى الذى قدمتهه نظريهة
المسهئولية الجتماعيهة -لتقييهد نشهر الرسهائل العلميهة التهى تؤدى إلى العنهف
والجريمة والفوضى الجتماعية والساءة للقليات -أن ذلك الطار مغطى أساسا
بالتشريعات العلميهة التهى تحظهر نشهر تلك الرسهائل .وبالتالى فإن ذلك الطار
المعرفى لم يغط فراغا تشريعيا ،ولكن على الرغم من ذلك فقد تم الستناد إليه من
جانهب الحكومات أو المؤسهسات العلميهة بالنظهم العلميهة الحرة أو الموجههة
لتهبرير ممارسهاتها فهى حظهر بعهض المعلومات تحهت دعوى أنهها تؤدى إلى تلك
المحاذير التى تضمنها الطار المعرفى لنظرية المسئولية الجتماعية.
ه ه -على الم ستوى التكنولو جى ..يؤدى التطور التكنولو جى المتوا صل إلى عدم قدرة
النظهم العلميهة على اللتزام بالمسهئولية الجتماعيهة ،وذلك لن إسهتراتيجية
العولمة للتوحد والتكتل والندماج ستؤدى إلى التخلق التدريجى لنظام إعلمى ذى
- 394 -
ملمح عالمية وتوجهات عالمية إنسانية ،وإلى دفع المؤسسات العلمية العالمية
للندماج فى مؤ سسات أ كبر ،وإلى د مج قطاعات كبيرة من جماه ير المتلق ين -
على مستوى العالم -تحت لواء رسائل اتصالية ذات مواصفات عالمية إنسانية )؛
وبالتالى فإن كل ذلك سيتيح للن ظم العلم ية القدرة على ن شر ر سائلها العلم ية
فى مجتمعات متباي نة الظروف والعادات والتقال يد والق يم ،ال مر الذى سيؤدى إلى
اسهتحالة القيام اضطلع هذه النظهم بالتزاماتهها الجتماعيهة تجاه تلك المجتمعات
المتعددة والمتباي نة ،إذ إن محاولة اللتزام بكهل شئ سهتؤدى إلى عدم القدرة على
نشر شئ ،أو بالحرى عدم القدرة على اللتزام بكل شئ.
( )24اسهتنبطت الدراسهة مهن رصهد أوجهه القصهور المتعددة فهى بنيهة نظريهة المسهئولية
الجتماعيهة ،ومهن رصهد النظريات الخرى للنظهم العلميهة ( النظريهة الليبراليهة -
السهلطوية ) ،أن كافهة تلك النظريات تخلو مهن توصهيف دقيهق لسهلطة تلك النظهم
ومسئوليتها ،فحيث توافرت السلطة غابت المسئولية والعكس صحيح .فالنظرية الليبرالية
تعاملت مهع النظهم العلميهة باعتبارهها سهلطة بل مسهئولية ممها أدى إلى ديكتاتوريهة
المؤسسات العلمية .والنظرية السلطوية تعاملت مع النظم العلمية باعتبارها كيان
بل سلطة يلتزم بم سئوليات تنمو ية أو دعائ ية أو توجيه ية أو تعبو ية ،م ما أدى إلى أن
تصبح المؤسسات العلمية مسئولة أمام الدولة أو الحزب أو الثورة ،وبالتالى تخلت عن
ا ستقللها لت صبح فرعا من أفرع ال سلطة الحكوم ية ،وتحولت لمؤ سسات دعائ ية تمارس
تزييف الو عى وتضليل العقول .أما نظر ية الم سئولية الجتماع ية فقد تعاملت مع النظم
العلم ية باعتبار ها سلطة تلتزم بم سئولية غ ير منا سبة ،ح يث أدت المبادئ اللواقع ية
شديدة التجريهد إلى تحميهل المؤسهسات العلميهة بعبهء اللتزام بمسهئولية فضفاضهة،
سهرعان ما تم ا ستغللها من تلك المؤ سسات ذات ها لتقي يد المحتوى المعرفهى للر سائل
العلمية تحت دعوى اللتزام بدور مسئول اجتماعيا.
( )25ا ستنبطت الدرا سة من ر صد الممار سات العمل ية لتقي يد القدرات المعرف ية فى كل من
النظم العلمية الحرة والموجهة ،أن تلك الممارسات هى المظهر العملى الذى يدل على
فاعل ية القيود المجتمع ية والذات ية فى كل من الن ظم الحرة والموج هة .ال مر الذى يؤدى
بالضرورة إلى النتقاص من القدرات المعرف ية لتلك الن ظم ،نتي جة التأث ير ال سلبى الذى
تمارسه تلك القيود على قدراتها المعرفية.
- 395 -
( )26توصلت الدراسة إلى أن فاعلية القيود المعرفية ( المجتمعية والذاتية ) فى بنية النظم
العلميهة الراهنهة ( الحرة والموجههة ) أدى إلى التأثيهر بشكهل سهلبى على قدراتهها
المعرفيهة .وتمارس المرجعيات الفلسهفية التهى تعتنقهها النظهم العلميهة الراهنهة دور
الخلفية الشرعية التى تستند إليها كل من القيود المجتمعية والذاتية للحفاظ على مبرر
وجودها فى بنية تلك النظم.
( )27ا ستنبطت الدرا سة أن المرجع ية الفل سفية ال تى تتب نى مبدأ الحر ية المطل قة للت عبير هى
المرجعية التى يمكنها العصف بكافة القيود المجتمعية والذاتية فى بنية النظم العلمية،
وبالتالى ال سماح بارتفاع قدرات ها المعرف ية ح تى تتوازن مع قدرات ها التكنولوج ية ،وذلك
انطلقا من إنه إذا كان استمرار تواجد القيود المجتمعية والذاتية فى بنية النظم العلمية
ههو الذى يؤدى إلى اسهتمرار التفاوت بيهن قدراتهها المعرفيهة والتكنولوجيهة ،فإن تبنهى
المرجع ية ال تى ل تعترف بتلك القيود هو الذى سيضمن ت صاعد القدرات المعرف ية لتلك
النظم.
( )28ا ستحدثت الدرا سة أرب عة محددات فكر ية متراب طة تقدم ال سس المنطق ية ال تى ي ستند
إليها مبدأ الحرية المطلقة للتعبير ..وهذه المحددات هى:
نوع الطار الذى تنتمى إليه حرية التعبير. •
المدى الذى يمتد إليه هذا الطار خلل ممارسة حرية التعبير لفاعلياتها. •
المحتوى المعرفى الذى سيتضمنه هذا الطار نتيجة تلك الممارسات. •
الثر الناتج عن نشر هذا المحتوى المعرفى فى المجتمع. •
وقهد توصهلت الدراسهة إلى أن نوع الطار الذى تنتمهى إليهه حريهة التعهبير يتمثهل فهى
( الطار الرمزى ) ،وأن المدى الذى يمتهد إليهه هذا الطار ههو ( المدى المطلق ) ،وأن
المحتوى المعرفهى الذى سهيتضمنه هذا الطار ههو محتوى يتسهم ( بتعدد الراء وتنوع
المعلومات والفكار والمعانهى ) المتاحهة فهى المجتمهع ،وأن الثهر الناتهج عهن نشهر هذا
المحتوى المعرفى هو فى مجمله العام ( أثر إيجابى ) وأية آثار ضارة محتملة قد تنشأ عن
إطلق حرية التعبير ل يجوز إستخدامها كمبرر لحظر التعبير؛ وإنما يصبح إجراء تدخلت
إعلمية معينة لمحاولة التخفيف من الثار الضارة المحتملة ،بمثابة الجراء المناسب الذى
يج عل مواج هة الت عبير الن سانى ت تم أيضا بذات الداة الرمز ية ال تى هى الت عبير الن سانى.
ويُترك ل سلطة القضاء مه مة تقد ير الضرار الماد ية الناشئة عن الت عبير الن سانى ومقاضاة
المسئول عنها .والنتيجة العامة تتمثل فى أن « رمزية » التعبير النسانى ،هى التى تجعله
- 396 -
« مطلق » الحر ية ،وحري ته المطل قة هى ال تى تك سبه « التعدد والتنوع » ،وتعدده وتنو عه
هما اللذان يضمنان « إيجابية تأثيره » فى المجمل العام.
( )29اسهتنبطت الدراسهة أن عناصهر سهلطة النظهم العلميهة تتكون مهن مجموعهة الحقوق
العلمية للنسان والتى تضم الحقوق التالية:
الحقوق العلميهة العامهة وتتكون مهن ( :حهق العلم -حهق المعرفهة -حهق أ -
التصال )
الحقوق العلمية الخاصة وتتكون من: ب-
• حقوق إعلمية خاصة بالمتلقى ،وتتمثل فى :حق الرد والتصحيح.
حقوق إعلميهة خاصهة بالقائم بالتصهال ،وتتمثهل فهى :حهق النشهر ( حهق •
المؤلف ) ،وحق حماية سرية المصادر العلمية.
ج -الحقوق العلمية المساعدة وتتكون من:
( حق الو صول للمعلومات -حق الطلع على المعلومات -حق الح صول
على المعلومات ).
( )30استحدثت الدراسة توصيفا لسلطة النظم العلمية يصفها أنها« :سلطة كاشفة ،تضطلع
بمه مة ت سليط الضوء على أنش طة سلطات المجت مع الخرى ونظ مه الفرع ية فى كا فة
المجالت .ويمارس هذه ال سلطة كل من المؤ سسات العلم ية وجماه ير المتلق ين من
خلل ممار ستهم لحقوق هم العلم ية الناب عة من مجمو عة الحقوق العلم ية للن سان،
وذلك بهدف ج مع المعلومات والراء -حول ال سلطات والن ظم الفرع ية فى المجت مع -
وترتيبها وتصنيفها وصياغتها والتعليق عليها ونشرها ».
( )31اسهتنبطت الدراسهة مهن فحهص التصهنيفات المتعددة لوظائف النظهم العلميهة ان تلك
الوظائف تدور فى مجمل ها حول مضمون وا حد مه ما تعددت الهداف و هو ن قل المعر فة
للجماهير ،ويتم ذلك إما بأسلوب مباشر يتمثل فى وظائف ( مراقبة البيئة -نقل التراث -
التشاور -المراق بة -العلم -التماس المعلومات ) ،أو بأ سلوب غ ير مبا شر يتم ثل فى
وظائف ( ترابهط أجزاء المجتمهع -الترفيهه -تدعيهم المعاييهر الجتماعيهة -التنشئة -
التماسك الجتماعى -التعبئة -المساعدة فى التحرر العاطفى ..إلخ ).
( )32استحدثت الدرا سة توصيفا لم سئولية النظم العلمية يصفها أنها « :مسئولية معرفية
صرفة ،تضطلع بمه مة الن قل الوا فى للمعر فة الكام نة فى المعلومات والراء والقوال
والفكار والبداعات التى يوفرها المجتمع ،وذلك بهدف نقلها لجماهير المتلقين ».
- 397 -
( )33اسهتنبطت الدراسهة أن الطابهع المعرفهى للمسهئولية المعرفيهة يجعلهها تتسهم بعدد مهن
الخصائص كالتالى:
إنها مسئولية ( مطلقة ). أ -
إنها مسئولية ( ديمقراطية ). ب-
إنها مسئولية ( شعبية ). ج-
إنها مسئولية ( عالمية ). د -
هه -إنها مسئولية ( شاملة -عملية -قياسية ).
( )34استحدثت الدراسة مصطلح « البعاد العملية للمسئولية المعرف ية » وهو يعنى البعاد
ال تى تمارس الم سئولية المعرف ية أنشطت ها العمل ية فى إطار ها ،وتتم ثل هذه البعاد فى
الطراف التهى يتكون منهها النظام العلمهى .وتوصهلت الدراسهة إلى أن دخول مفهوم
المسئولية المعرفية على عملية التصال النسانى ،سيؤدى إلى ضرورة مراجعة الدوار
التى تضطلع بها كافة أطراف العملية التصالية ،بحيث تتواءم تلك الدوار مع منطلقات
الطابع المعرفى للمسئولية المعرفية وخصائصها.
( )35تو صلت الدرا سة إلى أن مراج عة دور الر سائل العلم ية باعتبار ها الطرف المعر فى
فى البعاد العمل ية لمفهوم الم سئولية المعرف ية ،يطرح أهم ية ا ستحداث عدد من النماذج
والقواعد المرشدة التى تجعل الرسائل العلمية تحقق النقل الوافى للمعرفة الكامنة فيها.
ل -المعرفهة أخيرا -المعرفهة فقهط ]
حيهث اسهتحدثت الدراسهة نموذج [ المعرفهة أو ً
باعتباره قاعدة مرشدة للرسائل العلمية فى استهدافها الوحيد للمعرفة.
