You are on page 1of 95

‫شبكة الدرة السلمية‬

‫‪www.aldura.net‬‬

‫دراسات عن الباضية‬
‫تأليف ‪ :‬الشهيد عمرو خليفة النامي‬

‫ترجمة مراجعه‬
‫د ‪ .‬ماهر جرار‬ ‫ميخائيل خوري‬

‫أصوله وعلق عليه ودقق وراجع‬


‫د ‪ .‬محمد صالح ناصر د ‪ .‬مصطفى صالح باجو‬

‫شبكة الدرة السلمية‬


‫‪www.aldura.net‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الفهرس‬

‫مقدمة (واقع التراث الباضي)‬

‫عرف الفكر الباضي بأئمته وعلمائه الذين حاولوا أن يبنوا قواعد دولته ‪ ،‬وجاهدوا في إرساء أصوله الفكرية ‪،‬‬
‫فألقوا في مسائلة الفقهية والكلمية ‪ ،‬وكتبوا في مسيرته الحضارية والتاريخية ‪ ،‬ولكنهم كشأن أي حركة دينية ذات‬
‫طابع سياسي واجهروا المطاردة والملحقة من خصومهم منذ ظهور هذا الفكر على الساحة السياسية ‪.‬‬

‫وكان هذا الواقع المؤسف من أقوى السباب التي جعلت أصحاب هذا الفكر مضطرين إلى إخفاء مؤلفاتهم خشية أن‬
‫يطلع عليها خصومهم فيصادروها ‪ ،‬بل فعلوا ذلك في بعض المراحل من تاريخهم مخافة أن يتعرضوا هم أنفسهم‬
‫للتعذيب والضطهاد ‪ .‬وبسبب هذا الموقف المتعسف وبسبب الخوف على تلك المعارف أن تضيع ‪ ،‬لجأ العلماء الوائل‬
‫إلى إيصال معارفهم تلك ‪ ،‬عن طريق المشافهة والتلقين بعيدا عن أعين الناس ‪ ،‬كما فعل أحد رواد هذا الفكر وهو أبو‬
‫عبيدة مسلم بن أبي كريمة ‪.‬‬

‫وكان هذا الواقع المؤلم مصاحبا للمذهب ‪ ،‬وتراثه في المشرق والمغرب ‪ ،‬منذ نشأته في منتصف القرن الثاني‬
‫الهجري إلى حين قيام أول دولة قوية للباضية وهي الدولة الرستمية ‪ ،‬أو بعبارة أدق نستخدم فيها مصطلحا طالما‬
‫استخدمة أصحاب هذا الفكر ‪ ،‬من مرحلة الكتمان إلى مرحلة الظهور ‪ .‬ففي ظل الدولة الرستمية التي وفرت الحماية‬
‫لحرية الفكر والتعبير لمذهبها الذي اعتنقته ولغيرها من المذاهب والطوائف الخرى ‪ ،‬وبفضل العدالة السلمية التي‬
‫انتهجتها الدولة الرستمية كطريقة حكم ازدهر التأليف ‪ ،‬وكثرت حلق المذاكرة ‪ ،‬وشاعت أسواق الجدال والمناظرة ‪،‬‬
‫وأنتجت هذه السياسة الرشيدة مكتبة المعصومة التي أشاد بتراثها المؤرخون ‪ ،‬ولكنها والسف ملء الجوانح ‪،‬‬
‫احترقت أثناء هجوم عبيد ال الشيعي على تاهرت ‪ ،‬وكانت شاهدة لئمة الدولة الرستمية بالنزاهة والعدل ‪ ،‬بقدر ما‬
‫ستبقى شاهدة على أعدائهم الفاطميين على التعصب المقيت ‪ ،‬ومعاداة أنوار العلم والمعرفة ‪.‬‬

‫وشهد الفكر الباضي مرحلة أخرى من الضطهاد والظلم ‪ ،‬وعاد أصحابه مرة أخرى إلى مرحلة الكتمان ‪ ،‬متسترين‬
‫بالشعاب والمسالك الصحراوية ‪ ،‬لئذين بعقيدتهم إلى واد غير ذي زرع ‪ ،‬وكان ذلك حالهم إلى حين استقرارهم بوادي‬
‫ميزاب في بداية القرن الخامس الهجري ‪.‬‬

‫وأحب أن أوكد على أن هذه المرحلة رغم قساوتها السياسية ‪ ،‬فإنها لم تعرف نضوبا فكريا ‪ ،‬إذ أن المصادر الخاصة‬
‫بدراسة سير العلماء والمشايخ والئمة تدل على أن الباضية كانوا مثل غيرهم من المذاهب الخرى أصحاب عناية‬
‫بالتأليف ‪ ،‬والتحقيق والتدوين ‪ ،‬ول سيما في الشريعة والتاريخ ‪ .‬فالذي يرجع إلى سير الشماخي ‪ ،‬أو جواهر البرادي‬
‫‪ ،‬أو ملحق السير لبي اليقظان يتأكد من هذا التراث المعرفي الواسع ‪ ،‬فمن خلل عناوين هذه المؤلفات يدرك أن‬
‫الباضية ألفوا في مختلف العلوم النسانية ‪ ،‬وأنهم كتبوا في شتى ضروب المعرفة ‪ ،‬ولعل بعض البيبلوغرافيات‬
‫الحديثة مثل تلك التي قام بإعدادهما لفتسكي ‪ ،‬أو شاخت أو غيرهما من الوروبيين تساعد على تصور نصيب‬
‫الباضية ومكانتهم في هذا المجال ‪ .‬على أنه لو قام احد بإحصاء جميع الكتب التي ألفها أصحاب هذا الفكر ونسبتها‬
‫المئوية إلى عددهم ‪ ،‬ثم فعل مثل ذلك في بقية المذاهب ‪ ،‬ثم قارن بين نسب الجميع ‪ ،‬لوجد نسبتهم من أعلى النسب‬
‫إن لم تكن أعلها ‪ ،‬على أن الكثير منها ضاع للملحقة السياسية التي لم تتوقف في أي زمان عن مطاردتهم‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومضايقتهم بشتى الساليب والصور ‪ ،‬حتى بلغت في مداها أحيانا حرق الكتب والمكتبات ‪ ،‬وفي أحيان كثيرة تكون‬
‫أصابع الفقهاء المتعصبين وراء أجهزة السلطة ‪....‬وإلى الن ل تزال أكثر كتب هذا الفكر وأهمها مجهولة حتى عند‬
‫أصحابها أنفسهم ‪.‬‬

‫ولكن الذي يؤسف له حقا هو أن هذا التراث ضاع أكثره إذ جنت عليه الظروف الخارجية ‪ ،‬من حروب وملحقات ‪،‬‬
‫وأودى ببعضه الخر الظروف الجتماعية والقتصادية الصعبة التي لم تساعد أهل العلم على الستقرار النفسي‬
‫لمتابعة المسيرة ‪ ،‬بل إنهم زهدوا في نشر هذا التراث وطبعه ‪.‬‬

‫واقع التراث الباضي في العصر الحاضر‬

‫أحسب أنه من أسبق علماء الباضية في العصر الحديث بنشر هذا التراث وإخراجه للناس ‪ ،‬ما قام به الشيخ سليمان‬
‫الباروني والمطبعة البارونية بمصر ‪ ،‬وما طبعه الشيخ أطفيش من نفائس وذخائر ‪ .‬هذه المجهودات أخرجت من حيز‬
‫النسيان تراثا قيما ما زال بعضه إلى يومنا هذا في طبعه الحجرية مثل ‪ :‬قناطر الخيرات ‪ ،‬والنيل وشفاء العليل ‪ ،‬وفاء‬
‫الضمانة ‪ ،‬والدليل لهل العقول ‪ ،‬والزهار الرياضية ‪ ،‬وغيرها ‪ .‬كان ذلك قبل الحرب العالمية الولى ‪.‬‬

‫وجاء بعد المطبعة البارونية المرحلة القيمة التي قطعها الشيخ أبو إسحق أطفيش ‪ ،‬الذي كان نفيه من قبل الستعمار‬
‫الفرنسي إلى القاهرة خيرا وبركة ‪ ،‬حيث أخرج هو الخر ذخائر نفيسة من مؤلفات قطب الئمة ‪ ،‬بطبعه أحسن‬
‫وإخراج أجود ‪ ،‬وإليه يعود الفضل في إخراج الجزاء الخيرة من شرح النيل ‪ ،‬والذهب الخالص ‪ ،‬وشامل الصل‬
‫والفرع ‪ ،‬والوضع وغيرهما من المصادر والمراجع الهامة في الفقه والتاريخ ‪ .‬وما نزال حتى اليوم نتدارس بعض‬
‫هذه الطبعات التي تعود إلى الثلثينيات والربعينيات ‪.‬‬

‫وما من شك في أن التعاون السلمي بين أبي إسحق إبراهيم أطفيش وبين صديقه الداعية الكبير محب الدين الخطيب‬
‫‪ ،‬صاحب المطبعة السلفية ‪ ،‬قد ساعد على إخراج الكثير من هذه الكنوز إخراجا جيدا ‪ ،‬وكان لمجلة المناهج التي‬
‫كانت تطبع بهذه المطبعة دور الداعية الذي كان همه الول وهاجسه الوحيد إيقاظ المسلمين إلى واقعهم المرير تحت‬
‫وطأة الحتلل الغربي ‪ ،‬وما يتهددهم من غزو فكري ‪ ،‬وما يستخدم من وسائل إعلمية حاقدة على رأسها الرساليات‬
‫التنصيرية هذا من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخرى فإنها كانت – أي المناهج – تعرف بالفكر السلمي وتراثه وحضارته‬
‫وتصحح المفاهيم التي علقت بأذهان المسلمين من رواسب عصور التخلف والنحطاط ‪ .‬وبما أن أبا إسحق إباضي‬
‫فإنه لم يأل جهدا في التعريف بهذا المذهب وتراثه الحضاري ‪.‬‬

‫وفي أوائل الستينيات برز إلى عالم الفكر السلمي كاتبان إباضيان ‪ ،‬أحدهما هو الشيخ علي بن يحيى معمر الليبي‬
‫النفوسي ‪ ،‬وثانيهما هو الشيخ محمد علي دبوز الجزائري الميزابي ‪ .‬وإذا اتجه محمد علي دبوز إلى تاريخ المغرب‬
‫السلمي ‪ ،‬ثم إلى الحركة الصلحية يصحح ما فيها من مواقف ومعلومات خاطئة ‪ ،‬في وقفات طويلة ‪ ،‬فإن الشيخ‬
‫علي يحيى معمر اتجه إلى تاريخ الباضية قديما وحديثا ‪ ،‬فأصدر سلسلته الرائعة القيمة الباضية في موكب التاريخ ‪،‬‬
‫وهي تشتمل على حلقات ‪ ،‬كانت الحلقة الولى عن النشأة التاريخية للباضية ‪ ،‬فالحلقة الثانية والثالثة عن الباضية‬
‫في ليبيا ‪ ،‬فالرابعة عن الباضية في تونس ‪ ،‬ثم الخامسة عن الباضية في الجزائر ‪.‬‬

‫ولقد كشف بمنهجه الدعوي ‪ ،‬وذكائه الوقاد ‪ ،‬وورعه الشديد ‪ ،‬وحبه العارم لمته السلمية عن كنوز عرفت القارئ‬
‫المسلم بشخصيات وزعماء وعلماء لم يكن يعرف عنهم شيء من قبل ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ولكن الكتاب الذي يصب في قناة التوحيد بين المسلمين ‪ ،‬وجمع كلمتهم هو كتبه الرائد في منهجه وفحواه الباضية‬
‫بين الفرق السلمية ‪ ،‬وقد هداه فكره النير ‪ ،‬وذهنه السلمي الثاقب إلى وضع نظرية يعلي عليها المسلمون‬
‫المعاصرون بناء وحدتهم ‪ ،‬وعبد طريقا يسلكونه إلى جمع كلمتهم ولم شملهم ‪ ،‬وقد لخص هذه النظرية في المبادئ‬
‫الثلثة ‪ :‬المعرفة ‪ ،‬التعارف ‪ ،‬العتراف ‪.‬‬

‫والشيخ علي يحيى معمر بمؤلفاته القيمة تلك يعد من أهم الدعاة السلميين الداعين إلى وحدة المسلمين في هذه‬
‫العقود الخيرة ‪.‬‬

‫وأحسب أن أغلب الكتابات التي أخذت تنتشر هنا وهناك عربية أو أجنبية في محاولة منها لنصاف الباضية تتخذ‬
‫كتب الشيخ علي يحيى معمر من مصادرها الساسية ‪.‬‬

‫أما في المشرق فقد برز الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان ‪ ،‬فتحمل مسؤولية الدعوة إلى‬
‫التقارب ونبذ الخلف ‪ ،‬وقد وهبه ال صفات أهلته لذلك عن جدارة واستحقاق ‪ ،‬فهو علم راسخ القدم في الشريعة‬
‫السلمية ‪ ،‬حباه ال ذاكرة فياضة ‪ ،‬تسعفه بالدلة من القرآن والسنة ‪ ،‬إلى تواضع جم يحببه من النفوس ‪ ،‬ويقربه‬
‫منها ‪ ،‬وهو في سبيل هذه الرسالة ما فتئ مشاركا في المؤتمرات السلمية يدعو إلى ال على المنابر ‪ ،‬وإذا سمع أو‬
‫رأى باطل أو تهجما إنبرى إلى الرد غير هياب ول وجل ‪ ..‬يجادل بالتي هي أحسن ‪ ،‬ويحاور بالعقل والمنطق والدلة‬
‫العقلية والنقلية ‪ .‬وعسى أن يجتهد الناشرون في نشر كتاباته القيمة ‪ ،‬ومؤلفاته الهامة فإنها من أهم وسائل التقريب‬
‫بين المذاهب السلمية ‪ ،‬وقد وضحت آثار جهوده تلك في منطقة الخليج والمشرق العربي بما سيدخره ال له في‬
‫صالح العمال إن شاء ال ‪.‬‬

‫مكانة هذه الدراسة‬

‫وفي خضم هذا الواقع المشار إليه سابقا تجيء دراسة الدكتور عمرو النامي القيمة ( دراسات عن الباضية ) ‪ ،‬وهي‬
‫فيما أعلم أول دراسة أكاديمية جادة يقدمها باحث إباضي ‪ ،‬ونظرا لهميتها ذات الطابع المعرفي العام الشامل ونظرا‬
‫لمنهجية صاحبها ‪ ،‬واستناده إلى الوثائق والنصوص عودة إلى مصادرها الساسية ‪ ،‬فقد اعتمدها كثير من الباحثين‬
‫المعاصرين عربا وأجانب ‪ ،‬ولعل من توفيق ال سبحانه وتعالى لصاحبها أن يقدم هذه الدراسة لنيل درجة الدكتوراه‬
‫من جامعة كمبودج باللغة النجليزية ليطلع الجانب والعرب معا على حقيقة هذا المذهب ومنهجه الدعوي ‪.‬‬

‫وظلت أطروحة الدكتور عمرو النامي حبيسة لغتها النجليزية منذ سنة ‪ 1971‬إلى أن قيض ال لها الفاضل الحاج‬
‫حبيب اللمسي صاحب دار الغرب السلمي لنشرها مترجمة إلى اللغة العربية ‪ ،‬حتى يطلع عليها الباحثون والدارسون‬
‫في الوطن العربي ‪ ،‬ليعم بها النتفاع ‪ ،‬ويحصل القصد النبيل الذي من أجله ألفت وترجمت ‪ ،‬فيضيف بذلك مؤلفا هاما‬
‫إلى قائمة المنشورات التي ما فتئت دار الغرب السلمي تقدمها إلى القارئ العربي مشكورة مأجورة ‪ .‬ولست في‬
‫حاجة إلى تقديم هذه الطروحة العلمية الهامة إلى القارئ الكريم لن مثل هذا العمل القيم في غنى عن ذلك ‪ ،‬وإنما‬
‫أرغب في أن أشير إلى أننا حاولنا قدر المستطاع أن نقدم للقارئ النصوص المعتمدة في الطروحة من مظانها بلغتها‬
‫العربية التي كانت كتبت بها أصل ‪ ،‬ولذا فقد يلحظ اختلف بين النسخ التي جاءت في الصل النجليزي وبين الصل‬
‫المترجم إلى اللغة العربية ‪ ،‬لننا لم نستطع التوصل إليها لندرتها ‪ ،‬وأغلبها مخطوطات رجع إليها الباحث الدكتور‬
‫عمرو النامي هنا وهناك من المكتبات الخاصة والعامة وخصوصا ‪ ،‬وأن الكثير مما كان مخطوطا أثناء كتابة‬
‫الطروحة أصبح اليوم مطبوعا وهو ما يسهل للباحثين الرجوع إلى النصوص في مظانها الصلية إن هم رغبوا في‬
‫ذلك ‪ ،‬والمهم على كل حال هو ذكر النص المعتمد كما هو موجود في أصله ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وحسبنا أننا اجتهدنا في العودة بالقارئ الكريم إلى النصوص الصلية كلما وجدنا إلى ذلك سبيل ‪ ،‬ونعتذر عما تعذر‬
‫الوصول إليه ‪.‬‬

‫نسأل ال أ‪ ،‬يجعل هذا العمل ذخرا في ميزان حسنات الدكتور عمرو النامي حيثما كان ‪ ،‬ونسأل ال أن يجمع قلوب‬
‫المؤمنين على حب شريعته ودينه ويوحد صفوفهم لنصرته وتمكينه ‪.‬‬

‫مؤلف هذه الدراسة‬

‫‪ -‬من هو عمرو النامي ‪:‬‬


‫ولد عمرو خليفة النامي في سنة ( ‪ ) 1939‬في نالوت إحدى قلع الجبل الغربي من جبل نفوسة الشم ‪.‬‬

‫وتربى في أحضان عائلة فقيرة مثل أغلب عائلت الجبل ولكنها غنية بقيمها ‪ ،‬ومحافظتها على الدين السلمي ‪،‬‬
‫والخلق الفاضلة ‪ ،‬ومن هنا فتح عمرو عينيه على هذا الجبل الذي تنطق كل ذرة فيه بالمجاد السلمية موطن‬
‫المازيغ الصناديد المشهورين بالبطولة ‪ ،‬والبسالة ‪ ،‬والرجولة ‪ ،‬ونالوت تعد أحد معاقل الجبل حيث نشأ المذهب‬
‫الباضي وترعرع قبل أن يمتد إلى باقي أجزاء المغربين الدنى والوسط في القرون الهجرية الولى ‪.‬‬

‫‪ -‬مسيرته العلمية ‪:‬‬

‫اختلف إلى الكتاب يحفظ القرآن مثل لداته ‪ ،‬وتعلم مبادئ اللغو العربية والعلوم الشرعية وكانت نالوت تتحدث عن‬
‫حركة إصلحية ونهضة إسلمية واعية يترأسها ويدعو إليها أحد أبناء نالوت الشيخ علي يحيى معمر ‪ ،‬وسرعان ما‬
‫ارتسمت صورة الشيخ علي المهيبة في ذاكرة الطفل الذي انتقل بعد ذلك إلى مدينة غريان حيث درس في المدرسة‬
‫العدادية والثانوية ‪.‬‬

‫وكانت ليبيا مثل غيرها من البلد السلمية تتطلع إلى عهد مشرق وغد أفضل بعد الحسرات التي مرت بها من جراء‬
‫أتون الحرب العالمية الثانية التي خلفت آثارها بصفة خاصة في الوضاع القتصادية والجتماعية ‪.‬‬

‫وكان الفتى اليافع عمرو يختلف إلى مجالس الشيخ علي ويسمع منه فصول من تاريخ الفاتحين الوائل والمجاهدين‬
‫الذين رفعوا لواء السلم عاليا في هذه الربوع ‪ ،‬ويحرك في ضميره ذكريات الرجال العظام من أسلفه المجاد الذين‬
‫تشهد كل ذرة رمل في الجبل على منافحتهم عن السلم سواء في العهدين الموي أم العباسي أم في العصر الحديث‬
‫ضد الستعمار اليطالي والحكم العثماني ول سيما ما تركه الشيخ سليمان الباروني من آثار وأفكار ‪.‬‬

‫في هذه الثناء كانت عودة الشيخ علي من الجزائر حيث قضى حوالي عشر سنوات ينهل من معين معهد الشباب على‬
‫يد شيخ الحركة الصلحية المام الشيخ إبراهيم بيوض ‪ ،‬عاد الشيخ علي متحمسا للنهضة والصلح وبعث ما أذبلته‬
‫اليام من نضارة المجاد السالفة ‪ ،‬وكان ل بد أن يتأثر الشاب الذكي عمرو النامي بكل ما يجري حوله ويدور من‬
‫مناقشات ودروس ووعظ وإرشاد ‪ ،‬ويتطلع إلى أن يتبوأ منزلة مرموقة في هذه الصفوف العلمية تستشرف غدا أفضل‬
‫للمسلمين ول سيما تلك الربوع التي ران عليها الجهل والتخلف والفقر ‪.‬‬

‫ول نكاد نصل سنة ‪ 1957‬حتى يلتحق الطالب الذكي الجاد بجامعة بنغازي هذه الجامعة التي تعد أول جامعة في ليبيا‬
‫إذ افتتحت سنة ‪ 1955‬وتمكنت هذه الجامعة في عقدي الخمسينات والستينات من استقدام عدد من الساتذة‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الجامعيين اللمعين وجلهم من جامعتي القاهرة والسكندرية ‪ ،‬وكانت لعمرو علقات حميمة مع أستاذة الدكتور محمد‬
‫محمد حسين الذي ربطته به علقة بنوة عميقة ‪ ،‬وكان الدكتور معجبا بذكاء عمرو ونجابته وأخلقه وسلوكه ‪.‬‬

‫ونحسب أن التقاء عمرو النامي بالشيخ الدكتور محمد محمد حسين كان توجيها إلهيا وتوفيقا ربانيا إذ وجد على يد‬
‫الدكتور الملتزم الجاد ‪ ،‬المربي والموجه وكأن ال سخر له الدكتور الصيل بفكرة وثقافته وأخلقه وسلوكه ليكمل ما‬
‫وجده في شيخه علي يحيى معمر في مرحلته البتدائية والثانوية ‪.‬‬

‫يقول زميله الناكوع عن تلك العلقة ‪:‬‬


‫(( كان الدكتور محمد محمد حسين مولعا شديد العجاب بذكاء عمرو النامي فاهتم به وشجعه على المضي في طريق‬
‫البحث والدراسة حتى يصبح يوما ما أستاذا جامعيا ‪ ،‬وجمعت بين الستاذ وتلميذه رابطة المنطلق والتوجيه‬
‫السلمي )) ( ‪. ) 1‬‬

‫‪-‬الدراسات العليا ‪:‬‬

‫وما لبث عمرو حتى أظهر تفوقا وذكاء مميزين أهله ليكون من بين الطلب المتفوقين الذين اختارتهم الجامعة‬
‫ليزاولوا دراستهم العليا خارج ليبيا ‪ ،‬وراح يستعد لمرحلة الدراسات العليا ‪ ،‬وتوجه في بداية المر إلى مصر ‪.‬‬

‫‪ -‬تعرفي عليه ‪:‬‬

‫في هذه الونة كان تعرفي اللو على عمرو النامي عن طريق أستاذي الشيخ محمد علي دبوز ‪ ،‬فقد حظينا ببعض‬
‫اللقاءات القليلة معه ومع الشيخ علي معمر الذي كان يزور القاهرة عندئذ لطبع كتابه الهام ( الباضية في موكب‬
‫التاريخ ) وقد ترك عمرو النامي في ذاكرتي انطباعا ملؤه العجاب برصانته وذكائه ‪ ،‬واجتهاده ‪ ،‬وتطلعه إلى‬
‫المشاركة بقلمه في الدرس والبحث في مجال العلوم السلمية ‪ ،‬وعرفت فيه أيضا شاعرا حساسا وتقديرا عظيما‬
‫لتاريخ السلف ‪ ،‬وشغفا واضحا بالتراث فكرا ورجال ‪ ،‬وكان النامي يستروح هذه الروحانية من جلساته المتكررة إلى‬
‫أبي إسحاق إبراهيم اطفيش بقية السلف الصالح ‪.‬‬

‫وبينما كان في تلك المرحلة وقعت أحداث ‪ 1965‬وهي أحداث اعتقالت الخوان وإعدامهم وكان على رأسهم الشهيد‬
‫سيد قطب ‪ ،‬ونظرا لن عمرو النامي يقع في نفس الدائرة من حيث التوجه الفكري ولعلقته الحميمة بسيد قطب‬
‫وخشيته من أن تمتد إليه يد العتقال ترك مصر ‪ ،‬وترك شأن الدراسات العليا بها وعاد إلى ليبيا لبعض الوقت ( ‪) 2‬‬
‫‪.‬‬

‫لم يستسلم عمرو لحظة العاثر في مصر إذ سرعان ما تجهت به همته نحو الغرب وإلى جامعة كمبردج بالذات‬
‫وبموافقة الجامعة الليبية وبمنحه منها بفضل مديرها الستاذ مصطفى بعيو الذي قدر ظروف عمرو النامي ووافق‬
‫على إجراءات التغيير ‪.‬‬

‫سافر عمرو إلى بريطانيا سنة ‪ 1967‬وأمضى في رحاب جامعة كمبردج خمس سنوات ‪ ،‬باحثا منقبا مستفيدا من‬
‫الثقافة النجليزية التي تفوق تفوقا ظاهرا حتى بات يكتب بها أبحاثه ومقالته بكل اقتدار وهي التي كتب بها أطروحته‬
‫التي نال بها الدكتوراه تحت عنون ‪ :‬دراسات عن الباضية ‪.‬‬

‫وكان لقائي الثاني به في رحلة قمت بها أنا وصديقي المرحوم أحمد فرصوص إلى كمبردج نزلنا أثناءها ضيفين‬
‫مكرمين عليه ( ‪ ) 3‬واستطعت في هذه المدة القصيرة أن أتعرف على عمرو النامي عن قرب ‪ ،‬واكتشفت فيه جانبا‬
‫جديدا من اهتماماته السلمية في أوساط الغرب ‪ ،‬وأطلعني على بعض مقالته التي كان يكتبها ضد التيار اليساري‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫في البلد العربية بعامة وفي ليبيا بخاصة ‪ ،‬كما كان ينتقد بمرارة لذعة مواقف المنبهرين بالمدارسة الغربية ويوضح‬
‫بأسلوب علمي رصين تهافت الحضارة الغربية وسلبياتها ‪.‬‬
‫والحق إن الفترة التي قضاها في كمبردج كانت كلها عطاء سخيا ‪ ،‬وفكرا نيرا ‪ ،‬يقول عنها صديقه محمود الناكوع ‪:‬‬

‫(( كان حصادها التعليمي الدكتوراه في الدراسات العربية السلمية ‪ ،‬وحصادها العام ثقافة واسعة ‪ ،‬وتجربة حضارية‬
‫وعلقات متنوعة مع أهل العلم والفكر ورواد الحركات السلمية من مختلف الجناس واللغات والقارات )) ( ‪. ) 4‬‬

‫‪-‬كتاباته ‪:‬‬

‫كان عمرو النامي في هذه المرحلة في أوج نشاطه عطاء وفكرا وإنتاجا كان يمثل في كتاباته ذلك النموذج من الشباب‬
‫المسلم الملتزم دون جمود أو تزمت المتفتح دون انحلل أو تسيب ‪ ،‬كانت أغلب اهتماماته تحوم حلو الفكر السلمي‬
‫ورؤاه في جميع الموضوعات التي كانت يعالجها منطلقا من منظور إسلمي ثابت ‪ ،‬سواء في مقالته الدبية النقدية ‪،‬‬
‫أم في بحوثه الكاديمية ‪ ،‬أم في متابعاته السياسية ‪ ،‬وشمل بنظرته مجريات الحداث داخل الوطن العربي وخارجه ‪،‬‬
‫كان يتابع أخبار وطنه وما يجري فيه من تفاعلت ثقافية وسياسية ‪ ،‬وظل يرصد بعض ما تنشره الصحف الليبية من‬
‫مقالت فكرية وأدبية ‪ ،‬أو ما تنشره من شعر ‪ ،‬ول يفوته أن يقيمها ‪ ،‬وأن يعبر عن موقفه من اتجاهاتها ‪ ،‬وما تعكس‬
‫من دللت ل يرضى عنها في بعض الوقات ‪ ،‬وفي بعض ذلك النتاج ‪.‬‬

‫يقول صديقه وزميله محمود الناكوع الذي عرفه في الجامعة وفي محنة السجن عن هذه المرحلة ‪:‬‬

‫(( كنت أنا في تلك السنوات صحافيا في صحفية العلم أكتب عادة عمودا يوميا وأكتب أحيانا مقالت في بعض الصحف‬
‫والمجالت الخرى ‪ ، ...‬ونظرا لعلقة الصداقة بيني وبين عمرو النامي ‪ ،‬ونظرا لهتماماتنا بالفكر والثقافة ‪،‬‬
‫وحواراتنا المتواصلة أحيانا والمتقطعة أحيانا أخرى منذ كنا في الجامعة ‪ ،‬فقد اتفقنا أن يكتب المقالت تنشر بصحيفة‬
‫العلم وكان من بين ما نشر له بين ( ‪ ) 1969 – 1968‬عددا من المقالت النقدية التي كانت تدور حول ‪ ( :‬الحضارة‬
‫الغربية وموقفها من السلم والعالم السلمي ) ( والشعر الحديث ‪ ،‬نماذج ليبية ) ( واختار لها عنوانا ) ( فصول من‬
‫الجد الهازل ) ‪.‬‬

‫وعكست نقدا ساخرا ولذعا لبعض النتاج الشعري الليبي الذي انفلت من موازين الشعر العربي ‪ ،‬وانفلت من ثقافة‬
‫وقيم وصورة البنية العربية السلمية ‪ ،‬وكثرت فيه على حد إشارات النامي ( النواقيس ‪ ،‬والصلبان ) وأشياء‬
‫أخرى ‪ ،‬وهي ثقافة تعلمها الشباب الليبيون من مجالت ‪ :‬الطليعة ‪ ،‬والكاتب المصريتين ‪ ،‬والداب البيروتية ‪،‬‬
‫وغيرها ‪ ،‬أما المقالت التي أثارت دويا هائل فهي المقالت التي أنشأها بعنوان ‪ ( :‬رمز أم غمز في القرآن ) وفيها‬
‫رد على كتابات الصادق النيهوم التي نشرها في صحيفة ‪ :‬الحقيقة ‪ ،‬ونشر بعضها الخر في صحيفة ‪ :‬الرائد وكانت‬
‫عن الرمز في القرآن ‪ ،‬ومن أكثرها جدل مقالته بعنوان ‪ ( :‬إلى متى يظل المسيح بدون أب ) حيث أحدثت ردود أفعال‬
‫في عدة دوائر دينية وصحافية وأدبية ‪ ،‬ومن بين ردود الفعل تلك كانت مقالة عمرو النامي التي أرسلها من مدينة‬
‫كمبردج ونشرت بالعلم بتاريخ ( ‪ ) 1969 / 4 / 18‬وجاء فيها ‪:‬‬

‫(( لول أنني كنت أعرف الصادق النيهوم جيدا – كان زميل له في الجامعة – لكتبت غير هذا عن المر ‪ ،‬فأنا أعرف‬
‫الصادق شخصا ل ينطلق من أسس واضحة فيما يفعل أو يكتب ‪ ،‬وهو يصنع ذلك استجابة لما يقرأ أو ما يطرأ عليه‬
‫من أحوال تكتنف حياته التي ل يحكمها تصور واضح للحياة ‪ ،‬أو سلوك ثابت محدود ولذلك فعندما نشر بعض فصوله‬
‫عن الرمز في القرآن حسبت ذلك على ما قدمته من أحواله ‪ ،‬وقلت نوبة وستمضي بما جاءت ‪ ،‬وهو شيء غير ذي‬
‫قيمة في الواقع ل من ناحية الجهل والدراسة ‪ ،‬والبحث العلمي السليم ‪ ،‬ول من حيث آثاره ونتائجه )) ‪.‬‬

‫وكتف النامي أن ما يردده النيهوم قد سبقه إليه الباطنية نظريا وتطبيقيا ( ‪. ) 5‬‬

‫هكذا ظل النامي يتفيأ ظلل الحرية الفكرية في أجواء كمبردج ‪ ،‬وانتهت السنوات الخمس محملة بالعلم والفكر‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والتجربة ‪ ،‬وعاد إلى ليبيا سنة ‪ 1971‬وفي نفسه حلم يتطلع إلى تحقيقه وهو أن يصبح أستاذا جامعيا إسلميا‬
‫مرموقا يعالج قضايا مجتمعه وأمته السلمية بفكر نير وبصيرة نافذة ويقف بالمرصاد للنحرافات الزائغة في ميادين‬
‫الفكر والسياسة ( ‪ ، ) 6‬ولعله كان حسن الظن في نظام القذافي الذي أحل النظام الجمهوري بديل للنظام الملكي إثر (‬
‫ثورة الفاتح ) في ‪ ، 1969 / 9 / 1‬وسارع الكاتب المسلم إلى إسداء النصائح لقادة الثورة في مسيرة خيل للناس‬
‫أنها تبشر بالخير والعطاء ‪ ،‬والرفاهية والرخاء فكتب مقالة بعنوان كلمات للثورة نشرت بصحيفة الثورة في ‪11 / 4‬‬
‫‪ ، 1969 /‬وسنشير إلى مضمونها لحقا في هذا المقال ‪.‬‬

‫هكذا وفي صيف ‪ 1971‬حزم الستاذ المؤمن بدينه ووطنه وأمته أمتعته متجها صوب ليبيا ليشارك في معركة البناء‬
‫وليقف على منابر الكلمة الطيبة فيها صادعا بالحق ‪ ،‬مشاركا بالقلم في‬
‫ميادينه التي وفق فيها باحثا ‪ ،‬وأستاذا جامعيا ‪ ،‬وأديبا ناقدا ‪ ،‬وشاعرا مبدعا ‪ ،‬وبدل أن تفتح أمامه أبواب هذه المنابر‬
‫استقبلته ظلمات العنابر ‪ ،‬فمن مراكز الشرطة ‪ ،‬إلى غرفات التحقيق وزنازن السجون والمعتقلت ‪ ،‬وتبدأ رحلة شاقة‬
‫من المحن والعذاب والنفي والغتراب ‪.‬‬

‫‪ -‬رحلة المعانات والعذاب ‪:‬‬

‫إن شخصا مثل عمرو النامي ما كان ليكون مجهول لدى السلطات الليبية الحاكمة ‪ ،‬فهو معروف في الوساط الثقافية‬
‫والعلمية والجامعية بفكره السلمي النير ‪ ،‬وموقفه الثابت الواضح شأن المسلم المخلص الذي يخلص النصح لمته‬
‫ووطنه ‪ ،‬وقد دخل عمرو النامي هذا المعترك عن نية صافية ‪ ،‬وتوقع أن يأتي عهد الثورة بما هو أجدى نفعا ‪،‬‬
‫وأحسن استقرار ‪ ،‬وأوفر أمنا من العهد الملكي السابق ‪ ،‬ومن منطلق هذا التصور كتب مقالة ( كلمات للثورة )‬
‫نشرت بصحيفة الثورة بتاريخ ‪ 1969 / 11 / 4‬وكان يومئذ بكمبودج طالبا ‪ ،‬وقد حدد في ذلك المقال ‪ ،‬مبررات‬
‫الثورة ومهمة الجيش ‪ ،‬وهي مهمة استثنائية ضرورية محدودة يعقبها تسليم السلطة إلى الشعب ‪ ،‬وهو الذي يختار‬
‫أسلوب حياته السياسي والجتماعي في الفترة القادمة ‪ ،‬وتناولت المقالة التجاهات الفكرية السياسية القائمة في ليبيا‬
‫في ذلك الوقت ورتبها على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪ -1‬القوميون العرب ‪.‬‬


‫‪ -2‬البعثيون ‪.‬‬
‫‪ -3‬الناصريون ‪.‬‬
‫‪ -4‬الشيوعيون ‪.‬‬
‫‪ -5‬السلميون ‪.‬‬

‫ووصفها بأنها تجمعات عقدية ولذلك حسب تعبيره (( فغالب الظن لن تتخلى عن اتجاهاتها القائمة ‪ ،‬بل ستستمر في‬
‫ارتباطها بهذه التجاهات والدعوة إليها ‪ ،‬ونحن نعتقد أن لها جميعا حقا في اعتناق أفكارها ‪ ،‬وعرضها في إطار‬
‫الخلق العامة للشعب بعيدا عن التراشق بالتهم ‪ ،‬والكذب والرجاف ‪....‬‬

‫ويجب أن تتاح الفرصة الكاملة لهذه التجمعات للتعبير عن أفكارها وعرضها بكل الصور المشروعة التي تختارها ‪،‬‬
‫كما يجب الستفادة من خبرات هذه الفئات جميعا على النطاق الفردي في الجهاز الداري للدولة مع تجنب تمكين أي‬
‫فئة منها من كل المراكز الحيوية التي تجعلها تستغل نرافق الدولة في سبيل أهدافها الخاصة ‪. )) ....‬‬

‫كما تحدث في مقالته الطويلة عن الثورة والسلم ‪ ،‬وأكد أن السلم هو الصل وهو الساس في أحداث الصلح‬
‫المنشود في ليبيا ‪ ،‬فل توجد في ليبيا عقيدة غير عقيدة السلم ( ‪. ) 7‬‬

‫ومن الواضح أن الفكار التي دعا إليها عمرو النامي ل تعجب النظام الذي كان همه أن يحكم ويتسلط ‪ ،‬ونظام شأنه‬
‫هذا كيف يؤمن بالديمقراطية أو الشورى أو إعطاء الفرص لكل الفئات والطوائف والراء والفكار ‪ ،‬وهو ينطلق من‬
‫أيديولوجية معينة منذ البداية ‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومن الواضح أيضا أن عمرو النامي يدعو صراحة إلى التجاه السلمي باعتباره العامل القوى لتوحيد الشعب الليبي‬
‫انطلقا من تاريخه وواقعه وحضارته ‪.‬‬

‫وقد صدقت في أولئك الحكام فراسة شيخه علي يحيى معمر إلى قال عنهم أنهم حفنة من الطفال وتخوف من مصير‬
‫ليبيا في ظل حكمهم ( ‪. ) 8‬‬

‫ومن هنا ما إن وطأت رجله أرض ليبيا حتى زج به إلى التحقيق ووضع في قائمة الشخاص المشبوهين الذين‬
‫يعارضون السلطة الحاكمة وكان أول اعتقال له إنذارا وتحذيرا ولم يستغرق سوى بضعة أيام ‪.‬‬

‫واستأنف عمرو النامي نشاطه العادي أستاذا بالجامعة في بنغازي ثم ما لبث أن نقل إلة جامعة طرابلس لسباب‬
‫نجهلها وإن كنا نرجح أنها ليست ذات طابع أكادمي بقدر ما هي ذات طابع سياسي ‪.‬‬

‫وجاءت الحملة الواسعة التي تفجرت سنة ‪ 1973‬تحت شعارات ‪ :‬الثورة الثقافية ومن تحزب خان ‪ ،‬والثورة الدارية‬
‫‪ ،‬وغير ذلك من الشعارات التي يكتظ بها الكتاب الخضر ‪ ،‬وهكذا طالت هذه الحملة فئات المثقفين والطلبة من ذوي‬
‫الفكر الحر والشخصيات المتميزة ‪ ،‬فكان من بين من ألقي عليهم القبض الدكتور عمرو النامي ‪ ،‬والشيخ علي يحيى‬
‫معمر أبنائه وكثير من أستاذة وشيوخ وأصدقاء النامي ومن بينهم صديقه الحميم محمود الناكوع ‪ ،‬ودامت محنة‬
‫السجن قرابة سنتين ‪.‬‬

‫وبعد أن أفرج عن المسجونين طلب من الدكتور النامي أن يغادر البلد وهو تعبير مهذب يراد به ( النفي ) وأعطى‬
‫حق اختيار منفاه في اليابان أو أمريكا اللتينية أو إفريقيا والنفي الختياري هنا بعناية فكل من اليابان ‪ ،‬وأمريكا ‪،‬‬
‫وإفريقيا ‪ ،‬تنفي المرء جسدا لبعدها وروحا لغربتها ‪ ،‬ولكن عمرو النامي – ربما لثقافته النجليزية – سافر إلى‬
‫الوليات المتحدة لتدريس اللغة العربية والسلم في جامعة أمريكية وكان إلى جانب ذلك يعمل بنشاط كبير في مجال‬
‫الدعوة إلى دين ال الحق ونشره بين المتعطشين إلى روحانية الرسالة الخالدة ‪ ،‬وقد استغل ما أتاه ال من فصاحة‬
‫وذكاء وحيوية في هذا المجال مما خلد له السمعة الحسنة في الوساط السلمية بتلك الديار ‪.‬‬

‫ولكن ما لبث أن طلب منه الذهاب إلى اليابان وكان ذلك سنة ‪ 1979‬وهنالك رغم ما قدمه من خدمات جلي للحركة‬
‫السلمية ول سيما في الميدان الطلبي والشبابي السلمي شعر بالغربة القاسية تعصره وتؤلمه ‪ ،‬واستبد به الشوق‬
‫والحنين إلى مرابع الطفولة ومرابع الشباب وقد أودع تلك الحاسيس الجياشة في قصيدة كتبها في هذه الونة وهو‬
‫باليابان يقول فيها ‪:‬‬

‫وهكذا لم يطق حياة الغتراب ‪ ،‬وهمه وهواه أن يصلح أمته ووطنه ‪ ،‬وأن يكون قريبا من أهله وذويه ‪ ،‬وأقاربه فعاد‬
‫إلى ليبيا قبل دوران حول عن مفارقتها ‪.‬‬

‫بعد هذه التجربة المريرة ما بين نفي واغتراب واعتقال أيقن عمرو النامي أن النظام الليبي لن يسكت عنه وأنه‬
‫سيختلق المبررات لملحقته واضطهاده كلما حلى له أن يفعل ذلك ‪ ،‬وآمن أن حرية الكلمة والحركة التي هي حق من‬
‫حقوق النسان ‪ ،‬وأن الصدع بالحق وأداء النصيحة التي هي واجب على كل مسلم ‪ ،‬ل يمكن أن تجد مكانها في ظل‬
‫حكم دكتاتوري ولو تظاهر بالديموقراطية ‪ ،‬ومن هنا قرر النسحاب من المدن الكبيرة آوايا إلى جبل نفوسة بعيدا عن‬
‫أعين المخابرات والجواسيس ‪ ،‬وقرر أن ينفذ قرارا مريرا يتحول به من حياة إلى حياة ‪ ،‬قرر الستاذ الجامعي أن‬
‫يترك مهنة التدريس إلى مهنة الرعي ‪ ،‬ويودع أبهاء الجامعة إلى قمة الجبل ‪ ،‬ويستبدل بأضواء المدن والعواصم ‪،‬‬
‫سكون الصحراء وهدوء الجبل ويكتفي بشظف العيش وخشونة الملبس عن رفاهية المدينة ورقة حواشيها ‪ ،‬فاشترى‬
‫قطيعا من الغنام فذهب إلى ظاهر ( نالوت ) مسقط رأسه ومرابع ذكرياته ومقر أسرته وأهله ‪ ،‬وفي هذا القرار‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الصعب احتجاج صارخ وإدانة موخزة للنظام الليبي الذي كان يبلغه بعمله هذا أن ل مكان للثقافة وحرية الرأي في‬
‫هذه البلد ‪.‬‬

‫وأحسب أن عمرو النامي اختار هذه المهنة أسوة بالنبياء والرسل فمن شأن هذه الحياة الهادئة البعيدة عن صخب‬
‫المدينة وبريقها الزائف أن تقرب المرء من نفسه وتجعله يعيش في روحانية مطلقة ‪ ،‬كان ذلك اختيار عمرو النامي‬
‫على الرغم من أنه يمثل المسلم الحركي والمثقف الجتماعي ‪ ،‬والديب صاحب الرسالة الصادقة ‪.‬‬

‫غير أن أعين الجواسيس لحقته وهو في عزلته ‪ ،‬وطاردته وهو في صحرائه ومع شويهاته ‪ ،‬ولم يسالموه حتى‬
‫يحقق مشروعه ‪ ،‬أو يعيش عزا كريما كما كان يمني نفسه بذلك دوما ‪.‬‬

‫‪ -‬في مواجهة الطغيان ‪:‬‬


‫وفي سنة ‪ 1981‬فوجئ عمرو مرة أخرى بقبضة شرطة القذافي تلقي عليه القبض وتزج به في السجن وتوصد دونه‬
‫البواب ‪ ،‬بعيدا عن أهله وذويه ‪ ،‬وأغنامه وأحلمه وظل بين جدران السجن ل يسمح له بمغادرته أو محاكمته ‪ ،‬ومنذ‬
‫‪ 1986‬انقطعت أخباره عن أهله وذويه وغاص النامي في ظلمة النسيان ن وامتدت هذه الظلمة ثقيلة مريرة على‬
‫أنفس ذويه ومحبيه وعارفي فضله في مصير مجهول ل يدرك مداه سوى ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬ولم يبق من الدكتور‬
‫النامي الذي كان ملء السمع والبصر سوى أعماله الصالحة تشهد له بالتقوى والصلح ‪ ،‬ولم يعد يهو النفس عند‬
‫تذكره سوى أبياته المشجية المؤثرة الحزينة أو دمعة حرى تسلل في حيرة وصمت عميقين ‪.‬‬

‫وكأن النامي كان واعيا مصيره المحتوم هذا الذي عبر عنه تعبيرا تصويريا مؤثرا في قصيدته التي سارت بأبياتها‬
‫الركبان حيث يخاطب أمه من خلف القضبان قائل ‪:‬‬

‫‪ -‬في طي النسيان ‪:‬‬

‫هكذا يطوي النسيان علما بارزا من أعلم ليبيا المعاصرة وتستمر مؤامرة الصمت مرعبة قاتلة ‪ ،‬ول أحد يحرك ساكنا‬
‫من ذوي قرابته الوطنية أو العقدية وكأن شيئا لم يكن ولكن الذي ل يستطيع الطاغوت فعله هو أن يمحو أثر النامي‬
‫الوضيء في النفوس المسلمة سواء تلك التي علمها ذات يوم من اليام في اليابان أو أمريكا آية من آيات القرآن أو‬
‫حرك مشاعرها ببيت من أبياته الشعرية الملتهبة ‪ ،‬أو أفادها معرفة وعلما بتحقيقاته العلمية التراثية الرصينة ‪.‬‬

‫فأنى اتجهت تجد للدكتور النامي آثارا في النفوس وفي مختلف الميادين العلمية في ميدان التحقيق العلمي ‪ ،‬وفي‬
‫مجال النشاط السلمي ‪ ،‬وفي فضاءات الشعر السلمي الصادق ‪ ،‬وكفاه فخرا أن له في هذه الميادين حضورا وخلودا‬
‫أحب الطاغوت ذاك أم كره ‪.‬‬

‫وكأن النامي كان يتحدث صادقا عما سيؤول إليه أمره مع الظلمة حيث يقول ‪:‬‬

‫رحمك ال يا عمرو حيث تكون صابرا محتسبا أو شهيدا منعما ‪.‬‬

‫نسأل ال التوفيق في البداية والنهاية‬


‫د ‪ .‬محمد صالح ناصر‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الجزائر ‪2000 / 6 / 1 :‬‬

‫====================================‬

‫‪ ) 1‬محمود الناكوع ‪ ،‬مجلة العالم لندن ‪ ،‬ع ‪. 1993 / 1 / 13 ، 468 ،‬‬

‫( ‪ ) 2‬أخبرني أحد الخوان القريبين من الدكتور النامي ‪ ،‬أن السلطات المصرية حكمت على النامي بخمس عشرة‬
‫سنة سجنا لتصاله المباشر بسيد قطب ‪.‬‬

‫( ‪ ) 3‬وما زلت أحتفظ بكل اعتزاز بكتاب ( بروتوكولت حكماء صهيون ) الذي أهداه لي بمناسبة هذه الزيارة ‪.‬‬

‫( ‪ ) 4‬محمد الناكوع ‪ ،‬مصدر سابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 5‬العالم ‪ ،‬ع ‪ ، 1992 / 1 / 3 ،‬ص ‪. 34 :‬‬

‫( ‪ ) 6‬ذلك ما صرح به في رسائله إلى الشيخ أبي اليقظان ( مكتبة خاصة ) ‪.‬‬

‫( ‪ ) 7‬الناكوع ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 35 :‬‬

‫( ‪ ) 8‬من رسالة أرسلها النامي إلى الشيخ أبي اليقظان من كمبردج غير مؤرخة ولكن أحداثها تدل على أنها كتبت‬
‫بعد ثورة سبتمبر مباشرة ‪.‬‬

‫نماذج من رسائله‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫أستاذنا المام الجليل المجاهد الصابر أبو اليقظان حفظه ال وأدام فضله وعزه ‪.‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة ال وبركاته ‪ ،‬وأما بعد ‪:‬‬

‫فأحمد إليك ال الذي ل إله إل هو وأصلي وأسلم على سيدنا محمد رسول ال وعلى من تبع هداه ونهج سبيله من‬
‫المؤمنين ‪ .‬وأبتهل إلى ال سبحانه أن يجنبنا العجز والكسل ويعيننا على الخير من العمل ‪ ،‬وأعتذر إليك من تقصير‬
‫كبير هو شهادة على ضعف هذه النفس التي ما تزال تعيش في متاهات من العجز والتواني والضعف مما يحضها من‬
‫صور الخمول والجمود في كل ناحية بهذه الديار ‪....‬‬

‫وكيف أعتذر إليك بالتقصير وقد أقام ال علي حجته وأمضى علي حجتك ولكن ل حول ول قوة إل بال ‪ ...‬فلقد‬
‫وصلتني كتبك ‪ ،‬وهي حيث هي من نفسي ومن نفوس الخوان إعزازا وإكبارا وإجلل واعتبارا واستفادة ثم ل أزال‬
‫أؤامر نفسي في الكتابة إليك وتسوف يوما بعد يوم حتى تطاولت اليام فصارت شهورا وامتدت الشهور فصارت‬
‫أعواما ‪ ...‬وقد كان ف يكل تلك المدة من الحوال والحداث ما يكون له شأن فيما أكتب ‪ ..‬ولقد هيأت من نفسي أكثر‬
‫من مرة بعض ما أريد أن أسطره إلى مقامك الجليل وهممت مرات كذلك بالكتابة إلى الستاذ العلمة المجاهد الشيخ‬
‫بيوض في شؤون لها بعض الهمية ثم ل يتهيأ لي ذلك ول أنفذ ما نويت ‪ ،‬وأنا أصبحت أخشى هذه الحال من نفسي‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ولعلي أستطيع التغلب عليها بعون ال سبحانه ‪...‬‬

‫أثلج صدري دعائكم المبارك بالتوفيق لنا في نهضتنا التي نعتزمها والتي رأيت صورة منها في القسم اللو المطبوع‬
‫من كتاب القناطر ‪ ،‬وأمن الخوان على الدعاء المبارك وكان لنا من حسن ظنكم وجميل تشجيعكم حافزا جديدا ودافعا‬
‫على مواصلة العمل ‪ ،‬أما بالنسبة لبقية القسام فقد تأخرت عن العمل فيها لن مكتبتي بقيت في مصر ‪ ،‬ول سبيل‬
‫إليها الن ‪ ،‬ونحن في موطن ل مكتبات به ولم تتهيأ لي فرصة الستقرار حتى الن ‪ ،‬زد على ذلك أنني أتطلع في‬
‫الحصول على بعض النسخ المخطوطة من الخوان بميزاب أو جربة لعلكم تستحثون الخوان في موافاتنا ببعض‬
‫النسخ الخطية التي سبقت بتاريخ نسخها تاريخ طبع المطبوعة البارونية فما لدي من مخطوطات الكتاب للجزء الول‬
‫فقط ‪ ...‬وحبذا لو يتيسر الحصول على بقية كتب الجيطالي المخطوطة الخرى ‪ :‬الفرائض ‪ ،‬وكتاب الحج ‪ ،‬ورسائل‬
‫الئمة ‪ ،‬وشرح نونية أبي نصر فإنني أعزم إخراج كتاب خاص عن هذا العالم الجليل ‪ ،‬ويستدعي ذلك الطلع الكامل‬
‫على كامل مؤلفاته إن أمكن فلعل إخواننا بوادي ميزاب يعينون في هذا المر ‪.‬‬

‫أنا مقيم هذه المدة في نالوت وسوف أسافر إلى لندن بعد مدة لتمام الدراسة إذا تيسرت الجراءات المتعلقة بالسفر‬
‫والحصول على مكان في إحدى الجامعات البريطانية ‪ ....‬وسأوافيكم بخبر ذلك إذا كان ‪.‬‬

‫كان لزيارة الخوان للجبل هذا الصيف الماضي أثر عظيم في تحريك النفوس وإحيائها وقد كانت جولتهم كالهزة‬
‫الكهربائية جعلت الجبل بكامله ينتفض لها فاختلفت المشاعر ف ينفسه بين ماض رائع وواقع سائب وأمل غائم‬
‫ونسأل ال التوفيق إلى الطريق ‪ ...‬وزيارة الشيخ بيوض حفظه ال سوف سكون لها أعظم الثر إذا تمت فلعلكم‬
‫تستعجلونه بها ‪.‬‬

‫كل الخوان بخير ن ولعلكم لحظتم أثر الزيارة في استجابة الناس بإرسال أبنائهم للدراسة بمعاهدكم وقد كان لزواره‬
‫في هذا السبق والفضل ‪ ،‬والستاذ الفاضل الشيخ علي معمر يخشى أن يكون لكثرة الموفدين أثر في تكوين وحدة‬
‫تستعصي على الذوبان في المعهد ‪ ،‬ويرى أهمية التركيز على هذه الناحية حتى يكون في تخلصهم من الحتفاظ‬
‫بوحدة الطابع انطباع بالخلق السلمية الصحيحة في ميزاب ‪ ،‬وحتى يساهم ذلك في تخليصهم من رواسب أخلقهم‬
‫هنا ‪ ،‬المهم هو يرى ضرورة التركيز على تربية هذه المجموعة تركيزا خاصا حتى تكون فاتحة الخير ومبعث المل‬
‫ول حاجة للتنويه بمثل هذا ولكن ذلك ما أشار إليه أستاذنا الجليل فأحببت إطلعكم عليه ومثلكم ل ينبه لهذا ‪....‬‬

‫منتصف رمضان ‪ 1386‬هـ‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫وصلى ال على سيدنا محمد وسلم ‪:‬‬

‫الستاذ الجليل العلمة المجاهد بقية السلف وبركة المذهب الشريف شيخنا أبو اليقظان إبراهيم حفظه ال تعالى وزاده‬
‫رفعة ‪ .‬السلم عليكم ورحمة ال وبركاته والسلم على من يلوذ بكم من البناء والخوان والسادة المشايخ ‪ .‬والسلم‬
‫على رياض ذلك الوادي المبارك الذي انكشف عبابة عن رجالت السلم الفذاذ فكنتم فيهم غرة الزمان وكنتم أنفة‬
‫الذي يعطس عنه ‪ ،‬وفخره الذي يشمخ به ‪ .‬وبعد ‪..‬‬

‫ها أنا ذا أفرغ إلى القلم مترددا بين إلحاح الشوق وعقال العجز ‪ ،‬يحفزني الول ويعلقني الخر ‪ ،‬وتقف الكلمات‬
‫حيرى أمام ما يتتابع في أيامنا من حوادث هي كلها باهت عابر ‪ ،‬ولكنها تبتلع اليام فتطويها طيا سريعا أجدني كلما‬
‫أفقت على حقيقة غارقا في بحار التقصير تدفعني موجة إلى أخرى ‪ ،‬ويقودني أمر ذلك إلى حال من الخجل أهرب منها‬
‫إلى تقصير أكبر ‪ ،‬فهذه طويلة قد مضت أعجب اليوم كيف انقطعت فيها عنك ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ ...‬ويعلم ال أن القلب موصول بك ‪ ،‬ولكن كما قلت ل تطاوعني نفسي بالكتابة إليك كما أكتب لغيرك ‪ ،‬فيقطعني عنك‬
‫هذا الشعور بأن ما أقوله لك أو ما أريد أن أقوله وأن أعبر هو خارج عن نطاق الكلمات ومما يعجز أن يستقر في‬
‫حروف على قرطاس ‪ ،‬ولكنه من مناجاة الروح التي تأبى إل أن تحلق في أجوائها الطليقة المرفرفة ‪ ...‬ويعلم ال أن‬
‫في القلب من ذلك ما فيه وأن ما يلج علي به من اللوم والتأنيب أشد علي مما يحمل من مشاعر الشوق التي يقر‬
‫بالعجز عن وفاء حقها في مجال البيان والمواصلة ويتداخل المران فيأخذان على النفس مسارها بما يكون أشد من‬
‫كل ذلك ‪...‬‬

