You are on page 1of 233

‫أبو الربيع سليمان بن يلف الزات‬

‫قمة من قمم العلم الشامة‪ ،‬ومكتبة حافلة بأنواع العارف حية متنقلة‪ ،‬على إنه ل يكن من حلة العلم‬

‫الامدين الذين يملون أراء غيهم دون أن يكون لم رأى بل لقد وهب مع الافظة الواعية الت ل‬

‫تكاد تنسى‪ ،‬فكرا نفاذا إل حقائق الشياء‪ ،‬وبصية نية خبية بواقع الحكام‪ ،‬كان عالا بالصول‬

‫والفقه‪ ،‬درس كل ما وصلت إليه يده حت بز جيع القران وفاقهم‪ ،‬فلما نضجت مواهبه‪ ،‬واستقرت‬

‫معارفه‪ ،‬تصدى للتدريس والفتوى فتخرج على يده كثي من أعلم السلم‪.‬‬

‫بدأ دراسته على مشائخ عصره ث التحق بدرسة المام العظم أب عبد ال ممد بن بكر الفرسطائي‬

‫وعنه أخذ العلم والسية‪.‬‬

‫لقد قضى أبو الربيع أيام الصبا والشباب ف الدراسة‪ .‬ث عكف على التدريس والتأليف‪ .‬إنا المانة‬

‫العلمية الت تملها اسلفه أعد نفسه لملها‪،‬فحملها بدارة واستحقاق ول يتخل عنها لظة واحدة‬

‫ف حياته‪ .‬وكما كون جيل من أنب الطلب وواضح معال السلم للضالي والاهلي بالدعوة إل‬

‫دين ال وبيان حدوده ف دروس الوعظ والرشاد ترك لنا مؤلفات قيمة منها التحف ف الصول‬

‫والسية النسوبة إليه‪ .‬وهي دستور قيم للعال التعلم يدر بالشاب السلم التعلم أن يفظها وإن يعمل‬

‫با‪.‬‬

‫كان مستقل برأيه متهدا ف أحكامه قد يفت بالقول الرجوح‪ ،‬ويعمل برأي القلية‪ ،‬ويبدو أنه ف‬

‫فتاواه وأحكامه ل يقتصر على بث الراء والدلة الت تستند عليها وإنا يضيف إل ذلك ظروف‬

‫البيئة‪ ،‬ودرسته الشخصية للموضوع‪ ،‬ومعرفته لا ييط بالادثة‪.‬‬

‫لا مرض إستاذه الكب أبو عبد ال ممد بن بكر مرض الوفاة قال لماعة من حضر‪ :‬اشهدوا أن‬

‫البستان الفلن الذي على العيون هو لب يوسف وهو اكب أبناء أب عبد ال فسمعت امرأته بذلك‬
‫فظنت إن ذلك بسبب الوجع أو السهو فقالت تنبهه ما هذا يا شيخ فكرر الشيخ الشهاد على نفسه‬

‫با قال وأكد للقوم قوله الول‪ ،‬ول يرجع عنه وأجاب امرأته قائل‪ :‬إن اعتقدت له أكثر من ذلك‪،‬‬

‫وعلمي ورأيي ل أرجع عنهما إل علمك ورأيك‪ ،‬وكان ولده أبو العباس أحد حينئذ عند أب الربيع‬

‫سليمان بن يلف ف نظام الدراسة فبلغه وفاة أبيه وقد بقيت بيده بقية من نفقه فامسك عنها لنه‬

‫رأى أن ذلك قد أصبح مال للورثة فقال له أبو الربيع أمسك ما بيدك وأنفق منه ول حرج عليك‪،‬‬

‫فإن إياك ل تلزمه العدالة بينكما ث ذهب إل موطن الشيخ أب عبد ال وأنفذ وصيته كما أوصى با‬

‫مع أن أكثر الفقهاء يوجبون العدالة بي الولد ول ييزون إنفاذ العطية إذا وقعت ف مرض الوت‪.‬‬

‫ول شك أن ف السألتي خلفا بي علماء السلم ولكن الراجح العمول به عند الباضية هو وجوب‬

‫العدالة بي الولد وعدم إنفاذ العطية الواقعة ف مرض الوت‪.‬‬

‫وفتوى أب الربيع بغي الشهور من أقوال الذهب ف ذلك يدل دللة واضحة على استقلل رأيه‬

‫واجتهاده من جهة ث على استناده‪ .‬على معرفة أحوال الناس الذين تقع لم الشاكل والحداث‬

‫ودراسته لظروف تلك الحداث من جهة أخرى‪.‬‬

‫ويبدو ل أن الذي يسر لب الربيع أن يفت هذه الفتوى إنا هو معرفته الكاملة لسرة إستاذه أب عبد‬

‫ال وللمجهود البار التواصل الذي بذله أبو يوسف يعقوب ف تكوين هذه السرة وتيئة ظروف‬

‫الياة الكرية لا حت كأنه شريك أو أخ لب عبد ال وهذا ما لحظه أبو عبد ال فهو يعلم أن ما‬

‫يعود عليه من أملك إنا كان لكفاح أب يوسف فرأى أن يعوضه عن ذلك الجهود بذه العطية‪.‬‬

‫وعلى هذه العرفة الشخصية والدراسة النفسية استند أبو الرربيع ف إصدار هذه الفتوى‪ .‬ولقد تدث‬

‫أبو العباس الدرجين عن هذا الوضوع فقال ‪ » :‬قلت أما فعل أب عبد ال بن بكر رضي ال عنه فل‬

‫ينفذ لوجوه منها‪ :‬أول إنه عطية ف الرض الذي توف فيه فل يوز إل بإجازة الورثة‪ .‬ثانيا إنه ل يذكر‬
‫التسليم والوز وذلك شرط عند جيع أهل العلم إل الشاذ‪ ،‬ثالثا إنه ل يعدل فيما دل عليه اللفظ‬

‫والعدل بي البني واجب على الب ف قول جاعة من أهل العلم واليه مال أكثر أصحابنا فيما علمت‬

‫لكن الشيخ أبا الربيع رجح قول من قال ل تب العدالة على الب‪ .‬وأقول وال أعلم عن ذلك إنا‬

‫جاز لجازتم إياه إبرارا بالشيخ رحه ال‪ « .‬انتهى قول أب العباس ويرد على تعليله الخي بأن‬

‫الورثة ربا أجازوا ذلك ما ورد ف أول القصة بأن امرأته نبهته حاسبة أن ما قاله إنا كان من الوجع‬

‫فأصر أبو عبد ال على موقفه وأعلن أنه لن يرجع عن رأيه وعلمه إل رأيها وعليها مع العلم إنا‬

‫وراثة‪.‬‬

‫ومهما يكن فإن ترجيحه للقول الرجوح‪ ،‬وفتواه بغي العمول به دليل على ملكة الجتهاد‬

‫والستقلل ف الرأي‪ ،‬وملحظة جيع الظروف الحيطة بالقضية عند تطبيق الحكام‪ ،‬وشبيه بذه‬

‫الادثة ما جاء ف القصة التية‪:‬‬

‫كان بي مموع الطلبة الذين يدرسون عند أب الربيع تلميذان ذكيان تربط بينهما عرى الزمالة‬

‫والصداقة والحبة وكانا يقضيان وقتهما ف مذاكرة ودراسة‪ ،‬حت إذا أحسا بالتعب واللل خففا عن‬

‫نفسيهما بالنكتة الضاحكة والدعابة البيئة والزل الفيف‪ .‬وضع الزميلن كتب الدراسة إل جانبهما‬

‫وحلق بما اليال ف مسارح أمال الشباب فتحدثا عن العزوبة والزواج والتفت أحدها إل الخر‬

‫متصنعا وقار الد وقال له‪ :‬إن أرغب إليك يا صديقي ف أختك فلنه بنت السب والنسب‬

‫وجئتك راغبا ف زواجها فهل توافق على ذلك وتصنع الزميل الثان وقار ول المر الذي يفكر ف‬

‫مستقبل أخته وينظر إل مصلحتها ث رفع رأسه وقال قد قبلت فبارك ال لكما‪.‬‬

‫وضحكا الفتيان ورجعا إل كتبها للمذاكرة ولكن شيئا بدأ يهجس ف نفس الفت الاطب‪ .‬إل يكون‬

‫قد ارتكب بدعابته هذه حاقة‪ ،‬وأصبح الزواج منعقدا‪ ،‬وأصبحت فلنه هذه امرأته ويكون مسئول‬
‫أمام ال والناس عن زوجة ل تدري عنه شيئا‪ ،‬وعندما افترقا بقي الشاب يردد الفكرة على ذهنه فل‬

‫تزداد إل رسوخا وثباتا‪ ،‬وفزع بشكلته إل زملئه الذين يكبونه سنا وعلما يلتمس عندهم الل‪،‬‬

‫فكان كلما عرضها على واحد منهم إجابة بأن ثلثة جدهن جد وهزلن جد النكاح والطلق‬

‫والعتاق فالنكاح قد انعقد بينه وبي الفتاة‪ ،‬وأصبحت زوجة له بكم الشرع‪ ،‬ويضيفون إل ذلك ما‬

‫يشاءون من نكت ودعابات‪ ،‬واهتم الفت واحتار وف درس من الدروس لحظ الشيخ أبو الربيع‬

‫سهوم تلميذه النجيب ورود فكره فعلم إن شيئا أصابه فلم يجله بالسؤال وإنا سأل عنه بعض زملئه‬

‫فأخبوه بالقصة فقال الشيخ قولوا له‪ :‬فليقم وليشتعل بالقراءة فإنه ل ينعقد نكاح‪ ،‬ول يلزمه شيء‬

‫ولو إجازته‪.‬‬

‫هذه حادثة أخرى من الوادث الت تدل على مبلغ علو الرجل واجتهاده ف ذلك العصر‪ ،‬ولقد ناقش‬

‫الشيخ أبو العباس الدرجين هذه القصة أيضا فقال‪ ( :‬قلت وهذه السألة لا وجوه تقيد با وليست‬

‫بطلقة وذلك أن أخا الرأة ل يلو أن يكون وكيل مع كونه وليا أو يكون ل وكيل‪ ،‬فإن كان وكيل‬

‫فالنكاح قد انعقد بل خوف‪ .‬وإن كان أنكح فضول بغي توكيل ث أجازته فالول جوازه وقيل‬

‫يكون موقوفا على قبولا أو امتناعها‪ ،‬ولعل أبا الربيع رحه ال عرف ف هذه القضيه بعينها ما أوجب‬

‫امتناعها كتراكن وقع متقدما مع خاطب‪ ،‬أو عقد تقدم من ول أخرو ال أعلم ) انتهى كلم أب‬

‫العباس‪.‬‬

‫كان أبو الربيع يتحلى بأسى أخلق الؤمني من اللي واللم والتواضع والكرم والعفة ومبة السلمي‬

‫والنصح لم‪.‬‬

‫أراد جاعة من طلبه أن يعودوا إل بلدانم فسار معهم مسافة طويلة لوادعهم وكان يتحدث إليهم‬

‫ويوصيهم ف أخل مرحلتهم الدراسية وما قال لم وهو يسي معهم‪( :‬أمضوا بالسلم‪ ،‬فإذا وصلتم‬
‫منازلكم إن شاء ال‪ ،‬فإياكم والدنيا إن تستقبلوها بوجوهكم‪ ،‬فإن من استقبلها أغرقته‪ ،‬ومن‬

‫استدبرها فل بد أن تأخذ منه‪ ،‬وعيلكم باللفة والنصيحة والتزوار‪ ،‬وحفظ مالس الذكر‪ ،‬وإياكم‬

‫أمور الناس‪ ،‬وإياكم التقصي فيمن يرد عليكم من أهل دعوتكم والسلم‪ ) .‬وحينما عزم جاعة من‬

‫الطلب على الرجوع إل أوطانم معتقدين إنم أخذوا ما فيه الكفاية من مبادئ العلم وإنم‬

‫يستطيعون أن يستمروا ف دراستهم معتمدين على الكتب ب يرض لم‪ .‬وأوصى العلمة أبا يي‬

‫زكرياء ابن أب بكر أن يقول لم ( اعلموا أنكم أن رجعتهم على هذه الال إل أهلكم فأنتم كمن‬

‫ترك السلم عمدا ) وليس أعنف من هذه العبارة توبيخا على من يرضى بالقل؟ أو يتملكه الغرور‬

‫فيحسب أنه قد ملك من الوسائل ما يصل به الغاية ول أشد تريضا على طلب الكمال‪.‬‬

‫كان ذات يوم جالسا ف زاوية من زوايا السجد إل جانب صديقه يزيد بن خلف الزواغي يستمعان‬

‫من مكانما إل درس يلقيه العلمة أبو يعقوب ممد بن يدر فسأله سائل هل يب علينا العلم‬

‫بالفرائض وليس علينا العلم با فاته يزيد إل صديقه أب الربيع وسأله بيث يسمع من ف السجد يا‬

‫سليمان ما الذي أخذت عن أب عبد ال بن أب بكر ف هذه السألة قال أبو الربيع إذا لزم العمل‬

‫بشيء لزم العلم به وإن ف فعله الثواب وإنه فرض وعدل‪ .‬دوى صوت أب البيع بذا الواب ف‬

‫جوانب السجد فلم يرد عليه أحد‪ .‬مع ذلك فلم يعلن أبو يعقوب عن رجوعه ول طلب منه‬

‫الشيخان أن يرجع عن قوله والقضية من مسائل علم الكلم الشهورة مبسوطة ف الكتب وهي من‬

‫مسائل اللف بي الباضية وبعض الفرق السلمية الخرى لنه ل يعقل أن يقوم النسان بعمل ل‬

‫يعرف كيف يقوم به‪ .‬ويعلق أبو العباس الدرجين على هذه الادثة فيقول‪( :‬وكان هذا حال الشيخ‬

‫أب الربيع ل يعجل بتخطئة أحد‪ ،‬ول يسمعه جفاء) ولعل ما يكمل به إطار هذه الصورة الت أرادت‬
‫أن أضعها لذا الؤمن العامل ف هذا الكتاب أن أنقل للقارئ الكري ناذج ما ورد ف كتابه القيم‬

‫الشهور بسي أب الربيع‪.‬‬

‫» ينبغي للعال أن تكون له خزائن ل يدخلها إل هو « من جهالة العال أن يفت لكل من يسأله »‬

‫العال ف علمه كالطبيب ف أدويته ل يضع دواء إل حيث يصلح‪ ،‬وكل عله مع دوائها« » صونوا‬

‫علمكم بالسكينة والوقار وحسن الدب « » على العال أن يعبد ال بكتمان علمه ما ل يتج إليه ل‬

‫يسمعه كتمانه« » العلم أكثر من أن يصى ولكن خذوا من كل شيء أحسنه« » ظلم الناس‬

‫السلم بثلثة‪ :‬تركوه من غي عيب‪ ،‬وجعلوا له عيوبا ل تكن فيه‪ ،‬وادعوه ول يكن فيهم‪» « .‬‬

‫سرعة اللسان بالستغفار والتمادي على الذنوب توبة الكذابي« من يتوب ث يرجع إل ما تاب عنه‬

‫كالستهزئ بربه« أحذروا الناس فإنم ما ركبوا ظهر بعي إل أدبروه‪ ،‬ول مت جواد إل عقروه‪ ،‬ول‬

‫قلب مسلم إل أفسدوه« »يكون الرجل ف قعر بيته‪ ،‬قد غلقت عليه البواب‪ ،‬واقفا ف صلته ف‬

‫جوف الليل‪ ،‬ليس معه غيه وهو مراء بصلته‪ ،‬قيل له كيف ذلك قال إذا أحب ف نفسه أن يظهر‬

‫ذلك للناس ويطلعوا عليه« يكون الرجل ف مطلع الشمس وتكون الفتنة ف مغربا‪ ،‬وهي ف بيته على‬

‫سريره راقد‪ ،‬ول يضر بنفسه ول باله‪ ،‬وسيفه يقطر دما من تلك الفتنة قيل له كيف ذلك؟ قال‪ :‬إذا‬

‫مال بقلبه إل إحدى الطائفتي‪« .‬‬

‫هذه ملمح عن شخصية أب الربيع الزات أرجو أن يكون القارئ قد رسم منها صورة لذلك الرجل‬

‫العظيم‪.‬‬

‫ميمون بن أحد الزات‬

‫قال فيه أبو العباس الدرجين » كان ذا فطنة وذكاء وعقل ودهاء‪ ،‬وكان مصدرا بدرجي من قبل‬

‫مقدمها ( مولهم بن علي ) والماعة‪ ،‬فكان حكمه عدل وقوله فصل‪ « .‬ويبدو من هذا التعريف أن‬
‫الشيخ ميمون يتول الحكام والفتاوي ف درجي لن مقدم درجي ف ذلك الي وجاعة السلمي‬

‫يرجعون إليه ف هذه المور لن ميمونا ل يتول العمل للحكومة ف أي فترة من حياته وإنا وثق فيه‬

‫وف علمه ودينه الناس فالتجأوا إليه وكان ف عامل درجي بقية من خي فلم يركب رأسه ويفعل ما‬

‫يفعل غيه من أصحاب السلطة وإنا كان يرجع ف أحكامه إل ميمون بن أحد الزات الذي كان‬

‫يكم بعدل ويفصل الشاكل بعلم ويتصرف بدبن ونزاهة‪ .‬وقد أرضى بعمله هذا الاكم الفعلي‬

‫لدرجي وأرضى جاعة السلمي‪.‬‬

‫امتدت الياة بالشيخ وطالت حت كف بصره‪ ،‬وأدبرت أيام درجي وتغلب فيها الهل‪ ،‬حت كان‬

‫الشيخ يتمن أن يد من يسأله عن مسألة أو يناقشه ف حديث أو يتعلم منهأو يعلمه‪ ،‬وقد من ال عليه‬

‫فإستجاب دعوته ف آخر أيامه فوهب له طالبا ذكيا ألعيا شديد الرغبة ف العلم هو العلمة سعيد بن‬

‫سليمان بن علي بن يلف‪ .‬ففرح به الشيخ‪ ،‬وأمل أن يى ال على يديه ما إنطمس من معال الق‪،‬‬

‫وكان الطالب الذكي ل يفارق ملس الشيخ ف السجد أ ف البيت فكان يضر حلقة القرآن الكري‪،‬‬

‫وكان يرافق الشيخ ويدمه‪ ،‬وكان الشيخ يؤثره اكراما لده يلف بن يلف فكان يرنه على القراءة‪،‬‬

‫ويمله على مراجعة أخطائه مت يهتدي إل تصحيحها بنفسه ويسرد له ما عسر عليه‪ ،‬ويرافقه ف‬

‫تلوة القرآن الكري‪ ،‬ويفسر له بإياز معان اليات ويشرح له معان الفردات اللغوية إل أخر ما‬

‫هنالك ما يفعله الدرس النصوح مع التلميذ النجيب الراغب ف الستفادة‪.‬‬

‫قال أبو عثمان سعيد بن سليمان ‪ » :‬دخلت حلقة درجي وأنا صب قبل أن اكمل قراءة القرآن فكان‬

‫الشيخ ميمون سبب ترن على قراءة الكتب‪ ،‬لنه كان يكبن إجلل لوالدي‪ ،‬ويصن بالفوائد‪،‬‬

‫وذلك أنه مت خرج إل السجد أخرج معه كتابا‪ .‬فإذا جاء السجد دعان وقال ل اقرأ‪ ،‬فآخذ‬

‫الكتاب واقرأ فمت توقفت ف بعض ما يشكل على قال ل بي ول ترهب فإذا قرأت حرفا ما أصبت‬
‫أو صحفت استحسن ذلك‪ ،‬وكان يقول ل بعد ما كف بصره اقرأ على سورة كذا وكذا‪ ،‬وكان ل‬

‫يلين من فائدة‪«.‬‬

‫كان شديدا ف المر والنهي حريصا على إقامة دين ال فلما كب وكف بصره خفف من حدته‪،‬‬

‫ولن ف أمره ونيه‪ .‬وكان العلمة يلف بن يلف يتوسم فيه الي والصلح فكان يصه بالدايا‬

‫الطريفة وكان يض الناس على إكرامه والب به‪.‬‬

‫ويقول لم ‪ » :‬إكرموا ميمون بن أحد فقد اجتمعت فيه الصال الثلثة‪ :‬عزيز ذل‪ ،‬وغن افتقر‪،‬‬

‫وعال بي جهال‪« .‬‬

‫لقد كان هذا العال الذي حكمت عليه ظروف الياة أن يعيش ف درجي حي أدبرت أيامها‪،‬‬

‫وذهبت نضارتا‪ ،‬وأتى الظلم والبوت على ما كان فيها من علم وخلق مثل يتذى ف وسائل‬

‫التربية والتعليم‪ .‬فلقد جرى على طريقة تعتب من الطرق الديثة ف التربية والتعليم وذلك إنه يعمل‬

‫على أن يعتمد التلميذ على نفسه بعد أن يستثي الدرس ذهنه فيستنتج ويستخرج القواعد وياول أن‬

‫يصل إل أخطائه بنفسه فيصححها دون أن يلقنه الدرس‪ ،‬وهو ف طريقة تدريسه وتربيته يترم‬

‫شخصية الطالب ويبذر فيها بذور الشجاعة والثقة بالنفس‪ .‬وقد كان حريصا على أن يكون الؤمن‬

‫حسن السية لي اللق عفيف اليد واللسان فكان يقول‪ » :‬من قال لسلم يا تقيل يبأ منه «‬

‫إنه ل يريد أن ينسب إل السلم أي وصف تكرهه النفس وتله يسببه الصحاب‪.‬‬
‫أبو حفص عمرو بن جيع‬

‫يشرفن بأن أضع القلم لرفق القارئ الكري ف قراءة هذه الترجة القيمة الت كتبها المام القدوة أبو‬

‫اسحاق طفيش رحه ال ورضى عنه قال حي ترجم لب حفص ف مقدمه التوحيد‪ » :‬هو العلمة‬

‫القدوة أبو حفص عمرو بن جيع‪ ،‬ل ند له ترجة غي ماكتبه عنه البدر الشماخي رحه ال ف تراجه‬

‫وأن كنا ندرك منلته العلمية والعملية ف نفس القدمة لو جزمنا بنسبتها إليه‪ ،‬قال البدر‪ :‬كان إماما‬

‫مشهورا‪ ،‬وكان من بي العلماء منظورا‪ ،‬وإليه تنسب العقيدة الت كانت بالببرية‪ ،‬فأبدلا بلسان‬

‫العربية‪ ،‬وهي اعتماد أهل ( جزيرة ) جربة وغيهم من أصحابنا أهل الغرب ‪ ،‬غي نفوسة ف ابتداء‬

‫الطلبة‪ ،‬وأودعتها شرحا على قدرها‪ ،‬انتهى أما كونا ليست عماد أهل نفوسة فل عتمادهم على‬

‫العقيدة العروفة عندهم بعقيدة نفوسه وهي مت من متون أصول الدين لحد أئمة القدماء أشتهر‬

‫عندهم واعتنوا به‪ ،‬فاستغنوا عما سواه من التون‪ ،‬ويبدو على مت القدمة النسوبة إل العلمة أب‬
‫حفص أمور‪ :‬اشتمالا على ما ل يسع جهله من مسائل التوحيد من المل الثلثة وتفسيها على‬

‫منهاج السلف رضوان ال عنهم دون أن تشاب بأساليب الفلسفة الكلمية‪ ،‬وتكليف البتدئي معرفة‬

‫الصفات والسائل اللفية‪ ،‬تضمنها ف مسائل الولية والباءة‪ ،‬معرفة العصومي‪ ،‬وهم الذين أثن ال‬

‫عليهم ف كتابه العزيز نصا أو تلويا‪ ،‬وهم بذلك مقطوع بسعادتم ف الخرة‪ ،‬وبوتم على الوفاء‬

‫بدين ال‪ ،‬العب عنه عند أصحابنا بالعصمة‪ ،‬احتواؤحها على مسائل هي من قبيل مسائل التاريخ‬

‫كذكر النبياء الذين أرسلوا إل الكافة وأول العزم‪ ،‬والنبياء العرب ال‪ ،‬كي يكون البتدئ على‬

‫الامة بهم ما يتصل بسائل دينه‪ .‬عنايتها بتفصيل الناس بالنسبة على العمل بالدين وعدمه‪ ،‬وبيان‬

‫حال السلم ف أطوار الياة الدينية‪ ،‬والحوال الت تكون عليها المة بالنسبة إل الستقلل والغلبه‬

‫العب عنه بالظهور‪ ،‬والتغلب عليها العب عنه بالكتمان‪ ،‬لعدم نفاذ أحكام السلم العامة وحدوده‪،‬‬

‫وفرز السلم متغية‪ ،‬وأصول التشريع من التنيل والسنة والرأي‪ :‬الذي هو الجاع والقياس ال ما‬

‫هنالك من مهمات السائل الت يلم با التعلم ف بداية التعليم حت يكون أخذا بقسط من مسائل‬

‫الدين والتهذيب وأصول التشريع وأسس الياة الستقللية ومعرفة أحكام اللل‪ ،‬وطاعة أول المر من‬

‫الئمة العدول‪ ،‬والتضحية ف سبيل الق لجل الق‪ ،‬والتحلي بالكمالت السلمية ومعرفة الكبائر‬

‫وفرز ما بينها‪ ،‬فهذه العقيدة هي ف نفس المر والواقع من أهم القدمات لو اعتن با من جيع‬

‫نواحيها لكانت الؤلفات الت تكتب وإبداعها أصول وتاريا‪ ،‬وخلوا من هوس الفلسفة الكلمية‪.‬‬

‫وعندي أن نسبتها إل المام أب حفص فيها نظر‪ ،‬لنه رحه ال يقول‪:‬‬

‫وجهدت هذه النكته منسوخة بالببرية ال فهذه العبارة صرية ف إنا لغيه‪ ،‬ل له ث إن التاريخ‬

‫أعرب لنا عن حقيقة ل مراء فيها وهي أن عهد التأليف بالببرية أقصى ما يكن يصل إليه ل يعدو‬
‫القرن الرابع والؤلف من الطبقة الامسة عشر الت هي طبقة المسي الول من القرن الثامن على ما‬

‫يؤخذ من طبقات أب عبد ال البارون وسي البدر الشماخي‪ ،‬رحها ال‪.‬‬

‫ويكن أن يقال أن هذه القدمة أخر ما نقل عن الببرية إل العربية من الؤلفات وهذا الطور طور‬

‫التأليف بالببرية – من أهم أطوار التاريخ السلمي ف شال أفريقيا يدل على ما بذله اسلفنا من‬

‫الهود ف هداية الببر إل السلم‪ ،‬وتكينهم فيه با ل يبلغ إليه سواهم‪ ،‬فجزاهم ال عن السلم‬

‫أحسن جزاء ففي قول البدر الشماخي أن العلمة أبا حفص كان إماما شهادة عظيمة تعرفنا برتبة‬

‫الترجم له‪ ،‬وبنسبته بي أقرانه‪ ،‬إذ ليس البدر الشماخي بن يقول ويلقى دون وزن‪ ،‬وها رحهما ال‬

‫قريبان ف العصر حيث توف البدر سنة ‪ 928‬هجرية والمام أبو حفص وإن ل نقف على تاريخ وفاته‬

‫عند كتابة هذه النبذه فإنه معدود عند أصحاب الطبقات من أئمة المسي الول من القرن الثامن‬

‫كما تقدم توف رحه ال بزيرة جربة ودفن بقبة جامع تفروجي بفتح التاء والفاء وشد الراء‬

‫الضمومة لفظ بربري وذلك والغ القدية من الزيرة‪.‬‬


‫أسرى البادي‬

‫عماد هذه السرة أبو الفضل أبو القاسم بن إبراهيم البادي‪ ،‬وقد نشأ ف جبل دمر من النوب‬

‫التونسي ودرس على بقية الشائخ هنالك ف أول أمره حت ثقف لسانه‪ ،‬وصلب عوده‪ ،‬وازداد عطشه‬

‫إل العلم‪ ،‬وظمأ إل العرفة‪ ،‬فانتقل من جبال دمر إل جزيرة جربة فالتحق بدرسة علمة زمانه الشيخ‬

‫يعيش الرب فدرس عنده ما شاء ال ث تاقت نفسه إل الزيد فارتل إل جبل نفوسة والتحق بدرسة‬

‫المام الكبي أب ساكن عامر بن علي الشماخي‪ ،‬وواصل هنالك دراسته حت أصبح علما من العلم‬

‫وإماما من الئمة‪ .‬ورجع إل جبال دمر‪ ،‬فبدأ كفاحه من أحل الرسالة القدسة ولكنه ل يستقر ف‬

‫دمر طويل فقد انتقل إل جربة ليجعل من تلك الزيرة مركزا لقامته ومنطلقا لدعوته الصلحية‬

‫وميدانا لكفاحه ف سبيل ال‪ ،‬وكانت الزيرة ف ذلك الي تعج بالعلماء العلم‪ ،‬وتنتشر فيها‬

‫الدارس وإن كانت من الناحية السياسية‪ ،‬تعان أشد التاعب‪ ،‬وتتعرض لصنوف من الى‪ ،‬وتصدى‬

‫للتأليف والتدريس والفتوى والفصل ف مشاكل الناس‪ ،‬والقيام بالمر بالعروف والنهي عن النكر‬

‫والتنديد بالظالي والنحرفي‪ .‬ولقد آتت جهوده العلمية أحسن الثمرات فتخرج على يده عدد قليل‬

‫من العلم‪.‬‬
‫ومع كفاحه للباطل الذي بدأ ينتشر ف التحلل الدين‪ ،‬والباطل الذي بدأ ينتشر على السنة البتدعي‪،‬‬

‫والباطل الوافد ف ظلل الكم الفاسد وعدم الستقرار‪ ،‬والباطل الخيم مع الهل بدين ال‪ .‬مع‬

‫كفاحه للباطل ف شت هذه الصور وانشغاله بتوعية الرأي العام‪ ،‬كان قد ترك لنا ثروة قيمة من الثار‪.‬‬

‫فقد ألف ف الدود الشرعية رسالة قيمة استجابة لطلب الشيخ أب عبد ال ممد بن أحد الصدغيان‬

‫حدد فيها حقائق أكثر العلوم الشرعية‪ ،‬وبدأ ف شرح الدعائم فأصدر منه الزء الول وصل فيه إل‬

‫الطهارات ث جعت مسودة الباقي من بعده فبلغت إل الزكاة ول يتم الكتاب‪ .‬وشرح كتاب ( العدل‬

‫والنصاف ) للمام أب يعقوب يوسف بن إبراهيم ول يتمه‪ ،‬وألف كتاب الواهر النتقاة فيما أخل‬

‫به كتاب الطبقات وهو تصدير مطول أو جزء أول لكتاب الطبقات لب العباس الدرجين أما‬

‫الفتاوي والجوبة فقد ترك منها الشيء الكثي‪ ،‬وقد رأيت منها جلة تدل على أن الرجل بلغ من‬

‫العلم درجة تاوزت مرتبة التقليد إل الجتهاد‪ ،‬وخولت له الستقلل بالرأي ف الفتوى وهو ف‬

‫رسائله قوي صريح تبلغ الشدة والعنف ف بعض الحيان ل يبال ف الق لومة لئم والذي يبدو من‬

‫دراسة التاريخ أن الفترة الت كان فيها أبو الفضل كانت من أحرج الفترات الت مرت على جبل دمر‬

‫والنوب التونسي كله فقد كانت العصبية الذهبية بلغت حدا كبيا‪ ،‬وكانت اليدي الاكمة الزيلة‬

‫التغطرسة الت ضعفت عن حكم الناس بالشرع أو بالقانون فاستندت ف حكمها على إيقاد نار الفتنة‬

‫بي طوائف المة وتوسيع شقة اللف بي الناس وتسليط الذين ل يشون ال ول يتقونه على غيهم‬

‫ومساعدتم على العدوان ليتسن لم أن تمع الموال الت تطالب با بكل إلاح وباستمرار‪ .‬فأصبح‬

‫الناس يعيشون ف تلك الناطق منغزلي متعادين كل قرية أو قبيلة أو مموعة منها تعيش منفردة‬

‫بنفسها‪ .‬وأصبح كل ما يت إل التصال بالدولة دليل على الظلم والفساد‪ .‬ولعل ما يصور ذلك ما‬

‫قاله البادي وهو يتحدث عن اللل والرام والشبهة قال‪ » :‬ومن القراين الت تدل على الشبهة‬
‫والريبة‪ ،‬ويب التوقف والبحث عندها‪ ،‬قرينة الغارات والتلصص ف بلدنا‪ ،‬هذه العمائم الرزق‪،‬‬

‫ومن قرائن الغشم والغارات والنتهاب الرمح والقوس‪ ،‬ومن قرائن التسلط والقهر والعلو والسلطان‬

‫الترفه والتفنق والتباهي ف اللبس الفاخرة مثل الفراء الؤشاة والثياب الذيلة الطولة والخراج‪،‬‬

‫واليل السمومة‪ ،‬والبانيس الواسعة الكتاف‪ ،‬وكثرة العوان والتعزز بكثرة التباع والتبختر ف‬

‫الشي وقصر الطا‪« .‬‬

‫ويقول بعد كلم » والجتماع والوقوف على أبواب الظلمة‪ ،‬والنتصاب بي أيديهم ولباس الثباب‬

‫والحباب مفرده من غي ما يلقي على العواتق فهذه قرائن كلها باكتساب الشبهة والرام والريبة‪،‬‬

‫وتوجب التوقف والبحث والفحص عما ف أيديهم‪ ،‬وإن كان يتمل أن يصل لم اللل بياث أو‬

‫هدية أو صدقة أو شراء إل الذمة‪،‬فهو احتمال ضعيف نادر والنادر ل حكم له‪ «.‬ويقول بعد كلم‪:‬‬

‫» فالدية إليهم من أمثالم ومن هو بنلتهم‪ .‬فمهما ظهرت قرينه من هذه القراين فقد وجب أتنه‬

‫والتوقف فهو معن وله صلى ال عليه وسلم من تركها فقد استبأ لدينه وعرضه ومن رتع حول‬

‫المي يوشك أن يقع فيه‪ « .‬ترج على أب الفضل وعدد جم من كبار العلماء‪ ،‬وتسلسلت منه أسرة‬

‫شهية ف العلم والعمل والكفاح ف سبيل ال ولعل أشهر أفراد السرة هو ولده أبوه أبو ممد عبد‬

‫ال بن أب القاسم البادي‪ .‬كان كما يقول أبو العباس الشماخي » شيخا عالا متفننا« درس على‬

‫مشائخ جبل دمر ث ارتل إل تونس فدرس ف العهد الزيتون العامر وبلغ فيها مرتبة شهد له فيها‬

‫علماء الزيتونة العظام بالنبوغ والعلم قال بعض تلميذه كنت بالزيتونه ف ملس من مالس العلم قال‬

‫فأثيت مشكلة من مشاكل اللغة العربية فاستشكلها الستاذ الدرس وتردد فيها فتكلمت فيها با‬

‫حضرن فأعجب الشيخ جواب فقال ل عمن أختها‪ ،‬قلت عن أب ممد البادي فالتفت إل القوم‬

‫وقال لم‪ ،‬ما رأيت اعلم من البادي‪ ،‬فغضب بعض الاضرين من هذا القول‪ /‬فالتفت الشيخ إل‬
‫البجيي وكان متخصصا ف العربية فقال له‪ :‬إنه يشاركك ف العربية‪ ،‬ويزيد عليك ف علوم أخرى‪،‬‬

‫ث التفت إل غيه‪ ،‬ويقول لكل واحد منهم إنه يشاركك ف مادة تصصك‪ ،‬ويزيد عليك ف علوم‪.‬‬

‫هكذا يشهد الشيخ حسي الدرس الكبي ف العهد العامر لب ممد وهو غائب شهادة يغار منها‬

‫جاعة من العلماء فيقرر لم الشيخ ف صراحة أن البادي يشارك كل واحد منهم ف مادة تصصه‬

‫ويزيد عليه ف علوم‪.‬‬

‫عندما أت دراسته إختار جزيرة جربة مقرا لعلمه وفيها بدأ كفاحه العلمي والدين أما وطنه جبل دمر‬

‫فقد تركه لخيه أب عبد ال ممد البادي ‪ .‬قال أبو الربيع سليمان بن أب زكرياء الفرسطائي ارتلت‬

‫إل جبل دمر للدراسة فالتحقت بدرسة أب عبد ال البادي فكان هو الدرس والفت والاكم ف‬

‫جبل دمر فإذا جاء أخوه أبو ممد عبد ال‪ ،‬رجع الدرس والفتوى والكم إليه‪ ،‬وكنت أريد أن أسأله‬

‫عن مسألة ف اليان فيمنعن الياء منه‪ ،‬وسألته يوما عن اليان فقال ل‪ :‬يقول بعض العلماء أن النظر‬

‫ف اليان إل ما يدل عليه اللفظ ويقتضيه‪ ،‬وقال بعضهم النظر فيه إل النيات وهو أول‪ ،‬هذا ترجيح‬

‫أب ممد‪.‬‬

‫تول أبو فارس عزوز الكم ف تونس ما بي ‪ 837 – 796‬وكان قويا فاضل ذا سياسة وحكمة‬

‫جاءه بعض الناس يشترون عليه أن يلتزم أهل الذهب الباضي ويوهونه أن ف الذهب الباضي بدعا‬

‫تالف السلم وأن أهله ل يزالون يناوئن الكام وأن توحيد الملكة تت مذهب واحد أحسن‬

‫فاستحسن الفكرة وكان فيما يبدو ل يعرف شيئا عن الباضية غي ما يقصه التعصبون الغرضون‬

‫فرأى إنه يب عليه كي يتخذ الطوة إن يزور القوم وإن يتصل بم وأن يعرف منهم أصول هذا‬

‫الذهب وقواعده حت يقيم عليهم الجة ويلزمهم بالروج منه والدخول ف مذهب آخر وارتل إل‬

‫جربة وف ركابه عدد جم من علماء الالكية الفضل وطاف ف البلد فوجد الساجد عامرة غاصة‬
‫والدارس مزدحة وحلق الدروس متتابعة وأداب السلم ف العاملة ظاهرة متغلبة ولكي تتم له‬

‫الصورة الت أراد أن يأخذها عن الباضية ف جربة عقد ملسا للمناظرة حضره جع من علماء الزيرة‬

‫وطلب العلم‪ .‬وأثيت بعض الشاكل العلمية فأمر أبو ممد أحد تلميذه بالواب فأوضح التلميذ‬

‫وأبان وأجاب با أقنع أبا فارس والمع الذين حضروا معه واتضح لب فارس أن الكلمة الت ألقيت‬

‫ف أذنه باسم النصيحة للدين والدولة إنا هي وشاية متعصب حقود ولذلك فقد أقام أياما ف جربة ث‬

‫عاد إل مركز الكم وهو مقتنع أن هؤلء القوم أحرص على دينهم من الوشاة الذين يتزلفون إليه‪.‬‬

‫ترج علي أب ممد عبد ال عدد من فحول العلماء منهم أبو النجاة يونس التعارين وأبو يي بن‬

‫أفلح‪.‬‬

‫أبو سليمان التلت‬


‫يشرفن هنا أن أرفع قلمي الضعيف‪ ،‬وادع الديث للمام القدوة العلمة أب إسحاق طفيش رحة ال‬

‫ورضى عنه‪ ،‬قال أبو إسحاق حي ترجم للعلمة أب سليمان التلت‪:‬‬

‫هو العلمة النحي‪ ،‬والقدوة الشهي‪ ،‬والول الصال أبو سليمان داود بن إبراهيم التلت الرب‪ ،‬أحد‬

‫الثقاة الصالي‪ ،‬رحل ف طلب العلم‪ ،‬واقتطاف أزهار فنونه من رياضها‪ ،‬جاب الفدافذ إل العلمة‬

‫أب مهدي عيسى بن إساعيل اليزاب الليكي بوادي ميزاب عام أحد وسني وتسعمائة‪ ،‬وعن الشيخ‬

‫سعيد بن علي اليي الرب الداوي‪ ،‬وهو الشهي بغاردايه بعمى سعيد‪.‬‬

‫فهو الذي يدثنا عن مراحله العلمية منذ البداية فقال‪ :‬أول ما قرأت العقيدة عقيدة التوحيد وغيها‬

‫على عمنا أب زكريا ابن عيسى البارون – والذي ف طبقات أب عبد ال البارون أب بكر بن عيسى‬

‫البارون – وهو من نفوسة ث قال‪ :‬ث قدمت من نفوسة إل جربة وقرأت با عند الفقيه أب القاسم‬

‫بن يونس السدويكشي ومن شيوخه العلمة أبو يي زكرياء بن إبراهيم الواري من مشاهي الطبقة‬

‫التاسعة عشر كأب القاسم السدويكشي ث رحل ثانيا إل جبل نفوسة فأخذ على أب يوسف يعقوب‬

‫بن صال علمة أجناون بفتح المزة واليم وشد النون وفتح الواو بعدها نون‪ ،‬لفظ بربري معناة‬

‫النان جع جنة‪ ،‬وهي من أجل قرى جبل نفوسة با عي ثرارة تسقي القرية وحدائقها الغناء‪ .‬ث‬

‫ارتل شيخه إل جزيرة جربة فعكف على أخذ العلم عن الشيخ إبراهيم بن أحد من سللة أب‬

‫منصور اليأس التندميت النفوسي المام الشهور‪،‬عامل أمي الؤمني أفلح بن عبد الوهاب‪ ،‬وكلها‬

‫من الطبقة السادسة‪ .‬وقد أخذ عن شيخه إبراهيم بن أحد فنون العقول كالنطق والبيان حت برع‬

‫فيها ونبغ‪.‬‬

‫وكان ماها متهدا ف العلم وإصلح شعبة والوقوف ف وجوه الظلمة والطغاة‪ ،‬ول يأل جهدا ف‬

‫المر بالعروف والنهي عن النكر حت كان ف مكانته بنلة المام العادل ف تنفيذ الحكام والسهر‬
‫على أمنالمة وراحتها‪ .‬وقد ذر قرن الطغيان والعسف من عمال التراك يومئذ على تونس‪ ،‬ويبدو أن‬

‫الثورة على درغوث بن علي التركي ف جزيرة جربة كانت باشارته حيث بلغ الشر من أولئك الولة‬

‫الطغاة أشده‪ ،‬با ل بد معه من الدفاع عن الكرامة والدين‪ ،‬فكان أن أغار درغوث الطاغية على‬

‫الزيرة بموع من العربان والنكار والند‪ ،‬فأخد الثورة بضروب القسوة‪ ،‬نايتها قتل هذا العلمة‬

‫الليل‪ ،‬فاستشهد رحه ال ف أوج طغيانه‪ -‬با انطبق عليه قوله صلى ال عليه وسلم » أفضل الهاد‬

‫كلمة حق عند سلطان جائر فيقتل با صاحبها« أو كما قال فلم يلبث الطاغيةوأعوانه بعده إل نو‬

‫اسبوع حت انتقم ال منهم باعدائه السبان‪ ،‬فكان جزاؤكم وفاقا وكانت وفاته رحه ال سنة سبع‬

‫وسنتي وتسعمائة أوائل شهر جادى الول‪ ،‬ودفن بامع أب داود بومة بركوك بالزيرة – جربة –‬

‫وأبو داود هو أبو سليمان اشتهر عند العامة بأب داود حت أن أكثر التلميذ ل يعرفون مصنفاته إل‬

‫بأب داود وهو خطأ أن يكن بإسه كخطائهم ف كنية جدنا ممد بن عبد العزيز إذ ل يعرف إل بأب‬

‫ممد والطأ نشأ من أن الببر يكنون العظماء بأسائهم والصل عندهم أن العظيم من رجال الدين‬

‫يقال له بابا فلن أي سيدنا فلن ويتصرونه إل بافلن فيتوهم أنم يكنون وعلى هذا اشتهر كثي من‬

‫عظماء العلماء بكنيتهم بعلمهم ف بلد الت تغلب عليها اللهجات الببرية بالغرب‪.‬‬

‫ولب سليمان داود مصنفات نفع ال با كثرا من عباده الؤمني‪ :‬منها شرحه على مت ايساغوجي ف‬

‫النطق مقرر بالامع العظم الزيتونة بتونس‪ ،‬وشرحه على الجرومية قل أن ند من ادركناه ل يفظه‬

‫عن ظهر الغيب‪ ،‬وهو ما من ال علينا به من الحفوظات‪ ،‬وشرح القدمة هذه‪ ،‬مقدمة العقيدة كذلك‬

‫قل أن ند من أدركناه من العلماء أو التلميذ ل يكن من مفوظاته وذلك ف بلدنا – وادي ميزاب‬

‫– ولعل الال ف الزيرة ونفوسة كذلك وصلى ل على سيدنا ممد وآله وصحبه‪ .‬هذا ما كتبه‬
‫المام أبو إسحاق عن أب سليمان الثلثي وأنا وإن كنت ل أجد شيئا جديدا أضيفه إل كلم المام‬

‫غي إنن أريد أن اختتم هذا الفصل الرائع بكلمة جانبية صغية‪.‬‬

‫يبدو ل من مقارنات تاريية كثية أن أبا سلمان التلت كان من أواخر من تول رئاسة ملس العزابة‬

‫وكان لغزارة علمه وقوة شخصيته وصلبة إرادته يبدو كأنه يقف ف اليدان منفردا يتول جيع‬

‫الشئون وهذا ما عب عنه المام أبو إسحاق بقوله ( حت كان ف مكانته بنلة المام العادل ف تنفيذ‬

‫الحكام‪ ،‬والسهر على أمن المة وراحتها‪) .‬‬

‫والقيقة أن ملس العزابة يقوم ف أطوار الكتمان بعمل الكومة المهورية وشيخ العزابة‬

‫يكون فيه بثابة رئيس المهورية أو المام العادل ينفذ الحكام ويصدر الوامر ويتول جيع الشئون‬

‫الت يقررها الجلس‪ ،‬على أن ظروف الياة ف جربة قد اضطرت ملس العزابة أن يرى بعض‬

‫التعديل على نظامه فيخالف بذلك نظام العزابة العروف ف جبل نفوسة ونظام العزابة العروف عند‬

‫الباضية ف الزائر وذلك أن الجلس يتار من غي أعضائه شيخا يسمى شيخ الكم يسند إليه القيام‬

‫بالشؤون السياسية والدينة تت استشارة ملس العزابة وهذا الشيخ أصبح ل تتوفر فيه شروط العزابة‬

‫ول يكون عضوا ف اللقة وانا يكون غالبا كإمام دفاع ف حالت الرب وكواسطة بي المة‬

‫والدول الظالة لميع الضرائب بالطريقة الت يقررها ملس العزابة ويسلمها لعمال الدول الاكمة‬

‫وذلك حت ل يكون التعاون الباشر بي حلقة العزابة والكام الظالي‪ .‬وهذا التعديل الذي أدت إليه‬

‫ظروف خاصة ف جربة أخرى حسب تقديري بعد القرن التاسع ويدل على إجراء هذا التعديل كلمة‬

‫أب سليمان داود التلت حي كان درغوث يستجوبه فقد قال له‪ " :‬نن جاعة العزابة ليس بايدينا‬

‫ول إلينا توليه المراء ول عزلم ف هذا الزمان " وهذا يدل أن العزابة هم الذين كانوا يتولون تولية‬

‫المراء وعزلم وواضح أن أبا سليمان كان يقول هذا وهو شديد السف على هذا الجراء الذي‬
‫اتذ والقيقة إن ملس العزابة ف جربة بدأ يتخلى ويضعف عن مزاولة اختصاصاته فكانت تسلب‬

‫منه شيئا فشيئا كما سلبت منه الرئاسة السياسية والدينة ولقد يتول ف بعض الحيان بعض كبار‬

‫العلماء رئاسة الجلس فينتعش كما انتعش ف عهد أب سليمان وعهد شيخ مشائخ أب النجاة وغيهم‬

‫ولكن الظروف الت جاءت من بعد والضربات الوجهة إليه بقصد من بعض الولة وترد بعض مشائخ‬

‫الكم من أهل الزيرة وماربتهم علنا للعلماء العالي ومساعيهم لدى الدولة للقضاء على أولئك‬

‫العلماء هذه السباب كلها كانت عوامل لنلل ملس العزابة‪.‬‬

‫وعلى كل حال فان أبا سليمان داود بن ابراهيم التلت كان من أولئك العمالقة العظام الذين‬

‫انتهت إليهم رئاسة الجلس وقيادة المة وماربة الطغيان حت ختم له بالشهادة فرحه ال رحه‬

‫واسعة‪.‬‬

‫أبو النجاة يونس بن سعيد‬

‫أبو النجاة يونس بن سعيد بن يى اليى الرب أشتهر بابن تعاريت‪.‬‬

‫عاش ف القرني التاسع والعاشر وكان حلقة اتصال متينة بلي مواطن الباضية ف ليبيا‬

‫وتونس والزائر‪ ،‬أخذ العلم عن جاعة من العلم مثل أب عفيف صال ابن نوح التندميت وأب‬

‫ممد عبدال بن أب القاسم البادي وأب يى زكرياء بن أفلح الصدغيان وغيهم وترج عليه جع‬

‫من العلم مثل أب يوسف يعقوب بن صال التندميت وابراهيم بن احداب الباس واب عثمان سعيد‬
‫بن على الثى الرب وملمة الناون وغيهم من أقطاب الزيرة والبل وبن مصعب ويكفيه شرفا‬

‫أنه من العلماء الذين جازت عليهم نسبة الدين إل الواطن الثلثة‪.‬‬

‫اشتغل بالتعليم‪ ،‬وقضية التعليم هي الواجب الول على جيع علماء المة ومع قيامه بذه‬

‫الهمة وتوافد طلبة العلم عليه من كل مكان فقد كان يكافح من أجل اقامة دين ال ف جيع اليادين‬

‫فكان من أحراص الناس على المر بالعروف والنهي عن النكر‪ ،‬وإقامة حدود ال‪ ،‬وكان داعيه من‬

‫الدعاة الؤمني الخلصي الذين اوتوا مقدرة وكفاءة على قيادة الناس ف سبيل الي‪ ،‬وكان حريصا‬

‫على حاية الجتمع السلم من المراض الخلقية الت تتسرب إليه من هنا وهناك‪ ،‬وكان دائم التنقل‬

‫بي اناء الزيرة يعلم الاهل‪ ،‬ويرشد الضال‪ ،‬ويل الشكلة‪ ،‬ويفصل النازعة‪ ،‬ويقضى بي‬

‫التخاصمي ويقيم حدود ال على النحرفي‪ .‬فلقد كان شيخا للعزابة إليه ترجع جيع الشئون وهو‬

‫الذي يتول تنفيذ أحكامهم وإن كان ف الزيرة ف ذلك الي شيخ للحكم هو أيو زكرياء السمومن‬

‫اختاره العزابة انفسهم ولكن أبا زكرياء كان يتول إمامة الدفاع عندما يغي على الزيرة مغي ويتول‬

‫ف بعض الحيان تسليم الضرائب إذا اقتضت الظروف السياسية لزيرة جربة ان تدفع الضرائب إذا‬

‫اقتضت الظروف السياسية لزيرة جربة أن تدفع الضرائب لبعض التغلبي اما النواحي الخرى من‬

‫الشئون سواء كانت دينية أو اجتماعية أو أخلقية فانا يتولها الشيخ أبو النجاة تنفيذا لقرارات ملس‬

‫العزابة الذي كثيا ما تقتضيه الظروف فينعقد ف بيت أحد أعضاء العزابة بدل من السجد‪.‬‬

‫كان يلقى الدروس للقات متفاوتة من الطلب منهم مبتدئون ومنهم من يسلك ف سلك‬

‫العلماء ومن الكتب الت يدرسها للطبقة العليا من الطلب كتاب الهالت وهو كتاب دسم غزير‬

‫الادة متي السلوب ل يقوى على فهمه وتدريسه إل فطاحل العلماء فوضع عليه أبو النجاة تعاليق‬
‫وهوامش تشرح الغامض منه وتسهيل الصعب وعلى تلك الوامش اعتمد أبو عبدال بن أب ستة ف‬

‫حواشيه على الكتاب الذكور‪.‬‬

‫من التلميذ النجباء الذين درسوا على أب النجاة سلمة بن يوسف الناوى‪ ،‬وكان سلمة‬

‫ذكيا لبقا خفيفا كثي الركة جم النشاط ولذلك فقد كان ملزما للشيخ ل يفارقه‪ ،‬يضر أكثر‬

‫مالسة‪ ،‬ويسجل ما يقع من مناقشات علمية أو مداولت ف الشئون السياسية والجتماعية ويهتم‬

‫بصفة خاصة بالنواحي التاريية فيسجل الداث تارة بالسنوات وتارة بالشهور فيقول مثل‪" :‬‬

‫اجتمعت مع شيخي عمنا يونس بن تعاريت عام ‪ "903‬أو يقول‪ :‬وقع لعزابة جربة اجتماع عند‬

‫شيخنا الفاضل المام أب النجاة عمنا يونس بن سعيد بن يي بن تعاريت ال "‪.‬‬

‫وهكذا كان هذا الطالب النجيب ل يترك شيئا هاما يدث ف مالس أب النجاة دون أن يسجله‬

‫بإختصار ويبدو ان سلمة هذا ل يعن فيما بعد بتنسيق تسجيلته وملحظاته وإنا تركها هكذا‬

‫لتكون مادة علمية مردة عن رأي الؤلف‪ ،‬وطريقته هذه شبيهة بالطريقة الت سلكها من قبله مؤلفوا‬

‫اللقط ولو جعت هذه التسجيلت لكانت كتابا قيما يعطى صورة حقيقية للجزيرة ف عصر من‬

‫العصور‪.‬‬

‫كان أبو النجاة فضل عن رئاسته لجلس العزابة إماما من الئمة العلم إليه الرجع ف العلم‬

‫والرأي والسياسسة وكانت جيع الجتماعات ف جربة تعقد تت رئاسته سواء كانت تلك الجالس‬

‫من العزابة أو من غيهم فتناقش الشاكل الناجة بي يديه وإل ارائه ينتهى القوم فيما يفعلون وفيما‬

‫يتركون ولعل من أهم الحداث الواقعة ف زمنه أحداث القرصنة ومهاجة الساطيل الفرنية‬

‫للشواطئ السلمية وعدوانا على ثغور البحر البيض التوسط‪.‬‬


‫وقد تول كثي من مؤرخي الزيرة تفصيل تلك الحداث وما يقوم به أهل الزيرة البطال من‬

‫الدفاع‪ .‬بتوجيه وقيادة العلماء ومشائخ العزابة‪.‬‬

‫ولعل ف الادثة التية الدليل الكاف عما يتمتع بع العلمة أبو النجاة من إيان راسخ وعقيدة‬

‫ل تتزعزع وحب للسلم وإستماتة ف الدفاع عنه وما يتمتع به من دراسة عميقة للنفس البشرية‬

‫ومعرفتها معرفة صحيحة‪.‬‬

‫نشطت القرصنة السبانية ف ذلك الي ووالت هجومها على الشواطئ السلمية وبدأت‬

‫تتلها من ناحية الغرب فاحتلت بابة ث الرسى الكبي ث وهران ث طرابلس وكان الخطط السبان‬

‫يضع جيع الثغور السلمية تت سهام موجهة حسب الهية‪ ،‬وبعد احتلله لتلك الراسي كان يأمل‬

‫أن يتل غيها‪ .‬ومنذ احتل السبان باية علم أهل جربة انه سوف توجه إليهم ضربة من ضربات‬

‫القارصنة وإن عليهم أن يتاروا بي أمرين ل ثالث لما‪ ،‬أما أن يسلموا من أول المر‪ ،‬فيسمحون‬

‫لولئك الغزاة بإحتلل بلدهم‪ ،‬واما أن يدافعوا دون أن ينتظروا مددا من أحد‪.‬‬

‫عقد العزابة اجتماعا ف دار رئيسهم أب النجاة يونس وقد حضره شيخ الكم أبو زكرياء‬

‫السمومن وطرح أبو النجاة موضوع احتمال غزو السبان لم للمناقشة ودرسوا موقفهم من كل‬

‫جوانبه واستعرضوا الالة العمة للمسلمي ف ذلك الي فعرفوا أنه ل أمل لم ف ندة تأت من‬

‫الارج فأن الدولة الفصية الت كانت تكم تونس ف ذلك الي وكان يتول امارتا أبو عبدال أحد‬

‫الفصى كانت اضعف من أن تنجد جربة‪ ،‬واضعف من أن تتم بغي جع الال أما البلدان الجاورة‬

‫الت كان يتمل أن تب لنصرة الخوة ف الدين فقد أتى عليها اللف القبلى والتعصب الذهب‬

‫والفت الداخلية حت بلغت حالة من الضعف والنيار ل يكن معها أن تنجد أحد ول أن تتم بقضية‬
‫دين أما جبل نفوسة فقد كان حينئذ مضطرا للحتفاظ بميع قواه ليحافظ على نفسه من الغارات‬

‫التوالية الت سشنها على اطرافه ف كل يوم ناس كانوا يعيشون على النهب والسلب‪.‬‬

‫وهكذا درس القوم الوضوع‪ ،‬وعلموا انه لن ينجدهم أحد لو وقع عليهم عدوان من قراصنة‬

‫السبان‪.‬‬

‫وهنا ف مثل هذا الوقف تبز خصائص اليان والزعامة‪ ،‬ويتاز الرجال بعضهم عن بعض‪.‬‬

‫وظهر أبو النجاة بصائص العال الؤمن الشجاع‪ ،‬فقد علم أن الزيرة ل يكن أن تعتقد على مدد من‬

‫الارج فلم يبق لديه إل القوة الوجودة ف الزيرة‪ ،‬وعليه أن يكون منها قوة يستطيع أن يدفع با‬

‫عدوان العتدين‪.‬‬

‫وقد فكر قبل كل شيء أن يستثمر الناحية الروحية ف الناس وان يل قلوبم باليان‬

‫ونفوسهم بالثقة بال‪ ،‬وأن ل يترك للخوف واليأس سبيل إليهم‪ ،‬فجعل يبب إليهم الستشهاد‪ .‬ويثي‬

‫ف نفوسهم الرغبة ف الدفاع عن الدين والوطن‪ .‬ولكي يؤكد هذا العن ف أذهانم ويعل منهم قوة‬

‫متماسكة مندفعة ف سبيل ال قال لم ليس بيننا وبي النصاري إل أمران تعلهما حجابا وسترا‪.‬‬

‫الول‪ :‬العمل بقوله صلى ال عليه وسلم " إذا التبست عليهم الور كقطع الليل الظلم‬

‫فعليكم بالقرآن فأنه شافع مشفع‪ ،‬وشاهد مصدق" ورجع القوم إل القرآن الكري فوجده يقول‬

‫للمؤمني‪:‬‬

‫" ولقد نصركم ال ببدر وانتم أذلة "‬

‫" لقد نصركم ال ف مواطن كثية "‬

‫" يا أيها الذين آمنوا أن تنصروا ال ينصركم ويثبت أقدامكم "‬

‫" انا لننصر رسلنا والذين آمنوا ف الياة الدنيا "‬


‫إن ينصركم ال فل غالب لكم "‬

‫" قاتلوهم يعذبم ال بايديكم ويزهم وينصركم عليهم "‬

‫" ولينصرن ال من ينصره إن ال لقوى عزيز "‬

‫وغن يقاتلوكم يولوكم الدبار ث ل ينصرون "‬

‫" أل إن نصر ال قريب "‬

‫" وما النصر إل من عند ال العزيز الكيم "‬

‫" وإن استنصروكم ف الدين فعليكم النصر "‬

‫" وكان حقا علينا نصر الؤمني "‬

‫" كم من فئة قليلة غلبت فئة كثية بإذن ال "‬

‫" كتب ال لغلب انا ورسلي "‬

‫فلبقاتل ف سبيل ال فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما "‬

‫" ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتي‪ ،‬وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين‬

‫كفروا "‬

‫" إن ينصركم ال فل غالب لكم "‬

‫فان حزب ال هم الغالبون "‬

‫ذكر أبو النجاة حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم للناس ورجع القوم إل القرآن الكري‬

‫يستشهدون به تلك المور اللتبسة الظلمة فوجدوا فيه النور الذي يني الطريق‪ ،‬ويبي لم السبيل‬

‫الدى الذي أن يتبعوه‪ ،‬وقال لم أبو النجاة ‪ :‬لقد وجب علينا الدفاع بأمر كتاب ال أما النصر فقد‬

‫ضمنه ال شبحانه وتعال‪ ،‬وكثرة العدد وقلته عند ال سواء‪ ،‬على أن واجب الؤمني أن يقاتلوا ف‬
‫سبيل ال حت ينتصروا أو يستشهدوا " ومن يقاتل ف سبيل ال فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه اجرا‬

‫عظيما " إن واجب الؤمني أن يقاتلوا اعداء ال‪ ،‬حت يتحقق لديهم احد المرين‪ ،‬اما النصر‪ ،‬وأما‬

‫الشهادة‪ ،‬والتبار ف ذلك ليس لم‪ ،‬وإنا هو ال العزيز الكيم‪ ،‬إن شاء يسر لم أسباب النصر‪ ،‬وغن‬

‫شاء يسر لم أسباب الشهادة وف كل ذلك خي‪.‬‬

‫وبعد أن شحن نفوس الناس بذه القوى الروحية‪ ،‬زاد فطلب إليهم أن يتلوا القرآن الكري‬

‫جاعية‪ ،‬وان يعلوا ختمة ف كل جعة‪ ،‬وحت ف أقل من ذلك‪ ،‬وأن يتوبوا إل ربم ويستغفروه من‬

‫آثامهم وذنوبم‪ ،‬وان يتخلصوا ف القوق الت بينهم‪ ،‬فانم قادمون على ال‪ ،‬ورقت نفوس القوم‪،‬‬

‫واستعدوا للقاء ال وترك الدنيا وما فيها‪ ،‬فكانوا يستغفرون ال ويلجأون إليه بالدعاء‪ ،‬ويتخالصون‬

‫ويتحاللون فيما بينهم من معاملت‪ ،‬وزادهم أبو النجاة الشحنة الروحية الثالثة‪ ،‬حي اقترح عليهم أن‬

‫يكتبوا إل إخوانم ف جبل نفوسة‪ .‬وان يطلبوا إليهم أن يساعدوهم باللتجاء إل ال‪ ،‬والدعاء على‬

‫ظهر الغيب بنصرهم‪ ،‬ونفذت الفكرة‪ ،‬فكتبت الرسالة حال وختمها بيده الكرية‪ ،‬وبعث با إل‬

‫أعلم البل‪ ،‬من أساتذته وزملئه وتلميذه فتقبلوها بقبول حسن‪ ،‬واهتموا لا أي اهتمام‪ ،‬وقرروا أن‬

‫يعقدوا اجتماعا ف مسجد ( تاله ) التوسط ف البل‪ ،‬وأن يتجهوا إل ال تعال بالتضرع والدعاء أن‬

‫يمى الزيرة وأهلها من ظلم أعداء ال‪.‬‬

‫دأب شيخنا الزيرة ‪ -‬شيخ العزابة وشيخ الكم ‪ -‬على العمل ف بقية الدة‪ ،‬فكان أبو‬

‫النجاة يدعو الناس إل العتصام بال‪ ،‬وتوين أمر الشركي‪ ،‬والستخفاف بقواتم واستعداداتم‪،‬‬

‫وكان أبو زكرياء يعمل على تسليح الناس وتدريبهم على القتال وأعدادهم من الناحية العسكرية‪،‬‬

‫وتقيق ما توقعوه فقد جاء السطول السبان‪ ،‬وهاجم الزيرة‪ ،‬بأعظم أسطول عرفته البحار ف ذلك‬
‫الي فتلقاه أهل جربة البطال‪ ،‬ول تطل العركة فقد نصر ال الؤمني وخذل العتدين ورد كيدهم‬

‫ف نورهم‪.‬‬

‫لقد كتب كثي من الؤمني عن هذه الوقعة‪ ،‬وذهبوا ف تعليل انتصار جربة‪ ،‬على السطول‬

‫السبان‪ ،‬مذاهب شت‪ ،‬فكان الؤرخون الغربيون ومن أخذ منهم يعللونا بتعاليل مادية صرفة ل‬

‫يقبلها العقل‪ ،‬كالهل بطبيعة الرض‪ ،‬وشدة الر‪ ،‬وعطش الند السبان‪ ،‬وما إل ذلك‪ ،‬وكان‬

‫بعض الؤرخي السلمي يسبونا ف كرامات الولياء والصالي‪ ،‬فيجعلها بعضهم من كرامات أب‬

‫النجاة أو استجابة للدعوات الارة من أهل البل‪.‬‬

‫أما القلة من الؤرخي الذين درسوها على ما عرفوه من تاريخ السلم فلم يدوا فيها شيئا‬

‫غريبا يستحق التفكي‪ ،‬وليست هي أول حرب تقع بي اليان والفكر فينتصر اليان مع قلة عدوه‬

‫وعدته‪ ،‬وينهزم الكفر مع كثرة ما اعد‪.‬‬

‫إن السباب الت انتصر با السلمون ف وقعة بدر‪ ،‬والسباب الت انتصروا فيها ف وقعة‬

‫موتة‪ ،‬وف اليمامة والقادسية واليموك‪ .‬وغيها من الوقائع هي نفس السباب الت انتصر با السلمون‬

‫ف هذه الوقعة‪ ،‬وف أشباهها من الوقائع‪ ،‬لقد ترد السلمون من الادية‪ ،‬ول يضعوا بي أعينهم غي‬

‫حقيقتي اثنتي‪ :‬النصر والشهادة‪ ،‬وانطلقوا إل الهاد ف سبيل ال بتلك الروح الت كان يارب با‬

‫السلمون ف الصدر الول ويوالون الفتوح متحردين لنشر دين ال وإعلء كلمته‪.‬‬

‫حارب سكان جربة على قلة عددهم‪ ،‬وضعف ماتم‪ ،‬فنصرهم ال وأقام بم حجته على‬

‫السلمي ف كل عصر وف كل مصر‪ .‬أنا حادثة جديرة أن يدرسها السلمون وأن يستخرجوا منها‬

‫الوعظة والعية‪.‬‬
‫أسطول يتكون من عشرين ألف جندي ف مائة وعشرين سفينة يغزو شواطئ الغرب‬

‫السلمي‪ ،‬فينتصر ف مراكش‪ ،‬والزيرة‪ ،‬وتونس‪ ،‬وطرابلس‪ ،‬ويتل مراسيها مرسى بعد مرسى‪ ،‬حت‬

‫يأت إل الزيرة جربة‪ ،‬فيها جها بكل ما لديه من قوة‪ ،‬وكبياء‪ ،‬ونشوة‪ ،‬بالنتصارات السابقة‬

‫التوالية‪ ،‬فتقابله هذه الزيرة الصغية بثلثة آلف مقاتل على أكثر ما يكن ما تدعيه الصادر‬

‫الجنبية‪ ،‬فيهم عدد غي قليل من شيوخ عجزة‪ ،‬دفعهم حب الشهادة‪ ،‬وأطفال مراهقون جاء بم‬

‫الماس‪ .‬فتنتصر هذه اللف الثلثة الضعيفة‪ ،‬الت ليس لا من قوة السلح غي بنادق قليلة‪ ،‬وبعض‬

‫السيوف والناجر والعصى‪ ،‬وتنهزم العشرون ألفا‪ ،‬السلحة تسليحا كامل‪ ،‬بالبنادق‪ ،‬والدافع وما إل‬

‫ذلك من آلت الرب والدمار‪ .‬أنا ليست معركة عادية بي قراصنة أسبانيا وسكان جربة‪ ،‬ولكنها‬

‫معركة بي اليان والكفر‪.‬‬

‫اليان الذي ل يعتمد على الادة‪ ،‬ولكن يعتمد على الروح‪:‬‬

‫تعبت ف مراسها القوياء‬ ‫قوة ال إن تولت ضعيفا‬

‫أبو زكرياء السمومن‬

‫بنو سومن أسرة عريقة ف الجد والشرف‪ ،‬والدفاع عن الدين والوطن‪ ،‬وقد تولت حكم جربة‬

‫باختيار العزابة ما يقرب من ثلثة قرون‪ .‬فلقد ذكر التيجان ف رحلته مع اللحيان‪ ،‬إن رئاسة‬

‫الباضية الوهبية ف ذلك الي كانت ف بن سومن‪ ،‬واستمرت أحداث التاريخ تذكر بن سومن ف‬
‫مشيخة جربة باختيار العزابة‪ ،‬إل سنة ‪ ،997‬حي توف آخر شيخ من هذه السرة‪ ،‬هو الشيخ‬

‫مسعود السمومن‪ ،‬الذي جع ف حكمة للجزيرة بي اختيار العزابة واختيار الدولة التركية ف ذلك‬

‫الي‪ ،‬وبعد وفاته اسندت الشيخة إل أسرة أخرى‪ ،‬هي أسرة بن جلود‪.‬‬

‫ويبدو من احداث التاريخ ان ملس العزابة ف هذا الي بدأ ينحل ويتخلى عن اختصاصاته‬

‫ولذلك فلم يعد يتار شيوخا للجزيرة ومنذ بدات أسرة بن جلود الكم كان توليهم عن طريق‬

‫الكومة‪ ،‬ل عن طريق العزابة‪ ،‬وكان أكثرهم مناهضي للعلماء معارضي لم‪.‬‬

‫يعتب أبو زكرياء يى السمومن‪ ،‬واسطة العقد ف أسرة بن سومن‪ ،‬كما أن أعماله الجيدة‪،‬‬

‫ترفعه إل مصاف البطال‪ ،‬ف المة السلمية‪ ،‬وتضعه ف صف مع كثي من البطال الذين عرفوا‬

‫كيف يدافعون‪ ،‬عن عقائدهم وأوطانم‪ ،‬وأراضيهم‪ ،‬ويدفعون عدوان العتدين‪ ،‬وبغى الستعمرين‪،‬‬

‫وانه لوقف مشرف ذلك الوقف الذي سجله التاريخ لب زكرياء حي إقامته المة ف جزيرة جربة‬

‫مقام امام الدفاع‪ ،‬فوقف وقفة السد الصور دون العرين‪ ،‬ورد الساطيل السبانية الضخمة الت‬

‫احتلت جيع الشواطئ السلمية ف بلد الغرب الكبي فلما بلغت إل جربة‪ ،‬الزيرة الصغية‬

‫الضعيفة‪ ،‬ردت تلك الساطيل على أعقابا تر أذيال اليبة والزي والفضيحة‪.‬‬

‫عقد العزابة اجتماعا ف بيت أب النجاة يونس حي سعوا بعزم السبان على غزو الزيرة‬

‫ودعوا إل الجتماع شيخ الزيرة الذي اختاروه من قبل ليتول شئون الناس فكلفوه بهمات الدفاع‬

‫يعن أنم خولوه سلطات امام الدفاع‪ .‬فباشر تلك السلطات بهمة الؤمن القوى الريص على القيام‬

‫بواجبه فكان بالتشاور مع ملس العزابة‪ ،‬يعمل على الستعداد للدفاع‪ ،‬عن هذا الثغر الام‪ .‬ولا اتذ‬

‫جيع الحتياطات الادية والعنوية بقي على يقظة وانتباه ينتظر وصول العدو الغي‪.‬‬
‫وصل السبان باسطولم الضخم‪ ،‬وقواتم الغازية‪ ،‬وبعثوا رسول إل الشيخ يطلبون إليه‬

‫تسليم الزيرة‪ ،‬فاغلط الشيخ للوسول ف القول‪ ،‬ورده أقبح رد‪ .‬ولا علم السبان موقف الزيرة‪،‬‬

‫صمموا على الرب‪ ،‬وعلى احتللا بالقوة‪ ،‬وبدأوا الستعداد للهجوم‪ ،‬فرتبوا جيشهم القوى ف‬

‫صفوف متراصة‪ ،‬كلما انزم منها صف تقدم الصف الذي يليه‪.‬‬

‫أما أبو زكرياء السمومن فقد كان عدد جيشه القليل ل يكن أن يرتب هذا الترتيب‪ ،‬ولذلك‬

‫فقد رتبه على صف واحد طويل مقابل العدو ‪ ،‬وكان أبو زكرياء على فرسه السابق يطوف على‬

‫الدافعي البطال يشد عزائمهم ويدعوهم إل الصب والثبات‪ ،‬ويهون عليهم أمر العدو‪ ،‬حت التحم‬

