Professional Documents
Culture Documents
هو زهير بن أبي سُلمى ربيعة بن رياح بن قرّة بن الحارث بن إلياس بن نصر بن نزار ،المزني ،من مضر .حكيم الشعراء في الجاهلية ،وفي أئمة
الدب من يفضله على شعراء العرب كافة .كان له من الشعر ما لم يكن لغيره ،ولد في بلد مزينة بنواحي المدينة ،وكان يقيم في الحاجر من ديار نجد ،واستمر
بنوه فيه بعد السلم .قيل كان ينظم القصيدة في شهر ويهذبها في سنة ،فكانت قصائده تسمى الحوليات .إنه ،كما قال التبريزي ،أحد الثلثة المقدمين على سائر
الشعراء ،وإنما اختلف في تقديم أحد الثلثة على صاحبيه ،والخران هما امرؤ القيس والنّابغة الذبياني .وقال الذين فضّلوا زهيراً :زهير أشعر أهل الجاهلية،
روى هذا الحديث عكرمة عن أبيه جرير .وإلى مثل هذا الرأي ذهب العبّاس بن الحنف حين قال ،وقد سئل عن أشعر الشعراء .وقد علّل العبّاس ما عناه بقوله:
فما َيكُ من خيرٍ أتوه فإنّما -توارثه آباء آبائهم قبْل ألقى زهير عن المادحين فضول الكلم كمثل قوله:
وكان عمرو بن الخطاب شديد العجاب بزهير ،أكد هذا ابن عبّاس إذ قال :خرجت مع عمر بن الخطاب (رضي ال عنه) في أول غزاة غزاها فقال لي :أنشدني
لشاعر الشعراء ،قلت" :ومن هو يا أمير المؤمنين?" قال :ابن أبي سلمى ،قلت :وبم صار كذلك? قال :ل يتبع حوشي الكلم ول يعاظل في المنطق ،ول يقول إل
ما يعرف ول يمتدح أحدًا إل بما فيه" .وأيّد هذا الرأي كثرة بينهم عثمان بن عفان ،وعبد الملك بن مروان ،وآخرون واتفقوا على أنّ زهيراً صاحب "أمدح
بيت ...وأصدق بيت ...وأبين بيت" .فالمدح قوله:
تراهُ إذا ما جئْتَه مُ َتهَلّل -كأنّك تُعطيه الذي أنتَ سائلُهْ والصدق قوله:
ن تَخْفى على الناس تُعْلَمِ
ومهما تكنْ عند امرئٍ من خليقةٍ -وإ ْ
ق مقطعُه ثلثٌ -يمينٌ أو نفارُ أو جلءُ فإنّ الح ّ وأما ما هو أبين فقوله يرسم حدود الحق:
قال بعضهم معلّقا :لو أن زهيرًا نظر في رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الشعري ما زاد على قوله المشار إليه ،ولعلّ محمد بن سلّم أحاط إحاطة
حسنة بخصائص شاعرية زهير حين قال" :من قدّم زهيراً احتجّ بأنه كان أحسنهم شعراً وأبعدهم من سخف ،وأجمعهم لكثير من المعاني في قليل من اللفاظ،
وأشدّهم مبالغة في المدح ،وأكثرهم أمثالً في شعره" .وسنورد لحقاً جملة أخرى في مثل هذه الخصائص التي تطالعنا بها أشعاره والتي تكشف عن أهمية شعره
وقيمته.
كانت ولدة زهير في بني غطفان .وبين هؤلء القوم نشأ وترعرع .ومنهم تزوّج مرّتين .في الولى تزوّج أم أوفى التي يذكرها في مطلع معلقته :أمِن أمّ أَوفى
دمنةٌ لمْ تكلّم -بحوْمانَةِ الدرّاج فالمتثلّم وبعد طلقه أم أوفى بسبب موت أولده منها ،اقترن زهير بكبشة بنت عمّار الغطفانية ورزق منها بولديه الشاعرين كعب
وبجير.