كمها اسهتحدثت الدراسهة نموذج [ حريهة الرسهالة -احتمالت التأثيهر -التدخهل
العلمى ] وهو نموذج استفهامى متدرج يسمح من خلل الجابة على خمسة تساؤلت
بدراسهة احتمالت التأثيهر الضار للرسهالة العلميهة عنهد نشرهها .بحيهث إذا ثبهت أن
الر سالة العلم ية سينشأ عن ها أ ثر مادى مبا شر ضار بالشخاص والممتلكات ،فإن هذا
يسهتدعى إجراء تدخلت تحرير ية على ها مش الرسهالة العلميهة لمحاولة تخفيهف هذه
الضرار ،ول كن بشرط أن ل يكون من ض من خيارات التد خل العل مى ممار سة أى
صورة من صور الحظر لتلك الرسالة العلمية.
كما استحدثت الدراسة « مبدأ العرض المتوازن » الذى يعتمد على نموذج [ الحدث -
الطراف ] والذى يم كن ا ستخدامه كنموذج إرشادى ع ند ال صياغة التحرير ية للر سائل
العلم ية الخبار ية أو التحقيقات العلم ية أو البرا مج الحوار ية الخلف ية ،ب ما يض من
تحقق النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية.
- 398 -
كما استحدثت الدراسة نموذج [ الرسالة الدرامية -المعلومات المرجعية ] والذى يمكن
اسهتخدامه كنموذج إرشادى عنهد عرض العمال الدراميهة التاريخيهة أو السهياسية ،بمها
يضمن توفير معرفة وافية للمتلقى حول المصادر المادية أو النسانية التى تم الستناد
إليها عند كتابة العمل الدرامى.
ك ما ا ستحدثت الدرا سة نموذج [ الر سالة الدرام ية -التغل يف ] والذى يم كن ا ستخدامه
كنموذج إرشادى ع ند عرض العمال الدرام ية الباح ية أو ال تى تتض من مشا هد جن سية
أو موضوعات جنسهية ،وعنهد عرض درامها العنهف أو الدرامها فوق السهنية والتهى ل
تتناسب مع فئات عمرية معينة .بحيث يوفر ذلك النموذج المكانية لوضع تلك العمال
فى سياق تحذيرى يتض من تغليف ها بالشارات التحذير ية ال تى تو ضح مضمون ها ،ب ما
يضمن توفير الفرصة لتجنبها من الفئات التى ل ترغب فى التعرض لها.
كما استحدثت الدراسة نموذج [ الجودة /المثير -القدرة /الستجابة ] والذى يضمن
عرض معرفهة وافيهة عهن مضمون الرسهائل العلنيهة ،بحيهث يتهم وضهع السهلعة فهى
مواجههة المسهتهلك فهى ظهل علقهة إيجابيهة ،ل تتجاههل حهق المعلن فهى محاولة إبراز
ال سلعة وتجميل ها ،ول تتجا هل حق الم ستهلك فى معر فة الموا صفات الخا صة بال سلعة
ومدى جودتها وقيمتها السعرية.
( )36تو صلت الدرا سة إلى أن مراج عة دور و سائل العلم باعتبار ها الطرف التكنولو جى
فى البعاد العملية لمفهوم المسئولية المعرفية يطرح استحداث نموذج [ النطاق الواسع -
النطاق الضيق ] ،الذى يعنى أن النظام العلمى يضمن أن تكفل وسائله العلمية فى
مجموعهها نطاقهى العلم الجماهيرى الواسهع المتوجهه إلى الجماهيهر العريضهة رغهم
اختلف خصهائصها ،والعلم الجماهيرى الضيهق المتخصهص الموجهه إلى جماعات
نوعية من الجماهير وفقا لخصائصها وسماتها وانتماءاتها.
( )37توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور المؤسسات العلمية باعتبارها الطرف العتبارى
فى البعاد العملية لمفهوم المسئولية المعرفية يطرح استحداث نموذج [ الربح -المعرفة ]
والذى يضمن العتراف بحق المؤسسات العلمية فى الربح ،فى مقابل التزامها بمسئولية
النقل الوافى للمعرفة .وقد قدمت الدراسة عددا من الجراءات التنظيمية التى ينبغى التزام
المؤسسات العلمية بها حتى يمكن تفعيل هذا النموذج.
( )38توصهلت الدراسهة إلى أن مراجعهة دور القائم بالتصهال باعتباره يمثهل أحهد الطراف
الفاعلة فهى البعاد العمليهة لمفهوم المسهئولية المعرفيهة ،يطرح تبنهى نموذج [ الجماهيهر
- 399 -
كموكهل -القائم بالتصهال كوكيهل ] والذى يضمهن ممارسهة القائم بالتصهال لدوره
العلمى باعتباره وكيلً فى مواجهة الجماهير صاحبة التوكيل ،ويتمحور موضوع تلك
الوكالة حول النقل الوافى للمعرفة إلى تلك الجماهير.
( )39توصلت الدراسة إلى أن مراجعة دور جماهير المتلقين باعتبارهم يمثلون الطراف
الفاعلة فههى البعاد العمليههة لمفهوم المسههئولية المعرفيههة يطرح تبنههى نموذج
[ المتل قى -الفاعل ية ] والذى يض من اضطلع جماه ير المتلق ين بنشاط عملى إيجا بى
لضمان التزام المؤسسات العلمية بدورها فى النقل الوافى للمعرفة .بحيث يتجاوز
هذا الدور الجديهد للمتلقهى التفاعليهة اللفظيهة أو المطبوعهة المتاحهة للمتلقيهن حاليا،
ليرت قى إلى إطار الفاعل ية العمل ية المتمثلة فى إنشاء الجمعيات والمنظمات والمرا كز
التهى تتولى متابعهة أنشطهة المؤسهسات العلميهة لضمان التزامهها بمسهئولية النقهل
الوافى للمعرفة.
( )40توصلت الدراسة إلى أن غياب أية أساليب لقياس مدى قيام النظم العلمية بمسئوليتها
المعرفيهة سهيؤدى إلى عدم فاعليهة كافهة القواعهد المرشدة والنماذج التهى تهم اسهتحداثها
لتفع يل البعاد العمل ية لمفهوم الم سئولية المعرف ية .وبالتالى تتحول تلك القوا عد والنماذج
إلى قواعد نظرية مجردة غير قابلة للتطبيق ،المر الذى يستلزم أهمية استحداث أساليب
قياسية توفر المكانية لمتابعة مدى التزام النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية.
( )41استنبطت الدراسة أن هناك ثلثة عوامل كمية تؤثر على النقل الوافى للمعرفة بالنظم
العلمية ،وفى سبيل ذلك استحدثت ثلثة مؤشرات كالتالى:
درجة شفافية المجتمع :وهى تشير إلى نسبة القيود المجتمعية ( التشريعية والعملية )
غير الفاعلة بالمجتمع التى تسمح بمرور جزء معلوم من المعلومات العلمية الخام إلى
المؤ سسات العلم ية ،وبالتالى فإن هذا المؤ شر يو ضح در جة نفاذ ية المجت مع لتمر ير
المعلومات العلمية الخام إلى النظام العلمى.
در جة شفاف ية المؤ سسات العلم ية :و هى تش ير إلى ن سبة القيود الذات ية غ ير الفاعلة
بالمجتمهع التهى تسهمح بنشهر جزء معلوم مهن المعلومات الداخلة للمؤسهسات العلميهة،
وبالتالى فإن هذا المتغ ير يو ضح در جة نفاذ ية المؤ سسات العلم ية لتمر ير المعلومات
الداخلة إليها إلى جماهير المتلقين.
- 400 -
القدرات التكنولوجيهة للنظام العلمهى :وههى تشيهر إلى النطاق الذى تنتشهر فيهه
المعلومات المنشورة من المؤ سسات العلم ية ،وبالتالى فإن هذا المتغ ير يو ضح ن سبة
انتشار وسائل العلم فى المجتمع.
وتؤدى هذه المتغيرات الثلثة من خلل تحركها ارتفاعا وانخفاضا إلى التأثير السلبى
أو اليجابهى على حجهم المعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة ،وبالتالى التأثيهر على
مسئولية النقل الوافى للمعرفة.
( )42استحدثت الدراسة « طريقة تقديرية » يمكن من خللها حساب كل من درجة شفافية
المجتمع ودرجة شفافية المؤسسات العلمية وذلك نظرا لغلبة الطابع الكيفى غير القابل
للحصهاء الكمهى على تلك المؤشرات .وقهد تهم التوصهل مهن خلل تلك الطريقهة إلى
المعادلتين الرياضيتين التاليتين:
( )43استحدثت الدراسة معادلة إحصائية يمكن من خللها حساب « القدرات التكنولوجية للنظم
العلمية » وذلك كالتالى:
مجموع نسب انتشار وسائل
القدرات التكنولوجية للنظام العلمى =
العلم فى المجتمع
عدد وسائل العلم فى العالم
ويمكهن الحصهول على نسهب انتشار وسهائل العلم فهى أى مجتمهع مهن خلل
الحصاءات السنوية التى توضح هذه المؤشرات.
( )44اسهتحدثت الدراسهة مصهطلح القيمهة الماديهة النسهبية للمعلومات العلميهة المحظورة
ويشير هذا المصطلح إلى « المردود المادى العائد على المؤسسات العلمية أو القائمين
بالتصال نتيجة عدم النقل الوافى للمعرفة الكامنه بالمعلومات العلمية إلى المجتمع ».
ويشيههر مصههطلح المردود المادى إلى :الوزن القتصههادى للمعلومات العلميههة
المحظورة.
- 401 -
ويش ير م صطلح الوزن القت صادى إلى :مقدار الفائدة القت صادية الكام نة بالمعلومات
العلم ية المحظورة ...و قد تو صلت الدرا سة إلى المعادلة التال ية لقياس القي مة الماد ية
النسبية للمعلومات العلمية المحظورة وذلك كالتالى:
القيمة المادية النسبية للمعلومات العلمية المحظورة =
درجــة شفافيــة المجتمــع × معامــل الحظــر ) × 2القدرات التكنولوجيــة )
للنظام العلمى
( )45استحدثت الدراسة مقياسا لحساب درجة حرية النظم العلمية من أجل إيجاد مؤشر
عام يوضح ممارسات النظم العلمية التى تتراوح فيما بين الحرية أو التوجيه ،وذلك
مهن خلل ضهم المؤشرات الثلثهة -التهى تهم اسهتحداثها لقياس درجهة شفافيهة النظام
العل مى أو القدرات المعرف ية للنظام العل مى أو القي مة الماد ية الن سبية -فى مؤ شر
واحهد يتجاوز الجانهب الواحهد الذى كان يقدمهه كهل مؤشهر منهها عن النظام العلمهى،
ويقدم صورة عامة عن مدى التزام النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية.
وقهد توصهلت الدراسهة إلى المعادلة التاليهة لقياس درجهة حريهة النظام العلمهى وذلك
كالتالى:
مقياس درجة حرية النظام العلمى =
شفافية النظام العلمى +
درجة (
القدرات المعرفية
) -القيمـة المــادية
2
وقد تم تصميم مدرج يوضح الدرجات المختلفة لحرية النظم العلمية ،وذلك كالتالى:
• النظم العلمية المقيدة :درجة الحرية = من صفر إلى 0.24999
• النظم العلمية المقيدة نسبيا :درجة الحرية = من 2.5إلى 0.49999
• النظم العلمية متوسطة التقييد والحرية :درجة الحرية = من 0.50إلى 0.74999
• النظم العلمية الحرة نسبيا :درجة الحرية من 0.75إلى 0.99999
• النظم العلمية الحرة :درجة الحرية = 1
( )46اسهتحدثت الدراسهة طريقهة توضهح نوع التدخهل العلمهى المناسهب لتخفيهف الثار
الضارة المحتملة للرسهائل العلميهة التهى تنتههك الحقوق المضادة للحقوق العلميهة،
وأطلقت على هذه الطريقة :الطريقة الحتمالية لتوصيف التدخل العلمى فى مواجهة
الثار الضارة المحتملة للرسهائل العلميهة ،بحيهث يتهم مهن خلل هذه الطريقهة إجراء
دراسهة احتماليهة توضهح مدى انتهاك الرسهالة العلميهة لحهد الحقوق المضادة للحقوق
- 402 -
العلم ية ،وإجراء التدخلت العلم ية المنا سبة للتخف يف من الضرار المترت بة على
هذا النتهاك.