‫أسأل ال لك الهناء والعافية وأسألك الدعاء لنا فأنت وسيلتنا إلى ربنا فيما يحوط بنا من أهوال هذا الزمان الذي‬
‫اشتدت ضرباته على السلم والمسلمين فنشأ فيه أجيالنا على مصيبتين ‪ ،‬مصيبة الضياع والذلة التي يعيشها‬
‫المسلمون ‪ ،‬ومصيبة النسان التي تعقل ألسنتهم عن نداء الصلح ‪..‬أما أنا فماض بحول ال في عملي ‪ ،‬وبالرغم من‬
‫وجود الحقيبة الضائعة في تونس كما أخبرني الخ فرحات إل أنها لم تصلني بعد ( ‪ ... ) 1‬ول زال بعدها يقيدني عن‬
‫بعض عملي ‪ ..‬وإذا يسر ال تعالى فسوف أنتهي من أمر هذه الدراسة قبل هذا الوقت من العام القادم فإذا تم ذلك ‪،‬‬
‫فسيكون طريق عودتي بإذن ال وادي ميزاب حتى أسعد بإمضاء وقت معكم فأسألكم دعواتكم حتى ييسر ال تعالى‬
‫هذا ‪...‬‬

‫لقد شغلت نفسي فترة من الوقت بكتابة عدة فصول في النقد الدبي نشرت في الجريدة الرسمية في طرابلس سميتها‬
‫فصول من الجد الهازل ‪.‬‬

‫عرضت فيها لقضية الشعر الحر وتتبعت بعض دعاته وأوضحت خطره على اللغة والفكر السلمي بما يحمله من سم‬
‫زعاف في طياته من الفكار المسمومة والمبادئ الهدامة ‪ ،‬وكان للمقالت صدى طيب ‪ .‬كما نشرت فصل طويل في‬
‫الرد على أحد الكتاب الليبيين قام يردد أفكارا ضالة حول تفسير القرآن يدعو فيها إلى تفسير القرآن حسب الرمز‬
‫ويبطل بذلك المعجزات الربانية ‪ ،‬وكان للرد الذي كتبته أيضا صدى حسن وقد توقفت عن هذا النشاط الثقافي العام‬
‫للتفرغ النهائي لعملي ‪ ،‬وآخر ما ساهمت به في ذلك النشاط فصل طويل ضاف عن ( نوادي الروتاري ) ناقشت فيها‬
‫نشأة هذه النوادي وفكرتها وسيطرة اليهود عليها وما يجره وجودها من مصائب على بلد المسلمين وذلك بمناسبة‬
‫إنشاء فرع لهذا النادي في ليبيا وسوف أبعث إليكم نسخة من الجريدة التي نشر فيها هذا الفصل عند حصولي عليها‬
‫‪..‬‬

‫أما في نطاق العلم النافع ‪ ،‬فقد فرغت من طباعة ومقابلة رسالة الشيخ يوسف بن خلفون وبعثت بنسخة منها للشيخ‬
‫الجليل الستاذ بيوض إبراهيم حفظه ال لمراجعتها فهي عنده ‪ ،‬وفرغت حتى الن من طباعة رسائل المام جابر بن‬
‫زيد على اللة الراقنة من نسخة قديمة رديئة وسوف أطبع منها عدة نسخ لبعث لكم منها لتصحيحها ‪ ،‬لن هناك بع‬
‫العبارات صعب علي تخريجها جدا ‪ ،‬وعلمت أن نسخة منها في مكتبة الشيخ صالح بن عمر ( ‪ ) 2‬فلعل أحد منكم‬
‫يظفر بفرصة لمقابلتها بذلك الصل ‪ ،‬وسوف يتم إرسالها في حدود نصف شهر بحول ال تعالى ‪...‬‬

‫انقطعت عني رسائل الشيخ علي يحيى معمر لمدة طويلة ولكني علمت أنه بخير وأنه انتقل واستقر بطرابلس وهذا‬
‫أمر استبشرت به كثيرا فإن كتابه الباضية في موكب التاريخ قد أحيا في نفوس الناس هنا بعض نعاني العتزاز‬
‫بالمهذب والتعلق به فإقامته بطرابلس سوف تكون طورا آخر في هذا الصدد ‪ ...‬كما علمت أن الرسالة الثالثة التي‬
‫نفحتم بها رسالة المسجد قد تم طبعها وأنها وصلت الميناء بطرابلس ولكن لم تصلنا منها نسخة بعد ‪...‬ز وهذه كلها‬
‫طلئع خير وبركة فنحمد ال كثيرا ‪ ،‬سلمي الكثير إلى شيخنا الجليل الشيخ بيوض وإلى السادة المشايخ وأساتذة‬
‫المعهد وجماعة العزابة وجميع أحبابنا هناك ‪..‬‬

‫ابنكم المتحنن إليكم‬


‫عمرو خليفة النامي‬
‫‪ 4‬أغسطس ‪1969‬‬
‫==============================‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 1‬ذكر في رسالة أخرى ضياع حقيبة مؤلفاته ومخطوطاته وأطروحته ‪ ،‬وفرحات هو د ‪ /‬فرحات الجعبيري‬
‫الجربي التونسي ‪.‬‬

‫( ‪ ) 2‬توجد هذه المكتبة ببني يزفن ولية غرداية ( الجزائر ) ‪.‬‬

‫نماذج من شعره أماه ( ‪) 1‬‬

‫عمرو خليفة النامي ‪..‬ز شاعر مسلم ‪ ،‬ولد عام ‪ 1939‬م ‪ ،‬وعاش ودرس في ليبيا ‪ ..‬وواصل دراسته العليا في‬
‫بريطانيا وتخرج فيها عام ‪ 1970‬م ‪ ...‬وعمل مدرسا بجامعة طرابلس الغرب ‪ ،‬ثم أقصي عنها بعد سجنه لمدة سنتين‬
‫تقريبا ‪...‬‬

‫‪...‬والستاذ النامي داعية إسلمي ‪ ،‬وقف في وجه الظلم والطاغوت ‪ ،‬وتعرض للوان من التعذيب ‪..‬وكان من الدعاة‬
‫الصابرين المحتسبين ‪ ،‬الذين تحررت قلوبهم من كل خوف ‪ ،‬واستعدوا لمقارعة الباطل ‪ ،‬ووطنوا نفوسهم على الصبر‬
‫والمصابرة ‪ ،‬وابذل والتضحية ‪ ،‬وثبتوا على طريق الحق ‪..‬‬
‫والنامي داعية مجاهد ‪ ،‬جاهد من أجل دعوته بصلبة وثبات ‪..‬وآمن بقضاء ال وقدره ‪ ..‬فثمة أمور ثلثة ‪ ،‬ال وحده‬
‫مدبرها ومتكفل بها ‪ ،‬ول دخل ول حيلة لنسان فيها ‪ :‬العمار ‪ ،‬والرزاق ‪ ،‬والنصر ‪ (..‬وما النصر إل من عند ال‬
‫العزيز الحكيم ) ( ‪... ) 2‬‬

‫لقد آمن النامي بهذه المبادئ الصلية والقواعد الثابتة ‪ ..‬فبايع ربه عليها ‪ ،‬واعتصم بحبله المتين ‪ ،‬وسار في موكب‬
‫الدعاة الصادقين ‪...‬واستعد لتحمل النتيجة بل وهن ول جزع ‪ .‬ولو كانت النتيجة مفارقة هذه الحياة ‪ ..‬فالموت في ال‬
‫أسمى ما تمناه ‪...‬‬

‫===============================‬

‫(‪ ) 1‬حسني أدهم جرار قصائد إلى الم والسرة ‪ ،‬دار الضياء للنشر والتوزيع ‪ ،‬عمان ‪ ،‬الردن ‪ ، 1989‬ص ‪، 57 :‬‬
‫نقل عن مجلة الغرباء ‪ ،‬السنة الثامنة العدد الول ( د ‪ .‬ت ) ‪ .‬والجدير بالذكر أن هذه القصيدة تنشدها كثير من فرق‬
‫الناشيد السلمية مشرقا ومغربا ‪.‬‬

‫( ‪ ) 2‬سورة آل عمران ‪ ،‬آية ‪. 126 :‬‬

‫كلمة شكر‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أتقدم بصادق شكري إلى الستاذ ر ‪ .‬ب ‪ .‬سرجنت على ما وفره لي من المقترحات والمناقشات والنتقادات المفيدة‬
‫الكثيرة أثناء الفترة التي أشرف فيها على كتابة هذا البحث ‪.‬‬

‫كذلك أتقدم بشكري الخاص إلى الكثيرين من الصدقاء والباحثين الباضية في الوساط الباضية في شمالي إفريقية‬
‫على ضيافتهم وعلى مساعدتهم التي جاءت بل حدود ‪ .‬وإنني ممتن أشد المتنان لصحاب المجموعات المختصة من‬
‫المخطوطات لتمكيني من استعمال مكتباتهم القيمة ؛ بدون ذلك كان هذا العمل مستحيل ‪ .‬وأشكر أيضا الشيخ محمد‬
‫السالمي ‪ ،‬وسالم الحارثي من عمان لعارتي العديد من المخطوطات القيمة ؛ كما أتوجه بشكري إلى جميع الصدقاء‬
‫الذين مدوا لي يد العون بصورة أو بأخرى ‪.‬‬

‫وأود أن أتقدم بالشكر أيضا إلى وزارة التربية الليبية لنها زودتني بمنحة مالية خلل هذا البحث ‪ ،‬كما أشكر معهد‬
‫الداب في الجامعة الليبية لعطائي الجازة الدراسية للقيام بهذا العمل ‪ .‬ثم إن علي واجب الشكر للستاذ عمر‬
‫الشيباني ‪ ،‬رئيس الجامعة الليبية ‪ ،‬والدكتور منصور كيخيا ‪ ،‬عميد معهد الداب ‪ ،‬والسيد عبد الرحمن الشريدي ‪،‬‬
‫رئيس الطبع والنشر ‪ ،‬وإليه يعود نشر هذا العمل بهذا الشكل الممتاز ‪.‬‬

‫تمهيد‬

‫الباضية أو الباضية هي إحدى أقدم الفرق السلمية ‪ ،‬التي تعود نشأتها إلى النصف الول من القرن الهجري‬
‫الول ؛ وقد أخذت اسمها من عبد ال بن إباض أحد فقهائها الولين ‪.‬‬

‫ويشمل اسم الباضية مجموعة إسلمية اعتبرت من قبل معظم الكتاب فرعا معتدل من حركة الخوارج ‪ .‬ويشكل‬
‫أنصار هذا المذهب عددا من الوساط المستقلة التي ل تزال تتمسك بتعاليمها بقوة ؛ وأكبر هذه المجموعات تعيش‬
‫حاليا في عمان في جنوبي شرقي شبه الجزيرة العربية ؛ ثم إن هنالك أقليات أخرى في زنجبار ‪ ،‬مقابل شاطئ أفريقية‬
‫الشرقي ‪ ،‬وفي جبل نفوسه وزواره في ليبيا ‪ ،‬وفي جزيرة جربة في تونس ‪ ،‬وفي وادي مزاب في الجزائر ‪.‬‬

‫ل يعرف إل القليل جدا المعلومات عن الباضية ‪ ،‬وتعاليمها ‪ ،‬وأصولها ‪ ،‬وتطورها ‪ .‬وهنالك باحثون أوربيون‬
‫حديثون حققوا إسهامات مفيدة في ميدان الدراسات الباضية ‪ ،‬غير أن دراساتهم جاءت موجهة بالدرجة الولى إلى‬
‫تاريخ الجماعات الباضية ‪ ،‬أو إلى بعض نواحي حياتهم الدينية والجتماعية الحالية ‪ .‬وباستثناء عدد قليل من‬
‫المقالت عن الفقه الباضي ‪ ،‬بقيت التعاليم الباضية بوجه عام غير معالجة بصورة جادة ‪ .‬والدراسات التي قام بها‬
‫البحاثة الوربيون عن الباضية تعتمد بالدرجة الولى مصادر تاريخية ‪ .‬أما الكتابات الباضية الغزيرة في الفقه‬
‫والكلم فلم تستخدم بالطريقة الملئمة ؛ ومرد ذلك ‪ ،‬ول ريب ‪ ،‬إلى صعوبة الوصول إلى مثل هذه المصادر ‪.‬‬

‫وأقدم ورقة تناولت مصادر الباضية ومرجعها ‪ ،‬قدمها موتيلنسكي في مقال له عن (( بيبوغرافيا مزاب )) ( * ) (‬
‫‪ ) 1‬سرد فيها العمال الباضية التي ذكرها البرادي ‪ ،‬مضيفا إلى ذلك ملحظاته والنتائج التي توصل إليها ‪ .‬غير‬
‫أنه ‪ ،‬على أي حال ‪ ،‬لم يحدد بدقة مواضع المخطوطات التي ذكرها ‪ ،‬ولم يعط وصفا مرضيا لها ‪ ،‬باستثناء العمال‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫التاريخية ‪ ،‬وتكمن قيمة هذه الدراسة في كونها خطوة تمهيدية سهلت البحاث اللحقة ‪ .‬أما الجدول الحداث والكثر‬
‫فائدة للعمال الباضية في مزاب فهو من وضع الستاذ جوزيف شاخت في مقال له عن (( مصادر ومراجع‬
‫ومخطوطات أباضية )) سرد فيه المخطوطات الباضية الموجودة في المكتبات الخاصة بميزاب ‪ ،‬مرتبة وفق‬
‫موضوعاتها ‪ ،‬ذاكرا أسماء المكتبات وأرقام المخطوطات ‪ .‬ثم إن هنالك مجموعات أخرى لمخطوطات إباضية جمعها‬
‫بحاثة معاصرون آخرون ‪ :‬لئحة المخطوطات الباضية في كركوفيا في بولندا جمعها فلديسلف كوبياك في مقال له‬
‫عنوانه (( المخطوطات العربية في بولونيا )) في (( مجلة معهد المخطوطات العربية )) ؛ وقائمة المخطوطات‬
‫الباضية في المعهد الشرقي في نابولي ‪ ،‬من إعداد روبيناتشي ؛ وهنالك وصف للمخطوطات الباضية في دار الكتب‬
‫في القاهرة ‪ ،‬من إعداد فؤاد سيد في فهرس دار الكتب ‪.‬‬

‫وخلل إعداد هذه الدراسة قمت بجولتين بين الجامعات الباضية في شمالي إفريقية بحثا عن مخطوطات ومواد لعملي‬
‫‪ .‬كانت الجولة الولى في حزيران ‪ /‬يونيو – أيلول ‪ /‬سبتمبر ‪ 1968‬؛ وكانت الثانية في تشرين ‪ /‬نوفمبر – كانون‬
‫الول ‪ /‬ديسمبر ‪ . 1969‬وقد كان من السهل علي بما أنني إباضي بعكس غير الباضيين أن أطلع على المكتبات‬
‫والمكتبات الخاصة بالمخطوطات ‪ .‬ووجدت لدهشتي أن غالبية العمال المغربية الهامة ‪ ،‬بما في ذلك التي كان يظن‬
‫أنها مفقودة ‪ ،‬ل تزال موجودة وفي حالة جيدة ‪ .‬يضاف إلى ذلك أن هنالك أمل كبيرا باحتمال تحيقي اكتشافات هامة‬
‫في المستقبل في هذا الميدان ‪ .‬ونشرت وصفا لبعض المخطوطات الجديدة التي اكتشفت في جولتي الولى في (( مجلة‬
‫الدراسات السامية )) وآمل أن يصار في المستقبل القريب إلى إعداد جدول كامل يتضمن وصفا شامل لجميع‬
‫المخطوطات التي تفحصتها ‪.‬‬

‫أما المنطقة التي لم تستكشف كليا وهي ‪ ،‬ول ريب ‪ ،‬مكان يحتمل أن توجد فيه مخطوطات إباضية أكثر قيمة ‪ ،‬فهي‬
‫عمان ويتطلب ذلك اهتماما خاصا من دارسي الشؤون الباضية ‪ .‬ولم أستطع أن أزور عمان شخصيا ‪ ،‬لكنني زودت‬
‫من بعض الصدقاء العمانيين بمخطوطات إباضية قيمة عن بعض أعمال قديمة في الفقه وفي السير لعلماء الباضية‬
‫الوائل ؛ وقد كانت ذات فائدة كبيرة في دراسة أصول المذهب الباضي وعلقته بحركات المعارضة الولى في السلم‬
‫‪.‬‬

‫ولما كانت عمان مركزا رئيسا للباضية وللمامة الباضية فإنها حظيت باهتمام وثيق من الباحثين الوربيين ‪ ،‬وقد‬
‫عرض ج ‪ .‬ويلكنسون ذلك في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه بعنوان (( الستيطان العربي في عمان )) من‬
‫أوكسفورد ‪ ،‬سنة ‪ ، 1969‬وهو ما لن أعالجه هنا ‪ .‬غير أن الذي ل يزال مطلوبا بالنسبة لعمان هو – على صعوبة‬
‫احتمال إنجازه – اكتشاف المزيد من المواد مما يسهم ول ريب في تكوين صورة أكثر وضوحا لمذهب الباضية‬
‫وتطوره في جميع المناطق الباضية ‪ .‬انتقلت غالبية المراجع الباضية الولى من البصرة إلى عمان حيث جرى‬
‫تأسيس إمامة قوية وتوفر جو أكثر ملءمة لولئك العلماء لتطوير وجهات نظرهم ‪ ،‬والسهام بصورة أكبر في الدب‬
‫الباضي ؛ ومنه ما انتقل إلى بلدان إباضية أخرى ‪ ،‬لكن المواد الصلية للعقيدة الباضية في فترتها الولى ربما كانت‬
‫محفوظة في عمان ؛ والتوصل إلى اكتشافات هامة هناك هو أمر محتمل جدا ‪.‬‬

‫كذلك أبدى الباحثون الوربيون اهتماما وثيقا بالباضية في إفريقية الشمالية ‪ .‬لقد بدأت دراساتهم بواسطة ماسكوراي‬
‫الذي ترجم سيرة أبي زكريا الوارجلني إلى الفرنسية ‪ .‬ولفت عمله انتباه علماء آخرين أسهموا بالدراسات الباضية‬
‫في ميادين مختلفة ‪ .‬ففي ميدان التاريخ ‪ ،‬قدم موتيلنسكي في مقالة عن الكتب الباضية جداول كاملة عن محتويات‬
‫العمال الباضية بخصوص سير شيوخ الباضية ‪ :‬سيرة أبي زكريا و (( طبقات الدرجيني )) ؛ و (( الجواهر ))‬
‫للبرادي ‪ ،‬وسير الشماخي ‪ .‬ثم حقق بعد ذلك ‪ ،‬وترجم إلى اللغة الفرنسية ‪ ،‬تاريخ ابن الصغير المالكي عن الئمة‬
‫الرستميين ‪ .‬وفي وقت لحق ظهرت مراجعات كاملة لهذه المصادر الباضية ‪ :‬فقد راجع ليفتسكي (( طبقات الدرجيني‬
‫)) وسير الشماخي معا ؛ وراجع روبيناتشي (( كتاب الجواهر )) للبرادي ؛ كذلك نشر ليفتسكي ‪ ،‬وهو يملك نسخة من‬
‫سير الوسياني ‪ ،‬سلسة من مقالت مستفيدا من مواد ذكرها الوسياني والعمال الباضية التاريخية الخرى ‪ ،‬وهي‬
‫تغطي عددا من الموضوعات المعنية بالدراسات الباضية وبالجماعات الباضية في بلدانها المختلفة ‪ ،‬ل سيما في‬
‫شمالي إفريقية ‪ ،‬من حيث حياتهم الفكرية ونشاطاتهم التجارية والسياسية ‪ .‬والظاهر أن دراساته تبدو أكثر قبول من‬
‫تلك ذكرت من قبل برغم ما فيها من نقاط ثانوية قليلة ضللة فيها بالدرجة الولى نقص المواد ‪ .‬وعن الباضية في‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫شمالي إفريقية قدم إشتروتمان أول عروضا تاريخية موجزة في مقال له عنوانه (( البربر والباضية )) ليقدم شيخ‬
‫بكري بعده في وقت لحق عرضا أكمل عن الباضية وغيرهم من الخوارج في شمالي إفريقية في مقال له عنوانه‬
‫(( الخوارج والبربر )) ثم إن المصادر الباضية استخدمت منذ وقت وجيز من قبل العلماء اليطاليين في دراسة‬
‫النزاع السياسي الباكر في السلم ‪ ،‬ل سيما من قبل فالييري لعرض الصراع بين علي ومعاوية ‪ ،‬ومن قبل‬
‫روبيناتشي لعرض العلقة بين الخليفة الموي عبد الملك بن مروان والباضية ‪.‬‬

‫عالج البحاثة الغربيون من المقالت علم الكلم الباضي ‪ .‬وقد ظهرت هذه المقالت بعد أن قدم موتيلنسكي ترجمة‬
‫بالفرنسية للعقيدة الباضية عند عمرو بن جميع في سنة ‪ . 1905‬بعد ذلك كتب نلينو ملحظاته حلو ما اعتبره تأثرا‬
‫معتزليا في علم الكلم الباضي ‪ .‬وعلى هذا الغرار من الدراسة سار مورنيو في مقالة (( ملحظات فقهية إباضية ))‬
‫وفي هذا الحقل كتب سمو غورفسكي مقال عن الفروق بين الباضية والمالكية مبنيا على عدد قليل من منظومة‬
‫لباضي مجهول ‪ (( :‬شعر إباضي عن الراء الخلفية بين المالكية والباضية )) ‪ .‬ومن جهته كتب ليفتسكي مقال‬
‫حاشدا بالمعلومات عن تفرعات الباضية ‪ .‬وهنالك كذلك دراسة عن العقيدة الباضية لبي زكريا الجناوني قدمه‬
‫روبيناتشي مع مترجمة إيطالية ‪ ،‬وبحث عن صلتها بالفرق السلمية الخرى ‪.‬‬

‫ثم إن الفقه الباضي لم يعالج حتى الوقت الحاضر بصورة جادة ‪ .‬وثمة عدد قليل من المقالت عولجت فيها نواح‬
‫ثانوية من هذا الموضوع ‪ :‬مقال لوربيناتشي عنوانه ‪ La purita rituale secondo gli Ibditi :‬وفيه قدم‬
‫دراسة مقارنة لموضوع (( الطهارة )) في المذاهب الباضية والسلمية الخرى ؛ ومقال تناول المراجع التي نشرت‬
‫العقيدة الباضية في إفريقية الشمالية ‪ ،‬كتبه غروبي لروزا باللغة اليطالية ‪ ،‬مبني على عمل للبحاثة الحديث عبد ال‬
‫بن يحيى الباروني (( سلم العامة والمبتدئين )) ‪ .‬وهنالك عمل باللغة الفرنسية لغواشوان عن (( الحياة النسائية في‬
‫مزاب )) ‪ ’La vie feminine au M’ZAB ،‬كما أن هنالك عمل لميليو عنوانه (( مجموعة مناقشات جماعة‬
‫مزاب )) وفيه ملمسات لبعض نقاط الفقه الباضي ‪.‬‬

‫وثمة عدد قليل من المقالت الخرى عنيت بدراسة التنظيم الباضي للعزابة ‪ ،‬كما أن هنالك مقال لليفتسكي عن‬
‫(( الحلقة )) ‪ ،‬و (( مقال آخر لروبيناتشي عنوانه ‪Un antico documento di vita cenobitica‬‬
‫‪ musulmana‬يتناول أصول (( الحلقة )) ‪ .‬هذه هي العمال الساسية باللغات الوروبية حول الدراسات التي‬
‫تتعلق بالباضية في المغرب ‪ .‬وقليلة هي الملحظات التي تتوفر حين تكون الحركات المذهبية الولى في السلم هي‬
‫موضوع البحث لن جميع البحاثة الوروبيين يضعون الباضية بين الخوارج ‪.‬‬

‫أما بالنسبة للعلماء المسلمين غير الباضية ‪ ،‬فإنهم كانوا باستمرار ينظرون إلى الباضية باعتبارهم خوارج متطرفين‬
‫ومبتدعة ‪ .‬ولم يعيروا أي اهتمام جدي للدراسة العقيدة الباضية وإلى تكوين صورة أوضح للمذهب الباضي ‪ .‬ومنذ‬
‫وقت وجيز فقط أدخل المذهب بين المذاهب السلمية ‪ ،‬ممثلة في الموسوعتين الجديدتين حول الفقه السلمي في‬
‫مصر والكويت ‪ .‬وقد تحقق هذا الحدث السار نتيجة النشاطات الباضية المستمرة التي تهدف إلى الحصول على فهم‬
‫أفضل لها من قبل المسلمين المجاورين ‪ .‬لقد بدأ بهذه النشاطات سليمان باشا الباروني من جبل نفوسة ‪ ،‬وهو‬
‫سياسي مسلم نشط لعب دورا رئسا في محاربة الغزاة اليطاليين لليبيا سنة ‪ . 1911‬وقد أثير اهتمام المسلمين‬
‫بشؤون الباضية بفعل الدور الذي لعبه الباروني وإباضيو جبل نفوسة في محاربة إيطاليا ‪ ،‬وبولئه الراسخ‬
‫للمبراطورية العثمانية وبكفاحه الصلب في سبيل قضية السلم ‪ ،‬إذ كان يدعو إلى التفاهم الفضل بين المسلمين ؛‬
‫وكان أحد أول من دعا المسلمين لنسيان الخلفات التي نشأت عن خلفات في الرأي بين الئمة الولين لمذاهبهم ‪،‬‬
‫وللعودة إلى الحكم المباشر للقرآن والسنة ‪ .‬وإن المكانة التي رسخها الباروني لنفسه في الوساط السلمية الدولية‬
‫بفضل نضاله البطولي في وجه الغزو الستعماري الغربي وفرت التقدير للسهام الباضي في سبيل الوحدة السلمية‬
‫التي كانت شعار غالبية القادة المسلمين آنذاك ‪ ،‬ومهدت السبيل لسماع وجهات نظر الباضية ‪ .‬وبالضافة إلى‬
‫المطبعة الحجرية البارونية التي أنشئت في القاهرة قبل بداية القرن الحالي ‪ ،‬أنشأ سليمان الباروني مطبعته الخاصة‬
‫به في وقت باكر من هذا القرن ‪ ،‬وأصدر صحيفته (( السد السلمي )) التي بث فيها آراءه وسعى إلى إعطاء صورة‬
‫للباضية أكثر وضوحا ‪ .‬وكذلك نشر عددا قليل من الكتب الباضية لمؤلفين عمانيين ومغاربة ‪ ،‬بما في ذلك كتابه‬
‫الخاص عن تاريخ الباضية (( الزهار الرياضية )) ‪ .‬ثم واصل إبراهيم أطفيش من مزاب ‪ ،‬الذي نفاه الفرنسيون من‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الجزائر فاستقر ف يمصر ‪ ،‬حيث أصدر صحيفته (( المنهاج )) وشارك في تحرير ونشر أعمال العالم الباضي‬
‫المعاصر محمد بن يوسف أطفيش وبعض أعمال العلمة العماني السالمي ‪ .‬وكان خلل المدة الطويلة التي بقيها في‬
‫مصر ‪ ،‬الممثل غير الرسمي للمذهب الباضي يدافع عن الراء الباضية وينشرها ‪ .‬كما كان باستمرار على استعداد‬
‫لسداء المشورة بشأن الدراسات الباضية ‪ .‬ول مجال للشك بأن إسهامه من أجل تقديم عرض أوضح للمذهب‬
‫الباضي ذو أهمية كبيرة ‪ .‬وتجلى هذا بوضوح شديد في مجلته (( المنهاج )) وفي ملحظاته على المؤلفات التي‬
‫حررها ‪ ،‬وفي ملحظاته على أجزاء من (( دائرة المعارف السلمية )) المترجمة إلى العربية ‪ ،‬وفيها حاول أن‬
‫يصحح آراء خاطئة عن الباضية ‪.‬‬

‫وفي تونس والجزائر جرت نشاطات مماثله من قبل قادة حزب الصلح في مزاب المشاركة بنشاطات جمعية العلماء‬
‫في الجزائر ‪ ،‬ومن قبل علماء وقادة إباضية في تونس شاركوا في نشاطات الحزب الدستوري لعبد العزيز الثعالبي ‪.‬‬
‫ومن الشخصيات الباضية البارزة التي لعبت دورا هاما في تونس ‪ ،‬المغفور له محمد الثميني ؛ وهو في الصل من‬
‫مزاب وقد أسس مكتبة في تونس ‪ ،‬وشارك في نشر وتوزيع المؤلفات الباضية ؛ والمغفور له الشيخ سليمان‬
‫الجادوي من جربة ‪ ،‬وكان محرر الصحيفة الشهيرة (( مرشد المة )) ‪ .‬ومن الشخصيات البارزة في مثل هذه‬
‫النشاطات المماثلة في الجزائر أبو اليقظان إبراهيم الذي أصدر نحو ثماني صحف مختلفة ف يظل العهد الفرنسي ؛‬
‫والشيخ بيوض إبراهيم بن عمر الذي كان مسؤول عن الحركة الصلحية الحديثة في مزاب ‪ ،‬وعن مدارسها‬
‫ومؤسساتها ‪ .‬وقد كان الرجلن عضوين ناشطين في (( جمعية العلماء )) ‪ ،‬وصديقين شخصيين لعلماء السنة‬
‫البارزين في (( الجمعية )) ‪ .‬وكانوا جميعا مخلصين في استهداف تفاهم أفضل مع جيرانهم من السنة ‪ .‬وأسفرت هذه‬
‫الحركة التي كانت بالدرجة الولى من وحي الباروني ومقاربته ‪ ،‬عن تلطيف موقف المعارضة المرير من الباضية‬
‫في مختلف أوساطهم ‪ ،‬ووفرت جوا أفضل للباضين لعرض وجهات نظرهم بطريقة معتدلة ‪ .‬والسهام الخير في هذا‬
‫الميدان قدمه علي بن معمر من جبل نفوسة ‪ ،‬في ليبيا ‪ ،‬وهو الذي نشر حديثا عددا من المؤلفات تحت عنوان‬
‫(( الباضية في موكب التاريخ )) هادفا بذلك إلى تقديم دراسة عامة عن الباضيين في بلدانهم المختلفة ‪ .‬كما نشر‬
‫أعمال أخرى تتناول قضايا شرعية ودينية ‪ .‬والعالم الخر هو محمد علي دبوز من القرارة في مزاب ؛ وقد تعهد‬
‫بإعادة كتابة تاريخ المغرب من وجهة النظر الباضية ‪ ،‬ونشر حتى الن سبعة مجلدات من عشرة ‪ ،‬ينوي فيها أن‬
‫يكمل عمله ‪ .‬وفي المجلدات الثلثة الولى تناول تاريخ المغرب الكبير فيما كانت المجلدات التالية مخصصه لدارسة‬
‫الجزائر في العصر الحديث – ثورة الجزائر ونهضتها المباركة – وكل المؤلفين هما من طلب الشيخ بيوض ‪ ،‬وقد‬
‫تأثرا إلى حد كبير بآرائه الصلحية ‪ ،‬وهما يدعوان المسلمين في مؤلفاتهما بصورة مقنعة وبقوة إلى أن عليهم أن‬
‫يعودوا إلى القرآن والسنة وأن يتركوا جانبا أساب النقسام الناشئ عن إتباع العلماء المتأخرين الذي تأثروا‬
‫بالخلفات السياسية ‪ .‬وذلك هو إسهام الباضية في المسعى السلمي الحديث للعودة إلى السلم الصيل كما هو عليه‬
‫في الكتاب والسنة ‪ .‬وكان من شأن هذا التجاه الذي دعا إليه محمد عبده وتلميذه رشيد رضا ‪ ،‬ثم واصله تلميذتهما‬
‫قاموا به من نشاطات تالية ‪ ،‬أن أمن للباضية أمل جديدا بفهمهم على وجه أفضل لقد بدأ لهم أن خصومهم المسلمين‬
‫بدأوا في النهاية يدركون ما مثلته الباضية ودعت إليه منذ البداية ‪ .‬وقد لعب الباضية دورا في هذه الحركة بواسطة‬
‫النضال السياسي في سبيل الستقلل الوطني في ديارهم المختلفة ‪ ،‬ووقفوا جنبا إلى جنب مع جيرانهم السنة في وجه‬
‫الدول الغازية وحاولوا دائما أن يعرضوا آراءهم وعقائدهم لتوضيح سوء الفهم القديم والتخلص من العزلة التقليدية‬
‫التي عاشوا فيها باستمرار حيال جيرانهم المسلمين ‪ .‬وقد اتخذت المساهمة الباضية في الدراسات الباضية اتجاهين‬
‫اثنين هما ‪:‬‬

‫أ – توفير إنتاجهم الخاص بهم عن طريق تحقيق ونشر أعمالهم الباضية السابقة ‪ ،‬وإضافة مساهمات جديدة بكتابات‬
‫جديدة لتلبية المتطلبات الحالية ‪.‬‬

‫ب – عرض آراءهم وتاريخهم بصورة أوضح لتحقيق فهم أفضل لهم من قبل المسلمين غير الباضيين ‪.‬‬

‫أما بالنسبة للمسلمين غير الباضية ‪ ،‬فليست هنالك حتى الن أية محاولة جادة من جانبهم لدراسة الباضية بعمق‬
‫عبر مصادرها الخاصة بها ‪ ،‬غير أن علمات على مثل هذا الهتمام بالدراسات الباضية بدأت تظهر في الجامعات‬
‫الحديثة عبر علماء معاصرين توجهوا ول ريب إلى الدراسات الباضية بفعل اهتمام العلماء الوروبيين وإسهامهم ‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفي طليعة هذا التجاه تأتي جامعة القاهرة حيث يقوم طالب إباضي هو محمد حنبولة بدراسة مقارنة لقوانين الملكية‬
‫في الفقه الباضي والقانون الحديث في ليبيا ‪ ،‬بإشراف محمد سلم مدكور ‪ .‬ول شك أن أصالة هذا الموضوع‬
‫والمكانات التي يفتحها في سبيل اتجاهات جديدة في البحث ستشجع على إجراء المزيد من الدراسات في المستقبل ‪.‬‬
‫(‪.)2‬‬

‫إن الغرض من الدراسة الحالية هو عرض صورة أكثر وضوحا للمذهب الباضي مبنية على مواد إباضية لكنها‬
‫مكتشفة حديثا ‪ .‬وإذا كانت هذه الدراسة معنية بالباضية في شمال إفريقية من حيث المنطقة ‪ ،‬إل أنه كان ل بد لنا من‬
‫أن ندرس أصول الحركة الباضية ومؤسسيها الوائل في البصرة ‪ ،‬وعلقتها بحركة الخوارج ‪ ،‬وصلتها بالحداث‬
‫الولى للتاريخ السلمي والتطور السياسي ‪ ،‬والتأثير الذي كان لهاتين الناحيتين الخيرتين على المذهب الباضي‬
‫بالنسبة لرائه الفقهية والكلمية ‪ ،‬ثم توسعه في شمالي إفريقية ‪ .‬ونهدف أيضا إلى تقديم نظرة واضحة للفقه وعلم‬
‫الكلم الباضيين ؛ ونقاط التفاق والختلف مع حركات المعارضة المعاصرة لها والمدارس الفقهية وبعض‬
‫الخصائص المميزة للعقيدة الباضية ‪ :‬وتحديدا ‪ (( ،‬نظام الولية والبراءة )) ومراحل تطور الجماعة الباضية ‪ ،‬أي‬
‫(( مسالك الدين )) ‪ .‬وقد حررت كجزء من هذه الطروحة ثلثة نصوص أباضية لتقديم نماذج من النتاج الباضي‬
‫تغطي ميادين الفقه والشرع ‪ ،‬وموضوع الولية والبراءة الذي يدخل في الميدانين معا ( ‪. ) 3‬‬

‫تعتبر هذه الدارسة حتى الن ‪ ،‬الولى المبنية على أساس واسع من مواد أصلية مكتشفة حديثا للمصادر الباضية‬
‫الولى وعلى دراسة تامة شاملة لغالبية العمال الباضية الموجودة في مختلف حقول الدارسة ‪ .‬وأرجو أن يؤدي ذلك‬
‫إلى فتح أفق جديد في ميدان الدراسات السلمية وإلى التشجيع على المزيد من التحقيق في ضوء المواد الجديدة‬
‫المستخدمة هنا ‪ ،‬والراء التي توصلنا إليها ‪ .‬وهي على كل حال ليست غير الخطوة الولى في دراسة الباضية ‪ .‬ول‬
‫ريب أن هنالك الكثير مما يبقى عمله ولو أن الكاتب يثق بأن الطريق قد مهدت بفضل النتائج التي تحققت بفضل هذا‬
‫البحث ‪.‬‬

‫=========================‬

‫( ‪ ) 1‬بخصوص المقالت والعمال المذكورة هنا ‪ ،‬انظر المصادر والمراجع ص ‪ 295‬وما يليها ‪.‬‬

‫( ‪ ) 2‬ظهرت رسائل أكاديمية كثيرة في هذا التجاه لباحثين إباضيين وغير إباضيين ‪ .‬في جامعات عربية وأجنبية ‪،‬‬
‫ساعدت كلها على تقريب الفهم بين المسلمين ‪ ( .‬محمد ناصر ) ‪.‬‬

‫( ‪ ) 3‬سننشر هذه النصوص منفصلة ‪.‬‬

‫الفصل الول نشأة الباضية ‪ ،‬آراء الباضية في الخوارج‬

‫عبد ال بن إباض‬

‫أخذ المذهب الباضي اسمه عن عبد ال بن إباض المري التميمي ؛ وقد سمي المذهب على اسم أبيه لنه كان أ‪/‬ثر من‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ابنه شهرة ‪ ،‬كما هي الحال في علم النساب عند العرب ( ‪ ) 1‬والملطي هو الوحيد الذي ذكر أن هذه الفرقة سميت‬
‫على اسم مؤسسها ‪ ،‬وهو كما قال ‪ ،‬إباض بن عمرو ( ‪ . )2‬على أن هذه المعلومة ل يمكن أن تؤخذ بالعتبار لن‬
‫الملطي أورد في كتابه معلومات عن الخوارج مناقضة لجميع المراجع الموثوقة التي تناولت الموضوع ( ‪. )3‬‬

‫ما نعلمه عن عبد ال بن إباض قليل جدا ‪ ،‬سواء في المصادر الباضية أم غير الباضية ؛ وهو من بنى صريم بن‬
‫الحارث بن مقاعس من بني تميم ‪ ،‬إحدى قبائل مضر الرئيسة ( ‪ . ) 4‬ول يعرف شيء عن حياته الولى ‪ ،‬ويرى‬
‫العالم الباضي الحديث محمد بن يوسف اطفيش أن ابن إباض انتقل من نجد ‪ ،‬موطن قبيلته ‪ ،‬إلى البصرة ( ‪ ) 5‬كذلك‬
‫ذكر أن هنالك روايات معنية تفيد أنه كان صحابيا لفترة قصيرة ( ‪ ) 6‬؛ إل أن رواة إباضيين أوردوا ابن إباضي طبقة‬
‫التابعين الذين عاشوا في أثناء النصف الثاني من القرن الهجري الول ( ‪ . ) 7‬ول يعرف هل اشترك في الحروب‬
‫الهلية التي وقعت بين المسلمين قبل خلفة بني أمية ‪ ،‬ويبدو أنه لم يكن راضيا عن حكم معاوية ‪ ،‬وقد انتقد مخالفته‬
‫للقرآن وللسنة ( ‪ . ) 8‬وترد أول معلومة أكيدة حلو نشاطاته العامة عن دوره في الدفاع عن مكة بوجه القائد الموي‬
‫حصين بن نمير السكوني ‪ ،‬الذي خلف مسلم بن عقبة ( ‪ ) 9 ( ) 682 / 63‬؛ كما كان أحد زعماء فريق المحكمة‬
‫الذين حاولوا أن يكسبوا عبد ال بن الزبير إلى جانبهم ‪ ،‬وقدموا له دعمهم الكامل إذا وافق على آرائهم وانفصل عن‬
‫عثمان ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬ووالده بالذات الزبير بن العوام ؛ غير أن عبد ال بن الزبير رفض الموافقة على آرائهم فتركوه‬
‫وعاد بعضهم إلى البصرة ‪ ،‬ومن بين هؤلء عبد ال بن إباض ( ‪ . ) 10‬والظاهر أن موقف ابن الزبير دفعهم إلى‬
‫اليأس من تأمين قيادة بارزة من القرشيين وهو ما كانوا يسعون إليه باتصالهم بابن الزبير ‪ .‬وفي أثناء هذه الفترة‬
‫دخلت حركتهم مرحلة حرجة بالنسبة لمسألة قيادتها فقد ظهر عدد من الشخصيات البارزة التي حاولت الفوز بقيادة‬
‫الحركة عبر العمل العسكري ‪ ،‬وأول هؤلء أبو راشد نافع بن الزرق الذي اتخذ منحى متطرفا في انتفاضته وانسحب‬
‫هو وأنصاره من الجماعة السلمية على أساس أن دارهم دار حرب وأنهم جميعا مشركون ( ‪ . ) 11‬في هذه المرحلة‬
‫برز عبد ال بن إباض شخصية قائدة تعارض موقف نافع وسواه من القادة الخوارج ودعا إلى مقاومتهم علنا ( ‪) 12‬‬
‫‪ .‬وترى المصادر غير الباضية أن ذلك كان بداية المذهب الباضي ‪ ،‬وتنسب تأسيسه إلى عبد ال بن إباض الذي كان‬
‫‪ ،‬وفقا لغالبية تلك المصادر (( رأس )) المذهب الباضي ( ‪. ) 13‬‬

‫والمعلومات الواردة في المصادر الباضية تبين أن عبد ال بن إباض لعب دورا ثانويا في تأسيس الحركة الباضية‬
‫وقيادتها بالمقارنة مع إمامها الول ومؤسسها جابر بن زيد ‪ .‬ويقال إن ابن إباض كان يعمل في كل نشاطاته وفقا‬
‫لوامر جابر بن زيد ( ‪ ) 14‬ويذكر كذلك أن ابن إباض كان الفقيه البرز في زمن جابر بن زيد ‪ ،‬وأنه كان الشخص‬
‫الذي رفض علنا آراء المجموعات المعارضة من القدرية ‪ ،‬والمعتزلة ‪ ،‬والمرجئة ‪ ،‬والشيعة ‪ ،‬والخوارج المتطرفين (‬
‫‪ . ) 15‬والمعتقد أن ابن إباض دعا علنا إلى آراء مذهبه مع أن نشاطات المذهب الباضي كانت آنذاك تنفذ سرا ‪ ،‬لنه‬
‫كان يتمتع بحماية قبيلته ‪ .‬وهنالك سبب آخر هو أن الحركة الباضية كانت بعد انتفاضة نافع بن الزرق ‪ ،‬مضطرة‬
‫للعلن عن آرائها تجاه الزارقة أمام الناس للحتفاظ بدعم المسلمين العاديين ‪ ،‬وأمام السلطات لتتجنب ملحقتها ‪.‬‬
‫وكانت نشاطات ابن إباض موجهة من قبل جابر بن زيد الذي كان إمام الحركة الباضية آنذاك ‪ .‬وأخذ المذهب اسم ابن‬
‫إباض لنه اعتاد أن يبشر علنا بآراء المذهب ‪ ،‬كما كان معروفا بين غير الباضيين برفض آرائهم ‪ ،‬وبسبب موقفه‬
‫الواضح الحازم من الخوارج المتطرفين أيضا ‪ .‬ولعل السبب الخر الذي جعل المذهب الباضي يحمل اسمه هو‬
‫نشاطاته السياسية واتصالته بالخليفة الموي عبد الملك بن مروان الذي كان يتبادل وإياه الرسائل ( ‪ . ) 16‬ولم يكن‬
‫الباضيون في البداية يستخدمون اسم الباضية ؛ بل استخدموا عبارات (( المسلمين )) و (( أمة المسلمين )) و‬
‫(( جماعة المسلمين )) و (( أهل الدعوة )) ‪ .‬ولم يرد ذكر اسم (( الباضية )) في العمال الباضية الولى مثل‬
‫(( مدونة )) أبي غانم أو أي عمل آخر مبكر ‪ ،‬إل أنهم ‪ ،‬عادوا في وقت لحق ‪ ،‬فاعترفوا بهذا السم وقبلوه ‪ .‬وقد‬
‫ظهر لول مرة في العمال الباضية المغربية في رسالة عمروس بن فتح ت ‪. ) 17 ( 893 / 280‬‬

‫ويظهر أن عبد ال بن إباض أصبح شخصية معروفة بسبب آرائه ونشاطاته ‪ ،‬حتى إن هنالك مجموعات أخرى غير‬
‫إباضية ‪ ،‬كالمعمرية ‪ ،‬على سبيل المثال ( ‪ ، ) 18‬زعمت أنه قائدها ‪ ،‬ويقال أيضا إن الحارثية ‪ ،‬أتباع الحارث بن‬
‫مزيد الباضي أعلنوا بعد وفاة أبي بلل مرداس أنهم ل يعترفون بغير إمامة عبد ال بن إباض ‪. ) 19( .‬‬

‫وليس من الواضح أن عبد ال بن إباض لعب أي دور نشيط في النتفاضات العسكرية التي جرت في حياته ‪ ،‬في حين‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أن الكدمي ذكره في نفس القائمة مع أبي بلل وعبد ال بن يحيى الكندي ووصفهما بأنهما من الخوارج ( ‪. ) 20‬‬
‫وبناء على ما ذكره القزويني فقد ثار ابن إباض بتبالة في أثناء عهد مروان بن محمد بن عطية ( ‪ . ) 21‬كذلك ذكر‬
‫الشهرستاني أن عبد ال بن يحيى كان إلى جانب ابن إباض في انتفاضته ‪ ،‬وكان رفيقا له في جميع أحواله وأقواله (‬
‫‪) 22‬الذي كتب إليه رسائله الشهيرة ( ‪ ، ) 23‬إل أنهما ‪ ،‬كغيرهما من المؤلفين الباضيين ‪ ،‬لم يذكرا هل بقي حيا‬
‫بعده ‪ ،‬أو هل لعب دورا في انتفاضة عبد ال بن يحيى الكندي ؟ وليس من المحتمل أن يكون ابن إباض لعب أي دور‬
‫في تلك الحروب من غير أن يذكره المؤلفون الباضيون أو المؤرخون الخرون الذين رووا أخبار هذه الحروب‬
‫كالطبري والصفهاني وسواهما ( ‪. ) 24‬‬

‫وتدل لئحة المراجع الباضية القديمة التي أوردها القلهاني أن عبد ال بن إباض وعروة بن جدير هما من تلمذة‬
‫جابر بن زيد ‪ ،‬وعبد ال بن وهب الراسبي وزيد بن صوحان ؛ وتدل كذلك على أن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة ‪،‬‬
‫وفروة بن نوفل ‪ ،‬ووداع بن حوثرة هم من تلمذة عبد ال بن إباض ‪ ،‬ومعاصرون له ‪ ،‬فيما كان عبد ال بن يحيى‬
‫الكندي والمختار بن عوف معدودين بين طلبة أبي عبيدة مسلم ( ‪ . ) 25‬والظاهر أن ابن إباض كان قد توفي حين‬
‫توفي جابر بن زيد وخلفه أبو عبيدة أو أنه لم يكن مهما إلى درجة كافية لستلم قيادة الحركة ‪ .‬ويبدو أن الرأي الول‬
‫أكثر إقناعا ؛ ثم إنه مدعوم بمعلومة ترد عند البغدادي هي أن الحارث الباضي ترأس مجموعته خلفا لعبد ال بن‬
‫إباض ‪ .‬ووفقا لذلك ل بد أن ابن إباض كان قد توفي حين بدأ الحارث بنشر آراءه بشأن القدر والتي عارض فيها‬
‫القيادات الباضية ‪ .‬ومن الصعب أن نصدق أن ابن إباض كان ل يزال حيا ‪ ،‬إذ أنه لو كان ل زال على قيد الحياة ‪،‬‬
‫لكان رفض آراء الحارث ‪ ،‬وقد ذكرت المراجع هذه الحقائق تؤيد رأي ليفتسكي الذي أشار إلى أن المعلومات التي‬
‫أوردها الشهرستاني والقزويني معا بالنسبة لدور ابن إباض في النتفاضات في وجه مروان بن محمد ليست مقنعة‬
‫جيدا ( ‪ . ) 26‬على أن المعلومات المقدمة عن ابن إباض محدودة ومربكة جدا كذلك ‪ ،‬وكان ابن حزم من بين‬
‫المؤلفين الوائل الذين لحظوا هذه الحقيقة إذ يذكر أن أكثر الباضيين علما في الندلس لم يكونوا يعرفون شيئا عن‬
‫عبد ال بن إباض ( ‪ . ) 27‬والسبب كما رآه ابن حزم ‪ ،‬هو أن ابن إباض تنكر آرائه وانضم إلى مجوعة الثعالبة من‬
‫الخوارج (‪ . ) 28‬كذلك ذكر الذهبي أن ابن إباض تراجع عن بدعته الباضية ( ‪ ، ) 29‬غير أن هذه المعلومات ل‬
‫تؤيدها المراجع الباضية ‪ .‬وهنالك مثل آخر عن المعلومات المشوشة وغير الموثوقة ذكرها ابن حوقل إذ قال ‪ :‬إن‬
‫كل من عبد ال بن إباض وعبد بن وهب الراسبي قدما إلى جبل نفوسة وماتا هناك ‪. ) 30 ( .‬‬

‫ومن الضروري هنا أن نذكر أن قول ليفتسكي ‪ ،‬بأن حالة الكتمان الباضية بدأت بابن إباض ( ‪ ) 31‬مناقض للمعلومة‬
‫الواردة في المؤلفات الباضية ‪ .‬ولقد ذكرت المراجع الباضية بوضوح أن هذه الحالة من الكتمان أدخلت في عهد‬
‫إمامة جابر بن زيد الذي وجه نشاطات الحركة ونشاطات أعضائها ( ‪ . ) 32‬كما تذكر أن النتفاضات التي وقعت في‬
‫أثناء حياته ‪ ،‬سواء انتفاضة أبي بلل أو سواها ‪ ،‬كانت بتخطيط من جابر بن زيد ( ‪ ) 33‬الذي كان المسئول عن‬
‫تأسيس المذهب الباضي وتطويره ‪.‬‬

‫==================================================‬
‫===‬

‫( ‪ )1‬المبرد ‪ ،‬الكامل ‪. 1054 ، 1051 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 2‬المطلي ‪ ،‬التنبيه والرد على أهل الهواء والبدع ‪ ،‬تحقيق محمد زاهر الكوثري ‪ ( ،‬القاهرة ‪، ) 1368 / 1949‬‬
‫ص ‪. 55‬‬

‫( ‪ ) 3‬المصدر نفسه ‪. 56 ، 55 ،‬‬

‫( ‪ ) 4‬ابن حزم ‪ ،‬جمهرة أنساب العرب ‪ ،‬تحقيق إ ‪ .‬ليفي بروفنسال ( القاهرة ‪ 207 ، ) 1948‬؛ ابن عبد ربه ‪ ،‬العقد‬
‫الفريد ‪ ،‬تحقيق أمين وآخرين ( القاهرة ‪. 347 – 346 / 3 ) 1940‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 5‬القطب ‪ ،‬محمد بن يوسف اطفيش الرسالة الشافية في بعض التواريخ ( مطبعة حجرية ‪ ،‬الجزائر ‪ 1299 ،‬هـ )‬
‫‪ ( . 49 ،‬وقد رأيت مخطوطة لهذا المؤلف بعنوان (( الحرز المتين للعقل والدين ‪ ،‬البارونية ‪ ،‬جربة ) ( ‪ ) 6‬؛‬
‫الطبري محمد بن جرير تاريخ الرسل والملوك ‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ( القاهرة ‪– 566 / 5 ) 1963 ،‬‬
‫‪. 567‬‬

‫( ‪ ) 6‬القطب ‪ ،‬مصدر سابق ‪. 49 ،‬‬

‫( ‪ ) 7‬أبو عمار الكافي ‪ ،‬مختصر طبقات المشايخ ‪ ،‬مخطوطة ‪ 2‬؛ الدرجيني ‪ ،‬طبقات مخطوطة ‪ 6 – 205‬؛ محمد‬
‫بن زكريا الباروني ‪ ،‬طبقات ‪ ،‬مخطوطة ‪. 3‬‬

‫( ‪ ) 8‬رسالة عبد ال بن إباض إلى عبد الملك بن مروان في البرادي ‪ :‬الجواهر المنتقاة في ما أخل به كتاب الطبقات‬
‫‪ ( .‬المطبعة الحجرية ‪ ،‬البارونية ‪ ،‬القاهرة ‪. 164 – 163 ، ) 1300 ،‬‬

‫( ‪ ) 9‬الطبري ‪ ،‬تاريخ ‪. 563 / 5 ،‬‬

‫(‪ )10‬المصدر السابق‬

‫( ‪ ) 11‬الشعري ‪ ،‬مقالت السلميين ‪ ،‬تحقيق هـ ‪ .‬ريتر ( اسطنبول ‪ ، ) 1969 ،‬ص ‪ 86‬وما يليها ؛‬
‫الشهرستاني ‪ ،‬الملل ‪ ،‬تحقيق أحمد فهمي محمد ( القاهرة ‪ 86 – 179 / 1 ، ) 1369 / 1948 ،‬؛ المبرد ‪،‬‬
‫الكامل ‪. 32 – 1031 / 3 ،‬‬

‫( ‪ )12‬الكامل ‪ 1040 / 3 ،‬؛ ابن عبد ربه ‪ ،‬العقد ‪. 261 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 13‬ابن حزم ‪ ،‬الجمهرة ‪ 207 ،‬؛ الذهبي ‪ ،‬لسان الميزان ‪ 248 / 3 ،‬؛ ابن خلدون ‪ ،‬التاريخ ‪. 656 / 2 ،‬‬

‫(‪ ) )14‬الشماخي ‪ ،‬السير ‪ 77 ،‬؛ القطب ‪ ،‬الرسالة الشافية ‪ ، 43 ،‬نقل عن المؤلف العماني ابن وصاف ‪.‬‬

‫( ‪ )15‬القلهاتي ‪ ،‬الكشف والبيان ‪ ،‬مخطوطة ‪ 224‬ب ؛ الرقيشي ‪ ،‬مصباح الظلم ‪ ،‬مخطوطة ‪ 74‬؛ المصعبي ‪:‬‬
‫حاشية على المصرح ‪ ،‬مخطوطة ‪ ( 247‬أ ) ‪.‬‬

‫( ‪ ) 16‬حول نصوص رسائل عبد ال بن إباض ‪ ،‬انظر البرادي ‪ ،‬جواهر ‪ 76 – 156 ،‬؛ سرحان بن سعيد ‪ ،‬كشف‬
‫الغمة ؛ مخطوطة القطب ‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ( طبعة حجرية ‪ ،‬الجزائر ‪ 62 – 248 ، ) 1326 ،‬؛ انظر أيضا‬
‫ساخاو ‪Ueber die religiosen Ausschaunngen der Ibaditischen “ :‬‬
‫‪“Muhammedaner in Oman und M.S.O.S., II Ostafrika‬‬
‫‪ : II Califfio, “ Abd al-Malik b . Marwan e gli‬وروبرتو روبيناشي ‪ 1899 , 62 – 69 .‬؛ ‪– 121‬‬
‫‪ 4 , 1952 , 99‬مجلد ‪ A.I.O.U.N‬في ‪“Ibaditi .‬‬

‫( ‪ )17‬عمروس بن فتح ‪ ،‬الدينونة الصافية ‪ ،‬مخطوطة ‪. 4‬‬

‫( ‪ ) 18‬القطب الرسالة الشافية ‪ 51 ،‬؛ أبو زكريا الوارجلني ‪ ،‬سير ‪ ،‬مخطوطة ‪ 15‬أ [ طبعة دار الغرب السلمي ‪،‬‬
‫‪ 88‬؛ طبعة الدار التونسية ‪ ] 91‬؛ وانظر أيضا ما يلي ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 19‬البغدادي ‪ ،‬الفرق بين الفرق ‪ ،‬تحقيق الكوثري ( القاهرة ‪. 62 ، ) 1367 – 1948 ،‬‬

‫( ‪ ) 20‬الكدمي ‪ ،‬محمد بن سعيد ‪ ،‬كتاب الستقامة مخطوطة ‪. 35‬‬

‫( ‪ ) 21‬القزويني ؛ زكريا بن محمد ؛ كتاب آثار البلد وأخبار العباد ؛ تحقيق وستنفلد ؛ ‪. 37 / 1‬‬

‫( ‪ ) 22‬الشهرستاني ‪ ،‬الملل ‪. 213 – 212 / 1 ،‬‬

‫( ‪ )23‬القلهاتي ‪ ،‬الكشف ‪ 224‬ب ؛ الرقيشي ‪ ،‬مصباح ‪. 74 ،‬‬

‫(‪ ) 24‬الطبري ‪ ،‬تاريخ ‪ 402 – 399 ، 76 – 374 ، 348 / 7 ،‬؛ أبو الفرج الصفهاني ‪ ،‬الغاني ‪ ،‬تحقيق‬
‫فراج ‪. 158 – 111 / 23 ،‬‬

‫(‪ ) 254‬القلهاتي ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ – 230 ،‬أ – ب ‪.‬‬

‫( ‪ ) 26‬الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 232 – 231 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬السير ‪ 85‬؛ وللمزيد من التفاصيل انظر ما يلي ‪.‬‬

‫( ‪ ) 27‬ليفتسكي ‪ ،‬مادة الباضية ‪ ،‬في ‪ :‬الموسوعة السلمية ‪ ،‬طبعة ‪. 649 / 2‬‬

‫( ‪ ) 28‬ابن حزم ‪ ،‬الفصل في الملل والنحل ‪. 191 / 4 ،‬‬

‫( ‪ ) 29‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 30‬الذهبي ‪ ،‬لسان ‪. 248 ، 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 31‬ابن حوقل ‪ ،‬صورة الرض ‪. 95 ، 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 32‬ليفتسكي ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ ،‬ص ‪. 648‬‬

‫( ‪ ) 33‬الجناوني ‪ ،‬كتاب الوضع ‪ ،‬تحقيق أبي إسحق ( القاهرة ل ‪ .‬ت ) ‪ 22‬؛ عمرو بن جميع ‪ ،‬مقدمة التوحيد ‪،‬‬
‫تحقيق أبي إسحق ( القاهرة ‪. 54 ، ) 1353 ،‬‬

‫آراء الباضية في الخوارج‬

‫تنظر المصادر غير الباضية إلى المذهب الباضي باعتباره فرعا من حركة الخوارج انفصل الخط العام ليشكل‬
‫مجموعة معتدلة بقيادة عبد ال بن إباض ‪ .‬ومثل هذا العرض للمذهب الباضي كرره أولئك العلماء الذين درسوا‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الموضوع على أساس معلومات مستقاه من المصادر غير الباضية ‪.‬‬

‫لقد كان من الصعب على غير الباضية أن يكونوا نظرة واضحة عن الحركة الباضية وعن طبيعة علقاتها بحركة‬
‫الخوارج ‪ .‬ومرد ذلك إلى التكتم حول النشاطات والمخططات التي وجهت معظم النشاطات الباضية الولى ‪ .‬والسبب‬
‫الخر هو ‪ ،‬كما ذكره ابن النديم ‪ ،‬أن خوف الباضية من الضطهاد من قبل خصومهم ‪ ،‬جعلهم يسترون كتبهم ( ‪. ) 1‬‬
‫فمن المهم إذا نعرض نظرة الباضية الخاصة إلى منشأ حركتهم وإلى موقعها بالنسبة لحركات الخوارج كما رأت‬
‫مصادرها ذلك ‪.‬‬

‫لقد حفظ الباضية شرحا مفصل لرائهم عن التطور السياسي الباكر للمة السلمية وذكر البرادي الجدول التالي‬
‫للعمال والوثائق الولى التي تناولت الموضوع ( ‪. ) 2‬‬
‫‪ -1‬أخبار صفين والنهروان ‪.‬‬
‫‪ -2‬صفة أحداث عثمان ‪.‬‬
‫‪ -3‬الرسالة التي وجهها علي بن أبي طالب إلى ابن عباس بعد هزيمة أهل النهر ورد ابن عباس عليها ‪.‬‬
‫‪ -4‬رسالة جابر بن زيد إلى أحد أفارد الشيعة ‪.‬‬
‫‪ -5‬رسالة عبد ال بن إباض إلى عبد الملك بن مروان ‪.‬‬
‫‪ -6‬رسالة أبي بلل مرداس إلى المسلمين ‪.‬‬
‫‪ -7‬رسالة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة وحاجب إلى أهل المغرب ‪.‬‬
‫‪ -8‬رسالة الربيع بن حبيب بخصوص عبد ال بن عبد العزيز ‪ ،‬وأبي المؤرج وشعيب ‪.‬‬
‫‪ -9‬رسالة أبي الحر علي بن الحصين ‪.‬‬
‫‪ -10‬كتاب سالم بن حطيئة الهللي ‪.‬‬
‫‪ -11‬كتاب أبي سفيان محبوب بن الرحيل ‪.‬‬
‫‪ -12‬سيرة محمد بن محبوب إلى أهل المغرب ‪.‬‬
‫‪ -13‬سيرة منير بن النير الجعلني ‪.‬‬

‫وذكر البرادي أنه شاهد جميع الوثائق والعمال أعله وقرأها باستثناء سيرة محمد بن محبوب ( ‪ . ) 3‬ويقال إن‬
‫هنالك نسخة كاملة من هذه السيرة مؤلفة من سبعين جزءا كانت موجودة في جبل نفوسة حوالي نهاية القرن الرابع‬
‫الهجري ؛ وإن الجزء السادس فقط من هذا الكتاب كان موجودا في جزيرة جربة أثناء هذه الفترة ( ‪ . ) 4‬إن معظم‬
‫هذه العمال والوثائق ل يزال موجودا باستثناء أعمال أبي سفيان وابنه محمد بن محبوب ‪ ،‬وكتاب سالم بن حطيئة‬
‫الهللي ‪ ،‬ورسالة جابر بن زيد إلى شيعي ‪ ،‬ورسالة أبي بلل مرداس ‪ .‬على أن البرادي احتفظ لنا في (( جواهره ))‬
‫بمعلومات مفيدة عن بعض هذه العمال المفقودة ( ‪ ) 5‬فيما احتفظ الدرجيني في (( طبقاته )) بمعلومات مفيدة عن‬
‫علماء الباضية الوائل من كتاب أبي سفيان محبوب ( ‪. ) 6‬‬

‫وهنالك وثائق إباضية أخرى قديمة تناولت الموضوع ‪ ،‬ل تزال موجودة وبالمكان العودة إليها ‪:‬‬

‫‪ -1‬سيرة سالم بن ذكوان ‪ ،‬وهو عالم إباضي معاصر لجابر بن زيد ( ‪. ) 7‬‬
‫‪ -2‬سيرة شبيب بن عطية العماني ( ‪. ) 8‬‬
‫‪ -3‬سيرة أبي قحطان خالد بن قحطان الهجاري ( ‪. ) 9‬‬

‫يضاف إلى ذلك أيضا خطب لعبد ال بن يحيى وخطب للمختار بن عوف ‪ ،‬ألقاها بنفسه في مكة والمدينة ‪ ،‬وقد كانت‬
‫مسجلة ومحفوظة ( ‪. ) 10‬‬

‫وجميع هذه العمال التي ترد في مراجع إباضية قديمة ( ‪ ) 11‬تحتوي على النظرة الباضية للتغييرات الباكرة التي‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫حدثت في المجتمع السلمي ؛ وهي التي بدأت بمعارضة سياسة الخليفة الثالث عثمان بن عفان ‪ ،‬وعلى العرض‬
‫الباضي للفرق المختلفة التي نشأت في أوائل التاريخ السلمي ‪ ،‬وعلى موقف الباضية منها ‪ .‬والعرض التالي لنظرة‬
‫الباضية للتطور السياسي الباكر للمة السلمية ‪ ،‬ولرأيها بالخوارج بني على هذه المواد المذكورة أعله ‪.‬‬

‫اعتبر الباضية حركتهم استمرارا للمعارضة التي أسقطت الخليفة الثالث عثمان بن عفان وسببت وفاته ‪ .‬ونظروا إلى‬
‫تلك المعارضة باعتبارها رفضا إسلميا صرفا (( للحداث )) التي أدخلها عثمان وحاشيته الموية ؛ ثم إن هذه‬
‫(( الحداث )) معروضة في كتاب (( صفة أحداث عثمان )) ورسالة عبد ال بن إباض ‪ ،‬وسيرة سالم بن ذكوان ‪ .‬ول‬
‫ذكر في المصادر الباضية لدور عبد ال بن سبأ في النتفاضة الولى بوجه عثمان ؛ وتلك حقيقة تشير إلى أن‬
‫الباضية رأوا في تلك النتفاضة واجبا إسلميا يقوم به صحابة النبي الذين أرادوا أن يتقيدوا بسنة الرسول ومثال‬
‫خليفتيه الولين ‪ ،‬ل نتيجة أي نفوذ خارجي أو غريب ‪ .‬وقد وافق الباضية على خلفة علي بن أبي طالب ونظروا إلى‬
‫طلحة بن الزبير وعائشة وأنصارهما باعتبارهما (( الفئة الباغية )) ( ‪ . ) 12‬وهنا يذكر أن جابر بن زيد وأبا بلل‬
‫مرداس ناقشا عائشة بموفقها من معركة الجمل ‪ ،‬ووجها إليها اللوم على مقاومتها لعلي الذي كان الخليفة الشرعي‬
‫آنذاك ‪ ،‬و (( تابت مما كانت قد دخلت فيه )) ( ‪ . ) 13‬كذلك وافقوا عليا في حروبه مع معاوية ونظروا إلى معاوية‬
‫وعمرو بن العاص معا ومناصريهما باعتبارهم الفئة الباغية التي يجب محاربتها حتى تخضع لمر ال ( ‪. ) 14‬‬
‫لكنهم لم يوافقوا على قبول علي بالتحكيم معتبرين أن الذين رفضوا التحكيم هم المسلمون الحقيقيون وأن زعيمهم‬
‫عبد ال بن وهب الراسبي هو الخليفة الشرعي الخامس ( ‪ . ) 15‬وهاجموا عليا بن أبي طالب لنه فتك بأهل النهر‬
‫وحجتهم أنه لم يكن يحق له على الطلق بأن يقاتلهم ‪ .‬وعلق أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة على ما أعلنه علي‬
‫بالنسبة لشعار أهل النهر (( ل حكم إل ل )) بأنها كلمة حق أريد بها باطل ؛ قال أبو عبيدة ‪ (( :‬لقد علم علي أن‬
‫شعارهم هو الحق ‪ ،‬فمن أخبره أنهم يريدون به باطل )) ؟ ( ‪. ) 16‬‬

‫وبناء على ما قاله جابر بن زيد يذكر أن عليا بن أبي طالب ‪ ،‬حين لحظ أن مناصريه قلقوا لمقتل المسلمين التقياء‬
‫في معركة النهروان ‪ ،‬وندموا على ما فعلوه ‪ ،‬طلب منهم في اليوم التالي للمعركة أن يبحثوا عن شيطان بين قتلى‬
‫أهل النهر ؛ جاءوه برجل كان قد عضه الجمل في صدره ‪ ،‬فقال لهم علي ‪ :‬ذاك هو الشيطان ‪ .‬وحين نبهه ابنه السحن‬
‫إلى أن هذا الرجل هو الصحابي نافع ‪ ،‬مولى الصحابي ثرملة ‪ ،‬أسهم بالجهاد ‪ ،‬أسكته علي وقال له ‪ (( :‬إن الحرب‬
‫خدعة )) ( ‪ . ) 17‬ومن شأن هذه المعلومات أن تدل على أن المراجع الباضية الولى اعتقدت أن عليا بن أبي طالب‬
‫لم يكن على حق في محاربة أهل النهر ‪ ،‬وأن موقفه آنذاك كان مبنيا على طموحات دنيوية ‪ ،‬ل على أسس دينية كما‬
‫هي الحال بالنسبة لهل النهر ( ‪. ) 18‬‬

‫هكذا كانت نظرة الباضية بالنسبة للتطورات السياسية الولى كما فهموها ‪ .‬وعندهم أن المحكمة هم المجموعة‬
‫الوحيدة التي كانت تكافح من أجل العودة بالمامة السلمية إلى ما كانت عليه أثناء عهدي أبي بكر وعمر ‪،‬‬
‫والسنوات الست الولى من خلفة عثمان والسنوات الولى من خلفة علي قبل أن يرضى بالتحكيم ‪ .‬ثم انتهى جهاد‬
‫هذه الجماعة في مقتله أهل النهر على يدي علي بن أبي طالب وجيشه ( ‪ ، ) 658 / 27‬ومقتله أهل النخيلة على‬
‫أيدي عسكريي معاوية والحسن بن علي معا ( ‪. ) 19‬‬

‫بعد هذه المرحلة ترسخت الخلفة الموية وجعلت همها أن تضرب أي مقاومة ‪ .‬وهكذا فإن مؤيدي مجموعة‬
‫المحكمة ‪ ،‬أو (( المسلمين )) أو (( جماعة المسلمين )) كما كانوا يدعون في الدب الباضي القديم ‪ ،‬اضطروا لخفاء‬
‫عقيدتهم والقيام بنشاطاتهم سرا ( ‪ . ) 20‬ومن الذين نجوا من معركة النهروان ‪ ،‬عروة بن أدية وشقيقه أوب بلل‬
‫مرداس ( ‪ . ) 21‬وقد واصل نشاطاتهما في البصرة ‪ ،‬وهما المعروفان بتفانيهما في واجباتهما الدينية ‪ ،‬وكانا بارزين‬
‫بين جماعة المسلمين هناك ‪ .‬ويبدو أن أبا بلل كان زعيما في البصرة لنه كان أحد ثلثة رجال علقوا على خطبة‬
‫زياد بن أبيه الولى في جامع البصرة حين عين هذا الخير من قبل معاوية حاكما على البصرة وخرسان وسجستان (‬
‫‪ . ) 22‬ويذكر أيضا أن أبا بلل وجابر بن زيد كانا على صلة وثيقة خلل هذه الفترة ‪ ،‬وأنه كان ينفق وقتا طويل مع‬
‫جابر بن زيد ‪ .‬ويقال إنهما دخل على عائشة فعاتباها على ما كان منها يوم الجمل فاستغفرت وتابت ( ‪ . ) 23‬وفي‬
‫أثناء هذه الفترة ترسخت قيادة جابر لمجوعة المحكمة ؛ وهو رجل تقي عالم من الزد ‪ ،‬من قبيلة عبد ال بن وهب‬
‫الراسبي ‪ ،‬وآخر زعيم منتخب للمجموعة ‪ .‬وبوجه عام كانت نشاطات جابر فكرية ‪ ،‬بحيث أنه استطاع الدعوة للسلم‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والحفاظ على تعاليمه بطريقة لم تثر شك السلطات الموية ‪ .‬ثم إن منصبه كمفت بارز في البصرة أمن له غطاء مفيدا‬
‫ومكنه من إقامة صلت واسعة مع شخصيات بارزة في مختلف أنحاء البلدان السلمية ( ‪. ) 24‬‬

‫وقامت سياسة جابر على اللجوء إلى جميع الوسائل لضمان أمن حركته وسلمة أباعه ‪ ،‬حتى ذهب إلى حد المر‬
‫بمقتل شخص يدعى خردلة أبلغ السلطات الموية عن أسماء أفراد الحركة الباضية في البصرة وجعل يطعن فيهم‬
‫ويدل على عوراتهم ويفضح أسرارهم ( ‪ . ) 25‬كذلك سمح جابر بأخذ التاوة لتفادي العراقيل مع السلطات في عهد‬
‫عبيد ال بن زياد ‪) 26 ( .‬‬

‫وأدى الضطهاد المتزايد المتواصل ‪ ،‬لعضاء مجموعة المحكمة في البصرة على يد عبيد ال بن زياد إلى حمل‬
‫العضاء أن يتصرفوا حيال ذلك بعنف ‪ ،‬كما دفع بالسلطات لمتابعة اضطهاد إخوانهم المسلمين ( ‪. ) 27‬‬

‫وقد واجهوا أنواع التنكيلت مما يتراوح بين السجن والموت ( ‪ ) 28‬؛ حتى إن النساء تعرضن للعقوبة القاسية ( ‪29‬‬
‫) ‪ .‬وفي هذا الوضع تعذر على الشخصيات البارزة في المجموعة أن يعيشوا حياة هادئة ‪ ،‬إن لم نقل أنه حال دون‬
‫احتمال نشر آرائهم وتعليمها ‪ .‬وفي هذه المرحلة أدخل مبدأ (( الشراء )) ‪ ،‬أي التضحية بالذات في الحركة بموجب‬
‫أصول محددة ‪ ،‬ثم نفذ من قبل أربعين عضوا في الحركة بقيادة أبي بلل مرداس الذي أوضح أنه ل ينوي أن يقاتل إل‬
‫الذين يقاتلونه ‪ ،‬وأنه لن يأخذ من الغنائم إل نصيبه ‪ ،‬أي العطيات التي هي من حقه ( ‪ . ) 30‬وكان ذلك بالفعل‬
‫رفضا مكشوفا لسياسة (( الستعراض )) التي كان يمارسها بعض الخوارج قبل أبي بلل ‪ ،‬ممن كانوا معروفين‬
‫بتعاطفهم مع جماعة المحكمة ( ‪ , ) 31‬تلك كانت تنفيذا عمليا لسياسة (( الشراء )) أي التضحية بالذات ‪ ،‬و‬
‫(( القعود )) أي البقاء في حالة هدوء في عهد الطغاة وعدم الخروج إلى الجهاد ضدهم في أثناء (( مرحلة الكتمان ))‬
‫وبذلك لم يرفض أبو بلل مبدأ القعود أو التقية ‪ .‬والواقع أنه وافق على مبدأ التقية ونصح البلجاء بأن تتكتم في‬
‫معتقداتها حين علم أن عبيد ال بن زياد قرر أن يعاقبها ( ‪ . ) 32‬وفي أي حال فإن أبا بلل وأنصاره ‪ ،‬بعد أن هزموا‬
‫جيشا من ألفي شخص ‪ ،‬قتلوا في معركة تالية فيما كانوا يؤيدون صلواتهم ( ‪ . ) 33‬وتقول المراجع الباضية إن هذه‬
‫النتفاضة من قبل أبي بلل كانت قد خططت من قبل جابر بن زيد إمام الباضية آنذاك وبموافقته ( ‪ . ) 34‬ويقال كذلك‬
‫إن أبا بلل طلب من جابر عند مغادرة البصرة ‪ ،‬أن ينضم إليه ( ‪ ) 35‬ولكن جابرا بقي في البصرة وتابع سياسته‬
‫القائمة على تجنب العنف ‪.‬‬

‫وتقوم العلقة بين الباضية وخصومهم المسلمين على أساس المبادئ التالية ‪:‬‬

‫أ‪ -‬على الباضية أل يقاتلوا أحدا إل الذين يقاتلونهم ؛ وليس لهم أن ينهجوا سياسة الستعراض ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ل يجوز أن تؤخذ ممتلكات المسلمين غنائم ؛ ول يجوز قتل نسائهم وأولدهم أو أن يؤخذوا سبايا ‪ .‬ويعتمد هذا‬
‫المبدأ على سيرة المسلمين الوائل في قتالهم لعثمان وأنصاره ‪ ،‬وعلى سيرة علي في حربة ضد طلحة والزبير حين‬
‫كان علي الخليفة الشرعي ( ‪. )36‬‬

‫ج‪ -‬ليس (( الخروج )) واجبا ؛ ويمكن للمسلمين أن يعيشوا ف يظل الطغاة لجئين إلى التقية ‪ ،‬عند اللزوم ‪.‬‬

‫د‪ -‬الشراء ‪ ،‬أو التضحية بالذات ‪ ،‬واجب اختياري على من اكتمل عددهم أربعين شخصا أو أكثر حين يكونون هم‬
‫الذين اختاروا الخروج ‪.‬‬

‫وأصبحت هذه المبادئ سيرة للمسلمين متبعة ل يجوز تغييرها ؛ وأيدت المراجع الباضية هذه المبادئ قياسا على‬
‫سيرة الرسول طوال كفاحه في سبيل المة السلمية والدولة السلمية وفقا لشريعة ال ( ‪ . ) 37‬كذلك زعموا أن‬
‫هذه المبادئ لم تخرق قبل انتفاضة نافع بن الزرق الذي تصرف خلفا لذلك ‪ ،‬أو كما قال ابن إباض نفسه ‪... (( :‬‬
‫ولكننا باسم ال نختلف مع ابن الزرق وأنصاره ‪ :‬حين ثاروا بدا لنا أنهم كانوا على دين المسلمين ‪ ،‬لكنهم تركوه بعد‬
‫ذلك وأصبحوا كافرين )) ( ‪. ) 38‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وكانت حركة ابن الزرق أول انشقاق جاد خطير في جماعة المحكمة ( ‪ ) 39‬؛ وقد أدت التعاليم التي أدخلها نافع بن‬
‫الزرق إلى ردود فعل مختلفة وقد عارض جابر بن زيد وعبد ال بن إباض آراء نافع ودافعا عن مبادئ المحكمة‬
‫الولى وعمل على نشرها ‪.‬‬

‫ويدل هذا العرض لتطور جماعة المحكمة على أن زعماء المذهب الباضي لم يدخلوا أي عقائد جديدة على مسألة‬
‫(( الخروج )) أو على العلقة بين العضاء وبقية المسلمين في زمن السلم والحرب ‪ ،‬وكل ما فعلوه هو مواصلة نشر‬
‫العقائد الموضوعة من قبل سواء في أثناء الحروب بين علي وطلحة ‪ ،‬أم تلك التي أرسها أبو بلل في وقت لحق ‪.‬‬
‫ورفضوا من ناحية أخرى ‪ ،‬آراء نافع بن الزرق وسواه من زعماء الخوارج المتطرفين كنجدة وداود ‪ ،‬لخرقهم تلك‬
‫الصول الموضوعة من قبل أسلفهم ‪ .‬وقد عبر سالم بن ذكوان عن الموقف الباضي بالعبارات التالية ‪:‬‬

‫فأمرنا تبع لئمة المسلمين قبل نزول للمسلمين يوم قتلوا عثمان ‪ ،‬ويوم الجمل ‪ ،‬ويوم أنكروا تحكيم الرجال في دينهم‬
‫‪ .‬وأرينا اليوم لرأيهم تبع يومئذ ‪ ،‬وتأويلنا القرآن اليوم لتأويلهم يومئذ تبع ‪ .‬لسنا ممن يزعم أنه أفاد علما في القرآن‬
‫والسنة حتى غلبهم )) ( ‪ . ) 40‬هكذا فهم الباضية حكمهم الذي لم يكن بالنسبة لهم سوى استمرار لحكم المحكمة‬
‫قبل انفصال نافع والخوارج المتطرفين ‪ .‬ولذلك نظروا إلى الخوارج المتطرفين بأنهم (( المارقة )) أي الذين تجاوزوا‬
‫الدين ‪ ،‬وطبقوا عليهم الوصف المعروف المذكور في حديث شهير للرسول ( ‪ ، ) 41‬وهو ‪ (( :‬يخرج فيكم قوم‬
‫تحقرون صلتكم مع صلتهم ‪ ،‬وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم ‪ ،‬يقرؤون القرآن ول يجاوز حناجرهم‬
‫يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية تنظر في النصل فل ترى شيئا ثم تنظر في القدح فل ترى شيئا ثم تنظر‬
‫في الريش فل ترى شيئا وتتمارى في الفوق )) ( ‪. ) 42‬‬

‫أما بالنسبة لكلمتي (( الخوارج )) و (( الخروج )) فقد استعملها الباضية بمعنى (( الخروج )) إلى الجهاد ( ‪. ) 43‬‬
‫وفي وقت لحق ‪ ،‬حصر بعض المؤلفين الباضية هذا السم في مجوعات متطرفة من الخوارج تصرفت على النقيض‬
‫لمبادئ المحكمة ( ‪ . ) 44‬غير أن غالبية المراجع الباضية القديمة ‪ ،‬وبعض المؤلفين العمانيين المتأخرين كذلك ‪،‬‬
‫استعملوا كلمتي (( خروج )) و (( الخوارج )) مشيرين بذلك للباضية ‪ ،‬وميزوا الخوارج المتطرفين بعبارة (( خروج‬
‫الجور )) ( ‪ . ) 45‬واستعملوا كذلك (( شراء )) و (( شراة )) بدل من كلمتي (( خروج )) و ((خوارج )) ‪ ،‬مع أنه‬
‫كان لكلمتي (( شراء )) و (( شراة )) معناهما الخاص بهما في العقيدة الباضية ( ‪ . ) 46‬وبالنسبة للمحكمة ولهل‬
‫النهر ‪ ،‬والنخيلة ‪ ،‬وأبي بلل وأنصاره ‪ ،‬فقد استعملت عادة عبارتا (( المسلمين )) و (( جماعة المسلمين )) ‪ .‬وكان‬
‫هذان السمان بالضافة إلى اسم (( أهل الدعوة )) يستعملن من قبل الباضية للشارة إلى مذهبهم ‪.‬‬

‫وفيما يلي النقاط التي اختلف عليها الباضية والخوارج ‪:‬‬

‫‪ -1‬مسألة الخروج ‪:‬‬

‫إن العقيدة التي أدخلها نافع بن الزرق هي أن (( الخروج )) أو (( الهجرة )) إلى معسكرهم أمر إلزامي ‪ .‬وقد اعتبر‬
‫بلد خصومهم من المسلمين ( المخالفين ) دار حرب ‪ ،‬ونظر إلى أولئك الذين ل يقومون بأي عمل ( القعدة )‬
‫باعتبارهم مشركين على أساس الية القرآنية ‪ ( :‬وأن أطعتموهم إنكم لمشركون ) ( ‪ . ) 47‬وهذه العقيدة مناقضة‬
‫للعقيدة التي قال بها المحكمة وهي إن معارضيهم من المسلمين هم محض (( كفار نعمة )) ( ‪ ) 48‬ل مشركون ‪،‬‬
‫وإن إخوانهم المسلمين قادرون على الحياة بين خصومهم ‪ ،‬وسمحوا بالقعود ‪ ،‬إذ إن الخروج أو الهجرة ليسا‬
‫إلزاميين ‪ .‬والواقع أن المحكمة الولين كانوا واضحين كثيرا بشأن القعود باعتباره شرعيا بالنسبة لخوانهم‬
‫المسلمين حتى أنهم انتخبوا عبد ال بن وهب الراسبي إماما ‪ ،‬وآثروه على معدان اليادي لنه قال ( ‪. ) 49‬‬

‫لقد تمسك الباضية بعقيدة المحكمة الوائل ورفضوا نافع ‪ ،‬وقالوا إن كل من المجاهدين والقعدة ‪ ،‬هم مسلمون ؛‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(( يخرج من يخرج ويتخلف من يتخلف ‪ ،‬فيتولى الخارج القاعد والقاعد الخارج ‪ ،‬على ذلك مضوا وانقرضوا ‪،‬‬
‫رحمهم ال وغفر لهم )) ( ‪ . )50‬وقد جرى التعبير عن هذه العقيدة في وقت لحق بالقول التالي ‪ (( :‬ل هجرة بعد‬
‫الفتح )) ‪ ،‬وهو في الواقع جزء من حديث للرسول ( ‪ ، ) 51‬وقد ورد في جميع المعتقدات الباضية للتعبير عن رأيهم‬
‫بمسألة الهجرة أو الخروج ( ‪. ) 52‬‬

‫‪ -2‬والمسألة الثانية هي موقفهم بالنسبة لخصومهم المسلمين (( المخالفين )) ( ‪. ) 53‬‬

‫لقد اعتقد الزارقة أن خصومهم المسلمين كفار ‪ .‬ونظروا بالتالي إلى بلدهم باعتبارها دار حرب ‪ ،‬وآمنوا بشرعية‬
‫قتل نسائهم وأولدهم ‪ ،‬أو بسبيهم ‪ ،‬وبالستيلء على ممتلكاتهم ‪ .‬ومن ناحية أخرى فإنهم منعوا أتباعهم من أن يرثوا‬
‫منهم ومن أن يتزوجوا من نسائهم ‪ .‬كذلك رأوا شرعية الحتفاظ بما أمنهم عليه من خالفهم من المسلمين ‪ ،‬وأن‬
‫ينكروا عليهم حقهم فيه ( ‪. ) 54‬‬

‫إن جميع هذه العقائد عن علقتهم بخصومهم المسلمين نظر إليها الباضية (( كضللت )) لنها معارضة لراء‬
‫المسلمين مناقضة لسيرتهم ‪ .‬ورفض الزعيمان الباضيان ‪ ،‬جابر بن زيد وعبد ال بن إباض آراء الزارقة وأنكروها‬
‫( ‪ . ) 55‬كذلك اتخذ الموقف نفسه من مجموعات أخرى من الخوارج كالصفرية والنجدات وغيرهما ‪ ،‬مع أن هذه‬
‫المجموعة الخيرة اختلفت عن الزارقة حول بعض المسائل ( ‪. ) 56‬‬

‫واعتبر الباضية هذه العقائد الجديدة التي أدخلها نافع وخوارج آخرون ‪ ،‬بأنها (( بدع )) ‪ ،‬وانفصلوا عن حركاتهم‬
‫ورفضوا آرائهم ‪ ،‬حتى أنهم خاضوا حروبا ضدهم (‪ , )57‬وتعد سيرة سالم بن ذكوان من بين الوثائق الباضية‬
‫القديمة التي ناقشت مشكلة متطرفي الخوارج وآرائهم ‪ .‬ولعله من المفيد أن ننقل هنا آراءه حول هذه المسألة لنها‬
‫تمثل الرأي المعاصر لعلمة إباضي بارز ‪ ،‬وتعكس الموقف الباضي العام نحو الخوارج ‪.‬‬

‫==========================================‬

‫(‪)1‬‬
‫الشماخي ‪ ،‬السير ‪ 77 ،‬؛ القطب ‪ ،‬الرسالة الشافية ‪ 43 ،‬؛ جميل بن خميس ‪ ،‬قاموس الشريعة ‪ ،‬مخطوطة قسم‬
‫‪ ، 88‬الصفحة التي تتعلق بالموضوع ‪.‬‬

‫( ‪ ) 2‬ابن النديم ‪ ،‬الفهرست ‪. 329 – 258 ،‬‬

‫( ‪ ) 3‬البرادي ‪ ،‬البحث الصادق والستكشاف في شرح كتاب العدل والنصاف ‪ ،‬مخطوطة ‪. 29 ، 1 ،‬‬

‫(‪ ) 4‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 5‬الوسياني ‪ ،‬أبو الربيع سليمان بن عبد السلم ‪ ،‬السير ‪ ،‬مخطوطة ‪. 15‬‬

‫( ‪ ) 6‬البرادي ‪ ،‬الجواهر ( طبعة حجرية ‪ ،‬القاهرة ‪. ) 1302 ،‬‬

‫( ‪ ) 7‬ذكرت المعلومات نفسها تقريبا عن أبي سفيان في سير الشماخي ‪ ،‬غير أنه لسنا نعلم ‪ :‬هل يستخدم الدرجيني‬
‫فقط أم أنه استطاع الحصول على عمل أبي سفيان الصلي ‪.‬‬

‫( ‪ ) 8‬هنالك نسخة كاملة لهذه السيرة في مخطوطة عمانية متعددة المحتويات ‪ ،‬والمعتقد أنها جزء من (( تاريخ‬
‫البسياني )) أو (( السيرة الكبيرة )) له ( انظر السالمي ‪ ،‬اللمعة ‪ . ) 84 ،‬وهنالك نسخة مصورة لهذه المخطوطة‬
‫العمانية أعطيت لي من قبل صديق عماني ‪ ،‬هي في حوزة مكتبة معهد الدراسات الشرقية في كمبريدج ‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 9‬هنالك نسخة كاملة لهذه السيرة في القلهاتي ‪ ،‬الكشف والبيان ‪ ،‬مخطوطة ‪ 160‬أ – ‪ 195‬ب ؛ المخطوطة‬
‫العمانية ذات المحتويات المختلطة ‪ 161 – 125‬؛ وهنالك مخطوطة عمانية مختلطة المحتويات تتضمن سيرة أبي‬
‫المؤثر الصلت بن خميس ‪ ،‬وسيرة منير بن النير الجعلني ‪ ،‬وسيرة شبيب بن عطية العماني ‪ ( .‬أعطيت هذه‬
‫المخطوطة لي من قبل صديق عماني ) ‪.‬‬

‫( ‪ ) 10‬استعمل مخطوطة هذه السيرة التي أرسلها لي صديق عماني ‪ .‬وهي تحتل أول سبعين صفحة من مخطوطة‬
‫مختلفة المحتويات [ انظر الن ‪ :‬السير والجوابات لعلماء وأئمة عمان ‪ ،‬تحقيق سيدة إسماعيل كاشف ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪ ، 1986‬ص ‪ ] 15 – 86‬؛ وفي سيرة أبي قحطان انظر ابن مداد ‪ ،‬صفة نسب العلماء وموتهم ‪. 35 ،‬‬

‫( ‪ ) 11‬حول نصوص خطب أبي حمزة وعبد ال بن يحيى الكندي ‪ ،‬انظر ‪ :‬الصفهاني ‪ ،‬الغاني ؛ = الجاحظ ‪ ،‬البيان‬
‫والتبيين ؛ ابن أبي الحديد ‪ ،‬شرح نهج البلغة ‪ .‬وانظر ما يلي ( ‪ ، 53‬ملحوظة ‪.) 115‬‬

‫( ‪ ) 12‬مختصر صفة أحداث عثمان ( قسم من مخطوطة عمانية ‪ ( . ) 176 – 161 ،‬انظر أيضا البرادي ‪،‬‬
‫جواهر ‪ 219 ،‬؛ موتيلنسكي ‪ ،‬مادة (( مصادر مزاب )) في ‪ ، Bull. de Corresp. Afric 3‬ص ‪ 16‬؛‬
‫روبيناتشي ‪ ”II K. Gawahir di al Barradi “ ،‬في ‪ ، A.I.U.O.N; NS. 4‬روما ‪ – 1952 ،‬ولرسالة‬
‫ابن إباض ‪ ،‬البرادي ‪ ،‬الجواهر ‪ 167 – 161 ،‬؛ سالم بن ذكوان ‪ ،‬سيرة ‪. 201 – 195‬‬

‫( ‪ ) 13‬البرادي ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ 102 ،‬؛ أبو قحطان ‪ ،‬سيرة ‪ ،‬مخطوطة ‪ 21‬وما بعدها [ السير والجوابات‬
‫‪ . ] 107 – 106‬سالم بن ذكوان ‪ ،‬سيرة ‪ ،‬مخطوطة ‪. 202‬‬

‫( ‪ ) 14‬الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ ،‬مخطوطة ‪ [ 198‬اطلي ‪ ] 206 ،‬؛ البرادي ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪، 105 ،‬‬
‫الشماخي ‪ ،‬السير ‪ 72‬؛ أبو قحطان ‪ ،‬سيرة ‪. 23‬‬

‫( ‪ ) 15‬المصدر السابق ‪ 25 ،‬وما يليه ؛ سالم بن ذكوان ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 202 ،‬‬

‫( ‪ ) 16‬المصدر السابق ‪ 204 – 203‬؛ أبو قحطان ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ ، 29 ،‬وما يليها ‪.‬‬

‫( ‪ ) 17‬أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة ‪ ،‬مسائل أبي عبيدة ‪ ،‬مخطوطة ‪. 25‬‬

‫( ‪ ) 18‬البرادي ‪ ،‬الجواهر ‪. 141 ،‬‬

‫( ‪ ) 19‬سالم بن ذكوان ‪. 204 – 203 ،‬‬

‫( ‪ ) 20‬البرادي ؛ مصدر مذكور سابقا ‪ 147 – 146 ،‬؛ أبو قحطان ‪ ،‬سيرة ‪ 32‬؛ الطبري ‪ ،‬تاريخ ‪– 165 / 5 ،‬‬
‫‪ 166‬؛ المبرد ‪ ،‬الكامل ‪. 978 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 21‬أبو قحطان ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 33 ،‬‬

‫( ‪ ) 22‬الطبري ‪ ،‬تاريخ ‪ 314 – 312 / 5 ،‬؛ المبرد الكامل ‪ 991 / 3 ،‬؛ ابن أبي الحديد ‪ ،‬شرح نهج البلغة ‪،‬‬
‫تحقيق هارون ‪ 84 / 5 ،‬؛ الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪. 213 – 206‬‬

‫( ‪ ) 23‬الجاحظ ‪ ،‬البيان والتبيين ‪ ،‬تحقيق هارون ( القاهرة ‪ 65 ، ) 1367 / 1948 ،‬؛ المبرد الكامل ‪ 949 / 3 ،‬؛‬
‫الدرجيني ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 207 ،‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 24‬الدرجيني ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ 198 ،‬؛ البرادي ‪ ،‬الجواهر ‪ 105 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬السير ‪. 72 ،‬‬

‫( ‪ ) 25‬الوارجلني ‪ ،‬أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم ‪ ،‬الدليل ‪ ،‬مخطوطة ‪ 150 ،‬ب ‪ ،‬وما يليه ؛ الجيطالي ‪ ،‬قواعد ؛‬
‫انظر القسم ‪ ، 2‬النص رقم ‪ 28 ، 1‬؛ الشماخي ‪ ،‬السير ‪ 76 ،‬؛ القطب ‪ ،‬الذهب الخالص ظن تحقيق أبي إسحق‬
‫( القاهرة ‪ 48 ، ) 1343‬؛ شرح النيل ‪ ،‬تحقيق أبي إسحق ‪ ،‬القاهرة ( ‪. 29 – 428 / 10 ، ) 1343‬‬

‫( ‪ ) 26‬أقوال قتادة ‪ ،‬مخطوطة ‪ 189 ، 6‬؛ الوسياني ‪ ،‬السير ‪ ،‬مخطوطة ‪. 31‬‬

‫( ‪ ) 27‬المبرد ‪ ،‬الكامل ‪. 990 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 28‬المصدر السابق ‪. 1004 ، 1001 ، 989 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 29‬المصدر السابق ‪. 989 ، 985 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 30‬المصدر السابق ‪ 992 / 3 ،‬؛ ابن أبي الحديد ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 85 / 5 ،‬‬

‫( ‪ ) 31‬المبرد ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 984 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 32‬المصدر السابق ‪. 989 – 988 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 33‬المصدر السابق ‪ 97 – 991 / 3 ،‬؛ الطبري ‪ ،‬تاريخ ‪. 471 – 470 / 5 ،‬‬

‫( ‪ ) 34‬الرقيشي ‪ ،‬مصباح ‪ 38 ،‬؛ جميل بن خميس ‪ ،‬قاموس الشريعة ‪ ،‬مخطوطة ‪ ،‬قسم ‪ ، 88‬الصفحة التي تتناول‬
‫الموضوع ؛ القطب ‪ ،‬الرسالة الشافعية ‪. 43‬‬

‫( ‪ ) 35‬البغطوري ‪ ،‬مقران بن محمد ‪ ،‬سير مشايخ نفوسة ‪ ،‬مخطوطة ‪. 3‬‬

‫( ‪ ) 36‬سالم بن ذكوان ‪ ،‬سيرة ‪ 204‬؛ أبو قحطان ‪ ،‬سيرة ‪ [ 25 – 24 ،‬السير والجوابات ‪. ] 109 ،‬‬

‫( ‪ ) 37‬انظر السابق ‪. 407 – 402 ،‬‬

‫( ‪ ) 38‬البرادي ‪ ،‬الجواهر ‪ 165 ،‬؛ ابن ذكوان ‪ ،‬سيرة ‪. 205 ،‬‬

‫( ‪ ) 39‬المبرد ‪ ،‬الكامل ‪ 1040 – 1039 / 3 ،‬؛ ابن عبد ربه ‪ ،‬العقد الفريد ‪. 98 – 397 / 11 ،‬‬
‫( ‪ ) 40‬سالم بن ذكوان ‪ ،‬سيرة ‪. 221 – 220‬‬

‫( ‪ ) 41‬البرادي ‪ ،‬البحث الصادق والستكشاف ‪ 35 / 1 ،‬؛ الوارجلني ‪ ،‬الدليل ‪ ،‬مخطوطة ‪ 13 ،‬ب – ‪ 14‬أ ‪.‬‬
‫وهنالك بحث تفصيلي لمسألة (( المارقة )) في سيرة شبيب بن عطية حيث رفض تطبيق الحديث عن المارقة على‬
‫مجموعة المحكمة ‪ ،‬كما غلب أن يفعل السنة ‪.‬‬

‫( ‪ ) 42‬هنالك نصوص مختلفة لهذا الحديث مذكورة في مجموعات الحديث ‪ .‬ويرد النص الباضي في مسند الربيع‬
‫بن حبيب ‪ [ 15 ، 1 ،‬ط ‪ .‬دار الحكمة ‪ ، 1955‬رقم ‪ ] 36‬؛ انظر أيضا ‪ = :‬السالمي ‪ ،‬حاشية الجامع الصحيح‬
‫( القاهرة ‪ . 60 – 56 / 1 ) 1326 ،‬وترجمة هذا الحديث هنا منقولة عن فنسنك ‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 43‬السالمي ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 59 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 44‬السوفي ‪ ،‬أبو عمرو عثمان بن خليفة ‪ :‬رسالة في بيان كل فرقة ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ل ‪ .‬ت ‪. 61 .‬‬

‫( ‪ ) 45‬سالم بن ذكوان ‪ ،‬سيرة ‪ 204‬؛ أبو قحطان ‪ ،‬سيرة ‪ 37‬؛ الكدمي ‪ ،‬كتاب الستقامة ‪ 35 ،‬؛ عبارة (( خوارج‬
‫الجور )) مستعملة في أماكن كثيرة من كتاب (( بيان الشرع )) لمحمد بن إبراهيم الكندي ‪ ،‬مخطوطة ‪. 111‬‬

‫( ‪ ) 46‬انظر ما يلي ‪. 407 – 402 :‬‬

‫( ‪ ) 47‬النعام ‪ 121‬؛ انظر أيضا الوارجلني ‪ ،‬دليل ‪ 92 ،‬ب ‪.‬‬

‫( ‪ ) 48‬عبارة ‪ Infidel – ingrate‬اقترحها علي الستاذ المشرف ر ‪ .‬ب ‪ .‬سرجنت للعبارة العربية (( كافر كفر‬
‫نعمة )) وهي تستخدم في الكتابات الباضية للمسلمين الذين يرتكبون آثاما خطيرة ‪ .‬وقد استخدمت هذه العبارة‬
‫لتمييزها عن كفار ( مفردها كافر ) وهي التي يمكن استخدامها للمشركين كذلك ‪.‬‬

‫( ‪ ) 49‬المبرد ‪ ،‬الكامل ‪. 891 / 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 50‬سالم بن ذكوان ‪ ،‬سيرة ‪ 225 ، 204 ،‬؛ أبو قحطان ‪ ،‬سيرة ‪. 38 ،‬‬

‫( ‪ ) 51‬هذا الحديث مذكور في معظم مجموعات الحديث ‪ .‬انظر أية ‪ .‬جيه ونسنك ‪Conordance et :‬‬
‫‪ ، indices de la Tradition Musulmane‬ليدن ‪. 67 ، 7 ، 1969 ،‬‬

‫( ‪ ) 52‬انظر ابن ذكوان ‪. 260 ، 227 ،‬‬

‫( ‪ ) 53‬الشهرستاني ‪ ،‬الملل ‪ ، 186 / 1 ،‬البغدادي ‪ ،‬الفرق بين الفرق ‪. 51 – 50 ،‬‬

‫( ‪ ) 54‬المصدر نفسه ‪ :‬انظر شرح نافع لهذه القضايا في رسالته إلى نجدة في المبرد ‪ ،‬الكامل ‪ 37 – 1035 / 3 ،‬؛‬
‫وابن عبد ربه ‪ ،‬العقد الفريد ‪ .‬وللمزيد من التفاصيل عن آراء الزارقة ومجموعات الخوارج الخرى ‪ ،‬انظر ايلي‬
‫أديب سالم ‪ :‬النظرية السياسية والمؤسسات عند الخوارج ‪ ،‬بلتيمور ‪ . 1956 ،‬ومع أن المؤلف قدم في عمله هذا‬
‫دراسة مفيدة للخوارج بوجه عام ‪ ،‬فإن الراء المعروضة عن المذهب الباضي غير مرضية ‪ ،‬كما أن الدبيات‬
‫الباضية لم تستخدم حق الستخدام ‪ .‬أنظر أيضا عن آراء الزارقة والخوارج الخرين ‪ :‬وات ‪ :‬الفلسفة والفقه‬
‫السلميان ‪ ،‬ادنبره ‪ 10 ، 1967 /‬وما يليها‪.‬‬

‫( ‪ ) 55‬أنظر ما يلي ‪. 72 – 70‬‬

‫( ‪ ) 56‬البغدادي ‪ ،‬الفرق ‪ 54 ، 52 ،‬؛ الشهرستاني ‪ ،‬الملل ‪ 163 / 1 ،‬وما يليها ‪.‬‬

‫( ‪ ) 57‬هنالك على سبيل المثال ‪ ،‬حروب الباضية في عمان على شيبان ‪ ،‬زعيم الصفريين ‪ .‬السالمي ‪ ،‬النفحة ‪/ 1 ،‬‬
‫‪ 77‬؛ وحرب أبي الخطاب عبد العلى الباضي إمام أفريقية الشمالية ‪ ،‬ضد الصفريين في ورفجومة في القيروان ‪،‬‬
‫ابن عذاري ‪ ،‬البيان ‪ 82 ،‬؛ ابن = خلدون ‪ ،‬تاريخ ‪ 191 / 4‬؛ النويري ‪ ،‬نهاية الرب ‪ 44 ،‬؛ وقد جرت الحربان‬
‫لسباب دينية ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫استهل سالم بن ذكوان سيرته بعرض مفصل لسير السلم من بداية الوحي حتى وقت قبول علي بن أبي طالب‬
‫الخليفة الرابع ‪ ،‬بالتحكيم ‪ ،‬ثم رفضه المحكمة وراحوا يقيمون حكم ال على الرض بطريقتهم الخاصة ‪ ،‬يضحون‬
‫بأرواحهم في سبيل قضيتهم ‪ .‬لقد قدم ابن ذكوان العرض التالي عن المحكمة وخلفائهم ‪ ،‬ووصف سيرتهم كما يلي ‪:‬‬
‫(( ثم تتابعت على ذلك خوارج المسلمين يحكمون ال وحده ويرضون سبيل من مضى قبلهم من المسلمين ‪ ،‬ل يقتلون‬
‫ذرية قومهم ‪ ،‬ول يستحلون فروج نسائهم ‪ ،‬ول يستعرضونهم ول يخمسون أموالهم ‪ ،‬ول يقطعون الميراث منهم ‪،‬‬
‫ويؤدون المانة إليهم وإلى غيرهم ‪ ،‬ويوفون بعهودهم ‪ ،‬ومن غيرهم ‪ ،‬ويأمن عندهم الكاف والمعتزل من قومهم ‪،‬‬
‫من غير أن يكونوا يشكون في ضللتهم ول تخاذلهم بين الحق والباطل منزلة ‪ ،‬وليس بعد الحق إل الضلل ‪.‬‬
‫ويصلون الرحم ‪ ،‬ويعرفون حق الجار والصاحب واليتيم وابن السبيل وما ملكت أيمانهم ‪ ،‬ويتولى ماضيهم وقاعدهم‬
‫لماضيهم الفضيلة التي أعطاه ال ‪ ،‬ويتحابون بحب ال يتولى بعضهم بعضا ابتغاء مرضاة ال ويواسي غنيهم فقيرهم‬
‫ابتغاء وجه ال والدار الخرة ‪ .‬وإذا مضت طائفة تركوا لمن خلفهم من أوليائهم على عدوهم الحجة الثابتة عند ذوي‬
‫العقول والعلم بأمر ال )) ( ‪. ) 1‬‬

‫بعد ذلك راح ابن ذكوان يشرح موقف الزارقة كما يلي ‪ (( :‬ثم خرج من بعدهم ابن الزرق وأصحابه ‪ ،‬فمكثوا ما‬
‫شاء ال يسيرون بسيرة من كان قبلهم من الخوارج ‪ ،‬ثم إنهم حرمهم شنآن قوم أن أنزلوهم بمنازل عبدة الوثان ‪،‬‬
‫فقطعوا الميراث منهم وحرموا مناكحتهم ‪ ،‬وقد ناكحهم من يتولون ووارثهم ‪ ،‬فإن يكن ذلك هدى وعمل به من‬
‫يتولون فقد خالفوهم فيه ودانوا اليوم بالبراءة ممن عمل به ‪ ،‬وإن يكون ذلك ضللة ضلوا بتوليهم من عمل به ‪،‬‬
‫واستحوا سبي قوم واستنكاح نسائهم وخمس أموالهم وقتل ذراريهم واستعراضهم ‪ ،‬ولك يكن من يتولون يستحلون‬
‫شيئا من ذلك من قومهم ‪ ،‬فإن يكن الذي عمل به من يتولون من قومهم هدى ‪ ،‬فقد خالفوهم عليه وأبوا أن يجيروا‬
‫من استجارهم من قومهم حتى يسمع كلم ال ‪ ،‬وهم يشهدون أنهم بمنزل عبدة الوثان ‪ .‬وقال ال لنبيه (‪ ( : )2‬وإن‬
‫أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلم ال ثم أبلغه مأمنه ) ( ‪. ) 3‬‬

‫وجعلوا للقوم محبة ‪ ،‬وأبوا أن يقبلوا ممن أتاهم إقامة الصلة وإيتاء الزكاة وإقرارهم بحكمهم ‪ ،‬وهم يزعمون أنه‬
‫حكم ال ‪ ...‬ويرثون من كل أعرابي وإن كان يتولهم ويسأل ال أن يرزقهم مثل الذي رزقهم من جهاد أعدائه ‪.‬‬

‫وقد قال ال ‪ ( :‬ومن العراب من يؤمن بال واليوم الخر ويتخذ ما ينفق قربات عند ال وصلوات الرسول أل إنها‬
‫قربة لهم ‪ ،‬سيدخلهم ال في رحمته إن ال غفور رحيم ) ( ‪. ) 4‬‬

‫(( وكفروا قعدتهم واستحلوا دمائهم وأموالهم وحرموا وليتهم والستغفار لهم وقد علموا ذلك منهم ‪ ،‬فإن يكن ذلك‬
‫هدى عمل به من يتولون فقد خالفوهم فيه وكفروا من يتولى اليوم عليه ‪ ،‬وإن يكن من يتولون تولى كافرا فقد‬
‫كفروا ‪ ،‬وكفروا هم بوليتهم إياهم على تولي الكفار ‪ ،‬فزعموا أنما يكفرون فعذبهم بكفرهم إياهم دونهم وقد أمر ال‬
‫أن يتوبوا )) ( ‪. ) 5‬‬

‫وبعد ذلك يتابع ابن ذكوان مناقشة رأي الزارقة بخصوص (( التقية )) كما يلي ‪ :‬فقد مكث مؤمن آل فرعون ( ‪ ) 6‬ما‬
‫شاء ال أن يمكث كاتما إيمانه فلم يرده ال عليه بكتمانه إياه ‪،‬‬

‫وقد قال ال ‪ ( :‬ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من ال في شيء إل أن‬
‫تتقوا منهم تقاة ) ‪ ( .‬آل عمران ‪ ، ) 28 :‬فحرض ال المؤمنين في التقية ‪ ،‬وكيف يتقي المؤمنون الكفار إل بأن‬
‫يظهروا لهم ما يحبون ويكتمون دينهم مع أنهم إذا خرجوا ( الزارقة ) كانوا أكتم ما كانوا قط لدينهم ‪ ،‬وذلك أن‬
‫الرجل يأتيهم فيقول ‪ :‬اعرضوا علي دينكم ‪ ،‬فيقولون ‪ (( :‬ل ‪ ،‬إنا إذا فعلنا كنا من الكافرين ‪ ،‬ولكن أخبرنا أنت به ‪.‬‬
‫فإن أخطأ في شيء مما في أنفسهم قتلوه ‪ .‬وغيرها من المعاصي ليس كلها تحصى ‪ ،‬من استحلل أكل المانات التي‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أمر ال بالوفاء بها ‪ ،‬وأوفى بها المؤمنون ‪ ،‬ويشهدون أن النفاق قد رفع ‪ ،‬وأن أحدا ل يستطيع أن يكون منافقا ‪،‬‬
‫ويشهدون أن ال يغفر للزاني والسارق إذا كان فيهم ‪) 7 ( )) ..‬‬

‫بعد ذلك واصل ابن ذكوان عرض آراء نجدة وأنصاره ‪ ،‬مبينا عقائدهم الزائفة ومنها ‪:‬‬

‫[‪]COLOR=Green‬أ‪ -‬اعتبار من خالفهم من المسلمين كفارا ‪ ،‬إل أنهم سمحوا في الوقت ذاته بالزواج من‬
‫نسائهم وبأكل ذبائحهم ‪ .‬كذلك منعوا أخذ الجزية منهم للحماية ‪ ،‬وقاموا بواجبات خصومهم المسلمين نحو أهل‬
‫الذمة ‪ ،‬مع أنهم اعتبروا خصومهم المسلمين مشركين ‪.‬‬

‫ب‪ -‬رأوا أن عليهم أن يهاجروا من بلد خصومهم المسلمين كما هاجر الرسول من مكة ‪.‬‬

‫بعد ذلك أوضح أن نجدة واجه معارضة من قبل داود وأنصاره ‪ ،‬وعطية وأنصاره ‪ ،‬وأبي فديك وأنصاره ‪ .‬إذ كانوا‬
‫يختلفون معه بخصوص مسائل معينة زعموا أنه انحرف فيها ‪ (( :‬ثم فارقه داود وأصحابه وعطية وأصحابه وأبو‬
‫فديك وأصحابه في أمور نقموها عليه وزعموا أنه قد ضل بها ‪ ،‬وليس الذي فارقوه فيه بأكثر من الذي جامعوه عليه‬
‫من سبي أهل القبلة وقتل ذراريهم واستنكاح نسائهم وخمس أموالهم واستعراضهم وقطع الميراث منهم ‪ ،‬فكلهم بحمد‬
‫ال ضال تارك للحق متبع لهواه بغير هدى من ال ‪ .‬وهم في ذلك معترفون فيما بينهم )) ( ‪ . ) 8‬ثم أشار إلى عقائد‬
‫أخرى خاطئة تميز أولئك الخوارج ‪ .‬نافع ‪ ،‬داود ‪ ،‬عطية ‪ ،‬أبا فديك وأنصارهم ( ‪. ) 9‬‬

‫وهناك شروح مماثلة لعقائد الخوارج وردت في مصادر إباضية أخرى مرفقة بحجة قوية ضدهم ‪ ،‬مبينة على القرآن‬
‫والسنة ‪ ،‬ومثال المسلمين الوائل والمحكمة القدماء ( ‪ . ) 10‬وإلى جانب رفض آراء الخوارج المتطرفين ‪ ،‬فقد جعل‬
‫الئمة الباضية الوائل سياستهم شديدة الوضوح حول هذه القضايا ‪ .‬وحين استشار عبد ال يحيى الكندي قادة‬
‫الباضية في البصرة بشأن النتفاضة ‪ ،‬كتب أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة المام الثاني للجماعة الباضية في‬
‫البصرة ‪ ،‬وزملءه ‪ ،‬ويقولون له ‪ (( :‬إذا خرجتم فل تغلوا ول تغدروا واقتدوا بسلفكم الصالحين ‪ ،‬وسيروا سيرتهم ‪،‬‬
‫فقد علمتم أن الذي أخرجهم على السلطان العيب لعمالهم )) ( ‪. ) 11‬‬

‫وقد عبر عبد ال بن إباض بشكل موجز عن موقف الباضية تجاه علقاتهم ببقية المة السلمية بقوله الشهير ‪:‬‬
‫(( ل نقول فيمن خالفنا إنه مشرك لن معهم التوحيد والقرار بالكتاب والرسول ‪ ،‬وإنما هم كفار بالنعم ومواريثهم‬
‫ومناكيحهم والقامة معهم حل ‪ ،‬ودعوة السلم تجمعهم )) ( ‪ . ) 12‬ثم إن هذا القول أكدته وكررته المراجع الباضية‬
‫‪ ،‬التالية المعاصرة ‪ ،‬واللحقة ‪ ،‬أمثال سالم بن ذكوان ‪ ،‬وعبد ال بن يحيى الكندي ‪ ،‬وأبي حمزة المختار بن عوف ‪.‬‬

‫وكتب عبد ال بن يحيى الكندي ‪ ،‬أول إمام إباضي في حضرموت واليمن في رسالته التفويضية إلى حاكمة عبد‬
‫الرحمن بن محمد ‪ :‬قول عبد ال بن يحيى طالب الحق لعبد الرحمن بن محمد ‪ (( :‬إننا ل نقطع الطريق على الناس‬
‫ونقتلهم لمجرد رؤيتهم من غير أن ندعوهم أول إلى إدراك الحقيقة ‪ ،‬إننا ندعوهم إلى الحقيقة ‪ .‬إن ذلك الذي يقبل بها‬
‫يتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها المسلمون ( الباضية ) وهو خاضع لجميع التزاماتهم ‪ .‬أما ذاك الذي ينكر‬
‫الحقيقة ويقاتلنا فنقاتله ونسأل ال أن يؤيدنا ضده )) ( ‪. ) 13‬‬

‫مثل هذا الموقف ‪ ،‬أي دعوة الناس وإعطائهم الفرصة لفهم آراء الباضية ‪ ،‬وانتظارهم لتقرير موقفهم أول ‪ ،‬طالما‬
‫كرره الباضية ‪ .‬وطالما أوضحوا باستمرار أنهم سيقاتلون خصومهم فقط ‪ ،‬عندما يهاجمهم هؤلء أول ‪ .‬والمثلة‬
‫العملية على هذا الموقف الباضي تظهر باستمرار خلل تاريخهم ف يحين أن سياسة قتل الخصوم بدون النذار‬
‫المسبق – وهي المعروفة بالستعراض ‪ -‬كانت العلمة المميزة للزارقة في كل الزمنة ‪ .‬تلك كانت إحدى القضايا‬
‫الرئيسة التي جعلت الباضية يقاومون الزارقة وسواهم من الخوارج المتطرفين ‪ ،‬بالضافة إلى مقاومة المواقف‬
‫الخرى المتطرفة الناشئة عن النظر إلى خصومهم المسلمين كمشركين ‪ .‬والموقف الباضي من هذه القضايا عبر عنه‬
‫بصور مختلفة عبد ال بن يحيى ‪ ،‬وأبو حمزة وسالم بن ذكوان ‪ .‬وكتب عبد ال بن يحيى يقول ‪ .... (( :‬هذه سيرتنا ‪،‬‬
‫نحن ل نروع المسالمين أو نكمن لهم ‪ ،‬نحن ل نعاقب البرياء عن المجرمين ‪ ،‬ول الطيبين عن الشرار ‪ ،‬ول المرأة‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫عن الرجل ‪ ،‬ول الصغير عن الكبير ‪ ،‬نحن ل نقتل الناس لمجرد الرؤية بدون دعوتهم إلى الحقيقة أول وإيضاحها لهم‬
‫)) ( ‪. ) 14‬‬