‫الفريقان‪ ،‬وبدأ القتال فكان الحاربون السبان‪ ،‬يتساقطون ف اليدان‪ ،‬وكلما انزم صف تقدم الصف‬

‫الذي يليه إل الجزرة‪ ،‬ولا طال الوقف خشي أبو الربيع بن أب زكرياء السمومن أن يزيد ثبات‬

‫العدو‪ ،‬وأن يفشل السلمون‪ ،‬فاختار معه‪ ،‬عددا من البطال العدو‪ ،‬وأن يفشل السلمون‪ ،‬فاختار‬

‫معه‪ ،‬عددا من البطال الفرسان وانرف عن موقفه ف مواجهة العدو‪ ،‬إل موقف من وراء العدو‪،‬‬

‫ليقطع عنهم خط الرجعة ولا رأي العدو‪ ،‬أن فرسان السلمي قد طوقوهم من اللف‪ ،‬وأنم قطعوا‬

‫عنهم خط الرجعة إل سفنهم خارت قواهم‪ ،‬وضعفت عزائمهم‪ ،‬وألقوا بأيديهم‪ ،‬واستسلموا‬

‫لصائرهم‪ ،‬وحاول بعضهم الفرار فابتلعه البحر‪.‬‬

‫وهكذا انتصر أبو زكرياء انتصاره الرائع الاسم القوى‪ ،‬واستطاعت هذه الزيرة الصغية‬

‫حي اعتصمت باليان ودافعت بيقي‪ ،‬ووجدت قيادة حكيمة أن تطم أضخم أسطول ف ذلك‬

‫الي‪ ،‬السطول الذي احتل الرسى الكبي‪ ،‬واستول على وهران‪ ،‬وباية وطرابلس‪ .‬واقامت الجة‬

‫على السلمي الذين يشون القوى الادية‪ .‬واعمتهم أن المة السلمة مهما كانت قليلة وضعيفة‪،‬‬

‫حقيقة بالنصر ما خلصت العمل ل‪ ،‬وتردت عن الرغبات والشهوات والطالب الدنيوية‪.‬‬


‫أبو يعقوب يوسف بن أب مسور‬

‫قال فيع العلمة الشيخ سعيد التعاريت " كان رحه ال امام مطاعا‪ ،‬وقدروة مهابا " وتكفى‬

‫هذه الشهادة للدللة على مكانة الرجل‪ ،‬فإن الشيخ التعاريت من أولئك الؤرخي الذين ل ينطلق‬

‫منهم الوصف إل بعد تقيق وتقق‪ .‬على أننا لسنا ف حاجة إل ما يطلقه الؤرخون من أوصاف على‬

‫هذا الرجل العظيم الذي كان يتمتع ف عصره با يتمتع به المام أو الزعيم‪ .‬فقد أهله لذلك عدة‬

‫أسباب‪ ،‬فهو حلقة ف سلسلة أسرة أب مسور الت دامت زعامتها الروحية من القرن الرابع إل العصر‬

‫الاضر‪ ،‬فلم يض ف تاريخ جربة الطويل عصر دون أن يكون فيه فرد أو أفراد من أسرة أب مسور‬

‫يتولون قيادتا الروحية أو السياسية منفردين أو مشتركي مع غيهم‪ ،‬فلقد ورث أبناء أب مسور على‬

‫متلف العصور ‪ -‬خلقه السمح‪ ،‬وطبعه الكري‪ ،‬وكرمه الطبوع‪ ،‬ودينه القوي‪ ،‬وعلمه الواسع‪ ،‬ولقد‬
‫تتضاءل بعض هذه الصفات ف بعض الحيان وتتجلى ف الحيان الخرى‪ .‬وقد تلت ف أب‬

‫يعقوب‪ ،‬مع قوة ف الق‪ ،‬وشجاعة ليس لا بي معاصريه من أهل الزيرة مثيل‪ ،‬فكان لشجاعته وقوة‬

‫شخصيته‪ ،‬وسعة علمه‪ ،‬ومبلغ كرمه‪ ،‬مسموع الكلمة واسع النفوذ‪ ،‬قويا قوة الؤمن الحق‪ ،‬ل يشى‬

‫البابرة‪ ،‬ول يطاطىء رأسه لذوى الطغيان بل كان يابهم ويبههم‪.‬‬

‫ل يشتغل أبو يعقوب بالتدريس فيما أعلم‪ ،‬رغم أن التدريس هو الواجب الول الذي يراه‬

‫علماء الباضية اوكد الواجبات عليهم والسبب ف لذلك على ما يبدو أن الزيرة كانت ف زمنه‪ ،‬قد‬

‫غصت بالعم والعلماء فما من مدرسة أو مسجد أل وهو يعج بالعلماء العلم والطبلة الذكياء‬

‫والتلميذ النجباء‪ .‬ولذا السبب فقد اقتصر أبو يعقوب على التوجيه الدين‪ ،‬والصلح الجتماعي‬

‫العام‪ ،‬أعن أنه ترك رعاية الطفال والشباب لغيه من العلمي‪ ،‬والربي‪ ،‬واقتصر على رعاية الكهول‬

‫والشيوخ‪ ،‬يدعو إل سبيل ال على بصية من امرة‪ ،‬وكان كثيا ما يقف ف وجوه الولة الظالي‬

‫الذين ل يهمهم إل أن يمعوا أموال من الناس كيفما كانت حالة الناس‪ ،‬وكثيا ما كان يدفع‬

‫الضريبة الترتبة على احدهم ‪ -‬إذا كان فقيا ‪ -‬من ماله الاص‪ ،‬لا عينت الدولة التركية درغوث بن‬

‫على واليا على طرابلس اهتم بأمر جربة‪ ،‬فذهب إليها واحتلها واقتطعها عن تونس والقها بكمه ف‬

‫طرابلس‪ ،‬وترك عليها واليا من قبله‪ ،‬ولكن الوال الذي تركه درغوث على جزيرة جربة‪ ،‬كان ضعيفا‬

‫فانتهز بعض العساكر والنود الذين بقوا مع الوال لفظ المن ضعفه‪ ،‬فاصبحوا يرتكبون من الفظائع‬

‫ما تأباه الضمائر الرة‪ ،‬يقول فيهم العلمة أبو الربيع اليلت‪ " :‬فاشتد الال على أهل جربة لا‬

‫أظهروا لم من الشر وسفك الدماء واخذ الموال " فثار أهل جربة على الوال‪ ،‬وطردوه من الزيرة‪،‬‬

‫ولوا على انفسهم (عبدال البجى) وطلبوا من الدولة ف تونس حايتهم من عمال طرابلس وجورهم‪،‬‬

‫وإرسال الده إليهم ولكن الدولة التونسية حينئذ كانت تتضر ‪.‬‬
‫وسع درغوث بالركة فغضب‪ ،‬وجهز جيشا قويا وارتل إل جربة واستعد أهلي الزيرة‬

‫للقاة اليش الزاحف إليهم فعسكر درغوث بيوشه الرارة ف مرسى القنطرة خارجا‪ ،‬وعسكر أهل‬

‫جربة ف سدويكش وحولوا سوقهم إل بن ديغت‪ ،‬وبقيت جربة تت الصار ثلثة أشهر تضايق منه‬

‫أهل الزيرة الحصورة‪ ،‬وفكر جاعة من أهل الزيرة ف حل الشكلة‪ ،‬وقرروا أن يطلبوا مقابلة‬

‫درغوث للمفاوضة ف أمر الصلح‪ ،‬فإذا جاءهم قتلوه‪ ،‬وبعثوا إليه من أبلغه رغبة القوم ف الصلح‬

‫وطلبهم لضوره إليهم فوافق‪ ،‬وبلغ خب الكيدة إل الشائخ وإل أب يعقوب يوسف فوزنوا المر‬

‫بيزان الصلحة العامة للمة السلمة‪ ،‬وذكروا ما لدرغوث من جهود ف رد عدوان الصليبي‪ ،‬وتطيم‬

‫أساطيل القرصنة‪ ،‬فلم يرضوا ول يوافقوا على تنفيذ الؤامرة‪ ،‬وانتدبوا أبا يعقوب ليقوم بالفاوضة ف‬

‫أمر الصلح ورضى أبو يعقوب واستعد للقيام بالهمة كما أن جيع الهال قد وافقوا على هذه الطوة‬

‫العادلة‪.‬‬

‫ذهب أبو يعقوب إل درغوث واتفق معه على الصلح وذلك بأن يسمح سكان الزيرة‬

‫لدرغوث وجيشه بالدخول‪ ،‬وأن تعود الزيرة إل حكمهم‪ ،‬على أن ل يؤذي أحد‪ ،‬ول يؤخذ مال‪،‬‬

‫فدخلوا البلد‪ ،‬ولا وجدوا انفسهم داخل الزيرة غرهم الشيطان فحسبوا أنفسهم فاتي‪ ،‬فارتكبوا من‬

‫القتل والغضب والسرقة ما يرتكبه أمثالم‪ ،‬ول يف درغوث بالوعد‪ ،‬ول يتقيد با اتفق عليه الطرفان‪،‬‬

‫فسمح لنده أن يفعلوا ما يشاءون‪ ،‬والقى القبض على شيخ الزيرة‪ ،‬الذي اختاره الناس عبدال‬

‫البجى‪ ،‬فقتله ث سلخ جلده‪ ،‬ومله نالة وبعث به إل طرابلس‪ .‬واضطر الشيخ أن يعود مرة أخرى‬

‫إل درغوث ليذكره بانه خان عهد وأخطأ ف تقديره‪ ،‬وف تصرفه وإن مشائخ الزيرة لو سحوا‬

‫بالغدر والغيلة‪ ،‬وخيانة العهد‪ ،‬لكان درغوث هو القتول قبل ان يصل إل هذا الكان‪ .‬فاستحيا‬

‫درغوث‪ ،‬واستجاب لكلمة الق‪ ،‬ولكن بعد إن ترك جيشه ف الزيرة أسوأ الثار‪ ،‬وارتل درغوث‬
‫إل طرابلس ولكن البقايا الذين تركهم ف الزيرة عادوا إل مسلكهم‪ ،‬ف ظلم الناس‪ ،‬وابتزاز‬

‫الموال‪ ،‬وهتك العراض‪ ،‬فتذمر الناس‪ ،‬وسخطوا على حكم طرابلس‪ ،‬وحاولوا أن يتصلوا مرة‬

‫اخرى بكومة تونس‪ .‬وسع درغوث بذه الادث الديد فجهز جيشا آخر ودخل الزيرة‪ ،‬ول‬

‫يظهر أهل الزيرة أية مقاومة فقد استنفذ العدوان السابق التلحق ما لديهم من وسائل القاومة فقد‬

‫قتل رجالم وأخذ سلحهم‪ ،‬واستنف اموالم‪ ،‬ولذلك فما سعوا برجوع اليش التركي حت تركوا‬

‫منازلم ومزارعهم‪ ،‬وارتلوا إل جوار أب يعقوب فسكنوا إل جانبه على شكل لجئي‪ .‬من كانت‬

‫له خيمة نصب خيمته واوى إليها‪ ،‬ومن ل تكن له خيمة نصب ارديته على اعمدة واضاف إليها‬

‫جريد النخيل وبعض القش وسكن با‪ ،‬أنا صورة من مساكن اللجئي الذين يطاردهم القوياء من‬

‫بن النسان فيحرمونم من اموالم وأراضيهم ومساكنهم‪.‬‬

‫ودخل اليش التركي ف دوى عظيم‪ ،‬طلقات متواصلة من الدافع والبنادق ودقات متتابعة‬

‫للطبول‪ ،‬وضاق الناس بذا الظهر الصاخب‪ ،‬فتجمعوا على أب يعقوب يلتمسون منه أن يصنع شيئا‬

‫ليقاف هذه الكارثة الديدة‪ .‬واستجاب الرجل العظيم لطلب الناس واستعد لجابة العدوان الديد‪،‬‬

‫فاتصل بالقائد العلى للقوات السلحة درغوث بن على وطلب منه أن يأمر ف الال بإيقاف هذا‬

‫الدوى الصاخب حت تدأ أعصاب الناس‪ .‬واستجاب القائد لكلمة الشيخ فأمر بإيقاف جيع‬

‫الركات‪ ،‬وحينئذ طلب الشيخ من القائد أن يسي معه إل منله ليتفاوضا ف أمر الصلح‪ .‬واستجاب‬

‫القائد أيضا فتبع الشيخ إل منله مع بعض رجاله وت عقد الصلح واتفق الرجلن على مصلحة‬

‫الميع‪ ،‬وتغذى القائد ورفاقه حيث رجع إل جنده يذره أن يرتكب أي خطأ ف حق جربة كما‬

‫فعل ف الاضي‪ ،‬اما الشيخ الذي كان يعرف ما قاساه اولئك اللجئون‪ ،‬الذي مل الرعب افئدتم وما‬

‫تعرضوا له من الرمان والوع‪ .‬فقد أمر أهله أن يعلوا من الطعام ما يكن أن يغاث به أولئك‬
‫اللجئون الساكن فتم ذلك فعل وكانت تقدم الفتة الكبية ملى بالطعام يملها رجلن أو اكثر ف‬

‫شارية يطوفون با على مساكن اللجئي وكان الشيخ يطوف معهم وبيده مغرف يأخذ من الفنة‬

‫ويعطى لتلك السرة الحرومة حسب أفراد عائلتها‪ ،‬حت طاف على جيع تلك اليام‪.‬‬

‫أثر الصلح هذه الرة فلم يعد الند إل العتداء وانا كانوا يأخذون ما فرضوه من الضرائب‬

‫على الشعب السكي فقط‪ ،‬حت تغي وجه التاريخ ف جربة‪ .‬وانتهت تبعيتها لطرابلس والقت‬

‫بتونس‪.‬‬

‫كان أبو يعقوب احد العظماء من أسرة أب مسور العريقة ف جربة هذه السرة الت تزل‬

‫متميزة بالعلم والدين والود والشجاعة منذ اسسها أبو مسور بسجا بن يصليت اليهراسن ف النصف‬

‫الول من القرن الرابع الجري والت ل تبق ف يوم من اليام دون ان تكون با شخصية عظيمة تمع‬

‫بي العلم والدين والشجاعة والكرم ما تكون به ملذا للناس‪ ،‬ومرجعا لم عند الشدائد عاش أبو‬

‫يعقوب ف الفترة الرجة من تاريخ جربة الت اجتمعت فيها البليا من كل جانب على هذه الزيرة‬

‫الصغية فقد كان العراب يتكالبون عليها للسلب والنهب‪ ،‬وكانت الدولة التونسية تلح ف جع الال‬

‫وفرض الضرائب وكانت القرصنة السبانية حريصة على احتللا عاملة على غزوها‪ ،‬من حي إل‬

‫حي‪ ،‬وكان درغوث والند الذين معه ل ينفكون يعتدون عليها ويعاملونا معاملة العداء‪ ،‬وكان‬

‫بعض التعصبي من ينتمى إل العلم يلهب العصبية الذهبية ويوغر الصدر على الباضية ويدعو إل‬

‫تفكيهم وعدم قبول شهادتم‪.‬‬

‫ف الفترة الرجة الت بلغت أسوا ما يكن من الالة السياسية عاش أبو يعقوب ف جو مزدهر‬

‫بالعلم فكان يفف آلم الناس با يلك من وسيلة فقد يد يد الحسان وقد يستعمل الكلمة اللطيفة‬

‫وقد يقف للحكام أو يرد على أولئك الذين يسبون أن جربة مغنم ل ينضب‪.‬‬
‫توف أبو يعقوب يوسف بن أب مسور سنة ‪ 1013‬فترك فراغا هائل ف جربة أحسن به‬

‫الناس جيعا رغم انه خلف لم ف منله ولدا بلغ من العلم مثل ما بلغ أبو يعقوب أو أكثر‪ ،‬واشتهر‬

‫بالصلح والتقوى والبكة‪ ،‬وكان مرجعا للناس بعد أبيه وان ل تطل به الياة أيضا‪ ،‬فلحق بربه بعد‬

‫سنوات من وفاة أبيه فرحم ال أبا مسور وأبناء أب مسور وجعل ف بيته من يمل رسالته ويقوم‬

‫بدعوته ويناضل ف سبيل الق والي‪.‬‬

‫أبو ممد عبدال السدويكشى‬

‫أبو ممد عبدال بن سعيد السديكشى‪ ،‬قمة من قمم العلم الشامة‪ ،‬ودعامة من الدعائم الت‬

‫قام عليها بناء اليان والق ف الزيرة ‪ ،‬فتح ال عليه آفاق العرفة‪ ،‬ورزقه من قوة النان وفصاحة‬

‫اللسان‪ ،‬وبراعة البنان‪ ،‬ما مكنه من خدمة دين ال‪ ،‬ويسر له أن يأمر بالعروف‪ ،‬وينهى عن النكر‬

‫ويدعو إل سبيل ال على بصية من أمره‪ .‬كان ل يل من التدريس‪ ،‬وكان يسجل ف جيع دروسه‬

‫ملحظات وشروحا على الكتب الت يدرسها حت ترك لنا ثروة علمية قيمة‪ ،‬ل تزال سندا لن يريد‬

‫أن يطلع على كتب الباضية بل حت على بعض كتب اللغة العربية الت درسها للطلبة‪.‬‬

‫كان يتول دروس الوعظ والرشاد ف جيع مساجد الزيرة‪ ،‬اما مقره فقد كان ف مسجد‬

‫بن لكي‪ ،‬وف هذا السجد العامر‪ ،‬كان يلق عليه الطلبة الستديون‪ ،‬ويتلقون عنه فنون العرفة‪ ،‬حت‬

‫ترج عليه فيه عدد من فحول العلم منهم العلمة أبو ممد عبدال بن أب حفص‪ ،‬بن أب سته الذي‬

‫ورث عنه علمه‪ ،‬وخلقه‪ ،‬وكفاحه‪ ،‬وملسه‪ ،‬وال هذا السجد كان يتوارد وفود الناس يملون‬
‫مشاكلهم وخصوماتم فيفصل بينهم بكتاب ال‪ ،‬فقلد كان يقوم مقام المام وإليه انتهت رئاسة‬

‫العزابة والعلماء لبتعيي من الولة والمراء ولكن بالعلم الواسع الذي يعترف به الزملء ويسلمون‬

‫لصاحبه مبة وتقديرا‪ ،‬وكان العلماء جيعا يصرون ملسه‪ ،‬ويناقشون جيع شئون الزيرة من‬

‫نواحيها‪ ،‬فيقرون ما يوافق السلم‪ ،‬ويعلنون الرب عما انرف إليه الناس من بدع او مناكر انرف‬

‫إليها الناس بطبيعة الياة والختلط‪.‬‬

‫كان شيخ الزيرة ف ذلك الي احد أبناء أب اللود الذين تواصلوا إل الكم عن طريق‬

‫الرشوة‪ ،‬والكيد وتقدي الوال‪ ،‬وأقام الرجل ف دار الكم ينتظر أن يتفل به الناس‪ ،‬وأن يلتفوا حوله‪،‬‬

‫وان يعمروا ملسه‪ ،‬وان يتوددوا إليه‪ ،‬وأن ينقلوا إليه أخبار الناس‪ ،‬وأن يعرضوا عليه مشاكلهم‪ ،‬فلم‬

‫يكن يأتيه احد اللهم ال اشياخ الارات ف مواعيد الضرائب يملون إليه ما فرض على الناس كامل‬

‫مستوف‪ ،‬دون شكوى من أحد‪ ،‬وبقى الرجل ف فراغ‪ ،‬فكان يتساءل عن السبب حت أخبه احد‬

‫الناس‪ ،‬أن أهل الزيرة تعودوا أن يرجعوا بشاكلهم إل علمائهم الذين يتمتعون باحترامهم‬

‫وتقديرهم‪ ،‬وان اعلم علمائهم ف هذا الي الذي يرجع الناس إليه هو أبو ممد عبدال السدويكشى‪،‬‬

‫وغضب شيخ الزيرة ف نفسه وظن ان التفاف الناس بذا الرجل استهانه بنصبه ومقامه‪ ،‬فدعاه إليه‬

‫ولا اجتمع به وسع منه‪ ،‬أكبه وأكب علمه واظهر له من الحترام ما يليق بثله‪ ،‬وانصرف أبو ممد‬

‫من ملس شيخ الزيرة‪ ،‬ودخل الوشاة الذين ل يلو لم إل أن يسدوا الناس لعلى ما أتاهم ال من‬

‫فضل‪ ،‬فقالوا لبن أب اللود‪ .‬ما زدت أن رفعته فوق مكانه‪ ،‬وأصبح هون وال الزيرة القيقى‪ ،‬ولو‬

‫شاء أن يدعوا الناس إل قتلك او غي ذلك لستجابوا له متارين‪ ،‬وعلمت الوشاية ف صدر الواتلى‬

‫عملها فدعا إليه الشيخ من جديد وأراد أن يظهره بي الناس ف مظهر الستهان به الحتقر فامره ان ل‬

‫يلبس على رأسه إل طاقية بيضاء من القماش مثل الطفال تقيا له وتشهيا به‪ ،‬وامتثل الشيخ لمر‬
‫الوال ولبس الطاقية البيضاء حت اشتهرت به‪ ،‬واشتهر با‪ ،‬وشاءت إرادة الول سبحانه وتعال‪ ،‬أن‬

‫تكون هذه العقوبة أو هذا التشهي الذي أراد به الول تقي أب ممد سبب تكري لذا النوع من‬

‫اللباس‪ ،‬إذا ل يض غي زمن قصي حت كانت الطاقية البيضاء من القماش‪ ،‬هي الزى الرسي‪ ،‬أو‬

‫اللباس الاص برجال العلم ورجال الدين‪ ،‬فأصبحت هي لباس العزابة والطلبة‪ ،‬وقد انتقلت هذه‬

‫الفكرة من الزيرة إل البل‪ ،‬وإل الزائر‪ ،‬وإل جيع مواطن الباضية ف الغرب السلمي‪ .‬ولو اتيح‬

‫للقارئ الكري أن يزور وأدى ميزاب ف الزائر فانه‪ ،‬سوف يد جيع العزابة والطلبة ل يلبسون على‬

‫رؤوسهم إل طاقية بيضاء من القماش فهى زيهم الرسي الوحد وقد احتفظ الطلبة اليزابيون بذا‬

‫الشعار ف جيع مظاهر النشاط حت إن فرق الكشافة كانت تتفظ به كلباس للرأس ف جيع رحلتم‬

‫وميماتم حيثما أقيمت وكان لا من المال ما بعث العجاب ف نفس رئيس المهورية الول فأثن‬

‫عليها وأبدى استحسانه لا‪.‬‬

‫أما ف ليبيا فقد اختلف أمره‪ .‬ففي زواره أصبحت الطاقية البيضاء هي لباس أغلب أهال‬

‫زواره يفضلونا عن غيها من البسة الرأس ف الصيف وصارت غي خاصة بالغزابة‪ ،‬أما ف جبل‬

‫نفوسة فقد كانت خاصة بالعزابة إل عهد قريب ث شاع استعمالا بي الناس عندما انلت نظم‬

‫العزابة ف البل وأصبحت هي لباس الرأس الفضل ف الصيف عند أغلب الناس‪.‬‬

‫كان أبو ممد عبدال من أولئك العلماء الذين ل يعرفون الراحة‪ ،‬ول يفكرون عن العمل‬

‫فهو دائم الكفاح ف سبيل ال ينتقل من ميدان إل ميدان قد يعقد الجلس لفصل الشاكل‬

‫والنازعات‪ ،‬وقد يعقد الجلس للتشاور ف شئون الزيرة العامة أو الاصة وما يد فيها من‬

‫الحداث‪ ،‬وقد يعقد الجلس العلمي لناقشة بعض الشاكل العلمية الديدة الت تتطلب أحكام شرعية‬

‫جديدة‪ ،‬وقد ينتقل بي مساجد الزيرة‪ ،‬يلقى دروس الوعظ والرشاد‪ ،‬وقد ينتقل بي التاجر‬
‫والسواق ومامع الناس‪ ،‬يأمر بالعروف وينهى عن النكر ويبي اللل والرام للناس‪ ،‬وهو قبل كل‬

‫ذلك وبعد كل ذلك يرى على نفسه واجبات ثلث‪ ،‬ول يكن أن يل بواحدة منها مهما كان‬

‫المر‪ ،‬تلك الواجبات هي‪-:‬‬

‫أول‪ :‬تصص أوقات من الليل والنهار يتفرغ فيها من شواغل الدنيا العامة والاصة ويتجه‬

‫إل ربه بعبادة خالصة يقضى فيها حق الروح والقلب‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تصص أوقات أخرى للقاء الدروس الفنية على طلبة العلم وقد أثر هذا العمل للبلد‬

‫ثرا طيبا فتخرج على يد الشيخ عدد من فطاحل العلماء كانوا هدى ومنارا‪ ،‬وتركوا لنا ثروة علمية‬

‫ل زالت مرجع طلب العم والعرفة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تصص أوقات لتأليف الكتب ودراسة الشاكل الستجدة‪ ،‬واستنباط الحكام لا‬

‫بطريق الجتهاد‪ ،‬وقد أهتم كثيا بالكتب الؤلفة فكان يكتب عليها التعاليق الكثية والشروح السهبة‬

‫تارة يررها بنفسه‪ ،‬وتارة يتركها لطلبه النجباء‪ ،‬ولذلك فقد كان العلمة أبو عبدال بن أب سته‬

‫الشهور بالحشى يعتمد عليه ف أكثر حواشيه‪ ،‬ويقول مثل‪ " :‬قال شيخنا عبدال " أو يقول‪ " :‬بط‬

‫شيخنا عبدال " القصود بذلك طبعا هو الشيخ أبو ممد عبدال الشدويكشى فهو شيخه الذي أخذ‬

‫عنه العلم‪.‬‬

‫قال العلمة الشيخ سعيد بن تعاريت ف العلمة الشدويكشى ما يأت‪ " :‬ل تر به مسألة إل‬

‫حل مشكلها‪ ،‬كان أية من آيات ال تعال ف صل كلم الفحول‪ ،‬ومن اطلع على مصنفاته يشهد له‬

‫بطول الباع‪ ،‬وبدقة النظر‪ ،‬وله من التأليف ابالغة ف السن حاشية جزء الصلة من كتاب اليضاح‪،‬‬

‫وحاشية كتاب الديانات‪ ،‬لب ساكن ف نو كراسة‪ ،‬ورأيت له حاشية على شرح القطر ف النحو‬
‫لبن هشام عظيمة القدر والشأن" ويقول بعد الكلم‪ " .‬وله أجوابة وأحكام ونوازل عديدة ف جيع‬

‫الفنون خصوصا علم الكلم فإن له فيه اليد العليا رحه ال‪".‬‬

‫ث ذكر التعريت امثلة من الحكام الت أفت با اجتهادا‪.‬‬

‫كان أبو ممد من أولئك العلم الذين بعثوا الياة ف المة‪ ،‬وتركوا من بعدهم نورا‬

‫وهدى‪ ،‬وختم أعماله الجيدة بزيارة بيت ال الرام وف تلك الربوع القدسة ختمت أعماله وانتقل‬

‫إل ربه رحه ال واسعة‪ ،‬وأفاض عليه من فضله العميم أنه غن كري‪.‬‬

‫أبو عبدال بن أب ستة‬

‫هو المام القدوة العلمة‪ :‬أبو عبدال ممد بن عمرو بن ممد بن احد بن أب سته‪ ،‬أشتهر‬

‫بي الدراسي بلقب الحشى اخذ العلم عن كثي من أهل الزيرة وغيهم‪ ،‬وكان أكثر ما اخذ عن‬

‫المام أب ممد عبدال بن سعيد الشدويكشى‪.‬‬

‫كان المام أبو سته من اولئك الؤمني الذين اخلصوا دينهم وعملهم‪ ،‬وأسلموا أرواحهم ل‪،‬‬

‫فهو ل يفتر عن الهاد ف سبيل ال‪ .‬عاش ف القرن الادي عشر وكانت البلد التونسية ف ذلك‬

‫الي‪ ،‬تت حكم شديد الضطراب‪ .‬وولة ل يهمهم من أمر الدولة‪ .‬ومصلحة المة إل مقدار ما‬

‫يأخذون من أموال‪ ،‬وكانت الشعوب ف ذلك الي بعيدة كل البعد عن الدولة وعن اللتفاف حولا‬

‫أو العتماد عليها ف أي شأن ولذلك فهى تدفع الضرائب لطلبا تت ضغط الضرورة وتعود إل‬

‫نفسها ف بقية الشئون قتسندها إل من تثق به من علمائها وصلحائها‪.‬‬


‫سافر أبو عبدال إل مصر‪ ،‬برسم الدراسة ف الزهر‪ ،‬فبقى هناك ‪ 28‬سنة دارسا ف الول‬

‫ومدرسا بعد ذلك‪ ،‬وترج على يده عدد من فطاحل العلماء ف أرض الكنانة وأشتهر بي علماء‬

‫الزهر بلقب البدر‪ ،‬فإذا أطلقت كلمة البدر بي علماء الزهر فالعن با أبو عبدال بن أب سته‪،‬‬

‫وكان إل دراسته وتدريسه بالزهر يقوم بنشاط آخر كبي خارج ميدان الزهر‪ .‬فقد كان الرجل من‬

‫أشد الناس حبا للعمل ومواصلة للكفاح‪ ،‬ولذلك فقد كان ل ينفك عن الحاضرات والندوات‬

‫والدروس الاصة‪ ،‬وكان جل إهتمامه بالدار العلمية الت تأوى عددا غي قليل من طلب العلم الذين‬

‫يقبلون من متلف بلد الباضية على القاهرة للدراسة وكانت تلك الدار تتوى على مكتبة من انفس‬

‫الكتبات‪ ،‬فكان يتول الشراف عليها وارشاد الطلب إل الستفادة من كنوزها‪ ،‬وعندما رجع إل‬

‫وطنه جربة كان بثابة دائرة معارف حية متنقلة‪ ،‬فكان ل يستقر ف مكان‪ ،‬وإنا كان ينتقل من‬

‫مدرسة إل مدرسة ومن مسجد إل مسجد ومن حي إل حي يلقى دروس العلم على طلب العلم‪.‬‬

‫ودروس الوعظ والرشاد ف الجامع العامة ويدعو الناس إل الستمساك بدين ال والرص على‬

‫الحافظة عليه‪ ،‬وكان ل ينفك عن المر بالعروف والنهى عن النكر‪ .‬ولقد ييل للقارئ الكري‪ ،‬وهو‬

‫يقرأ هذه السطور ‪ ،‬إن القيام بكل هذا كثي على رجل واحد‪ ،‬والواقع إن هؤلء الكافحي الذين‬

‫يبذلون كل ما عندهم ‪ -‬من علم وقو ووقت ل والمة ‪ -‬قليلون‪ ،‬وهم أفراد ف كل عصر وف كل‬

‫أمة‪ .‬على أن أبا عبدال كان إل جانب ذلك يصص وقتا للدراية العليا فلقد ورث عن شيخه أب‬

‫ممد السدويكشى ملس مسجد بن لكي فكان يلقى فيه دروسا بي صلت الظهر والعصر لميع‬

‫الطبقات يضره كبار العماء ف الزيرة فكان بعد صلة الظهر يستفتح للتدريس فيجلس أمامه كبار‬

‫العلماء فيلقى عليهم درسا يستمر إل صلة العصر‪ ،‬ويناقشه اولئك العلماء ويناقشهم ف الشاكل الت‬

‫تعرض لم أثناء الدرس‪ ،‬وبعد صلة العصر يعقد ملس للحكم فيقبل عليه الناس بشاكلهم‬
‫ومنازعاتم وقضاياهم فيحكم بينهم بكتاب ال‪ ،‬ويرضى الناس بكمه وينصرفون مقتنعي بكمه ل‬

‫ينظرون إل حاكم أو قاض أو شيخ من موظفي الكومة الذين يعتبهم الناس آلت جعلتهم الدولة‬

‫للتحكم ف المة‪ ،‬فاتاحت لم أن يعيشوا أعالة على المة‪ .‬يقبضون الرتبات من الدولة‪ ،‬ويبتزون‬

‫الموال من الناس بختلف الطرق‪.‬‬

‫يقول العلمة الشيخ سعيد التعاريت ف رسالته القيمة‪ " :‬وبع الصلة ‪ -‬أي صلة العصر ‪-‬‬

‫يلس للحكم بي الناس وله مكان يكم فيه‪ ،‬معلم إل اليوم‪ ،‬به مقصورة‪ ،‬يلس الشيخ ببابا ويلس‬

‫الصوم داخلها ول يرج منها الحكوم عليه حت يذعن للحق‪ ،‬ويستعد للداء‪ .‬ورأيت دفترا مقيدا به‬

‫جيع أحكامه الصادرة منه هناك‪ ،‬وهي كثية جدا وكلها فوائد علمية وأحكام شرعية‪ ،‬ونوازل‬

‫فقيهة‪ ،‬رحه ال ما اعلمه وادقه‪".‬‬

‫إن شهادة الشيخ التعاريت وحدها كافية ف الدللة على ما للرجل من منله ف العم والعمل‬

‫ولكننا ل بد أن نشي إل بعض الوانب من هذه الشخصية‪ ،‬الفذة الفريدة ف ذلك العصر‪.‬‬

‫مع اشتغال أب عبدال بالتدريس وقيامه بالمر بالعروف والنهى عن النكر‪ ،‬واضطلعه بأمور‬

‫الناس ف جيع أناء الزيرة وتصيصه وقتا لكل مسجد وكل حي يلقى فيه دروس العلم أو دروس‬

‫الوعظ ومع انشغاله بالكم بي الناس فقد خصص وقتا للتأليف وقد أنتج ف هذا اليدان ما استنار به‬

‫الدارسون والدرسون واستعانوا به على فهم علوم الولي‪ ،‬ولقد اهتم أكثر ما اهتم بشرح وتوضيح‬

‫وتقيق ونقد ما كتبه الولون‪ ،‬فكان يضع الشروح والوامش والتحقيقات والنقود على الكتب الت‬

‫تر على يده ومن هذه التأليف ما يأت‪-:‬‬

‫‪-1‬حاشية ضافية على قواعد السلم لفيلسوف السلم الشيخ إساعيل اليطال‬

‫‪-2‬اللمع على كتاب الوضع لب زكرياء الناون‬


‫‪-3‬حواشي على بعض الجزاء من كتاب اليضاح للمام أب ساكن الشماخى‬

‫‪-4‬حاشية على شرح العقيدة لب العباس الشماخى‬

‫‪-5‬حاشية الترتيب على مسند الربيع بن حبيب وتعتب هذه الاشية أجل كتبه واقيمها‪.‬‬

‫‪-6‬حاشية كتاب النكاح‪.‬‬

‫‪-7‬حاشية متصر العدل لب العباس الشماخى‬

‫‪-8‬حاشية على شرح الهالت‬

‫‪-9‬حاشية على تبي أفعل العباد لب العباس بن أب بكر‬

‫‪-10‬حاشية على كتاب الفرائض لفيلسوف السلم إساعيل اليطال‬

‫‪-11‬حاشية على كتاب الشيخ تبغورين بن عيسى‬

‫‪-12‬حاشية على كتاب السؤالت‬

‫ولذه الواشي الكثية على كتب الفقه والتوحيد والفرائض لقبه الطلبة بالحشى‪.‬‬

‫توف سنة ‪ 1087‬وله من العمر خس ستون سنة وقد ترك فراغا هائل وحزن عليه أهل العلم‬

‫واليان ورثاه جاعة من الشعراء منهم تلميذه الديب الؤرخ أبو السن على بن بيان بقصيدة طويلة‬

‫مطلعها‪:‬‬

‫إل ال أشكو لوعت وشجون‬

‫فرحم ال ذلك الؤمن الذي أدى للمة أجل خدمة ف عصر الضطهاد والضطراب والفوضى‪.‬‬
‫أبو الربيع بن احد اليلت‬

‫قال فيه أبو عبدال أبو راس " هو شيخ مشائخ عصره‪ ،‬ووحيد دهره" وقال فيه العلمة‬

‫الشيخ سعيد بن تعاريت " الشيخ النحرير‪ ،‬العال الكامل‪ ،‬مى ما انطمس من آثار هذه الدعوة‪".‬‬

‫ولد أبو الربيع سليمان بن أحد اليلت ف أوائل القرن الادي عشر وتوف ف آخره سنه‬

‫‪ 1099‬وعاش أبو الربيع اليلت ف عصر بلغت فيه جربة من الناحية العلمية والدينية مرتبة يندر أن‬

‫تصل إليها البلد فلقد كان القرن الادي عشر ف جربة من أزهى العصور با فيه من العلماء العلم‬

‫منهم من بلغ درجة الجتهاد ف جيع العلوم‪ ،‬ومنهم من تصص ف فرع من فروع العرفة‪ ،‬ومع هذه‬

‫الكثرة من العلماء العلم والؤلفي العظام‪ ،‬كان مقام أب الربيع اليلت ظاهرا واضحا بي أقرانه‪.‬‬

‫فلقد أوتى مع ما أوتى من سعة الطلع‪ ،‬وغزارة الادة‪ .‬نشاطا متزايدا‪ ،‬وهة دائبة‪ ،‬وعزية قوية‪،‬‬

‫وحيوية متوثبة‪ ،‬قل أن تتوافر ف شخص واحد‪ ،‬ولعل اهتمامه بسية السلف‪ ،‬وعنايته بناحية التاريخ‬

‫هي الوانب الت برز فيها‪ ،‬وميزته عن غيه من علماء عصره حت أصبح مصدرا من مصادر التاريخ‬

‫ل يكن لدارسي التاريخ ‪ -‬ل سيما تاريخ الذهب الباضي ورجاله ‪ -‬أن يستغن عن أباثه ورسائله‬
‫ورواياته الكثية‪ ،‬وإذا عن لباحث أن يعد علماء التاريخ من الباضية فذكر البغطوري وأبا زكريا وأبا‬

‫عمار وأبا الربيع بن يلف وأبا الربيع الوسيان وأبا العباس الدرجين وأبا القاسم البادى وأبا العباس‬

‫الشماخي وأبا عبدال البارون فانه ول شك يب أن يذكر معهم أبا الربيع اليلت ولعل اليلت هو‬

‫أهم من أرخ ف القرن الادي عشر‪.‬‬

‫وأبو الربيع وإن كانت آثاره ل تزال متفرقة‪ ،‬وكثي منها غي منسق ويتاج إل مهود علمي‬

‫ال أنا تكون مادة تاريية دسة لتاريخ الزيرة على الخص‪ ،‬ولقد سلك ف عنايته بتاريخ جربة‬

‫أسليب ل يسبق إليها ومسالك تعد ف نظري ابتكارا علميا ف كتابة التاريخ‪ ،‬تساعد الباحث وتيسر‬

‫له العمل فلقد وضع رسالة تاريخ جربة ارخ فيها للحداث سواء كانت تلك الداث سياسية أو‬

‫طبيعية أو إجتماعية بسب السنوات فيقول مثل‪ " :‬وف هذه السنة ‪ -‬أي سنة ‪ 1007‬ووقع الغلء‬

‫الكبي العروف بغلء البجى حت انقطع السعر‪ ،‬وتادى القحط والدب والغلء سبع سني من تام‬

‫ألف إل السنة السابعة‪ ،‬والظلم الكثي إل أن أغاث ال أهل جربة بتولية عبدال البجى ف السنة‬

‫الذكورة فأزال عنهم الظلم والذى‪ ،‬وف السنة الثامنة رجع الباشا درغوث حاكم طرابلس بعد ان‬

‫وقع الداع والنفاق بي أهلها وبعثوا إليه الكتب فأتاهم ف أوائل السنة وأستول عليها بعد أن قتل ف‬

‫السوق خلق كثي واستأداهم مائة ألف دينار لا فعلوا وأمسك أهل أ{كوا عبدال البجى‪ ،‬وسلموه‬

‫لدرغوث فسلخ جلده‪ ،‬وحشاه نالة وصلبه‪ ،‬على جذع نله‪ ،‬وجعل ف البلد ما ل يأذن به ال من‬

‫السب‪ ،‬وأخذ الموال‪ ،‬والغضب والفاحشة العظيمة‪".‬‬

‫ووضع اليلتى رسالة أخرى ترجم فيها للعلماء تراجم متصرة‪ ،‬ووضع رسالة ذكر فيها‬

‫مساجد جربة‪ ،‬ومؤسسيها‪ ،‬وزمن كل واحد منهم‪ ،‬ووضع رسالة ذكر فيها العلماء الذين جازت‬

‫عليهم نسبة الدين من عصره إل عهد النبوءة ووضع رسالة ذكر فيها الجتماعات العلمية والعلماء‬
‫الذين انتهت إليهم رئاسة تلك الجامع والساجد والماكن الت كانت تنعقد فيها تلك الجتماعات‪،‬‬

‫كذلك أشار ف كثي من الحيان إل حلق الدراسة ومواضيعها‪ ،‬هكذا سلط الضواء على النواحي‬

‫التاريية بربه من جيع الوانب فيسر على الباحث العمل ف اليدان الذي يريده‪ .‬إنك إذا أردت أن‬

‫تدرس شخصية من الشخصيات العلمية فعليك أن ترجع إل رسالة التراجم بدل من أن تبحث عن‬

‫الجامع العلمية فما عليك إل أن تعود إل الرسالة الوضوعة لذلك‪ .‬وهكذا ف بقية الوانب التاريية‬

‫لياة الزيرة‪ ،‬لقد حاول أن يصور الزيرة صورة كاملة فوجه إليها عدسته من عدة زوايا فصورها‬

‫من زاوية الحداث وصورها من زاوية العلم والعلماء‪ ،‬وصورها من زاوية الساجد والنواحي الدينية‪،‬‬

‫وصورها من زاوية الجتمع إل آخره‪ ،‬ولكي تتم الصورة الت أرادها لربة وضع رسالة أخية صغية‬

‫وذكر فيها السرة العلمية وتدث عن كل أو بعض من نبغ ف تلك السر‪ .‬وعلى كل حال فقد ترك‬

‫لنا مادة خصبة للتاريخ‪ .‬وأنه لواجب أكيد على الثقفي من أبناء الزيرة الكرام أن يدرسوا هذا‬

‫التراث القيم دراسة علمية تستفيد منها الجيال القبلة‪ .‬ولو أن عناية الشباب التعلم من أخواننا ف‬

‫جربة تناولت آثار أب الربيع اليلتى من آثار أب عبدال رأس مع آثار سلمة بن يوسف مع آثار‬

‫إبراهيم بن ثابت مع آثار أب السن على بيان مع آثار أب عثمان سعيد بن تعاريت وغي ذلك من‬

‫آثار العلماء الت ل اتصل با ول أعرفها وقد تكون بي أيدي بعضهم لرجوا منها برصيد ضخم من‬

‫العلم والثقافة وللقوا ضوءا مني على عهود من التاريخ نن ف حاجة إل معرفتها هذا من الناحية‬

‫التاريية أما الوانب الخرى وما أخصبها وأكثرها فانا تدعو أبناء جربة الكرام أن يلتفتوا إليها‬

‫ويهتموا با ولقد بقيت جربة خلل القرون الثلثة الاضية حاملة لواء العلم والعرفة رغم فساد الكم‬

‫وتعدد ألوان الظلم عليه‪.‬‬


‫ول يكن أبو الربيع مؤرخا فحسب ولكنه كان من الطبقة العليا ف جيع أنواع الثقافة‬

‫السلمية وله كثي من الرسائل والفتاوي بالضافة إل دروسه القيمة‪.‬‬

‫ولقد ترج على يده عدد كبي من العماء وجازت عليه نسبة الدين قال أبو عثمان سعيد بن‬

‫تعاريت‪ " :‬ورأيت له أجوبة وأسئلة ف الفقه والحكام شافية كافية‪ ".‬ولقد عاصره جع كبي من‬

‫العلماء منهم العلمة أبو الربيع سليمان بن قاسم بن سعيد اليونسى التوف سنة ستي وألف‪.‬‬

‫ومنهم العلمة أحد بن ممد أب سته التوف سنة إحدى وستي وألف‪.‬‬

‫ومنهم أبو الربيع سليمان بن عبدال أب زيد الصيدغيان التوف سنة سبع وتسعي وألف‪.‬‬

‫ومنهم المام أبو عبدال بن أب سته التوف سنة سبع وثاني وألف وغيهم كثي‪.‬‬

‫أخذ العلم عن جاعة من علماء عصره ولكن أكثر ما اخذ كان على العلمة الكبي الشيخ‬

‫أب الفضل قاسم بن سعيد الصدغيان‪.‬‬

‫لقد كانت حياة أب الربيع اليلتى وأعماله شديدة الشبه بياة وأعمال أب النجاة يونس فعنه‬

‫اخذ العلم عدد غي قليل من العلماء وكان مقصد الطلب من البل والزائر وجربة وعنه انتشر العلم‬

‫فرحه ال رحة واسعة‪.‬‬


‫أبو يعقوب يوسف الصعب‬

‫يشرفن هنا أن أضع قلمي الزيل ل ستمع مع القارئ الكري إل ما كتبه المام القدوة شيخ‬

‫الصحافة الزائرية الشيخ أبو اليقظان متعنا ال بياته وأمده بروح منه قال حفظه ال ف كتابه القيم‬

‫( ملحق السي )‪:‬‬

‫ومنهم العلمة الشيخ يوسف بن ممد الصعب اللكي من آل يرو ف مليكة أخذ‬

‫العم عن الشيخ سعيد بن يى الادوى‪ ،‬كما أخذ عن الشيخ سليمان بن ممد البارون وعن الشيخ‬

‫عمر الويران الشدويكشي‪ .‬وإليه أسند نسب الدين عند أهل وادي ميزاب التاخرين‪.‬‬

‫وكفى به شرفا أن ترج على يديه تلميذه الشيخ أبو زكرياء يى بن صال الذي أحيا وادي‬

‫ميزاب كما يأت قريبا إن شاء ال‪.‬‬

‫وله تأليف كثي جزيلة النفع‪ ،‬عظيمة الفائدة‪ ،‬منها حاشية ضخمة ف جزئي على تفسي‬

‫الللي‪ ،‬ومنها حاشية على كتاب الفرائض للشيخ إساعيل اليطال‪ ،‬ومنها رسالة مكمة ف الرد‬

‫على من حكم برد شهادة الباضية من التنطعي‪ ،‬أبرز فيها تفوقه العلمي‪ ،‬وغزارة مادته‪ .‬ومنها رسالة‬

‫ف تنجيس أبوال اليوانات‪ ،‬ورد فيها على من زعم طهارتا‪ ،‬ومنها مموعة أجوبة مفيدة عن أسئلة‬

‫لو جعت كلها لكانت كتابا ضخما‪ .‬ومنها غي ذلك‪.‬‬


‫وكان يعظ المراء والكام‪ ،‬ل تاخذه ف ال لومة لئم‪ ،‬وله ف نفوسهم مكانة رفيعة‪ ،‬ومنلة‬

‫سامية‪ ،‬يتحامون جانبه أجلل لعلمه وقدره وفضله وكانوا يزورونه ف مواسم العياد‪.‬‬

‫وكان يتعلم عنده كثي من تلمذة اخواننا الالكية‪.‬‬

‫وتوف رحه ال ف صفر ضحوة الحد عام ‪1187‬هـ‪.‬‬

‫ولا توف قال عنه احد علماء الالكية بربة‪ :‬ل يفرح لوت عال‬

‫وكان بينه وبين أب سته الحشى قرن كامل إذ توف أبو سته ف سنة ‪1087‬والشيخ يوسف‬

‫ف سنة ‪ 1187‬وها مددان لعال السلم رحهما ال ولترجته بسطه حافلة تركناها خوف‬

‫وقد أضاف الشيخ أبو اليقظان حفظه ال ورعاه إل ترجة العلمة أب يعقوب‬ ‫التطويل‪.‬‬

‫ترجة ولده العلمة أب عبدال ممد فقال‪:‬‬

‫ومنهم العلمة الكبي الشيخ ممد بن يوسف الصعب الليكى ‪ -‬أخذ العلم عن أبيه يوسف‬

‫بن ممد بربة كما اخذ عن الشيخ أب العباس أحد بن عمر بن رمضان التلت‪ .‬وله تآليف كثية‬

‫تدل على غزارة علمه وطول باعه منها شرحه لقصيدة أب نصر فتح بن نوح الشهية بي الطلبة‬

‫بتحريض الطلبة وقد طبع طبعا حجريا بصر وله خط جيل وقد نسخ بيده كثيا من الكتب ول نعلم‬

‫تاريخ وفاته بالضبط‪ .‬ويقال أنه لا وضع ف قبه شم الناس منه رائحة طيبة كالسك ودفن هو‬

‫وأخوانه على ومنهى بقبة والدهم وهي قرب مقبة الشيخ اساعيل اليطال بربة رحهم ال‪.‬‬

‫وكان معاصرا للشيخ شعبان بن أحد الفنوشي الرب وكانت بينه وبي الشيخ احد‬

‫مراسلت ف الفقه والتوحيد والحكام وله غي ما ذكرنا من التآليف تركنا سردها خوف الطالة‪.‬‬

‫هذا ما كتبه الشيخ أبو اليقظان عن هذين المامي العظيمي وفيه كفاية امن يبحث عن‬

‫تاريخ العلم والعلماء‪.‬‬


‫ايضاح وبيان‬

‫حديثك أيها القارئ الكري عن عدد من الشخصيات الباضية الت عاشت ف المهورية‬

‫التونسية‪ ،‬ول أقصد بديثى عن هذه الشخصيات أن أقص عليك تراجم حياتم‪ ،‬أو أن اعرفهم لك‬

‫تعريف الؤرخ الذي يعن بدقائق حياة الشخص العادية‪ ،‬أو أن أربط بي تسلسل الحداث التاريية‪،‬‬

‫أو حت أن أقدمهم إليك حسب وجودهم الزمن‪ ،‬ل أقصد شيئا من ذلك لن ذلك من عمل الؤرخ‪،‬‬

‫وهذا الكتاب ل يوضع للتاريخ‪ ،‬وإنا قصدت أن أضع بي يديك صورا من تاريخ السلم ف سي‬

‫أعلمه‪ ،‬تد فيها الكفاح التواصل لعلء كلمة ال انك ترى فيها صورة من حياة السلمي كما‬

‫كانوا ف الصدر الول‪ ،‬عمل ل يقصد منه غي وجه ال‪.‬‬

‫إنا صور غي منسقة وقد تكون غي واضحة كل الوضوح ف الدللة على الياة العامة‬

‫للباضية ف كل القطر لن الباضية كما قلت ف الفصول السابقة كانوا يرون أغلب المهورية‬

‫التونسية‪ ،‬ولكي أعطى صورة كاملة للقارئ الكري يقتضين العمل أن آخذ صورا عن جيع‬

‫المهورية وف العصور التتابعة وان أقدم ناذج من حياة الفراد وناذج من حياة الجتمع أو حياة‬

‫المة لكى تكون اصور اقرب إل القيقة‪.‬‬

‫وبا ان عوامل متلفة اثرت على الباضية ف البلد التونسية‪ ،‬فتقلصوا منها ول يبق لم وجود ف غي‬

‫جزيرة جربة العامرة‪ ،‬فقد رأيت ان اقتطف صورا مستعجلة وناذج متصرة عن الماكن الت عاشوا‬

‫فيها ف يوم من اليام مثل بلد الريد وقصطالية وحسن درجي وجبال دمر وجبل وسلت وفحص‬
‫القيوان وقابس والامة وما اشببها وعنيت اخيا ان اقدم صورا اوضح لياة الباضية ف جزيرة‬

‫جربة‪ ،‬ولقد تدثت عن عدد من اعلمها ف الفصول السابقة‪ ،‬اما الفصول التية فسوف تكون اغلبها‬

‫عن الباضية ف جربة‪ ،‬وما لقوه فيها من عنت الدهر‪ ،‬وظلم الخوة‪ ،‬وعدوان الستعمار‪ ،‬وكيف‬

‫صبوا لظلم ذوى القرب وجاهدوا ف ال حق جهاده‪ ،‬عدوان اعداء ال انك ايها القارئ الكري‬

‫سوف تقرأ ذلك بشيء من التفصيل ف الفصول التية‪:‬‬

‫وتاريخ جربة السلمية حافل بالعظمة والجد والكفاح ف سبيل ال وعلى ابنائها البرة ان يتصدوا‬

‫للكشف عن تلك الماد حت يرى الشاب السلم امثلة رائعة من عمل الؤمني الصادقي الذين‬

‫يعملون له فحسب‪ ،‬ل يدفعهم إل البذل والفداء والتضحية‪ ،‬طمع ف منصب ول رغبة ف مال ول‬

‫شهوة غالبية‪.‬‬

‫والتتبع لتاريخ جربة ف العهد السلمي‪ ،‬إذا اراد ان يدر من هذه التاريخ من الوجهة الواقعية القيقية‬

‫لياة المة كما كانت تعيش ل غن له من ان يقسم هذا التاريخ إل عدد من الفترات تتاز لك منها‬

‫بصائص واتاهات‪ ،‬ولتيسي هذا العتبار سوف اعمل على ايضاح ميزات كل فترة من تلك‬

‫الفترات واعتمد انه ما يساعد القارئ الكري ان اعرض عليه ف هذا الفصل تلك الفترات ث اتولها‬

‫بشيء من التفصيل‪.‬‬

‫‪ -1‬الفترة الول ‪ :‬من الفتح السلمي سنة ‪ 47‬هجرية إل سنة ‪.300‬‬

‫‪ -2‬الفترة الثانية‪ :‬من سنة ‪ 311‬إل سنة ‪.431‬‬

‫‪ -3‬الفترة الثالثة ‪ :‬من سنة ‪ 431‬إل سنة ‪.529‬‬

‫‪ -4‬الفترة الرابعة‪ :‬من سنة ‪ 529‬إل سنة ‪.960‬‬

‫‪ -5‬الفترة الامسة‪ :‬من سنة ‪ 960‬إل سنة ‪.1298‬‬


‫‪ -6‬الفترة السادسة‪ :‬من سنة ‪ 6298‬إل استقلل تونس‪.‬‬

‫‪ -7‬الفترة السابعة‪ :‬تبدأ من استقلل تونس وسيتول مؤرخو الجيال القادمة ايضاح خصائص هذه‬

‫الفترة‪.‬‬

‫على أنن استطيع ان اجل هذه الفترات ف عهود وف امكان القارئ الكري ان يعتب الفترات‬

‫الثلثة الول داخلة ف عهد واحد وهو عهد الستقلل وان يعتب الفترة الرابعة داخله ف عهد الهاد‬

‫ف سبيل ال‪ ،‬وأن يعتب الفترة الامسة داخلة ف عهد النضمام إل الامعة السلمية أما الفترة‬

‫السادسة فهي عهد الستعمار البغيض أما الفترة السابعة فنرجو أن تكون داخلة ف عهد طويل مشرق‬

‫سعيد‪.‬‬

‫ويتلخص من هذا أن تاريخ جربة ينقسم إل خسة عهود‪:‬‬

‫العهد الول من ‪47‬هـ ‪529‬‬

‫العهد الثان من ‪960 529‬‬

‫العهد الثالث من ‪1298 960‬‬

‫العهد الرابع من ‪1298‬‬

‫العهد الامس يبتدئ من استقلل تونس ويستمر إل ما شاء ال وهذا الكتاب يتحدث عن‬

‫بعض الحداث ف العهود الثلثة الول أما العهد الرابع فله فصل ف غي هذه اللقة‪.‬‬
‫جربة بعد الفتح السلمي‬

‫الفترة الول‬

‫جربة جزيرة صغية كانت ل تتصل بغيها من البلد إل عن طريق البحر‪ ،‬ث انشئت با‬

‫قنطرة تتد ف البحر مسافة سبعة كيلومتر تربط بينها وبي جرجيس‪.‬‬

‫دخلها السلم ف النصف الول من خي القرون مع الفاتي من أصحاب (‪ )1‬رسول ال‬

‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واستقبل سكانا الدين الديد‪ ،‬بقلوب متفتحة لليان وأرواح متشوقة إل نور‬

‫ال‪ ،‬ولقد دخل السلم تلك الزيرة ول يرج منها‪.‬‬

‫عاشت جزيرة جربة بعدما دخلها السلم واستجاب أهلها لدين ال‪ ،‬ف أغلب الحيان أما‬

‫مستقلة استقلل كامل‪ ،‬وأما مستقلة استقلل داخليا‪ ،‬ول تكن تابعة للدول القائمة ف غيها من‬

‫البلدان تبعية كاملة إل ف فترات قصية من التاريخ‪ .‬فمنذ دخلها السلم‪ ،‬وتشرفق تربيتها الزكية‬

‫بإقدام الفاتي الول‪ ،‬وارتلت عنها الوثنية والسيحية الحرفة‪ ،‬ل يعد فيها للكفر مال‪ ،‬ولذلك فلم‬

‫تشترك ف حروب الردة الت كانت تثور بي الي والي ف متلف جهات البلد التونسية‪ ،‬ول‬

‫يرتفع فيها صوت يدعو إل الشتراك ف الروب الطاحنة‪ ،‬والعارك الائلة‪ ،‬الت كانت تشنها بقايا‬

‫الوثنية الضالة‪ ،‬والسيحية التعصبة‪ ،‬لنه ل تبق للكفر ف الزيرة بقية منذ أشرق فيها نور دين ال‪.‬‬

‫ولقد بقيت طيلة حروب الردة ف أفريقية وهي متربصة يقظة خشية أن يدهها الرتدون أو من‬

‫يركونم ليتخذوا منها مركز هجوم أو ملجأ للتحصن والدفاع‪ .‬وكانت دائما مستعدة لرد من ياول‬

‫ذلك من أعداء ال‪.‬‬


‫إن الصحاب الليل حينما أت فتح جربة‪ ،‬وعرف إن أهلها قد استجابوا ل ورسوله ل يعد‬

‫ليتهم بناحية الكم فيها وقد قاد جيوشه الظفرة لواصلة الكفاح ف سبيل ال حيث يب الكفاح‬

‫واستودع أهل جربة دينهم وامانتهم وخوات عملهم‪ ،‬ويبدو أن أهل جربة ذاقوا حلوة الستقلل ف‬

‫ظل السلم‪ ،‬واستمرأوه‪ ،‬فأرادوا أن تبقى جزيرتم على ذلك الوضع‪ ،‬الذي تركهم عليه رويفع‬

‫فساروا ف اتاهه‪.‬‬

‫ولا ت فتح البلد التونسية‪ ،‬وقضى القضاء الكامل على الوثنية‪ ،‬وأصبحت كلمة ال هي العليا‬

‫وخضع الغرب للدولة الموية‪ ،‬يقيت جربة منعزلة عن ولة الكم‪ ،‬يقيم بعض مشائخها فيها حكم‬

‫ال‪ ،‬حسبما تلقوه ف الي من حلة دين ال‪.‬‬

‫وتعاقب ولة الدولة الموية على الملكة التونسية وتنازعوا فيما بينهم على الكم ف بعض‬

‫الحيان وثار عليهم الناس هنا أو هناك أحيانا أخرى‪ ،‬وكان الناع هذه الرة داخل صفوف السلمي‬

‫يقوم به ثائرون على انراف الولة بالكم عن منهاج السلم أو حريصون على البقاء ف الكم‪ ،‬أو‬

‫طامعون ف الوصول إليه‪ ،‬وبقيت جربة على الوضع الذي اخنارته لنفسها‪ ،‬تطبق نظم الكم‬

‫السلمي ف شؤونا الداخلية‪ ،‬ول ترج خارج الزيرة‪ ،‬ول ترمى بثقلها إل أي جانب من الوانب‬

‫التنازعة‪ ،‬فلم تشترك ف الثورات الكثية الت كانت تقع عن يينها وشالا‪ ،‬وإنا حافظت على الياه‬

‫والسلم إل أواخر القرن الثان حي التحقت راغبة طائعة بالدولة الرستمية‪ ،‬والسبب ف بقائها إل‬

‫هذا الي دون أن تنضم إل حكم ولة الدولة الموية أو ولة الدولة العباسية أو الثائرين عليهم‪ ،‬هو‬

‫ما كانت تلحظه من البعد بي نظم الكم الت جاء با السلم‪ ،‬وبي طرق الكم الت يسي عليها‬

‫أولئك الولة ف كثي من الحيان‪ ،‬فقد كان واضحا أن أغلب الولة ل يكونوا يتقيدون بالتشريع‬
‫السلمي ف معاملة الناس‪ ،‬والساواة بينهم ف القوق والواجبات‪ ،‬وإنا كانوا يهتمون قبل كل شئ‬

‫بإقامة الدولة‪ ،‬والحافظة على السلطة‪ ،‬ولو أدى ذلك إل انتهاك الرم الت صانا السلم‪.‬‬

‫ولقد قامت ف ليبيا ثلث امامات مستقلة عن الدولة الموية والدولة العباسية‪ ،‬وحاولت تلك‬

‫المامات أن تعود بالكم النحرف إل النهج الذي جاء به دين ال‪ ،‬وشل حكم هذه المامات‪،‬‬

‫بعضا من البلد التونسية إل أن جربة بقيت مترددة ل تقدم على النضمام إل تلك المامات‪،‬‬

‫وحافظت على حيادها السياسي والعسكري‪ ،‬ولعل شيوخ الزيرة كانوا يرون إن البقاء على وضعهم‬

‫الاص ل يعرضهم لسخط أحد‪ ،‬كما أنم كانوا يرون أن المامة ل يكن أن تستقر ف ليبيا‪ ،‬لن‬

‫ليبيا هي الطريق الطبيعي للجيوش الذاهبة من الشرق إل الغرب أو من الغرب إل الشرق‪ ،‬ومهما‬

‫كان رأيهم ف الوضوع فقد واقفوا منها موقفا سلبيا‪ ،‬فلم يساعدوها ف حروبا سواء ف ذلك‬

‫الروب الواقعة ف ليبيا أو الروب الواقعة ف البلد التونسية‪ ،‬كما ل يساعدوا مناهضيها ف كل‬

‫البلدين‪ .‬فلما تأسست الدولة الرستمية ف الزائر وبايع الناس عبدالرحن رستم بالمامة كانت جربة‬

‫من البلدان الول الت استبشرت بيلد هذه المامة‪ ،‬وسارعت إل النضمام إليها والدخول تت‬

‫جناحها‪ ،‬كما فعل أغلب النوب والوسط من البلد التونسية‪ ،‬ولعل من السباب الت جعلت جربة‬

‫تستبشر بيلد هذه المامة الديدة‪ ،‬والنضواء تت لوائها ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬كان عبدالرحن بن رستم شخصية لمعة فهو من حل العلم‪ ،‬ومن اخلص الدعاة إل‬

‫الحافظة على دين ال‪ ،‬ولقد أسند إليه حكم القيوان ف عهد المام أب الطاب فكان مثال للحاكم‬

‫السلم النيه‪ ،‬الذي يرص أعلى اقامة دين ال‪ ،‬فإذا بويع بالمامة ف الزائر فهو خليق أن يسي با ف‬

‫طريق العدول من الؤمني‪.‬‬


‫‪ -2‬الوقع الذي اختاره عبدالرحن ومستشاروه ليكون مركزا للمامة‪ ،‬موقع متاز تتوافر فيه‬

‫جيع وسائل الستقرار لقامة حكم عادل ف دولة قوية‪.‬‬

‫‪ -3‬كان أهال جربة يعرفون أنم لن يتركوا على هذا النعزال والستقلل دون أن يدخلوا‬

‫تت حكم دولة‪.‬‬

‫وهكذا اختارت جربة أن تكون تابعة للدولة الرستمية ف الزائر شأنا ف ذلك شأن أغلب‬

‫الملكة الليبية وأغلب البلد التونسية‪ ،‬وأصبحت منذ ذلك الي أهم حلقة اتصال بي الباضية‬

‫الوجودين ف ليبيا من جهة والباضية الوجودين ف تونس والزائر من جهة أخرى‪ ،‬وكانت علقتها‬

‫بالدولة الرستمية علقة استقرار وسلم واطمئنان‪.‬ولا كانت سياسة الدولة الرستمية تتمشى حسب‬

‫تعاليم السلم (‪ )1‬لا الشراف العام على القطار التابعة لا‪ ،‬دون التحكم فيها‪ ،‬وف مقدراتا فقد‬

‫كانت جربة كما كانت بلدان الوسط والنوب التونسيي وكما كان جبل نفوسة وغيه من البلد‬

‫الليبية التابعة للدولة الرستمية ترتبط بركز الدولة ارتباطها روحيا أكثر ما ترتبط با ارتباطا ماديا‪،‬‬

‫فلقد كان أهال الزيرة‪ ،‬كما كان غيهم ‪ -‬يتارون من يتول شؤونم‪ ،‬فيبعثون باسه إل مركز‬

‫المامة فيأت تعيينه عليهم فيتول أمرهم يكم بينهم بكم ال‪ ،‬فيفصل الشاكل‪ ،‬ويقيم الدود‪،‬‬

‫ويرعى مصال المة‪ ،‬باسم الدولة الرستمية‪ ،‬ول تكن الدولة الرستمية تمع الموال أو تفرض‬

‫الضرائب على الناس‪ ،‬وإنا كانت تمع الزكاة على النظام السلمي‪ ،‬وترص على صرفها ف‬

‫وجوهها الت عينها الكتاب الكري‪ ،‬وكانت زكاة جربة ل ترج منها فقد‬
‫‪1‬‬

‫‪ )1(1‬يقول الستاذ عثمان الكعاك ف كتابه القيم موجز التاريخ العام للجزائر صفحة ‪ " :180‬يرأس الدولة الرستمية أمام يلقب بأمي الؤمني بيده مقاليده‪،‬‬
‫وتصاريف أمورها وله ترجع السلطتان الزمنية والروحية‪ ،‬ينتخبه وجوه الدينة وزعماء الذهب‪ ،‬وشيوخ الدين بربة عن غي مبالة ‪ ،‬ول تقاليد‪ ،‬ول ولء ف قرابة‬
‫أو صداقة أو سلطان‪ .‬يراعون فيه العرفة والدارية والتحنك والدهاء والعدل والنصاف‪ .‬يريها على نفسه قبل ذوى قرابته‪ ،‬وعلى ذوى قرابته قبل الاشية أو‬
‫عموم السكان‪ ،‬وأن هم رأوا أعوجا قاموه بالسيف ل بالرفق واللي وأنزلوه من اريكته من غي وجل أو أسف أو اعتبار‪".‬‬
‫ويقول ف الصفحة ‪ " 182‬وكانوا على نزاهة تامة ل ينازعهم فيها منازع‪ ،‬وذمه بريئة من كل شائبة من الشوائب وقد وردت نوادر ف شأنم ف‬
‫كتب تاريية مالكية‪ ،‬ما يدل على عدم التعصب ف ذكر الرواية وصحة النقل‪.‬‬
‫كان عامل الدولة يمعها من أصحابا ث يصرفها برص شديد ف الوجوه الت تصر فيها الزكاة‪.‬‬

‫أما الند فرغم أن الدولة الرستمية هوجت ف كثي من الحيان‪ ،‬وقامت بينها وبي الدول‬

‫الجاورة لا عدة حروب‪ ،‬وثار عليها ثائرون خطرون رغم كل ذلك فأنا كانت تعتمد ف حروبا‬

‫على التطوعي للجهاد ف سبيل ال ول تتخذ جنودا مرتزقي كما كانت تفعل غيها من الدول الت‬

‫تقوم على الستبداد والظلم وقصاري ما اتذته من جند مستدي انا هم شرطة البلدية وكانوا يقومون‬

‫بذه الواجبات احتسابا لا عند ال ول يأخذون عن عملهم هذا مقابل كذلك بعض الشرطة الذين‬

‫يقومون مقام البوليس لفظ المن والقبض على الناة ولذلك فقد كانت البلد التابعة لا كجربة ل‬

‫تتخذ جندا ول ترسلهم إل الدولة‪ ،‬ومهمته الرب‪ ،‬وإنا كانت الدولة الرستمية ف حروبا تعتمد‬

‫على التطوعي فعندما تثار حرب يدعى الناس إل الهاد ف سبيل ال أو حاية الوطن أو ما إل ذلك‬

‫فيندفع الناس إل القيام بذلك الواجب القدس غي منتظرين اجرا من الدولة أو كسبا من الرب‪ ،‬فإذا‬

‫رأى المام إن العدو التطوع ف مركز الدولة ل يكفيه للدفاع استعان بغيهم ف بقية البلد‪ ،‬دون أن‬

‫يلزمهم العدد أو يمل الناس على الرب مرغمي أو طامعي ف مكسب دنيوي فإذا انتهت العركة‬

‫رجع أولئك الحاربون إل أعمالم الرة‪.‬‬

‫ويبدو أن الزيرة حافظت على البدأ الذي التزمته من قبل منذ الفتح السلمي فلم ترسل أي‬

‫ندة للدولة الرستمية ف حروبا الكثية‪ ،‬وإنا احتفظت بقوتا لنفسها‪ ،‬كذلك ل تشترك ف الثورات‬

‫الت قامت ضد الغالبة ف القيوان ول تاول أن تنصرهم وإنا حافظت على حيادها الكامل بالنسبة‬

‫لذه الدولة‪.‬‬
‫ونستطيع ف آخر هذا الفصل أن نلخص الديث عن جربة ف الفترة الول من تاريها‬

‫السلمي فيما يلي‪-:‬‬

‫دخل السلم إل جربة سنة ‪ 47‬من الجرة على يد رويفع بن ثابت النصاري على أشهر‬

‫الروايات‪ ،‬ومنذ فتحها رويفع ل يرتفع فيها صوت للفكر أو الردة‪ ،‬فقد رضيت السلم دينا‬

‫واطمأنت له وعملت به وحافظت عليه ف اطارها الداخلي‪ ،‬ولذلك ل تعد إليها اليوش السلمية‬

‫الفاتة الت كانت تنتقل من مكان إل مكان‪ ،‬لتأديب الرتدين والعصاة‪ ،‬لنه ل يكن ف جربة مرتدون‬

‫أو عصاة‪ .‬وكان قادة الفتح ف العهود الول ل يهتمون بظاهر السلطة‪ ،‬ول ييلون إل التحكم أو‬

‫النفوذ‪ ،‬وإنا كل ما يعنيهم هو نشر السلم وأمن الدعوة إليه‪ ،‬فحيثما تفف ذلك ترك أهل البلد‬

‫وشأنم‪ ،‬ولذلك فما افتتحوا الزيرة‪ ،‬وأيقنوا أن أهلها قد نبذوا الوثنية‪ ،‬واسلموا أمرهم ل‪ ،‬حت‬

‫تركوهم لشأنم‪ ،‬ووجدت جربة نفسها وهي تعيش ف ظل السلم إنا قد ارتاحت من عنت الكفر‪،‬‬

‫ومن طغيان الرومان الذين كانوا يتحكمون فيها تكم الستعمر الباغي‪ ،‬فحافظت على السلم‬

‫والسلم‪ ،‬واستمرت على هذه الالة الادئة إل أواخر القرن الثان حي انضمت إل الدولة الرستمية‬

‫ودخلت تت رعايتها‪ ،‬واحتمت بناحها‪ ،‬ومن أواخر القرن الثان إل أواخر القرن الثالث ل تتلف‬

‫الحوال كثيا على جربة‪ ،‬فقد بقى فيها النظام السلمي‪ ،‬وكان علماؤها يرصون على تطبيقه‪،‬‬

‫وكل ما حدث من فرق أن الوامر ف العهد الرستمي كانت تنفذ باسم المام‪ ،‬وإن العمال كانت‬

‫تقام باسم الدولة‪ ،‬ولقد نتج عن هذا الستقلل والستقرار ف الزيرة نتائج أتت بثمار طيبة‪ ،‬فقد‬

‫اهتم الناس فيها بالدراسة ونشر العلم وبث العرفة‪ ،‬فنبغ علماء فحول ف هذا العصر كانت لم اليد‬

‫البيضاء على توجيه الناس من الناحية الدينية والجتماعية واللقيو والسي بم ف النهاج السلمي‬

‫للحياة البشرية‪ ،‬وتكونت عدة مدارس حافظت على التراث السلمي الجيد طيلة قرون طويلة‪،‬‬
‫ونستطيع أن نعتب الفترة الول من تاريخ جربة الت تتد ما بي ‪ 47‬و ‪ 300‬فترة استقلت فيها جربة‬

‫استقلل كامل لدة قرن ونصف وكانت تابعة للدولة الرستمية لدة قرن‪ ،‬وكان عهدها ف هذه‬

