Professional Documents
Culture Documents
قمة من قمم العلم الشامة ،ومكتبة حافلة بأنواع العارف حية متنقلة ،على إنه ل يكن من حلة العلم
الامدين الذين يملون أراء غيهم دون أن يكون لم رأى بل لقد وهب مع الافظة الواعية الت ل
تكاد تنسى ،فكرا نفاذا إل حقائق الشياء ،وبصية نية خبية بواقع الحكام ،كان عالا بالصول
والفقه ،درس كل ما وصلت إليه يده حت بز جيع القران وفاقهم ،فلما نضجت مواهبه ،واستقرت
معارفه ،تصدى للتدريس والفتوى فتخرج على يده كثي من أعلم السلم.
بدأ دراسته على مشائخ عصره ث التحق بدرسة المام العظم أب عبد ال ممد بن بكر الفرسطائي
لقد قضى أبو الربيع أيام الصبا والشباب ف الدراسة .ث عكف على التدريس والتأليف .إنا المانة
العلمية الت تملها اسلفه أعد نفسه لملها،فحملها بدارة واستحقاق ول يتخل عنها لظة واحدة
ف حياته .وكما كون جيل من أنب الطلب وواضح معال السلم للضالي والاهلي بالدعوة إل
دين ال وبيان حدوده ف دروس الوعظ والرشاد ترك لنا مؤلفات قيمة منها التحف ف الصول
والسية النسوبة إليه .وهي دستور قيم للعال التعلم يدر بالشاب السلم التعلم أن يفظها وإن يعمل
با.
كان مستقل برأيه متهدا ف أحكامه قد يفت بالقول الرجوح ،ويعمل برأي القلية ،ويبدو أنه ف
فتاواه وأحكامه ل يقتصر على بث الراء والدلة الت تستند عليها وإنا يضيف إل ذلك ظروف
لا مرض إستاذه الكب أبو عبد ال ممد بن بكر مرض الوفاة قال لماعة من حضر :اشهدوا أن
البستان الفلن الذي على العيون هو لب يوسف وهو اكب أبناء أب عبد ال فسمعت امرأته بذلك
فظنت إن ذلك بسبب الوجع أو السهو فقالت تنبهه ما هذا يا شيخ فكرر الشيخ الشهاد على نفسه
با قال وأكد للقوم قوله الول ،ول يرجع عنه وأجاب امرأته قائل :إن اعتقدت له أكثر من ذلك،
وعلمي ورأيي ل أرجع عنهما إل علمك ورأيك ،وكان ولده أبو العباس أحد حينئذ عند أب الربيع
سليمان بن يلف ف نظام الدراسة فبلغه وفاة أبيه وقد بقيت بيده بقية من نفقه فامسك عنها لنه
رأى أن ذلك قد أصبح مال للورثة فقال له أبو الربيع أمسك ما بيدك وأنفق منه ول حرج عليك،
فإن إياك ل تلزمه العدالة بينكما ث ذهب إل موطن الشيخ أب عبد ال وأنفذ وصيته كما أوصى با
مع أن أكثر الفقهاء يوجبون العدالة بي الولد ول ييزون إنفاذ العطية إذا وقعت ف مرض الوت.
ول شك أن ف السألتي خلفا بي علماء السلم ولكن الراجح العمول به عند الباضية هو وجوب
وفتوى أب الربيع بغي الشهور من أقوال الذهب ف ذلك يدل دللة واضحة على استقلل رأيه
واجتهاده من جهة ث على استناده .على معرفة أحوال الناس الذين تقع لم الشاكل والحداث
ويبدو ل أن الذي يسر لب الربيع أن يفت هذه الفتوى إنا هو معرفته الكاملة لسرة إستاذه أب عبد
ال وللمجهود البار التواصل الذي بذله أبو يوسف يعقوب ف تكوين هذه السرة وتيئة ظروف
الياة الكرية لا حت كأنه شريك أو أخ لب عبد ال وهذا ما لحظه أبو عبد ال فهو يعلم أن ما
يعود عليه من أملك إنا كان لكفاح أب يوسف فرأى أن يعوضه عن ذلك الجهود بذه العطية.
وعلى هذه العرفة الشخصية والدراسة النفسية استند أبو الرربيع ف إصدار هذه الفتوى .ولقد تدث
أبو العباس الدرجين عن هذا الوضوع فقال » :قلت أما فعل أب عبد ال بن بكر رضي ال عنه فل
ينفذ لوجوه منها :أول إنه عطية ف الرض الذي توف فيه فل يوز إل بإجازة الورثة .ثانيا إنه ل يذكر
التسليم والوز وذلك شرط عند جيع أهل العلم إل الشاذ ،ثالثا إنه ل يعدل فيما دل عليه اللفظ
والعدل بي البني واجب على الب ف قول جاعة من أهل العلم واليه مال أكثر أصحابنا فيما علمت
لكن الشيخ أبا الربيع رجح قول من قال ل تب العدالة على الب .وأقول وال أعلم عن ذلك إنا
جاز لجازتم إياه إبرارا بالشيخ رحه ال « .انتهى قول أب العباس ويرد على تعليله الخي بأن
الورثة ربا أجازوا ذلك ما ورد ف أول القصة بأن امرأته نبهته حاسبة أن ما قاله إنا كان من الوجع
فأصر أبو عبد ال على موقفه وأعلن أنه لن يرجع عن رأيه وعلمه إل رأيها وعليها مع العلم إنا
وراثة.
ومهما يكن فإن ترجيحه للقول الرجوح ،وفتواه بغي العمول به دليل على ملكة الجتهاد
والستقلل ف الرأي ،وملحظة جيع الظروف الحيطة بالقضية عند تطبيق الحكام ،وشبيه بذه
كان بي مموع الطلبة الذين يدرسون عند أب الربيع تلميذان ذكيان تربط بينهما عرى الزمالة
والصداقة والحبة وكانا يقضيان وقتهما ف مذاكرة ودراسة ،حت إذا أحسا بالتعب واللل خففا عن
نفسيهما بالنكتة الضاحكة والدعابة البيئة والزل الفيف .وضع الزميلن كتب الدراسة إل جانبهما
وحلق بما اليال ف مسارح أمال الشباب فتحدثا عن العزوبة والزواج والتفت أحدها إل الخر
متصنعا وقار الد وقال له :إن أرغب إليك يا صديقي ف أختك فلنه بنت السب والنسب
وجئتك راغبا ف زواجها فهل توافق على ذلك وتصنع الزميل الثان وقار ول المر الذي يفكر ف
مستقبل أخته وينظر إل مصلحتها ث رفع رأسه وقال قد قبلت فبارك ال لكما.
وضحكا الفتيان ورجعا إل كتبها للمذاكرة ولكن شيئا بدأ يهجس ف نفس الفت الاطب .إل يكون
قد ارتكب بدعابته هذه حاقة ،وأصبح الزواج منعقدا ،وأصبحت فلنه هذه امرأته ويكون مسئول
أمام ال والناس عن زوجة ل تدري عنه شيئا ،وعندما افترقا بقي الشاب يردد الفكرة على ذهنه فل
تزداد إل رسوخا وثباتا ،وفزع بشكلته إل زملئه الذين يكبونه سنا وعلما يلتمس عندهم الل،
فكان كلما عرضها على واحد منهم إجابة بأن ثلثة جدهن جد وهزلن جد النكاح والطلق
والعتاق فالنكاح قد انعقد بينه وبي الفتاة ،وأصبحت زوجة له بكم الشرع ،ويضيفون إل ذلك ما
يشاءون من نكت ودعابات ،واهتم الفت واحتار وف درس من الدروس لحظ الشيخ أبو الربيع
سهوم تلميذه النجيب ورود فكره فعلم إن شيئا أصابه فلم يجله بالسؤال وإنا سأل عنه بعض زملئه
فأخبوه بالقصة فقال الشيخ قولوا له :فليقم وليشتعل بالقراءة فإنه ل ينعقد نكاح ،ول يلزمه شيء
ولو إجازته.
هذه حادثة أخرى من الوادث الت تدل على مبلغ علو الرجل واجتهاده ف ذلك العصر ،ولقد ناقش
الشيخ أبو العباس الدرجين هذه القصة أيضا فقال ( :قلت وهذه السألة لا وجوه تقيد با وليست
بطلقة وذلك أن أخا الرأة ل يلو أن يكون وكيل مع كونه وليا أو يكون ل وكيل ،فإن كان وكيل
فالنكاح قد انعقد بل خوف .وإن كان أنكح فضول بغي توكيل ث أجازته فالول جوازه وقيل
يكون موقوفا على قبولا أو امتناعها ،ولعل أبا الربيع رحه ال عرف ف هذه القضيه بعينها ما أوجب
امتناعها كتراكن وقع متقدما مع خاطب ،أو عقد تقدم من ول أخرو ال أعلم ) انتهى كلم أب
العباس.
كان أبو الربيع يتحلى بأسى أخلق الؤمني من اللي واللم والتواضع والكرم والعفة ومبة السلمي
والنصح لم.
أراد جاعة من طلبه أن يعودوا إل بلدانم فسار معهم مسافة طويلة لوادعهم وكان يتحدث إليهم
ويوصيهم ف أخل مرحلتهم الدراسية وما قال لم وهو يسي معهم( :أمضوا بالسلم ،فإذا وصلتم
منازلكم إن شاء ال ،فإياكم والدنيا إن تستقبلوها بوجوهكم ،فإن من استقبلها أغرقته ،ومن
استدبرها فل بد أن تأخذ منه ،وعيلكم باللفة والنصيحة والتزوار ،وحفظ مالس الذكر ،وإياكم
أمور الناس ،وإياكم التقصي فيمن يرد عليكم من أهل دعوتكم والسلم ) .وحينما عزم جاعة من
الطلب على الرجوع إل أوطانم معتقدين إنم أخذوا ما فيه الكفاية من مبادئ العلم وإنم
يستطيعون أن يستمروا ف دراستهم معتمدين على الكتب ب يرض لم .وأوصى العلمة أبا يي
زكرياء ابن أب بكر أن يقول لم ( اعلموا أنكم أن رجعتهم على هذه الال إل أهلكم فأنتم كمن
ترك السلم عمدا ) وليس أعنف من هذه العبارة توبيخا على من يرضى بالقل؟ أو يتملكه الغرور
فيحسب أنه قد ملك من الوسائل ما يصل به الغاية ول أشد تريضا على طلب الكمال.
كان ذات يوم جالسا ف زاوية من زوايا السجد إل جانب صديقه يزيد بن خلف الزواغي يستمعان
من مكانما إل درس يلقيه العلمة أبو يعقوب ممد بن يدر فسأله سائل هل يب علينا العلم
بالفرائض وليس علينا العلم با فاته يزيد إل صديقه أب الربيع وسأله بيث يسمع من ف السجد يا
سليمان ما الذي أخذت عن أب عبد ال بن أب بكر ف هذه السألة قال أبو الربيع إذا لزم العمل
بشيء لزم العلم به وإن ف فعله الثواب وإنه فرض وعدل .دوى صوت أب البيع بذا الواب ف
جوانب السجد فلم يرد عليه أحد .مع ذلك فلم يعلن أبو يعقوب عن رجوعه ول طلب منه
الشيخان أن يرجع عن قوله والقضية من مسائل علم الكلم الشهورة مبسوطة ف الكتب وهي من
مسائل اللف بي الباضية وبعض الفرق السلمية الخرى لنه ل يعقل أن يقوم النسان بعمل ل
يعرف كيف يقوم به .ويعلق أبو العباس الدرجين على هذه الادثة فيقول( :وكان هذا حال الشيخ
أب الربيع ل يعجل بتخطئة أحد ،ول يسمعه جفاء) ولعل ما يكمل به إطار هذه الصورة الت أرادت
أن أضعها لذا الؤمن العامل ف هذا الكتاب أن أنقل للقارئ الكري ناذج ما ورد ف كتابه القيم
» ينبغي للعال أن تكون له خزائن ل يدخلها إل هو « من جهالة العال أن يفت لكل من يسأله »
العال ف علمه كالطبيب ف أدويته ل يضع دواء إل حيث يصلح ،وكل عله مع دوائها« » صونوا
علمكم بالسكينة والوقار وحسن الدب « » على العال أن يعبد ال بكتمان علمه ما ل يتج إليه ل
يسمعه كتمانه« » العلم أكثر من أن يصى ولكن خذوا من كل شيء أحسنه« » ظلم الناس
السلم بثلثة :تركوه من غي عيب ،وجعلوا له عيوبا ل تكن فيه ،وادعوه ول يكن فيهم» « .
سرعة اللسان بالستغفار والتمادي على الذنوب توبة الكذابي« من يتوب ث يرجع إل ما تاب عنه
كالستهزئ بربه« أحذروا الناس فإنم ما ركبوا ظهر بعي إل أدبروه ،ول مت جواد إل عقروه ،ول
قلب مسلم إل أفسدوه« »يكون الرجل ف قعر بيته ،قد غلقت عليه البواب ،واقفا ف صلته ف
جوف الليل ،ليس معه غيه وهو مراء بصلته ،قيل له كيف ذلك قال إذا أحب ف نفسه أن يظهر
ذلك للناس ويطلعوا عليه« يكون الرجل ف مطلع الشمس وتكون الفتنة ف مغربا ،وهي ف بيته على
سريره راقد ،ول يضر بنفسه ول باله ،وسيفه يقطر دما من تلك الفتنة قيل له كيف ذلك؟ قال :إذا
هذه ملمح عن شخصية أب الربيع الزات أرجو أن يكون القارئ قد رسم منها صورة لذلك الرجل
العظيم.
قال فيه أبو العباس الدرجين » كان ذا فطنة وذكاء وعقل ودهاء ،وكان مصدرا بدرجي من قبل
مقدمها ( مولهم بن علي ) والماعة ،فكان حكمه عدل وقوله فصل « .ويبدو من هذا التعريف أن
الشيخ ميمون يتول الحكام والفتاوي ف درجي لن مقدم درجي ف ذلك الي وجاعة السلمي
يرجعون إليه ف هذه المور لن ميمونا ل يتول العمل للحكومة ف أي فترة من حياته وإنا وثق فيه
وف علمه ودينه الناس فالتجأوا إليه وكان ف عامل درجي بقية من خي فلم يركب رأسه ويفعل ما
يفعل غيه من أصحاب السلطة وإنا كان يرجع ف أحكامه إل ميمون بن أحد الزات الذي كان
يكم بعدل ويفصل الشاكل بعلم ويتصرف بدبن ونزاهة .وقد أرضى بعمله هذا الاكم الفعلي
امتدت الياة بالشيخ وطالت حت كف بصره ،وأدبرت أيام درجي وتغلب فيها الهل ،حت كان
الشيخ يتمن أن يد من يسأله عن مسألة أو يناقشه ف حديث أو يتعلم منهأو يعلمه ،وقد من ال عليه
فإستجاب دعوته ف آخر أيامه فوهب له طالبا ذكيا ألعيا شديد الرغبة ف العلم هو العلمة سعيد بن
سليمان بن علي بن يلف .ففرح به الشيخ ،وأمل أن يى ال على يديه ما إنطمس من معال الق،
وكان الطالب الذكي ل يفارق ملس الشيخ ف السجد أ ف البيت فكان يضر حلقة القرآن الكري،
وكان يرافق الشيخ ويدمه ،وكان الشيخ يؤثره اكراما لده يلف بن يلف فكان يرنه على القراءة،
ويمله على مراجعة أخطائه مت يهتدي إل تصحيحها بنفسه ويسرد له ما عسر عليه ،ويرافقه ف
تلوة القرآن الكري ،ويفسر له بإياز معان اليات ويشرح له معان الفردات اللغوية إل أخر ما
قال أبو عثمان سعيد بن سليمان » :دخلت حلقة درجي وأنا صب قبل أن اكمل قراءة القرآن فكان
الشيخ ميمون سبب ترن على قراءة الكتب ،لنه كان يكبن إجلل لوالدي ،ويصن بالفوائد،
وذلك أنه مت خرج إل السجد أخرج معه كتابا .فإذا جاء السجد دعان وقال ل اقرأ ،فآخذ
الكتاب واقرأ فمت توقفت ف بعض ما يشكل على قال ل بي ول ترهب فإذا قرأت حرفا ما أصبت
أو صحفت استحسن ذلك ،وكان يقول ل بعد ما كف بصره اقرأ على سورة كذا وكذا ،وكان ل
يلين من فائدة«.
كان شديدا ف المر والنهي حريصا على إقامة دين ال فلما كب وكف بصره خفف من حدته،
ولن ف أمره ونيه .وكان العلمة يلف بن يلف يتوسم فيه الي والصلح فكان يصه بالدايا
ويقول لم » :إكرموا ميمون بن أحد فقد اجتمعت فيه الصال الثلثة :عزيز ذل ،وغن افتقر،
لقد كان هذا العال الذي حكمت عليه ظروف الياة أن يعيش ف درجي حي أدبرت أيامها،
وذهبت نضارتا ،وأتى الظلم والبوت على ما كان فيها من علم وخلق مثل يتذى ف وسائل
التربية والتعليم .فلقد جرى على طريقة تعتب من الطرق الديثة ف التربية والتعليم وذلك إنه يعمل
على أن يعتمد التلميذ على نفسه بعد أن يستثي الدرس ذهنه فيستنتج ويستخرج القواعد وياول أن
يصل إل أخطائه بنفسه فيصححها دون أن يلقنه الدرس ،وهو ف طريقة تدريسه وتربيته يترم
شخصية الطالب ويبذر فيها بذور الشجاعة والثقة بالنفس .وقد كان حريصا على أن يكون الؤمن
حسن السية لي اللق عفيف اليد واللسان فكان يقول » :من قال لسلم يا تقيل يبأ منه «
إنه ل يريد أن ينسب إل السلم أي وصف تكرهه النفس وتله يسببه الصحاب.
أبو حفص عمرو بن جيع
يشرفن بأن أضع القلم لرفق القارئ الكري ف قراءة هذه الترجة القيمة الت كتبها المام القدوة أبو
اسحاق طفيش رحه ال ورضى عنه قال حي ترجم لب حفص ف مقدمه التوحيد » :هو العلمة
القدوة أبو حفص عمرو بن جيع ،ل ند له ترجة غي ماكتبه عنه البدر الشماخي رحه ال ف تراجه
وأن كنا ندرك منلته العلمية والعملية ف نفس القدمة لو جزمنا بنسبتها إليه ،قال البدر :كان إماما
مشهورا ،وكان من بي العلماء منظورا ،وإليه تنسب العقيدة الت كانت بالببرية ،فأبدلا بلسان
العربية ،وهي اعتماد أهل ( جزيرة ) جربة وغيهم من أصحابنا أهل الغرب ،غي نفوسة ف ابتداء
الطلبة ،وأودعتها شرحا على قدرها ،انتهى أما كونا ليست عماد أهل نفوسة فل عتمادهم على
العقيدة العروفة عندهم بعقيدة نفوسه وهي مت من متون أصول الدين لحد أئمة القدماء أشتهر
عندهم واعتنوا به ،فاستغنوا عما سواه من التون ،ويبدو على مت القدمة النسوبة إل العلمة أب
حفص أمور :اشتمالا على ما ل يسع جهله من مسائل التوحيد من المل الثلثة وتفسيها على
منهاج السلف رضوان ال عنهم دون أن تشاب بأساليب الفلسفة الكلمية ،وتكليف البتدئي معرفة
الصفات والسائل اللفية ،تضمنها ف مسائل الولية والباءة ،معرفة العصومي ،وهم الذين أثن ال
عليهم ف كتابه العزيز نصا أو تلويا ،وهم بذلك مقطوع بسعادتم ف الخرة ،وبوتم على الوفاء
بدين ال ،العب عنه عند أصحابنا بالعصمة ،احتواؤحها على مسائل هي من قبيل مسائل التاريخ
كذكر النبياء الذين أرسلوا إل الكافة وأول العزم ،والنبياء العرب ال ،كي يكون البتدئ على
الامة بهم ما يتصل بسائل دينه .عنايتها بتفصيل الناس بالنسبة على العمل بالدين وعدمه ،وبيان
حال السلم ف أطوار الياة الدينية ،والحوال الت تكون عليها المة بالنسبة إل الستقلل والغلبه
العب عنه بالظهور ،والتغلب عليها العب عنه بالكتمان ،لعدم نفاذ أحكام السلم العامة وحدوده،
وفرز السلم متغية ،وأصول التشريع من التنيل والسنة والرأي :الذي هو الجاع والقياس ال ما
هنالك من مهمات السائل الت يلم با التعلم ف بداية التعليم حت يكون أخذا بقسط من مسائل
الدين والتهذيب وأصول التشريع وأسس الياة الستقللية ومعرفة أحكام اللل ،وطاعة أول المر من
الئمة العدول ،والتضحية ف سبيل الق لجل الق ،والتحلي بالكمالت السلمية ومعرفة الكبائر
وفرز ما بينها ،فهذه العقيدة هي ف نفس المر والواقع من أهم القدمات لو اعتن با من جيع
نواحيها لكانت الؤلفات الت تكتب وإبداعها أصول وتاريا ،وخلوا من هوس الفلسفة الكلمية.
وجهدت هذه النكته منسوخة بالببرية ال فهذه العبارة صرية ف إنا لغيه ،ل له ث إن التاريخ
أعرب لنا عن حقيقة ل مراء فيها وهي أن عهد التأليف بالببرية أقصى ما يكن يصل إليه ل يعدو
القرن الرابع والؤلف من الطبقة الامسة عشر الت هي طبقة المسي الول من القرن الثامن على ما
ويكن أن يقال أن هذه القدمة أخر ما نقل عن الببرية إل العربية من الؤلفات وهذا الطور طور
التأليف بالببرية – من أهم أطوار التاريخ السلمي ف شال أفريقيا يدل على ما بذله اسلفنا من
الهود ف هداية الببر إل السلم ،وتكينهم فيه با ل يبلغ إليه سواهم ،فجزاهم ال عن السلم
أحسن جزاء ففي قول البدر الشماخي أن العلمة أبا حفص كان إماما شهادة عظيمة تعرفنا برتبة
الترجم له ،وبنسبته بي أقرانه ،إذ ليس البدر الشماخي بن يقول ويلقى دون وزن ،وها رحهما ال
قريبان ف العصر حيث توف البدر سنة 928هجرية والمام أبو حفص وإن ل نقف على تاريخ وفاته
عند كتابة هذه النبذه فإنه معدود عند أصحاب الطبقات من أئمة المسي الول من القرن الثامن
كما تقدم توف رحه ال بزيرة جربة ودفن بقبة جامع تفروجي بفتح التاء والفاء وشد الراء
عماد هذه السرة أبو الفضل أبو القاسم بن إبراهيم البادي ،وقد نشأ ف جبل دمر من النوب
التونسي ودرس على بقية الشائخ هنالك ف أول أمره حت ثقف لسانه ،وصلب عوده ،وازداد عطشه
إل العلم ،وظمأ إل العرفة ،فانتقل من جبال دمر إل جزيرة جربة فالتحق بدرسة علمة زمانه الشيخ
يعيش الرب فدرس عنده ما شاء ال ث تاقت نفسه إل الزيد فارتل إل جبل نفوسة والتحق بدرسة
المام الكبي أب ساكن عامر بن علي الشماخي ،وواصل هنالك دراسته حت أصبح علما من العلم
وإماما من الئمة .ورجع إل جبال دمر ،فبدأ كفاحه من أحل الرسالة القدسة ولكنه ل يستقر ف
دمر طويل فقد انتقل إل جربة ليجعل من تلك الزيرة مركزا لقامته ومنطلقا لدعوته الصلحية
وميدانا لكفاحه ف سبيل ال ،وكانت الزيرة ف ذلك الي تعج بالعلماء العلم ،وتنتشر فيها
الدارس وإن كانت من الناحية السياسية ،تعان أشد التاعب ،وتتعرض لصنوف من الى ،وتصدى
للتأليف والتدريس والفتوى والفصل ف مشاكل الناس ،والقيام بالمر بالعروف والنهي عن النكر
والتنديد بالظالي والنحرفي .ولقد آتت جهوده العلمية أحسن الثمرات فتخرج على يده عدد قليل
من العلم.
ومع كفاحه للباطل الذي بدأ ينتشر ف التحلل الدين ،والباطل الذي بدأ ينتشر على السنة البتدعي،
والباطل الوافد ف ظلل الكم الفاسد وعدم الستقرار ،والباطل الخيم مع الهل بدين ال .مع
كفاحه للباطل ف شت هذه الصور وانشغاله بتوعية الرأي العام ،كان قد ترك لنا ثروة قيمة من الثار.
فقد ألف ف الدود الشرعية رسالة قيمة استجابة لطلب الشيخ أب عبد ال ممد بن أحد الصدغيان
حدد فيها حقائق أكثر العلوم الشرعية ،وبدأ ف شرح الدعائم فأصدر منه الزء الول وصل فيه إل
الطهارات ث جعت مسودة الباقي من بعده فبلغت إل الزكاة ول يتم الكتاب .وشرح كتاب ( العدل
والنصاف ) للمام أب يعقوب يوسف بن إبراهيم ول يتمه ،وألف كتاب الواهر النتقاة فيما أخل
به كتاب الطبقات وهو تصدير مطول أو جزء أول لكتاب الطبقات لب العباس الدرجين أما
الفتاوي والجوبة فقد ترك منها الشيء الكثي ،وقد رأيت منها جلة تدل على أن الرجل بلغ من
العلم درجة تاوزت مرتبة التقليد إل الجتهاد ،وخولت له الستقلل بالرأي ف الفتوى وهو ف
رسائله قوي صريح تبلغ الشدة والعنف ف بعض الحيان ل يبال ف الق لومة لئم والذي يبدو من
دراسة التاريخ أن الفترة الت كان فيها أبو الفضل كانت من أحرج الفترات الت مرت على جبل دمر
والنوب التونسي كله فقد كانت العصبية الذهبية بلغت حدا كبيا ،وكانت اليدي الاكمة الزيلة
التغطرسة الت ضعفت عن حكم الناس بالشرع أو بالقانون فاستندت ف حكمها على إيقاد نار الفتنة
بي طوائف المة وتوسيع شقة اللف بي الناس وتسليط الذين ل يشون ال ول يتقونه على غيهم
ومساعدتم على العدوان ليتسن لم أن تمع الموال الت تطالب با بكل إلاح وباستمرار .فأصبح
الناس يعيشون ف تلك الناطق منغزلي متعادين كل قرية أو قبيلة أو مموعة منها تعيش منفردة
بنفسها .وأصبح كل ما يت إل التصال بالدولة دليل على الظلم والفساد .ولعل ما يصور ذلك ما
قاله البادي وهو يتحدث عن اللل والرام والشبهة قال » :ومن القراين الت تدل على الشبهة
والريبة ،ويب التوقف والبحث عندها ،قرينة الغارات والتلصص ف بلدنا ،هذه العمائم الرزق،
ومن قرائن الغشم والغارات والنتهاب الرمح والقوس ،ومن قرائن التسلط والقهر والعلو والسلطان
الترفه والتفنق والتباهي ف اللبس الفاخرة مثل الفراء الؤشاة والثياب الذيلة الطولة والخراج،
واليل السمومة ،والبانيس الواسعة الكتاف ،وكثرة العوان والتعزز بكثرة التباع والتبختر ف
ويقول بعد كلم » والجتماع والوقوف على أبواب الظلمة ،والنتصاب بي أيديهم ولباس الثباب
والحباب مفرده من غي ما يلقي على العواتق فهذه قرائن كلها باكتساب الشبهة والرام والريبة،
وتوجب التوقف والبحث والفحص عما ف أيديهم ،وإن كان يتمل أن يصل لم اللل بياث أو
هدية أو صدقة أو شراء إل الذمة،فهو احتمال ضعيف نادر والنادر ل حكم له «.ويقول بعد كلم:
» فالدية إليهم من أمثالم ومن هو بنلتهم .فمهما ظهرت قرينه من هذه القراين فقد وجب أتنه
والتوقف فهو معن وله صلى ال عليه وسلم من تركها فقد استبأ لدينه وعرضه ومن رتع حول
المي يوشك أن يقع فيه « .ترج على أب الفضل وعدد جم من كبار العلماء ،وتسلسلت منه أسرة
شهية ف العلم والعمل والكفاح ف سبيل ال ولعل أشهر أفراد السرة هو ولده أبوه أبو ممد عبد
ال بن أب القاسم البادي .كان كما يقول أبو العباس الشماخي » شيخا عالا متفننا« درس على
مشائخ جبل دمر ث ارتل إل تونس فدرس ف العهد الزيتون العامر وبلغ فيها مرتبة شهد له فيها
علماء الزيتونة العظام بالنبوغ والعلم قال بعض تلميذه كنت بالزيتونه ف ملس من مالس العلم قال
فأثيت مشكلة من مشاكل اللغة العربية فاستشكلها الستاذ الدرس وتردد فيها فتكلمت فيها با
حضرن فأعجب الشيخ جواب فقال ل عمن أختها ،قلت عن أب ممد البادي فالتفت إل القوم
وقال لم ،ما رأيت اعلم من البادي ،فغضب بعض الاضرين من هذا القول /فالتفت الشيخ إل
البجيي وكان متخصصا ف العربية فقال له :إنه يشاركك ف العربية ،ويزيد عليك ف علوم أخرى،
ث التفت إل غيه ،ويقول لكل واحد منهم إنه يشاركك ف مادة تصصك ،ويزيد عليك ف علوم.
هكذا يشهد الشيخ حسي الدرس الكبي ف العهد العامر لب ممد وهو غائب شهادة يغار منها
جاعة من العلماء فيقرر لم الشيخ ف صراحة أن البادي يشارك كل واحد منهم ف مادة تصصه
عندما أت دراسته إختار جزيرة جربة مقرا لعلمه وفيها بدأ كفاحه العلمي والدين أما وطنه جبل دمر
فقد تركه لخيه أب عبد ال ممد البادي .قال أبو الربيع سليمان بن أب زكرياء الفرسطائي ارتلت
إل جبل دمر للدراسة فالتحقت بدرسة أب عبد ال البادي فكان هو الدرس والفت والاكم ف
جبل دمر فإذا جاء أخوه أبو ممد عبد ال ،رجع الدرس والفتوى والكم إليه ،وكنت أريد أن أسأله
عن مسألة ف اليان فيمنعن الياء منه ،وسألته يوما عن اليان فقال ل :يقول بعض العلماء أن النظر
ف اليان إل ما يدل عليه اللفظ ويقتضيه ،وقال بعضهم النظر فيه إل النيات وهو أول ،هذا ترجيح
أب ممد.
تول أبو فارس عزوز الكم ف تونس ما بي 837 – 796وكان قويا فاضل ذا سياسة وحكمة
جاءه بعض الناس يشترون عليه أن يلتزم أهل الذهب الباضي ويوهونه أن ف الذهب الباضي بدعا
تالف السلم وأن أهله ل يزالون يناوئن الكام وأن توحيد الملكة تت مذهب واحد أحسن
فاستحسن الفكرة وكان فيما يبدو ل يعرف شيئا عن الباضية غي ما يقصه التعصبون الغرضون
فرأى إنه يب عليه كي يتخذ الطوة إن يزور القوم وإن يتصل بم وأن يعرف منهم أصول هذا
الذهب وقواعده حت يقيم عليهم الجة ويلزمهم بالروج منه والدخول ف مذهب آخر وارتل إل
جربة وف ركابه عدد جم من علماء الالكية الفضل وطاف ف البلد فوجد الساجد عامرة غاصة
والدارس مزدحة وحلق الدروس متتابعة وأداب السلم ف العاملة ظاهرة متغلبة ولكي تتم له
الصورة الت أراد أن يأخذها عن الباضية ف جربة عقد ملسا للمناظرة حضره جع من علماء الزيرة
وطلب العلم .وأثيت بعض الشاكل العلمية فأمر أبو ممد أحد تلميذه بالواب فأوضح التلميذ
وأبان وأجاب با أقنع أبا فارس والمع الذين حضروا معه واتضح لب فارس أن الكلمة الت ألقيت
ف أذنه باسم النصيحة للدين والدولة إنا هي وشاية متعصب حقود ولذلك فقد أقام أياما ف جربة ث
عاد إل مركز الكم وهو مقتنع أن هؤلء القوم أحرص على دينهم من الوشاة الذين يتزلفون إليه.
ترج علي أب ممد عبد ال عدد من فحول العلماء منهم أبو النجاة يونس التعارين وأبو يي بن
أفلح.
هو العلمة النحي ،والقدوة الشهي ،والول الصال أبو سليمان داود بن إبراهيم التلت الرب ،أحد
الثقاة الصالي ،رحل ف طلب العلم ،واقتطاف أزهار فنونه من رياضها ،جاب الفدافذ إل العلمة
أب مهدي عيسى بن إساعيل اليزاب الليكي بوادي ميزاب عام أحد وسني وتسعمائة ،وعن الشيخ
سعيد بن علي اليي الرب الداوي ،وهو الشهي بغاردايه بعمى سعيد.
فهو الذي يدثنا عن مراحله العلمية منذ البداية فقال :أول ما قرأت العقيدة عقيدة التوحيد وغيها
على عمنا أب زكريا ابن عيسى البارون – والذي ف طبقات أب عبد ال البارون أب بكر بن عيسى
البارون – وهو من نفوسة ث قال :ث قدمت من نفوسة إل جربة وقرأت با عند الفقيه أب القاسم
بن يونس السدويكشي ومن شيوخه العلمة أبو يي زكرياء بن إبراهيم الواري من مشاهي الطبقة
التاسعة عشر كأب القاسم السدويكشي ث رحل ثانيا إل جبل نفوسة فأخذ على أب يوسف يعقوب
بن صال علمة أجناون بفتح المزة واليم وشد النون وفتح الواو بعدها نون ،لفظ بربري معناة
النان جع جنة ،وهي من أجل قرى جبل نفوسة با عي ثرارة تسقي القرية وحدائقها الغناء .ث
ارتل شيخه إل جزيرة جربة فعكف على أخذ العلم عن الشيخ إبراهيم بن أحد من سللة أب
منصور اليأس التندميت النفوسي المام الشهور،عامل أمي الؤمني أفلح بن عبد الوهاب ،وكلها
من الطبقة السادسة .وقد أخذ عن شيخه إبراهيم بن أحد فنون العقول كالنطق والبيان حت برع
فيها ونبغ.
وكان ماها متهدا ف العلم وإصلح شعبة والوقوف ف وجوه الظلمة والطغاة ،ول يأل جهدا ف
المر بالعروف والنهي عن النكر حت كان ف مكانته بنلة المام العادل ف تنفيذ الحكام والسهر
على أمنالمة وراحتها .وقد ذر قرن الطغيان والعسف من عمال التراك يومئذ على تونس ،ويبدو أن
الثورة على درغوث بن علي التركي ف جزيرة جربة كانت باشارته حيث بلغ الشر من أولئك الولة
الطغاة أشده ،با ل بد معه من الدفاع عن الكرامة والدين ،فكان أن أغار درغوث الطاغية على
الزيرة بموع من العربان والنكار والند ،فأخد الثورة بضروب القسوة ،نايتها قتل هذا العلمة
الليل ،فاستشهد رحه ال ف أوج طغيانه -با انطبق عليه قوله صلى ال عليه وسلم » أفضل الهاد
كلمة حق عند سلطان جائر فيقتل با صاحبها« أو كما قال فلم يلبث الطاغيةوأعوانه بعده إل نو
اسبوع حت انتقم ال منهم باعدائه السبان ،فكان جزاؤكم وفاقا وكانت وفاته رحه ال سنة سبع
وسنتي وتسعمائة أوائل شهر جادى الول ،ودفن بامع أب داود بومة بركوك بالزيرة – جربة –
وأبو داود هو أبو سليمان اشتهر عند العامة بأب داود حت أن أكثر التلميذ ل يعرفون مصنفاته إل
بأب داود وهو خطأ أن يكن بإسه كخطائهم ف كنية جدنا ممد بن عبد العزيز إذ ل يعرف إل بأب
ممد والطأ نشأ من أن الببر يكنون العظماء بأسائهم والصل عندهم أن العظيم من رجال الدين
يقال له بابا فلن أي سيدنا فلن ويتصرونه إل بافلن فيتوهم أنم يكنون وعلى هذا اشتهر كثي من
عظماء العلماء بكنيتهم بعلمهم ف بلد الت تغلب عليها اللهجات الببرية بالغرب.
ولب سليمان داود مصنفات نفع ال با كثرا من عباده الؤمني :منها شرحه على مت ايساغوجي ف
النطق مقرر بالامع العظم الزيتونة بتونس ،وشرحه على الجرومية قل أن ند من ادركناه ل يفظه
عن ظهر الغيب ،وهو ما من ال علينا به من الحفوظات ،وشرح القدمة هذه ،مقدمة العقيدة كذلك
قل أن ند من أدركناه من العلماء أو التلميذ ل يكن من مفوظاته وذلك ف بلدنا – وادي ميزاب
– ولعل الال ف الزيرة ونفوسة كذلك وصلى ل على سيدنا ممد وآله وصحبه .هذا ما كتبه
المام أبو إسحاق عن أب سليمان الثلثي وأنا وإن كنت ل أجد شيئا جديدا أضيفه إل كلم المام
غي إنن أريد أن اختتم هذا الفصل الرائع بكلمة جانبية صغية.
يبدو ل من مقارنات تاريية كثية أن أبا سلمان التلت كان من أواخر من تول رئاسة ملس العزابة
وكان لغزارة علمه وقوة شخصيته وصلبة إرادته يبدو كأنه يقف ف اليدان منفردا يتول جيع
الشئون وهذا ما عب عنه المام أبو إسحاق بقوله ( حت كان ف مكانته بنلة المام العادل ف تنفيذ
والقيقة أن ملس العزابة يقوم ف أطوار الكتمان بعمل الكومة المهورية وشيخ العزابة
يكون فيه بثابة رئيس المهورية أو المام العادل ينفذ الحكام ويصدر الوامر ويتول جيع الشئون
الت يقررها الجلس ،على أن ظروف الياة ف جربة قد اضطرت ملس العزابة أن يرى بعض
التعديل على نظامه فيخالف بذلك نظام العزابة العروف ف جبل نفوسة ونظام العزابة العروف عند
الباضية ف الزائر وذلك أن الجلس يتار من غي أعضائه شيخا يسمى شيخ الكم يسند إليه القيام
بالشؤون السياسية والدينة تت استشارة ملس العزابة وهذا الشيخ أصبح ل تتوفر فيه شروط العزابة
ول يكون عضوا ف اللقة وانا يكون غالبا كإمام دفاع ف حالت الرب وكواسطة بي المة
والدول الظالة لميع الضرائب بالطريقة الت يقررها ملس العزابة ويسلمها لعمال الدول الاكمة
وذلك حت ل يكون التعاون الباشر بي حلقة العزابة والكام الظالي .وهذا التعديل الذي أدت إليه
ظروف خاصة ف جربة أخرى حسب تقديري بعد القرن التاسع ويدل على إجراء هذا التعديل كلمة
أب سليمان داود التلت حي كان درغوث يستجوبه فقد قال له " :نن جاعة العزابة ليس بايدينا
ول إلينا توليه المراء ول عزلم ف هذا الزمان " وهذا يدل أن العزابة هم الذين كانوا يتولون تولية
المراء وعزلم وواضح أن أبا سليمان كان يقول هذا وهو شديد السف على هذا الجراء الذي
اتذ والقيقة إن ملس العزابة ف جربة بدأ يتخلى ويضعف عن مزاولة اختصاصاته فكانت تسلب
منه شيئا فشيئا كما سلبت منه الرئاسة السياسية والدينة ولقد يتول ف بعض الحيان بعض كبار
العلماء رئاسة الجلس فينتعش كما انتعش ف عهد أب سليمان وعهد شيخ مشائخ أب النجاة وغيهم
ولكن الظروف الت جاءت من بعد والضربات الوجهة إليه بقصد من بعض الولة وترد بعض مشائخ
الكم من أهل الزيرة وماربتهم علنا للعلماء العالي ومساعيهم لدى الدولة للقضاء على أولئك
وعلى كل حال فان أبا سليمان داود بن ابراهيم التلت كان من أولئك العمالقة العظام الذين
انتهت إليهم رئاسة الجلس وقيادة المة وماربة الطغيان حت ختم له بالشهادة فرحه ال رحه
واسعة.
عاش ف القرني التاسع والعاشر وكان حلقة اتصال متينة بلي مواطن الباضية ف ليبيا
وتونس والزائر ،أخذ العلم عن جاعة من العلم مثل أب عفيف صال ابن نوح التندميت وأب
ممد عبدال بن أب القاسم البادي وأب يى زكرياء بن أفلح الصدغيان وغيهم وترج عليه جع
من العلم مثل أب يوسف يعقوب بن صال التندميت وابراهيم بن احداب الباس واب عثمان سعيد
بن على الثى الرب وملمة الناون وغيهم من أقطاب الزيرة والبل وبن مصعب ويكفيه شرفا
اشتغل بالتعليم ،وقضية التعليم هي الواجب الول على جيع علماء المة ومع قيامه بذه
الهمة وتوافد طلبة العلم عليه من كل مكان فقد كان يكافح من أجل اقامة دين ال ف جيع اليادين
فكان من أحراص الناس على المر بالعروف والنهي عن النكر ،وإقامة حدود ال ،وكان داعيه من
الدعاة الؤمني الخلصي الذين اوتوا مقدرة وكفاءة على قيادة الناس ف سبيل الي ،وكان حريصا
على حاية الجتمع السلم من المراض الخلقية الت تتسرب إليه من هنا وهناك ،وكان دائم التنقل
بي اناء الزيرة يعلم الاهل ،ويرشد الضال ،ويل الشكلة ،ويفصل النازعة ،ويقضى بي
التخاصمي ويقيم حدود ال على النحرفي .فلقد كان شيخا للعزابة إليه ترجع جيع الشئون وهو
الذي يتول تنفيذ أحكامهم وإن كان ف الزيرة ف ذلك الي شيخ للحكم هو أيو زكرياء السمومن
اختاره العزابة انفسهم ولكن أبا زكرياء كان يتول إمامة الدفاع عندما يغي على الزيرة مغي ويتول
ف بعض الحيان تسليم الضرائب إذا اقتضت الظروف السياسية لزيرة جربة ان تدفع الضرائب إذا
اقتضت الظروف السياسية لزيرة جربة أن تدفع الضرائب لبعض التغلبي اما النواحي الخرى من
الشئون سواء كانت دينية أو اجتماعية أو أخلقية فانا يتولها الشيخ أبو النجاة تنفيذا لقرارات ملس
العزابة الذي كثيا ما تقتضيه الظروف فينعقد ف بيت أحد أعضاء العزابة بدل من السجد.
كان يلقى الدروس للقات متفاوتة من الطلب منهم مبتدئون ومنهم من يسلك ف سلك
العلماء ومن الكتب الت يدرسها للطبقة العليا من الطلب كتاب الهالت وهو كتاب دسم غزير
الادة متي السلوب ل يقوى على فهمه وتدريسه إل فطاحل العلماء فوضع عليه أبو النجاة تعاليق
وهوامش تشرح الغامض منه وتسهيل الصعب وعلى تلك الوامش اعتمد أبو عبدال بن أب ستة ف
من التلميذ النجباء الذين درسوا على أب النجاة سلمة بن يوسف الناوى ،وكان سلمة
ذكيا لبقا خفيفا كثي الركة جم النشاط ولذلك فقد كان ملزما للشيخ ل يفارقه ،يضر أكثر
مالسة ،ويسجل ما يقع من مناقشات علمية أو مداولت ف الشئون السياسية والجتماعية ويهتم
بصفة خاصة بالنواحي التاريية فيسجل الداث تارة بالسنوات وتارة بالشهور فيقول مثل" :
اجتمعت مع شيخي عمنا يونس بن تعاريت عام "903أو يقول :وقع لعزابة جربة اجتماع عند
وهكذا كان هذا الطالب النجيب ل يترك شيئا هاما يدث ف مالس أب النجاة دون أن يسجله
بإختصار ويبدو ان سلمة هذا ل يعن فيما بعد بتنسيق تسجيلته وملحظاته وإنا تركها هكذا
لتكون مادة علمية مردة عن رأي الؤلف ،وطريقته هذه شبيهة بالطريقة الت سلكها من قبله مؤلفوا
اللقط ولو جعت هذه التسجيلت لكانت كتابا قيما يعطى صورة حقيقية للجزيرة ف عصر من
العصور.
كان أبو النجاة فضل عن رئاسته لجلس العزابة إماما من الئمة العلم إليه الرجع ف العلم
والرأي والسياسسة وكانت جيع الجتماعات ف جربة تعقد تت رئاسته سواء كانت تلك الجالس
من العزابة أو من غيهم فتناقش الشاكل الناجة بي يديه وإل ارائه ينتهى القوم فيما يفعلون وفيما
يتركون ولعل من أهم الحداث الواقعة ف زمنه أحداث القرصنة ومهاجة الساطيل الفرنية
ولعل ف الادثة التية الدليل الكاف عما يتمتع بع العلمة أبو النجاة من إيان راسخ وعقيدة
ل تتزعزع وحب للسلم وإستماتة ف الدفاع عنه وما يتمتع به من دراسة عميقة للنفس البشرية
نشطت القرصنة السبانية ف ذلك الي ووالت هجومها على الشواطئ السلمية وبدأت
تتلها من ناحية الغرب فاحتلت بابة ث الرسى الكبي ث وهران ث طرابلس وكان الخطط السبان
يضع جيع الثغور السلمية تت سهام موجهة حسب الهية ،وبعد احتلله لتلك الراسي كان يأمل
أن يتل غيها .ومنذ احتل السبان باية علم أهل جربة انه سوف توجه إليهم ضربة من ضربات
القارصنة وإن عليهم أن يتاروا بي أمرين ل ثالث لما ،أما أن يسلموا من أول المر ،فيسمحون
لولئك الغزاة بإحتلل بلدهم ،واما أن يدافعوا دون أن ينتظروا مددا من أحد.
عقد العزابة اجتماعا ف دار رئيسهم أب النجاة يونس وقد حضره شيخ الكم أبو زكرياء
السمومن وطرح أبو النجاة موضوع احتمال غزو السبان لم للمناقشة ودرسوا موقفهم من كل
جوانبه واستعرضوا الالة العمة للمسلمي ف ذلك الي فعرفوا أنه ل أمل لم ف ندة تأت من
الارج فأن الدولة الفصية الت كانت تكم تونس ف ذلك الي وكان يتول امارتا أبو عبدال أحد
الفصى كانت اضعف من أن تنجد جربة ،واضعف من أن تتم بغي جع الال أما البلدان الجاورة
الت كان يتمل أن تب لنصرة الخوة ف الدين فقد أتى عليها اللف القبلى والتعصب الذهب
والفت الداخلية حت بلغت حالة من الضعف والنيار ل يكن معها أن تنجد أحد ول أن تتم بقضية
دين أما جبل نفوسة فقد كان حينئذ مضطرا للحتفاظ بميع قواه ليحافظ على نفسه من الغارات
التوالية الت سشنها على اطرافه ف كل يوم ناس كانوا يعيشون على النهب والسلب.
وهكذا درس القوم الوضوع ،وعلموا انه لن ينجدهم أحد لو وقع عليهم عدوان من قراصنة
السبان.
وهنا ف مثل هذا الوقف تبز خصائص اليان والزعامة ،ويتاز الرجال بعضهم عن بعض.
وظهر أبو النجاة بصائص العال الؤمن الشجاع ،فقد علم أن الزيرة ل يكن أن تعتقد على مدد من
الارج فلم يبق لديه إل القوة الوجودة ف الزيرة ،وعليه أن يكون منها قوة يستطيع أن يدفع با
عدوان العتدين.
وقد فكر قبل كل شيء أن يستثمر الناحية الروحية ف الناس وان يل قلوبم باليان
ونفوسهم بالثقة بال ،وأن ل يترك للخوف واليأس سبيل إليهم ،فجعل يبب إليهم الستشهاد .ويثي
ف نفوسهم الرغبة ف الدفاع عن الدين والوطن .ولكي يؤكد هذا العن ف أذهانم ويعل منهم قوة
متماسكة مندفعة ف سبيل ال قال لم ليس بيننا وبي النصاري إل أمران تعلهما حجابا وسترا.
الول :العمل بقوله صلى ال عليه وسلم " إذا التبست عليهم الور كقطع الليل الظلم
فعليكم بالقرآن فأنه شافع مشفع ،وشاهد مصدق" ورجع القوم إل القرآن الكري فوجده يقول
للمؤمني:
" ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتي ،وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين
كفروا "
ذكر أبو النجاة حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم للناس ورجع القوم إل القرآن الكري
يستشهدون به تلك المور اللتبسة الظلمة فوجدوا فيه النور الذي يني الطريق ،ويبي لم السبيل
الدى الذي أن يتبعوه ،وقال لم أبو النجاة :لقد وجب علينا الدفاع بأمر كتاب ال أما النصر فقد
ضمنه ال شبحانه وتعال ،وكثرة العدد وقلته عند ال سواء ،على أن واجب الؤمني أن يقاتلوا ف
سبيل ال حت ينتصروا أو يستشهدوا " ومن يقاتل ف سبيل ال فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه اجرا
عظيما " إن واجب الؤمني أن يقاتلوا اعداء ال ،حت يتحقق لديهم احد المرين ،اما النصر ،وأما
الشهادة ،والتبار ف ذلك ليس لم ،وإنا هو ال العزيز الكيم ،إن شاء يسر لم أسباب النصر ،وغن
وبعد أن شحن نفوس الناس بذه القوى الروحية ،زاد فطلب إليهم أن يتلوا القرآن الكري
جاعية ،وان يعلوا ختمة ف كل جعة ،وحت ف أقل من ذلك ،وأن يتوبوا إل ربم ويستغفروه من
آثامهم وذنوبم ،وان يتخلصوا ف القوق الت بينهم ،فانم قادمون على ال ،ورقت نفوس القوم،
واستعدوا للقاء ال وترك الدنيا وما فيها ،فكانوا يستغفرون ال ويلجأون إليه بالدعاء ،ويتخالصون
ويتحاللون فيما بينهم من معاملت ،وزادهم أبو النجاة الشحنة الروحية الثالثة ،حي اقترح عليهم أن
يكتبوا إل إخوانم ف جبل نفوسة .وان يطلبوا إليهم أن يساعدوهم باللتجاء إل ال ،والدعاء على
ظهر الغيب بنصرهم ،ونفذت الفكرة ،فكتبت الرسالة حال وختمها بيده الكرية ،وبعث با إل
أعلم البل ،من أساتذته وزملئه وتلميذه فتقبلوها بقبول حسن ،واهتموا لا أي اهتمام ،وقرروا أن
يعقدوا اجتماعا ف مسجد ( تاله ) التوسط ف البل ،وأن يتجهوا إل ال تعال بالتضرع والدعاء أن
دأب شيخنا الزيرة -شيخ العزابة وشيخ الكم -على العمل ف بقية الدة ،فكان أبو
النجاة يدعو الناس إل العتصام بال ،وتوين أمر الشركي ،والستخفاف بقواتم واستعداداتم،
وكان أبو زكرياء يعمل على تسليح الناس وتدريبهم على القتال وأعدادهم من الناحية العسكرية،
وتقيق ما توقعوه فقد جاء السطول السبان ،وهاجم الزيرة ،بأعظم أسطول عرفته البحار ف ذلك
الي فتلقاه أهل جربة البطال ،ول تطل العركة فقد نصر ال الؤمني وخذل العتدين ورد كيدهم
ف نورهم.
لقد كتب كثي من الؤمني عن هذه الوقعة ،وذهبوا ف تعليل انتصار جربة ،على السطول
السبان ،مذاهب شت ،فكان الؤرخون الغربيون ومن أخذ منهم يعللونا بتعاليل مادية صرفة ل
يقبلها العقل ،كالهل بطبيعة الرض ،وشدة الر ،وعطش الند السبان ،وما إل ذلك ،وكان
بعض الؤرخي السلمي يسبونا ف كرامات الولياء والصالي ،فيجعلها بعضهم من كرامات أب
أما القلة من الؤرخي الذين درسوها على ما عرفوه من تاريخ السلم فلم يدوا فيها شيئا
غريبا يستحق التفكي ،وليست هي أول حرب تقع بي اليان والفكر فينتصر اليان مع قلة عدوه
إن السباب الت انتصر با السلمون ف وقعة بدر ،والسباب الت انتصروا فيها ف وقعة
موتة ،وف اليمامة والقادسية واليموك .وغيها من الوقائع هي نفس السباب الت انتصر با السلمون
ف هذه الوقعة ،وف أشباهها من الوقائع ،لقد ترد السلمون من الادية ،ول يضعوا بي أعينهم غي
حقيقتي اثنتي :النصر والشهادة ،وانطلقوا إل الهاد ف سبيل ال بتلك الروح الت كان يارب با
السلمون ف الصدر الول ويوالون الفتوح متحردين لنشر دين ال وإعلء كلمته.
حارب سكان جربة على قلة عددهم ،وضعف ماتم ،فنصرهم ال وأقام بم حجته على
السلمي ف كل عصر وف كل مصر .أنا حادثة جديرة أن يدرسها السلمون وأن يستخرجوا منها
الوعظة والعية.
أسطول يتكون من عشرين ألف جندي ف مائة وعشرين سفينة يغزو شواطئ الغرب
السلمي ،فينتصر ف مراكش ،والزيرة ،وتونس ،وطرابلس ،ويتل مراسيها مرسى بعد مرسى ،حت
يأت إل الزيرة جربة ،فيها جها بكل ما لديه من قوة ،وكبياء ،ونشوة ،بالنتصارات السابقة
التوالية ،فتقابله هذه الزيرة الصغية بثلثة آلف مقاتل على أكثر ما يكن ما تدعيه الصادر
الجنبية ،فيهم عدد غي قليل من شيوخ عجزة ،دفعهم حب الشهادة ،وأطفال مراهقون جاء بم
الماس .فتنتصر هذه اللف الثلثة الضعيفة ،الت ليس لا من قوة السلح غي بنادق قليلة ،وبعض
السيوف والناجر والعصى ،وتنهزم العشرون ألفا ،السلحة تسليحا كامل ،بالبنادق ،والدافع وما إل
ذلك من آلت الرب والدمار .أنا ليست معركة عادية بي قراصنة أسبانيا وسكان جربة ،ولكنها
بنو سومن أسرة عريقة ف الجد والشرف ،والدفاع عن الدين والوطن ،وقد تولت حكم جربة
باختيار العزابة ما يقرب من ثلثة قرون .فلقد ذكر التيجان ف رحلته مع اللحيان ،إن رئاسة
الباضية الوهبية ف ذلك الي كانت ف بن سومن ،واستمرت أحداث التاريخ تذكر بن سومن ف
مشيخة جربة باختيار العزابة ،إل سنة ،997حي توف آخر شيخ من هذه السرة ،هو الشيخ
مسعود السمومن ،الذي جع ف حكمة للجزيرة بي اختيار العزابة واختيار الدولة التركية ف ذلك
الي ،وبعد وفاته اسندت الشيخة إل أسرة أخرى ،هي أسرة بن جلود.
ويبدو من احداث التاريخ ان ملس العزابة ف هذا الي بدأ ينحل ويتخلى عن اختصاصاته
ولذلك فلم يعد يتار شيوخا للجزيرة ومنذ بدات أسرة بن جلود الكم كان توليهم عن طريق
الكومة ،ل عن طريق العزابة ،وكان أكثرهم مناهضي للعلماء معارضي لم.
يعتب أبو زكرياء يى السمومن ،واسطة العقد ف أسرة بن سومن ،كما أن أعماله الجيدة،
ترفعه إل مصاف البطال ،ف المة السلمية ،وتضعه ف صف مع كثي من البطال الذين عرفوا
كيف يدافعون ،عن عقائدهم وأوطانم ،وأراضيهم ،ويدفعون عدوان العتدين ،وبغى الستعمرين،
وانه لوقف مشرف ذلك الوقف الذي سجله التاريخ لب زكرياء حي إقامته المة ف جزيرة جربة
مقام امام الدفاع ،فوقف وقفة السد الصور دون العرين ،ورد الساطيل السبانية الضخمة الت
احتلت جيع الشواطئ السلمية ف بلد الغرب الكبي فلما بلغت إل جربة ،الزيرة الصغية
الضعيفة ،ردت تلك الساطيل على أعقابا تر أذيال اليبة والزي والفضيحة.