وقهد عرضهت الرسهالة لعدد ( ) 7نماذج لتوصهيف التدخهل العلمهى للتخفيهف مهن
الضرار المترتبة على انتهاك الحقوق التالية:
حق حماية المن القومى والسرار العامة. •
حق حماية أخلقيات وقيم المجتمع. •
حق حماية طوائف المجتمع. •
حق حماية تشريعات وقوانين المجتمع. •
حق حماية السمعة والعتبار. •
حق حماية الخصوصية والسرار الخاصة. •
حق كفالة المحاكمة العادلة. •
و قد تو صلت الدرا سة ..إلى أن التدخلت العلم ية الوا جب ممار ستها للتخف يف من
الثار الضارة الناشئة عن نشر الرسائل العلمية التى تنتهك تلك الحقوق ..تتلخص فى
التى:
إرجاء الن شر لمدى زم نى معلوم في ما يتعلق بالر سائل ال تى تنت هك حق حما ية •
المن القومى والسرار العامة.
التعل يق على الر سائل العلم ية أو ن شر ر سائل مضادة ل ها فى حالة انتهاك ها •
لحق حماية قيم المجتمع أو حق حماية طوائف المجتمع.
التغليهف بإشارات تحذيريهة للرسهائل التهى تنتههك حهق أخلقيات المجتمهع فهى •
المجتمعات التى ل تجرم قوانينها الدعارة.
التنو ية وإبلغ ال سلطات ،أو العرض الخاص غ ير التجارى مع إبلغ ال سلطات •
فيمها يتعلق بالرسهائل العلميهة الناتجهة عهن أو التهى تحرض على أو التهى تنطوى
على أفعال غير مشروعة ،والتى تنتهك حق حماية تشريعات المجتمع.
ن شر الحرف الولى من ال سماء مع اللتزام بالك شف عن تلك ال سماء كاملة •
ل كل من ير يد الطلع علي ها ،فى حالة الر سائل العلم ية ال تى تنت هك حق حما ية
السمعة والعتبار وحق حماية الخصوصية والسرار الخاصة.
توضيهح عدم حياد أو عدم توازن المعلومات المتوفرة عهن أطراف المحاكمات •
القضائية فى حالة الرسائل العلمية التى تنتهك حق الفراد فى محاكمة عادلة.
- 403 -
( )47صممت الدراسة نموذجا تخطيطيا يوضح البنية الهيكلية للنظم العلمية الراهنة .وقد
أوضح هذا النموذج مدى التأثير السلبى الذى تمارسه القيود المعرفية المجتمعية والذاتية
على درجة شفافية النظم العلمية بما يؤدى إلى حظر جانب من الحداث والوقائع التى
تحدث بالمجتمهع تحهت وطأة الموانهع التهى تفرضهها تلك القيود .كمها أوضهح النموذج
علقات الشراف والسهيطرة ( الحكوميهة والحزبيهة والمؤسهسية ) التهى تخضهع لهها
المؤسسات العلمية ،والتى تنبع من العتبارات الناتجة عن القيود التشريعية والذاتية،
التى تتيح للحكومات ممارسة سيطرة رسمية أو غير رسمية على المؤسسات العلمية،
وتتيح لدوائر المال والعمال والسياسة ممارسة سيطرة أيدلوجية أو سيطرة غير رسمية
( احتكارية ) من خلل تكوين تكتلت واندماجات احتكارية تمارس تأثيرها السلبى على
فاعليات المؤسسات العلمية.
( )48صهممت الدراسهة نموذجا تخطيطيا مسهتحدثا -للنظام العلمهى المسهئول معرفيا -
يختلف عن نموذج النظم العلمية الراهنة فى كل من:
البنيهة الهيكليهة ( المواصهفات ) :حيهث يتسهم بغياب القيود التشريعيهة والقيود •
العمليهة مهن بنيتهه التركيبيهة .كمها يتسهم بتقلص القيود الذاتيهة واقتصهارها على قيود
السيطرة والملكية الحكومية والحزبية والمؤسسية ،وقيود الملكية الحتكارية ،وقيود
الجمهور الموجه ،بينما تغيب تماما القيود الفلسفية من تلك البنية ،نظرا لتبنى النظام
العلمى المسئول معرفيا لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير.
النشطة العملية :حيث تمارس كافة أطراف النظام العلمى المسئول معرفيا •
أدوارا جديدة ،من خلل ممار سة التدخلت العلم ية التحرير ية وت طبيق القوا عد
المُرشدة غ ير الحاك مة ال تى تض من التزام كا فة الطراف العلم ية بمه مة الن قل
الوافى للمعرفة.
تقي يم وتقو يم الداء :ح يث يم نح النظام العل مى الم سئول معرفيا مه مة تقي يم •
وتقويهم الداء إلى جماهيهر المتلقيهن بجانهب المنظمات المهنيهة والنقابيهة ،مهن خلل
تنظيهم الجماهيهر لمنظمات المجتمهع المدنهى التهى تتولى الدفاع عهن قواعهد ومبادئ
الم سئولية المعرف ية للن ظم العلم ية .ويو فر النظام العل مى الم سئول معرفيا لتلك
المنظمات الجماهيريهة الشعبيهة أسهاليب قياسهية تتيهح قياس أداء النظام العلمهى
بصورة كمية ،بالضافة إلى أساليب احتمالية لتقييم مدى فاعلية التدخلت العلمية
لتجنب الثار الضارة المحتملة لبعض الرسائل العلمية.
- 404 -
( )49ا ستنبطت الدرا سة من خلل التحل يل النقدى للطروحات ال تى قدمت ها نظريات التأث ير
العل مى والنظريات النقد ية ومدر سة التبع ية -حول دور و سائل العلم فى تشك يل
الوعهى الجتماعهى ،ومدى مسهايرة هذه الطروحات للبعاد العلميهة للعولمهة -عددا
من أوجه القصور فى تلك الطروحات تمثلت فى التى:
الخطأ فى التعميم الذى وقعت فيه نظريات التأثير المعتدل لوسائل العلم عندما •
عممهت نتائج دراسهاتها المبريقيهة حول التأثيرات المتواضعهة والمشروطهة لوسهائل
العلم .إذ إن تلك النتائج وإن كا نت تت فق مع أوضاع جماه ير المتلق ين فى الن ظم
العلمية الحرة بالدول المتقدمة نتيجة الخبرات التى اكتسبوها من خبرات التعامل
فى ظل نظم إعلمية تتعدد فيها الراء وتتنافس ،إل أن تلك النتائج ل تتفق -على
القهل حتهى الن -مهع أوضاع جماهيهر المتلقيهن بالنظهم العلميهة الموجههة التهى
ت صبح في ها آثار و سائل العلم غ ير متواض عة نتي جة ممار سة تلك الن ظم ل ساليب
دعائيهة تهدف إلى تزييهف وعهى المتلقيهن .وعلى الرغهم مهن تجاوز التطورات
التكنولوجيهة للقيود والحدود الجغرافيهة والقانون ية مهن خلل البهث الفضائى المباشهر
وفاعليات شبكة النترنت ،إل أن عائق اللغة وعائق محدودية اهتمام النظم العلمية
الجنبية بالقضايا المحلية فى الدول التى ل تنتمى إليها ،يؤديان إلى ضعف تأثير هذه
المسهتجدات حتهى الن واسهتمرار المتلقهى -فهى النظهم العلميهة الموجههة -فهى
وضعية المتلقى السلبى غير النشيط ،القابل لتزييف وعيه من خلل وسائل العلم.
وقوع النظريات النقد ية ومدر سة التبع ية فى ن فس الخ طأ التعمي مى ح ين عم مت •
الثار القوية لوسائل العلم فى النظم العلمية الموجهة على جماهير المتلقين فى
النظهم العلميهة الحرة ،على الرغهم مهن أن جماهيهر المتلقيهن فهى الدول المتقدمهة
تمكنوا من تكوين خبرات إعلمية تجعلهم فى وضعية المتلقى العنيد النشط الذى يفند
الرسائل العلمية المتنافسة.
تجاهل النظريات النقدية ومدرسة التبعية للنتائج التى رتبتها استراتيجية العولمة •
للتش ظى والتجزؤ والنق سام م ما أدى إلى القضاء على وضع ية سريان الت صال فى
اتجاه واحهد مهن الشمال إلى الجنوب .حيهث بدأت النظهم العلميهة المتعددة تخترق
حقهل البهث العلمهى الفضائى ،وبالتالى أدى ذلك إلى سهريان التصهال مهن كهل
التجاهات.
تجاههل النظريات النقديهة ومدرسهة التبعيهة للنتائج التهى رتبتهها فاعليات شبكهة •
النتر نت وأدت إلى ال حد من القدرة على ممار سة الختراق الثقا فى على الم ستوى
العال مى .ح يث تت يح شب كة النتر نت -من خلل نطاق بث ها العر يض والوا سع -
- 405 -
الفر صة لكا فة الثقافات والجماعات للعلن عن نف سها دون تح مل النفقات الباه ظة
لوسائل العلم التقليدية.
خطأ النظريات النقدية ومدرسة التبعية فى التعامل مع المضمون الثقافى الوافد •
باعتباره يمثهل خطرا فهى حهد ذاتهه ،على الرغهم مهن عدم وجود أيهة نتائج إمبريقيهة
مؤكدة توضح مدى صحة هذا التوجه.
تجا هل النظريات النقد ية ومدر سة التبع ية للبعاد القت صادية ال تى تم ثل الخلف ية •
الحقيقيهة لمواقهف الدول مهن البهث الجنهبى الوافهد ،إذ إن الصهراع على المصهالح
القتصادية للدول حول استثمارات الصناعات العلمية والثقافية هو الصل فى هذا
المر ،وليس الخطر الثقافى.
غلبهة الطابهع اليدلوجهى على التوجهات التهى انطلقهت منهها النظريات النقديهة •
ومدر سة التبع ية بح يث تجاهلت -فى أغلب الحوال -اليجابيات ال تى تح ظى ب ها
نظم العلم فى الدول الغربية.
( )50توصهلت الدراسهة إلى أن اسهتمرار تبنهى النظهم العلميهة للمرجعيات الفلسهفية غيهر
الملئمة التى تعترف بوجود القيود المعرفية ببنية النظم العلمية ،سيؤدى إلى تكريس
التقدم التكنولوجهى الفائق -وتكريهس مظاههر العولمهة -لممارسهات الختراق الثقافهى
المتبادل على مسهتوى العالم إلى الحهد الذى يصهل إلى حروب ثقافيهة متبادلة تُعبّر عهن
صدام الحضارات ،بالضا فة إلى تكري سها لممار سات تزي يف الو عى على الم ستويات
المحليهة .وذلك انطلقا مهن أن اسهتمرار تبنهى المرجعيات الفلسهفية القائمهة التهى تروج
لمسئوليات غير إعلمية للنظم العلمية ،سيؤدى إلى اعتراف المجتمعات ضمنيا بتقييد
القدرات المعرف ية لتلك النظم ،وبالتالى استغللها من خلل القوى المجتمع ية أو العالم ية
المتناف سة فى ممار سات تزي يف الو عى على الم ستويات المحل ية وممار سات الختراق
الثقافهى على المسهتويات العالميهة ..وبالتالى فإن العتراف بالوظيفهة المعرفيهة للنظهم
العلميهة ( المسهئولية المعرفيهة ) -تلك المسهئولية التهى تتبنهى مبدأ الحريهة المطلقهة
للتعبير -يمثل الضمان المناسب لحماية النظم العلمية من تلك الممارسات.
- 406 -
كشفت الدراسة عن عدم دقة الفرض المطروح بالدراسة الذى كان قد تم استنباطه من
العديهد مهن الكتابات العربيهة والجنبيهة التهى اطلع عليهها الباحهث ،والتهى توصهّف العولمهة
باعتبارها المشروع الفكرى والعملى للرأسمالية العالمية فى سعيها نحو السيطرة على مقدرات
دول العالم.
ولكهن التحليهل المتعمهق لظاهرة العولمهة مهن خلل التعرف على مداخلهها التاريخيهة
والمعرفيهة والفلسهفية .والتعرف على مؤسهساتها ومظاهرهها وأبعادهها .كهل ذلك يكشهف عهن
ت صور مغا ير لظاهرة العول مة يبت عد ب ها عن الت صورات غ ير الدقي قة النات جة عن عدم الف هم
العلمى للظاهرة أو عن التفسير اليدلوجى الضيق لها.
ولقد كشفت الدراسة عن أن ظاهرة العولمة ليست من صنع الرأسمالية العالمية ول من
صنع غيرها من القوى .لن الواقع يقرر بأن العولمة لم يخترعها ولم يصنعها ولم يخطط لها
أحد ،وليس معنى ذلك أنها صنعت نفسها بنفسها .وإنما هذا يعنى أن العولمة ما هى إل مرحلة
متقدمهة فهى وعهى النسهانية بالعالم مهن حولهها .حيهث أدى تراكهم المنجزات النسهانية
( الفكر ية والتكنولوج ية ) إلى إدراك الن سانية للمشتركات الماد ية والمعنو ية فى هذا العالم
والتى تجمع البشرية كلها فى بوتقة واحدة .فالعولمة هى نتاج لمحاولت النسان التراكمية منذ
بدء الخليقة لتركيب وتفكيك العالم من حوله.