‫التبعية شبيها بعهود الستقلل لنا كانت تتمتع بميع الزايا الت تكفلها نظم الكم السلمي حي‬

‫يقام لمه مسلمة‪ ،‬صان السلم دماءها وأموالا وأعراضها‪ ،‬واتاح لا من فرص الياة الكرية ما يسر‬

‫لا أن تعيش حرة سعيدة‪ ،‬دون أن تكون خاضعة للهواء البشرية‪ ،‬الت تفرضها غطرسة الكام الذين‬

‫ل يتقيدون بأحكام ال‪.‬‬

‫هذه خلصة الفترة الول وتتضح فيها الصائص التية‪:‬‬

‫‪ -1‬ل يقع فيها ارتداد عن السلم كما وقع ف أكثر الهات الجاورة لا‪.‬‬

‫‪ -2‬ب تنضم إل فريق من الفرق التحاربة‪.‬‬

‫‪ -3‬حرصت أن تباشر شئونا بنفسها تت رعاية شيوخ العم ول تاول أن تنضم إل دولة‬

‫قائمة أو تعلن ميلد دولة قبل إنضمامها إل المامة الرستمية‪.‬‬

‫‪ -4‬عكفت على نشر العلم‬

‫‪ -5‬كانت هذه الفترة ف حياة جربة فترة استقرار وهدوء وسلم‪.‬‬

‫جربة ف العهد السلمي‬

‫الفترة الثانية‬
‫ف اواخر القرن الثالث نشأت الدولة الفاطمية وتغلبت على الدولة الرستمية ف الزائر ث على الغالبة‬

‫ف تونس‪ ،‬فازاحتهما عن الكم‪ ،‬وقد نشأ عن ذلك عدد من الثورات والروب الدامية الت امتدت‬

‫زمنا طويل ف جيع البلد الزائرية‪ ،‬والبلد التونسية والشق الغرب من ليبيا‪ ،‬وأدى ذلك من الناحية‬

‫السياسية ال انقطاع التصال بي جربة ومركز الدولة الرستمية الت انقرضت كما قلل من وسائل‬

‫التصال بينها وبي جبل نفوسة ل سيما وان البل كان ل يزال يعان من النكبات التوالية الت‬

‫سلطت عليه ومن اهها اثار وقعة مانو الت ذهب فيها خيار ابطال البل وعلمائه‪.‬‬

‫ورأى علماء جربة على ضوء الحداث الواقعة‪ ،‬ان يعودوا إل نظام حياتم ف العهود السابقة قبل ان‬

‫يدخلوا تت حكم الدولة الرستمية‪ ،‬فعليهم ان يافظوا على استقللم الداخلي من الناحية السياسية‪،‬‬

‫وعليهم ان ل يتكوا بالدولة الفاطمية الت تاول ان تستقر‪ ،‬وعليهم ان ل يتكوا بالثوار الذين‬

‫ياولون ان يقضوا على هذه الدولة الناشئة‪ ،‬وعليهم ان يافظوا على جزيرتم وان ل يتركوا احدا من‬

‫التنازعي ليجعلها مركزا للعدوان‪ ،‬وكانوا يهمهم ان يعيشوا على حياد تام وف سلم ف ظل‬

‫السلم‪ ،‬وهم وان انقطع التصال السياسي بينهم وبي الزائر وليبيا إل انم كانوا على اتصال وثيق‬

‫مستمر باخوانم الباضية ف كامل القطر التونسي وف الزائر وليبيا والفارق بي حالة الباضية ف‬

‫جزيرة جربة وبي غيهم من الباضية ف البلد التونسية‪ ،‬ان اباضية جربة قد عاشوا طول الفترة‬

‫الاضية ف حياد وامن وسلم‪ ،‬ل تنلهم الروب‪ ،‬ول تستفزهم الثورات‪ ،‬ول يقع عليهم اعتداء‪ ،‬ول‬

‫يصابوا باضرار حرب‪ ،‬اما اخوانم من الباضية ف بقية البلد التونسية فقد كانت توجه اليهم‬

‫الضربات اثر الضربات‪ ،‬اما من الدول القائمة الت تريد ان تكم‪ ،‬واما من الثوار الذين يريدون ان‬

‫يطيحوا بتلك الدول ليصلوا إل الكم‪ ،‬واما من فورات العصبية الذهبية الت تذكيها الصلحة الفردية‬

‫احيانا‪ ،‬والصلحة السياسية احيانا اخرى‪.‬‬


‫ونظم اهال جربة حياتم على نظامهم الاص‪ ،‬ل يعلنون اسم دولة جديدة‪ ،‬ول ينضمون إل دولة‬

‫قائمة‪ ،‬ول يؤيدون الثوار الذين ينعقون ف كل جهة من البلد‪ ،‬فإذا التجأ اليهم ملتجئ‪ ،‬يلتمس الياة‬

‫الادئة‪ ،‬والستقرار والسكينة فتحوا له الجال وأووه‪ ،‬أما إذا اراد ان يتخذ الزيرة مركزا للعنف‬

‫والثورة‪ ،‬فأنم ل يسمحون له بذلك‪ ،‬ويردونه عنهم بلطف فاذا ل يستجب ردوه عنهم بعنف‪.‬‬

‫وعندما كانت الدولة الفاطمية تكافح من اجل البقاء ف الملكة التونسية‪ ،‬وتعمل جاهدة على التمكن‬

‫والستقرار‪ ،‬كان اهل جربة ل يهتمون با وانا كانوا يلمون بانم سوف يعيشون حياة هادئة آمنة‬

‫سعيدة‪ ،‬كتلك الياة الت عاشوها ف الفترة الول‪ ،‬ل تكم ول ظلم ول عدوان‪ ،‬ول وثنية ول كفر‬

‫ول عصيان‪ ،‬ولكن هذا اللم ل يطل‪ ،‬فان الدولة الفاطمية كانت تعمل على الستقرار لتباشر‬

‫الكم‪ ،‬وتستغل مكاسبه‪ ،‬ولذلك فما اطمأنت إل استقرارها‪ ،‬وثبتت دعائم حكمها ف الهدية‪،‬‬

‫وكونت اساطيلها البحرية القوية حت فكرت ف مباشرة الكم على تلك البلد الت بقيت منعزلة‬

‫عنها وهكذا وجهت اسطولا إل جزيرة جربة على حي غفلة من أهلها ودخلتها سنة ‪ 311‬على يد‬

‫علي بن سليمان الداعى فاصبحت جربة بذلك خاضعة خضوعا فعليا حقيقيا للدولة الفاطمية‪ ،‬وذاقت‬

‫جربة مرارة الكم الظال كما كانت تذوقه بقية البلد‪ ،‬ولقد زاد ف شناعة الوقف ما كانت تبثه‬

‫الدعاية الفرضة الت تباعد ما أمكنها بي فرق السلمي ل سيما بي الباضية والشيعة‪ ،‬وكان الولة‬

‫من الشيعة يرتكبون ما يرتكبون من الفواحش ف جربة وف غيها من بلد الباضية وهم يعتقدون ان‬

‫ما يفعلونه ل ترمه الشريعة‪ ،‬بل كثيا ما يرغبهم بعض التعصبي النغلقى الذهن على النتقام من‬

‫الباضية مستبيحا دماءهم واموالم‪ ،‬ولذلك فقد كان اولئك الولة ل يتورعون عن شئ وبقيت‬

‫الزيرة تت حكم الدولة الفاطمية عشرين سنة يتول أمرها ولة تعينهم حكومة الهدية‪ ،‬فلما ثار أبو‬
‫يزيد ملد بن كيداد صاحب المار‪ ،‬استبشر به الناس من جيع الطوائف السلمية الت كانت ف‬

‫البلد التونسية ما عدا الشيعة طبعا‪.‬‬

‫وظنوا ان اللص من ظلم الفاطميي انا يقع على يد هذا الثائر العنيد‪ ،‬ووقع ممع علمى‬

‫من علماء الالكية ف القيوان افتوا فيه بوجوب مناصرة أب يزيد وماربة الفاطميي بكل القوى‪ .‬وبدا‬

‫لول وهلة أن أبا يزيد هذا سوف ينتصر‪ ،‬وسوف يقوض أركان هذه الدولة‪ ،‬واستمر ينتصر ف‬

‫مواقع كثية وبلغ جربةفاحتلها سنة ‪331‬هـ‪.‬‬

‫كان اهال جربة كغيها من سكان البلد التونسية‪ ،‬يتذمرون من ظلم الفاطميي‪ ،‬ويتوقعون‬

‫اللص على يد أب يزيد‪ ،‬فلما احتل أبو يزيد جربة وارتكب فيها ما ل يأذن به ال وما ل يبلغ إليه‬

‫الفاطميون‪ ،‬وجدوا أن الوان الظلم تتفاوت حت يبدو بضعة بالنسبة إل بعض آخر كأنه العدل‬

‫الطلق‪ ،‬ومرت على جربة سنتان مظلمتان تت حكم أب يزيد الذي طرد منها عامل الدولة الفاطمية‪،‬‬

‫وحكمها كما شاء له ول تباعه الوى‪ .‬وف سنة ‪ 335‬قتل أبو يزيد الثائر العنيد‪ ،‬وارجعت جربة إل‬

‫حكم الدولة الفاطمية‪ ،‬ف الهدية فوجدت نفسها تقيم على الوان متلفة من الظلم والنراف عن‬

‫حكم ال‪ ،‬ولذلك فقد بدأت تعمل على الثورة‪ ،‬وتتهيأ لا وأعدت من الوسائل ما يكفل لا النجاح‬

‫وفيما بي سنة ‪ - 341‬و ‪ - 350 -‬كانت قد أعدت وسائلها واطمأنت إل ناحها فثارت‬

‫وطردت عامل الهدية‪ ،‬وعادت إل النظام الذي وضعته لنفسها من قبل‪ ،‬بعد الفتح السلمي‪،‬‬

‫وعاشت عليه ف الفترة الول من تاريها الجيد‪ ،‬واستمرت على ذلك الوضع إل عهد العز بن‬

‫باديس الصنهاجي الذي احتل الزيرة سنة ‪ 431‬فاستباح منها جيع الرم الت صانا السلم‬

‫وارتكب جريته النكراء فجمع خيار المة ف الزيرة من العلماء والزهاد وذوي الفضل والرأي‬

‫فذبهم‪ .‬أنا إحدى الرائم الت يقدم عليها الطغاة من الكام دون وازع من دين أو ضمي أو خلق‪.‬‬
‫ف هذه الفترة التاريية الت تتد ما بي سنة ‪ 300‬إل سنة ‪ 431‬عاشت جربة ثلثي سنة‬

‫تابعة كاملة لكم خارج عن الزيرة ذاقت فيه من ألوان الظلم والقهر والبوت ما كان يرتكبه‬

‫الظالون ف ف البلد الت يتغلبون عليها دون أن ياسبهم أحد‪ .‬وقد قضت سنتي من هذه الفترة تت‬

‫حكم أب يزيد بن كيداد أما الباقى من هذه الثلثي سنة فقد قضته تت الكم الباشر للدولة‬

‫الفاطمية‪ ،‬وعاشت مائة سنة من تاريها ف هذه الفترة مستقلة استقلل كامل عن التبعيات‪ ،‬تعيش‬

‫فيها على النظم الت اختارتا لنفسها ف الزمنة السابقة والت تود أن تعيش عليها ف الزمنة اللحقة‪،‬‬

‫ما ل تتكون دول تسي على النهج السلمي وتكم بدين ال‪.‬‬

‫هذه خلصة الفترة الثانية وفيها يتضح ما يأت من المور‪:‬‬

‫‪ -1‬تعرض أهل جربة لا كان يتعرض له غيهم من ويلت الروب‪.‬‬

‫‪ -2‬تكون فيهم بسبب العدوان عليهم استعداد للدفاع وحت للقيام بالثورات على الكم‬

‫الظال‪.‬‬

‫‪ -3‬حرصوا أكثر من ذى قبل على نظامهم الداخلي وبعدهم عن التصال بطلب الكم‬

‫وأدركوا مناسبته لصالهم فاستمسكوا به ف حرص واعتزاز‪.‬‬

‫‪ -4‬أصبحوا يعلنون سخطهم على النراف بالكم عن منهاجه السلمي وينتقدون مسلك‬

‫ولة المر والثوار عليهم جيعا وكان العلماء من أكثر الناس شدة ف نقد الوضاع الفاسدة‪ ،‬وبيان‬

‫مالفتها للشريعة السمحة الكرية‪.‬‬

‫‪ -5‬كان سكان جربة أمة تب السلم وترص عليه ول يهمها أن تعيش ف أمن بعيدة عن‬

‫مظاهر العنف فلما وقع عليها العدوان وارتكبت فيها الفواحش دون سبب يدعو إل ذلك من أولئك‬

‫العتدين بدأت تراجع مبادئها ف الياة وموقفها من الناس‪.‬‬


‫‪ -6‬كانت هذه الفترة ف حياة جربة فترة فيها قلق واضطراب وتوف من الستقبل واعداد‬

‫له‪.‬‬

‫جربة ف العهد السلمي‬

‫الفترة الثالثة‬

‫كان سكان جربة منذ الفتح السلمي إل سنة ‪ 431‬ياولون أن يتفظوا بدوء اعصابم‪،‬‬

‫ويلتجئون إل السلم‪ ،‬ول يعتمدون إل القوة والنتقام‪ ،‬ول يسعون إل ماربة غيهم من الدول أو‬

‫الثوار‪ ،‬وإنا كانوا يرصون على النعزال داخل جزيرتم‪ ،‬وتطبيق أحكام السلم ف شئونم الاصة‬
‫دون الحتكاك بالسياسة الارجية‪ .‬فلما احتل العز بن باديس الزيرة سنة ‪ 431‬وارتكب فيها من‬

‫الظلم والفواحش ما ل يغضى عنه الليم‪ ،‬ول يقتصر على الظلم ف الموال والعراض والرواح وانا‬

‫تعدى ذلك إل الدين والتحكم ف أعمال الناس وعقائدهم فاراد أن يرغمهم على اتباع مذهب معي‬

‫ولتنفيذ هذه الفكرة جع العلماء الذين يرجع إليهم الناس ف أمر دينهم وأمر بقتلهم جيعا‪.‬‬

‫لقد كان الشيعة ف الدولة الفاطمية ياولون من قبل أن يملوا الناس على الذهب الشيعي‬

‫ولكن ل يبلغ بم العدوان إل الد الذي بلغه العز بن باديس ف حل الناس على اتباع الذهب‬

‫الالكي فلقد أسرف فب حل الناس على ترك مذاهبهم وكان يلتمس أوهى السباب لقتلهم جاعات‬

‫وفرادى ول سيما ذوى العلم والرأي‪ .‬ول شك أن الامل له هذا السلك ليس هو الخلص‬

‫للمذهب الالكي وإنا هو الوف على ما بيده من اللك أو كان يشى أن تثور بعض تلك الذاهب‬

‫عى ظلمه وعدوانه فأراد استئصالا قبل أن تعد العدة له‪ .‬بل أن اتباعه للمذهب الالكي ل يكن مبنيا‬

‫على دراسة اسلمية ومقارنة بي الذهبي الشيعي‪ ،‬الذي نشأ عليه والالكي الذي جينئذ وكرههم‬

‫للشيعة ولكى يتخذ اولئك الناس انصارا له ويعتمد عليهم ف نظامه السياسي اعتنق الذهب الالكي‪،‬‬

‫وترك الشيعة ف حوادث تاريية تشبه ان تكون مسرحيات تثيلية ذهب ضحيتها اعداد وافرة من‬

‫السلمي (‪ )1‬وقد كانت فكرة قتل العلماء والصلحاء ومن يرجع إليه الناس ف أمور دينهم أبشع ما‬

‫ابتكرته السياسة الاكرة ف عقل العز بن باديس ويبدو أن الرجل قد ترد من اليان كل التجرد حي‬

‫كان يمع امثال أب عمرو النميلى وأب ممد كموس ليذبوا امامه حت ل يد الناس مرجعا لم ف‬

‫أمور دينهم‪.‬‬

‫لقد نتج عن تلك الذابح الت تولها العز ف جزيرة جربة واختار لتنفيذها خيار السلمي‬

‫نتائج خطية‪.‬‬
‫لوث العز يدية بالدم البئ‪ ،‬ورجع إل عاصمة ملكه ليستقبل مزيدا من الثورات والؤامرات‬

‫والكائد الت وجهت إليه من كل جانب ومكان‪ ،‬والت ما كان يدبرها أو يعد لا اولئك البرياء الذين‬

‫قتلهم ول من يعمل بارائهم‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫أما أهل الزيرة فقد أثارت فيهم هذه القضية رد فعل شديد وبعد ان كانوا امة مسالة‬

‫حريصة على أن تتبع دين ال وحكمة ف نفسها وف غيها وان تافظ على المن والسلم ف‬

‫ربوعها‪ ،‬وان ل تشترك ف الدماء الت تراق‪ ،‬والموال الت تتلس‪ ،‬يديها با حرم ال‪ .‬راجعت نفسها‬

‫على ضوء الحداث الت وقعت لا وذكرت قول الشاعر الاهلي‪:‬‬

‫ومن ل يذد عن حوضه سلحه يهدم ومن ل يظلم الناس يظلم فخيل إليها أن ف هذا النطق الاهلي‬

‫بعض الق‪ ،‬وقرر التحمسون من شبابا أن يثوروا‪ ،‬وان يرتكبوا ما يرتكبه غيهم‪ ،‬وان يعتدوا كما‬

‫يعتدى الخرون‪ ،‬انه ل يكفى لعزتم أن يردوا الظلم عنهم‪ .‬وإنا يب أن يقوموا بالظلم ف بعض‬

‫الحيان (‪ )1‬لقد كان العلماء العلم يغلون أيدي العامة عن ارتكاب الرية واتيان النكر فقتل العز‬

‫‪ )1(2‬قال الزاوى ف تاريخ الفتح العرب ف ليبيا صفحة ‪ " :195‬وقضى على الشيعة ومذهبهم وكان هذا مشجعا للناس على اضطهادهم والفتك‬
‫بم‪ ،‬كما قضى على مذاهب الصفرية والباضية والنكارية والعتزلة‪ ،‬وحل كل الناس على مذهب المام مالك‪".‬‬
‫اولئك العلماء وصمتت تلك اللسنة الدائبة على المر بالعروف والنهى عن النكر‪ ،‬وأصبحت الدعوة‬

‫إل النتقام وإل الذ بالثأر وإل النطلق من قيود الرام والشبهة‪ .‬دعوة ييل إلا الرأى العام فجد‬

‫القوم ف إعداد عدة الرب‪ ،‬وبنوا اساطيل ف البحر‪ ،‬وربوا شبابم على فنون القتال‪ ،‬وقبل ان تتم‬

‫سبع سنوات من احتلل العز للجزيرة كان أهلها يثورون على عامل الدلوة الصهناجية‪ .‬ويرمون به‬

‫وراء البحر ف وجه العز ويستقبلون بكم جزيرتم ف مظهر قوى عنيف هذه الرة ل ف رفق وهدوء‬

‫وسلم كما كانوا يفعلون من قبل‪ ،‬ول يكتفوا بذا بل سرحوا أساطيلهم للقرصنة‪ ،‬وسحوا لشبابم‬

‫أن يرتكب ما يرتكبه غيه من التسلط على الساطيل الضعيفة وغنيمة ما با من أموال‪ ،‬فضيقوا‬

‫الناق على الدولة الصنهاجية‪ ،‬وحبسوا التجارة عن الهدية وهي عاصمة الصنهاجيي‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وضاقت الذاهب على أمراء الدولة وحاولوا أن يردوا هذا الارد الذي خرج من القمقم‪ ،‬فلم‬

‫يستطيعوا‪.‬‬

‫لقد كان علماء الدين هم السحرة الذين حبسوا الارد ف الزيرة فلم يرج منها‪ ،‬أما وقد‬

‫قتل أولئك العلماء‪ ،‬وخفتت أصواتم فلم يعد هنالك ما يول دون الارد والنطلق‪ ،‬ومضى على‬

‫هذه الال قرابة سبعي سنة من سنة ‪ 441‬إل سنة ‪ .510‬وف هذه الدة تكونت طبقة أخرى من‬

‫العلماء العلم الريصي على مبادئ السلم فكانت أصواتم تنطلق آمرة بالعروف ناهية عن النكر‬

‫داعية إل التمسك بدين ال وأكثروا التنديد على أصحاب السفن الت تشترك ف القرصنة وحرموا ما‬

‫كانت تأت به من أموال فأثرت مواقفهم هذه ف نفوس أصحاب الساطيل‪ ،‬وف سنة ‪ 510‬جهز أبو‬

‫(‪ )1‬قرات هذا الفصل على العال الؤرخ الشيخ سال بن يعقوب الزب فلم يوافق على ما ورد فيه وقال أن ما ينسبه الؤرخون إل أهل جربة من‬ ‫‪3‬‬

‫قيامهم بالقرصنة ف هذه الفترة التاريية ل صحة له فإن أباضية جربة ل يستحلوا ف يوم من اليام أموال الناس ول دماءهم وقصاري ما كانوا يفعلونه انا هو‬
‫الدفاع الشروع عن أنفسهم واموالم واعراضهم ول يتجاوزوا هذا الوقف أبدا‪.‬‬
‫السن على بن يى بن تيم أسطول لغزو جربة واستعد أسطول الزيرة للقائه‪ ،‬كما استعد سكانا‬

‫للدفاع مهما كانت الظروف‪ ،‬وبقى أبو السن ماصرا للجزيرة أياما يهددهم بالرب والحتلل‬

‫فيظهرون له القوة والستعداد للدفاع وأخيا دعاهم إل صلح وكانت مواد الصلح أن يترك أبو‬

‫السن الزيرة دون أن يلحقها بكمه زذلك مقابل ما يأت‪:‬‬

‫أول‪ -‬أن يكفوا أساطيلهم عن التعرض إل السفن التجارية الت ترد إل الثغور السلمية ف‬

‫البلد التونسية‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬أن يفتحوا مال التجارة إل الهدية الت ركدت فيها الالة القتصادية‪.‬‬

‫ووجد علماء الزيرة أن هذه الشروط هي ما يب أن تكون عليه المة السلمة‪ ،‬فما يوز‬

‫العدوان على الخوة‪ ،‬فحملوا قادة الساطيل على الوافقة‪ ،‬وت الصلح على ان تبقى الزيرة مستقلة‬

‫ف شئونا الداخلية ل تتعرض لا الدولة الصنهاجية ف شيء‪ ،‬وان تكف أساطيل الزيرة عن القرصنة‪،‬‬

‫وأن تفتح مال التجارة مع الهدية‪ ،‬ورجع السطول الصنهاجي يمل شروط الصلح‪ ،‬وف كل من‬

‫الطرفي با وحافظا عليها‪ ،‬وبقيت جربة على نظامها الاص الذي عرفته من قبل والذي سارت عليه‬

‫إل سنة ‪.529‬‬

‫لقد نتجت عن هذا الصلح نتائج هامة أثرت على تاريخ الزيرة من بعد فمنذ وقع الصلح‪،‬‬

‫وحرم العلماء ما يأت به أساطيل القرصنة‪ ،‬أصبحت تلك الساطيل غي ذات جدوى‪ .‬وأصبح ألولئك‬

‫الشباب الذين كانوا يعيشون على الكفاح ف البحر‪ ،‬يتركون البحر والكفاح فيه‪ ،‬ويعرضون عنه‪،‬‬

‫حت صار غي ذى غناء لم وبيعت تلك الساطيل القوية العدة للحرب ول تبق إل سفن الصيد‬

‫الصغية‪ ،‬ونشأ اليل الديد ل يهتم بالسفن وقيادتا‪ ،‬ول يعد نفسه للحرب عليها‪ ،‬ول يشتاق إل‬

‫معانقة المواج‪ ،‬ومصارعة الثياج‪.‬‬


‫ورجع أهال جربة إل حياتم الوادعة الت كانوا يعيشونا منذ الفتح السلمي إل منتصف‬

‫القرن الامس‪ :‬نظام هادئ عادل مستقر يتول فيه أمورهم شيخ من شيوخهم بناء على ما يقرره‬

‫العلماء العلم ف مالسهم بالساجد‪ ،‬واطمأنوا إل هذه الياة الادئة الت اعتادتا الزيرة الصغية‬

‫الرابصة ف البحر‪ ،‬فقد كانت حياة هنيئة سعيدة ف ظل السلم‪ .‬إل ان اتاريخ كان يتمخض عن‬

‫أحداث هي أعنف ما سبق ف الزيرة من أحداث‪.‬‬

‫لقد امتدت هذه الفترة من تاريخ جربة قرابة قرن ل تكن فيها الزيرة تابعة لدولة أخرى‬

‫تبعية كاملة إل سبع سنوات أو أقل أما بقية الدة فقد عاشتها الزيرة مستقلة استقلل كامل عن‬

‫نفوذ أية دولة‪ ،‬على إن هذه السنوات السبع الت عاشتها الزيرة تابعة للدولة الصنهاجية خاضعة‬

‫للمعز بن باديس قد غيت من اخلق الزيرة ومن دينها الشيء الكثي‪ .‬وكان لوقف العز منها‬

‫وماولة حلة لا على اعتناق مذهب غي مذهبها‪ ،‬وقتله لعلمائها وصلحائها‪ ،‬اسوأ الثر من الناحية‬

‫الدينية‪ .‬فلقد بقيت الزيرة منذ الفتح السلمي إل إحتلل العز لا سنة ‪ 431‬نظيفة‪ ،‬ل يدخلها‬

‫الال الرام‪ ،‬ول تتلوث أيديها بالدم الرام‪ ،‬ول ترتكب فيها الرائم الت ترتكب ف غيها من‬

‫البلدان‪ ،‬ول يرج أهلها عن حكم السلم ف معاملتم للناس خارج الزيرة وداخلها‪ ،‬فلما وقف‬

‫العز منها ذلك الوقف الؤل‪ ،‬واحضر خيار أهلها فذبهم ذبح الغنام بي سع الناس وبصرهم‪ ،‬أثر‬

‫ذلك ف نفوسهم‪ ،‬وكون فيهم رد فعل شديد‪ ،‬نقلبوا معه من شعب يتقى الشبهات ويبتعد عن المى‬

‫إل قوة مندفعة حاطمة توض معركة الياة بنفس السلح الذي يستعملة غيها من الناس‪ .‬وما زاد‬

‫ف شناعة الوقف إن العز وهو يرتكب هذه اللوان من الظلم الفادح كان يزعم للناس انه يذود عن‬

‫دين ال‪.‬‬

‫هذه خلصة هذه الفترة من تاريخ جربة ويتضح ف هذه الفترة الظواهر التية‪-:‬‬
‫‪ -1‬خفوت صوت العلماء الذين يأمرون بالعروف وينهون عن النكر‪.‬‬

‫‪ -2‬انطلق العامة والدهاء ف ميدان الياة على نفس السلوب الذي ترى به الياة ف‬

‫البلد الخرى‪.‬‬

‫‪ -3‬تكون قوة برية ضاربة‪.‬‬

‫‪ -4‬تكون استعداد حرب داخل الزيرة‪.‬‬

‫‪ -5‬استقلل جربة عن الدول القائمة وحرصها على ذلك الستقلل‪.‬‬

‫‪ -6‬كانت هذه الفترة من حياة جربة فترة فيها خروج عن الألوف من حياة الباضية‬

‫واستمساكهم بدين ال وحرصهم على ذلك وفيها اعتزاز واعتداد بالقوة‪ ،‬وفيها ماولة لظهار‬

‫التسلط‪ ،‬ولكن ف آخر الفترة تغلب دعاة الق وملتزموا الستقامة على العامة والدهاء‪ ،‬واستطاعوا أ‬

‫يرجعوا بم إل النهج السلمي‪ ،‬ابتعاد عن الفتنة ودعاتا‪ ،‬وهروب من الظلم يقع منهم أو عليهم‬

‫وحرص على أحكام السلم ف الزيرة‪.‬‬

‫خلصة هذا العهد‬

‫هذا عهد تاريي قرابة خسة قرون‪ ،‬إذ يبدئ سنة ‪47‬هـ‪ .‬عندما دخل السلم أول مرة إل‬

‫جربة فأشرقت بنور ال ويتد إل سنة ‪ 529‬حينما هجم عليها قراصنة الفرنج فاحتلوها‪ .‬وكانت‬

‫حياة جربة‪ ،‬طيلة هذا العهد‪ ،‬بختلف أطواره‪ ،‬تعيش ف إطار إسلمي نظيف‪ ،‬قضت منه قرنا ونصفا‬

‫تابعة للدولة الرستمية‪ ،‬وحوال ثلثي سنة تت حكم الدولة الفاطمية أو العبيدية وسنتي تت حكم‬

‫أب يزيد بن كيداد‪ ،‬وسبع سنوات تت حكم الدولة الصهناجية‪ ،‬اما بقية الدة من هذا العهد وهى‬

‫تقارب ثلثة قرون‪ ،‬فقد كانت فيها جربة مستقلة عن غيها من الدول استقلل كامل‪ ،‬تعيش على‬
‫النهج السلمي ف الياة‪ ،‬وبالطريقة الت اختارها علماؤها‪ ،‬دون أن تعلن عن قيام دولة‪ ،‬ودون أن‬

‫تتخلى عن تنفيذ أي حكم من أحكام السلم‪.‬‬

‫ويق للمؤرخ الذي ينظر إل جربة من الزاوية السلمية غي مهتم بظاهر السلطة والنفوذ أن‬

‫يقول‪ :‬إن الفترة الت عاشتها جربة مستقلة عن تبعية غيها من الدول كانت عهودا مشرقة باليان‬

‫والعمل الصال والتمسك بدى ممد عليه الصلة والسلم‪ ،‬وذلك باستثناء السبعي سنة الت‬

‫اشتركت فيها أساطيل الزيرة ف العمال البحرية‪ .‬وأنا حي أطلق هذا الكم العام على سبعي سنة‬

‫من تاريخ الزيرة أجد نفسي ملزما بأن أوضح للقارئ الكري إن هذا الكم غي دقيق فإن السبعي‬

‫سنة ل تض كلها ف العمال البحرية كما إن الناس الذين يقومون با ليسوا أهل الزيرة كلها وإنا‬

‫هم أفراد منها وإل فإن الغالب من السكان ل سيما التديني منهم كانوا غي راضي عن تلك العمال‬

‫ويدل على ذلك أنه ما تكونت طبقة من العماء النظور إليهم حت استطاعوا أن يوقفوا تلك العمال‬

‫وان يطهروا أرض الزيرة وأيدى أبنائها من آثار الظلم والعدوان‪ ،‬وإن يعودوا بالمة إل سلوك‬

‫الطريق القوي‪ .‬عمل خالص ل وماسبة للنفس والتزام للحق‪ .‬مستجيبي لدعوة ال ف كتابه الكري‪" .‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضركم من ضل إذا اهتديتم إل ال مرجعكم جيعا فينبئكم با‬

‫كنتم تعملون"‪.‬‬

‫هذا العهد الول من تاريخ جربة ف السلم اما العهد الثان فيبتدئ من سنة ‪ 529‬حي‬

‫هجم الفرنج على الزيرة ويتد إل سنة ‪ 960‬حي دخلت جربة تت اللفة العثمانية‪ ،‬وسوف‬

‫نعرض بالديث ف الفصول التية عن العهد الثان من تاريخ جربة لنجلو من ذلك صورا من كفاح‬

‫المة السلمة نضعها بي يدى القارئ الكري لعله يد ف ذلك عبة وموعظة‪.‬‬
‫عهد الهاد ف سبيل ال‬

‫يسي تاريخ جربة ف هذا العهد‪ ،‬ف اتاهي متلفي‪ ،‬التاه الول هو مقاومة الستعمار‬

‫الصليب‪ ،‬وماربة القرصنة الفرنية‪ ،‬والوقوف ف وجه العدوان الذي تباركه الصلبية التعصبة‪ ،‬وسلطة‬

‫الكنيسة الاقدة‪ ،‬على الشواطئ السلمية‪ ،‬ويبتدئ هذا التاه من سنة ‪ 529‬ويتد إل سنة ‪.960‬‬

‫أما التاه الثان فهو تبعية الزيرة لكم خارج عنها سواء كان تت رعاية دولة‪ .‬أو تت‬

‫نفوذ ولة يعملون على الستقلل بالكم‪ ،‬ويبتدئ هذا العهد من سنة ‪ 555‬ويتد إل سنة ‪.960‬‬

‫وبينما كان تاريخ جربة ف التاه الول مشحونا بالحداث والهاد التواصل ف سبيل ال‬

‫والوطن‪ ،‬كان تاريها ف التاه الثان عبارة عن تمل وصب واداء لا يطلب من اموال وضرائب‪.‬‬

‫وسوف أحاول ف الفصول التية‪ ،‬أن أضع بي يدى القارئ الكري صورا عن كل من التاهي‬

‫مبتدئا بالتاه الول‪.‬‬


‫كفاح الستعمار الصليب‬

‫إن جزيرة جربة الصغية الت ليس لا مطامع‪ ،‬والت ترغب ان تعيش ف هدوء وسلم‪،‬‬

‫ارغمتها ظروف الياة إل أن ترج من عزلتها‪ ،‬وأن تكون اسطول تدد به بعض الوانئ‪ ،‬وتطم‬

‫السفن‪ ،‬وتصارع الساطيل‪ ،‬فجاءها أمي الهدية علي بن يى وعرض عليها صلحا بسن الوار‬

‫ووقف العدوان والتبادل التجاري فرضيت الزيرة بالصلح فأمنت من العدوان‪ ،‬واطمأنت إل السلم‪،‬‬

‫وفيما هي تنام ف احضان الطمأنينة‪ ،‬فأجأها أسطول بري قوي‪ ،‬لدولة حاقدة على السلم‬

‫والسلمي‪ .‬فقد جهز حاكم صقيلية روجار تستيقظ حت كان الفرنج قد احتلوها‪ ،‬واصبحوا يوبون‬

‫شوارعها ويعيشون فيها فسادا‪ ،‬تنادى السكان إل الدفاع‪ ،‬وقاتلوا قتال عنيفا تكبدوا فيه خسائر ل‬

‫تصى إل أنم غلبوا على أمرهم واستكانوا على رغمهم‪ ،‬وخضعوا الكم النورماند‪.‬‬

‫جعل النورماند من جزيرة جربة مركزا لتموين أساطيلهم‪ ،‬وامدادها با تتاج إليه ف عدوانا‬

‫من عتاد وسلح‪ ،‬كما اتذوها ملجأ لم من العواصف البحرية‪ .‬وانتظر أهل جربة أن يف احد‬

‫لنجدتم ولكن ل يستب لم ف الفق شيء‪ ،‬فقد كانت الساطيل الفرنية تسيطر على البحر البيض‬
‫التوسط‪ ،‬وكانت تاجم السواحل السلمية كل يوم‪ ،‬وكان حسن الصنهاجي صاحب الهدية‬

‫مشغول بالدفاع عن نفسه وعن مركز دولته‪ ،‬ولا طال بقاء النورماند ف الزيرة وأيقن أهلها انه ل‬

‫مدد يأتيهم من الارج‪ ،‬وإن بلدهم أصبحت مركزا للعدوان‪ ،‬منها تنطلق أساطيل القرصنة‪ ،‬فكر‬

‫أهال جربة ف الثورة ونظموا أمرهم ث تداعوا إل الثورة سنة ‪ 548‬فانتصروا على الامية الت تركها‬

‫الفرنج هناك وقتلوا منهم عددا عظيما وأخرجوا باقيهم من الزيرة‪.‬‬

‫وعندما ترامت فلول النهزمي إل صقلية‪ ،‬وبلغت تفاصيل الخبار إل ملكهم غضب غضبا‬

‫شديدا‪ ،‬وجهز أعظم أسطول عرفته القرصنة البحرية لذلك الي‪ ،‬ث وجهه إل جربة‪ ،‬وتلقى اهال‬

‫الزيرة ذلك السطول الضخم بنية مستميتة ف الدفاع‪ ،‬وعزم مصمم على النضال‪ ،‬وقعت معركة‬

‫من تلك العارك الائلة الت تتناثر فيها الشلء البشرية‪ ،‬دون حساب أو تقدير‪ ،‬وتغلبت القوة‬

‫والكثية‪ ،‬وقتل أهل الزيرة حت ل يكد يبقى فيهم من يقوى على حل السلح‪ ،‬وأخذ كثي من‬

‫أهلها أسرى فبيعوا ف أسواق إيطاليا وصقلية عبيدا‪ ،‬وخفتت ف الزيرة تلك الصوات الت كانت‬

‫تطن ف أجواف الليل بالدعاء وتلوة القرآن‪ ،‬وتل الساجد ف النهر بدروس العلم ودروس الوعظ‬

‫والرشاد وبدت الزيرة كانا ف غفوة طويلة ل تبدو عليها حركة أو حياة‪.‬‬

‫بقى الفرنج ف الزيرة إل سنة ‪ 555‬حي قدم عبد الؤمن بن على فساعد الزيرة على‬

‫طرد أولئك الستعمرين الدخلء كما طردهم من غيها من الثغور السلمية‪ ،‬وأدخل الزيرة تت‬

‫حكمة‪ .‬وما خرج الفرنج من الزيرة حت بدأت تعاودها الياة وتدب ف نواحيها الركة وأخذ‬

‫الناس يباشرون أعمالم العادية‪ ،‬وكان أولئك الذين فروا يعودون إليها‪ ،‬وبدأت النازل تعمر من‬

‫جديد‪ ،‬وانبعثت الركة ف السواق‪.‬‬


‫بقيت جربة تابعة لدولة الوحدين إل سنة ‪ 725‬حي استقل أبو زكرياء الول الفصى‬

‫بالكم ف تونس فانتقلت جربة إل نظرة‪ ،‬وصارت تابعة للدولة الفصية يكمونا بواسطة الولة‪.‬‬

‫والقيقة أن تبعية الزيرة للموحدين ف الول أو للحفصيي ف الخر إنا هي تبعية اسية‬

‫وكل ما يربط بي التابع والتبوع إنا هي مبالغ من الال يأخذها عامل الدولة ف جربة برسم الضرائب‬

‫ويسلمها للدولة الركزية ف تونس‪ ،‬ورغم أن أولئك الولة أو العمال يعينون من رئاسة الدولة ف‬

‫تونس ورغم ان جربة رضيت بذه التبعية للحكم ف تونس كان ل يعنيهم من الزيرة إل مبالغ الال‬

‫تدفع لم من حي إل حي‪ ،‬وكثيا ما كان الولة يستضعفون الكومة الركزية فيستبدون بالمر‪،‬‬

‫ويتصون بالكم ويتفظون بالموال لنفسهم‪ .‬اما الدفاع عن الزيرة وحايتها من عدوان القرصنة‬

‫الفرنية فذلك ما ل تتم به تلك الدول التعاقبة على حكم البلد‪ ،‬اللهم ال مرات قلئل سوف يد‬

‫القارئ الكري أحصاءها ف بعض الفصول التية‪ .‬وبقيت جربة من سنة الخاس ‪ 555‬الت خرج‬

‫فيها النصاري من جربة على يد عبد الؤمن بن على ومساعدته للسكان إل سنة ‪ 688‬حيث احتلها‬

‫الفرنج من جديد إحتلل كامل واستقروا فيها لدة طويلة إمتدت إل نصف قرن‪.‬‬
‫عندما خرج الفرنج من السواحل التونسية سنة ‪ 555‬ل يقفوا عن العدوان وإنا كانوا‬

‫يصرون على إحتللا من جديد ولذلك فقد كانت اساطيلهم ل تنفك عن مهاجة هذه السواحل‬

‫كلما امكنتهم الفرصة‪ .‬وبقيت جربة من سنة ‪ 555‬إل سنة ‪ 688‬أى مدة قرن وثلث وهى تصارع‬

‫الساطيل الفرنية منفردة رغم انا كانت تدفع الضرائب الباهضة والبالغ المة من الال إل اولئك‬

‫الولة الذين يتمرغون ف النعيم با يبتزونه من أموال الناس‪ ،‬ويلعون على أنفسهم اعظم القاب الكم‬

‫والنفوذ‪ .‬وطال على الزيرة الصغية امد الكفاح‪ ،‬واكلت الرب رجالا‪ ،‬وكان أبطالا الغاوير‬

‫يتناقصون ف كل موقعة‪ ،‬وكان الهاد التواصل ف سبيل ال يستنفذ ما لديهم من قوة بشرية وقوة‬

‫مادية‪.‬‬

‫واستمرت الزيرة على طريقتها ف دفاع العدو يهاجونا فتردهم على أعقابم وقد يتغلبون‬

‫عليها مؤقتا فيدخلون الزيرة ولكنها سرعان ما تثور بم‪ .‬فتقذف بم وراء البحر‪ .‬وف سنة ‪688‬‬

‫جهز الفرنج أساطيل ضخمة وعملوا على احتلل الزيرة احتلل ثابتا يستقرون فيه وهجموا عليها‬

‫بتلك القوى‪ ،‬وكان أبطال الدفاع عن الزيرة قد اكلتهم الرب فتغلب الفرنج عليها وجعلوا برج‬

‫القشتيل مركزا لم‪ ،‬وبقيت الزيرة تت حكمهم إل سنة ‪ 738‬أي انا بقيت تت الستعمار‬

‫الصليب نصف قرن كلم واولئك الذين يعتبونا ضمن ملكتهم وكم اخذوا منها من اموال ل يركوا‬

‫ساكنا لنجدتا واخرجها من أيدي اعداء ال والوطن‪.‬‬

‫وف هذه السنة استيقظت الدولة الفصية من سباتا‪ ،‬وذكرت أن عدوها يثم على صدر‬

‫قطعة كرية عزيزة من ترابا‪ ،‬ووجدت ف نفسها فرصة مواتية للعمل والتحرك فجهزت جيشا كبيا‬
‫ف اسطول ضخم‪ ،‬بأمر اللك الفصى أب بكر الثان واسند قيادة هذا اليش إل ملوف بن كماد‬

‫فقصد السطول الزيرة‪ .‬وحاصر القشتيل مدة غي طويلة فلن له إذ كانت الماية الفرنية هناك‬

‫تقع بي نارين نار السطول الهاجم‪ ،‬ونار السكان الثائروين‪ .‬وخرج الفرنج من الزيرة‪ ،‬وطهرت‬

‫من الستعمار‪ ،‬ورجعت إل حكم الولة الذين استقلوا با عن مركز الدولة‪ ،‬وكانوا يثقلون عليها‬

‫بالضرائب‪ ،‬ويكثرون من جع الموال ‪ ،‬إل أن أهل الزيرة كانوا راضي عن هذا الظلم‪ ،‬صابرين له‪،‬‬

‫فإن دفع الموال لخوة ف الدين أهون من البقاء تت ني الستعمار البغيض‪.‬‬

‫بقيت جربة من سنة ‪ 738‬إل سنة ‪ 835‬إي ما يقرب من قرن تت حكم ولة تابعي ف‬

‫السم للدولة ف تونس وقد يستبدون بالكم فيها أو ف بعض البلد الجاورة لا كما فعل أبن مكى‬

‫وابن أب العيون وغيهم وف كلتا الالتي حالة التبعية أو حالة الستبداد كانت جربة تعيش ف قلق‬

‫دائم بسبب ما تعانيه من ظلم وعدوان‪ ،‬غي أننا ل تاول ف هذه الفترة الطويلة أن تنفصل عن حكم‬

‫الولة واستمرت با هذه الالة إل سنة ‪ 835‬حيث بدأت تسطر صفحات من الجد قل أن تسطرها‬

‫أمة ف تاريخ الكفاح‪.‬‬


‫برج الماجم‬

‫كان أبو فارس عبدالعزبيز بن احد الفصى الذي تول الكم‪ ،‬سنة ‪ 796‬وتوف سنة ‪838‬‬

‫من أحزم ملوك الدولة الفصية ومن اكثرهم يقظة وعناية بأطراف ملكته وف سنة ‪ 835‬وقعت‬

‫احداث بالريد استدعت الهتمام با‪ ،‬فسار إل تلك البلد بمع كبي من جنده‪.‬‬

‫وترامى إل سع الفرنج اشغال اللك الفصى ببلد الريد‪ ،‬بعيدا عن السواحل التونسية‪،‬‬

‫وكانت فكرة الستيلء على السواحل‪ ،‬واتاذها مراكز للقرصنة‪ ،‬ما تزال تشغل أذهان الفرنج‪ ،‬من‬

‫مدة طويلة‪ ،‬وقد قاموا من اجل ذلك بعدة ماولت كما أسلفنا ف هذا الكتاب‪ ،‬وكان نصيبهم ف‬

‫تلك الحاولت‪ ،‬أما فشل ذريع‪ ،‬وإنا ناح مؤقت ل يلبث ان يؤل إل الخفاق‪ ،‬وف هذه الفترة ‪-‬‬

‫وقد تكونت لديهم أساطيل ضخمة‪ ،‬وعدد هائل من الحاربي الدربي على القتال ف الب والبحر‪،‬‬

‫وكانت القوة الربية للملكة التونسية مشغولة ف الدواخل ‪ -‬خطر لم إن الستيلء على موقع‬

‫استراتيجي ف السواحل السلمية‪ ،‬يعل البحر البيض التوسط تت سيطرتم‪ ،‬وكان اصلح مكان‬

‫لذا التركيز‪ ،‬وأيسره ف نظرهم‪ ،‬هو جزيرة جربة‪ ،‬هذه الزيرة الصغية الحصورة‪ ،‬الت ل يكن ان‬

‫تأتيها الدد ال من طريق البحر‪ ،‬والبحر سوف يكون تت سيطرتم ورقابتهم‪ ،‬ول يوجد من يرسل‬

‫إليهم ندة سوى ملك الضره أب فارس‪ ،‬وأبو فارس مشغول هو وجيشه ف بلد الريد‪ ،‬وهكذا‬

‫ضمنوا النجاح فيما بدا لم‪ ،‬فجهزوا أسطولم القوى واندفعوا ف البحر ينشدون انا شيد النصر‬

‫الرتقب‪ ،‬وهم يتجهون إل الزيرة الصغية الرابصة ف البحر‪.‬‬

‫اجتمع الشائخ ف الزيرة ف أسرع وقت‪ ،‬وطرحوا الوضوع للنقاش‪ ،‬ما هو الوقف اليكم‬

‫الذي يب أن تقفه هذه الزيرة الصغي الضعيفة العزولة عن العام؟ امام هذا السطول القوى‪ ،‬الجهز‬

‫بأحدث أنواع السلحة‪ ،‬قال قائل ربا يكون الستيلء اهون الشرين‪ ،‬فارتفعت أصوات النكار على‬
‫صاحب هذا الرأى واجيب بان موتم جيعا وخراب الزيرة اهون وأكرم الستيلء لولئك‬

‫القارصنة‪ ،‬وبعد استعراض أوجه الوقف الذي هم فيه‪ ،‬وتبادل الراء‪ ،‬اتفقوا على اتاذ الطوتي‬

‫التيتي‪.‬‬

‫الول‪ :‬ان ينتظروا نزل اليش الحارب إل الرض وعندئذ يهبون بكل ما لديهم من وسائل‬

‫إل الدفاع عن دينهم وشرفهم ووطنهم‪ ،‬وان ل يكنوا العدو ‪ -‬مهما كانت السائر ومهما كان‬

‫عدد القتلى ‪ -‬من التقدم ‪ ،‬فغن اليش الحارب إذا تكن من التقدم والوصول إل الحياء السكنية‬

‫الت يعمرها الضعاف من النساء والطفال والعجزة‪ ،‬جرأهم ذلك على الزيد من التقدم‪ ،‬وتكنوا من‬

‫الثخان ف القتلى‪ ،‬وسهل عليهم العدوان بختلف أشكاله على أولئك الضعاف‪ ،‬كما ان العملية‬

‫الربية إذا بلغت إل هذا الد فغنها تعن انتصار الفريق التقدم ل مالة‪ ،‬وبعث ذلك‪ ،‬الفشل ف عزائم‬

‫الناضلي‪ ،‬فإنم إذا راوا أسلحة العدو تقع على النساء والطفال‪ ،‬ورأوا العلوج يتوغلون ف الدينة‬

‫فغنهم ياولون ان ينقذوا ما يكن انقاذه اما بالفرار او بالتسليم وهذا يعن الزية‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬ان يرسلوا بأسرع ما يكن‪ ،‬رسول يمل الب إل أب فارس ف بلد الريد‪ ،‬ويطلب‬

‫منه السراع بالنجدة ما أمكن‪ .‬ونفذت الفكرتان ف الال‪ .‬فانطلق رسولم إل الريد يستصرخ أبا‬

‫فارس‪ ،‬وانطلق الشائخ يمعون الناس‪ ،‬ويثونم على الهاد ف سبيل ال‪ ،‬ويتقدمونم ف لذك‪ ،‬وما‬

‫سع الناس‪ ،‬بب هجوم العدو‪ ،‬ودعوة الشائخ إل لقائه‪ ،‬حت انطلقوا إل ميدان العركة‪ ،‬بكل ما‬

‫ليدهم من قوة‪ ،‬قوة اليان والثقة بنصر ال‪.‬‬

‫ووقع اللقاء‪ ،‬وصب البطال للجلد‪ ،‬وبذل العدو ما يلك من جهد ليتقدم خطوة فلم‬

‫يستطيع‪ ،‬ولكن امل كان يداعب غروره‪ ،‬فهو يعتقد أنه سوف يتد به البقاء ف الزيرة‪ ،‬وانه سيطيل‬

‫الصار لا‪ ،‬وانسيحاربم حرب مطاولة‪ ،‬ما دام يسد عليهم ثغور الزيرة‪ ،‬وليس من ندة تاتيهم من‬
‫الارج‪ .‬واستمرت النيان مشتعلة بي الفريقي‪ ،‬وكان القتلى يتساقطون من جيش العدو ف تتابع‬

‫واستمرار فإن الضربة حينما يوجهها السلم إل جيش العدو التكاثف الرصوص‪ ،‬ول بد ان توى‬

‫بقتيل‪ ،‬اما الطلقات الفرنية الت يطلقها العدو باسراف دون هدف‪ ،‬فإنا كانت ل تزيد عن احداث‬

‫مزيد من الضجيج‪ ،‬وأثارة غبار يتصاعد إل عنان السماء‪.‬‬

‫وثنت السلمون ف وجه العدو‪ ،‬وكانت كفتهم هى الراحجة طول الوقت‪ ،‬رغم ما يتمتع به‬

‫العدو من القوة والكثرة‪ .‬واحتفظ السلمون براكزهم ول ياولوا التقدم‪ ،‬وبينما كان القتال على أشد‬

‫ما يكون‪ ،‬وكان القتلى من العدو يتهاوون‪ ،‬وصلت النجدة إل أهال الزيرة‪ ،‬ف وقت ل يكونوا‬

‫يتوقعون وصولا‪ ،‬ول يكن العدو يتوقعها‪.‬‬

‫إن اللك الازم أبا فارس ما سع أن العدو هجم فعل على الزيرة‪ ،‬وأنه ينوى احتللا‪ ،‬حت‬

‫تلى عن جيع الشئون الت ذهب من أجلها إل الريد‪ ،‬وطار بيشه إل جربة‪ ،‬ولا كان يعرف أن‬

‫الدخول بالسفن والقوارب عن طريق البحر أمر مستحيل ف ذلك الي‪ ،‬فقد دخل خو وجيشه‬

‫خوضا ف البحر عن طريق ( ترابلة )‪ .‬ول يعلم السلمون حت وصلهم الدد ووجدوا سواعد أخوانم‬

‫تتد لعانتهم وتساعدهم‪ ،‬وما رأي العدو الدد يصل إل السلمي‪ ،‬وتتقوى صفوفهم به‪ ،‬ويدخل إل‬

‫اليدان ماربون جدد‪ ،‬جد مشتاقي إل شرف الشهادة او شرف النصر‪ ،‬حت وقع ف قلوبم الرعب‪،‬‬

‫وانكفأوا على أعقابم منهزمي‪ ،‬فركب السلمون ظهورهم‪ ،‬يقتلون فريقا‪ ،‬ويأسرون فريقا‪ ،‬ويغنمون‬

‫ما يقع تت أيديهم من سلح ومال‪ ،‬وقد رأى قادة الرب ف تلك الوقعة ان يثخنوا ف القتل‪ ،‬حت‬

‫يكون ذلك موعظة للمعتدين‪ ،‬فل تدثهم انفسهم بالعودة‪ .‬ث اجتمع اهل الزيرة وجند أب فارس‪،‬‬

‫فجمعوا رؤس القتلى‪ ،‬وبنوا با برجا عظيما‪ ،‬سوه برج الماجم حت يبقى ذكرى لذه الوقعة‬

‫الرائعة‪ ،‬ولقد بقى هذا البج من سنة ‪ 835‬إل سنة ‪ 1264‬حيث نقلت الماجم ودفنت‪ ،‬وبن ف‬
‫مكانا نصب تذكاري سى برج الماجم عليه رخامة نقش عليها تاريخ الوقعة وتاريخ دفن‬

‫الماجم‪.‬‬

‫كانت هذه الادثة‪ ،‬إحدى الوادث الالدة لهال جزيرة جربة البطال‪ ،‬على اهداء ال‬

‫والدين والوطن‪.‬‬

‫كان الربيون أشد الناس مبة للسلم‪ ،‬وحرصا عليه‪ ،‬فلما اضطرتم الظروف إل الوقوف ف‬

‫ميادين القتال‪ ،‬اثبتوا أنم أشد الناس صبا على الكروه‪ ،‬وأقواهم احتمال‪ ،‬واعرفهم بالتفكي القترن‬

‫ف الوادث السود‪ ،‬واشجعهم ف أوقات الحنه‪ .‬لقد عرفوا كيف يستلون النصر‪ ،‬ويؤدبون العتدين‪،‬‬

‫ويبهنون للعال أجع‪ ،‬شرقية وغربية‪ ،‬أنم امة تب السلم ما وجدت إليه سبيل‪ ،‬فإذا شرت للحرب‬

‫فإنا امة ل تعرف التردد‪ ،‬ول ترهب النضال‪ ،‬انه ل شئ يبعث الوف إل نفسها‪ .‬وف هذه الادثة‬

‫برهان صادق على ما نقول‪ ،‬وسوف تأت شواهد كثية على ذلك‪.‬‬

‫لقد يطر لبعض القراء الكرام إن أهال جربة ما انتصروا ف هذه الوقعة إل بفضل ندة أب‬

‫فارس‪ ،‬فالفضل ف هذا النتصار الرائع راجع إليه‪ ،‬ونن ل ننكر فضل هذا اللك الازم ل ف هذه‬

‫الوقعة ول ف غيها من الواقع الت كان له فيها يد ف أي مكان‪ .‬ول شك أن أبا فارس يعتب من‬

‫خية من ول الكم ف البلد التونسية‪ ،‬ومن أكثرهم حزما ونشاطا‪ ،‬وغية وحفاظا‪ .‬كما ل ننكر‬

‫فضل أي ملك أو أمي قدم للمة أو للوطن أية خدمة ف أي جانب من البلد السلمية الشاسعة‪،‬‬

‫ولكننا فيما يرجع إل هذه الوقعة بالذات الت ت فيها النصر للجربيي على الفرنج بساعدة أب‬

‫فارس‪ ،‬نرى أن أكب الفضل أول وأخيا إنا يرجع إل أهل الزيرة‪ ،‬إل أولئك البطال ‪ ،‬الذين كان‬

‫لم من قوة اليان والصب‪ ،‬ومضاء العزية وصدق الرادة‪ ،‬ما جعلهم يصممون على الوقوف ف وجه‬

‫عدو ل نسبه بي ما أعده لحاربتهم من وعدة وعتاد وبي ما لديهم من عدة كليلة‪ ،‬وإعداد قليلة‪ ،‬ث‬
‫يقفون فعل ف وجهه كالسد النيع رغم أنه تكن من حصرهم ف الزيرة‪ ،‬وسد عليهم منافذ الرزق‬

‫والياة‪ ،‬وحال دونم ودون التصال بالعال الارجي فيما يسب‪ ،‬ولول ايانم بال‪ ،‬وثقتهم ف‬

‫نصره‪ ،‬وما يتحلون به من شجاعة وثبات ورباطة جاش‪ ،‬لا وقفوا هذا الوقف الشرف‪ .‬فجابوا‬

‫العدو وردوه على اعقابه‪ ،‬ولا سجلوا هذا اليوم السلمي العظيم على أعداء ال‪.‬‬

‫يوم من أيام السلم على الصليبية‬

‫مرت على النسانية ف البحر البيض التوسط‪ ،‬عهود نستطيع ان نسميها عهود القرصنة‪،‬‬

‫أنا عهود مجلة تمل الزي والعار ف أحداثها‪ ،‬ولكن الؤرخ وهو يستعرض الياة البشرية‪ ،‬ل بد‬

‫أن ير با‪.‬‬
‫بقد تكونت أساطيل ضخمة‪ ،‬تهزها دول كبى‪ ،‬وتباركها كنائس تنتسب إل السيحية‬

‫السمحة‪ ،‬وليس الغرض من تلك الساطيل حاية المالك ول الدفاع عنها‪ ،‬ول حت اثبات النفوذ‬

‫واقرار الكم‪ ،‬وإنا الغرض منها أول‪ ،‬السرقة والغضب واختطاف الناس‪ ،‬وبيعهم ف السواق عبيدا‪.‬‬

‫ث بعد ذلك‪ ،‬النتقام أو التشفى أو تبيد حرارة القد الذي تشبعت به بعض النفوس ف جنوب أوربا‬

‫ل سيما أسبانيا‪ .‬فهى تتل الثغور‪ ،‬وتتلك الوان‪ ،‬لتجعل منها مراكز إعتداء‪ ،‬تاجم منها البلد‬

‫والسفن البحرية‪ ،‬حت السفن التجارية وقوارب الصيد الصغية‪ ،‬وكم ينتفح قادة تلك الساطيل كبا‬

‫واعجابا بالنفس عندما يتغلبون على ما يقع بي أيديهم من سفن تارية أو حربية فيأخذون ما فيها‬

‫من أموال وبضائع‪ ،‬ويسبون من با من الناس فيتخذونم عبيدا‪ ،‬يذفون لم ف سفنهم تت السياط‬

‫والعذاب‪ ،‬أو يبيعونم ف السواق ليقبضوا ثنهم ذهبا وفضة‪ ،‬ونشطت القرصنة الصليبية ف القرون‬

‫الوسطى‪ ،‬تباركها بعض الكنائس التعصبة‪ ،‬وتساعدها الدول الصليبية الاقدة حت كادت تلك‬

‫القرصنة أن تتحكم ف البحر البيض التوسط‪ ،‬وحت أصبحت التجارة البحرية تت رحة تلك‬

‫الساطيل الت ل تنفك تخر عباب البحر باستمرار‪.‬‬

‫استطاعت القرصنة ف أوائل القرن العاشر أن تتحكم ف البح البيض التوسط تكما‬

‫كامل‪ ،‬فقد كانت الساطيل السبانية تنطلق من شواطئ اوربا مهزة بكل وسائل القتال‪ ،‬لتقتنص ما‬

‫تده ف لبحر من سفن إسلمية‪ ،‬أو لتهاجم ثغور الغرب السلمي‪ ،‬لتختلس منها ما يسهل اختلسه‪،‬‬

‫أو تقيم فيها مراكز للعدوان‪ ،‬وتأيدت هذه الركة بفرسان القديس يوحنا‪ ،‬الذين تؤيدهم الكنيسة‬

‫وتبارك اعمالم‪ ،‬والذين سح لم بأن يتخذوا من ( مالطة ) الزيرة البحرية القريبة من الشواطئ‬

‫السلمية‪ ،‬مركز انطلق وعدوان‪.‬‬


‫هاجت أساطيل القرصنة الفرنية متعاونة موانئ الغرب السلمي‪ ،‬فاحتلتها ميناء بعد ميناء‪.‬‬

‫بدأوها من الغرب القصى‪ ،‬وساروا معها حت احتلوا طرابلس سنة ‪ 916‬ول يبق من موانئ الغرب‬

‫السلمي بعد احتلل طرابلس‪ ،‬إل جزيرة جربة‪ ،‬وقد تركوها من قبل‪ ،‬واهتموا بغيها لنم كانوا‬

‫يظنونا لقمة سائغة سهلة إلزدراد‪ ،‬فهى جزيرة ضغية منكمشة ف البحر‪ ،‬ل قوة لا‪ ،‬ول مدد يأتيها‪،‬‬

‫إن احتللا ل يتجاوز بضع ساعات‪.‬‬

‫انفلت القرصان الكبي ( بدور نافارو ) باسطول يتكون من أثن عشرة سفينة إل جزيرة‬

‫جربة‪ .‬وف اليوم التاسع والعشرين من ربيع الول ‪ 916‬من الجرة النبوية وقف أسطول عتيد على‬

‫مداخل جربة‪ ،‬ونزل منه زورق صغي يمل رسالة إل شيخ الزيرة أب زكرياء يى السمومن‪.‬‬

‫وقف الرسول أمام الشيخ ف اعتداد السارق الوقح‪ ،‬وطلب من الشيخ باسم قائد السطول‬

‫أحد أمرين‪ :‬أما تسليم الزيرة‪ ،‬واما القتال‪ ،‬فأجاب الشيخ بان الزيرة لن تسلم نفسها‪ ،‬وغن عليه أن‬

‫يب قائده بان الزيرة مستعدة للدفاع عن دينها‪ ،‬وكرامتها وأرضها‪ ،‬وأنم لن يسمحوا لقدم أن تطأ‬

‫ترابم إل إذا أصبحوا جثثا هامدة‪.‬‬

‫وعرف الرسول التصميم ف عزية الشيخ ورأى الصرار والتحدى على الاضرين فرجع إل‬

‫" بدور نافارو " ينقل إليه ما سع وما رأى‪ .‬وفكر القرصان الكبي طويل ف الوضوع ايقدم على‬

‫الرب‪ .‬أم يعود ادراجه ليزيد ف قوته ما يضمن له النصر؟ وكان الغيظ والنق يأكلن قلبه‪ ،‬ويملنه‬

‫على القدام‪ ،‬ولكن صوت العقل والكمة قد تغلب عليه فيما زعم وعزم‪ .‬فجر أسطوله دون ان‬

‫يعرضه لذه التجربة‪ ،‬ورجع إل طرابلس ير إذيال اليبة وصمم أن يضم إله من القوة ما يكفل له‬

‫تطيم هذه الزيرة العتيدة تطيما ل تقوم لا من بعده قائمة‪.‬‬


‫عد كثي من الؤرخي هذا الوقف نصرا للجزيرة وهزية للمعتدين‪ ،‬فإن السطول إنا جاء‬

‫للجزيرة لحتللا‪ ،‬ل للستطلع‪ ،‬ولكن الوقف الصامد الذي وقفه شيخ الزيرة‪ ،‬والتصميم الكيد‬

‫على الدفاع‪ ،‬ووضوح الصرار على القاومة الذي كان يتجلى على أقوال وحركات الربيي ‪ -‬هى‬

‫السباب الت ملت قلب القرصان الكبي خوفا ورعبا فاقلع راجعا‪ ،‬أنا بالتاكيد هزية له فإذا ل تكن‬

‫هزية فهى هزية معنوية‪.‬‬

‫وصل أسطول " بدور نافارو " إل طرابلس‪ ،‬والتحقت به بقية القطع البحرية‪ ،‬والساطيل‬

‫الفرنية‪ ،‬الت كانت توب البحر البيض التوسط فتكون منها أسطول ضخم قوامة مائة وعشرون‬

‫سفينة تمل عشرين ألفا من القاتلي الدربي على القتال‪ .‬وأقلع السطول متجها إل جربة‪ ،‬فبلغها‬

‫يوم الميس ‪ 23‬جادي الول وف صبيحة المعة نزلت اليوش الرارة من سفنها‪ ،‬وزحفت على‬

‫ساحل الزيرة كما تزحف أرجال الراد‪.‬‬

‫عشرون ألفا كما تذكر الصادر السلمية او خسة عشر ألفا كما يزعم مؤرخوا الفرنج من‬

‫القاتلي الدججي بانواع السلح‪ ،‬العتدين للحرب‪ ،‬الزودين باحدث ما ابتكره النسان من وسائل‬

‫التدمي لذلك العصر‪ ،‬يهجمون على جزيرة صغية مصورة ضيقة‪ ،‬ليس لا مدد إل من ال ل يبلغ‬

‫عدد سكانا من الرجال والنساء والطفال ثلثي ألفا‪.‬‬

‫ما هو عدد الحاربي الذين تستطيع هذه الزيرة إن تعده للدفاع؟ لقد حاول مؤرخو الفرنج‬

‫ف تلك الفترة أن يرتفعوا بعدد الربيي الحاربي إل أقصى ما يكن أن يقبله العقل فقالوا أن الربيي‬

‫قد اعدوا لذه العركة ثلثة آلف مقاتل‪ ،‬فما هي النتيجة الت يتوقعها القارئ الكري لعركة بي‬

‫عشرين ألفا من النود ال‬


‫ربي السلحي وبي ثلثة آلف مارب كثي منهم ل يملوا السلم من قبل وفيهم نسبة كبى من‬

‫شيوخ عجزة وصبيان مراهقي‪ ،‬حلهم الماس والغية على القدام‪.‬‬

‫نظم السلمون ماربيهم ف صف واحد مستقيم‪ ،‬يتد إل اليمي وإل اليسار وتقدموا لقابلة‬

‫العدو وهم عازمون على الصب والثبات‪ .‬إل النصر الكامل أو الستشهاد الكامل‪ ،‬وقال أحد الذين‬

‫يدعون إل الستماتة ف الدفاع‪ ،‬أنه يب ان ل تطيش ضرباتنا إذ يب ان نقتل من العدو أكثر ما‬

‫يكن‪ ،‬فل أقل أن يقتل كل رجل من السلمي رجل من الشركي‪ ،‬أما الشئ الذي ل يل لنا حى‬

‫مرد تذكره او التفكي فيه‪ ،‬إنا هو التسليم أو الفرار من الزحف‪ .‬أنه لو بقى منا فرد واحد‪ ،‬لوجب‬

‫عليه ان يثبت ف القتال وان يارب حت يقتل‪ .‬أنه ل يوز لحد من السلمي أن يفر ف هذه العركة‪.‬‬

‫فإذا قدر لنا أن ننتصر فذلك ما نأمله ونرجوه‪ ،‬وإذا قدر لنا أن نسر العركة فل أقل من أن نكبد‬

‫العدو خسارة تزيد عن عددنا‪.‬‬

‫اعتمد الفرنج أول ما اعتمدوا على الانب الادي من القوى‪ ،‬وعلى إظهار العدة‪ ،‬فأكثروا‬

‫قبل بدء العركة من الضوضاء والصخب‪ ،‬وإطلق البنادق والدافع‪ ،‬وإنشاد الناشيد الربية باللت‬

‫الوسيقية الصاخبة‪ ،‬إل آخر ما لديهم من وسائل التهويش‪.‬‬

‫اما السلمون فليس لديهم من القوة إل قوة اليان‪ ،‬والرغبة اللحة ف الصول على شرف‬

‫الستشهاد ف سبيل ال‪ ،‬ولذلك فقد إعتمدوا على القوة الروحية‪ ،‬الت تدفع جوارحهم إل العمل‪،‬‬

‫فكانت جوارحهم تنطلق بالتكبي‪ ،‬وكانت أرجلهم تتسابق إل اليدان دون استعراض لركات‬

‫الرشاقة‪ ،‬وموازنة الطأ الت تفصل بي الفريقي ف مراكز العجان بالنفس‪ ،‬وكانت السافة الت‬

‫تفصل بي الفريقي ف مراكز التجمع الول تقدر بستة أميال‪ ،‬وكان السلمون ل ينفكون يرسلون‬

‫من يستطيع لم أحوال العدو وتركاته‪ ،‬فلما ورد إليهم الب إن العدو يهم بالزحف إليهم والجوم‬
‫عليهم‪ ،‬اندفعوا إل لقائه‪ ،‬والصطدام به‪ ،‬وكان الفرنج قد رتبوا جنودهم ف صفوف متراصة‪ ،‬صفا‬

‫وراء صف‪ ،‬حت إذا هلك الول أو انزم تقدم الذي يليه‪ ،‬وتراجع الصف الول الذي كان ف القدمة‬

‫إل الؤخرة‪ ،‬حت يكون على استعداد للنجدة والتقدم إذا لزم المر‪ ،‬وهي مبالغة ف الحتياط حسب‬

‫تقدير أولئك القواد‪.‬‬

‫وإصطدام الفريقان الصطدام الول‪ ،‬فوقعت رجة عند السلمي صبوا لا وثبتوا واستماتوا‬

‫ف النضال‪ ،‬حت لنت بي أيديهم‪ ،‬اليدي القاتلة من الصف الول من عدوهم فانزم وتقهقر‪،‬‬

‫وتقدم الصف الذي يليه لعاضدته‪ ،‬وسد اللل الذي وقع فيه‪ ،‬ووقعت من تقدمه رجة أخرى عنيفة‬

‫عند السلمي ثبتوا لا وصبوا‪ .‬وكان البطل أبو الربيع سليمان بن يى السمومن يقاتل با أوتى من‬

‫هة وشجاعة ف جناح اليش ‪ ،‬وف نفس الوقت كان يلحظ بعين الحارب اليقظ تركات العدو‬

‫وموقف السلمي منها فلما رأى تلك الصفوف التراصة الت يعضد بعضها بعضا‪ ،‬ف الي الذي ل‬

‫يقابلها من جانب السلمي إل صف واحد من الرجال‪ ،‬إذ قتل واحد منهم ترك ف مكانه ثغرة ل‬

‫تسد‪ ،‬وخشى إذا بقيت جيوش العدو على هذا التنظيم ان تستطيع زحزحة الصف السلمي‬

‫الوحيد‪ ،‬او إن يدث ثغرة ف بعض جهاته‪ ،‬وإذا وقع ذلك‪ ،‬وليس له ما يعضده من خلفه فهنالك‬

‫الكارثة‪ ،‬ولذلك فقد عرف ان النصر ل يكون إل بأحداث ارتباك ف صفوف العدو وخطرت له‬

‫فكرة ! ‪ ..‬فنفذها ف الال‪ ،‬لقد انسل من بي القاتلي‪ ،‬واختار معه عددا من الفرسان الشجعان ث‬

‫انعطف بم إل جانب‪ ،‬ودخل بم وراء صفوف العدو بي اليوش القاتلة والسطول الاث ف البحر‪،‬‬

‫وكان جند الفرنج وقادتم يعتقدون انم آمنو من اللف فليس بينهم وبي سفنهم أي خطر‪ .‬وتراجع‬

‫الحاربون الذين كانوا ف الصف الول على مهل‪ ،‬ليكونوا وراء اليوش القاتلة حسب تنظيمهم‪،‬‬

‫ليكونوا الصف الخي وليأخذوا قسطا من الراحة بعد العناء الذي ل قوه ف الندفاعة الول‪،‬‬
‫ويستعدوا إذا ما وصلهم الدور الثان لو تكن السلمون من دحر بقية الصفوف‪ ،‬وهو ما ليتوقعون‬

‫حدوثه أبدا‪ ،‬فما كانوا يعتقدون أن السلمي يصبون لم ساعة‪ .‬وما وصلوا مؤخرة الند‪ ،‬لييوا‬

‫سواعدهم الكدودة ‪ -‬فقد انك الوف قواهم‪ ،‬وشل الرعب اعصابم ‪ -‬حت واجهتهم فرسان‬

‫السلمي الت يقودها أبو الربيع‪ ،‬تدفع ف نورهم بالوت الزؤام‪ ،‬وذعروا فقد كانوا يعتقدون أنم فروا‬

‫من الوت‪ ،‬ونوا من أيدي اولئك السلمي الذين ينطلق الوت من أيديهم دون سلح‪ ،‬فإذا بم‬

‫يفاجأون من جديد‪ ،‬وفركوا اعينهم من الدهشة‪ ،‬يتأكدون من القيقة‪ ،‬فلما أيقنوا با‪ ،‬ظنوا انم‬

‫اخذوا‪ ،‬وغن السلمي قد احاطوا بم أحاطة السوار بالعصم‪ ،‬فها هم يلقونم إذا تقدموا‪ ،‬وها هم‬

‫يلقونم إذا تأخروا‪ ،‬انم أين اتهوا ل يروا إل أشباح الوت تنطلق من صفوف السلمي‪ ،‬وحاصوا‬

