You are on page 1of 439

‫مدارك النَّظر‬

‫سياسة‬ ‫في ال ّ‬
‫شرعية‬‫بين التطبيقات ال ّ‬
‫ماسية‬‫ح َ‬
‫والنفعالت ال َ‬
‫تأليف‬
‫عبد المالك بن أحمد بن المبارك‬
‫رمضاني الجزائري‬
‫قرأه وقّرظه‬
‫العلّمة الشيخ‪ :‬محمد ناصر‬
‫الدين اللباني‬
‫والعلّمة الشيخ‪ :‬عبد‬
‫المحسن بن حمد العبّاد البدر‬

‫‪www.scribd.com/Algerians‬‬
‫‪5‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫تد ف هذا الكتاب‬


‫• تأصيلً لقاعدة‪ :‬الفتوى ف النوازل السياسية قاصرة على الجتهد‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ر‬
‫م ِ‬ ‫وإِلَى أولِي ال ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫دوهُ إِلَى الَّر ُ‬ ‫ولَ ْ‬
‫و َر ُّ‬ ‫قال ال تعال‪َ {:‬‬
‫م} وقال ابن القيم‪ " :‬العالِم‬‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ه ِ‬‫ستَنبِطُون َ ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬
‫م ُ‬ ‫م لَ َ‬
‫عل ِ َ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫بكتاب ال وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو الجتهد ف النوازل‪ ،‬فهذا النوع الذي يَسوغ‬
‫لم الفتاء ويَسوغ استفتاؤهم ويتأدى بم فرضُ الجتهاد‪ ،‬وهم الذين قال فيهم رسولال‬
‫‪ (( :‬إنال يبعث لذه المة على رأس كل مائة سنة من يدّد لا دينها )) "‪.‬‬
‫• وبيا َن أنه ل يفت ف دقائق الهاد إل هو‪ ،‬وأنه يَحرُم استفتاء طلبة العلم‬
‫فيها‬
‫ـ فضلً عن غيهم ـ مهما زعموا أنم فقهاء الواقع‪:‬‬
‫قال ابن تيمية‪ " :‬وف الملة فالبحث ف هذه الدقائق ـ أي دقائق أحكام الهاد ـ‬
‫من وظيفة خواص أهل العلم ‪." ..‬‬
‫• وبيا َن أنه لو أفت فيها مَن ليس ف رتبة العال الجتهد أفسد البلد وأرهق‬
‫العباد؛ لن العالِم يش ّم الفتنة قبل وقوعها‪ ،‬وأما غيه فل يعرفها إل إذا وقع فيها‪،‬‬
‫وقد ل يعرفها‪:‬‬
‫قال السن البصري‪ " :‬إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كلّ عال‪ ،‬و إذا أدبرت عرفها‬
‫ك ّل جاهل "‪.‬‬
‫• وتذيرا من مسالك الركيي من السلميّي الذين اتّخذوا من السياسة‬
‫جارحةَ صيد‪ ،‬واتّخذها العداء آلةَ كيد‪:‬‬
‫قال عبد الميد بن باديس‪ " :‬فإننا اخترنا الطة الدينية على غيها عن علم وبصية ‪...‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪6‬‬
‫السياسة‬

‫ولو أردنا أن ندخُل اليدان السياسي لدخلناه جهرا ‪ ...‬ولقُدنا المّة كلها للمطالبة بقوقها‪،‬‬
‫ولكان أسهل شيءٍ علينا أن نسي با على ما نرسه لا‪ ،‬وأن نَبْلغ من نفوسها إل أقصى غايات‬
‫التأثي عليها؛ فإن ما نعلمه‪ ،‬ول يفى على غينا أن القائد الذي يقول للمّة‪( :‬إنّكِ مظلومة‬
‫ف حقوقك‪ ،‬وإنّن أريد إيصالكِ إليها)‪ ،‬يد منها ما ل يد من يقول لا‪( :‬إنّك ضالة عن‬
‫أصول دينك‪ ،‬وإنّن أريد هدايتَك)‪ ،‬فذلك تلبّيه كلها‪ ،‬وهذا يقاومه معظمُها أو شطرُها‬
‫‪."...‬‬
‫• وتذيرا من الزبية الت فرّقت شل السلمي‪:‬‬
‫قال ممد البشي البراهيمي‪ " :‬أوصيكم بالبتعاد عن هذه الزبيات الت نَجَمَ بالشّر‬
‫ناجُها‪ ،‬وهجم ـ ليفتك بالي والعلم ـ هاجُها‪ ،‬وسَجَم على الوطن باللح الُجاج‬
‫سا ِجمُها‪ ،‬إنّ هذه الحزاب! كاليزاب؛ جع الاء كَدَرا وفرّقه هَدَرا‪ ،‬فل الزّلل جع‪ ،‬ول‬
‫الرض نفع! "‪.‬‬
‫• وتذيرا من مسالك الثوار‪:‬‬
‫قال ابن خلدون‪ " :‬ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمي بتغيي النكر من العامة‬
‫والفقهاء؛ فإن كثيا من النْتَحِلي للعبادة وسلوك الدين يذهبون إل القيام على أهل الَور‬
‫من المراء‪ ،‬داعي إل تغيي النكر والنهي عنه‪ ،‬والمر بالعروف رجاءً ف الثواب عليه من‬
‫ال‪ ،‬فيَكثُر أتباعُهم والتشبّثون بم من الغوغاء والدهاء‪ ،‬ويُعَرّضون أنفسهم ف ذلك‬
‫للمهالك‪ ،‬وأكثرهم يَهلكون ف تلك السبيل مأزورين غي مأجورين؛ لن ال سبحانه ل‬
‫يَكتب ذلك عليهم ‪." ...‬‬
‫• وبيا َن مغبّة الروج على السلطان‪:‬‬
‫قال السن البصري‪ " :‬وال! لو أنّ الناس إذا ابُتلُوا مِن قِبَل سلطانم صبوا‪ ،‬ما لبِثوا‬
‫أن يرفع الُ ذلك عنهم؛ وذلك أنم يَفزَعون إل السيف فيو َكلُوا إليه! ووال! ما جاؤوا‬
‫علَى بَنِي‬
‫سنَى َ‬
‫ح ْ‬ ‫ة َرب ِّ َ‬
‫ك ال ُ‬ ‫ت كَل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫بيوم خي قطّ!"‪ ،‬ث تل‪{ :‬وت َ َّ‬
‫م ْ‬

‫‪6‬‬
‫‪7‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ن‬
‫و ُ‬
‫ع ْ‬
‫فْر َ‬
‫ع ِ‬
‫صن َ ُ‬ ‫ما كَا َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫د َّ‬
‫مْرنا َ‬ ‫صبَُروا و َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل بِ َ‬‫سَرائِي َ‬‫إِ ْ‬
‫شون}‪.‬‬ ‫ر ُ‬ ‫ما كَانُوا ي َ ْ‬
‫ع ِ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬‫م ُ‬‫و ُ‬
‫ق ْ‬‫و َ‬
‫َ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪8‬‬
‫السياسة‬

‫تقريظ الكتاب‬
‫للعلّمة الشيخ ممد ناصر الدين اللبان‬
‫حفظه ال تعال‬

‫إل الخ الفاضل عبدالالك بن أحد رمضان‬


‫وعليكم السلم ورحة ال وبركاته ومغفرته‬
‫أمابعد؛ فإن أحد إليك ال الذي ل إله إل هو‪ ،‬وأسأله لنا ولك التوفيق‬
‫فيما نقول ونذر‪.‬‬
‫وجوابا على خطابكم الؤرخ ف‪15/10/1415 :‬هـ‪ ،‬أقول‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أنا شاكرٌ لك حسن ثنائك عليّ با ل أستحقه‪ ،‬متذكّرا وداعيا بقول‬
‫الصدّيق الكب ‪ " :‬اللهم ل تؤاخذن با يقولون‪ ،‬واجعلن خيا ما يظنّون‪،‬‬
‫واغفر ل ما ل يعلمون "‪ ،‬ومذكّرا لك بقوله صلى ال عليه وآله وسلم‪ (( :‬إنْ‬
‫كان أحدكم مادِحا أخاه ل مالة فليقل‪ :‬أحسِبُ فلنا كذا وكذا ـ إن‬
‫()‬
‫كان يُرى أنه كذلك ـ ول أزكي على ال أحدا )) رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() قال الشيخ ـ حفظه ال ـ هذا مع أنّن ما زِدْتُ على َوصْفه ببعض ما يب على‬ ‫‪1‬‬

‫أمثال تاه أهل العلم! وكذلك فعل الشيخ عبد الحسن العبّاد؛ فقد كره ل تصديرَ اسه‬
‫بـ ( العلّمة الشيخ ) على رأس تقريظه الذي تده هنا ف ص (‪ )12‬تواضعا منه!‬
‫أكتب هذا تذكيا لطلبة العلم بثل هذا اللق‪ ،‬لِيُجَنّبوا أنفسهم النفخ الفارغ! فقد قيل‪:‬‬
‫إنّ مدّثا قرأ على العلّمة إبراهيم بن سعيد البّال فقال‪ ":‬ورضي الُ عن الشيخ‬
‫الافظ‪ ،" ..‬فقال‪ " :‬قُلْ‪ :‬رضي الُ عنك؛ إنّما الافظ الدارقطن وعبد الغن! "‪ ،‬انظر‬
‫(( السي )) (‪.)18/498‬‬
‫وفيه أيضا (‪ )19/107‬ف ترجة ابن خَيْرُون ـ الذي كان يُشَبّه بابن معي ـ أنم كتبوا له‬
‫‪8‬‬
‫‪9‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ثانيا‪ :‬لقد رغبتَ ف أن تعلم رأيي ف كتابك‪ (( :‬السياسة بي فراسة‬


‫()‬
‫الجتهدين وتكيس الراهقي )) قبل أن تطبعه‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ورغم ضيق وقت‪ ،‬وضعف نشاطي الصحي‪ ،‬وكثرة أعمال العلمية‪ ،‬فقد‬
‫وجدتُ نفسي مشدودا لقراءته‪ ،‬وكلما قرأتُ فيه بثًا ُم َعّللً نفسي أن أكتفي‬
‫به‪ ،‬كلما ازددتُ مُضيّا ف القراءة حت أتيت عليه كلّه‪ ،‬فوجدتُه بقّ فريدا ف‬
‫بابه؛ فيه حقائق عن بعض الدعاة ومناهجهم الخالفة لا كان عليه السلف‬
‫جةً حول ثورة الزائر وبعض الرؤوس‬ ‫الصال‪ ،‬واستفدت أنا شخصيّا فوائد ّ‬
‫التسببي لا‪ ،‬والؤيّدين لا بعواطفهم الامة‪ ،‬والبالغي ف تقويها من ل‬
‫يهتمون بقاعدة التصفية والتربية‪.‬‬
‫ولقد سررتُ جدّا من إشادتك با‪ ،‬ودندنتك حولا كثيا‪ ،‬ف الوقت الذي‬
‫ل ينتبه لدورها الامّ أكثر الدعاة ف تقيق الجتمع السلمي وإقامة حكم ال‬
‫ف الرض‪ ،‬بل إنا الساس ف ذلك‪ ،‬فجزاك ال خيا‪.‬‬
‫وأخيا‪ :‬ونظرا لتلهّفكم الشديد للجديد من مؤلفات‪ ،‬فإن أبشّركم بأنّ‬
‫تت الطبع منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ الجلد الثالث من (( متصر صحيح البخاري ))‪.‬‬
‫‪2‬ـ الجلد الامس من (( سلسلة الحاديث الضعيفة ))‪.‬‬
‫‪3‬ـ الجلد السادس من (( سلسلة الحاديث الصحيحة ))‪.‬‬
‫‪4‬ـ (( صحيح موارد الظمآن ))‪.‬‬
‫‪5‬ـ (( ضعيف موارد الظمآن ))‪.‬‬

‫مرّةً‪ ( :‬الافظ )‪ ،‬فغضب وضرب عليه‪ ،‬وقال‪ " :‬قرأنا حت يُكتَب ل الافظ؟! "‪.‬‬
‫() كان عنوان كتاب ما أثبته الشيخ أعله‪ ،‬ث شاء ال أن يتغي مع بعض التصحيحات‬ ‫‪2‬‬

‫والزيادات‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪10‬‬
‫السياسة‬

‫‪6‬ـ (( الرد على ابن حزم ومقلّديه ف إباحة العازف ))‪.‬‬


‫‪7‬ـ الجلد الثان من (( صحيح الترغيب والترهيب ))‬

‫وختاما أسأل ال تعال أن يستعملنا ف طاعته‪ ،‬وأن يوفقنا جيعا لدمة‬


‫سنة نبيّه‪ ،‬وأن يصرف عنا شر الفت‪ ،‬ما ظهر منها وما بطن‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحة ال وبركاته‪.‬‬
‫وكتب‬
‫ممد ناصر الدين اللبان‬
‫عمان‪ /‬صباح الثلثاء‬
‫‪25/11/1415‬هـ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪11‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة تقريظ الشيخ ممد ناصر الدين اللبان‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪12‬‬
‫السياسة‬

‫‪12‬‬
‫‪13‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫تقريظ الكتاب‬
‫للعلّمة الشيخ عبد الحسن بن حد العَبّاد البدر‬
‫حفظه ال تعال‬

‫المد ل رب العالي‪ ،‬والصلة والسلم على البعوث رحةً للعالي‪ ،‬نبيّنا‬


‫ممد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إل يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فقد يسّر ال ل قراءة كتاب (( مدارك النظر ف السياسة بي‬
‫التطبيقات الشرعية‪ ،‬والنفعالت الماسية )) الذي ألّفه أخونا الشيخ عبد‬
‫الالك بن أحد بن البارك الرمضان الزائري‪ ،‬فألفيته كتابا مفيدا‪ ،‬مشتملً‬
‫على التأصيل للمنهج القوي الذي يليق بالسلم الناصح لنفسه أن يسلكه‪،‬‬
‫ومشتملً أيضا على تصحيح مفاهيم خاطئة لبعض الشباب ف داخل البلد‬
‫السعودية وف خارجها‪ ،‬وخاصة تصحيح مفاهيم بعض أصحاب الفقه الديد‪:‬‬
‫فقه واقع القصاصات من الصحف والجلت‪ ،‬وتتبّع الذاعات الكافرة وغي‬
‫الكافرة‪ ،‬وتلقّف أخبارها‪ ،‬وتليلهم إياها تليلت اعتبوها أمورا مسلّمة‪ ،‬وقد‬
‫أثبت الواقعُ ف الغالب خطأَ نتائج هذا التحليل‪ ،‬ول يقف الم ُر بم عند هذا‬
‫الدّ‪ ،‬بل تاوز إل الَنيْل من أجِلّة علماء هذا العصر ذوي الفقه ف الدين‪،‬‬
‫وحلة مياث النب الكري ‪ ،‬وف مقدّمتهم ساحة شيخنا العلّمة الليل‬
‫الشيخ عبد العزيز بن عبد ال بن باز ـ حفظه ال ـ‪ ،‬وفضيلة الشيخ العلّمة‬
‫الليل ممد بن صال العثيمي ـ حفظه ال ـ‪ ،‬الذين نفع ال بعلمهم‬
‫وفتاويهم‪ ،‬ويرحم ال المامَ الطحاوي إذ يقول ف عقيدة أهل السنة والماعة‪:‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪14‬‬
‫السياسة‬

‫" وعلماء السلف مِن السابقي ومَن بعدهم مِن اللحقي أهل الَب والثر‪،‬‬
‫وأهل الفقه والنظر‪ ،‬ل يُذْكَرون إل بالميل‪ ،‬ومن ذكرهم بسوء فهو على غي‬
‫السبيل "‪.‬‬
‫وف الكتاب فوائد عظيمة‪ ،‬ودفاع عن الق وحلة العلم الشرعي‪ ،‬وتوضيح‬
‫لبعض القائق من خبي با‪ ،‬كالوضاع ف الزائر بلدِ الؤلّف‪.‬‬
‫وف الكتاب ذِكرُ كلمٍ ف صفحت‪ )243( :‬و(‪ )1()351‬لثني من شباب‬
‫هذه البلد ـ هداها ال ـ اتّهمَ كلّ منهما كبا َر علماء العصر ف هذه البلد‬
‫بالقصور؛ لنم أَفتوا بتسويغ ميء قوات أجنبية للمشاركة ف الدفاع عن‬
‫البلد إثر الجوم الغاشم من طاغية العراق على الكويت‪ ،‬وكانت نتيجة ذلك‬
‫دحر العدو‪ ،‬والبقاء بمد ال تعال على المن والطمئنان‪ ،‬وكان الليق بما‬
‫وقد أعجبهما الرأي الخالف لِمَا رآه العلماء أن يّتهِما رأيهما‪ ،‬ويتذكّرا نتيجة‬
‫الرأي الذي رآه بعض الصحابة ف أحد شروط صلح الديبية‪ ،‬حيث تبيّن‬
‫لم أخيا خطأ ذلك الرأي‪ ،‬فكان الواحد منهم يقول فيما بعد‪ " :‬يا أيها‬
‫الناس! اتّهموا الرأي ف الدين "‪ ،‬وتسويغ كبار العلماء ميء تلك القوات ف‬
‫حينه إنا كان للضرورة‪ ،‬وهو نظي استعانة السلم بغي السلم ف التخلّص من‬
‫اعتداء لصوص أرادوا اقتحام داره ومارسة أنواع الجرام فيها وف أهلها‪،‬‬
‫أَفَيُقال لذا العتدَى عليه‪ :‬ل يَسوغ لك الستعانة بكافر ف دفع ذلك الضرر؟!‬
‫ث إن اللف حاصل ف أكثر مسائل العلم منذ زمن الصحابة ‪ ،‬ول يكن‬
‫بعضهم يُسفّه بعضا فضلً عن أن يكون الصغار هم الذين يترؤون على تسفيه‬
‫رأي الكبار كما حصل من هذين الشابي أصلحهما ال‪.‬‬

‫‪ )(1‬وهي ف هذه الطبعة ف صفحت (‪ )271‬و(‪.)391‬‬


‫‪14‬‬
‫‪15‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وف صفحة (‪ )1()376‬ذكرُ كلمٍ لثلثة من شباب هذه البلد أتوا فيه‬
‫بالغريب العجيب؛ أل وهو التنويه والشادة بروج النساء إل الشوارع‬
‫للمظاهرات‪ ،‬وقد أوضح الؤلف ـ جزاه ال خيا ـ قبل هذه الصفحة فساد‬
‫ذلك بالدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف‪.‬‬
‫وف صفحة (‪ )2()287‬نقلُ كلمٍ لحد الشباب ف هذه البلد يقرّر فيه‬
‫خلف مذهب أهل السنة والماعة ف معاملة ولة المر ويهيج الغوغاء من‬
‫الرجال والنساء على القدام على ما يثي الفت وما يؤول بغي أهل العقل‬
‫والثبات والرزانة إل تعريض أنفسهم للضرر‪ ،‬ومنه إيداعهم السجون‪ ،‬ول شك‬
‫أن من عرّض غيه للضرر يكون له نصيب من تبعة ذلك‪.‬‬
‫وهذا الكل ُم الثيُ للفتنة قد فاحت ريُه منذ سنوات ف حفل أُقيم لتكري‬
‫سنّة أشرف عليه هذا الشابّ؛ وقد سعتُ تسجيلَ ذلك الفل‪ ،‬ومع‬ ‫حَفَظة ال ّ‬
‫كون أحاديث الصحيحي تبلغ عدة آلف فإن اختيار الحاديث القليلة الت‬
‫أُلقيَت على الطلبة لختبار حفظهم ملفتٌ للنظر؛ لتعلّق جلة منها بالولة!‬
‫يُضاف إل ذلك كون هذا الشاب أصلحه ال عند ذكر هذه البلد ل يصفها‬
‫بالسعودية بل يعبّر بالزيرة! أخبن بذا من أثق به‪.‬‬
‫ومن الي لذا الشاب ومن يطأ عقبه من الشباب أن يكونوا مع الماعة‬
‫ويتنبوا الشذوذ واللف والفُرقة‪ ،‬وأن يفيئوا إل الرشد؛ فإن الرجوع إل‬
‫الق خي من التمادي ف الباطل‪ ،‬كما قال ذلك الحدّث اللهم عمر بن‬
‫الطاب ‪.‬‬

‫‪ )(1‬وهي ف هذه الطبعة ف صفحة (‪.)419‬‬


‫‪ )(2‬وهي ف هذه الطبعة ف صفحة (‪ 318‬ـ ‪.)319‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪16‬‬
‫السياسة‬

‫وف صفحة (‪ )3()269‬تد كلما ساقطا لهيّج الغوغاء الشار إليه آنفا‪،‬‬
‫ينعى فيه على خطيب ل يتكلّم ف الحداث السياسية‪ ،‬ويُعنَى ف خطبته بذكر‬
‫أحوال الخرة والقب والوت والنة والنار والبعث والساب وغيها!! فإن‬
‫خلِه الؤلف من‬ ‫مرّد اطّلعك على هذا الكلم يغنيك عن أي تعليق عليه‪ ،‬ول يُ ْ‬
‫التعليق‪.‬‬
‫وف الكتاب صورة منشور لشخص حاقد موتور‪ ،‬ل علقة له بالعلم‬
‫الشرعي والفقه ف الدين‪ ،‬احتضنته عاصمة الستعمار‪ ،‬وفيها عُشّ رُويبضات‬
‫الزمن ـ كما قال الؤلف ـ نال ف منشوره من ثلثة أعلم أفذاذ‪:‬‬
‫الول‪ :‬صاحب رسول ال معاوية بن أب سفيان أمي الؤمني‬
‫وكاتب وحي ربّ العالي‪ ،‬وأول ملوك السلمي وخي ملوكهم‪ ،‬وهو أحد‬
‫اللفاء الذين قال فيهم النب ‪ (( :‬ل يزال السلمُ عزيزا إل اثن عشر‬
‫خليفة ))‪ ،‬أخرجه مسلم ف (( صحيحه )) من حديث جابر بن سرة ‪ ،‬وقد‬
‫َد ّونْتُ جلةً من أقوال أهل النصاف ف هذا الصحاب الليل ف رسالة‬
‫مطبوعة بعنوان‪ (( :‬من أقوال النصفي ف الصحاب الليفة معاوية ))‪.‬‬
‫الثان‪ :‬شيخ السلم مدّد القرن الثان عشر الشيخ ممد بن عبد الوهاب‬
‫رحه ال‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬شيخنا العلّمة الليل مفت النام مدّد القرن الامس عشر الشيخ‬
‫عبد العزيز بن عبد ال بن باز حفظه ال‪.‬‬
‫وليس بغريب أن يصدر من مثله هذا النشور‪ ،‬وإنا الغريب أن يوجد ف‬
‫بعض شباب بلد التوحيد ـ هداهم ال وأصلحهم ـ من يتل ّقفُه ويَفرح به!‬
‫يُقضى على الرء ف أيام منته حت يَرى حسنا ما ليس بالسن‬

‫‪ )(3‬وهي ف هذه الطبعة ف صفحة (‪.)299‬‬


‫‪16‬‬
‫‪17‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫اللّهم أرِنا وإياهم الق حقّا ووفقنا لتّباعه‪ ،‬والباطلَ باطلً ووفقنا لجتنباه‪،‬‬
‫ول تعله ملتبسا علينا فنضلّ‪.‬‬
‫وقد أفصح صاحب النشور عن حزبه الذي ينتمي إليه‪ ،‬وأكّد أنه سوف‬
‫َ‬
‫مى‬ ‫ع َ‬ ‫ولَك ِ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫صاُر َ‬ ‫مى الب ْ َ‬ ‫ع َ‬‫ها ل َ ت َ ْ‬ ‫فإِن َّ َ‬
‫يظلّ وفيّا لبادئه { َ‬
‫َ‬
‫صدُوِر}‪.‬‬ ‫في ال ُّ‬ ‫ب ال ّتِي ِ‬ ‫قلُو ُ‬ ‫ال ُ‬
‫وإذا كانت هذه الوقيعة الشنيعة ف ثلثة من خيار الناس من الموات‬
‫والحياء صدرت مّن زعم نفسه ناطقا رسيّا للجنة الدفاع عن القوق‬
‫الشرعية الزعومة‪ ،‬فكيف سيكون الدفاع الزعوم؟! وهل هؤلء الخيار ل‬
‫يستحقّون أن يُذبّ عنهم أو أ ّن نَصيبهم من هذا الناطق الذمّ بوقاحة وَفقْد‬
‫َ‬
‫ن‬
‫منِي َ‬‫ؤ ِ‬‫م ْ‬
‫ن ال ُ‬‫ؤذُو َ‬ ‫ن يُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬‫حياء‪ ،‬وال تعال يقول‪َ { :‬‬
‫هتَاناً‬
‫ملُوا ب ُ ْ‬
‫حت َ َ‬
‫دا ْ‬ ‫ف َ‬
‫ق ِ‬ ‫ما اكْت َ َ‬
‫سبُوا َ‬ ‫ر َ‬
‫غي ْ ِ‬
‫ت بِ َ‬
‫منَا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫وال ُ‬‫َ‬
‫مبِيناً }‪ ،‬ويقول الرسول الكري ‪ (( :‬إنّ ما أدرك الناسُ من كلم‬ ‫وإِثْما ً ُ‬ ‫َ‬
‫النبوّة الول‪ :‬إذا ل تستح فاصنع ما شئت ))‪ ،‬أخرجه البخاري ف (( صحيحه ))‪.‬‬
‫وأقبح شيء تقيّأه ف منشوره قوله ف معاوية وف خلفته‪ " :‬إنن أعتب‬
‫معاوية مغتصبا‪ ،‬وإنن أعتقد أنه سيلقى جزاءه من ال يوم القيامة على ما‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫ه ِ‬‫وا ِ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م ْ‬‫ج ِ‬‫خُر ُ‬‫ة تَ ْ‬
‫م ً‬ ‫ارتكبه من جرائم!! "‪{ ،‬كَبَُر ْ‬
‫ت كَل ِ َ‬
‫ن إِل َّ كَِذباً }‪ ،‬وخلفة معاوية حصلت ف قرن‬ ‫قولُو َ‬‫إِن ي َ ُ‬
‫الصحابة خي القرون‪ ،‬وقد رضي الصحابة بلفته‪ ،‬واعتُب عام (‪ )41‬عام وليته‬
‫عام الماعة؛ إذ تقّق فيه ما أخب به النب عن سبطه السن بن علي رضي‬
‫ال عنهما حيث قال‪ (( :‬إن ابن هذا سّيدٌ‪ ،‬وسيصلح ال به بي فئتي عظيمتي‬
‫من السلمي ))‪ ،‬أخرجه البخاري ف (( صحيحه ))‪.‬‬
‫ومع هذا كلّه ييء هذا الرويبضة ف القرن الامس عشر ويقول فيه هذا‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪18‬‬
‫السياسة‬

‫الفك البي والبهتان العظيم‪.‬‬


‫وإذا كان هذا زعمه ف معاوية وف خلفته فأيّ حاكم يعجبه؟ وأيّ‬
‫ولية ينشُدُها ويلم با؟ نعوذ بال من الذلن! وقد قال الافظ ابن حجر ف‬
‫(( فتح الباري ))‪ (( :‬اتفق أهلُ السنّة على وجوب منع الطعن على أحدٍ من‬
‫الصحابة بسبب ما وقع لم من ذلك‪ ،‬ولو عُرف الح ّق منهم؛ لنّهم ل يقاتلوا‬
‫ف تلك الروب إلّ عن اجتهاد‪ ،‬وقد عفا الُ تعال عن الخطيء ف الجتهاد‪،‬‬
‫بل ثبت أنه ُي ْؤجَرُ أجرا واحدا‪ ،‬وأنّ الُصيب ُي ْؤجَرُ أجرين ))‪.‬‬
‫وما أحسن قول أب زرعة الرازي ـ رحه ال ـ ف الوالغي ف أعراض‬
‫الصحابة ؛ إذ قال كما رواه عنه الطيب البغدادي ف (( الكفاية ))‪ (( :‬إذا‬
‫رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول ال فاعلم أنّه زنديق؛ وذلك‬
‫أنّ الرسول عندنا حقّ‪ ،‬والقرآن حقّ‪ ،‬وإنّما أدّى إلينا القرآنَ والسننَ‬
‫أصحابُ رسول ال ‪ ،‬وإنّما يريدون أن يرحوا شهودنا ليبطلوا القرآن‬
‫والسنّة‪ ،‬والرح بم أول وهم زنادقة ))‪.‬‬
‫وأثناء قراءت للكتاب بدا ل ملحظات يسية‪ ،‬ذكرتا للمؤلّف‪ ،‬ووعد‬
‫بتلفيها ف الطبعات التالية‪.‬‬
‫وف التام أوصي بقراءة هذا الكتاب والستفادة منه‪ ،‬وأوصي شباب هذه‬
‫البلد السعودية أن يذروا الفكار الفاسدة الاقدة الوافدة إل بلدهم‬
‫لضعاف دينهم وتزيق شلهم والتنكر لا كان عليه أسلفهم‪ ،‬وأن يأخذ كلّ‬
‫شابّ ناصحٍ لنفسه العبةَ والعظةَ من قول عبد ال بن مسعود كما ف‬
‫(( البانة )) لبن بطّة‪ (( :‬إنّها ستكون أمور مشتبهات! فعليكم بالتؤدة؛ فإنّك أن‬
‫تكون تابعا ف الي خيٌ من أن تكون رأسا ف الشرّ ))‪.‬‬
‫ولرغبة الؤلّف كتابةَ شيءٍ بعدَ قراءت للكتاب‪ ،‬جرى تريرُ ذلك‪ ،‬وأسأل‬
‫‪18‬‬
‫‪19‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الَ للمؤلّف جزيل الثوبة وعظيم الجر‪ ،‬ولن نبّه على أخطائهم الدايةَ لطريق‬
‫القّ والدى‪ ،‬وصلّى الُ وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا ممّد وعلى آله‬
‫وصحبه‪.‬‬
‫كتبه‪:‬‬
‫عبد الحسن بن حد العبّاد البدر‬
‫الدرّس بالسجد النبوي وبالامعة‬
‫السلمية بالدينة النوّرة ‪1418 / 3 / 25‬هـ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪20‬‬
‫السياسة‬

‫ملحظتان‬
‫الول‪ :‬اطّلع العلمة الشيخ ممد بن صال بن عثيمي ـ حفظه ال ـ‬
‫على فتاواه الدرجة ف هذا الكتاب ووافق عليها ف ليلة الحد (‪ 22‬ربيع الثان‬
‫‪1416‬هـ)‪ ،‬فجزاه ال خيا‪.‬‬
‫توقيع الشيخ‪:‬‬

‫الثانية‪ :‬قال كاتبه ـ عفا ال عنه ـ ‪ :‬لا كانت هذه الكتابة الطية ف‬
‫موضوع الكتاب قد أَقْدَم عليها العبدُ الضعيف ـ وهو قاصر عنها ـ فقد‬
‫تَأّنيْتُ ف طبعه حت يَطّلِع عليه من أهل العلم مَن يُرضَى‪ ،‬وقد كان هذا والمد‬
‫ل‪ ،‬ول أعلم أحدا منهم إل وأثن عليه‪ ،‬منهم‪ :‬الشيخ ممد بن صال بن‬
‫عثيمي‪ ،‬والشيخ صال الفوزان عضوَا هيئة كبار العلماء بالملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ومن الساتذة الكبار‪ :‬الشيخ حاد بن ممد النصاري ـ رحه ال‬
‫ـ‪ ،‬والشيخ ربيع بن هادي الدخلي‪ ،‬والشيخ ممد بن عبد ال بن سبيل‬
‫الرئيس العامّ لشئون السجد الرام وإمام وخطيب السجد الرام وعضو هيئة‬
‫كبار العلماء‪ ،‬والشيخ عبد ال الزاحم رئيس الحاكم الشرعية بالدينة وإمام‬
‫وخطيب السجد النبوي‪ ،‬والشيخ صال العبود مدير الامعة السلمية بالدينة‬
‫النبوية‪ ،‬وغيهم كثي ‪ ...‬فضلً عن كبار طلبة العلم الذين ل يُحصَون كثرةً‪،‬‬
‫فجزاهم الُ خيا جيعا‪.‬‬
‫وقد ذكرت هذا ـ ل ليمدحن القارئ! ـ ولكن ليطمئن قلبُه؛ فإن‬
‫الفضل ل وحده‪ ،‬وهو الذي حدُه َزيْنٌ‪ ،‬و َذمّه شَْي ٌن على القيقة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪21‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫إنّ المد ل نمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيّئات أعمالنا‪ ،‬من يهدهال فل مضلّ له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ل إله إلال وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أنّ ممدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫ه ول‬ ‫ق تُ َ‬
‫قات ِ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫{يأيّها الذين ءامنوا اتقوا الل َ‬
‫ه َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن إل ّ وأنتُم ُ‬
‫موت ُ َّ‬
‫تَ ُ‬
‫َ‬
‫من‬ ‫قكُم ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫م ال ّذي َ‬ ‫قوا ربَّك ُ‬ ‫{يأيّها النا ُ‬
‫س ات ّ ُ‬
‫هما‬ ‫من ْ ُ‬
‫ث ِ‬ ‫جها وب َ َّ‬ ‫و َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫نَ ْ‬
‫منْها َز ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ةو َ‬ ‫حدَ ٍ‬ ‫س وا ِ‬ ‫ف ٍ‬
‫َ‬ ‫ونِساءً وات َّ ُ‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬ ‫ساءَلُو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫رجال ً كَثِيرا ً َ‬ ‫ِ‬
‫قيباً }‪.‬‬ ‫َ‬
‫م َر ِ‬ ‫علَيْك ُ ْ‬ ‫ه كان َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫والْرحا َ‬
‫منُوا ات َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ولً‬ ‫قولُوا َ‬
‫ق ْ‬ ‫ه و ُ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫ن ءَا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫{يَأي ُّ َ‬
‫م‬‫م ذُنوبَك ُ ْ‬ ‫فْر لَك ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫م وي َ ْ‬ ‫عمالَك ْ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫ح لَك ُ ْ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫ديدا ً ي ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫عظِيماً }‪.‬‬ ‫وزا ً َ‬ ‫ف ْ‬‫فاَز َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وَر ُ‬ ‫ع الل َ‬ ‫من يُط ِ ِ‬ ‫و َ‬
‫أما بعد‪ .‬فقد منّال تعال على أمة نبيّه ممد بإكمال دينها‪ ،‬وإتام‬
‫نعمته عليها‪ ،‬ورضاه عنها بالسلم الذي ل يقبل منها دينا سواه‪ ،‬قالال تعال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫متِي‬‫ع َ‬
‫م نِ ْ‬ ‫علَيْك ُ ْ‬‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫م وأت ْ َ‬ ‫م ِدينَك ُ ْ‬ ‫ت لَك ُ ْ‬
‫مل ْ ُ‬‫م أك ْ َ‬ ‫{الي َ ْ‬
‫و َ‬
‫م ِديناً }‪.‬‬ ‫سل َ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ت لَك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫وَر ِ‬ ‫َ‬
‫عن طارق بن شهاب قال‪ :‬جاء رجل من اليهود إل عمر بن الطاب‬
‫فقال‪ :‬يا أمي الؤمني! إنكم تقرؤون آية ف كتابكم لو علينا معشر اليهود‬
‫م‬ ‫نزلَتْ لتذنا ذلك اليوم عيدا‪ ،‬قال‪ :‬وأيّ آية؟ قال‪ :‬قوله‪{ :‬الي َ ْ‬
‫و َ‬
‫متِي} فقال‬ ‫أَك ْمل ْت لَك ُم دينَكم َ‬
‫ع َ‬ ‫علَيْك ُ ْ‬
‫م نِ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬‫وأت ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪22‬‬
‫السياسة‬

‫ل إن لعلم اليوم الذي نزلت على رسولال والساعة الت نزلت‬ ‫عمر‪ " :‬وا !‬
‫فيها على رسولال ‪ :‬عشية عرفة ف يوم جعة" رواه أحد والبخاري‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫قال ابن القيم ـ رحه ال ـ‪ " :‬فالنعمة الطلقة هي التصلة بسعادة البد‪،‬‬
‫وهي نعمة السلم والسنة "‪ .‬ث قال بعد ذكر النبيي والصديقي والشهداء‬
‫والصالي‪ " :‬فهؤلء الصناف الربعة هم أهل هذه النعمة الطلقة‪ ،‬وأصحابا‬
‫َ‬
‫ت لَك ُ ْ‬
‫م ِدينَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫أيضا هم العنيّون بقولال تعال‪{ :‬الي َ ْ‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ت لَك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫وَر ِ‬
‫متِي َ‬
‫ع َ‬ ‫علَيْك ُ ْ‬
‫م نِ ْ‬ ‫ت َ‬‫م ُ‬‫م ْ‬
‫وأت ْ َ‬
‫ِديناً }"(‪.)1‬‬
‫حكَم بعد وفاة نبيكم بعشر‬ ‫قال أبو العالية ـ رحه ال ـ‪ " :‬قرأت ال ْ‬
‫سني‪ ،‬فقد أنعمال عَل ّي بنعمتي‪ ،‬ل أدري أيهما أفضل‪ :‬أن هدان للسلم‪،‬‬
‫ول يعلن حَروريا "(‪.)2‬‬
‫أي نعمة الداية إل السلم من بي اللل الكافرة‪ ،‬ونعمة الداية إل السنة‬
‫من بي الطوائف البتدعة؛ وكانت بدعةُ الوارج الَروريي أشدّها خطفا‬
‫للقلوب وترويعا للمسلمي! وال العاصم‪.‬‬
‫ث أما بعد‪ ،‬فقد أحكمَال كتابه وأحسن تفصيله‪ ،‬وفصّل لنا فيه كل ما‬
‫ُ‬
‫ه ث ُ َّ‬
‫م‬ ‫ت ءايات ُ ُ‬
‫م ْ‬ ‫حك ِ َ‬‫بأ ْ‬‫ينفعنا ويضرنا‪ ،‬وهو القائل‪{ :‬الــــر‪ .‬كِتا ٌ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫ل َ‬‫خبير} وقال‪{ :‬وك ُ َّ‬ ‫من لَدُ ْ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ش ْ‬ ‫َ‬ ‫حكِيم ٍ َ ِ ٍ‬‫ن َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ف ِّ‬

‫() (( اجتماع اليوش السلمية )) ص ( ‪.) 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫))‬ ‫() رواه عبدالرزاق (‪ ،)10/153‬وابن سعد (‪ ،)7/114‬والللكائي ف (( شرح أصول العتقاد‬ ‫‪2‬‬

‫))‬ ‫أصول السنة )) رقم (‪ ،)240‬والروي ف (( ذمّ الكلم‬ ‫((‬ ‫رقم (‪ ،)230‬وابن أب زمني ف‬
‫(ق ‪/89‬ب)‪ ،‬وذكره الذهب ف (( السي )) (‪ ،)4/212‬وهو صحيح‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫‪23‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ب تِبْياناً‬ ‫ك الكِتَا َ‬ ‫علَي ْ َ‬ ‫صيلً }‪ ،‬وقال‪َ { :‬‬


‫ونََّزلْنَا َ‬ ‫ف ِ‬ ‫صلْناهُ ت َ ْ‬ ‫ف َّ‬‫َ‬
‫مين}‪،‬‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫شَرى لِل ْ ُ‬ ‫ة وب ُ ْ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬
‫وَر ْ‬ ‫هدًى َ‬ ‫و ُ‬‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫لِك ُ ِّ‬
‫َ‬ ‫وقال‪{ :‬وأَنَز َ‬
‫ما‬‫ك َ‬‫م َ‬ ‫عل ّ َ‬ ‫و َ‬‫ة َ‬‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬‫ب وال ِ‬ ‫ك الكِتا َ‬ ‫علَي ْ َ‬
‫ه َ‬
‫ل الل ُ‬
‫عظِيماً }‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ك َ‬ ‫علَي ْ َ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ِ‬‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وكا َ‬ ‫عل َ ْ‬
‫م َ‬ ‫م تَكُن ت َ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫{وما لَك ُ َ َ ْ‬
‫قدْ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬‫علَي ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫م الل ِ‬ ‫س ُ‬‫ما ذُكَِر ا ْ‬ ‫م َّ‬‫م أل ّ تَأكُلُوا ِ‬ ‫ْ‬
‫ه}‪.‬‬ ‫َ‬
‫م إِلَي ْ ِ‬‫رْرت ُ ْ‬‫ضط ُ ِ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م إِل ّ َ‬ ‫علَيْك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫حَّر َ‬
‫م ما َ‬ ‫ل لَك ْ‬‫ص َ‬‫ف َّ‬ ‫َ‬
‫وعن ابن مسعود أن رسولال قال‪ »:‬ليس من عمل يقرّب إل‬
‫النة إل قد أمرتكم به‪ ،‬ول عمل يقرّب إل النار إل قد نيتكم عنه‪ ،‬ل‬
‫يستبطئنّ أحد منكم رزقه‪ ،‬إن جبيل عليه السلم ألقى ف روعي أن أحدا‬
‫منكم لن يرج من الدنيا حت يستكمل رزقه‪ ،‬فاتقواال أيها الناس! وأجلوا ف‬
‫الطلب‪ ،‬فإن استبطأ أحد منكم رزقه فل يطلبه بعصية‪ ،‬فإنال ل يُنال فضله‬
‫بعصية « رواه الاكم وغيه وهو صحيح‪.‬‬
‫وإذا كان النب بيّن لنا الدى وحثّنا عليه‪ ،‬وبيّن لنا الضلل وحذّرنا‬
‫منه‪ ،‬ل يبق لحد عذر ف الطمع ف غي هذه الشريعة الكاملة‪ ،‬قال ابن القيم‬
‫ـ رحه ال ـ‪ " :‬وأما الرضى بنبيّه رسولً‪ :‬فيتضمن كمال النقياد له‬
‫والتسليم الطلق إليه‪ ،‬بيث يكون أول به من نفسه‪ ،‬فل يتلقى الدى إل من‬
‫مواقع كلماته‪ ،‬ول ياكم إل إليه‪ ،‬ول يكم عليه غيه‪ ،‬ول يرضى بكم غيه‬
‫ألبتة‪ ،‬ل ف شيء من أساء الرب وصفاته وأفعاله‪ ،‬ول ف شيء من أذواق‬
‫حقائق اليان ومقاماته‪ ،‬ول ف شيء من أحكام ظاهره وباطنه‪ ،‬ل يرضى ف‬
‫ذلك بكم غيه‪ ،‬ول يرضى إل بكمه‪ ،‬فإن عجز عنه كان تكيمه غيه من‬
‫باب غذاء الضطر إذا ل يد ما يقيته إل من اليتة والدم‪ ،‬وأحسن أحواله أن‬
‫يكون من باب التراب الذي إنا يُتيمّم به عند العجز عن استعمال الاء الطهور‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪24‬‬
‫السياسة‬

‫وأما الرضى بدينه‪ :‬فإذا قال أوحكم أو أمر أو نى‪ ،‬رضي كل الرضى‪،‬‬
‫ول يبق ف قلبه حرج من حكمه‪ ،‬وسلّم له تسليما‪ ،‬ولو كان مالفا لراد‬
‫نفسه أو هواها‪ ،‬أو قول مقلّده وشيخه وطائفته "(‪.)1‬‬
‫وكما أنال أكمل دينه علما‪ ،‬فقد أكمله عملً؛ إذ كما ل يلو زمن من‬
‫قائم ل بجته‪ ،‬فل يلو زمن من طائفة مؤمنة تعمل بذا الدين‪ ،‬فعن حيد بن‬
‫عبد الرحن قال‪:‬سعت معاوية خطيبا يقول‪ :‬سعت النب يقول‪ » :‬من يُرِد‬
‫ال به خيا يفقّهه ف الدين‪ ،‬وإنا أنا قاسم وال يعطي‪ ،‬ولن تزال من هذه المة‬
‫أمة قائمة على أمرال ‪ ،‬ل يضرّهم من خذلم ول من خالفهم حت يأتيهم أمر‬
‫ال وهم على ذلك « متفق عليه‪.‬‬
‫ث اعلم ـ أيها القاريء! ـ أن الذي دفعن إل هذه الكتابة على الرغم‬
‫من القصور‪ ،‬أنن رأيت شباب السلمي يَرِدون مواقع الِمام‪ ،‬يرشفون سّه‬
‫بسقي أيديهم ول يُحِسّون بلم‪ ،‬فدعوتُ إل صون العمل السياسي عن العبث‬
‫الذي هو أحد أسباب هذا الواقع الشؤوم‪ ،‬بتأصيل احترام التخصص انطلقا‬
‫م}‪ ،‬ث تَنفّلتُ بضرب‬ ‫َ‬
‫علُو ٌ‬‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬
‫قا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫من قاعدة‪{ :‬وما ِ‬
‫منّا إِل ّ ل َ ُ‬
‫الثل بتجربة الزائر؛ زيادةً ف البيان وإمعانا ف العذار لذوي البصائر‪.‬‬
‫ولعلك واجد ف هذه النافلة أخبارا ل تروقُك‪ ،‬أو ل يُصدّقها ظنّك‪،‬‬
‫فتجاوزْها! فإن ذلك ل يضرّك؛ لنن لست من يُحكّم الواقع ف الشرع‬
‫النيف‪ ،‬وِقفْ عند القواعد العلمية؛ فإنا أصل هذا التصنيف‪ ،‬وال الوفق‬
‫لسلوك هدي خي البية‪.‬‬
‫ث إنن شاكر للشيخ العلمة اللبان وللشيخ العلمة عبد الحسن العبّاد‬
‫ـ حفظهما ال تعال ـ تفرّغهما لقراءة هذا الكتاب التواضع وحسن‬

‫() » مدارج السالكي « (‪2/172‬ـ ‪.)173‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪24‬‬
‫‪25‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫عنايتهما بالنصيحة للمسلمي‪ ،‬وشاكر لسائر الشايخ والخوة الذين ل يبخلوا‬


‫عليّ بإرشاداتم وتنبيهاتم القيّمة‪ ،‬فجزاهم ال خيا‪.‬‬
‫وقبل الوض ف الوضوع‪ ،‬إليك تنبيهات سريعة على أصول مهمة‪ ،‬ل‬
‫أستقصي بثها وجع أدلتها‪ ،‬وإنا هي لفت انتباه وتذكي‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪26‬‬
‫السياسة‬

‫الصل الول‪ :‬الطريق واحد‬


‫ل ـ أن الطريق الذي يضمن لك نعمة السلم واحد ل‬ ‫اعلم ـ رحك ا !‬
‫ب‬‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫يتعدد؛ لنال كتب الفلح لزب واحد فقط فقال‪{ :‬أُولَئ ِ َ‬
‫حون}‪ ،‬وكتب الغلبة لذا‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ب الل ِ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه أَل َ إ َّ‬ ‫الل ِ‬
‫َ‬ ‫الزب وحده فقال‪{ :‬ومن يَت َو َّ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫م الغالِبُون}‪.‬‬ ‫ه ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ب الل ِ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فإ َّ‬ ‫منُوا َ‬ ‫ءَا َ‬
‫ومهما بثتَ ف كتابال وسنة رسوله ‪ ،‬فلن تد تفريق المة إل‬
‫جاعات وتزيبها ف تكتلت إل مذموما‪ ،‬قالال تعال‪{ :‬ول َ تَكُونُوا‬
‫َ‬
‫م وكانُوا‬ ‫ه ْ‬ ‫قوا ِدين َ ُ‬ ‫فَّر ُ‬ ‫ذين َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ن‪ِ .‬‬ ‫ركِي َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫حون}‪ ،‬وكيف ُيقِر ربنا‬ ‫ر ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫شيَعا ً ك ُ ُّ‬
‫ف ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب بِما لدَي ْ ِ‬ ‫حْز ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫ِ‬
‫أمة على التشتت بعدما عَصَمَها ببله‪ ،‬وهو يُبّيء نبيّه منها حي تكون‬
‫َ َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫قوا ِدين َ ُ‬ ‫فَّر ُ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫كذلك وتوعّدها عليه فيقول‪{ :‬إ ّ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ء إنَّما أ ْ‬
‫مُر ُ‬ ‫ي ٍ‬ ‫م في َ‬
‫ش ْ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬
‫س َ‬‫شيَعا ً ل َ ْ‬ ‫وكَانُوا ِ‬‫َ‬
‫فَعلُون}‪.‬‬ ‫م بِما كانُوا ي َ ْ‬ ‫ه ث ُ َّ‬
‫م يُنَب ِّئُه ْ‬ ‫إلى الل ِ‬
‫وعن ابن مسعود قال‪ " :‬خطّ لنا رسولال خطا‪ ،‬ث قال‪ » :‬هذا‬
‫سبيلال «‪ ،‬ث خط خطوطا عن يينه وعن شاله‪ ،‬ث قال‪ » :‬هذه سبل‪ ،‬وعلى‬
‫صراطِي‬ ‫هذا ِ‬ ‫كل سبيل منها شيطان يدعو إليه «‪ ،‬ث قرأ‪{ :‬وأ َّ‬
‫ن َ‬
‫فَّرقَ بِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫فت َ َ‬
‫ل َ‬
‫سب ُ َ‬
‫عوا ال ُ‬‫عوهُ ول تَتَّب ِ ُ‬
‫فاتَّب ِ ُ‬
‫قيما ً َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ه} " رواه أحد وغيه وهو صحيح‪.‬‬ ‫سبِيل ِ ِ‬
‫عن َ‬ ‫َ‬
‫فدلّ هذا الديث بنصه على أن الطريق واحد‪ ،‬قال ابن القيم‪ " :‬وهذا لن‬
‫الطريق الوصل إلال واحد‪ ،‬وهو ما بَعث به رسله وأنزل به كتبه‪ ،‬ول‬
‫يصل إليه أحد إل من هذه الطريق‪ ،‬ولو أتى الناسُ من كل طريق واستفتحوا‬
‫‪26‬‬
‫‪27‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫من كل باب‪ ،‬فالطرق عليهم مسدودة‪ ،‬والبواب عليهم مغلقة‪ ،‬إل من هذا‬
‫()‬
‫الطريق الواحد‪ ،‬فإنه متّصل بال موصل إل ال " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قلت‪ :‬ولكن كثرة ُبنَيّاته العاديات تشكك فيه وتُخذّل عنه‪ ،‬وإنا انرف‬
‫عنه من انرف من الفرق استئناسا بالتّعدّد‪ ،‬وتوحّشا من التفرّد‪ ،‬واستعجالً‬
‫للوصول‪ ،‬و ُجبْنا عن تمّل الطول؛ قال ابن القيم‪ " :‬من استطال الطريق‬
‫()‬
‫ضعُف مشيُه " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وال الستعان‪.‬‬

‫() » التفسي القيم « (‪14‬ـ ‪.)15‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » الفوائد « ص (‪ ) 90‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪28‬‬
‫السياسة‬

‫الصل الثان‪ :‬اتباع الكتاب والسنة‬


‫()‬
‫على فهم السلف الصال‬
‫إنّ الذي ل يتلف فيه السلمون قديا وحديثا هو أن الطريق الذي ارتضاه‬
‫لنا ربنا هو طريق الكتاب والسنة‪ ،‬فإليه يَرِدون ومنه يصدرون‪ ،‬وإن اختلفوا ف‬
‫وجوه الستدلل بما‪.‬‬
‫ضمِن الستقامة لتبع الكتاب فقال على لسان مؤمن الن‪:‬‬ ‫ذلك؛ لنّال َ‬
‫ُ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬‫د ُ‬‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬
‫ل ِ‬‫ز َ‬‫عنا كِتَابًا أن ِ‬
‫م ْ‬ ‫منَا إنَّا َ‬
‫س ِ‬ ‫و َ‬ ‫{يا َ‬
‫ق ْ‬
‫ق وإلَى‬ ‫ح ِّ‬ ‫دي إِلَى ال َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن يَدَي ْ ِ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ما بَي ْ َ‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬‫ص ِّ‬‫م َ‬
‫ُ‬
‫قيمٍ }‪.‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ري ٍ‬ ‫طَ ِ‬
‫دي‬
‫ه ِ‬ ‫ضمِنها لتبع الرسول الذي قال له ربه‪{ :‬وإن َّ َ‬
‫ك لَت َ ْ‬ ‫كما َ‬
‫قيمٍ }‪.‬‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ُ‬
‫صَرا ٍ‬‫إلى ِ‬
‫لكن الذي جعل الفرق السلمية تنحرف عن الصراط هو إغفالا ركنا‬
‫ثالثا جاء التنويه به ف الوحيي جيعا‪ ،‬ألَ وهو فَ ْهمُ السلف الصال للكتاب والسنة‪.‬‬
‫وقد اشتملت سورة الفاتة على هذه الركان الثلثة ف أكمل بيان‪:‬‬
‫م} اشتمل على‬ ‫قي َ‬‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ط ال ُ‬ ‫صَرا َ‬ ‫دنَا ال ِّ‬ ‫ه ِ‬‫فقوله تعال‪{ :‬ا ْ‬
‫ركن الكتاب والسنة‪ ،‬كما سبق‪.‬‬
‫م} اشتمل على فهم‬ ‫ط ال َّذين أ َ‬
‫ه ْ‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫عل َ‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ِ َ‬ ‫صَرا َ‬‫وقوله‪ِ { :‬‬
‫السلف لذا الصراط‪ ،‬مع أنه ل يشكّ أحد ف أن من التزم بالكتاب والسنة‬
‫فقد اهتدى إل الصراط الستقيم‪ ،‬إل أنه لا كان َفهْم الناس للكتاب والسنة‬
‫منه الصحيح ومنه السقيم‪ ،‬اقتضى المرُ ركْنا ثالثا لرفع اللف‪ ،‬أل وهو‬
‫تقييدُ َفهْم الخلف ِب َفهْم السلف؛ قال ابن القيم‪ " :‬وتأمل سرا بديعا ف‬
‫ذِكْر السبب والزاء للطوائف الثلثة بأوجز لفظ وأخصره؛ فإن النعام عليهم‬
‫‪28‬‬
‫‪29‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫يتضمن إنعامه بالداية الت هي العلم النافع والعمل الصال"(‪.)1‬‬


‫وقال‪ " :‬فكلّ من كان أعرف للحق وأتبع له كان أول بالصراط الستقيم‪،‬‬
‫ول ريب أن أصحاب رسولال و رضي ال عنهم هم أول بذه الصفة من‬
‫الروافض ‪ ...‬ولذا فسّر السلف الصراط الستقيم وأهله بأب بكر وعمر‬
‫()‬
‫وأصحاب رسولال ‪. "...‬‬
‫‪2‬‬

‫وف هذا تنصيص منه ـ رحه ال ـ على أن أفضل من أنعمال عليه بالعلم‬
‫والعمل هم أصحاب رسولال ؛ لنم َشهِدوا التنيل‪ ،‬وشاهَدوا من هدي‬
‫الرسول الكري ما فهموا به التأويل السليم‪ ،‬كما قال ابن مسعود ‪ " :‬من‬
‫ستَنّا فلْيستّ بَن قد مات‪ ،‬فإن ال ّي ل تُ ْؤمَن عليه الفتنة‪ ،‬أولئك‬
‫كان منكم مُ ْ‬
‫أصحاب ممد ‪ ،‬كانوا أفضل هذه المة‪ ،‬وأبرّها قلوبا‪ ،‬وأعمقها ِعلْما‪،‬‬
‫وأقلّها تكلّفا‪ ،‬قوم اختارهمال لصحبة نبيّه وإقامة دينه‪ ،‬فاعرفوا لم فضلهم‪،‬‬
‫واتّبِعوهم ف آثارهم‪ ،‬وتسكوا با استطعتم من أخلقهم ودينهم؛ فإنم‬
‫()‬
‫كانوا على الدي الستقيم " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وقال أيضا‪ " :‬إنّال نظر ف قلوب العباد فوجد قلب ممد خي قلوب‬
‫العباد‪ ،‬فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته‪ ،‬ث نظر ف قلوب العباد بعد قلب ممد‬
‫)‪.)1/13‬‬ ‫))‬ ‫() (( مدارج السالكي‬ ‫‪1‬‬

‫() الصدر السابق (‪1/72‬ـ ‪ ،)73‬وقد صحّ هذا التفسي موقوفا على أب العالية والسن‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ذكره ابن حبان ف (( الثقات )) (‪ )6/229‬تعليقا‪ ،‬ووصله ابن نصر ف (( السنة )) (‪ )27‬وابن‬
‫جرير ف (( تفسيه )) (‪ )184‬وابن أب حات ف (( تفسيه )) (‪1/21‬ـ ‪ )22‬والاكم (‪)2/259‬‬
‫وصحّحه هو والذهب‪ ،‬وانظر أيضًا (( المامة والردّ على الرافضة )) لب نعيم (‪ ،)73‬فقد‬
‫‪.‬‬ ‫ورد فيه مثله عن ابن مسعود‬
‫() أخرجه بنحوه ابن عبد الب ف (( جامع البيان )) (‪ )2/97‬وأبو نعيم ف (( اللية )) عن ابن‬ ‫‪3‬‬

‫عمر (‪.)1/305‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪30‬‬
‫السياسة‬

‫فوجد قلوب أصحابه خي قلوب العباد‪ ،‬فجعلهم وزراء نبيّه‪ ،‬يقاتلون على‬
‫دينه‪ ،‬فما رآه السلمون حسَنا فهو عندال حسن‪ ،‬وما رأوا سيّئا فهو عندال‬
‫()‬
‫سيّء " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫إذًا فالسلمون القصودون لبن مسعود هم الصحابة ؛ قال المام أحد‬


‫ـ رحه ال ـ‪ " :‬أصول السنة عندنا التمسّك با كان عليه أصحاب‬
‫()‬
‫رسولال والقتداء بم " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومَن حظيَ برضىال مِن بعدهم فلقتدائه بديهم‪ ،‬قالال تعال‪:‬‬


‫ر‬ ‫َ‬ ‫ولُو َ‬‫ن ال َ َّ‬ ‫{وال َّ‬
‫ساب ِ ُ‬
‫صا ِ‬
‫والن َ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬
‫مها ِ‬‫ن ال ُ‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫قو َ‬
‫َ‬
‫ضوا‬
‫وَر ُ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫ه َ‬
‫عن ْ ُ‬ ‫ي الل ُ‬
‫ض َ‬
‫ن َر ِ‬
‫سا ٍ‬
‫ح َ‬
‫م بِإ ِ ْ‬
‫ه ْ‬ ‫ن اتَّب َ ُ‬
‫عو ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫عنُْه} ‪.‬‬ ‫َ‬
‫وقد جاء تديد زمن السلف الذين ل توز مالفتهم بإحداث فهْم ل‬
‫يفهموه‪ ،‬ف حديث ابن مسعود قال‪ :‬قال رسول ال ‪ » :‬خيُ الناسِ َقرْن‪،‬‬
‫ث الّذين َيلُونَهم‪ ،‬ث الّذين يَلُونَهم‪ ،‬ث ييءُ قو ٌم تَسبقُ شهادةُ أحدهم يينَه‪،‬‬
‫()‬
‫ويينُه شهادتَه « متفق عليه‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫من‬‫ولذا الصل نظائر وأدلة من الكتاب والسنة‪ ،‬منها قولال تعال‪{ :‬و َ‬
‫ويَتَّب ِ ْ‬
‫ع‬ ‫هدَى َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ال ُ‬ ‫ما تَبَي َّ َ‬
‫د َ‬ ‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الَّر ُ‬ ‫ق ِ‬
‫يُشا ِ‬
‫َ‬
‫م‬‫هن َّ َ‬‫ج َ‬‫ه َ‬ ‫ول ّى ون ُ ْ‬
‫صل ِ ِ‬ ‫ه ما ت َ َ‬ ‫ول ِّ ِ‬
‫ن نُ َ‬ ‫منِي َ‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫َ‬
‫غيَْر َ‬

‫() رواه أحد وغيه وهو حسن‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() (( شرح أصول اعتقاد أهل السنة )) لللكائي رقم (‪ )317‬وانظر (( الشريعة )) للجري‬ ‫‪2‬‬

‫ص (‪.)14‬‬
‫() انظر تريج استدلل مالك بذه الية ف » إعلم الوقعي « لبن القيّم (‪4/94‬ـ ‪.)95‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ومن ارتاب ف عدد القرون فليجع إل » الصحيحة « لللبان رقم (‪.)700‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪30‬‬
‫‪31‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫صيراً }‪ ،‬والشاهد هنا ف ضمّ مانبة سبيل الؤمني إل‬‫م ِ‬


‫ت َ‬ ‫ساءَ ْ‬‫و َ‬
‫َ‬
‫مشاقّة الرسول لسْتحقاق هذا الوعيد الشديد‪ ،‬مع أن مشاقّة الرسول‬
‫َ َ‬
‫صدُّوا‬
‫و َ‬‫فُروا َ‬ ‫ن ال ّذي َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫وحده كفيلةٌ بذلك كما قالال تعال‪{ :‬إ ّ‬
‫شا ُّ‬
‫ما تَبَي َّ َ‬
‫ن‬ ‫د َ‬‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬ ‫سو َ‬
‫ل ِ‬ ‫قوا الَّر ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬
‫ل الل ِ‬
‫سبِي ِ‬‫عن َ‬ ‫َ‬
‫سيُحب ِ ُ‬
‫ط‬ ‫شيْئا ً و َ‬‫ه َ‬ ‫ضُّروا الل َ‬‫هدَى لَن ي َ ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ه ُ‬‫لَ ُ‬
‫()‬
‫م} ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ه ْ‬‫عمال َ ُ‬‫أَ ْ‬
‫ومنها ما رواه عبدال بن لي عن معاوية بن أب سفيان أنه قام فينا فقال‪:‬‬
‫ألَ إن رسولال قام فينا فقال‪ » :‬ألَ إن مَن قبلكم من أهل الكتاب‬
‫افترقوا على ثنتي وسبعي ملة‪ ،‬وإن هذه اللة ستفترق على ثلث وسبعي‪،‬‬
‫ثنتان وسبعون ف النار‪ ،‬وواحدة ف النة‪ ،‬وهي الماعة « رواه أبو داود‬
‫وغيه وهو صحيح‪.‬‬
‫والشاهد هنا ف وصف الفرقة الناجية بالماعة‪ ،‬والعدول عن إضافتها إل‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬مع أنا ل يكن أن ترج عنهما قط؛ والسر ف ذلك يكمن ف‬
‫التنبيه على الماعة الت فهمت نصوص الوحيي وعملت بما على مرادال‬
‫ورسوله‪ ،‬ول يكن يومئذ جاعة إل أصحاب رسولال ‪ ،‬ولذلك صحّح أهل‬
‫العلم ـ ف الشواهد ـ اللفظ الخر الوارد ف هذا الديث من رواية‬
‫الاكم وغيه وهو قوله ف وصف الفرقة الناجية‪ (( :‬ما أنا عليه اليوم‬
‫وأصحاب ))‪.‬‬
‫ومنها ما رواه أبو داود وغيه بسند صحيح لغيه عن العرباض بن سارية‬
‫قال‪ :‬وعظنا رسولال موعظة بليغة‪ ،‬ذرَفت منها العيون ووجِلت منها‬
‫ل كأن هذه موعظة موَدّع فماذا تعهد إلينا؟‬ ‫القلوب‪ ،‬فقال قائل‪ :‬يا رسول ا !‬

‫() انظر » مموع الفتاوى « لبن تيمية (‪.)19/194‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪32‬‬
‫السياسة‬

‫فقال‪ » :‬أوصيكم بتقوىال والسمع والطاعة‪ ،‬وإنْ عبدا حبشيّا؛ فإنه من يعش‬
‫منكم بعدي فسيى اختلفا كثيا‪ ،‬فعليكم بسنت وسنة اللفاء الهديي‬
‫الراشدين‪ ،‬تسّكوا با وعَضّوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومدثات المور؛ فإن‬
‫كل مدَثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة «‪.‬‬
‫والشاهد هنا ف المع بي اتباع السنة النبوية وسنة اللفاء الراشدين‬
‫الهديي‪ ،‬ث تأمل كيف جعل النب كلمته هذه وصيّته لمته من بعده‬
‫لتعلم صدق القول بأصالة هذا النهج‪ ،‬ث تأمل كيف قابل الختلف بالتزام‬
‫هذا النهج لتعلم أن ضابط ( َفهْم السلف الصال ) سبب النجاة من‬
‫التفرّق‪ ،‬قال الشاطبّ ـ رحه ال ـ‪ " :‬فقرن ـ كما ترى ـ سنّة‬
‫اللفاء الراشدين بسنّته‪ ،‬وأن مِن اتّباع سنّته اتّباع سنّتهم‪ ،‬وأن الحدثات‬
‫خلف ذلك‪ ،‬ليست منها ف شيء؛ لنم فيما سَنّوا‪ :‬إمّا مّتبِعون لسنّة‬
‫نبيّهم عليه السلم نفسها‪ ،‬وإمّا مّتبِعون لا فهموا من سنّته ف الملة‬
‫()‬
‫والتفصيل على وجه يفى على غيهم مثلُه‪ ،‬ل زائدة على ذلك " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقد جعلتُ هذه النصوص من النظائر والدلة على تأصيل ما أنا بصدده؛‬
‫لنن وجدت ابن أب العز نزع با عند شرحه قول الطحاوي‪ " :‬ونتّبع السنة‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫والماعة‪ ،‬ونتنب الشذوذ واللف والفُرقة " ‪.‬‬
‫تطبيق‪:‬‬
‫لبيان ضرورة تقييد فهم الكتاب بالسنة‪ ،‬وتقييد فهم الكتاب والسنة با‬
‫كان عليه السلف الصال‪ ،‬أُورد هنا قصة جرَت أيام منة المام أحد ـ رحه‬

‫() » العتصام « (‪.)1/104‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ص ( ‪ 382‬ـ ‪ ) 383‬ط‪ .‬الكتب السلمي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪32‬‬
‫‪33‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫ال ـ؛ لبيّن با القصودَين ف آنٍ واحد‪ ،‬قال الجرّي ـ رحه ال ـ ‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫" بلغن عن الهتدي ـ رحه ال تعال ـ أنه قال‪ :‬ما قطع أَب ـ يعن الواثق‬
‫ـ إل شيخ جيء به من الصيصة‪ ،‬فمكث ف السجن مدة‪ ،‬ث إن أب ذكره‬
‫يوما فقال‪ :‬علي بالشيخ‪ ،‬فأُت به مقيّدا‪ ،‬فلما أُوقف بي يديه سلّم عليه‪ ،‬فلم‬
‫يرُ ّد عليه السلم‪ ،‬فقال له الشيخ‪ :‬يا أمي الؤمني! ما استعملتَ معي أدب ال‬
‫حي َّ ٍ‬
‫ة‬ ‫م بِت َ ِ‬ ‫تعال ول أدب رسوله ؛ قالال تعال‪{ :‬وإذا ُ‬
‫حيِّيت ُ ْ‬
‫ن ِمنْها أو ُردُّوها}‪ ،‬وأمر النب بردّ السلم؟!‬ ‫َ‬
‫س َ‬‫ح َ‬ ‫حيُّوا بِأ ْ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬
‫فقال له‪ :‬وعليك السلم‪ .‬ث قال لبن أب دُؤاد‪ :‬سَلْهُ‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمي الؤمني!‬
‫حلّ‪ ،‬ومر‬ ‫أنا مبوس مقيّد‪ ،‬أُصلّي ف البس بتيمم‪ُ ،‬منِعتُ الاء‪ ،‬فمُر بقيودي تُ َ‬
‫ل باء أتطهر وأصلي‪ ،‬ث سَلْن‪ ،‬قال‪ :‬فأمر فحُلّ قيده‪ ،‬وأمر له باء‪ ،‬فتوضأ‬
‫وصلى‪ ،‬ث قال لبن أب دؤاد‪ :‬سلْهُ‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬السألة ل‪ ،‬ت ْأمُره أن ييبن‪،‬‬
‫فقال‪ :‬سل‪ ،‬فأقبل الشيخ على ابن أب دؤاد يسأله فقال‪ :‬أخبن عن هذا المر‬
‫الذي تدعو الناس إليه‪ ،‬أشيء دعا إليه رسولال ؟ قال‪ :‬ل! قال‪ :‬فشيء دعا‬
‫إليه أبو بكر الصديق بعده؟ قال‪ :‬ل! قال‪ :‬فشيء دعا إليه عمر بن الطاب‬
‫بعدها؟ قال‪ :‬ل! قال الشيخ‪ :‬فشيء دعا إليه عثمان بن عفان بعدهم؟‬
‫قال‪ :‬ل! قال‪ :‬فشيء دعا إليه علي بن أب طالب بعدهم؟ قال‪ :‬ل! قال‬
‫الشيخ‪ :‬فشيء ل يدعُ رسولال ول أبو بكر ول عمر ول عثمان ول‬
‫علي رضيال تعال عنهم تدعو أنت الناس إليه ؟! ليس يلو أن تقول‪:‬‬
‫علِموه أو جهِلوه؛ فإن قلتَ‪ :‬علِموه وسكتوا عنه‪ ،‬و ِسعَنا وإياك ما َوسِع‬
‫القوم من السكوت‪ ،‬فإن قلتَ‪ :‬جهِلوه وعلِمتُه أنا‪ ،‬فيا لُكَعُ بن لكع! يهل‬

‫() ف » الشريعة « مطوطة تركيا ق (‪ )24‬وما بعدها‪ ،‬وف الطبوع ص (‪63‬ـ ‪ )64‬وفيه‬ ‫‪1‬‬

‫تصحيفات‪ ،‬لذا ل أعتمده إل قليل‪.‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪34‬‬
‫السياسة‬

‫النب واللفاء الراشدون رضيال تعال عنهم شيئا وتعْلمه أنت‬


‫()‬
‫وأصحابك؟! قال الهتدي‪ :‬فرأيتُ أب وثب قائما ودخل اليى ‪ ،‬وجعل‬
‫‪1‬‬

‫ثوبه ف فيه يضحك‪ ،‬ث جعل يقول‪ :‬صدق‪ ،‬ليس يلو من أن نقول‪ :‬جهلوه أو‬
‫علموه‪ ،‬فإن قلنا‪ :‬علِموه وسكتوا عنه‪ ،‬و ِسعَنا من السكوت ما وسِع القوم‪ ،‬وإن‬
‫قلنا‪ :‬جهلوه وعلمته أنت‪ ،‬فيا لكع بن لكع! يهل النب وأصحابه رضيال‬
‫تعال عنهم شيئا تعلمه أنت وأصحابك؟! ث قال‪ :‬يا أحد! قلت‪ :‬لبيك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لستُ أعنيك‪ ،‬إنا أعن ابن أب دُؤاد‪ ،‬فوثب إليه فقال‪ :‬أعط هذا الشيخ نفقةً‬
‫وأخرجه عن بلدنا "‪.‬‬
‫وف رواية أوردها الذهب ف » السي «‪ .. " :‬وسقط من عينه ابن أب‬
‫دُؤاد‪ ،‬ول يَمتحن بعدها أحدا "‪ ،‬وف رواية‪ " :‬قال الهتدي‪ :‬فرجعتُ عن هذه‬
‫()‬
‫القالة‪ ،‬وأظن أن أب رجع عنها منذ ذلك الوقت" ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ )(1‬هكذا ف الطبوع! فلعلها ( الَيْرَى ) من الَي‪ ،‬جاء ف » لسان العرب « لبن منظور‬
‫بتحقيق علي شيي (‪ " :)3/417‬والَي بالفتح‪ :‬شبه الظية أو المى " وأنشد عن بعض‬
‫حدّرَ فيها الندى الساكبُ‬
‫تَ َ‬ ‫الذليي‪ :‬فيا رُبّ َحيَى جاديّة‬
‫وقال‪ " :‬فإنه عَن روضة متحيّرة بالاء "(‪.)3/415‬‬
‫وف الخطوط ما يقرأ‪ ( :‬البزى )‪ ،‬ول أجد له معن‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫() قال الذهب‪ " :‬هذه القصة مليحة‪ ،‬وإن كان ف طريقها مَن يُجهل ولا شاهد " »‬ ‫‪2‬‬

‫السي « (‪.)11/313‬‬
‫قلت‪ :‬وقد أسندها الجري ف ص (‪ ،)91‬وعنه ابن بطة ف » البانة‪ /‬الرّدّ على الهمية‬
‫« (‪ ،)452‬وأخرجها أيضا من طرق أخرى ابن بطة تت الرقم السابق و(‪ ،)453‬والطيب‬
‫ف » تاريخ بغداد « (‪4/151‬ـ ‪ )152‬و(‪10/75‬ـ ‪ ،)79‬وابن الوزي ف‬
‫» مناقب المام أحد « ص (‪431‬ـ ‪ ،)436‬وعبد الغن القدسي ف » الحنة « ص (‪169‬ـ‬
‫‪ )174‬و(‪167‬ـ ‪ ،)169‬وابن قدامة ف » التوّابي « ص (‪210‬ـ ‪.)215‬‬
‫‪34‬‬
‫‪35‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قلت‪ :‬تأمل! فإن ردّ الشيخ هذا المرَ العظيمَ إل سية السلف الصال رفع‬
‫اللف مباشرة وكان سبب هداية الواثق والهتدي إل ما جاء ذكره ف‬
‫القصة‪ ،‬فهذا يدلّك على أنه تأصيل دقيق‪ ،‬فاحفظه!‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪36‬‬
‫السياسة‬

‫تنبيه‬
‫إذا اختلف سلفنا الصال ف مسألة ما كان تكيم الدليل من الكتاب‬
‫م في‬ ‫والسنة هو السلك الوحيد‪ ،‬لقولال تعال‪{ :‬فإن تَنَاَز ْ‬
‫عت ُ ْ‬
‫ن‬
‫منُو َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ل إِن كُنت ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫والَّر ُ‬
‫ه َ‬ ‫فُردُّوهُ إلى الل ِ‬ ‫ء َ‬‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ويلً }‪ ،‬وكلمة‬ ‫ْ‬ ‫خير َ‬ ‫ر ذَل ِ َ‬
‫ن تَأ ِ‬‫س ُ‬
‫ح َ‬‫وأ ْ‬
‫ك َ ْ ٌ َ‬ ‫خ ِ‬
‫وم ِ ال ِ‬
‫والي َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ِبالل ِ‬
‫يٍء} هنا نكرةٌ ف سياق الشّرط‪ ،‬فَتعُمّ كل اختلف التضاد ف‬ ‫ش ْ‬‫{ َ‬
‫()‬
‫الصول والفروع‪ ،‬كما أشار إليه العلّمة ممد المي الشنقيطي ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال ابن القيم‪ " :‬ولو ل يكن ف كتابال وسنة رسوله بيانُ ُحكْ ِم ما‬
‫تنازَعوا فيه ول يكن كافيا‪ ،‬ل يَأمر بالرّ ّد إليه؛ إذ مِن المتنِع أن يَأمر تعال‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫بال ّردّ عند الناع إل مَن ل يوجَدُ عنده فَصْلُ الناع " ‪.‬‬

‫() » أضواء البيان « (‪.)1/333‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » إعلم الوقعي « (‪.)1/49‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪36‬‬
‫‪37‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الصل الثالث‪ :‬نيل السؤدد بالعلم‬


‫هذا الفصل من أنفس ما ف هذه الصول الستة؛ لن الغرض منه هو تبيان‬
‫أصل العمل الذي ينبغي أن تُكرّس له الهود‪ ،‬فإن قوما رأوا النشاط الرهيب‬
‫الذي تتهد فيه قُوى الكفر والضلل‪ ،‬فظنوا أن سيادتم ترجع إليهم بجرد‬
‫مقابلة نشاطهم بنشاط أقوى منه‪ ،‬ف َوجّهوا كل ما يلكون من وسائل لجاراتم‪،‬‬
‫وأهلوا العلم الشرعي إهالً فاحشا! والقيقة أنم مهما أحكموا التنظيم‬
‫وأحسنوا التدبي وكثّفوا النشاط وحفظوا من مكائد العدوّ‪ ،‬فلن يُكتَب لم‬
‫سؤدد ول رِفعة حت يُ َؤسّسوا عملهم على العلم ويعرفوا له ولهله قدره؛‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قالال تعال‪{ :‬يَْر َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫منكُم وال ّ ِ‬ ‫منُوا ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ع الل ُ‬
‫ف ِ‬
‫من‬ ‫ت َ‬ ‫ع دََرجا ٍ‬ ‫ف ُ‬‫ت} وقال‪{ :‬نَْر َ‬ ‫م دََرجا ٍ‬ ‫أُوتُوا ال ِ‬
‫عل ْ َ‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫شاءُ}‪ ،‬قال مالك ـ رحه ال ـ‪ " :‬بالعلم " ‪.‬‬ ‫نَ َ‬
‫وهذه الرِفعة تكون ف الدنيا قبل الخرة؛ كما قالال تعال عن اصطفائه‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬‫م إ ِ َّ‬ ‫م نَبِي ُّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ه ْ‬‫ل لَ ُ‬‫طالوت لسيادة الل من بن إسرائيل‪{ :‬وقا َ‬
‫َ‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫قالُوا أنَّى يَكُو ُ‬ ‫ملِكا ً َ‬ ‫ت َ‬ ‫م طالُو َ‬ ‫ث لَك ُ ْ‬‫ع َ‬ ‫قدْ ب َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫ؤ َ‬ ‫م يُ ْ‬‫ول َ ْ‬
‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ك ِ‬‫مل ْ ِ‬
‫ق بِال ُ‬ ‫ح ُّ‬‫نأ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫علَيْنَا َ‬
‫ون َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ال ُ‬
‫علَيْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫فاهُ َ‬ ‫صطَ َ‬ ‫ه ا ْ‬ ‫قال إ َّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الما ِ‬ ‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫ع ً‬‫س َ‬‫َ‬
‫ه يُ ْ‬
‫ؤتِي‬ ‫سم ِ والل ُ‬‫ج ْ‬ ‫وال ِ‬‫علْم ِ ِ‬
‫ة في ال ِ‬ ‫سط ً‬
‫وَزادَهُ ب َ ْ‬ ‫َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫علِي ٌ‬‫ع َ‬‫س ٌ‬‫وا ِ‬‫ه َ‬ ‫والل ُ‬
‫من يَشاءُ َ‬ ‫ه َ‬‫ملْك َ ُ‬ ‫ُ‬
‫وف صحيح مسلم عن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الارث لقي عمر‬

‫() » شرح السنة « للبغوي (‪ ،)1/272‬وقد أسنده ابن عبد الب ف » جامع بيان العلم‬ ‫‪1‬‬

‫وفضله « (‪ )1/194‬من رواية مالك عن زيد بن أسلم به‪.‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪38‬‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫ت على أهل‬‫بعُسْفان‪ ،‬وكان عمر يستعمله على مكة ‪ ،‬فقال‪ :‬مَن استعمل َ‬
‫‪1‬‬

‫()‬
‫الوادي؟ فقال‪ :‬ابن أبزى‪ ،‬قال‪ :‬ومَن ابن أبزى؟ قال‪َ :‬موْل مِن موالينا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫فاستخلفتَ عليهم مول؟! قال‪ :‬إنه قاريء لكتابال وإنه عال‬


‫()‬
‫بالفرائض ‪ ،‬قال عمر‪ :‬أمَا إن نبيّكم قال‪ » :‬إنال يرفع بذا الكتاب‬ ‫‪3‬‬

‫أقواما‪ ،‬ويضع به آخرين «‪.‬‬


‫ولذلك أخبال أنه رفع الربانيي من بن إسرائيل حت جعلهم حكّاما‬
‫َ‬
‫هدًى‬ ‫فيها ُ‬ ‫عليهم ينفّذون فيهم أمرال فقال‪{ :‬إنَّا أنَزلْنَا الت َّ ْ‬
‫وَراةَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫موا لِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سل َ ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م بِها النَّبِيُّو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ونُوٌر ي َ ْ‬
‫فظُوا ِ‬
‫من‬ ‫ح ِ‬
‫ست ُ ْ‬‫حباُر بِما ا ْ‬ ‫وال َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫والَّربَّانِيُّو َ‬ ‫هادُوا َ‬
‫هدَاء}‪.‬‬ ‫ه ُ‬
‫ش َ‬ ‫علَي ْ ِ‬
‫وكانُوا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ِ‬ ‫كِتَا ِ‬
‫وهؤلء الربانيون ال َمكّن لم جاء وصفهم بالعلم والتعليم‪ ،‬قالال تعال‪:‬‬
‫ش َ‬
‫حك ْ َ‬
‫م‬ ‫ب وال ُ‬ ‫ه الكِتا َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ر أن يُؤتِي َ ُ‬ ‫ن لِب َ َ ٍ‬ ‫ما كا َ‬ ‫{ َ‬
‫ن‬
‫من دُو ِ‬‫عبَادًا لي ِ‬ ‫س كُونُوا ِ‬ ‫َ‬ ‫قو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫وةَ ث ُ َّ‬‫والنُّب ُ َّ‬
‫ل لِلن ّا ِ‬
‫ن‬
‫مو َ‬‫عل ِّ ُ‬
‫م تُ َ‬‫ن بِما كُنت ُ ْ‬ ‫ولَكِن كُونُوا َربَّانِيِّـي َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ِ‬
‫سون}‪.‬‬ ‫م تَدُْر ُ‬ ‫ما كُنت ُ ْ‬ ‫ب وب ِ َ‬ ‫الكِتَا َ‬
‫آيتان تشابتا ف اللفظ‪ ،‬يقولال ف الول عن إبراهيم‬ ‫وف كتابال‬
‫ه‬
‫م ِ‬‫و ِ‬ ‫علَى َ‬
‫ق ْ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫جتُنا ءَاتَيْنَاها إِبَْرا ِ‬‫ح َّ‬‫ك ُ‬ ‫‪{ :‬وتِل ْ َ‬
‫م}‪ ،‬وف‬ ‫علِي ٌ‬
‫م َ‬
‫حكِي ٌ‬‫ك َ‬ ‫شاءُ إ ِ َّ‬
‫ن َرب َّ َ‬ ‫من ن َ َ‬
‫ت َ‬ ‫جا ٍ‬‫ع دََر َ‬ ‫نَْر َ‬
‫ف ُ‬
‫وقَ‬ ‫و َ‬
‫ف ْ‬ ‫من نَشاءُ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ع دََرجا ٍ‬ ‫الثانية يقول عن يوسف ‪{ :‬نَْر َ‬
‫ف ُ‬

‫() أي جعله واليا عليها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أي عبد ملوك‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أي عال بالواريث‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪38‬‬
‫‪39‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫م}‪ ،‬وف هذا سرّ بديعٌ من أسرار الكتاب العزيز‪،‬‬ ‫علْم ٍ َ‬


‫علِي ٌ‬ ‫ل ِذي ِ‬ ‫ك ُ ِّ‬
‫ذكره ابن تيمية ف كلم نفيسٍ جدّا‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫" ذَكَر ُال أنه يرفع درجات من يشاء ف قصة مناظرة إبراهيم وف قصة‬
‫احتيال يوسف‪ ،‬ولذا قال السلف‪ :‬بالعلم؛ فإن سياق اليات يدلّ عليه‪،‬‬
‫فقصة إبراهيم ف العلم بالجة والناظرة لدفع ضرر الصم عن الدين‪ ،‬وقصة‬
‫يوسف ف العلم بالسياسة والتدبي لتحصل منفعة الطلوب‪ ،‬فالول‪ :‬علم با‬
‫يدفع الضار ف الدين‪ ،‬والثان‪ :‬علم با يلب النافع‪.‬‬
‫أو يقال‪ :‬الول‪ :‬هو العلم با يدفع الضرة عن الدين ويلب منفعته‪،‬‬
‫والثان‪ :‬علم با يدفع الضرة عن الدنيا ويلب منفعتها‪.‬‬
‫أو يقال‪ :‬قصة إبراهيم ف علم القوال النافعة عند الاجة إليها‪ ،‬وقصة‬
‫يوسف ف علم الفعال عند الاجة إليها‪ ،‬فالاجة جلب النفعة ودفع الضرة قد‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫تكون إل القول‪ ،‬وقد تكون ‪...‬‬
‫ولذا كان القصّرون عن علم الجج والدللت وعلم السياسة والمارات‬
‫مقهورين مع هذين الصنفي‪ ،‬تارة بالِحتياج إليهم إذا هجم عدوّ يفسد الدين‬
‫بالدل أو الدنيا بالظلم‪ ،‬وتارة بالحتياج إليهم إذا هجم على أنفسهم من‬
‫أنفسهم ذلك‪ ،‬وتارة بالحتياج إليهم لتخليص بعضهم من ش ّر بعض ف الدين‬
‫والدنيا‪ ،‬وتارة يعيشون ف ظلهم ف مكان ليس فيه مبتدع يستطيل عليهم ول‬
‫والٍ يظلمهم‪ ،‬وما ذاك إل لوجود علماء الجج الدامغة لهل البدع‪ ،‬والسياسة‬
‫()‬
‫الدافعة للظلم ‪. "...‬‬
‫‪2‬‬

‫فدار أمر الرئاسة الدينية والدنيوية على العلم؛ لنه أصل لما‪ ،‬ولذلك قال‬

‫() بياض بالصل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪14/493‬ـ ‪.)494‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪40‬‬
‫السياسة‬
‫ق َ‬
‫سلْنا‬‫د أْر َ‬ ‫ابن تيمية ـ أيضا ـ‪ " :‬وذلك أنال يقول ف كتابه‪{ :‬ل َ َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ميزا َ‬ ‫ب وال ِ‬ ‫م الكِتا َ‬ ‫عه ُ‬ ‫م َ‬‫ت وأنَزلْنَا َ‬ ‫سلَنَا بِالبَيِّنا ِ‬ ‫ُر ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ه بَأ ٌ‬ ‫ديدَ في ِ‬ ‫ح ِ‬‫ط وأنَزلْنَا ال َ‬ ‫س ِ‬‫ق ْ‬ ‫س بِال ِ‬ ‫م النَّا ُ‬ ‫قو َ‬ ‫لِي َ ُ‬
‫صُرهُ‬ ‫من يَن ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ُ‬‫عل َ َ‬
‫ولِي َ ْ‬
‫س َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع لِلن ّا ِ‬ ‫ف ُ‬‫منَا ِ‬
‫ديدٌ و َ‬ ‫ش ِ‬
‫ب}‪ ،‬فأخب أنه أنزل الكتاب واليزان ليقوم الناس‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫سل َ ُ‬
‫ه بِال َ‬ ‫وُر ُ‬ ‫َ‬
‫بالقسط‪ ،‬وأنه أنزل الديد كما ذكره‪.‬‬
‫ك‬‫فى بَِرب ِّ َ‬‫فقوام الدين بالكتاب الادي والسيف الناصر {وك َ َ‬
‫صيراً }‪ ،‬والكتابُ هو الصلُ‪ ،‬ولذا أول ما بعَث ُال رسولَه‬ ‫هاِديا ً َ‬
‫ون َ ِ‬
‫أنزل عليه الكتاب‪ ،‬ومكث بكة ل يأمره بالسيف حت هاجر وصار له أعوانٌ‬
‫()‬
‫على الهاد " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫إذن فالذين يتصوّرون قيام دولة السلم بجرد عاطفةٍ إسلمية‪ ،‬وفك ٍر‬
‫مـرّد عن حـجّـة الشـرع يسمّونـه فكـرا إسلميّا! ونتفٍ من العلم‬
‫يسمونا ( ثقافةً إسلميةً!)‪ ،‬وأن التعليم مرحلة قادمة بعدها‪ ،‬فهؤلء طالبو‬
‫سراب؛ لنم يتخيّلونا بل قوة ول أسباب‪ ،‬وأُول القوّتي قوةُ الدين الذي عليه‬
‫ح ًّ‬
‫وعدال الؤمني بالنصر فقال‪{ :‬وكان َ‬
‫علَيْنَا ن َ ْ‬
‫صُر‬ ‫قا َ‬
‫منِين}؛ ولذا قال ابن القيم‪ " :‬ولا كان جهادُ أعداءال ف الارج‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫فرعا على جهاد العبد نفسَه ف ذاتال ‪ ،‬كما قال النب ‪ » :‬الجا ِهدُ من جاهَدَ‬
‫()‬
‫نفسَه ف طاعةال ‪ ،‬والهاجِرُ من هجَرَ ما نى ُال عنه « ‪ ،‬كان جهادُ الّنفْس ُمقَدّما‬
‫‪2‬‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪.)28/234‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأحبّ أن أُ نبّه القاريء هنا إل أنن وجدتُ مَن ابتُلي بفكر ثوري يَبْتر كلم ابن تيمية‬
‫هذا عند آية الفرقان؛ لن ما بعدها يُحَطّم له الراد من استغلل كلم الشيخ! فتنبّه!‬
‫() رواه أحد (‪ )3/21‬وغيه وهو صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪40‬‬
‫‪41‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫على جهاد العدوّ ف الارج وأصلً له؛ فإنه مَن ل ياهد نفسَه أولً لتفعل ما‬
‫ُأمِرَت به وتترك ما نُهيَت عنه ويارِبْها فال ‪ ،‬ل يْكِنْهُ جهادُ عدوّه ف الارج‪،‬‬
‫فكيف يكنه جهاد عدوّه والنتصاف منه‪ ،‬وعدوّه الذي بي جنبيه قاهرٌ له‪،‬‬
‫متسلّطٌ عليه‪ ،‬ل ياهده ول ياربه فال ؟! بل ل يكنه الروج إل عدوّه حت‬
‫ياهد نفسه على الروج‪.‬‬
‫فهذان عدوّان قد امُتحِن العبدُ بهادها‪ ،‬وبينهما عدوّ ثالثٌ‪ ،‬ل يكنه‬
‫جهادها إل بهاده‪ ،‬وهو واقفٌ بينهما يُثبّطُ العبدَ عن جهادها ويُخذّلُه‬
‫ويُرجِف به‪ ،‬ول يزال ييّل له ما ف جهادها من الشاقّ وترك الظوظ‬
‫وفَوْت اللذات والشتهيات‪ ،‬ول يكنه أن ياهد َذيْنك العدوّيْن إل بهاده‪،‬‬
‫فكان جهاده هو الصل لهادها‪ ،‬وهو الشيطان‪ ،‬قال تعال‪{ :‬إ َّ‬
‫ن‬
‫وا}‪ ،‬والمر باتاذه عدوّا‬ ‫فات َّ ِ‬ ‫ال َّ‬
‫عدُ ًّ‬
‫خذُوهُ َ‬ ‫و َ‬
‫عدُ ٌّ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫شيْطَا َ‬
‫تنبيهٌ على استفراغ الوُسْع ف ماربته وماهدته‪ ،‬كأنه عدوّ ل يفْتُر ول يقصر عن‬
‫()‬
‫ماربة العبد على عدد النفاس " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫هذا الكلم ف غاية الودة والوضوح‪ ،‬وهو تصحيح لنهج الذين يرمون‬
‫غيهم بالجارة وبيوتم من زجاج! وف الوقت نفسه ُيعَظّمون السباب الادية‬
‫حت يروا أن عدوّهم تكّن لقوّته‪ ،‬والق أنه ل يدخل عليهم العدوّ بيوتَهم إل‬
‫إذا َوهَى بنيانُها؛ أي ل ينهزم السلمون لقوّة عدوّهم ولكن لضعف إيانم‪،‬‬
‫حت ولو عَرِيَت أيديهم من السباب ـ بعد بذل الوسع ـ كفاهمال ما نابم‪،‬‬
‫قال ابن تيمية ـ رحه ال ـ‪ " :‬ومن سنةال أن من ل يُمْكن الؤمنون أن‬
‫()‬
‫يعيذوه من الذين يؤذونال ورسوله؛ فإنال سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه‬ ‫‪2‬‬

‫() » زاد العاد « (‪.)3/6‬‬ ‫‪1‬‬

‫() تصحّف ف الطبوع إل‪ ( :‬أن يعذبوه )‪ ،‬وهو غي مستقيم‪ ،‬وما أثبتّه أعله هو الوافق‬ ‫‪2‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪42‬‬
‫السياسة‬

‫إياه‪ ،‬كما قدّمنا بعض ذلك ف قصة الكاتب الفتري‪ ،‬وكما قال سبحانه‪:‬‬
‫ركِين‪ .‬إنَّا‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ال ُ‬‫ع ِ‬‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫ع ِ‬ ‫مُر َ‬ ‫ؤ َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬‫ع بِ َ‬ ‫{فا ْ‬
‫صدَ ْ‬
‫()‬
‫زئِين} " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ه ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫م ْ‬‫ك ال ُ‬ ‫كَ َ‬
‫فيْنا َ‬
‫ل ما عَدَا عليك العدوّ إل بعد أن تَ َولّى عنك الوَِليّ‪،‬‬ ‫وقال ابن القيم‪ " :‬تا !‬
‫()‬
‫فل تظنّ أن الشيطان َغلَبَ ولكن الافظ أَ ْعرَض " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقد عرفتَ أنك ُتحْرَم ولءَ ربك إذا تركتَ الأمور وركبتَ الحظور‪،‬‬
‫كما أنك منصور بفظك َال ف أمره ونيه‪ ،‬فعاد الصل إل العلم؛ لنه ل‬
‫يُعرَف المر والنهي إل به‪.‬‬

‫للصول الخطوطة؛ كما ف الطبوع حديثا (‪.)2/357‬‬


‫() » الصارم السلول « ص (‪.)164‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » الفوائد « ص (‪.)79‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪42‬‬
‫‪43‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫لطيفة‬
‫روى البخاري ومسلم عن الزبي بن عدي قال‪ :‬دخلنا على أنس بن مالك‬
‫لجّاج‪ ،‬فقال‪ » :‬ما مِن عامٍ إلّ والّذي بعده‬‫قال‪ :‬فشكونا إليه ما نَلقى من ا َ‬
‫شرّ منه حت تَ ْلقَوْا ربّكم «‪ ،‬سعتُ هذا من نبيّكم‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ " :‬وقد استُشكل هذا الطلق مع أن بعض الزمنة تكون‬
‫ف الشرّ دون الت قبلها‪ ،‬ولو ل يكن ف ذلك إل زمن عمر بن عبد العزيز‪،‬‬
‫وهو بعد زمن الجاج بيسي‪ ،‬وقد اشتهر الي الذي كان ف زمن عمر بن عبد‬
‫العزيز ‪ ...‬وأجاب بعضهم أن الراد بالتفضيل تفضيل مموع العصر على‬
‫مموع العصر‪ ،‬فإن عصر الجاج كان فيه كثي من الصحابة ف الحياء‪ ،‬وف‬
‫عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا‪ ،‬والزمان الذي فيه الصحابة خي من الزمان‬
‫()‬
‫الذي بعده لقوله ‪ » :‬خي القرون قرن ‪ « ...‬وهو ف الصحيحي " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ث قال‪ " :‬ث وجدت عن عبدال بن مسعود التصريح بالراد وهو أول‬
‫بالتباع‪ ،‬فأخرج يعقوب بن شيبة من طريق الارث بن حصية عن زيد بن‬
‫وهب قال‪ :‬سعت عبدال بن مسعود يقول‪ " :‬ل يأت عليكم يوم إل وهو شرّ‬
‫من اليوم الذي قبله حت تقوم الساعة‪ ،‬لست أعن رخاء من العيش يصيبه‪،‬‬
‫ول مالً يفيده‪ ،‬ولكن ل يأت عليكم يوم إل وهو أقلّ علما من اليوم الذي‬
‫مضى قبله‪ ،‬فإذا ذهب العلماء استوى الناس‪ ،‬فل يأمرون بالعروف ول‬
‫ينهون عن النكر‪ ،‬فعند ذلك يهلكون "‪ ،‬ومن طريق الشعب عن مسروق عنه‬
‫قال‪ " :‬ل يأت عليكم زمان إل وهو شرّ ما كان قبله‪ ،‬أمَا إن ل أعن أميا‬
‫خيا من أمي‪ ،‬ول عاما خيا من عام‪ ،‬ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون‬

‫() لفظ » الصحيحي « ‪ » :‬خي الناس قرن ‪ ،« ...‬وقد أشار الشيخ اللبان ف تعليقه‬ ‫‪1‬‬

‫على » التنكيل « للمعلّمي (‪ )2/223‬إل أنه ل أصل للفظ الذي ساقه الافظ هنا‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪44‬‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫ث ل تدون منهم خلفاء‪ ،‬وييء قوم يُفتون برأيهم " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قلت‪ :‬رفعُ الشكال بالثر هو قرة عيون أهل الثر‪ ،‬خاصة وهو جارٍ على‬
‫الصول؛ لن غالب اللق لِرَحم الال والسلطان وَصول‪ ،‬أل تسمعال تعال‬
‫عنِّي مالِيَه‪.‬‬ ‫غنَى َ‬ ‫يب عن أهل الشمال حسرتم قائلي‪{ :‬ما أ َ ْ‬
‫سلْطَانِيَه}‪.‬‬
‫عنِّي ُ‬ ‫ك َ‬ ‫هل َ َ‬
‫َ‬
‫ولو تأمّلتَ فتنةَ الركات السلمية ‪ -‬فضلً عن غيها ‪ -‬لوجدتَها‬
‫مموعة ف هاتي النعرتي‪ :‬تصوّرُ أن خييّة أمة على أخرى تابعة لييّة‬
‫حكّامها‪ ،‬أو وفرة اقتصادها؛ أل ترى أن أكثرهم ل ي ُردّون من عرش اللك‬
‫يَدَ لمِس‪ ،‬ولو كانت طَماعة من ديقراطية الوساوس! وآخرين يرون أن‬
‫عودة عزّ السلمي مرهونة بالتفوق الضاري‪ ،‬ولذلك ل ي ْبرَحون عليه‬
‫عاكفي!‬
‫وهذا يبيّن لك سرّ عناية ابن مسعود بعالتهما دون غيها‪ ،‬وتال إنه لفقه‬
‫النفس الذي فتحال به عليه‪ ،‬فلْتعرف ـ أخا السلم ـ للسلف فضلهم‪،‬‬
‫واستمسك بغرزهم تسترح من شبهات بَُنيّات الطريق‪.‬‬
‫وأخيا‪ :‬إل العلم! يا من ينشد عز السلم‪ ،‬فعن تيم الداري قال‪ :‬تطاول‬
‫الناس ف البناء ف زمن عمر‪ ،‬فقال عمر‪ " :‬يا معشر العريب! الرضَ الرضَ!‬
‫إنه ل إسلم إل بماعة‪ ،‬ولجاعة إل بإمارة‪ ،‬ول إمارة إل بطاعة‪ ،‬فمن سوّده‬
‫قومه على الفقه كان حياة له ولم‪ ،‬ومن سوّده قومه على غي فقه كان‬
‫()‬
‫هلكا له ولم " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() » الفتح « (‪ )21 /13‬والثر صحيح؛ رواه الفسوي كما ف آخر » العرفة والتاريخ « (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )3/393‬له‪ ،‬وابن عبد الب ف » جامع بيان العلم وفضله « (‪ )2/136‬وغيها‪.‬‬


‫() رواه الدارمي رقم (‪.)241‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪44‬‬
‫‪45‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وعن السن قال‪ " :‬كانوا يقولون‪ :‬موت العال ثُلْمة ف السلم ل يَسُدّها‬
‫()‬
‫شيء ما اختلف الليل والنهار " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعن هلل بن خباب قال‪ :‬سألت سعيد بن جبي قلت‪ :‬يا أبا عبدال ! ما‬
‫()‬
‫علمة هلك الناس؟ قال‪ " :‬إذا هلك علماؤهم " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() الصدر السابق رقم (‪ )324‬وف » شرح السنة « للبغوي أنه من قول ابن مسعود‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الصدر السابق رقم (‪.)251‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪46‬‬
‫السياسة‬

‫الصل الرابع‪ :‬صِمَام المان من الكفر والزية‬


‫باتّباع الكتاب والسنة‬
‫لست أعن بذا الفصل ظاهره التبادر إل الذهن فحسب؛ لنه شيء معلوم‬
‫للمسلمي عِلما نظريّا على القل‪ ،‬ولكنه كلمة إل أولئك الذين ل يقنعوا‬
‫بدعوة الكتاب والسنة‪ ،‬حي رأوا تألّب ُقوَى الكفر والنفاق على ديار‬
‫السلمي‪ ،‬من يوم الندلس وفلسطي الفقيدتي‪ ،‬إل يوم البوسنة والرسك‬
‫الريتي‪ ،‬وازداد السلمون وهنًا على وهن حي قلّت عنايتهم بصدر قوّتم‪:‬‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وهانوا علىال حي ساء ظنهم بما‪ ،‬إذ تصوّروا ضعف أثرها‬
‫ف النفوس‪ ،‬وأن دعوة السجد قاصرة عن بعث المة إل ببطء ل يكافء‬
‫النشاط الرهيب والتنوّع الوسائل الذي يقوم به الشيوعيون واليهود والنصارى‬
‫‪...‬‬
‫وهذه الدعوى ـ إن كان فيها حق ـ فيكفي أصحابا إثا أن صرفوا‬
‫وجوه النشء عن العكوف على الوحيي حفظا وتعلّما وتعليما‪ ،‬ولئن حبسوا‬
‫أنفسهم لتعليم الناس دينهم‪ ،‬فقلّما ينعون بآية أو حديث إل تبّكا‪ ،‬وإل‬
‫فحسن ظنهم بكلمهم زهّدهم ف كلمال وكلم رسوله ‪ ،‬ووال ث وال ث‬
‫وال إن أحدهم ليجد ف أُنشودة من الشوع‪ ،‬ما يفقده مع كلم ربّ‬
‫الرباب‪ ،‬ولو كانت الطي لكانت مشورة كل له أوّاب‪.‬‬
‫أين هم الذين يعلّمون القرآن بتفسيه الثري؟‬
‫أين هم الذين أحيوا طريقة السلف ف تسميع الديث النبوي والتقليل‬
‫من الكلم البشري؟‬
‫أل تعلمون أن الكفار ل يقدرون عليكم ما دمتم تتلُون الوحيي؟ قالال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬‫ريقا ً ِ‬ ‫عوا َ‬
‫ف ِ‬ ‫منُوا إِن تُطِي ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫تعال‪{ :‬يأيُّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪46‬‬
‫‪47‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪.‬‬
‫ري َ‬
‫ف ِ‬ ‫مانِك ُ ْ‬
‫م كا ِ‬ ‫عدَ إِي َ‬ ‫ب يَُردُّوك ُ ْ‬
‫م بَ ْ‬ ‫ن أوتُوا الكِتا َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫فرون َ‬
‫ه‬
‫ت الل ِ‬‫م ءَايا ُ‬ ‫م تُتلَى علَيْك ُ ْ‬ ‫وأنت ُ ْ‬‫َ َ‬ ‫ف تَك ْ ُ ُ‬‫وكَي ْ َ‬‫َ‬
‫ي إلى‬‫د َ‬‫ه ِ‬ ‫ف َ‬
‫قد ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫صم بالل ِ‬
‫عت َ ِ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫هو َ‬ ‫سول ُ ُ‬‫م َر ُ‬ ‫فيك ُ ْ‬‫و ِ‬
‫قيمٍ }‪ ،‬وف هذا السياق الكري فائدتان ها‪:‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ُ‬‫صرا ٍ‬ ‫ِ‬
‫الول‪ :‬عصمة أتباع الوحيي من الكفر‪ ،‬قال ابن كثي ـ رحه ال ـ‪:‬‬
‫" يعن أن الكفر بعي ٌد منكم وحاشاكم منه؛ فإن ءاياتال تنل على رسوله ليلً‬
‫()‬
‫ونارا‪ ،‬وهو يَتْلوها عليكم ويُبلّغها إليكم " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والثانية‪ :‬أنال تعال اقتصر على ذكر أعظم كيد يدبّره الكفار للمسلمي‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫د كَثِيٌر ِ‬ ‫وهو إرادة تكفيهم‪ ،‬كما قال سبحانه ف الية الخرى‪َ { :‬‬
‫و َّ‬
‫فاراً‬‫د إيمانِك ُم ك ُ َّ‬
‫ْ‬ ‫ع ِ ِ‬ ‫من ب َ ْ‬‫و يَُردُّونَكُم ِ‬ ‫ب لَ ْ‬‫ل الكِتَا ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫أَ ْ‬
‫م‬‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما تَبَي َّ َ‬ ‫د َ‬
‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬‫هم ِ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬‫د أَن ُ‬‫عن ِ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫سدا ً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ق}‪ ،‬فكأنال يقول‪ :‬مهما كان مكرهم الكبار الذي تزول منه البال‬ ‫ح ُّ‬ ‫ال َ‬
‫ل}‪ ،‬فإن‬ ‫جبَا ُ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫م لِتَُزو َ‬ ‫مكُْر ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ن َ‬‫قال تعال‪{ :‬وإن كا َ‬
‫إيانكم ل يزول ما أقمتم على تلوة الوحي كتابا وسنة‪.‬‬
‫وليس هذا غريبا على من أيقن بقلبه أنال جعل معي الياة ف الوحي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬ ‫ولِلَّر ُ‬ ‫جيبُوا لِل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫منُوا ا ْ‬ ‫ن ءَا َ‬ ‫ذي َ‬‫فقال‪{ :‬يَأيُّها ال ّ ِ‬
‫م}‪.‬‬‫حيِيك ُ ْ‬‫ما ي ُ ْ‬ ‫عاك ُ ْ‬
‫م لِ َ‬ ‫إِذَا دَ َ‬
‫وأعظم الياتَيْن حياةُ القلب‪ ،‬وأحيا الناس َأتَْبعُهم للوحي‪ ،‬وهو آ َمنُهم‬
‫من الضلل‪ ،‬وبذا يَ ِدقّ فهمك لقول الرسول ‪ » :‬تركتُ فيكم شيئي لن‬
‫تَضلّوا بعدها‪ :‬كتابَال وسنت‪ ،‬ولن يتفرّقا حت َيرِدا علي الوض « رواه‬
‫الاكم ومالك وهو حسن‪.‬‬

‫() » تفسي القرآن العظيم « (‪ )1/597‬ط‪ .‬دار الفكر‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪48‬‬
‫السياسة‬

‫يعمل‬ ‫وقال أبو بكر الصديق ‪ " :‬لستُ تاركا شيئا كان رسولال‬
‫به إل عملتُ به‪ ،‬فإن أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ " رواه‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫فهذا صدّيق المة يشى على نفسه النراف عن الصراط الستقيم إن هو‬
‫فرّط ف شيء من هدي النب ـ مع أنه كان شديد التمسك با دَقّ و َجلّ‬
‫من سنة نبيّه ـ فكيف قرّت أعْيُن البتدعة وهدأت جفونم‪ ،‬وقد روى‬
‫الشيخان عن أب هريرة أنه قال‪ :‬لا توفِي رسولال واستُخلِف أبو بكر‬
‫بعده‪ ،‬كفر من كفر من العرب‪ ،‬قال عمر لب بكر‪ :‬كيف تقاتل الناس وقد‬
‫قال رسول ال ‪ » :‬أُمرتُ أن أقاتل الناس حت يقولوا ل إله إلال ‪ ،‬فمن قال‬
‫ل إله إلال عصم من ماله ونفسه إل بقه وحسابه علىال «‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ل لقاتلنّ من فرّق بي الصلة والزكاة‪ ،‬فإن الزكاة حق الال‪ ،‬وال لو‬ ‫" وا !‬
‫منعون عَناقا كانوا يؤدونه إل رسولال لقاتلتهم على منعه "‪ ،‬فقال‬
‫عمر‪ " :‬فوال! ما هو إل أن رأيتُال قد شرح صدر أب بكر للقتال فعرفتُ أنه‬
‫الق"‪.‬‬
‫فتأمل هذا الرص الشديد على أداء الواجب بكل تفاصيله الت كانت على‬
‫عهد رسولال ‪ ،‬ولو كانت ف تقدي أحقر شيء‪.‬‬
‫ولا كان الرسل عليهم الصلة والسلم أتبع اللق للوحي اقترن بم مِن‬
‫ن أَنَا‬ ‫ه لَ ْ‬
‫غلِب َ َّ‬ ‫ب الل ُ‬‫تأييدال أكمله‪ ،‬كما قالال تعال‪{ :‬كَت َ َ‬
‫عباِدنَا‬ ‫متُنا ل ِ ِ‬‫ت كَل ِ َ‬ ‫ق ْ‬‫سب َ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫سلِي} وقال‪{ :‬ول َ َ‬ ‫وُر ُ‬ ‫َ‬
‫جندَنَا‬ ‫ن ُ‬ ‫ن‪ .‬وإ ِ َّ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫م لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ن‪ .‬إِن َّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫سلِي َ‬‫مْر َ‬ ‫ال ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫سلَنَا وال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫ن} وقال‪{ :‬إِنَّا لَنَن ُ‬ ‫غالِبُو َ‬‫م ال َ‬‫ه ُ‬ ‫لَ ُ‬

‫‪48‬‬
‫‪49‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫ها ُد} ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ش َ‬ ‫م ال َ ْ‬ ‫قو ُ‬‫م يَ ُ‬ ‫ة الدُّنْيَا وي َ ْ‬
‫و َ‬ ‫حيَا ِ‬
‫منوا في ال َ‬ ‫ءَا َ ُ‬
‫ومن كان لم متّبِعا كان له ِمْثلُ ما لم من التأييد والنصرة‪ ،‬قالال تعال‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ما و َ‬ ‫لوسى وهارون صلىال عليهما وسلم ولتباعهما‪{ :‬أنت ُ َ‬
‫ه‬ ‫قا َ‬
‫ل الل ُ‬ ‫غالِبُون}‪ ،‬وقال لعيسى ولتباعه‪{ :‬إِذْ َ‬ ‫ما ال َ‬ ‫اتَّب َ َ‬
‫عك ُ َ‬
‫ك‬ ‫مطَ ِّ‬
‫هُر َ‬ ‫و ُ‬ ‫ك إِل َ َّ‬
‫ي َ‬ ‫ع َ‬ ‫ف ُ‬ ‫وَرا ِ‬ ‫ك َ‬‫في َ‬ ‫و ِّ‬
‫مت َ َ‬
‫سى إِنِّي ُ‬ ‫عي َ‬ ‫يَا ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫وقَ‬ ‫ك َ‬
‫ف ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن اتَّب َ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ع‬
‫جا ِ‬‫و َ‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫م َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ة}‪.‬‬‫م ِ‬ ‫قيَا َ‬ ‫وم ِ ال ِ‬‫فُروا إِلى ي َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ب ما مِن‬
‫قال ابن القيم ـ رحه ال ـ‪ " :‬فلما كان للنصارى نَصي ٌ‬
‫اتّباعه كانوا فوق اليهود إل يوم القيامة‪ ،‬ولا كان السلمون َأتْبَع له من‬
‫()‬
‫النصارى كانوا فوق النصارى إل يوم القيامة " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال ابن تيمية‪ " :‬ولذا كل من كان متّبعا للرسول كانال معه بسَب‬
‫ها النَّب ِ ُّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ِ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬ ‫سب ُ َ‬
‫ك الل ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ي َ‬ ‫هذا التباع‪ ،‬قالال تعال‪{ :‬يَأي ُّ َ‬
‫ن}‪ ،‬أي حسْبك وحسْبُ مَن اتّبعك‪ ،‬فك ّل مَن‬ ‫منِي َ‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫عك ِ‬ ‫اتَّب َ َ‬
‫اتّبَع الرسولَ مِن جيع الؤمني فال حسْبه‪ ،‬وهذا معن كونال معه‪ ،‬والكفاية‬
‫الطلقة مع التّباع الطلق‪ ،‬والناقصة مع الناقص‪ ،‬وإذا كان بعض الؤمني به‬
‫سبُه‪ ،‬وهو معه وله نصيب‬ ‫التبعي له قد حصَل له مَن يعاديه على ذلك فال ح ْ‬
‫ن اللَه َمَعنَا}‪ ،‬فإن‬ ‫ن إ ِ َّ‬ ‫حَز ْ‬‫ه ل َ تَ ْ‬ ‫حب ِ ِ‬‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬‫قو ُ‬ ‫من قوله‪{ :‬إِذْ ي َ ُ‬
‫حبَه ببدنه‪ ،‬والصل ف هذا القلب‪،‬‬ ‫هذا قَ ْلبُه موافِقٌ للرسول وإن ل يكن ص ِ‬
‫كما ف الصحيحي عن النب أنه قال‪:‬‬
‫(( إنّ بالدينة رجا ًل ما ِسرْت مسيا ول قطعتم واديا إلّ كانوا معكم ))‪ ،‬قالوا‪:‬‬

‫() انظر » الواب الصحيح لن بدّل دين السيح « لبن تيمية (‪ )2/179‬ط‪ .‬دار العاصمة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » إغاثة اللهفان « (‪2/197‬ـ ‪ )198‬وانظر » الواب الصحيح « (‪.)2/178‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪50‬‬
‫السياسة‬
‫)‬
‫وهم بالدينة؟ قال‪ (( :‬وهم بالدينة‪ ،‬حبَسهم العذرُ ))( ‪ ،‬فهؤلء بقلوبم كانوا‬
‫‪1‬‬

‫مع النب وأصحابه الغزاة‪ ،‬فلهم معن صُحبته ف الغزاة‪ ،‬فال معهم بسَب‬
‫()‬
‫تلك الصحبة العنوية " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقد صدق ـ رحه ال ـ؛ فإن ف القرآن ما يدل على أنم صحبوهم‬


‫بباطنهم‪ ،‬وذلك أنم حي أَتَوا ليحملهم النب معه إل الهاد ردّهم؛ لنه ل‬
‫يلك ما يملهم عليه‪ ،‬رجعوا وقلوبم متحرّقة وعيونم دامعة على ذلك حت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫مل َ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫و َ‬
‫ك لِت َ ْ‬ ‫ما أت َ ْ‬
‫ن إِذَا َ‬
‫ذي َ‬ ‫وصفهمال بقوله‪{ :‬ول َ َ‬
‫علَى ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬
‫عيُن ُ ُ‬‫وأ َ ْ‬ ‫ول ّ ْ‬
‫وا َ‬ ‫ه تَ َ‬‫علَي ْ ِ‬
‫م َ‬‫ملُك ُ ْ‬‫ح ِ‬
‫َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫جدُ َ‬
‫َ‬
‫ت لَ أ ِ‬‫قل ْ َ‬‫ُ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫قو َ‬ ‫ف ُ‬‫ما يُن ِ‬‫جدُوا َ‬ ‫حَزنا ً أل ّ ي َ ِ‬‫ع َ‬ ‫م ِ‬‫ن الدَّ ْ‬
‫م َ‬ ‫ض ِ‬
‫في ُ‬ ‫تَ ِ‬
‫ث قال ـ رحه ال ـ‪ " :‬ولو انفرد الرجل ف بعض المصار والعصار‬
‫صرْه الناس عليه‪ ،‬فإنال معه‪ ،‬وله نصيب من‬ ‫بق جاء به الرسول‪ ،‬ول تن ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه إِذْ أ َ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫صَرهُ الل ُ‬ ‫ف َ‬
‫قدْ ن َ َ‬ ‫صُروهُ َ‬ ‫َ‬
‫قوله‪{ :‬إل ّ تَن ُ‬
‫ل‬‫قو ُ‬‫ذ يَ ُ‬
‫غاِر إ ِ ْ‬
‫ما في ال َ‬ ‫ن إِذْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ي اثْنَي ْ ِ‬‫فُروا ثَان ِ َ‬ ‫كَ َ‬
‫ن اللَه َمَعنَا}‪ ،‬فإن نصر الرسول هو نصر‬
‫ن إ ِ َّ‬‫حَز ْ‬ ‫ه ل َ تَ ْ‬‫حب ِ ِ‬
‫صا ِ‬
‫لِ َ‬
‫دينه الذي جاء به حيث كان ومت كان‪ ،‬ومن وافقه فهو صاحبه عليه ف‬
‫العن‪ ،‬فإذا قام به ذلك الصاحب كما أمرال فإنال مع ما جاء به الرسول ومع‬
‫سبُهال ‪ ،‬وهو حسْبُ الرسول كما قال تعال‪:‬‬ ‫ذلك القائم به‪ ،‬وهذا التبع له‪ :‬ح ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫ن اتَّب َ َ‬
‫ع َ‬ ‫م ِ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬ ‫سب ُ َ‬
‫ك الل ُ‬ ‫ح ْ‬‫ي َ‬ ‫ها النَّب ِ ُّ‬‫{يَأي ُّ َ‬
‫()‬
‫ن} " ‪.‬‬ ‫منِي َ‬
‫‪3‬‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ُ‬

‫() وف » صحيح مسلم « زيادة » شَرِكوكم ف الجر «‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » منهاج السنة « (‪8/487‬ـ ‪ )488‬ط‪ .‬جامعة المام ممد بن سعود‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الصدر السابق‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪50‬‬
‫‪51‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وعن ابن مسعود قال‪ :‬صلى رسولال العشاء ث انصرف فأخذ بيد عبد‬
‫ال بن مسعود حت خرج به إل بطحاءِ مكةَ فأجلسه ث خَطّ عليه خطا ث‬
‫قال‪ »:‬ل َت ْب َر َح ّن خطك فإنه سينتهي إليك رجالٌ‪ ،‬فل تكلمهم فإنم ل‬
‫يكلمونك «‪ ،‬قال‪ :‬ث مضى رسولال حيث أراد‪ ،‬فبينا أنا جالس ف‬
‫()‬
‫خطي إذ أتان رجال كأنم الزّطّ ‪:‬أشعارهم وأجسامهم‪ ،‬ل أرى عورة ول‬
‫‪1‬‬

‫أرى قشرا‪ ،‬وينتهون إلّ ل ياوزون الط‪ ،‬ث يَصدرون إل رسولال ‪،‬‬
‫حت إذا كان من آخر الليل‪ ،‬لكن رسولال قد جاءن وأنا جالس‪ ،‬فقال‪»:‬‬
‫()‬
‫لقد أران منذ الليلة «‪ ،‬ث دخل علي ف خطي فتوسّد فخذي فرقد‪ ،‬وكان‬ ‫‪2‬‬

‫رسولال إذا رقد نفخ‪ ،‬فبيْنا أنا قاعد ورسولال متوَسد فخذي‪ ،‬إذا أنا‬
‫برجال عليهم ثياب بيض‪،‬ال أعلم ما بم من المال‪ ،‬فانتهوا إل‪ ،‬فجلس‬
‫طائفة منهم عند رأس رسولال وطائفة منهم عند رجليه‪ ،‬ث قالوا بينهم‪ :‬ما‬
‫رأيْنا عبدا قط أوت مثل ما أوت هذا النبّ‪ :‬إنّ عينيه تنامان وقلبه يقظان‪،‬‬
‫اضربوا له مثل َمثَلَ سيّد بن قصرا‪ ،‬ث جعل مأدبة فدعا الناس إل طعامه‬
‫وشرابه‪ ،‬فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه‪ ،‬ومن ل يبْه عاقبه أو‬
‫قال عذّبه‪ ،‬ث ارتفعوا‪ ،‬واستيقظ رسولال عند ذلك فقال‪:‬‬
‫(( سعتَ ما قال هؤلء؟ وهل تدري من هؤلء؟ )) قلتُ‪:‬ال ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(( هم اللئكة‪ ،‬فتدري ما الثل الذي ضربوا؟ )) قلتُ‪:‬ال ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪(( :‬‬

‫الثل الذي ضربوا‪ :‬الرحن تبارك وتعال بن النة ودعا إليها عباده‪ ،‬فمن أجابه‬
‫)‬
‫‪3‬‬
‫دخل النة‪ ،‬ومن ل يبه عاقبه أو عذّبه ))( ‪.‬‬

‫() الزّطّ‪ :‬قوم من السودان أو البشة ف سوادهم‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أران منذ الليلة‪ :‬أي ل أن منذ الليلة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » صحيح سنن الترمذي « لللبان رقم (‪.)2296‬‬ ‫‪3‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪52‬‬
‫السياسة‬

‫فأنت ترى ف هذه القصة العظيمة أن استجابة ابن مسعود لرسولال‬


‫حي أمره بلزوم مكانه دفعت عنه شر قوم جاؤوه ف أبشع صورة‪ ،‬مع أنه ل‬
‫ط لو جاءت عليه الريح لعفى أثره‪ ،‬لكنه ليس‬ ‫يكن بينه وبينهم سوى خ ّ‬
‫كبقية الطوط‪ ،‬إنه خط السنة‪ :‬من لزمه كفاه ال ما نابه‪.‬‬
‫وإذ قد بيّنتُ أدلة تثبيت ال لمة التابعة ونصره إياها‪ ،‬فل بأس أن‬
‫أسوق هنا قصة تشهد للمرين جيعا‪ ،‬وفيها منقبة عظيمة لب بكر الذي‬
‫حفظ ال به الدين ونصره بعد رسول ال ‪ ،‬حت قال أبو هريرة ‪:‬‬
‫" وال الذي ل إله إل هو لول أبو بكر استُخلف ما عُبدال "‪ ،‬ث قال الثانية‪،‬‬
‫ث قال الثالثة‪ ،‬فقيل له‪ :‬مه يا أباهريرة! فقال‪ " :‬إن رسولال َوجّه أسامة بن‬
‫زيد ف سبعمائة إل الشام‪ ،‬فلما نزل بذي خشب قُبض رسولال وارتدت‬
‫العرب حول الدينة‪ ،‬فاجتمع إليه أصحاب رسولال فقالوا‪ :‬يا أبا بكر! رُدّ‬
‫هؤلء‪ ،‬تُوجّه هؤلء إل الروم وقد ارتدّت العرب حول الدينة؟! فقال‪" :‬‬
‫والذي ل إله غيه‪ ،‬لو جرت الكلب بأرجل أزواج رسولال ما رددتُ‬
‫جيشا وجّهه رسولال ‪ ،‬ول ح َللْتُ لواء َعقَده رسولُ ال "‪ ،‬فوجّه أسامة‪،‬‬
‫فجعل ل ي ّر بقبي ٍل يريدون الرتداد إل قالوا‪ :‬لول أنّ لؤلء قوة ما خرج‬
‫مِثل هؤلء من عندهم‪ ،‬ولكن ندَعهم حت يَلقوا‬
‫الروم‪ ،‬فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالي‪ ،‬فثبتوا على‬
‫()‬
‫السلم " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫هذا هو تسك أب بكر بالسنة على الرغم من فاجعة موت رسولال‬


‫وفاقرة ارتداد العرب‪ ،‬أضف إليهما تثبيط الناس له انطلقا من العقل الذي‬

‫() » العواصم من القواصم « لبن العرب ص (‪ ،)63‬وانظر إن شئت التوسع (( تاريخ‬ ‫‪1‬‬

‫الطبي )) و(( سية ابن هشام « و» المتاع « للمقريزي‪.‬‬


‫‪52‬‬
‫‪53‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫يقضي با قضوا به‪ ،‬ولكن الشرع الذي تعلّمه أبو بكر من النب هو الذي‬
‫هداه إل ما شحّت به قرائحُهم؛ أل وهو خوفُه من تأخي ما قدّمه رسول‬
‫ال ‪ ،‬فكانت عاقبة التمسك بالسنة النتصار على العدو والثبات على‬
‫السلم‪.‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫قال الشيخ ممد المي الشنقيطي ـ رحه ال ـ‪ " :‬وقد حقق العلماءُ أن‬
‫غلبة النبياء على قسمي‪ :‬غلبة بالجة والبيان‪ ،‬وهي ثابتة لميعهم‪ ،‬وغلبة‬
‫بالسيف والسنان‪ ،‬وهي ثابتة لصوص الذين أُمروا منهم بالقتال ف سبيل‬
‫()‬
‫ال ‪. "...‬‬
‫‪1‬‬

‫ولذا قرر العلماء أن الؤمني الستضعفي اليوم ف متمعاتم؛ الذين ل‬


‫يؤمرون بالقتال‪ ،‬هم منتصرون بالجة العلمية الت تدمغ كل‬
‫باطل وجدال‪ ،‬وأما الذين لم القوة والسلطان فيؤمرون به لتتأيّد‬
‫الجة بالسنان‪ ،‬وعلى هذا فالجة العلمية غالبة ف كل زمان‪ ،‬والمد ل‬
‫على هذا‪.‬‬
‫ولا كان أهل الديث أقوى الناس حجة؛ لنم أعلمهم بالقرآن كما قال‬
‫عمر بن الطاب‪ " :‬إن ناسا يادلونكم بشُبَه القرآن‪ ،‬فخذوهم بالسنن؛ فإن‬
‫()‬
‫أصحاب السنن أعلم بكتابال " ‪ ،‬ولا كانوا أعلمهم بدي النب ‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫كانوا أتبعهم للكتاب والسنة‪ ،‬فل يستغرِبنّ خلفيّ أن تتمع كلمة أهل العلم‬
‫على تفسي الطائفة النصورة بأهل الديث ف قوله ‪ » :‬من ُيرِدال به خيا‬

‫() انظر» أضواء البيان « (‪ )1/353‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه الجري ف » الشريعة « ص (‪ )48‬وغيُه‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪54‬‬
‫السياسة‬
‫)‬
‫يفقّهه ف الدين ‪ ...‬ول تزال طائفة من أمت ظاهرين على الق ‪، ()) ...‬‬
‫‪1‬‬

‫مع أنه ل يفى على الصيف ارتباط الملة الول ـ الت هي الفقه ف‬
‫الدين ـ بالخرى ـ الت هي انتصار هذه الطائفة ـ وهو من جوامع كلمه‬
‫)‬
‫(‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » الواب الصحيح « (‪.)2/180‬‬ ‫‪1‬‬

‫() راجع‪ » :‬شرف أصحاب الديث « للخطيب البغدادي‪ ،‬و» الصحيحة « لللبان (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،)270‬و» أهل الديث هم الطائفة النصورة الناجية « للشيخ ربيع بن هادي الدخلي‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫‪55‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫تديد مالف الرسول بالزيغ أو الكفر‬


‫الثبات على الدين‪ ،‬فقد جعل مالفيه‬ ‫ما دام قد كتبال لتباع نبيّه‬
‫ما‬ ‫عال َ ْ‬
‫وا إِلى َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫على خطر من دينهم فقال‪{ :‬وإِذَا ِ‬
‫قي َ‬
‫َ‬ ‫أَنَز َ‬
‫صدُّو َ‬
‫ن‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬‫منَا ِ‬
‫ت ال ُ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫وإِلى الَّر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ُ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫فكَي ْ َ‬ ‫صدُوداً ‪َ .‬‬ ‫عن َ‬
‫ة بِ َ‬‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬‫صابَت ْ ُ‬ ‫ف إِذَا أ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫َ‬
‫ن أََردْنَا‬‫ه إِ ْ‬ ‫ن بِالل ِ‬‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ؤو َ‬ ‫جا ُ‬‫م َ‬ ‫م ث ُ َّ‬ ‫ه ْ‬
‫َ‬
‫ت أي ْ ِ‬
‫دي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قدَّ َ‬ ‫َ‬
‫فيقاً }‪ ،‬قال ابن القيم‪ " :‬توَعّدهم بأنم إذا أصابتهم‬ ‫َ‬
‫و ِ‬ ‫سانا ً َ‬
‫وت َ ْ‬ ‫ح َ‬‫إِل ّ إ ِ ْ‬
‫مصيبة ف عقولم وأديانم وبصائرهم وأبدانم وأموالم بسبب إعراضهم عما‬
‫َ‬ ‫جاء به الرسول وتكيم غيه والتحاكم إليه كما قال تعال‪َ { :‬‬
‫وا‬‫ول ّ ْ‬‫فإِن ت َ َ‬
‫م}‬ ‫عل َم أَن َّما يريد الل َ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫ض ذُنُوب ِ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫م بِب َ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫()‬
‫صيب َ ُ‬ ‫ه أن ي ُ ِ‬ ‫َ ُ ِ ُ ُ‬ ‫فا ْ ْ‬
‫‪1‬‬
‫اعتذَروا بأنم إنا قصدوا الحسان والتوفيق ‪. "...‬‬
‫وثالثة الثاف أن هذه الصيبة قد تصيب من دين الرء مقتل حت يكفر‪ ،‬قال‬
‫َ‬ ‫ابن تيمية عند قولال ‪َ { :‬‬
‫ن‬‫ع ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬ ‫حذَ ِ‬‫فلْي َ ْ‬
‫م} ‪" :‬‬ ‫َ‬ ‫فتْن َ ٌ َ‬ ‫أ َمر َ‬
‫ب ألِي ٌ‬ ‫عذَا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صيب َ ُ‬ ‫و يُ ِ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫م ِ‬‫ه ْ‬
‫صيب َ ُ‬‫ه أن ت ُ ِ‬ ‫ْ ِ ِ‬
‫أمر مَن خالف َأمْرَه أن يْذَر الفتنة‪ ،‬والفتنة‪ :‬الرّدة والكفر‪ ،‬قال سبحانه‪:‬‬
‫فتْنٌَة} ‪ ...‬قال المام أحد ف‬ ‫ن ِ‬ ‫حتَّى ل َ تَكُو َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫قاتِلُو ُ‬ ‫{ َ‬
‫و َ‬
‫رواية الفضل بن زياد‪ " :‬نظرتُ ف الصحف فوجدتُ طاعة الرسول ف‬
‫َ‬ ‫ثلثة وثلثي موضعا "‪ ،‬ث جعل يتلو‪َ { :‬‬
‫ن‬‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬ ‫حذَ ِ‬ ‫فلْي َ ْ‬
‫فتْن َ ٌ َ‬ ‫عن أ َمر َ‬
‫عذَا ٌ‬
‫ب‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫صيب َ ُ‬
‫و يُ ِ‬
‫ةأ ْ‬ ‫م ِ‬
‫ه ْ‬
‫صيب َ ُ‬
‫ه أن ت ُ ِ‬
‫َ ْ ْ ِ ِ‬
‫م}‪ ،‬وجعل يكررها ويقول‪ " :‬وما الفتنة؟ الشرك‪ ،‬لعله إذا رَ ّد بعض قوله‬ ‫َ‬
‫ألِي ٌ‬
‫أن يقع ف قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبُه‬