- 407 -
وبالتالى فقد قادت محاولت النسان لتركيب العالم من حوله ( تكوين رؤية عن أبعاد
العالم ) إلى إدراك المشترك الن سانى المادى ال كبر ،الذى يتم ثل فى الكون الذى هو م ستقر
ومستودع لكل شئ.
كما قادت محاولت النسان لتفكيك العالم من حوله ( تكوين رؤية عن أصل الشياء )
إلى إدراك المشترك النسانى الصغر ،الذى يتمثل فى البنية الذرية التى هى أصل كل شئ.
وبإدراك النسهان للمشترك النسهانى المادى الكهبر والمشترك النسهانى المادى الصهغر..
أدراك بذلك الجا نب المادى لظاهرة العول مة والذى يتم ثل فى أن كو كب الرض ( العالم ) هو
المشترك الن سانى المادى الذى ي قف ب ين الذرة الدقي قة والكون الشا سع العظ يم ل كى ي ضم على
سطحه الجنس البشرى.
وبنفهس المن طق فقهد قادت محاولت الن سان للتفك يك والترك يب -للبحهث عن من شأ
وعيه بذاته وبالعالم من حوله -إلى إدراك المشترك النسانى المعنوى.
ح يث قادت عمل ية الترك يب إلى إدراك أن كل هذا الكون ما هو إل نتاج لع قل مطلق
شامل محيط -غير محدود -يمثله ال سبحانه وتعالى.
كما قادت عملية التفكيك إلى إدراك ،أن كلً من التطور النسانى ووعى النسان بذاته
ما ه ما إل نتاج لع قل محدود جزئى غ ير شا مل يكت سب معار فه بالترا كم والتوارث وال خبرة
والصواب والخطأ ،ويمثل هذا العقل النسان.
ولقهد كان المشترك النسهانى المعنوى المناسهب للقيام بدور الوسهيط بيهن العقهل
المطلق الذى يمثله ال سهبحانه وتعالى ،والعقهل المحدود الذى يمثله النسهان ،يتمثهل فهى
« قي مة الحر ية » .ح يث تم ثل قي مة الحر ية المشترك الن سانى المعنوى القا بل لتو صيف
العلقهة بيهن ال والنسهان انطلقا مهن أن الحريهة ههى الشرط اللزم لصهحة إيمان العقهل
النسهانى المحدود بالعقهل اللههى المطلق ،والشرط اللزم لشرعيهة مبدأى الثواب والعقاب
اللهي ين ،فل مجال لح ساب الن سان إل لو امتلك الحر ية للختيار ب ين الخ ير وال شر وب ين
الخطأ والصواب.
وبالتالى فإن المشترك النسهانى المعنوى يتمثهل فى ( الحر ية الن سانية ) ،تلك القيمهة
ال تى لو تم كبت ها ومحا صرتها وتقلي صها لف قد الن سان الجو هر والمع نى اللذ ين يمنحا نه التفوق
على كل كائنات الرض.
ونظرا لن ظاهرة العول مة بهذا الف هم ما هى إل نتاج للترك يب والتفك يك فإن ذلك أدى
إلى أن تحمل العولمة فى داخلها مظاهر تخلقها ونشأتها التى تتمثل فى قدرتها على التركيب
- 408 -
والتفكيك ،وبالتالى قدرتها على ممارسة الشيئ ونقيضه .ومن هنا كانت مظاهر العولمة أثناء
ممار ستها لفاعليات ها العمل ية فى الوا قع تؤ كد أن ها ك ما تد فع إلى التو حد والتك تل والندماج
( التركيب ) فإنها فى نفس الوقت تدفع إلى التشظى والتجزؤ والنقسام ( التفكيك ).
وهذا أدى إلى أن يقع التحليل السطحى لظاهرة العولمة ،فى مأزق إدراك مظهر واحد
من مظاهر ها دون إدراك المظ هر ال خر .نظرا ل ما يد فع إل يه إدراك المظهر ين من ارتباك
وتناقض.
وفى الواقع ..فإن امتلك العولمة لهذه القدرة على الجمع بين الشيئ ونقيضه هى الذى
تمنح ها صفة الظاهرة الشاملة وتو فر ل ها التوازن فى المج مل العام .وتم نع ا ستئثار فر يق ما
بمفرده بالمكانات ال تى توفر ها هذه الظاهرة .فك ما ت ستفيد ب عض القوى من مظا هر العول مة
للتوحد والتكتل والندماج لتحقيق مصالح معينة ،فإن بعض القوى الخرى ستستفيد من مظاهر
العولمة للتشظى والتجزؤ والنقسام لتحقيق مصالح أخرى..
إن هذا الفههم لظاهرة العولمهة يوضهح أنهها كظاهرة شاملة ل تنتمهى إلى قوة أو جههة
معينهة ،وإنمها ههى تنتمهى إلى البشريهة كلهها .كمها أنهها ل تصهلح لكهى تكون مشروعا فكريا
أو عمليا للرأسهمالية العالميهة للسهيطرة على مقدرات الشعوب والدول ،وذلك لنهها تسهتعصى
على التوجيه وتخرج عن نطاق السيطرة ،وذلك لدفعها إلى التوحد والتكتل والندماج ،فى ذات
الوقت الذى تدفع فيه إلى التشظى والتجزؤ والنقسام .وبالتالى ل يمكن التعامل معها بوصفها
أيدلوجية لن اليدلوجية أحادية التجاه بينما ظاهرة العولمة تجمع المتناقضات.
والوا قع يو ضح أن العول مة ك ما تقوم على الشركات متعددة الجن سيات ف هى أيضا تقوم
على منظمات المجتمهع المدنهى ،وكمها تروّج لثقافهة عالميهة إنسهانية فههى تفتهح الباب للثقافات
- 409 -
القوم ية .وك ما تج عل من شب كة النتر نت سوقا للتجارة اللكترون ية فإن ها تجعل ها أيضا ساحة
مفتوحة للفكار والمعرفة.
...و فى هذا الطار ..فإن الدرا سة تقدم ح صيلة الف هم ال سابق للعول مة فى صورة
فرضيهن تدعهو إلى إعادة اختبارهمها فهى الدراسهات اللحقهة للتأكهد مهن مدى صهحتهما
وموضوعيتهما وهما كالتالى:
تم ثل ظاهرة العول مة مرحلة متقد مة فى و عى الن سان بالعالم من حوله نت جت من •
خلل محاولت النسان التراكمية عبر الع صور لتركيب وتفك يك ذلك العالم ،مما أدى إلى
إدراكصه للمشترك النسصانى ( المادى ) المتمثصل فصى « العالم » ،والمشترك النسصانى
( المعنوى ) المتمثل فى « الحرية النسانية ».
نظرا لن العولمة نتجت عن التركيب والتفكيك فإن مجمل مظاهرها يتمثل فى دفعها •
نحصو التوحصد والتكتصل والندماج فصى ذات الوقصت الذى تدفصع فيصه نحصو التشظصى والتجزؤ
والنقسام.
- 410 -
تو صلت الدرا سة إلى أن ال ثر الذى تمار سه عول مة الت صال على المتغيرات الكائ نة
ببن ية الن ظم العلم ية الراه نة هو أ ثر غ ير متوازن ،و من ثم ل ي ساعد تلك الن ظم على القيام
بأعباء وظيفتها فى المجتمع على الوجه الكمل.
وتفصهيل ذلك ..أن الدراسهة توصهلت إلى أن المتغيرات الوظيفيهة الحاكمهة فهى بنيهة
النظام العلمهى تتحدد فهى ثلثهة متغيرات ههى « :القدرات المعرفيهة للنظام العلمهى »
و« درجة شفافية النظام العلمى » و« القدرات التكنولوجية للنظام العلمى » .وتنتظم هذه
المتغيرات الثلثة فى العلقة الرياضية التالية:
القدرات المعرفية للنظام العلمى = درجة شفافية النظام العلمى ×
قدراته التكنولوجية
وقد أثبتت الدراسة أن المتغيرين الوظيفيين الحاكمين ( المستقلين ) ل يستجيبان بدرجة
متوازنهة لل ثر الذى تمارسهه عليهمها عولمهة التصهال ،وبالتالى فإن المتغيهر الوظيفهى الحاكهم
( التابع ) الذى يتمثل فى « القدرات المعرفية للنظم العلمية » يتصاعد بدرجة أقل من الدرجة
التى كان يمكن أن يتصاعد بها ،لو كانت استجابة المتغيرين الخرين تتم بدرجة متوازنة.
حيث تمارس عولمة التصال تأثيرها على « القدرات التكنولوجية للنظم العلمية »
انطلقا مهن النتائج التهى ترتبهت على التقدم التكنولوجهى الهائل فهى تكنولوجيات التصهالت
والعلم والمعلومات ،وأدت إلى التكامهل بيهن هذه التكنولوجيات الثلث ،مهن خلل التكامهل
التكنولو جى العضوى فى مجال تكنولوج يا الو سائط الناقلة ،والتكا مل التكنولو جى الهيكلى فى
مجال تكنولوجيها أجهزة السهتقبال والعرض والتصهال .المهر الذى أسهفر عهن دمهج وسهائل
العلم والتصهال والمعلومات فهى بنيهة هيكليهة إلكترونيهة مدمجهة واحدة ،يمثلهها الكومهبيوتر
المتصل بشبكات المعلومات ،وأسفر عن التصاعد المطرد فى نسبة انتشار وسائل العلم فى
المجتمعات المختل فة ،وذلك انطلقا من الثار ال تى تمار سها البعاد القت صادية للعول مة وال تى
تؤدى إلى تب نى سياسات النتاج الض خم وفقا لمبدأ وفورات الح جم ال كبير فى مجال الت صنيع
التكنولو جى لو سائل الت صال .ال مر الذى سيقود ن حو انخفاض القي مة ال سعرية لتلك الو سائل
بالتزاوج مهع التصهاعد فهى نسهبة انتشارهها على مسهتوى العالم .وبالتالى ..سهينعكس هذا على
القدرات التكنولوجية للنظم العلمية بصورة إيجابية ،تيتح لغلب تلك النظم الوصول بسهولة
- 411 -
إلى مرحلة التشبع التكنولوجى العلمى ،تلك المرحلة التى تعنى وصول القدرات التكنولوجية
للنظم العلمية إلى حدها القصى.
وعلى الجانهب الخهر ..فإن التأثيهر الذى تمارسهه عولمهة التصهال على « درجهة
شفافية النظم العلمية » يتمثل فى النفجار المعلوماتى والكم المهول من الرسائل العلمية
ال تى تنهمهر ليهل نهار عبر قنوات التصهال الممتدة عبر أرجاء العالم ،ممها أدى إلى تجاوز
الرسهائل العلميهة للحدود الجغرافيهة والقيود القانونيهة والخصهائص الفنيهة لوسهائل العلم
التقليد ية ،ال مر الذى انع كس إيجابيا على « در جة شفاف ية الن ظم العلم ية » .ول كن مازالت
بعهض العوائق والقيود تمنهع التصهاعد المتسهارع فهى « درجهة شفافيهة النظهم العلميهة »،
وتتمثل فى ضعف الثر الذى تمارسه الرسائل العلمية الفضائية الجنبية المخترقة للحدود
والموا نع القانون ية ،وذلك نتي جة العائق اللغوى ،ونتي جة عدم قدرة الن ظم العلم ية الجنب ية
على الهتمام الكهبير بالقضايها المحليهة اليوميهة التهى تحجبهها النظهم العلميهة المحليهة .هذا
بالضافهة إلى التقييهد الكهبير الذى تمارسهه مجموعهة القيود المعرفيهة الكائنهة ببنيهة النظهم
العلم ية الراه نة ،وال تى تتم ثل فى القيود المجتمع ية ( التشريع ية والعمل ية ) والقيود الذات ية
التهى تمارسهها المؤسهسات العلميهة .المهر الذى يؤدى فهى المجمهل العام إلى عدم ارتفاع
« در جة شفافية النظم العلمية » بن فس الدر جة ال تى تت صاعد ب ها « القدرات التكنولوجية
للن ظم العلم ية » .ويؤدى إلى عدم توازن ال ثر الذى تمار سه عول مة الت صال على هذ ين
المتغيرين ،وبالتالى الحد من الدرجة التى كان يمكن أن تتصاعد وفقا لها « القدرات المعرفية
للن ظم العلم ية » نتي جة هذا ال ثر غ ير المتوازن .ال مر الذى ي سفر عن عدم قدرة الن ظم
العلمية على القيام بوظيفتها فى المجتمع ،والتى تتمثل فى نقل معرفة وافية عن الحداث
والمجريات والراء والفكار ،نتيجهة الثار السهلبية التهى تمارسهها العوائق والقيود المعرفيهة
على « درجة شفافية النظم العلمية ».
وبناءا على ما سبق ..يم كن صياغة الجا بة على الت ساؤل ال سابق فى صورة فرض
يمكن للدراسات اللحقة اختباره ..وذلك كالتالى:
« تمارس عول مة الت صال أثرا غ ير متوازن على المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية
النظصم العلميصة ،بمصا يؤدى إلى تصصاعد القدرات التكنولوجيصة لتلك النظصم بمعدلت أكثصر
ت سارعا من ت صاعد در جة شفافيت ها نتي جة الدور ال سلبى الذى تمار سه القيود المعرف ية
الكائنة فى بنية تلك النظم ».
- 412 -
التساؤل الثانى :ما هو الثر الذى تمارسه المرجعيات الفلسفية العلمية التى تتبناها
النظم العلمية الراهنة على القدرات المعرفية لتلك النظم؟
توصهلت الدراسهة إلى وجود ارتباط بيهن المرجعيات الفلسهفية العلميهة التهى تتبناهها
الن ظم العلم ية الراه نة وب ين القيود المعرف ية الكائ نة فى بن ية تلك الن ظم ،ح يث تعترف كا فة
المرجعيات الفل سفية العلم ية بشرع ية توا جد القيود المعرف ية ببن ية الن ظم العلم ية بدرجات
متفاوتة ،المر الذى يؤدى إلى إعاقة تصاعد القدرات المعرفية للنظم العلمية ،ويؤثر سلبيا
على قيامها بوظيفتها فى المجتمع.
وتفصهيل ذلك ..أن الدراسهة عرضهت للتصهنيفات المتعددة لنظريات النظهم العلميهة
والتى أطلقت عليها الدراسة مصطلح المرجعيات الفلسفية باعتبارها تمثل الخلفية الفلسفية للنظم
العلمية وتبين من ذلك العرض أن المدى الذى يضم النظم العلمية الراهنة يتراوح ما بين
كل من:
النظهم العلميهة الموجههة :يندرج تحتهها وفقا لدرجات متفاوتهة فهى التوجيهه •
( النظهم السهلطوية -النظهم الشيوعيهة أو الماركسهية أو السهلطوية الجتماعيهة -النظهم
التنموية أو التقدمية ).
النظهم العلميهة الحرة :يندرج تحتهها وفقا لدرجات متفاوتهة فهى الحريهة ( النظهم •
ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههة
الليبراليه
أو أنظمهة السهوق -النظهم المسهئولة اجتماعيا أو الليبراليهة الجتماعيهة أو المركزيهة
الجتماعية أو الديمقراطية الجتماعية -نظم المشاركة الديمقراطية ).
ونظرا لن عرض الممارسات العملية لتلك النظم أوضح أن النظم العلمية الموجهة
تمارس دورهها باعتبارهها أحهد أدوات السهلطة مهن حيهث كونهها أدوات دعائيهة لنظهم الحكهم
وللترويج اليدلوجى ودعم خطط التنمية ،بينما تمارس النظم العلمية الحرة دورها باعتبارها
سهلطة رابعهة -فهى مواجههة سهلطات الدولة الثلث -مهمتهها تسهليط الضوء على الحداث
والوقائع والفكار والراء بالمجتمع وتقديمها للجماهير .وبالتالى فإن النظم العلمية الموجهة
ت ستهدف تشك يل و عى المجت مع من أ جل الدولة ،بين ما الن ظم العلم ية الحرة ت ستهدف ك شف
ممارسات الدولة من أجل المجتمع .ولكن نظرا لنه ل وجود للدولة بدون المجتمع ،فإن كافة
النظهم العلميهة سهواء الحرة أو الموجههة تحاول أن تترجهم ممارسهاتها العلميهة فهى إطار
التزامهها تجاه المجتمهع .وانطلقا من هذه النتي جة ف قد اكتسهبت نظريهة المسهئولية الجتماعيهة
- 413 -
جاذبية خاصة جعلت من أطروحاتها الصيغة الكثر قبولً لدى كل من النظم العلمية الحرة
والموج هة ،بح يث يأول ها كل من النظام ين لتحق يق أهدا فه ت حت دعوى اللتزام بدور م سئول
تجاه المجتمع.
حيث تبرر النظم العلمية الموجهة تشديدها للقيود المجتمعية على المعلومات ،وتبرر
مؤسساتها العلمية تبنيها للقيود الذاتية ،تحت دعوى اللتزام بدور مسئول اجتماعيا.
وبن فس المن طق تبرر الن ظم العلم ية الحرة ا ستمرار بقاء عدد من القيود المجتمع ية
داخهل بنيتهها ،وتهبرر مؤسهساتها العلميهة تبنيهها للقيود الذاتيهة ،تحهت دعوى اللتزام بدور
مسئول اجتماعيا.
وهذا يو ضح أن ا ستمرار بقاء القيود المعرف ية ( المجتمع ية والذات ية ) فى بن ية الن ظم
العلمية الراهنة ،يرجع إلى اعتراف المرجعيات الفلسفية التى تتبناها تلك النظم بشرعية تلك
القيود -وفقا لدرجات متفاوتة من القوة والض عف -المر الذى ينعكس بالسلب على « درجة
شفاف ية الن ظم العلم ية » نتي جة تقل يص تلك القيود المجتمع ية والذات ية لن سبة المعر فة الكام نة
بالمعلومات المنشورة بتلك الن ظم ،وبالتالى الم ساهمة فى إبطاء معدلت الت صاعد فى القدرات
المعرف ية للن ظم العلم ية الراه نة ،بح يث تتحول التكنولوج يا الت صالية العلم ية المعلومات يه
الفائ قة الم صاحبة للبعاد العلم ية للعول مة -وال تى تتخ طى الحدود الجغراف ية والخ صائص
الفن ية ( الم ساحية والزمن ية ) بو سائل الت صال التقليد ية -إلى تكنولوج يا لن قل معر فة مكبلة
بالقيود المعرف ية ( المجتمع ية والذات ية ) .وبالتالى ي تم إهدار المكان ية ال تى توفر ها التكنولوج يا
لممارسة التصال شبه الكامل عن بعد وللنقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية.
ولقهد رصهدت الدراسهة -مهن خلل عرضهها لتصهنيفات تلك المرجعيات الفلسهفية
وللطار الفكرى لنظريههة المسههئولية الجتماعيههة -عدم قدرة تلك المرجعيات جميعا على
التوصيف الدقيق لثنائية السلطة والمسئولية بتلك النظم ،تلك الثنائية التى يؤدى عدم التوصيف
الدقيق للطابع الذى يميزها إلى اضطلع النظم العلمية بأدوار تتجاهل حقوقها وتتناقض مع
واجباتهها ..ولقهد أوضحهت الدراسهة أن المرجعيات الفلسهفية الراهنهة أدت بالنظهم العلميهة
الموج هة إلى أن تمارس م سئوليات غ ير إعلم ية مع افتقار ها ل ية سلطة ،فى ح ين تمارس
النظم العلمية الحرة سلطتها فى مواجهة سلطات المجتمع الخرى مع افتقارها إلى مسئولية
إعلميهة تحدد واجباتهها ووظيفتهها الصهيلة ..ولعهل الواقهع يقرر أنهه عندمها يمارس أى نظام
فاعليا ته دون تنظ يم لثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بني ته الفكر ية والعمل ية ،فإن ذلك يؤدى إلى
تجاوزه لسلطاته أو تفريطه فى مسئولياته أو الثنين معا.
- 414 -
وبالتالى فإن تلك المرجعيات الفلسفية تؤدى إلى تقييد القدرات المعرفية للنظم العلمية
الراه نة نتي جة اعتراف ها بثنائ ية القيود المجتمع ية والذات ية وعدم تو صيفها الج يد لثنائ ية ال سلطة
والمسئولية ببنية تلك النظم .المر الذى يكشف عن مسئولية تلك المرجعيات الفلسفية عن الثر
غ ير المتوازن الذى تمار سه عول مة الت صال على القدرات التكنولوج ية ودر جة شفاف ية الن ظم
العلم ية .م ما يع نى أن تلك المرجعيات قد با تت ل تتواءم مع التطورات الحال ية والم ستقبلية
التى تطرحها البعاد العلمية للعولمة ،تلك البعاد التى يتلزم فيها التوحد والتكتل والندماج
مهع التشظهى والتجزؤ والنقسهام ،وتوفهر فرصهة عريضهة لتنميهة القدرات المعرفيهة للنظهم
العلم ية ،انطلقا من قدرات ها التكنولوج ية المت سارعة الت صاعد وال تى ت سمح بالن قل الوا فى
للمعرفة.
وانطلقا من هذه النتائج فإ نه يم كن إعادة صياغة الجا بة على التسهاؤل ال سابق فهى
صورة فرض يمكن للدراسات اللحقة اختباره ..وذلك كالتالى:
« تؤدى المرجعيات الفلسفية التى تتبناها النظم العلمية الراهنة إلى استمرار بقاء القيود
المعرف ية ( المجتمع ية والذات ية ) فى بن ية تلك الن ظم -وفقا لدرجات متفاو تة -ال مر الذى
يج عل تلك المرجعيات م سئولة عن ال ثر غ ير المتوازن الذى تمار سه عول مة الت صال على
المتغيرات الوظيفيصة الحاكمصة ببنيصة النظصم العلميصة ،ويؤدى إلى إعاقصة تصصاعد قدراتهصا
المعرفية ».
التساؤل الثالث :ما هو الطا بع الملئم لتو صيف ثنائ ية ال سلطة والم سئولية فى بنية
النظم العلمية بما يضمن الرتفاع بقدراتها المعرفية؟
تو صلت الدرا سة إلى أن الطا بع « الكا شف » ،هو الطا بع الملئم لتو صيف جا نب
ال سلطة فى بن ية الن ظم العلم ية .بين ما الطا بع « المعر فى » هو الطا بع الملئم لتو صيف
جانهب المسهئولية فهى بنيهة تلك النظهم .انطلقا مهن أن سهلطة النظهم العلميهة مها ههى إل
« سلطة كاش فة » ،وم سئوليتها ما هى إل « م سئولية معرف ية » .وبالتالى تتم ثل المرجع ية
الفلسفية الملئمة لهذه الثنائية ،فى المرجعية الفلسفية التى تتبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير.
ال مر الذى يضمن فى مجمله العام إلغاء القيود المعرفية المجتمعية وتقليص القيود المعرفية
الذاتية ،بما يؤدى إلى التصاعد المتسارع للقدرات المعرفية للنظم العلمية ،استجابة للثار
التى تطرحها عولمة التصال.
- 415 -
وتفصيل ذلك ..أن تحليل ثنائية السلطة والمسئولية فى بنية النظم العلمية أوضح
أن سلطة النظم العلمية تتمثل فى مجموعة الحقوق العلمية للنسان ،تلك الحقوق التى
تعطى لتلك النظم سلطة جمع المعلومات ونشرها .بينما مسئولية النظم العلمية تتمثل فى
مجموعة الوظائف التى تؤديها تلك النظم بالمجتمع ،والتى تدور جميعها حول محور واحد
هو الن قل الوا فى للمعر فة الكام نة بالمعلومات العلم ية ال تى يوفر ها المجت مع عن مج مل
أحداثهه ووقائعهه .ومهن هذا المنطلق تصهبح سهلطة النظهم العلميهة سهلطة كاشفهة تسهلط
أضواءهها الكاشفهة على مجمهل أحداث المجتمهع ووقائعهه ،بينمها مسهئولية النظهم العلميهة
تصهبح مسهئولية معرفيهة ،لنقهل المعرفهة الكامنهة بالمعلومات العلميهة التهى تسهلط عليهها
أضواء سلطتها الكاشفة.
ولكن نظرا لن الجابة على التساؤل السابق توصلت إلى أن المرجعيات الفلسفية التى
تتبناها النظم العلمية الراهنة تساهم فى استمرار بقاء القيود المعرفية ( المجتمعية والذاتية )
فى بن ية تلك الن ظم ،فإن تلك المرجعيات ت صبح غ ير ملئ مة لتب نى مفهوم الم سئولية المعرف ية
للنظم العلمية باعتباره مفهوما يتناقض مع كافة القيود المعرفية ( المجتمعية والذاتية ) التى
تؤدى إلى تقي يد القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية ،و من ثم الن يل من م سئوليتها المعرف ية.
وانطلقا من هذه النتيجة ..فإن المرجعية الملئمة التى توفر الفرصة الكاملة للنظم العلمية
للقيام بأعباء مسهئوليتها المعرفيهة ،ههى المرجعيهة التهى تتبنهى مبدأ الحريهة المطلقهة للتعهبير،
باعتبار أن هذا المبدأ ههو الذى يضمهن عدم العتراف بكافهة القيود المعرفيهة ( المجتمعيهة
والذات ية ) فى بن ية الن ظم العلم ية ،وبالتالى ي سمح لتلك الن ظم بممار سة م سئوليتها المعرف ية
المتمثلة فى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية التى يوفرها المجتمع عن مجمل
أحداثه ووقائعه .المر الذى يؤدى إلى الرتفاع بالقدرات المعرفية للنظم العلمية ،ويوفر لها
الفرصهة كاملة للقيام بأعباء وظيفتهها المعرفيهة فهى المجتمهع بمها يتلءم مهع المنطلقات التهى
تطرحها البعاد العلمية للعولمة حاليا أو مستقبلً.
وبهذا يم كن صياغة الجا بة على الت ساؤل ال سابق فى صورة فرض يم كن للدرا سات
اللحقة اختباره ..وذلك كالتالى:
« يمثل كل من الطابع ( المعرفى ) لمسئولية النظم العلمية والطابع ( الكاشف ) لسلطتها
الطابعين الملئمين للرتفاع بالقدرات المعرفية للنظم العلمية فى ظل مرجعية فلسفية تتبنى
مبدأ الحرية المطلقة للتعبير ».
- 416 -
التسصاؤل الرابصع :ما هصو الدور الذى تمارسصه عولمصة التصصال فى مجال قيام النظصم
العلمية بتشكيل الوعى الجتماعى لجماهير المتلقين؟
تو صلت الدرا سة إلى سلبية الدور الذى تمار سه عول مة الت صال فى مجال قيام الن ظم
العلميهة بتشكيهل الوعهى الجتماعهى لجماهيهر المتلقيهن .ول يرجهع ذلك إلى طبيعهة عولمهة
الت صال ذات ها ،وإن ما ير جع إلى طبي عة الن ظم العلم ية الراه نة ال تى ت سمح بتوا جد القيود
المعرف ية فى بنيتها ،مما يؤدى إلى استغلل مظا هر عولمة الت صال التى يتلزم في ها التوحد
مع النقسام ،من أجل تكريس ممارسات تزييف الوعى محليا ،والصدام الثقافى عالميا.
وتفصهيل ذلك ..أن الدراسهة عرضهت للدراسهات الغربيهة التهى تتبنهى فرضيهة التأثيهر
المعتدل لو سائل العلم ،ا ستنادا إلى البحوث ال تى ر صدت تطور خبرات جماه ير المتلق ين،
وتطور المتلقهى مهن المتلقهى السهلبى إلى المتلقهى النشيهط .كمها عرضهت الدراسهة لدراسهات
المدر سة النقد ية ومدر سة التبع ية وال تى تتب نى فرض ية التأث ير القوى لو سائل العلم وقدرت ها
على تزييف وعى الجماهير محليا وممارسة الختراق الثقافى عالميا.
ولقهد أخضعهت الدراسهة نتائج هذه الدراسهات للتحليهل النقدى .وأوضحهت أن نتائج
الدراسات الغربية حول التأثير المعتدل لوسائل العلم والمتلقى النشيط ل تنطبق بأى حال من
الحوال على وضعيهة وسهائل العلم والمتلقيهن بدول العالم الثالث ذات النظهم العلميهة
الموجهة التى تمارس وسائل العلم فيها تأثيرا دعائيا قويا يؤدى إلى تزييف وعى مواطنيها.
ك ما أو ضح التحل يل النقدى أن نتائج الدرا سات النقد ية ودرا سات مدر سة التبع ية حول التأث ير
القوى لوسهائل العلم وقدرتهها على تزييهف الوعهى والختراق الثقافهى ل تنطبهق بدايهة على
جماه ير المتلق ين بالدول الغرب ية الذ ين اكت سبوا خبرة فى التعا مل مع و سائل العلم ،ك ما ل
ت صمد نتائج تلك الدرا سات أمام التطورات الراه نة ال تى فرضت ها البعاد العلم ية للعول مة،
وأمام التطورات فهى التكنولوجيها التصهالية العلميهة المعلوماتيهة الفائقهة ،ممها أدى إلى عدم
قدرة أيهة قوة أو دولة أو جههة واحدة على النفراد بممارسهة الختراق الثقافهى .حيهث أدى -
تعدد مراكهز النتاج العلمهى واسهتمرار تزايهد عدد الفضائيات العالميهة المختلفهة الجنسهيات
والنتماءات ،بالضا فة إلى الفاعليات المهولة لشب كة النتر نت والمتا حة لكا فة الثقافات -إلى
إمكانية مواجهة الختراق الثقافى باختراق ثقافى مضاد.
وتأ سيسا على ذلك ف قد أوض حت الدرا سة أن البعاد العلم ية للعول مة وال تى يتلزم
فيها التوحد والتكتل والندماج مع التشظى والتجزؤ والنقسام ،قد يمكن إساءة استثمار نتائجها
التكنولوجيهة والمعرفيهة مهن خلل تكريسهها عالميا لممارسهات الختراق الثقافهى المتبادلة على
مسهتوى العالم ،إلى الحهد الذى يمكهن أن يتطور إلى حروب وصهدامات ثقافيهة متبادلة ،ومهن
- 417 -
خلل تكريسها محليا لممارسات تزييف الوعى انطلقا من الهواجس الوطنية المتطرفة للحفاظ
على الهوية القومية فى مواجهة التحولت العولمية المتصاعدة.
وقد أوضحت الدراسة أن الستثمار السئ لنتائج العولمة ينبع من استمرار تمسك النظم
العلمية بالمرجعيات الفلسفية الراهنة التى تسمح بتواجد القيود المعرفية ( المجتمعية والذاتية )
فهى بنيتهها ،ممها يؤدى إلى أن تصهبح تلك المرجعيات بمثابهة الحافهز لسهاءة اسهتثمار الثار
اليجابية ( المعرفية والتكنولوجية ) للبعاد العلمية للعولمة.
وبالتالى فإن تبنى النظم العلمية لمفهوم المسئولية المعرفية ( الوظيفة المعرفية ) -
بمرجعيت ها الفل سفية الكافلة للحر ية المطل قة للت عبير -هو الذى يض من عدم إ ساءة ا ستثمار
الثار اليجابيهة ( التكنولوجيهة والمعرفيهة ) للبعاد العلميهة للعولمهة ..إذ إن الرتفاع
بالقدرات المعرفية للن ظم العلم ية من خلل تقل يص القيود المعرف ية ( المجتمعية والذات ية )
فى بن ية تلك الن ظم سيؤدى إلى الرتفاع بدر جة صعوبة انتهاج ممار سات تزي يف الو عى
أو الختراق الثقافى ،مما يتيح للنظم العلمية ممارسة فاعلياتها فى إطار التزامها بدورها
الوحيد المتمثل فى النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية التى يوفرها المجتمع
عن مجمل أحداثه ووقائعه.
ويمكن صياغة الجابة على التساؤل السابق فى صورة فرض يمكن للدراسات السابقة
اختباره ،وذلك كالتالى:
« تؤدى طبيعصة النظصم العلميصة الراهنصة التصى تسصمح مرجعياتهصا الفلسصفية بتواجصد القيود
المعرف ية فى بنيت ها إلى إ ساءة ا ستثمار الفرص ال تى تطرح ها عول مة الت صال ،وتكري سها
لممارسات تزييف الوعى محليا والصدام الثقافى عالميا بدلً من تكري سها للرتفاع بالقدرات
المعرفية للنظم العلمية ».
- 418 -
- 423 -
..بهذه المقولة ( المبدأ ) افتتحنا الدراسة الماثلة ..وبها نختتمها .فلقد كانت الحقيقة
دائما ،هدف العلماء والمفكر ين والباحث ين ..وغير هم .وكل ما سنحت ل هم الفر صة ليعلنوا أن هم
أمسكوا بتلبييها أو تمكنوا من رسم حدودها ،كانوا يدركون بأنهم لم يحاصروا إل الهواء ،ولم
تقبض أيديهم إل على الرياح.
لقد كانت « نظرية النسبية » ومعها « نظرية الكم » بمثابة الثبات العملى على نسبية
الحقيقة وسيولتها ،ليس فقط فى عالم الفكر ،بل أيضا فى عالم المادة .بحيث أصبح المبدآن اللذان
كشفت عنهما هاتان النظريتان ،وهما « مبدأ النسبية » و« مبدأ الليقين » ،بمثابة الشارة الولى
التهى تعلن أن الطريهق إلى الحقيقهة الفكريهة أو الماديهة ،مها ههو إل طريهق يخلو مهن المعالم
والتجاهات والسهم والحدود ..بل وحتى النهايات .فطريق الحقيقة بل نهاية ،لنها وبكل بساطة
نسبية ،وذلك مصداقا لقوله تعالى « :وما أوتيتم من العلم إل قليل » .فالعلم القليل الذى وهبنا ال
إياه ،ل يت يح الو صول للحقي قة ،ولك نه ي ساعد ف قط على القتراب من ها .ولهذا ..فطال ما كان من
المستحيل الوصول للحقيقة ،أفل تصبح محاولة القتراب من حدودها بمثابة التطبيق العملى لمبدأ
« ليس عليك إدراك النجاح ولكن يكفيك شرف المحاولة » .ويتمثل شرف المحاولة فى إتاحة
الفرصة لكافة الراء والفكار والبداعات والمعلومات ..وغيرها ،لكى تدلى برؤيتها وتفسيراتها
وتصوراتها حول الحقيقة ،بما يساعد على الوصول إلى أقرب نقطة من حدودها.
إن الطابهع الرمزى لحريهة التعهبير ،هو الذى يكفهل لتلك الحريهة مداهها المطلق .ولقهد
كا نت الفاق المحدودة -ل كل من الف كر والتكنولوج يا في ما م ضى -تق يد ذلك المدى ..ول كن
- 424 -
القاعدة التكنولوجية الفائقة الحالية تتيح لذلك المدى المطلق فرصة التحقق ،بشرط تطوير بنية
فكرية ( مرجعية فلسفية ) تستوعب هذا المدى المطلق لحرية التعبير.
لقهد توصهلت الدراسهة الماثلة إلى أن المرجعيات الفلسهفية العلميهة الراهنهة تؤدى إلى
تقليص كفاءة النظم العلمية فى ممارستها لوظيفتها فى المجتمع ( نوعيا وكيفيا وكميا ) .إذ إن
ال ثر غ ير المتوازن الذى تمار سه عول مة الت صال على المتغيرات الوظيف ية الحاك مة فى بن ية
الن ظم العلم ية يؤدى إلى ت صاعد القدرات التكنولوج ية لتلك الن ظم بمعدلت أك ثر ت سارعا من
ت صاعد در جة شفافيت ها ،م ما يقود ن حو تقل يص القدرات المعرف ية للن ظم العلم ية .ول تمارس
عولمة التصال هذا الثر غير المتوازن نتيجة قصور فى طبيعتها ذاتها ،وإنما بسبب قصور
المرجعيات الفلسفية العلمية الراهنة التى فشلت فى توصيف ثنائية السلطة والمسئولية فى بنية
الن ظم العلم ية ،م ما أ سفر عن تكب يل القدرات المعرف ية لتلك الن ظم بم سئولية اجتماع ية دخيلة
وغير مناسبة تختصر من المدى المطلق للحرية التى ينبغى أن تمتلكها هذه النظم.
ولهذا ..فقد وجدت الدراسة أن المسئولية ذات الطابع المعرفى « المسئولية المعرفية » هى
المسئولية المناسبة لمنطلقات النظم العلمية ،إذ إنها هى التى تضمن كفاءة تلك النظم فى ممارستها
لوظيفت ها فى المجتمع ( نوعيا ) من خلل طابع ها المعر فى ،و( كيفيا ) من خلل صياغتها لقوا عد
مرشدة غير حاكمة تضمن النقل الوافى للمعرفة الكامنة بالمعلومات العلمية ،و( كميا ) من خلل
تصميمها لمقاييس حسابية تتيح قياس درجة التزام النظم العلمية بمسئوليتها المعرفية.
...ول تتوقع الدراسة -حتى ل تسقط فى مأزق التصورات المثالية غير العملية -أن
ي تم تب نى توجهات ها الداع ية إلى الحر ية المطل قة للت عبير بدون مقاو مة شديدة وضار ية .فدوائر
ال سلطة والمال والعمال ،والجماعات الدين ية وال صولية والمحاف ظة ،والتيارات المتطر فة فكريا
ووطنيا وقوميا ..كلها ستناهض أية دعوة إلى الحرية المطلقة للتعبير .إذ إن المدى المقيد لحرية
التعبير هو الذى يضمن لكافة تلك الدوائر والجماعات والتيارات المساك بحزمة القيود المعرفية
التى تحجب أضواء العلم الكاشفة عن المناطق التى تضر بمصالحها وتطلعاتها.
وبالتالى ..فإن تفعيهل الدعوة إلى الحريهة المطلقهة للتعهبير يحتاج إلى نضال كافهة
المؤمنين بأهمية القتراب من حدود الحقيقة ،وليس المتوهمون بوصولهم لها ...إن الدعوة إلى
الحر ية المطل قة للت عبير ت ستند إلى من طق يحترم حق الخر ين فى الختلف ولهذا ف هو من طق
يخلو من الستبداد ،بينما الدعوة إلى تقييد حرية التعبير تستند إلى منطق ل يعترف إل بذاته،
منطق يسكنه الستبداد.
- 425 -
إن الحرية المطلقة للتعبير تضمن حتى لمعارضيها حرية نشر أفكارهم ..بينما الحرية
المقيدة للتعبير ل تضمن الحرية إل لنصارها ..فأى الدعوتين إذن أكثر تسامحا ..وأيهما أكثر
اقترابا من قوله تعالى « ول يزالون مختلفين ».
قائمــة المراجــع
محتـويـات قـائمــة المـراجـع
()2أحمهد شلبهى ،كيصف تكتصب بحثا أو رسصالة ( دراسصجة منهجيصة لكتابصة البحوث وإعداد
رسائل الماجستير والدكتوراه ) .ط ،21القاهرة :مكتبة النهضة المصرية.1992 ،
()3أحمد مجدى حجازى " ،العولمة وتهميش الثقافة الوطنية :رؤية نقدية من العالم الثالث "،
مجلة عالم الفكههر .عدد خاص بعنوان :العولمههة ظاهرة العصههر ( ،المجلد الثامههن
والعشرون ،العدد الثانى ،أكتوبر /ديسمبر .)1999
()4أحمد مح مد صالح " ،المعر فة فى عصر المعلومات " ،مجلة الهلل ( .العدد ،2فبراير
.) 2001
()5أسهامة أميهن الخولى ( محرر ) ،العرب والعولمصة ( بحوث ومناقشات الندوة الفكريصة
التصى نظمهصا مركصز دراسصات الوحدة العربيصة ) .ط ،2بيروت :مركهز دراسهات الوحدة
العربية.1998 ،
()6إسهماعيل على سهعد ،التصصال والرأى العام ( مبحصث فصى القوة واليدلوجيصة ).
السكندرية :دار المعرفة الجامعية.1989 ،
()7الحهبيب الجنحانهى " ،ظاهرة العولمصة :الواقصع والفاق " ،مجلة عالم الفكهر .عدد خاص
بعنوان :العولمهة ظاهرة العصهر ،المجلد الثامهن والعشرون ( العدد الثانهى ،أكتوبر/
ديسمبر .)1999
()8السهيد الزيات " ،العولمصة وتلشصى الدولة القوميصة " ،مجلة تحديات ثقافيهة ( .عدد ،4
إبريل /يونيو .) 2001
()9السيد بخيت ،العمل الصحفى فى مصر ( دراسة سسيولوجية للصحفيين المصريين ).
ط ،1سلسلة دراسات فى العلم ،القاهرة :العربى للنشر والتوزيع.1998 ،
()10السيد نفادى ،السببية فى العلم .القاهرة :الهيئة المصرية العامة للكتاب.1998 ،
()11السيد ياسين ،الحوار الحضارى فى عصر العولمة ،القاهرة :دار نهضة مصر.2002 ،
()13أنطوان بطرس ،المعلوماتيصصة على مشارف القرن الحادى والعشريصصن .ط ،1بيروت:
- 427 -
()14إياد شاكهههر البكرى ،عام 2000حرب المحطات الفضائيصصصة .ط ،1عمان :دار
الشروق.1999 ،
()15باسم على خريسان ،العولمة والتحدى الثقافى .ط ،1بيروت :دار الفكر العربى.2001 ،
()16بسهيونى إبراهيهم حمادة ،وسصائل العلم والسصياسة ( دراسصة فصى ترتيصب الولويات ).
القاهرة :دار نهضة الشرق.1997 ،
()17تركى الحمد ،الثقافة العربية فى عصر العولمة .ط ،1بيروت :دار الساقى.1999 ،
()18جلل أم ين ،التنو ير الزائف .سلسلة اقرأ عدد ر قم ( ،)640القاهرة :دار المعارف،
.1999
()19جابر عصهفور ،ضصد التعصصب .سهلسلة العمال الفكريهة ( مهرجان القراءة للجميهع -
مكتبة السرة ،) 2000القاهرة :الهيئة المصرية العامة للكتاب.2000 ،
()20جورج طرابيشى ،فى ثقافة الديمقراطية .سلسلة المفكر العربى ،بيروت :دار الطليعة،
.1998
()21حازم الببلوى ،دور الدولة فصى القتصصاد .سهلسلة العمال الفكريهة ( مهرجان القراءة
للجميع -مكتبة السرة ،)1999القاهرة :دار الشروق.1999 ،
()22ح سن عماد مكاوى وليلى ح سين ال سيد ،الت صال ونظريا ته المعا صرة .ط ،1القاهرة:
الدار المصرية اللبنانية.1998 ،
()25ح سنين توف يق إبراه يم " ،العولمصة :البعاد والنعكاسصات السصياسية ( رؤيصة أوليصة مصن
منظور علم السياسة ) " ،مجلة عالم الفكر .عدد خاص بعنوان :العولمة ظاهرة العصر،
المجلد الثامن والعشرون ( العدد الثانى ،أكتوبر /ديسمبر .) 1999
()26حسين كامل بهاء الدين ،الوطنية فى عالم بل هوية ( تحديات العولمة ) .القاهرة ،دار
المعارف.2000 ،
- 428 -
()27حمدى حسن ،الوظيفة الخبارية لوسائل العلم .القاهرة :دار الفكر العربى.1991 ،
()28حيدر إبراهيهم " ،العولمصة وجدل الهويصة الثقافيصة " ،مجلة عالم الفكهر .عدد خاص بعنوان:
العولمة ظاهرة العصر ،المجلد الثامن والعشرون ( العدد الثانى ،أكتوبر /ديسمبر .) 1999
()29راجهى عنايهت ،ثورة حضاريصة زاحفصة ( وماذا عصن مسصتقبل مصصر..؟ ) .القاهرة ،دار
الهلل.1987 ،
( )30سعد لبيب ( محرر ) ،أعمال ندوة الختراق العلمى للوطن العربى ( القاهرة 24 - 23
نوفمصبر .) 1996القاهرة :المنظمهة العربيهة للتربيهة والثقافهة والعلوم ( معههد البحوث
والدراسات العربية ).1996 ،
()31سهعيد اللوندى ،بدائل العولمصة ( طروحات جديدة لتجميصل وجصه العولمصة القبيصح ).
القاهرة :دار نهضة مصر.2002 ،
( )32سليمان صالح ،مفهوم حر ية ال صحافة ( درا سة مقار نة ب ين جمهور ية م صر العرب ية
والمملكة المتحدة فى الفترة من 1945إلى .) 1985رسالة دكتوراه غير منشورة ،كلية
العلم ،جامعة القاهرة.1991 ،
()37سهمير محمهد حسهين ،بحوث العلم ( دراسصات فصى مناهصج البحصث العلمصى ) .ط ،3
القاهرة :عالم الكتب.1999 ،
( )38سيار الجم يل ،العول مة والم ستقبل ( ا ستراتيجية تفك ير ) .ط ،1عمان :الهل ية للن شر
والتوزيع.2000 ،
- 429 -
()39شريف درويش اللبان ،تكنولوجيا التصال ( المخاطر والتحديات والتأثيرات الجتماعية ).
ط ،1سلسلة المكتبة العلمية ،القاهرة :الدار المصرية اللبنانية.2000 ،
()40شريف عبد العظيم ،حرية التعبير فى الغرب ( من سلمان رشدى إلى روجيه جارودى ).
ط ،1سلسلة فى التنوير السلمى ( ،)22القاهرة :دار نهضة مصر.1998 ،
()42صهلح محمود عثمان محمهد ،التصصال واللتناهصى بيصن العلم والفلسصفة .السهكندرية:
منشأة المعارف.1998 ،
()43طارق حجى ،نقد العقل العربى ( من عيوب تفكيرنا المعاصر ) .سلسلة اقرأ عدد رقم (
،)633القاهرة :دار المعارف.1999 ،
()44عبد الباسط عبد المعطى ( محرر ) ،العولمة والتحولت المجتمعية فى الوطن العربى
( ندوة مهداة إلى سمير أمين ) .مركز البحوث العربية ( الجمعية العربية لعلم الجتماع )،
القاهرة :مكتبة مدبولى.1999 ،
()45ع بد الخالق ع بد ال " ،العول مة :جذور ها وفروع ها وكيف ية التعا مل مع ها " ،مجلة عالم
الفكهر .عدد خاص بعنوان :العولمهة ظاهرة العصهر ،المجلد الثامهن والعشرون ( العدد
الثانى ،أكتوبر /ديسمبر .) 1999
()46عدلى على أبهو طاحون ،مناهصج وإجراءات البحصث الجتماعصى ( جهه 1وجهه .) 2
السكندرية :المكتب الجامعى الحديث.1998 ،
()47على حرب ،حديصصث النهايات ( فتوحات العولمصصة ومآزق الهويصصة ) .ط ،1بيروت:
المركز الثقافى العربى.2000 ،
()50عواطهف عبهد الرحمهن ،قضايصا التبعيصة العلميصة والثقافيصة فصى العالم الثالث .ط ،2
- 430 -
()53عوا طف ع بد الرح من وأخرون ،بحوث فى ال صحافة المعا صرة ،ط ،1سلسلة درا سات
فى العلم ،كتاب تذكارى جما عى مهدى إلى دكتورة عوا طف ع بد الرح من ،القاهرة:
العربى للنشر والتوزيع.2000 ،
()54غر يب سيد أح مد ،ت صميم وتنف يذ الب حث الجتما عى .ط ،3ال سكندرية :دار المعر فة
الجامعية.1994 ،
()55فاروق أبو زيد ،مدخل إلى علم الصحافة .ط ،2القاهرة :عالم الكتب1997 ،
()57مجهد هاشهم الهاشمهى ،العلم الكونصى وتكنولوجيصا المسصتقبل .ط ،1عمان :دار
المستقبل.2001 ،
()58محسن أحمد الخضيرى ،العولمة ( مقدمة فى فكر واقتصاد وإدارة عصر اللدولة ) .ط
،1القاهرة :مجموعة النيل العربية.2000 ،
()59محمد أحمد بيومى ،علم الجتماع الدينى .ط ،2السكندرية :دار المعرفة الجامعية.1985 ،
()60محمد أحمد بيومى وعلى عبد الرازق جلبى ،محاضرات فى مناهج البحث الجتماعى
( الجراءات والتطبيقات ) .السكندرية :دار المعرفة الجامعية ،بدون تاريخ.
()61محمد بن سعود البشر ،المسئولية الجتماعية فى العلم ( النظرية وواقع التطبيق ).
الرياض :دار عالم الكتب.1996 ،
()62محمهد شومان ،دور العلم فصى تكويصن الرأى العام ( حرب الخليصج نموذجا ) .ط ،1
القاهرة :المنتدى العربى للدراسات والنشر.1998 ،
- 431 -
()63محمد عبد الحميد ،البحث العلمى فى الدراسات العلمية .ط ،1القاهرة :عالم الكتب،
.2000
()64محمهد عبهد الشفيهع عيسهى " ،هيروشيمصا ..تتذكصر الهويصة " ،مجلة العصهور الجديدة .عدد
خاص بعنوان :أمري كا ( رو ما الجديدة ..إمبريال ية الفضيلة ) ( ،العدد ،13سبتمبر 2000
).
()65محمهد على حوات ،العرب والعولمصة ( شجون الحاضصر وغموض المسصتقبل ) ،ط ،1
القاهرة :مكتبة مدبولى.2002 ،
()66محمهد محمهد الهادى ،أسصاليب إعداد وتوثيصق البحوث العلميصة .ط ،1القاهرة :المكتبهة
الكاديمية.1995 ،
()67محمد سعيد فرح ،طريقة كتابة البحوث الجتماعية .بدون ناشر.2002 ،
()68محمهد محفوظ ،عصهر المعلومات وموقهف النظام العلمهى المصهرى مهن مفهوم حهق
المعرفهة ( دراسهة نظريهة فهى الحقوق العلميهة للنسهان ) .رسهالة ماجسهتير غيهر
منشورة ،كلية الداب ،جامعة السكندرية.1998 ،
()69محمود علم الديهن ومحمهد تيمور عبهد الحسهيب ،الحاسصبات اللكترونيصة وتكنولوجيصا
التصال .ط ،1القاهرة :دار الشروق.1997 ،
()70محمود علم الديهن ،الصصحافة فصى عصصر المعلومات ( السصاسيات والمسصتحدثات ).
