You are on page 1of 28

‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫الفصل التاسع‬

‫العمليات النفعالية‬
‫تمهيد‪:‬‬

‫يمثكل هذا البعكد مكن الشخصكية النسكانية الطاقكة التكى تحرككه‬


‫وتوجهه‪ ،‬ول يشعر النسان بالهدوء والسكينة فى حالة هيجانه‪ ،‬فالخوف‬
‫والكراهية والغيرة والغضب تعمل عملها فى ثلثة جوانب من السلوك‪،‬‬
‫فهكي تحرك جهاز النسكان العصكبي وغدده لتعمكل وفكق معطيات البيئة‬
‫الجتماعيكة فتزداد ضربات القلب‪ ،‬ويرتفكع ضغكط الدم‪ ،‬وتثار المعدة‪،‬‬
‫وين قص إفراز الغدة اللعاب ية‪ ،‬ف هل ن حن ننف عل ونف سر هذا النفعال نتي جة‬
‫لهذه التغيرات أم أن تفسكير الفرد للموقكف المعنكي يحدد نوع النفعال‪،‬‬
‫وأخيرا يمككن أن تظهكر هذه التغيرات الفسكيولوجية فكى شككل مظاهكر‬
‫سكلوكية تتسكم بعدم السكتقرار الحرككي‪ ،‬كمكا تظهكر فكى شككل زيادة‬
‫الحركات اللإراد ية‪ ،‬وبما أن هذا الجا نب يفعل كل ذلك رأي المؤلف أن‬
‫يفرد له فصل كامل محاول فيه توضيح أهم أقسامه‪ ،‬والجوانب الخرى‬
‫المتعلقة بهذا المتغير‪.‬‬

‫يع تبر الوجدان عامل مه ما ومؤثرا في سلوك الن سان وخا صة‬
‫دوافعه وميوله واتجاهاته‪ ،‬فهي العامل الذي يجعل النسان متشربا بكثير‬
‫مكن القيكم ومكونات الحكب والكراهيكة التكي تجعله مقبل على الشياء أو‬
‫مدبرا عن ها‪ .‬لذلك فإن النفعالت اليجاب ية ترت بط بال سلوك اليجا بي من‬
‫قيكم واتجاهات نحكو السكرة والب والم والفضيلة والكرم والشجاعكة‪،‬‬
‫بمع ني آخر ترت بط النفعالت اليجاب ية بكل ما هو إيجابي‪ ،‬أما الجا نب‬

‫‪44‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫ال سلبي من الوجدان فيرت بط ب كل ما هو قب يح وغ ير مقبول م ثل كراه ية‬


‫الحرام‪ ،‬والق تل وارتكاب المعا صي و ما إلي ها‪ ،‬لذلك يل عب الوجدان دورا‬
‫أسكاسيا فكي غرس قيكم الضبكط الخارجكي مكن خلل عمليكة التنشئة‬
‫الجتماع ية‪ .‬و هو ما يم كن توضي حه خلل هذا الف صل من خلل تق سيم‬
‫العمليات النفعاليكة إلى انفعالت وعواطكف وتفصكيل الخصكائص التكى‬
‫تميز كل جانب من جوانب الوجدان‪.‬‬

‫أوضكح عبكد السكتار إبراهيكم ورضوي إبراهيكم (‪ )2003‬أنكه ل‬


‫يجكب أن نعتقكد أن هنالك إنفعالت سكيئة وأخرى جيدة‪ ،‬إذ يجكب قياس‬
‫النفعال بناء على نتائجكه والهداف التكى تقود إليهكا‪ ،‬وككل إنفعال بهذا‬
‫المع نى قد يكون إيجاب يا أو سلبيا‪ .‬فالخوف قد يكون إيجاب يا عند ما يح فز‬
‫الشخص على التعامل مع الخطار الخارجية‪ ،‬وقد يكون للحب أوالسرور‬
‫نتائج عكسكية لن حكب جماعكة على جماعكة أخرى‪ ،‬أو إيثار فرد على‬
‫آخر قد يخلق بذور التعصب والتحيز‪ ،‬والسرور وقد يكون له وجه سلبي‬
‫إذا كان يتسبب في المصائب التى تحل بالخرين‪.‬‬

‫أورد طلعكت منصكور وآخرون (‪ )1984‬أن الوجدان ل يقتصكر‬


‫على السكتجابات والتغيرات الجسكمية الفسكيولوجية‪ ،‬ول على المشاعكر‬
‫والحسكاسات والندفاعات فحسكب‪ ،‬وإنمكا تمتكد للفرد كككل‪ .‬فالعمليكة‬
‫النفعال ية إذن لي ست ا ستجابة موضوع ية ت قع ت حت سيطرة الفرد‪ ،‬إن ما‬
‫يستجيب لها نفسا وجسما فيؤثر الوجدان وخاصة النفعالت في الدراك‬
‫والنتباه والتفك ير والتخ يل‪ ،‬وبالتالي ل ي ستطيع الفرد الح كم الموضو عي‬
‫على الشياء وهكو فكى حالة النفعال‪ ،‬وفكى الحديكث الشريكف عكن أبكي‬
‫هريرة رضي ال عنه قال‪ ( :‬جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه و سلم‬

‫‪45‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫فقال له‪ :‬أو صني يا ر سول‪ :‬قال‪ :‬ل تغ ضب‪ ،‬فتردد إل يه مرارا‪ ،‬ل يز يد‬
‫على أن يقول‪ :‬ل تغضب) رواه البخاري في الصحيح‪ .‬كما تستجيب كل‬
‫أجهزة الجسم لنفعال الخوف والغضب وغيرها من النفعالت‪ ،‬ومن أهم‬
‫ما يم يز هذه النفعالت أن الفراد يعون بمكونات ها الذات ية والف سيولوجية‬
‫والسكلوكية‪ .‬فالمكونات الذاتيكة تعنكي أن الفرد يدرك نوع النفعال الذي‬
‫يعتر يه ‪ ..‬من خوف أو غ ضب أو سرور‪ .‬أ ما المكون الف سيولوجي ف هو‬
‫التعرق‪ ،‬أو تسارع ضربات القلب‪ ،‬أو زيادة إفراز السكر فى مجرى الدم‬
‫‪ ...‬وأخيرا يتمثكل الجانكب السكلوكي فكى تعكبيرات الوجكه‪ ،‬واليماءات‬
‫والفعال‪ ..‬فالجميع يعبر عن السعادة بالسرور أوالبتسام أو الضحك‪ .‬أم‬
‫تقطيب الوجه أو (التكشيرة) فتعبر عن الستياء أو عدم الرضا‪.‬‬

‫تظهكر العلميات النفعاليكة بمجرد ميلد الطفكل فكي ارتباط وثيكق‬


‫بالدوافع‪ ،‬مثل يبكي الطفال الصغار ويبدو عليهم القلق والنزعاج عندما‬
‫تنشأ لديهم حاجات مثل الجوع‪ ،‬كما تنبعث منهم إنفعالت موجبة كالفرح‬
‫والسكرور عنكد إشباع هذه الحاجات‪ ،‬وأثناء النوم يجفكل الطفال حديثكي‬
‫الولد كأنمكا يريدون المسكاك بشكئ ممكا يظهكر خوفهكم وبدايكة تكوينكه‬
‫عندهكم‪ ،‬ولهذه النفعالت قيمكة ككبيرة فكى عمليكة التفاعكل الجتماعكي‪،‬‬
‫فالبت سامة والض حك والعناق تع مل على زيادة ال حب والمودة ب ين الط فل‬
‫ووالد يه‪ ،‬ك ما أن بكاءه يع جل بحضور أ مه لمعر فة أحوال طفل ها‪ .‬ولذلك‬
‫ارتبط الشعور بالراحة والسترخاء بالفعال الحميدة‪ ،‬كما ارتبط الشعور‬
‫بالخوف والتوتكر بالمنهيات‪ ،‬ولذلك تعمكل العمليات النفعاليكة مجتمعكة‬
‫كمحفكز ودافكع للتمتكع بشعور السكترخاء والبتعاد عكن الشعور بالتوتكر‬
‫والضيق‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫وب ما أن هناك اختلف وا ضح ب ين مختلف العمليات النفعال ية‪،‬‬


‫رأى المؤلف أن تصكنف إلى التكي‪ :‬النفعالت والمزاج والعواطكف‪،‬‬
‫فالنفعالت عار ضة وسريعة ول ترتبط بأشياء معينة فيمكن أن تغضب‬
‫(إنفعال) من الجو أو أحد الشخاص الذين ل تعرفهم‪ ،‬ولكننا ل يمكن أن‬
‫ن حب أو نكره (عوا طف) إل من كان بين نا وبي نه تفا عل إجتما عي‪ ،‬ول‬
‫تتكون العاطفكة بسكهولة ول تزول بزوال المؤثكر‪ ،‬بينمكا المزاج حالة‬
‫ضبابية تصف شعور الفرد فى وقت ما وتلون رؤيته للشياء بما يعتمل‬
‫داخله من إنفعالت أو عوا طف‪ ،‬و قد ل حظ المؤلف أن مع ظم المرا جع‬
‫تستخدم مصطلح النفعال لتدل على المزاج من ناحية وعلى العاطفة من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬وستستخدم فى هذا الكتاب بنفس الطريقة السالفة‪.‬‬

