Professional Documents
Culture Documents
الطبعة الولى
1 4 2 9هـ 2 0 0 8 -م
رقم اليداع2 5 1 0 7 / 2 0 0 7 :
الترقيم الدوليI-S–B-N :
977-441-046-7
مركز السلم
للتجهيز الفني
عبد الحميد عمر
010696264
7
مؤسسـة اقـــــرأ
للنشر والتوزيع والترجمة
10ش أحمد عمارة -بجوار حديقة الفسطاط
القاهرة ت 25326610 :محمول0126344043 -0102327302:
www.iqraakotob.com
Email:iqraakotob@yahoo.com
رب يسر وأعن يا كريم
المقدمـــــــــــــــة
أخي القارئ:
إن الهدف التي تنشده هذه الصفحات
هو:
(تحقيق الوصال بين القلب والقرآن)،
أو بمعنى آخر :السماح لنور القرآن بدخول
القلب فينوره ويغيَّره ،وهذا بل شك
سيستدعي التعامل مع القرآن بالطريقة
التي تحقق هذا الهدف ،والتي أرشدنا إليها
الله عز وجل في كتابه ،ورسوله في
سنته ،وطبقها الصحابة – رضوان الله
عليهم – فكانوا بحق «جيل ً قرآنيًا فريدًا».
وليس معنى هذا هو تسفيه أو تخطئة
من ل يتعامل مع القرآن بهذه الطريقة ،أو
القول بحرمان من يقرؤه بدون فهم أو تأثر
من الجر والثواب ،فنحن ل نقول بهذا ،بل
نقول بأن الذي يقرأ القرآن بل فهم ول
تدبر ول تأثر لن ينتفع بالقرآن بالشكل
الصحيح ،وإن كان هذا لن يحرمه الجر
بإذن الله.
فعليك أخي القارئ أن تستصحب هذا
المعنى وأنت تقرأ هذه الصفحات وغيرها.
***
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
6
الفصل الول
الصخرة أغلقت الغار
فهل إلى خروج من
سبيل؟!
الفصل الول :الصخرة أغلقت الغار
7
1
() صحيح ،رواه أبو داود ،وأورده اللباني في صحيح الجامع الصغير (.)423
2
() رواه ابن المبارك في الزهد ح (.)922
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
10
1
() بفضل الله عز وجل تم بسط القول حول هذه المعاني في كتاب «إنه
القرآن سر نهضتنا» وإنما نختصر هنا المعنى للدخول من خلله إلى موضوع
هذا الكتاب.
2
() فضائل القرآن لبي عبيد ص .58
3
() قالوا عن القرآن لعماد الدين خليل ص ،287ملحق لكتاب إشارات العجاز
لبديع الزمان النورسي.
الفصل الول :الصخرة أغلقت الغار
11
إنه أكثر من ذلك ،إذا دخل القلب تغير النسان وإذا تغير
النسان تغير العالم(.)1
ويكفيك لتأكيد هذا المعنى ما حدث مع الجيل الول حينما
أحسنوا التعامل مع القرآن ،وحين استقبلته قلوبهم الستقبال
الصحيح فكانت النتيجة السريعة المذهلة ...سيادة الرض في
سنوات قليلة.
صنعوا ها هنا:
إنهم ُ
فإن كان التحقق باليمان والربانية هو
أهم صفات جيل التمكين ،فليس عجبًا أن
يكون الصحابة رضوان الله عليهم قد
تحققت فيهم هذه الصفة على خير ما
يكون ،وكان السبب الرئيس في هذا هو
القرآن ،ولقد تحدث الستاذ سيد قطب –
رحمه الله – في هذا المر كثيًرا في
كتاباته ،ومن ذلك ما قاله في آخر كتبه –
مقومات التصور السلمي:
«لقد كنت وأنا أراجع سيرة الجماعة المسلمة الولى أقف أمام
شعور هذه الجماعة بوجود الله – سبحانه – وحضوره في قلوبهم
وفي حياتهم ،فل أكاد أدرك كيف تم هذا؟!
كنت أدرك طبيعة وجود هذه الحقيقة وحضورها في قلوبهم
وفي حياتهم ،ولكني لم أكن أدرك كيف تم هذا حتى عدت إلى
القرآن أقرؤه على ضوء موضوعه الصيل :تجليه حقيقة
اللوهية وتعبيد الناس لها وحدها بعد أن يعرفوها.
..وهنا فقط أدركت كيف تم هذا كله!
أدركت – ول أقول أحطت – سر الصناعة!
صنع ذلك الجيل المتفرد في تاريخ البشرية
عرفت أين ُ
وكيف صنع!
صنعوا ها هنا! صنعوا بهذا القرآن! بهذا المنهج المتجلى
إنهم ُ
فيه! بهذه الحقيقة المتجلية في هذا المنهج! حيث تحيط هذه
1
() روائع إقبال للندوي ص .158
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
12
1
() رواه مسلم (.)6177
2
() مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي ص .174
3
() رواه الترمذي والدارمي وغيرهما ،و ضعفه اللباني في السلسلة الضعيفة
(.)1776
4
() صحيح ،رواه الحاكم ،وصححه اللباني في صحيح الجامع ح (.)2937
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
14
[السراء.]88 :
فالقرآن الكريم أعظم معجزة نزلت من السماء ،والسر
العظم لعجازه يكمن في قوة تأثيره على القلوب ،فإن كانت
سية تشاهد بالبصار ،فإن معجزة القرآن
ح ِّ
المعجزات السابقة ِ
تشاهد بالبصائر ،ويشعر بها كل من يتعرض لها.
..نعم ،هناك أوجه إعجاز متعددة للقرآن (العجاز البياني
والعجاز التشريعي والعجاز الغيبي والعلمي) إل أن سر
إعجازه العظم – كما يقول المام الخطابي -هو« :صنيعه
بالقلوب ،وتأثيره في النفوس.
فإنك ل تسمع كلما – غير القرآن – منظوًرا أو منثوًرا إذا قرع
السمع خلص منه إلى القلب من اللذة والحلوة في حال ،ومن
الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه.
ويستطرد الخطابي قائلً:
..تستبشر به النفوس ،وتنشرح له الصدور ،حتى إذا أخذت حظها
شاها منمنه عادت مرتاعة قد عراها من الوجيب والقلق ،وتَغَ َّ
الخوف والفََرق ..ما تقشعر منه الجلود ،وتنزعج له القلوب ..يحول
بين النفس وبين ُمضمراتها وعقائدها الراسخة فيها.
فكم من عدو للرسول من رجال العرب وفتَّاكها ،أقبلوا
يريدون اغتياله وقتله ،فسمعوا آيات القرآن ،فلم يلبثوا حين
وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الول ،وأن يركنوا
إلى مسالمته ،ويدخلوا في دينه ،وصارت عداوتهم موالة،
وكفرهم إيمانًا(..)1
إن تأثير القرآن على القلوب ل يوجد
م فإن من يُحسن له نظير ،ومن ث َ
التعرض له سيكون من أكثر الناس حبا
سنة ،وحرصا على تطبيقها ،وكيف ل لل ُّ
والطاقة المتولدة من كثرة التأثر بآيات
القرآن ستدفعه لتطبيق كل ما يستطيع
تطبيقه مما يُحبه الله ورسوله.
1
() التعبير القرآني والدللة النفسية ص 109 ،108نقل عن البيان في إعجاز
القرآن للخطابي ص .64
الفصل الول :الصخرة أغلقت الغار
15
1
() صحيح ،رواه المام أحمد ،والحاكم ،وصححه اللباني في صحيح الجامع ص
(.)3172
2
() أخرجه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
16
1
() إغاثة اللهفان .1/76
2
() أورده الغافقي في لمحات النوار ص ،55وابن أبي شيبة في مصنفه (
.)10/508
3
() فضائل القرآن لبي عبيد ص .62
4
() ابن أبي شيبة ( )13/580كتاب الزهد (.)2399
5
() رواه الدارمي (.)3323
الفصل الول :الصخرة أغلقت الغار
17
1
() الدر المنثور للسيوطي .6/298
2
() مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص .21
3
() الدقل :ردئ التمر.
4
() رواه الحاكم في المستدرك ،1/91وقال صحيح على شرط الشيخين.
5
() حزاورة جمع حزير أي ممتلئ القوة.
6
() رواه ابن ماجه والبيهقي ،وانظر فضائل القرآن للمستغفري .1/275
الفصل الول :الصخرة أغلقت الغار
21
حبـــل الـــود
1
() أورده الحافظ ابن رجب في شرح حديث «إن أغبط أوليائي عندي» -
انظر مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي ص .2/749
الفصل الثاني :جبل الــــــود
25
2
() رواه مسلم ( ،)6903وقال النووي والغلبة هنا :كثرة الرحمة ،وشمولها ،كما
يقال :غلب على فلن الكرم والشجاعة إذا كثرا منه .انظر صحيح مسلم
بشرح النووي .71 /17
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
26
1
() رواه مسلم (.)7013
2
() تفسير القرآن العظيم لبن كثير .4/64
3
() رواه البخاري ( ،)5999ومسلم (.)6912
الفصل الثاني :جبل الــــــود
27
1
() رواه مسلم (.)6895
2
() رواه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة.
3
() فيض القدير للمناوي .5/321
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
28
1
() حسن ،رواه الترمذي وحسنه اللباني في صحيح الجامع ،ح (..)4338
الفصل الثاني :جبل الــــــود
29
العزة« :إن والن والنس ف نبأ عظيم؛ أخلق ويُعبد غيي ،وأرزق ويُشكر سواي ،خيي
ل صاعد .أتبب إليهم بنعمى وأنا الغن عنهم ،ويتبغضون إلّ بالعاصي
إل العباد نازل وشرهم إ ّ
وهم أفقر شيء إلّ...
ل تلقيته من بعيد ،ومن أعرض عن ناديته من قريب ،ومن ترك لجلي أعطيته
من أقبل إ ّ
فوق الزيد .ومن أراد رضاي أردت ما يريد .ومن تصرف بول وقوت ألنت له الديد.
أهل ذكري أهل مالست ،وأهل شكري أهل زيادت ،وأهل طاعت أهل كرامت ،وأهل
معصيت ل أُقنّطهم من رحت ،فإن تابوا فأنا حبيبهم ،فإن أحب التوابي وأحب التطهرين ،وإن
ل يتوبوا فأنا طبيبهم ،أبتليهم بالصائب ،لطهرهم من العايب.
من آثرن على سواي آثرته على سواه.
السنة عندي بعشر أمثالا إل سبعمائة ضعف ،إل أضعاف كثية ،والسيئة عندي
بواحدة ،فإن ندم عليها واستغفرن غفرتا له.
أشكر اليسي من العمل ،وأغفر الكثي من الزلل.
رحت سبقت غضب ،وحلمي سبق مؤاخذت ،وعفوي سبق عقوبت ..أنا أرحم بعبادي من
الوالدة بولدها(.)1
غواية الشيطان:
ومما ساعد النسان على جحوده لربه وبعده عنه :عدو الله
إبليس.
فإبليس كان يعبد الله مع الملئكة ،وعندما خلق الله آدم
واختصه لنفسه ونفخ فيه من روحه طلب سبحانه من الملئكة
السجود له ،فرفض إبليس السجود متعلل بأنه كيف يسجد لمن
خلَقَْتهُ مِن طِيٍ [العراف]12 : هو أقل منه؟! قَالَ أَنَا خَ ْيرٌ مّ ْن ُه َخلَقْتَنِي مِن نّارٍ َو َ
وبدل من أن يعترف إبليس بخطئه ،نجده يصر على ادعائه،
فكان ذلك سببًا في طرده من رحمة الله ،والحكم عليه بالحبس
ج إِّنكَ مِنَ الصّا ِغرِينَ
ك أَن تََتكَّبرَ فِيهَا فَا ْخرُ ْ
في النار :قَالَ فَاهِْبطْ مِ ْنهَا َفمَا َيكُونُ َل َ
[العراف.]13 :
..ولن إبليس يرى أن سبب هذه العقوبة هو آدم ،ويرى
1
() مدارج السالكين لبن القيم .216 ،1/215
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
30
اْلفَقْرَ َويَ ْأمُرُكُم بِاْلفَحْشَا ِء وَالُ َي ِعدُكُم مّ ْغفِرَةً ّم ْنهُ وَ َفضْلً [البقرة.]268 :
فكانت رسالته المتتالية لهم والتي تذكرهم بحقيقة وجودهم
في الدنيا ،وأنها دار امتحان ،وأن هناك ربًّا واحدًا لهذا الكون ..
هو الذي خلقهم ،وهو الذي يرزقهم ويحفظهم ويمدهم بكل
مقومات الحياة ،وأن هذا الرب هو وحده المستحق للعبادة،
وهو الذي إليه سيرجعون بعد الموت ليسألهم عن المهمة التي
طالبهم بأدائها ،أل وهي عبادته – سبحانه – بالغيب ،فمن نجح
ما أبديًا في دار تسمى في القيام بها فإن له جائزة عظيمة ،ونعي ً
«الجنة» ،ومن فشل فيها فسيعاقب بالحبس في سجن اسمه
«النار».
وترسم هذه الرسالت للناس الطريق الموصل لرضا الله عز
وجل ،وكيفية النجاح في اختبار الدنيا ،وتستفيض في الحديث عن
ربهم ،وتطمئنهم من ناحيته ،وأنه رب رحيم ودود ل يريد لهم إل
الخير ،وأكبر دليل عملي على ذلك هو حلمه عليهم ،وعدم
ل َشكّ محاسبتهم الفورية على ذنوبهم أو أخذهم بها ..قَالَتْ رُ ُسلُ ُهمْ أَفِي ا ِ
ل مّسَمّى [إبراهيم: ض َيدْعُو ُك ْم ِلَيغْفِ َر لَكُم مّن ُذنُوبِ ُكمْ َوُيؤَخّرَ ُكمْ إِلَى أَجَ ٍ
ت وَا َلرْ ِ فَاطِرِ السّمَاوَا ِ
.]10
وتقوم هذه الرسالت بتنبيه الناس وتحذيرهم من عدوهم
الذي يريد لهم الشر ودخول النار ،وتكشف لهم أساليبه في
نعُ عَ ْن ُهمَا ِلبَا َسهُمَا
الغواية يَا بَنِي آدَ َم لَ َيفْتَِنّنكُمُ الشّ ْيطَانُ َكمَا َأ ْخرَجَ َأبَوَْيكُم مّنَ اْلجَنّ ِة َي ِ
ث َل َترَوَْنهُمْ [العراف.]27 : لُِيرَِي ُهمَا سَوْءَاِت ِهمَا إِنّ ُه َيرَاكُمْ هُ َو وَقَبِي ُلهُ مِ ْن حَيْ ُ
..باختصار إنها رسالت تخاطب الناس جميعًا ،وتقول لكل
واحد منهم:
أقبل ول تخف فربك ينتظرك.
وكانت آخر هذه الرسالت التي أرسلها الله لبني البشر هي
«القرآن» ،فقد جعلها – سبحانه – بمثابة الرسالة الخاتمة للبشرية
جمعاء ،وأرسلها مع خير رسله محمد بن عبد الله عليه الصلة
والسلم.
لماذا أنزل الله القرآن؟!
إذن فقد أنزل الله عز وجل القرآن ليكون وسيلة يهتدي الناس
من خللها إلى طريقه ،وإلى جنته يَا أَّيهَا النّاسُ َقدْ جَاءَكُمْ ُب ْرهَانٌ مّن رّبّكُمْ وَأَْنزَْلنَا
الفصل الثاني :جبل الــــــود
33
سيُدْ ِخ ُلهُمْ فِي َرحْ َمةٍ ّم ْنهُ وَ َفضْلٍ وََي ْهدِي ِهمْ إَِل ْيهِ
صمُوا ِبهِ َف َ
إَِليْ ُكمْ نُورًا ّمبِينًا فََأمّا الّذِينَ آ َمنُوا بِالِ وَا ْعتَ َ
سَتقِيمًا [النساء.]175 ،174 : صرَاطًا مّ ِْ
فمن يقرأ القرآن يتأكد لديه بالدلة العقلية أن للكون إلهًا
واحدًا ،وأن هذا الله هو الله سبحانه ،وأنه خلقنا وأسكننا الرض
ما أو عذابًا.
ليختبرنا ،وأن هناك حياة بعد الموت ثم حسابًا ،فنعي ً
ول يكتفي القرآن بذلك بل يرسم للناس الطريق المستقيم
الموصل للنجاح في هذا الختبار ،ونيل رضا الله ،ويعَّرفهم
بالعقبات التي قد تعترضهم ،وبالمنحنيات التي قد تُبعدهم،
وبعَدُوَّهم الذي يتربص بهم..
..كل هذا من خلل خطاب ودود يقطر رحمة وشفقة وحنانا ..
خطاب يستحث الجميع إلى سرعة العودة إلى الله قبل فوات
الوان :ا ْسَتجِيبُوا لِ َربّكُم مّن َقبْلِ أَن َيأْتِ َي َيوْ ٌم لّ مَرَ ّد َلهُ مِ َن الِ [الشورى .]47 :قُ ْل يَا
ل َي ْغفِرُ الذّنُوبَ َجمِيعًا ِإّنهُ ُهوَ اْل َغفُورُ
ِعبَا ِديَ اّلذِينَ َأسْرَفُوا َعلَى أَْنفُسِ ِهمْ َل َت ْقنَطُوا مِن رّحْ َمةِ الِ إِ ّن ا َ
الرّحِيمُ [الزمر.]53 :
إنه الحبل المتين الذي أنزله الله من السماء لينتشل به
الناس من الضلل ..
إنه حبل الود ّ الذي يظهر مدى حب الله لعباده ،وأنه يريد
لهم جميعًا الخير.
..ألم يقل « :أبشروا ،فإن هذا القرآن طرفه بيد ال ،وطرفهُ بأيديكم ،فتمسكوا
به ،فإنكم لن تلكوا ،ولن تضلوا بعده أبدًا»(.)1
المعرفة وحدها ل تكفى:
فإن قلت إن معرفة طريق الهدى وحدها ل تكفي للسير فيه،
فقيود الشهوات تقيد القلب ،وتجذبه إلى الرض ،ووساوس الشيطان
وإغراءاته تثبط النسان كلما ه َّ
م بفعل الخير.
...نعم ،هذا صحيح فمعرفة طريق الهدى وحدها ل تكفي بل
لبد من وسيلة تعين الناس على السير فيه ..لبد من دواء
يشفي صدورهم ،ويُخل ِّص قلوبهم من سيطرة الهوى وحب
1
() صحيح ،رواه الطبراني ،وصححه اللباني في صحيح الجامع ،ح (.)34
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
34
اليمان منها ،ول يوجد مثل القرآن في قدرته الفذة على زيادة
اليمان وَِإذَا ُتلَِيتْ َعلَ ْيهِ ْم آيَاتُهُ زَادَْتهُ ْم إِيَانًا [النفال.]2 :
وكيف ل يكون القرآن كذلك ،والذي أنزله هو الذي خلق
م فهو يعرف داءه النسان ويعلم ما توسوس به نفسه ،ومن ث َّ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ [الفرقان.]6 :
سرّ فِي ال ّ
ودواءه ُق ْل أَنزَلَهُ الّذِي يَ ْعلَمُ ال ّ
إنه الدواء الرباني قَدْ جَاءَْتكُم مّ ْو ِعظَةٌ مّن رّّبكُمْ َوشِفَا ٌء ّلمَا فِي الصّدُورِ
[يونس.]57 :
يقول عبد الله بن مسعود :إن هذا الصراط محتضر تحضره
الشياطين ،يقولون :هَل ُ َّ
م يا عبد الله ،ليصدوا عن سبيل الله،
()1
فعليكم بكتاب الله فإنه حبل الله .
ابن القيم وتجربته مع القرآن:
وللمام ابن القيم كلم نفيس يؤكد قدرة القرآن الفذة –
بإذن الله – على إغلق بابي الشبهات والشهوات أمام الشيطان
فيقول:
جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات،
والقرآن شفاء للنوعين.
ففيه من البينات والبراهين القاطعة ما يبين الحق من
الباطل ،فتزول أمراض الشبهات المفسدة للعلم والتصور
والدراك ،بحيث يرى الشياء على ما هي عليه ...
وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين على
حل
التوحيد ،وإثبات الصفات ،وإثبات المعاد والنبوات ،ورد الن ِّ َ
الباطلة ،والراء الفاسدة مثل القرآن.
م الوجوه وأحسنها،فإنه كفيل بذلك كله ،متضمن له على أت ّ
وأقربها إلى العقول ،وأفصحها بيانا ...وأحسن ما عند المتكلمين
وغيرهم فهو في القرآن أصح تقريًرا ،وأحسن تفسيًرا ،فليس
عندهم إل التكلف والتطويل والتعقيد.
..ولقد تأملت الطرق الكلمية ،والمناهج الفلسفية ،فما
رأيتها تشفي عليل ،ول تروى غليل ،ورأيت أقرب الطرق طريقة
1
() فضائل القرآن لبي عبيد ص .75
الفصل الثاني :جبل الــــــود
37
1
() إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان 75 – 1/73 :باختصار.
2
() رواه مسلم ،والمام أحمد وأورده اللباني في صحيح الجامع ،ح (.)2960
الفصل الثالث
1
() التعبير القرآني والدللة النفسية.222 /
2
() في ظلل القرآن .3297 /6
الفصل الثالث :روح القلوب وقوتها
41
()1
وجل فمن دخل فيه فهو آمن
وكيف ل ،والذي يتلوه حق تلوته يشعر بأنه (يعيش حياة
نابضة في عالم آخر غير الذي يعيش فيه ..يدرك أن روحا
تسرى فيه.
..يحس من يقرأ في القرآن متنقل ً بين آياته وسوره أنه
يعيش في قرية صغيرة ،يجمعها مكان واحد ،هي هذه المعمورة
رغم اتساعها ..ويكتنفها زمان واحد من لدن آدم حتى قيام
الساعة.
..نصوص مفتوحة أمامها الطريق ،ل يحدها زمان ،ول
يقيدها مكان ،تلقى تعاليمها لهذا النسان الذي ل تتغير مشاعره
وجوانبه النفسية وميوله على اختلف الزمان.
..هكذا يجد كل إنسان فيه بغيته ..يُقبل عليه المهموم ليجد
فيه بلسمه ،ويقبل عليه المحزون ليجد فيه سلوته ،ويقبل عليه
العالم ليجد فيه طلبه ،ويقبل عليه الهارب من قيود الحياة
الرتيبة ليجد فيه خلوته ..يُقبل عليه الضال التائه ليجد ضالته،
فهو – كما ورد في وصفه – مأدبة الله ،كل إنسان يأخذ منه
حاجته ،ويجد فيه قناعته ومتعته وسلوته)(..)2
وفوق كل هذا ...تلك الطاقة الروحية التي يولدها في نفس
من يُقبل عليه ..يقول محمد فريد وجدي :إن في القرآن طاقة
روحية هائلة ذات تأثير بالغ الشأن في نفس النسان ،فهو يهز
وجدانه ،ويرهف أحاسيسه ومشاعره ،ويصقل روحه ،ويوقظ
إدراكه وتفكيره(..)3
..إنه يثير العواطف ويوقظ العقول في وقت واحد ،وبعد
القتناع يطمئن العقل ويهدأ الحساس ،ويشعر النسان بنشوة
الفرح والرتياح(.)4
1
() أخرجه القريابي في فضائل القرآن رقم (.)59
2
() التعبير القرآني والدللة النفسية ص.225 ،224 :
3
() التعبير القرآني والدللة النفسية 111 /نقل ً عن دائرة معارف القرن
العشرين لمحمد فريد وجدي .7/679
4
() المصدر السابق.136 /
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
42
1
() قالوا عن القرآن لعماد الدين خليل ملحق لكتاب إشارات العجاز
للنورسي ص .287
2
() نظرية العجاز القرآني 110 /د .أحمد سيد محمد عمار.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
46
1
() في ظلل القرآن .6/3273
2
() السيرة النبوية لبن هشام .193 ،1/192
3
() التعبير القرآني .114/
الفصل الثالث :روح القلوب وقوتها
47
1
() في ظلل القرآن .6/3419
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
50
1
()السيرة النبوية لبن هشام .275 ،2/274
2
() التصوير الفني في القرآن لسيد قطب .25/
الفصل الثالث :روح القلوب وقوتها
53
إسلمهم...
جا لمة العرب ،والتي كانت قبل ..هذا الجيل الذي يمثل نموذ ً
السلم في ذيل المم من حيث التقدم والحضارة وامتلك أسباب
القوة والمنعة ،وكان أفرادها يغرقون في الظلم والتخلف والجاهلية،
وكان حالهم أسوأ بكثير من حالنا الن ،وكيف ل ،وقد كانوا يقومون
بأفعال لو حدثت بيننا لقامت الدنيا ولم تقعد ،ويكفيك في تأكيد هذا
المعنى تلك القصة:
فقد لحظ رسول الله أن رجل ً من أصحابه يلزمه الغم
فقال له« :ما لك تكون مزونا؟».
فقال :يا رسول الله ،إني قد أذنبت في الجاهلية ذنبا فأخاف
أن ل يُغفر لي وإن أسلمت ،فقال عليه الصلة والسلم« :أخبن
عن ذنبك؟» فقال :يا رسول الله ،إني كنت من الذين يقتلون
ى امرأتي أن أتركها فتركتها بناتهم ،فوُلدت لي بنت فشفعت إل َّ
حتى كبرت وأدركت ،فصارت من أجمل النساء فخطبوها
ى الحمية ،ولم يتحمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في فدخلت عل َّ
البيت بغير زوج ،فقلت للمرأة :إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا
سَّرت بذلك وزينتها بالثياب في زيارة أقربائي فابعثيها معي ،ف ُ
ى المواثيق بأن ل أخونها ،فذهبت بها إلى حلل ،وأخذت عل َّ وال ُ
رأس بئر فنظرت في البئر ،ففطنت الجارية بأني أريد أن ألقيها
في البئر ،فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول :يا أبي أي شيء تريد
أن تفعل بي؟
ى الحمي ِّة ،ثم
فرحمتها ثم نظرت في البئر فدخلت عل َّ
التزمتني وجعلت تقول :يا أبي ل تضيع أمانة أمي ،فجعلت مرة
أنظر إلى البئر ،ومرة أنظر إليها وأرحمها ،وغلبني الشيطان
فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة ،وهي تنادي في البئر :يا أبي
قتلتني ،فمكثت هناك حتى انقطع صوتها ،فرجعت.