عقد العزابة اجتماعا ف بيت أب النجاة يونس حي سعوا بعزم السبان على غزو الزيرة
ودعوا إل الجتماع شيخ الزيرة الذي اختاروه من قبل ليتول شئون الناس فكلفوه بهمات الدفاع
يعن أنم خولوه سلطات امام الدفاع .فباشر تلك السلطات بهمة الؤمن القوى الريص على القيام
بواجبه فكان بالتشاور مع ملس العزابة ،يعمل على الستعداد للدفاع ،عن هذا الثغر الام .ولا اتذ
جيع الحتياطات الادية والعنوية بقي على يقظة وانتباه ينتظر وصول العدو الغي.
وصل السبان باسطولم الضخم ،وقواتم الغازية ،وبعثوا رسول إل الشيخ يطلبون إليه
تسليم الزيرة ،فاغلط الشيخ للوسول ف القول ،ورده أقبح رد .ولا علم السبان موقف الزيرة،
صمموا على الرب ،وعلى احتللا بالقوة ،وبدأوا الستعداد للهجوم ،فرتبوا جيشهم القوى ف
أما أبو زكرياء السمومن فقد كان عدد جيشه القليل ل يكن أن يرتب هذا الترتيب ،ولذلك
فقد رتبه على صف واحد طويل مقابل العدو ،وكان أبو زكرياء على فرسه السابق يطوف على
الدافعي البطال يشد عزائمهم ويدعوهم إل الصب والثبات ،ويهون عليهم أمر العدو ،حت التحم
الفريقان ،وبدأ القتال فكان الحاربون السبان ،يتساقطون ف اليدان ،وكلما انزم صف تقدم الصف
الذي يليه إل الجزرة ،ولا طال الوقف خشي أبو الربيع بن أب زكرياء السمومن أن يزيد ثبات
العدو ،وأن يفشل السلمون ،فاختار معه ،عددا من البطال العدو ،وأن يفشل السلمون ،فاختار
معه ،عددا من البطال الفرسان وانرف عن موقفه ف مواجهة العدو ،إل موقف من وراء العدو،
ليقطع عنهم خط الرجعة ولا رأي العدو ،أن فرسان السلمي قد طوقوهم من اللف ،وأنم قطعوا
عنهم خط الرجعة إل سفنهم خارت قواهم ،وضعفت عزائمهم ،وألقوا بأيديهم ،واستسلموا
وهكذا انتصر أبو زكرياء انتصاره الرائع الاسم القوى ،واستطاعت هذه الزيرة الصغية
حي اعتصمت باليان ودافعت بيقي ،ووجدت قيادة حكيمة أن تطم أضخم أسطول ف ذلك
الي ،السطول الذي احتل الرسى الكبي ،واستول على وهران ،وباية وطرابلس .واقامت الجة
على السلمي الذين يشون القوى الادية .واعمتهم أن المة السلمة مهما كانت قليلة وضعيفة،
قال فيع العلمة الشيخ سعيد التعاريت " كان رحه ال امام مطاعا ،وقدروة مهابا " وتكفى
هذه الشهادة للدللة على مكانة الرجل ،فإن الشيخ التعاريت من أولئك الؤرخي الذين ل ينطلق
منهم الوصف إل بعد تقيق وتقق .على أننا لسنا ف حاجة إل ما يطلقه الؤرخون من أوصاف على
هذا الرجل العظيم الذي كان يتمتع ف عصره با يتمتع به المام أو الزعيم .فقد أهله لذلك عدة
أسباب ،فهو حلقة ف سلسلة أسرة أب مسور الت دامت زعامتها الروحية من القرن الرابع إل العصر
الاضر ،فلم يض ف تاريخ جربة الطويل عصر دون أن يكون فيه فرد أو أفراد من أسرة أب مسور
يتولون قيادتا الروحية أو السياسية منفردين أو مشتركي مع غيهم ،فلقد ورث أبناء أب مسور على
متلف العصور -خلقه السمح ،وطبعه الكري ،وكرمه الطبوع ،ودينه القوي ،وعلمه الواسع ،ولقد
تتضاءل بعض هذه الصفات ف بعض الحيان وتتجلى ف الحيان الخرى .وقد تلت ف أب
يعقوب ،مع قوة ف الق ،وشجاعة ليس لا بي معاصريه من أهل الزيرة مثيل ،فكان لشجاعته وقوة
شخصيته ،وسعة علمه ،ومبلغ كرمه ،مسموع الكلمة واسع النفوذ ،قويا قوة الؤمن الحق ،ل يشى
ل يشتغل أبو يعقوب بالتدريس فيما أعلم ،رغم أن التدريس هو الواجب الول الذي يراه
علماء الباضية اوكد الواجبات عليهم والسبب ف لذلك على ما يبدو أن الزيرة كانت ف زمنه ،قد
غصت بالعم والعلماء فما من مدرسة أو مسجد أل وهو يعج بالعلماء العلم والطبلة الذكياء
والتلميذ النجباء .ولذا السبب فقد اقتصر أبو يعقوب على التوجيه الدين ،والصلح الجتماعي
العام ،أعن أنه ترك رعاية الطفال والشباب لغيه من العلمي ،والربي ،واقتصر على رعاية الكهول
والشيوخ ،يدعو إل سبيل ال على بصية من امرة ،وكان كثيا ما يقف ف وجوه الولة الظالي
الذين ل يهمهم إل أن يمعوا أموال من الناس كيفما كانت حالة الناس ،وكثيا ما كان يدفع
الضريبة الترتبة على احدهم -إذا كان فقيا -من ماله الاص ،لا عينت الدولة التركية درغوث بن
على واليا على طرابلس اهتم بأمر جربة ،فذهب إليها واحتلها واقتطعها عن تونس والقها بكمه ف
طرابلس ،وترك عليها واليا من قبله ،ولكن الوال الذي تركه درغوث على جزيرة جربة ،كان ضعيفا
فانتهز بعض العساكر والنود الذين بقوا مع الوال لفظ المن ضعفه ،فاصبحوا يرتكبون من الفظائع
ما تأباه الضمائر الرة ،يقول فيهم العلمة أبو الربيع اليلت " :فاشتد الال على أهل جربة لا
أظهروا لم من الشر وسفك الدماء واخذ الموال " فثار أهل جربة على الوال ،وطردوه من الزيرة،
ولوا على انفسهم (عبدال البجى) وطلبوا من الدولة ف تونس حايتهم من عمال طرابلس وجورهم،
وإرسال الده إليهم ولكن الدولة التونسية حينئذ كانت تتضر .
وسع درغوث بالركة فغضب ،وجهز جيشا قويا وارتل إل جربة واستعد أهلي الزيرة
للقاة اليش الزاحف إليهم فعسكر درغوث بيوشه الرارة ف مرسى القنطرة خارجا ،وعسكر أهل
جربة ف سدويكش وحولوا سوقهم إل بن ديغت ،وبقيت جربة تت الصار ثلثة أشهر تضايق منه
أهل الزيرة الحصورة ،وفكر جاعة من أهل الزيرة ف حل الشكلة ،وقرروا أن يطلبوا مقابلة
درغوث للمفاوضة ف أمر الصلح ،فإذا جاءهم قتلوه ،وبعثوا إليه من أبلغه رغبة القوم ف الصلح
وطلبهم لضوره إليهم فوافق ،وبلغ خب الكيدة إل الشائخ وإل أب يعقوب يوسف فوزنوا المر
بيزان الصلحة العامة للمة السلمة ،وذكروا ما لدرغوث من جهود ف رد عدوان الصليبي ،وتطيم
أساطيل القرصنة ،فلم يرضوا ول يوافقوا على تنفيذ الؤامرة ،وانتدبوا أبا يعقوب ليقوم بالفاوضة ف
أمر الصلح ورضى أبو يعقوب واستعد للقيام بالهمة كما أن جيع الهال قد وافقوا على هذه الطوة
العادلة.
ذهب أبو يعقوب إل درغوث واتفق معه على الصلح وذلك بأن يسمح سكان الزيرة
لدرغوث وجيشه بالدخول ،وأن تعود الزيرة إل حكمهم ،على أن ل يؤذي أحد ،ول يؤخذ مال،
فدخلوا البلد ،ولا وجدوا انفسهم داخل الزيرة غرهم الشيطان فحسبوا أنفسهم فاتي ،فارتكبوا من
القتل والغضب والسرقة ما يرتكبه أمثالم ،ول يف درغوث بالوعد ،ول يتقيد با اتفق عليه الطرفان،
فسمح لنده أن يفعلوا ما يشاءون ،والقى القبض على شيخ الزيرة ،الذي اختاره الناس عبدال
البجى ،فقتله ث سلخ جلده ،ومله نالة وبعث به إل طرابلس .واضطر الشيخ أن يعود مرة أخرى
إل درغوث ليذكره بانه خان عهد وأخطأ ف تقديره ،وف تصرفه وإن مشائخ الزيرة لو سحوا
بالغدر والغيلة ،وخيانة العهد ،لكان درغوث هو القتول قبل ان يصل إل هذا الكان .فاستحيا
درغوث ،واستجاب لكلمة الق ،ولكن بعد إن ترك جيشه ف الزيرة أسوأ الثار ،وارتل درغوث
إل طرابلس ولكن البقايا الذين تركهم ف الزيرة عادوا إل مسلكهم ،ف ظلم الناس ،وابتزاز
الموال ،وهتك العراض ،فتذمر الناس ،وسخطوا على حكم طرابلس ،وحاولوا أن يتصلوا مرة
اخرى بكومة تونس .وسع درغوث بذه الادث الديد فجهز جيشا آخر ودخل الزيرة ،ول
يظهر أهل الزيرة أية مقاومة فقد استنفذ العدوان السابق التلحق ما لديهم من وسائل القاومة فقد
قتل رجالم وأخذ سلحهم ،واستنف اموالم ،ولذلك فما سعوا برجوع اليش التركي حت تركوا
منازلم ومزارعهم ،وارتلوا إل جوار أب يعقوب فسكنوا إل جانبه على شكل لجئي .من كانت
له خيمة نصب خيمته واوى إليها ،ومن ل تكن له خيمة نصب ارديته على اعمدة واضاف إليها
جريد النخيل وبعض القش وسكن با ،أنا صورة من مساكن اللجئي الذين يطاردهم القوياء من
ودخل اليش التركي ف دوى عظيم ،طلقات متواصلة من الدافع والبنادق ودقات متتابعة
للطبول ،وضاق الناس بذا الظهر الصاخب ،فتجمعوا على أب يعقوب يلتمسون منه أن يصنع شيئا
ليقاف هذه الكارثة الديدة .واستجاب الرجل العظيم لطلب الناس واستعد لجابة العدوان الديد،
فاتصل بالقائد العلى للقوات السلحة درغوث بن على وطلب منه أن يأمر ف الال بإيقاف هذا
الدوى الصاخب حت تدأ أعصاب الناس .واستجاب القائد لكلمة الشيخ فأمر بإيقاف جيع
الركات ،وحينئذ طلب الشيخ من القائد أن يسي معه إل منله ليتفاوضا ف أمر الصلح .واستجاب
القائد أيضا فتبع الشيخ إل منله مع بعض رجاله وت عقد الصلح واتفق الرجلن على مصلحة
الميع ،وتغذى القائد ورفاقه حيث رجع إل جنده يذره أن يرتكب أي خطأ ف حق جربة كما
فعل ف الاضي ،اما الشيخ الذي كان يعرف ما قاساه اولئك اللجئون ،الذي مل الرعب افئدتم وما
تعرضوا له من الرمان والوع .فقد أمر أهله أن يعلوا من الطعام ما يكن أن يغاث به أولئك
اللجئون الساكن فتم ذلك فعل وكانت تقدم الفتة الكبية ملى بالطعام يملها رجلن أو اكثر ف
شارية يطوفون با على مساكن اللجئي وكان الشيخ يطوف معهم وبيده مغرف يأخذ من الفنة
ويعطى لتلك السرة الحرومة حسب أفراد عائلتها ،حت طاف على جيع تلك اليام.
أثر الصلح هذه الرة فلم يعد الند إل العتداء وانا كانوا يأخذون ما فرضوه من الضرائب
على الشعب السكي فقط ،حت تغي وجه التاريخ ف جربة .وانتهت تبعيتها لطرابلس والقت
بتونس.
كان أبو يعقوب احد العظماء من أسرة أب مسور العريقة ف جربة هذه السرة الت تزل
متميزة بالعلم والدين والود والشجاعة منذ اسسها أبو مسور بسجا بن يصليت اليهراسن ف النصف
الول من القرن الرابع الجري والت ل تبق ف يوم من اليام دون ان تكون با شخصية عظيمة تمع
بي العلم والدين والشجاعة والكرم ما تكون به ملذا للناس ،ومرجعا لم عند الشدائد عاش أبو
يعقوب ف الفترة الرجة من تاريخ جربة الت اجتمعت فيها البليا من كل جانب على هذه الزيرة
الصغية فقد كان العراب يتكالبون عليها للسلب والنهب ،وكانت الدولة التونسية تلح ف جع الال
وفرض الضرائب وكانت القرصنة السبانية حريصة على احتللا عاملة على غزوها ،من حي إل
حي ،وكان درغوث والند الذين معه ل ينفكون يعتدون عليها ويعاملونا معاملة العداء ،وكان
بعض التعصبي من ينتمى إل العلم يلهب العصبية الذهبية ويوغر الصدر على الباضية ويدعو إل
ف الفترة الرجة الت بلغت أسوا ما يكن من الالة السياسية عاش أبو يعقوب ف جو مزدهر
بالعلم فكان يفف آلم الناس با يلك من وسيلة فقد يد يد الحسان وقد يستعمل الكلمة اللطيفة
وقد يقف للحكام أو يرد على أولئك الذين يسبون أن جربة مغنم ل ينضب.
توف أبو يعقوب يوسف بن أب مسور سنة 1013فترك فراغا هائل ف جربة أحسن به
الناس جيعا رغم انه خلف لم ف منله ولدا بلغ من العلم مثل ما بلغ أبو يعقوب أو أكثر ،واشتهر
بالصلح والتقوى والبكة ،وكان مرجعا للناس بعد أبيه وان ل تطل به الياة أيضا ،فلحق بربه بعد
سنوات من وفاة أبيه فرحم ال أبا مسور وأبناء أب مسور وجعل ف بيته من يمل رسالته ويقوم
أبو ممد عبدال بن سعيد السديكشى ،قمة من قمم العلم الشامة ،ودعامة من الدعائم الت
قام عليها بناء اليان والق ف الزيرة ،فتح ال عليه آفاق العرفة ،ورزقه من قوة النان وفصاحة
اللسان ،وبراعة البنان ،ما مكنه من خدمة دين ال ،ويسر له أن يأمر بالعروف ،وينهى عن النكر
ويدعو إل سبيل ال على بصية من أمره .كان ل يل من التدريس ،وكان يسجل ف جيع دروسه
ملحظات وشروحا على الكتب الت يدرسها حت ترك لنا ثروة علمية قيمة ،ل تزال سندا لن يريد
أن يطلع على كتب الباضية بل حت على بعض كتب اللغة العربية الت درسها للطلبة.
كان يتول دروس الوعظ والرشاد ف جيع مساجد الزيرة ،اما مقره فقد كان ف مسجد
بن لكي ،وف هذا السجد العامر ،كان يلق عليه الطلبة الستديون ،ويتلقون عنه فنون العرفة ،حت
ترج عليه فيه عدد من فحول العلم منهم العلمة أبو ممد عبدال بن أب حفص ،بن أب سته الذي
ورث عنه علمه ،وخلقه ،وكفاحه ،وملسه ،وال هذا السجد كان يتوارد وفود الناس يملون
مشاكلهم وخصوماتم فيفصل بينهم بكتاب ال ،فقلد كان يقوم مقام المام وإليه انتهت رئاسة
العزابة والعلماء لبتعيي من الولة والمراء ولكن بالعلم الواسع الذي يعترف به الزملء ويسلمون
لصاحبه مبة وتقديرا ،وكان العلماء جيعا يصرون ملسه ،ويناقشون جيع شئون الزيرة من
نواحيها ،فيقرون ما يوافق السلم ،ويعلنون الرب عما انرف إليه الناس من بدع او مناكر انرف
كان شيخ الزيرة ف ذلك الي احد أبناء أب اللود الذين تواصلوا إل الكم عن طريق
الرشوة ،والكيد وتقدي الوال ،وأقام الرجل ف دار الكم ينتظر أن يتفل به الناس ،وأن يلتفوا حوله،
وان يعمروا ملسه ،وان يتوددوا إليه ،وأن ينقلوا إليه أخبار الناس ،وأن يعرضوا عليه مشاكلهم ،فلم
يكن يأتيه احد اللهم ال اشياخ الارات ف مواعيد الضرائب يملون إليه ما فرض على الناس كامل
مستوف ،دون شكوى من أحد ،وبقى الرجل ف فراغ ،فكان يتساءل عن السبب حت أخبه احد
الناس ،أن أهل الزيرة تعودوا أن يرجعوا بشاكلهم إل علمائهم الذين يتمتعون باحترامهم
وتقديرهم ،وان اعلم علمائهم ف هذا الي الذي يرجع الناس إليه هو أبو ممد عبدال السدويكشى،
وغضب شيخ الزيرة ف نفسه وظن ان التفاف الناس بذا الرجل استهانه بنصبه ومقامه ،فدعاه إليه
ولا اجتمع به وسع منه ،أكبه وأكب علمه واظهر له من الحترام ما يليق بثله ،وانصرف أبو ممد
من ملس شيخ الزيرة ،ودخل الوشاة الذين ل يلو لم إل أن يسدوا الناس لعلى ما أتاهم ال من
فضل ،فقالوا لبن أب اللود .ما زدت أن رفعته فوق مكانه ،وأصبح هون وال الزيرة القيقى ،ولو
شاء أن يدعوا الناس إل قتلك او غي ذلك لستجابوا له متارين ،وعلمت الوشاية ف صدر الواتلى
عملها فدعا إليه الشيخ من جديد وأراد أن يظهره بي الناس ف مظهر الستهان به الحتقر فامره ان ل
يلبس على رأسه إل طاقية بيضاء من القماش مثل الطفال تقيا له وتشهيا به ،وامتثل الشيخ لمر
الوال ولبس الطاقية البيضاء حت اشتهرت به ،واشتهر با ،وشاءت إرادة الول سبحانه وتعال ،أن
تكون هذه العقوبة أو هذا التشهي الذي أراد به الول تقي أب ممد سبب تكري لذا النوع من
اللباس ،إذا ل يض غي زمن قصي حت كانت الطاقية البيضاء من القماش ،هي الزى الرسي ،أو
اللباس الاص برجال العلم ورجال الدين ،فأصبحت هي لباس العزابة والطلبة ،وقد انتقلت هذه
الفكرة من الزيرة إل البل ،وإل الزائر ،وإل جيع مواطن الباضية ف الغرب السلمي .ولو اتيح
للقارئ الكري أن يزور وأدى ميزاب ف الزائر فانه ،سوف يد جيع العزابة والطلبة ل يلبسون على
رؤوسهم إل طاقية بيضاء من القماش فهى زيهم الرسي الوحد وقد احتفظ الطلبة اليزابيون بذا
الشعار ف جيع مظاهر النشاط حت إن فرق الكشافة كانت تتفظ به كلباس للرأس ف جيع رحلتم
وميماتم حيثما أقيمت وكان لا من المال ما بعث العجاب ف نفس رئيس المهورية الول فأثن
أما ف ليبيا فقد اختلف أمره .ففي زواره أصبحت الطاقية البيضاء هي لباس أغلب أهال
زواره يفضلونا عن غيها من البسة الرأس ف الصيف وصارت غي خاصة بالغزابة ،أما ف جبل
نفوسة فقد كانت خاصة بالعزابة إل عهد قريب ث شاع استعمالا بي الناس عندما انلت نظم
العزابة ف البل وأصبحت هي لباس الرأس الفضل ف الصيف عند أغلب الناس.
كان أبو ممد عبدال من أولئك العلماء الذين ل يعرفون الراحة ،ول يفكرون عن العمل
فهو دائم الكفاح ف سبيل ال ينتقل من ميدان إل ميدان قد يعقد الجلس لفصل الشاكل
والنازعات ،وقد يعقد الجلس للتشاور ف شئون الزيرة العامة أو الاصة وما يد فيها من
الحداث ،وقد يعقد الجلس العلمي لناقشة بعض الشاكل العلمية الديدة الت تتطلب أحكام شرعية
جديدة ،وقد ينتقل بي مساجد الزيرة ،يلقى دروس الوعظ والرشاد ،وقد ينتقل بي التاجر
والسواق ومامع الناس ،يأمر بالعروف وينهى عن النكر ويبي اللل والرام للناس ،وهو قبل كل
ذلك وبعد كل ذلك يرى على نفسه واجبات ثلث ،ول يكن أن يل بواحدة منها مهما كان
أول :تصص أوقات من الليل والنهار يتفرغ فيها من شواغل الدنيا العامة والاصة ويتجه
ثانيا :تصص أوقات أخرى للقاء الدروس الفنية على طلبة العلم وقد أثر هذا العمل للبلد
ثرا طيبا فتخرج على يد الشيخ عدد من فطاحل العلماء كانوا هدى ومنارا ،وتركوا لنا ثروة علمية
ثالثا :تصص أوقات لتأليف الكتب ودراسة الشاكل الستجدة ،واستنباط الحكام لا
بطريق الجتهاد ،وقد أهتم كثيا بالكتب الؤلفة فكان يكتب عليها التعاليق الكثية والشروح السهبة
تارة يررها بنفسه ،وتارة يتركها لطلبه النجباء ،ولذلك فقد كان العلمة أبو عبدال بن أب سته
الشهور بالحشى يعتمد عليه ف أكثر حواشيه ،ويقول مثل " :قال شيخنا عبدال " أو يقول " :بط
شيخنا عبدال " القصود بذلك طبعا هو الشيخ أبو ممد عبدال الشدويكشى فهو شيخه الذي أخذ
عنه العلم.
قال العلمة الشيخ سعيد بن تعاريت ف العلمة الشدويكشى ما يأت " :ل تر به مسألة إل
حل مشكلها ،كان أية من آيات ال تعال ف صل كلم الفحول ،ومن اطلع على مصنفاته يشهد له
بطول الباع ،وبدقة النظر ،وله من التأليف ابالغة ف السن حاشية جزء الصلة من كتاب اليضاح،
وحاشية كتاب الديانات ،لب ساكن ف نو كراسة ،ورأيت له حاشية على شرح القطر ف النحو
لبن هشام عظيمة القدر والشأن" ويقول بعد الكلم " .وله أجوابة وأحكام ونوازل عديدة ف جيع
الفنون خصوصا علم الكلم فإن له فيه اليد العليا رحه ال".
كان أبو ممد من أولئك العلم الذين بعثوا الياة ف المة ،وتركوا من بعدهم نورا
وهدى ،وختم أعماله الجيدة بزيارة بيت ال الرام وف تلك الربوع القدسة ختمت أعماله وانتقل
إل ربه رحه ال واسعة ،وأفاض عليه من فضله العميم أنه غن كري.
هو المام القدوة العلمة :أبو عبدال ممد بن عمرو بن ممد بن احد بن أب سته ،أشتهر
بي الدراسي بلقب الحشى اخذ العلم عن كثي من أهل الزيرة وغيهم ،وكان أكثر ما اخذ عن
كان المام أبو سته من اولئك الؤمني الذين اخلصوا دينهم وعملهم ،وأسلموا أرواحهم ل،
فهو ل يفتر عن الهاد ف سبيل ال .عاش ف القرن الادي عشر وكانت البلد التونسية ف ذلك
الي ،تت حكم شديد الضطراب .وولة ل يهمهم من أمر الدولة .ومصلحة المة إل مقدار ما
يأخذون من أموال ،وكانت الشعوب ف ذلك الي بعيدة كل البعد عن الدولة وعن اللتفاف حولا
أو العتماد عليها ف أي شأن ولذلك فهى تدفع الضرائب لطلبا تت ضغط الضرورة وتعود إل
ومدرسا بعد ذلك ،وترج على يده عدد من فطاحل العلماء ف أرض الكنانة وأشتهر بي علماء
الزهر بلقب البدر ،فإذا أطلقت كلمة البدر بي علماء الزهر فالعن با أبو عبدال بن أب سته،
وكان إل دراسته وتدريسه بالزهر يقوم بنشاط آخر كبي خارج ميدان الزهر .فقد كان الرجل من
أشد الناس حبا للعمل ومواصلة للكفاح ،ولذلك فقد كان ل ينفك عن الحاضرات والندوات
والدروس الاصة ،وكان جل إهتمامه بالدار العلمية الت تأوى عددا غي قليل من طلب العلم الذين
يقبلون من متلف بلد الباضية على القاهرة للدراسة وكانت تلك الدار تتوى على مكتبة من انفس
الكتبات ،فكان يتول الشراف عليها وارشاد الطلب إل الستفادة من كنوزها ،وعندما رجع إل
وطنه جربة كان بثابة دائرة معارف حية متنقلة ،فكان ل يستقر ف مكان ،وإنا كان ينتقل من
مدرسة إل مدرسة ومن مسجد إل مسجد ومن حي إل حي يلقى دروس العلم على طلب العلم.
ودروس الوعظ والرشاد ف الجامع العامة ويدعو الناس إل الستمساك بدين ال والرص على
الحافظة عليه ،وكان ل ينفك عن المر بالعروف والنهى عن النكر .ولقد ييل للقارئ الكري ،وهو
يقرأ هذه السطور ،إن القيام بكل هذا كثي على رجل واحد ،والواقع إن هؤلء الكافحي الذين
يبذلون كل ما عندهم -من علم وقو ووقت ل والمة -قليلون ،وهم أفراد ف كل عصر وف كل
أمة .على أن أبا عبدال كان إل جانب ذلك يصص وقتا للدراية العليا فلقد ورث عن شيخه أب
ممد السدويكشى ملس مسجد بن لكي فكان يلقى فيه دروسا بي صلت الظهر والعصر لميع
الطبقات يضره كبار العماء ف الزيرة فكان بعد صلة الظهر يستفتح للتدريس فيجلس أمامه كبار
العلماء فيلقى عليهم درسا يستمر إل صلة العصر ،ويناقشه اولئك العلماء ويناقشهم ف الشاكل الت
تعرض لم أثناء الدرس ،وبعد صلة العصر يعقد ملس للحكم فيقبل عليه الناس بشاكلهم
ومنازعاتم وقضاياهم فيحكم بينهم بكتاب ال ،ويرضى الناس بكمه وينصرفون مقتنعي بكمه ل
ينظرون إل حاكم أو قاض أو شيخ من موظفي الكومة الذين يعتبهم الناس آلت جعلتهم الدولة
للتحكم ف المة ،فاتاحت لم أن يعيشوا أعالة على المة .يقبضون الرتبات من الدولة ،ويبتزون
يقول العلمة الشيخ سعيد التعاريت ف رسالته القيمة " :وبع الصلة -أي صلة العصر -
يلس للحكم بي الناس وله مكان يكم فيه ،معلم إل اليوم ،به مقصورة ،يلس الشيخ ببابا ويلس
الصوم داخلها ول يرج منها الحكوم عليه حت يذعن للحق ،ويستعد للداء .ورأيت دفترا مقيدا به
جيع أحكامه الصادرة منه هناك ،وهي كثية جدا وكلها فوائد علمية وأحكام شرعية ،ونوازل
إن شهادة الشيخ التعاريت وحدها كافية ف الدللة على ما للرجل من منله ف العم والعمل
ولكننا ل بد أن نشي إل بعض الوانب من هذه الشخصية ،الفذة الفريدة ف ذلك العصر.
مع اشتغال أب عبدال بالتدريس وقيامه بالمر بالعروف والنهى عن النكر ،واضطلعه بأمور
الناس ف جيع أناء الزيرة وتصيصه وقتا لكل مسجد وكل حي يلقى فيه دروس العلم أو دروس
الوعظ ومع انشغاله بالكم بي الناس فقد خصص وقتا للتأليف وقد أنتج ف هذا اليدان ما استنار به
الدارسون والدرسون واستعانوا به على فهم علوم الولي ،ولقد اهتم أكثر ما اهتم بشرح وتوضيح
وتقيق ونقد ما كتبه الولون ،فكان يضع الشروح والوامش والتحقيقات والنقود على الكتب الت
-1حاشية ضافية على قواعد السلم لفيلسوف السلم الشيخ إساعيل اليطال
-5حاشية الترتيب على مسند الربيع بن حبيب وتعتب هذه الاشية أجل كتبه واقيمها.
ولذه الواشي الكثية على كتب الفقه والتوحيد والفرائض لقبه الطلبة بالحشى.
توف سنة 1087وله من العمر خس ستون سنة وقد ترك فراغا هائل وحزن عليه أهل العلم
واليان ورثاه جاعة من الشعراء منهم تلميذه الديب الؤرخ أبو السن على بن بيان بقصيدة طويلة
مطلعها:
فرحم ال ذلك الؤمن الذي أدى للمة أجل خدمة ف عصر الضطهاد والضطراب والفوضى.
أبو الربيع بن احد اليلت
قال فيه أبو عبدال أبو راس " هو شيخ مشائخ عصره ،ووحيد دهره" وقال فيه العلمة
الشيخ سعيد بن تعاريت " الشيخ النحرير ،العال الكامل ،مى ما انطمس من آثار هذه الدعوة".
ولد أبو الربيع سليمان بن أحد اليلت ف أوائل القرن الادي عشر وتوف ف آخره سنه
1099وعاش أبو الربيع اليلت ف عصر بلغت فيه جربة من الناحية العلمية والدينية مرتبة يندر أن
تصل إليها البلد فلقد كان القرن الادي عشر ف جربة من أزهى العصور با فيه من العلماء العلم
منهم من بلغ درجة الجتهاد ف جيع العلوم ،ومنهم من تصص ف فرع من فروع العرفة ،ومع هذه
الكثرة من العلماء العلم والؤلفي العظام ،كان مقام أب الربيع اليلت ظاهرا واضحا بي أقرانه.
فلقد أوتى مع ما أوتى من سعة الطلع ،وغزارة الادة .نشاطا متزايدا ،وهة دائبة ،وعزية قوية،
وحيوية متوثبة ،قل أن تتوافر ف شخص واحد ،ولعل اهتمامه بسية السلف ،وعنايته بناحية التاريخ
هي الوانب الت برز فيها ،وميزته عن غيه من علماء عصره حت أصبح مصدرا من مصادر التاريخ
ل يكن لدارسي التاريخ -ل سيما تاريخ الذهب الباضي ورجاله -أن يستغن عن أباثه ورسائله
ورواياته الكثية ،وإذا عن لباحث أن يعد علماء التاريخ من الباضية فذكر البغطوري وأبا زكريا وأبا
عمار وأبا الربيع بن يلف وأبا الربيع الوسيان وأبا العباس الدرجين وأبا القاسم البادى وأبا العباس
الشماخي وأبا عبدال البارون فانه ول شك يب أن يذكر معهم أبا الربيع اليلت ولعل اليلت هو
وأبو الربيع وإن كانت آثاره ل تزال متفرقة ،وكثي منها غي منسق ويتاج إل مهود علمي
ال أنا تكون مادة تاريية دسة لتاريخ الزيرة على الخص ،ولقد سلك ف عنايته بتاريخ جربة
أسليب ل يسبق إليها ومسالك تعد ف نظري ابتكارا علميا ف كتابة التاريخ ،تساعد الباحث وتيسر
له العمل فلقد وضع رسالة تاريخ جربة ارخ فيها للحداث سواء كانت تلك الداث سياسية أو
طبيعية أو إجتماعية بسب السنوات فيقول مثل " :وف هذه السنة -أي سنة 1007ووقع الغلء
الكبي العروف بغلء البجى حت انقطع السعر ،وتادى القحط والدب والغلء سبع سني من تام
ألف إل السنة السابعة ،والظلم الكثي إل أن أغاث ال أهل جربة بتولية عبدال البجى ف السنة
الذكورة فأزال عنهم الظلم والذى ،وف السنة الثامنة رجع الباشا درغوث حاكم طرابلس بعد ان
وقع الداع والنفاق بي أهلها وبعثوا إليه الكتب فأتاهم ف أوائل السنة وأستول عليها بعد أن قتل ف
السوق خلق كثي واستأداهم مائة ألف دينار لا فعلوا وأمسك أهل أ{كوا عبدال البجى ،وسلموه
لدرغوث فسلخ جلده ،وحشاه نالة وصلبه ،على جذع نله ،وجعل ف البلد ما ل يأذن به ال من
ووضع اليلتى رسالة أخرى ترجم فيها للعلماء تراجم متصرة ،ووضع رسالة ذكر فيها
مساجد جربة ،ومؤسسيها ،وزمن كل واحد منهم ،ووضع رسالة ذكر فيها العلماء الذين جازت
عليهم نسبة الدين من عصره إل عهد النبوءة ووضع رسالة ذكر فيها الجتماعات العلمية والعلماء
الذين انتهت إليهم رئاسة تلك الجامع والساجد والماكن الت كانت تنعقد فيها تلك الجتماعات،
كذلك أشار ف كثي من الحيان إل حلق الدراسة ومواضيعها ،هكذا سلط الضواء على النواحي
التاريية بربه من جيع الوانب فيسر على الباحث العمل ف اليدان الذي يريده .إنك إذا أردت أن
تدرس شخصية من الشخصيات العلمية فعليك أن ترجع إل رسالة التراجم بدل من أن تبحث عن
الجامع العلمية فما عليك إل أن تعود إل الرسالة الوضوعة لذلك .وهكذا ف بقية الوانب التاريية
لياة الزيرة ،لقد حاول أن يصور الزيرة صورة كاملة فوجه إليها عدسته من عدة زوايا فصورها
من زاوية الحداث وصورها من زاوية العلم والعلماء ،وصورها من زاوية الساجد والنواحي الدينية،
وصورها من زاوية الجتمع إل آخره ،ولكي تتم الصورة الت أرادها لربة وضع رسالة أخية صغية
وذكر فيها السرة العلمية وتدث عن كل أو بعض من نبغ ف تلك السر .وعلى كل حال فقد ترك
لنا مادة خصبة للتاريخ .وأنه لواجب أكيد على الثقفي من أبناء الزيرة الكرام أن يدرسوا هذا
التراث القيم دراسة علمية تستفيد منها الجيال القبلة .ولو أن عناية الشباب التعلم من أخواننا ف
جربة تناولت آثار أب الربيع اليلتى من آثار أب عبدال رأس مع آثار سلمة بن يوسف مع آثار
إبراهيم بن ثابت مع آثار أب السن على بيان مع آثار أب عثمان سعيد بن تعاريت وغي ذلك من
آثار العلماء الت ل اتصل با ول أعرفها وقد تكون بي أيدي بعضهم لرجوا منها برصيد ضخم من
العلم والثقافة وللقوا ضوءا مني على عهود من التاريخ نن ف حاجة إل معرفتها هذا من الناحية
التاريية أما الوانب الخرى وما أخصبها وأكثرها فانا تدعو أبناء جربة الكرام أن يلتفتوا إليها
ويهتموا با ولقد بقيت جربة خلل القرون الثلثة الاضية حاملة لواء العلم والعرفة رغم فساد الكم
ولقد ترج على يده عدد كبي من العماء وجازت عليه نسبة الدين قال أبو عثمان سعيد بن
تعاريت " :ورأيت له أجوبة وأسئلة ف الفقه والحكام شافية كافية ".ولقد عاصره جع كبي من
العلماء منهم العلمة أبو الربيع سليمان بن قاسم بن سعيد اليونسى التوف سنة ستي وألف.
ومنهم العلمة أحد بن ممد أب سته التوف سنة إحدى وستي وألف.
ومنهم أبو الربيع سليمان بن عبدال أب زيد الصيدغيان التوف سنة سبع وتسعي وألف.
ومنهم المام أبو عبدال بن أب سته التوف سنة سبع وثاني وألف وغيهم كثي.
أخذ العلم عن جاعة من علماء عصره ولكن أكثر ما اخذ كان على العلمة الكبي الشيخ
لقد كانت حياة أب الربيع اليلتى وأعماله شديدة الشبه بياة وأعمال أب النجاة يونس فعنه
اخذ العلم عدد غي قليل من العلماء وكان مقصد الطلب من البل والزائر وجربة وعنه انتشر العلم
يشرفن هنا أن أضع قلمي الزيل ل ستمع مع القارئ الكري إل ما كتبه المام القدوة شيخ
الصحافة الزائرية الشيخ أبو اليقظان متعنا ال بياته وأمده بروح منه قال حفظه ال ف كتابه القيم
ومنهم العلمة الشيخ يوسف بن ممد الصعب اللكي من آل يرو ف مليكة أخذ
العم عن الشيخ سعيد بن يى الادوى ،كما أخذ عن الشيخ سليمان بن ممد البارون وعن الشيخ
عمر الويران الشدويكشي .وإليه أسند نسب الدين عند أهل وادي ميزاب التاخرين.
وكفى به شرفا أن ترج على يديه تلميذه الشيخ أبو زكرياء يى بن صال الذي أحيا وادي
وله تأليف كثي جزيلة النفع ،عظيمة الفائدة ،منها حاشية ضخمة ف جزئي على تفسي
الللي ،ومنها حاشية على كتاب الفرائض للشيخ إساعيل اليطال ،ومنها رسالة مكمة ف الرد
على من حكم برد شهادة الباضية من التنطعي ،أبرز فيها تفوقه العلمي ،وغزارة مادته .ومنها رسالة
ف تنجيس أبوال اليوانات ،ورد فيها على من زعم طهارتا ،ومنها مموعة أجوبة مفيدة عن أسئلة
سامية ،يتحامون جانبه أجلل لعلمه وقدره وفضله وكانوا يزورونه ف مواسم العياد.
ولا توف قال عنه احد علماء الالكية بربة :ل يفرح لوت عال
وكان بينه وبين أب سته الحشى قرن كامل إذ توف أبو سته ف سنة 1087والشيخ يوسف
ف سنة 1187وها مددان لعال السلم رحهما ال ولترجته بسطه حافلة تركناها خوف
وقد أضاف الشيخ أبو اليقظان حفظه ال ورعاه إل ترجة العلمة أب يعقوب التطويل.
ومنهم العلمة الكبي الشيخ ممد بن يوسف الصعب الليكى -أخذ العلم عن أبيه يوسف
بن ممد بربة كما اخذ عن الشيخ أب العباس أحد بن عمر بن رمضان التلت .وله تآليف كثية
تدل على غزارة علمه وطول باعه منها شرحه لقصيدة أب نصر فتح بن نوح الشهية بي الطلبة
بتحريض الطلبة وقد طبع طبعا حجريا بصر وله خط جيل وقد نسخ بيده كثيا من الكتب ول نعلم
تاريخ وفاته بالضبط .ويقال أنه لا وضع ف قبه شم الناس منه رائحة طيبة كالسك ودفن هو
وأخوانه على ومنهى بقبة والدهم وهي قرب مقبة الشيخ اساعيل اليطال بربة رحهم ال.
وكان معاصرا للشيخ شعبان بن أحد الفنوشي الرب وكانت بينه وبي الشيخ احد
مراسلت ف الفقه والتوحيد والحكام وله غي ما ذكرنا من التآليف تركنا سردها خوف الطالة.
هذا ما كتبه الشيخ أبو اليقظان عن هذين المامي العظيمي وفيه كفاية امن يبحث عن
حديثك أيها القارئ الكري عن عدد من الشخصيات الباضية الت عاشت ف المهورية
التونسية ،ول أقصد بديثى عن هذه الشخصيات أن أقص عليك تراجم حياتم ،أو أن اعرفهم لك
تعريف الؤرخ الذي يعن بدقائق حياة الشخص العادية ،أو أن أربط بي تسلسل الحداث التاريية،
أو حت أن أقدمهم إليك حسب وجودهم الزمن ،ل أقصد شيئا من ذلك لن ذلك من عمل الؤرخ،
وهذا الكتاب ل يوضع للتاريخ ،وإنا قصدت أن أضع بي يديك صورا من تاريخ السلم ف سي
أعلمه ،تد فيها الكفاح التواصل لعلء كلمة ال انك ترى فيها صورة من حياة السلمي كما
إنا صور غي منسقة وقد تكون غي واضحة كل الوضوح ف الدللة على الياة العامة
للباضية ف كل القطر لن الباضية كما قلت ف الفصول السابقة كانوا يرون أغلب المهورية
التونسية ،ولكي أعطى صورة كاملة للقارئ الكري يقتضين العمل أن آخذ صورا عن جيع
المهورية وف العصور التتابعة وان أقدم ناذج من حياة الفراد وناذج من حياة الجتمع أو حياة
وبا ان عوامل متلفة اثرت على الباضية ف البلد التونسية ،فتقلصوا منها ول يبق لم وجود ف غي
جزيرة جربة العامرة ،فقد رأيت ان اقتطف صورا مستعجلة وناذج متصرة عن الماكن الت عاشوا
فيها ف يوم من اليام مثل بلد الريد وقصطالية وحسن درجي وجبال دمر وجبل وسلت وفحص
القيوان وقابس والامة وما اشببها وعنيت اخيا ان اقدم صورا اوضح لياة الباضية ف جزيرة
جربة ،ولقد تدثت عن عدد من اعلمها ف الفصول السابقة ،اما الفصول التية فسوف تكون اغلبها
عن الباضية ف جربة ،وما لقوه فيها من عنت الدهر ،وظلم الخوة ،وعدوان الستعمار ،وكيف
صبوا لظلم ذوى القرب وجاهدوا ف ال حق جهاده ،عدوان اعداء ال انك ايها القارئ الكري
وتاريخ جربة السلمية حافل بالعظمة والجد والكفاح ف سبيل ال وعلى ابنائها البرة ان يتصدوا
للكشف عن تلك الماد حت يرى الشاب السلم امثلة رائعة من عمل الؤمني الصادقي الذين
يعملون له فحسب ،ل يدفعهم إل البذل والفداء والتضحية ،طمع ف منصب ول رغبة ف مال ول
شهوة غالبية.
والتتبع لتاريخ جربة ف العهد السلمي ،إذا اراد ان يدر من هذه التاريخ من الوجهة الواقعية القيقية
لياة المة كما كانت تعيش ل غن له من ان يقسم هذا التاريخ إل عدد من الفترات تتاز لك منها
بصائص واتاهات ،ولتيسي هذا العتبار سوف اعمل على ايضاح ميزات كل فترة من تلك
الفترات واعتمد انه ما يساعد القارئ الكري ان اعرض عليه ف هذا الفصل تلك الفترات ث اتولها
بشيء من التفصيل.
-7الفترة السابعة :تبدأ من استقلل تونس وسيتول مؤرخو الجيال القادمة ايضاح خصائص هذه
الفترة.
على أنن استطيع ان اجل هذه الفترات ف عهود وف امكان القارئ الكري ان يعتب الفترات
الثلثة الول داخلة ف عهد واحد وهو عهد الستقلل وان يعتب الفترة الرابعة داخله ف عهد الهاد
ف سبيل ال ،وأن يعتب الفترة الامسة داخلة ف عهد النضمام إل الامعة السلمية أما الفترة
السادسة فهي عهد الستعمار البغيض أما الفترة السابعة فنرجو أن تكون داخلة ف عهد طويل مشرق
سعيد.
العهد الامس يبتدئ من استقلل تونس ويستمر إل ما شاء ال وهذا الكتاب يتحدث عن
بعض الحداث ف العهود الثلثة الول أما العهد الرابع فله فصل ف غي هذه اللقة.
جربة بعد الفتح السلمي
الفترة الول
جربة جزيرة صغية كانت ل تتصل بغيها من البلد إل عن طريق البحر ،ث انشئت با
قنطرة تتد ف البحر مسافة سبعة كيلومتر تربط بينها وبي جرجيس.
صلى ال عليه وسلم ،واستقبل سكانا الدين الديد ،بقلوب متفتحة لليان وأرواح متشوقة إل نور
عاشت جزيرة جربة بعدما دخلها السلم واستجاب أهلها لدين ال ،ف أغلب الحيان أما
مستقلة استقلل كامل ،وأما مستقلة استقلل داخليا ،ول تكن تابعة للدول القائمة ف غيها من
البلدان تبعية كاملة إل ف فترات قصية من التاريخ .فمنذ دخلها السلم ،وتشرفق تربيتها الزكية
بإقدام الفاتي الول ،وارتلت عنها الوثنية والسيحية الحرفة ،ل يعد فيها للكفر مال ،ولذلك فلم
تشترك ف حروب الردة الت كانت تثور بي الي والي ف متلف جهات البلد التونسية ،ول
يرتفع فيها صوت يدعو إل الشتراك ف الروب الطاحنة ،والعارك الائلة ،الت كانت تشنها بقايا
الوثنية الضالة ،والسيحية التعصبة ،لنه ل تبق للكفر ف الزيرة بقية منذ أشرق فيها نور دين ال.
ولقد بقيت طيلة حروب الردة ف أفريقية وهي متربصة يقظة خشية أن يدهها الرتدون أو من
يركونم ليتخذوا منها مركز هجوم أو ملجأ للتحصن والدفاع .وكانت دائما مستعدة لرد من ياول
ليتهم بناحية الكم فيها وقد قاد جيوشه الظفرة لواصلة الكفاح ف سبيل ال حيث يب الكفاح
واستودع أهل جربة دينهم وامانتهم وخوات عملهم ،ويبدو أن أهل جربة ذاقوا حلوة الستقلل ف
ظل السلم ،واستمرأوه ،فأرادوا أن تبقى جزيرتم على ذلك الوضع ،الذي تركهم عليه رويفع
فساروا ف اتاهه.
ولا ت فتح البلد التونسية ،وقضى القضاء الكامل على الوثنية ،وأصبحت كلمة ال هي العليا
وخضع الغرب للدولة الموية ،يقيت جربة منعزلة عن ولة الكم ،يقيم بعض مشائخها فيها حكم
وتعاقب ولة الدولة الموية على الملكة التونسية وتنازعوا فيما بينهم على الكم ف بعض
الحيان وثار عليهم الناس هنا أو هناك أحيانا أخرى ،وكان الناع هذه الرة داخل صفوف السلمي
يقوم به ثائرون على انراف الولة بالكم عن منهاج السلم أو حريصون على البقاء ف الكم ،أو
طامعون ف الوصول إليه ،وبقيت جربة على الوضع الذي اخنارته لنفسها ،تطبق نظم الكم
السلمي ف شؤونا الداخلية ،ول ترج خارج الزيرة ،ول ترمى بثقلها إل أي جانب من الوانب
التنازعة ،فلم تشترك ف الثورات الكثية الت كانت تقع عن يينها وشالا ،وإنا حافظت على الياه
والسلم إل أواخر القرن الثان حي التحقت راغبة طائعة بالدولة الرستمية ،والسبب ف بقائها إل
هذا الي دون أن تنضم إل حكم ولة الدولة الموية أو ولة الدولة العباسية أو الثائرين عليهم ،هو
ما كانت تلحظه من البعد بي نظم الكم الت جاء با السلم ،وبي طرق الكم الت يسي عليها
أولئك الولة ف كثي من الحيان ،فقد كان واضحا أن أغلب الولة ل يكونوا يتقيدون بالتشريع
السلمي ف معاملة الناس ،والساواة بينهم ف القوق والواجبات ،وإنا كانوا يهتمون قبل كل شئ
بإقامة الدولة ،والحافظة على السلطة ،ولو أدى ذلك إل انتهاك الرم الت صانا السلم.
ولقد قامت ف ليبيا ثلث امامات مستقلة عن الدولة الموية والدولة العباسية ،وحاولت تلك
المامات أن تعود بالكم النحرف إل النهج الذي جاء به دين ال ،وشل حكم هذه المامات،
بعضا من البلد التونسية إل أن جربة بقيت مترددة ل تقدم على النضمام إل تلك المامات،
وحافظت على حيادها السياسي والعسكري ،ولعل شيوخ الزيرة كانوا يرون إن البقاء على وضعهم
الاص ل يعرضهم لسخط أحد ،كما أنم كانوا يرون أن المامة ل يكن أن تستقر ف ليبيا ،لن
ليبيا هي الطريق الطبيعي للجيوش الذاهبة من الشرق إل الغرب أو من الغرب إل الشرق ،ومهما
كان رأيهم ف الوضوع فقد واقفوا منها موقفا سلبيا ،فلم يساعدوها ف حروبا سواء ف ذلك
الروب الواقعة ف ليبيا أو الروب الواقعة ف البلد التونسية ،كما ل يساعدوا مناهضيها ف كل
البلدين .فلما تأسست الدولة الرستمية ف الزائر وبايع الناس عبدالرحن رستم بالمامة كانت جربة
من البلدان الول الت استبشرت بيلد هذه المامة ،وسارعت إل النضمام إليها والدخول تت
جناحها ،كما فعل أغلب النوب والوسط من البلد التونسية ،ولعل من السباب الت جعلت جربة
-1كان عبدالرحن بن رستم شخصية لمعة فهو من حل العلم ،ومن اخلص الدعاة إل
الحافظة على دين ال ،ولقد أسند إليه حكم القيوان ف عهد المام أب الطاب فكان مثال للحاكم
السلم النيه ،الذي يرص أعلى اقامة دين ال ،فإذا بويع بالمامة ف الزائر فهو خليق أن يسي با ف
-3كان أهال جربة يعرفون أنم لن يتركوا على هذا النعزال والستقلل دون أن يدخلوا
وهكذا اختارت جربة أن تكون تابعة للدولة الرستمية ف الزائر شأنا ف ذلك شأن أغلب
الملكة الليبية وأغلب البلد التونسية ،وأصبحت منذ ذلك الي أهم حلقة اتصال بي الباضية
الوجودين ف ليبيا من جهة والباضية الوجودين ف تونس والزائر من جهة أخرى ،وكانت علقتها
بالدولة الرستمية علقة استقرار وسلم واطمئنان.ولا كانت سياسة الدولة الرستمية تتمشى حسب
تعاليم السلم ( )1لا الشراف العام على القطار التابعة لا ،دون التحكم فيها ،وف مقدراتا فقد
كانت جربة كما كانت بلدان الوسط والنوب التونسيي وكما كان جبل نفوسة وغيه من البلد
الليبية التابعة للدولة الرستمية ترتبط بركز الدولة ارتباطها روحيا أكثر ما ترتبط با ارتباطا ماديا،
فلقد كان أهال الزيرة ،كما كان غيهم -يتارون من يتول شؤونم ،فيبعثون باسه إل مركز
المامة فيأت تعيينه عليهم فيتول أمرهم يكم بينهم بكم ال ،فيفصل الشاكل ،ويقيم الدود،
ويرعى مصال المة ،باسم الدولة الرستمية ،ول تكن الدولة الرستمية تمع الموال أو تفرض
الضرائب على الناس ،وإنا كانت تمع الزكاة على النظام السلمي ،وترص على صرفها ف
وجوهها الت عينها الكتاب الكري ،وكانت زكاة جربة ل ترج منها فقد
1
)1(1يقول الستاذ عثمان الكعاك ف كتابه القيم موجز التاريخ العام للجزائر صفحة " :180يرأس الدولة الرستمية أمام يلقب بأمي الؤمني بيده مقاليده،
وتصاريف أمورها وله ترجع السلطتان الزمنية والروحية ،ينتخبه وجوه الدينة وزعماء الذهب ،وشيوخ الدين بربة عن غي مبالة ،ول تقاليد ،ول ولء ف قرابة
أو صداقة أو سلطان .يراعون فيه العرفة والدارية والتحنك والدهاء والعدل والنصاف .يريها على نفسه قبل ذوى قرابته ،وعلى ذوى قرابته قبل الاشية أو
عموم السكان ،وأن هم رأوا أعوجا قاموه بالسيف ل بالرفق واللي وأنزلوه من اريكته من غي وجل أو أسف أو اعتبار".
ويقول ف الصفحة " 182وكانوا على نزاهة تامة ل ينازعهم فيها منازع ،وذمه بريئة من كل شائبة من الشوائب وقد وردت نوادر ف شأنم ف
كتب تاريية مالكية ،ما يدل على عدم التعصب ف ذكر الرواية وصحة النقل.
كان عامل الدولة يمعها من أصحابا ث يصرفها برص شديد ف الوجوه الت تصر فيها الزكاة.
أما الند فرغم أن الدولة الرستمية هوجت ف كثي من الحيان ،وقامت بينها وبي الدول
الجاورة لا عدة حروب ،وثار عليها ثائرون خطرون رغم كل ذلك فأنا كانت تعتمد ف حروبا
على التطوعي للجهاد ف سبيل ال ول تتخذ جنودا مرتزقي كما كانت تفعل غيها من الدول الت
تقوم على الستبداد والظلم وقصاري ما اتذته من جند مستدي انا هم شرطة البلدية وكانوا يقومون
بذه الواجبات احتسابا لا عند ال ول يأخذون عن عملهم هذا مقابل كذلك بعض الشرطة الذين
يقومون مقام البوليس لفظ المن والقبض على الناة ولذلك فقد كانت البلد التابعة لا كجربة ل
تتخذ جندا ول ترسلهم إل الدولة ،ومهمته الرب ،وإنا كانت الدولة الرستمية ف حروبا تعتمد
على التطوعي فعندما تثار حرب يدعى الناس إل الهاد ف سبيل ال أو حاية الوطن أو ما إل ذلك
فيندفع الناس إل القيام بذلك الواجب القدس غي منتظرين اجرا من الدولة أو كسبا من الرب ،فإذا
رأى المام إن العدو التطوع ف مركز الدولة ل يكفيه للدفاع استعان بغيهم ف بقية البلد ،دون أن
يلزمهم العدد أو يمل الناس على الرب مرغمي أو طامعي ف مكسب دنيوي فإذا انتهت العركة
ويبدو أن الزيرة حافظت على البدأ الذي التزمته من قبل منذ الفتح السلمي فلم ترسل أي
ندة للدولة الرستمية ف حروبا الكثية ،وإنا احتفظت بقوتا لنفسها ،كذلك ل تشترك ف الثورات
الت قامت ضد الغالبة ف القيوان ول تاول أن تنصرهم وإنا حافظت على حيادها الكامل بالنسبة
لذه الدولة.
ونستطيع ف آخر هذا الفصل أن نلخص الديث عن جربة ف الفترة الول من تاريها
دخل السلم إل جربة سنة 47من الجرة على يد رويفع بن ثابت النصاري على أشهر
الروايات ،ومنذ فتحها رويفع ل يرتفع فيها صوت للفكر أو الردة ،فقد رضيت السلم دينا
واطمأنت له وعملت به وحافظت عليه ف اطارها الداخلي ،ولذلك ل تعد إليها اليوش السلمية
الفاتة الت كانت تنتقل من مكان إل مكان ،لتأديب الرتدين والعصاة ،لنه ل يكن ف جربة مرتدون
أو عصاة .وكان قادة الفتح ف العهود الول ل يهتمون بظاهر السلطة ،ول ييلون إل التحكم أو
النفوذ ،وإنا كل ما يعنيهم هو نشر السلم وأمن الدعوة إليه ،فحيثما تفف ذلك ترك أهل البلد
وشأنم ،ولذلك فما افتتحوا الزيرة ،وأيقنوا أن أهلها قد نبذوا الوثنية ،واسلموا أمرهم ل ،حت
تركوهم لشأنم ،ووجدت جربة نفسها وهي تعيش ف ظل السلم إنا قد ارتاحت من عنت الكفر،
ومن طغيان الرومان الذين كانوا يتحكمون فيها تكم الستعمر الباغي ،فحافظت على السلم
والسلم ،واستمرت على هذه الالة الادئة إل أواخر القرن الثان حي انضمت إل الدولة الرستمية
ودخلت تت رعايتها ،واحتمت بناحها ،ومن أواخر القرن الثان إل أواخر القرن الثالث ل تتلف
الحوال كثيا على جربة ،فقد بقى فيها النظام السلمي ،وكان علماؤها يرصون على تطبيقه،
وكل ما حدث من فرق أن الوامر ف العهد الرستمي كانت تنفذ باسم المام ،وإن العمال كانت
تقام باسم الدولة ،ولقد نتج عن هذا الستقلل والستقرار ف الزيرة نتائج أتت بثمار طيبة ،فقد
اهتم الناس فيها بالدراسة ونشر العلم وبث العرفة ،فنبغ علماء فحول ف هذا العصر كانت لم اليد
البيضاء على توجيه الناس من الناحية الدينية والجتماعية واللقيو والسي بم ف النهاج السلمي
للحياة البشرية ،وتكونت عدة مدارس حافظت على التراث السلمي الجيد طيلة قرون طويلة،
ونستطيع أن نعتب الفترة الول من تاريخ جربة الت تتد ما بي 47و 300فترة استقلت فيها جربة
استقلل كامل لدة قرن ونصف وكانت تابعة للدولة الرستمية لدة قرن ،وكان عهدها ف هذه
التبعية شبيها بعهود الستقلل لنا كانت تتمتع بميع الزايا الت تكفلها نظم الكم السلمي حي
يقام لمه مسلمة ،صان السلم دماءها وأموالا وأعراضها ،واتاح لا من فرص الياة الكرية ما يسر
لا أن تعيش حرة سعيدة ،دون أن تكون خاضعة للهواء البشرية ،الت تفرضها غطرسة الكام الذين
-1ل يقع فيها ارتداد عن السلم كما وقع ف أكثر الهات الجاورة لا.
