Professional Documents
Culture Documents
الباضية في موكب 1
.............................نشــأة المذهب الباضي
الشيخ
معَ َّ
مر حيَى ُ
عَلي ي َ ْ
ضيَّة
البَا ِ
ريخ اب الت َّ
وك ِ ِ
م ْ
في َ
ِ
الحلقة الولى
نشأة المذهب الباضي
اعتن بإخراجه
سلطان بن مبارك بن حد الشيبان
التاريخ .............................
الباضية في موكب 2
.............................نشــأة المذهب الباضي
معَ َّ
مر حيَى ُ
خ عَلِي ي َ ْ ال َّ
شي ْ ُ
ترجمة المؤلف
التاريخ .............................
الباضية في موكب 3
.............................نشــأة المذهب الباضي
آنس منه أساتذته الكفاية العلمية ،فأسندوا إليه مهمة التدريس بالعهد ،
فكان طالبحا ومدرسحا فح آن واححد ،ماح سحاعده على التوسحع فح البححث
والستزادة من العرفة .
أما نشاطه الثقاف فبز بتونس ،ففي إحدى العطل الصيفية قصد جربة ،
وكون با جعية من زملئه الطلبة ،تتول المر بالعروف والنهي عن النكر .
وف القرارة برز نشاطه ف التوجيه والرشاد .
كان ينشر مقالته الدينية والدبية والجتماعية والتاريية بختلف الرائد
والجلت منها :
.1ملة الشباب :يصدرها طلبة معهد الياة بالقرارة .
.2ملة السلمون :يصدرها الركز السلمي بنيف .
.3ملة الزهر :يصدرها ممع البحوث السلمية بأزهر القاهرة .
.4السبوع السياسي ،والعلم :تصدران بطرابلس الغرب ف ليبيا
.
.5الرسالة :يصدرها حسن أحد الزيات بالقاهرة .
بذل جهودا معتبة ف تأسيس عدة مؤسسات تربوية ،فأثرت جهوده :
.1مدرسة ابتدائية ف جادو .
.2معهدا للمعلمي ساه « معهد الشيخ إساعيل اليطال للمعلمي
».
.3مدرسة الفتح بطرابلس ،تديرها جعية الفتح .
التاريخ .............................
الباضية في موكب 5
.............................نشــأة المذهب الباضي
الشيخ
علي يحيى معمر
بقلم /الدكتور محمد ناصر بو حجام
)).
بهذا السـلوب اسـتطاع المرحوم أن يعالج كثيرا
مـــن قضايـــا المســـلمين ،و يناقـــش بعضـــا مـــن
التاريخ .............................
الباضية في موكب 11
.............................نشــأة المذهب الباضي
.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 16
.............................نشــأة المذهب الباضي
.
(
)
)).
بهذه الروح عالج الشيــــخ كثيرا مــــن القضايــــا
الســـلمية ،و بهـــا يتمنـــى أن تزول الثقـــة بيـــن
المســلمين ،و تذهــب أســباب التباعــد عــن بعضهــم
البعـــض ،و يحـــل محلهـــا التفاهـــم الذي يؤدي إلى
التعاون و العمــل المشترك ،هذا مــا جعــل الســتاذ
علي مصـطفى المصـراتي يقول (( :كانـت و ل تزال
و ســـتظل دراســـات علي معمـــر -رغـــم اختلفات
الرأي -أو في لون من ألوان التقريب بين المذاهب
السلمية في الكتاب و السنة و الشريعة)).
التاريخ .............................
الباضية في موكب 17
.............................نشــأة المذهب الباضي
ة
م ٌ م َ
قـدّ َ ُ
ف هذه اللمحات الق صيةِ أرد تُ أن أعرض صفحاتٍ عن الباض ية ،أضعُ ها
بي أيدي الْمُثقّفي من المّة ،وليست هذه اللمحات شيئًا بعيدَ الْمَنال ؛ يَحتاج إل
تق صّي البحث وإطالة التنقيب ،وإنّما هي صورٌ َيجِدُها عن َكثَ بٍ كلّ مَ نْ خَلصتْ
نيتُه ف طلب الق ،ودعتْ هُ العزيْ َمةُ الصادقةُ إل الطلع على مصادر الشريعة لهل
ِنح
ّثتح عنهحم ،م ْ
ْسح كتحب السحي والتاريحخ النصحفة التح تَحَد ْ هذا الذهحب ،و َدر ِ
موافقيهم ومُخالفيهم .
والذه بُ الباضي ليس مذهبا ِسرّيـًا ،وليست أصولُه الت ينبن عليها خافيةً
أو َمجْهولةً ،وليس أتباعُه مِمّ نْ يستترون أو َيخْتفون ،فهم ل يقيمون لغي ال وزنًا
ِمح جزاءً محن غيح ال ،ول يتبعون فح فح هذا الوجود ،ول ينتظرون عحن أعمالِه ْ
تصرفاتِهِمْ غي الق .
ضرَ بَ الْمََثلَ العلى ف النّزَاهة
إنه مذه بٌ مل الدنيا حقّا و عدلً واستقامةً ،و َ
والن صاف ف أدوارٍ من التار يخ ،و سيمل الدن يا بذلك عند ما يأذن ال .ول ستُ
أق صِدُ بذلك مثلَ خرافة المامة عند الشيعة ،ول قصة الهدي النتظر ،وإنا أقصد أن
أقول :إن الذهب الباضي يستمد قويه من السلم ،الذي اختاره الالق ليكون دين
البشرية جعاء ،كما جاء به ممد صلى ال عليه وسلم ،ل ينحرف به عن صراط ال
السويّ غلوّ ول تفريط ،ول تنت شر فيه الرافة الت يبثها مشائخ طرق يتصيدون با
التاريخ .............................
الباضية في موكب 21
.............................نشــأة المذهب الباضي
الدنيحا عحن طريحق الديحن ،ول يتجمحد بتحكحم فقهاء على العقول والدارك فيمنعون
الجتهاد ،ويقصرونه على عصر أو ناس ل يق لغيهم أن يصلوا إليه .وتُعطل العلوم
والفهام ،فل تُع طى حق الر ية ف الب حث والتنق يب وإعطاء الحكام .بدعوى أن
الجتهاد أغلقت أبوابه ،واحتفظ الفقهاء الامدون بالفاتيح ف مباء سريّ ل يهتدي
إليه الباحثون.
قلت :إن الذهب الباضي ،يستمد قوته من السلم نفسه ،لنه يتفظ بصفاء النبع
الذي ي صدر م نه ،وعند ما يتوب ال سلمون إل رشد هم ،ويعودون إل د ين رب م،
نظيفا من البدعة ،نظيفا من الرافة ،نظيفا من الغلوّ ،نظيفا من المود ،و نظيفا من
الباطيل الت ألصقها جهل النسان بدين ال القوي .عند ذلك يد السلمون أنفسهم
على ال سلم ال ق ،الذي مل الدن يا رح ة وعدل ،وا ستقامة ونزا هة وح قا .وعلى
ذلك السلم الق ل تزال هذه الطائفة الت ساها التاريخ فرقة الباضية ،وأصر أن
ي عل ل م إما ما ك ما لغي هم من الفرق أئ مة .ولو أن إمام هم ال ق الذي ل يهتدون
بغي هديه ،ول يقلدون سواه ،إنا هو ممد بن عبدال ،صلى ال عليه وسلم ،ليس
لغيه حق المامة إل بالسوة السنة ،والتتبع للسنة الميدة القوية ،واليان الطلق
بأن هدى رسول ال صلى ال عليه وسلم ف القول والعمل ،هو الدى الذي أمر ال
أ مة م مد أن يكونوا عل يه .وإذا جارى الباض ية الؤرخ ي ،وانت سبوا إل عبدال بن
إباض ،واتذوا لمح إسحْما كمحا لسحائر الفرق أسحاء ،فل يعنح ذلك أنمح يقلدون
الرجال ،ويقدسحون أقوالمح ،ويتبعونمح إتباعحا أعمحى ،ويرفعون أولئك الرجال إل
مراتب الكمال ،الت ل يصلها إل أنبياء ال الصطفون ،وإنا يرصون أن ل يأخذوا
دين هم إل على من توفرت ل م ف يه الث قة والما نة ف د ين ال :الما نة ف القول،
والمانة ف العمل.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 22
.............................نشــأة المذهب الباضي
والباضية ل يقدسون الرجال ،ول يعلونم علمة على الق ،ول يوجبون تقليد غي
الع صوم ،ول يتبعون م ما ل يث بت الدل يل الشر عي صواب م سلكهم ،أو يرد ال نص
بأن م على هدى م مد عل يه ال سلم ،ك ما ش هد الد يث الشر يف لعمار ر ضي ال
عنه ،ولبعض الصحابة رضوان ال عليهم.
قال ف خر الجتهد ين ق طب الئ مة ،رح ه ال تعال ف رده على الع قب( :وان أردت
أنم مهملون ل إمام لم ،فقد سهوت ،فإن إمامهم النب صلى ال عليه وسلم).1
ولن يعظحم فح نظحر الباضيحة إل الؤمحن الذي يسحتمسك بغرز النحب ،عليحه السحلم
ويسلك الحجة البيضاء الت ليلها كنهارها ،ومهما بلغ الرجل من العلم والعمل فإن
ف مقاله مأخوذا ومتروكا غي من قال فيه الكتاب الكري :
َ
حى﴾ (النجم،3: ي يُو َح ٌ ن الْهَوَى ،إ ِ ْ
ن هُوَ إ ِ ّل وَ ْ ما يَنْطِقُ ع َ ِ ﴿ وَ َ
... )4
سن َ ًٌ َ ُ
ة ﴾ (الحزاب: ح َسوَةٌ َ ل الل ّهِ أ ْ سو ِ م ف ِي َر ُ ن لَك ُ ْ
﴿ لَقَد ْ كَا َ
.)21
بذه النظرة الواقع ية ين ظر الباض ية ال أئمت هم ،ف هم ب شر غ ي مع صومي ،تت مل
أقوال م وأعمال م الطاء والغفلة والن سيان ،ولذلك ف ما ي صح تقليد هم لفعال م أو
لقوالم ،وإنا تؤخذ عنهم تلك القوال ،ويقتدى باتيك الفعال ،حي يقيمون على
صحتها وصوابا الدليل ،الذي ل يقبل التأويل ،فاتباعهم ف قول ليس تقليدا لم ،ول
اتباعا لرأيهم ،وإنا هو اتباع لن يتبعون ،وتقليد لن به يقتدون ،وبديه يهتدون ،وإل
حكمه يرجعون.
معَ َّ
مر حيَى ُ
ع َلي ي َ ْ
التاريخ .............................
الباضية في موكب 23
.............................نشــأة المذهب الباضي
هذا الكتاب
عنوان هذا الكتاب( :الباض ية ف مو كب التار يخ) ف هو يع ن أول بالشئون التاري ية
لذه الفر قة من فرق ال سلمي الكثية ،النتشرة ف العال ،ويع ن ب ا ثانيا ف متلف
أوطانا ،ول يكن الباعث على وضع هذا الكتاب ،غي الكشف عن جوانب مشرقة،
من تار يخ ال مة ال سلمية ال كبى ،ف طائ فة من طوائف ها التعددة ،و ف ر كن من
أركان وطنها الفسيح.
وأنا حي أكتب عن هذه الفرقة من فرق السلمي ،أو عن غيها من الفرق ،أو حي
أتدث عن بعض الماكن من هذا الوطن ،أو عن غيها من الماكن الت يسود فيها
السلم ،ل أقصد الدعاية لا ،ول التنقيص من غيها ،لنن أؤمن أن هذه الطوائف
هي جوانب من المة ،وأن تلك الماكن هي جهات لوطن السلم ،ولنن أؤمن
أن ف الفرق الخرى وف الماكن الخرى مثل ما عند هذه الفرقة ،ومثل ما ف هذه
الماكن من الماد .ث لنن أؤمن أن ف هذه المة السلمية -وهي تتكون من هذه
الفرق – من عباقرة الرجال ،وف الوطن السلمي – وهو يتكون من تلك الماكن
– من التر بة ال صبة ال ت تن بت ال جد والعظ مة ،مال ي ستطيع قلم أن ي صيه ،ول
با حث أن ي ستقصيه .وإذ قد ك تب على هذه ال مة ال سلمية -ف كث ي من أدوار
التاريحخ – أن تنقسحم ال طوائف دينيحة متلفحة بعحض الختلف ،فإننح أسحتطيع أن
أزعم أن تلك الطوائف تنطلق إل غاية واحدة وإن تعددت با السبل .كما أستطيع
التاريخ .............................
الباضية في موكب 24
.............................نشــأة المذهب الباضي
أن أقول :إن لكل منها عباقرة وأعلما قدموا للسلم من جهة ،وللبشرية من جهة
أخرى ،أجل الدمات.
وإذ قحد كتحب على الوطحن السحلمي أن يتجزأ ال أوطان صحغية ،تكمهحا دول
متلفة ،فإنن على يقي أن كل وطن من هذه الوطان الصغية أنب من الفحول من
يعد مفخرة ف جبي النسانية.
فإذا انرفت ف تيار سياسي منحرف عن نج السلم دول تسيطر على بعض البقاع
السحلمية ،فإن المحة السحلمة الكحبى ،ل تزل ،ولنتزال تؤدي رسحالتها .وإن الفرد
ال سلم ،والما عة ال سلمة ل تزال تا فظ على هذه الرالة ف تقديس وإعتزاز .وذلك
يع ن أن الكفاح ف سبيل ال ق وال ي وال سعادة ل يتو قف ،ولن يتو قف مادام على
وجه البسيطة مسلمون ،يؤمنون بقيمة التشريع اللي لصلحة البشرية.
إننح أود أن يعلم القاريحء الكريح ،أن الباعحث على إخراج هذا الكتاب ،وقصحر
البحث فيه على فرقة واحدة من فرق السلم ،والتحدث عن رجال وأماكن معينة-
أود أن يعرف القاريحء الكريح ،أنالباعحث على ذلك ل يرجحع ال عصحبية مذهبيحة،
تض يق بالتفك ي النطلق ف د ين ال من سائر الفرق ،ول ال جود ف حب و طن
ضيق ،ل يتسع لبلد السلم .وإنا يرجع ال أنن درست أصول هذه الفرقة ،وعرفت
من تاريها أكثر ما درست من غيها وعرفت منه.
ث ان أقلما ل تستقص الب حث ،ول تتعرف القيقة ،قد تناولت هذه الفرقة بشيء
من الطأ ،ف فهم أصول العقيدة ،والطأ ف فهم البواعث على العمل ،والطأ ف
فهم السباب الت نتجت عنها أحداث تاريية ،حُمّلت هذه الفرقة أوزارها ،وبريء
منها أولئك الذين تسببوا فيها.
والذي يهم ن ف هذا الكتاب ،أن أو ضح ب عض الل بس الذي ن تج عن آثار القلم
الاطئة .فإننا ف أشد الاجة إل أن نزيح عن تاريخ المة السلمية ف متلف فرقها
التاريخ .............................
الباضية في موكب 25
.............................نشــأة المذهب الباضي
وطوائف ها ذلك الر ين الذي رمت ها به أقلم مغر ضة أو مطئة ،ح ت إذا ا ستقام تار يخ
المة على حقيقته ،وبرئت الفرق الختلفة ما قيل عنها بسؤ نية أو بسن نية ما ل
يتلءم مع أ صولا وقواعد ها وم صادر تاري ها وتشريع ها ،إذا ا ستقام التار يخ على
ذلك ،سحقط عحن المحة كثيح ماح دسحته اليدي العابثحة ،والراء الخطئة ،والقلم
الغرضحة ،سحواء كان ذلك محن كيحد خار جي اندس فح التراث السحلمي ،فآزرتحه
عقول سطحية ،ل تنتبه لا يمله من عدوان .أو من كيد داخلي دعت إليه ألسنة ل
يهذبا النطق بالشهادة ،فتقولت القاويل من أجل غرض دنيوي قريب ،أو متاع فيها
قليل.
فإذا ا ستقام التار يخ السلمي الجيد ،وعرض كل أ صحاب فر قة من فرق السلم
عقائد تلك الفرقة ،وأحداث تاريها ،ومدى ارتباطها بصدرها الول عرضا واضحا
صريا ،وأزيلت عنها ما ألصقته با الدعاية الغرضة ،أو الاهلة ،أو الستغفلة ،وجد
ج يع أ صحاب الفرق ف ج يع موا طن ال سلم ،أن م متشابون كل التشا به ،ف هم
منطلقون لتحقيحق الرسحالة الالدة التح أنيطحت بمح ،فح طريحق واحدة ،أوفح طرق
متشابة ،منتهية إل غاية واحدة.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 26
.............................نشــأة المذهب الباضي
والعدوان على الفكر السلمي القوي ،بترويج مذاهب اجتماعية وسياسية ،وضعها
أصحابا لهداف خاصة ،ومرامي مقصودة ،وأغراض دعتهم إليها مصلحة شعب أو
دولة ،فأصبح أولئك الواضعون يتبوؤن مقاعد التقديس ،وأصبحت أقوالم وآراؤهم
تورد للبهان فح مواضحع الحتجاج ،ويرد باح على أحاديحث العصحومي ،وعلى
الكتاب الذي ل يأتيه الباطل من بي يديه ول من خلفه ،تنيل من حكيم حيد.
والعدوان على التشريحع السحلمي ومبادئه الكيمحة ،التح أرسحلها خالق النسحان
ل سعاد الن سان ،بأنواع من التشر يع الض يق الحدود ،الذي يض عه الب شر ،و هم ف
وضعه غي أمناء.
والعدوان على العقيدة السحلمية ،التح ترر النسحان محن أيحة عبوديحة لغيح ال،
وتساوي بن آدم جيعا ف كرامة البشرية .برافة أصل النواع ،وقصة الطبيعة ،وما
تزخرفه أكاذيب أتباع داروين ف قضية التطور.
-2وأما عدوان أتباعه ،فبعدم فهمهم لسراره ،وعدم تسكهم بقائقه ،وبتجافيهم
عن تعالي مه ،وتقا صيهم عن توجي هه ،وب عد تكيم هم له ،والرجوع ال يه ،والر ضا
بكمه فيما شجر بينهم من خلف.
لقد عملت تلك القلم الباركة على نشر الوعي الدين بي السلمي ،تكشف عن
الصفحات البيض الشرقات ،الت يهلها العامة من أتباع السلم ،ويشاها العارفون
بحه محن أعدائه ،فيتجاهلوناح ،وتتصحدى فح عزم وإصحرار وثبات ،لرد الطعنات التح
توجه ال دين ال ،ف خفايا الدعاية الغرضة وبي أستار من العلج السموم لشاكل
الشرق ،ودعوى تضي بنيه ،وإيصالم ال الركب الزاحف ،الذي يسرع ف اليمنة
على ميادين الياة.
يسرن أن أشي إل تلك القلم السلمة ،الت تستمد حياتا من روح السلم ،لتدفع
عنه عدوان العتد ين ،ودسائس ال ستعمرين ،وم كر ال صهاينة وال صليبيي ،ولتك شف
التاريخ .............................
الباضية في موكب 28
.............................نشــأة المذهب الباضي
تر يف العابث ي ،وتر يف الاهل ي ،وعناد الامد ين ،وتا ف الخدوع ي ،ولتدعوا
أبناء أمة ممد إل الستمساك بدين ممد ،كما جاء به ممد صلى ال عليه وسلم.
ي سرن أن أش ي إل حلة هذه القلم البار كة الكاف حة ،وإل كل من يري ف هذا
الضمار ،محن الذيحن ييون كحل يوم سحُنة ،وييتون كحل يوم بدعحة ،ويذودون عحن
السلم شبهات أعداء السلم.
ول ست بذ كر هؤلء اللكافح ي ف سبيل ال من حلة القلم الحياء أن كر ف ضل
غيهم م ن جاهدوا لعلء كلمة ال ،فإن الهاد ف سبيل ال ل ينكره مؤمن بال،
ول كن ال صر ل يتأ تى ف م ثل هذا القام ،فل ست أن سى ف ضل المام ،وبع ثه للروح
ال سلمية ف ال سلمي ،ول أ ثر تلميذه -تلم يذ الدرس أو تلم يذ الفكرة -الذ ين
حرروا عقول ال سلمي من الرا فة والبد عة والمود ،وردوا مطا عن الكائد ين من
بقايا الروب الصليبية التعصبة.
كما ل أنسى فضل المام البناء ،الذي نفخ روح العزة والكرامة والكفاح ف نفوس
الشباب السحلم ،وبذر فيهحم روح الفدائيحة التح يسحميها الباضيحة مسحلك (الشراء)
ويعتبوناح مظهرا محن كرامحة السحلم وعزة السحلم ،عندمحا تسحيطر دول الطغيان
والظلم ،ول العزة ولرسوله وللمؤمني.
إن ن ل أن سى فذل هؤلء ول ف ضل غي هم ،م ن ل أذكره ف هذا الف صل الق صي،
ولكنن أشرت بالتخصيص إل أقلم مباركة حية ،ل تزال ف ميدان العركة ،تواصل
الكفاح ف سبيل ال ضد الطغيان :طغيان العدو الارجي ،وطغيان العدو الداخلي.
طغيان الال ،الذي نفخ الكب ف أفراد من البشر ،فاقتعدوا ف زعمهم عروش اللة،
وطغيان الفقر الذي نفخ الذلة والستكانة ف قلوب أفراد من البشر ،فأصبحوا عبيدا
لخوانم من بن النسان.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 29
.............................نشــأة المذهب الباضي
طغيان العلم اللحد ،الذي ل يعترف إل بالادة ،ول يؤمن إل بالتجربة ،ول يستسلم
إل لا تلمسه يداه ،وهو مع ذلك يهل أقرب القائق إليه ،وأدن العارف منه ،فما
يعرف شياء عن مرى الياة بي يديه ،ول يف هم سرا من أسرا الن فس البشرية الت
يكا فح لدمت ها ،ول ي صل إل أقرب العلومات عن الروح ال ت أودع ها الالق ف
النسان واليوان والنبات.
وطغيان ال هل الكا فر الذي ينح جب ع نه النور ،فل ي ستبي ال ق في ما د عت ال يه
رسالت السماء ،للتحليق بالنسانيه ف ملكوت ال ،ول يرى الباطل فيما وسوست
به شياطي الرض من الخلد بابن آدم ف وحل الطي ،وقذارة التراب.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 30
.............................نشــأة المذهب الباضي
خوَارِج
معْنَى ال َ
َ
هل الباضية فرقة من الوارج ؟
قبل أن يُجيب أيّ باحثٍ عن هذا السؤال يَجِبُ أن يُح ّددَ معن كلمة الوارج
وما تدل عليه .
يطلق بضحع الؤرخيح كلمحة الوارج على أولئك الناس الذيحن اعتزلوا أميح
الؤمن ي عليّ ا بن أ ب طالب عند ما ق بل التحك يم ور ضي به ،لنّ هم ف ن ظر هؤلء
نقضوا بيعةً ف أعناقهم ،وخرجوا عن إمامة مشروعة .
ويطلقها فري قٌ من الْمُتكلمي ف أصول العقائد والديانات وهم يقصدون بِهَا
الرو جَ من الد ين ،ا ستنادًا إل قول ر سول ال « :إن نا سًا من أمّتِي يَ ْمرُقُو نَ
من الد ين مُرُو قَ ال سهم من ال ّرمِيّ ة » .و قد ورد اْلحَدِي ثُ بروايات متعددة وألفاظ
مُختلفة .
أ ما الفر يق الثالث فيطلق ها ويق صد بِ ها الهاد ف سبيل ال ،ا ستنادًا إل قولِ هِ
خرُ جْ مِ نْ بَْيتِ هِ مُهَا ِجرًا ِإلَى الِ َورَ سُوِلهِ ثُمّ يُ ْدرِكْ هُ الْمَوْ تُ َفقَدْ وَقَ عَ
تعال َ ﴿ :ومَ نْ يَ ْ
أَ ْجرُهُ عَلَى الِ ﴾ [النساء . ]100 :
وإذا أباح ب عض الؤرخ ي لنف سهم أن يطلقوا هذه الكل مة -كل مة الوارج – على
جيع أولئك التمسكي بولية علي ،الصرين على أنا حق شرعي ل يوز فيه التردد،
وأنه ليس من حق حت عليِّ نفسه ،أن يشك ف إمامة أجعت عليها المة ،ول أن
يت ساهل في ها ،أو يق بل علي ها ال ساومة ،وأن معاو ية وأتبا عه فئة باغ ية ،ي ب علي هم
الرجوع ال حضية المامة والمة ،إما طوعا وإما كرها بنص الكتاب ،فإذا رضخ
عل يّ لطلب البغاة ،وو ضع ال ق اليقي ن مو ضع ال شك ،وتنازل عن الوا جب الذي
التاريخ .............................
الباضية في موكب 33
.............................نشــأة المذهب الباضي
أناط ته به ال مة ،وألزم ته به البي عة ،فإن هذه البي عة تن حل من أعناق هم ،و هم ب عد
باليار.
قلت :إذا أباح بعحض الؤرخيح لنفسحهم ،أن يطلقوا كلمحة الوارج ،على هذه
الطائفة ،فإنه يق لنا أن نتريث ونتثبت حت يستبي لنا طريق الصواب ،ويتضح منهج
الق.
ولكحي ننصحف هؤلء القوم ،الذيحن أطلق عليهحم بعحض الؤرخيح لقحب الوارج،
وحاربم إخوتم السلمون بالدعاية الكاذبة والصادقة ،وقاتلوهم! كما ل يقاتلوا حت
أعداءهم ف ذلك الي ،وطاردوهم! كما ل يطاردوا حت الزندقة واللاد.
لكي لنظلم هؤلء القوم ،ولكي نوضح موقفهم كما يرونه ف ذلك الي ،دون أن
يتسرب إليه خطاء التاريخ الغرض ،أو تامله عليهم ،ودون أن نتم بالدعاية الكاذبة،
الت تقلب حقائق التاريخ ،قلبا ليرضاه التفكي السليم ،والنطق القوي ،تلك الدعاية
ال ت تعاون على بث ها وإشاعت ها ،كل من المو ية التع صبة الت سلطة ،والشي عة الغال ية
التطرفة ،لكي نوضح موقف هؤلء القوم ،يب أن نستعرض حركة الثورات 1منذ
فجر السلم ،ونضع صوررته الواضحة بي أيدينا ،لتصح القارنة ،ويكون الستنتاج
أقرب إل الق ،وأدن إل الدقة.
عاش ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ف كفاح م ستمر ضد الوثن ية ال ت ت سيطر
علىالعال ،وجهاد متوا صل ضد القوى التكتلة ال ت تعارض انطل قة الدعوة لتحر ير
الن سان من عبادة غ ي ال .فل ما جاء ن صر ال والف تح ،ود خل الناس ف د ين ال
أفوا جا ،وأ ت ال نعم ته على أ مة م مد ،ور ضي ل م ال سلم دي نا ،تو ف ر سول ال
صلى ال عليه وسلم ،بعدما أدى الرسالة ،وبلغ المانة....