‫() » إعلم الوقعي « (‪.)1/50‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪56‬‬
‫السياسة‬

‫حتَّى‬
‫ن َ‬
‫منُو َ‬ ‫ك ل َ يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫فل َ َ‬
‫وَرب ِّ َ‬ ‫فيهلكه "‪ ،‬وجعل يتلو هذه الية‪َ { :‬‬
‫م }‪.‬‬
‫ه ْ‬‫جَر بَيْن َ ُ‬ ‫ما َ‬
‫ش َ‬ ‫في َ‬‫ك ِ‬‫مو َ‬‫حكِّ ُ‬
‫يُ َ‬
‫وقال أبو طالب الشكان‪ :‬وقيل له ‪ :‬إن قوما يدَعون الديث ويذهبون إل‬
‫رأي سفيان‪ ،‬فقال‪ " :‬أعجب لقوم سعوا الديث وعرفوا السناد وصحته‪،‬‬
‫َ‬ ‫يدَعونه ويذهبون إل رأي سفيان وغيه‪ ،‬قالال ‪َ { :‬‬
‫ن‬ ‫ر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فلْي َ ْ‬
‫حذَ ِ‬
‫م‬ ‫فتْن َ ٌ َ‬ ‫عن أ َمر َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫ه ْ‬‫صيب َ ُ‬‫و يُ ِ‬
‫ةأ ْ‬ ‫م ِ‬
‫ه ْ‬
‫صيب َ ُ‬ ‫ن َ ْ ْ ِ ِ‬
‫ه أن ت ُ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫يُ َ‬
‫م}! وتدري ما الفتنة؟ الكفر‪ ،‬قالال تعال‪{ :‬وال ِ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫فتْن َ ُ‬ ‫ب ألِي ٌ‬ ‫عذَا ٌ‬ ‫َ‬
‫ل}‪ ،‬فيدَعون الديثَ عن رسولال وتغلبهم‬ ‫َ‬
‫ن ال َ‬
‫قت ْ ِ‬ ‫م َ‬‫أكْبَُر ِ‬
‫أهواؤُهم إل الرأي‪ ،‬فإذا كان الخالف عن أمره قد حُذّر من الكفر والشرك أو‬
‫من العذاب الليم‪ ،‬دلّ على أنه قد يكون مفضيا إل الكفر أو العذاب‬
‫()‬
‫الليم ‪. " ...‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن الكلمات السائرة عند السلف قولم‪ " :‬أسرع الناس ِردّة أصحابُ‬
‫()‬
‫الهواء " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ولا كان أصل كفر أهل الكتاب من جهة مالفة الرسل قالال تعال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫{ات َّ َ‬
‫ه‬
‫ن الل ِ‬
‫من دُو ِ‬ ‫م أْربَابا ً ِ‬
‫ه ْ‬
‫هبَان َ ُ‬
‫م وُر ْ‬
‫ه ْ‬
‫حبَاَر ُ‬‫خذُوا أ ْ‬
‫ن َمْريَم}‪ ،‬وف هذا السياق الكري فائدتان‪:‬‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬‫م ِ‬‫وال َ‬ ‫َ‬
‫الول‪ :‬أن سبب كفرهم هو تعظيمهم علماءهم حت غضّوا من حقال‬
‫ورسوله ف التحاكم إليهما‪ ،‬فعن عدي بن حات قال‪ :‬أتيتُ النب وف عنقي‬

‫() » الصارم السلول « ص (‪56‬ـ ‪ )57‬والثر الول عن أحد تده ف » البانة )) لبن‬ ‫‪1‬‬

‫بطّة رقم (‪.)97‬‬


‫() صح عن ابن سيين كما ف (( العرفة والتاريخ )) للفسوي (‪3/388‬ـ ‪ )389‬و» البانة «‬ ‫‪2‬‬

‫لبن بطة (‪ )353‬و(( شرح أصول العتقاد )) لللكائي (‪.)234‬‬


‫‪56‬‬
‫‪57‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫صليب من ذهب‪ ،‬فقال‪ »:‬يا عديّ! اطرح عنك هذا الوثن «‪ ،‬وسعته يقرأ من‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سورة براءة {ات َّ َ‬
‫من‬ ‫م أْربَابا ً ِ‬ ‫ه ْ‬‫هبَان َ ُ‬
‫وُر ْ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫خذُوا أ ْ‬
‫حبَاَر ُ‬
‫ه }‪ ،‬قال‪ (( :‬أمَا إنم ل يكونوا يعبدونم‪ ،‬ولكنهم كانوا إذا أَحلّوا‬ ‫ن الل ِ‬
‫دُو ِ‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫لم شيئا استحلّوه‪ ،‬وإذا حرّموا عليهم شيئا حرّموه )) ‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أن ف القتصار على التنديد بصنيع اليهود والنصارى تنبيها على‬
‫قسمي الخالفة للرسل ل ثالث لما‪ ،‬وها‪:‬‬
‫ـ التفريط‪ :‬الذي هو النصيب الوفر لليهود مؤذي النبياء وقَتلَتِهم‪.‬‬
‫ـ الفراط‪ :‬الذي هو النصيب الوفر للنصارى ذوي الغلوّ‪.‬‬
‫وهذا من إعجاز القرآن العظيم‪ .‬وقد جاء التحذير منهما مقترني ف‬
‫حديث واحد‪ ،‬هو قول الرسول ‪ »:‬دعون ما تركتكم؛ فإنا هلك مَن كان‬
‫قبلكم بكثرة سؤالم واختلفهم على أنبيائهم‪ ،‬فإذا نيتُكم عن شيء فاجتنبوه‬
‫وإذا أمرتكم بشيء فأْتوا منه ما استطعتم « متفق عليه‪.‬‬
‫فقوله‪ » :‬بكثرة سؤالم « ف الفراط والغلو‪.‬‬
‫وقوله‪ » :‬واختلفهم على أنبيائهم « ف التفريط والتقصي‪.‬‬
‫()‬
‫ولذلك أورده البخاري ف " كتاب العتصام بالكتاب والسنة " ‪ ،‬وهو‬
‫‪2‬‬

‫من جوامع كلمه ‪.‬‬


‫ولا كانت التابعة بذه الدقة ل يدحال تعال الؤمني بجردها‪ ،‬بل‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ج ِ‬‫ها ِ‬ ‫م َ‬‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ولُو َ‬ ‫ن ال َ َّ‬‫قو َ‬‫ساب ِ ُ‬ ‫بإحسانا فقال‪َ { :‬‬
‫وال َّ‬
‫() » صحيح سنن الترمذي « لللبان رقم (‪.)2471‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر » الفتح « رقم (‪.)6858‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪58‬‬
‫السياسة‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ي الل ُ‬
‫ض َ‬
‫ن َر ِ‬‫سا ٍ‬
‫ح َ‬‫هم بِإ ِ ْ‬ ‫ن اتَّب َ ُ‬
‫عو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫وال‬‫ر َ‬
‫صا ِ‬‫والن َ‬ ‫َ‬
‫عنُْه}‪ ،‬أي هي متابعة ظاهرة وباطنة‪ ،‬ومن كان‬ ‫ضوا َ‬ ‫وَر ُ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫َ‬
‫كذلك فأخذ منه الشيطان نصيبا من الطاعة‪ ،‬أسرع ا َلوْبة ونفعته التوبة؛ كما‬
‫وصفال الهاجرين والنصار بذلك؛ لن مالفتهم ل تكن متأصّلة ف قلوبم‪،‬‬
‫وسرّ هذه العناية الربانية بم ما عُرِفوا به من التابعة التامة‪ ،‬فتأمّل إخبارال عن‬
‫حفظ قلوبم من الزيغ بسبب صدقهم ف التابعة ف وقت العسرة قالال ‪:‬‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫علَى النَّب ِ َّ‬ ‫{ل َ َ‬
‫صا ِ‬
‫والن َ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬‫ها ِ‬‫م َ‬
‫وال ُ‬
‫ي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ُ‬‫قد تَا َ‬
‫َ‬
‫ما كَادَ‬
‫د َ‬
‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬
‫ة ِ‬
‫سَر ِ‬
‫ع ْ‬
‫ة ال ُ‬ ‫ع ِ‬‫سا َ‬ ‫عوهُ في َ‬ ‫ن اتَّب َ ُ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫م}‪ ،‬فلْيحذر الذين هم على ظاهر السنة‬‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬‫ق ِ‬
‫ري ٍ‬
‫ف ِ‬ ‫قلُو ُ‬
‫ب َ‬ ‫غ ُ‬ ‫زي ُ‬‫يَ ِ‬
‫دون باطنها‪ ،‬وكذا العكس‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪59‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫تعجيل الزية لخالفي الرسل‬


‫كما أنّ أتباع الرسل منصورون‪ ،‬فإنّ مالفيهم مذولون قالال‬
‫ه أُولَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك في‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫حادُّو َ‬ ‫ن يُ َ‬‫ن ال ّذي َ‬ ‫تعال‪{ :‬إ ّ‬
‫الَذَل ِّين}‪ ،‬وقال رسولال ‪:‬‬
‫(( ‪ ...‬وجُعل الذّل والصغار علىمن خالف أمري )) رواه أحد وهو حسن‪.‬‬
‫وتفسيه ماقاله ابن تيمية‪ " :‬والبدعةُ مقرونةٌ بال ُفرْقة‪،‬كما أنّ السّنةَ‬
‫مقرونةٌ بالماعة فيقال‪ :‬أهل السنة والماعة‪ :‬كما يقال‪ :‬أهل البدعة‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫والفُرقة " ‪.‬‬
‫وقد أجع العقلء على أنّ أعظم أسباب الزية هو التنازع‪ ،‬وأشده ـ ول‬
‫شك ـ التنازع ف الدين‪ ،‬ولا كان التنازع ناشئا عن التقصي ف طاعةال‬
‫َ‬
‫ه‬
‫عوا الل َ‬ ‫ورسوله قرنال بينهما ف آية واحدة‪ ،‬فقال‪{ :‬وأطِي ُ‬
‫م} ولا‬ ‫حك ُ ْ‬
‫ري ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫وتَذْ َ‬
‫ه َ‬ ‫شلُوا َ‬ ‫ف َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫عوا َ‬ ‫ول َ تَنَاَز ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫كان اللتزام بالسنة هو سفينة النجاة ف بر الختلف‪ ،‬أمر النب بلزومها‬
‫عند وقوعه فقال‪ ... (( :‬وإنّه من يعش منكم بعدي فسيى اختلفاكثيا‪،‬‬
‫فعليكم بسنّت وسنة اللفاء الهديي الراشدين‪ ،‬تسكوا با وعضوا عليها‬
‫بالنواجذ‪ ،‬وإيّاكم ومدثات المور )) رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ول َ تَكُونُوا كَال ّ ِ‬ ‫وغيهم وهوصحيح‪ ،‬وقالال تعال‪َ { :‬‬
‫م البَيِّنَات}‪ ،‬أي‬ ‫ه ُ‬ ‫جاءَ ُ‬ ‫ما َ‬‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫فوا ِ‬ ‫ختَل َ ُ‬
‫وا ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫فَّر ُ‬
‫تَ َ‬
‫جاءهم من الوحي مايمعهم‪ ،‬فلما تركوه اختلفوا‪ .‬وهذا مبيّن ف سية اليهود‬
‫والنصارى مع رسلهم‪ ،‬فالنصارى اتّبعوا رهبانية ابتدعوها وتركوا بعض ما‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫أُمروا به فَأغْرَىال بينهم العداوة والبغضاء‪،‬كما قال تعال‪{ :‬و ِ‬

‫() » الستقامة « (‪ )1/42‬وانظر إن شئت » اجتماع اليوش السلمية « لبن القيم ص(‪.)6‬‬ ‫‪1‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪60‬‬
‫السياسة‬
‫ً‬
‫ما‬ ‫حظا ّ ِ‬
‫م َّ‬ ‫سوا َ‬ ‫م َ‬
‫فن َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ميثَا َ‬
‫ق ُ‬ ‫خذْنَا ِ‬ ‫صاَرى أ َ َ‬ ‫قالُوا إِنَّا ن َ َ‬‫َ‬
‫ضاءَ إِلى‬‫غ َ‬
‫وةَ والب َ ْ‬‫عدَا َ‬‫م ال َ‬
‫ه ُ‬ ‫فأ َ ْ‬
‫غَريْنَا بَيْن َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ذُكُِّروا ب ِ ِ‬
‫ة}‪ ،‬قال ابن تيمية‪ " :‬فهذا نصّ ف أنم تركوا بعض ما‬ ‫م ِ‬‫قيَا َ‬‫وم ِ ال ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫ُأمِروا به فكان تركه سببا لوقوع العداوة والبغضاء الحرّمَيْن " ‪.‬‬
‫ن‬‫فو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫وكذلك اليهود تركوا بعض ما أُمروا به كما قال تعال‪{ :‬ي ُ َ‬
‫ح ِّ‬
‫ً‬
‫ه }‪،‬‬‫ما ذُكُِّروا ب ِ ِ‬ ‫م َّ‬‫حظّا ِ‬ ‫سوا َ‬ ‫ه ون َ ُ‬ ‫ع ِ‬
‫ض ِ‬
‫وا ِ‬‫م َ‬‫عن َ‬ ‫م َ‬ ‫الكَل ِ َ‬
‫لكن تركهم له كان ناشئا عن تقصيهم العروف بسبب كراهيتهم لا أنزلال ‪،‬‬
‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ز َ‬ ‫ما أن ِ‬ ‫هم َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ن كَثِيرا ً ِ‬
‫كما قال تعال‪{ :‬ولَيَزيدَ َّ‬
‫وة َ‬
‫عدَا َ‬
‫م ال َ‬
‫ه ُ‬
‫قيْنَا بَيْن َ ُ‬‫فرا ً وأَل ْ َ‬ ‫غيَانا ً َ‬
‫وك ُ ْ‬ ‫ك طُ ْ‬‫من َرب ِّ َ‬ ‫ِ‬
‫()‬
‫ة} ‪.‬‬‫‪2‬‬
‫م ِ‬ ‫قيَا َ‬
‫وم ِ ال ِ‬‫ضاءَ إِلى ي َ ْ‬‫غ َ‬ ‫والب َ ْ‬
‫وقال ابن تيمية‪ " :‬واللف الواقع ف غي أهل اللل أكثر منه ف أهل اللل‪،‬‬
‫فكل من كان إل متابعة النبياء أقرب كان اللف بينهم أقل؛ فاللف‬
‫النقول عن فلسفة اليونان والند وأمثالم أمر ل يُحصيه إلال ‪ ،‬وبعده اللف‬
‫عن أعظم اللل ابتداعا كالرافضة فينا‪ ،‬وبعد ذلك اللف الذي بي العتزلة‬
‫ونوهم‪ ،‬وبعد ذلك خلف الفرق النتسبة إل الماعة‪ ،‬كالكلّبية والكرّامية‬
‫والشعرية ونوهم‪ ،‬وبعد ذلك اختلف أهل الديث‪ ،‬وهم أقل الطوائف‬
‫اختلفا ف أصولم‪ ،‬لن مياثهم من النبوة أعظم من مياث غيهم‪،‬‬
‫ه‬‫ل الل ِ‬‫حب ْ ِ‬
‫موا ب ِ َ‬
‫ص ُ‬ ‫فعصمهم حبلال الذي اعتصموا به‪ ،‬فقال‪{ :‬وا ْ‬
‫عت َ ِ‬
‫()‬
‫ميعاً } " ‪.‬‬
‫ج ِ‬
‫َ‬ ‫‪3‬‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪.)20/109‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر » مموع الفتاوى « أيضا (‪.)13/227‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » منهاج السنة « (‪.)6/311‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪60‬‬
‫‪61‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ومن الدرر الغوال لب الظفر السمعان قوله‪ " :‬وما يدلّ على أن أهل‬
‫الديث هم على القّ أنك لو طالعتَ جيع كتبهم الصنّفة من أوّلم إل‬
‫آخرهم‪ ،‬قديهم وحديثهم مع اختلف بلدانم وزمانم وتباعد ما بينهم ف‬
‫الديار‪ ،‬وسكون كل واحد منهم قطرا من القطار‪ ،‬وجدتَهم ف بيان‬
‫العتقاد على وتيةٍ واحدةٍ ونطٍ واحدٍ‪ ،‬يْرون فيه على طريقة ل ييدون‬
‫عنها ول ييلون فيها‪ ،‬قولُهم ف ذلك واحدٌ ونقلُهم واحدٌ‪ ،‬ل ترى بينهم‬
‫اختلفا ول تفرّقا ف شيء ما وإن قلّ‪ ،‬بل لو جعت جيع ما جرى على‬
‫ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلب واحد وجرى على‬
‫فلَ‬‫لسان واحد‪ ،‬وهل على الق دليل أبيَن من هذا؟ قالال تعال‪{ :‬أ َ َ‬
‫ه‬
‫ر الل ِ‬‫غي ْ ِ‬‫د َ‬
‫عن ِ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و كَا َ‬
‫ن ِ‬ ‫ول َ ْ‬‫ن َ‬‫قْرءَا َ‬‫ن ال ُ‬‫يَتَدَبَُّرو َ‬
‫موا‬
‫ص ُ‬‫عت َ ِ‬
‫وا ْ‬ ‫ختِلَفا ً كَثِيراً } وقال تعال‪َ { :‬‬ ‫ها ْ‬ ‫في ِ‬
‫جدُوا ِ‬ ‫و َ‬ ‫لَ َ‬
‫قوا}‪.‬‬ ‫ول َ ت َ َ‬
‫فَّر ُ‬ ‫ميعا ً َ‬‫ج ِ‬‫ه َ‬‫ل الل ِ‬
‫حب ْ ِ‬
‫بِ َ‬
‫وأما إذا نظرتَ إل أهل الهواء والبدع رأيتَهم متفرّقي متلفي أو شِيَعا‬
‫وأحزابا؛ ل تكاد تد اثني منهم على طريقةٍ واحدةٍ ف العتقاد‪ ،‬يبَدّع‬
‫بعضهم بعضا‪ ،‬بل َي ْرَتقُون إل التكفي؛ يكفّر البنُ أباه‪ ،‬والرجلُ أخاه‪،‬‬
‫والارُ جارَه‪ ،‬تراهم أبدا ف تنازعٍ وتباغضٍ واختلفٍ‪ ،‬تنقضي أعمارُهم ول‬
‫شتَّى ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫م َ‬ ‫قلُوب ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ميعا ً َ‬
‫و ُ‬ ‫ج ِ‬‫م َ‬
‫ه ْ‬‫سب ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫َتتّفق كلماتُهم {ت َ ْ‬
‫()‬ ‫َ‬
‫ن} " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫قلُو َ‬
‫ع ِ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫و ٌ‬ ‫م َ‬
‫ق ْ‬ ‫بِأن َّ ُ‬
‫ه ْ‬
‫والغرض من هذا كله بيان لوق الزية بن خالف الرسول وتعجيلها‬
‫لم‪ ،‬بسبب الختلف الضروب عليهم‪ ،‬وقد روى ابن سعد والبيهقي وأحد‬
‫وغيهم بأسانيد عن جع من الصحابة دخل حديث بعضهم ف حديث بعض‪،‬‬

‫() من » الجة « لقوّام السنة (‪.)2/225‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪62‬‬
‫السياسة‬

‫قالوا‪ :‬وبعث رسولال عبدال بن حذافة السهمي‪ ،‬وهو أحد الستة‪ ،‬إل‬
‫كسرى يدعوه إل السلم وكتب معه كتابا‪ ،‬قال عبدال ‪ :‬فدفعتُ إليه كتاب‬
‫رسولال ‪ ،‬ث أخذه فمزّقه‪ ،‬فلما بلغ ذلك رسولال قال‪ (( :‬الله م مزّق‬
‫)‬
‫ملكه ))( ‪ ،‬وكتب كسرى إل باذان عامله على اليمن أن ابعث من عندك‬ ‫‪1‬‬

‫رجلي جلْدين إل هذا الرجل الذي بالجاز ف ْليَأتيان ببه‪ ،‬فبعث باذان‬
‫قهرمان ورجل آخر‪ ،‬وكتب معهما كتابا‪ ،‬فقدِما الدينة‪ ،‬فدفعا كتاب باذان‬
‫إل النب ‪ ،‬فتبسم رسولال ودعاها إل السلم وفرائصهما ترعد‪ ،‬وف‬
‫رواية‪ :‬فلما رأى شَواربما مفتولة وخدودها ملوقة‪ ،‬أشاح عنهما وقال‪:‬‬
‫حكُما مَن أمركما بذا )) قال‪ :‬أمَرنا ربنا ـ يعنيان كسرى ـ فقال النب‬ ‫(( َويْ َ‬
‫‪ (( :‬ولكن أمرن رب أن أُع ِفيَ ليت وأن أُحفي شارب ))‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫(( ارجعا عن يومكما هذا حت تأتيان الغد فأخبكما با أريد ))‪ ،‬فجاءاه‬
‫من الغد فقال لما‪ (( :‬أَبْلغا صاحبكما أن رب قد قتل ربه كسرى ف هذه‬
‫()‬
‫الليلة ))‪ ،‬فوجدوه كما قال ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وف هذه القصة أن النب علِم هلك كسرى لَمّا ترّأ على رسالته‪ ،‬ول‬
‫يُراع له حرمته؛ لنال قضى بقطع دابر شانء رسوله وتعجيل بتره فقال‪:‬‬
‫و الَبْتَُر}‪ .‬ومن حسن الوافقة أن قاتل كسرى ابنُه‪،‬‬ ‫ه َ‬
‫ك ُ‬ ‫شانِئ َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫{إ َّ‬
‫()‬
‫كما ذكر ذلك الافظ ف » الفتح « ‪ ،‬وهو من تام العجاز ف إلقاء العداوة‬
‫‪3‬‬

‫بي أفراد المة الواحدة‪ ،‬كيف وهي عداوة أهل بيت واحد؟! تقيقا لقولال‬
‫وم‬
‫ضاءَ إِلى ي َ ْ ِ‬ ‫غ َ‬‫والب َ ْ‬
‫وة َ َ‬
‫عدَا َ‬‫م ال َ‬‫ه ُ‬‫قيْنَا بَيْن َ ُ‬‫وأَل ْ َ‬
‫تعال‪َ { :‬‬

‫() إل هنا رواية البخاري ف » صحيحه «‪ ،‬لكن زيادة هذا الدعاء هي عنده مرسلة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر » الصحيحة « لللبان (‪ ،)1429‬وتريه على » فقه السية « للغزال (‪388‬ـ ‪.)389‬‬ ‫‪2‬‬

‫() (‪7/733‬ـ ‪.)734‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪62‬‬
‫‪63‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ة}‪.‬‬
‫م ِ‬
‫قيَا َ‬‫ال ِ‬
‫وقارن قصة كسرى هذه بقصة قيصر الت رواها البخاري وغيه‪ ،‬وفيها‬
‫قول قيصر لب سفيان ف رسولال ‪ ..." :‬فإن كان ما تقول حقا فسيملك‬
‫موضع قدميّ هاتي‪ ،‬وقد كنتُ أعلم أنه خارج‪ ،‬ل أكن أظن أنه منكم‪ ،‬فلو‬
‫أن أعلم أن أ ْخلُص إليه لتَجَشّ ْمتُ لقاءه‪ ،‬ولو كنتُ عنده لغسلتُ عن قَدمه‬
‫‪."...‬‬
‫قال ابن تيمية‪ " :‬وقد كتب النب إل كسرى وقيصر‪ ،‬وكلها ل‬
‫يُسْلم‪ ،‬لكن قيصر أكرمَ كتاب النب وأكرم رسوله‪ ،‬فثبَت ملكُه‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫إن اللك باقٍ ف ذريته إل اليوم‪ ،‬وكسرى مزّق كتاب رسولال‬
‫واستهزأ برسولال ‪ ،‬فقتلهال بعد قليل ومزّق ملكه كل مزق ول يبق‬
‫شانِئ َ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫للكاسرة ملك‪ ،‬وهذا ـ وال أعلم ـ تقيق لقوله تعال‪{ :‬إ َّ‬
‫و الَبْتَر}‪ ،‬فكلّ مَن شنَأه وأبغضه وعاداه فإنال يقطع دابره ويحق‬ ‫ه َ‬
‫ُ‬
‫عينه وأثره‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنا نزلت ف العاص بن وائل أو ف عقبة بن أب معيط‬
‫أو ف كعب بن الشرف‪ ،‬وقد رأيتَ صنيعال بم‪ ،‬ومن الكلم السائر‪:‬‬
‫()‬
‫( لوم العلماء مسمومة )‪ ،‬فكيف بلحوم النبياء عليهم السلم؟!" ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قلت‪ :‬تأمل قوله‪ " :‬إن ا ُللْك باقٍ ف ذرّيّته إل اليوم "‪ ،‬مع قول هرقل‬
‫بعد قراءته كتاب رسولال ف الرواية السابقة‪ " :‬يا معشر الروم! هل‬
‫لكم ف الفلح والرشد وأنْ يثبت ُم ْل ُككُم فتُبايِعوا هذا النب؟‪."..‬‬
‫وقال ابن تيمية‪ " :‬ونظي هذا ما ح ّدثَناه أعداد من السلمي العدول أهل‬
‫الفقه والبة عما جرّبوه مرات متعددة ف حصر الصون والدائن الت‬
‫بالسواحل الشامية‪ ،‬لا حصَر السلمون فيها بن الصفر ف زماننا‪ ،‬قالوا‪ :‬كنا‬

‫() » الصارم السلول « ص (‪164‬ـ ‪ ،)165‬وانظر (( الفتح )) لبن حجر (‪.)1/44‬‬ ‫‪1‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪64‬‬
‫السياسة‬

‫نن نصر الصن أو الدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو متنع علينا حت‬
‫نكاد نيأس‪ ،‬إذ تعرّض أهله لسبّ رسولال والوقيعة ف عرضه فعجلنا فتحه‬
‫وتيسر‪ ،‬ول يكد يتأخر إل يوما أو يومي أو نو ذلك‪ ،‬ث يفتح الكان عنوة‪،‬‬
‫ويكون فيهم ملحمة عظيمة‪ ،‬قالوا حت إن كنّا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا‬
‫سعناهم يقعون فيه‪ ،‬مع امتلء القلوب غيظا عليهم با قالوه فيه‪،‬كما حدّثن‬
‫بعض الصحاب الثقاة أنّ السلمي من أهل الغرب حالم مع النصارى‬
‫كذلك‪ ،‬ومن سنّةال أن يعذّب أعداءه تارة بعذاب من عنده‪ ،‬وتارة بأيدي‬
‫()‬
‫عباده الؤمني " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال ابن تيمية‪ " :‬سورة الكوثر‪ :‬ما أجلّها من سورة! وأغزر فوائدها‬
‫على اختصارها! وحقيقة معناها ُتعْلم من آخرها‪ ،‬فإنه سبحانه وتعال بَتَر‬
‫شانء رسوله من كل خي‪ ،‬فيَبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك ف‬
‫الخرة‪ ،‬ويبتر حياته فل ينتفع با‪ ،‬ول يتزوّد فيها صالا لعاده‪ ،‬ويبتر قلبه‬
‫فل يعي الي‪ ،‬ول يؤهّله لعرفته ومبته واليان برسله‪ ،‬ويبتر أعماله فل‬
‫يستعمله ف طاعة‪ ،‬ويبتره من النصار فل يد له ناصرا ول عونا‪ ،‬ويبتره من‬
‫جيع القرب والعمال الصالة فل يذوق لا طعما ول يد لا حلوة‪ ،‬وإن‬
‫باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها‪ ،‬وهذا جزاء من شنَأ بعض ما جاء به‬
‫الرسول وردّه لجل هواه أومتبوعه أو شيخه أو أميه أو كبيه‪ ،‬كمن‬
‫شنأ آيات الصفات وأحاديث الصفات‪ ،‬وتأوّلا على غي مرادال ورسوله‬
‫منها‪ ،‬أو حلها على ما يوافق مذهبه ومذهب طائفته‪ ،‬أو تنّى أل تكون‬
‫آيات الصفات أنزلت‪ ،‬ول أحاديث الصفات قالا رسولال ‪ ...‬ومن‬
‫أقوى علمات شناءته لا وكراهته لا أنه إذا سعها حي يَستدل با أهلُ‬

‫() الصدر السابق ص (‪.)117‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪64‬‬
‫‪65‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫السنة على ما دلت عليه من الق اشأز من ذلك‪ ،‬وحاد ونفر من ذلك‪ ،‬لِما‬
‫ف قلبه من البغض لا والنفرة عنها‪ ،‬فأي شانء للرسول أعظم من هذا ‪...‬‬
‫وكذا مَن آثر كلم الناس وعلومهم على القرآن والسنة‪ ،‬فلول أنه شانء‬
‫لِما جاء به الرسول ما فعل ذلك‪ ،‬حت إن بعضهم لينسى القرآن بعد أن‬
‫حفظه‪ ،‬ويشتغل بقول فلن وفلن ‪...‬‬
‫فالذرَ الذرَ! أيها الرجل من أن تكره شيئا ما جاء به الرسول أو‬
‫تردّه لجل هواك‪ ،‬أو انتصارا لذهبك أو لشيخك‪ ،‬أو لجل اشتغالك‬
‫بالشهوات أو بالدنيا؛ فإنال ل يوجب على أحد طاعة أحد إل طاعة رسوله‬
‫والخذ با جاء به‪ ،‬بيث لو خالف العبد جيع اللق واتبع الرسول ما سأله‬
‫ال عن مالفة أحد‪ ،‬فإن من يطيع أو يطاع إنا يطاع تبعا للرسول‪ ،‬وإل لو‬
‫أمر بلف ما أمر به الرسول ما أطيع‪ .‬فاعلم ذلك واسع وأطع‪ ،‬واتبع ول‬
‫تبتدع‪ ،‬تكن أبتر مردودا عليك عملُك‪ ،‬بل ل خي ف عمل أبتر من ا ِلتّباع‪،‬‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫ول خي ف عامله‪ ،‬وال أعلم " ‪.‬‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪16/526‬ـ ‪.)529‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪66‬‬
‫السياسة‬

‫الصل الامس ‪ :‬الردّ على الخالف‬


‫من المر بالعروف والنّهي عن النكر‬
‫احتجْتُ إل أن أؤصّل لبحثي بذا الفصل؛ لنّن تعرّضت فيه لنتقاد بعض‬
‫من بان ل خطؤه ف الدعوة إلال عموما‪ ،‬وف موضوع الكتاب خصوصا‪ .‬ولّا‬
‫كان جلّ الحزاب السلمية يعمل على َوأْد ما يسمّى ( بالنّقد الذّاتّ )‪،‬‬
‫وإجهاض المر بالعروف والنّهي عن النكر وإخلء أعظم ثغور السلمي من‬
‫مرابط‪ ،‬بجّة السّتر على السلمي تارة‪ ،‬وجع الكيد للكافرين تارة أخرى‪،‬‬
‫وغيها من الجج العاطفيّة الت تعل العقول تُتخطّف من أصحابا ف زمن‬
‫هل َ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫هل ِ َ‬‫الوهن العلميّ‪ ،‬كان لبدّ من ردّ الق إل نصابه {لِي َ ْ‬
‫ة}‪.‬‬ ‫عن بَي ِّن َ ٍ‬
‫ي َ‬‫ح َّ‬‫ن َ‬‫م ْ‬‫حيَى َ‬ ‫ة وي َ ْ‬
‫عن بَي ِّن َ ٍ‬
‫َ‬
‫" والذين َيلْوُون ألسنتهم باستنكار نقد الباطل وإن كان ف بعضهم صلح‬
‫وخي‪ ،‬ولكنّه الوهن وضعف العزائم حينا‪ ،‬وضعف إدراك مدارك الق‬
‫والصّواب أحيانا‪ ،‬بل ف حقيقته من التّول يوم الزحف عن مواقع الراسة لدين‬
‫ال والذّب عنه‪ ،‬وحينئذ يكون الساكت عن كلمة الق كالنّاطق بالباطل ف‬
‫الث‪ ،‬قال أبو علي الدّقاق ‪ " :‬الساكت عن الق شيطان أخرس‪ ،‬والتكلم‬
‫بالباطل شيطان ناطق "‪ .‬والنبّ يب بافتراق هذه المّة إل ثلث وسبعي‬
‫فرقة‪ ،‬والنّجاة منها لفرقة واحدة على منهاج النّبوّة‪ ،‬أيريد هؤلء اختصار‬
‫المّة إل فرقة وجاعة واحدة مع قيام التّمايز العقديّ الضطرب؟!‪ .‬أم أنا‬
‫دعوة إل وحدة تصدّع كلمة التّوحيد‪ ،‬فاحذروا‪.‬‬
‫وما حجّتهم إل القولت الباطلة ‪:‬‬
‫لتصدّعوا الصفّ من الدّاخل!‬
‫ل تثيوا الغبار من الارج!‬
‫‪66‬‬
‫‪67‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ل ترّكوا اللف بي السلمي!‬


‫" نلتقي فيما اتّفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه !" وهكذا‪.‬‬
‫وأضعف اليان أن يقال لؤلء ‪ :‬هل سكت البطلون لنسكت‪ ،‬أم أنم‬
‫يهاجون العتقاد على مرأى ومسمع‪ ،‬ويُطلب السّكوت؟ الله مّ ل‪...‬‬
‫ونُعيذ بال كل مسلم من تسرّب حجّة اليهود‪ ،‬فهم متلفون على‬
‫الكتاب‪ ،‬مالفون للكتاب‪ ،‬ومع هذا يظهرون الوحدة والجتماع‪ ،‬وقد‬
‫م‬‫ه ْ‬‫قلُوب ُ ُ‬
‫ميعا ً و ُ‬‫ج ِ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫سب ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫كذّبمال تعال فقال سبحانه ‪{ :‬ت َ ْ‬
‫شتَّى}‪ ،‬وكان من أسباب لعنتهم ما ذكرهال بقوله ‪{:‬كانُوا لَ‬ ‫َ‬
‫()‬
‫فَعلُوهُ}" ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫منك َ ٍ‬
‫ر َ‬ ‫عن ُ‬‫ن َ‬‫و َ‬
‫ه ْ‬
‫يَتَنَا َ‬
‫" ولذا فإذا رأيت من ردّ على مالف ف شذوذ فقهيّ أو قول بدعيّ‪،‬‬
‫فاشكر له دفاعه بقدر ما َوسِعه‪ ،‬ول تذّله بتلك القولة الهينة ( لاذا ل يردّ‬
‫على العلمانيّي؟! )‪ ،‬فالناس قدرات ومواهب‪ ،‬وردّ الباطل واجب مهما كانت‬
‫()‬
‫رتبته‪ ،‬وكل مسلم على ثغر من ثغور ملّته " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وأصل هذا الباب النّصوص الواردة ف المر بالعروف والنّهي عن النكر‬


‫ر‬
‫خي ْ ِ‬‫ن إِلى ال َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة يَدْ ُ‬ ‫م ٌ‬‫م أ ُ َّ‬ ‫منك ُ ْ‬‫كقوله تعال‪{ :‬ولْتَكُن ِ‬
‫وأُولَئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫منك َ ِ‬
‫ر َ‬ ‫ن ال ُ‬‫ع ِ‬‫ن َ‬‫و َ‬‫ه ْ‬
‫ف ويَن ْ َ‬
‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن بِال َ‬ ‫مُرو َ‬
‫ْ‬
‫ويَأ ُ‬
‫ن} قال ابن تيمية‪ " :‬والمر بالسنّة والنّهي عن البدعة هو‬‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫ه ُ‬
‫ُ‬
‫()‬
‫أمرٌ بعروف ونيٌ عن منكر‪ ،‬وهو من أفضل العمال الصالة ‪ ، " ...‬ول‬
‫‪3‬‬

‫ينبغي للجماعات السلمية اليوم أن تضيق صدورها بالنّقد؛ لنّه من القيام‬

‫() كتبه الشيخ بكر أبو زيد ف » الردّ على الخالف من أصول السلم « ص (‪75‬ـ ‪.)76‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الصدر السابق ص (‪.)57‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » منهاج السنة « (‪.)5/253‬‬ ‫‪3‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪68‬‬
‫السياسة‬

‫بالقسط والشّهادة ل الّلذين أمرنا بما ولو مع أنفسنا وأهل ملّتنا كما قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ط‬
‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫ن بِال ِ‬‫مي َ‬‫وا ِ‬ ‫منُوا كُونُوا َ‬
‫ق َّ‬ ‫ذين آ َ‬ ‫تعال‪{ :‬يَأي ُّ َ‬
‫ها ال ّ ِ‬
‫فسك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫والِدَي ْ ِ‬‫و ال َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫علَى أن ُ ِ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬‫ه َ‬‫هدَاءَ لِل ّ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬
‫ه َ‬ ‫ه أَ ْ َ‬ ‫قيرا ً َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫غنِيًّا أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قَربِين إِن يَك ُ ْ‬ ‫وال َ ْ‬
‫ولى ب ِ ِ‬ ‫فالل ُ‬ ‫ف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضوا‬‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬
‫و تُ ْ‬ ‫ووا أ ْ‬ ‫وإِن تَل ْ ُ‬‫دلُوا َ‬ ‫ع ِ‬
‫وى أن ت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عوا ال َ‬ ‫فل َ تَتَّب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫خبِيراً } وال ّليّ هو الكذب‪،‬‬ ‫ن َ‬ ‫ملُو َ‬ ‫ع َ‬
‫ما ت َ ْ‬‫ن بِ َ‬ ‫ه كَا َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫فإ ِ َّ‬ ‫َ‬
‫()‬
‫والعراض هو الكتمان كما قال ابن تيمية ‪ ،‬فكيف يطيب لؤمن دعوةٌ مع‬
‫‪1‬‬

‫كتمان الخطاء تستّرا بالجاملت السياسية بعد هذا؟!‬


‫ول شكّ أنّ الغية الت أودعهاال ف قلب كلّ مؤمن على مارمه هي الت‬
‫ترّكه إل القيام بذا الواجب‪ ،‬كما قال النب ‪ (( :‬إنّال تعال يغار‪ ،‬وإنّ‬
‫الؤمن يغار‪ ،‬وغيةال أن يأت الؤمن ما حرّمال عليه )) متفق عليه‪ .‬وإذا كان‬
‫كلما أراد الؤمن أن يقوّم السار قيل له‪ :‬ليس ذا الوقت والكفار متربّصون!‬
‫فمت يعرف أخطاءه؟ ومت يجم عنها؟ ومت يصحّ الريض ويُقوّى الضعيف؟‬
‫وقد روى أبو هريرة عن رسولال قال‪ (( :‬الؤمن مرآة الؤمن‪ ،‬والؤمن‬
‫)‬
‫ضيْعتَه‪ ،‬ويَحُوطُه من ورائه ))( ‪ .‬وليس من الولة‬
‫‪2‬‬
‫أخو الؤمن‪َ ،‬يكُفّ عليه َ‬
‫للمؤمني ف شيء أن تنصُر أخاك ف باطله متجّا بواجهته الشيوعيّي‪ ،‬فعن‬
‫أنس أن رسول ال قال‪ (( :‬انصر أخاك ظالا أو‬
‫مظلوما ))‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول ال! هذا ننصره مظلوما‪ ،‬فكيف ننصره ظالا؟‬
‫قال‪ (( :‬تنعه من الظلم ))‪ ،‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وف رواية لسلم من طريق‬
‫جابر بلفظ‪ (( :‬إن كان ظالا فلينهه؛ فإنه له نصر ))‪.‬‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪.)28/235‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه أبو داود (‪ )2/304‬وهو صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪68‬‬
‫‪69‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قال ابن تيمية ف هذا العن‪ " :‬ويب عقوبة كل من انتسب إليهم أو ذبّ‬
‫عنهم أو أثن عليهم أو عظّم كتبهم أو عُرِف بساعدتم ومعاونتهم أو كره‬
‫الكلم فيهم أو أخذ يعتذر لم‪ ،‬بأنّ هذا الكلم ل يُدرَى ما هو؟ أو من قال‬
‫إنّه صنّف هذا الكتاب؟ وأمثال هذه العاذير الت ل يقولا إل جاهل أو منافق‪،‬‬
‫بل تب عقوبة كل من عَرَف حالم ول يعاون على القيام عليهم‪ ،‬فإنّ القيام‬
‫على هؤلء من أعظم الواجبات لنم أفسدوا العقول والديان على خلق من‬
‫الشايخ والعلماء واللوك والمراء‪ ،‬وهم يسعون ف الرض فسادا ويصدّون عن‬
‫()‬
‫سبيلال " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وف الردّ على الخالف دفاع عن السلم من جبهتي‪:‬‬


‫" الول‪ :‬الطر الارج ّي وهو الكافر التمحّض‪ ،‬الذي ل يعرِف نور‬
‫السلم‪ ،‬با يكيده للسلم والسلمي من غزو يطِم ف ُم َقوّماتم العقديّة‬
‫والسّلوكيّة والسياسية والكميّة ‪...‬‬
‫شوّ فِرق ونل طاف طائفها‬ ‫الثانية‪ :‬مواجهة التّصدّع الدّاخليّ ف المة بف ُ‬
‫ف أفئدة شباب المّة ‪ ...‬إذ التّصدّع الدّاخليّ تت لباس الدين يثّل انكسارا‬
‫ف رأس الال ‪ :‬السلمي‪ ،‬وقد كان للسّالكي ف ضوء الكتاب والسنّة‬
‫ـ الطّائفة النصورة ـ الظّ الوافر والقام العظيم ف جب كسر السلمي‬
‫بردّهم إل الكتاب والسنّة‪ ،‬وذلك بتحطيم ما قامت عليه تلك الفرق الفرّقة من‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫مآخذ باطلة ف ميزان الشرع " ‪.‬‬
‫ومن ضنائن العلم ما قرأته لبن تيمية ف التّمييز بي معاملة الوارج‬
‫ومعاملة الكفار‪ ،‬وهو يرفع اللّبس التبادر إل الذهان الكليلة من بعض‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪.)2/132‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اختصار لا كتبه الشيخ بكر ف كتابه » حكم النتماء إل الحزاب « ص (‪53‬ـ ‪.)54‬‬ ‫‪2‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪70‬‬
‫السياسة‬

‫الحاديث الت يظهر منها أ ّن الوارج شرّ من الكفار مطلقا‪ ،‬مع أنّ الصّحابة ل‬
‫يكفّروهم‪ ،‬قال ـ رحه ال ـ‪ " :‬وما زالت سية السلمي على هذا‪ ،‬ما‬
‫جعلوهم مرتدّين كالذين قاتلهم الصدّيق ‪ ،‬هذا مع أمر رسولال بقتالم‬
‫ف الحاديث الصحيحة‪ ،‬وما ُروِيَ من أنم » شرّ قتلى تت أدي السماء‪،‬‬
‫خي قتيل من قتلوه « ف الديث الذي رواه أبو أمامة‪ ،‬رواه التّرمذيّ‬
‫()‬
‫وغيه ؛ أي أنم شرّ على السلمي من غيهم؛ فإنّهم ل يكن أحد شرّا على‬ ‫‪1‬‬

‫السلمي منهم‪ :‬ل اليهود ول النّصارى؛ فإنّهم كانوا متهدين ف قتل كل‬
‫()‬
‫مسلم ل يوافقهم مستحلي لدماء السلمي وأموالم وقتل أولدهم‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫()‬
‫مكفّرين لم‪ ،‬وكانوا متديّني بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم الضلّة ‪"...‬‬
‫‪3‬‬

‫أي أ ّن الوارج أقلّ جرية من الكفار ف اليزان العامّ الخي‪ ،‬يكفي أنم " من‬
‫الكفر فرّوا "‪ ،‬لكن بالنسبة لا يعان منهم السلمون وما يوقعون بم من الحن‬

‫() صحّحه اللبان ف تقيقه لـ » سنن الترمذي « برقم (‪ ،)2398‬ولعلّ سبب تصدير ابن‬ ‫‪1‬‬

‫تيمية له بصيغة التمريض هو روايته له بالعن كما يظهر من سياقه‪ ،‬وهو مسلك معروف‬
‫عند بعض التقدّمي من الحدّثي كالبخاري ف » صحيحه «‪ ،‬ول يعنون به ـ حينئذ ـ‬
‫تضعيف الديث‪ ،‬ولفظه عند الترمذي من رواية أب غالب قال‪ :‬رأى أبو أمامة رؤوسا‬
‫منصوبة على درج دمشق‪ ،‬فقال أبو أمامة‪ »:‬كلب النار‪ ،‬شرّ قتلى تت أدي السماء‪،‬‬
‫جوهٌ} إل‬ ‫ودُّ ُ‬
‫و ُ‬ ‫س َ‬
‫وت َ ْ‬
‫جوهٌ َ‬
‫و ُ‬ ‫م تَبْي َ ُّ‬
‫ض ُ‬ ‫خي قتلى من قتلوه «‪ ،‬ث قرأ‪{ :‬ي َ ْ‬
‫و َ‬
‫آخر الية‪ ،‬قلت لب أمامة‪ :‬أنت سعتَه من رسولال ؟ قال‪ " :‬لو ل أسعه إل مرّة أو‬
‫((‬ ‫مرّتي أو ثلثا أو أربعا حت عدّ سبعا ما حدّثتكموه "‪ ،‬وعند ابن ماجه (‪ )1/62‬بلفظ‪:‬‬
‫وخي قتيل من‬
‫قتلوا ))‪.‬‬
‫() أي أنم يُجهِدون أنفسهم ف قتل السلمي كما سيأت‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » منهاج السنة « (‪.)5/248‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪70‬‬
‫‪71‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫والبليا فهم أعظم شرّا من الكفار‪ ،‬بل ل يلص الكفار إل السلمي كما‬
‫يلص إليهم هؤلء‪ ،‬ولذلك قد ُتقَدّم عقوبتهم ف الدنيا قبل غيهم‪ ،‬وتأمّل فقه‬
‫ابن تيمية حي قال بعد كلمه السّابق بصفحتي‪ " :‬والعقوبة ف الدنيا تكون‬
‫لدفع ضرره عن السلمي‪ ،‬وإن كان ف الخرة خيا مّن ل يُعاقَب‪ ،‬كما‬
‫ُيعَاقَب السلم الَُت َعدّي للحدود ول ُيعَاقَب أهل ال ّذمّة من اليهود والنّصارى‪،‬‬
‫والسلم ف الخرة خي منهم "‪.‬‬
‫فاحفظ هذا‪ ،‬وعضّ عليه بالنّواجذ تتهاوى بي يديك عساكر الباطل‬
‫العطّلة لجاهدة البدع وأهلها‪ ،‬كأولئك القائلي‪ " :‬إن ل تكونوا معنا فأنتم‬
‫معهم!! "‪ ،‬أو كأولئك القائلي‪ " :‬تُوَجّهون سهامكم إل إخوانكم‪،‬‬
‫والعلمانيون والشيوعيون أنشط ما يكونون ف نشر اللفات بينكم؟! "‪.‬‬
‫()‬
‫قال ابن تيمية ‪ " :‬إذ تطهي سبيلال ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي‬
‫‪1‬‬

‫هؤلء وعدوانم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق السلمي‪ ،‬ولول من‬
‫يقيمهال لدفع ضرر هؤلء لفسد الدين‪ ،‬وكان فساده أعظم من فساد استيلء‬
‫العدو من أهل الرب؛ فإن هؤلء إذا استولوا ل يفسدوا القلوب وما فيها‬
‫من الدين إل تبعا‪ ،‬وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء‪ ،‬وقد قال النب‬
‫‪ (( :‬إنال ل ينظر إل صوركم وأموالكم‪،‬وإنا ينظر إل قلوبكم‬
‫)‬
‫وأعمالكم ))( ‪." ...‬‬
‫‪2‬‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪.)28/232‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه مسلم‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪72‬‬
‫السياسة‬

‫لاذا عُنِيَت جعية العلماء السلمي الزائريي بالرد‬


‫على الفرق النحرفة ـ كالطرق الصوفية ـ أكثر من‬
‫عنايتها بالرد على اللاد‪ ،‬مع وجود الستعمار‬
‫الفرنسي؟‬
‫هذه شبهة تَرِد كثيا على لسان من ل يتضلّع بنهج السلف ييب عنها‬
‫الشيخ ممد البشي البرهيمي ـ رحه ال ـ بقوله‪ " :‬وإنك ل تُ ْبعِد إذا‬
‫قلت‪ :‬إن لفش ّو الرافات وأضاليل الطرق بي المة أثرا كبيا ف فشوّ‬
‫اللاد بي أبنائها التعلمي تعلّما أوروباويا الاهلي بقائق دينهم‪ ،‬لنم‬
‫يملون من الصغر فكرة أن هذه الضاليل الطرقية هي الدين‪ ،‬وأن أهلها‬
‫هم حلة الدين‪ ،‬فإذا تقدم بم العلم والعقل ل يستسغها منهم علم ول عقل‪،‬‬
‫فأنكروها حقا وعدلً‪ ،‬وأنكروا معها الدين ظلما وجهلً‪ ،‬وهذه إحدى‬
‫جنايات الطرقية على الدين‪ .‬أرأيت أن القضاء على الطرقية قضاء على‬
‫اللاد ف بعض معانيه وحسم لبعض أسبابه‪ .‬وقد قرأت ف هذه اليام‬
‫لكاتب تونسي مقالً ينعى فيه على جعية العلماء إهالا لذه الهة من‬
‫جهات الفساد وهي اللاد‪ ،‬واعتذر عن علماء جامع الزيتونة بأنم ـ وإن‬
‫قعدوا ف نواحي الصلح الت تبّ فيها جعية العلماء وتضع ـ قاموا ف‬
‫حرب اللاد با شكرهم عليه‪ ،‬ولكنه حصر عملهم ف هذا السبيل ف‬
‫خطب جعية ينددون فيها باللاد ويذرونه‪ ،‬وفات هذا الكاتب الفاضل أن‬
‫جعية العلماء ل تسكت عن اللاد‪ ،‬بل هاجته ف أمنع معاقله‪ ،‬ونازلته ف‬
‫أضيق ميادينه‪ ،‬كما فاته أن صرعى اللاد ليغشون الساجد‪ ،‬فما تأثي‬
‫الطب المعية الت تلقى على الصلي؟ وهل يداوَى الريض بتحذير‬
‫الصحاء من الرض أو أسباب الرض؟ إل أن العال الرشد كالطبيب ل‬
‫‪72‬‬
‫‪73‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ينجح ف إنقاذ الريض من الوت إل بغشيان مواقع الوت ومباشرة جراثيم‬


‫()‬
‫‪1‬‬
‫الوت " ‪.‬‬
‫فال أكب ما أقوى النهج السلفي! وما أبس الحزاب لقدره!‬
‫إذن فمواجهة هؤلء حاية لديار السلمي من أن تُغتال من تتها‪ ،‬بهاد‬
‫ها النَّب ِ ُّ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫النافقي الذين يتسللون الصفوف لِواذا‪ ،‬قالال تعال‪{ :‬يَأي ُّ َ‬
‫ن} قال ابن القيم‪ " :‬وكذلك جهاد‬ ‫د الك ُ َّ‬
‫قي َ‬‫ف ِ‬‫منَا ِ‬
‫وال ُ‬‫فاَر َ‬ ‫ه ِ‬
‫جا ِ‬
‫َ‬
‫النافقي إنا هو بتبليغ الجة ‪ " ..‬إل أن قال‪ " :‬فجهاد النافقي أصعب من‬
‫جهاد الكفار‪ ،‬وهو جهاد خواصّ المة وورثة الرسل‪ .‬والقائمون به أفراد ف‬
‫العال‪ ،‬والشاركون فيه والعاونون عليه ـ وإن كانوا هم القلّي عددا ـ‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫فهم العظمون عندال قَدْرا ‪. " ..‬‬
‫ولا كان هؤلء منضوين تت صفوف السلمي‪ ،‬فإن أمرهم قد يفى على‬
‫كثي من الناس‪ ،‬فكان بيان حالم ـ لن ولؤنا لم فرض علينا ـ آكد‪،‬‬
‫ولذلك قال ابن تيمية‪ " :‬وإذا كان أقوام ليسوا منافقي ولكنهم سّاعون‬
‫للمنافقي‪ ،‬قد التبس عليهم أمرهم حت ظنوا قولم حقا‪ ،‬وهو مالف للكتاب‪،‬‬
‫م‬‫فيك ُ ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫وصاروا دعاة إل بدع النافقي‪ ،‬كما قال تعال‪{ :‬ل َ ْ‬
‫و َ‬
‫غونَك ُ ُ‬
‫م‬ ‫خلَلَك ُ ْ‬
‫م يَب ْ ُ‬ ‫عوا ِ‬‫ض ُ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫ول ْ‬ ‫خبَال ً َ‬‫م إِل َّ َ‬ ‫ما َزادُوك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م}‪ ،‬فل بد من بيان حال هؤلء‪،‬‬ ‫ه ْ‬‫ن لَ ُ‬‫عو َ‬‫ما ُ‬‫س َّ‬
‫م َ‬ ‫فيك ُ ْ‬‫و ِ‬‫ة َ‬
‫فتْن َ َ‬
‫ال ِ‬
‫بل الفتنة بال هؤلء أعظم‪ ،‬فإن فيهم إيانا يوجب موالتم‪ ،‬وقد دخلوا ف‬
‫بدع من بدع النافقي الت تفسد الدين‪ ،‬فل بد من التحذير من تلك البدع‪،‬‬
‫وإن اقتضى ذلك ذِ ْكرُهم وتعيينُهم‪ ،‬بل ولو ل يكن قد َت َلقّوْا تلك البدعة عن‬

‫() » آثار ممد البشي البراهيمي « (‪1/132‬ـ ‪.)133‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » زاد العاد « (‪.)3/5‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪74‬‬
‫السياسة‬

‫منافق‪ ،‬لكن قالوها ظانّي أنا هدى وأنا خي وأنا دين‪ ،‬ولو ل تكن كذلك‬
‫()‬
‫لوجب بيان حالم " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأما مواجهتهم من الارج؛ فلن العدو ل يدخل عليك بيتك إل إذا‬


‫كانت منافذه مفتوحة أو ضعيفة‪ ،‬والفرق السلمية النحرفة عن الناجية هم‬
‫منافذ الكفار‪ ،‬وهل يهل السلمون أثر التصوفة ف استعمار البلد السلمية‬
‫وإعانتهم الكفار على ذلك؟ وقد قال ابن تيمية ف الشيعة الروافض‪ " :‬وهم‬
‫يستعينون بالكفار على السلمي‪ ،‬وقد رأينا ورأى السلمون أنه إذا ابتُلي‬
‫السلمون بعدوّ كافر كانوا معه على السلمي‪ ،‬كما جرى لنكزخان ملك‬
‫التتر الكفار‪ ،‬فإن الرافضة أعانته على السلمي‪ ،‬وأما إعانتهم لولكو ابن ابنِه‬
‫لا جاء إل خراسان والعراق والشام فهذا أظهر وأشهر من أن يفى على أحد‪،‬‬
‫فكانوا بالعراق وخراسان من أعظم أنصاره ظاهرا و باطنا‪ ،‬وكان وزير الليفة‬
‫ببغداد الذي يقال له ابن العلقمي منهم‪ ،‬فلم يزل يكر بالليفة والسلمي‪،‬‬
‫ويسعى بقطع أرزاق عسكر السلمي وضعفهم‪ ،‬وينهى عن قتالم ويكيد أنواعا‬
‫من الكيد‪ ،‬حت دخلوا فقتلوا من السلمي ما يقال‪ :‬إنه بضعة عشر ألف ألف‬
‫إنسان أو أكثر أو أقل ‪ ...‬ولا انكسر السلمون سنة غازان أخذوا اليل‬
‫والسلح والسرى وباعوهم للكفار النصارى بقبص‪ ،‬وأخذوا من م ّر بم من‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫الند‪ ،‬وكانوا أضر على السلمي من جيع العداء ‪. "...‬‬
‫قلت‪ :‬ولذلك كان أئمتنا أفقه من أن يداهنوا النحرفي عن منهج السلف‪،‬‬
‫بل رأوا جهادهم أكب الهادين‪ ،‬كما قال يي بن يي شيخ البخاري ومسلم‪:‬‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪.)28/233‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » منهاج السنة « (‪5/155‬ـ ‪ ،)159‬وانظر » مدارج السالكي « لبن القيم (‪.)1/72‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪74‬‬
‫‪75‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫ي بسنده إل نصر بن‬ ‫" الذبّ عن السنة أفضل من الهاد " ‪ ،‬رواه الرو ّ‬
‫‪1‬‬

‫زكريا قال سعتُ ممد بن يي الذهلي يقول سعتُ يي بن يي يقول‪" :‬‬


‫الذّبّ عن السّنّة أفضلُ من الهاد ف سبيل ال‪ ،‬قال ممد‪ :‬قلتُ ليحي‪:‬‬
‫الرجلُ ين ِفقُ مالَه ويُ ْتعِبُ نفسَه وياهد‪ ،‬فهذا أفضلُ منه؟! قال‪ :‬نعم بكثي!‬
‫"(‪.)2‬‬
‫ل لن أغزو هؤلء الذين َي ُردّون‬ ‫وقال الميدي شيخ البخاري ‪ " :‬وا !‬
‫()‬
‫حديث رسولال أحبّ إل من أن أغزو عِدّتم من التراك " ‪ ،‬يعن‬
‫‪3‬‬

‫بالتراك‪ :‬الكفار‪ .‬وقد وجدتُ مثل هذا عند من هو أعلى طبقةً من الميدي؛‬
‫قال عاصم بن شُ َميْخ‪ :‬فرأيتُ أبا سعيد ـ يعن الدري ـ بعد ما كبِر ويداه‬
‫ترتعش يقول‪ " :‬قتالم ـ أي الوارج ـ أجلّ عندي من قتال عِدّتم من‬
‫()‬
‫الترك " ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪.)4/13‬‬ ‫‪1‬‬

‫ق ( ‪111‬ـ أ )‪.‬‬ ‫))‬ ‫() (( ذمّ الكلم‬ ‫‪2‬‬

‫() رواه الرويّ بسنده ف » ذمّ الكلم « (‪ 228‬ـ الشبل)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() رواه ابن أب شيبة (‪ )15/303‬وأحد (‪ ،)3/33‬هكذا وقع عنده‪ :‬عاصم بن شيخ بالاء‬ ‫‪4‬‬

‫وهو الصحيح‪ ،‬وقد رواه ابنه عبد ال ف » كتاب السنة « (‪ )2/635‬بإسناد أبيه نفسه إل‬
‫أنه جاء ف الطبوع بتحقيق ممد بن سعيد القحطان‪ :‬عاصم بن شيج باليم‪ ،‬وقد كنت‬
‫حسبته خطأ مطبعيا لول أن وجدته مُثبَتا كذلك مرتي! قال مققه ف أولها(‪" :)2/634‬‬
‫عاصم بن شيج! بعجمتي مصغرا‪ ،‬وتشديد اليم!! الغيلن ‪ ...‬التقريب (‪."!!!)1/384‬‬
‫فرجعت إل » التقريب « فإذا فيه‪ " :‬عاصم بن شيخ بعجمتي مصغرا‪ ،‬أبو الفَرَجّل بفتح‬
‫الفاء والراء وتشديد اليم ‪ ،"...‬فعرفت أن هذا الطأ من تصرّف الحقق حي انقلبت‬
‫عليه خاء اسم أب عاصم إل جيم كنيته‪ ،‬مع أن قراءة شيج بيم مشددة متعذّرة!‬
‫وهذه الرواية أعلّها الحقق بعكرمة بن عمار‪ ،‬إل أنن وجدت لا متابعا عند ابن أب شيبة‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪76‬‬
‫السياسة‬

‫قلت‪ :‬ولذلك قال ابن هبية ف حديث أب سعيد ف قتال الوارج‪ " :‬وف‬
‫الديث أن قتال الوارج أول من قتال الشركي؛ والكمة فيه أن قتالم‬
‫حفظ رأس مال السلم‪ ،‬وف قتال أهل الشرك طلب الربح؛ وحفظ رأس‬
‫()‬
‫الال أول " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقال أبو عبيد القاسم بن سلّم‪ " :‬التبع للسنة كالقابض على المر‪،‬‬
‫()‬
‫وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف ف سبيل ال " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال ابن القيم‪ " :‬والهاد بالجة واللسان مقدّم على الهاد بالسيف‬
‫()‬
‫والسنان " ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ف » الصنف « (‪ )15/331‬من طريق يزيد بن هارون قال أخبنا العوام بن حوشب قال‬
‫يقول ف قتال الوارج‪ " :‬لَ ُهوَ أحبّ إلّ من قتال‬ ‫حدّثن من سع أبا سعيد الدري‬
‫الديلم "‪ ،‬ومثل هذه التابعة تنفع على الرغم من جهالة من روى عنه العوام بن حوشب‪،‬‬
‫كما أجابن به شيخاي الفاضلن‪ :‬عبد الحسن العباد وربيع الدخلي إذا ل يكن ف السناد مقال‬
‫آخر‪ ،‬ول سيما وأن الجهول من أهل القرون الشهود لا باليية كما نبّه عليه ابن كثي ف‬
‫» الباعث الثيث « ص (‪ ،)97‬مع العلم أنه من ثبت ساعه من أب سعيد ـ كما مرّ ـ وليس هو‬
‫عاصم بن شيخ الذي ف إسناد أحد؛ لنه ليس ف شيوخ العوام‪ ،‬وحديث عكرمة ينجب؛ لن‬
‫ضعفه يسي‪ ،‬فقد قال فيه الافظ ف » التقريب « رقم (‪ " :)276‬صدوق يغلط " وال أعلم‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬نقل ابن منظور ف » لسان العرب « ف مادة‪ ( :‬دل ) عن ابن سيده أن الديلم جيل من‬
‫الناس من الترك‪.‬‬
‫() » فتح الباري « لبن حجر (‪.)12/301‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » تاريخ بغداد « (‪.)12/410‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » شرح القصيدة النونية « للشيخ ممد خليل هراس (‪ ،)1/12‬وانظر‪ » :‬الواب‬ ‫‪3‬‬

‫الصحيح « لبن تيمية (‪.)1/237‬‬

‫‪76‬‬
‫‪77‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫استعمال الشدة ف النكار على البتدعة ل يعن‬


‫الولء للكفار‬
‫من وجد ف بثي هذا شيئا من القسوة على الخالف فلم يستسغه‪ ،‬بل ربا‬
‫قال‪" :‬يتكلم ف إخوانه ويسكت عن أعدائه"! فليعلم أن الصل ف المر‬
‫ع إِلى‬‫بالعروف والنهي عن النكر اللي والرفق كما قالال تعال‪{ :‬ادْ ُ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫جاِدل ْ ُ‬ ‫و َ‬‫ة َ‬‫سن َ ِ‬‫ح َ‬ ‫عظ َ ِ‬
‫ة ال َ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬
‫وال َ‬‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك بِال ِ‬ ‫ل َرب ِّ َ‬
‫سبِي ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن} وقال لوسى وهارون صلىال عليهما وسلم‪:‬‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫يأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫بِال ّتِي ِ‬
‫ول ً لَي ِّناً‬‫ق ْ‬‫ه َ‬‫قول َ ل َ ُ‬ ‫غى‪َ .‬‬
‫ف ُ‬ ‫ه طَ َ‬‫ن إِن َّ ُ‬‫و َ‬ ‫ع ْ‬‫فْر َ‬ ‫هبَا إِلى ِ‬ ‫{اذْ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫شى}‪ ،‬وقال النب ‪ » :‬ما كان الرفق ف شيء‬ ‫خ َ‬ ‫و يَ ْ‬‫ه يَتَذَك ُّر أ ْ‬ ‫عل ّ ُ‬‫ل َ‬
‫إل زانه‪ ،‬ول نُزع الرفق من شيء إل شانه « رواه مسلم‪.‬‬
‫لكن إذا كان النكر ل يغيّر إل بنوع من الشونة فل بأس باستعماله‪ ،‬ولو‬
‫كان مع السلمي‪ ،‬أل ترى أنال أباح القتال لذلك‪ ،‬وليس فوق القتال‬
‫ن‬‫منِي َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ُ‬‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫وإِن طَائ ِ َ‬
‫فتَا ِ‬ ‫خشونة‪ ،‬فقال سبحانه‪َ { :‬‬
‫علَى‬ ‫ما َ‬ ‫ما َ‬ ‫قتَتَلُوا َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ه َ‬ ‫ت إِ ْ‬
‫حدَا ُ‬ ‫غ ْ‬
‫فإِن ب َ َ‬ ‫ه َ‬
‫حوا بَيْن َ ُ‬
‫صل ِ ُ‬
‫فأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬
‫فيءَ إِلى أ ْ‬ ‫حتَّى ت َ ِ‬ ‫غي َ‬ ‫قاتِلُوا ال ّتِي تَب ْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫خَرى َ‬ ‫ال ُ ْ‬
‫ه }‪ .‬وقد يشتد الؤمن ف إنكاره على أخيه أكثر منه مع عدوّه‪ ،‬أل تر كيف‬ ‫الل ِ‬
‫لَنَ موسى مع فرعون‪ ،‬واشتد على أخيه هارون ‪ ،‬حت كان منه ما‬
‫ه}‪ ،‬فهل‬‫جُّرهُ إِلَي ْ ِ‬
‫ه يَ ُ‬ ‫س أَ ِ‬
‫خي ِ‬
‫ْ‬ ‫وأ َ َ‬
‫خذَ بَِرأ ِ‬ ‫قصهال تعال بقوله‪َ { :‬‬
‫لحد أن يتج عليه بالولء والباء‪ ،‬متهِما له بأنه يبسط لسانه ويده على‬
‫أخيه ويلطف بالطواغيت؟!‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪78‬‬
‫السياسة‬

‫بل ربا كان النب يُعنّف العلماء من أصحابه إذا أخطأوا أكثر من‬
‫غيهم‪ ،‬وخذ على سبيل الثال قوله لعاذ حي أطال الصلة بالناس‪ » :‬أفتّان‬
‫أنت يا معاذ؟! « متفق عليه‪ ،‬ويقابله تلطفه بالعراب الذي بال ف السجد‬
‫كما ف صحيح البخاري وغيه‪ .‬وقال لسامة بن زيد حي قَتل ف العركة‬
‫مشركا بعد أن نطق بكلمة التوحيد ‪ »:‬يا أسامة! أقتلته بعدما قال‪:‬ل إله إل‬
‫ال ؟! « قال أسامة‪ " :‬فما زال يكررها حت تنيتُ أن ل أكن أسلمت قبل‬
‫ذلك اليوم "‪.‬‬
‫وقد استفاد أسامة من هذا التعنيف ف النصح أيام الفتنة الت كانت بعد‬
‫مقتل عثمان ‪ ،‬فأورثه توَرّعا عن دماء السلمي‪ ،‬قال الذهب ـ رحه ال‬
‫ـ‪:‬‬
‫" انتفع أسامة من يوم النب ‪ ،‬إذ يقول له ‪ » :‬كيف بل إله إلال يا‬
‫()‬
‫أسامة؟! « فكفّ يده‪ ،‬ولزم بيته‪ ،‬فأحسن " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قلت‪:‬ال أكب! ما أعظم التربية النبوية! وما أحقر التربية الزبية! الت مِن‬
‫يوم أن حرّمت أصل ( الرد على الخالف ) وأبناؤها ل يتورّعون عن دماء‬
‫السلمي‪ ،‬اتّخذوها هدرا باسم الهاد‪ ،‬ول تكاد تقوم فتنة إل وهم وَقودها أو‬
‫موقدوها‪ ،‬هذه نتيجة مداهنة بعضهم بعضا لوهْم الشتغال بالكفار!! ولذلك‬
‫قال ابن تيمية‪ " :‬الؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداها الخرى‪ ،‬وقد ل‬
‫ينقلع الوسخ إل بنوع من الشونة‪ ،‬لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة‬
‫()‬
‫ما نَحمد معه ذلك التخشي " ‪ .‬إذن فهذا اللي الذي تستعمله كثي من‬
‫‪2‬‬

‫الماعات السلمية مع أفراد أو جاعات من حقى التهوّرين ـ الذين كثيا‬

‫() » السي « (‪2/500‬ـ ‪.)501‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » مموع الفتاوى «(‪28/53‬ـ ‪.)54‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪78‬‬
‫‪79‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ما يتسببون ف استعداء العداء على السلمي ـ ليس من الولء ف شيء؛ لنه‬
‫يزيدهم إغراقا ف ضللم لعدم شعورهم بعظم الناية‪.‬ث إن الشدة السلوكة مع‬
‫السلمي أحيانا‪ ،‬باعثها الغية عليهم من أن يُرَوا ملطخي بشيء من‬
‫القاذورات‪ ،‬والسعي ف تتي الصف وسدّ خروقه حت ل يُؤتى من قبله‪،‬‬
‫فليُعلم‪ .‬ولذا قال العلمة عبد العزيز بن باز تت عنوان‪» :‬الدلة الكاشفة‬
‫لخطاء بعض الكتّاب «‪ " :‬ول شك أن الشريعة السلمية الكاملة جاءت‬
‫بالتحذير من الغلوّ ف الدين‪ ،‬وأمرت بالدعوة إل سبيل الق بالكمة والوعظة‬
‫السنة والدال بالت هي أحسن‪ ،‬ولكنها ل تمل جانب الغلظة والشدّة ف‬
‫ملّها حيث ل ينفع اللي والدال بالت هي أحسن؛ كما قال سبحانه‪:‬‬
‫غل ُ ْ‬ ‫د الك ُ َّ‬ ‫ها النَّب ِ ُّ‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫وا ْ‬
‫ن َ‬‫قي َ‬‫ف ِ‬
‫منَا ِ‬
‫وال ُ‬
‫فاَر َ‬ ‫ه ِ‬
‫جا ِ‬
‫ي َ‬ ‫{يَأي ُّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫قاتِلُوا ال ّ ِ‬
‫منُوا َ‬‫ن ءَا َ‬
‫ذي َ‬‫ها ال ّ ِ‬ ‫م} وقال تعال‪{ :‬يَأي ُّ َ‬ ‫ه ْ‬‫علي ْ ِ‬
‫َ َ‬
‫من الك ُ َّ‬
‫موا‬‫عل َ ُ‬‫وا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫غلْظ َ ً‬
‫م ِ‬ ‫فيك ُ ْ‬‫جدُوا ِ‬‫ولْي َ ِ‬‫ر َ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ِ َ‬ ‫يَلُونَك ُ ْ‬
‫ه َ‬
‫ل‬ ‫ول َ تُجاِدلُوا أ َ ْ‬ ‫ن} وقال تعال‪َ { :‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت َّ ِ‬‫ع ال ُ‬‫م َ‬
‫ه َ‬
‫ن الل َ‬ ‫أ َ َّ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫موا‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ن إِل ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫يأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ب إِل ّ بِال ّتِي ِ‬ ‫الكِتَا ِ‬
‫م} الية‪ ،‬أما إذا ل ينفع واستمرّ صاحب الظلم أو الكفر أو الفسق ف‬‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫عمله ول يبال بالواعظ والناصح‪ ،‬فإن الواجب الخذ على يديه ومعاملته‬
‫بالشدة وإجراء ما يستحقه من إقامة حدّ أو تعزير أو تديد أو توبيخ حت يقف‬
‫()‬
‫عند حدّه وينجر عن باطله " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫مع أن الذي يظهر من ماملت الحزاب السلمية لهل البدع‬


‫والسكوت عن أخطائهم هو أنم لا حصروا طريق عودة عزّ السلمي ف‬
‫صندوق النتخابات تذمّروا من النقد‪ ،‬لنه ربا أتلف لم الصوات‪ ،‬وهكذا‬

‫() » مموع فتاوى ومقالت متنوّعة « للشيخ عبد العزيز بن باز (‪3/202‬ـ ‪.)203‬‬ ‫‪1‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪80‬‬
‫السياسة‬

‫السيئة تتبعها أخوات‪.‬‬


‫هذا ومن أجل أنال فرض علينا قَدَرا وجود الخالف ـ الذي يُحسب‬
‫على السلم ـ سلكنا طريق التصفية؛ لنال فرض علينا شَرْعا الرد عليه‬
‫ـ كما بيّنته ف هذا الصل ـ‪ ،‬ومن أجل أنال كتب الرفعة لهل العلم‬
‫والتعليم ـ كما بيّنته ف الصلي اللذين قبل هذا ـ سلكنا طريق التربية‪،‬‬
‫وشرحه يأت ف الورقات التية‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪81‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الصل السادس ‪ :‬التصفية والتربية‬


‫إذا تبيّنا أن رفعة المة مرهونة بالعلم والعمل‪ ،‬وأن المة قد اختلفت فيهما‬
‫اختلفا كثيا‪ ،‬وأنه قد علق بالسلم ما ليس منه‪ ،‬وأنه ل سبيل إل التخلص‬
‫من الذل الضروب علينا من قرون إل بالرجوع إل الدين الصحيح‪ ،‬كما روى‬
‫ابن عمر عن النب أنه قال‪ » :‬إذا تبايعتم بالعينة‪ ،‬وأخذت أذناب البقر‪،‬‬
‫ورضيتم بالزرع‪ ،‬وتركتم الهاد‪ ،‬سلّطال عليكم ذل لينعه عنكم حت‬
‫()‬
‫ترجعوا إل دينكم « ‪،‬وجب السارعة إل تقيق ما يرفع عنا الذل‪ ،‬وهو‬
‫‪1‬‬

‫الرجوع إل صفاء الوحيي‪ :‬الكتاب والسنة على فهم السلف الصال‪ :‬أهل‬
‫القرون الثلثة الول‪.‬‬
‫وإذ قد امتدت يد التحريف إل صفاء السلم حت لوّثته‪ ،‬وإل جاله حت‬
‫شوّهته‪ ،‬كانت تصفيته من كل دخيل من أوجب الواجبات‪ ،‬ما دام الق الذي‬
‫بعثال به نبيه مضمون البقاء إل يوم تبدل الرض والسماوات‪ ،‬بضمان‬
‫ن}‪.‬‬ ‫فظُو َ‬ ‫حا ِ‬ ‫وإِنَّا ل َ ُ‬
‫ه لَ َ‬ ‫ن نََّزلْنَا ال ِ‬
‫ذّكَْر َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ال القائل‪{ :‬إنَّا ن َ ْ‬
‫وإذا دبّ التحريف إل قوم‪ ،‬وشحّت مناهجهم عن التصفية‪ ،‬أصابتهم‬
‫حية ل يفرّقون معها بي حلل وحرام‪ ،‬كما روى مسلم عن عياض بن حار‬
‫الجاشعي أن رسولال قال ذات يوم ف خطبته‪ » :‬أل إن رب أمرن أن‬
‫ح ْلتُه عبدا حللٌ‪ ،‬وإن‬ ‫أُعلّمكم ما جهلتم ما علّمن يومي هذا‪ :‬كل مالٍ نَ َ‬
‫خلقت عبادي حنفاء كلهم‪ ،‬وإنم أتتهم الشياطي فاجْتالتهم عن دينهم‪،‬‬
‫وح ّرمَت عليهم ما أحللْتُ لم‪ ،‬وأم َرتْهم أن يشركوا ب ما ل أنزل به‬
‫سلطانا‪ ،‬وإنال نظر إل أهل الرض فمقتهم‪ :‬عربَهم وعجمَهم‪ ،‬إل بقايا من‬
‫أهل الكتاب «‪.‬‬
‫() رواه أبو داود وهو صحيح‪ ،‬انظر » الصحيحة « لللبان رقم (‪.)11‬‬ ‫‪1‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪82‬‬
‫السياسة‬

‫ولا كانت الاهلية على هذا الوصف الذي ف الديث‪ ،‬بعثال نبيه ممدا‬
‫ملّصا لا دينها من الشوائب‪ ،‬ومربيا لا على السلم الذي ارتضاه لا‬
‫ربا‪ ،‬وعلى قاعدة (التصفية والتربية) وإن شئت قل (التخلية والتحلية) كانت‬
‫دعوة السلم‪ ،‬ففي التوحيد ل يترب الرء عليه سليما حت يتخلص من‬
‫ت‬
‫غو ِ‬‫فْر بِالطَّا ُ‬
‫من يَك ْ ُ‬ ‫رواسب الشرك‪ ،‬ولذلك قال ال تعال‪َ {:‬‬
‫ف َ‬
‫قى لَ‬ ‫وث ْ َ‬
‫ة ال ُ‬
‫و ِ‬
‫عْر َ‬ ‫س َ‬
‫ك بِال ُ‬ ‫م َ‬
‫ست َ ْ‬
‫دا ْ‬ ‫ف َ‬
‫ق ِ‬ ‫ه َ‬‫من بِالل ِ‬ ‫وي ُ ْ‬
‫ؤ ِ‬
‫م لها}‪ ،‬وف التشريع ل يتربّى الرء عليه سليما حت يتخلّص‬ ‫صا َ‬
‫ف َ‬ ‫ان ِ‬
‫من البدع‪ ،‬ولذلك كان النب ف كل خطبة جعة يأمر بلزوم الدين‬
‫الصحيح التمثل ف الكتاب والسنة ويذّر ما يَغشّه وُيكَدّر صفاءه وهو‬
‫البدع؛ فقد روى مسلم عن جابر قال‪ :‬كان رسولال إذا خطب احرّت‬
‫عيناه‪ ،‬وعل صوته‪ ،‬واشتد غضبه‪ ،‬كأنه منذر جيش‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫» صبّحكم ومسّاكم «‪ ،‬ويقول‪ » :‬بعثت أنا والساعة كهاتي « ويقرن بي‬
‫إصبعيه السبابة والوسطى‪ ،‬ويقول‪ » :‬أما بعد‪ ،‬فإن خي الديث كتابال ‪،‬‬
‫وخي الدي هدي ممد‪ ،‬وشر المور مدثاتا‪ ،‬وكل بدعة ضللة «‪،‬‬
‫وتكراره لذه الملة دليل تأصيلها وشدّ العناية إليها‪ .‬وخلصة هذه القاعدة‬
‫أنا تعن تصفية السلم من كل دخيل‪ ،‬وتربية الناس على هذا السلم‬
‫الصيل؛ أي تصفية التوحيد من الشرك‪ ،‬والسنة من البدعة‪ ،‬والفقه من‬
‫الراء الادثة الرجوحة‪ ،‬والخلق من سلوك المم الالكة القبوحة‪،‬‬
‫والحاديث النبوية الصحيحة من الحاديث الكذوبة الفضوحة ‪...‬‬
‫()‬
‫وهكذا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() مَن أراد بسطا ف الوضوع فليجع إل كتاب » التصفية والتربية « لخينا علي بن‬ ‫‪1‬‬

‫حسن ابن عبد الميد ف طبعته الديدة لعام ( ‪ ) 1415‬هـ‪.‬‬


‫‪82‬‬
‫‪83‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫تطبيق‪:‬‬
‫اجتمع الشيخ ممد ناصر الدين اللبان بعلي بن حاج القائد الروحي‬
‫ـ كما يقولون ـ للحزب الزائري‪ :‬البهة السلمية للنقاذ وكان الشيخ‬
‫على دراية دقيقة بوادثهم‪ ،‬وبلغه أن مؤيّديهم ُيعَدّون بالليي‪ ،‬فكان ما سأله‬
‫عنه ما أُثبتُه هنا اختصارا أن قال له الشيخ‪ " :‬أَكُلّ الذين معك يعرفون أنال‬
‫مستوٍ على عرشه؟ " وبعد أخذ وردّ‪ ،‬وترّب وصدّ‪ ،‬قال السئول‪ :‬نرجو‬
‫ذلك! قال له الشيخ‪ " :‬دَعْك من الواب السياسي! "‪ ،‬فأجابه بالنفي‪ ،‬فقال‬
‫()‬
‫الشيخ‪ " :‬يكفين منك هذا! " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫هذا السؤال تفرضه قاعدة التصفية والتربية الت هي أدق ميزان تعرف به‬
‫الدعوات الهادية اليوم؛ لن من عجز عن تصفية عقائد مؤيّديه ومبيه‬
‫وتربيتهم على العقيدة السليمة‪ ،‬يكون أعجز عن تصفية ثراتا من أخلق‬
‫وأحكام أمة فيها مبغضوه وماربوه‪ ،‬فكيف بتربيتهم بعد ذلك؟! وال يقول‪:‬‬
‫غيُِّروا ما‬ ‫وم ٍ حتَّى ي ُ َ‬ ‫ق ْ‬‫ما ب ِ َ‬
‫غيُِّر َ‬‫ه ل َ يُ َ‬ ‫ن الل َ‬‫{إ َّ‬
‫م}‪ ،‬ث الهاد نفسه ل يكون إل بأمة مؤتلفة القلوب؛ لن‬ ‫ه ْ‬‫س ِ‬ ‫ف ِ‬‫بِأَن ُ‬
‫ذي أَيَّدَ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ر ِ‬‫ص ِ‬
‫ك بِن َ ْ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫الئتلف رافد النصر كما قالال تعال‪ُ {:‬‬
‫َ‬
‫م}‪ ،‬والقلوب إن ل تتمع‬ ‫ن ُ ُ‬
‫قلوب ِ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫ف بَي ْ َ‬ ‫وأَل ّ َ‬
‫ن َ‬ ‫منِي َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬
‫وبِال ُ‬‫َ‬
‫على العقيدة السلفية كان أصحابا ف شقاق ليبه اجتماعهم ف صناديق‬
‫مث ْ ِ‬
‫ل‬ ‫منُوا ب ِ‬ ‫ن ءَا َ‬ ‫ماطبا أصحاب النب ‪َ { :‬‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫القتراع‪ ،‬قالال‬
‫َ‬
‫م‬ ‫فإِنَّما ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ول ّ ْ‬
‫وا َ‬ ‫وإِن ت َ َ‬
‫وا َ‬
‫هتَدَ ْ‬
‫دا ْ‬ ‫ف َ‬
‫ق ِ‬ ‫ه َ‬
‫م بِ ِ‬‫منت ُ ْ‬‫ما ءَا َ‬
‫ق}‪ .‬ومهما تكن عليه الغثائية السياسية من تميع‪ ،‬فإن بداية‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬
‫في ِ‬
‫أمر عقيدتا إل تييع‪ ،‬وناية تميعها إل تفرّق وتبديع؛ لن اجتماع البدان‬

‫() شريط مسجل من » سلسلة الدى والنور « رقم (‪ )475/1‬و(‪.)476/1‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪84‬‬
‫السياسة‬

‫لن يكون إل مؤقّتا‪ ،‬إذا كان عقد القلوب مشتّتا‪ ،‬ول أجد لؤلء أصدق‬
‫ْ‬
‫ديدٌ‬
‫ش ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫م بَيْن َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫وصف من قولال تعال ف اليهود‪{ :‬بَأ ُ‬
‫س ُ‬
‫قلُوبُهم شتَّى}‪.‬‬ ‫ميعا ً َ‬
‫و ُ‬ ‫مج ِ‬ ‫ه ْ‬‫سب ُ ُ‬
‫ح َ‬
‫تَ ْ‬
‫وجاع المر أن ال وعد بالستخلف السن من عبده وحده بل إشراك‬
‫َ‬
‫ملُوا‬
‫ع ِ‬‫و َ‬‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬‫منُوا ِ‬‫ن ءَا َ‬
‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬
‫عدَ الل ُ‬‫و َ‬‫فقال‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫خل َ َ‬
‫ف‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫م في الْر ِ‬ ‫ه ْ‬‫فن َّ ُ‬‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ت لَي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ال َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ال ّذي‬ ‫ه ُ‬‫م ِدين َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫كّن َ َّ‬
‫م ِ‬‫م ولَي ُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من َ‬
‫قبْل ِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ال ّذي َ‬
‫َ‬
‫مناً‬‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬‫و ِ‬‫خ ْ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫هم ِ‬ ‫دلن َّ ُ‬ ‫م ولَيُب َ ِ‬ ‫ضى ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫اْرت َ َ‬
‫شيْئاً }‪ ،‬ول يوز أن يُدفع ف‬ ‫ن بِي َ‬ ‫ركُو َ‬ ‫ش ِ‬ ‫عبُدُونَنِي ل َ ي ُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫صدر هذا النص بضرب المثال التاريية على نقضه؛ لن السلم وقّاف عند‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ل إ َّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مثا َ‬
‫ه ال ْ‬‫ربُوا لِل ّ ِ‬ ‫فل َ ت َ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫النص‪ ،‬وقد قالال تعال‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫ن}‪.‬‬‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م ل َ تَ ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م وأنت ُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫وأما تديد الشيخ سؤاله ف مسألة الستواء؛ فلنا مفترق الطرق بي أهل‬
‫السنة وأصحاب الهواء‪ ،‬ولنا العقيدةُ السهلة الت كان يعرفها متمع النب‬
‫الذي فتح الدنيا وقاد المم‪ ،‬حت الواري من رعاة الغنم‪ .‬وامتحان الشيخ با‬
‫جبهة النقاذ‪ ،‬مسلك سلفي وإن رغم أنف كل خلْفي‪ ،‬فقد روى مسلم وغيه‬
‫عن معاوية بن الكم السلمي قال‪ :‬كانت ل غنم بي أُحد والوانية فيها‬
‫جارية ل‪ ،‬فاطلعتها ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة‪ ،‬وأنا رجل من‬
‫بن آدم‪ ،‬فأسفت‪ ،‬فصككتها‪ ،‬فأتيت النب فذكرت ذلك له‪ ،‬فعظّم ذلك‬
‫ل أفل أعتقها؟ قال‪ (( :‬ادعها ))‪ ،‬فدعوتا فقال لا‪:‬‬ ‫عليّ‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ا !‬
‫(( أينال ؟ )) قالت‪ " :‬ف السماء "‪ ،‬قال‪ (( :‬من أنا؟ )) قالت‪ " :‬أنت رسول‬
‫ال "‪ ،‬قال‪ (( :‬أعِتقْها؛ فإنا مؤمنة ))‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫‪85‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فتأمل ـ يرحكال ـ هذا الجتمع الذي كان ياهد به النب ؛ اكتمل‬


‫ف عقيدته حت عند رعاة الغنم الذين تقلّ صحبتهم للنب ـ كهذه‬
‫الارية!ـ وتأمل حقيقة الجتمعات السلمية اليوم الت يُطمَع تسلّق عرش‬
‫الكم با‪ ،‬لتدرك البون الشاسع بي جهاد أولئك وجهاد هؤلء‪ ،‬فهل‬
‫استطاعت الدعوات الهادية أن تمع التباع‪ ،‬فضلً عن الرعاع على » أين‬
‫ال ؟ « أم هو سؤال أضحى أُضحوكةً تتندّر با الحزاب ف زمن تأثي‬
‫الضارات‪ ،‬ومل سخرية عند مَنظّري الماعات؟ أم أنم فهموا ضرورة‬
‫الكم با أنزلال ولو أنم ضيّعوا ال ؟! فمت يأذنال بعتق رقابم من‬
‫علَى‬‫ب َ‬ ‫ه غال ِ ٌ‬‫استذلوهم‪ ،‬كما عتقت الارية بعد أن عرفتال ؟ {والل ُ‬
‫مون}‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أ َمره ولَك َ َ‬
‫عل َ ُ‬ ‫ن أكْثََر الن ّا ِ‬
‫س ل َ يَ ْ‬ ‫ْ ِ ِ َ ِ ّ‬
‫لكن حقيقة هذا السؤال هي استخراج حقيقة الدعوات‪ ،‬وتبيّن مدى‬
‫خلوص النيات؛ لن ف الهتمام بالكم بالشريعة‪ ،‬وف الهتمام بسألة‬
‫الستواء اهتماما بقال تعال‪ ،‬لكن بي الول والثانية فرق‪ ،‬وهو أن للعبد ف‬
‫الول حظّا لنفسه‪ ،‬وهو ما يتكرر على اللسن من استرجاع الظال واستيفاء‬
‫ه َ‬
‫ل‬ ‫ن أَ ْ‬‫القوق‪ ،‬والعيش الرغد الوعود به حقّا ف قولال تعال‪{ :‬ولو أ َّ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ت ِ‬ ‫م بََركا ٍ‬ ‫ه ْ‬ ‫حنا َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫وا ل َ َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫منُوا وات َّ َ‬
‫ق ْ‬ ‫قَرى ءَا َ‬ ‫ال ُ‬
‫ض} أي أن حظّ العبد خالط حقّ الرب‪ ،‬وأما الهتمام‬ ‫َ‬ ‫ال َّ‬
‫ء والْر ِ‬ ‫مآ ِ‬
‫س َ‬
‫بصفة الستواء ل فهو اهتمام بقال الالص‪ ،‬ليس للداعي إليها أدن نصيب‬
‫من حظّ نفسه‪ ،‬فتأمل هذا الفرق تدرك عزّة الخلص؛ لن الدندنة حول‬
‫قضية الكم با أنزلال ‪ ،‬مع إهال قضايا صفات الرب الالصة أو تأخيها‬
‫ل إذ شرف العلم بشرف العلوم ـ‬ ‫أو تميشها ـ وهي أشرف ما أنزله ا ؛‬
‫لكب دليل على أن ف المر شائبة‪ ،‬تؤكد ضرورة الرجوع إل دعوة النبياء‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪86‬‬
‫السياسة‬

‫غيُْره}‪،‬‬ ‫ن إِل َ ٍ‬
‫ه َ‬ ‫ما لَكُم ِ‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الذين قالوا لقومهم‪{ :‬ا ْ‬
‫عبُدُوا الل َ‬
‫فقدّموا الهتمام بشرك القبور على الهتمام بشرك القصور ـ إن صح هذا‬
‫()‬
‫التعبي ـ‪ ،‬لذا ل تكن المامة من أصول اليان ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫تنبيه‪:‬‬
‫أرسل علي بن حاج رسالة سرية بتاريخ‪20( :‬صفر ‪1415‬هـ ) إل‬
‫الماعات السلحة يقول ف ق (‪ )2‬منها‪ " :‬ولذلك رأينا ف تاريخ علماء‬
‫السلمي أنه يكون بينهم خلف حت ف بعض السائل العقائدية فضل عن‬
‫الفرعية‪ ،‬ولكن يَخرجون ف الهاد صفا واحدا أمام العدو الكافر‪ ،‬فكان‬
‫اليش يَضمّ ف جنباته من شت الذاهب الفرعية وماهدين من الفِرق‬
‫السلمية! ‪." ...‬‬
‫بل قعّد بعدها قاعدة غريبة ادّعى فيها التفاق‪ ،‬وهي قوله‪ " :‬إن السائل‬
‫الختلفة ل إنكار فيها!! "(‪.)2‬‬
‫قلت‪ :‬أول‪ :‬ل ريب أن السلمي ـ بعد الرعيل الول ـ قد اختلفوا ف‬
‫أعظم ما ف هذا الدين‪ ،‬أل وهو اختلفهم ف ربم‪ :‬ف أسائه وصفاته‪ ،‬فيكون‬
‫حينئذ إنكار السلف على الخالفي ف ذلك جهدا ضائعا عند هذا؛ لنه‬
‫خلف التفاق ال ّدعَى!‬
‫ثانيا‪ :‬ليس غريبا أن يالف ابنُ حاج العلمةَ اللبان ف عدم اشتراط‬
‫العتقد الصحيح للنهوض بالمة؛ للفوارق العلمية والنهجية الت بينهما‪ ،‬ولكن‬

‫() لبن تيمية كلم نفيس ف ذلك ف » منهاج السنة « (‪1/106‬ـ ‪ )110‬فراجعه‪ ،‬وف قتال‬ ‫‪1‬‬

‫الولة من أجل الدنيا واِلتباسه بالمر بالعروف والنهي عن النكر ف (‪ ،)5/152‬ومثله عنه‬
‫ف » العقود الدرية « لبن عبد الادي ص (‪.)147‬‬
‫‪ )(2‬قد تكلمتُ على بعض ما ف هذه الرسالة ف حاشية ص (‪ 359‬ـ ‪ )361‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫‪87‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الغريب أل يصدع ابن حاج برأيه عند الشيخ! وأن يكتم عنه ( كلمة الق‬
‫هذه! ) ويُظهر الوفاق له تويها على السلفيي! ث يَكتبها ف الظلم!!‬
‫ط}‪.‬‬‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬
‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫{والل ُ‬
‫وَرآئ ِ ِ‬
‫من َ‬‫ه ِ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪88‬‬
‫السياسة‬

‫متصر تاريخ الدعوة الديث ف الزائر‬


‫لا كان حديثي عن أوضاع الزائر ف هذا الزمن‪ ،‬لزمن أن أقَدّم للقارئ‬
‫إلاحة عنها ليفهم ما يأت بيانه‪ ،‬وقد أوجزتُ ف ذلك جدا حرصا على تصغي‬
‫حجم الكتاب‪ ،‬ولذلك فقد تلحظ أنن خنقتُ الكلمات خنقا! إل أنن‬
‫حرصتُ على الهم فيما أظن‪ .‬ث لعلّك تارك بعض ما كتب ههنا ف انتقاد‬
‫بعضهم بأسائهم وضائقٌ به صدرُك أن يقال‪ :‬إنا هي غيبة وأكل لمِ جيفة؟!‬
‫فاطمئنّ؛ فإن نيّت ف ذلك الدفاع عن الدين‪ ،‬وما كان كذلك فذكاته شرعية‬
‫شريفة‪ .‬وقد اكتفيت ف ذلك بالحالة على الحياء‪ ،‬والذمة تبَأ بالسناد‪ ،‬وما‬
‫نَدّ عنه قلمي أو شرَد عنه ذهن فعذر الختصار فيه باد‪ ،‬فأقول وعلى ال‬
‫العتماد‪:‬‬
‫عَرَفَت الدعوةُ السلفية نشاطها الكبي ف الزائر أيام الستعمار الفرنسي‬
‫على يد جعية العلماء السلمي الزائريي الت كان يرأسها الشيخ عبد الميد‬
‫ابن باديس ـ رحه ال ـ وكان من علمائها البّزين الشيخ الطيب العقب‪،‬‬
‫والشيخ ممد البشي البراهيمي‪ ،‬والشيخ مبارك اليلي‪ ،‬والشيخ العرب التبسي‪،‬‬
‫وغيهم ‪ ...‬وتوف جلّهم ـ رحهم ال ـ أيام الستعمار‪ ،‬ومن بقي منهم فقد‬
‫انسر نشاطه السلفي جدا من يوم أن ُحلّت المعية بعد الستقلل‪ ،‬وأضحت‬
‫الدعوة لدى الخوان السلمي موضع استغلل‪ ،‬على حي جهل المة‪ ،‬وقلة‬
‫العارض من أهل البدعة وأهل السنة‪ .‬مع العلم أنه لتصلب الزائريي ف دينهم‬
‫ل ينجح فيهم التهويد ول التنصي‪ ،‬ول كان للقاديانية وجود ول لماعة‬
‫الجرة والتكفي‪ ،‬ول سُمع فيها بدعوة رافضية‪ ،‬بل كل ما هنالك دير تصوف‬
‫وصوامع إباضية‪.‬‬
‫بدأت الدعوة ساذجة على نشاط ملحوظ من أتباع فكر مالك بن نب‬
‫‪88‬‬
‫‪89‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ـ رحه ال ـ يَرون أن العمل الكب يكمن ف مسابقة الضارة‪ ،‬ث لسباب‬


‫المارة انقسم الخوان السلمون إل إخوان عاليي وآخرين إقليميي‬
‫()‬
‫ل ْزأَرة ) ‪ ،‬بينهم بأس شديد وتبديع‪ ،‬ث عن العاليي‬
‫اشتهروا باسم ( ا َ‬
‫‪1‬‬

‫انشقت جاعة النهضة وهي أبعدها عن التمييع‪ ،‬وأقربا عناية بالتربية‪ ،‬لكن‬
‫بل تصحيح ول تصفية‪ ،‬وظهرت دعوة جاعة التبليغ‪ ،‬على ضعف حيث برّز‬

‫() ( الَزْأَرَة )‪ :‬عَلَم على الحلِيّي من ( الخوان السلمي )‪ ،‬انشقوا عنهم بسبب أن‬ ‫‪1‬‬

‫هؤلء يرون عالية المارة‪ ،‬وهم يرون جَزْأَرة الدعوة أي أنا جزائرية العمل والمارة‪،‬‬
‫وعقيدتم أشعرية يدافعون عنها بقوة‪ ،‬وهم أشد تعصبا لا من تيّع الخوان العاليي‪ ،‬وقد‬
‫كان لم ملة » النفي « وغيها‪ ،‬بل لم اليوم جريدة » العقيدة « الت وقّفت أقلمها‬
‫لرب العقيدة السلفية بل هوادة‪ ،‬ومذهبهم الفقهي مالكي على احتراق شديد ف‬
‫التعصب له‪ ،‬وهم كـ ( الخوان ) ف تميش السّنة والستخفاف بدعاتا‪ ،‬والتساهل مع‬
‫البدعة وأهلها إلّ من خالفهم ف الوجهة السياسيّة‪ ،‬وتصوفهم كتصوف سعيد حوى‪،‬‬
‫صاحب الكتاب الشئوم » تربيتنا الرّوحية « وغيه من الكتب الغوية‪ .‬وهم ـ مع‬
‫تظاهرهم بالسماحة مع الخالف ـ من أسرع الناس لوءا إل العنف مع الخالف من‬
‫السلمي وغيهم؛ إذ يبدؤون بالطعن ف نيّته للوصول إل إبعاده من الجتمع‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫هو عميل أو يُلصقونه بذيل السلطان! فإن أعياهم ذلك وكان للمخالف لسان صدق ف‬
‫الناس‪ ،‬قذفوه بأيّ سيّئة خلقية من الفواحش النَفّرة! فإن أعياهم ذلك أغرَوا به السلطة‬
‫الت ياربونا ف الفاء! فإن أعياهم ذلك سلّطوا عليه سفهاءهم بالضرب والتنكيل ‪!...‬‬
‫هذا ولم تأييد قويّ للشيعة اليرانية‪ ،‬ولئن زعموا أنّه مرّد تأييد سياسيّ‪ ،‬وليس تأييدا‬
‫عقديّا! قلنا‪ :‬هو عي التفريق بي الدّين والدّولة؛ وهل الدين إل العقيدة؟! وهل السياسة‬
‫الرشيدة إل ثرة العقيدة السليمة؟! قال ابن القيم‪ " :‬وتقسيم بعضهم طرق الكم إل‬
‫شريعة وسياسة كتقسيم غيهم الدين إل شريعة وحقيقة‪ ،‬وكتقسيم آخرين الدين إل‬
‫عقل ونقل‪ ،‬وكل ذلك تقسيم باطل‪ ،‬بل السياسة والقيقة والطريقة والعقل كل ذلك‬
‫‪89‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪90‬‬
‫السياسة‬

‫العلم‪ ،‬وقوة حيث ضعف‪ ،‬إل أن انتشارها ليس بذاك‪ .‬ولا كان جيع‬
‫الخوان بعقد السياسة يتناكحون‪ ،‬وباء التصويت يتناسلون‪ ،‬وف علم‬
‫الكتاب والسنة يتزاهدون‪ ،‬وُلِد لم مولود عاقّ‪ ،‬سّوه بالجرة والتكفي‬
‫كيل يكون بينه وبي نسبهم إلاق‪ ،‬وادّعوا أنه خرّيج السلفية وأهل الثر‪،‬‬
‫لجَر «‪ ،‬وقد شهد العدول يوم‬ ‫ولكن الق أن » الولد للفراش وللعاهِر ا َ‬
‫كان يُلقَم بأيديهم ثدي التكفي من صحف سيد قطب‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫أخوها َغذَْت ُه أمُه بلبانا‬ ‫فإن ل تكُ ْن ُه أو يكُنْهافإنّه‬
‫وهم جيعا وإن كانوا ل يَرضَون بسن البنّا بديلً‪ ،‬فل يقبلون ف سيد‬
‫قطب جرحا ول تعديلً‪ .‬أما تفرقهم فنتيجة حتمية لن غاب عنده أصل‬
‫( التصفية والتربية )‪.‬‬
‫عاش هؤلء آنذاك ف صراع ضائع مع الشيوعية‪ ،‬أمضى سلحهم‪:‬‬
‫السرحيات والناشيد ورياضة ركضٍ كركض الوحشي ف البية‪.‬‬
‫ولغياب أصل الرد على الخالف‪ ،‬مع ظهور قرن الشيطان ف إيران وتتابع‬
‫التأييد الجازف‪ ،‬تَلقّى هؤلء ـ عن بكرة أبيهم ـ دعوة المين بكل ترحاب‬
‫وتنان‪ ،‬ولغياب أصل السلفية عندهم ل يشعروا بأدن إث وهم يتمعون بن‬
‫يكيل لصحاب رسولال أفظع السباب وأقذع الشنآن‪ ،‬فما أوسع‬
‫صدورهم لكل خلف عقدي ما ل يكن سلفيا! وما أضيقها على كل خلف‬
‫حزب خاصة إذا كان النقد سلفيا! وتراهم من كل حدب ينسلون‪ ،‬وإل‬
‫ماضرات الرافضي رشيد بن عيسى يتنادون‪ ،‬ف عقر دارهم وبدعوة منهم‪ ،‬ل‬
‫ف‬
‫و َ‬ ‫س ْ‬‫يفتر عن التفكه بأعراض السلف الصال وهم يضحكون! {و َ‬

‫ينقسم إل قسمي‪ :‬صحيح وفاسد ‪ (( " ...‬إعلم الوقعي )) (‪.)4/375‬‬


‫‪90‬‬
‫‪91‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫صنَُعون} ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ه بِما كانُوا ي َ ْ‬
‫م الل ُ‬ ‫يُنَبِّئ ُ ُ‬
‫ه ُ‬
‫ث ل يلبثوا مليّا حت نم التشيّع بعد أفول‪ ،‬وأخذ بعض أفذاذهم للرفض‬
‫يتشيّعون‪ ،‬عن اعتقاد جازم وحاس قوي‪ ،‬فتدارك المرَ القليميّ ممد سعيد‬
‫الونّاس‪ ،‬لكن بصوت خفيّ وعلم غي حفيّ؛ لنم ل يزالون يَلقّنون ويلقّنون‪ :‬ل‬
‫تُظهروا اللف بينكم؛ فإن العدوّ متربّص بكم!! وكانوا من قبل هذا يَرمون‬
‫() أخبن الثقة أنه حضر ماضرةً له بفرنسا‪ ،‬فلما سعه كثي السخرية بأئمة السلف‬ ‫‪1‬‬

‫وأتباعهم سأله‪ :‬أليس المام مالك عالا؟! قالا باللغة الفرنسية‪:‬‬


‫( ‪) - ce pas un savant?! l`imam Malek, n`est‬‬
‫فأجابه بصيغة تَهَ ُكمِيّة قائلً‪ )oui! oui! c`est un savon!( :‬ومعن جوابه‪ " :‬نعم! نعم!‬
‫هو صابون!! "‪ ،‬وأشار بيديه كالذي يغسلهما!! والضور الساكي يضحكون! أي أنه‬
‫سئل عن كلمة ( ‪ ) savant‬الت تعن (عالِم)‪ ،‬فأجاب بكلمة تشاكلها ف النطق مسجوعة‬
‫ع َّ‬
‫ما‬ ‫ل َ‬
‫ف ٍ‬
‫غا ِ‬
‫ه بِ َ‬
‫ما الل ُ‬ ‫كسجع الكهان؛ وهي (‪ ) savon‬الت تعن (صابون)‪َ { ،‬‬
‫و َ‬
‫ن}‪.‬‬
‫ملُو َ‬
‫ع َ‬
‫يَ ْ‬
‫سمّيَه عالا‪،‬‬
‫ث ل بدّ من ملحظة أن هذا الرجل أراد تنقّص المام مالك؛ فاستنكف أن يُ َ‬
‫لكنه وصفه بالصابون الذي هو طاهر ف نفسه ومطهّر لغيه‪ ،‬وهذا أصدق وصف يليق‬
‫بالعالِم وإن َرغِم أنف هذا الشانء؛ لنه طاهر من الخطاء الت يقع فيها الاهل‪ ،‬وهو‬
‫مطهّر لغيه با أُوت من علم ينشره ف الناس‪ ،‬فكأنّ ال أراد لذا العالِم السنّ ـ ولكلّ‬
‫من أن تناله اللسن‬ ‫صاحب سنة ـ أن يكون له نصيب من الفظ الذي خصّ به نبيّه‬
‫قال‪ :‬قالرسول ال‬ ‫بسوء؛ فقد روى البخاري (‪3533‬ـ الفتح ) من حديث أب هريرة‬
‫‪ (( :‬أل تَعجَبون كيف يَصرِفُ الُ عنّي شَتْم قريش ولَعْنهم؟ يَشتمون مُذَمّما‪،‬‬
‫ويَلْعنون مُذمّما‪ ،‬وأنا ممد )) ‪.‬‬
‫لزْأرة ) بالعاصمة‪ :‬الدرسة الوطنية‬
‫وابتليتُ بسماعه مرّةً ف وكر من أوكار الخوان ( العاليي وا َ‬
‫العليا بالقبة‪ ،‬يذكر أنه عتب على الودودي قبولَه جائزة اللك فيصل؛ لنه ـ عنده ـ ل يوز‬
‫قبول هدية سعودية!! مع أنه يعيش ف أوربا بي أظهر الكفار‪ ،‬يثلم نعماءَهم‪ ،‬متَضمّخا بوائزهم‪،‬‬
‫‪91‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪92‬‬
‫السياسة‬

‫السلفيي ـ إذا حذّروهم من الشيعة الروافض ـ بتفريق الصف!! وأيال ! إنه‬


‫لبسبب تأييد هؤلء لم سياسيا صار للروافض ف الزائر وجود‪ ،‬وإل فمن الذي‬
‫فتح لم الباب غيُ ذلك الزب‪ ،‬وكل حزبّ للمبتدعة وَدود! فهل يَرجعون بنا إل‬
‫تشيّع بن عبيد؟ وليس فيهم من يقطع دابرهم كالقيوانّ ابن أب زيد؟ أم ل يعرفوا‬
‫فقيههم هذا إل بالالكي صاحب الرسالة؟ فِلمَ يكتمون حربه للتشيّع وأشاعرة‬
‫الضللة؟!‬
‫ولا كان العمل السياسي طاغيا على هذه الحزاب‪ ،‬ل تد العقيدة با ف‬
‫دعوتم ملّ من العراب‪ ،‬ومن كان يعلّمها يومذاك ـ كعلي بن حاج ـ‬
‫كان يعلّمها على الطريقة الشعرية‪ ،‬وعلى ِرسْلكم قبل أن تيء قلوبكم‬
‫ناكرة؛ فإن كراريس تلميذه الولي شاهدة سافرة‪.‬‬
‫وقبيل سنة (‪1400‬هـ)‪ ،‬تعلّم شيئا من السلفية‪ ،‬ودعا إليها على تقصي‬
‫ملحوظ ف جنب العقيدة‪ ،‬وكان بينه وبي عباسي مدن ردود عنيدة‪ ،‬أوشكت‬
‫على تبيب السنة للشباب لول أن أذهبَ بركتها تدخّلته السياسية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫دخوله ف الصراع الستمر ف الامعات بي الطلبة السلميي والشيوعيي‪.‬‬
‫وف السنة الت بعدها نشب اقتتال بي هؤلء‪ ،‬حل على إثره مصطفى أبو‬
‫يعلي وجاعته السلمية السلح‪ ،‬وورّطوا معهم علي بن حاج مع أنه كان‬
‫ف يديه عنهم! فإذا جاءت هديّة مسلم تورّع عنها!! إ ّن مَثله كمَثَل عمر‬
‫لَي ُك ّ‬
‫عبد الرحن الصري نشأةً المريكي مهاجرا!! ينادي بلء فيه‪ ( :‬قاتلوا الطواغيت! قاتلوهم! )‬
‫وهو يعيش عند المريكان يتمي بقوانينهم‪ ،‬ويستنصر بحاميهم‪ ،‬ويتملّق قضاءهم!!! قال ال‬
‫ما‬ ‫ع ُ‬
‫ل َ‬ ‫ه يَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫رم ٍ إ ِ َّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مك ْ ِ‬
‫من ُ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ه َ‬
‫ف َ‬ ‫ن الل ُ‬
‫ه ِ‬
‫من ي ُ ِ‬ ‫تعال‪َ { :‬‬
‫و َ‬
‫شآء}‪.‬وللروافض اليوم نشاط خبيث ف مدينة باتنة بالصوص‪ ،‬بعد أن طاردهم‬ ‫يَ َ‬
‫السلفيّون من مروانة‪ ،‬وهم مندسّون ف جامعاتا مع ( الزأرة )‪ ،‬يصطادون ضعافَ‬
‫النفوس ببعض الُلُق الصطنَع والدمات الجتماعية!‬
‫‪92‬‬
‫‪93‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫يتظاهر بنهيهم عن مثل هذا الكفاح‪ .‬وقامت هذه الماعات كلها ـ ول تبز‬
‫الفُرقة بينها بعدُ ـ بظاهرة ف الامعة الركزية بالزائر العاصمة‪ ،‬يطالِبون فيها‬
‫بتحكيم الشريعة‪ ،‬وكان ـ يومها ـ علي بن حاج يقول‪ " :‬أعطون دليلً‬
‫واحدا من الكتاب أو السنة على مشروعية الظاهرات وأنا معكم "!! لكن‬
‫مشكلته أنه إذا خطب أظهر الوفاق للمتظاهرين‪ ،‬وال أعلم با هو ف قلبه‬
‫دفي‪.‬‬
‫من أجل ذلك ضيّق عليه النظام‪ ،‬حت خطب ف الناس قائل‪ " :‬لقد ُخيّرْتُ‬
‫بي ترك الطابة أو السجن‪ ،‬وأنا أختار ما اختار يوسف عليه الصلة والسلم‬
‫َ‬
‫عونَنِي‬‫ما يَدْ ُ‬‫م َّ‬ ‫ب إِل َّ‬
‫ي ِ‬ ‫ح ُّ‬
‫نأ َ‬ ‫ج ُ‬‫س ْ‬
‫ب ال ِّ‬‫حي قال ‪َ{:‬ر ِّ‬
‫ه}"!! وكانت هذه الدروشة مضرب الثل ف الشجاعة لدى الرعاع‪ ،‬إل‬ ‫إِلَي ْ ِ‬
‫أن أحد الفطناء اعترض عليه بعد ذلك قائل‪ " :‬لقد تل ْوتَ ف خطبتك آية ف‬
‫غي ملها؛ وذلك أن يوسف عليه الصلة والسلم قال ذلك حي ُخيّر بي‬
‫خيّرتَ بي ترك وسيلة من وسائل الدعوة وبي‬ ‫الفاحشة والسجن‪ ،‬أما أنت ف ُ‬
‫السجن‪ ،‬وقد علّمتَنا مرارا أن الكومة لو منعتك من كلمة السجد‪ ،‬فلن تَحُول‬
‫بينك وبي الدعوة‪ ،‬فلك الكلمة ف القهى والوليمة والأت وغيها‪ ،‬فل أظنك‬
‫بذا الطأ تدخل السجن إل عقوبة من ال ‪." ..‬‬
‫وأُدخل السجن هو وكثي من الدعاة‪ ،‬وأُرْغم بعضهم على القامة البية‪،‬‬
‫ضيّق على الدعوة بعدما كانت ف غنً عن ذلك‪.‬‬ ‫وُ‬
‫ول بدّ من التذكي ههنا أن عباسي مدن من غلة حزب ( الَزْأَرة )! وهو‬
‫كذلك إل الن! وإنا الذي جعه بعلي بن حاج هو أمران‪:‬‬
‫الوّل‪ :‬أ ّن الَنظّرين القيقيّي للجزأرة منعوه من القيادة بعد نازلة الامعة‬
‫الركزية آنفة الذكر؛ يوم أن أجعوا ف السجن على أنه ـ بمقه وتسرّعه ـ‬
‫‪93‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪94‬‬
‫السياسة‬

‫أَوردهم شرّ الوارد!! فنكاي ًة منه بم انضمّ إل ابن حاج‪.‬‬


‫الثّان‪ :‬النعة السياسية الغالبة عليهما ل تُبقِ للولء العقديّ ملّ!‬

‫‪94‬‬
‫‪95‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الرحلة الذهَبيّة للدَعْوَة‬


‫أقول بصراحة‪ :‬إن أزهى أيام الدعوة الت عرفتُها عندنا هي السنوات‬
‫المس الت تلت هذه النازلة‪ ،‬وقد كانت قبلها الماعاتُ آنفة الذكر تمع‬
‫غثاءً بل علم ول تربية‪ ،‬ث تفرّقه؛ إما أن تفرّقه هي بتحزباتا‪ ،‬وإما أن ت ُزجّ به‬
‫ف مغامرات خطية لتقدّمه ف الخي للنظمة قرابي سياسية‪ ،‬ول يَرْ َعوُون!‬
‫وكأن دعوتم ل تزيد على تميع هذا الغثاء السياسي‪ ،‬وبطن السياسة‬
‫بأضعاف أمثاله وَلود‪ ،‬وبعد كل عملية إجهاض يعلّق بعضهم لبعض وِسام‬
‫الجاهد ويُنادَى عليه باللود!!‬
‫لكن بعد أن ولّت الدعوات السياسية إل انسار‪ ،‬تعلّمنا على أيدي طلبة‬
‫العلم علما جّا‪ ،‬وكثرت الساجد وازدحت بأهلها‪ ،‬وكادت العقيدة السلفية‬
‫تتبوّأ من الديار الزائرية مبوّأ صدق‪ ،‬وأُخفيت مظاهر الشرك ف كثي من‬
‫الدن‪ ،‬وعَضّت الطرقية النامل من الغيظ‪ ،‬حت رأينا منهم مَن ل يلبَس عباءته‬
‫إل متخفيّا ف زاويته‪ ،‬فإذا خرج منها خلعها! و ُطمِس على كثي من البدع‪ ،‬بل‬
‫ربا دخلتَ مسجدا فلم تصادف فيه بدعة‪ ،‬ل ف بنائه‪ ،‬ول ف تزويقه‪ ،‬ول ف‬
‫صلة إمامه‪ ،‬وتعلّم الناس كثيا من الداب السلمية الت شحّت با‬
‫التخطيطات السياسية! وعظُمت ثقة الناس بدعاتم‪ ،‬الذين كان الواحد منهم‬
‫ينتقل من قرية إل قرية ف أنصاف الليال ل ياف إل الذئب على نفسه‪ ،‬بل‬
‫كان ينتقل بي الثكنات العسكرية يُعلّم الدى حت انتشر الوعي ف أوساطها‪.‬‬
‫والسر ف ذلك هو أن هذه الرحلة كانت أكثر الزمنة نشرا للعلم‬
‫الشرعي منذ الستقلل‪ ،‬ومن عجيب الوافقات أن هذا العمل قد اجتمع عليه‬
‫ثلث فئات هي‪:‬‬
‫شوَتا‪،‬‬ ‫‪ 1‬ـ السلفية‪ :‬لن العلم أصل دعوتا‪ ،‬ونشر كتب السنة أكب نَ ْ‬
‫‪95‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪96‬‬
‫السياسة‬

‫خاصة من قِبل بعض خرّيي الامعة السلمية بالدينة النبوية‪ ،‬الذين ل َت ْغتَل‬
‫عقولَهم الدعواتُ الزبية‪ ،‬كما كان لرسائل الدعوة الت يرجع با العتمرون‬
‫أثر بالغ ف نشر العلم الصحيح؛ لن جلّها ف أبواب العقيدة وأْنعِم با عقيدة!‬
‫وأعظَم منه قيام اللحق الثقاف السعودي بتوزيع » مموع فتاوى ابن تيمية «‬
‫ف الوساط العلمية عن طريق بعض الفضلء بوزارة الشئون الدينية‪ ،‬واستفاد‬
‫الئمة منه استفادة عظيمة لول أن مَن َعتْه بعدها يد طُرُِقيّة مذهبية شقيّة‪.‬‬
‫وأعظَم من هذا كله أن الديار الزائرية حظيَت بعناية أكب مدّثي هذا‬
‫العصر‪ ،‬أل وهو الشيخ ممد ناصر الدين اللبان ـ حفظه ال ـ؛ فقد أخب‬
‫الثقة أنه حضر عنده ف بيته‪ ،‬فجاءته خسون مكالة هاتفية من الزائر ف ملس‬
‫واحد! فكان ـ حفظه ال ـ غرسه بالردن‪ ،‬وثار دعوته متدة إل الزائر‪،‬‬
‫فسبحان ال الادي! أقول هذا لن الكثي ظنّ أن سلفية الزائر هي مولود (‬
‫البهة السلمية للنقاذ )‪ ،‬كل! فإنه ل وجود لذه البهة يومئذ‪ ،‬بل كان‬
‫علي بن حاج ف السجن الول نسيا منسيّا‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ جلّ الماعات الخرى الت سبق الديث عنها‪ :‬وهي وإن كانت‬
‫لت َؤصّل دعوتا إل على السياسة‪ ،‬فقد أرغمتها سياسة الديد والنار ـ بعد‬
‫نازلة الامعة ـ على احتراف العلم وترك السياسة إل ف الظلم‪ .‬وقد كنتُ‬
‫انبهرتُ يوم دخلت مساجد بعض الامعات‪ ،‬فرأيتُ فيها لول مرة لوحة‬
‫منصوبة على الدار‪ ،‬كتِب عليها ف يوم‪ :‬أحكام التجويد‪ ،‬وف آخر‪ :‬فقه‪ ،‬وف‬
‫ثالث‪ :‬علوم القرآن ‪ ...‬ال‪ ،‬مع أنن ل أكن أسع فيها من قبلُ إل قال‬
‫الودودي‪ ،‬وقال سيد قطب‪ ،‬وقال سعيد حوّى ‪ ...‬وأقرب علم إل الشرع‬
‫عرفتُه عنهم هو السية النبوية‪ ،‬لكن دراستهم لا كانت لغراض سياسية‪،‬‬
‫حت لكأنم ل يعرفون منها إل الغزوات! ولذلك فإن أشد ما يكرهون عند‬
‫‪96‬‬
‫‪97‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫تدريسها هو أن يشوّش عليهم بدراسة أسانيد الروايات‪ ،‬خاصة إذا كانت‬


‫ُتفَوّت عليهم استنباطات حركية!! أو توقفهم عند أحكام فقهية قد تقيّد‬
‫حريّتهم الركية أو تأخذ من وقتهم‪ ،‬والقطار السياسي ل ( يبمج ) لتَوقّفه‬
‫مثل هذه الحطات‪ ،‬إنه ل يرضى إل بحطة البلان! الهم أنه َمهْما تكن‬
‫()‬
‫نيّتهم ف توّلم العلمي‪ ،‬فقد كانت مرحلة أفضل من سابقتها ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪3‬ـ وافق هذا إقامةُ الدولة معارضَ كبية للكتاب‪ ،‬مع إقبال على‬
‫الؤلفات السلمية يفوق الوصف‪ ،‬وربا بيع ألف ألف كتاب ف أسبوعي‬
‫فقط‪.‬‬
‫وظهرت ثرة الدعوة العلمية ف سرعة فائقة‪ ،‬وكانت الصدارة فيها للدعوة‬
‫السلفية الت لقيت ف العاصمة حفاوة رائقة‪ ،‬وبدأت تبسط أجنحتها خارجها‬
‫على الرغم من قلة دعاتا وكثرة عِداتا‪ ،‬وقلة مراجعها العلمية‪ ،‬وكثرة ماربيها‬
‫بالؤترات الرسية‪ ،‬لكن مساجدها هي الطروقة‪ ،‬ونشراتا هي الوثوقة‪ ،‬فقد‬
‫كان الطلبة يضرون دروسها بانتظام ومواظبة‪ ،‬وربا بلغ عددهم اللفي ف‬
‫الجلس الواحد‪ ،‬ليس ف المعة‪ ،‬بل ف درس الليل‪ ،‬أما المعة فيسافَر لا من‬
‫مئات الميال‪ ،‬وظهرمن الشباب السلفي مَن عُلّقت عليه آمال وآمال‪ :‬ف شغفه‬
‫العلمي‪ ،‬والتزامه العملي‪ ،‬واشتهر بفظ القرآن‪ ،‬حت كان َموْئل الباحثي عن‬
‫أئمة رمضان‪ ،‬مع التنبيه على أنه الوقت الذي أفلست فيه الماعات الخرى‪،‬‬

‫() وإنا اخترت التمثيل بساجد الامعات؛ لنا عُشّ الخوان والنهضويي والقليميي‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ل يسمحون فيها لغيهم بنصف كلمة ولو كانت تلوة إمام ف صلة سريّة! وهم‬
‫يُرَكّزون على الامعات لظنهم أن الدعوة تنتصر بالاديات والشهادات ل بالستضعَفي‬
‫‪ » :‬وهل تُنصَرون وتُرزَقون إل بضعفائكم « رواه‬ ‫الذين قال فيهم رسول ال‬
‫البخاري‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪98‬‬
‫السياسة‬

‫وكل من أضحى سلفيا من رموزهم ففي هذه الدة القصية‪ ،‬وفيها برز انقسام‬
‫الخوان بلء إل الكتل الثلثة الت ذكرتا ف أول هذا الفصل‪.‬‬
‫وإذا رأيتن هنا أنى باللوم الشديد على بعض الدعاة وأغضّ الطرف‬
‫عن حسناتم؛ فلنن ل أرى من تسبّب ف وَأْد هذا الي العظيم إل جانيا‬
‫على السلم والسلمي أعظم جناية‪ ،‬ولو رأيتَ ما رأيتُ لقلتَ‪ :‬ليس الب‬
‫كالعاينة‪.‬‬
‫ومن بركة العلم أن كثيا من القواني الوضعية أخذ ف انسار سريع‪ ،‬على‬
‫الرغم من ندرة التعرض لنقضها‪ ،‬فقد أدرك الناس ـ بتعلم السنة ـ مناهضتها‬
‫للشرع‪ ،‬حت الداريّ الذي يفظها أضحى ل يعرفها إل حِبا على ورق؛ لنه‬
‫يسمع ف مسجده أو ف مكتبه ما يُضْعف قناعته با‪ .‬وأعرف من هدم ستي‬
‫قبّة ف منطقة واحدة من الغرب الزائري‪ ،‬ووجد من السئولي من يدعمه على‬
‫الرغم من إرجاف الصوفية القبوريي‪ ،‬وأضحت الحافظة على الصلوات ف‬
‫العمل ل تقبل الدل‪ ،‬بل فَرض القانو ُن بناءَ مسجد ف كل مؤسسة‪ ،‬وكاد‬
‫يُقضى على مشكلة الصيام بالساب‪ ،‬بل قُضي عليها لول تقصي بعض الثقات‬
‫الوكّلي بترقّب اللل‪ ،‬كما قلّت بيوت الفساد والمارات وعوقب الفطر ف‬
‫رمضان بل عذر عقوبة رسية‪ ،‬بل لقد نوقش ف البلان لول مرة بشكل‬
‫مفتوح‪ :‬منع المور‪ ،‬ورياضة الرأة‪ ،‬وغيها من القضايا وفق الحكام‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫أما الظاهر السلمية كاللباب للمرأة والزي السلمي للرجل‪ ،‬فلم تعُد‬
‫مل نقاش‪ ،‬حت اللحية الت ينعها القانون العسكري على النود‪ ،‬قد ُرِئيَ منهم‬
‫أنفسهم من يوَفّرها‪ ،‬وح ِظيَ ذوو الظاهر السلمية بتوقي كبي لدى الناس‪.‬‬
‫وأما من الناحية المنية فقد كانت الزائر من آمَن بلد ال؛ وقد كان‬
‫‪98‬‬
‫‪99‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الواحد منا يكث سنوات متتابعات ل يَحمِل معه أوراقه الثبوتية! وكانت‬
‫الشّرَط نادرا ما يملون معهم السلح‪ ،‬بل ذُكِر ل أن بعضهم كان يضع ف‬
‫حزامه خشب ًة تُشبِه السدّس بَدَله!‬
‫أكتب هذا تذكيا بأصل ( نيل السؤدد بالعلم )‪ ،‬لَيقْصُر الدعاة من‬
‫زهدهم ف نشر العلم الصحيح؛ لنم إن ل يَحْرِموا الناس من بركته‪ ،‬وظهر ف‬
‫المة الخلص ل ف العمل به‪ ،‬غيّرال ما بم من بأس‪ .‬وإنا عربون الفتنة ف‬
‫انصراف العلماء عن تعليم أمتهم الكتاب والسنة أي العلم الذي يعن‬
‫الميع‪ ،‬إل الهد الضائع ف السياسات العصرية الت ل تعن إل فئة‬
‫مصورة على أكب تقدير‪ ،‬وهذا خلف سية النب ‪ ،‬فعن جابر قال‪ :‬مكث‬
‫رسولال بكة عشر سني‪ ،‬يتبع الناس بعكاظ ومنة‪ ،‬وف الواسم بن‬
‫يقول‪ (( :‬من يُؤوين؟ من ينصرن حت أَبلّغ رسالة رب وله النة؟ ))‪ ،‬حت إن‬
‫الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر ـ كذا قال ـ فيأتيه قومه فيقولون‪" :‬‬
‫احذر غلم قريش ل يفتنك "‪ ،‬ويشي بي رحالم وهم يشيون إليه بالصابع‪،‬‬
‫حت بعثناال إليه من يثرب‪ ،‬فآويْناه وصدّقناه‪ ،‬فيخرج الرجل منا فيؤمن‪،‬‬
‫ويُقرئه القرآن‪ ،‬فينقلب إل أهله فيُسلِمون بإسلمه‪ ،‬حت ل يَبق دار من دور‬
‫النصار إل وفيها من السلمي يُظهرون السلم‪ ،‬ث ائتمروا جيعا‪ ،‬فقلنا‪:‬‬
‫" حت مت نترك رسولال يُطرَد ف جبال مكة وياف؟ "‪ ،‬فرحل إليه منا‬
‫سبعون رجل حت قدِموا عليه ف الوسم‪ ،‬فواعدناه شعب العقبة‪ ،‬فاجتمعنا عليه‬
‫ل نبايعك؟ قال‪:‬‬ ‫من رجل ورجلي حت تَوافينا‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول ا !‬
‫» تبايعون على السمع والطاعة ف النشاط والكسل‪ ،‬والنفقة ف العسر واليسر‪،‬‬
‫وعلى المر بالعروف والنهي عن النكر‪ ،‬وأن تقولوا فال ‪ ،‬ل تافون فال‬
‫لومة لئم‪ ،‬وعلى أن تنصرون‪ ،‬فتمنعون إذا قدِمت عليكم ما تنعون منه‬
‫‪99‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪100‬‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم النة ‪. « ...‬‬
‫‪1‬‬

‫من مظاهر رفعال لمة العلم أن الشيوعيي ـ الذين كانوا ياولون التسلّل‬
‫ف الدولة الت كانت لم بالرصاد آنذاك ـ قلّوا بصفة مدهشة! واعتزلم‬
‫الناس‪ ،‬إل أنم ل ييْأسوا‪ ،‬فحاولوا بكل وسيلة ضرب السلم‪ ،‬فلم يدوا أنفع‬
‫لم من استفزاز شخصية إسلمية ثورية‪ ،‬يستطيعون التحكم فيها بالتهييج‬
‫السياسي‪ ،‬ويبدو أنم ل يدوا أحسن من علي بن حاج ف شبابه وقوة‬
‫نشاطه‪ ،‬وسحر بيانه وشدة نقمة سجي على نظامه‪ ،‬فأُخرج من السجن قبل‬
‫انتهاء مدته‪ ،‬ث هُّيئَت له ثورة شعبية! عُرفت بثورة (‪ 5‬أكتوبر ‪1988‬م)‪ ،‬وزُعِم‬
‫أنا شعبية شعبية!! وزُعِم أن أمن الدولة ُمنِع من التدخل!! وقُرْقِر ف أذن علي‬
‫بن حاج أن ( الشعب ) ينتظر كلمة السجد!! فجعل يقذف بلسانه ذات‬
‫اليمي وذات الشمال‪ ،‬وكان ج ّل حديثه بل قُلْ كل حديثه عن السجن‬
‫والكومة‪ ،‬فنصح له الدعاة السلفيون بل وغيهم لكن بل جدوى‪ .‬ث نُصِب‬
‫خ السياسي‪ :‬التعددية الزبية‪ ،‬وقيل للناس هل أنتم متحزّبون؟! لعلنا‬ ‫له الف ّ‬
‫نتّبع الكثرة إن كانوا هم الغالبي؟! فاستجاب لم أصحاب الوعي السياسي‬
‫عن بكرة أبيهم!! مِن الماعات السلمية الت هي على مستوى تديات‬
‫العصر!!! لنم يكثرون عند الطمع‪ ،‬ويقلّون عند الفزع‪ ،‬و(اليد الشعبية!)‬
‫تتصيّدهم حزبا حزبا‪ ،‬وخَطَبَ العدوّ دعا َة الماسة‪ ،‬وتَ ّم النكاح حت‬
‫ت ّلقَت الزبية ف ظلمات ثلث‪ :‬ظلمة الهل بالشريعة‪ ،‬وظلمة إغلق‬
‫العقل عند شباب حديد بالطبيعة‪ ،‬وظلمة الستفزاز الارجي الذي ل‬
‫يألوهم خبالً ول مكرًا ول خديعة! وكَوّن علي بن حاج حزبه ف ليل من‬
‫السياسة غاسق‪ ،‬وسّوه‪ ( :‬جبهة النقاذ السلمية )‪ ،‬ومن يومها والزائر‬