-3حرصت أن تباشر شئونا بنفسها تت رعاية شيوخ العم ول تاول أن تنضم إل دولة
الفترة الثانية
ف اواخر القرن الثالث نشأت الدولة الفاطمية وتغلبت على الدولة الرستمية ف الزائر ث على الغالبة
ف تونس ،فازاحتهما عن الكم ،وقد نشأ عن ذلك عدد من الثورات والروب الدامية الت امتدت
زمنا طويل ف جيع البلد الزائرية ،والبلد التونسية والشق الغرب من ليبيا ،وأدى ذلك من الناحية
السياسية ال انقطاع التصال بي جربة ومركز الدولة الرستمية الت انقرضت كما قلل من وسائل
التصال بينها وبي جبل نفوسة ل سيما وان البل كان ل يزال يعان من النكبات التوالية الت
سلطت عليه ومن اهها اثار وقعة مانو الت ذهب فيها خيار ابطال البل وعلمائه.
ورأى علماء جربة على ضوء الحداث الواقعة ،ان يعودوا إل نظام حياتم ف العهود السابقة قبل ان
يدخلوا تت حكم الدولة الرستمية ،فعليهم ان يافظوا على استقللم الداخلي من الناحية السياسية،
وعليهم ان ل يتكوا بالدولة الفاطمية الت تاول ان تستقر ،وعليهم ان ل يتكوا بالثوار الذين
ياولون ان يقضوا على هذه الدولة الناشئة ،وعليهم ان يافظوا على جزيرتم وان ل يتركوا احدا من
التنازعي ليجعلها مركزا للعدوان ،وكانوا يهمهم ان يعيشوا على حياد تام وف سلم ف ظل
السلم ،وهم وان انقطع التصال السياسي بينهم وبي الزائر وليبيا إل انم كانوا على اتصال وثيق
مستمر باخوانم الباضية ف كامل القطر التونسي وف الزائر وليبيا والفارق بي حالة الباضية ف
جزيرة جربة وبي غيهم من الباضية ف البلد التونسية ،ان اباضية جربة قد عاشوا طول الفترة
الاضية ف حياد وامن وسلم ،ل تنلهم الروب ،ول تستفزهم الثورات ،ول يقع عليهم اعتداء ،ول
يصابوا باضرار حرب ،اما اخوانم من الباضية ف بقية البلد التونسية فقد كانت توجه اليهم
الضربات اثر الضربات ،اما من الدول القائمة الت تريد ان تكم ،واما من الثوار الذين يريدون ان
يطيحوا بتلك الدول ليصلوا إل الكم ،واما من فورات العصبية الذهبية الت تذكيها الصلحة الفردية
قائمة ،ول يؤيدون الثوار الذين ينعقون ف كل جهة من البلد ،فإذا التجأ اليهم ملتجئ ،يلتمس الياة
الادئة ،والستقرار والسكينة فتحوا له الجال وأووه ،أما إذا اراد ان يتخذ الزيرة مركزا للعنف
والثورة ،فأنم ل يسمحون له بذلك ،ويردونه عنهم بلطف فاذا ل يستجب ردوه عنهم بعنف.
وعندما كانت الدولة الفاطمية تكافح من اجل البقاء ف الملكة التونسية ،وتعمل جاهدة على التمكن
والستقرار ،كان اهل جربة ل يهتمون با وانا كانوا يلمون بانم سوف يعيشون حياة هادئة آمنة
سعيدة ،كتلك الياة الت عاشوها ف الفترة الول ،ل تكم ول ظلم ول عدوان ،ول وثنية ول كفر
ول عصيان ،ولكن هذا اللم ل يطل ،فان الدولة الفاطمية كانت تعمل على الستقرار لتباشر
الكم ،وتستغل مكاسبه ،ولذلك فما اطمأنت إل استقرارها ،وثبتت دعائم حكمها ف الهدية،
وكونت اساطيلها البحرية القوية حت فكرت ف مباشرة الكم على تلك البلد الت بقيت منعزلة
عنها وهكذا وجهت اسطولا إل جزيرة جربة على حي غفلة من أهلها ودخلتها سنة 311على يد
علي بن سليمان الداعى فاصبحت جربة بذلك خاضعة خضوعا فعليا حقيقيا للدولة الفاطمية ،وذاقت
جربة مرارة الكم الظال كما كانت تذوقه بقية البلد ،ولقد زاد ف شناعة الوقف ما كانت تبثه
الدعاية الفرضة الت تباعد ما أمكنها بي فرق السلمي ل سيما بي الباضية والشيعة ،وكان الولة
من الشيعة يرتكبون ما يرتكبون من الفواحش ف جربة وف غيها من بلد الباضية وهم يعتقدون ان
ما يفعلونه ل ترمه الشريعة ،بل كثيا ما يرغبهم بعض التعصبي النغلقى الذهن على النتقام من
الباضية مستبيحا دماءهم واموالم ،ولذلك فقد كان اولئك الولة ل يتورعون عن شئ وبقيت
الزيرة تت حكم الدولة الفاطمية عشرين سنة يتول أمرها ولة تعينهم حكومة الهدية ،فلما ثار أبو
يزيد ملد بن كيداد صاحب المار ،استبشر به الناس من جيع الطوائف السلمية الت كانت ف
وظنوا ان اللص من ظلم الفاطميي انا يقع على يد هذا الثائر العنيد ،ووقع ممع علمى
من علماء الالكية ف القيوان افتوا فيه بوجوب مناصرة أب يزيد وماربة الفاطميي بكل القوى .وبدا
لول وهلة أن أبا يزيد هذا سوف ينتصر ،وسوف يقوض أركان هذه الدولة ،واستمر ينتصر ف
كان اهال جربة كغيها من سكان البلد التونسية ،يتذمرون من ظلم الفاطميي ،ويتوقعون
اللص على يد أب يزيد ،فلما احتل أبو يزيد جربة وارتكب فيها ما ل يأذن به ال وما ل يبلغ إليه
الفاطميون ،وجدوا أن الوان الظلم تتفاوت حت يبدو بضعة بالنسبة إل بعض آخر كأنه العدل
الطلق ،ومرت على جربة سنتان مظلمتان تت حكم أب يزيد الذي طرد منها عامل الدولة الفاطمية،
وحكمها كما شاء له ول تباعه الوى .وف سنة 335قتل أبو يزيد الثائر العنيد ،وارجعت جربة إل
حكم الدولة الفاطمية ،ف الهدية فوجدت نفسها تقيم على الوان متلفة من الظلم والنراف عن
حكم ال ،ولذلك فقد بدأت تعمل على الثورة ،وتتهيأ لا وأعدت من الوسائل ما يكفل لا النجاح
وفيما بي سنة - 341و - 350 -كانت قد أعدت وسائلها واطمأنت إل ناحها فثارت
وطردت عامل الهدية ،وعادت إل النظام الذي وضعته لنفسها من قبل ،بعد الفتح السلمي،
وعاشت عليه ف الفترة الول من تاريها الجيد ،واستمرت على ذلك الوضع إل عهد العز بن
باديس الصنهاجي الذي احتل الزيرة سنة 431فاستباح منها جيع الرم الت صانا السلم
وارتكب جريته النكراء فجمع خيار المة ف الزيرة من العلماء والزهاد وذوي الفضل والرأي
فذبهم .أنا إحدى الرائم الت يقدم عليها الطغاة من الكام دون وازع من دين أو ضمي أو خلق.
ف هذه الفترة التاريية الت تتد ما بي سنة 300إل سنة 431عاشت جربة ثلثي سنة
تابعة كاملة لكم خارج عن الزيرة ذاقت فيه من ألوان الظلم والقهر والبوت ما كان يرتكبه
الظالون ف ف البلد الت يتغلبون عليها دون أن ياسبهم أحد .وقد قضت سنتي من هذه الفترة تت
حكم أب يزيد بن كيداد أما الباقى من هذه الثلثي سنة فقد قضته تت الكم الباشر للدولة
الفاطمية ،وعاشت مائة سنة من تاريها ف هذه الفترة مستقلة استقلل كامل عن التبعيات ،تعيش
فيها على النظم الت اختارتا لنفسها ف الزمنة السابقة والت تود أن تعيش عليها ف الزمنة اللحقة،
ما ل تتكون دول تسي على النهج السلمي وتكم بدين ال.
-2تكون فيهم بسبب العدوان عليهم استعداد للدفاع وحت للقيام بالثورات على الكم
الظال.
-3حرصوا أكثر من ذى قبل على نظامهم الداخلي وبعدهم عن التصال بطلب الكم
-4أصبحوا يعلنون سخطهم على النراف بالكم عن منهاجه السلمي وينتقدون مسلك
ولة المر والثوار عليهم جيعا وكان العلماء من أكثر الناس شدة ف نقد الوضاع الفاسدة ،وبيان
-5كان سكان جربة أمة تب السلم وترص عليه ول يهمها أن تعيش ف أمن بعيدة عن
مظاهر العنف فلما وقع عليها العدوان وارتكبت فيها الفواحش دون سبب يدعو إل ذلك من أولئك
له.
الفترة الثالثة
كان سكان جربة منذ الفتح السلمي إل سنة 431ياولون أن يتفظوا بدوء اعصابم،
ويلتجئون إل السلم ،ول يعتمدون إل القوة والنتقام ،ول يسعون إل ماربة غيهم من الدول أو
الثوار ،وإنا كانوا يرصون على النعزال داخل جزيرتم ،وتطبيق أحكام السلم ف شئونم الاصة
دون الحتكاك بالسياسة الارجية .فلما احتل العز بن باديس الزيرة سنة 431وارتكب فيها من
الظلم والفواحش ما ل يغضى عنه الليم ،ول يقتصر على الظلم ف الموال والعراض والرواح وانا
تعدى ذلك إل الدين والتحكم ف أعمال الناس وعقائدهم فاراد أن يرغمهم على اتباع مذهب معي
ولتنفيذ هذه الفكرة جع العلماء الذين يرجع إليهم الناس ف أمر دينهم وأمر بقتلهم جيعا.
لقد كان الشيعة ف الدولة الفاطمية ياولون من قبل أن يملوا الناس على الذهب الشيعي
ولكن ل يبلغ بم العدوان إل الد الذي بلغه العز بن باديس ف حل الناس على اتباع الذهب
الالكي فلقد أسرف فب حل الناس على ترك مذاهبهم وكان يلتمس أوهى السباب لقتلهم جاعات
وفرادى ول سيما ذوى العلم والرأي .ول شك أن الامل له هذا السلك ليس هو الخلص
للمذهب الالكي وإنا هو الوف على ما بيده من اللك أو كان يشى أن تثور بعض تلك الذاهب
عى ظلمه وعدوانه فأراد استئصالا قبل أن تعد العدة له .بل أن اتباعه للمذهب الالكي ل يكن مبنيا
على دراسة اسلمية ومقارنة بي الذهبي الشيعي ،الذي نشأ عليه والالكي الذي جينئذ وكرههم
للشيعة ولكى يتخذ اولئك الناس انصارا له ويعتمد عليهم ف نظامه السياسي اعتنق الذهب الالكي،
وترك الشيعة ف حوادث تاريية تشبه ان تكون مسرحيات تثيلية ذهب ضحيتها اعداد وافرة من
السلمي ( )1وقد كانت فكرة قتل العلماء والصلحاء ومن يرجع إليه الناس ف أمور دينهم أبشع ما
ابتكرته السياسة الاكرة ف عقل العز بن باديس ويبدو أن الرجل قد ترد من اليان كل التجرد حي
كان يمع امثال أب عمرو النميلى وأب ممد كموس ليذبوا امامه حت ل يد الناس مرجعا لم ف
أمور دينهم.
لقد نتج عن تلك الذابح الت تولها العز ف جزيرة جربة واختار لتنفيذها خيار السلمي
نتائج خطية.
لوث العز يدية بالدم البئ ،ورجع إل عاصمة ملكه ليستقبل مزيدا من الثورات والؤامرات
والكائد الت وجهت إليه من كل جانب ومكان ،والت ما كان يدبرها أو يعد لا اولئك البرياء الذين
أما أهل الزيرة فقد أثارت فيهم هذه القضية رد فعل شديد وبعد ان كانوا امة مسالة
حريصة على أن تتبع دين ال وحكمة ف نفسها وف غيها وان تافظ على المن والسلم ف
ربوعها ،وان ل تشترك ف الدماء الت تراق ،والموال الت تتلس ،يديها با حرم ال .راجعت نفسها
ومن ل يذد عن حوضه سلحه يهدم ومن ل يظلم الناس يظلم فخيل إليها أن ف هذا النطق الاهلي
بعض الق ،وقرر التحمسون من شبابا أن يثوروا ،وان يرتكبوا ما يرتكبه غيهم ،وان يعتدوا كما
يعتدى الخرون ،انه ل يكفى لعزتم أن يردوا الظلم عنهم .وإنا يب أن يقوموا بالظلم ف بعض
الحيان ( )1لقد كان العلماء العلم يغلون أيدي العامة عن ارتكاب الرية واتيان النكر فقتل العز
)1(2قال الزاوى ف تاريخ الفتح العرب ف ليبيا صفحة " :195وقضى على الشيعة ومذهبهم وكان هذا مشجعا للناس على اضطهادهم والفتك
بم ،كما قضى على مذاهب الصفرية والباضية والنكارية والعتزلة ،وحل كل الناس على مذهب المام مالك".
اولئك العلماء وصمتت تلك اللسنة الدائبة على المر بالعروف والنهى عن النكر ،وأصبحت الدعوة
إل النتقام وإل الذ بالثأر وإل النطلق من قيود الرام والشبهة .دعوة ييل إلا الرأى العام فجد
القوم ف إعداد عدة الرب ،وبنوا اساطيل ف البحر ،وربوا شبابم على فنون القتال ،وقبل ان تتم
سبع سنوات من احتلل العز للجزيرة كان أهلها يثورون على عامل الدلوة الصهناجية .ويرمون به
وراء البحر ف وجه العز ويستقبلون بكم جزيرتم ف مظهر قوى عنيف هذه الرة ل ف رفق وهدوء
وسلم كما كانوا يفعلون من قبل ،ول يكتفوا بذا بل سرحوا أساطيلهم للقرصنة ،وسحوا لشبابم
أن يرتكب ما يرتكبه غيه من التسلط على الساطيل الضعيفة وغنيمة ما با من أموال ،فضيقوا
الناق على الدولة الصنهاجية ،وحبسوا التجارة عن الهدية وهي عاصمة الصنهاجيي.
3
وضاقت الذاهب على أمراء الدولة وحاولوا أن يردوا هذا الارد الذي خرج من القمقم ،فلم
يستطيعوا.
لقد كان علماء الدين هم السحرة الذين حبسوا الارد ف الزيرة فلم يرج منها ،أما وقد
قتل أولئك العلماء ،وخفتت أصواتم فلم يعد هنالك ما يول دون الارد والنطلق ،ومضى على
هذه الال قرابة سبعي سنة من سنة 441إل سنة .510وف هذه الدة تكونت طبقة أخرى من
العلماء العلم الريصي على مبادئ السلم فكانت أصواتم تنطلق آمرة بالعروف ناهية عن النكر
داعية إل التمسك بدين ال وأكثروا التنديد على أصحاب السفن الت تشترك ف القرصنة وحرموا ما
كانت تأت به من أموال فأثرت مواقفهم هذه ف نفوس أصحاب الساطيل ،وف سنة 510جهز أبو
( )1قرات هذا الفصل على العال الؤرخ الشيخ سال بن يعقوب الزب فلم يوافق على ما ورد فيه وقال أن ما ينسبه الؤرخون إل أهل جربة من 3
قيامهم بالقرصنة ف هذه الفترة التاريية ل صحة له فإن أباضية جربة ل يستحلوا ف يوم من اليام أموال الناس ول دماءهم وقصاري ما كانوا يفعلونه انا هو
الدفاع الشروع عن أنفسهم واموالم واعراضهم ول يتجاوزوا هذا الوقف أبدا.
السن على بن يى بن تيم أسطول لغزو جربة واستعد أسطول الزيرة للقائه ،كما استعد سكانا
للدفاع مهما كانت الظروف ،وبقى أبو السن ماصرا للجزيرة أياما يهددهم بالرب والحتلل
فيظهرون له القوة والستعداد للدفاع وأخيا دعاهم إل صلح وكانت مواد الصلح أن يترك أبو
أول -أن يكفوا أساطيلهم عن التعرض إل السفن التجارية الت ترد إل الثغور السلمية ف
البلد التونسية.
ثانيا -أن يفتحوا مال التجارة إل الهدية الت ركدت فيها الالة القتصادية.
ووجد علماء الزيرة أن هذه الشروط هي ما يب أن تكون عليه المة السلمة ،فما يوز
العدوان على الخوة ،فحملوا قادة الساطيل على الوافقة ،وت الصلح على ان تبقى الزيرة مستقلة
ف شئونا الداخلية ل تتعرض لا الدولة الصنهاجية ف شيء ،وان تكف أساطيل الزيرة عن القرصنة،
وأن تفتح مال التجارة مع الهدية ،ورجع السطول الصنهاجي يمل شروط الصلح ،وف كل من
الطرفي با وحافظا عليها ،وبقيت جربة على نظامها الاص الذي عرفته من قبل والذي سارت عليه
لقد نتجت عن هذا الصلح نتائج هامة أثرت على تاريخ الزيرة من بعد فمنذ وقع الصلح،
وحرم العلماء ما يأت به أساطيل القرصنة ،أصبحت تلك الساطيل غي ذات جدوى .وأصبح ألولئك
الشباب الذين كانوا يعيشون على الكفاح ف البحر ،يتركون البحر والكفاح فيه ،ويعرضون عنه،
حت صار غي ذى غناء لم وبيعت تلك الساطيل القوية العدة للحرب ول تبق إل سفن الصيد
الصغية ،ونشأ اليل الديد ل يهتم بالسفن وقيادتا ،ول يعد نفسه للحرب عليها ،ول يشتاق إل
القرن الامس :نظام هادئ عادل مستقر يتول فيه أمورهم شيخ من شيوخهم بناء على ما يقرره
العلماء العلم ف مالسهم بالساجد ،واطمأنوا إل هذه الياة الادئة الت اعتادتا الزيرة الصغية
الرابصة ف البحر ،فقد كانت حياة هنيئة سعيدة ف ظل السلم .إل ان اتاريخ كان يتمخض عن
لقد امتدت هذه الفترة من تاريخ جربة قرابة قرن ل تكن فيها الزيرة تابعة لدولة أخرى
تبعية كاملة إل سبع سنوات أو أقل أما بقية الدة فقد عاشتها الزيرة مستقلة استقلل كامل عن
نفوذ أية دولة ،على إن هذه السنوات السبع الت عاشتها الزيرة تابعة للدولة الصنهاجية خاضعة
للمعز بن باديس قد غيت من اخلق الزيرة ومن دينها الشيء الكثي .وكان لوقف العز منها
وماولة حلة لا على اعتناق مذهب غي مذهبها ،وقتله لعلمائها وصلحائها ،اسوأ الثر من الناحية
الدينية .فلقد بقيت الزيرة منذ الفتح السلمي إل إحتلل العز لا سنة 431نظيفة ،ل يدخلها
الال الرام ،ول تتلوث أيديها بالدم الرام ،ول ترتكب فيها الرائم الت ترتكب ف غيها من
البلدان ،ول يرج أهلها عن حكم السلم ف معاملتم للناس خارج الزيرة وداخلها ،فلما وقف
العز منها ذلك الوقف الؤل ،واحضر خيار أهلها فذبهم ذبح الغنام بي سع الناس وبصرهم ،أثر
ذلك ف نفوسهم ،وكون فيهم رد فعل شديد ،نقلبوا معه من شعب يتقى الشبهات ويبتعد عن المى
إل قوة مندفعة حاطمة توض معركة الياة بنفس السلح الذي يستعملة غيها من الناس .وما زاد
ف شناعة الوقف إن العز وهو يرتكب هذه اللوان من الظلم الفادح كان يزعم للناس انه يذود عن
دين ال.
هذه خلصة هذه الفترة من تاريخ جربة ويتضح ف هذه الفترة الظواهر التية-:
-1خفوت صوت العلماء الذين يأمرون بالعروف وينهون عن النكر.
-2انطلق العامة والدهاء ف ميدان الياة على نفس السلوب الذي ترى به الياة ف
البلد الخرى.
-6كانت هذه الفترة من حياة جربة فترة فيها خروج عن الألوف من حياة الباضية
واستمساكهم بدين ال وحرصهم على ذلك وفيها اعتزاز واعتداد بالقوة ،وفيها ماولة لظهار
التسلط ،ولكن ف آخر الفترة تغلب دعاة الق وملتزموا الستقامة على العامة والدهاء ،واستطاعوا أ
يرجعوا بم إل النهج السلمي ،ابتعاد عن الفتنة ودعاتا ،وهروب من الظلم يقع منهم أو عليهم
هذا عهد تاريي قرابة خسة قرون ،إذ يبدئ سنة 47هـ .عندما دخل السلم أول مرة إل
جربة فأشرقت بنور ال ويتد إل سنة 529حينما هجم عليها قراصنة الفرنج فاحتلوها .وكانت
حياة جربة ،طيلة هذا العهد ،بختلف أطواره ،تعيش ف إطار إسلمي نظيف ،قضت منه قرنا ونصفا
تابعة للدولة الرستمية ،وحوال ثلثي سنة تت حكم الدولة الفاطمية أو العبيدية وسنتي تت حكم
أب يزيد بن كيداد ،وسبع سنوات تت حكم الدولة الصهناجية ،اما بقية الدة من هذا العهد وهى
تقارب ثلثة قرون ،فقد كانت فيها جربة مستقلة عن غيها من الدول استقلل كامل ،تعيش على
النهج السلمي ف الياة ،وبالطريقة الت اختارها علماؤها ،دون أن تعلن عن قيام دولة ،ودون أن
ويق للمؤرخ الذي ينظر إل جربة من الزاوية السلمية غي مهتم بظاهر السلطة والنفوذ أن
يقول :إن الفترة الت عاشتها جربة مستقلة عن تبعية غيها من الدول كانت عهودا مشرقة باليان
والعمل الصال والتمسك بدى ممد عليه الصلة والسلم ،وذلك باستثناء السبعي سنة الت
اشتركت فيها أساطيل الزيرة ف العمال البحرية .وأنا حي أطلق هذا الكم العام على سبعي سنة
من تاريخ الزيرة أجد نفسي ملزما بأن أوضح للقارئ الكري إن هذا الكم غي دقيق فإن السبعي
سنة ل تض كلها ف العمال البحرية كما إن الناس الذين يقومون با ليسوا أهل الزيرة كلها وإنا
هم أفراد منها وإل فإن الغالب من السكان ل سيما التديني منهم كانوا غي راضي عن تلك العمال
ويدل على ذلك أنه ما تكونت طبقة من العماء النظور إليهم حت استطاعوا أن يوقفوا تلك العمال
وان يطهروا أرض الزيرة وأيدى أبنائها من آثار الظلم والعدوان ،وإن يعودوا بالمة إل سلوك
الطريق القوي .عمل خالص ل وماسبة للنفس والتزام للحق .مستجيبي لدعوة ال ف كتابه الكري" .
يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضركم من ضل إذا اهتديتم إل ال مرجعكم جيعا فينبئكم با
كنتم تعملون".
هذا العهد الول من تاريخ جربة ف السلم اما العهد الثان فيبتدئ من سنة 529حي
هجم الفرنج على الزيرة ويتد إل سنة 960حي دخلت جربة تت اللفة العثمانية ،وسوف
نعرض بالديث ف الفصول التية عن العهد الثان من تاريخ جربة لنجلو من ذلك صورا من كفاح
المة السلمة نضعها بي يدى القارئ الكري لعله يد ف ذلك عبة وموعظة.
عهد الهاد ف سبيل ال
يسي تاريخ جربة ف هذا العهد ،ف اتاهي متلفي ،التاه الول هو مقاومة الستعمار
الصليب ،وماربة القرصنة الفرنية ،والوقوف ف وجه العدوان الذي تباركه الصلبية التعصبة ،وسلطة
الكنيسة الاقدة ،على الشواطئ السلمية ،ويبتدئ هذا التاه من سنة 529ويتد إل سنة .960
أما التاه الثان فهو تبعية الزيرة لكم خارج عنها سواء كان تت رعاية دولة .أو تت
نفوذ ولة يعملون على الستقلل بالكم ،ويبتدئ هذا العهد من سنة 555ويتد إل سنة .960
وبينما كان تاريخ جربة ف التاه الول مشحونا بالحداث والهاد التواصل ف سبيل ال
والوطن ،كان تاريها ف التاه الثان عبارة عن تمل وصب واداء لا يطلب من اموال وضرائب.
وسوف أحاول ف الفصول التية ،أن أضع بي يدى القارئ الكري صورا عن كل من التاهي
إن جزيرة جربة الصغية الت ليس لا مطامع ،والت ترغب ان تعيش ف هدوء وسلم،
ارغمتها ظروف الياة إل أن ترج من عزلتها ،وأن تكون اسطول تدد به بعض الوانئ ،وتطم
السفن ،وتصارع الساطيل ،فجاءها أمي الهدية علي بن يى وعرض عليها صلحا بسن الوار
ووقف العدوان والتبادل التجاري فرضيت الزيرة بالصلح فأمنت من العدوان ،واطمأنت إل السلم،
وفيما هي تنام ف احضان الطمأنينة ،فأجأها أسطول بري قوي ،لدولة حاقدة على السلم
والسلمي .فقد جهز حاكم صقيلية روجار تستيقظ حت كان الفرنج قد احتلوها ،واصبحوا يوبون
شوارعها ويعيشون فيها فسادا ،تنادى السكان إل الدفاع ،وقاتلوا قتال عنيفا تكبدوا فيه خسائر ل
تصى إل أنم غلبوا على أمرهم واستكانوا على رغمهم ،وخضعوا الكم النورماند.
جعل النورماند من جزيرة جربة مركزا لتموين أساطيلهم ،وامدادها با تتاج إليه ف عدوانا
من عتاد وسلح ،كما اتذوها ملجأ لم من العواصف البحرية .وانتظر أهل جربة أن يف احد
لنجدتم ولكن ل يستب لم ف الفق شيء ،فقد كانت الساطيل الفرنية تسيطر على البحر البيض
التوسط ،وكانت تاجم السواحل السلمية كل يوم ،وكان حسن الصنهاجي صاحب الهدية
مشغول بالدفاع عن نفسه وعن مركز دولته ،ولا طال بقاء النورماند ف الزيرة وأيقن أهلها انه ل
مدد يأتيهم من الارج ،وإن بلدهم أصبحت مركزا للعدوان ،منها تنطلق أساطيل القرصنة ،فكر
أهال جربة ف الثورة ونظموا أمرهم ث تداعوا إل الثورة سنة 548فانتصروا على الامية الت تركها
وعندما ترامت فلول النهزمي إل صقلية ،وبلغت تفاصيل الخبار إل ملكهم غضب غضبا
شديدا ،وجهز أعظم أسطول عرفته القرصنة البحرية لذلك الي ،ث وجهه إل جربة ،وتلقى اهال
الزيرة ذلك السطول الضخم بنية مستميتة ف الدفاع ،وعزم مصمم على النضال ،وقعت معركة
من تلك العارك الائلة الت تتناثر فيها الشلء البشرية ،دون حساب أو تقدير ،وتغلبت القوة
والكثية ،وقتل أهل الزيرة حت ل يكد يبقى فيهم من يقوى على حل السلح ،وأخذ كثي من
أهلها أسرى فبيعوا ف أسواق إيطاليا وصقلية عبيدا ،وخفتت ف الزيرة تلك الصوات الت كانت
تطن ف أجواف الليل بالدعاء وتلوة القرآن ،وتل الساجد ف النهر بدروس العلم ودروس الوعظ
والرشاد وبدت الزيرة كانا ف غفوة طويلة ل تبدو عليها حركة أو حياة.
بقى الفرنج ف الزيرة إل سنة 555حي قدم عبد الؤمن بن على فساعد الزيرة على
طرد أولئك الستعمرين الدخلء كما طردهم من غيها من الثغور السلمية ،وأدخل الزيرة تت
حكمة .وما خرج الفرنج من الزيرة حت بدأت تعاودها الياة وتدب ف نواحيها الركة وأخذ
الناس يباشرون أعمالم العادية ،وكان أولئك الذين فروا يعودون إليها ،وبدأت النازل تعمر من
بالكم ف تونس فانتقلت جربة إل نظرة ،وصارت تابعة للدولة الفصية يكمونا بواسطة الولة.
والقيقة أن تبعية الزيرة للموحدين ف الول أو للحفصيي ف الخر إنا هي تبعية اسية
وكل ما يربط بي التابع والتبوع إنا هي مبالغ من الال يأخذها عامل الدولة ف جربة برسم الضرائب
ويسلمها للدولة الركزية ف تونس ،ورغم أن أولئك الولة أو العمال يعينون من رئاسة الدولة ف
تونس ورغم ان جربة رضيت بذه التبعية للحكم ف تونس كان ل يعنيهم من الزيرة إل مبالغ الال
تدفع لم من حي إل حي ،وكثيا ما كان الولة يستضعفون الكومة الركزية فيستبدون بالمر،
ويتصون بالكم ويتفظون بالموال لنفسهم .اما الدفاع عن الزيرة وحايتها من عدوان القرصنة
الفرنية فذلك ما ل تتم به تلك الدول التعاقبة على حكم البلد ،اللهم ال مرات قلئل سوف يد
القارئ الكري أحصاءها ف بعض الفصول التية .وبقيت جربة من سنة الخاس 555الت خرج
فيها النصاري من جربة على يد عبد الؤمن بن على ومساعدته للسكان إل سنة 688حيث احتلها
الفرنج من جديد إحتلل كامل واستقروا فيها لدة طويلة إمتدت إل نصف قرن.
عندما خرج الفرنج من السواحل التونسية سنة 555ل يقفوا عن العدوان وإنا كانوا
يصرون على إحتللا من جديد ولذلك فقد كانت اساطيلهم ل تنفك عن مهاجة هذه السواحل
كلما امكنتهم الفرصة .وبقيت جربة من سنة 555إل سنة 688أى مدة قرن وثلث وهى تصارع
الساطيل الفرنية منفردة رغم انا كانت تدفع الضرائب الباهضة والبالغ المة من الال إل اولئك
الولة الذين يتمرغون ف النعيم با يبتزونه من أموال الناس ،ويلعون على أنفسهم اعظم القاب الكم
والنفوذ .وطال على الزيرة الصغية امد الكفاح ،واكلت الرب رجالا ،وكان أبطالا الغاوير
يتناقصون ف كل موقعة ،وكان الهاد التواصل ف سبيل ال يستنفذ ما لديهم من قوة بشرية وقوة
مادية.
واستمرت الزيرة على طريقتها ف دفاع العدو يهاجونا فتردهم على أعقابم وقد يتغلبون
عليها مؤقتا فيدخلون الزيرة ولكنها سرعان ما تثور بم .فتقذف بم وراء البحر .وف سنة 688
جهز الفرنج أساطيل ضخمة وعملوا على احتلل الزيرة احتلل ثابتا يستقرون فيه وهجموا عليها
بتلك القوى ،وكان أبطال الدفاع عن الزيرة قد اكلتهم الرب فتغلب الفرنج عليها وجعلوا برج
القشتيل مركزا لم ،وبقيت الزيرة تت حكمهم إل سنة 738أي انا بقيت تت الستعمار
الصليب نصف قرن كلم واولئك الذين يعتبونا ضمن ملكتهم وكم اخذوا منها من اموال ل يركوا
وف هذه السنة استيقظت الدولة الفصية من سباتا ،وذكرت أن عدوها يثم على صدر
قطعة كرية عزيزة من ترابا ،ووجدت ف نفسها فرصة مواتية للعمل والتحرك فجهزت جيشا كبيا
ف اسطول ضخم ،بأمر اللك الفصى أب بكر الثان واسند قيادة هذا اليش إل ملوف بن كماد
فقصد السطول الزيرة .وحاصر القشتيل مدة غي طويلة فلن له إذ كانت الماية الفرنية هناك
تقع بي نارين نار السطول الهاجم ،ونار السكان الثائروين .وخرج الفرنج من الزيرة ،وطهرت
من الستعمار ،ورجعت إل حكم الولة الذين استقلوا با عن مركز الدولة ،وكانوا يثقلون عليها
بالضرائب ،ويكثرون من جع الموال ،إل أن أهل الزيرة كانوا راضي عن هذا الظلم ،صابرين له،
بقيت جربة من سنة 738إل سنة 835إي ما يقرب من قرن تت حكم ولة تابعي ف
السم للدولة ف تونس وقد يستبدون بالكم فيها أو ف بعض البلد الجاورة لا كما فعل أبن مكى
وابن أب العيون وغيهم وف كلتا الالتي حالة التبعية أو حالة الستبداد كانت جربة تعيش ف قلق
دائم بسبب ما تعانيه من ظلم وعدوان ،غي أننا ل تاول ف هذه الفترة الطويلة أن تنفصل عن حكم
الولة واستمرت با هذه الالة إل سنة 835حيث بدأت تسطر صفحات من الجد قل أن تسطرها
كان أبو فارس عبدالعزبيز بن احد الفصى الذي تول الكم ،سنة 796وتوف سنة 838
من أحزم ملوك الدولة الفصية ومن اكثرهم يقظة وعناية بأطراف ملكته وف سنة 835وقعت
احداث بالريد استدعت الهتمام با ،فسار إل تلك البلد بمع كبي من جنده.
وترامى إل سع الفرنج اشغال اللك الفصى ببلد الريد ،بعيدا عن السواحل التونسية،
وكانت فكرة الستيلء على السواحل ،واتاذها مراكز للقرصنة ،ما تزال تشغل أذهان الفرنج ،من
مدة طويلة ،وقد قاموا من اجل ذلك بعدة ماولت كما أسلفنا ف هذا الكتاب ،وكان نصيبهم ف
تلك الحاولت ،أما فشل ذريع ،وإنا ناح مؤقت ل يلبث ان يؤل إل الخفاق ،وف هذه الفترة -
وقد تكونت لديهم أساطيل ضخمة ،وعدد هائل من الحاربي الدربي على القتال ف الب والبحر،
وكانت القوة الربية للملكة التونسية مشغولة ف الدواخل -خطر لم إن الستيلء على موقع
استراتيجي ف السواحل السلمية ،يعل البحر البيض التوسط تت سيطرتم ،وكان اصلح مكان
لذا التركيز ،وأيسره ف نظرهم ،هو جزيرة جربة ،هذه الزيرة الصغية الحصورة ،الت ل يكن ان
تأتيها الدد ال من طريق البحر ،والبحر سوف يكون تت سيطرتم ورقابتهم ،ول يوجد من يرسل
إليهم ندة سوى ملك الضره أب فارس ،وأبو فارس مشغول هو وجيشه ف بلد الريد ،وهكذا
ضمنوا النجاح فيما بدا لم ،فجهزوا أسطولم القوى واندفعوا ف البحر ينشدون انا شيد النصر
اجتمع الشائخ ف الزيرة ف أسرع وقت ،وطرحوا الوضوع للنقاش ،ما هو الوقف اليكم
الذي يب أن تقفه هذه الزيرة الصغي الضعيفة العزولة عن العام؟ امام هذا السطول القوى ،الجهز
بأحدث أنواع السلحة ،قال قائل ربا يكون الستيلء اهون الشرين ،فارتفعت أصوات النكار على
صاحب هذا الرأى واجيب بان موتم جيعا وخراب الزيرة اهون وأكرم الستيلء لولئك
القارصنة ،وبعد استعراض أوجه الوقف الذي هم فيه ،وتبادل الراء ،اتفقوا على اتاذ الطوتي
التيتي.
الول :ان ينتظروا نزل اليش الحارب إل الرض وعندئذ يهبون بكل ما لديهم من وسائل
إل الدفاع عن دينهم وشرفهم ووطنهم ،وان ل يكنوا العدو -مهما كانت السائر ومهما كان
عدد القتلى -من التقدم ،فغن اليش الحارب إذا تكن من التقدم والوصول إل الحياء السكنية
الت يعمرها الضعاف من النساء والطفال والعجزة ،جرأهم ذلك على الزيد من التقدم ،وتكنوا من
الثخان ف القتلى ،وسهل عليهم العدوان بختلف أشكاله على أولئك الضعاف ،كما ان العملية
الربية إذا بلغت إل هذا الد فغنها تعن انتصار الفريق التقدم ل مالة ،وبعث ذلك ،الفشل ف عزائم
الناضلي ،فإنم إذا راوا أسلحة العدو تقع على النساء والطفال ،ورأوا العلوج يتوغلون ف الدينة
فغنهم ياولون ان ينقذوا ما يكن انقاذه اما بالفرار او بالتسليم وهذا يعن الزية.
الثانية :ان يرسلوا بأسرع ما يكن ،رسول يمل الب إل أب فارس ف بلد الريد ،ويطلب
منه السراع بالنجدة ما أمكن .ونفذت الفكرتان ف الال .فانطلق رسولم إل الريد يستصرخ أبا
فارس ،وانطلق الشائخ يمعون الناس ،ويثونم على الهاد ف سبيل ال ،ويتقدمونم ف لذك ،وما
سع الناس ،بب هجوم العدو ،ودعوة الشائخ إل لقائه ،حت انطلقوا إل ميدان العركة ،بكل ما
ووقع اللقاء ،وصب البطال للجلد ،وبذل العدو ما يلك من جهد ليتقدم خطوة فلم
يستطيع ،ولكن امل كان يداعب غروره ،فهو يعتقد أنه سوف يتد به البقاء ف الزيرة ،وانه سيطيل
الصار لا ،وانسيحاربم حرب مطاولة ،ما دام يسد عليهم ثغور الزيرة ،وليس من ندة تاتيهم من
الارج .واستمرت النيان مشتعلة بي الفريقي ،وكان القتلى يتساقطون من جيش العدو ف تتابع
واستمرار فإن الضربة حينما يوجهها السلم إل جيش العدو التكاثف الرصوص ،ول بد ان توى
بقتيل ،اما الطلقات الفرنية الت يطلقها العدو باسراف دون هدف ،فإنا كانت ل تزيد عن احداث
وثنت السلمون ف وجه العدو ،وكانت كفتهم هى الراحجة طول الوقت ،رغم ما يتمتع به
العدو من القوة والكثرة .واحتفظ السلمون براكزهم ول ياولوا التقدم ،وبينما كان القتال على أشد
ما يكون ،وكان القتلى من العدو يتهاوون ،وصلت النجدة إل أهال الزيرة ،ف وقت ل يكونوا
إن اللك الازم أبا فارس ما سع أن العدو هجم فعل على الزيرة ،وأنه ينوى احتللا ،حت
تلى عن جيع الشئون الت ذهب من أجلها إل الريد ،وطار بيشه إل جربة ،ولا كان يعرف أن
الدخول بالسفن والقوارب عن طريق البحر أمر مستحيل ف ذلك الي ،فقد دخل خو وجيشه
خوضا ف البحر عن طريق ( ترابلة ) .ول يعلم السلمون حت وصلهم الدد ووجدوا سواعد أخوانم
تتد لعانتهم وتساعدهم ،وما رأي العدو الدد يصل إل السلمي ،وتتقوى صفوفهم به ،ويدخل إل
اليدان ماربون جدد ،جد مشتاقي إل شرف الشهادة او شرف النصر ،حت وقع ف قلوبم الرعب،
وانكفأوا على أعقابم منهزمي ،فركب السلمون ظهورهم ،يقتلون فريقا ،ويأسرون فريقا ،ويغنمون
ما يقع تت أيديهم من سلح ومال ،وقد رأى قادة الرب ف تلك الوقعة ان يثخنوا ف القتل ،حت
يكون ذلك موعظة للمعتدين ،فل تدثهم انفسهم بالعودة .ث اجتمع اهل الزيرة وجند أب فارس،
فجمعوا رؤس القتلى ،وبنوا با برجا عظيما ،سوه برج الماجم حت يبقى ذكرى لذه الوقعة
الرائعة ،ولقد بقى هذا البج من سنة 835إل سنة 1264حيث نقلت الماجم ودفنت ،وبن ف
مكانا نصب تذكاري سى برج الماجم عليه رخامة نقش عليها تاريخ الوقعة وتاريخ دفن
الماجم.
كانت هذه الادثة ،إحدى الوادث الالدة لهال جزيرة جربة البطال ،على اهداء ال
والدين والوطن.
كان الربيون أشد الناس مبة للسلم ،وحرصا عليه ،فلما اضطرتم الظروف إل الوقوف ف
ميادين القتال ،اثبتوا أنم أشد الناس صبا على الكروه ،وأقواهم احتمال ،واعرفهم بالتفكي القترن
ف الوادث السود ،واشجعهم ف أوقات الحنه .لقد عرفوا كيف يستلون النصر ،ويؤدبون العتدين،
ويبهنون للعال أجع ،شرقية وغربية ،أنم امة تب السلم ما وجدت إليه سبيل ،فإذا شرت للحرب
فإنا امة ل تعرف التردد ،ول ترهب النضال ،انه ل شئ يبعث الوف إل نفسها .وف هذه الادثة
برهان صادق على ما نقول ،وسوف تأت شواهد كثية على ذلك.
لقد يطر لبعض القراء الكرام إن أهال جربة ما انتصروا ف هذه الوقعة إل بفضل ندة أب
فارس ،فالفضل ف هذا النتصار الرائع راجع إليه ،ونن ل ننكر فضل هذا اللك الازم ل ف هذه
الوقعة ول ف غيها من الواقع الت كان له فيها يد ف أي مكان .ول شك أن أبا فارس يعتب من
خية من ول الكم ف البلد التونسية ،ومن أكثرهم حزما ونشاطا ،وغية وحفاظا .كما ل ننكر
فضل أي ملك أو أمي قدم للمة أو للوطن أية خدمة ف أي جانب من البلد السلمية الشاسعة،
ولكننا فيما يرجع إل هذه الوقعة بالذات الت ت فيها النصر للجربيي على الفرنج بساعدة أب
فارس ،نرى أن أكب الفضل أول وأخيا إنا يرجع إل أهل الزيرة ،إل أولئك البطال ،الذين كان
لم من قوة اليان والصب ،ومضاء العزية وصدق الرادة ،ما جعلهم يصممون على الوقوف ف وجه
عدو ل نسبه بي ما أعده لحاربتهم من وعدة وعتاد وبي ما لديهم من عدة كليلة ،وإعداد قليلة ،ث
يقفون فعل ف وجهه كالسد النيع رغم أنه تكن من حصرهم ف الزيرة ،وسد عليهم منافذ الرزق
والياة ،وحال دونم ودون التصال بالعال الارجي فيما يسب ،ولول ايانم بال ،وثقتهم ف
نصره ،وما يتحلون به من شجاعة وثبات ورباطة جاش ،لا وقفوا هذا الوقف الشرف .فجابوا
العدو وردوه على اعقابه ،ولا سجلوا هذا اليوم السلمي العظيم على أعداء ال.
مرت على النسانية ف البحر البيض التوسط ،عهود نستطيع ان نسميها عهود القرصنة،
أنا عهود مجلة تمل الزي والعار ف أحداثها ،ولكن الؤرخ وهو يستعرض الياة البشرية ،ل بد
أن ير با.
بقد تكونت أساطيل ضخمة ،تهزها دول كبى ،وتباركها كنائس تنتسب إل السيحية
السمحة ،وليس الغرض من تلك الساطيل حاية المالك ول الدفاع عنها ،ول حت اثبات النفوذ
واقرار الكم ،وإنا الغرض منها أول ،السرقة والغضب واختطاف الناس ،وبيعهم ف السواق عبيدا.
ث بعد ذلك ،النتقام أو التشفى أو تبيد حرارة القد الذي تشبعت به بعض النفوس ف جنوب أوربا
ل سيما أسبانيا .فهى تتل الثغور ،وتتلك الوان ،لتجعل منها مراكز إعتداء ،تاجم منها البلد
والسفن البحرية ،حت السفن التجارية وقوارب الصيد الصغية ،وكم ينتفح قادة تلك الساطيل كبا
واعجابا بالنفس عندما يتغلبون على ما يقع بي أيديهم من سفن تارية أو حربية فيأخذون ما فيها
من أموال وبضائع ،ويسبون من با من الناس فيتخذونم عبيدا ،يذفون لم ف سفنهم تت السياط
والعذاب ،أو يبيعونم ف السواق ليقبضوا ثنهم ذهبا وفضة ،ونشطت القرصنة الصليبية ف القرون
الوسطى ،تباركها بعض الكنائس التعصبة ،وتساعدها الدول الصليبية الاقدة حت كادت تلك
القرصنة أن تتحكم ف البحر البيض التوسط ،وحت أصبحت التجارة البحرية تت رحة تلك
استطاعت القرصنة ف أوائل القرن العاشر أن تتحكم ف البح البيض التوسط تكما
كامل ،فقد كانت الساطيل السبانية تنطلق من شواطئ اوربا مهزة بكل وسائل القتال ،لتقتنص ما
تده ف لبحر من سفن إسلمية ،أو لتهاجم ثغور الغرب السلمي ،لتختلس منها ما يسهل اختلسه،
أو تقيم فيها مراكز للعدوان ،وتأيدت هذه الركة بفرسان القديس يوحنا ،الذين تؤيدهم الكنيسة
وتبارك اعمالم ،والذين سح لم بأن يتخذوا من ( مالطة ) الزيرة البحرية القريبة من الشواطئ
بدأوها من الغرب القصى ،وساروا معها حت احتلوا طرابلس سنة 916ول يبق من موانئ الغرب
السلمي بعد احتلل طرابلس ،إل جزيرة جربة ،وقد تركوها من قبل ،واهتموا بغيها لنم كانوا
يظنونا لقمة سائغة سهلة إلزدراد ،فهى جزيرة ضغية منكمشة ف البحر ،ل قوة لا ،ول مدد يأتيها،
انفلت القرصان الكبي ( بدور نافارو ) باسطول يتكون من أثن عشرة سفينة إل جزيرة
جربة .وف اليوم التاسع والعشرين من ربيع الول 916من الجرة النبوية وقف أسطول عتيد على
مداخل جربة ،ونزل منه زورق صغي يمل رسالة إل شيخ الزيرة أب زكرياء يى السمومن.
وقف الرسول أمام الشيخ ف اعتداد السارق الوقح ،وطلب من الشيخ باسم قائد السطول
أحد أمرين :أما تسليم الزيرة ،واما القتال ،فأجاب الشيخ بان الزيرة لن تسلم نفسها ،وغن عليه أن
يب قائده بان الزيرة مستعدة للدفاع عن دينها ،وكرامتها وأرضها ،وأنم لن يسمحوا لقدم أن تطأ
وعرف الرسول التصميم ف عزية الشيخ ورأى الصرار والتحدى على الاضرين فرجع إل
" بدور نافارو " ينقل إليه ما سع وما رأى .وفكر القرصان الكبي طويل ف الوضوع ايقدم على
الرب .أم يعود ادراجه ليزيد ف قوته ما يضمن له النصر؟ وكان الغيظ والنق يأكلن قلبه ،ويملنه
على القدام ،ولكن صوت العقل والكمة قد تغلب عليه فيما زعم وعزم .فجر أسطوله دون ان
يعرضه لذه التجربة ،ورجع إل طرابلس ير إذيال اليبة وصمم أن يضم إله من القوة ما يكفل له
للجزيرة لحتللا ،ل للستطلع ،ولكن الوقف الصامد الذي وقفه شيخ الزيرة ،والتصميم الكيد
على الدفاع ،ووضوح الصرار على القاومة الذي كان يتجلى على أقوال وحركات الربيي -هى
السباب الت ملت قلب القرصان الكبي خوفا ورعبا فاقلع راجعا ،أنا بالتاكيد هزية له فإذا ل تكن
وصل أسطول " بدور نافارو " إل طرابلس ،والتحقت به بقية القطع البحرية ،والساطيل
الفرنية ،الت كانت توب البحر البيض التوسط فتكون منها أسطول ضخم قوامة مائة وعشرون
سفينة تمل عشرين ألفا من القاتلي الدربي على القتال .وأقلع السطول متجها إل جربة ،فبلغها
يوم الميس 23جادي الول وف صبيحة المعة نزلت اليوش الرارة من سفنها ،وزحفت على
عشرون ألفا كما تذكر الصادر السلمية او خسة عشر ألفا كما يزعم مؤرخوا الفرنج من
القاتلي الدججي بانواع السلح ،العتدين للحرب ،الزودين باحدث ما ابتكره النسان من وسائل
التدمي لذلك العصر ،يهجمون على جزيرة صغية مصورة ضيقة ،ليس لا مدد إل من ال ل يبلغ
ما هو عدد الحاربي الذين تستطيع هذه الزيرة إن تعده للدفاع؟ لقد حاول مؤرخو الفرنج
ف تلك الفترة أن يرتفعوا بعدد الربيي الحاربي إل أقصى ما يكن أن يقبله العقل فقالوا أن الربيي
قد اعدوا لذه العركة ثلثة آلف مقاتل ،فما هي النتيجة الت يتوقعها القارئ الكري لعركة بي
نظم السلمون ماربيهم ف صف واحد مستقيم ،يتد إل اليمي وإل اليسار وتقدموا لقابلة
العدو وهم عازمون على الصب والثبات .إل النصر الكامل أو الستشهاد الكامل ،وقال أحد الذين
يدعون إل الستماتة ف الدفاع ،أنه يب ان ل تطيش ضرباتنا إذ يب ان نقتل من العدو أكثر ما
يكن ،فل أقل أن يقتل كل رجل من السلمي رجل من الشركي ،أما الشئ الذي ل يل لنا حى
مرد تذكره او التفكي فيه ،إنا هو التسليم أو الفرار من الزحف .أنه لو بقى منا فرد واحد ،لوجب
عليه ان يثبت ف القتال وان يارب حت يقتل .أنه ل يوز لحد من السلمي أن يفر ف هذه العركة.
فإذا قدر لنا أن ننتصر فذلك ما نأمله ونرجوه ،وإذا قدر لنا أن نسر العركة فل أقل من أن نكبد
اعتمد الفرنج أول ما اعتمدوا على الانب الادي من القوى ،وعلى إظهار العدة ،فأكثروا
قبل بدء العركة من الضوضاء والصخب ،وإطلق البنادق والدافع ،وإنشاد الناشيد الربية باللت
اما السلمون فليس لديهم من القوة إل قوة اليان ،والرغبة اللحة ف الصول على شرف
الستشهاد ف سبيل ال ،ولذلك فقد إعتمدوا على القوة الروحية ،الت تدفع جوارحهم إل العمل،
فكانت جوارحهم تنطلق بالتكبي ،وكانت أرجلهم تتسابق إل اليدان دون استعراض لركات
الرشاقة ،وموازنة الطأ الت تفصل بي الفريقي ف مراكز العجان بالنفس ،وكانت السافة الت
تفصل بي الفريقي ف مراكز التجمع الول تقدر بستة أميال ،وكان السلمون ل ينفكون يرسلون
من يستطيع لم أحوال العدو وتركاته ،فلما ورد إليهم الب إن العدو يهم بالزحف إليهم والجوم
عليهم ،اندفعوا إل لقائه ،والصطدام به ،وكان الفرنج قد رتبوا جنودهم ف صفوف متراصة ،صفا
وراء صف ،حت إذا هلك الول أو انزم تقدم الذي يليه ،وتراجع الصف الول الذي كان ف القدمة
إل الؤخرة ،حت يكون على استعداد للنجدة والتقدم إذا لزم المر ،وهي مبالغة ف الحتياط حسب
وإصطدام الفريقان الصطدام الول ،فوقعت رجة عند السلمي صبوا لا وثبتوا واستماتوا
ف النضال ،حت لنت بي أيديهم ،اليدي القاتلة من الصف الول من عدوهم فانزم وتقهقر،
وتقدم الصف الذي يليه لعاضدته ،وسد اللل الذي وقع فيه ،ووقعت من تقدمه رجة أخرى عنيفة
عند السلمي ثبتوا لا وصبوا .وكان البطل أبو الربيع سليمان بن يى السمومن يقاتل با أوتى من
هة وشجاعة ف جناح اليش ،وف نفس الوقت كان يلحظ بعين الحارب اليقظ تركات العدو
وموقف السلمي منها فلما رأى تلك الصفوف التراصة الت يعضد بعضها بعضا ،ف الي الذي ل
يقابلها من جانب السلمي إل صف واحد من الرجال ،إذ قتل واحد منهم ترك ف مكانه ثغرة ل
تسد ،وخشى إذا بقيت جيوش العدو على هذا التنظيم ان تستطيع زحزحة الصف السلمي
الوحيد ،او إن يدث ثغرة ف بعض جهاته ،وإذا وقع ذلك ،وليس له ما يعضده من خلفه فهنالك
الكارثة ،ولذلك فقد عرف ان النصر ل يكون إل بأحداث ارتباك ف صفوف العدو وخطرت له
فكرة ! ..فنفذها ف الال ،لقد انسل من بي القاتلي ،واختار معه عددا من الفرسان الشجعان ث
انعطف بم إل جانب ،ودخل بم وراء صفوف العدو بي اليوش القاتلة والسطول الاث ف البحر،
وكان جند الفرنج وقادتم يعتقدون انم آمنو من اللف فليس بينهم وبي سفنهم أي خطر .وتراجع
الحاربون الذين كانوا ف الصف الول على مهل ،ليكونوا وراء اليوش القاتلة حسب تنظيمهم،
ليكونوا الصف الخي وليأخذوا قسطا من الراحة بعد العناء الذي ل قوه ف الندفاعة الول،
ويستعدوا إذا ما وصلهم الدور الثان لو تكن السلمون من دحر بقية الصفوف ،وهو ما ليتوقعون
حدوثه أبدا ،فما كانوا يعتقدون أن السلمي يصبون لم ساعة .وما وصلوا مؤخرة الند ،لييوا
سواعدهم الكدودة -فقد انك الوف قواهم ،وشل الرعب اعصابم -حت واجهتهم فرسان
السلمي الت يقودها أبو الربيع ،تدفع ف نورهم بالوت الزؤام ،وذعروا فقد كانوا يعتقدون أنم فروا
من الوت ،ونوا من أيدي اولئك السلمي الذين ينطلق الوت من أيديهم دون سلح ،فإذا بم
يفاجأون من جديد ،وفركوا اعينهم من الدهشة ،يتأكدون من القيقة ،فلما أيقنوا با ،ظنوا انم
اخذوا ،وغن السلمي قد احاطوا بم أحاطة السوار بالعصم ،فها هم يلقونم إذا تقدموا ،وها هم
يلقونم إذا تأخروا ،انم أين اتهوا ل يروا إل أشباح الوت تنطلق من صفوف السلمي ،وحاصوا
حيصة المر ،يفاجئها سبع صيود ،وارتكبوا فيما بينهم ،بعضهم يريد أن يتقدم ،وبعضهم يريد أن
يتأخر ،ويعضهم يرى إل اليمي وبعضهم يري إل اليسار ،وسرى هذا الرتباك إل صفوف
القاتلي وعم جيع طوابي اليش ،فوقعت هذه الركة بي صفوف الند الذين ل يروا وجه العدو
بعد .فامتلوا خوفا ،وقذف ف قلوبم الرعب ،وحسبوا انم وقعوا من السلمي بي نارين ،نار
تترصدهم من المام ،ونار تسوقهم من اللف ،فبلغ بم الوهن أقصاه ،والقوا بالسلح ،وجعلوا
يلتمسون السبل للفرار .انه ليس بي أيديهم إل الوت أو الفرار ،ول تعد تدى فيهم ،اوامر القادة او
انذاراتم ،فولوا معرضي ،والواحد منهم يقتل رفيقه ان اعتراض سبيله او عاقه عن السي ،وركب
السلمون ظهورهم يقتلونم وهم يسيون على غي هدى ،حت تراموا ف البحر ،وحال بينهم ظلم
الليل .وعندما ارتفعت عنهم أيدي الؤمني ،كان الوف والتعب قد بلغا منهم أشد ما يبلغ الوف
بلقب البان ،والتعب بسم العليل ،فتهاووا على الرض يريون بقية الجسام الكدورة ،والقلوب
الخلوعة .ورقدوا على ساحل البحر لنم يهتدوا إل مواقع السفن ،فقد ربط الرعب أيديهم
وأرجلهم ،وأعمى أبصارهم ،فلم يستطيعوا ان ينتبينوا مواقعها ليلتجؤا إليها ،وبينما هم يغطون ف نوم
عميق ،صورت اللم الزعجة ،لحدهم ،إن السلمي يأخذون بناقهم ويهجمون عليهم ف الظلم
الدامس ،ف موقعهم ذلك ،فاستيقظ مرعوبا وأخذ يصيح ويطلب النجدة .فاستيقظ القوم على
صياحه وهم أشباه السكارى من ثقل النوم والتعب والوف ،فجعلوا يتجارون ف الظرم الالك على
غي هدى ،ل يعرفون اتاههم ،ول يرون مواقع أقدامهم ،وكانوا يترامون ف البحر طمعا ف ان يصلوا
إل سفنهم ،أو أن يميهم الاء من سيوف السلمي فيما يسبون ،وكان البحر يبتلع ف هدوء
وسكينة حت ل يبق منهم إل القليل ،وعند الصباح كانت المواج تتلعب بثث منتفخة وانواع من
اللبس الحتلفة.
وتمعت فلول اليش الغازي ف بقايا السفن يلتمسون البعد عن هذه الزيرة الت لقنتهم
درسا ل يكن ان ينسى ،والقت بم فضيحة وعارا ف العالي الشرقي والغرب ،ولكن إرادة ال
كانت ل تزال تبئ لم مفاجآت ما أعده ال للتنكيل بالعتدين ،فقد هبت عواصف شديدة منعت
السطول من التحرك ،وأغرقت عددا منها ،وبعد أسبوع هدأت العاصفة فاقلع السطول ير أذيال
اليبة ،تاركا من ورائه ثلثة آلف قتيل ،وثان عشرة سفينة ،وعددا كبيا من السرى هو بطبيعة
الال اكثر من عدد القتلى ،وقد قدره بعض الؤرخي با يتراوح بي ستة وسبعي ألف شخص،
فيهم عدد كبي من السرى الذين غنتهم الساطيل الفرنية ف بعض الواقع السابقة فحملتهم معها
ليجدفوا لا على السفن ،او ليباعوا ف السواق ،فوجد اولئك السرى فرصتهم الناسة فكانوا يفرون
من السفن الفرنية ف الليل ويلتحقون بالسلمي ناقلي إليهم اخبار عدوهم وما هو فيه من السرة
والغيظ واللم.
هذه خلصة الادثة ،ولعله يكون من الناسب ان انقل ف آخر هذا الفصل شواهد ما كتبه
الؤرخون السلمون.
" ورجع عليهم السلمون ،وحلوا عليهم من كل جهة وجانب حلة رجل واحد ،واعلنوا
كلمة التوحيد ،ووضعوا فيهم السيف ،فلم يبق منهم إل القليل ،فأسرفوا ،ول يرجع منهم أحد إل
سفنهم .وبتقدير الكيم العزيز أرسل ال على الساحل با فيها من الموال والكفار .فغنم السلمون
غنيمة ل يروا مثلها ،واستشهد من السلمن مع هذا النصر الغريب ،والظفر العجيب نيف وعشرون
رجل وهلك من الكفار ما يقرب من عشرة آلف ( )1ورجعت بقية مراكبهم خائبة إل طرابلس
ليلة الميس آخر ليلة من جادي الول سنة ست عشرة وتسعمائة فكانت مدة إقامتهم على جربة
وجاء ف الوثيقة التاريية الت طبعها الستاذ ممد الرزوقي ف ملحق كتاب ( مؤنس البة )
وصف مسهب لذه الادثة ،سوف أنقل منه بعض الشواهد والوثيقة ل يتمكن الستاذ الرزوقي من
معرفة صاحبها ،وليس لدى ما يثبت نسبتها إل شخص معي ،وإن كنت أرجح أنا للشيخ سلمة بن
يوسف الناون.
4
فإن أسلوب الرسالة قريب من أسلوبه ،ف بعض ما وجدت له من آثار ،بل أن بعض العبارات وجدتا
بنصها ف بعض تعاليقه ،وإذا اضيف إل ذلك انه تلميذ أب النجاة يونس ،وانه قد يكون شاهد عيان
للمعركة ،وانه كان ل يفتا بي الزيرة والبل ،ويكاتب هؤلء وهؤلء ،وانه كان يعن بالحداث
هو صاحب الرسالة كتبها من جربة بعد الوادث السابقة وبعث با إلة مشائخ جبل نفوسة.
وإل القارئ الكري شواهد من هذه الوثيقة الت ل شك إن كاتبها كان معاصرا وربا
مشاهدا للحداث.
" ومن فضل ال ومنه أن سلط عليهم ريا حبستهم ف الوادي ول يدوا إل الروج منه
سبيل ،حت فقدوا من سفنهم نوا من ثان عشرة سفينة فيما قيل بي كبارها وصغارها وف كل
ذلك ترب السرى من عندهم كل ليلة ويأتون باخبارهم إل السلمي ".ويقول بعد كلم " .ومن
بركة الذهب ،وديلي غجابة دعوة من تقدم ما سلط ال عليهم من الريح ف غي اوانا ،إذ كان ذلك
ف أوائل " اشتنب " من الشهور العجمية ،وأيضا كان الوادي الذكور ملجأ للسفن إذا هاج البحر
فمهما دخلته ل تبال بيجانه ،وقد سعتم ما فعل ال بسفن هؤلء الكفرة وهى فيه".
ويذيل هذا الوصف الرائع بالدعوة الارة إل الستمساك بدين ال فيقول " :وما ذلك
والمد ل إل با ذكرت لكم ،وعليكم أيها الخوان بالتمسك بالذهب جهدكم ،فغنكم ف حفظ
ال وامانه ما تسكتم به ،وعليكم بعمارة مساجدكم بالذان والصلة جاعة ،وتعليم الصبيان وقراءة
القرآن وغي ذلك من وجوه عمارتا ،وعليكم بالدعاء ف مظان الجابة ،والتضرع إل ال ،والتاه
إليه ف كشف الضر عنكم وعن جيع السلمي وعليكم بالتوبة والستغفار ".ويتتم رسالته القيمة
ل شك أن هذه الوقعة ،كان لا صدى كبي ،ف جيع الوساط ،سواء ف ذلك أو ساط
المة السلمية ،أو أوساط الدول الفرنية ،الت كانت تفخر بأعمال هذه الساطيل ،وتشجيعها
على السيطرة على البحر البيض التوسط ،وتبارك جيع الطوات الت يتخذها ،ولقد أهتم با
الؤرخون ف ذلك الي وفيما بعد ايا اهتمام .ولقد قرأت ما وصلت إليه يدى ما كتب عن هذه
الحداث فوجدت أنا متفقة على السباب والنتائج والتفاصيل وليس بينها إل إختلف يسي من
حيث الرقام والتصوير والتبير .وهذا الختلف ف عدد القتلى مثل او ف تبير الزية او تصوير
الوقائع امر طبيعي ،فإن إحصاء القتلى غالبا ف العارك الكبى يكون عن طريق التقدير أما تبير
الزية أو تصوير الواقعة فهو يعود إل الناحية النفسية للمؤرخ وميوله .ومع ذلك فقد اتفقت الصادر
السلمية الت أخذت عنها أن السطول الفرني يتكون من مائة وعشرين سفينة ،ويذكر أبو عبدال
ممد أبو رأس ،أن عدد الحاربي الذين ذهبوا إل جربة ،عشرون ألفا ،بينما يذكر سلمة الناون،
وأبو الربيع اليلت ،أن عدد جيع الحاربي الذين كانوا بالسطول عشرون ألفا .بقى منهم ف
طرابلس ثلثة آلف مقاتل ،وهجم منهم على جربة ،سبعة عشر ألفا .ويبدو ل ان ما ذكره الؤرخان
الناون واليلت ،أقرب إل الصحة ل سيما إذا ذكرنا أن الناون ،كان معاصرا لذه الحداث ،بل
لقد كان يضر مالس أب النجاة يونس ،حي كان اهال جربة يهزون وسائل الستعداد للدفاع،
ول يستبعد أن يكون حضر تلك العركة ،وشارك ف أحداثها ،فإنه من الستبعد ان يضر مالس تدبي
القاومة ث ل يشترك فيها ،اللهم إل إذا كلفه استاذه أبو النجاة ،بتبليغ الرسائل إل جبل نفوسة فغاب
لذا السبب ،وإذا ل يكن نفسه مشتركا ،ويعضد كل ما جاء عن الناون ما وجد ف وثيقة قدية
نقل عنها الشيخ سعيد التعاريت وطبعها الستاذ ممد الرزوقي ف ملحق" مونس البة " وكتب عن
هذه الوقعة من الؤرخي العربالعاصرين الستاذ عمر البارون ف كتابه القيم " السبان وفرسان
القديس يوحنا " ويبدو ل أن الستاذ البارون اعتمد على الصادر الفرنية فقط ،ولذلك فقد جاء
تصويره لبعض الوقائع ،وتبيره لبعض الواقف .كما نا يساير النفسية الفرنية ،ف لذك الي،
وليفهم القارئ الكري ما اعن بذه اللحظة سوف اناقش الستاذ الكبي ف بعض تلك التصويرات
والتبيرات .يقول الستاذ البارون ف صفحة 49من كتابه " السبان وفرسان القديس يوحنا " " "
ورسا السطول السبان ف قناة القنطرة ف جربة وأنزل القائد ثلثة رجال يتكلمون اللغة العربية،
ويملون اعلما بيضاء ،اشعارا بجيئهم للتفاوض ولعرض رسالة من القائد ،إل ان سكان جربة كانوا
على إستعداد للدفاع والقاومة والقتال" وبعد كلم يقول " :ول يتقدم حاملوا العلم البيضاء كثيا
ف أرض الزيرة حت تقدم منهم الراس الكلفون بفر اتلسواحل ،ول يلتفتوا إل ما كانوا يقولون
وما كانوا يعرضون ول يهلوهم ،بل عاجلوهم وقتلوهم ،اشعارا بعدم قبول أي تفاوض ".ويبدو ان
الستاذ البارون قد اقتنع بصحة هذا الب الذي قص علينا مسلك أهل جربة تاه رسل جاؤوهم
يملون علمة السلم وذلك فقد عمد إل تبير موقف أهل جربة ف قتل الرسل بأسلوبه الشيق
البليغ .وانا أشك ف صحة هذه الصورة واعتقد انا صورة وضعها كتاب الفرنج حت يوهوا القراء
الكرام حت ف هذه الظروف العصبية إن الفرنج يلتزمون الساليب التبعة بي الحاربي وانم قد
سلكوا السلك النسامي حي أنذروا اهل جربة وطلبوهم للمفاوضة ولكن أهل جربة قد ارتكبوا
حاقة بقتلهم الرسل ما يدل على انم امة ل تعرف أساليب التعامل مع الصدقاء أو العداء وانا
تهل أصول السلوك فهى ل تترم حت الرسول الذي ل ذنب له ف الوقف والذي تمع أداب
الروب على احترامه وعدم التعرض له بالذى وعلى كل حال فبينما ينساق الستاذ البارون مع هذه
الرواية ويقتنع با ويالو ان يبر منها بعض الواقف ند غيه من الؤرخي السلمي يقصون علينا
يقول أبو عبدال ممد أبو رأس الرب ف كتابه " مونس البة " صفحة :106
" فنلت فلوكة وفيها رجل من طرف رئيس الفرنج ومعه كتاب للشيخ ياطبه فيه على ان
يسلم له الزيرة او القتال ،فأجابه بأن له رغبة ف القتال ،واغلظ له ف الطاب ،فلما بلغ الواب
استعد لنول البحر فتحول السلمون إل قربم عند قصر مسعود ،فنظر أعداء ال إل كثرة السلمي
وجاء ف الوثيقة الت نشرها الرزوقي ف ملحق مؤنس الحبة صفحة :137مايلي :فلما
اتصل خبها بالشيخ أب زكرياء شيخ الزيرة ،وعاملها حفظه ال وهو إذ ذاك بالقشتيل مشى إليها
وكثي من الناس معه قاربا وقع بينه وبي النصاري تراسل وكلم ،يئول معناه إل أنم طلبوا من
الشيخ أعزه ال شروطا يأب طبعه من أعطائها ان يفعلها وإل فليتهيأ للحرب والقتال ،وانه حفظه ال
أراهم من نفسه القوة وانه ل يكترث ول يعبأ بم ولو اتوا باضعاف ما وراءهم ،فغضبوا لذلك" .
وجاء ف رسالة عن سلمة الناون ما يلي " :ولا وصل الفرنج إل الزيرة انزلوا قاربا
يمل رسةل إل شيخ الكم ف الزيرة الشيخ أب زكرياء السمومن وكان ف ملسه حينئذ شيخ
مشائخنا أبو النجاة التعاريت فلما وصل رسول الفرنج قال للشيخ أب زكرياء إن سيدى القبطان
يطلب منك ان تسلم له الزيرة او ان تستعد للحرب فالتفت أبو زكرياء إل شيخنا أب النجاة
يستشيه ث إل غيه من الاضرين ث نظر إل رسول الفرنج وقال له ،قل لسيدك الذي أرسلك انه
ليس لدينا إل السيف ".هؤلء ثلثة من الؤرخي السلمي فيهم معاصر للحداث يتفقون على أن
الخاطبة وقت بي رسول الفرنج والسلمي وإن شيخ الزيرة بلغه رأى سكان الزيرة ول يشر أى
واحد منهم إل قتل الرسول وأن أشار بعضهم إل إن شيخ الزيرة أغلظ له ف القول ول شك أن
اولئك الؤرخي الفرنج ل يتحروا القيقة وغن الؤرخي الذين نقلت عنهم كانوا قريب عهد من
زمن الادثة اما ان يكون حضر الوقعة واما أن يكون نقل عمن حضرها والوثيقة الطبوعة يعتقد انا
كتبت بعد الادثة مباشرة وبعض التعابي الواردة فيها تدل على ذلك أما أبو رأس ( )1فهو بطبيعة
الال ناقل عن غيه ولكنه قريب عهد بالوضوع اما أبو الربيع اليلت فاعتقد انه استند على الناون
وكذلك التعاريت اما انه نقل عن الناون او اليلت ،وكثيا ما يقول بذه العبارة " :وجدت ف
وبناء على ذلك فغن القول بأن سكان جربة قتلوا الرسل الذين جاءهم للمفاوضة قول باطل
5
حقيقة وخيال
ف مقدمة هذا الفصل افنقل لك وصفا رائعا كتبه الستاذ عمر البارون ف حديثه عن مهاجة
" بدر ونافارو " لزيرة جربة .قال البارون ف كتابه " السبان وفرسان القديس يوحنا " صفحة 53
ما يلي:
)1(5ل اتكن من معرفة ميلده أو وفاته ولكنه على كل حال أخذ من القرني الثان والثالث عشر
وف صباح الباكر من يوم المعة نزل النود من السفن وهاجوا السواحل سيا على القدام،
وكان هذا اليوم حارا شديد الرارة ،ولك يكن قرب السواحل آبار او صهاريج يستقى منها
العسكر ،واضطر بعضهم ان يشترى كأس الاء بعشرة قروش طرابليسية ،وترك اليش السبان بعد
أن انتظمت فرقة ،قاصدة مهاجة البلدة ،وكان اليش السبان يتكون من احد عشر طابورا ،ونصب
أمام النود ف الوسط مدفعان كبيان ،واثنان آخران من الجم التوسط ،وكلف رجال البحرية
وبعد أن قطع اليش السبان شوطا من الطريق بدأ العياء يظهر جليا على الند ،واشتد
العطش بي الرجال ،وعلى الخص الذين كلفوا بسحب البطاريات وبراميل البارود ،واختل النظام
ول يعد ف مقدور الضباط أن يرجعوا النظام إل نصابه ،اشتد العطش ،وبدا النود يلهثون لث
الكلب الصادية ،ويتساقطون امواتا ،اما " دون قرشيا الطليطلي " الذي لبس درعه الذهب وتسلم
قيادة اليش ،فكان ،يشجع رجاله ويعدهم بان أمامهم البار الفياضة ،والياه الفضية الباردة ،والظل
وتشجع اليش قليل طائعا او مكرها ،وتعثر الند ف خطواتم بي اليأس والرجاء ،وقطعوا
ما أمامهم من أرض رملية ،وهم ينتظرون أن يروا بعدها ما وعدوا به ،ليطفئوا غلتهم ويرووا ظمأهم
من ماء الزيرة البارد الفضى ،فلم يروا شيئا ول يصادفوا ف طريقهم أي شخص صديقا كان أو
عدوا ،وكان لدا الثر الكبي ف تثبيط همهم ،والقضاء على معنوياتم وكم كان سرور السبان
كبيا عندما بدت امامهم خضرة الزيتون ،وايقنوا أنم سالون حقا من الوت عطشا ،وأن كثيا أو
قليل ما وعدوا به قد تلى وظهر ،كان الوقت ظهرا عندما وصل النود غابات الزيتون ف جزيرة
جربة ،وكانت الشمس حارة تلفح الرض وتشوى الوجوه والجسام ،انا شس اغوستو ف الشمال
الفريقي دون شذوذ عن العتاد ،ووجد النود وسط هذه الغابات وعلى قارعة الطرق البار فعل غي
مقفلة أو مردومه ،ومياهها الصافية النقية الباردة ،تكاد تدعو السبان أن يلقى بنفسه فيها حت
يرتوى ،ولكن عرب الزيرة اشفقوا عليه من الرتاء ف أحضان البئر ،فتركوا قرب هذه البار جرات
وقلل فارغة ،وقدرا كافيا من البال لتساعد النود السبان الساكي ،ورد الاء ،واستخراجه من
ولكن أبن عرب الزيرة يا تري؟ هل تركوا أرض اجدادهم عندما صبحهم اليش الغي
وغادروا ربوع جزيرتم عندما صاح :صائحهم :السبان السبان السطول السطول؟…
بدت جربة مقفرة من سكان ،جرداء من الياة ،وظن السبان انم بنجى من العدو وانم
قادمون على اكتساح أرض ل يسكنها انسان ،فاختلت صفوفهم ،وتركوا مراكزهم ،وفقدوا
شعورهم أمام منظر البار والقلل والرار ،وتشتتوا ف جلبة وضوضاء ،وتسابقوا إل احتضان لقلل،
وتقبيل شفاهها الافة ،وبدأت معركة حامية بي الند انفسهم لفتكاك الرار والقائها ف البار
ول يترك عرب جرب جزيرتم غداة ظهور السبان امام سواحلهم بل وضعوا خطة حكيمة
للقضاء على اليش الغي على الرغم من قلة عددهم ،وقلة عددهم ،ونقص اموالم ،فلقد استعد
سكان جربة قرب هذه البار للنقضاض على السبان عندما يتهافتون على الاء ،وتتل صفوفهم،
وتبدو عليهم الفوضى .كانت فرصة مؤاتية لعرب الزيرة فلقد انقضوا على السبان ف شدة وعنف،
وطوقوهم من كل مكان ،ونزلوا عليهم ضربا بالسيوف والرماح ،ول تنل جرعة الاء بعد إل
اجوافهم ،ول تدأ العركة الت اضرموها بينهم على الاء ".انتهى ما اردت نقله من وصف الستاذ
البارون.
وإنا وأن ل اقرأ هذا ف كتبهم اكا ألس أقلمهم بل بعض تعابيهم رغم التعريب ويبدو أن الستاذ
البارون إذا ل يكن قد ترجم هذا الوصف بالفعل عن بعض كتبهم فإنه قد وثق به وصدقه حت صاغة
وانت أيها القارئ الكري إ ذا قرأت ما نقلته لك من وصف الستاذ البارون على انه قطعة
من الدب العرب ف الوصف فل شك ان تد فيها من التعة والروعة وجال السلوب ما يشوق
ويروق ،وإذا اردت ان تقرأها على انا قصة فانك أيضا واجد فيها من سعة اليال وبراعة الوصف،
وجال السلوب ،ما يدعوك إل قراءتا ،والعجاب با ،اما إذا اردت أن ترج منها بقائق تاريية،
وتقرأها على انا وصف لواقعة من وقائع الرب ،فإن ف ذلك مال للبحث والناقشة.
لقد كان لتغلب جربة على السطول السبان ،ف ذلك الي صدى بعيد وبقدر ما فرح به
السلمون ،وتأل له الصليبيون الاقدون ،وخجل منه ملوك أوربا التغطرسون ،وأسف له رجال
الكنيسة التعصبون ،بقدر ذلك كله حاول كتاب الفرانج ومؤرخوهم إن يففوا من أثر الصدمة
عليهم ،وان يعلوا سبب هزيتهم خارجا عن إدارة البشرية ،وكانوا يلتمسون أسبابا مهما كانت
واهية ،يعللون با اخفاق السطول ،حت ل يكون مرد هزيتهم انا هو بطولة أبناء جربة وموقفهم
الصلب ف الدفاع .وقد لفقوا كثيا من القصص ليخففوا با آثار الفضيحة ف زعمهم فحاولوا ان
يقللوا عدد الند السبان من عشرين ألفا إل خسة عشر ألفا او أقل ،وحاولوا ان يضخموا من عدد
السلمي إل أقصى ما يصدقه العقل فزعموا أنم جهزوا ثلثة آلف فارس.ث جعلوا يصورون هذه
الزيرة الصغية كأنا صحراء وسط افريقيا ،او الربع الال من جزيرة العرب ،وجلعوا العياء
يستول على الند ويتمكن منهم العطش حت يسقط بعضهم ميتا ويضظهر اخرون إل ان يشتروا
كأس الاء بعشرة قروش طرابلسية ول يكفهم هذا اليال حت جعلوا اهل الزيرة يعرفون مقدما ما
سيصيب السبان من اعياء وعطش فيضعون بناء على ذلك خطة يستطيعون با التغلب على عدوهم،
وذلك بان يتركوا البار مفتوحة ،ويضعون عليها القادير الكافية من الرار والبال ،ليتنازع عليها
الند السبان حينما يشتد بم العطش ،ويتقاتلوا فينقض عليهم الربيون ف سهولة ويسر.
أنه تطيط لعركة على الورق ،خططها خيال خصب ،حت تكون اسباب هزية اليش السبان
الكبي انا نتجت عن التعب والعطش وشدة الر ،واختلف الند على الشراب ،ووقوعهم ف فخ
منصوب بكمة وخبة ودراسة ،وهذه القصة يبدو سخفها واضحا إذا وضعت امام القائق.
ان السافة الت كانت تفصل بي اليشي قبل ان يتحركا للقتال كانت ل تتجاوز ستة اميال ،وهي
مسافة ل يتعب من قطعها الرجل العادي فما بالك بالندي الدرب على الصب والحتمال ث ان
هؤلء النود قد دربوا على ان يسيوا اياما متوالية ،فكيف يتعبون من سي نصف دربوا على ان
يسيوا اياما متوالية ،فكيف يتعبون من سي نصف يوم او اقل ويقول بعض الكتاب ان الند كانوا
يتساقطون قتلى من العطش فهل من العقول ان يبلغ الال باليش إل هذا الد ويستمر القادة دون
ان يتخذوا أي شيء لسعاف القوم او راحتهم ،ويزعمون ان بعضهم يشتري كاس الاء بعشرة
وقد صور الستاذ البارون دخول السبان إل الزيرة كأنم يتوغلون ف صحراء قاحلة ،ويسيون
حت يلوا السي دون ان تبدو لعينهم خضرة ،او يدوا ماء ،او يروا انسانا ،ول يسعن ازاء هذه
الصورة الت وضعها الستاذ البارون إل ان اضع بانبها صورة اخرى وضعها مؤلف تونسي يعرف
(( من اعجب الظواهر ف جزيرة جربة ان الزائر لا الول مرة يؤخذ بمال مناظرها الطبيعية
الساحرة ،فمجرد اقترابه من شواطئها تظهر له غابات الزيتون الضراء ،وجذوع النخل الباسقة
تتراقص امام عينيه يركها النسيم ،والبحر حواليها ترقص امواجه لرقصها ،وتتز او اذية لهتزازها،
وينل الزائر لرضها فل يد غالبا اثرا للسكان بل ل يكاد يرى احدا كأن الياة معدومة فيها ))
ويقول بعد الكلم ،ولكنه ل يكاد يطو خطوات داخل هذه الشجار الضراء حت تنبثق له من بينها
بناية بياض لمعة لعان شس جربة الضاحية ،ذات قباب صغية ،وابراج قائمة على زواياها ،كأنا
حصن من الصو ،وبانب هذا الصن تد البئر الروية تتد منها الداول الصغية اللتوية الت تعطى
هذه هي الصورة القيقة لربة ،وهي مناقضة تام الناقضة للصور الت وضعها لا الستاذ
البارون الت احتسب أنه اقتبسها عن كتاب غرب كان يصف جربة وهو يسرح بياله الصب ف
صحاري أفريقيا.
أما خرافة إعداد الرار والبال على البار والستعداد حولا إل آخر ما جادبه اليال
الصب فهى عكس ما تقتضيه الكائد الربية ،ويبدو أن سكان جربة الكرام ل يفكروا ف قضية الاء
والعطش ،ول يطر على بالم ان هذا اليش الجهز بكل شئ يغفل عن الاء فل يأخذ معه القدرا
الكاف ،ولذلك فلم يهتموا بالبار وبقيت صهاريهم -الوزعة ف الزيرة على مسافات متلفة
حسب احتيا جات السكان -على حالا مكا كان منها مغلقا بقى مغلقا وما كان مفتوحا وعليه
الرار والبال بقى كذلك ولو خطر لم ان العدو قد يتاج إل الاء ،وانه سيصاب بالعطش لغلقوا
تلك الصهاريج والبار ،او غورو هاحت ل يتمكن العدو من الشراب ،وتغوير البار وتفويت الاء
على العدو طريقة متبعة معروفة بي اليوش التقاتلة منذ أقدم العصور .وأول من استعملها ف السلم
رسول ال صلى ال عليه وسلم ف غزوة بدر باشارة من سيدنا الباب بن النذر رضى ال عنه.
جاء ف سية بن هشام صفحة 62ما يلي :فقال -:أى الباب -يارسول ال فإن هذا ليس
بنل ،فانض بالناس حت نأت أدن ماء من القوم ،فننله ،ث نغور ما وراءه من القلب ،ث نبن عليه
حوضا ،فنملؤه ماء ث نقاتل القوم ،فشرب ول يشربون ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ،لقد
فكيف يظر لقادة جربة أن يفتحوا آبارهم ويضعوا عليها البال والرار ،ويكنوا عدوهم
إنا صورة شعرية زخرفها خيال كاتب ل يعرف جربة ول يشترك ف حرب .وقد اعتمد
عليها الستاذ البارون دون أن يتناولا بالنقد على ضوء الحداث والواقع والوقائع .وأنا ف هذه
الناقشة ل أزعم ان الستاذ الكبي قد ارتكب ف حق جربة خطأ تارييا فغن هذا ل يطر ل على بال
وإنا كل ما أردت أن أشي إليه إن الستاذ اعتمد الصادر الجنبية وقد يكون له ف ذلك كل العذر
إذ قد كان ل تتوافر له الصادر العربية ل سيما ف الفترة الت وضع فيها كتابه القيم ،عن تاريخ
القرصنة السبانية.
ولكى أضع الصورة القيقة لتلك احادثة بي يدى القارئ الكري ،فإنن انقل له ما قالته
الصادر القريبة العهد من تلك الادثة ،بل العاصرة لا ،والت تتمشى مع طبيعة الشياء ،ويتقبلها
العقل دون تشكك أو ارتياب يقول أبو عبدال ممد أبو رأس ف كتابه ( مؤنس الحبة ) تقيق
الرزوقي (( :وف يوم المعة استعد الكفار للنول ،فصب السلمون صللة المعة ،وخطبه خطيبهم
با أعد ال من النعيم القيم للمجاهدين ف سبيل ال ،ونزل عدو ال بعساكر .رجال وركبانا،
بطبولم وآلة جربم من مدافع ومرقات وغيها ،فرتب السلمون صفوفهم ميمنة وميسرة وقلبا .عند
نزولم للب هجموا عى السلمي فول السلمون امامهم ،فاتبعتهم الكفرة،وقد اكمن لم السلمون
جاعة من الجاهدين ،وعليهم الشيخ سليمان بن يى السمومن ،فقطعوا بينهم وبي البحر ،ورجع
عليهم السلمون ،وحلوا عليهم من كل جهة وجانب ،حلة رجل واحد ،واعلنوا كلمة التوحيد،
ووضعوا فيهم السيف فلم يبق منهم إل القليل فاسروهم ،ول يرجع منهم احد إل سفنهم)).
(( ث كان آخر الليل سع السلمون أصواتا من آلت الرب عند النصاري فايقنوا بنولم
غدا ،وزادوا شدة وندامة على ما سلف من ذنوبم ث هم كذلك ،والطبول تضرب ،والناس على ما
تقدم من التحريض وطلب الحال ،والتوبة ،وخيل الشيخ تصل إل قرب النصارى وتأت بأخبارهم
إل أن حان وقت الظهر من الغد ،فصح الب أن النصارى اخذوا ف السي والوصول إل السلمي،
وكانت مسافة ما بب الفريقي ستة أميال ،فقام السلمون حينئذ وصفوا صفا ،والشيخ حفظه ال
وأولده والعزابة وأصحاب اليل وزعماء الناس يشون على الصف ،ويسوونه ويرتبون الناس،
ويامرونم بالثبات ،وأن ل يافوا لن ال عز وجل يقول (( :كم من فئة قليلة غلبت فئة كثية بإذن
ال وال مع الصابرين )).فلما استقام السلمون ف صفهم وكان من ف قلبه ل يرى من ف ميمنته ول
من ف ميسرته لعدم استواء الرض وكثرة الشجار وطول الصف ،وكان ذلك أول وقت الول
والناس بي مصل وغي مصل ،لن الوقت متسع وما هم فيه أضيق فإذا باعداء ال قادمون على صف
من الهة الشرقية فلما تقارب الصفان إذا بيل النصارى تدفع ،وحديدهم الذي لبسوه يلمع ،ودخان
البارود يسطع ،وانفارهم ( )1ومكاحلهم تسمع ،فلما زاد ذلك كله بن كان ف مقابلتهم من
السلمي إل جراءة عليهم وجسارة .فتنادو بالصلة على النب ،عليه السلم ،وتداعوا بالدين والسلم
وتوسلوا إل ال باوليائه وبقرآنه وببكة مذهب الباضية الذي ظهرت بركته ف غي مواطن ،فحملوا
عليهم حلة واحدة فلما التقوا ،وكان أعداء ال رتبوا انفسهم صواب( )2كل صابية ف ظهرها
آخرون .من ال على السلمي بادبار الصابية ،الول ،وقتلوا منهم كثيا فعضدتم الصابية الت تليهم
فهنالك وقع تزحزح قليل من الذين قابلوهم من السلمي ث كروا بعدها كرة واحدة )).وبعد كلم
6
تقول الوثيقة:
(( فبينما هم كذلك من كان ف القتال ،ف القتال ومن كان ف الفرار ،ف الفرار فإذا بطائفة من
السلمي يقدمها الشيخ أبو الربيع سليمان بن الشيخ أب زكرياء ،فقطعوا ما بي النصاري والبحر.
فلما رأى الفريقان ذلك جرؤ السلمون وزاد من ف القتال شدة ،وذل النصارى واعطو بالدبار مرة
اعتقد أن هذا الوصف من رجل قد يكون حضر العركة كاف ف أبطال القصص اليالية
الت يؤلفها كتاب الفرنج ،ليهونوا من بطولة السلمي وليخففوا من أثر الفضيحة الت وقع فيها
أسطول القرصنة الفرنية ،السطول الذي تؤيده الدول الصليبية ،وتباركه الكنيسة ،ويدعو له البابا
بالنصر والتأييد انا معركة حقيقية فيها ما ف العرك الربية من عنف الصدام وقساوة القتل وحرارة
الوت ،وقد كتب فيها انصر لشد الفريقي ثباتا ،وامضاها عزية ،وأصبها على حر النضال ،
واشدها رغبة ف النصر او الشهادة .ول تكن أسباب الزية فيها عائدة إل طول مسافة ،أو شدة حرا
أقطار الرض بذه الواقعة .فمنح نصره للقلة الضعيفة ،الحصورو ،كما منحة من قبل للمؤمني
الصادقي .وما صدق الؤمنون ف جهادهم ل إل نصرهم ال فيما مضى وفيما يأت مهما كانت القوة
الادية للعدو.
(( وغن جند نالم الغالبون )) ولن يبطل وشاء ال الؤكد ثلث تأكيدت شئ ف الكون لو
صدق السلمون.
كان لذه العركة الت انتصرت فيها جربة على السطول السبان الضخم ذلك النتصار
الرائع ،أثر بالغ ف نفوس السلمي ،وف نفوس الوروبيي على السوء .فقد تضاءل فيه الصليبيون،
وأعتب فضيحة ف تاريخ القرصنة السبانية ،اما السلمون فقد أثر ف نفوسهم هذا النتصار ،ورفع من
معنوياتم ،وارجع إليهم الثقة الت فقدها بعضهم أو كاد ،وجعلتهم يستخفون باؤلئك الغزاة الذين
كانوا يتحكمون ف جيع السواحل الشمالية لفريقيا .ونتج عن كل ذلك فكرتان متعارضان إحداها
اما الفرنج ،وقد صدموا هذه الصدمة العنيفة ،فقر قرروا ليحافظوا على هيبتهم أن يقوموا
بناورات على سواحل البحر البيض التوسط ،يقصدون با إرهاب السلمي ،وبعث الوث ف
نفوسهم ،وإشعارهم بان القرصنة الفرنية ل تزال على قوتا ،ل تنل منها أحداث الوقعة الؤلة ف
جربة.
أما السلمون وقد رأوا نتيجة الثقة بال ،والصب عند اللقاء ،والرغبة ف الستشهاد ،فقد
استخفوا بالفرنج وما لديهم من قوة ،وزال من قلوبم ذلك الوف الذي بعثته فيها الدعاية الواسعة
عن قوة الفرنج وضخامة أساطيلهم ،وامتلت قلوبم شجاعة وجرأة وأقداما.
وقد انبن على الفكرتي معا تربة أخرى ،فقد فكر القائد السبان ان يلم فلول جيشه ،وأن
يمع أساطليه العصوبة ،ف الزيرة الصغية ( لبدوشا ) وحاول أن ينفخ روح الياة ف تلك الياكل
التحركة ،وإن يرد لتلك الخشاب العائمة فوق الاء قوة السفن الربية ،وأراد أن يهز من مموع
ذلك أسطول يخر عباب البحر ،وكان ف القيقة يعلم أن القاتلي الذين ل يكتب لم أن يقتلوا ف
جربة ،وخرجوا منها أشباحا متحركة ،قد أصيبوا ف قلوبم ،فما عادت لم قلوب تقوى على مابة
الحداث ،ومقابلة العداء .ومقارعة البطال ،زكلنه كان يعتقد أن الدعاية قد تأت بنتيجة ،فهو ل
يزال ينفخ فيها الروح ،ويعمل على ان يعيد الياة إل تلك الشباح ،ليكون منها بشرا يتحركون.
وهو من جهة اخرى ،كان يرسل على متلف اللسنة والوسائل دعاية هائلة .واشاعات طويلة
عريضة ،عن قوة السطول الديد ،وعن الضربة الائلة الت سوف يوجهها إل بعض الثغور
السلمية ،وهو ف ذلك ل يعي الثغر الذي سوف يقصده ،او اليناء الذي سوف يصدمه ،وإنا يرسل
هكذا دعاية طويلة عريضة ،يرمى من ورائها طمأنة الدول التس تساعده ،وبعث الشجاعة أصحاب
الثغور السلمية فعل بالقلق .ول يستطيع أي ثغر منها أن يسمح لقواه بالبتعاد عن الثغر خوفا من
مباغتة هذا السطول القابع ف ( لبدوشا ) التخفز للهجوم وبقيت الثغور تنتظر تنفيذ النذار الديد.
ترك السكول اللفق قاصدا ثغرا من الثغور السلمية هو صفاقس ،ورجعت قوارب الصيد
الصفاقسى ذات يوم مذعورة تعلن قرب وصول السطول الفرني إل ميناء صفاقس ،دون سابق
إنذار ،وتسامح الناس فاندفعوا إل ساحل البحر با لديهم من أسلحة بسيطة اكثرها خناجر وعصى،
وتمعوا ينتظرون وصول العدو إل الشاطئ ،ونزوله إل الب ،ليحتفوا بقامه العظيم ،وليقوموا بتكريه
با يستحق من التكرم ،على طريقة التحاربي ،ولا وصل السبان ،وكان أسطولم هذه الرة هزيل،
ضعيفا ،ذليل ،إذ يبلغ عشرين سفينة ،بينما كان ف الملة الاضية ،يتجاوز الائة .وقف مترددا يراجع
حساباته ،ويصحح تقديراته .ولا رآه السلمون فرحوا به واستبشروا ،وعزموا أن ييوه بصفعة على
خده اليسر ،بعد أن كادت آثار أصابعهم تزول عن خده الين ،ولكن عزمهم هذا ل يتحقق فإن
السطول ما كاد يقترب من الساحل الصفاقسى ،ويرى تللك العداد الائلة من البشر تتحرك ف
خفة ورشاقة ،وتنتظر وصوله ف لفة وشوق ،حت امتل ذعرا ،وملك الرعب عليه زمام امره ،فاطلقوا
اشرعتهم للريح ،وانطلقوا ف عرض البحر يعرضون على الساك رشاقتهم ف السباحة ،وسرعتهم عند
الروب ،وفوتوا على السلمي فرحة بالنصر ،وثروة بالغنيمة ،وسعادة بالشهادة ،وأوحى لم الب ان
فقصدوا جزيرة قرقنة ،وكانت حينئذ خالية ل سكان با ،فانزلوا با ألف جندي ليختبوا
حالا ،وليبنوا با برجا كبج القشتيل ف جربة ،حت يكون مركزا لم ينطلقون منه ،وحصنا يأون
إليه ،ويتمون به ،وكان السلمون يتنسمون اخبارهم ويتتبعون حركاتم فلما نزل القوم ف جزيرة
قرقنة تسلل إليها نو ستمائة مقاتل من السلمي وعندما جثم الليل على صدر الزيرة ،وخيم الظلم
على الرض ،بعث اولئك القاتلون الشجعان نفرا منهم يستطلعون اخبار هذا اليش الصغي ،فوصل
اولئك النفر إل مل الند ،وداخلوهم ،ومروا من بينهم ،فوجدوهم قد أمنوا على انفسهم ،واسلموا
اجسامهم للمضاجع ،واعينهم للنوم ،فما كانوا يتوقعون مباغتة من عدو ف هذه الزيرة الالية.
رجع اولئك النفر إل إخوانم واخبوهم با راوا ووجدوا ،فاسرع السلمون حت دخلوا
معرس الفرنج دون ان يشعر بم احد ،ول يستيقظ أولئك القوم غل بعد إن كان السلمون واقفي
على رؤوسهم بالسلح ،ويداعبون رقابم باسنة الرماح .وانتبه القوم مذعورين.
اعتقد ان القارئ الكري ،ليس ف حاجة إل ان أقول له إن تلك الكتيبة الت تتألف من ألف
جندى ،والت ذهبت لتر تادمر كزا للقرصنة ف جزيرة قرقنة ل يعد منها احد حت الن وقد خسرها
السطول السبان إل البد ،وان الصفعة الت هم السلمون بالقائها على خد القرصنة ف صفاقس،
فتفاداها السطول بالفرار قد تلقاها السطول نفسه ف جزيرة قرقنة ساخنة مؤلة ،وجرب السطول
أن يوهم الناس بان به بقية من حياة ،وذماء من قوة ،وقصد سواحل جزيرة جربة وجعل يوم حولا،
ولكن احدا من الناس ل يرفع إليه نظره ،ول يلتفت إليه ،ول يسب له حسابا ،او يعبأ به ،فقد بلغ
من الوان إل ان تغاضت عنه العيون .فلما علم أن دعايته انفضحت ،وإن خدعه انكشفت وإن
مناوراته فشلت ،وإن هيبته ضاعت إل البد ،ضعيتها عليه تلك اجزيرة الصغية الت كان يعتقد أن
الستيلء عليها ل يزيد عن نزهة برية ،وانه لن يستطيع لتلك اليبة ردا ،مهما بذل ،ومهما عمل ،لا
انطشفت له هذه القائق ،واستبانت له النتائج ،ووصل ف تفكيه الذكي إل معرفة واقعه الؤل رفع
إن الصفعتي الؤلتي اللتي تلقاها السطول السبان ف جريرة جربة ،ث ف جزيرة قرقنة،
تركتا أثرا مؤلا .بدأ واضحا على جيع العال الغرب التعصب ،وكان أشد ما يكون ايلما على سيدة
القرصنة ف ذلك الي ( أسبانيا ) .ولذلك فقد كانت تعمل جاهدة على ان ترد تلك الصفعات،
تؤيدها الدعوات من الكنيسة ورجالا ،والساعدات من العال السيحي الغرب وتاخذ بثأر قتلها
وسباياها من الزيرة الصغية ،جزيرة جربة ،واستمرت تعد العدو والعدة ،وتتحي الفرصنة.
وبعد عشر سنوات ،أي ف سنة 926استكملت استعدادها ،وظنت انا بالغة ما تريد،
فاذنت لنائب ملك أسبانيا على صقلية (( الدوق هو جو دى منكادا )) أن يقوم بالهمة وبدأ نائب
اللك السبان على صقلية يعد عدة الجوم ،ويتخذ التدابي ،ويزن المور ،وقاد أسطوله الكون من
مائة سفينة ،تمل خسة عشر ألفا ،من القاتلي الدربي السلحي الجهزين بأحدث ما عرف النسان
من آلت الرب ف ذلك الي .وكان ( الدوق منكادا ) بعصر ذهنه ،ويكد فكرة ،ليسم خطة
سليمة للهجوم ،يتلف فيها الخطار الت وقع فيها اسلفه ،فيخسروا سعتهم الربية.
وانطلق السطول حت بلغ الزيرة الصغية جزيرة جربة ،الت صارت صخرة صماء تتحطم
عليها قوى البغى والعدوان ،وانزل القائد كامل قواته القاتلة حت يضرب الضربة العنيفة القوية ،وكان
الجوم مفاجئا فلم يسمع أهل الزيرة بالب إل من قريب ،وبدا الرجل زحفه ،فاسرع غليه من بلغه
إن السواعد الت صفعت (دون بدور نافارو) و (دون قراشيا الطليطلى) و (دياجو دى فيا)
ل تزال موجودة وقوية ،وغن شراقة اليان الت بعث أبو النجاة اشعاعها ل تزال تومض ف قلوب
الؤمني ،وإن العيون الت كانت تنظر إل عدد قليل من الناس العزل يطاردون بايانم وصبهم وثباتم
عشرين ألفا مزودين باحدث السلحة .أن هذه العيون ل تزال تلمح أشباح السبان بي فار وقتيل
ومن ورائهم السلمون يسوقونم سوق الرعاة للغنام .ان تلك الصور الرائعة الت مضى عليها عشر
ولذلك فما سع الناس بجوم الفرنج على الزيرة ،حت تسارعو إل لقاء العدو ف ميدان
القتال ،واشتبك الفريقان ف معركة حامية …… غزاة يملهم الشع والطمع على القتال ،يهاجون
حاة ،يذودون عن الدين والوطن والعرض ،مؤمني بقهم ،وعدالة موقفهم ،ف هذا الدفاع الجيد،
واثقي ف نصر ال .ول يطل الصراع .فلقد كان القائد السبان يدير العركة وهو ينظر إل صفوف
جنوده ،تتهاوى صرعى ،صفا بعد صف .إن أسلحته النارية ،كانت قليلة الدوى ،وكان ينظر إل
اولئك السلمي الذين يتسابقون إل الوت ،وليس لديهم من السلحة الفتاكة شئ ،وإنا يعتمدون
على سيوف كليلة ،وخناجر قصية ،وعصى وما اشبه ذلك من السلح البسيط ،ولكنهم يلكون
معها سواعد قوية ل تطيش ضرباتا ،وقلوبا ربط عليها اليان ،وإجساما خفيفة نشيطة متحركة
تعرف مت وكيف تزوغ من وسائل التدمي ،الت اعدها العدو ،ولكنها حي تضرب تصيب الدف،
وتقع على القتل ،لنا تقبل على الوت برغبة ف الشهادة ،وتضرب العدو بشجاعة ،وتدافع عن
الوطن بمية .ورأى (( دون منكادا )) ما يل بيشه ،وايقن إنه سائر ف الطريق الذي سار فيه
اسلفه ،عندما تعرضوا لغزو جربة ،فاستعصت عليهم ،وليس هذا فحسب ولكنها برهنت لم ان
قواها العنوية أقوى كثيا ما حشدوا من قوى مادية .وواتاه الذكاء ! الذكاء الذي يوات اسلفه ف
منتهم ،فرأى ان يقلل من السارة ما امكن ما دام ل يستطيع ان يتفادى الفضيحة ،وصاح ف اليش
يامر بالنسحاب ،وكانت هذه الصيحة هى أحب ما ينتظره اولئك النود الساكي .وسرعان ما
أطاع أفراد اليش هذا المر الذي يعتبونه السبيل الوحيد للبقاء على الياة ،وجر القائد بقايا جيشه
الفلول ،تاركا من ورائه ستمائة قتيل ،وأضعاف ذلك من السرى ،ولو استمر ف القتال إل الليل
لوقع له ما وقع للجيوش السابقة ،ولكنه تفادي السارة ورجع ببقية جنده إل أسطوله ،فامتطى
أنه يوم من أيام ال ،خلدته جزيرة جربة لتقيم به الجة على الة السلمية ،وتعرفها أن قوة
الق واليان ل تنهزم أمام الديد والنار .وإن ال الذي مكن للطائفة القليلة من السلمي على الفرس
والروم والسبان بالمس ،سوف يكن للمة السلمة اليوم ،او غدا على النليز والميكان والروس
إذا ما وفق با عاهدت عليه ال ،وسارت ف النهاج الذي دعاها إل السي فيه (( ولقد نصركم ال
ببدر أذله فاتقوا ال لعلكم تشكرون ،إذ تقول للمؤمني ألن يكفيكم أن يدكم ربكم بثلثة آلف من
اللئكة منلي ،بلى ان تصبوا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يددكم ربكم بمسة آلف من
اللئكة مسومي ،وما جعله ال إل بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إل من عند ال العزيز
الكيم)).
التبعية السية
إن التتبع لحدث التاريخ ف جربة حسبما تدثنا عنه ف الفصول السابقة ،يستطيع ان يسمى
العهد الول من تاريها وهو العهد الذي يتد من سنة 47إل سنة 529بعهد الستقلل اما العهد
الثان من تاريها وهو العهد الذي يتد من سنة 529إل سنة 960والذي اطلقنا عليه ف بعض
الفصول السابقة عهد الهاد ف سبيل ال يكن ان يطلق عليه عهد التبعية السية إذا نظرنا غليه من
جهة السياسة والكم ،وذلك ان جربة بعد ان استول عليها الفرنج سنة 529ث خرجوا منهخا
سنة 555بقيت تت حكم خارج عنها .فقد تكم حكم الوحدين إل سنة 725ث انتقلت إل
حكم الفصيي ،وكثيا ما يستبد بكمها بعض الولة لدة ث تعود إل الدولة الركزية.
وف هذه الدة الطويلة من تاريها الت تتد ما بي سنة 555إل سنة 960ل تكن جربة
تتم بأي دولة مسلمة تكمها ،او أي وال يأتيها ،فقد رضيت بميع اللوان الت تتناوبا ،وكانت
تظهر الطاعة وتدفع الضرائب ف هدوء ،ول تشترك ف الناعات الت تقوم بي الدول والولة الذين
يتنازعون حكمها وإنا كانت تنظر إليهم نظر الفريسة ،إل السباع ل تبال من سبق منها إل الولوغ
ف دمها ،فهى تقف من الميع موقفا سلبيا كامل .وغنما كل ما يهمها ان يكون الاكم مسلما
سواء كان تابعا لحدى الدول القائمة حينئذ ،أو كان مستبدا لسابه ،كما فعل ابن مكى وابن أب
العيون .وكانت طيلة هذه الدة مشغولة بكفاح متواصل للفرنج ،تدخر للقاتم ما تعد من قوة ،ذلك
ان الفرنج طيلة هذه الدة ل ينفكوا عن مهاجتها وماولة الستيلء عليها فكانت تصر هها ف
ومن الؤسف أن اولئك الكام الذين رضيت جربة بكمهم على اختلف أشكالم،
واستسلمت لم ،وكانت تدفع لم الضرائب ،كان ل يهمهم منها غي ذلك ،وعندما يهجم عليها
الغزاة الصليبيون ،يقف أولئك الكام ،موقف التفرج من بعيد ،فإذا ردت العدو أو اتذت معه موقفا
من الواقف رجع إليها أولئك الكام وهى تنف دما ليلعقوا من تلك الدماء .يقول الستاذ الرزوقى
ف ( مونس البة ) صفحة (( 103حيث وقع الساكي بي نارين ،سيطرة النصارى الحتلي
لرضهم من جهة ،ومطالبتهم من طرف هذه الملت الفصية بدفع الراج للدولة )) .بل لقد بلغ
أولئك الكام إل أكثر من ذلك فقد يهجم قواها ف ذلك الدفاع ،وتغلب على امرها ،فيحتلها
العدو ،وتنتهى العمليات الربية ،وحينئذ فقط تذكر الدولة ان جربة من متلكاتا ،وانا تأخرت ف
دفع الضرائب وانه يب تأديبها على ذلك ،يقول أبو ممد التيجان ف رحلته ص (( 126وكان
تغلبهم عليها ف هذه الدة الخية سنة ثان وثاني وستمائة بسبب اشتغال ملك الضرة ،إذ ذاك
رحة ال ببعض الثائرين عليه )).وبعد ان يصف كيف دخل جيش اللحيان إل الزيرة ،ويصف
بعض معالها يقول ف صفحة (( 128ووصل إلينا إذ ذاك شيخ النكارة ،وقد كان هو ونظيه من
الوهبية فرا عن الزيرة أول إقبالنا عليها خوفا على انفسهما فلما حللنا با كتبا إلينا كتابا يطلبان
المان ،فاسعفا به ،فوصل النكاري وتاخر وصول الوهب ،فوصل بعده بأيام ،ولا اجتمعا تكفل
باستخلص ما وضع من الداء على قومهما ،وانفصل ليشتعل بقبض ذلك من يومهما )).هكذا
يتحدث التيجان دون أن يجل من تسجيل هذه الصفحة التاريية الؤلة .الت كان هو أحد أبطالا،
وهذا مدمه أبو زكرياء اللحيان يقود جيشه الرار ليطالب بالضرائب قوما قد استنفذ العدو ما
لديهم ،واحتل أرضهم ،وكان النطق يقتضى ان يوجه هذا اليش الرارإل مقاتلة ذلك العدو الرابض
ف القشتيل اما هذه المة الت وضعتها طبيعة الوطن ف ثغر من ثغور الهاد فيجب ان تقدم إليها كل
هذه الصورة الت نقلناها عن التيجان تثل الياة الكاملة لربة ف هذا العهد الذي اطلقنا عليه
اسم عهد التبعية فهى تستقبل العدو بالهاد وتقف ف وجهه با تلك من قوة فتدفعه عنها ،أو يتغلب
عليها ،وهى ف كل ذلك تعتب نفسها تابعة ف الكم لدى الدول القائمة ،أو الولة الستبدين با،
وتبعث إليها بضرائبها فإذا تأخرت عن تسديد الضرائب ،ويضعون عليها انواعا من الغرامات ،وقد
ينلون با ألوانا من العقاب .وكانت الزيرة البتلة بكل هذه الصائب ،تدفع إليهم ذلك وهى صابرة
على الذى ،صامدة ف وجه العدو ،تعتذر إليهم عن تأخرها ف بعض الحيان ،ل تعكر عليهم صفو
المن ،ول تدعو إل ثورة .وذلك حرصا على سعة السلم ورغبة منها ان تكون تابعة لدولة مسلمة
ولو كانت هذه التبعية اسية .وحفظا لقوتا الت تدخرها لجابة العدو التربص با على الدوام ينتظر
الفرصة الناسبة لبنقض عليها .على أنه يب أن نذكر ف هذا الصدد ثلثة من ملوك هذه الدول
دفعتهم على السلم ومافظتهم على الوطن السلمي إل أن ينجدوا هذه الزيرة ويساعدوها على
عبدالومن بن علي سنة 555وأبو بكر الثان الفصى سنة 738وأبو فارس عبدالعزيز بن أحد سنة
.835
أما رحلة أب زكرياء اللحيان وجيشه اللجب فلك يكن القصد القيقي منها طرد العدو من
جربة ،وغنما كان القصد منها جع اكثر ما يكن من الموال والضرائب من الوسط والنوب
التونسي ولذلك فقد كان ذلك اليش الرار بنتقل بي البلد من تؤزر ونفطة وقابس والامة وجربة
وغمرا سن وغيها وكان يعمل سرا على تكوين ملكة مستقلة ف طرابلس فهو بعد هذه الرحلة الت
أبدى فيها ف الظاهر إخلصه للدولة كان ينوى الج وهو ملوث اليد واليب من اموال الناس ول
يكن قصده للحج إل وسيلة للخروج من تونس دون مضايقة او رقابة وهكذا ت له ما أراد فخرج إل
الج ورجع فأقام بطرابلس وحاول ان يقيم هنالك دولة ودعا لنفسه وبايعته بعض القبائل ث ساعدته
هذه هى كل الساعدات والنجدات الت تقدمت با الدول القائمة إل جربة ف خلل هذا
العهد الذي يتد ما يزيد عن أربعمائة وثلثي سنة حسبما وصلت إليه ف أباثى واستنادا على
كان هذا الوضع الشاذ الذي وجدت فيه جربة سببا ف أن تري حياتا على عدة خطوط
متوازية ل تلتقى ،او على عدد من التاهات الت ل يربط تناسق او انسجام ونستطيع ان نلخص ف
وخلصة الديث ف هذا الفصل ان جربة ف طول هذا العهد كانت تابعة من حيث الكم
اما للموحدين او الفصيي او بعض الولة الستبدين ول تاول ان تنفصل عنهم أو تستقبل بنفسها أو
تغي نظام الكم فيها .وواضح للقارئ الكري ان ذلك الكم غنما كان حكما ظاهريا ليس له إل
جع الموال أما الكم القيقي الذي يشمل جيع شئون الناس والبلد فقد كان إل تلك اليئة
على جربة واستولوا عليها لدة قصية وينتهى سنة 96حي التحقت جربة بكم الدولة العثمانية
باستيلء درغوث بن على عليها .وقد قضت جربة هذا العهد وهى تابعة لدولة الوحدين اول ث
للدولة الفصية ثانيا ويتخلل ذلك فترات استبد بالكم فيها بعض الولة كابن مكي وابن اب العيون،
كما انا تبعت الدولة الرينية لفترة قصية .لقد كان حكمها ينتقل من دولة إل دولة ،او من وال إل
وال ،دون أن تتم لذلك ،ويكون لا فيه شأن ،فهى ف وضعها الشاذ وتديد الفرنج لا باستمرار
كانت راضية بميع ما يأتيها من الكام السلمي ،وكانت تدخر كل قواتا وامكانياتا لحاربة الغزاة
الفرنج اما شئونا الداخلية فقد كانت بايدي العزابة الذين كانوا يقومون با ويشرفون عليها بكل ما
وف هذا العهد من تاريخ جربة الجيد مع ما هى عليه من شذوذ الوضع ،وظلم الخوة،
وتسف الكام ،استطاعت ان تضرب الثل العلى للمة الكافحة ،وترز البطولة وتستل النصر،
وتقهر العدو ،وتقف شامة معتزة بطريقة يندر أن تد لا مثيل ف تاريخ الكفاح بي القوى
والضعيف .فاحتفظت بكرامتها بي تلك العوامل الت أشرنا إليها من قبل زيادة عن أربعة قرون حت
انتهى عهد القرصنة الغربية وبدا عهد جديد هو عهد الامعة السلمية تت اللفة العثمانية.
وف الفصول التية سوف نعرف -إن شاء ال -صورا من حياة هذه المة الكرية ف
عهدها الثالث.
هذا العهد من سنة 960حي أستول درغوث بن على التركي على جربة وينتهى سنة 1298حي
احتلت فرنسا كامل البلد التونسية ،واحتلت معها جزيرة جربة .وف هذا العهد الذي يتد قرابة ثلثة
قرون ونصف كانت جربة تعيش عيشة مريرة قاسية .فمنذ تول درغوث بن على طرابلس خطر له
أن يلحق جربة بكمه ف طرابلس واصرت هى ف استماتة ان تبقى ضمن البلد التونسية .وقد أصابا
من جراء هذا كثي من الذى ،والعدوان ،والضطهاد ،وعرملت بكثي من الظلم والقسوة حسبما
أما شبح القرصنة اإفرنية فقد بدا يف ث يتوارى عن جربة وغيها وكان ف اختفائه ذلك
يتجمع ويعيد النظر ف خططه وأعماله واهدافه .ول تعد تكفيه تلك الغارات الاطفة الت يقصد منها
تامي القرصنة ف البحر ،وسرقة ما يكن من الشواطئ السلمية .إن القرصنة والسرقه أصبحت ل
تشبع نمه .ول تشفى غليله .ولذلك فقد تمعت أسباب القد الصليب كلها ف سحابة دكناء تشمل
اوروبا جيعها واتهت إل الشرق ترمى إل تغيي كل شئ ف العال السلمي ،وذلك باحتلل البلد
احتلل كامل ،واستعمارها استعمارا شامل ،والقضاء على الدين ،وتغي القيم الخلقية ،وتبديل اسم
النس الحتل بإسم النس الغالب .ووضعت أوروبا خطتها على هذا النمط ،وبدات ف التنفيذ،
وهجمت هجومها الصليب العام على جيع الشرق السلمي .فزحفت فرنسا على الزائر والغرب
وتونس ،تتلها الحتلل الكامل ،لتجعل منها بدل المة السلمة ،أمة فرنسية مسيحية وراء البحار،
وتلحق ترابا بتراب الوطن الم .كما كانت تقول ،وكانت جربة بطبيعة الال داخلة ف هذا الخطط
الواسع الشامل ،وعندما القت فرنسا قنبلتها على البلد التونسية أصابت شطية منها هذه الزيرة
الصغية .فاضطربت وتبطت قليل ث خضعت للستعمار الفرنسى كما خضع له كل الشمال
الفريقي وبقيت تت نفوذه خسا وسبعي سنة .وهى مدة العهد الرابع من تاريها الطويل كما
بقيت تونس .حت يسر ال للبلد السلمية سبيل اللص من الستعمار الغرب فتخلصت منه واحدة
أثر اخرى .والعاقبة لكشمي وفلسطي وزنبار وأننا لنضرع إليه سبحانه وتعال كما يسر لنا اللص
من الستعمار السياسي ان ييسر لنا اللص من آثار ذلك الستعمار فيما تركه ف ديننا واخلقنا
وقفت جربة الزيرة ،الصغية ،العزولة ،عن العال ،موقفها الشرف ،كالصخرة الصماء،
تتحطم عليها أساطيل القارصنة ،وترتد عنها غارات الهاجي من الفرنج ،وتذوب على سواحلها
أعداد وعدد العتدين من الستعمرين التعصبي .وقفت تلك الواقف دون ان تعتمد على مساعدة ،او
تنتظر ندة من احد ،اللهم ال مرات ثلث ،ذلك لن الدول القائمة حينئذ كانت من جهة عائمة ف
فت داخلية ،ومن جهة أخرى كان ل يهمها من القاليم التابعة لا إل مقادير الموال الت تدفع إليها،
اما بقية الشئون فليس يهمها من أمرها شئ .هذا بالنسبة للدول اما السكان الذين كانوا ييطون
بالزيرة من الارج فقد غل التعصب الذهب أو العنصري أيدي بعضهم عن مساعدتا ،وانشغل
بعضهم بنفسه ،إذ كان هو الخر ف ظروف ليست خيا من ظروف جربة اما البعض الخر فقد
كان يترف الغارة والنهب ،وكثيا ما ينتزى على جربة او على غيها فيختلس أو يغضب ما تقع
اما أخوان جربة ف الذهب ،ف الديار البعيدة عنها ،مثل ليبيا والزائر وبعض بلد الريد،
فقد كان فساد الكم ،وتعود بعض سكان البادبة على الغارة والتهب ،وقطع الطرق .قد اضطرهم
إل البقاء ف بلدانم للمحافظة على انفسهم واموالم .وهكذا كانت الزيرة تصارع الستعمار ان
يثبت با قدمه الفترات قصية ف أول المر ث صلب عودها فكانت تلقمه حجرا كلما حاول
العتداء عليها ،وحت حي يتاح له أن ينتصر عليها انتصارا مؤقتا كانت ل تلبث ان تنتقم منه،
وتاخذ بثأرها وترمى به وراء البحر .وكان على الدول السلمية القائمة ف ذلك الي -إذا ل
تتمكن من مساعدتا بالال والرجال والعتاد او ببعض ذلك -كان عليها على القل ان تتركها
وشانا .لتقاوم تلك الساطيل الت تعب ف مراسها سنان وخي الدين ودرغوث وغيهم .فلم تترك
ف سنة 960عينت الكومة التركية القائد العنيد درغوث بن على واليا على طرابلس بعد
مساع منه طويلة لعزل مراد آغا عنها وتوليته هو بدل منه وكان درغوث يطمح إل أن يضم إل
وليته كل البلد التونسية لتكون الوانئ الامة ف البحر البيض التوسط تت حكمه يستطيع تركيز
قوته فيها ليضرب البحرية الغربية الت تنفك عن مهاجة الثغور السلمية ،والت كانت تكاد تتحكم
ف البحر البيض التوسط وشاعت عنه هذه الرغبة وتناقلتها عنه اللسن.
وكانت جربة ف ذلك الي ل يهمها الوال الذي يتول حكمها ولكنها ل تريد أن تنفصل
عن تونس .واقترح مقترحون على درغوث أن يستول على جربة ،وان يضمها إل طرابلس ،فإنا
مركز بري هام وهى مع ذلك جزيرة صغية يسهل اقتطاعها من تونس ،وبلغ الديث إل سكان
جربة ،فخافوا ان تقطع جزيرتم عن البلد التونسية ،وتلحق بطرابلس ،وذلك ما يكرهون فقد
اقنعتهم التجارب أن الاق الزيرة بطرابلس ف الكم ل يعود عليهم بالي أبدا ،ولا تققوا من نية
درغوث بعثوا إل مركز الدولة ف تونس وكان على رأسها ف ذلك الي احد بن حسن الفصى،
يطلبون حايتهم من درغوث ،وابقاء جزيرتم ف مكانا الطبيعي من البلد التونسية ،ولكن احد
الفصى كان ف واد غي هذا الوادي فلم يستجب لم ،ول يهتم بطلبهم .ووصل درغوث باسطوله
وجيشه إل الزيرة.
كان سكان جربة يتوقعون نزول درغوث على جزيرتم ،ولكنهم ل يتفقوا على قتاله ،ول
يستعدوا له فقد وقع خلف بي العلماء ف جواز قتال هذا الند السلم ،الذي يقوده قائد مسلم.
وقال قائلون :ما دام القائد يتبع ف حكمه دولة اللفة ،ويرجع إليها فغن على جيع البلد السلمية
ان تسمع وتطيع ،إذا طالبها ولة تلك الدولة بالطاعة ،وجربة بلد مسلم ،أراد وال دولة اللفة أن
تتبعه ف الكم فعليها ان تطيع ،سواء كان مركز الولية ف طرابلس او ف تونس او ف غيها ،فإن
الوال ل شك يرجع ف شؤونه إل مركز اللفة ،ورضاؤها عن عمله بثابة رغبتها ف ذلك ،وبناء
على هذا فل يل لنا ان نقاتل هذا اليش الذي به تعتز المة السلمية ،ول يوز ان نملب السلح
لنقتل جندا مسلما ،جاء لتنفيذ إرادة الدولة السنية ،ول يق لنا ان نعرض انفسنا لنقتل ،والقتيل منا ل
وقال قائلون :إن بلدنا هذا تابع ف طبيعة وحكمه لتونس.وعلى تونس دولة مسلمة نن
مرتبطون با ،فيجب ان نافظ على هذا الرتباط ول نالف عنه ،سواف بقيت تونس مستقلة عن
دولة اللفة ،او صارت ولية من ولياتا او التحقت بطرابلس فلو دخلت تونس تت حكم
درغوث لدخلت جربة تبعا لذلك .اما وتونس ل تدخل تت حكم ذلك الوال ،فغن على جربة أن
تدافع من يريد اخضاعها بالقوة ،ويبتغى فصلها عن تونس ،وغن ترد عنها يد من ياربا ،لنه باغ
معتد على بلد مسلم ،وتسليم اهلها يعتب خيانة للعهد ،وتفريطا ف واجب مقدس عليهم صيانته.
وهكذا اشتد اللف بي السكان ،وتوقفت أكثر السواعد عن القتال ترجا .ولا هم
درغوث باحتلل الزيرة قابلة شراذم من الناس تمل ف وجهه السلح ،وتبدى له القاومة .فاشتد
غضبه عليها ،ودعا إل مساعدته بعض القبائل خارج جربة من اولئك الطامعي الذين يتوقون إل مثل
هذه الفرصة ،ليشبعوا نمة الغنيمة والسب ف انفسهم ،ووقعت بي الخوة موقعة مؤلة ،خسرت فيها
جربة أشجع أبطالا وأفضل شبابا ،وخية فتيانا واثن اموالا .وذلك ان القائد ما وضع رجله ف
والسلحي فاضطر حت اولئك الذين أمسكوا عن القتال ف مبدأ امرهم أن يدخلوا العركة ،وأن
يوضوها مع الائضي .واستباح اولئك الفاة الزيرة فارتكبوا ما سولت لم أنفسهم وزينت
شهواتم .وقتل فيها من أبطال جربة الصناديد ألف ومائتان قتيل ،وهي خسارة ل تسرها جربة ف
خسارتا ف الرواح ف أكب العارك يضع عشرات ،أما اليوم فقد ذهب على يد درغوث ألف
ومائتان من الؤمني الصادقي لقد قتل هذا العدد الائل من الحاربي الكفاء وفر من أمكنته الفرصة
ول يبق ف الزيرة غي الضعاف الذين ل يدون حيلة ،ول يهتدون سبيل ،ومكث درغوث ف
الزيرة حت رتب امورها ،وعي عليها واليا واسند إليه الكم ،ث رجع إل مركز ولية طرابلس
منتفخ الوداج بالنصر العظيم ،وكان الوال الذي تركه على جربة من النصف بيث استطاعت
الاشية ان تتسلط عليه وتسيه ف أغراضها وترتكب باسه ما تشاء ،فكثر الظلم ،واهدرت القوق،
وانتهكت الرم ،وتقق الناس ما كان يشاه فريق من العلماء من تبعيتهم لطرابلس ،فضجوا
بالشكوى ،ول يكن لم ملذ ف ذلك الي غي تونس ،لنهم كانوا يرون ان البلء إنا هو آت من
وهكذا طالبوا بارجاع جربة إل حكم تونس لينقدوا انفسهم من جور عمال طرابلس .فإن
الدولة التونسية مع ضعفها ف ذلك الي ل تكلف الناس شيئا غي مبالغ من الال تؤدي إليها سنويا
برسم الضرائب ،وليس لا بعد الصول على الموال الطلوبة أي شأن بشؤون البلد الاصة وكتب
اتباع درغوث ف جربة إليه بالركة الديدة ،فجهز جيشا آخر وعاد إل جربة يغلى غضبا .ول
يتقدم احد لقاومته هذه الرة فدخل الزيرة وبدأ سيل من النتقامات ،وارتكب فيها من الفواحش ما
يبأ منه الدين والعرض فسلب الموال ،وقتل النفس ،وسب النساء والطفال ،وهكذا قضى القائد
السلم على الزيرة القضاء الكامل ،ول يبق إل من ل تصل إليه يد القائد ،او يدى جنده ،وكان
فيمن قتله درغوث علمة زمانه الشيخ أبو سليمان داود التلت.
رجع درغوث وجنده يملون الموال والسرى .وبقيت الزيرة شبه خالية بكمها شيخها
القدي مسعود بن صال السمومن واليا من قبل درغوث .ولا علم الفرنج أن السيوف الت كانت
تصدهم ف جربة قد تطمت ،وإن السواعد القوية الت كانت تصفعهم قد تكسرت ،وإن العزائم
الصامدة الت كانت تقف أمامهم ل تعرف الزية او التراجع قد استؤصلت .لا علم الفرنج بذلك
ومن الغريب ان درغوث ل يسارع إل لقاء هذه الساطيل الفرنية ليدها عن بعض
متلكاته ويمى منها هذا الركز الستراتيجي الام الذي كبد السلم خسائر ل تصى للحصول
فلما بلغ السطول الفرني ساحل جربة ،نشط وإليها مسعود بن صال السمومن ،وجع
حوله بقايا العزائم القوية ،من أقتله سيف درغوث ،وأغلب ألئك شيوخ يت هاماتم الشريفة عجز
الرم ،ومراهقون أطرياء العود يدفعهم الماس إل أمتشاق السام قبل الوان ،واستقبل بم العدو،
ووقف ف وجهه فوقعت بي الطرفي مقاتلت عنيفة ل يستطيع فيها فيها الفرنج ان يتقدموا خطوة،
وطال الصار وخشى وال الزيرة أن يدب الوهن إل رفاقه فصال اإفرنج على أن يدخلوا القشتيل
فقط وليس لم ان يتجاوزوه .وهكذا دخل الفرنج القشتيل ف جزيرة جربة ،حينما مهد لم درغوث
8 7
الطريق دون قصد ،حينما استول على جربة فخضن شوكتها ،وفل سلحها ،وقلم أظفارها ،ورغم
أن الفرنج قد احترموا شروط الصلح ،فلم يتجاوزوا حصن القشتيل ول يتدخلوا ف أي أمر من أمور
الزيرة ،فإن سكان جربة ل يرقهم ذلك ،وكرهوا أن يبقى الجنب ف بلدهم ،وأن يتخذ منها مركزا
( )1يقول ابو الربيع اليلت " :وف السنة الذكورة نزلت عمارة النصارى على جربة ،وجعلها ال رحة وفكاكا للمسلمي ما هم فيه من جور 7
درغوث وكان قد ألقى عليهم " أب على الوهبية " خسي ألف دينار واخذ منها شيئا فلما نزلت عليه العمارة هرب ( أي درغوث ) إل طرابلس واقتتل السلمون
مع النصارى.".
8
للقرصنة والعدوان على بقية الثغور السلمية .ولا كانوا ل يستطيعون إخراجه ف ذلك الي فقد
بعثوا وفدا إل دار اللفة يطلب منها إرسال قزة ،تطهر بلدهم من العدو الجنب .واستجابت دولة
اللفة لطلبهم وجهزت قوة برية ارسلتها إل جربة على أن تر بطرابلس ويتول قيادتا درغوث ،ول
يكن يعلم درغوث وهو يدير اعماله الواسعة ف طرابلس حت وصلته الملة وطلبت منه قيادتا لتطهي
جربة من عدوها الاث فيها .فامتثل لمر الليفة وقاد الملة ث اته إل جربة ،ووجه هذه الرة ضربته
إل الفرنج القابعي ف القشتيل ،وثار من ف الداخل من يقوى على الرب ،فخرجوا إل غي رجعه
وطهرت الزيرة من الستعمار حت تكونت السحابة الدكناء الت شلت شال أفريقيا كله واطبقت
ف هذا الفصل انقل آراء بعض الؤرخي ف حروب درغوث بربة خاصة ،وآثار تلك
الروب على الزيرة ومن هؤلء الؤرخي استخلصت للقارئ الكري الفكرة الت بنيت عليها حديثى
ف الفصل السابق وف فصول أخرى آتية ،فأرجو القارئ الكري ،أن يتأمل هذه الراء ويزنا بيزان
الق ميزان السلم الذي ل يبخس الناس أشياءهم غي متأثر باطفة عن جربة ول شهرة غالبة
لدرغوث.
-1قال أبو زكرياء عبدال ممد بن زكارياء البارون ف ترجته لب سليمان التلت: ،
(( وتوف ف أوائل جادي الول سنة سبع وستي وتسعمائة وقتله درغوث بن علي التركي لا
خالفت عليه اهل جربة ( )1وادخلوا على قائده السعود بن صال السمومن وحصروه ف القشتيل
نو أربعة أشهر أو خسة ث ترك عليهم درعوث بالعرب وزواره ومستاره ،فانزمت الوهبية من برج
الوادي إل الشيخة وقتل منهم نو أربعمائة أو خسمائة رجل ،وثالث يوم من الزية ،اتى موسى بن
عمرو بن أب اللود إل الشيخ أب سليمان مع جاعة من الند فقالوا له لو سرت معنا إل درغوث
لنتكلم على الضعفاء ،فقال له الشيخ نعم فسار معه راكبا على بغل له حت أتى إل درغوث ،فكلمه
ف ملفة جربة ،وما كان من اهلها ،فقال له الشيخ ،نن جاعة العزابة ليس بايدينا ول إلينا تولية
المراء ول عزلم ف هذا الزمان ،فقال له :بل أنتم ادخلتم السعود ،وافسدت البلد وفعلتم وفعلتم،
فقال له الشيخ :ما فعلنا شيئا إل الي ،ولسنا إن شاء ال من أهل الشر ف شئ،بل الفساد من قبلك،
لتقديك
9
إل سافل وغي ذلك ،فاخذ الشيخ وسجنه نو شهر أو أقل ث قتله )).السي صفحة طبعة البارون.
-2قال أبو عبدال ممد أبو راس (( :ف سنة ستي وتسعمائة قدم صاحب طرابلس
جرغوث باشا إل الزيرة بعساكره من الترك وزوارة والسبعة واولد شبل ولا سع أهل الزيرة
بقدومه ارسلوا إل صاحب تونس احد بن حسن الفصى يستمدونه فلم يلتفت إليهم لعجزه،
( )1يشي إل مطالبة اهل جربة بان تكون جزيرة جربة تابعة للبلد التونسية. 9
واختلف امره ،فهاجهم درغوث باشا ودخل الزيرة ،ونزل على الساحل القبلى ،واجتمعت أهل
الزيرة وقاتلوا قتال شديدا ،وترادفت العربان مع درغوث باشا فانزم أهل الزيرة ،واستشهد منهم
ألف ومائتان شهيد ،وافترق الباقون واستول درغوث باشا على الزيرة ،ورتب قوانينها ،واستخلف
عليها عاملة الشيخ مسعود السمون ،ورجع إل طرابلس سنة سبع وستي وتسعمائة ،وكان أهل
الدينة ف كدر من جور عمال طرابلس .فارسلوا إل صاحب تونس وف ذلك التاريخ دخلت الترك
لدينة تونس ،والكم بايدي البلبكاشية ف الديوان .ف السنة الذكورة قدم درغوث باشا إل الزيرة
لا سع أن أهلها طلبوا رجوعها لتونس فقتل جاعة من اهلها منهم الشيخ داود التلت ،كما تقدم ف
ترجته ،ونب الموال وفر غالب أهلها ،ول يبق فيها إل العاجز ،وف سنة سبع وستي الذكور لا
سع الفرنج با وقع ف الزيرة ،وفرار أهلها اتوا إليها براكزهم ونزلوا على الساحل الوف عند مزار
الشيخ سال أذروم فتلقاهم الشيخ مسعود بن الشيخ صال السمومن وهة آخر السمومنيي بن معه
من بقى من اهل الزيرة .وصالوه بان يسلم لم برج القشتيل ول يلتفتوا إل غيه)).
وبعد كلم يقول (( :لنرجع إل ما نن فيه من صلح الفرنج والسمومن ف تسليمهم برج
القشتيل .بقى ف يد الفرنج فبعث أهل الزيرة إل الدولة العلية العثمانية ،وأخبوها با صار لم
فجهزوا لم مراكب وقصدوا حصار البج الذكور ،فحاصروه ثلثة أشهر ،وفتحوه عنوة.
-3وقال أبو الربيع سليمان بن احد اليلت (( :ورحل الباشا درغوث من طرابلس مع
أولد شبل والسبعة وزواره وخلق كثي برا وبرا ونزل قشتيل الوادي فالتقى مع الشيخ مسعود بن
صال السمومن والوهبية ف سبخة القشتيل فوقعت الدائرة على الوهبية ،ومات منهم ألف ومائتان
ومات من مستارة والتراك ومن معهم خلق ،ووقع من ألفئ والسب وهتك الري ما ل يأذن به ال ث
قتل بعدها الشيخ الجل الفاضل العال العامل داود بن إبراهيم التلت رحه ال .مكروا به وامر
بالطلوع إل الباشا الذكور لينظر ف مصال الرعية ،ويتكلم با وقع فيها من الفواحش ليتدع عن
ذلك ،فأخذه دون جيع الفقهاء الذين طلعوا معه ،والذي مكر به موسى بن عمر البجلودى ،وف
السنة الذكورة ،نزلت عمارة النصاري على جربة وجعلها ال رحةوفكاكا للمسلمي ما هم فيه من
جور درغوث)).
(( وساد بربة ،وتول ملسها إذ ذاك ،وإليه يرجع المر ف زمانه والشورى والمر للمراء
والنهى لم ،ل ياف ف ال لومة لئم ،حت جعل ال له الوت على الشهادة ،تام السعادة ،توف
رحه ال تعال شهيدا ،قتله اللعون الطريد درغوث بن على التركي ،لا خالفت عليه أهل جربة ف
(( وقد ذر قرن الطغيان والعسف من عمال التراك يومئذ على تونس ،ويبدو ان الثورة على
درغوث بن علي التركي ف جزيرة جربة كانت باشارته .حيث بلغ الشر من أولئك الولة الطغاة
أشده با ل بد معه من الدفاع عن الكرامة والدين ،فكان أن اغار درغوث الطاغية على الزيرة
بموع من العرب والنكار والند ،فاخد الثورة بضروب القسوة ،نايتها قتل هذا العلمة الليل)).
انتهى ما اردت نقله من اقوال وآراء بعض الؤرخي ،ومنها ومن غيها ما كتب عن حروب
درغوث ف جربة ،يستخلص القارئ الكري ان جربة كانت تصر على أن تبقى ضمن البلد التونسية،
وأنا ف الدة الت الق حكمها بطرابلس سواء ف زمن درغوث أو عهد أبن مكى .قد اصيبت بألوان
من الظلم والضطهاد ،ما نفرها من طرابلس والرتباط معها بعلقة الكم ،وغن عدد القتلى ف جربة
الذين استشهدوا على يد درغوث يزيد عن ألف وستمائة وهذا العدد نصف اليش الذي استطاعت
ان تكونه جربة يوم جعت كل من يقوى على حل السلح لحاربة الفرنج.
ل تكن هذه الروب الت شنها درغوث على جربة بكل قساوة آخر حروبه عليها ول
ثوراتم آخر الحاولت للتخلص من حكمه وظلمه ،ومن ظلم ولة طرابلس واستبدادهم والعمل
على البقاء ضمن البلد التونسية ،فإن درغوث لا رجع إل جربة ،لخراج النصارى من القشتيل ،
بأمر الدولة العلية ،اعتب ذلك احتلل لا والقها بكمة من جديد ،وعي موسى البجلودى واليا
عليها من قبله ،وسكنت جربة مدة حكم موسى ،فاساء السية ،وسافر مرة إل طرابلس ليستشي
الوال ف بعض المور ،فاتفق اهل الزيرة على عزله وولوا على انفسهم عبدال البجى ،وبعثوا ال
صاحب تونس يطلبون منه الدد ويلكونه الزيرة .وسع درغوث بذه الركة فغضب لذلك وجهز
جيشا وسار به إل الزيرة ،وكان عمرو بن موسى البجلودى معه فاستعد عبدال البجى للقتال
ووقعت بينه وبي درغوث معركة عنيفة ذهب ضحيتها عدد من البطال وانتصر درغوث والقى
القبض على البجى فقتله وسلخ جلده وحشاه نالة وارسله إل طرابلس وارجع الكم إل عمرو بن
أب اللود وبقيت جربة تت حكم طرابلس إل السنة الرابعة عشر بعد اللف حيث بعث قاره عثمان
داى جيشا إل الزيرة لطرد الامية الطرابلسية ،فوقعت معركة بي الفريقي ذهب فيها عدد من
الضحايا وانرمت الامية الطرابلسية واخرجت من الزيرة وخسرت جربة ف هذه العركة الت دارت
دخلت تونس ف الامعة السلمية ،واصبحت هى الخرى ولية عثمانية ،مثل طرابلس،
وهنا بدا نزاع الوة على الشركة ،فقد عملت طرابلس من قبل على سلخ هذا العمل ل يروق لوال
تونس ،وف السنة الرابعة عشر بعد اللف جهر ( قره عثمان داى ) جيشا لحاربة الامية الطرابلسية
ف جربة ،ووقع بي الفريقي قتال انتهى بزية الامية الطرابلسية وخروجها ،ورجوع الزيرة إل
حكم تونس .وعزل عثمان داى وال الزيرة حينئذ الشيخ عمرو بن موسى ابن أب اللود ولكن
أحدا من الناس ل يتقدم لطلب الكم على جربة ول يقبلها احد من عرضت عليه فاضطر إل ارجاع
التاعب الحلية والفت الداخلية فقد تنازع ابناء هذه السرة على الكم ،وتقاتلوا عليه ،وكاد بعضهم
لبعض وتآمر عليه ،وانقسم السكان بطبيعة الال مع انقسام الكام ،وكانت أصابع بعض
الشخصيات التركية ترك تلك الدمى التقاتلة ،وتساعدها ف بعض الحيان وتؤجرها وتستأجرها،
وكان هؤلء الكام التقاتلون ل ينفكون عن جع الضرائب ،وفرض الغرامات ،ومصادرة الموال،
وكلما أحس الواحد منهم باجة إل مزيد من الال لنفسه او لسادته التمس أية وسيلة لفرض غرامة
تتناسب مع الاجة وقد تفرض تلك الغرامة على جهة او قبيلة او على الزيرة كلها حسب اللزوم
وترسل من تلك الموال القادير القررة للدولة ف تونس اما الباقي فهو لستهلك الاكم الشخصي.
وقد تكم اللف بي أسرة أب اللود حت أدى إل الغتيال والقتل واستئجار رؤساء
العصابات للنتقام .وبعد إحدى هذه الوادث الؤلة ذهب احد بن موسى أبن أب اللود إل
طرابلس يطلب من واليها احد القره ما نلى ان يهز له جيشا يتل به الزيرة ولكن القره ما نلى ل
يستجب لطلبه ول يلتفت إله فرجع وجع جوعا من عكاره وورغمة ودخل بم إل الزيرة لقتال
موسى بن صال ووقعت معركة حامية بي جيش أبن العم انزم فيها موسى فاحتمى بالبج الكبي ث
فر إل صفاقس أما العربان الذين جاء بم أحد فقد استباحوا السوق وانتبهوا ما فيه وذلك ما يطلبون
لا وصل موسى أبن أب اللود إل صفاقس وجد هنالك يونس بن علي معسكرا هنالك،
فلما اخبه الب ،جهز له جيشا ،وامره بالرجوع إل جربة ،وطرد ابن عمه احد ،فسار موسى بيشه
اللجب ،حت دخل جربة ابن عمه احد ،فسار موسى بيشه اللجب ،حت دخل جربة فتلقاه أحد
ولا رأى انصاره من عربان ورغمة وعكارة ،كثرة جيش موسى ،وحسن استعداده ،ولوا هاربي،
وكانوا عازمي على الروج من طريق تاربلة خوضا ف البحر ،فلحق بم جيش موسى فقتلهم عن
آخرهم ،ول يبق منهم ال شواذ ،تكنوا من الروج قبل وصول اليش ،ورجع جند موسى على
وهكذا انتصر احد فنهب اموال أنصار موسى وانتصر موسى بعد مدة قصية فنهب اموال
انصار احد والنتيجة ان أموال الزيرة قد أصبحت كلها ف أيدى أبناء أب اللود التنازعي على
الكم .وعاشت جربة تت حكم أبن أب اللود مدة قرن ونصف ف أسوأ حالة تعيشها أمة تت
حكم ل يستند إل دين او قانون ويبدو أن هذه السرة ل تلو من شذوذ فمع هذه الواقف الؤسفة
الت يقفها بعضهم من بعض بلغ الوس من احدهم إل أن حبس نفسه بتاجوت ث انتحر اما آخر
ولتم فبينما هو يتمتع بالكم إذ اختل عقله وشكاه أهل الزيرة إل صاحب القيوان فلم يصدق
حت دعاه إليه واختبه فوجده على اسوأ حال من النون فعزله وول مكانه اخاه فاساء السية ول
يسن التصرف فشكاه أهل الزيرة إل على باشا صاحب تونس فعزله وسجنه ث أمر بصادرة أموال
هذه السرة وتريب دورهم .وانتهت فترة من اسوأ ما مر على جربة من فترات ،وذلك أن الصائب
كانت من قبل تأتيها من الارج فتقف الزيرة متحدة لجابتها أما ف هذه الفترة فقد كانت الصائب
تنبع من الداخل وتد من يؤيدها من الارج فكان شرها قد تعدى الموال والرواح إل تفريق كلمة
(( ولا استول على باشا برغل على طرابلس ودانت له القاصية ،وجب البلد ،وصفا له
جوها من اولد قره ما نلى ،تدث مع رجاله ف الستيلء على ملكة تونس ،ووزع اعمالا بينهم
ومنهم ( قره ممد التركى ) وعده بولية جربة ،فقال له :أن هذه الزيرة ذات خصب وثروة
عظيمة ،وكانت من أعمال طرابلس ،واغتصبها وإل تونس ،من سوء إدارة اسلفه ،فالبدار للفرصة!
وصل جند على برغل بقيادة قره ممد التركى إل جزيرة جربة ،على حي غفلة من أهلها،
فاحتلها دون قتل ،سنة 1209وكان عاللها من قبل تونس الشيخ حده بن قاسم بن عياد قد اذهلته
الفاجأة ،فلم يقم بالدفاع ،وغنما اودع حرمه ف زاوية أب زيد ث انفلت هاربا إل صفاقس ف
مركب أو جدته الصدفة الناسبة ،وتلقاه ممود اللول فاكرم مثواه ،وطي الب إل حوده باشا
صاحب تونس.
واهتم حود باشا بالوضوع ل سيما وان على برغل قد طرد أسرة القره مانلى اصدقاءه من
درس حوده باشا الوضوع دراسة مستفيضة وأكثر الستشارة واستعرض حالة تونس
الاضرة ،وحالة برغل ،وعلقة الميع بالدولة العالية ،واخيا قر راية على أن يقف مع ذلك الغامر
الرئ موقف الزم ،فجهز جيشا عظيما تت قيادة مصطفى خوجه وارسله إل طرابلس لطرد على
واستطاع القائد التونسي العرج ان ينجح ف مهمته اعظم ناح فقد استول على طرابلس،
وطرد منها برغل ،وارجع اصدقاءه القره مانليي إل حكمهم وكف أيدى الند عن الناس فلم يلحق
طرابلس أى أذى من هذا اليش الكبي ،فأحب أهل طرابلس هذا القائد واحترموه وجع أغنياؤهم
مبلغ مائة ألف مبوب قدموه مكافأة لذا اليش العفيف ،وقبله منهم القائد وأضاف إليه مبلغ أربعي
ألفا من عنده ووزعها على الند ورجع إل تونس مشيعا بالحترام والتقدير والعجاب.
وف نفس الي الي الذي ذهب فيه مصطفى خوجه إل طرابلس لتأديب برغل جهز حوده
باشا اسطول آخر تت قيادة الزيرى وارسله إل جربة ،ووصل السطول التونسي إل جربة فتلقاه
(قرة ممد) ووقعت بي اليش معركة حامية انزم فيها (قرة ممد) وخرج من الزيرة وكانت الدة
الت بقيتها الزيرة تت حكم طرابلس ف هذه الرة ثانية وخسي يوما أى أقل من شهرين ،ومن
الؤسف ان أعمال على الزيرة ف جربة كانت عكس اعمال مصطفى خوجه ف طرابلس ،فما فرت
حامية طرابلس ودخل هو وجنده الزيرة ،حت أباح لم البلد ،فنهبوها وبلغ بم النطاط والطمع
إل انم ل يترموا حت الساجد فنهبوا اوقاف كثي منها وبدا على الزيرة سلسلة من النتقامات
والعقوبات .وهكذا أصيبت هذه الزيرة بنحة اخرى ل تكن تتوقعها ،وبقى الزيري واليا على جربة
لدة شهرين ارتكب فيهما من الوان الظلم والقسوة ما حل اهل الزيرة إل ان يبعثوا وفدا إل تونس،
وذهب الوافد وعرض على حوده باشا ما تلقى الزيرة على يد الوال على الزيرى فعاتبهم على
تسليمهم جزيرتم إل على برغل ،ث قبل عذرهم ،واستمع إل شكواهم ،وعزل عنهم على الزيرى،
كان الزيرى حي احتل جربة قد أسر من حامية طرابلس اربعمائة جندي فبعثهم إل تونس
واستقبلهم حوده باشا كما يستقبل المي الكري طائفة من جنده الخلصي.
يقول النائب ف النهل العذب صفحة (( :325وبعث له اربعمائة جندي طرابلسى من
عسكر طرابلس اخذهم أسرى ،فقابلهم الباى بزيل النعام ،واثبتهم ف ديوان جنده ،وترقى بعضهم
بعد رجوع وفد جربة من تونس علم الزيري ان الباى غاضب عليه وانه لن يلقى خيا إذا
ذهب إل تونس فخرج فارا إل الشرق حت وصل الجاز وهنالك أصيب برض عقلي وتوف وهو
كانت ماولة برغل هى آخر ماولة للاق جربة بطرابلس وبعدها استقرت الزيرة ف تبعية
البلد التونسية ول يعد احد يطالب بارجاعها إل طرابلس .وأصبح الباى يعي عليها الولة وسارت
الياة بأهل جربة هادئة مستقرة نوعا ما من الانب السياسي ،ولكن نشأت مشاكل جديدة من نواح
هذا عهد تاريي يتد قرابة ثلثة قرون نصف إذ يبتدئ باستيلء درغوث بن علي التركي
على جزيرة جربة سنة 960وينتهى بالحتلل الفرنسي لكامل القطر التونسى ومنه جربة سنة
1298هـ.
الفترة الول وتتد نو قرني ونصف من سنة 96إل سنة 1209وهى فترة قضتها الزيرة
تت الوان من الظلم والتعسف والستبداد والفتنة من الداخل والارج ،وقد تعونت كل العوامل على
جربة ف هذه الفترة ،حت أصبح الناس ل يعرفون من أين تنل عليهم الصائب .وكان موقعها الام
وتربتها الصبة وثروة أهلها من أهم السباب ف الكوارث الت نزلت عليها.
فقد تسلط عليها الولة التراك على طرابلس مثل درغوث بن على وعلى برغل ووجهوا
إليها من العنف أقسى ما يوجهه ظال ل يرحم على ضعيف ل يلك قوة .ولكنه ل يذل ول يستكي.
ول يقفوا عند حد ف الضرار با فقد وجهوا إليها حلت غازية متتابعة ،استنفت منهم الدم
والياة .فقتلوا أبطالا ،وابتزوا أموالا ،وحطموا قوتا ،وخرجوا بلدها وعاثوا فساد ،ول يراعوا فيها
ل حرمة السلم ،ول حرمة الوار ،ول حرمة الضعيف الغلوب ،ول حت حرمة البشرية.
لقد وضعوا بي اعينهم صورة واحدة لذا البلد السلم هى الصورة الت عب عنها على برغلى
بقوله (( :إن هذه الزيرة ذات خصب وثروة عظيمة )) ( )1ووضعوا لنفسهم صورة اخرى عب
عنها على برغل أيضا بقوله (( :هذه الزيرة قريبة منها ،وعسكرنا حاضر مستعد للقتال ()) )2
10
وما دامت الزيرة ذات خصب وثروة ،وهي قريبة ،وعسكرهم مستعدا للقتال ،فماذا ينعهم
من ظلم الناس وقتل أرواحهم ،واستناف أموالم ،وتريب ديارهم ،ان من حقهم -فيما يسبون -
أن يستمتعوا بتلك الثروة ،وذلك الصب ،فغزاها درغوث غزوات متلحقات ،وكان ف كل مرة
بقتل من أهلها من يصله سيفه ،ويأخذ من مالا ماتبلغه يداه ،وحاول برغل من بعده ان يقوم بنفس
الدور ولكن حزم حوده باشا باي تونس ضربة على يده بعد الحاولة الول فخسر جربة وخسر
طرابلس معها.
ول يقف الشر ف جربة ف هذه الفترة عند هذا الد الذي يتمثل ف الغزوات الظاملة من
ولة طرابلس على الزيرة ،وإنا ابتليت بكم أسرة أبناء أب اللود الذين أوصلهم درغوث إل
منصب الكم وكانت هذه السرة شر أسرة توارثت الكم ف البلد ،فكان حكمهم كارثة أخرى
نزلت على البلد فيما نزل من الكوارث ،وقد امتدت هذه الفترة الؤلة من سنة 960إل سنة
1209حي طرد على الزيرى بأمر حوده باشا قائد الامية الطرابلسية ( قرة ممد ) الذي احتل
عاشت جربة ف هذه الفترة الت تتد قرابة قرني ونصف على اسوأ وضع عاشت عليه امة
فقد عاشتها جربة تت نظارة الكومة التونسية .وكانت أكثر استقرارا وامنا ،فقد كانت الكومة
التونسية تتم بامر الولة ،وتستمع إل شكايات الهال فيهم ،وتاسبهم بعض الحاسبة على
تصرفاتم ،وقد تعزل البعض منهم استجابة لرغبة السكان كما فعلت بعلى الزيرى ،فلم يستطيعوا
أن يبالغوا ف الظلم ،ول أن يثقلوا على الناس ،وقد تلصت جربة ف هذه الفترة من الغزوات
الارجية فلم يعد إليها ولة طرابلس،وبذلك استطاعت ان تامن وتطمئن ،وأن تنمى الناحية العددية
فيها برجوع بعض الهاجرين من أبنائها وان تعود إل الكفاح لتحسي الناحية القتصادية الت
لقد كانت الفترة الول من هذا العهد با حلته معها من فساد وخراب وفتنة داخلية
وخارجية ،قد قضت على الناحية القتصادية ف جربة .فبعدان كانت ارضا خصبة ،تنتج أحسن
الغلل واجود الفواكه ،وكان اهلها من ابرع الزارعي ،واحرصهم على العمل .عاث أولئك النود
التعقبون فسادا ف تلك الزارع ،واحالوها إل أرض قاحلة ،ول يتركوا لصحابا فرصة لحيائها
والحافظة عليه ،ولقيت الناحية الصناعية ف البلد نفس الصي ،فقد كانت تقوم ف جربة معامل
للصناعة الحلية تدر على أهلها ربا ل بأس به ،فخربت تلك اليوش ما جاء ف طريقها من تلك
العامل ،وشردت الصناع الذين يديرونا ،او يقومون عليها ،وبددت الواد الام الت تقوم عليها تلك
الصناعة ،واصبح الناس ف حالة يرثى لا ،يتوقعون كل يوم مزيدا من الشر ،ولكنهم ل يعرفون
الصورة الت سوف يفد عليها .ومن الؤسف ان اولئك الكام كانوا يطالبون بالزيد من الال كانا
إليه ف امان ،وباشر الربيون ف مهاجرهم أى عمل اتيح لم ،وكانوا يتقدمون ف أعمالم تلك ف
مهاجرهم بفضل ما يتحملون به من صدق وامانة واخلص وجد ،وكانت أعمالم تلك تنتهى غالبا
إل افتتاح مال للتجارة .وهكذا كان هذا العهد الظال سببا لجرة اكثر سكان جربة إل الارج
للحتراف ،وتعودوا ذلك فاستمروا عليه حي هدات الحوال واستقرت المور .ولقد نتج عن هذه
الجرة ،إن تكونت ثروة ف أيدي التجار الربيي ،وأصبحوا من احسن سكان الملكة التونسية
اقتصادا,
ولكن هل يغن هذا الال الذي يمعه سكان جربة ف مهاجرهم عن تلك النة الميلة ف
ث أين هى الجامع العلمية؟ وأين هى الوحدة التعاونية ،وأين هي العزية الصامدة .والصب
الطويل الذي كافحت به جربة أساطيل اسبانيا مدة غي قصية ،وأين هى تلك الخلق الت غرسها
إنن وانا أكتب هذا الفصل تنثال على ذهن عشرات السئلة عن جربة ووضعها ف الاضر
والستقبل الذي نامل أن يكون خيا ف عهود الستقلل الزاهرة ويطمئنن أن الشباب السلم من
أبنائها مع الشباب السلم من البلد التونسية العزيزة سوف يسهر على بناء مستقبل سعيد عزيز يسود
فيه حكم السلم وينفذ فيه أمر ال وتعم فيه العدالة جيع الناس ،إذ ل شك ان المة التونسية -
وجربة جزء منها -قد بلت كما بلت جيع المم السلمية ألوان الكم ف العهود الاضية وعلمت
كما علمت جيع المم السلمية الوة السحيقة الت اندرت إليها بسبب النراف ف الكم عن
النهج السلمي وبسبب انغماس ولة الكم ف التعة وعدم تري للحق والعدل وسعادة المة .وقد
اوصلهم ذلك النراف إل أن تاخرت المة السلمية عن مركز قيادة البشرية إل مرتبة التبعية ف
الوان من العسف والقهر والوان ،واليوم وقد انزاح عن المة السلمية ف متلف دولا وأوطانا
كابوس الستعمار ووضع عنها ني الستعباد القيت عسى أن تتركز منها الطوات وتسي ف السبيل
القوي وعسى الشباب السلم ف المة التونسية الكرية أن يكون ف الرعيل الول من الشباب السلم
الواعى اليقظ الذي يرص على حفظ تراثه الجيد وبناء مستقبله الديد على أسس سليمة من حاضره
السعيد.
كفاح الباضية للنراف
ل شك ان البلد التونسية ف العهد السلمي ،قد تغيت عليها أنظمة الكم ،بي عدد من
الدول والمارات ،ول شك انا كانت مقرا لعدد من الطوائف السلمية الختلفة الذاهب ،من
صفرية ،ونكار ،ومعتزلة وشيعة ،واشعرية ،وأباضية وغيها ,وانه لعسي على مؤرخ أن يصور حياة
هذه المة السلمة بكل طوائفها الت كانت تعيش على تراب هذه البلد العزيزة باحثا لا من جيع
وأنا ف هذا الكتاب وإنا اتدث عن طائفة واحدة من تلك الطوائف الكثية الت عاشت ف
هذا الوطن ،وليست ف حديثى هذا مؤرخا أتقضى الداث واتنطس البار ،وأتتبع سي الفرق
لسجل ما يقع فيه حوادث ،وارفق اللوك واليوش أصف معاركها ،وافصل انتصاراتا وانزاماتا،
وغنما كل ما أرسى إليه ف هذا الكتاب ان اجعل القارئ الكري ،يعيش وسط الشعب ،ويي بي
افارد المة العاديي ،الذين ل علقة لم بالكم والاكمي إل حي بتفرجون على مواكبهم الفخمة
وهى تسي ف الشوارع تياهة متالة ،او حي تسوقهم القدار مرغمي ف بعض الحداث ،وان أضع
بي يديه ،صورا لياة طائفة من الؤمني عاشوا ف جزء من البلد السلمية القسيحة ،قرونا من
الزمن ،ول يزالون يعيشون ،يدينون ال دين الق ،ويملون رسالة ال ف ثبات وصب ،وياهدون ف
وبا أن الباضية قد تقلصوا تت عوامل متعددة ،من كثي من الهات ،الت كانوا يعمرونا،
وانصروا ف جزيرة جربة ،فإن ف إمكاننا أن نعل هذه الزيرة او هذه الطائفة من الباضية ف هذه
البقعة من البلد التونسية العامرة ،موضوعا لديثنا ومثل نوضح به الصور الت استجلءها ،لتستخرج
منها العظة والعبة ،ولنرى ما تستطيع المة السلمية ان تقدمه للبشرية ،إذ هى التجأت إل السلم،
أننا عندما نتحدث عن جزيرة جربة ،هذه الزيرة الصغية ،الت كانت تلي عندما يهاجها
السلمون حت تصاب بافدح الضرار ،وتتصلب حي يهاجها الفرنج حجت تصبح صخرة عاتية
تتحطم عليها أقوى الساطيل .فإنا نقدم للمة السلمية ف متلف ديارها وبختلف مذاهبها مثال
واقعيا يثبت لا تاريها ان المة السلمة عندما تتفظ بالسلم ل تقهر بالقوة الادية وحدها أبدا ،وإن
المة السملة حينما تتخلى عن السلم ل يكن ان تنتصر ل ف ميدان الادة ول ف ميدان الروح.
وجربة هذه الزيرة الصغية النوية ف ركن خفى من خليج قابس ذات التاريخ الجيد ل
تتوقف عن الكفاح ف سبيل ال ف يوم من اليام ،منذ دخلها السلم ،واستنارت ربوعها بنور ال
ورنت ف بقاعها آيات الكتاب العزيز .وان كفاحها الجيد ف هذا التاريخ الطويل يتواصل ف عدة
-5كفاح السلطة الظالة الت تتخذ الكم وسيلة لظلم الناس وابتزاز
أموالم.
-6كفاح التعصب الذهب الذي يستغله المود تارة والسلطة تارة اخرى.
-7كفاح الصليبية الانقة ،الت مافتئت تارب السلم وتكيد له ول تزال
لا جاء الفاتون الولون يدعون السلم ،كانوا يملون هذه الرسالة السماوية السامية ،الت
جاءت بنظام شامل للحيتة النسانية ،كما يريدها خالق النسان .نظام يشمل علقة النسان بال
الذي خلقه ،وعلقة النسان بالنسان فردا ومتمعا .وعلقة النسان بالكون وما اودع الالق فيه من
قوى ،وأوضح اولئك الفاتون للشعوب الت حلوا إليها الرسالة السلمية ،الطريقة الت يب ان
تتعامل با البشرية ،وذلك با ف كتاب ال عز وجل وف سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم وسية
اللفاء الراشدين ،وسية الصحافة رضوان ال عليهم جيعا وسية من تبعهم باحسان ،وكان الفاتون
ف زمن اللفة الرشيدة حراصا على أن ينفذوا احكام ال كما جاءت ف كتاب ال ،وعرفوه ف
فتقبل الناس هذا الدين ف شال أفريقيا كما تقبلوه ف البلدان الخرى ،وقامت لحاربته
قلوب مظلمة بالكفر ،وأيد مغلولة بالوثنية ،وعقول غرتا الياة الدنيا ببهرج السلطة والنفوذ
والتحكم ،وضمائر لوثتها الطامع ف الياة فلم تعد تتم للحق والي والعدالة ،كما وقع ذلك ف
جيع الربوع عندما تشرق عليها لول مرة ،انوار السلم ،ولكنها ل تلبث القلوب التعفنة والعقول
وتغي حلة الرسالة بعد ذلك فذهب اولئك الذين اوصلوا الرسالة وليس لم هم إل ان ينتشر
دين ال وتعلو كلمته ،وجاء من بعدهم قوم يبنون اللك عضوض ،ويؤطدون لدول متحكمة ف مال
ال وعباد ال ،فاعتمت الصورة الشرقة الت جاء با السلم ،لا انرف الكام عن إقامة دين ال.
فطالب الناس باتباع امر ال والحافظة على ما جاء ف كتاب ال ،واتباع ما وردت به النيفة
السمحة ،ولكن اليدي الاكمة ،الت كانت تسك مقاليد المور كانت ل تستجيب لذه الدعوة،
ول يرضيها الرجوع إل حكم السلم العادل النظيف .لنه طريق ل يصلون منه إل غايلتهم من
لقد سبق أن أشرت إل ان الباضية كانوا منتشرين ف اغلب البلد التونسية ،ولقد كانت لم مواقف
ويدر ب أن أقول هنا أن الكفاح ضد النراف قد اتذ طرقا عدة ،ومظاهر متلفة ،منها
مواقف ايابية صارمة ،ومنها مواقف سلبية لينة ،وبينها مواقف كثية تتلف قوة وضعفا ،ولينا وعنفا،
وشدة وهوادة .والكفاح ضد الظلم او الكفاح السياسي سوف نتحدث عنه ف فصل آت شاء ال.
اما هذا الفصل فهو معقود للكفاح السلب ،الذي يقصد منه إقامة دين ال والحافظة على احكامه
حرص الباضية ف متلف أدوار التاريخ على ان يقيموا دين ال فيما بينهم فغن أتيح للمة
السلمية دولة ترعى حدود ال ،وتقيم أحكامه ،تعاونوا معها وأعانوها ،اما إذا كانت الدولة القائمة
جائزة غي سائرة على احكتم ال .حرصوا على أن يكونوا أقل الناس شغبا ،واعطوها ما تطلب منهم
من أموال او ضرائب مثل غيهم من الناس وكفوا أيديهم عنها ولا ،إل بقدرا الضرورة ث رجعوا إل
متمعهم فاتبعوا النظام الذي سوه بنظام العزابة وهو يكفل لم رعاية الساجد وإقامة الصلة فيها،
وتيسي السبل لا والحافظة على دروس الوعظ والرشاد وتثقيف العامة تثقيفا دينيا ودراسة كتاب
ال والعلوم الشرعية واللغوية والشراف على تعليم الصبيان وتربيتهم تربية إسلمية نظيفة ،والحافظة
على السواق ان تدخل إليها الموال الحرمة او السترابة ،والتشديد على التجار ان تدخل بعض
الصور المنوعة ،ف معاملتم ،وقد كان كبار العزابة يتفقدون بانفسهم السواق والتاجر ويشرحون
للناس صور الربا وانواع العاملت الت ل توز شرعا ،حت كان الناس يتندرون بذلك فيقول
بعضهم :ان اعلماء علموا التجار طرق الغش .لنم يشرحون لم الصور المنوعة الت قد يكونون غي
عارفي با ،ولتشديد العلماء ف مراقبة السواق وما يدخل إليها أصبح الناس يتحرزون كثيا،
ويترددون فيأن يشتروا شيئا من سكان البوادي الذين كانوا ف ذلك الي ل يتورعون عن اإغارة
واقتناء الاشية من طريق النهب ،ول سيما اولئك العراب الذين وفدوا مع بن هلل وبن سليم
وكانت ادمغتهم ل تزال مشحونة با كان يعتز به عرب الاهلية من الشجاعة والقدام على الوت
وكانت تثور بي العماء ف هذا الصدد مناقشات حامية الوطيس وقد وقع نقاش من هذا
النوع ف يوم من اليام فغل أحدهم حت قال أن جيع الموال الت بأيدي العزاب ريبة لنها آلت
إليهم عن طريق الغارة ،والسلب ،وحت إذا ل يباشروا ذلك بايديهم فإنا ل مالة وصلت إليهم عن
هذا الطريق ،فقال له احد الاضرين ان أصل الاشية منهم ،فقد جاءوا با عندما دخلوا إل افريقية،
وكان السجد غاصا بالاضرين ،قسم الرجال غاص بالرجال ،وقسم النساء غاص بالنساء فقالت
ومفهوم بالبداهة أن النقاش كان يدور حول العراب من بن هلل وبن سليم الذين وردوا
على افريقيا ف فترة من التاريخ ،وكل ما لديهم إنا هي سيوف يقتلون با وخيول ياربون عليها وايد
السرة يتحرز منه الرجل وتتحرز منه الراة وحت عندما يتردد الرجل وييل إل التساهل تقف الراة
الؤمنة دون ذلك التساهل ،لنا اقتنعت بوجهة نظر معينة ،والراة عندما تقتنع ل يكن ان تتراجع.
أن الباضية عندما انرفت الدول عن اقامة احكام ال ،وأصبح الناس يتهارشون على
مناصب الكم ،تلى لم الباضية عن تلك الناصب ،واقاموا لنفسهم نظاما يكفل لم القيام بميع
أحكام ال ما عدا حكم المامة ،ولقد حافظ الباضية ف تونس على هذا النظام إل القرن العاشر ث
بدأوا يتحللون منه ،اما الباضية ف الزائر فل يزالون يافظون عليه إل اليوم ،ويستطيع الزائر الذي
يزور مواطن الباضية ف الزائر أن يد صورة صحيحة للمجتمع السلمي ف الي الذي يقرا عنه
السية ،الجتمع الذي يسي بكم ال مستفيدا با بلغت إليه الضارة والعلم ،دون ان تؤثر عليه
الضارة بفاسدها.
أما هؤلء الباضية الذين تللوا من نظام العزابة ف ليبيا وتونس فقد جرفتهم الياة ،كما
جرفت غيهم ،ف تيار الضارة الفاسدة ،وأصبحت إقامة دين ال عندهم كما عند غيهم شكلية
ظاهرية ،وأثرت على شبابم التعلم كثي من الفكار والنعات الستوردة الت يقصد منها اما ماربة
السلم ف أسى مبادئه ،واما تبير الطاء الت وقعت فها بلد الغرب ،ول تستطيع التخلص منها.
على انه ل تزال ف الشباب والشيوخ بقية تمل روح التحفظ من الث ،الث الفردى ،او الماعي،
ذلك التحفظ الذي كان معروفا عن اسلفهم وان املنا ف ال قوى ف ان يراجع السلمون انفسهم
وأن يعودوا با إل دينهم وان يبنو احاضرهم على القواعد الراسخة من ماضيهم.
لقد انقرض البتضية من البلد التونسية ما عدا جربة فيما اعلم فلم يبق منهم احد ف بلد
الريد الت كانت عامرة بم ،ول يبق منهم أحد ف جبال دمر الت كانت معقل من معاقلهم ،ولعل
من أهم السباب الت أدت إل اتقراضهم هو تللهم من نظام العزابة الذي ل يستطيع فيه الفرد ان
يشذ عن الماعة السلمة بارتكاب العصية ،فيحكم عليه بالباءة فلما تلل اولئك الناس من نظام
العزابة ادى بم ذلك إل عدم الهتمام بالتعليم وادى بالفراد إل عدم التحرج من ارتكاب العصية
الينة ف نظرهم وغلب عليهم الهل ،ث توال عليهم العدوان من الجموع الت تترف من الغارة
والنهب والسلب وتتخذ اللف الذهب أو النسي مبرا لعمالا فكانت هذه العوامل متمعة سببا
ف أن يهاجر بعض السكان إل جهات أخرى حيث يأمنون او ان يعتنقوا مذاهب الطوائف الغالبة.
وبقيت جربة متفظة بذهبها لنها بقيت متفظة بنظاط العزابة إل أواخر القرن العاشر ،ث
بآدابه وآثاره فيما بعد وقد تللت هى الخرى من هذا النظام ،وأصبحت الرابطة بينها رابطة ضعيفة،
ولعل شبابا التعلم الذي ترج من معهد الزيتونه العامر أو من غيه من دور العلم ف الشرق او
الغرب يدرك انه ل حياة لمة مسلمة إل بالحافظة على السلم ،الحافظة القيقية من إقامة دين ال
فيما يتعلق بالفرد ،او الجتمع ،وانه يدر به أن يعود إل السلم ليتحقق الروابط التينة الت ربط
السلم با الة السلمة ف مموعها والسرة السلمة ف نطاقها فيتمسك به ،فإن التحلل من رباط
السلم والنلل من اخلقه وتبعاته هو كل ما يطلبه منا اعداؤنا وفيما اسلفت من تاريخ جربة امثلة
أخرى لضعفة عندما يتحلل من السلم وتصبح قضية الدين عنده شكلية تشبه ان تكون عادة ل
عقيدة.
لقد حافظ علماء الباضية ف البلد التونسية وف جربة بالذات على التمسك بدين ال فلم
يسمحوا لى فرد ان يتهاونه بواجباته الدينية عمل وتركا .ومن خالف نفذ فيه حكم الباءة فرجع
إل حظية السلم بالتوبة والستغفار والتفكي ان كانت السألة ما يتخلص منه بالتفكي اما الشؤون
العامة ف قضايا الحوال الشخصية والنازعات الفردية والشاكل الت تثور بي الناس فقد كان يتول
النظر فيها ملس العزابة ويتول شيخ الجلس تنفيذ الكم كما كان يتول النظر ف الرائم
والخالفات وتري الكام حسبما ورد ف دين ال ،ولا انل ملس العزابة ف العهد التركي لسباب
عديدة ليس هذا موضع ذكرها بقيت الجامع العلمية تتول ما كان تتوله مالس العزابة… وكان
شيخ تلك الجامع يقوم با تقوم شيخح العزابة غي أن هذه الجامع العلمية قد فقدت قوتا الت كانت
لجالس العزابة وترأ الناس على مالفتها إذ ليس ف يديها حكم الباءة ووجد اؤلئك الخالفون من
كفاح الرذيلة
لقد ترددت كثيا قبل ان أكتب كلمة الرذيلة ف هذا العنوان ،وناقشتها ف ذهن طويل،
ولكنن مع ذلك أثبتها هنا ،وجعلتها عنوانا لذا الفصل ،وانا أعلم انا تدل على معان خاصة ف
أذهان القارئي ،أو على القل فإن الناس ل يستعملونا إل على جوانب خاصة من الثام .ومن سوء
الخلق.
إذا قال قائل ان شرب المر رذيلة وان الذب رذيلة ،وان الغش رذيلة ،وإن الفجور رذيلة:
قال سامعيه يوافقونه على ذلك وليعتوضون ،غي ان وقع كلمة الرذيلة على سع مرتكب إحدى هذه
الكبائر يكون أخفف من وقع كلمة العصية ،فهل تكون كلمة الرذيلة مرادفة لكلمة العصية ،تدل
على جيع ما يالف السلم من عمل وترك .ويبدو ل أن كلمة الرذيلة تدل على جيع ما تدل عليه
كلمة العصية ،وقد تكون أكثر شول منها فتدل على الصغية الت ل تكون معصية إل بالصرار،
وعلى الكروه أيضا.الكروه الذى ل يبلغ ان يكون حراما ولكن الداومة على اقترافه ،تدل على
انراف ف خلق القترف ،ورغبة منه ف مالفة السلم ولو ف بسائط المور.
وبذه العتبارات رأيت ان كلمة الرذيلة أصلح ف الدللة على معناها ف هذا الباب.
ث أن هنالك بعض العاصي ،يرتكبها أصحابا مستحلي لا وقد يوافقون على انا البتة على
تسميتها بالعاصي ،والكم عليها بالتحري .وقد انتشرت انواع من العاصي بي الناس ،حت أصبحت
عادات سائرة يرتكبها الفراد والماعات ،دون ترج ،لن كثرة انتشارها وألف الناس لا خفف من
شعور الث بارتكابا .فإذا ما قلت لحدهم ان ما تفعله با فلن رذيلة يب البتعاد عنها .تده موافقا
على ان عمله ذلك رذيلة وقد ييبك بانه سوف ياول ترك تلك الرذيلة او يعتذر لك بأي عذر يطر
على باله ،أما إذا وصفت عمله بأنه حرام ومعصية فإنه لن يوافقك على لذلك ،او يصفك بانك جامد
متخلف عن العصر .فتعاطي الدخان مثل ،وتزوير الشهادات الطبية للتخلص من العمل ،او للخروج
إل البلد الجنبية برسم العلج على نفقة الدولة والنفاق افجتماعي بالطراء الكاذب للوصول إل
غرض خاص ،أو غي ذلك من الشياء الت تعود إل سلوك الفرد الشخصي او سلوكه الماعي
بالنسبة للمة والدولة .إذا وصفت مرتكب ذلك بانه قد ارتكب رذيلة قد يوافقك على التسمية
ويبتسم لك ابتسامة صفراء ،تدل إعجابه بدهائه وذكائه ف نفسه .ولكنك إذا قلت ان تلك العمال
حرام ،ومعصية فغنه لن يرضى لك بذلك ولن يوافقك عليه ،وذلك لن امثال هذه الشياء أصبح
معتادا بي الناس وخف فيه الشعور بالث والحساس بالعصية .لن متعاطي ذلك قد تاوز ف نفسه
معن مالفة الق إل الستحلل ،واختفت من ذهنه احكام الشريعة ف تري الدخان ،كما اختفت
من ذهنه نصوص تري غش المة او الدولة ف النفاق الجتماعي ،كما اختفت من ذهنه معان تري
السرقة وماسبة النفس عن موارد الال وطريق كسبها كما اختفت من ذهنه نصوص الشريعة من
أو لخذ الموال دون حق برسم العلج لتصرف ف السياحة ومعانيها خارج الوطن او داخله.
ضربت للقارئ الكري هذه المثلة لبعض الحرمات الت شاع ارتكابا ف عصرنا الاضر
حت
اوضح له العن الذي أقصده بكلمة الرذيلة الت وضعتها ف عنوان هذا الفصل ،واحس ان ما ارمى
إليه أصبح مفهوما .والرذائل الت حرص العلماء على ماربتها ف عصور متقدمة ليست هي بطبيعة
الال نفس الرذائل الوجودة اليوم والت يب على العلماء ماربتها وغنما لكل عصر رذيلة أو بتعبي
قد يكون ادق أن الجتمعات ف كل عصر عندما تنحرف عن أحكام الشريعة قد يستهل أفراد منها
نوعا ما من العاصي او الرذائل حت ينتشر وتصبح الكثرية من الناس ل تتحرج منها ول تشعر بالث
ف ارتكابا وتصي رذيلة يعترف الناس با ولكنهم يستحلونا ول يعترفون بأنا معصية ومرم وتوجد
ف الجتمعات السلمية اليوم امثلة كثية لذا النوع انتشرت ف فترات طغيان الهل وضعف بعض
العلماء ث أصبحت ما يعسر القضاء عليه .وف أزمنة النلل الدين ل سيما بعد القرن العاشر حي
أقصى العلماء العلم عن قيادة المة ،وحدت السلطة الاكمة من نفوذهم الروحي على اعمال
الناس ،وعملت على عزلم عن الجتمع ،بدأ الناس يتعودن العاصي ،ويتجراون على مقارفتها،
ويبتعدون قليل قليل عن مكارم الخلق الت بعث سيد العلماء صلى ال عليه وسلم ل تامها ،حت
مردوا على بعض العاصي ،وزال من قلوبم الشعور بالث ف ارتكابا ،واصبحوا يقترفونا على انا
عادات سيئة لكن لذنب فيها ،فإذا جئت تنتقد احدهم على ارتكابه تلك العصية على انا رذيلة
وجدته ينتقد معك ويتحمس ف النقد ويسهب ف ذكر مضارها والساوئ الت تنتج عن تعاطيها
ولكن حي تاتيه من باب الدين وتذكر له ان ذلك منكر يب البتعاد عنه وان عمله ذلك معصية
ومرم بشرع ال حي يسمع منك هذا يزور ويلوى عنقه عنك ،ويصفك بانك رجعى يغلب عليك
المود.
ان الكفاح ف الباب ل يرج عن النهي عن النكر والنهي النكر يكون قاعدة اصيلة من
قواعد الذهب الباضي كما سبقت الشارة إل ذلك ف اللقات الول من هذا الكتاب ،فما يوز
لسلم يرى منكرا ث يسكت عنه ،وقد حرص الباضية على تطبيق هذه القاعدة والقيام با قياما دقيقا
ل سيما عندما توجد لديهم مالس العزابة .وتاوز كفاحها ف الرم إل كفاحها حت ف الكروه،
وكانوا يعطون لنفسهم حق الشراف على الناس حت يتعرفوا الطأ والصواب فيه على اليقي
ورغم ان النوب التونسي امثال فحص القيوان والامة وبلد الريد وجزيرة جربة وجبال
دمر ومطماطة وغراسن وما بي ذلك -كان يعج بالعلماء العلم ،فإن الواحد من أولئك العلماء
كان يتكبد مشاق السفر وينتقل بي تلك البلد التباعدة ويرتل إل الحياء الضاربة ف الصحراء،
فيقيم مع كل حى أياما ليعرف سيتم عن كثب ،ويرى مقدار مافظتهم على دين ال ومدى فهمهم
له وللعمل به ،وما ينتقل ذلك الشيخ إل حى آخر حت يعقبه شيخ آخر من بلد آخر ،يقوم بنفس
الهمة ،ويبالغ ف المر بالعروف والنهى عن النكر ،أو بالعبارة الت اخترناها يقوم بحاربة الرذيلة الت
ل تد ف مثل هذا الجتمع مكانا وقد حفظت لنا كتب التاريخ من هذا الكفاح الجيد احاديث تل
الجلدات.
وقد يزور احدهم بلدا فيجد الناس قد خالفوا السية ف أمر ل يبلغ ان يكون مرما وخوفا
من أن يتعود الناس التساهل ف آداب السلم وسية العدول من السلمي ،ويتجرأ الناس على
ارتكاب الصغية ث يصرون عليها ،يامرهم بلزمة السية وينهاهم عن الروج عن آداب السلم
الظاهرة ف سيبة السلمي ،ويتنع عن الدخول إل بلدهم والكل من طعامهم ،حت يقلعوا عن ذلك
ويعودوا إل ما رضية السلم والسلمون الصاقون وبسبب ذلك الكفاح الجيد حافظ الباضية على
أخلق السلم حت تسلط الاكمون على العلماء ،وكموا أفواههم ،وقيدوا يديهم وحالوا بينهم
وبي الدعوة إل دين ال ،فانطلق العامة دون هداية يرتكبون ما شاء لم الوى.
إن كفاح الرذيلة بعناها الواسع ،ظاهرة واضحة ف تاريخ الباضية ،فمع الرص على صيانة
الجتمع الباضي من انتشار العصية بي أفراده بسبب تطبيق نظام العزابة الذي تدثنا عنه باسهاب ف
حلقات ماضية .حرص العلماء على ماربة ما أطلقت عليه اسم رذيلة حت ما ليبلغ ان يكون
معصية .وحت بعد أن انفرط عقد نظام العزابة ف النوب التونسي وليبيا كان العلماء -كأفراد -
حريصي على القيام بذه الهمة ويرون ان القيام با واجب شخصي عليهم ،حت تغلبت عليهم
السلطة الاكمة ف العصر التركي الخي ،وكمت أفراههم وربطت أيديهم كما قلت سابقا ،على ان
أثر ذلك الكفاح ل يزال باقيا ،فل زلت تد البعد عن الشيهات ،والعفة عن أموال الناس ،والرص
على أداء الواجب ،والمانة والخلص فيه ،من اللل الت يتحلى با الناس ف جربة مثل ول أرغم
ان هذه اللل تتناقص يوما عن يوم بسبب التيار الارف ف هذا العصر فالمل ف اولئك الوان ان
يافظون على ما بقى لم من مستوى اخلقي رفيع حت يرجع إليهم الشارد ويفهم الخطئ أسباب
أخطائه ونتائجها.
من الرذائل الت حاربا السلم رذيلة البطالة ورذيلة التسول ورذيلة العتماد على الغي ف
مرافق الياة وقد حرم السلم ذلك مع القدرة فما يوز لسلم يرص على كرامة السلم فيه أن
يعيش متبطل يتحرف التسول ويعتمد على ما يسن به الناس إليه اللهم إل ف حالت الضرورة الت
تبيح الخطورات وإل فالسلم ل يد يدية للسوال وتلقى عطايا الناس .وكشاهد على كفاح الباضية
لذه الرذائل أسواق إليك ما يقوله الؤرخ الكبي الستاذ حسن حسن عبدالوهاب ف مقدمته لكتاب
مؤنس الحبة :يقول الستاذ حسن (( :وهم -أى اهل جربة -معروفون بنشاطهم ف معترك الياة،
وبأقدامهم على مشاق واتعاب الغربة ،ف سبيل التكسب والكد التتابع ،واقتحامهم الصعاب
للحصول على كفاف من الال ،ل بنية التمتع به ف أماكن قرارهم البعيد .بل أمل كل واحد منهم
العودة بذلك الكتسب الغال إل وطنهم الصغي ،وانفاقه ف إقامة منل مناسب ييط به جنان ذو ثار
من نيل وزيتون وكرم وتفاح ،يكون العون الساعد لصاحبه عندما يدرك من العمر ما ينعه من
هكذا عرفنا سكان جربة وعرفهم من قبلنا آباؤونا واجدادنا واسلفنا ،وكذا وصفهم كل
من سكن هذا القطر أو زار الزيرة ف القدي او الديث .وهى لعمري صفات جد وعمل دائبي
يبذها كل من يقدر قيمة العمل ويراه الوسيلة النافعة لشادة البلد ف وبناء عمرانا ،وترير قاطنيها
من ربقة الاجة ولقد حدا بم هذا السلوك إل أن صيهم ف غن عن السعى إل الوظيفة وعن التلطع
إل الستخدام ف مصال الكومة ،وهى غاية ل تدركها الشعوب إل بالمارسة الطويلة للعمل
والصب على مضاضة العيش ،وعدم الستنكاف من الهن مهما كانت قاسية ،وبالتال هي نتيجة
للتجربة والتجلد )).ويقول الستاذ حسن حسن بعد كلم (( :وليس منا من ليعرف أفرادا من أهل
جربة ،ابتدأوا حياتم بالشغل البسيط التواضع ف ميدان القتصاد ،وتكبدوا مرارة التعاب ،ومضاضة
العيش ،واقبلوا على الهن الرهقة حت أصبحوا بعد حي من الدهر من أهل الثراء .فهذا نتيجة ذلك،
ث أنا ل نكن نسمع ان من بي اهل جربة من يد يده للسؤال ول من يعيش عالة على غيه ،بل أن
افقرهم سواء أكان ف وطنه أو خارجه ،يكدح ليله ناره لكسب قوته بيمينه ،ول يرضى ان يتهنه
التسول ،وما من عمارة جديدة انشئت ف حضرة تونس أو خارجها وقبل انتهاء بنائها ،إل ويسبق
إليها جرب فستأجر با دكانا لتجارتن أو مل لبقالة او غيها ،وليس هذا من الغريب ،بعد أن رأيت
الفكرة الت يشب عليها وليد جربة من صغره ،وقد يرشده سابقوه من أبناء جلدته إل انع طريق
يسلكها حسب استعداده وتأهله ،ويدونه بالعونة اللطوبة ماديا وادبيا ،فكان من أسباب هذا
النتهاج ان دبت ف أفرادهم المانة ،وسرى ف عروقهم حب الكد والصب عليه ،كما كان من
نتائجه اللموسة أن أقبل كبيهم وصغيهم على العمل ،واجتهد ف الثابرة على التكسب ،وترك
الوناء والكسل ،وبفضل هذا كله ظلت جزيرتم -على فقر ترتبها -من أطيب الناخات ،وابى
ث انظر يا رعاك ال إل ناحية اخرى من نشاط اهل جربة ف جزيرتم ،فإن ل أحسبك تد
فيهم من هو عاطل عن العمل ول من يستلقى لضواء الشمس ل يبدى حراكا ،فكلهم -صغار
(( فهذه التربية على العملوهذا النكباب الصحوب بالد والثابرة ربا ل يشاهد مثله على
تلك الصفة ف القاطعات التونسية الخرى )).انتهى كلم الستاذ حسن حسن عبدالوهاب.
هذه الخلق الت اعجب با الؤرخ التونسي الكبي ،ف اهل جربة إنا تكونت عندهم
بسبب كفاح علماء الباضية لعدة رذائل تري ف نسق واحد وهى رذيلة البطالة ،ورذيلة العتماد
على الغي ف وسائل العيش ،ورذيلة ماولة التكسب من ايسر طريق ورذيلة الرغبة ف الصول على
الال دون أى حساب لشخصيته وكرامته ،ورذيلة الكسب الرام أو الشبوه ،وقد طهر الجمتع
الباضي من هذه الرذائل ،وتكونت فيه الصفات الضادة لا فتجد فيهم النشاط والعمل والعتماد على
النفس والرص على الكتساب من الطرق اللل والمانة ف العاملة .وما إل ذلك.
لقد استطاع العزابة أول والعلماء الذين ساروا بسيتم من بعد ان يكبحوا جاع الناس ،وان
ينبوهم ارتكاب الرذيلة ف متلف صورها وأشكالا ،وما بلغ منها درجة التحري ،وما كان دون
ذلك ،والباحث الذي يدرس الجتمعات ،يد آثار واضحة لكفاح العلماء ف الانب ولعل القاري
الكري يرى امثلة ف الصور التية الت أحاول أن أضعها بي يديه ف إياز وإختصار.
الغصوبة ،خوفا من أن تستمرئ بطون الناس أكل الرام ،فتلذ لم التعة ،وتغلب عليهم الشهوة،
وتون عليهم العصية وةلذلك فقد كان العزابة والعلماء هم الذين يشرفون على هذا الانب من حياة
الغنيمة والسلب والنتقام والتتبع .والتاريخ يثبت ان جيع الروب الت اشترك فيها الباضية ف تونس
إنا كان فيها الجوم من غيهم وغنما كانت منهم دفاعا عن النفس او عن الال او عن الوطن.
-3ل يفظ التاريخ ان أحدا من الباضية ف تونس حاول ان يشن غارات على أحد ،او
حاول ان يتكسب بطريق الغزو والغنيمة وغذا وقع عليهم هجوم من غيهم ردوا عدوان العتدين،
دون ان يتعرضوا لا حرم ال من دم او مال او عرض هذا ما يده من تتبع سيتم ف مصادر التاريخ
اللهم إل إذا ل يفرق بي الباضية وغيهم من الفرق كالصفرية والنكار والعتزلة وما شاء ال.
-4كان العلماء العلم مثل المام فيلسوف إساعيل اليطال ،يتولون بأنفسهم امور
السبة فيتجولون ف التاجر والسواق يعلمون الناس الطرق الصحيحة للبيع والشراء ويبينون لم
-5كان العزابة والعلماء يهتمون بالسلوك الفردي للشخاص كما يهتمون بالسلوك
الماعي فتراهم يعلنون حكم الباءة ف قوة وعناية على من تسول له نفسه ان يالف سية السلمي
او تغلبه نفسه فيميل مع الشيطان ،وترى العلماء يسارعون إل النهى عن كل بادرة تشعر بان الجتمع
قد ينحرف عن سواء السبيل .فهم ل يقرون الفرد على ارتكاب الرذيلة لنم يكمون عليه بالباءة
فيضطر إل الرجوع إل الطريق القوي ول يسكتون عما ينشا ف الجتمع ما ل ينبع من سية السلمي
الصادقي.
وبذا الوقف حافظوا على سية كاملة للمجتمع الباضي الذي يعتب متمعا اسلميا نظيفا
العيش اللل وياولون أن يدوا لكل شخص عمل يتناسب مع استعداده الفطري وكفاءته
الشخصية ول يسمحون للمسلم الباضي أن يترف التسول إل ف الالت الضرورية جدا تقدر دفع
غائلة الوع ريثما يد الشخص العمل الذي يدر عليه كسبا يكفيه او تيأ له حياة كرية تفظ ماء
وجهه وكرانة شخصيته عن البتذال والمتهان ،وهم يمعون بي النصوص الواردة ف الث على
مساعدة الفقراء وعلى الكثار من الصدقة وعلى معاملة السائل باللطف والرحة وبي النصوص الت
ترم التسول ،وتنع الصدقة عن القوى الذي يستطيع ان يترف بانه يرم على السلم ان يتخذ
التسول مهنة يترف منها ،وعلى السلمي ان ينعوه من ذلك اول بالنهي عن ارتكاب هذه الرذيلة
واقناعه بان هذا ل يتفق وعزة السلم وثانيا باتاحة فرصة العمل او الياة إذا ل تتح له بتوجيه التوجيه
السليم ف هذا الطريق .وقد نح علماء الباضية ف هذا الباب ناحا منقطع النظي وف الي الذي
ترى فيه افواجا من التسولي ف بعض الهات وهم أقوياء الجسام ،ذووا استعداد للعمل غي انم
يفضلون ان يكسبوا الال بد اليدي وترد يد اللسان لبعض الدعوات ،فغنك ف الجتمع الباضي ل
تد متسول واحدا يتككف الناس اعطوه او منعوه اللهم غل إذا دخل إليهم من جهة اخرى ،ول
هذه صور مقتضبة أضعها بي يدي القارئ الكري ف إياز ،ويستطيع ان يد كثيا من هذه
الصور إذا هو تتبع التاريخ او اتيح له أن يعيش بي الباضية ف مواطنهم الت ل يتغلب عليهم فيها
النلل العصري.
على ان هذه الصور الكرية الت يعتز با أى مسلم ،والت حسب الستاذ حسن حسن عبد
الوهاب بعضها مزايا ومراحل ،لتصل إليها الشعوب غل بعد عناء وجهد ،هذه الكارم الت حرص
اسلفنا على التصاف با ،بدانا نن نتخلى عنها .وانه لما ير ف نفسى وانا استعرض ذلك التاريخ
الجيد أن الباضية ف تونس وف ليبيا قد بدأوا يالفون سية أسلفهم الماد ،واصبحوا يرتكبون
بعض تلك الرذائل الت حاربا علماؤهم العلم بدون توقف ول هوادة .فأصبحت ترى فيهم من
يتلف على الصول على الوظيف ،ومن يهمه أن يمع الال ،غي ناظر إل وسائل ذلك الميع بل قد
ترى من يرتكب بعض تلك الؤبقات الت حرص ابوه على ماربتها بكم السلم ،فتراه يمل علبة
والقيقة الرة ان الشعب -أي شعب -إذا ابتلى بازدراء القومات الت حفظت
عليه شخصيته وكرامته ،وأصبح يتحلل عن مزاياه الدينية واللقية ،ويقلد الخرين ف رذائلهم فإنه
أنن حي أسوق هذا الكلم وانا اتدث عن جربة او عن الباضية ف تونس ،ل
أقصد به جربة فقط ول أهل جبل نفوسة فقط ول الجتمع الباضي فحسب ،وإنا أقصد به المة
السلمة جعاء با فيها من طوائف ومذاهب .فإن هذه المة الكرية ،ما أصيبت با أصيبت به ،إل
حي تلت عن مقوماتا كامة تمل رسالة إل البشرية .وتسابق أفرادها إل الناصب ف الدولة ،وإل
الوظائف ف الكومة ،يشغلونا ليبتزوا اكثر ما يكن من مال ،بأقل ما يكن من جهد ،وليشبعوا ف
أنفسهم شهوة السيطرة والتحكم والستبداد ث تالفوا على ذلك وتطاحنوا عليه ،وتعادوا من احله،
ث استمرأوا البطالة وساغ ف حلوقهم الال الرام ف الأكل والشرب واللبس والنكح والكسب ،ول
يقف بم الشيطان ف هذا الد ،فتنازلوا عن خصائصهم كامة قائدة هادية .وانطوا إل ان يكونوا امة
هزيلة ضعيفة تقلد الغي وتقتبس منه وتتبعه ف الطاء والرذائل .واعرضوا عن ذلك النهج الذي كون
من شت المم والجناس خي أمة اخرجت للناس واعظم دولة سارت بالبشرية ف الطريق القوي
متناسي النهج اللى الذي سار به أسلفهم وقادوا به البشرية إل الي والب والسلم.
ومن الؤسف ان العال السلمي العظيم إنقسم إل أمم صغية يثم على صدر كل امة منها
اراجوز يطلق على نفسه اعظم الساء وأضخم اللقاب ومن حوله طائفة من التباع وهم جيعا ل
يزيدون عن ان يكونوا اراجيز خشبية وضعت للعب ،او أبواقا تنتفخ للدعاية ،او قططا مقلمة الظفار
ومن الؤسف ان كل صاحب لقب من هذه اللقاب ينتفخ وينتفش ويتنمر على أخيه ،فغاذ
لح له الجنب أصبح أذل من وتد ،وف الي الذي تد فيه أصحاب هذه اللقاب ،الذين يضفون
على انفسهم اكرم النعوت ويتسربلون ثياب القيادة والزعامة ،والدعوى العريضة على انم حراص
على مصلحة المة ،تدهم يتحرشون بأخوانم ف الدين ،ويستأسدون عليهم .وينكلون بالعلماء
الذين يامرون بالعروف وينهون عن النكر ،وينتقدون ما ف حكمهم من فساد وانراف .وهم مع
هذا الظهر التجب مع الخوة ل يستنكفون ان يتذللوا لعدائهم ف الدين او الوطن ،ويتملقون من
يضع يوما سلحه ف حرب السلم والسلمي ،وليت ملقهم هذا كان مقصورا على قوى يشون
سطوته ،او غن يطمعون ف ثروته ولكنهم ل يزالون يتملقون من هو دونم ارضاء لن هو اكب منهم،
وما يؤذي سع السلم ان تد أولئك الرؤساء أو الزعماء يضفون النعوت الكاذبة على مكاريوس
صاحب قبص ويستقبلونه استقبال الصديق العزيز وهو الرجل الذي ل تزال يداه ملوثتي بدماء
السلمي من الترك ول يزال يمل سيف الصليبيي الانقة على السلمي ويؤلب من يستطيع من
الدول الغربية كاليونان على اعنات السلمي ف جزيرة قبص واستذللم واخراجهم من وطنهم
ويارب بكل ما يلك من حيلة القساوة ودهائهم الروح السلمية الباقية ف الشعب القبصي وف
الشعب التركي.
وتد أمثال هذه الواقف مع زعماء الند الذين استعمروا كشمي وقضوا على ما يزيد على
عشرة مليي من السلمي ،وشردوا منهم ألفا من الناس ل يزالون بدون وطن أو مآوى.
وتد مثل هذه الواصر التينة تربط مع هيلسلسى أو غيه من زعماء أفريقيا الذي ل
يزالون إل اليوم وال ما شاء ال ياربون السلم ويعذبون السلمي ،بل أن أولئك الرؤساء أو
الزعماء ل يستطيعوا ان ينبسوا ببنت شفة يوم قام الوثنيون ف زنبار فقضوا على دولة عربية مسلمة
مرت عليها هنالك قرون وهى تسي بنور ال .ل ينبس أولئك الزعماء او الرؤساء ببنت شفة ف ذلك
ولعل أشد ضررا من هذا ان تد قوما ينتسبون إل العلم بدين ال ويزعمون انم يرصون
عليه -ل يجلهم ف أنفسهم ،ول فيما بينهم وبي الناس ،ول يشون ال ان يبروا باطل اولئك
الرؤساء والزعماء ،وان يللواا لم تلك الرائم الت يرتكبونا باسم من الساء وان يباركوا العلقات
الثة الت تربط بي أمة مسلمة وامة مشركة ل تزل تضطهد السلمي ف ديارها وتاربم ف غيهابا
ملكت من حيلة ومكر ودهاء متجاهلي القراني السماوية الت جاء با السلم ليبي للمسلمي طرق
التعامل مع غيهم من أمم الشرك والوثنية ف حدود قوله تعال (( :يا أيها الذين أمنوا ل تتخذوا
عدوى وعدوكم اولياء تلقون إليهم بالودة وقد كفروا با جاءكم من الق )).
(( إنا ينهاكم ال عن الدين قاتلوكم ف الدين ،واخرجوكم من دياركم ،وظاهروا على
وما يرز ف النفس أن دول تعل قضية فلسطي والقومية العربية كمصحف عثمان وأصابع
نائلة تل الدنيا ضجيجا وصراخا ويرتفع صوتا عاليا على ما يقع ف جنوب أفريقيا من ظلم بي
البيض والسود هذه الدول الت تلك البواق ذات الصداء الرنانة ل يرك مشاعرها السلمية أو
النسانية أن يقضى ف ليلة على دولة مسلمة ف زنبار وتشرد الليي من السلمي من كشمي
ويعذب اللف منهم ف أفريقيا السوداء وف نفس الوقت الذي كانت فيه أصابع الدولة الندية ملوثة
بدماء الرية ف كشمي وأصابع ملك البشة التعصب تقطر من دماء السلمي ف البشة فيفتح
اولئك الرؤساء اوطانم وصدورهم واذاعاتم وجرائدهم لولئك الذين حادوا ال ورسوله ،وقاتلوا
الؤمني ف دين ال وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على اخراجهم وودوا لو يكفرون .أرن خرجت
عن الوضوع واجتذبن التاريخ الديث عن التاريخ فمعذرة إل القارئ الكري فيما اضعت له من
من كفاح للرذيلة ف شت صورها وألوانا فإذا احتفظ الشاب السلم ،بكرامة السلم ،فلم يسلم نفسه
للشهوة ،ول تتغلب عليه الدعة ،ول يتملكه حب الكسب من أى طريق ،ول تغلب عليه رغبة
التسلط والقهر والتحكم ف الغي ،وإنا حافظ على طهارة نفسه ف سلوكه وف ماله وف مرافق حياته
جيعا ،ث رجع إل القيقة الت خلق من أجلها ،وهى انه صاحب رسالة مسؤول أمام ربه ،وامام
إذا رجع الشاب السلم إل هذه القيقة ،وعمل با ،فإنه سوف يد نفسه ف القدمة أمام
قافلة البشرية يقودها بكمة ،ويهديها السبيل القوي على معرفة ،أما إذا أراد أن يسي ف ذلك الطريق
الذي سلكه غيه فإنه لت يصل … لن يصل إل الجد الدنيوى لن أما أخرى سبقته براحل طويلة
يستحيل عليه ان يطويها قبل ناية السباق ،ولن يصل إل الجد الخروى الذي كلفه الالق العظم
إن الهل بدين ال هو أكب أعداء النسانية واخطرها وكان علماء السلم يعتبون هذا
اليدان اول ميادين الهاد واهها ،وكانت عنايتهم مصروفة إليه قبل أى شئ ،ولقد كانوا يقومون
بالكفاح ف هذا اليدان كما يقوم أى حريص على إداء واجبه دون ان ينتظر أجرا أو شكرا أو امرا
من أحد .إنه الواجب الشخصي لكل عال ،ولذلك فهم يرون أنم مسؤولون امام انفسهم بالدرجة
الول عن التعليم ،مكلفون به ،فإذا كانوا يعيشون ف بلد مسلم فمهمتهم أن يبصروا الناس بدين ال
أو أن يعلموهم أوامر ربم ونواهيه ،وان يفتحوا لم آفاق العرفة والستنارة ف الياة ،وإذا انطلقت
اليوش السلمية إل إفتتاح بلد الكفر لبلغ الدعوة ،انطلق العلماء ضمن النود الذين يملون
راية السلم .وما ينتهى القتال ويدخل الفاتون بلد الكفر حت يضع العلماء سيوفهم ث ينطلقون إل
أداء واجبهم الشخصي ،واجب التعليم ،وقد أدى علماء السلمي هذا الدور الرائع أبان الفتح بكل
حرص وامانة ،ولعل فضلهم ف نشر السلم وادخال عقائده إل القلوب الغلقة الملوءة بالرافة
والوثنية كان أكب من فضل الحاربي الذين فتحوا البلد ،فإن هؤلء ما زادوا أن دكوا حصونا من
حجارة ،وفتحوا أبوابا من خشب ،أم العلماء فقد دكوا حصون الكفر والوثنية والهل ،وفتحوا
وإذا رجعنا إل الديث عن علماء الباضية ف البلد التونسية تدهم من أكثر علماء المة
كفاحا ف هذا اليدان وحرصا عليه ،وإذا كان بعض علماء المة ف البلد الخرى تسندهم دول،
وتقدم لم الساعدات الادية أو العنوية ،فإن علماء الباضية ،كانوا ياربون الهل با لديهم من
وسائل دون أن يعتمدوا ف ذلك على ذى سلطان .وكانت بلدهم من أكثر البلد السلمية مدارس،
وكانت نسبة التعلمي أعلى نسبة ،وكانت القسام الداخلية تاوى كل من ل تتيسر له الدراسة على
نفقته ،وكل ذلك إنا يقوم العلماء أنفسهم ،فهو يتولون التعليم ،وهم يتولون إنشاء الدارس ،وهم
يتولون جع الطلبة وجلبهم للدراسة ،وهم يتولون النفاق عليها فإذا كانت مورادهم القتصادية ل
تتسع لذلك ،استعانوا بغيهم ،فكان الواحد منهم يبذل وقته وجهده وماله ،ليوفر للطلبة وسائل
الراحة والقبال على التعليم ،وقد يتفق مع أصحاب الال أن يقوموا بالانب الادي فيتولون النفاق
على مشاريعه التعليمية ليواصل هو كفاحه ف سبيل نشر العلم وبث العرفة ،ولعل هذه الظاهرة
كانت أظهر ف جربة منها ف غيها من بلدان الباضية ف الملكة التونسية وقد اتضحت أكثر ف
القرون التأخرة عندما انل رباط العزابة الذلي كانوا يشرفون على التعليم وأصبحت قضية التعليم
احدى الواجبات الامة الت صارت منوطة بالعلماء مباشرة وأصبحوا يسون بوجوبا احساسا بليغا
فكانوا يضمون إل جهودهم العلمية جهود أصحاب الال الادية ليقوموا بذه الرسالة القدسة على
احسن ما يكن.
وف القرن الادي عشر وما بعده أصبح العلماء أفرادا ومموعات أكثر اهتماما بالوضوع
وكانوا يدأبون على اراحة الطلبة من الانب الادي ،فكانوا ييسرون لم وسائل الياة الكرية ف
مدارسهم الداخلية با بتخذونه من التراتيب مع أصحاب الال ،فإذا ضاقت الدرسة عن بعض الطلب
او كان احد الطلب يدرسون ف جهة اخرى ل تتوافر فيها وسائل السكن والستقرار الماعي
للطلبة ،فسرعان ما يتصل العلماء بغن من الغنياء ليتكفل بالنفاق على الطالب الفقي ،ويستجيب
الغن ويسحب ذلك نفقته ف سبيل ال .وما أكثر ما كنت ترى طلبا يتفرغون لطلب العلم
ويسكنون ف الليا التابعة لسجد من الساجد ويأتيهم ف كل اعتاد أغنياء جربة ،هذه العادة
وأصبحت فكرة النفاق على طلب العلم -ل سيما الطلب الذين ياتون إليهم من بعيد -من
احب انواع الب إل انفسهم ،حت كادت تكون عادة دائمة ،واستمرت هذه العادة إل الزمن الخي،
وانتقل حب النفاق على طلب العلم مع اغنياء جربة حت خارج الزيرة ،فكان التجار ف تونس
ينفقون على الطلب الذين يدرسون ف العهد الزيتون العامر او غيه من العاهد ،وليس من النادر ان
يؤم طالب علم مدينة تونس من جزيرة جربة او من جبل نفوسة ليدرس العلم فسمع به أحد التجار
احدهم على مدرسة يتول تنظيمها وادارتا والتدريس با ،يساعده ف ذلك بعض العلماء وكبار
الطلب ،ولكن قبائل او أحياء اخرى قد تكون بعيدة بعض الشئ عن هذه الدرسة ،فيتقاعس أبناؤها
عن الضور ،ويتخلفون عن الدراسة ،فيهتم صاحب الدرسة لذلك وينظم اوقاته وأوقات مدرسته
بيث يستطيع ان يزور هو أو احد مساعديه تلك القبائل أو الحياء البعيدة ،زيارات منتظمة ف
السبوع او اليوم يلقى فيها دروس العلم للطلب ودروس الوعظ والرشاد للعامة ف الساجد ،ويقوم
ف نفس الوقت بلحظة سية الناس ومدى اتباعهم لحكام الدين ومافظتهم عليه ليقوم بواجب
وعلى هذه الوتية كان يعيش اعلماء ،ورب حى او ناحية ليس با مدرسة او ليس با
مشائخ علم ف الفترة من فترات التاريخ ،يتعاقب عليها عدد من الشائخ من جهات متلفة يلقون فيها
دروس العلم ودروس الوعظ والرشاد مرات ف اليوم ،ويرتب جدولا السبوعي بيث يصص لكل
أنم كانوا ل يتركون اللهل يستبد بالناس .ومعركتهم مع الهل هى العركة القيقية
الطويلة الت يرون انم مطالبون بي يدى ال بالكفاح فيها .ولقد يسمكع احدهم بان بلدا من البلدان
او قبيلة من القبائل .حت تلك القبائل البدوية الضاربة ف الصحراء خلت من العماء او التعلمي فيشد
إليها رحالة تاركا وطنه وماله -واحيانا -اهله ويستقر ف البد الديد او الي البعيد يعلم أبناء
السلمي ويمل الناس على الستمساك بدين ال والعمل با جاء فيه .حت إذا اطمأن إل انم قد
سلكوا الطريق القوي ،ورأي ان الدرسة بدات تؤت نتائجها وأصبحت تسي بدونه اته حينئذ إل
وطنه ورجع إل بلده ليستقر هنالك ولكنه يبقى على استعداد دائما لواصلة الكفاح فلو علم أن مكانا
لقد اهتم اولئك العلماء بالمة اهتماما عظيما من جانبي جانب التعليم والتعليم وجانب
السية والسلوك والحافظة على دين ال ،فكانوا ل يكتفون بالسؤال ،ول با يبلغهم عن أخوانم من
طريق السماع ،وغنما كانوا يفضلون الشاهدة ويعتمدون عليها ،ولذلك فهم ل ينفكون عن زيارات
جيع النواحي والطلع على احوالا ،ومعرفة شؤونا عن كثب فكان العال من القيوان مثل ،يزور
جيع بلدان النوب حت يصل إل وادي اريغ وقد يستمر إل وارجلن به او بادية بن مصعب .وقد
يسي مشرقا حت يصل إل جبل نفوسة وهو ف جيع ذلك ينتقل بي بلد وبلد وقرية وقرية وحى
وحى ،زائرا ومتفقدا ومعلما ،ومتعلما ,وكلما حل مكانا نظر فإذا وجد أهله يتاجون إل تعليم او
تقوي اقام عندهم للتعليم او للتقوي ،وإذا وجد عندهم علما ليس عنده مكثف للتعليم وإذا رضى
حلهم من اناحيتي العلمية والدينية ول يد داعيا للبقاء بينهم انتقل إل غيهم ،ولقد كانت هذه
السافات المتدة الت نراها اليوم شاقة ومتعبة بوسائلنا الاضرة -كانت عليهم يسية سهلة هينة
بوسائلهم ف تلك العصور .ذلك إننا نركب القطار والسيارة والطائرة ،ونقيس السافات والعمال
بالقياس الادى الوغل ف الادية أما هم فقد كانوا يركبون عزائمهم وارداتم ،ويقيسون السافات
والشاق بقاييس روحية ،فتضاءل امامهم العقبات ،وتطوى السافات ،وانه ليندر ان تد عالا من
أولئك العلماء ل يزر اغلب البلدان الت با اخوانه ف الذهب ،ويعطيها وياخذ منها وقد يقيم ف البلد
ويستطيع الؤرخ ان يد لذه الظاهرة مئات الصور ،فإنه ما أخذ بلدا من بلدان الباضية
وتتبعه وتتبع سية علمائه ،إل وجد منهم عددا غي قليل يسي بذه السية الباركة .خذ مثر جبل
وسلت هذا البل الشامخ الشرف على القيوان والذي كان ف أزمنة طويلة من اهم معاقل الباضية
انك اذا تتبعت سية علمائه فسوق تد ان جانب الدارس الكثية الت كانوا يشرفون عليها هناك
ويؤمها طلبة العلم من جيع الهات للدارسة ،انم كانوا ينتشرون ف بقية البلدان لداء هذه الرسالة
العظمى ،بل انك تد بعضا منهم قد انتلقوا من اجل قضية التعليم خارج البلد التونسية كلها ،فهذا
العلمة عبدالغن الوسلت ( ) 1الذي يضعه علماء عصره ف طبقة المام اب عبدال ممد بن بكر،
ينتقل من جبل وسلت ول يزال ير البلدان يعلم ويتعلم ويأمر بالعروف وينهي عن النكر ،ويارب
البدع التكالبة ويؤسس الدارس حت ينتهى به الطاف إل كباو فيثوى هنالك رحه ال ورضى عنه.
وهذا العلمة ابو زكرياء يي الوسلت ينتقل بي بلد اهل الدعوة يدعو إل التمسك بدين
كان أبو زكرياء الوسلت ف درجة من العلم والعمل قريبة من درجة أب عبدال بن بكر،
وكان ولده جعفر من أنب طلب أب عبدال ومن احبهم إليه وهو ف مرتبة أب العباس احد بن
ممد بن بكر.
11
هذا الكفاح التواصل ف سبيل نشر العلم دون العتماد على مساعدة مادية من أحد هى
إحدى اليزات او الصائص الت كان يتاز با ذلك السلف الصال ،وانك لو رجعت إل التاريخ
السلمي عامة لوجدت ان اهل العلم ف تلك العصور كانوا سحبسون تعليم الاهل فريضة واجبة
عليهم ل يلهم منها إل القيام با ولذلك كانوا يرصون على ادائها مهما بذلوا ف سبيلها من جهد
حت يأخذ تعويضا او بدل عن علمه ،اللهم إل ف هذه العصور الت انقلبت فيها مقاييس الخلق
وتنوسيت احكام الدين وبعد الناس عن رعاية جانب ال ف اعمالم .وأصبح الرجل يد يدية ف
وقاحة دون حياء ليقبض أجرا على درس ف الوعظ والرشاد ،أو على تلوة سورة من القرآن
الكري ،او حت على اذانه ف مساجد السلمي ،او صلته بماعة منهم .ول حول ول قوة إل بال
العى العظيم كإنا العبادات أصبحت هى الخرى وظائف تؤدي للدولة ل ل.
كفاح البدعة
عندما ابلغ الفاتون الولون السلم إل افريقيا على صفائه ف زمن الصحابة رضوان ال
عليهم أقبل الناس عليه وتقبلوه واعتنقوه ل سيما وانم وجدوا فيه حل لميع الشاكل النسانية الت
عقدتا الياة ،فلقد استنارت قلوبم ،وانتشرت بينهم عقيدته الصافية الواضحة وتطمت عليها العقد
الوثنية بختلف عقائدها الت كان يدجل با الوثنيون وأصحاب الديانات الباطلة والرفة ،كما
تطمت عليها خرافة اللوهية البشرية واستغلل النسان الذكي للنسان الغب والنسان القوى
للنسان الضعيف وسار الفاتون الولون سية الدعاة الخلصي إل السلم ،فاطمان الؤمن ولقتنع
الشاك ،ورجع الرتد ،وىب الشارد ،فلما تول الكم طلب الدنيا والراغبون ف السلطان ،انرفوا
عن مبادئ السلم ف كثي من الحكام .وأصبحوا يتجنبون تطبيق ما ليتفق مع رغباتم ومطامعهم،
ث لق بم ف النراف ناس اوتوا علما وذكاء وفهما ،وصاروا يدخلون على السلم آراء غريبة عنه
بعيدة عن الق .فاضطر علماء المة إل الدفاع عن نصاعة السلم .فكانوا ينقدون سلوك الكام
النحرف ،وينهونم وينهون اتباعهم عن البدع العملية ،الت كانوا يرتكبونا ،من جهة ،ومن جهة
أخرى كانوا يردون الراء الاطئة والتأويلت الباطنة ،وذهبوا ف ثلث مذاهب متعاونة متساندة.
الول انكار البدع العلمية ،وذلك لنقد سلوك الكام الذين يقرون بميع احكام السلم
ولكنهم يالفونا ف أعمالم ،فيعترفون بوجوب العدل ولكنهم ل يعدلون ،ويعترفون أن أكل اموال
الناس بالباطل حرام ولكنهم يبتزونا ويتلسونا وغتصبونا ،ويعترفون أن دماء السلمي حرام ال
يقها ولكنهم ل يتورعون عن سفكها لتفه السباب ،فكان العلماء يردون هذه البدع العملية،
ويواجهون الكام بالنهى الصارم واللوم الشديد ،وقد يتجاوزون موقف النقد والنهى إل موقف
الثورة كما فعل فقهاء كبار التابعي ف أوائل الدولة الموية ف الركة العروفة الت ذهب ضحيتها
التابعى الكبي سعيد بن جيب ،الثان هو تتبع الراء الاطئة والفكار الدخيلة ،والبدع الت تتد وتنتشر
يوما بعد يوم سواء جاءت هذه البدع عن طريق ناس ينتمون إل العلم والفكر او جاءت عن طريق
عادات الناس وسريانا فيها بينهم بكم الوار والتقليد .فكانوا يتتبعون هذه البدع ،ويظهرون
بطلنا ،ويوضحون مالفتها لصريح الكتاب او السنة او السية البنية للعدول من امة ممد صلى ال
عليه وسلم ،وكانوا يقومون بذه البيانات أما بالرد على أصحابا ف الجامع العلمية وف كتب تؤلف
لذه العرض إذا اصطبغت تلك البدع بصبغة علمية ،أما إذا كانت من باب العمال الفردية والعادات
الت تنتقل بي الناس فقد كانوا يكتفون بحاربتها بدروس متوالية ف الساجد وف الجامع والناسات.
الثالث يكاد يكون وقائيا ،وذلك بانم حرصوا على نشر العقيدة الصحيحة والدعوة
السليمة ،والبهنة على صحتها وسلمتها واستمدادها من الصول السلمية وماولة أفهام الناس،
قواعد اليان كما جاءت ف الكتاب والسنة دون تريف أو خطأ ف التأويل ،وملء قلوبم با،
وتشبع عقولم بصحتها ،حت ل تد البدعة إل نفوسهم سبيل وقد كان هذا الجهود منهم يتناول
الدين والشريعة أو بعبارة تفصيلة كان هذا الجهود يبذل للمحافظة على العقيدة وعلى العبارات
وهذا هو اليدان الذي كان يوبه أكثر اتلعلماء الخلصي ،فهم ياولون أن يافظوا على
سلمة العقيدة ف نفوس الناس وذلك بتلقينهم إياها ،وتعريفهم با قبل أن تصل الشبه إليهم ،حت إذا
جاء من يريد أن يزحزحهم عن دينهم وجد عندهم الصانة الكافية ،واليقي الذين ل يتزعزع ،ول
ولقد كان معروفا أن عددا من الفرق السلمية كان منتشرا ف الملكة التونسية كما كان
منتشرا ف بقية بلد الغرب السلمي الفسيح .ومن بي تلك الفرق الت كانت تعمر هذه البلد
العتزلة والصفرية وبعض فرق الشاعرة والباضية وغيهم ،ول شك انه كثيا ما يندس ف بعض هذه
الفرق إناس ذووا دعوات او مبادئ خاصة يكتمون عن الناس دوافعهم القيقية ل عتناقها والدعوة
إليها ،ويظهرون أنم يعملون للسلم ،وهم يرمون من وراء ذلك إل الوصول إل غايات خاصة
يتوقون إليها ،او رغبات مكتوبة يرجون الصول عليها ،يت بعضها إل النواحي الادية ،بينما يت
البعض الخر إل النواحي الدينية والروحية ،ولعل منهم من يهمه أن يارب السلم باسم السلم،
متنكرا وراء عقيدة أو رأى او مبدأ وليس هذا بطبيعة الال مقصورا على أفريقيا او الغرب بل كان
موجودا ف جيع البلد الت تغلب عليها السلم وساد فيها ،لعل وجوده ف الشرق السلمي كان
وف هذا اليدان ميدان ماربة أولئك التنطعي الذين ياربون السلم وحقائق السلم بادخل
بدع ف دين ال ،سواء كان الدافع لم إل ذلك ماديا او دينيا ،وسواء فعلوا ذلك عن قصد أو عن
خطأ وسوء فهم -كان يقف العلماء الخلصون الوقف الصامد القوى يذودون عن دين ال خطر
البدعة الارفة.
ولقد كان علماء الباضية من أحرص الناس على مكافحة البدعة ،فكانوا يوبون السافات
الطويلة من هذا القطر ليبقوا دون أن تدخل البدع القولية او العملية إل الناس ،وكثيا ما ينتقلون من
مكان إل مكان بعيد ليدوا بدعة بدأت تتسرب إل عقائد الناس أو إل اعمالم حت إذا صححوا
الوضع وأقروا الق ،رجعوا إل مواطنهم ،وكانوا يكثرون زيارة اخوانم ف بلدهم ليوا أعمال
الفراد ،ويطلعوا على سلوكهم واقوالم ويتعرفوا على سيتم عن كثب ،ويضرون مالسهم العلمية
ف الساجد والجامع العلمية ،وتراهم ف جيع ذلك حريصي على أن يبينوا دين ال كما جاء عن
رسول ال صلى ال عليه وسلم .وهم أقوياء ف ذلك أشداء ل يسكتون عن منكر من القول أو الفعل
مهما كان صاحبه .وبجرد ما يرون ذلك عنه احد من الناس سرعان ما يأمرونه بالرجوع إل الق
والتوبة من الطأ فإن استجاب فذلك الطلوب وإل أخرجوه إل الطة ووحشة الجران ،ولقد تصدر
الكلمة الاطئة عمن يتحلى بالعلم ويتصدر الجالس دون ترو أو عن سبق وهم إل النفس فل
يسكتون لا ويردونا على صاحبها ويطالبونه بالرجوع من الطأ إل الصواب بل لقد بلغ بم هذا
التمسك بالصحيح إل أن الطلبة قد ينتقدون اساتذتم إذا بدأ لم انم أخطأوا ف قول أو اعتمدوا
والقول الرجوح دون دليل مقنع وقد يبدأ الطلبة فيضعون شيخهم ف الطة إذا ظهر لم انه أصر على
الطأ حت يعود إل القول الصحيح والعمل السليم .وإذا كانت هذه مواقف الطلبة ف بعض الحيان
مع اساتذتم فكيف تراه تكون مواقف العلماء العلم ف ماربة البدعة ورد الباطل .وما يدخل ف
ماربة البدعة رد بعض الراء الت تروج ف بعض الذاهب السلمية الخرى ما يرى علماء الباضية
انا مالفة للسلم ف رحه ف مفهومه أو ف منطوقه ،فيعملون على إبعادها من متمعهم ،وياربونا
باعنف ما عندهم من وسائل كفاح البدعة وإل القارئ الكري أمثلة من ذلك.
-1يرى بعض العلماء من بعض الفرق السلمية انه يب على السلم العمل بالفرائض دون
العلم با وبكيفيتها ويرى علماء الباضية ان هذا الرأي بدعة تب ماربتها وابعاد مفهومها عن الناس
وكانوا حراصا على رد هذا القول وافهام الناس أن ما يب العمل به يب العلم به وبكيفية أدائه،
وإن على العمل به الثواب ،وعلى تركة العقاب ،لنم يقولون كيف يتصور عاقل ان يصدر عمل
صحيح من إنسان ل يعلم كيفية آدائه ،وذلك فقد كانوا يعلمون الناس بعض الفرائض بالطريقة
العملية فضل عن الطريقة النظرية فيدربون الطفال ف مبدأ البلوغ على الطريقة الصحيحة للتطهر
والصلة مثل.
-2يقول بعض العلماء من بعض الفرق السلمية ان العمل ليس شرطا ف صحة اليان،
ويكفى لكي يكون النسان مؤمنا أن يعتقد ويقر ،ويرى علماء الباضية انه ل يتم إيان النسان حت
يقرن القول بالعمل ،ويسبون ان القول بعدم اشتراط العمل لصحة اليان بدعة يب ماربتها وابعاد
مفهومها عن السلم ،وكانوا يعملون ف حرص جاهدين أن ل يتقبل الناس هذا القول وان يعملوا به
وال فإن مبادئ السلم سوف تذوب بسبب هذا الرأي الذي يعل السلم دينا سلبيا مبنيا على
لذلك باستحلل دمه وماله ،ويرى علماء الباضية ان هذه بدعة ادخلت على الدين بسبب خطأ ف
الفهم والتأويل .ولذلك فقد كانوا حراصا على أبعاد هذا الفهوم عن الناس ويتشددون ف تري دماء
هذه امثلة من الراء الت كانت عند بعض طوائف السلمي ويرى الباضية انا بدعة
يرصون على مكافحتها ،وابعادها عن الناس ،لنا تضر ضررا بالغا بقيقة السلم .فغن الفكرة
الول مثل الت ترى وجوب العمل دون العم بالفرضية والكيفية وترتب الزاء تعل أداء الفريضة
عملية يقوم با السلم ل روح فيها ،إذ ينتفى من ادائها معن الشوع والتقوى ومعن الوف والرجاء
أما الفكرة الثانية فهى تسلب السلم ميزته القيقية فغن ميزة السلم على غيه من الديان
أنه دين علم وعمل ولقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه رضى ال عنهم حراصا على
العمل والستمرار فيه والثبات عليه ،فلما انتشرت هذه القالة فيما بعد ،اخذها الناس على معناها
السطحى ،ووجدوا فيها سندا للهال والتهاون ،وطمعوا أن يازوا بالسن مع الصرار على العصية
ما دامت السنتهم تلوك كلمة الشهادة ،ويقابل هذه البدعة من الانب الثان الفكرة الثالثة وهى
الكم على مرتكب الكبية بالشرك واستحلل دمه وماله ،وهى فكرة ترج اغلبية الناس عن
السلم ،وتكم فيهم الهواء والنعات ،وتبيح منهم ما حرم ال من حرم صانتها كلمة الشهادة.
هذه امثلة وضعتها أمام القارئ الكري كنماذج .وهنالك بدع كثية بلغ بعضها إل ان يكون
رأيا لفرقة من فرق السلم ،وكان بعضها شطحة من شطحات العلماء عندما يستحكم فيهم
التعصب واللجاج والدل ،ومنها ما دسته السرائيلية الاكرة ،او الوثنية التحجبة ،أو الصليبية
الاقدة ،ومنها ما املته شهوة استرضاء الكام والنفوذ ،ومنها البدع العملية الت تنتج عن الهال
وعدم الرص ف تنفيذ أحكام ال .وتتبع هذه النرافات وإظهار جهود العلماء الخلصي ف
مكافحتها أمر يطول ويتاج إل ملدات ،ويستطيع القارئ الكري أن يعود إل مظانا ليجد منها
الشئ الكثي.
تعاقب الوان من الكم على البلد التونسية منذ الفتح السلمي إل الحتلل الفرنسي .كان
منها ما يثل الكم اللسلمي ف عدله ونزاهته ومساواته بي الناس ،واتاحة فرص الياة الكرية
للجميع ،وكان منها ما يهمة الجد العسكري او أنظمة السلطان ،فيعمل على التحكم والستبداد،
وكان منه مال يهمه من ذلك غي جع الال ،وإتاحة التعة لصحاب الكم ،وكان منه ما يمع بي
فترات من الكم السلمي الشرق الذي ينطبق على السس السليمة لنظام الكم ،وفترات من
الكم الظال الطاغي ،وكان العلماء الخلصون لدين ال طول هذه العصور ياهدون..
كانوا ياهدون بكل ما يلكون من سطوع الجة ،وقوة الق ،ونصاعة البهان .ينتقدون
الكام ف انرافهم عن سبيل ال ،وياولون ان يقوموا سلوكهم ،بالوعظة السنة ،والبيان الواضح،
والتهديد بعقاب ال للظالي ،وأحيانا بالدعوة إل مطالبتهم بالتخلي عن الكم ،فإن ل يستطيعوا
ذلك حاولوا بختلف الوسائل ،أن يففوا من أثر الظلم على الناس ،وقد كانت منهم مواقف مشرفة،
ف رد كيد الظالي ،والوقوف ف وجوههم ،وتذكيهم بانم انرفوا بدين ال عن النهج الذي أراده
والتتبع للحداث التاريية يد ان بعض العلماء قد نوا فعل ف رد العدوان ويد بعضا آخر
منهم قد أدى بم حرصهم وحفاظهم على دين ال وعلى كلمة الق ،إل السجن والتعذيب حينا،
وإل القتل أحيانا .كما كان الال مع أب القاسم بن ملد ،وأب عمرو النملي وأب ممد كموس،
وأب موسى الزواغى ،وأب سليمان بن إبراهيم وغيهم كثي ،وقد يتوال الظلم والستبداد حت يمل
بعض العلماء إل الدعوة إل الثورة وقلب نظام الكم وابعاد الظالي عنه كما وقع لى خزر يغل
زلتاف.
وإن التتبع للتاريخ ف البلد التونسية ،يد ان هذا القطر الكري قد تداولته أيد متلفة من
الكم ،فقد استقلت به دول ف بعض الحيان ،وكان تابعا لدة الدول ف الشرق او ف الغرب ف
بعض الحيان ،وكان تابعا لحدى الدول ف الشرق او ف الغرب ف بعض الحيان ،وتقاسته دولتان
او أكثر ف أحيان أخرى ،وعاش مقسما بي حكام مليي ف أوقات كثية ،يتول المر ف كل قسم
من امراء أشبه بالشائخ ،وقد يكون القطر كله تابعا من حيث السم لكومة مركزية ،ل يهمها إل
مقادير من الضارئب تدفع لا سنويا اما بقية الشؤون فتتولها كل جهة بنفسها تت سيطرة ولة أو
حكام شبه مستبدين بالدولة والشعب ولكنهم مع ذلك يباشرون جيع اعمالم باسم الدولة.
وف الفترات الت كان فيها الكم من هذا النوع ،كان السكان يعانون أشد أنواع الظلم
والرهاق والور ،فكان الناس يكافحون جهدهم ف إيقاف او تفيف ما ينل عليهم با يقدمونه
وكان اولئك الكام كثيا ما يشترون مناصبهم بأمةال يقدمونا للحكومة الركزية ث
يعودون إل أفراد الشعب الساكي فيجمعون منهم أضعاف ما بذلوا مرتكبي ف ذلك أشد ألوان
العسف والبوت.
ولا كان أولئك الولة او الكام ل يقيمون حكمهم على أسس تشريعية من السلم ول
على أسس قانونية من وضع البشر ،وإنا كانوا يسيون وفق رغباتم الاصة ،وشهواتم الالة ،فقد
كانوا يرتكبون جرائم القتل او السب او مصادرة الموال بناء على غضبة لسبب تافه كوشاية من
حاقد ،او تريض من عنصرى متعصب سواء كانت تلك العنصرية جنسية او مذهبية او حت قبلية.
أو رغبة ف جع مزيد من الال ،او حنق على أهل بلد لنه أهله ييلون إل حاكم آخر ،وانك تستطيع
ان تد عشرات الصور الؤلة لحداث غاب فيها اليان واللق والضمي والنسانية ،وها انا امد يدى
إل أقرب الصادر التاريية على الكتب فانقل إليك امثلة ما كان يرتكبه اولئك الكام بختلف
درجاتم.
يقول التيجان ف رحلته صفحة 14وهو يرافق أبا زكرياء اللحيان ليجمع مزيدا من الموال
يستمتع با ذلك السلطن القابع ف الضرة وأساطيل الفرنج تل عباب البحر (( :وارتلنا من المة
يوم الثني الادي والعشرين .متوجهي إل نفزاوة فنلنا يومنا ذلك بنل يعرف ( بجزم ) وهي قرية
كبية وعليها غابة نل متدة ،وبا قصور ومنازل ضخمة بالنسبة إل مبان البادية ،ووجد الجناد
اهلها قد فروا عنها جلء ،وتركوها خلء ،فانطلقت أيديهم بالعيث ف ربوعها ،والرعي لزروعها
وكثيا ما كانوا يتفرون أرضا فيجدون اهلها قد أودعوا هنالك ما صعب عليهم نقله ،واثقلهم من
الثاث حله ،فاذهبوا بالفساد رسها ول يبقوا منها ف القيقة غل اسها)) .
ويقول التيجان ف صفحة 179متحدثا عن ( تبلبو ) (( :وكانت با قبل هذا غابة نل
فقطعت أيام ماصرة مدومنا لقابس كما هذه صور ينقلها لنا شاهد عيان ف أوائل القرن السابع
الجري.
وال القارئ الكري صورتان اخريان من هذه الصور الت ينحرف فيها الكام عن نظام
السلم ،يقول باحداث أحداها مغامر جرئ يرى وراء الال ويقص علينا التيجان أحداث الصورة
الول نقل عن أبن انيل فيقول ف رحلته صفحة (( : 174وف خلل تنقله -أى اليورقى -إل
تلك الهات بلغه عن أهل طره من أقليم نفزاوه ما غيه عليهم ،فوصل إليها ،وقاتلها حت افتتحها ،ث
أطلق الند عليها ،فقتلوا الرجال ،وانتهبوا الموال ،وافترعوا البكار ،وخربوا النازل والديار ،ووجد
اليورقى با رجلي من أجناد الوحدين كانا قاطني منذ زمان فضرب رقابما صبا ،وترك طرة خاوية
أما الصورة الخرى فاستمع إل التيجان يدثنا عن ذلك ف رحلته صفحة (( : 138ث
توجه النصور إل قفصه فحاصرها حصارا شديدا إل ان خرج إليه اهلها راغبي ف العفو فشارطهم
على تأمي اهل البلد ف أنفسهم خاصة وتبقى املكهم بايديهم على حكم الساقاة ،وجيع من
عندهم من الشود والغرباء والجناد ينلون على الكم .فوقع التفاق على ذلك ،وخرج جيع من
ف البلد من أهلها وغيهم حت ل يبق فيه إل النساء ،فميز أهل البلد وأمروا بالرجوع إل بلدهم.
وبقى من كان با من الغرباء والشود والجناد ومن جلتهم ابراهيم بن قراتكي العروف بسلح دار
التقدم الذكر ،فثقفوا ساعة ،ث جلس النصور أثر صلة الظره بوضع جلوسه ،واخذ الناس مراتبهم،
وامر بأولئك الثقفي فقيدوا إليه فامر بذبهم ،فذبوا بي يديه أجعي ،ل يفلت أحد منهم ،وكان
العى الفهمى حاضرا ،وهو نوى فاضل كان الليفة يعينه لقراءة اولد القرآن ،فطلب ان يسمح له
بشخص منهم ،يتول ذبه بيده ،فأجابه الليفة إل ذلك ،ولا أضجع له طلب يسيا من اللح والصعتر
كما يفعله العامة بالضحايا ،فاضحك بذا الفعل البكى جيع من حضر ،وأمر النصور بدم سور
قفصه وقسمه على جيع من بالحلة فاعادوه ف مدة يومي أثرا بعد عي ،وف هذه الطرة هلك اكثر
نيل قفصه ،إذ كان النصور قد آل أيام حصاره لا أن يقطع كل يوم ألف نلة)) .
هذه الصور الت نقلتها لك أيها القارئ الكري هى أمثلة لسية الكام منذ انرفوا عن التزام
احكام دين ال وبعدوا عن فهم الروح السلمية ف كرامة النفس البشرية وعمران الرض با يزيدها
خصبا وناء ف ظلل العدل .هذا الظلم الذي رأيت صورا منه ما كان يانيه السكان طيلة قرون
وقد كان الباضية أكثر تعرضا لذه اللوان جيعا من الظلم فقد كانت الملت توجه
إليهم ،والدمائس تاك حولم ،والدعاية الغرضة تصدق فيهم ،فكانت مواقف الكام الظالي منهم
هى السباب القيقة الباشرة لنقراض الباضية من كثي من المكنة الت ازدهر فيها الذهب الباضي
وكون با عمرانا ونشر علما .مثل بلده الريد عامة ،وقابس والقيوان والامة وجبال غمراسن
والدويرات وجبال الوايا وما إل ذلك جيعا .ولعل من أهم السباب الت أثرت عليهم أكثر ما
أثرت على غيهم انم كانوا ل يستحلون لنفسهم ان يعينوا الظالي ويرتكبوا معهم ما يرتكبون ،فل
يدخلون ضمن اليوش الضاربة ،ول ينضمون إل الشراذم الخربة ،ول يطالبون بكراسي الكم
لنفسهم بل إن الموال الت تصل إليهم عن هذه الطرق كانوا ل يقبلونا لنا اموال مغتصبة فهى
حرام ،وهم يبتعدون عن ذلك ول ييزونه ل بالقول ول بالعمل .وهذا ما عزلم عن غيهم من
يستحل دماء السلمي واموالم عقيدة او عمل .ووجه إليهم النقد العنيف ،ث الحاربة العلنية والفية،
وقد بدأ هذه الملة العز لدين ال الفاطمى وبالغ فيها العز بن بادرس وتابعه عليها كثي من
الكام الذين يريدون أن يوطدوا للكهم بكل ما وجدوا من وسيلة وإذا كان العزان يرتكبان ما
يرتكبان لتوطيد اللك فيما يزعمان ولقامة دولة وتثبيت حكم ،فقد يكون لما ف ذلك عذر ف
منطق السياسة والساسة .ولكن الذين جاؤا من بعد .من حكام المارات ل يكن القصد ما يرتكبونه
ف الغلب إقامة دولة ،أو خدمة مبدأ ،او اقرار نظام عادل أو جائر ،وإنا كانوا طلب مال،
يستحلون من اجل الصول عليه كل شئ ،وكثيا ما يقوم الواحد منهم فيجمع شرذمة من الغامرين
الذين ل يفرقون بي حلل وحرام ،فيهجمون على أي بلد او قبيلة او حى ،فيقتلون ويغنمون ،ث
يذهبون وقد انتفخت اوداجهم بالنصر الذي أحرزوه ،وجيوبم بالال الذي اغتصبوه ،وقد يرتكبون
من الفواحش ما يتعدى الال والدم فينتهكون العراض ،ويستبيحون الرم ،وقد وجدت قبائل اعدت
نفسها لذه الياة التوحشة ،يتدرب شبابا على القتال بطرق الغارة ،والسلب والنجاة ،ويتغن
شعراؤهم ببطولتهم ف لذك .وما قام مغمر يريد حربا إل انضموا إليه ،ل حبا ف نصرة الغمر ،ول
انتقاما من عدو متربص أو مراعاة لق من حقوق الصداقة أو الوار .ولكنهم يفعلون ذلك لكى
يدوا فرصة لزيد من جع الال من اماكن ل يتيسر لم الوصول إليها دون مساعدة من غيهم،
ويبون ما يرتكبون من هذه الناكر اما باللف النسي او اللف القبلي او اللف على الاكم او
الناع على البطولة واكثر ما يبرون العدوان باللف الذهب .ف الوقت الذي ل يعنهيهم من امر
هذه الوهدة ناس ينتسبون إل العلم والعرفة .من بعض الرحالي الذين يرافقون اولئك الكام ،أو
بعض التعصبي الذين يعملون ف وظائف حكومة من الكومات .فكان لؤلء جهد كبي ف التفريق
بي فرق المة ،وحل الكام الورة على ارتكاب الظلم ،وتيسيه لم ،وتبير أسبابه ،وذلك
باشادتم بذلك الظلم ،واسباغ لون الشرعية عليه ،وتبيره تبيرا دينيا يفف وطأة العقيدة او الضمي
على الظال .وحل السذج والبسطاء من الناس على اعتقاد ان ما ينتزلونه بغيهم من الطوائف
السلمية من عدوان ف ظل ذلك الاكم امر يتطلبه النظام ،ويقره السلم ،ويلقون ف روعهم أن
أولئك الكام -مهما انرفوا يثلون شريعة ال وان اعمالم -كيفما كانت -ومهما كانت
وف مسلك العمى الفهمى الذي عرضناه ف إحدى الصور السابقة أيضاح للنطاط الدين
واللقى الذي يكن ان ينحدر إليه النسان ،حي تغلب عليه الطالع الشخصية فيصبح ل يفكر إل ف
استرضاء مرؤسه ،فتجردا عن كرامته كرجل مسلم يضع لقاييس الق والعمل الت جاء با الدين
القوي ،ويصيا اراجوزا خشبيا هزيل تدفعه الطامع إل أسخف ألوان التزلف واللق .فهذا رجل أعمى
العيني ل يطيق حل السلم وهو نوى فاضل كما يقول التيجان يعن انه ذو مبلغ من العلم ويفظ
كتاب ال فاختاره الليفة ليب له أولده ويعلمهم كتاب ال واداب السلم ،وكان يكفى هذا
العمى ف التقرب والتزلف من الليفة أن يظهر له الرضا عما ارتكب من ظلم وان يبدى له
استبشاره بذا النصر على طائفة من اخوانه السلمي ولكن العمى السخيف كان يعتقد ان هذا
ليكفيه ف اظهار مبلغ مسرته ،فطلب ان يقدم إليه رجل يقتله بنفسه كانه يتقرب باراقة الدم البشري
الذي صانته كرامة السلم ،وكانت ظروفه الاصة تول دونه ودون ان يطلب منه ان يلوث يديه
فقرب إليه رجل موثق بالبال .وهنا تبلغ السخافة بالعمى الفقيه النحوى الفاضل ابلغ ما تبلغ
السخافة برجل ل يترم اليدن الذي يسبغه على نفسه ول الكتاب الذي يمله ف صدره ول حت
البشرية الت ينتسب إليها فيقف موقف الستهي بأمر الشرع ف النهى عن التمثيل بالقتلى ،ويصبغ
هذه الرية النكراء بلون التمثيلية الزلية فيطلب اللح والصعتر كما فعل العوام بالضحايا ف العياد
هكذا يصبح هذا الؤدب الذي اختاره الليفة لتربية اولده ،وتعليمهم كتاب ال ،اجرأ على
مالفة احكام ال وأبعد من آداب السلم ،ف عمل ما كان يطلب منه ،ول تظن فيه القدرة عليه،
ليجرئ الليفة على ما يرتكب ف عباد ال ،ويفضى على اخطائه ثوب الشرعية حت يرتكب اولئك
كان علماء الباضية من أشد علماء المة نقدا لذا السلك ،ووقوفا ف جوه الظالي واظهار
السخط عن أعمالم النحرفة ،ولذلك فقد تسلط اولئك الظالون عليهم وآذوهم ف ال وقتلوا منهم
عددا غي قليل وكانت نقمتهم عليهم أكثر من نقمتهم على أى طائفة من طوائف السلمي فلم يزالوا
بم يوالون عليهم النكبات .ويوجهون إليهم الضربات ،ويواصلون عليهم الغارات ،حت استأصلوهم
من جيع الواطن الت عمروها غي جزيرة جربة الت صمدت للكفاح .وثبت للظالي ،ولقنت
الستعمرين الفرانج ف بعض ادوار التاريخ دروسا عرفتهم قيمة البطولة السلمية عندما يتول قيادتا
اليان والق.
كفاح التعصب الذهب
منذ النصف الثان للقرن الول اختلف اراء بعض علماء السلمي ف بعض أصول العقائد وف
كثي من الفروع ،وتكونت بناء على هذا الختلف ف فهم نصوص الكتاب والسنة فرق وطوائف
تتمسك كل واحدة با اقتنعت به وحسبته أصح ،لنه فيما ترى يستند على الباهي القطعية العتمدة
على أصول الشريعة ،وكان اللف ف مبدأ المر علميا فلسفيا يدور بي طبقة مصوصة من كبار
التابعي ومن جاء من بعدهم ،ولكن سرعان ما استغلته السياسة من جهة ،واليدي الحاربة للسلم
ف خفاء من جهة أخرى كما استغلته الطامع الشخصية ،وعمل على تقويته وإظهاره ف مظهر العنف
والشدة ما يتحلى به بعض من يتمن إل العلم من تعصب مبن على ضيق الفق والفهم السطحى
والتحجر الفكرى.
وتعاونت هذه العوامل جيعا بقصد أو بدون قصد على توسيع اللف بي المة وأذكاء نار
الفتنة بي طوائفها وفرقها ،وتكنت بعض تلك العوامل أن تستغل هذا اللف لغراضها الاصة،
كاليمنة على الدولة ،والتسلط على الكم ،او النتقام من بعض الطوائف والفراد ،او إدخال بدع
ف الدين بقصد إفساده إل غي ذلك من الدواعي والسابا .وكلما امتد الزمن ازداد الناس بعدا عن
الدين وعن فهمه والعمل به ،فازدادوا عمقا ف اللف ،وايغال فيه ،حت جاءت ازمنة كان يسب
فيها التفقهون الامدون انزال العقوبة بن يالفهم ف الذهب قربة يتقرب با إل ال تعال،وإن سب
الفرق الخالفة لم ،وصب اللعنة عليهم من طاعة ال ،وتشبعت أفكار الغوغاء بثل هذه الراء ،وكان
بعض النتسبي إل العلم يتملقون اولئك الغوغاء ويتقربون إل الكام ببالغتهم ف إظهار الكراهية
لخالفيهم ،وقد يستحلون منهم ما حرم ال فكانت ترتكب بسبب ذلك جرائم مؤلة ليس لا من
من الواضيع الت تناولا البحث والنقاش ف القرن الول ف عصر الدولة الموية موضوع
الدول الظالة الائرة ،هل يب على المة إذا تول امرها امام جائر ل يتقيد باحكام ال ،أن تضرب
على يده ،وتطالبه بالعد او العزل وإذا امتنع عليها هل يق لا الروج عليه وقتاله إذا اقتضى
المر؟… وافترقت آراء العلماء ف هذا الوضوع فذهب بعضهم إل وجوب مطالبته بالعدل والقيام
بأمر ال والتزام أحكامه فإذا امتنع جاز عزله او قتله .وذهب آخرون إل أن الصب على ظلم المام
وعدم قيامه بأمر ال أهون من الثورة عليه لن الثورة عليه قد تؤدى إل فتنة تذهب بالموال
والرواح.
وأصبحت هذه الراء فيما بعداراء للمذاهب السلمية كل مذهب يرجح رأيامنها ويذهب
ف تعليله والتليل عليه بنفس الرص والقوة الت يدلل با على غي ذلك من آراء الذهب.
وطبيعي ان الكام وأصحاب السلطة يهمهم ان يعتنق الناس الراء الت تدعو إل مسالتهم
وأن تتغلب هذه النظرة الوديعة على نظرة الثورة والتشدد ،ولذلك فقد ايدوا ف مبدأ المر من يقول
بالصب للسلطان والرضا بالواقع وحاربوا بكل عنف وقوة من يمل الفكرة الثورية ويدعو إل عدم
قبول الظلم واعتبا الاكم مكلفا بهنة فإن أحسن القيام با شكره الناس واجره على ال ،وإن ل
يسن القيام با طالبوه ان يعتزل امرهم ليتوله من هو أجدر به وحسابه على ال .وهكذا فرض
أصحاب الكم حايتهم لبعض الذاهب وحاولوا أن يغلبوها على غيها وأن يعمموها غي الواطن
الاصة بكمهم وذلك ليس تفضل للمذهب نفسه ول اعتقادا ان آراءه أصح من آراء غيه فإن هذا
الانب ل يتوفروا على دراسته وفهمه ولكنهم يفرضون حايتهم لبعض هذه الذاهب لن أكثر
علمائها يدعون إل مهادنة الظلم والصب عليه والعتراف بشرعيته ،وهذا ما يهمهم من الوضوع.
ومرت فترات من التاريخ على دول حاولت ان تفرض مذاهب خلفائها بالقوة وكانت تنل أشد
العقوبات بن يالف مذهب الدولة ،وتضييق الناق على العلماء الخافي لا ف الذهب وعلى
والمثلة على ذلك ف التاريخ السلمي كثية ،اهتم الؤرخون منها اهتماما خاصا ببعض
الواقف الت وقفها خلفاء الدولة العباسية لمل الناس على بعض آراء العتزلة ،وتدثوا باسهاب عن
الحن الت اصابت بعض أئمة الذاهب بسبب آرائهم الخافة لراء الدولة ،ولعل ما كان يقع ف
جهات أخرى كان أشد وأقسى ،فقد تسلط بعض اللفاء العباسيي على بعض الئمة الذين يالفونم
ف بعض الراء العقيدية .فحبسوا منهم من حبسوا وضربوا من ضربوا وعذبوا من عذبوا وعقدوا لم
مالس الناظرات ولكن غيهم من السلطي قد تاوز هذه الوقف كلها ف حل الناس على
مذاهبهم .ولقد سبق ان أشرت ف بعض الفصول السابقة إل أحداث ما قام به العز بن باديس حي
آراد ان يمل الناس جيعا على اعتناق الذهب الالكي الذي اعتنقه هو أخيا بعد ان كان على
مذاهب الشيعة ،ولكنه رجع إل الشاعرة لن أغلبية السكان الذين كانوا تت حكمه كانوا أشاعرة
فاعتنق مذهبهم ليضمن ولءهم ث زاد على ذلك فاشتد ف عقاب مالفيه وآذاهم ف اموالم
وأنفسهم ،ولقد تتبع الباضية ف كل مكان وأنزل بم ما يستطيع من الذى ،وضيق عليهم مال
الياة ،حت هاجر كثي منهم ،ول يقف عند هذا الد بل تاوز ذلك إل نوع من الطغيان ل يسبق
إليه ،فقد جع إليه علماء الباضية وصلحاءهم ،ث أمر بقتلهم ،حت ينشأ الناس غي عارفي بذا
الذهب فيعتنقون مذهب اللك ،وهي خطوة ل يطها أحد من ملوك السلمي ف تاريهم الطويل.
وسار على منواله ف تتبع الباضية والتضييق عليهم وقتل علمائهم لتفه السباب كثي من جاء من
بعده ،يمل بعضهم على ذلك تعصبه الذهب وحاسه له ،ويمل البعض الخر على ذلك أغراض
دنيوية أخرى فيتخذ ذلك وسيلة للنتقام أو لمع الال ،أو حت للوصول إل منلة أو وظيفة ،ول ير
قرن واحد على الباضية ف البلد التونسية ل توجه إليهم فيها اعنف الضربات ،ول تسل دماء
الشهداء من العلماء العلم بسبب ذلك التعصب الذي تستغله السياسة والطامع والقد ،وقد
تاوزت هذه الضايقة رجال الدولة والقائمي على الكم إل أفراد الشعب ،ث تاوزت افراد الشعب
إل ناس ينتمون إل العلم ما اضطر علماء الباضية إل الدفاع عن انفسهم ف هذا الجال .بل لقد
كان موقف بعض النتسبي إل العلم ،الضيقي الفق ،ف هذا الجال أشد سوء من مواقف غيهم.
وبسبب احاديثهم ف الالس ،وفتاواهم للناس ،ومراضاتم للحكام ،كان يقع بي فرق السلمي من
شحناء ونزاع يتعدى ف كثي من الحيان مناحي القول إل مناحى العمل ،فينتج عنه استهانة
بالقوق واستخفاف بالرم النسانية الت حفظتها شريعة ال ،وصانتها كلمة التوحيد .ولعل ما
يوضح هذا الانب أن أضع بي يدي القارئ الكري .صورا من الحداث الت كانت تقع من حي إل
حي فتؤثر أسوا الثر ف نفوس الناس وإل القارئ الكري امثلة من ذلك.
تاصم تاجران ف طرابلس على قضية من قضايا التجارة وترافعا إل القاضي ،فطلب القاضي
البنية من الدعى فاحضر الدعى شاهدين من أهل جربة وقع التعامل أمامهما وكان الشاهدان من
الباضية فدفع الدعى عليه هذه البينة بانه ل يقبل شهادة الباضية ،دون مطعن ف الرجلي ،واستمع
القاضى إل هذا الدفع وقبله ورد شهادة الشهادين ل لشئ إل لنما على الذهب الباضي ورفعت
القضية إل الفت فصدق على حكم القاضي ،وكان حينئذ جاعة من تار جربة ف طرابلس فساءهم
هذا الوقف من القاضي والفت فاحتجوا على ذلك احتجاجا شديدا ووقعت بسبب ذلك ضجة
كبى من الصومات والشاحنات حت بلغت وإل طرابلس وكان حينئذ على باشا عسكر فاهتم
للموضوع الشهادة والسباب الت ترد با واتفق العلماء ودرسوا موضوع الشهادة والسباب الت ترد
با واتفق العلماء الاضرون ف الجلس على أن فضيلة القاضي كان مطئا ف حكمه وأن ساحة الفت
سايره على اخطائه وابدى كل من القاضي والفت ف أول المر استمساكهما برأيهما وحاول أن
يصرا على ذلك ،ولكن موقف العلماء الصلب إل جانب الق اجبها على النصياع والرجوع.
ووقع موقف آخر شبيه بذا الوقف ف تونس ف ولية حسي باى فقد طعن بعض الناس ف
شهادة علماء جربة ،وردها بعض القضاة ف الكم ل لشئ إل لن اصحابا على الذهب الباضي،
ووقعت بسبب ذلك ضجة عظيمة ورفع أهال جربة شكاية إل وال .تونس وإل علمائها وقضاتا
يطلبون منهم التحقيق والنصاف ،ولقد اهتم الوال والقضاة والعلماء بالوضوع ،وعقدوا لجل ذلك
(( المد ل وحده ،والصلة والسلم على ضيفه وصحبه ،وعلى آله وسلم تسليما ،سبب
تبي حروفها ،وتسطي صفوفها ،هو أنه بجلس الشرع الشريف ،ومفل الدين النيف بالزيرة
الضراء بثغر تونس ،عمرها ال بالسلم ،لدى سيدنا ومولنا أقضى قضاة السلم ،أول ولة النام،
عي الوال العظام ،مرر القضايا والحكام ،بزيد الحكام ،ميز اللل من الرام ،مول شريعة سيد
الرسل الكرام ،ممد عليه أفضل الصلة والسلم ،بالدلة الواضحة والباهي العظام ،راجى لطف ال
البدئي العيد ،مولنا شيخ السلم خطيب منارة اوزاده وبلده ،ذا منلة السعادة ،الناظر ف الحكام
والمور الدينية والدنيوية ،والتعلقات الشريفة السلطانية الواضع خطه الكري ،وطابعه العظيم اعله،
لطف ال به وقضاه وبعد فقد اتفق علماء تونس على تويز شهادة العزابة ف العموم والصوص ،ل
سيما أهل الصلح ،لن شهادة من أتى بالقول والعمل أبلغ من اتى بالقول وضيع العمل ،إذا
القصود ،من قدح ف شهادة العزابة لزمه الكفر على كل حال ،قال ال تعال (( إنا الؤمنون أخوة ))
وقال صلى ال عليه وسلم (( من قال ل إله إل ال إيانا واعتقادا دخل النة )) فكيف ووجود ذلك
قائما بذاتم ويقدح ف أعراضهم ،هذا ما ل يوز ف الشريعة الحمدية ،والعارض ف شهادتم قد
ارتكب معصية شديدة ،ويؤمر بالستتابة بسرعة ،فإن أب قتل من ساعته ،لن ذلك ما يسوغ
بالتهزئ والقدح ف الدين الحمدى ،كما يفهم من لن خطابه وفلتات كلمه ،وليس ذلك من دأب
الحصلي ،ومن حق السلم على السلم ان يستر عوراته ،ويتجاوز من هفواته ،وانه من دين ال كما
نص عليه سيد الحققي مولنا قاضي السلمي حفظه ال ورعاه ومن كل نزغة وقاه باه النب المي
وال اعلم .وقع الجتماع بي يدى العظم المد الند ،صاحب اللواء الوقر أمي الؤمني ،وسلطان
السلمي ،مولنا حسي بأى ادام ال أيامه واجرى برياح النصر فكله ،أمي يارب العالي بتاريخ
تصديق الفتوى
(( المد ل وصلى ال على رسوله .ما أفت به الشيخان أمامه حق ،وعليه العمل ،ول يدى
القادح العتذار بل ينتهى عن ذلك وإل قتل شرعا ،حلصلة يقضى بشهادتم ف سائر الفروع
والعمال ول تنعكس شهادتم باختلف الفروع ،لن الجتماع عند ثبوت الصل القيقي بورود
القول العتمد عليه السلمون ل خلف فيه وال أعلم حرره افقر الورى إل من بسط الثرى.
أما الرسالة التية الت تقدم با أهال جربة فهى توضح لونا آخر من ألوان الضايقات الت
كان يلقاها الباضية فال القارئ الكري صورة الرسالة بعد حذف الديباجة :
(( اما بعد فالعروض على سعكم الكري -ل اوقر ال لكم سعا ،ول شتت لكم جعا -أن
الوجب لذا الكتاب ،الشكوى ل ولذوى اللباب ،ما رمانا به النمام الغتاب ،ما ل تبحه السنة ول
الكتاب ،ونن منه بريئون ،وعنه مبعدون ،وكم وكم كتبنا من كتاب ،للسيادة العلية ،متبئي من
هذه البلي ،فلما ل نر لحدها جوابا ،جزمنا بعد وصولا ،ل بعدم قبولا ،لن العذر لهل العذر
مقبول ،عند ال وأول العقول ،وهو الذي يقبل التوبة عن عبادة ،ويعفو عن السيئات .فلما عيينا من
الكتابة والرسال وأيسنا من الوصال ،فوضنا المور لذى العزة واللل … والطلوب من السيادة
العلية ،أن ل تقبلوا ف الرعية خصوصا ف هذه البلية ،ال قول من سلم من الغراض الدنيوية ،قال ال
( )1من الؤسف أنن ل اتكن من مراجعة النص على السجلت الرسية وقد نقلت الفتوى والتصديق عليها كان التوقيع ف أحداها بلقبالعبار وكان 12
ف الخرى بالعباري.
تعال (( :يا أيها الذين أمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بهالة فتصبحوا على ما
فعلتم نادمي )) .وسبب نزول هذه الية كذب الوليد بن عقية على الرسول عليه السلم.
وكتبنا هذا مبين ومعتذرين ،ل ناهي ول آمرين ،وللعفو طالبي فالعفو والمان ،با أول
الفضل واللم والحسان عمن كان بريئا مرميا بالبهتان ،من غي حجة عليه ول برهان ،وفارق
والطلوب من فضلك الزيد ،أن تن علينا بأمرك السعيد ،أسعد ال لك اليام ،وات عليك
النعام ،برمة النب ،عليه الصلة والسلم ،والسلم عليكم من الهل والولدان والخوان ،والدم
والخذان ،عم ال الميع بالفضل والحسان والمد ل ذى الفضل والنة إذ وقاكم وكفاكم شر
هذه الفتنة.
هذه الصور الت وضعتها بي يديك أيها القارئ الكري صور هادئة ،وقد اتيح للفريق الظلوم
فيها ان يدافع عن نفسه او أن يستعي بالعلماء الخلصي الذين يفهمون أصول الشريعة ،ويرصون
على وحدة المة فيفعونا فوق خلف الذاهب ،على اثبات حقه ،وإليك أيها القارئ الكري صورا
أخرى تمل طابع التعصب العنيف الذي يتجاوز لترى مبلغ ما وصلت إليه العصبية عندما ل تد
هذا قاض يضر عليه ملس الدراسة بعض الطلبة وبعض التفقهي فيقرر لم بعض العلومات
ف مسائل التوحيد وبعضا ف مسائل العربية فيستأذنه أحدهم أن يعل من ذلك وسيلة لجادلة
الباضية وإقامة الجة عليهم وقطع عذرهم فيأذن له القاضي غي أن طالب العلم يشى صولة العلماء
من الباضية وياف ان يغلب ف النقاش وهو البادئ بالتحدى ،وذللك يقرر ان يكتب تلك
العلومات ف رسالة ويتحداهم فيها ويضع الرسالة ف السجد وعندما يعجزون عن الواب سوف
(( السلم على من اتبع الدى وتنب طريق الردى ،إل العتزلة -يقصد الباضية -الذين
اخذوا دينهم عن عبد حبشى ،الذي ترك لم اللود ف النار ،قال صلى ال عليه وسلم (( من الزم
شيئا لنفسه الزمناه له )) والذين يجبون عن روية البارى جل جلله قال ال تعال (( :وجوه يومئذ
ناضرة إل ربا ناظرة ،ووجوه يومئذ باسره )) اعاذنا ال منهم قال صل ال عليه وسلم انكم سترون
ربكم وقال جل ذكره (( للذين أحسنوا السن وزيادة )) يعن النظر إل ال تعال :لكن طبع ال
على قلوبكم وسعكم وأبصاركم حت صرت تسبون ف دين اللئكة ،التبعي النبئ المي ما أجرأكم
على النار ،وأيضا ال بعد ال عليكم ما تقولون ف النبياء قبل الربعي سنة؟ مشركون موحدون؟
وما تقولون فيمن قال مثلك ل يبخل وغيك ل يود ،وماتقولون فيمن قال :هو وهى زيد عال ما
كان الشان والقصة اجيبونا بكل ما سألناكم عنه ،والفدماؤكم وأموالكم حلل من ال ورسوله)).
وهذه نتف من رسالة أخرى كتبها موسى بن ممد بن الاج الشريف من سكان الريد (( :وإن
وطء نساء الباضية وغنم اموالم اول من الوليمة ،يقتلون قبل الشركي بل بأس ول ضرر على
قاتلهم ،وغنهم ملعونون من ال ،اولم وآخرهم ،وانم يصلبون ،ومن لقيهم حلق لاهم )).وإذا
كانت امثال هذه الرسائل والفتاوي تتداولا اللسنة واليدي ف نطاق ضيق ل تبلغ ان تنتشر ف
الفاق وان أسلوبا يدل على ان كاتبها من الطلبة البتدئي أو من الفقهاء الاهلي الامدين فاليك
امثلة اخرى من ناس ينتمون إل العلم ويقدمون على تأليف الكتب ،ويتمتعون بسمة علمية ذائعة ث
أضفى عليهم الزمن جلل القدم فأصبحوا ف العصر الاضر من مراجع التاريخ .فهذا ممد العبدرى
البلنسى مثل يقول عن جربة ،وهو ل يزرها ول يقم با ول يتصل باهلها (( .واهلها أصحاب
مذاهب رديئة وأواء مضلة ،مثل زواره وزواغه ما يلى (( :ومنها إل قريت زواره وزواغة ذوى
النفس البيثة والقلوب الزواغة ،معتقدات شنيعة ،وأعمال كسراب بقيعه ،ومذاهب سوء رديئة
وضمائر شر عمرت منهم كل طوية ،قطع ال دابرهم ،وخضد اصاغرهم واكابرهم ،ول أخلهم من
أما أبو عبدال التيجان وهو يقوم مقام الصحفى الأجور لب زكرياء اللحيان فقد أجاز
لنفسه أن يأت بسلسلةمن الفتريات وهو يتحدث عن جربة فقال (( :والتصلحون منهم ل ياسحون
بثيابم ثياب أحد من ليس على مذهبهم ،ول يؤاكلونه ف آنيته ،وان استقى عابر سبيل ماء من بعض
ابيارهم استخرجوا ماء البئر كله فما حوه ،وثياب النب عندهم ل يقربا طاهر ،وثياب طاهر ل
يقربا جنب ،وقد شاهدت منهم من كان على طهر إذا اجنب غسل ثوبه الذي أجنب فيه يرفعه
بعصا او بححن ث يلقيه ف البحر فيخضخضه بعصاه ساعة ،ث بعد ذلك يتناوله بيده ويوجبون على
أنفسهم الغسل صباح كل يوم رجال ونساء .أجنبوا أو ل ينبوا ،ويتوضئون ث يتيممون ،وقد
شاهدت هذا منهم كثيا ويشترطون ف وضوئهم غسل اليدي من الكتاف إل غي ذلك من آرائهم
الواهية ،والفعال الت حكينا عنهم منها ما شاهدناه وهو ما قصصنا ومنها ما حكاه عنهم الشريف ف
كتابه الؤلف للجار )).هذا ما يقوله التيجان عن الباضية ومن الؤسف انه ل يترك لنا وسيلة نلتمس
له العذر فنحسب ان أن هذه الفتريات إنا نقلها عن غيه او تسربت إليه عن بعض العوام الذين ل
يتاجون لدينهم ول لعراضهم وغنما اكد لنا بصفة القطع ما قصه علينا إنا شاهده هو بنفسه وإن
هنالك أشياء اخرى حكاها غيه وهذا إن دل على شئ فإنا يدل على أن أبا عبدال التيجان ل يوثق
بكلمه عندما يتحدث عن الباضية وإن سعيه لرضاء مدومه وتسهيل ارتكاب الظلم عليه وعلى
جنده حل أبا عبدال ان يرتكب جلة من الكاذيب للتشنيع على الباضية حت يكرههم ف نظر
الناس.
وضع بي عينيك هذه الكاذيب الت احسب أنا ل تطر لغي خيال التيجان الصب ()1
وجوب الغسل كل صباح سواء كان له سبب او ل يكن ( )2الكم بنجاسة البئر إذا شرب منه
مالف واستخراج مائة ( )3البتعاد عن الناس وعدم ماسته ثيابم ( )4انعزال النب عن أن يس
احد أو يسه احد ( )5القاء الثياب الت وقعت با النابة وعدم تناولا باليد ( )6الوضوء ث التيمم
هذه الصور من الحكام الت خطرت لب عبدال التيجان فالصقها بالباضية ف جربة وهى
انه ل حاجة بالقارئ الكري إل أن نفد له هذه الكاذيب الواضحة فإذا شاء ال ان يسترسل
ف اليال مع أب عبدال التيجان فليتصور إن سكان جربة يقومون ف الصباح الباكر وكل واحد
منهم قد حل ثوبا على عصا او مجن تفق به الرياح وهو منصرف إل البحر ليخضخضه وليتصور
الزمة الت تدث لهل جربة عندما زارهم التيجان ورفاقه فإن أهل جربة يشربون من مياه المطار
الت يمعونا ف صهاريج فلما جاء هذا اليش الكبي الخالف لم ف الذاهب وشرب أفراده من تلك
الصهاريج فإن خيال أب عبدال او حكمه يقتضى أن يقوم أهل جربة إل تلك الصهاريج يستخرجون
ماءها الذي شرب منه عابروا السبيل فييقونه .ويشربون هم من بعد ذلك هواء البحر .والصورة
اللطيفة هي هذا الرجل الذي وقف طاهرا بي يدي التيجان وتقق طهارته ث أجنب بي يديه حت
يتأكد التيجان من القيقة ث نزع ثوبه الذي أجنب فيه ورفعه بعصا أو مجن فالقاه ف البحر
وخضخضه .إن هذا الرجل او هذه الرأة إنا قامت بذه التجربة ليتأكد ابو عبدال ما يروى للجيال
هذه امقله ما يوحى به التعصب الذهب قد يكون التعصب نفسه دافعا إليها وقد تكون
هنالك اغراض أخرى هى الت تدفع إل ذلك والقيقة أن التتبع لحداث التاريح يد كثيا من هذه
الواقف الؤلة ،والرجل العامى الساذج عندما يسمع فقيها أو قاضيا او عامل مؤرخا يثق فيه وف
علمه ودينه يقول ان غنيمة أموال الباضية حلل أول من الوليمة او يسمع عالا أديبا مدثا مثل
العبدرى يقول عن الباضية (( قطع ال دابرهم وخضد أصاغرهم واكابرهم ،او سع هذه السلسلة
من الفتريات الت تفتق عنها خيال أب عبدال التيجان وهو الديب الفقيه الؤرخ … أن أولئك
العوام قد يعذرون فيما يرتكبون .أما الكام الذين يهمهم ان يدوا وسائل للعقوبة او لبتزاز الموال
فغن امثال هذه الحاديث تكون سندا لم وحجة يعتمدون عليها وهم وإن كانوا يعرفون إنا مبنية
على كذب او حنق او جهل أو غي ذلك من السباب إل انم يستغلونا ف بعض الواقف الت
يتاجون فيها إل مثل هذه الدعاية على القل حت يطمئن بعض التابعي لم انم ل يرتكبوا مرما فيما
ولعل من الشياء الت اضرت بالباضية انم كانوا يتنهون كثيا عن الشبهات ،وياولون
جهدهم ان يبتعدوا عن الرام وأسبابه ولا كان اكثر ولة الكم ل يراعون احكام السلم ف نظام
الكم ،وجباية الموال .فقد كان الباضية يبتعدون عنهم فل يعينونم ،ول يستعينون بم ،ول
يتطلعون إل الدخول ف وظائف حكوماتم ،ول يسعون إل الصول على الناصب فيها ،وغنما
كانوا ياولون ان يعيشوا ف متمع نظيف ،بعيد عن مظاهر الكم ،قائم بدين ال حريص على أن
يتول شئونه الدينية بنفسه ل يبال ما يراه فيه الغي وكان الباضية ف البلد التونسية بالذات قد
يضعون للدول التعاقبة ،او للحكام الختلفي على منصة الكم ويدفعون لا او لم ما يتقرر من
ضرائب وتكاد تقف علقاتم بالكومات والكام ف هذا الد لو تركوا وشأنم.
ولكن اولئك الذين يصطادون ف الاء العكر أما لعصبية طاغية على نفوسهم أو مطامع تليها
عليهم شهواتم وأما لتزلف وتقرب وملق إل الكام التماسا للحصول على مرتبة او منصب ،واما
إظهارا لماية الدين والذود عنه استجلبا لحبة العامة واحرتامهم .هؤلء الذين يصطادون ف الاء
العكر ل يلبثون ان يرضوا أثائر من الثوار او شيخا من شيوخ القبائل الضاربة على شواطئ الزيرة
تترف الغارة والسلب ،او اميا ل تزال خزائنه ف حاجة إل مزيد من الال ،او حاكم يعتقد انه اعظم
من ان يبقى احد دون ان يدخل تت جناحه ف رغبة وشوق ،فيوحى إليه أولئك التملقون بإن
أولئك الباضية مالفون ف الذهب ،وانم غي معترفي بالكم ،وغنهم يستكبون ف انفسهم فل
وهكذا تتجرد غارة او حلة على موطن من مواطن الباضية فتذهب أرواح وتستباح أموال.
ول تزل هذه الواقف متكررة ف أغلي البلد التونسية فكان الناس ف بلء متواصل ما اضطرهم أما
إل الجرة واما إل تغيي مذاهبهم حت انقرض الذهب الباضي من بلد الريد كلها ومن جبال دمر
وما يتصل به ومن القيوان وقابس والامة وغيها ول يبق ف غي جزيرة جربة على ان سكان جربة
قد عانوا من التعصب الذهب أشد ما تعانية امة ،وقتل ف سبيل ذلك من أبنائها علماء اعلم وعذبت
طائفة ومثل بآخرين ول يكن يفف عليها إل حينما ترتفع الشاكل إل تونس ويضرها علماء
الشريعة الحققون الذين يرتفعون بفهمهم لكتاب ال عن مستوى العصبيات والترضيات .وقد سبقت
العدوان الذي يسلط عليهم وكانوا يبتعدون بعدا كامل عن الشتراك ف الكم والناع عليه ،وكان
العلماء منهم يكبحون جاع العوام ان يطئوا فيتكبوا ف غيهم ما يرتكبه الغي فيهم ،عندما يكون
العدوان عليهم بالسلح يقنصرون على دفع الذى على انفسهم ورد العدوان عنهم إن استطاعوا دون
ان ينتقموا او يقوموا بالثل حت عندما تتحقق لم الغلبة ،اما عندما يكون العدوان بالطعن ف العقيدة.
او ف آراء الذهب ،فيقتصرون علماؤهم غالبا على بيان براهينهم وحججهم الت اعتمدوا عليها
والول الت استندوا إليها ف القول الذي اختاره .إل إذا كان النتقد لم قد بلغ به التنطع واللجاج إل
الد الذي أصبح يتحدى القوم بذلك فغنهم جينئذ ،يتجهون إليه بالرد ،على سبيل من سبل الناظرة
ويبدو من بعض الحداث الت حفظها التاريخ ان علماء الباضية قد بدأوا منذ القرن الادي
عشر يتخلون عن موقفهم ف الدفاع السلب ،والبعد عن رجال الكم .إل دفاع فيه بعض اليابية.
فقد كان معروفا عنهم أنم ل يلتجئون إل دولة أو حاكم ف رد العدوان او رفع الظلم عنهم ،وإنا
يدفعون ذلك عنهم بأنفسهم ان استطاعوا او يصبون لا ل يستطيعوا ولكنهم ابتداء من القرن الادي
عشر قد بدأوا يعرضون مشاكلهم على الدولة ،ويطلبون منها كف الذى عنهم ،يستعينون بقوتا
على رد العدوان ويطلبون منها أن ل تستمع فيهم إل وشايات ذوى الغراض دون تقيق ،وإل
يقول أبو الربيع اليلت (( :وف جادى الخر من السنة الذكورة -أي - 1010سعى
بالشيخ العال العلمة أب القاسم بن سعيد اليونسي الصدغيان وحبسه التراك بطرابلس ،وبقى ف
السجن إل ان سارت الفقهاء وبعض وجوه الوهبية إل طرابلس واتوا باطلقة من الباشا والديوان بعد
ويقول أبو الربيع اليلت (( :وف سنة 1020سعى بالاج يى بن عمر القلل عند
ديوان تونس بانه مفسد فبعث إليه ،وسار إليها ،ودافع عن نفسه واحتج لا وتبعه الشيخ أبو سلمة
الذكور قبل ،وبعض مقدمى جربة ووجوهها ،وكانت الجة لم)) .
ويقول أبو الربيع اليلت (( :وف سنة 1024سافر الشيخ أبو القاسم اليونسى إل تونس
لا سعى به عند الباشا وبعث إليه طالبا منه ألفى دينار سلطانية ،وسافر مع جاعة من الفقهاء وغيهم
فايده ال ونصره على من عاداه وصار له الفخر العظيم عند أمراء تونس وفقهائها ،وقد كان سبقه
هناك من سبقه ،وفتح له ما كان مغلقا من أبواب الي ،وانسد عنه ما كان مفتوحا من أبواب الشر،
فانتصر والمد ل ،والتقى هناك مع القاضى الذي طعن فيه ،وخصمه ( )1وغالبه ،وكانت الدائرة
عليه ،وعزل وطرد وسقط ف الفرة الت حفر ،وصار مثال يعتب ورجع الشيخ إل وطنه سالا غانا)).
ويتجلى هذا لتاه ف الواقف الكثية الت وقفها العلمة أبو عبدال ممد الصعب وف
الواقف التتابعة الت وقفها المام العلمة أبو يعقوب يوسف الصعب .فقد اوتى الرجل من غزارة العم
وصحة الدراك وقوة الدراك وقوة الرادة والشجاعة ما جعله ل يشى حاكما ،ول يتوقف عن رد
عدوان عملى او قول ،فكان ل يفتأ ينتقل بي طرابلس وتونس والزائر ،ويناقش قضاتا وحكامها،
ويامرهم بالعروف وينهاهم عن النكر فما تصدر من احد طعنة او وشاية ف الباضية .حت يتحرك
أبو يعقوب للتحقيق عنها وردها أو الرد عليها ،وأبطال مفعولا وف امكان القارئ الكري أن يراجع
ترجته الختصرة بقلم شيخ الصحافي ف الزائر الشيخ أب البقظان اللتجاء إل الكومة ،ف دفع
العدوان وإن بدات بوادرها حسبما وصلت إليه ف أباثى التاريية عن الباضية ف تونس مع القرن
الادي عشر واستمر اللتجاء إل الكومة كوسيلة من وسائل الدفاع ،يلتجئ إليها الناس ليدوا
عنهم ما يلحقهم من الذى .وبعرفة الناس لوسائل التصال بالكومة او الستفادة منها وطرق
ماطبتها زادوا خطوة اخرى هى خطوة إعطاء القوق او ثبات القوق .فبدا الناس اول المر -على
احتراس -يلتجئون إل الكومة لثبات حقوق لم ،ث تعودوا ذلك فاصبحت المور تري عادية
منهم كما ترى من غيهم ،وأصبحت الدولة ودواوينها هى مرجع الناس ف دفع الظلم وف نيل
القوق يفعلون ذلك كما يفعله غيهم ،وقد كان لذا التاه الديد آثار واضحة على الناحيتي
الدينية واللقية عند الباضية ربا تدثنا عنها ف فصل من فصول هذا الكتاب.
ويدر بنا ونن نستعرض التعصب الذهب ان نشي إل أن التاريخ قد حفظ لنا صورا من
ذلك النقاش الذي آثاره التعصب ،ومن النصاف ان نقول ان أغلب ما وجه إل الباضية من طعون
13
ونقود يدل ببناه على سطحية قائليه وعامية تفكيهم أو على سوء قصد من بعضهم كما انه ما
يدل على تغلب الروح السلمية الؤمنة ومبة النصاف والعدل والنتصار للحق ،وما قامت به بعض
المعيات العلمية ف تونس ف بعض الواقف .فقد عقد علماء القيوان اجتماعا ف القرن الرابع
الجري قرروا فيه وجوب مناصرة الباضية ومؤازراتم وجوبا شرعيا ( )1وحكم الجلس العلمي
الذي بث قضية الطاعن ف شهادة الباضية ! وحكم عليه بالتوبة او القتل .وهنالك مواقف كثية
من العماء ف تونس وف غيها شبيهة بذه الواقف على ان هذا القدر كاف ف الدللة على ان
الحقيقن من علماء السلم ف تونس كلنوا يعلمون جاهدين على ل شعت الة وعدم التفريق بي
طوائفها وعناصرها ،وإن إولئك الذين كانت تركهم العصبية فيسيئون إل غيهم من الذاهب
أفهامهم عن استيعاب حقائق السلم فكانوا يندفعون اندفاعا هستييا دون ترو او فهم.
ولعله يكون من الناسب ان اختتم هذا الفصل بأقوال لبعض فطاحل العلماء ،قال أبن السبكى ف جع
الوامع (( :ول نكفر احدا من اهل القبلة بذنب )) .وقال أبو السن الشعري (( :احفظوا عن أن
ل اكفر احدا من اهل القبلة لن رأيت الكل مشيين إل معبود واحد)) .
وقال زورق (( :يب الحتراز عن التكفي ف أهل التأويل فإن استباحة الصلي الوحدين
خطأ قال صلى ال عليه وسلم (( :فإذا قالوها فقد عصموا من دماءهم واموالم .ال )).
اقال أبو حامد أبو حامد الغزال (( :ان انصفت علمت ان من جعل الق موقوفا على بعض
وقال قطب الئمة الشيخ ممد أطفيش (( :ول نل مال الوحد بالكبية ول بالضغية ف
حرب ول ف غيها ،للغن والفقي ،وهذه تأليف الشيخ عامر وتآليف أصحابنا كلهم تصرح بتحري
اموال اهل التوحيد ،ال بقها الديث (( :امرت ان قاتل الناس حت يقولوا ل إله إل ال فإذا قالوها
حقنوا من دماءهم واموالم)) وذلك مصرح به ف نو مائة كتاب ف كتب أصحابنا ،وليس من
أصحابنا احد يقول بلها إل بقها ،وليس الكبية ول الصغية مبيحة لا)) .
ويقول القطب بعد كلم (( .ونن بعد ل نقول بالروج عن سلطي الور الوحدين ومن
نسب إلينا وجوب الروج فقد جهل مذهبنا )) .ويقول بعد كلم:
( )1ل اتكن عند كتابة هذا الفصل من الصول على نص القرار 14
(( واما ما ذكر من القول بان دار السلم غي دار سلطانم فل قائل به فإنه إذا ل تكن دار
سلطانم دار اسلم فكيف تكون دار غيه دار اسلم ؟ إل أن أراد انه على غي حق )) .هذا كلم
للقطب رحه ال رد به على رسالة ف الطعن على الباضية للمفت الطرابلسى ابن مصطفى.
وقد يكون مناسبا أن اقتطف جل ما رد به أبو عبدال ممد الصعب على أحدى الرسائل
الت عرضتها على القارئ الكري ف أوائل هذا الفصل وقد تتبعها أبو عبدال الصعب فقرة فقرة .ولا
كان كثي ما ورد فيها أما مباحث معروفة ف علم الكلم وتناولا أكثر علماء السلم بالناقشة
والبحث ،او شواهد تتعلق ببعض احكام اللغة العربية فإنن رأيت ان أقتصر ف هذه القتطفات على
مال يتناول تلك الواضيع العروفة ،ليعرف القارئ الكيم أسلوب الشيخ ف لرد على التهجم رد
العال الحقق ،وغن كانت تصدر منه من حي إل حي كلمات تشعر بالنق والغضب .قال أبو
عبدال (( :واما قولك اخذوا دينهم من عبد حبشى فإن جعلت هذا عيبا فامامك مالك مول من
الوال ،وكثي من ائمتكم ،وأما نن فل عيب لنا ف أحد إل فيمن ل يتبع كتاب ال وسنة رسوله
صلى ال عليه وسلم يقول ال تبارك وتعال (( :خلقت النة لن اطاعن ولوكان عبدا حبشيا،
وخلقت النار لن عصان ولوكان ملكا هاشيا )) .واما قولك ام ل تيبون با سألتكم عنه فدماؤكم
اوجه ،هبة عن تراض او بيع عن تراض او مياث من كتاب ال تعال -ولكن ماطبت اياك كمثل
من خاطب الذي ينعق با ل يسمع الدعاء ونداء صم بكم عمى ،فهم ل يعقلون )) .
كفاح الصلبية الانفة
ف هذا الفصل احاول ان ألص للقارئ الكري ذلك الكفاح الجيد الذي قام به أهال جربة
البطال ف دفاع الغزو الجنب ،الذي كانت تقوم به الصليبية الانقة على السواحل السلمية ف
بلد الغرب السلمي ،اما على سبيل القرصنة والسرقة واما لحتللا والنتقام منها فيما تزعم .وف
الفترات العصبية الت كانت المة السلمية ف بلد الغرب تت حكم دويلت متقطعة متخالفة
القاصد وامارات مستبدة متغطرسة تعان أقسى انواع الظلم من الكام الحليي الذين ل يهمهم من
مظهر الكم غي ألقاب فخمة يطلقونا على أنفسهم ،ومظاهر كاذبة للعظمة يزينون با مالسهم
ومواكبهم ،وضرائب متتابعة يفرضونا ،وأموال كثية يمعونا ،يزينون با مالسهم ومواكبهم،
وعقوبات مؤلة ينلونا على شعوبم ،ف هذه الظروف العصبية كانت الة الؤمنة تنظم شتات قوتا
لتدافع با بقى لا من عزة الؤمني اعداء ال واعداء الوطن فكان الناس يدافعون عن بلدهم ف الثغور
السلمية مثل بابة ووهران وقابس وطرابلس وغيها دون أن يدهم اولئك الذين يتمرغون ف النعيم
-با ابتزوه من اموال ليس لم الق ف ابتزازها -ف كثي من الحيان باي مساعدة ولقد كانت
اكثر الثغور البعيدة عن مراكز الكم تعان الوانا من الظلم من الكومات والولدة الحليي من جهة،
وتكون عرضة لضربات الغزاة من العتدين الفرنج من جهة اخرى ،وعليها وحدها ان ترد عدوان
ولقد كانت جربة ،من هه الثغور الت ياول الغزاة الغربيون احتللا والستقرار با ليتخذوا منها
قاعدة ف حروبم وغزواتم ،وكان المراء ف تونس وطرابلس ل ينفكرن عن الناع عليها وماربتها
واحتللا او افتكاكها من بعضهم البعض ،وف كل معركة من هذه العارك الت يتبادلا الخوة طلبا
للحكم يتعرض الناس لشد انواع البلء والحنة والنتقام ،فيقتل شبابم وتصادر اموالم وتفرض
عليهم غرامات وضرائب ،وقد يتعدى المر كل ذلك فيؤدي إل استحلل ما حرم ال من اعراض
ومع هذه الصورة البشعة الت كان يتعرض لا اهل جربة ،احيانا من اخوانم ف الدين ،واحيانا اخرى
كثية من اعدائهم ف الدين والوطن ،فانم كانوا يرتضون ما يره عليهم حكم اخوانم ويسكتون له،
ولكنهم ل يطأطئوا رؤسهم بذلة امام اعداء ال ،ول يسكتوا عن ضيم منهم ،ول يرضوا عن عبودية
تفرض عليهم ،ول يقفوا مكتوف اليدي عما ينل بم الظالون ،فلقد كتبوا امد صفحة ف الدفاع
عن الدين والوطن ،وسجلوا انتصارات تكاد تكون صورا حية للنتصارات الت سجلها الؤمنون ف
كل عصر ،وف كل مكان ،واقاموا الجة على السلمي ف كل عصر ،وف كل مكان ،فقد اثبتوا
بواقفهم الرائعة ان النصر ل يتوقف على العدد ول على العدة ،وانا يتوقف على ما يزخر به قلب
الؤمن من مبة للقاء ال ،واستعداد كامل للحصول على الشهادة ،ورغبة اكيدة ف الوت ف سبيل
ال ،وكما انتصرت القلة على الكثرة ف بدر وف الحزاب وف موته وف اليموك وف جربة يكن ان
تنتصر القلة على الكثرة ف كل مكان وف كل زمان إذا توافرت لا المكانيات الروحية الت كانت
ومن اوائل القرن السادس إل منتصف القرن العاشر والفرنج ل يكفون عن غزو جزيرة جربة
وازعاجها باساطيلهم وقواتم ،وقد يتغلبون عليها مؤقتا ولكنها سرعان ما تثور عليهم فتلقى بم وراء
البحر ،وقد تنتصر عليهم من اول المر فتردهم خائبي ،ولعل اعظم العارك الت وقعت بي جربة
-1ف سنة 529هجم الفرنج على جربة على حي غفلة من اهلها ودون توقع
-2ف سنة 548ثار أهل جربة على حامية الفرنج الوجودة ف الزيرة واجلوها عن
وطنهم.
-3ف نفس السنة 548ما علم الفرنج بثورة اهل جربة على حاميتهم واخراجهم لا
حت كونوا اسطول ضخما جهزوه بكل العدات وهجموا على جربة فاحتلوها بعد
الوروبية عبيدا.
-4ف سنة 555ثار اهل جربة على الامية الفرنية ومساعدهم عبدالؤمن بن علي -
-5ف سنة 688جهز الفرنج اسطول ضخما وهجموا على الزيرة واحتلوها.
-6ف سنة 73ثار اهل الزيرة على الفرنج وساعدهم ابو بكر الثان فطهروها منهم.
-7ف سنة 835جهز الفرنج اسطول ضخما وهجموا على الزيرة فتلقاهم اهلها
ووقفوا ف وجوههم وساعدهم ابو فارس عزوز فقتلوا من العدو عدد ضخما ،وبنوا
-8ف سنة 916جهز الفرنج اسطول ضخما واته إل الزيرة لحتللا فاعترضهم
شيخ الزيرة ابو زكرياء السمومن وانتصر عليهم ف وقعة مشهورة اهتم لا الناس
ف الشرق وف الغرب.
-9ف سنة 916جهز الفرنج اسطول ف عشرين سفينة وقام بناورات حول جربة
-10ف سنة 926جهز الفرنج اسطول ضخما يتكون من مائة سفينة واته إل جربة
فتلقاه اهلها وردوه خائبا بعد ان ترك ف اليدان نو 600ستمائة قتيل وعددا اكثر
هذه معارك مشهورة تناولتها كتب التاريخ بالتفصيل والتعليق ،وبي هذه العارك كثي من الوقائع الت
حاول فيها الفرنج احتلل الزيرة فردوا على اعقابم ،او احتلوها لدة قصية ث ثار بم السكان
فطردوهم ،وقد عدد الؤرخ الرب ابراهيم بن ثابت عددا من هذه الوقائع مقتصرا على ذكر تاريخ
الوقعة دون تفصيل الحداث فقد ذكر مثلل انه وقعت معارك بي النصارى وسكان جربة من
وف السنوات التية من القرن السابع - 691 - 688 - 682 - 639 - 638 - 633 -
.696
ومن هذه التواريخ يرى القارئ الكري اصرار الفرنج على احتلل الزيرة ،ومواقف الدفاع الشرفة
من اهلها ،وبالرجوع إل الوقائع السابقة الت ذكرناها بشيء من التفصيل يرى القارئ الكري ان اهل
جربة وحدهم هم الذين يقومون بذه الكفاح الر ائع إذا استثنينا ثلث معارك ساعدهم ف اولدها
عبدالؤمن بن علي وساعدهم ف الثانية ابو بكر الفصي ،وساعدهم ف الثالثة ابو فارس عزوز.
كان اهل جربة يقومون بذه الدفاع الجيد دون ان يساعدهم احد ف اليدان غي من ذكرنا آنفا رغم
ان الدول الت كانت تتعاقب على حكم تونس ف جيع تلك الالت كانت تسب جربة تابعة لا،
وكانت ل تنفك تطالبها بتسديد الضرائب وتقدي الموال وكانت جربة تقدم لا ذلك عن رضا
وتعترف بتبعيتها لا بل وتطالب بالبقاء تتها او النضمام إلا ف بعض الالت عندما يالو ولة
لقد استطاعت جربة ان تصمد للدفاع خسة قرون رغم حرص العدو واصراره على الستلء عليها
والتحكم فيها ،ورغم ازياد معداته الربية عاما بعد عام وقرنا بعد قرن ورغم اهال الدول السلمية
لا وتاون اصدقائها عن ندتا ماديا ف منها ،واستطاعت ان تنتصر انتصارات ميدة ف اكثر العارك
الت خاضتها لرد العدو او طرده من البلد ،وعندما بدأت الدولة العثمانية تد سلطانا على البلد
السلمية وجاء درغوث لحتلل الزيرة وجدها نظيفة من اعداء الدين واعداء الوطن ولكنه مع
ذلك اصر ان يريق الدم بغزارة ،وقد فعل ،ولكن تلك الدماء الت اراقها درغوث كانت دماء زكية
لولئك البطال الذي حافظوا على الزيرة ودافعوا عتها خسة قرون وزيادة.
كانت جربة قوية عنيدة عنيفة ف دفاع العزو الجنب الذي يات من خارج العال السلمي ،ولكنها
كانت لقمة سائغة سهلة الزدراء للمراء السملي ،ما ياول احد منهم ان يتلها حت تلي له ،سواء
كان من الدول القائمة بتونس او كان من ولة الهات ،او كان من القائمي بالم ف طرابلس.
فما السر ف هذه القوة الت ندها لربة عندما ياربا الشركون ؟ وهذه الليونة الت ندها لا عندما
ان الواب على هذه السئلة يكون ف الفصل التال ان شاء ال.
كلما اعتدى الفرنج على جربة او حاولوا العتداء عليها تلقت ذلك منهم بثبات وصب ،وزادها
العدوان عليها قوة وشجاعة وجرأة على العتدين ،وردت عدوانم ف نفس الوقت ،فأن غلبت ثارت
علينم بعد حي قريب ،واخذت بثارها ،وانتقمت منهم لنفسها ول يسر الربيون -ف جيع تلك
الروب الت شنها عليهم انصار الصليبية ،وقادة القرصنة -ل من النواحي الادية ،ول العددية ،ول
النفسية ،خسائر ذات قيمة .وحسبك ان تعلم انه ف العركة الكبى الت استعد لا الفراج أكب
استعداد ،وجهزوا لا أضخم أسطول ،وجعوا لا أكب عدد من الحاربي حت بلغ عددهم عشرين
ألفا من القاتلي الدربي ،ول تمع جربة سوى ثلثة آلف فيهم شيوخ عجزة ومراهقون حلوا
السلح لول مرة .ف هذه الوقعة الت استعد لا الفرنج هذا الستعداد العظيم وخسروا فيها آلف
من القتلى وما ل يقدر من أموال ،ول تبلغ خسارة جربة مائة مقاتل على أكثر الروايات مبالغة ،وقد
استطاعت جربة ان ترد هذا الجوم العنيف ،وان أصدقاؤها ول جيانا ول الدولة الت تدفع لا
الضرائب.
كانت جربة ف جيع تلك الروب الت يشنها عليها الستعمار الفرني تد علماءها وصلحاءها
ومشائخها ف مقدمة الجاهدين يرضون الناس على القتال ويأمرونم بالصب ،ويعدونم -ان هم
اخصلوا -بالفوز ويقاتلون العدو كاشد ما يقاتل البطال فيقتلون ويأسرون ويغنمون الموال
ولكنهم حي يتغب الوقف فيشن الرب عليهم قوم ينتسبون إل السلم سواء كانوا من تلك القبائل
الثاوية ف الصحراء تترف الغارة للسلب والنهب ،او اولئك الولة الذين يبحثون عن الكم والال،
فيتعاقبون على ماربتها مرة من طرابلس ومرة من تونس واحيانا كثية من غيها.
ان اهل جربة ف هذه الحوال ل يدون علماءهم وصلحاءهم ف القدمة كما كانوا يدونم ف
حروب الفرنج ،ول يسمعون منهم كلمة التحريض والتشجيع على الرب وإذا سحوا لم بالقتال
دفاعا على النفس والهل والال ،فهم ل يسمحون لم ابدا بالستيلء على اموال الوحدين بطريق
الغنيمة.
ان السباب الت جلعت اهل جربة اقوياء اشداء على ماربة الفرنج ،وجعلتهم ليني ضعافا ف مقاتلة
العتدين من السلمي انا هي وقدة اليان ف قلوبم وحرارة التقوى الت تغل ايديهم ،والستمساك
انم وهم ياربون الفرنج ،يشعرون بانم يقومون باقدس واجب عند ال ،واجب الهاد ،وهم
يعلمون ان من يقتل منهم ف تلك العارك فقد قتل ف سبيل ال وفاز بالشهادة ،وان ما يصلونه من
مال انا هو غنيمة قد احلها لم الدين الكري الذي امرهم بالهاد ف سبيل ال (( فكلوا ما غنمتم
اما عندما يهاجهم قوم يعلنون السلم ،وينتسبون إل امة ممد عليه الصلة والسلم ،فان تلك العان
تنطفيء من انفسهم ،وتلك الرارة تبد من قلوبم ،لنم يملون سيوفهم ضد اخوة لم ولو كان
أولئك الخوة بغاة ،والقتول من الفريقي خسارة للمة السلمة الت يتكالب عليها العدو -وليس
احد يقدر هذه السارة مثلما يقدرونا هم -ث ان الدين الذي يدينون به ويتقيدون باحكامه ،ل يل
لم حت وهم ف حالة الدفاع ان يتجاوزا حدود الدفاع إل النتقال او العقوبة فل يل لم ان يتبعوا
مدبرا ،ول ان يهزوا على جريح ،ول ان يغنموا مال بل ان دفاعهم يب ان يكون مقصورا ف اضيق
نطاق لرد العدوان وكان كل واحد منهم يتمن ان ل تسيل الدماء على يده ،وكان العلماء ل يفتأون
يأمرون الناس براعاة احكام السلم ف ماربة البغاة من السلمي ،وهذه العان هي الت تعل الناس
ل يقبلون على الرب ف هذ الحوال ،وإذا اضطروا للوقوف ف هذه العارك فأنا يقفون بفتور
ووهن ،وكثي منهم يتمن ان يكون عبدال القتول ل عبدال القاتل ،لنم يسبون ان النصر والزية
وف اكثر العارك الت وقعت بي اهال جربة واخوان من السلمي كان الربيون يلحظون هذه
العان السلمية ف مواقفهم وكان العتدون عليهم ف اغلب الحيان ل يلحظون شيئا منها ولذلك
فقد كانت هذه الروب بي الخوة من السلمي ذات اثار سيئة جدا وكانت خسائر جربة فيها
عظيمة ،وما شنت عليهم حرب من تلك الروب ،إل ذهب ضحيتها عدد كبي من النفس اكثرها
من الطفال البرياء والنساء الضعيفات والشيوخ العجزة ،وبالرجوع إل احداث التاريخ الت سردنا
بعضها ف فصول سابقة من هذا الكتاب ،او الرجوع إل الصادر العامة والاصة للتاريخ ف هذه
الملكة يتبي للقارئ الكري هذه القيقة ،وتكفى ل يضاح هذه الصورة ان اشي إل احدى الوقائع
ما سردنا تقاصيلة ف هذا الكتاب ،فان حربا واحدة من تلك الروب الت شنها درغوث على جربة
ليجعلها تابعة لكمة ف طرابلس ،كلفت الزيرة الفا ومائتي من القتلى ،وقد تلقت فيه جربة فيما
بعد ضربات متلحقات حطمت قوة ابنائها ،وفلت سيوفهم ،وذهبت بية شبابم ،فلما رجع
الفرنج من جديد ،وكان درغوث قد شغل بامور الم ف طرابلس ،ل تد جربة القوة الت تضرب
با العدو ،ولكنها وجدت ف قلوبا عزة السلم الت ل تستسلم للكافرين فتحركت المم ووقفوا
تاه العدو فلم يكنوه من احتلل جزيرتم ولكنه لا اطال الصار ل ينجدهم احد وخافوا ان تتغلب
عليهم القوة صالوا الفرنج على ان يسلموا لم القشتيل دون ان يتجاوزوه إل شيء غيه وف نفس
الوقت ،بعثوا إل دار اللفة ف تركيا يطلبون النجدة لماية الزيرة من بقاء الشركي با ،وجاءت
النجدة من دار اللفة وتعاونت القوتان قوة السكان وقوة الدولة على طرد العدو الطر النهائي،
وبقيت العزة السلمية تل قلوب أهل الزيرة فلما جاءت فرنسا من بعد لتنفيذ الفكرة الستعمارية
الصليبية ،كانت الزيرة من اول الواطن الت قامت ف وجه الستعمار الديد ودافعته دفاع البطال.
ولعل ما يناسب القام ف آخر هذا الفصل ان انقل كلمة للستاذ ممد الرزوقي ف هذا الوضوع.
(( جربة تقاوم الماية :ل يكد يعلن عن انتصاب الماية الفرنسية على تونس ف 12ماي 1881
حت هبت جربة للمقاومة السلحة معززة جانب القاومي ف النوب والوسط والشمال ،واستسلمت
السلطة الحلية للثورة ،واصبح القاومون اسياد الزيرة ما اضطر السطول الفرنسي بقيادة المي
غرنولت إل التحرك نوها بعد ضربة مدينة صفاقس ف 16 - 15جويليه 1881فضرب مدينة
قابس وجزيرة جربة بقنابله ول تستسلم الزيرة للقوات الحتلة إل بعد دفاع ميد )).
العهد الثالث
العهد الثالث من تاريخ جزيرة جربة هو عهد الدخول تت جناح الامعة السلمية وذلك ان الدولة
العثمانية حاولت ان تضم اليها جيع الدول السلمية الصغية الوزعة ف العال ،لتتكون من ذلك
دولة واجدة قوية لمة واحدة متماسكة ،ولكن الطامع الفردية وسوء تصرف الولة وتكالب الغرب
على احتلل الشرق حال دون الوصول إل النتائج الطيبة من هذه الفكرة .ولقد دخلت جربة تت
وسيحس القارئ الكري شيئا من الرارة ونن نتحدث عن هذا العهد من تاريخ جربة،وقد
يد بعض النقد لذا العهد والذي أريد ان يعرفه القارئ الكري قبل ان يستمر ف هذا الفصل أنن ل
أنقد أبدا ماولة الدولة العثمانية او غيها من الدول السلمية الكبى توحيد المة السلمة تت
حكم واحد يسي وفق منهج السلم ف أنظمة الكم .وحت لو ل تتم الصورة الثالية لكم السلم
فإن إنضمام الطراف السلمية إل القلب وتكتلها مع بعضها البعض ،هو ما يب ان يدعو إليه
السلم ويرضاه .وإنا الذي أحس له بالرارة فإنا هو تصرف اولئك الولة الذين ل يقدروا العباء
اللقاة على عواتقهم ،فكانوا عند الغضب أو الطمع يعاملون شعوبم الت هي عزهم وقوتم ،كما
يعاملون اعدائهم ،وبذلك قتلوا ف نفوس المة السلمة روح القاومة والثورة ،وفرضوا عليها طابع
الذلة والستكانة ،فلما عجزوا هم عن الرد العدوان ل تقف عناصر الة الحطمة ف وجه ذلك
العدوان ونتج عن ذلك ان فقدت المة خلفتها السلمية ووحدتا الدينية وحريتها الوطنية.
وحديثنا عن جربة ف هذا العهد قد يعطى صورة كاملة او ناقصة أو حت من بعض الوانب
لبقية البلد السلمية سيما الت وهبتها عناية ال أسبابا للغناء والثروة.
ف هذا العهد الذي يتد ما بي سنة 960إل سنة 1298هـ خضعت جربة لولة الدولة
ولقد مر هذا العهد على جربة من أشد العهود التاريية ،وذاق فيه السكان من أنواع البليا
ما تعجز عن تمله البال الرواسي وكثيا ما يتمع عليهم ظلم الولة والفت القائمة بينهم على
الكم وتوال فرض الغرامات الباهضة والطالبة بالضرئب التوالية ووقوع الغلء والقحط.
يقول أبو الربيع اليلت (( :ف سنة 1895اجتمع بالزيرة قلة العافية والغلء والكساد
والدب ،ومنع على بن مراد باى على أهل الزيرة مية القمح والشعي ،وإنا أكلت الناس الفيتورة
فتمادى الال كذلك من أول السنة .وف النصف من جادي الول اتصل الب إل أهل الزيرة إن
ديوان تونس وامراءها تعصبوا على علي بن مراد فغلبوهوطردوه من الوطن وجيشه حينئذ على ما قيل
أبعة عشر ألفا ووقفوا اخاه ممد ابن مراد أميا على أفريقيا بامر السلطان نصره ال ،وتادى على منع
القمح والشعي على أهل الزيرة ،وف سنة 1099القى الشيخ عبدالرحن على الوهبية ألفى مطرزيتا
واعطاه للنصارى عما تداينه منهم ،واعطاه بتونس حت ولوه المر ،ث القى عليهم مع قلة المطار
إن القارئ الكري عندما يقرأ هذه الفقرة ما كتبه مؤرخ شهد الحداث بنفسه يتصور ما
يقاسيه الناس من تسلط الاكمي ،فإن النطق يقضى بأن الدولة الاكمة إذا رأت ف بلد من بلدانا
ماعة بسبب القحط والفاف فإنا تعمل على مساعدة السكان على العيشة وتلب إليهم الواد
الضرورية للحياة وتيسر لم الصول عليها ولكن الميين ممدا وعليا أبن مراد التعاقبي على الكم
وها يريان ما تقاسيه الزيرة السكينة ،من قلة العافية والغلء والكساد والدب مع هذه الصائب
ينعان على الزيرة مية القمح والشعي ،يعن يكمان عليها بالوت جوعا ،ويضطر الناس أن يعيشوا
على الفيتورة وهى بقايا الزيتون بعد أن يعصر ويستخرج منه زيته ،ومع ذلك فإن هؤلء السلمي
يملون للدلوة العلية كل مبة واعزاز ،ويطلبون لا النصر والتأييد كما فعل هذا الؤرخ النبيل .انا
صورة مؤلة لياة أمة تت جناح دولة يفرض فيها ان تمى شعبها ف جيع مواطنه وترعاه وتيسر له
اما الشيخ عبدالرحن هذا وهو من عائلة بن جلود من سكان الزيرة نفسها فيسافر إل
تونس ويستدين من النصارى أموال كثية يدفعها لوال تونس ثنا لكرسى الشيخة على الزيرة.
ويتول فعل مشيختها وبجرد تسلم مهام منصبه يفرض على السكان الساكي ألفى مطر من الزيت
والطر كما يقول الشيخ أبو الربيع واحد وستون رطل يذهب با إل نصارى فيدفعها لم مقابل
ديونم عليه .الديون الت اشترى با منصب الشيخة على جربة من الدولة العلية ،ث يعود إل الزيرة
فيلقى على السكان الساكي مزيدا من الغرامات غرامة تلو غرامة ليجمع الثروة ف أقرب وقت مكن
وهذه الغرامات التوالية يلتمس لا اتفه السباب ول يكفى عن الضرائب السنوية الت تمع للدولة،
ومع هذا الظلم وهذا الرص على النصب والال تضيق الياة بالرجل فيموت منحرا .يقول العلمة
الشيخ سعيد بن تعاريت (( وف جادي الول من السنة التممة للمائة القى ال الرعب على الياة،
وارتل من داره لوادي الزبيب ،وسكن بتاجوت وف الليلة السادسة من رجب ضاقت عليه الرض
با رحبت فعمر بندقيته تعميا بليغا ،فلما جن عليه الليل اغلق الدرا على نفسه ومكنها من قلبه
فمات )) .والتتبع لتاريخ جربة ف هذا العهد يد كثيا من هذه الصور الؤلة الت تتمع فيها ظروف
الياة القاسية ،مع مظاهر الكم الظالة ،فهى تتاز بالناع التواصل بي الكام الحليي الذين كانوا
يشترون مناصب الكم بالموال الت يدفعونا إل الدولة الركزية ،ف تونس ،ث يفرضون تلك
الموال بصورة غرامات وعقوبات على الناس ،فيجمعونا منهم ويرتكبون ف ذلك أشد أنواع
الرهاق والظلم ،ول يكفيهم هذا بل يضيفون إل ذلك فرض ضرائب سنوية على كل شئ حت على
الرؤس من بن آدم .وقد أدى هذا السلك من الكام إل نتيجتي :الول .سخط الناس على من
الثانية طمع الناس ف شراء النصب وقيامهم بالطالبة بالكم للحصول على الثروة من هذه الطريق.
وأغلب ما يكون ذلك من بعض أفراد العائلة الاكمة نفسها ويؤدي ذلك إل انقسام السرة الاكمة
إل قسمي متحاربي ينضم إل كل قسم منها طائفة من الناس يناصرونه ويشدون أزره على أمل ان
يكون من الفريق الغالب ،وأقل ما يستفيده اولئك الناصرون إذا انتصر أصحابم ان يعفوا من
الغرامات والضرائب الت يلقيها الغالب منهما على الغلوب واتباعه .وعندما تقع العركة بي الفريقي
وينهزم احدها ل يقف المر عند هذا الد ،وإنا يرج الغلوب منتصرا ببعض الولة ف طرابلس ،او
تونس ،فيتعهد لم بدفع مبالغ من الال إذا هم نصروه وأوصلوه إل الكم .فإن سرعان ما يكون
جيشا من الرتزقة الذين هم على استعداد للمغامرات والروب لقاء ما يصلون عليه من السلب
والغنائم ف البلدان الت يدخلونا وهكذا يتكون جيش يقوده رجل ليس بي عينيه إل الصول على
النصب وجع الال ،أما أفراده فل يهمهم من موضوع الغارة إل ما يسلبونه من الناس ويدخل اليش
الزيرة ،ويرتكب ما يرتكب إذا اتيح له ان ينتصر ،أما إذا ل يتح له فإنه يرجع ليعمل من جديد على
حشد مزيد من الرتزقة الطامعي وإل القارئ الكري صورا مؤلة ما ذكره الؤرخون لذا العهد ،يقول
(( وف سنة اثني وخسي ومائة وألف وقعت وحشة بي الشيخ سعيد بن موسى وبي على
باشا بن ممد بن على إذ طلبه للقدوم فخاف وامتنع وأولده على قيادة العراض .فخلص مالا
وارسله مع ولده خوفا على نفسة لكونه أوله عمه حسي بن علي ،ولا قتل عمه واستول مكانه،
قتل أصحاب عمه ث انه بعث رجل من التراك يسمى ( قارة مصطفى ) ليقتله غدرا فاتى لارة
اليهود على طريقة فوجد زيتونة على الطابية بسانية زككوت فاستخفى تتها ونقب الطابية من
النقب بالرصاص فسقط ميتا فبلغ الب إل علي باشا فأول مكانه الشيخ موسى بن صال وهرب
الشيخ احد باشا القره مانلى ،وطلب منه ملة لخذ جربة ،فلم يلتفت إل قوله فرجع إل العربان ،
فاجتمعت عليه عكارة وورغمة ودخل إل الزيرة من مرسى آجيم ،واجتمع عليه اصحابه من أهل
الزيرة ،وقصدوا قتال موسى بن الشيخ صال ،وكان متأهبا لقتاله منذ سع به فاجتمع الفريقان بومة
تاجوت ،فتحاربا ،فانزم الشيخ موسى وفر هاربا للسوق قتبعه الشيخ أحد بن معه إل أن دخل
البج الكبي فحماه البج بالدافع فرجعت العربان إل السوق فنهبوه عن آخر واستول الشيخ أحد
على الزيرة )).وبعد كلم يقول (( :ولا هزم الشيخ أحد وقتل غالب من معه رجعت العسكر على
وهكذا تتم الصورة لذه الادثة ينتصر أحد فيستبيح عسكره جيع أموال موسى وأموال
اتباعه ،وينتصر موسى فيستبيح هو وعسكره جيع أموال أحد واموال اتباعه وهكذا ينتهب نصف
هذه الصورة حادثة واحدة من حوادث متتابعة متكررة ،وإذا شاء القارئ الكري ان يرى
صورة أخرى من هذه الصور الؤلة فأنا أضع بي يديه هذه الصورة الت يعرضها علينا الؤرخ الكبي
أبو الببيع اليلت ،وهو شاهد عيان فإن هذه الحداث كانت ف عصره ،يقول أبو الربيع (( :قدم
الشيخ عبدالرحن -أى أبن أب جلود -من ساحل طرابلس ف أربع مراكب مستعينا بند طرابلس،
ول يد سبيل إل الدخول إل الزيرة بسبب عرب ورغمه الذين استعان بم الشيخ سعيد -أى ابن
جلود -ودار الشيخ عبدالرحن ف سفنه إل مرسى آجيم ومنع من الدخول إليها ،فذهب إل عرب
العراض ف الريد وجبل مطماطة من بلد الزارات وقابس والطوية وما يقربم ،وفزعهم ،قيل ان
عدد ما فزع نو ثلثة آلف يريد الدخول بم إل الزيرة ليقاتل بم ورغمة .فلما وصلوا إل مرسى
الغنم خارج الزيرة وبدأوا يدخلون إل القطعاية القلبية ،والشيخ قاعد معهم خارجا قالوا نن تريك
من العرب ،فإذا قاتلناهم ل ند عندهم كسبا ول شيئا ننتفع به ونن ما جئناك إل لطميعة ،نريد
التسريح ف أن ناخذ بعض الزيرة ونفيئها .فاب وقال غنما أريد عمارة البلد ول أريد خلءها ،فلم
تقع بينهم الطاوعة ،فقالوا له فإن ل تطاوعنا على ذلك نرجع خائبي أبعث السفن وارددهم إلينا ل
أعتقد ان هذه الصورة الت نقلتها عن مؤرخي معاصرين لتلك الحداث كافية ف أيضاح
الالة الؤلة الت كانت تعيش عليها المة الربية الكرية ف ذلك العهد ولعل أسرة بن جلود هى
أشأم أسرة حكمت الزيرة من أهل جربة ،فلقد عاشت الزيرة ف عهد بن سو من عيشة المة
الستقلة داخليا ملتفة حول علمائها ،يفصلون مشاكلها وينظمون شؤونا حسب احكام السلم،
وكان الشيوخ من بن سومن متضامني مع العلماء والعزابة يسيون بتوجيهاتم وارشاداتم ل يطغون
ول يتجبون ول يتلفون ول يتنازعون على الكم فلما تول بنو جلود من بعدهم نزع الشيطان
بينهم فتنازعوا على الكم وتقاتلوا عليه وكاد بعضهم لبعض واغتال بعضهم بعضا وانقسم السكان
بسبب انقسامهم ،واستنصر كل فريق منهم على الخر بميع الوسائل الشريفة والوضيعة ،وأصبحت
صرخات العلماء صيحة ف واد ،ونفخة ف رماد ،فلم يعد الناس يستمعون لم ،ول تعد الكومات
تكنهم من أداء رسالتهم ،لن نظام العزابة قد حل وأصبح صوت العلماء صوت أفراد ل صوت
هيئة ،وفل حد السيف القوى الذي كان يول بي الناس وبي العصية ومالفة الماعة ،ذلك السيف
الذي فرطت فيه ،وفرط فيه جبل نفوسة فانفرط عقد نظامهم ووحدتم وتعاوتم وحافظت عليه
ميزاب فحافظت على مزايا الخلق السلمية .ذلك السيف هو الكم بالباءة على من يالف
أحكام السلم ويبتعد بارتكاب العصية عن المة السلمة وسية الؤمني الصالي.
ول يكن هذا فحسب بل أن السلطة الاكمة سواء كانت منبعثة من الدولة الركزية أو من
الشيخة الحلية -على طريق أغلب وأحكم ،او أدفع -قد استبدت بالعماء وضغطت عليهم،
وتعقبتهم ،وحالت دونم ودون القيام بهام العلم والتعليم ،والزمتهم النعزال والبعد عن قيادة
الماهي ،فصمتت السنة الرشاد والتوجيه ،وخفت من الجتمع صوت النكار على الرذيلة بختلف
أشكالا ،حت رذيلة الختلف بي عناصر المة الواحدة الت أصبحت تعبث با أهواء الاكمي،
وضعف الحساس الدين ف مراقبة اللل والرام والروب من الريبة والشبهة ،وخيل لبعض الناس
ان اللتفاف بالدولة ،والرتزاق منها هو خي السبل واضمنها للمعيشة فناصر بعضهم الكام.
على أن أغلبية الناس كانوا يقفون موقف التردد الشاك الذي يلم يتضح له السبل السوى.
ول يطل هذا الوقف بالناس فقد تكشف لم بعد زمن قصي أن ما كانوا يظنونه دولة
ويسبغون عليه حرمة المر الكومي وانه يتول الكم عليهم بأمانة ال .إن هىإل رغبات شخصية،
ومطامع فردية اوصل بعض الناس إليها مهارتم ف نصب اليل ،وبراعتهم ف تدبي الكائد ،وخبتم
بكيفية تقدي الرشاوى ،وحرصهم على الستغلل .وغن اولئك الناس الذين وصلوا إل الكم
وأصبحوا يلسون على كراسي الدولة ويتكلمون بأسها إنا يعملون لنفسهم وإن غيهم من
ينصرهم إنا ينال منهم بقدار ما يؤدي من خدمات لم ل للدين ول للمة ول للوطن .فأصيب أولئك
الذين التحقوا بم والي ترددوا ف اللتحاق بصدمة جديدة ،وعملت اليد الاكمة على تفريق كلمة
الناس ،وتوسيع شقة اللف ،وتسليط بعضهم على بعض ،فنتج عن ذلك زيادة ف ألوان التعصب
الذهب والنسي والقبلي ،غي ذلك من ألوان العصبية ،ووجد اهل جربة أنفسهم ماصرين من عدة
جهات .فرجعوا إل النعزالية الت عرفوا با ف الاضى ،واعتمدوا على أنفسهم ف الكسب والصول
على الثروة والال ،وبعدوا عن التعلق بأعمال الدولة ،إل الشتغال الر التواصل ،الذي ل يفتر ول
يل ،سواء كان ذلك ف الزراعة ومال الزراعة عندهم ضيق ومدود ،او كان ذلك الصيد البحري،
صيد السمك والسفنج او كان ف الصناعة صناعة الفخار والصوف ،أو كان ف التجارة.
وف اليدان الخي ميدان التجارة تنافس القوم واهتموا له حت برعوا فيه وبزوا غيهم،
وتغربوا من اجل التجارة إل أقصى البلدان ،واطالوا ف الغربة القامة ،حت سيطروا على التجارة ف
كثي من البلد وأصبح لم ثقل ف ميزان القتصاد وضرب بم الثل ف الذف والهارة والنشاط.
وحت تلك اليدي الت كانت تشتغل ف الزارعة أو الصناعة او الصيد استهوتا الكاسب التجارية ف
ديار الغربة.
إن هذا التاه اعن التاه إل الشتغال بالتجارة والتغرب با واطالة الغربة من اجلها قد
نتجت عن نتائج خطية من الناحيتي الجتماعية والدينية .فقد أصبح التاجر الرب ينقطع عن وطنه
تبعا لعمله ويبتعد عن الو العلمى والدين الذي كان يعيش فيه ،وييا ف جو مادى خالص قوامه
العلم التواصل من بيع وشراء وحساب للمكسب والسارة وتعرف لحوال التجارة وما يطرأ على
السواق من تغيات ،ويفت ف سعة صوت الوعظ والرشاد وتبعد عنه إصداء الدروس الت تتعال
ف مساجد جربة ،ويفقد تلك الجالس ف بيوت ال قبل الصلة وبعدها ،ويصاب بنوع من الادية
والفاف وغلظ ف الاسة الدينية ،ث يبدأ ف ارتكاب أشياء هينة ف نظر الجتمع الديد ،ما كان
ليتكبها لو بقى ف جربة ويستمر ذلك ويتعوده ،وهكذا يكتسب عادات وأخلقا فيها كثيا أو قليل
نفسه ويعتبه الناس ضيفا ،فل يلتزم السية العروفة للباضية ول يرص الرص الكيد على حضور
مالسهم ف مساجدهم ،ول يهتم بتابعة الدروس الت تلقى للعامة أو للخاصة.
وتتابعت الجرة ،وأصبحت هى الوسيلة للحياة واعتاد الناس أن يأخذوا معهم اطفالم
وشبابم إل ديار الغربة ليدربوهم على حتراف التجارة فيقطعونم بذلك عن التعليم الدين الصحيح
السيلم ،ث هم ل يرصون على رعايتهم رعاية كاملة من ناحية السلوك الدين ولذه السباب متمعة
الت هى-:
هذه السباب الثلثة مهدت لوجودها ما أطلقت عليه ف بعض الفصول من هذا الكتاب
كلمة الرذيلة ل سيما ف العمل التجاري ،وقد جد العلماء الخلصون من أهل الزيرة الكرام
ف ماربة ما بدأ يتسرب إل الجتمع الرب ما يالف سيتم النظيفة ف السابق ،من مرم
ومكروه .فكانوا ينتقلون بي أحياء الزيرة للوعظ والرشاد والمر بالعروف والنهى عن
النكر ،وتاوزوا ذلك إل السفر إل البلدان الت يكثر فيها التجار من أهل الزيرة فيشرفون
على اعمالم ،ويطلعون على سيتم .وكثيا ما يشتد أولئك العلماء ف النكي على من
يدونه ل يلتزم السي على النهج السلمي القوي ،لكن التيار الارف كان أقوى من مهود
وف المة الربية اليوم من مزايا اللق السلمي الشء الكثي فهى ل تزال تعتمد ف
الكفاح من أجل العيشة على العمل الر الشريف ،دون امتهان الكرامة او التصاق بالدولة او
العتماد عليها وهى ل تزال ترعى الجتمع رعاية كاملةة تاخذ بايدي فقرائها وتساعدهم
على الصول على العمل الشريف ،وهى ل تزال ترص على النفاق ف سبيل الي ،ل
سيما ف ميدان العلم والتعليم والتعليم الديني بالذات .ويهتم أغنياؤها ويتنافسون عليه وهى
ل تزال مبة للجتماع والتعاون على الي والستماع إل الوعظ والرشاد والتأثر بكلمة
الق.
هذه الزايا كلها متوافرة ف أهال جربة الكرام ولو انم فكروا ف إرجاع نظام
العزابة الذي يتول جيع الشؤون الدينية والجتماعية ،وحرص افرادهم ف متلف ديارهم
على السية النية العروفة ف جربة عندما كان علماؤهم الجلء يشرفون على توجيه الناس
فتمسكوا با ف وطنهم وف مهجرهم ،ث وفروا لبنائهم ف جربة وخارجها الدينية السليمة -
وانه لسرن وانا أكتب هذا الفصل عن اخوان اعزاء على ،أن ادعوهم إل ان
يراجعوا تاريهم الجيد ،وأن ينظروا ف صفحاته الشرقة ،الصفحات الت كتبها السلم
بايدي الؤمني الخلصي .وانا حي أذكر التاريخ الجيد فغنما اعن تاريخ المة السلمية ف
متلف العصور الطويلة ،المة الت يكون سكان جربة جزاء صغيا منها ،وتاريخ المة
السلمية الكبى ل يتمثل ف اعمال الدول الت تعاقبت على الكم او تقاتلت عليه ول ف
أعمال الرجال الذين بلغوا إل أعلى الناصب ف أى عصر من العصور .عن ما قام به بعض
الكام او بعض الدول وما يقوم به بعضهم اليوم من ظلم او انراف ل يسب على تاريخ
المة السلمية لنه خروج عن حكم ال وعن إرادة المة ،لن تاريخ المة السلمية إنا
يتمثل ف المة نفسها ف الماعات وف الفراد ،فلقد كان منها ف كل زمان وف كل مكان
من يقومون بأمر ال ،ويبلغون رسالته ،ويافظون عليها الحافظة الكرية الكاملة ،دون
الستناد إل قوة السلطة الظاملة ،والستعانة بنفوذ الدولة الائرة ،فإذا اتيح لم دولة رشيدة
عادلة استعانوا واعانوها .وف تاريخ جربة الثل على ذلك فلول القبس الى الذي يل قلوب
الؤمني ولول الشحنة الروحية الت قدمها أبو النجاة ف صدورهم لا استطاع ثلثة آلف من
ولول الوقفة الشريفة الت وقفها كل من عبد الؤمن وأب بكر وأب فارس ف من
جربة لتغي وجه التاريخ ،ولول الموال الت تبع با النفقون ف سبيل ال لا بنيت تلك
الساجد النتشرة على كامل الزيرة والت يبلغ عددها نو 36مسجدا .ولول الموال الت
تبع با الؤمنون لا شيدت الدارس ولا قامت دور العلم ف متلف الهات ،ولو أتيح لؤرخ
ان يصى ما بن ف العال السلمي من الساجد والدارس ودور العلم على نفقته الحسني
من الماعات والفراد لذه العجب .وف جربة وحدها دليل كاف على ذلك فغن جزيرة
مساحتها ستمائة كيلومتر مربع يقوم فيها ثلثائة وستون مسجدا دليل واضح ما ينفقه الناس
ف سبيل ال.
إن الزائر إل جربة ما ينتقل من مكان إل مكان قريب حت يدا بيتا من بيوت ال
مشيد الركان عال البنيان تتصل به مرافق الطهارة وتيط به دور عديدة خصصت لسكن
طلبة العلم الوافدين من الهات البعيدة .وكل ذلك إنا قام به السلمون التطوعون ل
يريدون بذلك غي وجه ال تعال .ل تشرف عليه دولة ،ول تنفق عليه جعية ذات ميزانية
ودخل.
وإنه ليسرن ف ختام هذا الفصل ان ادعو اخوان الؤمني إل الستمرار ف عمارة
بيوت ال ،الت أسسها الؤمنون على تقوى من ال من اول يوم .وأن يافظوا على الصلة
فيها ،وان يعمروها بذكر ال ،وان يرفعوا صوت العلم ف جنباتا ،وان يلجأوا إليها ف
التصال بالقهم ،فإن عزة الؤمني ف كل عصر وف كل مصر إنا انبعثت من السجد ،وما
دامت القلوب عامرة باليان بال ،والساجد عامرة بعباد ال فإن عناية ال ل تتخلى عنهم،
وما بعد ناس عن دين ال ،وهجروا مساجدهم إل ووكلهم ال إل انفسهم فهلكوا .اللهم ل
ف إطلق هذا العنوان على الوضوع الذي أريد ان اتدث عنه ف هذا الفصل شئ
من التجوز فإن كلمة الجامع العلمية ربا تعن عتد القارئ الكري معن خاصا يستوحيه من
الجامع العلمية الرسية الت تكونا الدول وتشرف عليها لبحث مواضيع خاصة او عامة.
والذي أريد ان أتدث عنه ف هذا الفصل إنا هو ظاهرة تكاد خاصة بعلماء جربة بعد
إنلل ملس العزابة ف أواخر القرن العاشر وأوائل القرن الادي عشر ،وتكاد تكون تلك
الجامع العلمية امتدادا معنويا لجالسالعزابة ،الت كانت تتول كل شئ ف الزيرة حت تولية
المراء الحليي وعزلم ،فقد اعتاد ألولئك العلماء منذ أن انل ملس العزابة -بسبب تسلط
الولة عليه ،وماربة اعضائه ماربة لهوادة فيها -أن تنعقد مالس العلماء مرة او عددا من
الرات ف السبوع ف مسجد من مساجد الزيرة ،تت رئاسة أعلم علمائهم ،وف هذا
الجلس الذي يتمع فيه كبار العلماء ل يتخلف أحد منهم إل لعذر ،ويضره التعلمون من
متلف الطبقات كانت تناقش أهم السائل والحداث ،وتعرض الشاكل الستجدة ،وتوضع
بي يدي الجلس خصومات الناس ومنازعاتم ،وينظر الجلس ف جيع ذلك ويستعرضها
منازعات الناس بكم دين ال ،ويعلن الشيخ ذلك ،وغالبا ما تدون ماضرة تلك اللسات،
فيقوم الطلبة وقد استفادوا علما وعرفوا طريقة استخراج الحكام واستنباطها من القواعد
التخاصمون وقد رضوا بكم ال الذي اعلنه لم شيخ الجلس العلمى مكتفي بذلك،
مقتنعي بانه حق وصواب ،ل يرتفعون إل حاكم آخر ول يتجهون إل قاض من القضاة
الذين قد تعينهم الدولة ،لن الجلس ف نظرهم وف الواقع أكثر دقة وكفاءة ف معرفة
الحكام وحرصا على إيصال القوق ،واوفر أمانة ونزاهة ،وابعد عن دواعي الهل او
ولقد تعاقب على الرئاسة العلمية لذه الجامع ف زمن العزابة وبعدهم عدد من
فطاحل العلماء العلم .وكانوا يتعاقبون عليها بالكفاءة الشخصية فقط ،فلم يكن هنالك من
يسند إليهم هذا النصب الكبي ل من الدولة ول من المة ،ولكن بتسليم العلماء ل علمهم
واعرتافهم بتفوقه العلمى وتأهله لشغل ذلك الكان الكري ،ومفهوم بالطبيعة أن هذا كان
يدث بعد انفراط نظام العزابة ،أما حي كان نظام العزابة سائرا ينعقد ويقوم بهامه فهو
الذي يسند الرئاسة العلمية إل من يستحقها ويسمى شيخ العزابة ويسند الرئاسة الدنية إل
من يتوسون فيه القدرة على رعاية شؤون الناس ،ويسمى شيخ الكم ،ويكاد ينحصر عمل
شيوخ الكم هؤلء او الكام الدنيي على مفاوضة الدول الت تكم الزيرة أو تريد
حكمها وتسليم مقادير الضارئب الت تفرض عليها ،وعندما ياول الفرنج احتلل الزيرة
فإن هؤلء الشائخ بالتعاون مع مالس العزابة ينظمون وسائل الدفاع ويشرفون عليها وقد
ولقد داب علماء الزيرة على هذا الوضع من عقد الجامع العلمية إل عصر الشيخ
سعيد بن تعاريت.
ولقد يمع عصر من العصور عددا ضخما من العلماء ولكن سرعان ما يتاز واحد
منهم فيسلمون له رئاسة الجمع دون ان يدث بينهم خلف .فلقد كان فيهم من غزاوة
العلم ،ومتانة اللق ،وصحة الدين ،وسلمة الصدر ،ومبة الخوان ،ورعاية الصلحة العامة،
ما يملهم على العتراف لذى الفضل بفضله ،ول يدث فيما وصلت إليه يدي من مصادر
التاريخ ،أن تنافس اثنان من العماء ف الزيرة على رئاسة الجلس او تنازعوا على العلمية
ول يدث ان تكب احدهم او انتفخ فاعتزل حضور الجلس .ويشهد لذلك الشيخ سعيد
التعاريت فيقول (( :تدهم مع غزارة علمهم وجللة قدرهم ،ليستغنون عن بعضهم وانه إذا
نزل بم امر مهم او غيه يتمعون على أكبهم ويوقرونه ويلتمسون منه الرأى والخرج ،ما
أبو الفضل قاسم بن أب الربيع بن ممد الشماخى شيخ الشيخ سعيد تعاريت.
ذكرت لك أيها القارئ الكري هذه الساء ل على سبيل الصر ول على طريقة
الترتيب الزمن ولكنهم كامثلة للموضوع ومنهم من رأس ملس العزابة لتحلل نظام العزابة
ولعله من الناس ان انقل للقارئ الكري ف هذا الفصل شواهد ما مكتبه الؤرخون
ف هذا الوضوع.
قال سلمة الناون (( :وقع لعزابة جربة اجتماع عند شيخنا الفاضل المام أب
وهذا النص يدل على ان ملس العزابة كان ينعقد عند شيخهم وانه ل يزل إل ذلك
الي ( سنة ) 916يتول جيع شؤون البلد حت الشؤون السياسية ويؤيد ذلك ما جاء ف
(( فاجتمع حينئذ من ينظر إليه من عزابة وهبيتها -يعن وهبية جزيرة جربة -عند
الشيخ الجل الفقيه الكمل العال الفضل أب النجاة يونس بن سعيد أسعده ال واسعد به،
ووفقه ووفق به ،ليوا رأيهم بي يدية ،لا علموا من ين الرأى الناجح الناتج على يديه)) .
ويقول الشيخ سعيد التعاريت (( :ويتمع أى أبو النجاة يونس -هو واكابر مشائخ عصره
إذا نزلت بم نازلة عند عمنا سعيد يامون الذكور من حومة غيزن من جانب صدغيان لقدم
هجرته ( )1وكثرة بركاته ،ويرج الرأى من جيعهم )) .ويقول الشيخ سعيد التعاريت ف
15
( )1يطلق الباضية هذه اللفظة على الدخول فس سلك العزابة فيقولون فلن اقدم هجرة من فلن يعنون بذلك انه سبق إل الدخول ف ملس 15
العزابة ،والديث هنا يدل أن أبا عثمان يامون دخل ملس العزابة قبل أب وهذا طبيعي لن أبا النجاة من تلميذ أب عثمان وأبو عثمان من تلميذ الشيخ يعيش
الرب.
مكان آخر (( :وإذا وردت نازلة يتمعون عند عمنا زكرياء الصدغيان )) .ث يقول بعد
أسطر (( :ث من بعدهم الميع عند عمنا يونس التعاريتي)) ومعن هذا ان رئاسة الجلس
انتقلت بعد أب عثمان يامون إل ابن يى زكرياء الصدغيان ،ومنه انتقلت إل أب النجاة
يونس .ويقول الشيخ التعاريت ف حديثه عن أبن سليمان التلت (( :وساد بربة ،وتول
ملسها إذ ذاك ،وغليه يرجع المر ف زمانه والشورى )) .ويقول الشيخ التعاريت (( :وكان
الشيخ أبو الربيع سليمان بن عبدال من أولد ابن زيد رحه ال أحد الئمة ،كان ترجع إليه
الشورى ف مالس العلم ،لنه كان الجلس بربة ملس السجد الكبي ،ث تول ال مسجد
بن لكي ث صار ف مسجد وادى الزبيب ،يتمع كافة العلماء والشائخ على الشيخ سعيد
التغرويسن وسيأتى التعريف به ،بإذن الشيخ أب زيد الصدغيان والشيخ الياس الوارى
وذلك ف عشره الربعي أظنها من القرن العاشر )).ويقول الشيخ التعاريت (( :وإليه -أى
أب النما رائد بن عمر أللوغ -الرجع ف الفتوى والشورى ف زمانه والدرس حينئذ داود
التلت بسجد القصيي والجتماع عند أب النما ول يرج الرأى إل من عنده وذلك ف زمن
مكان يكم فيه معلوم اليوم ،به مقصورة ببابا ،كان يلس فيها المتنع عن أداء الق حت
يذعن ويرجه منها على ما قيل وذلك مشهور )) .واضاف بعد أسطر يقول (( :وهذا
الجلس توله بعد شيخه عبدال السدويكشى )).والكلم هنا يدل على أن الكم يتوله
باسم العزابة ،ولول ذلك ما استطاع أن يكم على المتنع عن أداء الق بالبس حسب
كلم التعاريت لن القوة التنفيذية او ما يعب عنه التعاريت بشيخة الكم إنا كانت ف عصر
أب عبدال ف أسرة بن سومن فابو سته شيخ عزابة وليس شيخ حكم وقوته هذه الت
يستطيع ان يبس با من يتنع عن إداء الق غنمات يستمدها من قوة العزابة لن من قوة
الدولة.
ويقول العلمة التعاريت (( :أن مشائخ الزيرة كلهم يتمعون بجلس الكام
والمور الهمات من صال البلد لنم رحهم ال كانوا بوقتهم مهما يقع شئ ف البلد ل
يكن حاكمهم بفضله ول يفعل شيئا دونه ( )1كما يشهد لذلك مكا رأيناه مقيدا بعدة
رسائل ف تقييد وقائع الزيرة ف زمان بعضهم مثل أب النجاة وأب سليمان وغيهم)) .
احسب ان الشواهد السابقة كافية للدللة على ما أردت ان اعرضه على القارئ
الكري من أن اهل جربة قد اعتادوا على نظام ساروا عليه ،وذلك بعقد مامع علمية يرأسها
اعلم علمائهم وتعرض فيها جيع مشاكلهم الاصة والعامة ،ويكون هذا الجتماع غالبا ف
بعض الساجد ولكنهم قد يعتقدونه ف منل الشيخ إذا دعت لذلك أسباب وذلك فيما يبدو
ل عند نزول امور مهمة مستعجلة ،كالغزو الارجي او عند ما يريدون ان يكون نقاشهم ف
وهذه الجالس إنا كانت إجتماعات لجلس العزابة فلما انل اعتاد العلماء أن
يقوموا بذلك ويافظوا عليه وبقوا مافظي على هذه العادة لزمن طويل حت تغيت انظمة
الكم ف أواخر العهد العثمان وتسلط الكام على العلماء ودخلت بعض الذاهب
السلمية إل الزيرة فاستغل الكام ذلك لزيادة التفريق بي الناس وتوسيع شقة اللف،
وأصبحت تلك الجالس تتضاءل حت انقرضت او كادت ف زمن الشيخ سعيد بن تعاريت
حديثه يقول التعاريت (( :وتد أشياخ وقتنا الواحد منهم ل يصلح ان يكون أق تلميذ
لضعفهم علما ،وتد أعلم أشياخ وقتنا مثله ل يكون مدرسا ول يتأهل للتدريس ومع هذا
كله تلقاهم وتدهم ل يتمعون على لفظه ،وكل مقتنع برأيه وعلمه ،وغذا صاوبت أحدا
منهم يقول ما يقول ،والخر كذلك ،حت صار هذا دين لم يفن عليه كبيهم ،وينشأ عليه
صغيهم ،فمن أجل ذلك سلط ال عليهم الظلمة الغشمة ،وأستول عليهم السافل حت ل
يعرفون قدرهم ول قدر علمهم وحينئذ يقول الواحد منهم او كلهم هذا آخر زمان ،ل يعد
العلم يوقر ،ول يعد له قدر وشان ،ول يعلموا ان هذا كله بارادة ال ،وبسء أفعالم،
تصديقا لقول هادى الة كاشف الغمة (( كما تكونون يول عليكم )) وقوله عز من قائل ((
فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثي ) 9لكونه ف مل ينبئ عن الباطل ،لن العلماء ورثة
النبياء واما الظلمة والسافل فهم ف باب الظلم والتعسف ،ل يعرفون ال ول يراقبونه.
جهلهم حلهم على ذلك .وزيادة غاية حال زماننا كمكا قال تعال (( ال ترا أنا أرسلنا
الشياطي على الكافرين تؤزهم ازا 9) .فل تد عالا يصاوب ظالا ،ول ظالا يوقر عالا ،ل
داعى ول ميب إنا ل وإنا إليه راجعون ،ول حول ول قوة إل بال العلى العظيم وحسب ال
ونعم الوكيل ،وما توفيقى إل بال عليه توكلت وإليه انيب ،نسأل ال تعال السلمة
والعصمة والنجاة من فساد هذا الزمان ومن شياطينه النسية والنية آمي واستغفر ال من
ورغم هذه الصورة القاتة الت وضعها الشيخ سعيد بن تعاريت لعصره وعلماء
عصره ،فانن اعتقد ان ذلك العصر كان به افذاذ من العماء ،يقومون بامر ال ،ويافظون
تعليم شباب المة ،وتربيته على السس السلمية للتربية ،وقد ادركت بعضا من علماء
الزيرة العاصرين له وحضرت دروسا على بعضهم امثال الشيخ رمضان اللين ،والشيخ عمر
بن مرزوق ،والشيخ ممد بن تعاريت ،فكانوا امثال للعلماء السلمي ،سعة اطلع ،وغزارة
مادة ،وصحة عقيدة ،وسلمة دين ،وشدة ورع ،ونصيحة لعامة السلمي وخاصتهم،
وجهادا ف سبيل ال ،وكفاحا ف نشر العلم ،وقد كان غيهم ف الزيرة كثي مثل الشيخ
يستطيعوا ان يقوموا بثل ما كان يقوم به أسلفهم ،لنم كانوا تت حكم الستعمار
الفرنسى التغطرس ،ومهما بلغ الظلم والنراف بالكم من المراء السلمي ف كل
العصور ،فإنه ل يبلغ عشر ما جاء ف الستعمار الغرب للشرق السلمي .والفرق ف هذا
واضح فإن المي السلم الظال إنا يظلم لشهوة عارضة ،إما للحصول على الال او للنتقام
أو التحكم وإظهار السلطة .أما الستعمار الغرب فقد جاء بطة تويل ما ف الشرق من
خيات إل الغرب والقضاء على الدين السلمي القضاء الكامل والاق هذه الة بالنسيات
الوروبية ،وتويل حضاراتم وادابم ولغاتم وما إل ذلك ما يوحى به الشيطان عندما
يدع اعوانه لينطقوا للتخريب والفساد والفرق بي هذا وذاك .ل نسبة بينهما ومن
الستحيل بطبيعة الال ان نطلب من يعيش ف مثل هذه الظروف ان يعمل مثل ما يعمل من
يعيش ف مثل ظروف اولئك العماء السابقي على متلف عصورهم والفوارق بينهما.
وقد ايتح ل ان ازور جرزيرة جربة زيارة خاطفة سنة 1965ف عهد الستقلل
والرية فوجدت بقايا تلك الظاهرة ظاهرة إجتماع العلماء والطلبة لدراسة العلم ومشاكل
الزيرة الدينية والجتماعية ولقد سرن وال وانا اتدث إل جع غي قليل من رجال الزيرة
الكرام ومن علمائهم العظام ومن الدرسي وطلبة العلم ما لسته فيهم من حرارة النقاش،
ومبة العلم والرغبة فيه والتماس الكمال والسعى له .وقد اخبون ان لم مالس علمية مرتي
ف السبوع يتدارسون فيها مشاكلهم العلمية والدينية ويدرسون بعض الكتب الفيدة ما ألفه
ولعل الشباب الثقف التعلم من اهل الزيرة يعمل على احياء ذلك التاريخ الجيد
الذي انتج عبقريات وترك تراثا اسلميا رائعا ف عهد التقلل الزاهر الذي يعمل على ان
كلمة التام
أخى القارئ الكري أرجو أنن قد وضعت بي يديك صورا من حياة امة مسلمة كرية ،ف
وطن مسلم كري ،ولقد اعلمت ما ف وسعى من جهد لذ تلك الصور من حقائق التاريخ،
سواء كانت تلك القائق علما ف صدور الرجال ،او أخبارا تتناقلها الجيال .أو معارف
مدونة ف بطون الكتب والوراق ،او شواهد بادية على الطلل والثار .فإن كان فيها علم
وحق فذلك ما اردت والمد ل على التوفيق .وغن كان فيها اللط والطأ فال سبحامه
واخيا أشعر انه من واجب ان اتقدم إل أصداقائي الذين امدون بساعداتم الادلة
والعلمية ،وتكبدوا من اجلى مشاق الشفر ،بالشكر الالص ،داعيا ال سبحانه وتعال ،ان