وبا يع الناس أباب كر خلي فة له ،ول كن ب عد هذه الباي عة مباشرة ،وق عت أول ثورة ف
ال سلم ،من أناس كانوا يشهدون أن لأله إل ال وأن م مد ر سول ال ،وكان من
التاريخ .............................
الباضية في موكب 34
.............................نشــأة المذهب الباضي
هؤلء الثائر ين من ار تد على ع قبيه ،وأن كر ما اعترف به ،ومن هم من عزت عل يه
أمواله ،فامتنع من أداء الزكاة...
فكان ف الو قف الازم الذي وق فه من هم خلي فة ر سول ال ،ر غم معار ضة ب عض
الصححابة له ،كان فح هذا الوقحف الازم الصحلب ،إقرار لكحم ال ،وتثحبيت لقدم
ال سلم ،ون صر لد ين ال ،وقضاء مبم على أ صول هذه الثورة أو الفت نة ،والقائم ي
با ،فاستتب المن ،واستقرت المور واستمر السلمون ف أداء الرسالة الت دعا إليها
ممد ،طيلة خلفة أب بكر ،وطيلة خلفة عمر ،ذلك العهد الجيد الذي يعتب بق
امتدادا لعصحر النبوة .وتول عثمان اللفحة ،فسحارت المور سحت سحنوات كاملة
سحيتا فح زمحن الليفتيح السحابقي ،ثح بدأت الحوال تتغيح ،وظهرت مشاكحل
جديدة ،وتعثر سية اللفة فقد أصبح نقد أعمال الليفة والنيل من سلوكه يتفشى
على كثي من اللسنة ،ويري ف كثي من الجتمعات ،ول تتم ست سنوات أخرى
حت كانت الثورة الامة الت ذهبت فيما ذهبت بياة عثمان بي سع وبصر كثي
من الصحابة ،وكانت هذه الثورة الثانية بعد وفاة رسول ال عليه الصلة والسلم.
وبايع السلمون عليا بن أب طالب أميا للمؤمني ،وكان أول من بايع :طلحة ابن
عبدال والزب ي بن العوام ،ول كن ما كادت أن ت تم البي عة ح ت كان طل حة والزب ي
يملن لواء الثورة مع جاعة من كبار الصحابة ،وقد استظهروا بأم الؤمني عائشة.
ووقف الليفة مع الثائرين موقفا حازما صلبا ،وقتل ف هذه الثورة الطاحنة عدد غي
قليل من السلمي ،ذهب فيمن ذهب فيها طلحة والزبي ،وتابت أم الؤمني ،ورجع
بقية الثائرين إل حظية المامة والمة ،وكانت هذه هي الثورة الثالثة ف السلم.
ل تكحد تنتهحي هذه الرب الطاحنحة ،ويعود ال البلد الدوء والسحتقرار ،ويعرف
معاويحة أن الثورة فشلت ،وأنحه معزول عحن وليحة الشام ل مالة ،حتح أعلن الثورة
بالشام ،و هو حينئذ عا مل من عمال اللي فة ،وأظ هر أ نه يطالب بدم عثمان ،و قد
التاريخ .............................
الباضية في موكب 35
.............................نشــأة المذهب الباضي
استعد أمي الؤمني لطفاء هذه الثورة ،كما أطفاء الثورة الت سبقتها ،وجهز جيشه
القوي ،وسار به ن و الشام ،حيث الت قى بال ند الثائر ف الو ضع العروف ( صفي)
وبدأت العركة ،ث استمر القتال حت ظهرت طلئع النصر ،وأشرف جيش الليفة
على امتلك زمام العركة ،ول يبقى للقضاء على هذه الثورة الامة إل لظات ،عب
عنها الشتر النخعي (بفواق الناقة) التجأ الثائرون ال اليلة والدعة ولأوا إل الكر
والكيدة ،فرفعوا الصاحف وهم يصيحون ياأهل العراق بيننا وبينكم كتاب ال.
طالب الثائرون هدنة ،ودعوا الليفة الشرعي وجيشه إل تكيم حكمي.
و قد فطن أمي الؤمن ي وبعض من جيشه إل هذه الدعة ،وعرفوا القصد من هذه
الدنحة ،ولك نه بدل من أن ي قف موق فه الازم ،ويوال حر به ضد الثائريحن ،ح ت
يتحقق النصر -وقد تققت بشائره -ويُحلقي البغاة بأسلحتهم ،ويعودوا ال صف
ال مة الذي انشقوا عنه ،وبغواعليه ،بدل من أن يقف موقفه الازم ذلك ،استجاب
لدعاة الزية ،وأخد بنصيحة طلب الدعة ،وأكثرهم موعود من معاوية أو من عورو
بن العاص .1ورضي بالتحكيم وقبل الدنة ،وأمر بايقاف القتال ف الال.
وهكذا انتهحت هذه الثورةالرابعحة إل هذا الوقحف الائع ،الذي جعحل ححق عليّح فح
اللفة يتساوى مع حق معاوية ،وجعل نصيب البغاة الثائرين يساوي نصيب جيش
المة الذي يدافع عن خلفة شرعية تت بالشورى ،وانعقدت بالبيعة.
وتداعىالذين فطنواال خدعة الدنة من أصحاب علي وحذروه من قبولا ،وأخبوه
أن قبولا يعن الشك ف خلفته والتنازل عنها .وكانوا مصرين أن اللفة الشرعية
حق ل يتطرق اليه الشك ،وليوز فيها الرجوع ،ولتقبل فيها الساومة.
وإذ خ طر لعل يّ أن ي ستجيب لدعاة الزي ة من جي شه ،والاكر ين من عدوه ،وأن
يشحك فح نفسحه ،والقح الذي بيده ،ويتنازل عحن الشرف الذي أوله السحلمون،
التاريخ .............................
الباضية في موكب 36
.............................نشــأة المذهب الباضي
ويساوي بينه وبي أحد عماله ،ف قضية أخذ فيها عهدا من المة ،وأخذت منه فيها
موثقا وعهدا .ورضخ ال تكيم رجال فيما نزل فيه حكم ال.
ح ي ف عل عل ّي ذلك ،تدا عى أولئك الذ ين ل يرتضوا التحك يم ،وحذروا عليا من
قبوله .وهم يرون أن معاوية باغ ل حق له ،وأن بيعة علي قد انفسخت بوافقته على
الدنة ورضائه بالتحكيم ،فلم تبق لحد ف أعناقهم بيعة ،وليس لحد عليهم ميثاق.
تداعوا ال أن يعتزلوا جيحش علي ،وركنوا ال موقحع يسحمى حروراءفانعزلوا فيحه،
ينتظرون تدد الوادث ،واتاه المة ف قضية اللفة ،ويكن ان يسمى هذا النعزال
عحن جيحش علي :بالثورة الامسحة ،ولو ان هذه الثورة ال هذا اليح كانحت ثورة
سحلبية ،وموقحف أصححابا كان موقحف الحايحد الذي ينتظحر مرى المور ،وقحد
جرتالمور با سرع م ا يتو قع ل ا ،ف ما بلغ الو عد الذي حدده الطرفان لنتهاء الد نة
ح ت اجت مع الناس ،وأعلن أبومو سى الشعري مندوب عل يّ :عزل عل يّ منالل فة،
وترك المر شورى بي السلمي يتارون من يشاؤون.
كان هؤلء الحايدون يتتبعون منطق الوادث والواقع ،فهم ينظرونال معاوية نظرتم
حم ليقيمون أي وزن حر واليلة ،ولذلك فهح حه بالكحإل باغ ياول ان يفرض نفسح
لدعوى عزله ،فهم ل يتول أمر اللفة إل ذلك الي ،لبالكراه ول بالشورى ،فل
معن لغزله من منصب ليس هو فيه ،كما ليقيمون أي وزن لتولية عمرو بن العاص
له ،لن عمرو ل يفو ضه ال سلمون ف تول ية أم ي الؤمن ي .أ ما نظرت م ال علي ف قد
كانوا يتوقعون أن يتفحق الكمان على إقراره فح الكحم ،وحينئذ ترجحع ال علي
الصحبغة الشرعيحة ال ت تنازل عنهحا لثباتاح ،وي ب على ال سلمي حينئذ أن يوحدوا
صفوفهم تت طاعته ماقام فيهم بكتاب ال .ولكن الندوب الذي اختاره علي ليمثله
ف هذه القض ية الظال ة ،أعلن أ نه عزل عل يا عن أ مر ال سلمي ،وأن أل مر أ صبح
للشورى والختيار ،وتؤيد موقف هؤلء الحايدين ،وانظم اليهم عدد أخر من كانوا
التاريخ .............................
الباضية في موكب 37
.............................نشــأة المذهب الباضي
يقفون ال جانحب علي حتح ذلك اليح ،وبثوا المحر فيمحا بينهحم على أسحاس أن
السلمي أصبحوا دون خليفة ،فهذا معاوية باغ ظال ليكن أن يتول أمر السلمينن،
وهذا علي يعزله النذوب الذي اختاره للتحكيححم ،وأذن فليختاروا ......واختاروا
عبدال بن وهب الراسب ،فبايعوه اميا للمسلمي وخليفة للمسلمي بعد علي بن أب
طالب ،فهو الليفة الشرعي الامس ف نظرهم.
وبذه الطوة أصبحت المة السلمية منقسمة ال ثلث دول :دولة يرأسها معاوية
– وإن ل يبايعه عليها أحد ال ذلك الي -ودولة يرأسها علي بن أب طالب بعد أن
فشلت ف نظره حكومة الكمي – وعاد فاستمسك بالبي عة الول دون أن يعترف
بعزل ا ب مو سى الشعري له منذو به ف قض ية التحك يم -ودولة يرأ سها عبدال بن
و هب الرا سب -ب عد أن باي عه ج ع كبي من الذ ين انف صلوا عن علي ع ند قبوله
التحكيم ،ث عند اعلن الكم بعزل علي عن اللفة -ومع كل فرقة من هذه الفرق
جع غي قليل من كبار الصحابة ،وفيهم بعض الشهود لم بالنة .1على أن هناك
فري قا راب عا اعتزلوا هذا النقاش الذي و قع ب ي ال سلمي ،وبعدوا عن قض ية الل فة،
فلم يطلبوها لنفسهم ،ول يؤيدوا واحدا من طالبيها ،ومن هذا الفريق السادة :سعد
بن أب وقاص ،وعبدال بن عمر ،وممد بن مسلمة النصاري وأسامة بن زيد.
بعد أن جع المام علي جيشه ،ومن بقي تت طاعته من الند ،فكر ف اعادة الكرة
على معاوية واخاد ثورته ،وماولة اخضاعه من جديد.
ول كن ب عض أ صحابه أشاروا عل يه بحار بة عبدال بن و هب الرا سب ،هذا اللي فة
الد يد الذي و صل ال منصحب الل فة عن طريحق البي عة ،و هو الطر يق الشر عي
للخلفة.
واقتنع علي بصواب هذا الرأي ،فعدل عن ماربة معاوية ال ماربة عبدال بن وهب،
وكان أتباع عبدال بحن وهحب يعتقدون أن امامهحم هحو المام القح و أن كل محن
التاريخ .............................
الباضية في موكب 38
.............................نشــأة المذهب الباضي
علي -بعحد التحكيحم والعزل -ومعاويحة ثائران يبح عليهمحا الرجوع ال حضية
المامة والمة.
هذه خلصة الثورات الت اشتعلت ف ذلك العصر وذهب ضحيتها عشرات اللف
من أبطال السلم ،وقد حاولت أن ألصها باياز قدر الستطاع ،مع عناية بإيضاح
الق ضة من الزاو ية ال ت يرا ها ب ا أؤلئك الذ ين يطلق علي هم ف ب عض ك تب التار يخ
والدب كلمة الوارج .أولئك القوم الذين يرون أنم أصحاب الق ،وأن البيعة ل
تنعقد بطريق شرعي بعد التحكيم ال لعبدال بن وهب الراسب ،ذلك الليفة الذي
باي عه ج هو من المة ،في هم كث ي من كبار الصحابة ،من بين هم بعض الشهود ل م
بالنة.
فإذا رجعنا ال أول هذا البحث ،وأردنا أن نستخلص منه طائفة معينة ،من الطوائف
التح قامحت بالثورة ،لنطلق عليهحا اسحم الوارج ،فينطبحق هذا السحم علي ها انطباقحا
كامل ،من الناحيتي السياسية والدينية ،ويكونون خوا ج عن اللفة وخوارج عن
الدين ،وينطبق عليهم الديث الذي أوردناه سابقا.
فأي هذه الطوائف الثائرة يكننحا أن نطلق عليهحا هذا السحم ملحظيح فيحه معنح
الروج عن ال سلم ون ن مطمئنون ال صحة أحكام نا ،ومنطق ية ا ستدللنا وعدم
انسياقنا ال تيار معي من تيارات التاريخ.
أ ما أك ثر أوائل الؤرخ ي ،و قد كانوا إ ما تب عا للشي عة أو صنائع للموي ي ،يعملون
جاهد ين على إرضاء متبوعي هم ،ف قد وجدوا ال مر سهل ل يكلف هم عناء ،فأطلقوا
كلمة الوارج على العدو الشترك للمويي والشيعة ،أطلقوها على تلك الطائفة من
ال سلمي ال ت اعتزلت عل يا ع ند التحك يم وباي عت عبدال بن و هب إماما ،وثارت
على الظلم ،وفساد الكم ف الدولة الموية ،ومن بعدها من سار ف ذلك الطريق،
وتن كب عن سية اللفاء الراشد ين .ول كى ي صبغ أولئك الؤرخون هذه الت سمية
التاريخ .............................
الباضية في موكب 39
.............................نشــأة المذهب الباضي
باللون القبول ،ربطوا الع ن ال سياسي لكل مة الروج بالع ن الدي ن ،و قد عملت
السلطة و الدعاية ف كلتا الطائفتي :الشيعة و الموية ،على تثبيت هذا الطلق و
نشر هذه القاويل ،حت وضعت مئات الحاديث الكذوبة ف الطعن على الوارج،
و التشنيع عليهم ،و نسبة الروق و الكفر اليهم جيعا ،او ال افراد من رؤسائهم و
زعمائهم ،وقد كان الهلب بن اب صفرة القائد الذى ضحى بدينه لدنيا بن امية ،
من اك ثر الواضع ي لذه الحاد يث الكذو بة ف الط عن على الوارج ،ح ت اشت هر
بذلك و عرفحه بحه الناس ،فكانوا يقولون اذا رأوه خارجا( :راح يكذب) .1كان
المويون والشيعة ياولون بكل ما استطاعوا أن يلصقوا هذا اللقب ،لقب الوارج-
ب عد أن ف سر بالروج من الد ين -بؤلء الثائر ين الذ ين ينادون ف إ صرار وشدة،
بالباديء العادلة ف اللفة؛ وكان الشيعة ياولون با أوتوا من براعة أن يصروها ف
ب يت علي ،ك ما كان غي هم من الطامع ي في ها ،يشترط ل ا الاش ية أو القرش ية أو
العروبحة ،حسحب الصحلحة السحياسية لصححاب الراء فح ذلك اليح .وكحل هذه
التاهات تت مع على مار بة التاه الذي ات ه إل يه أتباع عبدال بن و هب الرا سب.
ذلك التاه العادل الذي يرى أن السحلمي متسحاوون فح القوق والواجبات( .إن
أكرمكم عند ال أتقاكم) {لفضل لعرب على أعجمي إل ابالتقوى}.
قلت ف صدر هذا الديث :إن عددا من الثورات وقع منذ وفاة رسول ال صلى ال
عل يه و سلم إل إنتهاء خل فة المام عل يّ بن أ ب طالب ،فأيّ هذه الثورات ي ق أن
يطلق علىالقائميح باح لقحب الوارج ،محع ملحظةالروج عحن اللفحة الشرعيحة
والروق من الدين؟
لتسهيل الجابة على هذا السؤال أستطيع أن أقسم هذه الثورات ال ثلثة أقسام-:
الول :ثورة ليس لا تعليل ول أسباب غي عدم تكن السلم ف قلوب القائمي با.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 40
.............................نشــأة المذهب الباضي
وعدم إيانمح اليان الصححيح بتكامحل الرسحالة الحمديحة ،ويتجلى هذا فح الثورة
الول ،الت ارتد فيها فريق ،وامتنع فريق أخر عن أداء الزكاة.
الثان :ليس ل ا أسباب ظاهرة معقولة :أ ما أسبابا القيقية الفية ،فهي الناع على
مناصب الدولة ،من خلفة أوعمالة ،ويتمثل ذلك ف الثورة الثالثة الت قام با طلحة
والزبي ،وف الثورة الرابعة الت قام با معاوية بن أب سفيان.
الق سم الثالث :ثورة ا ستندت ال أ سباب ظاهرة يتراءى للنا ظر أن ا معقولة ،ويتم ثل
ذلك ف الثورة الثانية الت قتل فيها عثمان ،وف الثورة الامسة الت اعتزل فيها جاعة
من جيش علي بعد التحكيم ،وعزل أب موسى الشعري له.
فلو كان القصود من كلمة الوارج ،هو الروج السياسي عن خليفة تت له البيعة
الشرع ية ،لكان إطلق هذه الكل مة على طل حة والزب ي ،أو على معاو ية وأتبا عه ،أو
على الثائر ين على عثمان أظ هر وأو ضح ،أ ما إذا لو حظ الع ن ال سياسي مع الع ن
الدي ن فإ نه لي كن إطلق هذه الكل مة علي هم ،ك ما أ نه من الع سي إطلق ها على
العتزلي لعلي.
والسبب ف هذا العسر أن هؤلء الثائرين سواء كانوا من القسم الثان أو من القسم
الثالث إنا ثاروا غي منكرين لصل من أصول السلم ،ول مكذبي بعلوم من الدين
بالضرورة ،ومع كل طائفة منهم فريق من كبار الصحابة ،فيهم بعض الشهود لم
بالنة.
وبناء على هذا فإن أحاديحث الروق –إذا صححت -ليكون القصحود منهحا إل
أصحاب الثورة الول ،أولئك الذين خرجوا على خلفة أب بكر منكرين للشريعة أو
لصل من أصولا ،فإن هؤلء يستطيع الباحث أن يطلق عليهم كلمة الوارج ،وهو
يقصد بذه الكلمة معنييها السياسي والدين وهو مطمئن ،لروجهم عن خلفة ممع
علي ها ،وإنكار هم لل سلم جلة بعد ما أمنوا به ،أو تكذيب هم بر كن ثا بت بالكتاب
التاريخ .............................
الباضية في موكب 41
.............................نشــأة المذهب الباضي
والسحنة والجاع ،إنكارا إسحتحقوا بحه أن ياربمح خليفحة رسحول ال الول حربحا
لهوادة في ها ،م صداقا لقوله عل يه ال سلم[ :لن أدركت هم لقتلن هم ق تل ثود] – إن
صح الديث -وقد قتلهم خليفته رضي ال عنه قتل ثود تقيقا لبه عليه السلم.
ويستأنس لذا الرأي من توقعه صلى ال عليه وسلم أن يدركهم ،فإن هذا يدل على
قرب زمنهحم منحه ،وأنحه كان يأمحل أن ينتقحم ل منهحم ،ولكحن إرادة ال شاءت أن
يتأخروا عنه قليل ،وأن تكون فتنتهم إمتحانا لصلبة أب بكر ،وأن تكون عقوبتهم
على يد الصديق رضي ال عنه.
وكما يستأنس بذا الديث لذا العن ،كذلك يستأنس بديث الروق ف الرواية الت
تقول ( سيخرج أو سيمرق) فإن إ ستعمال ال سي يدل على قرب الروج ،ول ي كن
أقرب ال رسول ال صلى ال عليه وسلم من هذا الروج الذي قضى عليه الصديق
وحارب أهله حرب ثود.
على أنن أقف وقفة طويلة عند هذه الحاديث الت تصف فرقا من السلمي بالروق
من الدين .ولو أنن لأملك الن السباب الت تملن على الشك ف صحتها.
ويظ هر من سياق الوادث أن هذه الحاد يث ال ت تتحدث عن الوارج ،ل ت كن
معروفحة عنحد حدوث الثورات الول ،وإل فكيحف أمكحن أن لتدور على اللسحنة،
وأن ليوصحف باح الارجون عحن اللفحة فح زمحن أبح بكحر وعثمان وعلي ،ول
الارجون عن الد ين ف ز من ال صديق؟ لاذا تب قى مفو ظة لي ستفيذ من ها أن صار
اللفحة أو خصحومها فح أربحع ثورات جامةح ذهحب ضحيتهحا عدد غيح قليحل محن
السلمي البطال .إن دل على شيء فإنا يدل على أن هذه الحداث ل تكن معروفة
عنحد وقوع هذه الثورات ،وإناح إناح وضعحت بعحد ذلك قصحدا للتشنيحع على أهحل
النهروان ،ول مل علي على قتال م والقضاء علي هم ،خو فا من أن يتحرج علي من
التاريخ .............................
الباضية في موكب 42
.............................نشــأة المذهب الباضي
دمائهم ،ويتردد ف قتالم ،ويفكر تفكيا منطقيا ف أنه قد يكون لؤلء حق ،ولرأيهم
سند.
و قد كان علي شد يد الحا سبة لنف سه ،كث ي التفك ي ف أعماله ال سابقة ،يزِ نُ مأقدم
عل يه من أحداث ،ويدل لذا ماقاله أ بو العباس الشما خي ف كتا به الق يم (ال سي) :
(فقال الش عت نا جز القوم ،وإن كلموا الناس أف سدوهم علي نا) 1فالشي عة الذ ين
ييطون بعلي ،وهحم يكافحون لكحي يبنوا دولة ،يشون أن يتصحل أهحل النهروان
بالناس ،وأن يقنعوهحم باح لديهحم محن حجحة وبرهان ،إن قبول التحكيحم خطاء فح
السحياسة ،وإن خلفحة علي بعحد التحكيحم والعزل باطلة ،وإن البيعحة سحاقطة عحن
العناق ،وإن الليفة الق هو عبدال بن وهب الراسب ،الذي بايعه جهور غي قليل
محن السحلمي ،كان الشيعحة يافون أن يتصحل أهحل النهروان بالناس ،ولذلك فهحم
يريدون أن يقضوا على هذه الراء قبل أن تنتشر ف الناس ،ويفهمها الميع ،ويقتنعوا
بصحتها.
وليكحن القضاء على هذه الراء إل بالقضاء على أصححابا ،فلو تردد علي فح هذا
المر ،وترز من إراقة الدماء ،فإن كل شيء سوف يضيع ،ولذلك فيجب أن يمل
بشت الوسائل والطرق على اتاد هذه الطوة الازمة الاسة.
وقحد اسحتطاعوا أن يقنعوه ،فاقتنحع برأي الشعحت ،واتذح هذه الطوة ،ونفحذ فكرة
الناجزة ،فق ضى على أ هل النهروان ،ولك نه ل ي ستطع أن يق ضي على الفكرة ال ت
دعوا إليها ،هذه الفكرة الت تسربت با فيها من صدق وصراحة و واقعية إل كثي
من العقول ،حت أصبحت مبداء يناضل عنه معتنقوه بصب وشجاعة وثبات.
وخل صة الب حث أن كل مة الوارج ،أطلق ها ب عض الؤرخ ي على أتباع عبدال بن
وهب الراسب إطلقا تارييا وأدبيا ،بيث لتنصرف إل غيهم ،وليس ف هذا كبي
بث ،فإن إطلق إسم على مموعة من الناس ليس بذي أهية إذا كان هذا الطلق
التاريخ .............................
الباضية في موكب 43
.............................نشــأة المذهب الباضي
وأخذ الموال ،والسب للعيال ،فحسبهم قول رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن
ناسا من أمت يرقون من الدين مروق السهم من الرمية ،فتنظر ف النصل فل ترى
شيئا ،وتنظر ف القدح فل ترى شيئا ،وتتمارى ف الفوق ،فليس ف أمة ممد صلى
ال عل يه و سلم أش به ش يء بذه الروا ية من هم ،لن م عك سوا الشري عة؛ قلبو ها ظهرا
لب طن ،وبدلوا ال ساء والحكام ،لن ال سلمي كانوا علىع هد ر سول ال صلى ال
عل يه و سلم يع صون ول ترى علي هم أحكام الشرك ي ،فل يت شعري في من نزلت
الدوح ،ف ال سلمي أو ف الشرك ي؟ فأبطلوا الر جم واللد والق طع ،كأن م ل يس
من أمة أحد عليه السلم .احوالت أعينهم فنظروا ف العن الذي أمر ال به السلمي
أن ي ستعملوه ف الشرك ي ،من جهاد العدو وال هد ف ماربت هم ،فا ستعملوه ف
السلمي) انتهى .وقال ف نفس الكتاب ( :1وأما الارقة وهم الوارج ،فلن يفى
على عا قل ب سية ما ساروا ف أهل السلم ،كسية أ هل السلم ف أ هل الوثان
والصنام ،كأنا بعث إليهم رسول آخر غي ممد عليه السلم ،وقد قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم[ :إن ناسا من أمت يرقون من الدين مروق السهم من الرمية،
فتنظر ف النصل فل ترى شيئا ،وتنظر ف القدح فل ترى شيئا ،وتنظر ف القديدة فل
ترى شيئا ،وتتمارى فح الفوق ٍٍ] وفح حديحث آخحر [يرج محن ضئضئي هذا ناس
يرقون من الدين مروق السهم من الرمية].2
هذا رأي الباض ية ال صريح الوا ضح ف الوارج ،و هو يتل قى مع رأي المهور ف
التسمية ،ويتلف ف التعليل ،فالزارقة خوارج ،لنم أخطأوا تأويل آيات الكتاب،
حوا خوارج لنمح حم بذا الطاء ال ردآيات ،وإبطال أحكام ،وليسح و أدى عملهح
انفصلوا عن علي بن أب طالب بعد التحكيم ،أو لنم ساروا على المويي .إن رأي
الباضية ليقيم أي وزن للناحية الثورية ف اطلق كلمة الوارج ،ولكنهم يعللونا
التعليحل الدينح العقول ،فكلمحة الوارج ل تطلق إل على أولئك الذيحن خرجوا محن
التاريخ .............................