‫ماهية النفعالت‪:‬‬

‫عرف طلعت منصور وآخرون (‪ )1984‬النفعال بأنه " خبرة أو‬


‫حالة ذات صبغة وجدانية‪ ،‬نفسية الصل‪ ،‬وتتكشف فى السلوك والوظائف‬
‫كة إنفعالت‬
‫كس أمريكيون إن هناك ثمانيك‬
‫الفسككيولوجية‪ .‬وقال علماء نفك‬
‫أساسية توجد على مستويات متنوعة من الشدة وهي‪ :‬الغضب‪ ،‬والخوف‪،‬‬
‫وال سرور‪ ،‬والحزن‪ ،‬والر ضا‪ ،‬والنفور‪ ،‬والده شة‪ ،‬والهتمام أو الفضول‪،‬‬
‫وتتحد لتؤلف النفعالت الخرى‪.‬‬

‫وقد توصل العلماء إلى أن هناك عاملين يحددان المشاعر‬


‫والنفعالت وهما التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في جسم النسان‪،‬‬
‫والسبب الذي يعلل به الشخص تلك التغيرات‪ .‬واستنادا إلى هذه النظرية‬
‫فان النفعالت تنتج من تأويلت الناس لحوالهم بعد استثارتهم‬

‫‪47‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫فسيولوجيا‪ .‬وقد يكون الثر الخارجي للنفعال ظاهرا للناس كالبكاء‬


‫والضحك واحمرار الوجه والحزن والفرح وغير ذلك من تغيرات الوجه‬
‫الخرى‪ .‬إن هذه التغيرات الخارجية تصاحبها تغيرات فسيولوجية داخلية‬
‫يحس بها الشخص نفسه فهو يستطيع أن يحس بتسارع نبضات قلبه‬
‫وتنفسه وباندفاع الدم الذي قد يجعله يحس بتنميل في يديه أو قدميه‬
‫وبوخز في فروة الرأس أو خلف الرأس وربما قشعريرة وتصبب العرق‬
‫أو كليهما أو رجفة في الجسم ل يستطيع معه الوقوف أو المساك بشيء‪.‬‬

‫وقد يؤدي تكرار حدوث النفعالت غير السارة الى أمراض‬


‫نفسية جسيمة مستفحلة من أنواع مختلفة‪ ،‬وليست هذه المراض وهمية‬
‫بل حقيقية ‪ %100‬وهي تؤدي إلى تعطيل كثير من وظائف الجسم‬
‫كالهضم‪ ،‬بل أحيانا تؤدي إلى تلف أنسجة الجسم‪ ،‬كما هو الحال في‬
‫القرحة الهضمية مثل قرحتي المعدة والثني عشر والتهاب القولون‪ .‬ومن‬
‫المعروف أن ارتفاع ضغط الدم وربما السكر والحساسية وكثيرا من‬
‫المراض الخرى يدخل في نشوئها عامل انفعالي قوي‪ ،‬وكثيرا ما تكون‬
‫ذات منشأ نفسي (عاطفي)‪ ،‬ويعمل الطباء في الوقت الحاضر بالهتمام‬
‫بالسباب النفسية للمراض وبأسبابها الجسمية على حد سواء‪.‬‬

‫وقد اتضح في الوقت الراهن حتى لرجل الشارع العام مدى‬


‫الصلة بين النفعالت والصحة‪ ،‬فهذه النفعالت سواء أكانت حادة أم‬
‫غير حادة ليست إل جزءا من الحياة ولن نستطيع تفاديها بأي سبب من‬
‫السباب‪ .‬وقد أوضحت في فصل السباب العضوية للسلوك أن الجزء‬
‫الخاص بالنفعال في الجهاز العصبي هو الجهاز العصبي المستقل‬
‫الداء‪ ،‬فهو الذي يحكم وظائف بعض العضاء كضربات القلب وضغط‬

‫‪48‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫الدم والهضم‪ ،‬وجميع هذه الوظائف أساسية للحياة‪ .‬وهي تسير دون وعي‬
‫منا ول نستطيع أن نتحكم فيها بشكل مباشر‪ ،‬والغدد الصماء متصلة‬
‫اتصال مباشرا ووثيقا بهذا الجهاز المستقل الداء‪ ،‬وهي مثله سريعة‬
‫الستجابة للنفعال وذلك بصب هرموناته في الدم مما يؤدي إلى تنبيه‬
‫سلسلة من التفاعلت في مختلف أعضاء الجسم‪ ،‬ومن المثلة المشهورة‬
‫لعمل هذين الجهازين هو عندما يفزع النسان أو يغضب فهو يحس‬
‫بضربات قلبه قد أسرعت ويحس بارتفاع ضغط دمه‪ ،‬وهذان الجهازان‬
‫يجعلن الكبد تطلق في الدم قدرا كبيرا من وقود الطاقة المخزون فيها‬
‫فيزيد مقدار السكر في الدم‪ ،‬وتتسع الوعية الدموية الذاهبة الى‬
‫العضلت لتمدها بكمية اكبر من الدم الحامل لهذا الوقود‪ ،‬كأنما تتأهب‬
‫للقيام بعمل جسمي ضخم‪.‬‬

‫وفي نفس الوقت يقف إمداد الجهاز الهضمي بالدم فتقف تبعا‬
‫لذلك عملية الهضم مؤقتا؛ وتمتنع شهوة الطعام ويشحب لون جدار المعدة‬
‫حتى يزول الفزع او الغضب‪ .‬وضبط النفعال من قبل البالغين أمر مهم‬
‫ومعنى ذلك ان يمنعوا آثاره من الظهور على ملمحهم‪ ،‬فالطفل يضرب‬
‫برجليه أو برأسه الرض أو أي شئ آخر إذا غضب‪ ،‬ولكن البالغ أن‬
‫فعل ذلك فربما ل يعتد به فى أمور الحسم‪ ،‬أو يوصف بعدم النضج‬
‫النفعالي (الفجاجة النفعالية) ‪ ،‬ومع ذلك فالنفعالت نفسها والتغيرات‬
‫الجسمية التي تصاحبها ليست قابلة للتحكم‪ ،‬فالمطلوب إذن هو إيجاد‬
‫الطرق المقبولة المهذبة لمقابلة السباب التي قد تثير النفعالت الضارة‪،‬‬
‫ثم التعبير عن هذه النفعالت بطريقة غير مضرة عندما تثار‪ .‬وربما‬
‫تعمل طريقة تنشئة البناء عامل جوهريا فى التعبير عن عدم الرضا أو‬
‫القتناع حول موضوع النفعال‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫وأفضل طريقة في التحكم في النفعالت هو ما يدرب عليه‬


‫الطفل في صغره؛ فالمفروض مثلً أن يغضب الطفل الصغير إذا ولد له‬
‫أخ‪ ،‬وقد يحاول إيذاءه او ضربه وينبغي بالطبع ال يسمح له بذلك‪ .‬ول‬
‫ضرر من ان يسمح للطفل بان يبدي شعوره بانه ل يحب هذا الوليد‬
‫الجديد فذلك مما ينفس عن انفعاله ول يضير الوليد لنه ل يعرف شيئا‪.‬‬
‫ول يجري عقاب الطفل وتأنيبه في ان يحمله على حب الوليد‪ ،‬ولكن إذا‬
‫ما اظهر الوالدان للطفل تفهمهما لمشاعره التي يعبر عنها‪ ،‬على أل تكون‬
‫لها آثار مؤذية‪ ،‬فإنهما يكونان قد القيا عليه درسا غاليا في كظم غيظه‬
‫وكبت انفعاله‪ .‬إل أن العوامل المناخية ربما تؤدى أيضا دورها فى‬
‫التأثير على التعبير النفعالي وسرعة الستثارة‪.‬‬