‫حيصة المر‪ ،‬يفاجئها سبع صيود‪ ،‬وارتكبوا فيما بينهم‪ ،‬بعضهم يريد أن يتقدم‪ ،‬وبعضهم يريد أن‬

‫يتأخر‪ ،‬ويعضهم يرى إل اليمي وبعضهم يري إل اليسار‪ ،‬وسرى هذا الرتباك إل صفوف‬

‫القاتلي وعم جيع طوابي اليش‪ ،‬فوقعت هذه الركة بي صفوف الند الذين ل يروا وجه العدو‬

‫بعد‪ .‬فامتلوا خوفا‪ ،‬وقذف ف قلوبم الرعب‪ ،‬وحسبوا انم وقعوا من السلمي بي نارين‪ ،‬نار‬

‫تترصدهم من المام‪ ،‬ونار تسوقهم من اللف‪ ،‬فبلغ بم الوهن أقصاه‪ ،‬والقوا بالسلح‪ ،‬وجعلوا‬

‫يلتمسون السبل للفرار‪ .‬انه ليس بي أيديهم إل الوت أو الفرار‪ ،‬ول تعد تدى فيهم‪ ،‬اوامر القادة او‬

‫انذاراتم‪ ،‬فولوا معرضي‪ ،‬والواحد منهم يقتل رفيقه ان اعتراض سبيله او عاقه عن السي‪ ،‬وركب‬

‫السلمون ظهورهم يقتلونم وهم يسيون على غي هدى‪ ،‬حت تراموا ف البحر‪ ،‬وحال بينهم ظلم‬

‫الليل‪ .‬وعندما ارتفعت عنهم أيدي الؤمني‪ ،‬كان الوف والتعب قد بلغا منهم أشد ما يبلغ الوف‬

‫بلقب البان‪ ،‬والتعب بسم العليل‪ ،‬فتهاووا على الرض يريون بقية الجسام الكدورة‪ ،‬والقلوب‬

‫الخلوعة‪ .‬ورقدوا على ساحل البحر لنم يهتدوا إل مواقع السفن‪ ،‬فقد ربط الرعب أيديهم‬
‫وأرجلهم‪ ،‬وأعمى أبصارهم‪ ،‬فلم يستطيعوا ان ينتبينوا مواقعها ليلتجؤا إليها‪ ،‬وبينما هم يغطون ف نوم‬

‫عميق‪ ،‬صورت اللم الزعجة‪ ،‬لحدهم‪ ،‬إن السلمي يأخذون بناقهم ويهجمون عليهم ف الظلم‬

‫الدامس‪ ،‬ف موقعهم ذلك‪ ،‬فاستيقظ مرعوبا وأخذ يصيح ويطلب النجدة‪ .‬فاستيقظ القوم على‬

‫صياحه وهم أشباه السكارى من ثقل النوم والتعب والوف‪ ،‬فجعلوا يتجارون ف الظرم الالك على‬

‫غي هدى‪ ،‬ل يعرفون اتاههم‪ ،‬ول يرون مواقع أقدامهم‪ ،‬وكانوا يترامون ف البحر طمعا ف ان يصلوا‬

‫إل سفنهم‪ ،‬أو أن يميهم الاء من سيوف السلمي فيما يسبون‪ ،‬وكان البحر يبتلع ف هدوء‬

‫وسكينة حت ل يبق منهم إل القليل‪ ،‬وعند الصباح كانت المواج تتلعب بثث منتفخة وانواع من‬

‫اللبس الحتلفة‪.‬‬

‫وتمعت فلول اليش الغازي ف بقايا السفن يلتمسون البعد عن هذه الزيرة الت لقنتهم‬

‫درسا ل يكن ان ينسى‪ ،‬والقت بم فضيحة وعارا ف العالي الشرقي والغرب‪ ،‬ولكن إرادة ال‬

‫كانت ل تزال تبئ لم مفاجآت ما أعده ال للتنكيل بالعتدين‪ ،‬فقد هبت عواصف شديدة منعت‬

‫السطول من التحرك‪ ،‬وأغرقت عددا منها‪ ،‬وبعد أسبوع هدأت العاصفة فاقلع السطول ير أذيال‬

‫اليبة‪ ،‬تاركا من ورائه ثلثة آلف قتيل‪ ،‬وثان عشرة سفينة‪ ،‬وعددا كبيا من السرى هو بطبيعة‬

‫الال اكثر من عدد القتلى‪ ،‬وقد قدره بعض الؤرخي با يتراوح بي ستة وسبعي ألف شخص‪،‬‬

‫فيهم عدد كبي من السرى الذين غنتهم الساطيل الفرنية ف بعض الواقع السابقة فحملتهم معها‬

‫ليجدفوا لا على السفن‪ ،‬او ليباعوا ف السواق‪ ،‬فوجد اولئك السرى فرصتهم الناسة فكانوا يفرون‬

‫من السفن الفرنية ف الليل ويلتحقون بالسلمي ناقلي إليهم اخبار عدوهم وما هو فيه من السرة‬

‫والغيظ واللم‪.‬‬
‫هذه خلصة الادثة‪ ،‬ولعله يكون من الناسب ان انقل ف آخر هذا الفصل شواهد ما كتبه‬

‫الؤرخون السلمون‪.‬‬

‫يقول أبو عبدال ممد أبو راس الرب‪:‬‬

‫" ورجع عليهم السلمون‪ ،‬وحلوا عليهم من كل جهة وجانب حلة رجل واحد‪ ،‬واعلنوا‬

‫كلمة التوحيد‪ ،‬ووضعوا فيهم السيف‪ ،‬فلم يبق منهم إل القليل‪ ،‬فأسرفوا ‪ ،‬ول يرجع منهم أحد إل‬

‫سفنهم‪ .‬وبتقدير الكيم العزيز أرسل ال على الساحل با فيها من الموال والكفار‪ .‬فغنم السلمون‬

‫غنيمة ل يروا مثلها‪ ،‬واستشهد من السلمن مع هذا النصر الغريب‪ ،‬والظفر العجيب نيف وعشرون‬

‫رجل وهلك من الكفار ما يقرب من عشرة آلف (‪ )1‬ورجعت بقية مراكبهم خائبة إل طرابلس‬

‫ليلة الميس آخر ليلة من جادي الول سنة ست عشرة وتسعمائة فكانت مدة إقامتهم على جربة‬

‫سبعة أيام والمد ل رب العالي‪".‬‬

‫وجاء ف الوثيقة التاريية الت طبعها الستاذ ممد الرزوقي ف ملحق كتاب ( مؤنس البة )‬

‫وصف مسهب لذه الادثة‪ ،‬سوف أنقل منه بعض الشواهد والوثيقة ل يتمكن الستاذ الرزوقي من‬

‫معرفة صاحبها‪ ،‬وليس لدى ما يثبت نسبتها إل شخص معي‪ ،‬وإن كنت أرجح أنا للشيخ سلمة بن‬

‫يوسف الناون‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫فإن أسلوب الرسالة قريب من أسلوبه‪ ،‬ف بعض ما وجدت له من آثار‪ ،‬بل أن بعض العبارات وجدتا‬

‫بنصها ف بعض تعاليقه‪ ،‬وإذا اضيف إل ذلك انه تلميذ أب النجاة يونس‪ ،‬وانه قد يكون شاهد عيان‬

‫للمعركة‪ ،‬وانه كان ل يفتا بي الزيرة والبل‪ ،‬ويكاتب هؤلء وهؤلء‪ ،‬وانه كان يعن بالحداث‬

‫‪ )1(4‬بي القتلى والسرى‬


‫التاريية خاصة ول سيما ما يتعلق بشيخه أب النجاة‪ .‬إذا استحضرنا هذا كله فإننا نرجح ان يكون‬

‫هو صاحب الرسالة كتبها من جربة بعد الوادث السابقة وبعث با إلة مشائخ جبل نفوسة‪.‬‬

‫وإل القارئ الكري شواهد من هذه الوثيقة الت ل شك إن كاتبها كان معاصرا وربا‬

‫مشاهدا للحداث‪.‬‬

‫" ومن فضل ال ومنه أن سلط عليهم ريا حبستهم ف الوادي ول يدوا إل الروج منه‬

‫سبيل‪ ،‬حت فقدوا من سفنهم نوا من ثان عشرة سفينة فيما قيل بي كبارها وصغارها وف كل‬

‫ذلك ترب السرى من عندهم كل ليلة ويأتون باخبارهم إل السلمي‪ ".‬ويقول بعد كلم‪ " .‬ومن‬

‫بركة الذهب‪ ،‬وديلي غجابة دعوة من تقدم ما سلط ال عليهم من الريح ف غي اوانا‪ ،‬إذ كان ذلك‬

‫ف أوائل " اشتنب " من الشهور العجمية‪ ،‬وأيضا كان الوادي الذكور ملجأ للسفن إذا هاج البحر‬

‫فمهما دخلته ل تبال بيجانه‪ ،‬وقد سعتم ما فعل ال بسفن هؤلء الكفرة وهى فيه‪".‬‬

‫ويذيل هذا الوصف الرائع بالدعوة الارة إل الستمساك بدين ال فيقول‪ " :‬وما ذلك‬

‫والمد ل إل با ذكرت لكم‪ ،‬وعليكم أيها الخوان بالتمسك بالذهب جهدكم‪ ،‬فغنكم ف حفظ‬

‫ال وامانه ما تسكتم به‪ ،‬وعليكم بعمارة مساجدكم بالذان والصلة جاعة‪ ،‬وتعليم الصبيان وقراءة‬

‫القرآن وغي ذلك من وجوه عمارتا‪ ،‬وعليكم بالدعاء ف مظان الجابة‪ ،‬والتضرع إل ال‪ ،‬والتاه‬

‫إليه ف كشف الضر عنكم وعن جيع السلمي وعليكم بالتوبة والستغفار‪ ".‬ويتتم رسالته القيمة‬

‫بآيات بينات من كتاب ال عز وجل‪.‬‬

‫أصداء هذه الادثة‬

‫ل شك أن هذه الوقعة‪ ،‬كان لا صدى كبي‪ ،‬ف جيع الوساط‪ ،‬سواء ف ذلك أو ساط‬

‫المة السلمية‪ ،‬أو أوساط الدول الفرنية‪ ،‬الت كانت تفخر بأعمال هذه الساطيل‪ ،‬وتشجيعها‬
‫على السيطرة على البحر البيض التوسط‪ ،‬وتبارك جيع الطوات الت يتخذها‪ ،‬ولقد أهتم با‬

‫الؤرخون ف ذلك الي وفيما بعد ايا اهتمام‪ .‬ولقد قرأت ما وصلت إليه يدى ما كتب عن هذه‬

‫الحداث فوجدت أنا متفقة على السباب والنتائج والتفاصيل وليس بينها إل إختلف يسي من‬

‫حيث الرقام والتصوير والتبير‪ .‬وهذا الختلف ف عدد القتلى مثل او ف تبير الزية او تصوير‬

‫الوقائع امر طبيعي‪ ،‬فإن إحصاء القتلى غالبا ف العارك الكبى يكون عن طريق التقدير أما تبير‬

‫الزية أو تصوير الواقعة فهو يعود إل الناحية النفسية للمؤرخ وميوله‪ .‬ومع ذلك فقد اتفقت الصادر‬

‫السلمية الت أخذت عنها أن السطول الفرني يتكون من مائة وعشرين سفينة‪ ،‬ويذكر أبو عبدال‬

‫ممد أبو رأس‪ ،‬أن عدد الحاربي الذين ذهبوا إل جربة‪ ،‬عشرون ألفا‪ ،‬بينما يذكر سلمة الناون‪،‬‬

‫وأبو الربيع اليلت‪ ،‬أن عدد جيع الحاربي الذين كانوا بالسطول عشرون ألفا‪ .‬بقى منهم ف‬

‫طرابلس ثلثة آلف مقاتل‪ ،‬وهجم منهم على جربة‪ ،‬سبعة عشر ألفا‪ .‬ويبدو ل ان ما ذكره الؤرخان‬

‫الناون واليلت‪ ،‬أقرب إل الصحة ل سيما إذا ذكرنا أن الناون‪ ،‬كان معاصرا لذه الحداث‪ ،‬بل‬

‫لقد كان يضر مالس أب النجاة يونس‪ ،‬حي كان اهال جربة يهزون وسائل الستعداد للدفاع‪،‬‬

‫ول يستبعد أن يكون حضر تلك العركة‪ ،‬وشارك ف أحداثها‪ ،‬فإنه من الستبعد ان يضر مالس تدبي‬

‫القاومة ث ل يشترك فيها‪ ،‬اللهم إل إذا كلفه استاذه أبو النجاة‪ ،‬بتبليغ الرسائل إل جبل نفوسة فغاب‬

‫لذا السبب‪ ،‬وإذا ل يكن نفسه مشتركا‪ ،‬ويعضد كل ما جاء عن الناون ما وجد ف وثيقة قدية‬

‫نقل عنها الشيخ سعيد التعاريت وطبعها الستاذ ممد الرزوقي ف ملحق" مونس البة " وكتب عن‬

‫هذه الوقعة من الؤرخي العربالعاصرين الستاذ عمر البارون ف كتابه القيم " السبان وفرسان‬

‫القديس يوحنا " ويبدو ل أن الستاذ البارون اعتمد على الصادر الفرنية فقط‪ ،‬ولذلك فقد جاء‬

‫تصويره لبعض الوقائع‪ ،‬وتبيره لبعض الواقف‪ .‬كما نا يساير النفسية الفرنية‪ ،‬ف لذك الي‪،‬‬
‫وليفهم القارئ الكري ما اعن بذه اللحظة سوف اناقش الستاذ الكبي ف بعض تلك التصويرات‬

‫والتبيرات‪ .‬يقول الستاذ البارون ف صفحة ‪ 49‬من كتابه " السبان وفرسان القديس يوحنا " " "‬

‫ورسا السطول السبان ف قناة القنطرة ف جربة وأنزل القائد ثلثة رجال يتكلمون اللغة العربية‪،‬‬

‫ويملون اعلما بيضاء‪ ،‬اشعارا بجيئهم للتفاوض ولعرض رسالة من القائد‪ ،‬إل ان سكان جربة كانوا‬

‫على إستعداد للدفاع والقاومة والقتال" وبعد كلم يقول‪ " :‬ول يتقدم حاملوا العلم البيضاء كثيا‬

‫ف أرض الزيرة حت تقدم منهم الراس الكلفون بفر اتلسواحل‪ ،‬ول يلتفتوا إل ما كانوا يقولون‬

‫وما كانوا يعرضون ول يهلوهم‪ ،‬بل عاجلوهم وقتلوهم‪ ،‬اشعارا بعدم قبول أي تفاوض‪ ".‬ويبدو ان‬

‫الستاذ البارون قد اقتنع بصحة هذا الب الذي قص علينا مسلك أهل جربة تاه رسل جاؤوهم‬

‫يملون علمة السلم وذلك فقد عمد إل تبير موقف أهل جربة ف قتل الرسل بأسلوبه الشيق‬

‫البليغ‪ .‬وانا أشك ف صحة هذه الصورة واعتقد انا صورة وضعها كتاب الفرنج حت يوهوا القراء‬

‫الكرام حت ف هذه الظروف العصبية إن الفرنج يلتزمون الساليب التبعة بي الحاربي وانم قد‬

‫سلكوا السلك النسامي حي أنذروا اهل جربة وطلبوهم للمفاوضة ولكن أهل جربة قد ارتكبوا‬

‫حاقة بقتلهم الرسل ما يدل على انم امة ل تعرف أساليب التعامل مع الصدقاء أو العداء وانا‬

‫تهل أصول السلوك فهى ل تترم حت الرسول الذي ل ذنب له ف الوقف والذي تمع أداب‬

‫الروب على احترامه وعدم التعرض له بالذى وعلى كل حال فبينما ينساق الستاذ البارون مع هذه‬

‫الرواية ويقتنع با ويالو ان يبر منها بعض الواقف ند غيه من الؤرخي السلمي يقصون علينا‬

‫هذه القصة كما يلي‪:‬‬

‫يقول أبو عبدال ممد أبو رأس الرب ف كتابه " مونس البة " صفحة ‪:106‬‬
‫" فنلت فلوكة وفيها رجل من طرف رئيس الفرنج ومعه كتاب للشيخ ياطبه فيه على ان‬

‫يسلم له الزيرة او القتال‪ ،‬فأجابه بأن له رغبة ف القتال‪ ،‬واغلظ له ف الطاب‪ ،‬فلما بلغ الواب‬

‫استعد لنول البحر فتحول السلمون إل قربم عند قصر مسعود‪ ،‬فنظر أعداء ال إل كثرة السلمي‬

‫وعلموا أن ل طاقة لم بقتالم فانصرفوا راجعي إل طرابلس‪".‬‬

‫وجاء ف الوثيقة الت نشرها الرزوقي ف ملحق مؤنس الحبة صفحة ‪ :137‬مايلي‪ :‬فلما‬

‫اتصل خبها بالشيخ أب زكرياء شيخ الزيرة‪ ،‬وعاملها حفظه ال وهو إذ ذاك بالقشتيل مشى إليها‬

‫وكثي من الناس معه قاربا وقع بينه وبي النصاري تراسل وكلم‪ ،‬يئول معناه إل أنم طلبوا من‬

‫الشيخ أعزه ال شروطا يأب طبعه من أعطائها ان يفعلها وإل فليتهيأ للحرب والقتال‪ ،‬وانه حفظه ال‬

‫أراهم من نفسه القوة وانه ل يكترث ول يعبأ بم ولو اتوا باضعاف ما وراءهم‪ ،‬فغضبوا لذلك‪" .‬‬

‫وجاء ف رسالة عن سلمة الناون ما يلي ‪ " :‬ولا وصل الفرنج إل الزيرة انزلوا قاربا‬

‫يمل رسةل إل شيخ الكم ف الزيرة الشيخ أب زكرياء السمومن وكان ف ملسه حينئذ شيخ‬

‫مشائخنا أبو النجاة التعاريت فلما وصل رسول الفرنج قال للشيخ أب زكرياء إن سيدى القبطان‬

‫يطلب منك ان تسلم له الزيرة او ان تستعد للحرب فالتفت أبو زكرياء إل شيخنا أب النجاة‬

‫يستشيه ث إل غيه من الاضرين ث نظر إل رسول الفرنج وقال له‪ ،‬قل لسيدك الذي أرسلك انه‬

‫ليس لدينا إل السيف‪ ".‬هؤلء ثلثة من الؤرخي السلمي فيهم معاصر للحداث يتفقون على أن‬

‫الخاطبة وقت بي رسول الفرنج والسلمي وإن شيخ الزيرة بلغه رأى سكان الزيرة ول يشر أى‬

‫واحد منهم إل قتل الرسول وأن أشار بعضهم إل إن شيخ الزيرة أغلظ له ف القول ول شك أن‬

‫هذه أصح ما يقوله مؤرخوا الفرنج‪ ،‬التعصبون‪.‬‬


‫هذه نقطة من النقط الت اعتقد إن الستاذ البارون اعتمد فيها على الصادر الفرنية وغن‬

‫اولئك الؤرخي الفرنج ل يتحروا القيقة وغن الؤرخي الذين نقلت عنهم كانوا قريب عهد من‬

‫زمن الادثة اما ان يكون حضر الوقعة واما أن يكون نقل عمن حضرها والوثيقة الطبوعة يعتقد انا‬

‫كتبت بعد الادثة مباشرة وبعض التعابي الواردة فيها تدل على ذلك أما أبو رأس (‪ )1‬فهو بطبيعة‬

‫الال ناقل عن غيه ولكنه قريب عهد بالوضوع اما أبو الربيع اليلت فاعتقد انه استند على الناون‬

‫وكذلك التعاريت اما انه نقل عن الناون او اليلت‪ ،‬وكثيا ما يقول بذه العبارة‪ " :‬وجدت ف‬

‫تقاييد لبعض اصحابنا "‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فغن القول بأن سكان جربة قتلوا الرسل الذين جاءهم للمفاوضة قول باطل‬

‫اختلقة مؤرخون مغرضون منقون من كتاب الفرنج‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫حقيقة وخيال‬

‫ف مقدمة هذا الفصل افنقل لك وصفا رائعا كتبه الستاذ عمر البارون ف حديثه عن مهاجة‬

‫" بدر ونافارو " لزيرة جربة‪ .‬قال البارون ف كتابه " السبان وفرسان القديس يوحنا " صفحة ‪53‬‬

‫ما يلي‪:‬‬

‫‪ )1(5‬ل اتكن من معرفة ميلده أو وفاته ولكنه على كل حال أخذ من القرني الثان والثالث عشر‬
‫وف صباح الباكر من يوم المعة نزل النود من السفن وهاجوا السواحل سيا على القدام‪،‬‬

‫وسط مياه البحر القليلة العمق‪.‬‬

‫وكان هذا اليوم حارا شديد الرارة‪ ،‬ولك يكن قرب السواحل آبار او صهاريج يستقى منها‬

‫العسكر‪ ،‬واضطر بعضهم ان يشترى كأس الاء بعشرة قروش طرابليسية‪ ،‬وترك اليش السبان بعد‬

‫أن انتظمت فرقة‪ ،‬قاصدة مهاجة البلدة‪ ،‬وكان اليش السبان يتكون من احد عشر طابورا‪ ،‬ونصب‬

‫أمام النود ف الوسط مدفعان كبيان‪ ،‬واثنان آخران من الجم التوسط‪ ،‬وكلف رجال البحرية‬

‫بسحب هذه الدافع إل المام‪.‬‬

‫وبعد أن قطع اليش السبان شوطا من الطريق بدأ العياء يظهر جليا على الند‪ ،‬واشتد‬

‫العطش بي الرجال‪ ،‬وعلى الخص الذين كلفوا بسحب البطاريات وبراميل البارود‪ ،‬واختل النظام‬

‫ول يعد ف مقدور الضباط أن يرجعوا النظام إل نصابه‪ ،‬اشتد العطش‪ ،‬وبدا النود يلهثون لث‬

‫الكلب الصادية‪ ،‬ويتساقطون امواتا‪ ،‬اما " دون قرشيا الطليطلي " الذي لبس درعه الذهب وتسلم‬

‫قيادة اليش‪ ،‬فكان‪ ،‬يشجع رجاله ويعدهم بان أمامهم البار الفياضة‪ ،‬والياه الفضية الباردة‪ ،‬والظل‬

‫الظليل‪ ،‬تت أشجار النخل والزيتون‪.‬‬

‫وتشجع اليش قليل طائعا او مكرها‪ ،‬وتعثر الند ف خطواتم بي اليأس والرجاء‪ ،‬وقطعوا‬

‫ما أمامهم من أرض رملية‪ ،‬وهم ينتظرون أن يروا بعدها ما وعدوا به‪ ،‬ليطفئوا غلتهم ويرووا ظمأهم‬

‫من ماء الزيرة البارد الفضى‪ ،‬فلم يروا شيئا ول يصادفوا ف طريقهم أي شخص صديقا كان أو‬

‫عدوا‪ ،‬وكان لدا الثر الكبي ف تثبيط همهم‪ ،‬والقضاء على معنوياتم وكم كان سرور السبان‬

‫كبيا عندما بدت امامهم خضرة الزيتون‪ ،‬وايقنوا أنم سالون حقا من الوت عطشا‪ ،‬وأن كثيا أو‬

‫قليل ما وعدوا به قد تلى وظهر‪ ،‬كان الوقت ظهرا عندما وصل النود غابات الزيتون ف جزيرة‬
‫جربة‪ ،‬وكانت الشمس حارة تلفح الرض وتشوى الوجوه والجسام‪ ،‬انا شس اغوستو ف الشمال‬

‫الفريقي دون شذوذ عن العتاد‪ ،‬ووجد النود وسط هذه الغابات وعلى قارعة الطرق البار فعل غي‬

‫مقفلة أو مردومه‪ ،‬ومياهها الصافية النقية الباردة‪ ،‬تكاد تدعو السبان أن يلقى بنفسه فيها حت‬

‫يرتوى‪ ،‬ولكن عرب الزيرة اشفقوا عليه من الرتاء ف أحضان البئر‪ ،‬فتركوا قرب هذه البار جرات‬

‫وقلل فارغة‪ ،‬وقدرا كافيا من البال لتساعد النود السبان الساكي‪ ،‬ورد الاء‪ ،‬واستخراجه من‬

‫البار دون مشقة وعناء‪.‬‬

‫يا لا من انسانية ثعلب …… !!!!‬

‫ولكن أبن عرب الزيرة يا تري؟ هل تركوا أرض اجدادهم عندما صبحهم اليش الغي‬

‫وغادروا ربوع جزيرتم عندما صاح‪ :‬صائحهم‪ :‬السبان السبان السطول السطول؟…‬

‫بدت جربة مقفرة من سكان‪ ،‬جرداء من الياة‪ ،‬وظن السبان انم بنجى من العدو وانم‬

‫قادمون على اكتساح أرض ل يسكنها انسان‪ ،‬فاختلت صفوفهم‪ ،‬وتركوا مراكزهم‪ ،‬وفقدوا‬

‫شعورهم أمام منظر البار والقلل والرار‪ ،‬وتشتتوا ف جلبة وضوضاء‪ ،‬وتسابقوا إل احتضان لقلل‪،‬‬

‫وتقبيل شفاهها الافة‪ ،‬وبدأت معركة حامية بي الند انفسهم لفتكاك الرار والقائها ف البار‬

‫للحصول على قطرة من الار‪.‬‬

‫ول يترك عرب جرب جزيرتم غداة ظهور السبان امام سواحلهم بل وضعوا خطة حكيمة‬

‫للقضاء على اليش الغي على الرغم من قلة عددهم‪ ،‬وقلة عددهم‪ ،‬ونقص اموالم‪ ،‬فلقد استعد‬

‫سكان جربة قرب هذه البار للنقضاض على السبان عندما يتهافتون على الاء‪ ،‬وتتل صفوفهم‪،‬‬

‫وتبدو عليهم الفوضى‪ .‬كانت فرصة مؤاتية لعرب الزيرة فلقد انقضوا على السبان ف شدة وعنف‪،‬‬

‫وطوقوهم من كل مكان‪ ،‬ونزلوا عليهم ضربا بالسيوف والرماح‪ ،‬ول تنل جرعة الاء بعد إل‬
‫اجوافهم‪ ،‬ول تدأ العركة الت اضرموها بينهم على الاء‪ ".‬انتهى ما اردت نقله من وصف الستاذ‬

‫البارون‪.‬‬

‫ل شك ان الستاذ البارون قد اعتمد كل العتماد ف هذه الوصف على الصادر الفرنية‪،‬‬

‫وإنا وأن ل اقرأ هذا ف كتبهم اكا ألس أقلمهم بل بعض تعابيهم رغم التعريب ويبدو أن الستاذ‬

‫البارون إذا ل يكن قد ترجم هذا الوصف بالفعل عن بعض كتبهم فإنه قد وثق به وصدقه حت صاغة‬

‫ف هذا السلوب الرائع الميل‪.‬‬

‫وانت أيها القارئ الكري إ ذا قرأت ما نقلته لك من وصف الستاذ البارون على انه قطعة‬

‫من الدب العرب ف الوصف فل شك ان تد فيها من التعة والروعة وجال السلوب ما يشوق‬

‫ويروق‪ ،‬وإذا اردت ان تقرأها على انا قصة فانك أيضا واجد فيها من سعة اليال وبراعة الوصف‪،‬‬

‫وجال السلوب‪ ،‬ما يدعوك إل قراءتا‪ ،‬والعجاب با‪ ،‬اما إذا اردت أن ترج منها بقائق تاريية‪،‬‬

‫وتقرأها على انا وصف لواقعة من وقائع الرب‪ ،‬فإن ف ذلك مال للبحث والناقشة‪.‬‬

‫لقد كان لتغلب جربة على السطول السبان‪ ،‬ف ذلك الي صدى بعيد وبقدر ما فرح به‬

‫السلمون‪ ،‬وتأل له الصليبيون الاقدون‪ ،‬وخجل منه ملوك أوربا التغطرسون‪ ،‬وأسف له رجال‬

‫الكنيسة التعصبون‪ ،‬بقدر ذلك كله حاول كتاب الفرانج ومؤرخوهم إن يففوا من أثر الصدمة‬

‫عليهم‪ ،‬وان يعلوا سبب هزيتهم خارجا عن إدارة البشرية‪ ،‬وكانوا يلتمسون أسبابا مهما كانت‬

‫واهية‪ ،‬يعللون با اخفاق السطول‪ ،‬حت ل يكون مرد هزيتهم انا هو بطولة أبناء جربة وموقفهم‬

‫الصلب ف الدفاع‪ .‬وقد لفقوا كثيا من القصص ليخففوا با آثار الفضيحة ف زعمهم فحاولوا ان‬

‫يقللوا عدد الند السبان من عشرين ألفا إل خسة عشر ألفا او أقل‪ ،‬وحاولوا ان يضخموا من عدد‬

‫السلمي إل أقصى ما يصدقه العقل فزعموا أنم جهزوا ثلثة آلف فارس‪.‬ث جعلوا يصورون هذه‬
‫الزيرة الصغية كأنا صحراء وسط افريقيا‪ ،‬او الربع الال من جزيرة العرب‪ ،‬وجلعوا العياء‬

‫يستول على الند ويتمكن منهم العطش حت يسقط بعضهم ميتا ويضظهر اخرون إل ان يشتروا‬

‫كأس الاء بعشرة قروش طرابلسية ول يكفهم هذا اليال حت جعلوا اهل الزيرة يعرفون مقدما ما‬

‫سيصيب السبان من اعياء وعطش فيضعون بناء على ذلك خطة يستطيعون با التغلب على عدوهم‪،‬‬

‫وذلك بان يتركوا البار مفتوحة‪ ،‬ويضعون عليها القادير الكافية من الرار والبال‪ ،‬ليتنازع عليها‬

‫الند السبان حينما يشتد بم العطش‪ ،‬ويتقاتلوا فينقض عليهم الربيون ف سهولة ويسر‪.‬‬

‫أنه تطيط لعركة على الورق‪ ،‬خططها خيال خصب‪ ،‬حت تكون اسباب هزية اليش السبان‬

‫الكبي انا نتجت عن التعب والعطش وشدة الر‪ ،‬واختلف الند على الشراب‪ ،‬ووقوعهم ف فخ‬

‫منصوب بكمة وخبة ودراسة‪ ،‬وهذه القصة يبدو سخفها واضحا إذا وضعت امام القائق‪.‬‬

‫ان السافة الت كانت تفصل بي اليشي قبل ان يتحركا للقتال كانت ل تتجاوز ستة اميال‪ ،‬وهي‬

‫مسافة ل يتعب من قطعها الرجل العادي فما بالك بالندي الدرب على الصب والحتمال ث ان‬

‫هؤلء النود قد دربوا على ان يسيوا اياما متوالية‪ ،‬فكيف يتعبون من سي نصف دربوا على ان‬

‫يسيوا اياما متوالية‪ ،‬فكيف يتعبون من سي نصف يوم او اقل ويقول بعض الكتاب ان الند كانوا‬

‫يتساقطون قتلى من العطش فهل من العقول ان يبلغ الال باليش إل هذا الد ويستمر القادة دون‬

‫ان يتخذوا أي شيء لسعاف القوم او راحتهم‪ ،‬ويزعمون ان بعضهم يشتري كاس الاء بعشرة‬

‫قروش‪ ،‬فممن كانوا يشترونا يا ترى ؟‬

‫وقد صور الستاذ البارون دخول السبان إل الزيرة كأنم يتوغلون ف صحراء قاحلة‪ ،‬ويسيون‬

‫حت يلوا السي دون ان تبدو لعينهم خضرة‪ ،‬او يدوا ماء‪ ،‬او يروا انسانا‪ ،‬ول يسعن ازاء هذه‬
‫الصورة الت وضعها الستاذ البارون إل ان اضع بانبها صورة اخرى وضعها مؤلف تونسي يعرف‬

‫جزيرة جربة حق العرفة هو الستاذ ممد الرزوقي قال ف كتاب ‪:‬‬

‫(( مؤنس الحبة )) صفحة ‪:145‬‬

‫(( من اعجب الظواهر ف جزيرة جربة ان الزائر لا الول مرة يؤخذ بمال مناظرها الطبيعية‬

‫الساحرة‪ ،‬فمجرد اقترابه من شواطئها تظهر له غابات الزيتون الضراء‪ ،‬وجذوع النخل الباسقة‬

‫تتراقص امام عينيه يركها النسيم‪ ،‬والبحر حواليها ترقص امواجه لرقصها‪ ،‬وتتز او اذية لهتزازها‪،‬‬

‫وينل الزائر لرضها فل يد غالبا اثرا للسكان بل ل يكاد يرى احدا كأن الياة معدومة فيها ))‬

‫ويقول بعد الكلم‪ ،‬ولكنه ل يكاد يطو خطوات داخل هذه الشجار الضراء حت تنبثق له من بينها‬

‫بناية بياض لمعة لعان شس جربة الضاحية‪ ،‬ذات قباب صغية‪ ،‬وابراج قائمة على زواياها‪ ،‬كأنا‬

‫حصن من الصو‪ ،‬وبانب هذا الصن تد البئر الروية تتد منها الداول الصغية اللتوية الت تعطى‬

‫الاء لنواع الضر والغلل‪)) .‬‬

‫هذه هي الصورة القيقة لربة‪ ،‬وهي مناقضة تام الناقضة للصور الت وضعها لا الستاذ‬

‫البارون الت احتسب أنه اقتبسها عن كتاب غرب كان يصف جربة وهو يسرح بياله الصب ف‬

‫صحاري أفريقيا‪.‬‬

‫أما خرافة إعداد الرار والبال على البار والستعداد حولا إل آخر ما جادبه اليال‬

‫الصب فهى عكس ما تقتضيه الكائد الربية‪ ،‬ويبدو أن سكان جربة الكرام ل يفكروا ف قضية الاء‬

‫والعطش‪ ،‬ول يطر على بالم ان هذا اليش الجهز بكل شئ يغفل عن الاء فل يأخذ معه القدرا‬

‫الكاف‪ ،‬ولذلك فلم يهتموا بالبار وبقيت صهاريهم ‪ -‬الوزعة ف الزيرة على مسافات متلفة‬

‫حسب احتيا جات السكان ‪ -‬على حالا مكا كان منها مغلقا بقى مغلقا وما كان مفتوحا وعليه‬
‫الرار والبال بقى كذلك ولو خطر لم ان العدو قد يتاج إل الاء‪ ،‬وانه سيصاب بالعطش لغلقوا‬

‫تلك الصهاريج والبار‪ ،‬او غورو هاحت ل يتمكن العدو من الشراب‪ ،‬وتغوير البار وتفويت الاء‬

‫على العدو طريقة متبعة معروفة بي اليوش التقاتلة منذ أقدم العصور‪ .‬وأول من استعملها ف السلم‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ف غزوة بدر باشارة من سيدنا الباب بن النذر رضى ال عنه‪.‬‬

‫جاء ف سية بن هشام صفحة ‪ 62‬ما يلي‪ :‬فقال‪ -:‬أى الباب ‪ -‬يارسول ال فإن هذا ليس‬

‫بنل‪ ،‬فانض بالناس حت نأت أدن ماء من القوم‪ ،‬فننله‪ ،‬ث نغور ما وراءه من القلب‪ ،‬ث نبن عليه‬

‫حوضا‪ ،‬فنملؤه ماء ث نقاتل القوم‪ ،‬فشرب ول يشربون‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لقد‬

‫اشرت بالرأى‪)) .‬‬

‫فكيف يظر لقادة جربة أن يفتحوا آبارهم ويضعوا عليها البال والرار‪ ،‬ويكنوا عدوهم‬

‫من الشراب‪ ،‬توقعا أن يقع بي جند العدو نزاع على الاء‪.‬‬

‫إنا صورة شعرية زخرفها خيال كاتب ل يعرف جربة ول يشترك ف حرب‪ .‬وقد اعتمد‬

‫عليها الستاذ البارون دون أن يتناولا بالنقد على ضوء الحداث والواقع والوقائع‪ .‬وأنا ف هذه‬

‫الناقشة ل أزعم ان الستاذ الكبي قد ارتكب ف حق جربة خطأ تارييا فغن هذا ل يطر ل على بال‬

‫وإنا كل ما أردت أن أشي إليه إن الستاذ اعتمد الصادر الجنبية وقد يكون له ف ذلك كل العذر‬

‫إذ قد كان ل تتوافر له الصادر العربية ل سيما ف الفترة الت وضع فيها كتابه القيم‪ ،‬عن تاريخ‬

‫القرصنة السبانية‪.‬‬

‫ولكى أضع الصورة القيقة لتلك احادثة بي يدى القارئ الكري‪ ،‬فإنن انقل له ما قالته‬

‫الصادر القريبة العهد من تلك الادثة‪ ،‬بل العاصرة لا‪ ،‬والت تتمشى مع طبيعة الشياء‪ ،‬ويتقبلها‬

‫العقل دون تشكك أو ارتياب يقول أبو عبدال ممد أبو رأس ف كتابه ( مؤنس الحبة ) تقيق‬
‫الرزوقي‪ (( :‬وف يوم المعة استعد الكفار للنول‪ ،‬فصب السلمون صللة المعة‪ ،‬وخطبه خطيبهم‬

‫با أعد ال من النعيم القيم للمجاهدين ف سبيل ال‪ ،‬ونزل عدو ال بعساكر‪ .‬رجال وركبانا‪،‬‬

‫بطبولم وآلة جربم من مدافع ومرقات وغيها‪ ،‬فرتب السلمون صفوفهم ميمنة وميسرة وقلبا‪ .‬عند‬

‫نزولم للب هجموا عى السلمي فول السلمون امامهم‪ ،‬فاتبعتهم الكفرة‪،‬وقد اكمن لم السلمون‬

‫جاعة من الجاهدين‪ ،‬وعليهم الشيخ سليمان بن يى السمومن‪ ،‬فقطعوا بينهم وبي البحر‪ ،‬ورجع‬

‫عليهم السلمون‪ ،‬وحلوا عليهم من كل جهة وجانب‪ ،‬حلة رجل واحد‪ ،‬واعلنوا كلمة التوحيد‪،‬‬

‫ووضعوا فيهم السيف فلم يبق منهم إل القليل فاسروهم‪ ،‬ول يرجع منهم احد إل سفنهم‪)).‬‬

‫وجاء ف الوثيقة الت اقتبسنا منها غي مرة ما يلى‪:‬‬

‫(( ث كان آخر الليل سع السلمون أصواتا من آلت الرب عند النصاري فايقنوا بنولم‬

‫غدا‪ ،‬وزادوا شدة وندامة على ما سلف من ذنوبم ث هم كذلك‪ ،‬والطبول تضرب‪ ،‬والناس على ما‬

‫تقدم من التحريض وطلب الحال‪ ،‬والتوبة‪ ،‬وخيل الشيخ تصل إل قرب النصارى وتأت بأخبارهم‬

‫إل أن حان وقت الظهر من الغد‪ ،‬فصح الب أن النصارى اخذوا ف السي والوصول إل السلمي‪،‬‬

‫وكانت مسافة ما بب الفريقي ستة أميال‪ ،‬فقام السلمون حينئذ وصفوا صفا‪ ،‬والشيخ حفظه ال‬

‫وأولده والعزابة وأصحاب اليل وزعماء الناس يشون على الصف‪ ،‬ويسوونه ويرتبون الناس‪،‬‬

‫ويامرونم بالثبات‪ ،‬وأن ل يافوا لن ال عز وجل يقول‪ (( :‬كم من فئة قليلة غلبت فئة كثية بإذن‬

‫ال وال مع الصابرين‪ )).‬فلما استقام السلمون ف صفهم وكان من ف قلبه ل يرى من ف ميمنته ول‬

‫من ف ميسرته لعدم استواء الرض وكثرة الشجار وطول الصف‪ ،‬وكان ذلك أول وقت الول‬

‫والناس بي مصل وغي مصل‪ ،‬لن الوقت متسع وما هم فيه أضيق فإذا باعداء ال قادمون على صف‬

‫من الهة الشرقية فلما تقارب الصفان إذا بيل النصارى تدفع‪ ،‬وحديدهم الذي لبسوه يلمع‪ ،‬ودخان‬
‫البارود يسطع‪ ،‬وانفارهم (‪ )1‬ومكاحلهم تسمع‪ ،‬فلما زاد ذلك كله بن كان ف مقابلتهم من‬

‫السلمي إل جراءة عليهم وجسارة‪ .‬فتنادو بالصلة على النب‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬وتداعوا بالدين والسلم‬

‫وتوسلوا إل ال باوليائه وبقرآنه وببكة مذهب الباضية الذي ظهرت بركته ف غي مواطن‪ ،‬فحملوا‬

‫عليهم حلة واحدة فلما التقوا‪ ،‬وكان أعداء ال رتبوا انفسهم صواب(‪ )2‬كل صابية ف ظهرها‬

‫آخرون‪ .‬من ال على السلمي بادبار الصابية‪ ،‬الول‪ ،‬وقتلوا منهم كثيا فعضدتم الصابية الت تليهم‬

‫فهنالك وقع تزحزح قليل من الذين قابلوهم من السلمي ث كروا بعدها كرة واحدة‪ )).‬وبعد كلم‬

‫‪6‬‬
‫تقول الوثيقة‪:‬‬

‫(( فبينما هم كذلك من كان ف القتال‪ ،‬ف القتال ومن كان ف الفرار‪ ،‬ف الفرار فإذا بطائفة من‬

‫السلمي يقدمها الشيخ أبو الربيع سليمان بن الشيخ أب زكرياء‪ ،‬فقطعوا ما بي النصاري والبحر‪.‬‬

‫فلما رأى الفريقان ذلك جرؤ السلمون وزاد من ف القتال شدة‪ ،‬وذل النصارى واعطو بالدبار مرة‬

‫واحدة فصارت خيل السلمي توهن والرجال تقتل حت وصلوا البحر‪)).‬‬

‫اعتقد أن هذا الوصف من رجل قد يكون حضر العركة كاف ف أبطال القصص اليالية‬

‫الت يؤلفها كتاب الفرنج‪ ،‬ليهونوا من بطولة السلمي وليخففوا من أثر الفضيحة الت وقع فيها‬

‫أسطول القرصنة الفرنية‪ ،‬السطول الذي تؤيده الدول الصليبية‪ ،‬وتباركه الكنيسة‪ ،‬ويدعو له البابا‬

‫بالنصر والتأييد انا معركة حقيقية فيها ما ف العرك الربية من عنف الصدام وقساوة القتل وحرارة‬

‫الوت‪ ،‬وقد كتب فيها انصر لشد الفريقي ثباتا‪ ،‬وامضاها عزية‪ ،‬وأصبها على حر النضال ‪،‬‬

‫واشدها رغبة ف النصر او الشهادة‪ .‬ول تكن أسباب الزية فيها عائدة إل طول مسافة‪ ،‬أو شدة حرا‬

‫‪ )1 (6‬أى أبو اقهم ( ‪ )2‬أي طوابي‬


‫وقلة ماء‪ ،‬أو جهل بوقع البلد‪ .‬وإنا أراد ال سبحانه وتعال أن يقيم الجة على السلمي ف كافة‬

‫أقطار الرض بذه الواقعة‪ .‬فمنح نصره للقلة الضعيفة‪ ،‬الحصورو‪ ،‬كما منحة من قبل للمؤمني‬

‫الصادقي‪ .‬وما صدق الؤمنون ف جهادهم ل إل نصرهم ال فيما مضى وفيما يأت مهما كانت القوة‬

‫الادية للعدو‪.‬‬

‫(( وغن جند نالم الغالبون )) ولن يبطل وشاء ال الؤكد ثلث تأكيدت شئ ف الكون لو‬

‫صدق السلمون‪.‬‬

‫أثر معركة جربة‬

‫كان لذه العركة الت انتصرت فيها جربة على السطول السبان الضخم ذلك النتصار‬

‫الرائع‪ ،‬أثر بالغ ف نفوس السلمي‪ ،‬وف نفوس الوروبيي على السوء‪ .‬فقد تضاءل فيه الصليبيون‪،‬‬

‫وأعتب فضيحة ف تاريخ القرصنة السبانية‪ ،‬اما السلمون فقد أثر ف نفوسهم هذا النتصار‪ ،‬ورفع من‬

‫معنوياتم‪ ،‬وارجع إليهم الثقة الت فقدها بعضهم أو كاد‪ ،‬وجعلتهم يستخفون باؤلئك الغزاة الذين‬

‫كانوا يتحكمون ف جيع السواحل الشمالية لفريقيا‪ .‬ونتج عن كل ذلك فكرتان متعارضان إحداها‬

‫عند الفرنج والثانية عند السلمي‪.‬‬

‫اما الفرنج‪ ،‬وقد صدموا هذه الصدمة العنيفة‪ ،‬فقر قرروا ليحافظوا على هيبتهم أن يقوموا‬

‫بناورات على سواحل البحر البيض التوسط‪ ،‬يقصدون با إرهاب السلمي‪ ،‬وبعث الوث ف‬
‫نفوسهم‪ ،‬وإشعارهم بان القرصنة الفرنية ل تزال على قوتا‪ ،‬ل تنل منها أحداث الوقعة الؤلة ف‬

‫جربة‪.‬‬

‫أما السلمون وقد رأوا نتيجة الثقة بال‪ ،‬والصب عند اللقاء‪ ،‬والرغبة ف الستشهاد‪ ،‬فقد‬

‫استخفوا بالفرنج وما لديهم من قوة‪ ،‬وزال من قلوبم ذلك الوف الذي بعثته فيها الدعاية الواسعة‬

‫عن قوة الفرنج وضخامة أساطيلهم‪ ،‬وامتلت قلوبم شجاعة وجرأة وأقداما‪.‬‬

‫وقد انبن على الفكرتي معا تربة أخرى‪ ،‬فقد فكر القائد السبان ان يلم فلول جيشه‪ ،‬وأن‬

‫يمع أساطليه العصوبة‪ ،‬ف الزيرة الصغية ( لبدوشا ) وحاول أن ينفخ روح الياة ف تلك الياكل‬

‫التحركة‪ ،‬وإن يرد لتلك الخشاب العائمة فوق الاء قوة السفن الربية‪ ،‬وأراد أن يهز من مموع‬

‫ذلك أسطول يخر عباب البحر‪ ،‬وكان ف القيقة يعلم أن القاتلي الذين ل يكتب لم أن يقتلوا ف‬

‫جربة‪ ،‬وخرجوا منها أشباحا متحركة‪ ،‬قد أصيبوا ف قلوبم‪ ،‬فما عادت لم قلوب تقوى على مابة‬

‫الحداث‪ ،‬ومقابلة العداء‪ .‬ومقارعة البطال‪ ،‬زكلنه كان يعتقد أن الدعاية قد تأت بنتيجة‪ ،‬فهو ل‬

‫يزال ينفخ فيها الروح‪ ،‬ويعمل على ان يعيد الياة إل تلك الشباح‪ ،‬ليكون منها بشرا يتحركون‪.‬‬

‫وهو من جهة اخرى‪ ،‬كان يرسل على متلف اللسنة والوسائل دعاية هائلة‪ .‬واشاعات طويلة‬

‫عريضة‪ ،‬عن قوة السطول الديد‪ ،‬وعن الضربة الائلة الت سوف يوجهها إل بعض الثغور‬

‫السلمية‪ ،‬وهو ف ذلك ل يعي الثغر الذي سوف يقصده‪ ،‬او اليناء الذي سوف يصدمه‪ ،‬وإنا يرسل‬

‫هكذا دعاية طويلة عريضة‪ ،‬يرمى من ورائها طمأنة الدول التس تساعده‪ ،‬وبعث الشجاعة أصحاب‬

‫الثغور السلمية فعل بالقلق‪ .‬ول يستطيع أي ثغر منها أن يسمح لقواه بالبتعاد عن الثغر خوفا من‬

‫مباغتة هذا السطول القابع ف ( لبدوشا ) التخفز للهجوم وبقيت الثغور تنتظر تنفيذ النذار الديد‪.‬‬
‫ترك السكول اللفق قاصدا ثغرا من الثغور السلمية هو صفاقس‪ ،‬ورجعت قوارب الصيد‬

‫الصفاقسى ذات يوم مذعورة تعلن قرب وصول السطول الفرني إل ميناء صفاقس‪ ،‬دون سابق‬

‫إنذار‪ ،‬وتسامح الناس فاندفعوا إل ساحل البحر با لديهم من أسلحة بسيطة اكثرها خناجر وعصى‪،‬‬

‫وتمعوا ينتظرون وصول العدو إل الشاطئ‪ ،‬ونزوله إل الب‪ ،‬ليحتفوا بقامه العظيم‪ ،‬وليقوموا بتكريه‬

‫با يستحق من التكرم‪ ،‬على طريقة التحاربي‪ ،‬ولا وصل السبان‪ ،‬وكان أسطولم هذه الرة هزيل‪،‬‬

‫ضعيفا‪ ،‬ذليل‪ ،‬إذ يبلغ عشرين سفينة‪ ،‬بينما كان ف الملة الاضية‪ ،‬يتجاوز الائة‪ .‬وقف مترددا يراجع‬

‫حساباته‪ ،‬ويصحح تقديراته‪ .‬ولا رآه السلمون فرحوا به واستبشروا‪ ،‬وعزموا أن ييوه بصفعة على‬

‫خده اليسر‪ ،‬بعد أن كادت آثار أصابعهم تزول عن خده الين‪ ،‬ولكن عزمهم هذا ل يتحقق فإن‬

‫السطول ما كاد يقترب من الساحل الصفاقسى‪ ،‬ويرى تللك العداد الائلة من البشر تتحرك ف‬

‫خفة ورشاقة‪ ،‬وتنتظر وصوله ف لفة وشوق‪ ،‬حت امتل ذعرا‪ ،‬وملك الرعب عليه زمام امره‪ ،‬فاطلقوا‬

‫اشرعتهم للريح‪ ،‬وانطلقوا ف عرض البحر يعرضون على الساك رشاقتهم ف السباحة‪ ،‬وسرعتهم عند‬

‫الروب‪ ،‬وفوتوا على السلمي فرحة بالنصر‪ ،‬وثروة بالغنيمة‪ ،‬وسعادة بالشهادة‪ ،‬وأوحى لم الب ان‬

‫يظهروا بظهر الشجاعة ويتخذوا ست القوى وهم يسبحون ف عرض البحر‪.‬‬

‫طلب الطعن وحده والنال‬ ‫وإذا ما خل البان بارض‬

‫فقصدوا جزيرة قرقنة‪ ،‬وكانت حينئذ خالية ل سكان با‪ ،‬فانزلوا با ألف جندي ليختبوا‬

‫حالا‪ ،‬وليبنوا با برجا كبج القشتيل ف جربة‪ ،‬حت يكون مركزا لم ينطلقون منه‪ ،‬وحصنا يأون‬

‫إليه‪ ،‬ويتمون به‪ ،‬وكان السلمون يتنسمون اخبارهم ويتتبعون حركاتم فلما نزل القوم ف جزيرة‬

‫قرقنة تسلل إليها نو ستمائة مقاتل من السلمي وعندما جثم الليل على صدر الزيرة‪ ،‬وخيم الظلم‬

‫على الرض‪ ،‬بعث اولئك القاتلون الشجعان نفرا منهم يستطلعون اخبار هذا اليش الصغي‪ ،‬فوصل‬
‫اولئك النفر إل مل الند‪ ،‬وداخلوهم‪ ،‬ومروا من بينهم‪ ،‬فوجدوهم قد أمنوا على انفسهم‪ ،‬واسلموا‬

‫اجسامهم للمضاجع‪ ،‬واعينهم للنوم‪ ،‬فما كانوا يتوقعون مباغتة من عدو ف هذه الزيرة الالية‪.‬‬

‫رجع اولئك النفر إل إخوانم واخبوهم با راوا ووجدوا‪ ،‬فاسرع السلمون حت دخلوا‬

‫معرس الفرنج دون ان يشعر بم احد‪ ،‬ول يستيقظ أولئك القوم غل بعد إن كان السلمون واقفي‬

‫على رؤوسهم بالسلح‪ ،‬ويداعبون رقابم باسنة الرماح‪ .‬وانتبه القوم مذعورين‪.‬‬

‫اعتقد ان القارئ الكري‪ ،‬ليس ف حاجة إل ان أقول له إن تلك الكتيبة الت تتألف من ألف‬

‫جندى‪ ،‬والت ذهبت لتر تادمر كزا للقرصنة ف جزيرة قرقنة ل يعد منها احد حت الن وقد خسرها‬

‫السطول السبان إل البد‪ ،‬وان الصفعة الت هم السلمون بالقائها على خد القرصنة ف صفاقس‪،‬‬

‫فتفاداها السطول بالفرار قد تلقاها السطول نفسه ف جزيرة قرقنة ساخنة مؤلة‪ ،‬وجرب السطول‬

‫أن يوهم الناس بان به بقية من حياة‪ ،‬وذماء من قوة‪ ،‬وقصد سواحل جزيرة جربة وجعل يوم حولا‪،‬‬

‫ولكن احدا من الناس ل يرفع إليه نظره‪ ،‬ول يلتفت إليه‪ ،‬ول يسب له حسابا‪ ،‬او يعبأ به‪ ،‬فقد بلغ‬

‫من الوان إل ان تغاضت عنه العيون‪ .‬فلما علم أن دعايته انفضحت‪ ،‬وإن خدعه انكشفت وإن‬

‫مناوراته فشلت‪ ،‬وإن هيبته ضاعت إل البد‪ ،‬ضعيتها عليه تلك اجزيرة الصغية الت كان يعتقد أن‬

‫الستيلء عليها ل يزيد عن نزهة برية‪ ،‬وانه لن يستطيع لتلك اليبة ردا‪ ،‬مهما بذل‪ ،‬ومهما عمل‪ ،‬لا‬

‫انطشفت له هذه القائق‪ ،‬واستبانت له النتائج‪ ،‬ووصل ف تفكيه الذكي إل معرفة واقعه الؤل رفع‬

‫الشرعة واطلق للريح‪..‬‬


‫تربة اخرى‬

‫إن الصفعتي الؤلتي اللتي تلقاها السطول السبان ف جريرة جربة‪ ،‬ث ف جزيرة قرقنة‪،‬‬

‫تركتا أثرا مؤلا‪ .‬بدأ واضحا على جيع العال الغرب التعصب‪ ،‬وكان أشد ما يكون ايلما على سيدة‬

‫القرصنة ف ذلك الي ( أسبانيا )‪ .‬ولذلك فقد كانت تعمل جاهدة على ان ترد تلك الصفعات‪،‬‬

‫تؤيدها الدعوات من الكنيسة ورجالا‪ ،‬والساعدات من العال السيحي الغرب وتاخذ بثأر قتلها‬

‫وسباياها من الزيرة الصغية‪ ،‬جزيرة جربة‪ ،‬واستمرت تعد العدو والعدة‪ ،‬وتتحي الفرصنة‪.‬‬

‫وبعد عشر سنوات‪ ،‬أي ف سنة ‪ 926‬استكملت استعدادها‪ ،‬وظنت انا بالغة ما تريد‪،‬‬

‫فاذنت لنائب ملك أسبانيا على صقلية (( الدوق هو جو دى منكادا )) أن يقوم بالهمة وبدأ نائب‬

‫اللك السبان على صقلية يعد عدة الجوم‪ ،‬ويتخذ التدابي‪ ،‬ويزن المور‪ ،‬وقاد أسطوله الكون من‬

‫مائة سفينة‪ ،‬تمل خسة عشر ألفا‪ ،‬من القاتلي الدربي السلحي الجهزين بأحدث ما عرف النسان‬

‫من آلت الرب ف ذلك الي‪ .‬وكان ( الدوق منكادا ) بعصر ذهنه‪ ،‬ويكد فكرة‪ ،‬ليسم خطة‬

‫سليمة للهجوم ‪ ،‬يتلف فيها الخطار الت وقع فيها اسلفه‪ ،‬فيخسروا سعتهم الربية‪.‬‬
‫وانطلق السطول حت بلغ الزيرة الصغية جزيرة جربة‪ ،‬الت صارت صخرة صماء تتحطم‬

‫عليها قوى البغى والعدوان‪ ،‬وانزل القائد كامل قواته القاتلة حت يضرب الضربة العنيفة القوية‪ ،‬وكان‬

‫الجوم مفاجئا فلم يسمع أهل الزيرة بالب إل من قريب‪ ،‬وبدا الرجل زحفه‪ ،‬فاسرع غليه من بلغه‬

‫الب من سكان الزيرة‪.‬‬

‫إن السواعد الت صفعت (دون بدور نافارو) و (دون قراشيا الطليطلى) و (دياجو دى فيا)‬

‫ل تزال موجودة وقوية‪ ،‬وغن شراقة اليان الت بعث أبو النجاة اشعاعها ل تزال تومض ف قلوب‬

‫الؤمني‪ ،‬وإن العيون الت كانت تنظر إل عدد قليل من الناس العزل يطاردون بايانم وصبهم وثباتم‬

‫عشرين ألفا مزودين باحدث السلحة‪ .‬أن هذه العيون ل تزال تلمح أشباح السبان بي فار وقتيل‬

‫ومن ورائهم السلمون يسوقونم سوق الرعاة للغنام‪ .‬ان تلك الصور الرائعة الت مضى عليها عشر‬

‫سنوات فقط ل تح بعد من أذهان الناس‪.‬‬

‫ولذلك فما سع الناس بجوم الفرنج على الزيرة‪ ،‬حت تسارعو إل لقاء العدو ف ميدان‬

‫القتال‪ ،‬واشتبك الفريقان ف معركة حامية …… غزاة يملهم الشع والطمع على القتال‪ ،‬يهاجون‬

‫حاة‪ ،‬يذودون عن الدين والوطن والعرض‪ ،‬مؤمني بقهم‪ ،‬وعدالة موقفهم‪ ،‬ف هذا الدفاع الجيد‪،‬‬

‫واثقي ف نصر ال‪ .‬ول يطل الصراع‪ .‬فلقد كان القائد السبان يدير العركة وهو ينظر إل صفوف‬

‫جنوده‪ ،‬تتهاوى صرعى‪ ،‬صفا بعد صف‪ .‬إن أسلحته النارية‪ ،‬كانت قليلة الدوى‪ ،‬وكان ينظر إل‬

‫اولئك السلمي الذين يتسابقون إل الوت‪ ،‬وليس لديهم من السلحة الفتاكة شئ‪ ،‬وإنا يعتمدون‬

‫على سيوف كليلة‪ ،‬وخناجر قصية‪ ،‬وعصى وما اشبه ذلك من السلح البسيط‪ ،‬ولكنهم يلكون‬

‫معها سواعد قوية ل تطيش ضرباتا‪ ،‬وقلوبا ربط عليها اليان‪ ،‬وإجساما خفيفة نشيطة متحركة‬

‫تعرف مت وكيف تزوغ من وسائل التدمي‪ ،‬الت اعدها العدو‪ ،‬ولكنها حي تضرب تصيب الدف‪،‬‬
‫وتقع على القتل‪ ،‬لنا تقبل على الوت برغبة ف الشهادة‪ ،‬وتضرب العدو بشجاعة‪ ،‬وتدافع عن‬

‫الوطن بمية‪ .‬ورأى (( دون منكادا )) ما يل بيشه‪ ،‬وايقن إنه سائر ف الطريق الذي سار فيه‬

‫اسلفه‪ ،‬عندما تعرضوا لغزو جربة‪ ،‬فاستعصت عليهم‪ ،‬وليس هذا فحسب ولكنها برهنت لم ان‬

‫قواها العنوية أقوى كثيا ما حشدوا من قوى مادية‪ .‬وواتاه الذكاء ! الذكاء الذي يوات اسلفه ف‬

‫منتهم‪ ،‬فرأى ان يقلل من السارة ما امكن ما دام ل يستطيع ان يتفادى الفضيحة‪ ،‬وصاح ف اليش‬

‫يامر بالنسحاب‪ ،‬وكانت هذه الصيحة هى أحب ما ينتظره اولئك النود الساكي‪ .‬وسرعان ما‬

‫أطاع أفراد اليش هذا المر الذي يعتبونه السبيل الوحيد للبقاء على الياة‪ ،‬وجر القائد بقايا جيشه‬

‫الفلول‪ ،‬تاركا من ورائه ستمائة قتيل‪ ،‬وأضعاف ذلك من السرى‪ ،‬ولو استمر ف القتال إل الليل‬

‫لوقع له ما وقع للجيوش السابقة‪ ،‬ولكنه تفادي السارة ورجع ببقية جنده إل أسطوله‪ ،‬فامتطى‬

‫السفن واطلق الشرعة للريح …‬

‫أنه يوم من أيام ال ‪ ،‬خلدته جزيرة جربة لتقيم به الجة على الة السلمية‪ ،‬وتعرفها أن قوة‬

‫الق واليان ل تنهزم أمام الديد والنار‪ .‬وإن ال الذي مكن للطائفة القليلة من السلمي على الفرس‬

‫والروم والسبان بالمس‪ ،‬سوف يكن للمة السلمة اليوم‪ ،‬او غدا على النليز والميكان والروس‬

‫إذا ما وفق با عاهدت عليه ال‪ ،‬وسارت ف النهاج الذي دعاها إل السي فيه (( ولقد نصركم ال‬

‫ببدر أذله فاتقوا ال لعلكم تشكرون‪ ،‬إذ تقول للمؤمني ألن يكفيكم أن يدكم ربكم بثلثة آلف من‬

‫اللئكة منلي‪ ،‬بلى ان تصبوا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يددكم ربكم بمسة آلف من‬

‫اللئكة مسومي‪ ،‬وما جعله ال إل بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إل من عند ال العزيز‬

‫الكيم))‪.‬‬
‫التبعية السية‬

‫إن التتبع لحدث التاريخ ف جربة حسبما تدثنا عنه ف الفصول السابقة‪ ،‬يستطيع ان يسمى‬

‫العهد الول من تاريها وهو العهد الذي يتد من سنة ‪ 47‬إل سنة ‪ 529‬بعهد الستقلل اما العهد‬

‫الثان من تاريها وهو العهد الذي يتد من سنة ‪ 529‬إل سنة ‪ 960‬والذي اطلقنا عليه ف بعض‬

‫الفصول السابقة عهد الهاد ف سبيل ال يكن ان يطلق عليه عهد التبعية السية إذا نظرنا غليه من‬

‫جهة السياسة والكم‪ ،‬وذلك ان جربة بعد ان استول عليها الفرنج سنة ‪ 529‬ث خرجوا منهخا‬

‫سنة ‪ 555‬بقيت تت حكم خارج عنها‪ .‬فقد تكم حكم الوحدين إل سنة ‪ 725‬ث انتقلت إل‬

‫حكم الفصيي‪ ،‬وكثيا ما يستبد بكمها بعض الولة لدة ث تعود إل الدولة الركزية‪.‬‬

‫وف هذه الدة الطويلة من تاريها الت تتد ما بي سنة ‪ 555‬إل سنة ‪ 960‬ل تكن جربة‬

‫تتم بأي دولة مسلمة تكمها‪ ،‬او أي وال يأتيها‪ ،‬فقد رضيت بميع اللوان الت تتناوبا‪ ،‬وكانت‬

‫تظهر الطاعة وتدفع الضرائب ف هدوء‪ ،‬ول تشترك ف الناعات الت تقوم بي الدول والولة الذين‬

‫يتنازعون حكمها وإنا كانت تنظر إليهم نظر الفريسة‪ ،‬إل السباع ل تبال من سبق منها إل الولوغ‬

‫ف دمها‪ ،‬فهى تقف من الميع موقفا سلبيا كامل‪ .‬وغنما كل ما يهمها ان يكون الاكم مسلما‬

‫سواء كان تابعا لحدى الدول القائمة حينئذ‪ ،‬أو كان مستبدا لسابه‪ ،‬كما فعل ابن مكى وابن أب‬

‫العيون‪ .‬وكانت طيلة هذه الدة مشغولة بكفاح متواصل للفرنج‪ ،‬تدخر للقاتم ما تعد من قوة‪ ،‬ذلك‬
‫ان الفرنج طيلة هذه الدة ل ينفكوا عن مهاجتها وماولة الستيلء عليها فكانت تصر هها ف‬

‫موضوع الهاد‪ ،‬معرضة عن قضية الكم وما فيه من فساد‪.‬‬

‫ومن الؤسف أن اولئك الكام الذين رضيت جربة بكمهم على اختلف أشكالم‪،‬‬

‫واستسلمت لم‪ ،‬وكانت تدفع لم الضرائب‪ ،‬كان ل يهمهم منها غي ذلك‪ ،‬وعندما يهجم عليها‬

‫الغزاة الصليبيون‪ ،‬يقف أولئك الكام‪ ،‬موقف التفرج من بعيد‪ ،‬فإذا ردت العدو أو اتذت معه موقفا‬

‫من الواقف رجع إليها أولئك الكام وهى تنف دما ليلعقوا من تلك الدماء‪ .‬يقول الستاذ الرزوقى‬

‫ف ( مونس البة ) صفحة ‪ (( 103‬حيث وقع الساكي بي نارين‪ ،‬سيطرة النصارى الحتلي‬

‫لرضهم من جهة‪ ،‬ومطالبتهم من طرف هذه الملت الفصية بدفع الراج للدولة‪ )) .‬بل لقد بلغ‬

‫أولئك الكام إل أكثر من ذلك فقد يهجم قواها ف ذلك الدفاع‪ ،‬وتغلب على امرها‪ ،‬فيحتلها‬

‫العدو‪ ،‬وتنتهى العمليات الربية‪ ،‬وحينئذ فقط تذكر الدولة ان جربة من متلكاتا‪ ،‬وانا تأخرت ف‬

‫دفع الضرائب وانه يب تأديبها على ذلك‪ ،‬يقول أبو ممد التيجان ف رحلته ص ‪ (( 126‬وكان‬

‫تغلبهم عليها ف هذه الدة الخية سنة ثان وثاني وستمائة بسبب اشتغال ملك الضرة‪ ،‬إذ ذاك‬

‫رحة ال ببعض الثائرين عليه‪ )).‬وبعد ان يصف كيف دخل جيش اللحيان إل الزيرة‪ ،‬ويصف‬

‫بعض معالها يقول ف صفحة ‪ (( 128‬ووصل إلينا إذ ذاك شيخ النكارة‪ ،‬وقد كان هو ونظيه من‬

‫الوهبية فرا عن الزيرة أول إقبالنا عليها خوفا على انفسهما فلما حللنا با كتبا إلينا كتابا يطلبان‬

‫المان‪ ،‬فاسعفا به‪ ،‬فوصل النكاري وتاخر وصول الوهب‪ ،‬فوصل بعده بأيام‪ ،‬ولا اجتمعا تكفل‬

‫باستخلص ما وضع من الداء على قومهما‪ ،‬وانفصل ليشتعل بقبض ذلك من يومهما‪ )).‬هكذا‬

‫يتحدث التيجان دون أن يجل من تسجيل هذه الصفحة التاريية الؤلة‪ .‬الت كان هو أحد أبطالا‪،‬‬
‫وهذا مدمه أبو زكرياء اللحيان يقود جيشه الرار ليطالب بالضرائب قوما قد استنفذ العدو ما‬

‫لديهم‪ ،‬واحتل أرضهم‪ ،‬وكان النطق يقتضى ان يوجه هذا اليش الرارإل مقاتلة ذلك العدو الرابض‬

‫ف القشتيل اما هذه المة الت وضعتها طبيعة الوطن ف ثغر من ثغور الهاد فيجب ان تقدم إليها كل‬

‫الساعدات من رجال وسلح حت تقف ف وجه العدو باستمرار‪.‬‬

‫هذه الصورة الت نقلناها عن التيجان تثل الياة الكاملة لربة ف هذا العهد الذي اطلقنا عليه‬

‫اسم عهد التبعية فهى تستقبل العدو بالهاد وتقف ف وجهه با تلك من قوة فتدفعه عنها‪ ،‬أو يتغلب‬

‫عليها‪ ،‬وهى ف كل ذلك تعتب نفسها تابعة ف الكم لدى الدول القائمة‪ ،‬أو الولة الستبدين با‪،‬‬

‫وتبعث إليها بضرائبها فإذا تأخرت عن تسديد الضرائب‪ ،‬ويضعون عليها انواعا من الغرامات‪ ،‬وقد‬

‫ينلون با ألوانا من العقاب‪ .‬وكانت الزيرة البتلة بكل هذه الصائب‪ ،‬تدفع إليهم ذلك وهى صابرة‬

‫على الذى‪ ،‬صامدة ف وجه العدو‪ ،‬تعتذر إليهم عن تأخرها ف بعض الحيان‪ ،‬ل تعكر عليهم صفو‬

‫المن‪ ،‬ول تدعو إل ثورة‪ .‬وذلك حرصا على سعة السلم ورغبة منها ان تكون تابعة لدولة مسلمة‬

‫ولو كانت هذه التبعية اسية‪ .‬وحفظا لقوتا الت تدخرها لجابة العدو التربص با على الدوام ينتظر‬

‫الفرصة الناسبة لبنقض عليها‪ .‬على أنه يب أن نذكر ف هذا الصدد ثلثة من ملوك هذه الدول‬

‫دفعتهم على السلم ومافظتهم على الوطن السلمي إل أن ينجدوا هذه الزيرة ويساعدوها على‬

‫تطهي أرضها من الغزاة الحتلي هؤلء اللوك هم‪:‬‬

‫عبدالومن بن علي سنة ‪ 555‬وأبو بكر الثان الفصى سنة ‪ 738‬وأبو فارس عبدالعزيز بن أحد سنة‬

‫‪.835‬‬

‫أما رحلة أب زكرياء اللحيان وجيشه اللجب فلك يكن القصد القيقي منها طرد العدو من‬

‫جربة‪ ،‬وغنما كان القصد منها جع اكثر ما يكن من الموال والضرائب من الوسط والنوب‬
‫التونسي ولذلك فقد كان ذلك اليش الرار بنتقل بي البلد من تؤزر ونفطة وقابس والامة وجربة‬

‫وغمرا سن وغيها وكان يعمل سرا على تكوين ملكة مستقلة ف طرابلس فهو بعد هذه الرحلة الت‬

‫أبدى فيها ف الظاهر إخلصه للدولة كان ينوى الج وهو ملوث اليد واليب من اموال الناس ول‬

‫يكن قصده للحج إل وسيلة للخروج من تونس دون مضايقة او رقابة وهكذا ت له ما أراد فخرج إل‬

‫الج ورجع فأقام بطرابلس وحاول ان يقيم هنالك دولة ودعا لنفسه وبايعته بعض القبائل ث ساعدته‬

‫الظروف ورجع إل تونس‪.‬‬

‫هذه هى كل الساعدات والنجدات الت تقدمت با الدول القائمة إل جربة ف خلل هذا‬

‫العهد الذي يتد ما يزيد عن أربعمائة وثلثي سنة حسبما وصلت إليه ف أباثى واستنادا على‬

‫الصادر التاريية الت تكنت من مراجعتها ف هذا الوضوع‪.‬‬

‫كان هذا الوضع الشاذ الذي وجدت فيه جربة سببا ف أن تري حياتا على عدة خطوط‬

‫متوازية ل تلتقى‪ ،‬او على عدد من التاهات الت ل يربط تناسق او انسجام ونستطيع ان نلخص ف‬

‫ىخر هذها الفصل تلك التاهات او الطوط فيما يلي‪-:‬‬

‫‪-1‬استعداد لحاربة العدو ورد عدوانه دون إنتظار لساعدة من احد‪.‬‬

‫‪-2‬اعتراف بالتبعية لى حاكم مسلم والتزام لدفع مطاليبه دون الشتراك‬

‫ف مواقف العنف عندما يتلف حاكمان او دولتان على الكم‪.‬‬

‫‪-3‬إعتماد اهل الزيرة ف الياة القتصادية على مواردهم الاصة داخل‬

‫الزيرة وسلوك سبيل يضمن لم الياة ف تلك الظروف الرجة‬

‫الضيقة‪ .‬ولذلك ازدهرت ف الزيرة بناء على ذلك بعض الصناعات‬

‫الحلية وبعض انواع الزراعة‪.‬‬


‫‪-4‬اياد هيئة تتوفر فيه الثقة والدين والعلم لتتول شئون الوطن من الوجهة‬

‫الدينية والجتماعية والدنية وتشرف على احوال البلد وتسيها ف‬

‫سبيل قوي يفظ عليها كرامتها كامة مسلمة‪.‬‬

‫وخلصة الديث ف هذا الفصل ان جربة ف طول هذا العهد كانت تابعة من حيث الكم‬

‫اما للموحدين او الفصيي او بعض الولة الستبدين ول تاول ان تنفصل عنهم أو تستقبل بنفسها أو‬