الباضية في موكب 46
.............................نشــأة المذهب الباضي
الدين ،أما الروج عن إمام ،والثورة عليه ،مهما كانت أسباب تلك الثورة ،وذلك
الروج ،ليكن أن يعتب خروجا من الدين ،ومرقا من السلم ،وليصح بال أن
يطبق على القائمي بذا الكم القاسي الرهيب ،ولو صح أن يعتبوا عصاة بغاة يب
تأديب هم ح ت بالرب لرجاع هم ال ال مة .والوا قع التاري ي أ كب شا هد على هذا
الرأي ،فإنه ل يعرف على القل فيما اطلعت عليه أن أحدا حكم بالروج من الدين
على أصحاب الثورات الذين ثاروا على أئمة شرعيي؛ كالثوار على عثمان ،أو علي،
أو عبدال بحن و هب ،أوغي هم .و قد و قف أن صار الل فة ف كل تلك الحوال
للدفاع عن وحدة ال مة ،وقاتلوا البغاة قتال عنيفا لتأديب هم ،وإرجاع هم إل حضية
المامة ،ولكن دون الكم عليهم بالروق من السلم .فلماذا إذن يطلق هذا السم
على العتزلي لعليّ دون سائر الثوار؟
إن هذا السم ف نظر الباضية لعلقة له بالثورة ،أو بالروج عن أي إمام وليطلق
بال على جيحع الذيحن اعتزلوا عليا ،وإناح يطلق علىالفرق التح تأولت آيات محن
كتاب ال فأخطأت التأويل ،وأفضى با سوء الفهم والتصرف ال إنكار أورد بعض
أحكام السحلم القطعيحة ،ولو محن الناحيحة العمليحة ،فخرجوا بذلك عحن السحلم،
وانطبحق عليهحم حديحث رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ،فهحم خوارج بالعقيدة
والعمل ،لبالثورة.
ف هل ب عد هذا اليضاح والبيان ،يو جد مايدعو ن أن أقرر من جد يد :أن الباض ية
ليسحوا محن الوارج ،وقحد رأيتحم رأيهحم الصحريح فح الوارج ،وحكمهحم عليهحم،
وتعليلهم لذلك الكم.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 47
.............................نشــأة المذهب الباضي
توافق في رأي
ف هذا الف صل أ حب أن أث بت اللح ظة الي سية الت ية؛ و هي :أن اشتراك أفراد أو
طوائف ف رأي معي ليعن اشتراك أولئك الفراد أو تلك الطوائف ف جيع الراء،
واتفاقهم عليها ،ومن الطاء ف فهم هذه اللحظة اليسية تسربت الشبهة ال أولئك
الذ ين يزعمون أن الباض ية فر قة من الوارج ،أو من غي هم من الفرق ال سلمية
الكثية ،والسحبب فح ذلك أن الباضيحة ينتقدون قبول التحكيحم ،ويرون أن عليحا
مطيء ف الوافقة عليه .وف جعله حقه من اللفة موضوع نزاع بينه وبي معاوية.
ك ما أ نه و قد ر ضي بالتحك يم وعزله الكمان -أخ طأ ف قتاله لعبدال بن و هب
الراسب ،وأصحاب النهر .وليس هذا الرأي مقصورا على الباضية ولعلى الوارج،
وإنا كان رأي كثي من كبار الصحابة والتابعي .1وتوافق آراء الباضية والوارج
ف هذه النقطة ليعل الباضية خوارج ،كما ليعل الوارج إباضية .ولكي أوضح
هذه النقطة أسوق مايأت:
يشترك العتزلة والشاعرة فح أصحل تنيحه الباري ،فهحل يعحل هذا الشتراك فح هذا
ال صل كل من العتزلة والشاعرة فر قة واحدة؟ .ويشترك ب عض العتزلة والشي عة ف
نظر ية ح صر الل فة ف الب يت الاش ي ،ف هل ي عل هذا الشتراك كل من العتزلة
والشيعة فرقة واحدة؟ .ويشترك الباضية مع الوارج ف قضية اللفة ،ومع العتزلة
ف ال صفات ،و مع الشاعرة ف القدر ،ف هل ي عل هذا الشتراك كل من الباض ية
والوارج والعتزلة والشاعرة فر قة واحدة؟ ن عم إن ا فر قة واحدة بالن ظر ال ال صل
التاريخ .............................
الباضية في موكب 48
.............................نشــأة المذهب الباضي
والطوائف من بعض ها وتباعد ها ،ولين بذ أ ساءها وألقاب ا ،فإن كل ذلك ليغ ن من
ال ق شيئا ،و قد قرأت في ما قرأت م ثل هذا الكلم للمؤرخ الل يب ال ستاذ الطا هر
الزاوي ،تناول ف يه الد يث عن الباض ية ،وأورد هذه الملة كأن ا كان متأثرا برأي
بن حزم الندل سي ،وإنه لن النصاف للستاذ الزاوي أن أقول :إنه تناول الديث
عن الباض ية ف هذاالف صل ف قط بكث ي من الر قة والد قة والحتراس ،وأ نه حاول
جهده فح هذا الفصحل فقحط .أن يقحف موقحف النصحف الحايحد الذي يدعوا إل ل
شعت المة ،ونبذها للخلف وأسبابه ،مهما كانت مصادر ذلك اللف وبواعثه،
وأنا حي أذكر له هذا الوقف النبيل ف هذا الفصل آمل أن يتخذه مبدءا يدعوا إليه،
ويد ين ال تعال به .وأذ كر أن ف كل من كتاب يه (تار يخ الف تح العر ب ف ليب يا) و
(جهاد البطال) لزات مقصودة للباضية ،وتامل بيّنا عليهم ،وانرافا عن موقف
الؤرخ الحايد النيه .2وسوف أعرض لبيان تلك الواقف ف غي هذا الفصل إن
شاء ال.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 51
.............................نشــأة المذهب الباضي
افتراق المة
روي عحن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم أنحه قال [1:سحتفترق أمتح على ثلث
و سبعي فر قة كل هن الىالنار ما خل واحدة ناج ية ،وكل هم يد عي تلك الواحدة].
روي الد يث بروايات متعددة متل فة ،نص ف إحدا ها على أن الفر قة الناج ية هي
الت تكون على ما كان عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم و أصحابه رضوان ال
عليهم ،وف رواية أخرى أن جيع الفرق ناجية ماعدا واحدة هالكة .ويظهر أن هذه
الروا ية ضعي فة .إن الد يث ي نص أن كل فر قة من هذه الفرق تد عي أن ا هي
الناجية ،وإدعاء كل فرقة أنا هي الواحدة الناجية أمر طبيعي ،فإنه ليصر على اتباع
فر قة هال كة إل منون ،و قد جا هد أ صحاب الفرق جي عا ل يبهنوا أن م على ال ق،
وأن م ي سلكون ال سلك ال سويّ ،الذي كان عل يه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم
وأصحابه ،وأن غيهم من الفرق حاد عن سبيل ال ،ف العمل أو ف العتقاد.
تناول المام هذا الديث بالبحث ،وناقش دعوى كل الفرق وبراهينها الت تقدمها
للتدل يل على أن ا الفر قة الناج ية ،وب ي أن ا مت ساوية ف احتمال أن تكون على ال ق
عند ال وأن تكون على الباطل ،واستخلص من كل ذلك أن الفرقة الناجية ليكن
أن تكون إحدى هذه الفرق ،وإنا هي الفرقة الت تكون على ما كان عليه رسول ال
صلى ال عل يه و سلم من ج يع الفرق .إن م أولئك الؤمنون الذ ين لتغر هم أقوال
التاريخ .............................
الباضية في موكب 52
.............................نشــأة المذهب الباضي
الرجال ،ول يتبعون مسالك الضلل ،وليستمسكون بغي هدى العصوم وأصحابه،
الذين هم كالنجوم ،بأيهم اقتديتم اهتدي.
وكلم السحتاذ المام قيحم ،وفهمحه لسحرار الشريعحة السحلمية فح هذا العصحر
وا ستمساكه بال ق ،ودفا عه عن د ين ال ،يذكر نا بالع صر الول؛ حين ما كان ال ق
ضالة الؤمن ،يدور معه حيثما دار ،ويقف معه أينما وقف.
الناجي والهالك من الفرق
ظاهحر الديحث الذي سحقناه فح افتراق المحة على اختلف رواياتحه ،يدل أن اثنيح
و سبعي فر قة من ال سلمي هال كة جيعا ،وأن فر قة واحدة ف قط ناج ية ،وإذا سلمنا
بظاهر الديث ،وقلنا إن السلمي ينقسمون فعل إل ثلث وسبعي فرقة ،وأن هذا
العدد ومصور وموجود فعل .فهل يق لنا أن ننظر إل الوضوع من زاوية أخرى؟.
إن كل فر قة من هذه الفرق ،تتوي على ملي ي من ال سلمي ،ليعلم عدد هم إل
ال ،وهذه اللييح تتفاوت فح معارفهحا وعلمهحا وعقلهحا ودينهحا تفاوتا ليضبطحه
مقياس ،وليأ ت عل يه ح صر ،والطب قة الشتغلة بب حث أ صول العقائد ،ال ت اختل فت
فيها المة .كالقدر ،والعدالة اللية ،وصفات الباري ،من كل فرقة قلة ضئيلة جدا.
أما باقي السلمي وإن كانوا ينسبون إل مذهب من تلك الذاهب ،إل أنم ليعرفون
شيئا عحن هذه الباححث العميقحة ،التح تسحتدعي كفاءات خاصحة ،وهحم يقومون
بواجباتم الدينية حسب ما تلقوه ،مؤمني بربم ،مصدقي برسوله عليه السلم وما
جاء بحه جلة وتفصحيل ،متقربيح إل ال بأعمالمح ،لتؤهلهحم ثقافتهحم إل مناقشحة
اليات القرآن ية ،ودرا سة الح كم والتشا به من الكتاب الكر ي ،وليوّل م تفكي هم
الحدود أن يصلوا إل تلك البا حث ال ت يري وراء ها علماء الكلم .إن الع مي من
الشاعرة أوالباضية أو العتزلة أو غيهم ،ليطر له مطلقا أن يبحث مشكلة القَدَر،
التاريخ .............................
الباضية في موكب 53
.............................نشــأة المذهب الباضي
وف قول رسول ال صلى ال عليه وسلم [أفلح إن صدق] 1عن الرجل الذي أقسم
أن ليتطوع بش يء فوق الفرائض ،م ثل عن ساحة ال سلم وي سره ،وتقبله لعمال
الؤمن دون تكليف بباحث الفلسفة ،والفروق بي الذاهب.
ل قد ر ضي ال ال سلم دينا ل مة م مد ،وخ تم به ر سالته ال الرض ،وج عل هذه
المة خي أمة أخرجت للناس ،وأمة ممد هي أمة الجابة؛ والوفون بدين ال من
هذه المحة – مهمحا كانحت الفرق التح ينتمون إليهحا – يرجون رحةح ال ،ويافون
عذابحه ،وهحم أجدر أن يتغمدهحم ال بالرحةح ،ويشملهحم بالغفرة ،إل مصحرا على
معصية ،أو متعمقا ف فتنة.
و قد يكون من النا سب ق بل أن أخ تم هذا الف صل أن أن قل مقتطفات من كلم أ ب
يعقوب حي تدث عن افتراق المة ،وطريقة المع بي قوله تعالُ ) :كنْتُ مْ َخْيرَ ُأ ّمةٍ
أُ ْخرِجَتْ لِلنّاسِ )(آل عمران :من الية ،)110و حديث الفتراق [ستفترق أمت إل
ثلث وسبعي فرقة ...ال ]..قال :1ونستظهر با عاينا ورأينا من بلوغ هذه المة
طرف الرض شرقا ومغربا ،وإذ أعادهم ال تعال من عبادةالوثان ،واتاذ غيه ربا.
من غي أن تل بشيء من طرق أهل الق ،فالصل السلمة .ماخل صنفي منها:
البتدع ف د ين ال عز و جل ،وال صر على مع صية ال عز و جل ،البا ين ل .فهذان
لسبيل لما إل النة.
ويقول ف غي هذا الكان ( :2والبدع متفرقة ،فكل بدعة تشرع هدم قواعد السلم
فهحي العامحة الطامحة ،التح تبلغ الرجال والعيال ،وأمحا التح تقصحر على الخبار ،ول
تاوز إل هدم قوا عد ال سلم ،كالختلف ف أ ساء الشري عة من مؤ من وم سلم،
وكافر وفاسق ،ومشرك ومنافق ،وف القرآن والصفات ،فأكثر ما تضر هذه العان
قائلهحا لسحامعها ،مال يعتقدهحا دينا يدان ال تعال بحه أو يقطحع عذر مالفيحه محن
السحلمي ،أو هدم بحه قاعدة محن قواعحد السحلم ،هناك ليعذر .ومحن اقتصحر على
التاريخ .............................
الباضية في موكب 55
.............................نشــأة المذهب الباضي
قوا عد ال سلمم من الشهادة ،وال صلة والزكاة وال صوم وال ج من ا ستطاع ال يه
سبيل ،فعسى وعسى .وكذلك من كان بالثغور من أرض العدو ول يبلغه إمامه إل
قواعد السلم ،ول يبلغه ماشجر بي المة ،ول يفهمه .فإن فهم ل يقطع الشهادة
عل يه ،والقول على الرجال ،وأ ما العيال والن سوان والبله والولدان ف هم بعيدون محن
هذا ،وكذلك أهل بلد السودان الذين ل يبلغهم السلم إل بعد المسمائة سنة من
الجرة ،ول يعرفوا التفرقة بي الذاهب والفراق ،فالرب أرأف وأرحم من أن يؤاخذ
أحدا بذنحب غيه .وقحد قال ال تعال ) :وَل تَ ِزرُ وَا ِزرَةٌ ِو ْزرَ ُأ ْخرَى)(النعام :محن
الية 1.)164
التاريخ .............................
الباضية في موكب 56
.............................نشــأة المذهب الباضي
نتيجة لا تد من أحداث ،ويدث من آراء ،قد تطول بينهاالسافات الزمنية ،ث إن
هذه الراء والحداث ال ت تُعرض على أ صل من ال صول الع تبة ف الشرع لتع طي
حكما معينا ،سواء تقاربت ف زمنها أوتباعدت ،تستغرق وقتا قد يطول وقد يقصر،
ليدر سها الجت هد درا سة كاملة ،ويعرض ها علىالدلة الشرع ية ،ويت خذ في ها القرار
الصحيح السليم ،وهذا بطبيعة الال ليدث ف زمن واحد .لن الوقائع الت تدّ ف
الياة -سواء كانت متعلقة بالعقل أو التفكي أو العمل -لتمع بعضها ال بعض ث
تعرض نفسحها على عال يعطيهحا ال كم الطلوب ،ثح إن هذه الحكام التح يطلق ها
الجتهدون على حوادث أزمنتهم ل يكن الغرض منها إنشاء مذاهب أو تكوين فرق.
إن أولئك العلم الذيحن تركوا فح حياة السحلم هذا الثحر العظيحم ،ل يكحن فح
حسابم أن أما ًسوف تقلدهم ،وتقدس آراءهم ،وتنسب إليهم مذاهب ،بعد أن جاء
ممد صلى ال عليه وسلم ،بالذهب الق ،والصراط القوي.
إن م كانوا معلم ي من الدر جة الول ،فكانوا ياولون ب ا أوتوا من ج هد وقوة ،أن
يوجهوا قلوب الناس ال اليان الق بال ،والفهم الق لسرار الشريعة والعمل الق
باح جاء بحه السحلم .فكانوا يفسحرون البهحم محن القرآن الكريح والديحث النبوي
الشريف ،لولئك الذين تقصر أفهامهم عن معانيه ،وتعجز مداركهم عن البلوغ ال
مراميه ،ويشرحون مقاصد الدين لولئك الذين تول العجمة دون معرفتهم لسرار
العربية ف فهم الكتاب العزيز.
كان أولئك العلم معلم ي ،وهبوا أنف سهم وجهود هم للعلم ،فكانوا ير صون على
إفادة الناس ف كل متمع :ف السجد ،والشارع ،والسوق ،ليكتمون ما أتاهم ال
من فضله ،وليبخلون با علموا عن طالب علم يد ف طلبه ،وليبتغون به مكسبا ف
الدن يا أوجا ها ع ند الناس ،ولذلك كانوا حرا صا أ شد الرص أن يكون مايعلمو نه
حقا ثبحت لمح بالدليحل ،وصحح عندهحم بالبهان ،فإن هدايحة الناس إل ديحن ال،
التاريخ .............................
الباضية في موكب 58
.............................نشــأة المذهب الباضي
وتعليمهم أسرار شريعته ،وتنوير قلوبم وبصائرهم بنور ال ،أفضل القربات عندهم،
وأزكى العمال لديهم ،وأحب الواجبات ال نفوسهم.
وو ثق الناس ب م ،فكانوا يلتفون حول م ،وي ستمعون ال أحاديث هم .وي سألونم في ما
يعرض لم من مشاكل ،ويستفتونم فيما ينوبم من أحداث ،ويرجعون إليهم فيما
يعتور قلوبم وعقائدهم وأعمالم ،من وساوس وشكوك ،فتكونت حول كل واحد
منهحم هالة محن العجحبي ،نشاء عنهحا شبحه مايسحمى اليوم -فح الفلسحفة والدب-
بالدارس.
الت فّ حول كل واحد من هؤلء العلم ،مموعة من الطلب والستمعي ،يعجبون
بدروس أ ستاذهم وآرائه ،ويقتنعون بج ته وبرها نه ،ويعتقدون سلمة ال صول ال ت
ب ن علي ها أحكا مه ،فيتجهون اتا هه ف الفكرة والع مل والعت قد ،وي ستعملون أدل ته
وبراهينه ،وياولون أن ينشروا عنه ذلك ،وأن يقنعوا به الناس ،وبذه الطريقة ،تصبح
لبعضهم مدرسة متميزة عن غيها ف بعض الراء أو العتقدات .ولقد كان ف كل
حاضرة محن الواضحر السحلمية فح ذلك اليح مدارس ذات شهرة ومكانحة ،فقحد
كانت مكة ،والدينة ،و البصرة ،والكوفة ،ومصر ،وعمان ،ودمشق وغيها ،مراكز
ثقاف ية ،ت شع على العال ال سلمي نور العر فة والدى .و قد كان العلماء من بق ية
ال صحابة وكبار التابع ي ،أمثال عبدال بن عباس وعائ شة أم الؤمن ي ،وعبدال بن
ع مر ،وأ نس بن مالك ،وجابر بن ز يد ،وال سن الب صري ،و سعيد ا بن ال سيب،
وعطاء بحن أبح رباح وغيهحم ،يشغلون هذه الراكحز ،ويتولون فيهحا نشحر الثقافحة
السلمية.
ولا ذهبت هذه الطبقة المتازة من الصحابة والتابعي ،خلفتهم طبقة أخرى من تابع
التابع ي ،وكان كل وا حد من هم متأثرا بأ حد أولئك العلم ،يتر سم خطاه ،ويف ت
بفتواه ،وجاءت بعد هذه الطبقة ،طبقة أخرى ،سلكت نفس هذاالسبيل ،وقد كانت
التاريخ .............................
الباضية في موكب 59
.............................نشــأة المذهب الباضي
تدّ حوادث ،وتدث آراء ،فح زمحن كحل طبقحة محن هذه الطبقات ،فيدرسحها
الجتهدون ،ويرجعون ا ال ال صول الثاب تة ع ند كل وا حد من هم .وبطول الز من،
وانتشار الهحل بالديحن ،وتكون طبقحة محن الفقهاء الامديحن ،الذيحن يقدسحون آراء
الشخاص ،ويتحكمون ف أعمال الناس ،فيدعونم ال اتباع رأي معي ،وتقليد إمام
يرونه أعلم من غيه ،وأصوب حكما ،تكونت الذاهب ،وتعصب لا التباع بدون
فهم ،وحاربوا غيها ف عناد وإصرار وبلدة.
وقلدوا أولئك الئمة الذين وثقوا بم ،تقليد عصمة وتقديس ،وانتسبوا إليهم إنتساب
فخر واعتداد.
كان نشوء الدارس الدين ية والثقاف ية ف صدر ال سلم ،واختلف وج هة الن ظر ب ي
الجتهديحن فح بعحض الصحول أو الفروع ،دليل على سحاحةالسلم ،وانفسحاحه
للمدارك والعقول .وعلى عدم جوده على حرفيححة النصححوص ،وعدم تجيه على
الفهام أن تنطلق ف حر ية التفك ي وال ستنباط ،ل كن هذه الر ية الدين ية ال ت ف هم
حدود ها القدمون ،وهذه ال سماحة السلمية ،ال ت أتا حت لتلك العقول البارة أن
تلق ف أجواء البحث والطلع والستطلع -أصبحت فيما بعد سببا من أسباب
الشحناء واللف والتنابذ ،عندما سيطر الهل على الناس ،وأعمى التعصب الامد
نور البصائر ،ولعبت أهواء الكم والسياسة بالفاهيم القيقية لتعاليم الدين القوي،
وا ستغل الطغاة والبابرة من الكام ،أطماع ضعاف النفوس والعقائد ،م ن ت ثق ب م
الشعوب ،وتكل إليهم أمر دينها ،فانطمست الروح الية ،وأصبحت القائق الدينية،
والصول التيت تبن عليها العقائد والعمال ،مظاهر جدلية للقول ل للعمل ،وميدانا
يتسابق فيه طلب الشهرة العلمية للظهور ل للحق ،وللناس ل ل ،وأصبح الدين بعد
ذلك مرفقا من مرافق الياة ،يأنس إليه الناس ،بكم الرث والعادة واللف ،لبكم
اليان والعقيدة والعمحل .وهحم يقومون بواجباتمح كمحا يقوم السحيحيون بطقوس
التاريخ .............................
الباضية في موكب 60
.............................نشــأة المذهب الباضي
الكنيسحة .ومظاهحر تعوّدهحا الناس ل صحلة لاح بالقلب ،ولعلقحة لاح باليان .إناح
واجبات تؤدى وحسب .يس النسان راحة بعد الفراغ منها ،كالت يسها عندما
ينجز أعمالً يب عليه إنازها.
وهذه هي النكبة الت أصابت السلمي ،وباعدت بينهم و بي دينهم ،وأضعفت أثر
الروح ال ت يضفي ها نور ال ق على قلوب الؤمن ي ،فأ صبحوا ليتقيدون ف أعمال م
بالدود الت رسها الق ،وليقفون عندما يشتبه عليهم اللل والرام ،ولياسبون
أنفسحهم على مسحافة البعحد بينهحم وبيح ديحن ال ،وليفزعون لضعحف محا وقحر فح
صدورهم من إيان.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 61
.............................نشــأة المذهب الباضي
والقيقة الت يب أل يتطرق إليها الدل ،أن السلم وهو الدين الذي اختاره خالق
الن سان ليكون النظام الذي يكفل سعادة البشرية ف اليات ي ،قد قرر كل السس
الت تنبن عليها الياة السعيدة للنسان ،ف كل مراحل الزمان ،وبا أن كتابا ليكن
أن يوي التفا صيل الدقي قة للحوادث اليوم ية الار ية ،والنظريات الفكر ية والعقل ية
والعلميحة السحتجدة ،والنظحم القتصحادية والعمرانيحة التعاقبحة فح سحي الزمان لياة
النسان الطويلة ،فقد اكتفى السلم بوضع الصول الت تستمد منها قواعد العقيدة
والعمحل ويسحند اليهحا توجيحه العقول والفهام ،وبذا عيح نقطحة النطلق ،وجهحة
التحليق للتفكي البشري ،و قد قصد السلم بذا ،أن يفتح مال البحث والتنقيب،
وأن يف سح مال الختيار والقار نة ،وأن يع طي للن سان أ كب ق سط من الر ية ف
العقيدة والعمحل والرأي ،والسحلم ليكره شيئا كمحا يكره العبوديحة لغيح ال،
وليارب شيئا كمحا يارب البحوت والطغيان والظلم ،وتعال النسحان على أخيحه
النسان.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 63
.............................نشــأة المذهب الباضي
ب سهولة ،عند ما تغر هم ظوا هر معي نة ،و قد ي سلمون ل مر الر سول ول كن شيئا من
الية يب قى مترددا ف نفو سهم ،و ف أمثال هذه الظروف ،كان الر سول صلى ال
عليحه وسحلم يقنعهحم بالعمحل ،وبالنتائج الترتبحة على حكمحه وأجوبتحه ،ولعحل هذه
الظاهرة تتمثل ف أحداث الديبية ،الت ظن بعض السلمي أنم قبلوا فيها الدنية ف
دينهحم ،واحتار السحلمون فيهحا حية ل يتاروا مثلهحا محن قبحل ،وراجحع فيهحا عمرُ
رسول ال صلى ال عليه وسلم كثيا ،وراجع أبابكر حت قال له الصدّيق رضي ال
عنه :ويك ياعمر استمسك بغرزه فإنه نب يوحى إليه.
وأمثال هذه الوادث ليكن أن يدعي أحد من الباحثي أنا نواة لتكون الذاهب ،أو
أن ا مال فة لر سول ال صلى ال عل يه و سلم ،و كل مايقال في ها أن ا مناق شة لزيادة
الطمئنان ،كما سأل الليل عليه السلم ربه أن يريه كيف ييي الوتى.
ول ا تو ف ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ،وتولىالل فة أبوب كر ث ع مر ،كا نت
خلفته ما امتداد لع صر النبوة ،لول الوح شة ال ت أعقبت ها وفاة ر سول ال وانقطاع
الو حي ،ف نفوس ال سلمي واجتماعات م .أ ما ف غ ي هذا ،ف قد ا ستمرت كل مة
السلمي واحدة .إل فيما يدث عندما تناقش مسألة تتلف فيها النظار حت يذكر
أ حد من ال صحابة في ها عل ما عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ،فينق طع الدل،
ويوت الصخب،أوتتوافق الكثرية على حكم فتستجيب القلية .ويقع الجاع ،كما
وقع ف البيعة لب بكر ،ويستمر السلمون ف كفاحهم للطغيان ،ونشرهم لدين ال
وجهادهم ف سبيله ،ليدون وقتا للدعة ،ولفراغا للراحة وعندما تستجد حوادث،
أوتقع أمور تتاج ال حكم ،يتول ذلك أولوا المر والعلم من السلمي ،الذين كانوا
مستعدين لذا كل الستعداد ،يبحثون عن الصول ف كتاب ال ،فإن ل يدوا ففي
سحنة رسحول ال ،فإن ل يدوا ففحي إجاع السحلمي ،فإن ل يدوا ،قاسحوها على
أشباهها ونظائرها ،ما وقع فيه حكم مستمد من الصول السابقة.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 65
.............................نشــأة المذهب الباضي
وام تد الز من ،وانت شر ال سلم ف أك ثر بقاع الرض ،ون قص عدد ال صحابة الذ ين
عاشوا ف عصر النبوة ،وشهدوا ممدا صلى ال عليه وسلم ،وشاهدوا نزول الوحي،
ود خل ال سلم ناس ليعرفون الل غة العرب ية ،وليفهمون مقا صد الشري عة ال سلمية
كما يفهمها الصحابة الولون ،فكان لزاما أن يفسر لم القرآن الكري ،وأن يشرح
لم الديث الشريف ،وأن توضح لم مقاصد الشريعة السلمية ،ومن هذه الدروس
وال سئلة والناقشات ال ت ترد علىأل سنة ال سلمي الدد -هؤلء ال سلمي الذ ين ل
يشهدوا نزول الو حي ،ول يروا شخ صية الر سول القو ية ،ال ت تق نع بلل الر سالة-
بدأ تكون الذاهب.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 66
.............................نشــأة المذهب الباضي
ث شرح السائل الت تندرج تت كل قسم من هذه القسام ،والذي يعنينا من ذلك
ف هذا الفصل أن نشي إل ما أثي منها ف القرن الول ،واتذ الباضية فيه مذهبهم،
مستندين إل الباهي القاطعة ،واليات الحكمة من كتاب ال الكري.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 67
.............................نشــأة المذهب الباضي
م ا أث ي ف ذلك القرن ،مشا كل القَدَر وال صفات ،والو عد والوع يد ،ك ما أن قض ية
اللفة قد استنفذت جهدا كبيا من رجال العلم والكم ف ذلك العصر.