وقال« :لو أُمرت أن أعاقب أحدًا با فعل ف الاهلية فبكى رسول الله
لعاقبتك»(.)1
أمة عجيبة:
1
() أورده القرطبي في تفسيره الجامع لحكام القرآن -7/64دار الكتب
العلمية.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
54
1
() البخاري ( )4376وجثوة من تراب هي القطعة من التراب تجمع فتصير
كوما.
2
() كيف نتعامل مع القرآن لمحمد الغزالي ص .30
الفصل الثالث :روح القلوب وقوتها
55
إثبات نبوته(.)3
***
3
() صحابة رسول الله وجهودهم في تعليم القرآن الكريم د .أنس كرزون نقل
عن الفروق للقرافي .4/170
الفصل الرابع
الرسول والقرآن
والقرآن الفصل الرابع :الرسول
57
والقرآن الرسول
هو القرآن ،فلقد انكبوا على تلوته ،وأعطوه الكثير والكثير من
أوقاتهم ،وساعدهم على ذلك أستاذهم ومربيهم وقدوتهم ،معلم
البشرية ،محمد ،فقد كان دائم التذكير بمكانة القرآن
وعظمته ،ومن ذلك قوله« :ما من كلم أعظم عند ال من كلمه ،وما َردّ العباد
إل ال كلما أحب إليه من كلمه»(.)1
وقوله« :القرآن أحب إل ال من السماوات والرض ومن فيهن»(.)2
بالقرآن: تأثر الرسول
لقد كان حبه للقرآن ،واهتمامه به ل يُوصف ،فقد سيطر
القرآن على عقله ،واستحوذ على مشاعره ،وبلغت قوة تأثيره
عليه أن شيَّب شعره ،فقد دخل عليه يوما أبو بكر فقال له:
شبت يا رسول الله قبل المشيب .فقال له مبينًا السبب« :شيبتن
هود وأخواتا قبل الشيب»(.)3
وفي يوم من اليام قال لعبد الله بن مسعود «اقرأ عل ّى
القرآن» ،فقال :أقرأ عليك ،وعليك أُنزل؟! ،قال« :إن أحب أن أسعه من
غيي».
قال :فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الية
شهِيدٍ َوجِ ْئنَا ِبكَ َعلَى هَ ُؤلَءِ َشهِيدًا [النساء ]41:قال:
َفكَ ْيفَ ِإذَا جِئْنَا مِن ُكلّ ُأمّ ٍة بِ َ
()4
«حسبك» ،فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان .
ما ،وتأثر به تأثًرا بالغًا لدرجة
..لقد تشبع بالقرآن تشبعًا تا ً
أن المام الشافعي -رحمه الله -يعتبر أن كل ما حكم به
رسول الله فهو مما فهمه من القرآن(.)5
لقد اختلطت معاني القرآن بشخصية الرسول ،وامتزجت
1
() رواه الدارمي (.)3354
2
() رواه الدارمي (.)3359
3
() صحيح ،أخرجه ابن مردويه وصححه اللباني في صحيح الجامع ،ح (.)3721
4
() رواه البخاري ( ،)5050ومسلم (.)1864
5
() تفسير القرآن العظيم لبن كثير .1/4
والقرآن الفصل الرابع :الرسول
59
1
() البخاري (.)4997
2
() مسلم (.)746
3
() فتح الباري .9/54
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
60
الوقات(.)1
للناس بالقرآن: دعوته
ومن مظاهر تأثر الرسول بالقرآن ،وإدراكه لهميته وأثره
العظيم في النفوس ،أنه كان يدعو الناس به أكثر ما كان
يدعوهم بكلمه هو ،وقصته مع عتبة بن ربيعة – أحد أئمة الكفر
في مكة – مشهورة ،وقد مرت علينا.
وكان يعرض نفسه على الناس في موسم الحج – قبل
الهجرة -فيقول لهم« :هل من رجل يملن إل قومه ،فإن قريشًا منعون أن أبلغ
كلم رب»(.)2
وكان يقول لصحابه« :بلّغوا عن ولو آية» (.)3
وكان كثيًرا ما يخطب الجمعة بالقرآن ( ،)4وهو من هو في
البلغة ،ويكفي أنه قد أوتى جوامع الكلم.
روى مسلم عن أم هشام بنت حارثة قالت :ما أخذت (ق
والقرآن المجيد)
إل عن لسان رسول الله يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر
إذا خطب
الناس (.)5
وروى ابن ماجه عن أُبي بن كعب قال :قرأ رسول الله
يوم الجمعة (تبارك) وهو قائم ،فذكرنا بأيام الله ،وأبو الدرداء،
وأبو ذر يغمزني ،فقال :متى أُنزلت هذه السورة؟ فإني لم
1
() صحيح مسلم بشرح النووي ،6/346وقال النووي :وقد جاء بيان هذه السور
العشرين في رواية في سنن أبي داود :الرحمن والنجم في ركعة ،واقتربت
والحاقة في ركعة .والطور والذاريات في ركعة .والواقعة ونون في ركعة،
وسأل سائل ،والنازعات في ركعة .وويل للمطففين ،وعبس في ركعة،
والمدثر ،والمزمل في ركعة ،وهل أتى ،ول أقسم في ركعة ،وعم
والمرسلت في ركعة ،والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة.
2
() أخرجه أبو داود ( ،)4734والترمذي (.)2925
3
() صحيح الجامع الصغير (.)2837
4
() زاد المعاد لبن القيم .1/187
5
() صحيح مسلم (.)873
والقرآن الفصل الرابع :الرسول
63
1
() رواه ابن ماجة ( )1111وأسناده حسن.
2
() المتهوكون أي المتحيرون ،والحديث أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن أبي
قلبة.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
64
فقالوا :يا رسول الله ،حدثنا فوق الحديث ودون القرآن – يعنون
ي إِنّا أَْنزَلْنَاهُ ُقرْآنًا َعرَبِيّا لّ َع ّلكُمْ
القصص -فأنزل الله الر ِت ْلكَ آيَاتُ اْلكِتَابِ اْلمُبِ ِ
ت مِن قَ ْب ِلهِ ص ِبمَا أَ ْوحَيْنَا إَِل ْيكَ هَذَا اْل ُقرْآنَ وَإِن كُن َ
سنَ الْقَصَ ِ
ص َعلَ ْيكَ َأحْ َ
تَ ْع ِقلُو َن َنحْ ُن نَقُ ّ
َلمِنَ الْغَا ِفلِيَ [يوسف.]3 -1 :
فأرادوا الحديث ،فدلهم على أحسن الحديث ،وأرادوا
القصص فدلهم على أحسن القصص(.)1
للصحابة في تعلم القرآن: ترغيبه
ومع حرصه على عدم انشغال الصحابة بشيء آخر غير
القرآن كان كذلك يستخدم معهم أساليب التشويق المختلفة
ليستثير مشاعرهم ويدفعهم للقبال على القرآن والنشغال به.
روى مسلم عن عقبة بن عامر قال« :خرج علينا رسول ال
صفّة ،فقال :أيكم يب أن يغدو كل يوم إل بُطحان ،أو إل العقيق ،فيأت منه بناقتي
ونن ف ال ُ
كوماوَيْن( ،)2ف غي إث ول قطيعة رحم» فقلنا :يا رسول الله نحب ذلك.
قال« :أفل يغدو أحدكم إل السجد فيعلَم أو يقرأ آيتي من كتاب ال عز وجل خي له من
ناقتي ،وثلث خي له من ثلث ،وأربع خي له من أربع ،ومن أعدادهن من البل»(.)3
بيَّن لصحاب معاني القرآن: النبي
صا على تعليم الصحابة ألفاظ
كما كان رسول الله حري ً
صا كذلك على تعليمهم معانيه..
القرآن ،فإنه كان حري ً
يقول د .يوسف القرضاوي :ولقد جعل القرآن من مهام
النبي ( :تعليم الكتاب والحكمة) وهذا في أربع آيات من
القرآن.
ول ريب أن هذا التعليم ليس هو (التحفيظ) بدليل أنه
معطوف على تلوة اليات عليهمَ :ي ْتلُو َعلَ ْيهِمْ آيَاتِهِ وَُي َزكّيهِمْ وَُي َع ّل ُمهُمُ
ح ْكمَةَ [آل عمران.]164 :
اْلكِتَابَ وَاْل ِ
1
() الدر المنثور للسيوطي ،4/5ورواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن.
2
() الناقة الكوماء :هي الناقة العظيمة السمنة.
3
() رواه مسلم (.)1870
والقرآن الفصل الرابع :الرسول
65
1
() كيف نتعامل مع القرآن العظيم د .يوسف القرضاوي ص 150 ،149
باختصار.
2
() كيف نتعامل مع القرآن لمحمد الغزالي ص 28باختصار.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
66
1
() أخرجه المام أحمد .. 4/397انظر فضائل سور القرآن د .إبراهيم عيسى/
.25
2
() السلسلة الصحيحة (.)1513
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
68
1
() صحيح الجامع الصغير (.)1168
2
() صحيح الجامع الصغير (.)1164
3
() صحيح الجامع الصغير (.)2956
4
() رواه مسلم (.)747
5
() رواه ابن المبارك في الزهد ،وأحمد ،والنسائي.
6
() رواه البخاري ،ومسلم.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
70
«إن ناسا ييئون ،يقرؤون القرآن ل ياوز تراقيهم ،يرقون من الدين كما يرق السهم من
الرمية.)1( »..
إن أعظم أثر لقراءة القرآن هو انضباط السلوك ،واقتراب
ل ذلك على عدم الوصال الفعل من القول ..فإن لم يحدث د َ َّ
القلبي بالقرآن ،ولقد كان × دائم التحذير من ذلك ،وعندما
أخبر بالفتن التي ستمر بها المة ،ربط ذلك بعدم النتفاع
بالقرآن ،فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال« :ستكون
ف أمت اختلف وفرقة ،قوم يسنون القول ويسيئون الفعل ،يقرؤون القرآن ل ياوز تراقيهم
.)2( »..
وعن أبي قلبة قال :قال رسول الله وذكر شيئًا فقال:
«ذلك أوان ينُسخ القرآن» ،فقال رجل كالعرابي« :يا رسول
الله ما ينسخ القرآن؟ ،أو كيف ينسخ القرآن؟» ،قال رسول
الله « :ويحك يذهب أصحابه ،ويبقى رجال كأنهم النعام»،
فضرب رسول الله إحدى يديه على الخرى ،فمدهما يشير
بهما ،فقال الناس ،يا رسول الله أو ل نتعلمه ونعلمه أبناءنا،
ونساءنا» ،فقال رسول الله « :قد قرأت اليهود والنصارى ،قد
قرأت اليهود والنصارى»(.)3
الوصية بالقرآن:
ل عجب إذ ًا -أخي القارئ -أن تكون الوصية التي أوصى بها
رسول الله أمته من بعده هي القرآن.
..ففي صحيح البخاري عن طلحة قال :سألت عبد الله بن
أبي أوفي :أأوصي النبي ؟ فقال :ل ،فقلت :كيف كتب على
الناس الوصية؟ ،أُمروا بها ولم يُوص؟ قال :أوصى بكتاب
الله»(.)4
حذيفة بن اليمان بالختلف والفرقة التي وعندما أخبر
1
() رواه مسلم (.)1063
2
() صحيح ،رواه أحمد ،وأبو داود وابن حبان ،والحاكم وصححه.
3
() أخرجه ابن المبارك في الزهد برقم ( ،)753وقال الشيخ أحمد فريد:
مرسل صحيح السناد.
4
() صحيح البخاري.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
72
ستحدث بعده ،فقال له حذيفة :يا رسول الله فما تأمرني إن
أدركت ذلك؟! قال« :تعلّم كتاب ال عز وجل واعمل به فهو الخرج من ذلك».
قال حذيفة :فأعدت عليه ثلثا .فقال « :تعلم كتاب ال واعمل به
فهو النجاة»(.)1
وقال يوما لصحابه« :ستكون فت» فسألوه :وما المخرج منها؟
قال« :كتاب ال.)2( »..
خلُقه ،ووصيته ،وميراثه ..مر أعرابي بعبد
فالقرآن كان ُ
الله بن مسعود وعنده قوم يتعلمون القرآن ،فقال :ما يصنع
هؤلء؟ فقال ابن مسعود :يقتسمون ميراث محمد (.)3
***
1
() أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
2
() رواه الترمذي ( ،)2906والدارمي ( ،)3332وأورده اللباني في السلسلة
الضعيفة.
3
() فضائل القرآن لبي عبيد ص .51
الفصل الخامس
النموذج العملي
والدفعة الولى لمدرسة
القرآن
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
74
النموذج العملي
والدفعة الولى لمدرسة القرآن
الدفعة الولى
1
وجهودهم في تعليم القرآن الكريم.156 / () صحابة رسول الله
2
() فضائل القرآن لبي عبيد ص ،.66وابن كثير في فضائل القرآن ،وقال:
إسناده جيد.