‫يعلم الجميع أن مناخ السودان يتصف بأنه إستوائي فى أغلب‬


‫شهور السنة‪ ،‬مع ارتفاع فى درجة الحرارة تؤدي فى عمومها إلى تميز‬
‫سكان هذه المناطق بخائص المناطق الحارة مثل زيادة ضربات القلب‬
‫وجفاف الحلق الذي يؤدي إلى التلقائية وعدم التحكم في المشاعر‬
‫والنفعالت وسرعة رد الفعل التلقائي‪ ،‬إلى جانب التأثير على القشرة‬
‫المخية‪ ،‬وحمرة الوجه واتساع حدقة العين‪ .‬هذا إضافة إلى وجود علقة‬
‫طردية بين ارتفاع درجة حرارة الشمس وزيادة الضطرابات النفسية‬
‫والعصبية‪ ،‬لذلك نجد النسان في فصل الصيف يكون سريع النفعال‪،‬‬
‫ورد فعله عنيف وغير متوقع عكس فصل الشتاء الذي يتميز فيه النسان‬
‫بالهدوء وبرود العصاب والتحكم في انفعالته‪ ،‬أما تفسير العلقة بين‬
‫زيادة درجة الحرارة والنفعال والتوتر فإن ارتفاع درجة الحرارة يؤدي‬
‫لحدوث تغييرات في كيمياء المخ‪ ،‬واضطراب الغدد الصماء وزيادة‬
‫إفرازات الغدة الدرقية مما يؤدي إلى زيادة التوتر والعدوانية‪ ،‬وهذا يفسر‬

‫‪50‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫السر وراء زيادة معدلت الجريمة في فصل الصيف عنها في أي فصل‬


‫آخر من فصول السنة الخرى‪ ،‬فكل الحصائيات تؤكد انتشار معدلت‬
‫الجريمة مع فصل الصيف‪ ،‬فنحن ل نستطيع تحمل الحرارة المرتفعة‬
‫لفترة طويلة خاصة لبعض الحالت المرضية كالمصابين بارتفاع ضغط‬
‫الدم أو مشاكل في الغدة الدرقية والصداع وكذلك مع الزحام واختناق‬
‫التنفس وقلة النوم ‪ ،‬كل هذه العوامل تهدد بتحول النسان لمريض نفسي‬
‫وعصبي نتيجة للضغوط التي يواجهها مع ارتفاع درجة حرارة‬
‫الشمس‪.‬فالجو المناسب يساعد على التزان النفسي‪ ،‬أما تقلبات الجو‬
‫كالحرارة الشديدة والتربة أو البرودة الشديدة فتؤدي إلى التقلبات‬
‫المزاجية ويصبح الشخص سهل الستثارة والنفعال‪ ،‬ويدخل في دائرة‬
‫التوتر النفسي‪ ،‬ويقدم على تصرفات يتعجب من حدوثها بعد عودته إلى‬
‫حالته الطبيعية أو العادية‪ ،‬ومع تعرض الفراد العاديين للعوامل‬
‫الخارجية المتمثلة في الزحام وارتفاع درجة الحرارة يؤثر على اتزانهم‬
‫النفسي وتكيفهم مع المجتمع فيعودون إلى منازلهم متوترين نفسيا وتأخذ‬
‫تصرفاتهم مع أسرهم صورة انفعالية‪ ،‬ونجد هذه التوترات تقل بانخفاض‬
‫درجة الحرارة واختفاء الزحام‪.‬‬

‫ماهية المزاج؟ (‪:)Mood‬‬


‫وهكي كلمكة تصكف الحالة الداخليكة للفرد‪ ،‬نطلق عليهكا الشعور‬
‫(وهكي الخكبرة الذاتيكة التكي يدركهكا الفرد‪ ،‬كحالة داخليكة‪ ،‬مثكل السكرور‬
‫والحزن)‪ ،‬وما يصاحبها من تغيرات فسيولوجية داخلية‪ ،‬تسمى بالنفعال‪،‬‬
‫(وهكي حالة الحيويكة‪ ،‬التكي تنشكأ عكن التغيرات الفسكيولوجية الحادثكة‪،‬‬
‫كاستجابة لشعور ما‪ ،‬وتميل إلى المحافظة عليه أو إلغائه)‪ .‬لذا‪ ،‬فالوجدان‬
‫يتكون مكن شقيكن (محمود حمودة‪ )1990( ،‬أحدهمكا خارجكي‪ ،‬وهكو‬
‫‪51‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫الوجدان‪ ،‬أي أنكه النفعال‪ ،‬الذي يلحظكه الخرون المحيطون بالشخكص‬


‫كتعكبير لشعور داخلي‪ .‬بينمكا الشكق الخكر داخلي‪ ،‬ل يمكِن ملحظتكه‪،‬‬
‫ولك نه خبرة ذات ية‪ .‬أما الحالة المزاج ية (‪ )Mood‬فتصف النفعال‪ ،‬الذي‬
‫يبقكى لفتككرة‪ ،‬ويلون أفكككار الشخكص وسكلوككه تجككاه العالككم مكن‬
‫حوله‪ ،‬وهكي حالككة مؤقتكة‪ .‬ويمكننكا أن نشبكه الحالة النفعاليكة بالحالة‬
‫الجويكة‪ ،‬التكي تصكف تغيرا مؤقتا فكي حالة الجكو‪ ،‬بينمكا نشبكه المزاج‬
‫بالمناخ‪ ،‬الذي يصكف حالة شبكه دائمكة مكن الحرارة والبرودة‪ .‬فمثلً قكد‬
‫نعرف عن ش خص أ نه مرح‪ ،‬فهذا هو مزا جه المم يز له طوال حيا ته‪.‬‬
‫ولككن أن يكون متضايقكا لعدة أيام‪ ،‬فهذه حالة وجدانيكة مؤقتكة كالحالة‬
‫الجويكة‪ ،‬ل تلبكث أن تتغيكر‪ ،‬وقكد تشتكد فتكون مَرضيكة تسكتحق العلج‪.‬‬
‫وهناك أشخاص ذوو مزاج مرح‪ .‬أمككا صككاحب المزاج القلق‪ ،‬فهككو‬
‫الشخكص الذي يسكيطر عليكه القلق‪ ،‬كسكمة ثابتكة طوال حياتكه‪ ،‬وليكس‬
‫مرضا‪ .‬وهناك ذو المزاج الكتئابكي‪ ،‬الذي نطلق عليكه (النكدي)‪ .‬وهناك‬
‫ذو المزاج المتقلب ب ين المرح والكتئاب‪ ،‬أو ما يُ سمى ب صاحب المزاج‬
‫الدموي‪.‬‬
‫ومراككز الوجدان فكي الدماغ‪ ،‬هكي الجهاز الطرفكي (النفعالي)‪،‬‬
‫وقشرة المكخ‪ ،‬حيكث يسكتقبل المثيكر‪ ،‬عبْر الحواس‪ ،‬وتمكر المعلومات‬
‫المتعلقكة بكه إلى قشرة المكخ المناظرة (حسكب نوع المثيكر‪ ،‬بصكري أو‬
‫سكمعي … إلخ)‪ .‬فيتكم إدراككه‪ ،‬ويؤدي الرتباط بيكن مناطكق قشرة المكخ‬
‫المختلفكة‪ ،‬إلى بعكث ككل الذكريات المرتبطكة بالمثيكر‪ .‬كمكا ترسكل‪ ،‬فكي‬
‫الوقكت نفسكه‪ ،‬إشارات إلى الجهاز النفعالي لحداث الحالة النفعاليكة‬
‫المناسكبة‪ .‬ويؤدي المهيكد‪ ،‬كأحكد أجزاء الجهاز النفعالي‪ ،‬والمتحككم فكي‬
‫نشاط الجهاز العصكبي المسكتقل (السكمبثاوي ونظيره) دورا مهما فكي‬