و قد درس الباض ية ،و ف مقدمت هم المام ال كب جابر بن ز يد هذه الشا كل ،ك ما
درسحها غيهحم محن علماء السحلم ،وانتهوا فيهحا إل الرأي والذهحب الذي اقتنعوا
بصحته وصوابه ،ما يوافق كتاب ال وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم.
اتذ الباضية الصل الول لذهبهم فيما يتعلق بالباريء سبحانه وتعال ،تنيهه تعال
عن مشابة اللق ،استنادا إل اليات الحكمات من كتاب ال .وما ورد ف القرآن
الكري ما يوهم التشبيه ،فإنه يب اليان به أنه من عند ال ،وتأول اليات الوهة
للتشبيه با يقتضيه العن من السياق كتأويل الستواء بالستيلء ،واليد بالقدرة ،وما
إل ذلك.
وف قضية القدر رأى الباضية منذ ذلك الي ،أن اليان ليتم حت يؤمن النسان
بالقدر ،خيه وشره ،أنه من ال )وَاللّ هُ َخَلقَكُ مْ َومَا َتعْمَلُو نَ) (الصافات( ،)96:أَل
لَهُ اْلخَلْقُ وَالَْأمْر)(العراف:الية َ ( ،)54هلْ مِنْ خَالِقٍ َغْيرُ اللّه)(فاطر:الية )،)3اللّهُ
خَالِ قُ ُكلّ شَيْء)(الر عد:ال ية ،)16وللع بد حق الكت ساب و الختيار .وهكذا
ا ستقرت آراء الباض ية ف أك ثر م سائل اللف على ال صول ال ستمدة من القرآن
الكر ي ،والد يث النبوي الشر يف ،وليزال بق ية من أ صحاب ر سول ال صلى ال
عليحه وسحلم ،أحياءً وقحد رجحع المام الكحب فح كثيح محن هذه السحائل إل آراء
الصحابة؛ كعبدال بن عباس ،وعائشة أم الؤمني ،كما وقع ف مسألة رؤية الباريء
ليلة السراء ،حت قالت :من زعم أن ممدا رأى ربه فقد أعظم على ال الفرية .1
ومن هذا الفصل يتبي للقاريء الكري أن الذهب الباضي اقتبس أصوله القوية الت
بن عليها عقائده وأعماله ف خي القرون 2حينما كانت بقية من أصحاب رسول
ال صلى ال عليه وسلم ينشرون الثقافة بعلمهم ،ويوضحون هدى ممد بسلكهم،
التاريخ .............................
الباضية في موكب 68
.............................نشــأة المذهب الباضي
قضية اللفة
عندمحا كان كبار العلماء محن التابعيح ،يعقدون مالس العلم ،يفسحرون كتاب ال
ويروون للناس ما حفظوا عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ،من قول وع مل ،
ويفتون للناس في ما يعرض ل م من مشا كل _ كا نت قض ية الل فة ،قد أخذت
حظها من النقاش ،واستقر فيها الناس على آراء معينة ،حسب أدلتهم الت يقتنعون
با ،وأصولم الت يستندون إليها .
التاريخ .............................
الباضية في موكب 69
.............................نشــأة المذهب الباضي
وكان جابر بن زيد الزدي _ أحد هؤلء العلماء _ اتذ البصرة مقرا له ينشر فيها
العلم ،ويوال التدريس والتأليف ،ويهتم بشؤون السلمي ،وكانت قضية اللفة
من القضايا الت مرت عليه ،ودرسها دراسة مستفيضة عميقة ،وانتهى فيها إل رأي
ثابت مبن على روح العدالة ف السلم ومستمد من القرآن الكري ،ومستند على
سية السلف من أصحاب النب عليه الصلة والسلم .
كان يرى أن اللفة أ هم مرا فق الدولة ،وأع ظم مظ هر لل مة وأقوى سلطة تشرف
على تنف يذ أوا مر ال ،وت طبيق أحكام الكتاب الكر ي ،و هي بذا الو صف ل ي كن
أن تضع لنظام وراثي ،ول أن ترتبط بنس أو قبيلة أو أسرة أو لون ،وإنا يب أن
يشترط فيها الكفاءة الطلقة ،الكفاءة الدينية ،والكفاءة الُلقية ،والكفاءة العملية ،
والكفاءة العقلية ،فإذا تساوت هذه الكفاءات ف مموعة من الناس ،أمكن أن تعل
الاشية أو القرشية أو العروبة من أسباب الفاضلة ،أو من وسائل الترجيح ،أما ف
غي ذلك فليس لا حساب .
وقد عرف الناس هذا الرأي لابر بن زيد ،كما عرفوه لكثي من العلماء العاصرين
له ،ولكث ي من أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم .وكان طل به ينشرون
ذلك ع نه ،ويتحدثون به ،و ف هذه النق طة يلت قي رأي الباض ية برأي الوارج ،
و من ه نا زلق ب عض الؤرخ ي ،فح سبوا أن الباض ية فر قة من الوارج ،دون أن
يهدوا أنفسهم ف الطلع على بقية الصول والراء .وقد سبق أن قلت ف موضع
من الفصول السابقة ،أن توافق فرقتي على رأي مع ي ،ل يعلهما فرقة واحدة ،
ولعحل قضيحة اللفحة هحي أهحم قضيحة يلتقحي فيهحا الباضيحة والوارج فح فهمهحم
للسلم ،وعملهم بأحكامه .
على أنن أعتقد أن المة السلمية _ بعد التجارب الطويلة الريرة ،وبعد أن ابتعد
با التاريخ عن الؤثرات الاصة ،الت سيتا ف اتاه معي _ ل يسعها إل أن ترى
التاريخ .............................
الباضية في موكب 70
.............................نشــأة المذهب الباضي
الكفاح الكلمي الذي يهدف إل مظاهر العظمة والنفوذ ف الدنيا ،ولكنهم مع كل
ذلك كانوا أحرص الناس على إقامة الق ،وإثبات أدلته ،وعندما يقتضي الوقف الرد
على أباطيحل الدعيح ،وترهات البتدعيح ،وشبهات الفتريحن ،فإن علماء الباضيحة
يكونون أسرع الناس إل تطيم الباطل ،الذي يريد أن يستعلن ،أو الشبهة الت يبتغي
صاحبها أن يكسوها ثوب الجة ،وما أن يطموا الباطل ،ويفحموا أصحابه ،حت
يعودواإل العمل ف سبيلهم الذي مهدوه ،وسلوكهم الذي اختاروه؛ عمل صال ل
والمحة ،واسحتمساك متيح بالكتاب والسحنة ،ودؤوب لينقطحع لعلء كلمحة ال.
يتآمرون بالعروف ويتناهون عحن النكحر ،ويتبعون سحبيل ال الذي حدده السحلم،
وأوضحه هدى ممد عليه السلم .كفاح ل تصاحبه ضجة ،ونصر ل تسبقه دعوى،
وليعقبه تبجح أو افتخار أو مباهاة .وجدل حيّ هاديء ليصخب ول يعلن ،ولكنه
يقطحع طريحق التحدي ،عحن الهواء والبدع ،ويلزم الباطحل أن يتوارى فل يسحتعلن،
ويتضاءل فل يبي.
كان واصحل بحن عطاء إمام العتزلة ،يتوق إل مادلة أبح عحبيدة مسحلم ،ويعحد العدة
لذلك ،حت سنحت له الفرصة ذات يوم ،وجعهما مكان ،فقال واصل لب عبيدة:
ل ،ولك ن أقول يعذب على القدور ،ث قال أبو عبيدة لوا صل :أ نت الذي تقول :إن
ال تعال يع صى با ستكراه؟ فع جز وا صل و سكت عن الواب .فق يل له ب عد ذلك؛
سألته فتخلص ،وسألك فسكت ،فقال واصل :بنيت له بنيانا منذ ثلثي سنة ،فهدمه
وهو واقف .1
كان العتزلة أكثحر الفرق السحلمية حبا للجدل ،ولذلك فهحم لينفكون عحن تدي
غيهحم محن الفرق السحلمية ،وتدى جاعحة منهحم أهحل الذهحب ،فعقدوا ملسحا
للمناظرة ،وتقدم العتزل الذي سهر ف إعداد ال سئلة والجو بة ،فنادى :ياعبدال،
فلم يبه أحد ،لن الجلس يشتمل على عدد من العبادلة ،فقال :عبدال بن اللمطي
التاريخ .............................
الباضية في موكب 73
.............................نشــأة المذهب الباضي
البا ضي أر يد ،فأجابحه ،فقال العتزل :ياعبدال :هل تسحتطيع أن تنت قل من مكان
لست فيه إل مكان أنت فيه -فقال عبدال :ل ،فقال العتزل :هل تستطيع أن تنتقل
من مكان أ نت ف يه إل مكان ل ست ف يه فقال :إذا شئت ،فقال :خر جت من ها يا بن
اللمطي .1وهكذا انتقض ما بناه العتزل وسهر ف إعداده والتفكي له ليال سودا.
وقع ف نفس الجاج شيء من القدر فشكا ،ذلك إل كاتبه يزيد بن مسلم ،فبعث
يزيد يسأل جابرا -وكان به معجبا ،وفيه واثقا ،فأجابه :قل للمي يكثر من ترديد
خطب ته ،فإن في ها الواب ع ما ي سأل؛ وردد الجاج خطب ته ،وأك ثر في ها التفك ي،
فانتبه إل أن خطبته تشتمل على قوله تعال) :مَ نْ يَهْدِ اللّ هُ َفهُوَ الْمُ ْهتَدِي َومَ نْ ُيضِْللْ
َفأُولَِئكَ هُمُ اْلخَاسِرُونَ) (لعراف)178:
و ف ال ية الكري ة الواب عن حية الجاج ،فقال ليز يد :وي ك يايز يد ،ما أعلم
صاحبك .2
وأراد جاعة من الوارج -وهم يستحلون أموال السلمي وسب نسائهم وأطفالم-
أن يادلوا جابرا ،فقال لم:
أليس قد حرم ال دماء السلمي بدين؟ فقالوا :نعم ،فقال :وحرم الباءة منهم بدين؟
فقالوا :نعم! فقال :أوليس قد أحل دماء أهل الرب بدين بعد تريها بدين؟ فقالوا:
بلى! وحرم ال وليتهم بدين بعد المر با بدين؟ فقالوا نعم! فقال :هل أحل مابعد
هذا بد ين؟ ف سكتوا ،وهكذا ا ستطاع أن ي سي ب م خطوة خطوة ح ت ي ضع أيدي هم
على ال ق ،ويعرف هم أن الحكام ال ت تنط بق على ال سلمي لي ست كالحكام ال ت
تنط بق على الشرك ي ،وأن الو حد إذا ارت كب ماي ل به د مه ليكون ذلك كافيا
لستحلل ماله ،وسب نسائه وأطفاله.
إن دم الوحد قد يل لتنفيذ حكم ال ف العقوبات على بعض الرائم الجتماعية أو
السياسية ،كالقتل والزنا ،وقطع الطريق والبغي ،وهذه الحكام إنا يقصد منها أول
التاريخ .............................
الباضية في موكب 74
.............................نشــأة المذهب الباضي
عقوبحة الجرم على محا ارتكحب ،وثانيحا زجحر الناس عحن ارتكاب مثحل هذه الثام،
والعقوبة ف كل أحكام الشريعة ،إنا قدرت بالضرورة ،وبنيت على السباب الداعية
إليها ،وحددت طريقة تنفيذها دون إسراف أو مبالغة.
ولذلك فل ي ل أن تتعدى الدود ال ت ر ست ل ا ،وهذا الع ن دق على أفهام ب عض
الناس ،فسحألوا المام عليا لاح ناقشوه عحن وقعحة المحل فقالوا :حلّلت لنحا دماء قوم
وحر مت علي نا أموال م .و هو ن فس ال سوأل الذي وج هه أ حد ج ند أ ب الطاب
عبدالعلى عندما احتل القيوان ،فأنكر عليه أبو الطاب هذا السوأل وزجره عنه،
وقال له :لو فعلنا ذلك لكان حقيقا على ال أن يكبنا معهم ف النار .1
التاريخ .............................
الباضية في موكب 75
.............................نشــأة المذهب الباضي
الجتهاد
ذهحب كثيح محن الفرق السحلمية إل إغلق باب الجتهاد بعحد عصحور معينحة ،
حا سبي أ نه لن يأ ت ناس ف م ستوى الجتهد ين ال سابقي ،وأ نه ل ي بق ف الد ين
ميدان ينفسح للجتهاد.
وحينما حجر هؤلء الامدون على عقول السلمي وأفهام هم أن تنطلق ،وتلق ف
الياديحن الفسحاح التح فتحهحا الكتاب الكريح بدعوة الؤمنيح إل النطلق والتحرر
والتفكي ،جدوا السلم من جهة أخرى على نظرات وبيئات وأزمنة خاصةز
وقحد عرف الباضيحة منحذ أول وهلة ،أن هذه الفكرة الامدة ل تتمشحى محع روح
ال سلم الذي ي صلح ل كل زمان ومكان ،فإن ال سلم ب عد أن ر سم الدود ال ت ل
ينب غي تطي ها ،أراد ال سلمي أن ينطلقوا بواهب هم وأفكار هم ،وعلوم هم وأفهام هم
ف مياد ين الياة ،يرودون الجاه يل ،ويفتتحون الغالق وينيون ال سبيل أمام أفواج
البشرية ف جيع العصار والمصار ،ل يجر على أواخر المة ما أباحه لوائلها ،
والسحلمون فح جيحع العصحور ل يتفاضلون إل بالتقوى واليان والعمحل الصحال ،
والكفاح التواصحل فح سحبيل ال ،باسحتثناء شرف الصححبة لولئك النفحر الذيحن
اختار هم ال أن يكونوا أ صحاب م مد صلى ال عل يه و سلم ،والدف عة الول ال ت
تمل مشعل الداية لي البشرية الضالة .
إن حاجة السلمي إل الجتهدين ف العصور التأخرة ،وإل أباثهم ف هذه الشاكل
الكثية ،ال ت تعرض ها الضارات الختل فة على ال مة ،أ شد من حاجت ها إلي هم ف
الزمنة السابقة ،ووصول العاملي من هذه المة إل الجتهاد أيسر ف هذه العصور
ل سهولة الوا صلت ،وإمكان ات صال العلماء ،وح صولم على ج يع ال صادر ال ت
تساعدهم عل أباثهم ومناقشتهم.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 76
.............................نشــأة المذهب الباضي
ولا كان الباضية يعتقدون أن ما فتحه ال لوائل هذه المة ل ينغلق عن آخرها ،
وأن باب الجتهاد الذي تركحه ( ممحد صحلى ال عليحه وسحلم ) مفتوححا على
مصراعيه ،ل يكن أن يغلقه فقيه مغلق الف هم ،ولذلك فقد ناقشوا قضية الجتهاد
والستوى العلمي الذي يؤهل صاحبه للقيام بذا العبء .وهل يصح الختصاص فيه
لن استكمل شرائط الجتهاد ف قسم دون قسم ؟ لئل تتوقف اللكات والواهب ف
ميدان محن مياديحن العلم والياة ،محن أجحل ميدان آخحر تعمحل فيحه ملكات وعقول
أخرى.
ول عل في ما كت به العل مة ال سالي ف هذا الوضوع كثيا من اليضاح والتحق يق ،
فا ستمع إل يه يقول بعد أن أو ضح الشروط ال ت يب أن تتو فر ف الجت هد ،كالعلم
باللغة ،وأصول الدين وأصول الفقه ،ومصادر الدلة من الكتاب والسنة والجاع :
( أما إذا اختل منها بعض الشروط ،وكان عالا بشيء دون شئ ،كما لو كان
عالا بأدلة النكاح ،دون غيهحا .أو بأدلة البيوع دون غيه ،أو نوح ذلك .وكان
متقنا باح علم منهحا اتقانا تاما .فهحل يوز له أن يتهحد فح اسحتنباط محا علم محن
الحكام ؟ أم ل يوز له حت يكون عالا بميع أحكام الكتاب والسّنة ؟
ذ هب المام الكد مي ر ضي ال ع نه إل جواز ذلك ،ون سب هذا القول إل أك ثر
ال صوليي ،وق يل ل يوز الجتهاد ف ب عض ال سائل دون ب عض ،وإن عرف من
ذلك الب عض الدلة ال ت تتعلق ب ا أحكا مه ،وهذه ال سألة معرو فة عند هم ،بتجزئ
الجتهاد ،والصححيح محا عليحه المام محن جواز ذلك .لنحه لو اشترطنحا كمال
الجتهاد ف كل فن ،بيث ل يهل الجتهد شيئا من السائل الجتهادية ،لكمال
عل مه بأ خذ كل م سألة ،وإل كان قا صرا ،و قد سئل مالك بن أ نس عن أربع ي
م سألة فأجاب عن أر بع .وقال ف البق ية ل أدري ،فلول أ نه ي صح الجتهاد ف
مسحألة دون أخرى ،لاح جاز له أن ييحب عحن البعحض ،وكذلك نقحل عحن بعحض
التاريخ .............................
الباضية في موكب 77
.............................نشــأة المذهب الباضي
وقحد يكون السحتاذ المام محن أوائل محن حطحم المود ،وحلح لواء الثورة على
الرجعية الدينية الت تكمت ف السلمي عدة قرون ،وتوقفت بم دون تقدم ،تنظر
فح حية وارتباك إل موكحب الياة يتغلغحل بالبشريحة فح أطواء الزمحن ،ودعحا إل
التحرر من هذا الق يد الذي ك بل به جهلة الفقهاء انطل قة الف هم ال سلمي العم يق
لحداث الزمن وتطورات الياة .
كان الباضية منذ العصر الول من وعى هذه القيقة ،وفهم روح السلم الت دعا
إلي ها ف الكتاب الكر ي ،وهدى ر سوله القو ي ف توجي هه ل صحابه رضوان ال
علي هم ك ما ف عل عل يه ال سلم مع معاذ بن ج بل ح ت ح د ال على توف يق ر سول
ر سول ال .فلم ي سمحوا لذا الق يد أن ي غل أيدي هم ،ولذا الجْر أن ي قف دون
انطلقهم ،ولذا المود أن يسيطر على عقولم وأفهامهم وعلومهم ،وذلك لنم
يعتحبون مدارك الناس ومواهبهحم متسحاوية ،وكمحا أمكحن أن تيحء القرون الول
بالعمالقة والعلم.
ما دا مت ال صادر ال ت ي ستقي من ها الولون هي ن فس ال صادر ال ت ي ستقي من ها
التأخرون ،مع ما تيسر من وسائل التصال والطلع والعرفة.
وهذه قضية ثانية من القضايا الت يكاد ينفرد با الباضية ،والت تتمشى مع روح
السلم ومع حقيقة الياة ،ومع طبيعة الوجود ،وقد غفل عنها كثي من أصحاب
الذا هب الخرى ،ول يفهموا حقيقت ها إل ف هذا الع صر الذي بدأ ف يه ال سلمون
ينفضون عنهم غبار الغفلة والمود والرجعية ،وينطلقون فيما مهدته ساحة السلم
،ودعا إليه سيد النام ،عليه الصلة والسلم .
التاريخ .............................
الباضية في موكب 79
.............................نشــأة المذهب الباضي
والسحلم ليتحم إل بقول وعمحل ،فالقول :النطحق بكلمحة الشهادة ،والعمحل التيان
بميع الفرائض ،واجتناب جيع الحرمات ،والوقوف عند جيع الشبهات.
النطق بالشهادة يدخل الشخص ف الخطط الغراف للمسلمي ،فيحرم دمه ،وماله،
وتفظ كرامة نسائه وأطفاله ،لقوله عليه السلم [:أمرت أن أقاتل الناس حت يقولوا:
لإله إل ال ،فإذا قالوها فقد حقنوا من دماءهم وأموالم إل بقها] ،قيل وما حقها
يا ر سول ال؟ قال [:ك فر ب عد إيان ،وز ن ب عد إح صان ،وق تل الن فس] 1أ ما أن
يكت في الرء بالن طق بذه الكل مة ،ويه مل الع مل ب ا فر ضه ال ،فهذا إيان غ ي تام،
وع مل غ ي صال ،إن طبي عة ال سلم تقت ضي من الش خص أن يؤ من بال ور سالته،
وأن يصرح بذا اليان ،وأن يندفع للعمل با جاءت به هذه الرسالة ،الت آمن با.
ولو ألق يت نظرة إلىالعال ال سلمي اليوم ،الذي يوج بلي ي من الب شر ،يشهدون
أن ل إله إل ال وأن ممدا ر سول ال ،ويفخرون بأن م م سلمون ،اختار هم ال لن
يكونوا ف ال مة ال ت أراد ال أن ي تم ب ا ال مم الؤم نة ،وين سخ بشريعت ها شرائع
ال سماء .إ نك لو ألق يت نظرة إل هؤلء ال سلمي وإل أعمال م ،لذهل تك النتي جة،
وساءتك القارنة.
إن ال حي أرسل ممدا صلى ال عليه وسلم بشريعة السلم ،أراد أن يكون السلم
كله ل ،وأن ليكون ل ف الؤ من شر يك ،فإن ال أغ ن الشركاء ،فإ ما أن يتو جه
الؤمن إل ال بقلبه ولسانه وجوارحه وإل فإن ال غن عنه.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 80
.............................نشــأة المذهب الباضي
وما جدوى أن يلوك اللسان كلمة التوحيد ،ويتليء القلب بب غي ال ،وتتسابق
الوارح إل كل ما نى ال عنه ،تاركة لا فرضه ال عليها.
محا وزن هذا السحلم الذي ل يقرب الصحلة؟ أو ل يعترف بالزكاة؟ أو ل يجح إل
للمباهاة؟
وما وزن هذا السلم الذي يدخل الانة فيشرب حت يفقد عقله؟ والقمرة حت يفقد
ماله؟ والاخور حت ينهك صحته ويهتك ستره؟
ما وزن هذا السلم عند ال؟
ومحا وزن هذا السحلم الذي ينطلق فح الشوارع تمحل أصحابعه السحبحة لياه الناس،
وتتم تم شفتاه بل إله إل ال ،وتول عيناه ب ي الفا تن ال ت حرم ال ،ح ت ي د من
أعي الناس غرة ،فيتكب الفاحشة ،ويبتز الال الرام ،ث يرج فيضفي على الدخل
الفاسق ثوبا من الوقار الارجي ليظن الناس أنه مؤمن؟
وما وزن هذا السلم؟ الذي يتج بقول الفيلسوف على قول ال ،ويرد بنظرية فرويد
على سنة ر سول ال ،ويع تز بفل سفة مار كس دون فل سفة ال سلم ،ويع طل أحكام
الكتاب بالدسحاتي التح وضعهحا جان بول سحارتر ،1أو جون ديوي ،أو كارل
ماركس؟
ما وزن هذا السلم عند ال؟
و ما وزن هذا السلم الذي ينفق الموال ف كل سبيل إل سبيل ال والي ،ويشترك
ف كل مشروع إل مشروع العروف ،وينهى عن كل ملس إل ملس النكر؟!!
ما وزن هذا السلم عند ال؟
و محا وزن هذا السحلم الذي يسحتغفل الناس بالديحن ،ويتلهحم عحن أموالمح باظهار
التقوى ،فيسرقها باستحقاق الصدقة؟
ما وزن هذا السلم عند ال؟
التاريخ .............................
الباضية في موكب 81
.............................نشــأة المذهب الباضي
و ما وزن هذا السلم الذي يستعبدالناس وأموالم برية التملك ،ويسخرهم تسخي
العبيد بدعوى ولية المر ،ويكم عليهم بالتجهيل ،والتفقي والذلل؟
ما وزن هذا السلم عند ال؟
وما وزن ذلك السلم الذي سع بذا العصر فتعصر ،وقيل له عن الشتراكية فتشرك،
ث دعي إل الشيوعية فتشيع؟
ما وزن هذا السلم عند ال؟
وليست هذه الصور مقصورة علىالفراد ،و إنا هي تنطبق على الدول .إنا تنطبق
كل النطباق على هذه الطوائف الائرة من بلد ال سلم ،ال ت تد عي كل واحدة
من ها أن ا دولة ،ت ستعصم بالعرو بة وتترك ال سلم ،وتع تز بالعن صر ،وتتنا سى الد ين.
وتقلد أعداء الدين وأعدائها ف طرق الكم ،وتنبذ طرق الكم الت وضعها ال لا،
تستمد منهم الرأي والبة ،والسلح والذخية واليلة والكيد.
ما وزن هذه الدول عند ال؟
إ نك ت ستطيع أن ت د ملي ي من ال صور للي ي من الب شر ،تنطلق أل سنتهم بكل مة
التوحيد ،ولكنهم ف غي ذلك ليسوا مسلمي ،فهل يتم إيان كل أولئك ،ويسبون
على السححلم؟ لو كان هذاليان كاملً كمححا أراده ال ،وكان إيان هؤلء الغثاء
كإيان أولئك ال صناديد الذ ين يرون أن الع مل هو شري طة كمال اليان لكان العال
كله يسي اليوم على شريعة ال .فإن عشرة ألف من السلمي -عندما كان السلم
إيانا وقول وعمل -اسحتطاعوا أن يهدوا اللييح إل ديحن ال بسحلوكهم ،قبحل أن
يهدوهم بأقوالم وأسيافهم ،واستطاع أولئك اللف القليلة أن يثبتوا حكم ال قويا
مزدهرا فح بلدال ،وإن كان أهلهحا على غيح السحلم ،لن أولئك القلة كانوا
مسحلمي حقحا بقلوبمح وألسحنتهم وجوارحهحم .إننح أزعحم -وقحد أكون مطئا فح
هذاالزعم -أنه ل يضر السلم ،ويهونه ف نظر أتباعه ،ويريء السلمي على ترك
التاريخ .............................