‫() رواه أحد والبيهقي والاكم وهو صحيح كما ف » الصحيحة « (‪ )63‬لللبان‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪100‬‬
‫‪101‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫تستغيث‪ :‬هل من منقذ؟!‬


‫حقيقةً! إنّ فتنة هؤلء الطباء ف قومهم أعظم فتنة؛ لنم مَلقّحوها! ويا‬
‫عجبا! كيف ل يُقلّدون عارها وقد أضرموا نارها؟! وهم أدوات ف أيدي‬
‫عدوّهم يرّكها كيف يشاء‪ ،‬قال خبي الفت حذيفة بن اليمان ‪ " :‬إنّ الفتنة‬
‫وُكِلت بثلث‪ :‬بالادّ النحرير الذي ل يرتفع له شيء إل قمعه بالسيف‪،‬‬
‫وبالطيب الذي يدعو إليها‪ ،‬وبالسيّد؛ فأما هذان فتبطحهما لوجوههما‪،‬‬
‫()‬
‫وأما السيّد فتبحثه حت تبلو ما عنده " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وطبيعة التحزب تغنيك عما يتبعها من عنف‪ ،‬كانت تُستدرَج إليه البهة‬
‫ف سرعة جعلت ( الحزاب السلمية ) الخرى مقبوضة اليد‪ ،‬توجِس من‬
‫التحزب خيفة‪ ،‬ولكن ما دام ل بد ـ عندهم ـ من البديل ولو ل يكن‬
‫مشروعا‪ ،‬فقد أنشأوا لم‪ ( :‬رابطة الدعوة السلمية )‪ ،‬لتكون لا الوصاية‬
‫الدعوية على غيهم‪ ،‬وأوغلوا فيها عباسي مدن وعلي بن حاج ليكونوا تت‬
‫عينهم‪ ،‬وَتوّجوا القليمي الشيخ أحد سحنون كرئيس شرف‪ ،‬والرئاسة القيقية‬
‫ترجع إل حِرَِفيّي الحتيال ف حلبة النطاح الزب‪ :‬إما إقليمي‪ ،‬أو إخوان‪ ،‬أو‬
‫نضوي‪ ،‬أو رافضي ‪ !...‬وما سُ ّميَت رابطة إل لنم يربطون عقدها‪ ،‬وكلّ‬
‫فيها بسحر السياسة نافث‪ ،‬فنعوذ بال من شر النفاثات ف العقد‪.‬‬
‫لكن رُقيتها ل تفلح طويل ف علي بن حاج رغم اجتماع النافخي فيه‪،‬‬
‫فكان كلما أراد أن يالفهم فعل ول يبالِ بخالفيه‪ ،‬من أجل ذلك استشارن‬
‫بعض القليميي ف أن يتَخلّلوا صفوف جبهة النقاذ‪ ،‬فقلت‪ :‬ولِمَ؟ قال‪:‬‬

‫(‪ )352‬وابن أب شيبة (‪15/17‬ـ ‪ )18‬وأحد ف‬ ‫))‬ ‫() رواه نعيم بن حاد ف (( الفت‬ ‫‪1‬‬

‫(( الزهد )) (‪ )2/136‬وأبو نعيم ف (( اللية )) (‪ )1/274‬واللفظ له وأبو عمرو الدان ف (( السنن‬
‫الواردة ف الفت )) (‪.)28‬‬
‫‪101‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪102‬‬
‫السياسة‬

‫خفّف من جنون الرجلي‪ :‬مدن وابن حاج! "‪ ،‬فقلت‪ " :‬إذن سُيوَرّطانكم‬ ‫" لُن َ‬
‫فيما تكرَهون "‪ ،‬فلم يقبلوا النصيحة‪ ،‬وانرط كبيهم ممد سعيد الونّاس‪،‬‬
‫قدُوا ناراً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و َ‬
‫ما أ ْ‬‫وزعموا‪ " :‬أنه ل يزيد على وظيفة الماية الدنية {كُل ّ َ‬
‫ها اللُه } بأيدينا!"‪ ،‬واتّخذ المي ُع من السياسة جارحةَ‬ ‫فأ َ َ‬
‫ب أَطْ َ‬‫حْر ِ‬‫لِل ْ َ‬
‫صَيدٍ َيجْمعون با الرغوة‪ ،‬واتّخذها أعداؤهم آلةَ كَيدٍ يَجهضون با الدعوة‪،‬‬
‫ولذلك ل يض إل زمن يسي‪ ،‬وإذا بالميع بمأة الفت يُكوَى‪ ،‬وال يهديهم‪.‬‬
‫أما الخوان العاليون فقد أظهروا بقوة رفضهم للتحزب‪ ،‬وتظاهروا بسلوك‬
‫طريق التربية‪ ،‬وأعلن ذلك أميهم مفوظ نناح ف الرائد بل خفاء‪ ،‬وهم‬
‫يترقّبون يوم مذبة البهة ليقال لم‪ :‬يا لكم مِن حكماء!‪ ،‬ولكن ذلك ل‬
‫يصل‪ ،‬بل هالم أن نحت البهة ف النتخابات البلدية وامتدّ سلطانا‪ ،‬وظنوا‬
‫ا ُللْك غنيمة باردة‪ ،‬فلم يلبثوا إل قليل حت قصروا عمر الكمة وخلعوا برقع‬
‫التربية‪ ،‬وقالوا‪ " :‬السياسة من الدين ول بد من الزبية! "‪ ،‬لكن قطار البهة‬
‫حشد الشود ول يُبقِ لم من الصوات ظَهرا مركوبا إل الكم إل بّة‬
‫شيوعية ووطنية‪ ،‬فكانوا كالشاة العائرة بي غنمي‪ ،‬وأخيا تالفوا مع‬
‫الحزاب الشيوعية والوطنية! نعوذ بال من الور بعد الكور‪.‬‬
‫وف آخر سنة (‪1411‬هـ) غيّر النظام الاكم قانون النتخابات‪ ،‬ورأت‬
‫جبهة النقاذ أنا مكيدة مدبّرة‪ ،‬فدعت إل إضراب عام عن العمل‪،‬‬
‫واعتصموا ببعض الساحات العامة‪ ،‬وبدأ الدّ يظهر بعد هذه ( السرحية )‪،‬‬
‫فمِن البهة عنف اللسان‪ ،‬ومِن مالفيهم عنف السّنان‪ .‬وبينما أنا ف بيت ف‬
‫حيّ يقال له‪ :‬جسر قسنطينة‪ ،‬إذ سعت صارخا من مكبّر صوت السجد ينَدّد‬
‫بفعل بعض عسكر الدولة‪ ،‬لكنه أرشد إل الصب‪ ،‬فحمدت ال ‪ .‬ول ألبث إل‬
‫قليل فإذا بصارخ آخر من مسجد ثان يكرّر التنديد‪ ،‬لكنه مصحوب بالنداء‬
‫‪102‬‬
‫‪103‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫إل الهاد!! فقلتُ ف نفسي‪ " :‬هذا ( حزب إسلمي ) يريد إقامة دولة‬
‫السلم وقد عجز عن توحيد كلمة مسجدين ف هذا الظرف العصيب؟ يا لا‬
‫من مغامرة يُساق إليها بلد مسلم! قد فع ْلتَها بذه المة يا ابن حاج!" ففزعت‬
‫خيّلت قصة حاة‬ ‫إل الصلة‪ ،‬ول أشعر حت فاضت عيناي بالدمع‪ ،‬وجال ف ُم َ‬
‫َ‬
‫صدُوِر}‪.‬‬ ‫ت ال ُّ‬ ‫م بِذا ِ‬
‫علي ٌ‬
‫ه َ‬ ‫م إِن َّ ُ‬
‫سل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫بسورية‪{ ،‬ولَك ِ َّ‬
‫ن الل َ‬
‫وف سنة (‪1412‬هـ) دخلت الحزاب الترشيحات البلانية‪ ،‬وفازت جبهة‬
‫النقاذ ف الدور الول منها‪ ،‬ث تغيّرت الوضاع فجأة‪ ،‬واستقال رئيس‬
‫المهورية ابن جديد‪ ،‬واستبدلت الكومة بأخرى ‪...‬‬
‫فلجأ خطباء البهة إل منابر الساجد مستنفرين المة إل الهاد؛ يتلثّم‬
‫الطيب كيما يُعرَف‪ ،‬فيشتم ث يصلي بالناس المعة ث يفرّ! وربا فرّ قبل‬
‫الصلة!! وإذا حضرت الشرطة ل تد إل البرياء‪ ،‬فتأخذهم بريرة أولئك‬
‫البطال! أبطال هذه اللعبة الصبيانية ـ وإن رأوها مناورة حركية ـ!! ودخلوا‬
‫ف ( مضاربة بل رمح‪ ،‬وليل بل صبح )‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪104‬‬
‫السياسة‬

‫علي بن حاج والعلماء‬


‫ب على أيدي أهل العلم‪ ،‬فتكوينه العلمي حصيلة دراسته‬ ‫ل يتعلم هذا الشا ّ‬
‫على الكتب‪ ،‬ومن زعم أنه تتلمذ على يدي الشيخ عبداللطيف سلطان أو‬
‫الشيخ العرباوي ـ رحهماال ـ فقد غلط‪ ،‬بل ماتا وها ساخطان عليه‪ ،‬وهذا‬
‫شيء يعرفه كل من يسكن عاصمة الزائر‪ ،‬ث كل ما هنالك أن الرجل حضر‬
‫بصفة متقطعة جدا بعض الدروس الت كان يُلقيها الشيخ العرباوي ف مسجد‬
‫()‬
‫جنان البوك ف شرح كتاب بداية الجتهد لبن رشد ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫«‬ ‫»‬ ‫«‬ ‫»‬

‫وقد بدا ل من خلل معرفت به الطويلة أن السجن الول ـ قبل فتنة‬


‫الحزاب هذه ـ أثّر فيه أثرا بالغا‪ ،‬وذلك من ناحيتي‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه أخبن هو أنه عكف على كتب الخوان السلمي وَفلَها‬
‫فَلْيا‪ ،‬بغرض انتقادها ـ كما زعم ـ وسى ل منها كتب ممد الغزال‬
‫والقرضاوي وسيد قطب‪ ،‬لكنه ل يلبث أن تأثر با؛ يدلّ عليه انقباضه من‬
‫العلماء بعد خروجه من السجن الول‪ ،‬ومن العلماء السلفيي خاصة!‬
‫ولئن قلتَ كيف يستقيم هذا ونن نسمع أنه سلفيّ؟‬
‫قلت‪ :‬إن الذي ل يقنع با عليه السلفيون منذ عهدهم الول حت يبتدع‬
‫سلفية حركية‪ ،‬لن ييء ـ مهما طوّر السلوب وحوّر ف العبارات ـ إل‬
‫ببنت الخوانية! ولو قرأتَ لذا الرجل ما كتب لا استغربت‪،‬كيف وجلّ‬
‫نقولته عن الخوان‪ ،‬من سيد قطب وأخيه ممد وعبدالقادر عودة وصلح‬

‫() كان يَحضرها للمناقشة‪ ،‬ل الفائدة!‬ ‫‪1‬‬

‫وأما الشيخ سلطان فكان شديد التحذير منه؛ بل كان ينهى الناسَ عن حضور دروس هذا‬
‫الشابّ؛ وسعتُه مرّةً يقول‪ :‬كيف يُفتِي الناسَ مَن ليُحسِنُ قراءةَ القرآنَ؟! ومثّل لذلك‬
‫بآية‪{ :‬وبَثّ مِنْهُما رِجَالً ‪ ،}...‬ويقول‪ " :‬إنه يقرؤها بدّ الثاء‪ ( :‬وبَثّا )!!‬
‫‪104‬‬
‫‪105‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الالدي وحسن البنا وحت من ممد عبدالقادر أب فارس وغيهم من تقرأ‬


‫أساءهم ف كتبه مثل كتاب فصل الكلم ف مواجهة ظلم الكام ‪ ،‬ولئن أخذ‬
‫«‬ ‫»‬

‫م‬ ‫ن يَكُن ل َ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ومضة من كتب ابن تيمية فمن باب قوله تعال‪{ :‬وإ ْ‬
‫الح ُ ْ‬
‫عنِين}‪ ،‬مع ذلك فيُفصّل كلمه على قدّه ببتر‬ ‫مذ ْ ِ‬ ‫ق يَأتُوا إِلَي ْ ِ‬
‫ه ُ‬ ‫َ ّ‬
‫نصوصه‪ ،‬واقرأ إن شئت ما كتبه ف حكم الضراب‪ ،‬ينكشف لك ما قلته بل‬
‫ارتياب‪.‬‬
‫وهذه عاقبة من ل يسعْه ما وسع السلف‪ ،‬وشبّهتُ حاله ف تأثّره بالخوان‬
‫ـ وهو يريد انتقادهم فيما زعم ـ بال الغزال الذي قال فيه أبو بكر بن‬
‫العرب‪ " :‬شيخُنا أبو حامد‪ :‬بلع الفلسفة‪ ،‬وأراد أن يتقيّأهم فما استطاع!‬
‫()‬
‫" ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ول يفى على من جرّب الماعات العاصرة ما ف منهج ( الخوان )‬


‫من الزدراء بأهل العلم‪ ،‬وإل فخبّرون من أول من نبزهم بعلماء اليض‬
‫والنفاس؟! وبعلماء القشور؟! وبعلماء البلط؟! وبالذين يعيشون القرون‬
‫()‬
‫الوسطى؟! وبعلماء الكتب الصفراء؟! وبعلماء البدو؟! ‪. ...‬‬
‫‪2‬‬

‫() » السي « للذهب (‪ ،)19/327‬وانظر » مموع الفتاوى « لبن تيمية (‪.)13/238‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر مثل كتاب » ل إله إل ال عقيدةً ومنهجا ً‪ « ...‬ص (‪ )174‬لترى كيف يغمز‬ ‫‪2‬‬

‫مؤلفُه ممدُ قطب من قناة علماء الكتاب والسنة‪ ،‬ويستهجن عمل من يقوم بتحقيق‬
‫الخطوطات! ويستنكف أن يسمّيهم علماء!! مع ذلك فهو عند قوم‪ " :‬من الخوان‬
‫العتدلي! بل من السلفيي!!"‪ ،‬لكنه ـ عندهم ـ سلفيّ العتقد‪ ،‬عصريّ الواجهة!!!‬
‫لنه ل يُضيّع وقته ف مواجهة الفرق العقدية القدية بزعم اندراسها! وهي ـ كما يقال‬
‫ـ‪:‬‬
‫( شنشنة أعرفها من أخزم )؛ وإل فلماذا إصراره على الردّ على الرجئة ـ وهي فِرقة‬
‫قدية ـ لول أنه وجاعته يريدون تنفي الشباب السلفي من علمائهم بسبب أن هؤلء‬
‫‪105‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪106‬‬
‫السياسة‬

‫الثانية‪ :‬ما لقيه ف السجن ورّثه النتقام للنفس‪ ،‬وكرّه إليه أهل العلم الذين‬
‫ل يشاركونه الرأي ف مصادمة الكومات‪ ،‬وعلى هذا أمارات ظاهرة‪ ،‬أذكر منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ عند خروجه من السجن ناية سنة (‪1407‬هـ)‪ ،‬ألقى دروسا ف‬
‫موضوع الكبائر من الكتاب النسوب للذهب ـ رحه ال ـ ف ذلك ‪ ،‬فقال ف‬
‫أول درس له‪ " :‬درج العلماء على البدء بكبية الشرك‪ ،‬وأنا أرى البدء‬
‫يُفَصّلون ف قضية الكم بغي ما أنزل ال ول يُكفّرون مطلقًا؛ بل ل أدري هل تنبّه‬
‫القاريء إل أن هذا الرجل ضاعف حديثه عن الرجاء ف كتبه الخية بعد أن استوطن‬
‫السعودية!! فانظر مثلً كتبه‪ »:‬الصحوة السلمية « و» التفسي السلمي للتاريخ « و»‬
‫واقعنا العاصر « ‪ ...‬مع أنك ل تكاد تعثر على هذه الكلمة ـ الرجاء ـ ف كتبه‬
‫القدية‪ ،‬ما يدلك على أنه استلّها من قاموس السلفيي بعد أن سكن ديارهم ليحاربم با‪،‬‬
‫ولعله ل يَسمع با من قبل! وقد كان نائب علي بن حاج ف البهة الزائرية السمّى‬
‫الاشي سحنون يُلقّب كلّ مَن ل يُكفّر الكام بذا اللقب‪ ( :‬مرجيء! ) فلما سألتُه عن‬
‫مصدره قال‪ :‬ممد قطب وعبد الرحن عبد الالق!!‬
‫ول يقف ممد قطب عند هذا حت أغرى أحدَ أبناء الزيرة العربية ليكتب ف ذلك‪ ،‬كل‬
‫ذلك توكيدا منه للهتمام بعالة داء الرجاء السيطر على علمائها ف زعمه!! ول تكاد‬
‫تد كتابا أُلّف اليوم ف الرجاء إل وعليه بصماته؛ من تقدي أو استشهاد مؤلّفه بأقواله؛‬
‫فانظر مقدّمته الافلة لكتاب تلميذه الميم سفر الوال » ظاهرة الرجاء ف الفكر‬
‫السلمي «‪ ،‬ث هي ُحذِفَت الن ف طبعته الرسية!! بل تد هذا الخي ف كتابه‬
‫» العلمانية « يأت بآية الكم بغي ما أنزل ال من غي تعريج على تفسي السلف لا‪،‬‬
‫وعلى رأسهم التفسي الشهور والصحيح السناد عن حب المة عبد ال بن عباس‬
‫رضي ال عنهما وغيه! فهل يعن هذا أنه غي راضٍ بالتفصيل السلفي الأثور ف السألة؟‬
‫انظر ص (‪ )685‬وما بعدها لترى كيف يُنَزّل الكمَ من ظاهر الية السابقة على عموم‬
‫حكام السلمي حت يُخَيّل إل القاريء أن ل تأويل للية عند السلف إل ذلك التعميم!‬
‫وتأمّل ف كتابه هذا عدد النقولت الائلة عن شيخه إل جنب نقولته الزيلة عن السلف‬
‫‪106‬‬
‫‪107‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫بكبية ( كتمان العلم )؛ لنّه لول كتمان العلماء القَ ما ظهر‬


‫الشرك ‪ !!" ..‬وهذا مسجّل ف أول شريطٍ له ف الكبائر ‪ ،‬ومع أنه قد قيل‬
‫«‬ ‫»‬

‫إنه تراجع عن مسألة الولية‪ ،‬فهل تراجع عن نفرته من أهل العلم؟‬


‫‪ 2‬ـ ف رمضان سنة (‪1408‬هـ) كان يتجهّز لداء صلة عيد الفطر قبل‬
‫الدولة من أجل رؤية اللل‪ ،‬فدُعيتُ إل ملس هو فيه‪ ،‬واقترحتُ على‬

‫تفهم ما قلتُه! وقد وجدتُ عند الشيخ اللبان كلما رصينا ف السألة‪ ،‬فقد سئل عما‬
‫يأت‪:‬‬
‫" فضيلة الشيخ! ل يفى عليكم ما احتوته الساحة الفغانية ( ف ذلك الوقت ) من‬
‫الماعات والفرق الضالة الت كثرت ف ذلك الي ف صفوفها‪ ،‬والت استطاعت‬
‫ـ وللسف ـ أن تبثّ أفكارها الارجة عن منهج السلف الصال ف شبابنا السلفي‬
‫الذي كان ياهد ف أفغانستان‪ ،‬ومن هذه الفكار‪ :‬تكفي الكام وإحياء السنن الهجورة‬
‫كالغتيالت كما يدّعون‪ ،‬والن وبعد رجوع الشباب السلفي إل بلدهم ( بعد الهاد )‬
‫قام بعضهم ببثّ هذه الراء والشبه بي الشباب ف متمعاتم ‪." ...‬‬
‫فأجاب بعد أن بيّن خطورة تنكّب تفسي السلف للوحيي‪ " :‬فكان أمرا طبيعيا جدا أن‬
‫ومنهج السلف‬ ‫ينحرفوا كما انرف من سبقهم عن كتاب ال وسنة رسول ال‬
‫الصال‪ ،‬ومن هؤلء‪ :‬الوارج قديا وحديثا؛ فإن أصل التكفي الذي ذكرناه ف هذا‬
‫ما‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫الزمان‪ :‬الية الت يُدَندِنون حولا؛ أل وهي قوله تعال‪{:‬و َ‬
‫من ل َ ْ‬
‫ن} ‪ ..‬فمن جهل الذين يتجون بذه الية‬ ‫م الكَا ِ‬
‫فُرو َ‬ ‫ه ُ‬
‫ك ُ‬‫فأُولَئ ِ َ‬
‫ه َ‬‫ل الل ُ‬‫أَنَز َ‬
‫‪ ..‬أنم ل يُِلمّوا على القل ببعض النصوص الت جاء فيها ذكر لفظة الكفر؛ فأخذوها‬
‫على أنا تعن الروج من الدين‪ ،‬وأنه ل فرق بي هذا الذي وقع ف الكفر وبي أولئك‬
‫الشركي من اليهود والنصارى ‪ ...‬ويُسلّطون هذا الفهم الاطيء على كثيين وهم‬
‫بريئون منه ‪." ...‬‬
‫ث تدّث عن تفسي ابن عباس الذي ياول ممد قطب وأتباعه جعله وصفا خاصا بلفاء‬
‫‪107‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪108‬‬
‫السياسة‬

‫الضور خطة لفظ الدعوة من الختلل فيما أظن‪ ،‬ودار الوار الت‪:‬‬
‫قلتُ لم‪ :‬أتعلمون أن فيكم عالا؟ فأجابوا جيعا بالنفي‪ ،‬با فيهم هو‪.‬‬
‫قلت‪ :‬با أن الطأ ف هذه القضايا الكبية وارد جدا على غي العلماء‪ ،‬وأنه‬
‫قد يكلف المة دماءها وأعراضها‪ ،‬فأنا أقترح عليكم أمرين ها‪:‬‬
‫أ ـ تركُ الوض ف السائل الت هي أكب من حجمنا‪ ،‬وإسنادُها إل‬

‫بن أمية‪ ،‬فقال‪ " :‬وكأنه ـ أي ابن عباس ـ طرق سعه يومئذ ما نسمعه اليوم تاما‪ ،‬أن‬
‫‪ :‬ليس الكفر الذي تذهبون‬ ‫هناك أناسا يفهمون الية على ظاهرها دون تفصيل‪ ،‬فقال‬
‫إليه‪ ،‬إنه ليس كفرا ينقل عن اللة‪ ،‬هو كفر دون كفر ‪ ...‬إل أن قال ‪ " :‬فابن تيمية‬
‫ـ يرحه ال ـ وتلميذه وصاحبه ابن قيم الوزية يدندنان دائما حول ضرورة التفريق بي‬
‫الكفر العتقادي والكفر العملي؛ وإل وقع السلم من حيث ل يدري ف فتنة الروج عن‬
‫جاعة السلمي الت وقع فيها الوارج قديا وبعض أذنابم حديثا ‪ ."...‬ث ذكر بعض ما‬
‫جرى بينه وبي بعض الخالفي أنه قال لم‪ " :‬فأنتم أول ل تستطيعون أن تكموا على‬
‫كل حاكم يكم بالقواني الغربية الكافرة أو بكثي منها أنه لو سئل لجاب بأن الكم‬
‫بذه القواني هو الق والصال ف هذا العصر‪ ،‬وأنه ل يوز الكم بالسلم‪ ،‬لو سئلوا ل‬
‫تستطيعون أن تقولوا بأنم ييبون بأن الكم با أنزل ال اليوم ل يليق؛ وإل لصاروا كفارا‬
‫دون شك ول ريب‪ ،‬فإذا نزلنا إل الحكومي وفيهم العلماء‪ ،‬وفيهم الصالون‬
‫وال ‪ ..‬فكيف تكمون عليهم بالكفر بجرد أن تروهم يعيشون تت حكم يشملهم كما‬
‫يشملكم أنتم تاما‪ ،‬لكنكم تعلنون أن هؤلء كفار بعن مرتدين ‪ ." ...‬ث تكلم عن‬
‫الاكم بغي ما أنزل ال فقال‪ " :‬فل تستطيع أن تقول بكفره حت يعرب عما ف قلبه؛ بأنه‬
‫‪ ،‬وحينئذ فقط تستطيع أن تقول إنه كافر كفر ردّة ‪ ...‬ث‬ ‫ل يرى الكم با أنزل ال‬
‫كنت ول أزال أقول لؤلء الذين يدندنون حول تكفي حكام السلمي‪ :‬هبُوا أن الكام‬
‫كفار كفر ردّة‪ ،‬ماذا يكن أن تعملوه؟ هؤلء الكفار احتلوا من بلد السلم‪ ،‬ونن هنا‬
‫مع السف ابتلينا باحتلل اليهود لفلسطي‪ ،‬فماذا نستطيع نن وأنتم أن نعمل مع هؤلء‬
‫‪108‬‬
‫‪109‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أهلها مهما ابتُلينا بإرشاد الناس‪ ،‬ومن فضلال علينا أننا ل نتلف ف الرجع‬
‫الؤهّل لا‪ ،‬فالسلفيون ل يعرفون اليوم على وجه الرض أعلم من الشيخ‬
‫اللبان والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمي وإخوانم من أهل العلم بالثر‪،‬‬
‫ومن فضلال علينا تيسّر التصال بم‪ ،‬وتواضعهم لكل سائل‪ ،‬وتوحيد مصدر‬
‫التلقي من أعظم نعمال علينا‪.‬‬
‫حت تستطيعوا أنتم مع الكام الذين تظنون أنم من الكفار؟ هل تركتم هذه الناحية جانبا‬
‫وبدأت بتأسيس القاعدة الت على أساسها تقوم قائمة الكومة السلمة؟ وذلك باتباع سنة‬
‫الت ربّى أصحابه عليها ‪ ..‬وذلك ما نعبّر عنه ف كثي من مثل هذه الناسبة‬ ‫رسول ال‬
‫بأنه ل بدّ لكل جاعة مسلمة تعمل بق لعادة حكم السلم‪ ،‬ليس فقط على أرض‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س َ‬
‫ل‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫السلم‪ ،‬بل على الرض كلها‪ ،‬تقيقا لقوله تبارك وتعال‪ُ {:‬‬
‫ه َ‬
‫و‬‫ول َ ْ‬
‫ه َ‬‫ن كُل ِّ ِ‬
‫دي ِ‬ ‫علَى ال ِّ‬‫هَرهُ َ‬ ‫ْ‬
‫ق لِيُظ ِ‬‫ح ِّ‬‫ن ال َ‬
‫وِدي ِ‬
‫دى َ‬ ‫ه َ‬
‫ه بِال ُ‬‫سول َ ُ‬
‫َر ُ‬
‫ن}‪ ،‬وقد جاء ف بعض الحاديث الصحيحة أن هذه الية ستتحقق‬ ‫ركُو َ‬ ‫م ْ‬
‫ش ِ‬ ‫رهَ ال ُ‬ ‫كَ ِ‬
‫فيما بعد؛ فلكي يتمكن السلمون من تقيق هذا النص القرآن‪ :‬هل يكون الطريق بإعلن‬
‫الثورة على هؤلء الكام الذين يظنون أن كفرهم كفر ردّة‪ ،‬ث مع ظنهم هذا ـ وهو‬
‫ظنّ خاطيء ـ ل يستطيعون أن يعملوا شيئا! ما هو النهج؟ ما هو الطريق؟ لشك أن‬
‫يدندن حوله ويذكّر أصحابه به ف كل خطبة‪ (( :‬وخي‬ ‫الطريق هو ما كان رسول ال‬
‫))؛ فعلى السلمي كافة وخاصة منهم من يهتمّ بإعادة الكم‬ ‫الدى هدى ممد‬
‫‪ :‬وهو ما نكن نن عنه بكلمتي‬ ‫السلمي أن يبدأ من حيث بدأ رسول ال‬
‫خفيفتي‪ ( :‬التصفية والتربية )؛ ذلك لننا نن نعلم حقيقة يغفل عنها أو يتغافل عنها ف‬
‫الصح أولئك الغلة الذين ليس لم إل إعلن تكفي الكام‪ ،‬ث ل شيء؛ وسيظلون‬
‫يعلنون تكفي الكام ث ل يصدر منهم إل الفت؛ والواقع ف هذه السنوات الخية‬
‫الت يعلمونا بدْءا من فتنة الرم الكي إل فتنة مصر وقتل السادات وذهاب دماء كثي‬
‫من السلمي البرياء‪ ،‬بسبب هذه الفتنة‪ ،‬ث أخيا ف سورية‪ ،‬ث الن ف مصر والزائر‬
‫مع السف ‪ ..‬ال‪ .‬كل هذا بسبب أنم خالفوا كثيا من نصوص الكتاب والسنة‪،‬‬
‫‪109‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪110‬‬
‫السياسة‬

‫ب ـ التشاور فيما بيننا ف فهم أجوبتهم‪ ،‬طمعا ف جع الكلمة ما‬


‫استطعنا إليه سبيل‪ ،‬فوافق الميع إل ابن حاج‪ ،‬قال قولة غريبة حي قال‪:‬‬
‫" كيف ل أُفت حت أسأل العلماء؟! هذا إرهاب فكري!!! ‪ ..‬وقد جرّبناهم‬
‫فوجدناهم ل يكترثون لقضايا السلمي ‪ ،" !...‬ث عرّض ببعض علماء‬
‫السعودية قائل‪ " :‬بدليل أنن كتبت إل أحدهم بعشرة أسئلة أو أكثر‪ ،‬فلم‬

‫في رسول الل ُ‬ ‫وأهها‪{:‬ل َ َ‬


‫من كَا َ‬
‫ن‬ ‫ة لِ َ‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫وةٌ َ‬
‫س َ‬‫هأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫قدْ كَا َ‬
‫خَر َوذَكََر اللَه كَثِيراً } ‪ ...‬باذا بدأ رسول ال‬
‫م ال ِ‬ ‫والي َ ْ‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬‫جو الل َ‬ ‫يَْر ُ‬
‫؟ تعلمون أنه بدأ بالدعوة بي الفراد الذين كان يظن فيهم الستعداد لتقبّل الق‪ ،‬ث‬
‫استجاب له من استجاب كما هو معروف ف السية النبوية‪ ،‬ث التعذيب والشدة الت‬
‫أصابت السلمي ف مكة‪ ،‬ث المر بالجرة الول والثانية إل آخر ما هنالك‪ ،‬حت وطّد‬
‫السلم ف الدينة النورة‪ ،‬وبدأت هنالك الناوشات‪ ،‬وبدأ القتال بي السلمي وبي‬ ‫ال‬
‫الكفار من جهة‪ ،‬ث اليهود من جهة أخرى‪ ،‬وهكذا‪ .‬إذا ل بدّ أن نبدأ نن بتعليم الناس‬
‫السلم كما بدأ الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬لكن نن الن ل نقتصر على التعليم؛‬
‫لنه دخل السلم ما ليس منه ول يُتّ إليه بصلة ‪ ...‬فلذلك كان من الواجب على‬
‫الدعاة أن يبدأوا بتصفية هذا السلم ما دخل فيه‪ ،‬والشيء الثان‪ :‬أن يقترن مع هذه‬
‫التصفية تربية الشباب السلم الناشيء على هذا السلم الصفّى‪ ،‬ونن إذا درسنا‬
‫الماعات السلمية القائمة الن منذ نو قرابة قرن من الزمان‪ ،‬لوجدنا كثيا منهم ل‬
‫يستفيدوا شيئا‪ ،‬برغم صياحهم وبرغم ضجيجهم بأنم يريدونا حكومة إسلمية‪،‬‬
‫وسفكوا دماء أبرياء كثيين بذه الجة دون أن يستفيدوا من ذلك شيئا؛ فل نزال‬
‫نسمع منهم العقائد الخالفة للكتاب والسنة‪ ،‬والعمال النافية للكتاب والسنة ‪( " ...‬‬
‫))‬ ‫من جريدة » السلمون « ‪5/5/1416‬هـ ـ عدد‪ ،556:‬ص ‪ ،)7‬و(( ملة البحوث السلمية‬
‫(‪ 49/373‬ـ ‪.)377‬‬
‫قال العلمة عبد العزيز بن باز معلّقا على هذا القال‪ " :‬فقد اطّلعتُ على الواب الفيد‬
‫‪110‬‬
‫‪111‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫يُجب إل على اثني منها!! " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ث بعد أن طالت مناشدة الضور له من بعد صلة الليل إل أن كاد يفوتنا‬


‫الفلح قال‪ " :‬نزولً عند رأي الخوان‪ ،‬فأنا أوافق و( ُأمَشّيكم ) ف هذا العيد‪،‬‬
‫لكن إياكم أن تؤخّروا عنا أجوبتهم إل عيد الضحى!!! "‪.‬‬
‫ث ل يلبث أن مضى عيد الفطر والضحى ف أمن وسلمة‪ ،‬حت كان شهر‬

‫القيّم الذي تفضّل به صاحب الفضيلة الشيخ ممد ناصر الدين اللبان ـ وفّقه ال ـ‬
‫النشور ف صحيفة » السلمون « الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفي من حكم‬
‫بغي ما أنزل ال من غي تفصيل‪ ،‬فألفيتُها كلمة قيّمة قد أصاب فيها الق‪ ،‬وسلك فيها‬
‫سبيل الؤمني‪ ،‬وأوضح ـ وفّقه ال ـ أنه ل يوز لحد من الناس أن يكفّر من حكم‬
‫بغي ما أنزل ال بجرد الفعل من دون أن يَعْلم أنه استحلّ ذلك بقلبه‪ ،‬واحتجّ با جاء‬
‫ف ذلك عن ابن عباس رضي ال عنهما وعن غيه من سلف المة ‪ » ( " ..‬السلمون «‬
‫‪12/5/1416‬هـ ـ عدد‪ ،557:‬ص ‪.)7‬‬
‫وعودا على بدء أقول‪ :‬إن هذا النراف العقدي الذي عند قطب قد انتقلت عدواه إل‬
‫أتباعه؛ ومن تتبّع نشراتم يدهم ف تبّط ذريع ف بعض مسائل العقيدة‪ ،‬خاصة منها أصل‬
‫التوحيد؛ وهو مباحث اليان وما يقابله من الكفر وما يتبعه من حكم بالتكفي‪ ،‬ولست‬
‫الن بصددها‪ ،‬مع أنه قد جاء أشراطها! فانظر مثلً كتاب » السك والعنب ف خطب‬
‫النب « لعائض القرن‪ ،‬فقد أتى فيه برافات التصوفة؛ كدعوته إل الحتفال بيوم الجرة‬
‫النبوية ـ وهو احتفال مبتدَع شبيهٌ باحتفال البتدعة بالولد النبوي ـ مضاهاة‬
‫للكافرين كما نصّ عليه ف (‪1/189‬ـ ‪ ،)191‬وتييجه ف (‪1/74‬ـ ‪ )75‬على شدّ الرحال إل‬
‫ف قصة مشهورة هي عمدة الرافيي‪ ،‬وقد‬ ‫؛ عازيا هذا الفعل إل بلل‬ ‫قب النبّ‬
‫استنكرها الذهبّ ف » السي « (‪ ،)1/358‬وابن عبد الادي ف » الصارم النكي «‬
‫ص (‪314‬ـ ‪ ،)320‬وقال فيها ابن حجر ف » لسان اليزان« (‪ " :)1/108‬وهي قصة بيّنة‬
‫الوضع "‪ ،‬ولسماحة مفت الديار السعودية الشيخ ممد بن إبراهيم ـ رحه ال ـ ردّ‬
‫‪111‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪112‬‬
‫السياسة‬

‫صفر سنة (‪1409‬هـ)‪ ،‬نزلت بالناس نازلة (‪ 5‬أكتوبر ‪1988‬م ) آنفة الذكر‪،‬‬
‫وشارك فيها علي بن حاج مشاركة من فقد عقله‪ ،‬وأفت فيها بالتحزبات‬
‫والظاهرات والضرابات بل والضرابات عن الطعام‪ ،‬من غي أن يذكر ما‬
‫()‬
‫عاهد عليه إخوانه ليال عيد الفطر !‬
‫‪1‬‬

‫‪ 3‬ـ طلب منه كثي من أتباعه الذين لم ميل سلفي أن يتصل بأهل العلم‬

‫وافر عليها ف » شفاء الصدور ف الردّ على الواب الشكور « ص (‪13‬ـ ‪ ،)21‬وكذا‬
‫الشيخ اللبان ف » دفاع عن الديث النبوي والسية « ص (‪94‬ـ ‪ )102‬وقال‪ " :‬فهذه‬
‫الرواية باطلة موضوعة؛ ولوائح الوضع عليها ظاهرة من وجوه عديدة ‪ ،" ...‬إل أن قال‪:‬‬

‫" قوله‪ (:‬ويُمرّغ وجهه عليه )‪ ،‬قلت‪ :‬وهذا دليل آخر على وضع هذه القصة وجهل‬
‫من أولئك الهلة الذين ل يقفون عند حدود الشرع‬ ‫واضعها؛ فإنه يصوّر لنا أن بللً‬
‫إذا رأوا القبور‪ ،‬فيفعلون عندها ما ل يوز من الشركيات و الوثنيات‪ ،‬كتلمس القب‬
‫والتمسح به وتقبيله‪ "...‬ص (‪.)96‬‬
‫قلت‪ :‬وتقبيل القب الذي جعله الشيخ اللبان من دين القبوريي ـ كما ترى ـ هو عي‬
‫ما أمر به القرن السلمي؛ حيث قال ف ص (‪ )57‬من كتابه » لن اللود « بصراحة‪:‬‬
‫وضَعْ قُبْلةً يا صاحِ منك على‬ ‫فـحيّ القـبـورَ الـاثـلت تـحيّة‬
‫اللحد‬
‫أكـرم ميـت ف الـورى لُـفّ ف‬ ‫على خي من مسّ الثرى بعبيه‬
‫بـرد‬
‫مباشرة سائلً ذلك منه ـ ل من ال ـ؛ فقال‬ ‫وجعل رجاءه الشفاعة من الرسول‬
‫فيها أيضا‪:‬‬
‫إذا طاشت الحلمُ ف موقف مردي‬ ‫وأرجو ببّي من رسول شفاعة‬
‫وراحته السـمحـاء تـأبـى عـن‬ ‫عساه بقرب الب يذكرن به‬
‫‪112‬‬
‫‪113‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ـ أيام نازلة أكتوبر هذه ـ ليستفيد منهم فيما أهمّ المة‪ ،‬فلم يستجب لم‪،‬‬
‫بل لا وجده ذوو العقل منهم ل يسند فتاواه الغريبة عن النهج السلفي إل أحد‬
‫من العلماء السلفيي‪ ،‬ويستدلّ لا بأقوال مَن ل علقة له بالعلم كالخوان‬
‫الذين سبق تسمية بعضهم‪ ،‬نبذوه مرة واحدة‪ ،‬خاصة وأنه قد صاحَبَ ذلك‬
‫ظهورُه ف الصحف وتويزه التصوير بعد أن كان يرّمه! فعرفوا أنا فتاوى‬
‫الـرد‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه}‪،‬‬
‫عندَهُ إِل ّ بِإذْن ِ ِ‬
‫ع ِ‬ ‫ذي ي َ ْ‬
‫شف ُ‬ ‫قلت‪ :‬قال ال تعال‪َ {:‬‬
‫من ذَا ال ّ ِ‬
‫ميعاً }‪.‬‬
‫ج ِ‬
‫ة َ‬
‫ع ُ‬
‫فا َ‬ ‫ه ال َّ‬
‫ش َ‬ ‫ل لل ِ‬ ‫وقال‪ُ {:‬‬
‫ق ْ‬
‫فقال فيها أيضا‪:‬‬ ‫وجعل النجاة من فزع الصراط بيد النب‬
‫مرور صراط مفزع مصلت الدّ‬ ‫أريد بدحي أن يَُبلّغن النجا‬
‫ل إِنِّي َ‬
‫ل‬ ‫قلت‪ :‬يا هذا! أقصر عن هذا الغلوّ الهلك؛ فقد قال ال لنبيّه ‪ُ {:‬‬
‫ق ْ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ن الل ِ‬
‫م َ‬ ‫ل إِنِّي لَن ي ُ ِ‬
‫جيَرنِي ِ‬ ‫ق ْ‬‫شداً‪ُ .‬‬ ‫ول َ َر َ‬
‫ضًّرا َ‬
‫م َ‬ ‫ك لَك ُ ْ‬
‫مل ِ ُ‬‫أ ْ‬
‫حداً }‪.‬‬‫ملْت َ َ‬
‫ه ُ‬
‫من دُون ِ ِ‬‫جدَ ِ‬‫نأ ِ‬ ‫ول َ ْ‬
‫حدٌ َ‬ ‫أ َ‬
‫بأنه‪ " :‬إنسان عي الكون " ف‬ ‫والذي تشيب له رؤوس أهل التوحيد وَصفه النبّ‬
‫كتابه » السك والعنب « (‪)1/190‬؛ وهذا عي قول غلة الصوفية أصحاب وحدة الوجود؛‬
‫ـ إنسان‬ ‫فقد قال الزول ف » دلئل اليات « ص (‪ " :)71‬وهو‪ ..‬ـ يعن النبّ‬
‫عي الوجود والسبب ف كل موجود‪ ( "...‬نقلً عن كتاب » فضل الصلة على النبّ‬
‫« لفضيلة الشيخ عبد الحسن العبّاد ـ حفظه ال ـ ص ‪.)22‬‬
‫وف ص (‪ )335‬من » السك والعنب « ترى القرن يكفّر بالكبية؛ حيث يقول‪ " :‬وهي ـ‬
‫أي السكرات والخدّرات ـ أعظم ما عُصِيَ ال تعال به ف أرضه!! "‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬هذا نتُ مذهب الوارج الصريح! فهل ترى قد شابهُ مسك وعنب؟ أم هل ينفع أن‬
‫يقال‪ :‬سبقُ لسانٍ من خطيب منب؟ فلماذا إذا يطبعه ف ذاك الدفتر؟! وهل يُقبل من‬
‫صاحبه أن َيدّعي أن كلم الوارج مفتر؟! وهو ياطب علماءَ السلمي بقوله ف ص (‪)47‬‬
‫من‬
‫‪113‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪114‬‬
‫السياسة‬

‫ضغط الواقع‪ ،‬ولذلك ل يُعرَف له أي استفتاء لهل العلم ل مقروء ول‬


‫ن}‪.‬‬‫قي َ‬‫م صاِد ِ‬ ‫علْم ٍ إِن كُنت ُ ْ‬
‫مسموع‪ ،‬فـ {نَبِّئُونِي ب ِ ِ‬
‫‪ 4‬ـ زار الزائر الشيخ الفاضل أبو بكر جابر الزائري قبل أيام‬
‫الضراب‪ ،‬واستدعى عليّ بن حاج مرتي فلم يبه! وف الرة الثالثة حضر‬
‫درسَ الشيخ ف الامع الكبي بالزائر العاصمة‪ ،‬وفيه نى الشيخ الدعاة عن‬

‫» لن اللود «‪:‬‬
‫ل يَعرِف العابد مَن صلى وصامـا‬ ‫صَلّ مـا شـئـتَ وصُمْ فالـدّين‬
‫عـمّـة بيضاء واصبغـهـا‬ ‫واجعل السبـحـة متريـن وخـذ‬
‫رخـامـــا‬
‫يتلـظّـى ف‬ ‫واتـرك العـالـم ف غــوغــائـه‬
‫ليـالـيــه اضـطـرامــــا‬
‫أنــت مِـن أحد يـكفيك‬ ‫أنــت قـسّيس مـن الرهبان ما‬
‫اللمـــا‬
‫دامــت الـدنـيــا بـلءً‬ ‫ل تـخـادعن بزيّ الشيـخ مـا‬
‫وظـلمـــا‬
‫أنت إل مـدنــف‬ ‫أنـت تـأليــفـك للمـوات مـا‬
‫حــبّ الكلمـا‬
‫مذهـب التقلـيد قد زدت‬ ‫كل يوم تشـرح الـمـت عـلـى‬
‫قــتاما‬
‫حـينـما خِفتَ من الباغي حُساما‬ ‫والواشي السود أشغلت بـا‬
‫عمر فتوى مثلكم خسون عـامـا‬ ‫ل تقل شيخي كلما وانتـظـر‬
‫ل تـدانيـهـا‬ ‫والسـياسـات حِمـى مـذورة‬
‫فــتـلـقـيك حـطـاما‬
‫‪114‬‬
‫‪115‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أسلوب التهوّر‪ ،‬وعن استعمال اللفاظ الت تُبعد الشقة بينهم وبي حكّامهم‬
‫()‬
‫جنُون منها إل التعوّر ‪ ،‬ومثّل بلفظ ( الطواغيت )‪ ،‬فكان هذا كالذبح‬
‫‪1‬‬
‫ول يَ ْ‬
‫لعلي بن حاج؛ لنه يَجترّ هذه الكلمة ف دروسه اجترارَ الغنم للهشيم عند‬
‫استراحتها‪ ،‬بل لعلّ دعوته ل تعيش إل با‪ ،‬وجاهيه ل تنتعش إل عند ساعها!‬
‫وهو ساكت على مضض‪ ،‬ولا كان الشيخ ييب على السئلة‬

‫قلت‪ :‬إذا ل تنفع عنده عبادةُ السلفي ول تسبيحُ الصوف ما داما عازفي عن الفقه الركي‬
‫البتدع‪ ،‬وبسببه خرج كلّ منهما‪ :‬ليس مِن دائرة العلم فقط‪ ،‬بل ومن دائرة السلم؛ لنه‬
‫صرّح بل تشبيه ول تأويل أنما صارا من النصارى‪ ،‬بل من قساوستهم؛ وذلك قوله‪:‬‬
‫ف قوله‪ " :‬ما أنت‬ ‫" أنت قسيس من الرهبان!!"‪ ،‬وأكّده حي أخرجه من ملّة أحد‬
‫من أحد!! "‪ ،‬وهذا ـ وال! ـ جُرم عظيم ف حق إخوانه السلمي! فكيف وهو حُكْم‬
‫على علماء السلمي!!! فهل ترؤ ـ أيها القاريء ـ على تسمية أحد من السلمي ـ‬
‫فضل عن علمائهم ـ باليهودي أو النصران؛ لنه ل يلتفت إل ( فقه الواقع )؟! أعاذك‬
‫ال‪.‬‬
‫هذا تكفيه بالكبية وبالوهم أيضا نثرا وشعرا! وذاك تريفه نثرا وشعرا! فبأيّ حديث‬
‫بعده يؤمنون؟! وتسمية قصيدته بـ( لن اللود ) مأخوذ من اسم غِناء امرأة مشهورة ف‬
‫هذا العصر!‬
‫ومثله أو أفظع منه ف التكفي بالكبية قولُ سلمان العودة ف شريط» جلسة على‬
‫حكم‬ ‫الرصيف « ف مُغَنّ ياهر بفسقه‪ " :‬هذا ل يَغفر ال له! إل أن يتوب؛ لن النبّ‬
‫بأنه ل يُعافَى » كلّ أمت معاف « ‪ !...‬لنم مرتَدّون بفعلهم هذا!!‪ ...‬هذه رِدّة عن‬
‫السلم!! هذا مَلّد ـ والعياذ بال ـ ف نار جهنم إل أن يتوب!! لاذا؟ لنه ل يؤمن‬
‫سآءَ‬
‫و َ‬
‫ة َ‬ ‫ح َ‬
‫ش ً‬ ‫فا ِ‬ ‫زنَى إِنَّه كَا َ‬
‫ن َ‬ ‫قَربُوا ال ّ ِ‬ ‫‪َ {:‬‬
‫ول َ ت َ ْ‬ ‫بقول ال‬
‫سبِيلً }؛ بال عليكم! الذي يَعرف أنّ الزن حرام وفاحشة ويُسخط ال‪ ،‬هل يفتخر‬
‫َ‬
‫أمام الناس؟! أمام الليي أو فئات اللوف من الناس؟! ‪ ...‬ل يَفعل هذا مؤمن أبدا!‬
‫‪115‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪116‬‬
‫السياسة‬

‫ـ وكانت كلها سياسية بطبيعة الوضع ـ وكانت الجوبة مالفة لا يهوَى‪،‬‬


‫نفد صبه وطلب الكلمة من القدّم‪ ،‬فاستحي هذا أن يتقدّم بي يدي الشيخ‪،‬‬
‫فقام عليّ بنفسه وأخذ مكبّر الصوت عنوة‪ ،‬وقال كلمتي تنبئان عما ف نفسه‬
‫تاه العلماء‪:‬‬
‫أما الول فهي قوله‪ " :‬أيها الخوة يب عليكم أن تفهموا كلم الشيخ‬

‫‪."...‬‬
‫قلتُ‪ :‬ف قوله‪ " :‬ل يغفر ال له!" جرأة عظيمة على ال! أول يقرأ ما رواه جندب أن‬
‫حدّث » أن رجل قال‪ :‬وال! ل يغفر ال لفلن! وإنّ ال تعال قال‪ :‬مَن‬ ‫رسول ال‬
‫ذا الذي يَتأَلّى عليّ أن ل أغفر لفلن‪ ،‬فإن قد غفرتُ لفلن وأَحبطتُ عملك « أو‬
‫كما قال‪ ،‬رواه مسلم‪ ،‬قال ابن أب زمني ف » أصول السنة « ص (‪ " :)257‬ومَن مات‬
‫مِن الؤمني مُصِرّا على ذنبه فهو ف مشيئته وخياره‪ ،‬وليس لحدٍ أن يَتسَوّر على ال ف‬
‫علم غَيْبه وبحود قضائه؛ فيقول‪ :‬أَبَى ربّك أن يَغْفِر للمُصرّين‪ ،‬كما أَبَى أن يُ َعذّب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫هتَا ٌ‬
‫هذَا ب ُ ْ‬ ‫حان َ َ‬
‫ك َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫هذَا ُ‬ ‫ن لَنَا أن نَتَكَل ّ َ‬
‫م بِ َ‬ ‫التائبي! { َ‬
‫ما يَكُو ُ‬
‫م}!" اهـ‪.‬‬
‫عظِي ٌ‬
‫َ‬
‫كنتُ أتن أن يكون هذا الكلم سبق لسان قد تاب منه صاحبه‪ ،‬ولزم بيته واشتغل بنفسه‬
‫فعلّمها ما ينفعها‪ ،‬إل أن وجدتُه مدوّنا ف كتاب له بعنوان الشريط نفسه! بل وأصرّ عليه‬
‫ف شريط آخر بعد هذا عنوانه‪ » :‬الشباب‪ :‬أسئلة ومشكلت « بتاريخ‪21/5/1411( :‬هـ)‬
‫فال الستعان‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد كنتُ ـ من زمن بعيد ـ ألحظ على أتباع هؤلء الشتراك ف التكفي بكبية‬
‫الربا لشبهات تَوهّموها قرائن دالة على استحللا! فعرفتُ أنه ليس َثمّ دخان بل نار! ث‬
‫رأيتُ ناصر العمر يلمّح له ف كتابه » التوحيد أ ّولً « ص (‪66‬ـ ‪ )67‬تت عنوان‪:‬‬
‫معاصٍ أم كفر؟ وصرّح به سفر الوال ف ص (‪ )138‬من » وعد كيسنجر « فقال‪:‬‬
‫" ‪ ...‬واستبحنا الربا!! "‪ ،‬ث أخذ هذا الذهبُ يُرب الريش حت كان منه ما ذكرته آنفا!‬
‫‪116‬‬
‫‪117‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫كما هو ول ترّفوه!"‪.‬‬
‫وأما الثانية فهي قوله‪ " :‬نيط الشيخ علما بأن لنا جاعة للنهي عن‬
‫الشرك!!"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما الول فقد أراد با إيهام الضور أنه والشيخ ف طريق واحد!‬
‫وهو ف هذا متفنّن لبق‪ .‬وأما الثانية فهي ماملة واضحة لدعاة التوحيد‬

‫وشبيه بذا قول سفر الوال أيضا ف ناية الوجه الول وبداية الثان من شريط » دروس‬
‫الطحاوية « (‪ .. " :)2/272‬هذا الترو بوليتان عبارة عن فندق ف دولة خليجية‪ :‬دب ‪..‬‬
‫فيها هذا الفندق‪ ،‬بكل صراحة يقول‪ :‬إنّ فيه مشروبات؛ اللي يسمونا الشروبات‬
‫الروحية‪ ،‬يعن أنه يقدّم المور بالضافة إل ما فيه من الشليهات أو ـ أيضا ـ‬
‫الفيديوات إل آخره‪ ،‬فهذه دعوة صرية إل المر‪ ،‬وملوءة الدعوة ـ أيضا ـ مرفق‬
‫بذلك‪ :‬الصور اللي تثبت أنم ـ والعياذ بال ـ رقص متلط وتعرّي مع شرب للخمر‪،‬‬
‫نعوذ بال من هذا الكفر؛ لنّ استحلل ما حرّم ال تبارك وتعال هو بل ريب كفر‬
‫صريح !!!"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬تأمل! فقد قدّم صورة ماهرات بالعاصي‪ ،‬وسى الدعاية لا استحلل‪ ،‬ث رتّب على‬
‫ذلك الكمَ بالتكفي الذي ل يترك لنا مال لتأويله بـ ( كفر دون كفر ) حي قال‪" :‬‬
‫كفر صريح "‪ ،‬وهذا التخبّط الذي عند القوم ف مسألة الستحلل هو الذي جعلهم‬
‫يرتعون ف مذهب الوارج؛ وإل فما الفرق بي هذه العاصي وغيها؟! وهل يُمتنَع أن ثّ‬
‫عاصيا ف الدنيا ل َيدْعُ صاحبا له إل مشاركته ف إثه؟! وإنه ليؤسفنا أن يكون هذا هو‬
‫الشرح للعقيدة الطحاوية!‬
‫وقد سُئل الشيخ اللبان عن كتاب‪ (( :‬ظاهرة الرجاء ف الفكر السلمي )) لسفر‬
‫الوال‪ ،‬وفيه التكفي ببعض الكبائر! فقال‪:‬‬
‫" كان من ـ أنا ـ رأيٌ‪ ،‬صدر من يوما ما‪ ،‬منذ نو من ثلثي سنة حينما كنت ف‬
‫الامعة (يقصد الامعة السلمية بالدينة النبوية)‪ ،‬وسُئلتُ ف ملس حافلٍ عن رأيي ف‬
‫‪117‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪118‬‬
‫السياسة‬

‫ـ والشيخ وهاب!! ـ‪ ،‬مع ما فيها ما يُغن عن التعليق‪ .‬وأوقف الشيخ درسه‬


‫مباشرة لن أهل السجد كادوا يصيون فريقي يتصمان‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ زار الزائر ف تلك اليام الخ عدنان عرعور‪ ،‬فلم يلقَه علي بن‬
‫حاج إل يوم الغادرة ليُسلّم عليه ف الطار! مؤنّبا الخوة لنم ل يبوه‬
‫بقدومه! مع أنه كان يلقي دروسه ف آلف من الضور‪ ،‬قريبا من مسجد علي‬

‫جاعة التبليغ‪ ،‬فقلتُ يومئذ‪ :‬صوفية عصرية‪ ،‬فالن خطر ف بال أن أقول بالنسبة لؤلء‬
‫الماعة الذين خرجوا ف العصر الاضر وخالفوا السلف‪ ،‬أقول هنا تاوبا مع كلمة‬
‫الافظ الذهب‪ :‬خالفوا السلف ف كثي من مناهجمهم‪ ،‬بدا ل أن أسّيهم‪ :‬خارجية‬
‫عصرية‪ ،‬فهذا يشبه الروج الن فيما ـ يعن ـ نقرأ من كلمهم؛ لنم ـ ف الواقع ـ‬
‫كلمهم ينحو منحى الوارج ف تكفي مرتكب الكبائر‪ ،‬لكنهم ـ ولعل هذا ما أدري؟‬
‫منَّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ر َ‬ ‫ج ِ‬‫أن أقول‪ :‬غفلة منهم أو مكر منهم!! وهذا أقوله أيضا من باب {ول ي َ ْ‬
‫قَوى} ـ‬ ‫ب لِلت َّ ْ‬ ‫و أَ ْ‬
‫قَر ُ‬ ‫دلُوا ُ‬
‫ه َ‬ ‫دلُوا ا ْ‬
‫ع ِ‬ ‫ع ِ‬
‫َ‬
‫وم ٍ على أن ل َ ت َ ْ‬ ‫ن َ‬
‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫شنَآ ُ‬
‫ما أدري ل يصرّحون بأنّ كل كبية هي مكفّرة! لكنهم يُدندنون حول بعض الكبائر‬
‫ويسكتون أو يرّون على الكبائر الخرى! ولذلك فأنا ل أرى أن نُطلق القول ونقول‬
‫فيهم‪ :‬إنم خوارج إل من بعض الوانب‪ ،‬وهذا من العدل الذي أُمرنا‬
‫به ‪." ...‬‬
‫ث أبدى الشيخُ استغرابَه من بعض ما ف حواشي الكتاب؛ مثل رَمْي مَن ل يُكَفّر تاركَ‬
‫الصلة بالرجاء!! واستغرب أن يكون هذا من سفر الوال؛ معلّل إيّاه بقوله‪ " :‬لن‬
‫سفرا ـ أقلّ ما أقول ـ يُظهر الجلل لللبان! ‪." ...‬‬
‫من شريط (( السرورية خارجية عصرية )) ناية الوجه الول‪ ،‬تسجيلت القدس بالردن‪.‬‬
‫فهؤلء أربعة من أبناء الزيرة السلفية صاروا ضحايا فكر ممد قطب؛ انرفوا ف شيء من‬
‫عقيدتم‪ ،‬بل ف أصل العقيدة ـ كما سبق ـ فانرفت دعوتم‪ ،‬كما ستقرؤون ذلك ف‬
‫موضعه من هذا الكتاب إن شاء ال‪ .‬ث كيف رضي هؤلء لنفسهم التتلمذ على يدي‬
‫‪118‬‬
‫‪119‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫بن حاج بأمتار فقط!! على الرغم من ذلك فقد قال له عدنان ف الطار‪ " :‬إذا‬
‫رغبتَ ف اللقاء فأنا مستع ّد للغاء الرحلة؟ " فلم يبه!‬
‫ولو اعتذر ابنُ حاج بأن الخ الزائر ليس عالا تُشَدّ إليه الرحال لوجدنا له‬
‫مرجا؛ ولكنه أوجس منه خيفة لا علِم أنه أتى من السعودية فَتوَهّمه على‬
‫شاكلة ( الوهّابيي ) الُخدّرين للنشاط الركي ف اعتقاده! أو أنه حامل فكر‬

‫رجل عَزّ عليه التجرّد من غزو لباس الفرنة إل يوم الناس هذا‪ ،‬فأنّى له التجرّد من‬
‫نظامهم؟! ثّ هم أعلم منه بشرع ال؟! والمر ل‪.‬‬
‫هذا وقد وجدتُ ف كلم أحد متبوعي هؤلء الشباب الذكورين التكفيَ الصريح بكبية‬
‫اللواط؛ فقد قال ممد سرور زين العابدين ف كتابه (( منهج النبياء ف الدعوة إل ال )) (‬
‫‪ " :)1/158‬فليس مِن الستغرَب أن تكون مشكلة إتيان الذكران مِن العالي أهمّ قضية ف‬
‫دعوة قوم لوط عليه السلم؛ لن قومه لو استجابوا له ف دعوته إل اليان بال وعدم‬
‫الشراك به لا كان لستجابتهم له أيّ معن إذا ل يُقلِعوا عن عاداتم البيثة الت‬
‫اجتمعوا عليها‪ ،‬ول يَتستّروا ف فعلها!!!"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهل بعد هذا التصريح أدن شكّ ف التزامه مذهبَ الوارج؟! ث لبدّ أن يُلحَظ‬
‫تقييدُ السألة عنده بالتستّر من عدمه‪ ،‬وإدارته الكمَ بالتكفي عليه ليُربَط بكلم سلمان‬
‫العودة السابق ف تكفيه الجاهر بالفسق؛ فقد بلغن من أكثر من مصدر أن هذا الخي‬
‫كان ـ وهو صغي ـ كثي التردّد على ممد سرور! وقد قال عمرو بن قيس اللئي‪" :‬‬
‫إذا رأيتَ الشَابّ أوّلَ ما يَنشأُ مع أهل السنة والماعة فارْجُه‪ ،‬وإذا رأيتَه مع أهل‬
‫البدع فايْئَسْ منه؛ فإنّ الشّابّ على َأوّل نُشُوئه "‪ ،‬رواه ابن بطة ف (( البانة )) (‪ )44‬وهو‬
‫صحيح‪.‬‬
‫بل ل يكتفِ ممد سرور بذا حت بيّن ـ بل مواراة ـ أنه قال هذا من أجل إسقاط‬
‫منهج السلف ف ادّعائهم أن الشرك هو أخطر ما عُصِيَ الُ به! فقد قال ف ص (‪ )159‬وهو‬
‫يتحدّث دائما عن اللواط‪ " :‬ثة أمر لبدّ من التنويه إليه‪ ،‬وهو أن كلّ نبّ بعثه الُ لداية‬
‫‪119‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪120‬‬
‫السياسة‬

‫الشيخ اللبان ليَشُلّ دعوته السياسية ف ظنّه!‬


‫‪ 6‬ـ زار علي بن حاج السعودية أيام أزمة الليج بدعوة منها مكرّما‬
‫معزّزا‪ ،‬وكنا نأمل أن يلتقي بشايخ السلفية الكبار ليستفيد ونستفيد؛ إذ يسعه‬
‫تواضعهم إن شاءال ‪ ،‬فلم يصل ذلك منه‪ ،‬بل جلس مع بعض الشايخ ل‬
‫ينبس ببنت شفة‪ ،‬ف تكتّم مرّب عنه مع السلفيي‪ .‬وف هذه الزيارة عرّج‬

‫قومه وإصلح ما فسد من أخلقهم وعاداتم‪ ،‬وهذا يقتضي أن يتصدّى النبّ لعلج‬
‫ومواجهة أخطر الشكلت مهما كلّفه ذلك من تضحيات!! وهذا يالف سلوك بعض‬
‫الدعاة ف عصرنا؛ الذين يعالون قضايا عفا عليها الزمن ‪."!!!...‬‬
‫قلتُ‪ :‬فهذا يدلّ على أنه يرى كبيةَ اللواط أخطر من الشرك بال!! فهل وصل الوارج‬
‫الوّلون والخِرون إل هذا الضلل قبله؟! وقد أحسن الردّ عليه فضيلة الشيخ صال‬
‫الفوزان ف شريط (( أهية التوحيد )) ‪.‬‬
‫وأعود إل قضية الستحلل هذه لنقل كلم الشيخ اللبان من كتابه » العقيدة‬
‫الطحاوية‪ :‬شرح وتعليق « ص (‪40‬ـ ‪ )41‬بعد ردّه على التخبّطي ف التكفي بالستحلل‪،‬‬
‫فقال‪ " :‬وقد نبتت نابتةٌ جديدة اتّبَعوا هؤلء ـ أي الوارج والعتزلة ـ ف تكفيهم جاهي‬
‫ت بطوائف منهم ‪ ،...‬ولم شبهات كشبهات الوارج؛‬
‫السلمي رؤوسا ومرؤوسي‪ ،‬اجتمع ُ‬
‫مثل النصوص الت فيها ( مَن فعل كذا فقد كفر )‪ ،‬وقد ساق الشارح ـ رحه ال تعال ـ‬
‫طائفة منها هنا‪ ،‬ونقل عن أهل السنة ـ القائلي بأن اليان قول وعمل‪ ،‬يزيد وينقص ـ أن‬
‫الذنب أيّ ذنب كان؛ هو كفر عملي ل اعتقادي‪ ،‬وأن الكفر عندهم على مراتب‪ :‬كفر دون‬
‫ت عن فهمه النابتةُ الشار‬
‫كفر؛ كاليان عندهم‪ ،‬ث ضرب على ذلك مثال هاما طالا غفلَ ْ‬
‫إليها‪ ،‬فقال ـ رحه ال تعال ـ ص (‪ " :)363‬وهنا أمر ينبغي أن يُتفطّن له‪ ،‬وهو أن الكم بغي‬
‫ما أنزل ال قد يكون كفرا ينقل عن اللّة‪ ،‬وقد يكون معصية‪ :‬كبي ًة أو صغيةً‪ ،‬ويكون كفرا‪:‬‬
‫إما مازيا وإما كفرا أصغر‪ ،‬على القولي الذكورين؛ وذلك بسب حال الاكم ‪."...‬‬
‫قلت‪ :‬للشيخ صال بن عبد العزيز آل الشيخ تفصيل طيّب لسألة الستحلل ف شريطي‬
‫من شرحه لـ » كتاب التوحيد « للمجدّد ممد بن عبد الوهاب ف " باب طاعة العلماء‬
‫‪120‬‬
‫‪121‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫على الردن ف جولة سياسية ـ كما يقولون ـ ول يزر الشيخ اللبان! وأنا‬
‫أعرف عن الزائريي عيبَهم الشديد على السلفي الذي يُحرَم من زيارة هؤلء‬
‫العلماء‪ ،‬نظرا لندرة أمثالم عندنا‪ ،‬ولذلك لموه كثيا؛ لنه دليل على أنه غي‬
‫()‬
‫سلفي أو ف نفسه منهم شيء خفيّ!‬
‫‪1‬‬

‫‪ 7‬ـ عند سفره الثان إل الردن ف مسيه إل القتال مع العراق‪ ،‬اضطره‬

‫والمراء " من » تسجيلت طيبة « بالدينة الطيّبة‪ ،‬فاطلبها‪.‬‬


‫وأقول أخيا‪ :‬إن بداية افتتان هؤلء الشباب بذه الفكار‪ ،‬كان سببه وفادتا عليهم من‬
‫قِبَل ( الخوان السلمي ) بعد أن أثاروا زوابع القلقل ف أمصارهم‪ ،‬سواء أكانت هذه‬
‫الخوانيةُ مصريةً قطبيةً تكفييةً‪ ،‬أم كانت سوريةً صوفيةً!! فلما شُرّد هؤلء وضُرب‬
‫عليهم جيعا بيد من حديد‪ ،‬فرّوا ولأوا إل البلد الت يُكِنّون لا العداء الكب؛ أل وهي‬
‫الدولة الوهابية ـ كما يُسمّونا! ـ واستغلوا ف ذلك كون هذه الدولة هي الوحيدة ف‬
‫العال السلمي الت تدعم قضايا السلمي رسيا‪ ،‬كما استغلوا حسن ظنّ أهلها بم‬
‫ومبتهم للمسلمي‪ ،‬وبدلً من أن يأخذوا التوحيد الفطري من عجائز ند‪ ،‬فضلً عن أن‬
‫يتعلّموه على أيدي علمائها‪ ،‬وبدلً من أن يمدوا ال الذي آواهم ث يشكروا لصاحب‬
‫الدار إكرامه لم‪ ،‬جعلوا ينشرون أفكارهم النحرفة بألسنة سحّارة‪ ،‬وبسطوا نفوذهم حت‬
‫تصدّروا الجالس وتسلّموا الدارات بشهادات غرّارة‪ ،‬فما زالوا بأبناء جزيرة التوحيد حت‬
‫رَبّوا منهم أشكال غريبة! منهم أولئك الذين بيّنا حيتم العقدية آنفا ف أصل التوحيد!‬
‫فماذا بعد العقيدة يا قوم؟!‬
‫() كانت هذه السئلة ـ يومئذ ـ ف كراسة ف يده‪ ،‬وقد اطّلعتُ عليها‪ ،‬فبدا ل منها‬ ‫‪1‬‬

‫أمران‪ :‬الول‪ :‬أن ف أكثرها غمزا للطلبة السلفيي الذين يرفضون ثوريته‪ ،‬خاصة منهم‬
‫التخرّجون من الامعة السلمية بالدينة النبوية ـ كما صرّح فيها بذلك ـ‬
‫الثان‪ :‬أنه كتبها ف السجن الول؛ أي قبل دخوله ف التحزب العلن‪ ،‬ما يدلّ على أن‬
‫تامله على السلفيي قدي‪ ،‬فافهم!‬
‫‪121‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪122‬‬
‫السياسة‬

‫بعض السلفيي إل زيارة الشيخ اللبان‪ ،‬ووقع منه ما يُدهش‪.‬‬


‫‪ 8‬ـ وهو ما أخبنا به الشيخ نفسه ومن كان حاضرا كالشيخ علي بن‬
‫حسن بن عبد الميد والشيخ ممد شقرة‪ ،‬أنه زارهم ف بيت الشيخ ليعتذر‬
‫إليهم عن ضيق وقته‪ ،‬وأنه يرجو تقصي مدة الجلس!‬
‫‪9‬ـ كما أخبونا جيعا أنه أب تسجيل الناقشة ف جدل عقيم طال بل‬
‫وأما إخفاؤه هذا التحامل‪ ،‬بل تظاهره بالدفاع عن السلفيي أحيانا؛ فسببه أنه حي خرج‬
‫من السجن الول وجد الساحة سلفية ـ خاصة ف العاصمة ـ فاضطر إل أن يامل‪،‬‬
‫وإل فلو صرّح بثل ما ف تلك السئلة ما اجتمع إليه تلك العداد الت هو متاج إليها ف‬
‫صناديق النتخاب!!‬
‫على جبل‬ ‫() من غريب استدللته أنه ارتكز ف تويز الظاهرات على قصة قيام النب‬ ‫‪1‬‬

‫أب قبيس وماطبته كفار قريش!! وبطلن هذا ل يتاج إل بيان مهما تعلّق صاحبه‬
‫بالقشّة‪ ،‬لكن حسبك ههنا أن تقف على نوع من أراجيف الستدلل لتبيّن غرابة الفقه‬
‫السياسي العاصر‪ ،‬ومغبّة استغلل النصوص الشرعية للنوات الثورية!‬
‫() ف » تاج العروس « (‪ " :)3/43‬وعوّر الراعي الغنم تعويرا‪ :‬عرّضها للضياع "‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() التكتمّ والنقباض الذي يلتزمه ابن حاج مع السلفيي أمر عرفتُه عنه كل هذه الدة الت‬ ‫‪1‬‬

‫كنتُ وإخوان نلقاه فيها؛ بل ل أكاد أَعرف عنه كلما ناقشتُه ـ على كثرة ما ضيّعتُ‬
‫من وقت ف عتاب له ـ معارضة قط‪ ،‬إل مرة واحدة ـ فيما أذكر ـ صرّح بالخالفة‬
‫بعد استفزاز طويل‪ !..‬قال فضيلة الشيخ صال اللحيدان ـ حفظه ال ـ‪ " :‬جلسنا مع‬
‫عباسي مدن وعلي بن حاج أيام أزمة الليج‪ ،‬فكان ابن حاج ـ طول اللسة ـ‬
‫ساكتا؛ فإما أن يكون سكوته سكوتا سياسيا‪ ،‬وإما يكون تأدّبا مع رئيسه مدن! وأنا‬
‫أُرجّح الول؛ لنه ليس لعباسي تكوين علمي شرعي‪ ،‬وإنا هو ف علم النفس‬
‫والتربية!!"‪ ،‬قلت‪ :‬لقد صدقتْ فراسةُ الشيخ؛ فإن ابن حاج آخذ على نفسه أن يكتم‬
‫الشقاق ويتظاهر بالوفاق تعجيل للفراق! وأصدق وصْف يليق به أنه وسواس إذا خل‬
‫بماعته من العوامّ الوامّ أو الزبيي التكفييي والركيي‪ ،‬خنّاس إذا حضر عنده‬
‫‪122‬‬
‫‪123‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫عائدة إل عائدة خوف الرجل من انتشار الق ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ 10‬ـ كما أخبونا أنه حي أقنعه الشيخ بضرورة التسجيل‪ ،‬قَِبلَ على‬
‫شرط غريب‪ ،‬وهو عدم نشر الشريط حت يأذن هو به للشيخ!!! وهذا أقبح‬
‫تصرّف يصدر من طالب مع شيخ‪ ،‬ورحمال زمانا كان فيه السلف يطمعون‬
‫ف السماع من شيوخهم ولو بتحمّل الضرب‪ ،‬قال الذهب‪ " :‬قال يعقوب بن‬
‫إسحاق الروي عن صال بن ممد الافظ سعت هشام بن عمار يقول‪:‬‬
‫دخلت على مالك فقلت له‪ :‬حدّثن‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فقلت‪ :‬ل‪ ،‬بل حدّثن‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اقرأ‪ ،‬فلما أكثرت عليه‪ ،‬قال‪ :‬يا غلم تعال! اذهب بذا فاضربه خسة عشر‪،‬‬
‫فذهب ب فضربن خس عشرة دِرّة‪ ،‬ث جاء ب إليه‪ ،‬فقال‪ :‬قد ضربته‪ ،‬فقلت‬
‫له‪ :‬لِمَ ظلمتن؟ ضربتن خس عشرة درة بغي جرم‪ ،‬ل أجعلك ف ِحلّ‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬فما كفارته؟ قلت‪ :‬كفارته أن تَدثن بمسة عشر حديثا‪ ،‬قال‪ :‬فحدثن‬
‫بمسة عشر حديثا‪ ،‬فقلت له‪ :‬زدْ من الضرب وزدْ ف الديث‪ ،‬فضحك‬
‫مالك وقال‪ :‬اذهب "(‪.)2‬‬
‫‪ 11‬ـ بذه النفرة الت كان يدها علي بن حاج من العلماء تفهم سرّ‬
‫تكراره ف غي ما شريط مسجّل أنه ألّف كتابا أساه‪ (( :‬بي علماء السجون‬
‫وعلماء الصحون! «‪ ،‬مع كثرة إيراده لحاديث القُصّاص ف مواجهة الكام‬

‫السلفيّون!! وهو يعرِف حقّ العرفة أنه مانبٌ لدي السلف ـ كما صرّح بذلك ف‬
‫بعض الجالس ـ‪ ،‬وأن الذي دفعه إل ما هو فيه إنا هو ردود فعل نفسية! ولقد صدق‬
‫من قال‪ :‬نن ف زمن يصدق عليه وصف القائل‪ :‬لئن كانت آفة اللوك سوء السية‪ ،‬فإن‬
‫آفة الدعاة خبث السريرة!‬
‫() قاله الشيخ اللبان ف شريط مسجل له من » سلسلة الدى والنور « رقم (‪.)438/1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » السي « (‪.)11/429‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪123‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪124‬‬
‫السياسة‬

‫على طريقة الوارج‪ ،‬ولو كان أبطاله من شرار البتدعة‪ ،‬كعمرو بن عُبيد‬
‫العتزل‪ ،‬فينشأ ف نفوس الناشئة أنه ل عال إل من دخل السجن؟!‬
‫وبذا التنفي من العلماء فسد سلوك الشباب تاههم‪ ،‬وظهر لول مرة‬
‫ف الزائر فُرقة بي السلفيي؛ إذ أصبحتَ تسمع بسلفية علمية وسلفية‬
‫حركية! ووُصف بالرجاء كل من دعا إل الكمة والصبوالخذ بسية‬
‫الرسول ف جهاده‪ ،‬وهذه هي بركة التحزب!‬
‫وأخيا ل بدّ من كلمة متصرة جدا عن هذا الرجل‪ ،‬أرى أنا ُتعَرّف به‬
‫جيّدا‪ ،‬وهي أن علي بن حاج يعيش بنفسية متوترة؛ يثور على الألوف‪،‬‬
‫ويستثي الغريب الخوف‪ ،‬وتراه ل يثبت على مذهب؛ بل يُكثر التنقل من‬
‫غريب إل أغرب؛ يتتبّع الديد الذي يثي النتباه‪ ،‬ويَم ّل العتيق ولو ل يكن به‬
‫()‬
‫اشتباه ؛ فحي كان تريج عبد الميد كشك مطلب الشباب كان‬ ‫‪1‬‬

‫()‬
‫( كشكيا! )‪ ،‬ويوم أن تكّن المين من الكم مدحه مدحا كبيا! وحي‬
‫‪2‬‬

‫برّزت الدعوة السلفية ـ ف متمع قد أنكته الذهبية ـ ولّى إليها وجهه‪،‬‬


‫لكنه حصر عنايته با ف الرب على الذهبية‪ ،‬وصحب ذلك حاسة لطلب‬
‫العلم‪ ،‬فشنّع على الدعوات السياسية وتسجّى بالِلم‪ ،‬ث اشرأبّت العناق إل‬
‫إيران‪ ،‬فثار عليهم ثورة الثيان! وحي جاء التحزّب يركض‪ ،‬ركبه ول ُي َعقّب!‬
‫فما زال سياسيا يُحاور‪ ،‬حت إذا سالت من دماء التكفي عيون انقلب إل‬
‫() من غرائب كلماته الت كان يتعمّد تكثي الماهي با أنن سعتُه مرة ف درس عامّ‬ ‫‪1‬‬

‫يقول‪ " :‬بعد خسة عشر يوما أخبكم هل الرئيس الشاذل بن جديد كافر أو ل؟!!! "‪.‬‬
‫() وذلك ف أول درس ألقاه ف مسجد المام الشافعي بالراش ف عاصمة الزائر‪ ،‬ولئن‬ ‫‪2‬‬

‫بقي مِن أصحابه القدمي مَن ل يَحصده الرصاص بعد ليذكرنّ ذلك ـ إن شاء ال ـ‬
‫وذلك يوم أن وصف المين بصاحب اللحية البيضاء توقيا! فـ { ُ‬
‫قت ِ َ‬
‫ل‬
‫ن}!‬ ‫صو َ‬‫خَّرا ُ‬‫ال َ‬
‫‪124‬‬
‫‪125‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ف العايرِ‪ ،‬وهنا وضع رحله‪ ،‬وربط فرسه‪ ،‬و ُشلّ منه التفكي‪ ،‬ورضي ف‬ ‫العني ِ‬
‫سبيل ذلك بالعاطب‪ ،‬واستأنسَ بوحوش التكفي‪ ،‬واستقرّت به الراكب‪ ،‬وال‬
‫وحده أعلم بالذي يتلوه‪.‬‬
‫ويَعرف هذا مَن تذكّر تنقّله السريع ف موضوعات دروسه؛ فهو ل يكاد‬
‫يفتتح كتابا إل تركه وقفز إل غيه؛ فمن (( شرح السنة )) للبغوي إل‬
‫(( الكبائر )) للذهب‪ ،‬فتفسي القرآن‪ ،‬فتبسيطه‪ ،‬فتزكية النفوس‪ ،‬فالسياسة‬
‫الشرعية ‪ ...‬كل هذه الدروس وقف فيها عند بدايتها بالتداول‪ ،‬وف كل مرة‬
‫يسمع الضور وعدًا قصي العمر يقول‪ :‬اليوم نبدأ درس كذا من كتاب فلن!‬
‫وهكذا ‪...‬‬
‫وقد بيّن الاورديّ هذه النفسي َة الغريبة الت عرفها من أهلها‪ ،‬وكأنه يعيش‬
‫صْبوَة؛ وقال النبّ‬ ‫بي أظهرنا فقال‪ " :‬مع أن لكل جديد لذّة‪ ،‬ولكلّ مستحدَث َ‬
‫)‬
‫‪ (( :‬إنّ أخوف ما أخاف على أمت منافقٌ عليمُ اللسان ))( ‪ ،‬فتصي البدعُ‬
‫‪1‬‬

‫فاشية‪ ،‬ومذاهب القّ واهية‪ ،‬ث يُفضي المرُ إل التحزّب والعصبة؛ فإذا رأوا‬
‫كثرةَ جعهم وقوّ َة شوكتهم داخلهم ِعزّ القوّة ونوةُ الكثرة‪ ،‬فتضافرَ جهالُ‬
‫نسّاكهم وفسقةُ علمائهم باليل على مالفيهم! فإذا استتبّ لم ذلك زاحوا‬
‫السلطانَ ف رئاسته‪ ،‬وقبّحوا عند العامة جيلَ سيته‪ ،‬فربا انفتق ما ل يرتق؛‬
‫()‬
‫فإنّ كبار المور تبدو صغارا " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وسرّ هذه التناقضات التعاقبة عليه والتنقّلت التناوبة عليه ثوريّتُه التأصّلة‬
‫خبُر الرجل يقول‪ :‬إنه ذو شخصيّتي! والقيقة أن له‬ ‫ف نفسه‪ ،‬وبعض مَن ل َي ْ‬
‫شخصيّة ثابتة؛ أل وهي الثورية الت تدّثتُ عنها آنفا وطول نفَسه ف‬

‫() رواه أحد وهو صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() (( درر السلوك ف سياسة اللوك )) ص (‪120‬ـ ‪.)121‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪125‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪126‬‬
‫السياسة‬

‫ج ّد‬‫الصومات‪ ،‬وأخرى متغيّرة؛ لنا تعبي عن هذه الثورية على حسب ما يَ ِ‬


‫ف الدعوات‪ ،‬وشبيه باله من قال فيه عمر بن عبد العزيز ـ رحه ال ـ‪" :‬‬
‫()‬
‫مَن جعل دينه َغرَضا للخصومات أكثر التنقّل " ‪ ،‬قال الدارمي بعد هذا‬
‫‪1‬‬

‫الثر‪:‬‬
‫" أي ينتقل من رأي إل رأي!"‪.‬‬
‫وعن خالد بن سعد مول أب مسعود قال‪ :‬دخل أبو مسعود على حذيفة‬
‫وهو مريض‪ ،‬فأسنده إليه‪ ،‬فقال أبومسعود‪ :‬أوصنا‪ ،‬فقال حذيفة‪ " :‬إن الضللة‬
‫حقّ الضللة أن تعرف ما كنتَ تنكِر وتنكِر ما كنتَ تعرِف‪،‬‬
‫()‬
‫وإيّاك والتلوّن ف الدين!! " ‪ ،‬وف رواية‪ " :‬فإن رأَى حللً كان يراه‬
‫‪2‬‬

‫حراما ‪ ،" ...‬وقال إبراهيم‪ " :‬كانوا َيرَون التلوّن ف الدين مِن شكّ‬
‫()‬
‫القلوب " ‪ .‬ومن أوضح علمات هذا الشكّ اتباعُ الرءِ القّ مَرّبا ل له‬ ‫‪3‬‬

‫متجرّدا‪ ،‬وأن ُي ْؤثِر دليل الواقع على نصّ الوحي‪ ،‬كما قال حذيفة ‪ " :‬إنّ‬
‫أخوف ما أخاف على هذه المة أنْ يُؤْثِروا ما َيرَون على ما َيعْلمون‪ ،‬وأنْ‬

‫() رواه مالك ف (( الوطأ )) (‪917‬ـ الندوي ) وهو صحيح‪ ،‬وهو من الروايات العزيزة‬ ‫‪1‬‬

‫الت حفظتها لنا رواية ممد بن السن الشيبان‪ ،‬ورواه الدارمي (‪ )1/91‬وغيه‪ .‬ولذا الثر‬
‫للجري ص (‪ ،)56‬و(( البانة )) لبن بطة (‪ )583‬و» ترتيب‬ ‫))‬ ‫قصة انظر (( الشريعة‬
‫الدارك « للقاضي عياض (‪.)1/170‬‬
‫() رواه نعيم بن حاد ف (( الفت )) (‪ )130‬وابن أب شيبة (‪ )15/88‬وابن بطة ف‬ ‫‪2‬‬

‫(‪ )25‬و(‪571‬ـ ‪ )573‬والاكم (‪ )4/467‬وأبو نعيم (‪1/272‬ـ ‪ )273‬وأبو عمرو‬ ‫))‬ ‫(( البانة‬
‫الدان ف (( السنن الواردة ف الفت )) (‪ )26‬وهو صحيح؛ لن له شاهدا عند نعيم ابن حاد‬
‫أيضا (‪ )134‬وأب القاسم البغوي ف (( العديات )) (‪.)3117‬‬
‫() رواه ابن بطة ف (( البانة )) (‪.)575‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪126‬‬
‫‪127‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫ضلّوا وهم ل يشعرون " ‪ ،‬وقد اشتهر عند كثي من الناس أن ابن حاج‬
‫‪1‬‬
‫يَ ِ‬
‫سلفي بسبب أنه جرّب السلفية زمنا‪ ،‬فلما ل يد فيها نمته الثورية ورأى أنا‬
‫صفّي ما بينه وبي حكامه من حسابات نفسية تركها باطنا ول يُصرّح‬ ‫ل تُ َ‬
‫هْر‬‫ج َ‬ ‫بذلك ظاهرا‪ ،‬وال وحده الادي؛ لنّه هو القائل‪{ :‬وإ ْ‬
‫ن تَ ْ‬
‫فى}‪.‬‬ ‫سَّر وأ َ ْ‬
‫خ َ‬ ‫م ال ِّ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫فإن َّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ل َ‬
‫و ِ‬ ‫بِال َ‬
‫ق ْ‬
‫ومِن طرقه الت كان يسلكها للتأثي على الماهي التظاهر بالورع البارد إذا‬
‫قيل له بأن فلنا يردّ عليك! فيقول‪ " :‬أقول كما يقول أبو ضمضم إذا أصبح‪:‬‬
‫تصدّقتُ بعرضي على مَن ظلمن‪ ،‬رواه مسلم!! " كذا يقول ويردّد‪.‬‬
‫()‬
‫وهذا مع أنه ل يَ ْروِه مسلم بل هو ضعيف ل يصحّ رفعه ‪ ،‬فهو من‬
‫‪2‬‬

‫السماحة الصطنعة؛ لن قائله يظهر الصوم عن أعراض السلمي ف الوقت‬


‫الذي يفطر فيه على دمائهم!! فكم من آلف من السلمي قُتِلوا بفتواه كما‬
‫ستراه ف هذا الكتاب؟!‪.‬‬
‫وأما عن علمه فسبق ذكر شيء من إرجافات فقهه السياسي؛ حي استدلّ‬
‫ابن حاج بقصة وقوف النبّ على جبل أب قبيس على مشروعية‬
‫الظاهرات!! وأغرب منه استدلله بوصال النبّ ف صومه على مشروعية‬
‫الضراب عن الطعام؛ فقد قال ف قصيدة له بعد أن تأكّدنا من بعض أهله أنا‬
‫له‪:‬‬
‫اقتداءًا بسيّد الواصِلينا!!!‬ ‫وأضربنا عن الطعام تعفّفا‬
‫قلت‪ :‬وهذا ـ وال ـ من الدواهي!! ومنها إفتاؤه بالتفجي الماعي ف‬
‫الحلت العامة‪ ،‬فلما سئل عن السلمي الذين ُيقْتلون ف ذلك قال‪ :‬يُبعَثون‬

‫() رواه هنّاد بن السري ف (( الزهد )) (‪ )949‬وأبو نعيم (‪.)1/278‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر (( إرواء الغليل )) (‪.)2366‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪127‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪128‬‬
‫السياسة‬

‫على ِنيّاتم!!! ويعزو ذلك لبن تيمية! نعوذ بال من قلّة الياء!‬

‫‪128‬‬
‫‪129‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫جناية السياسة على العلم‬


‫قيل لعلي بن حاج يوما‪ :‬لقد مللْنا الدروس السياسية‪ ،‬فهلّ علّمتنا ديننا‪،‬‬
‫وددنا لو بدأت بأبواب الطهارة والياه‪ ،‬ول تتكلم ف السياسة ولو مرة واحدة‪،‬‬
‫فقال‪ " :‬أستطيع ذلك‪ ،‬ولكنن إذا ذكرت أن الكومة تقطع الاء عن الناس ف‬
‫وقت ما ل أسكت عنها!! "‪.‬‬
‫أذكر هذا لتعْلم مصي كل سياسي ف تقديره للعلم الشرعي‪ ،‬فل أدري‬
‫هل شعر أن الكومة حي تقطع الاء الذي به حياة البدان‪ ،‬فهو ـ بسببها ـ‬
‫يقطع عن الناس تعلّم الدين الذي به حياة الَنان‪ ،‬فأي الفريقي أعظم جناية؟!‬
‫وليست جناية السياسة قاصرة على الحكام العملية فحسب‪ ،‬بل تتعداها‬
‫إل العقيدة السلمية‪ ،‬فقد لقيه بعضهم بعد الفراج عنه من السجن‪ ،‬فكلمه‬
‫عن الشاعرة الذين استولوا على دور التعليم‪ ،‬راجيا منه أن يكون عونا له ف‬
‫الرد على أعداء التوحيد‪ ،‬ففاجأه بكلمة زهّدته فيه‪ ،‬تدل على انرافه الطي‬
‫عن النهج السوِيّ‪ ،‬قال يومها‪ " :‬أنا لو اشتغلت بالرد على الشاعرة‪ ،‬فإن‬
‫الكومة تضحك من عينيها !! "‪.‬‬
‫فتأمل هذا ـ رحكال ـ ول تكن ف التعصب للرجال من الالكي‪،‬‬
‫فالرجل دخل ف صراع مع السياسيي‪ ،‬حت ظنّ نفسه أنه خُلق لبكاء‬
‫م لَ‬ ‫و َ‬ ‫الكومات!! فمن يبكي على أمة حُرِمت عقيدتا وسلمة قلبها {ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سلِيمٍ }؟‬ ‫ب َ‬ ‫قل ْ ٍ‬
‫ه بِ َ‬
‫ن أتَى الل َ‬ ‫ن إِل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫ول َ بَنُو َ‬ ‫ما ٌ‬
‫ل َ‬ ‫ع َ‬ ‫يَن َ‬
‫ف ُ‬
‫إنن أريد بذه العناوين الخية إشعار القاريء بطورة مالفة تلك الصول‬
‫الستة الت اختصرتا ف افتتاحية هذا الكتاب‪ ،‬بالتمثيل لا من خلل الدعوة ف‬
‫الزائر‪.‬‬
‫لقد عُمّرَت جبهة النقاذ السلمية ثلث سنوات فقط‪ ،‬تدّم با بنيان‬
‫‪129‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪130‬‬
‫السياسة‬

‫ف بعد الْتحام‪ ،‬واّتهِمت فيها السلفية بعد‬


‫أوشك على التمام‪ ،‬وتصدّع با ص ّ‬
‫أن وُضع لا القبول‪ ،‬ورُفع العلم وسيطر الطيش على العقول‪ ،‬وعشّش التكفي‬
‫ف مساجد البهة وباض‪ ،‬واتد الزبيون مع البتدعة حت الطرقية وبن إباض‪،‬‬
‫واتّهم العلم‪ ،‬وحُرّم اللم‪ ،‬وتسمّن فكر الوارج‪ ،‬حت عيِيَ الناصح والعال‪.‬‬
‫هذا والشيوعيون الخباث ف الداخل والارج يرقبون مسرورين عملية‬
‫النتحار‪ ،‬يُحَرّكون أحيانا بالتهييج السياسي استعجالً لقطف الثمار‪ ،‬فرحي‬
‫بعدوّ سهل الستدراج؛ لن عنف البهة أوجد لم السوّغ القانون لضرب‬
‫السلمي بل احتجاج! وهي خطة ترقّبوها من سنوات عجاف ل يغاثوا فيها إل‬
‫بتسخي علي بن حاج‪ ،‬بل عجزوا عنها حت ف أيام الستعمار الفرنسي‪ ،‬وقد‬
‫قلنا للعلمة ابن باز ـ حفظه ال ـ‪ " :‬إن الماعة السلمية السلحة ف‬
‫الزائر منعت صلة المعة ف بعض الدن! "‪ ،‬فقال متعجبا‪ " :‬كيف يعطّلون‬
‫المعة‪ ،‬وقد عجز عن ذلك فرنسا وبريطانيا واليهود؟!!"‪.‬‬
‫وكم قَتلوا اليوم من طلبة العلم جريتُهم أنم رفضوا مشاركتهم فيما هم‬
‫()‬
‫فيه! وهذه هي بركة التحزب! ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() ولبيان أثر العلم ف تصي الدعوة السلمية ما يكدّر صفاءها أقول‪ :‬ما من دعوة طيبة‬ ‫‪1‬‬

‫ظهرت إل جُنّد لا من البتدعة من يُعطّلها أو يشتّتها‪ ،‬ولقد اشتهر اليوم أن حامل لواء‬
‫الجهاض على الدعوة السلمية هم جاعة التكفي العائدين من أفغانستان ـ مع السف‬
‫ـ والق أن هؤلء ما دخلوا قرية إل أفسدوها‪ ،‬إل أنم ظلوا ف الزائر مدحورين‬
‫مقهورين‪ ،‬يَنقصون ول يزيدون‪ ،‬والسر ف ذلك أن هذا البلد خُصّ بعناية الشيخ اللبان‬
‫سدّ ذي القرني على يأجوج ومأجوج‪ ،‬ول‬
‫الذي كان علمه سدا ف وجه التكفي ك َ‬
‫يرجوا منه إل يوم خرج علي بن حاج من السجن الول‪ ،‬وإل فكيف يُفسّر تذيرهم ل‬
‫ولغيي من التعرض للرد عليه‪ ،‬مع أنم كفّروه بعد أن وضع أوراق اعتماد حزبه بالبلان‬
‫أي قبل أن يُصرّح بتكفي الدولة!!‬
‫‪130‬‬
‫‪131‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫نعم! لتذكروا كلمة ابن تيمية البيّنة ف الصل الامس من أن نكاية‬


‫البتدعة ف السلمي أشد وطءا من نكاية الكفار فيهم‪ ،‬ول أدري ما سرّ‬
‫تلقيب النب الوارج بـ »كلب النار «؟ ألنم يتهدون ف السلمي‬
‫تكفيا وتقتيل حت يُكفّر بعضُهم بعضا‪ ،‬كما تتهد الكلب فيمن تنكره‬
‫نباحا وعضّا حت ترجع إل أذنابا فتعضّها؟ ويكون مصداقه ما جاء ف‬
‫» الصحيحي « من أن النب قال فيهم‪ »:‬يَقتلون أهل السلم‪ ،‬ويَدَعون‬
‫أهل الوثان «؟ أم لنم يُستَدرَجون بأبسط اليَل حت يَهيجوا كما أن‬
‫الكلب تنبح لدن استفزاز‪ ،‬حت ربا دلّت عدوّها على مَخْبَأ صاحبها؟‬
‫()‬
‫جنِي بَراقِش " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ذكّرن هذا بالثل القائل‪ " :‬وعلى نفسها تَ ْ‬
‫لذلك كله‪ ،‬ما يُخاف على السلمي من الشيوعيي كما يُخاف عليهم من‬
‫أنفسهم؛ فإن أولئك مهما أوتوا من تنظيم وقوة وإدارات وبسط نفوذ‪ ،‬فلن‬
‫يضروهم إل أذى‪ ،‬وأما جناية السلمي على أنفسهم‪ ،‬فقد قالال تعال ف قوم‬
‫كانوا مواجهي الكفار اللّص‪{ :‬أ َو ل َ َ َ‬
‫د‬
‫ق ْ‬‫ة َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫صابَتْكُم ُ‬
‫م ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫َ ّ‬
‫د‬
‫عن ِ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫هو ِ‬‫ل ُ‬ ‫هذَا ُ‬
‫ق ْ‬ ‫م أَنَّى َ‬
‫قلْت ُ ْ‬
‫مثْلَيْها ُ‬
‫صبْتُم ِ‬
‫َ‬
‫أ َ‬
‫م}‪ ،‬وكان النب يؤصّل هذا النهج بتأكيده ف كل خطبة قائلً‪:‬‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫أَن ُ‬
‫ف ِ‬
‫‪ ..‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا‪ ، ..‬فالله م آمي‪ .‬وقد بيّنتُ‬
‫«‬ ‫»‬

‫هنا من واقع الزائر ما يشهد لا نن بصدده‪.‬‬

‫() قال اليدان ف » ممع المثال « رقم (‪ " :)2427‬كانت براقش كلبة لقوم من العرب‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫فأُغي عليهم‪ ،‬فهربوا ومعهم براقش‪ ،‬فاتبع القومُ آثارَهم بنباح براقش‪ ،‬فهجموا عليهم‬
‫فاصطلموهم‪ ،‬قال حزة بن بيض‪:‬‬
‫ل يَساري ول يين رَمَتْنِي‬ ‫ل تكن عن جناية لقَتـن‬
‫وعلى نفسـها بـراقش تَجن‬ ‫بل جَناها أخ عليّ كري‬
‫‪131‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪132‬‬
‫السياسة‬

‫وأخيا‪ :‬رجائي من ذوي العلم والنهج السلفي‪ ،‬أن يكتبوا عن تربة‬


‫بقية البلد السلمية‪ ،‬فقد ُرفِعت للمنهج السلفي أعلم ف اليمن‬
‫وأفغانستان والسودان وإيران وسورية والردن ومصر وتونس وغيها‪ ،‬تدلّ‬
‫عليه وتؤكّده‪ ،‬لتُشفِقوا على السلمي ما يصيبهم بأيديهم‪ ،‬ولتبيّنوا للشباب‬
‫التائه اليوم واللعب بالنار وجوب الرجوع إل الطريق النبوي‪ ،‬فقد بان‬
‫لجَى أكب برهان ف واقع بلد السلمي على أنه ل يصلح لم غيه‪،‬‬ ‫لذوي ا ِ‬
‫ولكن أقلما وأفواها غي سلفية سبقت لتموّه وترّف الق والواقع‪ ،‬فاستعينوا‬
‫بال واصبوا وإن وُصِفتم بالثبّطي أو الرجفي‪ ،‬فإن غايتكم رضىال وحده‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫‪133‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫حال الدعوات السياسية اليوم‬


‫ياصَر السلمون اليوم حصارا شديدا‪ ،‬ل يعرفوه حت وقت الستعمرات‬
‫الكافرة‪ ،‬والعال كله تألب عليهم ورماهم عن قوس واحدة‪ ،‬ل يألوهم خبال‬
‫ول يرقب فيهم إ ّل ول ذمة‪ ،‬حت ضاقت عليهم الرض با رحبت‪ ،‬المر‬
‫الذي سبب لم ردود فعل خطية‪ ،‬وصاروا ل يعيشون إل على أنقاض‬
‫الحداث السياسية‪ ،‬نشاطهم يقوى بقوتا ويضعف بضعفها‪ ،‬وكأنم هم‬
‫ـ أيضا ـ كُتب عليهم شقاء السياسيي‪ ،‬وانقسم النقذون الخطئون‬
‫مموعتي‪:‬‬
‫• مموعة دخلت العمل السياسي بل تورع‪ ،‬فتَميّع منهجها‪ ،‬وتنازلت‬
‫عن غي قليل من دينها‪ ،‬لنا تعيش تت ضغط الزات السياسية العنيفة‪،‬‬
‫منه نبيه حي قال‪{ :‬وإن كادُوا‬ ‫فحَقّ فيها ما حذرال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫علَيْنَا‬‫ي َ‬ ‫ر َ‬ ‫فت َ ِ‬‫ك لِت َ ْ‬‫حيْنَا إِلَي ْ َ‬ ‫و َ‬‫ن ال ّذي أ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ك َ‬ ‫فتِنُون َ َ‬‫لَي َ ْ‬
‫ك لَ َ‬
‫قدْ‬ ‫ول َ أَن ثَبَّتْنَا َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫خلِيلً ‪َ .‬‬ ‫ك َ‬ ‫خذُو َ‬ ‫وإذًا لَت َّ َ‬ ‫غيَْرهُ َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫ع َ‬ ‫ض ْ‬‫ك ِ‬ ‫قنَا َ‬ ‫قلِيل ً إِذا ً لَذَ ْ‬ ‫شيْئا ً َ‬ ‫هم َ‬ ‫ت تَْرك َ ُ َ‬
‫ن إِلي ْ ِ‬ ‫كِد َ‬
‫علَيْنَا‬
‫ك َ‬ ‫جد ُ ل َ َ‬‫م ل َ تَ ِ‬ ‫ت ث ُ َّ‬‫ما ِ‬ ‫م َ‬‫ف ال َ‬ ‫ع َ‬ ‫ض ْ‬‫و ِ‬‫ة َ‬ ‫حيَا ِ‬‫ال َ‬
‫صيراً }‪.‬‬ ‫نَ ِ‬
‫• ومموعة تَنْزَغُها الحداث السياسية‪ ،‬وتؤزّها أَزّا لنا وجدتا أُذُنا‪،‬‬
‫وهي تُستدرَج بالستفزازات السياسية الاكرة‪ ،‬وهؤلء حق فيهم ما حذرال‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫فُّزون َ َ‬ ‫وإِن كَادُوا لَي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫حي قال‪َ { :‬‬ ‫منه نبيه‬
‫ك إلَّ‬
‫ف َ‬ ‫ها وإذا ً ل َ يَلْبَثُون ِ‬
‫خل َ َ‬ ‫جو َ‬ ‫َ‬
‫من ْ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ر ُ‬
‫خ ِ‬
‫ض لِي ُ ْ‬‫الْر ِ‬
‫قلِيلً }‪.‬‬
‫َ‬
‫وحديثي هنا ل يتعرض مباشرة للول لنه قد كُتب عنها ما فيه غناء‪،‬‬
‫‪133‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪134‬‬
‫السياسة‬

‫ولكن الثانية هي الت أقصد؛ لن فكرتا ل تعد َحكْرا على فئة معروفة من‬
‫الناس بل ظهرت ف هذا العصر الخي مع الخوان السلمي‪ ،‬ث ل يلبث هؤلء‬
‫أن تلوا عنها متأثرين بفكرة الجموعة الول‪ ،‬ث لبسها ورثة الوارج‪ :‬جاعة‬
‫الجرة والتكفي‪،‬وتداولوها مع شيوخهم القطبيي‪ ،‬ث بكر من هؤلء أريد‬
‫للسلفية أن تلبسها‪ .‬وكم كنت أتردد عند كتابة هذه الكلمات رجاء أن تكون‬
‫نصيب قلم أقدر عليها من‪ ،‬وهم كثيون‪ ،‬ولكن ذلك ل يصل بالصورة‬
‫الدقيقة والصرية والفصلة الت ينبغي أن تكون‪ ،‬إذ الشبهات فيها كثية جدا‬
‫وجذورها عريقة ف حقيقة المر‪ ،‬فل تكفي فيها بُلْغة الغريب‪ ،‬ث استخرتال‬
‫ف ذلك واستعنت به وحده فوفّق لا يأت‪:‬‬
‫التأمل ف أحوال السلمي اليوم يزم بأنم قد استيقظوا بعد سُبات عميق‪،‬‬
‫وأحسوا بضرورة العودة إل أصلهم التليد العريق‪ ،‬وتذكروا شخصيتهم الضائعة‬
‫المتهنة من قِبَل من جعلتهم قُدوتَها برهة من الزمن فلم ينصحوا لا‪ ،‬أقصد أن‬
‫عاطفة إسلمية ما ـ كما يقولون اليوم ـ ل تزال ف قلوب السلمي‪ ،‬ما‬
‫يبعث ف النفوس السرور لنا أول البشرات‪ ،‬إل أنه ل يوز أن ندخل َلغَطا‬
‫إعلميا ل يت إل السلم بصلة فنبز هذه الصورة فوق حجمها‪ ،‬مستعملي‬
‫الجهر السياسي الكذاب‪ ،‬مارين أعداء ال ف مكرهم ودهائهم وتزويرهم‬
‫القائق‪ ،‬بل الق والق نقول‪ ،‬إنال ل ينصر إل الؤمني فهو القائل‪:‬‬
‫ح ًّ‬
‫ن} والؤمنون مؤمنون ما ل‬ ‫منِي َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫صُر ال ُ‬ ‫علَيْنَا ن َ ْ‬
‫قا َ‬ ‫ن َ‬‫{وكا َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ولَى ال ّذي َ‬ ‫م ْ‬
‫ه َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ك بِأ َّ‬ ‫يكذبوا ليتولهم مولهم القائل‪{ :‬ذَل ِ َ‬
‫هم}‪.‬‬ ‫ولَى ل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬
‫ن الكا ِ‬ ‫وأ َ َّ‬‫منُوا َ‬
‫ءَا َ‬
‫لذا فإن ماولة إفزاع العدو بإبراز هذه اليقظة السلمية الول ف صورة‬
‫الستيقظ النشيط‪ ،‬الذي ل يبق على عينيه غبش‪ ،‬وأنه قادر على أن يُبصر‬
‫‪134‬‬
‫‪135‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫المور وُيَبصّر با على حقيقتها‪ ،‬وأن يقدّر لا أقواتا تقدير العال البصي لن يعود‬
‫على الدعوة السلمية إل بالبوار؛ لن ذلك يستعدي العداء القوياء على‬
‫السلمي الضعفاء الذين ل يتولهمال ما داموا مقيمي على هذا الكذب والراء‪ ،‬ث‬
‫هو غش للمسلمي؛ لنه ينفخ فيهم غرورا قد رأينا عاقبته ف بلد السلم‪.‬‬
‫بل نقول‪ :‬المد ل الذي أيقظنا‪ ،‬إل أننا ف أول الفطنة ما أحوجه إل‬
‫إرشاد‪ ،‬على عوج ف التابعة ما أحوجه إل سداد‪ ،‬فنحن كصب عطشان قد‬
‫فرح به أبواه لنباهته فتركاه يروي عطشه بيده‪ ،‬ل يُؤمَن عليه أن يتناول السم‬
‫الزعاف‪ ،‬أو سقياه ماءً زُلل دون َروِية ف رعاية إذن لوشك أن يَشْرَق‪.‬‬
‫والذي نعتقده بصراحة تامة أن أكثر الرشدين اليوم على غي الادة‬
‫السلفية إذ أشعروا أمتهم هذه ـ الت ل تزال عليها غيبوبة الستيقظ من نومه‬
‫ـ أن مشكلتها سياسية وهي ل ترفع بعدُ قدميها عن سرير النوم‪ ،‬فإذا با‬
‫تُدْعى لل َعدْو إل سرير اللك‪ ،‬ف برج ل يترك لا عقل تفكر به‪ ،‬ويا لا من‬
‫جرية! لنا تريف لا عن معرفة الداء‪ ،‬فكيف الهتداء إل الدواء؟! ويا لا‬
‫من مصيبة!! لنا صد عن سبيلال التمثلة ف تعلم الكتاب والسنة‬
‫وتعظيمهما والحتفاء بجالس أهلهما‪ ،‬إل تعلم السياسات العصرية‬
‫والعكوف على مصادرها من إعلم مرئي ومسموع‪ ،‬وجرائد وملت‪:‬‬
‫الصدق فيها منوع‪ ،‬حت إنه ليمضي على من دثارُه الكتاب والسنة‪ ،‬وشعاره‬
‫الفيديو وملة البيان والسنة‪ ،‬يومُه بل أسبوعُه بل ربا شهره ل يد وقتا ول‬
‫شوقا إل آية من الكتاب‪ ،‬واسأله ـ إن شئت ـ منذ كم ل يرفع الغبار عن‬
‫الصحيحي على حي عدم غفلته عن جريدة اليوم بل وخب الي!! والمر ل‪.‬‬
‫ول تسارع إل إنكار هذا لنن ما جئتك بعلم حت تناقشه وإنا هو خب‬
‫الواقع!‬
‫‪135‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪136‬‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫روى أبو نعيم ف اللية بإسناده عن رجل من أشجع قال‪ " :‬سع الناس‬
‫‪1‬‬

‫بالدائن أن سلمان ( أي الفارسي ) ف السجد فأتوه فجعلوا َيثُوبون إليه حت‬


‫اجتمع إليه نو من ألف‪ ،‬قال‪ :‬فقام فجعل يقول‪ :‬اجلسوا‪ ،‬اجلسوا‪ ،‬فلما جلس‬
‫فتح سورة يوسف يقرؤها‪ ،‬فجعلوا يتصدعون ويذهبون حت بقي ف نو من مائة‪،‬‬
‫فغضب وقال‪ " :‬الزخرف من القول أردت؟ ث قرأت كتابال عليكم ذهبتم؟! "‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬لعل اختيار سلمان لسورة يوسف دون غيها لا فيها من‬
‫معان القناعة بقصص كتابال دون ما تصبو إليه النفوس من حكايات‬
‫علَي َ َ‬
‫ن‬
‫س َ‬‫ح َ‬
‫كأ ْ‬ ‫ص َ ْ‬ ‫ق ُّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫وأحَاجي‪ ،‬وهو قولال ‪{ :‬ن َ ْ‬
‫ح ُ‬
‫ص}‪ ،‬واقتداءًا بالنبّ حي سئل قصصا غي قصص القرآن فتلى‬ ‫ص ِ‬ ‫ال َ‬
‫ق َ‬
‫()‬
‫عليهم ما أنزلال عليه من هذه السورة ‪ ،‬وكذلك فعل عمر حي رأى مَن‬
‫‪2‬‬

‫()‬
‫أقبل على كتاب فيه عجائب الوّلي ‪ ،‬فرضي ال عنهم جيعا؛ ما أشدّ‬
‫‪3‬‬

‫حرصهم على الدي النبوي!‬

‫() (‪.)1/203‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر هنا ص (‪.)196‬‬ ‫‪2‬‬

‫() رواه ابن الضريس ف (( فضائل القرآن )) (‪ )88‬والطيب ف (( الامع )) (‪ ،)1490‬وهو ف‬ ‫‪3‬‬

‫(( تاريخ عمر )) لبن الوزي ص (‪.)145‬‬

‫‪136‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪142‬‬
‫السياسة‬

‫معن السياسة‬
‫()‬
‫السياسة لغةً ‪ " :‬هي القيام على الشيء با يُصلحه " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قلت‪ :‬ومنه قول أساء بنت أب بكر الصدّيق رضي ال عنهما‪ " :‬تزوّجَن‬
‫الزبي ومالَه ف الرض مالٌ ‪ ...‬فكنتُ أعلف فرسه‪ ،‬وأكفيه مؤنته‪ ،‬وأسوسه‪،‬‬
‫ق النوى لِناضحه ‪ ...‬حت أَرسل إلّ أبو بكر بعد ذلك خادما فك َفتْن‬‫وأد ّ‬
‫()‬
‫سياسةَ الفرس‪ ،‬فكأنا أعتقن " ‪ ،‬ولذلك كتب ابن الزار القيوان ف‬
‫‪2‬‬

‫إصلح شئون الصبيان والحافظة على طبيعة أجسامهم و ِطبّها مؤلّفا أساه‬
‫(( سياسة الصبيان وتدبيهم )) ؛ لن لفظة ( السياسة ) مشتقة من " السُوس‬
‫()‬
‫بالضم‪ :‬الطبيعة والصل واللق والسجية " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومن هذا العن العام أُخذ العن الاص الت وهو‪ " :‬من السوس‪ ،‬وهي‬
‫()‬
‫الرياسة‪ ،‬وف الديث‪ »:‬كان بنو إسرائيل يَسوسهم أنبياؤهم « أي يتول‬
‫‪4‬‬

‫()‬
‫أمرهم كما يفعل المراء والولة بالرعية " ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وأما العن الشرعي‪ " :‬فالسياسة الشرعية هي تدبي الشئون العامة‬


‫للدولة السلمية با يكفل تقيق الصال ودفع الضار ما ل يتعدى حدود‬
‫()‬
‫الشريعة وأصولا الكلية‪ ،‬وإن ل يتفق وأقوال الئمة الجتهدين " ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫قلت‪ :‬فهي ُت ْعنَى بأحكام المارة والقضاء وأحوال الوزارات وتدوين‬

‫() » لسان العرب « لبن منظور بتحقيق علي شيي (‪.)6/429‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » الطبقات الكبى « لبن سعد (‪ )8/182‬وصحّحه الافظ ف » الصابة « (‪.)4/224‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » تاج العروس « للزبيدي (‪.)16/155‬‬ ‫‪3‬‬

‫() متفق عليه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() » النهاية « لبن الثي (‪.)2/421‬‬ ‫‪5‬‬

‫() » السياسة الشرعية « لعبد الوهاب خلف ص (‪.)15‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪142‬‬
‫‪143‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الدواوين وإنفاذ اليوش وغيها ما تراه مفصل ف مثل (( غياث المم‬


‫))‬

‫للجوين‪ ،‬و(( الحكام السلطانية )) للماوردي وكذا لب يعلى الفراء‪،‬‬


‫و(( التراتيب الدارية )) لعبد الي الكتان وغيهم ‪ ..‬ول شك ف وجوبا شرعا‬
‫وعقل‪ ،‬لن أمور الناس ل تنضبط إل بإمام عادل كان أو جائرا‪ ،‬قال ابن حبان‬
‫البست ـ رحه ال ـ‪ " :‬وأنشدن ابن زني البغدادي للفوه الودي‪:‬‬
‫ل يُصلح الناسَ فوضى ل سَراة لم ول سَـراة إذا جـهّـالـم‬
‫ســادوا‬
‫ول عـمـاد‬ ‫والبــيـت ل يـبتـنـى إل بـأعـمــدة‬
‫إذا ل تُــرسَ أوتـــادُ‬
‫فإن تـجـمّع أوتا ٌد وأعمدةٌ وساكنٌ أدركــوا المـــر الـذي‬
‫كــادوا‬
‫تُهدَى المور بأهل الرأي ما صلــ ـحت فإن َتوَلّت فبالشرار تنقادُ‬
‫()‬
‫وذكر قبلها الكمة الشهورة‪ :‬سلطان غشوم خي من فتنة تدوم " ‪ .‬قال‬
‫‪1‬‬

‫ابن تيمية‪ " :‬يب أن يُعرف أن ولية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل ل‬
‫قيام للدين والدنيا إل با‪ ،‬فإن بن آدم ل تتم مصلحتهم إل بالجتماع لاجة‬
‫بعضهم إل بعض‪ ،‬ول بد لم عند الجتماع من رأس ‪ ...‬إل أن قال‪ :‬لنّال‬
‫تعال أوجب المر بالعروف والنهي عن النكر‪ ،‬ول يتم ذلك إل بالقوة‬
‫()‬
‫والمارة‪ ،‬ولذا روي‪ (( :‬أن السلطان ظلال ف الرض )) ويقال‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫()‬
‫( ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بل سلطان ) والتجربة تبيّن ذلك ‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫() » روضة العقلء « ص (‪.) 270‬‬ ‫‪1‬‬

‫() هو ف » صحيح سنن الترمذي « لللبان مرفوعا‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() هذه العبارة من الكلمات السلفية الت لو كان شيء منها وحيًا لكانت هذه منه؛ ومن‬ ‫‪3‬‬

‫‪143‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪144‬‬
‫السياسة‬

‫ولذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحد بن حنبل وغيها يقولون‪ :‬لو‬
‫كان لنا دعوة مستجابة لدعونا با للسلطان ‪ ...‬فالواجب اتاذ المارة دينا‬
‫وقربة يتقرب با إلال ؛ فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل‬
‫()‬
‫القربات‪ ،‬وإنا يفسد فيها حال أكثر الناس لبتغاء الرئاسة أو الال با " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ول تستوحش من قول خلّف السابق‪ .. " :‬وإن ل يتفق وأقوا َل الئمة‬
‫الجتهدين "؛ فإن القصود به أن السياسة الشرعية ليست حكرا على الئمة‬
‫عاش أيام المن والرخاء ف الزائر‪ ،‬ورأى الفت الت توج بالناس اليوم كموج البحر‬
‫أدرك مغبّة الروج على الكام؛ فقد ظهرت دولة ف دولة! واستحرّ القتل ف السلمي‬
‫بيد عمياء‪ ،‬واستغل الشيوعيون الوضع للتخلص من بعض الخلصي‪ ،‬واندفع الشباب‬
‫البيء إل اليجاء اندفاعا منونابسبب فتاوى رُوَيبِضات هذا الزمن‪ ،‬وانتعشَ الكفرُ عند‬
‫ذوي النعرة الببرية بسبب تسليط علي بن حاج لسانه عليهم بقّ وبباطل! مع أن ال‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ن الل ِ‬
‫من دُو ِ‬
‫ن ِ‬
‫عو َ‬‫ن يَدْ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫سبُّوا ال ّ ِ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫يقول ف الشركي‪َ { :‬‬
‫م }‪ ،‬ولعله لول يدخل معهم ف صراع حزب‬
‫عل ٍ‬
‫ر ِ ْ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫عدْ ً‬
‫وا ب ِ َ‬ ‫ه َ‬‫سبُّوا الل َ‬ ‫َ‬
‫في َ ُ‬
‫لذكر فقه هذه الية‪ ،‬ولكن ( الكرسي ‪) ...‬؟! وترى الواحد يرّ بنقطة التفتيش‬
‫العسكرية فل يدري ما يقول؛ لنا قد تكون من الكومة وقد تكون من الثوار! كما ل‬
‫يأمن عندها على أهله؛ فقد سُبِيَت النساء السلمات من قِبَل جاعته الت ربّاها‪ ( :‬جاعة‬
‫التكفي )‪ ،‬واغتُصبت الموال باسم الغنائم‪ ،‬ومنعوا السلفيي من الدعوة بزعم" أننا ف‬
‫رهج الوت وأنتم ل تزالون ف ( حدّثَنا )؟!!"‪ ،‬وغلَت السعار حت تضاعفت عشرين‬
‫مرة ف كثي من الضروريات‪ ،‬وفُرضت على الشعب ضرائب ثقيلة بسبب النكسة‬
‫القتصادية‪ ،‬وأثقلُ منها الُرُوش الت تفرضها عليه الماعة السلمية السلحة باسم‬
‫النفاق ف سبيل ال! ومَن ل يَستجيب لم من الغنياء فالقتل موعده! وهدموا السور‬
‫والبان الامة وقطعوا الطرق الت بذل فيها الشعب أنفس أمواله ‪ ...‬فاجتمع الوع والوف‬
‫ما‬
‫ف بِ َ‬
‫و ِ‬
‫خ ْ‬
‫وال َ‬
‫ع َ‬
‫جو ِ‬
‫س ال ُ‬
‫ه لِبَا َ‬
‫ها الل ُ‬ ‫فأَذَا َ‬
‫ق َ‬ ‫كما قال ال تعال‪َ { :‬‬
‫ن}‪ .‬وهذه هي بركة التحزب!‬ ‫عو َ‬ ‫كَانُوا ي َ ْ‬
‫صن َ ُ‬
‫‪144‬‬
‫‪145‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫التقدمي‪ ،‬بل ل بأس من أن يتهد العال التبحّر من أول المر فيما يَجدّ للمة‬
‫من نوازل بالقيود السابقة‪ ،‬ولذلك قال‪ " :‬فالسياسة الشرعية على هذا هي‬
‫العمل بالصال الرسلة؛ لن الصلحة الرسلة هي الت ل يقم من الشارع دليل‬
‫على اعتبارها أو إلغائها "‪.‬‬
‫وهو المر الذي نقله ابن القيم عن ابن عقيل نقل الق ّر وهو قوله‪ " :‬فإن‬
‫أردتَ بقولك‪ ( :‬ل سياسة إل ما وافق الشرع ) أي ل يالف ما نطق به‬
‫الشرع فصحيح‪ ،‬وإن أردتَ ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة؛ فقد‬
‫جرى من اللفاء الراشدين من القتل والثل ما ل يحده عال بالسي‪ ،‬ولو ل‬
‫()‬
‫يكن إل تريق الصاحف كان رأيا اعتمدوا فيه على مصلحة ‪. " ...‬‬
‫‪1‬‬

‫ولذلك قال ابن نيم‪ " :‬وظاهر كلمهم أن السياسة فعل شيء من الاكم‬
‫()‬
‫لصلحة يراها‪ ،‬وإن ل يرِد بذا الفعل دليل جزئي " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫لكن مع تقادم الزمن نزل بالناس حوادث ل يَعرفوها من قبل‪ ،‬فاستفت‬


‫الولةُ فقهاءَ التقليد‪ ،‬فأغلقوا عليهم باب الجتهاد‪ ،‬وحرّموا على أنفسهم النظر‬
‫فيما ل تذكره الذاهب‪ ،‬فاضطر الولة إل الجتهاد فيما َيعِنّ لم من جديد‬
‫بق وبباطل‪ ،‬وزهِدوا ف علماء الشريعة؛ ظنّا منهم قصور الشريعة عن فتح‬
‫مغاليق فت العصر‪ ،‬ث تادى بم المر حت أعرضوا عما أنزل ال من آيات‬
‫بيّنات‪ ،‬وتاكموا إل الرأي إما جهلً وإما ظلما‪ ،‬وترّأ أراذل الناس على‬
‫الشرع حت حُرّف كثيٌ منه‪.‬‬
‫وأدهى وأمَرّ منه أن قوما من جهال التديّني ف هذا الزمان أرادوا أن‬

‫() » السياسة الشرعية « ص (‪176‬ـ ‪ )178‬بتحقيق بشي عيون‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » إعلم الوقعي « (‪.)4/372‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » البحر الرائق « (‪.)5/11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪145‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪146‬‬
‫السياسة‬

‫يُعالوا هذا النراف فضاق عليهم منهج النبيي وسبيل الؤمني حت اعتمدوا‬
‫النظم الغربية الكافرة للوصول إل الكم با أنزل ال زعموا! كالولوع باللعبة‬
‫الديقراطية ودخول البلانات‪ ،‬والتّكاء على الغثاء للضغط على الكومات؛‬
‫فتارة يدّعون أن المر ف ذلك مصلحة مرسلة والشريعة مرِنة! وتارة يَدّعون‬
‫أنم مضطرون إليها وقلوبم لا كارهة!! فما زالت بم هذه السياسة حت‬
‫اسَتحْسنوا الكذب والسباب‪ ،‬واستمْرَأوا اليانة والكر بالحزاب‪ ،‬وجرى على‬
‫لسان العوام أن ل سياسي إل ذو كذب مرتاب‪ .‬وهذه السالك أشد من‬
‫مالفات الكام؛ لن هؤلء ل يُقتَدى بم ف غالب ديار السلم‪ ،‬أما‬
‫السلميون السياسيون فمحطّ نظر الواص والعوام! فما أشدّ منتهم للناس!!‬
‫وقد نبّه ابن القيم على هذا اللط ف معان السياسة فقال‪ " :‬هذا موضع‬
‫ضنْك ومعتَرَك صعب‪ ،‬فرّط فيه طائفة‬ ‫مزلة أقدام ومضلة أفهام‪ ،‬وهو مقام َ‬
‫فعطّلوا الدود وضيّعوا القوق‪ ،‬وجرّؤوا أهل الفجور على الفساد‪ ،‬وجعلوا‬
‫الشريعة قاصرة ل تَقوم بصال العباد‪ ،‬وسَدّوا على أنفسهم طرقا صحيحةً من‬
‫الطرق الت يُعرَف با الحِق من البطل‪ ،‬فعطّلوها مع علمهم وعلم الناس با أنا‬
‫أدلة حق‪ ،‬ظنا منهم منافاتا لقواعد الشرع‪ ،‬والذي أوجب لم ذلك نوعُ‬
‫تقصي ف معرفة الشريعة والتطبيق بي الواقع وبينها‪ ،‬فلما رأى ولة المر ذلك‬
‫وأن الناس ل يستقيم أمرهم إل بشيء زائد على ما فهم هؤلء من الشريعة‬
‫فأحدثوا لم قواني سياسية ينتظم با مصال العال‪ ،‬فتولّد من تقصي أولئك ف‬
‫الشريعة وإحداث هؤلء ما أَحدثوه من أوضاع سياستهم شرّ طويل وفساد‬
‫س ّوغَت‬‫عريض‪ ،‬وتفاقم المر حت تعذّر استدراكُه‪ ،‬وأفرط فيه طائفة أخرى ف َ‬
‫منه ما يُناقض حكم ال ورسوله ‪ ...‬ول نقول إن السياسة العادلة مالفة‬
‫للشريعة الكاملة‪ ،‬بل هي جزء من أجزائها وباب من أبوابا‪ ،‬وتسميتها‬
‫‪146‬‬
‫‪147‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫( سياسة ) أمر اصطلحي‪ ،‬وإل فإذا كانت عَدْلً فهي من الشرع " ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه الرونة الشروعة ف سياسة اللق يكن التمثيل لا با رواه‬
‫الشعب قال‪ :‬قال زياد‪ " :‬ما غلبن أميُ الؤمني ( أي معاوية ) بشيء من‬
‫السياسة إل ببابٍ واحدٍ‪ :‬استعملتُ رجلً فكثُر خراجه‪ ،‬فخشي أن أعاقبه‪ ،‬ففرّ‬
‫إل معاوية‪ ،‬فكتبت إليه‪ :‬إنّ هذا أدب سوء لن قبلي‪ ،‬فكتب إلّ‪ :‬إنه ليس‬
‫ينبغي ل ول لك أن نسُوس الناس بسياسة واحدة؛ أن نلي جيعا فتمرح الناسُ‬
‫ف العصية‪ ،‬أو نشتدّ جيعا فنحمل الناسَ على الهالك‪ ،‬ولكن تكون للشدّة‬
‫()‬
‫والفظاظة‪ ،‬وأكون للّي والرّأفة " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫قلتُ‪ :‬هذه السياسة الت فاق با معاوية زيادا هي الت مكّنَته مِن أن‬
‫يكم أهل الشام أربعي سنة ف وُدّ تامّ كما ذكر أهل التاريخ‪.‬‬

‫() » إعلم الوقعي « (‪.)4/372‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه ابن أب شيبة (‪11/92‬ـ ‪ ،)93‬وانظر له طريقي آخرين ف » الفوائد والخبار «‬ ‫‪2‬‬