‫وفي الرسالة نفسها كتب ‪ :‬قول عبد ال بن يحيى ‪ ،‬طالب الحق ‪ ... (( :‬إن من يقاتلنا نقاتله ‪ ،‬ونبحث في ممتلكاته‬
‫لنرد إلى أصحابها تلك الحقوق التي استولى عليها ‪ ،‬ونعيد إليه ما هو حق له من غير أن يكون قد أذى بسببها أي‬
‫إنسان آخر ‪ ،‬ونسلمها إلى أبنائه وورثتهم ‪ ،‬ل غنيمة ول أسى يمكن أن تؤخذ من أهل القبلة ( المسلمين ) لنهم‬
‫ليسوا بالمشركين الذين تنهب أموالهم وتؤسر نساؤهم وأبناؤهم ‪ .‬على أن أهل القبلة فئتان إحداهما تمتثل لما هو حق‬
‫‪ ،‬وتتمسك به والثانية تفعل الجور وتصر عليه )) ( ‪. ) 15‬‬

‫وقال أبو حمزة المختار بن عوف ‪ ،‬أحد الباضية البارزين في البصرة ‪ ،‬والزعيم الهم في حروب عبد ال بن يحيى‬
‫الكندي ‪ (( :‬أيها الناس ‪ ،‬إنا نخيركم في ثلث خلل ‪ ،‬أيما شئتم فخذوا لنفسكم ‪ .‬رحم ال امرأ أخذ الخيار لنفسه ‪ .‬إما‬
‫قائل بقولنا ودائن بالذي قلناه ‪ ،‬حملته نيته على أن يجاهد معنا بنفسه ‪ ،‬فيكون للمجاهد منا ومن قسم هذا الفيء ما له‬
‫‪ ،‬وعارف بهذا المر مقيم ف يداره يدعو إليه بقلبه ولسانه ‪ ،‬فعسى أن يكون أحسن منزلة منا ‪ ،‬وثالث كره قولنا‬
‫فليخرج آمنا على أهله وماله ‪ ،‬ويكف عناده ولسانه ‪ ،‬فإن ظفرنا ولم يعرض نفسه لم نفسك دمه ‪ ،‬وإن نحن قتلنا كان‬
‫قد كفي مؤنتنا ‪ ،‬وعسى أن ل يعمر في كفره إل قليل )) ( ‪. ) 16‬‬

‫والعرض القدم والكثر تفصيل لسياسات الباضية نحو هذه القضايا ‪ ،‬وهي سياسات خرقها متطرفة الخوارج ‪ ،‬ويرد‬
‫في سيرة سالم بن ذكوان ‪ ،‬ومنها المقتطفات التالية ‪ (( :‬نرى حق الوالدين وحق ذي القربى وحق اليتامى وحق‬
‫المساكين وحق أبناء السبيل وحق الصاحب وحق الجار وحق ما ملكت أيماننا علينا حقا ‪ ،‬أبرارا كانوا أم فجارا ‪.‬‬
‫ونؤدي المانة إلى من استأمننا عليها من الناس كلهم من قومنا أو غيرهم ن ونوفي بعهود قومنا من أهل الذمة ‪،‬‬
‫ونرد على أهل الذمة إن استطعنا الذي يأخذونهم به من الظلم من قومنا أو من غيرهم ‪ ،‬ونجير من استجارنا من‬
‫قومنا ومن أن نكون نشك في ضللتهم ولتخاذهم بين الحق والباطل منزلة ‪ ( :‬فماذا بعد الحق إل الضلل ) ( ‪. ) 17‬‬
‫فإذا أخلى إليهم المر دعوناهم إلى كتاب ال معرفة الحق وموالة أهله ومفارقة الباطل ومعاداة أهله ‪ ،‬فمن عرف‬
‫منهم الحق وأقر به وتولنا عليه توليناه وحرمنا دمه ‪ ،‬وإن ينفر معنا ‪ ،‬ومن أنكر حق ال منهم واستحب العمى على‬
‫الهدى ومفارقة المسلمين على مجامعتهم فارقناه وقاتلناه حتى يفيء إلى أمر ال أو يهلك على ضللته ‪ ،‬من غير أن‬
‫يكون نراهم نزلوا منازل عبدة الوثان ‪ ،‬فنستحل سباهم وقتل ذراريهم وخمس أموالهم وقطع الميراث منهم ‪ .‬ول نرى‬
‫الفتك بقومنا وقتلهم في السر وإن كانوا ضلل ما دمنا بين ظهرانيهم نظهر لهم الرضى بالذي هم عليه ‪ ،‬وذلك أن ال‬
‫لم يأمر به في كتابه ‪ ،‬ول نعلم أحدا ممن مضى من أولياء ال في المم الماضية استحل شيئا من ذلك ‪ ،‬وهو بمثل‬
‫منزلتنا فقتدى بسنتهم في ذلك ‪ ،‬ولم يفعله أحد من المسلمين ممن كانوا بمكة بأحد من المشركين فنفعله نحن بأهل‬
‫القبلة ‪.‬‬

‫وقد أمر ال نبيه أن ينبذ إلى من خاف منه خيانة فقال ‪ ( :‬وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن ال ل‬
‫يحب الخائنين ) ( ‪. ) 18‬‬

‫ويكره أن يتكلف أحد من المسلمين مع ملوك قومه ما كانوا على ضللتهم ‪ ،‬وذلك أن الرجل المسلم إذا هو غزا معهم‬
‫‪ ...‬فإنما يصير المقاتل معهم على أحد منزلتين ‪ :‬إما على وليتهم ورضى بأمرهم ‪ ،‬وإما نصرهم وتسديد سلطانهم ‪.‬‬

‫ونرى مناكحة قومنا وموارثتهم ل تحرم علينا ما داموا يستقبلون قبلتنا ‪ ،‬لن المسلمين قد كانوا يناكحون المنافقين‬
‫ويوارثوهم وهم يعلمون ويظهر منهم من المعاصي أكثر ما يظهر اليوم من كثير من قومنا ‪.‬‬

‫ول نرى أن نقذف أحدا ممن يستقبل قبلتنا ‪ ،‬ثم ل علم لنا به ‪ ،‬فإن كثيرا من الخوارج يستحلون في دينهم قذف من‬
‫يعلمون أنه بريء من الزنا من قومهم بفراقهم ‪ ،‬زعموا إياه ولعلهم ل يكونوا كلموه قط ‪ ،‬ول أخبرهم أحد ممن‬
‫يتولون أنه كلمه ول يدرون على ما هو ‪ .‬قال ال تعالى ‪ ( :‬إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين‬
‫) ( النحل ‪ . ) 125 :‬وقال له ‪ ( :‬قل هذه سبيلي أدعو إلى ال على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان ال وما أنا من‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المشركين ) ( يوسف ‪ . ) 108 :‬وقال ‪ ( :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‬
‫وأولئك هم المفلحون ) ( آل عمران ‪ ، ) 104 :‬ثم قال ‪ ( :‬ومن أحسن قول ممن دعا إلى ال وعمل صالحا وقال إنني‬
‫من المسلمين ) ( فصلت ‪. ) 33 :‬‬

‫ول نرى قتل صغير من أهل قبلتنا ل ذنب له ولم يعمل مما اختلف فيه ممن يستقبل القبلة بينهم بذنب آخر كبير قد‬
‫غفل عما أمر ال وعلم المر الذي اختلف الناس فيه ثم جهل بعد العلم وعمي بعد البينة ‪ ،‬وإنما ذرية من يستقبل‬
‫القبلة اليوم في ذلك بمنزلتهم ‪ ،‬ولو كان عليهم إمام هدى يحكم عليهم بطاعة ال ففارقه بعض آبائهم ‪.‬‬

‫ول نرى أن يستحل فرج امرأة رجل تزوجها بكتاب ال وسنة نبيه حتى يطلقها زوجها أو يتوفى عنها ثم تعتد عدة‬
‫المطلقة أو المتوفى عنها زوجها ‪.‬‬

‫ونبرأ ممن ظهر لنا منه عمل هو ل معصية منه أو وعد ال عليه العذاب وأمر بفراق من عمل بذلك العمل والبراءة‬
‫منه أو يتولى عليه حتى ينزع ويحدث منه توبة ( ‪. ) 18‬‬

‫(( ول نرى أن يتولى أحدا من الناس أحد إل أظهر لنا منه معرفة حق ال وعمل بطاعة ال وموالة لوليائه ومفارقة‬
‫لعدائه )) ‪.‬‬

‫ول نرى انتحال الهجرة من دار قومنا كهجرة النبي ( صلى ال عليه وسلم ) وأصحابه من دار قومهم ‪ .‬ولكن يخرج‬
‫منا مجاهدا في سبيل ال على طاعته ‪ ،‬فإن هو رجع إلى دار قومه توليناه إذا كان عرافا لحق ال مقرا به في نفسه‬
‫وماله ‪.‬‬

‫ونرى أن نتولى المرأة والمملوك على الخروج إذا ما نحن علمنا منهما قبل الخروج الرضا بالحق والمعرفة له‬
‫والموالة عليه ‪ ،‬ولم يخرجهما إل الرغبة في السلم والثرة على ما سواه ‪ ،‬لن ال يقول ‪ ( :‬والمؤمنون والمؤمنات‬
‫بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون ال ورسوله‬
‫أولئك سيرحمهم ال إن ال عزيز حكيم ) ( التوبة ‪. ) 71 :‬‬

‫ول نرى النفر من المسلمين أن يبايعوا إمامهم إل على الجهاد في سبيل ال والطاعة بالمعروف حتى يهلكوا على ذلك‬
‫أو يظهروا على عدوهم ‪ ،‬فيولوا المر أفضالهم وفقهائهم ‪.‬‬

‫ونتولى ماضينا وقاعدنا ‪ ،‬ويعرف قاعدنا لماضينا الفضيلة التي أعطاه ال ( ‪. ) 19‬‬

‫إن هذه المسائل التي ناقشها سالم بن ذكوان ‪ ،‬لم تعرض فقط وجهات نظر الباضية بخصوص القضايا التي تناولها ‪،‬‬
‫بل عرضت أيضا رفضا قويا لجميع وجهات نظر الخوارج بشأن هذه القضايا ‪.‬‬

‫وواضح من هذه المناقشات والمقتطفات من الدبيات الباضية القديمة أنه يكاد ل يوجد أي اتفاق بين الباضية‬
‫والخوارج على أية مسألة ‪ .‬والواقع أن الباضية اختلفوا مع الخوارج في جميع معتقداتهم وعارضوهم نظريا‬
‫وممارسة ‪ ،‬والمسألة الوحيدة التي يشتركون فيها مع الخوارج هي رأيهم في المحكمة ‪.‬‬

‫بعد مناقشة الرأي الباضي في الخوارج وحركتهم ‪ ،‬لعله من الهمية بمكان أن نذكر بإيجاز رأيهم في المويين‬
‫المعاصرين والشيعة ‪ ,‬فقد عبر أبو حمزة المختار بن عوف في خطبته في المدينة بوضوح عن رأي الباضية في‬
‫المويين وفي الشيعة معا ‪ .‬وبعد أن تكلم عن أعمال الخلفاء المويين واحدا فواحدا ‪ ،‬بدءا بمعاوية وانتهاء بيزيد بن‬
‫عبد الملك ‪ ،‬تكلم أبو حمزة عن حكم سللة بني أمية عموما في العبارات التالية ‪:‬‬

‫(( وأما بنو أمية ففرقة الضللة ‪ ،‬بطشهم بطش جبرية ‪ ،‬يأخذون بالظنة ‪ ،‬ويقضون بالهوى ‪ ،‬ويقتلون على الغضب ‪،‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويحكمون بالشفاعة ‪ ،‬ويأخذون الفريضة من غير موضعها ‪ ،‬ويضعونها في غير أهلها ‪ ،‬وقد بين ال أهلها فجعلهم‬
‫ثمانية أصناف فقال إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي‬
‫سبيل ال وابن السبيل ( التوبة ‪ ، ) 60 :‬فأقبل صنف تاسع ليس منها فأخذها كلها ‪ ،‬تلكم الفرقة الحاكمة بغير ما‬
‫أنزل ال )) ‪.‬‬

‫وبخصوص الشيعة قال أبو حمزة ‪ (( :‬وأما هذه الشيع فشيع ظاهرت بكتاب ال ‪ ،‬وأعلنت الفرية على ال ‪ ،‬لم يفارقوا‬
‫الناس ببصر نافذ في الدين ول بعلم نافذ في القرآن ‪ ،‬وينقمون المعصية على أهلها ويعملون إذا ولوا بها ‪ ،‬يصرون‬
‫على الفتنة ول يعرفون المخرج منها ‪ ،‬جفاة عن القرآن ‪ ،‬أتباع كهان ‪ ،‬ويؤملون الدول في بعث الموتى ‪ ،‬ويعتقدون‬
‫الرجعة إلى الدنيا ‪ ،‬قلدوا دينهم رجل ل ينظر لهم ‪ ،‬قاتلهم ال أنى يؤفكون )) ( ‪. ) 20‬‬

‫وفي هذه الخطبة تكلم أبو حمزة أيضا عن فئة عن الباضية ‪ ،‬وقضيتهم ودوافعهم ‪ .‬وجه أبو حمزة كلمه إلى أهل‬
‫المدينة ‪ ،‬قائل ‪ (( :‬ندعوكم إلى كتاب ال ‪ ،‬وسنة نبيه ‪ ،‬والقسم بالسوية ‪ ،‬والعدل في الرعية ‪ ،‬ووضع الخماس‬
‫مواضعها التي أمر ال بها )) ‪ .‬ثم راح يصف فئته وأهدافها ودوافعها ‪ ،‬وأسبابها للثورة )) ( ‪. ) 21‬‬

‫وعلى أي حال ‪ (( ،‬ل يمكن الشك )) كما قال مكدونالد ‪ (( :‬بأن هؤلء الرجال كانوا الممثلين الحقيقيين للسلم‬
‫السالف ‪ .‬لقد ادعوا لنفسهم أنهم يرثون أبا بكر وعمر ؛ ولقد كانوا في ادعائهم على حق ‪ .‬لقد جرى تحويل السلم‬
‫إلى دنيوي ؛ الطمع الدنيوي ‪ ،‬والنزاع الخوي ‪ ،‬والترف ‪ ،‬والخطيئة دمرت رابطة الخاء القديمة ‪ .‬ولذلك انسحبوا‬
‫جانبا ومضوا في سبيلهم ‪ ،‬وهي السبيل التي ل يزال المتحدرون منهم ينهجونها في عمان ‪ ،‬وإفريقية الشرقية ‪ ،‬وفي‬
‫الجزائر )) ( ‪ . ) 22‬ولعله يجب علينا أن نذكر أن الستاذ مكدونالد لم يكن ‪ ،‬حين كتب هذا الكلم ‪ ،‬يملك تمييزا‬
‫واضحا بين الباضية والخوارج ‪ ،‬على أنه واضح أن وصفه ل يمكن أن يكون صحيحا إل إذا طبق على الباضية ‪.‬‬

‫================================‬
‫( ‪ ) 1‬سالم بن ذكوان ‪ ،‬سيرة ‪. 204 ،‬‬

‫( ‪ ) 2‬المصدر السابق ‪. 205 ،‬‬

‫( ‪ ) 3‬سورة التوبة ‪. 6 ،‬‬

‫( ‪ ) 4‬سورة التوبة ‪. 99 ،‬‬

‫( ‪ ) 5‬سالم بن ذكوان ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 206 ،‬‬

‫( ‪ ) 6‬انظر سورة آل عمران ن ‪ 28‬وما يليها ‪.‬‬

‫( ‪ ) 7‬سالم بن ذكوان ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 206 ،‬‬

‫( ‪ ) 8‬المصدر السابق ‪. 210 ،‬‬

‫( ‪ ) 9‬المصدر السابق ‪. 211 ،‬‬

‫( ‪ ) 10‬البسياني ‪ ،‬سيرة ‪ ،‬مخطوطة ‪ 17‬؛ الوارجلني ‪ ،‬الدليل ‪ 13 ،‬ب – ‪ 14‬أ ؛ العدل والنصاف ‪ ،‬مخطوطة ‪11‬‬
‫‪ 310 /‬وما يليها ؛ القلهاتي ‪ ،‬الكشف ‪ 197 ،‬أ – ‪ 204‬أ ‪.‬‬

‫( ‪ ) 11‬الصفهاني ‪ ،‬الغاني ‪ 112 / 13 ،‬؛ جميل بن خميس ‪ ،‬قاموس الشريعة ‪ ،‬قسم ‪ ، 88‬الصفحة التي تتعلق‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بالموضوع ‪.‬‬

‫( ‪ ) 12‬ابن عبد ربه ‪ ،‬العقد الفريد ‪ 261 / 1 ،‬؛ المبرد ‪ ،‬الكامل ‪. 1041 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 13‬جميل بن خميس ‪ ،‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 14‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 120‬المصدر نقسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 15‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 16‬سورة يونس ‪. 32 ،‬‬

‫( ‪ ) 17‬سورة النفال ‪. 58 ،‬‬

‫( ‪ ) 18‬المصدر نفسه ‪. 223‬‬

‫( ‪ ) 19‬المصدر السابق ‪. 224‬‬

‫( ‪ ) 20‬وليمز ‪ ،‬جون ألدن ‪ ،‬السلم ‪ ،‬نيويورك ‪. 218 ، 1961 ،‬‬

‫( ‪ ) 21‬المصدر السابق ‪. 219 – 218 ،‬‬

‫( ‪ ) 22‬المصدر السابق ‪ 216‬؛ وللنصوص المختلفة والنصوص الكاملة لخطب أبي حمزة ‪ ،‬انظر ‪ :‬الجاحظ ‪ ،‬البيان‬
‫‪ 25 – 121 / 2‬؛ الصفهاني ‪ ،‬الغاني ‪ 139 – 130 / 23 ،‬؛ ابن عبد ربه ‪ ،‬العقد الفريد ‪ 47 – 144 / 4 ،‬؛‬
‫ابن أبي الحديد ‪ ،‬شرح تهج البلغة ‪ 114 / 5 ،‬وما يليها ‪ .‬الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 55 – 251‬؛ ابن سلم ‪ ،‬بدء السلم‬
‫‪ ،‬مخطوطة ‪ [ 46 – 45‬بتحقيق شفارتس وابن يعقوب ‪. ] 112 ،‬‬

‫الفصل الثاني جابر بن زيد ‪ ،‬المام الول للمذهب الباضي‬

‫ينتسب أبو الشعثاء جابر بن زيد الزدي الجوفي إلى بني عمرو بن اليحمد ‪ ،‬أحد فروع قبيلة الزد ؛ وهو من قرية ((‬
‫فرق )) بين (( منح )) و (( نزوى )) في عمان ( ‪ ) 1‬حيث يرجح أنه ولد ‪ ،‬ثم انتقل وعائلته للستقرار في درب‬
‫الجوف بالبصرة ‪ ،‬وهو المكان الذي أخذ اسمه من المنطقة التي كانت قبيلة جابر تقطنها في عمان ( ‪ ) 2‬؛ وقد ذكر‬
‫ياقوت موقعا في عمان كان يستوطنه جابر جاءت إلى البصرة بنو الزد معروفا بجوف الحميلة ( ‪ . ) 3‬ومن المحتمل‬
‫أن عائلة جابر جاءت إلى البصرة مع الجيش الذي جهزه عثمان بن أبي العاص لمحاربة الفرس ؛ وقد ضم هذا‬
‫الجيش عددا كبيرا من الزد ‪ .‬وبناء على ما ذكره السالمي ‪ ،‬فإن الجيش ‪ ،‬بعد أن هزم الفرس وقتل قائدهم (( شاه‬
‫رك )) أو ابن الحمراء ‪ ،‬توجه نحو فارس واستقر في (( تواج )) ثم انتقل إلى البصرة في أثناء حكم عبد ال بن‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫عامر ‪ ،‬حاكم البصرة من قبل عثمان بن عفان ( ‪ . ) 4‬ويقال إن الرجل الذي قتل القائد الفارسي هو جابر بن حديد‬
‫اليحمدي ( ‪ ، ) 5‬من عائلة جابر بن زيد نفسها مما يشير إلى أن أفراد عائلة جابر بن زيد كانوا في عداد ذلك الجيش‬
‫‪ ،‬ثم استقروا في البصرة في خلفة عثمان ‪ .‬ويشير السالمي إلى أن جابر ولد في (( فرق )) في عمان ‪ ،‬ثم قدم إلى‬
‫البصرة طلبا للعلم ( ‪ ، ) 6‬غير أنه يمكن رفض هذا الرأي لن جابرا ‪ ،‬لو كان جاء إلى البصرة لمجرد طلب العلم ‪،‬‬
‫لكان عاد إلى عمان بعد ذلك إلى عائلته ‪ ،‬إل أنه عاش في البصرة طوال حياته ‪ .‬ويذكر لمولد جابر تاريخان ‪ 18 :‬هـ‬
‫‪ 639 /‬م ( ‪ . ) 7‬وهنالك مصادر تذكر أن جابرا كان في المدينة في اليوم الذي بويع فيه للخليفة الول أبي بكر (‪) 8‬‬
‫‪ .‬على أنه ل معلومات لدينا عن طفولة جابر ول عن حياته في سنواته الولى ؛ ثم إننا ل نعرف شيئا عن والديه ‪.‬‬
‫لذلك ينبغي علينا أن نصرف جهدنا في هذه الدراسة لمناقشة تعلمه وثقافته ‪.‬‬

‫لم تكن الدراسات السلمية قد نشأت وترسخت ف يزمن جابر ؛ فإلى جانب القراءة والكتابة ‪ ،‬هنالك القرآن الذي‬
‫يجب حفظه غيبا من قبل الطلبة ‪ ،‬وأحاديث الرسول ‪ ،‬والفتاوى ‪ ،‬أو الراء الشرعية التي كان قد أصدرها الخلفاء‬
‫الولون والصحابة البارزون ‪ .‬أما الشيوخ الذين كان يمكن الحصول منهم على هذه المعرفة بالسلم فهم صحابة‬
‫الرسول ‪ .‬ومن حسن حظ جابر أنه عاصر عددا كبيرا من الصحابة الولين ‪ ،‬فالتقى سبعين من الصحابة الذين‬
‫حضروا معركة بدر الكبرى ‪ ،‬وحفظ عنهم جميع الخبار والحاديث التي كانوا يعرفونها ( ‪ . ) 9‬كذلك التقى بعائشة ‪،‬‬
‫زوج الرسول المفضلة ‪ ،‬وسألها عن حياة الرسول الخاصة ( ‪ ، ) 10‬وناقش معها مشاكل المة السلمية السياسية‬
‫التي لعبت فيها دورا رئيسا ( ‪ . ) 11‬وبالضافة إلى عبد ال بن عمر ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وأنس بن مالك ‪،‬‬
‫فإن أبرز شيوخه كان عبد ال بن عباس ( ‪ ، ) 12‬وهو كان الوسع علما بين الصحابة الشبان ‪ ،‬وعرف بحبر المة‬
‫وبالبحر بسبب معارفه الواسعة بالقرآن وتفسيره وبالسنة ‪ ،‬معا ‪ .‬ثم إن جابر كان صديقا مقربا لبن عباس ‪ ،‬وتلميذه‬
‫المفضل ( ‪. ) 13‬‬

‫وحفظ جابر أحاديث الرسول عن الصحابة الذين التقاهم بالبصرة ‪ ،‬والمدينة ‪ ،‬ومكة ‪ .‬واستغل مناسبة الحج للقاء‬
‫الصحابة الذين كانوا يأتون إلى مكة في وقت الحج من شتئ أنحاء البلدان السلمية ‪ .‬ويقال إن جابرا تنقل بين‬
‫البصرة ومكة حاجا ما ل يقل عن أربعين مرة ( ‪ ) 14‬ولقد دفعه توقه إلى معرفة أحاديث الرسول إلى بذل كل الجهود‬
‫لجمع هذه الحاديث ‪ .‬وقد قدم إلى المدينة بصورة خاصة ‪ ،‬وقصد بني عمرو بن حزم النصاري وطلب منهم أن يروه‬
‫الرسالة التي بعث بها الرسول مع والدهم عمرو بن حزم إلى أهل اليمن بخصوص الزكاة ‪ ،‬واستجابوا إلى طلبه ( ‪15‬‬
‫) ‪ .‬لقد حصل جابر على معرفة واسعة بالقرآن والحاديث والفتاوى ‪ .‬وكان شيخه ابن عباس راضيا عنه تمام الرضى‬
‫‪ ،‬ويروي عن ابن عباس أنه قال ‪ (( :‬لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لوسعهم علما في كتاب ال )) (‬
‫‪ . )16‬ثم وصف جابرا بأنه (( من العلماء )) ؛ واعتقد أن جابرا بلغ مرتبة عالية من العلم ‪ ،‬حتى أنه ل حاجة للعودة‬
‫إلى أحد بعده ‪ ،‬ولو إلى ابن عباس نفسه ‪ ،‬لصدار أية أحكام شرعية إذا كان جابر قد عبر عن رأيه في ذلك ‪ .‬وسأل‬
‫الربيع – وهو أحد أبناء البصرة – ابن عباس عن رأيه الشرعي في مسائل معينة ‪ ،‬فرد عليه ابن عباس ‪:‬‬
‫(( تسألونني وفيكم جابر بن زيد ؟ )) ( ‪ . ) 17‬وكان لصحابة آخرين ‪ ،‬كعبد ال بن عمر ‪ ،‬وجابر بن عبد ال‬
‫النصاري مثل رأي ابن عباس في جابر ‪ .‬وقد نقل البخاري عن جابر بن زيد أنه قال ‪ (( :‬مر بي ابن عمر بينما كنت‬
‫في الطواف ‪ ،‬وقال لي ‪ (( :‬يا جابر إنك من فقهاء أهل البصرة وإنك ستستفتى ‪ ،‬فل تفتين إل بقرآن ناطق أو سنة‬
‫ماضية ‪ ،‬فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت )) ( ‪ . ) 18‬ويقال أيضا إن سعيد بن جبير سأل الصحابي جابر بن‬
‫عبد ال النصاري عن رأيه في قضية معينة ‪ ،‬وبعد أن أعطى الصحابي رأيه قال ‪ (( :‬تسألونني وفيكم أبو‬
‫الشعثاء ؟ )) ( ‪ ) 19‬وهكذا فإن جابرا كان أحد علماء البصرة البارزين ؛ وبناء على ما قاله محمد بن محبوب ‪ ،‬فإن‬
‫جابرا كان أوسع علما من الحسن البصري ( ‪ . ) 20‬ثم أصبح جابر مفتيا للبصرة ( ‪ ) 21‬وقضى حياته يصدر‬
‫الفتاوى ‪ ،‬ويدرس أحاديث الرسول ‪ ،‬وينقل علمه الواسع بالسلم إلى طلبته ‪ .‬ولما كان جابر تابعيا بارزا ‪ ،‬فإن‬
‫إسهامه للمة السلمية النامية يمكن إدراكه في إطار الدور الذي لعبته طبقة التابعين الذين ورثوا العلم وتطبيق‬
‫السلم عن الصحابة مباشرة ‪ ،‬ثم نقلوه إلى طلبهم ‪ .‬وبما أنه كان طالبا وثيق الصلة بابن عباس الذي أسهم في‬
‫معظم النشاطات السياسية للمة السلمية منذ شبابه ‪ ،‬فقد تمكن جابر من أن يتعرف إلى المواقف المتناقضة في‬
‫النشاطات السياسية التي بدأت مع النزاع الهلي في خلفة عثمان وانتهت بانتصار معاوية ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبعيشه في البصرة ‪ ،‬إحدى أهم مراكز النشاطات السياسية ‪ ،‬وبمعاصرته لحداث تلك الفترة المفعمة بالحيوية ( ‪28‬‬
‫هـ ‪ 684 /‬م – ‪ 93‬هـ ‪ 701 /‬م ) استطاع جابر أن يكون فهما واضحا للسير المعقد للشؤون الدينية والسياسية في‬
‫المة السلمية النامية ‪ .‬ونتيجة لذلك اختار السبيل المثل لتحقيق أهدافه ‪ ،‬إذ بقي بعيدا عن جميع النشاطات‬
‫السياسية ونهج نهجا يتسم بالحذر الشديد في علقاته برجال الحكم المويين ‪ .‬ومن ناحية أخرى فقد كرس وقته‬
‫لتعليم السلم للناس وصياغة الحكام الشرعية بشأن المشاكل الدينية ‪.‬‬

‫وبالنسبة لطريقة حياته ‪ ،‬فقد عاش جابر حياة تقوى وزهد ‪ ،‬وهو الذي قال ذات مرة ‪ (( :‬طلبت من ربي ثلثة‬
‫أشياء ‪ ،‬وقد منحها لي ‪ :‬زوجة مؤمنة ‪ ،‬وراحلة صالحة ‪ ،‬ورزقا حلل كفافا يوما بيوم )) ( ‪ . ) 22‬وفي حديث له‬
‫إلى أصحابه عن ثروته قال ‪ (( :‬ليس منكم أحد أغنى مني ‪ ،‬ليس عندي درهم وليس علي دين )) ( ‪ . ) 23‬وقال‬
‫الحجاج بن عيينة ‪ (( :‬لقد عتاد جابر بن زيد أن يأتينا في جامعنا ؛ وذات يوم أتانا يحتذي حذاء قديما وقال ‪ (( :‬مضى‬
‫من أجلي ستون سنة ‪ ،‬قال ‪ :‬فأصبت فيها ونعمت فنعلي الن أعز علي من ذلك كله إل خيرا قدمته )) ( ‪ . ) 24‬وعن‬
‫محمد بن سيرين أنه قال ‪ (( :‬رحم ال جابرا كان مسلما عند الدراهم )) وهو يعني بذلك أنه كان ورعا تقيا ( ‪ ) 25‬؛‬
‫فالبساطة والتقوى هما الصفتان الرئيستان في حياة جابر ‪.‬‬

‫ومعرفة جابر الواسعة بتفسير القرآن وبالسنة جعلت منه شخصية بارزة في هذا الميدان من العلم ‪ ،‬وروايته لحاديث‬
‫الرسول مقبولة بوجه عام ؛ وهو يوصف (( بالثقة )) ( ‪ ) 26‬من قبل المحدثين ‪ .‬والستثناء الوحيد لذلك هو‬
‫الصيلي الذي نعته بالمحدث (( الضعيف )) ورد ابن حجر العسقلني رأيه هذا ( ‪ . ) 27‬وبالضافة إلى طلبه‬
‫العاديين الذين درسوا عليه الحديث والفقه ‪ ،‬فقد كان الناس يأتون إليه يطلبون منه آراءه الشرعية بخصوص القضايا‬
‫الدينية ‪ .‬وكان بعض هذه الراء مكتوبا على صورة أسئلة مرسلة إليه من الصدقاء خارج البصرة ؛ وكان يوصف‬
‫بأنه أكثر الناس علما في حقل الفتا ( ‪ . ) 28‬واعتاد الكثير من طلبه أن يسجلوا آراءه الشرعية كتابة ‪ ،‬غير أن‬
‫جابرا لم يكن مؤيدا لتدوين آرائه بهذه الطريقة وحين علم بأن طلبه يفعلون ذلك ‪ ،‬علق على ذلك بقوله ‪ (( :‬إنا ل ‪،‬‬
‫يكتبون عني آراء وقد أرجع عنها غدا )) ( ‪ . )29‬على أن غالبية آرائه ورواياته دونت ‪ ،‬برغم ذلك ‪ ،‬من قبل طلبه‬
‫‪ .‬وقد نقل علمه إلى الجيال التالية عبر قناتين ‪ :‬الولى الساسية مبنية على ما دونه طلبه الباضية أمثال ضمام بن‬
‫السائب ‪ ،‬وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ‪ ،‬وأبي نوح صالح الدهان ‪ ،‬وحيان العرج ‪ ،‬وسواهم ؛ والثانية قائمة‬
‫على ما دونه طلبه غير الباضية ‪ ،‬وبينهم عمرو بن دينار ‪ ،‬وعمرو بن هرم ‪ ،‬وقتادة بن دعامة السدوسي ‪ ،‬وأيوب‬
‫السختياني وآخرون ( ‪. ) 30‬‬

‫ومن العمال الباقية التي دونت فيها فتاوى جابر ورواياته نذكر ‪:‬‬

‫‪ )1‬روايات ضمام ‪ :‬رواها أبو صفرة عبد الملك بن صفرة ‪ ،‬عن الربيع بن حبيب ‪ ،‬عن ضمام عن جابر بن زيد ( ‪31‬‬
‫)‪.‬‬

‫‪ )2‬مسند الربيع بن حبيب ‪ :‬وقد ضم بالدرجة الولى أحاديث رواها الربيع بن حبيب الفراهيدي عن أبي عبيدة ‪ ،‬و‬
‫ضمام عن جابر بن زيد ( ‪. ) 32‬‬

‫‪ (( )3‬جوابات )) جابر ‪ :‬وفيها بعض فتاويه مرسلة إلى بعض أصدقائه وأتباعه ‪.‬‬

‫وهذه كلها من مدونات الباضية ‪ ،‬على أن هنالك العمال التالية أيضا ‪:‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -1‬كتاب النكاح ‪ :‬وهو يضم أحكاما بخصوص الزواج ‪ ،‬نقل عن جابر ‪.‬‬

‫ول زلنا نجهل من هو الذي روى هذا الكتاب ‪ ،‬لكن وجوده في مخطوطة كتاب (( نكاح الشغار )) لعبد ال بن عبد‬
‫العزيز يشير إلى احتمال روايته من قبل مؤلف (( كتاب نكاح الشغار )) نفسه ( ‪. ) 33‬‬

‫‪ -2‬كتاب الصلة ( ‪ : ) 34‬رواه حبيب بن أبي حبيب الحرمي عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد ( ‪. ) 35‬‬

‫‪ -3‬روايتان عن عمرو بن دينار وعمرو بن هرم ‪ ،‬موجودتان في القسمين الخامس والسادس من (( كتاب أقوال‬
‫قتادة )) ( ‪ ) 36‬وفيهما أحاديث وفتاوى تتناول بالدرجة الولى مواضيع الزواج ‪ ،‬والزكاة ‪ ،‬والصلة إلى جانب‬
‫فتاويه وأحاديثه المنقولة عنه بواسطة قتادة ‪) 37 ( .‬‬

‫ويقال إن كتب جابر كانت في حوزة أبي عبيد مسلم بن أبي كريمة ‪ ،‬ثم انتلقت إلى الربيع بن حبيب ‪ ،‬فإلى أبي سفيان‬
‫محبوب بن الرحيل ‪ ،‬ثم ابنه محمد بم محبوب ‪ ،‬وعنه نسخت في مكة ( ‪. ) 38‬‬

‫ويقول بعض المؤرخين الباضيين إن جابرا نفسه جمع كتابا كبيرا من الحاديث والفتاوى يعرف بديوان جابر بن‬
‫زيد ‪ ،‬وإن نسخة من الديوان كانت موجودة في مكتبة الخليفة العباسي هارون الرشيد ( ‪ 170‬هـ ‪. ) 809 – 786 /‬‬
‫ويقال أيضا إن العالم الباضي في جبل نفوسة ‪ ،‬نفاث ( فرج ) بن نصر تمكن من نسخ الديوان وجاء به إلى جبل‬
‫نفوسة ‪ ،‬لكن نفاثا ‪ ،‬وهو المعارض لحاكم الجبل وللمامة الرستمية ‪ ،‬أتلف نسخة الديوان كي ل يتمكن خصومه‬
‫( أهل الدعوة ) من الحصول عليها ( ‪ . ) 39‬وعلى أي حال فإن الفقه الباضي قام بالدرجة الولى على أساس‬
‫الحاديث والفتاوى التي رواها جابر إلى طلبه الباضيين ‪ .‬وقال أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة ‪ (( :‬كل صاحب‬
‫حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال ‪ .‬ولول أن ال تعالى من علينا بجابر بن زيد لضللنا )) (‪. )40‬‬

‫ولقد حاول العلماء غير الباضيين أن يثبتوا أن جابرا لم تكن له علقة بالباضية ؛ وهنالك قصص مختلفة تروى‬
‫للدللة على أن جابرا نفسه أنكر مثل هذه العلقة ( ‪ . ) 41‬وقد نقل قتادة وداود أبي هند عنه عزرة أنه قال ‪ (( :‬قلت‬
‫لجابر إن الباضية يزعمون أنك منهم )) فقال ‪ (( :‬أبرأ إلى ال منهم )) ( ‪ . ) 42‬كذلك يقال إن هند بنت المهلب قالت‬
‫‪ (( :‬كان جابر بن زيد أشد الناس انقطاعا إلي وإلى أمي ‪ ،‬فما أعلم شيئا كان يقربني إلى ال إل أمرني به ‪ ،‬ول شيئا‬
‫يباعدني عن ال عز وجل إل نهاني عنه ‪ ،‬وما دعاني إلى الباضية قط ول أمرني بها ‪. ) 43 ( )) ...‬‬

‫====================================‬

‫( ‪ ) 1‬ماكدونالد ‪ ،‬دنكان ب ‪ ،‬تطور الفقه السلمي والشرع والنظرية الدستورية ‪ ،‬بيروت ‪. 24 ، 1956 ،‬‬

‫( ‪ ) 2‬ابن مداد ‪ ،‬صفة نسب العلماء ‪ ،‬مخطوطة ‪ 4‬؛ ووفقا لبن حبان ‪ ،‬ولد جابر في مكان يدعى الحرقة بجوار‬
‫عمان ‪ ،‬ولعله تصحيف لـ (( فرق )) ‪ .‬انظر ابن حبان كتاب مشاهير علماء المصار ‪ ،‬تحقيق م ‪ .‬فليشهامر‬
‫( القاهرة ‪. 89 ، ) 1959‬‬

‫( ‪ ) 3‬البخاري ‪ ،‬تاريخ ‪ 203 / 1 / 2 ،‬هامش ‪. 1‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 4‬ياقوت ‪ ،‬معجم البلدان ‪ ( ،‬القاهرة ‪ 175 / 3 ، ) 1906‬؛ ووفقا للصمعي ‪ ،‬فالجوف هو في اليمن ؛ انظر ابن‬
‫قتيبة كتاب المعارف ‪ ،‬تحقيق محمد الصاوي ( القاهرة ‪. 200 ، ) 1934‬‬

‫( ‪ ) 5‬السالمي ‪ ،‬التحفة ‪ ( ،‬ط ‪ 2 .‬القاهرة ‪. 57 – 55 ) 1347‬‬

‫( ‪ ) 6‬المصدر السابق ‪. 56 ،‬‬

‫( ‪ ) 7‬السالمي ‪ ،‬حاشية الجامع الصحيح ‪. 8 ، 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 8‬البرادي ‪ ،‬الجواهر ‪ 155 ،‬؛ القطب ‪ :‬شرح العقيدة ‪. 132 ،‬‬

‫( ‪ ) 9‬الوارجلني ‪ ،‬العدل ‪ ،‬مخطوطة ‪ 197 ، 1‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 77 ،‬‬

‫( ‪ ) 10‬مجهول ‪ ،‬كتاب نوازل نفوسة ‪ ،‬مخطوطة ‪ 208‬ب ؛ المصعبي ‪ ،‬حاشية على المصرح ‪ ،‬مخطوطة ‪ 147‬أ ‪.‬‬
‫( ‪ ) 11‬المصدر نفسه ‪ 147 ،‬ب ؛ ابن مداد مصدر مذكور سابقا ‪. 4 ،‬‬

‫( ‪ ) 12‬عبد ال بن عبد العزيز كتاب نكاح الشغار مخطوطة ‪ .‬هذه المعلومة موجودة كذلك في مخطوطة أخرى محلقة‬
‫بهذا الكتاب الذي يحتوي روايات إباضية ‪ ،‬بعنوان باب فضائل جابر بن زيد ‪ 22 ،‬؛ انظر القطب ‪ ،‬شرح النيل ‪، 9 ،‬‬
‫‪ ، 233‬وهامش ‪ 34 – 232‬؛ ابن سلم = بدء السلم ‪ ،‬مخطوطة ‪ [ 42‬بتحقيق شفارتس وابن يعقوب ‪. ] 108 ،‬‬

‫( ‪ ) 13‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 67‬‬

‫( ‪ ) 14‬أبو نعيم ‪ ،‬حلية الولياء ‪ 90 / 3 ،‬؛ الذهبي ‪ ،‬تذكرة الحافظ ‪ 62 / 1 ،‬؛ ابن حجر ‪ ،‬تهذيب ‪39 – 38 / 2 ،‬‬
‫؛ ابن مداد ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ص ‪. 4‬‬

‫( ‪ ) 15‬أبو نعيم ‪ ،‬حلية ‪ 6 – 85 / 3‬؛ الذهبي ‪ ،‬تذكرة ‪. 62 / 1‬‬

‫( ‪ ) 16‬البغطوري ‪ ،‬سير مشايخ نفوسة ‪ ،‬مخطوطة ‪. 3‬‬

‫( ‪ ) 17‬الوارجلني ‪ ،‬الدليل ‪ ،‬مخطوطة ‪ 38‬أ ؛ العدل مخطوطة ‪ . 72 ، 1‬نقل عن ابن عبد البر ‪.‬‬

‫( ‪ ) 18‬ابن سعد ‪ ،‬طبقات ن ‪ 180 – 179 / 7‬؛ البخاري ‪ ،‬تاريخ ‪ 204 / 1 / 2 ،‬؛ الذهبي ‪ ،‬مصدر مذكور‬
‫سابقا ‪ 62 / 1 ،‬؛ أبو نعيم مصدر مذكور سابقا ‪ 85 / 3 ،‬؛ ابن حجر ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 38 / 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 19‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 20‬البخاري ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ 204 / 1 / 2 ،‬؛ أبو نعيم ‪ ،‬حلية ‪ 86 / 3 ،‬؛ ابن حزم ‪ ،‬ملخص إبطال‬
‫القياس والرأي والستحسان والتقليد والتعليل ‪ ،‬تحقيق سعيد الفغاني ‪ ،‬دمشق ‪. 69 ، 1960 ،‬‬

‫( ‪ ) 21‬أبو نعيم ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 86 / 3 ،‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 22‬السالمي ‪ ،‬حاشية الجامع الصحيح ‪. 7 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 23‬ابن سعد ‪ ،‬طبقات ‪ 131 / 7 ،‬؛ أبو نعيم ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ 86 / 3 ،‬؛ ابن حجر ‪ ،‬تهذيب ‪– 38 / 2 ،‬‬
‫‪. 39‬‬

‫( ‪ ) 24‬روايات الباضية مخطوطة محلقة بكتاب نكاح الشغار ‪. 21 ،‬‬

‫( ‪ ) 25‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 26‬ابن سعد ‪ ،‬طبقات ‪ 180 / 7 ،‬؛ أبو نعيم ‪ ،‬حلية ‪. 88 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 27‬ابن سعد ‪ ،‬طبقات ‪ 187 / 7 ،‬؛ أبو نعيم ‪ ،‬حلية ‪. 88 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 28‬ابن حجر ‪ ،‬تهذيب ‪. 38 / 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 29‬المصدر السابق ‪. 39 / 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 30‬الذهبي ‪ ،‬تذكرة ‪ 62 / 1 ،‬؛ أبو نعيم ‪ ،‬حلية ‪. 86 /3 ،‬‬

‫( ‪ ) 31‬ابن سعد ‪ ،‬طبقات ‪ 181 / 7 ،‬؛ ابن حزم ‪ ،‬ملخص ‪. 64 ،‬‬

‫( ‪ ) 32‬أبو نعيم ‪ ،‬حلية ‪ 90 / 3 ،‬؛ الذهبي ‪ ،‬تذكرة ‪. 62 / 1‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 33‬انظر للمؤلف ‪ (( :‬وصف المخطوطات الباضية الجديدة من شمالي إفريقية ‪ ،‬مجلة الدراسات السامية ‪/ 15 ،‬‬
‫‪. 67 ، 1‬‬

‫( ‪ ) 34‬انظر ما يلي ( ‪ 150‬وما يليه ) ‪.‬‬

‫( ‪ ) 35‬انظر للمؤلف (( وصف المخطوطات الباضية الجديدة )) مصدر مذكور سابقا ‪. 67 ،‬‬

‫( ‪ ) 36‬انظر ما يلي ص ‪. 151 ،‬‬

‫( ‪ ) 37‬انظر للمؤلف (( وصف المخطوطات الباضية الجديدة )) ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 67 ،‬‬

‫( ‪ ) 38‬لسيرة حبيب بن أبي حبيب ‪ ،‬انظر ابن حجر ‪ ،‬تهذيب ‪. 180 / 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 39‬انظر ما يلي ( ‪. ) 61 – 160‬‬

‫( ‪ ) 40‬الوسياني ‪ ،‬السير ‪ ،‬مخطوطة ‪. 120‬‬

‫( ‪ ) 41‬أبو زكريا ‪ ،‬السير ‪ ،‬مخطوطة ‪ 31‬أ – ‪ 32‬أ [ ط ‪ .‬دار الغرب السلمي ‪ ] 146 – 142 ،‬؛ الدرجيني ‪،‬‬
‫طبقات ‪ ،‬مخطوطة ‪ [ 42 – 82‬ط ‪ .‬طلي ‪ ] 82 – 81 ،‬؛ انظر ما يلي ‪.47 – 146‬‬

‫( ‪ ) 42‬أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة ‪ ،‬مسائل مخطوطة ‪ ، 37‬الجيطالي ‪ ،‬شرح النونية ‪ ،‬مخطوطة ‪. 47 ، 1‬‬

‫( ‪ ) 43‬ابن سعد ‪ ،‬طبقات ‪ 182 – 181 / 7 ،‬؛ أبو نعيم ‪ ،‬حلية ‪. 89 / 3 ،‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومن شأن الفحص الدقيق للمعلومات السابقة أن يؤدي تصنيفها إلى ثلث فئات ‪:‬‬

‫‪ -1‬معلومات يذكر أنها منقولة عن جابر ‪ ،‬ينكر فيها أية علقة بالباضية ‪ .‬وفي هذه الفئة تأتي المعلومات التي ل‬
‫تذكر إل في المصادر غير الباضية ‪ ،‬وقد نقلها ثابت البناني وعزرة ‪ .‬وكلهما يزعم أن جابرا أعلن هذا النفي وهو‬
‫على فراش الموت ‪ .‬ثم إن زيارة ثابت البناني لجابر برفقة الحسن البصري مذكورة في المصادر الباضية أيضا ‪.‬‬
‫ولقد جرت فعل وهي واردة في جميع المصادر وتؤكد أن جابرا ‪ ،‬وهو على وشك الموت ‪ ،‬تمنى بأن يرى الحسن‬
‫البصري الذي كان آنذاك متواريا عن النظار خوفا من الحجاج ‪ .‬ولقد ذكر ثابت البناني للحسن رغبة جابر وجاء‬
‫كلهما سرا إلى منزل جابر ‪ .‬وحين شاهداه ‪ ،‬قال الحسن لجابر ‪ :‬قل ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال )) ‪ .‬فرد‬
‫عليه جابر ‪ :‬يا أبا سعيد ‪ ( ،‬يوم تأتي بعض آيات ربك ل ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها‬
‫خيرا ) ( ‪ . ) 1‬ثم أردف يقول ‪ (( :‬أعوذ بال من غدو ورواح إلى النار )) ‪ .‬عند سماع ذلك قال الحسن معلقا ‪:‬‬
‫(( هذا وال الفقيه العالم )) ( ‪. ) 2‬‬

‫إلى هنا المصادر التي تروي هذه الحكاية ‪ :‬أما الضافة بأن الحسن سأل جابرا رأيه بأهل النهر ‪ ،‬ورأيه بالباضية فلم‬
‫يروها غير ابن سعد وحده نقل عن عزرة وثابت البناني ‪ .‬مثل هذه الضافة ل يمكن اعتبارها صحيحة لعدة أسباب ‪:‬‬

‫أ‪ -‬إن غالبية المصادر ‪ ،‬بما فيها المصادر غير الباضية ذكرت هذه الحكاية بدون أن تذكر أن جابرا تكلم عن موقفه‬
‫من الباضية أو أهل النهر ‪ .‬ثم إن البغطوري أكد ‪ ،‬بعد أن روى محادثة جابر والحسن كما وردت أعله ‪ ،‬أن جابرا لم‬
‫يضف بعد ذلك أي كلم ‪.‬‬

‫ب‪ -‬إذا كان جابر يعتقد هذا العتقاد ‪ ،‬ل سيما بخصوص هذه المسائل المهمة ‪ ،‬فإن ذلك كان ينبغي أن يكون معروفا‬
‫عنه قبل أن يصبح على وشك الموت ‪.‬‬

‫ج‪ -‬ل يبدو أن المناسبة كانت ملئمة فعل لطرح مثل هذه السئلة على جابر ‪.‬‬

‫‪ – II‬وهنالك معلومات منقولة عن العلماء السنة ينفون فيها أن يكون لجابر أية علقات بالباضية ( ‪ . )3‬مثل هذه‬
‫المعلومات ‪ ،‬بالضافة إلى تلك المنسوبة إلى جابر نفسه ‪ ،‬بالنسبة لنكاره أية علقة مختلفة بالباضية ‪ ،‬على ما‬
‫يبدو ‪ ،‬تسمح لعلماء الحديث من أهل السنة بقبول الحاديث التي يرويها جابر ‪ .‬ووفقا للقواعد التي وضعها بعض‬
‫المحدثين السنة ‪ ،‬فإن الحاديث التي تروى عن أهل (( البدع )) ليست مقبولة ‪ .‬فإذا كان الشخص شيعيا ‪ ،‬أو‬
‫خارجيا ‪ ،‬أو إباضيا ‪ ،‬فإن هذا كاف لتجريحه ( ‪ . ) 4‬ولذلك يعتقد أن المعلومات المذكورة آنفا مختلفة من قبل بعض‬
‫المحدثين السنة بقصد تبرئة جابر من تهمة الباضية ‪.‬‬

‫‪ – III‬والطبقة الثالثة من المعلومات تعتمد على خبر لهند بنت المهلب تذكر فيه أن جابرا لم يدعها إلى الباضية أبدا (‬
‫‪ . ) 5‬لعل صحيح ‪ ،‬لن جابرا كان يعلمها السلم ‪ ،‬ثم إن مصطلحي الباضيين والباضية بالذات لم يكونا يستعملن‬
‫بين الباضيين الوائل حتى بعد وفاة جابر ‪ ،‬وبدل منهما كانوا يستعملون مصطلحي (( المسلمين )) و (( جماعة‬
‫المسلمين )) ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومن ناحية أخرى ‪ ،‬فإن ابن حجر العسقلني ذكر اعتمادا على ما نقله عن (( ضعفاء )) الساجي ‪ ،‬أن جابر بن زيد‬
‫كان إباضيا ( ‪ ) 6‬وذكر أبو الحسن الشعري ‪ ،‬حين عدد معتقدات الخوارج ‪ ،‬وقد ضم الباضيين إليهم ‪ (( ،‬ويدعون‬
‫من السلف جابر بن زيد )) ( ‪ . ) 7‬ثم إن هذا الرأي نفسه يرويه ابن أبي الحديد ( ‪ . ) 8‬والسؤال هنا هو ‪ :‬هل كانت‬
‫هنالك حركة إباضية بهذا السم ف يزمن جابر بن زيد ؟ وأي دور لعبه جابر في تلك الحركة ؟‬

‫وللرد على هذين السؤالين يجب أن نذكر أوضاع المة السلمية آنذاك ‪ ،‬تحت ثلثة عناوين ‪:‬‬

‫أ‪ -‬بنو أمية الذين كانوا في السلطة وأنصارهم ‪.‬‬

‫ب‪ -‬الشيعة أو جماعة علي بن أبي طالب ‪.‬‬

‫ج‪ -‬والجماعة الثالثة يمكن أن تقسم إلى فئتين ‪:‬‬

‫‪ -1‬أولئك الذين آثروا العتزال وامتنعوا عن أي نشاط سياسي ‪.‬‬

‫‪ -2‬أولئك الذي رفضوا تأييد المويين والشيعة معا ‪ ،‬لمحاذير دينية ‪ ،‬وأرادوا أن يكونوا هم الحاكمين – أي الذين‬
‫نجوا من معركة النهروان ‪ ،‬والمحكمة الخرون الذين رفضوا محاربة علي ‪ ،‬لكنهم كانوا معارضين أشداء للحكم‬
‫الموي ‪ .‬ومن الشخصيات البارزة التي نجت من معركة النهروان نذكر أبا بلل مرداس بن حدير ‪ .‬وتقول المراجع‬
‫الباضية إن أبا بلل كان صديقا مقربا لجابر بن زيد ( ‪ . ) 9‬ووفقا لبعض العلماء الباضيين فقد ثار أبو بلل على‬
‫بني أمية بموافقة جابر ( ‪ . ) 10‬ويذكر آخرون أن الثورة كانت فكرة أبي بلل وأنه حث جابر بن زيد كي ينضم إليه (‬
‫‪ . ) 11‬وهنا يمكن القول إن المحكمة ‪ ،‬بعد وفاة إمامهم عبد ال بن وهب ‪ ،‬ذو علم واسع بالقرآن والسنة ‪ .‬وفي‬
‫رأيي الشخصي فإنه لم يكن أكثر من زعيم ديني قصده أتباعه لتعلم السلم ‪ ،‬ولطرح أسئلة تتعلق بالشؤون الدينية ‪،‬‬
‫ولم تكن قيادته في المرحلة الولى ذات فعالية ‪ ،‬لن هذه الفئة لم تكن ‪ ،‬من ناحية ‪ ،‬لتتاح لها فرصة التنظيم في حركة‬
‫دينية وسياسية واضحة ‪ .‬ولن المويين لن يكونوا ‪ ،‬من ناحية أخرى ‪ ،‬يسمحون بظهور أي نوع من القيادة ‪ ،‬لن‬
‫إعلن مثل هذه القيادة يمكن أن يعني إعلن خلفة جديدة ‪ ،‬وهو ما كان المويون يقاومونه بقوة ‪ .‬وهنالك سبب آخر‬
‫يتمثل في مفهوم القيادة القرشية ؛ إذ كان واضحا أن المة السلمية بوجه عام لم تكن توافق على أية قيادة على‬
‫مستوى الخلفة إل إذا كانت قرشية ‪ .‬ولعل هذا هو السبب الذي دفع القادة البارزين من هذه الجماعة لن ينضموا إلى‬
‫عبد ال بن الزبير ويؤيدوه في وجه المويين ‪ ،‬آملين منه أن يقبل آراءهم ‪.‬‬

‫وكان عبد ال بن إباض بين هؤلء القادة ( ‪ ) 12‬؛ لكن ثورة نافع بن الزرق زعيم حركة الخوارج المتطرفين الذين‬
‫حملوا اسمه ‪ ،‬الزارقة ‪ ،‬جاءت حدثا جديدا غير مسار فئة المحكمة وطبيعة علقة جابر بها ‪ .‬لقد كان جابر معارضا‬
‫بقوة لراء نافع ونهجه ولنصاره ورفض آراءهم بالنسبة لمعارضيهم المسلمين الذين اعتبروهم مشركين ‪ ،‬وارتأوا‬
‫شرعية قتلهم وتجريدهم من ممتلكاتهم ‪ ،‬بالضافة إلى سبي نسائهم وأولدهم وهذا ما رفضه جابر ‪ .‬وقد حفظت‬
‫المصادر الباضية عرضا للنقاش التالي بين جابر والخوارج ‪ ،‬منقول عن ضمام ؛ جاء فيه ‪ (( :‬كان جابر يأتي‬
‫الخوارج فيقول لهم ‪ :‬أليس قد حرم ال دماء المسلمين بدين ؟ فيقولون ‪ :‬نعم ؛ وحرم ال البراءة منهم بدين ؟‬
‫فيقولون ‪ :‬نعم ؛ فيقول ‪ :‬أوليس قد أحل ال دماء أهل الحرب بدين بعد تحريمها بدين ؟ فيقولون ‪ :‬بلى ؛ فيقول ‪:‬‬
‫وحرم ال وليتهم بدين بعد المر بها بدين ؟ فيقولون ‪ :‬نعم ؛ فيقول ‪ :‬هل أحل ما بعد هذا بدين ؟ ( مشيرا بذلك إلى‬
‫تجريد المسلمين من ممتلكاتهم والفتك بنسائهم وأولدهم ) فيسكتون )) ( ‪ . ) 13‬ويمكن القول إنه عند هذا المنعطف‬
‫بدأ انقسام جدي داخل فئة المحكمة بسبب الخطوة التي اتخذها نافع بن الزرق الذي اعتبر المسلمين المعارضين كفارا‬
‫وعاملهم كمشركين ‪ ،‬وجعل الخروج إلزاميا على زملئه المسلمين ‪ .‬كل هذه الراء كانت مناقضة لمعتقدات أهل‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫النهروان وممارساتهم ‪ ،‬وقدماء المحكمة ‪ ،‬وأتباعهم ‪ ،‬أبي بلل مرداس وصحبه ‪ .‬وهكذا أصبح إلزاما على الزعماء‬
‫البارزين في هذه الفئة أمثال زيد بن جابر أن يرفضوا خطة نافع وغيره ممن اعتقدوا آراءه وأن يوضحوا ذلك للجميع‬
‫‪ ،‬أفرادا ومجوعات ‪ ،‬ليحتفظوا بعطفهم ‪ .‬وكان عبد ال بن إباض بين القادة الذين هموا بالنضمام إلى نافع ‪ ،‬غير أنه‬
‫حين كان ف يجامع البصرة ينتظر الصلة ويستمع للناس وهم يتلون القرآن ‪ ،‬ويسمع الدعوة إلى الصلة ‪ ،‬غير رأيه‬
‫وقرر معارضة الخروج ( ‪ . ) 14‬و (( آمن بشرعية القامة بين المسلمين والختلط بهم على أساس التسامح‬
‫المتبادل )) ( ‪ . ) 15‬فقد آمن بآراء أهل النهروان وأنصارهم كما وصته ‪ ،‬ورفض بقوة آراء نافع وأعلن انفصاله‬
‫عنه ( ‪ . ) 16‬وهنا يمكن القول إن جابرا ‪ ،‬بعد ثورة نافع ‪ ،‬كلف ابن إباض برفض آراء نافع والدعوة علنا لراء‬
‫جماعة المسلمين ( أي الباضية ) ‪ .‬والواقع أنه بسبب الدور الناجح الذي لعبه عبد ال بن إباض في تلك المرحلة ‪،‬‬
‫حملت الحركة بكليتها اسمه وعرفت بين المسلمين باسم الباضية ‪.‬‬

‫وثمة حوادث عديدة تشير إلى أنه كانت لجابر علقة وثيقة وفاعلة بالحركة الباضية في مرحلة باكرة جدا ‪ .‬ويقال إن‬
‫جابرا اعتاد أن يذهب إلى مكة برفقة عضو آخر من (( جماعة المسلمين )) يدعى أبو الفقاس السود بن قيس ‪ ،‬وكانا‬
‫يلتقيان بابن عباس في مكة ‪ .‬وفي إحدى المواسم جاء جابر ابن عباس وحده ‪ ،‬فقال له ابن عباس ‪ :‬أين صاحبك ؟‬
‫قال ‪ :‬أخذه عبيد ال بن زياد ‪ ،‬فقال ابن عباس ‪ :‬وإنه لمتهم ‪ ،‬فقال جابر ‪ :‬نعم ‪ ،‬فقال ابن عباس ‪ :‬أو ما أنت متهم ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬أجل )) (‪ . )17‬ويضيف الشماخي أن هنالك شيخا كبيرا من جماعة المسلمين هو أبو سفيان قنبر أخذ وجلد‬
‫مائة جلدة لحمله على إفشاء المعلومات عن عضو آخر من جماعة المسلمين ‪ ،‬لكنه رفض الفضاء بأسمائهم ؛ قال‬
‫جابر بن زيد ‪ (( :‬وكنت قريبا منه وما كنت أتنظر إل أن يقول هذا هو فعصمه ال )) ( ‪ ، ) 18‬والحديث الخر الذي‬
‫يدل على أنه كانت لجابر صلة قوية بالحركة الباضية هو أنه أمر أحد شبان الباضية بالفتك بخردلة وهو عضو سابق‬
‫بالحركة أفشى أسماء بعض أعضاء الباضية مما أدى إلى قتلهم على أيدي الطغاة ( ‪ . ) 19‬وقد رويت هذه الحادثة‬
‫ف يوقت لحق كبرهان على وجوب قتل من يشهر بالباضية ( الطاعن في الدين ) في الشرع الباضي ‪. )20‬‬

‫على أي حال ‪ ،‬بعد ثورة نافع والخوارج الخرين ‪ ،‬انكشف بوضوح طابع الفئة التي عرفت فيما بعد بالباضية ‪ ،‬أو‬
‫أهل الدعوة ‪ ،‬أو بجماعة المسلمين ‪ ،‬وأصبح جابر رئيس هذه الحركة أو إمامها ‪.‬‬

‫ويمكننا الن أن ننتقل إلى دراسة نهج جابر كإمام للحركة الباضية ‪ ،‬ولنا أن نميز فيه أربعة اتجاهات رئيسة ‪:‬‬

‫أول ‪ :‬تجنب أي صدام علني مع السلطات والحفاظ على علقات ودية مع الحكام ( الولة ) ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬عدم عزل أعضاء الحركة عن المة السلمية ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الستمرار بتدريس الحاديث والفتاوى للناس بصرف النظر عن كونهم أعضاء في الحركة أم ل ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬لما كان جابر مصمما على المحافظة على سلمة الحركة بتنفيذ بعض نشاطاته سرا ‪ ،‬وبإبقاء أفراد المنظمة‬
‫مجهولين لدى الحكام ‪ ،‬فقد اتخذ موقفا متشددا ممن يفشون أسماء العضاء (( للطغاة )) ( ‪ . ) 21‬وينظر الباضية‬
‫إلى جابر باعتباره أول إمام لمذهبهم ‪ ،‬ويعتبرون فترة إمامة جابر مثال على حالة الكتمان ‪. ) 22 ( .‬‬

‫قليلة هي معلوماتنا عن نشاطات جابر في أثناء ولية زياد بن أبي سفيان وابنه عبيد ال بن زياد ‪ .‬ومع أن الحركة‬
‫واجهت الضطهاد في تلك الفترة ‪ ،‬وقد قتل أصدقاء مقربون من جابر ‪ ،‬مثل أبي بلل ‪ ،‬وشقيقه عروة ‪ ،‬وسجن‬
‫آخرون مثل أبي فقاس ‪ ،‬وقنبر فإنه ل توجد معلومات مؤكدة على أن جابرا واجه مثل هذه المعاملة ‪ .‬وقد قدرت‬
‫المصادر الباضية أن جابرا قال ‪ (( :‬لم يبق شيء أنفع لنا في تلك العهد – عهد عبيد ال – إل الرشوة )) ( ‪. ) 23‬‬
‫وهكذا فإن جابرا بلغ حد استخدام الرشوة لتجنب أي اضطهاد ينزله الطغاة به وبأنصاره ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفي أثناء حكم الحجاج ‪ ،‬حافظ جابر على صلت طيبة معه عبر كاتبه يزيد بن مسلم الذي كان صديقا مقربا لجابر (‬
‫‪ . ) 24‬كان بنو المهلب ‪ ،‬وهم أقاربه ‪ ،‬من بين العائلت القوية التي أقام جابر معها علقات طيبة ‪ .‬على أن الهم من‬
‫رابطة القربى هو أن جابرا كان المعلم الديني لعائلته ‪ . .‬إذ اعتاد أن يزورهم ويلقنهم تعاليم السلم و (( يأمرهم‬
‫بالعمل الصالح )) ( ‪ . ) 25‬ومن رسائل جابر الباقية هنالك ثلث أرسها ردا على رسائل من أفراد عائلة المهلب ‪.‬‬
‫اثنتان منها أرسلتا إلى عبد الملك بن المهلب والثالثة إلى خيرة بنت ضمرة القشيرية ‪ ،‬زوجة المهلب ‪ .‬ومن مراسلته‬
‫الخرى نلحظ أنه كانت لجابر عدة اتصالت مع أناس في مناصب رسمية في مواقع مختلفة ‪ .‬ومن هؤلء النعمان بن‬
‫سلمة الذي وجه رسالة إلى جابر يسأله نصيحته بحيث يتمكن من جمع المبلغ المالي اللزم كضريبة الخراج‬
‫وكضريبة الحماية من غير أن يجور على الرعية ‪ ،‬أو أن يتصرف بما يخالف التعاليم السلمية ‪ .‬وفي الرسالة التي‬
‫وجهها جابر إلى النعمان حول هذه القضية معلومات طريفة عن الوسائل المتبعة لجمع الضرائب ‪ ،‬ودللة على أنه من‬
‫اصل ثلثمائة درهم ‪ ،‬ل يصل بيت المال إل ما هو دون المائة ‪ ،‬فيما يأخذ الباقي الدهاقين ( أسياد المزارعين )‬
‫وجامعوا الضرائب ( ‪ . ) 26‬والشخص الخر يدعى يزيد بن يسار ‪ ،‬وقد أرسل رسالة إلى جابر يبلغه فيها أنه عين‬
‫مسؤول عن بعض المراكز في عمان ويطلب منه رأيه حول عدد من القضايا ( ‪ . ) 27‬ومن أهل عمان الخرين الذين‬
‫كانت لهم صلت بجابر هنالك مالك بن أسيد ( أو أسيد ) وهو الذي وجه رسالة إلى جابر يعرض فيها عليه شراء ناقة‬
‫من عمان ؛ ووافق جابر على ذلك ‪ ،‬كما جاء في رسالة منه إلى مالك بن أسيد ( ‪. ) 28‬‬

‫وبالضافة إلى توجيه الفتاوى إلى أصدقائه ف يتلك المكنة النائية ‪ ،‬كان جابر يطلب منهم أن يبعثوا إليه بتقارير حول‬
‫الوضاع في بلدانهم ‪ ،‬وأن يذكروا له كل شيء يحدث فيها ( ‪. ) 29‬‬

‫وكان من شأن هذه التصالت الواسعة بأناس نافذين ‪ ،‬وبعائلت ذات مكانة ‪ ،‬وهذا التقدير العام لمعارف جابر ‪ ،‬أن‬
‫يثير حذر الحجاج بن ويسف منه ‪ .‬فقد حاول أن يستميله إلى جانبه وعرض عليه منصب القضاء ‪ ،‬غير أن جابرا‬
‫رفض هذا العرض ( ‪ . )30‬وتقول المصادر إن جابرا أظهر في حالت كثيرة معارضته للحجاج ؛ ويقال أن جابرا‬
‫رفض تسليم قلم للحجاج قائل له أن النبي قال ‪ (( :‬لعن ال الظالمين وأعوانهم وأعوان أعوانهم ولو بمد قلم )) ( ‪31‬‬
‫)‪.‬‬

‫كذلك رفض أن يوافق الحجاج على مسألة المسح على الخفين في الوضوء وقال ‪ :‬أدركت جماعة من صحابة النبي‬
‫( صلى ال عليه وسلم ) فسألتهم ‪ :‬هل يمسح رسول ال على خفيه ؟ فقالوا ‪ :‬ل ( ‪) 32‬‬

‫وكان جابر نفسه حذرا ‪ ،‬متيقظا في اتصالته بأصدقائه وأنصاره ‪ ،‬هذا ما يمكن أن نلحظه بوضوح من مراسلته ‪،‬‬
‫إذ طلب إتلف خمس من رسائله وأعطى السباب لذلك في ثلث منها – ( أ ) في رسالته إلى الحارث بن عمرو ‪ ،‬أحد‬
‫قدماء (( التباع )) في الكوفة ( ‪ ، ) 33‬كتب جابر ‪ :‬أعلم ‪ ،‬أصلحك ال ‪ ،‬أنك في بلد ل أحب أن تذكر فيها اسمي‬
‫ولذلك ل تنقل أي شيء مما كتبته لك ( ‪. ) 34‬‬

‫ولعل ذلك وقع في عهد زياد لن الحارث توفي في أثناء خلفة يزيد بن معاوية ‪ ( .‬ب ) في رسالته إلى عبد الملك بن‬
‫المهلب ‪ ،‬كتب جابر ‪ :‬اكتب لي ما تحتاجه وأرسله لي سرا مع من تثق به ؛ إنك تعرف وضعنا ‪ ،‬والذي نخشاه هو‬
‫أولئك الذين يبحثون عن أسباب ليذائنا ‪ ،‬ولذلك ل تخاطر بما قد تسبب لنا به زوالنا ‪ .‬أصلح ال أمورك )) ( ‪. ) 35‬‬

‫وفي رسالة أخرى وصف شؤون المراء ( الحكام ) بما يلي ‪ (( :‬أنتم تعلمون شؤون المراء ؛ أننا نخشاهم ؛ وهم‬
‫يبحثون عن أعذار ضدنا )) ( ‪ . ) 36‬إن جميع هذه المقتطفات من المعلومات تبين أن جابرا كان دائما يخاف‬
‫المراء ‪ ،‬الحكام ‪ ،‬وأنه كان حذرا في نشاطاته ‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفي إحدى رسائله إلى عبد الملك بن المهلب ‪ ،‬عبر جابر ن شكره ل لنه حمى عبد الملك ووقاه ‪ ،‬وتوسل إلى الخالق‬
‫كي ينقذه ويحميه (( إلى أن يظهر لكم ولنا في شؤونكم وشؤوننا ما يجعلنا سعداء ‪ ،‬ويسحق أعدائنا )) ( ‪. ) 37‬‬
‫ويحتمل أن جابرا كان بهذه الكلمات الخيرة يشير إلى الحجاج ‪.‬‬

‫ولما اصطدم الحجاج بآل المهلب ‪ ،‬اعتقلهم وسجنهم ‪ .‬ويحتمل أن الحجاج نفى جابرا وأحد مؤيديه ‪ ،‬هبيرة ؛ إلى‬
‫عمان ( ‪ ) 38‬بحيث ل يستطيع أن يقدم أية مساعدة لل المهلب ‪ .‬وفي الفترة اعتقل الحجاج وسجن ثلثة من‬
‫الشخصيات البارزة في الحركة الباضية ‪ ،‬وهم أبو عبيدة وضمام ‪ ،‬وأبو سلمة ( ‪ . ) 39‬ذلك هو أول عمل قمع جدي‬
‫واجه قادة الحركة الباضية ‪ ،‬بمن فيهم جابر نفسه ‪ ،‬في عهد الحجاج ‪ .‬والظاهر أن السبب الرئيس الذي دفع الحجاج‬
‫إلى تغيير سياسته نحو الباضية هو صراعه مع آل المهلب ‪ .‬وهنا يمكن القول أن الحجاج ‪ ،‬بسبب العلقات القوية‬
‫بين جابر وهذه العائلة ‪ ،‬ظن أن جابرا قد يقوم بعمل ما ضده لمساعدة آل المهلب ‪ .‬وسوى ذلك ‪ ،‬ل تمكن الشارة إلى‬
‫أي سبب آخر لتفسير هذا التغيير في سياسة الحجاج نحو جابر والحركة الباضية ‪ .‬إل أن آل المهلب تمكنوا من‬
‫الهرب من السجن واللجوء إلى سليمان بن عبد الملك في دمشق ‪ ،‬ونالوا منه الحماية ( ‪ . ) 40‬وبناء على رواية‬
‫الذين يقولون إن جابرا توفي سنة ‪ 93‬هـ ‪ ، 711 /‬فإنه من المحتمل أنه عاد إلى البصرة بسبب الموقف الودي نحو‬
‫آل المهلب من قبل سليمان والوليد بن عبد الملك ‪.‬‬

‫ذلك هو موجز عن سياسة جابر ونشاطاته العامة ؛ على أن الدور الهم الذي لعبه جابر كان إسهامه في الفقه‬
‫السلمي ‪ ،‬وبتأسيس فقه المذهب الباضي ‪.‬‬

‫من المفروض على كل مسلم أن يحفظ عددا من اليات القرآنية وبعض الحاديث النبوية لكي يقوم بالواجبات الدينية‬
‫كالصلة وغيرها من الواجبات الدينية ‪ .‬وقد أدى تطور المة السلمية وتوسعها السريع ‪ ،‬إلى نشوء مراكز جديدة‬
‫استقرت فيها جماعات من الصحابة ‪ .‬وكانت مدينة البصرة أحد هذه المراكز الرئيسة إذ نشأت في أثناء خلفة عمر‬
‫بن الخطاب كقاعدة عسكرية ‪ ،‬ثم سرعان ما أصبحت إحدى العواصم الفكرية في السلم ‪ .‬وفي هذه المدينة نشأ جابر‬
‫‪ ،‬وهنا التقى بعدد كبير من الصحابة الذين كانوا تواقين لتعليم الناس دين السلم ‪ .‬ونشأن طبقة جديدة في المجتمع‬
‫السلمي مؤلفة من تابعي الصحابة ‪ ،‬وهم الجيل الثاني الذين ورثوا تعاليم السلم كما قدمها لهم (( الصحابة ))‬
‫وأصبحوا دعاة للدين ‪ ،‬وعلموا الناس القرآن ‪ ،‬وأحاديث الرسول ‪ ،‬وقدموا لهم مثال حقيقيا للمسلمين من خلل‬
‫حياتهم العملية ‪ ،‬وكان جابر بن زيد بين قدماء التابعين في البصرة ممن كرسوا حياتهم لهذه المهمة ‪ .‬وقد سبق أن‬
‫ذكرنا أنه أصبح أحد أكثر أهل البصرة علما ؛ ونتيجة لذلك أصبح مفتي البصرة ‪ .‬وقد ذكر إياس بن معاوية أن جابرا‬
‫كان (( مفتي البصرة )) ( ‪ . ) 41‬والمرجح أن ذلك كان لفترة محدودة لن هنالك مصادر أخرى تذكر أن هنالك علماء‬
‫آخرين شاركوه عبء الفتوى في البصرة ‪ ،‬ومنهم الحسن البصري ‪ ،‬وعمرو بن سلمة الجرمي ‪ ،‬وأبو مريم الحنفي ‪،‬‬
‫وكعب بن سور ( ‪ . ) 42‬وكان لعمرو بن دينار تلميذ جابر ‪ ،‬رأي رفيع جدا بجابر حتى أنه ذهب إلى حد القول ‪ (( :‬ما‬
‫رأيت أحدا أعلم بالفتيا من جابر بن زيد )) ( ‪. ) 43‬‬

‫ومن شأن دراسة موجزة للطريقة التي نهجها جابر في إصدار فتاويه أن تساعد على فهم طبيعة الفقه الباضي ‪ .‬فهو‬
‫محدث ؛ وكانت معرفته الواسعة بالحديث وبفتاوى الصحابة هي ميزة طريقته في الستنباط ‪ .‬وعنده أن أي فتوى‬
‫يجب أن تستند إلى القرآن والسنة وآراء الصحابة ؛ ثم يلي برأيه ‪ .‬والمصدر الثاني لفتاويه ‪ ،‬بعد القرآن هو السنة ‪،‬‬
‫وهو القائل ‪ (( :‬ما كان من أمر خوالف فيه السنة نقض )) ( ‪ . ) 44‬بانتهاج هذه الطريقة كان جابر يتقيد بالحكم‬
‫الذي وضعه الصحابة ‪ .‬ولقد حذره معلمه عبد ال بن عمر من أن يصدر فتوى إل بكتاب ناطق أو سنة ماضية ( ‪) 45‬‬
‫‪ .‬ويقال أيضا إن جابرا قال ‪ (( :‬أدركت ناسا من الصحابة ‪ ،‬أكثر فتياهم أحاديث رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) (‬
‫‪ . )) )46‬وبعد السنة يأتي (( الرأي )) ‪ .‬وبالنسبة لهذا المصدر الثالث للشرع ‪ ،‬اعتقد جابر بأن حكمه ينبغي أن يأتي‬
‫بعد حكم الصحابة ‪ ،‬ل قبله ؛ فقال ‪ (( :‬ورأي من قبلنا أفضل من رأينا الذي نرى ‪ ،‬لم يزل الخر يعرف للول فضله ‪،‬‬
‫وكانوا أحق بذلك من المهاجرين مع رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) والتابعين لهم بإحسان ‪ ،‬فقد شهدوا‬
‫وعملوا ‪ ،‬فالحق علينا وطء أقدامهم وأتباع آثارهم )) ( ‪ . ) 47‬ثم يقول بعد ذلك ‪ (( :‬فلعمري ما أنا إل متعلم متبع‬
‫آثار قد وطئت قبلي ‪ ،‬وما عندي من ذلك ثقة ول دللة إل رواية عسى أن نختلف فيها )) ( ‪. ) 48‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفي رسالته إلى عنيفة ‪ ،‬عبر جابر عن هذا المبدأ نفسه كما يلي ‪ (( :‬ليس من ذلك شيء إل ما يروي الناس عن‬
‫الناس ‪ ،‬وأما رأي من عندنا فنحن في ذلك أنقض رأيا )) ( ‪ . ) 49‬وفيما يلي قصة تبين مدى تمسك جابر بهذا المبدأ‬
‫‪ .‬وهي قصة امرأة طلقها زوجها المريض ‪ .‬فكان رأي ابن عباس ‪ ،‬أن عليها أن تنتظر زوال خطر مرض زوجها كي‬
‫تحتفظ بحقها بالمهر وبالرث ؛ أما إذا تزوجت رجل آخر قبل ذلك ‪ ،‬فإنها تفقد حقها بالمهر وبالرث ‪ .‬وبعد رواية هذا‬
‫الرأي لبن عباس ‪ ،‬قال جابر ‪ (( :‬ولول قول ابن عباس في ذلك لسرني – وإن تزوجت – إذا عرف الضرر ‪ ،‬أن‬
‫تستوجب المر كله ما لم يذهب ميراثها )) ( ‪ . ) 50‬على أن جابرا كان يفضل رأي ابن عباس على رأيه تأكيدا على‬
‫المبدأ المذكور أعله ‪ ،‬ولو أنه كان يرى أن رأيه في هذه الحالة هو الفضل ‪ .‬وهكذا يمكن القول أن مصادر الفقه‬
‫الباضي هي القرآن والسنة والرأي ‪ .‬إل أن الرأي ل يلجأ إليه إل إذا لم يتوفر الحديث ‪ .‬وكخلصة لهذه الدراسة‬
‫الموجزة يمكن القول أن المذهب الفقهي الذي أنشأه جابر بن زيد كان متأثرا إلى حد كبير بالحديث ( ‪ . ) 51‬ثم إن‬
‫طريقة جابر هذه اتبعها بعد وفاته طلبه الباضيون الذين بنوا فقههم على الثار بالدرجة الولى ‪ .‬ويقال إن أبا عبيدة‬
‫مسلم ‪ ،‬الذي خلف جابرا ‪ ،‬قبل له إن أهل عمان يفتون بالرأي في أحكامهم الشرعية ‪ ،‬فقال أبو عبيدة ‪ (( :‬لن تسلموا‬
‫من الفروج والدماء )) ( ‪. ) 52‬‬

‫لقد ذكر كتاب سيرة جابر خمسة تواريخ مختلفة لوفاته ‪ .‬إن أولئك الذين يقولون إن جابرا توفي في نفس السبوع‬
‫الذي توفي فيه الصحابي أنس بن مالك ‪ ،‬يذكرون تاريخين أولهما ‪ 91‬هـ ‪ 709 /‬كما يقول ابن حبان ( ‪، ) 53‬‬
‫وثانيهما ‪ 93‬هـ ‪ 711 /‬وهذا التاريخ الخير يذكره الربيع بن حبيب ‪ ،‬والبخاري ‪ ،‬وأحمد بن حنبل ‪ ،‬والفلس ‪،‬‬
‫والنجار ‪ ،‬وأبو نعيم ‪ ،‬وابن حبان ( ‪ . ) 54‬هؤلء جميعا محدثون ‪ ،‬وقد كانوا ملزمين بالدقة في إعطاء التاريخ‬
‫المضبوط لوفاة المحدث ‪ ،‬لن ذلك ذو أهمية كبيرة بالنسبة لهم ‪ ،‬فيما يتعلق بصحة السناد ‪.‬‬

‫ويؤرخ ابن سلم ‪ ،‬وابن سعد ‪ ،‬والواقدي ‪ ،‬والمسعودي ‪ ،‬والصمعي ‪ ،‬وبن مداد وفاته في سنة ‪ 103‬هـ ‪( 721 /‬‬
‫‪ ) 55‬؛ في حين أن الشماخي وحده يذكر تاريخ وفاته سنة ‪ 96‬هـ ‪ ) 56 ( 714 /‬؛ ونقل ابن حجر عن ابن عدي أن‬
‫جابرا توفي سنة ‪ 104‬هـ ‪ . ) 57 ( 722 /‬ولمحاولة تقرير التاريخ المضبوط لوفاة جابر ‪ ،‬ينبغي أن نأخذ الحقائق‬
‫التالية بعين العتبار ‪:‬‬

‫أ ) إن غالبية المصادر تقول إن جابرا أراد ليلة وفاته ‪ ،‬أن يرى الحسن البصري الذي كان آنذاك مختفيا يتجنب‬
‫الحجاج ‪ .‬وبناء على ذلك لبد أن وفاة جابر حصلت قبل وفاة الحجاج ‪ 95‬هـ ‪. 713 /‬‬

‫ب ) إن غالبية المصادر ذكرت أن جابرا توفي قبل وفاة الصحابي أنس بن مالك الذي قال عند السماع بنبأ وفاة جابر‬
‫‪ (( :‬اليوم قضى أعلم أهل الرض )) ( ‪. ) 58‬‬

‫ج ) في أثناء خلفة عمر بن عبد العزيز ( ‪ 99‬هـ ‪ ) 101 /‬كانت للباضية صلت ناشطة به ‪ ،‬وبعث إليه وفد إباضي‬
‫‪ .‬ثم إن المصادر الباضية ل تذكر غير تعليق أبي عبيدة على نتائج ذلك الوفد ‪ .‬ول يروي شيء عن جابر بخصوص‬
‫هذه الحادثة ‪ .‬ومن الصعب أن نعتقد أن جابرا لم يكن ليعلق لو أنه كان حيا ‪ ،‬مما يوحي بأنه توفي قبل سنة ‪/ 101‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ ، 719‬ل سنة ‪ 103‬كما يقول المؤرخون ‪ ،‬أو ‪ 104‬كما يقول ابن عدي ‪ .‬ولئن كان يستحيل التوصل إلى التاريخ‬
‫الدقيق في حالة كهذه ‪ ،‬فإن سنة ‪ 93‬التي يذكرها المحدثون وتؤيدها المراجع الباضية يمكن أن تعتبر في رأيي قريبة‬
‫جدا من الحقيقة ‪.‬‬

‫‪---------------------------------------------------‬‬

‫(‬

‫(‪ ) 1‬ابن سعد ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 181 / 7 ،‬‬

‫( ‪ ) 2‬أبو نعيم ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 89 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 3‬سورة النعام ‪. 158 / 6 ،‬‬

‫( ‪ ) 4‬روايات إباضية ‪ ،‬مخطوطة محلقة بكتاب نكاح الشغار ‪ 20 ،‬؛ البغطوري ‪ ،‬السير ‪ ،‬مخطوطة ‪ ، 4‬الدرجيني ‪،‬‬
‫طبقات ‪. 199 ،‬‬

‫( ‪ )5‬ابن سعد ن طبقات ‪. 181 / 7 ،‬‬

‫( ‪ ) 6‬القاسمي ‪ ،‬قواعد التحديث ‪. 195 – 192 ،‬‬

‫( ‪ )7‬أبو نعيم ‪ ،‬حلية ‪98 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 8‬ابن حجر ‪ ،‬تهذيب التهذيب ‪. 39 / 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 9‬الشعري ‪ ،‬مقالت ‪ ،‬تحقيق ريتر ‪. 109 ،‬‬

‫( ‪ ) 10‬ابن أبي الحديد ‪ ،‬شرح نهج البلغة ‪. 76 / 5 ،‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 11‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪ 67‬؛ انظر ما تقدم ص ‪. 54 ،‬‬

‫( ‪ ) 12‬جميل بن خميس ‪ ،‬قاموس الشريعة ‪ ،‬مخطوطة ‪ ،‬مجلد ‪ ، 88 ،‬الصفحة التي تتعلق بالموضوع ؛ القطب ‪،‬‬
‫الرسالة الشافية ‪ 43 ،‬؛ الرقيشي ‪ ،‬المصباح ‪ ،‬مخطوطة ‪. 38‬‬

‫( ‪ ) 13‬البغطوري ‪ ،‬سير ‪ ،‬مخطوطة ‪. 3‬‬

‫( ‪ ) 14‬الطبري ‪ ،‬تاريخ ‪ 563 / 5‬وما يليه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 15‬أبو صفرة ‪ ،‬عبد الملك بن صفرة ‪ ،‬روايات ضمام ‪ ،‬مخطوطة ‪. 8‬‬

‫( ‪ ) 16‬الوارجلني ‪ ،‬الدليل ‪ 99 ،‬ب ‪.‬‬

‫( ‪ ) 17‬نيكولسون ‪ ، Literary history of the Arabs A ، 211‬انظر ( ما تقدم ص ‪. ) 30‬‬

‫( ‪ ) 18‬انظر ما تقدم ص ‪ 44‬وما يليها ‪.‬‬

‫( ‪ ) 19‬الدرجيني ‪ ،‬الطبقات ‪ [ 224 – 223‬وفيه ‪ ،‬ط ‪ .‬طلي ‪ (( : 235 ،‬أو ما أنت منهم ؟ قال ‪ :‬اللهم ل ] ؛‬
‫الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 96 ،‬‬

‫( ‪ ) 20‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 93‬‬

‫( ‪ ) 21‬الجيطالي ‪ ،‬قواعد ‪. 28 ،‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ( ) 22‬انظر ما يلي ‪ ،‬ص ‪. ) 239 ،‬‬

‫( ‪ )23‬كما فعل بالنسبة لخردلة ‪ ،‬مثل ‪.‬‬

‫( ‪ ) 24‬عمرو بن جميع ‪ ،‬عقيدة التوحيد ‪ 54 ،‬؛ الجناوني ‪ ،‬عقيدة التوحيد ‪ ( ،‬طبعة حجرية ‪. 20 ، ) 1325 ،‬‬

‫( ‪ ) 25‬أقوال قتادة مخطوطة ‪. 189‬‬

‫( ‪ ) 26‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 74 ،‬‬

‫( ‪ ) 27‬أبو نعيم ‪ ،‬حلية ‪. 89 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 28‬جابر بن زيد ‪ ،‬جوابات جابر ‪ ،‬تحقيقي ( المؤلف ) ‪ ،‬مخطوطة ‪. 31‬‬

‫( ‪ ) 29‬المصدر السابق ‪. 22 ،‬‬

‫( ‪ ) 30‬المصدر السابق ‪. 36‬‬

‫( ‪ ) 31‬المصدر السابق ‪. 24‬‬

‫(‪ ) 32‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 74 ،‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 33‬الوارجلني ‪ ،‬الدليل ‪ 108 ،‬أ ‪.‬‬

‫( ‪ ) 34‬ابن خلفون ‪ ،‬أجوبة ‪ 39 ،‬؛ انظر أيضا الربيع بن حبيب ‪ ،‬مسند ‪. 16 – 15 / 4 ،‬‬

‫( ‪ ) 35‬ابن جبان ‪ ،‬مشاهير علماء المصار ‪. 105 ،‬‬

‫( ‪ ) 36‬جابر بن زيد ‪ ،‬جوابات ‪. 15 ،‬‬

‫( ‪ ) 37‬المصدر السابق ‪. 40 ،‬‬

‫( ‪ ) 38‬المصدر السابق ‪. 33 ،‬‬

‫( ‪ ) 39‬المصدر السابق ‪. 37 ،‬‬

‫(‪ ) 40‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 81‬‬

‫( ‪ ) 41‬المصدر السابق ‪ 96‬؛ الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪. 224 ،‬‬

‫( ‪ ) 42‬الطبري ‪ ،‬تاريخ ‪. 452 – 448 / 6 ،‬‬

‫( ‪ ) 43‬ابن سعد ‪ ،‬طبقات ‪ 131 / 7 ،‬؛ ابن سلم ‪ ،‬بدء السلم ‪. 42 ،‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ ) 44‬ابن القيم ‪ ،‬أعلم الموقعين ‪. 9 ،‬‬

‫( ‪ ) 45‬الذهبي ‪ ،‬تذكرة ‪. 62 / 1 ،‬‬

‫(‪ ) 46‬جابر بن زيد ‪ ،‬جوابات ‪. 19 ،‬‬

‫( ‪ ) 47‬المصدر السابق ‪. 14 ،‬‬

‫( ‪ ) 48‬البخاري ‪ ،‬تاريخ ‪. 2 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 49‬الربيع بن حبيب ‪ ،‬مسند ‪. 14 – 13 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 50‬جابر بن زيد ‪ ،‬جوابات ‪. 42 ،‬‬

‫( ‪ ) 51‬المصدر السابق ‪. 38 ،‬‬

‫( ‪ ) 52‬المصدر السابق ‪. 18 ،‬‬

‫( ‪ ) 53‬المصدر السابق ‪. 42 ،‬‬

‫( ‪ ( ) 54‬انظر ما يلي ‪ 142 ،‬وما يليه ) ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 55‬أبو المؤثر الصلت بن خميس ‪ ،‬سيرة ‪ ،‬مخطوطة ‪ [ 20 ،‬السير والجوابات ‪. ] 271 – 270‬‬

‫( ‪ ) 56‬ابن حبان ‪ ،‬مشاهير علماء المصار ‪. 37 ،‬‬

‫( ‪ ) 57‬المصدر السابق ‪ 89 ،‬؛ الربيع بن حبيب ‪ ،‬مسند ‪ 103 / 2 ،‬؛ البخاري ‪ ،‬تاريخ ‪ 204 / 1 / 2 ،‬؛ ابن حجر‬
‫‪ ،‬تهذيب ‪ 39 – 38 / 11 ،‬؛ الذهبي ‪ ،‬تذكرة ‪. 63 / 1‬‬

‫( ‪ ) 58‬ابن سعد ‪ ،‬طبقات ‪ 133 / 7‬؛ ابن سلم بدء السلم ‪ [ 42 ،‬بتحقيق شفارتس وابن يعقوب ‪ ] 108 ،‬؛‬
‫المسعودي ‪ ،‬مروج الذهب ( القاهرة ‪ 141 / 2 ، ) 1283 ،‬؛ الذهبي ‪ ،‬تذكرة ‪ 63 / 1 ،‬؛ ابن قتيبة ‪ ،‬كتاب المعارف‬
‫‪. 200 ،‬‬

‫الفصل الثالث ‪:‬أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمةالمام الثاني للجماعة الباضيةفي البصرة‬

‫هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي ‪ ،‬مولى بني تميم ( ‪ . ) 1‬ذكر الجاحظ أنه كان مولى عروة بن أدية ‪،‬‬
‫شقيق أبي بلل مرداس ( ‪ . ) 2‬عاش في البصرة ودرس على جابر بن زيد ‪ ،‬وصحار العبدي وجعفر بن السماك (‬
‫‪ . )3‬يقول بعض العلماء إن أبا عبيدة التقى بالصحابة الذين التقى بهم شيخه جابر ‪ ،‬وروى الحديث عن ‪ :‬جابر بن‬
‫عبد ال ‪ ،‬وأنس بن مالك ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وأبي سعيد الخدري ‪ ،‬وعائشة ( ‪. ) 4‬‬

‫ويحتمل أنه التقى ببعض هؤلء الصحابة ‪ ،‬أو جميعهم ‪ ،‬لكنه لم يصحبهم طويل كما فعل جابر بن زيد ‪ .‬أما شيوخه‬
‫فهم جعفر بن السماك ‪ ،‬وصحار العبدي ‪ ،‬وجاب بن زيد ‪ ،‬إل أنه أخذ القسم الكبر من علمه على أيدي جعفر بن‬
‫السماك وصحار ( ‪ ) 5‬ثم كرس حياته للتعلم والتعليم ‪ .‬ويقال إنه أنفق أربعين سنة من حياته يتعلم ‪ ،‬ثم أنفق أربعين‬
‫سنة أخرى في التعليم ( ‪ . ) 6‬ول شك أن تطور الحركة الباضية ونمو تنظيمها ‪ ،‬وانتشار حركتها السريعة في اليمن‬
‫‪ ،‬وعمان ‪ ،‬وخرسان ‪ ،‬وشمالي إفريقية ‪ ،‬ويعود إلى أبي عبيدة وقدراته الطبيعية كعالم وكرجل سياسة معا ( ‪. ) 7‬‬
‫وقد لعب الدور الكبر باعتباره القائد الكثر نجاحا للحركة الباضية في أثناء الفترة الخيرة من العهد الموي وبداية‬
‫العهد العباسي ‪ .‬وقد ذكر الشماخي أن أبا عبيدة توفي في خلفة أبي جعفر المنصور ( ‪/ 158 – 735 / 136‬‬
‫‪ . ) 8 ( ) 774‬وسبق أن ذكرنا أنه عاش ثمانين سنة قضاها في التعلم والتعليم ‪ ،‬ولذلك يمكن القول إن أبا عبيدة‬
‫عاش في الفترة التي تبدأ بنهاية النصف الول من القرن الول حتى نهاية النصف الول من القرن الثاني ‪ .‬ثم يشار‬
‫أيضا إلى أنه أصبح زعيم الحركة الباضية بعد أن أطلق سراحه من السجن سنة ‪ ، 713 / 95‬بعد سنتين من وفاة‬
‫جابر بن زيد ( ‪. ) 9‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ولدراك الطابع المميز لبي عبيدة والناحية الخاصة التي ميزت شخصيته ‪ ،‬ل بد لنا من الشارة إلى تأثير شيوخه ‪.‬‬
‫فهناك أول عروة بن أدية ؛ وهو رجل قوي وتقي ذو خبرة واسعة بالنزاع السياسي والديني الذي وقع في أثناء‬
‫الحروب الهلية بين علي ومعاوية ‪ .‬وكان أول من رفض التحكيم وحارب عليا في معركة النهروان ‪ ،‬ثم قتله عبيد ال‬
‫بن زياد في وقت لحق ‪ .‬ووصفه خادم عروة إلى عبيد ال كما يلي ‪ (( :‬ما أتيته بطعام بنهار قط ‪ ،‬ول فرشت له‬
‫فراشا بليل قط )) ( ‪ ، ) 10‬وقد قصد بذلك أنه كان يصوم باستمرار في أثناء النهار ‪ ،‬وينفق الليالي في الصلوات ‪.‬‬
‫ولبد أن أباب عبيدة ‪ ،‬وهو مولى عروة ‪ ،‬قد تأثر به إلى حد بعيد ‪ .‬وكان شيخه الخر صحار العبدي خطيبا مفوها ‪،‬‬
‫ونسابة عظيما ‪ ،‬وهو مؤلف كتاب في المثال ( ‪ ، ) 11‬وكان فقيها كذلك ( ‪ . ) 12‬وكان شيخه جابر بن زيد ضليعا‬
‫في الشرع ‪ ،‬ومحدثا بارزا ‪ .‬ولما كان أبو عبيدة قد درس على هؤلء العظام فإنه امتلك صفاتهم جميعا ؛ كان زاهدا ‪،‬‬
‫وعابدا تقيا ( ‪ ، ) 13‬وخطيبا مفوها ( ‪ ، ) 14‬ومدرسا ممتازا ‪ ،‬وعالما كبيرا ‪ ،‬وسع ميادين الفقه والكلم والحديث ‪.‬‬
‫وأخيرا ‪ ،‬فإنه كان ذا قدرة تنظيمية ممتازة ‪.‬‬

‫وفي ميدان العقيدة الباضية ‪ ،‬نهج أبو عبيدة نهج جابر بن زيد نفسه ‪ ،‬إل أنه إسهامه بالراء الفقهية كان أكبر لكي‬
‫يواجه المشاكل في هذا الميدان ‪ .‬ولعل ذلك عائد إلى تأثير مدرسة صحار العبدي أيضا ‪ .‬وسار أبو عبيدة في فتاويه‬
‫على نفس نهج سلفه ‪ ،‬جابر بن زيد ‪ ،‬وهو الذي كان فخورا به جدا ‪ ،‬وقد قال ‪ (( :‬كل صاحب حديث ليس له إمام في‬
‫الفقه ‪ ،‬فهو في ضلل ‪ .‬ولول أن ال أنعم عليما بجابر بن زيد ‪ ،‬لضللنا ( ‪ . ) 15‬وكان مثل شيخه يحترم الصحابة‬
‫وآراءهم بنفس الدرجة ‪ .‬من أمثال عبد ال بن مسعود وعبد ال بن سلم ‪ ،‬وهم الراسخون في العلم وهو القائل عنهم‬
‫‪ :‬وعلة آثارهم اقتفينا وبقولهم اقتدينا وعلى سيرتهم اعتمدنا وعلى مناهجهم سلكنا )) ( ‪. ) 16‬‬

‫والطريقة التي نهجها أبو عبيدة هي أن يتمسك بقوة بتعاليم الصحابة والتابعين ‪ ،‬ل أن يتبع أي مسار قد يبعده عنهم ‪.‬‬
‫وعنده أن أتباع السنة دليل على تقوى المسلم ‪ .‬وقد نقل عن ابن عباس أنه قال ‪ (( :‬من روى حديثا يدعو إلى‬
‫الصلح ‪ ،‬ثم بذل جهده في إتباعه ‪ ،‬كما رواه فإنه له أجرين ‪ ،‬أجر الحفظ ‪ ،‬وأجر العمل ؛ وإذا لم يكن الحديث كمما‬
‫رواه ‪ ،‬فهو ينال الجر نفسه ‪ ،‬لن ال ل يضيع أجر من عمل صالحا ؛ ولن يضيع ال أجر العمل الصالح والعبادة إل‬
‫إذا كان العمل بدعة ( ‪ ) 17‬وبعد عرض هذا الرأي لبن عباس ‪ ،‬علق أبو عبيدة قائل ‪ (( :‬اعلموا أن المسلم ‪ ،‬إذا‬
‫كان ال قد وهبه نفسا صالحة موجهة إلى عبادة ال ‪ ،‬حين يسمع ما يقربه من ال يبذل وسعه في إتباعه ‪ ،‬فهو‬
‫سيؤجر كما ذكر من قبل ‪ .‬أما إذا كان هذا الشخص ذا نفس شريرة فهو يمل عبادة ال ويكره العبادة ‪ .‬همه كله عند‬
‫ذاك في الجدل والشك ‪ .‬وإذا ما سمع حديثا يدعوه إلى العمل ‪ ،‬عارضه بالقياس وقال ‪ :‬هذا الحديث ليس صحيحا ‪،‬‬
‫لن رأيه الذي يلئم رغبته ل صلة له بطاعة ال ( ‪. ) 18‬‬

‫وعلى أي حال ‪ ،‬فقد كان أبو عبيدة محدثا ‪ ،‬وكان إلى حد كبير ‪ ،‬متأثرا بالحديث بصفته ضليعا في الشرع وفقيها ‪،‬‬
‫وكان يعارض اللجوء إلى الرأي ‪ .‬ولما قيل له أن أهل عمان يلجأون إلى الرأي لصدار الفتاوى ‪ ،‬قال ‪ (( :‬ما نجوا‬
‫من الفروج والدماء )) ( ‪ . ) 19‬ثم إنه قال لنصاره أن ل يقبلوا أي رأي إذا كان رواية ‪ ،‬أو (( آثارا )) من شيوخ‬
‫المذهب الباضي ‪ .‬ويروي أن أم شهاب ‪ ،‬وهي امرأة إباضية ‪ ،‬زارها عبد ال بن عبد العزيز وصالح بن كثير ‪ ،‬وكانا‬
‫طالبين لدى أبي عبيدة ‪ ،‬فسألتهما فتوى في قضية فأجابها صالح ‪ ،‬فقالت له ‪ :‬عمن أخذتها ؟ فقال ‪ (( :‬هو رأيي ؛‬
‫فقالت له ‪ :‬اضرب برأيك عرض الحائط ‪ .‬ل حاجة لي فيه )) ( ‪ . ) 20‬وزاد في زمنه الهتمام بنظام الولية‬
‫والبراءة ‪ ،‬من الناحيتين النظرية والعملية ‪ ،‬عما كان علي في وقت جابر بن زيد ‪ .‬والحالتان التاليتان تبينان الفارق‬
‫في الموقف بين المامين‪:‬‬

‫‪ -I‬قيل إن إباضيا يدعى الحسن بن عبد الرحمن طلب يد أن عفان وهي إباضية كوالدها ‪ ،‬فستأمرها أبوها ذلك فنهاه‬
‫جابر أن يزوجها وهي كارهة ‪ ،‬وحين تقدم مسلم غير إباضي منها يطلب يدها رضيت به ‪ ،‬فأمره جابر أن يزوجها إياه‬
‫( ‪. ) 21‬‬

‫‪ – II‬وفي حالة مماثلة اتخذ أبو عبيدة موقفا مغايرا ‪ .‬يقال إنه هاجم رجل إباضيا زوج ابنته من مسلم غير إباضي‬
‫وأبدى استياء شديدا ‪ .‬ويذكر تلميذه أبو المؤرخ ‪ (( :‬وكره أبو عبيدة نكاح المنافق المسلمة ‪ ،‬وهو ممن أحل ال‬
‫نكاحه من المسلمات ‪ ،‬كما كره عمر نكاح من أحل ال نكاحه من المشركات ‪ ،‬وكره الخذ بالرخصة في ذلك مخافة‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الفتنة لهن ‪ ،‬والردة عن بصيرتهن من غير أن يكون ذلك حراما )) ( ‪ . ) 22‬والظاهر أن أبا عبيدة أخذ هذا الموقف‬
‫الحازم لعزل الباضيين عن الفئات الخرى من المسلمين بحيث ل يتأثرون بالراء المختلفة الناشئة آنذاك ‪ .‬ولعل‬
‫هنالك سببا آخر هو أن أبا عبيدة أراد في تصميمه على إقامة المامة الباضية أن يضمن سلمة مخططاته وحركته‬
‫بحيث ل يستطيع أي غريب أن يؤثر فيها ‪ .‬فقد كان نظام الولية والبراءة آنذاك ذا أهمية كبيرة من هذه الناحية (‬
‫‪. ) 23‬‬

‫وقد غطت نشاطات أبي عبيدة اتجاهين أساسيين ‪:‬‬

‫أ – العناية بتنظيم الفرقة الباضية ‪.‬‬


‫ب – تعليم العقيدة الباضية للطلبة الذين يتلقون العلم ‪.‬‬

‫وفي مؤسسته السرية هذه التي لم يكن أكثر من سرداب عميق في مكان ما في البصرة ( ‪ ، ) 24‬علم الرجال الذين‬
‫لعبوا الدور الهم في تطوير العقيدة الباضية وفي نجاحها السياسي ‪.‬‬

‫وقد ظلت البصرة مركز الحركة الباضية حتى نهاية القرن الثاني لسباب مختلفة ‪.‬‬

‫أ – فزعماء الحركة الدينيون كانوا يعيشون في البصرة ويقومون بنشاطاتهم التعليمية كلها هناك ‪.‬‬
‫ب – وفي البصرة نالت الحركة الدعم الكامل من العدد الكبير من أقارب جابر من الزد ‪ ،‬ومن عائلة آل المهلب‬
‫البارزة ‪.‬‬
‫ج – وكانت البصرة إحدى عواصم السلم الفكرية تشكل ‪ ،‬إلى جانب الكوفة ‪ ،‬مركزا ثقافيا للدراسات السلمية‬
‫والعربية ‪.‬‬
‫د – وأخيرا ‪ ،‬تقع البصرة في قلب بلدان آسيا السلمية مما سهل التصالت بين مركز الحركة في البصرة والفروع‬
‫الخرى في خراسان ‪ ،‬وعمان ‪ ،‬واليمن ‪ ،‬ومكة ‪.‬‬

‫وفي البصرة كانت المنظمة الباضية بزعامة أبي عبيدة ومجلس الشيوخ ‪ ،‬تقوم بمسؤولية تصميم سياسة الحركة‬
‫وإعداد المتعلمين للقيام بالدعوة لرسالهم إلى البلدان السلمية لنشر العقيدة الباضية ‪ .‬وأحد هؤلء الدعاة‬
‫الباضيين المبعوثين من البصرة هو سلمة بن سعد وقد أرسل إلى شمالي إفريقية مع نهاية القرن الول وبداية القرن‬
‫الثاني الهجري ( ‪ . ) 251‬ويروي عن المام عبد الوهاب عن والده عبد الرحمن بن رستم أنه قال ‪ (( :‬أول من جاء‬
‫يطلب مذهب الباضية ونحن بقيروان إفريقية سلمة بن سعد قدم علينا من أرض البصرة ومعه عكرمة مولى ابن‬
‫عباس ‪ ،‬متعاقبين على بعير فكان [ سلمة ] يدعو إلى مذهب الباضية وعكرمة يدعو إلى مذهب الصفرية ‪ ،‬فسمعت [‬
‫سلمة ] يقول ‪ :‬وددت لو ظهر هذا المر ‪ ،‬يعني مذهب الباضية ‪ ،‬يوما واحدا من أول النهار إلى آخره فل آسف على‬
‫(( الحياة بعده )) ( ‪. ) 25‬‬

‫وكانت مهمة سلمة بن سعد في شمالي إفريقية تتوخى ثلث غايات ‪:‬‬

‫‪ -1‬نشر عقيدة المذهب الباضية ‪.‬‬


‫‪ -2‬اختيار أفراد بارزين من البلدان المقصودة و إرسالهم للتدريب في البصرة ‪.‬‬
‫‪ -3‬القيام بدراسة دقيقة لتلك البلدان وتقديم تقرير عنها للمام الباضي في البصرة ‪.‬‬

‫ونتيجة لرحلة سلمة بن سعد إلى شمالي إفريقية في ‪ 725 / 107 – 723 / 105‬تقريبا ‪ ،‬بعث حملة العلم إلى‬
‫البصرة ودرسوا على أبي عبيدة مدة خمس سنوات ( ‪ . ) 26‬ثم إن العديد من الدعاة كانوا قد بعثوا إلى مختلف‬
‫البلدان للغراض ذاتها التي استهدفها سلمة بن سعد ؛ فتوجه حملة العلم إلى اليمن ‪ ،‬وحضرموت ‪ ،‬وخرسان ‪،‬‬
‫وعمان ( ‪. ) 27‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وكانت نشاطات الحركة الباضية في البصرة تجري كلها سرا ؛ وهي حالة خاصة في العقيدة الباضية معروفة بحالة‬
‫الكتمان ( ‪ . ) 28‬ولقد كان من شأن القمع الموي للمعارضة أن أرغم الباضيين على القيام بنشاطاتهم سرا للحفاظ‬
‫على سلمتهم وسلمة الدعوة ؛ وقد تحقق لهم ذلك بإنشاء مجالس خاصة في أماكن سرية حيث كانوا يمارسون‬
‫نشاطاتهم الدينية والثقافية ‪.‬‬

‫والظاهر أن فكرة المجالس السرية نشأت منذ أيام زياد بن أبي سفيان إذ يروي أن عروة بن أدية قبض عليه في‬
‫(( سرب )) ( نفق سري ) كان يتعبد فيه ( ‪ . ) 29‬ولقد كانت هذه الملجئ السرية تستخدم لجتماعات أعضاء‬
‫الحركة حيث يذكرون ال ويناقشون أمور الدعوة ‪ .‬وقد ذكر أبو بلل مرداس مثل هذه المجالس أيضا ( ‪. ) 30‬‬
‫والظاهر من المعلومات المتوفرة أنه كانت هنالك ثلثة أنواع من المجالس ‪:‬‬

‫‪ -1‬مجالس الشيوخ ‪ ،‬أو قادة الحركة ‪ .‬وفي هذه المجالس كان الشيوخ يبحثون مخططات التنظيم ‪ .‬ثم إن اجتماعات‬
‫هذه المجالس كانت تحدث أثناء الليل عادة ؛ ولم يسمح للعضاء الصغار في السن بحضور هذه الجتماعات ما لم‬
‫يكونوا موثوقا بهم كل الثقة ‪ .‬قال أبو سفيان محبوب ابن الرحيل ‪ (( :‬بلغنا ذات ليلة أن في منزل حاجب مجلسا‬
‫للذكر ‪ ،‬وكان المشايخ ل يحضرون معهم بالليل الفتيان ‪ ،‬قال المليح فقلت لرجل من أهل عمان ‪ :‬انطلق بنا إلى منزل‬
‫حاجب فلعلهم يأذنون لنا ‪ ،‬قال فسرنا حتى جئنا المنزل ‪ ،‬فأذن لنا ‪ ،‬فوجدنا عنده المختار بن عوف ورجلين أو ثلثة‬
‫من المشايخ ‪ ،‬قال ‪ ،‬فقال لي حاجب ‪ :‬يا مليح اذهب أنت وهذا العماني إلى بلج بن عقبة فأخبره بمكاننا وقول له يأتينا‬
‫‪ ،‬قال فسرنا إليه فأعلمناه فجاء ‪ .‬قال المليح ‪ ،‬فصلينا العتمة ثم أخذنا في المذاكرة ‪ ،‬قال ‪ :‬ربما قام أحدهم قائما فيتكلم‬
‫ما شاء ال ثم يجلس ‪ ،‬فيقوم الخر كذلك حتى أضاء الصبح ‪ ،‬قال المليح ‪ :‬فما رأيت أحدا بعد تلك الليلة ‪ ،‬ول رأيت‬
‫قبلها متكلما قائما في مجلس ‪ .‬قال ‪ :‬وكان شعيب بن عمر من أفاضل الفتيان يومئذ ‪ ،‬وكانت أخته تحت حاجب ‪ ،‬قال‬
‫فجاءه تلك الليلة فأخذ به حاجب فقال ‪ :‬ردوه ‪ ،‬قالوا له ‪ :‬يا أبا مودود سبحان ال جاء من السماح في هذه الساعة‬
‫وترده ؟ فقال ‪ :‬ردوه ‪ ،‬فردوه ؛ قال ‪ :‬وكان بين منزله ومنزل حاجب نحو ثلثة أميال )) ( ‪. ) 31‬‬

‫‪ -2‬والنوع الثاني من المجالس هو المجالس العامة يأتون إليها لسماع خطابات الشيوخ حول الموضوعات الدينية‬
‫بوجه عام ‪ .‬وليس لهذه المجالس أي برنامج خاص ؛ إذ يتوقف ذلك على الشخاص المسئولين عهنا ‪ ،‬وعلى قدراتهم‬
‫وميولهم ‪ (( .‬وإذا ما شوهد شخص وعلى وجهه أثر الخشوع ‪ ،‬فذلك يعني أنه قريب العهد بمجالس أبي سفيان‬
‫قنبر ‪ ،‬إذ إن مجالسه كانت ذكرا ل ‪ ،‬وتلوة للقرآن وتخويفا للناس من النار وعقاب ال ( ‪ . ) 32‬وفي بعض الحيان‬
‫يطلب منظم المجالس من المتكلمين أن يؤدوا على موضوع معين للفت انتباه أعضاء معينين إليه ( ‪ . ) 33‬وفي هذه‬
‫الفترة عقدت مجالس كثيرة في البصرة ؛ ويذكر المؤرخون الباضيون مجالس أبي الحر علي بن الحصين التي كانت‬
‫تعقد أيام الثنين والخميس ( ‪ ، ) 34‬ومجالس أبي سفيان قنبر ‪ ،‬ومجالس عبد الملك الطويل ( ‪ . ) 35‬وفي هذه‬
‫المجالس كانت للنساء غرف خاصة ؛ كان يؤذن لهن بحضور هذا النوع من المجالس ( ‪ . ) 36‬ثم إن بعض النساء‬
‫كن يقدمن منازلهن لعقد مثل هذه المجالس ( ‪. ) 37‬‬

‫‪ -3‬والنوع الثالث من المجالس هو تلك التي كانت تعقد للطلبة العاديين الذين كانوا يريدون دراسة العقيدة الباضية ‪،‬‬
‫أو التدرب على بث الدعوة ‪ .‬ويقال إن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة ألف تعليم طلبه في سرب سري ؛ وكان يقف‬
‫حارس على المدخل لتحذيرهم إذا شاهد غريبا يأتي ‪،‬بتحريك سلسلة حديدية كي يتوقف أبو عبيدة عن خطبته‬
‫ويواصل عمله صنع القفاف ‪ ،‬وهي العملية التي كان يتستر بها ‪ ،‬ومنها نال لقب القفاف ‪ ،‬أي صانع السلل ( ‪. ) 38‬‬
‫ويؤذن فقط لعضاء الحركة بالنضمام إلى هذه المجالس ‪ ،‬إل أنهم كانوا يطردون منها إذا ما أبدوا أي انحراف ( ‪39‬‬
‫) ‪ .‬وخلل زمن جابر وأبي عبيدة كان الفراد شديدي الحذر في نشاطاتهم ؛ وفي بعض المناسبات كانوا يحضرون هذا‬
‫الجتماعات مرتدين ملبس نسائية ‪ ،‬أو متخفين كتجار وعمال بحيث ل ينتبه إليهم أحد من الخصوم ( ‪ . ) 40‬وفي‬
‫عهد زياد وابنه ‪ ،‬كانت المساكن التي تستخدم للمجالس تقتحم في مناسبات عديدة وكان الفراد يعتقلون ‪ .‬على أن‬
‫نشاطات الباضيين كانت برغم هذه المصاعب كلها ‪ ،‬تجري في هذه المجالس بالدرجة الولى ‪. ) 41 ( .‬‬

‫ويبدو أن فكرة المجالس نقلها الطلب الباضيون من البصرة إلى شمالي إفريقية ‪ .‬ويروي أن أبا خليل الدركلي ‪ ،‬أول‬
‫من أخذ عن (( حملة العلم )) قال لطلبه ‪ (( :‬سيروا إلى الحلقة واقصدوها حيثما كانت يا كسالى فإن رجل قد سار‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫من الجبل إلى فزان وإلى غدامس وإلى الساحل رغبة في الحلقة )) ( ‪ ، ) 42‬ويقال إنه كان بذلك يقصد نفسه ‪ .‬على‬
‫أن هذه المجالس نشأت خلل مرحلة الكتمان لضمان سلمة الباضيين ‪ ،‬ثم أصبحت بعد ذلك إحدى الضرورات‬
‫الساسية للجماعة الباضية أثناء فترة الكتمان ‪.‬‬

‫ويمكن القول إن الحركة الباضية بقيادة أبي عبيدة مسلم كانت حركة دينية وفكرية ‪ ،‬وإن نشاطاتها في البصرة كانت‬
‫ثقافية بالدرجة الولى ‪ .‬وكان نهج أبي عبيدة أن يثقف العضاء وأن يعلمهم العقيدة الباضية ‪ ،‬وأن يكون له العدد‬
‫الكبر الممكن من مختلف أقاليم البلدان السلمية ‪ ،‬لكي ينشيء إمامة عالمية شاملة كل العالم السلمي ( ‪. ) 43‬‬
‫ولكي يقوم بنشاطاته في البصرة ‪ ،‬فقد انقطع أبو عبيدة كليا عن الحكام ( الولة ) ليبقى سليما ‪ ،‬وكانت سياسته في‬
‫هذه الناحية مناقضة لسياسة سلفه جابر بن زيد ‪ .‬ولقد أوصى أتباعه بأن ل تكون لهم أية علقة مع الحكام ‪ .‬وقد‬
‫روى عبد ال بن عبد العزيز ‪ ،‬أحد طلب أبي عبيدة ‪ ،‬أن أحد العمال ( الحكام ) قال لعضو إباضي ‪ (( :‬دعني أسجل‬
‫اسمك في الديوان ‪ ،‬واقتسم معك مرتبك ‪ .‬شقيقي سيكفيك مشكلة البيعة ‪ ،‬وأنت تأخذ المال للحال )) هنا قال عبد ال ‪:‬‬
‫ذهبت إلى أبي عبيدة أسأله عن رأيه بهذا العرض ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل تذهب إليهم ‪ ،‬ول تكن قريبا منهم ‪ ،‬ل خير لك ف‬
‫يذلك )) ( ‪ . ) 44‬وهنالك رواية أخرى مشابهة لها رواها الربيع بن حبيب ‪ ،‬وهو طالب آخر لبي عبيدة ‪ ،‬جاء بعده‬
‫قائدا للجماعة الباضية في البصرة ‪ .‬قال ‪ (( :‬أراد فرد إباضي أن يرافق حاكما معينا منذ فترة وجيزة وأن يخرج معه‬
‫‪ .‬سألنا الرجل ‪ :‬من طلب منك أن ترافق هذا الحاكم ؟ فرد رجل آخر يقول إن أبا عبيدة سمح له بذلك ‪ ،‬فقال الربيع ‪:‬‬
‫قصدت أبا عبيدة وسألته هل سمح لذلك الشخص بأن يرافق الحاكم ؟ فقال ‪ (( :‬لم اقل له شيئا من ذلك ‪ .‬لقد جاء في‬
‫المثل ‪ :‬الثعلب يقول لدي تسع وتسعون خدعة ؛ ولكنه ليس بينها ما هو أنفع لي من أن ل يراني الكلب ‪ ،‬وأن ل‬
‫أراه )) والشيء ذاته هو بالنسبة للمسلم ‪ ،‬ل شيء أفضل له من أن ل يراهم ( الحكام ) وأن ل يدعهم يرونه ‪ .‬وحق‬
‫ال أنني أخشى على المؤذن أن ل يكون مأمونا في الدعوة لهم للصلة فكيف بالخرين )) ( ‪ . ) 45‬مثل هذا الموقف‬
‫الحاسم المتخذ من قبل أبي عبيدة نحو الحكام هو الميزة الرئيسة لسياسته ‪ ،‬ول استثناء لذلك غير عمر بن عبد‬
‫العزيز الذي أرسل إليه وفد باسم الحركة الباضية ( ‪. ) 46‬‬

‫وفي زمن جابر ‪ ،‬ذكر أن مجموعة من الزعماء البارزين في فريق المحكمة ‪ ،‬بمن فيهم عبد ال بن إباض ‪ ،‬اتصلت‬
‫بعبد ال بن الزبير وعرضت عليه المساعدة بأمل أن يوافق على آرائها ( ‪ . ) 47‬إل أن أبا عبيدة نهج سياسة أخرى‬
‫مناقضة ‪ .‬إذ كان يريد باستمرار حركة إباضية خالصة تتمكن من تحقيق أهدافها بدون أي ارتباك ‪ .‬ويقال إن عبد ال‬
‫بن الحسن ‪ ،‬حين أراد الخروج على بني أمية بعث إلى أبي عبيدة ومشايخ آخرين في المجموعة الباضية في البصرة‬
‫يطلب مناقشة مخططاته معهم ‪ ،‬ووافق المشايخ على إيفاد صالح بن كثير إليه ‪ ،‬غير أن أبا عبيدة رفض الموافقة‬
‫على رأيهم ‪ ،‬وقال ‪ (( :‬أترون رجل يخاف على نفسه ويطلب الملك ل يعطيكم كل ما سألتموه ‪ ،‬وإذا طاوعكم على ما‬
‫تدعونه إليه قال ‪ :‬أنا مقر بدعوتكم ولكن الناس إلي أسرع وأنا أحق ؛ فما عسى تقول له يا صالح وقد صدق ؟ فإن‬
‫أراد الدين كما يزعم فليلحق بصاحبنا بحضرموت عبد ال بن يحيى فليقاتل بين يديه حتى الموت )) ( ‪ . ) 48‬وهكذا‬
‫فقد غيروا آراءهم بسبب أبي عبيدة ‪ .‬ومثل هذا الموقف الحازم لبي عبيدة ضد أي اتصالت بمسلمين غير إباضيين‬
‫كان شديد الوضوح ؛ كان يغطي نواحي أخرى في الحياة كالزواج ( ‪ ) 49‬بالضافة إلى النشاطات السياسية والدينية ‪.‬‬
‫وقد تأكدت هذه السياسة مع مبدأ الولية والبراءة ومع نظام المجالس ‪ .‬وفي البصرة حافظت الحركة الباضية على‬
‫سياسة الكتمان بقيادة أبي عبيدة ‪ .‬والظاهر أن جماعة الشيوخ في البصرة كانوا بمثابة اللجنة التنفيذية للحركة‬
‫الباضية ‪ .‬وكان أبو عبيدة هو القائد أو المام وهو المسؤول عن الشؤون الدينية وعن السياسة العامة للجماعة كلها‬
‫‪ ،‬وكان يستشار من قبل الباضيين في جميع البلدان السلمية بخصوص مشاكلهم ومخططاتهم ‪ .‬وفي اليمن ‪ ،‬لم يعلن‬
‫عبد ال بن يحيى المامة حتى نال موافقة أبي عبيدة ( ‪ . ) 50‬كذلك كانت إمامة أبي الخطاب في شمالي إفريقية‬
‫مقررة من قبل أبي عبيدة ( ‪. ) 51‬‬

‫وكان هنالك عدد من الشيوخ البارزين الذين يلعبون دورا هاما إلى جانب أبي عبيدة في مهمته ‪ .‬وبين هؤلء نذكر ‪( :‬‬
‫‪ ) 1‬أباب مودود حاجب الطائي ‪ ،‬ومن بني هلل ‪ ،‬وهو مولى عمان ولد في البصرة ( ‪ ) 52‬؛ وانضم إلى الحركة‬
‫الباضية بعد موت جابر بن زيد ( ‪ ، ) 53‬وأصبح اليد اليمنى لبي عبيدة فكان مسؤول عن الشؤون المالية‬
‫والعسكرية ( ‪ ) 54‬؛ وكان منزله أحد المراكز المهمة للحركة في البصرة ‪ ،‬وكانت تقام فيه الصلة في أثناء رمضان‬
‫( ‪ ، ) 55‬وتعقد اجتماعات مهمة للشيوخ ( ‪ . ) 56‬وحين أعلن عبد ال بن يحيى الكندي ‪ ،‬وأبو حمزة المامة ‪ ،‬جمع‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫حاجب مبلغا كبيرا من المال لمساعدتهما ‪ ،‬واشترى السلحة لهما ( ‪ . ) 57‬وحين توفي ترك دينا بلغ خمسين ألف‬
‫درهم ؛ وباع زميله الفضل بن جندب منزله في صحار لتسديد ذلك الدين ( ‪ . ) 58‬كذلك أرسل إلى مكة في أثناء الحج‬
‫لعقد الصلح بين إباضيي حضرموت في عهد عبد ال بن سعيد ( ‪ . ) 59‬وكذلك اعتاد أن يشرف على نشاطات‬
‫المنظمة في البصرة وأن يدعو إلى الجتماعات العامة ( ‪ . ) 60‬وتوفي حاجب قبل أبي عبيدة في أثناء خلفة أبي‬
‫جعفر المنصور ( ‪. ) 61‬‬

‫( ‪ ) 2‬وحيان العرج ‪ ،‬وهو محدث مشهور ‪ ،‬عاش في البصرة في نفس المنطقة التي عاش فيها معلمه جابر بن زيد‬
‫( ‪ . ) 62‬وكان أكبر سنا من أبي عبيدة ( ‪ ، )63‬درس مع جابر بن زيد ‪ ،‬ونقل الحاديث عن جابر إلى الطلبة‬
‫الباضيين ‪ ،‬حتى أولئك الذين كانوا يدرسون على يدي جابر ‪ ،‬كأبي نوح صالح الدهان ( ‪. ) 64‬‬

‫( ‪ ) 3‬وأبا نوح صالح بن نوح الدهان ؛ وهو من البصرة ‪ ،‬كان ينزل في طيء ( ‪ ) 295‬ودرس على جابر بن زيد (‬
‫‪ ) 65‬وشارك أبا عبيدة في تعليم العقيدة الباضية ‪ .‬ويروي أن الربيع بن حبيب قال ‪ :‬أخذت الفقه عن ثلثة رجال ‪:‬‬
‫(( أبي عبيدة ‪ ،‬وضمام ‪ ،‬وأبي نوح )) ( ‪ . ) 66‬ومن العمال الباقية التي رويت عن أبي عبيدة وأبي نوح كتاب‬
‫(( نكاح الشغار )) لعبد ال بن العزيز ‪ ،‬وهو تمليذهما ( ‪. ) 67‬‬

‫( ‪ ) 4‬وضمام بن السائب ‪ ،‬وهو في الصل من الندب في عمان ( ‪ . ) 68‬ولد في البصرة ‪ ،‬ودرس على جابر بن زيد‬
‫‪ ،‬وروى الحديث عنه بالدرجة الولى ( ‪ . ) 69‬ويروي ضمام أن أبا عبيدة نفسه أخذ الحديث عن جابر بن زيد‬
‫والدور الهم الذي لعبه ضمام هو تعليم العقيدة الباضية والحاديث وغالبيتها دونها أبو صفرة عن أبي عمرو الربيع‬
‫بن حبيب ‪ .‬وسجن ضمام مع أبي عبيدة وشيخ إباضي آخر ‪ ،‬يدعى أبو سالم ‪ ،‬في عهد الحجاج بن يوسف ‪ ،‬ثم أفرج‬
‫عنه بعد وفاة الحجاج ( ‪ . ) 70‬وهنالك شيوخ آخرون كأبي الحر علي بن الحصين ‪ ،‬وأبي حمزة المختار بن عوف ‪،‬‬
‫وبلج بن عقبة ‪ ،‬وسواهم ‪.‬‬

‫( ‪ ) 5‬وبين صغار طلبة أبي عبيدة ‪ ،‬ممن لعب دورا كبيرا في المنظمة الباضية في البصرة في أثناء حياة أبي عبيدة‬
‫ثم في وقت لحق ‪ ،‬نذكر أبا عمرو الربيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي ‪ ،‬وكان ينزل الخريبة من البصرة ( ‪. ) 71‬‬
‫وغادر البصرة في وقت لحق إلى عمان وسكن في غضفان في الباطنة ( ‪ ) 72‬وكان معاصرا لجابر بن زيد ‪ ،‬ودرس‬
‫على يديه ‪ ،‬كما درس أيضا على ضمام بن السائب ‪ ،‬وأبي عبيدة ‪ ،‬وأبي نوح صالح بن نوح الدهان ( ‪ . ) 73‬وكان‬
‫في زمن أبي عبيدة ‪ ،‬إلى جانب أعضاء آخرين ‪ ،‬مسؤول عن المجالس ( ‪ ) 74‬؛ ثم إن أبا عبيدة عينه مفتيا‬
‫للباضيين في أثناء حياته ‪ ،‬ووصفه بأنه (( فقيهنا وإمامنا وتقينا )) ( ‪. ) 75‬‬

‫وبمعونة هؤلء الرجال استطاع أبو عبيدة أن ينفذ سياسته بنجاح ‪ ،‬وتمكن من إنشاء دولتين إباضيتين كانتا خطرا‬
‫حقيقيا على المويين ثم على العباسيين من بعدهم في شبه الجزيرة العربية وفي شمالي إفريقية ‪.‬‬

‫واصح أب البصرة كانت المركز الرئيسي للنشاطات الباضية في العراق ‪ .‬على أن هنالك دليل على وجود جماعات‬
‫إباضية أخرى ناشطة في الكوفة ‪ ،‬والموصل ‪ ،‬ومكة ‪ ،‬والمدينة وبعض أنحاء خرسان حيث برز عدد كبير من كبار‬
‫العلماء وأسهموا في المذهب الباضي ‪ .‬وعرضت آراء هؤلء جنبنا إلى جنب مع آراء جابر بن زيد ‪ ،‬وأبي عبيدة‬
‫مسلم ‪ ،‬كما هو واضح في العمال الباضية الولى مثل (( مدونة )) أبي غانم ‪ ،‬والديوان المعروض ‪ (( ،‬وروايات ))‬
‫ضمام ‪ .‬باستثناء هذه الحقيقة ‪ ،‬فإن معلوماتنا قليلة جدا عن الجماعات وإسهامها في الحركة الباضية من حيث‬
‫النشاطات السياسية والثقافية ( ‪ . ) 76‬وعلى أي حال ‪ ،‬لقد كان للقادة الباضيين الوائل سياسة واضحة قائمة على‬
‫توجيه نشاطاتهم نحو الصقاع النائية في المبراطورية السلمية بحيث ل يكون القضاء عليهم سهل ‪ .‬كما تجنبوا‬
‫بحذر محاولة أية ثورة علنية في العراق ‪ ،‬وركزوا على جنوبي شبه الجزيرة العربية ( ‪ ) 77‬وشمالي إفريقية ‪.‬‬
‫وننوي في الصفحات التالية إلقاء الضوء على انتشار التعاليم الباضية في شمالي إفريقية ‪.‬‬

‫=================================‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‬

‫‪ )1‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 77‬‬

‫( ‪ ) 2‬ابن حجر تهذيب ‪. 39 / 2 ،‬‬

‫( ‪ )3‬روايات إباضية ‪ ،‬مخطوطة ‪ 20‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 70 ،‬‬

‫( ‪ ) 4‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 83 ،‬‬

‫( ‪ ) 5‬الجاحظ ‪ ،‬البيان والتبيين ‪ ،‬تحقيق السندوبي ‪. 227 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 6‬ابن مداد ‪ ،‬صفة ‪. 28 ،‬‬

‫( ‪ ) 7‬السالمي ‪ ،‬حاشية الجامع الصحيح ‪. 6 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 8‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 9‬البغطوري ‪ ،‬سير ‪. 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 10‬ليفتسكي ‪ ،‬مادة الباضية ‪ ،‬الموسوعة السلمية ‪ ،‬ط ‪. 2‬‬

‫( ‪ ) 11‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 91 ،‬‬

‫( ‪ ) 12‬انظر ما تقدم ‪. 68‬‬

‫( ‪ ) 13‬المبرد الكامل ‪. 910 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 14‬ابن النديم ‪ ،‬الفهرست ‪ 132 ،‬؛ ابن سعد ‪ ،‬طبقات ‪ 61 / 7 ،‬؛ ابن قتيبة ‪ ،‬المعارف ‪.‬‬

‫( ‪ ) 15‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 81 ،‬‬

‫( ‪ ) 16‬ابن مداد ‪ ،‬صفة ‪. 30 ،‬‬

‫( ‪ ) 17‬من كلم لحد طلبته عبد ال بن عبد العزيز ‪ .‬مقتطفات من مجموعة البارونية ‪ ،‬جربة ‪.‬‬

‫( ‪ ) 18‬أبو عبيدة ‪ ،‬مسائل ‪ ،‬مخطوطة ‪ 37‬؛ الجيطالي ‪ ،‬شرح النونية ‪. 47 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 19‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 20‬الجيطالي ‪ ،‬قناطر الخيرات ‪ ،‬طبعة من تحقيقي ( المؤلف ) ‪ ،‬المقدمة ‪. 18 – 17 ،‬‬

‫( ‪ ) 21‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 22‬أبو المؤثر ‪ ،‬سيرة ‪ ،‬مخطوطة ‪. 20‬‬

‫( ‪ ) 23‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 121 – 120‬‬

‫( ‪ ) 24‬المصدر السابق ‪. 113‬‬

‫( ‪ ) 25‬أبو غانم الخراساني ‪ ،‬مدونة مخطوطة ‪. 8 ، 11‬‬

‫( ‪ ) 26‬انظر ما يلي ص ‪. 239 ،‬‬

‫( ‪ ) 27‬الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 12 ،‬؛ البغطوري ‪ ،‬سير ‪ 5 – 4‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 124‬‬

‫( ‪ ) 28‬الدرجيني ‪ ،‬المصدر السابق ‪ 11‬؛ الشماخي المصدر السابق ‪. 98 ،‬‬

‫( ‪ ) 29‬الدرجيني ‪ ،‬المصدر السابق ‪ 12 – 11 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ، 124 – 123 ،‬المصعبي ‪ ،‬حاشية‬
‫على المصرح ‪ 50 ،‬أ ‪.‬‬

‫( ‪ ) 30‬المصدر السابق ‪ 50 ،‬ب ‪.‬‬

‫( ‪ ) 31‬السالمي ‪ ،‬حاشية الجامع الصحيح ‪ 4 / 1 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 119‬‬

‫( ‪ ) 32‬انظر ما يلي ‪ 407‬وما يليها ‪.‬‬

‫( ‪ ) 33‬المبرد الكامل ‪ 909 / 3 ،‬؛ الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 214 ،‬؛ ابن أبي الحديد ‪ ،‬شرح نهج البلغة ‪– 101 / 5 ،‬‬
‫‪. 102‬‬

‫( ‪ ) 34‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 66 ،‬‬

‫( ‪ ) 35‬الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 236 – 235 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 91 – 90 ،‬‬

‫( ‪ ) 36‬المصدر السابق ‪. 93 ،‬‬

‫( ‪ ) 37‬المصدر السابق ‪ ،‬الدرجيني ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 256 ،‬‬

‫( ‪ ) 38‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 39‬الدرجيني ‪ ،‬المصدر السابق ‪ 236‬؛ الشماخي ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 107 – 101 ،‬‬

‫( ‪ ) 40‬المصدر السابق ‪ 109 ، 108‬؛ الدرجيني ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 21،‬‬

‫( ‪ ) 41‬الدرجيني ‪ ،‬المصدر السابق ‪ 21 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 124 ،‬‬

‫( ‪ ) 41‬السابق ‪ ،‬ص ‪ 368 ،‬وما يليها ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 42‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪ 108 ،‬؛ الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪. 237 ،‬‬

‫( ‪ ) 43‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 44‬البغطوري ‪ ،‬سير ‪ 84 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 12 – 211‬‬

‫( ‪ ) 44‬ليفتسكي ‪ ،‬مادة الباضية ‪ ،‬الموسوعة السلمية ط ‪. 2‬‬

‫( ‪ ) 45‬روايات إباضية مخطوطة ‪. 14‬‬

‫( ‪ ) 46‬المصدر السابق ‪. 15 – 14‬‬

‫( ‪ ) 47‬البسياني ‪ ،‬سيرة ‪ ،‬مخطوطة ‪ 19‬؛ ابن مداد ‪ ،‬صفة ‪. 10 – 9 ،‬‬

‫( ‪ ) 48‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 84 – 83‬‬

‫( ‪ ) 49‬أبو غانم ‪ ،‬مدونة ‪. 8 ، 11 ،‬‬

‫( ‪ ) 50‬الصفهاني ‪ ،‬الغاني ‪. 112 / 23 ،‬‬

‫( ‪ ) 51‬الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 22 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 124 ،‬‬

‫( ‪ ) 52‬ابن مداد ‪ ،‬صفة ‪. 30 ، 29 ، 6 ،‬‬

‫( ‪ ) 53‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 92 ،‬‬

‫( ‪ ) 54‬المصدر السابق ‪ 92 ،‬؛ ابن مداد ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 6 ،‬‬

‫( ‪ ) 55‬الشماخي ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 118 ،‬‬

‫( ‪ ) 56‬المصدر السابق ‪. 90 ، 84 ،‬‬

‫( ‪ ) 57‬المصدر السابق ‪ 92 ،‬؛ ابن مداد ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 6 ،‬‬

‫( ‪ ) 58‬المصدر السابق ‪ 6 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 106 ،‬‬

‫( ‪ ) 59‬المصدر السابق ‪. 92‬‬

‫( ‪ ) 60‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 85 ،‬‬

‫( ‪ ) 61‬المصدر السابق ‪. 91‬‬

‫( ‪ ) 62‬ياقوت ‪ ،‬معجم البلدان ‪. 173 / 2 ،‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 63‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 89‬‬

‫( ‪ ) 64‬المصدر السابق ‪. 90‬‬

‫( ‪ ) 65‬ابن مداد ‪ ،‬صفة ‪. 13 – 12 ،‬‬

‫( ‪ ) 66‬الشماخي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ 88‬؛ الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪. 42 – 241 ،‬‬

‫( ‪ ) 67‬الدرجيني ‪ ،‬المصدر السابق ‪ 261 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 104 ،‬‬

‫( ‪ ) 68‬السابق ‪ ،‬ص ‪. 164 ،‬‬

‫( ‪ ) 69‬ابن مداد المصدر السابق ‪. 29 ، 6 ،‬‬

‫( ‪ ) 70‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 88 ،‬‬

‫( ‪ ) 71‬المصدر السابق ‪ 87‬؛ ‪ 96‬؛ الدرجيني طبقات ‪. 35 – 234 ،‬‬

‫( ‪ ) 72‬المصدر السابق ‪ 261‬؛ ابن مداد ‪ ،‬صفة نسب العلماء ‪. 37 – 36 ،‬‬

‫( ‪ ) 73‬السالمي ‪ ،‬حاشية الجامع الصحيح ‪. 4 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 74‬ابن مداد ‪ ،‬صفة ‪ 28‬؛ الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 261 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 103‬‬

‫( ‪ ) 75‬المصدر السابق ‪. 86‬‬

‫( ‪ )76‬الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 261 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 103 ،‬‬

‫( ‪ ) 77‬ليفتسكي ‪ ،‬مادة (( الباضية )) الموسوعة السلمية ‪ ،‬ط ‪. 2‬‬

‫انتشار الباضية في شمالي إفريقية‬

‫لسنا نعرف بالضبط متى بدأ المذهب الباضي يكسب له أنصارا في شمالي إفريقية ‪ .‬وفي الوقت الذي ترسخ فيه‬
‫المذهب الباضي في البصرة أثناء النصف الثاني من القرن الول الهجري ‪ ،‬كان السلم نفسه قد ترسخ في شمالي‬
‫إفريقية برغم ما لقيه في البداية من معارضة من قبل البربر ‪.‬‬

‫ويقول ليفتسكي ‪ ،‬أن أهل جبل نفوسه طلوا متمسكين بالمسيحية بعد الفتح السلمي إلى أن اعتنقوا المذهب الباضي‬
‫مباشرة ( ‪ ) 1‬على أن هذا القول تناقضه مصادر أخرى زعمت أن أهل نفوسه اعتنقوا السلم بصورة جماعية من‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫غير أي صراع على الطلق ( ‪. ) 2‬‬

‫وثمة حقيقة راسخة هي أن السلم انتشر حتى غدامس إلى الجنوب الغربي من جبل نفوسه ‪ ،‬على يدي عقبة بن‬
‫عمرو ‪ ،‬قائد الجيش الذي وجهه عمرو بن العاص نحو الغرب وافتتح طرابلس سنة ‪ . 643 / 23‬ومن شأن ذلك أن‬
‫يؤيد القول بأن بعض النفوسيين كانوا آنذاك قد اعتنقوا السلم ‪ ،‬ثم تبنوا العقيدة الباضية في وقت لحق ‪ .‬وهنالك‬
‫معلومات موثوقة تفيد أن عائلت مسيحية كانت ل تزال موجودة في جبل نفوسه بعد أن ترسخ المذهب الباضي في‬
‫الجبل ( ‪ . ) 3‬يضاف إلى ذلك أن هنالك إثباتا موثوقا على أن عائلت نفوسيه معينة بقيت مسلمة ‪ ،‬عير إباضية ‪،‬‬
‫حتى فترة طويلة بعد أن ساد المذهب الباضي في المنطقة ‪ ،‬وبين هذه العائلت عائلة أبي منصور إلياس ‪ ،‬من‬
‫تندميرة ‪ ،‬وهي إحدى العائلت المهمة في نفوسه ( ‪ . )4‬على أنه بالمعلومات المتوفرة ‪ ،‬وهي قليلة ومتناقضة ‪،‬‬
‫يصعب الوصول إلى نتيجة حاسمة حول هذا الموضوع ‪.‬‬

‫وثمة شخص يدعى سلمة بن سعد الحضرمي ( ‪ ) 5‬له صلة بالبصرة وبشمالي إفريقية ف ينشر تعاليم المذهب ‪ .‬ل‬
‫يذكر تاريخ محدد لهذه المهمة ول لوصول سلمة إلى شمالي إفريقية ؛ على أن قول مراجع إباضية موثوقة بأن سلمة‬
‫جاء القيروان برفقة عكرمة ‪ ،‬مولى ابن عباس ( ‪ ) 6‬يشير إلى أن هذه المهمة جرت قبل ‪/ 107 – 723 / 105‬‬
‫‪ ، 725‬وهو التاريخ الذي يذكر لوفاة عكرمة ( ‪ . ) 7‬وقد شبه العلماء الباضيون دور سلمة بن سعد في المغرب‬
‫بدور عبد ال بن إباض في المشرق ( ‪ . )8‬وربطوا انتشار المذهب الباضي بزيارته إلى شمالي إفريقية ‪ ،‬وهي التي‬
‫أسفرت عن إيفاد الطلبة المعروفين في وقت لحق بـ (( حملة العلم )) إلى البصرة لدراسة التعاليم الباضية على يدي‬
‫المام الثاني للمذهب الباضي ‪ ،‬أي أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ‪.‬‬

‫والحقيقة التي ينبغي أن ل تنسى هي أنه عند قدوم سلمة بن سعد إلى شمالي إفريقية كانت هنالك مجموعات إباضية‬
‫كبيرة موجودة من قبل في بعض المناطق الوسطى في شمالي إفريقية ‪ ،‬أي في القسم الغربي من ليبيا ‪ .‬ولعل ذلك‬
‫عائد إلى أن المبادئ الباضية كسبت لها أول أنصارا بين المفاتحين العرب الذين قدموا في مجموعات قبلية لحتلل‬
‫شمالي إفريقية ‪ ،‬واستوطنوا بعد ذلك في البلد الجديدة ‪ .‬ثم وجدت لها دعما بين قبائل نفوسة ‪ ،‬وهوارة ‪ ،‬ولواته ‪،‬‬
‫وزهانه ‪ ،‬وزناته ‪ ،‬المحلية التي رأت في المبادئ الباضية تمثيل حقيقيا لدين السلم ل يخضعها لي حكم‬
‫استبدادي ‪ ،‬ويعطيها المبرر لنضالها من أجل الحكم الذاتي في إطار الدين الجديد على قدم المساواة مع العرب ‪.‬‬
‫ويعتقد أيضا أن السكان المحليين وجدوا في التعاليم الباضية الحافز الديني لمقاومة الحكم الستبدادي للمويين‬
‫والعباسيين ‪ .‬وواضح هنا أيضا أن الدور الهم في الصراع الباضي الول في شمالي إفريقية لعبه العرب الذين كانوا‬
‫من أصول حضرمية ويمنية ‪.‬‬

‫والظاهر أن مهمة سلمة بن سعد كانت تستهدف اختيار شخصيات محلية لرسالها إلى البصرة لتدريبها بحيث تستطيع‬
‫تحمل عبء القيادة الباضية في شمالي إفريقية ‪ .‬ولمثل هذا التوجه أن يجعل السكان المحليين ينظرون إلى التعاليم‬
‫الباضية باعتبارها شيئا خاصا بهم ‪ ،‬مما يؤمن دعم البربر الكامل للقضية الباضية ‪.‬‬

‫ومن الطموحات الرئيسة لسلمة بن سعد رغبته في أن يرى إمامة الباضية سائدة في شمالي إفريقية ‪ .‬ويروي عن‬
‫المام عبد الرحمن بن رستم أنه قال ‪ (( :‬سمعت سلمة بن سعد يقول في القيروان )) وددت لو ظهر هذا المر ‪ ،‬يعني‬
‫مذهب الباضية ‪ ،‬يوما واحدا من أول النهار إلى آخره ثم ل آسف على الحياة بعده )) ( ‪ ) 9‬ولعل في هذه الكلمات‬
‫إشارة محتملة إلى وجود مجموعة إباضية في شمالي إفريقية قبل مجيء سلمة بن سعد ‪ ،‬لكنها ل تزال في حالة‬
‫الكتمان ‪ ،‬وإلى أنه لم تكن آنذاك قد جرت أية محاولة لترسيخ المامة الباضية علنا ‪.‬‬

‫والمحاولة الولى من قبل الباضيين لنشاء إمامتهم في شمالي إفريقية بدأت حين عين إلياس بن حبيب واليا على‬
‫طرابلس بعد سنة ‪ . 744 / 127‬ويروي أن إلياس صرع عبد ال بن مسعود التجيبي ‪ ،‬من أصل حضرمي ‪ ،‬وهو‬
‫أحد زعماء الجماعة الباضية في طرابلس ( ‪ . ) 10‬ول نعرف سبب مصرع هذا الزعيم الباضي ‪ .‬ولكن علي معمر‬
‫وإحسان عباس يوحيان بأن إلياس أراد بذلك تخويف الباضيين ( ‪ ، ) 11‬وهي حقيقة تشير إلى أن الباضيين كانوا‬
‫آنذاك قوة ذات أثر كبير في طرابلس وما جاورها ‪ .‬على أنني أعتقد أن هذا العمل ربما كان نتيجة مباشرة للثورات‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الناجحة التي قام بها إباضيو حضرموت واليمن في نحو ذلك الوقت في وجه بني أمية لنشاء إمامة مستقلة ‪ .‬وطبيعي‬
‫أن يكون بنو أمية حريصين على منع أي تكرار لهذه الثورات في أية معاقل أخرى للباضية باتخاذ تدابير رادعة ‪.‬‬

‫والظاهر أن إلياس بن حبيب أساء تقدير قوة الباضية ‪ ،‬وكان من شأن عمله هذا ‪ ،‬أن لم يكرههم على الرضوخ ‪ ،‬بل‬
‫أثار غضبهم ووفر السبب المباشر لثورتهم ؛ فانتخبوا الحارث بن تليد الحضرمي إماما ؛ وبمساعدة قاضيه عبد‬
‫الجبار بن قيس المرادي ‪ ،‬استطاع الحارث أن يستولي على طرابلس وأن يقتل شخصا يدعى قيس بن نصير بن راشد‬
‫‪ ،‬مولى النصار ‪ ،‬ثأرا لعبد ال بن مسعود التجيبي ( ‪ . ) 12‬وحكم الحارث كامل المنطقة الواقعة بين قابس وسرت ‪،‬‬
‫غير أن الحارث وعبد الجبار معا قتل على يدي شعيب بن عثمان أحد القادة الذين عينهم عبد الرحمن بن حبيب‬
‫لخماد الثورة الباضية ( ‪ . ) 13‬عند ذاك اختار الباضيون أبا الزاخر إسماعيل بن زياد النفوسي قائدا لهم في‬
‫صراعهم ‪ ،‬واستطاع أن يسيطر على مناطق طرابلس ( ‪ . ) 14‬وقد جاء في المصادر الباضية أن أبا الزاخر كان‬
‫(( إمام دفاع )) ( ‪ ) 15‬وهي حقيقة تشير إلى أن هذه الفترة بقيادته كانت فترة كفاح عسكري متواصل ف يوجه‬
‫أعدائه ‪ ،‬وإلى أنه لم يستطع أن ينشيء دولة مستقرة ‪.‬‬

‫ولقد وقع هذا الصراع الول من أجل المامة في شمالي إفريقية ‪ ،‬في السنوات الواقعة بين ‪ 744 / 127‬و ‪/ 132‬‬
‫‪ . 749‬وعادت بعد ذلك الجماعة الباضية إلى الكتمان طوال ثمانية أعوام ‪ .‬وفي سنة ‪ 757 / 140‬انتخب أبو‬
‫الخطاب عبد العلى بن السمح المعافري ‪ ،‬أحد (( حملة العلم )) لمنصب المام في طرابلس ‪ ،‬فحكم المنطقة الواقعة‬
‫بين سرت والقيروان وزويلة ؛ غير أن هذه المامة الباضية لم تتمكن من مقاومة جيش الخليفة العباسي الجديد ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 761 / 144‬قتل أبو الخطاب ونحو ‪ 14000‬من أتباعه على أيدي القوات العباسية بقيادة محمد بن‬
‫الشعث ‪ ،‬والي مصر من قبل أبي جعفر المنصور ( ‪. ) 16‬‬

‫‪---------------------------------------------------‬‬

‫( ‪ ) 1‬المصدر السابق ‪ : 651‬الباضيون في جنوب الجزيرة العربية في العصر الوسيط ‪or Folia ، 1 ، .‬‬
‫‪. ) 1959 ( ، 3 -17‬‬

‫( ‪ ) 2‬ليفتسكي ‪ :‬دراسات إباضية ‪. 54 / 1‬‬

‫( ‪ ) 3‬أبو إسحق مقدمة كتاب الوضع ‪. 6 ،‬‬

‫( ‪ ) 4‬البغطوري ‪ ،‬سير مشايخ نفوسة ‪ ،‬مخطوطة ‪. 141 ، 96 ،‬‬

‫( ‪ ) 5‬المصدر السابق ‪ 59 ،‬؛ ليفتسكي ‪ ،‬مصدر سابق ‪. 49 – 48 ،‬‬

‫( ‪ ) 6‬الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 11 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 98 ،‬‬

‫( ‪ ) 7‬الدرجيني ‪ ،‬مصدر سابق ‪ 11‬؛ المصعبي ‪ ،‬حاشية على المصرح ‪ 250‬أ ‪.‬‬

‫( ‪ ) 8‬ابن حجر العسقلني ‪ :‬تهذيب التهذيب ‪. 73 – 263 / 7‬‬

‫( ‪ ) 9‬السوفي ‪ :‬سؤالت نقل عن القطب ‪ :‬شرح النيل ‪. 236 / 9 ،‬‬

‫( ‪ ) 10‬الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 12 – 11‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 98‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 11‬ابن عبد الحكم ‪ ،‬كتاب فنوح إفريقية والندلس ‪ ،‬تحقيق البرت غاتو ‪ ،‬الجزائر ‪. 140 ، 1947 ،‬‬

‫( ‪ ) 12‬علي معمر ‪ ،‬الباضية في ليبيا ‪ 450 / 1 ،‬؛ إحسان عباس ‪ ،‬تاريخ ليبيا ‪. 43 ،‬‬

‫( ‪ ) 13‬ابن عبد الحكم المصدر السابق ‪. 140 ،‬‬

‫( ‪ ) 14‬الرقيق القيرواني ‪ ،‬تاريخ إفريقية والمغرب ‪. 29 – 128‬‬

‫( ‪ ) 15‬ابن عبد الحكم المصدر السابق ‪. 142‬‬

‫( ‪ ) 16‬الوسياني ‪ ،‬سير ‪ 77 ،‬؛ ليفتسكي ‪ :‬دراسات إباضية ‪128 – 127 / 1 ،‬‬

‫حملة العلم‬

‫نرى لزاما علينا هنا أن نقدم عرضا لدور (( حملة العلم )) في نشر العقيدة الباضية في شمالي إفريقية ‪ .‬والظاهر أن‬
‫نشاطاتهم الثقافية بدأت خلل العقود الولى من القرن الثاني للهجرة ‪ .‬لقد سبق أن ذكرنا أن اتصالهم بعلماء الباضية‬
‫في البصرة كان بعد زيارة سلمة بن سعد إلى شمالي إفريقية ‪ .‬وقد جرى اختيارهم من مناطق مختلفة بحيث أن أ‪:‬ثر‬
‫المراكز أهمية في شمالي إفريقية الوسط كانت ممثلة لكي يكون بالتالي لكل منطقة زعيمها الديني من السكان‬
‫الصليين ‪ .‬وهؤلء الطلبة هم ‪ :‬أبو دارا إسماعيل بن دار الغدامسي ‪ ،‬من غدامس ؛ وعبد الرحمن بن رستم ‪ ،‬وهو‬
‫فارسي الصل ‪ ،‬من القيروان ؛ وعاصم السدراتي من سدراته ‪ .‬وأبو داود القبلي النفزاوي ‪ ،‬من نفزاوة ( جنوبي‬
‫تونس ) ثم انضم إليهم أبو الخطاب عبد العلى ‪ ،‬اليمني الصل ‪ ،‬في البصرة ( ‪ )1‬حيث ميزه شيخهم أبو عبيدة مسلم‬
‫بأنه المام الول للباضية المرتقبة في شمالي إفريقية ‪ .‬ومن شأن ذلك أن يبين أن القوة التي كانت ل تزال البرز‬
‫بالنسبة لمسألة القيادة هي قوة المستوطنين العرب ؛ وقد أرسل أبو الخطاب إلى شمالي إفريقية لسد هذه الحاجة ‪.‬‬
‫ولم يكن بين أفراد هذه البعثة أي نفوسي لن ممثل نفوسة في بعثة مماثلة ‪ ،‬ابن مغطير الجناوني كان قد ذهب إلى‬
‫البصرة ثم عاد في وقت باكر ( ‪. ) 2‬‬

‫وقام أبو عبيدة نفسه بتدريب هؤلء الطلبة فقضوا معه خمس سنوات ‪ ،‬وكان راضيا عن المستوى الذي بلغوه ‪.‬‬
‫وبالضافة إلى كفاحهم السياسي الذي بدأ سنة ‪ 757 / 140‬بقيادة أبي الخطاب ‪ ،‬ثم استمر بقيادة زميله عبد الرحمن‬
‫بن رستم الذي تمكن من الفرار إلى وسط الجزائر بعد وفاة أبي الخطاب حيث أنشأ المامة الرستمية سنة ‪/ 160‬‬
‫‪ 776‬ودامت حتى ‪ ، 980 / 296‬وأدى (( حملة العلم )) دورا هاما في نقل التعاليم التي تلقوها في البصرة إلى‬
‫رفاقهم الباضيين في شمالي إفريقية ‪ .‬ولسنا نعرف هل أتوا بهذه التعاليم خطية ‪ ،‬والواقع أن العمل الخطي الوحيد‬
‫الذي ينسب إلى أحد (( حملة العلم )) هو (( تفسير )) عبد الرحمن بن رستم ( ‪ . ) 3‬ويروي أن العقيدة الباضية‬
‫بالشكل المكتوب من قبل أبي عبيدة مسلم كانت موجودة في فزان في ليبيا في منتصف القرن الثاني للهجرة ‪ .‬وفي‬
‫رسالة إلى العالم الفزاني عبد القهار بن خلف ‪ ،‬كتب جناو بن فتى المديوني ‪ ،‬من قبيلة مديونة من البربر يرغبه في‬
‫القدوم عليه لدراسة كتب أبي عبيدة (( لعل ال أن يحيى بك أهل هذه الدعوة ‪ ،‬وأحب تعجيل ذلك لني على آخر أيامي‬
‫واقترب أجلي )) ( ‪ . ) 4‬لسنا نعلم كيف انتقلت كتب أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة إلى يدي العالم الفزاني ؛ ولعله‬
‫درس على أبي عبيدة في البصرة وعاد بها معه ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والمسألة التي ينبغي أن نؤكد عليها هنا هي أن الشكل النهائي للعقيدة الباضية ترسخ في البصرة ‪ ،‬ونقل إلى شمالي‬
‫إفريقية بواسطة الطلبة الدعاة وهم ‪ ،‬على ما يبدو ‪ ،‬أكثر من الخمسة الذين ذكرناهم فيما مضى ؛ وهم معروفون في‬
‫المصادر الباضية باسم (( حملة العلم )) ‪ .‬والواضح أيضا أن التصالت بين مركز الحركة الباضية في البصرة‬
‫وشمالي إفريقية ترسخت في مرحلة باكرة من تاريخ هذه الخيرة ‪.‬‬

‫ول دليل على وجود علماء إباضيين بين البربر قبل عهد أبي عبيدة مسلم ‪ .‬وأول عالم إباضي من البربر ذكر في‬
‫المصادر الباضية هو ابن مغطير الجناوني الذي درس على أبي عبيدة في البصرة قبل أن يحدد هذا الخير آراءه‬
‫النهائية بشأن نظام الفقه الباضي ( ‪ . ) 5‬ولقد كان ابن مغطير مفتي جبل نفوسة قبل عودة (( حملة العلم )) الخمسة‬
‫‪ .‬وتذكر المصادر الباضية كذلك عمرو بن يمكتن بأنه أول عالم إباضي من نفوسة بدأ بتدريس القرآن في مسجد‬
‫قريته إفاطمان ‪ .‬وصار بعد ذلك أحد القادة المهمين في نفوسة ن واشترك في حروب أبي الخطاب بوجه الجيش‬
‫العباسي ( ‪. ) 6‬‬

‫وبناء على المعلومات المتوفرة يتضح أن إباضيي شمالي إفريقية كانوا على صلة راسخة بالبصرة لدراسة التعاليم‬
‫الباضية منذ البداية ‪ .‬كذلك من الثابت أيضا أن مثل هذه التصالت كانت قائمة حوالي نهاية القرن الول للهجرة ‪.‬‬

‫وكان إباضيو شمالي إفريقية يعتمدون إلى حد كبير على علماء البصرة ‪ ،‬ل سيما أبي عبيدة مسلم ‪ ،‬في أية مشكلة‬
‫يواجهونها في المسائل الشرعية والفقهية ‪ .‬ومن بين العمال الباقية مما كتبه أبو عبيدة إلى أهل المغرب (( رسالة‬
‫عن الزكاة )) كتبها إلى شخص يدعى إسماعيل بن سليمان المغربي ( ‪ . ) 7‬كذلك روى الجيطالي أن أبا عبيدة وجه‬
‫(( جوابات )) على مسائل فقهية لهل المغرب ( ‪ ) 8‬لكن هذه الجوابات ل تزال مفقودة ‪ .‬والمفترض أن هذه‬
‫التصالت كانت شديدة الفعالية في عهد أبي عبيدة قبل عودة الطلبة الخمسة (( حملة العلم )) إلى إفريقية وقد تحملوا‬
‫عبء نشر التعاليم الباضية وتعميق جذورها بين أهل المغرب ‪ .‬والقسم الهم من هذه المهمة قام به أبو درار‬
‫الغدامسي ‪ ،‬وأبو داود القبلي وعبد الرحمن بن رستم ‪ .‬وأما الخران ‪ ،‬أي أبو الخطاب عبد العلى وعاصم السدراتي‬
‫فوجها نشاطاتهما نحو الكفاح السياسي والعسكري ‪ ،‬وتوفيا قبل أن يستطيعا الستقرار للسهام في النشاطات الثقافية‬
‫‪.‬‬

‫وتواصلت التصالت بين الجماعتين الباضيتين في المشرق وفي المغرب طوال الوقت ‪ .‬وحين انتخب عبد الرحمن‬
‫بن رستم لمامة تاهرت ‪ ،‬أرسل إباضيو المشرق وفدا خاصا لفحص مسلكه ‪ ،‬حتى إذا ما اقتنع الوفد به ‪ ،‬منحوه‬
‫الدعم الكامل أدبيا وماليا ‪ .‬بعد ذلك كلما حدث أي نزاع بين إباضيي شمالي إفريقية سعى هؤلء إلى احل لدى زملئهم‬
‫في المشرق ‪ .‬وهنالك عدد من (( الرسائل )) كتبها علماء المشرق يعرضون فيها آراءهم حول القضايا الدينية‬
‫والسياسية التي كانت تنشأ بين الباضيين في المغرب ( ‪. ) 9‬‬

‫وكانت المؤلفات الباضية التي يكتبها علماء المشرق تقدم إلى الباضيين في المغرب ( ‪ . ) 10‬وطلب عبد الوهاب بن‬
‫عبد الرحمن بن رستم في عهده كتبا من المشرق ‪ ،‬ونسخ زملؤه الباضيون في المشرق حمولة أربعين جمل من‬
‫المواد على ورق قيمته ألف دينار دفعها المام عبد الوهاب وأرسلوها إليه ( ‪ . ) 11‬وفي عهد عبد الوهاب أيضا ذهب‬
‫أبو غانم بشر غانم الخرساني إلى تاهرت لعرض أعماله على المام ‪ .‬وظلت التصالت الثقافية بين الجماعتين قائمة‬
‫مترسخة ‪ ،‬وكان المؤتمر السنوي للباضيين يعقد في أثناء الحد فكانوا يلتقون في مكة لتبادل الخبار ومقارنة‬
‫الملحظات ‪.‬‬

‫وبوجه عام كان الدور الذي لعبه إباضيو شمالي إفريقية في تطوير الفكر الباضي ضئيل ‪ ،‬لكنهم حافظوا عليه من‬
‫الناحيتين النظرية والعملية ‪ .‬وبعد رجوع (( حملة العلم )) ‪ ،‬برز عدد من العلماء الكبار بين إباضيي المغرب عرفوا‬
‫بطلبة (( حملة العلم )) ‪ ،‬ومنهم ‪ :‬عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ‪ ،‬وعبد الخليل الدركلي ‪ ،‬ومحمد بن يانس ‪،‬‬
‫وآخرون ( ‪ . ) 12‬وبعد تأسيس مدينة تاهرت ‪ ،‬عاصمة المامة الباضية ‪ ،‬تحولت هذه المدينة إلى أحد أهم المراكز‬
‫لبث التعاليم الباضية ‪ .‬وكان الئمة أنفسهم يؤدون دورا في التعليم وكتابة الكتب ؛ وكانت هنالك مراكز أخرى في‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫نفوسة وفي أماكن أخرى في المغرب ‪ .‬وبعد انهيار إمامة تاهرت انتقلت نشاطات الباضية الفكرية إلى وارجلن‬
‫ووادي ريغ ‪ .‬كذلك أصبحت جزيرة جربة أحد المراكز الثقافية الرئيسة نتيجة نشاطات مجلس العزابة في المنطقة (‬
‫‪ . ) 13‬ولعب جبل نفوسة ‪ ،‬برغم ضعف اتصالته بإمامة تاهرت بعد معركة مانوا بوجه الغالبة سنة ‪896 / 283‬‬
‫دورا مستقل تقريبا في الحفاظ على التعاليم الباضية ؛ ونشأت مراكز ومدارس عديدة في مناطق مختلفة في الجبل‬
‫لتعليم العقيدة الباضية ‪ .‬ونشأ عدد كبير من العلماء الباضيين الكبار بين الجماعات الثلث في جبل نفوسة ‪ ،‬وجزيرة‬
‫جربة ‪ ،‬ووسط شمالي إفريقية أي جنوبي تونس والجزائر ‪ ،‬وأسهموا في الدراسات الباضية إسهاما كبيرا ‪ .‬ول تزال‬
‫الغالبية من هذه العمال الهامة التي كتبها هؤلء العلماء عبر القرون موجودة وهي تستحق اهتماما أكاديميا خاصا‬
‫بها‪.‬‬

‫==================================================‬

‫( ‪ ) 1‬ابن عذاري ‪ ،‬البيان ‪ 72 / 1 ،‬؛ أبو زكريا ‪ ،‬سير ‪ 10‬ب ‪.‬‬

‫( ‪ ) 2‬الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 33‬؛ البغطوري ‪ ،‬سير ‪. 4 – 3‬‬

‫( ‪ ) 3‬الوسياني ‪ ،‬سير ‪ 76‬؛ ليفتسكي ‪ ،‬مصدر سابق ‪. 17 ،‬‬

‫( ‪ ) 4‬ما يلي ( ‪ ، 191 ، 141‬هامش ‪. ) 10‬‬

‫( ‪ ) 5‬أجوبة علماء فزان مخطوطة ‪ 3‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 191 ،‬‬

‫( ‪ ) 6‬السابق ( ‪ ) 196 ، 169‬هامش ‪. 93‬‬

‫( ‪ ) 7‬ابن سلم ‪ ،‬بدء السلم وشرائع الدين ‪ [ 50 ،‬تحقيق شفارتس وابن يعقوب ‪. ] 126 ،‬‬

‫( ‪ (( ) 8‬وصف مخطوطات إباضية جديدة )) لمؤلف الكتاب في ‪ . J.S.S 15 / 1 / 67 – 68‬لعل إسماعيل بن‬
‫سليمان المغربي المذكور في مقالة أبي عبيدة هو نفسه إسماعيل بن زياد النفوسي ‪ ،‬إمام (( الدفاع )) الذي انتخب‬
‫بعد وفاة الحارث ‪.‬‬

‫( ‪ ) 9‬الجيطالي ‪ :‬شرح النونية ‪.‬‬

‫( ‪ ) 10‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪ 187 ، 146 ،‬؛ ابن سلم المصدر السابق ‪ 63 – 60‬؛ الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪، 52 – 51 ،‬‬
‫‪. 72 – 71‬‬

‫( ‪ ) 11‬السالمي ‪. 25 ،‬‬

‫( ‪ ) 12‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 13‬عن سيرتي أبي خليل ومحمد بن يانس ‪ ،‬انظر ليفتسكي ‪ :‬مصدر سابق ‪ 30 – 27 ،‬؛ ‪. 101 ، 87‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الفصل الرابع الفقه الباضي‬

‫في العام ‪ 1903‬كتب الستاذ دنكان مكدونالد ‪ (( :‬إننا نعلم القليل نسبيا عن الفقه الباضي ‪ .‬فالدراسة الشاملة للفقه‬
‫الباضي ذات أهمية قصوى ‪ ،‬لنه يعود في تسلسل نشأته إلى ما قبل تشكيل أي من المدارس الفقهية الخرى )) (‬
‫‪.)1‬‬

‫على أن الدراسة الشاملة للفقه الباضي لم تجر منذ ذلك الوقت كما كان هذا العالم البحاثة يأمل ‪ .‬وبدل من ذلك فقد‬
‫عومل الفقه الباضي من قبل الذين درسوا الفقه السلمي بالقليل من الهتمام وكان يشار إليه على الدوام بأقوال‬
‫عامة قليلة القيمة ‪.‬‬

‫ومع أن شاخت كان يعي حقيقة أن مذهب الفقه الباضي ينسب إلى التابعي جابر بن زيد ( ‪ ، ) 2‬فإنه ختم ملحظته‬
‫بشأنه بالقول إن الباضيين استمدوا فقههم من المذاهب السلمية القائمة ( ‪. ) 3‬‬

‫وخلفا لما يعلنه فإن المذهب الباضي أخذ منذ البداية خطا منفصل ‪ .‬لقد كانت له مرجعياته المستقلة الخاصة به ‪،‬‬
‫ومجموعاته الحديثية ‪ ،‬وأعمال فقهائه ‪ .‬ويبدو أن شاخت أنساق إلى هذه النظرة للسباب التالية ‪ :‬النقص في‬
‫المعلومات بشأن المصادر الساسية للفقه الباضي ؛ والنظرة العامة القائلة بأن الباضيين فئة من حركة الخوارج ‪.‬‬
‫وبما أن الباضيين ‪ ،‬كالسنة ن كانت لهم آراء مناقضة لراء الخوارج حول نقاط معينة ‪ ،‬فقد اعتقد أن الباضيين‬
‫استمدوا هذه الراء من المذاهب السنية ‪ .‬وهو أخيرا ‪ ،‬ينفي باتا حقيقة كون الخصائص المشتركة بين المذاهب‬
‫الفقهية السلمية المختلفة هي أقدم من قيام هذه المذاهب ( ‪. ) 4‬‬

‫وفي هذا الفصل نأخذ على أنفسنا أن ندرس نشؤ مذهب الفقه الباضي ‪ ،‬وتأسيسه ‪ ،‬وتطوره ‪ ،‬ونقاط الختلف بين‬
‫الباضية والمذاهب السلمية الرئيسة الخرى ‪.‬‬

‫يعد الفقه الباضي أحد أقدم المذاهب الباقية بين مذاهب الفقه السلمي ‪ ،‬إن لم نقل أقدمها ‪ .‬ويعود قيامه إلى التابعي‬
‫جابر بن زيد الزدي وزميله المعاصر له ‪ ،‬وتلميذه ‪ ،‬أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ‪ .‬فقول مكدونالد (( بأن الفقه‬
‫الباضي لبد أنه جمع وصنف ‪ ،‬إلى هذا الحد أو ذاك ‪ ،‬على يدي عبد ال بن إباض )) ( ‪ ) 5‬غير صحيح ‪ .‬فقد دل‬
‫البحث الدقيق بأن عبد ال بن إباض لم يقدم أي إسهام للفقه الباضي ‪ ،‬وإن دوره الرئيس انحصر في الكلم وفي‬
‫العقيدة السياسية للباضية ‪.‬‬

‫والرجل الذي كان مسؤول فعليا عن تأسيس مدرسة للفقه الباضي هو جابر بن زيد ‪ .‬وهو محدث ‪ ،‬وفقيه ؛ وبسبب‬
‫معرفته الواسعة بالقرآن وبأحاديث الرسول ( صلى ال عليه وسلم ) ‪ ،‬فقد كان قادرا أن ينشيء مذهبا مستقل ‪ ،‬وأن‬
‫يجذب إليه عددا من المتعلمين ‪ .‬وفي وقت لحق راح هؤلء يطورون آراء وينشرونها ‪.‬‬

‫واتخذ الفقه الباضي شكله النهائي على يدي تلميذه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة في سنواته الخيرة ‪ ،‬وعلى يدي‬
‫الربيع بن حبيب ‪ ،‬تلميذ جابر بن زيد وأبي عبيدة معا ‪ .‬غير أن جابر بن زيد يظل الشخصية ذات الهمية الكبرى في‬
‫تأسيس هذا المذهب ‪ .‬وبالضافة إلى مهارته مفتيا صرف معظم حياته لصدار الحكام الشرعية وضبط آرائه‬
‫باستشارة صحابة الرسول الحياء ‪ ،‬والتابعين البارزين ‪ ،‬وكان كذلك صلة الوصل الساسية يبن أتباع مذهبه وأولئك‬
‫الصحابة الذين لعبوا الدور الرئيس في صياغة الراء حول الشؤون الدينية والشرعية ونشرها ‪.‬‬

‫والدور الطليعي الذي لعبه جابر في تأسيس المذهب الباضي معترف له به بوضوح من قبل المام الثاني للباضية ‪،‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ‪ .‬كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال ‪ .‬ولول أن ال من علينا بجابر بن‬
‫زيد لضللنا ( ‪ . ) 6‬وحقيقة كون جابر صاحب مذهب فقهي مستقل أمر اعترفت له به المرجعيات السنية أيضا ‪ .‬يقول‬
‫أبو زكريا النووي ( ت ‪ ) 1277 / 676‬في كتابه (( تهذيب السماء )) بعد الحديث عن جابر بن زيد ‪ ،‬ومدرسيه ‪،‬‬
‫وتلميذه (( اتفقوا على توثيقه وجللته وهو معدود في أئمة التابعين وفقهائهم وله مذهب يتفرد به )) ( ‪. ) 7‬‬

‫لقد سبق أن ذكرت قصة حياة جابر ونشاطاته مفتيا ( ‪ . ) 8‬أما هنا فإننا بالدرجة الولى معنيون بإسهامه وبمقاربته‬
‫فقهيا ‪ .‬وقد سجلت فتاويه أو أحكامه الشرعية من قبل كلبه الباضيين وهي تشكل جزءا هاما من أساس المذهب‬
‫الباضي في الفقه ‪.‬‬

‫وقد كانت مصادر الحكام الشرعية المعروفة لدى جابر والتي استخدمها هي القرآن والسنة ‪ ،‬وآراء الصحابة ( الثار‬
‫) ‪ ،‬ثم رأيه الخاص ‪.‬‬

‫بالنسبة للقرآن ‪ ،‬كان جابر يملك معرفة تامة بتفسيره من شيخه ابن عباس الذي يعتبر خير مرجع في تفسير القرآن ‪.‬‬
‫والثقتان اللذان نقل عنهما القسم الكبر من المعلومات في التفسير ‪ ،‬أي مجاهد وقتادة ‪ ،‬كانا على صلة وثيقة بجابر ‪.‬‬
‫والواقع أن قتادة كان أحد تلمذة جابر ( ‪. ) 9‬‬

‫ومن الطريف أن نؤكد هنا أنه لم توجد أية أعمال إباضية خاصة بالتفسير خلل المائة والخمسين سنة الولى من‬
‫الهجرة ‪ .‬ولقد ذكرت المصادر الباضية تفسير عبد الرحمن بن رستم ( ‪ ) 10‬أحد تلمذة أبي عبيدة مسلم بن أبي‬
‫كريمة ‪ ،‬وأول إمام في إمامة تاهرت الباضية ‪ .‬والتفسير الثاني الكامل هو لهود بن محكم الهواري الذي وضع خلل‬
‫القرن الثالث للهجرة ( ‪ . ) 11‬وأهم وأكبر تفسير وضعه مؤلف إباضي هو تفسير أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم‬
‫الوارجلني ( ت ‪ . ) 11 ( ) 1174 / 570 .‬على أن هذا العمل ل يزال مفقودا ؛ والعثور على هذا الكتاب يشكل قيمة‬
‫كبيرة للدراسات السلمية والباضية ‪.‬‬

‫وتفسير اليات القرآنية التي تتناول القضايا الفقهية والدينية موجود في تلك العمال التي تضم الفتاوى والروايات‬
‫المنقولة عن جابر وأبي عبيدة ‪ .‬أما اليات التي تتناول المسائل الشعرية فمعالجة في عمل خاص للشيخ أبي المؤثر‬
‫الصلت بن خميس وهو أعمى ‪ ( .‬ت ‪ 278 :‬هـ ) ‪ .‬وعنوان مؤلفه (( تفسير آيات الحكام )) أو (( تفسير الخمسمائة‬
‫آية )) ( ‪. ) 13‬‬

‫وأما بالنسبة لدراسات جابر بن زيد ‪ ،‬فقد اكتسب معرفته بالسلم ونظامه الديني والفقهي عبر عدد من الصحابة ‪ ،‬ل‬
‫سيما ابن عباس ‪ ،‬وابن عمرو ‪ ،‬وعبد ال بن مسعود ‪ ،‬وعائشة ‪ .‬ثم إن المام الباضي أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة‬
‫يزعم أنه تتلمذ في المذهب الباضي على الصحابة عبد ال بن عباس وعبد ال بن مسعود ‪ ،‬وعبد ال بن سلم‬
‫ووصفهم بأنهم (( راسخون في العلم )) ‪ .‬ثم أضاف قائل ‪ (( :‬لقد اقتفينا خطاهم ‪ ،‬وتبعنا أقوالهم ‪ ،‬واعتمدنا على‬
‫تصرفهم وقلدنا أساليبهم )) ( ‪. ) 14‬‬
‫وقد سبق أن ذكرنا أن المصادر الساسية التي استخدمها جابر بن زيد لتكوين الحكام الشرعية هي القرآن ‪،‬‬
‫والسنة ‪ ،‬والثار ‪ ،‬والرأي ‪.‬‬

‫والسنة ‪ ،‬وهي أقوال الرسول ( صلى ال عليه وسلم ) وأعماله ‪ ،‬وموافقته على أعمال وأقوال معينة من قبل صحابته‬
‫‪ ،‬ومعروفة لدى الثقات الباضية الولين بأوسع معانيها ‪ .‬وفي ذلك قال شاخت ‪ (( :‬أول دليل موثوق بالطبع ‪ ،‬على‬
‫استعمال عبارة (( سنة الرسول )) بالشارة إلى استعمالها السياسي الصلي الذي مثل رابطة عقائدية بين (( سنة‬
‫الرسول )) وسنة أبي بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬والقرآن ‪ ،‬وردت في رسالة وجهها عبد ال بن إباض إلى عبد الملك بن مروان‬
‫نحو ‪ . ) 15 ( 695 / 76‬على أن المراجع الباضية استعملت هذه العبارة بمعناها التقني منذ الفترة الباكرة لتأسيس‬
‫مذهبهم ‪ .‬وقد استعمل جابر بن زيد هذه العبارة في رسالتين من رسائله ‪ .‬وفي رسالة إلى عثمان بن ياسر ‪ ،‬كتب‬
‫جابر ‪ ( :‬فأما الذي كتبت تسألني عنه من المملوك هل يصلي ولم يختتن ‪ ،‬فإن الختان من المسلمين سنة واجبة ل‬
‫ينبغي تركها ‪ ،‬ويكره أن تتركوا لكم مملوكا غير مختون ‪ ،‬ول يصلي حتى يختتن )) ( ‪ . ) 16‬وفي رسالة أخرى‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫للحارث بن عمرو ‪ ،‬كتب جابر مرة أخرى ‪ (( :‬وأما ما ذكرت من رجل يصلي المغرب والعشاء والصبح لم يقرأ فيهن‬
‫بشيء من القرآن ‪ ،‬فإنه أحب إلي أن يعيد صلته فيقرأ منها ‪ ،‬فإنه قد ترك سنة فيها ‪ ،‬إل أن يكون رجل أميا ل يقرآ‬
‫واغتم ‪ ،‬فإن ال ل يكلف نفسا إل وسعها )) ( ‪. ) 17‬‬

‫كذلك ذكر جابر كلمة (( السنة )) في رسالته إلى طريف بن خليد بالقول التالي ‪ (( :‬وأما الذي ذكرت من أن إماما يؤم‬
‫الناس في الصلة الواجبة ‪ ،‬ولكنه ترك فيها الركوع وتبعه في ذلك المأمومون ‪ ،‬فالفضل لهم إعادة صلتهم تلك لنهم‬
‫بذلك قد خالفوا السنة )) ( ‪ . ) 18‬ثم إن هذين الخبرين الخيرين مذكوران في كتاب جابر بن زيد كما رواه حبيب بن‬
‫أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد ( ‪. ) 19‬‬

‫وعند مناقشة الخوارج المتطرفين ‪ ،‬قال سالم بن ذكوان ‪ ،‬وهو معاصر لجابر بن زيد ‪ (( :‬لسنا ممن يزعم أنه أفاد‬
‫اليوم علما في القرآن والسنة حتى غلبهم )) ( ‪ . ) 20‬إن دور السنة كمصدر ثان للفقه الباضي ذكره بصراحة أبو‬
‫عبيدة مسلم بن أبي كريمة ‪ ،‬خليفة جابر بن زيد ‪ ،‬في عدد من القوال ‪:‬‬

‫( ‪ ) 1‬إن إمام المسلم هو القرآن ‪ ،‬ودليله هو سنة رسول ال ‪ ،‬يحب فقط ما يحبه ال ورسوله ‪.‬‬

‫( ‪ ) 2‬بالنسبة لحكم المام ‪ :‬هل يمكن لعلماء المة أن يغيروه أم ل ‪ ،‬قال أبو عبيدة مسلم ‪ :‬إذا كان حكمه معارضا لما‬
‫في الكتاب والسنة ‪ ،‬وكان الحكم على هذه القضية معروفا في القرآن وفي السنة ‪ ،‬فإن عليهم أن يغروا ما هو مناقض‬
‫للكتاب وللسنة ( ‪. ) 21‬‬

‫( ‪ ) 3‬الخير فيما اختار ال ورسوله ‪ ،‬والضرر في معارضتهما ؛ ل يمكن لحد أن يكون مصيبا إل إذا كان موافقا لهما‬
‫( ‪. ) 22‬‬

‫وتمسك تلمذة أبي عبيدة بهذا النهج نفسه ‪ ،‬وقد ذهب بعضهم إلى حد رفض أحكام المراجع الباضية الولى كجابر‬
‫بن زيد ‪ ،‬وأبي عبيدة ‪ ،‬حين نقلت أحاديث موثوقة بالنسبة لقضية معينة ‪ ،‬حتى من قبل مراجع غير إباضية ( ‪. ) 23‬‬
‫وبالنسبة لمسألة (( الحيازة )) قيل إن جابر بن زيد ‪ ،‬أضاف ‪ ،‬على سبيل الحتياط ‪ ،‬عشر سنوات أخرى على‬
‫السنوات العشر التي حددها الرسول كمدة قصوى للستيلء على حق حيازة الرض أو الممتلكات ‪ ،‬إذا لم يتقدم المالك‬
‫الصلي بدعاء ملكيته خلل تلك السنوات العشرين ‪ .‬غير أن عبد ال بن عبد العزيز ‪ ،‬تلميذ أبي عبيدة ‪ ،‬رفض رأي‬
‫جابر على أساس حديث الرسول كما روته المراجع المدنية والكوفية معا وهو أنه حدد مدة الحيازة بعشر سنوات فقط‬
‫( ‪ . ) 24‬وختم قوله بما يلي ‪ (( :‬إن ما قاله الرسول هو وحده الحقيقة ‪ .‬والسنة أول ‪ ،‬شرط أن تكون سنة موثوقة‬
‫عن الرسول ‪ .‬أما القياس ‪ ،‬ولو كان قديما ‪ ،‬فل يمكن له أن يحل محل السنة )) ( ‪. ) 25‬‬

‫============================‬

‫( ‪ ) 1‬عن إباضية جربة انظر علي معمر (( الباضية في تونس )) ‪ ،‬بيروت ‪. 1966 ،‬‬

‫( ‪ ) 2‬مكدونالد ‪ (( :‬تطور الفقه ‪ ،‬والشرع والنظرية الدستورية في السلم )) ‪ ،‬بيروت ‪. 116 ، 1965 ،‬‬
‫( ‪ ) 3‬شاخت ‪ ،‬ج ‪ .‬نشأة الفقه السلمي ‪. 261 ،‬‬

‫( ‪ ) 4‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 5‬المصدر السابق ‪. 260 ،‬‬

‫( ‪ ) 6‬مكدونالد ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 116 ،‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 7‬أبو عبيدة مسلم ‪ ،‬مسائل ‪ 37 ،‬؛ الجيطالي ‪ ،‬شرح النونية ‪. 47 / 1‬‬

‫( ‪ ) 8‬النووي ‪ ،‬تهذيب السماء ؛ تحقيق ر ‪ .‬دوزي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬لت ) ‪. 140 ،‬‬

‫( ‪ ) 9‬أنظر ما تقدم ‪.‬‬

‫( ‪ ) 10‬أبو نعيم ‪ ،‬حلية ‪. 90 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 11‬الوسياني ‪ ،‬سير ‪ ،‬مخطوطة ‪ 44‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪ 139 ،‬؛ انظر ابن الصغير ‪ [ 17 ،‬ط دار الغرب‬
‫السلمي ‪ ، ] 45 ،‬حيث ينفي أن يكون عبد الرحمن قد كتب أي كتب ‪ .‬انظر كذلك ‪ :‬موتيلنسكي ‪“ ،‬‬
‫‪. Bibliographie du Mzab” Bulletin de Corresp Afric” ، 1885 ، 23 – 24‬‬

‫( ‪ ) 12‬يعد شريفي بالحاج من القرارة مزاب ‪ ،‬نسخة علمية محققة للتفسير ‪ .‬انظر الذهبي ‪ ،‬محمد حسين ‪ ،‬التفسير‬
‫والمفسرون ‪ ،‬القاهرة ‪ [ ، 11 ، 1961 ،‬وقد صدر عن دار الغرب السلمي سنة ‪. ] 1995‬‬

‫( ‪ ) 13‬البرادي ‪ ،‬الجواهر ‪ ، 221 – 220 ،‬نسب إيلي أديب سالم في كتابه (( النظرية والمؤسسة السياسية لدى‬
‫الخوارج )) ‪ ، 68 ،‬هذا التفسير للربيع بن حبيب ‪ ،‬لكن ذلك خطأ ‪.‬‬

‫( ‪ ) 14‬البرادي ‪ ،‬الجواهر ‪ 219 ،‬؛ أخبرني الشيخ بيوض إبراهيم بن عمر من القرارة مزاب ‪ ،‬أن مخطوطات هذا‬
‫التفسير للصلت بن خميس موجودة في مزاب ‪.‬‬

‫( ‪ ) 15‬أبو عبيدة ‪ ،‬مسائل ‪ 37 ،‬؛ الجيطالي ‪ ،‬شرح النونية ‪. 47 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 16‬شاخت (( مدخل إلى الشرع السلمي )) ( أوكسفورد ‪. 18 ، ) 1964 ،‬‬

‫( ‪ ) 17‬جابر بن زيد ‪ ،‬جوابات جابر ‪ ،‬تحقيق المؤلف مخطوطة ‪ ،‬رقم ‪. 4 ، 2‬‬

‫( ‪ ) 18‬المصدر السابق ‪ ،‬رقم ‪. 14 ، 5‬‬

‫( ‪ ) 19‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 20‬جابر بن زيد ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ، 5 ،‬انظر البخاري ‪ ،‬تاريخ ‪. 204 / 1 / 2‬‬

‫( ‪ ) 21‬سالم بن ذكوان ‪ ،‬سيرة ‪. 221 ،‬‬

‫( ‪ ) 22‬أبو عبيدة مسلم ‪ ،‬مسائل ‪. 15 ،‬‬

‫( ‪ ) 23‬الديوان المعروض ‪ ،‬كتاب الممتنعين من الحدود ‪ ،‬مخطوطة ‪. 4‬‬

‫( ‪ ) 24‬أبو عبيدة ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ ، 10 ،‬انظر أيضا رسالة في الزكاة ‪ ،‬مخطوطة ‪. 11‬‬

‫( ‪ ) 25‬أبو غانم ‪ ،‬المدونة ‪ ،‬مخطوطة ‪400‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫السهام الباضي في حقل الحديث‬

‫لقد تمثل توق المراجع الباضية الولى إلى إتباع سنة الرسول بإسهامهم في ميدان الحديث واعتبر الباضية أنفسهم‬
‫التابعين الحقيقين للسنة ؛ واستعمال عبارة (( السنة )) للتعبير عن المذاهب السلمية الفقهية السنية الربعة‬
‫مرفوض بصورة عامة من قبل الباضيين على أساس أنهم هم أيضا ‪ ،‬إن لم يكونوا وحدهم ‪ ،‬التابعون الحقيقيون‬
‫للسنة ( ‪ . ) 1‬وأسهموا في ميدان الحديث بأن حفظوا ودونوا مجموعاتهم الخاصة بهم من الحديث ‪ .‬إن جميع العلماء‬
‫الوائل الذين أسسوا المذهب الباضي كانوا محدثين بارزين أمثال جابر بن زيد ‪ ،‬وأبي نوح صالح بن نوح الدهان ‪،‬‬
‫وحيان بن العرج وأسماءهم معروفة جيدا في مجموعات الحديث السلمية ‪ ،‬وهم معتبرون من قبل المحدثين (( ثقاة‬
‫)) ( ‪ . ) 2‬أما بالنسبة للعلماء الخرين أمثال أبي سفيان محبوب بن الرحيل ‪ ،‬فقد كانوا محدثين أيضا ‪ ،‬ونظر إليهم‬
‫المحدثون السنة بأنهم (( ثقاة )) ولو أنهم لم يكونوا معروفين إلى الحد الذي عرف به المذكورون سابقا ( ‪. ) 3‬‬
‫وبالضافة إلى نقل أحاديث الرسول ‪ ،‬فإن جابر بن زيد أسهم في تدوين أحاديث الرسول بكتابة الحاديث نقل عن‬
‫زملئه ( ‪ ) 4‬وبالسماح لطلبه بأن يسجلوا الحاديث بناء على مصداقيته ( ‪ . ) 5‬ثم كررت المصادر الباضية‬
‫المعلومات التي ذكرها أبو زكريا الوارجلني في (( سيرة )) عن ديوان جابر ب زيد ‪ ،‬والذي كان موجودا في مكتبة‬
‫الخليفة العباسي هارون الرشيد ( ‪ . ) 6‬كذلك ذكر حاجي خليفة ديوان جابر بن زيد ( ‪ ) 7‬لكنه لم يذكر أية معلومات‬
‫إضافية عن الديوان أو عن مصدر معلوماته عنه ‪ .‬وبما أنه لم يذكر أية مصادر إباضية في كتابه ‪ ،‬فمن المحتمل أنه‬
‫استمد معلوماته عن الباضية عن الديوان ويعطينا أمل باحتمال اكتشاف أحد أقدم العمال عن الحديث ‪ ،‬في المستقبل‬
‫( ‪ . ) 8‬ويجب أخذ المعلومة التالية بعين العتبار لدعم القول بأن جابر بن زيد دون الحاديث وأنواعا أخرى من‬
‫الحكام الشرعية نقل عن الصحابة وبعض زملئه ‪ :‬قال أبو عمرو عثمان بن خليفة السوفي ‪ ،‬عن الشيخ يخلفتن بن‬
‫أيوب ‪ ،‬عن أبي محمد ‪ :‬إن ديوان جابر كان في عهدة أبي عبيدة ‪ ،‬ثم في عهدة الربيع بن حبيب ‪ ،‬ثم في عهدة أبي‬
‫سفيان محبوب ‪ ،‬ثم في عهدة ابنه محمد بن محبوب ‪ ،‬وهنه نسخت ( كتب أو مجلدات الديوان ) في مكة ( ‪. ) 9‬‬
‫ولعله جدير بالذكر هنا أن كلمة ديوان تستعمل في أماكن كثيرة في الخبار الباضية بمعنى أنها مجموعة كتب ‪ ،‬ل‬
‫مجرد كتاب معين بالذات ( ‪. ) 10‬‬

‫وحفظت المصادر الباضية الولى عددا من الملحظات بخصوص أصول سرد الحاديث وتدوينها ‪ .‬وقال أبو عبيدة ‪:‬‬
‫ل يؤثر تغيير موقع كلمات في أحاديث الرسول أو الثار ‪ ،‬بأن نقدمها أو نؤخرها إذا بقي المعنى واحدا ‪ .‬ثم سئل ‪:‬‬
‫(( ماذا بشأن إضافة أو حذف حروف كالواو أو اللف المهموزة إذا لم يغير ذلك المعنى ؟ )) فقال ‪ (( :‬أرجو أن ل‬
‫حرج في ذلك )) ‪.‬‬

‫وفي كلم له عمن يؤخذ الدين ‪ ،‬قال أبو عبيدة ‪ (( :‬ل ينبغي أن تأخذ العلم من مبتدع لنه يدعو إلى بدعته ‪ ،‬ول من‬
‫سفيه يدعو إلى سفهه ‪ ،‬ول ممن يكذب وإن كان يصدق في فتواه ‪ ،‬ول ممن يفرز مذهبه من مذهب غيره )) ( ‪) 11‬‬
‫‪.‬‬

‫والظاهر أن معرفة الحاديث ليست ضرورية للعلماء لتدريس العلم ‪ ،‬أي الفقه ‪ ،‬أو معرفة الحكام الشرعية ‪ .‬وقد سئل‬
‫أبو عبيدة عن الشخص الذي ل يحفظ أحاديث الرسول ‪ :‬هل هو ثقة ‪ ،‬هل يستطيع أن يدرس العلم ؟ فقال ‪ ( :‬سبحان‬
‫ال ‪ ،‬أكل الناس يحفظون الحديث ؟ بل يؤخذ العلم عن الثقات ‪ ،‬وإن كانوا ل يعلمون حديثا واحدا )) ( ‪. ) 12‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبالنسبة لعتماد الحاديث ‪ ،‬هنالك قولن ‪ :‬الول يرد في مسائل أبي عبيدة ‪ .‬وقد سئل ‪ :‬هل على السائل أن يتبع‬
‫فتوى الشخص الموثوق إذا كان قد بناها على حديث منقول عن صحابي ؟ فقال ‪ (( :‬إذا عرفت الحق كان عليك أن‬
‫تتبعه ‪ ،‬وإل فل )) ‪ .‬ثم أضاف ‪ (( :‬ينبغي أن ل تصغي لرجل يروي لك كل ما سمعه ؛ إنما يجب عليك أن تميز الحكام‬
‫الموثوقة ‪ ،‬وأن تسأل عمن هو أعلم منه ( ‪ . ) 13‬أما بالنسبة للعودة إلى الكتب لصدار الحكام الفقهية ‪ ،‬فقد سئل‬
‫أبو عبيدة عن تلك الحالة التي قال فيها رجل عالم لرجل آخر ‪ :‬هذا هو كتابي ‪ ،‬خذه وانشره ؛ وأصدر الفتاوى معتمدا‬
‫ما فيه ‪ .‬فقال ‪ :‬ل يحق للرجل أن يفتي إل بما كان قد سمعه من الرجل العالم ‪ ،‬أو قال إنه رآه في كتاب كذا وكذا ( ‪14‬‬
‫) ‪ .‬وذكر عبد ال بن عبد العزيز أن الحاديث التي كانت مشهورة بين الصحابة و (( التابعين )) هي التي يجب أن‬
‫تعتمد ‪ ،‬أما الشواذ فينبغي أل تؤخذ بعين العتبار ( ‪. ) 15‬‬

‫على أي حال ‪ ،‬ظهرت في وقت لحق أصول أخرى تتعلق بالحديث في عمل لبي يعقوب الوارجلني هو (( العدل‬
‫والنصاف )) ‪ ،‬وغالبية تلك الصول معروفة في كتب السنة عن علم الحديث ‪ .‬ولعل أبا يعقوب جمع بعضها من‬
‫مدرسية السنة في قرطبة ‪ ،‬أو لعل عددا من تلك الصول انتقل إليه من مراجع إباضية تعود إلى عهود سابقة ‪ ،‬أمثال‬
‫محمد بن محبوب ‪ ،‬ووالده أبي سفيان ‪ ،‬إذ يقال أن كتبهما وقعت في يديه ( ‪ . ) 16‬ولعله من الهمية بمكان هنا أن‬
‫نذكر الصول التي وضعها الباضيون لتدوين ونسخ كتب الحكام الفقهية التي منها يمكن إصدار الحكام الشرعية ‪.‬‬
‫والصول هي أن الناسخ ينبغي أن يكون وليا ‪ ،‬وأن الرجل الذي يملي عليه ينبغي كذلك أن يكون وليا ‪ .‬ثم إنه ينبغي‬
‫لوليين أن يراقبا الملء ‪ ،‬فيما يراقب وليان آخران الكتابة ( ‪. ) 17‬‬

‫====================================‬

‫( ‪ ) 1‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 2‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 3‬البسياني ‪ ،‬سيرة ‪ ،‬مخطوطة ‪ 25‬؛ السالمي ‪ ،‬حاشية الجامع الصحيح ‪. 59 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 4‬ابن حجر ‪ ،‬تهذيب التهذيب ‪ 68 / 3‬؛ لسان ‪. 187 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 5‬القطب ‪ ،‬شرح عقيدة التوحيد ‪. 115 ،‬‬

‫( ‪ ) 6‬الذهبي ‪ ،‬ميزان العتدال ‪ 93 / 3 ،‬؛ الخطيب البغدادي (( تقييد العلم )) ‪ ( ،‬تحقيق يوسف عشي ‪ ،‬دمشق ‪،‬‬
‫‪ 109 ، ) 1949‬؛ ابن خلفون العظمي ‪ ،‬دراسات في أدب الحديث القديم ‪ ( ،‬بيروت ‪. 77 ، 67 ، 66 ، ) 1968 ،‬‬

‫( ‪ ) 7‬ابن سعد ‪ ،‬طبقات ‪. 31 / 1 / 7 ،‬‬

‫( ‪ ) 8‬أبو زكريا ‪ ،‬سير ‪ ،‬مخطوطة ‪ 30 ،‬وما يليها ‪ [ .‬بتحقيق عبد الرحمن أيوب ( تونس ‪ ، ) 1985 ،‬ص ‪] 140‬‬
‫‪.‬‬

‫( ‪ ) 9‬حاجي خليفة ‪ ،‬كشف الظنون ‪. 781 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 10‬لعل عملي جابر هذين ‪ ،‬كتاب النكاح و كتاب الصلة ‪ ،‬الموجودين في مخطوطة الديوان المعروض يشكلن‬
‫جزءا من ديوان جابر الوارد ذكره هنا ‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 11‬الوسياني ‪ ،‬سير ‪. 120 ،‬‬

‫( ‪ ) 12‬المصدر السابق ‪. 129 ،‬‬

‫( ‪ ) 13‬أبو عبيدة ‪ ،‬مسائل ‪. 24 – 23 ،‬‬

‫( ‪ ) 14‬المصدر السابق ‪ 24 ،‬؛ الجيطالي ‪ ،‬شرح النونية ‪. 47 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 15‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 16‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 17‬أبو عبيدة ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 24 ،‬‬

‫الجامع الصحيح‬

‫إن العمل الذي يضم المجوعة الباضية للحاديث ‪ ،‬بالمعنى الدقيق للكلمة ‪ ،‬هو الجامع الصحيح ‪ ،‬أو مسند الربيع بن‬
‫حبيب ؛ والنص الصلي للكتاب كما وضعه الربيع بن حبيب ‪ ،‬ليس بشائع الستعمال ؛ أما النسخة الشائعة فهي التي‬
‫أعاد أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلني تنظيمها بعنوان (( ترتيب المسند )) ( ‪ . ) 1‬وفي هذه النسخة الخيرة‬
‫روايات إباضية زادها أبو يعقوب وهي تحتل القسمين الثالث والرابع من الطبقات الحالية وتضم روايات الربيع في‬
‫المسائل الفقهية ‪ ،‬وهي كلها في القسم الثالث ‪ .‬أما في القسم الرابع هنالك راويات أبي سفيان محبوب بم الرحيل عن‬
‫الربيع ‪ ،‬وروايات المام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم عن أبي غانم الخراساني ‪ ،‬مراسيل جابر بن زيد ‪.‬‬
‫وفي هذه المراسيل ل يذكر حلقات السند بين جابر والرسول ‪.‬‬

‫وأما بالنسبة للقسمين الولين من المسند ‪ ،‬فإنهما يضمان الحاديث التي تتناول القضايا الشرعية والدينية ‪ ،‬مرتبة‬
‫وفق مجموعات السنة للحديث ‪ .‬والسناد بين القسمين الولين هو كما يلي ‪:‬‬

‫الربيع بن حبيب – أبو عبيدة – جابر بن زيد – صحابي – الرسول ‪ .‬والصحابة هم بالدرجة الولى ابن عباس ‪ ،‬أبو‬
‫هريرة ‪ ،‬وأبو سعيد الخدري ‪ ،‬وأنس بن مالك ‪ ،‬وعائشة وآخرون ‪ ،‬ووفقا للربيع ‪ ،‬فإن الحاديث المنقولة عن ‪:‬‬

‫عائشة ‪68‬‬
‫ابن عباس ‪150‬‬
‫أنس بن مالك ‪40‬‬
‫أبي سعيد الخدري ‪60‬‬
‫أبي هريرة ‪72‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما الحاديث (( المراسيل )) عن جابر بن زيد فهي ‪ ، 180‬وتلك التي عن أبي عبيدة هي ‪ . 88‬وترد الحاديث عبر‬
‫السانيد التالية ‪:‬‬

‫أ‪ -‬الربيع – أبو أيوب النصاري – الرسول ‪.‬‬


‫ب‪ -‬الربيع – عبادة بن الصامت – الرسول ‪.‬‬
‫ج‪ -‬الربيع – ابن مسعود – الرسول ‪ ،‬وعددها ‪ . 92‬وبقية الحاديث التي أضافها أبو يعقوب في القسمين الثالث‬
‫والرابع هي ‪ . ) 2 ( 261‬أما مجموعة الحاديث الباضية فهي أقل بكثير من مجموعات الحاديث السنية ‪ .‬وقد أكد‬
‫الربيع نفسه القول الشهير حول مجموع الحاديث الموثوقة المنقولة عن الرسول بأنها ‪ ، 4000‬منها ‪ 900‬حول‬
‫الصول ‪ ،‬والباقي حول الداب والخبار ( ‪ . ) 3‬أما المجموعة الباضية بما في ذلك إضافات أبي يعقوب فتضم‬
‫‪ 1005‬أحاديث ‪.‬‬

‫ومواد مسند الربيع بن حبيب هي المواد المذكورة في مجموعات السنة نفسها ؛ وغالبية الحاديث التي رواها الربيع‬
‫بن حبيب مذكورة في المراجع السنية الخرى بالنص نفسه ‪ ،‬أو بفروق طفيفة ‪ .‬وفي التعليق على المسند أبرز‬
‫السالمي الحاديث المذكورة بشكل فريد غير الشكل الوارد في المجموعات السنية ‪ ،‬إل أن هنالك أحاديث أخرى مماثلة‬
‫تعبر عن الراء نفسها ‪ ،‬تمسى اصطلحا بالشواهد ‪ .‬على أن هنالك ‪ ،‬من ناحية أخرى ‪ ،‬في المجموعة الباضية عددا‬
‫من الحاديث المنقولة بإسناد السنية ‪ ،‬إذ وصف بعضها بأنه موضوع ‪ .‬والمر نفسه يقال بالنسبة لعدد من الحاديث‬
‫التي تعتبرها المراجع السنية موثوقة ‪ ،‬لكنها بالنسبة للمراجع الباضية ليست أكثر من كذب صريح أو (( بدع )) ( ‪4‬‬
‫)‪.‬‬

‫ولم يعتمد الفقه الباضي خلل تاريخه الطويل إل على مواد إباضية مروية من قبل علماء إباضيين ‪ .‬أما مجموعات‬
‫الحاديث السنية الخرى فلم تستخدم في أية مرحلة ‪ .‬والواقع أن أول عالم إباضي في شمالي إفريقية ذكر بعض‬
‫مجموعات الحاديث السنية في أعماله هو أبو يعقوب الوارجلني من القرن السادس للهجرة ( ‪ . ) 5‬وحتى زمن‬
‫البرادي كان الباضيون ل يزالون يثبطون استخدام مجموعات الحاديث السنية ‪ .‬ونصح البرادي في رسالته‬
‫(( الحقائق )) الطلبة الباضيين أن يمتنعوا عن قراءتها ما أمكن ( ‪ ) 6‬وهكذا فإن النظام الفقهي الباضي كان قائما‬
‫على مواد ترويها المصادر الباضية فقط ‪ .‬وتطور ‪ ،‬خلل تاريخه ‪ ،‬في إطار هذه المواد ‪ .‬ول يمكن فهم طبيعة‬
‫التشريع الباضي إل بدراسة مواده ومراجعه الصلية ‪ ،‬والظروف التي أدت إلى تأسيس الحركة الباضية ووجهت‬
‫نموها وتطورها ‪ .‬ونظر الباضيون إلى الفترة الولى في عهد الخليفتين الولين بعتبارها العصر المثالي الذي بعده‬
‫أخذت البدع والشهوات الدنيوية تسبب في فساد المجتمع السلمي من حيث الحياة الدينية والسياسية ؛ فهدفهم هو‬
‫التمسك بالمثال الذي سنة الرسول ‪ ،‬وخليفتاه والصحابة المستقيمون ‪ ،‬وإعادة ترسيخ المجتمع على نفس أسس‬
‫المجتمع السلمي أول ‪ .‬ولذلك اختار الباضيون مصادرهم من الصحابة و التابعين الذين عاصروهم ورووا الحاديث‬
‫والثار عن أولئك الذين اعتبروهم من وجهة نظرهم ‪ ،‬مسلمين حقيقيين ‪.‬‬

‫وقد جرح الباضية عددا من الصحابة ؛ والحجة الباضية لهذا الموقف مذكورة في (( العدل والنصاف )) للوارجلني‬
‫( ‪ ) 7‬وهنالك عمل آخر خاص بهذا الموضوع ‪ ،‬هو (( كتاب التخصيص )) للعلمة العماني أحمد بن عبد ال النزوي‬
‫( ت ‪ . ) 1161 / 557‬وبالنسبة للتابعين ولتابعيهم ‪ ،‬حتى زمن قيام المذاهب الشرعية المختلفة ‪ ،‬فقد كانوا جميعا‬
‫متأثرين بالفتنة الولى ‪ ،‬وكانوا إما شيعة لعلي أو مؤيدين لمعاوية وسللة بني أمية ‪ ،‬أو مناصرين لفئة المحكمة ؛‬
‫وكان كل فريق يرعى مجموعة خاصة به ‪ ،‬ويتجنب الخرين ( ‪ . )8‬هكذا صنف الباضيون المجتمع السلمي‬
‫واختاروا بعناية مراجعهم التي تلقوا منها المعلومات عن سنة الرسول وآثار الصحابة ‪ ،‬وعليها بنوا فقههم ‪.‬‬

‫والمادة الصلية للفقه الباضي محفوظة في العمال التالية ‪:‬‬

‫‪ -1‬الجامع الصحيح ‪ ،‬للربيع بن حبيب ‪.‬‬


‫‪ -2‬المدونة لبي غانم بشر بن غانم الخراساني ‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -3‬الديوان المعروض على علماء الباضية ‪.‬‬


‫‪ -4‬روايات ضمام ( ‪ . ) 9‬ألفه صفرة عبد الملك بن صفرة ‪.‬‬
‫‪ -5‬فتيا الربيع بن حبيب ( ‪. ) 10‬‬
‫‪ -6‬كتاب نكاح الشغار لعبد ال بن عبد العزيز ‪.‬‬
‫‪ -7‬كتب ورسائل المامين الولين للمذهب الباضي ‪ ،‬جابر بن زيد ‪ ،‬وأبي عبيدة مسلم ( ‪. ) 11‬‬

‫وجميع العمال الباضية التالية جاءت – إلى حد ما – مبنية بالدرجة الولى على المواد المحفوظة في العمال‬
‫المذكورة أعله ‪ .‬ورغم أن مخطوطاتها ل تزال موجودة فإنها لم تخضع لدراسة أكاديمية حتى الن ‪ .‬إن نشرة علمية‬
‫دقيقة وأكاديمية لهذه العمال ستكون ذات قيمة كبيرة ‪ .‬ولعله من المفيد أن نقدم هنا ملحظات موجزة عن بعضها ‪،‬‬
‫على أمل أني صار في وقت لحق إلى دراية تفصيلية لها ‪.‬‬

‫====================================‬

‫( ‪ ) 1‬الديوان المعروض ‪ ،‬كتاب أيواب البيوع ‪ ،‬مخطوطة ‪. 5‬‬

‫( ‪ ) 2‬سليمان بن يخلف ‪ ،‬سير ( مطبعة حجرية ‪ ،‬تونس ‪. 91 ، ) 1321‬‬

‫( ‪ ) 3‬الوسياني ‪ ،‬سير ‪. 120‬‬

‫( ‪ ) 4‬البرادي ‪ ،‬الجواهر ‪ 220 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 444‬‬

‫( ‪ ) 5‬الربيع بن حبيب ‪ ،‬مسند ‪. 104 – 103 / 2‬‬

‫( ‪ ) 6‬المصدر السابق ‪ 104 ،‬؛ السالمي ‪ ،‬شرح الجامع الصحيح ( تحقيق عز الدين التنوخي ‪ ،‬دمشق ‪، ) 1963 ،‬‬
‫‪ 621 – 620 / 3‬؛ العظمي ‪ ،‬دراسات في الحديث القديم ‪. 304 ،‬‬

‫( ‪ ) 7‬انظر على سبيل المثال ‪ ،‬الربيع ‪ ،‬المسند ‪ 81 / 1‬عن مسألة القنوت ؛ وأبا غانم ‪ ،‬مدونة ‪، 119 ، 34 ،‬‬
‫‪. 127‬‬

‫( ‪ ) 8‬الوارجلني ن الدليل ‪ 35 ،‬ب ‪.‬‬

‫( ‪ ) 9‬البرادي ‪ ،‬رسالة في الحقائق ‪ ،‬مخطوطة ‪. 23‬‬

‫( ‪ ) 10‬الوارجلني ‪ ،‬العدل والنصاف ‪ ،‬مخطوطة ‪ 85 ، 11‬وما يليها ‪.‬‬

‫( ‪ ) 11‬المصدر السابق ‪. 88- 87‬‬

‫‪ -1‬المدونة لبي غانم بشر بن غانم الخراساني ‪:‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ثمة دليل على أن الراء الباضية وصلت منطقة خراسان في اليام الولى للحركة الباضية ( ‪ . ) 1‬وفي القرن الثاني‬
‫للهجرة برز عدد من العلماء الباضيين الذين لقبوا بالخراسانيين ‪ ،‬إما بالولدة ‪ ،‬أو بالقامة ‪ ،‬وأسهموا بحفظ العقيدة‬
‫الباضية وتدوينها عن أبي عبيدة مسلم ( ‪ . ) 2‬وبين هؤلء عالم متأخر من حيث الزمن ‪ ،‬هو أبو غانم مؤلف‬
‫(( المدونة )) ؛ عاش في الفترة الواقعة بين بداية النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة والعقود الولى من القرن‬
‫الهجري الثالث ( نحو ‪ ) 820 / 205 – 765 / 148‬درس في البصرة على أيدي طلب أبي عبيدة ‪ ،‬وألف‬
‫(( المدونة )) نحو نهاية القرن الثاني للهجرة ‪ .‬رحل إلى تاهرت يحمل نسخة من (( المدونة )) وقدمها للمام‬
‫الرستمي الثاني ‪ ،‬عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ( ت ‪ . ) 3 ( ) 805 / 190‬وقد جرت هذه الرحلة إلى‬
‫شمالي إفريقية نحو نهاية القرن الثاني للهجرة ‪ ،‬في أثناء عهد عبد الوهاب ‪.‬‬

‫محتويات المدونة ( ‪: ) 4‬‬

‫تحتوي المدونة على آراء العلماء الباضيين التالية أسماؤهم ورواياتهم ‪ :‬الربيع بن حبيب ؛ أبو المهاجر هاشم بن‬
‫المهاجر ؛ أبو المؤرخ عمرو بن محمد ؛ أبو سعيد عبد ال بن عبد العزيز ؛ أبو غسان مخلد بن العمرد ؛ أبو أيوب‬
‫وائل بن أيوب ؛ حاتم بن منصور ؛ ابن بعاد المصري ‪ ،‬وأبو سفيان محبوب بن الرحيل ‪ .‬وكان هؤلء جميعا قد‬
‫درسوا على يدي أبي عبيدة في البصرة ؛ وهم من أصول مختلفة ؛ ثم استقروا في وقت لحق في أماكن مختلفة ‪ .‬كان‬
‫أبو المؤرخ من قدام في اليمن ( ‪ ) 5‬؛ وأبو عباد المصري ‪ ،‬مصري الصل لكنه عاد ‪ ،‬بعد إكمال دراساته في البصرة‬
‫إلى مصر ‪ ،‬واستقر فيها ( ‪ . ) 6‬وفي الطريق إلى تاهرت دون أبو غانم بعض الراء التي تنسب إلى ابن عباد ‪ ،‬عن‬
‫الباضيين في مصر ‪ ،‬ثم ضمها في المدونة ( ‪ . ) 7‬وأبو أيوب وائل بن أيوب من حضرموت ( ‪ ) 8‬؛ شارك في‬
‫حروب عبد ال بن يحيى الكندي في اليمن ‪ ،‬وفي إقامة المامة الباضية في حضرموت ؛ وكان عضوا في الوفد الذي‬
‫أرسل إلى مكة باسم المجموعة الباضية التي عارضت عبد ال بن سعيد ‪ ،‬إمام حضرموت ‪ ،‬للتفاوض بشأن النشقاق‬
‫بين المجموعتين الباضيتين في حضرموت مع الئمة الباضيين في البصرة ( ‪ . ) 9‬واستقر في وقت لحق في‬
‫البصرة ‪ ،‬ثم أصبح رئيس شيوخ الباضيين في العراق ‪ ،‬بعد أن ذهب الربيع بن حبيب إلى عمان ( ‪ . ) 10‬أما‬
‫بالنسبة لحاتم بن منصور ‪ ،‬وعبد ال بن عبد العزيز وأبي غسان مخلد بن العمرد ‪ ،‬فل يعرف شيء عن أصولهم ‪،‬‬
‫ولكنهم عاشوا في البصرة ‪ ،‬ودرسوا على يدي أبي عبيدة وقدموا الكثير ‪ ،‬ول سيما عبد ال بن عبد العزيز منهم من‬
‫أجل تطوير الفقه الباضي ‪.‬‬

‫ودون أبو غانم المدونة عن العلماء المذكورة أسماؤهم أعله إما بسماع آرائهم مباشرة ‪ ،‬أو بنقلها عمن قد سمعها‬
‫عنهم ( ‪ . ) 11‬والمدونة مقسومة إلى اثنى عشر كتابا ( ‪ ) 12‬؛ وكل كتاب يحتوي على عدد من البواب ‪ .‬وفيما يلي‬
‫جدول بكتب (( المدونة )) ‪:‬‬

‫‪ -1‬كتاب الصلة ‪.‬‬


‫‪ -2‬كتاب الزكاة ‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب الصوم ‪.‬‬
‫‪ -4‬كتاب النكاح ‪.‬‬
‫‪ -5‬كتاب الطلق ‪.‬‬
‫‪ -6‬كتاب الهبة والهدية ‪.‬‬
‫‪ -7‬كتاب الوصايا ‪.‬‬
‫‪ -8‬كتاب الديات ‪.‬‬
‫‪ -9‬كتاب الشربة والحدود ‪.‬‬
‫‪ -10‬كتاب الشهادات ‪.‬‬
‫‪ -11‬كتاب البيوع ‪.‬‬
‫‪ -12‬كتاب الحكام والقضية ‪.‬‬

‫والمخطوطة التي استخدمتها هنا لهذه الدراسة تضيف كتابا آخر عنوانه كتاب (( البيوع والقضية ))‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وتغطي (( المدونة جميع الموضوعات التي عالجها العلماء الباضيون في العصر الذهبي للفقه الباضي ‪.‬ولعله من‬
‫الممتع بعض الشيء أن نذكر هنا أن في المدونة مادة قليلة عن موضوع الحج ‪ ،‬وهو الذي يعطي عادة عناية كبيرة‬
‫في أعمال من هذا النوع ‪ .‬على أي حال ‪ ،‬قدمت المدونة آراء الباضية حول الشؤون الدينية والشرعية ‪ ،‬والفروق‬
‫في الرأي ‪ ،‬ووجهات نظر العلماء الباضيين ‪ ،‬وآراءهم التي تتعلق بالفروق المشهورة في آراء علماء السنة ‪ .‬كما‬
‫تعطي عرضا واضحا لتطور الفقه الباضي في أزمنته الولى ‪.‬‬

‫ولقد أبدي علماء الباضية اهتماما كبيرا بالمدونة ‪ .‬وكتبت عنها التعليقات باللغتين البربرية والعربية ( ‪. ) 13‬‬
‫وهنالك مصادر إباضية تذكر تعليقا لبي القاسم بن ناجد أو ناصر ( ‪ . ) 14‬وكان محمد بن يوسف اطفيش آخر من‬
‫علق على المدونة ‪ .‬فأعاد ترتيب مادة الكتاب ‪ ،‬وأدخل إضافات على النص ‪ .‬ويذكر العالم العماني المعاصر ‪ ،‬محمد‬
‫بن عبد ال السالمي ‪ ،‬أن عمل اطفيش هذا يعرف بأنه المدونة الكبرى فيما تميز المدونة الصلية لبي غانم باسم‬
‫المدونة الصغرى ( ‪ ، ) 15‬ويشار إليها في المصادر الباضية بالغانمية ( ‪. ) 16‬‬
‫===========================================‬

‫( ‪ ) 1‬انظر مقال لكاتب ‪ (( :‬وصف مخطوطات إباضية جديدة )) ‪ ،‬في ‪Jour. Semitic Studies ، 15 / 1 /‬‬
‫‪. 68 – 69‬‬

‫( ‪ ) 2‬المصدر السابق ‪. 69 – 68‬‬

‫( ‪ ) 3‬المصدر السابق ‪. 68 – 67 ، 66 – 65‬‬

‫( ‪ ) 4‬ابن مداد ‪ ،‬سيرة ‪ ،‬مخطوطة ‪ . 28‬وهو يقول إن صحار العبدي ‪ ،‬شيخ أبي عبيدة مسلم ‪ ،‬هو من خراسان ‪.‬‬

‫( ‪ ) 5‬أبو غانم ‪ ،‬مدونة ‪ ،‬مخطوطة ‪ 26 ،‬؛ ابن مداد ‪ :‬مصدر مذكور سابقا ‪ 14 ،‬؛ كذلك تذكر المصادر الباضية‬
‫شخصا باسم محمود بن نصر الخراساني الذي سجل العقيدة الباضية عن طلبة أبي عبيدة‪.‬‬

‫( ‪ ) 6‬الوسياني ‪ ،‬سير ‪ ، 3 ،‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 228 ،‬‬

‫( ‪ ) 7‬رأيت عددا من المخطوطات المدونة في جربة ‪ ،‬البارونية ؛ ليبيا ‪ ،‬وزاره مجموعة مصطفى العزابي ؛ ومزاب ‪،‬‬
‫بني يزفن ‪ ،‬مجموعة محمد بابانو ‪ .‬وهناك نسخة أخرى في دار الكتب ‪ ،‬القاهرة ؛ انظر جدول القاهرة ‪ .‬والمخطوطة‬
‫التي استعملها في هذه الدراسة قدمت لي من قبل العالم العماني محمد السالمي ‪ .‬كذلك أعطاني نسخة أخرى من‬
‫المدونة بتعليق للقطب ‪ .‬وزودني بمخطوطة كتاب الستقامة والجزء الثالث من كتاب بيان الشرع ‪.‬‬

‫( ‪ ) 8‬السالمي ‪ ،‬عبد ال ‪ ،‬ملحظات على المدونة ‪ .‬مخطوطة ‪ . 1‬لقدام انظر البكري ‪ ،‬معجم ‪. 1052 / 3 ،‬‬

‫( ‪ ) 9‬ابن سلم ‪ ،‬بدء السلم مخطوطة ‪ 47‬؛ ابن مداد ن صفة ‪. 14‬‬

‫( ‪ ) 10‬السوفي ‪ ،‬أبو عثمان ‪ ،‬سؤالت ‪ ،‬مخطوطة ‪ 70‬؛ ابن سلم ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 44 ،‬‬

‫( ‪ ) 11‬أبو غانم ‪ ،‬المدونة ‪. 87 ،‬‬

‫( ‪ ) 12‬ابن مداد ‪ ،‬صفة ‪. 29 ،‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 13‬الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 263 – 262‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 105 ، 92 ،‬‬

‫( ‪ ) 14‬الكندي ‪ ،‬بيان الشرع ‪ ،‬مخطوطة ‪ ، 111‬الصفحة المتعلقة بالمسألة ‪.‬‬

‫( ‪ ) 15‬المدونة ‪. 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 16‬الوسياني ‪ ،‬سير ‪ 3 ،‬؛ الدرجيني ‪ ،‬طبقات ‪ 303 ،‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 228‬‬

‫‪ -2‬الديوان المعروض على علماء الباضية ‪:‬‬

‫خلل قيامي بالبحث في (( جربة )) اكتشفت نسختين من هذا العمل ‪ ،‬وهنالك نسخة ثالثة منه في دار الكتب في‬
‫القاهرة ( ‪ . ) 1‬ومصدر نسخة القاهرة أصل من جربة ‪ .‬ويحتمل أن دار الكتب حصلت بطريقة ما على نسختها من‬
‫المجموعة الباضية لمخطوطة وكالة الجاموس ‪ ،‬وهي وقف أنشيء للطلبة الباضيين الذين يقصدون مصر للدارسة‬
‫في الزهر ‪.‬‬

‫ويضم هذا العمل عددا من الكتب المتعلقة بالمراجع الباضية ‪ ،‬كما أنه يضم روايات من مراجع مختلفة في البصرة ‪،‬‬
‫والكوفة ‪ ،‬والمدينة ‪ ،‬تتعلق بموضوعات فقهية متنوعة ‪.‬‬

‫ويرد عنوان هذا العمل في بعض أقسام المخطوطة كما ورد أعله ‪ .‬ومؤلف هذا العمل غير معروف ‪ ،‬لكنه يظن أنه‬
‫من تأليف أبي غانم مؤلف المدونة ‪ ،‬لن الكثير من العمال الواردة في هذه المخطوطة الكبيرة منقولة عن مصادر‬
‫المدونة نفسها ‪.‬‬

‫جدول المحتويات ‪:‬‬

‫كتاب أقوال قتادة وهو في سبعة أقسام ‪ ،‬ويحتوي الكتاب بالدرجة الولى روايات عن (( التابعي )) قتادة بن دعامة‬
‫السدوسي ( ‪ ) 2‬حول موضوعات متنوعة ‪ ،‬فقهية ودينية ‪.‬‬

‫القسم الول ‪ :‬روايات تتعلق بالدرجة الولى بالوضوء ‪ ،‬وبالصلة ‪.‬‬


‫القسم الثاني ‪ :‬روايات تتعلق بالزكاة ‪ ،‬والصوم ‪ ،‬والشراب ‪ ،‬وكذلك روايات عن الربيع بن حبيب تتعلق بالنكاح ‪.‬‬

‫القسم الثالث ‪ :‬النكاح والطلق ‪ ،‬وروايات عن الربيع بن حبيب حول موضوعات مختلفة ‪.‬‬

‫القسم الرابع ‪ :‬الشراب ‪ ،‬والذبائح ‪ ،‬والصيد ‪ ،‬الخ ‪....‬‬

‫القسم الخامس ‪ :‬روايات عن عمر بن هرم عن جابر بن زيد حول موضوع النكاح ‪.‬‬

‫القسم السادس ‪ :‬روايات قتادة التي تتناول البيوع ‪ ،‬والنكاح والحج ‪ .‬كذلك يضم روايات عن عمرو بن دينار عن جابر‬
‫بن زيد حول النكاح ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫القسم السابع ‪ :‬روايات عن قتادة في باب الوضوء ‪.‬‬

‫يتلو القسم السابع كتاب جابر بن زيد عن الصلة ‪ ،‬كما رواه حبيب بن أبي حبيب ( ‪ ) 3‬وفي بعض النسخ نجد كتاب‬
‫جابر في القسم السابع من أقوال قتادة ‪.‬‬

‫ويختلف ترتيب الكتب بين هذه المخطوطات للديوان المعروض ‪ .‬وفيما يلي العمال الموجودة فيها ‪ ،‬أو في بعضها ‪،‬‬
‫بصرف النظر عن ترتيبها في كل مخطوطة من المخطوطات ‪.‬‬

‫‪ -1‬القسم اللو من آثار الربيع ‪ ( ،‬روايات ضمام ) ( ‪. ) 4‬‬


‫‪ -2‬القسم الثاني من فتيا الربيع بن حبيب ( ‪. ) 5‬‬
‫‪ -3‬كتاب نكاح الشغار لعبد ال بن عبد العزيز ؛ أربعة أجزاء ‪.‬‬
‫‪ -4‬كتاب النكاح لجابر بن زيد ( ‪. ) 6‬‬
‫‪ -5‬كتاب الصيام ‪ ،‬وهو يبدأ بروايات أبي المؤرخ عن شيخه أبي عبيدة على شكل أسئلة وإجابات ‪ .‬وبعد العنوان‬
‫التالي ‪ (( :‬باب اختلف العلماء في الصيام )) ترد آراء مختلف العلماء حول الموضوع ‪ ،‬منوهة بالراء التي يعتمدها‬
‫الئمة الباضيون ‪ ،‬لسيما أبو عبيدة ‪.‬‬

‫‪ (( -6‬كتاب الممتنعين من الحدود من المام )) ‪ .‬وفي مخطوطة القاهرة (( كتاب العمال ومن يلي على الناس )) ‪.‬‬
‫والكتاب يتناول بالدرجة الولى موضوع الدارة وواجبات الئمة والحكام وعلقاتهم برعيتهم ‪ .‬والظاهر أن هذا الكتاب‬
‫هو جزء من كتاب المامة الذي يتناول موضوعات مماثلة ‪ ،‬لكنه غير موجود في مخطوطة القاهرة ‪ ،‬وهو غير كامل‬
‫في مخطوطة البارونية ‪.‬‬
‫‪ -7‬كتاب كفارات اليمان ‪ ،‬أحكام تنسب للكوفيين ‪.‬‬

‫‪ -8‬كتاب الوصايا ‪ ،‬روايات عن أبي عبيدة مسلم ‪.‬‬


‫‪ -9‬كتاب الديات ‪.‬‬
‫‪ -10‬كتاب القسمة وتفنين أصولها ‪ ،‬أحكام تعزى إلى الكوفيين ‪.‬‬
‫‪ -11‬كتاب البيوع ‪.‬‬
‫‪ -12‬أبواب الحدود ‪.‬‬
‫‪ -13‬الحكام ‪.‬‬
‫‪ -14‬كتاب الشفعة وتفنين أصولها ‪.‬‬
‫‪ -15‬كتاب الجعل والجارات ‪ ،‬آراء تعزى إلى أهل المدينة ‪.‬‬
‫‪ -16‬كتاب القضاء في القراض ‪ ،‬أقوال تنسب إلى أهل المدينة ‪.‬‬
‫‪ -17‬كتاب القضاء في التفليس والعيوب ‪.‬‬
‫‪ -18‬كتاب الديات ‪ ،‬آراء تعزى إلى الكوفيين ‪.‬‬
‫‪ -19‬كتاب الكفالت ‪.‬‬
‫‪ -20‬كتاب الودائع والعارية ‪ ،‬أقوال تنسب إلى الكوفيين ‪.‬‬
‫‪ -21‬كتاب العارية ‪.‬‬
‫‪ -22‬كتاب الشهادات ‪.‬‬

‫وهناك أيضا رسالة أبي عبيدة مسلم بشأن الزكاة ( ‪ . ) 7‬و (( كتاب ذكر مسائل الحيض وتلخيصها )) ‪ .‬ومؤلف هذا‬
‫العمل الخير غير معروف ؛ والظاهر أنه مؤلف في وقت لحق بعد العمال السابقة ‪.‬‬

‫وباستثناء هذا الكتاب الخير ‪ ،‬فإن جميع المواد الموجودة في هذا المجموع الضخم منقولة عن مراجع إباضية قديمة‬
‫وهي تغطي كل المسائل الدينية والفقهية التي نشأت خلل القرنين الولين من السلم ‪ .‬كذلك يحتوي الكتاب على‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الروايات الشائعة عن موضوعات مختلفة من المراجع الكوفية والمدنية ‪ ،‬مدروسة ومنقودة من قبل علماء الباضية‬
‫في البصرة ‪ .‬والقسم الكبير من مواد هذه العمال منقول عن المراجع ذاتها التي اعتمد عليها أبو غانم الخرساني في‬
‫مدونته ؛ وتلك حقيقة تدعم القول بأن العمل الحالي الذي نناقشه هنا سجله أبو غانم أيضا ‪ .‬والخلصة النهائية بشأن‬
‫هذه القضية بحاجة إلى إثبات إضافي ؛ ويساعد اكتشاف مخطوطة كاملة بحالة جيدة لهذا العمل مساعدة كبيرة في هذا‬
‫الطار ===============================‬

‫( ‪ ) 1‬شاخت ‪ ، Bibliotheque et manuscripts Abadites :‬في ‪Rev . Afr 100 ، ) 1956 ( ،‬‬
‫‪ ، 381‬هامش ‪ 8‬؛ موتيلتسكي ‪ ، Le manuscript Arabo-berbere de Zougha ، 14 :‬في ‪Or‬‬
‫‪ / Cong. Int ، 1905 / 2 / 4‬قسم ‪. 78 – 68‬‬

‫( ‪ ) 2‬الديوان المعروض ‪ ،‬مخطوطة البارونية ‪.‬‬

‫( ‪ ) 3‬انظر شاخت ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 381 ،‬‬

‫( ‪ ) 4‬الوسياني ‪ ،‬سير ‪. 30‬‬

‫( ‪ ) 5‬انظر جدول القاهرة ‪.‬‬

‫( ‪ ) 6‬لسيرة قتادة ‪ :‬الذهبي ‪ ،‬تذكرة ‪. 109 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 7‬انظر لكاتب الكتاب ‪ :‬وصفي للمخطوطات الباضية الجديدة في ‪Jour . Semitic Stud . ، 15 / 1 / ،‬‬
‫‪. 66 – 69‬‬

‫‪ -3‬كتاب نكاح الشغار لبي سعيد عبد ال بن عبد العزيز ‪:‬‬

‫يشكل هذا الكتاب قسما من المخطوطة السابقة ‪ ،‬ومن المحتمل أنه كان في الصل قسما من الديوان المعروض ‪ .‬وبما‬
‫أنه مروي عن عبد ال بن عبد العزيز ‪ ،‬فقد نسب إليه كما في حالة (( كتاب أقوال قتادة )) والكتاب يتألف من أربعة‬
‫أقسام ‪ ،‬والقسم الثالث مفقود في نسخة مخطوطة القاهرة وفي نسخة إحدى مخطوطات البارونية ‪.‬‬

‫والكتاب يتناول موضوع الزواج والطلق والمسائل الفقهية المتعلقة بهما معا ‪ .‬وهو ينتهي بالقول التالي‪:‬‬