لكن زهيراً -كما يفهم من حديثه وأهل بيته -كان من مزينة -وما غطفان إل جيرانهم ،وقِدْماً ولدتهم بنو مرّة وفي الغاني حديث زهير في هذا الشأن رواه ابن
العرابي وأبو عمرو الشيباني ،ولم نر ضرورة إثباته .ولعلّ البارز في سيرة زهير وأخباره تأصّله في الشاعرية :فقد ورث الشعر عن أبيه وخاله وزوج أمه
أوس بن حجر .ولزهير أختان هما الخنساء وسلمى وكانتا أيضاً شاعرتين .وأورث زهير شاعريته لبنيه كعب وبجير ،والعديد من أحفاده وأبناء حفدته .فمن
أحفاده عقبة المضرّب وسعيد الشاعران ،ومن أبناء الحفدة الشعراء عمرو بن سعيد والعوّام ابنا عقبة المضرّب..
ويطول الكلم لو أردنا المضي في وراثة زهير الشعر وتوريثه إياه .يكفي في هذا المجال الحوار بينه وبين خال أبيه بشامة بن الغدير الذي قال حين سأله زهير
قسمة من ماله" :يا ابن أختي ،لقد قسمت لك أفضل ذلك وأجزله" قال" :ما هو?" ،قال :شعري ورثتنيه" .فقال له زهير" :الشعر شيء ما قلته فكيف تعتدّ به
عليّ?" ،فقال له بشامة" :ومن أين جئت بهذا الشعر? لعلك ترى أنّك جئت به من مزينة? وقد علمت العرب أن حصاتها وعين مائها في الشعر لهذا الحيّ من
غطفان ،ثم لي منهم وقد رويته عنّي".
فإذا تحوّلنا من شاعرية زهير إلى حياته وسيرته فأول ما يطالعنا من أخباره أنه كان من المعمّرين ،بلغ في بعض الروايات نحوا من مئة عام .فقد استنتج
المؤرخون من شعره الذي قاله في ظروف حرب داحس والغبراء أنه ولد في نحو السنة 530م .أما سنة وفاته فتراوحت بين سنة 611و 627م أي قبل بعثة
النبيّ بقليل من الزمن ،وذكرت الكتب أن زهيراً قصّ قبل موته على ذويه رؤيا كان رآها في منامه تنبأ بها بظهور السلم وأنه قال لولده" :إني ل اشكّ أنه كائن
من خبر السماء بعدي شيء .فإن كان فتمسّكوا به ،وسارعوا إليه".
ومن الخبار المتّصلة بتعمير زهير أن النبي صلى ال عليه وسلم نظر إليه "وله مائة سنة" فقال :اللهم أعذني من شيطانه" ،فما لك بيتاً حتى مات .وأقلّ
الدللت على عمره المديد سأمه تكاليف الحياة ،كما ورد في المعلّقة حين قال:
سئمتُ تكاليفَ الحياة ،ومَنْ يعِش -ثمانينَ حولً ل أبا لكَ ،يسأَمِ
والمتعارف عليه من أمر سيرته صدق طويته ،وحسن معشره ،ودماثة خلقه ،وترفعه عن الصغائر ،وأنه كان عفيف النفس ،مؤمناً بيوم الحساب ،يخاف لذلك
عواقب الشرّ .ولعلّ هذه الخلق السامية هي التي طبعت شعره بطابع الحكمة والرصانة ،فهو أحد الشعراء الذين نتلمس سريرتهم في شعرهم ،ونرى في
شعرهم ما انطوت عليه ذواتهم وحناياهم من السجايا والطبائع .وأكثر الباحثين يستمدّ من خبر زهير في مدح هرم بن سنان البيّنة التي تبرز بجلء هذه الشخصية
التي شرفتها السماحة والنفة وزيّنها حبّ الحق والسّداد :فقد درج زهير على مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف لمأثرتهما في السعي إلى إصلح ذات البين
بين عبس وذبيان بعد الحرب الضروس التي استمرّت طويلً بينهما.