‫لبن دريد برقم (‪ ،)24‬و» لباب الداب « لسامة بن منقذ ص (‪.)52‬‬

‫‪147‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪142‬‬
‫السياسة‬

‫الصلح السياسي‬
‫الشكلة ف هذا الصراع الحتدم ثنائية‪:‬‬
‫الول‪ :‬هل الصلح يتم عن طريق إصلح الاكم أو عن طريق إصلح‬
‫المة؟‬
‫الثانية‪ :‬إذا كان ل بدّ من المارسة السياسية فمن هم أهلُها؟‬
‫أما الواب عن الول ففي نص آية وحديث ـ ول اجتهاد مع النص ـ‬
‫ما‬ ‫حتَّى ي ُ َ‬
‫غي ُِّروا َ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ه ل َ يُ َ‬
‫غي ُِّر َ‬ ‫قالال تعال‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫ن الل َ‬
‫م}‪.‬‬
‫ه ْ‬
‫س ِ‬ ‫بِأَن ُ‬
‫ف ِ‬
‫فما أوضحه من بيان! لكن مع وضوحه فأكثر من تسمّوا بأساء حركات‬
‫إسلمية قد اجتهدوا وجاء لسان حالم يقول‪ :‬إنال ل يغي ما بقوم حت‬
‫يغيوا ما بكوماتم!! ول حول ول قوة إل بال ‪ ،‬غاضّي الطرف عن السية‬
‫النبوية الفسرة لذا البيان‪ ،‬غافلي عن أنه ل عزّ لم حت يتحكم الدين ف‬
‫نفوسهم‪ ،‬لديث ابن عمر رضيال عنهما أن النب قال‪ » :‬إذا تبايعتم‬
‫بالعينة وأخذت أذناب البقر‪ ،‬ورضيتم بالزرع‪ ،‬وتركتم الهاد‪ ،‬سلطال عليكم‬
‫ذ ًل ل يرفعه عنكم حت ترجعوا إل دينكم « رواه أبو داود وهو حسن‪.‬‬
‫ه‬ ‫هذا حكمال ورسوله { َ َ‬
‫وآيَات ِ ِ‬
‫ه َ‬
‫عدَ الل ِ‬
‫ث بَ ْ‬‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫فبِأ ِ ّ‬
‫ن}؟!‬‫منُو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬
‫فاحذروا ـ أي إخواننا! ـ من رد الق تاكما إل واقعكم أو اغترارا‬
‫بتجربتكم أو إرضاءً لنخالة أذهانكم! أوَ ليس قد حكمال أن ل تكي ف‬
‫الرض ول استخلف ول أمن ول نصر إل بأمة‪ ،‬وأي أمة؟! إنا أمة العبادة‬
‫مع توحيد خالص فاقرأ كلما ل يأتيه الباطل من بي يديه ول من خلفه تنيل‬
‫َ‬
‫م‬‫منك ُ ْ‬ ‫منُوا ِ‬‫ذين ءا َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫عدَ الل ُ‬ ‫و َ‬‫من حكيم حيد الذي قال‪َ { :‬‬
‫‪143‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫َ‬
‫ما‬‫ض كَ َ‬ ‫م في الْر ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫فن َّ ُ‬‫ستَخل ِ َ‬ ‫ت لَي َ ْ‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ملُوا ال َّ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ه ُ‬ ‫م ِدين َ ُ‬‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬‫مكِن َ َّ‬‫م ولَي ُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قبْل ِ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬‫ست َ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مناً‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬
‫و ِ‬‫خ ْ‬‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫هم ِ‬ ‫دّلَن َّ ُ‬
‫ولَيُب َ ِ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫ضى ل َ ُ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫شيْئاً }‪.‬‬ ‫ن بِي َ‬ ‫ركُو َ‬ ‫ش ِ‬‫عبُدُونَنِي ل َ ي ُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫وعلى كل حال ل أطيل ف هذا‪ ،‬وإنا أحيلكم على كتاب ل تقع عين‬
‫على مثله ف هذا الزمان‪ ،‬وهو بعنوان » منهج النبياء ف الدعوة إلال فيه‬
‫الكمة والعقل « للدكتور ربيع بن هادي الدخلي‪ ،‬ول تغترّوا بن حاول أن‬
‫ينسج على عنوانه الاتع ما يضاهيه؛ فإنه ل يأت إل بالباطل و با يشبه خيوط‬
‫العنكبوت‪.‬‬
‫وف الواب عن الشكلة الثانية أقول‪:‬‬
‫أ ّولً‪ :‬لست باجة إل تقرير أن السياسة من الدين؛ لنن ل أظن أن‬
‫مستواكم اللقي قد هبط بكم إل رمي أخيكم ـ كاتب هذه السطور ـ بأنه‬
‫يفرق بي الدين والدولة بعد أن قالال تعال‪{ :‬إنَّا أَنَزلْنَا إِلَي ْ َ‬
‫ك‬
‫ك اللُه }‪.‬‬ ‫ما أََرا َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫َ‬
‫ن الن ّا ِ‬ ‫حك ُ َ‬
‫م بَي ْ َ‬ ‫ق لِت َ ْ‬
‫ح ِّ‬
‫ب بِال َ‬‫الكِتَا َ‬
‫وأخب أن تعطيل الشريعة اتباع للهوى فقال‪{ :‬وأَنَزلْنَا إِلَي ْ َ‬
‫ك‬
‫ب‬‫ن الكِتَا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬‫ن يَدَي ْ ِ‬ ‫ما بَي ْ َ‬ ‫دّّقا ً ل ِ َ‬
‫ص ِ‬ ‫م َ‬‫ق ُ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ب بِال َ‬ ‫الكِتَا َ‬
‫ه ول َ تَتَّب ِ ْ‬
‫ع‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أَنَز َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫حكُم بَيْن َ ُ‬ ‫ه َ‬
‫فا ْ‬ ‫علَي ْ ِ‬ ‫منا ً َ‬ ‫هي ْ ِ‬
‫م َ‬‫و ُ‬
‫ق}‪.‬‬‫ح ِّ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاءَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ع َّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫واءَ ُ‬ ‫ه َ‬‫أَ ْ‬
‫م‬
‫حك َ‬ ‫ف ُ‬ ‫وليس تعطيل الشريعة إل جاهلية مقيتة قالال تعال‪{ :‬أ َ َ‬
‫حكْما ً ل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ومٍ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه ُ‬‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫نو َ‬ ‫غو َ‬ ‫هلِي َّ ِ‬
‫ة يَب ْ ُ‬ ‫الجا ِ‬
‫قنُون}‪.‬‬ ‫يُو ِ‬
‫وثانيا ‪ :‬اعلم أن سبب فشل الركات السلمية اليوم ف إصلح هذا‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪144‬‬
‫السياسة‬

‫الفساد العام هو خطؤها طريق الصلح حي دخلت العترك السياسي وجعلته‬


‫أصل عملها التغييي‪ ،‬مهما زعم كل منها سلمة النهج وشولية الدعوة‬
‫وإحكام التنظيم‪ ،‬لذا فإن حديثي هنا منصب فقط على من اضطر إل أن يفت‬
‫ف السياسة اضطرارا ل مناص منه‪.‬‬
‫أما مارسة السياسة اليوم فهو عمل ل يدخله إل من استدرجه الشيطان‬
‫ليُهلكه ف أسوإ الواتيم‪ ،‬فأَقَْنعَه بأنه ل يوز ترك هذه الوظائف للفساق‬
‫والعلمانيي‪ ،‬وأنه ل يوز للمسلم أن يتقوقع حول نفسه‪ ،‬وأن قانون فلن‬
‫الشيوعي كاد يطبق ف بلد ما لول وجود الوزير الفلن إل غي ذلك من‬
‫زخرف القول الذي ل يؤسس على النظر الشرعي بقدر ما أسس على النظر‬
‫الواقعي مع إغماض؛ إذ الصادق ف تأمله يرى قوما دخلوا ليغيّروا فتغيّروا‪،‬‬
‫وحق فيهم قول النب ‪ » :‬من أتى باب السلطان افتت « رواه أبو داود‬
‫والترمذي والنسائي وأحد والبيهقي ف (( الشعب )) وهو صحيح‪.‬‬
‫ودليل النع من مالطتهم عند مارستهم لسياساتم الائرة هو قولال تعال‪:‬‬
‫َ‬ ‫{و َ‬
‫ت‬‫م آيا ِ‬ ‫عت ُ ْ‬
‫م ْ‬‫س ِ‬
‫ن إِذا َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫علَيْكُم في الكِتا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قدْ نََّز َ‬
‫هم‬ ‫فل َ ت َ ْ‬‫ها َ‬ ‫ُ‬ ‫ه يُك ْ َ‬
‫ع ُ‬‫م َ‬
‫عدُوا َ‬ ‫ق ُ‬ ‫هَزأ ب ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ها وي ُ ْ‬
‫فُر ب ِ َ‬ ‫الل ِ‬
‫هم}‪.‬‬
‫مثْل ُ ُ‬ ‫ه إِنَّك ُ ْ‬
‫م إِذًا ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫ث َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬
‫ضوا في َ‬ ‫خو ُ‬ ‫حتَّى ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫وعن عامر بن سعد بن أب وقاص قال ‪ :‬كان سعد بن أب وقاص ف إبله‪،‬‬
‫فجاءه ابنه عمر‪ ،‬فلما رآه سعد قال ‪ :‬أعوذ بال من شر هذا الراكب! فنل‬
‫فقال له‪ :‬أنَزَلْتَ ف إبلك و َغنَمك وتركْتَ الناس يتنازعون ا ُللْك بينهم؟‬
‫فضرب سعد ف صدره! فقال‪ :‬اسكت! سعت رسولال يقول‪ » :‬إنال‬
‫يبّ العبد التق ّي الغنّ الفيّ « رواه مسلم‪.‬‬
‫فإذا تعارضت مصلحتك الدينية مع مصلحة غيك فقدم مصلحتك ما دام‬
‫‪145‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫َ‬
‫ف المع بينهما خيفة على النفس‪ ،‬قالال تعال‪{ :‬يَأَيُّها ال ّذين‬
‫ض َّ‬
‫ل إذَا‬ ‫من َ‬ ‫ضُّركم َ‬ ‫م ل َ يَ ُ‬
‫سك ْ‬
‫ف َ‬ ‫علَيْكم أَن ُ‬
‫منُوا َ‬ ‫ءَا َ‬
‫م}‪.‬‬‫هتَدَيْت ُ ْ‬‫ا ْ‬
‫وعن عبدال بن عمرو رضيال عنهما قال‪ :‬بينما نن حول رسولال‬
‫إذ ذكروا الفتنة‪ ،‬أو ذكرت عنده قال‪ »:‬إذا رأيتَ الناس قد مرجت عهودُهم‬
‫وخفّت أماناتُهم وكانوا هكذا « وشبّك بي أصابعه‪ ،‬قال‪ :‬فقمت إليه فقلت‬
‫له‪ :‬كيف أفعل عند ذلك جعلنال فداك؟ قال‪ » :‬اْلزَمْ بيتك‪ ،‬وأملك لسانك‪،‬‬
‫وخذ ما تعرف ودع ما تنكر‪ ،‬وعليك بأمر خاصة نفسك‪ ،‬ودع عنك أمر‬
‫العامة « رواه أبو داود والاكم وأحد وهو صحيح‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬ولكن الجتمع باجة إل هذه الناصب ؟ قلنا‪ :‬نعم! ولكن‬
‫بشرط أن ل يَمتهن الرءُ فيها دينَه؛ لنه إن رضي لنفسه أن يكون حطب‬
‫جهنم ف سبيل إنقاذ غيه‪ ،‬فإن له أسوة بن قال فيه رسولال ‪ » :‬ل بد‬
‫للناس من عريف‪ ،‬والعريف ف النار « رواه أبو الشيخ ف » طبقات‬
‫()‬
‫الصبهانيي « وغيه ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومعناه‪ :‬أن مَن ل يكنه أن يظى ف عمله إل بفسدة مضة أو راجحة‬


‫ورأى دينه إل نقصان؛ كأن يُضطرّ إل ترك الواجبات‪ ،‬فليسارع إل إنقاذ‬
‫نفسه حت ل يكون جسرا يُقطع به إل النة وعند الباب تقع الفرقة! ويكفيه‬
‫ف قضاء حوائجه هؤلء العرفاء الذين ل يَخلو منهم متمع‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ومن يقضي لكم حوائجكم إذا شحّ العرفاء؟ قلنا‪ :‬قالال تعال‪:‬‬
‫سبُه}‪ .‬هذا الكم تابعٌ لبيئة‬ ‫ح ْ‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َ‬
‫ف ُ‬ ‫ل علَى الل ِ‬ ‫وك َّ ْ‬ ‫{و َ‬
‫من يَت َ َ‬
‫قد تحّض فيها الشرّ أو رجح‪.‬‬

‫() انظر » الصحيحة « لللبان رقم (‪.)1417‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪146‬‬
‫السياسة‬

‫ولست أعن هنا عدم النصيحة لولة المور بالطريق الشروع ومن ينفع‬
‫ال به وإعانتهم ف الي؛ فقد فعله يوسف من قبل حي قال‪:‬‬
‫م}‪،‬‬ ‫في ٌ‬ ‫َ‬ ‫علَى َ‬ ‫علْنِي َ‬ ‫{ا ْ‬
‫علِي ٌ‬‫ظ َ‬ ‫ح ِ‬
‫ض إنِّي َ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬ ‫ج َ‬
‫كما أن سية السلف ف الخلص ف النصيحة لولة المور وعدم غشّهم فيها‬
‫معروفة‪ ،‬ول سيما إذا كانت البل ُد بل َد توحيد ومافظة على الصلوات وحبّ‬
‫()‬
‫للخي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ولكنن مَذّر من سياسة مَدّ السور الت عند الخوان السلمي! أوَ ما‬
‫()‬
‫رأيتم ما أصابم مِن رقّة دين وفتنة فيه؟!‬
‫‪2‬‬

‫هذا وهم من أغشّ عباد ال لكامهم ف الوقت الذي يُظهِرون لم‬


‫التجاوب التامّ مع الوامر؛ بدليل أنم ما يَجدون فرصةً للنقضاض على‬
‫سلطانم إل فعلوا‪ ،‬إما ببيعات! أو بتحزّبات! أو بانتهاز أوقات الثورات ‪!...‬‬
‫وأخيا فالواب عن الشكلة الثانية الت طرحتها عند مطلع هذا الفصل هو‬
‫الت ف الفصل الذي يليه‪.‬‬

‫() ولذلك عقد البخاريّ ف (( صحيحه )) (‪ " :)13/180‬باب العرفاء للناس "‪ ،‬أي ف الي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر لبن تيمية بثًا هاماّ ف هذا الوضوع ف » مموع الفتاوى « (‪ )14/479‬وما‬ ‫‪2‬‬

‫بعدها‪.‬‬
‫‪147‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫السياسة الشرعية قاصرة على الجتهد‬


‫هذه مرد تنبيهات سريعة‪ ،‬وإل فحديثي هنا منصبّ على شروط مَن‬
‫يتصدّى للفتيا ف النوازل السياسية‪ ،‬وأخصّ من هذه الشروط شرطا واحدا؛‬
‫لنّه الهم‪ ،‬ولن جل العاملي ف هذا اليدان ل يراعونه‪ ،‬قال ابن القيم‬
‫()‬
‫ـ رحه ال ـ ‪ " :‬العال بكتابال وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو‬ ‫‪1‬‬

‫()‬
‫الجتهد ف النوازل ‪ ،‬فهذا النوع الذي يَسوغ لم الفتاء ويَسوغ‬
‫‪2‬‬

‫استفتاؤهم ويتأدى بم فرضُ الجتهاد‪ ،‬وهم الذين قال فيهم رسولال ‪:‬‬
‫» إنال يبعث لذه المة على رأس كل مائة سنة من يدّد لا‬
‫()‬
‫دينها « "‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫قلت‪ :‬أي بلوغ درجة الجتهاد كما قال الاوردي‪ " :‬العلم الؤدي إل‬
‫()‬
‫الجتهاد ف النوازل والحكام" ‪ ،‬وقال الشاطب‪ " :‬بل إذا عرضت النوازل‬
‫‪4‬‬

‫روجع با أصولا فوُجدَت فيها‪ ،‬ول يدها مَن ليس بجتهد‪ ،‬وإنا يدها‬
‫()‬
‫الجتهدون الوصوفون ف علم أصول الفقه " ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫فتدبر هذا العلم! وتدبر هذه الدقة الت لو حرص السلميون على‬
‫تقيقها لصانوا هذا الدين من عبث حدثاء السنان‪.‬‬

‫() » إعلم الوقعي « (‪.)4/212‬‬ ‫‪1‬‬

‫() قال الشيخ بكر أبو زيد‪ " :‬يراد بالنوازل‪ :‬الوقائع والسائل الستجدة والادثة الشهورة‬ ‫‪2‬‬

‫بلسان العصر باسم النظريات والظواهر "‪ » ،‬فقه النوازل « (‪.)1/8‬‬


‫قلت‪ :‬ويقال لا ف بعض الصادر (حوادث) جع حادثة‪ ،‬كما سيأت‪.‬‬
‫() رواه أبو داود وهو صحيح‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() » الحكام السلطانية « ص (‪.)6‬‬ ‫‪4‬‬

‫() » العتصام « (‪.)1/361‬‬ ‫‪5‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪148‬‬
‫السياسة‬

‫ويشبهه قول ممد المي الشنقيطي ـ رحه ال ـ ف شروط المام‪" :‬‬


‫أن يكون من يصلح أن يكون قاضيا من قضاة السلمي‪ ،‬متهدا يكنه‬
‫()‬
‫الستغناء عن استفتاء غيه ف الوادث " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقد مثّل ابن رجب لذا بالمام أحد ـ رحهما ال ـ؛ فقد بيّن وجه‬
‫استحقاقه لنصب الفتوى ف الوادث ـ أي النوازل ـ بأن وَصَفه ببلوغ‬
‫النهاية ف معرفته بالقرآن والسنة والثار‪ ،‬فمِنَ القرآن‪ :‬ناسخه ومنسوخه‪،‬‬
‫ومُقدّمه و ُمؤَخّره‪ ،‬وجَمْعه ف تفسيه مِن أقوال الصحابة والتابِعي الشيءَ‬
‫الكبي‪ .‬ومِ َن السنة‪ِ :‬ح ْفظُه لا‪ ،‬ومعرفته بصحيحها من سقيمها‪ ،‬ومعرفته‬
‫بالثقات من الجروحي‪ ،‬وبطُرق الديث وعلله‪ ،‬ليس ف الرفوع منه فحسب‪،‬‬
‫بل وف الوقوف منه! وبفقهه‪ .‬وبعلوم الئمة‪ :‬ذَكر أنه عُرِض عليه عامّة أقوالم‬
‫‪ ...‬إل أن قال‪ " :‬ومعلوم أنّ مَن َفهِمَ ِعلْم هذه العلوم كلّها وبرع فيها‪،‬‬
‫فأسهلُ شيء عنده معرفةُ الوادث والواب عنها‪ ،‬على قياس تلك الصول‬
‫الضبوطة والآخذ العروفة‪ ،‬و ِمنْ هنا قال عنه أبو ثور‪ :‬كان أحد إذا سئل عن‬
‫()‬
‫مسألةٍ كأ ّن عِلْمَ الدنيا َل ْوحٌ بي عينيه‪ ،‬أو كما قال " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫قلت‪ :‬فأيّ هؤلء الذين ابتدعوا اليوم ( فقه الواقع ) ـ لِيُسقِطوا به العلماء‬
‫ـ تَ َروْنه قد بلغ ف العلوم هذه الغاية‪ ،‬حت جعلتموه ف نوازل السياسة لكم‬
‫آية؟!‬
‫لقد كان أحد ـ رحه ال ـ يُفت ف الوادث وينهى تلمذته عن ذلك؛‬
‫قال ابن رجب‪ " :‬وأمّا ِعلْمُ السلم ـ يعن اللل والرام كما فسّره هو ف‬
‫كتابه الذكور ص (‪ )46‬ـ فكان يُجيب فيه عن الوادث الواقعة مّا ل يَسبق‬

‫() » أضواء البيان « (‪.)1/67‬‬ ‫‪1‬‬

‫() من كتابه الطبوع باسم (( الرّدّ على مِن اتبع غي الذاهب ‪ )) ...‬ص (‪39‬ـ ‪.)44‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪149‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فيها كلمٌ؛ للحاجة إل ذلك‪ ،‬مع َنهْيه لصحابه أن يتكلّموا ف مسائل ليس‬
‫()‬
‫لم فيها إمام " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومِن كلم ابن القيّم السابق تَعلم أن رجوع الشباب اليوم ف النوازل‬
‫السياسية إل الركيي والتكوّني على موائد الجلت ووسائل العلم‬
‫والتخرّجي من خليا الخيّمات ـ مهما زعموا أنم متحرّرون من قيود غابر‬
‫الذاهب أو متضلّعون بأسرار ما يعاصرون من الذاهب ـ مصادمٌ لذه‬
‫النصوص الت أوردتُها عن هؤلء العلم‪ ،‬وأن العمّمي من مقلّدة الذاهب غي‬
‫داخلي ف قول ابن القيّم‪ ( :‬الذين يسوغ استفتاؤهم ويتأدّى بم فرض‬
‫الجتهاد ‪ )...‬مهما ( تَدَ ْكتَرُوا )؛ ل ّن القلّد غي الجتهد‪ ،‬بل القلّد هو‬
‫الاهل! كما هو معلوم من كتب أصول الفقه؛ قال الطيب البغدادي‪... " :‬‬
‫حت يد طريقا إل العلم بأحكام النوازل وتييز القّ من الباطل‪ ،‬فهذا ما ل‬
‫()‬
‫مندوحة للمفت عنه‪ ،‬ول يوز له الخلل بشيء منه " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ولذا كان مِنَ الهية بكان أن يُ َميّز طالبُ العلم أهلَ الفتوى ف هذا‬
‫اليدان مِن غيهم مّن تسوّروا الحراب‪ ،‬أو دخلوه من غي هذا الباب؛ فقد‬
‫كان سلفُنا الصال على دراية تامّة بذلك؛ قال أبو حات الرازي ـ رحه ال‬
‫ـ‪:‬‬
‫" مذهبنا واختيارنا اتّباعُ رسول ال وأصحابه والتّابعي ومَن بعدهم‬
‫بإحسانٍ ‪ ...‬ولزوم الكتاب والسنة والذّبّ عن الئمّة الّتبِعة لثار السلف‪،‬‬
‫واختيار ما اختاره أهلُ السنة من الئمة ف المصار‪ ،‬مثل مالك بن أنس ف‬

‫() (( الصدر السابق )) ص (‪ ،)48‬وانظر (( مناقب المام أحد )) لبن الوزي ص (‪ )231‬و‬
‫((‬ ‫‪1‬‬

‫صفة الفتوى )) لبن حدان الران ص (‪.)30‬‬


‫() (( الفقيه والتفقه )) (‪.)2/330‬‬ ‫‪2‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪150‬‬
‫السياسة‬

‫الدينة‪ ،‬والوزاعي بالشّام‪ ،‬والليث بن سعد بصر‪ ،‬وسفيان الثوري وحّاد بن‬
‫زيد بالعراق‪ِ ،‬منَ الوادث مّا ل يوجد فيه رواية عن النبّ والصحابة‬
‫()‬
‫والتّابعي‪ ،‬وَترْك رأي ا ُللَبّسي الُمَوّهي الزخرفي المخرِقي الكذّابي!" ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫إذا فقد بان لذي بصية الطّالب للحقّ مَن يسوغ استفتاؤه ف هذا‪.‬‬
‫فمالكم ـ يا شباب السلم! ـ تتهافتون على السياسة‪ ،‬وتوي إليها‬
‫أفئدتكم‪ ،‬وتأتون مالسها من كل فجّ عميق‪ ،‬كأنا لكم! ولعل رجالا ل يلقوا‬
‫بعد ف أوساطكم؟! فأول لكم‪ :‬تعلّم ما ف الكتاب والسنة ما تقدرون عليه‬
‫ويب عليكم أو يُستحب؛ لنه أثبت لستقامتكم وأضمن لوصولكم إل ما‬
‫قفزت إليه الن‪ ،‬قالال تعال‪{ :‬ول َ َ‬
‫ن‬‫عظُو َ‬ ‫علُوا َ‬
‫ما يُو َ‬ ‫م َ‬
‫ف َ‬ ‫ه ْ‬‫و أن َّ ُ‬
‫َ ْ‬
‫شدَّ تَثْبِيتاً }‪.‬‬‫وأ َ َ‬
‫م َ‬ ‫خيْرا ً ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ه لَكَا َ‬
‫ن َ‬ ‫بِ ِ‬
‫ولا أضحى العملُ السياسي ـ الذي يؤمّه الشبابُ اليوم ـ مطّيةً للولوغ‬
‫به إل العنف السمّى زورا جهادا‪ ،‬ولا كان هؤلء ـ أنصافُ التعلّمي ـ‬
‫يهجمون بل تردّد ول تفّظ على البحث ف دقائق مسائل الهاد‪ ،‬أجدن‬
‫حينئذ حريصا على نقل كلمة عظيمة لبن تيمية ـ رحه ال ـ قالا ف‬
‫معرض كلمه عن الهاد‪ ،‬فقال‪ " :‬وف الملة فالبحثُ ف هذه الدّقائق من‬
‫()‬
‫وظيفة خَواصّ أهل العلم " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وعن أب هريرة قال‪ :‬قال رسولال ‪ » :‬سيأت على الناس سنوات‬


‫خدّاعات‪ ،‬يُصدّق فيها الكاذب‪ ،‬ويُكذّب فيها الصادق‪ ،‬ويؤتن فيها الائن‪،‬‬
‫خوّن فيها المي‪ ،‬وينطق فيها الرّوَْيبِضة «‪ ،‬قيل‪ :‬وما الرويبضة؟ قال‪:‬‬ ‫وُي َ‬
‫» الرجل التافه يتكلم ف أمر العامة « رواه ابن ماجه وهو صحيح‪.‬‬

‫() ذكره عنه الللكائي ف (( شرح أصول العتقاد )) (‪.)323‬‬ ‫‪1‬‬

‫() (( منهاج السنة )) (‪.)4/504‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪151‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قال أبو شامة‪ " :‬وأكثر ما أُت الناس ف البدع بذا السبب؛ ُيظَنّ ف‬
‫شخص أنه من أهل العلم والتقوى‪ ،‬وليس هو ف نفس المر كذلك‪ ،‬فيَرْمقون‬
‫أقواله وأفعاله‪ ،‬فَيتّبِعونه ف ذلك‪ ،‬فتفسد أمورهم؛ ففي الديث عن ثوبان‬
‫أن النب قال‪ (( :‬إنّ ما أتوّف على أمت الئمةَ الُضلّي )) أخرجه ابن ماجه‬
‫والترمذي وقال‪ :‬هذا حديث صحيح‪ ،‬وف (( الصحيح )) أن النب قال‪ (( :‬إنّ‬

‫ال ل يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس‪ ،‬ولكن يَقبض‬


‫العلم بقبض العلماء‪ ،‬وحت إذا ل يَبق عالٌ اتّخذ الناسُ رؤوسا‬
‫جهال‪ ،‬فسُئلوا فأفتوا بغي علم‪ ،‬فضلّوا وأَضلّوا ))‪ ،‬قال المام الطرطوشي‬
‫ـ رحه ال ـ‪ :‬فتدبّروا هذا الديث؛ فإنه يدلّ على أنه ل يُؤتَى الناسُ قط‬
‫من ِقبَل علمائهم‪ ،‬وإنا يُؤتَوْن من قِبل أنه إذا مات علماؤهم أفتَى مَن ليس‬
‫س من ِقبَله‪ ،‬قال‪ :‬وقد صرّف عمر هذا العن تصريفا‬ ‫بعال‪ ،‬فيُؤتَى النا ُ‬
‫فقال‪ ( :‬ما خان أمي قط‪ ،‬ولكن ائتُمن غي أمي فخان )‪ ،‬قال‪ :‬ونن نقول‪:‬‬
‫ما ابتدع عالِم قطّ‪ ،‬ولكن استُفت مِن ليس بعال فضلّ وأضلّ‪ ،‬وكذلك فعل‬
‫ربيعة؛ قال مالك‪ :‬بكى ربيعةُ يوما بكاءً شديدا‪ ،‬فقيل له‪ :‬أمصيبة نزلت بك؟‬
‫فقال‪ ( :‬ل! ولكن استُفت مَن ل عِلم عنده وظهر ف السلم أمر‬
‫) )‬
‫عظيم )( "( ‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه الفسوي ف (( العرفة والتاريخ )) (‪ )1/670‬والطيب ف (( الفقيه والتفقه )) (‪.)1039‬‬ ‫‪1‬‬

‫() (( الباعث على إنكار البدع والوادث )) ص (‪175‬ـ ‪.)179‬‬ ‫‪2‬‬

‫قلت‪ :‬لقد قلت لنائب علي بن حاج‪ :‬الاشي سحنون ف مسجد صلح الدين بيّ بلكور‬
‫ف العاصمة ـ وهو يستعدّ لول مظاهرة لبهته ـ‪ " :‬قد سألنا العلماء‪ :‬الشيخ اللبان‬
‫والشيخ ابن باز عن حكم الظاهرة‪ ،‬فمنعاها‪ ،‬فمَن أئمّتكم ف هذا الشأن؟ فقال‪ " :‬كما‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪152‬‬
‫السياسة‬

‫قلت‪ :‬وعلى هذا كان هدي السلف؛ قال هشام بن عروة‪ " :‬ما سعتُ أب‬
‫يقول ف شيء قطّ برأيه‪ ،‬قال‪ :‬وربا سئل عن الشيء فيقول‪ :‬هذا مِن خالص‬
‫()‬
‫السلطان " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقال ابن هرمز‪ " :‬أدركتُ أهل الدينة‪ ،‬وما فيها إل الكتاب والسنة‪،‬‬
‫()‬
‫والمر ينِل فينظر فيه السلطان " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ه‬ ‫فمَن هو الرجل الصال لذلك إذن؟ قالال تعال‪{ :‬إ َّ‬
‫ن الل َ‬
‫ة في ال ِ ْ‬
‫سط َ ً‬ ‫علَيْك ُ ْ‬
‫صطَفاهُ َ‬
‫علمِ‬ ‫م وَزادَهُ ب َ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫سم } فهو ليس عالما ً فقط‪ ،‬بل مبسو ٌ‬
‫ط له‬ ‫ج ْ ِ‬
‫وال ِ‬
‫في العلم! قال ابن مسعود ‪ " :‬ليزال الناس صالي متماسكي ما‬
‫أتاهم العلم من أصحاب ممد ومن أكابرهم‪ ،‬فإذا أتاهم من أصاغرهم‬
‫()‬
‫هلكوا " ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫لكم علماء‪ ،‬فلنا علماء! "‪.‬‬


‫قلتُ‪ :‬مَن هم؟ قال‪ " :‬عبد الرحن عبد الالق وممد قطب!!"‪.‬‬
‫فتأمّل ـ أخي القاريء! ـ هذا الذي ل يُفرّق بي عال وحال! وبي فقيه ومفكّر حائر!!‬
‫فكيف ل يبكي ربيعة ـ رحة ال عليه ـ؟!‬
‫ومن ثارهم تعرفونم؛ فقد قُتل ف هذه الظاهرة مئات!!‬
‫() رواه ابن عبد الب ف (( الامع )) (‪2059‬ـ الزهيي)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الصدر السابق (‪.)2061‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أسنده ابن البارك ف (( الزهد )) (‪ )1/281‬وعبد الرزاق (‪ )257 ،11/249‬وابن العراب ف‬ ‫‪3‬‬

‫(( معجمه )) (‪ )926‬والطبان (‪ 9/8589‬ـ ‪ )8592‬والطيب ف (( الفقيه والتفقه )) (‪ )776‬وابن‬


‫عبد الب ف » جامع بيان العلم وفضله « (‪ )1059‬و(‪1060‬ـ الزهيي ) والروي ف (( ذمّ‬
‫الكلم )) ق (‪138‬ـ ب)‪ ،‬وهو صحيح؛ لنه جاء ف إحدى هذه الطرق من رواية سفيان‬
‫عن أب إسحاق السـبـيعي‪ ،‬وهو أثـبـت الناس فيه‪ ،‬كما ف (( تذيب الكمال )) (‬
‫‪153‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وقال الشعب ـ رحه ال ـ‪ " :‬ما جاءك من أصحاب ممدٍ فخذه‪،‬‬


‫ودع عنك ما يقول هؤلء الصعافقة "‪ ،‬قيل الصعافقة‪ :‬الذين يدخلون السوق‬
‫()‬
‫بل رأس مال‪ ،‬أراد الذين ل علم لم " ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وعلى هذا كان أصحاب رسولال ؛ أل ترى كيف ل يتلفوا ف تولية‬


‫أب بكر إل ف جلسة واحدة تت سقيفة‪ ،‬المر الذي ل تعرفه‬
‫الديقراطيات علىالرغم من أنا مدعومة بالديد‪ ،‬واختاروا أبا بكر لنه كان‬
‫كما جاء وصفه ف حديث أب سعيد قال‪ " :‬وكان أبو بكر أعلمنا " متفق عليه‪.‬‬
‫وقد كان رسولال ل يشاور ف القضايا السياسية إل أبا بكر وعمر‬
‫ومن هم على مستواها‪ ،‬وما قصة أسرى بدر عنكم ببعيد‪.‬‬
‫وما يدل على أن أهل العلم البزين كان لم ملس خاص بم ل‬
‫يشاركهم فيه غيهم ما رواه البخاري عن ابن عباس رضيال عنهما قال‪ :‬كان‬
‫عمر يُدخلن مع أشياخ بدر‪ ،‬فقال بعضهم‪:‬لِمَ يدخل هذا الفت معنا ولنا أبناء‬
‫مثله؟ فقال‪ " :‬إنه من قد علمتم "‪.‬‬
‫وإنا امتاز ابن عباس بالدخول على الجتهدين دون غيه من الشباب‬
‫لتميّزه عنهم بدعاء الرسول ‪ » :‬الله م فقّهه ف الدين و َعلّمه التأويل «‬
‫رواه أحد وهو صحيح‪ .‬قال ابن القيم‪ " :‬ودعا النب لعبدال بن عباس أن‬
‫يُفقّهه ف الدين وُيعَلّمه التأويل‪ ،‬والفرق بي الفقه والتأويل‪ :‬أن الفقه هو فهْم‬
‫العن الراد‪ ،‬والتأويل إدراك القيقة الت يَؤول إليها العن الت هي أخيّته وأصله‪،‬‬

‫‪ ،)22/109‬وتابعه َج ْمعٌ‪ .‬وذكر ابن حجر ف (( الفتح )) (‪13/301‬ـ ‪ )302‬أنه رواه قاسم بن‬
‫أصبغ ف (( مصنفه )) بسند صحيح عن عمر نوه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو عند الللكائي ف (( شرح أصول العتقاد )) (‪.)101‬‬
‫() » شرح السنة « للبغوي (‪.)1/318‬‬ ‫‪4‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪154‬‬
‫السياسة‬

‫وليس كل مَن فَقه ف الدين عَرَف التأويل‪ ،‬فمعرفة التأويل يَختص به‬
‫()‬
‫الراسخون ف العلم " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قلت‪ :‬تأمل هذا تفهم سبب عدم الكتفاء ف أمر السياسة بالعلم‪ ،‬بل ل بدّ‬
‫من الرسوخ فيه‪ ،‬ومَن عرَف مِن الشباب تأويل ابن عباس لسورة النصر ـ‬
‫كما ف تام قصة عمر السابقة ـ عرَف هل يَصلح لذا المر أو ل؟‬
‫وروى البخاري عن ابن عباس قال‪ :‬كنتُ أُقْريء رجال من الهاجرين‬
‫منهم عبدالرحن بن عوف‪ ،‬فبينما أنا ف منله بن وهو عند عمر بن الطاب‬
‫ف آخر حجة حجها‪ ،‬إذ رجع إل عبدالرحن فقال‪ :‬لو رأيتَ رجل أتى أمي‬
‫الؤمني اليوم فقال‪ :‬يا أمي الؤمني هل لك ف فلن يقول‪ :‬لو قد مات عمر‬
‫لقد بايعت فلنا‪ ،‬فوال ماكانت بيعة أب بكر إل فلتة فتمت‪ ،‬فغضب عمر ث‬
‫قال‪ :‬إن إن شاءال لقائم العشية ف الناس فمحذّرهم هؤلء الذين يريدون أن‬
‫يغصبوهم أمورهم‪ ،‬قال عبدالرحن‪ :‬فقلت‪ " :‬يا أمي الؤمني! ل تفعل‪ ،‬فإن‬
‫()‬
‫الوسم يمع رَعاع الناس وغوغاءهم؛ فإنم هم الذين يغلبون على قربك‬
‫‪2‬‬

‫() » إعلم الوقعي « (‪ )1/332‬ط‪ .‬دار اليل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬إن الوسم‬ ‫() قال ابن منظور ف » لسان العرب « (‪ " :)128 /8‬وف حديث عمر‬ ‫‪2‬‬

‫يمع رعاع الناس أي غوغاء هم وسقاطهم "‪.‬‬


‫قلت‪ :‬وإن أَنْسَ فلن أنسَى يوم كانت السلفية ( ِجدَة العصر) وكان علي بن حاج ـ الذي‬
‫قيل عنه إنه سلفي ـ يدعو إليها بماسة جعل عباسي مدن يشكوه إلّ ـ بكم الوار‬
‫الذي بين وبي هذا الخي ـ ويصفه بـ ( الصب الفتان الذي يشوّش على المة‬
‫بالواضيع الامشية! والمة مشغولة بأدهى منها ‪.) !!...‬‬
‫لكن ل يلبث ابن حاج إل قليل حت وقع ف خناق الرعاع‪ ،‬فقدكان يكون ف درس‬
‫التفسي مثلً‪ ،‬فيتنحنح الضور من اللل‪ ،‬فيفهم هو ضرورة تغيي اللهجة العلمية الادئة إل‬
‫لجة سياسية هجية‪ ،‬فيُكبّر شجعانم‪ ،‬فإذا بالشيخ الفسر رجل آخر‪ ،‬قد صُنع على عي‬
‫‪155‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫حي تقوم ف الناس‪ ،‬وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيّرها عنك كل‬
‫مطي‪ ،‬وأن ل َيعُوها‪ ،‬وأن ل يضعوها على مواضعها‪ ،‬فأمهل حت تقدم‬
‫الدينة فإنا دار الجرة والسنة‪ ،‬فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس‪ ،‬فتقول‬
‫ما قلت متمكنا‪ ،‬فيعي أهل العلم مقالتك‪ ،‬ويضعونا على مواضعها "‪ ،‬فقال‬
‫عمر‪ " :‬أما وال ـ إن شاءال ـ لقومن بذلك أول مقام أقومه بالدينة ‪." ...‬‬
‫فما أعظم هذه الشورة! وما أقواه من متمع عرف مقادير الشياء! وأين‬
‫هذه التربية والنظر الصيف من قوم يذيعون كل خب عند العوام والواص‪،‬‬
‫خاصة منها الخبار السياسية الت فتنت الناس اليوم‪ ،‬يتحدثون عنها ف حاسة‬
‫كبية كأنم يستغيثون باللق من ظلم اللق‪ ،‬ل تراه عليهم وهم يقررون‬
‫التوحيد ويدفعون الشرك‪ .‬وهل كان عمر يمع الناس ويقول لم‪ :‬اجعوا ل‬
‫قصاصات الرائد‪ ،‬وأنا أحللها لكم علنية‪ ،‬ف شجاعة تامة‪ ،‬ل أخاف حاكما‬
‫ول طاغوتا؟!‬
‫كل! ل يتصور هذا ف عمر الذي زجره النب زجرا شديدا عن‬
‫تتبع صحائف أهل الكتاب‪ ،‬فعن جابر بن عبدال أن عمر بن الطاب أتى النب‬
‫بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب‪ ،‬فقرأه النب فغضب قال‪:‬‬
‫()‬
‫» أمَُتهَوّكون فيها يا ابن الطاب؟! ‪ ،‬والذي نفسي بيده لقد جئتكم با‬
‫‪1‬‬

‫بيضاء نقية‪ ،‬ل تسألوهم عن شيء فيخبوكم بق فتكذّبوا به أو بباطل‬


‫فتصدقوا به‪ ،‬والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إل أن‬
‫يتّبعن « رواه أحد وغيه وهو صحيح‪.‬‬

‫الغوغاء ووقع فريسة ف أيديهم‪ ،‬نسأل ال الثبات والصب على إرضائه وحده‪.‬‬
‫() " التّهَوّك كالتهوّر‪ ،‬وهو الوقوع ف المر بغي روية‪ ،‬التهوّك ‪ :‬الذي يقع ف كل أمر‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقيل‪ :‬هو التحي "‪ ،‬كذا ف » النهاية « لبن الثي (‪.)5/282‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪156‬‬
‫السياسة‬

‫ث أل تذكرون قصة الشورى ف اختيار الليفة من بعد عمر؟ أل يكن‬


‫الصحابة أكثر من عشرة آلف؟ فلم يزد المر على أن تشاور ستة من أعيانم‬
‫فقط‪ .‬وشبابنا اليوم يريدون من كبار الشايخ أن يرجوا من الكتب الصفراء‬
‫ليشاركوا أمتهم أحزانا زعموا‪ ،‬يريدون منهم أن يكونوا تت ضغط‬
‫الستفزازات السياسية‪ ،‬أل فهاكم كلمة حكيمة للشيخ ابن عثيمي ـ حفظه‬
‫ال ـ لا سأله بعض الستعجلي ف جرأة سخيفة‪ :‬لاذا ل تردون على الكام‬
‫وُتَبيّنوا ذلك للناس؟‬
‫قال الشيخ ف وقاره وحلمه‪ .. " :‬ولكن النصح مبذول ‪ ...‬وال! أنا‬
‫أعلمتُك يا أخ ( فلن! ) وأعلمتُ الخوان أن بيان ما نفعله مع الولة فيه‬
‫مفسدتان‪:‬‬
‫الفسدة الول‪ :‬أن النسان يَخشى على نفسه من الرياء‪ ،‬فيبطل عمله‪.‬‬
‫الفسدة الثانية‪ :‬أن الولة لو ل يُطيعوا صار حجة على الولة عند العامة‬
‫()‬
‫فثاروا‪ ،‬وحصَل مفسدة أكب " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فتأمّلوا هذا الواب الكيم فإنه مستوحى من جواب بعض السلف حيث‬
‫طلب منه بعض الثائرين أن ينكر على الليفة عثمان بن عفان ‪ ،‬ففي‬
‫الصحيحي عن أسامة بن زيد أنه قيل له‪ :‬أل تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال‪:‬‬
‫" أترون أن ل أكلمه إل ُأسِعكم؟ وال لقد كلمته فيما بين وبينه ما دون أن‬
‫أفتح أمرا ل أحب أن أكون أول من فتحه "‪ .‬وف رواية‪ " :‬إن أكلمه ف‬
‫السر "‪.‬‬
‫ومثله ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ " :‬دخلتُ على‬
‫حفصة ونسْواتا تنطف‪ ،‬قلت‪ :‬قد كان من أمر الناس ما تَرَيْن‪ ،‬فلم يُجعل ل‬

‫() من شريط » أسئلة حول لنة القوق الشرعية « ف موضعي منه‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪157‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫من المر شيء‪ ،‬قالت‪ :‬اِلْحق فإنم ينتظرونك‪ ،‬وأخشى أن يكون ف احتباسك‬
‫عنهم فرقة‪ ،‬فلم ت َدعْهُ حت ذهب‪ ،‬فلما تفرّق الناسُ خطب معاوية قال‪ :‬من‬
‫كان يريد أن يتكلم ف هذا المر فليُطْلع لنا قرنه‪ ،‬فلنحن أحقّ به منه ومن أبيه‪،‬‬
‫قال حبيب بن مسلمة‪ :‬فهلّ أجبته؟ قال عبد ال‪ :‬فحللتُ َحبْوت وهمت أن‬
‫أقول‪ :‬أحقّ بذا المر منك مَن قاتلك وأباك على السلم‪ ،‬فخشيتُ أن أقول‬
‫كلمة تفرّق بي المع وتَسفِك الدم ويُحمَل عن غي ذلك‪ ،‬فذكرتُ ما أعدّ‬
‫ال ف النان‪ ،‬قال حبيب‪ :‬حُفظتَ وعُصمتَ "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يظهر من هذه الرواية رجاحة عقل ابن عمر رضي ال عنهما‬
‫وسياسته الرشيدة؛ حيث منَعته مصلحة اجتماع المة على رجل واحد مِن‬
‫ذكر مصلحته الاصة‪ ،‬على الرغم من أن معاوية كان يقصده بكلمته تلك؛‬
‫كما ف رواية عبد الرزاق بسند البخاري نفسه‪ ،‬قال الراوي‪ُ " :‬يعَرّض بعبد ال‬
‫()‬
‫بن عمر " ‪ ،‬ث ل بدّ من التنبيه على أنه جاء ف » أمال ابن النباري « زيادة‬
‫‪1‬‬

‫بالسند الت‪ ،‬قال الراوي‪ :‬حدّثنا ممد ثنا أبو بكر ثنا موسى بن ممد‬
‫()‬
‫الياط ثنا عثمان بن أب شيبة ثنا أبو معاوية عن العمش عن حبيب بن أب‬ ‫‪2‬‬

‫ثابت عن هزيل بن شرحبيل قال‪ " :‬خطب الناسَ معاويةُ فقال‪ :‬لو بايع الناسُ‬
‫عبدا مدّعا لتبعتُهم‪ ،‬ولو ل يبايعون برضاهم ما أكرهتُهم‪ ،‬فنل‪ ،‬فقال له‬
‫ت قول ينبغي أن تأمّله‪ ،‬فرجع إل النب فقال ‪" ...‬‬ ‫عمرو بن العاص‪ :‬قد قل َ‬
‫()‬
‫بنحوه ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قلت‪ :‬فيُفهَم من هذه الرواية أن معاوية قال كلمةَ تواضعٍ ف وقت اشتداد‬

‫() » الصنف « (‪.)5/465‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ترجم له ابن عساكر ف » تاريخ دمشق « عند حرف اليم‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » ملس من أمال ابن النباري « ص (‪.)25‬‬ ‫‪3‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪158‬‬
‫السياسة‬

‫الفت ـ أيام صفي كما نبّه عليه الافظ ـ المر الذي يتناف مع سياسة المة‬
‫بالزم سدّا لبواب الشر‪ ،‬ولذلك لا نبّهه عمرو بن العاص غيّر اللهجة‪،‬‬
‫وهذا ـ بغضّ النظر عن قضية صفي ـ هو الذي تقتضيه السياسة؛ فقد نصّ‬
‫()‬
‫بعض الفقهاء على أن سلوك السياسة هو الخذ بالزم ‪ ،‬وعند بعضهم أن‬
‫‪1‬‬

‫()‬
‫السياسة شَرْعٌ مغلّظ ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫أذكركم بذا لتعلموا أن شيوخ السلفية ل يتخطون خطى السلف‪،‬‬


‫فليعرف لم قدرهم من للحق انتصف‪.‬‬
‫فيا شباب السلم! توعية المة ليست باجة إل داعية متحمس ولكن‬
‫إل متهد متفرس‪ .‬فهل آن لكم أن تفرقوا بينهما؟‬
‫وأن تعرفوا أن فقه الواقع راجع إل الذين شابت رؤوسهم مع نصوص‬
‫الشارع‪ ،‬إنكم برأتكم هذه على أهل العلم واستصغاركم لم واستخفافكم‬
‫العملي بالوحيي وحلتهما‪ ،‬وتعظيمكم الدهش لملة قصاصات الرائد‬
‫ن‬‫ب إ َّ‬‫ل يَاَر ِّ‬‫سو ُ‬ ‫ل الَّر ُ‬‫لنذير شر مستطي قالال تعال ‪{ :‬وقا َ‬
‫جوراً }‪.‬‬ ‫ه ُ‬
‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫هذَا ال ُ‬
‫قْرءَا َ‬ ‫خذُوا َ‬ ‫مي ات َّ َ‬‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬
‫وتأملوا ما رواه البخاري عن ابن عباس " أن أبا بكر خرج وعمر يكلم‬
‫الناس ( ف وفاة رسولال )‪ ،‬فقال ‪ :‬اجلس يا عمر‪ ،‬فأب عمر أن يلس‪،‬‬
‫فقال اجلس‪ ،‬فأب أن يلس‪ ،‬فتشهد أبو بكر ‪ ،‬فمال إليه الناسُ وتركوا‬
‫عمر "‪ .‬تركوا عمر ـ وما أدراك ما عمر! ـ لنم وجدوا أفضل وأعلم من‬
‫عمر‪ ،‬وبرباطة جأش أب بكر‪ ،‬وبسن استماع الرعية‪ ،‬وبعدهم عن الماسة‬
‫الت ل تدعمها النصوص عُرف مصدر التلقي‪ ،‬فخمدت الفتنة ف مهدها‪.‬‬

‫() انظر » النصاف « للمرداوي (‪.)10/250‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر » معي الكام « لعلء الدين الطرابلسي ص (‪ ،)164‬و» حاشية ابن عابدين « (‪.)4/15‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪159‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فلماذا زهدت ف الشايخ الكبار الذين أفنوا أعمارهم مع العلم تعلّما‬


‫وتعليما مع َجلَدٍ ف الدعوة إلال أمثال الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمي‬
‫والشيخ الفوزان وغيهم‪ ،‬ومِلْتم إل ( طلبة العلم !! ) أول خطئهم التشبّع با‬
‫ل يعطوا حي ُعنُوا بالتوجيه السياسي‪ ،‬وقد كفاهوه هؤلء‪ ،‬لول أنه قد قيل ويا‬
‫بئس ما قيل‪ ( :‬علماؤنا ‪ ..‬عندهم تقصي ف معرفة الواقع ‪ ..‬نن نستكملهم ) !!‬
‫وحت الشيخ اللبان الذي ظل رَدْحا من الزمن مّتهَما با اُتهِم به إخوانُه‬
‫من الذكورين‪ ،‬رَّقوْه اليوم وأوصلوه بصف فقهاء الواقع‪ ،‬لكن على حذر شديد‬
‫جدا؛ لنه ل يزال عندهم مدّثا فقط‪ ،‬ولذا ل يبلغ رتبة فقيه الواقع‬
‫ـ عندهم ـ بفقهه‪ ،‬ولكن بفتواه ف قضية الليج الت وقعت ف الوقت‬
‫الناسب على قلوب تواها‪ ،‬ل لدليلها‪ ،‬ولكن لتهييجها السياسي‪ .‬ومثل هذا‬
‫حب بعض الخوان السلمي لبن تيمية والشادة بفضله‪ ،‬ل باعتبار عقيدته‬
‫وفقهه وجهاده العلمي؛ لن هذا ل يهتمون به إن ل يقفوا ف وجهه‪ ،‬لكن‬
‫فقط لنه وقف ف صف الهاد ضد التتار فتأمل هذا الولء السياسي الحض‪،‬‬
‫وقل ل حول ول قوة إل بال ‪.‬‬
‫ولو حضرت حلقات الشيخ ابن باز ـ حفظه ال ـ لبكيت لنفرة الشباب‬

‫( الواعي!! ) منها‪ ،‬وهو من هو علما وستا ووقارا‪ ،‬ث هم يزدحون على‬


‫الدروس العاطفية والسياسية الت تنفخ ول ترب وإن ربت ففي حدود البنود‬
‫الزبية؛ ذلك لنم يهلون أن الشيخ وأمثاله يقدمون دروسهم على ذلك‬
‫النمط لنه منهج عرفوه من سية الرسول ‪ ،‬أقصد ما قاله بعض السلف‪" :‬‬
‫الذي يرب الناس بصغار العلم قبل كباره " ـ كما يأت بيانه قريبا فيما رواه‬
‫البخاري ـ‪ ،‬وهؤلء يقولون‪ ( :‬يقدّم علما جافا ) ويقصدون جفافه من‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪160‬‬
‫السياسة‬

‫تزويقات قُصّاص هذا الزمان والكلمات النمقة الؤنّثة الت يبهرجون با سترا‬
‫لعورتم العلمية‪ ،‬وتغريرا بالسذج إل بدعتهم الزبية‪ ،‬والقيقة أنه هو العلم لو‬
‫وجدوا له صبا‪.‬‬
‫لقد عقد البخاري ـ رحه ال ـ ف »صحيحه « ف" باب العلم قبل‬
‫()‬
‫القول والعمل" مقارنة بي ابن عباس وأب ذر رضيال عنهما يبي با معن‬ ‫‪1‬‬

‫ه‬ ‫ر أَن ي ُ ْ‬
‫ؤتِي َ ُ‬
‫ه الل ُ‬ ‫ش ٍ‬ ‫( الربان ) ف قوله تعال‪{ :‬ما كا َ‬
‫ن لِب َ َ‬
‫س كُونُوا‬ ‫َ‬ ‫قو َ‬ ‫والنُّب ُ َّ‬
‫وةَ ث ُ َّ‬
‫م يَ ُ‬ ‫حك ْ َ‬
‫ل لِلن ّا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال ُ‬
‫ب َ‬
‫الكِتا َ‬
‫ن بِما‬‫ولَكِن كُونُوا َربَّانِي ِّي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫عبَادا ً لي ِ‬
‫ِ‬
‫ن} بي فيه أن‬ ‫سو َ‬ ‫وبِما كُنت ُ ْ‬
‫م تَدُْر ُ‬ ‫ب َ‬
‫ن الكِتا َ‬‫مو َ‬ ‫عل ِّ ُ‬ ‫كُنت ُ ْ‬
‫م تُ َ‬
‫أبا ذر كان يذيع كل خب َيعْلَمه من رسولال خوف كتمان العلم‪،‬‬
‫وقد ل يراعى ف ذلك مستوى الناس أو قدرتم على التحمل‪ .‬وأما ابن عباس‬
‫فخلف ذلك‪.‬‬
‫()‬
‫قال ـ رحه ال ـ‪ " :‬وقال أبو ذر‪ :‬لو وضعتم الصَمْصامة على هذه‬
‫‪2‬‬

‫ـ وأشار إل قفاه ـ ث ظننت أن أُْنفِذ كلمة سعتها من النب قبل أن‬


‫ُتجِيزوا علي َلْنفَذتا‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ ( :‬كونوا ربانيي ) حكماء فقهاء‪ ،‬ويقال الربان‪ :‬الذي‬
‫يرب الناس بصغار العلم قبل كباره "‪ .‬اهـ من » صحيح البخاري «‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ " :‬وهذا التعليق ُروّيناه موصول ف مسند الدارمي وغيه من‬
‫طريق الوزاعي‪ :‬حدثن أبو كثي ـ يعن مالك بن مرثد ـ عن أبيه قال‪:‬‬
‫أتيت أبا ذر وهو جالس عند المرة الوسطى وقد اجتمع الناس يستفتونه‪ ،‬فأتاه‬

‫() » الفتح « (‪ )1/193‬وما بعدها من الطبعة الديدة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الصّمْصامة‪ :‬هي "السيف القاطع"‪ » ،‬لسان العرب « بتحقيق علي شيي (‪.)7/414‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪161‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫رجل فوقف عليه ث قال‪ :‬أل ُتنْه؟ فرفع رأسه إليه‪ ،‬فقال‪ :‬أرقيب أنت علي؟ لو‬
‫وضعتم ‪ ...‬فذكره مثله‪ .‬ورويناه ف اللية من هذا الوجه‪ ،‬وبيّن أن الذي‬
‫()‬
‫خاطبه رجل من قريش‪ ،‬وأن الذي ناه عن الفتيا عثمان " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وف ( باب ما كان النب يتخوّلم بالوعظة والعلم كي ل ينفروا ) قال‬


‫ابن حجر‪ " :‬ومناسبته لا قبله ظاهرة من جهة ما حكاه أخيا من تفسي‬
‫الربان‪ ،‬كمناسبة الذي قبله من تشديد أب ذر ف أمر التبليغ لا قبله من المر‬
‫()‬
‫بالتبليغ‪ ،‬وغالب أبواب هذا الكتاب لن أمعن النظر فيها ل يلو من ذلك " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال ابن القيّم ـ رحه ال ـ‪ " :‬وفيه أيضا تنبيه لهل العلم على تربية‬
‫المة كما يُرب الوالدُ ولدَه؛ فُي َربّونم بالتدريج والترقي من صغار العلم إل‬
‫كباره‪ ،‬وتميلهم منه ما يطيقون كما يفعل الب بولده الطفل ف إيصال‬
‫()‬
‫الغذاء إليه ‪. " ...‬‬
‫‪3‬‬

‫وقد ذكر ابنُ حجر أيضا ف موضع آخر فقال بعد ذكر اللف بي أب‬
‫ذر وجهور الصحابة ف كن الال عن شداد بن أوس أنه قال‪ " :‬كان أبو ذر‬
‫يسمع من رسولال الديث فيه الشدة ث يرج إل قومه‪ ،‬ث يرخص فيه‬
‫النب فل يسمع الرخصة‪ ،‬ويتعلق بالمر الول "‪.‬‬
‫() هو ف (( اللية )) لب نعيم (‪ ،)1/119‬وصحّحه ابن حجر ف (( الطالب العالية )) (‪،)3051‬‬ ‫‪1‬‬

‫وزاد نسبته لسحاق بن راهويه‪.‬‬


‫() » الفتح « (‪ ،)1/195‬أي يريد بيان سرّ ترتيب المام البخاري ـ رحه ال ـ لثلثة‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬رُبّ مبلّغ أوعى من سامع )؛ وفيه الث‬ ‫أبواب متتابعة وهي قوله‪ ( :‬باب قول النب‬
‫على تبليغ العلم‪ ،‬ث قوله‪ ( :‬باب العلم قبل القول والعمل )؛ وفيه تفسي معن الربان‬
‫يتخولم بالوعظة والعلم‬ ‫وذلك بلزوم الكمة ف التبليغ‪ ،‬ث قوله‪ ( :‬باب ما كان النب‬
‫كي ل ينفروا )؛ وفيه بيان لختياره ف معن الربان‪ ،‬فتدبر هذا!‬
‫() » مفتاح دار السعادة « (‪.)1/69‬‬ ‫‪3‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪162‬‬
‫السياسة‬

‫وقال مالك‪ " :‬اعلم أنه ليس يسلم الرجل حدّث بكل ما سع‪ ،‬ول يكون‬
‫إماما أبدا وهو يدث بكل ما سع " رواه مسلم ف مقدمة » صحيحه «‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولعله السر ف قول النب لب ذر‪ (( :‬يا أبا ذر‪ ،‬إن أراك ضعيفا وإن‬
‫أحب لك ما أحب لنفسي‪ ،‬ل تََأ ّم َرنّ على اثني‪ ،‬ول تَوَّلَينّ مال يتيم )) رواه مسلم‪.‬‬
‫قال الذهب‪ " :‬وقد قال النب لب ذر ـ مع قوة أب ذر ف بدنه‬
‫وشجاعته ـ‪ » :‬يا أبا ذر! إن أراك ضعيفا «‪.‬‬
‫فهذا ممول على ضعف الرأي؛ فإنه لو ول مال يتيم‪ ،‬لنفقه كله ف سبيل‬
‫الي‪ ،‬ولترك اليتيم فقيا‪ .‬فقد ذكرنا أنه كان ل يستجيز ادّخار النقدين‪.‬‬
‫والذي يتأمّر على الناس‪ ،‬يريد أن يكون فيه حلم ومداراة‪ ،‬وأبو ذر كانت‬
‫()‬
‫فيه حدّة ـ كما ذكرناه ـ فنصحه النب " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() » السي « (‪.)1/75‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪163‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫اللصة‬
‫إن من يعلّم الناس عامةً القضايا السياسية ليس ربانيا‪ ،‬وإن زعم أنه يريد‬
‫توعية الغافلي وتريك الامدين‪ ،‬أو يريد تقيق شولية العمل السلمي‪ ،‬أل ترى‬
‫ما بوب له البخاري حي قال‪ " :‬باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن‬
‫قوله‪ " :‬حدّثوا الناس با يعرفون أتريدون‬ ‫ل يفهموا " وروى فيه عن علي‬
‫أن يُ َكذّبال ورسوله؟! "‪ ،‬وف » صحيح مسلم « أن ابن مسعود قال‪:‬‬
‫" ما أنت بحدث قوما حديثا ل تبلغه عقولم إل كان لبعضهم فتنة "‪.‬‬
‫وف » الصحيحي «أن أبا هريرة كره التحديث بديث الِراَبيْن ـ الذي‬
‫فيه تنقّص بعض الكام ـ لظهور بوادر الروج عليهم ف وقته مع تفشي‬
‫الهل‪ ،‬وكان يقول ‪ " :‬لو شئتُ لسَمّيتُهم "‪ ،‬ومثله عن حذيفة ‪ ،‬قال‬
‫الافظ‪ " :‬ولذا كره أحد التحديث ببعض دون بعض الحاديث الت‬
‫ظاهرها الروج على السلطان ‪ ،" ...‬فتأمل تصرف هؤلء الكماء من‬
‫الفقهاء‪ ،‬وقارن بينه وبي تصرف متناقضي زماننا‪ ،‬الذين إن سَلّموا بأن الردود‬
‫على الكام بالطريقة العروفة اليوم ل يُجنَى منها خي‪ ،‬فإنم يزعمون أنه ل بد‬
‫من بيان تطيطهم الاكر للمسلمي وفضح أسرارهم ليعرفوهم ‪ ...‬ال‪ ،‬كأنه ل‬
‫يبق من بنيان دين السلمي إل هذا‪ ،‬مع أن أكثر ديار السلمي ل تزال مقيمة‬
‫على شرك القبور‪ .‬ولتعلم قيمة العلماء الربانيي اقت الشرطة السجلة الت‬
‫ناقش فيها الشيخ اللبان الدكتور ناصر العمر فإن فيها علما جّا‪ ،‬وأذكر بذه‬
‫الناسبة أن هذا الخي حي ذكر أن أصل كتابه » فقه الواقع « ماضرة عامة‬
‫اعترض عليه الشيخ قائل‪ " :‬هذا خطأ؛ لن فقه الواقع ل يكون إل بي‬
‫()‬
‫العلماء أو القوياء من طلبة العلم ‪. " ...‬‬
‫‪1‬‬

‫() من (( سلسلة الدى والنور )) رقم (‪ ،)605/1‬وهو أحد الشرطة الكثية الت كانت‬ ‫‪1‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪164‬‬
‫السياسة‬

‫ومن خالف هذا النهج الرصي وقع وأوقع ف فتنة عظيمة؛ لنّ التحليلت‬
‫السياسية من أصعب المور‪ ،‬ث الختلف ف يسيها أسرع شيء إحراجا‬
‫للصدور‪ ،‬وأكثر فتنة للناس لضيق عَطَنهم‪ ،‬خاصة ف عصر أضحى فيه الولء‬
‫()‬
‫والباء بي السلميي الواعي!! سياسيا بالدرجة الول ل عقديا ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫بينهما‪ ،‬والت فكّ ال أسرها من أيدي قوم حرصوا على كتمانا‪ ،‬أسأل ال تعال أن يأذن‬
‫بتسريح البقية‪.‬‬
‫() لقد منّ ال على الشيخ اللبان برأة ف الق نادرة‪ ،‬ومنها إفتاء الفلسطينيي بالجرة من‬ ‫‪2‬‬

‫بلدهم على تفصيل يطلب من التسجيلت‪ ،‬فإذا بالثائرة تثور‪ ،‬كأن الشيخ كفر أو اعتدى على‬
‫صفة من صفات ال تعال‪ ،‬وأخذ البتدعة يطبّلون للفتنة‪ ،‬مع أنا مسألة فقهية قد وافقه عليها‬
‫كثي من الراسخي ف العلم كالشيخ ابن باز مثل‪ ،‬وقد طبع بالزائر كتاب بعنوان (( حكم‬
‫الجرة من خلل ثلث رسائل جزائرية )) بتحقيق د‪ /‬ممد بن عبد الكري‪ ،‬من هذه‬
‫الثلث‪ (( :‬أسن التاجر ف بيان أحكام من تغلب على وطنه النصارى ول يهاجر‪ ،‬وما يترتب‬
‫عليه من العقوبات والزواجر )) لحد بن يي الونشريسي ( طبعة سنة ‪1981‬م )‪ ،‬وقد أعده‬
‫للتحقيق أحد إخواننا من بلد الشام‪ ،‬فعسى أن يكون صدوره قريبا ليَدفع عن مقدّسي‬
‫الوطان الريبة‪.‬‬
‫ث أقول‪ :‬لاذا هذه الشنشنة‪ ،‬والغفلة عما هو أعظم منها؟! كإنكار العقيدة السلفية ومنها‬
‫الستواء على العرش وغيها من السائل الت يتقزز منها مثيو هذه الفتنة كالبوطي‬
‫والغزال ومصطفى الزرقاء وغيهم من العروفي بالتمذهب والتقليد ـ فيما يسمونه ـ‬
‫باليض والنفاس‪ ،‬و( التمجهد ) ف دماء وأعراض الناس!! الائفي من الضغط الشعب!‬
‫الستجيبي للسياسات القومية والبعثية! فتنبهوا ـ معشر السلمي عامة‪ ،‬والسلفيي‬
‫خاصة! ـ إل أن ولءكم عقدي قبل كل شيء‪ ،‬وتفطنوا إل الذين يصطادون ف الياه‬
‫العكرة باستغلل الزمات السياسية الت تنق الماهي مع عاطفة فلسطي الرية! ل َهمّ‬
‫لم إل إسقاط النهج السلفي! ولو كانوا منصفي لهّهم ما هم فيه من حية عقدية عن‬
‫‪165‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الامعون لفنون الشريعة هم السياسيون الشرعيون‬


‫لا كان ل يُفت ف السياسة إل العال الجتهد‪ ،‬كان ل يارس السياسة إل‬
‫هو‪ ،‬قال الشاطب ـ رحه ال ـ‪ " :‬فإذا بلغ النسان مبلغا َفهِمَ عن الشارع‬
‫فيه قَصْدَه ف كل مسألة من مسائل الشريعة‪ ،‬وف كل باب من أبوابا‪ ،‬فقد‬

‫خطأ الشيخ الفقهي لو كان خطأ‪.‬‬


‫ولو تسمّحنا وقلنا لم‪ :‬ليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ‪ ...‬فبماذا ييبون ؟! أم هي‬
‫قاعدة خالصة لم من دون سائر الؤمني؟! أم يوز للبوطي أن يعل لبعضهم دعاية عظيمة‬
‫لبيعته‪ ،‬ويد من يغطي له هذه الرية ليخلو له الجال حت يقول‪ " :‬عباسي مدن رجل‬
‫متص ف علم النفس‪ ،‬ثقافته السلمية ضئيلة ضئيلة جدا‪ ،‬وأعرفه وعشت معه‪ ،‬وتالسنا‬
‫مرارا وتكرارا‪ ،‬وأنا أقول‪ :‬لو أن فئة سألتن ‪ :‬هل يوز أن يُنصّب رئيس دولة إسلمية‬
‫لتطبيق السلم؟ أقول‪ :‬ل يصلح؛ لن علماءنا قالوا ف باب المامة الكبى‪ :‬من شروط‬
‫المام الذي يريد أن يطبق السلم أن يكون بصيا فقيها ذا ثقافة إسلمية واسعة ‪،"...‬‬
‫من تسجيلت » شرح رياض الصالي « له برقم (‪.)456‬‬
‫وهذا الق الذي قاله ف عباسي مدن يُفهم منه أن البوطي ما دعا إل بيعة ذاك إل لنه رآه‬
‫( بصيا فقيها ذا ثقافة إسلمية واسعة!! )‪.‬‬
‫والبوطي وأمثاله يقولون ما يشاؤون من التناقض‪ ،‬آمني من أن يفطن لم‪ ،‬مستغلي ف‬
‫ذلك وضعي‪:‬‬
‫الول‪ :‬وضع المة من حيث جهلها‪.‬‬
‫الثان‪ :‬وضع الدعوات السلمية بزعامة الزبيات الخوانية خاصة‪ ،‬الت ل تستعمل مهر‬
‫النقد إل على السلفيي لتقلّص من حجم الق الذي عندهم حت يصي باطل‪ ،‬بطرق تدربوا عليها‬
‫من وسائل العلم الكافرة الت يفقهون عنها الواقع! وتجب عن الواقع باطل الخرفي الذين‬
‫موا أ َ َّ‬ ‫َ‬
‫قل َ ٍ‬
‫ب‬ ‫من َ‬
‫ي ُ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫تتاج إليهم ( مرتزقة ) لرب السلفيي {و َ‬
‫سي َ ْ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫يَن َ‬
‫قلِبُو َ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪166‬‬
‫السياسة‬

‫ف التعليم والفتيا‬ ‫حصل له وصفٌ هو السبب ف تنّله منلة الليفة للنب‬


‫()‬
‫والكم با أراه ال " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال الشافعي ـ رحه ال ـ‪ " :‬ول يشاوِر إذا نزل الشكل إل أمينا‬
‫عالا بالكتاب والسنة والثار وأقاويل الناس والقياس ولسان العرب " »‬
‫متصر الزن «‪.‬‬
‫قال ابن الصباغ ف الشامل‪ " :‬اعتب الشافعي أن يكون المام من أهل‬
‫()‬
‫الجتهاد؛ لنه إذا ل يكن من أهل الجتهاد فل قول له ف الادثة " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال الشاطبّ‪ " :‬إنّ العلماء نقلوا التّفاق على أنّ المامة الكبى ل‬
‫()‬
‫تنعقد إل لن نال رتبة الجتهاد والفتوى ف علوم الشرع " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا التّفاق ل يضره وجود الخالف؛ لنّ من خالف فقد شرط‬
‫الجتهاد فيمن يستفتيه المام كما قال الشهرستان‪ " :‬ولكن يب أن يكون‬
‫()‬
‫معه من يكون من أهل الجتهاد فياجعه ف الحكام " ‪ .‬فعاد المر إل‬
‫‪4‬‬

‫اشتراط الجتهاد سواء ف المام نفسه أو فيمن يرجع إليه المامُ من الفقهاء‪.‬‬
‫وقال ابن حدان الرّان‪ " :‬الجتهد الطلق وهو الذي ذكرناه آنفا إذا‬
‫استقلّ إدراكه للحكام الشرعيّة من الدلّة العامة والاصة‪ ،‬وأحكام الوادث‬
‫()‬
‫منها ‪. "...‬‬
‫‪5‬‬

‫() » الوافقات « (‪4/106‬ـ ‪.)107‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نقلً عن » الجتهاد « للسيوطي ص (‪.)62‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » العتصام « (‪.)2/126‬‬ ‫‪3‬‬

‫() » اللل « (‪.)1/160‬‬ ‫‪4‬‬

‫() » صفة الفتوى « (‪.)16‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪167‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫نكت ف آيات الكتاب‬


‫من تدبّر آيات الكتاب الكري ف كل حديث عن اللفاء الشرعيّي ـ‬
‫ونن نب أن تكون اللفة لفقهاء الشريعة ولريب ـ يد أنّال ما ذكر‬
‫أحدا منهم إل وصفه بالعال الحيط بفنون الشريعة؛ فآدم أوّل من ساس‬
‫البشر‪ ،‬ميّزهال عن اللئكة بالعلم حت كانت اللفة له دونم‪ ،‬ومهما اختلف‬
‫فة} الت ف أوّل سورة البقرة‪ ،‬فإنّه ل ينتفي عنها‬ ‫الفسّرون ف كلمة { َ‬
‫خلِي َ‬
‫معن السلطان‪ ،‬وهذا الذي أشار إليه ابن تيمية حي قال‪ " :‬ف اللفة‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫والسلطان وكيفية كونه ظلّال ف الرض‪ ،‬قالال تعال‪{ :‬وإذْ َ‬
‫َ‬
‫فًة}‪ ،‬وقال‬ ‫خلِي َ‬
‫ض َ‬‫ل في الْر ِ‬ ‫ع ٌ‬‫ة إِنِّي جا ِ‬ ‫ملَئِك َ ِ‬‫ك لِل ْ َ‬
‫َرب ُّ َ‬
‫َ‬ ‫علْنا َ‬ ‫وودُ إنَّا َ‬
‫حكُم‬ ‫فا ْ‬‫ض َ‬ ‫ة في الْر ِ‬ ‫خلِي َ‬
‫ف ً‬ ‫ك َ‬ ‫ج َ‬ ‫ال ‪{ :‬يَا دَا ُ‬
‫عن‬ ‫ك َ‬ ‫ضل َّ َ‬
‫في ُ ِ‬‫وى َ‬ ‫ه َ‬
‫ع ال َ‬ ‫َ‬
‫ول َ تَت ّب ِ ِ‬‫ق َ‬‫ح ِّ‬‫س بِال َ‬
‫ن النّا ِ‬ ‫بَي ْ َ‬
‫فًة}‬
‫خلِي َ‬ ‫ض َ‬ ‫ل في الْر ِ‬ ‫ع ٌ‬‫ه }‪ ،‬وقوله‪{ :‬إنِّي جا ِ‬ ‫ل الل ِ‬
‫سبِي ِ‬
‫َ‬
‫قنَا‬‫خل َ ْ‬‫قدْ َ‬ ‫يعمّ آدم وبنيه‪ ،‬لكن السم متناول لدم عينا‪ ،‬كقوله‪{ :‬ل َ َ‬
‫()‬ ‫َ‬
‫ويمٍ } ‪ ، " ...‬ولذا قال القرطب ـ‬
‫‪1‬‬
‫ق ِ‬ ‫ن تَ ْ‬‫س ِ‬‫ح َ‬ ‫ن في أ ْ‬ ‫سا َ‬‫الِن َ‬
‫()‬
‫رحه ال ـ‪ " :‬هذه الية أصل ف نصب إمام وخليفة يُسمَع له ويطاع ‪. "...‬‬
‫‪2‬‬

‫وأقول‪ :‬إنّال اختار آدم للفة الرض دون اللئكة ل لكونه عالا ببعض‬
‫دون بعض‪ ،‬ولكن لكونه ميطا با عبّرال عنه بلفظ الكلية حي قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها}‪.‬‬‫ماءَ} ول يسكت ولكن زاد {كُل ّ َ‬ ‫س َ‬
‫م ال ْ‬ ‫عل ّ َ‬
‫م آدَ َ‬ ‫{و َ‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪)35/42‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » تفسي القرطب « (‪ ،)1/264‬وانظر أضواء البيان (‪.)1/58‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪168‬‬
‫السياسة‬

‫علْماً‬ ‫ن ِ‬ ‫سلَيْما َ‬ ‫و ُ‬ ‫د َ‬‫وو َ‬ ‫ـ ومثله قوله تعال‪{ :‬ول َ َ‬


‫قدْ آتَيْنا دَا ُ‬
‫ه‬
‫عباِد ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ر ِ‬‫علَى كَثِي ٍ‬ ‫ضلَنا َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ه اَّلِذي َ‬‫مدُ لِل َ ِ‬‫ح ْ‬‫قال َ ال َ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫قا َ َ‬
‫ها‬‫ل يَأي ُّ َ‬ ‫و َ‬‫وودَ َ‬ ‫سلَيْما ُ‬
‫ن دَا ُ‬ ‫ث ُ‬ ‫ر َ‬ ‫و ِ‬‫و َ‬‫ن‪َ .‬‬ ‫منِي َ‬‫ؤ ِ‬‫م ْ‬
‫ال ُ‬
‫عل ِّمنَا منطق الطَّير ُ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫من ك ُ ِّ‬ ‫وأوتِينَا ِ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫س ُ ْ‬ ‫النَّا ُ‬
‫ن}‪ ،‬قال ابن باديس ـ رحه ال ـ‪:‬‬ ‫مبِي ُ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ض ُ‬‫ف ْ‬ ‫و ال َ‬‫ه َ‬ ‫هذَا ل َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫إ ِ َّ‬
‫علْماً} نوعا عظيما متازا من العلم‪ ،‬جَمَعا به بي ا ُللْك والنّبوّة وقامَا‬ ‫"{ ِ‬
‫بأمر الُكم والداية "‪.‬‬
‫وقال‪ " :‬تنويه وتأصيل‪ :‬قد ابتدأ الديث عن هذا ا ُللْك العظيم بذكر‬
‫العلم‪ ،‬وقدّمت النّعمة به على سائر النّعم تنويها بشأن العلم وتنبيها على أنّه هو‬
‫الصل الذي تنبن عليه سعادة الدنيا والخرى‪ ،‬وأنّه هو الساس لكل أمر من‬
‫أمور الدين والدنيا‪ ،‬وأ ّن المالك إنا تُبن عليه وتُشاد‪ ،‬وأنّ اللك إنا يُنظّم به‬
‫ويُساس‪ .‬إنّ كل مال يُبْن عليه فهو على شفا جرف هار وأنّه هو سياج الملكة‬
‫ودرعها وهو سلحها القيقيّ‪ ،‬وبه دفاعها وأنّ كل ملكة ل تُحْم به فهي‬
‫()‬
‫عُرضة للنقراض والنقضاض " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ل‬‫ق ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫قْرنَي ْ ِ‬‫عن ِذي ال َ‬ ‫ك َ‬‫سأَلُون َ َ‬ ‫ـ ومثله قوله تعال‪{ :‬وي َ ْ‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫سأَتْلُو َ‬
‫ض‬
‫ه في الْر ِ‬ ‫مك ّنَّا ل َ ُ‬‫ه ِذكْراً ‪ ،‬إِنَّا َ‬ ‫من ْ ُ‬‫علَيْكُم ِ‬ ‫َ‬
‫سبَباً }‪ ،‬قال ابن عباس وسعيد بن جبي‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫من ك ُ ِّ‬ ‫وءَاتَيْنَاهُ ِ‬ ‫َ‬
‫()‬
‫والسّدي وغيهم‪ " :‬يعن ِعلْما " ؛ أي من كل شيء علما‪ ،‬إذن فهي‬
‫‪2‬‬

‫الحاطة بكل فنون العلم‪.‬‬


‫فتأمّل العلم البسوط على هؤلء السياسيي الصّالي‪ ،‬وقد روى أبو حازم‬

‫() » مالس التّذكي من كلم الكيم البي « ص (‪.)332‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » تفسي ابن كثي « (‪.)4/419‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪169‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قال‪ :‬قاعدت أبا هريرة خس سني فسمعته يدّث عن النب قال‪ (( :‬كانت‬
‫بنو إسرائيل تسوسُهم النبياءُ‪ ،‬كلما َهلَك نبّ َخَلفَه نبّ‪ ،‬إل أنّه ل نبّ‬
‫بعدي )) متفق عليه‪ ،‬ومصداقه ف كتابال قوله سبحانه‪{ :‬إنّا أنَزلْنَا‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م بِها النَّبِيُّو َ‬
‫ن ال ّ ِ‬ ‫حك ُ ُ‬
‫ونُوٌر ي َ ْ‬
‫هدًى َ‬‫فيها ُ‬ ‫وَراةَ ِ‬ ‫الت َّ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حبَاُر ‪}...‬‬ ‫وال َ ْ‬ ‫والَّربَّانِيُّو َ‬
‫ن َ‬ ‫ن هادُوا َ‬
‫ذي َ‬ ‫سل َ ُ‬
‫موا لِل ّ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫الية‪.‬‬
‫إذن فالسياسة كانت للنبياء عليهم الصلة والسلم؛ لنم كانوا أحقّ‬
‫با وأهلها‪ ،‬فإذا مات النبياء عليهم الصلة والسلم كانت نصيب ورثتهم‬
‫قال رسولال ‪ » :‬إنّ العلماء ورثة النبياء « رواه التّرمذيّ وهو حسن‪.‬‬
‫فما لطلبة العلم يومون حول التّركة طامعي‪ ،‬وليس لم فيها نصيب ل‬
‫تعصيبا ول مفترضي؟! ولذا كان من دقّة التّعبي القرآنّ أن وصف الُ‬
‫الرّجال الستحقي للمامة بـ ( اليقي ) ف علمهم فقال سبحانه‪:‬‬
‫َ‬ ‫م أَئ ِ َّ‬
‫صبَُروا‬‫ما َ‬‫رنا ل َ َّ‬ ‫ن بِأ ْ‬
‫م ِ‬ ‫هدُو َ‬‫ة يَ ْ‬
‫م ً‬ ‫ه ْ‬ ‫علْنَا ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫{و َ‬
‫ج َ‬
‫ن}‪ ،‬فجعل اليقي بدل العلم للفرق الواضح‬ ‫قنُو َ‬ ‫وكَانُوا بِآياتِنَا يو ِ‬ ‫َ‬
‫بي مرّد العلم وبي علم اليقي‪ ،‬والقام مقام إمامة واقتداء‪ ،‬وقد قال ابن القيم‬
‫ـ رحه ال ـ‪ " :‬فأخب أن إمامة الدين إنا تُنال بالصب‬
‫()‬
‫واليقي " ‪ ،‬فما أعظم أسرار الكتاب!‬
‫‪1‬‬

‫ومن هنا قال ابن تيمية‪ " :‬كان الرسولُ وخلفاؤه يَسوسون الناس ف‬
‫دينهم ودنياهم‪ ،‬ث تفرقت المور‪ :‬فصار أمراء الرب يسوسون الناس ف‬
‫أمر الدنيا والدين الظاهر‪ ،‬وشيوخ العلم والدين يسوسون الناس فيما يُرجَع‬

‫() » زاد العاد « (‪.)3/10‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪170‬‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫إليهم فيه من العلم والدين " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪11/551‬ـ ‪.)552‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪171‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫تنبيهان‬
‫‪ 1‬ـ ليزول ال َعجَب من قوم ـ أحسن ما يقال فيهم أنم طلبة علم‬
‫ـ يَقيسون أنفسهم على ابن تيمية ـ رحه ال ـ فمارسوا السياسة بدعوى‬
‫أنّ ابن تيمية كان يارس السياسة! والواب من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنّ هذا النّوع من الستدلل بأحوال الرّجال على حكم شرعي‬
‫خبط منهجي ل تعرفه السلفية وخطأ يقدح ف توحيد التابعة‪ ،‬وذلك ل ّن ابن‬
‫تيمية ـ كغيه من أهل العلم ـ يُست َد ّل له ول يُست َد ّل به‪ ،‬كما ذكر ذلك‬
‫هو نفسه ـ رحه ال ـ ف (( رفع اللم )) وغيه من مصنفاته‪ ،‬فهل من‬
‫متذكر؟!‬
‫الثان‪ :‬أنّ ابن تيمية ـ رحه ال ـ ل يارس السياسة وإنا أفت ف‬
‫السياسة كما أفت ف غيها من فنون الشّريعة‪ ،‬وقد كان يقول‪ " :‬أنا رجل‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫ملّة‪ ،‬ل رجل دَوْلة " ‪0‬‬

‫الثّالث‪ :‬أين أنتم من ابن تيمية؟! ذلك الجتهد الطلق‪ ،‬يقاس عليه طلبة‬
‫العلم اليوم؟! ما أشبهه بقياس الدّادين على اللئكة! قال رسولال ‪:‬‬
‫» التشبّعُ با ل ُيعْطَ كلبِس ثوَب ْي زور « متفق عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وأغرق ف الطأ‪ :‬مَن يتجّ بمارسة يوسف السياسة حي قال‪:‬‬
‫ض} مع أنّه ما دخلها إل وله‬ ‫ِ‬ ‫ن الَْر‬‫ِ‬ ‫علَى َ‬
‫خَزائ ِ‬ ‫علْنِي َ‬ ‫{ا ْ‬
‫ج َ‬
‫()‬
‫م} ‪ .‬وأهل البلغة‬
‫‪2‬‬
‫علِي ٌ‬
‫ظ َ‬‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬‫شهادة منال مكتوب عليها {إنِّي َ‬
‫يفرّقون جيّدا بي‬
‫( الافظ ) و( الفيظ )‪ ،‬وبي ( العال ) و( العليم )‪ ،‬فتدبّر هذا فإنّه من‬

‫() » العقود الدرية « لبن عبد الادي ص (‪.)177‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر (( بجة قلوب البرار )) للشيخ عبد الرحن السعدي ص (‪150‬ـ ‪.)151‬‬ ‫‪2‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪172‬‬
‫السياسة‬

‫أسرار الكتاب الكيم! كما أنّه يُتعجّب من آخرين سوّغوا لنفسهم استلم‬
‫الوظائف السياسية اليوم با ف ذلك البلانات الكافرة أوالفاجرة‪ ،‬متجّي بفعل‬
‫يوسف عليه الصلة والسلم‪ ،‬غافلي عن أنّه ل يَسألا ولكن عَرَضها عليه‬
‫اللِك نفسه‪ ،‬ول يَقبلها إل بعد أن ضمن له المن والتّمكي‪ ،‬فل مضايقات‬
‫ول استفزاز‪ ،‬ول تنّلت ول استدراج‪ ،‬ول مساومات ول احتجاج‪،‬‬
‫مل ِ ُ‬
‫ك ائْتُونِي ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ولذلك تأمل ترتيبه ف قوله تعال‪{ :‬وقا َ‬
‫ل ال َ‬
‫ل إن َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫و َ‬
‫ك الي َ ْ‬ ‫قا َ‬‫ه َ‬ ‫ما كَل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫فل َ َّ‬
‫سي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه لِن َ ْ‬‫ص ُ‬
‫خل ِ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫علَى َ‬ ‫علْنِي َ‬ ‫ن‪ .‬قا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫خَزائ ِ ِ‬ ‫ج َ‬
‫لا ْ‬ ‫مي ٌ‬ ‫نأ ِ‬ ‫مكِي ٌ‬‫لَدَيْنَا َ‬
‫م}‪ ،‬وأما هؤلء فقد أُعجِبوا بإيانم‬ ‫في ٌ‬ ‫َ‬
‫علِي ٌ‬ ‫ظ َ‬ ‫ح ِ‬
‫ض إِنِّي َ‬ ‫الْر ِ‬
‫وحَسّنوا ظنّهم بأنفسهم حت صوّر لم الشيطان خيال التّصلب ف الق‪ ،‬وهم‬
‫ذائبون ف رضا أنظمة اللق‪ ،‬وال الستعان‪ .‬أما يوسف فلم ييّع دينَه‪ ،‬ول‬
‫َي ْألُ من السياسة الشرعيّة جهدَه‪ ،‬ول نفّذ قانون اللك الكافر باسم مصلحة‬
‫ك‬
‫مل ِ ِ‬
‫ن ال َ‬‫خاهُ في ِدي ِ‬‫خذَ أ َ َ‬
‫ن لِيَأ ْ ُ‬
‫الدعوة قالال تعال‪{ :‬ما كا َ‬
‫وقَ ك ُ ِّ‬
‫ل‬ ‫و َ‬
‫ف ْ‬ ‫من نَشاءُ َ‬
‫ت َ‬
‫ع دََرجا ٍ‬ ‫ه نَْر َ‬
‫ف ُ‬ ‫شاءَ الل ُ‬‫إِل َّ أَن ي َ َ‬
‫()‬
‫م} ‪.‬‬ ‫علْم ٍ َ‬
‫علِي ٌ‬ ‫‪1‬‬
‫ِذي ِ‬
‫ولو تنّلنا جدلً إل مدّعاهم لقلنا كما قال علماء أصول الفقه‪َ " :‬ش ْر ُ‬
‫ع‬
‫مَن قبلنا ليس شرعا لنا فيما خالف فيه شرعنا " وقد خالفه؛ لننا نينا عن‬
‫سؤال المارة كما ف حديث عبد الرحن بن سرة قال‪ :‬قال ل رسولال ‪:‬‬
‫» يا عبد الرحن! لتسأل المارة؛ فإنّك إن أُعطِيتَها عن مسألة وُكِلْتَ إليها‬
‫وإن أُعطيتها من غي مسألة أُعِنتَ عليها « متفق عليه‪ .‬ولقلنا إنّ يوسف عليه‬
‫الصلة والسلم قد زكّاهال وليَعمَل إل بأمرال ‪ ،‬أي كل البشر تري عليهم‬

‫() انظر » تفسي القرطبّ « (‪.)9/238‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪173‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قاعدة » إن أُعطِيتَها عن مسألة وُكِلْتَ إليها ‪ « ...‬إل من زكّاه الوحي الذي‬


‫ل يعتريه الطأ‪ ،‬أما هؤلء ( التكيّسون ) اليوم فهم خاضعون للوضاع‬
‫القانونيّة اليوم أو غدا‪ ،‬بل قبل أن يارِسوا السياسة ل بد أن يلفوا على احترام‬
‫الدستور! وقد حصل‪ ،‬بل ل نعرف أن غيه قد حصل‪ .‬فعَجَبا لن ُينَحّي الكفر‬
‫بالكفر!‬
‫فتحصّل من هذه العجالة أجوبة خسة هي‪:‬‬
‫ـ أن يوسف ل يسأل المارة وإنا عُرضت عليه‪ ،‬كما يدل عليه‬
‫ض}‬ ‫َ‬ ‫علَى َ‬ ‫علْنِي َ‬ ‫السياق‪ ،‬وكل ما ف قوله‪{ :‬ا ْ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬ ‫ج َ‬
‫خصّصه واختياره ‪.‬‬ ‫بيان لتَ َ‬
‫ـ أنه أمِن من مضايقات النظام‪ ،‬و ُمكّن للعمل بشريعة السلم‪،‬‬
‫وهذان المران خيال ف واقع أنظمة الرض اليوم‪.‬‬
‫ـ أنه مزكّى با أنه رسول‪ ،‬فيُؤمَن عليه ما يُخاف على غيه؛ فعن‬
‫ممد بن سيين‪ :‬أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين‪ ،‬فقدِم بعشرة آلف‪،‬‬
‫فقال له عمر‪ :‬استأثرت بذه الموال يا عدوّال وعدوّ كتابه؟! فقال أبو هريرة‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬لست بعدوّال وعدوّ كتابه! ولكن عدوّ من عاداها‪ ،‬قال‪ :‬فمن أين هي‬
‫لك؟ قلت‪ :‬خيل نُتجت‪ ،‬وغلّة رقيق ل‪ ،‬وأعطية تتابعت‪ ،‬فنظروا‪ ،‬فوجدوه‬
‫كما قال‪ ،‬فلما كان بعد ذلك‪ ،‬دعاه عمر ليُولّيه‪ ،‬فأب! فقال‪ :‬تكره العمل وقد‬
‫طلب العمل من كان خيا منك‪ :‬يوسف ! فقال‪ :‬يوسف نب ابن نب ابن‬
‫نب وأنا أبو هريرة بن أميمة‪ ،‬وأخشى ثلثا واثنتي‪ ،‬قال‪ :‬فهل قلتَ‪ :‬خسا؟‬
‫قال‪ :‬أخشى أن أقول بغي علم‪ ،‬وأقضي بغي حلم‪ ،‬وأن يضرب ظهري‪ ،‬وينع‬
‫()‬
‫مال‪ ،‬ويشتم عرضي " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() رواه ابن سعد ف » الطبقات الكبى « (‪ ،)4/335‬وفيه أبو هلل الراسب‪ ،‬وهو ـ وإن‬ ‫‪1‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪174‬‬
‫السياسة‬

‫ـ أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا فيما خالف فيه شرعنا‪ ،‬وقد خالفه‪.‬‬
‫ـ أن يوسف تصرّف فيما تصرف فيه بنصب الرسالة‪ ،‬فلو جاز لحد‬
‫أن يقتدي به فيه فوارثه الشرعي وهو الجتهد؛ قال ابن عبد الب‪ " :‬فإذا كان‬
‫ذلك‪ ،‬فجائز للعالِم حينئذ الثناء على نفسه‪ ،‬والتنبيه على موضعه‪ ،‬فيكون‬
‫()‬
‫حينئذ تدّث بنعمة ربّه عنده على وجه الشكر لا " ‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫كان حديثه ل يُطرَح بالرّة ـ فقد تابعه أيوب السختيان كما ف » السي « للذهب (‬
‫‪ ،)2/612‬وبه يصحّ الثر‪ ،‬والمد ل‪.‬‬
‫() » جامع بيان العلم وفضله « (‪.)1/176‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪175‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫تأصيل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫و ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫و ال َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫م ِ‬
‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫مٌر ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫جاءَ ُ‬ ‫قالال تعال‪{ :‬وإِذَا َ‬
‫وإِلى أُولِي‬ ‫ل َ‬‫سو ِ‬ ‫و َردُّوهُ إِلَى الَّر ُ‬ ‫ول َ ْ‬‫ه َ‬ ‫عوا ب ِ ِ‬ ‫أَذَا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َ ْ‬
‫ولَ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬ ‫ستَنْبِطُون َ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫م ُ‬ ‫م لَ َ‬
‫عل ِ َ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬‫ر ِ‬‫م ِ‬‫ال ْ‬
‫شيطَان إلَّ‬
‫َ ِ‬ ‫م ال َّ ْ‬ ‫ه لتَّب َ ْ‬
‫عت ُ ُ‬ ‫مت ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫علَيِك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ض ُ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ف ْ‬‫َ‬
‫قلِيلً } [النساء‪.]83 :‬‬‫َ‬
‫هذه الية ف بيانا الواضح أصل ف هذا الباب‪ ،‬قال الشيخ عبد الرحن‬
‫السّعدي‪ " :‬هذا تأديب منال لعباده عن فعلهم هذا غي اللئق‪ ،‬وأنّه ينبغي لم‬
‫إذا جاءهم أمر من المور الهمّة والصال العامة ما يتعلّق بالمن وسرور‬
‫الؤمني أو بالوف الذي فيه مصيبة‪ ،‬عليهم أن يتثبّتوا ول يستعجلوا بإشاعة‬
‫ذلك الب‪ ،‬بل يردّونه إل الرسول وإل أول المر منهم أهل الرّأي والعلم‬
‫والنّصح والعقل والرّزانة الذين يعرفون المور ويعرفون الصال وضدّها‪ ،‬فإن‬
‫رأوا ف إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمني وسرورا لم وترزا من أعدائهم فعلوا‬
‫ذلك‪ ،‬وإن رأوا ما فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرّته تزيد على مصلحته‬
‫َ‬
‫م} أي‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ه ِ‬‫ستَنبِطُون َ ُ‬ ‫ه ال ّذي َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل يذيعوه‪ ،‬ولذا قال‪{:‬ل َ َ‬
‫عل ِ َ‬
‫يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السّديدة وعلومهم الرّشيدة‪ .‬وف هذا دليل‬
‫لقاعدة أدبيّة وهي إذا حصل بث ف أمر من المور ينبغي أن ُيوَلّى من هو‬
‫أهل لذلك ويُجعل من أهله‪ ،‬ول يُتقدّم بي أيديهم فإنّه أقرب إل الصّواب‬
‫وأحرى للسّلمة من الطأ وفيه النّهي عن العجلة والتّسرع لنشر المور من‬
‫حي ساعها‪ ،‬والمر‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪176‬‬
‫السياسة‬

‫بالتّأمّل قبل الكلم‪ ،‬والنظر فيه هل هو مصلحة فيقدم عليه النسان أم ل‬


‫()‬
‫‪1‬‬
‫فيحجم عنه" ‪.‬‬
‫سبب النول‪:‬‬
‫قال عبدال بن عباس‪ " :‬مكثتُ َسنَةً وأنا أريد أن أسأل عمر بن الطّاب‬
‫عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبةً له حت خرج حاجّا فخرجت معه‪ ،‬فلمّا‬
‫رجع فكنّا ببعض الطريق عَدَل إل الراك لاجة له‪ ،‬فوقفت له حت فرغ‪ ،‬ث‬
‫من‬ ‫سرت معه فقلت‪ :‬يا أمي الؤمني! َمنِ اللّتان تظاهرتا على رسولال‬
‫أزواجه؟ فقال‪ :‬تلك حفصة وعائشة‪ ،‬قال‪ :‬قلت له‪ :‬وال ! إن كنت لريد أن‬
‫أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك‪ ،‬قال‪ :‬فل تفعل‪ ،‬ما ظننتَ أنّ‬
‫عندي من علم فسلْن عنه‪ ،‬فإن كنت أعلمه أخبتك‪ ،‬قال‪ :‬وقال عمر‪ :‬وال إن‬
‫كنّا ف الاهليّة ما نعدّ للنّساء أمرا‪ ،‬حت أنزلال فيهنّ ما أنزل‪ ،‬وقسم لنّ ما‬
‫قسم؛ كنّا معشر قريش قوما نغلب النساء‪ ،‬فلمّا قدمنا الدينة وجدنا قوما‬
‫تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم‪ ،‬قال‪ :‬وكان منل ف بن أميّة‬
‫()‬
‫ابن زيد بالعوال ‪ .‬قال‪ :‬فبينما أنا ف أمر أَْئتَمِرُه‪ ،‬إذ قالت ل امرأت‪ :‬لو‬
‫‪2‬‬

‫صنعتَ كذا وكذا‪ ،‬فقلت لا‪ :‬ومَا لكِ أنت ولا ههنا؟ وما تكل ُفكِ ف أمر‬
‫أريده؟ فقالت‪ :‬عجبا لك يا ابن الطّاب! ما تريد أن ترا َجعَ أنت وإنّ ابنتك‬
‫لتُراجِعُ رسولال حت يظ ّل يومه غضبان‪ .‬قال عمر‪ :‬فآخذُ ردائي ث أخرج‬
‫مكان‪ ،‬حت أدخل على حفصة فقلت لا‪ :‬يا بنيّة! إنّك لتُراجعي رسولال‬
‫حت يظلّ يومه غضبان؟ فقالت حفصة‪ :‬وال إنّا لنُراجعُه‪ .‬فقلت‪ :‬تعلمي أنّي‬
‫أحذّرُك عقوبةَال وغضبَ رسوله‪ ،‬قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسِر‪.‬‬

‫() » تيسي الكري الرحن « (‪2/112‬ـ ‪.)114‬‬ ‫‪1‬‬

‫() العوال‪ :‬موضع بالدينة‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪177‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أفََت ْأمَن إحداكنّ أن يغضبال عليها لغضب رسوله ‪.‬فإذا هي قد هلكت‪ .‬ل‬
‫تراجعي رسولال ول تسأليه شيئا‪ ،‬وسلين ما بدا لك‪ ،‬يا بنيّة! ل يَغرنّك‬
‫()‬
‫هذه الت قد أعجبها حسنها وحبّ رسولال إيّاها ‪ .‬ث خرجتُ حت‬
‫‪1‬‬

‫أدخلَ على أمّ سلمة لقرابت منها‪ ،‬فكلمتها فقالت ل أمّ سلمة‪ :‬عجبا لك يا‬
‫ابن الطّاب! قد دخلتَ ف كل شيء حت تبتغي أن تدخلَ بي رسولال‬
‫وأزواجه! قال‪ :‬فأخ َذتْن أخذا كسرتن عن بعض ما كنت أجد‪ ،‬فخرجت من‬
‫عندها‪ .‬قال‪ :‬وكان ل جار من النصار‪ ،‬فكنّا نتناوب النّزول إل رسولال‬
‫‪ ،‬فينل يوما وأنزل يوما‪ ،‬فيأتين بب الوحي وغيه‪ ،‬وآتيه بثل ذلك‪ ،‬ونن‬
‫حينئذ نتخوّف ملِكا من ملوك غسّان‪ ،‬ذُكر لنا أنّه يريد أن يسي إلينا فقد‬
‫ق الباب‪ ،‬وقال‪ :‬افتح‪،‬‬ ‫امتلت صدورنا منه‪ ،‬فأتى صاحب النصاري عشاء يد ّ‬
‫افتح‪ ،‬فقلت‪ :‬جاء الغسّانّ؟ فقال‪ :‬أشَدّ من ذلك؛ اعتزل رسولال أزواجه‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬رَغِمَ أنفُ حفصة وعائشة‪ ،‬قد كنت أظنّ هذا كائنا‪ ،‬حت إذا صلّيت‬
‫الصّبح شددت علي ثياب‪ ،‬وف رواية‪ :‬دخلت السجد‪ ،‬فإذا الناس يَْنكُتون‬
‫()‬
‫بالصى ويقولون طلّق رسولال نساءَه‬ ‫‪2‬‬

‫ـ وذلك قبل أن يؤمرن بالجاب ـ قال عمر‪ :‬فقلت‪ :‬لَعلمنّ ذلك اليوم‪،‬‬
‫وأتيت الُجَر فإذا ف كل بيت ُبكَاء‪ .‬قال‪ :‬فدخلت على عائشة فقلت‪ :‬يا بنت‬
‫أب بكر! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسولال ؟ فقالت‪ :‬مال ومالك يا‬
‫()‬
‫ابن الطّاب؟ عليك ب َعيْبَتك قال‪ :‬فدخلت على حفصة بنت عمر فقلت لا‪:‬‬
‫‪3‬‬

‫() يريد عائشة رضي ال عنها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ينكتون بالصى‪ :‬أي يضربون به الرض‪ ،‬كفعل الهموم الفكّر‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() عليك بعيبتك‪ :‬الراد عليك بوعظ ابنتك‪ .‬قال أهل اللّغة‪ :‬العيبة ف كلم العرب وعاء‬ ‫‪3‬‬

‫يعل النسان فيه أفضل ثيابه ونفيس متاعه‪ ،‬فشبّهت ابنته با ‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪178‬‬
‫السياسة‬

‫يا حفصة‍ أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسولال ؟ وال لقد علِمتِ أنّ رسول‬
‫ال ل يبّكِ‪ ،‬ولول أنا لطلّقكِ رسولال ‪ ،‬فبكت أشدّ البكاء‪ ،‬فقلتُ لا‪:‬‬
‫()‬
‫أين رسولال ؟ قالت‪ :‬هو ف خزانته ف الَشْرُبة ‪ ،‬فدخلت فإذا أنا برباح‬
‫‪1‬‬

‫()‬
‫غلم رسولال قاعدا على أَ ْس ُكفّةِ الشربة مُدَلّ رجليه على نقي من‬
‫‪2‬‬

‫خشب ـ وهو جذع يرقى عليه رسولال وينحدر ـ فناديت‪ :‬يا رباح‪،‬‬
‫استأذن ل عندك على رسولال ‪ ،‬فنظر رباحٌ إل الغرفة‪ ،‬ث نظر إلّ فلم يقل‬
‫شيئا‪ ،‬ث قلت‪ :‬يا رباح‪ ،‬استأذن ل عندك على رسولال ‪ ،‬فنظر رباحٌ إل‬
‫الغرفة ث نظر إلّ فلم يقل شيئا‪ ،‬ث رفعت صوت فقلتُ‪ :‬يا رباح‪ ،‬استأذن ل‬
‫عندك على رسولال ‪ ،‬فإنّي أظنّ أنّ رسولال ظنّ أنّي جئت من أجل‬
‫حفصة‪ ،‬وال لئن أمرن رسولال بضرب عنقها لضربنّ عُُنقَها‪ ،‬ورفعت‬
‫صوت‪ ،‬فأومأ إلّ أن ارقَه‪ ،‬فدخلت فسلّمت على رسولال ‪ ،‬فإذا هو متّكئ‬
‫()‬
‫على رَملِ حصي قد أثّر ف جنبه‪ ،‬قال‪ :‬ودخلت عليه حي دخلت وأنا أرى‬
‫‪3‬‬

‫ف وجهه الغضب‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسولال ! ما يشقّ عليك من شأن النساء؟ فإن‬
‫كنت طلّقتهنّ فإنّال معك وملئكته وجبيل وميكائيل وأنا وأبو بكر‬
‫والؤمنون معك‪ ،‬وقلّما تكلمتُ ـ وأحدال ـ بكلم إل رجوت أن يكونال‬
‫سى َرب ُّ ُ‬
‫ه‬ ‫ع َ‬ ‫يصدّق قول الذي أقول‪ ،‬ونزلت هذه الية؛ آية التّخيي { َ‬
‫وإِن‬ ‫ن}‪َ { ،‬‬ ‫خيْرا ً ِ‬
‫منك ُ َّ‬ ‫واجا ً َ‬ ‫ن أَن يبدل َ َ‬
‫ه أْز َ‬
‫ُ ْ ِ ُ‬ ‫إِن طَل َّ َ‬
‫قك ُ َّ‬
‫ح‬
‫صال ِ ُ‬
‫و َ‬ ‫ري ُ‬
‫ل َ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ولَهُ َ‬
‫و ِ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬
‫ه ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫فإ ِ َّ‬
‫ه َ‬ ‫علَي ْ ِ‬
‫هَرا َ‬ ‫تَظَا َ‬
‫هيٌر}‪ ،‬وكانت عائشة‬ ‫عدَ ذَل ِ َ َ‬ ‫ملَئِك َ ُ‬ ‫م ْ‬
‫كظ ِ‬ ‫ة بَ ْ‬ ‫وال َ‬ ‫ن َ‬ ‫منِي َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ال ُ‬

‫() الشربة‪ :‬الغرفة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أسكفّة‪ :‬هي عتبة الباب السّفلي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() على رمل حصي‪ :‬يقال‪ :‬رملت الصي وأرملته‪ ،‬إذا نسجته‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪179‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫بنت أب بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبّ ‪ ،‬فقلت‪ :‬أطلّقت ـ يا‬
‫ل ـ نساءَك؟ فرفع رأسه إلّ وقال‪ »:‬ل «‪ ،‬فقلتُ‪:‬ال أكب! لو رأيتنا‬ ‫رسول ا !‬
‫يا رسولال ! وكنّا معشر قريش‪ ،‬قوما نغلِب النساء‪ ،‬فلمّا قدمنا الدينة وجدنا‬
‫ت على امرأت‬ ‫قوما تغِلبُهم نساؤهم‪ ،‬فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم‪ ،‬فتغضّب ُ‬
‫يوما‪ ،‬فإذا هي تراجعن‪ ،‬فأنكرتُ أن تراجعن‪ ،‬فقالت‪ :‬ما تنكرُ أن أراجعك؟‬
‫لياجعنَه وتجره إحداه ّن اليوم إل اللّيلة‪ ،‬فقلتُ‪ :‬قد‬ ‫فوال ! إنّ أزواج النب‬
‫خاب من فعل ذلك منهنّ وخسر‪ ،‬أفتأمن إحداهنّ أن يغضبال عليها لغضب‬
‫رسوله فإذا هي قد هلكت؟ فتبسّم رسولال ‪ ،‬فقلتُ‪ :‬يا رسولال ‪ ،‬قد‬
‫ك هي أوسم منكِ‬ ‫ت على حفصة فقلتُ‪ :‬ل يغرنّكِ أن كانت جارت ِ‬ ‫دخل ُ‬
‫وأحبّ إل رسولال منكِ‪ ،‬فتبسّم أخرى‪ ،‬فقلتُ‪ :‬أستأنس يا رسولال ؟‬
‫قال‪ »:‬نعم «‪ ،‬فجلستُ‪ ،‬فرفعتُ رأسي ف البيت فوال ! ما رأيتُ فيه شيئا يردّ‬
‫البصر إل أُهُبا ثلثة‪ ،‬فنظرتُ ببصري ف خزانة رسولال فإذا أنا بقبضة من‬
‫()‬ ‫()‬
‫شعي نو الصّاع ومثلها قَرَظًا ف ناحية الغرفة‪ ،‬وإذا أُفِيقٌ معلّقٌ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫فابتدرت عيناي قال‪ »:‬ما يبكيك يا ابن الطّاب؟ «‪ ،‬قلتُ‪ :‬يا نبّال ‪ ،‬ومال ل‬
‫أبكي؟ وهذا الصي قد أثّر ف جنبك‪ ،‬وهذه خزانتك ل أرى فيها إل ما أرى‬
‫وذاك قيصر وكسرى ف الثّمار والنار‪ ،‬وأنت رسولال وصفوته وهذه‬
‫خزانتك‪ ،‬فقلت‪ :‬ادعُال يا رسولال ! أن يوسّع على أمّتك فقد وسّع على‬
‫فارس والرّوم‪ ،‬وهم ل يعبدونال ! فاستوى جالسا ث قال‪ »:‬أف شكّ أنت يا‬
‫ابن الطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لم طيّباتم ف الياة الدنيا‪ ،‬يا ابن الطّاب‪،‬‬
‫أل ترضى أن تكون لنا الخرة ولم الدنيا؟ « قلت‪ :‬بلى‪ ،‬فقلت‪ :‬استغفر ل‪ ،‬يا‬

‫() قَرَظًا‪ :‬القرظ ورق السلَم يدبغ به‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أُفِيقٌ‪ :‬هو اللد الّذي ل يتمّ دباغه‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪180‬‬
‫السياسة‬

‫ت السجد والسلمون ينكُتون بالصى‪،‬‬ ‫رسولال ! قلتُ‪ :‬يا رسولال ‪ ،‬إنّي دخل ُ‬
‫يقولون‪ :‬طلّق رسولال نساءَه‪ ،‬أفأنزلُ فأخبهم أنك ل تطلّقهنّ؟ قال‪:‬‬
‫()‬
‫(( نعم‪ ،‬إن شِئت )) فلم أزل أُحدّثه حت َتحَسّر الغضب عن وجهه‪ ،‬وحت‬
‫‪1‬‬

‫كشَر فضحك ـ وكان من أحسن النّاس ثغرا ـ ث نزل نبّال ونزلتُ‪،‬‬


‫فنلت أتشبّث بالذع ونزل رسولال كأنّما يشي على الرض ما يسّه‬
‫بيده‪ ،‬فقلتُ‪ :‬يا رسولال ! إنا كنتَ ف الغرفة تسعة وعشرين‪ ،‬قال‪ »:‬إنّ‬
‫الشهر يكون تسعا وعشرين « فقمت على باب السجد‪ ،‬فناديت بأعلى‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫جاءَ ُ‬‫نساءَه‪ ،‬ونزلت هذه الية‪{ :‬وإِذَا َ‬ ‫صوت‪:‬ل يطلّق رسولال‬
‫و َردُّوهُ إِلَى‬
‫ول َ ْ‬‫ه َ‬ ‫عوا ب ِ ِ‬ ‫ف أَذَا ُ‬‫و ِ‬‫خ ْ‬
‫و ال َ‬
‫نأ ِ‬
‫َ‬
‫م ِ‬
‫َ‬
‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬
‫مٌر ِ‬
‫َ‬
‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫ه ال ّذي َ‬‫م ُ‬ ‫م لَ َ‬
‫عل ِ َ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ر ِ‬‫م ِ‬
‫وإِلى أولِي ال ْ‬ ‫ل َ‬
‫سو ِ‬‫الَّر ُ‬
‫هم} فكنت أنا استنبطت ذلك المر وأنزلال آية‬‫من ْ ُ‬
‫ه ِ‬
‫ستَنبِطون َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫التّخيي‪ .‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫() تسّر الغضب‪ :‬زال وانكشف‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪181‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫بعض فوائدها‬
‫ـ أوّلا أن عمر بن الطاب وغيه من الصحابة كان قد بلغهم أن‬
‫َملِك غسّان يدبّر لم شرا‪ ،‬فلم يثنهم هذا عن طلب العلم بزعم تتبّع الخبار!‬
‫ومع السف الشديد إنك لتدخل الكتبات العامة الت يرتادها طلبة العلم‬
‫الشرعي فتجد أكثرهم ف جانب الجلت و( الدوريات ) يستطلعون الواقع!‬
‫مع أن الكتبات زاخرة بكتب التوحيد والتفسي والسنة‪ ،‬ول تكاد جوعهم‬
‫تكثر ههنا إل لبحث مدفوع إليه دفعا لنيل شهادة أو لدراهم معدودة! اللهم‬
‫إل القليل الذين ُحبّبَ إليهم الدين حقيقة‪ .‬ويال العجب! فكم هم الذين‬
‫ليست لم أوراد يومية من الذكار النبوية‪ ،‬مع أن وِرْدهم مع الذاعات‬
‫والرائد آنية!! وال الستعان‪.‬‬
‫ـ و منها التحذير من إشاعة الخبار الت وصفها بالوف والمن‪،‬‬
‫والسياسة ـ من هذا الباب ـ إمّا خب سار آمن‪ ،‬وإمّا خب موف مزن‪ ،‬وتد‬
‫اليوم عمدة السياسيي اللّى على تتبّع الخبار‪ ،‬وتراهم يُفنون أعمارهم ف‬
‫دراسة طرق إذاعتها بدقّة‪ ،‬حت يتمكّنوا من تويف الؤمني وتأمي أعداء‬
‫الدين‪ ،‬ومن تأمّل أحوال السلميّي ـ الذين يتوسّلون إل توعية أتباعهم من‬
‫الواص والعوام بتحليل الخبار السياسية والتّظاهر بسعة الطّلع فيها ـ من‬
‫أشدّ الناس تأثّرا بإرجافها‪ ،‬مّا يبعث ف نفوسهم فزعا شديدا من أعدائهم‪ ،‬حت‬
‫إنم ليحسبون كل صيحة عليهم‪ ،‬وأنّ كل هزية فمن مكرهم بم‪ ،‬مع هذا‬
‫فهم يَظهرون للسّذج شجعانا إذ ظنّوهم يصدعون بالق‪ ،‬ومن أمارات هذا‬
‫التّأثّر أنك لو قلت لم دعوا العوام ل تشغلوهم بالقضايا السياسية‪ ،‬ول تدموا‬
‫أعداءكم بإذاعة أخبارهم‪ ،‬لنّها توهن السلمي ف استضعافهم‪ ،‬وليسعكم قول‬
‫م‬‫ه ْ‬‫م كَيْدُ ُ‬ ‫ضُّرك ُ ْ‬ ‫صبُِروا وتَت َّ ُ‬
‫قوا ل َ ي َ ُ‬ ‫ال تعال حينئذ {وإِن ت َ ْ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪182‬‬
‫السياسة‬

‫ط} قالوا ف جرأة ل تترم‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬‫ملُو َ‬‫ع َ‬


‫ما ي َ ْ‬‫ه بِ َ‬ ‫شيْئا ً إ ِ َّ‬
‫ن الل َ‬ ‫َ‬
‫النّصوص‪ " :‬وهل نبقى مكتوف اليدي مع أعداء ماكرين؟ "‪ ،‬ول يتدبّروا أنّ‬
‫ال الطّلع على كيد العداء أمر بالصب بعد أن بيّن مكرهم الكبار كما قال ف‬
‫صبْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫وإِن ت ُ ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ْ‬
‫ؤ ُ‬ ‫ة تَ ُ‬
‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫هذه الية‪{ :‬إِن ت َ ْ‬
‫م‬ ‫ضُّرك ُ ْ‬ ‫قوا ل َ ي َ ُ‬ ‫صبُِروا وتَت َّ ُ‬ ‫وإِن ت َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫حوا ب ِ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫سيِّئ َ ٌ‬‫َ‬
‫ط}‪ ،‬هذا مع أنّ‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬‫ن ُ‬ ‫ملُو َ‬‫ع َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫شيْئا ً إ ِ َّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫كَيْدُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫م تََر إِلى ال ّ ِ‬ ‫كفّ اليدي ف زمن ما مّا أمرال به حي قال‪{ :‬أل َ ْ‬
‫وءَاتُوا‬ ‫صلَةَ َ‬ ‫موا ال َّ‬ ‫قي ُ‬ ‫م وأ َ ِ‬ ‫ديَك ُ ْ‬
‫َ‬
‫فوا أي ْ ِ‬ ‫ل ل َهم ك ُ ُّ‬
‫قي َ ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ق ِ‬‫ري ٌ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل إِذَا َ‬ ‫قتَا ُ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ب َ َ‬ ‫ما كُت ِ َ‬ ‫فل َ َّ‬‫الَّزكَاةَ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫شيًَة‪ ،}..‬وهو‬ ‫خ ْ‬ ‫شدَّ َ‬ ‫و أَ َ‬ ‫شية الل َ‬
‫ه أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫خ ْ َ ِ‬ ‫س كَ َ‬ ‫ن النَّا َ‬ ‫و َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫شريعة مكمة ما وُجد زمنها‪ ،‬قال ابن تيمية ـ رحه ال ـ‪ " :‬فمن كان من‬
‫الؤمني بأرض هو فيها مستضعَف أو ف وقت هو فيه مستضعَف‪ ،‬فليعمل‬
‫بآية الصب والصّفح والعفو عمّن يؤذيال ورسوله من الذين أوتوا الكتاب‬
‫والشركي‪ ،‬وأما أهل القوّة فإنا يعملون بآية قتال أئمّة الكفر الذين يطعنون‬
‫ف الدين‪ ،‬وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حت يُعطُوا الزية عن يد وهم‬
‫()‬
‫صاغرون " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫بذا يتبيّن لنا سرّ منعال تعال الؤمني أن يشغلوا أنفسهم بالعدّة الاديّة ف‬
‫الوقت الذي هم ف حاجة إل العدّة اليانيّة‪ ،‬والمع بينهما ـ كما يتخيّله‬
‫الحاولون العتدال والتّوسّط ـ ف وقت افتقارها وافتقار السلطان خطأ‬
‫واضح وخلف السّية النبوية؛ لنّه ل بدّ أن تطغى إحداها على الخرى‪ ،‬ولّا‬
‫كان النسان أكثر إيانا بعال الشّهادة من عال الغيب‪ ،‬فإنّه ل بدّ أن ييل إل‬

‫() » الصّارم السلول « ص (‪.)221‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪183‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الستعداد الادّي الذي يثّل عال الشّهادة حت يفقد أعظم روافد النصر وهو‬
‫التوكل علىال ‪ ،‬إغراقا ف التوكل على السباب‪ ،‬مع أنّال يقول‪{ :‬إن‬
‫من ذَا‬
‫ف َ‬‫م َ‬ ‫خذ لْك ُ ْ‬ ‫ب لَكُم َ‬
‫وإِن ي َ ْ‬ ‫غال ِ َ‬‫فل َ َ‬‫ه َ‬
‫م الل ُ‬‫صْرك ُ ُ‬ ‫يَن ُ‬
‫فلْيت َ‬ ‫َ‬
‫وك ّ ِ‬
‫ل‬ ‫ه َ َ َ َ‬ ‫علَى الل ِ‬
‫هو َ‬‫د ِ‬
‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬ ‫صُركُم ِ‬ ‫ذي يَن ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫منُو َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫وتأمّل كيف جعل الرّس ُل عليهم الصلة والسلم الص َب على الذى‪ ،‬من‬
‫علَى الل ِ‬
‫ه‬ ‫ل َ‬‫وك َّ َ‬ ‫َ َ‬
‫ما لَنَا أل ّ نَت َ َ‬ ‫التوكل قالال تعال حكاية عنهم { َ‬
‫و َ‬
‫علَى َ‬
‫ما ءَاذَيْت ُ ُ‬
‫مونَا‬ ‫ن َ‬ ‫صبَِر َّ‬ ‫ولَن َ ْ‬‫سبُلَنَا َ‬
‫هدَانَا ُ‬ ‫و َ‬
‫قدْ َ‬ ‫َ‬
‫كّلُون }‪.‬‬ ‫فلْيت َ‬
‫و ِ‬ ‫مت َ َ‬
‫ل ال ُ‬ ‫وك ّ ِ‬ ‫وعلَى الل ِ‬
‫ه َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫إذن فالبدء بالستعداد اليان ث إتباعه ـ بعده وليس معه ـ‬
‫بالستعداد الادّي كما قالال تعال للمؤمني ف الدينة الذين حقّقوا أصل‬
‫ة‬ ‫من ُ‬
‫ق َّ‬
‫و ٍ‬ ‫عتُم ِ‬ ‫ستَط َ ْ‬
‫هم ما ا ْ‬ ‫اليان ف مكّة‪{ :‬وأ َ ِ‬
‫عدُّوا ل َ ُ‬
‫م‬‫وك ُ ْ‬‫عدُ َّ‬‫ه و َ‬ ‫و الل ِ‬‫عدُ َّ‬‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫هبُو َ‬ ‫ل تُْر ِ‬ ‫خي ْ ِ‬
‫ط ال َ‬‫ربَا ِ‬
‫من ِ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ه يَ ْ‬‫م الل ُ‬ ‫ه ُ‬
‫مون َ ُ‬‫عل َ ُ‬‫م ل َ تَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫من دُون ِ ِ‬ ‫ن ِ‬‫ري َ‬‫خ ِ‬
‫وءَا َ‬
‫خلصة هذه الفائدة‪ :‬التحذير من إشاعة الخبار؛ لنّها تمل معها أمنها‬
‫أو خوفها‪ ،‬والنّفوس ضعيفة‪ ،‬هذا مع ما فيها من شهوة التّطلّع إل الواقع‪،‬‬
‫خاصة واقع الكراسي؛ فإنّ الفئدة توي إليها معرضة عن الوحي‪ ،‬وإليك هذه‬
‫العبة‪:‬‬
‫علَي َ َ‬
‫ن‬
‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ص َ ْ‬ ‫ق ُّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫عن سَعد ف قولال ‪{ :‬ن َ ْ‬
‫ح ُ‬
‫ص} الية‪ ،‬قال‪ :‬أنزلال القرآن على رسوله فتله عليهم زمانا‪،‬‬ ‫ص ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ال َ‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسولال لو قَصَصْتَ علينا؟ فأنزلال تعال‪{ :‬الـــر ‪ .‬تِل ْ َ‬
‫ك‬
‫ك‬‫علَي ْ َ‬
‫ص َ‬‫ق ُّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫مبِين} إل قوله {ن َ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫ب ال ُ‬
‫ت الكِتَا ِ‬
‫ءايَا ُ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪184‬‬
‫السياسة‬
‫(‪)1‬‬ ‫َ‬
‫زمانا ‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬ ‫ص} الية‪ ،‬فتلها رسولال‬ ‫ص ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ال َ‬‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫ث‬ ‫ل لو حَ ّدثْتَنا؟ فأنزلال تعال‪{ :‬الله ن ََز َ َ‬ ‫رسول ا !‬
‫دي ِ‬‫ح ِ‬‫ن ال َ‬ ‫س َ‬‫ح َ‬‫لأ ْ‬ ‫ُ ّ‬
‫كِتَابا ً ُمتَشابِهاً } الية‪ ،‬قال‪ :‬كل ذلك يُؤثَرون بالقرآن ( وف موارد‬
‫الظّمآن‪ :‬كل ذلك يؤمرون بالقرآن ) قال خلّد‪ :‬وزاد فيه آخر‪ ،‬قال‪ :‬قالوا‪ :‬يا‬
‫َ‬
‫منُوا أَن‬ ‫ن ءَا َ‬ ‫ن لِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ْ‬
‫م يَأ ِ‬
‫َ‬
‫ل لو ذَكّرْتنَا؟ فأنزلال تعال {أل َ ْ‬ ‫رسول ا !‬
‫()‬
‫ه } الية ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ذك ْ ِ‬
‫ر الل ِ‬ ‫م لِ ِ‬
‫ه ْ‬‫قلُوب ُ ُ‬
‫ع ُ‬ ‫ش َ‬ ‫خ َ‬
‫تَ ْ‬
‫فتأمّل هذه التربية الربانية والرّعاية النبوية للصّحابة وقد عرفت ثارها‬
‫فيهم‪ ،‬وتأمّل تربية من يستجيب لرغبة العوام فيفسدهم بالخبار السياسية‬
‫ويهيّج الشباب بل فائدة‪ ،‬ث هو يتململ قائل‪ :‬لاذا يتخلّفون عن دروس‬
‫العلم الصحيح الت فيها تلوة الوحيي‪ ،‬بل وتعلّم العقيدة الصحيحة الت‬
‫هي مفتاح النة‪ ،‬ويزدحون على الدّروس السياسية الت تروّعهم‪ ،‬بل‬
‫تتخبّطهم تبّط الِنّة‪.‬‬
‫وإن تعجب فعجب قول ناصر العمر ف شريط ( السعادة بي الوهم‬
‫والقيقة )‪ " :‬هذه قصة عجيبة تابعتُ فصولا على مدى خسة عشر عاما ‪...‬‬
‫وقد تابعت شخصيا هذه القصة منذ أكثر من خسة عشر عاما‪ ،‬وهي قصة‬

‫() عند أب عبيد ف » فضائل القرآن « ص (‪ " :)53‬ثّ ملّوا ملّة أخرى "‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه البزار كما ف (( البحر الزخار )) (‪ )1152‬و(‪ )1153‬و أبو يعلى (‪ )740‬وابن حبان (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ )1746‬والاكم (‪ )2/345‬وابن جرير ف (( تفسيه )) (‪12/90‬ـ متصرا ) وصححه الاكم‬


‫ووافقه الذهب‪ ،‬وقال ابن حجر ف » الطالب العالية « (‪:)3/343‬‬
‫" حديث حسن "‪ ،‬وكذا ابن تيمية ف » مموع الفتاوى « (‪ )17/40‬عازيا الرّواية إل ابن‬
‫أب حات‪ ،‬وهي عنده برقمي (‪ )11323‬و(‪11325‬ـ الطيّب )‪ ،‬وكذلك صحّحه دون آية‬
‫الديد الشيخ مقبل الوادعي ف » الصّحيح السند من أسباب النّزول « ص (‪.)88‬‬
‫‪185‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫)‬
‫( كرستينا أوناسيس )! "( ‪ ،‬فسئل‪ " :‬ما هو قولك ف تتبع قصص الكافرين ف‬
‫‪1‬‬

‫هذا الزمان الذي حلت عليه الحن والفت؟ "‪.‬‬


‫فأجاب‪ " :‬إذا كان فيها عبة فل بأس! فهذا القرآن مليء بقصص‬
‫الكافرين ‪ ...‬فإذا كان تتبعها من أجل العبة ومن أجل العظة فهي من المثال‬
‫الت تضرَب ف ذلك‪ ،‬فإنه على خي! ل من أجل القتداء وأجل العظمة‪ ،‬ل‬
‫سبِي َ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬ ‫ستَبِي َ‬ ‫ولكن من أجل أن نتجنب سبيلهم { َ‬
‫ولِت َ ْ‬
‫ن}‪ ،‬من أجل استبانة سبيل الجرمي فإنم ‪ ..‬يسن هذا المر‪،‬‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬
‫ج ِ‬
‫م ْ‬
‫ال ُ‬
‫أما إذا خشي على نفسه فل! "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هل تعن أن النب كان يفعل ذلك؟ مع أنك لو تأملت القصص‬
‫النبوي للفيته ما ل تطوله يد الواقع؛ لنّ جلّه عن بن إسرائيل والمم السابقة‬
‫ما ل يعرف إل بالوحي‪ ،‬ولذلك كثيا ما كان يقول عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫" لقد كان فيمن كان قبلكم كذا وكذا "‪.‬‬
‫ث هل استبانة سبيل الجرمي تكون بتضييع أعمار السلمي؟! وهل َيفِي‬
‫بذا عمر نوح عليه السلم؟ وهل استنتاج أن السعادة ليست ف جع الال‬
‫يستلزم منك توريط الشباب ف متابعة القصص الغرامية؟! إن الذي يتتبع قصة‬
‫هذه اليونانية ويقرأ لا أياما متتابعة ل بد أن يعشقها فكيف وهي ربع عمر‬
‫عنِّي َمالِيَه}‬ ‫غنَى َ‬ ‫النسان؟! لقد كان يكفيك قول ال {ما أ َ ْ‬
‫للحذر من فتنة الال!‬
‫أما تذكر ني النب لعمر عن تتبع ما ف صحيفة التوراة؟ مع أن هذا‬
‫أول وأهم ما ذكرتَ‪ ،‬بل إنّ ال نى نبيّه عن متابعة خب أهل الكهف إل‬
‫ر‬‫ما ِ‬‫فل َ ت ُ‬‫ظاهرا دون الغوص ف تفاصيلها مع أنم فتية مؤمنون فقال‪َ { :‬‬

‫() راجع رسالته بعنوان الشريط نفسه ص (‪ 9‬ـ ‪.)14‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪186‬‬
‫السياسة‬
‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫هم ِ‬
‫ت في ِ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫هرا ً َ‬
‫ول َ ت َ ْ‬ ‫مَراءا ً ظَا ِ‬
‫م إِل ّ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫في ِ‬
‫حداً }‪.‬‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫إن زعم ( استبانة سبيل الجرمي ) ـ على فهمكم ـ هو الذي أمْلى‬
‫على جبهة النقاذ عندنا اقتناء الوائيات ال َقعّرة ( الدّش )‪ ،‬بل ل يُعرَف زمن‬
‫انتشرت فيه هذه الجهزة انتشارا واسعا إل أيامها‪ ،‬لماية دولتهم الوهية‬
‫زعموا! وقد كانوا يطوفون على البيوت لَدّها بأسلكها‪ ،‬فلما ذهبت ريهم‬
‫جدُ‬‫م تَ ِ‬ ‫ذهبوا وتركوا المة تتقاسم هذا الياث البيث‪ ،‬قال ال تعال‪{:‬ي َ ْ‬
‫و َ‬
‫مل َ ْ‬ ‫ك ُ ُّ‬
‫ت‬ ‫ع ِ‬
‫ما َ‬ ‫و َ‬‫ضرا ً َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ر ُ‬‫خي ْ ٍ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫مل َ ْ‬‫ع ِ‬
‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬
‫عيداً‬ ‫ن بين َها وبين َ َ‬ ‫د لَ َ‬
‫مدًا ب َ ِ‬ ‫هأ َ‬ ‫و أ َّ َ ْ َ َ َ ْ ُ‬ ‫و ُّ ْ‬
‫ء تَ َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫من ُ‬
‫سُه}‪.‬‬
‫ف َ‬ ‫ه نَ ْ‬
‫م الل ُ‬ ‫ذُّرك ُ ُ‬ ‫ح ِ‬
‫وي ُ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ـ ومنها أنّ ف قوله تعال‪{ :‬وإذَا جاءَ ُ‬
‫م ِ‬‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬‫مٌر ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫ف} دليلً على أنّ العامي قد يدرك من الواقع ما يفى على‬ ‫َ‬
‫و ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫و ال َ‬ ‫أ ِ‬
‫العال‪ ،‬ول يعدّ عيبا ف العال؛ لنّ إحصاء واقع الناس ليس إل إل ربّ الناس‪،‬‬
‫لكن العيب فيما إذا أفت الجتهد ف نازلة ولّا يسأل أهل الختصاص عن‬
‫()‬
‫ملبساتا وهو يقدر على ذلك ‪ .‬فقد كان يفى على النب القليل أو‬
‫‪1‬‬

‫الكثي من واقع الناس‪ ،‬فيأتيه العاميّ بالب اليقي فيفت على غرار ما سع‪،‬‬
‫وخذ مثال على ذلك قصّة الثلثة الذين عزفوا عن الدنيا ‪ ...‬وهل نسيت أنّ‬
‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫جئْت ُ َ‬
‫هو ِ‬‫ط بِ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫حط ْ ُ‬
‫ت بِ َ‬ ‫الدهد قال لسليمان ‪{ :‬أ َ‬
‫ن}‪ ،‬فهذا طائر عَلِم من الواقع مال يعلمه رسول‬ ‫قي ٍ‬
‫سبَإ ٍ بِنَبَإ ٍ ي َ ِ‬
‫من َ‬
‫ِ‬
‫أوت من اللك ما ل يؤته أحد من قبله ول من بعده‪ ،‬بل كان يعلم من واقع‬
‫الطي والنمل ومنطقها ما هو معلوم‪ ،‬فما لعصافي الحزاب السلمية‬