‫تغي نظام الكم فيها‪ .‬وواضح للقارئ الكري ان ذلك الكم غنما كان حكما ظاهريا ليس له إل‬

‫جع الموال أما الكم القيقي الذي يشمل جيع شئون الناس والبلد فقد كان إل تلك اليئة‬

‫الختارة‪ .‬الت هي عبارة عن ملس العزابة بنظامه العروف‪.‬‬

‫خلصة هذا العهد‬


‫هذا عهد تاريي يتد قرابة أربعة قرون ونصف إذ يبتدئ من سنة ‪ 529‬حي هجم الفرنج‬

‫على جربة واستولوا عليها لدة قصية وينتهى سنة ‪ 96‬حي التحقت جربة بكم الدولة العثمانية‬

‫باستيلء درغوث بن على عليها‪ .‬وقد قضت جربة هذا العهد وهى تابعة لدولة الوحدين اول ث‬

‫للدولة الفصية ثانيا ويتخلل ذلك فترات استبد بالكم فيها بعض الولة كابن مكي وابن اب العيون‪،‬‬

‫كما انا تبعت الدولة الرينية لفترة قصية‪ .‬لقد كان حكمها ينتقل من دولة إل دولة‪ ،‬او من وال إل‬

‫وال‪ ،‬دون أن تتم لذلك‪ ،‬ويكون لا فيه شأن‪ ،‬فهى ف وضعها الشاذ وتديد الفرنج لا باستمرار‬

‫كانت راضية بميع ما يأتيها من الكام السلمي‪ ،‬وكانت تدخر كل قواتا وامكانياتا لحاربة الغزاة‬

‫الفرنج اما شئونا الداخلية فقد كانت بايدي العزابة الذين كانوا يقومون با ويشرفون عليها بكل ما‬

‫ف النظم السلمية من خي وحب وعدل‪.‬‬

‫وف هذا العهد من تاريخ جربة الجيد مع ما هى عليه من شذوذ الوضع‪ ،‬وظلم الخوة‪،‬‬

‫وتسف الكام‪ ،‬استطاعت ان تضرب الثل العلى للمة الكافحة‪ ،‬وترز البطولة وتستل النصر‪،‬‬

‫وتقهر العدو‪ ،‬وتقف شامة معتزة بطريقة يندر أن تد لا مثيل ف تاريخ الكفاح بي القوى‬

‫والضعيف‪ .‬فاحتفظت بكرامتها بي تلك العوامل الت أشرنا إليها من قبل زيادة عن أربعة قرون حت‬

‫انتهى عهد القرصنة الغربية وبدا عهد جديد هو عهد الامعة السلمية تت اللفة العثمانية‪.‬‬

‫وف الفصول التية سوف نعرف ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬صورا من حياة هذه المة الكرية ف‬

‫عهدها الثالث‪.‬‬

‫عهد الدخول ف الامعة السلمية‬


‫العهد الثالث من تاريخ جربة‪ ،‬هو عهد الدخول ف الامعة السلمية تت اللفة العثمانية‪ .‬ويبتدئ‬

‫هذا العهد من سنة ‪ 960‬حي أستول درغوث بن على التركي على جربة وينتهى سنة ‪ 1298‬حي‬

‫احتلت فرنسا كامل البلد التونسية‪ ،‬واحتلت معها جزيرة جربة‪ .‬وف هذا العهد الذي يتد قرابة ثلثة‬

‫قرون ونصف كانت جربة تعيش عيشة مريرة قاسية‪ .‬فمنذ تول درغوث بن على طرابلس خطر له‬

‫أن يلحق جربة بكمه ف طرابلس واصرت هى ف استماتة ان تبقى ضمن البلد التونسية‪ .‬وقد أصابا‬

‫من جراء هذا كثي من الذى‪ ،‬والعدوان‪ ،‬والضطهاد‪ ،‬وعرملت بكثي من الظلم والقسوة حسبما‬

‫تقرؤه ف الفصول التية إن شاء ال‪.‬‬

‫أما شبح القرصنة اإفرنية فقد بدا يف ث يتوارى عن جربة وغيها وكان ف اختفائه ذلك‬

‫يتجمع ويعيد النظر ف خططه وأعماله واهدافه‪ .‬ول تعد تكفيه تلك الغارات الاطفة الت يقصد منها‬

‫تامي القرصنة ف البحر‪ ،‬وسرقة ما يكن من الشواطئ السلمية‪ .‬إن القرصنة والسرقه أصبحت ل‬

‫تشبع نمه‪ .‬ول تشفى غليله‪ .‬ولذلك فقد تمعت أسباب القد الصليب كلها ف سحابة دكناء تشمل‬

‫اوروبا جيعها واتهت إل الشرق ترمى إل تغيي كل شئ ف العال السلمي‪ ،‬وذلك باحتلل البلد‬

‫احتلل كامل‪ ،‬واستعمارها استعمارا شامل‪ ،‬والقضاء على الدين‪ ،‬وتغي القيم الخلقية‪ ،‬وتبديل اسم‬

‫النس الحتل بإسم النس الغالب‪ .‬ووضعت أوروبا خطتها على هذا النمط‪ ،‬وبدات ف التنفيذ‪،‬‬

‫وهجمت هجومها الصليب العام على جيع الشرق السلمي‪ .‬فزحفت فرنسا على الزائر والغرب‬

‫وتونس‪ ،‬تتلها الحتلل الكامل‪ ،‬لتجعل منها بدل المة السلمة‪ ،‬أمة فرنسية مسيحية وراء البحار‪،‬‬

‫وتلحق ترابا بتراب الوطن الم‪ .‬كما كانت تقول‪ ،‬وكانت جربة بطبيعة الال داخلة ف هذا الخطط‬

‫الواسع الشامل‪ ،‬وعندما القت فرنسا قنبلتها على البلد التونسية أصابت شطية منها هذه الزيرة‬

‫الصغية‪ .‬فاضطربت وتبطت قليل ث خضعت للستعمار الفرنسى كما خضع له كل الشمال‬
‫الفريقي وبقيت تت نفوذه خسا وسبعي سنة‪ .‬وهى مدة العهد الرابع من تاريها الطويل كما‬

‫بقيت تونس‪ .‬حت يسر ال للبلد السلمية سبيل اللص من الستعمار الغرب فتخلصت منه واحدة‬

‫أثر اخرى‪ .‬والعاقبة لكشمي وفلسطي وزنبار وأننا لنضرع إليه سبحانه وتعال كما يسر لنا اللص‬

‫من الستعمار السياسي ان ييسر لنا اللص من آثار ذلك الستعمار فيما تركه ف ديننا واخلقنا‬

‫واقتصادنا وطبيعة حياتنا انه على كل شئ قدير‪.‬‬

‫ظلم ذوى القرب‬

‫وقفت جربة الزيرة‪ ،‬الصغية‪ ،‬العزولة‪ ،‬عن العال‪ ،‬موقفها الشرف‪ ،‬كالصخرة الصماء‪،‬‬

‫تتحطم عليها أساطيل القارصنة‪ ،‬وترتد عنها غارات الهاجي من الفرنج‪ ،‬وتذوب على سواحلها‬

‫أعداد وعدد العتدين من الستعمرين التعصبي‪ .‬وقفت تلك الواقف دون ان تعتمد على مساعدة‪ ،‬او‬
‫تنتظر ندة من احد‪ ،‬اللهم ال مرات ثلث‪ ،‬ذلك لن الدول القائمة حينئذ كانت من جهة عائمة ف‬

‫فت داخلية‪ ،‬ومن جهة أخرى كان ل يهمها من القاليم التابعة لا إل مقادير الموال الت تدفع إليها‪،‬‬

‫اما بقية الشئون فليس يهمها من أمرها شئ‪ .‬هذا بالنسبة للدول اما السكان الذين كانوا ييطون‬

‫بالزيرة من الارج فقد غل التعصب الذهب أو العنصري أيدي بعضهم عن مساعدتا‪ ،‬وانشغل‬

‫بعضهم بنفسه‪ ،‬إذ كان هو الخر ف ظروف ليست خيا من ظروف جربة اما البعض الخر فقد‬

‫كان يترف الغارة والنهب‪ ،‬وكثيا ما ينتزى على جربة او على غيها فيختلس أو يغضب ما تقع‬

‫عليه يده ف سرعة ويفر‪.‬‬

‫اما أخوان جربة ف الذهب‪ ،‬ف الديار البعيدة عنها‪ ،‬مثل ليبيا والزائر وبعض بلد الريد‪،‬‬

‫فقد كان فساد الكم‪ ،‬وتعود بعض سكان البادبة على الغارة والتهب‪ ،‬وقطع الطرق‪ .‬قد اضطرهم‬

‫إل البقاء ف بلدانم للمحافظة على انفسهم واموالم‪ .‬وهكذا كانت الزيرة تصارع الستعمار ان‬

‫يثبت با قدمه الفترات قصية ف أول المر ث صلب عودها فكانت تلقمه حجرا كلما حاول‬

‫العتداء عليها‪ ،‬وحت حي يتاح له أن ينتصر عليها انتصارا مؤقتا كانت ل تلبث ان تنتقم منه‪،‬‬

‫وتاخذ بثأرها وترمى به وراء البحر‪ .‬وكان على الدول السلمية القائمة ف ذلك الي ‪ -‬إذا ل‬

‫تتمكن من مساعدتا بالال والرجال والعتاد او ببعض ذلك ‪ -‬كان عليها على القل ان تتركها‬

‫وشانا‪ .‬لتقاوم تلك الساطيل الت تعب ف مراسها سنان وخي الدين ودرغوث وغيهم‪ .‬فلم تترك‬

‫حت لذا النضال الشريف‪.‬‬

‫ف سنة ‪ 960‬عينت الكومة التركية القائد العنيد درغوث بن على واليا على طرابلس بعد‬

‫مساع منه طويلة لعزل مراد آغا عنها وتوليته هو بدل منه وكان درغوث يطمح إل أن يضم إل‬

‫وليته كل البلد التونسية لتكون الوانئ الامة ف البحر البيض التوسط تت حكمه يستطيع تركيز‬
‫قوته فيها ليضرب البحرية الغربية الت تنفك عن مهاجة الثغور السلمية‪ ،‬والت كانت تكاد تتحكم‬

‫ف البحر البيض التوسط وشاعت عنه هذه الرغبة وتناقلتها عنه اللسن‪.‬‬

‫وكانت جربة ف ذلك الي ل يهمها الوال الذي يتول حكمها ولكنها ل تريد أن تنفصل‬

‫عن تونس‪ .‬واقترح مقترحون على درغوث أن يستول على جربة‪ ،‬وان يضمها إل طرابلس‪ ،‬فإنا‬

‫مركز بري هام وهى مع ذلك جزيرة صغية يسهل اقتطاعها من تونس‪ ،‬وبلغ الديث إل سكان‬

‫جربة‪ ،‬فخافوا ان تقطع جزيرتم عن البلد التونسية‪ ،‬وتلحق بطرابلس‪ ،‬وذلك ما يكرهون فقد‬

‫اقنعتهم التجارب أن الاق الزيرة بطرابلس ف الكم ل يعود عليهم بالي أبدا‪ ،‬ولا تققوا من نية‬

‫درغوث بعثوا إل مركز الدولة ف تونس وكان على رأسها ف ذلك الي احد بن حسن الفصى‪،‬‬

‫يطلبون حايتهم من درغوث‪ ،‬وابقاء جزيرتم ف مكانا الطبيعي من البلد التونسية‪ ،‬ولكن احد‬

‫الفصى كان ف واد غي هذا الوادي فلم يستجب لم‪ ،‬ول يهتم بطلبهم‪ .‬ووصل درغوث باسطوله‬

‫وجيشه إل الزيرة‪.‬‬

‫كان سكان جربة يتوقعون نزول درغوث على جزيرتم‪ ،‬ولكنهم ل يتفقوا على قتاله‪ ،‬ول‬

‫يستعدوا له فقد وقع خلف بي العلماء ف جواز قتال هذا الند السلم‪ ،‬الذي يقوده قائد مسلم‪.‬‬

‫وقال قائلون‪ :‬ما دام القائد يتبع ف حكمه دولة اللفة‪ ،‬ويرجع إليها فغن على جيع البلد السلمية‬

‫ان تسمع وتطيع‪ ،‬إذا طالبها ولة تلك الدولة بالطاعة‪ ،‬وجربة بلد مسلم‪ ،‬أراد وال دولة اللفة أن‬

‫تتبعه ف الكم فعليها ان تطيع‪ ،‬سواء كان مركز الولية ف طرابلس او ف تونس او ف غيها‪ ،‬فإن‬

‫الوال ل شك يرجع ف شؤونه إل مركز اللفة‪ ،‬ورضاؤها عن عمله بثابة رغبتها ف ذلك‪ ،‬وبناء‬

‫على هذا فل يل لنا ان نقاتل هذا اليش الذي به تعتز المة السلمية‪ ،‬ول يوز ان نملب السلح‬
‫لنقتل جندا مسلما‪ ،‬جاء لتنفيذ إرادة الدولة السنية‪ ،‬ول يق لنا ان نعرض انفسنا لنقتل‪ ،‬والقتيل منا ل‬

‫يكون شهيدا‪ ،‬وغنما يعتب ف حكم البغاة‪.‬‬

‫وقال قائلون‪ :‬إن بلدنا هذا تابع ف طبيعة وحكمه لتونس‪.‬وعلى تونس دولة مسلمة نن‬

‫مرتبطون با‪ ،‬فيجب ان نافظ على هذا الرتباط ول نالف عنه‪ ،‬سواف بقيت تونس مستقلة عن‬

‫دولة اللفة‪ ،‬او صارت ولية من ولياتا او التحقت بطرابلس فلو دخلت تونس تت حكم‬

‫درغوث لدخلت جربة تبعا لذلك‪ .‬اما وتونس ل تدخل تت حكم ذلك الوال‪ ،‬فغن على جربة أن‬

‫تدافع من يريد اخضاعها بالقوة‪ ،‬ويبتغى فصلها عن تونس‪ ،‬وغن ترد عنها يد من ياربا‪ ،‬لنه باغ‬

‫معتد على بلد مسلم‪ ،‬وتسليم اهلها يعتب خيانة للعهد‪ ،‬وتفريطا ف واجب مقدس عليهم صيانته‪.‬‬

‫وهكذا اشتد اللف بي السكان‪ ،‬وتوقفت أكثر السواعد عن القتال ترجا‪ .‬ولا هم‬

‫درغوث باحتلل الزيرة قابلة شراذم من الناس تمل ف وجهه السلح‪ ،‬وتبدى له القاومة‪ .‬فاشتد‬

‫غضبه عليها‪ ،‬ودعا إل مساعدته بعض القبائل خارج جربة من اولئك الطامعي الذين يتوقون إل مثل‬

‫هذه الفرصة‪ ،‬ليشبعوا نمة الغنيمة والسب ف انفسهم‪ ،‬ووقعت بي الخوة موقعة مؤلة‪ ،‬خسرت فيها‬

‫جربة أشجع أبطالا وأفضل شبابا‪ ،‬وخية فتيانا واثن اموالا‪ .‬وذلك ان القائد ما وضع رجله ف‬

‫الزيرة حت أباح للجند أن يرتكبوا ما شاؤوا ول يفرق بي الحاربي والسلمي ول بي العزل‬

‫والسلحي فاضطر حت اولئك الذين أمسكوا عن القتال ف مبدأ امرهم أن يدخلوا العركة‪ ،‬وأن‬

‫يوضوها مع الائضي‪ .‬واستباح اولئك الفاة الزيرة فارتكبوا ما سولت لم أنفسهم وزينت‬

‫شهواتم‪ .‬وقتل فيها من أبطال جربة الصناديد ألف ومائتان قتيل‪ ،‬وهي خسارة ل تسرها جربة ف‬

‫كامل حروبا مع الفرنج ما عدا موقعة سنة ‪.548‬‬


‫لقد طالا كبدت هذه الزيرة السلمة‪ ،‬أساطيل الفرنج خسائر فادحة‪ ،‬دون أن تتجاوز‬

‫خسارتا ف الرواح ف أكب العارك يضع عشرات‪ ،‬أما اليوم فقد ذهب على يد درغوث ألف‬

‫ومائتان من الؤمني الصادقي لقد قتل هذا العدد الائل من الحاربي الكفاء وفر من أمكنته الفرصة‬

‫ول يبق ف الزيرة غي الضعاف الذين ل يدون حيلة‪ ،‬ول يهتدون سبيل‪ ،‬ومكث درغوث ف‬

‫الزيرة حت رتب امورها‪ ،‬وعي عليها واليا واسند إليه الكم‪ ،‬ث رجع إل مركز ولية طرابلس‬

‫منتفخ الوداج بالنصر العظيم‪ ،‬وكان الوال الذي تركه على جربة من النصف بيث استطاعت‬

‫الاشية ان تتسلط عليه وتسيه ف أغراضها وترتكب باسه ما تشاء‪ ،‬فكثر الظلم‪ ،‬واهدرت القوق‪،‬‬

‫وانتهكت الرم‪ ،‬وتقق الناس ما كان يشاه فريق من العلماء من تبعيتهم لطرابلس‪ ،‬فضجوا‬

‫بالشكوى‪ ،‬ول يكن لم ملذ ف ذلك الي غي تونس‪ ،‬لنهم كانوا يرون ان البلء إنا هو آت من‬

‫طرابلس وعاصمة اللفة فيما يبدو راضية بذلك‪.‬‬

‫وهكذا طالبوا بارجاع جربة إل حكم تونس لينقدوا انفسهم من جور عمال طرابلس‪ .‬فإن‬

‫الدولة التونسية مع ضعفها ف ذلك الي ل تكلف الناس شيئا غي مبالغ من الال تؤدي إليها سنويا‬

‫برسم الضرائب‪ ،‬وليس لا بعد الصول على الموال الطلوبة أي شأن بشؤون البلد الاصة وكتب‬

‫اتباع درغوث ف جربة إليه بالركة الديدة‪ ،‬فجهز جيشا آخر وعاد إل جربة يغلى غضبا‪ .‬ول‬

‫يتقدم احد لقاومته هذه الرة فدخل الزيرة وبدأ سيل من النتقامات‪ ،‬وارتكب فيها من الفواحش ما‬

‫يبأ منه الدين والعرض فسلب الموال‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬وسب النساء والطفال‪ ،‬وهكذا قضى القائد‬

‫السلم على الزيرة القضاء الكامل ‪ ،‬ول يبق إل من ل تصل إليه يد القائد‪ ،‬او يدى جنده‪ ،‬وكان‬

‫فيمن قتله درغوث علمة زمانه الشيخ أبو سليمان داود التلت‪.‬‬
‫رجع درغوث وجنده يملون الموال والسرى‪ .‬وبقيت الزيرة شبه خالية بكمها شيخها‬

‫القدي مسعود بن صال السمومن واليا من قبل درغوث‪ .‬ولا علم الفرنج أن السيوف الت كانت‬

‫تصدهم ف جربة قد تطمت‪ ،‬وإن السواعد القوية الت كانت تصفعهم قد تكسرت‪ ،‬وإن العزائم‬

‫الصامدة الت كانت تقف أمامهم ل تعرف الزية او التراجع قد استؤصلت‪ .‬لا علم الفرنج بذلك‬

‫جهزوا أسطول وقصدوا جربة‪.‬‬

‫ومن الغريب ان درغوث ل يسارع إل لقاء هذه الساطيل الفرنية ليدها عن بعض‬

‫متلكاته ويمى منها هذا الركز الستراتيجي الام الذي كبد السلم خسائر ل تصى للحصول‬

‫عليه‪ .‬وإنا اخلى الطريق لتلك الساطيل‪)1(.‬‬

‫فلما بلغ السطول الفرني ساحل جربة‪ ،‬نشط وإليها مسعود بن صال السمومن‪ ،‬وجع‬

‫حوله بقايا العزائم القوية‪ ،‬من أقتله سيف درغوث‪ ،‬وأغلب ألئك شيوخ يت هاماتم الشريفة عجز‬

‫الرم‪ ،‬ومراهقون أطرياء العود يدفعهم الماس إل أمتشاق السام قبل الوان‪ ،‬واستقبل بم العدو‪،‬‬

‫ووقف ف وجهه فوقعت بي الطرفي مقاتلت عنيفة ل يستطيع فيها فيها الفرنج ان يتقدموا خطوة‪،‬‬

‫وطال الصار وخشى وال الزيرة أن يدب الوهن إل رفاقه فصال اإفرنج على أن يدخلوا القشتيل‬

‫فقط وليس لم ان يتجاوزوه‪ .‬وهكذا دخل الفرنج القشتيل ف جزيرة جربة‪ ،‬حينما مهد لم درغوث‬
‫‪8 7‬‬

‫الطريق دون قصد‪ ،‬حينما استول على جربة فخضن شوكتها‪ ،‬وفل سلحها‪ ،‬وقلم أظفارها‪ ،‬ورغم‬

‫أن الفرنج قد احترموا شروط الصلح‪ ،‬فلم يتجاوزوا حصن القشتيل ول يتدخلوا ف أي أمر من أمور‬

‫الزيرة‪ ،‬فإن سكان جربة ل يرقهم ذلك‪ ،‬وكرهوا أن يبقى الجنب ف بلدهم‪ ،‬وأن يتخذ منها مركزا‬
‫(‪ )1‬يقول ابو الربيع اليلت‪ " :‬وف السنة الذكورة نزلت عمارة النصارى على جربة‪ ،‬وجعلها ال رحة وفكاكا للمسلمي ما هم فيه من جور‬ ‫‪7‬‬

‫درغوث وكان قد ألقى عليهم " أب على الوهبية " خسي ألف دينار واخذ منها شيئا فلما نزلت عليه العمارة هرب ( أي درغوث ) إل طرابلس واقتتل السلمون‬
‫مع النصارى‪.".‬‬

‫‪8‬‬
‫للقرصنة والعدوان على بقية الثغور السلمية‪ .‬ولا كانوا ل يستطيعون إخراجه ف ذلك الي فقد‬

‫بعثوا وفدا إل دار اللفة يطلب منها إرسال قزة‪ ،‬تطهر بلدهم من العدو الجنب‪ .‬واستجابت دولة‬

‫اللفة لطلبهم وجهزت قوة برية ارسلتها إل جربة على أن تر بطرابلس ويتول قيادتا درغوث‪ ،‬ول‬

‫يكن يعلم درغوث وهو يدير اعماله الواسعة ف طرابلس حت وصلته الملة وطلبت منه قيادتا لتطهي‬

‫جربة من عدوها الاث فيها‪ .‬فامتثل لمر الليفة وقاد الملة ث اته إل جربة‪ ،‬ووجه هذه الرة ضربته‬

‫إل الفرنج القابعي ف القشتيل‪ ،‬وثار من ف الداخل من يقوى على الرب‪ ،‬فخرجوا إل غي رجعه‬

‫وطهرت الزيرة من الستعمار حت تكونت السحابة الدكناء الت شلت شال أفريقيا كله واطبقت‬

‫على تونس سنة ‪1298‬هـ‪.‬‬

‫آراء الؤرخي ف حروب درغوث‬

‫ف هذا الفصل انقل آراء بعض الؤرخي ف حروب درغوث بربة خاصة‪ ،‬وآثار تلك‬

‫الروب على الزيرة ومن هؤلء الؤرخي استخلصت للقارئ الكري الفكرة الت بنيت عليها حديثى‬

‫ف الفصل السابق وف فصول أخرى آتية‪ ،‬فأرجو القارئ الكري‪ ،‬أن يتأمل هذه الراء ويزنا بيزان‬
‫الق ميزان السلم الذي ل يبخس الناس أشياءهم غي متأثر باطفة عن جربة ول شهرة غالبة‬

‫لدرغوث‪.‬‬

‫‪ -1‬قال أبو زكرياء عبدال ممد بن زكارياء البارون ف ترجته لب سليمان التلت‪: ،‬‬

‫(( وتوف ف أوائل جادي الول سنة سبع وستي وتسعمائة وقتله درغوث بن علي التركي لا‬

‫خالفت عليه اهل جربة (‪ )1‬وادخلوا على قائده السعود بن صال السمومن وحصروه ف القشتيل‬

‫نو أربعة أشهر أو خسة ث ترك عليهم درعوث بالعرب وزواره ومستاره‪ ،‬فانزمت الوهبية من برج‬

‫الوادي إل الشيخة وقتل منهم نو أربعمائة أو خسمائة رجل‪ ،‬وثالث يوم من الزية‪ ،‬اتى موسى بن‬

‫عمرو بن أب اللود إل الشيخ أب سليمان مع جاعة من الند فقالوا له لو سرت معنا إل درغوث‬

‫لنتكلم على الضعفاء ‪ ،‬فقال له الشيخ نعم فسار معه راكبا على بغل له حت أتى إل درغوث‪ ،‬فكلمه‬

‫ف ملفة جربة‪ ،‬وما كان من اهلها‪ ،‬فقال له الشيخ‪ ،‬نن جاعة العزابة ليس بايدينا ول إلينا تولية‬

‫المراء ول عزلم ف هذا الزمان‪ ،‬فقال له‪ :‬بل أنتم ادخلتم السعود‪ ،‬وافسدت البلد وفعلتم وفعلتم‪،‬‬

‫فقال له الشيخ‪ :‬ما فعلنا شيئا إل الي‪ ،‬ولسنا إن شاء ال من أهل الشر ف شئ‪،‬بل الفساد من قبلك‪،‬‬

‫لتقديك‬
‫‪9‬‬

‫إل سافل وغي ذلك‪ ،‬فاخذ الشيخ وسجنه نو شهر أو أقل ث قتله‪ )).‬السي صفحة طبعة البارون‪.‬‬

‫‪ -2‬قال أبو عبدال ممد أبو راس ‪ (( :‬ف سنة ستي وتسعمائة قدم صاحب طرابلس‬

‫جرغوث باشا إل الزيرة بعساكره من الترك وزوارة والسبعة واولد شبل ولا سع أهل الزيرة‬

‫بقدومه ارسلوا إل صاحب تونس احد بن حسن الفصى يستمدونه فلم يلتفت إليهم لعجزه‪،‬‬

‫(‪ )1‬يشي إل مطالبة اهل جربة بان تكون جزيرة جربة تابعة للبلد التونسية‪.‬‬ ‫‪9‬‬
‫واختلف امره‪ ،‬فهاجهم درغوث باشا ودخل الزيرة‪ ،‬ونزل على الساحل القبلى‪ ،‬واجتمعت أهل‬

‫الزيرة وقاتلوا قتال شديدا‪ ،‬وترادفت العربان مع درغوث باشا فانزم أهل الزيرة‪ ،‬واستشهد منهم‬

‫ألف ومائتان شهيد‪ ،‬وافترق الباقون واستول درغوث باشا على الزيرة‪ ،‬ورتب قوانينها‪ ،‬واستخلف‬

‫عليها عاملة الشيخ مسعود السمون‪ ،‬ورجع إل طرابلس سنة سبع وستي وتسعمائة‪ ،‬وكان أهل‬

‫الدينة ف كدر من جور عمال طرابلس‪ .‬فارسلوا إل صاحب تونس وف ذلك التاريخ دخلت الترك‬

‫لدينة تونس‪ ،‬والكم بايدي البلبكاشية ف الديوان‪ .‬ف السنة الذكورة قدم درغوث باشا إل الزيرة‬

‫لا سع أن أهلها طلبوا رجوعها لتونس فقتل جاعة من اهلها منهم الشيخ داود التلت‪ ،‬كما تقدم ف‬

‫ترجته‪ ،‬ونب الموال وفر غالب أهلها‪ ،‬ول يبق فيها إل العاجز‪ ،‬وف سنة سبع وستي الذكور لا‬

‫سع الفرنج با وقع ف الزيرة‪ ،‬وفرار أهلها اتوا إليها براكزهم ونزلوا على الساحل الوف عند مزار‬

‫الشيخ سال أذروم فتلقاهم الشيخ مسعود بن الشيخ صال السمومن وهة آخر السمومنيي بن معه‬

‫من بقى من اهل الزيرة‪ .‬وصالوه بان يسلم لم برج القشتيل ول يلتفتوا إل غيه‪)).‬‬

‫وبعد كلم يقول‪ (( :‬لنرجع إل ما نن فيه من صلح الفرنج والسمومن ف تسليمهم برج‬

‫القشتيل‪ .‬بقى ف يد الفرنج فبعث أهل الزيرة إل الدولة العلية العثمانية ‪ ،‬وأخبوها با صار لم‬

‫فجهزوا لم مراكب وقصدوا حصار البج الذكور‪ ،‬فحاصروه ثلثة أشهر‪ ،‬وفتحوه عنوة‪.‬‬

‫‪ -3‬وقال أبو الربيع سليمان بن احد اليلت‪ (( :‬ورحل الباشا درغوث من طرابلس مع‬

‫أولد شبل والسبعة وزواره وخلق كثي برا وبرا ونزل قشتيل الوادي فالتقى مع الشيخ مسعود بن‬

‫صال السمومن والوهبية ف سبخة القشتيل فوقعت الدائرة على الوهبية‪ ،‬ومات منهم ألف ومائتان‬

‫ومات من مستارة والتراك ومن معهم خلق‪ ،‬ووقع من ألفئ والسب وهتك الري ما ل يأذن به ال ث‬

‫قتل بعدها الشيخ الجل الفاضل العال العامل داود بن إبراهيم التلت رحه ال‪ .‬مكروا به وامر‬
‫بالطلوع إل الباشا الذكور لينظر ف مصال الرعية‪ ،‬ويتكلم با وقع فيها من الفواحش ليتدع عن‬

‫ذلك‪ ،‬فأخذه دون جيع الفقهاء الذين طلعوا معه‪ ،‬والذي مكر به موسى بن عمر البجلودى‪ ،‬وف‬

‫السنة الذكورة‪ ،‬نزلت عمارة النصاري على جربة وجعلها ال رحةوفكاكا للمسلمي ما هم فيه من‬

‫جور درغوث‪)).‬‬

‫‪ -4‬قال الشيخ سعيد بن تعاريت ف ترجته لب سليمان التلت‪:‬‬

‫(( وساد بربة‪ ،‬وتول ملسها إذ ذاك‪ ،‬وإليه يرجع المر ف زمانه والشورى والمر للمراء‬

‫والنهى لم‪ ،‬ل ياف ف ال لومة لئم‪ ،‬حت جعل ال له الوت على الشهادة‪ ،‬تام السعادة‪ ،‬توف‬

‫رحه ال تعال شهيدا‪ ،‬قتله اللعون الطريد درغوث بن على التركي‪ ،‬لا خالفت عليه أهل جربة ف‬

‫أوائل جادي الول سنة ‪967‬هـ‪)).‬‬

‫‪ -5‬يقول أبو اسحاق اطفيش رحه ال‪:‬‬

‫(( وقد ذر قرن الطغيان والعسف من عمال التراك يومئذ على تونس‪ ،‬ويبدو ان الثورة على‬

‫درغوث بن علي التركي ف جزيرة جربة كانت باشارته‪ .‬حيث بلغ الشر من أولئك الولة الطغاة‬

‫أشده با ل بد معه من الدفاع عن الكرامة والدين‪ ،‬فكان أن اغار درغوث الطاغية على الزيرة‬

‫بموع من العرب والنكار والند‪ ،‬فاخد الثورة بضروب القسوة‪ ،‬نايتها قتل هذا العلمة الليل‪)).‬‬

‫انتهى ما اردت نقله من اقوال وآراء بعض الؤرخي‪ ،‬ومنها ومن غيها ما كتب عن حروب‬

‫درغوث ف جربة‪ ،‬يستخلص القارئ الكري ان جربة كانت تصر على أن تبقى ضمن البلد التونسية‪،‬‬

‫وأنا ف الدة الت الق حكمها بطرابلس سواء ف زمن درغوث أو عهد أبن مكى‪ .‬قد اصيبت بألوان‬

‫من الظلم والضطهاد‪ ،‬ما نفرها من طرابلس والرتباط معها بعلقة الكم‪ ،‬وغن عدد القتلى ف جربة‬
‫الذين استشهدوا على يد درغوث يزيد عن ألف وستمائة وهذا العدد نصف اليش الذي استطاعت‬

‫ان تكونه جربة يوم جعت كل من يقوى على حل السلح لحاربة الفرنج‪.‬‬

‫ل تكن هذه الروب الت شنها درغوث على جربة بكل قساوة آخر حروبه عليها ول‬

‫ثوراتم آخر الحاولت للتخلص من حكمه وظلمه‪ ،‬ومن ظلم ولة طرابلس واستبدادهم والعمل‬

‫على البقاء ضمن البلد التونسية‪ ،‬فإن درغوث لا رجع إل جربة ‪ ،‬لخراج النصارى من القشتيل ‪،‬‬

‫بأمر الدولة العلية‪ ،‬اعتب ذلك احتلل لا والقها بكمة من جديد‪ ،‬وعي موسى البجلودى واليا‬

‫عليها من قبله‪ ،‬وسكنت جربة مدة حكم موسى‪ ،‬فاساء السية‪ ،‬وسافر مرة إل طرابلس ليستشي‬

‫الوال ف بعض المور‪ ،‬فاتفق اهل الزيرة على عزله وولوا على انفسهم عبدال البجى‪ ،‬وبعثوا ال‬

‫صاحب تونس يطلبون منه الدد ويلكونه الزيرة‪ .‬وسع درغوث بذه الركة فغضب لذلك وجهز‬

‫جيشا وسار به إل الزيرة‪ ،‬وكان عمرو بن موسى البجلودى معه فاستعد عبدال البجى للقتال‬

‫ووقعت بينه وبي درغوث معركة عنيفة ذهب ضحيتها عدد من البطال وانتصر درغوث والقى‬

‫القبض على البجى فقتله وسلخ جلده وحشاه نالة وارسله إل طرابلس وارجع الكم إل عمرو بن‬

‫أب اللود وبقيت جربة تت حكم طرابلس إل السنة الرابعة عشر بعد اللف حيث بعث قاره عثمان‬

‫داى جيشا إل الزيرة لطرد الامية الطرابلسية‪ ،‬فوقعت معركة بي الفريقي ذهب فيها عدد من‬

‫الضحايا وانرمت الامية الطرابلسية واخرجت من الزيرة وخسرت جربة ف هذه العركة الت دارت‬

‫بي الواليي اثني واربعي رجل من رجالا الكرام‪.‬‬


‫رجوع جربة إل تونس‬

‫دخلت تونس ف الامعة السلمية‪ ،‬واصبحت هى الخرى ولية عثمانية‪ ،‬مثل طرابلس‪،‬‬

‫وهنا بدا نزاع الوة على الشركة‪ ،‬فقد عملت طرابلس من قبل على سلخ هذا العمل ل يروق لوال‬

‫تونس‪ ،‬وف السنة الرابعة عشر بعد اللف جهر ( قره عثمان داى ) جيشا لحاربة الامية الطرابلسية‬

‫ف جربة‪ ،‬ووقع بي الفريقي قتال انتهى بزية الامية الطرابلسية وخروجها‪ ،‬ورجوع الزيرة إل‬

‫حكم تونس‪ .‬وعزل عثمان داى وال الزيرة حينئذ الشيخ عمرو بن موسى ابن أب اللود ولكن‬

‫أحدا من الناس ل يتقدم لطلب الكم على جربة ول يقبلها احد من عرضت عليه فاضطر إل ارجاع‬

‫عمرو هذا إل منصبه السابق‪.‬‬


‫وبارجاع جربة إل تونس‪ ،‬واسناد الكم مرة‪ ،‬اخرى إل اسرة أب اللود بدأت سلسلة من‬

‫التاعب الحلية والفت الداخلية فقد تنازع ابناء هذه السرة على الكم‪ ،‬وتقاتلوا عليه‪ ،‬وكاد بعضهم‬

‫لبعض وتآمر عليه‪ ،‬وانقسم السكان بطبيعة الال مع انقسام الكام‪ ،‬وكانت أصابع بعض‬

‫الشخصيات التركية ترك تلك الدمى التقاتلة‪ ،‬وتساعدها ف بعض الحيان وتؤجرها وتستأجرها‪،‬‬

‫وكان هؤلء الكام التقاتلون ل ينفكون عن جع الضرائب‪ ،‬وفرض الغرامات‪ ،‬ومصادرة الموال‪،‬‬

‫وكلما أحس الواحد منهم باجة إل مزيد من الال لنفسه او لسادته التمس أية وسيلة لفرض غرامة‬

‫تتناسب مع الاجة وقد تفرض تلك الغرامة على جهة او قبيلة او على الزيرة كلها حسب اللزوم‬

‫وترسل من تلك الموال القادير القررة للدولة ف تونس اما الباقي فهو لستهلك الاكم الشخصي‪.‬‬

‫وقد تكم اللف بي أسرة أب اللود حت أدى إل الغتيال والقتل واستئجار رؤساء‬

‫العصابات للنتقام‪ .‬وبعد إحدى هذه الوادث الؤلة ذهب احد بن موسى أبن أب اللود إل‬

‫طرابلس يطلب من واليها احد القره ما نلى ان يهز له جيشا يتل به الزيرة ولكن القره ما نلى ل‬

‫يستجب لطلبه ول يلتفت إله فرجع وجع جوعا من عكاره وورغمة ودخل بم إل الزيرة لقتال‬

‫موسى بن صال ووقعت معركة حامية بي جيش أبن العم انزم فيها موسى فاحتمى بالبج الكبي ث‬

‫فر إل صفاقس أما العربان الذين جاء بم أحد فقد استباحوا السوق وانتبهوا ما فيه وذلك ما يطلبون‬

‫ومن اجله ياربون‪ .‬واستول احد عى الزيرة‪.‬‬

‫لا وصل موسى أبن أب اللود إل صفاقس وجد هنالك يونس بن علي معسكرا هنالك‪،‬‬

‫فلما اخبه الب‪ ،‬جهز له جيشا‪ ،‬وامره بالرجوع إل جربة‪ ،‬وطرد ابن عمه احد‪ ،‬فسار موسى بيشه‬

‫اللجب‪ ،‬حت دخل جربة ابن عمه احد‪ ،‬فسار موسى بيشه اللجب‪ ،‬حت دخل جربة فتلقاه أحد‬

‫ولا رأى انصاره من عربان ورغمة وعكارة‪ ،‬كثرة جيش موسى‪ ،‬وحسن استعداده‪ ،‬ولوا هاربي‪،‬‬
‫وكانوا عازمي على الروج من طريق تاربلة خوضا ف البحر‪ ،‬فلحق بم جيش موسى فقتلهم عن‬

‫آخرهم‪ ،‬ول يبق منهم ال شواذ‪ ،‬تكنوا من الروج قبل وصول اليش‪ ،‬ورجع جند موسى على‬

‫حرمة اجيم فاستباحها وانتهبها‪.‬‬

‫وهكذا انتصر احد فنهب اموال أنصار موسى وانتصر موسى بعد مدة قصية فنهب اموال‬

‫انصار احد والنتيجة ان أموال الزيرة قد أصبحت كلها ف أيدى أبناء أب اللود التنازعي على‬

‫الكم‪ .‬وعاشت جربة تت حكم أبن أب اللود مدة قرن ونصف ف أسوأ حالة تعيشها أمة تت‬

‫حكم ل يستند إل دين او قانون ويبدو أن هذه السرة ل تلو من شذوذ فمع هذه الواقف الؤسفة‬

‫الت يقفها بعضهم من بعض بلغ الوس من احدهم إل أن حبس نفسه بتاجوت ث انتحر اما آخر‬

‫ولتم فبينما هو يتمتع بالكم إذ اختل عقله وشكاه أهل الزيرة إل صاحب القيوان فلم يصدق‬

‫حت دعاه إليه واختبه فوجده على اسوأ حال من النون فعزله وول مكانه اخاه فاساء السية ول‬

‫يسن التصرف فشكاه أهل الزيرة إل على باشا صاحب تونس فعزله وسجنه ث أمر بصادرة أموال‬

‫هذه السرة وتريب دورهم‪ .‬وانتهت فترة من اسوأ ما مر على جربة من فترات‪ ،‬وذلك أن الصائب‬

‫كانت من قبل تأتيها من الارج فتقف الزيرة متحدة لجابتها أما ف هذه الفترة فقد كانت الصائب‬

‫تنبع من الداخل وتد من يؤيدها من الارج فكان شرها قد تعدى الموال والرواح إل تفريق كلمة‬

‫المة وتكوين عصبيات وحزازات ودماء بينها‪.‬‬


‫جربة تعود إل طرابلس‬

‫جاء ف (( النهل العذب )) صفحة ‪ 318‬ما يلي‪:‬‬

‫(( ولا استول على باشا برغل على طرابلس ودانت له القاصية‪ ،‬وجب البلد‪ ،‬وصفا له‬

‫جوها من اولد قره ما نلى‪ ،‬تدث مع رجاله ف الستيلء على ملكة تونس‪ ،‬ووزع اعمالا بينهم‬

‫ومنهم ( قره ممد التركى ) وعده بولية جربة‪ ،‬فقال له‪ :‬أن هذه الزيرة ذات خصب وثروة‬

‫عظيمة‪ ،‬وكانت من أعمال طرابلس‪ ،‬واغتصبها وإل تونس‪ ،‬من سوء إدارة اسلفه‪ ،‬فالبدار للفرصة!‬

‫‪ ..‬هذه الزيرة قريبة منا‪ ،‬وعسكرنا حاضر مستعد للقتال‪.‬‬

‫فتوجه بالف مقاتل من الند ف سبعة مراكب بل استئذان الباب العال‪)).‬‬

‫وصل جند على برغل بقيادة قره ممد التركى إل جزيرة جربة‪ ،‬على حي غفلة من أهلها‪،‬‬

‫فاحتلها دون قتل‪ ،‬سنة ‪ 1209‬وكان عاللها من قبل تونس الشيخ حده بن قاسم بن عياد قد اذهلته‬

‫الفاجأة‪ ،‬فلم يقم بالدفاع‪ ،‬وغنما اودع حرمه ف زاوية أب زيد ث انفلت هاربا إل صفاقس ف‬

‫مركب أو جدته الصدفة الناسبة‪ ،‬وتلقاه ممود اللول فاكرم مثواه‪ ،‬وطي الب إل حوده باشا‬

‫صاحب تونس‪.‬‬
‫واهتم حود باشا بالوضوع ل سيما وان على برغل قد طرد أسرة القره مانلى اصدقاءه من‬

‫وليتهم ف طرابلس فلجأوا إليه يطلبون منه الساعدة والنجدة‪.‬‬

‫درس حوده باشا الوضوع دراسة مستفيضة وأكثر الستشارة واستعرض حالة تونس‬

‫الاضرة‪ ،‬وحالة برغل‪ ،‬وعلقة الميع بالدولة العالية‪ ،‬واخيا قر راية على أن يقف مع ذلك الغامر‬

‫الرئ موقف الزم‪ ،‬فجهز جيشا عظيما تت قيادة مصطفى خوجه وارسله إل طرابلس لطرد على‬

‫برغل وارجاع ابناء القره مانلى إل مقر حكمهم‪.‬‬

‫واستطاع القائد التونسي العرج ان ينجح ف مهمته اعظم ناح فقد استول على طرابلس‪،‬‬

‫وطرد منها برغل‪ ،‬وارجع اصدقاءه القره مانليي إل حكمهم وكف أيدى الند عن الناس فلم يلحق‬

‫طرابلس أى أذى من هذا اليش الكبي‪ ،‬فأحب أهل طرابلس هذا القائد واحترموه وجع أغنياؤهم‬

‫مبلغ مائة ألف مبوب قدموه مكافأة لذا اليش العفيف‪ ،‬وقبله منهم القائد وأضاف إليه مبلغ أربعي‬

‫ألفا من عنده ووزعها على الند ورجع إل تونس مشيعا بالحترام والتقدير والعجاب‪.‬‬

‫وف نفس الي الي الذي ذهب فيه مصطفى خوجه إل طرابلس لتأديب برغل جهز حوده‬

‫باشا اسطول آخر تت قيادة الزيرى وارسله إل جربة‪ ،‬ووصل السطول التونسي إل جربة فتلقاه‬

‫(قرة ممد) ووقعت بي اليش معركة حامية انزم فيها (قرة ممد) وخرج من الزيرة وكانت الدة‬

‫الت بقيتها الزيرة تت حكم طرابلس ف هذه الرة ثانية وخسي يوما أى أقل من شهرين‪ ،‬ومن‬

‫الؤسف ان أعمال على الزيرة ف جربة كانت عكس اعمال مصطفى خوجه ف طرابلس‪ ،‬فما فرت‬

‫حامية طرابلس ودخل هو وجنده الزيرة‪ ،‬حت أباح لم البلد‪ ،‬فنهبوها وبلغ بم النطاط والطمع‬

‫إل انم ل يترموا حت الساجد فنهبوا اوقاف كثي منها وبدا على الزيرة سلسلة من النتقامات‬

‫والعقوبات‪ .‬وهكذا أصيبت هذه الزيرة بنحة اخرى ل تكن تتوقعها‪ ،‬وبقى الزيري واليا على جربة‬
‫لدة شهرين ارتكب فيهما من الوان الظلم والقسوة ما حل اهل الزيرة إل ان يبعثوا وفدا إل تونس‪،‬‬

‫وذهب الوافد وعرض على حوده باشا ما تلقى الزيرة على يد الوال على الزيرى فعاتبهم على‬

‫تسليمهم جزيرتم إل على برغل‪ ،‬ث قبل عذرهم‪ ،‬واستمع إل شكواهم‪ ،‬وعزل عنهم على الزيرى‪،‬‬

‫وول مكانه مصطفى بن حسن الكبي سنة ‪.1209‬‬

‫كان الزيرى حي احتل جربة قد أسر من حامية طرابلس اربعمائة جندي فبعثهم إل تونس‬

‫واستقبلهم حوده باشا كما يستقبل المي الكري طائفة من جنده الخلصي‪.‬‬

‫يقول النائب ف النهل العذب صفحة ‪ (( :325‬وبعث له اربعمائة جندي طرابلسى من‬

‫عسكر طرابلس اخذهم أسرى‪ ،‬فقابلهم الباى بزيل النعام‪ ،‬واثبتهم ف ديوان جنده‪ ،‬وترقى بعضهم‬

‫إل منصب الطاى وغيه من الناصب))‪.‬‬

‫بعد رجوع وفد جربة من تونس علم الزيري ان الباى غاضب عليه وانه لن يلقى خيا إذا‬

‫ذهب إل تونس فخرج فارا إل الشرق حت وصل الجاز وهنالك أصيب برض عقلي وتوف وهو‬

‫مقيد بالغلل بسبب الرض‪.‬‬

‫كانت ماولة برغل هى آخر ماولة للاق جربة بطرابلس وبعدها استقرت الزيرة ف تبعية‬

‫البلد التونسية ول يعد احد يطالب بارجاعها إل طرابلس‪ .‬وأصبح الباى يعي عليها الولة وسارت‬

‫الياة بأهل جربة هادئة مستقرة نوعا ما من الانب السياسي‪ ،‬ولكن نشأت مشاكل جديدة من نواح‬

‫اخرى قد نستعرض بعضها ف فصول آتية إن شاء ال‪.‬‬


‫خلصة هذا العهد‬

‫هذا عهد تاريي يتد قرابة ثلثة قرون نصف إذ يبتدئ باستيلء درغوث بن علي التركي‬

‫على جزيرة جربة سنة ‪ 960‬وينتهى بالحتلل الفرنسي لكامل القطر التونسى ومنه جربة سنة‬

‫‪1298‬هـ‪.‬‬

‫ينقسم هذا العهد من حياة جربة إل فترتي‪:‬‬

‫الفترة الول وتتد نو قرني ونصف من سنة ‪ 96‬إل سنة ‪ 1209‬وهى فترة قضتها الزيرة‬

‫تت الوان من الظلم والتعسف والستبداد والفتنة من الداخل والارج‪ ،‬وقد تعونت كل العوامل على‬

‫جربة ف هذه الفترة‪ ،‬حت أصبح الناس ل يعرفون من أين تنل عليهم الصائب‪ .‬وكان موقعها الام‬

‫وتربتها الصبة وثروة أهلها من أهم السباب ف الكوارث الت نزلت عليها‪.‬‬

‫فقد تسلط عليها الولة التراك على طرابلس مثل درغوث بن على وعلى برغل ووجهوا‬

‫إليها من العنف أقسى ما يوجهه ظال ل يرحم على ضعيف ل يلك قوة‪ .‬ولكنه ل يذل ول يستكي‪.‬‬

‫ول يقفوا عند حد ف الضرار با فقد وجهوا إليها حلت غازية متتابعة‪ ،‬استنفت منهم الدم‬

‫والياة‪ .‬فقتلوا أبطالا‪ ،‬وابتزوا أموالا‪ ،‬وحطموا قوتا‪ ،‬وخرجوا بلدها وعاثوا فساد‪ ،‬ول يراعوا فيها‬

‫ل حرمة السلم‪ ،‬ول حرمة الوار‪ ،‬ول حرمة الضعيف الغلوب‪ ،‬ول حت حرمة البشرية‪.‬‬
‫لقد وضعوا بي اعينهم صورة واحدة لذا البلد السلم هى الصورة الت عب عنها على برغلى‬

‫بقوله‪ (( :‬إن هذه الزيرة ذات خصب وثروة عظيمة )) (‪ )1‬ووضعوا لنفسهم صورة اخرى عب‬

‫عنها على برغل أيضا بقوله‪ (( :‬هذه الزيرة قريبة منها‪ ،‬وعسكرنا حاضر مستعد للقتال (‪)) )2‬‬
‫‪10‬‬

‫وما دامت الزيرة ذات خصب وثروة‪ ،‬وهي قريبة‪ ،‬وعسكرهم مستعدا للقتال‪ ،‬فماذا ينعهم‬

‫من ظلم الناس وقتل أرواحهم‪ ،‬واستناف أموالم‪ ،‬وتريب ديارهم‪ ،‬ان من حقهم ‪ -‬فيما يسبون ‪-‬‬

‫أن يستمتعوا بتلك الثروة ‪ ،‬وذلك الصب‪ ،‬فغزاها درغوث غزوات متلحقات‪ ،‬وكان ف كل مرة‬

‫بقتل من أهلها من يصله سيفه‪ ،‬ويأخذ من مالا ماتبلغه يداه‪ ،‬وحاول برغل من بعده ان يقوم بنفس‬

‫الدور ولكن حزم حوده باشا باي تونس ضربة على يده بعد الحاولة الول فخسر جربة وخسر‬

‫طرابلس معها‪.‬‬

‫ول يقف الشر ف جربة ف هذه الفترة عند هذا الد الذي يتمثل ف الغزوات الظاملة من‬

‫ولة طرابلس على الزيرة‪ ،‬وإنا ابتليت بكم أسرة أبناء أب اللود الذين أوصلهم درغوث إل‬

‫منصب الكم وكانت هذه السرة شر أسرة توارثت الكم ف البلد‪ ،‬فكان حكمهم كارثة أخرى‬

‫نزلت على البلد فيما نزل من الكوارث‪ ،‬وقد امتدت هذه الفترة الؤلة من سنة ‪ 960‬إل سنة‬

‫‪ 1209‬حي طرد على الزيرى بأمر حوده باشا قائد الامية الطرابلسية ( قرة ممد ) الذي احتل‬

‫جربة بأمر على برغل‪.‬‬

‫عاشت جربة ف هذه الفترة الت تتد قرابة قرني ونصف على اسوأ وضع عاشت عليه امة‬

‫وقد أثر عليها من جيع النواحي اسوأ الثار‪.‬‬

‫(‪ )1‬النهل العذب ص ‪ )2( 318‬نفس الصدر والصفحة‬ ‫‪10‬‬


‫أما الفترة الثانية الت تتد من سنة ‪ 1209‬إل سنة ‪ 1289‬وهى مدة تقارب قرنا من الزمن‬

‫فقد عاشتها جربة تت نظارة الكومة التونسية‪ .‬وكانت أكثر استقرارا وامنا‪ ،‬فقد كانت الكومة‬

‫التونسية تتم بامر الولة‪ ،‬وتستمع إل شكايات الهال فيهم‪ ،‬وتاسبهم بعض الحاسبة على‬

‫تصرفاتم‪ ،‬وقد تعزل البعض منهم استجابة لرغبة السكان كما فعلت بعلى الزيرى‪ ،‬فلم يستطيعوا‬

‫أن يبالغوا ف الظلم‪ ،‬ول أن يثقلوا على الناس‪ ،‬وقد تلصت جربة ف هذه الفترة من الغزوات‬

‫الارجية فلم يعد إليها ولة طرابلس‪،‬وبذلك استطاعت ان تامن وتطمئن‪ ،‬وأن تنمى الناحية العددية‬

‫فيها برجوع بعض الهاجرين من أبنائها وان تعود إل الكفاح لتحسي الناحية القتصادية الت‬

‫استنفتها الروب والضرائب والغرامات‪.‬‬

‫لقد كانت الفترة الول من هذا العهد با حلته معها من فساد وخراب وفتنة داخلية‬

‫وخارجية‪ ،‬قد قضت على الناحية القتصادية ف جربة‪ .‬فبعدان كانت ارضا خصبة‪ ،‬تنتج أحسن‬

‫الغلل واجود الفواكه‪ ،‬وكان اهلها من ابرع الزارعي‪ ،‬واحرصهم على العمل‪ .‬عاث أولئك النود‬

‫التعقبون فسادا ف تلك الزارع‪ ،‬واحالوها إل أرض قاحلة‪ ،‬ول يتركوا لصحابا فرصة لحيائها‬

‫والحافظة عليه‪ ،‬ولقيت الناحية الصناعية ف البلد نفس الصي‪ ،‬فقد كانت تقوم ف جربة معامل‬

‫للصناعة الحلية تدر على أهلها ربا ل بأس به‪ ،‬فخربت تلك اليوش ما جاء ف طريقها من تلك‬

‫العامل‪ ،‬وشردت الصناع الذين يديرونا‪ ،‬او يقومون عليها‪ ،‬وبددت الواد الام الت تقوم عليها تلك‬

‫الصناعة‪ ،‬واصبح الناس ف حالة يرثى لا‪ ،‬يتوقعون كل يوم مزيدا من الشر‪ ،‬ولكنهم ل يعرفون‬

‫الصورة الت سوف يفد عليها‪ .‬ومن الؤسف ان اولئك الكام كانوا يطالبون بالزيد من الال كانا‬

‫كانت أصابع سكان جربة تسيل بالذهب‪.‬‬


‫ونتج عن هذه الحوال ان كل من استطاع ان يهاجر هاجر إل أى بلد تسي له أن ينتقل‬

‫إليه ف امان‪ ،‬وباشر الربيون ف مهاجرهم أى عمل اتيح لم‪ ،‬وكانوا يتقدمون ف أعمالم تلك ف‬

‫مهاجرهم بفضل ما يتحملون به من صدق وامانة واخلص وجد‪ ،‬وكانت أعمالم تلك تنتهى غالبا‬

‫إل افتتاح مال للتجارة‪ .‬وهكذا كان هذا العهد الظال سببا لجرة اكثر سكان جربة إل الارج‬

‫للحتراف‪ ،‬وتعودوا ذلك فاستمروا عليه حي هدات الحوال واستقرت المور‪ .‬ولقد نتج عن هذه‬

‫الجرة‪ ،‬إن تكونت ثروة ف أيدي التجار الربيي‪ ،‬وأصبحوا من احسن سكان الملكة التونسية‬

‫اقتصادا‪,‬‬

‫ولكن هل يغن هذا الال الذي يمعه سكان جربة ف مهاجرهم عن تلك النة الميلة ف‬

‫وسط البحر الت حرمت من سواعج ابنائها البرة‪.‬‬

‫ث أين هى الجامع العلمية؟ وأين هى الوحدة التعاونية‪ ،‬وأين هي العزية الصامدة‪ .‬والصب‬

‫الطويل الذي كافحت به جربة أساطيل اسبانيا مدة غي قصية‪ ،‬وأين هى تلك الخلق الت غرسها‬

‫السلم ف نفوس أبنائها فخفظت عليهم عزتم‪.‬‬

‫إنن وانا أكتب هذا الفصل تنثال على ذهن عشرات السئلة عن جربة ووضعها ف الاضر‬

‫والستقبل الذي نامل أن يكون خيا ف عهود الستقلل الزاهرة ويطمئنن أن الشباب السلم من‬

‫أبنائها مع الشباب السلم من البلد التونسية العزيزة سوف يسهر على بناء مستقبل سعيد عزيز يسود‬

‫فيه حكم السلم وينفذ فيه أمر ال وتعم فيه العدالة جيع الناس‪ ،‬إذ ل شك ان المة التونسية ‪-‬‬

‫وجربة جزء منها ‪ -‬قد بلت كما بلت جيع المم السلمية ألوان الكم ف العهود الاضية وعلمت‬

‫كما علمت جيع المم السلمية الوة السحيقة الت اندرت إليها بسبب النراف ف الكم عن‬

‫النهج السلمي وبسبب انغماس ولة الكم ف التعة وعدم تري للحق والعدل وسعادة المة‪ .‬وقد‬
‫اوصلهم ذلك النراف إل أن تاخرت المة السلمية عن مركز قيادة البشرية إل مرتبة التبعية ف‬

‫الوان من العسف والقهر والوان‪ ،‬واليوم وقد انزاح عن المة السلمية ف متلف دولا وأوطانا‬

‫كابوس الستعمار ووضع عنها ني الستعباد القيت عسى أن تتركز منها الطوات وتسي ف السبيل‬

‫القوي وعسى الشباب السلم ف المة التونسية الكرية أن يكون ف الرعيل الول من الشباب السلم‬

‫الواعى اليقظ الذي يرص على حفظ تراثه الجيد وبناء مستقبله الديد على أسس سليمة من حاضره‬

‫السعيد‪.‬‬
‫كفاح الباضية للنراف‬

‫ل شك ان البلد التونسية ف العهد السلمي‪ ،‬قد تغيت عليها أنظمة الكم‪ ،‬بي عدد من‬

‫الدول والمارات‪ ،‬ول شك انا كانت مقرا لعدد من الطوائف السلمية الختلفة الذاهب‪ ،‬من‬

‫صفرية‪ ،‬ونكار‪ ،‬ومعتزلة وشيعة‪ ،‬واشعرية‪ ،‬وأباضية وغيها‪ ,‬وانه لعسي على مؤرخ أن يصور حياة‬

‫هذه المة السلمة بكل طوائفها الت كانت تعيش على تراب هذه البلد العزيزة باحثا لا من جيع‬

‫الهات‪ ،‬ناظرا إليها من متلف الزوايا‪.‬‬

‫وأنا ف هذا الكتاب وإنا اتدث عن طائفة واحدة من تلك الطوائف الكثية الت عاشت ف‬

‫هذا الوطن‪ ،‬وليست ف حديثى هذا مؤرخا أتقضى الداث واتنطس البار‪ ،‬وأتتبع سي الفرق‬

‫لسجل ما يقع فيه حوادث‪ ،‬وارفق اللوك واليوش أصف معاركها‪ ،‬وافصل انتصاراتا وانزاماتا‪،‬‬

‫وغنما كل ما أرسى إليه ف هذا الكتاب ان اجعل القارئ الكري‪ ،‬يعيش وسط الشعب‪ ،‬ويي بي‬

‫افارد المة العاديي‪ ،‬الذين ل علقة لم بالكم والاكمي إل حي بتفرجون على مواكبهم الفخمة‬

‫وهى تسي ف الشوارع تياهة متالة‪ ،‬او حي تسوقهم القدار مرغمي ف بعض الحداث‪ ،‬وان أضع‬

‫بي يديه‪ ،‬صورا لياة طائفة من الؤمني عاشوا ف جزء من البلد السلمية القسيحة‪ ،‬قرونا من‬

‫الزمن‪ ،‬ول يزالون يعيشون‪ ،‬يدينون ال دين الق‪ ،‬ويملون رسالة ال ف ثبات وصب‪ ،‬وياهدون ف‬

‫سبيل ال بقوة وعزية وجلد‪ ،‬مثل ما اتاحت للباضية ف البلد التونسية‪.‬‬

‫وبا أن الباضية قد تقلصوا تت عوامل متعددة‪ ،‬من كثي من الهات‪ ،‬الت كانوا يعمرونا‪،‬‬

‫وانصروا ف جزيرة جربة‪ ،‬فإن ف إمكاننا أن نعل هذه الزيرة او هذه الطائفة من الباضية ف هذه‬

‫البقعة من البلد التونسية العامرة‪ ،‬موضوعا لديثنا ومثل نوضح به الصور الت استجلءها‪ ،‬لتستخرج‬
‫منها العظة والعبة‪ ،‬ولنرى ما تستطيع المة السلمية ان تقدمه للبشرية‪ ،‬إذ هى التجأت إل السلم‪،‬‬

‫واحتمت بدين ال‪.‬‬

‫أننا عندما نتحدث عن جزيرة جربة‪ ،‬هذه الزيرة الصغية‪ ،‬الت كانت تلي عندما يهاجها‬

‫السلمون حت تصاب بافدح الضرار‪ ،‬وتتصلب حي يهاجها الفرنج حجت تصبح صخرة عاتية‬

‫تتحطم عليها أقوى الساطيل‪ .‬فإنا نقدم للمة السلمية ف متلف ديارها وبختلف مذاهبها مثال‬

‫واقعيا يثبت لا تاريها ان المة السلمة عندما تتفظ بالسلم ل تقهر بالقوة الادية وحدها أبدا‪ ،‬وإن‬

‫المة السملة حينما تتخلى عن السلم ل يكن ان تنتصر ل ف ميدان الادة ول ف ميدان الروح‪.‬‬

‫وجربة هذه الزيرة الصغية النوية ف ركن خفى من خليج قابس ذات التاريخ الجيد ل‬

‫تتوقف عن الكفاح ف سبيل ال ف يوم من اليام‪ ،‬منذ دخلها السلم‪ ،‬واستنارت ربوعها بنور ال‬

‫ورنت ف بقاعها آيات الكتاب العزيز‪ .‬وان كفاحها الجيد ف هذا التاريخ الطويل يتواصل ف عدة‬

‫واجهات يكن ان نعطى عنه صورا متصرة فيما يلي‪:‬‬

‫‪-1‬كفاح الباضية لقامة دين ال‪.‬‬

‫‪-2‬كفاح الرذيلة ف متلف أشكالا والوانا‪.‬‬

‫‪-3‬كفاح الهل بدين ال‪.‬‬

‫‪-4‬كفاح البدعة الزاحفة الت تتخذ الدين ذريعة لغايات خفية‪.‬‬

‫‪-5‬كفاح السلطة الظالة الت تتخذ الكم وسيلة لظلم الناس وابتزاز‬

‫أموالم‪.‬‬

‫‪-6‬كفاح التعصب الذهب الذي يستغله المود تارة والسلطة تارة اخرى‪.‬‬
‫‪-7‬كفاح الصليبية الانقة‪ ،‬الت مافتئت تارب السلم وتكيد له ول تزال‬

‫إل اليوم وإل ما شاء ال مهما اختلفت الساء والبلد‪.‬‬

‫الكفاح لقامة دين ال‬

‫لا جاء الفاتون الولون يدعون السلم‪ ،‬كانوا يملون هذه الرسالة السماوية السامية‪ ،‬الت‬

‫جاءت بنظام شامل للحيتة النسانية‪ ،‬كما يريدها خالق النسان‪ .‬نظام يشمل علقة النسان بال‬

‫الذي خلقه‪ ،‬وعلقة النسان بالنسان فردا ومتمعا‪ .‬وعلقة النسان بالكون وما اودع الالق فيه من‬

‫قوى‪ ،‬وأوضح اولئك الفاتون للشعوب الت حلوا إليها الرسالة السلمية‪ ،‬الطريقة الت يب ان‬

‫تتعامل با البشرية‪ ،‬وذلك با ف كتاب ال عز وجل وف سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم وسية‬

‫اللفاء الراشدين‪ ،‬وسية الصحافة رضوان ال عليهم جيعا وسية من تبعهم باحسان‪ ،‬وكان الفاتون‬

‫ف زمن اللفة الرشيدة حراصا على أن ينفذوا احكام ال كما جاءت ف كتاب ال‪ ،‬وعرفوه ف‬

‫التطبيق الذي قام به من ول الكم من خيار هذه المة‪.‬‬

‫فتقبل الناس هذا الدين ف شال أفريقيا كما تقبلوه ف البلدان الخرى‪ ،‬وقامت لحاربته‬

‫قلوب مظلمة بالكفر‪ ،‬وأيد مغلولة بالوثنية‪ ،‬وعقول غرتا الياة الدنيا ببهرج السلطة والنفوذ‬

‫والتحكم‪ ،‬وضمائر لوثتها الطامع ف الياة فلم تعد تتم للحق والي والعدالة‪ ،‬كما وقع ذلك ف‬

‫جيع الربوع عندما تشرق عليها لول مرة‪ ،‬انوار السلم‪ ،‬ولكنها ل تلبث القلوب التعفنة والعقول‬

‫الاطئة ان ترجع إل الق وتستجب لدعوة ال حت ترفرف عليها راية السلم‪.‬‬

‫وتغي حلة الرسالة بعد ذلك فذهب اولئك الذين اوصلوا الرسالة وليس لم هم إل ان ينتشر‬

‫دين ال وتعلو كلمته‪ ،‬وجاء من بعدهم قوم يبنون اللك عضوض‪ ،‬ويؤطدون لدول متحكمة ف مال‬

‫ال وعباد ال‪ ،‬فاعتمت الصورة الشرقة الت جاء با السلم‪ ،‬لا انرف الكام عن إقامة دين ال‪.‬‬
‫فطالب الناس باتباع امر ال والحافظة على ما جاء ف كتاب ال‪ ،‬واتباع ما وردت به النيفة‬

‫السمحة‪ ،‬ولكن اليدي الاكمة‪ ،‬الت كانت تسك مقاليد المور كانت ل تستجيب لذه الدعوة‪،‬‬

‫ول يرضيها الرجوع إل حكم السلم العادل النظيف‪ .‬لنه طريق ل يصلون منه إل غايلتهم من‬

‫الترف والرفاهية وبلوغ الشهوات‪ ،‬والتحكم ف مقدارت المة‪.‬‬

‫وتولد عن هذا النراف ف انظمة الكم تطور ف الكفاح ضد النراف‪.‬‬

‫لقد سبق أن أشرت إل ان الباضية كانوا منتشرين ف اغلب البلد التونسية‪ ،‬ولقد كانت لم مواقف‬

‫ف الكفاح كما كانت لغيهم من الطوائف والذاهب مواقف‪.‬‬

‫ويدر ب أن أقول هنا أن الكفاح ضد النراف قد اتذ طرقا عدة‪ ،‬ومظاهر متلفة‪ ،‬منها‬

‫مواقف ايابية صارمة‪ ،‬ومنها مواقف سلبية لينة‪ ،‬وبينها مواقف كثية تتلف قوة وضعفا‪ ،‬ولينا وعنفا‪،‬‬

‫وشدة وهوادة‪ .‬والكفاح ضد الظلم او الكفاح السياسي سوف نتحدث عنه ف فصل آت شاء ال‪.‬‬

‫اما هذا الفصل فهو معقود للكفاح السلب‪ ،‬الذي يقصد منه إقامة دين ال والحافظة على احكامه‬

‫بالنسبة للفرد والجتمع دون اللجوء إل العنف أو الثورة‪.‬‬

‫حرص الباضية ف متلف أدوار التاريخ على ان يقيموا دين ال فيما بينهم فغن أتيح للمة‬

‫السلمية دولة ترعى حدود ال‪ ،‬وتقيم أحكامه‪ ،‬تعاونوا معها وأعانوها‪ ،‬اما إذا كانت الدولة القائمة‬

‫جائزة غي سائرة على احكتم ال‪ .‬حرصوا على أن يكونوا أقل الناس شغبا‪ ،‬واعطوها ما تطلب منهم‬

‫من أموال او ضرائب مثل غيهم من الناس وكفوا أيديهم عنها ولا‪ ،‬إل بقدرا الضرورة ث رجعوا إل‬

‫متمعهم فاتبعوا النظام الذي سوه بنظام العزابة وهو يكفل لم رعاية الساجد وإقامة الصلة فيها‪،‬‬

‫وتيسي السبل لا والحافظة على دروس الوعظ والرشاد وتثقيف العامة تثقيفا دينيا ودراسة كتاب‬

‫ال والعلوم الشرعية واللغوية والشراف على تعليم الصبيان وتربيتهم تربية إسلمية نظيفة‪ ،‬والحافظة‬
‫على السواق ان تدخل إليها الموال الحرمة او السترابة‪ ،‬والتشديد على التجار ان تدخل بعض‬

‫الصور المنوعة‪ ،‬ف معاملتم‪ ،‬وقد كان كبار العزابة يتفقدون بانفسهم السواق والتاجر ويشرحون‬

‫للناس صور الربا وانواع العاملت الت ل توز شرعا‪ ،‬حت كان الناس يتندرون بذلك فيقول‬

‫بعضهم‪ :‬ان اعلماء علموا التجار طرق الغش‪ .‬لنم يشرحون لم الصور المنوعة الت قد يكونون غي‬

‫عارفي با‪ ،‬ولتشديد العلماء ف مراقبة السواق وما يدخل إليها أصبح الناس يتحرزون كثيا‪،‬‬

‫ويترددون فيأن يشتروا شيئا من سكان البوادي الذين كانوا ف ذلك الي ل يتورعون عن اإغارة‬

‫واقتناء الاشية من طريق النهب‪ ،‬ول سيما اولئك العراب الذين وفدوا مع بن هلل وبن سليم‬

‫وكانت ادمغتهم ل تزال مشحونة با كان يعتز به عرب الاهلية من الشجاعة والقدام على الوت‬

‫والغارة على الحياء الجاورة‪.‬‬

‫وكانت تثور بي العماء ف هذا الصدد مناقشات حامية الوطيس وقد وقع نقاش من هذا‬

‫النوع ف يوم من اليام فغل أحدهم حت قال أن جيع الموال الت بأيدي العزاب ريبة لنها آلت‬

‫إليهم عن طريق الغارة‪ ،‬والسلب‪ ،‬وحت إذا ل يباشروا ذلك بايديهم فإنا ل مالة وصلت إليهم عن‬

‫هذا الطريق‪ ،‬فقال له احد الاضرين ان أصل الاشية منهم‪ ،‬فقد جاءوا با عندما دخلوا إل افريقية‪،‬‬

‫وكان السجد غاصا بالاضرين ‪ ،‬قسم الرجال غاص بالرجال‪ ،‬وقسم النساء غاص بالنساء فقالت‬

‫امرأة من قسم النساء بل هى اموال اهل البلد اغتصبوها ث هم يبيعونا‪.‬‬

‫ومفهوم بالبداهة أن النقاش كان يدور حول العراب من بن هلل وبن سليم الذين وردوا‬

‫على افريقيا ف فترة من التاريخ‪ ،‬وكل ما لديهم إنا هي سيوف يقتلون با وخيول ياربون عليها وايد‬

‫ياخذون با ما تصل غليه من اموال الناس‪.‬‬


‫إن الناقشة السابقة تدل أن التحرج من الموال السترابة أمر شائع ف حياة جيع افارد‬

‫السرة يتحرز منه الرجل وتتحرز منه الراة وحت عندما يتردد الرجل وييل إل التساهل تقف الراة‬

‫الؤمنة دون ذلك التساهل‪ ،‬لنا اقتنعت بوجهة نظر معينة‪ ،‬والراة عندما تقتنع ل يكن ان تتراجع‪.‬‬

‫أن الباضية عندما انرفت الدول عن اقامة احكام ال‪ ،‬وأصبح الناس يتهارشون على‬

‫مناصب الكم‪ ،‬تلى لم الباضية عن تلك الناصب‪ ،‬واقاموا لنفسهم نظاما يكفل لم القيام بميع‬

‫أحكام ال ما عدا حكم المامة‪ ،‬ولقد حافظ الباضية ف تونس على هذا النظام إل القرن العاشر ث‬

‫بدأوا يتحللون منه‪ ،‬اما الباضية ف الزائر فل يزالون يافظون عليه إل اليوم‪ ،‬ويستطيع الزائر الذي‬

‫يزور مواطن الباضية ف الزائر أن يد صورة صحيحة للمجتمع السلمي ف الي الذي يقرا عنه‬

‫السية‪ ،‬الجتمع الذي يسي بكم ال مستفيدا با بلغت إليه الضارة والعلم‪ ،‬دون ان تؤثر عليه‬

‫الضارة بفاسدها‪.‬‬

‫أما هؤلء الباضية الذين تللوا من نظام العزابة ف ليبيا وتونس فقد جرفتهم الياة‪ ،‬كما‬

‫جرفت غيهم‪ ،‬ف تيار الضارة الفاسدة‪ ،‬وأصبحت إقامة دين ال عندهم كما عند غيهم شكلية‬

‫ظاهرية‪ ،‬وأثرت على شبابم التعلم كثي من الفكار والنعات الستوردة الت يقصد منها اما ماربة‬

‫السلم ف أسى مبادئه‪ ،‬واما تبير الطاء الت وقعت فها بلد الغرب‪ ،‬ول تستطيع التخلص منها‪.‬‬

‫على انه ل تزال ف الشباب والشيوخ بقية تمل روح التحفظ من الث‪ ،‬الث الفردى ‪ ،‬او الماعي‪،‬‬

‫ذلك التحفظ الذي كان معروفا عن اسلفهم وان املنا ف ال قوى ف ان يراجع السلمون انفسهم‬

‫وأن يعودوا با إل دينهم وان يبنو احاضرهم على القواعد الراسخة من ماضيهم‪.‬‬

‫لقد انقرض البتضية من البلد التونسية ما عدا جربة فيما اعلم فلم يبق منهم احد ف بلد‬

‫الريد الت كانت عامرة بم‪ ،‬ول يبق منهم أحد ف جبال دمر الت كانت معقل من معاقلهم‪ ،‬ولعل‬
‫من أهم السباب الت أدت إل اتقراضهم هو تللهم من نظام العزابة الذي ل يستطيع فيه الفرد ان‬

‫يشذ عن الماعة السلمة بارتكاب العصية‪ ،‬فيحكم عليه بالباءة فلما تلل اولئك الناس من نظام‬

‫العزابة ادى بم ذلك إل عدم الهتمام بالتعليم وادى بالفراد إل عدم التحرج من ارتكاب العصية‬

‫الينة ف نظرهم وغلب عليهم الهل‪ ،‬ث توال عليهم العدوان من الجموع الت تترف من الغارة‬

‫والنهب والسلب وتتخذ اللف الذهب أو النسي مبرا لعمالا فكانت هذه العوامل متمعة سببا‬

‫ف أن يهاجر بعض السكان إل جهات أخرى حيث يأمنون او ان يعتنقوا مذاهب الطوائف الغالبة‪.‬‬

‫وبقيت جربة متفظة بذهبها لنها بقيت متفظة بنظاط العزابة إل أواخر القرن العاشر‪ ،‬ث‬

‫بآدابه وآثاره فيما بعد وقد تللت هى الخرى من هذا النظام‪ ،‬وأصبحت الرابطة بينها رابطة ضعيفة‪،‬‬

‫ولعل شبابا التعلم الذي ترج من معهد الزيتونه العامر أو من غيه من دور العلم ف الشرق او‬

‫الغرب يدرك انه ل حياة لمة مسلمة إل بالحافظة على السلم‪ ،‬الحافظة القيقية من إقامة دين ال‬

‫فيما يتعلق بالفرد‪ ،‬او الجتمع ‪ ،‬وانه يدر به أن يعود إل السلم ليتحقق الروابط التينة الت ربط‬

‫السلم با الة السلمة ف مموعها والسرة السلمة ف نطاقها فيتمسك به‪ ،‬فإن التحلل من رباط‬

‫السلم والنلل من اخلقه وتبعاته هو كل ما يطلبه منا اعداؤنا وفيما اسلفت من تاريخ جربة امثلة‬

‫أخرى لضعفة عندما يتحلل من السلم وتصبح قضية الدين عنده شكلية تشبه ان تكون عادة ل‬

‫عقيدة‪.‬‬

‫لقد حافظ علماء الباضية ف البلد التونسية وف جربة بالذات على التمسك بدين ال فلم‬

‫يسمحوا لى فرد ان يتهاونه بواجباته الدينية عمل وتركا‪ .‬ومن خالف نفذ فيه حكم الباءة فرجع‬

‫إل حظية السلم بالتوبة والستغفار والتفكي ان كانت السألة ما يتخلص منه بالتفكي اما الشؤون‬

‫العامة ف قضايا الحوال الشخصية والنازعات الفردية والشاكل الت تثور بي الناس فقد كان يتول‬
‫النظر فيها ملس العزابة ويتول شيخ الجلس تنفيذ الكم كما كان يتول النظر ف الرائم‬

‫والخالفات وتري الكام حسبما ورد ف دين ال‪ ،‬ولا انل ملس العزابة ف العهد التركي لسباب‬

‫عديدة ليس هذا موضع ذكرها بقيت الجامع العلمية تتول ما كان تتوله مالس العزابة… وكان‬

‫شيخ تلك الجامع يقوم با تقوم شيخح العزابة غي أن هذه الجامع العلمية قد فقدت قوتا الت كانت‬

‫لجالس العزابة وترأ الناس على مالفتها إذ ليس ف يديها حكم الباءة ووجد اؤلئك الخالفون من‬

‫يشجعهم ويميهم من أصحاب السلطة والنفوذ‪.‬‬

‫ولعل ال سبحانه وتعال ين علينا فيلهمنا الرشد ويهدينا سواء السبيل‪.‬‬

‫كفاح الرذيلة‬
‫لقد ترددت كثيا قبل ان أكتب كلمة الرذيلة ف هذا العنوان‪ ،‬وناقشتها ف ذهن طويل‪،‬‬

‫ولكنن مع ذلك أثبتها هنا‪ ،‬وجعلتها عنوانا لذا الفصل‪ ،‬وانا أعلم انا تدل على معان خاصة ف‬

‫أذهان القارئي ‪ ،‬أو على القل فإن الناس ل يستعملونا إل على جوانب خاصة من الثام‪ .‬ومن سوء‬

‫الخلق‪.‬‬

‫إذا قال قائل ان شرب المر رذيلة وان الذب رذيلة‪ ،‬وان الغش رذيلة‪ ،‬وإن الفجور رذيلة‪:‬‬

‫قال سامعيه يوافقونه على ذلك وليعتوضون‪ ،‬غي ان وقع كلمة الرذيلة على سع مرتكب إحدى هذه‬

‫الكبائر يكون أخفف من وقع كلمة العصية‪ ،‬فهل تكون كلمة الرذيلة مرادفة لكلمة العصية‪ ،‬تدل‬

‫على جيع ما يالف السلم من عمل وترك‪ .‬ويبدو ل أن كلمة الرذيلة تدل على جيع ما تدل عليه‬

‫كلمة العصية‪ ،‬وقد تكون أكثر شول منها فتدل على الصغية الت ل تكون معصية إل بالصرار‪،‬‬

‫وعلى الكروه أيضا‪.‬الكروه الذى ل يبلغ ان يكون حراما ولكن الداومة على اقترافه‪ ،‬تدل على‬

‫انراف ف خلق القترف‪ ،‬ورغبة منه ف مالفة السلم ولو ف بسائط المور‪.‬‬

‫وبذه العتبارات رأيت ان كلمة الرذيلة أصلح ف الدللة على معناها ف هذا الباب‪.‬‬

‫ث أن هنالك بعض العاصي‪ ،‬يرتكبها أصحابا مستحلي لا وقد يوافقون على انا البتة على‬

‫تسميتها بالعاصي‪ ،‬والكم عليها بالتحري‪ .‬وقد انتشرت انواع من العاصي بي الناس‪ ،‬حت أصبحت‬

‫عادات سائرة يرتكبها الفراد والماعات‪ ،‬دون ترج‪ ،‬لن كثرة انتشارها وألف الناس لا خفف من‬

‫شعور الث بارتكابا‪ .‬فإذا ما قلت لحدهم ان ما تفعله با فلن رذيلة يب البتعاد عنها‪ .‬تده موافقا‬

‫على ان عمله ذلك رذيلة وقد ييبك بانه سوف ياول ترك تلك الرذيلة او يعتذر لك بأي عذر يطر‬

‫على باله‪ ،‬أما إذا وصفت عمله بأنه حرام ومعصية فإنه لن يوافقك على لذلك‪ ،‬او يصفك بانك جامد‬

‫متخلف عن العصر‪ .‬فتعاطي الدخان مثل‪ ،‬وتزوير الشهادات الطبية للتخلص من العمل‪ ،‬او للخروج‬
‫إل البلد الجنبية برسم العلج على نفقة الدولة والنفاق افجتماعي بالطراء الكاذب للوصول إل‬

‫غرض خاص‪ ،‬أو غي ذلك من الشياء الت تعود إل سلوك الفرد الشخصي او سلوكه الماعي‬

‫بالنسبة للمة والدولة‪ .‬إذا وصفت مرتكب ذلك بانه قد ارتكب رذيلة قد يوافقك على التسمية‬

‫ويبتسم لك ابتسامة صفراء‪ ،‬تدل إعجابه بدهائه وذكائه ف نفسه‪ .‬ولكنك إذا قلت ان تلك العمال‬

‫حرام‪ ،‬ومعصية فغنه لن يرضى لك بذلك ولن يوافقك عليه‪ ،‬وذلك لن امثال هذه الشياء أصبح‬

‫معتادا بي الناس وخف فيه الشعور بالث والحساس بالعصية‪ .‬لن متعاطي ذلك قد تاوز ف نفسه‬

‫معن مالفة الق إل الستحلل‪ ،‬واختفت من ذهنه احكام الشريعة ف تري الدخان‪ ،‬كما اختفت‬

‫من ذهنه نصوص تري غش المة او الدولة ف النفاق الجتماعي‪ ،‬كما اختفت من ذهنه معان تري‬

‫السرقة وماسبة النفس عن موارد الال وطريق كسبها كما اختفت من ذهنه نصوص الشريعة من‬

‫تري الخلل بالواجب ف صور استصدار الشهادات للتخلى عن العمل‪.‬‬

‫أو لخذ الموال دون حق برسم العلج لتصرف ف السياحة ومعانيها خارج الوطن او داخله‪.‬‬

‫ضربت للقارئ الكري هذه المثلة لبعض الحرمات الت شاع ارتكابا ف عصرنا الاضر‬

‫حت‬

‫اوضح له العن الذي أقصده بكلمة الرذيلة الت وضعتها ف عنوان هذا الفصل‪ ،‬واحس ان ما ارمى‬

‫إليه أصبح مفهوما‪ .‬والرذائل الت حرص العلماء على ماربتها ف عصور متقدمة ليست هي بطبيعة‬

‫الال نفس الرذائل الوجودة اليوم والت يب على العلماء ماربتها وغنما لكل عصر رذيلة أو بتعبي‬

‫قد يكون ادق أن الجتمعات ف كل عصر عندما تنحرف عن أحكام الشريعة قد يستهل أفراد منها‬

‫نوعا ما من العاصي او الرذائل حت ينتشر وتصبح الكثرية من الناس ل تتحرج منها ول تشعر بالث‬

‫ف ارتكابا وتصي رذيلة يعترف الناس با ولكنهم يستحلونا ول يعترفون بأنا معصية ومرم وتوجد‬
‫ف الجتمعات السلمية اليوم امثلة كثية لذا النوع انتشرت ف فترات طغيان الهل وضعف بعض‬

‫العلماء ث أصبحت ما يعسر القضاء عليه‪ .‬وف أزمنة النلل الدين ل سيما بعد القرن العاشر حي‬

‫أقصى العلماء العلم عن قيادة المة‪ ،‬وحدت السلطة الاكمة من نفوذهم الروحي على اعمال‬

‫الناس‪ ،‬وعملت على عزلم عن الجتمع‪ ،‬بدأ الناس يتعودن العاصي ‪ ،‬ويتجراون على مقارفتها‪،‬‬

‫ويبتعدون قليل قليل عن مكارم الخلق الت بعث سيد العلماء صلى ال عليه وسلم ل تامها‪ ،‬حت‬

‫مردوا على بعض العاصي‪ ،‬وزال من قلوبم الشعور بالث ف ارتكابا‪ ،‬واصبحوا يقترفونا على انا‬

‫عادات سيئة لكن لذنب فيها‪ ،‬فإذا جئت تنتقد احدهم على ارتكابه تلك العصية على انا رذيلة‬

‫وجدته ينتقد معك ويتحمس ف النقد ويسهب ف ذكر مضارها والساوئ الت تنتج عن تعاطيها‬

‫ولكن حي تاتيه من باب الدين وتذكر له ان ذلك منكر يب البتعاد عنه وان عمله ذلك معصية‬

‫ومرم بشرع ال حي يسمع منك هذا يزور ويلوى عنقه عنك‪ ،‬ويصفك بانك رجعى يغلب عليك‬

‫المود‪.‬‬

‫ان الكفاح ف الباب ل يرج عن النهي عن النكر والنهي النكر يكون قاعدة اصيلة من‬

‫قواعد الذهب الباضي كما سبقت الشارة إل ذلك ف اللقات الول من هذا الكتاب‪ ،‬فما يوز‬

‫لسلم يرى منكرا ث يسكت عنه‪ ،‬وقد حرص الباضية على تطبيق هذه القاعدة والقيام با قياما دقيقا‬

‫ل سيما عندما توجد لديهم مالس العزابة‪ .‬وتاوز كفاحها ف الرم إل كفاحها حت ف الكروه‪،‬‬

‫وكانوا يعطون لنفسهم حق الشراف على الناس حت يتعرفوا الطأ والصواب فيه على اليقي‬

‫فيأمرونم با يب او يسن‪ ،‬وينهونم عما يرم أو يكره‪.‬‬

‫ورغم ان النوب التونسي امثال فحص القيوان والامة وبلد الريد وجزيرة جربة وجبال‬

‫دمر ومطماطة وغراسن وما بي ذلك ‪ -‬كان يعج بالعلماء العلم‪ ،‬فإن الواحد من أولئك العلماء‬
‫كان يتكبد مشاق السفر وينتقل بي تلك البلد التباعدة ويرتل إل الحياء الضاربة ف الصحراء‪،‬‬

‫فيقيم مع كل حى أياما ليعرف سيتم عن كثب‪ ،‬ويرى مقدار مافظتهم على دين ال ومدى فهمهم‬

‫له وللعمل به‪ ،‬وما ينتقل ذلك الشيخ إل حى آخر حت يعقبه شيخ آخر من بلد آخر‪ ،‬يقوم بنفس‬

‫الهمة‪ ،‬ويبالغ ف المر بالعروف والنهى عن النكر‪ ،‬أو بالعبارة الت اخترناها يقوم بحاربة الرذيلة الت‬

‫ل تد ف مثل هذا الجتمع مكانا وقد حفظت لنا كتب التاريخ من هذا الكفاح الجيد احاديث تل‬

‫الجلدات‪.‬‬

‫وقد يزور احدهم بلدا فيجد الناس قد خالفوا السية ف أمر ل يبلغ ان يكون مرما وخوفا‬

‫من أن يتعود الناس التساهل ف آداب السلم وسية العدول من السلمي‪ ،‬ويتجرأ الناس على‬

‫ارتكاب الصغية ث يصرون عليها‪ ،‬يامرهم بلزمة السية وينهاهم عن الروج عن آداب السلم‬

‫الظاهرة ف سيبة السلمي‪ ،‬ويتنع عن الدخول إل بلدهم والكل من طعامهم‪ ،‬حت يقلعوا عن ذلك‬

‫ويعودوا إل ما رضية السلم والسلمون الصاقون وبسبب ذلك الكفاح الجيد حافظ الباضية على‬

‫أخلق السلم حت تسلط الاكمون على العلماء‪ ،‬وكموا أفواههم‪ ،‬وقيدوا يديهم وحالوا بينهم‬

‫وبي الدعوة إل دين ال‪ ،‬فانطلق العامة دون هداية يرتكبون ما شاء لم الوى‪.‬‬

‫إن كفاح الرذيلة بعناها الواسع‪ ،‬ظاهرة واضحة ف تاريخ الباضية‪ ،‬فمع الرص على صيانة‬

‫الجتمع الباضي من انتشار العصية بي أفراده بسبب تطبيق نظام العزابة الذي تدثنا عنه باسهاب ف‬

‫حلقات ماضية‪ .‬حرص العلماء على ماربة ما أطلقت عليه اسم رذيلة حت ما ليبلغ ان يكون‬

‫معصية‪ .‬وحت بعد أن انفرط عقد نظام العزابة ف النوب التونسي وليبيا كان العلماء ‪ -‬كأفراد ‪-‬‬

‫حريصي على القيام بذه الهمة ويرون ان القيام با واجب شخصي عليهم‪ ،‬حت تغلبت عليهم‬

‫السلطة الاكمة ف العصر التركي الخي‪ ،‬وكمت أفراههم وربطت أيديهم كما قلت سابقا‪ ،‬على ان‬
‫أثر ذلك الكفاح ل يزال باقيا‪ ،‬فل زلت تد البعد عن الشيهات‪ ،‬والعفة عن أموال الناس‪ ،‬والرص‬

‫على أداء الواجب‪ ،‬والمانة والخلص فيه‪ ،‬من اللل الت يتحلى با الناس ف جربة مثل ول أرغم‬

‫ان هذه اللل تتناقص يوما عن يوم بسبب التيار الارف ف هذا العصر فالمل ف اولئك الوان ان‬

‫يافظون على ما بقى لم من مستوى اخلقي رفيع حت يرجع إليهم الشارد ويفهم الخطئ أسباب‬

‫أخطائه ونتائجها‪.‬‬

‫من الرذائل الت حاربا السلم رذيلة البطالة ورذيلة التسول ورذيلة العتماد على الغي ف‬

‫مرافق الياة وقد حرم السلم ذلك مع القدرة فما يوز لسلم يرص على كرامة السلم فيه أن‬

‫يعيش متبطل يتحرف التسول ويعتمد على ما يسن به الناس إليه اللهم إل ف حالت الضرورة الت‬

‫تبيح الخطورات وإل فالسلم ل يد يدية للسوال وتلقى عطايا الناس‪ .‬وكشاهد على كفاح الباضية‬

‫لذه الرذائل أسواق إليك ما يقوله الؤرخ الكبي الستاذ حسن حسن عبدالوهاب ف مقدمته لكتاب‬

‫مؤنس الحبة‪ :‬يقول الستاذ حسن‪ (( :‬وهم ‪ -‬أى اهل جربة ‪ -‬معروفون بنشاطهم ف معترك الياة‪،‬‬

‫وبأقدامهم على مشاق واتعاب الغربة‪ ،‬ف سبيل التكسب والكد التتابع‪ ،‬واقتحامهم الصعاب‬

‫للحصول على كفاف من الال‪ ،‬ل بنية التمتع به ف أماكن قرارهم البعيد‪ .‬بل أمل كل واحد منهم‬

‫العودة بذلك الكتسب الغال إل وطنهم الصغي‪ ،‬وانفاقه ف إقامة منل مناسب ييط به جنان ذو ثار‬

‫من نيل وزيتون وكرم وتفاح‪ ،‬يكون العون الساعد لصاحبه عندما يدرك من العمر ما ينعه من‬

‫التمادي على نشاطه والستمرار على العمل والكتساب‪.‬‬

‫هكذا عرفنا سكان جربة وعرفهم من قبلنا آباؤونا واجدادنا واسلفنا‪ ،‬وكذا وصفهم كل‬

‫من سكن هذا القطر أو زار الزيرة ف القدي او الديث‪ .‬وهى لعمري صفات جد وعمل دائبي‬

‫يبذها كل من يقدر قيمة العمل ويراه الوسيلة النافعة لشادة البلد ف وبناء عمرانا‪ ،‬وترير قاطنيها‬
‫من ربقة الاجة ولقد حدا بم هذا السلوك إل أن صيهم ف غن عن السعى إل الوظيفة وعن التلطع‬

‫إل الستخدام ف مصال الكومة‪ ،‬وهى غاية ل تدركها الشعوب إل بالمارسة الطويلة للعمل‬

‫والصب على مضاضة العيش‪ ،‬وعدم الستنكاف من الهن مهما كانت قاسية‪ ،‬وبالتال هي نتيجة‬

‫للتجربة والتجلد‪ )).‬ويقول الستاذ حسن حسن بعد كلم‪ (( :‬وليس منا من ليعرف أفرادا من أهل‬

‫جربة‪ ،‬ابتدأوا حياتم بالشغل البسيط التواضع ف ميدان القتصاد‪ ،‬وتكبدوا مرارة التعاب‪ ،‬ومضاضة‬

‫العيش‪ ،‬واقبلوا على الهن الرهقة حت أصبحوا بعد حي من الدهر من أهل الثراء‪ .‬فهذا نتيجة ذلك‪،‬‬

‫ث أنا ل نكن نسمع ان من بي اهل جربة من يد يده للسؤال ول من يعيش عالة على غيه‪ ،‬بل أن‬

‫افقرهم سواء أكان ف وطنه أو خارجه‪ ،‬يكدح ليله ناره لكسب قوته بيمينه‪ ،‬ول يرضى ان يتهنه‬

‫التسول‪ ،‬وما من عمارة جديدة انشئت ف حضرة تونس أو خارجها وقبل انتهاء بنائها‪ ،‬إل ويسبق‬

‫إليها جرب فستأجر با دكانا لتجارتن أو مل لبقالة او غيها‪ ،‬وليس هذا من الغريب‪ ،‬بعد أن رأيت‬

‫الفكرة الت يشب عليها وليد جربة من صغره‪ ،‬وقد يرشده سابقوه من أبناء جلدته إل انع طريق‬

‫يسلكها حسب استعداده وتأهله‪ ،‬ويدونه بالعونة اللطوبة ماديا وادبيا‪ ،‬فكان من أسباب هذا‬

‫النتهاج ان دبت ف أفرادهم المانة‪ ،‬وسرى ف عروقهم حب الكد والصب عليه‪ ،‬كما كان من‬

‫نتائجه اللموسة أن أقبل كبيهم وصغيهم على العمل‪ ،‬واجتهد ف الثابرة على التكسب‪ ،‬وترك‬

‫الوناء والكسل‪ ،‬وبفضل هذا كله ظلت جزيرتم ‪ -‬على فقر ترتبها ‪ -‬من أطيب الناخات‪ ،‬وابى‬

‫البلد ف النازل التونسية‪.‬‬

‫ث انظر يا رعاك ال إل ناحية اخرى من نشاط اهل جربة ف جزيرتم‪ ،‬فإن ل أحسبك تد‬

‫فيهم من هو عاطل عن العمل ول من يستلقى لضواء الشمس ل يبدى حراكا‪ ،‬فكلهم ‪ -‬صغار‬

‫وكبار ‪ -‬مقبل على شغله اليومي منقطع لرفته‪)).‬‬


‫وبعد كلم يقول الستاذ حسن حسن‪:‬‬

‫(( فهذه التربية على العملوهذا النكباب الصحوب بالد والثابرة ربا ل يشاهد مثله على‬

‫تلك الصفة ف القاطعات التونسية الخرى‪ )).‬انتهى كلم الستاذ حسن حسن عبدالوهاب‪.‬‬

‫هذه الخلق الت اعجب با الؤرخ التونسي الكبي‪ ،‬ف اهل جربة إنا تكونت عندهم‬

‫بسبب كفاح علماء الباضية لعدة رذائل تري ف نسق واحد وهى رذيلة البطالة‪ ،‬ورذيلة العتماد‬

‫على الغي ف وسائل العيش‪ ،‬ورذيلة ماولة التكسب من ايسر طريق ورذيلة الرغبة ف الصول على‬

‫الال دون أى حساب لشخصيته وكرامته‪ ،‬ورذيلة الكسب الرام أو الشبوه‪ ،‬وقد طهر الجمتع‬

‫الباضي من هذه الرذائل‪ ،‬وتكونت فيه الصفات الضادة لا فتجد فيهم النشاط والعمل والعتماد على‬

‫النفس والرص على الكتساب من الطرق اللل والمانة ف العاملة‪ .‬وما إل ذلك‪.‬‬

‫لقد استطاع العزابة أول والعلماء الذين ساروا بسيتم من بعد ان يكبحوا جاع الناس‪ ،‬وان‬

‫ينبوهم ارتكاب الرذيلة ف متلف صورها وأشكالا‪ ،‬وما بلغ منها درجة التحري‪ ،‬وما كان دون‬

‫ذلك‪ ،‬والباحث الذي يدرس الجتمعات‪ ،‬يد آثار واضحة لكفاح العلماء ف الانب ولعل القاري‬

‫الكري يرى امثلة ف الصور التية الت أحاول أن أضعها بي يديه ف إياز وإختصار‪.‬‬

‫‪ -1‬كان العلماء من الباضية يرصون أن ل تدخل أسواقهم‪ ،‬البضائع السترابه‪ ،‬والموال‬

‫الغصوبة‪ ،‬خوفا من أن تستمرئ بطون الناس أكل الرام‪ ،‬فتلذ لم التعة‪ ،‬وتغلب عليهم الشهوة‪،‬‬

‫وتون عليهم العصية وةلذلك فقد كان العزابة والعلماء هم الذين يشرفون على هذا الانب من حياة‬

‫الجتمع وياولن ان يافظوا على طهارته ونظافته‪.‬‬


‫‪ -2‬عندما تقع بينهم وبي أى فرقة من السلمي حرب وينتصرون فانم يسكون أيدهم عن‬

‫الغنيمة والسلب والنتقام والتتبع‪ .‬والتاريخ يثبت ان جيع الروب الت اشترك فيها الباضية ف تونس‬

‫إنا كان فيها الجوم من غيهم وغنما كانت منهم دفاعا عن النفس او عن الال او عن الوطن‪.‬‬

‫‪ -3‬ل يفظ التاريخ ان أحدا من الباضية ف تونس حاول ان يشن غارات على أحد‪ ،‬او‬

‫حاول ان يتكسب بطريق الغزو والغنيمة وغذا وقع عليهم هجوم من غيهم ردوا عدوان العتدين‪،‬‬

‫دون ان يتعرضوا لا حرم ال من دم او مال او عرض هذا ما يده من تتبع سيتم ف مصادر التاريخ‬

‫اللهم إل إذا ل يفرق بي الباضية وغيهم من الفرق كالصفرية والنكار والعتزلة وما شاء ال‪.‬‬

‫‪ -4‬كان العلماء العلم مثل المام فيلسوف إساعيل اليطال‪ ،‬يتولون بأنفسهم امور‬

‫السبة فيتجولون ف التاجر والسواق يعلمون الناس الطرق الصحيحة للبيع والشراء ويبينون لم‬

‫الطرق الؤدية إل الربا او إل صورة من صور التعامل الت ينعها الشرع‪.‬‬

‫‪ -5‬كان العزابة والعلماء يهتمون بالسلوك الفردي للشخاص كما يهتمون بالسلوك‬

‫الماعي فتراهم يعلنون حكم الباءة ف قوة وعناية على من تسول له نفسه ان يالف سية السلمي‬

‫او تغلبه نفسه فيميل مع الشيطان‪ ،‬وترى العلماء يسارعون إل النهى عن كل بادرة تشعر بان الجتمع‬

‫قد ينحرف عن سواء السبيل‪ .‬فهم ل يقرون الفرد على ارتكاب الرذيلة لنم يكمون عليه بالباءة‬

‫فيضطر إل الرجوع إل الطريق القوي ول يسكتون عما ينشا ف الجتمع ما ل ينبع من سية السلمي‬

‫الصادقي‪.‬‬

‫وبذا الوقف حافظوا على سية كاملة للمجتمع الباضي الذي يعتب متمعا اسلميا نظيفا‬

‫حريصا على الشريعة السلمية ف الكليات وف الزئيات‪.‬‬


‫‪ -6‬يرص العزابة والعلماء ان يكلفوا كل فرد داخل تت نظامهم بالعمل والكفاح ف سبيل‬

‫العيش اللل وياولون أن يدوا لكل شخص عمل يتناسب مع استعداده الفطري وكفاءته‬

‫الشخصية ول يسمحون للمسلم الباضي أن يترف التسول إل ف الالت الضرورية جدا تقدر دفع‬

‫غائلة الوع ريثما يد الشخص العمل الذي يدر عليه كسبا يكفيه او تيأ له حياة كرية تفظ ماء‬

‫وجهه وكرانة شخصيته عن البتذال والمتهان‪ ،‬وهم يمعون بي النصوص الواردة ف الث على‬

‫مساعدة الفقراء وعلى الكثار من الصدقة وعلى معاملة السائل باللطف والرحة وبي النصوص الت‬

‫ترم التسول‪ ،‬وتنع الصدقة عن القوى الذي يستطيع ان يترف بانه يرم على السلم ان يتخذ‬

‫التسول مهنة يترف منها‪ ،‬وعلى السلمي ان ينعوه من ذلك اول بالنهي عن ارتكاب هذه الرذيلة‬

‫واقناعه بان هذا ل يتفق وعزة السلم وثانيا باتاحة فرصة العمل او الياة إذا ل تتح له بتوجيه التوجيه‬

‫السليم ف هذا الطريق‪ .‬وقد نح علماء الباضية ف هذا الباب ناحا منقطع النظي وف الي الذي‬

‫ترى فيه افواجا من التسولي ف بعض الهات وهم أقوياء الجسام‪ ،‬ذووا استعداد للعمل غي انم‬

‫يفضلون ان يكسبوا الال بد اليدي وترد يد اللسان لبعض الدعوات‪ ،‬فغنك ف الجتمع الباضي ل‬

‫تد متسول واحدا يتككف الناس اعطوه او منعوه اللهم غل إذا دخل إليهم من جهة اخرى‪ ،‬ول‬

‫تزال هذه الظاهرة واضحة إل اليوم‪.‬‬

‫هذه صور مقتضبة أضعها بي يدي القارئ الكري ف إياز‪ ،‬ويستطيع ان يد كثيا من هذه‬

‫الصور إذا هو تتبع التاريخ او اتيح له أن يعيش بي الباضية ف مواطنهم الت ل يتغلب عليهم فيها‬

‫النلل العصري‪.‬‬

‫على ان هذه الصور الكرية الت يعتز با أى مسلم‪ ،‬والت حسب الستاذ حسن حسن عبد‬

‫الوهاب بعضها مزايا ومراحل‪ ،‬لتصل إليها الشعوب غل بعد عناء وجهد‪ ،‬هذه الكارم الت حرص‬
‫اسلفنا على التصاف با‪ ،‬بدانا نن نتخلى عنها‪ .‬وانه لما ير ف نفسى وانا استعرض ذلك التاريخ‬

‫الجيد أن الباضية ف تونس وف ليبيا قد بدأوا يالفون سية أسلفهم الماد‪ ،‬واصبحوا يرتكبون‬

‫بعض تلك الرذائل الت حاربا علماؤهم العلم بدون توقف ول هوادة‪ .‬فأصبحت ترى فيهم من‬

‫يتلف على الصول على الوظيف‪ ،‬ومن يهمه أن يمع الال‪ ،‬غي ناظر إل وسائل ذلك الميع بل قد‬

‫ترى من يرتكب بعض تلك الؤبقات الت حرص ابوه على ماربتها بكم السلم‪ ،‬فتراه يمل علبة‬

‫السجائر او علبة السهعوط او غيها ما حرمه السلم للستعمال أو للتجارة‪.‬‬

‫والقيقة الرة ان الشعب ‪ -‬أي شعب ‪ -‬إذا ابتلى بازدراء القومات الت حفظت‬

‫عليه شخصيته وكرامته‪ ،‬وأصبح يتحلل عن مزاياه الدينية واللقية‪ ،‬ويقلد الخرين ف رذائلهم فإنه‬

‫سوف ينحدر إل هوة بعيدة القرار‪.‬‬

‫أنن حي أسوق هذا الكلم وانا اتدث عن جربة او عن الباضية ف تونس‪ ،‬ل‬

‫أقصد به جربة فقط ول أهل جبل نفوسة فقط ول الجتمع الباضي فحسب‪ ،‬وإنا أقصد به المة‬

‫السلمة جعاء با فيها من طوائف ومذاهب‪ .‬فإن هذه المة الكرية‪ ،‬ما أصيبت با أصيبت به‪ ،‬إل‬

‫حي تلت عن مقوماتا كامة تمل رسالة إل البشرية‪ .‬وتسابق أفرادها إل الناصب ف الدولة‪ ،‬وإل‬

‫الوظائف ف الكومة‪ ،‬يشغلونا ليبتزوا اكثر ما يكن من مال‪ ،‬بأقل ما يكن من جهد‪ ،‬وليشبعوا ف‬

‫أنفسهم شهوة السيطرة والتحكم والستبداد ث تالفوا على ذلك وتطاحنوا عليه‪ ،‬وتعادوا من احله‪،‬‬

‫ث استمرأوا البطالة وساغ ف حلوقهم الال الرام ف الأكل والشرب واللبس والنكح والكسب‪ ،‬ول‬

‫يقف بم الشيطان ف هذا الد‪ ،‬فتنازلوا عن خصائصهم كامة قائدة هادية‪ .‬وانطوا إل ان يكونوا امة‬

‫هزيلة ضعيفة تقلد الغي وتقتبس منه وتتبعه ف الطاء والرذائل‪ .‬واعرضوا عن ذلك النهج الذي كون‬
‫من شت المم والجناس خي أمة اخرجت للناس واعظم دولة سارت بالبشرية ف الطريق القوي‬

‫وأصبحوا يستوردون مناهج للتجربة من أمم ضالة عمياء‪.‬‬

‫قد ضل من كانت العميان تدية‬ ‫أعمى يقود بصيا ل أبا لكم‬

‫متناسي النهج اللى الذي سار به أسلفهم وقادوا به البشرية إل الي والب والسلم‪.‬‬

‫ومن الؤسف ان العال السلمي العظيم إنقسم إل أمم صغية يثم على صدر كل امة منها‬

‫اراجوز يطلق على نفسه اعظم الساء وأضخم اللقاب ومن حوله طائفة من التباع وهم جيعا ل‬

‫يزيدون عن ان يكونوا اراجيز خشبية وضعت للعب‪ ،‬او أبواقا تنتفخ للدعاية‪ ،‬او قططا مقلمة الظفار‬

‫تنتفخ وتنتفش ولقد صدق الشاعر القدي حي يقول‪:‬‬

‫أساء معتمد فيها ومعتضد‬ ‫ما يزهدن ف أرض اندلس‬

‫كالر يكى انتفاخا صولة السد‬ ‫القاب ملكة ف غي سلطنة‬

‫وقد ساء الوضع على ما عرفه الشاعر القدي ول يزال يسوء‪.‬‬

‫ومن الؤسف ان كل صاحب لقب من هذه اللقاب ينتفخ وينتفش ويتنمر على أخيه‪ ،‬فغاذ‬

‫لح له الجنب أصبح أذل من وتد‪ ،‬وف الي الذي تد فيه أصحاب هذه اللقاب‪ ،‬الذين يضفون‬

‫على انفسهم اكرم النعوت ويتسربلون ثياب القيادة والزعامة‪ ،‬والدعوى العريضة على انم حراص‬

‫على مصلحة المة‪ ،‬تدهم يتحرشون بأخوانم ف الدين‪ ،‬ويستأسدون عليهم‪ .‬وينكلون بالعلماء‬

‫الذين يامرون بالعروف وينهون عن النكر‪ ،‬وينتقدون ما ف حكمهم من فساد وانراف‪ .‬وهم مع‬

‫هذا الظهر التجب مع الخوة ل يستنكفون ان يتذللوا لعدائهم ف الدين او الوطن‪ ،‬ويتملقون من‬

‫يضع يوما سلحه ف حرب السلم والسلمي‪ ،‬وليت ملقهم هذا كان مقصورا على قوى يشون‬

‫سطوته‪ ،‬او غن يطمعون ف ثروته ولكنهم ل يزالون يتملقون من هو دونم ارضاء لن هو اكب منهم‪،‬‬
‫وما يؤذي سع السلم ان تد أولئك الرؤساء أو الزعماء يضفون النعوت الكاذبة على مكاريوس‬

‫صاحب قبص ويستقبلونه استقبال الصديق العزيز وهو الرجل الذي ل تزال يداه ملوثتي بدماء‬

‫السلمي من الترك ول يزال يمل سيف الصليبيي الانقة على السلمي ويؤلب من يستطيع من‬

‫الدول الغربية كاليونان على اعنات السلمي ف جزيرة قبص واستذللم واخراجهم من وطنهم‬

‫ويارب بكل ما يلك من حيلة القساوة ودهائهم الروح السلمية الباقية ف الشعب القبصي وف‬

‫الشعب التركي‪.‬‬

‫وتد أمثال هذه الواقف مع زعماء الند الذين استعمروا كشمي وقضوا على ما يزيد على‬

‫عشرة مليي من السلمي‪ ،‬وشردوا منهم ألفا من الناس ل يزالون بدون وطن أو مآوى‪.‬‬

‫وتد مثل هذه الواصر التينة تربط مع هيلسلسى أو غيه من زعماء أفريقيا الذي ل‬

‫يزالون إل اليوم وال ما شاء ال ياربون السلم ويعذبون السلمي‪ ،‬بل أن أولئك الرؤساء أو‬

‫الزعماء ل يستطيعوا ان ينبسوا ببنت شفة يوم قام الوثنيون ف زنبار فقضوا على دولة عربية مسلمة‬

‫مرت عليها هنالك قرون وهى تسي بنور ال‪ .‬ل ينبس أولئك الزعماء او الرؤساء ببنت شفة ف ذلك‬

‫الادث الليم حياء أو خوفا من أنصار الصليبية والوثنية ف أفريقيا‪.‬‬

‫ولعل أشد ضررا من هذا ان تد قوما ينتسبون إل العلم بدين ال ويزعمون انم يرصون‬

‫عليه ‪ -‬ل يجلهم ف أنفسهم‪ ،‬ول فيما بينهم وبي الناس‪ ،‬ول يشون ال ان يبروا باطل اولئك‬

‫الرؤساء والزعماء‪ ،‬وان يللواا لم تلك الرائم الت يرتكبونا باسم من الساء وان يباركوا العلقات‬

‫الثة الت تربط بي أمة مسلمة وامة مشركة ل تزل تضطهد السلمي ف ديارها وتاربم ف غيهابا‬

‫ملكت من حيلة ومكر ودهاء متجاهلي القراني السماوية الت جاء با السلم ليبي للمسلمي طرق‬
‫التعامل مع غيهم من أمم الشرك والوثنية ف حدود قوله تعال‪ (( :‬يا أيها الذين أمنوا ل تتخذوا‬

‫عدوى وعدوكم اولياء تلقون إليهم بالودة وقد كفروا با جاءكم من الق ‪)).‬‬

‫(( إنا ينهاكم ال عن الدين قاتلوكم ف الدين‪ ،‬واخرجوكم من دياركم‪ ،‬وظاهروا على‬

‫أخراجكم ان تولوهم‪ .‬ومن يتولم فأولئك هم الظالون ))‪.‬‬

‫وما يرز ف النفس أن دول تعل قضية فلسطي والقومية العربية كمصحف عثمان وأصابع‬

‫نائلة تل الدنيا ضجيجا وصراخا ويرتفع صوتا عاليا على ما يقع ف جنوب أفريقيا من ظلم بي‬

‫البيض والسود هذه الدول الت تلك البواق ذات الصداء الرنانة ل يرك مشاعرها السلمية أو‬

‫النسانية أن يقضى ف ليلة على دولة مسلمة ف زنبار وتشرد الليي من السلمي من كشمي‬

‫ويعذب اللف منهم ف أفريقيا السوداء وف نفس الوقت الذي كانت فيه أصابع الدولة الندية ملوثة‬

‫بدماء الرية ف كشمي وأصابع ملك البشة التعصب تقطر من دماء السلمي ف البشة فيفتح‬

‫اولئك الرؤساء اوطانم وصدورهم واذاعاتم وجرائدهم لولئك الذين حادوا ال ورسوله‪ ،‬وقاتلوا‬

‫الؤمني ف دين ال وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على اخراجهم وودوا لو يكفرون‪ .‬أرن خرجت‬

‫عن الوضوع واجتذبن التاريخ الديث عن التاريخ فمعذرة إل القارئ الكري فيما اضعت له من‬

‫وقت ف أشياء يعرفها ويتصورها خيا ما أعرفها انا واتصورها‪.‬‬

‫ان كل ما اريد ان احدث به أخوان هو أنن ادعوهم إل أن يتفظوا با عرف عن اسلفهم‬

‫من كفاح للرذيلة ف شت صورها وألوانا فإذا احتفظ الشاب السلم‪ ،‬بكرامة السلم ‪ ،‬فلم يسلم نفسه‬

‫للشهوة‪ ،‬ول تتغلب عليه الدعة‪ ،‬ول يتملكه حب الكسب من أى طريق‪ ،‬ول تغلب عليه رغبة‬

‫التسلط والقهر والتحكم ف الغي‪ ،‬وإنا حافظ على طهارة نفسه ف سلوكه وف ماله وف مرافق حياته‬
‫جيعا‪ ،‬ث رجع إل القيقة الت خلق من أجلها‪ ،‬وهى انه صاحب رسالة مسؤول أمام ربه‪ ،‬وامام‬

‫نفسه‪ ،‬وامام البشرية على حل تلك الرسالة …‬

‫إذا رجع الشاب السلم إل هذه القيقة‪ ،‬وعمل با‪ ،‬فإنه سوف يد نفسه ف القدمة أمام‬

‫قافلة البشرية يقودها بكمة‪ ،‬ويهديها السبيل القوي على معرفة‪ ،‬أما إذا أراد أن يسي ف ذلك الطريق‬

‫الذي سلكه غيه فإنه لت يصل … لن يصل إل الجد الدنيوى لن أما أخرى سبقته براحل طويلة‬

‫يستحيل عليه ان يطويها قبل ناية السباق‪ ،‬ولن يصل إل الجد الخروى الذي كلفه الالق العظم‬

‫بتحقيقه‪ ،‬لنه ضل سبيله وحاد عن التاه السليم‪.‬‬

‫كفاح الهل بدين ال‬

‫إن الهل بدين ال هو أكب أعداء النسانية واخطرها وكان علماء السلم يعتبون هذا‬

‫اليدان اول ميادين الهاد واهها‪ ،‬وكانت عنايتهم مصروفة إليه قبل أى شئ‪ ،‬ولقد كانوا يقومون‬

‫بالكفاح ف هذا اليدان كما يقوم أى حريص على إداء واجبه دون ان ينتظر أجرا أو شكرا أو امرا‬
‫من أحد‪ .‬إنه الواجب الشخصي لكل عال‪ ،‬ولذلك فهم يرون أنم مسؤولون امام انفسهم بالدرجة‬

‫الول عن التعليم‪ ،‬مكلفون به‪ ،‬فإذا كانوا يعيشون ف بلد مسلم فمهمتهم أن يبصروا الناس بدين ال‬

‫أو أن يعلموهم أوامر ربم ونواهيه‪ ،‬وان يفتحوا لم آفاق العرفة والستنارة ف الياة‪ ،‬وإذا انطلقت‬

‫اليوش السلمية إل إفتتاح بلد الكفر لبلغ الدعوة‪ ،‬انطلق العلماء ضمن النود الذين يملون‬

‫راية السلم‪ .‬وما ينتهى القتال ويدخل الفاتون بلد الكفر حت يضع العلماء سيوفهم ث ينطلقون إل‬

‫أداء واجبهم الشخصي‪ ،‬واجب التعليم‪ ،‬وقد أدى علماء السلمي هذا الدور الرائع أبان الفتح بكل‬

‫حرص وامانة‪ ،‬ولعل فضلهم ف نشر السلم وادخال عقائده إل القلوب الغلقة الملوءة بالرافة‬

‫والوثنية كان أكب من فضل الحاربي الذين فتحوا البلد‪ ،‬فإن هؤلء ما زادوا أن دكوا حصونا من‬

‫حجارة‪ ،‬وفتحوا أبوابا من خشب‪ ،‬أم العلماء فقد دكوا حصون الكفر والوثنية والهل‪ ،‬وفتحوا‬

‫قلوب الناس وبصائرهم لترى نور ال‪.‬‬

‫وإذا رجعنا إل الديث عن علماء الباضية ف البلد التونسية تدهم من أكثر علماء المة‬

‫كفاحا ف هذا اليدان وحرصا عليه‪ ،‬وإذا كان بعض علماء المة ف البلد الخرى تسندهم دول‪،‬‬

‫وتقدم لم الساعدات الادية أو العنوية‪ ،‬فإن علماء الباضية‪ ،‬كانوا ياربون الهل با لديهم من‬

‫وسائل دون أن يعتمدوا ف ذلك على ذى سلطان‪ .‬وكانت بلدهم من أكثر البلد السلمية مدارس‪،‬‬

‫وكانت نسبة التعلمي أعلى نسبة‪ ،‬وكانت القسام الداخلية تاوى كل من ل تتيسر له الدراسة على‬

‫نفقته‪ ،‬وكل ذلك إنا يقوم العلماء أنفسهم‪ ،‬فهو يتولون التعليم‪ ،‬وهم يتولون إنشاء الدارس‪ ،‬وهم‬

‫يتولون جع الطلبة وجلبهم للدراسة‪ ،‬وهم يتولون النفاق عليها فإذا كانت مورادهم القتصادية ل‬

‫تتسع لذلك‪ ،‬استعانوا بغيهم‪ ،‬فكان الواحد منهم يبذل وقته وجهده وماله‪ ،‬ليوفر للطلبة وسائل‬

‫الراحة والقبال على التعليم‪ ،‬وقد يتفق مع أصحاب الال أن يقوموا بالانب الادي فيتولون النفاق‬
‫على مشاريعه التعليمية ليواصل هو كفاحه ف سبيل نشر العلم وبث العرفة‪ ،‬ولعل هذه الظاهرة‬

‫كانت أظهر ف جربة منها ف غيها من بلدان الباضية ف الملكة التونسية وقد اتضحت أكثر ف‬

‫القرون التأخرة عندما انل رباط العزابة الذلي كانوا يشرفون على التعليم وأصبحت قضية التعليم‬

‫احدى الواجبات الامة الت صارت منوطة بالعلماء مباشرة وأصبحوا يسون بوجوبا احساسا بليغا‬

‫فكانوا يضمون إل جهودهم العلمية جهود أصحاب الال الادية ليقوموا بذه الرسالة القدسة على‬

‫احسن ما يكن‪.‬‬

‫وف القرن الادي عشر وما بعده أصبح العلماء أفرادا ومموعات أكثر اهتماما بالوضوع‬

‫وكانوا يدأبون على اراحة الطلبة من الانب الادي‪ ،‬فكانوا ييسرون لم وسائل الياة الكرية ف‬

‫مدارسهم الداخلية با بتخذونه من التراتيب مع أصحاب الال‪ ،‬فإذا ضاقت الدرسة عن بعض الطلب‬

‫او كان احد الطلب يدرسون ف جهة اخرى ل تتوافر فيها وسائل السكن والستقرار الماعي‬

‫للطلبة‪ ،‬فسرعان ما يتصل العلماء بغن من الغنياء ليتكفل بالنفاق على الطالب الفقي‪ ،‬ويستجيب‬

‫الغن ويسحب ذلك نفقته ف سبيل ال‪ .‬وما أكثر ما كنت ترى طلبا يتفرغون لطلب العلم‬

‫ويسكنون ف الليا التابعة لسجد من الساجد ويأتيهم ف كل اعتاد أغنياء جربة‪ ،‬هذه العادة‬

‫وأصبحت فكرة النفاق على طلب العلم ‪ -‬ل سيما الطلب الذين ياتون إليهم من بعيد ‪ -‬من‬

‫احب انواع الب إل انفسهم‪ ،‬حت كادت تكون عادة دائمة‪ ،‬واستمرت هذه العادة إل الزمن الخي‪،‬‬

‫وانتقل حب النفاق على طلب العلم مع اغنياء جربة حت خارج الزيرة ‪ ،‬فكان التجار ف تونس‬

‫ينفقون على الطلب الذين يدرسون ف العهد الزيتون العامر او غيه من العاهد‪ ،‬وليس من النادر ان‬

‫يؤم طالب علم مدينة تونس من جزيرة جربة او من جبل نفوسة ليدرس العلم فسمع به أحد التجار‬

‫هنالك فيدعوه إليه ويتول النفاق عليه حت يتم دراسته‪.‬‬


‫هذا جانب من جوانب الكفاح ف سبيل العلم اما الانب الثان فيتضح ما يأت‪ :‬يشرف‬

‫احدهم على مدرسة يتول تنظيمها وادارتا والتدريس با‪ ،‬يساعده ف ذلك بعض العلماء وكبار‬

‫الطلب‪ ،‬ولكن قبائل او أحياء اخرى قد تكون بعيدة بعض الشئ عن هذه الدرسة‪ ،‬فيتقاعس أبناؤها‬

‫عن الضور‪ ،‬ويتخلفون عن الدراسة ‪ ،‬فيهتم صاحب الدرسة لذلك وينظم اوقاته وأوقات مدرسته‬

‫بيث يستطيع ان يزور هو أو احد مساعديه تلك القبائل أو الحياء البعيدة‪ ،‬زيارات منتظمة ف‬

‫السبوع او اليوم يلقى فيها دروس العلم للطلب ودروس الوعظ والرشاد للعامة ف الساجد‪ ،‬ويقوم‬

‫ف نفس الوقت بلحظة سية الناس ومدى اتباعهم لحكام الدين ومافظتهم عليه ليقوم بواجب‬

‫المر بالعروف والنهي عن النكر أن وجد داعيا إل ذلك‪.‬‬

‫وعلى هذه الوتية كان يعيش اعلماء‪ ،‬ورب حى او ناحية ليس با مدرسة او ليس با‬

‫مشائخ علم ف الفترة من فترات التاريخ‪ ،‬يتعاقب عليها عدد من الشائخ من جهات متلفة يلقون فيها‬

‫دروس العلم ودروس الوعظ والرشاد مرات ف اليوم‪ ،‬ويرتب جدولا السبوعي بيث يصص لكل‬

‫شيخ وقت مدد يدرس فيه مواد معينة‪.‬‬

‫أنم كانوا ل يتركون اللهل يستبد بالناس‪ .‬ومعركتهم مع الهل هى العركة القيقية‬

‫الطويلة الت يرون انم مطالبون بي يدى ال بالكفاح فيها‪ .‬ولقد يسمكع احدهم بان بلدا من البلدان‬

‫او قبيلة من القبائل‪ .‬حت تلك القبائل البدوية الضاربة ف الصحراء خلت من العماء او التعلمي فيشد‬

‫إليها رحالة تاركا وطنه وماله ‪ -‬واحيانا ‪ -‬اهله ويستقر ف البد الديد او الي البعيد يعلم أبناء‬

‫السلمي ويمل الناس على الستمساك بدين ال والعمل با جاء فيه‪ .‬حت إذا اطمأن إل انم قد‬

‫سلكوا الطريق القوي‪ ،‬ورأي ان الدرسة بدات تؤت نتائجها وأصبحت تسي بدونه اته حينئذ إل‬
‫وطنه ورجع إل بلده ليستقر هنالك ولكنه يبقى على استعداد دائما لواصلة الكفاح فلو علم أن مكانا‬

‫آخر يتاج إل جهوده فغنه سرعان ما يشعر للرحيل‪.‬‬

‫لقد اهتم اولئك العلماء بالمة اهتماما عظيما من جانبي جانب التعليم والتعليم وجانب‬

‫السية والسلوك والحافظة على دين ال‪ ،‬فكانوا ل يكتفون بالسؤال‪ ،‬ول با يبلغهم عن أخوانم من‬

‫طريق السماع‪ ،‬وغنما كانوا يفضلون الشاهدة ويعتمدون عليها‪ ،‬ولذلك فهم ل ينفكون عن زيارات‬

‫جيع النواحي والطلع على احوالا‪ ،‬ومعرفة شؤونا عن كثب فكان العال من القيوان مثل‪ ،‬يزور‬

‫جيع بلدان النوب حت يصل إل وادي اريغ وقد يستمر إل وارجلن به او بادية بن مصعب‪ .‬وقد‬

‫يسي مشرقا حت يصل إل جبل نفوسة وهو ف جيع ذلك ينتقل بي بلد وبلد وقرية وقرية وحى‬

‫وحى‪ ،‬زائرا ومتفقدا ومعلما‪ ،‬ومتعلما‪ ,‬وكلما حل مكانا نظر فإذا وجد أهله يتاجون إل تعليم او‬

‫تقوي اقام عندهم للتعليم او للتقوي‪ ،‬وإذا وجد عندهم علما ليس عنده مكثف للتعليم وإذا رضى‬

‫حلهم من اناحيتي العلمية والدينية ول يد داعيا للبقاء بينهم انتقل إل غيهم‪ ،‬ولقد كانت هذه‬

‫السافات المتدة الت نراها اليوم شاقة ومتعبة بوسائلنا الاضرة ‪ -‬كانت عليهم يسية سهلة هينة‬

‫بوسائلهم ف تلك العصور‪ .‬ذلك إننا نركب القطار والسيارة والطائرة‪ ،‬ونقيس السافات والعمال‬

‫بالقياس الادى الوغل ف الادية أما هم فقد كانوا يركبون عزائمهم وارداتم‪ ،‬ويقيسون السافات‬

‫والشاق بقاييس روحية‪ ،‬فتضاءل امامهم العقبات‪ ،‬وتطوى السافات‪ ،‬وانه ليندر ان تد عالا من‬

‫أولئك العلماء ل يزر اغلب البلدان الت با اخوانه ف الذهب‪ ،‬ويعطيها وياخذ منها وقد يقيم ف البلد‬

‫الخي ويستقر كما فعل الكثيون منهم‪.‬‬

‫ويستطيع الؤرخ ان يد لذه الظاهرة مئات الصور‪ ،‬فإنه ما أخذ بلدا من بلدان الباضية‬

‫وتتبعه وتتبع سية علمائه‪ ،‬إل وجد منهم عددا غي قليل يسي بذه السية الباركة‪ .‬خذ مثر جبل‬
‫وسلت هذا البل الشامخ الشرف على القيوان والذي كان ف أزمنة طويلة من اهم معاقل الباضية‬

‫انك اذا تتبعت سية علمائه فسوق تد ان جانب الدارس الكثية الت كانوا يشرفون عليها هناك‬

‫ويؤمها طلبة العلم من جيع الهات للدارسة‪ ،‬انم كانوا ينتشرون ف بقية البلدان لداء هذه الرسالة‬

‫العظمى‪ ،‬بل انك تد بعضا منهم قد انتلقوا من اجل قضية التعليم خارج البلد التونسية كلها‪ ،‬فهذا‬

‫العلمة عبدالغن الوسلت ( ‪ ) 1‬الذي يضعه علماء عصره ف طبقة المام اب عبدال ممد بن بكر‪،‬‬

‫ينتقل من جبل وسلت ول يزال ير البلدان يعلم ويتعلم ويأمر بالعروف وينهي عن النكر‪ ،‬ويارب‬

‫البدع التكالبة ويؤسس الدارس حت ينتهى به الطاف إل كباو فيثوى هنالك رحه ال ورضى عنه‪.‬‬

‫وهذا العلمة ابو زكرياء يي الوسلت ينتقل بي بلد اهل الدعوة يدعو إل التمسك بدين‬

‫ال والعتصام ببله التي ويفتتح الدارس حت يبلغ به الطاف إل أجلو‪.‬‬

‫وف اجلو ولد له ولده العلمة جعفر الورسلت (‪.)2‬‬

‫كان أبو زكرياء الوسلت ف درجة من العلم والعمل قريبة من درجة أب عبدال بن بكر‪،‬‬

‫وكان ولده جعفر من أنب طلب أب عبدال ومن احبهم إليه وهو ف مرتبة أب العباس احد بن‬

‫ممد بن بكر‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫هذا الكفاح التواصل ف سبيل نشر العلم دون العتماد على مساعدة مادية من أحد هى‬

‫إحدى اليزات او الصائص الت كان يتاز با ذلك السلف الصال‪ ،‬وانك لو رجعت إل التاريخ‬

‫السلمي عامة لوجدت ان اهل العلم ف تلك العصور كانوا سحبسون تعليم الاهل فريضة واجبة‬

‫عليهم ل يلهم منها إل القيام با ولذلك كانوا يرصون على ادائها مهما بذلوا ف سبيلها من جهد‬

‫او مال ‪.‬‬


‫‪ -111‬ذكره أبو عبدال البارون ف الطبقة التاسعة‪.‬‬
‫‪ -2‬ذكره أبو عبدال البارون مع أبيه ف الطبقة التاسعة‪.‬‬
‫ول يكن العلم ف يوم من اليام وسيلة للحياة او للمال‪ ،‬فما يدر بكرامة العال ان ينحط با‬

‫حت يأخذ تعويضا او بدل عن علمه‪ ،‬اللهم إل ف هذه العصور الت انقلبت فيها مقاييس الخلق‬

‫وتنوسيت احكام الدين وبعد الناس عن رعاية جانب ال ف اعمالم‪ .‬وأصبح الرجل يد يدية ف‬

‫وقاحة دون حياء ليقبض أجرا على درس ف الوعظ والرشاد‪ ،‬أو على تلوة سورة من القرآن‬

‫الكري‪ ،‬او حت على اذانه ف مساجد السلمي‪ ،‬او صلته بماعة منهم‪ .‬ول حول ول قوة إل بال‬

‫العى العظيم كإنا العبادات أصبحت هى الخرى وظائف تؤدي للدولة ل ل‪.‬‬

‫كفاح البدعة‬

‫عندما ابلغ الفاتون الولون السلم إل افريقيا على صفائه ف زمن الصحابة رضوان ال‬

‫عليهم أقبل الناس عليه وتقبلوه واعتنقوه ل سيما وانم وجدوا فيه حل لميع الشاكل النسانية الت‬

‫عقدتا الياة‪ ،‬فلقد استنارت قلوبم‪ ،‬وانتشرت بينهم عقيدته الصافية الواضحة وتطمت عليها العقد‬

‫الوثنية بختلف عقائدها الت كان يدجل با الوثنيون وأصحاب الديانات الباطلة والرفة‪ ،‬كما‬

‫تطمت عليها خرافة اللوهية البشرية واستغلل النسان الذكي للنسان الغب والنسان القوى‬
‫للنسان الضعيف وسار الفاتون الولون سية الدعاة الخلصي إل السلم‪ ،‬فاطمان الؤمن ولقتنع‬

‫الشاك‪ ،‬ورجع الرتد‪ ،‬وىب الشارد‪ ،‬فلما تول الكم طلب الدنيا والراغبون ف السلطان‪ ،‬انرفوا‬

‫عن مبادئ السلم ف كثي من الحكام‪ .‬وأصبحوا يتجنبون تطبيق ما ليتفق مع رغباتم ومطامعهم‪،‬‬

‫ث لق بم ف النراف ناس اوتوا علما وذكاء وفهما‪ ،‬وصاروا يدخلون على السلم آراء غريبة عنه‬

‫بعيدة عن الق‪ .‬فاضطر علماء المة إل الدفاع عن نصاعة السلم‪ .‬فكانوا ينقدون سلوك الكام‬

‫النحرف‪ ،‬وينهونم وينهون اتباعهم عن البدع العملية‪ ،‬الت كانوا يرتكبونا‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومن جهة‬

‫أخرى كانوا يردون الراء الاطئة والتأويلت الباطنة‪ ،‬وذهبوا ف ثلث مذاهب متعاونة متساندة‪.‬‬

‫الول انكار البدع العلمية‪ ،‬وذلك لنقد سلوك الكام الذين يقرون بميع احكام السلم‬

‫ولكنهم يالفونا ف أعمالم‪ ،‬فيعترفون بوجوب العدل ولكنهم ل يعدلون‪ ،‬ويعترفون أن أكل اموال‬

‫الناس بالباطل حرام ولكنهم يبتزونا ويتلسونا وغتصبونا‪ ،‬ويعترفون أن دماء السلمي حرام ال‬

‫يقها ولكنهم ل يتورعون عن سفكها لتفه السباب‪ ،‬فكان العلماء يردون هذه البدع العملية‪،‬‬

‫ويواجهون الكام بالنهى الصارم واللوم الشديد‪ ،‬وقد يتجاوزون موقف النقد والنهى إل موقف‬

‫الثورة كما فعل فقهاء كبار التابعي ف أوائل الدولة الموية ف الركة العروفة الت ذهب ضحيتها‬

‫التابعى الكبي سعيد بن جيب‪ ،‬الثان هو تتبع الراء الاطئة والفكار الدخيلة‪ ،‬والبدع الت تتد وتنتشر‬

‫يوما بعد يوم سواء جاءت هذه البدع عن طريق ناس ينتمون إل العلم والفكر او جاءت عن طريق‬

‫عادات الناس وسريانا فيها بينهم بكم الوار والتقليد‪ .‬فكانوا يتتبعون هذه البدع‪ ،‬ويظهرون‬

‫بطلنا‪ ،‬ويوضحون مالفتها لصريح الكتاب او السنة او السية البنية للعدول من امة ممد صلى ال‬

‫عليه وسلم‪ ،‬وكانوا يقومون بذه البيانات أما بالرد على أصحابا ف الجامع العلمية وف كتب تؤلف‬
‫لذه العرض إذا اصطبغت تلك البدع بصبغة علمية‪ ،‬أما إذا كانت من باب العمال الفردية والعادات‬

‫الت تنتقل بي الناس فقد كانوا يكتفون بحاربتها بدروس متوالية ف الساجد وف الجامع والناسات‪.‬‬

‫الثالث يكاد يكون وقائيا‪ ،‬وذلك بانم حرصوا على نشر العقيدة الصحيحة والدعوة‬

‫السليمة‪ ،‬والبهنة على صحتها وسلمتها واستمدادها من الصول السلمية وماولة أفهام الناس‪،‬‬

‫قواعد اليان كما جاءت ف الكتاب والسنة دون تريف أو خطأ ف التأويل‪ ،‬وملء قلوبم با‪،‬‬

‫وتشبع عقولم بصحتها‪ ،‬حت ل تد البدعة إل نفوسهم سبيل وقد كان هذا الجهود منهم يتناول‬

‫الدين والشريعة أو بعبارة تفصيلة كان هذا الجهود يبذل للمحافظة على العقيدة وعلى العبارات‬

‫وعلى العاملت الفردية والماعية‪.‬‬

‫وهذا هو اليدان الذي كان يوبه أكثر اتلعلماء الخلصي‪ ،‬فهم ياولون أن يافظوا على‬

‫سلمة العقيدة ف نفوس الناس وذلك بتلقينهم إياها‪ ،‬وتعريفهم با قبل أن تصل الشبه إليهم‪ ،‬حت إذا‬

‫جاء من يريد أن يزحزحهم عن دينهم وجد عندهم الصانة الكافية‪ ،‬واليقي الذين ل يتزعزع‪ ،‬ول‬

‫ينال صفة التشكيك‪.‬‬

‫ولقد كان معروفا أن عددا من الفرق السلمية كان منتشرا ف الملكة التونسية كما كان‬

‫منتشرا ف بقية بلد الغرب السلمي الفسيح‪ .‬ومن بي تلك الفرق الت كانت تعمر هذه البلد‬

‫العتزلة والصفرية وبعض فرق الشاعرة والباضية وغيهم‪ ،‬ول شك انه كثيا ما يندس ف بعض هذه‬

‫الفرق إناس ذووا دعوات او مبادئ خاصة يكتمون عن الناس دوافعهم القيقية ل عتناقها والدعوة‬

‫إليها‪ ،‬ويظهرون أنم يعملون للسلم‪ ،‬وهم يرمون من وراء ذلك إل الوصول إل غايات خاصة‬

‫يتوقون إليها‪ ،‬او رغبات مكتوبة يرجون الصول عليها‪ ،‬يت بعضها إل النواحي الادية‪ ،‬بينما يت‬

‫البعض الخر إل النواحي الدينية والروحية‪ ،‬ولعل منهم من يهمه أن يارب السلم باسم السلم‪،‬‬
‫متنكرا وراء عقيدة أو رأى او مبدأ وليس هذا بطبيعة الال مقصورا على أفريقيا او الغرب بل كان‬

‫موجودا ف جيع البلد الت تغلب عليها السلم وساد فيها‪ ،‬لعل وجوده ف الشرق السلمي كان‬

‫أكب من وجوده ف الغرب السلمي‪.‬‬

‫وف هذا اليدان ميدان ماربة أولئك التنطعي الذين ياربون السلم وحقائق السلم بادخل‬

‫بدع ف دين ال‪ ،‬سواء كان الدافع لم إل ذلك ماديا او دينيا‪ ،‬وسواء فعلوا ذلك عن قصد أو عن‬

‫خطأ وسوء فهم ‪ -‬كان يقف العلماء الخلصون الوقف الصامد القوى يذودون عن دين ال خطر‬

‫البدعة الارفة‪.‬‬

‫ولقد كان علماء الباضية من أحرص الناس على مكافحة البدعة‪ ،‬فكانوا يوبون السافات‬

‫الطويلة من هذا القطر ليبقوا دون أن تدخل البدع القولية او العملية إل الناس‪ ،‬وكثيا ما ينتقلون من‬

‫مكان إل مكان بعيد ليدوا بدعة بدأت تتسرب إل عقائد الناس أو إل اعمالم حت إذا صححوا‬

‫الوضع وأقروا الق‪ ،‬رجعوا إل مواطنهم‪ ،‬وكانوا يكثرون زيارة اخوانم ف بلدهم ليوا أعمال‬

‫الفراد‪ ،‬ويطلعوا على سلوكهم واقوالم ويتعرفوا على سيتم عن كثب‪ ،‬ويضرون مالسهم العلمية‬

‫ف الساجد والجامع العلمية‪ ،‬وتراهم ف جيع ذلك حريصي على أن يبينوا دين ال كما جاء عن‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وهم أقوياء ف ذلك أشداء ل يسكتون عن منكر من القول أو الفعل‬

‫مهما كان صاحبه‪ .‬وبجرد ما يرون ذلك عنه احد من الناس سرعان ما يأمرونه بالرجوع إل الق‬

‫والتوبة من الطأ فإن استجاب فذلك الطلوب وإل أخرجوه إل الطة ووحشة الجران‪ ،‬ولقد تصدر‬

‫الكلمة الاطئة عمن يتحلى بالعلم ويتصدر الجالس دون ترو أو عن سبق وهم إل النفس فل‬

‫يسكتون لا ويردونا على صاحبها ويطالبونه بالرجوع من الطأ إل الصواب بل لقد بلغ بم هذا‬

‫التمسك بالصحيح إل أن الطلبة قد ينتقدون اساتذتم إذا بدأ لم انم أخطأوا ف قول أو اعتمدوا‬
‫والقول الرجوح دون دليل مقنع وقد يبدأ الطلبة فيضعون شيخهم ف الطة إذا ظهر لم انه أصر على‬

‫الطأ حت يعود إل القول الصحيح والعمل السليم‪ .‬وإذا كانت هذه مواقف الطلبة ف بعض الحيان‬

‫مع اساتذتم فكيف تراه تكون مواقف العلماء العلم ف ماربة البدعة ورد الباطل‪ .‬وما يدخل ف‬

‫ماربة البدعة رد بعض الراء الت تروج ف بعض الذاهب السلمية الخرى ما يرى علماء الباضية‬

‫انا مالفة للسلم ف رحه ف مفهومه أو ف منطوقه‪ ،‬فيعملون على إبعادها من متمعهم‪ ،‬وياربونا‬

‫باعنف ما عندهم من وسائل كفاح البدعة وإل القارئ الكري أمثلة من ذلك‪.‬‬

‫‪ -1‬يرى بعض العلماء من بعض الفرق السلمية انه يب على السلم العمل بالفرائض دون‬

‫العلم با وبكيفيتها ويرى علماء الباضية ان هذا الرأي بدعة تب ماربتها وابعاد مفهومها عن الناس‬

‫وكانوا حراصا على رد هذا القول وافهام الناس أن ما يب العمل به يب العلم به وبكيفية أدائه‪،‬‬

‫وإن على العمل به الثواب‪ ،‬وعلى تركة العقاب‪ ،‬لنم يقولون كيف يتصور عاقل ان يصدر عمل‬

‫صحيح من إنسان ل يعلم كيفية آدائه‪ ،‬وذلك فقد كانوا يعلمون الناس بعض الفرائض بالطريقة‬

‫العملية فضل عن الطريقة النظرية فيدربون الطفال ف مبدأ البلوغ على الطريقة الصحيحة للتطهر‬

‫والصلة مثل‪.‬‬

‫‪ -2‬يقول بعض العلماء من بعض الفرق السلمية ان العمل ليس شرطا ف صحة اليان‪،‬‬

‫ويكفى لكي يكون النسان مؤمنا أن يعتقد ويقر‪ ،‬ويرى علماء الباضية انه ل يتم إيان النسان حت‬

‫يقرن القول بالعمل‪ ،‬ويسبون ان القول بعدم اشتراط العمل لصحة اليان بدعة يب ماربتها وابعاد‬

‫مفهومها عن السلم‪ ،‬وكانوا يعملون ف حرص جاهدين أن ل يتقبل الناس هذا القول وان يعملوا به‬

‫وال فإن مبادئ السلم سوف تذوب بسبب هذا الرأي الذي يعل السلم دينا سلبيا مبنيا على‬

‫كلمات تنطق با الشفاه‪.‬‬


‫‪ -3‬يكم علماء بعض الفرق على مرتكب الكبية بانه كافر كفر شرك ويكمون نتيجة‬

‫لذلك باستحلل دمه وماله‪ ،‬ويرى علماء الباضية ان هذه بدعة ادخلت على الدين بسبب خطأ ف‬

‫الفهم والتأويل‪ .‬ولذلك فقد كانوا حراصا على أبعاد هذا الفهوم عن الناس ويتشددون ف تري دماء‬

‫السلمي واموالم با ل يزيد عليه‪.‬‬

‫هذه امثلة من الراء الت كانت عند بعض طوائف السلمي ويرى الباضية انا بدعة‬

‫يرصون على مكافحتها‪ ،‬وابعادها عن الناس‪ ،‬لنا تضر ضررا بالغا بقيقة السلم‪ .‬فغن الفكرة‬

‫الول مثل الت ترى وجوب العمل دون العم بالفرضية والكيفية وترتب الزاء تعل أداء الفريضة‬

‫عملية يقوم با السلم ل روح فيها‪ ،‬إذ ينتفى من ادائها معن الشوع والتقوى ومعن الوف والرجاء‬

‫من قلب السلم‪.‬‬

‫أما الفكرة الثانية فهى تسلب السلم ميزته القيقية فغن ميزة السلم على غيه من الديان‬

‫أنه دين علم وعمل ولقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه رضى ال عنهم حراصا على‬

‫العمل والستمرار فيه والثبات عليه‪ ،‬فلما انتشرت هذه القالة فيما بعد‪ ،‬اخذها الناس على معناها‬

‫السطحى‪ ،‬ووجدوا فيها سندا للهال والتهاون‪ ،‬وطمعوا أن يازوا بالسن مع الصرار على العصية‬

‫ما دامت السنتهم تلوك كلمة الشهادة‪ ،‬ويقابل هذه البدعة من الانب الثان الفكرة الثالثة وهى‬

‫الكم على مرتكب الكبية بالشرك واستحلل دمه وماله‪ ،‬وهى فكرة ترج اغلبية الناس عن‬

‫السلم‪ ،‬وتكم فيهم الهواء والنعات‪ ،‬وتبيح منهم ما حرم ال من حرم صانتها كلمة الشهادة‪.‬‬

‫هذه امثلة وضعتها أمام القارئ الكري كنماذج‪ .‬وهنالك بدع كثية بلغ بعضها إل ان يكون‬

‫رأيا لفرقة من فرق السلم‪ ،‬وكان بعضها شطحة من شطحات العلماء عندما يستحكم فيهم‬

‫التعصب واللجاج والدل‪ ،‬ومنها ما دسته السرائيلية الاكرة‪ ،‬او الوثنية التحجبة‪ ،‬أو الصليبية‬
‫الاقدة‪ ،‬ومنها ما املته شهوة استرضاء الكام والنفوذ‪ ،‬ومنها البدع العملية الت تنتج عن الهال‬

‫وعدم الرص ف تنفيذ أحكام ال‪ .‬وتتبع هذه النرافات وإظهار جهود العلماء الخلصي ف‬

‫مكافحتها أمر يطول ويتاج إل ملدات‪ ،‬ويستطيع القارئ الكري أن يعود إل مظانا ليجد منها‬

‫الشئ الكثي‪.‬‬

‫كفاح السلطة الظالة‬

‫تعاقب الوان من الكم على البلد التونسية منذ الفتح السلمي إل الحتلل الفرنسي‪ .‬كان‬