وكان هذا السيّدان من أشراف بني ذبيان قد أديا من مالهما الخاص ديّات القتلى من الفريقين ،وقد بلغت بتقدير بعضهم ثلثة آلف بعير .قيل إن هرماً حلف بعد
أن مدحه زهير أن ل يكف عن عطائه ،فكان إذا سأله أعطاه ،وإذا سلّم عليه أعطاه .وداخل زهير الستحياء ،وأبت نفسه أن يمعن في قبول هبات ممدوحه ،فبات
حين يراه في جمع من القوم يقول "عموا صباحاً غير هرم ...وخيركم استثنيت" .ذكر أن ابن الخطاب قال لواحد من أولد هرم :أنشدني بعض مدح زهير
أباك ،فأنشده ،فقال الخليفة :إنه كان ليحسن فيكم القول" ،فقال" :ونحن وال كنّا نحسن له العطاء" ،فقال عمر بن الخطاب" :قد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما
أعطاكم" .نعم لقد خلد هرم بفضل مديح زهير الصادق ومنه قوله:
ق يوماً على عِلّته هرماً -يلقَ السماحةَ منه والنّدى خلقَا منْ يل َ
ولزهير ديوان شعر عني القدمون والمحدثون بشرحه .وأبرز الشّراح القدمين العلم الشنتمري .وفي طليعة من حقّق ديوان زهير حديثاً المستشرق لندبرغ في
ليدن سنة 1881م .ويدور شعر الديوان في مجمله حول المدح والفخر ودور زهير في ظروف حرب السباق ،وتتوّج الحكمة هذا الشعر بهالة من الوقار تعكس
شخصية الشاعر الحكيم.
وقد اهتم المستشرقون الغربيون بشعراء المعلقات وأولوا اهتماماً خاصاً بالتعرف على حياتهم ،فقد قالت ليدي آن بلنت وقال فلفريد شافن بلنت عن زهير بن أبي
سلمى في كتاب لهما عن المعلقات السبع صدر في بداية القرن العشرين :شخصية زهير نقيض لمرئ القيس وطرفة .كان امرؤ القيس وطرفة رجلين طائشين
وحياتهما غير منضبطة ،وماتا ميتة عنيفة في عز شبابهما .بينما عاش زهير حياة طويلة ونال احترام الجميع لحكمته وأخلقه العالية ولم يكن بحاجة للخرين.
عاصر الشاعرين المذكورين في مولده ،لكنه قارب أيام ظهور السلم .يقال إنه في سن التسعين جاء إلى النبي فاستعاذ منه وقال" :اللهم أعذني من شيطانه"
قول قامت عليه تعاليم بعض علماء المسلمين الذين قالوا بفكرة إن الوحي نزل على الرسول بالقرآن ،وكذلك كان لكل شعراء الجاهلية شيطاناً يوحي لهم بما
يقولون .ل يختلف هذا عن إيمان المسيحيين الوائل الذين أكدوا على أن أصوات الشياطين كانت تخرج من أفواه كهنة الوثنيين .يضاف أنه بعد نصيحة الرسول
لزهير لم ينظم الشعر .ويقال إن الخليفة عمر بن الخطاب قال إن زهير كان شاعر الشعراء .كان سيداً اتسعت ثروته ،حكيم ،وكان ورعاً حتى في أيام الجاهلية.
كان زهير بن أبي سلمى من قبيلة "مزينة" ويعود من ناحية أم والده إلى قبيلة "مرة" في الحجاز .يروى إن والد زهير ذهب مع أقربائه من بني "مرة" -أسد
وكعب -في غزوة ضد طيْ ،وإنهم غنموا إبلً عديدة .قال افردا لي سهماً ،فأبيا عليه ومنعاه حقه ،فكف عنهما ،حتى إذا الليل أتى أمه فقال :والذي أحلف به
لتقومن إلى بعير من هذه البل فلتقعدن عليه أو لضربن بسيفي تحت قرطيك .فقامت أمه إلى بعير منها فاعتنقت سنامه وساق لها أبو سلمى وهو يرتجز ويقول:
قادهم أبو سلمى من مضارب "مرة" حتى وصل قومه .لم يمض وقت طويل قبل التحاقه "بمزينة" في غزوة على بني ذبيان ،فخذ من "مرة" .عندما بلغوا
غطفان ،جيران مرة ،عاد غزاة مرة خائفين إلى خيام غطفان ومكثوا معهم .وهكذا قضى زهير طفولته معهم وليس مع قبيلته .يلمح إلى العيش بين الغرباء بقوله
:يعرف أن زهير تزوج مرتين ،الولى إلى أم أوفى ،حبيبة شبابه التي يتغنى بها في المعلقة ،والثانية إلى أم ولديه ،كعب وبوجير .توفي أبناء أم أوفى ،لذا تزوج
ثانية .لم تغفر له أم أوفى زواجه عليها ،فهجرها لزلة اقترفتها وإن ندم لحقاً .وهذا سبب ندبه.
