You are on page 1of 17

‫سلمان العودة ‪ ..

‬في حفلة العشاء الخير‬

‫قرأت مؤخرًا مقالة حديثة للدكتور سلمان العودة عنوانها (السلم والحركات)‬
‫نشرت في موقعه الشخصي وصحيفة عكاظ ومجلة العصر‪ ،‬هذه المقالة لفتت‬
‫انتباهي كثيراً كثيراً‪ ،‬ليس في مسارها فقد سبقها عدة مؤشرات ومواقف تدفع‬
‫بنفس الطريق‪ ،‬ولكن شدني فيها حدة الوضوح في رسالتها الضمنية‪.‬‬

‫المقالة –قطعاً‪ -‬ليست مقالة عابرة‪ ،‬بل هي أشبه بمانفيستو سياسي في مسيرة‬
‫الدكتور سلمان السياسية‪ ،‬ولكنه مانفيستو بالمقلوب طبعاً‪.‬‬

‫بكل صراحة ووضوح يعلن الدكتور العودة انتقاله من أن يكون (صوت‬


‫المعارضة) إلى أن يكون (صوت النظام) ‪.‬‬

‫المقالة تمثل العلن النهائي لطلق النتساب للسلميين‪ ،‬ووضع الذات بشكل‬
‫واضح ضمن منظومة النظم الرسمية‪.‬‬

‫صحيح أنه سبق هذه المقالة مقالت ومواقف وكلمات تدفع بنفس هذا التجاه ‪..‬‬
‫لكن هذه المقالة هي الوداع الخير فعلً ‪..‬‬

‫في هذه المقالة يتحدث العودة عن الحكومات العربية المعاصرة وأنها حكومات‬
‫مظلومة شوهها السلميون بينما هي في حقيقتها نظم عربية إسلمية متدينة‪،‬‬
‫ويغمز من قناة الحركات الدعوية والصلحية بأنهم طلب سلطة يفترون على‬
‫هذه النظم المظلومة‪.‬‬
‫وتأتي حدة التعبير الذي اختاره الدكتور سلمان للتعبير عن موقفه هذا عبر‬
‫اختياره لسوأ نظام عربي وهو النظام التونسي‪ ،‬وألطف حركة إسلمية وهي‬
‫حزب التجاه السلمي‪ ،‬فيصور النظام التونسي بكونه نظام متدين‪ ،‬ويصور‬
‫حزب التجاه السلمي المعارض بأنه طالب سلطة يكذب على هذا النظام‬
‫ويعرضه في غير حقيقته‪.‬‬

‫فإذا كان هذا هو دفاع الدكتور العودة عن أسوأ نظام عربي فكيف سيكون‬
‫موقفه من نظام مبارك والسد الخ؟! وإذا كان هذا هو موقف الدكتور العودة‬
‫من الحركة السلمية في تونس فكيف سيكون موقفه من حركة الخوان في‬
‫مصر وبقية بلدان العالم العربي؟!‬

‫لم يترك الدكتور العودة لنا مهمة القياس والستنتاج ‪ ..‬بل صرح بتعميم النتيجة‬
‫على كافة الحكومات العربية‪ ،‬وأن كافة الحكومات العربية هي نظم متدينة‬
‫حريصة على السلم‪ ،‬لكن المشكلة أن الدعاة السلميين في هذه البلدان‬
‫طلب سلطة يثيرون القلقل ويعكرون على مسار الدعوة والخير‪.‬‬

‫طبعاً ل أحد يستطيع أن يعترض على حق الدكتور العودة في أن يكون جزءًا‬


‫من هذه النظم الرسمية العربية يبرز إيجابياتها ويبرر مواقفها‪ ،‬ويبرز سلبيات‬
‫معارضيها‪ ،‬هذا حقه الطبيعي أن يعمل في النطاق الذي يريحه أكثر‪ ،‬فكما أن‬
‫من حق شيخ الزهر أن يكون جزءاً من النظام يحق للدكتور العودة كذلك أن‬
‫يمارس هذا الحق‪.‬‬

‫حسناً ‪ ..‬لننتقل الن لنتذكر شيئاً من التراجيديا السلمية في تونس وكيف أعاد‬
‫عرضها العودة بصورة مغايرة ‪ ..‬يصور الستاذ الهاشمي الحامدي في كتابه‬
‫(أشواق الحرية) الضطهاد البوليسي الذي عاناه المتدينون منذ الستينات في‬
‫تونس‪ ،‬وفرض التغريب المتطرف على نواحي الحياة الثقافية‪ ،‬فيقول عن‬
‫الجامعة التونسية‪:‬‬
‫(الحقيقة أن معركة الوجود السلمي في الجامعة التونسية كانت ملحمة بكل‬
‫معاني الكلمة)‬

‫ثم يروي الستاذ الهاشمي الحامدي (التونسي!) بعض تفاصيل تلك الملحمة‬
‫التي تستهدف وجود السلم ذاته فيقول في كتابه آنف الذكر‪:‬‬

‫(لم يأل محمد السعدي وزير التربية آنذاك جهداً ليجعلها فرعاً من جامعة‬
‫السوربون الباريسية‪ ،‬وكانت كل شعب التعليم العالي تدرس باللغة الفرنسية‬
‫ماعدا شعبة اللغة والداب العربية بكلية الداب والدراسات السلمية بكلية‬
‫الشريعة وأصول الدين‪.‬‬
‫كل شئ كان علمانياً لئكياً في هذه الجامعة أول المر‪ :‬البرامج والمناهج‬
‫والساتذة والمناخ العام‪ ،‬وكان ذلك يجعل بينها وبين محيطها الجتماعي‬
‫والثقافي قطيعة بائنة‪ ،..‬وهوجم التاريخ السلمي لتونس إلى درجة محزنة في‬
‫أقسام التاريخ‪ ،‬واستبدل مفهوم الفتح السلمي بمصطلح الغزو العربي بكل‬
‫استتباعات المصطلح‪.‬‬
‫وحسمت برامج الفلسفة حسماً باتا في كل ماله علقة بال‪ ،‬وتفرغت لبحث‬
‫النظريات الفلسفية الغربية المرتكزة كلها على الفكرة المادية‪ ،‬واجتهد قسم علم‬
‫الجتماع في تجريب كل المدارس الجتماعية الغربية على الواقع التونسي‬
‫والعربي‪.‬‬
‫أما المتخصص في اللغة والداب العربية فقد كان عليه أن يعتمد على مراجع‬
‫كثيرة أساسية بالفرنسية‪ ،‬وأن يجتاز امتحانات مشددة في آراء طائفة من‬
‫التافهين المنسوبين إلى الداب قديما وحديثا‪ ،‬في حين حوصر كل الدباء‬
‫السلميين القدامى والمعاصرين‪.‬‬
‫همشت مادة التشريع السلمي في كلية القانون واعتمد القانون الغربي مرجعا‬
‫أساسيا‪ ،‬وفي العلوم القتصادية اصبحت النظرية الماركسية هي الحل السحري‬
‫لكل مشاكل العالم الحديث‪ ،‬أما طلب العلوم فقد قطعتهم برامجهم عن الهموم‬
‫الخرى أو حاولت ذلك‪ ،‬وربما حاول بعض القائمين عليها عرض المعطيات‬
‫العلمية الجديدة باعتبارها الضربة القاضية للفكر الديني‪.‬‬
‫وفي مطلع الستينات تفاعلت هذه البرامج مع غلبة الوجود الدستوري في‬
‫صفوف الطلب‪ .‬لكن الدستوريين تركوا مكانهم للتيار الكثر علمانية والكثر‬
‫وضوحا في إعلن ماديته تلك والدفاع عنها‪ ،‬وكانت الماركسية اللينينية هي‬
‫شعار التيار الجديد‪.‬‬
‫وحارب الماركسيون كل العقائد الدينية بلهوادة‪ ،‬واعتبروا التاريخ السلمي‬
‫لتونس حقبة منتهية عديمة الهمية في رسم مستقبل البلد‪ ،‬وكانوا يطالبون‬
‫باالمضي قدما في علمنة كل برامج التعليم‪ ،‬ويخطبون بالفرنسية في‬
‫الجتماعات الطلبية‪ ،‬ويفطرون في شهر رمضان‪ ،‬ويحاربون أي نفس‬
‫إسلمي في الوسط الطلبي‪.‬‬
‫ولم يدم هذا الوضع طويل وتفجر الصراع داميا مع التجاه السلمي منذ ‪26‬‬
‫ديسمبر ‪1977‬م معبراً عن حدة التناقض بين المشروعين‪.‬‬
‫ركز السلميون في البداية على وصل ما انقطع بين الطلب وبين الفكرة‬
‫السلمية؛ فطالبوا وأفلحوا في إيجاد مساجد باغلب الكليات والحياء الجامعية‪.‬‬
‫عندما ارتفع الذان للسنوات الولى بالحي الجامعي بباردو كان بعض الطلب‬
‫اليساريين يحتجون‪ ،‬وحاول بعضهم ضرب المؤذن لصلة الفجر بإلقاء حجر‬
‫عليه من أعلى طابق بالحي‪ ،‬لكن المسيرة انطلقت بتوفيق من ال إلى أهدافها‪.‬‬
‫ولول مرة في تاريخ الحركة السلمية التونسية تناولت الكلمة طالبة محجبة‬
‫شرحت ضرورة الدفاع عن الهوية السلمية للشعب مؤكدة أن السلم هو‬
‫سبيل الشعوب السلمية لتحقيق التحرر الشامل من كل ألوان التبعية‬
‫والغتراب‪.‬‬
‫إن لحديث الفتاة المحجبة المثقفة أهمية خاصة في تونس حيث قرنت التجربة‬
‫العلمانية بين تحرير المرأة ونزع الحجاب) [أشواق الحرية‪ ،‬محمد الهاشمي‬
‫الحامدي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1990‬م‪ ،‬ص ‪]143-141‬‬
‫طبعاً مثل هذه الشهادات تحمل معاني غزيرة جداً‪ ،‬لكن لنسجل هاهنا نقطتين‬
‫هامتين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬الوحشية التغريبية التي فرضها النظام ثقافياً وفقهياً وسياسياً‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬المقاومة الدينية من جهة دعاة السلم وقدرتهم على إستبقاء بعض‬
‫مظاهر التدين بعدم الستسلم‪.‬‬

‫ولنواصل مع شهادات أخرى‪ ،‬فهذا الشيخ راشد الغنوشي (التونسي أيضاً) –‬


‫أشهر داعية للديمقراطية في العالم العربي‪ -‬يقول عن النظام التونسي‪:‬‬
‫(اليهود يتمتعون بحرية في تونس ل يتمتع بها المسلمون‪ .‬فمعابدهم محترمة‪,‬‬
‫ول أحد يدري ماذا يفعلون داخلها‪ ,‬بينما المساجد في تونس‪ ..‬ويوما ما أنا كتبت‬
‫في بداية السبيعينيات مقالة في تونس‪ ,‬قلت فيها ليتنا كنّا يهودا‪ ,‬بمعنى أننا‬
‫نطالب نحن بمساواتنا باليهود) [حوار مع قدس برس]‬

‫ومن أعظم حالت الضطهاد الديني ذلك القانون الذي صدر عام ‪1981‬م برقم‬
‫(‪ )108‬والذي اعتبر الحجاب (زي طائفي) وبالتالي تم منعه في المؤسسات‬
‫الرسمية كالجامعات والمعاهد‪ ،‬وهذا القانون قانون شهير يشير له الناشطون‬
‫الحقوقيون كثيرًا في المؤتمرات الغربية‪ ،‬وقد قرأت الشارة إليه كثيراً‪.‬‬

‫وقد كان الحسم في تطبيق هذا القانون يتفاوت شدة وتساهلً‪ ،‬وكانت الفتيات‬
‫المتدينات يقاومن بضراوة‪ ،‬وفي عام ‪2006‬م بلغ العسف والتطرف السياسي‬
‫التونسي مبلغاً شنيعاً في تطبيق هذا القانون‪ ،‬وابتليت المتدينات بلءً شديداً‪،‬‬
‫حتى أن الشيخ الفقيه المعروف يوسف القرضاوي –رافع لواء فقه التيسير‪-‬‬
‫وقف في خطبة عصماء يوم الجمعة ‪12‬شوال ‪1427‬هـ في جامع عمر بن‬
‫الخطاب بالدوحة وأعلنها صريحة‪:‬‬
‫(إن الحرب التي يشعلها النظام التونسي ليست ضد الحجاب فقط؛ وإنما ضد ال‬
‫ورسوله! يعتبر النظام التونسي ارتداء الحجاب جريمة يعاقب عليها القانون‪،‬‬
‫إنهم ل يسمحون للتلميذات ول للطالبات المحجبات في الجامعات) [الخطبة‬
‫موجودة كمادة صوتية وكملخص بموقع إسلم أون لين] ‪.‬‬

‫أما صلة الجمعة في تونس فهي معاناة أخرى‪ ،‬بسبب أن العطلة الرسمية هي‬
‫يوم الحد‪ ،‬ويوم الجمعة يوم عمل‪ ،‬وحين كثر تذمر الناس من حرمانهم‬
‫والتضييق عليهم في صلة الجمعة‪ ،‬لجأ النظام التونسي لستصدار فتوى من‬
‫بعض مشايخ النظام بجواز الجمع بين صلتي الجمعة والعصر!‬

‫وأما سجون النظام ومعتقلته المشهورة مثل سجن تونس‪ ،‬وسجن برج‬
‫الرومي‪ ،‬وسجن المهدية‪ ،‬فحدث عن الشهادات التي كتبها السجناء في التضييق‬
‫عليهم في الصلوات اليومية‪ ،‬وخصوصاً صلة الجماعة‪ ،‬وتحديد مرات‬
‫الغتسال حتى لو كان الغسل لعذر شرعي‪ ،‬فيبقى الشاب المسكين على جنابة‬
‫أياماً معدودة!‬

‫وقدمت منظمات حقوق النسان العالمية مئات التقارير التي شرحت أزمة‬
‫(التعذيب) في السجون التونسية‪.‬‬

‫أما الشريعة فصارت مخطوطة في الزيتونة ل أكثر ‪ ..‬فالقانون المدني ألغى‬


‫أحكام الربا والغرر‪ ،‬وقانون العقوبات ألغى أحكام الزنا والقصاص والجلد‪ ،‬وتم‬
‫التدخل في كثير من أحكام المواريث الخ‪.‬‬

‫هذه وقائع محدودة فقط لجزء من المعاناة السلمية التاريخية في تونس‪ ،‬ثم‬
‫يأتينا الدكتور العودة اليوم –هداه ال‪ -‬ويلمع الجلد ويكذب الضحية!‬
‫لنحاول أن نقرأ سويًا فقرات الدكتور العودة فقرة فقرة‪ ،‬ونرى كيف استطاع‬
‫باحتراف لغوي جيد أن يصور النظم العلمانية العربية على أنها نظم متدينة‬
‫مظلومة‪ ،‬وأن يصور دعاة الحركات السلمية على أنهم مجرد طلب سلطة‪،‬‬
‫وأن يغيب جذرياً أزمة النظم العلمانية العربية مع الشريعة ذاتها‪.‬‬

‫يقول الدكتور العودة‪:‬‬


‫(زرت بلداً إسلمياً‪ ,‬كنت أحمل عنه انطباعاً غير جيد‪ ،‬وسمعت غير مرّة أنه‬
‫يضطهد الحجاب‪ ،‬ويحاكم صورياً‪ ،‬ويسجن ويقتل‪ ،‬وذات مؤتمر أهداني أخ‬
‫كريم كتاباً ضخماً عن السلم المضطهد في ذلك البلد العريق في عروبته‬
‫وإسلميته‪.‬‬
‫ولست أجد غرابة في أن شيئاً من هذا القيل حدث ذات حين؛ في مدرسة أو‬
‫جامعة‪ ,‬أو بتصرف شخصي‪ ,‬أو إيعاز أمني‪ ,‬أو ما شابه‪).‬‬

‫كم هو مؤلم أن يدلس الدكتور العودة على تلك الحرب الشعواء التي يقودها‬
‫النظام ضد التدين‪ ،‬ثم يحتمي باحتراز فيه تذاكي مكشوف حيث يعتبر أن هذا قد‬
‫يكون حدث في صورة حوادث فردية وليست سياسة منظمة!‬

‫ثم يقول العودة‪:‬‬


‫(بيد أني وجدت أن مجريات الواقع الذي شاهدته مختلفاً شيئًا ما ؛ فالحجاب‬
‫شائع جداً دون اعتراض‪ ،‬ومظاهر التديّن قائمة‪ ،‬والمساجد تزدحم بروّادها من‬
‫أهل البر واليمان‪ ،‬وزرت إذاعة مخصصة للقرآن؛ تُسمع المؤمنين آيات‬
‫الكتاب المنزل بأصوات عذبة نديّة‪ ،‬ولقيت بعض أولئك القرّاء الصّلحاء؛ بل‬
‫وسمعت لغة الخطاب السياسي؛ فرأيتها تتكئ الن على أبعاد عروبية‬
‫وإسلمية‪ ،‬وهي في الوقت ذاته ترفض العنف والتطرف والغلو‪ ،‬وهذا معنى‬
‫صحيح‪ ،‬ومبدأ مشترك ل نختلف عليه)‪.‬‬
‫أين الخطورة هاهنا؟‬

‫مكمن الخطورة أن الدكتور العودة نسب مظاهر التدين إلى رحابة النظام وليس‬
‫إلى جهود الدعاة!‬

‫فبدلً من أن يقول العودة بأنه‪ :‬برغم سياسات التغريب وسلخ الهوية الوحشية‬
‫إل أن الدعاة وعامة الناس قاوموا حتى فرضوا كثيراً من مظاهر التدين‪ ،‬يأتي‬
‫العودة ويقول ليس صحيحاً أن النظام نظام لديني بل هو نظام ديني يتيح‬
‫الحجاب في كل مكان!!‬

‫هذا كمن ذهب إلى تركيا وقال ليس صحيحاً أن أتاتورك أو الجيش علماني‪ ،‬بل‬
‫الفتيات هناك يتحجبن والمساجد ممتلئة بالمصلين! فبدلً من أن ينسب مظاهر‬
‫التدين للدعاة وعموم المتدينين صار ينسبها للنظام الذي فشل في سحقها!‬

‫أو كمن جاء إلى الجزيرة العربية في عهد أبي بكر وقال ليس صحيحاً أن‬
‫قريش تناهض الموحدين؟! فبدلً من أن ينسب نجاح التوحيد إلى جهود‬
‫الموحدين صار ينسبه إلى قريش الذي سعت في طمسه‪.‬‬

‫وهكذا فمظاهر التدين التي بقيت في تونس إنما بقيت بتوفيق ال ثم بسبب جهود‬
‫الدعاة والمتدينين الذي يسعى العودة الن لتشويههم‪ ،‬وليست بسبب النظام الذي‬
‫فشل في سحقها كلياً والذي يسعى العودة الن لتلميعه!‬

‫ثم يواصل العودة‪:‬‬


‫(استوحيت من التفاوت الذي أدركته بين ما شاهدته وبين ما كنت أسمعه أهمية‬
‫النفتاح بين المصار السلمية‪ ,‬وضرورته في تصحيح الصورة الذهنية‬
‫المنقولة‪ ،‬كضرورته في تغيير الوضاع القائمة‪ ,‬وإحداث التأثير اليجابي‬
‫المتبادل‪ ،‬وأنه في جو العزلة والنغلق تشيع الظنون‪ ،‬وتكبر الحداث‬
‫الصغيرة‪ ،‬وتتسع الهوّة والفجوة‪ ،‬ويفقد الناس المعلومات فيلجؤون إلى‬
‫الشائعات‪ ،‬أو الحقائق الجزئية ليعتمدوها في تكوين النظرة الكلية)‪.‬‬

‫يتهم العودة هاهنا من يتحدثون عن وقائع الضطهاد الديني في تونس بأنهم‬


‫يختلقون الشائعات بسبب أنهم يعتمدون على حقيقة جزئية لتكوين صورة كلية!‬

‫حين سمعت هذه العبارة أخذت أضحك كثيراً ‪ ..‬فإن أحق من ينصح بعدم الكلم‬
‫عن تونس كلمًا كلياً وهو ليس لديه إل حقيقة جزئية هو العودة ذاته ‪ ..‬فالعودة‬
‫زار تونس لمدة يومين في زيارة مرتبة سلفاً بين الفنادق الفارهة والشخصيات‬
‫الدبلوماسية الرفيعة‪ ،‬وجاء ينتقد نزلء المعتقلت والمؤرخين والشهود‬
‫التونسيين ذاتهم بكونهم يعتمدون صورة جزئية لتكوين صورة كلية!‬

‫هذا يذكرني بشاب طريف ليحقر نفسه أبداً قرأ عرضاً ملخصاً عن كتاب‬
‫الموافقات للشاطبي فجاء ينصح أحد العلماء ‪-‬الذين يدرس علم مقاصد الشريعة‬
‫منذ سنوات‪ -‬بأن يتنبه لهذا العلم!‬

‫ثم يواصل العودة‪:‬‬


‫(لست أعني أنني وجدت عالماً من المثل والكمالت والفضائل‪ ،‬وقد ل تخطئ‬
‫عينك أو أذنك همساً يسأل بتردد وخوف‪ ،‬وكأنه يحاذر عيوناً أن تراه وآذاناً أن‬
‫تسمعه‪.‬‬
‫بيد أن الصورة كانت مختلفة شيئًا ما‪ ،‬وهذا ما حدا بي إلى أن أقول لجلسائي إن‬
‫علينا أن نفرّق بين السلم وبين الحركات السلمية)‪.‬‬
‫حين يثني شخص ما على نظام سياسي معين ثم يحترز بالقول بأنه ليقصد بأنه‬
‫كامل! فهذه أشد في تكريس الثناء مما لو وصفه بالكمال ذاته!‬

‫يعني صار الخلف فقط هل النظام العلماني التونسي كامل أم مقارب للكمال؟!‬

‫ثم يواصل العودة‪:‬‬


‫(قد يضيق نظام حكم ما بالحركات السلمية؛ بسبب الخوف وعدم الطمئنان‪,‬‬
‫أو المغالبة السياسية أو المزاحمة‪ ،‬وقد يقع لبعض الحركات أن تنفتح نحو‬
‫السياسة وتضخم دورها وأهميتها‪ ،‬وكأن المساك بأزمتها يعني نهاية المشكلة‬
‫والمعاناة)‪.‬‬

‫لنلحظ هاهنا كيف يصور العودة مشكلة النظم العربية الفاسدة بمهارة؟ إنه‬
‫يصور مشكلتها على أنها ليست مع السلم (أحكام الشريعة‪ ،‬وحقوق الناس) ‪..‬‬
‫بل مشكلتها في جوهرها إنما هي مع الحركات السلمية التي تنافسها على‬
‫السلطة!‬

‫أي تدليس ‪ ..‬وأي تزييف ‪ ..‬أعظم من ذلك؟!‬

‫النظم العربية الفاسدة التي أقصت أحكام الشريعة وظلمت الناس في معايشهم‬
‫صارت مشكلتها ليست مع السلم وإنما مشكلتها مع المنافس السياسي فقط؟!‬

‫ثم يواصل العودة‪:‬‬


‫(وهي رؤية ضيقة تجاوزتها حركات كثيرة؛ أدرَ َكتْ أن التغيير يجب أن‬
‫يستهدف سلوك الفرد وعقله‪ ,‬ومنحه الخبرات والمهارات والمعارف والفكار‬
‫الصحيحة‪ ،‬وليس أن نتصارع على الكراسي والمناصب بإقصائية متبادلة‪،‬‬
‫وكل طرف يقول‪ :‬أنا أو الدمار‬
‫والعاقل يدرك اليوم أن القتصاد يمثل قوة ضغط ل يستهان بها‪ ،‬وقُل مثل ذلك‬
‫في العلم‪ ،‬أو في التعليم‪ ،‬أو في مؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬ومعاناة المة‬
‫ليست في ساستها فحسب‪ ،‬بل في أنماط تفكيرها‪ ،‬ومسالك عيشها بما يتوجب‬
‫معه اعتماد نظرة أوسع أفقاً‪ ،‬وأبعد عن المصادرة والحادية والقصاء‬
‫والتصارع على السلطة‪ ،‬وأكثر هدوءاً وإدراكاً لمكانيات الصلح والتغيير‪.‬‬
‫أسلوب المغالبة السياسية ضَيّق على كثير من المناشط‪ ,‬وحرمها من حقها‬
‫المشروع في الحياة والمشاركة‪.‬‬
‫وهذا له حديث خاص قادم بإذن ال‪)..‬‬

‫مايريد العودة هاهنا إيصاله هو دعوا النظم السياسية على حالها ‪ ..‬دع مال ل‬
‫ومالقيصر لقيصر‪.‬‬

‫ثم يواصل العودة‪:‬‬


‫(ما أردت قوله‪ :‬أن من المجتمعات والنظمة ما يضيق ذرعاً بحركة إسلمية‬
‫تزاحمه في سلطته‪ ,‬أو تعتمد معارضة صرفة قد ل يحتملها‪ ،‬ولكن قد ل يضيق‬
‫ذرعاً بالسلم ذاته‪ ،‬بل ربما تقبله بقناعة‪ ،‬أو تقبله على أساس المر الواقع‪ ،‬أو‬
‫حاول أن يعوض ويمنع الدعاية السلبية ضده باعتماد مدرسة إسلمية قد تكون‬
‫ملونة باللون الذي يحب ويختار‪ ،‬ولكنها تستجيب لحاجة التدين في النفوس)‪.‬‬

‫هاهنا يؤكد العودة مرة أخرى أن النظم السياسية الفاسدة (التي أقصت أحكام‬
‫الشريعة وظلمت معايش الناس) ليست مشكلتها مع السلم‪ ،‬وإنما مشكلتها مع‬
‫السلم السياسي فقط!‬
‫ثم يواصل العودة‪:‬‬
‫(ليس إِدّا من القول أن نصرح بأن السلم أكبر من الحركات وأبقى‪,‬‬
‫والحركات هي محاولة بشرية يعتريها الخطأ‪ ,‬وتفتقر إلى التصحيح‬
‫والستدراك الدائم‪ ,‬ومحاربة روح التعصب والصرار والمعان‪ ،‬وقبول‬
‫المراجعة‪ ،‬وتعاهد الناس بالتفريق بين التدين بالسلم الذي هو حق ال على‬
‫عباده؛ كما في محكمات الكتاب والسنة‪ ،‬وبين رؤية ظرفية اجتهادية‪ ,‬قد يحتشد‬
‫حولها جمع من الناس فيصيبون ويخطؤون‪.‬‬
‫السلم أكبر من الدول والحكومات و المؤسسات‪ ،‬وكل أوعيته تذهب وتجيء‬
‫ويبقى السلم‪( ,‬إِنّا َنحْنُ نَ ّزلْنَا الذّكْرَ َوإِنّا َل ُه َلحَافِظُونَ) [الحجر‪.]9/‬‬
‫وللحديث أطراف ذات أهمية؛ سأستكمل عرضها في مناسبات قادمة بإذن ال‪).‬‬

‫وهاهنا يلخص العودة عيوب الحركات السلمية كالتعصب والصرار‬


‫والمعان والتمسك بالجتهاديات وأنهم طلب سلطة ‪ ..‬في الوقت الذي كان‬
‫يرى فيه أن النظم العربية الفاسدة نظم متدينة حاول قدر المكان تحاشي‬
‫انحرافها الضخم عن السلم‪ ،‬بل حاول أن يقنعنا أنها منسجمة مع السلم عبر‬
‫رؤية ما‪.‬‬

‫هل انتهى المر عند هذا الحد؟‬

‫في تقديري أن كل ما أشرت إليه سابقاً ليس بشئ بجانب فكرة خطيرة كانت‬
‫تسري في أوصال المقالة كلها‪ ،‬وهي (المعيار الشكلي لشرعية الدولة) فالعودة‬
‫يقول أن الدولة مادام لها إذاعة قرآن وتسكت عن المحجبات ولديها مدرسة‬
‫دينية خاصة ملونة باللون الذي يحب ويختار‪ ،‬وفي لغة خطابها السياسي‬
‫مفردات دينية‪ ،‬فالحمد ل!‬
‫هكذا صار وصف السلمية والشرعية بكل بساطة! يعني حتى لو كانت الدولة‬
‫تقصي أحكام الشريعة وتبغي على الناس في معايشهم لكنها تعتني بهذه‬
‫الديكورات الدينية فلمبرر لمعارضتها سياسياً!‬

‫والذي أعنيه بالضبط أن مكمن الخطورة في أفكار العودة الجديدة هي هذه‬


‫المفاهيم العلمانية المضمرة وهي‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن مشكلة النظم العربية العلمانية ليست مع السلم وإنما مع السلم‬
‫السياسي‪ ،‬وهذه شبهة ليمل العلمانيون من تكرارها‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬اتهام الحركات السلمية أن مقصودها ليس تحكيم الشريعة وإنما هم‬
‫طلب سلطة‪ ،‬وهذه شبهة ليمل العلمانيون من تكرارها أيضاً‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬الكتفاء ببعض الديكورات الدينية كإذاعة القرآن والمفردات الدينية في‬
‫الخطاب السياسي حتى لو كانت الشريعة على الرف‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬شرعية (المدرسة الدينية الملونة باللون الذي يحب ويختار النظام‬
‫السياسي) كما يقول العودة‪ ،‬وهذا يعني إنتاج نمط من التدين يتناسب مع إرادة‬
‫الحاكم وليس مع إرادة ال ورسوله‪ ،‬واعتبار هذا أمراً مشروعاً‪.‬‬
‫وخامسها‪ :‬تقليص الدين إلى الحتياجات الروحية‪ ،‬كما يقول العودة (مدرسة‬
‫إسلمية قد تكون ملونة باللون الذي يحب ويختار‪ ،‬ولكنها تستجيب لحاجة‬
‫التدين في النفوس) ‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬تكريس شرعية الكيانات السياسية الفاسدة‪ ،‬وتقريع أي محاولة إسلمية‬
‫للتغيير السياسي‪.‬‬

‫أحب فقط أن أشير هاهنا إلى موقف وجداني أدركني وأنا أقرأ كلم العودة في‬
‫مديح النظام السياسي التونسي وذم الحركة السلمية في تونس‪ ،‬وال العظيم‬
‫أنني حين قرأت كلمه هذا وتذكرت ماكتبه المؤرخون عن الضطهاد‬
‫الجحيمي الذي عاناه السلميون في تونس أنه خنقتني العبرة وكدت أتمزق‬
‫مرارة ‪ ..‬وأخذت أردد لكم ال يا أغصان تونس ويافعيها الذين ذهبت أعماركم‬
‫في سجون ومعتقلت النظام ‪ ..‬لكم ال يافتيات تونس اللئي سححن دموع‬
‫الكبت على عتبات الجامعات والمعاهد ‪ ..‬وال إننا نعتذر لكم من كلم صاحبنا‬
‫العودة‪ ،‬ووال إنه ليمثلنا‪ ،‬بل نحن مع معاناتكم روحاً وفكراً وحديثاً ‪ ..‬ولن‬
‫يذهب ال جهودكم ومحنتكم سدى ‪ ..‬ومعاذ ال أن ننسب منجزاتكم الدعوية إلى‬
‫النظم العلمانية ‪..‬‬

‫بال عليك حاول أن تتذكر تلك الوضاع الجحيمية التي مر بها السلميون في‬
‫تونس على يدي جلوزة النظام ‪ ..‬وحاول أن تتذكر تلك الشهادات التي سجلها‬
‫الدعاة السلميون في تونس والتي لزالت تروى وتكتب إلى اليوم ‪ ..‬ثم اقرأ‬
‫كلم الدكتور العودة في تصوير المر على نقيض ماهو عليه‪ ،‬وأخبرني إن‬
‫كنت تستطيع أن تحتفظ بدموعك ‪..‬‬

‫وحين يلحظ القارئ المحايد مستوى الحفاوة الدبلوماسية التي يقابل بها العودة‬
‫بين الحكومات العربية اليوم‪ ،‬ومستوى الهتمام الذي توفره له شبكة ‪، MBC‬‬
‫ثم يقارنها بكلمه في العتذار للحكومات‪ ،‬والثناء على الوليد البراهيم‪ ،‬ولوم‬
‫الشعوب والتجاه السلمي؛ فليس من الصعوبة إدراك العلقة بين الحفاوة‬
‫الدبلوماسية ونمط الفكر الديني الجديد للدكتور سلمان وفقه ال‪.‬‬

‫وهناك مجموعة من النقاد السلفيين يخطؤون كثيرا حين يقولون "هناك تيار‬
‫ديني جديد يقوده القرضاوي والعودة" ‪ ..‬أنا شخصياً أتوتر وأنفعل حين أسمع‬
‫مثل هذا الربط ‪ ..‬مثل هذا الربط يتضمن إساءة كبيرة جداً للشيخ القرضاوي ‪..‬‬
‫فالقرضاوي وإن كان المرء يخالفه في عدد وافر من ترجيحاته الفقهية إل أنه‬
‫ليمكن بأي حال من الحوال إنزاله إلى مرتبة الدكتور العودة ‪ ..‬فالقرضاوي‬
‫يتفجر حمية وغيرة ‪ ..‬وفيه من الدفاع عن الخيار والصالحين في كل مكان‬
‫ماليعلمه إل ال ‪ ..‬وله في نقد النظم العربية الفاسدة المواقف المشهودة ‪..‬‬
‫والقرضاوي إذا أباح شيئاً تحمس له‪ ،‬وإذا حرم شيئا تحمس له أيضاً‪ ،‬فهو‬
‫غيور على المباح وعلى الحرام كلهما ‪ ..‬أما العودة فإنه إذا أباح شيئا سفّه من‬
‫يحرمه‪ ،‬وإذا صرح بتحريم شئ مل عقل المستمع بما يوهن إرادته لمر ال‬
‫ورسوله من التعلل بالختلفات ‪.‬‬

‫فالقرضاوي وإن خالفه الباحث في عدد من خياراته الفقهية إل أنه مثال للعالم‬
‫المجاهد المستقل عن النظم الفاسدة ‪ ..‬لكن العودة اختار طريقاً آخر –وهذا حقه‬
‫طبعاً‪ -‬وهو أن يكون جزءاً من النظم الرسمية العربية‪.‬‬

‫فكم أتمنى مراعاة حرمة الشيخ القرضاوي وحفظ جهوده وصدعه بالحق في‬
‫مواقف كثيرة‪ ،‬ومافيه من الحمية والغيرة ل ورسوله وللدعاة في كل مكان‬
‫بعدم ربطه بالعودة‪..‬‬

‫وحين قرأت لول مرة مقالة العودة هذه أعترف لكم أنني كنت أغلي‪ ،‬وأنني لم‬
‫أستطع أن أمسك بأحاسيسي بتاتاً‪ ،‬فموضوع (تلميع النظم الفاسدة‪ ،‬والتجني‬
‫على السلميين) هو الموضوع الوحيد الذي لأستطيع فيه لملمة مشاعري‬
‫إطلقاً ‪ ..‬وحين حادثت أحد الصدقاء بالكارثة التي كتبها العودة قال لي‬
‫صاحبي هناك عدة تفسيرات مطروحة ‪ ..‬قلت له وماهي‪:‬‬

‫قال‪ :‬ربما أن العودة يريد أن يكون "محايداً وغير منحاز" ‪ ..‬فقلت له‪ :‬من‬
‫ليرى في النظم الفاسدة إل إذاعة القرآن والشكليات الدينية في البيانات‬
‫الرسمية‪ ،‬بينما ليرى في الحركات السلمية إل أنهم طلب سلطة يعانون من‬
‫التعصب والصرار والمعان والتشنج في الجتهاديات ‪ ..‬فهذا وال قمة‬
‫النحياز ‪.‬‬
‫فقال لي‪ :‬ربما يريد أن يكون "إيجابياً" وهو دوماً يرفع شعار اليجابية ‪ ..‬فقلت‬
‫له‪ :‬من يشتم الحركات السلمية بالجملة ويكذب الضحايا؛ فهذا علقته‬
‫باليجابية كعلقة الليبراليين باحترام الرأي الخر!‬

‫فقال لي صاحبي‪ :‬إذن أنت جامي تنتقد الدعاة ونحن أمام جامية جديدة ‪ ..‬فقلت‬
‫له هذا صحيح نحن أمام جامية جديدة لكنها جامية زين العابدين بن علي‬
‫ومبارك والسد! جامية الفنادق الفارهة وردهات الدبلوماسيين ‪ ..‬ياسيدي ‪..‬‬
‫أحق الناس بوصف الجامية من يلمع النظم الفاسدة ويتجنى على السلميين‪..‬‬

‫على أية حال ‪ ..‬الحديث يطول حول هذا الموضوع ‪ ..‬وكل الذي أردت‬
‫الوصول إليه أن الدكتور العودة تحول كلياً من منهج (الصلح السلمي‬
‫للحكومات) إلى منهج (الصلح الحكومي للسلم) ‪..‬‬

‫تحول العودة من طريق الضغط على الحكومات العربية للحكم بالشريعة في‬
‫كل مجالت الحياة السياسية والقتصادية والجتماعية والعلمية ‪ ..‬إلى‬
‫طريق إنتاج نمط مدجن من التدين يتناسب مع مصالح اللعبين الكبار ‪ ..‬أو‬
‫كما يقول العودة بلغته الدبلوماسية (باعتماد مدرسة إسلمية قد تكون ملونة‬
‫باللون الذي يحب ويختار‪ ،‬ولكنها تستجيب لحاجة التدين في النفوس)‪ ..‬هكذا‬
‫بكل وضوح حتى يصير الدين ألعوبة في أيدي الملوك يصيغ منه كل منهم‬
‫اللون الذي يحب ويختار! ليصبح عندنا إسلمات بعدد الحكام العرب فإسلم‬
‫لزين العابدين بن علي ‪ ..‬وإسلم لنظام حسني مبارك ‪ ..‬وإسلم لنظام الملكيات‬
‫الخليجية ‪ ..‬ولعزاء للحركات السلمية طالبة السلطة والمتشنجة في‬
‫الجتهاديات ‪..‬‬

‫إنه نمط مدجن من التدين يدع مال ل ومالقيصر لقيصر ‪ ..‬إسلم أليف ليؤذي‬
‫مشاعر الحكام العرب ‪ ..‬إسلم ليتم اعتماده عبر الكتاب والسنة بل عبر‬
‫جامعة الدول العربية ‪..‬‬

‫والجميع بات يعرف اليوم أن ثمة سياسيين كبار يرقبون مسيرة العودة ‪ ..‬مرة‬
‫عن بعد ‪ ..‬ومرة بالثناء المعسول والتظاهر بالدهشة من عبقرية كلم العودة ‪..‬‬
‫ومرة بالدعم غير المباشر ‪ ..‬ومرات أخرى بالوسائل السياسية الخاصة التي‬
‫يجهلها البسطاء أمثالنا ‪..‬‬

‫ومع ذلك سيظل آخر انحراف يمكن أن يتقبله النسان السوي هو (تلميع النظم‬
‫الفاسدة‪ ،‬والتجني على السلميين) ‪..‬‬

‫ابوعمر‬
‫نجد الخير ‪ 28‬ربيع الثاني ‪1430‬هـ‬

You might also like