‫منها ما يثل الكم اللسلمي ف عدله ونزاهته ومساواته بي الناس‪ ،‬واتاحة فرص الياة الكرية‬

‫للجميع‪ ،‬وكان منها ما يهمة الجد العسكري او أنظمة السلطان‪ ،‬فيعمل على التحكم والستبداد‪،‬‬

‫وكان منه مال يهمه من ذلك غي جع الال‪ ،‬وإتاحة التعة لصحاب الكم‪ ،‬وكان منه ما يمع بي‬

‫فترات من الكم السلمي الشرق الذي ينطبق على السس السليمة لنظام الكم‪ ،‬وفترات من‬

‫الكم الظال الطاغي‪ ،‬وكان العلماء الخلصون لدين ال طول هذه العصور ياهدون‪..‬‬
‫كانوا ياهدون بكل ما يلكون من سطوع الجة‪ ،‬وقوة الق‪ ،‬ونصاعة البهان‪ .‬ينتقدون‬

‫الكام ف انرافهم عن سبيل ال‪ ،‬وياولون ان يقوموا سلوكهم‪ ،‬بالوعظة السنة‪ ،‬والبيان الواضح‪،‬‬

‫والتهديد بعقاب ال للظالي‪ ،‬وأحيانا بالدعوة إل مطالبتهم بالتخلي عن الكم‪ ،‬فإن ل يستطيعوا‬

‫ذلك حاولوا بختلف الوسائل‪ ،‬أن يففوا من أثر الظلم على الناس‪ ،‬وقد كانت منهم مواقف مشرفة‪،‬‬

‫ف رد كيد الظالي‪ ،‬والوقوف ف وجوههم‪ ،‬وتذكيهم بانم انرفوا بدين ال عن النهج الذي أراده‬

‫ال للمة الؤمنة‪.‬‬

‫والتتبع للحداث التاريية يد ان بعض العلماء قد نوا فعل ف رد العدوان ويد بعضا آخر‬

‫منهم قد أدى بم حرصهم وحفاظهم على دين ال وعلى كلمة الق‪ ،‬إل السجن والتعذيب حينا‪،‬‬

‫وإل القتل أحيانا‪ .‬كما كان الال مع أب القاسم بن ملد‪ ،‬وأب عمرو النملي وأب ممد كموس‪،‬‬

‫وأب موسى الزواغى‪ ،‬وأب سليمان بن إبراهيم وغيهم كثي‪ ،‬وقد يتوال الظلم والستبداد حت يمل‬

‫بعض العلماء إل الدعوة إل الثورة وقلب نظام الكم وابعاد الظالي عنه كما وقع لى خزر يغل‬

‫زلتاف‪.‬‬

‫وإن التتبع للتاريخ ف البلد التونسية‪ ،‬يد ان هذا القطر الكري قد تداولته أيد متلفة من‬

‫الكم‪ ،‬فقد استقلت به دول ف بعض الحيان‪ ،‬وكان تابعا لدة الدول ف الشرق او ف الغرب ف‬

‫بعض الحيان‪ ،‬وكان تابعا لحدى الدول ف الشرق او ف الغرب ف بعض الحيان‪ ،‬وتقاسته دولتان‬

‫او أكثر ف أحيان أخرى‪ ،‬وعاش مقسما بي حكام مليي ف أوقات كثية‪ ،‬يتول المر ف كل قسم‬

‫من امراء أشبه بالشائخ‪ ،‬وقد يكون القطر كله تابعا من حيث السم لكومة مركزية‪ ،‬ل يهمها إل‬

‫مقادير من الضارئب تدفع لا سنويا اما بقية الشؤون فتتولها كل جهة بنفسها تت سيطرة ولة أو‬

‫حكام شبه مستبدين بالدولة والشعب ولكنهم مع ذلك يباشرون جيع اعمالم باسم الدولة‪.‬‬
‫وف الفترات الت كان فيها الكم من هذا النوع‪ ،‬كان السكان يعانون أشد أنواع الظلم‬

‫والرهاق والور‪ ،‬فكان الناس يكافحون جهدهم ف إيقاف او تفيف ما ينل عليهم با يقدمونه‬

‫لولئك الكام من هدايا او شاوي‪.‬‬

‫وكان اولئك الكام كثيا ما يشترون مناصبهم بأمةال يقدمونا للحكومة الركزية ث‬

‫يعودون إل أفراد الشعب الساكي فيجمعون منهم أضعاف ما بذلوا مرتكبي ف ذلك أشد ألوان‬

‫العسف والبوت‪.‬‬

‫ولا كان أولئك الولة او الكام ل يقيمون حكمهم على أسس تشريعية من السلم ول‬

‫على أسس قانونية من وضع البشر‪ ،‬وإنا كانوا يسيون وفق رغباتم الاصة‪ ،‬وشهواتم الالة‪ ،‬فقد‬

‫كانوا يرتكبون جرائم القتل او السب او مصادرة الموال بناء على غضبة لسبب تافه كوشاية من‬

‫حاقد‪ ،‬او تريض من عنصرى متعصب سواء كانت تلك العنصرية جنسية او مذهبية او حت قبلية‪.‬‬

‫أو رغبة ف جع مزيد من الال‪ ،‬او حنق على أهل بلد لنه أهله ييلون إل حاكم آخر‪ ،‬وانك تستطيع‬

‫ان تد عشرات الصور الؤلة لحداث غاب فيها اليان واللق والضمي والنسانية‪ ،‬وها انا امد يدى‬

‫إل أقرب الصادر التاريية على الكتب فانقل إليك امثلة ما كان يرتكبه اولئك الكام بختلف‬

‫درجاتم‪.‬‬

‫يقول التيجان ف رحلته صفحة ‪ 14‬وهو يرافق أبا زكرياء اللحيان ليجمع مزيدا من الموال‬

‫يستمتع با ذلك السلطن القابع ف الضرة وأساطيل الفرنج تل عباب البحر‪ (( :‬وارتلنا من المة‬

‫يوم الثني الادي والعشرين‪ .‬متوجهي إل نفزاوة فنلنا يومنا ذلك بنل يعرف ( بجزم ) وهي قرية‬

‫كبية وعليها غابة نل متدة‪ ،‬وبا قصور ومنازل ضخمة بالنسبة إل مبان البادية‪ ،‬ووجد الجناد‬

‫اهلها قد فروا عنها جلء‪ ،‬وتركوها خلء‪ ،‬فانطلقت أيديهم بالعيث ف ربوعها‪ ،‬والرعي لزروعها‬
‫وكثيا ما كانوا يتفرون أرضا فيجدون اهلها قد أودعوا هنالك ما صعب عليهم نقله‪ ،‬واثقلهم من‬

‫الثاث حله‪ ،‬فاذهبوا بالفساد رسها ول يبقوا منها ف القيقة غل اسها‪)) .‬‬

‫ويقول التيجان ف صفحة ‪ 179‬متحدثا عن ( تبلبو )‪ (( :‬وكانت با قبل هذا غابة نل‬

‫فقطعت أيام ماصرة مدومنا لقابس كما هذه صور ينقلها لنا شاهد عيان ف أوائل القرن السابع‬

‫الجري‪.‬‬

‫وال القارئ الكري صورتان اخريان من هذه الصور الت ينحرف فيها الكام عن نظام‬

‫السلم‪ ،‬يقول باحداث أحداها مغامر جرئ يرى وراء الال ويقص علينا التيجان أحداث الصورة‬

‫الول نقل عن أبن انيل فيقول ف رحلته صفحة ‪ (( : 174‬وف خلل تنقله ‪ -‬أى اليورقى ‪ -‬إل‬

‫تلك الهات بلغه عن أهل طره من أقليم نفزاوه ما غيه عليهم‪ ،‬فوصل إليها‪ ،‬وقاتلها حت افتتحها‪ ،‬ث‬

‫أطلق الند عليها‪ ،‬فقتلوا الرجال‪ ،‬وانتهبوا الموال‪ ،‬وافترعوا البكار‪ ،‬وخربوا النازل والديار‪ ،‬ووجد‬

‫اليورقى با رجلي من أجناد الوحدين كانا قاطني منذ زمان فضرب رقابما صبا‪ ،‬وترك طرة خاوية‬

‫على عروشها‪ ،‬وخرج من سلك من اهلها فتفرقوا ف بلد نفزاوة‪)).‬‬

‫أما الصورة الخرى فاستمع إل التيجان يدثنا عن ذلك ف رحلته صفحة ‪ (( : 138‬ث‬

‫توجه النصور إل قفصه فحاصرها حصارا شديدا إل ان خرج إليه اهلها راغبي ف العفو فشارطهم‬

‫على تأمي اهل البلد ف أنفسهم خاصة وتبقى املكهم بايديهم على حكم الساقاة‪ ،‬وجيع من‬

‫عندهم من الشود والغرباء والجناد ينلون على الكم‪ .‬فوقع التفاق على ذلك‪ ،‬وخرج جيع من‬

‫ف البلد من أهلها وغيهم حت ل يبق فيه إل النساء‪ ،‬فميز أهل البلد وأمروا بالرجوع إل بلدهم‪.‬‬

‫وبقى من كان با من الغرباء والشود والجناد ومن جلتهم ابراهيم بن قراتكي العروف بسلح دار‬

‫التقدم الذكر‪ ،‬فثقفوا ساعة‪ ،‬ث جلس النصور أثر صلة الظره بوضع جلوسه‪ ،‬واخذ الناس مراتبهم‪،‬‬
‫وامر بأولئك الثقفي فقيدوا إليه فامر بذبهم‪ ،‬فذبوا بي يديه أجعي‪ ،‬ل يفلت أحد منهم‪ ،‬وكان‬

‫العى الفهمى حاضرا‪ ،‬وهو نوى فاضل كان الليفة يعينه لقراءة اولد القرآن‪ ،‬فطلب ان يسمح له‬

‫بشخص منهم‪ ،‬يتول ذبه بيده‪ ،‬فأجابه الليفة إل ذلك‪ ،‬ولا أضجع له طلب يسيا من اللح والصعتر‬

‫كما يفعله العامة بالضحايا‪ ،‬فاضحك بذا الفعل البكى جيع من حضر‪ ،‬وأمر النصور بدم سور‬

‫قفصه وقسمه على جيع من بالحلة فاعادوه ف مدة يومي أثرا بعد عي ‪ ،‬وف هذه الطرة هلك اكثر‬

‫نيل قفصه‪ ،‬إذ كان النصور قد آل أيام حصاره لا أن يقطع كل يوم ألف نلة‪)) .‬‬

‫هذه الصور الت نقلتها لك أيها القارئ الكري هى أمثلة لسية الكام منذ انرفوا عن التزام‬

‫احكام دين ال وبعدوا عن فهم الروح السلمية ف كرامة النفس البشرية وعمران الرض با يزيدها‬

‫خصبا وناء ف ظلل العدل‪ .‬هذا الظلم الذي رأيت صورا منه ما كان يانيه السكان طيلة قرون‬

‫طويلة‪ ،‬ما ذهب ظال إل ابتلوا بأظلم منه‪.‬‬

‫وقد كان الباضية أكثر تعرضا لذه اللوان جيعا من الظلم فقد كانت الملت توجه‬

‫إليهم‪ ،‬والدمائس تاك حولم‪ ،‬والدعاية الغرضة تصدق فيهم‪ ،‬فكانت مواقف الكام الظالي منهم‬

‫هى السباب القيقة الباشرة لنقراض الباضية من كثي من المكنة الت ازدهر فيها الذهب الباضي‬

‫وكون با عمرانا ونشر علما‪ .‬مثل بلده الريد عامة‪ ،‬وقابس والقيوان والامة وجبال غمراسن‬

‫والدويرات وجبال الوايا وما إل ذلك جيعا‪ .‬ولعل من أهم السباب الت أثرت عليهم أكثر ما‬

‫أثرت على غيهم انم كانوا ل يستحلون لنفسهم ان يعينوا الظالي ويرتكبوا معهم ما يرتكبون‪ ،‬فل‬

‫يدخلون ضمن اليوش الضاربة‪ ،‬ول ينضمون إل الشراذم الخربة‪ ،‬ول يطالبون بكراسي الكم‬

‫لنفسهم بل إن الموال الت تصل إليهم عن هذه الطرق كانوا ل يقبلونا لنا اموال مغتصبة فهى‬

‫حرام‪ ،‬وهم يبتعدون عن ذلك ول ييزونه ل بالقول ول بالعمل‪ .‬وهذا ما عزلم عن غيهم من‬
‫يستحل دماء السلمي واموالم عقيدة او عمل‪ .‬ووجه إليهم النقد العنيف‪ ،‬ث الحاربة العلنية والفية‪،‬‬

‫وخصهم طلب السطوة والال بالكراهية والطاردة‪.‬‬

‫وقد بدأ هذه الملة العز لدين ال الفاطمى وبالغ فيها العز بن بادرس وتابعه عليها كثي من‬

‫الكام الذين يريدون أن يوطدوا للكهم بكل ما وجدوا من وسيلة وإذا كان العزان يرتكبان ما‬

‫يرتكبان لتوطيد اللك فيما يزعمان ولقامة دولة وتثبيت حكم‪ ،‬فقد يكون لما ف ذلك عذر ف‬

‫منطق السياسة والساسة‪ .‬ولكن الذين جاؤا من بعد‪ .‬من حكام المارات ل يكن القصد ما يرتكبونه‬

‫ف الغلب إقامة دولة‪ ،‬أو خدمة مبدأ‪ ،‬او اقرار نظام عادل أو جائر‪ ،‬وإنا كانوا طلب مال‪،‬‬

‫يستحلون من اجل الصول عليه كل شئ‪ ،‬وكثيا ما يقوم الواحد منهم فيجمع شرذمة من الغامرين‬

‫الذين ل يفرقون بي حلل وحرام‪ ،‬فيهجمون على أي بلد او قبيلة او حى‪ ،‬فيقتلون ويغنمون‪ ،‬ث‬

‫يذهبون وقد انتفخت اوداجهم بالنصر الذي أحرزوه‪ ،‬وجيوبم بالال الذي اغتصبوه‪ ،‬وقد يرتكبون‬

‫من الفواحش ما يتعدى الال والدم فينتهكون العراض‪ ،‬ويستبيحون الرم‪ ،‬وقد وجدت قبائل اعدت‬

‫نفسها لذه الياة التوحشة‪ ،‬يتدرب شبابا على القتال بطرق الغارة‪ ،‬والسلب والنجاة‪ ،‬ويتغن‬

‫شعراؤهم ببطولتهم ف لذك‪ .‬وما قام مغمر يريد حربا إل انضموا إليه‪ ،‬ل حبا ف نصرة الغمر‪ ،‬ول‬

‫انتقاما من عدو متربص أو مراعاة لق من حقوق الصداقة أو الوار‪ .‬ولكنهم يفعلون ذلك لكى‬

‫يدوا فرصة لزيد من جع الال من اماكن ل يتيسر لم الوصول إليها دون مساعدة من غيهم‪،‬‬

‫ويبون ما يرتكبون من هذه الناكر اما باللف النسي او اللف القبلي او اللف على الاكم او‬

‫الناع على البطولة واكثر ما يبرون العدوان باللف الذهب‪ .‬ف الوقت الذي ل يعنهيهم من امر‬

‫الذهب أو النس او القبيلة شئ وإنا يعنيهم الصول على الزيد من الال‪.‬‬


‫ولقد قاسى الباضية أشد ألوان العذاب من هذه اللوان جيعا‪ .‬ومن الؤسف ان ينحدر إل‬

‫هذه الوهدة ناس ينتسبون إل العلم والعرفة‪ .‬من بعض الرحالي الذين يرافقون اولئك الكام‪ ،‬أو‬

‫بعض التعصبي الذين يعملون ف وظائف حكومة من الكومات‪ .‬فكان لؤلء جهد كبي ف التفريق‬

‫بي فرق المة‪ ،‬وحل الكام الورة على ارتكاب الظلم‪ ،‬وتيسيه لم‪ ،‬وتبير أسبابه‪ ،‬وذلك‬

‫باشادتم بذلك الظلم‪ ،‬واسباغ لون الشرعية عليه‪ ،‬وتبيره تبيرا دينيا يفف وطأة العقيدة او الضمي‬

‫على الظال‪ .‬وحل السذج والبسطاء من الناس على اعتقاد ان ما ينتزلونه بغيهم من الطوائف‬

‫السلمية من عدوان ف ظل ذلك الاكم امر يتطلبه النظام‪ ،‬ويقره السلم‪ ،‬ويلقون ف روعهم أن‬

‫أولئك الكام ‪ -‬مهما انرفوا يثلون شريعة ال وان اعمالم ‪ -‬كيفما كانت ‪ -‬ومهما كانت‬

‫مقاصدهم تتمشى مع امر ال‪.‬‬

‫وف مسلك العمى الفهمى الذي عرضناه ف إحدى الصور السابقة أيضاح للنطاط الدين‬

‫واللقى الذي يكن ان ينحدر إليه النسان‪ ،‬حي تغلب عليه الطالع الشخصية فيصبح ل يفكر إل ف‬

‫استرضاء مرؤسه‪ ،‬فتجردا عن كرامته كرجل مسلم يضع لقاييس الق والعمل الت جاء با الدين‬

‫القوي‪ ،‬ويصيا اراجوزا خشبيا هزيل تدفعه الطامع إل أسخف ألوان التزلف واللق‪ .‬فهذا رجل أعمى‬

‫العيني ل يطيق حل السلم وهو نوى فاضل كما يقول التيجان يعن انه ذو مبلغ من العلم ويفظ‬

‫كتاب ال فاختاره الليفة ليب له أولده ويعلمهم كتاب ال واداب السلم‪ ،‬وكان يكفى هذا‬

‫العمى ف التقرب والتزلف من الليفة أن يظهر له الرضا عما ارتكب من ظلم وان يبدى له‬

‫استبشاره بذا النصر على طائفة من اخوانه السلمي ولكن العمى السخيف كان يعتقد ان هذا‬

‫ليكفيه ف اظهار مبلغ مسرته‪ ،‬فطلب ان يقدم إليه رجل يقتله بنفسه كانه يتقرب باراقة الدم البشري‬
‫الذي صانته كرامة السلم‪ ،‬وكانت ظروفه الاصة تول دونه ودون ان يطلب منه ان يلوث يديه‬

‫بالدماء ولكنه أثر أن ينحدر إل هذه الوهدة‪.‬‬

‫فقرب إليه رجل موثق بالبال‪ .‬وهنا تبلغ السخافة بالعمى الفقيه النحوى الفاضل ابلغ ما تبلغ‬

‫السخافة برجل ل يترم اليدن الذي يسبغه على نفسه ول الكتاب الذي يمله ف صدره ول حت‬

‫البشرية الت ينتسب إليها فيقف موقف الستهي بأمر الشرع ف النهى عن التمثيل بالقتلى‪ ،‬ويصبغ‬

‫هذه الرية النكراء بلون التمثيلية الزلية فيطلب اللح والصعتر كما فعل العوام بالضحايا ف العياد‬

‫ليضحك الناس وليضى سيده‪.‬‬

‫هكذا يصبح هذا الؤدب الذي اختاره الليفة لتربية اولده‪ ،‬وتعليمهم كتاب ال‪ ،‬اجرأ على‬

‫مالفة احكام ال وأبعد من آداب السلم‪ ،‬ف عمل ما كان يطلب منه‪ ،‬ول تظن فيه القدرة عليه‪،‬‬

‫ليجرئ الليفة على ما يرتكب ف عباد ال‪ ،‬ويفضى على اخطائه ثوب الشرعية حت يرتكب اولئك‬

‫الناس ما يرتكبون من جرائم ومناكر وكانا هم يتقدمون إل ال بأنواع القربة والطاعة‪.‬‬

‫كان علماء الباضية من أشد علماء المة نقدا لذا السلك‪ ،‬ووقوفا ف جوه الظالي واظهار‬

‫السخط عن أعمالم النحرفة‪ ،‬ولذلك فقد تسلط اولئك الظالون عليهم وآذوهم ف ال وقتلوا منهم‬

‫عددا غي قليل وكانت نقمتهم عليهم أكثر من نقمتهم على أى طائفة من طوائف السلمي فلم يزالوا‬

‫بم يوالون عليهم النكبات‪ .‬ويوجهون إليهم الضربات‪ ،‬ويواصلون عليهم الغارات‪ ،‬حت استأصلوهم‬

‫من جيع الواطن الت عمروها غي جزيرة جربة الت صمدت للكفاح‪ .‬وثبت للظالي‪ ،‬ولقنت‬

‫الستعمرين الفرانج ف بعض ادوار التاريخ دروسا عرفتهم قيمة البطولة السلمية عندما يتول قيادتا‬

‫اليان والق‪.‬‬
‫كفاح التعصب الذهب‬

‫منذ النصف الثان للقرن الول اختلف اراء بعض علماء السلمي ف بعض أصول العقائد وف‬

‫كثي من الفروع‪ ،‬وتكونت بناء على هذا الختلف ف فهم نصوص الكتاب والسنة فرق وطوائف‬

‫تتمسك كل واحدة با اقتنعت به وحسبته أصح‪ ،‬لنه فيما ترى يستند على الباهي القطعية العتمدة‬

‫على أصول الشريعة‪ ،‬وكان اللف ف مبدأ المر علميا فلسفيا يدور بي طبقة مصوصة من كبار‬

‫التابعي ومن جاء من بعدهم‪ ،‬ولكن سرعان ما استغلته السياسة من جهة‪ ،‬واليدي الحاربة للسلم‬

‫ف خفاء من جهة أخرى كما استغلته الطامع الشخصية‪ ،‬وعمل على تقويته وإظهاره ف مظهر العنف‬

‫والشدة ما يتحلى به بعض من يتمن إل العلم من تعصب مبن على ضيق الفق والفهم السطحى‬

‫والتحجر الفكرى‪.‬‬
‫وتعاونت هذه العوامل جيعا بقصد أو بدون قصد على توسيع اللف بي المة وأذكاء نار‬

‫الفتنة بي طوائفها وفرقها‪ ،‬وتكنت بعض تلك العوامل أن تستغل هذا اللف لغراضها الاصة‪،‬‬

‫كاليمنة على الدولة‪ ،‬والتسلط على الكم‪ ،‬او النتقام من بعض الطوائف والفراد‪ ،‬او إدخال بدع‬

‫ف الدين بقصد إفساده إل غي ذلك من الدواعي والسابا‪ .‬وكلما امتد الزمن ازداد الناس بعدا عن‬

‫الدين وعن فهمه والعمل به‪ ،‬فازدادوا عمقا ف اللف‪ ،‬وايغال فيه‪ ،‬حت جاءت ازمنة كان يسب‬

‫فيها التفقهون الامدون انزال العقوبة بن يالفهم ف الذهب قربة يتقرب با إل ال تعال‪،‬وإن سب‬

‫الفرق الخالفة لم‪ ،‬وصب اللعنة عليهم من طاعة ال‪ ،‬وتشبعت أفكار الغوغاء بثل هذه الراء‪ ،‬وكان‬

‫بعض النتسبي إل العلم يتملقون اولئك الغوغاء ويتقربون إل الكام ببالغتهم ف إظهار الكراهية‬

‫لخالفيهم‪ ،‬وقد يستحلون منهم ما حرم ال فكانت ترتكب بسبب ذلك جرائم مؤلة ليس لا من‬

‫سبب سوى التعصب الذهب‪.‬‬

‫من الواضيع الت تناولا البحث والنقاش ف القرن الول ف عصر الدولة الموية موضوع‬

‫الدول الظالة الائرة‪ ،‬هل يب على المة إذا تول امرها امام جائر ل يتقيد باحكام ال‪ ،‬أن تضرب‬

‫على يده‪ ،‬وتطالبه بالعد او العزل وإذا امتنع عليها هل يق لا الروج عليه وقتاله إذا اقتضى‬

‫المر؟… وافترقت آراء العلماء ف هذا الوضوع فذهب بعضهم إل وجوب مطالبته بالعدل والقيام‬

‫بأمر ال والتزام أحكامه فإذا امتنع جاز عزله او قتله‪ .‬وذهب آخرون إل أن الصب على ظلم المام‬

‫وعدم قيامه بأمر ال أهون من الثورة عليه لن الثورة عليه قد تؤدى إل فتنة تذهب بالموال‬

‫والرواح‪.‬‬

‫وأصبحت هذه الراء فيما بعداراء للمذاهب السلمية كل مذهب يرجح رأيامنها ويذهب‬

‫ف تعليله والتليل عليه بنفس الرص والقوة الت يدلل با على غي ذلك من آراء الذهب‪.‬‬
‫وطبيعي ان الكام وأصحاب السلطة يهمهم ان يعتنق الناس الراء الت تدعو إل مسالتهم‬

‫وأن تتغلب هذه النظرة الوديعة على نظرة الثورة والتشدد‪ ،‬ولذلك فقد ايدوا ف مبدأ المر من يقول‬

‫بالصب للسلطان والرضا بالواقع وحاربوا بكل عنف وقوة من يمل الفكرة الثورية ويدعو إل عدم‬

‫قبول الظلم واعتبا الاكم مكلفا بهنة فإن أحسن القيام با شكره الناس واجره على ال‪ ،‬وإن ل‬

‫يسن القيام با طالبوه ان يعتزل امرهم ليتوله من هو أجدر به وحسابه على ال‪ .‬وهكذا فرض‬

‫أصحاب الكم حايتهم لبعض الذاهب وحاولوا أن يغلبوها على غيها وأن يعمموها غي الواطن‬

‫الاصة بكمهم وذلك ليس تفضل للمذهب نفسه ول اعتقادا ان آراءه أصح من آراء غيه فإن هذا‬

‫الانب ل يتوفروا على دراسته وفهمه ولكنهم يفرضون حايتهم لبعض هذه الذاهب لن أكثر‬

‫علمائها يدعون إل مهادنة الظلم والصب عليه والعتراف بشرعيته‪ ،‬وهذا ما يهمهم من الوضوع‪.‬‬

‫ومرت فترات من التاريخ على دول حاولت ان تفرض مذاهب خلفائها بالقوة وكانت تنل أشد‬

‫العقوبات بن يالف مذهب الدولة‪ ،‬وتضييق الناق على العلماء الخافي لا ف الذهب وعلى‬

‫اتباعهم ليتركوا الراء الت اخذوا با‪ ،‬ويعود إل آراء الدولة‪.‬‬

‫والمثلة على ذلك ف التاريخ السلمي كثية‪ ،‬اهتم الؤرخون منها اهتماما خاصا ببعض‬

‫الواقف الت وقفها خلفاء الدولة العباسية لمل الناس على بعض آراء العتزلة‪ ،‬وتدثوا باسهاب عن‬

‫الحن الت اصابت بعض أئمة الذاهب بسبب آرائهم الخافة لراء الدولة‪ ،‬ولعل ما كان يقع ف‬

‫جهات أخرى كان أشد وأقسى‪ ،‬فقد تسلط بعض اللفاء العباسيي على بعض الئمة الذين يالفونم‬

‫ف بعض الراء العقيدية‪ .‬فحبسوا منهم من حبسوا وضربوا من ضربوا وعذبوا من عذبوا وعقدوا لم‬

‫مالس الناظرات ولكن غيهم من السلطي قد تاوز هذه الوقف كلها ف حل الناس على‬

‫مذاهبهم‪ .‬ولقد سبق ان أشرت ف بعض الفصول السابقة إل أحداث ما قام به العز بن باديس حي‬
‫آراد ان يمل الناس جيعا على اعتناق الذهب الالكي الذي اعتنقه هو أخيا بعد ان كان على‬

‫مذاهب الشيعة‪ ،‬ولكنه رجع إل الشاعرة لن أغلبية السكان الذين كانوا تت حكمه كانوا أشاعرة‬

‫فاعتنق مذهبهم ليضمن ولءهم ث زاد على ذلك فاشتد ف عقاب مالفيه وآذاهم ف اموالم‬

‫وأنفسهم‪ ،‬ولقد تتبع الباضية ف كل مكان وأنزل بم ما يستطيع من الذى‪ ،‬وضيق عليهم مال‬

‫الياة‪ ،‬حت هاجر كثي منهم‪ ،‬ول يقف عند هذا الد بل تاوز ذلك إل نوع من الطغيان ل يسبق‬

‫إليه‪ ،‬فقد جع إليه علماء الباضية وصلحاءهم‪ ،‬ث أمر بقتلهم‪ ،‬حت ينشأ الناس غي عارفي بذا‬

‫الذهب فيعتنقون مذهب اللك‪ ،‬وهي خطوة ل يطها أحد من ملوك السلمي ف تاريهم الطويل‪.‬‬

‫وسار على منواله ف تتبع الباضية والتضييق عليهم وقتل علمائهم لتفه السباب كثي من جاء من‬

‫بعده‪ ،‬يمل بعضهم على ذلك تعصبه الذهب وحاسه له‪ ،‬ويمل البعض الخر على ذلك أغراض‬

‫دنيوية أخرى فيتخذ ذلك وسيلة للنتقام أو لمع الال‪ ،‬أو حت للوصول إل منلة أو وظيفة‪ ،‬ول ير‬

‫قرن واحد على الباضية ف البلد التونسية ل توجه إليهم فيها اعنف الضربات‪ ،‬ول تسل دماء‬

‫الشهداء من العلماء العلم بسبب ذلك التعصب الذي تستغله السياسة والطامع والقد‪ ،‬وقد‬

‫تاوزت هذه الضايقة رجال الدولة والقائمي على الكم إل أفراد الشعب‪ ،‬ث تاوزت افراد الشعب‬

‫إل ناس ينتمون إل العلم ما اضطر علماء الباضية إل الدفاع عن انفسهم ف هذا الجال‪ .‬بل لقد‬

‫كان موقف بعض النتسبي إل العلم‪ ،‬الضيقي الفق‪ ،‬ف هذا الجال أشد سوء من مواقف غيهم‪.‬‬

‫وبسبب احاديثهم ف الالس‪ ،‬وفتاواهم للناس‪ ،‬ومراضاتم للحكام‪ ،‬كان يقع بي فرق السلمي من‬

‫شحناء ونزاع يتعدى ف كثي من الحيان مناحي القول إل مناحى العمل‪ ،‬فينتج عنه استهانة‬

‫بالقوق واستخفاف بالرم النسانية الت حفظتها شريعة ال‪ ،‬وصانتها كلمة التوحيد‪ .‬ولعل ما‬

‫يوضح هذا الانب أن أضع بي يدي القارئ الكري‪ .‬صورا من الحداث الت كانت تقع من حي إل‬
‫حي فتؤثر أسوا الثر ف نفوس الناس وإل القارئ الكري امثلة من ذلك‪.‬‬

‫تاصم تاجران ف طرابلس على قضية من قضايا التجارة وترافعا إل القاضي‪ ،‬فطلب القاضي‬

‫البنية من الدعى فاحضر الدعى شاهدين من أهل جربة وقع التعامل أمامهما وكان الشاهدان من‬

‫الباضية فدفع الدعى عليه هذه البينة بانه ل يقبل شهادة الباضية‪ ،‬دون مطعن ف الرجلي‪ ،‬واستمع‬

‫القاضى إل هذا الدفع وقبله ورد شهادة الشهادين ل لشئ إل لنما على الذهب الباضي ورفعت‬

‫القضية إل الفت فصدق على حكم القاضي‪ ،‬وكان حينئذ جاعة من تار جربة ف طرابلس فساءهم‬

‫هذا الوقف من القاضي والفت فاحتجوا على ذلك احتجاجا شديدا ووقعت بسبب ذلك ضجة‬

‫كبى من الصومات والشاحنات حت بلغت وإل طرابلس وكان حينئذ على باشا عسكر فاهتم‬

‫للموضوع الشهادة والسباب الت ترد با واتفق العلماء ودرسوا موضوع الشهادة والسباب الت ترد‬

‫با واتفق العلماء الاضرون ف الجلس على أن فضيلة القاضي كان مطئا ف حكمه وأن ساحة الفت‬

‫سايره على اخطائه وابدى كل من القاضي والفت ف أول المر استمساكهما برأيهما وحاول أن‬

‫يصرا على ذلك‪ ،‬ولكن موقف العلماء الصلب إل جانب الق اجبها على النصياع والرجوع‪.‬‬

‫ووقع موقف آخر شبيه بذا الوقف ف تونس ف ولية حسي باى فقد طعن بعض الناس ف‬

‫شهادة علماء جربة‪ ،‬وردها بعض القضاة ف الكم ل لشئ إل لن اصحابا على الذهب الباضي‪،‬‬

‫ووقعت بسبب ذلك ضجة عظيمة ورفع أهال جربة شكاية إل وال‪ .‬تونس وإل علمائها وقضاتا‬

‫يطلبون منهم التحقيق والنصاف‪ ،‬ولقد اهتم الوال والقضاة والعلماء بالوضوع‪ ،‬وعقدوا لجل ذلك‬

‫ممعا علميا أصدر ف ذلك قرارا وال القارئ الكري نص القرار‪:‬‬

‫(( المد ل وحده‪ ،‬والصلة والسلم على ضيفه وصحبه‪ ،‬وعلى آله وسلم تسليما‪ ،‬سبب‬

‫تبي حروفها‪ ،‬وتسطي صفوفها‪ ،‬هو أنه بجلس الشرع الشريف‪ ،‬ومفل الدين النيف بالزيرة‬
‫الضراء بثغر تونس‪ ،‬عمرها ال بالسلم‪ ،‬لدى سيدنا ومولنا أقضى قضاة السلم‪ ،‬أول ولة النام‪،‬‬

‫عي الوال العظام‪ ،‬مرر القضايا والحكام‪ ،‬بزيد الحكام‪ ،‬ميز اللل من الرام‪ ،‬مول شريعة سيد‬

‫الرسل الكرام‪ ،‬ممد عليه أفضل الصلة والسلم‪ ،‬بالدلة الواضحة والباهي العظام‪ ،‬راجى لطف ال‬

‫البدئي العيد‪ ،‬مولنا شيخ السلم خطيب منارة اوزاده وبلده‪ ،‬ذا منلة السعادة‪ ،‬الناظر ف الحكام‬

‫والمور الدينية والدنيوية‪ ،‬والتعلقات الشريفة السلطانية الواضع خطه الكري‪ ،‬وطابعه العظيم اعله‪،‬‬

‫لطف ال به وقضاه وبعد فقد اتفق علماء تونس على تويز شهادة العزابة ف العموم والصوص‪ ،‬ل‬

‫سيما أهل الصلح‪ ،‬لن شهادة من أتى بالقول والعمل أبلغ من اتى بالقول وضيع العمل‪ ،‬إذا‬

‫القصود‪ ،‬من قدح ف شهادة العزابة لزمه الكفر على كل حال‪ ،‬قال ال تعال (( إنا الؤمنون أخوة ))‬

‫وقال صلى ال عليه وسلم (( من قال ل إله إل ال إيانا واعتقادا دخل النة )) فكيف ووجود ذلك‬

‫قائما بذاتم ويقدح ف أعراضهم‪ ،‬هذا ما ل يوز ف الشريعة الحمدية‪ ،‬والعارض ف شهادتم قد‬

‫ارتكب معصية شديدة‪ ،‬ويؤمر بالستتابة بسرعة‪ ،‬فإن أب قتل من ساعته‪ ،‬لن ذلك ما يسوغ‬

‫بالتهزئ والقدح ف الدين الحمدى‪ ،‬كما يفهم من لن خطابه وفلتات كلمه‪ ،‬وليس ذلك من دأب‬

‫الحصلي‪ ،‬ومن حق السلم على السلم ان يستر عوراته‪ ،‬ويتجاوز من هفواته‪ ،‬وانه من دين ال كما‬

‫نص عليه سيد الحققي مولنا قاضي السلمي حفظه ال ورعاه ومن كل نزغة وقاه باه النب المي‬

‫وال اعلم‪ .‬وقع الجتماع بي يدى العظم المد الند‪ ،‬صاحب اللواء الوقر أمي الؤمني‪ ،‬وسلطان‬

‫السلمي‪ ،‬مولنا حسي بأى ادام ال أيامه واجرى برياح النصر فكله‪ ،‬أمي يارب العالي بتاريخ‬

‫أشرف الربيعي عام ‪)) .112‬‬

‫تصديق الفتوى‬
‫(( المد ل وصلى ال على رسوله‪ .‬ما أفت به الشيخان أمامه حق‪ ،‬وعليه العمل‪ ،‬ول يدى‬

‫القادح العتذار بل ينتهى عن ذلك وإل قتل شرعا‪ ،‬حلصلة يقضى بشهادتم ف سائر الفروع‬

‫والعمال ول تنعكس شهادتم باختلف الفروع‪ ،‬لن الجتماع عند ثبوت الصل القيقي بورود‬

‫القول العتمد عليه السلمون ل خلف فيه وال أعلم حرره افقر الورى إل من بسط الثرى‪.‬‬

‫ممد بن أحد العبار (‪)1‬‬


‫‪12‬‬

‫أما الرسالة التية الت تقدم با أهال جربة فهى توضح لونا آخر من ألوان الضايقات الت‬

‫كان يلقاها الباضية فال القارئ الكري صورة الرسالة بعد حذف الديباجة ‪:‬‬

‫(( اما بعد فالعروض على سعكم الكري ‪ -‬ل اوقر ال لكم سعا‪ ،‬ول شتت لكم جعا ‪ -‬أن‬

‫الوجب لذا الكتاب‪ ،‬الشكوى ل ولذوى اللباب‪ ،‬ما رمانا به النمام الغتاب‪ ،‬ما ل تبحه السنة ول‬

‫الكتاب‪ ،‬ونن منه بريئون‪ ،‬وعنه مبعدون‪ ،‬وكم وكم كتبنا من كتاب‪ ،‬للسيادة العلية‪ ،‬متبئي من‬

‫هذه البلي‪ ،‬فلما ل نر لحدها جوابا‪ ،‬جزمنا بعد وصولا‪ ،‬ل بعدم قبولا‪ ،‬لن العذر لهل العذر‬

‫مقبول‪ ،‬عند ال وأول العقول‪ ،‬وهو الذي يقبل التوبة عن عبادة‪ ،‬ويعفو عن السيئات‪ .‬فلما عيينا من‬

‫الكتابة والرسال وأيسنا من الوصال‪ ،‬فوضنا المور لذى العزة واللل … والطلوب من السيادة‬

‫العلية‪ ،‬أن ل تقبلوا ف الرعية خصوصا ف هذه البلية‪ ،‬ال قول من سلم من الغراض الدنيوية‪ ،‬قال ال‬

‫(‪ )1‬من الؤسف أنن ل اتكن من مراجعة النص على السجلت الرسية وقد نقلت الفتوى والتصديق عليها كان التوقيع ف أحداها بلقبالعبار وكان‬ ‫‪12‬‬

‫ف الخرى بالعباري‪.‬‬
‫تعال‪ (( :‬يا أيها الذين أمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بهالة فتصبحوا على ما‬

‫فعلتم نادمي‪ )) .‬وسبب نزول هذه الية كذب الوليد بن عقية على الرسول عليه السلم‪.‬‬

‫وكتبنا هذا مبين ومعتذرين‪ ،‬ل ناهي ول آمرين‪ ،‬وللعفو طالبي فالعفو والمان‪ ،‬با أول‬

‫الفضل واللم والحسان عمن كان بريئا مرميا بالبهتان‪ ،‬من غي حجة عليه ول برهان‪ ،‬وفارق‬

‫الوطان والوكار ف آخر العمار‪ ،‬من غي جرم ول اوزار‪.‬‬

‫والطلوب من فضلك الزيد‪ ،‬أن تن علينا بأمرك السعيد‪ ،‬أسعد ال لك اليام‪ ،‬وات عليك‬

‫النعام‪ ،‬برمة النب‪ ،‬عليه الصلة والسلم‪ ،‬والسلم عليكم من الهل والولدان والخوان‪ ،‬والدم‬

‫والخذان‪ ،‬عم ال الميع بالفضل والحسان والمد ل ذى الفضل والنة إذ وقاكم وكفاكم شر‬

‫هذه الفتنة‪.‬‬

‫اوائل ذى العقيدة ‪1165‬‬

‫هذه الصور الت وضعتها بي يديك أيها القارئ الكري صور هادئة‪ ،‬وقد اتيح للفريق الظلوم‬

‫فيها ان يدافع عن نفسه او أن يستعي بالعلماء الخلصي الذين يفهمون أصول الشريعة‪ ،‬ويرصون‬

‫على وحدة المة فيفعونا فوق خلف الذاهب‪ ،‬على اثبات حقه‪ ،‬وإليك أيها القارئ الكري صورا‬

‫أخرى تمل طابع التعصب العنيف الذي يتجاوز لترى مبلغ ما وصلت إليه العصبية عندما ل تد‬

‫علماء مثل علماء الجمع العلمى ف تونس أو ف طرابلس‪.‬‬

‫هذا قاض يضر عليه ملس الدراسة بعض الطلبة وبعض التفقهي فيقرر لم بعض العلومات‬

‫ف مسائل التوحيد وبعضا ف مسائل العربية فيستأذنه أحدهم أن يعل من ذلك وسيلة لجادلة‬

‫الباضية وإقامة الجة عليهم وقطع عذرهم فيأذن له القاضي غي أن طالب العلم يشى صولة العلماء‬

‫من الباضية وياف ان يغلب ف النقاش وهو البادئ بالتحدى‪ ،‬وذللك يقرر ان يكتب تلك‬
‫العلومات ف رسالة ويتحداهم فيها ويضع الرسالة ف السجد وعندما يعجزون عن الواب سوف‬

‫يكون له فيهم موقف وإليك أيها القارئ نص الرسالة‪:‬‬

‫(( السلم على من اتبع الدى وتنب طريق الردى‪ ،‬إل العتزلة ‪ -‬يقصد الباضية ‪ -‬الذين‬

‫اخذوا دينهم عن عبد حبشى‪ ،‬الذي ترك لم اللود ف النار‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم (( من الزم‬

‫شيئا لنفسه الزمناه له )) والذين يجبون عن روية البارى جل جلله قال ال تعال ‪ (( :‬وجوه يومئذ‬

‫ناضرة إل ربا ناظرة‪ ،‬ووجوه يومئذ باسره )) اعاذنا ال منهم قال صل ال عليه وسلم انكم سترون‬

‫ربكم وقال جل ذكره (( للذين أحسنوا السن وزيادة )) يعن النظر إل ال تعال‪ :‬لكن طبع ال‬

‫على قلوبكم وسعكم وأبصاركم حت صرت تسبون ف دين اللئكة‪ ،‬التبعي النبئ المي ما أجرأكم‬

‫على النار‪ ،‬وأيضا ال بعد ال عليكم ما تقولون ف النبياء قبل الربعي سنة؟ مشركون موحدون؟‬

‫وما تقولون فيمن قال مثلك ل يبخل وغيك ل يود‪ ،‬وماتقولون فيمن قال‪ :‬هو وهى زيد عال ما‬

‫كان الشان والقصة اجيبونا بكل ما سألناكم عنه‪ ،‬والفدماؤكم وأموالكم حلل من ال ورسوله‪)).‬‬

‫وهذه نتف من رسالة أخرى كتبها موسى بن ممد بن الاج الشريف من سكان الريد‪ (( :‬وإن‬

‫وطء نساء الباضية وغنم اموالم اول من الوليمة‪ ،‬يقتلون قبل الشركي بل بأس ول ضرر على‬

‫قاتلهم‪ ،‬وغنهم ملعونون من ال‪ ،‬اولم وآخرهم‪ ،‬وانم يصلبون‪ ،‬ومن لقيهم حلق لاهم‪ )).‬وإذا‬

‫كانت امثال هذه الرسائل والفتاوي تتداولا اللسنة واليدي ف نطاق ضيق ل تبلغ ان تنتشر ف‬

‫الفاق وان أسلوبا يدل على ان كاتبها من الطلبة البتدئي أو من الفقهاء الاهلي الامدين فاليك‬

‫امثلة اخرى من ناس ينتمون إل العلم ويقدمون على تأليف الكتب‪ ،‬ويتمتعون بسمة علمية ذائعة ث‬

‫أضفى عليهم الزمن جلل القدم فأصبحوا ف العصر الاضر من مراجع التاريخ‪ .‬فهذا ممد العبدرى‬

‫البلنسى مثل يقول عن جربة‪ ،‬وهو ل يزرها ول يقم با ول يتصل باهلها‪ (( .‬واهلها أصحاب‬
‫مذاهب رديئة وأواء مضلة‪ ،‬مثل زواره وزواغه ما يلى‪ (( :‬ومنها إل قريت زواره وزواغة ذوى‬

‫النفس البيثة والقلوب الزواغة‪ ،‬معتقدات شنيعة‪ ،‬وأعمال كسراب بقيعه‪ ،‬ومذاهب سوء رديئة‬

‫وضمائر شر عمرت منهم كل طوية‪ ،‬قطع ال دابرهم‪ ،‬وخضد اصاغرهم واكابرهم‪ ،‬ول أخلهم من‬

‫قارعة تتاجهم قرعا‪ ،‬وتسحتهم أصل وفرعا‪)).‬‬

‫أما أبو عبدال التيجان وهو يقوم مقام الصحفى الأجور لب زكرياء اللحيان فقد أجاز‬

‫لنفسه أن يأت بسلسلةمن الفتريات وهو يتحدث عن جربة فقال‪ (( :‬والتصلحون منهم ل ياسحون‬

‫بثيابم ثياب أحد من ليس على مذهبهم‪ ،‬ول يؤاكلونه ف آنيته‪ ،‬وان استقى عابر سبيل ماء من بعض‬

‫ابيارهم استخرجوا ماء البئر كله فما حوه‪ ،‬وثياب النب عندهم ل يقربا طاهر‪ ،‬وثياب طاهر ل‬

‫يقربا جنب‪ ،‬وقد شاهدت منهم من كان على طهر إذا اجنب غسل ثوبه الذي أجنب فيه يرفعه‬

‫بعصا او بححن ث يلقيه ف البحر فيخضخضه بعصاه ساعة‪ ،‬ث بعد ذلك يتناوله بيده ويوجبون على‬

‫أنفسهم الغسل صباح كل يوم رجال ونساء‪ .‬أجنبوا أو ل ينبوا‪ ،‬ويتوضئون ث يتيممون‪ ،‬وقد‬

‫شاهدت هذا منهم كثيا ويشترطون ف وضوئهم غسل اليدي من الكتاف إل غي ذلك من آرائهم‬

‫الواهية‪ ،‬والفعال الت حكينا عنهم منها ما شاهدناه وهو ما قصصنا ومنها ما حكاه عنهم الشريف ف‬

‫كتابه الؤلف للجار‪ )).‬هذا ما يقوله التيجان عن الباضية ومن الؤسف انه ل يترك لنا وسيلة نلتمس‬

‫له العذر فنحسب ان أن هذه الفتريات إنا نقلها عن غيه او تسربت إليه عن بعض العوام الذين ل‬

‫يتاجون لدينهم ول لعراضهم وغنما اكد لنا بصفة القطع ما قصه علينا إنا شاهده هو بنفسه وإن‬

‫هنالك أشياء اخرى حكاها غيه وهذا إن دل على شئ فإنا يدل على أن أبا عبدال التيجان ل يوثق‬

‫بكلمه عندما يتحدث عن الباضية وإن سعيه لرضاء مدومه وتسهيل ارتكاب الظلم عليه وعلى‬
‫جنده حل أبا عبدال ان يرتكب جلة من الكاذيب للتشنيع على الباضية حت يكرههم ف نظر‬

‫الناس‪.‬‬

‫وضع بي عينيك هذه الكاذيب الت احسب أنا ل تطر لغي خيال التيجان الصب (‪)1‬‬

‫وجوب الغسل كل صباح سواء كان له سبب او ل يكن (‪ )2‬الكم بنجاسة البئر إذا شرب منه‬

‫مالف واستخراج مائة (‪ )3‬البتعاد عن الناس وعدم ماسته ثيابم (‪ )4‬انعزال النب عن أن يس‬

‫احد أو يسه احد (‪ )5‬القاء الثياب الت وقعت با النابة وعدم تناولا باليد (‪ )6‬الوضوء ث التيمم‬

‫بعده‪ )7( ،‬غسل اليدي إل الكتاف‪.‬‬

‫هذه الصور من الحكام الت خطرت لب عبدال التيجان فالصقها بالباضية ف جربة وهى‬

‫صور ل شك مستوحاة من اليال‪.‬‬

‫انه ل حاجة بالقارئ الكري إل أن نفد له هذه الكاذيب الواضحة فإذا شاء ال ان يسترسل‬

‫ف اليال مع أب عبدال التيجان فليتصور إن سكان جربة يقومون ف الصباح الباكر وكل واحد‬

‫منهم قد حل ثوبا على عصا او مجن تفق به الرياح وهو منصرف إل البحر ليخضخضه وليتصور‬

‫الزمة الت تدث لهل جربة عندما زارهم التيجان ورفاقه فإن أهل جربة يشربون من مياه المطار‬

‫الت يمعونا ف صهاريج فلما جاء هذا اليش الكبي الخالف لم ف الذاهب وشرب أفراده من تلك‬

‫الصهاريج فإن خيال أب عبدال او حكمه يقتضى أن يقوم أهل جربة إل تلك الصهاريج يستخرجون‬

‫ماءها الذي شرب منه عابروا السبيل فييقونه‪ .‬ويشربون هم من بعد ذلك هواء البحر‪ .‬والصورة‬

‫اللطيفة هي هذا الرجل الذي وقف طاهرا بي يدي التيجان وتقق طهارته ث أجنب بي يديه حت‬

‫يتأكد التيجان من القيقة ث نزع ثوبه الذي أجنب فيه ورفعه بعصا أو مجن فالقاه ف البحر‬
‫وخضخضه‪ .‬إن هذا الرجل او هذه الرأة إنا قامت بذه التجربة ليتأكد ابو عبدال ما يروى للجيال‬

‫ويستطيع ان يقول‪ :‬وقد شاهدت منهم من …‬

‫هذه امقله ما يوحى به التعصب الذهب قد يكون التعصب نفسه دافعا إليها وقد تكون‬

‫هنالك اغراض أخرى هى الت تدفع إل ذلك والقيقة أن التتبع لحداث التاريح يد كثيا من هذه‬

‫الواقف الؤلة‪ ،‬والرجل العامى الساذج عندما يسمع فقيها أو قاضيا او عامل مؤرخا يثق فيه وف‬

‫علمه ودينه يقول ان غنيمة أموال الباضية حلل أول من الوليمة او يسمع عالا أديبا مدثا مثل‬

‫العبدرى يقول عن الباضية (( قطع ال دابرهم وخضد أصاغرهم واكابرهم‪ ،‬او سع هذه السلسلة‬

‫من الفتريات الت تفتق عنها خيال أب عبدال التيجان وهو الديب الفقيه الؤرخ … أن أولئك‬

‫العوام قد يعذرون فيما يرتكبون‪ .‬أما الكام الذين يهمهم ان يدوا وسائل للعقوبة او لبتزاز الموال‬

‫فغن امثال هذه الحاديث تكون سندا لم وحجة يعتمدون عليها وهم وإن كانوا يعرفون إنا مبنية‬

‫على كذب او حنق او جهل أو غي ذلك من السباب إل انم يستغلونا ف بعض الواقف الت‬

‫يتاجون فيها إل مثل هذه الدعاية على القل حت يطمئن بعض التابعي لم انم ل يرتكبوا مرما فيما‬

‫بنلونه بالناس من الصائب‪.‬‬

‫ولعل من الشياء الت اضرت بالباضية انم كانوا يتنهون كثيا عن الشبهات‪ ،‬وياولون‬

‫جهدهم ان يبتعدوا عن الرام وأسبابه ولا كان اكثر ولة الكم ل يراعون احكام السلم ف نظام‬

‫الكم‪ ،‬وجباية الموال‪ .‬فقد كان الباضية يبتعدون عنهم فل يعينونم‪ ،‬ول يستعينون بم‪ ،‬ول‬

‫يتطلعون إل الدخول ف وظائف حكوماتم‪ ،‬ول يسعون إل الصول على الناصب فيها‪ ،‬وغنما‬

‫كانوا ياولون ان يعيشوا ف متمع نظيف‪ ،‬بعيد عن مظاهر الكم‪ ،‬قائم بدين ال حريص على أن‬

‫يتول شئونه الدينية بنفسه ل يبال ما يراه فيه الغي وكان الباضية ف البلد التونسية بالذات قد‬
‫يضعون للدول التعاقبة‪ ،‬او للحكام الختلفي على منصة الكم ويدفعون لا او لم ما يتقرر من‬

‫ضرائب وتكاد تقف علقاتم بالكومات والكام ف هذا الد لو تركوا وشأنم‪.‬‬

‫ولكن اولئك الذين يصطادون ف الاء العكر أما لعصبية طاغية على نفوسهم أو مطامع تليها‬

‫عليهم شهواتم وأما لتزلف وتقرب وملق إل الكام التماسا للحصول على مرتبة او منصب‪ ،‬واما‬

‫إظهارا لماية الدين والذود عنه استجلبا لحبة العامة واحرتامهم‪ .‬هؤلء الذين يصطادون ف الاء‬

‫العكر ل يلبثون ان يرضوا أثائر من الثوار او شيخا من شيوخ القبائل الضاربة على شواطئ الزيرة‬

‫تترف الغارة والسلب‪ ،‬او اميا ل تزال خزائنه ف حاجة إل مزيد من الال‪ ،‬او حاكم يعتقد انه اعظم‬

‫من ان يبقى احد دون ان يدخل تت جناحه ف رغبة وشوق‪ ،‬فيوحى إليه أولئك التملقون بإن‬

‫أولئك الباضية مالفون ف الذهب‪ ،‬وانم غي معترفي بالكم‪ ،‬وغنهم يستكبون ف انفسهم فل‬

‫يعودون بشاكلهم إل الدولة‪ .‬ول يرجعون إليها ف شئونم الاصة‪.‬‬

‫وهكذا تتجرد غارة او حلة على موطن من مواطن الباضية فتذهب أرواح وتستباح أموال‪.‬‬

‫ول تزل هذه الواقف متكررة ف أغلي البلد التونسية فكان الناس ف بلء متواصل ما اضطرهم أما‬

‫إل الجرة واما إل تغيي مذاهبهم حت انقرض الذهب الباضي من بلد الريد كلها ومن جبال دمر‬

‫وما يتصل به ومن القيوان وقابس والامة وغيها ول يبق ف غي جزيرة جربة على ان سكان جربة‬

‫قد عانوا من التعصب الذهب أشد ما تعانية امة‪ ،‬وقتل ف سبيل ذلك من أبنائها علماء اعلم وعذبت‬

‫طائفة ومثل بآخرين ول يكن يفف عليها إل حينما ترتفع الشاكل إل تونس ويضرها علماء‬

‫الشريعة الحققون الذين يرتفعون بفهمهم لكتاب ال عن مستوى العصبيات والترضيات‪ .‬وقد سبقت‬

‫أثناء هذا الكتاب اشارات إل ذلك‪.‬‬


‫كان موقف الباضية منذ تأسس نظام العزابة هو موقف الدفاع ف أضيق مال مهما كان‬

‫العدوان الذي يسلط عليهم وكانوا يبتعدون بعدا كامل عن الشتراك ف الكم والناع عليه‪ ،‬وكان‬

‫العلماء منهم يكبحون جاع العوام ان يطئوا فيتكبوا ف غيهم ما يرتكبه الغي فيهم‪ ،‬عندما يكون‬

‫العدوان عليهم بالسلح يقنصرون على دفع الذى على انفسهم ورد العدوان عنهم إن استطاعوا دون‬

‫ان ينتقموا او يقوموا بالثل حت عندما تتحقق لم الغلبة‪ ،‬اما عندما يكون العدوان بالطعن ف العقيدة‪.‬‬

‫او ف آراء الذهب ‪ ،‬فيقتصرون علماؤهم غالبا على بيان براهينهم وحججهم الت اعتمدوا عليها‬

‫والول الت استندوا إليها ف القول الذي اختاره‪ .‬إل إذا كان النتقد لم قد بلغ به التنطع واللجاج إل‬

‫الد الذي أصبح يتحدى القوم بذلك فغنهم جينئذ‪ ،‬يتجهون إليه بالرد‪ ،‬على سبيل من سبل الناظرة‬

‫العروفة ف تلك العصور‪ .‬ملتزمي ما أمكن آداب الناظرة‪.‬‬

‫ويبدو من بعض الحداث الت حفظها التاريخ ان علماء الباضية قد بدأوا منذ القرن الادي‬

‫عشر يتخلون عن موقفهم ف الدفاع السلب‪ ،‬والبعد عن رجال الكم‪ .‬إل دفاع فيه بعض اليابية‪.‬‬

‫فقد كان معروفا عنهم أنم ل يلتجئون إل دولة أو حاكم ف رد العدوان او رفع الظلم عنهم‪ ،‬وإنا‬

‫يدفعون ذلك عنهم بأنفسهم ان استطاعوا او يصبون لا ل يستطيعوا ولكنهم ابتداء من القرن الادي‬

‫عشر قد بدأوا يعرضون مشاكلهم على الدولة‪ ،‬ويطلبون منها كف الذى عنهم‪ ،‬يستعينون بقوتا‬

‫على رد العدوان ويطلبون منها أن ل تستمع فيهم إل وشايات ذوى الغراض دون تقيق‪ ،‬وإل‬

‫القارئ الكري امثلة من ذلك‪.‬‬

‫يقول أبو الربيع اليلت ‪ (( :‬وف جادى الخر من السنة الذكورة ‪ -‬أي ‪ - 1010‬سعى‬

‫بالشيخ العال العلمة أب القاسم بن سعيد اليونسي الصدغيان وحبسه التراك بطرابلس‪ ،‬وبقى ف‬
‫السجن إل ان سارت الفقهاء وبعض وجوه الوهبية إل طرابلس واتوا باطلقة من الباشا والديوان بعد‬

‫ان مكث ف السجن أربعة وعشرين يوما‪)).‬‬

‫ويقول أبو الربيع اليلت ‪ (( :‬وف سنة ‪ 1020‬سعى بالاج يى بن عمر القلل عند‬

‫ديوان تونس بانه مفسد فبعث إليه‪ ،‬وسار إليها‪ ،‬ودافع عن نفسه واحتج لا وتبعه الشيخ أبو سلمة‬

‫الذكور قبل‪ ،‬وبعض مقدمى جربة ووجوهها‪ ،‬وكانت الجة لم‪)) .‬‬

‫ويقول أبو الربيع اليلت‪ (( :‬وف سنة ‪ 1024‬سافر الشيخ أبو القاسم اليونسى إل تونس‬

‫لا سعى به عند الباشا وبعث إليه طالبا منه ألفى دينار سلطانية‪ ،‬وسافر مع جاعة من الفقهاء وغيهم‬

‫فايده ال ونصره على من عاداه وصار له الفخر العظيم عند أمراء تونس وفقهائها‪ ،‬وقد كان سبقه‬

‫هناك من سبقه‪ ،‬وفتح له ما كان مغلقا من أبواب الي‪ ،‬وانسد عنه ما كان مفتوحا من أبواب الشر‪،‬‬

‫فانتصر والمد ل‪ ،‬والتقى هناك مع القاضى الذي طعن فيه‪ ،‬وخصمه (‪ )1‬وغالبه‪ ،‬وكانت الدائرة‬

‫عليه‪ ،‬وعزل وطرد وسقط ف الفرة الت حفر‪ ،‬وصار مثال يعتب ورجع الشيخ إل وطنه سالا غانا‪)).‬‬

‫ويتجلى هذا لتاه ف الواقف الكثية الت وقفها العلمة أبو عبدال ممد الصعب وف‬

‫الواقف التتابعة الت وقفها المام العلمة أبو يعقوب يوسف الصعب‪ .‬فقد اوتى الرجل من غزارة العم‬

‫وصحة الدراك وقوة الدراك وقوة الرادة والشجاعة ما جعله ل يشى حاكما‪ ،‬ول يتوقف عن رد‬

‫عدوان عملى او قول‪ ،‬فكان ل يفتأ ينتقل بي طرابلس وتونس والزائر‪ ،‬ويناقش قضاتا وحكامها‪،‬‬

‫ويامرهم بالعروف وينهاهم عن النكر فما تصدر من احد طعنة او وشاية ف الباضية‪ .‬حت يتحرك‬

‫أبو يعقوب للتحقيق عنها وردها أو الرد عليها‪ ،‬وأبطال مفعولا وف امكان القارئ الكري أن يراجع‬

‫ترجته الختصرة بقلم شيخ الصحافي ف الزائر الشيخ أب البقظان اللتجاء إل الكومة‪ ،‬ف دفع‬

‫العدوان وإن بدات بوادرها حسبما وصلت إليه ف أباثى التاريية عن الباضية ف تونس مع القرن‬
‫الادي عشر واستمر اللتجاء إل الكومة كوسيلة من وسائل الدفاع‪ ،‬يلتجئ إليها الناس ليدوا‬

‫عنهم ما يلحقهم من الذى‪ .‬وبعرفة الناس لوسائل التصال بالكومة او الستفادة منها وطرق‬

‫ماطبتها زادوا خطوة اخرى هى خطوة إعطاء القوق او ثبات القوق‪ .‬فبدا الناس اول المر ‪ -‬على‬

‫احتراس ‪ -‬يلتجئون إل الكومة لثبات حقوق لم‪ ،‬ث تعودوا ذلك فاصبحت المور تري عادية‬

‫منهم كما ترى من غيهم‪ ،‬وأصبحت الدولة ودواوينها هى مرجع الناس ف دفع الظلم وف نيل‬

‫القوق يفعلون ذلك كما يفعله غيهم‪ ،‬وقد كان لذا التاه الديد آثار واضحة على الناحيتي‬

‫الدينية واللقية عند الباضية ربا تدثنا عنها ف فصل من فصول هذا الكتاب‪.‬‬

‫ويدر بنا ونن نستعرض التعصب الذهب ان نشي إل أن التاريخ قد حفظ لنا صورا من‬

‫ذلك النقاش الذي آثاره التعصب‪ ،‬ومن النصاف ان نقول ان أغلب ما وجه إل الباضية من طعون‬
‫‪13‬‬

‫ونقود يدل ببناه على سطحية قائليه وعامية تفكيهم أو على سوء قصد من بعضهم كما انه ما‬

‫يدل على تغلب الروح السلمية الؤمنة ومبة النصاف والعدل والنتصار للحق‪ ،‬وما قامت به بعض‬

‫المعيات العلمية ف تونس ف بعض الواقف‪ .‬فقد عقد علماء القيوان اجتماعا ف القرن الرابع‬

‫الجري قرروا فيه وجوب مناصرة الباضية ومؤازراتم وجوبا شرعيا (‪ )1‬وحكم الجلس العلمي‬

‫الذي بث قضية الطاعن ف شهادة الباضية ! وحكم عليه بالتوبة او القتل‪ .‬وهنالك مواقف كثية‬

‫من العماء ف تونس وف غيها شبيهة بذه الواقف على ان هذا القدر كاف ف الدللة على ان‬

‫الحقيقن من علماء السلم ف تونس كلنوا يعلمون جاهدين على ل شعت الة وعدم التفريق بي‬

‫طوائفها وعناصرها‪ ،‬وإن إولئك الذين كانت تركهم العصبية فيسيئون إل غيهم من الذاهب‬

‫(‪ )1‬غلبة ف الصومة‬ ‫‪13‬‬


‫الخالفة لم‪ ،‬اما أصحاب أغراض مصلحية يتسترون وراء الذهبية‪ ،‬واما جهلة بدين ال قصرت‬

‫أفهامهم عن استيعاب حقائق السلم فكانوا يندفعون اندفاعا هستييا دون ترو او فهم‪.‬‬

‫ولعله يكون من الناسب ان اختتم هذا الفصل بأقوال لبعض فطاحل العلماء‪ ،‬قال أبن السبكى ف جع‬

‫الوامع ‪ (( :‬ول نكفر احدا من اهل القبلة بذنب‪ )) .‬وقال أبو السن الشعري ‪ (( :‬احفظوا عن أن‬

‫ل اكفر احدا من اهل القبلة لن رأيت الكل مشيين إل معبود واحد‪)) .‬‬

‫وقال زورق ‪ (( :‬يب الحتراز عن التكفي ف أهل التأويل فإن استباحة الصلي الوحدين‬

‫خطأ قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬فإذا قالوها فقد عصموا من دماءهم واموالم ‪ .‬ال ))‪.‬‬

‫اقال أبو حامد أبو حامد الغزال ‪ (( :‬ان انصفت علمت ان من جعل الق موقوفا على بعض‬

‫بعينه فهو إل الكفر اقرب ‪)) .‬‬


‫‪14‬‬

‫وقال قطب الئمة الشيخ ممد أطفيش ‪ (( :‬ول نل مال الوحد بالكبية ول بالضغية ف‬

‫حرب ول ف غيها‪ ،‬للغن والفقي‪ ،‬وهذه تأليف الشيخ عامر وتآليف أصحابنا كلهم تصرح بتحري‬

‫اموال اهل التوحيد‪ ،‬ال بقها الديث ‪ (( :‬امرت ان قاتل الناس حت يقولوا ل إله إل ال فإذا قالوها‬

‫حقنوا من دماءهم واموالم)) وذلك مصرح به ف نو مائة كتاب ف كتب أصحابنا‪ ،‬وليس من‬

‫أصحابنا احد يقول بلها إل بقها‪ ،‬وليس الكبية ول الصغية مبيحة لا‪)) .‬‬

‫ويقول القطب بعد كلم‪ (( .‬ونن بعد ل نقول بالروج عن سلطي الور الوحدين ومن‬

‫نسب إلينا وجوب الروج فقد جهل مذهبنا‪ )) .‬ويقول بعد كلم‪:‬‬

‫(‪ )1‬ل اتكن عند كتابة هذا الفصل من الصول على نص القرار‬ ‫‪14‬‬
‫(( واما ما ذكر من القول بان دار السلم غي دار سلطانم فل قائل به فإنه إذا ل تكن دار‬

‫سلطانم دار اسلم فكيف تكون دار غيه دار اسلم ؟ إل أن أراد انه على غي حق ‪ )) .‬هذا كلم‬

‫للقطب رحه ال رد به على رسالة ف الطعن على الباضية للمفت الطرابلسى ابن مصطفى‪.‬‬

‫وقد يكون مناسبا أن اقتطف جل ما رد به أبو عبدال ممد الصعب على أحدى الرسائل‬

‫الت عرضتها على القارئ الكري ف أوائل هذا الفصل وقد تتبعها أبو عبدال الصعب فقرة فقرة‪ .‬ولا‬

‫كان كثي ما ورد فيها أما مباحث معروفة ف علم الكلم وتناولا أكثر علماء السلم بالناقشة‬

‫والبحث‪ ،‬او شواهد تتعلق ببعض احكام اللغة العربية فإنن رأيت ان أقتصر ف هذه القتطفات على‬

‫مال يتناول تلك الواضيع العروفة‪ ،‬ليعرف القارئ الكيم أسلوب الشيخ ف لرد على التهجم رد‬

‫العال الحقق‪ ،‬وغن كانت تصدر منه من حي إل حي كلمات تشعر بالنق والغضب‪ .‬قال أبو‬

‫عبدال ‪ (( :‬واما قولك اخذوا دينهم من عبد حبشى فإن جعلت هذا عيبا فامامك مالك مول من‬

‫الوال‪ ،‬وكثي من ائمتكم‪ ،‬وأما نن فل عيب لنا ف أحد إل فيمن ل يتبع كتاب ال وسنة رسوله‬

‫صلى ال عليه وسلم يقول ال تبارك وتعال‪ (( :‬خلقت النة لن اطاعن ولوكان عبدا حبشيا‪،‬‬

‫وخلقت النار لن عصان ولوكان ملكا هاشيا‪ )) .‬واما قولك ام ل تيبون با سألتكم عنه فدماؤكم‬

‫واموالكم حلل من ال اجيبت ام ل تب لطعنك ف الدين‪ ،‬واما مالك فل يل عندنا إل بثلثة‬

‫اوجه‪ ،‬هبة عن تراض او بيع عن تراض او مياث من كتاب ال تعال ‪ -‬ولكن ماطبت اياك كمثل‬

‫من خاطب الذي ينعق با ل يسمع الدعاء ونداء صم بكم عمى‪ ،‬فهم ل يعقلون ‪)) .‬‬
‫كفاح الصلبية الانفة‬

‫ف هذا الفصل احاول ان ألص للقارئ الكري ذلك الكفاح الجيد الذي قام به أهال جربة‬

‫البطال ف دفاع الغزو الجنب‪ ،‬الذي كانت تقوم به الصليبية الانقة على السواحل السلمية ف‬

‫بلد الغرب السلمي‪ ،‬اما على سبيل القرصنة والسرقة واما لحتللا والنتقام منها فيما تزعم‪ .‬وف‬

‫الفترات العصبية الت كانت المة السلمية ف بلد الغرب تت حكم دويلت متقطعة متخالفة‬

‫القاصد وامارات مستبدة متغطرسة تعان أقسى انواع الظلم من الكام الحليي الذين ل يهمهم من‬

‫مظهر الكم غي ألقاب فخمة يطلقونا على أنفسهم‪ ،‬ومظاهر كاذبة للعظمة يزينون با مالسهم‬

‫ومواكبهم‪ ،‬وضرائب متتابعة يفرضونا‪ ،‬وأموال كثية يمعونا‪ ،‬يزينون با مالسهم ومواكبهم‪،‬‬

‫وعقوبات مؤلة ينلونا على شعوبم‪ ،‬ف هذه الظروف العصبية كانت الة الؤمنة تنظم شتات قوتا‬

‫لتدافع با بقى لا من عزة الؤمني اعداء ال واعداء الوطن فكان الناس يدافعون عن بلدهم ف الثغور‬

‫السلمية مثل بابة ووهران وقابس وطرابلس وغيها دون أن يدهم اولئك الذين يتمرغون ف النعيم‬
‫‪ -‬با ابتزوه من اموال ليس لم الق ف ابتزازها ‪ -‬ف كثي من الحيان باي مساعدة ولقد كانت‬

‫اكثر الثغور البعيدة عن مراكز الكم تعان الوانا من الظلم من الكومات والولدة الحليي من جهة‪،‬‬

‫وتكون عرضة لضربات الغزاة من العتدين الفرنج من جهة اخرى‪ ،‬وعليها وحدها ان ترد عدوان‬

‫الفرنج فهي تعيش بي ناريي‪.‬‬

‫ولقد كانت جربة‪ ،‬من هه الثغور الت ياول الغزاة الغربيون احتللا والستقرار با ليتخذوا منها‬

‫قاعدة ف حروبم وغزواتم‪ ،‬وكان المراء ف تونس وطرابلس ل ينفكرن عن الناع عليها وماربتها‬

‫واحتللا او افتكاكها من بعضهم البعض‪ ،‬وف كل معركة من هذه العارك الت يتبادلا الخوة طلبا‬

‫للحكم يتعرض الناس لشد انواع البلء والحنة والنتقام‪ ،‬فيقتل شبابم وتصادر اموالم وتفرض‬

‫عليهم غرامات وضرائب‪ ،‬وقد يتعدى المر كل ذلك فيؤدي إل استحلل ما حرم ال من اعراض‬

‫الناس وهتك حرماتم‪.‬‬

‫ومع هذه الصورة البشعة الت كان يتعرض لا اهل جربة‪ ،‬احيانا من اخوانم ف الدين‪ ،‬واحيانا اخرى‬

‫كثية من اعدائهم ف الدين والوطن‪ ،‬فانم كانوا يرتضون ما يره عليهم حكم اخوانم ويسكتون له‪،‬‬

‫ولكنهم ل يطأطئوا رؤسهم بذلة امام اعداء ال‪ ،‬ول يسكتوا عن ضيم منهم‪ ،‬ول يرضوا عن عبودية‬

‫تفرض عليهم‪ ،‬ول يقفوا مكتوف اليدي عما ينل بم الظالون‪ ،‬فلقد كتبوا امد صفحة ف الدفاع‬

‫عن الدين والوطن‪ ،‬وسجلوا انتصارات تكاد تكون صورا حية للنتصارات الت سجلها الؤمنون ف‬

‫كل عصر‪ ،‬وف كل مكان‪ ،‬واقاموا الجة على السلمي ف كل عصر‪ ،‬وف كل مكان‪ ،‬فقد اثبتوا‬

‫بواقفهم الرائعة ان النصر ل يتوقف على العدد ول على العدة‪ ،‬وانا يتوقف على ما يزخر به قلب‬