‫() انظر » فقه النّوازل « (‪.)1/7‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪187‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫حلّق ف أجواء مكذوبة حسبوها‬ ‫تتطاول على العلماء‪ ،‬أن رأوا أنفسهم تُ َ‬
‫يقي النباء؟!! قال العلمة عبد العزيز بن باز‪ .." :‬وما يَكثر فيه الكلم من‬
‫مظاهر الهل بالواقع اتّهام بعض أهل العلم والفضل بالهل بأحوال النافقي‬
‫والعلمانيي‪ ،‬وهذا غي قادح؛ إذ يوجد ف المة منافق أو زنديق ل يَعلمه‬
‫العلماء ول يَعرفون حاله‪ ،‬ول ُيعَدّ هذا الفاء عيبا ف حقهم‪ ،‬قال المام‬
‫الذهب ف ترجة اللج‪ :‬كان جاعة ف أيام النب منتسبون إل صحبته وإل‬
‫ملّته وهم ف الباطن مردة النافقي‪ ،‬قد ل يَعرفهم نب ال ول يَعلَم بم قال‬
‫ق لَ‬ ‫فا ِ‬‫علَى الن ِّ َ‬ ‫مَردُوا َ‬ ‫ة َ‬ ‫دين َ ِ‬
‫م ِ‬‫ل ال َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن أَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ال تعال‪{:‬و ِ‬
‫ن}‪ ،‬فإذا جاز‬ ‫مَّرتَي ْ ِ‬ ‫ذّب ُ ُ‬
‫هم َ‬ ‫ع ِ‬
‫سن ُ َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ن نَ ْ‬‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬
‫ه ْ‬
‫م ُ‬‫عل َ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫على سيّد البشر أن ل يَعلَم ببعض النافقي ـ وهم معه ف الدينة سنوات ـ‬
‫فبالول أن يَخفَى حال جاعة من النافقي الفارغي عن دين السلم بعده‬
‫()‬
‫على أمته ‪. " ...‬‬
‫‪1‬‬

‫من أجل هذا ل أذكر هنا هذا العلم أعن السمّى ( فقه الواقع ) ف صفات‬
‫الجتهد‪ .‬ومن مظاهر الغلوّ فيه أنّن سعت مرارا من يتناقل قصّة عن الشيخ‬
‫()‬
‫ممد ابن عثيمي ـ حفظه ال ـ يريدون إدانته بهله بالواقع زعموا ‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫فيقولون‪:‬‬
‫" لقد نُبّه الشيخ على وجود ملّت خليعة بالسواق‪ ،‬وف كل مرّة ينكر ذلك؛‬
‫لنّه ل يرها‪ ،‬فبينما هو ف درسه إذ دخل عليه من رمى بالجلّة ف حجره‪ ،‬فقام‬

‫() من» وجوب طاعة السلطان ف طاعة الرحن « لحمد العرين ص (‪44‬ـ ‪.)45‬‬ ‫‪1‬‬

‫() وهذا التّجهيل لكبار العلماء منتشر جدّا ف أوساط الشباب الشتغل بالسّياسة حتّى‬ ‫‪2‬‬

‫سّوا‬
‫( هيئة كبار العلماء ) هيئة كبار العملء! فال حسيبهم‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪188‬‬
‫السياسة‬

‫الشيخ بعدها فكتب ف التحذير منها ومن الفلم! "‪.‬‬


‫أقول‪ :‬إن صحّ هذا فإنّه ل يقدح ف الشيخ ول ف علمه‪ ،‬كما ل يقدح ف‬
‫النب عدم علمه بثل ما ذكرته آنفا‪ ،‬ول ف عمر ول ف ابن عباس عدم‬
‫علمهما بواقع قصّة الطلق‪ ،‬بل هذا يزيد الشيخ ابن عثيمي منقبة على منقبة؛‬
‫لنّه يد ّل على انكبابه على العلم تعلّما وتعليما وشغل وقته به‪ ،‬حت ل يد‬
‫فراغا للتّطلّع على ما ف السواق‪ ،‬وأنّ قراءة الجلّت ليست عنده ذات‬
‫أشواق‪ ،‬وكأنّ لسان حاله ينشد‪:‬‬
‫مُنـايَ من الـدنيـا علـومٌ أبثّـهـا وأنشرُهـا ف كـل بـادٍ‬
‫وحـاضـرِ‬
‫دعـاءٌ إل القـرآن والسّنـة الـت تناسَى رجالٌ ذِكْرَها ف‬
‫الحـاضـرِ‬
‫وقـد أبـدلـوها بــالرائـد تـارة وتلفـازهـم رأس‬
‫الشرور النـاكـرِ‬
‫ومِذْيـاعهم أيضا فل َتنْسَ شـرّه فكم ضاع من وقت با‬
‫(‪)1‬‬
‫بالسائرِ‬
‫ول أدري لاذا يوردون هذه القصة ف كل مرّة إل أن يكون ف المر ما‬
‫يأت‪:‬‬
‫ـ ومنها أنّ العيب العظم أن يتصدّر العامي أو طالب العلم مالس فقه‬
‫الواقع بجّة تقصي العلماء فيه؛ وهذا خطأ لنّال حي نعى عليهم إذاعة‬

‫() عن » موارد الظّمآن « للشّيخ عبد العزيز السّلمان (‪ ،)3/4‬والبيتان الولن لبن حزم‬ ‫‪1‬‬

‫ـ رحه ال ـ على أنه قال ف الثان منهما‪ " :‬دعاءٌ إل القرآن والسنن ‪ ،"...‬انظر‬
‫(( جذوة القتبس )) لحمد بن أب نصر فتّوح الميدي ص (‪.) 310‬‬
‫‪189‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الخبار‪ ،‬ل يأمرهم بتحليلها ولكن بردّها إل أهلها كما قال سبحانه‪{ :‬ول َ ْ‬
‫و‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫م ُ‬ ‫م لَ َ‬
‫عل ِ َ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ر ِ‬
‫م ِ‬
‫وإِلى أولِي ال ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َردُّوهُ إِلى الَّر ُ‬
‫َ‬
‫م}‪.‬‬‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬‫ستَنبِطُون َ ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وف مالفة هذه الية خيانة للمانة الت أمرال بأدائها إل أهلها {ِإ ّ‬
‫ن‬
‫وإِذَا‬
‫ها َ‬ ‫هل ِ َ‬‫ت إِلَى أ َ ْ‬ ‫ؤدُّوا الَمانَا ِ‬‫م أَن ت ُ َ‬‫مُرك ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ه يَأ ُ‬ ‫الل َ‬
‫ل إ ِ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬ ‫عدْ ِ‬ ‫موا بِال َ‬‫حك ُ ُ‬
‫س أن ت َ ْ‬
‫ن الن ّا ِ‬ ‫متُم بَي ْ َ‬‫حك َ ْ‬ ‫َ‬
‫ما يَِعظُكُم بِه}‪ ،‬وف مالفتها خراب الدنيا‪ ،‬فعن أب هريرة قال‪:‬‬ ‫ع َّ‬ ‫نِ ِ‬
‫بينما النب ف ملس يدّث القوم جاءه أعرابّ فقال‪ :‬مت الساعة؟ فمضى‬
‫رسولال يدّث‪ ،‬فقال بعض القوم‪ :‬سع ما قال‪ ،‬فكره ما قال‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬بل ل يسمع‪ ،‬حت إذا قضى حديثه قال‪ » :‬أين ـ أُراه ـ السائل عن‬
‫ضّيعَت المانة فانتظر الساعة‬ ‫الساعة؟ «‪ ،‬قال‪ :‬ها أنا يا رسولال ! قال‪ » :‬فإذا ُ‬
‫«‪ ،‬قال‪ :‬كيف إضاعتها؟ قال‪ » :‬إذا وُسّد المرُ إل غي أهله فانتظر الساعة‬
‫« رواه البخاري‪..‬‬
‫فعجبا لقوم وسّدوا هذه المور إل طلبة العلم! باني على أوهام الشباب‬
‫عللَ وقصورا‪ ،‬فتارة يريدون ملسا للشّورى بالسعودية للتسلل فيه‪ ،‬وتارة‬
‫يريدون لنة لقوق النسان الشرعيّة‪ ،‬ونايتها التّملّص بل التّخلّص من جود‬
‫()‬
‫هيئة كبار العلماء زعموا! وكان عاقبة ذلك خسرا ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهاك ضياء من هدي السّلف ‪:‬‬


‫ـ عن يي بن َيعْمَر قال‪ " :‬كان أوّل من قال بالقدر بالبصرة َم ْعبَد‬

‫() الغريب أن هذه الطالب لتأسيس مثل هذه الجالس من أصحاب هذا الفكر نفسه قد‬ ‫‪1‬‬

‫ردّ عليها العلمة عبد ال بن حيد ـ رحه ال ـ من أكثر من ثلثي سنة‪ ،‬ث هي اليوم‬
‫تيا! انظر » الرسائل السان ف نصائح الخوان « ص ( ‪.) 32‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪190‬‬
‫السياسة‬

‫ت أنا وحُميد بن عبد الرّحن الِ ْميَري حاجّي أو معتمرين‪،‬‬ ‫الُهن‪ ،‬فانطلق ُ‬
‫فقلنا‪ :‬لو لقينا أحدا من أصحاب رسولال فسألناه عمّا يقول هؤلء ف‬
‫القدر‪ ،‬ف ُوفّق لنا عبدال بن عمر بن الطّاب داخل السجد‪ ،‬فاكتنفته أنا‬
‫وصاحب أحدنا عن يينه والخر عن شاله‪ ،‬فظننت أنّ صاحب سيكِل الكلم‬
‫إلّ فقلتُ‪ :‬أبا عبد الرّحن! إنّه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويت َقفّرون‬
‫العلم‪ ،‬وذكر من شأنم وأنم يزعمون أن ل قدر‪ ،‬وأنّ المر ُأنُف‪.‬قال‪ :‬فإذا‬
‫لقيت أولئك فأخبهم أنّي بريء منهم‪ ،‬وأنم برآء منّي‪.‬والذي يلف به عبد‬
‫ال بن عمر! لو أنّ لحدهم مثل أُحد ذهبا فأنفقه‪ ،‬ما قُبِل منه حت يؤمن‬
‫بالقدر‪ ،‬ث قال‪ :‬حدّثن أب عمر بن الطّاب قال‪ :‬بينما نن عند رسولال‬
‫ذات يوم‪ ،‬إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثّياب‪ ،‬شديد سواد الشّعر‪ ،‬ل يُرَى‬
‫عليه أثر السّفر ول يعرفه منّا أحد‪ ،‬حت جلس إل النب ‪ ،‬فأسند ركبتيه إل‬
‫ركبتيه‪ ،‬ووضع كفّيه على فخذيه‪ ،‬وقال‪ :‬يا ممد! أخبن عن السلم‪ .‬فقال‬
‫رسولال ‪ » :‬السلم أن تشهد أن ل إله إلال وأنّ ممدا رسولال‬
‫وتقيم الصلة وتؤت الزكاة وتصوم رمضان وتجّ البيت إن استطعت إليه سبيل‬
‫«‪ ،‬قال‪ :‬صدقتَ‪ ،‬فعجبنا له يسأله ويصدّقه‪ ،‬قال‪ :‬فأخبن عن اليان‪ ،‬قال‪» :‬‬
‫أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‪ ،‬وتؤمن بالقدر خيه وشرّه‬
‫«‪ ،‬قال‪ :‬صدقتَ‪ ،‬قال‪ :‬فأخبن عن الحسان قال‪ » :‬أن تعبدال كأنك تراه‪،‬‬
‫فإن ل تكن تراه فإنّه يراك «‪ ،‬قال‪ :‬فأخبن عن الساعة قال‪ »:‬ما السئول عنها‬
‫بأعلم من السائل « قال‪ :‬فأخبن عن أمارتا‪ ،‬قال‪ » :‬أن تلد ا َل َمةُ َربّتَها‪ ،‬وأن‬
‫ترى الفاة العراة العالة رِعاء الشاء يتطاولون ف البنيان «‪ ،‬قال‪ :‬ث انطلق‪،‬‬
‫فلبث مليّا ث قال ل‪ »:‬يا عمر أتدري من السائل؟ « قلت‪:‬ال ورسوله أعلم‪،‬‬
‫قال‪ »:‬فإنّه جبيل أتاكم يعلّمكم دينكم « رواه مسلم‪.‬‬
‫‪191‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫والشاهد منه أنم حي واجههم واقع ل يعرفونه من قبل وهو ظهور‬


‫القدر‪ ،‬عرفوا أنّ أصحاب رسولال هم مرجعهم ف علجه لنم أعلم‬
‫اللق يومئذ‪ ،‬بل جاء ف رواية أنم لَقوا بعض الصحابة فلم يسألوهم وإنا‬
‫قصدوا أعلمهم يومئذ؛ فقد قال الراوي‪ " :‬فلما أتينا الدينة لقينا‬
‫أناسا من النصار فلم نسألم؛ قلنا‪ :‬حت نلقَى ابن عمر أو أبا سعيد الدري‬
‫()‬
‫ت العلمة ممد ابن عبد الوهاب ـ رحه ال ـ بوّب‬ ‫‪ ، " ...‬ولذلك وجد ُ‬ ‫‪1‬‬

‫لذا الديث ف » كتاب التوحيد « بقوله‪ " :‬باب ما جاء ف القدَر " وذكر فيه‬
‫مسائل منها قوله‪ " :‬الثامنة‪ :‬عادة السلف ف إزالة الشبهة بسؤال العلماء‬
‫()‬
‫" ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫قلت‪ :‬ومِن قَبله بوّب النسائي له ف (( السنن الكبى )) (‪ )3/446‬بقوله‪:‬‬


‫" توقي العلماء " لا فيه من توقي جبيل للنب ‪ ،‬فاجعل من السلف قدوتَك‬
‫تكن سلفيّا وإل ‪...‬‬
‫()‬
‫ـ وروى الدارميّ قال‪ :‬أخبنا الكم بن البارك‪ ،‬أنا عمرو بن يي قال‪:‬‬
‫‪3‬‬

‫سعت أب يدّث عن أبيه قال‪ " :‬كنّا نلس على باب عبدال بن مسعود قبل‬
‫صلة الغداة‪ ،‬فإذا خرج مشينا معه إل السجد‪ ،‬فجاءنا أبو موسى الشعري‬
‫فقال‪ :‬أخَرَج إليكم أبو عبد الرحن بعد؟ قلنا‪ :‬ل‪ ،‬فجلس معنا حت خرج‪،‬‬

‫شرح أصول‬ ‫((‬ ‫() رواه الطبان (‪ )12/430‬وابن منده ف (( اليان )) (‪ )11‬والللكائي ف‬ ‫‪1‬‬

‫العتقاد )) (‪ )1037‬وهو صحيح‪.‬‬


‫() انظر » فتح الجيد « ص (‪.)480‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ف الطبوع‪ :‬عمر بن يي‪ ،‬وهو تصحيف‪ .‬والصّواب ما أثبته‪ ،‬وهو‪ :‬عمرو بن يي بن‬ ‫‪3‬‬

‫عمرو ابن سلمة بن الارث الكوف‪ .‬انظر‪ » :‬تذيب الكمال « (‪ ،)7/132‬ترجة الكم ابن‬
‫البارك الباهلي‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪192‬‬
‫السياسة‬

‫فلمّا خرج قمنا إليه جيعا‪ ،‬فقال أبو موسى الشعريّ‪ :‬يا أبا عبد الرحن! إنّي‬
‫رأيت ف السجد آنفا أمرا أنكرته‪ ،‬ول أر والمد ل إل خيا‪ ،‬قال‪ :‬فما هو؟‬
‫فقال‪ :‬إن عشت فستراه‪ ،‬قال‪ :‬رأيت ف السجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون‬
‫الصلة‪ ،‬وف كل حلقة رجل‪ ،‬وف أيديهم حصى‪ ،‬فيقول‪ :‬كبّروا مائة‪،‬‬
‫فيكبّرون مائة‪ ،‬فيقول‪ :‬هلّلوا مائة‪ ،‬فيهلّلون مائة‪ ،‬ويقول‪ :‬سبّحوا مائة‪،‬‬
‫فيسبّحون مائة‪ ،‬قال‪ :‬فماذا قلت لم؟ قال‪ :‬ما قلت لم شيئاَ انتظار رأيك ـ‬
‫أو انتظار أمرك ـ قال‪ :‬أفل أمرتم أن َيعُدّوا سيئاتم وضمنت لم أن ل‬
‫يضيع من حسناتم‪ .‬ث مضى ومضينا معه حت أتى حلقة من تلك اللق‪،‬‬
‫فوقف عليهم‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا‪ :‬يا أبا عبد الرحن!‬
‫حصى َنعُدّ به التكبي والتهليل والتسبيح‪ ،‬قال‪ :‬فعدّوا سيئاتكم فأنا ضامن أن ل‬
‫يضيع من حسناتكم شيء؛ َويْحَكم يا أمّة ممد! ما أسرع هلكتكم‪ ،‬هؤلء‬
‫صحابة نبيّكم متوافرون‪ ،‬وهذه ثيابه ل َتبْلَ‪ ،‬وآنيته ل تكسر‪ ،‬والذي نفسي‬
‫بيده إنّكم لعلى ملّة هي أهدى من ملّة ممد؟ أو مفتتحو باب ضللة؟ قالوا‪:‬‬
‫وال ‪ ،‬يا أبا عبد الرحن ما أردنا إل الي‪ ،‬قال‪ :‬وكم من مريد للخي لن يصيبه‪.‬‬
‫إنّ رسولال حدثنا أن قوما يقرؤن القرآن ل ياوز تراقيهم‪ ،‬وايْمُال ‪ ،‬ما‬
‫أدري لعلّ أكثرهم منكم؛ ث تولّى عنهم‪ ،‬فقال عمرو بن سلمة‪ :‬رأينا عامة‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫أولئك الِلَق يطاعنونا يوم النهروان مع الوارج " ‪.‬‬
‫فخذوا العبة أي إخوان! من صنيع أب موسى ‪ ،‬فهو ل يقضي بشيء‬
‫فيما هو نازلة ف زمانه حت يعرضه على الفقيه‪ ،‬مع أنّه من الفقه بكان مكي!‬
‫أليس هذا النهج عاصمة العواصم‪ ،‬وفاضحة كل متعال؟!‬
‫جدّ من‬ ‫يا ليت شعري ما ضرّ شبابنا ودعاتنا لو أخذوا بذا الدب فيما يَ ِ‬

‫() » سنن الدّارمي « (رقم ‪ ،)210‬وهو ف » السلسلة الصحيحة « لللبان رقم (‪.)2005‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪193‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قضايا العصر وقد كثرت‪ ،‬وبه يقلّ نصيب الشيطان من صف السلمي {إ ّ‬


‫ن‬
‫ن‬ ‫ن كَا َ‬ ‫ن ال َّ‬
‫شيْطَا َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫شيْطَا َ‬
‫ن يَنَز ُ‬ ‫ال َّ‬
‫سا ِ‬‫ن لِلِن َ‬ ‫ه ْ‬
‫غ بَيْن َ ُ‬
‫وا ُمبِيناً }‪ .‬وتأمّل أيضا فراسة متهدهم ابن مسعود حي بان له‬ ‫عدُ ًّ‬‫َ‬
‫غيب مُرّ من رؤوس تلك الِلق‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ل ما أدري لعلّ أكثرهم منكم "؛ أي‪ :‬عرف أنم للخوارج أنساب‪،‬‬ ‫" وأي ا !‬
‫ت‬‫ك ليَا ٍ‬ ‫في ذَل ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وقد كان المر كما أخب‪{ ،‬إ َّ‬
‫مين}‪ ،‬ولذلك قلتُ‪:‬‬ ‫س ِ‬
‫و ِّ‬‫مت َ َ‬ ‫لِل ْ ُ‬
‫ـ ومن فوائد قصة الطلق فراسة عمر ‪ ،‬حيث استنبط من هذه النازلة‬
‫الت يهلها ما نزل القرآن بتصديقه‪ ،‬ولذلك قال‪ " :‬فكنتُ أنا استنبطت ذلك‬
‫المر‪ ،‬وأنزلال آية التخيي"‪،‬وهذا يذكّرن بفراسة أحد كبار مدّثي وفقهاء‬
‫هذا العصر‪ ،‬وهو الشيخ ممد ناصر الدين اللبان ـ حفظه ال ومتّع السلمي‬
‫بعلمه ـ حي سئل عن جاعة ظهرت ف هذا العصر‪ ،‬وهي جاعة الدعوة‬
‫والتبليغ‪ ،‬فكان من جوابه أن قال‪ ... " :‬هذه صوفية عصرية! "‪ ،‬قالا يوم قالا‬
‫متفرّسا‪ ،‬على حسب ما رأى وبلغه عن الماعة‪ ،‬ث أعادها بعد سنوات‪،‬‬
‫وبالضبط ف هذه الدّة القريبة مع شرح لذه الكلمة‪ ،‬وأنّه يعن بيعة هذه‬
‫الماعة لربع طرق من فرق الصوفية ـ لعلها أضلها‪ ،‬وهي‪ :‬النقشبندية‪،‬‬
‫والشتية‪ ،‬والقادرية‪ ،‬والسهروردية‪ .‬والشيخ ف الرّة الول ل يكن على علم‬
‫بذه البيعة‪ ،‬لكن كيف وقعت فتواه مطابقة لواقع القوم؟ الواب‪ :‬قالال تعال‪:‬‬
‫ن}‪.‬‬‫مي َ‬‫س ِ‬‫و ِّ‬ ‫ت لِل ْ ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫ك ليَا ٍ‬‫في ذَل ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫{إ َّ‬
‫هذا قاله الشيخ من زمان بعيد ث يشاءال أن يتب عبدا من عباده قد َخبَر‬
‫()‬
‫القوم مدّة طويلة‪ ،‬فأعلنها صرية ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() هو الرّاجع إل القّ الشيخ سعد الصيّن ـ حفظه ال ـ‪ ،‬كنت لقيته من عشر‬ ‫‪1‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪194‬‬
‫السياسة‬

‫ل‬
‫سو ِ‬‫و َردُّوهُ إِلَى الَّر ُ‬ ‫ول َ ْ‬‫ـ ومنها أنّ ف قوله تعال‪َ { :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ستَنبِطُون َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ُ‬ ‫م لَ َ‬
‫عل ِ َ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ر ِ‬
‫م ِ‬
‫وإِلى أولِي ال ْ‬
‫ل على أنّ أخبار الواقع ترجع إل أهل العلم والسلطان؛ فهم‬ ‫م} دلي ً‬
‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫أولو المر‪ ،‬ث من هؤلء جاعة تتول استنباط الحكام الشرعية لذا الواقع‪،‬‬
‫م}‪ ،‬قال الطبي ـ رحه ال ـ‪ " :‬يعن‬ ‫ه ْ‬ ‫وليسوا كلهم؛ لنّال قال‪ِ { :‬‬
‫من ْ ُ‬
‫و َردُّوهُ} المر الذي نالم من عدوّهم والسلمي‪ ،‬إل‬ ‫جلّ ثناؤه {ول َ ْ‬
‫رسولال وإل أول المر‪ ،‬يعن‪ :‬وإل أمرائهم‪ ،‬وسكتوا فلم يذيعوا ما‬
‫جاءهم من الب‪ ،‬حت يكون رسولال أو ذوو أمرهم هم الذين يتولّون‬
‫الب عن ذلك بعد أن تثبت عندهم صحّته أوبطلنه‪ ،‬فيصححوه إن كان‬
‫()‬
‫صحيحا أو يبطلوه إن كان باطلً ‪. "...‬‬
‫‪1‬‬

‫قلتُ‪ :‬ولذا فرمي بعض أهل العلم بالنزواء والنطواء على أنفسهم ظلم؛‬
‫لنّال تعال ل يفرض هذا العلم إل على الكفاية بصريح هذه الية‪ .‬ولو كانوا‬
‫مصيبي ف انتقادهم لكانوا مطئي؛ لنم لا تفقّهوا ف الواقع ـ وقد رأوا‬
‫أنفسهم أهلً لذلك! ـ فقد َك َفوْا غيهم هذه الؤنة‪ ،‬فعل َم العتاب علمَ؟!‬
‫قال العلّمة ربيع بن هادي الدخلي ـ حفظه ال ـ‪ " :‬فإذا كان بعض‬
‫الحزاب يدّعي أنّه يعرف فقه الواقع وما يدبّر للمسلمي‪ ،‬فلماذا تلوم‬
‫السّلفيي وتصفهم بالغفلة عن واقع المّة‪ ،‬وقد سقط عنهم هذا الواجب‬
‫بقيام غيهم به؟! "‪.‬‬

‫سنوات ف بيته بالردن‪ ،‬وكان يومها متحمّسا لم‪ ،‬ثّ أُخبتُ بعدها بسنوات عن‬
‫‪81‬‬ ‫تراجعه‪ ،‬ثّ قرأت ما كتبه فيهم‪ ،‬فجزاه ال خيا‪ ،‬انظر‪ »:‬حقيقة الدّعوة إل ال « (ص‬
‫ـ ط‪ .‬الثانية)‪.‬‬
‫() » تفسي الطّبي « (‪4/183‬ـ ‪ )184‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪195‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قلت‪ :‬فافهم هذا ـ رحك ال ـ وأنصف! وقال‪ " :‬ول يوز أن يُنال من‬
‫العلماء والدّعاة الذين تشغلهم واجباتُهم العلمية والدّعوية عن متابعة الصّحف‬
‫والجلّت وتقارير الخابرات المريكية والسرائيلية وغيها؛ مكتفي بتابعة‬
‫غيهم لذه المور‪ ،‬وهذا ما يقتضيه العقل والشرع ل العواطف العمياء‪ ،‬فقد‬
‫()‬
‫فرغ العلماء من بيان واجبات العيان وواجبات الكفاية " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهذا يذكّرن أيضا بذلك الوار العلمي الاتع بي الشيخ اللبان والشّابّ‬
‫ناصر العمر‪ ،‬حيث كان هذا الخي يقرأ فصولً من كتابه » فقه الواقع «‪،‬‬
‫فكان كلما أدخل طلبة العلم ف هذا الفقه‪ ،‬يقول له الشيخ‪ :‬اشطُب على‬
‫كلمة ( طلبة العلم ) وضع بدلَها ( بعض أهل العلم )‪ ،‬فتأمّل هذا وعضّ‬
‫عليه بالنواجذ!‬
‫ـ ومنها أن مالفة هذا النهج يفتح شرّا مستطيا على المّة لقولال تعال‬
‫ه‬
‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬‫علَيْكُم وَر ْ‬
‫ه َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫ض ُ‬
‫ف ْ‬‫ول َ َ‬ ‫ف ختام آية الباب‪{ :‬ول َ ْ‬
‫قلِيلً }‪ ،‬وباتّباع الشيطان تَحصل الفرقة؛‬ ‫ن إل َّ َ‬ ‫شيْطَا َ‬ ‫عت ُم ال َّ‬
‫لتَّب َ ْ ُ‬
‫َ‬
‫ي‬‫ه َ‬ ‫قولُوا ال ّتِي ِ‬ ‫عباِدي ي َ ُ‬ ‫قل ل ِ ِ‬ ‫كما قالال تعال‪{ :‬و ُ‬
‫َ‬
‫ن الشيْطَا َ‬
‫ن‬ ‫مإ ّ‬‫ه ْ‬ ‫ن يَنَز ُ‬
‫غ بَيْن َ ُ‬ ‫ن الشيْطا َ‬ ‫نإ ّ‬‫س ُ‬‫ح َ‬‫أ ْ‬
‫وا ً ُمبِيناً }‪ .‬وسبحان من هذا وحيه! فمنذ أن‬‫عد ُ ّ‬
‫ن َ‬
‫سا ِ‬
‫ن لِلِن َ‬‫كا َ‬
‫دخل طلبة العلم العمل السياسي مالفي هدي النبياء وقعت فُرقة عظيمة؛‬
‫إذ ل أعرف بالزائر زمنا تفرقنا فيه شذر مذر‪ ،‬وتزّقنا فيه كل مزّق إل يوم‬
‫نُصب لنا الَبّ على الفخّ السياسي‪ ،‬فمدّ إليه بعض طلبة العلم ـ إن حسنّا‬
‫بم الظّنّ ـ أيديهم! لقد كان الواحد يستأنس بأخيه إذا عرفه بزيّه السلمي‪،‬‬
‫ويسلّم عليه مهما بعُدَ عنه‪ ،‬وأما اليوم فودّ لو أنّه ل يره؛ لنّه ل يدري أيردّ‬

‫() » أهل الديث هم الطّائفة النصورة النّاجية « ص (‪.)92،95‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪196‬‬
‫السياسة‬

‫عليه السلم أم ل؟! ول حول ول قوّة إل بال ‪.‬‬


‫ومن سنوات وأنا أتردد على البلد السّعودية ـ والمد ل ـ‪ ،‬فكنت‬
‫أرى من طلبة العلم من يفت ف السياسة ويدرّسها درسا عاما من غي تييز‪،‬‬
‫هل هو من أهلها؟ وهل الضور مطالبون با؟ فعرفت أنّه نذير شرّ‪ ،‬خاصة ف‬
‫تلك البلد الت أغناهاال بعلماء كبار‪ ،‬هم أحوج ما يكونون إل من يعينهم ف‬
‫الدعوة‪ ،‬ل أن تُسرق منهم الفتوى السّياسية بزعم أنم يعينونم فيها أو‬
‫يكمّلونم‪ ،‬فكم سعنا لؤلء الشباب من فتاوى سياسية مستقلة ومالفة لا عليه‬
‫هؤلء الشيوخ‪ ،‬وما قضية الليج عنكم ببعيد‪ ،‬فقد كانت البئر بغطائها‪ ،‬فلمّا‬
‫()‬
‫كانت هذه القضية فاض وفاح ما فيها ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() ليس ف مالفة فتوى الشايخ مذور ما دام طالب العلم قد اقتنع بفتوى لشيخ متأهل‬ ‫‪1‬‬

‫لا‪ ،‬وإنا الحذور أن يستقلّ هو بالفتوى وليس أهل لا‪ ،‬وأن يضجّ با ويثي الشّغب‬
‫ويستغيث بالغوغاء‪ ،‬وتعظم البليّة إذا كان جلّ عمدته على أخبار العال! ث يب التنبه إل‬
‫أن السلطان السلم إذا حل المة على فتوى متهدي زمانه يكون هذا شبيها بنقض‬
‫الكم ف القضاء‪ ،‬وقد مرّ بنا منع عثمان أبا ذر رضي ال عنهما من الفتوى‪ ،‬فليُذكر!‬
‫وقد طلب من أحد الطلبة الزائريي بكة أن أُ َحدّثه عن أخبار الزائر أيّام التشنجات‬
‫السياسية‪ ،‬فقلت له‪ :‬ل مانع عندي‪ ،‬ولكن لو شئتَ أنبأتك بأفضل مّا سألت‪ ،‬قال‪ :‬ما‬
‫هو؟ قلت‪ :‬ألّ تسأل عمّا سألت‪ ،‬لنّه مشغلة ل ناية لا‪ ،‬قال ـ مستنكرا ـ‪ :‬لكن يا‬
‫أخي! ل بدّ أن أعرف واقع بلدي للمر بالعروف والنّهي عن النكر ‪ ...‬فقلت‪ :‬أرأيت‬
‫دراستك هذه الت هاجرت لتحصيلها بالدّيّار السعودية أعواما‪ ،‬أفرغت منها حت تضمّ‬
‫إليها غيها؟ قال‪ :‬صحيح‪ ،‬الواد كثية جدّا ووقت ل يفي بثلثها ـ أو كلمة نوها ـ‬
‫فقلت‪ :‬سبحانال ! وتسأل عن علم ل تُسأل عنه يوم القيامة‪ ،‬لتزاحم بوقته وقتَ العلوم‬
‫الشرعيّة الت تُسأل عنها يوم القيامة؟ ث هبْكَ قد عرفت واقع بلدك الذي أنت بعيد عنه‬
‫الن‪ ،‬فبأيّ علم تلّ مشاكله‪ ،‬أبالعلم الشرعي الذي ل تصّله بعد‪ ،‬أم بعلم آخر لعلّه أشبه‬
‫‪197‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قال العلّمة ربيع بن هادي الدخلي‪ " :‬وليس لحد أن يلقي بثقل هذه‬
‫الواجبات على طلّب العلم؛ فإن هذا من إسناد المر إل غي أهله‪ ،‬وهو من‬
‫أشراط الساعة‪ ،‬وهو مّا يؤدّي إل الفساد والفساد والفت‪ ،‬وليس مّا يفيد‬
‫المّة أن يصي الشباب بأجعهم من أساطي السياسة ول من شبكات‬
‫التّجسس! فإن هذا مّا يؤدي إل الهل بالعلوم الشرعية‪ ،‬وإل تقسيم المّة‬
‫إل أحزاب سياسية متناحرة‪ ،‬كل حزب يريد أن ينفرد بالكم‪ ،‬وكل فرد‬
‫()‬
‫يريد أن َيعْتَليَ عرش المامة والرئاسة " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال عن جناية هذا الفقه ـ إن صحّت تسميته بذلك ـ على العلم‪" :‬‬
‫ف التغالي ف السياسة تاويل وتطاول ل يطاق على أهل الديث والتوحيد‪،‬‬
‫وغمط شديد‪ ،‬وتهيل وتقي‪ ،‬ورمي لم بالعظائم‪ ،‬فمن غلوّهم ومبالغاتم الت‬
‫ل عهد لعلم علماء السلم با تويلهم بعلم الواقع‪ ،‬وادعاؤهم وادعاء‬
‫الصبيان منهم أنم علماء الواقع‪ ،‬وتنيدهم الشباب لقراءة الصّحف والجلّت‬
‫ومتابعة الذاعة‪ ،‬وصرفهم بذلك عن حفظ الكتاب والسّنة‪ ،‬والشتغال‬
‫()‬
‫بفقههما‪ ،‬وإشغالم عن العلوم الشرعيّة " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ث كل من تتبّع فتنة الرم ال ّك ّي الشهورة عند رأس هذا القرن‪ ،‬وما وقع‬
‫ف سوريا ومصر‪ ،‬يرى جاعات ترب بيوتا بأيديها‪ ،‬وليس معها أهل العلم‬
‫بترقيعات الخوان السلمي؟! وليس إل هذا الثان وهو شبيه بالعلمنة؛ لنّها فتاوى واقعية‬
‫غي شرعية‪ ،‬باعتبار أنّها ردود أفعال‪.‬‬
‫صدَمُ السلمون حي تبلغهم عن السلميي الركيي ـ كما يسمّون أنفسهم ـ‬
‫ولذلك يُ ْ‬
‫فتاوى ل تتلف ف كثي ول قليل عن أقوال العلمانيي‪ ،‬والساء أتركها لكم‪ ،‬ول تنفع‬
‫النيّة السنة وحدها‪.‬‬
‫() الصدر نفسه ص (‪95‬ـ ‪.)96‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نفسه ص (‪.)76‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪198‬‬
‫السياسة‬

‫الذين وصفنا لك‪ .‬واليوم ف الزائر أيضا‪ ،‬وقد اعترف علي ابن حاج لماعته‬
‫بعدم وجود كفاية من أهل العلم ف صفوفهم‪ ،‬فقال ف رسالته إليهم الؤرخة ف‬
‫( ‪15/10/1994‬م ) ف ق (‪ " :)3‬وأنا أعلم أنه لو وُجد معكم عدد كافٍ من‬
‫الدعاة وأهل العلم لا وقعت بعض هذه الخطاء الشرعية الفادحة!!! "‪.‬‬
‫‪199‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة الورقة الول من رسالة علي بن حاج إل الماعات‬


‫السلّحة الت فيها ما سبق ذكره‬

‫هذه صورة آخرها مع توقيعه‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪200‬‬
‫السياسة‬

‫هذا وكل هؤلء ـ وخاصة منهم الخوان السلمون ـ يرون أنفسهم‬


‫عالي بالواقع ويضحكون على العلماء السّلفيي‪ ،‬مع أنّ التّاريخ الديث برهن‬
‫بل خفاء على أنّه ل ُيعْرَف ف السلمي أغب وأجهل بالواقع منهم؛ وإليك‬
‫بعض المثلة الت تبيّن سرعة تغرير أعدائهم بم‪:‬‬
‫ـ مَن هم الذين استغلهم الضباط الحرار بصر ليصلوا بم إل مآربم ث‬
‫يقضوا عليهم؟ آلخوان أم السلفيون؟‬
‫ـ من هم الذين منّاهم بعض الكام بالعمل بالشريعة‪ ،‬وأظهروا لم بعض‬
‫الشعارات الدينية حت أعطوهم أفئدتم؟ آلتبجّحون بفقه الواقع أم السلفيون؟‬
‫ـ من هم الذين استهزأت بم أمريكا ف قضية أفغانستان؟‬
‫ـ من هم الذين ُلعِبَ بم فيها حت حكَمهم شرّ التصوّفة؟‬
‫ـ من هم الذين أفتوا بدخول البلانات‪ ،‬ووقعوا ف شِراك النتخابات‪،‬‬
‫مسّني ظنونم بالديقراطيات‪ ،‬مصدّقيها حي وعدتم بالكم إن كانت لم‬
‫الصوات؟ وكانت نايتها زيارة السّجون‪ ،‬وع ّد القاعد ف الموات؟!‬
‫ـ من هم الذين خدعهم المين بدولته الرّافضية يوم سقط الشّاه؟‬
‫آلسّلفيون أم الركيون عن بكرة أبيهم؟!‬
‫ـ من هم الذين حرّموا الستعانة بأمريكا وحلفائها ف قضية الليج‪ ،‬ث‬
‫استعانوا وسكتوا عمن استعان بالليشيات الشيوعية ف أفغانستان‪ ،‬وكذا‬
‫استعانة الكراد ف شال العراق بالغرب‪ ،‬وكذا استعانة مسلمي البوسنة‬
‫والرسك ببعض النصارى‪ ،‬وكذا شدّ حزب جبهة النقاذ الزائرية رحاله إل‬
‫الفاتيكان بإيطاليا‪ ،‬وقد استنجدوا به مرّتي‪ ،‬واجتمعوا هناك تت إشراف‬
‫النصارى! يريدون َحلّ مشكلتهم عند من كانوا ول يَزالون سبب مشكلتهم!!‬
‫غوت و َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُروا‬ ‫قدْ أ ِ‬ ‫موا إِلى الط ّا ُ ِ‬ ‫حاك َ ُ‬
‫ن أن يَت َ َ‬
‫ريدُو َ‬ ‫{ي ُ ِ‬
‫‪201‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وي ُريدُ ال َّ‬ ‫أَن يَك ْ ُ‬
‫ضلَلً‬
‫م َ‬ ‫ضل ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ن أن ي ُ ِ‬
‫شيْطا ُ‬ ‫ِ‬ ‫فُروا ب ِ ِ‬
‫بَعيداً } ويا له مِن ُذلّ! ‪ ...‬ما يد ّل على أن هؤلء الحرّمي الحلّلي‬
‫يستغلّون الدين ول يتبعون الدين!‬
‫ـ من هم الذين غرّهم زعيم البعث العراقي أيام حربه مع الرّفض اليران‬
‫حت شبّهوه بفاتح القادسية؟! اسألوهم عن ذلك‪ ،‬ومنهم عبد الرحن‬
‫عبد الالق! ولاذا غيّر رأيه فيه بعد حرب الليج!!!‬
‫ـ مَن مِن الركيي ل يكن مع العراق بل مع صدام الستول على‬
‫الكويت؟ حت زارنا ـ شانء السّلفية ـ إساعيل الشّطّي متذمّرا من إخوانه (‬
‫الخوان ) الاذلي الكويت وهو كويت!!‬
‫وتال إنّها لحدى الكب! نذيرا لن أراد أن يتبيّن مبلغ وعي متتبعي سياسات‬
‫البشر! يا لا من مهزلة! صلّى صدام للتلفزيون ركعتي فإذا بالمم والشّعوب‬
‫السلمية بدعاتا ـ حاش السلفيي ـ وراءه بالنفس والنفيس!‬
‫ومع هذا كله تسمّون هؤلء الراهقي السياسيي اليوم‪ ( :‬شباب‬
‫الصحوة! ) وتشتغلون بالسياسة وتتظاهرون بالكياسة‪ ،‬وأنتم أول من يضحك‬
‫عليه الصياد‪ ،‬وبيننا وبينكم يوم العاد‪.‬‬
‫لذلك فل غضاضة ف أن أقول‪ :‬لو خرج رجل من اليهود ف ديار‬
‫السلمي‪ ،‬وتظاهر بزيّ السلمي‪ ،‬بل ولو تظاهر بزيّ الكفار لكنه يفظ آية‬
‫ل‬‫حكُم بِما أَنَز َ‬ ‫من ل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫واحدة من القرآن‪ ،‬وهي قوله تعال‪{ :‬و َ‬
‫ن}‪ ،‬وأحسَنَ ترديدها ف الجالس‬ ‫فُرو َ‬‫م الكا ِ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫فأُولَئ ِ َ‬
‫ه َ‬‫الل ُ‬
‫العامة بلهجة عاطفية‪ ،‬وبرج بأخبار الكفار‪ ،‬واللّعب على العواطف‬
‫بالتظاهر ببغض أمريكا‪ ،‬ث نادى‪ :‬يا فلسطي! لا تلف عنه أحد من‬
‫الركات السلمية‪ ،‬ولقادهم جيعا ل إل فلسطي‪ ،‬ولكن إل مزرة تل‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪202‬‬
‫السياسة‬

‫أبيب!! وإلال الشتكى‪.‬‬


‫فكيف لو خرج عليهم الدّجّال ييي الوتى‪ ،‬ويأمر السماء أن تطر فتمطر‪،‬‬
‫ويأمر الرض أن ترج كنوزها فتخرج؟! وقد قال ابن سيين‪ " :‬لو خرج‬
‫()‬
‫ال ّدجّال لرأيت أنه سيَتبَعه أهلُ الهواء " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫كتبتُ هذا ث تذكرتُ أن أخصّ أهل الهواء الذين يَخرج ف صفوفهم‬


‫الدجّال هم الوارج‪ ،‬لتقارُبِ ما بينه وبينهم من فتنة وفكر أهوج‪ ،‬فقد روى‬
‫ابن عمر رضي ال عنهما أن رسول ال قال‪ » :‬ينشأُ نَشْءٌ يقرؤون القرآن‬
‫ل يُجاوِز تراقيهم‪ ،‬كلما خرج قرنٌ قُطِع « قال ابن عمر‪ :‬سعتُ رسول ال‬
‫يقول‪ » :‬كلما خرج قرنٌ قُطع « أكثر من عشرين مرة‪ (( :‬حت يَخرج ف‬
‫()‬
‫عِراضهم ال ّدجّال )) ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫كتبتُ هذا ث فوجئتُ بدعوة رجل يقال له ممد السعري‪ ،‬ل تسَعْه أرض ال‬
‫حت اختار لنفسه ديار الكفر ببيطانيا‪ ،‬يكتب عن السلم مع أنه ل هو ف العي‬
‫ول ف النفي‪ ،‬تبعته جاهي غفية وهي ل تعرف عنه إل كلمه السياسي ف صورة‬
‫استرجاع الظال!!‬

‫() رواه الللكائي ف (( شرح أصول العتقاد )) (‪ )235‬بإسناد صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » صحيح ابن ماجه « لللبان رقم (‪ )144‬وقال‪ " :‬حسن "‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪203‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة عن بعض ما ينشره ممد السعري الناطق الرسي‬


‫للجنة الدفاع عن القوق الشرعية‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪204‬‬
‫السياسة‬
‫‪205‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قال العلمة عبد العزيز بن باز ف صاحب هذا النشور‪ .. " :‬مِن الاقدين‬
‫الاهلي الذين باعوا دينهم وباعوا أمانتهم على الشيطان من جنس ممد‬
‫()‬
‫السعري " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫قلتُ‪ :‬ول بدّ من تذكّر أنه ل يكاد أحد يهل عفّة لسان الشيخ ابن باز‪،‬‬
‫فإذا سلّط لسانه على أحد فثَمّ أمر عظيم! وصورة هذا النشور تدلّك عليه‪ ،‬بل‬
‫وُتعَرّفك ببلغ علم صاحبه ودينه‪ ،‬ومع ذلك فقد وجد لدعوته رَواجا ف سوق‬
‫أصحاب ( الصحوة! )‪ ،‬وكيف ل تروج بضاعتُهم وسلمان العودة ـ هدانا‬
‫ال وإياه ـ دعا ف الوجه الثان من شريط » أخي رجل المن « إل تأييد لنة‬
‫()‬
‫هذا الرجل الوتور فكيف بالتباع؟!! ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ولذلك وجدتُ ابن بطّة العكبي يقول ف زمنه‪ " :‬والناس ف زماننا هذا‬
‫أسرابٌ كالطي يتبع بعضهم بعضا‪ ،‬لو ظهر لم من يدّعي النّبوة‪ ،‬مع علمهم بأن‬
‫رسولال خات النبياء‪ ،‬أو من َيدّعي الربوبية لوَجد على ذلك أتباعا وأشياعا‬
‫()‬
‫" ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ولعلك لحظت أنه ما من دعوة يراد لا رواج إل اسُت ِغلّ ف ذلك القضايا‬
‫السياسية‪ ،‬كما هو بادٍ ما أبرزته ف هذه الصورة‪ .‬وكذلك فعلت ملة‬
‫() جريدة » السلمون « العدد‪ 543 :‬ـ ‪ 2‬صفر ‪1416‬هـ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ولسلمان أيضا كلم مثله ف ماضرته الت ألقاها بعرعر تهيدًا لنشاء هذه اللجنة‬ ‫‪2‬‬

‫بعنوان‬
‫» حقوق النسان ف السلم « وأخرى بعنوان » يا أُهيل الرم «‪ ،‬وقد قامت هيئة كبار‬
‫العلماء لذه الدعوة بالرصاد ـ والمد ل ـ منهم الشيخ ابن عثيمي كما نبّهتُ عليه‬
‫أعظم جرما من طعنه ف‬ ‫ص (‪ 165‬ـ ‪ ،)166‬ث إنّ طعن السعري ف الصحاب معاوية‬
‫غيه من علمائنا الذكورين؛ فل تغفل!‬
‫() » البانة « (‪.)1/272‬‬ ‫‪3‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪206‬‬
‫السياسة‬

‫» السنة « ـ الت يستقي منها ( شباب الصحوة! ) أخبار العال ـ فقد جعت‬
‫ف عشّها البيطان رويبضات الزمن وترّأت على النيل من علماء السنة؛ فهي‬
‫بالمس ف عدد رمضان ‪1413‬هـ أخذت تقدح ف عرض أحد كبار العلماء‬
‫السلفيي‪ ،‬وهو الشيخ ممد أمان الامي ـ رحه ال ـ‪ ،‬ول تَعرِف له سابقته‬
‫ف العلم والدعوة‪ ،‬ول وَقّرته ف سنّه‪ ،‬حت جعلت تستهزيء بلهجته‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫إنه ينطق الاء هاء؛ ومثّلت بكلمة ( ُم ْلهِد! ) بدلً من ( ُم ْلحِد! )‪ ،‬نعوذ بال‬
‫من قلة الياء! بله من َفقْد الياء!!‬
‫بل حت العلمة اللبان ل يَسْلَم من طعنها اللذع بقلم ممد سرور زين‬
‫العابدين! وهي اليوم تستغل قضية الصلح مع اليهود لتؤجّر أحدهم فيطعن ف‬
‫()‬
‫العلمة عبد العزيز بن باز ‪ ،‬واستنجد ف ذلك بالدكتور يوسف القرضاوي‬
‫‪1‬‬

‫الذي رمى الشيخ بأنه يُفت فيما ليس له به علم! وذلك قوله‪ " :‬وهل الشيخ‬
‫علىعلم حقًا با يري حت يُدْل بدَلْوه ف هذا الوقت بالذات‪ ،‬وف مثل هذا‬
‫()‬
‫الوضوع الطي؟ ‪ . "...‬ث أخذ كاتب » السنة! « يفصح عما ف نفسه‬
‫‪2‬‬

‫قائل‪ " :‬هل يَعرف الشيخ ما معن الستعمرات الستيطانية؟ ل أظن! كما ل‬
‫أظن أنه ـ ف هذه السن ـ يكنه أن يَدَع أحدا من تلميذه أن يشرح‬
‫ويوضح له هذا الصطلح وما يترتب على استيطان هؤلء اليهود ‪." ..‬‬
‫قلتُ‪ :‬إذن فالشيخ ل يَعرف ول يب أن يَعرف؛ لن كبَر سنّه َورّثه كبْرا‬
‫عن تقبل النصح!!‬
‫شقّ له فيه غبار ـ‬ ‫ومع هذه التهم الالكة فإن الشيخ ـ ف أدبه الذي ل يُ َ‬
‫ل يَزد على أن قال بعد البيان العلمي‪ " :‬ما ذكرناه ف الصلح مع اليهود‬

‫() ملة » السنة « عدد (‪ )45‬رمضان ‪1415‬هـ ـ ص (‪17‬ـ ‪.)28‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ملة » الجتمع « عدد (‪.)1133‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪207‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أوضحنا أدلته الشرعية ‪ ...‬فأرجو من فضيلة الشيخ يوسف وغيه من‬


‫إخوان أهل العلم إعادة النظر ف هذا المر بناء على الدلة الشرعية ل على‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫العاطفة والستحسان " ‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬كان الول بالدكتور القرضاوي أل يفتح هذا الباب بثل ذاك الطعن‬
‫الرمّم بسؤال! بل كان الول به أن يبي قلمه لتقوي جاعته ( الخوان‬
‫السلمون )؛ فقد نادوا بل استحياء أن النصارى إخوانم‪ ،‬وقالوا ف بيانم‬
‫الؤرخ ف ( ‪ 30‬من ذي القعدة ‪1415‬هـ )‪ " :‬وموقفنا من إخواننا السيحيي ف‬
‫مصر والعال العرب موقف واضح وقدي ومعروف‪ :‬لم ما لنا وعليهم ما‬
‫علينا‪ ،‬وهم شركاء ف الوطن‪ ،‬وإخوة ف الكفاح الوطن الطويل‪ ،‬لم كل‬
‫حقوق الواطن الادي منها والعنوي‪ ،‬الدن منها والسياسي‪ ...‬ومن قال غي‬
‫()‬
‫ذلك فنحن برءاء منه وما يقول ويفعل!!! " ‪ .‬وجعلوا الشورى السلمية‬
‫‪2‬‬

‫أختا للديقراطية الكافرة فقالوا‪ " :‬وإذا كان للشورى معناها الاص ف نظر‬
‫السلم فإنا تلتقي ف الوهر مع النظام الديقراطي "‪ .‬وفيه دعوتُهم‬
‫الكومةَ أن تلتزم بالقانون الوضعي ل الشريعة فقالوا‪ .. " :‬بإصرار الخوان‬
‫على مطالبة الكومة بأل تقابل العنف بالعنف‪ ،‬وأن تلتزم بأحكام القانون‬
‫والقضاء "‪ ،‬بل رضوا لنفسهم ذلك فقالوا‪ " :‬ولكنهم ( أي الخوان ) ظلوا‬
‫على الدوام ملتزمي بأحكام الدستور والقانون ‪ ." ..‬ول يقولوا هذا َت ِقيّة‬
‫منهم‪ ،‬ولكن عن قناعة كما شهدوا على أنفسهم قائلي‪ " :‬والمر ف ذلك‬
‫كله ليس أمر سياسة أو مناورة‪ ،‬ولكن أمر دين وعقيدة‪ ،‬يلقى ( الخوان‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن إل ّ َ‬ ‫و َ‬‫ول َ بَن ُ‬ ‫ما ٌ‬
‫ل َ‬ ‫ع َ‬ ‫م ل َ يَن َ‬
‫ف ُ‬ ‫السلمون ) عليها ربم {ي َ ْ‬
‫و َ‬

‫() جريدة » السلمون « (‪ 25‬رمضان ‪1415‬هـ ـ ص ‪.)4‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ملة » الجتمع « عدد (‪ )1149‬ص (‪40‬ـ ‪.)41‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪208‬‬
‫السياسة‬

‫سلِيمٍ } "‪.‬‬ ‫َ‬


‫ب َ‬‫قل ْ ٍ‬
‫ه بِ َ‬
‫أتَى الل َ‬
‫قلت‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون! آجركم ال ف مصابكم يا د‪ /‬يوسف! لِمَ‬
‫ل توجّه نقدك إل هؤلء؛ فإن القربي أول بالعروف؟ بل أعِ ِد البنيان من‬
‫أساسه‪ ،‬فإن المر ليبه الترميم؛ إذ اللل عقدي وقدي كما صرحوا بذلك‬
‫فيما سبق‪ ،‬ولقد صدقوا؛ فقد نقل ممود عبد الليم ـ وهو من أعمدتم ـ‬
‫ماسعه بنفسه من ماضرة حسن البنا قوله‪ " :‬فأقرر أن خصومتنا لليهود‬
‫ليست دينية؛ لن القرآن حضّ على مصافاتم ومصادقتهم‪ ،‬والسلم شريعة‬
‫إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية‪ ،‬وقد أثن عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقا‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن}‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬ ‫ب إل ّ بِال ّتي ِ‬
‫هي أ ْ‬ ‫ل الكِتَا ِ‬ ‫{ول تُجاِدلُوا أ َ ْ‬
‫ه َ‬
‫وحينما أراد القرآن الكري أن يتناول مسألة اليهود تناولا من الوجهة‬
‫()‬
‫القتصادية والقانونية ‪. " !!!..‬‬
‫‪1‬‬

‫كان الول بالدكتور أن يراجع كلمة قطبه هذه؛ فهي خطأ فادح! وأين‬
‫خطأ العلمة ابن باز ـ لو كان خطأ ـ من هذه الت صرح بعض أهل العلم‬
‫فيها بأنه ليس بينها وبي الكفر حجاب؟‬
‫أهذا التحامي للباطل غيةٌ على الدين وحربٌ على اليهود أم هي حرب‬
‫على النهج السلفي؟!‬
‫شكوتُ إل القرضاوي ما قاله شيخه البنا‪ ،‬فإذا ب أجدن ضيّعتُ‬
‫شكواي‪ ،‬لن القرضاوي نفسه على دربه يسي؛ حيث قال‪ " :‬فنحن ل نقاتل‬
‫اليهود من أجل العقيدة!! إنا نقاتلهم من أجل الرض!! ل نقاتلهم لنم‬
‫()‬
‫كفار!!! وإنا نقاتلهم لنم اغتصبوا أرضنا وأخذوها بغي حق " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() » الخوان السلمون‪..‬أحداث صنعت التاريخ « ( ‪1/409‬ـ ‪.)410‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جريدة » الراية « القطرية‪ ،‬العدد ( ‪ 4696‬ـ الربعاء ‪ 24‬شعبان ‪1415‬هـ )‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪209‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هدَيْتَنا}‪.‬‬ ‫قلُوبَنَا ب َ ْ‬
‫عدَ إِذْ َ‬ ‫غ ُ‬ ‫قلتُ‪{ :‬ربَّنا ل ت ُ ِ‬
‫ز ْ‬
‫ث أعود إل آية الباب قائل‪ :‬فهلّ أخذت العبة من سبب نزول آية الباب‪،‬‬
‫وتدبرت الفرق بي العوام الذين سارعوا إل إذاعة خب تطليق النب نساءه‪،‬‬
‫حت كادوا يفتنون أهل الدينة كلها‪ ،‬وبي أناة أهل العلم كابن عباس الذي‬
‫مكث سنة كاملة ل يقول فيه شيئا حت يسأل عمر‪ ،‬وعمر ل َي ْلوِي على شيء‬
‫من الشاعة حت يسأل أهل الستنباط‪ ،‬مع أنه منهم‪ ،‬أجعي‪ .‬وهو الذي‬
‫()‬
‫كان يقول‪ " :‬تفقّهوا قبل أن تُسَوّدوا " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫()‬
‫وف » التواري على تراجم أبواب البخاري « ‪ " :‬وجه مطابقة قول عمر‬
‫‪2‬‬

‫للترجة ـ أي‪ :‬باب الغتباط ف العلم والكمة ـ أنّه جعل السيادة من‬
‫ثرات العلم‪ ،‬وأوصى الطالب باغتنام الزيادة قبل بلوغ درجة السيادة‪ ،‬وذلك‬
‫يقق استحقاق العلم؛ لنه يغتبط به صاحبه لنه سبب سيادته "‪ .‬وقال ابن‬
‫حجر‪ " :‬إن تعجلتم الريّاسة الت من عادتا أن تنع صاحبها من طلب العلم‬
‫فاتركوا تلك العادة‪ ،‬وتعلّموا العلم لتحصل لكم الغبطة القيقية "‪.‬‬
‫وقال الطّاب عند شرحه حديث (( يظهر الهل ‪ " :)) ...‬يريد ـ وال‬
‫أعلم ـ ظهور النتحِلي للعلم الترئسي على الناس به قبل أن يتفقّهوا ف الدين‬
‫()‬
‫ويرسخوا ف علمه " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وف شريط مسجل من » سلسلة الدى والنور « (رقم ‪ )440/1‬دار نقاش‬

‫() رواه البخاري تعليقا‪ ،‬ووصله الدارمي (‪ )1/79‬وأبو خيثمة ف (( العلم )) (‪ )9‬وابن أب‬ ‫‪1‬‬

‫شيبة (‪8/540‬ـ ‪ )541‬وابن عبد الب ف (( الامع )) (‪508‬ـ ‪509‬ـ الزهيي ) والطيب ف‬
‫(( الفقيه والتفقه )) (‪771‬ـ ‪774‬ـ العزازي )‪ ،‬وإسناده صحيح كما ف » الفتح « (‪.)1/166‬‬
‫() ص (‪ )58‬لبن النيّر‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() (( العزلة )) ص (‪.)209‬‬ ‫‪3‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪210‬‬
‫السياسة‬

‫طويل بي الشيخ اللبان وبي بعض شباب جبهة النقاذ السلمية الزائرية‪،‬‬
‫زعم هذا الخي إغلق الَمّارات وبيوت الفواحش أيام عمل البهة ف مبالغة‬
‫()‬
‫مدهشة ‪ ،‬فأجاب الشيخ بنع دخول البلانات ل َيلْوي على شيء من نتائج‬ ‫‪1‬‬

‫التحزّب وذكر سبب النع فقال‪:‬‬


‫الول‪ :‬أنه خلف هدي النّب ؛ إذ ل يدخل مع الكفار بثل هذا‪.‬‬
‫الثان‪ :‬أن كل من يدخلها لبد أن ينحرف عن السلم شيئا فشيئا‪.‬‬
‫فزعم أحدهم أن البهة ل ( تتنازل ) عن شيء من الدين‪.‬‬
‫فسأله الشيخ‪ :‬هل يتعامل بعضهم بالرّبا بكم أن بعض الؤسسات‬
‫الكومية بأيديهم؟‪.‬‬
‫فأجاب بالياب‪ ،‬ث بادر الشّابُ إل سؤال حطّم به مزاعمه الول بعد‬

‫() لو جاز أن نبن الفقه على النتائج الواقعية لقلنا‪ :‬لئن أراد هذا الشاب من إغلق بيوت‬ ‫‪1‬‬

‫الفواحش بعضها‪ ،‬بقوة حديد جبهة النقاذ لقلنا إن عشرات منها قد أغلقت أبوابا قبل‬
‫وجود البهة‪ ،‬بل وعلي بن حاج غائب ف السّجن الوّل‪ ،‬أيام كانت السّلفية تكتسح‬
‫السّاحات الدعوية ف سرعة جعلت ( الخوان السلمي ) و( الَزْأَرة ) يوشون بشبابا‬
‫إل الكام ـ كما هي عادتم ـ لن دعوة هؤلء أفلست؛ إذ قلّت ف ذلك الوقت‬
‫التمَوّجات السياسية الت با يستعطفون الناس كسبا لصواتم! فكره الناس مالسهم؛‬
‫لنا حلقة مفرغة دائمة الدوران بل عائد‪ ،‬وهي‪ :‬فلسطي‪ ،‬أفغانستان ‪ !..‬ف ماضرات‬
‫تسخي الكراسي والتهريج المل‪ ،‬وتوجّه الناس إل دعوة السلف؛ لنم وجدوها تُعلّمهم‬
‫دينهم‪ ،‬وحوّل الكثي منهم ملت الفواحش إل ملت طاعة ل عن رضا وقناعة بالجّة‬
‫الدينية‪ ،‬فما لبث علي بن حاج أن خرج من السّجن حت الْتفّ حوله الغوغاء‪ ،‬ول يطل‬
‫عمر حزبه سوى ثلث سنوات ضرب فيها الدعوة السلمية عرض الائط‪ ،‬وعرّض‬
‫ن}‪.‬‬
‫عو َ‬ ‫ما كَانُوا ي َ ْ‬
‫صن َ ُ‬ ‫ه بِ َ‬
‫م الل ُ‬ ‫ف يُنَب ِّئ ُ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫و َ‬
‫س ْ‬ ‫البقية من شبابا للذبح { َ‬
‫و َ‬
‫‪211‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫هذه الزية الول‪ ،‬فقال‪ :‬إذا عرَضت لنا قضية فقهية فيها رأيي ‪ ،‬فيها رأي‬
‫‪1‬‬

‫عند الفقهاء راجح ومرجوح‪ ،‬وإذا ما أخذنا بالقول الرّاجح فيها تسببنا ف فتنة‬
‫أو مشكلة أو تفرقة بي السلمي‪ ،‬فهل يوز لنا أن نأخذ بالقول الرجوح‬
‫لصلحة وحدة السلمي؟‪.‬‬
‫فقال الشيخ‪ " :‬هذه هي السياسة! هذه هي السياسة! "‪.‬‬
‫فقال ممد إبراهيم شقرة‪ :‬هذه السياسة ليست شرعية‪.‬‬
‫فقال الشيخ‪ :‬أي نعم‪ ،‬ث قال‪ " :‬السألة ف القيقة مهمة جدّا‪ ،‬أنا سعت‬
‫أن البهة أو النهضة ما أدري ـ الساء ما حفظتها بعد جيدا ـ فيها مليي‪،‬‬
‫أليس صحيحا هذا "؟‪.‬‬
‫فقال الشّاب مستبشرا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬كم ألف عال فيهم؟‪.‬‬
‫فقال الشّاب‪ :‬ما فيه!‪.‬‬
‫قال‪ :‬كم مائة عال؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬ما هو موجود!‪.‬‬
‫قال‪ :‬طيب من يقودهم ـ يا جاعة ـ هؤلء؟‪.‬‬
‫()‬
‫قال‪ :‬الشيوخ قليلي يعن؟‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫قال‪ :‬هل يستطيع هؤلء الشيوخ أن يقودوا مليي؟‪.‬‬


‫قال‪ :‬طبعا ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬هل يكنهم أن يعلّموا مليي؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬أبدا‪.‬‬

‫() كذا ف التسجيل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() كذا ف التسجيل‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪212‬‬
‫السياسة‬

‫قال الشيخ‪ " :‬إذن أنتم تعيشون ف الوهام‪ ،‬ومن ذلك هذا السؤال الذي‬
‫أنت تطرحه الن حينما يكون ف هؤلء الليي من السلمي علماء يستطيعون‬
‫أن يديروا دفة الحكومي من أهل العلم‪ ،‬حينما يوجد فيهم الئات ول أقول‬
‫اللوف ليس هناك حاجة أن يطرح مثل هذا السؤال‪ :‬راجح ومرجوح‪ ،‬هل‬
‫يوز لنا أن نأخذ بالقول الرجوح ونترك القول الراجح‪ ،‬هذا‪ :‬الفقيه هو الذي‬
‫ييب عن هذا‪ ،‬وأنا أضرب لكم مثلً من واقع حياتنا مع الحزاب‪ ،‬أنا قلت‬
‫مرة لحد أفراد حزب التحرير‪ :‬يا جاعة أنتم تريدون أن تقيموا الدولة‬
‫السلمة‪ ،‬وأنتم ل تدرسون الشريعة من أصولا وقواعدها‪ ،‬وأنتم تتجّون ف‬
‫كتبكم ببعض الحاديث غي الصحيحة؟! "‪.‬‬
‫قال‪ :‬أخي! نن نستعي بأمثالكم‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ " :‬هذا الواب هو أول الزية‪ ،‬لنه حينما يكون هناك حزب‬
‫يعتمد على غيه‪ ،‬معناها أنه حزب ف قوته غي مكتمل‪ ،‬وكان هذا الرجل قال‬
‫ل‪ :‬ل زلتم أنتم تضيّعون أوقاتكم ف الكتب الصفراء ‪ " ...‬ث قال الشيخ عن‬
‫مليي جبهة النقاذ‪ " :‬لكن هؤلء أليسوا باجة إل أطباء بدن؟ ل شك أنه‬
‫عندكم أطباء بدن بالئات بل باللوف‪ ،‬طيب أليسوا باجة إل أطباء ـ كما‬
‫يقولون ف العصر الاضر ـ ف الرّوح؟ هذا أول وأحوج وأحوج‪ ،‬هل هؤلء‬
‫موجودون بتلك النسبة؟ الواب‪ :‬ل ‪ ." ...‬ث أخب عن ماطبته حزب التحرير‬
‫قائل‪ " :‬افرضوا أنكم ما بي عشية وضحاها أقمتم َعلَم الدولة السلمية‪ ،‬يعن‬
‫حكَم با‬‫بانقلب من النقلبات‪ ،‬لكن الشّعب ما عنده استعداد لن ُي ْ‬
‫أنزلال ‪ ،‬يكن ‪ ...‬أنتم ‪ ...‬جاعتكم قالوا‪ :‬قرار رقم واحد‪ ،‬اثني‪ :‬منوع‬
‫ـ مثل ـ دخول السينماءات‪ ،‬منوع خروج النساء متبجات ‪ ...‬ال‪ ،‬ستجد‬
‫‪213‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ـ يكن ـ بعض نسائكم أول من يالف هذه القواني السلمية! لاذا؟ ل ّن‬
‫الشعب ل يُربّ على ذلك‪ ،‬ومن يربّي الشعب؟ هم العلماء‪ ،‬وهل كل نوع من‬
‫أنواع العلماء؟ ‪ ." ...‬ث تكلم عن علماء الكتاب والسنة العاملي بما‪ ،‬ث قال‪:‬‬
‫" لذلك أنا أعتقد أن الهاد الكب الن هو‪ :‬هذه الليي الملينة أن ترج‬
‫العشرات من العلماء السلمي هناك‪ ،‬حت تتولوا توجيه الليي إل تعريفهم‬
‫بدينهم وتربيتهم على هذا السلم‪ ،‬أما الوصول إل الكم‪ ،‬فكل طائفة تاول‬
‫أن تصل إل الكم‪ ،‬ث تستعمل القوّة ف تنفيذ قراراتا وقوانينها‪ ،‬سواء كانت‬
‫حقّا أو باطل‪ ،‬والسلم ليس كذلك "‪.‬‬
‫ولو أن إخواننا هؤلء أخذوا بذه النصيحة الذهبية لنّبوا السلم‬
‫والسلمي الفتنة العظيمة الت يعيشها اليوم كل العال السلمي‪ ،‬وف كل مرة‬
‫تؤخّر الدعوة السلمية بعجلة شبابا وانراف موجّهيها‪ ،‬ومن استعجل الشيء‬
‫قبل أوانه ابتلي برمانه‪ ،‬وال العاصم‪.‬‬
‫وأختم بذه الكلمة الت أرجو من إخوان أن يعوها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫لئن كان ف الروج على الكّام من الشّر ما برهن عليه تواطؤ‬
‫النصوص الشرعية مع الخبار الواقعية‪ ،‬كما ظهر من صنيع حدثاء السنان‬
‫ف كل الزمان‪ ،‬فشر منه الروج على العلماء بإهدار حقهم‪ ،‬وعدم اعتماد‬
‫فتاواهم إل ما وافق أهواء الركيي‪ ،‬واستصغار شأنم ف السياسة‪ ،‬ورميهم‬
‫بعلماء بيت الوضوء! وما أشبهها من اللقاب الت يَ ْنبِز با البتدعة صاغرا‬
‫عن صاغر العلماء السلفيي كابرا بعد كابر؛ وف هذا إهدار للشريعة‬
‫()‬
‫بتجريح حلتها وشهودها‪ ،‬وال الوعد ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() كلّ من دخل العمل السياسي قبل أوانه أو من غي بابه قال مثل هذا‪ ،‬ومن ل تسمعوه‬ ‫‪1‬‬

‫فهو على الطريق ‪ ..‬حت علي بن حاج‪ ،‬فقد وقع ف نبز شيوخ السلفية كما ستقرؤه هنا‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪214‬‬
‫السياسة‬

‫و لقد كان يقال ف الزائر‪ " :‬جبهة النقاذ ل تركن إل الذين ظلموا "‪،‬‬
‫فإذا بم لا دارت عليهم الدائرة‪ ،‬وأسلمهم أتباعهم إل عدوهم‪ ،‬يكتبون بيانا‬
‫يطالِبون فيه الدول الكافرة وغيها بأن تقاطع الزائر اقتصاديا؛ لنا‬
‫غصبت الشّعب حقه ف حرية الختيار! ث يكتبون آخر يستغيثون فيه‬
‫بالبلانات العالية‪ ،‬ومعلوم أنه ـ فضلً عن كونه استعانة بالكفار ـ فهو‬
‫استغاثة بالبلان السرائيلي‪ ،‬لنم ل يستثنوه ـ كما ستراه هناـ مع علم‬
‫إن شاء ال‪ ،‬وقد كان قبلها ينهى عن ذلك‪ ،‬فما زالت به السياسة حت رمى بالنفاق‬
‫القائلي بلزوم البيوت وعدم الشتراك ف الضراب عن العمل الذي نظمته جبهته‪ ،‬ول‬
‫يُشتهر من قال به من أهل العلم يومئذ إلّ الشيخ اللبان‪ ،‬وقد أبلغناه كلمة الشيخ هذه‪،‬‬
‫بل وقد أذيعت فتواه ف ساحة الضراب ـ ساحة أول ماي ـ بكبّر الصوت على‬
‫مراغمة لنوف أتباع البهة‪ ،‬فقام ابن حاج بعدها حي اعتقل بكتابة ذلك ف رسالة على‬
‫طرّتا‬
‫" قال الق ‪ ..‬وقال الباطل! "‪ ،‬وفيها رمى الشيخَ بالنفاق بطريقة سياسية ( انظر فيها‪ :‬ق‬
‫‪6‬أ ـ ب‪ ،‬ق ‪11‬أ‪ ،‬ق ‪13‬أ ـ ب‪ ،‬ق ‪14‬ب ‪ )..‬وقد خانه قلمه عن التعريض ف (ق ‪18‬ب)‬
‫حت قال‪ " :‬فالتعلل والروب من نصرة الق باسم الفتنة إنا هو شأن النافقي أو البناء‬
‫‪ ." !!...‬والذي يدل على أنه يقصد الشيخ اللبان وأتباعه قوله ف (ق ‪12‬أ)‪:‬‬
‫" فهل يُقال بعد هذا كله أن ( كذا ) جهاد الطوائف المتنعة عن التزام شرائع السلم‬
‫فتنة عمياء صماء بكماء؟!!! "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه الملة الخية الت يَرُدّ عليها علي بن حاج تدها ف شريط استجواب مع‬
‫الشيخ اللبان‪ ،‬الذي سبق أن ذكرتُ أعله أنه أُذيع على مسامع البهة‪ .‬فبهذا إذا يَبي‬
‫لك الردود عليه! ( وانظر إن شئت أيضا‪ :‬ق ‪20‬أ ـ ب )‪.‬‬
‫أما علماء السعودية فهو من زمن بعيد يسميهم‪ " :‬علماء البلط! بل علماء أمريكا!! بل‬
‫علماء الدولر"!!! ث وجدته يقول ف رسالته إل وزير التصال ـ وقد صورتا هنا بعد‬
‫بيان البهة الت ـ‪ " :‬ولذلك أقول جازما ـ بإذن ال تعال ـ إن النظام الزائري يب‬
‫‪215‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الميع أنه أضحى اليوم يتحكم فيها كلها‪.‬‬


‫وهاكم صورة هذا البيان بعد هذه الصفحة‪ ،‬وهو تنديد جبهة النقاذ‬
‫السلمية بالنظام بعد مصادرته قانون النتخابات‪ ،‬وتوقيفه إثر فوزها ف الدور‬
‫الول منه‪ .‬فاقرؤوه لتعلموا ما هو السلم الذي تنادي به البهة‪ ،‬ولتدركوا‬
‫مدى صدق ما تنسب إليه من السّلفية‪.‬‬

‫ماهدته شرعا كما يب مقاومته حت بعيار الغرب؛ لن الكثي من دعاة السوء يستنكف‬
‫على أن يسمي مقاومة السلطة الطاغية الباغية البدّلة لشرع ال والغتصبة لق الشعب ف‬
‫الختيار جهادا ‪ ...‬وهل تريدون منا الضوع والنوع للطواغيت بثل هذه الفتاوى‬
‫الباطلة الت يصدرها علماء السلطة والشرطة؟! وإن لقولا بصراحة ووضوح‪ :‬إن بثل‬
‫هذه الفتاوى الباطلة ضاعت حقوق الشعوب وخدرت أعصابا حت أصبحت لعبة ف يد‬
‫الطواغيت ‪." ...‬‬
‫قلت‪ :‬إذن فالعلماء العلم ـ أمثال ابن باز واللبان وابن عثيمي ـ الذين ستقرأ هنا‬
‫فتواهم الوحدة ف النع من مقاتلة النظام الزائري ي َعدّون دعاة سوء وتدير؟! وعلماء‬
‫سلطة وشرطة؛ لن هؤلء جيعا استنكفوا عن تسمية ما أنتم فيه جهادا؟! ول حول ول‬
‫قوة إل بال‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪216‬‬
‫السياسة‬

‫هذا متوى بيان البهة السلمية للنقاذ بالزائر‬


‫بسمال الرحن الرحيم‬
‫الزائر‪/14 :‬رجب‪1412/‬هـ الوافق‪/19 :‬جانفي‪1992/‬م‬
‫نوّاب المّة الفائزين ف النتخابات التشريعية الدّور الول‬
‫()‬
‫نِدَاء‬ ‫‪1‬‬

‫()‬ ‫()‬
‫إل السّادة البلانيي ف الدّاخل والارج‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫نن منتخب البهة السلمية للنقاذ‪ ،‬مثلي أغلبية الشّعب الزائريّ‬


‫الجتمعي بالزائر العاصمة يوم ‪/14‬رجب‪ 1412/‬هـ الوافق ‪19/1/1992‬م‪.‬‬
‫()‬
‫بناءً على أنّ الشّعب هو مصدر كل سلطة‪ ،‬وصاحب السّيادة ‪ ،‬طبقا‬
‫‪4‬‬

‫() سّوه ( نداءًا )‪ ،‬وهو استعانة بالكفار! وقد كانوا من قبل حرّموها بشدّة على‬ ‫‪1‬‬

‫ُ‬
‫ه‬
‫مون َ ُ‬
‫ر ُ‬ ‫عاما ً وي ُ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫ه َ‬ ‫السّعوديّة ف فتنة الليج!! فهم كما قال تعال‪{:‬ي ُ ِ‬
‫حل ّون َ ُ‬
‫عاماً }‪ ،‬ولو قلنا إنه استغاثة بالبلانات الّت يتظاهرون بالكفر با لكنّا أقرب إل الواقع؛‬ ‫َ‬
‫لنّهم نافقوا البلان العالي واستكانوا له حي خدعهم نظامهم‪ ،‬وصدق ال تعال فيهم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صاب َ ُ‬
‫ه‬ ‫نأ َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫علَى َ‬ ‫ه َ‬ ‫عبُدُ الل َ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الن ّا ِ‬ ‫م َ‬ ‫حي قال‪َ { :‬‬
‫و ِ‬
‫َ‬ ‫مأ َ َّ‬
‫سَر‬ ‫خ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ْ‬ ‫علَى َ‬ ‫ب َ‬ ‫قل َ َ‬ ‫ة ان َ‬ ‫فتْن َ ٌ‬ ‫ه ِ‬ ‫صابَت ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫خيٌْر اطْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫من دُو ِ‬ ‫عو ِ‬ ‫ن‪ .‬يَدْ ُ‬ ‫مبِي ُ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫سَرا ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫و ال ُ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫خَرةَ ذَل ِك ُ‬ ‫وال ِ‬ ‫الدّنْيَا َ‬‫ُ‬
‫عيدُ‪.‬‬ ‫ضلل الب َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ذل ِك ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع ُ‬ ‫َ‬
‫ما ل يَنف ُ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫ض ّرهُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ل ي َ ُ‬‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ِ‬
‫س‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ول‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ول‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫من‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫ض‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عو‬ ‫يَدْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫َ ّ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫عو َ‬
‫ك‬ ‫خدَ ُ‬ ‫ريدُوا أن ي َ ْ‬ ‫وإِن ي ُ ِ‬ ‫شيُر}‪ ،‬ولقد كان يكفيهم ربم الّذي قال‪َ { :‬‬ ‫ع ِ‬ ‫ال َ‬
‫ذي أَيَّدَ َ‬ ‫َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫منِي َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫وبِال ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ك بِن َ ْ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فإ ِ َّ‬ ‫َ‬
‫‪ » :‬ل تقولوا للمنافق سيّد؛ فإنّه إن‬ ‫قال‪ :‬قال رسول ال‬ ‫() عن بريدة بن الصيب‬ ‫‪2‬‬

‫يكن سيّدا فقد أسخطتم ربّكم عزّ وجلّ « رواه أبو داود وغيه وهو صحيح‪.‬‬
‫() هذا تأكيد منهم لضللم على أنّهم يستغيثون بكلّ برلانيّي العال دون استثناء البلان‬ ‫‪3‬‬

‫السرائيلي!‬
‫() وهذه كفريّة فظيعة معناها إعطاء غي ال حق التشريع‪ ،‬وأن الشعب لو استحب الكفر‬ ‫‪4‬‬
‫‪217‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫لا تنصّ عليه الادّتي ( هكذا )‪ 6،7 :‬من دستور ‪1989 ... 23‬م‪ ،‬والذي قد عبّر‬
‫عن اختياره بكل حريّة ف جوّ من الدوء والنّظام ف انتخابات ‪/28‬ديسمب‪/‬‬
‫‪ ،1991‬الت أسفرت ف دورها الول عن فوز البهة السلمية للنقاذ بـ(‬
‫‪)188‬مقعدا من مموع (‪ )430‬مقعدا‪ ،‬وجبهة القوى الشتراكيّة بـ(‪)25‬مقعدا‪،‬‬
‫وجبهة التّحرير الوطنيّة بـ(‪)16‬مقعدا‪ ،‬والحزاب بـ(‪ )3‬مقاعد‪.‬‬
‫وقد نشرت هذه النّتائج بالريدة الرّسيّة للجمهوريّة‪( ،‬العدد‪ ،)1:‬الصّادر‬
‫بتاريخ‪/28 :‬جادى الثانية‪1412/‬هـ‪ ،‬الوافق‪ :‬ليوم ‪4/1/1992‬م‪.‬‬
‫ف الوقت الذي كان الشّعب يستعدّ لوض غمار الدّورالثان‪ ،‬إذا به يفاجأ‬
‫بوضعية سياسيّة معقّدة؛ تثّلت فيما يلي‪:‬‬
‫()‬
‫‪1‬ـ استقالة رئيس المهوريّة الت تتعارض مع روح الدّستور ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫على السلم‪ ،‬ول يرّم ما حرّم ال‪ ،‬ول دان دين القّ ليس بلوم‪ ،‬وال تعال يقول‪:‬‬
‫َ‬ ‫{ َ‬
‫ولَ‬‫ر َ‬‫خ ِ‬ ‫ول َ بِالي َ ْ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫ه َ‬‫ن بِالل ِ‬
‫منُو َ‬ ‫ن ل َ يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫قاتِلُوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن‬
‫ن ِدي َ‬
‫دينُو َ‬ ‫ول َ ي َ ِ‬
‫ه َ‬‫سول َ ُ‬
‫وَر ُ‬‫ه َ‬
‫م الل ُ‬ ‫حَّر َ‬‫ما َ‬‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬
‫ح ِّ‬‫يُ َ‬
‫ق ‪ ،}...‬ردّدوها قبل أن يصلوا إل سدة الكم‪ ،‬فكيف لو وصلوا ؟! فكأن‬ ‫ح ِّ‬ ‫ال َ‬
‫كرسي الكم هدف يُرتكب من أجله كلّ مرّم‪ ،‬ولو كان كفرا! وإذا كانوا يعتبون‬
‫النّظام السّائد كافرا‪ ،‬فكيف يستخدِمون الكفر لنفي الكفر‪ ،‬وتكيم السلم؟! قال ال‬
‫َ‬
‫ما لَكُم‬ ‫م النَّاُر َ‬
‫و َ‬ ‫سك ُ ُ‬
‫م َّ‬ ‫موا َ‬
‫فت َ َ‬ ‫ظَل َ ُ‬ ‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫تعال‪{ :‬ول َ تَْركَنُوا إِلَى ال ّ ِ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫َ‬
‫صُرو َ‬ ‫ل َ تُن َ‬ ‫م‬‫ولِيَاءَ ث ُ َّ‬
‫نأ ْ‬‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫ن الل ِ‬ ‫من دُو ِ‬
‫ِ‬
‫() اقرأ واعجب من تعظيمهم لذا الدّستور الذي ياربونه زعموا! وجدوه حيّا بروحه‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫حيْنَا‬ ‫مع أنّ السلمي ل يعرفون إلّ روح الوحي؛ قال ال تعال‪{ :‬وكَذَل ِ َ َ‬
‫و َ‬‫كأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ول َ الِي َ‬
‫ما ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ما الكِتَا ُ‬‫ري َ‬ ‫ت تَدْ ِ‬‫ما كُن َ‬ ‫رنَا َ‬ ‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ك ُروحا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫إِلَي ْ َ‬
‫ك‬‫وإِن َّ َ‬
‫عبَاِدنَا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫من ن َ َ‬
‫شاءُ ِ‬ ‫ه َ‬‫دي ب ِ ِ‬ ‫علْنَاهُ نُورا ً ن َ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ولَكِن َ‬ ‫َ‬
‫قيم }‪.‬‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬
‫ِ َ ٍ ُ ْ َ ِ ٍ‬ ‫ط‬ ‫را‬ ‫ص‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫لَ َ ْ ِ‬
‫دي‬ ‫ه‬ ‫ت‬
‫وتأمّل كيف أسفوا على ذهاب ملك الشّاذل بن جديد الّذي قالوا عنه من قبلُ ـ أيّام‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪218‬‬
‫السياسة‬

‫‪2‬ـ العلن عن حلّ البلان وقت تقدي الستقالة‪ ،‬علما بأنّ هذا الجراء‬
‫يقتضي دستوريا استشارة رئيس الجلس الشّعب الوطنّ‪ ،‬ورئيس الكومة وفقا‬
‫للمادة (‪ )12‬من الدّستور‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ قبول الجلس الدستوري للستقالة فورا‪ ،‬وتليه عن تول منصب‬
‫رئاسة الدولة بالّنيّابة‪ ،‬وفق ما تقتضيه الادة (‪ ) 84‬من الدستور‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تاوز الجلس العلى للمن لختصاصاته الدّستورية كهيئة‬
‫استشارية‪.‬‬
‫()‬
‫هذه الوضعية السياسية غي الشرعية أدّت إل اغتصاب ومصادرة إرادة‬
‫‪1‬‬

‫الشّعب واختياره‪ ،‬وهي سابقة خطية ف حقّ سيادة الشّعوب والشرعيّة‬


‫()‬
‫الدستوريّة ف الدولة ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫بناءً على ذلك؛ فإننا نن منتخب البهة السلمية للنقاذ مثلي أغلبية‬
‫()‬
‫الشعب الزائريّ‪ ،‬نتوجّه إل البلانيي ف الدّاخل والارج‪ ،‬الؤمني بإرادة‬
‫‪3‬‬

‫الشّعوب وسيادتا وحريّتها ف اختيار مثّليها وتقرير مصيها‪ ،‬با يلي‪:‬‬


‫الضراب بساحة أوّل ماي بالعاصمة ـ ‪ " :‬إنّه حلل الدّم "؛ وقد قيل قديا‪ ( :‬الصّيف‬
‫ضيعت اللّب )‪ » ،‬ممع المثال « (‪ )2/68‬للميدان‪ ،‬وأجود منه ما رواه ابن بطة ف‬
‫(( البانة )) (‪ )21‬بسند صحيح إل السن البصري أنه قال‪ " :‬ما ل ل أَرَى زمانا إل بكيتُ‬
‫منه‪ ،‬فإذا ذهب بكيتُ عليه! "‪.‬‬
‫() يب التنبه إل أنم يقصدون الشرعية الدستورية ل الشرعية السلمية؛ يدلّ عليه ما‬ ‫‪1‬‬

‫بعده‪.‬‬
‫() تأمل؛ فإنم ل يتكلمون إل بالشعب والدستور!‬ ‫‪2‬‬

‫() ما أفظع هذا؛ لنّه صار إيانا بإرادة الشّعوب واختيارها وتقرير مصيها؛ وال تعال‬ ‫‪3‬‬

‫ما‬ ‫ع ُ‬
‫ل َ‬ ‫ه يَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫د}‪ ،‬ويقول‪{ :‬إ َّ‬ ‫ري ُ‬
‫ما ي ُ ِ‬‫م َ‬ ‫حك ُ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫يقول‪{ :‬إ ّ‬
‫ن الل َ‬
‫ه}‪.‬‬ ‫حك ْ ِ‬
‫م ِ‬ ‫ب لِ ُ‬ ‫ع ِّ‬
‫ق َ‬ ‫م لَ ُ‬
‫م َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ريدُ}‪ ،‬ويقول‪{ :‬والل ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫‪219‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫‪ 1‬ـ الوقوف ف وجه الستبداد السياسي أينما وجد‪ ،‬والذي تارسه‬


‫()‬
‫اليئات غي الدستوريّة ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫()‬
‫‪ 2‬ـ عدم العتراف باليئات الت ل تظى بتزكية الشّعب واختياره ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬ـ الساندة من أجل استكمال السار النتخاب وإجراء الدّور الثان‬


‫للنتخابات التشريعية‪ ،‬حت يتشكل الجلس الذي سيعي رئيسه الذي سيتول‬
‫رئاسة الدولة بالّنيّابة وفقا لحكام الدستور‪ ،‬وذلك لدة ‪ 45‬يوما‪ ،‬تنظم خللا‬
‫انتخابات رئاسية ما يعيد الشرعية لؤسسات الدولة واحترام إرادة الشّعب‪.‬‬

‫() إذن فالستبداد الّذي تارسه اليئات الدستورية ليس به بأس! أل يكن أن ينطبق هذا‬ ‫‪1‬‬

‫على جوهن بورغ بنوب إفريقيا؟! وال الستعان‪.‬‬


‫() يا ليت شعري! من يعترف بنوح عليه الصّلة والسّلم الّذي ل يظَ بتزكية شعبه‪ ،‬ول‬ ‫‪2‬‬

‫ل}؟! ومن يعترف‬ ‫ه إِل َّ َ‬


‫قلِي ٌ‬ ‫ع ُ‬
‫م َ‬
‫ن َ‬
‫م َ‬
‫ما ءَا َ‬ ‫اختاروه‪ ،‬بل قال ال تعال فيه‪َ { :‬‬
‫و َ‬
‫بإبراهيم وسائر النبياء عليهم الصّلة والسّلم الّذين ضلّت أكثرية شعوبم‪ ،‬حت قال ال‬
‫ل‬
‫سبِي ِ‬
‫عن َ‬ ‫ضلُّو َ‬
‫ك َ‬ ‫ض يُ ِ‬ ‫َ‬
‫في الْر ِ‬
‫من ِ‬ ‫تعال‪{ :‬وإن تُط َ‬
‫ع أكْثََر َ‬
‫ِ ْ‬ ‫َ ِ‬
‫ه}؟!‪.‬‬
‫الل ِ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪220‬‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة البيان السابق‬


‫‪221‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذا متوى بيان البهة السلمية للنقاذ بالزائر‬

‫اللّئحة السّياسية لنواب الجلس الشّعب الوطن‬


‫للجبهة السلمية للنقاذ‬
‫الفائزين ف الدّور الول‬
‫» الزائر‪ 14 ،‬رجب ‪1412‬هـ ـ الوافق‪1/1992/ 19 :‬م «‬
‫ن النَّاس َ‬
‫قدْ‬ ‫م النَّاس إ ِ َّ‬ ‫ه ُ‬
‫لل َ‬‫قا َ‬ ‫قال تعال‪{ :‬الذي َ‬
‫ن َ‬
‫قالُوا‬
‫م إِيمانا ً و َ‬
‫ه ْ‬
‫فَزاد ُ‬‫هم َ‬
‫شو ُ‬ ‫خ َ‬‫فا ْ‬ ‫عوا لَكُم َ‬ ‫جم ُ‬
‫وكِيل}‪.‬‬‫م ال َ‬
‫ع َ‬‫ون ِ ْ‬
‫سبُنَا الله َ‬ ‫ح ْ‬
‫َ‬
‫إزاء التطوّرات الطية الت تشهدها البلد‪ ،‬وشعورا منّا بثقل السئوليّة‬
‫اللقاة على عاتقنا‪ ،‬وإبراءً للذمّة‪ ،‬ووفاءً للعهد أمامال ث أمام التاريخ والمّة‪:‬‬
‫فإنّنا نن نواب المّة النتخبون يوم‪ 2:‬جادى الثانية ‪1412‬هـ الوافق‪:‬‬
‫‪26/12/1991‬م الجتمعون يوم ‪14‬رجب ‪1412‬هـ الوافق‪ :‬لـ ‪19/1/1992‬م بالزائر‬
‫العاصمة نذكّر با يلي‪:‬‬
‫ل تفتأ النظمة التعاقبة على الكم ف البلد تسي ف التّاه الغاير لرَادة‬
‫()‬
‫المّة وطموحات الشّعب بدءا بانتهاك دستور ‪ 63‬وانتهاءً بالتّجاوزات‬
‫‪1‬‬

‫() تأمّل تعبيهم هذا الّذي ل يتلف عن تعبي الدّيقرطيي‪ ،‬وهل للشّعب طموح وللمّة‬ ‫‪1‬‬

‫إرادة مع إرادة ال؟! ولاذا ل يعبون بالسلم بدل عن القاموس الديقراطي؟! أهي‬
‫ن}‪ ،‬أم‬
‫هنُو َ‬ ‫ن َ‬
‫فيُدْ ِ‬ ‫ه ُ‬
‫و تُدْ ِ‬ ‫مداهنة للنظام العالي؟ فإنّ ال تعال يقول‪َ { :‬‬
‫ودُّوا ل َ ْ‬
‫َ‬
‫عَّز ُ‬
‫ة‬ ‫ولِل ّ ِ‬
‫ه ال ِ‬ ‫هو انزام وشعور بالذلّ لو نادوا بالسلم؟ فإنّ ال تعال يقول‪َ { :‬‬
‫ن}‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ن ل َ يَ ْ‬
‫قي َ‬
‫ف ِ‬
‫منَا ِ‬ ‫ولَك ِ َّ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ن َ‬
‫منِي َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ولِل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬
‫سول ِ ِ‬
‫ولَِر ُ‬
‫َ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪222‬‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫الطية لدستور ‪. 89‬‬ ‫‪1‬‬

‫وكان من نتائج هذا السار الاطيء أن عمّت الفوضى ف كافّة الجالت‬


‫السياسية والقتصاديّة والجتماعيّة‪ ،‬فجمّدت العقول‪ ،‬وعطّلت الطاقات‪،‬‬
‫وبدّدت الثّروات‪ ،‬وأبعدت المّة عن مشروعها الضاريّ السلميّ‪ ،‬ولّا لح‬
‫بريق المل‪ ،‬وظنّت المّة أنّها تنفّست الصّعداء من وطأة هذا الكابوس‬
‫()‬
‫الخيف‪ ،‬إذا بالوازين تنقلب فجأة فتصادر إرادة الشّعب ‪ ،‬فيوقف السار‬
‫‪2‬‬

‫()‬ ‫()‬
‫النتخاب‪ ،‬ويداس الدّستور والقواني وكافّة القيم النسانيّة ‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() إنّه انتهاك للدستور وتاوز له بدءًا وانتهاءًا كما قالوا‪ ،‬فأين السلم؟! اللهمّ إلّ أن‬ ‫‪1‬‬

‫يكون السلم عندهم هو الدستور!‬


‫() بكاؤهم عن مصادرة إرادة الشعب ل عن تعطيل الشريعة! فكيف لو أراد الشّعب غي‬ ‫‪2‬‬

‫السلم؟!‬
‫() هذا إيان منكم بالدستور والقواني الوضعية‪ ،‬بل إذا ساءكم أن يداس الدستور‬ ‫‪3‬‬

‫َ‬
‫م تََر إِلَى‬ ‫والقواني فهل يسرّكم أن ترفعوها فوق رؤوسكم؟! قال ال تعال‪{:‬أل َ ْ‬
‫َ‬
‫من‬‫ل ِ‬‫ز َ‬‫ِ‬ ‫ما أُن‬ ‫و َ‬
‫ك َ‬‫ل إِلَي ْ َ‬‫ز َ‬ ‫ِ‬ ‫ما أُن‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫منُوا ب‬‫َ‬ ‫م ءَا‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ن أن َّ ُ‬ ‫مو َ‬‫ُ‬ ‫ع‬
‫ن يَْز ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫مُروا أَن‬ ‫غوت و َ ُ‬
‫قدْ أ ِ‬ ‫موا إِلَى الطّا ُ ِ َ‬ ‫حاك َ ُ‬‫ن أن يَت َ َ‬
‫َ‬
‫ريدُو َ‬ ‫ك يُ ِ‬‫قبْل ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وي ُريدُ ال َّ‬
‫ضلَل ً بَِعيداً }‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ضل ّ ُ‬ ‫ن أن ي ُ ِ‬ ‫شيْطَا ُ‬ ‫فُروا ب ِ ِ َ ِ‬ ‫يَك ْ ُ‬
‫() هذه الكلمة مستلة من القاموس الاسون‪ ،‬قال الشيخ بكر أبو زيد ف » معجم الناهي‬ ‫‪4‬‬

‫اللفظية « ص (‪ " : )87‬اتسع انتشار هذه اللفظة الباقة بي السلمي عامتهم وخاصتهم‪،‬‬
‫ويَسَْتمْلِح الواحد نفسه حي يقول‪ ( :‬هذا عمل إنسان )‪ ،‬وهكذا حت ف صفوف‬
‫التعلمي والثقفي‪ ،‬وما يَدري السكي أنا على معن» ماسونية « وأنا كلمة يلوكها‬
‫بلسانه وهي حرب عليه؛ لنا ضد الدين؛ فهي دعوة إل أن نواجه العان السامية ف‬
‫َ‬ ‫الياة بالنسانية ل بالدين‪ ،‬إنا ف العن شقيقة قول النافقي‪{ :‬وإِذَا ل َ ُ‬
‫ن‬ ‫قوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫قالُوا إِنَّا‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وا إِلى َ‬
‫شيَاطِين ِ ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫وإِذَا َ‬ ‫منَّا َ‬
‫قالُوا ءَا َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫ءَا َ‬
‫ن} "‪.‬‬‫زئُو َ‬‫ه ِ‬
‫ست َ ْ‬‫م ْ‬
‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫عك ُ ْ‬
‫م إِن ّ َ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫‪223‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وأمام هذا الوضع فإنّنا نن نواب المّة‪:‬‬


‫‪1‬ـ نذّر من العواقب الوخيمة الت يكن أن تنجرّ عن مصادرة اختيار‬
‫الشّعب والذي عب عنه بكل حريّة بشهادة الصديق والعدوّ من خلل‬
‫اقتراع ‪26/12/1992‬م اعتبارا من أنّ السّلطة التأسيسيّة هي ملك‬
‫للشّعب وأنّه لجدوى لتمثيل المّة إل ف حدود الشروعيّة الدّستوريّة‬
‫القانونيّة(‪.)1‬‬
‫()‬
‫‪2‬ـ نذّر من مساس ( هكذا ) بالريّات السياسية ‪ ،‬حيث إنّنا سجّلنا ف‬
‫‪2‬‬

‫هذا تاوزات وانتهاكات خطية تثّلت ف العتقالت العشوائيّة غي البّرة‪،‬‬


‫()‬
‫والخالفات الرتكبة ض ّد القوق والريّات الفرديّة والماعيّة ‪ ،‬من مساس‬
‫‪3‬‬

‫()‬
‫بسلمة الشخاص البدنيّة والعنويّة الت يضمنها الشرع والعراف الدّولية با‬
‫‪4‬‬

‫() هذه الكلمة عظيمة ف ميزان الشّرع‪ ،‬لنّها تليك للشعب ما ل يوز أن يكون إل ل‬ ‫‪1‬‬

‫َ َ‬
‫ه}‪.‬‬
‫م إِل ّ لِل ّ ِ‬
‫حك ْ ُ‬ ‫تعال القائل‪{:‬إ ِ ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫() هكذا دون استثناء‪ ،‬إذن حت العلمانيي والشّيوعيي وغيهم! ول حول ول قوّة إلّ‬ ‫‪2‬‬

‫بال‪.‬‬
‫() الزنا والرّبا إذا كانا عن تراض فهما من الريّات الفردية الكفولة قانونا‪ ،‬وكذا‬ ‫‪3‬‬

‫الجتماع على مائدة المر بل الجتماع عند موسم قبوري من الريّات الماعية‪ ،‬فلماذا‬
‫ل تدّدوها؟ أم تافون ألّ تُسمَع استغاثتكم؟!‬
‫() ما أقل ما يستعملون اللفاظ السلمية على استحياء وخجل؛ لنّ كلمة ( الشّرع )‬ ‫‪4‬‬

‫الواردة هنا تتمل الشرع السلمي‪ ،‬كما تتمل الشرع القانون‪ ،‬وحلها على‬
‫العن الثان هو النسب بطبيعة هذا الطاب؛ لننا ل نرهم يعبون إلّ بـ ( الشرعية‬
‫الدستورية )‪ ،‬فبقيت كلمة ( الشروع السلمي ) يتيمة ف هذه اللئحة إل أن يضمّوا‬
‫إليها قولم‪ ( :‬والساس باختيار الشّعب )؛ لنّها وحدها قاصرة!! ومثلها كلمة ( القضية‬
‫السلمية )‪ ،‬و( الشعب الزائري السلم ) الّت ف ختام كلمتهم هذه‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪224‬‬
‫السياسة‬

‫فيها الدّستور الزائريّ ف مواده‪ )28( :‬إل (‪.)56‬‬


‫‪3‬ـ نذّر من تكتّلت مشبوهة غايتها إجهاض الشروع السلمي‪،‬‬
‫والساس باختيار الشّعب وثوابت المّة‪.‬‬
‫‪4‬ـ إنّنا نعتب أنّ الجلس العلى للمن قد تاوز صلحياته الدّستورية‬
‫()‬
‫باتّخاذه إجراءات منافية للدّستور ‪ ،‬بتعطيله للمسار النتخاب بإحداث ما‬
‫‪1‬‬

‫يسمى بالجلس العلى للدّولة‪.‬‬


‫‪5‬ـ إنّنا نعتب الجلس العلى للدّولة مرّد ملس فرض الوصاية على‬
‫الشّعب‪ ،‬وبالتّال فإنّ كافّة ما ينجرّ عنه من مالس وهيئات وتصرّفات سياسيّة‬
‫()‬
‫داخليّة أوخارجيّة تعتب كلها مناقضة لحكام الدّستور ‪ ،‬وإنّنا كممثّلي‬
‫‪2‬‬

‫(‪)4‬‬ ‫()‬
‫شرعييّن للشّعب ‪ ،‬حاملي برنامج! يسد طموحاته ؛ نعتبأنّ الجلس‬
‫‪3‬‬

‫النتخابّ هو الطار الشرعيّ والقانونّ الذي يعبّر فيه الشّعب عن إرادته‪،‬‬


‫ليس إل(‪.)5‬‬

‫() هنا كلمة ل أتبيّنها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() هذا مع ما فيه من اعتراف بالدستور‪ ،‬فإنّه يعن أن الجلس العلى للدولة وغيه من‬ ‫‪2‬‬

‫الجالس لو ل يناقضوا الدستور فل ضي عليهم‪ ،‬فأين الشرع السلمي؟!‬


‫() أهي شرعية إسلمية أم قانونية؟ الواب‪ :‬لهذه ‪ ..‬ول تلك!!‬ ‫‪3‬‬

‫أمّا السلم فبيء من أن يثله الهال بشرعه‪ ،‬إذ حسْبُ هؤلء أن يتوبوا من كلماتم‬
‫الكفرية‪ ،‬فكيف يَصْلُحون لقيادة المّة السلمية؟!‬
‫وأمّا القانون فكيف يرضون لنفسهم أن يثلوه وقد أعزّهم ال بالسلم؟!‬
‫() ل الشرع السلمي!‬ ‫‪4‬‬

‫() ال أكب! إنّها السّنن؛ كيف أضحى نظام النتخابات الديقراطي إطارا شرعيا‪ ،‬بل‬ ‫‪5‬‬

‫كيف أوجبوه وحرّموا غيه؟!‬


‫‪225‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫‪6‬ـ نعتب أ ّن السلطة التشريعيّة هيئة ملس واحد‪ ،‬طبقا للدّستور(‪،)6‬‬


‫يسمّى الجلس الشّعبّ الوطنّ‪ ،‬له كامل السّيادة(‪ ،)7‬ول يوز على الطلق‬
‫س ّن أو إحداث هيئة بديلة له مهما كانت البّرات الفتعلة الت تدف إل‬
‫الوقوف ف وجه الشروع السلميّ‪.‬‬
‫‪7‬ـ نندّد ببعض وسائل العلم الت استعملت لتمرير الؤامرة وماولة‬
‫ي العام توجيها مغايرا لا أفرزته إرادة الشّعب‪ ،‬وعليه فإنّنا نصرّ على‬ ‫توجيه الرأ ّ‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫أ ـ تنقية الجواء السياسيّة‪ ،‬وذلك بإطلق سراح كافّة الساجي‬
‫السيّاسييّن وعلى رأسهم قيادة البهة السلمية للنقاذ‪ ،‬وإرجاع العمّال‬
‫الطرودين إل مناصب عملهم‪ ،‬وتعويض الضّحايا والتضرّرين من جرّاء‬
‫المارسة الستبداديّة والتعسّفيّة للنّظام‪.‬‬
‫ب ـ نصرّ على ضرورة الرّجوع الفوريّ إل الشرعيّة الدّستوريّة‬
‫الجسّدة لرداة الشّعب(‪ ،)3‬ونطالب بإتام السار النتخاب على اعتبار أنّ‬
‫كافّة الشروط متوفّرة(‪.)4‬‬
‫ج ـ نصرّ على أن يبقى اليش الوطنّ سليل جيش التّحرير الوطنّ حاميا‬
‫() ل الشّرع السلمي!‬ ‫‪6‬‬

‫يءٌ}؟!‬ ‫َ‬
‫ر َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ِ‬
‫ن ال ْ‬
‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫‪{ :‬لَي ْ َ‬
‫س لَ َ‬ ‫() فماذا أبقيتم ل تعال القائل لنبيّه‬ ‫‪7‬‬

‫عظِيماً }‪.‬‬
‫ول ً َ‬ ‫قولُو َ‬
‫ن َ‬
‫ق ْ‬ ‫() تأمّل هذه الكفرية! {إنَّك ُ ْ‬
‫م لَت َ ُ‬ ‫‪3‬‬

‫() السار النتخاب نظام كافر؛ لنّه يساوَى فيه بي السلم والكافر‪ ،‬وال تعال يقول‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن}؟!‬ ‫حك ُ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫ما لَك ُ ْ‬
‫م كَي ْ َ‬ ‫ن َ‬
‫مي َ‬
‫ر ِ‬
‫ج ِ‬ ‫ن كَال ُ‬
‫م ْ‬ ‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ل ال ُ‬‫ع ُ‬
‫ج َ‬ ‫{أ َ َ‬
‫فن َ ْ‬
‫س الذَّكَُر‬
‫ولَي ْ َ‬‫ولنّه يساوَى فيه بي الذّكر والنثى‪ ،‬وال تعال يقول‪َ { :‬‬
‫كَالُنثَى}‪ ،‬وأعظم هذه كلّها أنّه يساوَى فيه السلم بالكفر حي يعل ف كفت‬
‫التصويت‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪226‬‬
‫السياسة‬

‫للمّة‪ ،‬وبعيدا عن الثّورات السياسية الت تريد أن تعل منه أداة بيد الطغمة‬
‫الاكمة لضرب اختيار الشّعب(‪.)1‬‬
‫د ـ نصرّ على أن يتحمّل الجلس الدّستوريّ مسئوليّاته كاملة‪.‬‬
‫وف التام‪ :‬إنّنا نعتقد أنّ كل ما حدث ابتداءً من استقالة الرئيس الشاذل‬
‫ابن جديد‪ ،‬إل فرض ملس الوصاية على الشّعب إنا هو مؤامرة نسجت‬
‫فواحسرتا على من اعتب هذا النّظام النتخاب متوفر الشروط كافة‪ ،‬ودينه مهان ف‬
‫عوا‬
‫هنُوا وتَدْ ُ‬ ‫صناديق القتراع يُعْلَى عليه‪ .‬أما سع هؤلء ربم يقول‪{ :‬فل ت َ ِ‬
‫م ال َ ْ‬ ‫سلْم َ‬
‫م‬‫ولَن يَتَِرك ُ ْ‬ ‫عك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬
‫ه َ‬
‫والل ُ‬
‫ن َ‬ ‫عل َ ْ‬
‫و َ‬ ‫إلى ال َّ ِ َ‬
‫وأنت ُ ُ‬
‫م}‪.‬‬‫مالَك ُ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫ع َ‬
‫() ل ما اختار ال! لقد أخذت أبث ف هذه اللئحة وهذا النّداء عن كلمة ( الكم با‬ ‫‪1‬‬

‫أنزل ال )‪ ،‬أو ( تطبيق الشريعة السلمية )‪ ،‬فلم أعثر على كلمة منها ولو مرةً واحدة‬
‫إلّ الكلمات النّاعمة الت ل تزعج أصحاب البلان كقولم‪ ( :‬الشروع السلمي )‪،‬‬
‫و( القضية السلمية )‪ ،‬بينما حظي ذكر ( الشعب )‪ ،‬و( الدستور ) عندهم بأكثر من‬
‫(‪ )47‬مرة ف ورقتي ونصف ورقة فقط؛ حرصا منهم على أن يكون المر والسيادة‬
‫خالصي لما ليس ل تعال فيهما نصيب؛ ريثما يتمكّنون ‪ ..‬زعموا!!‪ ،‬عاملهم ال با‬
‫يستحقون‪.‬‬
‫وتأمّل! فإن حديثهم كله انتصار لـ ( اختيار الشعب )‪ ،‬و( إرادة الشعب )‪،‬‬
‫و( طموحات الشعب )‪ ،‬و( سيادة الشعب )‪ ،‬وحسرتم كلّها على عدم احترام‬
‫( أحكام الدستور )‪ ،‬و( الشروعية الدستورية القانونية )‪ ،‬و( سيادة الجلس الشعب‬
‫الوطن )‪ ،‬و( الريات الفردية والماعية )‪ ،‬و( ثوابت المّة )‪ ،‬و( الريّات‬
‫السياسية )‪ ،‬و( القيّم النسانية )‪...‬‬
‫قبّح ال هذا الدّين! ما ترك شيئا ل إلّ جعله قربانا لطواغيته؛ إنّه دين الديقراطية‪ ،‬وهذه‬
‫اللفاظ الفجّة من قاموسه الّذي استبدلوه بالوحي وأعطوا به الدّنيّة ف دينهم‪ ،‬قال ال‬
‫حيْنَا إِلَي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تعال‪{ :‬وإِن كَادُوا لَي َ ْ‬
‫ي‬
‫ر َ‬ ‫ك لِت ْ‬
‫فت َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي أ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫فتِنُون َ َ‬
‫ك َ‬
‫‪227‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫خيوطها ف إطار النّظام الدّول الديد لقصاء السلم عن حياة السلمي ‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫كنظام متمع وإياد مبّر مفتعل للّ البهة السلمية الت رفعت لواء القضيّة‬
‫السلمية ف الزائر بقّ‪ ،‬وبالتال يصفو الوّ للغرب الكافر وأذنابه ف بلدنا‬
‫ب على الشّعب الزائريّ السلم‪ .‬قال تعال‪:‬‬ ‫لفرض الشروع الغر ّ‬
‫قلِبُون}‪.‬‬ ‫قل َ ٍ‬
‫ب يَن ْ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫موا أ َ َّ‬
‫ي ُ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬
‫م الذي َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫سي َ ْ‬ ‫{ َ‬
‫و َ‬
‫ختم البهة ‪...‬‬

‫ت‬
‫د َ‬ ‫ك لَ َ‬
‫قدْ ك ِ ْ‬ ‫خلِيلً‪ .‬ول َ ْ‬
‫ول َ أن ثَبَّتْنا َ‬ ‫ك َ‬ ‫خذُو َ‬ ‫وإِذا ً لت َّ َ‬ ‫غيَْرهُ َ‬ ‫علَيْنَا َ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫ع َ‬ ‫ض‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ذا‬ ‫إ‬ ‫‪.‬‬‫ً‬ ‫يل‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ً‬ ‫ئا‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬
‫َ َ ِ َ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِ ْ ِ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫صيراً }‪.‬‬ ‫علَيْنَا ن َ ِ‬‫ك َ‬ ‫جدُ ل َ َ‬ ‫م ل َ تَ ِ‬ ‫ت ث ُ َّ‬ ‫ما ِ‬‫م َ‬ ‫ال َ‬
‫وأختم هذا التعليق بكلمة سعتها من بعض أهل العلم‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫" إنّ إقصاء جبهة النقاذ السلمية من النتخابات البلانية ف الزائر نعمة من ال؛‬
‫لنّه لو قامت لا قائمة لوشك النّاس على الوقوع ف الشّرك‪ ،‬إذ يقال‪ :‬هذا فضل‬
‫الديقراطية على السلم؛ إذ با وصلت البهة إل الكم‪ ،‬مع أنّ السلم يستمدّ قوّته‬
‫منه ل من غيه‪ ،‬ول يفتقر إل أن ُيمَدّ من الكفر ببله‪ ،‬ول ينعدم وجوده حت يُظن أن‬
‫ل سبيل إل عزّه إلّ السّبيل الديقراطي ‪." ...‬‬
‫() هذا تناقض عجيب! كيف يستغيثون بالبلان العالي وهم يَشهدون بأنه هو الذي سنّ‬ ‫‪1‬‬

‫فيهم مؤامرة النظام الديد؟!! فل إله إل ال كم هو خائب أمر مَن ُوكِل إل نفسه!‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪228‬‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة البيان السابق‬


‫‪229‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪230‬‬
‫السياسة‬

‫كلمة توضيحية لحتوى البياني السابقي‬


‫الذي يعرف جاعة ( الَزْأَرَة ) قد يُخيّل إليه أن هذين البياني من صنعتها‬
‫بعد أن احتوت البهة؛ لن تتويج الكلم السياسي الال من الفقه الشرعي‬
‫بآية عند البداية وأخرى عند النهاية صياغةٌ مألوفة عنهم‪ ،‬ولن تييع الحكام‬
‫الشرعية بخاطبة الغي بلسانه ـ ولو كان كفرا ـ انزامية معروفة عنهم‪،‬‬
‫لكن الق أن لذين البياني أصلً أصيلً ف فكر علي بن حاج؛ فقد قال ف‬
‫رسالته إل رئيس المهورية الؤرخة ف (‪4‬جادى الخرة ‪ 1415‬هـ) ف ق (‪:)2‬‬

‫" ‪ ..‬فإذا كان التذمر مشروع ( كذا ) ف (‪ 88‬أكتوبر ) فما الذي جعله إرهابا‬
‫ف (‪ )1992‬بعد مصادرة حق الشعب ف الختيار؟! "‪.‬‬
‫وافترى على السلم الكفرية الديقراطية؛ فقال ف ق (‪ " :)5‬والسلم ل‬
‫يَعرف مشروعية السلطة إل بأمرين‪:‬‬
‫‪1‬ـ التقيد بأحكام الشريعة‪.‬‬
‫‪2‬ـ واختيار الاكم برضا الشعب‪ ،‬فإذا فقد شرط من الشرطي بالنظام‬
‫فاقد ( كذا ) للشرعية؛ فل شرعية ول مشروعية للنظام إل بالمرين‬
‫معا ‪ ...‬وعدم توفر رضا الشعب والمة على الاكم هو اغتصاب لق المة‬
‫ف الختيار "‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬لقد نسف أمرُه الثان أمرَه الول؛ وإل فمت كان رضا الشعب من‬
‫أحكام الشريعة؟! إن ف هذا الكلم هدْما للفة عمر وعثمان وعلي بل‬
‫وسائر اللفاء‪ ،‬وتفصيله عند حديثي عن الشورى ف آخر الفصل الت‪.‬‬
‫وأغرق ف الضلل حي أخذ يؤكّد صحة الذهب الديقراطي وينسبه إل‬
‫السلم ويستدل له بأقوال الفكرين والقانونيي الكفار‪ ،‬فقال ف رسالته إل‬
‫‪231‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وزير التصال الؤرخة ف ( ‪ 22‬جادى الول ‪1415‬هـ ) ف ق (‪:)26‬‬


‫" ومن المور الحسومة عند الغرب أن السلطة ل تُنال إل عن طريق اختيار‬
‫الشعب ف حرية تامة! ‪ ..‬ومن ذلك قالوا بشروعية الثورة على الستبد ‪...‬‬
‫ويوم أن استقرّ هذا البدأ ف فكر الجتمع الغرب استقرت الوضاع‬
‫()‬
‫السياسية عندهم!! وع ّم المن!!! " ‪ .‬ول يقف المر عند هذا حت أخذ‬
‫‪1‬‬

‫ينقل من دين الكفار ما يوافق فكره الثوري؛ فينقل ف هذه الورقة وما بعدها‬
‫وما قبلها بقليل عن جون أوف ساليزيري وجان لوك وولز وبرنتون‬
‫وفرانكفورت ولسكي وفولتي‪ ،‬وعن القانون الفرنسي الشهي ديي ـ كما‬
‫قال هو ـ قوله‪ " :‬إن السلطة ف أي بلد ينبغي أن تكون مقيّدة بقانون‬
‫أعلى‪ ،‬وهذا القانون العلى غي مكتوب ( القاعدة القانونية )‪ ،‬وتاهل هذه‬
‫الرابطة والعدوان عليها يوجب القاومة "‪ .‬وينقل حت عن القانون الفرنسي‬
‫(‪ 24‬يونيو ‪1793‬م ) نصه‪ " :‬إن للناس الق ف مراجعة دستورهم وتعديله‬
‫وتغييه حيث ل يق ليل معي عن طريق دستور يضعه أن يتحكم ف الجيال‬

‫القبلة ‪ ...‬وعندما تعتدي الكومة على حق الشعب يكون حق الثورة من‬


‫أقدس القوق وما ل يكن التخلي عنه "‪.‬‬
‫ينقل هذه الخازي بل تعقب ول نقد‪ ،‬وينسب بعضها إل السلم‬

‫() قلتُ‪ :‬مثله قول سلمان العودة ف شريط » المة الغائبة « ـ وهو يتحدّث عن‬ ‫‪1‬‬

‫الجتمعات الغربية الديقراطية ـ ‪ " :‬ولذا يعيشون أوضاعا من الستقرار ل تعيشها‬


‫البلد الخرى على الطلق!!"‪ .‬راجع بقية كلمه على هذا وعلى الذي تراه بعد ـ إن‬
‫شئت ـ ف كتاب » حقيقة ( الرجلُ والنهجُ ) ومنهج الق « للشيخ الفاضل فال بن‬
‫نافع الرب‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪232‬‬
‫السياسة‬

‫صراحة؛ فقد قال ف ق (‪ " :)26‬نعم! ف الغرب قد يَنال الواطن أو رجل‬


‫العلم من رئيس الدولة ول يلك ذلك الرئيس أن يتخذ ضده أي إجراء‪،‬‬
‫()‬
‫فهل استفادوا من إسلمنا وأضعناه؟! " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ث تراه ل يَكتفي بذلك حت يُشِيد با عند الغرب؛ فقد قال ف ق (‪27‬ـ‬


‫‪ " :)28‬ومن خلل ما تقدم نُدرك جيدا أن الغرب يُقدّس أمرين‪ :‬الرية‬
‫وخاصة الرية السياسية ويرفض الستبداد والطغيان والدوس على حقوق‬
‫النسان‪ ،‬بل يرى وجوب الثورة والقاومة إذا حدث ذلك! "‪.‬‬
‫ومن أجل أنه مُنِع من الكلمة الثورية الرة استنجد بنصوص الكفار أيضا‬
‫ليؤذن له ف ذلك؛ فجعل ينقل عن جون ستيوارت إميل وعن شاتو بريان‪،‬‬
‫كما ف ق (‪ ،)23‬بل وفاقرة الفواقر أنه نقل عن بعضهم كلما هو عي الكفر‬
‫ف حرية العبادة ول يتعقبه بنصف كلمة‪ ،‬فقال‪ " :‬وقال روزفلت (‪ )13/1/41‬ف‬
‫رسالة الكونرس‪ ( :‬يب أن تسود العال الريات أربع‬
‫( كذا ) هي‪ :‬حرية التعبيـ حرية العبادة ـ التحرر من الوف ـ التحرر‬
‫من الاجة ) "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ال أكب! إنا السّنن! يناضل من أجل الصول على الرية السياسية‬
‫فيخلع دينه‪ ،‬ويأت إل هذه الكلمة الكافرة ـ أل وهي حرية العبادة ـ‬
‫ليؤيّدها!! فلماذا شُرع الهاد إذن؟! وماذا كان يفعل النبياء عليهم الصلة‬
‫والسلم ف دعوتم وقد اجتمعت كلمتهم على قولم‪{ :‬ألَّ ت َعبدوا إلَّ‬
‫ْ ُ ُ‬
‫اللَه}؟! بل حت الشيوعيي ل بد أن يتنعموا بذه الرية؛ إذ يقول ف (ق‬

‫() ومثله قول سلمان العودة مشيدا ومنبهرا بالرية الغربية‪ " :‬وكما أسلفتُ‪ :‬العلم‬ ‫‪1‬‬

‫الناضج هو أفضل الوسائل ف كشف الفضائح ووضع النقاط على الروف؛ كما هو‬
‫الال عند الغرب!! "‪ ،‬من شريط له بعنوان‪ »:‬حقوق النسان ف السلم «‪.‬‬
‫‪233‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫‪ " :)24‬وقال فرانكفورت‪ ( :‬مالفة حرية القول ولو كانت استيحاء من حالة‬
‫هسترية فإن تقييدها يُمثّل تدهورا ف حق الواطن‪ ،‬ول يكن التذرع‬
‫بتقييدها ضد الشيوعيي‪ ،‬وإل خلقنا قطعة من جهنم داخل أرضنا ) "‪.‬‬
‫والعجب العجيب والنبأ الغريب الذي ل يسبقه إليه الوائل ول عرفه‬
‫العلماء الفطاحل أنه فسّر تصرّف علي بن أب طالب ف مقاتلته الوارج‬
‫بقوله عن هؤلء ف ق (‪ " :)24‬وكانوا يُمثّلون العارضة السياسية النحرفة أو‬
‫التطرفة بلغة العصر!! ولكن كيف عاملهم ( أي علي )؟ هل نسف بيوتم؟‬
‫هل شرّدهم ف البلد؟ هل ‪ ..‬هل ‪ ،" ...‬إل أن قال ف ق (‪:)25‬‬
‫" فقد أقرّ لم برية الرأي السياسي وهم أعدائه ( كذا ) وماربيه ( كذا )‬
‫بل ومكفريه ( كذا ) ‪ ،" !!..‬وقال علي ابن حاج‪ " :‬وف قوله ( أي قول عليّ‬
‫ابن أب طالب للخوارج )‪ [ :‬ل نبدأكم ( كذا ) بقتال ] تأمينا لم من الوف‬
‫واعترافا لم بق النقد مهما كان متطرفا شرط أن ل يسلك مسلك القتال‬
‫والقتل "‪ ،‬ث جاء بقاصمة الظهور فقال‪ " :‬أل يسبق المام علي ( ض )‬
‫( كذا ) بذا القول قول روزفلت ‪ ..‬للكنجرس‪ :‬يب أن تسود العال الريات‬
‫الربع‪ .. :‬العبادة ‪." !!!..‬‬
‫قلتُ‪ :‬فهذا صريح ف تأييده هذا القول‪ ،‬فكيف يُطمَع ف نقده له! نسأل‬
‫()‬
‫ال العافية ‪ .‬ويزيد إغراقا ف الضلل فيقول‪ " :‬ورغم كل ما حدث للمام‬ ‫‪1‬‬

‫() قلت‪ :‬لئن تثّل ابن حاج برسالة الكنجرس هذه‪ ،‬فإن سلمان العودة تثّل بسياسة‬ ‫‪1‬‬

‫اليهود واقترح على حكومات الدول السلمية القتداء با ف معاملة الماعات‬


‫السلمية؛حيث قال ف شريط » حقيقة التطرّف « ‪ " :‬إننا نعلم أن ف إسرائيل أحزابا‬
‫أصولية متطرّفة متشدّدة‪ ،‬فماذا فعلت إسرائيل تاه هذه الحزاب؟ ها أنتم تسمعون أنا‬
‫ـ الن ـ تشارك ف الكم ف ائتلفها مع حزب العمل الديد ـ الذي فاز ف‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪234‬‬
‫السياسة‬

‫عليّ مع الوارج قال ف أُخريات أيامه‪ ( :‬لتقتلوا الوارج بعدي؛ فليس‬


‫()‬
‫مَن طلب الق فأخطأه كمَن طلب الباطل فأدركه ) " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قلتُ‪ :‬سبحان ال! ما هذه الحاماة للخوارج؟! أيكون علي حينئذ قد‬
‫أهدر الدماء البيئة؟! وهل يلك عليّ أن ينهى عن قتلهم والرسول يقول‪:‬‬
‫» لئن أدرَكْتُهم لَقتلنّهم قتْلَ عاد « رواه البخاري ومسلم؟! هل يتصوّر‬
‫النتخابات ـ وتصل إل الكومة‪ ،‬فلماذا ل يقتدون بم ف هذا؟!!"‪.‬‬
‫مع ذي الويصرة ـ رأس‬ ‫() ومثله‪ ،‬بل وأفظع منه تفسي سلمان العودة تصرّفَ النب‬ ‫‪1‬‬

‫الوارج ـ بشيء ما سبقه إليه أحد من العالِمي؛ حيث قال ف شريط » لاذا ناف‬
‫ل يأمر بالقبض على هذا الرجل الذي قال‬ ‫النقد «‪ " :‬والثابت ف الصحيح أن النب‬
‫!ـ ل يأمر بالقبض عليه قط! ول‬ ‫تلك الكلمة وشكّك ف القيادة العليا ـ قيادة النب‬
‫أودعه ف السجن! ول فتح ماضر للتحقيق معه! ول حكم بسجن مؤبّد ول بغي‬
‫مؤبّد! ول شهّر به!! ول فضحه أبدا!! وإنا تركه حرّا طليقا ل يتعرّض له بشيء‪،‬‬
‫قال‪ » :‬رحم ال أخي موسى ‪« ...‬هذا النهج التربوي النبوي العظيم‬ ‫سوى أنه‬
‫ظ ّل هو السنة التّبعة للمسلمي قرونا طويلة!!! ‪." ...‬‬
‫قلتُ‪ :‬إنه من نكد العيش أن نَحْيا إل زمان نسمع فيه هذا!! وهو ُي َذكّرن أولً بقول يزيد‬
‫ابن حبيب ـ رحه ال ـ وهو يتحدّث عن فتنة العالِم فقال‪ ... " :‬ومنهم مَن يَروي‬
‫كل ما سع حت أن يَروي كلم اليهود والنصارى إرادة أن يُعَزّز كلمه "‪ ،‬رواه ابن‬
‫البارك ف (( الزهد )) (‪40‬ـ أحد فريد ) والطاب ف (( العزلة )) ص (‪.)214‬‬
‫وثانيا‪:‬ل يذكُر صاحبُ (( الصحيح )) ـ البخاريّ رحه ال ـ هذا الفقهَ الذي استنبطه‬
‫هذا العترض عليه‪ " :‬باب مَن ترك‬ ‫سلمان! بل قال عند ذكر سبب عدم قتل النب‬
‫قتال الوارج للتألّف وأن ل ينفر الناس عنه "‪ ،‬انظر (( الفتح )) ( ‪.) 12/269‬‬
‫قلتُ‪ :‬ل مِن أجل حريّة الرأي كما زعم الردود عليه!!‬
‫وقال ابن تيمية‪ " :‬فكأنه َعلِم أنه ل بدّ من خروجهم ـ أي الوارج ـ وأنه ل مَطمع ف‬
‫استئصالم؛ كما أنه لا َعلِم أن الدجال خارج ل مالة نى عم َر عن قتل ابن صيّاد‪ ،‬وقال‪ » :‬إنْ‬
‫‪235‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ث السلمي على قتال الوارج‬ ‫مسلم أن يرؤ عليّ على ذلك وهو الذي ح ّ‬
‫يوم النهروان وجعل يُذكّرهم با حفظه عن رسول ال ف ذلك‪ ،‬فعن سويد‬
‫بن غفلة قال‪ :‬قال عليّ ‪ :‬إذا ح ّدثْتُكم عن رسول ال حديثًا فلَن َأخِرّ‬
‫من السماء أحب إلّ من أن أَكْذب عليه‪ ،‬وإذا ح ّدثْتُكم فيما بين وبينكم فإن‬
‫الرب خدعة‪ ،‬وإن سعتُ رسول ال يقول‪ » :‬سيَخرج قوم ف آخر‬
‫الزمان حداث السنان سفهاء الحلم‪ ،‬يقولون من خي قول البية‪ ،‬ل‬
‫ياوز إيانُهم حناجرَهم‪ ،‬يرقون من الدين كما يرق السهم من الرمية‪،‬‬
‫َيكُ ْن ُه فلن تُسلّط عليه‪ ،‬وإن ل َيكُنه فل خي لك ف قتله «؛ فكان هذا ما أوجب نيه بعد ذلك‬
‫عن قتل ذي الويصرة لا لزه ف غنائم حني‪ ،‬وكذلك لا قال عمر‪ :‬ائذن ل فأضرب عنقه‪،‬‬
‫قال‪» :‬د ْعهُ؛ فإن له أصحابا‪ ،‬يقر أحدكم صلته مع صلتم‪ ،‬وصيامه مع صيامهم‪ ،‬يرقون من‬
‫الدين كما يرق السهم من الرميّة « إل قوله‪ » :‬يَخرجون على حي فُرقة من الناس «؛ فأمر‬
‫بتركه لجل أن له أصحابا خارجي بعد ذلك‪ ،‬فظهر أن علمه بأنم ل ب ّد أن يرجوا منَعه من أن‬
‫يقتل منهم أحدا فيتحدّث الناس بأن ممدا يقتل أصحابه الذين يُصلّون معه‪ ،‬وتنفر بذلك‬
‫عن السلم قلوبٌ كثية من غي مصلحة تغمر( الصل‪ :‬تعمر ) هذه الفسدة‪ ،‬هذا مع أنه‬
‫"‪ ،‬من » الصارم السلول « ص (‬ ‫كان له أن يعفو عمن آذاه مطلقا‪ ،‬بأب هو وأمي‬
‫‪.)187‬‬
‫قلتُ‪ :‬فهأنت ـ أيها القاريء ـ بي الفقه السلفي الذي نقلتُه لك آنفا عن البخاري‬
‫وابن تيمية‪ ،‬وبي الفقه الغربّ الذي تشرّبه مَن يُرَى ويُرِي أنه عدوّ له!! فبأيّ الديي‬
‫تتدي أيها النصف؟ وإنه لن العجائب توافق كلمات علي بن حاج مع كلمات سلمان‬
‫العودة‬
‫ـ كما ترى ـ ف النبهار بالغرب الكافر وماولة الروج من السجن بالتحاكم إل‬
‫قانونه والستغاثة بشفاعة مفكريه‪ ،‬والغراب والتغرّب ف تفسي نصوص التاريخ‬
‫السلمي وتحّل أراجيف الستدلل مع أنه ل يَر أحدها الخر! فسبحان من جعل »‬
‫الرواح جنودا منّدة؛ ما تعارف منها ائتلف‪ ،‬وما تناكر منها اختلف! «‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪236‬‬
‫السياسة‬

‫فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن ف َقتْلهم أجرًا لِمن قتَلهم يوم القيامة «‬
‫( رواه البخاري ومسلم )‪ .‬كيف وقد صحّ عنه أنه أه ّل وكبّر لا أيقن أنه‬
‫()‬
‫ل يقتل إل الوارج ( رواه أحد وأبو يعلى ) ‪ ،‬وعند أحد وغيه أنه سجد‬
‫‪1‬‬

‫()‬
‫سجدة شكر ‪ ،‬ولذلك قال الجري‪ .. " :‬فصار سيفُ عليّ بن أب طالب ف‬ ‫‪2‬‬

‫()‬
‫الوارج سيفَ حق إل أن تقوم الساعة " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بل قال الشافعي‪ " :‬فأما الوارج فل نعلم أحدا منهم كره قتاله إياهم "‬
‫()‬
‫رواه البيهقي وأسند بعده نو هذه الكلمة إل ابن سيين ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫أيسوؤك ـ يا ابن حاج ـ أن يُقتل الوارج وتوظّف لذلك رواية ل تأت‬


‫لا بزمام ول خطام؟! فما الرحم الت بينك وبينهم؟! اللهم إل أن يكون الفكر‬
‫الثوري الهوج الذي اتفقوا عليه مع العتزلة والروافض وأيّدته أنت بنصوص‬
‫الكفار السابقة!! إن أخبث ما يأت به الرء أن يستغل الدين لغي الدين؛ فانظر‬
‫ـ أيها القاريء ـ إل هذا كيف هان عليه تريف الدين بتحريف التاريخ‬
‫السلمي إرضاء لثوريته حت ارتى بي أحضان الديقراطية ليُكوّن دينا غي‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫م لَ ُ‬
‫الذي أنزل ال! وهذا هو التشريع الذي ندّد ال بفاعليه فقال‪{:‬أ ْ‬
‫ْ‬
‫ما ل َ ْ‬
‫م يَأذَن ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ن َ‬
‫دّي ِ‬
‫ن ال ِ‬
‫م َ‬ ‫عوا ل َ ُ‬
‫هم ِ‬ ‫شَركاءُ َ‬
‫شَر ُ‬ ‫ُ‬
‫اللُه}! إن القانونيي ـ اليوم ـ جاؤوا برية نكراء حي نصبوا أنفسهم‬
‫مشرّعي‪ ،‬ولكن ليس ذلك بأنكر ما جاء به هؤلء؛ لنّ هؤلء يُحرّفون الق‬
‫ويَشْرَعون الباطل‪ ،‬ويزيدون نسبته إل الدين! فافتتان الناس بتشريعهم أعظم‪،‬‬

‫() انظر » كتاب السنة « لبن أب عاصم بتحقيق اللبان رقم (‪.)913‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر تسي الشيخ اللبان لذا الثر ف » إرواء الغليل « رقم (‪.)476‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » الشريعة « ص (‪.)22‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر » السنن الكبى « (‪.)8/188‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪237‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ن} ف الية ف غاية الهية‪.‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ن ال ِّ‬ ‫م َ‬‫ولذلك جاء قيد { ِ‬


‫إن هذه النهاية الت انتهى إليها كل دعاة السياسة اليوم ـ أي أن بدايتهم‬
‫تكمن ف تفسي الدين تفسيا سياسيا ث نايتهم النسلخ منه ـ لَريّة بأن‬
‫تنفّر طلب الق من هذا النهج‪ ،‬أمَا رأيتم أن سياسة هؤلء ل تترك عقيدة ول‬
‫عبادة ول تاريا إسلميا إل حرّفته وجاءت با يضاهيه؟! فهل أضحت‬
‫سياستهم طاغوتا يُعبد‪ ،‬والكرسي الذي يطلبونه صنما يُنحَر من أجله الدين؟!‬
‫ث إنن فكرت طويل ف تفسي سبب هذا الصي الحتوم‪ ،‬فلم أجد له جوابا إل‬
‫فون عن أ َمر َ‬ ‫َ‬ ‫قوله تعال‪َ { :‬‬
‫ن‬
‫هأ ْ‬ ‫ْ ْ ِ ِ‬ ‫ذين يُخال ِ ُ َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬‫حذ َ ِ‬‫فلْي َ ْ‬
‫م}‪ ،‬ولا كان هؤلء‬ ‫َ‬ ‫فتْن َ ٌ َ‬
‫ب ألِي ٌ‬ ‫عذَا ٌ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫صيب َ ُ‬‫و يُ ِ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫م ِ‬
‫ه ْ‬
‫صيب َ ُ‬
‫تُ ِ‬
‫طلبَ إمارة عرفتُ أن أول مصيبة أُصيبوا با هي أنم وُكِلوا إل أنفسهم؛‬
‫لنم خالفوا وصية النب لعبد الرحن بن سرة حي قال له‪ » :‬يا عبد‬
‫ت إليها‪ ،‬وإن‬ ‫الرحن! ل تسأل المارة؛ فإنك إن أُعطِيتها عن مسألة وُك ْل َ‬
‫أُعطِيتها عن غي مسألة أُعِنتَ عليها « رواه البخاري ومسلم وأبوداود‪ ،‬ولفظ‬
‫رواية أب داود‪» :‬وُكِل فيها إل نفسه «؛ قلت‪ :‬وكيف ل يكون موكول إل‬
‫نفسه من يشهد أن الديقراطية كفر ث يستغيث با؟! بل ياكم إليها ـ كما‬
‫َ‬
‫عمون‬ ‫ذين يَز ُ‬ ‫سبق ـ وال تعال يقول‪{ :‬ألم تَر إلى ال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫قبْل ِ َ‬‫من َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ز َ‬‫ما أن ْ ِ‬ ‫ل إلَي ْ َ‬
‫كو َ‬ ‫ز َ‬‫منُوا بِما أن ْ ِ‬ ‫هم ءا َ‬ ‫أن َّ ُ‬
‫ُ‬ ‫موا إلى الطّا ُ‬ ‫َ‬
‫مُروا‬ ‫وقدْ أ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫غو ِ‬ ‫حاك َ ُ‬ ‫ن أن يَت َ َ‬ ‫ريدُو َ‬ ‫يُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَن يَك ْ ُ‬
‫ضلَلً‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ن أن ي ُ ِ‬ ‫شيْطا ُ‬ ‫ريدُ ال ّ‬ ‫ه وي ُ ِ‬ ‫فُروا ب ِ ِ‬
‫بَِعيداً }‪ ،‬ومع ذلك فل أحد ياسبهم من التباع‪ ،‬بل يكفي أن يردّدوا‬
‫كلمات ثورية لتضفي عليهم قداسة ل تَضرّ معها معصية‪ ،‬ولو صدر منهم ما‬
‫صدر من العاصي وقالوا ما قالوا من الكفر جاءت التأويلتُ شافعةً مشفّعة!‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪238‬‬
‫السياسة‬

‫ومع هذا فغيهم هم الرجئة!!‬


‫قال ابن حجر‪ " :‬فمَن ل يكن له من ال إعانة تورّط فيما دخل فيه‪،‬‬
‫()‬
‫وخسر دنياه وعقباه‪ ،‬فمَن كان ذا عقل ل يتعرّض للطلب أصلً " ‪ .‬ولو ل‬
‫‪1‬‬

‫يكونوا طلّب إمارة‪ ،‬وإنا أرادوا التحاكم إل ما أنزل ال حقيقةً‪ ،‬فلماذا ل‬


‫يتحاكموا إل منهج الرسل ف الصلح؛ وهو ما أنزله ال؟!! ولئن قالوا‪ :‬إنا‬
‫خاطب هؤلء رجالَ القانون بلسانم! قلنا‪ :‬وهل فعل ذلك أُسوتنا ؟ وهل‬
‫لك لسانُه الطاهر كلماتِ الكفر وحاكم با وإليها؟ إن هذا الذي تفعلونه هو‬
‫عي الفتراء على ال الذي حذّر منه ربُنا نبيّه من أن يَستدرجه إليه الكفار‬
‫حيْنا إلَي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫و َ‬
‫ذي أ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫ع ِ‬ ‫ك َ‬ ‫فتِنُون َ َ‬ ‫فقال‪{:‬وإِن كَاُدوا لَي َ ْ‬
‫خلِيلً }‪ ،‬ولذلك أمر‬ ‫ك َ‬‫خذُو َ‬ ‫وإذًا لت َّ َ‬ ‫غيَْرهُ َ‬ ‫علَيْنا َ‬
‫ي َ‬‫ر َ‬ ‫لِت َ ْ‬
‫فت َ ِ‬
‫ال نبيّه أن يكتفي با أنزله عليه وحذّره بشدة من ترك ذلك متابعةً للكفار بأي‬
‫ه ول َ تُط ِ ِ‬
‫ع‬ ‫ق الل َ‬ ‫ي ات َّ ِ ّ‬ ‫مسوّغ كان فقال‪{:‬يَأَيُّها النَّب ِ ُّ‬
‫حكِيماً ‪.‬‬ ‫علِيما ً َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ن إ َّ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬‫منَا ِ‬ ‫ن وال ُ‬‫ري َ‬‫ف ِ‬‫الكا ِ‬
‫ن بِما‬
‫ه كا َ‬
‫ن الل َ‬ ‫كإ ّ‬ ‫من َرب ِّ َ‬‫ك ِ‬ ‫حى إلَي ْ َ‬ ‫ع ما يُو َ‬ ‫واتَّب ِ ْ‬
‫ه‬
‫فى بِالل ِ‬‫وك َ َ‬
‫ه َ‬‫علَى الل ِ‬ ‫ل َ‬‫وك َّ ْ‬‫خبِيراً ‪ .‬وت َ َ‬
‫ملُون َ‬ ‫ع َ‬‫تَ ْ‬
‫ل }‪.‬‬
‫وكِي ً‬ ‫َ‬
‫ووجه َختْم هذا السياق الكري بالتوكل أنه ما رَكن مَن رَكن إل هذه‬
‫الوسائل اللتوية إل من ضعفت ثقته با عند ال‪ ،‬وال الستعان‪.‬‬

‫()» الفتح « (‪.)13/133‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪239‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة الورقة الول من رسالة علي بن حاج إل رئيس‬


‫المهورية الت نقلتُ شيئا منها ف ص (‪)245‬‬

‫هذه صورة الورقة الخية منها مع توقيعه‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪240‬‬
‫السياسة‬
‫‪241‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة الورقة الول من رسالة علي بن حاج إل وزير‬


‫التّصال الت نقلتُ شيئا منها ف ص (‪246‬ـ ‪)247‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪242‬‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة الورقة الخية منها مع توقيعه‬


‫‪243‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫كلمة عن الرجئة‬
‫إنّ الذي دعان إل عقد هذا الفصل هو أنن رأيت كثيا من الغرضي‬
‫يَرمون الشيخ ابن باز والشيخ اللبان والشيخ ابن عثيمي بالرجاء؛ لن هؤلء‬
‫فسّروا آيةَ الكم بغي ما أنزل ال على التفصيل العروف عند السلف‪ ،‬ول‬
‫ُي َكفّروا مطلقا(‪ ،)1‬ولنم ينعون الروج على الكام الظلمة من السلمي ما ل‬
‫يروا كفرا بواحا‪ ،‬بل ولو رأوا كفرا بواحا منعوه أيضا إذا كانت الصلحة‬
‫الشرعية والقدرة تْنأَيان عن ذلك ‪ ...‬وأقول‪:‬‬
‫‪1‬ـ إنّ القول بالروج السابق هو مذهب الرجئة؛ فقد روى ابن شاهي‬
‫ضلّة!"‪ ،‬قيل له‪ :‬بَيّن لنا رحك ال!‬
‫عن الثوري أنه قال‪ " :‬اتّقوا هذه الهواء ال ِ‬
‫فقال سفيان‪ " :‬أما الرجئة فيقولون ‪ ،" ...‬وذكر شيئا من أقوالم‪ ،‬إل أن قال‪:‬‬
‫" وهُم َيرَوْن السيفَ على أهل القبلة! "(‪.)2‬‬
‫وروى أيضا أنه قيل لبن البارك‪ :‬ترى رأي الرجاء؟ فقال‪ " :‬كيف‬
‫أكون مرجئا؛ فأنا ل أرى السيف؟! ‪.)3(" ..‬‬
‫بل روى الصابون بإسناده الصحيح إل أحد بن سعيد الرباطي أنه قال‪:‬‬
‫قال ل عبد ال بن طاهر‪ " :‬يا أحد! إنكم تبغضون هؤلء القوم (يعن الرجئة)‬
‫جهلً‪ ،‬وأنا أُبغضهم عن معرفة؛ أولً‪ :‬إنم ل َيرَوْن للسلطان طاعة ‪.)4("...‬‬

‫() انظر ـ إن شئت ـ هنا التعليق على منهج ممد قطب ف هامش ص (‪ 109‬ـ ‪)122‬؛‬ ‫‪1‬‬

‫واقرأ لزاما كتاب (( التحذير من فتنة التكفي )) للئمة الثلثة الذكورين أعله‪ ،‬ف طبعته‬
‫الت حقّقها الخ علي حسن اللب؛ فإنه نفيس‪.‬‬
‫() رواه ف (( الكتاب اللطيف )) (‪ )15‬والللكائي ف (( شرح أصول العتقاد )) (‪.)1834‬‬ ‫‪2‬‬

‫() رواه أيضا ف (( الكتاب اللطيف )) برقم (‪.)17‬‬ ‫‪3‬‬

‫() (( عقيدة السلف أصحاب الديث )) (‪.)109‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪244‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قلت‪ :‬أل تدلّ هذه النصوص دللةً واضحةً على أنم هم الرجئة على‬
‫القيقة‪ ،‬وأن أئمتنا الذكورين آنفا براءٌ من ذلك‪.‬‬
‫ول عجب حينئذ أن ينشأ الرجاء على أعقاب الروج؛ قال قتادة‪ " :‬إنا‬
‫حدَثَ الرجاء بعد فتنة ابن الشعث "(‪.)1‬‬
‫ومن الدلة على إرجائهم أيضا‪:‬‬
‫‪2‬ـ ترك الستثناء ف اليان وما يتبعه‪ ،‬وإنْ زعم بعضهم ـ بلسانه ـ‬
‫أنه على مذهب السلف‪ ،‬ألَ تراهم يقولون‪ ( :‬الشهيد حسن البنا ‪ ..‬الشهيد‬
‫سيّد قطب ‪ ،)..‬ولو قيل لم‪ :‬إن كان وَصْفهم بالشهادة واجبا حركيّا ما لكم‬
‫منه بدّ فاستثنُوا بقولكم ـ على القل ـ‪ ( :‬إن شاء ال)؛ فقد عقد البخاري‬
‫ف كتاب الهاد من (( صحيحه )) بابا ف ذلك فقال‪ " :‬باب ل يُقال فلن‬
‫شهيد "‪ ،‬وذكر الدلة على ذلك‪ ،‬قلتُ‪ :‬وقد طُلِب منهم هذا مرارا‬
‫فاستنكفوا؛ وقالوا إنا أنتم ف الهاد تطعنون‪ ،‬وللمخابرات العالية مُسَخّرون!!‬
‫وهذا الستنكاف عن الستثناء هو أصل الرجاء؛ قال عبد الرحن بن‬
‫مهدي ـ رحه ال ـ‪ " :‬أصل الرجاء ت ْركُ الستثناء "(‪.)2‬‬
‫() رواه عبد ال بن أحد ف (( السنة )) (‪ )644‬واللل ف (( السنة )) (‪ )1230‬وابن العراب‬ ‫‪1‬‬

‫))‬ ‫ف (( معجمه )) (‪ )714‬وأبو القاسم البغوي ف (( العديات )) (‪ )1061‬وابن بطة ف (( البانة‬


‫(‪ )1235‬والللكائي ف (( شرح أصول العتقاد )) (‪ )1841‬وهو حسن؛ فإنّ ممد بن الفضل‬
‫اللقب بعارم قد تابعه أبو عامر العقدي‪.‬‬
‫() رواه اللل ف (( السنة )) (‪ ،)1061‬والجري ف (( الشريعة )) ص (‪ ،)139‬وابن بطة ف‬ ‫‪2‬‬

‫(( البانة )) (‪ )1188‬وبنحوه رواه ابن شاهي ف (( الكتاب اللطيف )) ( ‪ ،) 16‬والللكائي ف‬


‫(( شرح أصول العتقاد )) (‪ ،)1835‬وهذا الثر ل يضرّه النقطاع الظاهر؛ لنه قد جاء نوه‬
‫موصولً بالسند الصحيح عند الطبي ف (( تذيب الثار )) (‪ ،)1519‬وذُكر نوه عن‬
‫سفيان‪ ،‬انظر (( اللية )) لب نعيم (‪ )7/33‬و(( الباطيل )) للجُوزجان (‪.)42‬‬
‫‪245‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫‪3‬ـ ث عودا على بدء فأقول‪ :‬إن الرجئة الولي ُأتُوا من قِبَل تعظيمهم‬
‫اليانَ واستهانتهم بالعاصي؛ فاستبعدوا لذلك أن يبط اليان بالذنوب‪،‬‬
‫فقالوا‪ " :‬ل يضرّ مع اليان ذنب! "‪ ،‬فمن ثَمّ كان ضللم‪ .‬وأما هؤلء‬
‫ـ اليوم ـ فأُتوا من ِقبَل تعظيمهم السياسةَ؛ وكل من كان معهم ف حركتهم‬
‫فهو صاحب الولء‪ ،‬ول يضرّ مع الفقه الركي ذنب‪ ،‬ولو كان هو الشرك‬
‫بربّ العالي!!! أل ترى كيف يسقط أقطابم والَُنظّرون لم ف العظائم ول‬
‫حرّكون ساكنا غيةً على الدين؟! إنا غيتم علىحزبم وحركتهم!! أل‬ ‫ُي َ‬
‫ترى كيف يُقيمون الدنيا ول يُقعدونا إن سعوا الشيخ عبد العزيز والشيخ‬
‫اللبان يقولن بترك الواجهة الدموية مع اليهود ريثما يتقوّى السلمون؟! وهي‬
‫فتوى من مته َديْن حقيقةً‪ .‬وأما إذا أخطأ مُحرّكوهم‪ ،‬فإ ّن الواجب الركي‬
‫ض الطرف عنهم مهما كانت شناعتها‪ ،‬وما أكثر ما يُفتُون ف الدماء‬ ‫عندهم غ ّ‬
‫والعراض والموال فيُهدِرونا! مع أنم لو بلغوا درجة طلبة العلم لكان هذا‬
‫أحسن الظنّ بم!‬
‫ـ فهذا علي بن حاج ُيفْت بقتل آلف من السلمي وبتشريد بقيتهم‬
‫ويُ َروّع بلدا آمنا‪ ،‬ويقول ما يقول من الشادة بالذهب الديقراطي وغي ذلك‬
‫ما نقلتُه عنه َقبْل‪ ،‬مع ذلك فل ينتقده ـ عندهم ـ إل عميلٌ!!‬
‫ـ ويطعن من قَبْله سيّدُ قطب ف بعض أنبياء ال تعال‪ ،‬ويطعن ف جع من‬
‫الصحابة الشهود لم بالنة‪ ،‬ويرى السياسة الشرعية متمثلة ف الذهب‬
‫الشتراكي الغال‪ ،‬وغيها من الدواهي الت بيّنها الشيخ ربيع الدخلي ف كتبه‬
‫الخية‪ ،‬وقد قال اللبان‪ " :‬حامل لواء الرح والتعديل ف هذا العصر‪ :‬الشيخ‬
‫ربيع "‪ ،‬وهذه شهادة من متخصّص(‪!)1‬‬

‫((‬ ‫() من تسجيلت طيبة بالدينة النبوية بعنوان‪ :‬منهج الوازنات برقم‪ ،)86( :‬نقلً عن‬ ‫‪1‬‬
‫‪246‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ـ وييء التراب بدولة السلم الزعومة ف السودان ليُنظّم مؤترات‬


‫لوحدة الديان وليُشِيد بدين القبوريي وليُشَيّد عددا كبيا من الكنائس ما‬
‫كانت تلم به أيّ دولة علمانية من قبله‪.‬‬
‫ـ ويقوم للفغان كيان ف دولتهم‪ ،‬فل يغيّرون من دين القبورية والرافة‬
‫شيئا! بل يقتلون أهل التوحيد دفاعا عن طواغيتها! وما مؤامرتم على ولية‬
‫كنر السلمية عنا ببعيد! مع أن هذه القرية هي الوحيدة ف أفغانستان الت أقيم‬
‫للتوحيد فيها صرحه‪ ،‬وتقام فيها الصلة أحسن إقامة وكذا الدود الشرعية‪،‬‬
‫ول تُعرَف هناك بلدة تُحارَب فيها الخدّرات مثلها ‪ ...‬فجاءت دولة‬
‫( الخوان ) ل تألوهم خبالً؛ حت خربوها واغتالوا أميها الشيخ السلفي‪:‬‬
‫جيل الرحن ـ رحه ال ـ ‪ ...‬فجمعوا بي أكب الكبائر على الطلق‬
‫وهي‪ :‬الشرك وقتل النفس بغي حقّ ‪...‬‬
‫كل هذا وغيه كثي جدا! ول يضرّ إيانَهم! ول يُسقط إمامتَهم!! بل‬
‫الويل لن يفكّر ف انتقادهم؛ لنه يطعن ف مصداقية الهاد!! بل أمّلوا ـ مع‬
‫هذه الخازي والبدع الكفّرة ـ أن تكون الدولة السلمية النشودة هي الت‬
‫ف أفغانستان والسودان!! كما ف شريط سلمان العودة‪ » :‬لاذا يافون‬
‫من السلم؟ «‪ .‬وليس المر كذلك؛ لن ال تعال قال‪{:‬ليس‬
‫بأمانِيِّكم‬
‫جَز به‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل سوءًا ي ُ ْ‬ ‫من يَع َ‬ ‫ي أهل الكتاب َ‬ ‫ول أمان ِ ِ ّ‬
‫صيراً }‪.‬‬ ‫ول ن َ ِ‬‫ولِيًّا َ‬
‫ه َ‬‫ن الل ِ‬
‫من دُو ِ‬ ‫جدْ ل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ول ي َ ِ‬
‫فلذلك عدّهم بعض أهل العلم من غلة الرجئة؛ لن الرجئة عظّموا‬
‫اليان وهو أصل الدين‪ ،‬وأما هؤلء فعظّموا جزءا من جزئيات الدين؛ أل وهو‬

‫الحجّة البيضاء )) للشيخ ريبع الدخلي ص (‪ ،)15‬ط‪ .‬الثالثة‪.‬‬


‫‪247‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫السياسة‪ ،‬مع العلم بأن سياستهم هذه ل تعدو أن تكون مزيا من الشتراكية‬
‫والديقراطية؛ كما هو معلوم عند من اطّلع على كتب سيّد قطب وغيه من‬
‫هو على شاكلته‪ ،‬بل قلْ باختصار‪ :‬هي الفقه الركي البتدع‪ ،‬والرجئة ل‬
‫ينفوا تضرّر صاحب اليان بشرك يرتكبه‪ ،‬بل اعترفوا بأنه ل ينفع مع الكفر‬
‫حسنة‪ ،‬وأما هؤلء فهم شافعون لئمتهم ولو قالوا بالكفر الصريح كما‬
‫سبق!!!‬
‫‪4‬ـ هذا الصل تبعه أصل آخر عند الرجئة‪ ،‬أل وهو عدم بيان السنة‬
‫للناس‪ ،‬مع ترك الرّدّ على البتدعة؛ قال ابن تيمية ـ رحه ال ـ بعد كلم له‬
‫عن أهل التكفي‪ " :‬وبإزاء هؤلء الكفّرِين بالباطل أقوامٌ ل يَعرِفون اعتقاد أهل‬
‫السنة والماعة كما يب‪ ،‬أو يَعرفون بعضه ويهلون بعضه‪ ،‬وما عرفوه منه‬
‫قد ل يَُبيّنونه للناس بل يكتمونه(‪ ،)1‬ول ينهون عن البدع الخالفة للكتاب‬
‫والسنة(‪ ،)2‬ول يذمّون أهل البدع ويعاقبونم(‪ ،)3‬بل لعلهم يذمّون الكلم ف‬
‫السنة وأصول الدين ذمّا مطلقا(‪ .. )4‬أو ُي ِقرّون الميع على مذاهبهم‬
‫() كـبعض ( الخوان السلمي ) الذين تربوا ف بيئة سلفية‪ ،‬لكن حزبيتهم تنهاهم عن‬ ‫‪1‬‬

‫بيان العقيدة السلفية وتأمرهم بالتمذهب وتنهاهم عن إطْلع الناس عما ف الذاهب‬
‫الخرى من السنة؛ لن ذلك يُفرّق الصف حسب فلسفتهم!‬
‫() انظر كلم حسن البنا ف (( مذكرات الدعوة والداعية )) ص (‪64‬ـ ‪ )65‬حول ضرورة‬ ‫‪2‬‬

‫السكوت عن اللف العروف ف السائل العقدية مثل حلقات أهل الطرق الصوفية‬
‫والتوسل بالصالي ودعاء القبور ‪ !...‬ليقول ف آخرها‪ " :‬وهذه السائل اختلف فيها‬
‫السلمون مئات السني‪ ،‬وما زالوا متلفي! وال تبارك وتعال يرضى منا بالبّ والوحدة!! "‪.‬‬
‫() كـ (الخوان ) الذين قالوا‪ :‬نذمّ البدعة ول نذمّ صاحبها! ونكره البدعة ول نكره صاحبها!!‬ ‫‪3‬‬

‫() كـ (الخوان ) الذين قالوا‪ :‬الكلم ف السنة قشور! والكلم ف أساء ال السن‬ ‫‪4‬‬

‫وصفاته فلسفة ومضيعة للوقت!!‬


‫‪248‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الختلفة(‪ ... )1‬وهذه الطريقة قد تغلب على كثي من الرجئة وبعض التفقهة‬
‫والتصوّفة والتفلسفة ‪ ...‬وكل هاتي الطريقتي ( أي الكفّرة والرجئة ومن‬
‫معهم ) منحرفة خارجة عن الكتاب والسنة "(‪.)2‬‬
‫ول يَختلف اثنان أن هذا من أعظم السس الت يرتكز عليها دين الركية؛‬
‫وهل ثَمّ أحدٌ يُنكر مقولتهم‪ ( :‬ليَعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه‪ ،‬ولنعمل‬
‫فيما اتّفقنا عليه!! )‪ ،‬وقد بيّنت ـ ف هامش قريب ـ من كلم حسن البنا‬
‫أنم يَعنون الختلف بإطلق! قالوا هذا؛ لنم لو أخذوا يُنكرون على أهل‬
‫البدع لضيّعوا أكثر متبوعيهم الذين يدّونم ف الغيّ!‬
‫ث ل يقف هذا عند أهل البدع‪ ،‬بل تعدّاه إل أهل الكفر؛ فقد سبق أن‬
‫نقلتُ ف ص (‪ )220‬كلم ( الخوان ) ف رضاهم بُأ ُخوّة النصارى لم بل‬
‫ومطالبتهم بذلك! كما نقلتُ كلم حسن البنا ف ص (‪ ،)221‬والقرضاوي‬
‫ص (‪ )222‬ف أنه ل خصومة دينية بيننا وبي اليهود!! فماذا بعد هذا؟!‬
‫شتَّى}؛إذ فيهم‬
‫م َ‬ ‫قلُوب ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ميعا ً َ‬
‫و ُ‬ ‫ج ِ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫سب ُ ُ‬ ‫() كـ (الخوان )؛ فإنك {ت َ ْ‬
‫ح َ‬ ‫‪1‬‬

‫الصوف على اختلف طرقهم‪ ،‬والشعري والاتريدي والرافضي والهمي والعتزل ‪...‬‬
‫وسلوا علي بن حاج‪ :‬لاذا ل يُنكر على الطرقيي ف مدينة أدرار وقد نزل بساحتهم‬
‫للدعاية النتخابية‪ ،‬وسع منهم ما يَمسّ جناب التوحيد؟! وكذا اجتماعهم بالباضية بدينة‬
‫غرداية؟! فإنّ هداية رجل واحد منهم خي لكم من المارة الت صرفتم إليها وجوهكم؛‬
‫قد قال‪ (( :‬لنْ يَهدي ا ُل بك رج ًل واحدا خيُ لك من ُحمْر النّعَم ))؟!‬ ‫أليس رسول ال‬
‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫() (( مموع الفتاوى )) (‪ ،)12/467‬وانظر (( بدائع التفسي )) لبن القيم (‪.)5/458‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪249‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فهذه أربعة أصول وافقوا فيها الرجئة‪ ،‬فأيّ الناس أحقّ بوصف الرجاء؟!‬
‫سلّت؟! والمر ل‪.‬‬
‫أليس يَصدق فيهم قول القائل‪ :‬رمتن بدائها وان َ‬
‫‪250‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫التفريق بي فقه النفس وفقه الواقع‬


‫()‬
‫عرَف التقدّمون فقه الواقع باسم ( فقه النفس ) ‪ ،‬وبي القدي والديد‬ ‫‪1‬‬

‫فروق جوهرية تتجلى من كلمة ذهبية لبن القيم ـ رحه ال ـ حيث يقول‪:‬‬
‫" ول يتمكّن الفت ول الاكم من الفتوى إل بنوعي من الفهم‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن‬
‫والمارات والعلمات حت ييط به علما‪.‬‬
‫والنوع الثان‪ :‬فهم الواجب ف الواقع‪ ،‬وهو فهم حكمال الذي َحكَم به‬
‫ف كتابه أو على لسان رسوله ف هذا الواقع‪ ،‬ث يطبّق أحدها على الخر‪ ،‬فمن‬
‫بذل جهده واستفرغ وسعه ف ذلك ل يُعدَم أجرين أو أجرا‪ ،‬فالعال مَن‬
‫يتوصّل بعرفة الواقع والتفقّه فيه إل معرفة حكمال ورسوله‪ ،‬كما توصّل شاهد‬
‫()‬
‫يوسف بشقّ القميص مِن دبر إل معرفة براءته وصدقه ‪ ،‬وكما توصّل سليمان‬ ‫‪2‬‬

‫()‬
‫بقوله‪ » :‬ائتون بالسكي حت أشقّ الولد بينكما « إل معرفة عي الم ‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫() انظر » الطرق الكمية « لبن القيم بتحقيق بشي عيون ص (‪ )4‬و» النخول « للغزال‬ ‫‪1‬‬

‫ص (‪462‬ـ ‪ ،)464‬وبفقه النفس وصف الذهب عمر بن عبد العزيز كما ف » السي « (‪.)5/120‬‬
‫من‬ ‫ه ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ت َ‬ ‫د ْ‬ ‫ق َّ‬ ‫بو َ‬ ‫ستَبَقا البا َ‬ ‫() وهو الذي قال ال تعال فيه‪{ :‬وا ْ‬ ‫‪2‬‬

‫َ‬ ‫وأَل ْ َ‬
‫د‬
‫ن أَرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاءُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫دى البَا ِ‬ ‫ها ل َ َ‬ ‫د َ‬ ‫سي ِّ َ‬ ‫فيَا َ‬ ‫ر َ‬ ‫د َب ُ ٍ‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫م‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫َا‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ً‬ ‫سوءا‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫أ‬
‫ِ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫بِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ها إِن كَا َ‬ ‫هل ِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫هدٌ ِ‬ ‫شا ِ‬ ‫هدَ َ‬ ‫ش ِ‬‫و َ‬ ‫سي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫عن ن َ ْ‬ ‫ودَتْنِي َ‬ ‫َرا َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫وإِن كا َ‬ ‫ن‪َ .‬‬ ‫ن الكاِذبِي َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ق ْ‬ ‫د َ‬ ‫ص َ‬‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ُ ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫قدّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫مي ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫َ‬
‫ما َرءَا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬فل ّ‬ ‫َ‬ ‫قي َ‬ ‫صاِد ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫و ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ت َ‬ ‫َ‬
‫ر فكذب َ ْ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫من دُب ُ ٍ‬ ‫ه قدّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫مي ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫َ‬
‫م‪.‬‬‫عظِي ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫دك ُ َّ‬ ‫ن كَي ْ َ‬ ‫ن إ ِ َّ‬ ‫دك ُ َّ‬ ‫من كَي ْ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل إن َّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ر َ‬ ‫من دُب ُ ٍ‬ ‫قدَّ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ق ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ك كُن ِ‬ ‫ك إِن ّ ِ‬ ‫ري لِذَنب ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وا ْ‬ ‫هذَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫يُو ُ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫خاطِئِي َ‬ ‫ال َ‬
‫قال‪ » :‬كانت‬ ‫أن رسول ال‬ ‫() وهو ما رواه البخاري ومسلم عن أب هريرة‬ ‫‪3‬‬

‫امرأتان معهما ابناها جاء ذئب فذهب بابن إحداها فقالت لصاحبتها إنا ذهب بابنك‬
‫‪251‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وكما توصّل أمي الؤمني علي عليه السلم بقوله للمرأة الت حَلت كتاب‬
‫حاطب لّا أنكرته‪ " :‬لَُتخْرِ ِجنّ الكتاب أو لنُجَرّ َدنّك " إل استخراج الكتاب‬
‫()‬
‫منها ‪ ،‬وكما توصّل الزبي بن العوّام بتعذيب أحد ابن أب القيق بأمر رسول‬ ‫‪1‬‬

‫()‬
‫ال حت دلّهم على كن ُحيَي لّا ظهر له كذبه ف دعوى ذهابه بالنفاق‬
‫‪2‬‬

‫وقالت الخرى إنا ذهب بابنك فتحاكمتا إل داود عليه السلم فقضى به للكبى‬
‫فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلم فأخبتاه فقال ائتون بالسكي أشقه بينكما‪،‬‬
‫فقالت الصغرى ل تفعل يرحك ال هو ابنها‪ ،‬فقضى به للصغرى «‪.‬‬
‫وف الستشهاد بذه القصة قال ابن القيم ف » الطرق الكمية « ص (‪ " :)5‬فاستدل‬
‫برضا الكبى بذلك وأنا قصدت السترواح إل التّأسي بساواة الصغرى ف فقد ولدها‬
‫وبشفقة الصغرى عليه وامتناعها من الرضا بذلك على أنا هي أمه وأن الامل لا على‬
‫المتناع هو ما قام بقلبها من الرحة والشفقة الت وضعها ال تعال ف قلب الم وقويت‬
‫هذه القرينة عنده حت قدمها على إقراره فإنه حكم به لا مع قولا (هو ابنها) "‪.‬‬
‫وأبا مرثد‬ ‫قال‪ " :‬بعثن رسول ال‬ ‫() القصة رواها البخاري ومسلم عن علي‬ ‫‪1‬‬

‫والزبي ابن العوام وكلنا فارس‪ ،‬وقال‪ »:‬انطلقوا حت تأتوا روضة خاخ فإن با امرأة من‬
‫الشركي معها كتاب من حاطب بن أب بلتعة إل الشركي «‪ ،‬فأدركناها تسي على بعي‬
‫‪ ،‬فقلنا‪ :‬الكتاب ؟ فقالت‪ :‬ما معي من كتاب‪ ،‬فأنناها فالتمسنا‬ ‫لا حيث قال رسول‬
‫لتخرجن الكتاب أو لنجرّدَنّك‪ ،‬فلما رأت‬ ‫فلم نر كتابا‪ ،‬فقلنا ما كذب رسول ال‬
‫لدّ َأهْوَت إل حجزتا وهي متجزة بكساء فأخرجته‪ ،‬فانطلقنا با إل رسول ال‬
‫اِ‬
‫فقال عمر‪ :‬يا رسول ال قد خان ال ورسوله والؤمني فدعن فلضرب عنقه‪ ،‬فقال النب‬
‫‪ » :‬ما حلك على ما صنعت؟ « قال حاطب‪ :‬وال ما ب إل أن أكون مؤمنا بال‬
‫؛ أردتُ أن تكون ل عند القوم يد يدفع ال با عن أهلي ومال وليس أحد من‬ ‫ورسوله‬
‫أصحابك إل له هناك من عشيته مَن يدافع ال به أهله وماله‪ ،‬فقال‪ » :‬صدق‪ ،‬ل تقولوا‬
‫له إل خيا « فقال عمر‪ :‬إنه قد خان ال ورسوله والؤمني فدعن فلضرب عنقه فقال‪» :‬‬
‫‪252‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫(‪)1‬‬
‫بقوله‪ " :‬الال كثي والعهد أقرب من ذلك " ‪ ،‬وكما توصّل النعمان بن بشي‬
‫بضرب التهَمي بالسرقة إل ظهور الال السروق عندهم‪ ،‬فإن ظهر وإل ضرب‬
‫مَن اتّهمهم كما ضربم‪ ،‬وأخب أن هذا حكم رسولال ‪ .‬ومَن تأمل‬
‫الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بذا‪ ،‬ومن سلك غي هذا أضاع على‬
‫الناس حقوقهم‪ ،‬ونسبه إل الشريعة الت بَعثال با‬

‫أليس من أهل بدر؟ فقال لعل ال قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت‬
‫لكم النة ـ أو قد غفرت لكم ـ « فدمعت عينا عمر وقال‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬فأنزل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وك ُ ْ‬
‫م‬ ‫د َّ‬
‫ع ُ‬
‫و َ‬ ‫عدُ ِّ‬
‫وي َ‬ ‫منُوا ل َ تَت َّ ِ‬
‫خذُوا َ‬ ‫ن ءَا َ‬
‫ذي َ‬ ‫ال السورة {يَأي ُّ َ‬
‫ها ال ّ ِ‬
‫أَْولِيَاءَ}"‪.‬‬
‫تَوصّل إل استخراج الكتاب من الرأة بسلوك هذه الطريقة‬ ‫والشاهد من القصة أن عليّا‬
‫الحرّمة من أصلها‪ ،‬قال ابن القيم ف » الطرق الكمية « ص (‪ " :)9‬وعلى هذا إذا ادعى‬
‫الصم الفَلَس وأنه ل شيء معه فقال الدعي للحاكم‪ :‬الال معه‪ ،‬وسأل تفتيشه وجب‬
‫على الاكم إجابته إل ذلك ليصل صاحب الق إل حقه "‪.‬‬
‫وعلى هذا بوب البخاري ف » صحيحه « لذه القصة بقوله ( باب إذا اضطر الرجل إل‬
‫النظر ف شعور أهل اللة والؤمنات ‪ )..‬انظر الديث برقم (‪.)3081‬‬
‫() جاء ف النسخة الطبوعة (كن جب ) وهو تريف فليصحح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫لا أجْلَى يهود بن‬ ‫() قال ابن القيم ف الطرق الكمية ص(‪ " :)7‬وشَرْحُ ذلك أنه‬ ‫‪1‬‬

‫النضي من الدينة على أنه لم ما حلت البل من أموالم غي اللقة والسلح‪ ،‬وكان لبن‬
‫أب الُقيق مال عظيم بلغ مَسْك ( وهو جلد ) ثور من ذهب وحلي‪ ،‬فلما فتح رسول ال‬
‫خيب وكان بعضها عنوة وبعضها صلحا ففتح أحد جانبيها صلحا‪ ،‬وتصن أهل‬
‫أربعة عشر يوما‪ ،‬فسألوه الصلح‪ ،‬وأرسل ابنُ أب‬ ‫الانب الخر‪ ،‬فحاصرهم رسول ال‬
‫‪ » :‬نعم « فنل ابن أب‬ ‫انزل فأكلمك‪ ،‬فقال رسول ال‬ ‫القيق إل رسول ال‬
‫على حقن دماء من ف حصونم من القاتلة‪ ،‬وترك الذرية لم‬ ‫القيق فصال رسول ال‬
‫‪253‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫رسوله " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ومن خلل هذه المثلة وشرح ابن القيم لا يتبيّن لك أنه ـ رحه ال ـ‬
‫يتحدّث عن الفراسة الت ُيؤْتاها الاكم حينما تعرض له قضايا يَجهلها ول‬
‫يَعرف واقعها‪ ،‬ل كما َظ ّن قوم ـ حي وجدوا ابن القيم استعمل لفظ ( فهم‬
‫الواقع والفقه فيه ) ـ أنه يعن فقه الواقع الذي استحدثوه‪ ،‬وفسّروه بالطّلع‬
‫وبي ما كان لم من‬ ‫ويرجون من خيب وأرضها بذراريهم‪ ،‬ويُخَلّون بي رسول ال‬
‫مال وأرض‪ ،‬وعلى الصفراء والبيضاء والكراع واللقة‪ ،‬إل ثوبا على ظهر إنسان فقال‬
‫‪ » :‬وبرئت منكم ذمة ال وذمة رسوله إن كتمتمون شيئا «‪ ،‬فصالوه على‬ ‫رسول ال‬
‫ذلك‪.‬‬
‫قال حاد بن سلمة‪ :‬أخبنا عبيد ال بن عمر عن نافع عن ابن عمر‪ :‬أن رسول ال‬
‫قاتل أهل خيب حت ألأهم إل قصرهم فغلب على الزرع والرض والنخل فصالوه على‬
‫الصفراء والبيضاء واشترط عليهم‬ ‫أن يُجْلَوا منها ولم ما حلت ركابم ولرسول ال‬
‫أل يكتموا ول يُغيّبوا شيئا فإن فعلوا فل ذمة لم ول عهد‪ ،‬فغيّبوا مَسْكا فيه مال وحلي‬
‫لعم‬ ‫ليي بن أخطب كان احتمله معه إل خيب حي أجليت النضي فقال رسول ال‬
‫حيي بن أخطب‪ » :‬ما فعل مَسْكُ حيي الذي جاء به من النضي؟ « قال أذهبته النفقات‬
‫والروب‪ ،‬قال‪ » :‬العهد قريب والال أكثر من ذلك «‪ ،‬فدفعه رسول ال إل الزبي‪،‬‬
‫فمسه بعذاب‪ ،‬وقد كان قبل ذلك دخل خربة‪ ،‬فقال‪ :‬قد رأيت حُييّا يطوف ف خربة ها‬
‫ابن أب القيق‬ ‫هنا‪ ،‬فذهبوا فطافوا فوجدوا الَسْك ف الربة فقتل رسول ال‬
‫ـ وأحدُها زوج صفية ـ بالنكث الذي نكثوا "‪ ،‬رواه أبو داود والبيهقي واللفظ له وهو‬
‫صحيح‪.‬‬
‫أمر الزبي أن يقرر عمّ حيي بن‬ ‫قال ابن القيم مبينا الشاهد من القصة‪ " :‬أن النب‬
‫أخطب بالعذاب على إخراج الال الذي غيبه وادعى نفاده فقال له‪ »:‬العهد قريب والال‬
‫أكثر من ذلك « فهاتان قرينتان ف غاية القوة‪ :‬كثرة الال‪ ،‬وقصر الدة الت ينفق كله‬
‫فيها "‪.‬‬
‫‪254‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫على الواقع ومتابعة أخباره! فإن هذا العن ل ُيعَرّج عليه ـ رحه ال ـ قط‪،‬‬
‫لنه ليس عِلما فكيف يكون فقها وهو مقدور لكل ( حشّاش ) ونوكي؟! ث‬
‫إنن ما زدْتُ ههنا على أن نق ْلتُ كلمه الذي ف » إعلم الوقعي « ـ وهو‬
‫الذي أخطأوا فهمه ـ بشرحه له هو نفسه ف » الطرق الكمية «‪.‬‬
‫ولذلك صدّر ابن القيم كتابه » الطرق الكمية ف السياسة الشرعية «‬
‫بالديث عن فراسة الاكم والقاضي‪ ،‬بل لقد جاء عنوانه ف بعض‬
‫الخطوطات‪ » :‬الفِراسة الَرْضية ف أحكام السياسة الشرعية « فتدبّر! ومِن‬
‫كلم ابن القيم هذا أخذت تسمية كتاب‪ ،‬فوصفت القادر على هذا النوع من‬
‫()‬
‫الفهم بوصفي ها‪ :‬الجتهاد والفراسة ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫لذا فإن الذي ننعاه على متفقهي زماننا ف واقع السلمي ليس هو مرد‬
‫الطلع على مكايد العداء‪ ،‬فهذا شرّ ل بدّ من معرفته‪ ،‬ولكن ننعى عليهم ما‬
‫يأت‪:‬‬
‫أ ـ تأسيسهم الصلح على العمل السياسي‪ ،‬وهذا الطأ وحده كاف‬
‫لسقاط منهجهم كله نظرا لخالفته منهج النبياء صلىال عليهم وسلم‪ ،‬فكيف‬
‫وقد انضمّ إليه ما سيأت‪.‬‬
‫ب ـ دخولم ف العمل السياسي وإفتاؤهم ف قضاياه وليسوا من أهله قال‬
‫م}‪.‬‬‫عل ْ ٌ‬
‫ه ِ‬ ‫س لَ َ‬
‫ك بِ ِ‬ ‫ما لَي ْ َ‬‫ف َ‬‫ق ُ‬ ‫ال تعال‪{ :‬ول ت َ ْ‬
‫ج ـ و ِمنْ ث ا ْفتِياتم على أهله‪:‬العلماء والمراء‪ ،‬قالال تعال‪{ :‬ول َ ْ‬
‫و‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫م ُ‬ ‫م لَ َ‬
‫عل ِ َ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ر ِ‬
‫م ِ‬
‫وإلى أولِي ال ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َردّوهُ إِلى الَّر ُ‬
‫َ‬
‫م}‪.‬‬
‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬‫ستَنبِطُون َ ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫() » إعلم الوقعي « (‪1/87‬ـ ‪.)88‬‬ ‫‪1‬‬

‫() وذلك لن اسه ف الصل كان‪ »:‬السياسة بي فراسة الجتهدين وتَكَيّس الُراهقي «‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪255‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫د ـ ومِ ْن ث طعنهم ف أهله‪ ،‬وهو انراف واقع‪ ،‬ما له من دافع‪ ،‬لن‬


‫صدورهم أضيق عن تمّل خلفهم لم‪ ،‬لو كان للفهم اعتبار‪ ،‬ولقد ساءن‬
‫جدا أن أقرأ جواب سلمان العودة على سؤال ملة » الصلح « الماراتية‬
‫عن قضية الليج‪ ،‬حيث قال‪ " :‬وأكّدَت على أنم ليسوا على مستوى مواجهة‬
‫مثل هذه الحداث الكبية‪ ،‬وكشفَتْ كذلك على عدم وجود مرجعية علمية‬
‫صحيحة وموثوقة للمسلمي بيث أنا تصر نطاق اللف وتستطيع أن‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫تُقدّم لا حلّ جاهزا صحيحا وتليل ناضجا ‪. "!!..‬‬
‫يَعلمال أنن كنت أعلم ما عند سلمان من مزالق مهلكة‪ ،‬لكنن ل أتصوره‬
‫يوما ما بذا الستوى والرأة على أهل العلم‪ ،‬ولو أخبن به أحد لكذّبتُ أو‬
‫تأوّلتُ؛ لنه لو جاز لحد أن يُسقط جهود العلماء بل أن ينفي وجودهم ل‬
‫يز لسلمان أن يكون فريسته‪ ،‬لنه يعيش بي ظهران هيئة كبار العلماء‪ ،‬الت‬
‫كثيا ما يُظهر توقيه لا‪ ،‬فهل هي عنده مرجعية علمية غي صحيحة؟! وهل‬
‫فتاواها تليلت غي ناضجة؟! وهل ُيعَدّ الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمي‬
‫غي موثوقي حت يَعتب وجودهم كالعدم؟! الله م إن هذا لظلم عظيم!‬
‫هذا ولَيقُل التعصبون للرجال‪ :‬لعله ل يقصد ذلك! أو ل بدّ من قراءة‬
‫السابق واللحق! فقد تركنا لكم الوقت لذلك فهل أنتم فاعلون؟‬
‫وهذا الزلق انراف شنيع؛ لنه ‪:‬‬
‫ـ إما طعن ف العلماء‪ ،‬فقد صحّ عن عبادة بن الصامت أن رسولال‬
‫جلّ كبينا‪ ،‬ويرحم صغينا‪ ،‬ويَعرف لعالنا‬ ‫قال‪ (( :‬ليس من أمت مَن ل يُ ِ‬
‫حقه )) رواه أحد وغيه وهو صحيح‪.‬‬
‫ـ وإما طعن ف المراء‪ ،‬فل يزال المر بم يشتدّ حت ينكروا عليهم‬

‫() العدد (‪223‬ـ ‪28/1‬ـ ‪3/12/1992‬ـ ص (‪.)11‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪256‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫بطريقة الوارج‪ ،‬الت أول علماتا التشهي بأخطائهم على النابر‪ ،‬ونايتها‬
‫الت ل مناص منها الروج عليهم‪ ،‬وف ذلك مالفة صرية للهدي النبوي ف‬
‫النكار عليهم‪ ،‬قال ابن أب عاصم ف » كتاب السنة «‪ " :‬باب كيف نصيحة‬
‫الرعية للولة "‪ ،‬وأسند فيه عن شريح بن عبيد الضرمي وغيه قال‪ :‬جلد‬
‫عياض بن غنم صاحبَ دار حي فتحت‪ ،‬فأغلظ له هشام بن حكيم القول حت‬
‫غضب عياض‪ ،‬ث مكث ليال فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه‪ ،‬ث قال هشام‬
‫لعياض‪ :‬أل تسمع النب يقول‪ » :‬إن مِن أشد الناس عذابا أشدهم عذابا ف‬
‫الدنيا للناس «‪ ،‬فقال عياض بن غنم‪ " :‬يا هشام بن حكيم قد سعنا ما سعتَ‬
‫ورأينا ما رأيتَ‪ ،‬أو ل تسمع رسولال يقول‪ » :‬مَن أراد أن يَنصح‬
‫خلُو به‪ ،‬فإن قَِبلَ منه‬
‫لسلطان بأمر فل يُبْدِ له علنية‪ ،‬ولكن ليأخذ بيده فَي ْ‬
‫فذاك‪ ،‬وإل كان قد أدّى الذي عليه له «‪ ،‬وإنك يا هشام لنت الريء إذ‬
‫تتريء على سلطانال ‪ ،‬فهلّ خشيتَ أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫ال تبارك وتعال؟!" ‪.‬‬
‫وحت ل يَعظم عليك أن نسبتُ مالفي هذا النهج إل مسلك الوارج‪،‬‬
‫فإنن أورد هنا ما رواه الترمذي وغيه عن زياد بن كُسيب العدوي قال‪ :‬كنتُ‬
‫مع أب بكرة تت منب ابن عامر‪ ،‬وهو يطب وعليه ثياب رقاق‪ ،‬فقال أبو‬
‫بلل‪ :‬انظروا إل أمينا يلبس ثياب الفساق‪ ،‬فقال أبوبكرة‪ :‬اسكت؛ سعتُ‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫رسول ال يقول‪ » :‬من أهان سلطان ال ف الرض أهانه ال « ‪.‬‬
‫قال الذهب‪ " :‬أبو بلل هذا هو مرداس بن أُدَيّة‪ ،‬خارجيّ‪ ،‬ومن جهله عدّ‬

‫() انظر » ظلل النة ف تريج السنة « لللبان رقم (‪ )1096‬وقد رواه أحد واللفظ له‬ ‫‪1‬‬

‫والاكم وهو صحيح‪.‬‬


‫() » صحيح سنن الترمذي « لللبان رقم (‪.)1812‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪257‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫ثياب الرجال الرقاق لباس الفساق! " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومثله ما رواه سعيد بن جُمْهان قال‪ :‬أتيتُ عبدال بن أب أوف وهو‬


‫مجوب البصر‪ ،‬فسلّمت عليه‪ ،‬قال ل‪ :‬مَن أنت؟ فقلت‪ :‬أنا سعيد ابن جهان‪،‬‬
‫()‬
‫قال‪ :‬فما فعل والدك؟ قلت‪ :‬قتَلتْه الزارقة ‪ ،‬قال‪ " :‬لعنال الزارقة! لعنال‬
‫‪2‬‬

‫الزارقة! حدّثنا رسولال أنم » كلب النار «‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬الزارقة‬


‫وحدهم أم الوارج كلها؟ قال‪ :‬بلى الوارج كلها‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فإن السلطان‬
‫س ويفعل بم‪ ،‬قال‪ :‬فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة ث قال‪" :‬‬ ‫يظلم النا َ‬
‫ويك يا ابن جهان! عليك بالسواد العظم‪ ،‬عليك بالسواد العظم‪ ،‬إن كان‬
‫السلطان يسمع منك فأِْتهِ ف بيته فأخبه با تعلم‪ ،‬فإن قَبِل منك وإل فدَ ْعهُ؛‬
‫()‬
‫فإنك لست بأعلم منه " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فائدة‪ :‬روى عبدال بن أحد بإسناده الصحيح إل سعيد بن جهان أنه‬


‫قال‪ " :‬كانت الوارج تدعون حت كدتُ أن أدخل معهم‪ ،‬فرأت أخت أب‬
‫بلل ف النوم أن أبا بلل كلب أهلب أسود‪ ،‬عيناه تذرفان‪ ،‬قال‪ :‬فقالت‪ :‬بأب‬
‫أنت يا أبا بلل! ما شأنك أراك هكذا؟ قال‪ُ :‬ج ِعلْنا بعدكم كلب النار‪،‬‬
‫()‬
‫وكان أبو بلل من رؤوس الوارج " ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وعلى كل حال فإن مرّد التحريض على السلطان السلم ـ وإن كان‬

‫() » السي « (‪ ،)14/508‬وكذا ف (‪ .)3/20‬قلت‪ :‬وهكذا سة الوارج‪ :‬جعوا بي سوء‬ ‫‪1‬‬

‫النكار‪ ،‬والهل بالنكَر نفسه؛ أي فساد العلم والعمل‪.‬‬


‫() وهم أتباع نافع بن الزرق الارجي ‪..‬‬ ‫‪2‬‬

‫() رواه أحد (‪4/382‬ـ ‪ )383‬وحسنه اللبان ف الصدر السابق ص (‪.)508‬‬ ‫‪3‬‬

‫()» كتاب السنة « رقم (‪ ،)1509‬وقد انقلب اسم أب سعيد ( جهان ) على مقق الكتاب‬ ‫‪4‬‬

‫ممد سعيد القحطان إل ( جهمان )‪ ،‬والصواب ما أثبتّه أعله‪ ،‬فليُتنبّه!‬


‫‪258‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فاسقا ـ صنعة الوارج‪ ،‬قال ابن حجر ف وصف بعض أنواع الوارج‪:‬‬
‫()‬
‫" وال َقعَدية الذين ُي َزيّنون الروجَ على الئمة ول يباشِرون ذلك " ‪ ،‬وقال‬
‫‪1‬‬

‫()‬
‫عبد ال بن ممد الضعيف‪ " :‬قَعَدُ الوارج هم أخبث الوارج " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫قلت‪ :‬فأيّ الطباء اليوم سَلِم من هذه اللوثة؟! ولسيما منهم الذين‬
‫يطبون من الناس جهرتم والشهرة عندهم! فاللهم سلّم!!‬
‫ولذلك قال الشيخ صال السدلن فيهم‪ .. " :‬فالبعض من الخوان قد‬
‫يفعل هذا بسن نية معتقدا أن الروج إنا يكون بالسلح فقط‪ ،‬والقيقة أن‬
‫الروج ل يقتصر على الروج بقوة السلح‪ ،‬أو التمرد بالساليب العروفة‬
‫فقط‪ ،‬بل إن الروج بالكلمة أشد من الروج بالسلح؛ لن الروج بالسلح‬
‫والعنف ل يُرَبّيه إل الكلمة فنقول للخوة الذين يأخذهم الماس‪ ،‬ونظن منهم‬
‫الصلح إن شاء ال تعال عليهم أن يتريثوا‪ ،‬وأن نقول لم رويدا فإن صلفكم‬
‫وشدتكم ترب شيئا ف القلوب‪ ،‬ترب القلوب الطرية الت ل تعرف إل‬
‫الندفاع‪ ،‬كما أنا تفتح أمام أصحاب الغراض أبوابا ليتكلموا وليقولوا ما ف‬
‫أنفسهم إن حقا وإن باطل‪.‬‬
‫ول شك أن الروج بالكلمة واستغلل القلم بأي أسلوب كان أو‬
‫استغلل الشريط أو الحاضرات والندوات ف تميس الناس على غي وجه‬
‫() » هدي الساري « ص (‪ )483‬وانظر (( الصابة )) عند ترجة عمران بن حطّان‪ ،‬و‬
‫((‬ ‫‪1‬‬

‫غراس الساس )) ص (‪ ،)372‬ثلثتها لبن حجر؛ فإنك واجد ف كل منها فائدة زائدة‪.‬‬
‫() رواه أبو داود ف (( مسائل أحد )) ص (‪ )271‬بسند صحيح‪ ،‬قال الافظ عبد الغن بن‬ ‫‪2‬‬

‫سعيد‪ " :‬رجلن نبيلن لزمهما لقبان قبيحان‪ :‬معاوية بن عبد الكري الضالّ؛ وإنا ضلّ ف‬
‫طريق مكة‪ ،‬وعبد ال بن ممد؛ وإنا كان ضعيفا ف جسمه ل ف حديثه "‪ ،‬كما ف‬
‫(( تذيب الكمال )) للمزّي (‪ ،)16/99‬وقال النسائي‪ " :‬شيخ صال ثقة‪ ،‬والضعيف لقب‬
‫لكثرة عبادته "‪.‬‬
‫‪259‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫شرعي أعتقد أن هذا أساس الروج بالسلح‪ ،‬وأحذر من ذلك أشد التحذير‪،‬‬
‫وأقول لؤلء‪ :‬عليكم بالنظر إل النتائج وإل من سبقهم ف هذا الجال‪ ،‬لينظروا‬
‫إل الفت الت تعيشها بعض الجتمعات السلمية ما سببها وما الطوة الت‬
‫أوصلتهم إل ما هم فيه‪ ،‬فإذا عرفنا ذلك ندرك أن الروج بالكلمة واستغلل‬
‫وسائل العلم والتصال للتنفي والتحميس والتشديد يُ َربّي الفتنة ف‬
‫()‬
‫القلوب " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قال عمر بن يزيد‪ :‬سعتُ السن ـ أي البصري ـ أيّام يزيد بن الهلب‬


‫قال‪ :‬وأتاه رهطٌ فأمَرَهم أن يَلزَموا بيوتَهم ويُغلِقوا عليهم أبوابَهم‪ ،‬ث قال‪" :‬‬
‫وال! لو أنّ الناس إذا ابتُلُوا مِن ِقبَل سلطانم صبوا‪ ،‬ما لبِثوا أن يرفع الُ‬
‫ذلك عنهم؛ وذلك أنم يَفزَعون إل السيف فيوكَلُوا إليه! ووال! ما جاؤوا‬
‫علَى‬ ‫سنَى َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ك ال ُ‬ ‫ة َرب ِّ َ‬ ‫ت كَل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫بيوم خي قطّ!"‪ ،‬ث تل‪{:‬وت َ َّ‬
‫م ْ‬
‫ع‬
‫صن َ ُ‬
‫ما كان ي َ ْ‬
‫مْرنا َ‬‫صبَُروا ودَ َّ‬‫ل بِما َ‬‫سَرائِي َ‬
‫بَني إ ْ‬
‫()‬
‫شون} " ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ر ُ‬‫ع ِ‬ ‫مه وما كانوا ي َ ْ‬‫ن وقو ُ‬ ‫و ُ‬
‫ع ْ‬
‫فر َ‬
‫ِ‬
‫هـ ـ جهلهم بالطريقة الت تُغربَل با الخبار‪ ،‬وليس ث إل طريقة أهل‬
‫الديث‪ ،‬أل ترى كيف يكتب السلف التاريخ ويُسندون؟ ذلك لنال قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق بِنَب َ ٍإ‬
‫س ٌ‬
‫فا ِ‬ ‫منُوا إِن جاءَك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ءَا َ‬
‫ذي َ‬ ‫{يأي ُّ َ‬
‫ها ال ّ ِ‬
‫فتَبَيَّنُوا}‪ .‬ول شك أن أنباء وسائل العلم الكافرة أكذب من نبإ‬ ‫َ‬
‫الفاسق‪ ،‬وهؤلء يعتمدونا لعرفة الواقع! فل يَسْلَمون من شرّ البواقع؛ لن هذه‬

‫() » مراجعات ف فقه الواقع السياسي « د‪ /‬عبد ال الرفاعي ص (‪ 88‬ـ ‪.)89‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه ابن سعد (‪ )7/164‬وابن أب حات ف » تفسيه « (‪/3‬ق ‪178‬ـ أ ـ الحمودية )‬ ‫‪2‬‬

‫والجري ف » الشريعة « (‪65‬ـ بترقيمي ) وبيّنتُ هناك وجه تسينه با ل يتّسع له القام‬
‫هنا‪.‬‬
‫‪260‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الوسائل قد سيطر عليها اليهود عليهم منال الذّلّة‪ ،‬وخب الكافر مردود باتفاق‬
‫أهل اللة‪ ،‬ومن الغفلة بكان أن يَتصوّر السلم عدوّه يُهدي إليه مططاته من‬
‫خلل نشرات علنية‪ ،‬كما فعل سفر الوال ف نشرة الخبار الت جعها ف‬
‫كتاب أساه » وعد كيسنجر «‪ ،‬وحسِب نَشرته علما! وأضاع معها عمرا‬
‫نفيسا بل طائل‪ ،‬بل أضاع با أعمار الغمر من الشباب؛ فقد جاءت نَشْرتُه‬
‫نُشرةَ تبيب بي طلبة العلم وأهله أصحاب الفضائل‪ ،‬فضلً عمّا فيها من إغراء‬
‫()‬
‫المراء بالعلماء ما يوقع بينهم وَحشة‪ ،‬والتجربة تدلّ على ذلك ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والق أن الطلع على أسرار الكفار مِن إسرارهم ل من إعلنم أمر‬


‫مطلوب من ذوي الجتهاد‪ ،‬وعلى هذا بوّب البخاري ف » صحيحه « لقصة‬
‫حاطب بن أب بلتعة آنفة الذكر بقوله‪ " :‬باب من نظر ف كتاب مَن يُحذَر‬
‫على السلمي ليستبي أمره "‪ ،‬فتدبّر الفرق يرحكال ‪.‬‬
‫وقد انتقد الشيخُ اللبان قولَ ناصر العمر ـ وهو يعدّد مصادر ( فقه‬
‫الواقع ) ـ‪ " :‬الصادر السياسية والصادر العلمية‪ ،‬وهي من أهم الصادر‬
‫العاصرة‪ ،‬سواء أكانت مسموعة أم مقروءة أم مرئية‪ ،‬مِن أبرزها الصحف‬
‫والجلت والدوريات‪ ،‬نشرات وكالت النباء العالية‪ ،‬الذاعات‪ ،‬التلفزيون‪،‬‬
‫الشرطة والوثائق وغي ذلك من الوسائل العلمية العاصرة "‪ .‬قال أحد‬
‫() وما يؤسف له أن يكتب عبد ال الدميجي كتابا يقرر فيه مذهب الوارج والروافض‬ ‫‪1‬‬

‫والعتزلة ف مسألة الروج وساه » المامة العظمى عند أهل السنة والماعة! « وأشد منه‬
‫أسفا أن يتصر آخَرُ كتاب » غياث المم « ويقرر ف حاشيته ذاك الذهب الشئوم كما‬
‫ف ص (‪73‬ـ ‪ ،)93‬مضيفا إليه التكفي بطريقة ذاك الذهب نفسه كما ف حاشية‬
‫ص (‪40‬ـ ‪ ،)71‬ث يقوم سفر الوال بتوزيعه علينا ـ نن معشر الجاج ـ بأعداد هائلة!‬
‫فهل يريد توسيع دائرة الروج على الكام من الملكة السعودية إل غيها؟ أم أنم كتبوا‬
‫على غلف الكتاب‪ ( :‬الطريق إل اللفة ) سهوا؟!!‬
‫‪261‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الضور للشيخ‪ :‬ما رأيك ف هذا الصدر؟‬


‫قال الشيخ اللبان‪ " :‬مزالق! كلنا يعلم أنم ل ينشرون على العال‬
‫السلمي إل ما يكيدون به لم‪ ،‬فكيف يكون هذا سببا لعرفة الواقع؟! يب‬
‫أن يقال‪ :‬ينبغي أن يكون هناك ـ يعن ماذا يسمّون؟ ـ مراسلي مثل أو‬
‫إخباريي أو إعلميي‪ :‬صحفيي إسلميي‪ ،‬الذين يدرسون الواقع دراسة ف‬
‫حدود عقيدتم ودينهم‪ ،‬ول ينبغي أن نكون عالة كما أنت أشرت‪ ،‬كيف؟‬
‫هذا ل يلتقي مع هذا؛ الذي أشرتَ إليه ل يلتقي مع هذه الصادر الخية الت‬
‫أشرتَ إليها! "‪.‬‬
‫فاعترض عليه ناصر العمر بأنه وضع ضوابط لذلك وماذير‪ ،‬وذكر منها‪:‬‬
‫ـ" أول‪ :‬اللتزام بالصول الشرعية والنطلقات العلمية والعقلية ف وصف‬
‫الواقع وتوقّع النتائج ورؤية الستقبل‪.‬‬
‫ـ ثانيا‪ :‬التثبت ف نقل الخبار وتلقيها‪ ،‬وذكرتُ هذه القضية‪ ،‬وبيّنتُ هذا‬
‫المر‪ :‬حسن التعامل وتنّب الخاطر والزالق‪ ،‬ذكرت أن الخذ من هذه‬
‫الشياء ل بد من هذه الضوابط "‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ " :‬لكن هذا ل يكن ( تضبيطه )‪ ،‬أنت وضعت ضوابط‬
‫نظرية‪ ،‬ل تتم هذه إل بالختراع السابق‪ ،‬هذه ( َشغْلة ) الكومة‪ ،‬وليس بفرد‬
‫من الفراد أو بماعة‪ ،‬كما نسمع أن إذاعة لندن ليست إذاعة حكومية‪ ،‬إنا‬
‫هي المعية مثل أم ماذا يسمونا؟ " فقيل له‪ :‬هي شركات خاصة‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ " :‬يب أن يكون هناك إذا ما قامت ما تعهدت الدولة بالقيام‬
‫بذا الواجب الكفائي الساعد على فهم فقه الواقع‪ ،‬إذا ل تقم الدولة ـ وهي‬
‫أول وأحق وأقوى من يستطيع أن يقوم بذا الواجب الكفائي ـ فيجب أن‬
‫يكون هناك شركات مؤلفة من أشخاص من السلميي الغيورين‪ ،‬وأن يوظّفوا‬
‫‪262‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أشخاصا لنقل الخبار‪ ،‬كما يفعل الكفار‪ ،‬وحينئذ ل نكون نن عالة ف تلقي‬
‫الخبار من أعدائنا وخصومنا‪ ،‬ث ناول أن نطبق القيد الذي ذكرته أنت‪ .‬ل‬
‫يستطيع أي إنسان إذا أراد أن يتأكد من صحة بعض هذه الخبار‪ ،‬ما‬
‫يستطيع أن يتأكد من ذلك؛ لن مصادرها أجنبية‪ ،‬تاما لو أردنا أن نتأكد‬
‫من صحة بعض الخبار ف التوراة والنيل‪ ،‬ليس عندنا وسيلة لعرفة الخبار‬
‫الت ف التوراة والنيل‪ :‬ما هو صحيح ما ليس بصحيح‪ ،‬إل بقابلتها بأخبار‬
‫أهل صدق وثقة و‪ ...‬ال‪ ،‬فإذا هؤلء ل يكونوا موجودين ذهبت أدراج من‬
‫يريد فقه الواقع معرفة حقيقية اعتمادا منه على الخبار الت ترِدنا من بلد‬
‫الكفر والضلل والفسق والفجور‪ ،‬ل يكن حينئذ تقيق ما ألحتَ إليه من‬
‫التثبت‪ ،‬ولذلك ( فقه الواقع ) هذا الن نظري‪ ،‬ول يكن أن يكون واقعيا‬
‫إل بإياد شركة توظّف أناسا لنقل الخبار بطرق موثوقة ينطبق عليها تاما‬
‫علم مصطلح الديث‪.‬‬
‫قال العمر‪ :‬إذا ل يوجد هذا يا شيخ‪ ،‬حت يوجد هذا المر؟‬
‫قال اللبان‪ :‬إيه! من الصعب تقيقه‪.‬‬
‫قال العمر‪ :‬أل نستفيد يا شيخ من بعض ‪..‬‬
‫قال اللبان‪ :‬يا شيخ! ـ باركال فيك ـ لكثرة الخبار وكثرة الخبين‬
‫من الكفار‪ ،‬يضيع الباحث بي هذه الخبار وهذه‪ ،‬ما يستطيع أن يتحقق إل ما‬
‫()‬
‫ندر جدا جدا " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() من أشرطة » سلسلة الدى والنور « بعنوان‪ »:‬فقه الواقع « مناقشة العلمة اللبان‬ ‫‪1‬‬

‫للخ ناصر العمر سنة ( ‪1412‬هـ )‪.‬‬


‫قال الشيخ ممد بن عثيمي‪ " :‬ث إن ( فقه الواقع ) الذي يقال عنه‪ :‬إنه ( فقه الواقع )‬
‫يستند على إيش؟ يستند على الصحف والجلت والذاعات‪ ،‬وما أكثر الترويج ف‬
‫‪263‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قلت‪ :‬ولذلك تد الدهد وصف نبأه الذي أخب به سليمان عليه الصلة‬
‫ن}‪ ،‬مع ذلك‬ ‫قي ٍ‬ ‫سبَإ ٍ بِنَبَإ ٍ ي َ ِ‬‫من َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جئْت ُ َ‬‫والسلم باليقي فقال‪{:‬و ِ‬
‫ومع أنال سخّر لسليمان النّ واليوان‪ ،‬فإنه لا كان اليوان مصدرا قاصرا‬
‫سنَنظُُر‬ ‫من مصادر التلقي‪ ،‬قال سليمان عليه الصلة والسلم‪َ { :‬‬
‫ل ما أعظم هذا‬ ‫ن}‪ ،‬فل إله إل ا !‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الكَاِذبِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬‫م كُن َ‬
‫تأ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫صد َ ْ‬
‫أ َ‬
‫النهج وما أعدله وما أدقه! فاحرص على هذه الدقة الت لست واجدها إل عند‬
‫السلفية‪ ،‬لنا حققت منهج أهل الديث بدارة‪ ،‬وليس مرد انتساب لم مع‬
‫تأثّر بالغ بناهج أخرى‪ .‬وعلى هذا ل لوم على السلفية إذا كانت ل ترفع رأسا‬
‫بذه الخبار الت ملت أدمغة الشباب اليوم‪ ،‬ول تطيب با نفسا ول تعوّل‬
‫عليها‪ ،‬مع التنبيه علىأنه قد يستفاد منها بعد تبيّن صدقها من كذبا‪ ،‬وتُبن‬
‫عليها أحكام بالقرائن الت تتفّ با‪ ،‬لكن تنبّه‬
‫قلُها إل‬ ‫ـ أخي القاريء! ـ تنبّه إل قولال تعال‪{ :‬وما يَع ِ‬
‫مون}‪ ،‬أي ل يقدر عليها إل من جعال له بي التضلّع بعلم‬ ‫العال ِ ُ‬
‫الكتاب والسنة حت يصي متهدا‪ ،‬وبي قوة الفراسة وصدق التوسّم كما‬
‫()‬
‫سبق بيانه ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الصحف والجلت والذاعات! فوسائل العلم اليوم ل يُمكن العتماد عليها‪ ،‬وربا‬
‫يكون هناك مططات سابقة تغيّرت الحوال حت أصبحت هذه الخططات غي سليمة‪،‬‬
‫وإذا تأمّل العاقل فيما جرى من الحداث خلل عشرين سنة تبيّن له أن جيع التقديرات‬
‫الت ُقدّرت أصبحت غي واقعية‪ ،‬لذا نرى أن إشغال الشباب عن التفقّه ف دين ال عز‬
‫وجل إل التفقّه ف الواقع ومطاردة الجلت والصحف والذاعات وما أشبه ذلك ‪...‬‬
‫نرى أنه خطأ ف النهج ‪ ،" ...‬من شريط مسجل باسم‪ (( :‬لقاء أب السن الأرب مع‬
‫الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمي ))‪.‬‬
‫() وعلى هذا ل تستغرب أن تسمع سفر الوال ف أيام فتنة الليج يستدل ـ با قرأه ف‬ ‫‪1‬‬
‫‪264‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫و ـ ومِن ث اعتمادهم الخبار الشوّهة والكذوبة‪ ،‬قالال تعال‪{ :‬إذْ‬


‫ما لَي ْ َ‬
‫س‬ ‫هكُم َ‬‫فوا ِ‬‫ن بِأ َ ْ‬
‫قولُو َ‬ ‫سنَتِك ُ ْ‬
‫م وت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ه بِأل ْ ِ‬
‫ون َ ُ‬
‫تَل َ َّ‬
‫ق ْ‬
‫م}‪.‬‬‫عظِي ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫عندَ الل ِ‬
‫و ِ‬ ‫ه َ‬
‫و ُ‬‫هي ِّنا ً َ‬
‫ه َ‬
‫سبُون َ ُ‬
‫ح َ‬
‫م وت َ ْ‬‫عل ْ ٌ‬
‫ه ِ‬‫لَكُم ب ِ ِ‬
‫ص ـ ومِن ثَم نسبتهم للشريعة السمحة أحكاما جائرة استنبطوها‬
‫من الخبار الشوّهة‪ ،‬قال ابن القيم ـ رحه ال ـ‪ " :‬الكم قسمان‪ :‬إثبات‬
‫ة‬ ‫ت كَل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وإلزام‪ ،‬فالثبات يعتمد الصدق‪ ،‬واللزام يعتمد العدل {وت َّ‬
‫()‬
‫عدْلً } " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫صدْقا ً و َ‬
‫ك ِ‬ ‫َرب ِّ َ‬
‫حـ ـ تكهّنهم مستقبلً لَحقيقة له‪ ،‬وَق ْفوُهم سرابَ تميناتٍ ل تتلف‬
‫عن تمينات القانونيي العروفي باسم ( اللحظي السياسيي )؛ فيقال‬
‫لحدهم أيام قضية الليج‪ :‬ما هو ( تكهّنكم! ) لستقبل جزيرة العرب مع‬
‫وجود القوات الجنبية؟ فيقول‪ " :‬أرى أن وعد كيسنجر تقّق!!"‪ ،‬ويقول‪" :‬‬
‫إنه الحتلل الذي قرأته من عشر سنوات ف ملة كذا المريكية!!"‪.‬‬
‫ويقول آخر‪ " :‬هذه آخر أيام تطبيق الشريعة السلمية‪ ،‬ولن تَخرج هذه‬
‫القوات حت يطبّق القانون العالي الديد ف الزيرة!!"‪.‬‬
‫ويقول آخر‪ " :‬نن تت الحتلل!!! " ‪...‬‬
‫َتكّم ليس عليه أثارة من علم إل الرجم بالغيب‪ ،‬قد بان للذكيّ والغبّ‬
‫تكذيب الواقع لا‪ ،‬فعل َم يتغافل التباع عن ماسبة ( شيوخهم ) عليها؟! وإن‬
‫هي إل ترّصات تيّلوها إرهاصات‪.‬‬

‫إحدى الجلت الكافرة‪ :‬مِن أن المريكان يتدرّبون ف صحراء ( نيفادا ) ـ على أن‬
‫ذلك يعن أنم كانوا يريدون غزو الليج العرب بدليل أن مناخ تلك الصحراء كمناخ هذا‬
‫الليج! وقرر من حينه أن قضية الليج هي استعمار له!!‬
‫() » الطرق الكمية « ص (‪.)9‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪265‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫والدهى والمرّ أنم ل يزالون يعتمدون عليهم‪ ،‬بل ل يَرضون ف السياسة‬


‫وغيها إل بم‪ ،‬رغم كثرة ترّهاتم! فما أشد العصبية العمياء للشخاص على‬
‫أهلها! وكان الواجب على هؤلء أن يوَظّفوا ف دعاتم هؤلء قولَال تعال‪:‬‬
‫حداً }؛ لنم كما قالال عز‬ ‫َ‬
‫مأ َ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬ ‫هم ِ‬ ‫في ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫{ول ت َ ْ‬
‫س‬
‫ف ُ‬ ‫وى الَن ُ‬ ‫ه َ‬ ‫وما ت َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ن إِل َّ الظَّ َّ‬ ‫عو َ‬ ‫ن يتَّب ِ ُ‬ ‫وجل‪{ :‬إ ْ‬
‫هدَى}‪.‬‬ ‫م ال ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫من َرب ِّ ِ‬ ‫هم ِ‬ ‫جاءَ ُ‬ ‫قد ْ َ‬‫ول َ َ‬
‫ط ـ إغراقهم ف السياسة إل ح ّد تعليمها وإسنادها إل عامة الناس‪ ،‬مع‬
‫أن النب يقول‪ » :‬مِن حسن إسلم الرء تركه ما ل يعنيه « رواه الترمذي‬
‫وهو حسن‪.‬‬
‫ول يقف المر عند هذا حت سعتُ سلمان العودة ينْمي هذا الطأ إل‬
‫سلفنا الصال‪ ،‬فقد قال‪ " :‬أما ف الجال السياسي فالمر معروف‪ :‬فقد‬
‫أصبحت المة رضيَت بأل تفكر ول تنظر ول تتأمّل ول تدرس الصال‬
‫والفاسد‪ ،‬ول تستخدم عقلها‪ ،‬ول سعها لترى ول بصرها لتسمع ( هكذا )!‬
‫لنه كما يتردّد وينقل الميع أن النسان يستمتع برحلة متعة هادئة هانئة‪،‬‬
‫وقد ترك المر لغيه‪ ،‬حت دون أن يَسأل أو يناقش‪ ،‬مع أنال تعال جعل‬
‫المة كلها مسئولة‪ ،‬ول يعل السئولية العلمية ول السياسية ول الدعوية‬
‫على شخص واحد‪...‬وهذا خطأ؛ لنه يتصر المة ـ كما ذكرتُ ـ ف‬
‫م} وقال‪:‬‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬
‫شوَرى بَيْن َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫مُر ُ‬ ‫أفراد‪ ،‬وال تعال قال‪{ :‬وأ ْ‬
‫ر}‪ ،‬مع أن الرسول عليه السلم مؤيّد من‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫م في ال ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫وْر ُ‬ ‫شا ِ‬‫و َ‬ ‫{ َ‬
‫السماء‪ ،‬فالشاورة فيها تعزيز للعقول‪ ،‬وتنمية للمواهب‪ ،‬و َجعْل الميع‬
‫يشعرون بأن المر لم‪ ،‬وهو شأنم وقضيتهم‪ ،‬وهذه لكم أنتم وليست ل‪،‬‬
‫وإذا وقع خطأ فتتحمّلونه جيعا‪ ،‬لن يتحمّله العال وحده ول الاكم وحده‬
‫‪266‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ول الداعية وحده!! "‪.‬‬


‫ويؤكد هذا الطأ الفادح بقوله‪ " :‬من الطورة بكان ـ أيها الحبة! ـ‬
‫أن تتمحور الصحوة السلمية حول أشخاص‪ ،‬أو أن تتمحور المة كلها على‬
‫أشخاص سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد العلمي أو على‬
‫()‬
‫الصعيد الدعوي " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ول على هذا الكلم الطي ثان ملحظات‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ جعل الفروض الكفائية فروضا عينية حي أنكر على المة ـ بل‬
‫استثناء ـ عدم الشاركة ف السياسة والعلم والدعوة‪ ،‬والذي يدل على أنه‬
‫ليس سبق لسان‪ ،‬وإنا هو منهج له أنه أكّده بتكراره أولً‪ ،‬وباستعمال أسلوب‬
‫التأكيد ثانيا حي قال‪ " :‬مع أنال تعال جعل المة كلها مسئولة ‪." ...‬‬
‫قلت‪ :‬وقد وجدتُ عند العلمة الشيخ عبد ال بن حُميد ـ رئيس ملس‬
‫القضاء ف وقته وكذا الجمع الفقهي رحه ال ـ كلمةً متصرة كافية ف ردّه‬
‫على كاتب ف جريدة » القصيم « بتاريخ (‪8/5/1381‬هـ) حيث قال‪ " :‬وأما‬
‫قولكم‪ ( :‬ل بد أن يكون لنا كلمة ف شئون ديننا‪ ،‬وأن الدين للجميع‪ ،‬وليس‬
‫وقفا على أحد دون الخر ) فهو كما تفضلتم‪ ،‬ولكن ل يقل أحد بذلك‪ ،‬ول‬
‫()‬
‫أظن أن يقال هذا" ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫قلت‪ :‬لو عاش الشيخ ابن حيد إل زمننا هذا لوجد الكثي من تتابع على‬
‫هذا الذي استغربه؛ فقد قال عبد الرحن عبد الالق‪ .. " :‬وأنه ل بدّ لكل‬

‫() شريط » حديث حول منهج السلف « رقم (‪.)179‬‬ ‫‪1‬‬

‫() من » الرسائل السان ف نصائح الخوان «‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪267‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫مسلم أن يَنخرط ف عمل سياسي ينصر الدين!! " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫لكن صدق الشيخ ابن حيد ـ رحه ال! ـ؛ فإنه ل يُعلم أحد من‬
‫العقلء سبقه هو وسلمان وعبد الرحن إل هذا فضلً عن أهل العلم! خاصة ف‬
‫هذه الجالت الثلثة الطية‪ ،‬الت أجع أهل العلم على عدم فرضها على‬
‫العيان‪ ،‬وإليك بيان ذلك ف إلاعة سريعة؛ لن مظانا ل تفى على صغار‬
‫طلبة العلم‪:‬‬
‫ـ أما السياسة‪ :‬فقد بيّنتُ أدلة حصر مارستها ف أول المر‪ :‬العلماء‬
‫والمراء‪ ،‬فل أعيده‪.‬‬
‫ـ وأما العلم‪ :‬فقد نصّال تعال بأنه ل يفرض طلبه إل على طائفة من‬
‫السلمي‪ ،‬أما الخرون فيكفيهم أن يعْلموا منه ما يقيمون به دينهم ودنياهم‪،‬‬
‫فروا كَا َّ‬
‫ة‬
‫ف ً‬ ‫ن لِيَن ْ ِ ُ‬
‫منُو َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫قالال عز وجل‪{:‬و َ‬
‫ما كَا َ‬
‫ف َّ‬ ‫م طَائ ِ َ‬
‫هوا‬
‫ق ُ‬ ‫ة لِيَت َ َ‬
‫ف ٌ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬‫ة ِ‬‫ق ٍ‬ ‫فْر َ‬ ‫من ك ُ ِّ‬
‫ل ِ‬ ‫فَر ِ‬‫ول َ ن َ َ‬ ‫فل َ ْ‬‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫ذُروا َ‬
‫عوا إلي ْ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫م إِذَا َر َ‬ ‫ه ْ‬‫م ُ‬‫و َ‬
‫ق ْ‬ ‫ن ولِيُن ِ‬
‫دي ِ‬ ‫في ال ِّ‬
‫َ َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫حذَُرو َ‬‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫عل ّ ُ‬‫ل َ‬
‫قال القرطب‪ " :‬وف هذا إيابُ التفقّه ف الكتاب والسنة وأنه على الكفاية‬
‫()‬
‫دون العيان " ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ـ أما الدعوة‪ :‬فقد أمر ال عز وجل با طائفةً‪،‬ول يُلزِم الميع با‪،‬‬

‫() من » السلمون والعمل السياسي « ص (‪ ،)76‬ول يُستَغرَب هذا الوضوحُ ف النراف‬ ‫‪1‬‬

‫من عبد الرحن‪ ،‬لكن الذي يُستغرب هو انطلؤه على كثي من قرّاء كتابه هذا! ولقد‬
‫كان صدورُه أولَ شيء شدّ به عليّ بن حاج أزره! وأوّل شيء شجّعه على إظهار ما كان‬
‫يُخفيه عن السلفيي!! وأخذ يومها يلقي منه دروسه!!‬
‫() » تفسي القرطب « (‪ )8/186‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪268‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫خي ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ن إلى ال َ‬ ‫عو َ‬
‫ة يَدْ ُ‬‫م ٌ‬ ‫م أ ُ َّ‬ ‫فقال‪{ :‬ولْتَكُن ِ‬
‫منك ُ ْ‬
‫ر}‪ ،‬قال ابن‬ ‫ْ‬
‫منك َ ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫ع ِ‬‫ن َ‬‫و َ‬
‫ه ْ‬‫ف ويَن ْ َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن بِال َ‬
‫مُرو َ‬
‫ويَأ ُ‬
‫كثي‪ " :‬والقصود من هذه الية أن تكون فِرقة من هذه المة متصدية لذا‬
‫()‬
‫الشأن ‪ ، " ...‬ث أشار إل وجوب المر بالعروف والنهي عن النكر على‬
‫‪1‬‬

‫الناس؛ كل بسَبه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إيغاله العوام فيها يوَرّطهم ف ثلث فت هي‪:‬‬
‫ـ أنه يُرَبّي فيهم التجرّؤ على الفتيا‪.‬‬
‫ـ ويدفعهم إل التجنّي على أهل العلم إذا ل يفهموا مسالكهم‪ ،‬وَتعْظم‬
‫الفتنة بم ف القضايا السياسية‪ ،‬بل يفتِنون حت دعاتم‪ ،‬أل ترهم ف قضية‬
‫الليج كيف كانوا بفهوم العوام مصورين‪ ،‬وتت ضغوط مطالبهم مأسورين؟‬
‫ـ وتييجهم على المراء‪ ،‬والنوح بم إل التكفي‪ ،‬ومَن جرّب جاعة‬
‫التكفي عرف كيف احتوى الهال الدعوة‪ ،‬والمرل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ دعوته المة إل دراسة الصال والفاسد من أكب مزالقه؛ لن تبيّن‬
‫الصلحة ـ الت فيها المن ـ من الفسدة ـ الت فيها الوف ـ ل يَقدر عليه‬
‫إل الراسخون ف العلم‪ :‬أهل الستنباط‪ ،‬ويظهر هذا الصر ف قوله تعال‪:‬‬
‫عوا ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ف أَذَا ُ‬
‫و ِ‬‫خ ْ‬
‫و ال َ‬ ‫َ‬
‫نأ ِ‬ ‫م ِ‬
‫َ‬
‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬
‫مٌر ِ‬
‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫{وإذَا جاءَ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫هم‬
‫من ْ ُ‬
‫ر ِ‬
‫م ِ‬
‫ل وإلى أولِي ال ْ‬ ‫سو ِ‬‫و َردُّوهُ إلى الَّر ُ‬ ‫ول َ ْ‬‫َ‬
‫َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ستَنبِطُون َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ُ‬
‫عل ِ َ‬‫لَ َ‬
‫‪ 4‬ـ كثيا ما تد الهيّجي من الراهقي السياسيي يُشَرّكون العامة فيما‬
‫يسمونه واقع المة‪ ،‬حت إذال ينتج عن تليلتم شيء من غُنْمها‪ ،‬شرّكوهم ف‬
‫غُرْمها‪ ،‬ول يقع اللوم عليهم وحدهم‪ ،‬كما صرّح به هنا سلمان حي قال‪" :‬‬

‫() وإل هذا جنح القرطب ف تفسيه (‪ )4/106‬والشوكان ف » فتح القدير « (‪.)1/396‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪269‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فتتحمّلونه جيعا‪ ،‬لن يتحمّله العال وحده‪ ،‬ول الاكم وحده‪ ،‬ول الداعية‬
‫()‬
‫وحده!! " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهذا يفسّر تصرّف علي بن حاج ف استشارته العوام لحداث أول‬


‫مسية! تلك السية الشئومة الت ذهب ضحيتها ف عشية واحدة مئات‬
‫حيّا‪ ،‬حت اضطر إل أن يقول ف المعة الت‬ ‫الشباب ف مقتبل العمر وبراءة ا ُل َ‬
‫تَلتْها‪ " :‬أنا ل أدعُ إل مسية‪ ،‬ولكنن دعوتُ إل اللوس ف ساحة كذا‬
‫()‬
‫لنسمع مطالب الشعب!!! " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫قلتُ‪ :‬سبحان ال! ليتَه ل يمع قَتْل أنفُسٍ وكذبا!!‬


‫كما تد هذه الطريقة ف الفرار من السئولية عند كلم سفر الوال الت‬
‫عن أحداث الزائر؛ حيث يقول‪ " :‬القضية الت نتكلم عنها ليست مرد فلن‬
‫ول فلن‪ ،‬إن كان من أولياءال فال ولّ التقي‪ ،‬وسينصرهم ولو بعد حي‪ ،‬وإن‬
‫كانوا غي ذلك فقد جاءهم‪ُ :‬عجّلت إليهم بعض ذنوبم "‪.‬‬
‫فتأمل كيف يهيّج وي َؤيّد ث يتبّأ فَيكِلُ المر إل إيان القوم‪ ،‬كأنه يقول‬
‫ب‬‫ه َر َّ‬‫ف الل َ‬
‫خا ُ‬ ‫م إِنِّي أ َ َ‬
‫منك ُ ْ‬ ‫ريءٌ ِ‬ ‫حينئذ‪{:‬إنِّي ب َ ِ‬
‫()كتبتُ هذا من اجتهادي‪ ،‬ث إذا ب أُفاجأ بأن أجده قاعدة من قواعد الرجل قد صرّح با‬ ‫‪1‬‬

‫ف شريط » القواعد ف توحيد الكلمة «؛ حيث يقول‪ " :‬القاعدة الثالثة‪ ... :‬لك الغنم‪،‬‬
‫وليس عليك الغرم ‪ ،" !!..‬فحمدت ال على أنن ما جنيتُ عليه‪ ،‬ول يُحمد على مكروه‬
‫سواه‪ .‬وكيف ل يُغَرّم مَن يفت الشباب بدخول العارك الت توردهم الهالك وقد قال‬
‫ف أدن من ذلك‪ » :‬قتلوه‪ ،‬قتلهم ال « رواه أبو داود وهو صحيح؛ قال‬ ‫رسول ال‬
‫ابن تيمية عند هذا الديث‪ " :‬فإن هؤلء أخطأوا بغي اجتهاد؛ إذ ل يكونوا مِن أهل العلم‬
‫"‪ ،‬من » مموع الفتاوى « (‪.)20/254‬‬
‫() ومن شاء التأكد فليطلب من هذه الماعة شريطا معروفا باسم » شريط الزقازيق «‬ ‫‪2‬‬

‫شهر صفر لسنة ‪1409‬هـ‪ ،‬راجع قصة هذه السية هنا ص (‪.)312‬‬
‫‪270‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ن}!!‬‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬
‫ال َ‬
‫‪ 5‬ـ كلم سلمان هذا كله دعوة إل الديقراطية بعينها‪ ،‬وهومن يُظهر‬
‫الكفر با‪ ،‬وإل كيف يدعو المة كلها إل الشورى ف السياسة؟! المر الذي‬
‫يدلّك على أن هؤلء أرادوا أن يكونوا واقعيي‪ ،‬فإذا هم قد صاروا ف يد‬
‫الديقراطية واقعي!‬
‫‪ 6‬ـ استدلله بآيت الشورى لتقرير هذا العن الديقراطي ف غاية‬
‫السقوط‪ ،‬وقبيح جدا بالسلم ـ بصفة كونه مسلما ـ أن يقع فيه‪ ،‬فكيف‬
‫بطالب العلم؟! فكيف بن قيل له‪ (:‬فضيلة الشيخ؟! ) فكيف بن أُريد له أن‬
‫يُضَمّ رقمُ هاتفه إل أرقام أصحاب الفضيلة هيئة كبار العلماء؟!‬
‫ث اعلم ـ أعاذكال من الهل ـ أن الشورى ف السلم متصة بالئمة‬
‫العلم‪ ،‬سواء أكان ذلك فيما بينهم‪ ،‬أم فيما بينهم وبي الكام‪.‬‬
‫واعلم ـ أيضا ـ أنه ل مشورة فيما ثبت فيه نصّ من كتابال أو سنة‬
‫خي النام عليه الصلة والسلم‪ ،‬وإليك باختصار شديد أدلة هذين الكمي‪:‬‬
‫قال البخاري ف كتاب الحكام من » صحيحه «‪ " :‬باب بطانة المام‬
‫وأهل مشورته‪ ،‬البطانة‪ :‬الدُخَلء "‪ ،‬وأسند فيه عن أب سعيد الدري عن النب‬
‫قال‪ » :‬ما بعثال من نبّ ول استخلف من خليفة إل كانت له بطانتان‪:‬‬
‫بطانة تأمره بالعروف وتُضّه عليه‪ ،‬وبطانة تأمره بالشر وتضّه عليه‪ ،‬فالعصوم‬
‫من عَصمال تعال «‪.‬‬
‫دلّ هذا الديث مع تبويبه على أن أهل الشورى ليسوا المة كلها كما‬
‫زعم سلمان! وإنا هم بطانة المام‪ ،‬خاصة وأن لذا الديث سبب ورود من‬
‫طريق البخاري نفسه‪ ،‬لكن ف غي » صحيحه «‪ ،‬وإنا رواه عنه تلميذه‬
‫‪271‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫الترمذي ف » سننه «‪ ،‬وفيه قصة خروج النب وأب بكر وعمر من‬ ‫‪1‬‬

‫بيوتم بسبب الوع‪ ،‬فكان إذن أبو بكر وعمر هم بطانة رسولال ‪.‬‬
‫ل ـ فقه ابن عباس حي فسّر قوله تعال‪:‬‬ ‫ولذلك تدبّر ـ رحك ا !‬
‫()‬
‫{وشاوِرْهُمْ ف ا َل ْمرِ} قال‪ " :‬أبو بكر وعمر رضيال عنهما " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومن تدبّر سية الرسول ف النوازل أدرك بل خفاء أنه ما كان‬


‫يشاور إل أعيان أصحابه‪ ،‬من ذلك ما رواه مسلم ف قصة بدر عن ابن عباس‬
‫قال‪ :‬فلما أَسروا الُسارى قال رسولال لب بكر وعمر‪ (( :‬ما ترون ف‬
‫ل هم بنو العمّ والعشية‪ ،‬أرى أن‬ ‫هؤلء السارى؟ )) فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول ا !‬
‫تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار؛ فعسىال أن يهديهم للسلم‪،‬‬
‫فقال رسول ال ‪ (( :‬ما ترى يا ابن الطاب؟ )) قلت‪ :‬ل وال يا رسولال ! ما‬
‫أرى الذي رأى أبو بكر‪ ،‬ولكن أرى أن تُ َمكّنّا فنضرب أعناقهم‪ ،‬فتُمكّن عليا‬
‫من عقيل فيضرب عنقه‪ ،‬وتُم ّكنّي من فلن ( نسيبا‬
‫لعمر ) فأضربَ عنقه‪ ،‬فإن هؤلء أئمة الكفر وصناديدها‪ ،‬ف َهوِيَ رسولال ما‬
‫قال أبو بكر‪ ،‬ول يهوَ ما قلتُ‪ ،‬فلما كان من الغد جئت فإذا رسول ال وأبو‬
‫ل أخبن مِن أيّ شيء تبكي أنت‬ ‫بكر قاعدين يبكيان‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول ا !‬
‫وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاء بكيتُ‪ ،‬وإن ل أجد بكاء تباكيتُ لبكائكما‪،‬‬

‫() انظر » تفة الحوذي « (‪.)7/34‬‬ ‫‪1‬‬

‫() إسناده صحيح‪ ،‬رواه النحاس ف » الناسخ والنسوخ « (‪ )889‬والاكم (‪ )3/70‬وصححه‬ ‫‪2‬‬

‫هو والذهب‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬وقع ف » الستدرك « قولُ الاكم‪ ( :‬أنبأنا أبو جعفر ممد بن أحد البغدادي ‪)..‬‬
‫وهو تصحيف‪ ،‬وإنا الصواب‪ :‬ممد بن ممد‪ ،‬كما ذكره على الصواب ابن كثي ف‬
‫تفسيه (‪.)1/630‬‬
‫‪272‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فقال رسولال ‪ » :‬أبكي للذي َعرَض على أصحابك من أخذهم الفداء‪،‬‬


‫لقد عُرض علي عذابم أدن من هذه الشجرة « ( شجرةٍ قريبة من نبال‬
‫حتَّى‬ ‫) وأنزلال ‪{ :‬ما كان لِنَبي أَن يكُون ل َ َ‬
‫سَرى َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ٍّ‬
‫حلَلً‬ ‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َّ‬ ‫فكُلُوا ِ‬ ‫ض} إل قوله‪َ { :‬‬ ‫َ‬ ‫يُث ْ ِ‬
‫مت ُ ْ‬
‫غن ِ ْ‬ ‫ن في الْر ِ‬ ‫خ َ‬
‫طَيِّباً } فأحلّال الغنيمة لم‪.‬‬
‫والشاهد من القصة واضح‪ ،‬أضف إل ذلك أنا من رواية ابن عباس مفسّر‬
‫آية الشورى كما سبق‪ ،‬ولذا بوّب لا الترمذي ف » سننه « بقوله‪ " :‬باب ما‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫جاء ف الشورة " ‪.‬‬
‫وللبخاري ف كتاب العتصام من » صحيحه « تبويب ماتع‪ ،‬ذكر فيه‬
‫أدلة ما نن بصدده بشكل جامع‪ ،‬أقصد تصيص الشورى بماعة من العلماء‪،‬‬
‫وتصيصها با ل يَرِد فيه نص من وحي السماء‪.‬‬
‫شوَرى‬ ‫م ُ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫قال ـ رحه ال ـ( )‪ " :‬باب قولال تعال‪{ :‬وأ َ‬
‫ْ ُ ْ‬ ‫‪2‬‬

‫وْرهم في المر} وأن الشاورة قبل العزم‬ ‫م} {وشا ِ‬ ‫ه ْ‬‫بَيْن َ ُ‬


‫علَى الله } "‪.‬‬ ‫ل َ‬ ‫وك َّ ْ‬ ‫ت َ‬
‫فت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫والتبيّن لقوله تعال‪{ :‬فإذَا َ‬
‫عَز ْ‬
‫قال ابن حجر‪ " :‬ووقع ف الدب من رواية طاوس عن ابن عباس ف قوله‬
‫ر} قال‪ " :‬ف بعض المر "‪ ،‬قيل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫تعال‪{ :‬و َ‬
‫م ِ‬‫في ال ْ‬ ‫م ِ‬‫ه ْ‬‫وْر ُ‬ ‫شا ِ‬
‫()‬
‫وهذا تفسي ل تلوة‪ ،‬ونقله بعضهم عن قراءة ابن مسعود " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وقال ـ رحه ال ـ‪ " :‬فإذا عزم الرسول ل يكن لبشر التقدم على‬
‫ال ورسوله "‪.‬‬

‫() انظر » تفة الحوذي « (‪ )5/373‬و» منهاج السنة « لبن تيمية (‪.)8/390‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » الفتح « (‪.)13/351‬‬ ‫‪2‬‬

‫() وانظر إن شئت » تفسي القرطب « (‪ )4/161‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪273‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قلت‪ :‬أي صار وحيًا‪ ،‬ولذلك قال ابن حجر‪ " :‬ويُستفاد من ذلك أن أمره‬
‫إذا ثبت ل يكن لحد أن يالفه ول يتحيّل ف مالفته "‪ ،‬وكذا قال سفيان‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫ابن عيينة ‪.‬‬
‫وقال ـ رحه ال ـ‪ " :‬وشاور النب أصحابه يوم أحد ف الُقام‬
‫والروج‪ ،‬فلما لبس َل ْأمَته وعزم قالوا‪ :‬أَقِمْ‪ ،‬فلم يَمِلْ إليهم بعد العزم وقال‪:‬‬
‫» لينبغي لنب يلبس َلأْمته فيضعها حت يَحكمال «‪ .‬وشاور عليّا وأسامة فيما‬
‫َرمَى به أهلُ الفك عائشة فسمع منهما حت نزل القرآن‪ ،‬فجلد الرامي ول‬
‫يلتفت إل تنازعهم ولكن حكم با أمرهال ‪ ،‬وكانت الئمة بعد النب‬
‫يستشيون المناء من أهل العلم ف المور الباحة ليأخذوا بأسهلها‪ ،‬فإذا وضح‬
‫الكتاب أو السنة ل يتعدّوه إل غيه اقتداء بالنب ‪ ،‬ورأى أبو بكر قتال مَن‬
‫مَنع الزكاة فقال عمر‪ :‬كيف تقاتل وقد قال رسولال ‪ » :‬أُمرتُ أن أقاتل‬
‫الناس حت يقولوا ل إله إلال ‪ ،‬فإذا قالوا ل إله إلال عصموا من دماءهم‬
‫وأموالم إل بقها وحسابم علىال « فقال أبو بكر‪ " :‬وال لقاتلن مَن فرّق‬
‫بي ما جع رسولال "‪ ،‬ث تابعه عمر‪ ،‬فلم يلتفت أبو بكر إل مشورة إذ‬
‫كان عنده حكم رسولال ‪ »:‬مَن بدّل دينه فاقتلوه «‪.‬‬
‫ب مشورة عمر‪ ،‬كهولً كانوا أو شبانا " اهـ‪.‬‬ ‫وكان القراءُ أصحا َ‬
‫وهو يقصد بكلمه الخي ما رواه هو ف » صحيحه « موصولً عن ابن‬
‫عباس قال‪ " :‬قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فنل على ابن أخيه الرّ‬
‫ابن قيس بن حصن‪ ،‬وكان من النفر الذين يُدنيهم عمر‪ ،‬وكان القراء أصحابَ‬
‫ملس عمر ومشاورته كهول كانوا أو شبانا "‪.‬‬
‫وشرح ابن حجر كلمة ( القراء ) بقوله‪ " :‬جع قاريء‪ ،‬والراد بم‬

‫() » تفسي الطبي « (‪.)3/496‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪274‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫العلماء بالقرآن والسنة ال ُعبّاد " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وروى البيهقي بسند صححه ابن حجر عن ميمون بن مهران قال‪ " :‬كان‬
‫أبو بكر إذا ورد عليه خصم نظر ف كتابال فإن وجد فيه ما يقضي به‬
‫قضى بينهم‪ ،‬فإن ل يد ف الكتاب نظر هل كانت من النب فيه سنة‪ ،‬فإن‬
‫علمها قضى با‪ ،‬وإن ل يعلم خرج فسأل السلمي فقال‪ :‬أتان كذا وكذا‪،‬‬
‫فنظرت ف كتابال وف سنة رسولال فلم أجد ف ذلك شيئا فهل تعلمون‬
‫أنّ نبال قضى ف ذلك بقضاء‪ ،‬فربا قام إليه الرهط‪ ،‬فقالوا‪ :‬نعم قضى فيه‬
‫بكذا وكذا فيأخذ بقضاء رسولال ـ قال جعفر‪ :‬وحدثن غي ميمون أن‬
‫أبا بكر كان يقول عند ذلك‪ :‬المد ل الذي جعل فينا من يفظ عن نبينا‬
‫ـ وإن أعياه ذلك دعا رؤوس السلمي وعلماءهم فاستشارهم فإذا‬
‫اجتمع رأيهم على المر قضى به‪.‬‬
‫قال جعفر‪ :‬وحدثن ميمون أن عمر بن الطاب كان يفعل ذلك‪ ،‬فإن‬
‫أعياه أن يد ف القرآن والسنة نظر هل كان لب بكر فيه قضاء‪ ،‬فإن وجد‬
‫أبا بكر قد قضى فيه بقضاء قضى به‪ ،‬وإل دعا رؤوس السلمي‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫وعلماءهم فاستشارهم‪ ،‬فإذا اجتمعوا على المر قضى بينهم " ‪.‬‬
‫()‬
‫‪3‬‬
‫ث ذكر ابن حجر مشاورات عمر وعثمان لهل اللّ والعقد ‪.‬‬
‫ومن أقوى ما يُستدل به هنا ما وقع ف وفاة عمر حي قيل له‪ " :‬أوصِ‬
‫يا أمي الؤمني! استخلف‪ ،‬قال‪ :‬ما أجد أحق بذا المر من هؤلء النفر ـ أو‬
‫الرهط ـ الذين توف رسولال وهو عنهم راضٍ‪ ،‬فسمى عليا وعثمان‬

‫() » الفتح « (‪.)13/271‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » السنن الكبى « (‪10/114‬ـ ‪.)115‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر » الفتح « (‪.)13/354‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪275‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫والزبي وطلحة وسعدا وعبد الرحن ‪ " ..‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وواضح جدا أن تلك المة العظيمة َأمّرت عليها الليفة عثمان‬


‫بشورة ستة منها فقط‪ ،‬فهل من معتب؟‬
‫شبهة‬
‫كل ما يستدل به هؤلء المهوريون من السلميي! أو من العلمانيي‬
‫لثبات ما دندن حوله سلمان‪ ،‬إما هي من مملت النصوص والثار الت أُبِم‬
‫فيها الستشارون‪ ،‬وإما هي غي ثابتة سندا‪ ،‬وإما ف الستدلل با تعسف‪ ،‬ومن‬
‫هذه استشارة النب أصحابه ف الروج إل بدر‪ ،‬فعن أنس‪ " :‬أن رسولال‬
‫شاور حي بلغه إقبالُ أب سفيان‪ ،‬قال‪ :‬فتكلم أبو بكر فأعرض عنه‪ ،‬ث‬
‫تكلم عمر فأعرض عنه‪ ،‬فقام سعد بن عبادة فقال‪ :‬إيانا تريد يا رسولال ‪،‬‬
‫والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نُخِيضها البحر ل َخضْناها‪ ،‬ولو أمرتنا أن‬
‫نضرب أكبادها إل بَرْك الغِماد لفعلنا‪ ،‬قال‪ :‬فندب رسولال الناس‪،‬‬
‫فانطلقوا حت نزلوا بدرا ‪ " ...‬رواه مسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ليس ف القصة أنه استشار عامة الناس ولذلك قال النووي‪:‬‬
‫()‬
‫" وفيه استشارة الصحاب وأهل الرأي والبة " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وعلى فرض أنه يصلح دليل لدّعاهم فقد قال النووي‪ " :‬قال العلماء‪ :‬إنا‬
‫قصد اختبار النصار لنه ل يكن بايعهم على أن يَخرجوا معه للقتال وطلب‬
‫العدو‪ ،‬وإنا بايعهم على أن ينعوه من يقصده‪ ،‬فلما عرض للخروج لعي أب‬

‫() رقم (‪.)3700‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » شرح مسلم « (‪.)12/124‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪276‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫سفيان أراد أن يَعلم أنم يوافقون على ذلك فأجابوه أحسن جواب " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ 7‬ـ وف نعي سلمان على المة عدم تدخلها ف الشورى يقول‪ " :‬وهذا‬
‫خطأ؛ لنه يَختصر المة ـ كما ذكرتُ ـ ف أفراد "‪ ،‬ث نزع بآيت الشورى‪،‬‬
‫هذا كله يدل على إيابه الشورى‪ ،‬ليس فقط على ول المر‪ ،‬بل على المة‬
‫كلها كما يظهر من سياقه‪ .‬وهذا لو وافقناه عليه لبطلنا خلفة أب بكر‬
‫وعمر وعثمان‪ ،‬ولبطلنا الستخلف الذي وردت الدلة بوازه‪ ،‬منها ما‬
‫رواه البخاري ومسلم عن عبدال ابن عمر رضيال عنهما قال‪ " :‬قيل لعمر‪:‬‬
‫أل تستَخلِف؟ قال‪ " :‬إن أستخلِف فقد استخلَف من هو خي من‪ :‬أبو بكر‪،‬‬
‫وإن أترك فقد ترك من هو خي من‪ :‬رسولال ‪ ،‬فأثنوا عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" راغب وراهب‪ ،‬ودِدتُ أن نوتُ منها كفافا ل لّ ول علي‪ ،‬ل أتمّلها حيا‬
‫وميتا "‪.‬‬
‫وهذا من أقوى الدلة على كون أب بكر استخلَف عمر من بعده ول‬
‫يترك المر شورى‪ ،‬فهل يرؤ أحد على تطئة أب بكر‪ ،‬والهاجرون‬
‫والنصار شهود لينكرون؟! بل إن رسولال لو علم ف المة اختلفا ف‬
‫تولية أب بكر لعهِد إليه من غي شورى‪ ،‬فعن عائشة قالت‪ :‬دخل علي رسول‬
‫ال ف اليوم الذي بُديء فيه‪ ،‬فقال‪ (( :‬ادعي ل أباكِ وأخاكِ حت أكتب لب‬
‫بكر كتابا ))‪ ،‬ث قال‪ (( :‬يأب ُالوالؤمنون إل أبا بكر )) أخرجه البخاري ومسلم‬
‫وغيها‪.‬‬
‫قال شارح العقيدة الطحاوية‪ " :‬والظاهر ـ وال أعلم ـ أن الراد أنه ل‬
‫يستخلِف بعهد مكتوب‪ ،‬ولو كتب عهدا لكتبه لب بكر‪ ،‬بل قد أراد كتابته‬
‫ث تركه‪ ،‬وقال‪ »:‬يأبال والسلمون إل أبا بكر «‪ ،‬فكان هذا أبلغ من مرد‬

‫() » شرح مسلم « (‪.)12/124‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪277‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫العهد‪ ،‬فإن النب دلّ السلمي على استخلف أب بكر‪ ،‬وأرشدهم إليه‬
‫بأمور متعددة‪ ،‬من أقواله وأفعاله‪ ،‬وأخب بلفته إخبارَ راض بذلك‪ ،‬حامدٍ له‪،‬‬
‫وعزم على أن يكتب بذلك عهدا‪ ،‬ث علِم أن السلمي يتمعون عليه‪ ،‬فترك‬
‫()‬
‫الكتاب اكتفاء بذلك " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قال أبو يعلى الفرّاء‪ " :‬ويوز للمام أن يعهد إل إمام بعده‪ ،‬ول يتاج ف‬
‫ذلك إل شهادة أهل اللّ والعقد‪ ،‬وذلك لن أبا بكر عهد إل عمر رضيال‬
‫عنهما‪ ،‬وعمر عهد إل ستة من الصحابة ‪ ،‬ول يَعتبا ف حال العهد شهادة‬
‫()‬
‫أهل اللّ والعقد " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال الاوردي‪ " :‬وأما انعقاد المامة بعهد مَن قبلَه فهو ما انعقد الجاع‬
‫على جوازه‪ ،‬ووقع التفاق على صحته لمرين عمِلَ السلمون بما ول‬
‫يتناكروها‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن أبا بكر عهد با إل عمر فأثبت السلمون إمامته‬
‫بعهده‪.‬‬
‫والثان‪ :‬أن عمر عهد با إل أهل الشورى فقبلت الماعة دخولم‬
‫فيها‪ ،‬وهم أعيان العصر اعتقادا لصحة العهد با‪ ،‬وخرج باقي الصحابة منها‪،‬‬
‫وقال علي للعباس رضوانال عليهما حي عاتبه على الدخول ف الشورى‪:‬‬
‫كان أمرا عظيما من أمور السلم ل أر لنفسي الروج منه‪ ،‬فصار العهد با‬
‫()‬
‫إجاعا ف انعقاد المامة " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فهل يبقى للقول بوجوب الشورى مل مع هذه الدلة القوية؟ قال ابن‬

‫() » شرح العقيدة الطحاوية « (‪ )474‬ط‪ .‬الكتب السلمي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » الحكام السلطانية « لب يعلى ص (‪.)25‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » الحكام السلطانية « للماوردي ص (‪.)11‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪278‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫القيم ف فوائد قصة الديبية‪ " :‬ومنها استحباب مشورة المام رعيته وجيشه‪،‬‬
‫استخراجا لوجه الرأي‪ ،‬واستطابة لنفوسهم‪ ،‬وأمنا لعتبهم‪ ،‬وتعرفا لصلحة‬
‫يتص بعلمها بعضهم دون بعض‪ ،‬وامتثال لمر الرّب ف قوله تعال‪:‬‬
‫هم في الَْمر} وقد مدح سبحانه وتعال عباده بقوله‪:‬‬ ‫وْر ُ‬‫شا ِ‬‫{و َ‬
‫()‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫م} " ‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬
‫شوَرى بَيْن َ ُ‬ ‫ه ْ‬
‫مُر ُ‬‫{وأ ْ‬
‫‪ 8‬ـ وأخيا أقول‪ :‬إنّ نسبة هذا النهج إلىالسلف تت عنوان‪ ( :‬حديث‬
‫حول منهج السلف ) غي مقبولة‪ ،‬لا بيّنت ما بينهما من أرحام غي موصولة‪،‬‬
‫ودعوتنا لؤلء الدعاة أن يعطوا القوس باريها‪ ،‬ويتركوا الطي لاديها‪ ،‬ريثما‬
‫يراجعون أنفسهم‪ ،‬ويتهيؤون لا يسنون؛ فإن قيمة الرء ما يسن‪.‬وفقال‬
‫الميع للخي‪.‬‬
‫ولا كان هذا النوع من الفقه ـ أعن فقه الواقع ـ بذه الثابة من التخبيط‬
‫والتخليط‪،‬كان لعلمائنا نظرة خاصة فيه للمحاذير الت نبّه عليها العلمة ربيع‬
‫ابن هادي الدخلي ـ حفظه ال ـ حيث قال‪ " :‬إنّ من أغرب ما يقع فيه‬
‫التحمسون لفقه الواقع أنم يقدّمونه للنّاس وكأنّه أشرف العلوم وأهها‪،‬‬
‫ولقد غل فيه بعضهم غلوا شديدا فجعل العلوم الشرعية من مقوماته‪ ،‬ونسج‬
‫حوله من الالت الكبية‪ ،‬بال يسبقه إليه الولون والخرون‪ ،‬وهو ف حقيقته‬
‫ل يسمى علما ول فقها‪ ،‬ولو كان علما أو فقها فأين الؤلفات فيه؟! وأين‬
‫علماؤه وفقهاؤه ف السابق واللحق؟! وأين مدارسه؟! لاذا ل يسمى علما ول‬
‫فقها إسلميا؟ لنه ذو أهداف سياسية خطية منها‪:‬‬
‫أ ـ إسقاط النهج السلفي؛ لن فقه الواقع ليتلف عن مبدإ الصوفية ف‬
‫التفريق بي الشريعة والقيقة؛ إذ هدفهم من ذلك إسقاط الشريعة‪.‬‬

‫() » زاد العاد « (‪.)3/302‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪279‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ب ـ الستيلء على عقول الشباب والفصل بينهم وبي علماء النهج‬


‫السلفي‪ ،‬بعد تشويه صورتم بالطعون الفاجرة‪.‬‬
‫جـ ـ اعتماده على التجسس‪ ،‬فالخوان السلمون وإن كانت لم‬
‫شبكات تسس واسعة على أهل الديث والسلفيي إل أنم يعجزون تام‬
‫العجز عن اكتشاف أسرار العداء وإحباط خططهم‪ ،‬وواقعهم ف مصر‬
‫وسورية والعراق أكب شاهد على ذلك‪.‬‬
‫د ـ أنه يعتمد على أخبار الصحف والجلت الت تترف الكذب‪ ،‬وعلى‬
‫الذكرات السياسية الت يكتبها الشيوعيون واليهود والنصارى والعلمانيون‬
‫واليكافيليون وغيهم من شياطي السياسة الاكرة‪ ،‬الذين من أكب أهدافهم‬
‫تضليل السلمي ومادعتهم واستدراجهم إل بناء خطط فاشلة على العلومات‬
‫الت يقدّمونا‪.‬‬
‫هـ ـ من أركان هذا الفقه الزعوم التحليلت السياسية الكاذبة الفاشلة‪،‬‬
‫وقد أظهرال كذبا وفشلها‪ ،‬ول سيما ف أزمة الليج‪.‬‬
‫و ـ أنه يقوم على تريف نصوص القرآن والسنة‪ ،‬ويقوم على تريف‬
‫كلم ابن القيم ف فقه الواقع‪.‬‬
‫ص ـ قيامه على الهل والوى حيث ترى أهله يرمون من ل يهتم بذا‬
‫الفقه بالعلمنة الفكرية والعلمية‪ ،‬وهذا غلو فظيع قائم على الهل بالفرق بي‬
‫فروض الكفايات وفروض العيان‪ ،‬لو سلمنا جدل أن هذا الفقه الوهي من‬
‫()‬
‫فروض الكفايات ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() ول يزال المر بؤلء يتفاقم حت يُغلوا ف السياسة إل حد استصغار علوم الشرع ف‬ ‫‪1‬‬

‫جنبها‪ ،‬حت ولو كانت عقيدة التوحيد!! ووال لقد مكثت أياما وليال باهتا مهموما‬
‫لكلمة شنيعة قالا سلمان العودة ف شريط » حول الحداث الديدة « رقم (‪ )78‬وهي‬
‫‪280‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ح ـ يرتكز هذا العلم الفتعل على البالغات والتهويل‪ ،‬حيث جُعلت علوم‬
‫الشريعة والتاريخ من مقوماته‪ ،‬فأين جهابذة العلماء وعباقرتم عن هذا العلم‬
‫وعن التأليف والتدريس فيه والشادة به والتخصص فيه وإنشاء الامعات أو‬
‫على القل أقسام التخصص فيه؟!‬
‫ط ـ ولا كان هذا الفقه بذه الصفات الذميمة ل ينشأ عنه إل اليال‬

‫قوله‪ .." :‬فتأت إل خطيب فتجد كأنه قد أصم أذنيه ول يسمع شيئا‪ ،‬يتكلم عن‬
‫موضوع بعيد بالرة؛ إما أن يتكلم تت الرض فيما يتعلق بأحوال الخرة والقب‬
‫والوت‪ ،‬وإما أن يتكلم فوق السماء فيما يتعلق بأمور النة والنار والبعث والساب‬
‫وغيها‪ ،‬كل هذه المور حق والكلم فيها حق‪ ،‬لكن ينبغي أن النسان يستغل فرصة‬
‫كون النفوس متهيّئة للوعظ والرشاد والتوجيه‪ ،‬وأخذ الدروس والعب من هذه‬
‫الحداث‪ ،‬ويُطَمئن الناس على هذا المر؛ يكون مصدر طمأنينة للناس‪ ،‬مصدر سكينة‬
‫لنفوسهم‪ ،‬يُحيي العان اليانية ف قلوبم ـ كما ذكرتُ ـ يبي لم الخاطر الت‬
‫تدّدهم‪ ،‬بيث يكون الكلم متعلقا بالواقع‪ .‬أما أن نعيش أحداث ( هكذا ) مؤلة‬
‫تُحرّك قلوبنا جيعا‪ ،‬ث نأت للمتحدّث أو الطيب فنجده يتكلم ف واد آخر‪ ،‬فهذا ف الواقع‬
‫ـ يعن ـ ذهول ( هكذا ) وغيبوبة ل يوز أن يقع الؤمن أو العال أو الداعية ضحيتها ‪...‬‬
‫"؟!‬
‫قلتُ‪ :‬يالا من مصيبة! ل أعتقد أن بعد الستهانة بالعقيدة مصيبة! أرأيتم ـ يا شباب‬
‫السلم!ـ فعل السياسة العصرية بأهلها ؟!‬
‫أرأيتم هذه الصياغة التهكمية بن يريدون تليص الناس من النار ؟! آلعقيدة أم فقه‬
‫الواقع؟!! مع أن الرء لو جهل واقعه لا حال ذلك بينه وبي النة‪ ،‬ولكنه لو جهل عقيدته‬
‫فمن ذا الذي ينجيه من النار؟ فأي الطيبي أحق بالنعي إن كنتم تعلمون؟ قال ال تعال‪:‬‬
‫ن ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ما دُو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫غ ِ‬
‫وي َ ْ‬
‫ه َ‬‫ك بِ ِ‬‫شَر َ‬‫فُر أَن ي ُ ْ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬
‫غ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫{إ ِ َّ‬
‫ضلَلً‬ ‫ل َ‬ ‫ض َّ‬‫قدْ َ‬ ‫ف َ‬‫ه َ‬‫ك بِالل ِ‬‫ر ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫من ي َ َ‬
‫ش ِ‬ ‫و َ‬
‫شاءُ َ‬ ‫لِ َ‬
‫عيداً }‪ .‬وإنه لعظيم جدا بكل مسلم أن يَتصوّر أحداث الواقع ـ الت تَؤُزّ الناس‬ ‫بَ ِ‬
‫‪281‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫والدواهي من الثار‪ ،‬فمن آثاره تفريق شباب المة وغرس الحقاد‬


‫والخلق الفاسدة ف أنصاره‪ ،‬من بْت البرياء والتكذيب بالصدق وخذلنه‬
‫وخذلن أهله‪ ،‬والتصديق بالكذب والترّهات‪ ،‬وإشاعة ذلك‪ ،‬والرجاف ف‬
‫صورة موجات عاتية‪ ،‬تتحوّل إل طوفان من الفت الت ما تركت بيت حجر أو‬
‫مدر أو وبر إل دخلته‪.‬‬

‫جدُ‬
‫أَزّا ـ باعث طمأنينة! ومصدر سكينة!! وسببا لحياء اليان ف القلوب!!! ول يَ ِ‬
‫ذلك ف أركان اليان؟! وكأن ابن القيم سع ذلك من سلمان فأجابه بقوله‪ " :‬وكذلك‬
‫إنا هي تقرير لصول اليان‪ :‬من اليان بال وملئكته وكتبه ورسله‬ ‫كانت خطبته‬
‫ولقائه وذكر النة والنار‪ ،‬وما أعدّ ال لوليائه وأهل طاعته‪ ،‬وما أعدّ لعدائه وأهل‬
‫معصيته‪ ،‬فيَمل القلوب من خطبته إيانا وتوحيدا ومعرفةً بال وأيامه‪ ،‬ل كخطب غيه‬
‫الت إنا تُفيد أمورا مشتركة بي اللئق‪ :‬وهي النَوح على الياة والتخويف بالوت؛‬
‫فإن هذا ل يُحصّل ف القلب إيانا بال ول توحيدا له‪ ،‬ول معرفة خاصة به‪ ،‬ول تذكيا‬
‫بأيامه‪ ،‬ول بَعْثا للنفوس على مبته‪ ،‬ول شوقا إل لقائه‪ ،‬فيَخرج السامعون ول يستفيدوا‬
‫فائدة‪ ،‬غي أنم يوتون وتُقسم أموالم ويُبلي الترابُ أجسامَهم‪ ،‬فيا ليت شعري! أي‬
‫إيان حصل بذا؟ وأي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل؟ " ( » زاد العاد « ‪.)1/423‬‬
‫قلت‪ :‬إنا أراد ابن القيم الردّ على صنفي من الطباء‪ ،‬الول‪ :‬هم الوعاظ القَصّاصون‪،‬‬
‫والثان‪ :‬هم الذين أنا بصدد الديث عنهم‪ ،‬فهل يُصَدّق فقهاء الواقع أن قائل هذا ل‬
‫يعيش معنا؟ وإنا قاله با فتح ال عليه من ( فقه النفس ) مع أنه ل يَعرف عن واقعنا‬
‫شيئا! رحه ال رحة واسعة‪ ،‬هذا كلم رجل امتل قلبه بتعظيم العقيدة؛ لنه سلفي‪ ،‬ل‬
‫كما يقول سلمان ف » هكذا علّم النبياء!! « ص (‪ .. " :)44‬فجزء من هذا اليسرِ اليسرُ‬
‫ف العقيدة؛ بيث تستطيع أن تشرح لي إنسان عقيدة التوحيد ف عشر دقائق أو‬
‫نوها!! ‪."..‬‬
‫قلت‪ :‬هكذا صنيع كل سياسي من هؤلء الدعاة الراكضي خلف كراسي الكم؛ ليس‬
‫‪282‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أما فقه الواقع الذي يتفي به علماء السلم‪ ،‬ومنهم ابن القيم‪ ،‬والسياسة‬
‫السلمية العادلة‪ ،‬فمرحبا بما وعلى الرأس والعي‪ ،‬وإن جهلهما وتنكّر لما‬
‫()‬
‫الخوان السلمون ‪. " ...‬‬
‫‪1‬‬

‫لديهم وقت يُضيّعونه مع العقيدة! على أنم ل يتضجّرون من الساعات الطويلة‪ ،‬بل‬
‫والعمار الديدة الت أكلتها السياسات! وإن كان النبياء قد ضيّعوا أعمارهم فيها كما‬
‫يبدو من هذا الكلم؟!‬
‫() » أهل الديث هم الطائفة النصورة الناجية « ص (‪93‬ـ ‪.)95‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪283‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫متفقهون حول الواقع ل يفقهون الواقع‬


‫أنقل هنا كلمات بذافيها من أشرطة مسموعة لدعاة تدّثوا عن القضيّة‬
‫السياسية الدّعوية الت بالزائر‪ ،‬وهم ككثي من الشباب التحمّس يو ِجبُون بل‬
‫هوادة التفقّه ف الواقع وَيْنعَون على غيهم ـ خاصة من أهل العلم الكبار‬
‫كالشيخ اللبان‪ ،‬والشيخ ابن باز‪ ،‬والشيخ ابن عثيمي ـ جهلهم بالواقع‪ ،‬وقد‬
‫رأيت أنم أحقّ بذا النعي؛ لنم نقلوا واقعا مشوّها غي صحيح‪.‬‬
‫هذا عن الزائر فقط دون متابعتهم ف أخبار غيها‪ ،‬ونن نعيش ف الزائر‬
‫نسمع من أشرطتهم غي مانرى‪ ،‬وقد اتصلنا ببعضهم مرارا وأبلغناهم أخطاءهم‬
‫دون فضحهم‪ ،‬فلم ند منهم تاوبا‪ ،‬فقلنا‪ :‬لعلّنا مهولون عندهم‪ ،‬وهم على‬
‫طريقة أهل الديث ف عدم قبول خب الجهول‪ ،‬ولم ف ذلك كل الق لنّه‬
‫عنوان التّحريّ لول أنّنا وجدناهم يعتمدون أخبار الكفار بالتجري! مع أنّ‬
‫الكافر شرّ من مهول السلمي بل ريب‪ ،‬وهم يناشدون اللق على أن يأخذوا‬
‫()‬
‫بنهج الوازنة بي النقبة والعيب !‬
‫‪1‬‬

‫على كل حال فإنّ كاتب هذه السّطور حاول التّصال بالدكتور سفر‬
‫الوال مرارا‪ ،‬أقلّها ثلث مرّات! وف كلها يعتذر بكثرة الشغال مع ضيق‬
‫الوقت ـ أعانهال على طاعته‪ ،‬لكن قد وصل إليه غيي من نعرفه ويعرفه‪،‬‬
‫فأفاده ما ف نفسي وزاد وأجاد‪ ،‬فحمدتال على بلوغ الراد‪ ،‬ووعد الدكتور‬
‫() أقصد دعوتم إل ذكر ماسن أهل البدع والخالفي عند ذكر مساوئهم باسم‬ ‫‪1‬‬

‫النصاف! بل وذكر ماسن الكفار أيضا!! وسّوه ( منهج الوازنة!!! )‪ ،‬وقد بيّن فضيلة‬
‫الشيخ ربيع بن هادي الدخلي عوار هذا الذهب ف » منهج أهل السنة والماعة ف نقد‬
‫الكتب والطوائف والرجال « وف » الحجة البيضاء لماية السنة الغراء « با ل تده عند‬
‫غيه‪.‬‬
‫‪284‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ألّ يعتمد مستقبلً إل على هذا الصدر الوثوق‪ ،‬لكن ل يطل الزّمن حت‬
‫عادت ( حليمة إل عادتا القدية! )‪ ،‬فرابن أمرُه وأمرُ جاعته ل ّن مثل هذا‬
‫التصلّب ف الباطل عرفناه ِممَن أخبارُهم ل تنبع من واقعٍ ما بقدر ما هي تنتمي‬
‫إل تزّب ما!!‬
‫خاصة وأنم ف كل مرّة يصلون قضيّة الزائر بقضايا ف السّعودية‬
‫ينكرونا‪ ،‬فيقولون‪ :‬كيف ل تتجاوب الدولة السّعودية مع البهة السلمية‬
‫للنقاذ الت بلغت من الطّهر كذا وكذا‪ ،‬على حي تاوبا مع الكومة‬
‫الزائرية الت بلغت من الرّجس كذا وكذا‪ ،‬وربا حكوا أنّ بينهما دعما ماديّا‪،‬‬
‫فلم يدوا سبيل إل النكار على دولتهم إل باستغلل قضايا العال كواسطة‪،‬‬
‫ومنها اضطرّوا إل تجيم الق الذي لدى جبهة النقاذ‪ ،‬وتقليص باطلها‪ ،‬بل‬
‫ض منه! كما ستقرؤه هنا وإليكم فقه الواقع!‬
‫الغ ّ‬
‫‪285‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فقه واقع الزائر عند سلمان بن فهد العودة‬


‫قال ف شريط » كلمة حقّ ف السألة الزائرية «‪ " :‬خرج الستعمار‬
‫الفرنسيّ الجنب من الزائر‪ ،‬ومع ذلك بقيت الزائر تُكم بغي السلم زمانا‬
‫طويلً حت تلمل الناس من تلك الوضاع السّيئة‪ ،‬وقامت حركات‬
‫ومظاهرات صاخبة واضطرابات كثية ف السواق والشوارع‪ ،‬وصارت‬
‫مواجهات دامية‪ ،‬وُقتِل الئات من الناس‪ ،‬بل أكثر من ذلك‪ ،‬وكانت الصحافة‬
‫تعتّم على مثل هذه المور‪ ،‬وكنت أذكر أنّنا نقرأ ف صحيفتنا أنم يسمونا‬
‫( ثورة البز )‪ ،‬يعن أن الناس قاموا من أجل البز بثا عن لقمة العيش‪،‬‬
‫وتاهلوا الدّافع السلمي القويّ وراء تلك الطالبات‪ ،‬وعلى إثرها أقرّت‬
‫الزائر با يسمّونه التعدّديّة السياسية وأذعنت لطالب الناس "‪.‬‬
‫النقد‪ :‬ف هذا الكلم خبط عجيب‪ ،‬لنّه يكم على ثورة (‪ 5‬أكتوبر‬
‫‪1988‬م) بأنّ دافعها إسلمي! فأقول‪:‬‬
‫ـ مت كان ف السلم ثورات ؟!‬
‫ـ مت كان الدّافع أو الباعث السلمي أوالنّية السنة كافية لغض الطّرف‬
‫عن الوسيلة والطريق؟!‬
‫ـ بأيّ دليل ينفي أن تكون ثورة خبز ويثبت أنّها إسلمية إن ص ّح‬
‫التعبي؟! أصاحب الدّافع السلمي القوي يرب بيته‪ ،‬فيكسر أدوات وزارته أو‬
‫الؤسّسة الت يأكل منها السلمون ؟ أصاحب الدّافع السلميّ القوي يغتصب‬
‫ـ أيّام جهاده القدّس! ـ من السواق الكومية وغي الكومية ما يد لنّها‬
‫غنيمة؟! لقد كان أصحاب الدّافع السلميّ القويّ يبيتون مع الفيديو‬
‫السلميّ! والنشيد السلميّ!! ف الهرجانات والظاهرات السلمية!!! فإذا‬
‫نادى منادي الفلح‪ :‬الصلة خي من النّوم‪،‬كان الجاهدون قد ناموا‪ ،‬ولعلّهم‬
‫‪286‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ل يسمعوه‪ ،‬لنم ناموا ف سدّة السجد‪ ،‬والؤذّن ف مقصورة السجد‪ ،‬فقام‬


‫بعض التطوعي من أهل اليّ بإيقاظ هذه اللف‪ ،‬فل يقوم إل الصلة منهم‬
‫إل فئة قليلة جدًا ربا عجزت أصابع اليد عن عدّها لنّها تزيد عنها قليلً‪.‬‬
‫ت‬ ‫غلَب َ ْ‬
‫ة َ‬ ‫قلِيل َ ٍ‬
‫ة َ‬‫فئ َ ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫وإن قيلَ ف القليل البكة فـ {كَم ِ‬
‫رين}؟ قلت‪ :‬نعم!‬ ‫صاب ِ ِ‬‫ع ال َّ‬
‫م َ‬ ‫ه َ‬
‫والل ُ‬
‫ه َ‬‫ن الل ِ‬ ‫ة كَثِيَرةً بِإِذْ ِ‬
‫فئ َ ً‬
‫ِ‬
‫ولكن إذا عُرفت الفئة الغالبة‪ ،‬فمن هي الفئة الكثية الغلوبة؟ آلفئة الكوميّة‬
‫الت هي ف خي المّة بغي حقّ سائمة؟! أم هي الفئة الجاهدة وعن الصلة‬
‫نائمة؟! فبينا أنا أكتب هذه الكلمات ذكرت حديثا يناسب حالنا للتّعاظ به‪،‬‬
‫وْليَذْكُرمنه أخونا سلمان قيمة تفريغ القلب من الدنيا ل تعال‪ ،‬وشرط‬
‫الخلص ف الهاد‪ ،‬فعن أب هريرة ‪ ،‬قال‪ :‬قال النّب ‪ » :‬غزا نبّ من‬
‫النبياء‪ ،‬فقال لقومه‪ :‬ل يَتَْبعْن رجل مَلَك بُضْعَ امرأة وهو يريد أن يَبْن با ولّا‬
‫َيبْنِ با‪ ،‬ول أحدٌ بن بُيُوتا ول يرفع سُقوفَها‪ ،‬ول آخرُ اشترى غنما أو َخلِفات‬
‫وهو ينتظر وِلدَها‪ .‬فغزا‪ ،‬فدنا من القرية صلةَ العصر أو قريبا من ذلك‪ ،‬فقال‬
‫للشّمس‪ :‬إنّكِ مأمورةٌ وأنا مأمورٌ‪ ،‬الله مّ ا ْحبِسْها علينا فحُبِسَت حت فتحال‬
‫عليهم‪ ،‬فجمع الغنائمَ‪ ،‬فجاءت ـ يعن النارـ لتأكلها فلم تَ ْط َعمْها‪ ،‬فقال‪ :‬إنّ‬
‫فيكم غُلولً‪ ،‬فليبايعْن من كل قبيلة رجلٌ‪ ،‬فلزقت يدُ رجلٍ بيده‪ ،‬فقال‪ :‬فيكم‬
‫الغُلولُ‪ ،‬فليبايعن قبيلتُك‪ ،‬فلزقت يدُ رجلي أو ثلثة بيده‪ ،‬فقال‪ :‬فيكم الغُلولُ‪،‬‬
‫فجاءوا برأس بقرة من الذّهب فوضَعوها‪ ،‬فجاءت النار فأكلتها‪ ،‬ث أحلّال لنا‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫ض ْعفَنا و َعجْزَنا فأحلّها لنا « ‪.‬‬
‫الغنائم‪ ،‬رأى َ‬
‫وف هذا الديث يظهر لك شرط الخلص ف الهاد‪ ،‬وأثر ابتغاء الدنيا‬
‫وارتكاب ما حرّمال ف تأخي النصر‪.‬‬

‫() رواه البخاري (‪ )6/254‬رقم (‪ 3124‬ـ الفتح)‪ ،‬ومسلم (‪ )3/1366‬رقم (‪.)1747‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪287‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ث كيف يستنتج سلمان أن تلك الثورة ـ الت ظهر له منها أنا شعبية‬
‫إسلمية ـ كانت سبب رضوخ الكومة للتعددية الزبية؟ أليس من الائز أن‬
‫يقال‪ :‬بل هي ف ٌخ نَصَبته أيد من خارج البلد‪ ،‬وهي حريصة على نصب‬
‫العداوة بي هؤلء وبي حكوماتم لضرب السلم بالسلميي التحمسي‬
‫الذين ل يرون إل الَبّ الميل‪ ،‬سواء أكانوا من الدّعاة ف الداخل أم من‬
‫الطبّلي الؤيّدين من الارج أمثالكم؟‬
‫وعلى كل حال‪ :‬استنتاجك مردود بإجاع أصحاب هذا الواقع الخالف‬
‫منهم والدافع‪ ،‬وما كل ما يعلم يقال‪ ،‬وإن من الشارة ما يغن عن صريح‬
‫العبارة‪ .‬وما قالته الصحافة ف ثورة البز قد صدقت فيه وهي كذوب‪ ،‬والدّليل‬
‫عليه أنّه لّا كانت جبهة النقاذ ف أ ْوجِ قوتا‪ ،‬ودعت إل إضراب عام عن‬
‫العمل ل يستجب لا إل القليل‪ ،‬أحوج ما تكون إل نصي‪ ،‬لنّ هذا الضراب‬
‫يسّ خبزة النصار‪ ،‬هذا مع التهديد الشّديد الله جة منها لن ل يساهم ف‬
‫الضراب برق الحلّت وتكسيها ‪ ،...‬ويكفي لتصديق ما أقول أنّ عباسي‬
‫مدن ـ النّاطق الرسي لذا الزب ـ كان شديد السى والتململ من هذه‬
‫الشاركة والؤازرة الضّعيفة‪ ،‬وذلك ف خطابه الشديد بساحة الضراب‪،‬‬
‫وأشرطة الضراب مفوظة‪.‬‬
‫ومع هذا يقال‪ " :‬ليست ثورة خبز "!!‬
‫وهذا نائبه علي بن حاج لّا كان يطب‪ ،‬فيتحدث عن إسراف ال ُكبَراء‬
‫واستئثارهم بالواد الغذائية وغيها من متاع الدنيا بألفاظ نابية جدّا كان للنّاس‬
‫ضجيجُ تاوبٍ كبي‪ ،‬كأنك ف ملعب أو ملهى‪ ،‬واسألوا ثقاتكم عن أشرطة‬
‫أيّام الضراب‪ ،‬فسيخبونكم إن كانوا صادقي‪.‬‬
‫قال سلمان‪ " :‬ليوجد ف صفوف البهة شيعي واحد!! "‪.‬‬
‫‪288‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫النقد‪ :‬قال عباسي مدن ـ النّاطق الرّسي للجبهة ـ‪ " :‬إنّ الصباح الذي‬
‫أضاءه المام المين نوّر قلوبنا جيعا‪ ،‬إننا نعتقد أنّ الثورة اليرانية ستنقذ‬
‫المّة السلمية‪ ،‬بل البشرية جعاء ‪ ...‬إنّ الشعب الزائري على أهبة‬
‫()‬
‫الستعداد للوقوف بانبكم صفّا واحدا لرفع رايةال أكب ف العال " ‪ .‬هذا‬
‫‪1‬‬

‫تصريح رئيس البهة‪ ،‬وهو يزور إيران أيّام قوّة جبهة النقاذ الت يصفها‬
‫سلمانُ بالسلفية!!‬
‫ول أظنّك ـ يا أخانا سلمان ـ تادل عن الذين يتانون أنفسهم‪ ،‬فتقول‬
‫كما يقول من ميّع عقيدته‪ " :‬ليس هذا الكلم من مدن إل تعاطفا سياسيا مع‬
‫الشيعة "! لنّه َمهْما قيل فيك إنك مصاب بلوثة إخوانية‪ ،‬فل أتصوّرك قائله‪،‬‬
‫لنك تربيت ف الديار السّلفية الت كانت أوّل النتبهي للخطر الرافضي‪ ،‬فإن‬
‫أبيتَ أن تكون سلفيا فللديار عليك ِمنّة‪ ،‬فاحفظ لا ذمّتها‪.‬‬
‫وأنا أقول شيئا من العسي قبوله عندك وعند الكثي وهو أنّ علي بن حاج‬
‫نفسه الناقم على الشيعة‪ ،‬قد سئل من قِبل صحاف فرنسي عن الثورة اليرانية‪،‬‬
‫فأجاب ـ كما سعته ف التسجيل ـ‪ " :‬ومن قال لكم أنّها ليست ثورة‬
‫إسلمية؟ ومن قال‪ :‬المين ليس مسلما؟! "‪ ،‬قلت‪ :‬إنا ل! ومَن مِن‬
‫السّياسيي ل يعش كالزئبق؟! ثبّتناال ‪.‬‬

‫() ملة » السنّة « (عدد ‪/11‬ص ‪ ،)57‬أعزو إل هذه الجلة لنّها مرجع القوم‪ ،‬وإلّ فليست‬ ‫‪1‬‬

‫عندنا عمدة ف أخبارها؛ لنّها على طريقة " قمّش ول تفتّش "‪ ،‬كالصحافة العالية ـ‬
‫خاصة إذا كانت أشبه با عند الكتب الستراتيجي البيطان! ول تنفعها عاطفتها‬
‫السلمية؛ لنّها أخبار تبنَى عليها أحكام شرعيّة‪ ،‬وخب الكافر مردود باتفاق العلماء‪.‬‬
‫لكن لّا كنا نعرف أن ( مدن ) يقول أكثر من هذا‪ ،‬ثّ تأكدنا منه بطريقتنا ـ طريقة‬
‫السناد العال؛ لنه جارٌ ل ـ أثبتناه هنا‪.‬‬
‫‪289‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قال سلمان‪ " :‬وكان معظم القائمي على تلك البهة من الشهود لم‬
‫بالعلم والكمة‪ ،‬والعقل‪ ،‬والعقيدة السّلفية الواضحة الصّافية السليمة ‪." ...‬‬
‫النقد‪ :‬أما العلم فقد أجع الناس على أنّه ل عال بالزائر بعد جعية‬
‫العلماء‪ ،‬وإليك علم من زكّيتَ‪ :‬استوردَت الكومة شياها من أستراليا لعيد‬
‫الضحى عام ‪1412‬هـ‪ ،‬وكانت جبهة النقاذ تيء للعيد مثل ما فعلت‬
‫الكومة‪ ،‬وكل منهما يتربصّ بالشّعب اصطياده من بطنه! فلم تنجح البهة من‬
‫جهة السعار‪ ،‬وتافت الناس على سوق الكومة؛ لنم مع البز حيث دار‪ ،‬ث‬
‫حدث أن لوحظ ف الشّياه الكومية عيبٌ من عيوب الضحية عند الالكية؛‬
‫أل وهو أن أذنابا مقطوعة‪ ،‬وحدث تشويش كبي لدى الناس‪ ،‬من مبيح ومن‬
‫مرّم‪ ،‬وأفت يلف شراطي ـ مفت جبهة النقاذ ـ ف جريدتا ( النقذ ) بعدم‬
‫الواز!! ول ندري أهي فتوى خاصة بالرّهان السّياسي أم هي جود مالكي‬
‫وأثر فكر جَزْأَرِيّ؟! وأحلها مرّ‪.‬‬
‫وف مدينة سطيف ـ بالشّرق الزائري ـ سئل عباسي مدن عن حكم‬
‫لم الدّجاج غي الذبوح‪ ،‬فأجاب بفذلكة سياسية أضحت مضرب الثل عند‬
‫جهّال الركيي‪ ،‬فقال‪ " :‬تسألونن عن الدّجاج غي الذبوح‪ ،‬فهلّ سألتمون‬
‫عن المّة الذبوحة؟!"‪.‬‬
‫فتأمّل كيف تورّع الفت ف ذيل شاة ورعا سياسيا‍! ف دقة مالكية! وأما‬
‫رئيسه فلم ُتبْقِ السياسة للمذهب الالكي على بطنه رقيبا‪.‬‬
‫أليست حياة هذه ( المّة الذبوحة ) هو مطلبه؟ أليس النصر بدعاء‬
‫الستضعفي؟ بلى‪ ،‬إنّ رسولال قال‪ (( :‬إنا ينصرال هذه المّة بضعيفها؛‬
‫)‬
‫بدعوتم‪ ،‬وصلتم‪ ،‬وإخلصهم ))( ‪ .‬ومن شرط إجابة الدّعاء أكل اللل‬
‫‪1‬‬

‫() رواه البخاري (‪ 6/104‬رقم ‪2896‬ـ الفتح)‪ ،‬والنّسائي (‪ )6/352‬رقم (‪ )3178‬واللفظ له‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪290‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫كما جاء عن أب هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسولال ‪ »:‬أيّها النّاس! إنّال طيّبٌ ل‬
‫ها‬‫يقبل إل طيّبا‪ .‬وإنّال أمر الؤمني با أمر به الرسلي‪ ،‬فقال‪{ :‬يا أي ُّ َ‬
‫َ‬
‫صالِحا ً إنّي‬‫ملُوا َ‬ ‫ع َ‬
‫وا ْ‬‫ت َ‬‫ن الطّي ِّبَا ِ‬ ‫م َ‬‫ل كُلُوا ِ‬‫س ُ‬ ‫الُّر ُ‬
‫َ‬
‫منُوا كُلُوا‬
‫ن ءَا َ‬ ‫م}‪ ،‬وقال‪{ :‬يأيُّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫علِي ٌ‬‫ملُون َ‬ ‫ع َ‬‫ما ت َ ْ‬
‫بِ َ‬
‫م}‪ ،‬ث ذكر الرجل يطيل السّفر أشعث‬ ‫قنَاك ُ ْ‬
‫ما َرَز ْ‬ ‫من طَيِّبا ِ‬
‫ت َ‬ ‫ِ‬
‫أغب يدّ يديه إل السماء‪ :‬يا ربّ! يا ربّ! ومطعمه حرام‪ ،‬ومشربه حرام‪،‬‬
‫‪291‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫وملبسه حرام‪ ،‬وغُذِيَ بالرام‪ .‬فأنّى يستجاب لذلك؟! « ‪ ،‬قلتُ‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫فكيف يستهان بذاك السؤال؟!‬


‫لو كان عباسي مدن على شيءٍ من العلم لدرك أنّه بذا التّهرب من‬
‫الواب يسلخ أمتّه الذبوحة‪ ،‬وليس يييها‪ ،‬ولكنه ِفعْلُ السياسة العصرية‬
‫بأهلها؛ إذ ل يعظّمون شرعا‪ ،‬بل يضيقون به ذرعا‪ ،‬وإلال الشتكى‪.‬‬
‫وهل تؤسس دولة السلم على يد رئيس حزب إسلمي ومفتيه‪ ،‬وها‬
‫من‬‫و َ‬‫ك َ‬ ‫ل يسنان الفتاء ف ذيل شاة‪ ،‬ولم دجاج؟! قالال تعال‪{ :‬ذَل ِ َ‬
‫ه}‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫عندَ َرب ِّ ِ‬‫ه ِ‬ ‫خيٌْر ل َ ُ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َ‬
‫ف ُ‬ ‫ت الل ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫حُر َ‬‫م ُ‬ ‫عظ ِّ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫وى‬ ‫ق َ‬‫من ت َ ْ‬ ‫فإِن َّ َ‬
‫ها ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عائَِر الل ِ‬
‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫عظ ِّ ْ‬‫من ي ُ َ‬ ‫و َ‬‫ك َ‬ ‫{ذَل ِ َ‬
‫ب}‪.‬‬‫قلُو ِ‬ ‫ال ُ‬
‫وأزيد ههنا قائلً‪ :‬إن لبهة النقاذ هذه رجلً ثالثا أعرق ف الضللة‬
‫وأغرق ف الهالة‪ ،‬يُدْعَى الاشي سحنون‪ ،‬كان رأسا ف التكفي‪ ،‬وله أتباع‬
‫من هوامّ العوامّ هم من أغرب أشكال بن آدم‪ ،‬سعتُه يوما يشرح نواقض‬
‫السلم‪ ،‬فذكر أن شابّا سقط من سيارة وهو يهتف باسم فريق من فرق كرة‬
‫القدم‪ ،‬فمات تت وطأتا‪ ،‬فحكم عليه بالوت على الكفر؛ لنه قدّم نفسه ف‬
‫غي سبيل ال!! من شريط مسجّل باسم (( نواقض السلم!! ))‪ .‬وهذا الفت‬
‫ـ أخي القاريء! ـ كان ُيعَدّ ف البهة نائبا لعلي بن حاج بل منازع!!!‬
‫فتأمّل هذا الستوى التدنّي!‬
‫للعتبار‪ :‬عن إبراهيم النّخعي‪ ،‬قال‪ " :‬قال عمر من أستخلف؟ لو‬
‫كان أبو عبيدة بن الرّاح! فقال له رجل‪ :‬يا أمي الؤمني! فأين أنت من‬
‫عبدال بن عمر؟ فقال‪ :‬قاتلكال ‪ ،‬وال ما أردت باال ‪ ،‬أستخلف رجلً ل‬

‫() رواه مسلم (‪ )2/703‬رقم (‪.)1015‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪292‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬ ‫()‬
‫يسن يطلّق امرأته ؟! " ‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأما العقل‪ ،‬فأين هو عند علي بن حاج الذي إذا خطب سبّ الرؤساء سبّا‬
‫فظيعا‪ ،‬بأسائهم‪ ،‬وأساء نسائهم‪ ،‬وليس هذا سبق لسان من خطيب غضوب‪،‬‬
‫بل جلّ خطبه على هذا‪ ،‬ومعروف عند أتباعه أنّ كل خطبة ودرس له إذال‬
‫يصحبه سباب مباشر لذع بعبارات نابية ليس بشيء‪ ،‬ول تتناقله اللسن‪ ،‬ول‬
‫يفى عليكم أسلوب الثارة واستغلل عواطف الشباب الامة‪ ،‬فقد جرّبتم‬
‫كم يقتل من عقل‪ ،‬فأين العقل؟ وأين هو من قول الرسول ‪ » :‬ما بال أقوام‬
‫()‬
‫يقولون كذا؟ ‪. «...‬‬
‫‪3‬‬

‫أين عقل وحكمة هذا الرجل وهو يأمر ـ ف درس عام ـ بتكسي كل‬
‫شيء حكوميّ‪ ،‬كان على إثره تكسي مقرّ الطوط الوّية السعوديّة بالزائر‬
‫أيام قضية الليج غضبا للعراق؟!‬
‫أين عقله يوم جع الناس ف مسجد ( السنّة!) بباب الوادي بالزائر‬
‫العاصمة‪ ،‬عقب فتنة(‪ 5‬ـ أكتوبر ـ ‪1988‬م) مباشرة‪ ،‬ليلة الثني بعد صلة‬
‫الغرب والعشاء جع تقدي؛ لنّها صلة خوف!! وقال‪ " :‬قام شبه إجاع من‬
‫الدّعاة على ترك السية أو الظاهرة‪ ،‬والعبد الضّعيف ـ يقصد نفسَه ـ‬
‫يرى القيام با‪ ،‬فإن وافقتم فكبّروا‪ ،‬وإل رجعنا إل بيوتنا!!! "‪ ،‬فكبّر هوامّ‬
‫() لنّه طلقها ف حيضتها‪ ،‬والسنّة التطليق ف طهر ل يامع فيه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه ابن سعد ف » الطبقات « (‪ ،)3/343‬وابن شبة ف (( تاريخ الدينة )) (‪،)3/923‬‬ ‫‪2‬‬

‫يقول ف ابنه ما شاء‪ ،‬ول ينقص‬ ‫واللّل ف » السنّة « رقم (‪ .)344‬وعمر بن الطّاب‬
‫ذلك من قدره؛ لنّ كلمة الوالد ف ولده تكون كمحاسبة الرء نفسه‪ ،‬وعتابه عليها‪ ،‬وابن‬
‫فقيه عظيم القدر‪ ،‬وسوق هذه القصّة هنا ليس عقد مقارنة بي فقه ابن عمر وبي‬ ‫عمر‬
‫فقه نالة هذا الزّمان‪ ،‬ولكنّها عبة للطامي إل تشييد دولة السلم على أحلم الهّال‪.‬‬
‫() انظر » صحيح الامع « برقم (‪ 5570‬ـ ‪.)5576‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪293‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫االعوامّ عن بكرة أبيهم‪ ،‬فقرّر ف حينه مسية سلمية! سلمية! مات فيها الئات‬
‫من الشباب ف مقتبل العمر!! آلعقل ـ يا سلمان!ـ يأمره بترك مشورة عقلء‬
‫المّة الذين سّاهم هو بـ ( الدّعاة )‪ ،‬ليستشي الدّهاء والسوقة والحداث؟!!‬
‫أتدري ـ يا سلمان! ـ أنّه لا زار أحد القطّان الزائر‪ ،‬وألقى ماضرة‬
‫عن قضيّة الكويت ف جع قال فيه هو‪ " :‬ل أَرَ كاليوم جهورا غفيا "‪ ،‬بسجد‬
‫ابن باديس بالقبة بالزائر العاصمة ـ وهو السجد الذي يطب فيه علي بن‬
‫حاج ـ هتف الناس عندها‪ " :‬الكويت! الكويت! "‪ ،‬ث بعدها مباشرة ف‬
‫ملعب (‪ )5‬جويلية بالعاصمة‪ ،‬خطب القطان ف الناس وأثار قضية الكويت‪ ،‬ث‬
‫قام التهوّر أسعد التميمي الفلسطين ـ الذي جاء ليمحو أثر القطّان وقد كان‬
‫رفض تسليم القطان عليه بضرة المهورـ ودعا الناس إل الهاد لتحرير‬
‫فلسطي وترير السعودية ودول الليج! فقام علي بن حاج وعرّض بقضية‬
‫الليج ووقّع على الضي مع التميمي‪ ،‬ووقّع الناس بعده مقتدين به؟! واغتاظ‬
‫الناس على القطان‪ ،‬وليحمد ربّه الذي أناه منهم بعد أن كادوا يَفتكون به!‬
‫()‬
‫وكانت مسرحية عجيبة لكنها مسجّلة فاطلبوها ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ث ف الوقت الذي انتقل فيه الناس من الكويت إل فلسطي‪ ،‬وأخذ‬


‫الشباب السكي ـ الذي يلعب به دعاة العواطف ـ يتدرّب على الصارعة‬
‫اليبانية لن الدولة رفضت أن تقدّم لم السلح!! ـ وأنا أعن ما أكتب ـ‬
‫يأت علي بن حاج معتذرا عن قضية فلسطي‪ ،‬وأنّ للجهاد شروطا‪ ،‬وأنّه ‪..‬‬
‫وأنّه ‪ ..‬والسّر ف هذا الدّ والزر أنّ إخواننا السّلفيي سألوا الشيخ اللبان عن‬
‫التميمي هذا باعتبار أن أهل الديث هم الرجع الصادق وأهل اليزان الاذق‬

‫() ل أدري ما سبب إخبار القطان بعدها بلف هذا مع أن الناس يومها أهانوه إهانة‬ ‫‪1‬‬

‫عظيمة؟!‬
‫‪294‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ف الرح والتعديل‪ ،‬فقال‪ " :‬ذاك رجل كل يوم بعقل؛ فقد تَشَيّع أيّام حرب‬
‫إيران ضد العراق‪ ،‬ث هو اليوم ( َتعَرّق ) "‪ ،‬وحذّر منه بشدّة ومِن تميعه‬
‫للموال‪ .‬وللشيخ كلمته السموعة عند الزائريي‪ ،‬بل ما عصمهمال تعال ف‬
‫كثي من مواطن الفت إل به‪ ،‬فلم يكن من علي بن حاج إل أن يامل السلفيي‬
‫بالتظاهر بالتعقل بعد أن كاد التميمي يذبه وجاعته ف أوّل مطار يطيون منه‬
‫إل فلسطي أو إل تل أبيب!! هذا السّبب الول‪.‬‬
‫وأما السبب الثان‪ :‬فهو فكر عباسي مدن القومي الَزْأَري ـ وإن ل يكن‬
‫جزْأَرِيا انتماءًا ـ؛ إذ هو ل يرى أيّ جهادٍ للجزائريي خارج الزائر‪ ،‬فسترا‬
‫للخلف الذي بينه وبي علي بن حاج كان ما كان‪ ،‬وال الستعان‪.‬‬
‫أين عقل من يدعو الناس إل تريق الافلت الكوميّة للنّقل الماعيّ‬
‫بجّة رفض الدولة تسليمها لم أيّام الظاهرات؟ هذا عقل عباسي مدن!‬
‫ث قبل هذا كله أين عقل من يصدّق الديقراطية اليوم ف وعدها‬
‫السلميي بإهداء كرسيّ الكم إن كانت لم الصوات؟! وأين عقل من‬
‫حرٍ‬‫يُلدغ من جُحْر مرّات‪ ،‬وقد قال رسولال ‪ » :‬ل ُيلْدغُ الؤمنُ من ُج ْ‬
‫()‬
‫واحدٍ مرتي «؟ ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫هذا غيض من فيض‪ ،‬يكفي اللّبيب لتبيّن المر على حقيقته‪ .‬وكم قلنا‬
‫لبهة النقاذ‪ :‬لو ل يكن لكم علم بالشرع أو من يبصّركم به‪ ،‬لكان العقل‬
‫ي كافيًا لدايتكم إل الق ف هذه السائل الواضحة جدّا‪ ،‬وقد وجدنا‬ ‫البشر ّ‬
‫هذا العقل عند كثي من العوام الذين كانوا يلحظون هذا النراف‪ ،‬آسفي‬
‫شاءُ إِلى‬ ‫من ي َ َ‬‫دي َ‬ ‫ه ِ‬ ‫على تلبّس دعاتم وهداتم به {والل ُ‬
‫ه يَ ْ‬
‫قيمٍ }‪.‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬
‫ط ُ‬
‫صَرا ٍ‬‫ِ‬

‫() رواه البخاري (‪ 10/546‬رقم ‪6133‬ـ الفتح ) ومسلم (‪ 4/2295‬رقم ‪.)2998‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪295‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وأما عن سلفية البهة‪ ،‬فهل يهمّك ـ يا سلمان! ـ أن َتعْلم أنّ هذا‬


‫الرجل اجتمع بليل ُملّ خاطر ف ندوة عامة على التحذير الشّديد من الشيخ‬
‫اللبانّ خاصة واتّهماه بالعمالة لليهوديّة العاليّة‪ ،‬ومن الدعوة السلفيّة عامة‬
‫وصوّراها أكب عائق ف طريق الدعوة السلمية‪ ،‬قال عباسي مدن‪ :‬ظهرت‬
‫عندنا نابتة من اللبانيي ‪ ..‬فيهم كيت وكيت ‪...‬؟ فأجاب مل خاطر قائل‪" :‬‬
‫أما اللبان فإنه معروف بأنه عميل للصهيونية "‪ ،‬وكالَ له من التهم ما تتقزز‬
‫منه النفوس الحبة لهل الديث‪ ،‬اطلب هذا الشّريط ـ يا سلمان! ـ من‬
‫ثقاتك فإنه مشهور جدا‪ ،‬فإن قيل إنّه تراجع عن ذلك‪ ،‬قلنا‪ :‬وأين ذلك؟‬
‫وكيف ذلك وهو ل يزال يذّر منه إل يوم الناس هذا؟! واسأل الشيخ أبا بكر‬
‫الزائريّ ـ حفظه ال ـ عمّا شكا إليه مدن لّا زار الزائر؛ فقد قال له‪" :‬‬
‫من الناس وهم معنا ـ ُيعَرّض ببعض الدّعاة السلفيّي الاضرين ف ذلك‬
‫الجلس ـ من يتّصل باللبان يسألونه عن أوضاعنا‪ ،‬ونن أول بالفتيا منه لنّه‬
‫ل يعرف واقعنا ‪ " ...‬إل‪ ،‬وقد طُلب من مدن إظهار التّراجع مرارا فأب‪،‬‬
‫وتكلم فيه بكلم غليظ؛ لنّ الشيخ اللبان ظلّ كالشّوكة ف حلوق الزبيّي‪.‬‬
‫أهذه هي سلفيّة جبهة النقاذ ـ يا سلمان ـ وهذا اعتقاد رئيسها؟ وما تفي‬
‫صفوفها أكب‪.‬‬
‫قال سلمان‪ " :‬دعونا من التفاصيل‪ ،‬ودعونا من التحاليل‪ ،‬دعونا من كلم‬
‫الصحافة‪ ،‬ودعونا من كلم العلم‪ ،‬خذوا الصورة بأبسط معانيها‪ ،‬نن أمام‬
‫طرفي‪ :‬الطرف الول‪ :‬الدّعاة إلال ‪ ،‬تثّلهم ف العمّ الغلب البهة السلمية‬
‫للنقاذ ف الزائر‪ ،‬والشّعار الذي ترفعه هو شعار السلم والكتاب والسنّة‪،‬‬
‫وقِف عند هذا الدّ‪ .‬دعك من أي معلومات أخرى عن البهة‪ ،‬هذا هو‬
‫الشّعار الذي ترفعه‪ ،‬ويقابلهم أحزاب‪ ،‬با ف ذلك حزب التّحرير الاكم‪،‬‬
‫‪296‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أحزاب ترفع شعارات الشتراكية والقومية والوطنية‪.‬‬


‫وقد جرّبتها المّة فأيقنت أنّها ل تتحمّس للسلم ول تدعو إليه ول توَاليه‬
‫ول ترفع شعاره ول تنادي باسه‪ ،‬ول تُرب الناس عليه‪ ،‬وأنّها حت قدرتا على‬
‫إدارة شئون الناس وتقيق مطالبهم الاديّة والقتصادية والدارية فشلت ف‬
‫ذلك‪ ،‬فما هو الوقف العفوي الذي ل يلك أي مسلم عنده روح اليان‬
‫والولء ف الدين‪ ،‬ليلك إل أن يد قلبه منساقا إليه وهو أمام هذه الصورة‬
‫البسّطة الواضحة البعيدة عن التعقيد ‪...‬؟! "‪.‬‬
‫النقد‪ :‬إنّ هذا الكلم العاطفي ل يغن من العلم شيئا؛ ل ّن عامة الناس‬
‫الذين يسمعونه باجة إل فتوى علميّة‪ ،‬ل " إل ما تنساق إليه قلوبم عفوا "‪،‬‬
‫وسيأتيك ما فيه من خطإ منهجي عند التعرّض لكلم د‪ /‬سفر الوال‪.‬‬
‫قال سلمان ـ بعد تضخيم القمع العسكري الذي تعرّضت له البهة‬
‫آنذاك ـ‪ " :‬ف حالة إصرارهم على مثل هذه الساليب ( أي القمعية )‪ ،‬فإنّ‬
‫العاقبة سوف تكون لصال السلمي والسلميي هناك‪ ،‬وعندها ل تُلم البهة‬
‫السلمية إذا عاملت خصومها بنفس شعارهم ‪!!" ..‬‬
‫النقد‪ :‬أول‪:‬تأمّل أيها القاريء هذا لتدرك أن ثورات هؤلء ل تنبع من فقه‬
‫الهاد‪ ،‬ولكنها ردود فعل!‬
‫ثانيا‪ :‬تأمل هذا التّحريض الصّريح منه لشعال فتنة القتال‪ ،‬والقضاء على‬
‫السلمي الضعفاء بثل هذا التهييج الغال البعيد عن فقه الهاد‪ ،‬وتال إنّها‬
‫لحدى الكب! والدهى والمرّ أنّه يزيد الطي بلّة حي يتمثّل بثورة‬
‫الشّيوعيي الستضعفي ف روسيا ويريد من الزائريي أن يقتبسوا منها نورا‬
‫فيقول‪ » :‬لاذا يتصوّر كثي من الناس أن الفدائية والصرار والصب والتحمّل‬
‫هي فقط نصيب الشّعوب النحرفة ونصيب النحرفي والضّالي‪ ،‬وأنّ النّصارى‬
‫‪297‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫واليهود والشّيوعيي وغيها يضحّون‪ ،‬وقد رأى الناس كلهم كيف أنّ‬
‫الشيوعيي العُزّل ف روسيا كانوا يواجهون الدبّابات بعد النقلب بصدورهم‬
‫العارية وسوَاعدهم الت لتمل شيئا حت سقط ذلك النقلب‪ ،‬ويظنّ كثيون‬
‫أنّ أهل لإله إلال ليستطيعون أن يدافعوا عن دينهم ول أن يصبوا عليه‪ ،‬لاذا‬
‫نسيء الظنّ بأهل لإله إلال إل هذا الدّ؟ لاذا نوّن من شأن هذه الماهي‬
‫السلمة ف الزائر وف غي الزائر‪ ،‬ونعتقد أنّها تنفض عن قيادتا وعن‬
‫اختيارها وعن رغبتها ف الدين لدن مضايقة يكن أن تقع ‪." ...‬‬
‫النقد‪ :‬أيا سلمان ل يُ َمثّل للمسلمي بالكافرين فضلً عن إظهار الكافرين‬
‫َ‬
‫ن لَ‬ ‫بالشجاعة وناح الطريق‪ ،‬أما سعتال تعال يقول‪{ :‬لِل ّذي َ‬
‫َ‬
‫علَى}؟‬ ‫ل ال َ ْ‬ ‫مث َ ُ‬
‫ه ال َ‬‫ولِل ّ ِ‬
‫ء َ‬‫و ِ‬ ‫ل ال َّ‬
‫س ْ‬ ‫مث َ ُ‬‫ة َ‬‫خَر ِ‬
‫ن بِال ِ‬‫منُو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬
‫أمَا وجدتَ ـ وقد وجدت ـ ف سي الصّالي من الولي والخرين ما‬
‫يغنيك عن هذا؟‬
‫ول أعتقد أن قصورك ف الطلع على التاريخ السلمي هو الذي حرمك‬
‫ما أردتَ‪ ،‬ولكن قصور التاريخ السلمي عن أن يدّك بثورة على الوصف‬
‫الذي تب هو السبب الذي حلك على البحث ف تاريخ الشيوعية عن الثل‬
‫العلى الذي ارتضيتَه لخوانك؛ لنه ليس ف السلم ثورات‪ ،‬فتمثلتَ بالثورة‬
‫الشيوعية الت ل يكمها دين ول يدعمها عقل!‬
‫أهل " ل إله إلال " أعقل من أن يستبدلوا الثورة بالهاد‪.‬‬
‫أهل " ل إله إلال " أعزّ من أن يقتدوا بأعداء " ل إله إلال "‪ ،‬وقد قال‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫رسولال ‪ » :‬ليس لنا مث ُل السّوْء « ‪.‬‬
‫وعن عائشة رضيال عنها قالت‪ :‬لّا اشتكى النب ذكرَت بعضُ نسائه‬

‫() طرف من حديث ابن عباس رواه البخاري (‪ 5/277‬رقم ‪ 2622‬ـ » الفتح « ) وغيه‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪298‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫كنيسةً رأيْنَها بأرض البشة يقال لا ( مارِية )‪ ،‬وكانت أ ّم سلمة وأمّ حبيبة‬
‫رضيال عنهما أتَتا أرض البشة‪ ،‬فذكرتا من حُسنها وتصاويرَ فيها‪ ،‬فرفع‬
‫ك إذا مات منهم الرجل الصّال بََنوْا على قبه مسجدا‪ ،‬ث‬ ‫رأسه فقال‪ »:‬أولئ ِ‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫صوّروا فيه تلك الصورةَ‪ ،‬أولئكِ شِرارُ اللق عند ال « ‪.‬‬
‫فتأمّل كيف ل يسكت النب عمّا يشعر بالدح للكفار ـ مع أنه خب‬
‫عن واقع صادق ـ حسما لادة التأسي بم‪ ،‬خاصة ف مثل مقام الشّرك بال ‪،‬‬
‫لنّ النّفوس مبولة على حبّ المثال الستحسنة‪ ،‬فكان يب إظهار أعداءال‬
‫ف أخزى صورهم؛ لنّ كفرهم مُذهب لسناتم‪.‬‬
‫ومن عجيبب صنعال بسلمان أنّه كرّر هذا الثال الذي يدعو فيه إل العنف‬
‫بقوة ف ماضرة لضعف اللق وهم النساء‪ ،‬فقد قال ف شريط‪ »:‬هوم ملتزمة‬
‫« رقم (‪ )106‬ـ ف بداية الوجه الول ـ‪ " :‬ضغوط الناس ل يكن إهالا بال‬
‫من الحوال الن! ونن ف عصرٍ صار للجماهي تأثي كبي‪ ،‬فأسقطوا زعماء‬
‫كبار( كذا )‪ ،‬وهزّوا عروش ( كذا )‪ ،‬وحطّموا أسوارا وحواجز‪ ،‬ولزالت‬
‫صورة العزّل الذين يواجهون الدّبابات بصدورهم ف التاد السوفيت ‪." ...‬‬
‫قلتُ‪ :‬يبدو أن هذه الصّورة أثّرت ف حياة سلمان العودة إل ح ّد أنّه ل‬
‫يهوّن من شأن أيّ غوغائية لواجهة الدّبابات‪ ،‬ولو كانت صدر فتاة ملتزمة‬
‫وساعدها النّاعم! ولو ف السّعودية!! لنّه يقول بعد هذا‪ " :‬فإذا كان الجتمع‬
‫ن‬‫قا ِ‬ ‫ري َ‬ ‫م َ‬
‫ف ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫الذي نعيش فيه متمعا منقسما‪ ،‬وهذه حقيقة { َ‬
‫فإِذَا ُ‬
‫مون} ‪ ...‬فيجب أن يارس اليّرون كافة الوسائل لتحقيق‬ ‫ص ُ‬
‫خت َ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫قناعاتم الشرعية‪ ،‬والشكوى وسيلة ل يكن أن نوّن منها أو من شأنا‪،‬‬
‫ولكنها من أضعف الوسائل خاصة إذا ل يكن معها غيها!! "‪.‬‬

‫() رواه البخاري (‪ 3/247‬رقم ‪ 1341‬ـ » الفتح «) ومسلم (‪ 1/375‬رقم ‪.)528‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪299‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وف أوّل هذا الشّريط بعد أن حرص على أن تنال الرأة الشهادات العالية‬
‫ف التعليم حت ل تترك الجال للعلمانيات! أخذ يُحَرّض على الروج بصراحة‬
‫قائل‪ " :‬إنّن أعتقد أنّ زمن الشّكوى قد انتهى أو كاد أن ينتهي ـ أعن ـ‬
‫أنّ دور اليّرين واليّرات ل يوز أبدا أن يتوقف عند مرد رفع الشّكاوي‬
‫إل الهات الختصة حصل كذا وحصل كذا ‪." ...‬‬
‫قلت‪ :‬ماذا تريد ـ يا سلمان!ـ بذا التّهييج؟! إنه تريض صريح على‬
‫الروج؛ لن الشكوى باللسان ل تكفي عندك! وليس فوق التغيي باللسان‬
‫ع الرّجا َل أنفسهم با فوق‬‫إل اليد كما هو معلوم‪ ،‬وقد ل يكلّف الشر ُ‬
‫«‬‫ذلك‪ .‬فلئن شحّت نفسُك عن قبول العاذير‪ ،‬فـ » رفقا بالقوارير !‬
‫ث تأمل اعتماد سلمان ـ كغيه من الثوار ـ على الغثاء وقارنه بقول‬
‫الؤرّخ ابن خلدون ـ رحه ال ـ‪ " :‬ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمي‬
‫بتغيي النكر من العامة والفقهاء؛ فإن كثيا من ال ْنَتحِلي للعبادة وسلوك‬
‫الدين يذهبون إل القيام على أهل الَور من المراء‪ ،‬داعي إل تغيي النكر‬
‫والنهي عنه‪ ،‬والمر بالعروف رجاءً ف الثواب عليه من ال‪ ،‬فيَكثُر أتباعُهم‬
‫والتشبّثون بم من الغوغاء والدهاء‪ ،‬وُي َعرّضون أنفسهم ف ذلك للمهالك‪،‬‬
‫وأكثرهم يَهلكون ف تلك السبيل مأزورين غي مأجورين؛ لن ال سبحانه ل‬
‫()‬
‫يَكتب ذلك عليهم ‪. " ...‬‬
‫‪1‬‬

‫ث يا سلمان! أما علمت أن فتواك هذه طار با الثّوّار السلميون عندنا‬


‫كل مطار‪ ،‬وتنادوا ُمصْبِحي ومُمْسي أن اغدوا على جهادكم إن كنتم ـ ف‬
‫هذه ـ لعلما ِء السّعوديّة سامعي؟!‬
‫يا سلمان! لسان كل سلفيّ ف الزائر يقول لك‪ :‬أترضى لنا بفتياك ـ‬

‫() » مقدمة ابن خلدون « (‪1/280‬ـ ‪.)281‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪300‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ونن إخوانك ـ أن نعيش ف أيامنا هذه أسوأ الحوال‪ .‬أنت تكتب من وراء‬
‫مكتبك الترف‪ ،‬وإخوانك الجاهدون الذين حسّنت فيهم ظنّك قد حلقوا‬
‫لِحاهم‪ ،‬وترّدوا من ثيابم السلمية وحلقوا شعورهم وقصروها على أقبح‬
‫وأحدث صورة يعرف عليها الكفار والفسّاق‪ ،‬ونن نقاسي ما نقاسيه بظهرنا‬
‫السلمي‪ ،‬ول يثبت اليوم على زيّه السلمي إل السّلفي غي التحزّب‪ ،‬يضي‬
‫إل بيتال خائفا يترقب‪ ،‬فل يدري أيرجع إل بيته أم يُدسّ ف التّراب؟‬
‫وهل يغن عنك شيئا هذا التناقض الت حي قلت بعده مباشرة‪ " :‬نن‬
‫لندعو إخواننا ف الزائر ول ف أي بلد آخر إل مواجهة دامية لتمد عقباها‬
‫‪." ..‬‬
‫النقد‪ :‬إنّ قولك‪ " :‬ل تمد عقباها " فذلكة يتخذها السياسيون للتخلص‬
‫من العُتبَى ولو مشوا على حبلي متضادي التّجاه! لنّ هذه الملة إمّا هي‬
‫صفة كاشفة‪ ،‬فيكون العن متفقا مع سابقه ف التحريض على الواجهة الدّامية‬
‫لن رجم بالغيب فرأى العقب ممودة‪ ،‬وإمّا هي بيان للواقع‪ ،‬فإن غضضنا‬
‫الطرف عن كلماتك الت تتّهمك بالتحريض ل تنج من التناقض؛ لنك تدعو‬
‫إل الواجهة ولو بالصدور العارية‪ ،‬والسّواعد الت ل تمل شيئا‪ ،‬ث تتظاهر‬
‫بالترّاجع ( العاقل! ) مع أنّ الذي يرجّح أنك تقصد الول هو نصيحتك‬
‫للجبهة بعده مباشرة بقولك‪ " :‬يكن أن تصب ويكن أن تصابر ويكن أن تظل‬
‫وفيّة لدينها ولقادتا السلميي الن‪ ،‬وبعد شهر‪ ،‬وبعد سنة‪ ،‬وبعد سنوات‪،‬‬
‫وتظل تنادي بالسلم وتصب وتتحمّل وتبذل الزيد من القتلى الذين نتسبهم‬
‫عندال تعال شهداء‪،‬ومن التضحيات ومن تمّل السّجون وتمّل الذى حت‬
‫يظهرهاال تعال ‪." ...‬‬
‫النقد‪ :‬جاء ف شريط من » سلسلة الدى والنّور « رقم (‪ )470/1‬قول‬
‫‪301‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫السائل للشيخ اللبان‪ " :‬هناك ـ يا شيخ ـ من يقول إنّه من يقتل الن على‬
‫السّاحة الصرية بي الكومة والخوة؛ بعض الخوة يقول إنّه شهيد‪ ،‬والديث‬
‫()‬
‫يقول‪ » :‬إذا التقى السلمان بسيفيهما فالقاتل والقتول ف النار «؟ ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أجاب الشيخ‪ " :‬أولً‪ :‬الواب عن هذا السؤال باختصار‪ :‬أنّ من يقتل ف‬
‫هذه الجابات الت تقع بي الدولة وبي بعض أفراد الشّعب السلم‪ ،‬وأستدرك‬
‫هنا على نفسي‪ ،‬فأقول‪ :‬بي الدولة الت ل تكم با أنزلال وبي بعض أفراد‬
‫الشعب الذي يطالب الدولة بأن تكم با أنزلال ‪ ،‬فما يقع من قتلى بي‬
‫الطّرفي‪ ،‬فليس فيهم من يصح أن يقال فيه‪ :‬إنّه شهيد "‪.‬‬
‫ث فصّل ف التفريق بي الشّهادة القيقية والشّهادة الكمية‪ ،‬وقال بعدها‪:‬‬
‫" هؤلء الذين أنت تسأل عنهم ل يَصْدُق فيهم ل الشهادة القيقية‪ ،‬بل ول‬
‫الشّهادة الكمية "‪ .‬ث أفاض ف تعليل ذلك بعلم غزير‪ ،‬يب على الشباب‬
‫التحيّر اليوم طلبه‪ ،‬لنّه شحّت فهومُ كثيٍ من أهل العلم عن استنباطه‪ .‬وال‬
‫يعصم التحمّسي من ش ّر الهل به‪.‬‬
‫قال سلمان‪ " :‬هذا مع أنّ وضع البهة السلمية للنقاذ ف الزائر وضع‬
‫جيّد‪ ،‬وهي امتداد لمعية العلماء‪ ،‬فهي ذات اتاه سلفي ف الغالب ‪." ..‬‬
‫النقد‪ :‬هنا خطآن من أخطاء الواقع يدلن على أنّ هؤلء ل يصلحون بعد‬
‫للعلم السلمي‪ ،‬وها‪:‬‬
‫الول‪ :‬ل يطر ببال ول ببال أحد من النخرطي ف جبهة النقاذ هذا‬
‫المتداد‪ ،‬وحبله مقطوع من زمن بعيد‪ ،‬وقد حيّرن هذا الب إذ ل أتصوّره‬
‫لظة من حيات بل ول ادّعاه الناطق الرسي لبهة النقاذ ول نائبه‪ ،‬مَن مِن‬
‫أعضاء جعية العلماء هو الن ف حزب جبهة النقاذ ؟ لقد مات معظم أعضاء‬

‫() طرف من حديث أب بكرة‪ ،‬رواه البخاري (‪ 1/106‬رقم ‪ 31‬ـ » الفتح « ) وغيه‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪302‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫المعية ففي أيّ مقبة ّت الجتماع بينهما وأعطيت البهة اليثاق والعهد من‬
‫سئَلُون}! ومن بقي من‬ ‫م وي ُ ْ‬‫ه ْ‬
‫هادَت ُ ُ‬‫ش َ‬‫ب َ‬‫شيوخها ؟ {ستُكْت َ ُ‬
‫شيوخ المعية ل يُعرف له نشاط ف البهة؛ لنّ المعية ُحلّت قبل وجود‬
‫البهة بنحو ثلثي سنة‪ ،‬بل ومن سوء حظ أخينا سلمان أنّ أعضاء المعية‬
‫الحياء قد أسّسوا لم جعيتهم من جديد إظهارا لخالفتها للدَ ِعيّ ا ُلتََبنّى‪.‬‬
‫وأنشأت لا جريدة » البصائر« الت ل علقة لا ببهة النقاذ ل تلميحا‬
‫ولتصريا‪ ،‬بل أقول صراحة‪ :‬إنّ جلّ أعضائها كانوا أشدّ ما يكونون على‬
‫البهة لنم حكوميّون‪ ،‬لم مراكز مرموقة‪ ،‬خاصة ف وزارة الشّئون الدينية‬
‫ر}‪.‬‬‫خبِي ٍ‬‫ل َ‬‫مث ْ ُ‬
‫ك ِ‬‫{ول يُنَبِّئ ُ َ‬
‫ث من النّاحية التاريية والنهجية ف آنٍ واحدٍ‪ ،‬أقول‪ :‬لو أنّ العضاء‬
‫الحياء من المعية انضمّوا إل جبهة النقاذ ل يكن لك أن تربط بي المعية‬
‫الت أسّسها ابن باديس ـ رحه ال ـ وبي هؤلء؛ ذلك لنّ المعية ل‬
‫تُؤسّس أصالة كحزب سياسي‪ ،‬ويكفيك تسميتها ( جعية العلماء السلمي‬
‫الزائريي )‪ ،‬وعملها كان مؤَصّل على التعليم‪ ،‬خاصة على التّصفية والتربية‪،‬‬
‫ف الوقت الذي كانت فيه الحزاب يتناثر طَ ْلعُها كطلع الفُطور‪ .‬ث كان بينها‬
‫وبي الحزاب الوطنية التحمّسة لقتال الفرنسيي خلف شديد‪ ،‬لنّها كانت‬
‫ترفض دخول العركة والمّة ل تيأ بعد‪ ،‬كما يقوله السلفيون ف كل زمان‬
‫ومكان تف ّقهًا على أبواب الهاد‪ ،‬خاصة منهم الشيخ ممد البشي البراهيمي‬
‫ـ وهو رحه ال لسان المعية ـ‪ ،‬وهاك كلماته ف حكم التحزّب‪ ،‬قال‪" :‬‬
‫أوصيكم بالبتعاد عن هذه الزبيات الت َنجَمَ بالشّر ناجها‪ ،‬وهجم ـ‬
‫ليفتك بالي والعلم ـ هاجها‪ ،‬وسَجَم على الوطن باللح الُجاج ساجِمُها‪،‬‬
‫إنّ هذه الحزاب كاليزاب‪ ،‬جع الاء كَدَرا وفرّقه هَدَرا‪ ،‬فل الزّلل جع‪،‬‬
‫‪303‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫( )‪،‬‬
‫ول الرض نفع " وقال أيضا‪ " :‬إنّنا نعدّ من ضعف النتائج من أعمال‬
‫‪1‬‬

‫الحزاب ف هذا الشرق كله آتيا من غفلتهم عن هذه الصول‪ ،‬ومن إهالم‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫لتربية الماهي وتصحيح مقوّماتا حت تصبح أمّة وقوة ورأيا عاما ‪" ..‬‬
‫ويقول‪ ... " :‬إذا كان من خصائص الستعمار أن يُضْعف القوّمات ويُميتَها‪،‬‬
‫ث يكون من خصائص أغلب الحزاب أنّها تملها ول تلتفت إليها‪ ،‬فهل يلم‬
‫العقلء إذا حكموا بأنّ هذه الحزاب شرّ على الشرق من الستعمار؟ "‪،‬‬
‫ويقول عن المعية‪ " :‬جعية العلماء جعية علمية دينية تذيبية فهي بالصفة‬
‫الول تعلّم وتدعو إل العلم وترغّب فيه وتعمل على تكينه ف النفوس بوسائل‬
‫علنية واضحة لتتستر‪ ،‬وهي بالصفة الثانية تعلّم الدين والعربية؛ لنما شيآن‬
‫متلزمان‪ ،‬وتدعو إليهما وترغّب فيهما‪ ،‬وتنحو ف الدين منحاها الصوصي؛‬
‫وهو الرجوع به إل نقاوته الول وساحته ف عقائده وعبادته؛ لنّ هذا هو‬
‫معن الصلح الذي أُسّست لجله ووقّفت نفسها عليه‪ ،‬وهي تعمل ف هذه‬
‫الهة أيضا بوسائل علنية ظاهرة‪ ،‬وبقتضى الصفة الثالثة تدعو إل مكارم‬
‫()‬
‫الخلق ‪ ، " ...‬ولا كانت المعية غي سياسية‪ ،‬وكانت الحزاب السياسية‬ ‫‪3‬‬

‫تشوش على التعلمي التجمعي حول المعية با تسميه جهادا ضدّ فرنسا‪ ،‬قام‬
‫إنكار المعية عليها‪ ،‬فقد قال فيها البراهيمي ـ رحه ال ـ‪ " :‬وف باب‬
‫العمال ل نر منهم إل عمل واحدا‪ ،‬هو الذي سيناه‪ :‬جناية الزبية على‬
‫التعليم والعلم‪ .‬هؤلء القوم قطعوا العوام الطوال‪ ،‬ف القوال والدال‪ ،‬وجع‬

‫() » عيون البصائر « (‪.)2/292‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » البصائر « (العدد‪13 /4:‬ـ شوال ـ ‪1366‬هـ )‪ ،‬وأرجو من القاريء أن يتنبه هنا‬ ‫‪2‬‬

‫لنهج ( التصفية والتربية )‪.‬‬


‫() » سِجِلّ مؤتر المعية « ص (‪76‬ـ ‪.)77‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪304‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الموال‪ ،‬وتعليل المّة باليال‪ ،‬ومموع هذا هو ما يسمونه سياسية ووطنية ‪...‬‬
‫كثرت مواسم النتخاب حت أصبحت كأعياد اليهود‪ ،‬ليفصل بعضها عن‬
‫بعض إل اليام والسابيع‪ ،‬وكان ذلك كله مقصودا من الستعمار‪ ،‬لا يعلمه‬
‫ف أمّتنا من ضعف‪ ،‬وف أحزابنا من تاذل وأطماع‪ ،‬وف مؤسساتنا ومشاريعنا‬
‫العلمية من اعتماد على الوحدات التماسكة من المّة‪ ،‬فأصبح يرميهم ف كل‬
‫فصل بانتخاب يوهن به صَرْح التعليم‪ ،‬ويفرّق به المعيات التراصّة حوله‪،‬‬
‫والتعليم هو عدو الستعمار اللدّ لو كان هؤلء القوم يعقلون "‪.‬‬
‫ث تدّث عن أثر الزبيات ف تزيق صفّ الطّلبة فقال‪ " :‬ولو أنّ مدارسنا‬
‫اشتدت أصولا‪ ،‬وامتدت فروعها‪ ،‬وكانت تأوي ف الانب الال إل ركن‬
‫شديد‪ ،‬وترجع ف الانب العلمي إل رأي رشيد‪ ،‬لكان وبال هذه النعَرات‬
‫الزبية الشيطانية راجعا إل أصحابه وحدهم ‪ ...‬هذه إحدى جنايات الزبية‬
‫()‬
‫على التعليم‪ ،‬زيادة على جنايتها على الخوة والصلحة الوطنية العامة " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولعلّ أصرح كلمة تُبيّن أن جعية العلماء ل تنهج النهج السياسي هي وصية‬
‫رئيسها الشيخ عبد الميد بن باديس ـ رحه ال ـ لطلبته حي جعهم‬
‫بالسجد الخضر ف قسنطينة فقال‪ " :‬اتقوا ال! ارحوا عباد ال! اخدموا العلم‬
‫بتعلّمه ونشره‪ ،‬تمّلوا كل بلء ومشقة ف سبيله‪ ،‬ولَْيهُن عليكم كل عزيز‪،‬‬
‫وْلَتهُن عليكم أرواحكم من أجله‪ .‬أما المور الكومية وما يتصّل با فدعوها‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫لهلها‪ ،‬وإياكم أن تتعرّضوا لا بشيء " ‪.‬‬
‫وهو يقول هذا عن دراية با يُدبّر للمسلمي من مكائد‪ ،‬ولذلك قال‪" :‬‬
‫‪ ...‬حُوربت فيكم العُروبة حت ظُنّ أن قد مات منكم عِرْقُها‪ ،‬ومُسخ فيكم‬

‫() » آثار ممد البشي البراهيمي « (‪3/116‬ـ ‪.)117‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » آثار المام ابن باديس « (‪.)4/98‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪305‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ح بلِبلُكم بأشعارها فتثي الشعور والشاعر‪،‬‬ ‫نُطقُها‪ ،‬فجئتم بعد قرن‪ ،‬تَصْدَ ُ‬
‫وتدر خطباؤُكم بشقاشقها‪ ،‬فتد ّك الصونَ والعاقلَ‪ ،‬ويهز كتّابكم أقلمها‪،‬‬
‫فتصيب ال ِكلَى والفاصل‪.‬‬
‫وحورب فيكم السلم حت ُظنّ أن قد طُمست أمامكم معالُه‪ ،‬وانتُزعت‬
‫منكم عقائدُه ومكارمُه‪ ،‬فجئتم بعد قرن‪ ،‬ترفعون عَلَم التوحيد‪ ،‬وتنشرون من‬
‫الصلح لواء التجديد‪ ،‬وتدعون إل السلم‪ ،‬كما جاء به ممد ‪ ،‬ل كما‬
‫حرّفه الاهلون‪ ،‬وشوّهه الدّجّالون‪ ،‬ورضيه أعداؤه‪.‬‬
‫وحورب فيكم العلمُ حت ظُن أن قد رضيتم بالهالة‪ ،‬وأخلدت للنذالة‪،‬‬
‫ونسيتم كل علم إل ما يَ ْرشَحُ به لكم‪ ،‬أو ما يزج با هو أضرّ من الهل‬
‫عليكم‪ ،‬فجئتم بعد قرن ترفعون للعِلم بناءً شاما‪ ،‬وتشيّدون له صرحا سامقا‪،‬‬
‫فأسستم على قواعد السلم والعروبة والعلم والفضيلة جعيتَكم هذه؛ جعية‬
‫العلماء السلمي الزائريي‪.‬‬
‫وحوربت فيكم الفضيلة‪ ،‬فسِمْتُم السف‪ ،‬و ُديّثتم بالصّغار حت ظُن أن قد‬
‫زالت الروءة والنجدة‪ ،‬وفارَقتْكم العزّة والكرامة‪ ،‬فَرَئِ ْمتُم الضَيْم‪ ،‬ورضيتم‬
‫الَيْف‪ ،‬وأعطيتم با َلقَادة‪ ،‬فجئتم بعد قرن تنفُضون غبار الذّل‪ ،‬وُتهَزْهِزون‬
‫أسس الظلم‪ ،‬وُتهَ ْمهِمون هَ ْمهَمَة الكري الحنّق‪ ،‬وتُ َزمْجِرون ز ْمجَرَة العزيز‬
‫()‬
‫الهان‪ ،‬وتطالبون مطالبة من يعرف له حقّا ل بدّ أن يعطاه أو يأخذه " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وشرح ـ رحه ال ـ سبب اختياره الدين على السياسة للنهوض بالمّة‬


‫ف الوقت الذي كانت تؤاخذ المعية بعدم دخولا ف السياسة‪ ،‬فقال‪ " :‬وبعدُ‪،‬‬
‫فإننا اخترنا الطة الدينية على غيها‪ ،‬عن علم وبصية وتسكا با هو مناسب‬
‫لفطرتنا وتربيتنا من النصح والرشاد‪ ،‬وبثّ الي والثبات على وجه واحد‬

‫()» البصائر « (رقم ‪ /83‬رجب ـ ‪1356‬هـ)‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪306‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫والسي ف خطّ مستقيم‪ ،‬وما كنّا لنجد هذا كله إل فيما تفرّغنا له من خدمة‬
‫العلم والدين‪ ،‬وف خدمتهما أعظم خدمة‪ ،‬وأنفعها للنسانية عامة‪.‬‬
‫ولو أردنا أن ندخُل اليدان السياسي لدخلناه جهرا‪ ،‬ولضربنا فيه الثل با‬
‫عُرف عنا من ثباتنا وتضحياتنا‪ ،‬ولقُدنا المّة كلها للمطالبة بقوقها‪ ،‬ولكان‬
‫أسهل شي ٍء علينا أن نسي با على ما نرسه لا‪ ،‬وأن نَبْلغ من نفوسها إل أقصى‬
‫غايات التأثي عليها‪ ،‬فإن ما نعلمه‪ ،‬ول يفى على غينا أن القائد الذي يقول‬
‫للمّة‪:‬‬
‫ك إليها )‪ ،‬يد منها ما ل‬ ‫( إنّك مظلومة ف حقوقك‪ ،‬وإنّن أريد إيصال ِ‬
‫يد من يقول لا‪ ( :‬إنّك ضالة عن أصول دينك‪ ،‬وإنّن أريد هدايتَك )‪،‬‬
‫فذلك تلبّيه كلها‪ ،‬وهذا يقاومه معظمُها أو شطرُها‪ .‬وهذا كله نعلمه‪ ،‬ولكنّنا‬
‫اخترنا ما اخترنا لا ذكرنا وبيّنا‪ ،‬وإنّنا ـ فيما اخترناه ـ بإذنال لَمَاضون‪،‬‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫وعليه متوكّلون " ‪.‬‬
‫وهذا يشبه كلم ابن تيمية ـ رحه ال ـ حي قال‪ " :‬وكثي مّن خرج‬
‫على ولة المور أو أكثرهم إنا خرج لينازعهم مع استئثارهم عليه‪ ،‬ول‬
‫يصبوا على الستئثار‪ ،‬ث إنّه يكون لول المر ذنوب أخرى فيبقى بغضه‬
‫ل تكون فتنة‬ ‫لستئثاره يعظّم تلك السيّئات‪ ،‬ويبقى القاتل له ظانّا أنه يقاتله لئ ّ‬
‫ويكون الدين كله ل‪ ،‬ومن أعظم ما حرّكه عليه طلب غرضه‪ :‬إما ولية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وإما مال كما قال تعال‪َ {:‬‬
‫م‬ ‫نل َ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫ضوا َ‬ ‫ها َر ُ‬ ‫من َ‬ ‫ن أعطُوا ِ‬ ‫فإ ِ ْ‬
‫()‬
‫خطُون}‪ ،‬وف الصحيح عن النب‬
‫‪2‬‬
‫هم يَس َ‬ ‫منها إذَا ُ‬ ‫وا ِ‬‫يُعط َ ْ‬
‫أنّه قال‪ » :‬ثلثة ل يكلمهمال ول ينظر إليهم يوم القيامة ول يزكّيهم ولم‬

‫() » الصّراط السّوي « ( رقم ‪ /15‬رمضان ـ ‪1352‬هـ)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() عند البخاري (‪ 5/335‬رقم ‪ 2672‬ـ الفتح)‪ ،‬ومسلم (‪ 1/103‬رقم ‪.)174‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪307‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫عذاب أليم‪ :‬رجل على فضل ماء ينعه من ابن السبيل‪ ،‬يقولال له يوم القيامة‪:‬‬
‫اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل مال تعمل يداك‪ ،‬ورجل بايع إماما‬
‫ليبايعه إل لدنيا؛ إن أعطاه منها رضي‪ ،‬وإن منعه سخط‪ ،‬ورجل حلف على‬
‫()‬
‫سلعة بعد العصر كاذبا‪ :‬لقد أُعطي با أكثر مّا أُعطي « ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والقصود من سوق كلم شيوخ جعية العلماء إثبات الختلف النهجي‬


‫بي جبهة النقاذ والمعية با ليدع لحدٍ ريبة‪.‬‬
‫إنّ الدّافع لقيام البهة هو الستجابة للغثاء النّاقم على النّظام من أجل‬
‫البز‪ ،‬ولقد تعجّبت الصحافة كلها من الطب الت ألقيت ف المعة الت تلت‬
‫انتفاضة (‪ 5‬ـ أكتوبر ـ ‪1988‬م)‪ ،‬لنّها كانت مهدئة‪ ،‬حت من علي بن حاج‪،‬‬
‫وكان قد نى الناّس عن تكسي العدّات واللت‪ ،‬ولكن لّا رأوا بأنّ أطرافا‬
‫أخرى تطمع ف استغلل الموع الشّعبية الت استفزتا اليد اللادية عمدا‪،‬‬
‫سارعوا إل تغيي الله جة‪ ،‬وغلب الغوغاء على الدّعاة حت جا َروْهم على‬
‫باطلهم‪ ،‬و ُكوّنت السيات بعد هذه المعة بيومي فقط!! وبعدها حت ممد‬
‫السّعيد العروف بشيء من التعقل ف هذه القضايا ل يد بدّا من طاعة الغوغاء‬
‫ـ بعد اعتقال ابن حاج ومدن ـ وألبسوه قميص التهوّر وهو له كاره‪،‬‬
‫وكان يَهاب أن يذكر كلمة ( الكمة ) الت نبذها العوام‪ ،‬وأضحى تيار‬
‫الدهاء كالسّيل ليوقف ف طريقه‪ ،‬ول يكن للدّاعية إل أن يكون مُسيّرا‪ .‬ول‬
‫يقف الدّ عند تكّم الغوغاء ف هذه القضايا‪ ،‬بل إذا وجدوا منهم من يأمرهم‬
‫بالتّأن سارعوا إل تميده ورميه بالعظائم‪ ،‬كما فعلوا بشيخيهم‪ :‬بشي فقيه‬
‫والاشي سحنون‪ ،‬لنّ هذا الخي ـ ككثي من الزبيي ـ َعوّدوا العوام‬
‫على استعدائهم على من ل يشي معهم من الدعاة‪ ،‬فانقلب السهم على راميه‪.‬‬

‫() » منهاج السّنة « (‪ 4/540‬ـ ‪.)541‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪308‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وقد قال ابن تيمية‪ " :‬والفتنة إذا وقعت عجز العقلء فيها عن دفع السفهاء‪،‬‬
‫صيب َ َّ‬
‫ن‬ ‫ة ل تُ ِ‬ ‫فتْن َ ً‬
‫قوا ِ‬ ‫وهذا شأن الفت‪ ،‬كما قال تعال‪{:‬وات َّ ُ‬
‫َ‬
‫صًة}‪ ،‬وإذا وقعتْ الفتنة ل يَسْلَم مِن‬ ‫م خا َّ‬‫منك ُ ْ‬ ‫ذين ظَل َ ُ‬
‫موا ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫التلوّث با إل مَن عصمه ال " ‪.‬‬
‫الثان‪ :‬تنبّه أيّها القاريء إل أصل أخشى أن تنساه‪ ،‬وهو أنّ السّلفية ل‬
‫تعرف الزبية‪ ،‬بل ل يكن يُفرّق بي السّلفي والخوان إل با‪ ،‬وتذكّر أنّ‬
‫جبهة النقاذ حزبٌ كما يصرّح به رؤوسها أنفسهم‪ ،‬وقد كتب علي بن حاج‬
‫ف تأييد بدعة التحزب‪ ،‬فإل أي الفريقي تنتمي جبهة النقاذ ؟‬
‫ولو سلّمنا بأنّ الزبية من السلم‪ ،‬وأنّ العلماء الكبار كانوا مطئي ف‬
‫إنكارهم ذلك‪ ،‬لقلنا‪ :‬إنّ وصف سلمان للجبهة بأنّها سلفية خلف الواقع‪ ،‬لن‬
‫()‬
‫كلمه هذا جاء عقب إقصاء السلفيي منها ‪ ،‬وإدخال علي ابن حاج وعباسي‬
‫‪2‬‬

‫مدن السجن‪ ،‬وتسلّمها بقوة جاعة ( الَزْأَرَة ) الت هي من أعدى أعداء‬


‫السّلفية‪ ،‬وترأسها ممد سعيد‪ ،‬بل هم على طريقة من يلقّب أهل الديث‬
‫بالشوية ‪ ...‬الهمّ‪ :‬زعمك هذا ـ يا سلمان!ـ كان ف الوقت الذي كانت‬
‫فيه أساء الرشّحي للنتخابات البلانية كلها من ( الزأرة )‪ ،‬إل واحدا ف‬
‫باب الوادي بالعاصمة‪ ،‬تركوه مصيدة للسّلفيي‪ ،‬لن هذا الي على سلفية وإن‬
‫كان فيها دخن‪ ،‬فهل من معتب؟ ول أعتقد أن من حولك من الزائريي‬

‫() » منهاج السنة « (‪.)4/343‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يب التنبه إل أنّ القصود بسلفيي جبهة النقاذ عوامهم؛ لنّ الواص من طلبة العلم‬ ‫‪2‬‬

‫ل ينخرط منهم ف هذا الزب إلّ أناس معدودون ل يلون اليد الواحدة‪ ،‬مع أن أول من‬
‫أشاع السلفية عنهم ونسبهم إليها الخوان السلمون لضرب النهج السلفي بأخطاء‬
‫البهة‪ ،‬وال حسيبهم‪.‬‬
‫‪309‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫يكتمك هذا إل أن يكون من ( الزْأَرِيي )!‬


‫فليتك ـ يا سلمان!ـ قلت ما قلت قبل هذا التاريخ لوجدنا لك مرجا‪،‬‬
‫ن إِذَا‬
‫ذي َ‬ ‫لكن احدال وحده‪ ،‬فقد جعل لك خي مرج حي قال‪َ { :‬‬
‫وال ِ‬
‫هم ذَكَُروا الله‬ ‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫موا أَن ْ ُ‬ ‫و ظَل َ ُ‬
‫ش ً َ‬
‫ةأ ْ‬ ‫ح َ‬
‫فا ِ‬‫علُوا َ‬ ‫ف َ‬‫َ‬
‫ه‬
‫ب إل الل ُ‬ ‫فُر الذُّنُو َ‬ ‫غ ِ‬‫من ي َ ْ‬ ‫و َ‬‫هم َ‬ ‫فُروا لِذُنُوب ِ ِ‬‫غ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫مون}‪.‬‬ ‫عل َ ُ‬
‫هم ي َ ْ‬ ‫و ُ‬‫علُوا َ‬ ‫ف َ‬‫على ما َ‬ ‫صُّروا َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫ـ قال سلمان‪ " :‬سعت أن الشيخ ممد ناصرالدين اللبانّ ـ حفظه ال‬
‫ـ المام العال الحدّث‪ ،‬أرسل رسالة إل الخوة ف الزائر‪ ،‬وقرئت ف‬
‫الساجد‪ ،‬يؤيّدهم فيها‪ ،‬فكان لا أثر كبي على نفوس الناس هناك "‪.‬‬
‫النقد‪ :‬كأنك ـ يا سلمان ـ تقول أي شيء! ما الذي ينعك من التأن‬
‫سق‬ ‫فا ِ‬‫جاءَكُم َ‬ ‫منُوا إِن َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ال ِ‬‫والعمل بقولال ‪{ :‬يَأي ُ َ‬
‫هم‬‫و ُ‬‫هدَ بِالحق َ‬ ‫ش ِ‬‫من َ‬ ‫فتَبَيَّنُوا}‪ ،‬وبقوله‪{ :‬إل َ‬ ‫بِنَبَأ َ‬
‫مون}؟ ولئن قلت‪ :‬أنا ما تكلمت إل با سعت والعهدة على الراوي‪،‬‬ ‫عل َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫قلنا لك‪ :‬أين أنت من قول رسول ال ‪ » :‬كفى بالرء كذبا أن يدّث بكل‬
‫()‬ ‫()‬
‫ما سع « ‪ .‬كل من يعرف الشيخ اللبان يكذّبك ف زعمك هذا ؛ لن‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشيخ من نوادر أهل العلم الذين عُرفوا بصفاء النهج والثبات عليه‪ ،‬ومن هذا‬
‫الصفاء إنكاره الشديد على الشتغلي بالسياسة الن‪ ،‬خاصة التحزّبي منهم‪،‬‬
‫وكلمته الت أضحت كالكمة الت ل يسبق إليها ـ فيما علمت ـ مشهورة‪،‬‬

‫‪.‬‬ ‫() رواه مسلم ف مقدمة » صحيحه « (‪ 1/10‬رقم ‪ )5‬عن أب هريرة‬ ‫‪1‬‬

‫() لّا سع بعض إخواننا من مدينة وهران بالغرب الزائري كلم سلمان‪ ،‬سألوا الشيخ‬ ‫‪2‬‬

‫الوقّر ممّد إبراهيم شقرة ـ حفظه ال ـ عن ذلك فأجاب بالبديهة‪ " :‬ل! الشيخ ل‬
‫يؤيّد من له نشاط سياسي اليوم "‪ ،‬وشرح ذلك‪ ،‬فتأمّل!‪.‬‬
‫‪310‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أل وهي قوله‪ " :‬أرى الن من السياسة ترك السياسة "‪ .‬الشيخ كالبل‬
‫الشامخ ليتزحزح‪ ،‬كم كلمه التحزبون وأرادوا استدراجه واستعطافه‪ ،‬وكانوا‬
‫يكلمونه طوال هذه السنوات كل ليلة‪ ،‬وحرّفوا لديه القائق وأرادوا منه نصف‬
‫كلمة تؤيّدهم‪ ،‬ولكن الشيخ ف صبه العجيب وجلده الشديد وحلمه الطويل‬
‫يقول ف جرأته العروفة مع القريب والبعيد‪ " :‬لحزبية ف السلم "‪ .‬يا سلمان‬
‫أين فقهك للواقع ؟ لقد سارت الركبان ف كل أصقاع العمورة بكلمة تقول‪:‬‬
‫" لئن جاز أن تستغل الركات السلمية الاكرة كبار الشايخ بالتمويه عليهم‪،‬‬
‫فإن الشيخ اللبان ميؤوس منه عندهم "‪ .‬أنت ـ ياسلمان! ـ قلت‪ " :‬لاذا‬
‫نوّن من شأن هذه الماهي السلمة ف الزائر وف غي الزائر ونعتقد أنا‬
‫تنفضّ ‪ " ...‬توسّمت انتصار البهة وهي تاصَر بقوة‪ ،‬وهذه فراستك! فكيف‬
‫كان اغترارك حي رأيتها بعدها قد حازت مقاعد البلان؟ وتأمّل فراسة الشيخ‬
‫اللبان أيّام انتصار البهة ف النتخابات البلانية‪ ،‬حي كاد الناس ـ أصحاب‬
‫النتائج ـ يُجمعون على أنّها وصلت‪ ،‬أخبن الشيخ علي بن حسن بن عبد‬
‫الميد آخر سنة ‪1412‬هـ‪ ،‬حدّثه الشيخ سليم اللل أنه كان عند الشيخ‬
‫اللبان حي أُخب بالنتصار الذكور فقال الشيخ‪ :‬رغوة صابون أو كلمة‬
‫نوها‪ ،‬ث مشيت إل بيت الشيخ سليم اللل طلبا للسناد العال وهو صحيح‬
‫كالشمس كما ترى‪ ،‬فقال ل‪ " :‬قال الشيخ‪ :‬هذه رغوة فقاقيع "‪ .‬بالزم من‬
‫غي الشّك الذي تفّظ فيه الشيخ علي حفظهماال تعال‪ ،‬وها مل صدق‬
‫والمد ل‪ ،‬ومن ارتاب فإن الشيخ حيّ يرزق وهاتفه بل حجاب‪.‬‬
‫فهل الشيخ يكره قيام دولة السلم ؟ أم هي فراسة متهد قد ظهر صدقها‪،‬‬
‫ول يدركها طالب العلم مهما جع من قصاصات الرائد ؟! فأي الفريقي‬
‫أحق بالديث ف هذه السائل‪ :‬أهو طالب العلم الذي ل هو يعرف تحيص‬
‫‪311‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الخبار‪ ،‬ول هو يتأن لتبيّن الصدق من الكذب‪ ،‬ول هو يسن تليل واقع‬
‫ن الِعلْم}! أم هو العال الجتهد السنّ‬
‫م َ‬
‫هم ِ‬ ‫مبْل َ ُ‬
‫غ ُ‬ ‫الناس؟ {ذَل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫ولَو َردُّوه إِلى‬‫الذي أدّبته النّصوص وحنّكته التجارب؟ { َ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ه ال ِ‬
‫م ُ‬ ‫منهم ل َ َ‬
‫عل ِ َ‬ ‫ر ِ‬
‫م ِ‬
‫وإِلى أولي ال ْ‬ ‫الرسول َ‬
‫هم}‪ .‬وف جواب الشيخ أمارة واضحة على قوة إيانه‬ ‫ستَنْبِطُونَه ِ‬
‫من ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫بالغيب‪ ،‬ويقينه ف صدق نصوص الوحيي‪ ،‬وأنه ل تدعه نتائج الواقع ما ل‬
‫تؤسّس على الشرع ـ نسبه كذلك ـ ويا ليت شعري كيف يكون يوم‬
‫أصحاب النتائج إذا أحي الدجالُ القتولَ بي أيديهم وأَخرج كنوزَ الرض‬
‫()‬
‫‪...‬؟ فاللهم حفظك ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ذلك هو تصرّفك وتسرّعك ـ ياسلمان! ـ مع الخبار الت وردتك على‬


‫أحسن ما نظن بك‪ ،‬أما نن فحينما بلغنا أن الشيخ اللبان أيّد البهة جزمنا ف‬
‫أنفسنا بكذبه‪ ،‬وتيقنا ذلك حي رأينا الورقة الخية فقط من الفاكس الذي‬
‫أرسله الشيخ إل أعضاء البهة قد علقت بالساجد‪ ،‬وظهر لنا أن كلما سبقها‬
‫حُذف‪ ،‬وازددنا يقينا حي قرأنا بأسفلها مكتوبا بلون مغاير‪ " :‬لقد دعا الشيخ‬
‫ناصر الدين اللبان للشعب الزائري بالنصرة والتوفيق‪ ،‬وذلك ف مكالة‬
‫هاتفية!!"‪ ،‬فعلمنا أنم ل يعودوا من عند الشيخ إل بفي حني‪ ،‬فحسبهم أن‬

‫() لقد صرّح ل الشيخ الفاضل علي بن حسن اللب ـ ف اعتراف صادق ـ أنه ـ يوم‬ ‫‪1‬‬

‫بلغته كلمة الشيخ هذه ـ وقع ف نفسه منها شيء‪ ،‬قال‪ " :‬لننا بكم شبابنا ننظر بغي‬
‫عي العال البصي‪ ،‬فقلتُ ف نفسي‪ :‬لو أن الشيخ غَضّ من هذه طرفا‪ ،‬لن القوم قد‬
‫وصلوا‪ ،‬وإن كنتُ على يقي بخالفتهم للمنهج النبوي‪ ،‬لكن نن شباب ‪ ...‬ث ل َيمْضِ‬
‫إل زمن يسي حت عظُم ف نفسي قدر شيخي أكثر ‪." ...‬‬
‫قلتُ‪ :‬جزاك ال خيا؛ فإن الرجوع إل الق فضيلة‪.‬‬
‫‪312‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫يعلقوا من الفاكس ورقة واحدة قليلة السطر بالنسبة للورقات الخرى‪ ،‬ل‬
‫يراد منها إل التدليس‪ ،‬وكتمنا ذلك وقلنا‪ " :‬اتبع الكذّاب إل باب الدّار "‪،‬‬
‫فاتصلنا بالردن مباشرة فجاءنا من الشيخ الفاكس بتمامه‪ ،‬فإذا هو ستّ‬
‫ورقات!كما أنه قد سئل الشيخ نفسه عما يلي‪:‬‬
‫قال السائل‪ :‬قال بعض الدعاة ف شريط له عندنا هنا ف السعودية بعنوان‬
‫()‬
‫» كلمة حق ف السألة الزائرية « ‪ ،‬قال هذا الداعية إنكم أرسلتم رسالة إل‬
‫‪1‬‬

‫جبهة النقاذ ف الزائر تؤيّدونا فيما قامت به‪ ،‬وتثونا على الستمرار‪ ،‬وأن‬
‫تلك الرسالة قد قُرئت على الناس ف الساجد‪ ،‬وقد كان لا أثر كبي ف‬
‫صفوف جبهة النقاذ‪ ،‬فالسؤال‪ :‬هل هذا حصل منكم‪ ،‬نرجو التوضيح؟‬
‫َ‬
‫ها‬ ‫الواب‪ " :‬إذا كان هذا الداعية تعرفه فاقرأ عليه قوله تعال‪{ :‬يَأي ُّ َ‬
‫َ‬
‫فتَبَيَّنُوا} إل آخر‬ ‫ق بِنَبَإ ٍ َ‬
‫س ٌ‬‫فا ِ‬‫م َ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬
‫منُوا إِن َ‬ ‫ذين ءَا َ‬‫ال ّ ِ‬
‫الية‪ ،‬وقال عليه السلم‪ » :‬بسْب امريء من الكذب أن يَدّث بكل ما سع‬
‫«‪ ،‬هذا أول‪ ،‬ليطلب مِن الذي أخبه بذا الب الزور النصَ الذي أرسلتُه إليهم‬
‫بطي‪ ،‬هذا الواب عما سألتَ "‪ .‬واقرأ الن ـ يا سلمان! ـ هذا النص إن‬
‫ل يسبق لك أن قرأته‪ ،‬ث ضع فقهك للواقع ف ميزان الصائغ‪ ،‬فهل تراه يزن‬
‫شعرة؟!‬

‫() لصاحبه سلمان العودة كما سبق‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪313‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة كلمة الشيخ اللبان الت أرسلها بواسطة‬


‫( الفاكس ) إل جبهة النقاذ الزائرية‬
‫‪314‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫‪315‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫نص فاكس الشيخ اللبان إل جبهة النقاذ‬


‫الزائرية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫إن المد ل نمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بال من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن‬
‫سيئات أعمالنا من يهده ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن‬
‫ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن ممدا عبده ورسوله أما بعد؛ فإل‬
‫لنة الدعوة والرشاد ف البهة السلمية للنقاذ‪ ،‬وعليكم السلم ورحة ال‬
‫وبركاته‪.‬‬
‫وبعد؛ فقد تلقيت َأصِيلَ هذا اليوم الثلثاء الوافق للثامن عشر من شهر‬
‫جادى الخرة سنة ( ‪1412‬هـ ) رسالتكم الرسلة إلّ بواسطة ( الفاكس )‬
‫فقرأتا وعلمتُ ما فيها من السئلة التعلقة بالنتخابات الت قلتم إنا ستجري‬
‫()‬
‫عندكم يوم الميس أي بعد غد ‪ ،‬ورغبتم من التعجيل بإرسال أجوبت‬
‫‪1‬‬

‫عليها‪ ،‬فبادرت إل كتابتها ليلة الربعاء لرسالا إليكم بـ ( الفاكس ) أيضا‬


‫صباح هذا اليوم ـ إن شاء ال ـ شاكرا لكم حسن ظنكم بأخيكم وطيب‬
‫ثنائكم عليه الذي ل يستحقه‪ ،‬سائل الول سبحانه وتعال لكم التوفيق ف‬
‫دعوتكم وإرشادكم‪.‬‬
‫وإليكم الن ما يَسّر ال ل من الجابة عل أسئلتكم‪ ،‬راجيا من الول‬
‫سبحانه وتعال أن يلهمن السداد والصواب ف ذلك‪:‬‬
‫() الغريب أنم دخلوا ف العمل السياسي قبل هذا بثلث سنوات! فلما بقي على‬ ‫‪1‬‬

‫النتخاب يوم ونصف يوم سألوا الشيخ عن مصي أمة!! فهل هذا هو دين طالب الق؟!‬
‫ث لا جاءهم القّ من الشيخ ل يرفعوا به رأسا؛ لنم استمروا فيما ناهم عنه‪ ،‬كما تراه‬
‫ههنا!‬
‫‪316‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫السؤال الول‪ :‬ما الكم الشرعي ف النتخابات التشريعية ( ما يسمى‬


‫بالبلان ) الت نسعى من خللا إل إقامة الدولة السلمية‪ ،‬وإقامة اللفة‬
‫الراشدة ؟‬
‫الواب ‪ :‬إنّ أسعد ما يكون السلمون ف بلدهم يوم ترفع راية ( ل إله‬
‫إل ال ) وأن يكون الكم فيها با أنزل ال‪ ،‬وإن ما ل شك فيه أن على‬
‫السلمي جيعا ـ كل حسب استطاعته ـ أن يسعوا إل إقامة الدولة السلمة‬
‫الت تكم بكتاب ال وسنة رسول ال وعلى منهج السلف الصال‪ ،‬ومن‬
‫القطوع به عند كل باحث مسلم أن ذلك ل يكن أن يتحقق إل بالعلم النافع‬
‫والعمل الصال‪ ،‬وأول ذلك أن يقوم جاعة من العلماء بأمرين هامي جدا‪:‬‬
‫الول‪ :‬تقدي العلم النافع إل من حولم من السلمي‪ ،‬ول سبيل إل ذلك‬
‫إل بأن يقوموا بتصفية العلم الذي توارثوه ما دخل فيه من الشركيات‬
‫والوثنيات حت صار أكثرهم ل يعرفون معن قولم ‪ (:‬ل إله إل ال )‪ ،‬وأن‬
‫هذه الكلمة الطيبة تستلزم توحيد ال ف عبادته تعال وحده ل شريك له‪ ،‬فل‬
‫يستغاث إل به‪ ،‬ول يذبح ول ينذر إل له‪ ،‬وأن ل يعبدوه تعال إل با شرع ال‬
‫على لسان رسول ال ‪ ،‬وأن هذا من مستلزمات قولم‪ ( :‬ممد رسول‬
‫صفّوا كتب الفقه ما فيها من الراء والجتهادات‬ ‫ال )‪ ،‬وهذا يقتضيهم أن يُ َ‬
‫الخالفة للسنة الصحيحة حت تكون عبادتم مقبولة‪ ،‬وذلك يستلزم تصفية‬
‫السنة ما دخل فيها على مر اليام من الحاديث الضعيفة والوضوعة‪ ،‬كما‬
‫يستلزم ذلك تصفية السلوك من النرافات الوجودة ف الطرق الصوفية‪ ،‬والغلو‬
‫ف العبادة والزهد‪ ،‬إل غي ذلك من المور الت تناف العلم النافع‪.‬‬
‫والخر‪ :‬أن يُ َربّوا أنفسهم وذويهم ومن حولم من السلمي على هذا‬
‫العلم النافع‪ ،‬ويومئذ يكون علمهم نافعا وعملهم صالا؛ كما قال‬
‫‪317‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ملً‬‫ع َ‬‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫فلْي َ ْ‬


‫ع َ‬ ‫ه َ‬ ‫قاءَ َرب ِّ ِ‬ ‫جو ل ِ َ‬
‫ن يَْر ُ‬‫من كَا َ‬ ‫تعال‪{:‬ف َ‬
‫حداً }‪ ،‬وحينئذٍ إذا قامت‬ ‫عبادة رب َ‬
‫هأ َ‬ ‫ر ْ‬
‫ك ب ِ ِ َ َ ِ َ ِّ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫صالِحا ً َ‬
‫ول َ ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫جاعة من السلمي على هذه التصفية والتربية الشرعية فسوف ل تد فيهم‬
‫من يتلط عليه الوسيلة الشركية بالوسيلة الشرعية؛ لنم يعلمون أن النب‬
‫قد جاء بشريعة كاملة بقاصدها ووسائلها‪ ،‬ومن مقاصدها مثل النهي‬
‫عن التشبه بالكفار وتبن وسائلهم ونظمهم الت تتناسب مع تقاليدهم‬
‫وعاداتم‪ ،‬ومنها اختيار الكام والنواب بطريقة النتخابات‪ ،‬فإن هذه‬
‫الوسيلة تتناسب مع كفرهم وجهلهم الذي ل يفرق بي اليان والكفر ول‬
‫جع ُ‬
‫ل‬ ‫فن َ ْ‬‫بي الصال والطال ول بي الذكر والنثى؛ وربنا يقول‪{:‬أ َ َ‬
‫حكُمون}‬ ‫ف تَ ْ‬‫م كَي ْ َ‬ ‫ما لَك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫مي َ‬‫ر ِ‬
‫ج ِ‬ ‫ن كَال ُ‬
‫م ْ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ال ُ‬
‫س الذَّكَُر كَالُنثَى}‪.‬‬ ‫ويقول‪{:‬ولَي ْ َ‬
‫وكذلك يعلمون أن النب إنا بدأ بإقامة الدولة السلمة بالدعوة إل‬
‫التوحيد والتحذير من عبادة الطواغيت وتربية من يستجيب لدعوته على‬
‫الحكام الشرعيةحت صاروا كالسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له‬
‫سائر السد بالسهر والمى كما جاء ف الديث الصحيح‪ ،‬ول يكن فيهم من‬
‫يُصِرّ على ارتكاب الوبقات والربا والزنا والسرقات إل ما ندر‪.‬‬
‫فمن كان يريد أن يقيم الدولة السلمة حقا ل يُكتّل الناس ول يمعهم‬
‫على ما بينهم من خلف فكري وتربوي كما هو شأن الحزاب السلمية‬
‫العروفة اليوم‪ ،‬بل ل بد من توحيد أفكارهم ومفاهيمهم على الصول‬
‫السلمية الصحيحة‪ :‬الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصال كما‬
‫ر الله}‪ ،‬فمن أعرض‬ ‫ص ِ‬
‫منُون بِن َ ْ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ح ال ُ‬‫فَر ُ‬‫ذ يَ ْ‬
‫مئ ِ ٍ‬ ‫تقدم‪{ ،‬وي َ ْ‬
‫و َ‬
‫عن هذا النهج ف إقامة الدولة السلمة وسلك سبيل الكفار ف إقامة دولتهم‬
‫‪318‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فإنا هو ( كالستجي بالرمضاء من النار )! وحسبه خطأ ـ إن ل أقل‪ :‬إثا‬


‫ـ أنه خالف هديه ول يتخذه أسوة وال يقول‪{ :‬ل َ َ‬
‫قدْ كَا َ‬
‫ن‬
‫في رسول الل ُ‬
‫جو‬ ‫من كَا َ‬
‫ن يَْر ُ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫وة ٌ َ‬
‫س َ‬
‫هأ ْ‬‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫م‬‫لَك ُ ْ‬
‫خَر وذَكََر اللَه كَثِيراً }‪.‬‬
‫م ال ِ‬
‫و َ‬
‫والي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫الل َ‬
‫السؤال الثان‪ :‬ما الكم الشرعي ف النصرة والتأييد التعلقي بالسألة‬
‫الشار إليها سابقا ( النتخابات التشريعية )؟‬
‫الواب ‪ :‬ف الوقت الذي ل ننصح أحدا من إخواننا السلمي أن يرشّح‬
‫نفسه ليكون نائبا ف برلان ل يكم با أنزل ال‪ ،‬وإن كان قد نص ف دستوره‬
‫(دين الدولة السلم) فإن هذا النص قد ثبت عمليا أنه وضع لتخدير أعضاء‬
‫النواب الطيّب القلوب!! ذلك لنه ل يستطيع أن يغيّر شيئا من مواد الدستور‬
‫الخالفة للسلم‪ ،‬كما ثبت عمليا ف بعض البلد الت ف دستورها النص‬
‫الذكور‪.‬‬
‫هذا إن ل يتورط مع الزمن أن يُقر بعض الحكام الخالفة للسلم بدعوى‬
‫أن الوقت ل ين بعدُ لتغييها كما رأينا ف بعض البلد؛ ُيغَ ّي النائب زيّه‬
‫السلمي‪ ،‬ويتزيّا بالزي الغرب مسايرة منه لسائر النواب! فدخل البلان‬
‫ليُصْلِح غيه فأفسد نفسه‪ ،‬وأوّل الغيث قطرٌ ث ينهمر! لذلك فنحن ل ننصح‬
‫أحدا أن يرشح نفسه؛ ولكن ل أرى ما ينع الشعب السلم إذا كان ف‬
‫الرشّحي من يعادي السلم وفيهم مرشّحون إسلميون من أحزاب متلفة‬
‫الناهج‪ ،‬فننصح ـ والالة هذه ـ كل مسلم أن ينتخب من السلميي فقط‬
‫ومن هو أقرب إل النهج العلمي الصحيح الذي تقدم بيانه‪.‬‬
‫أقول هذا ـ وإن كنت أعتقد أن هذا الترشيح والنتخاب ل يقق‬
‫الدف النشود كما تقدم بيانه ـ من باب تقليل الشر‪ ،‬أو من باب دفع‬
‫‪319‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الفسدةالكبى بالفسدة الصغرى كما يقول الفقهاء‪.‬‬


‫السؤال الثالث ‪ :‬حكم خروج النساء للنتخابات ؟‬
‫الواب ‪ :‬يوز لن الروج بالشرط العروف ف حقهن وهو أن يتجلبب‬
‫اللباب الشرعي‪ ،‬وأن ل يتلطن بالرجال‪ ،‬هذا أول‪.‬‬
‫ثّ أن ينتخب من هو القرب إل النهج العلمي الصحيح من باب دفع‬
‫الفسدة الكبى بالصغرى كما تقدم‪.‬‬
‫السؤال الرابع ‪ :‬الحكام الشرعية التعلقة بأناط العمل الشرعي ف‬
‫( البلان ) ورجالته ؟‬
‫الواب ‪:‬فنقول‪ :‬هذا سؤال غامض مرادكم منه غي ظاهر لنا‪ ،‬ذلك لن‬
‫الفروض أن النائب السلم ل بد أن يكون عالا بالحكام الشرعية على‬
‫ط البحث فل بد أن‬‫اختلف أشكالا وأنواعها‪ ،‬فإذا ما طرح أمر ما على بسا ِ‬
‫يوزن بيزان الشرع‪ ،‬فما وافق الشرع أيده وإل رفضه؛ كالثقة بالكومة‪،‬‬
‫والقَسَم على تأييد الدستور ونو ذلك !!‬
‫وأما رجالت البلان! فلعلكم تعنون‪ :‬ما موقف النواب السلميي من‬
‫رجالت البلان الخرين؟ فإن كان ذلك مرادكم فل شك أنه يب على‬
‫السلمي نوابا وناخبي أن يكونوا مع من كان منهم على الق كما قال رب‬
‫ن}‪.‬‬‫قي َ‬ ‫ع ال َّ‬
‫صاِد ِ‬ ‫العالي‪{:‬وكُونُوا َ‬
‫م َ‬
‫وأما السؤال الامس والسادس ‪ :‬فجوابما يُفهم ما تقدم من الجوبة‪.‬‬
‫ونضيف إل ذلك أن ل يكون هّكم ـ معشر البهة السلمية! ـ‬
‫الوصول إل الكم قبل أن يصبح الشعب مهيّئًا لقبول الكم بالسلم‪ ،‬ول‬
‫يكون ذلك إل بفتح العاهد والدارس الت يتعلم فيها الشعب أحكام دينه على‬
‫الوجه الصحيح ويربّى على العمل با ول يكون فيهم اختلف جذري ينشأ‬
‫‪320‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫منه التحزب والتفرق كما هو الواقع الن مع السف ف الفغان‪ ،‬ولذلك قال‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن‪ِ .‬‬
‫م َ‬ ‫ركِي َ‬ ‫م ْ‬
‫ش ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ربنا ف القرآن ‪{ :‬ول َ تَكُونُوا ِ‬
‫م َ‬
‫م‬ ‫ب بِ َ َ‬ ‫شيَعا ً ك ُ ُّ‬
‫م وكَانُوا ِ‬ ‫فَّر ُ‬ ‫َ‬
‫ما لدَي ْ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫حْز ٍ‬
‫ل ِ‬ ‫ه ْ‬
‫قوا ِدين َ ُ‬
‫حون}‪ ،‬وقال رسول ال ‪ :‬ل تقاطعوا ول تدابروا ول تباغضوا‬
‫»‬ ‫ر ُ‬‫ف ِ‬‫َ‬
‫ول تاسدوا وكونوا إخوانا كما أمركم ال رواه مسلم‪.‬‬
‫«‬

‫فعليكم إذن بالتصفية والتربية‪ ،‬بالتأن؛ فإن التأن من الرحن والعجلة من‬
‫»‬

‫()‬
‫الشيطان ‪ ،‬كما قال نبينا عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬من استعجل‬
‫‪1‬‬
‫«‬

‫الشيئ قبل أوانه ابتلي برمانه‪ ،‬ومن رأى العبة بغيه فليعتب‪ ،‬فقد جرب‬
‫بعض السلميي من قبلكم ف غي ما بلد إسلمي الدخول ف البلان بقصد‬
‫إقامة دولة السلم‪ ،‬فلم يرجعوا من ذلك ول بفي حني ! ذلك لنم ل‬
‫يعملوا بالكمة القائلة ‪ " :‬أقيموا دولة السلم ف قلوبكم تقم لكم ف‬
‫أرضكم "‪ ،‬وهكذا كما قال ‪ »:‬إن ال ل ينظر إل صوركم وأموالكم‬
‫ولكن ينظر إل قلوبكم وأعمالكم رواه مسلم‪.‬‬
‫«‬

‫فال سبحانه وتعال أسأل أن يلهمنا رشدنا‪ ،‬وأن يعلمنا ما ينفعنا‪ ،‬ويهدينا‬
‫للعمل بشرعةِ ربنا‪ ،‬متبعي ف ذلك سنة نبينا ومنهج سلفنا‪ ،‬فإن الي كله ف‬
‫التباع والشر كله ف البتداع‪ ،‬وأن يفرج عنا ما أهّنا وأغمّنا وأن ينصرنا على‬
‫من عادانا‪ ،‬إنه سيع ميب‪.‬‬
‫عمان صباح الربعاء ‪ 19‬جادى الخرة سنة ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫وكتب‬
‫()‬
‫ممد ناصر الدين اللبان أبو عبد الرحن ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() حديث ثابت‪ ،‬رواه أبو يعلى والبيهقي‪ ،‬انظر » الصحيحة « برقم (‪.)1795‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ملة » الصالة « العدد الرابع ص (‪15‬ـ ‪ .)22‬قلتُ‪ :‬لقد استغل بعض الزبيي‬ ‫‪2‬‬
‫‪321‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أقول‪ :‬فالصدقَ الصدقَ ـ يا سلمان! ـ قبل يوم تعذر العتذار‪ ،‬قَالَال‬


‫هم}‪.‬‬ ‫صد ْ ُ‬
‫ق ُ‬ ‫قيَن ِ‬ ‫ع ال َّ‬
‫صاِد ِ‬ ‫م يَن ْ َ‬
‫ف ُ‬ ‫تعال‪َ { :‬‬
‫هذَا ي َ ْ‬
‫و ُ‬
‫قال سلمان‪ " :‬وكذلك اجتمعنا مع ساحة الوالد الشيخ عبد العزيز منذ‬
‫زمن ـ مِن منذ نو شهرين‪ ،‬وكان الشيخ متعاطفا معهم‪ ،‬وحدثنا أنّه يهمّ‬
‫بإرسال رسالة إليهم لتأييدهم والدّعاء لم‪ ،‬ودعوة السلمي إل تأييدهم‪،‬‬

‫كلم الشيخ ليدّعي أنه يرى جواز دخول البلان والنتخابات! مع أن هذا الذي نَقلْتُه هنا‬
‫عن الشيخ من أوضح الواضحات ف نفي ذلك‪ ،‬لكن خوفا من أن يَنطلي أمرهم على‬
‫السذج أقول‪ :‬إن الشيخ يرى تري دخول البلان وما يَتْبعه من انتخاب لدليلي قد‬
‫ذكرها هو نفسه هنا‪ ،‬وها‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه بدعة؛ إذ وسائل الدعوة ف مثل هذه توقيفية‪ ،‬انظر إن شئت » الجج القوية‬
‫على أن وسائل الدعوة توقيفية « لعبد السلم بن برجس‪ ،‬على أن هذا ل يتلف مع قوله‬
‫بأنا تَحكُمها الصال الرسلة عموما؛ وكثيا ما كان الشيخ يُرَدّد كلم ابن تيمية من »‬
‫اقتضاء الصراط الستقيم « ص (‪ " :)278‬فكلّ أمر يكون القتضي لفعله على عهد رسول‬
‫موجودا لو كان مصلحة ول يُفعل‪ ،‬يُعلَم أنه ليس بصلحة ‪ ...‬ونن نعلم أن هذا‬ ‫ال‬
‫ضللة قبل أن نعلم نيا خاصّا عنها أو أن نعلم ما فيها من الفسدة "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد سبق أن نقلتُ كلم الشيخ ف أن هذا التحزّب للعمل السياسي مالف لدي‬
‫الذي دُعي بكة للمشاركة ف السلطة فأبَى؛ لنه أصّل عملَه على التربية العقدية‬ ‫النب‬
‫واللقية باديء ذي بدء‪ ،‬كما هو معلوم‪ ،‬هذا ف الكلم عن قيام القتضي مع ترك الفعل‪،‬‬
‫وأما العلم بالنهي فواردٌ أيضا‪ ،‬ويُبَيّنه كلمُ الشيخ بعد هذا ‪ ،‬وأما العلم بالفسدة ف هذا‬
‫العمل‪ ،‬فبيانه منه ـ حفظه ال ـ ف ملحظة قريبة‪ ،‬وال ولّ التوفيق‪.‬‬
‫والثان‪ :‬أنه تشَبّهٌ بالكفار؛ إذ ل يَختلف اثنان ف أنه نظام مستورَد منهم‪.‬‬
‫فهذان المران يدلن على أن الشيخ ل يُحرّمه لفسدة زمنية أو مكانية يكن نسخها‬
‫بصلحة زمنية أو مكانية‪ ،‬كل! بل حرّمه لذاته‪ ،‬فتنبّه! ول يلتبِسن عليك أن َجوّز الشيخُ‬
‫‪322‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وذلك قبل أن يري ما جرى‪ ،‬ولكنّن علمتُ فيما بعد أنّ الشيخ ل يفعل ذلك‬
‫لبعض السباب الاصة "‪.‬‬
‫النقد‪ :‬إنّ ما نقلته عن الشيخ هنا ل يستدعي النّقد؛ لنك نقضت أوّله‬
‫بآخره فلم تأت بشيءٍ‪ ،‬وأستدرك هنا فأقول‪ :‬ل تأت بشيءٍ من العلم‪ ،‬وإل‬
‫ي علماء! ل‬
‫فقد أتيت عظائم‪ ،‬لنك تنسب ما ل حقيقة له إل العلماء‪ ،‬وأ ّ‬

‫النتخابَ لبقية السلمي با فيهم النساء؛ لن هذا قاله الشيخ ف حالة ما إذا تَعنّت‬
‫السلميون وأبَوا إل دخول البلان‪ ،‬فحينئذ ما داموا داخلي ـ وإن رغمَت فتاوى أهل‬
‫العلم ـ فقد رأى الشيخ أنه ل بدّ على غيهم من السلمي أن ينتخبوا أقرب حزب إل‬
‫السلم‪ ،‬من باب دفع الفسدة الكبى بالصغرى‪ ،‬ولكن الشيخ ينهى عن الدخول معهم‬
‫ف التحزب والتنظيم ‪ ...‬وكثيا ما سُجّل للشيخ قولُه لذه البهة وغيها‪ " :‬إن ركبتم‬
‫رؤوسكم وأبَيتم إل أن تكونوا كبش الفداء فعلى السلمي الخرين أن يتاروا من هذه‬
‫الحزاب أقربا إل السلم؛ ل لنم سيُقدّمون خيا‪ ،‬ولكن من باب التقليل من شرّهم‬
‫"‪ ،‬هذا هو رأي الشيخ فليُعلم!‬
‫ملحظة‪ :‬والغريب أن ينقل عبدُ الرحن عبد الالق ف ص (‪ )73‬من كتابه » مشروعية‬
‫الدخول إل الجالس التشريعية « كلمَ الشيخ اللبان هذا مبتورا لي ّدعِي أن منع الشيخ‬
‫دخول هذه الجالس " إنا من باب أنه خلف الول "‪ ،‬كذا قال ـ هداه ال ـ مع أنه‬
‫ل يفَى عليه ول على غيه أن الشيخ ـ حفظه ال ـ ما اشتدّ انتقادُه عليه ـ هو‬
‫بالصوص ـ كما اشتدّ ف هذه السألة بعينها‪ ،‬يوم أن دعاه إل بيته للمناقشة فيها‪ ،‬فلم‬
‫يستجب له! وقال له الشيخ‪ " :‬يا عبد الرحن! إن أَعِظك أن تكون من الاهلي! "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولول خشية التلبيس ما كلّفت نفسي نقل هذا الت‪:‬‬
‫جاء ف شريط مسجّل من (( سلسلة الدى والنور )) رقم (‪ )352/1‬أن سائلً قال للشيخ‬
‫اللبان‪ :‬سعنا أنك قلت ـ يا شيخ! ـ يوز ( أي دخول البلانات ) ولكن بشروط؟!‬
‫قال الشيخ‪ " :‬ل! ما يوز! هذه الشروط ـ إذا كانت ـ تكون نظرية وغي عملية‪،‬‬
‫‪323‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ُت ْغفِل ـ يا سلمان! ـ أنك تتحدّث عمن حىال بم دعوة السّلف؛ ل تُغفِل‬
‫ـ ياسلمان! ـ أنك تتحدّث عمن ل يُعرف لم نظي ف العال السلمي؛ ل‬
‫تُغفِل ـ يا سلمان! ـ أنك تب عمّن قيّضال لفتاواهم نقلة أمناء‪ ،‬ينفون‬
‫عنهم تزوير الزوّرين‪ ،‬وتريف الغالي‪.‬‬
‫لو رأيتنا ـ ياسلمان! ـ ونن نتردد على الشيخ العلّمة عبد العزيز بن‬

‫فهل أنت تذكر ما هي الشروط الت بلَغتك عنّي؟ "‪.‬‬


‫قال‪ :‬الشرط الول‪ :‬أن يافظ النسان على نفسه‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ " :‬وهل يكن هذا؟! "‪.‬‬
‫قال‪ :‬ما جرّبتُ!‬
‫قال الشيخ‪ " :‬إن شاء ال ما ترّب! هذه الشروط ل يكن تقيقها؛ ونن نشاهد كثيا‬
‫من الناس الذين كان لم منطلق ف حياتم ـ على القل ـ ف مظهرهم ‪ ..‬ف لباسهم ‪..‬‬
‫ف ليتهم ‪ ..‬حينما يدخلون ذلك الجلس ـ أي ملس البلانات ـ وإذا بظاهرهم تَغيّر‬
‫وتبدّل! وطبعا هم يبّرون ذلك ويسوّغونه‪ :‬وأنّ هذا من باب السايرة ‪...‬‬
‫فرأينا ناسا دخلوا البلان باللباس العربّ السلميّ‪ ،‬ث بعد أيام قليلة غيّروا لباسهم وغيّروا‬
‫زيّهم!! فهذا دليل الفساد أو الصلح؟! "‪.‬‬
‫قال السائل‪ :‬الشيخ يعن الخوة ف الزائر وعملهم هذا ودخولم العترك السياسي؟‬
‫قال الشيخ‪ " :‬ما ننصح! ما ننصح ف هذه اليام بالعمل السياسي ف أيّ بلد من بلد‬
‫السلم ‪." ...‬‬
‫وف السلسلة نفسها برقم (‪ )353/1‬قال الشيخ‪ " :‬ولذا فأنا ل أقول كما قلتُ آنفا‪ :‬ل أرى‬
‫الهاد‪ ،‬بل أحذّر من الهاد؛ لن الوسائل النفسية والادية ل تساعد السلمي على القيام‬
‫بأيّ جهاد ف أيّ مكان كان ‪ ،" ...‬وقال‪ " :‬نن ننكر تزّب السلمي ف دائرة‬
‫السلم؛ فأن يكون حزب إسلمي يسمّى كذا‪ ،‬وحزب إسلمي يسمّى كذا‪ ،‬هذا‬
‫التحزّب ـ مع أنم جيعا يعملون ف دائرة السلم وف صال السلم والُ أعلم با ف‬
‫‪324‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫باز ـ حفظه ال ـ ثلث مرّات؛ نسأله عن أوضاع الزائر‪ ،‬وف كل مرّة ل‬


‫يزيد على قوله‪" :‬ال أعلم‪ ،‬حت تنظر اللجنة الدّائمة للفتاء "‪.‬‬
‫قلت‪:‬ال أكب! هذا ورع مفت السلمي‪ ،‬بل هذا هو العلم‪ ،‬قال ابن‬
‫ل مَن عَلِم منكم شيئا فليقل به‪ ،‬ومن ل‬ ‫مسعود ‪ " :‬ياأيّها الناس! اتقوا ا ‪،‬‬
‫يعلم‪ ،‬فليقل‪:‬ال أعلم‪ ،‬فإنّ من العلم أن يقول الرجل لِما ل يعلم‪:‬ال أعلم‪ ،‬فإنّ‬
‫َ‬ ‫ل ما أ َ َ‬
‫ما‬‫و َ‬‫ر َ‬ ‫ج ٍ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫علَي ْ ِ‬ ‫سألُك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ق ْ َ‬ ‫قال لنبيّكم ‪ُ { :‬‬ ‫ال‬
‫()‬ ‫َ‬
‫فين} " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫متَكَل ِ ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫م َ‬
‫أنَا ِ‬
‫ث أبال إل أن يتم نوره ولو كره الهرّجون‪ ،‬وكما بينت آنفا تكذيب‬
‫العلمة اللبان لا نُسِب إليه‪ ،‬أبيّن الن تكذيب الشيخ ابن باز لِما نسبه إليه‬
‫سلمان؛ فقد سئل بكة يوم (‪ )26‬من ذي الجة (‪1414‬هـ) ـ وهو مسجل ف‬
‫التوعية السلمية ـ عمّا يأت‪:‬‬
‫السؤال الول‪:‬‬
‫الماعة السلمية السلّحة بالزائر َقوَّلتْكم أنكم تؤيّدون ما تقوم به من‬
‫اغتيالت للشرطة وحل السّلح عموما‪ ،‬هل هذا صحيح؟ وما حكم فعلهم مع‬
‫ذكر ما أمكن من الدلّة جزاكمال خيا؟‬

‫نفوسهم ـ مع ذلك فنحن لنرى أنه يوز لدولة مسلمة أن تسمح لثل هذا التكتّل‬
‫وهذا التحزّب‪ ،‬ولو ف دائرة السلم؛ لن هذا ليس من صنيع السلمي‪ ،‬بل هو من‬
‫ن‬
‫ركِي َ‬
‫ش ِ‬‫م ْ‬‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ول َ تَكُونُوا ِ‬
‫عادة الكافرين‪ ،‬ولذلك قال ربّ العالي‪َ {:‬‬
‫شيَعا ً ك ُ ُّ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫حْز ٍ‬
‫ل ِ‬ ‫وكَانُوا ِ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬
‫قوا ِدين َ ُ‬‫فَّر ُ‬‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م َ‬
‫ِ‬
‫ن} "‪.‬‬ ‫حو َ‬
‫ر ُ‬‫ف ِ‬‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫بِ َ َ‬
‫ما لدَي ْ ِ‬
‫() قطعة من حديث أخرجه البخاري (‪ 8/370‬رقم ‪ 4774‬ـ الفتح)‪ ،‬ومسلم (‪ 4/2155‬رقم‬ ‫‪1‬‬

‫‪.)2798‬‬
‫‪325‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الواب من ساحة الشيخ عبد العزيز بن عبدال بن باز‪:‬‬


‫" بسمال الرحن الرحيم المد ل وصلّىال وسلّم على رسولال وعلى آله‬
‫وأصحابه ومن اهتدى بداه‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد نصحنا إخواننا جيعا ف كل مكان ـ أعن الدّعاة ـ نصحناهم أن‬
‫يكونوا على علم وعلى بصية وأن ينصحوا الناس بالعبارات السنة والسلوب‬
‫السن والوعظة السنة وأن يادلوا بالت هي أحسن‪ ،‬عمل بقولال سبحانه‪:‬‬
‫ة‬
‫سن َ ِ‬
‫ح َ‬ ‫عظ َ ِ‬
‫ة ال َ‬ ‫و ِ‬
‫م ْ‬
‫وال َ‬
‫ة َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ك بِال ِ‬‫ل َرب ِّ َ‬‫سبِي ِ‬ ‫ع إِلى َ‬ ‫{ادْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن}‪ ،‬وقوله سبحانه‪{ :‬ول‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬‫يأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫هم بِال ّتي ِ‬
‫جاِدل ْ ُ‬‫و َ‬
‫ل الكتَاب إل َّ بالَّتي هي أ َحسن إلَّ‬ ‫ه َ‬‫جاِدلُوا أ َ ْ‬
‫ِ َ ْ َ ُ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫تُ َ‬
‫َ‬
‫هم}‪ ،‬فال ج ّل وعل أمر العباد بالدعوة إلال‬
‫من ْ ُ‬‫موا ِ‬‫ن ظَل َ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫وأرشدهم إل الطريقة الكيمة‪ ،‬وهي الدعوة إلال بالكمة يعن بالعلم‪ :‬قال‬
‫ال ‪ ،‬قال رسوله‪ ،‬وبالوعظة السنة وجدالم بالت هي أحسن‪ ،‬عند الشّبهة‬
‫يصل الدال بالت هي أحسن والسلوب السن حت تزول الشّبهة‪.‬‬
‫وإن كان أحد من الدّعاة ف الزائر قال عنّي‪ :‬قلت لم‪ :‬يغتالون الشّرطة‬
‫أو يستعملون السّلح ف الدعوة إلال هذا غلط ليس بصحيح بل هو كذب‪،‬‬
‫إنا تكون الدعوة بالسلوب السن‪ :‬قالال ‪ ،‬قال رسوله‪ ،‬بالتّذكي والوعظ‬
‫والتّرغيب والتّرهيب‪ ،‬هكذا الدعوة إلال كما كان النب وأصحابه ف مكّة‬
‫الكرمة قبل أن يكون لم سلطان‪ ،‬ما كانوا يدعون الناس بالسّلح‪ ،‬يدعون‬
‫الناس باليات القرآنية والكلم الطيّب والسلوب السن لنّ هذا أقرب إل‬
‫الصّلح وأقرب إل قبول الق‪ ،‬أما الدعوة بالغتيالت أو بالقتل أو بالضرب‬
‫فليس هذا من سنّة النب ول من سنّة أصحابه‪ ،‬لكن لّا ولّهال الدينة وانتقل‬
‫إليها مهاجرا كان السّلطان له ف الدينة وشرعال الهاد وإقامة الدود‪ ،‬جاهد‬
‫‪326‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫عليه الصلة والسلم الشركي وأقام الدود بعد ما أمرال بذلك‪.‬‬


‫فالدّعاة إلال عليهم أن يدعوا إلال بالسلوب السن‪ :‬باليات القرآنية‬
‫والحاديث النّبوية‪ ،‬وإذ ل تُجدِ الدعوة رفعوا المر للسّلطان ونصحوا‬
‫للسّلطان حت ينفّذ‪ ،‬السّلطان هو الذي ينفّذ‪ ،‬يرفعون المر إليه فينصحونه بأنّ‬
‫الواجب كذا والواجب كذا حت يصل التّعاون بي العلماء وبي الرؤساء من‬
‫اللوك والمراء ورؤساء المهوريّات‪ ،‬الدّعاة يرفعون المر إليهم ف الشياء‬
‫الت تتاج إل فعل‪ :‬إل سجن‪ ،‬إل قتل‪ ،‬إل إقامة حدّ‪ ،‬وينصحون ولة المور‬
‫ويوجّهونم إل الي بالسلوب السن والكلم الطيّب‪ ،‬ولذا قال جلّ وعل‪:‬‬
‫ل الكتاب إل َّ بالَّتي هي أ َحسن إلَّ‬ ‫جاِدلُوا أ َ ْ‬
‫ِ َ ْ َ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه َ‬ ‫{ول َ ت ُ َ‬
‫َ‬
‫هم}‪ ،‬فلو ظلم أحد من أهل الكتاب أو غيهم‬ ‫من ْ ُ‬‫موا ِ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ل المر أن يعامله با يستحق‪ ،‬أما الدّعاة إلال فعليهم بالرّفق والكمة‬ ‫فعلى و ّ‬
‫لقول النب ‪ » :‬إنّ الرّفق ل يكون ف شيء إل زانه ول يُنَع من شيء إل‬
‫()‬
‫حرَم الرّفق يرم الي كله «‪،‬‬ ‫شانه « ‪ ،‬ويقول عليه الصلة والسلم‪ » :‬مَن ُي ْ‬ ‫‪1‬‬

‫فعليهم أن َيعِظوا الناس ويذكّروهم بالعذاب والحاديث ومن كان عنده شبهة‬
‫يادلونه بالت هي أحسن‪ :‬الية معناها كذا‪ ،‬الديث معناه كذا‪ ،‬قالال كذا‪،‬‬
‫قال رسوله كذا‪ ،‬حت تزول الشّبهة وحت يظهر الق‪ .‬هذا هو الواجب على‬
‫إخواننا ف الزائر وف غي الزائر‪ ،‬فالواجب عليهم أن يسلكوا مسلك‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم حي كان ف مكّة والصّحابة كذلك‪ ،‬بالكلم‬
‫الطيّب والسلوب السن؛ لنّ السلطان ليس لم الن لغيهم‪ ،‬وعليهم أن‬
‫يناصحوا السلطان والسؤولي بالكمة والكلم الطيب والزّيارات بالنيّة الطيبة‬
‫حت يتعاونوا على إقامة أمرال ف أرضال ‪ ،‬وحت يتعاون الميع ف ردع الجرم‬

‫() رواه والذي بعده مسلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪327‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وإقامة الق؛ فالمراء والرّؤساء عليهم التّنفيذ‪ ،‬والعلماء والدّعاة إلال عليهم‬
‫النصيحة والبلغ والبيان‪ .‬نسألال للجميع الداية "‪.‬‬
‫السؤال الثان‪:‬‬
‫قامت الماعة السلمية السلّحة بتهديد أئمّة وزارة الشّئون الدينيّة‬
‫بالزائر‪ ،‬الذين ل يصرّحون بسبّ الكّام على النابر؛ إمّا توقيف صلة‬
‫الماعة والمعة وإمّا القتل بجّة أنّه موظّف لدى الطّواغيت‪ ،‬وقد نفّذوا القتل‬
‫ف مموعة من الئمّة الذين ل يستجيبوا لم كما تعطّلت صلة الماعة ف‬
‫بعض الدن فما حكم هذا الفعل؟‬
‫الواب‪ " :‬ما يصلح هذا! هذا أيضا غلط‪ ،‬هذا ما يصلح! الواجب على‬
‫الدّعاة أن ينصحوا الناس بالكلم الطيب ينصحوا الطباء وينصحوا الئمّة حت‬
‫يستعملوا ما شرعال ‪ ،‬أما سبّ المراء على النابر فليس من العلج‪ ،‬فالعلج‬
‫الدّعاء لم بالداية والتّوفيق وصلح النّيّة والعمل وصلح البطانة‪ ،‬هذا هو‬
‫العلج‪،‬لنّ سبّهم ل يزيدهم إل شرّا‪ ،‬ل يزيدهم خيا‪ ،‬سبّهم ليس من‬
‫الصلحة‪ ،‬ولكن يُدعَى لم بالداية والتّوفيق والصّلح حت يقيموا أمرال ف‬
‫أرضال وأنّال يصلح لم البطانة أو يبدلم بي منهم إذا أبوا‪ ،‬أن يصلحهم أو‬
‫يبدلم بي منهم‪ ،‬أما سبّهم ولعنهم أو سب الشّرطة أو لعنهم أو ضربم أو‬
‫ضرب الطباء كل هذا ليس من السلم‪ .‬الواجب النصيحة والبلغ والبيان‬
‫س}‪ ،‬فالقرآن بلغ والسنة بلغ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قالال جلّ وعل‪{ :‬هذا بَل َ ٌ‬
‫غ لِلن ّا ِ‬
‫ذَركم به‬ ‫ن لُن ْ ِ‬ ‫ي هذا القرءا ُ‬ ‫ي إل ّ‬ ‫ح َ‬ ‫قال جلّ وعل‪{ :‬وأُو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ما أن َ‬ ‫س}‪{ ،‬إِن َّ َ‬‫ر النا ّ َ‬‫ذ ِ‬‫من بَلَغ}‪ ،‬قال ج ّل وعل‪{ :‬وأن ِ‬ ‫و َ‬
‫ل}‪ ،‬فالعلماء هم خلفاء‬ ‫وكِي ٌ‬ ‫ء َ‬‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫علَى ك ُ ِّ‬ ‫ه َ‬‫ذيٌر والل ُ‬‫نَ ِ‬
‫الرّسل‪ ،‬ينذرون الناس و يذّرونم من عقابال ويرشدونم إل طاعةال‬
‫‪328‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ويأمرونم بتقوىال ويذّرونم من معاصيال ‪ ،‬وينصحون ولة المور من‬


‫المراء وغيهم‪ ،‬ينصحونم‪ ،‬يوجّهونم إل الي ويدعون لم بالداية لنّ هذا‬
‫أقرب إل النّجاح وأقرب إل الي حت تنتشر الدعوة‪ ،‬وحت يتفقّه الناس ف‬
‫الدين‪ ،‬وحت يعلموا أحكامال ‪ ،‬أما إذا عوملوا بالضّرب أو بالوعيد للخطباء‬
‫وغيهم كان هذا من أسباب ظهور الشّ ّر وكثرة الشّرّ وقلّة الي‪ .‬ل حول ول‬
‫قوّة إل بال ‪ .‬نعم؟ "‪.‬‬
‫السؤال الثّالث‪:‬‬
‫كما قامت هذه الماعة بقتل بعض النساء اللّئي أبي ارتداء الجاب‪،‬‬
‫فهل يسوغ لم هذا؟‬
‫الواب‪ " :‬هذا أيضا غلط‪ ،‬ل يسوغ لم هذا‪ ،‬الواجب النصيحة‪،‬‬
‫النصيحة للنّساء حت يتجب والنصيحة لن ترك الصلة حت يصلّي‪ ،‬والنصيحة‬
‫لن يأكل الرّبا حت يدع الرّبا‪ ،‬والنصيحة لن يتعاطى الزّن حت يدع الزّن‪،‬‬
‫والنصيحة لن يتعاطى شرب المر حت يدع شرب المر‪ ،‬كل يُنصح‪،‬‬
‫ينصحون‪ :‬قالال وقال رسوله‪ :‬باليات القرآنيّة والحاديث النبوية‪ ،‬ويذّرونم‬
‫من غضبال ومن عذاب يوم القيامة‪ ،‬أما الضّرب أو القتل أو غي ذلك من‬
‫أنواع الذى فل يصلح للدّعاة‪ ،‬هذا ينفّر من الدعوة‪ ،‬ولكن على الدّعاة أن‬
‫يتحلّوا باللم والصب والتّحمّل والكلم الطيب ف الساجد وف غيها حت‬
‫يكثر أهل الي ويقلّ أهل الشّرّ‪ ،‬حت ينتفع الناس بالدعوة ويستجيبوا "‪.‬‬
‫السؤال الخي‪:‬‬
‫يا شيخ! سؤال أخي ـ باركال فيكم ـ‪ :‬لعلّ بعض الخوة مّن ييل إل‬
‫السلفية ويبّ العلماء يصغي إل كلم العلماء‪ ،‬فماذا تنصحون من تورّط ف‬
‫هذه الغتيالت أو شيء من هذا يا شيخ؟‬
‫‪329‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الواب‪ " :‬أنصحهم بالتوبة إلال وأن يلتزموا الطريقة الت سار عليها‬
‫السّلف الصّال بالدعوة إلال بالكمة والوعظة السنة والدال بالت هي‬
‫َ‬
‫ه‬
‫عا إلى الل ِ‬ ‫من دَ َ‬ ‫ول ً ِ‬
‫م َّ‬ ‫ق ْ‬‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫أحسن‪،‬ال يقول‪{ :‬و َ‬
‫م ْ‬
‫صالِحاً }‪ ،‬فل يوَرّطون أنفسهم ف أعمال تسبّب التّضييق على‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬
‫ع ِ‬
‫و َ‬
‫الدعوة وإيذاء الدّعاة‬
‫وقلّة العلم‪ ،‬لكن إذا كانت الدعوة بالكلم الطيب والسلوب السن‬
‫كثر الدّعاة وانتفع الناس بم‪ ،‬وسعوا كلمهم واستفادوا منهم وحصل‬
‫ف الساجد وف غي الساجد اللقات العلميّة والواعظ الكثية حت ينتفع‬
‫النّاس‪.‬‬
‫ال يهدي الميع‪ ،‬نسألال للجميع الداية والتّوفيق " اهـ‪.‬‬
‫قال سلمان‪ " :‬والبهة ف حقيقة المر ما كانت مؤيّدة للعراق!! "‍‪.‬‬
‫م إ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫ه ِ‬
‫ك بِ ِ‬‫س لَ َ‬‫ما لَي ْ َ‬‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫النقد‪ :‬قالال تعال‪{ :‬ول َ ت َ ْ‬
‫ه‬
‫عن ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ل أُولَئ ِ َ‬
‫ك كا َ‬ ‫د ك ُ ُّ‬
‫ؤا َ‬ ‫وال ُ‬
‫ف َ‬ ‫صَر َ‬
‫والب َ َ‬
‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ال َّ‬
‫س ْ‬
‫سئُولً }‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫أما سعت أو رأيت ف الرّائي والرائد الكثية علي بن حاج ف بدلة‬
‫عسكريّة إفرنيّة ومعه ممد سعيد والاشي سحنون وغيهم‪ ،‬يسوقون قطيعا‬
‫كبيا من التباع الاملي ال َعلَم العراقي متوجّهي إل وزارة الدّفاع بالزائر‪،‬‬
‫طالبي السّلح للقتال مع العراق؟! رافعي أصواتَهم بتافات السّبّ للسّعوديّة‬
‫والكويت؟! ومنهم من كان يَحمل صورة المين؟!!‬
‫أما سعت باليش الغفي الذي بعثته جبهة النقاذ إل العراق للجهاد تت‬
‫راية صدّام؟ ل أكن أدري ـ يا سلمان! ـ أنّ غفلتك عن واقع الزائر بلغت‬
‫بك هذا الدّ! أما تدري أنّ هذا اليش ـ عند مروره بالردن ـ صلّى‬
‫‪330‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫المعة بسجد خطب فيه أسعد التّميمي ووصف يومها الشيخ ابن باز ف‬
‫خطبة ناريّة تجّميّة بأعمى البصر والبصية‪ ،‬بل بالكفر الخرج من اللّة بزعم‬
‫موالة الكفار؟! ول ينكر ذلك أحد بتصريح أو كتابة ‪ ..‬ل النّاطق الرّسي‬
‫للجبهة ول نائبه! بل تغدّى جع من ( اليش السلمي! ) عنده ف انبساط‬
‫وغرور كبي‪ ،‬ووقع ف تلك الغزوة!! من منكرات سرقات الموال وغيها ما‬
‫ل أحبّ ذكره‪ .‬أخبنا به أعضاء البهة أنفسهم حي تنبّهوا‪ ،‬وهو خب متواتر‬
‫بالزائر‪ ،‬على الرغم من تواصي مسئوليهم بالكتمان‪.‬‬
‫أما سعت ـ يا سلمان! ـ خطبة علي بن حاج ف أوّل جعة ألقاها بعد‬
‫رجوعه من رحلته هذه ـ أيّام الحتلل العراقي للكويت ـ ف مسجد السنة‬
‫بباب الوادي‪ ،‬وأوّل درس ألقاه ف اليوم نفسه بي الغرب والعشاء ف مسجد‬
‫الشّافعي بالرّاش بالزائر العاصمة؟ لقد وصف مشايخ السّعوديّة ـ بدون‬
‫استثناء ـ بعلماء البلط‪ ،‬ولعلّه نسي أن يستثنيك منهم فاعذره !! وقال ماطبا‬
‫لم بلهجة شديدة ـ ما معناه ـ‪ " :‬أنتم تتورّعون من التّكفي لنكم تزعمون‬
‫أنكم أتباع الشيخ ممد بن عبد الوهاب‪ ،‬فلماذا ف قضيّة الليج صرت تكفّرون‬
‫صدّاما؟! "‪ ،‬وقنت ف صلة المعة ودعا فيها للعراق بالنصر‪ ،‬ودعا على آل‬
‫صباح وآل سعود باللكة‪ ،‬وكان من دعائه السجوع‪ :‬اللهم عليك باليهود‪،‬‬
‫وآل سعود!! وبكى بكا ًء شديدا‪ ،‬توّل فيه السجدكله إل نيب وعويل‪ ،‬أشدّ‬
‫مّا عرف عن الشّيعة عند حسيْنيّاتم‪ ،‬كل هذا مسجّل ف أشرطة يوزّعونا‪.‬‬
‫وقال ف الشّريط نفسه‪ " :‬عندي حلّ‪ :‬ف هذا الجّ نشي جيعا إل البيت‬
‫الرام ونعتصم به فل نرج حت ترج أمريكا من الليج وآلُ سعود!! " أو‬
‫()‬
‫كلمة نوها ‪ ،‬وكذَب عندها على الشيخ اللبان حي نسب إليه تراجعا عن‬ ‫‪1‬‬