الباضية في موكب 82
.............................نشــأة المذهب الباضي
فرائ ضه ،وانتهاك حرما ته ،وعدم التق يد بشر عه -ش يء م ثل ما أ ضر به هذا القول
الذي يض في ال سلم الكا مل على ر جل ل يس له من ال سلم إل قولة لإله إل ال،
وتشدق بعحض التفقهيح ،الذيحن يسحتغلون ماحفظوا دون فهحم ،ويتهدون لرضاء
العامة والهلة من الناس بتهوين أسباب العصية لم ،ويدجلون بإسم بعض الذاهب،
قائليح :إن جهنحم ل تلق لنح يوححد ال ،ولو ل يعمحل ،وأن محن قال ل إله إل ال
دخحل النحة ،وإن زنح وإن سحرق ،غيح فاهحم معنح الملة الخية .فح أمثال هذه
ال ساليب ال ت يقتطعون ا عن معاني ها ،ويدعون ب ا الناس عن أنف سهم و عن دين هم
و عن رب م ،يضفون علي هم ل قب ال سلم ،وي سلبونم الع مل ال صال ،الذي اشتر طه
الكتاب الكري لن آمن بال ،فلم يرد فيه إيان غي مقرون بالعمل الصال والحسان.
هذه قضية ثالثة من القضايا الت يكاد ينفرد با الباضية منذ أول السلم ،وساروا
في ها على الن هج الذي كان عل يه م مد صلى ال عل يه و سلم ،و سار عل يه أ صحابه
رضوان ال عليهحم فلم يفرقوا بيح القول والعمحل ،ول يزئوا ديحن ال ،ول يطمعوا
العصاة الصرّين غي التائبي ،كانت معصيتهم بالفعل أو الترك ،ف رحة ال.
والن و قد انت فض ال سلمون من هجعت هم الطويلة ،ورجعوا ال كتاب رب م وهدي
نبيهم و سية سلفهم ،ي ستلهمونه التوج يه ،وي ستوحونه الرشاد ،ويلتم سون م نه
هدايةالطر يق ،عرفوا أن الع مل هو الشرط ال ساسي ف صحة العقيدة ،ولذلك ف قد
انطلقحت القلم الباركحة ،تدعوا ال السحتمساك بالعروة الوثقحى محن كتاب ال،
والتحلي باللق القوم الذي تلى بحه ممحد صحلى ال عليحه وسحلم ،والندفاع ال
ميدان الهاد الدائم جهاد النفحس ،فإن ل يسحتطع أن يقهحر الشيطان فح نفسحه
ليستطيع أن يقهر العدو ف أرضه ،ومادام السلمون منحرفي عن صراط ال السّوي
فإنم لن يتأيدوا بنصر ال .فإذا فهم السلمون السلم حق الفهم ،ورجعوا إل العمل
به أفرادا وأما ،شعوبا ودول ،وأسلموا أرواحهم وألسنتهم وجوارحهم ل ،فإن ال
التاريخ .............................
الباضية في موكب 83
.............................نشــأة المذهب الباضي
لقد رأى الباضية ،أن مبة الؤمن الوف بدينه ،الريص على واجباته ،البتعد عن
الحارم ،التخلق بأخلق ال سلم ،الت بع لدى م مد عل يه ال سلم ،القت في لثار
السلف الصالي ؛ رأى الباضية أن الؤمن إذا كان على هذا الطريق ،وجبت مبته
على الؤمن ي ،وأعل نت ولي ته ب ي ال سلمي ،وطل بت له الغفرة والرح ة من رب
العالي.
وان ظر أي ها القارئ الكر ي ،إل مت مع ل تري ف يه الح بة والودة والرح ة إل ب ي
أولئك الؤمن ي الذ ين علقوا م صائرهم ب يد ال ،ووهبوا أنف سهم لعلء كل مة ال ،
ول يربطهم فيما بينهم إل الخوة ف ال .فإذا نزغ أحدهم من الشيطان نزغ ،ول
يسحتعذ بال فأقدم على العصحية ،ول يسحارع إل التوبحة ،انفصحم هذا الرباط الذي
يربطه بالؤمني ،وتطمت هذه الخوة الت قامت على الدين ،حت يدد إيانه بربه
،ويستغفر ال من ذنبه ؛ ويصل حبال قلبه بفاطر السماوات والرض.
فإذا فعل ذك ،رجعت منلته بي إخوانه كما كانت ،وعزت نفسه بينهم بعد أن
هانت ( ،ول العزة ولرسوله وللمؤمني).
وقحد رأى الباضيحة أن هذا السحلم الذي يعلن بيح الل قول ل إله إل ال ،ممحد
ر سول ال ،ث يترئ على أوا مر ال فيتخلى عن واجبا ته ،أو يقدم على ارتكاب
الحظورات ،أو يل قى ال بغ ي الظ هر الذي يظهره للناس ،أو يف ضل على شئ من
دين ال شيئا ما يدعو إليه البشر ،أو يرتكس إل التزلف لخلوق – حي أو ميت –
فيجو منه ما ل يرجوه الؤمن إل من ال.
رأى الباضية أن هذا السلم الذي وصفناه بالسلم ،وأدخلناه بي أهل التوحيد ،
ل يق أن يكرم بالتساوي مع الصادقي ،ول يكن أن تشمله الحبة ف الدين ،بل
يب أن يد الغلظة من الؤمني ،وأن يسمع التقريع والتوبيخ ،وأن يطلب البتعاد
عنحه ،وأن تعلن الباءة منحه ،ويقلل التعامحل معحه ،حتح تضيحق عليحه الرض باح
التاريخ .............................
الباضية في موكب 86
.............................نشــأة المذهب الباضي
( هل الدين إل الب والبغض ! ..إن الدين هو هذه العاطفة الشبوبة بحبة الي
وأصحابه ،وكراهة الشر وأحزابه ،هو هذه العاطفة الدافقة النسابة كالفيضان الوار
،ل تد مستقرها إل حيث تبلغ أهدافها ،ل يهمها أن تغمر سفحا ،أو تطوق قمة
..إن الدين هو هذه العاطفة الرة اليسية :اشئزاز من مسالك الفسقة يقبض يدك
عن م صافحتهم ،وي عل حرة الغ ضب ت صبغ وج هك لراءت م على رب م ،فإ ما
استطعت أن تسف الرض من تتهم ،أو تقيم الدنيا وتقعدها حولم ..وإل فإن
أقعدك العجز سكنت سكون القهور على ما يلسعه من عار ،ل سكون البليد على
ما وصل إليه من قرار ) .
ل قد شرح ال ستاذ الغزال ف هذه ال سطور القليلة قاعدة الول ية والباءة ال ت سار
عليهحا الباضيحة منحذ فجحر التاريحخ .والباضيحة ل يرجون العصحاة محن اللة ،ول
يكمون علي هم بالشرك ،ول كن يوجبون الباءة من هم وبغض هم ،وإعلن ذلك ل م
حت يقلعوا عن معصيتهم ويتوبوا إل ربم
كفر النعمة
ي سب الكث ي م ن لعلم له أن الباض ية يتفقون مع الوارج ف تكف ي الع صاة كفر
شرك ،ول يعرفون أن الباض ية يطلقون كل مة الك فر على ع صاة الوحد ين ،الذ ين
ينتهكون حرمات ال ،ويقصدون بذلك كفر النعمة ،أخذا من اليات الكرية ،الت
التاريخ .............................
الباضية في موكب 89
.............................نشــأة المذهب الباضي
وصمة الهل ،وعلموا أن هؤلء الناس ياسبون انفسهم على كل دقيق وجليل ،قبل
أن ياسبهم الناس ،وأنم ليقدمون على قول أو عمل ،إل إذا انبن على آية مكمة،
أو سنة متبعة.
وأعتقحد أن ماتقدم يكفحي ليضاح القصحود محن إطلق كلمحة الكفحر على العصحاة
ويق صد بذلك ك فر النع مة ،وال سبب الذي د عا الباض ية إل إطلق هم هذه الكل مة
على العصاة بدل من كلمة النفاق أو الفسوق أمران :أولما :أنا الكلمة الت أطلقها
الكتاب الكري والسنة القوية عليهم ف كثي من الواضيع والناسبات.
وثانيه ما :أن لكل مة النفاق أثرا خا صا ف تار يخ ال سلم ،ف قد اشت هر ب ا عدد من
الناس ف زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،آمنوا ظاهرا ولكن قلوبم ل تطمئن
باليان ،فكان القرآن الكر ي ينل بتقريع هم ويف ضح بعض هم ويتوعد هم ،بالعذاب
الليم ،ف الدنيا والخرة ،حت اشتهروا بذا السم ،وعرفوا به:
)الْ ُمنَاِفقُو نَ وَالْ ُمنَاِفقَا تُ َبعْضُهُ مْ مِ نْ بَعْ ضٍ يَ ْأ ُمرُو نَ بِالْمُنْ َكرِ َويَنْهَوْ نَ عَ نِ الْ َم ْعرُو فِ
سيَهُمْ ِإنّ الْ ُمنَاِفقِيَ هُ مُ اْلفَا سِقُونَ) (التوبة )67:حت َويَ ْقبِضُو نَ َأيْ ِديَهُ مْ نَ سُوا اللّ هَ َفنَ ِ
صارت هذه الكلمة تشبه أن تكون علما عليهم ،فإذا أطلقت انصرفت إليهم.
و قد أطل قت كل مة الك فر ف الكتاب العز يز على النافق ي ف ز من الر سول عل يه
ال صلة وال سلم ،ك ما أطلقت على ع صاة الوحد ين .ووردت بالعني ي ف الد يث
النبوي ،ويقول علماء اللغة :إنا بذا العن الذي يقصد به كفر النعمة إنا هي مشتقة
من الكفران.
وقحد أطلقهحا القرآن الكريح كثيا بعنح الشرك ،سحواء كان الشرك شرك جحود أو
شرك مساواة.
وخلصة البحث أن الباضية عندما يطلقون كلمة الكفر على أحد من أهل التوحيد
ف هم يق صدون ك فر النع مة ،و هو مايطلق عل يه غي هم كل مة الف سوق والع صيان،
التاريخ .............................
الباضية في موكب 91
.............................نشــأة المذهب الباضي
والع ن الذي يطلق عل يه الباض ية ك فر النع مة ،ويطلق عل يه العتزلة الف سوق ويطلق
عليه غيهم النفاق أوالعصيان وهو معن واحد.
وقد أطلقت الكلمات الثلثة على النافقي ف زمن الرسول صلى ال عليه وسلم كما
أطلقت على الذين ياهرون ال بالعصية ،فيخالفونه عن أمره.
والنقاش ف هذا الوضوع نقاش لغوي ،والختلف لفظي ،والنتيجة أن من يصر على
مع صية ال يل قي ن فس الزاء الذي يلق يه من يك فر بال ،أ ما معاملة ال سلمي ل ن
يف سق عن أ مر ال أو ينا فق ف د ين ال ،أويك فر بنع مة ال ،فإن ا معاملة للعا صي
النت هك الذي ت ب ماولة إرشاده إل وجوب ال ستمساك بدي نه ورجو عه إل أوا مر
ربه ،وإقلعه عن مادّة ال ورسوله ،فإن أصر واستكب وتغلب عليه الشيطان ،بُريء
منه ،ومن عمله ،وجافاه السلمون ،على ماتقدم ف فصل الولية والباءة حت يتوب.
مسالك الدين
يقول صاحب عقيدة التوح يد ( :م سالك الد ين أرب عة :الظهور والدفاع والشراء
والكتمان ) .إن الجتمع السلمي إما أن يكون ظاهرا على أعدائه ،حرا ف أراضيه
،مسحتقلً بأحكامحه ،عاملً بكتاب ال وسحنة رسحوله ،منفذا لحكام الديحن ،ل
يضع لجنب بوجه من الوجوه ،ول يستبد به حاكم ،ول يطغى عليه ذو سلطان
.فهذه الالة هي حالة الظهور ،و هي أك مل الالت للمجت مع ال سلم ،وعلي ها
ي ب أن تكون ال مة ،لن ا النلة ال ت ارتضا ها ال للمؤمن ي ( ول العزة ولر سوله
التاريخ .............................
الباضية في موكب 92
.............................نشــأة المذهب الباضي
وللمؤمنيح ) .فإذا اندر السحلمون عحن هذا القام ،وتضاءلوا عحن هذا الشرف ،
ونزلوا عحن هذه الرتبحة التح رفعهحم إليهحا اليان بال ،والثقحة فيحه ،فيجحب أن ل
يهادنوا الظلم ،وأن ل يستكينوا للطغيان ،وأن ل يسمحوا لليدي العابثة أن تعبث
بقدرات المة ،فتنتهك حرماتم ،وتول دون أمور دينهم ،وتتحكم ف أعمالم
وعبادات م ،وتتصرف ف أموال م بغي التشر يع الذي وضعه عال الغيب والشهادة ،
والدى الذي تركه ممد صلى ال عليه وسلم لبناء السلم.
إذا اندرت ال مة إل هذه الوهدة فت سيطر علي ها عدو أج نب ،أو تلى _ من أول ته
المة ثقتها ،وأسلمته مقاليدها ،ووضعت بي يديه رعايتها _ عن المانة ،وحاد
با عن الطريق ،وخان ال ورسوله والسلمي فيما وضع بي يديه ،وجب حينئذ أن
ي قف ال سلمون ف طر يق تلك الدولة الباغ ية ،يأمرون ا بالعروف ،وينهون ا عن
الن كر ،ويلزمون ا أن ت سلك ب م طر يق ال صواب ،فإذا اعتزت بال ث ،وا ستمرأت
طعم الظلم ،واستكبت أن تضع لمر ال ،وأن ترجع إل سبيل ال ،فحينئذ يأت
القسم الثان من التنظيم السلمي وهو الدفاع ،والدفاع ف مسالك الدين يرادف
ما يعب عنه ف العصر الاضر بالثورة ...الثورة على الستعمار الجنب ،أو الثورة
على الستعمار الداخلي :كالثورة على الظلم ،والثورة على القطاع ،والثورة على
الفساد ،والثورة على النراف عن دين ال ف كل مظاهره وأشكاله .والزعيم الذي
يقود هذه الثورة يسمى ( إمام الدفاع ) وله على المة الثائرة حق الطاعة والمتثال ،
مادامحت الثورة قائمحة ،فإذا اسحتقرت المور ،ورجعحت إل الدوء والسحتقرار ،
أصحبح واحدا محن أفراد المحة ،له حقوقهحم وعليحه واجباتمح ،ورجوع المور إل
نصحابا يكون بأححد أمريحن ،إمحا ناح الثورة وإمحا فشلهحا ،ناحهحا يكون بأححد
أمريحن ،إمحا اسحتجابة الدولة لطالب المحة ،ورجوعهحا إل أحكام ال ،وفح هذه
الالة ينتهي عمل الثورة إل هذا الد.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 93
.............................نشــأة المذهب الباضي
وإمحا الطاححة بالنظام الفاسحد ،وقلب الكحم الظال ،وتغييه إل نظام إسحلمي ،
يتم شى مع التشر يع الذي جاء به كتاب ال الكر ي ،وعندئذ أيضا ل يكون لزع يم
الثورة أو أم ي الدفاع ،أي حق ف ال كم ،إل إذا اختار ته ال مة ،لشروط توفرت
فيه بعد الدوء والجتماع والتفكي والفاضلة ،حسب الشروط التبعة ف اختيار أمي
للمؤمني .
فإذا ضعف السلمون حت عن هذا الوقف ،أصبحوا ل يستجيبون لداعي الثورة ،
ويفضلون طريق السلمة ،ويركنون إل الدعة والستراحة ،جاء السلك الثالث من
م سالك الد ين ،و هو الشراء ،ف حق لقلة من هم إذا بلغوا أربع ي شخ صا أن يعلنوا
الثورة على الفساد ،وبا أن هذه الثورة الت يقوم با عدد قليل ل يتوقع لا النجاح
ف كفاح ها ضد دولة ظال ة م سلحة ،وأ مة م سالة راض ية بالذل ،إن هذا التنظ يم
يشبه أن يكون شغبا على دولة ظالة حت ل تطمئن إل تنفيذ خططها الائرة ،وقد
ل تكون لا نتائج غي هذا القلق الذي ييم على الظالي ،والتوجس والوف الذي
يسود أعمالم وحركاتم ،ولذلك فقد اشترط لذا التنظيم ،شروط قاسية ل يقبلها
إل الفدائيون ،الذيحن وهبوا حياتمح لياة المحة ،وذلك أنحه ل يلح لمح بعحد أن
ينخرطوا ف هذه الؤ سسة ،أن يعودوا إل بلد هم ،أو ي ستقروا ف أمكنت هم ،أو
يتخلوا عن ر سالتهم ،ح ت ينت هي ب م ال مر إل النجاح أو الق تل ،والق تل أقرب
المر ين إلي هم ،وعند ما تض طر الظروف أحد هم إل منله لشأن من شؤون تد يد
الثورة ،كالتزود ،فإ نه يع تب ف منله غريبا م سافرا يق صر ال صلة ! ولك نه عند ما
يكون ف شعف البال ،أو بطون الودية ،يقطع الواصلت على الطغاة ،أو يهدم
السور الت تر با القطر الظالة ،أو يقتلع أسس القلع الت تمع ذخية البابرة ،
حينئذ يعتب ف منله وبي أهله ،وهم ف كل ذلك ل يل لم أن يروّعوا المني ،
أو أن يسيئوا إل السالي .إنه تنظيم رائع للفدائية ف السلم عندما يتحكم الظلم ،
التاريخ .............................
الباضية في موكب 94
.............................نشــأة المذهب الباضي
وي ستعلي عب يد الشيطان ،وتع طل أحكام ال بأحكام الن سان ،يقول أ بو إ سحاق
( الشراء من أخص أوصاف الباضية ) .
فإذا رضيت المة بالذل ،واستسلمت للظلم ،وجرى عليها حكم الطغاة ،ول يقم
في ها من يثور لكرا مة ال سلم الهدرة ،ول لشرف الر سالة ال ت أعزت الن سانية ،
وتغلب ححب الدعحة على كحل فرد ،وركحن الميحع إل الراححة ،فلم تتكون حتح
الفدائية الت تقض مضاجع الظالي ،وتذكرهم أن حكمهم لن يقر ،وأن القاومة ل
تزال هي أمل الؤمني ،وأنم سوف ياسبون أمام ال والمة حسابا عسيا.
إذا ضع فت ال مة ح ت عن هذه الرت بة ،أ صبحت ت ت التنظ يم الخ ي ،تنظ يم
الكتمان .وعندئذ يبح أن يبتعحد الؤمنون عحن مسحاعدة الظاليح بتول الوظائف
الظالةح ،وأن تتول شؤونمح جعيات تبحث فيهحم هدايحة ال ،وتل قلوبمح باليان
بال ،وتن شر في هم العر فة والثقا فة ال سلمية ال ت تب صرهم بد ين ال ،فل تكون
علقتهحم بالظاليح إل فح أيسحر طريحق ،وأضيحق مال ،فيمحا يتعلق ببايحة الموال
الفرو ضة علي هم للحاكم ي ،و هي المعيات ،أو ما ي سمى ف التنظ يم البا ضي
( بلقة العزابة ) .
العَّزابة
تعريف العزّابة :العزّابة هيئة مدودة العدد ،تثل خية أهل البلد علما وصلحا ،وهذه
اليئة تقوم بالشراف الكامل على شئون الجتمع الباضي؛ الشئون الدينية ،والشئون
التعليم ية ،والشئون الجتماع ية ،والشئون ال سياسية .و هي ف ز من الظهور والدفاع
تثل ملس الشورى للمام أو عامله ومن ينوب عنه ،أما ف زمن الشراء أو الكتمان
فهي تثل المام وتقوم بعمله.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 95
.............................نشــأة المذهب الباضي
تتار هيئة العزّا بة من بين ها شيخا ي سمى (ش يخ العزّا بة) يكون أعلم هم وأكثر هم
كفاءة ،ول يشترط فيحه أن يكون أكحبهم سحنا ،والشيحخ يرأس اليئة فح جلسحاتا،
ويثلها ف جيع أعمالا ،ويتكلم باسها ،وينفذ قراراتا ،ويتول الشراف الباشر على
جيع شئون البلد أو المة ،ويب أن تعرض عله جيع الشاكل والحداث ،وحكمه
بعد قرار اليئة نافذ ف جيع الحكام.
إشتقاق كلمة العزّابة :اشتقت هذه الكلمة من العزوب أو العِزابة ،وهي تعن العزلة،
والغربحة ،والتصحوف ،والتهجحد ،والنقطاع فح رؤوس البال ،ويقصحد باح فح هذا
السحتعمال النقطاع إل خدمحة الصحلحة العامحة ،والعراض عحن حظوظ النفحس،
والب عد عن مشا غل الياة ،من أ هل ومال وولد ،فإن العزّا ب ل يع طي لؤلء من
جهده ووقته إل القليل ،أما أعظم طاقاته فيجب أن يصرفها ل ف خدمة السلمي،
دون مقابل يتقاضاه على عمله ،أو أجر يرجوه منهم ،لن أجره وحسابه على ال.
معن كلمة الَلقَة :كلمة اللقة استعمال ثان يقصد به هيئة العزّابة ،فهي مرادفة لا.
وقحد أخذت هذه الكلمحة محن التحليحق ،وهحو السحتدارة ،وذلك أن العزّابحة فح
اجتماعاتمح الرسحية يلسحون على هيئة حلقحة أو دائرة ،وهحو أنسحب وضحع لتبادل
الراء ،ودراسة وجهات النظر الختلفة.
كما أن اللوس على هذا الوضع أفضل حال عند الدراسة ،أو تلوة القرآن الكري،
والتاه إل ال بالدعاء.
مقر العزّابة :القر الرسي للعزابة يكون ف السجد ،ولذلك فلزام أن يكون ف جانب
من جوا نب ال سجد ب يت خاص بالعزّا بة ،وي ستحسن أن يكون بعيدا عن مالس
الناس ،حت لتسمع الداولت الت تري فيه ،وهذا البيت الاص بم ليوز لغيهم
الدخول إليحه مطلقا ،ويتحتحم على الدد منهحم أن يقوموا بتنظيفحه ومراقبتحه وفرشحه
وملحظة جيع ما يلزمه ،وفيه تفظ وثائقهم فل يطلع عليها أ حد غيهم .وجيع
التاريخ .............................
الباضية في موكب 96
.............................نشــأة المذهب الباضي
الداولت والناقشات والباححث التح تري داخله تعتحب سحرية ،ل يوز اخراجهحا،
وإفشاؤها لي سبب من السباب ،ماعدا القرارات الت تتخذ للتنفيذ فيتول الشيخ
إعلناح ،وقحد ينوب عنحه أححد العضاء الخريحن؛ ول يوز للعزابحة أن يناقشوا أي
موضوع ف غي مقرهم الرسي ،وبعد أن ينتهوا إل قرار ف أي موضوع يق لم أن
ينتقلوا إل مكان آخر لتنفيذ ذلك القرار ،إذا كان تنفيذه يقتضي منهم النتقال ،وإذا
أصحدروا أمرا فح شأن محن الشئون الجتماعيحة للبلد ،كتحديحد الهور ،أو تديحد
السحعار ،أو بدء العمحل فح الواسحم الزراعيحة ،أو محا شاكحل ذلك ،فلم يسحتجب
المهور لقرارهحم اعتصحموا فح مقرهحم ،ولزموا السحجد دون أن يقوموا بأعمالمح
العتادة ،وامتنعوا من دخول السواق والبلد ،حت يستجيب الناس للحكم ،ويقوموا
بتنف يذ ال مر ،ول تدث م ثل هذه الالة ع ند الباض ية ف ليب يا ،إل عددا قليلً من
الرات ،اسحتجاب فيهحا الناس لمحر العزّابحة بأسحرع مايكحن ،بحل لقحد كان الناس
ي سارعون ح ي ي سمعون ب ثل هذا الو قف من العزّا بة ،فيقنعون بعض هم ،ويبلغون
موافقتهم إل الجلس قبل حضور وقت الصلة الثانية ،فتسي المور ف معتادها.
عدد أعضاء اللقة :يتراوح عدد أعضاء اللقة بي عشرة أعضاء وستة عشر عضوا،
يوزع عليهم العمل كما يأت:
شيخ العزّابة :ويكون أعلم القوم ،وأقواهم شخصية ،وأقدرهم على حل الشاكل.
-1ال ستشارون :ويكون عدد هم أرب عة ليزيدون ول ينق صون .ويلزمون الش يخ،
ول يقطع أمرا دون موافقتهم.
-2المام :ش خص وا حد ،يقوم ب صلة الما عة ،ويوز أن يكون أ حد الرب عة
الستشارين.
-3الؤذن :و هو ش خص وا حد م سئول عن تري أوقات ال صلة ،والقيام به مة
الذان ،ويصح أن يكون أحد الربعة الستشارين.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 97
.............................نشــأة المذهب الباضي
-6أن ل تكون له مشا غل دنيو ية كثية تمله على كثرة التردد على ال سواق،
والختلط بالعامة والسوقة ،اختلطا يزري بقامه ،ويذهب بيبته.
-7أن يغسل جسده باء ،ويغسل قلبه باء وسدر ،وهذه عبارة اصطلحية ،يقصد
من ها أن يكون الن سان نظ يف ال يد ،والب طن ،والع ي من أموال الناس ،وأن يكون
نظيف القلب من جيع أمراض القلوب ،أي أن يكون طاهر الباطن و الظاهر.
و قد شرح أبوعمار عبدالكا ف هذه العبارة بقولة( :أماال سد فيغ سله من الد نس ف
الناس ،وأما القلب فيغسله من الغش والتكب وما أشبه ذلك ما يوجب حبط العمل)
والعبارة كما ترى ف غاية الدقة ،وهي تتمل أكثر ما أشرت إليه وأشار إليه العلمة
أبوعمار ،فتأملها ،فكلما تأملتها وجدت فيها معن جديدا...
ولقد شدد الشائخ ف تنظيف الؤمن لقلبه ،لن أدران القلوب أشد قذارة من أدران
البدان ،ولذلك أوجبوا عل يه أن يغ سل ج سده بالاء ،وأن يغ سل قل به باء و سدر،
وهي كناية تفيذ الرص الشديد على نظافة الباطن أكثر من نظافة الظاهر ،فإن من
طهرت سريرته حسنت سيته ،واستقامت أموره ،وكثرت ماسبته لنفسه ،ورعايته
لسلوكه ،وف ذلك ناح.
واجبات الل قة :على هيئة العزّا بة واجبات أكيدة هي م سئولة عن ها باعتبار ها هيئة،
وتتخلص هذه الواجبات فيما يلي:
الشراف على التعليم وتيئة الوسائل لذلك ،وتيسي السبل أمام جيع الطفال لينالوا
ق سطا من الدرا سة ،ويتعلموا جزءا من القرآن الكر ي و ما يعرفون به أمور دين هم،
وهذا أ قل ما ي كن أن يتاح للط فل ،فإذا كا نت أسرة الطفل فقية ب يث ل ت ستغن
عن مهوده الضع يف ،أو ل يس ل ا ما تو نه به أوقات الدرا سة و جب أن تقدم له
مساعدة ،وذلك بالنفاق عليه.
التاريخ .............................