3
() المصدر السابق.145 /
4
() مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر.148 /
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
76
« :تلك السكينة َأذِنَتْ القرآن حي سعته ،أما إنك لو ثبت رأيت منها عجبا»(.)1
..وروى الزهري أن عبد الله بن عباس كان يُقرئ عبد
الرحمن بن عوف في خلفة عمر بن الخطاب ..قال عبد الله
بن عباس :لم أر أحدًا يجد من القشعريرة ما يجد عبد الرحمن
عند القراءة (.)2
..ولما قدم أهل اليمن المدينة في زمن أبي بكر فسمعوا
القرآن ،فجعلوا يبكون ،فقال أبو بكر الصديق :هكذا كنا ثم
قست القلوب(.)3
..عن عبيد بن عمير قال :صلى بنا عمر بن الخطاب
صلة الفجر فافتتح سورة يوسف فقرأها حتى إذا بلغ وَابْيَضّتْ
ح ْزنِ َفهُ َو َكظِيمٌ [يوسف ]84 :بكى حتى انقطع فركع(.)4
عَيْنَاهُ مِنَ اْل ُ
..وهذا عبد الله بن مسعود يقول :إذا وقعت في (سور) آل
حم وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن(.)5
ومعنى أتأنق فيهن :أي أع ُجب بهن وأستلذ بقراءتهن ،وأتتبع
محاسنهن(.)6
..وعن عبد الله بن أبي مليكة قال :صحبت ابن عباس من
مكة إلى المدينة ،فكان يصلي ركعتين ،فإذا نزل قام شطر
الليل ،ويرتل القرآن حرفا حرفا ،ويكثر في ذلك من التسبيح
والنحيب(.)7
الثر المباشر للقرآن في سلوك الصحابة:
1
() رواه أبو نعيم ،وأورده المستغفري في فضائل القرآن برقم (.)473
2
() النتصار للقرآن للباقلني ،1/201ومختصر قيام الليل لمحمد بن نصر /
.145
3
() فضائل القرآن لبي عبيد ص .135
4
() فضائل القرآن لبي عبيد ص .137
5
() المصدر السابق ص .255
6
() آيات الخشوع لعبد الله المغربي.232 /
7
() صحابة رسول الله وجهودهم في تعليم القرآن ص ،318نقل ً عن الصابة.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
78
1
() رواه البخاري (.)4750
2
() رواه البخاري (.)4642
الفصل الخامس :النموذج العملي
79
حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ،فقلت له :زوجتك وأفرشتك،
وأكرمتك ،فطلقتها ثم جئت تخطبها ،ل والله ل تعود إليك أبدًا،
وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ،فأنزل الله هذه الية وَِإذَا َطلّقْتُمُ
ضرَارًا
سكُوهُ ّن ِ
ف َأوْ َس ّرحُو ُهنّ ِب َم ْعرُوفٍ َو َل ُتمْ ِ
سكُوهُ ّن ِبمَ ْعرُو ٍ
النّسَاءَ َفَبلَغْ َن َأ َج َلهُنّ فَأَمْ ِ
لَّتعْتَدُوا [البقرة.]231 :
فقلت :الن أفعل يا رسول الله ،قال :فزوجها إياه(.)1
وفي رواية :فسمع ذلك معقل بن يسار فقال :سمعا لربي
وطاعة ،فدعا زوجها فزوجها إياه(.)2
والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت:
أملى عليهَ :ل يَسَْتوِي عن زيد بن ثابت أن رسول الله
الْقَاعِدُو َن مِنَ اْلمُؤْ ِمنِيَ وَاْل ُمجَاهِدُونَ فِي سَبِي ِل الِ .
ى ،قال :يا رسول الله، فجاء ابن أم مكتوم وهو يُمل ِّها عل َّ
والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت – وكان أعمى – فأنزل الله
على رسوله (غير أولى الضرر) ( )3أيَ :ل يَسَْتوِي اْلقَاعِدُونَ مِنَ
ضرَرِ وَاْل ُمجَاهِدُونَ فِي سَبِي ِل الِ [النساء.]195 :
ي غَ ْيرُ أُولِي ال ّ
اْلمُؤْ ِمنِ َ
ل حاجة لي في أرضك:
نزل رجل من العرب على عامر بن ربيعة ،فأكرم عامر
مثواه ،وكلم فيه رسول الله ،فجاء الرجل إليه بعد ذلك،
فقال :إني استقطعت رسول الله × واديا ما في العرب أفضل
منه ،ولقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك.
فقال عامر :ل حاجة لي في قطيعتك ،نزلت اليوم سورة
س حِسَاُبهُمْ وَهُمْ فِي غَ ْفلَ ٍة مّ ْع ِرضُونَ [النبياء]1 :
ب لِلنّا ِ
أذهلتنا عن الدنيا اقَْت َر َ
(.)4
قرأت البارحة سورة براءة:
1
() رواه البخاري (.)5130
2
() فتح الباري .9/234
3
() رواه البخاري (.)4592
4
() الجامع لحكام القرآن للقرطبي.
الفصل الخامس :النموذج العملي
81
1
() فضائل القرآن لبي عبيد ص .243
2
() تفسير ابن كثير .2/327
3
() فضائل القرآن للمستغفري برقم .713
4
() البداية والنهاية لبن كثير .6/367
5
() المصدر السابق .6/381
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
82
1
() البداية والنهاية .7/47
2
() المصدر السابق .7/50
3
() آيات الخشوع ،228 /نقل ً عن تاريخ الطبري .2/19
4
() حياة الصحابة للكاندهلوى .3/168
الفصل الخامس :النموذج العملي
83
1
() سبق تخريجه.
2
() أورده ابن كثير في تفسيره .4/456
الفصل الخامس :النموذج العملي
85
3
() رهبان الليل لسيد العفاني .1/310
1
() منهج السلف في العناية بالقرآن الكريم لبدر ناصر ص .104
2
() فضائل القرآن للفريابي ص .241
3
() أخلق حملة القرآن للجرى ص .49
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
86
1
() الزهد لعبد الله بن المبارك برقم (.)1197
2
() صحيح مسلم (.)1905
3
() مختصر قيام الليل ص .152
4
() التذكار في أفضل الذكار ص .192
5
() الزهد لبن المبارك برقم (.)746
6
() صحابة رسول الله وجهودهم في تعليم القرآن الكريم ص .154
الفصل الخامس :النموذج العملي
89
1
() فضائل القرآن لبي عبيد ص .78
2
() المصدر السابق ص .134
3
() مختصر قيام الليل ص .148
4
() إحياء علوم الدين .1/426
5
() مختصر قيام الليل ص .135
6
() فضائل القرآن لبي عبيد ص .77
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
90
1
() المصدر السابق ص .72
2
() المصدر السابق ص .71
3
() سنن الدارمي (.)3320
4
() لمحات النوار ،3/1202ومعنى راجز :أي يقرؤه كقراءة الشعر بالسجع
والرجز فتتوالى فيه الحركة والسكون حتى تنتهي أجزاؤه.
5
() المرشد الوجيز ص .197
6
() أخرجه مسلم. .
الفصل الخامس :النموذج العملي
91
أيدينا(.)1
خوف الصحابة من انشغال الناس بغير القرآن:
أراد عمر بن الخطاب أن يكتب السنن ،فاستشار أصحابه،
فأشاروا عليه بذلك ،ثم استخار الله شهًرا ،ثم قال :إني ذكرت
ما كانوا قبلكم كتبوا كتبًا ،فأكبوا عليها ،وتركوا كتاب الله عز
قو ً
()2
وجل ،وإني والله ل أشوب كتاب الله بشيء أبدًا .
وخطب على بن أبي طالب في الناس وقال :أعزم على
كل من كان عنده كتاب إل رجع فمحاه ،فإنما هلك الناس حيث
تتبعوا أحاديث علمائهم ،وتركوا كتاب ربهم(.)3
..وبلغ عبد الله بن مسعود أن عند ناس كتابًا يعجبون به،
فلم يزل بهم حتى أتوه فمحاه ،ثم قال :إنما هلك أهل الكتاب
قبلكم أنهم أقبلوا على كتب علمائهم وتركوا كتاب ربهم(.)4
..وعن ابن سيرين أن زيد بن ثابت قال:
أرادني مروان بن الحكم وهو أمير على المدينة أن أكَتُبَه
شيئًا ،قال :فلم أفعل ،قال :فجعل ستًرا بين مجلسه وبين بقية
داره ،وكان أصحابه يدخلون عليه ويتحدثون في ذلك الموضع،
خنَّاه ،ثم أقبل فأقبل مروان على أصحابه فقال :ما أرانا إل قد ُ
ى ،قلت :وما ذاك؟ ما أرانا إل قد خناك ،قلت :وما ذاك؟ عل َّ
قال :إنا أمرنا رجل يقعد خلف هذا الستر فيكتب ما تفتى هؤلء
وما تقول(.)5
..وقال عمرو بن قيس :وفدت مع أبي إلى يزيد بن معاوية
(بحوارين) حين توفى معاوية نُعَّزيِّه ،ونُهنيه بالخلفة فإذا رجل
في مسجدها يقول :أل إن من أشراط الساعة أن تُرفع الشرار
وتوضع الخيار ،أل إن من أشراط الساعة أن يظهر القول،
1
() منهج السلف ص .123
2
() جامع بيان العلم وفضله برقم (.)343
3
() جامع بيان العلم وفضله برقم (.)337
4
() رواه الدارمي (.)473
5
() رواه الدارمي (.)478
الفصل الخامس :النموذج العملي
93
1
() رواه الدارمي (.)480
2
() رواه الدارمي (.)485
3
() جامع بيان العلم وفضله 1/275برقم (.)345
4
() جامع بيان العلم وفضله برقم (.)350
5
() جامع بيان العلم وفضله برقم (.)339
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
94
1
() السنة ومكانتها في التشريع لمصطفى السباعي ص .59 ،58
2
() صحيح ،رواه المام أحمد ،وابن ماجه ،وصححه اللباني في صحيح الجامع
حديث (.)6766
3
() رواه مسلم.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
96
1
() السنة ومكانتها في التشريع السلمي ص .62
2
() المصدر السابق ص .64
3
() المصدر السابق ص .63
الفصل الخامس :النموذج العملي
97
1
() فقه السيرة لمحمد الغزالي ص .37
2
() انظر :تحقيق أبي الشبال الزهيري لكتاب جامع بيان العلم وفضله ،1/269
.270
3
() فتح الباري .273 -1/271
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
98
1
() تعليق أبي الشبال على كتاب جامع بيان العلم 1/270نقل عن ناصر الدين
اللباني.
الفصل الخامس :النموذج العملي
99
1
() فقه السيرة للغزالي ص (.)43 ،42
2
() سير أعلم النبلء .9/21
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
100
من النشغال بغير القرآن ،أو قراءته بدون فهم ول تأثر لم
تأخذها الجيال المتلحقة مأخذ الجد ،بل وبدأ النبهار
بالموروثات الثقافية للحضارات المختلفة ،وكان ما كان من
خلفات شغلت المة كثيًرا عن وظيفتها الساسية.
بناء اليمان من خلل القرآن:
إن الذي يقرأ القرآن ويتدبره ويرتله ،وينشغل به كما انشغل
الصحابة ،سيجد معانيه قد انطبعت في عقله ،وتحولت إلى
خا رسوخ الجبال
يقين ،وامتزجت بعاطفته فصارت إيمانًا راس ً
الرواسي ،فالقرآن يُشرب في القلب محبة الله ،وتعظيمه،
ومهابته ،وتقديسه..
فاليمان بالله ،وبأسمائه الحسنى ،وصفاته العل دون تعطيل
أو تشبيه أو تأويل يصل لقارئ القرآن بسهولة ويسر ،وإن لم
يستطع التعبير عنه ،والدليل على هذا أن إيمانه ل يهتز إذا ما
استمع أو قرأ عن شبهة من شبهات الفلسفة وأهل المنطق،
وكيف ل ،والقرآن قد أفرد مساحات كبيرة للحديث عن ألوهية
الله سبحانه وربوبيته وقيوميته على خلقه ،وقدرته المطلقة،
وعلمه المحيط ،وعزته ،وجلله ،وكماله ..
وليس ذلك فحسب فقد أَوْلى قضية اليمان باليوم الخر
ما كبيًرا ،وكذلك سائر أركان اليمان .اهتما ً
..كل ذلك من خلل خطاب سهل ميسر يجمع بين القناعة
العقلية ،والتفاعل القلبي ،لينشأ اليمان كنتيجة لتعانق الفكر مع
العاطفة.
..وعندما انشغل الجيل الول بالقرآن لم تظهر تلك
التساؤلت والشبهات والخلفات التي ظهرت بعد ذلك.
يقول الشيخ محمد الغزالي -يرحمه الله .. :-إن دراسة
سا بعظمة الله ،لم أحسه في
هذا القرآن الكريم ،أورثتنى إحسا ً
قراءة كتاب آخر(.)1
..أحسست أن الكتاب الذي بين يدي ،يبدئ ويعيد في قيادة
الناس إلى الله ،واستثارة مشاعرهم من العماق ،كي يرتبطوا
به ،ويتوجهوا إليه ،ويستعدوا للقائه ..
1
() المحاور الخمسة في القرآن ص .12
الفصل الخامس :النموذج العملي
101
جعْل هذه
..الحديث دائم متصل عن الله ،وما ينبغي له! وعن َ
الحياة مهادا لما بعدها (..)1
ويقول :ليت المسلمين استقوا عقائدهم من القرآن وحده!
إذن لراحوا واستراحوا ،إن بعض هواة الجدل لم يتورعوا عن
كثرة اللغط في قضايا العقيدة ،فضلوا وأضلوا ،ويشبه هؤلء في
النحراف قوم غرتهم فلسفة اليونان وخيالتهم النظرية ..
تحدثوا في أصل اليمان ،فزادوا الطين بلة..
ول عاصم من هذه المزالق كلها ،إل التزام المنهج ،والسير
في معالمه(..)2
..إنني أتلو القرآن وأترك معانيه تنطبع في فؤادي دون
تقعر ول تجرؤ(..)3
ويقول :هذا الكتاب يعرف الناس بربهم ،على أساس من
إثارة العقل،
وتعميق النظر ،ثم يحول هذه المعرفة إلى مهابة لله ،ويقظة
في الضمير،
()4
ووجل من التقصير ،واستعداد للحساب .
إعادة ترتيب الولويات:
من هنا نقول بأننا ل نريد الستغناء بالقرآن عن السنة ،أو عن
كتب العلم المختلفة ،ول نريد النشغال بغير القرآن على حساب
القرآن ،بل نريد المرين م ًعا ،على أن يُعطي القرآن الولوية في
الهتمام والرعاية ،ليتحقق الهدف الذي من أجله أنزله الله عز
سلَمِل نُورٌ َوكِتَابٌ مِّبيٌ َيهْدِي ِب ِه الُ مَنِ اتَّبعَ ِرضْوَاَن ُه سُُبلَ ال ّ وجل قَدْ جَا َءكُم مّنَ ا ِ
صرَاطٍ مّسَْتقِيمٍ [المائدة،15 : ت إِلَى النّورِ بِِإذْنِهِ وََيهْدِيهِمْ إِلَى ِ
خ ِر ُجهُم مّنَ ال ّظ ُلمَا ِ
وَُي ْ
.]16
كلمة أخيرة عن الصحابة والقرآن:
1
() المصدر السابق ص .12 ،11
2
() المصدر السابق ص .14
3
() المصدر السابق ص .15
4
() المصدر السابق ص .20
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
102
إن أكثر أجيال المة إدراكًا لقيمة القرآن هم جيل الصحابة ،فقد
عاشوا الحياة قبله ،وعاشوها بعده ،لذا فقد أدركوا – أكثر من
غيرهم – معنى السعادة الحقيقية ،والربانية ،والتغيير ..ويكفيك في
ذلك حزنهم على انقطاع الوحي بعد وفاة الرسول .
قال: فعن أنس بن مالك
قال أبو بكر الصديق بعد وفاة رسول الله لعمر :
انطلق بنا إلى أم أيمن ،نزورها كما كان رسول الله يزورها ..
فلما انتهيا إليها ،بكت ،فقال لها :ما يبكيك؟ ما عند الله خير
لرسوله ،فقالت :ما أبكى أن ل أكون أعلم أن ما عند الله
خير لرسوله ،ولكني أبكى أن الوحي قد انقطع من السماء!
فهيجتهما على البكاء ،فجعل يبكيان معها(.)1
من هنا ندرك أهمية صيحات التحذير التي أطلقوها ،والوصايا
التي كانوا يوصون بها من بعدهم حول القرآن.
فهذه الوصايا كانت تنطلق من استشعارهم للقيمة العظيمة
للقرآن ،وكانت تنطلق كذلك من خوفهم من عدم إدراك الجيال
اللحقة لتلك القيمة ،فينزوى القرآن جانبا ول يأخذ دوره
المرسوم له في قيادة الحياة ،وتشكيل الشخصية المسلمة
مَ
الصحيحة من جميع جوانبها ،وإمدادها الدائم باليمان ،ومن ث ّ
تفقد المة مكانتها العالية بين المم ،فتتراجع إلى الوراء ..إلى
الذلة والمهانة ،وكيف ل وقد ربط الله عز وجل علو هذه المة
باليمان وَأَنْتُ ُم ا َل ْعلَ ْونَ ِإ ْن كُ ْنتُم مّ ْؤمِنِيَ [آل عمران.]139 :
..فهل أخذت الجيال المتتابعة هذه الوصايا مأخذ الجد؟!
للسف لم يحدث ذلك ،بل حدث العكس ،وابتعد الكثيرون
من المسلمين عن النتفاع الحقيقي بكتابهم.
فكانت النتيجة هي الحال البائس والوضع المرير الذي
نحياه ،فالقرآن رفع قدر الجيل الول وأعلى من شأنه وجعل
المة السلمية في مقدمة المم ،بينما أوصلنا هجر النتفاع
بالقرآن إلى هذا المستوى الذي ل يخفى وصفه على أحد ..
فإن كنت في شك من هذا فتأمل قوله « :إن ال يرفع بذا القرآن
1
() رواه مسلم.
الفصل الخامس :النموذج العملي
103
2
() سبق تخريجه.
الفصل السادس
لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
105
1
() المصدر السابق ص .12
2
() ذكره الطبري في مقدمة تفسيره.
3
() كيف نتعامل مع القرآن العظيم ص .202
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
109
يؤثر فيه كتاب ول شخصية ،ولم يزل محمد إقبال إلى آخر
عهده بالدنيا يغوص في بحر القرآن ،ويطير في أجوائه ،ويجوب
في آفاقه ،فيخرج بعلم جديد ،وإيمان جديد ،وإشراق جديد،
وقوة جديدة.
وكلما تقدمت دراسته ،واتسعت آفاق فكره ،ازداد إيمانًا بأن
القرآن هو الكتاب الخالد ،والعلم البدي وأساس السعادة،
ومفتاح القفال المعقدة ،وجواب السئلة المحيرة ،وأنه دستور
حياة ،ونبراس الظلمات.
ولم يزل يدعو المسلمين وغير المسلمين إلى التدبر في
هذا الكتاب العجيب ،وفهمه ،ودراسته ،والهتداء به في
مشكلت العصر ،واستفتائه في أزمات المدنية ،وتحكيمه في
الحياة والحكم ،ويعتب على المسلمين إعراضهم عن هذا
ما ،ويضع به آخرين.
الكتاب ،الذي يرفع الله به أقوا ً
يقول إقبال:
إنك أيها المسلم ل تزال أسيًرا للمتزعمين للدين،
سا ،إن
والمحتكرين للعلم ،ول تستمد حياتك من القرآن رأ ً
الكتاب الذي هو مصدر حياتك ومنبع قوتك ،ل اتصال لك به إل
إذا حضرتك الوفاة ،فتُقرأ عليك سورة «يس» لتموت بسهولة.
فواعجبا! قد أصبح الكتاب الذي أُنزل ليمنحك القوة يتُلى الن
لتموت براحة وسهولة(.)1
ويقول :أقول لكم ما أؤمن به وأدين :إنه ليس بكتاب
فحسب ،إنه أكثر من ذلك ،إذا دخل القلب تغير النسان ،وإذا
تغير النسان تغير العالم(..)2
بديع الزمان النورسي:
وبديع الزمان سعيد النورسي من نماذج العاجم الذين
تأثروا بالقرآن تأثًرا بالغًا ،وفاضت عليه معانيه ،وكتب الكثير
حولها في «رسائل النور» وحفظ الله به السلم في تركيا فترة
سقوط الخلفة وتحويل تركيا إلى دولة علمانية..
1
() روائع إقبال 40 -28 :باختصار.
2
() المصدر السابق .158
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
113
1
() كليات رسائل النور – سيرة ذاتية ص 162 – 161باختصار.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
114
1
() قالوا عن القرآن لعماد الدين خليل ،ملحق لكتاب إشارات العجاز
للنورسي ،ص .287
2
() المصدر السابق ص .287
3
() المصدر السابق ص .268
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
115
ما بالقرآن
بالعربية لكنها ليست لسانها -قد تأثرت تأثًرا عظي ً
كالنجاشي الذي تأثر بسماعه آيات من سورة مريم ،وبكى حتى
ه لحيته ،ثم قال :إن هذا والذي جاء به عيسى - أخضلت دموعُ ُ
()1
عليه السلم -ليخرج من مشكاة واحدة .وأسلم رحمه الله.
وليس معنى هذا هو التقليل من شأن أهل اللغة العربية
أصحاب التذوق الصحيح لها ،بل العكس؛ فهم الئمة الذين
ينبغي أن ينتشروا بين المسلمين فيبينوا لهم ما أشكل عليهم
فهمه من القرآن فيزدادوا به هداية.
كل ما نقصده أن تعلم العربية من كل جوانبها ليس شرطًا
أساسيًا للنتفاع بالقرآن.
أخرج ابن الضريس في فضائل القرآن أن الحارث بن قيس
َ
قال :كنت رجل ً في لساني لكنة( ،)2فقيل لي :ل تَعَل ّم القرآن
َ
حتى تَعَل ّم العربية ،فأتيت عبد الله فذكرت ذلك له ،فقلت :إنهم
يضحكون مني ،ويقولون :تعلم العربية قبل أن تعلم القرآن،
فقال :ل تفعل ،فإنك في زمان تحفظ فيه حدود القرآن ،ول
يبالون حفظ كثير من حروفه ،وإن بعدك زمان تحفظ فيه
الحروف وتُضيَّع فيه الحدود(.)3
من هنا يتضح لنا أن عدم انتفاعنا بالقرآن في تحقيق الهداية
والشفاء والربانية ليس بسبب ضعف تذوقنا للغة العربية ..
ولكن ما السبب إذن؟!
صا ما قد أصابه مرض شديد له أعراض كثيرة،هب أن شخ ً
وتم تشخيص مرضه ووصف الدواء المناسب له بواسطة طبيب
من الطباء ،وعندما سأل عن الدواء اكتشف بأنه (السبرين)
فقط والذي تمتلئ به الدراج في بيته.
أليس من المفترض أن يبدأ في تناول الدواء؟!
ولكن إن لم يفعل ذلك ،وأصر على الذهاب ،لطبيب آخر ..فبماذا
1
() السيرة النبوية لبن هشام .1/207
2
ي (مثل العجمي الذي ل ينطق كل حروف اللغة بطريقة
() لكنة :أي ع ّ
صحيحة).
3
() فضائل القرآن لبن الضريس برقم ( )1و (.)3
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
117
بالقرآن.
ولنبدأ -بعون الله -الصفحات القادمة في تناول كل سبب
من هذه السباب بشيء من التفصيل.
***
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
119
1
() أي معلومة يتلقاها النسان من خلل سمعه أو بصره فإنها تذهب إلى جزء
في العقل وهو العقل المدرك أو الواعي أو الشعور ،فإذا قبلها العقل انتقلت
إلى الجزء الخر وهو الغير مدرك أو اللشعور والذي يشكل منطقة العلم
الراسخ ،أو اليقين ،أو المعتقدات سواء كانت صحيحة أو فاسدة ،ولكي
يستقر مدلول المعلومة في منطقة اللشعور ل بد من تكرار مرورها على
العقل المدرك مرات ومرات فيمررها إلى اللشعور حتى تستقر فيه ..مثال:
تعلم قيادة السيارة في البداية يكون بالعقل المدرك وبعد تكرار وتكرار
تستقر المعلومات في اللشعور ،فيقوم النسان بقيادة السيارة بتلقائية دون
تفكير ،وكذلك تعلم أحكام التجويد في البداية يكون بالعقل المدرك وبعد ذلك
بـ (اللشعور).
2
() كن كابن آدم لجودت سعيد ص .312
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
120
وكما قال « :ما من مولود إل يولد على الفطرة ،فأبواه يُهوّدانه أو يُنصّرانه ،أو
يجّسانه.)1( »..
(في المهد وهو ينظر إلى مناغاة أمة وسلوكها معه ،ومع
من حولها من الكبار والصغار ،فكله أذن وعين تصب في (ل
وعيه) مفاهيم الحضارة التي احتاجت إلى آلف السنين ،خلل
سنتين أو ثلث.
إنه يبدأ بالتمييز بين الصوات الغاضبة والصوات الحانية،
وبين الوجوه المقطبة الغاضبة ،والوجوه الباسمة المطمئنة
الراضية.
من هنا يتعلم الشياء المقدسة التي نغضب من أجلها إذا
انتهكت ،والشياء والمفاهيم المدنسة التي نغضب ،ونرفع
أصواتنا ،ونقطب وجوهنا منها.
لهذا فإن الطفل حين يبدأ في الحبو ،والمساك بالشياء،
واللعب بها ،ينظر إلى وجوهنا ليطمئن إلى أن سلوكه يُقابل
بعلمات الرضا على وجوهنا ،وهكذا يفهم القيم العميقة التي
تحكم سلوكنا قبل أن يتكلم ،وقبل أن يعرف الكلمات ومعانيها،
فتبدو هذه القيم عميقة في شخصيته وكأنها ولدت معه ،لنها
تغرس فيه عمليا.
يحدث هذا لدى الطفل في السنوات التي تسبق ذهابه إلى
المدرسة ،وقبل أن يتعلم الكلم ،وهذا ما يحكم سلوكه العميق
في حياته القادمة ،ويصعب عليه أن يخرج على ما تعلمه
وغُرس فيه في سنوات عمره الولى ،لنه تغلغل في
اللشعور(.)2
وماذا عن الصورة الموروثة عن القرآن؟!
فإن كانت أغلب المفاهيم والقيم – سواء كانت صحيحة أم
خاطئة – تغرس في يقين الطفل في سنوات عمره الولى،
فماذا يتكون لديه من مفاهيم حول القرآن؟!
هو في البداية ل يعرف القرآن لكنه يرى شيئًا موضوعًا في
1
() متفق عليه.
2
() كن كابن آدم ص .314 ،313
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
121
مكان ما بالمنزل ،تمر اليام واليام ول يقترب منه أحد ،وإذا ما
حدث وأمسك به أحد أبويه فإنه يُقبله ،وينظر فيه قليل ثم يتركه
في مكانه.
..يجد أمه تقوم بتشغيل المذياع فيخرج منه صوت له نغمة
ليست كسائر النغمات التي يسمعها ،ثم يجد أمه تترك مكان
المذياع الذي ينبعث منه الصوت وتذهب لمكان آخر ..أو تتحدث
مع والده ،أو في الهاتف ،أو تقرأ في مجلة ..كل هذا في وجود
الصوت المنبعث من المذياع!!.
..يرى والده ووالدته يشاهدان التلفاز باهتمام ،فإذا ما جاء
الصوت الذي تعود على سماعه مع أمه وبنفس النغمة ،يجد
أبويه وقد ذهب اهتمامهما فأغلقا الجهاز ،أو تركاه يبث الصوت
دون أن يستمع إليه أحد.
سا يجلسون في مكان كبير، ..يسير مع أبويه فيجد أنا ً
ويسمع نفس الصوت ،ويجد الناس -في الغالب -يتحدثون فيما
بينهم ،ول يعبأون بما يسمعون ..
..يركب مع والده السيارة ،فيجده قد أدار زًرا فيها ،وانبعث
نفس الصوت ،ثم يجد أباه يتحدث مع أمه في وجود الصوت الذي
تعود على سماعه دون أن يهتم به أحد ..
فماذا تظن أن يرسخ في يقين هذا الطفل – الذي ما هو إل أنا
وأنت – عن القرآن؟!
هل سيرث من أبويه ومن البيئة المحيطة أهمية القرآن،
وأنه للقلب كالروح للجسد ،أم سيرث التقديس الشكلي له،
وعدم الهتمام بفهم خطابه؟!
..وعندما يكبر الولد ويكونون في سن المدرسة ،فإن
بعض الباء يأخذ بأيديهم إلى مراكز تعليم القرآن ،فيزداد المر
خا لديه بأن المطلوب مع القرآن هو :ألفاظ تقرأ أو تحفظ رسو ً
بل وعي ول إدراك..
الصورة الذهنية:
يقول عمر عبيد حسنة:
إن الصورة التي طبعت في أذهاننا ،في مراحل الطفولة
للقرآن أنه ل يُستدعي للحضور إل في حالت الحتضار والنزع
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
122
والوفاة ،أو عند زيارة المقابر ،أو نلجأ لقراءته عند أصحاب
المراض المستعصية ،وهي قراءات ل تتجاوز الشفاة(.)1
..ويقول المام محمد عبده رحمه الله:
معرفتنا بالقرآن كمعرفتنا بالله تعالى أول ما يُلقن الوليد
عندنا من معرفة الله تعالى هو اسم (الله) تبارك وتعالى،
يتعلمه باليمان الكاذبة ،والصادقة( :والله لقد فعلت كذا وكذا،
والله ما فعلت كذا).
وكذلك القرآن :يسمع الصبي ممن يعيش معهم أنه كلم
الله تعالى ،ول يعقل معنى ذلك ،ثم ل يعرف من تعظيم القرآن
إل ما يعظمه به سائر المسلمين الذين تربى بينهم وذلك
بأمرين:
أحدهما :اعتقاد أن آية كذا إذا كُتبت ومحيت بماء وشربه
صاحب مرض كذا يشفى ،وأن من حمل القرآن ل
يقربه جن ول شيطان ويبارك له في كذا وكذا إلى
غير ذلك مما هو مشهور ومعروف للعامة أكثر مما
هو معروف للخاصة.
..ثانيهما :الهَّزة والحركة المخصوصة والكلمات المعلومة
التي تصدر ممن يسمعون القرآن إذا كان القارئ
رخيم الصوت ،حسن الداء ،عارفًا بالتطريب على
أصول النغم.
والسبب في هذه اللذة والنشوة هو حسن الصوت والنغم،
بل أقوى سبب لذلك هو بُعد السامع عن فهم القرآن ..وأعنى
بالفهم ما يكون عن ذوق سليم تصيبه أساليب القرآن بعجائبها
وتملكه مواعظها فتشغله عما بين يديه مما سواه(..)2
ورثنا القرآن:
لقد ورثنا القرآن فيما ورثناه عن السابقين ..ورثناه ككتاب
سا شكليًا :نُقبَّله ..نفتتح به الحفلت والمناسبات ..
مقدس تقدي ً
تكتب آياته في تابلوهات أنيقة تزين الجدران ،أو تدق على
مصكوكات من الذهب والفضة لتتزين بها النساء.
1
() كيف نتعامل مع القرآن ص .17
2
() مقدمة تفسير الفاتحة ص ،20 ،19باختصار.
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
123
***
1
() روائع إقبال ص .38 ،37
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
124
***
1
() مجموع رسائل ابن رجب .2/463
2
() هجر القرآن ص .100
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
126
1
() أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص ،50وفي مجمع الزوائد (،)7/164
والدارمي ( )3316عن عبد الله بن مسعود.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
128
1
() أخرجه الفريابي في فضائل القرآن برقم ( ،)177ومحمد بن نصر في قيام
الليل.
2
() المرشد الوجيز ص .193
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
130
1
() كيف نتعامل مع القرآن ص .27
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
132
1
() مع القرآن وحملته في حياة السلف الصالح ص ،53نقل عن نزهة الفضلء
تهذيب سير أعلم النبلء .3/582
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
133
1
() البرهان في علوم القرآن للزركشي ص .290
2
() متفق عليه.
3
() السنة ومكانتها في التشريع ص .87
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
136
1
() رواه النسائي في فضائل القرآن ،وأحمد في مسنده ( )199وابن ماجه (
.)1346
2
() أخرجه المام أحمد ،وأورده اللباني في السلسلة الصحيحة ح (.)1513
3
() عون المعبود .4/187
4
() أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح.
5
() فضائل القرآن لبي عبيد ص .179
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
137
ختمة أخرى فيما بين المغرب والعشاء ،وآخر كان يختم بالنهار
أربع ختمات ،وبالليل أربع ختمات(.)1
وأكثر من هذا وأكثر ،ومن ل يصدق هذا الكلم فعليه بالنظر
في كتب فضائل القرآن ليتأكد بنفسه .فهل هذا كلم يُعقل؟!
هل يمكن لحد أن يختم القرآن بين صلتي المغرب
والعشاء؟!
إن متوسط المسافة الزمنية بين انتهاء صلة المغرب حتى
صلة العشاء تقرب من ساعة من الزمن ،أي أنه كان يقرأ كل
جزء من القرآن في دقيقتين!!!
..هذه الخبار وغيرها ،مهما قيل في صحتها أو عدم صحتها،
فهي أولً :تخالف الهدى النبوي ،ثانيًا :تصطدم مع قوله تعالى:
ّلَيدّبّرُوا آيَاِتهِ [ص :]29 :ثالثًا :ل يمكن تصديقها مهما ادعى البعض
وجود بركة في الوقت عندهم( ..)2ولعل السبب وراء تناقل هذه
الثار -دون التثبت من صحتها -هو استثارة همم المسلمين في
النكباب على القراءة ،والنشغال بها.
وللسف جاءت هذه الخبار بنتيجة عكسية ،وازداد الحرص
على القراءة لمجرد القراءة ،وخمدت الدعوة لتفهم القرآن
وتدبره والتأثر به ،وقد ظهر هذا الحرص بصورة واضحة في
شهر رمضان ،وجميعنا يعرف ما يحدث في هذا الشهر من
تسارع وتنافس بين الناس في عدد الختمات ،دون أي التفات
إلى تدبر أو تأثر.
***
1
() انظر فضائل القرآن لبن كثير ،والتبيان للنوي ،وفضائل القرآن لبي عبيد
لتجد الكثير من هذه الخبار.
2
() وهل لم يكن عند الصحابة بركة في الوقت حين شق عليهم قراءة ثلث
القرآن في ليلة؟!!.
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
139
ما،
وتم الزواج سريعًا بعد خطبة قصيرة ،وعقد لم يتجاوز أيا ً
ودخلت الفتاة جنتها ،أو ما كانت تظنه جنة! ففي البيت
المشترك ..وفي ظل ستر الجدران والسقف سقطت القنعة،
وظهر الوجه الحقيقي المخيف للزوج ،ووجدت الفتاة نفسها في
كنف من ل يرعى فيها إل ًّ ول ذمة ،فالجبين المزدان بسيمة
ما ،واللسان الرطب بالذكر ل يخاطبها إل السجود مقطب دائ ً
بسوء ،والوجه الذي شدها نوره يشيح عنها كلما تحدثت إليه أو
سألته شيئًا ،وتطور المر أكثر؛ فإذا باليدين اللتين طالما ارتفعتا
بتكبيرة الحرام توجهان إليها اللكمات إذا احتد الخلف بينهما،
والقدمين اللتين كم مشتا إلى المساجد تركلن أي شيء في
طريقهما عندما يغضب!
انسحبت الفرحة وحلوة التوقع من نفس الفتاة؛ لتخليا
مكانهما للصدمة ومرارة الواقع ،والحساس القاسي بالخديعة..
كانت تسترجع كلماته عن البيت المسلم ،وتقارنها بأفعاله،
فتهز رأسها غير مصدقة ..تتذكر ما قاله عن صلة الرحم ،وكيف
يكون البيت قبلة ،وتقيسها إلى فظاظته مع ذوى قرباه ،وسوء
استقباله لقاربها ،فتكاد أن تجن! تتأمله وهو يطيل صلة
النوافل فتشعر أنها أمام ملك ،فإذا خرج من صلته شعرت بأنه
يخلع ثوبه ليرتدي ثوب إنسان ل يظن من يتعامل معه أنه ركع
مرة في حياته!
جته بالقرآن والسنة فاتهمهاعاتبته ..فتذرع بالقوامة ،حا َّ
بالتفلسف وسوء الدب ،سألته التحكيم فرفض بإباء ،وأكد أنه
غير مخطئ ..شكته إلى أبيها فاتهمها بالمبالغة ،والساءة إلى
سكرة» على حد تعبيره! الرجل الطيب «ال ُّ
فضفضت مع أمها ،فقالت بانزعاج :صحيح« ..حسبناه
موسى فكان فرعون» ،ثم أردفت بأسى :ولكن اصبري يا
ابنتي ،وأجرك على الله.
وعندما تيقن الب من صدق ابنته ،لم يستطع أن يواجه
نظرات زوجته اللئمة ،وهي تقول له :قلت لك :اسأل عنه يا
حاج!
وتمر الشهور والسنوات والزوج ل يستجيب لنصح ،ول يقبل
مراجعة ،ول ينحني للحق!
أعيت الب الحيل ..ونفض الوسطاء أيديهم بعدما فقدوا
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
141
ما للصغير المل ..ولم تملك الم إل البكاء ومحاولة التصبر إكرا ً
الذي رزقت به ابنتها.
وبقيت البنة تتجرع مرارة حياة كريهة ،والب يأكله الندم،
والم تعشش في قلبها الفرحة المكسورة ،والرجل كما هو،
يتلو القرآن بصوت رخيم جميل ،بينما تنزوى هي في ركن قصى
لئذة بإذاعة القرآن الكريم يتداخل في سمعها صوت تلوة
زوجها وصوت مذيع يتحدث عن أسس اختيار الزوج ،مستشهدًا
بحديثه « :إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ،إل تفعلوا تكن فتنة ف الرض
وفساد كبي».
تنهمر دموعها وتضم كفيها بأسى ،قابضة على الفراغ،
متسائلة عن نصف معادلة الختيار الذي يسكن بيتها ،والنصف
()1
الخر الذي فر ،ول تدري إلى أين؟!
***
1
() مجلة الزهور العدد 78السنة السابعة – ربيع الخر 1428هـ مايو 2007م.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
142
1
() تدبر القرآن للسنيدي ص ،48نقل ً عن ذيل طبقات الحنابلة لبن رجب (
.)3/273
2
() إحياء علوم الدين .440 ،1/439
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
145
1
() إغاثة اللهفان .1/149
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
147
1
() قاعدة في فضائل القرآن لبن تيمية ص .67
2
() إحياء علوم الدين .1/441
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
149
1
() تفسير الفاتحة وجزء عم لمحمد عبده ص .11
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
150
1
() الحوادث والبدع لبي بكر الطرطوشي ص .206
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
151
1
() كيف نتعامل مع القرآن ص .32
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
152
2
() الزواجر لبن حجر الهيثمي ص .157
2
() التذكار في أفضل الذكار ص .219
3
() حديث القرآن عن القرآن ص .46
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
153
1
() تفسير القرآن العظيم .4/280
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
154
1
() التقان في علوم القرآن للسيوطي .1/104
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
157
1
() المدخل لدراسة القرآن الكريم ص .438
2
() التحفة العراقية في العمال القلبية ص .74 ،73
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
158
حقّ َيقُولُونَ رَبّنَا آمَنّا فَاكُْتبْنَا َمعَ الشّاهِدِي َن [المائدة ]83 :فبكاؤهم – كما
مِنَ اْل َ
()1
يقول الطرطوشي – إنما كان لما فهموه من معانيه .