القاهرة.2000 ،
()71مراد وهبة ،مُلّك الحقيقة المطلقة .سلسلة العمال الفكرية ( مهرجان القراءة للجميع -
مكتبة السرة ،) 1999القاهرة :دار قباء.1999 ،
()72مصهطفى عبهد الغنهى ،الجات والتبعيصة الثقافيصة .ط ،1القاهرة :مركهز الحضارة
العربية.1998 ،
()74مهدى بندق " ،ليصت كلينتون وبوش يعودان " ،مجلة تحديات ثقافيهة ( .عدد ،4إبريهل/
يونيو .) 2001
()75ميلد حنها ومحمهد صهادق الحسهينى والصهادق المهدى ،المثقصف العربصى ..والخصر
هم ( ،)650القاهرة :دار
هلسلة اقرأ عدد رقه
صض والقبول واللمبالة ) .سه
صن الرفص
( بيص
- 432 -
المعارف.2000 ،
()76نبيهل على ،العرب وعصصر المعلومات .سهلسلة عالم المعرفهة ،عدد ( ،)184الكويهت:
المجلس الوطنى للثقافة والفنون والداب ،أبريل .1994
()77هناء عبيهد ،العولمصصة .سهلسلة موسهوعة الشباب السهياسية ،عدد ( ،)13القاهرة :مركهز
الدراسات السياسية والستراتيجية بالهرام.2001 ،
()78هويدا مصهطفى ،دور العلم فصى الزمات الدوليصة ( دراسصة حالة للدارة العلميصة
لحرب الخليج ) .القاهرة :مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر.2000 ،
()79يحيى اليحياوى ،العولمة ( أية عولمة ؟ ) .الدار البيضاء :أفريقيا الشرق.1999 ،
()80يسههرية زايههد " ،الوثائق اللكترونيصصة على النترنصصت :محاولة دوليصصة لتقنيصصن
الرجاعات الببليوجراف ية ل ها " ،دور ية التجاهات الحدي ثة فى المكتبات والمعلومات.
( عدد ،12يوليو .) 1999
()82آلفين توفلر ،صدمة المستقبل ( المتغيرات فى عالم الغد ) ،ترجمة محمد على ناصف،
ط ،2القاهرة :نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع.1990 ،
()83آلف ين توفلر ،حضارة المو جة الثال ثة .ترج مة ع صام الش يخ قا سم ،ط ،1بنغازى :الدار
الجماهيرية.1990 ،
()84أنتو نى ديبو نز وأ سترهورت و سكوت كرونينو يز ،علم المعلومات والتكا مل المعر فى.
ترجمة وإضافة أحمد أنور بدر ومحمد فتحى عبد الهادى ،ط ،1القاهرة :دار قباء للنشر
والتوزيع.1998 ،
()85أنطو نى جيد نز ،الطر يق الثالث ( تجد يد الديمقراط ية الجتماع ية ) .ترج مة مالك عب يد
أبو شهيوة ومحمود محمد خلف ،ط ،1طرابلس :دار الرواد.1999 ،
()86بيل جيتس ،المعلوماتية بعد النترنت ( طريق المستقبل ) .ترجمة عبد السلم رضوان،
سلسلة عالم المعر فة ،عدد ( ،)231الكو يت :المجلس الوط نى للثقا فة والفنون والداب،
- 433 -
مارس .1998
()87بيير برديو ،عن التليفزيون وآليات التلعب بالعقول .ترجمة درويش الحلوجى ،ط ،1
القاهرة :مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر.1999 ،
()88ج .كراوثهر ،قصصة العلم .ترجمهة يمنهى طريهف الخولى وبدوى عبهد الفتاح ،سهلسلة
العمال العلميهة ( مهرجان القراءة للجميهع -مكتبهة السهرة ،) 1999القاهرة :الهيئة
المصرية العامة للكتاب.1999 ،
()89جارى بيرتلس وآخرون ،جنون العولمصة ( تفنيصد المخاوف مصن التجارة المفتوحصة ).
ترجمة كمال السيد ،ط ،1القاهرة :مركز الهرام للترجمة والنشر.1999 ،
()90جان بيير فارنيى ،عولمة الثقافة وأسئلة الديمقراطية .ترجمة عبد الجليل الزدى ،ط،1
القاهرة :الدار المصرية اللبنانية.2003 ،
()91جان جاك روسو ،المختار من العقد الجتماعى .ترجمة عبد الكريم أحمد ،سلسلة أمهات
الكتهب ( مهرجان القراءة للجميهع -مكتبهة السهرة ،)2000القاهرة :الهيئة المصهرية
العامة للكتاب.2000 ،
()92جان فرانسهوا بايار ،أوهام الهويصة .ترجمهة حليهم طوسهون ،ط ،1سهلسلة كتاب العالم
الثالث ،القاهرة :دار العالم الثالث.1998 ،
()93جوزيان جوال وسيلفى كودارى ،تقنيات التصال الحديثة ( توجهات وبحوث ) .ترجمة
صالح الع سلى ،سلسلة درا سات إعلم ية ،عدد ( ،)15تو نس :المنظ مة العرب ية للترب ية
والثقافة والعلوم -إدارة الثقافة.1993 ،
()94جون سهتيوارث مهل ،عصن الحريصة .ترجمهة عبهد الكريهم أحمهد ،سهلسلة أمهات الكتهب
( مهرجان القراءة للجميهع -مكتبهة السهرة ،) 2000القاهرة :الهيئة المصهرية العامهة
للكتاب.2000 ،
()95جون ل .هاتل نج ،أخلقيات ال صحافة ( مناق شة علم ية للقوا عد الخلق ية لل صحافة ك ما
حددت ها جمع ية رؤ ساء تحر ير ال صحف المريك ية ) .ترج مة كمال ع بد الرؤوف ،ط،1
القاهرة :الدار العربية للنشر والتوزيع.1993 ،
()96جون ميرل و رالف لوينشتا ين ،العلم و سيلة ور سالة .ترج مة ساعد خضر العرا بى،
الرياض :دار المريخ للنشر.1989 ،
()97جهى .هربرت ألتشول ،سصيمفونية العلم ( نظام للتصصنيف ) .ترجمهة زكهى الجابر،
- 434 -
سلسلة دراسات إعلمية ،عدد ( ،)14تونس :المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم -
إدارة الثقافة.1991 ،
()99دومنيهك فولتون " ،مجتمصع النترنصت والوعود الزائفصة " ،مجلة الدراسهات العلميهة.
( عدد ،96يوليو /سبتمبر .) 1999
روبرت شمول ( محرر ) ،مسئوليات الصحافة .ترجمة الفرد عصفور ،عمان :مركز ()100
روج يه جارودى ،أمري كا طلي عة النحطاط .ترج مة عمرو زهيرى ،ط ،1القاهرة :دار ()101
الشروق.1999 ،
رودنى أ .سمولل ،حرية التعبير فى مجتمع مفتوح .ترجمة كمال عبد الرؤوف ،ط،1 ()102
زبغنيهو بريجنسهكى ،الفوضصى ( الضطراب العالمصى عنصد مشارف القرن الحادى ()103
والعشرين ) .ترجمة مالك فاضل ،ط ،1عمان :الهلية للنشر والتوزيع.1998 ،
()81زكهى العايدى وآخرون ،المعنصى والقوة فصى النظام العالمصى الجديصد ،ترجمهة سهوزان
خليل ،ط ،1القاهرة :سينا للنشر.1994 ،
( )81سلفوى زيزيك ،ل مفر من منطق الرأسمالية .ترجمة أحمد خضر ،فى مجلة الثقافة
العالمية ،عدد ( - )100مايو /يونيو .2000
()81سيرج لتوش ،تغريب العالم ( بحث حول دللة ومغزى وحدود تنميط العالم ) .ترجمة
خليل كلفت ،ط ،1سلسلة كتاب العالم الثالث ،القاهرة :دار العالم الثالث.1992 ،
( )81صامويل هنتنجتون ،صدام الحضارات ( إعادة صنع النظام العال مى ) .ترج مة طل عت
الشايب ،القاهرة :دار سطور.1998 ،
()81عبد العزيز موافى ،العولمة ( النظرية الجتماعية والثقافة الكونية ) .عرض لكتاب:
- 435 -
العول مة ( النظر ية الجتماع ية والثقا فة الكون ية ) ،تأل يف :رونالد روبرت سون ،ترج مة:
أحمد محمود ونورا أمين ،مجلة تحديات ثقافية ( .عدد ،4أبريل /يونيو .) 2001
()81ا .هايهك ،الطريصق إلى العبوديصة .ترجمهة محمهد مصهطفى غنيهم ،ط ،1القاهرة :دار
الشروق.1994 ،
()81فران سيس فوكويا ما ،نها ية التار يخ وخا تم الب شر .ترج مة ح سين أح مد أم ين ،ط ،1
القاهرة :مركز الهرام للترجمة والنشر.1993 ،
()81كي مبرلى آن إليوت ( محرر ) ،الف ساد والقت صاد العال مى .ترج مة مح مد جمال إمام،
ط ،1القاهرة :مركز الهرام للترجمة والنشر.2000 ،
()81مايكهل ديرتوزوس ،ماذا سصيحدث ( كيصف سصيغير عالم المعلومات الجديصد حياتنصا ).
ترجمة بهاء شاهين ،ط ،2القاهرة :مركز الحضارة العربية.2000 ،
()81ميتشيو كاكو ،رؤى مستقبلية ( كيف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين ).
ترجمهة سهعد الديهن خرفان ،سهلسلة عالم المعرفهة ،عدد ( ،)270الكويهت :المجلس
الوطنى للثقافة والفنون والداب ،يونيو .2001
()81نعوم تشومسهكى ،ردع الديمقراطيصة .ترجمهة فاضهل جتكهر ،ط ،1دمشهق :دار كنعان
للدراسات والنشر.1992 ،
()81هارلن كليفلند ،ميلد عالم جديد ( فرصة متاحة لقيادة عالمية ) .ترجمة جمال على
زهران ،ط ،1القاهرة :المكتبة الكاديمية.2000 ،
سهلسلة عالم،2 ط، ترجمهة عبهد السهلم رضوان. المتلعبون بالعقول، شيللر.)هربرت أ81(
.1999 مارس، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والداب: الكويت،)243( عدد،المعرفة
سلسلة دراسات فلسفية، ترجمة محمد جمول. مستقبل الجمهور المتلقى،)رسل نيومان81(
.1996 ، وزارة الثقافة السورية: دمشق،)22( عدد- وفكرية
ترجمة سمير.) أفول السيادة ( كيف تحوّل ثورة المعلومات عالمنا، رستون.)ولتر ب81(
.1994 ، دار النسر للنشر والتوزيع: عمان،عزت نصار وجورج خورى
)125( Baran, stanley J. & Davis, Dennis K., Mass Communication Theory
)Foundations, Ferment And Future(. California: wadsworth Publishing
Company, 1995.
)126( Barber, Benjamin R., Democracy At Risk )American Culture In A
Global Culture(, World Policy Journal, )No. 2., summer 1998(, p. 29 )13(,
On line from:
Mailer - Daemon @ email - delivery. infotrac - Custom. Com, )26 July
2001(.
)127( Beck, ulrich, Beyond The Nation State )Globalisation(. Available at:
http: // www. Findarticles. Com / CF_ O/mOFQP / 4465_ 128/58447868/
print. Jhtml, )5 August 2001(.
)130( Collins, Richard & Murroni, Cristina, New Media - New Policies.
Cambridge: Polity Press, 1996.
)131( Criticisms Of The Marxist Approach. In Mass Media effects: Marxism
- Criticism, Available at:
http: // www. Cultsock. ndirect. Co. Uk/ MUHome/ Cshtml / media /
marxcrit. html, )3 August 2001(.
)132( Demarais, Robert A., The Biased Media’s Social Responsibility Theory.
Available at: http: // Conservative 101. homestead. Com / Biasedmedia.
html, )9 August 2001(.
)133( Downing, John, Government Secrecy And The Media In The United
States And Britain. In Peter Golding & Graham Murdock & Philip
Schlesinger, Communicating Politics )Mass Communication And The
Political Process(. U.S.: Leicester university Press, 1986.
)141( Merrill, John C. & lee, John & lander, Edward J. F., Modern Mass
Media. N.Y.: Harper & Row, Publishers, 1990.
)146( Uncapher, willard, Between local And Global )Placing The Media
Space In The Transnational Cultural Flow(. On line from:
Paradox @ actlab. rtf. utexas. edu, )2 August 2001(.