‫(( هذه نهاية كتاب النكاح من أقوال ابن عبد العزيز عن أبي نوح صالح الدهان وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة مع‬
‫الثار التي توجه بالقياس مما ل يترك أي شك في الذهان ‪ ،‬أو أي ريبة لدى أهل الفهم ‪ .‬وهو يسمى كتاب الشغار ؛‬
‫والشغار تعني أن الرجل يزوج ابنته لرجل آخر مقابل ابنة ذلك الخر بدون تحديد أي مهر ‪ .‬وإذا كان المر كذلك ‪،‬‬
‫فهو محظور )) ( ‪. ) 1‬‬

‫وألحق بهذا الكتاب في المخطوطة نفسها كتاب النكاح لجابر بن زيد ‪ ،‬وفي العملين معا عرض للراء الباضية‬
‫القديمة والصلية حول موضوع الزواج ‪ ،‬وهو الموضوع الذي وصف فيه ابن عباس جابر بن زيد ‪ ،‬مؤسس المذهب‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الباضي ‪ ،‬بأنه (( المرجع الفضل )) ( ‪. ) 2‬‬

‫وتشكل هذه العمال المذكورة أعله العمود الفقري للفقه الباضي في القرنين الولين ‪ .‬وهي تحتوي عرضا واضحا‬
‫ومفصل للجهود التي بذلها العلماء الباضيون الوائل في تطوير مذهبهم ‪.‬‬

‫والدراسة الحالية لطبيعة مذهب الفقه الباضي ‪ ،‬وللوسائل التي اعتمدها مؤسسوه مبنية بالدرجة الولى على تلك‬
‫العمال ؛ وهكذا فإنه يمكن إعطاء عرض واضح للراء الباضية الخالصة قبل احتمال وقوع أي اتصال مباشر بين‬
‫المذهب الباضي ومذاهب الفقه السلمية الخرى التي تأسست في وقت لحق ‪.‬‬

‫لقد تكلمنا عن دور السنة باعتبارها المصدر الثاني للفقه ‪ .‬أما الرأي فقد ذكره جابر بن زيد في مناسبات متعددة ‪.‬‬
‫وهنالك العديد من الثباتات على أنه لجأ إلى الرأي في إصدار الحكام الشرعية ‪ .‬وقد ذكر عدد من المصادر الباضية‬
‫والسنية قول له يتعلق بتسجيل آرائه ‪ ،‬هو كما يلي ‪:‬‬

‫(( إنا ل ‪ ،‬يكتبون ما قد أرجع عنه غدا )) ( ‪ . ) 3‬كذلك أنكر جابر على نفسه حق الرأي في مسألة سبق للصحابة أن‬
‫أصدروا آرائهم فيها ‪ . ) 4 ( .‬وتدل هذه المقتطفات ‪ ،‬على أي حال ‪ ،‬أن جابرا لجأ إلى رأيه الخاص حين لم يرو عن‬
‫الصحابة أي رأي ‪ .‬إن أسبقية الحكام التي أصدرها الصحابة مبدأ معترف به بين المراجع الباضية ‪ .‬وقد عبر جابر‬
‫بن زيد عن هذا الرأي في إحدى رسائله كما يلي ‪:‬‬

‫(( ورأي من قبلنا أفضل من رأينا الذي نرى ‪ ،‬لم يزل الخر يعرف للول فضله ‪ ،‬وكانوا أحق بذلك المهاجرين مع‬
‫رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) والتابعين لهم بإحسان ‪ ،‬فقد شهدوا وعلموا ‪ ،‬فالحق علينا وطء أقدامهم وإتباع‬
‫آثارهم ( ‪ . ) 5‬وهنالك المزيد من الثباتات التي يمكن ذكرها هنا لتبرير هذا الموقف لجابر ( ‪ . ) 6‬وإذا ما اختلف‬
‫الصحابة فيما بينهم ‪ ،‬احتفظ جابر لنفسه بحق اختيار ما يفضله من أحكامهم ‪ .‬وفي مثل هذه الحالت يتبع عادة رأي‬
‫شيخه ابن عباس ‪.‬‬

‫أما بالنسبة لبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ( ‪ ) 7‬فقد سبق أن ذكرنا أنه عزا آراء مذهبه إلى الصحابة عبد ال بن‬
‫مسعود ‪ ،‬وعبد ال بن عباس ‪ ،‬وعبد ال بن سلم ‪ ،‬وهؤلء هم الذين وصفهم بأنهم (( الراسخون في العلم )) ‪ .‬كذلك‬
‫ذكر (( أن أولئك الذين يملكون الذكاء والفهم ل يهتمون بالراء ووجهات النظر التي ظهرت بعد عهد الصحابة ‪ .‬هدف‬
‫الذين في عبادتهم فقط أن يعنوا بما حدث بعد الصحابة )) ( ‪. )8‬‬

‫ومع أن جابر بن زيد كره تسجيل أحكامه خشية أن يغيرها ‪ ،‬فإنه لم يعارض استعمال الرأي لتكوين الحكم الشرعي‬
‫حول قضايا لم يتناولها القرآن أو السنة ‪ .‬غير أن خلفه أبا عبيدة نهى عن استعمال الرأي في تكوين الحكام الشرعية‬
‫‪ .‬وحين قيل له إن أهل عمان يصدرون أحكاما شرعية على أساس الرأي ‪ ،‬قال معلقا ‪ (( :‬ما نجوا من الفروج‬
‫والدماء )) ( ‪. ) 9‬‬

‫و والطريفة المقبولة بين المراجع الباضية الولى بخصوص تكوين الحكام الفقهية هي أن الحكم في أية مسألة‬
‫شرعية يجب أن يكون مبنيا بالدرجة الولى على القرآن ‪ .‬وإذا لم يكن هنالك حكم مستمد من القرآن ‪ ،‬فالواجب العودة‬
‫إلى السنة ‪ .‬وإذا لم تعالج السنة ذلك ‪ ،‬فإنه يجب الرجوع إلى (( إجماع الصحابة )) ؛ أما إذا اختلف الصحابة فيما‬
‫بينهم في أحكامهم ‪ ،‬فيجب إذ ذاك ممارسة أقصى الحذر في اختيار أفضل أحكام الصحابة ‪ .‬وعلى أي حال ‪ ،‬فحين ل‬
‫يمكن أن يستمد أي حكم سابق حول القضية من القرآن ‪ ،‬أو السنة ‪ ،‬أو آراء الصحابة ‪ ،‬فيجب إذ ذاك أن يستمد من‬
‫آراء المراجع الولى في المذهب الباضي ‪ ،‬ويجب إتباع الرأي الفضل ( ‪ . ) 10‬وهنا يذكر أن الراء السابقة‬
‫للصحابة أو للمراجع الولى ل يجوز أن تمهل ( ‪ . ) 11‬وقد مارست المراجع الباضية الولى اهتماما شديدا في إتباع‬
‫الراء السابقة حين تكون سليمة ‪ .‬وقد قال عبد ال بن عبد العزيز المعروف بولعه بالقياس وبالرأي ‪ ،‬في مناسبات‬
‫عدة أنه لن يلجأ إلى رأيه الخاص حيث يروي رأي سليم عن أسلفه ( ‪. ) 12‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبانقضاء ثلثة عقود من القرن الثاني للهجرة كانت الراء الباضية بخصوص معظم المسائل الشرعية والدينية قد‬
‫استقرت ‪ ،‬وقد وقعت هذه المرحلة خلل السنوات الخيرة لبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ‪ .‬ويقال إن العمال النفوسي‬
‫‪ ،‬ابن مغطير الجناوني الذي درس على يدي أبي مسلم في البصرة قبل (( حملة العلم )) الخمسة ‪ ،‬امتنع عن إصدار‬
‫الحكام الشرعية عند وصول هؤلء من البصرة ‪ .‬وسبب اتخاذه هذا الموقف هو أنه درس على أبي عبيدة قبل أن‬
‫يحدد هذا الخير رأيه النهائي بخصوص الراء المختلفة التي درسه إياها ‪ ،‬فيما كان (( حملة العلم )) قد درسوا على‬
‫أبي عبيدة بعد أن حرر المختار عنده من القوال )) ( ‪. ) 13‬‬

‫ومن طلب أبي عبيدة ‪ ،‬أبو المؤرخ وعبد ال بن عبد العزيز وقد دأبا على معارضة شيخهما في آرائه المؤسسة على‬
‫القياس ( ‪ . )14‬وكان من شأن هذا الموقف من قبل العالمين الباضيين أن أثار زملءهما عليهما ( ‪ . ) 15‬وقبل‬
‫انقسام المذهب الباضي ‪ ،‬كانت آراء الربيع بن حبيب هي التي تتبع ( ‪ ، ) 16‬عند اختلف طلب أبي عبيدة ‪ .‬أما في‬
‫وقت لحق فقد وجد عبد ال بن عبد العزيز وأبو المؤرخ أتباعا لهما في المجموعة النكارية التي تبنت وجهة نظرهما‬
‫في الفقه ( ‪. ) 17‬‬

‫وبرغم الختلف بين المراجع الباضية الولى حول الرأي والقياس ‪ ،‬فإن هذه المبادئ أصبحت جزاء من أساليب‬
‫معترف بها في الفقه أو الجراء الباضي ‪ .‬وقاموا بقوة العتماد على التقليد ‪ ،‬فعلى الذين يبلغون المستوى المطلوب‬
‫من العلم أن يستخدموا الرأي ‪ .‬وبين أقدم العمال للباضيين في شمال إفريقية حيث جمعت أصول الجتهاد وبوبت ‪،‬‬
‫وكتاب (( التحف )) لبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي ( ‪ . ) 18‬وفي كلم عن مسألة اجتهاد الرأي ‪ ،‬قال أبو‬
‫الربيع بعد الشارة إلى وجهات النظر المختلفة الناشئة بسبب الرأي ‪ ،‬إن الباضيين يعتقدون أن هنالك رأيا واحدا فقط‬
‫يمكن له أن يكون الصواب ؛ وإذا ما بذل المسلمون جهدهم للوصول إلى الحكم الصائب لكنهم أخفقوا ‪ ،‬فإنهم يكافأون‬
‫على جهودهم ول يحاسبون على الحكم الخاطئ ‪ .‬والقضايا التي يسمح فيها بالرأي هي التي لم تعالج في القرآن أو‬
‫السنة أو من قبل المراجع السابقة ( ‪ . ) 19‬والشخص الذي يسمح له باستخدام رأيه ينبغي له أن يكون عالما بالقرآن‬
‫وبالسنة وبآراء المراجع السابقة ‪ .‬مثل هذا الشخص له الحق باستعمال الرأي وتكوين الحكام الشرعية ومن ينكر‬
‫عليه هذا الحق يكون كافرا ‪ .‬أما الشخص غير المؤهل فليس له أن يلجأ إلى الرأي ؛ والذي يبيح له مثل هذا الحق‬
‫يكون (( كافر نعمة )) والشخص الذي يلجأ إلى رأيه في حالت تناولها القرآن أو السنة ‪ ،‬أو إجماع المسلمين ‪،‬‬
‫وعارضها ‪ ،‬فإنه ضال ( ‪ . ) 20‬وختم أبو الربيع سليمان بن يخلف ملحظاته حول هذا الموضوع بالقول التالي ‪:‬‬

‫(( الرأي مسموح به لكل عالم في كل حين ‪ ،‬ومحظور على مل جاهل في كل حين )) ( ‪. ) 21‬‬

‫وأبواب الجتهاد مفتوحة دائما عند الباضية ؛ وهي لم توصد في أية مرحلة على أي شخص مؤهل‪.‬‬

‫وبالنسبة للختلف حول الراء نتيجة الرأي في حالت ذات صلة بالفروع ‪ ،‬يرى الباضيون ‪ ،‬أن رأيا واحدا فقط‬
‫يمكن له أن يكون صوابا ‪ ،‬ومباح للمسلمين أن يتبنوا آراء أخرى إذا رأوها محقة ‪ ،‬إل أن ذلك ‪ ،‬في الواقع غير مباح‬
‫ما لم يبذلوا جهدهم لبلوغ الرأي الصحيح ( ‪. ) 22‬‬

‫مثل هذا المبدأ رواجه في وقت لحق معارضة من قبل عالمين إباضيين أسسا مجموعتين خاصتين بهما ‪ :‬نفاث بن‬
‫نصر مؤسس النفاثية وأحمد بن حسين مؤسس الحسينية ( ‪ . ) 23‬فهما يعتبران أن الرأي الصواب فقط هو الذي‬
‫يجب أن يتبع ‪ ،‬وأن أولئك الذين يتبعون أية آراء أخرى هم آثمون ( ‪ . ) 24‬هذه النظرة من قبل نفاث وابن الحسين‬
‫مرفوضة من قبل بقية علماء الباضية على أساس أن الخلف في الرأي في حالت الفروع وقعت بين الصحابة ‪ ،‬وقد‬
‫اعتبروا أنه شرعي لكل واحد أن يحتفظ برأيه بصرف النظر عن كونه الرأي المصيب ‪ ،‬أم ل ؛ ولم يختلف الصحابة‬
‫فيما بينهم على ذلك ( ‪. ) 25‬‬

‫واحتل القياس مكانة باعتباره أسلوبا مسلما به بين المراجع الباضية لصدار الحكام الشرعية منذ النصف الثاني من‬
‫القرن الثاني للهجرة ‪ .‬وقد مورس إلى حد كبير من قبل طلبة أبي عبيدة ‪ ،‬ل سيما من قبل عبد ال بن عبد العزيز‬
‫وأبي المؤرخ ‪ .‬ومع أن الربيع بن حبيب وفئته عارضوا القياس وعرفوا بتمسكهم الشديد بالثار ( ‪ ، ) 26‬فإن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أسلوب القياس اعترف به في وقت لحق من قبل جميع الباضيين واعتمد بصورة واسعة ‪.‬‬

‫وذكر الوارجلني أن علماء الباضية كانوا عارفين بمختلف أنواع القياس ‪ ،‬بما فيها الستحسان الذي مارسته‬
‫المراجع الباضية في عدد من الحالت ( ‪ . ) 27‬وأشار الوارجلني إلى أهمية الرأي والقياس في المذهب الباضي‬
‫في (( العدل والنصاف )) ‪ .‬ولقد كان مبدأ مسلما به بين الباضيين ‪ .‬وقد ظهر تطبيق هذا المبدأ في الصول‬
‫والشرائع التي وضعها المراجع الباضية لمسلك الكتمان في مجتمعهم ( ‪. ) 28‬‬

‫وعلى أساس القياس كان الباضيون ينظرون إلى مسلك الكتمان في حركتهم باعتباره مماثل للمرحلة الموازية في‬
‫حياة الرسول والمجتمع السلمي أثناء الفترة المكية ‪ ،‬ولذلك علقوا جميع الحدود وحصروا تنفيذها بسلطة إمام‬
‫(( الدولة القائمة )) ( ‪. ) 29‬‬

‫وكذلك علقت صلة يوم الجمعة في غير (( المصار السبعة )) ( ‪ . ) 30‬وهنالك خلف في الرأي حول الجهاد إذ‬
‫سمح به البعض وحظره آخرون ( ‪. ) 31‬‬

‫وكانت عقوبة الموت بغير الرجم صحيحة أثناء مرحلتي الكتمان والظهور ‪ .‬وكانت هذه العقوبة تشمل ‪ ) 1 ( :‬المرتد‬
‫( ‪ )2‬والطاعن في الدين ( ‪ ) 3‬والجناة ( ‪ ) 4‬وأولئك الذين يرفضون سلطان الشريعة ومانعي الحق أو الذين‬
‫يرفضون للخرين استعادة حقوقهم ‪ .‬هؤلء جميعا يجب قتلهم بالجلد أو بالسلح ‪ ،‬باستثناء سافكي الدماء ‪ ،‬وكان‬
‫لولي الجاني القرب ( ولي الدم ) أن يقرر كيف يجب تنفيذ العقوبة ‪.‬‬

‫ثم إن الزعم غير المثبت بأن الزوجة زانية ( اللعان ) ‪ ،‬وإنكار الزوج لبوة الطفل الذي تلده امرأة متهمة باللعان‬
‫بسبب اللعان معلق ل يعمل به أثناء فترة الكتمان ‪.‬‬

‫وبالنسبة لواجب الولية ‪ ،‬فقد كانت ولية الشخاص وولية البيضة ( أي عاصمة الحكم ) معلقين أثناء مرحلة‬
‫الكتمان ‪.‬‬

‫وجميع هذه الصول والحكام التي كانت توقف تنفيذ تشريعات كثيرة مستمدة من القرآن والسنة ‪ ،‬كانت تستند إلى‬
‫الرأي والقياس فقط ( ‪ . ) 32‬ووفقا للوارجلني فـ (( إن جميع أو غالبية أحكام الكتمان مبنية على الستحسان )) (‬
‫‪. ) 33‬‬

‫وبعض المثلة على الفوارق بين المذهب الباضي والمذاهب السلمية الخرى في الحكام الفقهية ‪:‬‬

‫ذكر الستاذ شاخت (( أن الفروق المعترف بها في الشرع السلمي من قبل الفرق السلمية السابقة ‪ ،‬كالخوارج ‪،‬‬
‫والشيعة ‪ ،‬ل تختلف عن عقيدة مدارس الفقه والسنة بأكثر مما تختلف هي فيما بينها )) ( ‪. ) 34‬‬

‫كذلك لحظ أن (( النتيجة المترتبة على عقائد الخوارج الول لم تكن ‪ ،‬على ما هو واضح ‪ ،‬جزءا من النظام الشرعي‬
‫المعترف به من قبل الباضيين ‪ ) 35 ( )) ...‬ثم أضاف ‪ (( :‬وفيما يعود التاريخ السياسي للباضيين إلى منتصف‬
‫القرن الول للهجرة ‪ ،‬فإن فقههم مستمد من المذاهب السنية في وقت لحق بعد ذلك بزمن طويل )) ( ‪. ) 36‬‬

‫ل ريب أن الستنتاج الخير متسرع فالباضيون لم يتبنوا عقيدة الخوارج الولى لكنهم طوروا عقيدتهم الخاصة بهم‬
‫بعيد عن مجموعات الخوارج التي انفصلت عن الصل نفسه لفئة المحكمة القديمة ‪ .‬كذلك لم يستمد الباضيون‬
‫شرعهم من المذاهب السنية لن شرعهم كان قد ترسخ قبل أن تظهر المذاهب السنية إلة الوجود ‪ .‬وحين توفي جابر‬
‫بن زيد مؤسس المذهب الباضي ‪ ،‬كان مالك بن أنس ‪ ،‬صاحب المذهب المالكي في نحو الثالثة من العمر ( ‪. ) 37‬‬
‫ويعود التشابه في الراء بين جميع المذاهب السلمية إلى أصلها الواحد الذي استمدت منه أنظمتها الشرعية ‪:‬‬
‫القرآن والسنة ‪ ،‬والجماع ‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وأشار كولسون إلى أن فقه الخوارج نظام متماسك بروحيته وطابعه ( ‪ . ) 38‬ثم وافق على وجهة نظر شاخت بما‬
‫يتعلق بالفروق بين النظامين الفقهيين السني والباضي ‪ ،‬قائل إن (( القسم الكبر من فقه الخوارج ( بما في ذلك‬
‫الباضية ) وعقائده الساسية بالطبع ‪ ،‬يمكن أن يجد دعما وافيا له بين فقهاء السنة )) ( ‪. ) 39‬‬

‫ولما كان الباضيون قد استمدوا نظامهم الفقهي من المصادر ذاتها للمذاهب الخرى ‪ ،‬أي من القرآن ‪ ،‬والسنة ‪،‬‬
‫والجماع ‪ ،‬استعملوا نفس الساليب تقريبا للجتهاد في تكوين الحكام التي لم تناولها المصادر السابقة ؛ فإن الفروق‬
‫التي ظهرت بين نظامهم الفقهي وأنظمة المذاهب السلمية الخرى محصورة في الفروع ‪ .‬وقد نشأت هذه الفروق‬
‫في حالت كانت فيها للباضيين أحاديث ورتها مراجعهم ولم توافق في الرأي في تفسير المصدرين الرئيسين ‪ ،‬القرآن‬
‫والسنة ‪.‬‬

‫=============================================‬
‫( ‪ ) 1‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 2‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 3‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 4‬انظر لكاتب الكتاب ‪ :‬وصفي للمخطوطات الباضية الجديدة ‪ ،‬في ‪Jour. Semitic Stud. ، 15 / 1 / 66‬‬
‫‪. – 69‬‬

‫( ‪ ) 5‬عبد ال بن عبد العزيز ‪ ،‬نكاح الشغار ‪ ،‬مخطوطة ‪. 69 ، 4‬‬

‫( ‪ ) 6‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 7‬ابن سعد ‪ ،‬طبقات ‪ 181 / 7‬؛ ابن حزم ؛ ملخص ‪ 64 ،‬؛ الوارجلني ‪ ،‬الدليل ‪ 58 ،‬ب‪.‬‬

‫( ‪ ) 8‬راجع ما تقدم ‪. 63 – 62 ، 52‬‬

‫( ‪ ) 9‬جابر بن زيد ‪ ،‬جوابات ‪ ،‬رقم ‪. 42 ، 17‬‬

‫( ‪ ) 10‬المصدر السابق ‪ ،‬رقم ‪ 18 ، 6‬؛ رقم ‪. 38 ، 16‬‬

‫( ‪ ) 11‬السالمي ‪ ،‬حاشية الجامع الصحيح ‪. 168 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 12‬أبو عبيدة مسلم ‪ ،‬مسائل ‪. 37 ،‬‬

‫( ‪ ) 13‬المصدر السابق ‪. 11 – 10‬‬

‫( ‪ ) 14‬أبو المؤثر الصلت بن خميس ‪ ،‬سيرة ‪ ،‬مخطوطة ‪. 20‬‬

‫( ‪ ) 15‬الديوان المعروض ؛ كتاب الممتنعين من الحدود ( باب الرأي مع إمام الهدى ) ‪ ،‬مخطوطة ‪. 6 – 4‬‬

‫( ‪ ) 16‬المصدر السابق ‪. 6 ،‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 17‬المصدر السابق ‪. 11 ، 4 ،‬‬

‫( ‪ ) 18‬البغطوري ‪ ،‬سير ‪ ،‬مخطوطة ‪ 120‬؛ الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 143 ،‬‬

‫( ‪ ) 19‬الشماخي ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ 120 – 119 ،‬؛ ابن سلم ‪ ،‬بدء السلم ‪ ،‬مخطوطة ‪ 47‬؛ [ كتاب فيه بدء‬
‫السلم ‪. ] 114 ،‬‬

‫( ‪ ) 20‬الشماخي ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 119 ،‬‬

‫( ‪ ) 21‬ابن سلم ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ 47 ،‬؛ [ كتاب فيه بدء السلم ‪. ] 114 ،‬‬

‫( ‪ ) 22‬انظر الشماخي ‪ ،‬ص ‪. 263 ،‬‬

‫( ‪ ) 23‬انظر ‪ :‬وصف مخطوطات إباضية جديدة (( للكاتب ‪. J.S.S (( 15 / 1 / 72‬‬

‫( ‪ ) 24‬سليمان بن يخلف ‪ ،‬تحف ‪ ،‬مخطوطة ‪ 28‬أ ‪.‬‬

‫( ‪ ) 25‬سليمان بن يخلف ‪ ،‬تحف ‪ ،‬مخطوطة ‪ 28‬ب ‪.‬‬

‫( ‪ ) 26‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 27‬المصدر نفسه ؛ الوارجلني ‪ ،‬العدل ‪ ،‬مخطوطة ‪ 218 ، 11‬؛ ابن خلفون ‪ ،‬أجوبة ‪.‬‬

‫( ‪ ) 28‬لهذه المجموعات راجع ما يلي ‪. 281 – 272‬‬

‫( ‪ ) 29‬الوارجلني ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 219 – 218 / 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 30‬المصدر السابق ‪ 222 / 2‬؛ سليمان بن يخلف ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ 29 ،‬أ – ب ‪ .‬للمزيد من التفاصيل‬
‫حول الموضوع انظر ‪ :‬الوارجلني ‪ ،‬الدليل ‪ ،‬مخطوطة ‪ 58‬أ – ‪ 64‬ب ؛ السالمي ‪ :‬شرح طلعة الشمس ‪279 / 2 ،‬‬
‫– ‪ 280‬؛ مشارق أنوار العقول ( القاهرة ‪ 1314 ،‬هـ ) ‪ 71 ،‬وما يليه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 31‬مؤلف مجهول ‪ ،‬ذكر أسماء بعض شيوخ الوهبية ( مطبعة حجرية مع سير الشماخي ) ‪. 590 ،‬‬

‫( ‪ ) 32‬الوارجلني ‪ ،‬العدل ‪ ،‬مخطوطة ‪. 43 – 42 / 3‬‬

‫( ‪ ) 33‬المصدر السابق ‪ 17 – 1 / 3‬؛ الدليل ‪ 64 ،‬أ ‪.‬‬

‫( ‪ ) 34‬الوارجلني ‪ ،‬العدل ‪ 293 / 2 ،‬وما يليه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 35‬المصدر السابق ‪. 293 / 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 36‬المصدر السابق ‪. 294 / 2 ،‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 37‬المصدر نفسه ‪. 294 / 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 38‬الوارجلني ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 297 – 295 / 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 39‬المصدر السابق ‪295 / 2 ،‬‬

‫الخصائص البارزة في الفقه الباضي‬

‫ونقدم في الصفحات التالية عرضا موجزا لعدد من الخصائص البارزة في الفقه الباضي لكي نمثل لطبيعة الخلف ومداه‬
‫‪.‬‬

‫‪ -1‬المسح على الخفين كجزء من الوضوء ‪:‬‬

‫أ‪ -‬المسح على الخفين ( بدل من غسل القدمين كجزء من الوضوء ) ‪ .‬هذه المسألة ناقشها شاخت بتفصيل كنقطة خلف‬
‫مميزة بين الشيعة الذين يرفضونها والسنة الذين أجازوها ( ‪. ) 1‬‬

‫رفض الباضيون بالجماع المسح على الخفين ‪ .‬وقد قال جابر بن زيد بالنسبة لهذه القضية ‪ (( :‬كيف يمسح الرجل على‬
‫خفيه وال تعالى يخاطبنا في كتابه بنفس الوضوء )) ‪ .‬وفي رأي المراجع الباضية أن الحديث الذي يتعلق بالمسح على‬
‫الخفين أبطل بآية الوضوء في سورة المائدة ‪ ( :‬يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى‬
‫المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) ( ‪ . ) 2‬وبين الصحابة الذين يروي الباضيون عنهم أنهم رووا‬
‫الحديث الذي يقر بصحة المسح لكنهم قالوا أبطل ‪ ،‬علي بن أبي طالب ‪ ،‬وعبد ال بن عباس و بلل ‪ ،‬وأبو هريرة ‪،‬‬
‫وعائشة ( ‪ . ) 3‬ويقال أيضا أن سعيد بن جبير الذي قال للحجاج بأن يعتمد المسح تخلى عن رأيه وزعم أنه قال ذلك‬
‫لخوفه من الحجاج ( ‪. ) 4‬‬

‫ومن ناحية أخرى روى الباضيون عددا من الثار ترفض المسح على الخفين ‪.‬‬

‫‪ -1‬أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس ‪ (( :‬ما رأيت رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) مسح على خفه قط )) ( ‪5‬‬
‫)‪.‬‬

‫‪ -2‬أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة أنها قالت ‪ (( :‬ما رأيت رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) مسح على خفه قط ‪،‬‬
‫وإني وددت أن يقطع الرجل رجليه من الكعبين أو يقطع الخفين من أن يمسح عليهما )) ( ‪. ) 6‬‬

‫‪ -3‬أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة أنها قالت ‪ (( :‬لن أحمل السكين على قدمي أحب إلي من أن أمسح على الخفين‬
‫)) ( ‪. ) 7‬‬

‫‪ -4‬أبو عبيدة عن جابر بن زيد قال ‪ (( :‬أدركت جماعة من أصحاب رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) فسألتهم هل يمسح‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫رسول ال عليه السلم ‪ ،‬على خفيه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ل ؛ قال جابر ‪ :‬كيف يمسح الرجل على خفيه وال تعالى يخاطبنا في كتبه‬
‫بنفس الوضوء ؛ وال أعلم بما يرويه مخالفونا في أحاديثهم ؟ )) ( ‪. ) 8‬‬

‫ورأي الباضيون بخصوص مسألة المسح على الخفين ‪ ،‬مختلف كل الختلف عن رأي السنة الذين أجازوا المسح ‪ ،‬أثناء‬
‫السفر عند البعض ‪ ،‬وأثناء القامة والسفر عند البعض الخر ‪ .‬وقد تبنى المذهب الشيعي ‪ ...‬رأي الباضيين حول هذه‬
‫المسألة ‪. ) 9 ( .‬‬

‫نقاط الختلف الرئيسة حول هذا الموضوع ثلث ‪:‬‬

‫‪ -1‬تتعلق النقطة الولى بقراءة القرآن في صلة الظهر والعصر ‪ .‬وفي فقه الباضية أن سورة (( الفاتحة )) هي التي‬
‫يجب أن تقرأ في الركعتين الوليين معا ‪ ،‬وفي الركعتين التاليتين ‪ ،‬وهو رأي يعزى إلى جابر بن زيد ( ‪ . ) 10‬وهذا‬
‫الموقف مدعوم بحقيقة أنه في جميع الركعات السرية من الصلوات الخرى كالركعة الثالثة من صلة المغرب ‪ ،‬وفي‬
‫الركعتين التاليتين من صلة العشاء ‪ ،‬ل تقرأ غير سورة الفاتحة فقط ‪ ،‬وأن كل صلة أو ركعة من صلة ل تقرأ فيه غير‬
‫سورة الفاتحة تقرأ بصمت سواء كانت الصلة في الليل أو في النهار ؛ أما في صلة الجمعة والعيد فإن القراءة فيهما ‪،‬‬
‫برغم أنها في النهار ‪ ،‬يجب أن تكون جهرية بسبب قراءة السور الخرى فيها إلى جانب الفاتحة ‪ .‬وبما أن صلوات‬
‫العصر والظهر سرية فإن الصول ذاتها هي التي يجب أن تطبق ‪ .‬وهكذا فقد اتبع الباضيون رأي الذين رفضوا قراءة‬
‫السورة إلى جانب الفاتحة في صلوات الظهر والعصر ( ‪. ) 11‬‬

‫‪ -2‬ونقطة الخلف الثانية هي القنوت ( أي لعن الخصوم السياسيين أثناء الصلوات ) ( ‪ . ) 12‬وتقر مذاهب السنة والشيعة‬
‫بصحة ذلك ‪ .‬أما الباضيون فإنهم يرفضون القنوت ويرون أن الصلة مع الئمة الذين يمارسون القنوت ل تصح وأن تلك‬
‫الصلة ينبغي لها أن تعاد ( ‪ . ) 13‬ويروي عن عمرو بن هرم أنه قال ‪ (( :‬سئل جابر بن زيد عن القنوت في صلة الفجر‬
‫والوتر فقال ‪ :‬إنها بدعة ابتدعها الناس ‪ ،‬إن النبي ( صلى ال عليه وسلم ) لم يقنت قط في صلته ول الخليفتين بعده (‬
‫‪. ) 14‬‬

‫‪ -3‬ونقطة الخلف الثالثة هي بشأن صلة السفر ‪ .‬هنالك عدد من النقاط التي يختلف فيها الباضيون عن بعض مذاهب‬
‫السنة أو عن كلها ‪.‬‬

‫أ‪ -‬يعتبر قصر الصلة أثناء السفر فرضا من قبل الباضية ‪ ،‬وعتمدا الكوفيون والحنفية هذه النظرة نفسها ‪ ،‬وعد المالكية‬
‫القصر في السفر سنة ‪ .‬على أن هنالك رأيين آخرين حول هذه المسألة ‪ :‬الول هو أن القصر رخصة ‪ ،‬والمفضل أن تكون‬
‫الصلة كاملة تامة ‪ .‬والثاني هو أن القصر الصلة في السفر مسألة اختيارية ‪ .‬وكل الصلة نظر مما ذكر أعله مبنية على‬
‫أحاديث منسوبة إلى الرسول عليه السلم ( ‪. ) 15‬‬

‫ب‪ -‬المسافة التي يبدأ بها تنفيذ القصر ‪ .‬قال الباضيون وبعض الكوفيين والظاهرية بأنها فرسخان ‪ ،‬أي نحو ستة أميال ‪.‬‬
‫ويستند هذا الرأي إلى حديث يرويه أنس بن مالك عن الرسول ؛ ثم إن الصحابيين علي بن أبي طالب وعبد ال بن عباس‬
‫قال بهذا الرأي أيضا ‪ .‬أما مالك والشافعي وأهل المدينة فقالوا إن المسافة ينبغي أن ل تنقص عن أربع رحلت ‪ ،‬أي ما‬
‫يعادل مسيرة يوم ‪ ،‬ف يحين أن بعض الكوفيين وأبا حنيفة قالوا بأن السفر ينبغي أن ل يقل عن ثلثة أيام ‪ ،‬ونسبوا رأيهم‬
‫هذا إلى ابن مسعود ( ‪. ) 16‬‬

‫ج‪ -‬الوقت الذي بعده ينبغي (( للمسافر )) أن يصلي الصلة التامة ‪.‬‬

‫في رأي الباضيون أن (( المسافر )) ينبغي أن يواصل قصر صلته حتى ولو بقي إلى البد في المكان الذي سافر إليه ‪،‬‬
‫ما لم يتخذه وطنا له ‪ ،‬أو ما لم يملك – كما قال ا[و عبيدة مسلم بن أبي كريمة – منزل له فيه ‪ .‬غير أن المالكية والشافعية‬
‫ارتأوا أن على (( المسافر )) أن يكمل صلته إذا قرر المقام أربعة أيام أو أكثر ؛ أما أبو حنيفة وسفيان الثوري فقال إنه‬
‫عليه أن يكمل صلته إذا قرر البقاء مدة خمسة عشرة يوما ‪ .‬وحكم الباضيين مبني على ممارسة عدد من الصحابة ‪،‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫كابن عمر الذي يروي عنه أنه بقي في أذربيجان ستة أشهر ‪ ،‬أو بناء على رواية أخرى ‪ ،‬سبعة عشر شهرا ‪ ،‬وهو يقصر‬
‫في صلته ‪ .‬ويروي أيضا عن إبراهيم النخعي أن علقمة بن قيس ‪ ،‬صاحب ابن مسعود ‪ ،‬بقي في خوارزم سنتين وهو‬
‫يقصر في صلته ‪ ،‬وأن الصحابي سعد بن أبي وقاص وعددا من صحابة الرسول بقوا في القادسية مدة طويلة وهم‬
‫يقصرون ‪ .‬وفي رأي الجيطالي أن الفرق في هذه القضية يعود إلى أن الرسول لم يحدد وقتا معينا لذلك ( ‪. ) 17‬‬

‫‪ -3‬الصوم ‪:‬‬

‫نقطة الخلف الرئيسة حول هذا الموضوع تتعلق بغسل الجنابة بالنسبة للصوم ‪ .‬يرى الباضية أن التطهر من الجنابة‬
‫ضروري للصوم كما هو ضروري للصلة ‪ .‬وموفقهم هذا مبني على أحاديث تروى عن أبي هريرة والفضل بن عباس‬
‫معا بأن النبي قال ‪ (( :‬من أصبح جنبنا أصبح مفطرا )) ( ‪ . ) 18‬ويقول الباضيون إن أسلفهم في هذا الموقف هم أبو‬
‫هريرة ‪ ،‬وطاووس ‪ ،‬وعروة بن الزبير ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ .‬أما المذاهب السلمية الخرى كلها فقالت إن الغسل من‬
‫الجنابة ليس ضروريا في حالة الصوم وإن إهمال ذلك حتى الصباح ول يضر بالصوم ‪ .‬وموقفهم هذا مبني على أحاديث‬
‫تروى عن عائشة وأم سلمة ‪ ،‬وهي أن الرسول استيقظ في الصباح جنبنا من جماع غير احتلم في رمضان ثم صام ( ‪19‬‬
‫) ‪ .‬وبناء على ذلك فإنهم قالوا بأن إهمال الغسل من الجنابة خلل رمضان حتى صلة الظهر ل يؤثر في الصوم ‪ ،‬إذ إنه‬
‫ضروري للصلة فقط ل للصوم ‪.‬‬
‫ويقول الباضية ‪ ،‬دعما لوجهة نظرهم ‪ ،‬إن أقوال الرسول تنقض أعماله ‪ .‬وبالنسبة للحاديث المنقولة عن عائشة وأم‬
‫سلمة بخصوص عمله في هذه الحالة فلعل ذلك كان عمل خاصا بالرسول ‪ ،‬أو لعله قد نسي ‪ ،‬أو كان نائما ‪ .‬غير أن‬
‫الحاديث المروية عنه عن طريق أبي هريرة والفضل بن عباس ‪ ،‬تشير إلى قرار واضح ‪ ،‬ول تترك مجال لي تكهن (‬
‫‪. ) 20‬‬

‫والنقطة الخرى التي تميز المذهب الباضي في قضية الصوم هي تأثير الذنوب المعنوية على الصوم ‪ .‬ورأيهم أن جميع‬
‫الذنوب الكبيرة تبطل الصوم ‪ .‬وهذه النظرة معتمدة على القياس بناء على حديث الرسول بأن الغيبة تفطر الصائم وتنقض‬
‫الوضوء ( ‪ . ) 21‬وبناء على ذلك ‪ ،‬إن رواية الكذب ‪ ،‬والنميمة ‪ ،‬والحنث باليمين والذنوب المماثلة تبطل الصوم ( ‪. ) 22‬‬

‫وهنا يمكن أن نضيف نقطة أخرى في الفرق بين الباضية والمذاهب السلمية الخرى ؛ وهي تتعلق بقضاء اليام التي‬
‫لم يصمها المرء في رمضان السابق ‪ .‬وقد قال الباضيون إنه لبد من قضاء الصوم بصورة متوالية أياما بدل عن اليام‬
‫التي لم تصم خلل رمضان ؛ ولكن المذاهب السلمية الخرى قالت إن التتابع ليس ضروريا في مثل هذه الحالة ؛ على‬
‫المرء أن يصوم العدد المطلوب من اليام بصرف النظر عن تتابعها أو عدمه ( ‪. ) 23‬‬

‫‪ -4‬الزكاة ‪:‬‬

‫بالنسبة للزكاة هنالك نقطتان ‪:‬‬

‫‪ -1‬اعتبر الباضيون الغنم كالبل ‪ .‬فحد النصاب الدنى للزكاة هو نفسه للغنم والبل ( ‪ . )24‬في خمس بقرات ‪ ،‬شاة‬
‫واحدة ؛ في عشر ‪ ،‬شاتان في خمس عشرة ‪ ،‬ثلث شياه ؛ في عشرين ‪ ،‬أربع شياه ؛ في خمس وعشرين ‪ ،‬بقرة عمرها‬
‫سنة واحدة ‪ .‬في ست وثلثين ‪ ،‬بقرة عمرها سنتان ( ثنية ) ؛ في ست وأربعين ‪ ،‬بقرة واحدة عمرها خمس سنوات‬
‫( رباعية ) في إحدى وستين ‪ ،‬بقرة واحدة عمرها ست سنوات الخ ‪ ...‬وبالنسبة لمذاهب السنة ‪ ،‬فقد رأت أن النصاب‬
‫الدنى للماشية هو ‪ :‬في ثلثين بقرة ‪ ،‬عجل عمره سنة واحدة ؛ وفي أربعين ‪ ،‬بقرة عمرها سنتان الخ ‪ ....‬وهذا الرأي‬
‫الخير مبني على عدد من أحاديث تروى عن الرسول تتعلق بالحد الدنى من النصاب للماشية ( ‪ . ) 25‬وسأل أبو غانم‬
‫أبا المؤرخ عن حديث لمعاذ ترويه مراجع السنة دعما لوجهة نظرها ‪.‬وكان جوابه ‪ (( :‬الثر عند فقهائنا الذين نأخذ عنهم‬
‫ونعتمد عليهم أن السنة في زكاة البقر كالسنة في زكاة البل ‪ ،‬فيؤخذ منها ما يؤخذ من البل ‪ ،‬ويعمل فيها ما يعمل في‬
‫البل ‪ ،‬وليس بينهم اختلف ‪ ....‬وأما حديث معاذ عن النبي ( صلى ال عليه وسلم ) فال أعلم به ‪ ،‬ولو نعلم أن ذلك عن‬
‫معاذ عن النبي ( صلى ال عليه وسلم ) لخذنا به واعتمدنا عليه ‪ ،‬غير أن أصحابنا وأبيا عبيدة وجابر بن زيد لم يأخذوا‬
‫به ‪ ،‬وقد بلغهم قول من وصفت )) ( ‪. ) 26‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفي محاولة لشرح سبب الفرق والدليل الباضي على موقفهم ‪ ،‬قال الجيطالي ‪ (( :‬وأظن أنهم قاسوا ذلك على نصاب‬
‫البل ‪ ،‬أو صح عندهم فيه حديث لم أقف أنا عليه )) ( ‪ . ) 27‬على أن هنالك مجموعات سنية للحاديث تروى أحاديث‬
‫يبدو أنها أساس الرأي ( الباضي ) ( ‪. ) 28‬‬

‫‪ -2‬والنقطة الثانية تتعلق بالشخاص الذين ينبغي أن تعطي الزكاة لهم ‪ .‬الباضيون يشترطون أن يكون هذا الشخص في‬
‫حالة (( ولية )) ‪ .‬وبناء على ذلك وينبغي للزكاة أن ل تعطى إل لهل الولية ‪ .‬وإذا لم يكن هنالك فقراء بين هؤلء فإنه‬
‫يجب أن تعطي لفقراء الباضية حتى ولو لم يكونوا من أهل (( الولية )) ‪ .‬وإذا لم يوجد مثل هؤلء عندئذ تعطى‬
‫للمسلمين الضعاف الفقراء من غير الباضية ممن ل يخشى أن يسببوا أذى للباضية ( ‪. ) 29‬‬

‫‪ -5‬النكاح ‪:‬‬

‫تتناول نقطة الخلف هنا حالة الطرفين اللذين يرتكبان فاحشة الزنى ‪ .‬قال الباضيون إن مثل هذه العلقة تشكل عائقا‬
‫دائما يمنع الزواج بين هذين الطرفين المذنبين ‪ .‬ويروي ابن خلفون أن سائر فقهاء الباضية مجمعون على هذه النقطة‬
‫وأسلفهم في هذا الموقف هم الصحابة ‪ :‬عبد ال بن مسعود ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬والبراء بن عازب ‪ ،‬وعلي بن أبي طالب ‪ ،‬وأبو‬
‫هريرة ‪ ،‬وجابر بن عبد ال ‪ ،‬وكان عالما البصرة الحسن بن أبي الحسن ومحمد بن سيرين على هذا الرأي أيضا ( ‪. ) 30‬‬
‫وكذلك قال به الشيعة الثناء عشرية ( ‪ . ) 313‬أما مذاهب السنة الخرى فقالت إنه يجوز للطرفين اللذين ارتكبا فاحشة‬
‫الزنى أن يتزوج أحدهما الخر ‪ ،‬إنما اشترط البعض عليهما التوبة والحياة الصالحة فيما لم يضع البعض الخر أي شرط‬
‫‪.‬‬

‫وقدم ابن خلفون في رسالته عرضا مفصل لهذه القضية ولحجج سائر الطراف ( ‪. ) 32‬‬

‫‪ -6‬الرث ‪:‬‬

‫بالنسبة للمولى ‪ ،‬قال علماء الباضية – باستثناء أبي نوح الدهان – إن أموال المولى الذي ل أنسباء له يرثها أهله ل موله‬
‫( ‪ . ) 33‬وإذا كان للمولى المتوفى أقرباء ‪ ،‬فإن أمواله يجب أن تعطى لهم ؛ وأما إذا لم يكن هنالك وريث له ينتسب إلى‬
‫قبيلته فالموال يجب أن تعطى لبناء جنسه الحاضرين في بلده يوم وفاته ‪ ،‬على أن يتساوى نصيب النثى والذكر ‪ .‬وإذا‬
‫كان والداه من عرقين مختلفين فإن بعض علماء الباضية قالوا بإعطاء أمواله لهل والده ‪ .‬وبناء على ما قاله أبو‬
‫الحوارني ‪ ،‬فإن أمواله يجب أن تقسم ثلثة أنصبة ‪ ،‬ثلثين لهل والده ‪ ،‬وثلث لهل والدته ‪ .‬وقال شيوخ جبل نفوسة أن من‬
‫حضر أول من أهل المتوفى فهو أحق بالميراث ( ‪ . ) 34‬وقالت المذاهب السلمية الخرى أنه إذا لم تكن للمولى‬
‫(( عصبة )) ‪ ،‬فإن موله الذي كان قد أعتقه هو وريثه ‪ .‬وإذا لم يكن موله حيا ‪ ،‬فإن (( عصبته )) ينبغي لها أن ترث‬
‫أملك المولى ‪ .‬وعند عدم وجود أحد من هؤلء ‪ ،‬فإن أموال المولى تؤول إلى بيت المال ( ‪.) 35‬‬

‫‪ -7‬الحدود والقصاص ‪:‬‬

‫إن الخاصة الرئيسة المميزة للمذهب الباضي في هذا المجال هي التعطيل المؤقت للحدود باستثناء عقوبة العدام ( ما‬
‫عدا الرجم ) خلل فترة الكتمان ( ‪ . ) 36‬وبالضافة إلى هذه الخاصة ‪ ،‬يمكن لنا هنا أن نذكر نقطتين أخريين ‪:‬‬

‫‪ -1‬بين المذاهب السلمية كلها ‪ ،‬كان الباضيون وحدهم هم الذين حددوا الجراءات التي بموجبها ينبغي أن تدفع مبالغ‬
‫محددة تعويضا عن إنزال الضرار الجسدية ‪ ،‬دون الدامية خطورة ‪ ،‬في حين أنه لم يحدد لذلك أي مبلغ من قبل السنة ‪.‬‬
‫لقد تركت المذاهب السلمية الخرى مثل هذه الحالت لقرار (( الحكومة )) التي تقدر العقوبة ‪ ،‬أي مقدار ما يخفضه‬
‫الضرر المشار إليه بقيمة الرقيق ‪ ،‬وهو ما يحدد نسبة الدية التي تدفع ( ‪ . ) 37‬وقد وضع علماء الباضية ‪ ،‬بغية اجتناب‬
‫القرارات غير العادلة من قبل الحكومة ‪ ،‬مقياسا لتقدير الضرار وتحديد المبلغ الذي يجب أن يدفع تعويضا عنها ‪ .‬ووحده‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تقدير الضرار هي (( الراجبة )) ‪ ،‬أو عقدة الطرف في البهام ‪ ،‬أي ما يقرب من بوصة واحدة ( ‪. ) 38‬‬

‫‪ -2‬وفي القصاص ‪ ،‬إذا كان ينبغي قتل الرجل عقوبة له لقتله امرأة متعمدا ‪ ،‬فإنه يجب على ولي المرأة أن يعيد نصف دية‬
‫الرجل إلى أقارب الرجل ( ‪ . ) 39‬وهذا هو الموقف نفسه الذي اتخذه الثناء عشرية ( ‪. ) 40‬‬

‫وباستثناء المثلة التي ذكرناها أعله ‪ ،‬قد يختلف الباضيون أو يتفقون في نواح عديدة من نظامهم الفقهي مع هذا المذهب‬
‫السلمي أو ذاك ‪ .‬وما عدا ذلك فل فارق كبيرا بين الفقه الباضي والفقه السني بوجه عام ‪ .‬وإذا كان الباضيون يرون‬
‫نفس الرأي كالشيعة الثنى عشرية في بعض المسائل ‪ ،‬فإنهم يختلفون عنهم أيضا في نقاط أخرى ‪ .‬ونكاح المتعة ‪ ،‬على‬
‫سبيل المثال ‪ ،‬هي إحدى المسائل التي يرى فيها الباضيون رأي السنة والفرع الزيدي ‪ ،‬لكن الشيعة الثنى عشرية‬
‫يعتبرونها شرعية ( ‪. ) 41‬‬

‫على أي حال ‪ ،‬فقد نوقش بعض هذه المسائل في وقت باكر من قبل المصادر الباضية كمدونة أبي غانم ‪ .‬وفي عدد من‬
‫الحالت واجه أبو غانم شيوخه برأي العلماء غير الباضيين ‪ ،‬لكن ردهم كان عادة (( ل شيء فيما يقولونه ؛ هم رووا‬
‫الكاذيب و أخطأوا في الرواية ؛ إننا ل نتبع هذا الخبر ‪ .‬فقهاؤنا ل يعترفون بهذه الرواية الخ ‪ ، ) 42 ( ...‬من غير إيراد‬
‫أي حجج دعما لهذه الدعاءات ‪ .‬وفي حالت معينة ‪ ،‬كحالة أن الولد ‪ ،‬وحالة المكاتب عرضوا حججهم وبراهينهم‬
‫بالتفصيل ( ‪ . ) 43‬والعلماء المسلمون الخرون يشار إليهم بعبارة (( فقهاء قومنا ‪ .‬وعند سماع أبي المؤرخ شخصيا بأن‬
‫أبا عبيدة قال ‪ (( :‬وكل صلة ل يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ‪ ،‬فقلت ( أبو غانم ) له حينئذ ‪ :‬يا أبا المؤرخ إن هذا قول‬
‫قومنا ‪ ،‬قال ‪ :‬قومك يقولون حقا كثيرا لم يخالفهم المسلمون فيما أصابوا ‪ ،‬ولكن إنما خالفوهم فيما أخطأوا فيه وكذبوا )) (‬
‫‪. ) 44‬‬

‫كان الباضيون ينظرون إلى أنفسهم باستمرار بأنهم المسلمون الحقيقيون ؛ وبأن شرعهم هو الدين السلمي الصحيح‬
‫معتبرين أن مذهبهم هو الممثل الحث للسنة الصحيحة والمتفوق على المذاهب السلمية الخرى ‪ .‬وقد عبر الشيخ‬
‫الباضي محمد يوسف اطفيش في العصر الحديث عن هذا الرأي بالكلمات التالية ‪:‬‬
‫(( قولنا صواب ويحتمل الخطأ ‪ ،‬وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب )) ( ‪. ) 45‬‬

‫على أن هذه النظرة الباضية إلى المذاهب الفقهية غير الباضية لم تمنع أحد علمائهم البارزين من إدخال مبدأ جديد على‬
‫الفقه الباضي بقوله أنه مسموح للمفتين الباضيين أن يستعينوا بآراء المذاهب غير الباضية إذا لم يوجد لعلماء الباضية‬
‫آراء في تلك المسائل ( ‪. ) 46‬‬

‫==================================‬

‫‪.‬‬

‫( ‪ ) 1‬شاخت ‪ ،‬نشأة الفقه السلمي ‪. 261 ،‬‬

‫( ‪ ) 2‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 3‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫( ‪ ) 4‬توفي جابر سنة ‪ 93‬هـ ‪ .‬وولد مالك بين ‪ 90‬و ‪ 97‬هـ ‪ .‬انظر ‪ :‬أبو زهرة ‪ ،‬مالك ( ط ‪ ، 2‬القاهرة ‪. 24 ، ) 1952 ،‬‬

‫( ‪ ) 5‬ولد أبو حنيفة نحو ‪ 700 / 81‬؛ انظر محمد أبو زهرة ‪ ،‬أبو حنيفة ‪ ( ،‬ط ‪ ، 2‬القاهرة ‪. 12 ، ) 1955 ،‬‬

‫( ‪ ) 6‬كولسون ‪ ،‬تاريخ الشرع السلمي ‪. 109 ،‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 7‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 8‬شاخت ‪ ،‬نشأة ‪. 237 – 236 ،‬‬

‫( ‪ ) 9‬ابن خلفون ‪ ،‬أجوبة ‪ 39‬؛ السالمي ‪ ،‬حاشية الجامع الصحيح ‪. 179 – 177 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 10‬القرآن ‪. 6 ، 5 ،‬‬

‫( ‪ ) 11‬ابن خلفون ن المصدر نفسه ‪ 39‬؛ أبو غانم ‪ ،‬المدونة ‪ 18 – 17 ،‬؛ الجيطالي ‪ :‬قواعد ‪ ،‬مخطوطة ‪. 67‬‬

‫( ‪ ) 12‬ابن خلفون ‪ ،‬أجوبة ‪. 39 ،‬‬

‫( ‪ ) 13‬الربيع بن حبيب ‪ ،‬مسند ‪. 36 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 14‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫( ‪ ) 15‬المصدر السابق ‪. 37 – 36 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 16‬المصدر السابق ‪. 36 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 17‬شاخت ‪ ،‬نشأة ‪ 263 ،‬؛ المام زيد بن علي ‪ ،‬مسند ‪. 82 – 80 ،‬‬

‫( ‪ ) 18‬جابر بن زيد ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬مخطوطة ‪. 3‬‬

‫( ‪ ) 19‬الجيطالي ‪ ،‬قواعد مخطوطة ‪ 120 – 199‬؛ علي معمر أجوبة وفتاوى ( ليبيا ‪ ،‬نالوت ‪. 23 – 18 ، ) 1970 ،‬‬

‫( ‪ ) 20‬شاخت ‪ ،‬نشأة ‪ 267 ،‬وما يليها ‪.‬‬

‫( ‪ ) 21‬الشماخي ‪ ،‬سير ‪. 92 – 91 ،‬‬

‫( ‪ ) 22‬جابر ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ 6 – 5‬؛ الربيع بن حبيب ‪ ،‬مسند ‪ 81 / 1‬؛ أبو غانم ‪ ،‬المدونة ‪. 26 ،‬‬

‫( ‪ ) 23‬الجيطالي ‪ ،‬قواعد ‪. 112 – 111 ،‬‬

‫( ‪ ) 24‬المصدر السابق ‪. 112‬‬

‫( ‪ ) 25‬المصدر السابق ‪ 114 – 113‬؛ أبو غانم ‪ ،‬المدونة ‪ 26 ،‬؛ للمزيد من التفاصيل عن الموضوع انظر علي معمر ‪:‬‬
‫أحكام السفر في السلم ‪ ،‬بيروت ‪. 1966 ،‬‬

‫( ‪ ) 26‬الربيع بن حبيب ‪ ،‬مسند ‪. 85 – 84 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 27‬مالك ‪ ،‬الموطأ ‪ . 213 / 1‬البخاري ‪ ،‬صحيح ‪ 249 / 1‬؛ مسلم ‪ ،‬صحيح ‪. 38 – 137 / 3‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪ ) 28‬أبو غانم ‪ ،‬المدونة ‪ 71‬؛ الجيطالي ‪ ،‬قواعد ‪. 196 ،‬‬

‫( ‪ ) 29‬الربيع بن حبيب ‪ ،‬مسند ‪. 85 ، 33 / 1 ،‬‬

‫( ‪ ) 30‬الجيطالي ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪ 198 ،‬؛ الجناوني ‪ :‬الوضع ‪. 156 ،‬‬

‫( ‪ ) 31‬الجيطالي ‪ ،‬مصدر مذكور سابقا ‪. 206 ،‬‬

‫( ‪ ) 32‬المصدر السابق ‪. 164 ،‬‬

‫( ‪ ) 33‬الزيلعي ‪ ،‬نصب الراية ( ‪. 353 – 346 / 2 ، ) 1357 / 1938‬‬

‫( ‪ ) 34‬أبو غانم ‪ ،‬المدونة ‪. 69 – 68 ،‬‬

‫( ‪ ) 35‬الجيطالي ‪ ،‬قواعد ‪. 164 ،‬‬

‫( ‪ ) 36‬الزيلعي ‪ ،‬نصب الراية ‪. 348 – 347 / 2 ،‬‬

‫( ‪ ) 37‬الجيطالي ‪ ،‬قواعد ‪ 180‬؛ أبو ساكن الشماخي ‪ ،‬إيضاح ‪ ،‬مخطوطة ‪. 46 / 2‬‬

‫( ‪ ) 38‬ابن خلفون ‪ ،‬أجوبة ‪. 9 ،‬‬

‫( ‪ ) 39‬شاخت ‪ ،‬نشأة ‪. 268 ،‬‬

‫( ‪ ) 40‬ابن خلفون ‪ ،‬أجوبة ‪. 14 – 9‬‬

‫( ‪ ) 41‬أبو غانم ‪ ،‬المدونة ‪. 337‬‬

‫( ‪ ) 42‬السالمي ‪ ،‬شرح الجامع الصحيح ‪ 441 / 3 ،‬؛ الجيطالي ‪ ،‬فرائض مخطوطة ‪ 12‬ب – ‪ 13‬أ‪.‬‬

‫( ‪ ) 43‬شاخت ‪ ،‬مدخل ‪. 170 ،‬‬

‫( ‪ ) 44‬انظر أعله ‪ 174 – 172‬وما يلي ‪. 412‬‬

‫( ‪ ) 45‬شاخت مصدر مذكور سابقا ‪. 186‬‬

‫( ‪ ) 46‬للمزيد من التفاصيل انظر ‪ :‬عبد العزيز الثميني ‪ ،‬النيل ( تحقيق بكلي عبد الرحمن بن عمر ن الجزائر ‪،‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬

You might also like