الباضية في موكب 99
.............................نشــأة المذهب الباضي
-1مراعاة الالة الجتماع ية للناس ،وتي سي سبل الياة للفق ي والضع يف ،وإياد
العمل للجميع ،وذلك بطالبة الغنياء وأصحاب اليسار أن يستعينوا بالفقراء ف إناز
أعمالم مقابل أجور ،كثيا ما يعيّنها أعضاء العزّابة.
-2حل الشا كل ال ت تن جم ب ي الناس ،والف صل ف قضايا هم ،وال كم بين هم ف
خصوماتم ،وإيصال القوق إل أصحابا.
-3الشراف على أوقاف الساجد .وعلى ميزانية اللقة أو ضبط الصادر والوارد،
وإنفاق جيحع ذلك فح وجهحه ،والعمحل على تنميحة الوقاف الثابتحة ،وإصحلحها،
واستغللا أحسن إستغلل.
-4حفظ السواق ومراقبتها من أن تقع فيها معاملت ل يبيحها الشرع ،أو أن ترد
إليها أموال مسترابة أو مشبوهة.
-5تنظيم الراسة البلدية على أموال الناس من زراعة وماشية حت ل تصل إليها
أيدي الغارة والسرقة والضرار.
-6ال كم على الع صاة والجرم ي وتأديب هم ،وإعلن الباءة من هم ،وق طع التعا مل
معهم حت يتوبوا ويرجعوا إل ال.
-7القيام بالعلقات الارجية وتنظيمها ،سواء كانت علقات حرب أو سلم.
هذه بعض الهام الت تناط بجلس العزّابة باعتباره هيئة مسئولة عن الجتمع أمام ال
وأمام الناس ،وعلى اليئة أن توزع العمال على العضاء حسحب الكفاءة والقدرة،
والذي يقوم بذلك إنا هو الشيخ بعد اتفاق اللقة.
أ ين تنشاء حلق العزّا بة :تنشاء حلق العزّا بة ف كل بلد أو قر ية ،وحل قة العزّا بة هم
الذين يشرفون على أمور البلد أو القرية الاصة ،فإذا كان هنالك أمر هام ،أوحدث
أكب من مستوى القرية أو البلد رفع إل الجلس العلى للعزابة الذي يرأسه الشيخ
الكب ،أوحاكم البل حسبما كان ف جبل نفوسة ،وذلك كمسائل إيقاع الدود،
............................. 100
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
ويتخذون ف ذلك القرارات اللز مة .وير سون خ طط ال سي ف ال ستقبل ،على أ نه
يق لكل حلقة أن تتصل بالجلس العلى وتدعوه للنعقاد إذا كانت هنالك أسباب
تدعوا إل ذلك .ك ما أن ل ا ال ق أن تعرض مشاكل ها الا صة على الش يخ ال كب،
وتقتبس منه الرأي والنصيحة.
ويثل كل حلقة من حلق العزّابة شيخها وبعض مستشاريه ،إل ف أحوال الضرورة
الت يتعذر فيها عليه أن يقوم بذه الهمة.
اختيار أعضاء الل قة :يرا عى ف اختيار العزّا بة بالضا فة إلىالشروط ال ت ي ب أن
تتو فر ف كل ش خص أن يكونوا مثل ي للقبائل أوالهات ال ت يشت مل علي ها البلد،
وليشترط ت ساوي العدد ،ك ما أ نه إذا ل يو جد ف قبيلة ما من تتو فر ف يه الشروط
الشخ صية أ خذ من غيها ،وعند ما يتاج العزّابة إل إضا فة ع ضو جديد إل اللقة
يأخذونه عن أحد طريقي:
إما أن يطلبوا من القبيلة الت يراد أخذ العضو منها أن ترشح عددا من تتوفر فيهم
شروط العضويحة ،والكفاءات الطلوبحة محع الشهرة بالصحلح ،والتقوى ،والعفاف،
والناهة ،وحب الي ،واليثار والتضحية ،والعمل للصال العام ،فتختار اليئة واحدا
منهحم :وإمحا أن يطلبوا إل منظمحة (إيرْوَانحْ) أن يقدموا إليهحم واحدا منح يلء ذلك
الفراغ.
ح ي يتع ي الع ضو لن يش غل مركزا ف العزّا بة ،يد عى إل مقر هم الر سي ،ويتول
الشيخ تعريف بالسية الت يب عليه أن يسيها ،وبالدب الذي يلتزمه ويؤكد عليه
أن يعرف أن محن أوكحد الواجبات عليحه أن يافحظ على آداب السحلم ،ويتخلق
بأخلقه الميدة ،من الستقامة والناهة ،والعفة ،والنقطاع إل خدمة المة ،والتزام
السحجد ،والعراض عحن حظوظ الدنيحا أل بقدار الضرورة ،والجتهاد فح العبادة،
والتواضع للمؤمني ،والغلظة على العصاة والجرمي ،وأن يكون قدوة حسنة للناس
............................. 102
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
ف قوله و ف عمله ،وأن يتحرى ف رز قه التحري الكا مل ،ويتار له أن يكون مال
احترافه الزراعة ،لن التجارة تسبب له احتكاكا مباشرا بالناس ،فيغلب أن ل يسلم
منها بالق أو بالباطل ،وهم يلخصون هذا الوقف ف عبارة مشهورة متداولة هي-:
(أن ل يكون ف غي مسجده ،أو حلقه أوبيته) ،وبعد أن يعرف بميع ما يترتب
عليه من حقوق وواجبات ،وما يلقى عليه من مهام ومسئوليات ،يطلب إليه أن يعلن
عحن قبوله أو رفضحه ،فإذا أعلن قبوله – وهذا محا يدث فعلً -أسحندت إليحه الهام
العلميحة ،كأن يقوم بالتدريحس أو وكالة السحجد ،أو الشتراك فح الشراف على
حقوق الوتى ،ث أعلم أنه يعتب أصغر العزّابة .ولو كان أكب من بعضه سنا ،وعليه
أن يتول خدمتهحم ،ويطلب إل سحلفه –أي العزّابح الذي كان أصحغرهم قبحل هذا
العضو الديد -أن يبقى معه ثلثة أيام ،يدربه فيها على آداب خدمة العزّابة ،لنه
يعتب رئيسه الباشر ،وعندما يلس العزّابة يتحتم أن يكون ملسه بعده ...وترتيب
مالس العزّابة ضروري ،فليوز للمتأ خر أن يسبق التقدم ،والعزّا ب يع تب رئي سا ف
أي مكان يوجحد فيحه ،وله وحده ححق افتتاح الكلم فح الجالس العامحة ،وكذلك
اختتامحه ،وإدارة الناقشات ،ومحا إل ذلك ،فل يوز لتلميحذ أو عامحي أن يتول شيئا
من ذلك إل بإذنه.
عقوبة العزّاب :الطلوب من العزّاب أن يكون قدوة ومثل للستقامة ،ولذلك فإن ما
يع تب من غيه أخطاء صغية يع تب م نه أخطاء كبية ي ب عل يه الحتراس من ها،
والبتعاد عنها؛ وهذا حت ف مكارم الخلق ،ومعاملة الناس ،فإذا قدر عليه فأخطأ،
نظر ملس العزّابة ف موضوعه:
فإن كان ال طأ كبيا يت صل بع صية ال ،وي سيئ إل سعة العزّا بة ،أويل حق إها نة
بالسحجد ،أو اسحتخفافا بالقح ،أو محا أشبحه ذلك ،وجحب عليهحم أن يكموا عليحه
بالباءة على الشهاد ،ك ما يقع بالن سبة لغيه من الناس ،ول ير فع عنه ح كم الباءة
............................. 103
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
ح ت يتوب علنا ،ول يس له ب عد ذلك حق الرجوع إل ملس العزّا بة أبدا ،فإن من
أخرج من هذا الجلس بطريق الباءة ليق له دخوله مرة ثانية ،وإن تاب ونصحت
توبته ،ويبقى كسائر السلمي له حقوقهم وعليه واجباتم.
أ ما إذا كان الطاء صغيا ليقت ضي التو بة ،فإن م يعقدون له ملس تأد يب سري،
وقد يكمون عليه بالبعاد عن ملس العزّابة لدة طويلة أوقصية حسب الطأ الذي
ارتكبه ،وستروا عليه ذلك عن الناس.
وسبب هذا الكم كان العزّابة من أشد الحافظي على السلم وآدابه ،وقد لص
أحد الشائخ هذه السية ف عبارة لطيفة فقال( :إن مُحتـول الناس مثل اللب يغيه
أي شيء يقع عليه).
كيف تكون نظام العزّابة:
ف أوا خر القرن الثالث الجرى وق عت حادثتان كبيتان ،وكان ل ما أ ثر كبي على
الباضية ،ف ليبيا وتونس والزائر:
الول الرب الطاحنة بي الغالبة والباضية ف قصر مانو ،وقد تلقى فيها الباضية
ضربة عنيفة من يد الطاغية أحد بن الغلب.
أ ما الثان ية ف هي تغلب الشي عة على الدولة الر ستمية ف الزائر ،وقضائ هم على هذه
الدولة.
وإذا كانت كلتا الدولتي الغلبة والشيعية لتتبعان أحكام السلم ،ولتعملن با،
ف قد ف كر علماء الباض ية ف ج عل نظام ي سيون عل يه ،يفظون به أحكام ال ف
مواطنهم ،ويسيّحرون به المة ف الوجهة الصالة ،دون أن يلتجئوا إل إعلن دولة
جديدة ،أو يتعلقوا بدولة ظالة مستبدة.
فاهتدوا إل و ضع هذا النظام ،و قد كان ف أول ال مر عُرفا ي سي عل يه الناس ،ح ت
جاء المام الكبي أبوعبدال ممد بن بكر ف أواخر القرن الرابع ،فحرره على شكل
............................. 104
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
قانون يشتمل على مواد ،ث طبقه تطبيقا كاملً ف مواطن الباضية ،ف ليبيا ،ث ف
تو نس ،ث ف الزائر ،حيث ليزال يطبق بد قة؛ وعلى هذا ال ساس اع تب الؤرخون
أن المام أبحا عبدال هحو واضحع نظام العزّابحة ،والقح أنحه يعتحب واضعا لذا النظام؛
فلوله ل ا و صل إلي نا على تلك الطري قة الن سقة ،و قد جاء ب عد أ ب عبدال عدد من
العلماء الكبار عنوا بدراسة هذا النظام عناية خاصة ،وأضافوا إليه بعض الواد ،وأطلق
عليه بعضهم لفظ (سية العزّابة) ،و من العلماء الذين عنوا به ،وكتبواعنه :أبوزكريا
يي بن بكر ،وأبوعمار عبدالكاف ،وأبوالربيع سليمان بن يلف الزات ،وقد حرص
التأخرون من هم أن يضيفوا إل يه جل ف آداب العال والتعلم .وآداب حل قة العزّا بة
وما يب أن تتنه عنه.
والذي يدرس هذا النظام ك ما شر حه أولئك الئ مة العلم يرج بقانون فذ لن ظم
الترب ية والتعل يم من ج هة ،ولل سية ال صالة ال ت ي ب أن ي سي علي ها ال سلمون،
فتحفظ عليهم خلقهم ودينهم ،عندما تسيطر عليهم دول البغي والعدوان.
كما كان ذلك عند الباضية ف الزائر ،رغم ما بدلته فرنسا الستعمرة الظالة الباغية
...
قوة العزّابة:
استطاع العزّابة أن يتفظوا بذا النظام طيلة قرون طويلة ،و أن يعملوا به وأن يطبقوا
بقتضاه الحكام على جيع الفراد ،دون أن يشذ منهم شاذ ،أو يتكب عليهم متكب.
فماهحو السحر الذي منحهحم هذه القوة وأسحلس إليهحم قياد الناس ،فكانوا يتقبلون
أحكامهم ويستجيبون لوامرهم ،ليدثون شغبا ،وليظهرون تردا...
إن لذلك سببي هامي:
الول :الشخ صية القو ية ال ت تتم تع ب ا هيئة العزّا بة ب سبب ال صفحات الثال ية ال ت
تتصحف باح اللقحة كهيئة ،وأعضاء العزّابحة كأفراد ،فإن الؤمحن عندمحا يلتزم آداب
............................. 105
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
السحلم ،ويسحي بديحه ،ويسحي السحية الرضيحة ،يكون موضحع الحترام والتقديحر
والطاعة من جيع الناس ،وتسلس له أزمة القيادة ،إذا تول ذلك ف متمع أو أمة.
الثان :حكم الولية والباءة الشخصيتي :هذه القاعدة الامة الت يتص با الباضية
دون غي هم من الذا هب في ما أعرف .وكل مة الول ية تع ن ال ب ف ال ،وكل مة
الباءة تع ن الب غض ف ال .والول ية حق ل كل م سلم م ستقيم عر فت ف يه التقوى
والوقوف عند حدود ال ،أما الباءة فواجب على كل مؤمن أن يعلن براءته وبغضه
للعصاة الجرمي .حت يتوبوا إل ال.
ول ا كا نت هيئة العزّا بة هي ال سئولة عن تنف يذ أحكام ال ،فإن من واجبات ا عند ما
يثبت لديها انراف عن دين ال ف أي شخص .أن تعلن عليه حكم الباءة وعندما
يعلن ح كم الباءة على ش خص ،سرعان ما يتبدل و جه الياة لد يه ،فيف قد ما كان
يده من حسن العاملة ،وإشراقة الب ف ال ،ويتجاف عنه الصدقاء ويتجاف عنه
الهحل والقارب ،ويقطحع الناس معاملتحه إل بالقدار الضروري جدا ،فيجحد نفسحه
معزولً عن الجتمع ،لحق له ف الياة الكرية ،ولذلك يضطر إل التوبة والستغفار
والندم علنا ،وف السجد ،فإذا تأكد ملس العزّابة أن الرجل صادق ف توبته ،نادم
على خطيئته ،راجع إل ربه ،أعلنوا رفع الباءة عنه.
وعندئذ تر جع إل يه ج يع القوق ،وي ستمتع ب كل ما كان ي ستمتع به ق بل أن يغره
الشيطان ،وليس من حق أحد بعد التوبة أن يذكره بعصيته ،أو يعيه باضيه.
منظمة إيرْوَانْ:
(إيرْوَا نْ) كلمة بربرية معناها طلبة العلم الذين حفظوا القرآن الكري ،فهم لبد أن
يكونوا من حلة كتاب ال ،و من الشتغل ي بالدرا سة ،و هي ج ع ،والوا حد من ها
(إيرُو) أما بفتح المزة (أَرُو) فهو إسم يطلق علىاليوان العروف بالظربان ف اللغة
............................. 106
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
العربيحة ،وأمحا (آر) بفتحه المزة ومدهحا وسحكون الراء فمعناهحا السحد ،وفح لجحة
صنهاجة الببرية معناها هات أو أعطن.
هذه النظمة هي القوة الثانية بعد العزّابة ،ولا نظام وتقاليد وحقوق خاصة با ،وهي
كالجلس الستشاري الساعد للعزابة ،أو كمجلس النواب بالنسبة للشيوخ ،وكثيا
ما يسند العزّابة أعملً إل ملس (إيروان).وسوف أشرح الانب العلمي منه ف فصل
آت من هذا الكتاب (نظم التربية والتعليم) فلياجعه من شاء هنالك.
هذا مل خص ي سي مت صر عن نظام العزّا بة الذي ب قي ي سي به الباض ية ف الغرب
السلمي مدة طويلة.
وقد ارتفع حكم العزّابة من مواطن الباضية ،ف ليبيا وتونس ف القرن الخي ،ومنذ
ارتفع نظام العزّابة من هذه الواطن تسرب الفساد إل الجتمع ،ولن يستطيع الباضية
أن يعودوا إل ما كانوا عل يه من د ين وخلق وا ستقامة مال يعودوا إل ال ستمساك
بد ين ال واللياذ به ،وإن ال سلمي جيعا ما أ صيبوا ب ا أ صيبوا به إل لنراف هم عن
دين ال ،وخروجهم عن منهاجه.
ولن يصلح آخر هذه المة إل با صلح به أولا.
صيانة لكرامة المرأة
لقد كانت طبيعة الياة ف المة السلمة ل تبيح للمرأة أن تتلي برجل أجنب عنها،
ول تب يح لر جل أن يتلي بامرأة أجنب ية ع نه .وذلك خو فا من الفت نة ؛ لن الدوا فع
الن سية قد تتغلب على الن فس ع ند الر جل أو ع ند الرأة وه ا متليان ،في صلن إل
الحذور ،ويقع السوء الذي منه يذران ،لقد حذر رسول ال صلى ال عليه وسلم
من ذلك فقال ( :إياكم و اللوة بالنساء ،والذي نفسي بيده ما خل رجل بامرأة
إل كان الشيطان ثالثه ما ) .و ف روا ية ( :د خل الشيطان بينه ما ) .وروي ع نه
............................. 107
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
صلى ال عليه وسلم ( :من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يلون بامرأة ليس بينه
وبينها مرم )
ول كن وا قع الياة كثيا ما ي عل الرأة ف طريق الر جل ،أو الر جل ف طر يق الرأة
بضرورة من الضرورات ،فيل عب الشيطان بينه ما دوره ،وياول أن يدعه ما عن
نفسحيهما ،ويهحد لمحا سحبيل اللقاء الول ،ويبسحط لمحا وسحائل العذر لرتكاب
الفاح شة ،فيمنيه ما بأن يربط بينه ما عرى الزواج ف ال ستقبل ،في عد الر جل الرأة
بالزواج ،ويغري ها بالحلم الضاح كة ،من تكو ين ال عش وال سرة ،والناء النل
القار ،ح ت تطمئن إل يه ،وي يل إلي ها أن ا ستبدأ مكان ا الد يد ،وأن ا قر بت من
تقيق اللم العذب ،فتسلم إليه نفسها ،وتتم لعبة الشيطان قبل أن يتم الزواج.
وأمثال هذه الالة موجود وكثيح ،وفح أغلب الحيان ل يكون الرجحل جادا فيحه
وعده للفتاة بالزواج ،وقحد يكون جادا ،ولكحن ظروفا أخرى ل يلك السحيطرة
علي ها تول دون ذلك الزواج ،وين تج عن ذلك خ سران ف الد ين ،وفضي حة ف
الجت مع ،وضياع لفتاة ي كن أن ي صان شرف ها بش يء من الك مة .وتعال ب عض
الذاهحب السحلمية هذه الشكلة بفرض إتام الزواج بيح الفتح العابحث والفتاة
الخدوعة.
و ف هذا الع صر الذي انطل قت ف يه الفتاة _ دون رعا ية أ حد _ ف معترك الياة ،
ودعت ها أساليب الدنية الغربية أن تتعرف على الر جل ،وأن تعيش م عه ،وأن تتب
أخلقه ،تصطاد منه زوجا تعيش معه ،فكانت هي الفريسة الول للصائدين _ ف
هذا العصحر كثرت الشاكحل الناجةح عحن هذا النطلق والختلء واسحتعصت على
جيحع اللول التح يضعهحا فلسحفة الغرب ،ورأى بعضهحم فرارا محن ححل الشكلة
بالطرق النسحانية ،فحاول أن يلهحا بالطرق اليوانيحة ،وذلك بالسحتسلم لاح ،
............................. 108
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
وإطلق الغريزة تعمل عملها ،وتوين أ مر الفاحشة ،وعدم ح سبانا إثا تلم عليه
الفتاة أو الفت.
وقحد ابتلى الوطحن السحلمي بذا الداء ،فأصحبحت الفتاة فح بعضحه منطلقحة هذا
النطلق الكامن مع الشيطان وف بعضه الخر تد فع بشدة _ كما تد فع الشاة إل
السلخ _ لتلحق بأختها.
وقحد درس الباضيحة هذه الشكلة منحذ خيح القرون ،وانتهوا فيحه إل رأيهحم الذي
ينفردون به في ما أعرف ؛ فحرموا الزواج ب ي من رب طت بينه ما عل قة إ ث ،و قد
كانوا ف تريهم لذا الزواج يستندون إل روح السلم الذي يارب الفاحشة.
روت أم الؤمني عائشة رضي ال عنها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال :
( أيا رجل زن بامرأة ث تزوجها فهما زانيان إل يوم القيامة ) .وهذا الكم ،
حكم تري الزواج بي من ربطت بينهما فاحشة بطريق من الطرق يغلق باب الدعة
أمام الشيطان ،وأمام النسان ،فل يستطيع بعدها أن يأت الرجل إل امرأة فيغرر با
ويدعها عن نفسها ،ويزعم لا أنه سوف يتم فعلته الشنيعة بالزواج.
وهذا الكم يني الطريق أمام الرأة ،فيجعلها تعرف الصادقي من الكاذبي من الناس
الذين يتصلون با ،وكل من حاول أن يسبق الوادث ويصل معها إل نتائج الزواج
قبل الزواج فهو كاذب أثيم ،وخادع لئيم ،يق لا أن تفر منه ،وتبتعد عنه ،أما
الرجل الذي يترم فيها خلقها ،ويصون لا عفافها ،ويافظ على شرفها ف نفسه
فهو الرجل الصادق ،الذي يؤيد حقا أن يبن عش الزوجية ،وييا الياة الكرية.
ولو كان هذا الرأي هحو رأي جيحع فرق المحة ،وهذا الكحم هحو حكمهحا ،لقحل
انراف الفتاة عن القصد ،واستمسكت بطهرها وعفافها ،ول تتعد حدود الباءة ،
اللهم إل من فقدت الياء ،وأعدت نفسها لتحيا حياة دعارة وبغاء .لنا لو كانت
تعرف أناح سحوف ترم على الرجحل الذي تزل معحه ،وترم منحه ،فل يكنحه أن
............................. 109
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
الطري قة عادة ،وح ت إذا ل ي سبق إت صال ب ي الفق ي والغ ن ،فإن الفق ي يعرف عادة
الغن وموعد تفريقه للزكاة ،فيذهب ف اليعاد ،ويقف مع الواقفي ،ينتظر نصيبه من
هذا الق.
ويطل الغن من النافذة فيى المهور الكبي الذي ينتظره ،فيزدهيه الوقف ويس أنه
م سن عظ يم ،ي ستفيد من ماله عدد ض خم من الناس ،وهذه نافذة من النوا فذ ال ت
يدخل منها الشيطان إل قلب النسان.
إخراج الزكاة فري ضة من فرائض ال سلم ل بد من أدائ ها ،و هي حق ل صحابا ف
مال الغ ن يب أن يوصلها إلي هم دون أن ي صحبها هوان أو مذلة لم؛ فلماذا ت صبغ
بذا الظهر الذي يدل أكثر ما يدل على الرياء والباهاة؟ ولاذا يمع أرباب الق ف
الزكاة على هذا الصعيد ف هذا النظر الؤذي ليؤدي إليهم حقا من حقوقهم؟!
أل يس ف إمكان الغ ن أن يفرق ماي ب عل يه من حقوق ال على من ي ستحقها من
الناس دون أن يكلفهم عناء التجمع والنتظار ،بل يوصلها إليهم دون أن يكون بينه
وبينهم اتفاق ،فيأتيهم بالفرج على حي غفلة ،ودون أن يسبوا له حسابا ،ودون أن
يمّلهم مهانة السوأل ومذلة النتظار!!
إن الصورة الت ذكرت ،تدها ف بعض الدن الكبية ف ليبيا ،وقد اعتاد الفقراء أن
يذكـِحروا الغنياء بأنفسهم ،ويطالبوهم بقهم ف الزكاة.
وي قف علماء الباض ية من هذه الشكلة موق فا م ستوحى من عزة ال سلم وكرا مة
السلم.
فإنه ليس من أخلق السلم أن يظهر بظهر الذليل الستجدي ،الواقف على العتاب
ينتظر ماتود به الكف ،وتسخوا به النفس الشّححاح.
وقد وردت أحاديث كثية ف النهي عن الستجداء والسألة ،واعتمد الباضية تلك
الحاديث الشريفة ،فمنعوا السلم من إراقة ماء الوجه ،والتعرض لذلة السوأل ،فإذا
............................. 111
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
هانت عليه كرامته ،وذهب يسأل الناس الزكاة ،حُرم منها عقابا له على هذا الوان،
وتعويذا له على الستغناء عن الناس ،والعتماد على الكفاح.
على أن الزكاة ححق لبحد أن يصحل إل أصححابه دون أن يهينوا أنفسحهم بالتعرض
للغنياء .ودون أن يتـَحكلوا عليه فيدخلونه ف حسابم ،ودون أن يشعر الغن بذا
الظهر التعال الذي يوج الناس إليه ،فيأتونه متعرضي لنواله.
وقد يصل الفقر بأحد من الناس إل شدة ل تقوى إرادته على التغلب عليها ،فيضطر
إل تفيف هذه الشدة بالستجداء.
و ف هذا الو قف تبز قض ية أخرى هي وا جب ال مة ال سلمة .فإن ح فظ كرا مة
السلمي واجب على الكفاية .وما يل للمة أن تترك من بنيها من يهوي به الفقر
إل الذلة والوان.
إن من واجب المة السلمة أن تيسر أسباب الياة الكرية لكل فرد من أفرادها ،ول
تتخلى عنه حت تصل به الال إل الاجة الدقعة الت تدفعه إل السوأل .بل عليها أن
تعال مشكلة الفقر بطريق من الطرق الكرية ،كأن تيسر العمل لن يستطيع العمل،
أو تتخذ النظم الت ترعى العجزة وتصد عنهم غائلة الوع ،وتوصل إليهم ما يرفع
عنهم ثقل الياة بيد عطوفة كرية.
و قد ن تج عن هذا ال كم ع ند الباض ية -ال كم برمان طالب الزكاة من ها -أ نك
لتدح فح الجتمحع الباضحي شحاذا .وليوب الشوارع يتعرض لبواب النازل أو
التا جر ليتل قى ال صدقات .ولت د غنيا ببا به جهور من الفقراء و هو يوزع علي هم
الزكاة فح زهحو وخيلء .وإناح تصحل الزكاة إل أصححابا دون أن يكون للفقيح باح
سابق علم .ودون أن يس الغن أنه يقدم إحسانا ،وإنا يقوم بواجب يشى أل يقبله
ال منه ،ويرجوا من رحة ال أن تتوله بالقبول.
............................. 112
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
وقد كان الباضية ف جبل نفوسة يكونون هيئات تمع الزكاة وتصرف ف مصارفها
بالطرق ال ت ل تكون ع ند الفقراء عادة النتظار ،ولت عل ف ال سنة موا سم للتج مع
ل خذ الزكاة ،وهذه اليئات ال ت تتول ج ع الزكاة ،وتفظ ها ،وتن فق من ها على من
يسحتحقها فح تنظيحم ،وكثيا محا تظيحف إل تلك البالغ التحصحله محن الزكاة مبالغ
أخرى ما يتبع به أصحاب الموال ،ولسيما ف سنوات الشدة الت قد ل تكفي
فيها الزكاة لسد اللة عند الحتاجي.
وحبذا لو أن المحة السحلمية عملت على مثحل هذا التنظيحم ،فيسحرت العمحل الرح
الكري ،وحرّمت عليه السوأل والستجداء ،ث قدّرت مقدار الاجة فلم تتركها تصل
بالسلم إل أحط دركات النسانية.