‫‪52‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫النفعال‪ .‬فينشكط الجهاز السكمبثاوي‪ ،‬إذا كان المثيكر يتطلب إعلن حالة‬
‫الطوارئ فكي الجسكم‪ ،‬والسكتعداد للقتال‪ ،‬أو الهرب‪ ،‬وينشكط نظيكر‬
‫ال سمبتاوي‪ ،‬إذا كان المث ير باعثا على الطمأني نة وال سترخاء‪ ،‬في الو قت‬
‫نفسه‪ ،‬الذي يرسل فيه الجهاز النفعالي إشارات إلى قشرة المخ لحاطتها‬
‫بمعلومات عككن النفعال الموجود‪ .‬فمثلً‪ ،‬إذا حدث زلزال شديككد‪ ،‬فإن‬
‫الشخكص يدرككه‪ ،‬ثكم تعمكل قشرة المكخ على بعكث الذكريات والخطار‬
‫المرتبطة بالزلزل‪ ،‬في الوقت عينه‪ ،‬الذي ترسل فيه إشارات إلى الجهاز‬
‫النفعالي‪ ،‬الذي ينشط‪ ،‬بدوره‪ ،‬الجهاز السمبتاوي (الذي ُي ِعدّ جسم النسان‬
‫لمواجهة الخطر‪ ،‬فيزيد من سرعة ضربات القلب وسرعة التنفس‪ ،‬ويزيد‬
‫الدم إلى العضلت والمكخ‪ ،‬وتتسكع فتحكة إنسكان العيكن‪ ،‬إلى آخكر تلك‬
‫التغيرات‪ ،‬التكي ُت ِعدّ النسكان للقتال أو الهرب)‪ ،‬ويأخكذ النسكان قرار‬
‫الهرب من مكان الزلزال‪ ،‬أو الحتماء المناسب‪ ،‬الذي يراه‪.‬‬
‫ويلحككظ أن النفعال يتشابككه فككي حالت الخوف والخجككل‬
‫والغ ضب‪ ،‬على الر غم من اختلف الشعور الداخلي في كل من ها‪ .‬وذلك‬
‫لن ردود فعكل الجهاز العصكبي متشابهكة‪ .‬ومكن ثكم‪ ،‬فإن المحدد لنوع‬
‫النفعال‪ ،‬هو الشعور أو التف سير الذا تي له‪ .‬ويتأ ثر النفعال بحالة الو عي‬
‫والنتباه والدراك والخكبرة السكابقة‪ ،‬بالمثيكر (الذاكرة)‪ .‬وللنفعال فوائد‪،‬‬
‫أهمها‪:‬‬
‫‪.1‬أنه ُي ِعدّ الفرد لمواجهة المثير (بالستعداد للقتال أو الهروب)‪.‬‬
‫‪ .2‬ويعطكي التعكبير النفعالي ترابطا بيكن الشخاص‪ ،‬وفهما اجتماعيا‬
‫متبادلً‪ ،‬مكن طريكق المشارككة النفعاليكة‪ .‬فمثلً‪ ،‬عندمكا نقابكل إنسكانا‪،‬‬
‫ويبتسكم لنكا ابتسكامة‪ ،‬تعبّر عكن سكروره بلقائنكا‪ ،‬فإن هذا سكيولد شحنكة‬
‫انفعال ية طي بة‪ ،‬داخل نا‪ ،‬تجا هه‪ .‬ك ما أن النفعال يولد شح نة داخل ية‪ُ ،‬ت َعدّ‬

‫‪53‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫الوجود الداخلي للرغبات والدوافكع‪ ،‬التكي ينشكأ منهكا التفكيكر والسكلوك‬


‫الموجّه نحو الهداف‪ .‬والشكل التالي يوضح مجموعة من الشكال التى‬
‫تصف النفعالت المختلفة أو طرق التعبير عنها‪.‬‬

‫شكل (‪ )1-9‬النفعالت المختلفة وطريقة التعبير عنها‬


‫وفيما يلي مجموعة من النفعالت التى تعتري الفراد بين الحين‬
‫والخر‪ ،‬وهذه للمثلة وليس للحصر‪:‬‬
‫الخوف‪:‬‬
‫يعتبر الخوف من أهم النفعالت التى تحكم سلوك النسان‪،‬‬
‫وربما أكثرها تكرارا واستمرارا معه‪ ،‬ومن أهم فوائده على الفرد‪:‬‬
‫‪ .1‬يعينه على اتقاء الخطار التي تكهدده مما يساعده على الحياة‬
‫والبقاء‪.‬‬
‫‪ .2‬يدفع النسان المؤمن إلى اتقاء عذاب ال سبحانه في الحياة الخرة‪.‬‬
‫فالخوف من عقاب ال يدفع المؤمن إلى تجنب الوقوع في المعاصي‪،‬‬

‫‪54‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫والى التمسك بحبل التقوى والنتظام في عبادة ال وعمل كل ما يرضية‪.‬‬


‫إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم وإذا تليت‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬
‫سورة النفال الية‬ ‫عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون‬
‫رقم(‪. )2‬‬
‫وانفعال الخوف حالة من الضطراب الحاد الذي يشمل الفرد‬
‫كله‪ ،‬وقد وصف القرآن الكريم هذا الضطراب بالزلزال الشديد الذي‬
‫يهز النسان هزا شديدا‪ ،‬فيفقده القدرة على التفكير والسيطرة على النفس‪،‬‬
‫إذ جآؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت‬ ‫يقول ال تعالى ‪:‬‬
‫البصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بال الظنونا () هنالك أبتلي‬
‫سورة الحزاب ( ‪.)11،.1‬‬ ‫المؤمنون وزلزلوا زلزال شديدا‬
‫والخوف أنواع‪ :‬الخوف من ال‪ ،‬والخوف من الموت‪ ،‬والخوف‬
‫من الفقر‪ .‬والخوف من الحيوانات المفترسة‪ ،‬والخوف من المراض‬
‫الوبائية والمعدية‪ ،‬ويندرج الخوف من الحيوانات والمراض تحت‬
‫الخوف من الموت‪ .‬وهذه المخاوف طبيعية‪ ،‬وهناك مخاوف مرضية‬
‫وتحتاج إلى علج نفسي مثل الخوف المرضي من الظلم‪ .‬أما الخوف‬
‫من ال فسبب ذلك أن يقع النسان في العذاب بسبب معصيته ويقول ال‬
‫سورة‬ ‫قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم‬ ‫سبحانه ‪:‬‬
‫الزمر ( ‪ .( 13‬وأما الخوف من الموت‪ ،‬فكل الحيوانات تخاف من‬
‫الموت لن حب الحياة غريزة ولول حب الحياة المغروز في النسان‬
‫والحيوان لما توقى النسان أثناء سيره‪ ،‬وأختار الطرق السليمة‪ ،‬وأكل‬
‫الكل النظيف وشرب الماء الصحي‪ ،‬وكذلك لو أمسكت بإحدى الحشرات‬
‫الصغيرة وحاولت أن تميتها لقاومت بكل ما أوتيت من قوة‪ .‬ويرتبط‬
‫الخوف من الموت عند النسان بالخوف من ال ‪ .‬ولكن مهما هربنا من‬

‫‪55‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫الموت فهو حتما سيقابلنا في يوم ما‪ .‬يقول ال سبحانه وتعالى قل إن‬
‫سورة الجمعة الية ( ‪.) 8‬‬ ‫الموت الذي تفرون منه فانه ملقيكم‬
‫واليمان الصادق بال سبحانه وتعالى يؤدي إلى التخلص من الخوف من‬
‫الموت‪.‬‬
‫أما الخوف من الفقر فهو من المخاوف الشائعة بين الناس‪.‬‬
‫والنسان دائم السعي في حياته لكسب رزقه وقوته وقوت عياله ‪ ،‬لكي‬
‫يهيء لنفسه ولسرته أسباب الحياة المنة‪ .‬واليمان بال يقضي على‬
‫إن ال هو الرزاق ذو‬ ‫الخوف من الفقر‪ ،‬يقول ال تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫سورة الذاريات الية (‪ )58‬ويقول أيضا ‪ :‬وفي السماء‬ ‫القوة المتين‬
‫سورة الذاريككات الية (‪ ،)22‬وبذلك يصبح‬ ‫رزقكم وما توعدون‬
‫الخوف الحقيقي الذي يشعر به المؤمن هو الخوف من ال‪،‬‬
‫لماذا ؟ لن إيمانه بال يجعله ل يخاف الموت أو الفقر أو الناس أو أي‬
‫شيء آخر في العالم‪ ،‬وإنما يخاف فقط من غضب ال وسخطه وعذابه‪،‬‬
‫ويؤدي الخوف من ال وظيفة مهمة ومفيدة في حياة المؤمن إذ يجنبه‬
‫ارتكاب المعاصي‪ ،‬فيقيه بذلك من غضب ال وعذابه‪ ،‬ويحثه على أداء‬
‫العبادات والقيام بالعمال الصالحة ابتغاء مرضات ال‪.‬‬
‫الغــضب ‪:‬‬
‫انفعال مهم يؤدي وظيفة مهمة للنسان‪ ،‬حيث إنه يساعده على‬
‫حفظ ذاته‪ ،‬فحينما يغضب النسان تزداد طاقته على القيام بالمجهود‬
‫العضلي العنيف مما يمكنه من الدفاع عن النفس أو التغلب على العقبات‬
‫التي تكون عائقا عن تحقيق أهدافه المهمة‪ .‬وقد جاء في القرآن وصف‬
‫لنفعال الغضب وتأثيره في سلوك النسان‪ .‬مثل‪ ،‬انفعال سيدنا موسى‬
‫ولما رجع موسى إلى قومه‬ ‫عليه الصلة والسلم وغضبه قال تعالى ‪:‬‬
‫‪56‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى‬
‫اللواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني‬
‫وكادوا يقتلونني فل تشمت بي العداء ول تجعلني مع القوم الظالمين‬
‫سورة العراف الية (‪.).15‬‬
‫ويحدث أثناء النفعالت كثير من التغيرات الفسيولوجية التي من بينها‬
‫إفراز هرمون الدرينالين الذي يؤثر على الكبد ويجعله يفرز كميات‬
‫زائدة من السكر مما يسبب زيادة الطاقة في الجسم ويجعله متهيئا لبذل‬
‫المجهودات العنيفة التي يتطلبها الدفاع عن النفس أثناء الغضب أو‬
‫الجري أو الخوف‪ .‬ويوجه النسان العدوان إلى العقبات التي تعيق إشباع‬
‫دوافعه أو تحقيق أهدافه سواء كانت هذه العقبات أشخاصا أو عوائق‬
‫مادية أو قيودا اجتماعية‪ ،‬وينقل الغضب إلى أشخاص لم يكونوا هم‬
‫السبب الحقيق في إثارة الغضب ‪ ،‬الطفل لما يغضب من أبيه يوجه‬
‫غضبه ناحية نفسه أو أحد إخوانه الصغار وأيضا غضب سيدنا موسى‬
‫من قومه وجه غضبه ناحية أخيه هارون‪ .‬ويعتقد بعض المفسرين أن‬
‫مس الشيطان الوارد فى الية رقم (‪ ) 275‬من سورة (البقرة) والتى‬
‫نصكها الذين يأكلون الربوا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه‬
‫أن المقصود بمس الشيطان هنا هو الغضب‪.‬‬ ‫الشيطان من المس‪....‬‬
‫الحــــب ‪:‬‬
‫يلعب الحب دورا مهما في حياة النسان فهو أساس الحياة‬
‫الزوجية وتكوين السرة ورعاية البناء وهو أساس التآلف بين الناس‬
‫وتكوين العلقات النسانية الحميمة وهو الرباط الوثيق الذي يربط‬
‫النسان بربه ويجعله يخلص في عبادته وفي اتباع منهجه والتمسك‬
‫بشريعته ويظهر الحب في حياة النسان في صور مختلفة فقد يحب‬