‫الؤمن من مبة للقاء ال‪ ،‬واستعداد كامل للحصول على الشهادة‪ ،‬ورغبة اكيدة ف الوت ف سبيل‬

‫ال‪ ،‬وكما انتصرت القلة على الكثرة ف بدر وف الحزاب وف موته وف اليموك وف جربة يكن ان‬
‫تنتصر القلة على الكثرة ف كل مكان وف كل زمان إذا توافرت لا المكانيات الروحية الت كانت‬

‫عند اليوش الؤمنة وهي تقاتل ف سبيل ال اعداء ال‪.‬‬

‫ومن اوائل القرن السادس إل منتصف القرن العاشر والفرنج ل يكفون عن غزو جزيرة جربة‬

‫وازعاجها باساطيلهم وقواتم‪ ،‬وقد يتغلبون عليها مؤقتا ولكنها سرعان ما تثور عليهم فتلقى بم وراء‬

‫البحر‪ ،‬وقد تنتصر عليهم من اول المر فتردهم خائبي‪ ،‬ولعل اعظم العارك الت وقعت بي جربة‬

‫وبي الغزاة الفرنج هي كما يلي ‪:‬‬

‫‪-1‬ف سنة ‪ 529‬هجم الفرنج على جربة على حي غفلة من اهلها ودون توقع‬

‫فاحتلوها وقتلوا عددا كثيا من اهلها‪.‬‬

‫‪-2‬ف سنة ‪ 548‬ثار أهل جربة على حامية الفرنج الوجودة ف الزيرة واجلوها عن‬

‫وطنهم‪.‬‬

‫‪-3‬ف نفس السنة ‪ 548‬ما علم الفرنج بثورة اهل جربة على حاميتهم واخراجهم لا‬

‫حت كونوا اسطول ضخما جهزوه بكل العدات وهجموا على جربة فاحتلوها بعد‬

‫معركة طاحنة واخذوا كثيا من سكانا السالي اسرى فباعوهم ف السواق‬

‫الوروبية عبيدا‪.‬‬

‫‪-4‬ف سنة ‪ 555‬ثار اهل جربة على الامية الفرنية ومساعدهم عبدالؤمن بن علي ‪-‬‬

‫على اجلئها فطردوها من جربة وطهروا الة من العلوج‪.‬‬

‫‪-5‬ف سنة ‪ 688‬جهز الفرنج اسطول ضخما وهجموا على الزيرة واحتلوها‪.‬‬

‫‪-6‬ف سنة ‪ 73‬ثار اهل الزيرة على الفرنج وساعدهم ابو بكر الثان فطهروها منهم‪.‬‬
‫‪-7‬ف سنة ‪ 835‬جهز الفرنج اسطول ضخما وهجموا على الزيرة فتلقاهم اهلها‬

‫ووقفوا ف وجوههم وساعدهم ابو فارس عزوز فقتلوا من العدو عدد ضخما‪ ،‬وبنوا‬

‫برؤسهم برجاسوه برج الماجم‪.‬‬

‫‪-8‬ف سنة ‪ 916‬جهز الفرنج اسطول ضخما واته إل الزيرة لحتللا فاعترضهم‬

‫شيخ الزيرة ابو زكرياء السمومن وانتصر عليهم ف وقعة مشهورة اهتم لا الناس‬

‫ف الشرق وف الغرب‪.‬‬

‫‪-9‬ف سنة ‪ 916‬جهز الفرنج اسطول ف عشرين سفينة وقام بناورات حول جربة‬

‫فلم يهتم به احد فرج ير اذيال اليبة‪.‬‬

‫‪-10‬ف سنة ‪ 926‬جهز الفرنج اسطول ضخما يتكون من مائة سفينة واته إل جربة‬

‫فتلقاه اهلها وردوه خائبا بعد ان ترك ف اليدان نو ‪ 600‬ستمائة قتيل وعددا اكثر‬

‫من السرى والعدات الربية‪.‬‬

‫هذه معارك مشهورة تناولتها كتب التاريخ بالتفصيل والتعليق‪ ،‬وبي هذه العارك كثي من الوقائع الت‬

‫حاول فيها الفرنج احتلل الزيرة فردوا على اعقابم‪ ،‬او احتلوها لدة قصية ث ثار بم السكان‬

‫فطردوهم‪ ،‬وقد عدد الؤرخ الرب ابراهيم بن ثابت عددا من هذه الوقائع مقتصرا على ذكر تاريخ‬

‫الوقعة دون تفصيل الحداث فقد ذكر مثلل انه وقعت معارك بي النصارى وسكان جربة من‬

‫السلمي حسب تعبيه ف السنوات التالية من القرن السادس‪:‬‬

‫‪585 - 583 - 555 - 551 - 548 - 531 - 529 -‬‬

‫وف السنوات التية من القرن السابع ‪- 691 - 688 - 682 - 639 - 638 - 633 -‬‬

‫‪.696‬‬
‫ومن هذه التواريخ يرى القارئ الكري اصرار الفرنج على احتلل الزيرة‪ ،‬ومواقف الدفاع الشرفة‬

‫من اهلها‪ ،‬وبالرجوع إل الوقائع السابقة الت ذكرناها بشيء من التفصيل يرى القارئ الكري ان اهل‬

‫جربة وحدهم هم الذين يقومون بذه الكفاح الر ائع إذا استثنينا ثلث معارك ساعدهم ف اولدها‬

‫عبدالؤمن بن علي وساعدهم ف الثانية ابو بكر الفصي‪ ،‬وساعدهم ف الثالثة ابو فارس عزوز‪.‬‬

‫كان اهل جربة يقومون بذه الدفاع الجيد دون ان يساعدهم احد ف اليدان غي من ذكرنا آنفا رغم‬

‫ان الدول الت كانت تتعاقب على حكم تونس ف جيع تلك الالت كانت تسب جربة تابعة لا‪،‬‬

‫وكانت ل تنفك تطالبها بتسديد الضرائب وتقدي الموال وكانت جربة تقدم لا ذلك عن رضا‬

‫وتعترف بتبعيتها لا بل وتطالب بالبقاء تتها او النضمام إلا ف بعض الالت عندما يالو ولة‬

‫طرابلس الستيلء عليها والاقها بكمهم‪.‬‬

‫لقد استطاعت جربة ان تصمد للدفاع خسة قرون رغم حرص العدو واصراره على الستلء عليها‬

‫والتحكم فيها‪ ،‬ورغم ازياد معداته الربية عاما بعد عام وقرنا بعد قرن ورغم اهال الدول السلمية‬

‫لا وتاون اصدقائها عن ندتا ماديا ف منها‪ ،‬واستطاعت ان تنتصر انتصارات ميدة ف اكثر العارك‬

‫الت خاضتها لرد العدو او طرده من البلد‪ ،‬وعندما بدأت الدولة العثمانية تد سلطانا على البلد‬

‫السلمية وجاء درغوث لحتلل الزيرة وجدها نظيفة من اعداء الدين واعداء الوطن ولكنه مع‬

‫ذلك اصر ان يريق الدم بغزارة‪ ،‬وقد فعل‪ ،‬ولكن تلك الدماء الت اراقها درغوث كانت دماء زكية‬

‫لولئك البطال الذي حافظوا على الزيرة ودافعوا عتها خسة قرون وزيادة‪.‬‬

‫كانت جربة قوية عنيدة عنيفة ف دفاع العزو الجنب الذي يات من خارج العال السلمي‪ ،‬ولكنها‬

‫كانت لقمة سائغة سهلة الزدراء للمراء السملي‪ ،‬ما ياول احد منهم ان يتلها حت تلي له‪ ،‬سواء‬

‫كان من الدول القائمة بتونس او كان من ولة الهات‪ ،‬او كان من القائمي بالم ف طرابلس‪.‬‬
‫فما السر ف هذه القوة الت ندها لربة عندما ياربا الشركون ؟ وهذه الليونة الت ندها لا عندما‬

‫ياربا السملون ؟ وما هو اثر الربي من الناحية العنوية‪.‬‬

‫ان الواب على هذه السئلة يكون ف الفصل التال ان شاء ال‪.‬‬

‫اثر الكفاح على اهل جربة‬

‫كلما اعتدى الفرنج على جربة او حاولوا العتداء عليها تلقت ذلك منهم بثبات وصب‪ ،‬وزادها‬

‫العدوان عليها قوة وشجاعة وجرأة على العتدين‪ ،‬وردت عدوانم ف نفس الوقت‪ ،‬فأن غلبت ثارت‬

‫علينم بعد حي قريب‪ ،‬واخذت بثارها‪ ،‬وانتقمت منهم لنفسها ول يسر الربيون ‪ -‬ف جيع تلك‬

‫الروب الت شنها عليهم انصار الصليبية‪ ،‬وقادة القرصنة ‪ -‬ل من النواحي الادية‪ ،‬ول العددية‪ ،‬ول‬

‫النفسية‪ ،‬خسائر ذات قيمة‪ .‬وحسبك ان تعلم انه ف العركة الكبى الت استعد لا الفراج أكب‬

‫استعداد‪ ،‬وجهزوا لا أضخم أسطول‪ ،‬وجعوا لا أكب عدد من الحاربي حت بلغ عددهم عشرين‬

‫ألفا من القاتلي الدربي‪ ،‬ول تمع جربة سوى ثلثة آلف فيهم شيوخ عجزة ومراهقون حلوا‬

‫السلح لول مرة‪ .‬ف هذه الوقعة الت استعد لا الفرنج هذا الستعداد العظيم وخسروا فيها آلف‬

‫من القتلى وما ل يقدر من أموال‪ ،‬ول تبلغ خسارة جربة مائة مقاتل على أكثر الروايات مبالغة‪ ،‬وقد‬
‫استطاعت جربة ان ترد هذا الجوم العنيف‪ ،‬وان أصدقاؤها ول جيانا ول الدولة الت تدفع لا‬

‫الضرائب‪.‬‬

‫كانت جربة ف جيع تلك الروب الت يشنها عليها الستعمار الفرني تد علماءها وصلحاءها‬

‫ومشائخها ف مقدمة الجاهدين يرضون الناس على القتال ويأمرونم بالصب‪ ،‬ويعدونم ‪ -‬ان هم‬

‫اخصلوا ‪ -‬بالفوز ويقاتلون العدو كاشد ما يقاتل البطال فيقتلون ويأسرون ويغنمون الموال‬

‫ولكنهم حي يتغب الوقف فيشن الرب عليهم قوم ينتسبون إل السلم سواء كانوا من تلك القبائل‬

‫الثاوية ف الصحراء تترف الغارة للسلب والنهب‪ ،‬او اولئك الولة الذين يبحثون عن الكم والال‪،‬‬

‫فيتعاقبون على ماربتها مرة من طرابلس ومرة من تونس واحيانا كثية من غيها‪.‬‬

‫ان اهل جربة ف هذه الحوال ل يدون علماءهم وصلحاءهم ف القدمة كما كانوا يدونم ف‬

‫حروب الفرنج‪ ،‬ول يسمعون منهم كلمة التحريض والتشجيع على الرب وإذا سحوا لم بالقتال‬

‫دفاعا على النفس والهل والال‪ ،‬فهم ل يسمحون لم ابدا بالستيلء على اموال الوحدين بطريق‬

‫الغنيمة‪.‬‬

‫ان السباب الت جلعت اهل جربة اقوياء اشداء على ماربة الفرنج‪ ،‬وجعلتهم ليني ضعافا ف مقاتلة‬

‫العتدين من السلمي انا هي وقدة اليان ف قلوبم وحرارة التقوى الت تغل ايديهم‪ ،‬والستمساك‬

‫التي بالدين واحكامه ف معاملتم‪.‬‬

‫انم وهم ياربون الفرنج‪ ،‬يشعرون بانم يقومون باقدس واجب عند ال‪ ،‬واجب الهاد‪ ،‬وهم‬

‫يعلمون ان من يقتل منهم ف تلك العارك فقد قتل ف سبيل ال وفاز بالشهادة‪ ،‬وان ما يصلونه من‬

‫مال انا هو غنيمة قد احلها لم الدين الكري الذي امرهم بالهاد ف سبيل ال (( فكلوا ما غنمتم‬

‫حلل طيبا‪ ،‬واتقوا ال ان ال غفور رحيم ))‪.‬‬


‫هذه العان كانت تل قلوبم فتجعل منهم أبطال تفل عزائمهم الديد‪ ،‬وتطفئ ارداتم النار‪ ،‬وتقهر‬

‫خناجرهم البسيطة ما اعد العدو من مدافع وبنادق ومرقات‪.‬‬

‫اما عندما يهاجهم قوم يعلنون السلم‪ ،‬وينتسبون إل امة ممد عليه الصلة والسلم‪ ،‬فان تلك العان‬

‫تنطفيء من انفسهم‪ ،‬وتلك الرارة تبد من قلوبم‪ ،‬لنم يملون سيوفهم ضد اخوة لم ولو كان‬

‫أولئك الخوة بغاة‪ ،‬والقتول من الفريقي خسارة للمة السلمة الت يتكالب عليها العدو ‪ -‬وليس‬

‫احد يقدر هذه السارة مثلما يقدرونا هم ‪ -‬ث ان الدين الذي يدينون به ويتقيدون باحكامه‪ ،‬ل يل‬

‫لم حت وهم ف حالة الدفاع ان يتجاوزا حدود الدفاع إل النتقال او العقوبة فل يل لم ان يتبعوا‬

‫مدبرا‪ ،‬ول ان يهزوا على جريح‪ ،‬ول ان يغنموا مال بل ان دفاعهم يب ان يكون مقصورا ف اضيق‬

‫نطاق لرد العدوان وكان كل واحد منهم يتمن ان ل تسيل الدماء على يده‪ ،‬وكان العلماء ل يفتأون‬

‫يأمرون الناس براعاة احكام السلم ف ماربة البغاة من السلمي‪ ،‬وهذه العان هي الت تعل الناس‬

‫ل يقبلون على الرب ف هذ الحوال‪ ،‬وإذا اضطروا للوقوف ف هذه العارك فأنا يقفون بفتور‬

‫ووهن‪ ،‬وكثي منهم يتمن ان يكون عبدال القتول ل عبدال القاتل‪ ،‬لنم يسبون ان النصر والزية‬

‫سواء ف هذه الروب الت ترى بي الخوة فهي كلها خسارة‪.‬‬

‫وف اكثر العارك الت وقعت بي اهال جربة واخوان من السلمي كان الربيون يلحظون هذه‬

‫العان السلمية ف مواقفهم وكان العتدون عليهم ف اغلب الحيان ل يلحظون شيئا منها ولذلك‬

‫فقد كانت هذه الروب بي الخوة من السلمي ذات اثار سيئة جدا وكانت خسائر جربة فيها‬

‫عظيمة‪ ،‬وما شنت عليهم حرب من تلك الروب‪ ،‬إل ذهب ضحيتها عدد كبي من النفس اكثرها‬

‫من الطفال البرياء والنساء الضعيفات والشيوخ العجزة‪ ،‬وبالرجوع إل احداث التاريخ الت سردنا‬

‫بعضها ف فصول سابقة من هذا الكتاب‪ ،‬او الرجوع إل الصادر العامة والاصة للتاريخ ف هذه‬
‫الملكة يتبي للقارئ الكري هذه القيقة‪ ،‬وتكفى ل يضاح هذه الصورة ان اشي إل احدى الوقائع‬

‫ما سردنا تقاصيلة ف هذا الكتاب‪ ،‬فان حربا واحدة من تلك الروب الت شنها درغوث على جربة‬

‫ليجعلها تابعة لكمة ف طرابلس‪ ،‬كلفت الزيرة الفا ومائتي من القتلى‪ ،‬وقد تلقت فيه جربة فيما‬

‫بعد ضربات متلحقات حطمت قوة ابنائها‪ ،‬وفلت سيوفهم‪ ،‬وذهبت بية شبابم‪ ،‬فلما رجع‬

‫الفرنج من جديد‪ ،‬وكان درغوث قد شغل بامور الم ف طرابلس‪ ،‬ل تد جربة القوة الت تضرب‬

‫با العدو‪ ،‬ولكنها وجدت ف قلوبا عزة السلم الت ل تستسلم للكافرين فتحركت المم ووقفوا‬

‫تاه العدو فلم يكنوه من احتلل جزيرتم ولكنه لا اطال الصار ل ينجدهم احد وخافوا ان تتغلب‬

‫عليهم القوة صالوا الفرنج على ان يسلموا لم القشتيل دون ان يتجاوزوه إل شيء غيه وف نفس‬

‫الوقت‪ ،‬بعثوا إل دار اللفة ف تركيا يطلبون النجدة لماية الزيرة من بقاء الشركي با‪ ،‬وجاءت‬

‫النجدة من دار اللفة وتعاونت القوتان قوة السكان وقوة الدولة على طرد العدو الطر النهائي‪،‬‬

‫وبقيت العزة السلمية تل قلوب أهل الزيرة فلما جاءت فرنسا من بعد لتنفيذ الفكرة الستعمارية‬

‫الصليبية‪ ،‬كانت الزيرة من اول الواطن الت قامت ف وجه الستعمار الديد ودافعته دفاع البطال‪.‬‬

‫ولعل ما يناسب القام ف آخر هذا الفصل ان انقل كلمة للستاذ ممد الرزوقي ف هذا الوضوع‪.‬‬

‫قال الرزوقي ف تعاليقه على كتاب مؤنس الحبة ما يأت ‪:‬‬

‫(( جربة تقاوم الماية‪ :‬ل يكد يعلن عن انتصاب الماية الفرنسية على تونس ف ‪ 12‬ماي ‪1881‬‬

‫حت هبت جربة للمقاومة السلحة معززة جانب القاومي ف النوب والوسط والشمال‪ ،‬واستسلمت‬

‫السلطة الحلية للثورة‪ ،‬واصبح القاومون اسياد الزيرة ما اضطر السطول الفرنسي بقيادة المي‬

‫غرنولت إل التحرك نوها بعد ضربة مدينة صفاقس ف ‪ 16 - 15‬جويليه ‪ 1881‬فضرب مدينة‬

‫قابس وجزيرة جربة بقنابله ول تستسلم الزيرة للقوات الحتلة إل بعد دفاع ميد ))‪.‬‬
‫العهد الثالث‬

‫العهد الثالث من تاريخ جزيرة جربة هو عهد الدخول تت جناح الامعة السلمية وذلك ان الدولة‬

‫العثمانية حاولت ان تضم اليها جيع الدول السلمية الصغية الوزعة ف العال‪ ،‬لتتكون من ذلك‬

‫دولة واجدة قوية لمة واحدة متماسكة‪ ،‬ولكن الطامع الفردية وسوء تصرف الولة وتكالب الغرب‬

‫على احتلل الشرق حال دون الوصول إل النتائج الطيبة من هذه الفكرة‪ .‬ولقد دخلت جربة تت‬

‫الامعة السلمية ف بادئ المر تابعة لوال طرابلس ث لوال تونس‪.‬‬

‫وسيحس القارئ الكري شيئا من الرارة ونن نتحدث عن هذا العهد من تاريخ جربة‪،‬وقد‬

‫يد بعض النقد لذا العهد والذي أريد ان يعرفه القارئ الكري قبل ان يستمر ف هذا الفصل أنن ل‬

‫أنقد أبدا ماولة الدولة العثمانية او غيها من الدول السلمية الكبى توحيد المة السلمة تت‬

‫حكم واحد يسي وفق منهج السلم ف أنظمة الكم‪ .‬وحت لو ل تتم الصورة الثالية لكم السلم‬

‫فإن إنضمام الطراف السلمية إل القلب وتكتلها مع بعضها البعض‪ ،‬هو ما يب ان يدعو إليه‬

‫السلم ويرضاه‪ .‬وإنا الذي أحس له بالرارة فإنا هو تصرف اولئك الولة الذين ل يقدروا العباء‬

‫اللقاة على عواتقهم‪ ،‬فكانوا عند الغضب أو الطمع يعاملون شعوبم الت هي عزهم وقوتم‪ ،‬كما‬

‫يعاملون اعدائهم‪ ،‬وبذلك قتلوا ف نفوس المة السلمة روح القاومة والثورة‪ ،‬وفرضوا عليها طابع‬

‫الذلة والستكانة ‪ ،‬فلما عجزوا هم عن الرد العدوان ل تقف عناصر الة الحطمة ف وجه ذلك‬

‫العدوان ونتج عن ذلك ان فقدت المة خلفتها السلمية ووحدتا الدينية وحريتها الوطنية‪.‬‬

‫وحديثنا عن جربة ف هذا العهد قد يعطى صورة كاملة او ناقصة أو حت من بعض الوانب‬

‫لبقية البلد السلمية سيما الت وهبتها عناية ال أسبابا للغناء والثروة‪.‬‬
‫ف هذا العهد الذي يتد ما بي سنة ‪ 960‬إل سنة ‪1298‬هـ خضعت جربة لولة الدولة‬

‫العثمانية خضوعا كامل سواء كان اؤلئك الولة ف طرابلس او ف تونس‪.‬‬

‫ولقد مر هذا العهد على جربة من أشد العهود التاريية‪ ،‬وذاق فيه السكان من أنواع البليا‬

‫ما تعجز عن تمله البال الرواسي وكثيا ما يتمع عليهم ظلم الولة والفت القائمة بينهم على‬

‫الكم وتوال فرض الغرامات الباهضة والطالبة بالضرئب التوالية ووقوع الغلء والقحط‪.‬‬

‫وإل القارئ الكري أسوق أمثلة ما ذكره الؤرخون‪.‬‬

‫يقول أبو الربيع اليلت ‪ (( :‬ف سنة ‪ 1895‬اجتمع بالزيرة قلة العافية والغلء والكساد‬

‫والدب‪ ،‬ومنع على بن مراد باى على أهل الزيرة مية القمح والشعي‪ ،‬وإنا أكلت الناس الفيتورة‬

‫فتمادى الال كذلك من أول السنة‪ .‬وف النصف من جادي الول اتصل الب إل أهل الزيرة إن‬

‫ديوان تونس وامراءها تعصبوا على علي بن مراد فغلبوهوطردوه من الوطن وجيشه حينئذ على ما قيل‬

‫أبعة عشر ألفا ووقفوا اخاه ممد ابن مراد أميا على أفريقيا بامر السلطان نصره ال‪ ،‬وتادى على منع‬

‫القمح والشعي على أهل الزيرة‪ ،‬وف سنة ‪ 1099‬القى الشيخ عبدالرحن على الوهبية ألفى مطرزيتا‬

‫واعطاه للنصارى عما تداينه منهم‪ ،‬واعطاه بتونس حت ولوه المر‪ ،‬ث القى عليهم مع قلة المطار‬

‫وغلء السعار وكثرة الكساد ث القى عليهم أيضا غرامة أخرى‪)).‬‬

‫إن القارئ الكري عندما يقرأ هذه الفقرة ما كتبه مؤرخ شهد الحداث بنفسه يتصور ما‬

‫يقاسيه الناس من تسلط الاكمي‪ ،‬فإن النطق يقضى بأن الدولة الاكمة إذا رأت ف بلد من بلدانا‬

‫ماعة بسبب القحط والفاف فإنا تعمل على مساعدة السكان على العيشة وتلب إليهم الواد‬

‫الضرورية للحياة وتيسر لم الصول عليها ولكن الميين ممدا وعليا أبن مراد التعاقبي على الكم‬

‫وها يريان ما تقاسيه الزيرة السكينة‪ ،‬من قلة العافية والغلء والكساد والدب مع هذه الصائب‬
‫ينعان على الزيرة مية القمح والشعي‪ ،‬يعن يكمان عليها بالوت جوعا‪ ،‬ويضطر الناس أن يعيشوا‬

‫على الفيتورة وهى بقايا الزيتون بعد أن يعصر ويستخرج منه زيته‪ ،‬ومع ذلك فإن هؤلء السلمي‬

‫يملون للدلوة العلية كل مبة واعزاز‪ ،‬ويطلبون لا النصر والتأييد كما فعل هذا الؤرخ النبيل‪ .‬انا‬

‫صورة مؤلة لياة أمة تت جناح دولة يفرض فيها ان تمى شعبها ف جيع مواطنه وترعاه وتيسر له‬

‫وسائل الياة السعيدة‪.‬‬

‫اما الشيخ عبدالرحن هذا وهو من عائلة بن جلود من سكان الزيرة نفسها فيسافر إل‬

‫تونس ويستدين من النصارى أموال كثية يدفعها لوال تونس ثنا لكرسى الشيخة على الزيرة‪.‬‬

‫ويتول فعل مشيختها وبجرد تسلم مهام منصبه يفرض على السكان الساكي ألفى مطر من الزيت‬

‫والطر كما يقول الشيخ أبو الربيع واحد وستون رطل يذهب با إل نصارى فيدفعها لم مقابل‬

‫ديونم عليه‪ .‬الديون الت اشترى با منصب الشيخة على جربة من الدولة العلية‪ ،‬ث يعود إل الزيرة‬

‫فيلقى على السكان الساكي مزيدا من الغرامات غرامة تلو غرامة ليجمع الثروة ف أقرب وقت مكن‬

‫وهذه الغرامات التوالية يلتمس لا اتفه السباب ول يكفى عن الضرائب السنوية الت تمع للدولة‪،‬‬

‫ومع هذا الظلم وهذا الرص على النصب والال تضيق الياة بالرجل فيموت منحرا‪ .‬يقول العلمة‬

‫الشيخ سعيد بن تعاريت (( وف جادي الول من السنة التممة للمائة القى ال الرعب على الياة‪،‬‬

‫وارتل من داره لوادي الزبيب‪ ،‬وسكن بتاجوت وف الليلة السادسة من رجب ضاقت عليه الرض‬

‫با رحبت فعمر بندقيته تعميا بليغا‪ ،‬فلما جن عليه الليل اغلق الدرا على نفسه ومكنها من قلبه‬

‫فمات‪ )) .‬والتتبع لتاريخ جربة ف هذا العهد يد كثيا من هذه الصور الؤلة الت تتمع فيها ظروف‬

‫الياة القاسية‪ ،‬مع مظاهر الكم الظالة‪ ،‬فهى تتاز بالناع التواصل بي الكام الحليي الذين كانوا‬

‫يشترون مناصب الكم بالموال الت يدفعونا إل الدولة الركزية‪ ،‬ف تونس ‪ ،‬ث يفرضون تلك‬
‫الموال بصورة غرامات وعقوبات على الناس‪ ،‬فيجمعونا منهم ويرتكبون ف ذلك أشد أنواع‬

‫الرهاق والظلم‪ ،‬ول يكفيهم هذا بل يضيفون إل ذلك فرض ضرائب سنوية على كل شئ حت على‬

‫الرؤس من بن آدم‪ .‬وقد أدى هذا السلك من الكام إل نتيجتي‪ :‬الول‪ .‬سخط الناس على من‬

‫يتول الكم وتنيهم زوال أيامه والعمل على تغييه واستبداله‪.‬‬

‫الثانية طمع الناس ف شراء النصب وقيامهم بالطالبة بالكم للحصول على الثروة من هذه الطريق‪.‬‬

‫وأغلب ما يكون ذلك من بعض أفراد العائلة الاكمة نفسها ويؤدي ذلك إل انقسام السرة الاكمة‬

‫إل قسمي متحاربي ينضم إل كل قسم منها طائفة من الناس يناصرونه ويشدون أزره على أمل ان‬

‫يكون من الفريق الغالب‪ ،‬وأقل ما يستفيده اولئك الناصرون إذا انتصر أصحابم ان يعفوا من‬

‫الغرامات والضرائب الت يلقيها الغالب منهما على الغلوب واتباعه‪ .‬وعندما تقع العركة بي الفريقي‬

‫وينهزم احدها ل يقف المر عند هذا الد‪ ،‬وإنا يرج الغلوب منتصرا ببعض الولة ف طرابلس‪ ،‬او‬

‫تونس ‪ ،‬فيتعهد لم بدفع مبالغ من الال إذا هم نصروه وأوصلوه إل الكم‪ .‬فإن سرعان ما يكون‬

‫جيشا من الرتزقة الذين هم على استعداد للمغامرات والروب لقاء ما يصلون عليه من السلب‬

‫والغنائم ف البلدان الت يدخلونا وهكذا يتكون جيش يقوده رجل ليس بي عينيه إل الصول على‬

‫النصب وجع الال‪ ،‬أما أفراده فل يهمهم من موضوع الغارة إل ما يسلبونه من الناس ويدخل اليش‬

‫الزيرة‪ ،‬ويرتكب ما يرتكب إذا اتيح له ان ينتصر‪ ،‬أما إذا ل يتح له فإنه يرجع ليعمل من جديد على‬

‫حشد مزيد من الرتزقة الطامعي وإل القارئ الكري صورا مؤلة ما ذكره الؤرخون لذا العهد‪ ،‬يقول‬

‫الشيخ أبو عبدال ممد أبو رأس الرب‪:‬‬

‫(( وف سنة اثني وخسي ومائة وألف وقعت وحشة بي الشيخ سعيد بن موسى وبي على‬

‫باشا بن ممد بن على إذ طلبه للقدوم فخاف وامتنع وأولده على قيادة العراض‪ .‬فخلص مالا‬
‫وارسله مع ولده خوفا على نفسة لكونه أوله عمه حسي بن علي‪ ،‬ولا قتل عمه واستول مكانه‪،‬‬

‫قتل أصحاب عمه ث انه بعث رجل من التراك يسمى ( قارة مصطفى ) ليقتله غدرا فاتى لارة‬

‫اليهود على طريقة فوجد زيتونة على الطابية بسانية زككوت فاستخفى تتها ونقب الطابية من‬

‫النقب بالرصاص فسقط ميتا فبلغ الب إل علي باشا فأول مكانه الشيخ موسى بن صال وهرب‬

‫الشيخ احد باشا القره مانلى‪ ،‬وطلب منه ملة لخذ جربة‪ ،‬فلم يلتفت إل قوله فرجع إل العربان ‪،‬‬

‫فاجتمعت عليه عكارة وورغمة ودخل إل الزيرة من مرسى آجيم‪ ،‬واجتمع عليه اصحابه من أهل‬

‫الزيرة‪ ،‬وقصدوا قتال موسى بن الشيخ صال‪ ،‬وكان متأهبا لقتاله منذ سع به فاجتمع الفريقان بومة‬

‫تاجوت‪ ،‬فتحاربا‪ ،‬فانزم الشيخ موسى وفر هاربا للسوق قتبعه الشيخ أحد بن معه إل أن دخل‬

‫البج الكبي فحماه البج بالدافع فرجعت العربان إل السوق فنهبوه عن آخر واستول الشيخ أحد‬

‫على الزيرة‪ )).‬وبعد كلم يقول ‪ (( :‬ولا هزم الشيخ أحد وقتل غالب من معه رجعت العسكر على‬

‫حومة آجيم ونبوا ديار كل من كان من جانب الشيخ أحد‪)) .‬‬

‫وهكذا تتم الصورة لذه الادثة ينتصر أحد فيستبيح عسكره جيع أموال موسى وأموال‬

‫اتباعه‪ ،‬وينتصر موسى فيستبيح هو وعسكره جيع أموال أحد واموال اتباعه وهكذا ينتهب نصف‬

‫الزيرة ف العركة الول وينتهب النصف الثان ف العركة الثانية‪.‬‬

‫هذه الصورة حادثة واحدة من حوادث متتابعة متكررة‪ ،‬وإذا شاء القارئ الكري ان يرى‬

‫صورة أخرى من هذه الصور الؤلة فأنا أضع بي يديه هذه الصورة الت يعرضها علينا الؤرخ الكبي‬

‫أبو الببيع اليلت‪ ،‬وهو شاهد عيان فإن هذه الحداث كانت ف عصره‪ ،‬يقول أبو الربيع‪ (( :‬قدم‬

‫الشيخ عبدالرحن ‪ -‬أى أبن أب جلود ‪ -‬من ساحل طرابلس ف أربع مراكب مستعينا بند طرابلس‪،‬‬

‫ول يد سبيل إل الدخول إل الزيرة بسبب عرب ورغمه الذين استعان بم الشيخ سعيد ‪ -‬أى ابن‬
‫جلود ‪ -‬ودار الشيخ عبدالرحن ف سفنه إل مرسى آجيم ومنع من الدخول إليها‪ ،‬فذهب إل عرب‬

‫العراض ف الريد وجبل مطماطة من بلد الزارات وقابس والطوية وما يقربم‪ ،‬وفزعهم‪ ،‬قيل ان‬

‫عدد ما فزع نو ثلثة آلف يريد الدخول بم إل الزيرة ليقاتل بم ورغمة‪ .‬فلما وصلوا إل مرسى‬

‫الغنم خارج الزيرة وبدأوا يدخلون إل القطعاية القلبية‪ ،‬والشيخ قاعد معهم خارجا قالوا نن تريك‬

‫من العرب‪ ،‬فإذا قاتلناهم ل ند عندهم كسبا ول شيئا ننتفع به ونن ما جئناك إل لطميعة‪ ،‬نريد‬

‫التسريح ف أن ناخذ بعض الزيرة ونفيئها‪ .‬فاب وقال غنما أريد عمارة البلد ول أريد خلءها‪ ،‬فلم‬

‫تقع بينهم الطاوعة‪ ،‬فقالوا له فإن ل تطاوعنا على ذلك نرجع خائبي أبعث السفن وارددهم إلينا ل‬

‫نبيع رقابنا من غي طميعة‪)) .‬‬

‫أعتقد ان هذه الصورة الت نقلتها عن مؤرخي معاصرين لتلك الحداث كافية ف أيضاح‬

‫الالة الؤلة الت كانت تعيش عليها المة الربية الكرية ف ذلك العهد ولعل أسرة بن جلود هى‬

‫أشأم أسرة حكمت الزيرة من أهل جربة‪ ،‬فلقد عاشت الزيرة ف عهد بن سو من عيشة المة‬

‫الستقلة داخليا ملتفة حول علمائها‪ ،‬يفصلون مشاكلها وينظمون شؤونا حسب احكام السلم‪،‬‬

‫وكان الشيوخ من بن سومن متضامني مع العلماء والعزابة يسيون بتوجيهاتم وارشاداتم ل يطغون‬

‫ول يتجبون ول يتلفون ول يتنازعون على الكم فلما تول بنو جلود من بعدهم نزع الشيطان‬

‫بينهم فتنازعوا على الكم وتقاتلوا عليه وكاد بعضهم لبعض واغتال بعضهم بعضا وانقسم السكان‬

‫بسبب انقسامهم‪ ،‬واستنصر كل فريق منهم على الخر بميع الوسائل الشريفة والوضيعة‪ ،‬وأصبحت‬

‫صرخات العلماء صيحة ف واد‪ ،‬ونفخة ف رماد‪ ،‬فلم يعد الناس يستمعون لم‪ ،‬ول تعد الكومات‬

‫تكنهم من أداء رسالتهم‪ ،‬لن نظام العزابة قد حل وأصبح صوت العلماء صوت أفراد ل صوت‬

‫هيئة‪ ،‬وفل حد السيف القوى الذي كان يول بي الناس وبي العصية ومالفة الماعة‪ ،‬ذلك السيف‬
‫الذي فرطت فيه‪ ،‬وفرط فيه جبل نفوسة فانفرط عقد نظامهم ووحدتم وتعاوتم وحافظت عليه‬

‫ميزاب فحافظت على مزايا الخلق السلمية‪ .‬ذلك السيف هو الكم بالباءة على من يالف‬

‫أحكام السلم ويبتعد بارتكاب العصية عن المة السلمة وسية الؤمني الصالي‪.‬‬

‫ول يكن هذا فحسب بل أن السلطة الاكمة سواء كانت منبعثة من الدولة الركزية أو من‬

‫الشيخة الحلية ‪ -‬على طريق أغلب وأحكم‪ ،‬او أدفع ‪ -‬قد استبدت بالعماء وضغطت عليهم‪،‬‬

‫وتعقبتهم‪ ،‬وحالت دونم ودون القيام بهام العلم والتعليم‪ ،‬والزمتهم النعزال والبعد عن قيادة‬

‫الماهي‪ ،‬فصمتت السنة الرشاد والتوجيه‪ ،‬وخفت من الجتمع صوت النكار على الرذيلة بختلف‬

‫أشكالا‪ ،‬حت رذيلة الختلف بي عناصر المة الواحدة الت أصبحت تعبث با أهواء الاكمي‪،‬‬

‫وضعف الحساس الدين ف مراقبة اللل والرام والروب من الريبة والشبهة‪ ،‬وخيل لبعض الناس‬

‫ان اللتفاف بالدولة‪ ،‬والرتزاق منها هو خي السبل واضمنها للمعيشة فناصر بعضهم الكام‪.‬‬

‫على أن أغلبية الناس كانوا يقفون موقف التردد الشاك الذي يلم يتضح له السبل السوى‪.‬‬

‫ول يطل هذا الوقف بالناس فقد تكشف لم بعد زمن قصي أن ما كانوا يظنونه دولة‬

‫ويسبغون عليه حرمة المر الكومي وانه يتول الكم عليهم بأمانة ال‪ .‬إن هىإل رغبات شخصية‪،‬‬

‫ومطامع فردية اوصل بعض الناس إليها مهارتم ف نصب اليل‪ ،‬وبراعتهم ف تدبي الكائد‪ ،‬وخبتم‬

‫بكيفية تقدي الرشاوى‪ ،‬وحرصهم على الستغلل‪ .‬وغن اولئك الناس الذين وصلوا إل الكم‬

‫وأصبحوا يلسون على كراسي الدولة ويتكلمون بأسها إنا يعملون لنفسهم وإن غيهم من‬

‫ينصرهم إنا ينال منهم بقدار ما يؤدي من خدمات لم ل للدين ول للمة ول للوطن‪ .‬فأصيب أولئك‬

‫الذين التحقوا بم والي ترددوا ف اللتحاق بصدمة جديدة‪ ،‬وعملت اليد الاكمة على تفريق كلمة‬

‫الناس‪ ،‬وتوسيع شقة اللف‪ ،‬وتسليط بعضهم على بعض‪ ،‬فنتج عن ذلك زيادة ف ألوان التعصب‬
‫الذهب والنسي والقبلي‪ ،‬غي ذلك من ألوان العصبية ‪ ،‬ووجد اهل جربة أنفسهم ماصرين من عدة‬

‫جهات‪ .‬فرجعوا إل النعزالية الت عرفوا با ف الاضى‪ ،‬واعتمدوا على أنفسهم ف الكسب والصول‬

‫على الثروة والال‪ ،‬وبعدوا عن التعلق بأعمال الدولة‪ ،‬إل الشتغال الر التواصل‪ ،‬الذي ل يفتر ول‬

‫يل‪ ،‬سواء كان ذلك ف الزراعة ومال الزراعة عندهم ضيق ومدود‪ ،‬او كان ذلك الصيد البحري‪،‬‬

‫صيد السمك والسفنج او كان ف الصناعة صناعة الفخار والصوف‪ ،‬أو كان ف التجارة‪.‬‬

‫وف اليدان الخي ميدان التجارة تنافس القوم واهتموا له حت برعوا فيه وبزوا غيهم‪،‬‬

‫وتغربوا من اجل التجارة إل أقصى البلدان‪ ،‬واطالوا ف الغربة القامة‪ ،‬حت سيطروا على التجارة ف‬

‫كثي من البلد وأصبح لم ثقل ف ميزان القتصاد وضرب بم الثل ف الذف والهارة والنشاط‪.‬‬

‫وحت تلك اليدي الت كانت تشتغل ف الزارعة أو الصناعة او الصيد استهوتا الكاسب التجارية ف‬

‫ديار الغربة‪.‬‬

‫إن هذا التاه اعن التاه إل الشتغال بالتجارة والتغرب با واطالة الغربة من اجلها قد‬

‫نتجت عن نتائج خطية من الناحيتي الجتماعية والدينية‪ .‬فقد أصبح التاجر الرب ينقطع عن وطنه‬

‫تبعا لعمله ويبتعد عن الو العلمى والدين الذي كان يعيش فيه‪ ،‬وييا ف جو مادى خالص قوامه‬

‫العلم التواصل من بيع وشراء وحساب للمكسب والسارة وتعرف لحوال التجارة وما يطرأ على‬

‫السواق من تغيات‪ ،‬ويفت ف سعة صوت الوعظ والرشاد وتبعد عنه إصداء الدروس الت تتعال‬

‫ف مساجد جربة‪ ،‬ويفقد تلك الجالس ف بيوت ال قبل الصلة وبعدها‪ ،‬ويصاب بنوع من الادية‬

‫والفاف وغلظ ف الاسة الدينية‪ ،‬ث يبدأ ف ارتكاب أشياء هينة ف نظر الجتمع الديد‪ ،‬ما كان‬

‫ليتكبها لو بقى ف جربة ويستمر ذلك ويتعوده‪ ،‬وهكذا يكتسب عادات وأخلقا فيها كثيا أو قليل‬

‫عن العادات واللق الت كان الناس يرصون عليها ف وطنه‪.‬‬


‫وعندما يعود إل الزيرة من غربته الطويلة ليقيم فيها أياما قليلة للراحة والستجمام يعتب‬

‫نفسه ويعتبه الناس ضيفا‪ ،‬فل يلتزم السية العروفة للباضية ول يرص الرص الكيد على حضور‬

‫مالسهم ف مساجدهم‪ ،‬ول يهتم بتابعة الدروس الت تلقى للعامة أو للخاصة‪.‬‬

‫وتتابعت الجرة‪ ،‬وأصبحت هى الوسيلة للحياة واعتاد الناس أن يأخذوا معهم اطفالم‬

‫وشبابم إل ديار الغربة ليدربوهم على حتراف التجارة فيقطعونم بذلك عن التعليم الدين الصحيح‬

‫السيلم‪ ،‬ث هم ل يرصون على رعايتهم رعاية كاملة من ناحية السلوك الدين ولذه السباب متمعة‬

‫الت هى‪-:‬‬

‫‪-1‬انلل نظام العزابة وفقدان قيادته للمجتمع‪.‬‬

‫‪-2‬الضغط على العلماء واليلولة دونم ودون القيام بامر ال بي الناس‪.‬‬

‫‪-3‬توال الجرة وتتابعها والبتعاد عن الجتمع التماسك التقيد بسلوك‬

‫خاص يرعاه أهل العلم والصلح‪.‬‬

‫تأثرت جزيرة جربة‬

‫هذه السباب الثلثة مهدت لوجودها ما أطلقت عليه ف بعض الفصول من هذا الكتاب‬

‫كلمة الرذيلة ل سيما ف العمل التجاري‪ ،‬وقد جد العلماء الخلصون من أهل الزيرة الكرام‬

‫ف ماربة ما بدأ يتسرب إل الجتمع الرب ما يالف سيتم النظيفة ف السابق‪ ،‬من مرم‬

‫ومكروه‪ .‬فكانوا ينتقلون بي أحياء الزيرة للوعظ والرشاد والمر بالعروف والنهى عن‬

‫النكر‪ ،‬وتاوزوا ذلك إل السفر إل البلدان الت يكثر فيها التجار من أهل الزيرة فيشرفون‬

‫على اعمالم‪ ،‬ويطلعون على سيتم‪ .‬وكثيا ما يشتد أولئك العلماء ف النكي على من‬
‫يدونه ل يلتزم السي على النهج السلمي القوي‪ ،‬لكن التيار الارف كان أقوى من مهود‬

‫العلم القيد من طرف السلطة الاكمة‪.‬‬

‫وف المة الربية اليوم من مزايا اللق السلمي الشء الكثي فهى ل تزال تعتمد ف‬

‫الكفاح من أجل العيشة على العمل الر الشريف‪ ،‬دون امتهان الكرامة او التصاق بالدولة او‬

‫العتماد عليها وهى ل تزال ترعى الجتمع رعاية كاملةة تاخذ بايدي فقرائها وتساعدهم‬

‫على الصول على العمل الشريف‪ ،‬وهى ل تزال ترص على النفاق ف سبيل الي‪ ،‬ل‬

‫سيما ف ميدان العلم والتعليم والتعليم الديني بالذات‪ .‬ويهتم أغنياؤها ويتنافسون عليه وهى‬

‫ل تزال مبة للجتماع والتعاون على الي والستماع إل الوعظ والرشاد والتأثر بكلمة‬

‫الق‪.‬‬

‫هذه الزايا كلها متوافرة ف أهال جربة الكرام ولو انم فكروا ف إرجاع نظام‬

‫العزابة الذي يتول جيع الشؤون الدينية والجتماعية‪ ،‬وحرص افرادهم ف متلف ديارهم‬

‫على السية النية العروفة ف جربة عندما كان علماؤهم الجلء يشرفون على توجيه الناس‬

‫فتمسكوا با ف وطنهم وف مهجرهم‪ ،‬ث وفروا لبنائهم ف جربة وخارجها الدينية السليمة ‪-‬‬

‫لو فعلوا هذا لكسبوا خيا كثيا‪.‬‬

‫وانه لسرن وانا أكتب هذا الفصل عن اخوان اعزاء على‪ ،‬أن ادعوهم إل ان‬

‫يراجعوا تاريهم الجيد‪ ،‬وأن ينظروا ف صفحاته الشرقة‪ ،‬الصفحات الت كتبها السلم‬

‫بايدي الؤمني الخلصي‪ .‬وانا حي أذكر التاريخ الجيد فغنما اعن تاريخ المة السلمية ف‬

‫متلف العصور الطويلة‪ ،‬المة الت يكون سكان جربة جزاء صغيا منها‪ ،‬وتاريخ المة‬

‫السلمية الكبى ل يتمثل ف اعمال الدول الت تعاقبت على الكم او تقاتلت عليه ول ف‬
‫أعمال الرجال الذين بلغوا إل أعلى الناصب ف أى عصر من العصور‪ .‬عن ما قام به بعض‬

‫الكام او بعض الدول وما يقوم به بعضهم اليوم من ظلم او انراف ل يسب على تاريخ‬

‫المة السلمية لنه خروج عن حكم ال وعن إرادة المة‪ ،‬لن تاريخ المة السلمية إنا‬

‫يتمثل ف المة نفسها ف الماعات وف الفراد‪ ،‬فلقد كان منها ف كل زمان وف كل مكان‬

‫من يقومون بأمر ال‪ ،‬ويبلغون رسالته‪ ،‬ويافظون عليها الحافظة الكرية الكاملة‪ ،‬دون‬

‫الستناد إل قوة السلطة الظاملة‪ ،‬والستعانة بنفوذ الدولة الائرة ‪ ،‬فإذا اتيح لم دولة رشيدة‬

‫عادلة استعانوا واعانوها‪ .‬وف تاريخ جربة الثل على ذلك فلول القبس الى الذي يل قلوب‬

‫الؤمني ولول الشحنة الروحية الت قدمها أبو النجاة ف صدورهم لا استطاع ثلثة آلف من‬

‫العزل ان ينتصروا على عشرين ألفا من احلس الروب‪.‬‬

‫ولول الوقفة الشريفة الت وقفها كل من عبد الؤمن وأب بكر وأب فارس ف من‬

‫جربة لتغي وجه التاريخ‪ ،‬ولول الموال الت تبع با النفقون ف سبيل ال لا بنيت تلك‬

‫الساجد النتشرة على كامل الزيرة والت يبلغ عددها نو ‪ 36‬مسجدا‪ .‬ولول الموال الت‬

‫تبع با الؤمنون لا شيدت الدارس ولا قامت دور العلم ف متلف الهات‪ ،‬ولو أتيح لؤرخ‬

‫ان يصى ما بن ف العال السلمي من الساجد والدارس ودور العلم على نفقته الحسني‬

‫من الماعات والفراد لذه العجب‪ .‬وف جربة وحدها دليل كاف على ذلك فغن جزيرة‬

‫مساحتها ستمائة كيلومتر مربع يقوم فيها ثلثائة وستون مسجدا دليل واضح ما ينفقه الناس‬

‫ف سبيل ال‪.‬‬

‫إن الزائر إل جربة ما ينتقل من مكان إل مكان قريب حت يدا بيتا من بيوت ال‬

‫مشيد الركان عال البنيان تتصل به مرافق الطهارة وتيط به دور عديدة خصصت لسكن‬
‫طلبة العلم الوافدين من الهات البعيدة‪ .‬وكل ذلك إنا قام به السلمون التطوعون ل‬

‫يريدون بذلك غي وجه ال تعال‪ .‬ل تشرف عليه دولة‪ ،‬ول تنفق عليه جعية ذات ميزانية‬

‫ودخل‪.‬‬

‫وإنه ليسرن ف ختام هذا الفصل ان ادعو اخوان الؤمني إل الستمرار ف عمارة‬

‫بيوت ال‪ ،‬الت أسسها الؤمنون على تقوى من ال من اول يوم‪ .‬وأن يافظوا على الصلة‬

‫فيها‪ ،‬وان يعمروها بذكر ال‪ ،‬وان يرفعوا صوت العلم ف جنباتا‪ ،‬وان يلجأوا إليها ف‬

‫التصال بالقهم‪ ،‬فإن عزة الؤمني ف كل عصر وف كل مصر إنا انبعثت من السجد‪ ،‬وما‬

‫دامت القلوب عامرة باليان بال‪ ،‬والساجد عامرة بعباد ال فإن عناية ال ل تتخلى عنهم‪،‬‬

‫وما بعد ناس عن دين ال‪ ،‬وهجروا مساجدهم إل ووكلهم ال إل انفسهم فهلكوا‪ .‬اللهم ل‬

‫تكلنا إل انفسها فنهلك ول تؤيسنا من رحتك يا أرحم الراحي‪.‬‬


‫الجامع العلمية‬

‫ف إطلق هذا العنوان على الوضوع الذي أريد ان اتدث عنه ف هذا الفصل شئ‬

‫من التجوز فإن كلمة الجامع العلمية ربا تعن عتد القارئ الكري معن خاصا يستوحيه من‬

‫الجامع العلمية الرسية الت تكونا الدول وتشرف عليها لبحث مواضيع خاصة او عامة‪.‬‬

‫والذي أريد ان أتدث عنه ف هذا الفصل إنا هو ظاهرة تكاد خاصة بعلماء جربة بعد‬

‫إنلل ملس العزابة ف أواخر القرن العاشر وأوائل القرن الادي عشر‪ ،‬وتكاد تكون تلك‬

‫الجامع العلمية امتدادا معنويا لجالسالعزابة‪ ،‬الت كانت تتول كل شئ ف الزيرة حت تولية‬

‫المراء الحليي وعزلم‪ ،‬فقد اعتاد ألولئك العلماء منذ أن انل ملس العزابة ‪ -‬بسبب تسلط‬

‫الولة عليه‪ ،‬وماربة اعضائه ماربة لهوادة فيها ‪ -‬أن تنعقد مالس العلماء مرة او عددا من‬

‫الرات ف السبوع ف مسجد من مساجد الزيرة‪ ،‬تت رئاسة أعلم علمائهم‪ ،‬وف هذا‬

‫الجلس الذي يتمع فيه كبار العلماء ل يتخلف أحد منهم إل لعذر‪ ،‬ويضره التعلمون من‬

‫متلف الطبقات كانت تناقش أهم السائل والحداث‪ ،‬وتعرض الشاكل الستجدة‪ ،‬وتوضع‬

‫بي يدي الجلس خصومات الناس ومنازعاتم‪ ،‬وينظر الجلس ف جيع ذلك ويستعرضها‬

‫موضوعا‪ ،‬فيستنبط الحكام للمواضيع الستجدة‪ ،‬استنادا إل أصول الشريعة‪ ،‬ويفصل‬

‫منازعات الناس بكم دين ال‪ ،‬ويعلن الشيخ ذلك‪ ،‬وغالبا ما تدون ماضرة تلك اللسات‪،‬‬

‫فيقوم الطلبة وقد استفادوا علما وعرفوا طريقة استخراج الحكام واستنباطها من القواعد‬

‫الكلية‪ ،‬وانواع السلوك الذي يب أن يتحلى به من يتهيأ للفصل بي الناس‪ .‬ويقوم‬

‫التخاصمون وقد رضوا بكم ال الذي اعلنه لم شيخ الجلس العلمى مكتفي بذلك‪،‬‬
‫مقتنعي بانه حق وصواب‪ ،‬ل يرتفعون إل حاكم آخر ول يتجهون إل قاض من القضاة‬

‫الذين قد تعينهم الدولة‪ ،‬لن الجلس ف نظرهم وف الواقع أكثر دقة وكفاءة ف معرفة‬

‫الحكام وحرصا على إيصال القوق‪ ،‬واوفر أمانة ونزاهة‪ ،‬وابعد عن دواعي الهل او‬

‫الطأ‪ ،‬أو التأثر بالؤثرات الارجية كالوف او الطمع‪.‬‬

‫ولقد تعاقب على الرئاسة العلمية لذه الجامع ف زمن العزابة وبعدهم عدد من‬

‫فطاحل العلماء العلم‪ .‬وكانوا يتعاقبون عليها بالكفاءة الشخصية فقط‪ ،‬فلم يكن هنالك من‬

‫يسند إليهم هذا النصب الكبي ل من الدولة ول من المة‪ ،‬ولكن بتسليم العلماء ل علمهم‬

‫واعرتافهم بتفوقه العلمى وتأهله لشغل ذلك الكان الكري‪ ،‬ومفهوم بالطبيعة أن هذا كان‬

‫يدث بعد انفراط نظام العزابة‪ ،‬أما حي كان نظام العزابة سائرا ينعقد ويقوم بهامه فهو‬

‫الذي يسند الرئاسة العلمية إل من يستحقها ويسمى شيخ العزابة ويسند الرئاسة الدنية إل‬

‫من يتوسون فيه القدرة على رعاية شؤون الناس‪ ،‬ويسمى شيخ الكم‪ ،‬ويكاد ينحصر عمل‬

‫شيوخ الكم هؤلء او الكام الدنيي على مفاوضة الدول الت تكم الزيرة أو تريد‬

‫حكمها وتسليم مقادير الضارئب الت تفرض عليها‪ ،‬وعندما ياول الفرنج احتلل الزيرة‬

‫فإن هؤلء الشائخ بالتعاون مع مالس العزابة ينظمون وسائل الدفاع ويشرفون عليها وقد‬

‫يتولون قيادةة العارك الربية كما فعل أبو زكرياء السمومن‪.‬‬

‫ولقد داب علماء الزيرة على هذا الوضع من عقد الجامع العلمية إل عصر الشيخ‬

‫سعيد بن تعاريت‪.‬‬

‫ولقد يمع عصر من العصور عددا ضخما من العلماء ولكن سرعان ما يتاز واحد‬

‫منهم فيسلمون له رئاسة الجمع دون ان يدث بينهم خلف‪ .‬فلقد كان فيهم من غزاوة‬
‫العلم‪ ،‬ومتانة اللق‪ ،‬وصحة الدين‪ ،‬وسلمة الصدر‪ ،‬ومبة الخوان‪ ،‬ورعاية الصلحة العامة‪،‬‬

‫ما يملهم على العتراف لذى الفضل بفضله‪ ،‬ول يدث فيما وصلت إليه يدي من مصادر‬

‫التاريخ‪ ،‬أن تنافس اثنان من العماء ف الزيرة على رئاسة الجلس او تنازعوا على العلمية‬

‫ول يدث ان تكب احدهم او انتفخ فاعتزل حضور الجلس‪ .‬ويشهد لذلك الشيخ سعيد‬

‫التعاريت فيقول‪ (( :‬تدهم مع غزارة علمهم وجللة قدرهم‪ ،‬ليستغنون عن بعضهم وانه إذا‬

‫نزل بم امر مهم او غيه يتمعون على أكبهم ويوقرونه ويلتمسون منه الرأى والخرج‪ ،‬ما‬

‫هم فيه‪ ،‬وهذا دابم رحهم ال تعال ورضى عنهم‪)) .‬‬

‫ومن الشائخ الذي ترأسوا الجامع العلمية من يلى‪:‬‬

‫أيو عثمان سعيد بن على يامون الرب‬

‫أبو النجاة يونس بن سعيد التعاريت‬

‫زكرياء بن أفلح الصدغيان‬

‫أبو سليمان داود بن ابراهيم التلتى‬

‫قاسم بن سعيد اليونسى‬

‫أبو الربيع سليمان بن عبداله من أولد أب زيد‬

‫أبو عثمان سعيد التغرويسن‬

‫أبو ممد عبدال بن أب السدويكشى‬

‫أبو عبدال ممد بن أب سته‬

‫أبو الفلح الياس بن داود الوارى‬

‫زائد بن عمر اللوغ‬


‫أبو الربيع سليمان بن أحد اليلتى‬

‫أبو الفضل قاسم بن أب الربيع بن ممد الشماخى شيخ الشيخ سعيد تعاريت‪.‬‬

‫ذكرت لك أيها القارئ الكري هذه الساء ل على سبيل الصر ول على طريقة‬

‫الترتيب الزمن ولكنهم كامثلة للموضوع ومنهم من رأس ملس العزابة لتحلل نظام العزابة‬

‫ف عصره ومن هؤلء أبو الفضل الشماخى‪.‬‬

‫ولعله من الناس ان انقل للقارئ الكري ف هذا الفصل شواهد ما مكتبه الؤرخون‬

‫ف هذا الوضوع‪.‬‬

‫قال سلمة الناون‪ (( :‬وقع لعزابة جربة اجتماع عند شيخنا الفاضل المام أب‬

‫النجاة عمنا يونس بن سعيد بن يي التعاريت‪)) .‬‬

‫وهذا النص يدل على ان ملس العزابة كان ينعقد عند شيخهم وانه ل يزل إل ذلك‬

‫الي ( سنة ‪ ) 916‬يتول جيع شؤون البلد حت الشؤون السياسية ويؤيد ذلك ما جاء ف‬

‫الوثيقة الت رجحت سابقا انا من تقاييد الناون ما يلي‪:‬‬

‫(( فاجتمع حينئذ من ينظر إليه من عزابة وهبيتها ‪ -‬يعن وهبية جزيرة جربة ‪ -‬عند‬

‫الشيخ الجل الفقيه الكمل العال الفضل أب النجاة يونس بن سعيد أسعده ال واسعد به‪،‬‬

‫ووفقه ووفق به‪ ،‬ليوا رأيهم بي يدية‪ ،‬لا علموا من ين الرأى الناجح الناتج على يديه‪)) .‬‬

‫ويقول الشيخ سعيد التعاريت‪ (( :‬ويتمع أى أبو النجاة يونس ‪ -‬هو واكابر مشائخ عصره‬

‫إذا نزلت بم نازلة عند عمنا سعيد يامون الذكور من حومة غيزن من جانب صدغيان لقدم‬

‫هجرته (‪ )1‬وكثرة بركاته‪ ،‬ويرج الرأى من جيعهم‪ )) .‬ويقول الشيخ سعيد التعاريت ف‬
‫‪15‬‬

‫(‪ )1‬يطلق الباضية هذه اللفظة على الدخول فس سلك العزابة فيقولون فلن اقدم هجرة من فلن يعنون بذلك انه سبق إل الدخول ف ملس‬ ‫‪15‬‬

‫العزابة‪ ،‬والديث هنا يدل أن أبا عثمان يامون دخل ملس العزابة قبل أب وهذا طبيعي لن أبا النجاة من تلميذ أب عثمان وأبو عثمان من تلميذ الشيخ يعيش‬
‫الرب‪.‬‬
‫مكان آخر‪ (( :‬وإذا وردت نازلة يتمعون عند عمنا زكرياء الصدغيان‪ )) .‬ث يقول بعد‬

‫أسطر‪ (( :‬ث من بعدهم الميع عند عمنا يونس التعاريتي)) ومعن هذا ان رئاسة الجلس‬

‫انتقلت بعد أب عثمان يامون إل ابن يى زكرياء الصدغيان‪ ،‬ومنه انتقلت إل أب النجاة‬

‫يونس‪ .‬ويقول الشيخ التعاريت ف حديثه عن أبن سليمان التلت‪ (( :‬وساد بربة‪ ،‬وتول‬

‫ملسها إذ ذاك‪ ،‬وغليه يرجع المر ف زمانه والشورى‪ )) .‬ويقول الشيخ التعاريت‪ (( :‬وكان‬

‫الشيخ أبو الربيع سليمان بن عبدال من أولد ابن زيد رحه ال أحد الئمة‪ ،‬كان ترجع إليه‬

‫الشورى ف مالس العلم‪ ،‬لنه كان الجلس بربة ملس السجد الكبي ‪ ،‬ث تول ال مسجد‬

‫بن لكي ث صار ف مسجد وادى الزبيب‪ ،‬يتمع كافة العلماء والشائخ على الشيخ سعيد‬

‫التغرويسن وسيأتى التعريف به‪ ،‬بإذن الشيخ أب زيد الصدغيان والشيخ الياس الوارى‬

‫وذلك ف عشره الربعي أظنها من القرن العاشر‪ )).‬ويقول الشيخ التعاريت‪ (( :‬وإليه ‪ -‬أى‬

‫أب النما رائد بن عمر أللوغ ‪ -‬الرجع ف الفتوى والشورى ف زمانه والدرس حينئذ داود‬

‫التلت بسجد القصيي والجتماع عند أب النما ول يرج الرأى إل من عنده وذلك ف زمن‬

‫تولية شيخ الكم بالزيرة صال السمومن‪)) .‬‬

‫ويقول التعاريت عند الديث عن أب عبدال بن أب حفص بن أب سته‪ (( :‬وله‬

‫مكان يكم فيه معلوم اليوم‪ ،‬به مقصورة ببابا‪ ،‬كان يلس فيها المتنع عن أداء الق حت‬

‫يذعن ويرجه منها على ما قيل وذلك مشهور‪ )) .‬واضاف بعد أسطر يقول‪ (( :‬وهذا‬

‫الجلس توله بعد شيخه عبدال السدويكشى‪ )).‬والكلم هنا يدل على أن الكم يتوله‬

‫باسم العزابة‪ ،‬ولول ذلك ما استطاع أن يكم على المتنع عن أداء الق بالبس حسب‬

‫كلم التعاريت لن القوة التنفيذية او ما يعب عنه التعاريت بشيخة الكم إنا كانت ف عصر‬
‫أب عبدال ف أسرة بن سومن فابو سته شيخ عزابة وليس شيخ حكم وقوته هذه الت‬

‫يستطيع ان يبس با من يتنع عن إداء الق غنمات يستمدها من قوة العزابة لن من قوة‬

‫الدولة‪.‬‬

‫ويقول العلمة التعاريت‪ (( :‬أن مشائخ الزيرة كلهم يتمعون بجلس الكام‬

‫والمور الهمات من صال البلد لنم رحهم ال كانوا بوقتهم مهما يقع شئ ف البلد ل‬

‫يكن حاكمهم بفضله ول يفعل شيئا دونه (‪ )1‬كما يشهد لذلك مكا رأيناه مقيدا بعدة‬

‫رسائل ف تقييد وقائع الزيرة ف زمان بعضهم مثل أب النجاة وأب سليمان وغيهم‪)) .‬‬

‫احسب ان الشواهد السابقة كافية للدللة على ما أردت ان اعرضه على القارئ‬

‫الكري من أن اهل جربة قد اعتادوا على نظام ساروا عليه‪ ،‬وذلك بعقد مامع علمية يرأسها‬

‫اعلم علمائهم وتعرض فيها جيع مشاكلهم الاصة والعامة‪ ،‬ويكون هذا الجتماع غالبا ف‬

‫بعض الساجد ولكنهم قد يعتقدونه ف منل الشيخ إذا دعت لذلك أسباب وذلك فيما يبدو‬

‫ل عند نزول امور مهمة مستعجلة‪ ،‬كالغزو الارجي او عند ما يريدون ان يكون نقاشهم ف‬

‫دائرة خاصة بعيدة عن العوام وصغار الطلبة‪.‬‬

‫وهذه الجالس إنا كانت إجتماعات لجلس العزابة فلما انل اعتاد العلماء أن‬

‫يقوموا بذلك ويافظوا عليه وبقوا مافظي على هذه العادة لزمن طويل حت تغيت انظمة‬

‫الكم ف أواخر العهد العثمان وتسلط الكام على العلماء ودخلت بعض الذاهب‬

‫السلمية إل الزيرة فاستغل الكام ذلك لزيادة التفريق بي الناس وتوسيع شقة اللف‪،‬‬

‫وأصبحت تلك الجالس تتضاءل حت انقرضت او كادت ف زمن الشيخ سعيد بن تعاريت‬

‫على ما يفهم من‬


‫‪16‬‬

‫حديثه يقول التعاريت‪ (( :‬وتد أشياخ وقتنا الواحد منهم ل يصلح ان يكون أق تلميذ‬

‫لضعفهم علما‪ ،‬وتد أعلم أشياخ وقتنا مثله ل يكون مدرسا ول يتأهل للتدريس ومع هذا‬

‫كله تلقاهم وتدهم ل يتمعون على لفظه‪ ،‬وكل مقتنع برأيه وعلمه ‪ ،‬وغذا صاوبت أحدا‬

‫منهم يقول ما يقول‪ ،‬والخر كذلك‪ ،‬حت صار هذا دين لم يفن عليه كبيهم‪ ،‬وينشأ عليه‬

‫صغيهم‪ ،‬فمن أجل ذلك سلط ال عليهم الظلمة الغشمة‪ ،‬وأستول عليهم السافل حت ل‬

‫يعرفون قدرهم ول قدر علمهم وحينئذ يقول الواحد منهم او كلهم هذا آخر زمان‪ ،‬ل يعد‬

‫العلم يوقر‪ ،‬ول يعد له قدر وشان‪ ،‬ول يعلموا ان هذا كله بارادة ال‪ ،‬وبسء أفعالم‪،‬‬

‫تصديقا لقول هادى الة كاشف الغمة (( كما تكونون يول عليكم )) وقوله عز من قائل ((‬

‫فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثي )‪ 9‬لكونه ف مل ينبئ عن الباطل‪ ،‬لن العلماء ورثة‬

‫النبياء واما الظلمة والسافل فهم ف باب الظلم والتعسف‪ ،‬ل يعرفون ال ول يراقبونه‪.‬‬

‫جهلهم حلهم على ذلك‪ .‬وزيادة غاية حال زماننا كمكا قال تعال (( ال ترا أنا أرسلنا‬

‫الشياطي على الكافرين تؤزهم ازا‪ 9) .‬فل تد عالا يصاوب ظالا‪ ،‬ول ظالا يوقر عالا‪ ،‬ل‬

‫داعى ول ميب إنا ل وإنا إليه راجعون‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلى العظيم وحسب ال‬

‫ونعم الوكيل‪ ،‬وما توفيقى إل بال عليه توكلت وإليه انيب‪ ،‬نسأل ال تعال السلمة‬

‫والعصمة والنجاة من فساد هذا الزمان ومن شياطينه النسية والنية آمي واستغفر ال من‬

‫الزيادة ف الكلم‪ ،‬واختم قول بالصلة على النب ‪ ،‬عليه السلم‪)).‬‬

‫ورغم هذه الصورة القاتة الت وضعها الشيخ سعيد بن تعاريت لعصره وعلماء‬

‫عصره‪ ،‬فانن اعتقد ان ذلك العصر كان به افذاذ من العماء‪ ،‬يقومون بامر ال‪ ،‬ويافظون‬

‫(‪ )1‬أي ل يفعل الاكم شيئا دون ملس العلماء‬ ‫‪16‬‬


‫على دينه‪ ،‬ويرعون الة ف جيع شؤونا ويامرون بالعروف‪ ،‬وينهون عن النكر‪ ،‬ويتولون‬

‫تعليم شباب المة‪ ،‬وتربيته على السس السلمية للتربية‪ ،‬وقد ادركت بعضا من علماء‬

‫الزيرة العاصرين له وحضرت دروسا على بعضهم امثال الشيخ رمضان اللين‪ ،‬والشيخ عمر‬

‫بن مرزوق‪ ،‬والشيخ ممد بن تعاريت‪ ،‬فكانوا امثال للعلماء السلمي‪ ،‬سعة اطلع‪ ،‬وغزارة‬

‫مادة‪ ،‬وصحة عقيدة‪ ،‬وسلمة دين‪ ،‬وشدة ورع‪ ،‬ونصيحة لعامة السلمي وخاصتهم‪،‬‬

‫وجهادا ف سبيل ال‪ ،‬وكفاحا ف نشر العلم‪ ،‬وقد كان غيهم ف الزيرة كثي مثل الشيخ‬

‫عمر العوام‪ ،‬والشيخ سليمان الادوى وغيهم‪.‬‬

‫وطبيعى ان هؤلء العلماء ف عصر الؤرخ الكبي الشيخ سعيد بن تعاريت ل‬

‫يستطيعوا ان يقوموا بثل ما كان يقوم به أسلفهم‪ ،‬لنم كانوا تت حكم الستعمار‬

‫الفرنسى التغطرس‪ ،‬ومهما بلغ الظلم والنراف بالكم من المراء السلمي ف كل‬

‫العصور‪ ،‬فإنه ل يبلغ عشر ما جاء ف الستعمار الغرب للشرق السلمي‪ .‬والفرق ف هذا‬

‫واضح فإن المي السلم الظال إنا يظلم لشهوة عارضة‪ ،‬إما للحصول على الال او للنتقام‬

‫أو التحكم وإظهار السلطة‪ .‬أما الستعمار الغرب فقد جاء بطة تويل ما ف الشرق من‬

‫خيات إل الغرب والقضاء على الدين السلمي القضاء الكامل والاق هذه الة بالنسيات‬

‫الوروبية‪ ،‬وتويل حضاراتم وادابم ولغاتم وما إل ذلك ما يوحى به الشيطان عندما‬

‫يدع اعوانه لينطقوا للتخريب والفساد والفرق بي هذا وذاك‪ .‬ل نسبة بينهما ومن‬

‫الستحيل بطبيعة الال ان نطلب من يعيش ف مثل هذه الظروف ان يعمل مثل ما يعمل من‬

‫يعيش ف مثل ظروف اولئك العماء السابقي على متلف عصورهم والفوارق بينهما‪.‬‬
‫وقد ايتح ل ان ازور جرزيرة جربة زيارة خاطفة سنة ‪ 1965‬ف عهد الستقلل‬

‫والرية فوجدت بقايا تلك الظاهرة ظاهرة إجتماع العلماء والطلبة لدراسة العلم ومشاكل‬

‫الزيرة الدينية والجتماعية ولقد سرن وال وانا اتدث إل جع غي قليل من رجال الزيرة‬

‫الكرام ومن علمائهم العظام ومن الدرسي وطلبة العلم ما لسته فيهم من حرارة النقاش‪،‬‬

‫ومبة العلم والرغبة فيه والتماس الكمال والسعى له‪ .‬وقد اخبون ان لم مالس علمية مرتي‬

‫ف السبوع يتدارسون فيها مشاكلهم العلمية والدينية ويدرسون بعض الكتب الفيدة ما ألفه‬

‫السلف وانم مواظبون على ذلك حريصون عليه‪.‬‬

‫ولعل الشباب الثقف التعلم من اهل الزيرة يعمل على احياء ذلك التاريخ الجيد‬

‫الذي انتج عبقريات وترك تراثا اسلميا رائعا ف عهد التقلل الزاهر الذي يعمل على ان‬

‫ينوئ تونس بميع اجزائها ف امكنة الصدارة من العال السلمي‪.‬‬

‫كلمة التام‬
‫أخى القارئ الكري أرجو أنن قد وضعت بي يديك صورا من حياة امة مسلمة كرية‪ ،‬ف‬

‫وطن مسلم كري‪ ،‬ولقد اعلمت ما ف وسعى من جهد لذ تلك الصور من حقائق التاريخ‪،‬‬

‫سواء كانت تلك القائق علما ف صدور الرجال‪ ،‬او أخبارا تتناقلها الجيال‪ .‬أو معارف‬

‫مدونة ف بطون الكتب والوراق‪ ،‬او شواهد بادية على الطلل والثار‪ .‬فإن كان فيها علم‬

‫وحق فذلك ما اردت والمد ل على التوفيق‪ .‬وغن كان فيها اللط والطأ فال سبحامه‬

‫وتعال السؤول ان يرفع عن اث الطأ‪ ،‬ويقين الزلل‪.‬‬

‫واخيا أشعر انه من واجب ان اتقدم إل أصداقائي الذين امدون بساعداتم الادلة‬

‫والعلمية‪ ،‬وتكبدوا من اجلى مشاق الشفر‪ ،‬بالشكر الالص‪ ،‬داعيا ال سبحانه وتعال‪ ،‬ان‬

‫يتول جزاءهم عن‪ ،‬فغنه نعم الول ونعم النصي‪.‬‬

You might also like