جا عن صوت القارئ وتطريبه بالقرآنأما إذا كان التأثر نات ً
دون المعنى فهنا تكمن المشكلة.
لن التطريب وإن كان يستثير المشاعر إل أنه قد يستثيرها
في أمور كامنة لديها ل تخدم اليمان ،فاليمان ينشأ عند
استثارة المشاعر مع فهم ما دلت عليه القراءة.
يقول بكر أبو زيد:
إنما التعبد أن يتحرك (قلب) العبد إلى كلم الله وما فيه من
العظة والعبرة ،والتذكير بالمصير وبالجنة والنار ،وعظيم الحكم
والحكام.
أما لو تحرك عند قراءة القرآن طربا لمجرد حسن الصوت،
دون ما يحمله من آيات القرآن الكريم ،فهذا ليس من التعبد(.)2
فالقلب قد يكون فيه محبة لله ومحبة لغيره ،وخشية له
وخشية لغيره ،فإذا ما سمع المرء القرآن وهو يُقرأ بالتطريب
والصوت الحسن ،فإنه قد يجد تأثًرا بما يسمعه ،ويظن أن هذا
كله من دواعي محبة الله وخشيته ،بل هي مشاعر ممتزجة
حا في حكم(وليس كل ما حرك الكامن في النفوس ،يكون مبا ً
الله ورسوله) (.)3
سنة استحباب سماع القرآن من فإن قلت :ألم يرد في ال ُّ
أصحاب الصوات الحسنة؟!
..نعم ،ورد ذلك ليكون أدعى لتفهم القرآن والتأثر بمعانيه.
يقول ابن كثير :المطلوب شرعًا إنما هو التحسين بالصوت
الباعث على تدبر القرآن وفهمه ،والخشوع والخضوع والنقياد
للطاعة.
1
() الحوادث والبدع ص .191
2
() هجر القرآن ص 78 ،77بتصرف يسير.
3
() نزهة السماع في مسألة السماع من مجموع رسائل ابن رجب ص . 472
الفصل السادس :لماذا لم ننتفع بالقرآن؟!
159
1
() فضائل القرآن لبن كثير ص .115 ،114
2
() رواه أحمد والبزار والطبراني في الوسط والكبير ،وقال الهيثمي :وفي
إسناد أحمد :عثمان بن عمير البجلي وهو ضعيف ،وأحد إسنادي الكبير رجاله
رجال الصحيح ،انظر مجمع الزوائد .5/245
3
() صحيح ،رواه الطبراني ،وصححه اللباني في صحيح الجامع ،ص (.)2812
الفصل السابع
كيف يحدث الوصال
بين القلب والقرآن؟!
الفصل السابع :كيف يحدث الوصال
161
1
() زاد المعاد لبن القيم (.)338 ،337 /1
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
162
1
() رواه الحاكم في المستدرك – كتاب اليمان وقال هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين.
الفصل السابع :كيف يحدث الوصال
163
1
() عظمة القرآن للدوسري ص .583 ،582
2
() معالم في الطريق .15 ،14
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
164
ِإنّ فِي ذَِلكَ لََيةً ّلكُمْ إِن كُنْتُم مّ ْؤمِنِيَ ،فإن لم تكونوا مؤمنين بي
حا.
كرسول فلن تستقبلوا هذا اليات استقبال صحي ً
ونفس المر بالنسبة للقرآن فإن لم يزدد اليمان بقيمة
القرآن ،وبالهدف من نزوله ،وبأنه قادر – بإذن الله – على
انتشالنا من الوحل الذي نغوص فيه.
..إن لم يحدث هذا فإن أي كلم يقال عن تدبر القرآن،
والتمهل في حفظه ،وضرورة التخلق بأخلقه لن يجد الستجابة
الكافية في نفوس مستمعيه ..
..من هنا نقول بأن نقطة البداية الصحيحة للنتفاع بالقرآن
هي العمل على زيادة اليمان به في القلوب .كما يقول المام
البخاري :ل يجد طعمه إل من آمن به.
فكلما ازداد اليمان :ازداد التلهف للقبال عليه ،والستسلم
له ،والنجذاب نحوه ،والنشغال به.
فكيف لنا أن نترجم هذا الكلم النظري إلى واقع عملي،
ليحدث الوصال بين القلب والقرآن؟!
هناك ثلثة محاور ينبغي أن نسير فيها مجتمعه حتى يتحقق
لنا – بمشيئة الله – الهدف الذي نصبو إليه.
هذه المحاور هي:
أولً :تقوية الرغبة والدافع للنتفاع الحقيقي بالقرآن.
ثانيًا :صدق اللجوء إلى الله واللحاح عليه لتيسير انتفاعنا
بالقرآن.
ثالثًا :القبال على القرآن ،والكثار من تلوته ،واتخاذ
السباب والوسائل المعينة على تدبره والتأثر به.
ضا من التفصيل حول هذه المحاوروإليك أخي القارئ بع ً
الثلثة:
أول :تقوية الرغبة والدافع للنتفاع الحقيقى بالقرآن
الخطوة الولى في طريق العودة إلى القرآن ،وتوجيه
القلب نحو أنواره -كما أسلفنا -هي زيادة الثقة فيه ،والتعرف
الفصل السابع :كيف يحدث الوصال
165
على قيمته الحقيقية ،وكيف أنه قادر -بإذن الله -على إحياء
قلوبنا وتغيير ما بأنفسنا ،والتعرف كذلك على العقبات التي
تواجهنا في طريق العودة إليه وكيفية اجتيازها ،مع تصحيح
المفاهيم الخاطئة التي رسخت في الذهان عن كيفية التعامل
معه ..وكلما ازدادت الثقة في القرآن قويت الرغبة ،واشتدت
الحاجة ،وتولد الدافع القوي للقبال الصحيح عليه.
يقول سيد قطب :الناس قلما ينقصهم العلم بالحق
والباطل ،وبالهدى والضلل ..إن الحق بطبيعته من الوضوح
والظهور بحيث ل يحتاج إلى بيان طويل ..
..إنما تنقص الناس الرغبة في الحق(.)1
ويقول السعدي في قوله تعالى َلقَ ْد كَانَ فِي يُوسُفَ وَِإخْوَِت ِه آيَا ٌ
ت
لّلسّاِئلِيَ [يوسف :]7 :آيات لكل من سأل عنها بلسان الحال أو
بلسان المقال ،فإن السائلين هم الذين ينتفعون باليات والعبر،
وأما المعرضون فل ينتفعون باليات(.)2
فالرغبة في الشيء تولد الشعور بالحتياج إليه ،ومن ث َّ
م
النتفاع به.
وإليك أخي القارئ كلمات لبي الحسن الندوي -رحمه الله-
تؤكد هذا المعنى يقول فيها:
إن من الشروط الولية الساسية للستفادة من القرآن
الكريم والنتفاع به ،هو وجود الرغبة إليه ،وطلب الستفادة
منه ،فمن لم تتحقق عنده الرغبة والطلب ماذا يكون تأثير
القرآن فيه؟
إن من سنة الله – تعالى – ونواميسه أنه ل يعطي إل
بالرغبة والسؤال ،وللرغبة والسؤال عنده قيمة كبيرة ،فالقلق
على الوضع الراهن ،وعدم القتناع به ،والجهد للصلح والتغيير،
والبحث عن الطريق هو أول خطوة عنده في سبيل السعادة(.)3
..ولعل ما قيل في الصفحات السابقة يستثير لدينا مشاعر
1
() في ظلل القرآن .1/480
2
() تيسير الكريم الرحمن ص .394
3
() المدخل إلى الدراسات القرآنية الندوي ص .93
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
166
ط كَفّيْ ِه إِلَى اْلمَاءِ لِيَ ْبلُغَ فَا ُه وَمَا هُ َو ِببَالِ ِغهِ [الرعد.]14 :
حالنا كَبَاسِ ِ
ب َعلَ ْيهِمْ لَِيتُوبُوا [التوبة]118 :؟!
ألم يقل سبحانه :ثُ ّم تَا َ
ومع ذلك ،وحتى ل يدَّعي أحد بأن المر ليس بيده ،وأنه
منتظر لهداية ربه ،فقد ربط سبحانه بين إمداده وعطائه للعبد،
وبين مدى حرص هذا العبد واستعداده لتلقي هذا العطاء َفمَنْ
حرّوْا َرشَدًا [الجن.]14 :
ك َت َ
َأ ْسلَمَ فَأُولَِئ َ
وفي الحديث القدسي يقول تعالى« :يا عبادي كلكم ضال إل من
هديته ،فاستهدون أهدكم»(.)1
فالجملة الولى (كلكم ضال إل من هديته) تحصر وتقصر الهداية
على الله عز وجل ،والجملة الثانية (فاستهدون أهدكم) تبين دور
العبد في استجلب تلك الهداية ،فإن كانت الهداية من الله ،إل
أن البداية من العبد يطلبها بلسان حاله أو مقاله.
وكما جاء في الثر عن أبي الدرداء:
لما أهبط الله آدم إلى الرض قال له :يا آدم أحبني وحببني
صا على
تستطيع ذلك إل بي ،ولكن إذا رأيتك حري ً إلى خلقي ،ول
()2
ذلك أعنتك عليه ..
عون الله للعبد على قدر عزمه:
يقول ابن رجب :عون الله للعبد على قدر قوة عزيمته
وضعفها ،فمن صمم على إرادة الخير أعانه الله وثبته.
وتأتي على قدر الكرام على قدر أهل العزم تأتي
المكارم العزائم
ص الرسل :أولوا العزم. ولهذا سمى الله خوا ّ
واعلم أن العزيمة على الرشد مبدأ الخير ،فإن النسان قد
يعلم الرشد وليس له عليه عزم.
فالخير كله منوط بالعزيمة الصادقة على الرشد ،وهي
1
() رواه مسلم.
2
() استنشاق نسيم النس لبن رجب الحنبلي ص .127
الفصل السابع :كيف يحدث الوصال
169
1
() مجموع رسائل ابن رجب 348 -1/343باختصار.
2
() الذل والنكسار لبن رجب.
3
() رواه المام أحمد والترمذي.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
170
1
() متفق عليه.
الفصل السابع :كيف يحدث الوصال
171
بالمدينة(.)1
ويقول المام ابن تيمية عن نفسه:
ربما طالعت على الية الواحدة نحو مئة تفسير ،ثم أسأل
الله الفهم وأقول :يا معلم آدم وإبراهيم علمني .وكنت أذهب
إلى المساجد المهجورة وأمرغ وجهي في التراب ،وأسأل الله
وأقول :يا معلم إبراهيم فهمني(.)2
فإذا عزم المر:
لقد مر علينا في قصة إسلم أسيد بن حضير ،قول أسعد بن
زرارة لمصعب بن عمير عندما رأى أُسيدًا يقبل عليهما بوجه
غاضبًا« :أصدق ال فيه».
التفاتة نحوه ليقبل علينا ،فإن تأخر المداد ،فلحكمة يعلمها هو،
ولخير كبير ينتظرنا شريطة أل نبرح بابه ،وأن نستمر في
اللحاح عليه ،مع إظهار عظيم افتقارنا وحاجتنا إلى جوده.
...أخي:
أتظن أنك إن مَّرغت وجهك في التراب،
فاختلط به دمعك ،واشتد نحيبك وتضرعك
إلى الله في طلبك للوصال بين قلبك
والقرآن ...،أتظن أن ربك يعرض عنك ،ول
يستجيب لطلبك؟!
المحور الثالث :الكثار من تلوة القرآن بتفهم وترتيل
وصوت حزين
المحور الثالث الذي ينبغي أن يسير جنبا إلى جنب بجوار
المحورين السابقين هو الكثار من تلوة القرآن بتفهم وترتيل
وصوت حزين.
وقبل أن نتحدث عن الوسائل العملية المعينة على الفهم
والتأثر بالقراءة ننقل إليك – أخي القارئ -بعض تجارب ونصائح
المصلحين في هذا الشأن.
محمد إقبال:
يقول أبو الحسن الندوي :لقد كانت قراءة محمد إقبال
للقرآن قراءة تختلف عن قراءة الناس ،ولهذه القراءة
الخاصة فضل كبير في تذوقه للقرآن ،واستطعامه إياه.
وقد حكى قصته لقراءة القرآن .قال« :قد كنت تعمدت أن
أقرأ القرآن بعد صلة الصبح كل يوم ،وكان أبي يراني،
فيسألني :ماذا أصنع؟ فأجيبه :أقرأ القرآن ،وظل على ذلك
ثلث سنوات متتاليات يسألني سؤاله ،فأجيبه جوابي ،وذات يوم
قلت له :ما بالك يا أبي! تسألني نفس السؤال وأجيبك جوابًا
واحدًا ،ثم ل يمنعك ذلك عن إعادة السؤال من غدٍ؟ فقال :إنما
أردت أن أقول لك :يا ولدي؛ اقرأ القرآن كأنما نَُّزل عليك .ومنذ
ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن وأقبل عليه ،فكان من أنواره ما
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
174
المراجـــــــــع
-القرآن الكريم.
-التقان في علوم القرآن – جلل الدين السيوطي – دار الندوة الجديدة –
بيروت.
-إحياء علوم الدين – أبو حامد الغزالي – دار الحديث – ط 1412 – 1هـ.
-أخلق حملة القرآن – أبو بكر الجرى – دار الكتاب العربي – لبنان.
-استنشاق نسيم النس – ابن رجب الحنبلي – المكتب السلمي – ط -1
1411هـ.
-إغاثة اللهفان – ابن قيم الجوزية – المكتب السلمي – بيروت – ط -2
1409هـ.
-النتصار للقرآن – القاضي الباقلني – دار ابن حزم – بيروت – تحقيق د .محمد
عصام القضاه.
-آيات الخشوع في القرآن – عبد الله المغربي – بيت الفكار الدولية – الردن.
-البداية والنهاية – الحافظ ابن كثير – دار الفجر للتراث – القاهرة – ط -1
.2003
-البرهان في علوم القرآن – الزركشي – دار الحديث – القاهرة – 1427هـ.
-التبيان في أقسام القرآن – ابن قيم الجوزية – دار اليمان – السكندرية.
-التحفة العراقية في العمال القلبية– ابن تيمية – المطبعة السلفية – القاهرة –
ط .1402 -3
-تدبر القرآن – سليمان بن عمر السنيدي – المنتدى السلمي – ط -1
1422هـ.
-التوحيد والوساطة في التربية الدعوية – فريد النصاري – دار الكلمة –
المنصورة – مصر.
-التذكار في أفضل الذكار – القرطبي – مكتبة دار البيان – دمشق – ط -3
1407هـ.
-التصوير الفني في القرآن – سيد قطب – دار الشروق – القاهرة.
-التعبير القرآني والدللة النفسية – عبد الله الجيوسي – دار الغوثاني – دمشق
– ط .2007 -2
-تفسير القرآن العظيم – الحافظ ابن كثير – مكتبة العبيكان – بيروت – ط -2
1417هـ.
-تفسير سورة الفاتحة وجزء عم – المام محمد عبده – الهيئة العامة لقصور
الثقافة – مصر.
-تلبيس إبليس – ابن الجوزي – المطبعة المنيرية – القاهرة.
-تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان -عبد الرحمن السعدي –
مؤسسة الرسالة – ط 1420 -1هـ.
-جامع بيان العلم وفضله – ابن عبد البر –دار ابن الجوزي – السعودية ط -3
.1997
-الجامع لحكام القرآن – القرطبي – دار الكتب العلمية – بيروت – ط – 5
1417هـ.
المراجـــــــــــع
183
-جامع العلوم والحكم – ابن رجب الحنبلي – دار ابن الجوزي -السعودية – ط -2
1420هـ.
-حديث القرآن عن القرآن – محمد الراوي – مكتبة العبيكان – الرياض – ط – 1
1415هـ.
-حسن البنا ومنهجه في التفسير – دار التوزيع والنشر السلمية – القاهرة.
-الحوادث والبدع – أبو بكر الطرطوشي – دار المغرب السلمي – ط – 1
1410هـ.
-حياة الصحابة – محمد يوسف الكاندهلوي – شركة الرياض – السعودية -ط -1
.1998
-الدر المنثور في التفسير بالمأثور – للسيوطي – دار الكتب العلمية – بيروت –
ط 2000 – 1م.
-الذل والنكسار للعزيز الجبار – ابن رجب – مكتبة التوعية السلمية – القاهرة
– ط 1414 -1هـ.
-رسائل من السجن لبن تيمية – دار الرقم – الكويت – ط .1407 -3
-رهبان الليل – سيد العفاني – مكتبة ابن تيمية – القاهرة – ط 1418 -4هـ.
-روائع إقبال – أبو الحسن الندوي – دار القلم – دمشق – ط 1420 -1هـ.
-زاد المعاد في هدى خير العباد – ابن القيم – مؤسسة الرسالة – بيروت.
-الزهد – عبد الله بن المبارك – تحقيق أحمد فريد – دار العقيدة – السكندرية –
ط .1425 -14
-الزواجر عن اقتراف الكبائر – ابن حجر المكي الهيثمي – دار الشعب – القاهرة
– 1400هـ.
-سلسلة الحاديث الصحيحة – محمد ناصر الدين اللباني – مكتبة المعارف –
الرياض – 1415هـ.
-سلسلة الحاديث الضعيفة – محمد ناصر الدين اللباني – مكتبة المعارف –
الرياض.
-سير أعلم النبلء – الحافظ الذهبي – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط -1
1429هـ.
-السنة ومكانتها في التشريع السلمي – مصطفى السباعي – المكتب
السلمي – بيروت – ط .1405– 4
-السيرة النبوية – ابن هشام – دار التراث العربي – القاهرة.
-سنن الدارمي – دار المعرفة – بيروت – ط 1421 -1هـ.
-صحيح الجامع الصغير وزيادته –اللباني – المكتب السلمي – دمشق – ط -3
.1408
-صحيح مسلم بشرح النووي – دار المعرفة – بيروت – ط 1417 -3هـ.
-صحابة رسول الله وجهودهم في تعليم القرآن الكريم -أنس أحمد كرزون –
دار ابن حزم – بيروت.
-عظمة القرآن الكريم – محمود الدوسري – دار ابن الجوزي – السعودية – ط
1426 -1هـ.
-عون المعبود شرح سنن أبي داود – شمس الحق آبادي – دار الكتب العلمية –
بيروت ط 1410 -1هـ.
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
184
-فتح الباري– ابن حجر العسقلني – دار الكتب العلمية – بيروت – ط -1
1410هـ.
-فضائل القرآن – أبو عبيد القاسم الهروي – دار ابن كثير – دمشق – ط -2
1420هـ.
-فضائل القرآن – ابن كثير – دار المعرفة – بيروت – ط 1407 -2هـ.
-فضائل القرآن – ابن الضريس – دار الفكر – دمشق.
-فضائل سور القرآن الكريم – إبراهيم على السيد عيسى – دار السلم –
القاهرة – ط .2005 -2
-فضائل القرآن – للفريابي – مكتبة الرشد – الرياض – ط 1421 -2هـ.
-فضائل القرآن – المستغفري – تحقيق أحمد إسلوم -دار ابن حزم – بيروت –
ط 2006 1م.
-فضل علم السلف على الخلف -ابن رجب الحنبلي -دار الحديث -القاهرة.
-في ظلل القرآن – سيد قطب – دار الشروق – القاهرة – ط 1408 -15هـ.
-فقة السيرة – محمد الغزالي – دار القلم – دمشق – ط 1416 -6هـ.
-فيض القدير شرح الجامع الصغير – المناوي – دار الكتب العلمية – بيروت – ط
1415 -1هـ.
-قاعدة في فضائل القرآن – ابن تيمية – مكتبة الظلل – الحساء – السعودية.
-كليات رسائل النور – إشارات العجاز – النورسي – شركة سوزلر -القاهرة -ط
2004 -1م.
-كليات رسائل النور – سيرة ذاتية – النورسي – شركة سوزلر – القاهرة – ط
.2004 -4
-كيف نتعامل مع القرآن؟ -محمد الغزالي – دار الوفاء – مصر – ط 1412 -2
هـ.
-كيف نتعامل مع القرآن العظيم – يوسف القرضاوي – دار الشروق – مصر.
-كن كابن آدم – جودت سعيد – دار الفكر – دمشق – ط .1419 -1
-لمحات النوار ونفحات الزهار – الغافقي – دار البشائر السلمية – بيروت –
ط 1997 -1م.
-لمحات من تاريخ السنة – عبد الفتاح أبو غدة – مكتب المطبوعات السلمية –
حلب – ط – 1
-مباحث في علوم القرآن – مناع القطان – مؤسسة الرسالة – ط 1407 -21
هـ.
-مجموع رسائل ابن رجب – الفاروق الحديثة – شبرا – القاهرة – 2002م.
-المحاور الخمسة في القرآن – محمد الغزالي – دار الوفاء – مصر – ط -2
.1989
-مجمع الزوائد ومنبع الفوائد – الهيثمي – دار الكتب العلمية – بيروت 1408 -
هـ.
-مدارج السالكين – ابن قيم الجوزية – دار الكتب العلمية – بيروت.
-مختصر قيام الليل – محمد بن نصر المروزي – مؤسسة الرسالة – ط -2
1414هـ.
-المدخل لدراسة القرآن الكريم – محمد أبو شهبة .طبعة خاصة بالمؤلف.
المراجـــــــــــع
185
-المدخل إلى الدراسات القرآنية – أبو الحسن الندوي – مؤسسة الرسالة –
بيروت – ط .2004 -1
-المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز – أبو شامة – دار صادر –
بيروت – 1975م.
-مع القرآن وحملته في حياة السلف الصالح – عبيد الشعبي – دار الوطن للنشر
– السعودية.
-معالم في الطريق – سيد قطب – دار الشروق – القاهرة – ط 1403 -10هـ.
-المعجزة القرآنية – محمد حسن هيتو – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط -3
1419هـ.
-مقدمة في أصول التفسير – ابن تيمية – دار التراث السلمي القاهرة.
-مقومات التصور السلمي – سيد قطب – دار الشروق – القاهرة.
-منهج السلف في العناية بالقرآن الكريم – بدر ناصر البدر – دار الفضيلة –
المنصورة– ط 1424 -1هـ.
-نظرية العجاز القرآني – أحمد سيد عمار – دار الفكر – دمشق – ط -1
.1998
-نظرات في كتاب الله للمام الشهيد حسن البنا – جمع عصام تليمة – دار
التوزيع والنشر – القاهرة.
-هجر القرآن (فتح الرحمن في بيان هجر القرآن) -محمد فتحي ،محمود الملح
– دار طيبة الخضراء – مكة.
-مجلة زهور المصرية – العدد – 78السنة السابعة – ربيع الخر -1428مايو
.2007
-مجلة الخوان المسلمين – العدد ( )21السنة الولى -18-رمضان – 1362هـ
18 -سبتمبر – ،1943نقل من موقع إخوان أون لين.
***
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
186
الفهرس
المقدمة3.................................................... .......
قبل أن تقرأ هذه الصفحات5...................................
الفصل الول :الصخرة أغلقت الغار فهل إلى خروج من
سبيل؟!
المة1 0 ........................................ .......... فصيلة دم
مشكلتنا إيمانية1 1 .................................. ................
العمود الفقري لليمان1 2 ....................... ..................
صنعوا ها هنا1 3 ............................ ...................إنهم ُ
القرآن مخرجنا1 4 ..................................................
أين السنة؟!1 5 ................................................. .....
القرآن والعمال الصالحة الخرى1 7 ............................
هل أدرك المسلمون قيمة القرآن؟!1 8 ........................
الرسول يشكونا2 0 ......................... ........................
فما الحل في هذه الشكالية؟!2 0 ...............................
اليمان بالقرآن هو البداية2 3 .....................................
الفصل الثاني :حبل الود
الواسعة2 9 .................................. ............... الرحمة
جحود النسان3 1 ...................................................
غواية الشيطان32................................. .................
طبيعة المعركة3 3 ..................................................
أبواب الشيطان34.................................................
الرحيم الودود34............................................. .......
لماذا أنزل الله القرآن؟!3 5 ...................................... .
المعرفة وحدها ل تكفى3 9 ................................ ........
القرآن وإغلق مداخل الشيطان3 8 ........................... ...
ابن القيم وتجربته مع القرآن3 9 .................................
إصلح الرادة3 9 ....................................................
الفهـــــــــــــــرس
187
النماذج كثيرة122....................................................
عودة إلى العصر الول لنزول القرآن124.......................
ولكن ما السبب إذن؟!125................................. ........
أولً :الصورة الموروثة عن القرآن127...........................
ثانيًا :طول اللف1 3 2 ....................... .........................
ثالثًا :نسيان الهدف الذي من أجله نزل القرآن134............
رابعًا :النشغال بفروع العلم والتبحر فيها 140.................
سا :غياب أثر القرآن147...................................... خام ً
سا :كيد الشيطان150....................... ................... ساد ً
سابعًا :مفاهيم وممارسات ساهمت في عدم النتفاع بالقرآن
155....................................................... ..............
الخوف من تدبر القرآن واللقاء المباشر به156................
تحصيل الجر والثواب فقط1 5 7 ...................................
السراع في حفظ القرآن158.....................................
قراءة الحافظ1 5 9 ...................................................
حول مفهوم النسيان159...........................................
أمراض القلوب1 6 0 ............................ ......................
قراءتان للقرآن1 6 2 ...................................... ............
التعمق في المعنى1 6 3 .............................................
مدة الختم1 6 4 ............................... .........................
السماع عندى أفضل!!1 6 5 ........................ .................
الفصل السابع :كيف يحدث الوصال بين القلب والقرآن؟!
اليمان أولً 172................................................... ....
نقطة البداية الصحيحة173.........................................
أول :تقوية الرغبة والدافع للنتفاع الحقيقى بالقرآن1 7 5 ......
المحور الثاني :اللحاح على الله عز وجل178..................
المحور الثالث :الكثار من تلوة القرآن بتفهم وترتيل وصوت
حزين183........................................... ...................
وسائل عملية معينة على النتفاع بالقرآن1 8 5 ..................
كلمة أخيرة لكل مسلم1 9 0 ......................................
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
190
المراجع192................................... ........................
الفهرس1 9 5 ..........................................................
***