‫‪57‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫النسان ذاته ويحب الناس ويحب زوجته وأولده ويحب المال ويحب ال‬
‫والرسول صلى ال عليه وسلم ‪ .‬ونجد في القران الكريم ذكرا لهذه‬
‫النواع المختلفة من الحب‪.‬‬
‫‪.1‬حـب الذات‪ :‬ويرتبط ارتباطا وثيقا بدوافع حفظ الذات فالنسان يحب‬
‫أن يحيى وينمي إمكاناته ويحقق ذاته ويحب كل ما يجلب له الخير‬
‫والمن والسعادة ‪ ،‬ويكره كل ما يعوقه عن الحياة والنمو وتحقيق الذات‬
‫وكل ما يجلب له اللم والذى والضرر‪.‬‬
‫‪.2‬حـب الناس‪ :‬ولكي يستطيع أن يعيش النسان في تآلف وانسجام مع‬
‫الخرين‪ ،‬يجب عليه أن يحد من حبه لذاته وأنانيته‪ ،‬وأن يعمل على‬
‫موازنته بحبه للناس الخرين ومودته لهم‪ ،‬والتعاون معهم‪ ،‬وتقديم يد‬
‫المعونة إليهم ‪ .‬ولذلك فإن ال سبحانه وتعالى حينما أشار إلى حب‬
‫النسان لنفسه الذي يظهر في هلعه وجزعه إذا مسه الشر‪ ،‬وحرصه‬
‫على ما يناله من الخير وبخله به ومنعه عن الناس‪ ،‬أثنى سبحانه وتعالى‬
‫مباشرة على من يقاوم السراف في حبه لذاته ويتخلص من مظاهر الهلع‬
‫والجزع إذا مسه شر‪ ،‬ومن البخل إذا ناله خير‪ ،‬وذلك عن طريق التمسك‬
‫باليمان‪ ،‬وإقامة الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬والتصدق على الفقراء‬
‫والمساكين والمحرومين‪ ،‬والبتعاد عما يبغض ال ‪ ،‬فإن من شأن هذا‬
‫اليمان أن يوازن بين حب النسان لنفسه وحبه للناس بما يحقق مصلحة‬
‫الفرد والجماعة ‪.‬‬
‫‪.3‬الحـب الجنسي‪ :‬يرتبط الحب بالدافع الجنسي ارتباطا وثيقا‪ ،‬فهو الذي‬
‫يعمل على استمرار التآلف والنسجام والتعاون بين الزوجين‪ ،‬وهو أمر‬
‫ومن آياته أن خلق‬ ‫ضروري لستمرار الحياة السرية‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬

‫‪58‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في‬
‫سورة الروم الية (‪.)21‬‬ ‫ذلك ليات لقوم يتفكرون‬
‫‪.4‬الحـب البوي‪ :‬ل يعتبر علماء النفس دافع البوة دافعا فسيولوجيا‬
‫كدافع المومة‪ ،‬ولكنهم يعتبرونه دافعا نفسيا‪ ،‬ويظهردافع البوة واضحا‬
‫في حب الباء لبنائهم‪ ،‬فهم مصدر متعة وسرور لهم‪ ،‬ومصدر قوة وجاه‬
‫‪ ،‬وعامل مهم في استمرار دور الب في الحياة وفي بقاء ذكراه بعد‬
‫موته ويتضح ذلك من دعاء زكريا عليه السلم ربه أن يهبه غلما يرثه‬
‫قال رب إني وهن العظم مني‬ ‫ويرث من آل يعقوب ‪..‬قال تعالى ‪:‬‬
‫واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا () وإني خفت الموالي من‬
‫ورآئي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا() يرثني ويرث من‬
‫آل يعقوب واجعله رب رضيا سورة مريم اليات( ‪4‬ك ‪ )6‬ويلحظ أن‬
‫حب البنين جاء في القرآن مقرونا بحب المال في كثير من اليات ‪ ،‬فكل‬
‫من البنين والمال من أسباب القوة والمتعة للنسان ‪ ،‬وتجد صاحب المال‬
‫الذي هو عقيم يتحسر على ماله ويقول لمن أترك هذا المال إذا مت‬
‫وتجده في أغلب الحيان بخيل إل من رحم ربي ‪ ،‬وكذلك صاحب العيال‬
‫إذا كان فقيرا فإنه يتعب كثيرا من أجل أن يجد لهم لقمة العيش ول‬
‫تكتمل سعادته ‪ ،‬أما إذا اجتمع المال والولد فيكون في سعادة وهناء‬
‫سورة الكهف (‬ ‫يقول ال تعالى ‪ :‬المال والبنون زينة الحياة الدنيا‬
‫‪. )46‬‬
‫‪.5‬حـب ال سبحانه وتعالى‪ :‬وهو ذروة الحب عند النسان وأكثره‬
‫سموا وصفاء وروحانية‪ .‬وحب النسان لربه يدفعه إلى التقرب منه‪ ،‬ل‬
‫في صلواته وتسبيحاته ودعواته فقط‪ ،‬ولكن في كل عمل يقوم به‪ ،‬وفي‬
‫كل سلوك يصدر منه‪ ،‬إذ يكون توجهه في كل أعماله وتصرفاته إلى ال‬

‫‪59‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫سبحانه وتعالى راجيا منه سبحانه تعالى القبول والرضوان ‪ ،‬قال ال‬
‫قل إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم‬ ‫تعالى‪:‬‬
‫يا أيها الذين‬ ‫وال غفور رحيم سورة آل عمران(‪ ) 31‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة‬
‫على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول يخافون‬
‫سورة المائدة‬ ‫لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم‬
‫الية( ‪.( 54‬‬
‫‪.6‬حـب الرسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬ويأتي بعد حب ال سبحانه في‬
‫ذروة السمو والنقاء والروحانية‪ .‬لقد أرسل ال إلى الثقلين هذا النبي‬
‫الكريم عليه الصلة والسلم ليهديهم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة‪،‬‬
‫وال قد اصطفى نبيه ليكون خاتم النبياء والمرسلين‪ ،‬وأنزل عليه القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وكان عليه الصلة والسلم المثل الكامل للنسان في أخلقه‬
‫وسلوكه وفيما تحلى به من محاسن الصفات والخصال‪ ،‬وما أدل على‬
‫ذلك من وصف القرآن له بأنه على خلق عظيم‪ .‬والمؤمن الصادق‬
‫اليمان يحمل كل الحب للرسول عليه الصلة والسلم الذي تحمل مشاق‬
‫الدعوة‪ ،‬وجاهد جهاد البطال حتى نشر السلم في ربوع العالم ونقل‬
‫النسانية من ظلمات الضللة إلى نور الهداية‪ .‬وقد أوصانا القرآن بحب‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم ‪،‬وقرن حبه بحب ال ‪.‬والمؤمن الصادق‬
‫اليمان يتخذ من الرسول عليه الصلة والسلم المثل العلى الذي يقتدي‬
‫به في أخلقه ‪ ،‬ويحذو حذوه في سلوكه ويهتدي بسيرته العطرة‪.‬‬
‫الـفرح‪:‬‬
‫يشعر النسان بانفعال الفرح أو السرور إذا نال ما تمناه‪،‬‬
‫وحصل ما يحب أن يحصل عليه من مال أو نفوذ‪ ،‬أو نجاح‪ ،‬أو علم‪ ،‬أو‬