ذكر ابن العربي إن زهير كان له ابن يدعى سالم ،كان في غاية الوسامة حتى إن امرأة عربية قالت عندما رأته قرب نبع ماء على صهوة جواده مرتدياً عباءة
مخططة بخطين "لم أر حتى يومنا مثيلً لهذا الرجل ول هذه العباءة ول هذا الجواد" .فجأة تعثر الجواد وسقط ،فدقت عنقه وعنق راكبه .ذكر ابن العربي أيضاً
إن والد زهير كان شاعراً ،وكذلك أخ أمه وأخته سلمى وأخته الخنساء وابناه وحفيده المضرب بن كعب.
قسم عمه باشاما عند موته ثروته بين أقربائه ،لكنه لم يعط زهير شيئاً بالرغم من حبه له .قال زهير" :وماذا أيضاً ،ألم تترك قسطاً لي" .أجاب العجوز " :كل،
تركت لك أفضل ما عندي موهبتي في نظم الشعر" .قال زهير" :هذه خاصتي منذ البداية" .لكن العجوز رد" :ليس صحيح ،يعلم العرب جيدًا أنها جاءتك مني".
وقال عنه دبليو إى كلوستون في كتاب من تحريره عن الشعر العربي :تميز زهير بن أبي سلمى منذ نعومة أظفاره بنبوغه الشعري .كان المفضل عند عمه
باشاما ،الذي كان بنفسه شاعراً مشهوراً ،لكن عندما أحس العجوز بدنو أجله قسم أملكه بين أقاربه ولم يترك لزهير شيئاً .قال زهير" :وماذا أيضاً ،ألم تترك
قسطاً لي?" أجاب العجوز" :كل ،تركت لك أفضل ما عندي ،موهبتي في نظم الشعر" .قال زهير" :هذه خاصتي منذ البداية" .لكن العجوز رد" :ليس صحيح,
يعلم العرب جيداً أنها جاءتك مني".
نظمت معلقته لما آلت إليه حرب داحس والغبراء ،وفي مديح الحارث بن عوف والحارم بن سنان ،صانعي السلم .كما نظم زهير عديداً من القصائد في مدح
حارم بن سنان ،الذي لم يقم على تلبية كل طلبات الشاعر فقط ،بل كان يمنحه لقاء قصيدة مديح إما جارية أو حصان .شعر زهير بالخجل لهذه المكرمة حتى أنه
كان يقول عندما يدخل على قوم فيهم حارم " السلم عليكم جميعاً باستثناء حارم ،رغم أنه أفضلكم".
قرأ أحد أبناء حارم قصيدة مديح في عائلته للخليفة عمر الذي قال إن زهير مدحكم مدحًا جميلً .فرد البن موافقاً وقال لكننا أجزلنا له العطاء .قال عمر "ما منح
يفنى مع الزمن ،لكن مديحه خالد" .لم يكن عمر من المعجبين بالشعر ،لكنه مدح زهير لنه مدح في شعره من يستحق المديح مثل حارم بن سلمى.
كانت أم أوفى التي ذكرها في مطلع المعلقة زوجة زهير الولى التي طلقها بسبب غيرتها وندم لحقاً على فعلته .مات كل البناء التي أنجبتهم صغار السن.
أنجبت زوجته الثانية ولدين :كعب من نظم قصيدة البردة الشهيرة والمعروفة في الشرق بمطلع " بانت سعاد ?" وألقاها في حضرة الرسول ( 630ميلدية )
عندما عقد صلحاً معه ودخل السلم ،والبن الثاني بوجير وكان من أوائل من دخل السلم .ورد في كتاب الغاني أن الرسول قابل زهير وهو في سن المئة
وقال " :اللهم أعذني من شيطانه " .ويقال إنه توفي قبل أن يغادر الرسول البيت .في رواية أخرى أن زهير تنبأ بقدوم الرسول وذكر ذلك لبنيه كعب وبوجير،
ونصحهم بالستماع إلى كلم الرسول عند قدومه ،وهذا يعني أنه توفي قبل ظهور الرسالة.
اعتمدنا في ذلك على :ابن الخطيب التبريزي ،شرح المعلقات العشر المذهبات ،تحقيق د .عمر فاروق الطباع ،بيروت :دار الرقم ،د .ت ،ص .118-113
أعلم الزركلي .وانظر أيضًا ما ترجمه صلح صلح في ما يلي: