Professional Documents
Culture Documents
المخـــــرج
فالصخرة أغلقت الغار
مجــــدي
الهـــللي
2
تقديــــــــــــــــم
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الولى
الترقيم الدولىI.S.B.N :
977-441-075-0
مركز السلم
للتجهيز الفني
عبد الحميد عمر
010696264
7
دار السراج
توزيع
مؤسسـة اقـــــرأ
للنشر والتوزيع والترجمة
القاهرة ت 25326610 :محمول0126344043 -0102327302:
Email:iqraakotob@yahoo.com
هل نرتدي الكفان انتظاًرا للنهاية؟!
4
أو ننتظر – كما يقول البعض – حتى يظهر
المهدي ،أو ينزل المسيح !!
لقد انطبق حال المة السلمية اليوم – إلى حد
بعيد – مع حال أصحاب الغار ،الثلثة الذي كانوا في
سفر ،وأرادوا أن يستريحوا قليل فوجدوا غاًرا في
بطن جبل فدخلوا إليه ،لتأتي العواصف والرياح
فتزحزح صخرة وتدحرجها حتى تقف أمام باب
الغار ،وتسده بالكلية ،وعبثا يحاول الثلثة أن
يزحزحوا الصخرة ولكنها لم تتحرك قيد أنملة ..
فماذا يفعلون؟!
هل دب اليأس إليهم؟! ل ،لم يحدث هذا بل
تذكروا أن للصخرة والغار ربا هو ربهم ورب كل
شيء ومليكه ..تذكروا قدرته المتناهية ،وقيوميته
الدائمة عليهم وعلى الكون كله ،فأقبلوا عليه
متضرعين ،متبئسين ،منكسرين ،وبداخلهم يقين
بأنه لن ينجيهم سواه ..
وعندما تلبست بهم هذه الحالة ،وامتلت
قلوبهم باليمان واليقين بأنه لن ينجيهم سوى الله
تحركت الصخرة تدريجيا ،ليخرجوا بعد ذلك من
الغار سالمين.
ونحن الن نعيش في مرحلة انطباق الصخرة
على فوهة الغار وجميعنا بداخله ،ولقد جربنا لزاحة
تلك الصخرة حلول كثيرة فلم تنجح ،فلماذا – إذن –
ل نفعل مثل ما فعل الثلثة ونتوجه توجها صادقا
نحو من بيده إخراجنا ،ونسير وفق ما دلنا عليه في
كتابه ،وعلى لسان رسوله عندما أكد على
الطريقة التي بها يمكن للمة أن تخرج من أي
5
كبوة تمر بها؟!
لماذا ل نتجه إلى المخرج الصحيح؟!
..نعم ،إن الفتن التي تمر بالمة في غاية
القسوة والخطورة ،ولكن ل زال المل موجودًا،
والمخرج ميسًرا لنا جميعا للخروج من هذه الزمة،
وللنهوض من جديد ،وذلك من خلل حسن التصال
بالقرآن والغتراف من منابع اليمان فيه ،فتتغير
تبعا لذلك نفوسنا ،ونعود فنحمل رسالتنا،
فنستدعي بذلك رضا الله عز وجل فتنفرج
الصخرة ،وتعود أمتنا لسيرتها الولى ..المة
الرائدة ،وتعتلى مقعد الستاذية للبشرية جمعاء ..
أستاذية الهداية لَّتكُونُوا ُشهَدَا َء َعلَى النّاسِ [البقرة.]143 :
وإنني – بفضل الله عز وجل وَمنَّه وكرمه – على
يقين تام بأن نهوض المة وعودة مجدها من جديد قادم
ل محالة ،وأن القرآن هو الذي سيقودها إلى ذلك على
يد جيل رباني ،قد سرى نور القرآن في قلبه ،وهيمن
عليه وأشعل جذوة اليمان فيه ،فلم يدعه يقر حتى
ينقل هذا النور إلى قلوب غيره – بإذن ربه – فتحيا
المة بالقرآن ،وتتوحد تحت رايته.
إن هذا اليقين ل ينطلق من أحلم وأوهام ،بل
ينطلق من الكتاب والسنة وما فيهما من أدلة تؤكد
ذلك ،ومن خلل النموذج الفريد الذي صنعه
القرآن ،ومن الوصايا النبوية بضرورة التمسك
بالقرآن عند حدوث الفتن ،وأنه المخرج المن
منها ،وينطلق كذلك من النماذج المشرقة التي
صنعها القرآن على مر التاريخ ،خاصة تلك النماذج
التي ظهرت في العصر الحديث ،والتي تعطي
دللة قوية بإمكانية تكرارها.
6
ولعلى بهذه الكلمات قد أجبتك – أخي القارئ-
على سؤالك الذي بلغني منك ،وهو لماذا تصطبغ
الكتب والمقالت -وبخاصة في الونة الخيرة-
لكاتب هذه السطور بالحديث عن القرآن؟
فإلى أن ننتبه جميعًا إلى هذا الحل الرباني
العظيم ،وهذه الوصفة النبوية الكيدة ،فسأظل –
بعون الله -أكتب وأُذكِّر بهذا المر ،وأتمنى أن يحذو
هذا الحذو كل من رأى بنفسه ،وأيقن بأن القرآن
هو المخرج ،فلعل صوتا من هذه الصوات يجد
آذانا مصغية فتلتفت إليه ،وترى بنفسها المخرج
الرباني المن من هذا الغار المظلم..
وهذه الصفحات التي بين يديك – أخي القارئ –
تذكير بالمعاني التي ذ ُكرت في هذه السطر ،مع
مزجها بالدلة الشرعية التي تزيدك اطمئنانًا بأن
حسن التصال مشكلتنا إيمانية ،وأن حلها هو ُ
بالقرآن ،مع بيان الوسائل العملية التي من شأنها
أن تجعلنا ننتفع بالقرآن في إنشاء اليمان وإحداث
التغيير بإذن الله.
وما تدر الشارة إليه أن بي طيات الصفحات القادمة بعضا من
الفقرات قد ت نقلها من كتاب (تقيق الوصال بي القلب والقرآن)
خاصة الفصل الول والسابع منه(.)1
أسأل الله عز وجل أن تقع هذه الصفحات
موقعها الصحيح في نفس قارئها ،و أن تكون
وسيلة من الوسائل التي يصنع الله بها مجد المة
1
() الفصل الول بعنوان( :الصخرة أغلقت الغار فهل إلى
خروج من سبيل؟) والسابع بعنوان( :كيف يحدث الوصال بين
القلب والقرآن؟).
7
من جديد.
ول يسعنى في هذا المقام إل أن أرد المر إلى
َ
سر أهله ،فأشكر الله عز وجل وأحمده أن وفقني وي ّ
لي الكتابة في هذا الموضوع مع ضعفي وقلة
ت َفِبمَا يُوحِي ِإلَيّ َربّي [سبأ ،]50 :فلله
بضاعتي َوإِنِ ا ْهتَ َديْ ُ
وحده الفضل والمنة على أي خير تجده – أخي -في
هذه الصفحات.
[البقرة.]32 : ك لَ ِعلْ َم لَنَا ِإلّ مَا َعلّمْتَنَا
سُ ْبحَاَن َ
كتبه
العبد العاجز الفقير
إلى عفو ربه ورحمته
ورضوانه:
مجــــدي الهللي
وللتواصل:
www.alemanawalan.com
quraaan@hotmil.com
8
فصيـــــــلة دم أمتنــــا
لو تأملنا المرحلة التي تعيشها أمتنا منذ عقود
طويلة لوجدناها تتشابه إلى حد كبير مع مرحلة
التيه التي مر بها بنو إسرائيل عندما رفضوا دخول
الرض المقدسة.
فبعد أن نجى الله عز وجل موسى – عليه
السلم – وقومه ،وأغرق فرعون ومله ،سار
موسى – عليه السلم – ببني إسرائيل متوجها نحو
الرض المقدسة ،وطلب منهم أن يدخلوها معه،
فلما علموا أن فيها قوما أشداء خافوا من
إِنّا مواجهتهم ،ورفضوا الدخول وقالوا لموسى :
ب أَنتَ َورَّبكَ فَقَاتِل إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ لَن نّ ْد ُخ َلهَا أَبَدًا مّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَ ْ
[المائدة.]24 :
فكان العقاب اللهي بأن يتيهوا في الرض
أربعين سنة +فَإِّنهَا ُم َحرّمَ ٌة َعلَ ْيهِمْ َأرْبَ ِعيَ سََن ًة يَتِيهُو َن فِي الَ ْرضِ"
[المائدة.]26 :
والجدير بالذكر أن بني إسرائيل ظلوا خلل
هذه المدة يبحثون عن مخرج من التيه ،وكلما
توهموا مخرجا اندفعوا إليه ،وبذلوا فيه جهدهم،
ليفاجأوا بعد ذلك أنه سراب...
يقول ابن كثير :فحرمها الله عليهم أربعين
سنة ،يتيهون في الرض يصبحون كل يوم
فيسيرون ليس لهم قرار (.)2
9
...وكذلك نحن ،فمنذ عقود طويلة والمخلصون
من أبناء أمتنا يبحثون عن مخرج للمة يُنقذها من
تيهها ،إل أن هذا البحث – مع ما فيه من جهد
وإخلص -تنقصه حلقة مهمة لكي تكتمل السلسلة
جا
وتظهر النتيجة المرجوة ،وتنفرج الصخرة انفرا ً
يتيح للمة الخروج من مأزقها الراهن.
..هذه الحلقة المفقودة تُعنى بتشخيص السبب
الرئيس لمرض أمتنا وكيفية علجه ،وتنطلق من
مفهوم يقول بأن أمتنا ليست كبقية المم ،وأن لها
وضعا خاصا عند الله عز وجل ،فهي المة المكلفة
منه سبحانه بحمل رسالته الخيرة للبشرية وتبليغها
للعالمينَ + :وكَذَِلكَ جَ َعلْنَاكُ ْم ُأمّةً َو َسطًا لَّتكُونُوا ُشهَدَا َء َعلَى النّاسِ"
[البقرة.]143 :
هذا التكليف يستلزم بذل الجهد والوسع
والطاقة للنجاح في القيام به.
ل حَ ّق ِجهَادِهِ هُ َو اجَْتبَاكُمْ وَمَا جَ َع َل َعلَ ْيكُمْ فِي الدّي ِن
َوجَاهِدُوا فِي ا ِ
س ِلمِيَ مِن قَ ْبلُ وَفِي هَذَا لَِيكُونَمِ ْن َحرَجٍ ّملّ َة أَبِيكُمْ إِْبرَاهِيمَ هُ َو َسمّاكُمُ اْلمُ ْ
ال ّرسُو ُل َشهِيدًا َعلَ ْيكُمْ وََتكُونُوا ُشهَدَاءَ َعلَى النّاسِ [الحج.]78 :
ل يرضى لعبادة الكفر:
َولَ إن الله عز وجل يريد الخير للناس جميعًا
َي ْرضَى ِلعِبَادِهِ اْلكُ ْفرَ [الزمر.]7 :
ومراده دخولهم جميعًا الجنة وَالُ يَ ْدعُو إِلَى اْلجَنّةِ
وَاْلمَغْ ِفرَ ِة بِِإذْنِهِ [البقرة .]221 :لذلك كانت رسالته
10
المتتالية إليهم والتي تبشرهم بالجنة ،وتخوفهم من
النار ،وترسم لهم طريق الهداية إليه وإلى جنته.
ولقد اصطفى – سبحانه – أمة السلم لكي
تقوم بمهمة تبليغ رسالته الخيرة للبشرية جمعاء.
ولن القرآن هو رسالته الخيرة؛ لذلك فهو
سبحانه لن يستبدل المة السلمية بأمة أخرى في
مهمة هداية البشرية ،وإيصال رحمته للعالمين كما
حدث من قبل مع بني إسرائيل حينما استبدل بهم
أمة السلم بعد خيانتهم للمانة.
ولقد قامت الجيال الولى للمة بأداء مهمتها
خير قيام ،وبذلوا غاية جهدهم في تبليغ الرسالة،
وإليك أخي القارئ هذه القصة التي تؤكد هذا
المعنى..
يقول الستاذ جاسم المطوع:
في زيارة خاطفة إلى هونغ كونغ دعاني رجل
العمال الصيني (كين) إلى بيته لتناول الشاي
الصيني والعشاء ،فلبيت الدعوة وذهبت إليه
وجلسنا جلسة ثقافية وسياحية ..وسألت صاحبي
عن سبب دخوله في السلم ،فقال لي :لقد
أعلنت دخولي في السلم منذ أحد عشر عاما
وكذلك أسلمت زوجتي ودخل في السلم ولداي،
وسبب دخولي في السلم أني كنت أقرأ في تاريخ
الصين واكتشفت أن المسلمين وصلوا الصين منذ
ألف وثلثمائة عام ،ففوجئت بهذه
المعلومة،واعتقدت أنهم وصلوا الصين وقطعوا
آلف الميال بسبب التجارة أو غيرها من المصالح،
ولكنني صدمت أكثر عندما علمت أن حضورهم
11
كان من أجل توصيل رسالة ،فهزني هذا الموقف
كثيًرا ،وقلت في نفسي :يقطعون كل هذه الميال
من أجل توصيل رسالة السلم ،ل شك أن عندهم
خيًرا كبيًرا ،فقرأت عن السلم ،وانشرح صدري،
()3
فدخلت فيه والحمد لله..
..هكذا فهمت الجيال الولى طبيعة وظيفتها،
ثم حدث ما حدث بعد ذلك من ضعف ،وتكالب
على الدنيا ،وصراع من أجل الرئاسة فيها،
فانتكست المة ،ومن ثم تركت وظيفتها ومهمتها
الساسية في هداية البشرية.
وكل يوم جديد يموت الكثيرون والكثيرون على
الضللة ،لنهم – من ناحية -لم يبحثوا عن الطريق
الصحيح ،وعن غاية وجودهم في الدنيا ،ومن ناحية
أخرى ،فإن المكلفين بتبليغ رسالة الله إليهم لم
يقوموا بذلك ،وخانوا المانة ،أو قصروا في أدائها.
من هنا ندرك بعضا من حكم البتلءات
والعقوبات المتتالية التي أصابت المة؛ لنها أول:
ضا
أهملت الرسالة ،ولم تعمل بما تضمنته ،ولنها أي ً
خانت أمانة الله في إبلغ الرسالة ،والذي يشكل
المحور الثاني لوجودها.
فصيلة دم المة:
فإن كانت أمتنا مكلفة من الله عز وجل بحمل
رسالته للناس أجمعين ،فإنها لن تستطيع أن تقوم
بهذه المهمة إل إذا تمثلت فيها الرسالة أول ،وهذا
ل يمكن حدوثه بدون وجود قوة روحية هائلة تدفع
() مجلة ولدي الكويتية العدد ( )113إبريل ،2008ربيع الخر 3
.1429
12
كّن للدين
أبناءها لمجاهدة أهوائهم وشهواتهم ،وتم ِ
في نفوسهم ...هذه القوة الروحية هي قوة
اليمان.
فاليمان الحي يولد داخل
سر
الفرد قوة دافعة تعينه وتي ِّ
عليه القيام بتنفيذ ما تضمنته
الرسالة ،وتدفعه كذلك
لتوصيلها للخرين.
لذلك نجد أن الله عز وجل قد ربط بين علونا
وقيادتنا للبشرية وبين اليمان الذي تحمله صدورنا
ن كُنْتُم مّؤْمِِنيَ [آل
..ألم يقل سبحانه :وَأَنْتُ ُم ا َل ْعلَ ْو َن ِإ ْ
عمران.]139 :
ل مَعَ اْلمُ ْؤمِنِيَ [النفال.]19 :
وقال :وََأنّ ا َ
فالحماية والولية والكفاية والنصرة على قدر
اليمان:
[محمد: ذَلِكَ ِبأَنّ الَ َموْلَى الّذِينَ آ َمنُوا َوأَنّ الْكَا ِفرِينَ لَ مَ ْولَى َلهُمْ
.]11
[النساء.]141: ي سَبِيلً
ل ِل ْلكَا ِفرِي َن َعلَى اْلمُ ْؤمِنِ َ
ج َعلَ ا ُ
وَلَن َي ْ
فاليمان – إذن -هو أهم شرط للتمكين
والستخلف في الرض:
خ ِلفَنّ ُهمْ فِي ا َلرْ ِ
ض ستَ ْوَ َعدَ الُ اّلذِينَ آ َمنُوا ِمنْ ُكمْ وَ َع ِملُوا الصّاِلحَاتِ َليَ ْ
خلَفَ اّلذِينَ مِن َق ْبلِ ِهمْ وََليُ َم ّكنَنّ لَ ُهمْ دِينَ ُهمُ اّلذِي ا ْرَتضَى َل ُهمْ وََلُيَبدَّلنّهُم
َكمَا ا ْسَت ْ
مّن َب ْعدِ َخوْفِ ِه ْم َأ ْمنًا َي ْعُبدُوَننِي لَ يُشْرِكُونَ بِي َش ْيئًا [النور.]55 :
13
إن فصيلة دم أمتنا هي اليمان ،ويوم أن
يضعف اليمان ،ويتمكن الهوى وحب الدنيا من
قلوب أبنائها ،فإنها بذلك تفقد مصدر قوتها وتميزها
على سائر المم ،وليس ذلك فحسب ،بل إن
ضعف اليمان وغلبة الهوى من شأنه أن يستدعي
غضب الله عليها؛ لنها بهذا الضعف لن تستطيع أن
تبلغ رسالته ،ومن ثَم فإن العقوبات ستتوالى عليها
حتى تفيق من غفلتها ،وتعود ليمانها من جديد ،لتنطلق
بعد ذلك حاملة الدواء الرباني ،ورسالة الرحمة والشفاء
للمرضى والتائهين والحيارى في شتى بقاع الرض.
فعندما يضعف اليمان :يقوى الهوى وحب
الدنيا ،ويزداد النجذاب نحو الرض ،ويشتد السعي
في اتجاه تحصيل الشهوات ،ومن ثم تخبو الرغبة
في الجهاد لتبليغ الرسالة ،فيؤدي هذا إلى استدعاء
غضب الله على المة ..وهذا هو واقعنا الن،
والذي ينطبق عليه قوله « :إذا تبايعتم بالعينة ،وأخذت أذناب
البقر ،ورضيتم بالزرع ،وتركتم الهاد :سلط ال عليكم ذلً ل ينعه حت ترجعوا
إل دينكم»(.)4
إن المتأمل المتدبر لواقع المة يجد أنها في
ن الغضب اللهي ،وإل فبماذا تفسر عدم مظا ّ
استجابة الدعوات المتواصلة الحارة والتي تلح
على الله بأن ينصر المة؟!
بماذا تفسر استعلء اليهود وقيامهم بإذللنا وهم
الذين كتب الله عليهم الذلة والمسكنة؟!
4
() صحيح ،رواه أبو داود ،وصححه اللباني في صحيح الجامع
الصغير (.)423
14
..عن أنس بن مالك مرفوعًا« :يأت على الناس زمان
يدعو الرجل للعامة ،فيقول ال :ادع لاصتك أستجب ،وأما العامة فل،
فإن عليهم غضبان»(.)5
قال: وعن حذيفة بن اليمان عن النبي
«والذي نفسي بيده ،لتأمرن بالعروف ،ولتنهون عن النكر ،أو
ليوشكن ال أن يبعث عليكم عقابا منه ث تدعونه فل يستجاب
لكم»(.)6
مشكلتنا إيمانية:
من هنا نقول بأن مشكلة أمتنا إيمانية بالدرجة
الولى ،ولن ينصلح حالها ،ولن تستعيد عافيتها إل
باليمان ،فتستبدل بذلك غضب الله برضاه ،ومن
صرُ اْل ُمؤْمِنِيَ
م تستدعى نصره وتمكينه َوكَا َن حَقّا َعلَيْنَا نَ ْ ث َّ
[الروم.]47 :
وليس معنى القول بأن مشكلة أمتنا مشكلة
إيمانية هو ترك الخذ بأسباب التقدم المادية
التي أخذت بها سائر المم ،أو ترك الجهاد لتبليغ
الدعوة وإقامة المشروع السلمي ،بل المقصد
هو إعادة ترتيب الولويات ،فاليمان أولً ،ثم يلي
ذلك توجيه وتصريف الطاقة التي يولدها ذلك
اليمان في المجالت المختلفة ،والسعي
الدؤوب لستكمال المشروع السلمي الذي يبدأ
5
() رواه ابن المبارك في الزهد (.)922
6
() حسن رواه الترمذي ،وحسنه اللباني في صحيح الجامع (
.)7070
15
بإصلح الفرد ،فالبيت ،فالمجتمع ،وينتهي
بأستاذية العالم َويَكُو َن الدّينُ كُلّهُ لِ [النفال.]39 :
مع الخذ في العتبار أن أهم عامل لنجاح هذا
المشروع هو وجود المسلم الصحيح الذي مكَّن لله
في قلبه ،فانعكس ذلك على سائر حياته ليتحقق
سكِي وَ َمحْيَايَ َو َممَاتِي لِ َربّ
صلَتِي وَنُ ُ
فيه قوله تعالى :قُل ِإ ّن َ
اْلعَاَلمِيَ [النعام.]162 :
ول يمكن أن يظهر هذا النموذج إل باليمان،
فاليمان هو الوقود الذي يول ِّد الطاقة الدافعة للقيام
ستَ ْأذُِنكَبالواجبات المختلفة في أي زمان ومكان َل يَ ْ
اّلذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِالِ وَاْلَيوْمِ الَخِ ِر أَن ّيجَا ِهدُوا ِبَأ ْموَالِ ِه ْم وَأَْنفُسِ ِهمْ وَالُ َعلِيمٌ
ت ُقلُوبُ ُهمْل وَاْلَيوْمِ الَخِ ِر وَارْتَابَ ْ ستَأْ ِذُنكَ اّلذِي َن لَ ُي ْؤ ِمنُونَ بِا ِ
بِاْل ُمّتقِيَ إِنّمَا يَ ْ
َف ُهمْ فِي رَْيبِ ِهمْ َيتَ َردّدُونَ [التوبة.]45 ،44 :
ولك أن تتأمل ما قاله المصلحون في هذا
الشأن ومنهم المام حسن البنا ،فمن أقواله رحمه
الله :إذا ُوجد المؤمن الصحيح وجدت معه وسائل
النجاح جميعًا(.)7
واقرأ معي هذه الكلمات التي كتبها محمد
أمين المصري ..يقول رحمه الله :إن محمدًا
عليه الصلة والسلم لم يعمد إلى إصلح
اقتصادي أو أخلقي أو صحي أو سياسي أو
إداري أو علمي.
ولكنه عمد إلى إصلح اليمان ..فكان من بعد
7
() رسالة إلى أي شيء ندعو الناس ص .37
16
ذلك كل إصلح وكل قوة وكل خير ،ول يصلح أمر
آخر هذه المة إل بما صلح عليه أولها.
فرجل العقيدة هو السبيل الوحيد لعلج أنواع
النحرافات؛ ذلك أن رجل العقيدة يندفع في تحقيق
أهدافه ،وهو إنسان ملت نفسه عقيدته ،فهو
يعيش من أجلها ويرضى بكل أذى في سبيلها ..
ويبذل فيها جهده وكل غال ورخيص..
رجل العقيدة إن لم تكن لديه الوسائل الكاملة
سعى إلى إيجادها ولو كان أمًرا مستحيلً ( ..)8إن
مثل هذا النسان يصيح بالناس ويترك فيهم
أقوى الثار ولو كان أبكما(.)9
فالوسيلة الفعالة القوية هي تكوين أمثال هؤلء
الرجال ،والصلح الذي نرقبه ل يتم إل في إيجاد
أمثال هؤلء(.)10
شلل اليمان:
معنى ذلك أن الفرد الذي اشتعلت جذوة
جا في الدعوة اليمان في قلبه هو أكثر الفراد إنتا ً
وخدمة للسلم ،ويكفيك دليل على ذلك أن زيد بن
ثابت قد تعلم السريانية في سبعة عشر يوما،
عندما أمره الرسول بتعلمها ،بل وصار ماهًرا بها
..يقول زيد بن ثابت :قال لي النبي « :إن أكتب إل
قوم فأخاف أن يزيدوا علىّ أو يَ ْنقُصوا ،فتعلّم السريانية» فتعلمتها
() المسؤولية لمحمد أمين المصري ص .39 8
17
ما(.)11
في سبعة عشر يو ً
..إن الطاقة النووية – كما يقول أبو الحسن
الندوي – ل تساوي الطاقة التي يولدها اليمان في
قلب المؤمن.
..هذا اليمان يستطيع أن يصنع عجائب كما
صنع عجائب من قبل ،ويحل كل مشكلت المة
أولً ،والنسانية ثانيًا ،لن كل مشكلت النسان
نبعت من عبادة النفس والشهوات ،نبعت من
النانية ..نبعت من النظر القاصر المحدود ،نبعت
من حب الرئاسة ..واليمان يستطيع أن يتغلب
على كل هذا ،ويصنع من المة أمة جديدة(.)12
..روى التاريخ أن جعفر بن أبي طالب أخذ راية
رسول الله في غزوة مؤتة ،فقاتل بها ،حتى إذا
أرهقه القتال اقتحم عن فرسه ،فعقرها ثم قاتل،
فقطعت يمينه ،فأخذ الراية بيساره فقطعت
فاحتضن الراية بعضديه ،حتى قتل ،وله ثلث
وثلثون سنة ،ووجد المسلمون ما بين صدره
ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة ،ما بين ضربة
سيف وطعنه بالرمح ،كلها من المام ،ومات فتى
ن إلى الجنة ،ويتغنى بنعمائها،الفتيان وهو يح ُّ
ويستهين بزخارف الدنيا.
هل يتصور هذا من غير عقيدة تتغلغل في
الحشاء؟ ونشوة إيمانية تسرى في العروق؟ ولذة
18
روحية تتغلب على الشعور باللم؟!(.)13
..إن هذا الشلل من اليمان والحتساب،
ورجاء الجر والثواب ،والشوق إلى الجنة ،والحنين
إلى الشهادة ،والحب لله ولرسوله وللمؤمنين ،ل
زال بكرا ،ولم يستخدم بعد ،ولم يُقتبس منه هذا
التيار المضئ المنير ..
هذا التيار كان يستطيع أن يمل العالم كله نوًرا
وبهاءً ،ويحل كل مشكلة ،ولكنه شلل مظلوم ..
إنه ضائع من قرون (..)14
***
19
العمود الفقري لليمـــان
20
يناظره فيها مصدر آخر ..وكيف ل ،وهو كلم رب
العالمين الذي إذا استقبلته الجبال الرواسي تصدعت
واندكت من قوة تأثيره عليها َلوْ أَْنزَلْنَا هَذَا الْ ُقرْآنَ َعلَى جََبلٍ
شيَ ِة الِ [الحشر.]21 : ّلرَأَيَْت ُه خَاشِعًا مّتَصَ ّدعًا مّنْ خَ ْ
فإن كان اليمان للقلب كالروح للبدن ،فإن
القرآن يمثل العمود الفقري لهذا اليمان؛ لذلك
ك أَ ْوحَيْنَا
ليس عجبا أن يُسمى القرآن بالروحَ :وكَذَِل َ
إَِل ْيكَ رُوحًا مّ ْن َأ ْمرِنَا [الشورى.]52 :
يقول مونتاي :إن مثل الفكر العربي السلمي
المبعد عن التأثير القرآني كمثل رجل أفرغ من
دمه(.)16
إن القرآن – كما يقول محمد إقبال -ليس بكتاب
فحسب ..إنه أكثر من ذلك ،إذا دخل القلب تغير
النسان وإذا تغير النسان تغير العالم(.)17
ويقول د .فريد النصاري :إنه ل شيء أقدر من
القرآن على بناء النسان :عقيدة وعبادة وسلوكا
اجتماعيا.
إن القرآن هو مفتاح النفس النسانية ،فمن
أخطأ القرآن فقد أخطأ المفتاح(.)18
أنتم روح جديد:
16
() قالوا عن القرآن لعماد الدين خليل ص ،287ملحق لكتاب
إشارات العجاز لبديع الزمان النورسي.
17
() روائع إقبال للندوي ص 158دار القلم -دمشق.
() البيان الدعوي د .فريد النصاري – ص – 260دار الكلمة – 18
مصر.
21
ولو تأملنا في دعوات المصلحين لوجدناها
تنطلق من هذا المفهوم.
فهذا إمام الدعاة في العصر الحديث حسن البنا
يخاطب من حوله وهو يعّرِفهم بمهمتهم فيقول:
أنتم روح جديد يسري في قلوب هذه المة فيحييه
بالقرآن(.)19
وهذا محمد البشير البراهيمي صديق عبد
الحميد بن باديس ورفيق كفاحه يقول عنه :وله
في القرآن رأي بنى عليه كل أعماله في العلم،
والصلح ،والتربية ،والتعليم ،وهو أنه( :ل فلح
للمسلمين إل بالرجوع إلى هدايته ،والستقامة
على طريقته) ،وهو رأي الهداة المصلحين من
قبله(.)20
وهذا أبو العلى المودودي يقول :يا أيها
المسلمون احملوا القرآن وانهضوا ،وحل ِّقوا فوق
العالم ،فليس من شأننا أن نلهث وراء العالم ،بل
علينا أن نشده إلى مبادئنا وأصولنا.
..إن حياتي ومماتي وقف على هذا الهدف
النبيل ،وسوف أسير قُدُما،حتى لو لم يتقدم
معي أحد ،وسوف أسير وحيدًا إذا لم يرافقني
أحد ،ولو اتَّحدت الدنيا وخالفتني ،فلن أخشى
خوض المعركة وحيدًا منفردًا(.)21
..هذا المعنى العظيم الذي اتفق عليه هؤلء
19
() رسالة بين المس واليوم.
() حسن البنا ومنهجه في تفسير القرآن ص .73 20
22
المصلحون وغيرهم لم يأت من فراغ ،فنموذج
الجيل الول يؤكده ..هذا الجيل عندما أحسن أبناؤه
التعامل مع القرآن ،وحين استقبلته قلوبهم الستقبال
الصحيح كانت النتيجة سريعة ومذهلة ...سيادة الرض
في سنوات قليلة.
صنعوا ها هنا:
إنهم ُ
فإن كان التحقق باليمان
والربانية هو أهم صفات جيل
التمكين ،فليس عجبًا أن يكون
الصحابة رضوان الله عليهم قد
تحققت فيهم هذه الصفة على خير
ما يكون ،وأن يكون السبب
الرئيس في هذا هو القرآن ،ولقد
تحدث الستاذ سيد قطب – رحمه
الله – عن هذا المر كثيًرا في
كتاباته ،ومن ذلك ما قاله في آخر
كتبه «مقومات التصور السلمي»:
«لقد كنت وأنا أراجع سيرة الجماعة المسلمة
الولى أقف أمام شعور هذه الجماعة بوجود الله –
سبحانه – وحضوره في قلوبهم وفي حياتهم ،فل أكاد
أدرك كيف تم هذا؟!
كنت أدرك طبيعة وجود هذه الحقيقة وحضورها
في قلوبهم وفي حياتهم ،ولكني لم أكن أدرك كيف
تم هذا حتى عدت إلى القرآن أقرؤه على ضوء
موضوعه الصيل :تجلية حقيقة اللوهية وتعبيد
الناس لها وحدها بعد أن يعرفوها.
23
..وهنا فقط أدركت كيف تم هذا كله!
أدركت – ول أقول أحطت – سر الصناعة!
صنع ذلك الجيل المتفرد في تاريخ
عرفت أين ُ
البشرية وكيف صنع!
صنعوا ها هنا! صنعوا بهذا القرآن! بهذا
إنهم ُ
المنهج المتجلى فيه! بهذه الحقيقة المتجلية في
هذا المنهج! حيث تحيط هذه الحقيقة بكل شيء،
وتغمر كل شيء ،ويصدر عنها كل شيء ،ويتصل
بها كل شيء! ويتكيف بها كل شيء ..
بهذا كله وجدت – في الرض وفي دنيا الناس-
حقيقة «الربانية» متمثلة في أناس من البشر..
وُجد «الربانيون» الموصولون بالله ،العائشون
بالله ،ولله ،والذين ليس في قلوبهم وليس في
حياتهم إل الله..
وحينما وجدت حقيقة «الربانية» هذه في دنيا
الناس ،ووجد الربانيون الذين هم الترجمة الحية
لهذه الحقيقة ..حينئذ انساحت الحواجز الرضية،
والمقررات الرضية ،والمألوفات الرضية ..ودبت
هذه الحقيقة على الرض ..وصنع الله ما صنع في
الرض وفي حياة الناس بتلك الحفنة من العباد.
وبطلت الحواجز التي اعتاد الناس أن يروها
تقف في وجه الجهد البشري وتحدد مداه ،وبطلت
المألوفات التي يقيس بها الناس الحداث والشياء
..ووجد الواقع السلمي الجديد ،وولد معه
24
()22
.. النسان الحقيقي الجديد»
القرآن مخرجنا:
من هنا نقول بأنه إذا كان القرآن قد صنع
الجيل الول ،فإنه قادر بإذن الله أن يصنع أجيالً
وأجيال ً ربانية جديدة ،وأن يخرج المة من أزمتها،
ويعيد لها مكانتها.
وليس هذا الكلم من قبيل الماني والحلم بل
هو حقيقة أكدها التاريخ ،وأخبرنا بها رسول الله ،
ففي حديث حذيفة بن اليمان حين أخبره رسول
الله بما سيحدث من اختلف وفرقة بعده .قال
حذيفة :فقلت :يا رسول الله فما تأمرني إن
أدركت ذلك ،قال« :تعلّم كتاب ال عز وجل ،واعمل به فهو
الخرج من ذلك».
ثلثًا: قال حذيفة :فأعدت عليه ثلثًا ،فقال
«تعلّم كتاب ال عز وجل واعمل به فهو النجاة»(.)23
وخطب في مرجعه من حجة الوداع ،فكان
مما قال« :كتاب ال فيه الدى والنور ،من استمسك به ،وأخذ به،
كان على الدى ،ومن أخطأه ضل»(.)24
وخرج يوما على أصحابه ،وهم جلوس
ينتظرونه ،فلما خرج عليهم جلس معهم وقال:
22
() مقومات التصور السلمي لسيد قطب ص 194 ،192
باختصار.
23
() رواه أبو داود ،والنسائي ،والحاكم في المستدرك وصححه
ووافقه الذهبي ،وصححه ابن حبان واللباني ،وحسنه
الرناؤوط وغيرهم.
() رواه مسلم حديث (.)6177 24
25
«أبشروا ألستم تشهدون أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وتشهدون
أن رسول ال؟ وتشهدون أن هذا القرآن من عند ال؟».
قالوا :نعم نشهد على هذا.
قال« :أبشروا فإن هذا القرآن سببٌ من عند ال طرفه بيد ال،
وطرفه بأيديكم ،فاستمسكوا به فل تضلوا ،ول تلكوا بعده أبدًا»(.)25
وعندما حدثت فتنة مقتل عثمان بن عفان
ذهب عبد الرحمن ابن أبزى إلى أُبي بن كعب
ليسأله :أبا المنذر ما المخرج؟ قال :كتاب الله ،ما
استبان لك فاعمل به وانتفع ،وما اشتبه عليك فكله
إلى عالمه(.)26
جندب بن عبد الله البجليولما أحس الصحابي ُ
بقدوم طلحة والزبير ،وخاف القتال ،فخرج يريد
الحجاز ،فتبعه قوم ،فجعلوا يقولون :أوصنا ،فقال:
اقرأوا القرآن ،فإنه نور الليل المظلم ،وضياء
()27
النهار ،فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة .
وكان ابن عباس يقول :من قرأ القرآن واتبع ما
فيه هداه الله من الضللة في الدنيا ،ووقاه يوم
القيامة سوء الحساب ،وذلك أن الله تعالى يقول:
ضلّ َو َل يَشْقَى [طه.)28( ]123 :
ل يَ ِ
َفمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ َف َ
26
() مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي ص .174
() فهم القرآن للحارث المحاسبي ص .289 27
26
أين السنة؟!
وليس معنى القول بأن القرآن هو المخرج
التقليل من شأن السنة النبوية ،بل العكس فالقرب
الحقيقي من القرآن سيزيدنا حبًا للسنة ،ويعيننا على
العمل بما تدل عليه.
فالسنة تشرح القرآن وتبين ما أُجمل فيه
[النحل: س مَا ُن ّزلَ إِلَ ْيهِمْ وََل َع ّلهُمْ َيتَ َف ّكرُونَ
وَأَْنزَلْنَا إِلَ ْيكَ ال ّذ ْكرَ لُِتبَيّ َن لِلنّا ِ
.]44
وليس أدل على أهمية التمسك بالسنة مع
القرآن من قوله « :تركت فيكم شيئي ،لن تضلوا بعدها:
كتاب ال ،وسنت ،ولن يتفرقا حت يردا علىّ الوض»(.)29
مع الخذ في العتبار أن القرآن ينفرد بإعجازه
ت الِنْسُ وَاْلجِ ّن َعلَى أَن يَأْتُوا ِبمِ ْثلِ هَذَا اْل ُقرْآ ِن لَ يَأْتُونَ
قُل لِّئنِ ا ْجَتمَعَ ِ
ضهُ ْم لَِبعْضٍ َظ ِهيًا [السراء.]88 : ِبمِ ْث ِلهِ وَلَ ْو كَا َن بَعْ ُ
فالقرآن الكريم أعظم معجزة نزلت من
السماء ،والسر العظم لعجازه يكمن في قوة
تأثيره على القلوب ،فإن كانت المعجزات السابقة
شاهد بالبصار ،فإن معجزة القرآن تشاهد
َ سية تُ
ح ِّ
ِ
بالبصائر ،ويشعر بها كل من يتعرض لها..
نعم ..هناك أوجه إعجاز متعددة للقرآن
(العجاز البياني والعجاز التشريعي والعجاز
الغيبي والعلمي) إل أن سر إعجازه العظم – كما
يقول المام الخطابي -هو :صنيعه بالقلوب،
29
() صحيح ،رواه الحاكم ،وصححه اللباني في صحيح الجامع ح
(.)2937
27
وتأثيره في النفوس.
فإنك ل تسمع كلما – غير القرآن – منظومًا أو
منثوًرا إذا قرع السمع خلص منه إلى القلب من اللذة
والحلوة في حال ،ومن الروعة والمهابة في أخرى ما
يخلص منه إليه.
ويستطرد الخطابي قائلً:
..تستبشر به النفوس ،وتنشرح له الصدور ،حتى
إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها من
شاها من الخوف والفََرق ماالوجيب والقلق ،وتَغَ َّ
تقشعر منه الجلود ،وتنزعج له القلوب ..يحول بين
النفس وبين ُمضمراتها وعقائدها الراسخة فيها.
فكم من عدو للرسول من رجال العرب
وفُتَّاكها ،أقبلوا يريدون اغتياله وقتله ،فسمعوا آيات
القرآن ،فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن
يتحولوا عن رأيهم الول ،وأن يركنوا إلى مسالمته،
ويدخلوا في دينه ،وصارت عداوتهم موالة،
وكفرهم إيمانًا(..)30
إن تأثير القرآن على القلوب ل
يوجد له نظير ،ومن ثمَّ فإن من
يُحسن التعرض له سيكون من أكثر
سنة ،وحرصا على الناس حبا لل ُّ
تطبيقها ،وكيف ل والطاقة المتولدة
من استمرار التأثر بآيات القرآن
ستدفعه لتطبيق كل ما يستطيع
تطبيقه مما يُحبه الله ورسوله.
30
() التعبير القرآني والدللة النفسية ص 109 ،108نقل عن
البيان في إعجاز القرآن للخطابي ص .64
28
ُّ
السنة وأنها إننا نؤكد مرة أخرى على منزلة
المصدر الثاني للتشريع بل إن حبنا الشديد للسنة
يدفعنا إلى القول بأهمية العودة الصحيحة للقرآن،
ولم ل والكثير منا يشكو من عدم قدرته على
تطبيق ما يدله عليه القرآن والسنة لضعف اليمان
وغلبة الهوى.
حسن التعرض لذلك ل يخطئ من يقول بأن ُ
للقرآن ،والغتراف من منابع اليمان فيه من شأنه
أن يجعلنا نقترب أكثر وأكثر من السنة ،ويزيدنا
حرصا على التمسك بها.
القرآن والعمال الصالحة الخرى:
وليس المقصد كذلك من كثرة كلمنا عن
القرآن التقليل من شأن بقية العمال الصالحة
الخرى ،فكل طاعة ،وكل عمل صالح له وظيفة
في تشييد بنيان اليمان في قلب المسلم ،ولكن
المقصد هو وضع القرآن في حجمه الصحيح
بالنسبة لتلك العمال.
فكما أن للحج أعمال ً كثيرة كالسعي والطواف
ورمي الجمار ،إل أن أهم أعمال الحج هو الوقوف
بعرفة ،فبه يتحقق أهم مقصود للحج من إظهار
الذل والنكسار والتَبَؤُّس والفتقار لله عز وجل،
لذلك قال « :الج عرفة»(.)31
وكما أن للتوبة أعمال ً كثيرة كالقلع عن
الذنب ،ورد المظالم ،والستغفار ،إل أن أهم عمل
31
() صحيح ،رواه المام أحمد ،والحاكم ،وصححه اللباني في صحيح
الجامع ص (.)3172
29
: للتوبة هو الندم ،وبدونه لن تتحقق التوبة ..قال
«الندم توبة»(.)32
كذلك القرآن بالنسبة لليمان ،فكما أن كل
طاعة ،وكل عمل صالح من شأنه أن يزيد اليمان
كالصيام والصدقة وغيرهما إل أن القرآن يُمثل
العمود الفقري لليمان ،وبدونه ل يمكن للقلب أن
يستعيد عافيته ،وتُبث الروح في جنباته ..
إنه كالماء فيه حياة لكل من شرب منه.
وفي هذا المعنى يقول ابن القيم:
وكل من القلب والبدن محتاج أن يتربى فينمو
ويزيد حتى يكمل ويصلح ..وكما أن البدن محتاج أن
يرقى بالغذية المصلحة له ،والحمية عما يضره ،فل
ينمو إل بإعطائه ما ينفعه ومنعه مما يضره ،فكذلك
القلب :ل يزكو ،ول ينمو ،ول يتم صلحه إل بذلك ..
ول سبيل له إلى الوصول
لذلك إل من القرآن ،وإن
وصل إلى شيء منه من
غيره ..فهو شيء يسير ل
يحصل له به تمام
المقصود(..)33
ويؤكد هذا المعنى قول العمش :كان ابن
مسعود يُق ُّ
ل الصوم ،فقيل له :يا أبا عبد الرحمن
ل الصوم ،فقال :أما إنه عمل صالح ،ولكني إنك تُقِ ُّ
32
() أخرجه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه.
33
() إغاثة اللهفان .1/76
30
أختار عليه قراءة القرآن ،إذا صمت ضعفت عن
قراءة القرآن فلم أقرأ(..)34
والجدير بالذكر أن عبد الله بن مسعود – رضي
الله عنه – كان ضعيف البنية ،لذلك كان يجد مشقة
في الجمع بين قراءة القرآن والصيام التطوعي ،ومما
ل شك فيه أن الجمع بين المرين فيه خير كبير.
ولكن لن القرآن هو المنبع العظيم لليمان،
وهو الذي يبث الروح في بقية العمال الصالحة،
لذلك كان من الهمية بمكان أن يُعطى الولوية.
من هنا ندرك مغزى قول عبد الله بن عمرو بن
العاص :
ما،
ما دره ً لو بات رجل ينفق ديناًرا ديناًرا ،ودره ً
ل على الجياد في سبيل الله ،حتى يصبح ويحم ُ
متَقَب ّلَ
ت أتلو كتاب الله حتى أصبح ُ ُ متَقبَّل ً منه ،وب ّ
ُ
()35
مني لم أحب أن لي عمله بعملي .
وليس معنى هذا ترك النفاق في سبيل الله
والكتفاء بقراءة القرآن ،بل المقصد هو الترتيب
الصحيح للولويات ،وإعطاء القرآن المكانة الولى
فيها ،وكيف ل والمكثر من تلوة القرآن – بفهم
وتأثر – سيجد نفسه وقد جمع خصال الخير كلها –
بإذن الله -لنه كلما التقى بالقرآن ،تولد داخله
إيمان جديد ،وطاقة جديدة تدفعه لتصريفها في
أوجه البر المختلفة ،من إنفاق ،ودعوة ،وصلة
للرحم ،وخدمة للناس ،وفوق هذا كله الشعور
() لمحات النوار للغافقي برقم ( ،)37وانظر فضائل القرآن 34
31
بالسكينة والطمأنينة والقرب من الله عز وجل.
ولك -أخي القارئ -أن تعجب مثل عجبي من
قول الضحاك بن مزاحم :لول تلوة القرآن لسرني
م؟ قال :لن المرض أن أكون مريضا .فقيل له :ل ِ َ
يرفع عني الحرج ويُكفر عني الذنوب ،ويجرى لي
مثْل صالح ما كنت أعمل(.)36
ِ
فهو يعلم أن أثر التلوة ل يعدله شيء من
إيمان وأمان وسكينة كما قال عبد الله بن مسعود:
إن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو
آمن(.)37
وعن فروة بن نوفل قال :كان خباب بن الرت
ما :يا هناه (يا هذا) تقرب إلى
لي جاًرا ،فقال لي يو ً
الله ما استطعت ،واعلم أنك لست تتقرب إلى الله
عز وجل بشيء هو أحب إليه من كلمه(.)38
هل أدرك المسلمون قيمة القرآن؟!
فإن كان القرآن كذلك فهل أدرك المسلمون
قيمته ،وهل أحسنوا النتفاع به؟!
..هل تعاملوا معه على حقيقته كمصدر متفرد
لزيادة اليمان ومن ث َّ
م التغيير؟!
للسف لم يحدث هذا ،بل حدث العكس ،فلقد
انصب اهتمام الغالبية منهم – إل من رحم ربي – على
الناحية الشكلية للقرآن ،ولم يواكب ذلك اهتمام بتدبره
36
() أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ،كتاب الزهد.
37
() رواه الدارمي ،وأبي عبيد في فضائل القرآن.
38
() فضائل القرآن لبي عبيد ،والتذكار للقرطبي.
32
والتأثر به ،والغتراف من منابع اليمان التي تتفجر من
آياته وسوره ،لتستمر المة في ضعفها وعجزها عن
النهوض من كبوتها ،وكيف ل وقد هُجر بذلك أهم
وأعظم مصدر للمداد اليماني؟!
ومما يزيد المر صعوبة أن الكثيرين ل يعترفون
بذلك ،بل يعتبرون أن الهتمام بالقرآن يعني الكثار
من قراءته بفهم أو بدون فهم ،ويعني كذلك تخريج
حفَّاظ ألفاظه في أقل وقت ممكن .. أكبر قدر من ُ
فازداد القرآن يُتما ،وأصبح حاضًرا وغائبًا ..موجودًا
ومهجوًرا.
..صار حاضًرا بلفظه على ألسنة القَُّراء
والحفاظ ،لكنه غائب بروحه وأنواره عن القلوب،
وأثره اليجابي في السلوك.
..صار موجودا بشكله من خلل المطابع
والذاعات والمدارس والكليات والمسابقات ،لكنه
مهجور في حقيقته وتأثيره على القلوب ،وتغييره
للخلق والسلوك.
..فإن قلت هلموا إلى القرآن ننتفع به ،قيل
لك :وماذا علينا أن نفعل مع القرآن أكثر مما
نفعل ،فأغلب بيوت المسلمين – إن لم تكن كلها –
تحتوي على نسخة بل عدة نسخ من المصحف،
سر تجد فيها من يحفظ قدًرا من ُ
والكثير من ال َ
القرآن ،والذاعات التي تبث آياته ليل نهار في
ازدياد مستمر!!.
..من هنا تكمن صعوبة المر ،فمع تَي ُّ
سر
القرآن للجميع إل أن الشعور بالحتياج إليه كمصدر
33
ل غنى عنه لتوليد اليمان وبث الروح إلى القلب
يكاد يكون منعدما.
جا
..إن حالنا ينطبق مع حال من يحتاج احتيا ً
سا إلى الماء ليروى ظمأه ،فيبحث عنه لهثًا فيما ً
كل مكان على الرغم من كونه موجودًا بين أمتعته
وفي متناول يده ،لكنه ل يصدق ذلك.
وانطبق حالنا مع قول الشاعر:
قرب الدليل وما إليه ومن العجائب والعجائب
وصول جمة
والماء فوق ظهورها كالعيس في البيداء
محمول يقتلها الظما
يشكونا: الرسول
ومما يلفت النتباه أن رسولنا قد اشتكانا لله
عز وجل بخصوص هذا الوضع الشاذ الذي نفعله مع
ب ِإنّ قَ ْومِي اّتخَذُوا هَذَا الْ ُقرْآنَ َم ْهجُورًا
القرآن :وَقَالَ ال ّرسُولُ يَا َر ّ
[الفرقان.]30 :
ولو تأملنا هذه الشكوى لوجدنا أمًرا عجيبًا :فلو
كانت الية لم تتضمن كلمة «اتخذوا» أي كانت
بمعنى :يا رب إن قومي هجروا القرآن لكان المراد
ما عن حياتهم ،فل تجد سا أبعدوا القرآن تما ً
بها أنا ً
فيها أي مساحة لقراءته أو سماعه أو إذاعته أو
العمل به.
لكن وجود كلمة «اتخذوا» مع كلمة «مهجورا»
أعطت لمفهوم الهجر بُعدًا آخر ،ودلت على أن
سا تعاملوا مع القرآن ،وبذلوا فيه
الشكوى تخص أنا ً
مجهودا ،إل أنهم في نفس الوقت – رغم هذا
34
المجهود – قد هجروا القرآن ،وذلك حين ابتعدوا
عن أهم جانب فيه أل وهو تأثيره المتفرد على
القلوب وتبديل ما بها من ظلمات الهوى إلى نور
اليمان ،فلم يشفع لهم اهتمامهم بلفظه وحروفه
في الخروج من دائرة شكوى الرسول بهجر
القرآن.
فحين اكتفينا بالتعامل مع القرآن باللسنة
والحناجر ،ولم نجتهد في الوصول به إلى العقول
والقلوب فإننا بذلك قد حرمنا أنفسنا من أهم
جانب فيه ،ومن سر إعجازه العظم ..فكانت
المحصلة أننا اتخذنا القرآن مهجورا؛ لينتج عن ذلك
الهجر هبوطنا لهذا الدرك ،ليصدق فينا قول رسول
الله « :إن ال يرفع بذا الكتاب أقوامًا ،ويضع به آخرين»(.)39
يقول ابن باديس في تفسيره لقوله تعالى
خذُوا َهذَا اْلقُرْآنَ مَهْجُورًا
وَقَالَ الرّسُولُ يَا َربّ إِنّ َق ْومِي اتّ َ
[الفرقان.]30 :
في شكوى النبي من هجر القرآن دليل على
أن ذلك من أصعب المور عليه ،وأبغضها لديه،
وفي حكاية القرآن لهذه الشكوى وعيد كبير
للهاجرين ،بإنزال العقاب بهم ،إجابة لشكوى
نبيهم(.)40
فما الحل في هذه الشكالية؟!
39
() رواه مسلم (.)1894
40
() حسن البنا ومنهجه في تفسير القرآن لعماد عبد الكريم
ص -75 ،74دار التوزيع والنشر السلمية.
35
..مشكلتنا إيمانية ،وحلها غاية في السهولة
حسن القبال على القرآن وتغيير طريقتنا في وهو ُ
التعامل معه..
والقرآن بين أيدينا ،جاهز لتغييرنا ،وإمدادنا
بإيمان متدفق ليس له حدود ،ومن ثم القضاء على
الوهن والضعف الذي أصابنا وجعلنا معرة المم.
سر لجميع أفراد المة إل أن مي َّ
ومع ذلك الحل ال ُ
الكثير من أبنائها غير مصدق لهذه الحقيقة ،ويرى
أن هذا الكلم فيه مبالغة ،وأن غاية الجهد والخدمة
للقرآن هي الكثار من الكتاتيب والمدارس
ح َّفاظ حروفه في والكليات لتخريج أكبر قدر من ُ
أقل وقت ممكن ،وحث الناس على كثرة قراءته
والجتهاد في ختمه مرات ومرات – خاصة في
شهر رمضان – لنيل أكبر قدر من الحسنات فقط.
فإن ذكَّرتهم بأهمية التدبر والتأثر بالقرآن قال
بعضهم :نريد أكبر قدر من الحسنات ..نريد دخول
الجنة ،والتدبر يعطلنا عن كثرة القراءة(.)41
وقال البعض الخر :فلتكن هناك ختمة للقراءة
السريعة التي تهتم بتحصيل أكبر قدر من الحسنات
دون فهم أو تأثر ،وختمة للفهم والتأثر ،ول بأس –
على حد قولهم – من أن نمكث مع ختمة التدبر
سنوات وسنوات(.)42
() من يقرأ القرآن بل فهم ول تأثر نحسب أنه مأجور – 41
36
..كل هذا وغيره يتردد بين الكثير من
المسلمين ،مما جعل أمر العودة الحقيقية إلى
القرآن ،والنتفاع به لحل مشكلتنا اليمانية من
الصعوبة بمكان.
ولكن حيث أنه ل بديل للمة عن هذا الحل ،فل
بد أن يستمر ويستمر التذكير بقيمة القرآن،
وبالهدف السمى لنزوله ،والذي لو اتضح أمامنا
بصورة جلية ،وأصبح إيمانًا مستقًرا في قلوبنا ،فإنه
– بل شك – سيولد داخلنا الدافع القوي للقبال
على القرآن بصورة صحيحة لنلتمس منه الهدى
والنور ،أو بمعنى آخر ،سيتحول اهتمامنا نحو
تحقيق الهدف الذي من أجله نزل القرآن،
وسنطوع الوسائل المختلفة – من قراءة وسماع
وحفظ – لتحقيق هذا الهدف ،فاليمان بالقرآن
والثقة الكبيرة فيه كمصدر متفرد للهداية واليمان
والتغيير هو نقطة البداية الصحيحة نحو العودة
الحقيقية إليه ،والنتفاع به.
فكما يقول المام البخاري :ل يجد طعمه إل من
آمن به(.)43
ويقول مالك بن دينار :أقسم لكم ل يؤمن عبد
بهذا القرآن إل صدع قلبه(.)44
فالذي يؤمن بالقرآن ل يسعه إل أن يتعامل معه
حا الّذِينَ آَت ْينَا ُهمُ الْ ِكتَابَ َيتْلُوَنهُ َحقّ تِلَ َوِتهِ أُوَلِئكَ يُ ْؤ ِمنُونَ ِبهِ
تعامل صحي ً
37
[البقرة.]121 :
45
() رواه الترمذي في فضائل القرآن ح (.)2918
46
() مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص .21
47
() الدقل :ردئ التمر.
48
() رواه الحاكم في المستدرك ،1/91وقال صحيح على شرط
الشيخين.
38
جندب بن عبد الله
ويؤكد على هذا المعنى الصحابي ُ
بقوله:
حزاورة( )49فتعلمنا
كنا مع النبي ونحن غلمان َ
اليمان قبل القرآن ،ثم تعلمنا القرآن فازددنا
إيمانًا(.)50
البداية الصحيحة
إن اليمان بقيمة الشيء – أي شيء – هو الذي
يولد النبهار به ،والستسلم له ،وفتح منافذ
الستماع والتلقي منه ،و العكس صحيح فعدم
اليمان بالشيء يدفع لغلق منافذ الستماع له،
وعدم الكتراث به.
بمثل هذا تحدث عيسى عليه السلم لبني
إسرائيل... :قَدْ جِ ْئُتكُمْ بِآَيةٍ مّن رّّبكُمْ َأنّي َأ ْخلُ ُق َلكُم مّنَ الطّيِ
َكهَيَْئةِ الطّ ْيرِ فَأَن ُفخُ فِيهِ َفَيكُونُ طَ ْيرًا بِِإ ْذنِ الِ وَُأْب ِرئُ ا َل ْكمَهَ وَالَْبرَصَ وَُأحْيِي
اْلمَ ْوتَى بِِإ ْذ ِن الِ وَأُنَبُّئكُ ْم ِبمَا تَ ْأ ُكلُونَ وَمَا تَ ّد ِخرُونَ فِي بُيُوِتكُ ْم ِإنّ فِي ذَِلكَ
لََيةً ّلكُ ْم إِن كُنْتُم مّؤْ ِمنِيَ [آل عمران.]49 :
أرأيت أخي القارئ بماذا ختمت الية؟!
ك لَيَ ًة ّلكُ ْم إِن ُكنْتُم مّؤْمِنِيَ ،فإن لم تكونوا
ِإنّ فِي ذَِل َ
مؤمنين بي كرسول فلن تستقبلوا هذه اليات
حا. استقبال صحي ً
ونفس المر بالنسبة للقرآن فإن لم يزدد
49
() حزاورة جمع حزير أي ممتلئ القوة.
50
() رواه ابن ماجه والبيهقي ،وانظر فضائل القرآن
للمستغفري .1/275
39
اليمان بقيمة القرآن ،وبالهدف من نزوله ،وبأنه
قادر – بإذن الله – على انتشالنا من الضياع
والوحل الذي نغوص فيه ...إن لم يحدث هذا فإن
أي كلم يقال عن تدبر القرآن ،والتمهل في
حفظه ،وضرورة التخلق بأخلقه لن يجد الستجابة
الكافية في نفوس مستمعيه..
ويؤكد صاحب الظلل على هذا المعنى في تفسيره
لقوله تعالى على لسان الرسول ِ :إنْ أَنَا إِلّ َنذِيرٌ
شيٌ ّلقَ ْومٍ ّي ْؤمِنُونَ [العراف ]188 :فيقول:
وََب ِ
الرسول نذير وبشير للناس جميعا .ولكن
الذين «ّي ْؤمِنُونَ » هم الذين ينتفعون بما معه من
النذارة والبشارة ،فهم الذين يفقهون حقيقة ما
معه ،وهم الذين يدركون ما وراء هذا الذي جاء به.
..إن الكلمة ل تعطي مدلولها الحقيقي إل
للقلب المفتوح لها ،والعقل الذي يستشرفها
ويتقبلها ،وإن هذا القرآن ل يفتح كنوزه ،ول يكشف
أسراره ،ول يعطي ثماره ،إل لقوم يؤمنون.
ولقد ورد عن بعض صحابة رسول الله « :كنا
نؤتى اليمان قبل القرآن »..وهذا اليمان هو الذي
كان يجعلهم يتذوقون القرآن ذلك التذوق،
ويدركون معانيه وأهدافه ذلك الدراك ،ويصنعون به
تلك الخوارق التي صنعوها في أقصر وقت من
الزمان.
..ولئن كان القرآن هو الذي أخذ بأرواحهم إلى
اليمان ،فلقد كان اليمان هو الذي فتح لهم في
40
القرآن ما ل يفتحه إل اليمان(.)51
من هنا نقول بأن نقطة البداية الصحيحة
للنتفاع بالقرآن هي العمل على زيادة اليمان به
في القلوب .فكما مر علينا قول المام البخاري :ل
يجد طعمه إل من آمن به.
فكلما ازداد اليمان والثقة في قيمة القرآن
وأثره العظيم في الشفاء والتغيير ،ازدادت الرغبة
في القبال عليه ،والنجذاب نحوه ،والنشغال به.
كيف نُقوِّي إيماننا بالقرآن؟!
41
لك ويأكل أمامك بيده اليمنى ،لكنه بعد ذلك يجد
نفسه تلقائيًا يعود للكل بيده اليسرى..
وهذا هو المتوقع مع القرآن ،فالسنوات
الطويلة التي قضيناها في التعامل السطحي مع
القرآن ،جعلتنا نألف ونتعود على هذه الطريقة،
لذلك من المتوقع -بعد التذكرة التي تضمنتها هذه
الصفحات -أن نجتهد في تفهم القرآن وتدبره
والتأثر به عدة أيام ،ثم بعد ذلك نعود لسابق
عهدنا ،وقديم ممارستنا ،خاصة أن الشيطان
سيجتهد في الحيلولة بيننا وبين تدبر القرآن والتأثر
به لعلمه بأن ذلك هو أيسر طريق للربانية.
لذلك لبد من دوام التذكرة ،وتعميق الشعور
بالحتياج للقرآن ،والتغذية المستمرة لمشاعر
الرغبة في التعامل معه كأعظم وسيلة لزيادة
اليمان ،وإحداث الشفاء والتغيير بإذن الله..
وهناك بعض الوسائل التي من شأنها أن تُغذَّى
مشاعر الرغبة في النتفاع الحقيقي بالقرآن،
وتُقوى اليمان به ،والثقة فيه.
هذه الوسائل هي:
أولً :تزكية الشعور بالخطار التي تواجه المة.
ثانيًا :التعرف على أوصاف القرآن من القرآن.
ثالثًا :القراءة في الكتب التي أبرزت قيمة
القرآن الحقيقية.
رابعًا :التعرف على النماذج القرآنية وعلى
رأسها محمد ،وجيل الصحابة من بعده.
42
هذا على سبيل الجمال ،وإليك أخي القارئ
بعض التفصيل حولها.
أولً :تزكية الشعور بالخطار التي تواجه
المة:
إن الوضع الحالي للمة ل يخفى على أحد ،وما
س
من يوم ينشق فجره إل وتحمل أخباره مآ ٍ
جديدة للمسلمين..
هذا الوضع البائس الذي تعيش فيه أمتنا منذ
قرون من شأنه – لو تأمله أي غيور على دينه – أن
يؤجج في نفسه الشعور بالخطر على المة،
سن من وضعها والرغبة في عمل أي شيء يُح َّ
ويرفع عنه الحرج في مسؤوليته تجاهها.
..نعم ،الكثير يشعر بالحباط لقسوة الواقع،
ولكن من المفترض أنه بعد قناعتنا بأن مشكلتنا
إيمانية ،وأن حلها بالعودة إلى القرآن ،فإن المل
في التغيير والصلح ل بد وأن يحدونا ،ويجعلنا
نطمع في نهوض المة وعودة مجدها من جديد،
ولم ل والحل بين أيدينا ،ويسعنا جميعا.
..وإن كنا في السابق نشعر بالضيق الشديد،
بل والحباط في بعض الحيان عندما تشتد المحن
بإخواننا المسلمين ،وبخاصة عندما يستغيثون بنا
فل نستطيع أن نفعل لهم شيئًا ،إل أننا الن وبعد
أن تأكدنا من المخرج الصحيح ،والحل الكيد الذي
يخلصنا من هذا الذل ،نريد من كل واحد منا أن
يجعل ما يسمعه ويقرؤه من أخبار عن إخوانه
المضطهدين في كل مكان ،بمثابة الوقود الذي
43
حسن التعامل مع القرآن،يولد فيه الرغبة الكيدة ل ُ
والكثار من القبال عليه ودعوة الناس إليه.
ثانيًا :التعرف على أوصاف القرآن من
القرآن:
كلما تعرف المرء على جوانب فاعلية الدواء
الذي سيستخدمه فإن ذلك من شأنه أن يزيد ثقته
فيه..
من هنا تبرز أهمية التعرف على القرآن ،وأوصافه
التي ُوصف بها.
َ
فكما يقول الحارث المحاسبي :لقد عظ ّم الله
عز وجل القرآن وسماه :برهانا ،ونورا ،ورحمة،
وموعظة ،ومجيدا ،وبصائر ،وهدى ،وفرقانا ،وشفاء
لما في الصدور ،وذلك ليعظم قدره عند المؤمنين
فيقبلوا عليه منبهرين ،ومقدرين ،ومتدبرين،
فينالوا به شفاء قلوبهم.
وأخبرنا كذلك عن قوة تأثيره ليزدادوا ثقة فيه..
وأخبرنا أنه أحسن من أي حديث ومن كل
ص ِبمَا َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ هَذَا
ص َعلَ ْيكَ َأحْسَنَ اْلقَصَ ِ
قصص َنحْ ُن َنقُ ّ
اْل ُقرْآنَ [يوسف.]3 :
ثم أخبرنا عز وجل أنه قد وصل إلى منتهى
الحكمة فقالِ :حكْمَ ٌة بَاِلغَ ٌة َفمَا ُتغْنِ النّ ُذرُ [القمر.]5 :
وأخبرنا أنه ل يفنى ول ينفد قُل لّوْ كَانَ اْلبَ ْحرُ ِمدَادًا لّكَلِمَاتِ
ج ْئنَا ِب ِمثْ ِلهِ َم َددًا [الكهف]109 : َربّي َلَنفِدَ اْلبَ ْحرُ َقبْلَ أَن تَن َفدَ َكلِمَاتُ رَبّي وََلوْ ِ
44
(.)52
..ويمكننا أن نتعرف على أوصاف القرآن من
خلل تلوتنا له ،وجمع اليات التي تحدثت عنه،
وكتابتها ،والتأمل فيها لتزداد الثقة في هذا الكتاب
العظيم.
ثالثًا :القراءة في الكتب التي أبرزت قيمة
القرآن الحقيقية:
هناك كتب كثيرة تحدثت عن القرآن ..البعض
منها تناول الجانب اللفظي للقرآن ،واهتم به دون
التركيز على أثره وقدرته الفذة على زيادة اليمان
ضا كتب عديدة وإحداث التغيير ،كما أن هناك أي ً
تحدثت عن القرآن وقدره العظيم ،وكيفية النتفاع
الحقيقي به ..فعلينا – أخي القارئ -أن نهتم
بقراءة تلك الخيرة حتى يزداد إيماننا وثقتنا في
القرآن ،ومن ثم تزداد رغبتنا في القبال عليه،
والنتفاع الحقيقي به.
وإليك أخي القارئ قائمة بأسماء بعض هذه
الكتب:
-كيف نتعامل مع القرآن؟ لمحمد الغزالي.
-تدبر القرآن لسلمان بن عمر السنيدي.
-مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي.
-المدخل إلى الدراسات القرآنية لبي الحسن
الندوي.
45
-أخلق حملة القرآن لبي بكر الجرى.
-النبأ العظيم لمحمد عبد الله دراز.
-التذكار في أفضل الذكار للمام القرطبي.
-نظرات في كتاب الله لحسن البنا – جمع
عصام تليمة.
-جيل قرآني فريد من كتاب معالم في الطريق
لسيد قطب.
-مقومات التصور السلمي لسيد قطب.
-مقدمة تفسير في ظلل القرآن لسيد قطب.
-فضائل القرآن لبي عبيد الهروي.
فضائل القرآن للفريابي. -
قاعدة في فضائل القرآن لبن تيمية. -
منهج السلف في العناية بالقرآن الكريم لبدر -
بن ناصر البدر.
خواطر تربوية من القرآن الكريم د .محمد -
بديع.
كتاب آداب تلوة القرآن من كتاب إحياء علوم -
الدين لبي حامد الغزالي.
بلغ الرسالة القرآنية د.فريد النصاري. -
فهم القرآن للحارث المحاسبي. -
المبادئ الساسية لفهم القرآن لبي العلى -
المودودي.
46
-صحابة رسول الله وجهودهم في تعليم
القرآن الكريم لنس كرزون.
-حسن البنا ومنهجه في تفسير القرآن لعماد
محمود عبد الكريم.
ولقد أكرم الله عز وجل كاتب هذه السطور،
وتفضل عليه بما ل يستحقه ،بأن ي َّ
سر له الكتابة
في هذا الموضوع في عدة كتب هي:
-العودة إلى القرآن لماذا وكيف؟
-إنه القرآن سر نهضتنا.
-بناء اليمان من خلل القرآن.
-كيف نغير ما بأنفسنا؟
-الطوفان قادم ..الله أو الدمار.
-عودة المجد ..وَهْم أم حقيقة؟.
-تحقيق الوصال بين القلب والقرآن.
-الجيل الموعود بالنصر والتمكين.
-حقيقة العبودية.
-كيف ننتفع بالقرآن؟
-وصايا العلماء والمربين للنتفاع بالقرآن
الكريم.
فلك أخي القارئ أن تقرأ من هذه الكتب ما
تشاء حتى تقوى رغبتك وتشتد حاجتك إلى القرآن.
رابعًا :التعرف على النماذج القرآنية:
من وسائل تقوية اليمان بالقرآن التعرف على
47
النماذج العظيمة التي صنعها القرآن على مر
العصور.
ولعل أهم قدوة في ذلك :رسولنا محمد ،ثم
صحابته الكرام الذين قال عنهم المام القرافي:
معجزة إل أصحابه لو لم يكن لرسول الله
لكفوه في إثبات نبوته(.)53
فعلينا أن نتعرف على علقة الرسول
بالقرآن وكيفية تعامله معه ،ووصاياه نحوه ..
وعلينا كذلك أن نتعرف على أثر القرآن على
الصحابة ،وكيفية تناولهم له ،وتوجيهاتهم لمن
بعدهم.
وهناك نماذج قرآنية في العصر الحديث تعطينا
المل في إمكانية تكرارها بيننا ،فعلينا أن نتعرف
عليها وعلى أثر القرآن فيها.
ومن هذه النماذج :محمد إقبال ،وبديع الزمان
النورسي ،وحسن البنا ،وعبد الحميد بن باديس،
وسيد قطب ،وأبو الحسن الندوي ،وأبو العلى
المودودي.
***
53
() صحابة رسول الله وجهودهم في تعليم القرآن الكريم د.
أنس كرزون نقل عن الفروق للقرافي .4/170
48
وسائل معينة على النتفاع بالقرآن
49
اصدق الله يصدقك:
أخي :الكثير منا يدعي أنه يريد تَفهُّم القرآن،
والتأثر به ،والغتراف من منابع إيمانه ،وشفاء
أمراض قلبه من خلله.
ولكن كما نعلم :فالبيَّنة على من ادعى..
فما هي بينتك في هذا الدعاء؟!
إن أعظم بينة هي اللحاح على الله بأن يفتح
لنا أبواب رحمته ،ليحدث الوصال بين القلب
والقرآن.
..أو بعبارة أخرى:
علينا أن نكون صادقين مع الله حينما نقدم له
طلب النتفاع بالقرآن ،وأهم مظهر لذلك هو أن
ندعوه – سبحانه – دعاء المضطر الذي يخرج
دعاؤه من أعماق أعماق قلبه ،كالذي تتقاذفه
المواج في البحر ،فأخذ يصارع الغرق ،وليس لديه
شيء يتعلق به إل أمله في الله بأن يستجيب
تضرعه ،وينقذه من الموت.
واعلم – أخي – أن مفتاح
الجابة هو التضرع والحرقة
واستشعار الحتياج الماسّ لله
عز وجل.
يقول ابن رجب :وعلى قدر الحرقة والفاقة تكون
إجابة الدعاء(.)55
55
() الذل والنكسار لبن رجب.
50
« :إن ال ل يستجيب دعاء من وتذكر -أخي -قوله
قلب غافل له»(.)56
وعلينا أل نكتفي بالدعاء والستغاثة مرة أو
مرتين ،بل ل بد من اللحاح واللحاح على الله
بدعاء المضطر مرات ومرات حتى ينفتح الباب.
فالله عز وجل يسمع دعاءنا ،ويقدر على إجابته
– وإجابة جميع الخلئق – من أول مرة ،ولكنه يريد
أن يرى منا الصدق في الطلب ،وأننا جادون فيما
ندَّعى ،لذلك فهو قد يؤخر الجابة اختباًرا لنا ،فإن
تركنا الباب ،وأوقفنا التضرع والدعاء كان ذلك
علمة وبيَّنة على عدم صدقنا في أننا بحاجة ماسة
لجابة ما نطلبه من الله ،وأن المر ل يعدو أن
ل طارئة عشنا معها ،وتأثرنا بها يكون ردة فعل لحا ٍ
تأثًرا لحظيًا ،لذلك يقول « :يُستجاب لحدكم ما ل يعجل،
يقول :دعوت فلم يُستجب ل»(.)57
ولنعلم جميعًا بأننا لو وصلنا
لحالة الضطرار والحرقة عند
الدعاء مرات ومرات ،فإن
الباب – يقينًا – سيُفتح،
والشيطان سيخنس ،وشمس
القرآن ستشرق في قلوبنا بنور
ربها.
ومن أهم أوقات اللحاح على الله ودعائه دعاء
المضطر ،هو ذلك الوقت الذي يسبق قراءة
56
() رواه المام أحمد والترمذي.
57
() متفق عليه.
51
القرآن ،فاللحاح الحارّ في هذا الوقت من شأنه
أن يهيئ القلب لستقبال القرآن استقبال ً صحي ً
حا:
ي لَهُ الدّينَ [غافر،13 :
خلِصِ َ
وَمَا يَتَ َذ ّك ُر ِإلّ مَن يُنِيبُ فَا ْدعُوا الَ ُم ْ
.]14
ومنها كذلك تلك الوقات التي تستغلق فيها
أبواب فهم اليات علينا.
يذكر الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في سياق
هجرة عمر بن الخطاب مع عياش ابن ربيعة،
وهشام بن العاص – رضي الله عنهم – (ولقد
ما عن الهجرة ،واستطاع أبو حبس الكفار هشا ً
شا إلى مكة بعد حيلة ماكرة جهل أن يرد عيا ً
وخطة غادرة )..وقد كان شائعًا بين المسلمين أن
الله ل يقبل ممن افتتن توبة ،وكانوا يقولون ذلك
لنفسهم حتى قدم رسول الله المدينة ،وأنزل
سهِ ْم لَ َتقَْنطُوا مِن ّر ْحمَ ِة الِ اللهُ :ق ْل يَا عِبَا ِديَ الّذِي َن َأ ْسرَفُوا َعلَى َأنْفُ ِ
ب َجمِيعًا إِنّهُ ُهوَ الْ َغفُو ُر ال ّرحِي ُم وَأَنِيبُوا إِلَى رَّبكُمْ ل يَ ْغ ِفرُ الذّنُو َ
ِإ ّن ا َ
صرُو َن وَاتِّبعُوا َأحْسَ َن مَا وََأ ْسلِمُوا َلهُ مِن قَ ْبلِ أَن يَأْتَِيكُمُ اْلعَذَابُ ثُ ّم َل تُنْ َ
أُْن ِز َل إِلَ ْيكُم مّن رّّبكُم مّن َق ْبلِ أَن يَأْتَِيكُمُ الْعَذَابُ َبغْتَ ًة وَأَنْتُ ْم لَ َتشْ ُعرُونَ
[الزمر.]55-53 :
قال عمر :وكتبتها وبعثت بها إلى هشام بن
العاص.
قال هشام :فلما أتتني جعلت أقرؤها بذى طوى
أصعد بها وأصوب ،ول أفهمها حتى قلت :اللهم
فهمنيها ،فألقى الله في قلبي أنها إنما أُنزلت فينا
وفيما كنا نقول في أنفسنا ،ويقال فينا.
52
قال :فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت
برسول الله بالمدينة(.)58
فإذا عزم المر:
تنقل إلينا كتب السيرة في قصة إسلم أسيد
بن حضير ،قول أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير
عندما رأى أُسيدًا يقبل عليهما بوجه غاضبًا« :أصدق
ال فيه».
فلما صدق مصعب الله في أسيد :انفتح قلبه،
وانشرح صدره ،وانفرجت أساريره ،ودخل في
السلم.
وهذا هو بيت القصيد :أن نصدق الله في طلب
النتفاع الحقيقي بالقرآن.
ل َلكَانَ
..ألم يقل سبحانه :فَِإذَا َعزَمَ ال ْمرُ َفلَ ْو صَدَقُوا ا َ
خَ ْيرًا ّلهُمْ [محمد.]21 :
فالمر قد عزم الن ،ول يبقى إل الصدق مع
الله ،ودوام اللحاح عليه ،وأن يكون حالنا معه –
سبحانه – كحال الطفل الذي يريد حاجة من أبيه،
فل تجده ييأس أبدًا من طلب حاجته رغم رفض
أبيه المتكرر ،ويظل الطفل في إلحاحه المستمر
ويظل أبوه يرفضه حتى يتحول الرفض إلى
استجابة أمام ذلك السيل من اللحاح..
ولله المثل العلى ،فلنصدق الله في طلبنا،
58
() هجر القرآن لمحمد فتحي ص ، 157 ،156نقل عن البداية
والنهاية لبن كثير (.)137 ،3/136
53
ولنلح عليه في الطلب ،فإن تأخرت الجابة فعلينا
أل نيأس ،فربنا – سبحانه وتعالى – أكرم الكرمين،
وأجود الجودين ،وهو ينتظر منا أي التفاتة صادقة
نحوه ليقبل علينا ،فإن تأخر المداد ،فلحكمة
يعلمها هو ،ولخير كبير ينتظرنا شريطة أل نبرح
بابه ،وأن نستمر في اللحاح عليه ،مع إظهار
عظيم افتقارنا وحاجتنا إلى جوده.
...أخي:
أتظن أنك إن مَّرغت وجهك في
التراب ،فاختلط به دمعك ،واشتد
نحيبك وتضرعك إلى الله في طلبك
للوصال بين قلبك والقرآن ...،أتظن
أن ربك سيُعرض عنك ،أو يرفض
طلبك؟!
54
العظيم ،فينصت له ،ول يحاول أن يجادله بما لديه
مسبقة ،بل يستسلم له من تصورات وأفكار ُ
استسلم النهم للمعرفة والشفاء.
وفي هذا المعنى يقول أبو العلى
المودودي:
يجب – كخطوة أولى – على كل من يريد فهم
القرآن ،أن يخلى ذهنه ما أمكن من جميع ما
استقر فيه من قبل من التصورات والنظريات ..ثم
يكب على دراسته بقلب مفتوح وأُذن واعية وقصد
نزيه لفهمه.
أما الذين يدرسونه واضعين طائفة من
التصورات في أذهانهم مقدما ،فما يقرؤون بين
دفتيه إل تصوراتهم أنفسهم ،ول يجدون شيئًا من
رائحة القرآن .ول يصلح هذا المنهج لدراسة أي
كتاب من الكتب ،فكيف بالقرآن الذي ل يفتح كنوز
معانيه أبدا للذين يدرسونه باتباع مثل هذا
المنهج(.)59
ويقول عبد الكريم الخطيب :فالقرآن الكريم ،ل
يُقبل إل على من يُقبل عليه ،ول يمنح خيره وبركته
إل لمن يعرف قدره ،ويطرق بابه في أدب وولء
وخشوع(.)60
ويؤكد سيد قطب على هذا المعنى ،ويعتبره
59
() المبادئ الساسية لفهم القرآن لبي العلى المودودي-
دار القلم – ص .49 ،48
60
() مقالت السلميين في رمضان لمحمد موسى الشريف
ص .444
55
من أهم العوامل التي جعلت الصحابة ينتفعون
بالقرآن ،ويرتفعون به إلى السماء ..يقول رحمه
الله:
وقد نجح الصحابة في التعامل مع القرآن،
والتفاعل به ،لنهم كانوا حريصين على أل يستقوا
إل من نبعه الرباني الصافي ،ولن الرجل منهم
كان يخلع على عتبة القرآن كل ماضيه ،ويدخل
عالم القرآن بدون مقررات مسبقة ،لتتم صياغته
صياغة قرآنية فريدة ،ولنهم تلقوه للتنفيذ والعمل
ل للثقافة والمتاع ،أو التذوق والطلع(.)61
الكثار من تلوة القرآن:
اعلم أخي بأننا كلما أقبلنا على القرآن كلما
أعطانا من خيره ،وكلما ازدادت فترات لقائنا به
كلما ازددنا له فهما ،وتأثًرا ،وإيمانًا...
فلنجتهد في ذلك ،ولنُطِل فترة المكث معه ،ول
يكن همنا وقت القراءة :متى سننتهي من الجزء أو
السورة بل ليكن كل منا:
متى سأتأثر؟ متى سأبكي؟ متى سيقشعر
جلدي؟! متى سيَوْجل قلبي؟!
يقول عبد الله بن مسعود :اقرؤوا القرآن
وحركوا به القلوب ،ول يكن هم أحدكم آخر
السورة(.)62
ومما يساعد على الوصول لهذه الهداف هو
61
() معالم في الطريق لسيد قطب.
() شعب اليمان للبيهقي (.)2042 62
56
إطالة فترة المكث مع القرآن وعدم قطع القراءة
بأي أمر من المور -ما أمكن ذلك -حتى ل نخرج
من جو القرآن ،وسلطان الستعاذة ،خاصة في
البداية ،ويُفضل أن يكون اللقاء بالقرآن في مكان
هادئ -قدر المستطاع -وبعيدًا عن الضوضاء
ليساعد المرء على التركيز وعدم شرود الذهن ،ول
ننس الوضوء والسواك قبل القراءة.
القراءة من المصحف وبصوت مسموع
وبترتيل:
َ
فالترتيل له وظيفة كبيرة في الط ّْرق على
م استثارتها وتجاوبها مع الفهم المشاعر ومن ث َّ
الذي سيولده التدبر ،لينشأ بذلك اليمان حينما
يتعانق الفهم مع التأثر.
وهنا تبرز أهمية تعلم أحكام التلوة حتى تتحقق
الفائدة من الترتيل .فل بد وأن يجتهد كل منا في
تعلم أحكام التلوة والنطق الصحيح لليات في
أسرع وقت حتى يتسنى له النتفاع بالقرآن.
أما القراءة من المصحف فلها فوائد عظيمة
في عدم شرود الذهن ،ومن ثم حدوث الفهم
والتأثر.
ومع الترتيل علينا أن نجتهد في تحسين أصواتنا
بالقرآن ما أمكن ،فالصوت الحسن يزيد من تأثير
القرآن على المشاعر ،لذلك قال « :حسنوا القرآن
بأصواتكم فإن الصوت السن يزيد القرآن حُسنا»(.)63
57
القراءة بصوت حزين:
ومع القراءة الهادئة المرتلة علينا أن نجتهد في
حزن ،فإن الصوت الحزين له تأثير صبغ قراءتنا بال ُ
عجيب وسريع على المشاعر .يقول « :أحسن الناس
قراءة الذي إذا قرأ رأيت أنه يشى ال»(.)64
وقال« :نزل القرآن با ُلزْن ،فما قُرئ القرآن بشيء أفضل من
ا ُلزْن»(.)65
وكان عمر بن الخطاب يدعو أبا موسى
الشعري في المسجد فيقول له :يا أبا موسى
ذكرنا ربنا فيقرأ لهم بصوت حزين(.)66
ومن نصائح حذيفة بن اليمان :اقرأوا القرآن
()67
حْزن ،ول تجفوا عنه ،وتعاهدوه ،ورتلوه ترتيل . ب ُ
الفهم الجمالي لليات:
وذلك من خلل إعمال العقل في تفهم
الخطاب ،وهذا يستلزم منا التركيز التام مع
القراءة.
واعلم – أخي -أنه ل يمكن النتفاع بالقرآن في
تحصيل العلم واليمان وإحداث التغيير بدون هذه
الخطوة ..
65
() رواه الطبراني في الوسط.
() لمحات النوار للغافقي 1/456برقم (.)567 66
58
فل بديل عن تدبر اليات وفهم الخطاب اللهي،
والحد الدنى المطلوب من كل مسلم هو الفهم
الجمالي لليات ،فإذا ما شرد الذهن وتجول في
ميادين الدنيا وقت القراءة ،فعلينا أن نعود مرة
أخرى لقراءة تلك اليات التي شردنا فيها ،حتى
يرى الله منا حرصا على تفهم خطابه ،فيُفهَّمه لنا،
ويصرف عنا الشيطان ..
وليس معنى إعمال العقل في تفهم الخطاب
أن نقف عند كل كلمة ونتكلف في معرفة معناها
وما وراءها ،بل يكفي المعنى الجمالي الذي تدل
عليه الية حتى يتسنى لنا السترسال في القراءة
م التصاعد التدريجي لحركة المشاعر فتصلومن ث َّ
إلى التأثر والنفعال في أسرع وقت.
ول بأس من وجود تفسير مختصر بجوارنا
لجلء شبهة أو معرفة معنى دقَّ علينا فهمه ،وإن
كان من الفضل الرجوع إليه بعد انتهاء القراءة
حتى ل نخرج من جو القرآن والنفعالت
الوجدانية التي نعيش في رحابها إل إذا ألحت
علينا كلمة نريد معرفة معناها في التو
واللحظة(.)68
التعامل مع القرآن على أنك المخاطب به:
هناك حلوة كبيرة يجدها المتدبر للقرآن حين
يتعامل مع اليات على أنها تخاطبه ،فعلى سبيل
المثال :عندما يقرأَ .و َل َتمْشِ فِي الَ ْرضِ َم َرحًا ،أَلَ ْم َترَ
68
() من المقترح القراءة في المصحف الذي يوجد على
هامشه معاني الكلمات أو استصحاب كتاب «كلمات القرآن
تفسير وبيان» لمحمد حسنين مخلوف.
59
ت ثُمّ اْن ُظرْ أَنّى
ك كَ ْيفَ مَدّ ال ّظلّ ،اْن ُظرْ َك ْيفَ نَُبيّ ُن َلهُمُ الَيَا ِ
إِلَى رَّب َ
ُيؤْ َفكُونَ ..ويتعامل معها على أنها خطاب من الله
إليه ،فإن استقباله لها سيختلف كثيًرا ،وسينعكس
ذلك على طريقة تعامله مع القرآن ،وقبل ذلك مع
ربه ،وسيزداد شعوره بالدفء والسكينة كلما التقى
بالقرآن ..وأنقل لك أخي القارئ تجربة محمد
إقبال في هذا الشأن.
يقول أبو الحسن الندوي :لقد كانت قراءة
محمد إقبال للقرآن قراءة تختلف عن قراءة
الناس ،ولهذه القراءة الخاصة فضل كبير في
تذوقه للقرآن ،واستطعامه إياه.
وقد حكى قصته لقراءة القرآن ،قال« :قد كنت
تعمدت أن أقرأ القرآن بعد صلة الصبح كل يوم،
وكان أبي يراني ،فيسألني :ماذا أصنع؟ فأجيبه:
أقرأ القرآن ،وظل على ذلك ثلث سنوات متتاليات
يسألني سؤاله ،فأجيبه جوابي ،وذات يوم قلت له:
ما بالك يا أبي! تسألني نفس السؤال وأجيبك
جوابًا واحدًا ،ثم ل يمنعك ذلك عن إعادة السؤال
من غدٍ؟ فقال :إنما أردت أن أقول لك :يا ولدي؛
اقرأ القرآن كأنما نَُّزل عليك .ومنذ ذلك اليوم بدأت
أتفهم القرآن وأقبل عليه ،فكان من أنواره ما
اقتبست ،ومن درره ما نظمت»(.)69
ترديد وتكرار الية أو اليات التي يحدث معها
تجاوب وتأثر قلبي:
69
() روائع إقبال لبي الحسن الندوي – 39 ،38 /دار القلم –
دمشق.
60
بالمداومة على الوسائل السابقة ستأتي – بل شك
– لحظات يتجاوب فيها القلب مع آية أو آيات متتاليات
فيتأثر بها ،وينفعل معها ،وهذا يعني دخول نور هذه الية
القلب ،وهزها للمشاعر ،وتزويدها للقلب باليمان ،وبث
الروح فيه ..وهذا هو ما نريده ،ونبحث عنه.
من هنا ظهرت الحاجة إلى استثمار تلك
الفرصة العظيمة ،والسماح لكبر قدر من النور
ليدخل القلب ،وذلك من خلل ترديد الية – أو
اليات – التي أثرت فينا ويستمر الترديد والتكرار
حتى يتوقف التأثر والنفعال ،فكما قيل« :الية مثل
التمرة ،كلما مضغتها استخرجت حلوتها».
هذه الوسائل النبوية المجربة لو داومنا
وثابرنا عليها ،فلنبشر جميعًا بقرب شروق
شمس القرآن داخل قلوبنا ،لتبدأ معها حياة
جديدة تكسوها السكينة والطمأنينة ،وروح
جديدة وثابة وتواقة لفعل الخير.
61
العمـــل بالقـــــــــرآن
62
الحديث فيقول:
وفيه أن مداومة التلوة توجب زيادة الخير(.)71
وهذا الصحابي عامر بن ربيعة يأتيه ضيف
فيكرمه ،فيذهب الرجل إلى رسول الله ويطلب
ضا فأعطاه رسول الله ،فذهب منه أن يعطيه أر ً
إلى عامر ليخبره ويقول له :إني استقطعت رسول
الله واديًا ما في العرب أفضل منه ،ولقد أردت
أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك.
فقال له عامر :ل حاجة لي في قطيعتك ،نزلت
اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا ا ْقَترَبَ لِلنّاسِ ِحسَاُب ُهمْ وَ ُهمْ فِي
َغ ْف َلةٍ ّم ْعرِضُونَ [النبياء.)72( ]1 :
فقراءة القرآن لها تأثير مباشر وسريع في
تحسين السلوك..
وقد أخبرني أحد هؤلء الذين بدأوا في التعامل
الصحيح مع القرآن بأن زوجته صارحته بأنها إذا ما
أرادت منه الموافقة على أحد الطلبات فإنها تطلبه
منه بعد انتهائه من قراءته للقرآن لعلمها بحالته
النفسية اليجابية ،وشعوره بالسعادة في هذا
الوقت.
العمل بما دلت عليه اليات:
حدثه القرآن في
ومع ذلك الثر العظيم الذي ي ُ
القلب والذي من خلله يتغير السلوك إل أنه من
71
() فتح الباري .54 /9
() تفسير القرآن العظيم لبن كثير -164 /3مكتبة العبيكان. 72
63
المناسب أن نجتهد – قدر المستطاع -في تطبيق
المعاني التي دلت عليها اليات ،خاصة تلك التي
تجاوبنا وتأثرنا بها.
مع الخذ في العتبار أن يظل هذا التطبيق في
حدود الستطاعة حتى ل يكون هذا مدخل للشيطان
بترك القراءة تحت دعوى «تطبيق ما مضى أول».
فعلى سبيل المثال عندما يقرأ المرء قوله
تعالىِ :إنّ الَ لَ ُيحِبّ مَن كَانَ مُخْتَالً َفخُورًا [النساء]36 :
ثم أسقط هذا المعنى على نفسه ،وفتش فيها،
فوجد أنه متلبس بهذا الخلق ،كأن يكون كثير
الحديث عن إنجازاته ،والمباهاة بقدراته و....؛
فتألم من ذلك وأراد أن يغير هذا الخلق السيئ...
فهل يتوقف عن قراءة القرآن حتى ينتهي من علج
نفسه من هذا السلوك؟!
الجواب هو :عدم توقفه عن القراءة اليومية
للقرآن ،لنه من خلله يتزود باليمان الذي يدفعه –
بعون الله -لتغيير هذا الخلق ،وغيره مما تدل عليه
اليات.
وفي نفس الوقت عليه أن يجتهد – بقدر
المستطاع -في تغيير هذا الخلق ،ويداوم على
محاسبة نفسه ويجاهدها في اللتزام بالتواضع
ونكران الذات.
ومما يساعده على الستمرار في جهاد نفسه
هو كثرة تلوته للقرآن ،لنه سيجد آيات عديدة،
وفي سور مختلفة تذكره بخطورة العجاب
بالنفس ،وتستحثه على التواضع ،فالقرآن يكرر
المعاني بأساليب مختلفة وََل َقدْ صَرّفْنَاهُ بَيَْن ُهمْ لَِيذّكّرُوا
64
[الفرقان.]50 :
..الخلصة هي :عدم ترك القراءة بل الكثار
منها ،وفي نفس الوقت عدم إهمال العمل بما
دلت عليه اليات في حدود المستطاع.
إن القرآن هو رسالة من الله إلى كل واحد منا،
لذلك عليه أن يديم قراءتها ويطبق ما يقدر على
تطبيقه منها.
وفي هذا المعنى يقول الحسن البصري :إنكم
مل، ج َاتخذتم قراءة القرآن مراحل ،وجعلتم الليل َ
فأنتم تركبونه وتقطعون به مراحله ،وإن من كان
قبلكم رأوه رسائل من ربهم ،فكانوا يتدبرونها
بالليل وينفذونها بالنهار.
وينقل لنا المام حسن البنا وصية من وصايا
المام محمد عبده لبعض تلميذه يقول فيها« :وأدم
قراءة القرآن ،وفهم أوامره ونواهيه ،ومواعظه
وعبره ،كما كان يُتلى على المؤمنين أيام الوحي،
وحاذر النظر إلى وجوه التفاسير إل لفهم لفظ
غاب عنك مراد العرب منه ،أو ارتباط مفرد بآخر
خفِي عليك متصله ،ثم اذهب إلى ما يُشخصك َ
القرآن إليه ،واحمل نفسك على ما يحمل عليه».
ويعلق البنا على هذه الوصية فيقول:
ولشك أن من أخذ بهذه الطريقة سيجد أثرها
ملَكة تجعل الفهم من سجيته، بعد حين في نفسه َ
ونورا يستضيء به في دنياه وآخرته إن شاء
الله(.)73
() حسن البنا ومنهجه في تفسير القرآن الكريم ص .98 ،97 73
65
ليس كتابا نظريا:
يقول المودودي :ومهما يتخذ النسان من
التدابير ويستخدم من الوسائل لفهم القرآن ،فإنه
ل يصل إلى جوهر القرآن وروحه كما ينبغي ،مادام
هو ل يعمل وفق ما جاء به القرآن.
إن القرآن ليس يحوي نظريات مجردة ،وأفكاًرا
سا على الريكة...
محضة ،حتى تدرسه جال ً
كما أنه ليس كتابًا يبحث في اللهوت ،فتحل
جميع أسراره ومكوناته في المعاهد والزوايا..
إن هذا الكتاب كتاب دعوة وحركة ،وبمجرد
نزوله أخرج رجل ً وادعا ،دمثا ،سليم الفطرة ،كريم
الشيم ،ومحبا النعزال ،وأوقفه في مواجهة العالم
الذي كان قد انصرف عن الحق ،وجعله يقارع
الباطل ،ويحارب أئمة الكفر ،وقادة الفسق ،وروَّد
الضلل.
..إن هذا الكتاب انتزع كل روح سعيدة ،وكل
نفس زكية من كل بيت ،وجمعها تحت لواء صاحب
الدعوة.
..إن هذا الكتاب هو الذي قام بتوجيه الحركة
السلمية خلل مدة ثلث وعشرين سنة ،والتي
بدأت عملها من صرخة فرد واحد ،وانتهت في
نهاية المطاف إلى إقامة الخلفة اللهية في
الرض..
..وهذا الكتاب هو الذي تولى وضع مخططات
الهدم ،ومشاريع البناء في كل مرحلة من
66
المراحل ،وفي كل خطوة من الخطوات خلل
المعركة المديدة الضارية بين الحق والباطل.
إذن فكيف يتأتى لك اليوم أن يتجلى لك جميع
ما يضمر هذا الكتاب من أسرار وحقائق ،بمجرد
أن تمر على حروفه ،وتنطق بكلماته(.)74
شعور التلقي للتنفيذ:
من هنا نقول بأنه من الضروري – إن أردنا
النتفاع بالقرآن -أن نقبل عليه بشعور التلقي
للتنفيذ والعمل ،ل بشعور الدراسة والمتاع كما
يقول سيد قطب ..نرجع إليه لنعرف ماذا يطلب
منا أن نكون ،لنكون ،وفي الطريق سنلتقي
بالجمال الفني في القرآن ،وبالقصص الرائع في
القرآن ،وبمشاهد القيامة في القرآن ،وبالمنطق
الوجداني في القرآن ،وبسائر ما يطلبه أصحاب
الدراسة والمتاع ،ولكننا سنلتقي بهذا كله دون أن
يكون هو هدفنا الول..
إن هدفنا الول أن نعرف :ماذا يريد منا القرآن
أن نعمل؟!
ما هو التصور الكلي الذي يريد منا أن
نتصوره؟!
كيف يريد القرآن أن يكون شعورنا بالله؟!
كيف يريد القرآن أن تكون أخلقنا وأوضاعنا،
ونظامنا الواقعي في الحياة()75؟!
74
() المبادئ الساسية لفهم القرآن لبي العلى المودودي.
75
() معالم في الطريق لسيد قطب ص .23 ،22
67
واعلم – أخي -أنه( :سيظل هنالك حاجز
سميك بين قلوبنا وبين القرآن ،طالما نتلوه أو
نسمعه كأنه مجرد تراتيل تعبدية ل علقة لها
بواقعيات الحياة البشرية اليومية التي تواجهنا..
سا ووقائع وأحداثابينما اليات نزلت لتواجه نفو ً
()76
حية ،ذات كينونة واقعية حية) ..
(ولن ننتفع بالقرآن حتى نقرأ لنلتمس عنده
توجيهات حياتنا في يومنا وفي غدنا ،كما كانت
الجماعة المسلمة الولى تتلقاه لتلتمس عنده
التوجيه الحاضر في شؤون حياتها الواقعة.
وحين نقرأ القرآن بهذا الوعي سنجد عنده ما
نريد ،وسنجد فيه عجائب ل تخطر على البال
الساهي!
سنجد كلماته وعباراته وتوجيهاته حية تنبض
وتتحرك وتشير إلى معالم الطريق ،وتقول لنا :هذا
فافعلوه وهذا ل تفعلوه .وتقول لنا حديثا طويل
مفصل في كل ما يعرض لنا من الشؤون ..وسنجد
عندئذ في القرآن متاعًا وحياة ،وسندرك معنى
قوله تعالى :يَا َأيّهَا اّلذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِ وَلِلرّسُولِ إِذَا
كمْ [النفال ]24 :فهي دعوة للحياة..
َدعَاكُم ِلمَا يُحْيِي ُ
()77
للحياة الدائمة المتجددة) .
***
68
حفـــــظ القـــــــــــرآن
69
تتمثل فيه؟!
إن سورة الليل تحث على كثرة ودوام النفاق
ظ ألفاظها شخص ل ينفق ف َ
ح ِ في سبيل الله ،فإذا َ
من ماله إل اليسير ،ثم بدأ بعدها في حفظ سورة
أخرى دون أي محاولة منه لتغيير سلوكه ،وجهاد
نفسه وحثها على دوام النفاق في سبيل الله..
مى حامل لسورة الليل؟! فهل هذا الشخص يُس َّ
وماذا يكون وضعه عندما يقرأ مع نفسه أو يؤم
الناس بسورة الليل؟!
أل يخشى على نفسه من أن ينطبق عليه
وصف من يقول ول يفعل؟!
من هنا يتضح لنا أهمية التمهل في الحفظ
ظ جديد إل بعد أن يمارس
وعدم النتقال إلى حف ٍ
المرء ما دلت عليه اليات ولو لبضعة أيام.
ومما يلفت النتباه أنه مع انشغال الصحابة
الشديد بالقرآن ،واجتهادهم في كثرة تلوته بالليل
ما وترتيلً -إل أنهم لم يتنافسوا فيما
والنهار – تفه ً
بينهم على حفظه.
فالتمهل ،وعدم السراع هو سمة الصحابة في
حفظ القرآن ،ويكفيك في هذا قول التابعي أبي
عبد الرحمن ال ُّ
سلمي:
حدثنا الذين كانوا يقرؤننا القرآن كعثمان بن
عفان ،وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما،
وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي عشر
آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم
70
والعمل ،قالوا :فتعلمنا العلم والعمل جميعا(.)78
ولهذا – كما يقول ابن تيمية -كانوا يبقون مدة
في حفظ السورة.
..قال أنس :كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل
()79 عمران ج َّ
ل في أعيننا.
ويقول عبد الله بن عمر :كنا صدر هذه المة،
وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله ما
معه إل السورة من القرآن أو شبه ذلك ،وكان
القرآن ثقيل عليهم ،ورزقوا العمل به ،وإن آخر
خفف عليهم القرآن ،حتى يقرأه الصبي هذه المة ي ُ
()80
والعجمي فل يعملون به .
وسوف تسألون:
..لقد كان الصحابة يعلمون تمام العلم أن
حفظ شيء من القرآن معناه العمل به وأنهم
سيسألون عنه يوم القيامة ...أي أن الحفظ كان
مرادفًا للعمل عندهم.
يقول أبو الدرداء :أخاف أن يقال لي يوم
القيامة علمت أم جهلت؟
فأقول :علمت.
فل تبقى آية في كتاب الله آمرة أو زاجرة إل
وتسألني فريضتها.
() مقدمة في أصول التفسير لبن تيمية ص .75 ،74 78
79
() المصدر السابق نفسه.
80
() أخلق حملة القرآن للجري ،والجامع لحكام القرآن
للقرطبي (.)30 /1
71
تسألني المرة :هل ائتمرت؟!
وتسألني الزاجرة :هل ازدجرت؟!
فأعوذ بالله من علم ل ينفع ،ومن دعاء ل
يسمع(.)81
فلنحذر الوعيد:
وأتركك أخي القارئ مع هذا الحديث النبوي
الصحيح لتتأمله وتتفكر في معانيه :قال « :أكثر
منافقي أمت قراؤها»(.)82
وليس معنى هذا هو إهمال الحفظ بل المقصد
هو التمهل فيه حتى ل نكون ممن يقول ول يفعل.
وليكن – على سبيل القتراح -الحفظ كل
أسبوع خمس آيات وقراءة تفسيرها ،والجتهاد في
تطبيقها ،والتخلق بأخلقها.
قال أبو العالية :تعلموا القرآن خمس آيات
خمس آيات ،إنه أحفظ لكم ،وكان جبريل صلوات
الله عليه كان ينزل بخمس آيات متواليات(.)83
مراجعة المحفوظ:
ومع التمهل في الحفظ لبد من مراجعة ما تم
حفظه حتى ل يُنسى ،ولكن ينبغي علينا ونحن
81
() حديث القرآن عن القرآن لمحمد الراوي ص ،46مكتبة
العبيكان.
82
() صحيح ،رواه المام أحمد ،والطبراني ،وصححه اللباني
في صحيح الجامع ( ،)1203والصحيحة (.)750
83
() فضائل القرآن للمستغفري .1/321
72
نراجع اليات أن ننتبه إلى أن هذه اليات :قرآن
ينبغي تفهمه وتدبره ،وهذا يستدعي عدم السراع
في القراءة ،وإعمال العقل لفهم المعنى.
..روى الزهري أن عبد الله بن عباس كان
يُقرئ عبد الرحمن ابن عوف في خلفة عمر بن
الخطاب ..قال عبد الله بن عباس :لم أر أحدًا يجد
من القشعريرة ما يجد عبد الرحمن عند
القراءة(.)84
***
73
الدعوة إلى العودة للقرآن
74
المعاني في نفسك ،ويكون سببا في اشتداد حذرك
وخوفك من عدم تطبيق ما تنادي به ،ويكشف لك
م تشتدجوانب الضعف في فهمك للمر ومن ث َّ
رغبتك في جبرها.
يقول أبو العلى المودودي:
ل تستطيع أن تفهم مطالب القرآن وتدرك
كّم هذا الكتاب، معانيه البعيدة الغور إل حين تُح ِ
وتبدأ بالدعوة إلى الله(.)86
ومع هذا كله نعود فنؤكد بأنه ولكي يُؤتي هذا
المر أُكله لبد وأن يبدأ الداعية مع نفسه أول رحلة
العودة إلى القرآن ،فيرى ببصيرته معجزته تعمل
فيه ،وأنواره تسكب السكينة في قلبه ،وتُغيَّر
موازين القوى داخله ،فينتصر إيمانه ،وينهزم هواه،
ويشعر بأنه قد ولد من جديد.
وهذا لن يتم لنا – أخي – إل إذا أقبلنا على
القرآن كإقبال الظمآن إذا ما رأى الماء ،وداومنا
على اللقاء به مستصحبين الوسائل التي من شأنها
أن تُعَّرض قلوبنا لنواره – والتي مرت علينا آنفا.
حاجة المسلمين إلى القرآن
إن الناس – كما يقول د .فريد النصاري -في
حاجة شديدة إلى القرآن الكريم ،ينزل عليهم مرة
أخرى من جديد! عبر (بعثة) تحيى فيهم كل موات!
ينزل عليهم ،عبر الدعاة إلى الله ،الدعاة
الربانيين ،المتفاعلين به ،المستمدين لنوره،
والمتكلمين بمفاهيمه.
86
() المبادئ الساسية لفهم القرآن.
75
يتنزل على نوازلهم وقضاياهم ،وسائر شؤونهم
النفسية والجتماعية ،يتحرك به الدعاة في كل
مكان ،على أنه (رسالة الله) إليكم! أنتم أيها
الناس! فردًا فردًا ،وأسرة أسرة ،ومؤسسة
مؤسسة.
يجب أن يكون هو حديثهم الذي ل يسأمون
منه ،واشتغالهم الذي ل يفترون عنه ..إن أغلب
المسلمين اليوم ل يعرفون القرآن! نعم ،ها هو ذا
المصحف في كل مكان ،ولكن قل من يعرف
(القرآن)! ومن هنا وجب على الدعاة أن يقوموا
بالتعريف به ،فمن عرف القرآن عرف الله ،ووصل
إلى غاية (الرسالة)!
إن القرآن رسالة ..والدعوة إلى الله إنما هي
تبليغ هذه الرسالة وإنما يتم (التبليغ) بإتمام
اليصال إلى المحل المرسل إليه ..وإل فل تبليغ!
وكل داعية خال من الحرارة الوجدانية تجاه القرآن
هو آلة معطلة مقفلة غير صالحة للتبليغ(.)87
***
76
هل تكفي
العودة إلى القرآن لنهضة المة؟!
77
وحب الدنيا ،والتعلق بها هو السمة الغالبة على
مجتمعاتنا.
ميدان المعركة:
لقد نجح أعداء السلم في تغيير المة تغييًرا
سلبيًا ،وإضعاف سلطان الدين في نفوس أبنائها،
وساهموا – بمكر شديد -في تحويل مفهوم اللتزام
بالسلم إلى الناحية الشكلية؛ لذا كان التحدي
الكبر الذي يواجه العاملين للسلم الن هو كيفية
إصلح ما تهدم في الكيان الداخلي المسلم ،وتقوية
سلطان الدين في نفسه ،وإعادة بناء منظومة
القيم والخلق داخله.
..وإن هذا لهو الجهاد العظيم الذي تحتاجه
المة الن أكثر من أي وقت مضى.
..نعم ،إن المر ليس سهلً ،فمعاول الهدم
كثيرة ،والتحديات عظيمة ،ولكن ليس لنا طريق
سوى ذلك إن أردنا صلحا حقيقيًا لهذه المة.
..لبد من البدء بأنفسنا
وإقامة السلم فيها أول ،ثم
النتقال إلى المجتمع والعمل
على تغييره تغييًرا حقيقيًا.
إن المسلمين في هذا العصر ومع انتشار
الفضائيات ل تنقصهم المعرفة بقدر ما ينقصهم
اليمان والقوة الروحية التي تتغلب على أهوائهم،
وتدفعهم للقيام بمقتضيات ما عرفوه.
من هنا تبرز أهمية العمل على زيادة اليمان
78
في قلوبهم بالدرجة التي تمكنهم من التضحية
بمحابهم وشهواتهم من أجل رضا الله عز وجل..
وأعظم وسيلة لزيادة اليمان هي القرآن كما
أسلفنا.
فإذا ما استطاع العاملون للسلم والدعاة إلى
الله أن يقدموا القرآن للناس على حقيقته،
ويجتهدوا في إزالة كل ما علق بالذهان من
تصورات خاطئة عن طريقة التعامل معه ،ويقوموا
بتوجيههم نحو كيفية النتفاع الحقيقي به ،فإن هذا
من شأنه أن يكون له أبلغ الثر في التغيير
الحقيقي للمسلمين.
المشروع السلمي:
إن مشروع الصلح السلمي الذي يتبناه
العاملون للسلم والذي يبدأ بإصلح الفرد فالبيت
فالمجتمع فالمة ...روحه الحقيقية هي التربية
والتكوين.
والتربية والتكوين في حاجة ماسة إلى قوة
دافعة ،ودافع ذاتي دائم ..وهذه هي وظيفة القرآن
المتفردة.
بمعنى أن القرآن هو روح هذا المشروع
الصلحي الضخم ،وهو كذلك يسع جميع الدعاة
وكل من يريد خدمة السلم شريطة أن يبدأ بنفسه
أول ،وأن يتعاون مع العاملين للسلم – قدر
استطاعته -في استكمال بناء المشروع السلمي.
جهد البشر:
79
ونؤكد هنا مرة أخرى بأن هذا الدين لن يقام –
كامل -مرة أخرى في حياة الناس إل بجهد البشر،
فلن تنزل الخوارق من السماء للتمكين لهذا الدين
بينما الناس غرقى في بحر شهواتهم.
فلبد من جهد يبذل في كل مناحي الحياة
ويركز على التربية الصحيحة لفراد المة.
هذا الجهد لبد وأن يبذله أُناس مؤمنون
صالحون وََلقَدْ َكتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِن َبعْدِ ال ّذ ْكرِ َأ ّن الَ ْرضَ َيرُِثهَا
لغًا لّ َقوْ ٍم عَابِدِينَ [النبياء،105 : عِبَا ِديَ الصّاِلحُونَ ِإنّ فِي هَذَا َلَب َ
.]106
أي أن هذا الدين لن يقام بأمر الله إل من خلل
جهد بشري يبذله مؤمنون صالحون.
فل بديل عن بذل الجهد في إصلح المجتمع،
على أن تكون جذوة اليمان قد اشتعلت في قلوب
أصحاب هذا الجهد ،مع التأكيد بأن اليمان الحي
مصدره الول هو القرآن.
معنى ذلك أن القرآن هو المصدر الساسي
للطاقة ،والوقود المحرك لمشروع النهضة ،ولن
ينجح هذا المشروع بدون العودة إلى القرآن.
كلمات مضيئة:
إن الروح التي يبثها القرآن في القلوب هو أهم
ما يحتاجه العاملون للسلم الن أكثر من أي وقت
مضى.
..يحتاجونه لنفسهم أول ً لتقوى عزائمهم،
80
ويشتد عودهم ..وتحتاجه المة لكي تستيقظ من
رقادها.
من هنا ندرك مغزى قول المام حسن البنا:
أنتم لستم جمعية خيرية ،ول حزبًا سياسيًا ،ول
هيئة موضعية لغراض محدودة المقاصد...
ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه المة
فيحييه بالقرآن.
ونور جديد يُشرق فيبدد ظلم المادة بمعرفة
داو يعلو مرددًا دعوة الرسول (.)88
ٍ الله .وصوت
وقول سيد قطب:
لقد عاد هذا الدين غريبًا كما بدأ ..فمن هم يا
ترى أولئك «الغرباء» الذين يحملون راية التوحيد
الخالص ليبدأوا الجولة الثانية كما بدأ أصحاب
رسول الله الجولة الولى؟
خرجوا من شاء الله من عبادة العباد إلى لي ُ
عبادة الله الواحد؟
إن الراية تنتظر العصبة المؤمنة ..وهذا القرآن
حاضر..
وريح الجنة تفوح من بعيد ..ل ..بل من قريب..
()89
***
89
() مقومات التصور السلمي ص 188باختصار.
81
القـــرآن ينادينــــــــا
82
ل عليك».
ثم استشعرت بعد ذلك
وكأن القرآن يوجه رسالة
إلى المة كلها ..إلى
المسلمين في كل مكان
يقول فيها:
أيها المسلمون في كل مكان :سارعوا بالعودة
ى والنتفاع بي قبل أن تضيع منكم الفرصة، إل َّ
ويشتد بكم الندم.
ى إقبال ً صادقًا حتى تتعرضوا
..أقبلوا عل َّ
لمعجزتي ،ويدخل نوري إلى قلوبكم.
..اتركوا أنفسكم لي ،وسيروا معي حيث
سرت ،فسأكون لكم – بإذن الله – نعم القائد الذي
يقودكم إلى العيش السعيد في الدنيا ،والنعيم
المقيم في الخرة.
..انشغلوا بي ،وأكثروا تلوتي ،وتدبروا آياتي،
واعملوا بما أدلكم عليه قدر استطاعتكم.
..اصحبوني في حلكم وترحالكم بالتلوة
ى عهد بأل أخذلكم ،وألوالتدبر والتأثر ،ولكم عل َّ
أترككم تواجهون الصعاب بمفردكم ،بل سأكون
معكم نعم الصديق لصديقه ،وسأصحبكم في
قبوركم لتستأنسوا بي في وحدتكم حين يتخلى
عنكم الجميع ،وستجدونني أمامكم يوم القيامة
أحاج عنكم حتى أرفعكم في الجنة درجات
ودرجات.
83
..هل تريدون أن تكونوا
ربانيين؟! ها أنا ذا وسيلتكم
إلى ذلك ..فأنا حبل الله
المتين ،من استمسك بي
ارتفع إلى السماء وتخلص
من جاذبية الطين واقترب
من موله.
..إياكم ثم إياكم أن تستجيبوا لوساوس
الشيطان بأنكم ل تصلحون لتدبري وفهم آياتي،
فيقينًا أن كل مسلم عاقل يقدر على فهمي –
ولو بشكل إجمالي – ومن ثم الهتداء بهداي،
والتأثر بمواعظي ،فلقد أودع الله في آياتي
القدرة على التأثير على الحجارة إن خاطبتها،
ة
ب خلقها ربي لتكون أوعي ً
فكيف بقلو ٍ
لمعرفته؟!
..قد يتأخر المداد من ربكم لحكمة منه
سبحانه ،فل تيأسوا ،وأيقنوا بأن نوري قادم إلى
قلوبكم ل محالة طالما اشتد عزمكم ،وتاقت
أنفسكم للدخول إلى مأدبتي ،وتذوق حلوتي.
..عاهدوني أن ترتلوا آياتي بترسل وتؤدة،
وتدبر،
وصوت حزين ..حركوا بها قلوبكم ،وترنموا بها في
لياليكم،
ول يكن همكم سرعة النتهاء من وردكم.
..سارعوا إلى حملي ،فأمتكم في حالة من
الضياع والتفكك والتشرذم لم يسبق لها مثيل،
84
فلقد طال سباتها ،واشتد مرضها ،ول علج لها إل
من خللي ..فأنا الكلمة السواء التي ل يختلف
عليها اثنان ،ومن خللي تنغلق أبواب الشيطان
والشبهات والشهوات أمامكم ،فيسهل توحدكم
والتفافكم حول رايتي.
..إن المستضعفين من إخوانكم المسلمين في
كل مكان ينتظرون الفرج ،فاحملوا مصباحي،
واجمعوا الناس حول نوري ،وناولوا دوائي كل
شاردٍ وغافل.
وأبشروا بالنصر ،فما أسرع تنزله على جيل
القرآن.
..يقينا لو أحسنتم التمسك بي ،سيعود لكم
مجدكم الزائل ،ودياركم المسلوبة ..ستعود
القدس ويافا وحيفا وعكا ..ستعود كشمير
والندلس ،وسترتفع راية التوحيد على روما،
وستعود أمتكم أمة واحدة ..دستورها واحد،
وغايتها واحدة ،وخليفتها واحد..
..واعلموا أن استمرار عزكم ومجدكم – بعد
تحققه – مرهون بتمسككم بي ،فل ترتكبوا أخطاء
من سبقكم حين تركوني وانشغلوا بغيري.
أنفذوا وصية نبيكم بالتمسك بي ،واجعلوني
وصيتكم لبنائكم وكل من حولكم تفوزوا بخيَري
ضلّ
ل يَ ِ
الدنيا والخرة ..ألم يقل ربي َفمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ َف َ
شقَى [طه]123 :؟!َولَ يَ ْ
هذا ندائي إليكم ،فهل من مجيب؟!
85
***
86
الفهـــــرس
87
هل نرتدي الكفان انتظاًرا للنهاية؟!........
لماذا ل نتجه إلى المخرج الصحيح..............
فصيلة دم أمتنا
ل يرضى لعبادة الكفر...........................
فصيلة دم المة....................................
مشكلتنا إيمانية....................................
شلل اليمان18.............................. .........
88
47................................... ....................
رابعًا :التعرف على النماذج القرآنية 49..........
العمل بالقرآن
العمل بما دلت عليه اليات65......................
ليس كتابًا نظريا68...................................
شعور التلقي للتنفيذ69..............................
حفظ القرآن
وسوف تسألون74................................ ....
فلنحذر الوعيد 75.................................... .
مراجعة المحفوظ 76................................
89
الدعوة إلى العودة للقرآن
الجهاد الحقيقي77....................................
حاجة المسلمين إلى القرآن78....................
***
90