‫‪60‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫إيمان وتقوى‪ .‬فالفرح أمر نسبي يتوقف على أهداف النسان في الحياة ‪.‬‬
‫فمن كان هدفه في الحياة جمع المال ‪ ،‬والحصول على القوة والنفوذ‬
‫وغير ذلك من متاع الحياة الدنيا ‪ ،‬كان نجاحه في تحقيق هذه الهداف‬
‫باعثا على فرحه وسروره‪ .‬ومن كان هدفه في حياته التمسك باليمان‬
‫والتقوى والعمل الصالح لكي يحصل على السعادة في الحياة الخرة‪ ،‬كان‬
‫ذلك مصدر أمنه وطمأنينته وسروره قال تعالى ‪ :‬يا أيها الناس قد‬
‫جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين‬
‫() قل بفضل ال وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون‬
‫سورة يونس اليات(‪57‬ك ‪.(58‬‬
‫الـكـراهية‪:‬‬
‫الكره انفعال مضاد لنفعال الحب ‪ ،‬وهو عبارة عن شعور بعدم‬
‫الستحسان وعدم التقبل‪ ،‬أو الشعور بالنفور والشمئزاز‪ ،‬وبرغبة في‬
‫البتعاد عن الموضوعات التي تثير هذا الشعور‪ ،‬سواء كانت أشخاصا أم‬
‫أشياء أم أفعال ‪.‬وبالرغم من أن الحب أساس الحياة الزوجية ‪ ،‬إل أنه قد‬
‫يحدث أحيانا بين الزوجين من سوء التفاهم وكثرة المشاحنات والخلفات‬
‫ما قد يؤدي إلى نشوء الكراهية بينهما‪ .‬وقد أشار القرآن إلى ما قد يحدث‬
‫أحيانا بين الزواج من كراهية ‪ ،‬ودعانا إلى محاولة التغلب عليها حتى‬
‫يمكن للحياة الزوجية أن تستمر‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬وعاشروهن بالمعروف‬
‫فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل ال فيه خيرا كثيرا‬
‫سورة النساء ( ‪ . ) 19‬وقد يكره النسان شخصا آخر أو بعض‬
‫الشخاص الخرين لختلفه معهم في الرأي ‪ ،‬أو بسبب الغيرة منهم‬
‫لتفوقهم عليه في أمر من المور‪ ،‬أو لما يسببونه له من الحباط ‪ ،‬أو‬
‫لغير ذلك من السباب التي تبعث الكراهية في النفس‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫الـغيـرة‪:‬‬
‫انفعال مكدر بغيض يشعر به النسان عادة إذا شعر أن‬
‫الشخص المحبوب يوجه انتباهه أو حبه إلى شخص آخر غيره ‪ .‬ومن‬
‫أنواع الغيرة الشائعة غيرة الزوجة على زوجها‪ ،‬وما يحدث بين الخوة‬
‫إذا ما شعر أحدهم أن والديه أو أحدهما يحب أحد إخوته أكثر منه‪ .‬وقد‬
‫وصف القرآن الكريم الغيرة بين الخوة فيما ذكرة عن قصة اخوان‬
‫يوسف عليه السلم حيث كان الب يحب يوسف أكثر من إخوته قال‬
‫إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫أبانا لفي ضلل مبين () اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه‬
‫سورة يوسف اليات( ‪8‬ك ‪،)9‬‬ ‫أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين‬
‫وانفعال الغيرة مركب توجد فيه عناصر من عدة انفعالت أخرى‬
‫وخاصة انفعال الكره وغالبا ما تكون الغيرة مصحوبة بالكره والحقد‬
‫والرغبة في إيذاء الشخص الذي يثير الغيرة ‪.‬‬
‫الـحـسد ‪:‬‬
‫انفعال يشعر فيه النسان أن شخصا آخر يمتلك شيئا ما يتمناه‬
‫لنفسه‪ ،‬وأن يزول من صاحبه‪ .‬فقد يحسد النسان شخصا لنه يمتلك‬
‫ثروة كبيرة‪ ،‬كان يتمنى هو أن تكون لديه هذه الثروة وكثير من الناس‬
‫يحسدون غيرهم على ما خصوا به من أموال أو أبناء أو صحة أو‬
‫نجاح‪ .‬وقد وصف القرآن حسد اليهود والمشركين للنبي عليه الصلة‬
‫والسلم على ما خصه ال به من فضل النبوة‪ ،‬وحسدهم للمؤمنين على‬
‫ما يود الذين‬ ‫ما خصهم ال به من فضل اليمان والهداية قال تعالى ‪:‬‬
‫كفروا من أهل الكتاب ول المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم‬

‫‪62‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫سورة البقرة (‬ ‫وال يختص برحمته من يشاء وال ذو الفضل العظيم‬


‫‪ )1.5‬وقد يحسد الخ أخاه على ما فضله ال عليه من مواهب مختلفة‪،‬‬
‫ولذلك كان تحذير يعقوب ليوسف عليهما السلم من أن يقص رؤياه على‬
‫إخوته خوفا من حسدهم له‪ ،‬مما قد يدفعهم إلى إيذائه ‪ .‬قال تعالى ‪ :‬قال‬
‫يا بني ل تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان‬
‫سورة يوسف الية ( ‪.) 5‬‬ ‫للنسان عدو مبين‬
‫والحسد مثل الغيرة يثير الحقد والكراهية ويدفع إلى تمني وقوع‬
‫الذى للشخص المحسود‪ ،‬وقد يدفع إلى العدوان وإلحاق الذى بالشخص‬
‫المحسود ‪ .‬فقد قتل قابيل أخاه هابيل ‪ ،‬وقام إخوة يوسف بإلقائه في قعر‬
‫البئر‪ .‬ولما كان الحسد يؤدي إلى الكراهية والعدوان والذى فقد وجهنا‬
‫‪..‬ومن شر حاسد‬ ‫ال إلى أن نستعيذ من شر الحاسدين‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬
‫سورة الفلق (‪.)5‬‬ ‫إذا حسد‬
‫الـحـزن ‪:‬‬
‫انفعال مضاد للفرح والسرور‪ ،‬وهو يحدث إذا فقد النسان شخصا‬
‫عزيزا‪ ،‬أو شيئا ذا قيمة كبيرة أو إذا حلت به كارثة ما‪ ،‬أو فشل في‬
‫تحقيق أمر مهم‪ .‬كذلك يشعر الباء والمهات عادة بالحزن إذا ما غاب‬
‫أبناؤهم عنهم ‪ ،‬أو إذا ما لحق بهم أذى أو أصابهم مكروه ‪.‬قال تعالى ‪:‬‬
‫سورة القصص ( ‪) 13‬‬ ‫فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ول تحزن‬
‫سورة طه‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ول تحزن‬
‫(‪ .) .4‬كما وصف القرآن حزن يعقوب عليه السلم عندما فقد ابنه‬
‫يوسف عليه السلم‪ .‬ووصف القرآن الحزن الذي ألم بأبي بكر رضي ال‬
‫عنه حينما كان مع الرسول عليه الصلة والسلم في الغار ‪ ،‬وكان الكفار‬
‫‪..‬إذ يقول لصاحبه ل تحزن إن‬ ‫يطاردونهما للفتك بهما ‪.‬قال تعالى ‪:‬‬
‫‪63‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫سورة التوبة( ‪ .) 4‬ويذكر القرآن الكريم في كثير من اليات‬ ‫ال معنا‬


‫الحزن مقرونا مع الخوف مما يشير إلى أنهما انفعالن مكدران إذا ما‬
‫ألما بالنسان فإنهما يعكران صفو حياته ‪.‬كما تشير هذه اليات أيضا إلى‬
‫أن في اليمان بال وتقواه والعمل الصالح وقاية من الخوف والحزن‬
‫وعلجا لهما ‪ ،‬ومن أمثلة هذه اليات قوله تعالى‪ :‬قلنا اهبطوا منها‬
‫جميعا فإمّا يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فل خوف عليهم ول هم‬
‫سورة البقرة (‪)38‬‬ ‫يحزنون‬
‫ويقول تعالى ‪ :‬يا بني آدم إمّا يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي‬
‫سورة العراف (‬ ‫فمن اتقى وأصلح فل خوف عليهم ول هم يحزنون‬
‫‪.)35‬‬
‫النـدم ‪:‬‬
‫حالة انفعالية تنشأ عن شعور النسان بالذنب‪ ،‬وأسفه على‬
‫ارتكابه‪ ،‬ولومه لنفسه على ما فعل‪ ،‬وتمنيه أنه لم يفعل ذلك‪ .‬ولوم‬
‫النسان لنفسه‪ ،‬وندمه على ما فعل من العوامل المهمة في تقويم‬
‫شخصيته‪ ،‬ودفعه إلى تجنب الفعال المشينة وارتكاب الذنوب التي تسبب‬
‫له الندم ولوم النفس الذي يحاسب النسان على أفعاله‪ ،‬ويؤنبه على‬
‫أخطائه‪ ،‬ويجعله يشعر بالندم على ما ارتكبه من ذنوب‪ .‬ويصف القرآن‬
‫الكريم ما سيحدث يوم القيامة من ندم بعض الكفار لعدم إيمانهم بال‬
‫سبحانه‪ ،‬وتصديقهم لرسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫اضطرابات الوجدان‪:‬‬
‫يمككن أن يضطرب الوجدان‪ ،‬فكي صكورة مكن الصكور التيكة‬
‫(محمود حمودة‪:)0199 ،‬‬

‫‪64‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫أ‪ .‬التهيئة العاطف ية الشاذة‪ :‬أي ال ستعداد النف سي غ ير ال طبيعي‪ .‬ويحدث‬


‫لدى الشخاص غ ير ال سوياء‪ ،‬الذ ين تكون أمزجت هم شاذة‪ ،‬م ثل المزاج‬
‫سريع ال ستثارة‪ ،‬أي الذ ين ي ستشيطون غضبا لت فه ال سباب‪ ،‬فيثورون‬
‫ثورة عارمكة‪ ،‬مكن دون مكبرر يسكتحق‪ .‬كذلك‪ ،‬الذيكن يمتازون بكبرود‬
‫عاطفكي‪ ،‬ونقكص النفعالت‪ ،‬فل يعكبرون عكن انفعالتهكم‪ .‬وهؤلء ل‬
‫يريحون مكن يتعامكل معهكم‪ ،‬إذ ل يدري أراضون هكم أم سكاخطون؟!‬
‫ويكونون كأنهم مرتدين أقنعة‪ ،‬تخفي تعبيراتهم‪ ،‬فل يظهرون استحسانا أو‬
‫استياء‪.‬‬
‫ب‪ .‬التعبير عن النفعالت بطريقة مَرضية‪ ،‬أو غير عادية‬
‫‪ .1‬انشقاق الوجدان‪ :‬وهكو تفاعكل دفاعكي‪ ،‬لشعوري‪ ،‬ضكد القلق‪ .‬إذ‬
‫يتجنكب الشخكص القلق‪ ،‬بأن يصكبح فكي حالة انفعاليكة‪ ،‬مختلفكة عمّا هكو‬
‫مفترض أن يظهكر عليكه‪ ،‬ويصكف مكا حدث بأنكه كان خائفا (مثلً) إلى‬
‫درجكة أنكه لم يشعكر بأي شعور‪ ،‬أو كان شعوره غامضا‪ ،‬غيكر الخوف‪،‬‬
‫ويحدث هذا في المواقف المثيرة للقلق الشديد‪ ،‬لدى بعض الشخاص‪.‬‬
‫‪ .2‬فقدان الشعور والتعكبير‪ :‬يفقكد المريكض الخكبرة النفعاليكة‪ ،‬وكذلك‪،‬‬
‫القدرة على التعبير النفعالي‪ .‬ويصبح متبلدا انفعاليا‪ .‬مثل مريض الفصام‬
‫العقلي‪ ،‬الذي يكون فاقدا للشعور والتعبير‪.‬‬
‫‪ .3‬عدم التما يز‪ :‬إذ يش عر المر يض بالشعور المنا سب‪ ،‬ولك نه ل ي ستطيع‬
‫التعكبير عكن ذلك‪ .‬فهكو يخكبر الشعور‪ ،‬ولكنكه ل يظهكر عليكه التعكبير‬
‫النفعالي في أي صورة‪.‬‬
‫‪ .4‬الرتباك النفعالي‪ :‬ويشيككر إلى الرتباك‪ ،‬الذي يحدث فككي حالت‬
‫القلق وانحجاب الوعي‪ ،‬والفصام الحادّ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫‪ .5‬التنا قض الوجدا ني‪ :‬إذ يظ هر المر يض تفاعلً‪ ،‬يتنا قض مع مشاعره‬


‫الداخليككككككككككككككككككككككككككككككككة‪.‬‬
‫‪ .6‬التقلب الوجداني‪ :‬وهي حالة التغير النفعالي‪ ،‬من نقيض إلى نقيض‪،‬‬
‫بسكرعة‪ ،‬مكن دون سكبب مناسكب‪ .‬وهذا يحدث فكي حالت الفالج (الشلل‬
‫النصكفي) الناجكم عكن تلف فكي المكخ المكر الذى يؤثكر فكي مراككز‬
‫النفعالت‪.‬‬
‫‪ .7‬الضحك القسري والبكاء القسري‪ :‬يعبّر المريض بالضحك أو البكاء‪،‬‬
‫في غياب السبب المناسب‪ .‬وهناك اضطرابات انفعالية‪ ،‬مثل القلق والهلع‬
‫والكتئاب والرهاب‪.‬‬
‫الذكاء الوجداني ‪:‬‬

‫عرفته رشا عبد الفتاح الديدي (‪ )2005‬بأنه الذكاء في تفعيل‬


‫الوجدان‪ ،‬ويعرفه آخرون بأنه " النتباه إلى النفعالت ومنطقتها " أو "‬
‫الوعي بالمشاعر والوجدان‪ .‬بينما يرى البعض أنه القدرة على المشاركة‬
‫النفعالية مع الخرين ‪.‬‬

‫ويبدو أن تفحص الخبرات النفعالية هو حجر الزاوية في الذكاء‬


‫الوجداني‪ ،‬ولكنه ليس العملية كلها‪ ،‬فيجب أولً أن نفهم معنى الوعي‬
‫الذاتي وهو وعي المرء بانفعالته الشخصية وحالته المزاجية كما تحدث‪،‬‬
‫وكذلك الوعي بأفكاره عنه‪ ،‬حيث يعتمد الوعي بالمشاعر والنفعالت في‬
‫حد ذاته على كفاءة انفعالية أساسية يقوم عليها غيرها من الكفاءات‬
‫الشخصية مثل التحكم في النفعال وضبط النفس‪ ،‬ولذلك فإن العلج‬
‫النفسي يركز على الوعي بالذات ويعمل على تنميته فعلى أساسه يمكن‬
‫تحسين الحالت المزاجية السلبية‪ .‬وكذلك فإن تنظيم النفعالت وإدارتها‬

‫‪66‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫تعد البعد الثاني من أبعاد الذكاء الوجداني وهى تعني إدراك ومعرفة ما‬
‫الذي يكون وراء هذه المشاعر وكيفية معالجة القلق والمخاوف والغضب‬
‫والحزن‪ ،‬وهذا ما يؤكد قول سقراط " أعرف نفسك " وكأن المعرفة هي‬
‫مفتاح الشفاء‪ ،‬فالشخص الذي لديه قدرة على الوعي بمشاعره وفهمها‬
‫والوعي بأفكاره تكون لديه قدرة على النتباه إلى مشاعره وتفحصها‬
‫وملحظة أفكاره ومراقبتها كي يستطيع السيطرة على النفعال‪.‬‬

‫وعليه يعرف الذكاء الوجداني بأنه عبارة عن مجموعة من‬


‫الصفات الشخصية والمهارات الجتماعية والنفعالية التي تمكن‬
‫الشخص من تفهم مشاعر وانفعالت الخرين‪ ،‬ومن ثم يكون أكثر قدرة‬
‫على ترشيد حياته النفسية والجتماعية انطلقا من هذه‬
‫المهارات؛ فالشخص الذي يتسم بدرجة عالية من الذكاء الوجداني‪،‬‬
‫يتصف بقدرات ومهارات تمكنه من أن‪:‬‬
‫‪ .1‬يتعاطف مع الخرين خاصة في أوقات ضيقهم‪.‬‬
‫‪ .2‬يسهل عليه تكوين الصدقاء والمحافظة عليهم‪.‬‬
‫‪ .3‬يتحكم في النفعالت والتقلبات النفعالية‪.‬‬
‫‪ .4‬يعبر عن المشاعر والحاسيس بسهولة‪.‬‬
‫‪ .5‬يتفهم المشكلت بين الشخاص و يحل الخلفات بينهم بيسر‪.‬‬
‫‪ .6‬يحترم الخرين ويقدرهم‪.‬‬
‫‪ .7‬يظهر درجة عالية من الود والمودة في تعاملته مع الناس‪.‬‬
‫‪ .8‬يحقق الحب والتقدير من الذين يعرفونه ‪.‬‬
‫‪ .9‬يتفهم مشاعر الخرين ودوافعهم ويستطيع أن ينظر للمور من‬
‫وجهات نظرهم‪.‬‬
‫‪ ..1‬يميل للستقلل في الرأي والحكم وفهم المور‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫‪ .11‬يتكيف مع المواقف الجتماعية الجديدة بسهولة‪.‬‬


‫‪ .12‬يواجه المواقف الصعبة بثقة‪.‬‬
‫‪ .13‬يشعر بالراحة في المواقف الحميمية التي تتطلب تبادل المشاعر‬
‫والمودة‪.‬‬
‫‪ .14‬يستطيع أن يتصدى للخطاء وتلقى النقد من الخرين‪.‬‬
‫إذن فأنت تلحظ أن الذكاء الوجداني مفهوم يحمل في طياته‬
‫عددا من السمات والصفات التي يمكن تلخيصها فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬الدراك الواضح لدوافعه الشخصية بما في ذلك وعيه بمختلف‬
‫المشاعر التي تتملكه حتى وهو في قمة النفعال‪.‬‬
‫‪ .2‬يثق في نفسه ويتحمل مسؤولية أفعاله وينزع للستقلل في تصرفاته‬
‫وآرائه‪.‬‬
‫‪ .3‬يتمتع بدرجة عالية من الصحة النفسية بما في ذلك الخلو النسبي من‬
‫اضطرابات القلق والكآبة‪.‬‬
‫‪ .4‬ينظر للحياة بتفاؤل وإيجابية‪.‬‬
‫‪ .5‬قد يشعر أصحاب هذا النوع من الشخصية بالكدر والضيق أحيانا‬
‫كالخرين ولكنهم يستطيعون التخلص من هذه المشاعر في فترات‬
‫قصيرة بسبب ما يتسمون به من عقلنية وحنكة‪.‬‬
‫‪ .6‬لديهم قدرة عالية على التحكم في تقلباتهم النفعالية‪ ،‬مع توظيف‬
‫مشاعرهم وعواطفهم لما فيه الصالح الشخصي دون تضحية بصالح‬
‫الخرين‪.‬‬
‫‪ .7‬يتفهمون جيدا ما يواجههم من آمال أو آلم ومن ثم تتسع الفرص‬
‫أمامهم للنجاح والتفوق وتكوين علقات إنسانية فعالة بالخرين‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫يمكن للفرد أن يتوقع ما يستطيع تحقيقه في الحياة من فوز‬


‫وتفوق إذا كان يملك قدرا مرتفعا من الذكاء الوجداني بالضافة للذكاء‬
‫العقلي الذي يرتبط بالنجاح الكاديمي وتحصيل العلم والمعلومات‬
‫وغيرها من المهارات الفكرية والذهنية التي تقيسها مقاييس الذكاء‬
‫التقليدية‪.‬‬
‫ومنذ تبلور هذا المفهوم‪ ،‬أصبح من أكثر المفاهيم رواجا في علم‬
‫النفس لدرجة أن الرئيس السابق "كلينتون" عندما سألوه في إحدى‬
‫اللقاءات عن أهم المفاهيم التي أثرت في حياته المهنية ونجاحه السياسي‬
‫والجتماعي ذكر أن مفهوم الذكاء الوجداني من أكثر المفاهيم التي‬
‫أثارت تشوقه واهتمامه وأفادته في حياته أجل الفائدة‪.‬‬
‫تعلم الذكاء الوجداني‪:‬‬
‫ولعل من أهم جوانب التطور إثارة في موضوع الذكاء‬
‫الوجداني‪ ،‬ما يتعلق بالتدريب عليه وزيادته في السلوك‪ .‬فالذكاء الوجداني‬
‫‪ -‬بعكس الذكاء العقلي ونسبة الذكاء التقليدية ‪ -‬يتصف بعدد من‬
‫المهارات التي يمكن تعلمها واكتسابها بيسر‪ .‬وقد كشفت بحوث العلماء‬
‫في هذا الصدد أن الذكاء الوجداني خاصية أو مجموعة من الخصائص‬
‫يمكن تنميتها من خلل كثير من الساليب‪ .‬استطاع العلماء لحسن‬
‫الحظ أن يكتشفوا كثيرا من أسرار هذا النوع من الذكاء كما استطاع‬
‫البحث العلمي أن يمنح كثيرا من التوجيهات التي ترفع من معدل الذكاء‬
‫الوجداني من بينها ‪:‬‬
‫‪.1‬تدريب الذات على الهدوء والسترخاء في مواجهة الزمات‪.‬‬
‫‪.2‬الوعي بالمشاعر والنفعالت السلبية التي تتملك الفرد أحيانا‬
‫دون توقع‪ ،‬والنتباه بشكل خاص لحالت القلق والكتئاب‬

‫‪69‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫والغضب‪ ،‬والعمل على التخلص منها أو القلل منها بقدر‬


‫المستطاع‪ ،‬لنها تعيق التفاعل الجيد بالناس‪.‬‬
‫‪ .3‬البعد عن العناد أو المكابرة لنها تحرم الفرد من التعلم من‬
‫الخرين حتى ولو كانوا أصغر سنا أو مختلفين أو أقل‬
‫مركزا أو سطوة‪ ،‬فالرأي الجيد والحكمة ل تعرف التمييز‪.‬‬
‫‪.4‬الحفاظ دائما على مشاعر طيبة عند التعامل مع الخرين‬
‫وذلك بتفهم مشاعرهم وما يوجههم من دوافع وحاجات‬
‫شخصية واجتماعية‪ .‬ومحاولة فهم مخاوفهم‪ ،‬ومشاعرهم‬
‫بالغيرة والغضب حتى يوجه التفاعل معهم في الطريق‬
‫اليجابي دائما وبأقل قدر من التوتر‪.‬‬
‫‪.5‬تدريب النفس جيدا على مواجهة الزمات بهدوء‪ ،‬والتصدى‬
‫لحل الخلفات خاصة تلك التي تثور عند مواجهة مختلف‬
‫التأثيرات السلبية والعقبات التي قد تطرحها البيئة الجتماعية‬
‫فتعوق القدرة علي النمو السليم والصحة النفسية‪.‬‬
‫‪.6‬ينصح العلماء بتنمية القدرة على مواجهة النقد الخارجي؛‬
‫فالنظر للنقد ينبغى أن يكون بوصفه فرصة للناقد والمنتقد‬
‫للعمل معا لتحقيق هدف له معنى للوصول إلى حلول ناجحة‬
‫للمشكلت التي أثارت النقد ‪ ،‬وليس بوصفه خصومة وتآمر‪.‬‬
‫‪.7‬مراقبة التحيزات والتعصبات الشخصية ضد بعض‬
‫الشخاص المختلفين اجتماعيا أو ذهنيا‪ .‬وذلك لن التعصب‬
‫نوع من الجمود العاطفي‪ ،‬ولهذا تتصف الشخصية المتعصبة‬
‫بالعدائية نحو المختلفين عنهم في الرأي أو السلوك مهما‬
‫كانت الحقائق مختلفة‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬العمليات النفعالية‬

‫‪ .8‬ولتنمية الشخصية نحو اتجاه الذكاء الوجداني لبد من منح‬


‫الفرصة لنمو مهارات التعاطف ومؤازرة الخرين ومد يد‬
‫العون لهم‪ .‬لن العطاء ل يكون ماديا فحسب بل يمتد ليشمل‬
‫القدرة على العطاء من الجهد والوقت والعلم‪ .‬وإذا تذكر‬
‫الفرد أن من أهدافه مد يد العون والمساعدة للخرين فسيجد‬
‫الكثير من الطرق الملئمة لعمل ذلك‪ ،‬فالمجال واسع جدا‬
‫ليكون الفرد خدوما و " خادم القوم سيدهم" ‪.‬‬
‫فلبد أن يكون الوالدان على وعي بالعوامل التي تيسر نمو‬
‫الذكاء الوجداني لدى الطفال مبكرا‪ ،‬وذلك بالتقليل من النتقادات‬
‫لرائهم‪ .‬ومناقشة آرائهم في الناس والخرين بدون تعصب‪ .‬وتشجيعهم‬
‫على التعاطف مع الخرين والتطوع للعمال التعاونية والخيرية‪.‬‬
‫وتدريبهم فى فترة مبكرة على اكتساب المهارات الجتماعية وتنويع‬
‫الصداقات بفئات مختلفة من الناس وتشجيعهم على التخلي عن الغضب‬
‫والفورات النفعالية ورسم سلوك القدوة أمامهم بتصرفات والدية قدوة‬
‫تعودهم على الهدوء وتجنب النفعالت‪.‬‬

‫‪71‬‬

You might also like