على أن هذه اليئات يب أن تتكون عند المة السلمة عندما ل تكون على رأسها
دولة مسحلمة .أمحا إذا كانحت الدولة مسحلمة ،فإن جعح الزكاة يكون محن بعحض
حقوق ها ..ورعا ية الفق ي وتي سي الياة الرة الكري ة له ،و صيانته من الها نة والذلة
يكون من بعض واجباتا.
عصبية
ألف ال ستاذ الطا هر اح د الزاوي الطرابل سي ثل ثة ك تب ف التار يخ هي (جهاد
البطال) و (الفتح العرب ف ليبيا) و (أعلم ليبيا)
وقد أتيح ل أن أطلع على هذه الكتب ،وحي أذكر أنن أقدر الجهود العظيم ،الذي
بدله الؤلف فح هذه الكتحب ،وأشكحر له هذا الهحد ،أححب أن أقول عنهحا الكلمحة
التية:
حي تقرأ كتاب (الفتح العرب ف ليبيا) تس أن الؤلف عندما يعرض للحديث عن
الباضية يشعر بكثي من الرارة ،وهو رغم أنه عرض قضايا التاريخ ف هذا الكتاب
............................. 113
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
عرضا صادقا ،ول ينحدر ال تغي ي القائق ،ول ي د ف مطاو يء التار يخ ماينتقده
على أولئك الناس ،سواء ف سلوكهم الدن أو ف سلوكهم السياسي والعسكري،
ف هم ل يقدموا على أي ع مل يالف أحكام ال سلم أثناء حروب م ،وأثناء سلمهم،
إل أ نه ر غم ذلك ،يشعرك الؤلف -وأ نت تقرأ كتا به -بأ نه ي مل كراه ية متأ صلة
لؤلء القوم ،وب ثُ الؤلف لرو حه في ما يك تب ،وإشبا عه لكتاب ته بذه الروح ح ت
يسها القاريء إحساسا واضحا ملكة ليتحلى با إل عدد قليل من كبار الكتاب.
ل قد كان الباض ية ك ما كان غي هم من الفرق يثورون على ألوان الظلم والطغيان،
الذي ي قع من ولة العبا سيي البابرة ،أو من غي هم م ن و صل ال مرا كز ال كم
بدون أن يؤهله دي نه لذلك ،وحرص الؤلف أن ي سمي الثورات ال ت قام ب ا الباض ية
(فتنا) حت يوهم القاريء أن هؤلء القوم يشغبون على الدولة ،دون أن يكون لم
حق ،وهو ل يطلق هذا الوصف على آلف الثورات الت قامت للناع على الكم،
والنتقام من الذنب والبيء ,وعن الروب الطاحنة الت تبادلا عمال العباسيي ف
كل الملكة السلمية ،ومن بينها ليبيا.
ومحن العجيحب أن هذا الكتاب -رغحم هدؤه الظاهري -يكاد يكون ماولة سحافرة
ليقاد الفتنحة بيح العرب والببر ،ودعوة صحارخة لحياء مايكاد يندثحر محن دعوة
العن صرية البغي ضة ،وبر غم أن الف تح كان إ سلميا ق بل أن يكون عرب يا ،وأن مقاو مة
الدين الديد الت قام با الببر إبان الفتح ليست أشد من الروب الت قام با العرب
أنف سهم لعار ضة ال سلم ع ند الف تح ،ول أ شد من الروب ال ت قام ب ا الفرس أو
الترك أو الرومان ،أو غي هم من الشعوب عند ما بلغت هم ر سالة ال ،بر غم أن هذه
القاو مة لد ين ال ل ت ص ب نس من الجناس البشر ية ،فإن صاحب الكتاب ياول
أن يعلها صفة متمكنة من الببر ،ويصف هؤلء القوم بالتشدد والعراض عن دين
ال.
............................. 114
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
ولكنه ل يكلف نفسه عناء تبير أحكامه هذه عندما يسنده ال أمة مسلمة ،ول يد
ف الوا قع التاري ي مايعله يؤ من بأن حركات الثورة ال ت يقوم ب ا الباض ية ،كا نت
فتنة أو تدعوا الىالفتنة ،فإن الكم الذي كان بيد المويي أول -ماعدا فترة قصية
هي خلفة عمر بن عبدالعزيز -وبيد الدولة العباسية ثانيا ،كان ملكا عضوضا ،كما
ساه رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ول يكن خلفة رشيدة ،والثورة على هذا اللك العضوض الظال ل يعتب فتنة ،ث ان
ولة هذه الدول وعمالاح فح متلف بلد السحلم ،ل يتقيدوا بأحكام الكتاب ،ول
يعرفوا للعدل معنح ،ول يترموا للناس حقحا ،فكانحت المحة لتكحف عحن الثورة،
ولت قف عن الكفاح؛ كفاح ألوان الضطهاد والظلم والطغيان ف ج يع بقاع العال
السلمي ،ف الزيرة العربية ،وف الشام ،وف العراق ،وف فارس وما وراءها ،وف
مصر والغرب السلمي .غي أن مؤلف كتاب (الفتح العرب ف ليبيا) ل يلو له أن
يطلق كل مة الفت نة ،إل على الثورة ال ت يقوم ب ا هؤلء الذ ين يرص أن يطلق علي هم
اسم بربر ،ليجعل من هم صفا معارضا للعرب ،ويهد أن يعل بينهم وبي السلم
سدّا ،وأن يشعل بينهم وبي اخوتم من العرب نارا ...
لقد كان أكثر أولئك الذين قادوا الثورات الت قام با الباضية ف ليبيا من العرب،
ورغم ذلك فإن صاحب الكتاب ينسبها ال الببر ،ويعب عنها بالفت.
إن الثورات ف العال السلمي ل تقف يوما واحدا منذ انرف القائمون بالمر عن
الكم بكتاب ال ،والسبب ف ذلك بسيط ومعقول:
كانحت البشريحة خاضعحة للةح محن البشحر ،صحابرة على طغيان النسحان ،حتح جاء
السلم فبعث كرامة النسانية ف السلمي ،وحرم فيها الستكانة والذلة ،والعبودية،
ما أمكن هم دفاع ها ،وش عر ال سلمون بتحق يق هذه الكرا مة ف عهود النبوة والل فة
الرشيدة ،فلما تول الكم أولئك الذين انرفوا عن الدين ال الدنيا ،وعن الق ال
............................. 116
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
الثرة ،وعحن العدل ال الور ...ثار الحرار فح كحل مكان ،وليزالون يثورون ال
اليوم ،وال يوم القيامة.
وقد عجبت للمؤلف وهو يكتب ف هذا العصر الذي استيقظ فيه السلمون وعرفوا
جيع أخطأ الاضي ،وهم أحرص ما يكونون على إبعاد ذلك الشبح البغيض ،الذي
فرقهحم ال أحزاب وشيحع ،ومل قلوب الناس بالبغضاء والكراهيحة ،وسحهل عليهحم
الوثوب على من يالفهم لسبب ولغي سبب ...
عج بت للمؤلف ك يف ي سمح لنف سه أن يك تب بذا ال سلوب ،وبذه الروح ،وأن
يرتضي لنفسه أن يكون ميي عصبية ،ف هذاالعصر الذي يب فيه أن تتكتل المة،
وأن تتضامن فيه جهودها ...
ل قد بدل الؤلف جهدا جبارا و هو يك تب عن وط نه ال بيب ،ولك نه حرص أ شد
الرص على الكتابحة بذا السحلوب وبذه الروح حتح فح كتابحه (البطال) فكان
يستعمل كلمة العرب والببر بدل من أي اسم آخر ،قد يكون أدق ف العن ،وأوف
بالغرض ،وإنحه لغريحب حقا فح مثحل علم السحتاذ الزاوي ،واتسحاع ثقافتحه وكرهحه
لدواعي التفرقة واللف ،أن يسخر قلمه لدعوى الاهلية الت بري َء منها رسول ال
صلى ال عل يه و سلم ،وأن يرك قض ية ال نس ف الش عب الوا حد ،وأن ي يز ب ي
العرب والببر ،كأنحه نسحي أن ال تعال جعحل المحة السحلمية أمحة واحدة ،وأن
السلم يذيب الن سيات ،وليفل بالقوميات ،وليأبه للعنصر( :كل كم لدم وآدم
من تراب).
فلماذا ياول بعض الناس احياء العصبية القبلية ،أو اللفات العنصرية ،بعد أن أغنانا
ال عنها بالسلم:
............................. 117
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
) ُكْنتُ مْ َخْيرَ ُأمّةٍ أُ ْخرُِأ ْخرِجَ تْ لِلنّا سِ َت ْأ ُمرُو نَ بِالْ َم ْعرُو فِ َوَتنْهَوْ نَ عَ نِ الْمُنْ َكرِ َوتُ ْؤمِنُو َن
بِاللّهِ) (آل عمران )110:فإذا كان لعرب فضل فهو فضل السلم ،وإن كان لببري
فضل فهو فضل السلم:
)نّ أَ ْك َرمَكُ مْ ِعنْدَ اللّ هِ َأتْقَاكُم)(الجرات :من الية )13وقد حصل بلل البشي،
وصهيب الرومي ،وسلمان الفارسي ،على مال يصل عليه عبداللك والدولة الموية
من ورائه ،وهارون الرشيد والدولة العباسية من بي يديه ...وذلك فضل ال يؤتيه
من يشاء.
وإذا كان لببري أوعر ب ما يؤا خذ عل يه ،ويا سب على ارتكا به أو تضيي عه ،ف هو
سلوك الع صية ،والنف صام عن عرى الد ين ،وعدم التخلق بأخلق القرآن الكر ي،
وعدم التقيد با دعا اليه ممد عليه السلم ف الكتاب الذي ل يأتيه الباطل من بي
يديه ول من خلفه ،وف الديث ،الذي هو )ِإنْ ُهوَ ِإلّا َوحْيٌ يُوحَى) (لنجم)4:
و ف ال سية العطرة ال ت هي الت طبيق القي قي لل سلم ،ف من شاء أن ين صب نف سه
حكما ،وي قف مو قف القا ضي ،يتح كم ف التار يخ ،ويتحدث عن أقدار الرجال،
فليج عل هذا اليزان ن صب عين يه ،ليزن أعمال الناس إن كان ي ستطيع ،وع ند ر بك
اليزان الق ،والساب الدقيق.
هذا تعل يق ق صي على كتاب ض خم بذل ف يه الؤلف من ال هد والو قت شيئا غ ي
قليل ،وإننا حي نقول قولة الق ف مآخذنا على هذا الجهود العظيم ،لننسى أبدا،
أن الؤلف قدم للوطن خدمة سوف تشكرها له الجيال القادمة ،ولينعنا هذا الثناء
عل يه ،والتقد ير له ،أن نش ي إل تلك الفوات؛ وأي مؤلف ل ت قع له هنات وتو جه
إليه انتقادات ،وتصى له غلطات!
وإذا أن سأ ال ف ال جل ،وو فق ف الع مل ،ف سوف أحاول أن أنا قش الكتاب في ما
ظهر ل أن الؤلف أخطأ فيه التوفيق ،وحاد فيه عن الصواب.
............................. 118
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
يستهي بدود ال ،ليجامل أعداء ال ،بل أدهى من ذلك و أمر ،انه وجد فيهم من
يترك الصلة ،أو يتنع عن الزكاة ،فيخل بإحدى الواجبات و هو يدعي السلم ،و
ينتمي ف زعمه إل أتباع عبدال بن اباض ،فإذا جئت لتنهاه عن هذا النكر أجابك
ف غي مبالة أن مذهب الباضية مذهب شديد ،و أنه سع أن غيه من الذاهب ل
يغلقون أبواب النة ف اوجه العصاة ،كأنا أصبحت أبواب النة و أبواب الحيم ف
أدي الناس ،يغلقونا مت شاءوا و يفتحونا لن شاءوا .
و ف هذا ال ي الذي أذ كر ف يه هذه القائق الؤ سفة الؤل ة و أ نا أل أ إل يه تعال أن
يهدي قومحي فإنمح ل يعلمون ،أذكحر لمح فخحر و اعتزاز أن علماء السحلم اليوم
يدعون إل دين ال على روح هذا الذهب ،فكأنا يستقون من أصوله ،و قواعده ،و
ل غرابة ف ذلك ،فإن كل مسلم يغار على دينه و يدعو إل كتاب ربه – يد نفسه
قريبا من هذا الذهب لنه يستقى من النبع الصاف الذي استقى منه و حافظ عليه .
و لو أن السلمي ف جيع القطار حرصوا أن يكونوا صورا حية للسلم كمان كان
الباضية ،لا وجدوا أعداؤهم بينهم مدخل و ل بي صفوفهم طريقا .
إن ال ستعمار و الظلم و الطغيان ل ي ستطع أن يتغلب على ال سلمي إل حين ما بذر
بينهحم فتنحة الال و التعحة الرام ،و أشاع بينهحم الفاحشحة و النكحر ،وسحهل عليهحم
العراض عن ح كم ال إل ح كم الن سان و ق طع العل قة ب ي الفرد و الجت مع ،
فأعطى للفرد حق الرية ف ارتكاب ما يشاء ما حرم ال .
ولو أن الجتمع بقى مهيمنا على سلوك الفرد ،فلبا يستطيع إنسان يدعي السلم أن
ي د ماخورا أو يرت كب ز ن و ل ي ستطيع م سلم أن ي د ف بلد م سلم حا نة ،أو
يشرب خرا .
و ل ي ستطيع إن سان يد عي ال سلم أن ي د مقمرة أو يل عب قمارا ،و ل ي ستطيع
مسلم ف متمع إسلمي أن يد ما يساعده على ارتكاب مرم ،أو يالف سية من
............................. 122
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
سي السلمي ،أو خلقا من أخلق الؤمني لن الجتمع سوف يقف له بالرصاد ،
و ياسحبه على محا ترك أو قدم ،حتح يعود إل الطريحق المثحل و الصحراط القوم و
السبيل السوي.
لو أن الجت مع ال سلمي ب قى مهيم نا على سلوك الفرد ك ما كان ذلك ف صدر
ال سلم و ك ما ب قى ع ند الباض ية إل اليوم ،ل ا شذ ال سلمون عن ال سلم ،و ل ا
بعدوا عن كتاب ال ،و ل ا غلب علي هم عدو ل ير حم ،أف سد في هم الد ين و اللق،
قبل أن يستغلهم ف العمل و الال ،يأخذ منهم الهد و الثروة ،و يقضي فيهم بكم
البوت و القوة.
و إ نه ل ن البتعاد عن د ين ال ،و من الجافاة لكتاب ال و من التن كر عن هدي
رسول ال صلى ال عليه و سلم أن تيء اليوم من بلد إسلتي تكمه-فيما تزعم-
دولة م سلمة ،فترى دور البغاء مفتو حة لطلب الشهوة و عب يد الشيطان ل هن دول
من الغرب ترى أن ف ذلك مصلحة.
و ترى حانات يروج في ها الب يع و الشراء و تزد حم الزبائن على ارتشاف ما حر مه
ال ،و امر نبيه عليه السلم بكسر دنانه؛ لتساير الدولة السلمة أعداء ال و تكسب
منهم – ف زعمها -مال حراما.
و ترى دورا مشيدة الركان عظيمحة البنيان و مفروشحة بأرقحى محا وصحل إليحه ذوق
الن سان ،تدر في ها قي مة الك سب و تض يع في ها ثرة ال هد ،لتلت هم الائدة الضراء
الال الذي هو من حق ال مة ،اختل سها من ها أبنائ ها العاقون ،و الكام الظالون و
العملء الستغلون.
إن هذه الصور و آلفا من الصور الت تتراءى كل يوم ف بلد من بلد السلم يب
أن تزول ،لو أن الجتمع السلمي بقى مهيمنا على الفرد ،و مهيمنا على الدولة الت
ي سي ب ا الفراد ،لن هذه الوبقات ال ت أشاع ها ال ستعمار ف بلد ال سلم ليحول
............................. 123
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
بي السلمي و العمل بعقيدتم الصافية ،و خلقهم الطاهر السليم ،هي الدواء الت
فتكت بالشباب.
فها نت عل يه كرا مة الرجولة و أذل ته الشهوة الحر مة فضاع عر ضه و حيوي ته ب ي
بيوت الدعارة و تسكع ف الانات يشرب المر و يقرع الكأس بالكأس حت ضاع
وق ته وضاع عقله ث حاول ان يكت سب الال من أي سر طر يق ،فول ف دور القمار
ف سرق القمار ماله و أع صابه و سلمة تفكيه و خرج إل الشارع حطا ما ل يس له
مال و ل عرض و ل دين .
و قد سلم الجتمع الباضي من هذه الدواء و أشباهها على مدى التاريخ ،ما عدا
الربعي سنة الت استثيناها فيما سبق من تاريخ ليبيا فقط ،لن الجتمع الباضي بقى
م سيطرا على الفرد و لن نظام العزا بة ك ما أشرت إل يه ف م سالك الد ين ف دور
الكتمان ،بقى يوجه السلمي و ياسبهم على أعمالم و يدد لم التاه الذي بينه
ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ،فل ما تغلب ال ستعمرون على ليب يا و قضوا على
نظام العزابة ف البلد ،و حالوا بي العلماء و بي القيام بالمر بالعروف و النهي عن
الن كر ،و منعوا إعلن الول ية و الباءة م ن يسحتحقها ،بدأ ب عض الناس ي ستمرئون
ط عم الع صية و يتشبهون ب ن جاور هم م ن ل ياف ف ال إل و ل ذ مة و يرمون
الناس بأبصارهم إل الياة الت يياها العابثون من أعداء ال و أعداء السلم .
على ان هذه النك بة ال ت أ صابت الباض ية ك ما أصابت غيهم من السلمي كانت
مقصورة على الباضية ف ليبيا أما إخوانم ف بقية البلد فقد استمرت حياتم كما
كانت عليه زمن ال سلف الصال ،ل تؤثر علي هم خطبة استعمار و ل يغلب عليهم
انلل الوار و ل يد الشر ف بلدهم سبيل ،و ل تعرف العصية إليهم طريقا و ل
يفحر الفرد بعمله عحن حكحم الجتمحع الذي يسحهر على الديحن و على اللق و على
العمل.
............................. 124
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
دون أن يعرفوا شيئا محن كتحب أصححاب هذا الذهحب ،ويطلعوا على سحلوكهم
وسيهم الطلع الكاف ،الذي يعطي الصورة القيقية لجراء الكم.
وكمحا كان الفرد العادي محن الباضيحة صحورة صححيحة للمسحلم الذي يدعحو إليحه
السلم ،وكان الجتمع الباضي صورة صحيحة للمجتمع السلم الذي يقيم شعائر
ال ،ويافظ على دين ال ،ويعمل جاهدا لتطبيق أحكام ال ،حت ف حالة الكتمان،
كذلك كان من تقلد أمر السلمي من الباضية صورة للمسلم الخلص ،الذي وثق
به السلمون ،فأسندوا إليه أمور دينهم ودنياهم ،فأكب هذه الثقة من المة ،وحافظ
على هذه المانة من ال.
ولاح كنحت لأقصحد أن أتدث عحن التاريحخ السحياسي للباضيحة -ولو أن السحياسة
لتفترق عن الدين ف السلم -فقد يكون ما يتم به هذا البحث أن ألص الركة
السياسية للباضية بأشد ما يكن من الختصار.
انت شر الذ هب البا ضي ف جزيرة العرب وماجاور ها ،كالعراق وم صر ،و ف شال
افريقيا ،قبل أن تتكون الذاهب الخرى ،وقد استقر الباضية على كثي من القواعد
والراء ف أصول الدين ،قبل أن تنشاء مذاهب الشاعرة ،وقبل أن ينفصل واصل بن
عطاء عحن أسحتاذه السحن البصحري ،فتكون محن ذلك فرقحة العتزلة ،وكحل محا كان
موجودا حينئذ محن الطوائف السحلمية ،إناح هحم بعحذ فرق الشيعحة ،وبعحض فرق
الوارج ،وأهل السنة والماعة .ولست أقصد بأهل السنة والماعة ف هذا الفصل
فرق الشاعرة ،فإنإطلقهذه التسحمية عليهحم خطحأ تارييح ،جاء متأخرا .وإناح كان
يطلق لفظ السنية والماعة على معاوية بن أب سفيان و أتباعه .لنم أنكروا إمامة
علي بن أب طالب ،وجعلوا يبه على النابر ولعنه سنة متبعة ،فسموا من وافقتهم أهل
السنة والماعة.
............................. 127
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
قال السعودي( :إن أصحاب معاوية ارتقى بم المر ف طاعته ال أنعلوا لعن علي
سنة ،ينشأ عليها الصغي ،ويهلك عليها الكبي ،يلعنه على النابر).
وقال الاكم ( :وإنا غلب عليهم إسم السنية ،لن معاوية لا أمر بلعن علي بن أب
طالب ،زعم أنه سنة ،فاستحق هذا السم كل من يرىإمامه معاوية حت قتل (أي
علي) وا ستقر ال مر لعاو ية ،وانقاد إل يه الم يع ،فزادوا إ سم الما عة على ال سنة،
فتسمّحوا با).
وقال النذري ف رسالته الصراط الستقيم-:
(وإنا تركوا ذلك الن ،لن عمر بن عبدالعزيز كان رجلً مائلً إل مذهب الصوبي
لمامة علي ،الانعي من نكثها ،وأحسب أن وجدت ف بعض الكتب أنه كان دعا
من كان ف زمانه من الباضية إليه ،فعاهدهم على أن يغي كل يوم منكرا من مناكر
هؤلء ال سنية ،فحينئذ أن كر علي هم شيئا ب عد ش يء ح ت أن كر علي هم -ل نه ل ي كن
أ حد ف تلك الزم نة ين كر علي هم مناكر هم إل الباض ية -لعن هم لعلي فكفوا ع نه
خوفا منه ،لعلمهم لخالفته مذهبهمم ذلك ،ولقوة سلطانم عليه) انتهى.
و من هذا يت ضح أن كل مة (أ هل ال سنة والما عة) لتطلق على مذ هب دي ن ،وإن ا
كانت تطلق على مذهب سياسي ،يدعو إليه بنوا أمية ،ليستخلصوا اللفة من بن
هاشم ،وإن هذا الذهب الذي أطلق على نفسه أحب الساء إل السلمي قد تطرف
إل حد ل يصل إليه أحد فيما أعلم ،مِمّحا وصلت إليه يدي من أحداث التاريخ:
تاريحخ السحياسة أو تاريحخ العقيدة ،فيجعحل أتباع مذهحب مهمحا كان متطرفا سحب
خصومهم ولعنهم سنة متبعة ف كل اجتماع.
قلت إن الباض ية انتشروا ف أك ثر بلد ال سلم ق بل أن تتكون كث ي من الطوائف
السلمية الخرى ،كفرق الشاعرة والعتزلة وغيها ،وبقطع النظر عن الدة القصية
التح قام فيهحا المام عبدال بحن إباض بأعمال عسحكرية ،لحاربحة طغيان الموييح،
............................. 128
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
و سوف نعرض صورا رائ عة من سية هؤلء الئ مة العظام ف إحدى حلقات هذا
الكتاب( .حلقة الباضية ف ليبيا).
وعندما تضافر تهود الظالي للقضاء على هذه الركة الثورية الت ترمي إل إرجاع
الكم لكتاب ال وسنة رسوله ،وحالوا دونا ودون القيام با به ودعت إليه.
انبعثت هذه الركة نفسها ف الانب الغرب من الغرب السلمي ،فتكونت الدولة
الرستمية ف تاهرت ،وتعاقبت عليها الئمة :عبدالرحن ،عبدالوهاب ،أفلح ،أبوبكر،
أبواليقظان ،أبوحات ،وحقق أولئك الئمة العظام ما يطلب من ولة أمرر السلمي.
وأحاديثهم وأخبارهم منشورة فيكتب التاريخ.
وسحوف نسحتعرض بعحض تلك الصحور الرائعحة فح إحدى حلقات هذا الكتاب:
(الباضية ف الزائر).
راجعت ما وصلت إليه يدي من كتب التاريخ ،سواء كانت من كتب أهل الذهب
أنفسهم ،أو من غيهم من الفرق السلمية فما وجدت ف سيتم إل ما يشرف ف
جيع أدوار التاريخ.
إنك لتطالع حروبا طاحنة ومعارك حامية ,وانتصارا أو انزاما ،وإنك لتجد ف كل
ذلك ع فة كال ت تعرف ها ع ند اللفاء الراشد ين ،احترام لفراد الشعوب ال سالي؛ ف
دمائهم وأموالم وأعراضهم ،وعدل ف النود الحاربي :قتل عند ساحات الوغى،
ول كن ل اتباع لدبر ،ول إجهاز على جر يح ،ولتعدي على أعراض ،ول ا ستحلل
لموال الوحد ين مه ما كا نت مذاهب هم .و ساح وع فو وعدل ع ند نا ية الرب ،ل
يعرفوا النتقام بعد النتصار ،فل مثلة ول قطع رءوس لترسل من بلد إل بلد للتشفي
والنتقام ،وإظهار البطحش والبحوت .حرصحوا على أن يقفوا حيحث وقحف بمح
السحلم ،وأن يعلوا حكحم ال وسحية نحبيه ووصحايا اللفاء الراشديحن ،منارا بحه
يهتدون ،وإليه يرجعون.
............................. 130
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
كلمة قصيرة
ل ست أر مي من كتا بة هذه الف صول إل الك شف عن الناح ية ال سياسية للمذ هب
الباضي و العناية عناية خاصة به ،فإن الركة السياسية ف نظري أقل من الوانب
الخرى و لذلك فأنحا أتدث عنهحا كظواهحر و أعراض لتطحبيق الباديحء ،تطبيقحا
صحيحا سليما ف حياة الباضية ،حياتم العلمية ،و أبي با الفرق بي الفرق الت
يكون مسلكها صورة تطبيقية لعقائدها ومبادئها ،و الفرق الت ترى بونا شاسعا بي
مسلكها و بيندعاويها ف اتباع السلم و العمل بأحكامه.
و يهمن ف هذه الباحث بصورة خاصة أن اتدث عن التسلسل العلمي لملة هذا
الذهب و أن أكشف الصورة الرائعة من السية الرشيدة الت كان يسلكها اتباعه ف
متلف العصور و الزمنة .
و ف احوال الظهور و الكتمان و ما بينه ما ،و عن ال ستمساك الت ي بال سلم و
احكام السلم ،رغم تراكم الفت و تزاحم الحن و اضطراب المن.و عن حقيقة
اعتصحام بال و احتقارا للمخلوق مهمحا بلغ محن القوة و البطحش و الطغيانحو عحن
............................. 131
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
العراض عن زخارف الدنيا و رغبة فيما عند ال.و أن أعرض على القاريء الكري
حياة حافلة فيما يدعو إل اليان بال من مثل و اخلق و أعمال مافة ال ف و ال
ل ح ساب في ها لخلوق و جهاد ف سبيل ال ،ل ذ كر ف الدن يا.و ع مل صال
مستمر للبناء الذي يشيده السلم و يرفع قواعده الكتاب الكري و يافظ عليه ممد
صلى ال عليه و سلم.
وسحوف يلححظ القاريحء الكريح هذه الياة الافلة باليح ،و الهتداء ،و السحية
الرشيدة ،و العمل الصال ف التراجم القصية الت أعرضها ف الصفحات النية.
جابر بن زيــــــد
ولد أبوالشعثاء جابر بن زيد الزدى سنة 21للهجرة ،وتوف سنة 96منها .وهو و
إن كان عمانيا إل أنه عاش ف العراق ،فقد أمضى أ كثر عمره البارك ،ف البصرة،
إحدى عواصم العراق العلمية ف ذك الي.
عاش ف البصرة -كما عاش أ كثر زملئه من كبار التابعي -ينشر العلم ف الساجد
والجامع ،ويبث اللق الميد بي الناس ،ويدعو إل التمسك التي بالدين القوي،
والحافظة على أصوله وفروعه .ويفت ف الشاكل الت تعرض للناس ،حت قال إياس
بن معاوية( :لقد رأيت البصرة وما فيها مفت غي جابر بن زيد).
وقال ترجان القرآن -عبد ال بن العباس رضي ال عنه( :عجبا لهل العراق ،كيف
يتاجون إلينا وفيهم جابر بن زيد) ،ولا توف قال أنس بن مالك صاحب رسول ال
صلىال عل يه و سلم( :اليوم مات أعلم من على ظ هر الرض) ود خل ثا بت البنا ن
على جابر ا بن ز يد و قد حضر ته الوفاة فقال له :هل تشت هي شيئا؟ قال :أشت هي أن
أل قى ال سن البصري ،وكان ال سن م ستخفيا خو فا من طغيان الموي ي وعمال م،
فذ هب ثا بت إل ال سن وكان يعرف مقره وجاء به إل صديقه الم يم الحت ضر،
............................. 132
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
وتدث التاب عي ال سلم ال كبي ،إل التاب عي ال سلم ال كبي ،وتوا صيا وه ا يتأهبان إل
فراق ف الدنيا طويل ،ويأملن لقاء ف الخرة سعيد.
وتدث ال سن عن زميله ورفي قه و صديقه الذي ر حل عن الدن يا وا ستقبل الخرة
فقال( :هذا وال الفقيه العال).
وقد شهد له بالعلم والفقه والدين وساحة اللق غيهؤلء كثي ..كثي من الصحابة
وكثي من التابعي وكثي من تابع التابعي .غي أنن أرى شهادة عبدال بن عباس،
وأنس بن مالك ،وعائشة أم الؤمني وهم من أخص أصحاب رسول ال صلى ال
عل يه و سلم ،وأعرف هم بقائق الد ين وأ سراره ،وأعل مه بعا ن القرآن الكر ي وموا قع
السحنة ،وأكثرهحم إلما بسحيته العطرة وهديحه القويح ،يضاف إليهحا شهادة السحن
البصري سيد التابعي وأقربم من جابر ،وأعرفهم به.
إن هذه الشهادة الت يعطيها أخص أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم ويتمها
سيد التابعي :تعتب أعظم إجازة معتمدة تعطى عن درجة علمية ف ذلك الي.
أ خذ جابر العلم عن عبدال بن عباس ،وعائ شة أم الؤمن ي ،وأنس بن مالك ،وعبد
ال بن عمر ،وغيهم من الصحابة.
قال جابر :أدركحت سحبعي بدريا فحويحت محا عندهحم محن العلم ال البححر ،وكان
يقصد بالبحر عبد ال بن عباس رضي ال عنهما .وإذا استطاع هذا المام العظيم با
أوت من جهد وذكاء وصب أن يمع على سبعي بدريا ،فإنه ليس غريبا أن يكون
ج ع من علم بق ية ال صحابة رضوان ال علي هم ما ل يبل غه ال صر ،لكثرة عدد هم،
وسهولة الخذ عنهم.
وقد تلقى عنه خَحلقٌ كثي ،منهم قتادة شيخ البخاري وأيوب ،وابن دينار وضمام
بن ال سائب ،وحيان العرج ،وأ بو عبيدة م سلم بن أ ب كري ة ...عاش جابر ك ما
عاش غيه من كبار التابع ي ،يا هد لحياء سنة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم،
............................. 133
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
بالقول والعمحل ،ويدعحو سحرأ وعلنا إل أن المحة السحلمية ،يبح أن تافحظ على
شريعة ال لتكون خي أمة أخرجت للناس ،وكان يندد ف دروسه ومتمعاته ،بأولئك
الذيحن انرفوا عحن ديحن ال ،فحكموا أهواءهحم ،وأرضوا شهواتمح ،واتبعوا سحبيل
الشيطان ،وكان يبارك الثورة التح تطيحح بالظلم ،وتنع الكحم محن أيدي الونحة،
لتضعه ف أيدي أمينة ،حريصة على قداسة أحكام ال.
وكان الباضية يصدرون عن رأيه ف جيع أمورهم ،كما كان يصدر عنه كثي من
غي هم من ال سلي ،ول يس جابر هو التاب عي الوح يد الذي كان ه حذا رأي أك ثر
علماء الصحابة والتابعي ف ذلك الي.
ولذلك فقحد كان طغيان الموييح وعمالمح يلححق أوالئك العلماء الدعاة فح كحل
مكان ،وكثيا ما يفر أولئك العلماء الداة فيستخفون عن الظلم ويفرون بدينهم عن
البوب .وقد يلحق بعضهم كثي من الذى ،فيتحمله صابرأ ف سبيل ال.
و كان جابر بطل من أبطال السلم -يرص على تعريف السلمي بدينهم ،وبالعزة
والكر مة ال ت يريد ها ال ل م ،ويكا فح ف صب وعزي ة ،طغيان الظال ي ،وأضال يل
البتدعي -كان بطل ف ترويض نفسه ،وحلها على سلوك الصراط السوي ،ل تغره
شهرة العلم ،ولتخذعحه ثقحة الناس بحه ،ولتزدهيحه نشوة الفوز فح النتصحار على
الصوم.
رأى يوما أحد طلبه يكتب شيئا أثناء الدرس فنهاه أن يكتب شيئا غي آية مكمة،
أوسنة متبعة ،أما رأيه فل عبة به ،لنه قد يد ف الساء حجة أقوى من الت يستند
إليها ف الصباح ،فيجع عنه ،إل ما ثبت بالدليل القوى ،ويذهب الطالب با كتب
ينشر الباطل ف الناس.
............................. 134
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
كان للحجاج كاتب يدعى يزيد بن مسلم .وكان يب جابرا كل الب ،ويعجب
بحه كحل العجاب ،وأخذت ظروف الياة العاديحة جابرأ ،إل زيارة هذا الكاتحب
الع جب ،وكأن الكا تب أراد أن يدم كل من رئي سه و صديقه ،فه يأ ل ما فر صة
اللقاء دون أن يشعرها .واستمع الجاج إل المام العظيم ،فأعجب بعلمه وخلقه،
فعرض عليه القضاء قائل له( :ل ينبغي أن تؤثر بك أحدا ،نعلك قاضيا للمسلمي)
وكا نت هذه هى الفر صة ال ت ير مي إلي ها الكا تب ال صديق ،ول كن جابرا ل ي كن
طالب دنيا .فقال( :أنا أضعف عن ذلك) قال الجاج ،وما بلغ من ضعفك؟
قال :يقع بي الرأة خادمها شر ،فما أحسن أن أصلح بينهما .فقال الجاج :إن هذا
لو الضعف..
وهكذا تلص المام ال كحب محن هذا العرض الكريح الذى كان حريا أن تطيح له
نفس غيه فرحا ومسرة.
ويظ هر أن الكاتب الصديق ل يفهم مقصد المام من هذا التخلص ،وكان يريد أن
ي ستغل هذه الفر صة لفائدة المام ،وأن يد مه خد مة دائ مة ،ولذلك قال للحجاج؟
(هه نا خ صلة ت فى عن الش يخ وفي ها عون للم سلمي ،تعله ف أعوان صاحب
الديوان بالبصحرة ،فوافحق الجاج على القتراح ،ولكحن العال الزاهحد ل يوافحق فقال
ليزيد :ما صنعت شيئا ،أتران أكون عونا لصاحب الديوان؟.
وهكذا ل يقبحل المام العرض الثانح الذي تقدم بحه هذا العجحب البح ،وتنه أن
يشتغل ف وظائف حكومة ظالة ،وهل يصح أن يُعي جابر أولئك الظلمة ،وهو يندد
كل يوم ،بأعمالم ،ويطالب هم بآداء القوق إل أهل ها ،وت سليم الموال والعطا يا إل
أصحابا ،واسناد الوظائف إل المناء الراص الذين يتقون أل ويافون حسابه.
وعند ما أراد الرجوع من هذه الزيارة ،وت حيأ لل سفر أ مر يز يد غلما نه أن ي سرجوا
البذون فاستحى المام من ربه أن يركب مركبا اختاره الظالون الرفهون ،واختص
............................. 135
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
به ااجبابرة الترفون ،فا ستعفى صاحبه م نه ،فأحضرت له بغلة فق بل وركب ها ،و هو
يعلم أن ركوب البغلة أدن إل الشونة وأبعد من الراحة ،وأنقى للكب ،وأقرب من
سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقد كان سيد اللق يركب (دلدل) الشهباء.
و بالغ يز يد ف إكرام المام .على الطري قة ال ت يعرف ها الكام الترفون ال سرفون ف
الدول الظالة ،فأمر جواريه أن يدهن رأس جابر وليته بالغالية فنل المام الكبي إل
دجلة وغسحل رأسحه وليتحه .ودلكهمحا ،دلكا شديدا ،وهحو يقول( :اللهحم لتعحل
حظي منك منلت من هؤلء القوم).
اعتاد جابر أن يج كل سنة .وف إحدى هذه السنوات ب عث إليه عامل البصرة أن
لتحبح العام ،فإن الناس يتاجون إليحك ،يعنح فح التدريحس والفتوى ،ولكحن جابرأ
أصر على موقفه ،وأبلغ العامل أنه لن يترك عمل ل من أجل أوامر بشر ،ولو كان
هذا البشر عامل من عمال الدولة الموية ،فأخذه العامل وسجنه.
وعندما أهل هلل ذي الجة ،جاء الناس ال العامل فقالوا :أصلح ال المي قد أهل
هلل ذي الجة ول يبقى من الوقت مايكفي للسفر بي البصرة ومكة .فأطلق المي
سراحه .ولا وصل جابر إل منله بدأ يشد الراحلة على ناقة له .كان يعدها للحج.
سكَ لَهَا)(فاطر :من الية )2ث سأل ويقول) :مَا َيفْتَ حِ اللّ هُ لِلنّا سِ مِ نْ رَحْ َمةٍ فَل مُمْ ِ
آمنة هل عندك شيء؟ فقالت له نعم وأحضرت الزاد ف جرابي...
وطلب منها ال تب أحدا بسي .ف ذلك اليوم ،وانتهى إل عرفات والناس بالوقف،
فضربت الناقة الرض برانا ،وتلجات ،فقال الناس :ذكها! ذكها ...
فقال (حقيق لناقة رأت هلل ذى الجة ف البصرة ،وأدركت الناس ف مرمات ،أل
أن يفعل با هذا ).وسلمت الناقة وكان قد سافر عليها أربعا وعشرين مرة بي حِجة
وعمرةٍ.
............................. 136
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
وإنه لن نافلة القول أن أتدث عن دين جابر وخلقه ،وخوفه لربه ،واتباعه للسنة،
وابتعاده عن البدعة ،وفهمه العميق لسرار الشريعة ،وماسبته لنفسه ،وحلها على ما
تكره النفس البشرية إذا كان ف ذلك ،قربة إل ال عز وجل.
اشتهر عن جابرأنه ل ياكس ف ثلث :ف كراء إل مكة ،وف عبد يشترى ليعتق،
و ف شاةللتضح ية ،وكان يقول( :ل نا كس ف ش يء نتقرب به إل ال تعال) .وإذا
وقع ف يديه ستوق كسره ورمى به لئل يغر به مسلم -والستوق الدرهم الغشوش.
امتل قل به باليان بال ،وفاض على لسانه دعوة مل صة إل دين ال ،وعلى جوار حه
عمل صالا با يرضي ال .قالت هند بنت الهلب( :كان جابر ابن زيد أشد الناس
اانقطاعا إل وال أ مي ،وكان ل يعلم ش يء يقرب ن إلىال عز و جل إل أمر ن به،
ولشيء يباعدن عنه إل نا ن عنه ،وكان ليأمر ن أين أضع المار) .وتضع يدها
على البهة لتبي موضع المار من جبهة الرأة السلمة.
ولو التم ست م ثل هذه الشهادة عن علم جابر وأخل قه أودي نه ،أو ذكائه وعبقري ته
لكثرت هذه الشهادات وأخذت م نا وق تا ومكا نا .وح سبك أن تعلم أ نه رح ه ال
أعلم من أن يبقى من كتاب ال وسنة رسوله وهدي ممد حت ف سلوكه الاص
شيء ليعرفه .وإنه أذكى من أن تنطلي عليه زخرفة لبدعة ظاهرة أو خفية ،وأخشى
ل من أن يرى منكرا ويسكت عنه ،وأشجع من أن يؤيد عمل الظالي ،ويرضى عن
سلوك الطاغ ي ،وأحرص على آداء رسالة ال سلم من أن ي كل من التعليم ف كل
مكان.
رأى أ حد الج بة ي صلي فوق الكع بة فنادى :يا من ي صل فوق الكع بة لقبلة لك!...
وكان ابن عباس ف ناحية من السجد فسمه فقال :إن كان جابر بن زيد ف شيء
من البلد فهذا القول منه .والستاذ العبقري يعرف من مِن تلميذه يتاز بصحة الفهم
............................. 137
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
ول حة العبقريحة ود قة اللح ظة والهتمام بأمحر ال سلمي ،والع مل على إرشاد هم،
وتوجيههم إل الطريق القوم.
وبعد هذا كله فإن جابرا يعتب من أوائل الؤلفي ف السلم ،إذا ل يكن أولم على
الطلق ،وقحد كان لكتابحه الضخحم القيحم ،السحمى (ديوان جابر) رنحة فح صحدر
السلم ،وكان موضع تنافس بي دور الكتب السلمية ،واستطاعت مكتبة بغداد
أن تتح صل عل يه ،وأن تب خل به عن غي ها من الكتبات ،ول تن قل م نه إل ن سخة
واحدة كافح أحد عباقرة جبل نفوسة للحصول عليها ف قصة طويلة سوف ترد إن
شاء ال ف حلقة آتية.
كان لذا الكتاب قيمة كبى لا فيه من علم وهدى ،ولقربه من عصر النبوة ،ولخذ
مؤل فه عن ال صحابة رضوان ال علي هم ،وكا نت له قي مة أخرى أثر ية و هي أ نه أول
كتاب ضخم ألف ف السلم
وإنه لن الؤسف أن يضيع هذا الثراث العظيم من مكتبة بغداد عندما أحرقت تلك
الكتبة العظيمة!وضاعت منها آلف النفائس ،كما أنه من الؤل الر أن تضيع النسخة
الت وصلت إل ليبيا فيما ضاع من الثراث السلمي العظيم بسبب الهل والقد
وطلب الرفعة عند الناس .وليس أعظم منة من ضياع التراث العلمي واللقي والدين
ل مة م سلمة لي ستقيم حاضر ها إلعلى القوا عد التي نة ال ت انب ن عل يه ماضي ها ،ولن
يصلح حاضر هذه المة إل با صلح به أولا.
ل قد حاولت ف هذا الف صل أن أتر جم للمام العظ يم جابر بن ز يد ،ولكن ن أعترف
أن ن أخف قت ول أ ستطع أن أ صل إل ما قدر ته ف نف سي ،وإل مايتطل به الوضوع
من ،ولن يفوتن ف آخر هذا الفصل أن أقتبس من العلمة قاسم ابن سعيد الشماخي
ما يأت:
............................. 138
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
وأ ما ت سمية مذهب نا بالباض ية .لكون عبدال بن اباض ر ضي ال ع نه كان الجا هد
عل نا ،النا ضل عل نا ،ف سبيل تق يق القائق ،وت صحيح قضا يا العقول ،في ما أحد ثه
أهل القالت والبدع ،من الزور والفتراء ف شريعة ربنا وكان شديدا ف ال تعال،
وله مناظرات مع أهل التنطس والتفلسف ،كان الجة الدامغة ،الت ينس أمامها كل
ثرثار ،وله كلم مع ع بد اللك بن مروان يه ضم ن فس كل جائر جبار ،تغلب على
ال سلمي أصححابه الذيحن يقولون بقوله الباضيحة ،وتسحمى الذهحب باسحه على هذا
العن ،وإنا كان المام القائد ،اوسيلة الراشد أس الذهب وحاميه ،مرجع الفضل ف
تدوينه وتشييد مبانيه ،إنا كان جابر ابن زيد رضى ال عنه -وعبدال بن إباض كان
صنوه وتلوه ،وكان ليصدر ف اله النوازل إل عن رأيه ونظره ،و بعد وفاة جابر بن
زيد ،ظهر عبدال بن إباض بأجلى مظاهر الغية الدينية ،ولقن أصحابه مبدأ القدام
ف تقرير الق ،وقمع اهل الور والظلم ،النحرفي عن جادة الصواب ،حت ظهرت
هذه الفرقحة الناجيحة ،الحقحة الصحادقة ،فح أدوارهحا الوجوديحة فح حالتح الكتمان
والظهور ،مرعية بعي عناية ال تعال.
ل يقدر عليحه أححد بسحوء ،ظاهري الكرامات ،أعداء الناكحر والرائم ،أشداء على
الظلم والظالي ،والنفاق والنافقي.
............................. 139
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
بر به ملص مع زميله و صديقه ضمام و ا ستشار ف أمره ا مو سيا ليدله على نوع
ال كل الذي يتعذب به ال كل و ل يف ضى به إل الوت ،فأشار عل يه بإطعامه ما
الزيت و الكراث ،فكان ذلك طعامهما إل أن مات الجاج فأطلق سراحهما.
و رب ا ضاق ضمام بذا ال سجن و هذا العذاب فيقول له أ بو عبيدة ف صب الؤ من
الواثق على من تضيق ؟
خرج المام أبحو عحبيدة محن سحجن الجاج فواصحل رسحالته فح الدعوة إل ال و
التمسك بدينه و العمل بشريعته و كان حر الفكرة ينشر البادئ السلمية الصحيحة
ف كرامة السلم .و عدم قبوله للمتهان و مطالبة ذوي السلطان بالستقامة ف الدين
و اللق و العمل و الكم.
كان يدعو إل مطالبة ذوي السلطان بالتزام السنة و اتباع سية السلف الصالي و
إقامة العدل بي الناس و تنفيذ أحكام ال كما جاء با كتاب ال ،و هذه الدعوة هي
اكره ما يكره الظلمة الستبدون ف كل عصر و ف كل مصر ،و لذلك فقد بذلوا ما
لدي هم من قوة و ا ستعملوا كل و سيلة ل كي يولوا دون هذه الدعوة و ينعو ها من
البلوغ إل الناس على حقيقتهحا و صححتها ووضوحهحا و لكحي تبقحى المحة وادعحة
مستسلمة ،و يستمر الشعب صابرا منتظرا ،و يسود الميع القناعة و الصب.
و ل كن هل ي ستطيع الظلم مه ما كان قو يا و الطغيان مه ما كان عني فا و ال بوت
مهما استكب و استعلى هل يستطيع كل ذلك ؟ و أضعاف كل ذلك :أن يسكت
الق و يطمس نور القيقة و أن يطول استعباد لشعوب تؤمن بأن دين ال يدعو إل
التحرر محن عبوديحة البشحر و أن كتاب ال يرم عليهحا النذال و السحتكانة و أن
ر سول ال (ص) يعلم أم ته :أن أف ضل الهاد كل مة ال ق ع ند إمام جائر يق تل ب ا
صاحبها .
............................. 141
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
فعل الجاج و أعوان الجاج و رؤساء الجاج ،كل ما يستطيعون ليخفتوا صوت
القح و يضطهدوا دعاة الكرامحة و حلة الشريعحة فسحجنوا ،و عذبوا و قتلوا و مل
الدنيا بالرهبة و الوف ،فعلوا كل ذلك و اكثر من ذلك و لكنهم ل يستطيعوا إل
أن يزيدوا الثورة اشتعال و أن يعجلوا بنهايحة سحلطانم و ذهحب الجاج و ذهبحت
الدولة الت كان يعبدها من دون ال ،و ذهب ما اعد لحاربة الؤمني من قوة ،و
تو ف إل رح ة ال الؤمنون الخل صون ،من التابع ي و ل ق بر به جابر و ال سن و
ضمام و أبو عبيدة و آلف غيهم من وصلت إليهم يد الجاج و زملئه من الطغاة
بالذى الكثي أو القليل و لكن شتان بي ما سجله التاريخ لولئك و هؤلء أما عند
ربك فخي و أبقى.
استطاع الجاج با عنده من إمكانيات و ما أتيح له من قوى أن يزيد قليل ف الال
الرام الذي تتع به الترفون من بن أمية و أن ينحهم أمنا أكثر ف مالس العربدة و
السكر و أن يهيئ لم التفرغ للشراب و القمار و الفجور.
واسحتطاع أولئك الضطهدون العذبون ،أن يدوا المحة السحلمية بديحن ال ،و أن
يو صلوا إلي هم ر سالة م مد صافية خال صة و أن يغمروا قلوب م باليان بال وحده و
أن يعرفوهم أن العبودية ل تكون إل ل و أنه يتساوى ف ذلك جيع الخلوقات.
و اسحتطاع أولئك العذبون و الضطهدون أن يفهموا المحة أن اللفاء و العمال و
الوظفي ف الدولة و القائمي بالكم ف جيع الرافق و العمال أن هؤلء ليسوا غي
حلة أمانة مؤقتة و إجراء للقيام بمام الدولة ،نظي قوت و كسوة ل إسراف فيها و
ل تبذير.
فإذا حفظوا هذه المانة و رعى مصلحة المة و أدوها إل أهلها ،كما يقتضي الق
و العدل فلم من المة اجر الذي أسلفنا ،أما جزاء إخلصهم و أمانتهم وجهدهم و
صدقهم فعلى ال و عند ربك الزاء الوف.
............................. 142
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
أما إذا نسوا من أنفسهم عجزا عن تمل هذه المانة و خافوا عاقبة فليعيدوا المانة
إل أهلها و لينسحبوا مشكورين سالي.
أ ما إذا غرت م أنف سهم و غلب الشيطان على ضمائر هم و أرادوا أن يتخذوا مال ال
دول ،و عباده خول ،و أن ي ستأثروا بأك ثر م ا أعطا هم ال ق فإن ال مة ي ب أن
تقحف فح وجوههحم و أن ترد عحن مقاصحدهم و أن تطالب بالتزام الدود و اتباع
ال سبيل ،فإن عرفوا ال ق و رجعوا إل يه غ فر ال ل م ،و قبلت ال مة من هم ذلك ،و
استمروا ف أداء واجباتم و القيام بأعمالم ،و الحافظة على أمانة ال الت وضعت
ف أعناقهم ،أما إذا نفخ الشيطان ف آنافهم و استحوذ البطر ف نفوسهم و أخذتم
العزة بال ث و ا ستمرءوا شهوة ال كم فإ نه ي ب أن ت قف ال مة ل م بالر صاد و أن
تا سبهم على أعمالم و أن تبعدهم عن مناصبهم و لو بقتال م ،فإن قتل الفسدين
أهون عند ال من إفساد الصلحي و ظلم الؤمن و العبث بالقوق.
هذه الدعوة الت كان يدعوا با إليها الؤمنون من السلف الصال و على هذه الدعوة
كان الظالون من ذوي السلطة يطاردونم شر مطاردة ليخفتوا صوت الق.
و كان أولئك الئمة العظام ل ينفكون – مع دعوة التحرر هذه – عن نشر العلم و
بث اللق الم يد فكانوا يدأبون على تفق يه عباد ال ف د ين ال و تف سي ما خ فى
عليهم من كتاب ال أو سنة رسول ال .
و لا كانت الرقابة الشديدة عن أب عبيدة ل تنفك عن التجسس عنه و كانت أوامر
الظل مة تن عه من التدر يس ف قد ات ذ مدر سته ف سرداب خ في طو يل وو ضع على
مدخله سلسل من الد يد فإذا سع صلصلتها هو و طل به علموا أن غري با ير يد
الدخول إليهم فأوقفوا الدرس و شغلوا بصنع القفاف فل يشتبه الزائر ف أمرهم فإذا
غادرهم و أمنوا عيون الظلمة رجعوا إل ما كانوا عليه.
............................. 143
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
كلمة الختام
إنن أتوجه إل ال سبحانه و تعال بالشكر على نعمه الظاهرة الفية و احده جل و
عل أن ي سر ل هذا الع مل الضئ يل لد مة الد ين و ال مة و أ سأله أن يعله خال صا
لوجهه الكري و أضرع إليه سبحانه و تعال أن ييسر ل ف إناز بقية هذه اللقات،
و أن يتول عملي بالتوفيق ،إنه نعم الول و نعم النصي .
لقد رأيت أن أقف بذه اللقات إل هذا الد ،و أنا حي أراجعها ألس فيها كثيا
من الخلل ،و عدم الستيفاء بالقاصد الت رميت إليها و اعتقد أن هذه الفصول ف
مموع ها ،ل تبلغ الق صود من ها ف الك شف عن حقائق من شأ الباض ية ،ك ما أن
ترج ة كل من المام ي العظيم ي ل أبلغ ب ا منلته ما ف نف سي ،و عذري ف كل
ذلك ،قلة الصحادر ،و بعدي عحن مال الكتبات العامحة و الاصحة محن جهحة ،و
ضخامة العمل الذي قصدت إليه من جهة أخرى .
و على أولئك الطام ي إل الز يد من العر فة الذ ين ل يقنع هم ال مل الطف يف ،و ل
يروي غلتهحم هذا الوشحل الضعيحف ،أن يسحرحوا أنظارهحم بيح محا كتبحه العباقرة
الؤرخي ،و عباقرة علماء السلم ف متلف العصور ،فإنم سوف يدون ف تلك
النان الغناء ،متع العقل و الفكر و الروح .
و ل ي سعن و أ نا اخ تم هذه الف صول ،إل أن أتقدم بالش كر الز يل إل ج يع من
أمدو ن بال ساعدة ف الباث التواض عة ،و أ خص من بين هم ال صديق أح د علي
............................. 146
الباضية في موكب التاريخ
.............................نشــأة المذهب الباضي
عسكر على تيسيه ل هذا العمل ،مقدرا ما بذله من جهود جبارة ،و سهره من ليال
طوال .