‫() وقد كّلمَنا ـ يومها ـ الشيخُ اللبان فزِعا؛ وأخبنا أن ابنه سع هذا من إذاعة‬ ‫‪1‬‬
‫‪331‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فتياه ف قضيّة الليج‪ ،‬وأنّ الشيخ الن يرى وجوب الروج إل العراق‬
‫لنصرتم‪ ،‬وأطلق المر هكذا ليوهم أنه ناقش الشيخ حت أقنعه بوجوب القتال‬
‫سَرائُِر}؟‬ ‫م تُبْلَى ال َّ‬ ‫و َ‬‫مع العراق! فكيف إذا جعكال به عنده {ي َ ْ‬
‫ث ساق قطعانه إل العراق بذا التّمويه‪ ،‬الذي كان من أكب أسباب نفي‬
‫ن‬‫موا أ َ َّ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م يَ ْ‬
‫َ‬
‫كثي من السلفيي معه استبعادا منهم لكذبه‪ ،‬قالال ‪{ :‬أل َ ْ‬
‫ب}!‬ ‫ن الله َ َ‬ ‫م وأ َ َّ‬
‫غيُو ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ه ْ‬‫وا ُ‬
‫ج َ‬
‫م ون َ ْ‬ ‫سَّر ُ‬
‫ه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ه يَ ْ‬
‫الل َ‬
‫وأزيدك علما بأنّ خطبته هذه نقلت مباشرة بالتّلفزيون العراقيّ وفيها‬
‫َ‬
‫صاُر‬ ‫مى الب ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫شبّه ابن حاج صدّاما بالد بن الوليد! {فإن َّ َ‬
‫ها ل َ ت َ ْ‬
‫صدُوِر}‪.‬‬ ‫ب الَّتي في ال ُّ‬ ‫قلُو ُ‬‫مى ال ُ‬ ‫ولَكِن ت َ ْ‬
‫ع َ‬
‫فهل فقهت هذا الواقع يا سلمان؟!‬
‫قال سلمان‪ " :‬مّا تُتّهم به جبهة النقاذ أنّها تثي الفت وتدعو إل‬
‫العنف ‪ ..‬عجيب ‪ !..‬جبهة النقاذ ‪ ..‬لزالت تلك نفسها تدعو النّاس إل‬
‫الصب ‪ ..‬ل تصغ إل هذا الكلم ‪." ...‬‬
‫النقد‪ :‬مسكي أنت ـ يا سلمان! ـ؛ إذ تقول هذا الكلم عقب قول‬
‫بعض دعاة البهة‪ " :‬إنّ دم الرّئيس الشاذل حلل! " ف خطاب عام بساحة‬
‫أوّل ماي بالعاصمة أيّام الضراب‪ ،‬و ُجنْدُ الرّئيس يلحظون ويسمعون من‬
‫قرب‪ ،‬وقال عباسي مدن ـ وا ْعجَبْ مّا قال ولعليك إن أنكرت عقلك ـ‪:‬‬
‫()‬
‫" لو وقع انقلب للحكومة الالية لرجنا نساء وأطفال ورجال و ‪ ...‬وأعلنّا‬
‫‪1‬‬

‫إسرائيل‪ ،‬وسألنا عن صدقه‪ ،‬وأمرنا بقوّة أن نتصدّى لذا الشابّ كي ل يُلحِد ف الرمي‬
‫الشريفي‪ ،‬جزاه ال خيا‪.‬‬
‫() حكومة الشاذل بن جديد آنذاك‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪332‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الهاد "‪ ،‬لقد خسرَت البهة كثيا من السؤولي لّا رأوا منها تركيزها على‬
‫العنف من أوّل يوم‪ ،‬بل ل تعرف الدوء قطّ إل حي فازت بالنتخابات‬
‫البلديّة‪ ،‬فأضحى دعاتم ـ الذين أنشأوا حزبم هذا على التّكفي للحكومة إل‬
‫أقصى حدّ ـ يقولون‪ " :‬أخطر شيء على الدعوة جاعة التّكفي! "‪ ،‬حت علي‬
‫ابن حاج الذي قلنا له مرارا‪ " :‬احذر جاعة التّكفي وحذّر منهم "‪ ،‬فكان‬
‫يقول‪ " :‬بل هم إخواننا قد قاموا ف وجه الطّاغوت! "‪ ،‬فلمّا تفتّحت الكومة‬
‫مع البهة بعد تلك النتخابات‪ ،‬وكفّرته هذه الماعة تبّم لا‪ ،‬فما أعزّ‬
‫الخلصي للدّين ف دفاعهم عنه‪ ،‬ل عن النّفس! كيف تَدّعي أنا ل تقُم على‬
‫العنف‪ ،‬وقد كتب سعيد ملوف ـ أحد الشبوهي من رؤوس البهة ـ كتاب‬

‫» العصيان الدن « جع فيه بي الطريقة الشيوعية والطريقة الديقراطية ف‬


‫النقلبات من ( التحزب والعتماد والنراط والترشيح والدعاية والظاهرة‬
‫والتجمع والسية والورقة السياسية والعتصام بالساحات العامة والضراب‬
‫بكل أشكاله‪ :‬أي عن الطعام وعن العمل ‪ ...‬والروج ‪) ...‬؟ وقد أشاد بفضل‬
‫هذا الكتاب علي بن حاج ف أول درس ألقاه ف مسجد الشافعي ـ الذي‬
‫سبق ذكره ـ بعد قفوله من ( غزوة العراق!)‪ ،‬وخاطب فيه ملس القضاء‪" :‬‬
‫بأنه مُقرّ بكل ما فيه! فإن حاكمتم مؤلفه فحاكمون معه! "‪ ،‬وأخذت البهة‬
‫تشُقّ طريقها على ما رسه لا هذا الؤلّف‪ .‬فكيف يُزعَم أن البهة مالأَت إل‬
‫صيَت من النتخابات‪ ،‬وقد أُلّف هذا الكتاب‬ ‫العنف إل مضطرة‪ ،‬أي حي أُق ِ‬
‫قبل القصاء؟! المر الذي يد ّل على أنم كانوا ُيعِدّون للعنف عدّته من أول‬
‫يوم‪ .‬ث هل تدري ـ يا سلمان! ـ أنّ الماعة السلمية السلّحة مَنعت‬
‫صلة المعة ف بعض الساجد‪ ،‬وأرسلت إليها بيانا تقول فيه‪ " :‬تُترك صلة‬
‫‪333‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫المعة حت يسقط النّظام وإل ‪ ،" !...‬وف بعض النسخ‪ " :‬والماعة أيضا!! "‪،‬‬
‫وقد تعطّلت المعة ف كل مساجد ولية ( البويرة ) من السبوع الثان لشهر‬
‫شعبان (‪1414‬هـ)‪ ،‬ومِن قبلها ف مدينة ( الخضرية )‪ ،‬وبعدها ف مدينة‬
‫( القادرية ) و( الميس مليانة ) و( برج منايل ) بل وف بعض الساجد الكبية‬
‫ف العاصمة وغيها‪ ،‬فإذا ل يشتهر عن الوارج ترك المعة فهل يُلحق هؤلء‬
‫بالشّيعة الروافض؟! كما أنم قَتلوا بعض الئمّة الرسيّي على الرّغم من أنه ل‬
‫علقة لم بالسياسة ل من قريب ول من بعيد! أما تديد الدّعاة السّلفيّي بالقتل‬
‫فهذا أشهر من أن يذكر‪ .‬وال وحده الستعان على ما تصف به البهة بأنّها‬
‫()‬
‫سلفيّة يا سلمان!‬
‫‪1‬‬

‫() إنم استحلوا دماء هؤلء الدعاة السلفيي؛ لنم ل ينخرطوا ف جبهة النقاذ ول يرون‬ ‫‪1‬‬

‫التّحزّب! حت أضحى أكثرهم ل يستطيع أن يصلّي الفجر والغرب والعشاء ف السجد‬


‫ياف على نفسه الغتيال‪ ،‬ل ياف من جند الدولة بقدر ما ياف من جند ( إخوة‬
‫السلم!! )‪ ،‬حتّى قال بعضهم‪ " :‬لقد صرنا كالنافقي ف ترك الفجر والعشاء مع‬
‫الماعة! " فهل تتحمّل نتائج تريضك هذا؟ قُرًى ل تُصلّى فيها المعة! ودعاة حجبوهم‬
‫ف بيوتم أو شرّدوهم ف الرض تيها‪ ،‬ومنعوهم من تعليم الناس دينهم! وآخرون ذبوهم؛‬
‫لنّهم ل يستجيبوا لم! بدْءًا بذبة ( بو سليمان ) الرجل الثان عند الخوان‪ ،‬والدعاة‬
‫والطباء السلفيي أمثال ممد المي اللفاوي وعباس طيبون بدينة ( بلعباس )‪،‬‬
‫والطيب عبد القادر متاري يقتله بعضُ تلميذ حلقات إقرائه بعد التمثيل به!! وغيهم‬
‫كثي جدا ‪ ...‬وإل اليوم يَسقط السلفيون على أيدي هؤلء واحدا بعد الخر‪ ،‬فأي يوم‬
‫ينتظر هذه المة إذا هلك معلّموها؟! ونساء متبّجات قتلن لنّهنّ أبَيْن ارتداء الجاب‬
‫ليكنّ عبة للخريات! وموظّفون ف الضّرائب والمارك وباعة السّجائر ترسل إليهم‬
‫خطابات التّهديد بالقتل إن واصلوا عملهم! والغريب أن مَن أخذته الدولة للخدمة‬
‫‪334‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ـ قال سلمان‪ " :‬البهة السلمية فازت ف النتخابات البلديّة‪ ،‬فدخلت‬


‫مع النّاس ‪ ..‬وأصبحتَ تد رئيس البلديّة يصلي بالنّاس إماما‪ ،‬ويتحدّث معهم‪،‬‬
‫ويعطيهم دروسا ف التّوحيد والفقه والديث‪ ،‬ويعلّمهم اللل والرام وآداب‬
‫الصلة وغي ذلك ‪." ...‬‬
‫النقد‪ :‬كم يرجو كل مسلم أن يكون المر كما قلتَ‪ ،‬ولكنّه اليوم رجاء‬

‫العسكرية لداء ما يُسمى بـ( الدمة الوطنية ) يُقتل من قِبل هذه الماعة بل استتابة!‬
‫ولو كان مُكرَها!! ولو كان صوّاما قوّاما نائيا يرابط عند الثغور!!! وأعرف منهم من له‬
‫يد بيضاء ف الدعوة السلفية ل يرج الن من بيته ل إل جاعة ول إل جعة بعد أن أنى‬
‫خدمته العسكرية! وآخرين خرجوا من البلد مباشرة‪ :‬من الثكنة إل الطار! ومنهم من‬
‫قَتَل أباه بجة أنّه كان يُؤوي ابنه ف إجازته العسكرية!! وسلفيّون ل يشاركوا ببنت شفة‬
‫ف التّحزّب والقتال هم الن ف غياهب سجون النّظام؛ لنّ ( ماهدي البهة! ) يتعمّدون‬
‫الوشاية بم ليَستروا أصحابم لدن مضايقة تقع! بل أعرف منهم مَن يتقصّد بيوت‬
‫السلفيي لجراء العمليات السلّحة عندها حت يُوَرّطهم!! وكذا قتل الرضيع وهو يلقم‬
‫ثدي أمه!!! بزعم أن هذا الشعب صار كافرا لوالته النظام! ولئن زعموا أنا تصرفات‬
‫فردية! قلنا‪ :‬إذًا فصفوفكم مهزوزة‪ ،‬فأي جهاد هذا؟! ث لعلّك ـ يا سلمان! ـ ل تكن‬
‫تتصوّر هذا؟ لنّك لست عالا حتّى تتصوّره كما تصوّره الشّيخ اللبان والشّيخ ابن باز‬
‫وغيها مّن ينطق بكمة الشارع‪ ،‬ل بلطمة السّوقة وخناق الواقع‪ ،‬فليتك ل تقحم نفسك‬
‫فيما هو أكب منك؛ قال ابن تيمية موضّحا أن العال التبحّر هو وحده القادر على بيان‬
‫وقت وجوب الهاد مِن عدمه‪ " :‬وف الملة فالبحث ف هذه الدقائق من وظيفة خواص‬
‫أهل العلم ‪ » " ..‬منهاج السنة « (‪.)4/504‬‬
‫قلت‪ :‬ولذلك فإن اعتماد الشباب اليوم على فتاوى طلبة العلم ف أبواب الهاد أو ما‬
‫يُسمّونه‪ ( :‬قضايا مصيية ) من أعظم الغب؛ لنم ل يفعلون هذا إل لسوء ظنهم بملة‬
‫‪335‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫كالمنية‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬


‫مَن كان مرعى عزمه وهومه روض المان ل يزل مهزولً‬
‫أقول هذا لن المر كان خلف ذلك مع السف‪ ،‬أما تدريس التّوحيد‬
‫والفقه والديث فل أدري من تلّمه ف منامه‪ .‬وأما تعليم اللل والرام‪ ،‬فسل‬
‫ي قضاء إسلميّ‬
‫البلديّات السلمية عن تعاملها مع بنوك الربا؟! وسلهم بأ ّ‬
‫الشريعة‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنّ مِن إجلل الشريعة إجللَ أهل الشريعة‪ ،‬ولنم إذا فعلوا ذلك‬
‫أحدَثوا ف المة ما ل قِبَلَ لم به‪ ،‬وقد قيل‪ :‬مَن استعان بأصاغر رجاله على أكابر أعماله‬
‫فقد ضيّع العمل وأوقع اللل‪.‬‬
‫لعلّك ل تدري ـ يا سلمان! ـ أ ّن عل ّي بن حاج كتب ف هذه الدّة الخية كتابا سّاه‬
‫» فصل الكلم ف مواجهة ظلم الكّام « ذكر ف آخر صفحة منه أنه لو كان خارج السّجن‬
‫لكان جنديّا بسيطا تت إمارة عبد القادر شبّوطي! يقصد أمي البهة السلّحة كما‬
‫يقال!!‬
‫ما أتعس الهل! وما أتعس من ل يفكّر ف عواقب ما يقول!‬
‫ولئن قلتَ كما قيل‪ :‬لعلّ هذه التّصرّفات من قبل النّظام نفسه لتشويه الدّعوة؟ قلنا لك‪:‬‬
‫ـ ( لعلّ ) هذه تقابلها ( لعلّ ) أخرى‪ ،‬هذا أوّل‪.‬‬
‫ـ وثانيا‪ :‬من فتح الباب للنّظام حتّى يشوّه الدّعوة؟ لاذا ل يستطع ذلك ول يفعله أيّام‬
‫كانت الدّعوة تعرف أين تضع خطاها؟! لو ل تُسمعوا النّاس ف خطبكم أنّكم ستقاتلون‬
‫المتنعي من الشّرائع ـ وتديدات عليّ بن حاج نفسه معروفة ـ ما كان للنّظام سبيل‬
‫إل تشويه دعوتكم‪ ،‬وإلّ فهو تعاون منكم مع النّظام على الث والعدوان من حيث ل‬
‫تشعرون‪ ،‬وهو دليل على غفلتكم؛ لنّكم استُغللتم‪ ،‬فاختاروا! وقد قيل‪ :‬ل تفتح بابا‬
‫يُعييك سدّه‪ ،‬ول تَرْمِ سهما يُعجِزك رَدّه!‬
‫ـ وثالثا‪ :‬لو ل يكن لذه التّصرّفات أصل عند البهة السلّحة فما الّذي ينعها من‬
‫النكار‪ ،‬وهي تلك ( إذاعة الوفاء )‪ ،‬بل تصرّح فيها بأنّها مسئولة عن كثي منها‪ ،‬بل‬
‫وتدّد أيضا بالقتل وتأمر به‪.‬‬
‫‪336‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫كانوا يفصلون ف الصومات؟ وسل أيّ جزائريّ عن أموال البلديّات أين‬


‫تسرّبت؟ وعن الساكن والراضي الشعبيّة والعقارات بأيّ عدل قُسمت؟ وأما‬
‫الصلة وتعلّم آدابا‪ ،‬فكم سعنا منهم من يتململ قائلً‪ :‬اشتقت إل اللوس ف‬
‫حلقة السجد‪ ،‬فمنذ أن نحنا ف النتخابات ل نعرف ملسا للعلم ف بيتال ‪،‬‬
‫وكم هم الذين كانوا يمعون الصّلوات ف الساء؛ لنم شُغلوا بدولتهم عن‬

‫والذي يدلك ـ أخي القاريء ـ على أن هذه التصرفات صادرة عن قناعة من زعماء‬
‫جبهة النقاذ وليست ما تفردت به ( الماعة السلحة )‪ ،‬قول زعيمهم الذي ل يُشَق له‬
‫غبار‪ :‬علي ابن حاج ف رسالة سرية أرسلها إل الجاهدين عامة والمراء خاصة ف ق (‬
‫‪:)1‬‬
‫" بسم ال الرحن الرحيم‪ .‬إل الخوة القادة الجاهدين أجعي دون استثناء‪ .‬هذه رسالة‬
‫نُصح ف ال من أخيكم السجي أب عبد الفتاح من زنزانة الظلم والطغيان رقم (‪)09‬‬
‫بالسجن العسكري البُليدة بتاريخ (‪ 20‬صفر ‪1415‬هـ)‪ ... :‬تعلَمون جيعا أنه قد كتبتُ‬
‫مموعة من الرسائل ‪ ...‬وضمنتُ تلك الرسائل نصائح ف وحدة الصف‪ ،‬وأعلنتُ ف‬
‫بعضها مشروعية جهاد النظام القائم والساندة للمجاهدين ول أفرق بي الماعة السلحة‬
‫ول جيش النقاذ ‪."...‬‬
‫بل صرّح بأن التفريق بي جيش النقاذ والماعة السلمية السلحة ل حقيقة له فقال‪:‬‬
‫" ‪ ..‬لن النظام الكافر وقوة الكر ف الارج تريد أن تفرّق بي الماعة السلمية‬
‫السلحة واليش السلمي للنقاذ‪ ،‬وهذا قمة الكر ‪." ..‬‬
‫قلتُ‪ :‬فهل بقي لحدٍ مال للتفريق بي اليشي الذكورين وقد صرّح رأسُ هذه الفتنة‬
‫القيقي و ُم ِمدّ هذه الماعات ف الغيّ من أوّل مهدها‪:‬علي بنُ حاج بأنما جاعة‬
‫واحدة؟!‬
‫ث أقول‪ :‬إن عُشّاق الثورات ‪ ،‬ولسيما التظاهرين منهم بالياد ـ كلما واجههم واقعٌ مرّ‬
‫من مازي هؤلء السفّاكي للدماء ـ ياولون إلصاق ذلك بالكومة! ولريب أنه قد‬
‫‪337‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ربّهم! ومن كان يفظ نصيبا من كتابال أُنسيَه‪ ،‬وكان الدعو شرّاطي‬
‫ـ قبل البهة ـ يعلّم أحكام تلوة القرآن برواية ورش ـ الرواية القروء با‬
‫ف الزائر ـ حت نفعال به خلقا كثيا‪ ،‬مع التّنبيه على أنّه كان ـ تقريبا ـ‬
‫الوحيد على هذا ف الزائر كلها‪ ،‬ما أنعش التّلوة الصحيحة‪ ،‬وما أن جاءت‬
‫البهة حت انرط فيها هذا الشيخ‪ ،‬وذهبت حلقاته كأن ل تكن بالمس‪،‬‬

‫اندسّ ف صفوف هذه جاعةٌ من كبار الجرمي الشيوعيي‪ ،‬وأنه عند وقوع الفت ُيمْكن‬
‫أن يَحْدث كل شيء! وقد حدث ما يدلّ عليه‪ ،‬منه أنّ جاعةً من الاقدين على السلم‬
‫استغلّوا الوضع للق لِحَى التديّني وخلع ثيابم السلمية وماولة القضاء على كل مظهر‬
‫حدِث الرعب ف الناس ‪ !!...‬هذا‬
‫من مظاهر السلم؛ بزعم أنه مظهر أفغان أو إيران يُ ْ‬
‫مثال واحد‪ ،‬ومعه أشياء أخرى يعرفها من يعرفها ويهلها من يهلها‪ ،‬وما كلّ ما يُعْلَم‬
‫يقال! وليست العبة ف سردها‪ ،‬وإنا العبة ف التأكيد على أن هذا أحدُ النتائج الت كان‬
‫حذّر منها ف أبواب الروج على الولة‪ ،‬وأنه من النتائج الت ل يُمكن ضبطها‪،‬‬
‫العلماء يُ َ‬
‫وأن متوَلّي كبها هو أوّل مَن سنّها‪ ،‬كما مرّ‪.‬‬
‫فإن ل يكن لم أدلّة على اتّهام الدولة بذلك لؤوا إل إلصاقها بإحدى الماعات‬
‫السلمية ويَصِفونا بالشذوذ حت يَخدَعوا السذّج!! فإن أعياهم ذلك بأن فضحهم واحد‬
‫منهم ـ كما فعل الاشي سحنون منتقدا‪ ،‬وكما فعل ابن حاج مفتخرا كما سبق هنا ـ‬
‫قالوا‪ :‬هذه تصرّفات فردية!! وهكذا ‪...‬‬
‫ث أعود إل رسالة هذا الشابّ الذكور‪ ،‬فأقول‪ :‬هذا تصريه الجمل‪ ،‬ويأتيك الن تصريه‬
‫الفصل الذي يدلك على أن علي بن حاج وراء الكثي من عمليات التحريق للمؤسسات‬
‫العلمية والشركات التجارية والوزارات والنكسات القتصادية والغتيالت للجانب‬
‫وغيهم ‪ ...‬قال ف هذه الرسالة ف ق (‪ " :)3‬والنظام الكافر ف الزائر أقسى الضربات‬
‫عليه هي ضرب القوات المنية كسلطة ل كأشخاص! وكذا عملء بع ‪ ( ...‬كلمة‬
‫مسوحة من الصل ) التثبت الشرعي!! وضرب الجانب خاصة من فرنسا وضرب‬
‫‪338‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ونسألال تعال أن ل يكون قد سلبه كتابه من صدره‪.‬‬


‫أيّ عِلْم هذا الذي علّمَته البهةُ وقد كان الرجل ـ يومها ـ ليستحي أن‬
‫يمل معه كتابا للعلوم الشرعية؟ إنا هي جريدة » النقذ « يتأبّطها أحدهم‬
‫كدليل على الولء!! على أنه ل ضي على مقتن الرائد العلمانية؛ لنه دليل‬
‫التفقه على الواقع‪ ،‬بشرط أن يبقى بينه وبي حزبه كل الوفاء!!!‬

‫القتصاد وضرب السياحة؛ هذه مقاتل النظام وهنا تقع النكاية‪ ،‬ول شك أن السلمي‬
‫يضربون هذه الهداف وف ذهنهم التخطيط للعمار والبناء إذا انتصروا!! وليس هذا‬
‫من التخريب!! "‪.‬‬
‫تنبيهان‪:‬‬
‫الول‪ :‬كان مكتوبا ف رسالته هذه رمز عملية زائد العروف ف لغة الساب بعد كل‬
‫فقرة من فقراتا الخية‪ ،‬فاستعضت منه بواو العطف ـ كما تلحظ ـ لن ذلك الرمز‬
‫ل يكن‬ ‫الساب صليب وإن سوه بغي اسه‪ ،‬فعن عائشة رضي ال عنها‪ (( :‬أنّ النبّ‬
‫يترك ف بيته شيئا فيه تصاليب إل نقضه )) رواه أحد (‪ )237 ،6/52‬والبخاري (‪ ،)5952‬ول‬
‫يزال علماؤنا على هذا؛ ولقد رأيتُ ـ يوما ـ على مقدّمة وكذا مؤخّرة سيارة العلمة‬
‫الثري عبد العزيز بن باز صليبا الذي زعم صانعوه أنه مرّد رمز للشركة! فكأن الشيخ‬
‫كُلّم ف ذلك؛ لنه كفيف ـ زاده ال بصيةً ـ فرأيته من غده يركب سيارته تلك وليس‬
‫عليها شيء من رموز دين الكفار! فجزاه ال خيا‪ ،‬وهو معروف ـ حفظه ال ـ بسرعة‬
‫الوبة إل القّ وتعظيم حرمات ال‪ .‬كما ذَكر ل الثقة أنه رآه ـ يوما ـ وقد ابيضّت‬
‫‪ :‬الضاب؟! "‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ليته‪ ،‬فقال له‪ " :‬يا شيخ عبد العزيز! أين سنة النب‬
‫" فما مضت عليه ليلته إل وليته حراء تلل!! "‪.‬‬
‫الثان‪ :‬لعلك ـ أخي القاريء ـ فهمت من قوله‪ " :‬ضَرْب القوات المنية كسلطة ل‬
‫كأشخاص "‪ ،‬أنه يعن قتل السئولي الباشرين للجرام دون غيهم من الذين هم أكلة‬
‫خبز ف وظيفتهم‪ ،‬فأقول‪ :‬إنه يعن قتل كل شرطي من غي استثناء‪ ،‬بدليل قوله ف رسالته‬
‫‪339‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ولقد جاءن من مسئوليهم من يبكي ويقول‪ :‬ل أترك الصلة إل لّا‬


‫أصبحت عضوا بارزا ف بلديّة البهة ‪ ...‬بل قال ل أحد الثقات‪ :‬عملت ف‬
‫البلديّة العلمانيّة ث السلمية فلم أُمنع من الصلة ف مسجد اليّ القريب جدّا‬
‫من البلديّة إل ف البلديّة السلمية بجّة أنّ با مسجدا‪ ،‬وأنّ وقتنا ضيّق‪ ،‬وأنّ‬
‫الصلة جائزة ف كل مكان‪ ،‬وأنّ العمل لدولة السلم عبادة وأنّها مصلحة‬

‫الت وجّهها إل وزير التصال ـ وقد سبق تصوير قطعة منها ـ ف ق (‪" :)57‬‬
‫فالجاهدين‬
‫( كذا ) الذين يقاتلون أعوان الظلمة ل يقاتلونم لذوات أشخاصهم؛ ولكن لنم السياج‬
‫الذي يتمي به الستبد الطاغية‪ ،‬فالذين يقتلون أعوان المن واليش والدرك يقاتلونم‬
‫بذا العتبار‪ ،‬ولو تلى هؤلء على الطواغيت لنار كل طاغية مستبد "‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬ل ريب حينئذ أن يكون نصيب كل شرطي الوت؛ لن جيعهم سياج للمسئولي‬
‫كما هو معلوم! ولذلك جاءت ثرة هذه الكلمات أننا رأيناهم يقتلون بل تييز! بسب‬
‫كل شرطي من الث أن يلبس البدلة العسكرية‪ ،‬ولو كان يعمل ف الحوال الدنية‬
‫كالبلدية وغيها!! بل يكفي أنه كان منهم‪ ،‬فيقتلونه ولو تقاعد من زمن بعيد‪ ،‬ناهيك عن‬
‫أنواع التعذيب عندهم؛ فلقد ذكر لنا من كان معهم ث فارقهم أشياء يعجز القلم عن‬
‫تدوينها ‪ ...‬وهذه ـ وال ـ من الدواهي الت تشيب منها الرؤوس ـ وقد شابت! ـ‬
‫ولول أنا أضحت عند جيع الشعب من الخبار التواترة لمكن التكذيب أو إلصاقها‬
‫بغيهم‪ ،‬وأنّى هذا؟! وما من أحد إل وهو يعرف من أقاربه أو من أصحابه من يباشر شيئا‬
‫من هذه الشناعات؟! وكم هم الذين تابوا من معارفنا فصدّقوا هذا كله‪ ،‬بل زادوا عليه‬
‫‪!!...‬‬
‫ث أعود إليك ـ يا سلمان! ـ لقول‪ :‬كتبتُ هذا وأنا حسن الظن بك‪ ،‬ث إذا بظن‬
‫ييب حي وجدتك ف شريط (( مهرجان بريدة )) تبارِك هذه الجزرة الدموية الت ذهب‬
‫الشعب الزائري ضحيتها‪ ،‬حيث قلتَ بعد الربع الول من الوجه الول من الشريط‬
‫‪340‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫س‬ ‫ن أ َ َّ‬
‫س َ‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬‫عامة وغي ذلك من القواعد غي الؤسّسة‪ ،‬وصدقال ‪{ :‬أ َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫خيٌْر أ َ َّ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ٍ‬‫ض َ‬
‫ر ْ‬‫ه و ِ‬‫ن الل ِ‬‫م َ‬‫وى ِ‬ ‫علَى ت َ ْ‬
‫ق َ‬ ‫ه َ‬‫بُنْيَان َ ُ‬
‫هاٍر}‪.‬‬‫ف َ‬‫جُر ٍ‬‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫س بُنْيَانَه على َ‬
‫س َ‬ ‫أ َ َّ‬
‫ها‬ ‫خلُو َ‬ ‫هذا وكان يُكتب على مدخل بلديّتهم بلون ذهبّ‪ { :‬ادْ ُ‬
‫ن}!!‬ ‫سلَم ٍ آ ِ‬
‫منِي َ‬ ‫بِ َ‬

‫الثان‪ " :‬أتَدْرون كم دَفعَت الزائر كدولة وكأمة؟ كم دفعَت ثنا للعدوان على رجال‬
‫السلم‪ :‬على عباسي مدن وعلى علي بن حاج وعلى غيهم من رموز الدعوة ورموز‬
‫السلم؟ فقط عشرة آلف قتيل!!! منهم الجانب!!! "‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬ف هذا الكلم التهافت أمران أحدها يدل على الخر‪ ،‬وها‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن سلمان ربط هذه التضحيات وهذا القتل بسبب إلقاء القبض على الدعاة الذين‬
‫سى‪ ،‬فإذا كانت هذه اللف مباركة لنا كانت ف سبيل الدعاة! فلماذا ل يَربط‬
‫تضحيتها بسبب إقصاء الشريعة من الكم‪ ،‬مع أن هذا الداعي الخي كان قائما قبل أن‬
‫يولد هؤلء القبوض عليهم؟! لاذا ل يُتحدّث عن التضحيات إل حي يُقصَى الدعاة من‬
‫ساحة الدعوة؟! فأين هذه التضحيات وقد أُقصيَت الشريعة قبل ذلك؟! فعُلِم حينئذ أن‬
‫هذه الدعوةَ دعوةٌ إل تقديس العباد وأفكارهم ل تقديس دين ربّ العباد! ث تضاعف هذا‬
‫العدد اليوم أضعافا مضاعفة! فأي قلب هذا الذي يفرح لراب ديار السلمي؟! انظر هنا‬
‫ص (‪ )415‬تسّرَ الشيخ ابن عثيمي على هلك هذه اللف الت فرح با سلمان‪ ،‬وطلب‬
‫التأسي با متمنّيا أن تكون أكثر كما رأيتَ!!‬
‫الثان‪ :‬لعلك لحظتَ ـ أخي القاريء ـ أن سلمان يريد بذا تصي نفسه ـ إذا قُبِض‬
‫سدّ دموي أغزر من مزرة الزائر‪ ،‬لن هذه كان فيها " فقط عشرة آلف‬
‫عليه ـ ب َ‬
‫قتيل!! "‪ ،‬فهو ل يتكلم عن الزائر إل لِيُمثّل با لوضعه ف السعودية‪ ،‬ودليلي عليه قوله‬
‫بعده بقليل‪ " :‬قضيتنا ( أي ف السعودية ) أكب من هذا البلد ( أي الزائر )‪ ،‬ولكن‬
‫هذا البلد أيضا من ضمن قضايانا !!! "‪ ،‬قلت‪ :‬فتدبر! ولو ربط هذه اللف بإقصاء‬
‫‪341‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وأقول بصراحة‪ :‬لول أنّال قدّر ما قدّر لوشك النّاس على بغض كل ما‬
‫يقال له ( إسلميّ )؛ من أجل ما يرون عليه الستوى السلميّ‪ ،‬بدءا‬
‫بالختلسات البلديّة‪ ،‬وانتهاءً بطب المعة الت ل تزيد على الشتائم النابية!‬
‫ومن علمات استصغارهم العلوم الشرعيّة أن ترى السئولي الذين‬
‫وصفتَهم ـ يا سلمان ـ ل يُختاروا على أساس درايتهم بالشرع‪ ،‬ولكن على‬

‫الشريعة من الكم أو النراف عنها ـ ف زعمه ـ لا فَهِم التباع ما يب عليهم تاه‬


‫‪ .. » :‬ومَن خرج من أمت على أمت يضرب‬ ‫الدعاة!!! فتنبه! وقد قال رسول ال‬
‫برّها وفاجرها؛ ل يتحاشَ من مؤمنها ول يَفي بذي عهدها‪ ،‬فليس من « رواه مسلم‪.‬‬
‫هذا وقد بدا ل أن أنقل ههنا قصة عن الوارج الوّلي‪ ،‬وما عندهم من معتقد فاسد‬
‫وعمل كاسد ومنة للمسلمي؛ لن كل مَن يقرؤها من أهل الزائر يشعر أنه يقرأ ما يراه‬
‫ف بلده اليوم ـ مع السف ـ ليكاد يد فرقا بينهم وبي أجدادهم‪ ،‬ولكل قوم وارث‪.‬‬
‫قال علي بن الدين‪ :‬حدّثنا هشام بن يوسف الصنعان أبو عبد الرحن قاضي صنعاء‪،‬‬
‫قال‪ :‬أخبن داود بن قيس قال‪ " :‬كان ل صديق من أهل بيت خَوْلن من حَضور يقال‬
‫له‪ :‬أبو َشمِر ذو خولن‪ ،‬قال‪ :‬فخرجت من صنعاء أريد قريتَه‪ ،‬فلما دنوت منها وجدت‬
‫كتابا متوما ف ظهره‪ ( :‬إل أب َشمِر ذي خولن )‪ ،‬فجئته فوجدته مهموما حزينا‪،‬‬
‫فسألته عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬قدم رسولٌ من صنعاء‪ ،‬فذكر أن أصدقاء ل كتبوا إلّ كتابا‬
‫فضيّعه الرسول‪ ،‬فبعثت معه من رقيقي من يلتمسه من قريت وصنعاء فلم يدوه‪ ،‬وأشفقت‬
‫من ذلك‪ .‬قلت‪ :‬فهذا الكتاب قد وجدته‪ .‬فقال‪ :‬المد ل الذي أقدركَ عليه‪ ،‬ففضّه‬
‫فقرأه‪ .‬فقلت‪ :‬أقرئنيه‪ .‬فقال‪ :‬إن لَستحدثُ سِنّك‪ .‬قلت‪ :‬فما فيه؟ قال‪ :‬ضَرْبَ الرّقاب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لعلّه كتبه إليك ناس من أهل حروراء ف زكاة مالِك؟ قال‪ :‬من أين تعرفهم؟ قلت‪:‬‬
‫إن وأصحابا ل نُجالس وهب بن منبّه‪ ،‬فيقول لنا‪ :‬احذروا أيها الحداث الغمار هؤلء‬
‫الروراء‪ ،‬ل يُدخلوكم ف رأيهم الخالف‪ ،‬فإنم عُرّةٌ لذه المة‪ ،‬فدفعَ إلّ الكتاب فقرأته‬
‫فإذا فيه‪:‬‬
‫‪342‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أساس الدّراية بالعلوم الدنية‪ ،‬وهذا برز بشكل كبي جدّا حي هجمت‬
‫( الزأرة ) على البهة‪ ،‬فلم نر من الرشّحي للبلان إل طبيبا أو مهندسا أو‬
‫رياضيا أو إداريا سياسيا‪ ،‬بزعم البة بالعلوم الدنية‪ ،‬فأخّروا ذوي الشّهادات‬
‫الشرعيّة خجلً من أن تضحك عليهم الضارة‪ ،‬وهذا نعرفه من النّخالة‬
‫السياسية الت دنست حرم العلم الشرعي‪ ،‬إذ غالب الركات السلمية على‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‪ .‬إل أب َشمِر ذي خولن سلم عليك‪ ،‬فإنا نمد إليك ال الذي‬
‫ل إله إل هو‪ ،‬ونوصيك بتقوى ال وحده ل شريك له‪ ،‬فإن دين ال رُشد وهدى ف‬
‫الدنيا‪ ،‬وناة وفوز ف الخرة‪ ،‬وإن دين ال طاعة‪ ،‬ومالفة من خالف سنة نبيه وشريعته‪،‬‬
‫فإذا جاءك كتابنا هذا فانظر أن تؤدي ـ إن شاء ال ـ ما افترض ال عليك من حقّه‪،‬‬
‫تستحق بذلك ولية ال وولية أوليائه‪ ،‬والسلم عليك ورحة ال‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬فإن أناك عنهم‪ ،‬قال‪ :‬فكيف أتّبع قولك وأترك قول من هو أقدم منك؟ قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬أفتحب أن أُدخلك على وهب بن منبّه حت تسمع قوله ويبك خبَهم؟ قال‪ :‬نعم!‬
‫فنلت ونزل معي إل صنعاء‪ ،‬ث غدونا حت أدخلته على وهب بن منبّه‪ ،‬ومسعودُ بنُ‬
‫عوف والٍ على اليمن من قِبل عروة بن ممد ـ قال علي بن الدين‪ :‬هو عروة بن ممد‬
‫بن عطية السّعدي‪ ،‬ولؤنا لم من سعد بن بكر بن هوازن ـ قال‪ :‬فوجدنا عند وهب‬
‫نفرا من جلسائه‪ ،‬فقال ل بعضُهم‪ :‬من هذا الشيخ؟ فقلتُ‪ :‬هذا أبو َشمِر ذو خولن من‬
‫أهل حَضور وله حاجة إل أب عبد ال‪ ،‬قالوا‪ :‬أفل يذكرها؟ قلت‪ :‬إنا حاجة يريد أن‬
‫يستشيه ف بعض أمره‪ ،‬فقام القوم‪ ،‬وقال وهب‪ :‬ما حاجتك يا ذا خولن؟ فهَرَج وجبُن‬
‫من الكلم‪ ،‬فقال ل وهب‪ :‬عبّر عن شيخك‪ ،‬فقلت‪ :‬نعم يا أبا عبد ال! إن ذا خولن من‬
‫أهل القرآن وأهل الصلح فيما علمنا‪ ،‬وال أعلم بسريرته‪ ،‬فأخبَن أنه عرضَ له نفرٌ من‬
‫أهل صنعاء من أهل حروراء فقالوا له‪ :‬زكاتك الت تؤدّيها إل المراء ل تُجزي عنك فيما‬
‫بينك وبي ال؛ لنم ل يضعونا ف مواضعها‪ ،‬فأدّها إلينا فإنا نضعها ف مواضعها‪،‬‬
‫نقسمها ف فقراء السلمي ونقيم الدود‪ ،‬ورأيت أن كلمَك يا أبا عبد ال! أشفى له من‬
‫كلمي‪ ،‬ولقد ذكر ل أنه يؤدي إليهم الثمرة للواحد مائة فرق على دوابّه ويبعث با مع‬
‫‪343‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذا التنقص‪ ،‬وإن صرخت باسم الشرع‪ ،‬وهو عي التفريق بي الدين والدولة‬
‫لنم يتشدّدون ف اشتراط العرفة بالعلوم العصرية لن ينصّب رئيسا للدولة‬
‫السلمية‪ ،‬وأما ف الدين فيكفي فيه عندهم شيء من العاطفة السلمية فقط!!‬
‫ومن الدّواهي أنّ ( الزْأَرة ) ينعون الثوب السعودي؛ لنّه دليل على الرّواسب‬
‫السلفيّة والتأثر بالغزو الوهابّ‪ ،‬ولكن ل بأس عندهم بالبدلة الفرنسيّة؛ لنّها‬

‫رقيقه‪ .‬فقال له وهب‪ :‬يا ذا خولن أتريد أن تكون بعد الكِبَر حروريا ( يعن خارجيا من‬
‫الوارج )؟!‪ ،‬تشهد على من هو خي منك بالضللة؟! فماذا أنت قائل ل غدا حي يقفك‬
‫ال ومن شهدتَ عليه؟!‪ ،‬ال يشهد له باليان وأنت تشهد عليه بالكفر؟! وال يشهد له‬
‫بالدى‪ ،‬وأنت تشهد عليه بالضللة؟! فأين تقع إذا خالف رأيُك أمرَ ال وشهادتُك شهادةَ‬
‫ال؟! أخبِرن يا ذا خولن! ماذا يقولون لك؟ فتكلّم عند ذلك ذو خولن‪ ،‬وقال لوهب‪:‬‬
‫إنم يأمرونن أن ل أتصدّق إل على من يرى رأيهم‪ ،‬ول أستغفر إل له‪ ،‬فقال له وهب‪:‬‬
‫ذكر‬ ‫صدقتَ‪ ،‬هذه منتهم الكاذبة! فأما قولم ف الصدقة فإنه قد بلغن أن رسول ال‬
‫أن امرأة من أهل اليمن دخلت النار ف هرّة ربطتها‪ ،‬فل هي أطعمتها‪ ،‬ول هي تركتها‬
‫تأكل من خشاش الرض‪ ،‬أَفإنسان من يعبد ال ويوحّده ول يشرك به شيئا أحب إل ال‬
‫َ‬
‫م‬‫عا َ‬ ‫ن الطّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ع ُ‬‫من أن يُطعمه من جوع أو هرة؟! وال يقول ف كتابه‪{:‬ويُطْ ِ‬
‫علَى حبه مسكينا ً ويتِيما ً َ‬
‫ه‬
‫ه الل ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ْ‬ ‫م لِ َ‬‫مك ُ ْ‬
‫ع ُ‬‫ما نُطْ ِ‬‫سيراً‪ .‬إِن َّ َ‬ ‫وأ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ِّ ِ ِ ْ ِ‬
‫وماً‬ ‫ي‬ ‫ا‬‫ن‬‫ب‬
‫َ ِّ َ َ ْ‬ ‫ر‬ ‫من‬ ‫ُ ِ‬‫ف‬ ‫خا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ا‬
‫ِّ َ‬‫َ‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫‪.‬‬‫ً‬ ‫ورا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬
‫ش‬ ‫َ‬ ‫ول‬‫م َ َ ً َ‬
‫ء‬ ‫زا‬ ‫ج‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ل َ نُ ِ‬
‫ريدُ ِ‬
‫مطَِريراً } يقول‪ :‬يوما عسيا غضوبا على أهل معصيته لغضب ال‬ ‫عبُوسا ً َ‬
‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫ومِ } ـ حت بلغ {وكا َ‬
‫ن‬ ‫شَّر ذَل ِ َ‬
‫ك الي َ ْ‬ ‫ه َ‬
‫م الل ُ‬
‫ه ُ‬ ‫و َ‬
‫قا ُ‬ ‫عليهم‪َ { ،‬‬
‫ف َ‬
‫شكُوراً } ـ ث قال وهب‪ :‬ما كاد تبارك وتعال أن يفرغ من نعت ما‬ ‫م ْ‬‫هم َ‬ ‫عي ُ ُ‬
‫س ْ‬
‫َ‬
‫أعد لم بذلك من النعيم ف النة‪.‬‬
‫وأما قولم‪ :‬ل يُستغفر إل لن يرى رأيهم! أَهم خي من اللئكة؟ وال تعال يقول ف‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫د َرب ِّ ِ‬
‫م ِ‬
‫ح ْ‬
‫ن بِ َ‬
‫حو َ‬
‫سب ِّ ُ‬ ‫ملَئِك َ ُ‬
‫ة يُ َ‬ ‫سورة {حم عسق}‪َ { :‬‬
‫وال َ‬
‫ض}‪ ،‬وأنا أُقسم بال ما كانت اللئكة ليقدروا‬ ‫َ‬
‫في الْر ِ‬ ‫من ِ‬ ‫ن لِ َ‬
‫فُرو َ‬
‫غ ِ‬
‫ست َ ْ‬
‫وي َ ْ‬
‫َ‬
‫‪344‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ستَ ْر ِوحُون إل بعض‬


‫دليل على التحضّر وبُعد النظر وسعة الفق!! وكم يَ ْ‬
‫الساتذة الذين درسوا عليهم؛ لنم وفدوا إليهم بلباس الكفار‪ ،‬ول‬
‫يستنكفون أن يلبسوه ف الديار الت ل تَفرضه عليهم! مع أنم متخصّصون ف‬
‫الغزو الفكري!! فهل هذا عنوانٌ لتحدي سلفية الزيرة الت يُسمّونا سلفيّة‬
‫البدو؟ وكأنه قد قيل لم‪ :‬البسوه! ولتشوا الغزو! ولو كان فيه قول النب‬
‫ل‬
‫و ِ‬‫ق ْ‬ ‫ه بِال َ‬ ‫قون َ ُ‬ ‫على ذلك ول ليفعلوا حت أُمروا به؛ لن ال تعال قال‪{ :‬ل َ ي َ ْ‬
‫سب ِ ُ‬
‫ن}‪ ،‬وأنه أُثبتت هذه الية ف سورة {حم عسق}‪،‬‬ ‫َ‬
‫ملُو َ‬ ‫ع َ‬‫ه يَ ْ‬‫ر ِ‬
‫م ِ‬‫هم بِأ ْ‬ ‫و ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ْ‬‫من َ‬ ‫و َ‬‫ش َ‬ ‫عْر َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ملُو َ‬ ‫ح ِ‬
‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬‫وفُسّرت ف {حم} الكبى؛ قال‪{ :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ن لِل ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫غ ِ‬
‫ست َ ْ‬‫وي َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬‫منُو َ‬ ‫وي ُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬‫د َرب ِّ ِ‬‫م ِ‬‫ح ْ‬‫ن بِ َ‬‫حو َ‬ ‫يُ َ‬
‫سب ِّ ُ‬
‫ءَاَمنُوا} اليات‪ ،‬أل ترى يا ذا خولن؟! إن قد أدركت صدر السلم‪ ،‬فوَال ما‬
‫كانت للخوارج جاعةٌ قط إل فرّقها ال على شرّ حالتم! وما أظهر أحد منهم قوله إل‬
‫ضرب ال عنقَه! وما اجتمعت المة على رجل قط من الوارج! ولو أمكنَ الُ‬
‫الوارج من رأيهم لفسدت الرض‪ ،‬وقطعت السبلُ‪ ،‬وقُطع الج عن بيت ال الرام!‬
‫وإذن لعاد أمر السلم جاهلية حت يعود الناس يستعينون برؤوس البال كما كانوا ف‬
‫الاهلية‪ ،‬وإذن لقام أكثر من عشرة أو عشرين رجل ليس منهم رجل إل وهو يدعو‬
‫إل نفسه باللفة‪ ،‬ومع كل رجل منهم أكثر من عشرة آلف يُقاتل بعضهم بعضا!‬
‫ويشهد بعضُهم على بعض بالكفر! حت يُصبح الرجل الؤمن خائفا على نفسه ودينه‬
‫ودمه وأهله وماله‪ ،‬ل يدري أين يسلك أو مع من يكون!! غي أن ال بكمه وعلمه‬
‫ورحته‪ ،‬نظر لذه المة فأحسن النظر لم‪ ،‬فجمعهم وألّف بي قلوبم على رجل واحد‬
‫ليس من الوارج‪ ،‬فحقن ال به دماءهم‪ ،‬وستر به عوراتم وعورات ذراريهم‪ ،‬وجع به‬
‫فُرْقتَهم‪ ،‬وأمّن به سبلهم‪ ،‬وقاتل به عن بيضة السلمي عدوّهم‪ ،‬وأقام به حدودهم‪،‬‬
‫وأنصف به مظلومهم‪ ،‬وجاهد به ظالهم‪ ،‬رحة من ال رحهم با قال ال تعال ف كتابه‪:‬‬
‫ن}‪،‬‬‫مي َ‬ ‫ض} إل {ال َ‬
‫عال َ ِ‬ ‫ع ٍ‬ ‫هم بِب َ ْ‬
‫ض ُ‬
‫ع َ‬ ‫ه النَّا َ‬
‫س بَ ْ‬ ‫ع الل ِ‬ ‫د ْ‬
‫ف ُ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ول َ ْ‬‫{ َ‬
‫ن}‪ ،‬وقال ال تعال‪:‬‬ ‫ميعاً } حت بلغ {ت َ ْ‬
‫هتَدُو َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬‫ل الل ِ‬
‫حب ْ ِ‬
‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬‫عت َ ِ‬
‫وا ْ‬ ‫{ َ‬
‫‪345‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫‪ » :‬من تشبّه بقوم فهو منهم! « رواه أحد وهو حسن‪.‬‬


‫ول تسارع إل إنكار هذا؛ لنك ربّما رأيت من الزْأَريّي من لبس الثوب‬
‫السعوديّ ف السّعوديّة؛ فإنّ قاعدتم عندكم قاعدة أهل الغربة الذين قال فيهم‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫إنْ تُ ْلقِكَ الغربةُ ف معـشر قد أَجعوا فيك على بُغضهـم‬

‫منُوا} إل {ال َ ْ‬ ‫َ‬


‫شَهادُ} فأين هم من هذه‬ ‫ن ءَا َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي ِ‬ ‫سلَنَا َ‬ ‫{إِنَّا لَنَن ُ‬
‫صُر ُر ُ‬
‫عبَاِدنَا‬ ‫ت كَل ِ َ‬
‫متُنا ل ِ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬
‫قدْ َ‬ ‫الية؟! فلو كانوا مؤمني لنُصروا! وقال‪َ { :‬‬
‫ول َ َ‬
‫م‬ ‫جندَنَا ل َ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫وإ ِ َّ‬ ‫ن‪َ .‬‬‫صوُرو َ‬ ‫من ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ه ُ‬‫م لَ ُ‬
‫ه ْ‬‫ن‪ .‬إِن َّ ُ‬‫سلِي َ‬
‫مْر َ‬ ‫ال ُ‬
‫ن}‪ ،‬فلو كانوا جند ال غَلبوا ولو مرة واحدة ف السلم‪ ،‬وقال ال تعال‪:‬‬ ‫غالِبُو َ‬ ‫ال َ‬
‫{ول َ َ َ‬
‫صُر‬ ‫م} حت بلغ {ن َ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫م ِ‬ ‫و ِ‬‫ق ْ‬‫سل ً إِلَى َ‬‫ك ُر ُ‬ ‫قبْل ِ َ‬
‫من َ‬ ‫سلْنَا ِ‬ ‫قدْ أْر َ‬
‫َ‬
‫منُوا‬‫ن ءَا َ‬ ‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬‫عدَ الل ُ‬ ‫و َ‬ ‫ن}‪ ،‬فلو كانوا مؤمني نُصروا!‪ ،‬وقال‪َ { :‬‬ ‫منِي َ‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ال ُ‬
‫ركُو َ‬
‫ن‬ ‫ش ِ‬ ‫م} حت بلغ {ل َ ي ُ ْ‬ ‫فن َّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ت لَي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬‫ملُوا ال َّ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬
‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫شيْئاً }‪ ،‬فأين هم من هذا؟! هل كان لحد منهم قط أَخب إل السلم من يوم‬ ‫بِي َ‬
‫َ‬
‫ذي‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫عمر بن الطاب بغي خليفة ول جاعة ول نظر‪ ،‬وقد قال ال تعال‪ُ { :‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫دّي ِ‬ ‫علَى ال ِ‬ ‫هَرهُ َ‬ ‫ْ‬
‫ق لِيُظ ِ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ن ال َ‬ ‫وِدي ِ‬‫هدى َ‬ ‫ه بِال ُ َ‬
‫سول َ ُ‬‫ل َر ُ‬‫س َ‬ ‫أْر َ‬
‫ه}‪ ،‬وأنا أشهد أن ال قد أنفذ للسلم ما وعدهم من الظهور والتمكي والنصر‬ ‫كُل ِّ ِ‬
‫على عدوهم‪ ،‬ومن خالف رأي جاعتهم‪.‬‬
‫وقال وهب‪ :‬أل يَسَعك يا ذا خولن! من أهل التوحيد وأهل القبلة وأهل القرار لشرائع‬
‫السلم وسننه وفرائضه ما وسع نب ال نوحا من عبدة الصنام والكفار إذ قال له قومه‪:‬‬
‫ن}؟! أَ َولَ يسعك‬‫عُرو َ‬ ‫ن} حت بلغ {ت َ ْ‬
‫ش ُ‬ ‫ك الَْرذَلُو َ‬‫ع َ‬‫واتَّب َ َ‬ ‫ن لَ َ‬
‫ك َ‬ ‫م ُ‬ ‫{أَن ُ ْ‬
‫ؤ ِ‬
‫جنُبْنِي وبَن ِ َّ‬
‫ي‬ ‫منهم ما وسع نب ال وخليله إبراهيم من عبدة الصنام إذ قال‪{ :‬وا ْ‬
‫م}؟! أَوَلَ يسعك يا ذا خولن! ما‬ ‫م} حت بلغ { َ‬
‫غ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي ُ‬
‫فوٌر َر ِ‬ ‫صنَا َ‬
‫عبُدَ ال ْ‬
‫أن ن َ ْ‬
‫وسع عيسى من الكفار الذين اتذوه إلا من دون ال؟! إن ال قد رضي قول نوح وقول‬
‫إبراهيم وقول عيسى إل يوم القيامة ليقتديَ به الؤمنون ومَن بعدهم‪ ،‬يعن‪{ :‬إِن‬
‫‪346‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫(‪)1‬‬
‫فدارِهم ما دمْتَ ف دارهم وأرْضِهم ما دمت ف أرضهم‬
‫وحقيقة هؤلء أنم دخلوا ف صراع مع الضارة وهم ضعفاء علما‬
‫وتقوى‪ ،‬فأشعرتم بالنّقص وأصيبوا بعقدة حضاريّة مع أنّال تعال يقول‪:‬‬
‫م ال َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫و َ‬‫عل َ ْ‬ ‫سلْم ِ وأنت ُ ْ‬
‫عوا إِلى ال َّ‬
‫هنُوا وتَدْ ُ‬ ‫فل َ ت َ ِ‬ ‫{ َ‬
‫م}‪.‬‬
‫عك ُ ْ‬
‫م َ‬‫ه َ‬ ‫والل ُ‬
‫فإن َّ َ َ‬
‫زيُز‬
‫ع ِ‬
‫ت ال َ‬
‫ك أن َ‬ ‫م َ ِ‬ ‫فْر ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫غ ِ‬
‫وإِن ت َ ْ‬ ‫د َ‬
‫ك َ‬ ‫عبَا ُ‬
‫م ِ‬ ‫فإِن َّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬‫ذّب ْ ُ‬
‫ع ِ‬‫تُ َ‬
‫م}‪ ،‬ول يالفون قول أنبياء ال ورأيهم فيمن يقتدي إذا ل يقتد بكتاب ال‬ ‫حكِي ُ‬ ‫ال َ‬
‫وقول أنبيائه ورأيهم‪ ،‬واعلم أن دخولك عليّ رحة لك إن سعت قول وقبلتَ نصيحت‬
‫لك‪ ،‬وحجة عليك غدا عند ال إن تركت كتاب ال وعُدت إل قول حروراء‪.‬‬
‫قال ذو خولن‪ :‬فما تأمرن؟ قال وهب‪ :‬انظر زكاتك الفروضة‪ ،‬فأدّها إل من وله ال‬
‫أمر هذه المة وجعَهم عليه‪ ،‬فإن اللك من ال وحده وبيده‪ ،‬يؤتيه من يشاء وينعه مّن‬
‫يشاء‪ ،‬فمن ملّكه ال ل يقدر أحد أن ينعه منه‪ ،‬فإذا أدّيت الزكاة الفروضة إل وال المر‬
‫برئت منها‪ ،‬فإن كان فضلٌ فصِلْ به أرحامك ومواليك وجيانك من أهل الاجة وضيف‬
‫إن ضافك‪.‬‬
‫فقام ذو خولن فقال‪ :‬أشهد أن نزلت عن رأي الرورية‪ ،‬وصدّقتُ ما قلتَ‪ ،‬فلم يلبث‬
‫ذو خولن إل يسيا إل مات "‪.‬‬
‫رواها ابن عساكر ف (( تاريخ دمشق )) (‪/17‬ق ‪478‬ـ ‪ ،)483‬وأوردها الزي ف (( تذيب‬
‫الكمال )) (‪31/150‬ـ ‪ )156‬والذهب ف (( السي )) (‪4/553‬ـ ‪.)555‬‬
‫قلت‪ :‬ولذه الماعة أعمال أخرى تشبه تاما ما كان يقوم به الوارج قديا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ـ تشبّههم بشرطة النظام؛ ليمتحنوا مَن يستجيب للنظام فيذبونه مباشرةً بنشار أو‬
‫يُفجّرون مّه بساطور! وانظر مثله عند أجدادهم ف (( الكامل )) للمبّد (‪3/244‬ـ ‪.)245‬‬

‫ـ زيادة الغتيالت والرائم ف شهر رمضان بشكل رهيب جدا؛ بزعم أنه شهر‬
‫غزوات! لكنهم ل يغزون الكفار‪ ،‬وإنا يغزون السلمي تقرّبا إل ال!! وانظر مثله عند‬
‫‪347‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذا خب ما عندنا ـ يا سلمان ـ وذاك خب مَن عندكم‪ ،‬فكيف تقول‬


‫بعده‪ " :‬أحيانا يقولون‪ :‬إنّكم تتحدّثون عن قضايا ل تدركون أبعادها ول‬
‫تعرفون مراميها ول خلفياتا "؟!‬
‫ن ذَا‬
‫و كا َ‬‫ول َ ْ‬
‫دلُوا َ‬
‫ع ِ‬ ‫قلْت ُ ْ‬
‫م َ‬
‫فا ْ‬ ‫ياسلمان يقولال ‪{ :‬وإِذَا ُ‬
‫قْربَى}‪.‬‬ ‫ُ‬

‫أجدادهم يوم أن تعاهدوا على قتل خية البشر ـ ف أيامهم ـ‪ :‬علي بن أب طالب‬
‫ف ليلة (‪ 21‬من رمضان )‪ ،‬انظر الصدر السابق (‪.)2/296‬‬ ‫وعمرو بن العاص ومعاوية‬
‫ـ قتل الستضعَفي من النساء والولدان‪ ،‬وانظر مثله عند الوارج الذين قتلوا عبد ال بن‬
‫))‬ ‫خباب رضي ال عنهما وبقر بطن جاريته عن ولدها وهي حامل ف (( طبقات ابن سعد‬
‫(‪5/245‬ـ ‪ )246‬و(( مسند أحد )) (‪ )5/110‬وغيها‪ ،‬وهو صحيح‪.‬‬
‫ملحظة‪ :‬ل أورد هنا الوثائق الت فيها هذه الرائم الذكورة إشفاقا على البقية الباقية من‬
‫السلمي هناك من أن تنالم أيدي الجرام بسوء‪ ،‬الذين » يقتلون أهل السلم ويدَعون‬
‫أهل الوثان « كما أخب عليه الصلة والسلم‪ ،‬وهو حديث متفق عليه‪.‬‬
‫() لحمد بن ممد الرامشي كما ف » بغية الوعاة « للسيوطي (‪.)1/218‬‬ ‫‪1‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪348‬‬
‫السياسة‬

‫فقه واقع الزائر عند سفر الوال‬


‫وأما سفر الوال فقد تكلّم عن أحداث الزائر ف شريط رقم (‪ )2/227‬من‬
‫أسئلة على شرح العقيدة الطحاوية بتاريخ‪25/12/1411( :‬هـ)‪.‬‬
‫ـ قال فيه‪ " :‬نن ل نعرف الكثي عن هذه البهة السلمية! وبالنسبة‬
‫لقائديها الشيخ عباسي مدن وعلي بن حاج‪ :‬ما نعرفهما!! ول نقابلهما‪ ،‬ول‬
‫نرها!!! "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬كيف تتكلم ـ يا سفر!ـ عمن ل تعرفه وال يقول‪{ :‬إلَّ‬
‫ن}؟! بل كيف تادل عنه وتتجّ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫قو ُ‬ ‫ح ِّ‬‫هدَ بِال َ‬
‫ش ِ‬‫من َ‬ ‫َ‬
‫له وال يقول‪َ َ { :‬‬
‫ه‬ ‫ما لَك ُ ْ‬
‫م بِ ِ‬ ‫في َ‬
‫م ِ‬‫جت ُ ْ‬‫ج ْ‬
‫حا َ‬‫ء َ‬ ‫ؤل َ ِ‬‫ه ُ‬‫م َ‬
‫ها أنت ُ ْ‬
‫ه‬
‫والل ُ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫م َ‬ ‫ه ِ‬‫س لَكُم ب ِ ِ‬
‫ما لَي ْ َ‬
‫في َ‬
‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫حآ ُّ‬
‫م تُ َ‬ ‫فل ِ َ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن}؟! والدعوات كلها ُت َقوّم بأصحابا؛ قال‬ ‫يعل َم َ‬
‫مو َ‬‫عل َ ُ‬
‫م ل َ تَ ْ‬‫وأنت ُ ْ‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ابن تيمية‪ " :‬إن الطائفة إنا تتميّزُ باسم رجالا أو َنعْت أحوالا " ؛ قلتُ‪:‬‬
‫لن جيع الناس قادرون على ادّعاء السلم والتلبيس بعسول الكلم‪ ،‬وهل‬
‫النافقون إل مندسّون ف الصفوف يُ َموّهون حت ينخدع بم مَن يشي بعقليتك‬
‫م‬ ‫هذه؟! بل قالال تعال‪{ :‬وإذا رأَيتَهم ت ُعجب َ َ‬
‫ه ْ‬
‫م ُ‬
‫جسا ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ ْ ِ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫م}‪ .‬ث أقول‪ :‬لوكنتَ مشترِكا مع‬ ‫ه ْ‬
‫ول ِ ِ‬ ‫ع لِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قولُوا ت َ ْ‬
‫س َ‬ ‫وإِن ي َ ُ‬
‫أحد من الناس ف تارة أو ما شابها من رخيص متاع الدنيا‪ ،‬أكنتَ مكتفيا‬
‫بذا الوصف الذي وصفتَ به شيوخ البهة أم أنك تُشحّ بالك‪ ،‬وتتاط‬
‫لدنياك؟! فكيف والمر دين وجنة أو نار؟! كما قال حذيفة بن اليمان ‪" :‬‬
‫ولقد أتى علي زمان وما أُبال أيكم بايعتُ؛ لئن كان مسلما لََي ُر ّدنّه علي‬
‫دينه‪ ،‬ولئن كان نصرانيا أو يهوديا َلَي ُر ّدنّه علي ساعيه‪ .‬وأما اليوم فما كنتُ‬
‫() » منهاج السنة « (‪.)2/518‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪349‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫لُبايِع منكم إل فلنا وفلنا " متفق عليه‪.‬‬


‫هذا الحتراز من أجل الدنيا؛ لن القصود بالبايعة ف كلم حذيفة البيع‬
‫والشراء‪ ،‬فكيف بالدين الذي هو أول ما نرجو أن يُقيمه لنا مَن نبايعه على بيع‬
‫ال ورسوله؟! مع هذا تريد من السلمي أن يُؤيّدوا دعوة رجلي مهولي عندك!‬
‫إنّ هذا لشيء عُجاب!! ورحة ال على ابن بطة؛ إذ يقول‪ " :‬فإنّا ل وإنّا إليه‬
‫راجعون! فلقد عِشْنا إل زمانٍ نشاهد فيه أقواما‪ُ ،‬يقَلّد أحدُهم دينَه ويأتَمِن‬
‫على إيانه مَن َيّتهِمه ف كلمةٍ يَحكيها! ول يَأمنه على التّافِ ِه القي مِنْ دنياه!!‬
‫()‬
‫" ‪ ،‬ورحةال على ابن سيين؛ إذ يقول‪ " :‬إنّ هذا العلم دِينٌ‪ ،‬فانظروا عمّن‬ ‫‪1‬‬

‫تأخذون دينَكم "‪ ،‬رواه مسلم ف مقدمة (( صحيحه ))‪.‬‬


‫ـ قال سفر‪ " :‬لكن مِن منطلق ما أمرال تعال به مِن العدل‪ ،‬أنا أمامي‬
‫رجلن‪ ،‬أمامي مدّعيان‪ ،‬وها جبهتان ف القيقة‪ :‬البهة السلمية وجبهة‬
‫التحرير الاكمة‪ ،‬جبهتان مدّعيان‪ ،‬وأنا بنلة القاضي الأمور بالعدل "‪.‬‬
‫ت على نفسك ف طلب منصب القضاء وعدم الكتفاء‬ ‫ـ النقد‪ :‬لقد شقق َ‬
‫بنصب الفتيا؛ لنه يُكلفك ما ل طاقة لك به من جهتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ خطورة هذا النصب؛ إذ يَفرض عليك الصغاء إل التخاص َميْن جيعا‬
‫لقول النب لعلي‪ (( :‬يا علي! إذا جلس إليك الصمان فل َتقْضِ بينهما‬
‫حت تَسمع من الخر كما سعتَ من الول؛ فإنك إذا فعلت ذلك تبيّن لك‬
‫القضاء )) رواه أحد وغيه وهو صحيح‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬
‫ي أمرا تَضيق له قلوبُ الائفينا‬ ‫لقد كُ ّلفْتَ يا مسـك ُ‬
‫أَتعْلَم أ ّن ربّ العرش قاضٍ وتقضي أنت بي العالينا‬
‫ومن عجيب تناقضك اعترافك بأنك تقضي من غي أن تعرف أحدا من‬

‫() » البانة « (‪.)2/509‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪350‬‬
‫السياسة‬

‫القضي لم!! وهذا هو الَور بعينه‪ ،‬فإن قلتَ‪ :‬اكتفيتُ با تنشره الصحف‪،‬‬
‫فقد عرفتَ ما فيه إن كنتَ قرأتَ هذا الكتاب من أوله‪ ،‬ث الصحف نفسها ل‬
‫َتعُدِ اليوم معبّرة عن رأي النظام؛ لن ال ُكتّاب أضحوا ي َعبّرون عن رأيهم الاص‬
‫ف ظل الديقراطية والتعددية الزبية‪ ،‬وإن كنتَ أنت ل تزال تعيش زمن‬
‫الشتراكية ف الزائر‪ ،‬فاعلم أن هذا قد مضى من سنوات قبل بروز جبهة‬
‫النقاذ‪ ،‬وعجيب ألّ تدري وأنت اتمتَ علماء بلدك بالقصور ف اطلعهم‬
‫على الواقع؟!!‬
‫‪ 2‬ـ القضاء السياسي أخطر أنواع القضاء‪ ،‬ول نعرف أنك أهل للقضاء‬
‫فضلً عن أهليّتك للحديث ف السياسة!! لا بيّنتُه ف هذا الكتاب مِن اشتراط‬
‫بلوغ درجة الجتهاد لذلك‪ ،‬بل الذي نعرفه أن علماء بلدك نوْك عنها‪ ،‬بل‬
‫منعوك من التدريس نفسه‪ ،‬كما ستقرأ بيانم هنا إن شاءال ‪.‬‬
‫ـ قال سفر‪ " :‬وأنا بنلة القاضي ‪ ...‬كلّ منّا كذلك "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬فيه َتجْرِيءُ عامة الناس على القضاء‪ ،‬وعلى الدخول ف‬
‫()‬
‫السياسة‪ ،‬وهو أسوأ شيء يتعلّمونه منك ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() وهذا النهج العروف اليوم عند مَن يُ َركّز ف دعوته على السياسة‪ ،‬يعود عليه ف آخر‬ ‫‪1‬‬

‫المر‪ ،‬ومثاله عندنا ف الزائر؛ فإنّ الذين يقومون اليوم بأفظع الرائم هم أشباه العراب‬
‫من الؤيّدين لبهة النقاذ‪ ،‬الذين ل نصيب لم من العلم الشرعي؛ كان أشباه سفر‬
‫يوغلونم ف السياسة وينفخون فيهم عاطفة إسلمية فارغة‪ ،‬فلما وجد منهم بعضُهم هذه‬
‫التصرفات رجع إل بعض رشده‪ ،‬وحاولوا أن يتراجعوا عن بعض ما هم فيه من عمل‬
‫مسلّح إجراميّ‪ ،‬فقابلهم هؤلء العراب بالتهديد‪ ،‬ونفّذوا ف بعضهم القتل؛ متجي‬
‫عليهم با كانوا يسمعون منهم‪ " :‬أنتم دعاة فقط! أما السياسة‪ ،‬فكلنا سياسيون!! "‪،‬‬
‫ورموهم با كانوا يرمون به السلفيي‪ " :‬إنكم ما نَكلْتم عن متابعة الهاد إل لب فيكم!‬
‫وقد كنتم بالمس القريب للمنابر تُرعِدون‪ ،‬وللمتردّدين عن متابعتكم من الماهي‬
‫‪351‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ـ وقال‪ " :‬الن مشكلة موجودة‪ ،‬يُطلب منا أن نكم فيها‪،‬‬


‫متصمان متنازعان نكم بينهما‪ ،‬كيف نكم؟ هنا السؤال‪ ،‬قال أحدها‬
‫ـ ونن ل نعرفه ـ‪ :‬أنا أريد السلم وأريد كتابال وسنة رسوله ‪...‬‬
‫وقال عن خصمه‪ :‬هذا خصمي جبهة التحرير‪ :‬حزب اشتراكي علمان تابع‬
‫لفرنسا وللغرب‪ ،‬قادته وزعماؤه فرضوا الشتراكية على البلد ‪ ...‬ماذا ييب‬
‫السلم؟! ماذا يقول السلم الذي يافال ويؤمن بال ويؤمن بالسلم؟ مع أيهما‬
‫يكون؟ وإن ل يعرفهما ول علقة له بما‪ ،‬لكن مَن الذي تكون أو تيل أو‬
‫فرضال تبارك وتعال‪ ،‬فرضال عليك أن تكون معه وأن تنصره وأن تؤيّده؟‬
‫هل هذه السألة ـ أنا أسألكم جيعا ـ هل هذه فيها خيار لنا؟ هل فيها خيار‬
‫وإل نن الن أمام إلزام وحكم قاطع صريح منال ؟ إلزام‪ ،‬يب علينا أن نكون‬
‫مع الفجار وإل مع التقي؟ مع التقي‪ .‬مع الكافرين وإل مع الؤمني؟ مع‬
‫الؤمني ‪."...‬‬
‫ـ النقد‪ :‬أعتقد أن عرض السألة بذه الصورة هو أكب أخطاء سفر‬
‫هنا؛ لنّه صوّر الشكلة ف اختيار السلم على الكفر أو العكس! وليس المر‬
‫كذلك؛ ل ّن السلم ل يساوم بشريعةال ول يرضى با بديل‪ ،‬لكن الشكلة ف‬
‫الطريق الوصل إل تكيمها‪ ،‬فطرحه السؤال على السلمي‪ :‬هل يتارون‬
‫السلم أو الكفر؟ اتام للمسلمي! لن هذا السؤال ل يُطرح إل على من‬

‫تُرعِبون؟! ل! بل أنتم معنا إل آخر رمق!! "‪.‬‬


‫وقد ذكر لنا مَن فرّ منهم وفارقهم أن المارة انتقلت إل هؤلء ( العراب )‪ ،‬وأضحى‬
‫دعاتم تت قيادتم ل ينبسون ببنت شفة! قد انقلب أعوانم أضدادهم‪ ،‬وأتباعهم‬
‫ض الظالمين بعضا ً بما‬ ‫أعداءهم؛ قال ال تعال‪{:‬وكذلك ن ُ َ‬
‫ول ِّي بع َ‬
‫سبون}‪ ،‬وقال‪{:‬وما ربُّك بظلّم للعبيد}‪.‬‬ ‫كانوا يَك ِ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪352‬‬
‫السياسة‬

‫ن}‪ ،‬هذه‬ ‫م يَتََردَّدُو َ‬


‫ه ْ‬
‫في َريْب ِ ِ‬
‫م ِ‬
‫ه ْ‬ ‫م َ‬
‫ف ُ‬ ‫ه ْ‬‫قلُوب ُ ُ‬ ‫{اْرتَاب َ ْ‬
‫ت ُ‬
‫واحدة‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أنك ـ بذا ـ حِدْتَ عن منشإ اللف‪ ،‬ومعروف أن اليدة‬
‫عن نقطة البحث تضيّع البحث وقد تُعطي نتائج معكوسة‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬أنك أُتيت من الفهوم الاطيء للعدل الذي دندنتَ حوله؛ حيث‬
‫ظننتَ أنه يكمن ف مرد معرفة الشعار الذي يرفعه هؤلء‪ ،‬وهذا خطأ‬
‫فادح؛ لنّ للعدل ميزاني‪ :‬أحدها‪ :‬هوالخلص ل‪ ،‬والثان‪ :‬هو التابعة‬
‫لرسولال ‪ ،‬وأنت ل تَزِن هذه الدعوة ل بذا ول بذاك؛ إذ كونك تقنع‬
‫بجرد الشعار الرفوع يدل على عدم تقصّي البحث ف الوصول إل غلبة الظن‬
‫فيما يصّ إخلص القوم‪ .‬وأما متابعة الرسول ف هذا الطريق الذي سلكوه فلم‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ُتعَرّج عليه تاما‪ ،‬مع أنال يعطي عليهما كما قال سبحانه‪{ :‬بَلَى َ‬
‫فل َ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عندَ َرب ِّ ِ‬
‫جُرهُ ِ‬
‫هأ ْ‬ ‫ن َ ُ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬‫و ُ‬‫ه َ‬‫هو ُ‬ ‫ه لِل ّ ِ‬ ‫ه ُ‬‫ج َ‬ ‫و ْ‬‫م َ‬‫سل َ َ‬
‫أ ْ‬
‫ن}‪.‬‬‫حَزنُو َ‬‫م يَ ْ‬‫ه ْ‬‫ول َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ٌ‬‫خ ْ‬‫ول َ َ‬‫َ‬
‫هُه} يعن به الخلص‪.‬‬ ‫َ‬
‫ج َ‬‫و ْ‬‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫فقوله‪{ :‬أ ْ‬
‫ن} يعن به اتباع السنة‪ ،‬كما بيّنه ابن تيمية ـ‬
‫س ٌ‬
‫ح ِ‬‫م ْ‬
‫و ُ‬
‫ه َ‬ ‫وقوله‪َ { :‬‬
‫و ُ‬
‫()‬
‫رحه ال ـ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫فالقضية شرعية وليست عاطفية‪ ،‬وإل فما قولك ف ماسبةال الؤمني لا‬
‫عصوا رسولال ف أُحد‪ ،‬مع أنم هم الؤمنون وعدوّهم وثنّ كافر! وال‬
‫سبحانه وتعال قد تركهم ينكشفون أمام عدوّهم وقال‪{ :‬أ َ‬
‫و ل َ َّ‬
‫ما‬
‫هذَا‬‫م أَنَّى َ‬ ‫قلْت ُ ْ‬
‫ها ُ‬‫مثْلَي ْ َ‬
‫صبْتُم ِ‬
‫ة َ َ‬
‫قدْ أ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬‫صابَتْكُم ُ‬‫أ َ‬
‫َ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫علَى ك ُ ِّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إ َّ‬
‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬‫د أَن ُ‬‫عن ِ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬‫و ِ‬
‫ه َ‬
‫ل ُ‬ ‫ق ْ‬‫ُ‬

‫() » مموع الفتاوى « (‪.)28/175‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪353‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قِديٌر}‪.‬‬
‫َ‬
‫وِبعَدْلك هذا ـ يا سفر!ـ اتّبعَت الركاتُ السلميةُ الدعواتِ‬
‫الباطنيةَ الدامة؛ لنم اكتفوا منهم با ظهر لم من شعارهم‪ ،‬كما اكتفيتَ‬
‫أنت بذلك! وغفلوا ـ كما غفلتَ ول أحبّ أن أقول‪ :‬تغافلتَ ـ عن‬
‫إمرارهم على الغربال الثان أل وهو متابعة السنة‪ ،‬إذن فلماذا يلم من اتّبع‬
‫َ‬
‫علَى‬ ‫م َّ‬
‫ن َ‬ ‫المين حي رآه يرفع شعار قوله تعال‪{ :‬ون ُ ِ‬
‫ريدُ أن ن َ ُ‬
‫م أَئ ِ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫عل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ج َ‬
‫ض ون َ ْ‬
‫فوا في الْر ِ‬ ‫ع ُ‬‫ض ِ‬‫ست ُ ْ‬
‫ذين ا ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن}؟!‬
‫رثِي َ‬‫وا ِ‬‫م ال َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ج َ‬
‫ون َ ْ‬
‫ولاذا يُلم مَن اندع بصدام حسي؛ وقد رآه كَتب على صواريه أساء‬
‫الصحابة وتاب توبةً سياسيةً‪ ،‬حت قال فيه علي بن حاج ف كلمته الت‬
‫ألقاها يوم رجع من العراق ـ وقد سبق ذِكر شيء منها ـ‪ " :‬الرجل‬
‫تاب! ويريد السلم وسوف يُطبّق الشريعة!! فهل شققنا على قلبه حت‬
‫نكفّره؟! "‪ ،‬هكذا قال الرجل الذي َشبّهه سلمان العودة بابن تيمية!! فهل‬
‫تتصوّرون يوما ابن تيمية يَتبع صداما‪ ،‬أو أنه يقول مثل هذا ف جنكز خان؟!!‬
‫فاللهم رحاك‪.‬‬
‫هؤلء وأذنابم كلهم تأثروا بقوم وجدوهم يمِلون شعارات إسلمية ف‬
‫وجوه كفار خلّص فما أغن عنهم جعهم وما كانوا يستكثرون‪.‬‬
‫عَدْلُك هذا ـ يا سفر! ـ هو الذي حَرَمكَ من فهم معن الولء حت‬
‫ت شر البتدعة‪ ،‬بل إنك جعلته قاعدة ـ ويا بئس ما قعّدت له! ـ حي‬ ‫احتضن َ‬
‫قلتَ ف الربع الخي من الوجه الثان للشريط نفسه‪:‬‬
‫" يب أن نأخذ قاعدة‪ :‬ميزة الدعوات السلمية ف العال كله على ما‬
‫فيها من تفاوت‪ ،‬وما بينها من أخطاء‪ ،‬ميزتا أنا تنبع من داخل المة! يعن‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪354‬‬
‫السياسة‬

‫يدعو إل السلم حت لو عند بعضهم انرافات؛ إما إل العتزلة‪ ،‬وإما إل‬


‫الوارج‪ ،‬وإما إل الرافضة‪ ،‬ـ كما تعلمون ـ فهو يأخذها من واقع المة‬
‫ومن تاريها‪ ،‬من تراثها!!! "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ال أكب! هذه بليّة عظيمة!! وقد قيل‪ :‬ما فيك يظهر على فيك!‬
‫ول}‪ .‬ث‬ ‫حن الق ْ‬ ‫فنَّهم في ل َ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫وصدق ال الذي قال‪{:‬ولَت َ ْ‬
‫ع ِ‬
‫أخذ يشرح هذا التأصيل الفاسد بقوله‪:‬‬
‫" أما الكومات العلمانية والاكمون بالقواني الوضعية فقطعا ل ريب‬
‫عندنا ول شك أنم أخذوا هذا من خارج السلم‪ ،‬وخارج المة السلمية‪،‬‬
‫وخارج التاريخ السلمي‪ ،‬ل نسبة بي هذا وهذا ‪ ...‬أصلً ‪ ...‬فنقول‪ :‬مَنْ‬
‫يدعو إل السلم‪ ،‬عندهم أخطاء‪ ،‬عليهم ملحظات‪ ،‬ما نزكي‪ ،‬ما نبئ‬
‫هؤلء‪ ،‬هاتا تُعرَض وتُنقَد‪ ،‬لكن ل شك أن من يدعو الناس إل الكتاب‬
‫والسنة‪..‬إل السلم ـ وإن أخطأ ف فهم بعض أصوله ـ ل شك أنه ل‬
‫نسبة أن يقارن ‪ " ...‬ال‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬هذا هو دين ردود الفعل! وهو دين الوازنات الائرة! وهو من‬
‫أوضح الدلة على أن أخطاء سفر هذه ليست سقطات يقوم منها صاحبها إذا‬
‫ُنبّه‪ ،‬وإنا هي ناتة عن تأصيل فاسد عنده‪.‬‬
‫أنصحك ـ يا سفر! ـ أن تتعلّم عقيدة الولء والباء‪ ،‬وأن تدرس كتب‬
‫السلف لترى موقفهم من البتدعة‪ ،‬وإن بقي عليك غبش من رواسب الخوان‬
‫فعُدْ إل فصل ( الردّ على الخالف ) من هذا الكتاب‪ ،‬وال الادي‪.‬‬
‫وعَدْلُك هذا ـ يا سفر!ـ هو الذي ربّى من الشباب السلم عواطف‬
‫سرعان ما تنقاد للكائد‪ ،‬وتنخدع للصائد؛ ل يَفهم من عدوّه إل ما يفهمه‬
‫الثور السود من الرقة المراء ينطحها‪ ،‬حت إذا أُثخِن بالراح نودي‬
‫‪355‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫بوَْبرَته إل الزار يسلخها‪.‬‬


‫فال! ال! ف هذه المة ـ يا سفر!ـ؛ فكم من دماء جرت منها أنار‬
‫بفتواكم هذه!! وكم من مؤمنة أرملت‪ ،‬وكم من فقيدة أيتمت!! ولو كُشف لكم‬
‫الغطاء لأَرْت إل ال تائبي؛ و َهلً من أن تكون هذه الدماء كفلً عليكم يوم‬
‫القيامة!!‬
‫تناقض‪ :‬ف هذا الشريط يرى سفر أنه يكفي ف مناصرة قوم أن نعرف‬
‫منهم الشعار الذي يرفعونه‪ ،‬وف شريط آخر من شروحه للعقيدة الطحاوية‬
‫برقم (‪ )252‬يتحدّث عن شعارات جبهة النقاذ ويقول‪ " :‬نعم! ل تغرّنا‬
‫الشعارات! مرد الشعارات؛ لن ال سبحانه وتعال يريد منا إيانا حقيقيا وقلبا‬
‫صادقا ملصا‪ ،‬وليس مرد الشعارات!!! "‪.‬‬
‫ث إذا به ينقض هذا الكلم مباشرة فيقول‪ " :‬وإن كانت شعارات حق!‬
‫ـ على فكرة ـ تدرون ما هو شعار الزائريي؟ شعارهم ـ يولون‬
‫ويتحركون ـ يقولون‪ " :‬ل ميثاق ‪ ..‬ل دستور‪ ،‬قال ال ‪ ..‬قال الرسول!!‬
‫"‪ ،‬أليس كذلك ـ إخواننا الزائريي ـ؟ هذه ف الشرطة ‪ ...‬ويقولون‪ " :‬ل‬
‫إله إل ال! عليها نيا! وعليها نوت! وف سبيلها ناهد! ‪." ...‬‬
‫ـ قال سفر‪ " :‬قالت جبهة التحرير الزب الاكم‪ :‬نن حزب اشتراكي‬
‫نؤمِن بالشتراكية "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬حكاية الشتراكية عن جبهة التحرير قدية؛ تر َكتْها أيام أمينها‬
‫العام الشاذل بن جديد وقبل ميلد جبهة النقاذ كما سبق‪ .‬أما اليوم فهم‬
‫يرفعون شعارات أخرى أترك الجال لفقهك لواقع الزائر حت يدركها وحت‬
‫تعيش مع السلمي أوقاتم الالية! هذا مع أن زعمك بأن الصراع دائر بي‬
‫النقاذ والتحرير تصوير قاصر جدا‪ ،‬فأرجو مراجعة الوراق‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪356‬‬
‫السياسة‬

‫ـ وقال بأن جبهة التحرير تقول‪ " :‬نن حزب علمان‪ ،‬وهذا ف‬
‫الدستور‪ ،‬ل يفونه أبدا! "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬أقول لك ـ يا سفر! ـ كلمة ليست دفاعا عن جبهة التحرير‬
‫ن‬
‫شنَآ ُ‬ ‫م َ‬ ‫منَّك ُ ْ‬
‫ر َ‬ ‫ل ـ ولكن من باب قولال تعال‪{:‬ول ي َ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫ـ معاذ ا !‬
‫وى}‪:‬‬ ‫ب لِلت َّ ْ‬
‫ق َ‬ ‫قَر ُ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫دلُوا ُ‬
‫ه َ‬ ‫دلُوا ا ْ‬
‫ع ِ‬ ‫ع ِ‬
‫َ َ‬
‫علَى أل ّ ت َ ْ‬
‫وم ٍ َ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬
‫أتدّاك أن توجِد لنا هذا النص من الدستور الزائري! ولو قلنا إنم كذلك‬
‫لقلنا هم أمكر من أن يسجّلوه ف دستورهم لتعثُر عليه أنت بسذاجتك هذه‪،‬‬
‫ألَ شيء من الفطنة يا قوم!‬
‫ـ وجعل سفر يعدّد حجج جبهة النقاذ ناقل عنها قولا‪ " :‬وأنا عندي‬
‫ثاني بالائة من الشعب كلهم يريدون السلم‪ ،‬هذا برنامنا وهذا تطبيقنا‪ ،‬وأنا‬
‫طلبت من الناس أن يطالبوا ببقاء نظام النتخاب كما هو ‪." ...‬‬
‫ـ النقد‪ :‬ذِكْر هذه النسبة الئوية والطالبة بالنظام النتخاب سلوك للطريق‬
‫الديقراطي؛ لنه تكيم للشعب كما ل يَخفى‪ ،‬فلماذا يذكره سفر على أنه‬
‫حجة من غي إنكار‪ ،‬بل تكراره له ثلث مرات دليل على القرار‪ ،‬بل لقد‬
‫صرّح بأنه ينصر جبهة تريد تقيق الديقراطية‪ ،‬حت لكَأنّك تسمع كلم‬
‫رجل عريق غريق ف الديقراطية‪ ،‬وذلك قوله عن جبهة النقاذ‪ .. " :‬وأنا تريد‬
‫تقيق الذي يزعمون أنه ديقراطية وتريد أن ترشّح وتصوّت "!! قلتُ‪ :‬هكذا‬
‫يصرّح سفر بأنه زَعْمٌ عند أولئك‪ ،‬لكنه إرادة عند البهة! بل جع بي الق‬
‫والباطل فقال‪ " :‬وأيهما الذي وقف ضد الق وإرادة الشعب؟! "‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬إذا كانت هذه حججا فيا ليت شعري ما ملّ دعوة النبياء من‬
‫الشرعية وقد قلّ تابعهم وكثُر مالفهم حت يأت النب وليس معه أحد؟!‬
‫ـ وقال عن جبهة التحرير‪ " :‬هؤلء َنحّوا كتابال سبحانه وتعال عن‬
‫‪357‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الكم "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬هذا من أخطائك الواقعية؛ لن الذي يسمعه يظن أنم وجدوا‬
‫كتابال يكم الناس فعمدوا إل إقصائه‪ ،‬وليس المر كذلك‪ ،‬لنه من يوم‬
‫الستقلل ل يُحكّم كتابال ‪ ،‬وث فرق واضح بي من يعمِد إل تنحية شريعة‬
‫ال ‪ ،‬وبي من يد شريعة الشيطان تكم ول يغيّرها‪ ،‬فمن العدل إذن أن يقال‪:‬‬
‫وجدوا قواني وضعية فلم يغيّروها‪ .‬ول نقول هذا مادلة عن الثيم؛ وإنا لنه‬
‫قد يوجد ف بعض البلد السلمية من الكام مَنْ لو نادى بتحكيم شرع ال‬
‫لداههم العدو من ساعتهم‪ ،‬ولذلك عذر أهل العلم النجاشي حي ل يغي‬
‫()‬
‫شريعة النصارى الكافرة لعجزه ‪ .‬ث لو رجعنا إل التاريخ لوجدنا أن الذين‬
‫‪1‬‬

‫نّوا كتابال قبل الستعمار الفرنسي هم التصوفة‪ ،‬ولستُ الن بصدده‪ ،‬لكن‬
‫لعلّ هذا ل يهمّ سفرا؛ لن التصوّفة عنده يَنبعون من داخل المة! كما قال هو‬
‫ف كلمته الت سبق أن نقلتُها‪.‬‬
‫ـ وبعد ذكر الثماني بالائة قال‪ " :‬الن الشعب أفاق واستيقظ كما‬
‫استيقظت ـ والمد ل ـ المة السلمية ف كل مكان‪ ،‬يريدون كتابال ‪،‬‬
‫يريدون أن يعودوا إل إيانم ودينهم وأصالتهم الت نُزعت منهم قهرا "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬هل يعن هذا أن مَن دخل مساجد الزائر ف صلة الفجر‬
‫وجد ثاني بالائة من الشعب مستيقظا يؤدي الصلة؟! فإن كان كذلك فهي‬
‫َ‬
‫حيْنَا‬ ‫يقظة صادقة وهي من أعظم البشرات بالنصر‪ ،‬كما قال تعال‪{ :‬وأ ْ‬
‫و َ‬
‫صَر بُيُوتاً‬ ‫م ْ‬ ‫مك ُ َ‬
‫ما ب ِ ِ‬ ‫و ِ‬
‫ق ْ‬ ‫ه أَن تَب َ َّ‬
‫وءَا ل ِ َ‬ ‫وأ َ ِ‬
‫خي ِ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬‫إلى ُ‬
‫ر‬ ‫صلَةَ وب َ ّ ِ‬
‫ش ِ‬ ‫موا ال َّ‬ ‫قي ُ‬ ‫ة وأ َ ِ‬‫قبْل َ ً‬
‫م ِ‬ ‫علُوا بُيُوتَك ُ ْ‬ ‫ج َ‬‫وا ْ‬
‫َ‬
‫ن}‪ .‬ولكنك تعن باليقظة تصويتا لسل ٍم ل يُعمل به‪ ،‬أَضفيتَ‬ ‫منِي َ‬‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ال ُ‬

‫() انظر » منهاج السنة « لبن تيمية (‪.)5/133‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪358‬‬
‫السياسة‬

‫عليه هالةً من الوصف السياسي الداع‪ ،‬مع أنم لو كانوا صادقي ف رجوعهم‬
‫إل دينهم فمَن الذي قهرهم حت ل يؤدّوا هذه الفريضة؟ ومن الذي منعهم من‬
‫أداء زكواتم؟ ومَن الذي منعهم من تجيب نسائهم؟ ومن ‪ ..‬ومن ‪..‬؟!‬
‫فدعْك ـ يا سفر! ـ من حديث السياسيي وحدّث الناس بالشرع؛ فإن‬
‫الفلح كله فيه‪ .‬ولقد حُدّث الشيخ اللبان عن هذه اليقظة وعددها الائل‪،‬‬
‫فسارع إل سؤال شرعي عن معرفة هؤلء لربم‪ ،‬وهو قصة الستواء الت مرّت‬
‫بنا ف بداية الكتاب‪ ،‬فتأمل تصرف سفر وتصرف الشيخ اللبان تدرك قيمة‬
‫أهل العلم‪ ،‬ث ل يطل الزمن حت أخبنا أهل الزائر ف هذه السنة (‪1417‬هـ)‬
‫بالجاع أن الناس هناك وصلوا إل دَرْك من التفسّخ الخلقي ما رأوه من قبل‬
‫وي‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ه ْ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قطّ! فأين هي الثمانون بالئة يا سفر؟! قال ال ‪ُ { :‬‬
‫ق ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أُلُوا‬ ‫مون إِنَّما يَتَذَكَُّر‬ ‫وال ّذين ل َ ي َ ْ‬
‫عل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ب}‪.‬‬ ‫َ‬
‫اللْبَا ِ‬
‫ـ وُي ِقرّ الضراب الستورد من الكفار قائل‪ " :‬لا جاءت جبهة إسلمية‬
‫قالت‪ :‬نريد النتخاب يبقى نظامه كما هو‪ ،‬ويتعجل با ف موعدها ونن نريد‬
‫أن ندخل انتخابات‪ ،‬قالوا‪ :‬ل‪ ،‬غيّروا النظام‪ ،‬فقالوا‪ :‬إذن يا ناس‪ ،‬يا من‬
‫ستنتخبون‪ :‬من تنتخبون؟ اعتصموا وأضرِبوا! لن القانون قد تغيّر؛ قانون‬
‫النتخابات‪ ،‬ول تستخدموا القوة ‪ ...‬إذن هذا واضح أنا دعوة سلمية "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬لاذا ل يكن حديثك عن حكم الضراب؟! عن حكم من يناشد‬
‫النظام لسترجاع ما يناقض الشرع وهو قانون النتخاب؟! أم أن دخول ذلك‬
‫العترك ل يُبقي للشرع اعتبارا؟! يا سفر! إن التشبه بالكفار أمارة السران‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫عوا ال ّ ِ‬‫منُوا إِن تُطِي ُ‬ ‫ذين ءَا َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬‫كما قالال ‪{ :‬يَأي ُّ َ‬
‫ن‪.‬‬‫ري َ‬‫س ِ‬ ‫فتَن ْ َ‬
‫قلِبُوا خا ِ‬ ‫قابِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫على أ َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫فُروا يَُردُّوك ُ ْ‬
‫كَ َ‬
‫‪359‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫رين}‪.‬‬‫ص ِ‬‫خيُْر النَّا ِ‬‫و َ‬‫ه َ‬


‫و ُ‬
‫م َ‬ ‫ولَك ُ ْ‬ ‫ه َ‬
‫م ْ‬ ‫َبِل الل ُ‬
‫إن كان خفي عليك حكم الشرع ف هذه العمال‪ ،‬أو كبُر عليك أن‬
‫تكون بدعةً وتشبّها بالكفار النذال‪ ،‬فل أَقَلّ مِن أن تود على إخوانك‬
‫بفقهك للواقع الذي ل تَعرِف منه إل يومك هذا دولةً للسلم قامت على‬
‫أعقاب النتخاب‪ ،‬وأن ل تنخدع بدعوى ترك العنف‪ ،‬فهل رأيتَ ( إضرابا‬
‫إسلميا! ) بل ضراب؟! مع أنه سبق تزييف دعوى ترك العنف عند البهة‪.‬‬
‫ـ ووصف سفر عنف النظام قائل‪ " :‬أين دبابات اليش وهي تَدكّ‬
‫الساجد؟! ‪ ...‬مساجد تدكها الدافع والدبابات!! ‪ ...‬جيش يدكّ‬
‫عواصم ‪...‬؟! "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬ل نادل ف أنّ الدبابات نزلت بالشوارع‪ ،‬ولكن دكّها لعاصمة‬
‫ما كذب‪ ،‬فكيف وهي عواصم ف زعم سفر!! أما دكّ الساجد فل أدري لاذا‬
‫إذا تكلمتم عن هذه النظمة الائرة ل تسنوا التثبّت وتبالغون حت توصَفوا‬
‫بالهل بالواقع‪ .‬كل ما هنالك إغلق بعض الساجد الت تسمى ( مصليات )‬
‫ف عرف الناس‪ ،‬أب أهلها التحزّبون أن يرَتّبوا لا إماما؛ لنّ جبهة النقاذ ل‬
‫تد من الئمة كفايتها ول من يصب على إدارتا كما أمرال ‪ ،‬والقيقة‬
‫أن غالب هذه الساجد اتّخذ ملجيء سياسية وتكايا حزبية‪ ،‬حت‬
‫حطّم بعض هذه‬ ‫( سهّلت الفوضى السياسي ُة السلميةُ ) للمكر التربّص أن يُ َ‬
‫( الصليات )‪ ،‬ولقد لطف ربّك أن ل يكّنهم إل من القليل النادر‪ .‬وث شيء‬
‫ل بد من التنبيه عليه وهو أن هذا الذي ذكرتُه ل يكن قد وقع يوم تكلم سفر‬
‫با نن بصدد نقده‪ ،‬ما يدلكم على أن أخباره ل علقة لا بالواقع تاما‪،‬‬
‫فليُعلم‪.‬‬
‫ـ ومن أخطائه الواقعية أيضا زعمه أن بي البهة وجعية العلماء السلمي‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪360‬‬
‫السياسة‬

‫الزائريي علقة!! وقد سبق الر ّد على هذا الدّعاء فل نعيده‪ ،‬لكن الذي‬
‫يلفت النتباه هو التواطؤ على هذا الطإ‪ :‬منه ومن سلمان ومن القرن ومن‬
‫بشر البشر ومن ممد سرور ـ كما سيأت ـ فعلى ماذا يدلّ هذا؟!‬
‫ـ ومن فضائح هذه الخطاء الواقعية الت ت َعجّبتُ منها جدا قوله‪ " :‬وحت‬
‫البهة ليست حزبا سياسيا‪ ،‬اسألوا من يَعرِف الحزاب‪ ،‬اقرأوا ف ( الياة ) أو‬
‫ف غيها!!! "‪.‬‬
‫يءٌ‬
‫ش ْ‬‫هذَا ل َ َ‬ ‫ـ النقد‪ :‬هذا ل يَدّعِه حت أهل البهة! {إ ِ َّ‬
‫ن َ‬
‫ب}‪.‬‬ ‫جا ٌ‬‫ع َ‬
‫ُ‬
‫ـ وقال عن الزائر‪ " :‬هذا البلد إذا سع أن أهل البلد الطاهرة القدسة‬
‫الذين يَدينونال تعال بعقيدة التوحيد ـ والمدل ـ! وعندهم العلماء! وف‬
‫بلدهم الرَمان الشريفان! أنّ موقفهم منهم هو نفس موقف العلم الفرنسي‬
‫والغرب يسقط ف أيديهم! وال ! يشعرون بالرارة ‪ ...‬فالفروض أن يروا منا‬
‫التأييد والتشجيع ‪." ...‬‬
‫ـ النقد‪ :‬اعلم ـ يا سفر! ـ أنه ل يوز لك أن تامل من حسّن ظنّه‬
‫فيك حت تسكت عن أخطائه‪ ،‬بل أنت مطالب بكلمة الق وافقت منه رضا‬
‫أو سخطا‪ ،‬واعلم أن ما ادّعيته عنهم مِن إحسان الظن بعلماء الملكة ليس‬
‫بصحيح؛ لنم عندهم موضع تمة خاصة بعد قضية الليج ـ كما بيّنتُه ـ‬
‫ول يعبؤون بفتاواهم إطلقا؛ أل ترى أن عباسي وابن حاج حي زارا السعودية‬
‫تاشيَا جهدها لقاء هيئة كبار العلماء؟! لنما تصوّرا باب التحزب موصَدا‬
‫من أصله ف دار الفتاء‪ ،‬وإل فهاتوا لنا شيئا مكتوبا أو مسموعا بينهما وبي‬
‫هيئة كبار العلماء‪ .‬وف الوقت الذي قلتَ فيه ما قلتَ ـ يا سفر!ـ كان‬
‫( الَزْأَرِيون ) قد احتوَوا البهة‪ ،‬وهم القائلون‪ " :‬كل ما أتانا من السعودية‬
‫‪361‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فهو مروح حت يأتينا بشاهدي عدل!! "‪.‬‬


‫اللصة‪ :‬إنه ليس ف الزائر من يُجِلّ علماء الملكة إل السلفيون غي‬
‫التحزبي؛ للرحم ال َعقَدية الت بينهم‪ ،‬ولعلمهم بأن هذا البلد آخر معاقل‬
‫السلم‪ ،‬وهو الوحيد اليوم ف تأييد الدعوة السلفية تأييدا رسيا‪ ،‬فتدبر!‬
‫ـ ومن أخطائه الواقعية قوله‪ " :‬الزائر أيام أحداث الليج جيع صحف‬
‫الزائر ـ كما بلغنا وجاء الجاج ورأيتموهم ـ كل الصحف الزائرية وكل‬
‫الحزاب ف الزائر والكومة ف الزائر كانت ضد موقف الملكة من حرب‬
‫الليج "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬موقف الكومة الزائرية ل يكن واضحا؛ لنا كانت متكتمة‪،‬‬
‫فمِن أين أخذتَ ما قلتَ؟! والصحافة الكومية وغي الكومية ليست لسان‬
‫الكومة‪ ،‬كما هو معلوم من النظام الديقراطي‪ ،‬ويبدو أنك وقعت ف هذا‬
‫الطأ لسببي‪ ،‬الول‪ :‬أنك تعيش جزائر الشتراكية القدية‪ ،‬والثان‪ :‬أنك‬
‫أردت أن تدفع التهمة القيقية عن البهة لتلصِقها بالكومة‪ ،‬وتأت بأكب‬
‫فضائحك الواقعية فتقول‪:‬‬
‫" أما السلمون السلميون فما بلغنا وما قرأنا أنه ‪ ..‬أن ( هكذا )‬
‫قضيتهم التعاطف مع الشعب العراقي‪ ،‬هكذا عبّروا‪ ،‬ضد المريكان‪ ،‬وهم‬
‫يكرهون أشد الكره صدام ( هكذا ) ويعتقدون كفر حزب البعث! "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬قد سبق عند الردّ على سلمان نقل كلمة علي بن حاج ف زعمه‬
‫()‬
‫أن صداما قد تاب وهو ينوي تكيم الشريعة!! ‪ .‬وأزيد هنا قائل‪ :‬إنك نفيتَ‬
‫‪1‬‬

‫عن السلميي بعامة أن يكونوا أيّدوا الكومة العراقية ضد السعودية‪،‬‬

‫() أذكر بذه الناسبة أن الشيخ اللبان ذكر ـ يومها ـ أن أول شرط ف توبة صدام أن‬ ‫‪1‬‬

‫يرج من الكويت‪ ،‬فهل هذا هو الذي يعنيه ابن حاج؟!!‪.‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪362‬‬
‫السياسة‬

‫والصحيح أنك خالفتَ إجاعهم على تطئة الوقف السعودي‪ ،‬وما اشتهر‬
‫اشتهارا رسيا أن حزبي منها أقاما مسيات واسعة لتأييد العراق‪ ،‬وها‪:‬‬
‫جبهة النقاذ كما سبق‪ ،‬وحزب الخوان السلمي‪ :‬حاس‪ ،‬بقيادة مفوظ‬
‫نناح الذي حشد الناس من أجل ذلك ف تمّع صاخب‪ ،‬وإن كان هو ل‬
‫يِب أن يَعرِف عنه ( إخوان الليج ) هذا ليبقى موصول العطاء موفور‬
‫الانب! ولول أن السلفيي خالفوا هذا الجاع لكان اتفاقا على الضلل‪،‬‬
‫والنة ل وحده‪.‬‬
‫تناقضٌ‪ :‬نفى سفر أن يكون قد عرف عن السلميي التعاطف مع العراق‪،‬‬
‫وإذا به يقول بعدها بثوانٍ‪ " :‬هذا المر‪ ،‬أخطأ فيه كثيون وأصاب كثيون!‬
‫فتنة عمياء التبست على أكثر المة! وهذا الال ليس خاصّا بالزائر‪ ،‬بل‬
‫معظم العال السلمي تعاطف ل حبا ف صدام أبدا‪ ،‬ولكن من أجل‬
‫أمريكا!! "‪ .‬أقول‪ :‬إذا كانت فتنة عمياء يُعتذر فيها للمخطيء فهل يصْدق‬
‫العتذار للحكومة الزائرية بثل ما قلتَ؟! أم أنك بذا تعتذر لنفسك عن‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫خطئك السيم الذي صدر عنك يومها؟!‬
‫ومن طريف الوافقات أن هؤلء ( الثماني بالائة ) الذين اعتذر لم سفر‬
‫بأنم استيقظوا وقاموا ضد أمريكا ف قضية الليج‪ ،‬ما كادت تنقضي الزمة‬
‫بأيام حت جعلت أمريكا دعاية للهجرة إل بلدها‪ ،‬فإذا بك ترى جيوشا‬
‫جرارة من هؤلء ( الستيقظي ) عند السفارة المريكية يسألونا تأشية العمل‪،‬‬
‫وكأنه ل يتخلّف منهم أحد! مع ذلك فهؤلء عند سلمان ل يثوروا من أجل‬
‫البز!! وعند سفر يريدون السلم!! ول أدري هل حقيقةً تهلون واقع أمتكم‬
‫أم أنكم تتجاهلونه بدافع التفاؤل السياسي؟! وليس العجب أن يصدر من‬

‫() انظر هنا ص (‪ )391‬بالامش‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪363‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أمريكا هذا الستهزاء‪ ،‬ولكن العجب أن تعجزوا عن إدراك ما علمته هي من‬


‫واقع أمتكم!!‬
‫ـ ومن الخطاء الواقعية قوله‪ " :‬ودستور الزائر الذي تسي عليه البهة‬
‫الاكمة دستور كفري إلادي‪ ،‬من عجائب هذا الدستور أنه يتيح لفرنسا‬
‫التدخل إذا اقتضى المر ف الزائر "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬هاتِ لنا ـ ياسفر! ـ هذا النص من الدستور إن كنتَ من‬
‫متتبّعي الواقع‪ ،‬فنحن عشنا أيام تدوينه ف الزائر وما قرأنا ما قرأتَ!! هذا‬
‫أولً‪.‬‬
‫وثانيا‪ :‬إن كنتَ علمتَ بطريقتك الاصة أن فرنسا قد تتخِذ ذلك ذريعة‬
‫ت على إخوانك بذا الواقع الؤل ول تُحذّرهم‬ ‫لستعمار الزائر‪ ،‬فلماذا ضنن َ‬
‫من الدخول ف معركة غي متكافئة العدة‪ ،‬ول تُخبهم بأن المر لعبة عليهم‬
‫حت ل يدخلوا فيه؟! بل زدتم إغراقا فيه بثل ما قلتَ‪ ،‬فعجبا لثور الِرقة‬
‫المراء!!‬
‫وأخيا أقول‪ :‬إن الذي بدا ل من كلمك أنك عند دراستك للمسائل‬
‫تلط الوراق ـ كما يقولون ـ وتمع بي الواحدة ونقيضها حت يتميّع‬
‫البحث ويُنسى أصل الوضوع‪ ،‬ول يزال ظهر التأويل حينئذ ذلولً‪ .‬وقد‬
‫سعتك تنهج هذا النهج ف غي ما شريط‪ ،‬إذ تُزوّج بي مسألة سلفية وأخرى‬
‫خلفية ـ بعد الطلق الثلث ـ بل ولّ ول نكاح مَلّل‪ ،‬لتحتفل بعقيقة‬
‫خنثى مشكل‪ ،‬قد استبان السلفيون جنسه اللفي‪ ،‬وظلّ غيهم ف حية‪:‬‬
‫أفيه شاة أم شاتان لن جنسه خفيّ؟ ومعناه أنك تُخرِج السألة من موقعها‬
‫الشرعي إل موقع سياسي للرأي بل للتفلّت من قيود الشرع فيه مَسْرح‪،‬‬
‫وهذا منهج خطي جدا؛ لنه أقرب إل تلبيس الق على الناس بالباطل‪ ،‬بل‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪364‬‬
‫السياسة‬

‫ح َّ‬
‫ق‬ ‫ن ال َ‬ ‫سو َ‬‫م تَلْب ِ ُ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫ل الكِتا ِ‬ ‫ه َ‬‫وكتمانه‪ ،‬وقد قال تعال‪{ :‬يأ َ ْ‬
‫ن}‪ ،‬وإنا نبّهتُ‬ ‫ق َ‬
‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫م تَ ْ‬ ‫ح َّ َ‬
‫وأنت ُ ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ل وتَكْت ُ ُ‬
‫مو َ‬ ‫بِالبَاط ِ ِ‬
‫على خطورته؛ لن بعضهم يغرّه بعضُ الق الذي يكون مع الرء‪ ،‬ويتحاشى‬
‫انتقاده ناظرا منه التصريح بالباطل! والقيقة أنه ل يكن لن كان من هذه اللة‬
‫أن يأت بباطل خالص‪ ،‬فلذلك يغترّ بصاحبه من يغترّ‪ ،‬وبذا يُهدم الق‪ ،‬قال‬
‫ابن تيمية‪ " :‬وكل مَن سِوى أهل السنة والديث من الفِرق فل ينفرد عن أئمة‬
‫الديث بقول صحيح‪ ،‬بل ل بد أن يكون معه من دين السلم ما هو حق‪،‬‬
‫وبسبب ذلك وقعت الشبهة؛ وإل فالباطل الحض ل يشتبه على أحد‪ ،‬ولذا‬
‫سُمي أهل البدع أهل الشبهات‪ ،‬وقيل فيهم إنم يلبسون الق بالباطل‪ ،‬وهكذا‬
‫()‬
‫أهل الكتاب معهم حق وباطل ‪ . " ...‬منه‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ 1‬ـ قولك هنا‪ " :‬نن ل نكّم الشعب أصل‪ ،‬ولكن من حيث الواقع‬
‫الشعب مع من؟ "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬إذن فثَمّ حكم الشرع الذي يرّم التحاكم إل الشعب‪ ،‬وثَمّ‬
‫حكم الواقع الذي يبيحه أو يوجبه أو يستحبه‪ ،‬ول مفرّ من واحدة من هذه‬
‫الحكام الثلثة التبقية لنك تقول بعدها مباشرة‪ " :‬ثاني ف الائة من الشعب‬
‫‪ ." ...‬وتقول على لسان البهة‪ " :‬ونَدخل جيعا النتخابات‪ ،‬فإن فزنا فنحن‬
‫نَحكم البلد بكتابال وسنة رسوله ‪ ،‬وإن فازوا قلنا‪ :‬إنا ل وإنا إليه‬
‫راجعون! والشعب قد اختار الشتراكية علينا "‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬بأي حكم أبتَ لم دخول النتخابات؟ أبالشرع أم بالواقع؟!! وال‬
‫الستعان‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ قولك‪ " :‬فإذا قيل‪ :‬لاذا تتكلمون عن هذه البهة؟ قالوا‪ :‬لنا وقفتْ‬

‫() » منهاج السنة « (‪.)5/167‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪365‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ف حرب الليج غي موقفنا‪ ،‬قال هو‪:‬كلهم ف غي موقفنا ‪ ...‬بل معظم العال‬


‫السلمي تعاطف ـ ل حُبا ف صدام أبدا ـ ولكن من أجل أمريكا!! "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬هذا هو دين ردود الفعل! يُفهم منه أن مالفة الوقف السعودي‬
‫ُيعَدّ مالفة شرعية‪ ،‬ولكن من أجل أمريكا فل! مع أنك مقرّ ف أشرطتك أيام‬
‫الفتنة بأن خطورة البعث أشد من خطورة أمريكا؛ كخطورة الشرك بالنسبة‬
‫للنصرانية!!‬
‫كما يُفهَم منه أن سفرا كان مع الوقف السعودي‪ ،‬وهو خلف ما صرّح‬
‫به يومها‪ ،‬وإذا كانت كما قلتَ أنت‪ " :‬فتنة التبست على كثي من الناس! "‪،‬‬
‫فلعلك تناقضتَ هذا التناقض؛ لنك كنتَ طرفا ف هذا التلبيس با كنتَ تُرعِد‬
‫()‬
‫وتُزبد! ويومها اتّهمتَ هيئة كبار العلماء بالقصور ف فقه الواقع!! ‪،‬واليوم‬
‫‪1‬‬

‫() قاله سفر ف شريط » ففرّوا إل ال « يوم سئل عن سبب سكوت علماء الملكة عن‬ ‫‪1‬‬

‫فضح الحزاب العاصرة كحزب البعث إل لا كانت أزمة الليج؟ فقال‪ " :‬لاذا نضع‬
‫اللوم دائما على جهة معينة؟ وخاصة الذي يعيش معترك معي ( هكذا ) وظروف‬
‫( هكذا ) معينة تُحتّم عليه ماملت!! وأوضاع ( هكذا ) صعبة! نن الذين ف ببوحة‬
‫أن نقول الق ف بيوتنا‪ ،‬ف مساجدنا ‪ ...‬علماؤنا يا إخوان! كفاهم! كفاهم! ل نبّر‬
‫لم كل شيء‪ ،‬ل نقول هم معصومون!! ‪ ...‬نن نقول‪ :‬نعم! عندهم تقصي ف معرفة‬
‫الواقع‪ ،‬عندهم أشياء نن نستكملهم! ليس من فضلنا عليهم‪ ،‬لكن عشنا أحداث‬
‫( هكذا ) وهم ما عاشوها بكم الزمن الذي عاشوا! أو بأحكام أوضاع أخرى!! ‪...‬‬
‫ومع ذلك أقول‪ :‬السئولية الساس علينا نن طلبة العلم بالدرجة الول! وبعض‬
‫هؤلء العلماء قد بدأ يسلّم المر؛ لنه ـ يعن ـ انتهوا ف السن!!! أو إل مرحلة‬
‫‪!..‬؟ "‪ .‬قلت‪ :‬ما أشد هذا الكلم؛ إذ هو ظلمات بعضها فوق بعض! ومن استمع إل‬
‫الشريط كله تبيّن له منهج سفر الذي أنا بصدده الن؛ إذ مدح العلماء بطريقة ما! ث‬
‫أجهز عليهم با سبق ذكره‪ ،‬كالذي يُسمّن كبشه ليعَيّد به!! نسأل ال لنا وله الداية‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪366‬‬
‫السياسة‬

‫تدّثنا سرّا‪ " :‬إن موقف الشيخ اللبان أقرب إل الشرع‪ ،‬وموقف علمائنا‬
‫أقرب إل الواقع!!! "‪ .‬اعلم ـ يا أخانا سفر! ـ أن اللبان متهد خالف‬
‫علماء الملكة ف القضية‪ ،‬ولكنه قال فيهم من التوقي قولً حسنا‪ ،‬خاصة منهم‬
‫الشيخ ابن باز‪ ،‬حفظال الميع‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ قولك‪ " :‬القضية الت نتكلم عنها ليست مرد فلن ول فلن‪ ،‬إن‬
‫كان من أولياءال فال ول التقي وسينصرهم ولو بعد حي‪ ،‬وإن كانوا غي‬
‫ذلك فقد جاءهم عُجلت إليهم بعض ذنوبم‪ ،‬لكن ليست هذه هي الشكلة‪،‬‬
‫لاذا تُصوّر القضية بذا الشكل‪ ،‬القضية قضية إسلم يُحارَب "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬تأمّل كيف يشي بك مشية سلفية حت إذا كنتَ قاب قوسي‬
‫من النتيجة أو أدن صرفك عنها بدندنة خلفية‪ ،‬كأنه اكتشف جديدا حي علِم‬
‫أن القضية قضية إسلم يُحارب!! وكأنه إذا كان السلم يارَب ل يَصحّ‬
‫الديث عن التقوى واليان؛ لنه يعوق ( الهاد )!! وكأنه ل يبّ أن تصوّر‬
‫خذّل عن الصراع السياسي!! بل ول بأس‬ ‫القضية بالشكل الشرعي؛ لنا تُ َ‬
‫عنده من الصب على الزية من أجل إشعار الصم بأننا له بالرصاد!! فل إله‬
‫إلال ! ما أغرب هذا الضطراب النهجي الدين! وإنن لشفق على أهله منه‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ومنه قولك ف شريط (‪ )252‬من شرح الطحاوية‪ " :‬نعتقد كذلك أن‬
‫قيام السلم ف الرض ليس بذه الطرق وهذه الوسيلة بالضرورة ـ أي‬
‫الوسيلة الديقراطية ـ بل الطريق الصحيح والنهج الق هو الدعوة وطلب‬
‫العلم ونشر الفقه ف الدين وتريبة الناس على ذلك ‪ ،" ..‬قلتُ‪ :‬إن أسارير‬
‫حيّا السلفي حي يسمع هذه الكلمات سرعان ما‬ ‫البشر الت تظهر على ُم َ‬
‫تتحوّل إل حية وعبوسة قاتة وهو يسمع نقيضه منه بعد ثوانٍ فقط؛ وهو‬
‫قوله‪ " :‬لكن نن نتكلّم عن واقع‪ ،‬عن قضية واقعة!! "‪.‬‬
‫‪367‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قلتُ‪ :‬كأن النهج السلمي الذي قرره أو ًل يُعنَى بعال اليال‪ ،‬وأما النهج‬
‫الخالف فواقعي!! ويزيد المر فداحة حي يتمنّى من هذا النهج الخالف بل‬
‫الكافر أن يقيم له دولة السلم!! فيقول‪ ... " :‬فوال إنه لفتحٌ كبي أن تقوم‬
‫دولة لـ( ل إله إل ال ) على منهج السلف الصال واللفة الراشدة ف‬
‫الزائر!!! "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬تأمّل كيف ينفي أن يكون مسلكا شرعيا‪ ،‬مع ذلك فهو يأمل منه‬
‫قيام اللفة الراشدة؟!!‬
‫ترجو النجاة ول تسلك مسالكها إن السفينة ل تري على اليبس‬
‫ومن الغريب أنن استمعتُ إل شريط مسجّل مع سفر‪ ،‬فيه أنه يعلم أن‬
‫جبهة النقاذ ل تَبْنِ عملها على الساس الذي اعتمده النب ف دعوته‬
‫وجهاده؛ فقد قال‪ " :‬ولكن هل مرّ هذا الشعب ( يعن الزائري ) ومرّت هذه‬
‫الدعوة برحلة التمحيص والتربية على منهج علمي عقدي دعوي متوازن‬
‫شامل‪ ،‬كما مرّت الماعة السلمية الول ف عهد النب ‪ ،‬وكما ينبغي أن‬
‫ترّ كل الدعوات؟ ‪ ...‬حقيقةً إن الوضع ف الزائر كان فيه نوع واضح من‬
‫التعجّل ف قطف الثمرة! وربا كان هناك أيضا شيء من العجاب أو شيء‬
‫من الخذ بذه الماهي التجمّعة‪ ،‬الت ل ينقصها ف الماس‪ ،‬ول نشكّ ـ إن‬
‫شاء ال ـ ف حاسها‪ ،‬لكن الماس وحده ل يكفي‪ ،‬ول بدّ من الرور بذا‬
‫النهج والتمحيص فيه؛ ولذلك ند مَن نكص على عقبيه‪ ،‬مَن خرج عن‬
‫الصف السلمي بالكلية‪ ،‬مَن باع نفسه للسلطة‪ ،‬مَن فعل ‪ ..‬مَن فعل ‪ ..‬أفعال‬
‫)‬
‫‪1‬‬
‫كثية تدلّ على أن الصفّ ل يُ َمحّص ف الصل ‪. ("!!...‬‬
‫ث تأمّل ما يدلّك ـ أخي القاريء ـ على أن هذه الخطاء صدرت منه‬

‫() من شريط » حوار مع الشيخ سفر الوال «‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪368‬‬
‫السياسة‬

‫عن علم؛ فقد قال بعد أن بيّن شيئا من سية النب ف تنقية الصفوف‬
‫وتحيصها‪ " :‬فما ل يَصِل من دقّة التربية وترسيخ مفاهيم العقيدة‬
‫وتصحيحها ف الناس إل مثل هذا فإنا ل نتوقّع إل نتائج سريعة‪ ،‬وأيضا هذه‬
‫النتائج السريعة تتقوّض سريعا ‪."...‬‬
‫قلت‪ :‬فلم غرّرْتَ بماعتنا ـ يا سفر!ـ وأنت تعلم كل هذا؟! نعوذ بال‬
‫من أن يُضِلّنا الُ على علم‪ ،‬وصدق من قال‪ " :‬لقد ضرّهم من غرّهم! "‪.‬‬
‫إن هذا ليد ّل على أحد أمرين‪:‬‬
‫ـ إما أنك شاكّ فيما تقول ومرتاب ف سية النب ‪.‬‬
‫ـ وإما أنك كنت كاتا هذا عن السلمي؛ تزجّ بم ف ليل من الشرور‬
‫حالك‪ ،‬وأنت تدري أنم ل يرجون منها إل بي معطوب وهالك!!‬
‫والذي يترجح لديّ أن كلها عليك وارد؛ بدليل أنك ما كنتَ تقول هذا‬
‫أيام نشاط البهة‪ ،‬وإنا قلتَه بعد هزيتها السياسية‪ ،‬وقد سبق أن نقلتُ كلمَ‬
‫بعض السلف ف أن التنقل من رأي إل رأي من شكّ القلوب‪ ،‬كما سبق أن‬
‫ذكرتُ كلم بعض أتباع السلف بقّ ـ كالشيخ اللبان ـ ف البهة قبل‬
‫الزية وبعد الزية‪ ،‬بل وحت أيام انتصارها السياسي‪ :‬كلم واحد ل تُزعزعه‬
‫النتائج! وبذا يتبيّن القاريء معن الرسوخ ف العلم؛ قال السن البصري‪:‬‬
‫" إنّ هذه الفتنة إذا أقبلت َعرَفها كلّ عال‪ ،‬وإذا أدبرت عرفها كلّ‬
‫جاهل "(‪.)1‬‬
‫قلتُ‪ :‬لنه ل فائدة من معرفتها بعد وقوعها وصيورة الرء موعظةً لغيه‪،‬‬
‫بل وإهلكه العباد بفتاواه الرتَجلة! وهذا كلم السن فيمن عرف أنا فتنة‬
‫بعدما رأى نتائجها الوخيمة؛ أي أنه ساه جاهلً! فما قوله ـ رحه ال ـ‬

‫() رواه ابن سعد ف (( الطبقات )) (‪ )7/165‬بسند صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪369‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فيمن ل يَعرِف بعدُ أنا فتنة‪ ،‬وقد رأى من نتائجها ما شيّب الرؤوس! مِن‬
‫تسلّط الكفار الشيوعيي واستضعاف الؤمني وانتهاك العراض وانتشار الشرك‬
‫بصفة رسية وتفشي القتل والسرقة وتعذّر المر بالعروف والنهي عن النكر‬
‫بعد أن كان مكنا وكثرة النتكاسات الدينية والجاهرة بالفجور وشرب‬
‫المور بعد أن تَوارت ف كثي من الدن وخراب الساجد من عمّارها بعد أن‬
‫كان التورّك ف الصلة متعذّرا لشدّة الزحام!!! ‪...‬‬
‫ولنا أن نتمثّل با كان يَتمثّل به ابن عباس ؛ إذ يقول‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ول الدارُ بالدار الت كنتُ أَعرِف!‬ ‫فما النّاسُ بالناس الذين َعهِدتُهم‬
‫ماذا يقول السن فيمن عرف هذا وزيادة‪ ،‬ول يفهم بعد أنه فتنة؟!‬
‫بل يُصِ ّر على أنه تقدّم!! ويقول‪:‬‬
‫" وأنا ف القيقة ف تقويي العام أعتب أن ما حدث ف الزائر أو غيها‬
‫هو تقدّم بالنسبة للعال السلمي‪ ،‬لو ل يكن فيه إل التجربة!!! "‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬هذا كلم سفر! وهو الذي جعلن أُصَدّق فيه المر الثان الذي‬
‫ذكرتُه آنفا‪ ،‬وإنه لتناقض ميّر جدا! ل يكاد يصدر من عاقل؛ لن الرجل يبن‬
‫من مقدّمات خاطئة ـ ف واقع البهة ـ نتائج صائبة ف خياله‪ُ ،‬تعَدّ تقدّما‬
‫عنده! لكنك ـ أخي القاريء! ـ إذا عرفتَ أن هذا الفكر إرثٌ ( إخوان )‬
‫ل تستغربه من سفر؛ فكثيا ما رأيته يزج بي السلفية ـ الت هي دعوة بيئته‬
‫الصيلة ـ والخوانية الوافدة عليه وعلى بيئته‪ ،‬خاصة من ممد قطب‪ ،‬وهذا‬
‫هو التلبيس! ولذلك كان لَبْس الق بالباطل أخا الكتمان‪ ،‬كثيا ما يتمعان‪،‬‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫ل وتَكْت ُ ُ‬ ‫ن الح َّ‬
‫ق بِالبَاط ِ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫م تَلْب ِ ُ‬ ‫كما قال ال تعال‪{:‬ل ِ َ‬
‫مون}‪.‬‬ ‫الح َ َ‬
‫عل َ ُ‬
‫م تَ ْ‬
‫ق وأنت ُ ْ‬
‫َ ّ‬

‫() رواه ابن بطة ف (( البانة )) (‪.)721‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪370‬‬
‫السياسة‬

‫قال ابن تيمية‪ " :‬فمن لَبَس القّ بالباطل كتم الق ‪ ،" ...‬إل أن قال‪:‬‬
‫" وجع بينهما ـ أي ف الية السابقة ـ بدون إعادة حرف النفي؛ لنّ اللبس‬
‫مستلزمٌ للكتمان‪ ،‬ول يقتصر على اللزوم؛ لنّ اللزم مقصودٌ بالنهي "(‪.)2‬‬
‫ث لعلك ل تنتبه إل قوله‪ " :‬لو ل يكن فيه إل التجربة! "؛ فإن هذه‬
‫التجارب الت يوقعها ( الخوان السلمون ) على الشعوب السلمية ف‬
‫أعراضهم وأموالم ودمائهم بل وف دينهم هي من أصولم العلومة‪ ،‬كأن هذه‬
‫الشعوب بائم ف متب الباحثي عن النتائج الصحيحة بعد تيه طويل!! ث هم‬
‫يُسَمّون الطأ صوابا‪ ،‬والتأخّر تقدّما‪ ،‬والنتكاسة يقظةً حت ل يُفطَن لم‪،‬‬
‫وليُدرَك َغوْرُ الرح الذي أصابوا به المة!‬
‫ومن أصولم أيضا ضرورة التضحية بيل أو أجيال للوصول ‪...‬كأن هذه‬
‫الشعوب البيئة ملكٌ خالصٌ لم!! وكل هذا ورِثوه من الشيوعيي‪ ،‬من خلل‬
‫تاربم ف ( الواقع ) كما أشرتُ إليه عند الر ّد على سلمان الذي صرّح ـ‬
‫بل تورية ـ بأنه متأثّر بم جدّا‪.‬‬
‫والذي يظهر أن سبب هذا التخبط هو الطأ ف فهم الولء للمؤمني‪،‬‬
‫وهو المر الثان ـ بعد العدل ـ الذي بن عليه سفر ماضرته ـ الت‬
‫ت شيئا منها ف مطلع هذا الردّ‪ ،‬خاصة ف مقدمتها‪ ،‬ومادام قد بيّنتُ هذا‬ ‫ذكر ُ‬
‫المر ف بداية الكتاب عند أصل ( الردّ على الخالف ) فل أعيده‪ ،‬بل أكتفي‬
‫بأن أنقل هنا ر ّد الشيخ ممد البشي البراهيمي على مَن أنكر على جعيته ما‬
‫ينكَر علينا اليوم‪ ،‬قال ـ رحه ال ـ‪ " :‬ولو أَنصفَ خصومُنا لعلموا أن‬
‫إنكارنا عليهم هو دليل أخوّتنا لم‪ ،‬بل دليل صدقنا ف هذه الخوة؛ فلو ل‬
‫يكونوا إخواننا ف الدين لا أنكرنا عليهم ما أنكره الدين‪ ،‬وأن الدين الذي‬

‫() (( درء تعارض العقل والنقل )) (‪.)1/219،220‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪371‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أوجب علينا أن ننكر النكر‪ ،‬يوجب عليهم الفيئة إل الق‪ ،‬ويوجب علينا‬
‫جيعا التحاكم إل كتابال وسنة نبيه والرضا بكمهما والتسليم لما‬
‫والرجوع إل سبيلهما الامعة‪ ،‬وقد دعوناهم إل هذا ول نزال ندعوهم‬
‫()‬
‫‪. "...‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 5‬ـ قولك‪ " :‬وحت البهة ليست حزبا سياسيا ‪."!..‬‬


‫ـ النقد‪ :‬هل تلجأ إل هذا التناقض لنك خائف على البهة من أن‬
‫ترشقها سهام السنة الت ما تذَر من التحزّب شيئا أتت عليه إل جعلته‬
‫كالرميم؟ هذا ل يُعفيك ـ يا سفر! ـ من تأصيل ماضرتك عن حكمال ف‬
‫التحزب والضراب‪ ،‬والظاهرة والنتخاب‪ ،‬ومن قبل هذا كله عن حكم‬
‫()‬
‫العمل السياسي‪ ،‬خاصة من أمثالكم من الشباب ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ـ ومن أخطاء سفر الواقعية الت يضحك منها أتباع البهة أنفسهم‪ :‬زعمه‬
‫ف آخر شريط رقم (‪ )252‬ـ الشار إليه آنفا ـ أنه ل ( جَزْأَرة ) ف جبهة‬
‫النقاذ!! بل أمْرُه َقبْله بقليل بحاربتها وفضحها وسائر الحزاب الخرى؛‬
‫حيث قال‪ ... " :‬وبيان القومية الت يسمونا‪ ( :‬الزْأرة ) أو أيا كانت!! "‪.‬‬
‫ـ النقد‪ :‬اعلم ـ يا سفر! ـ أن انتقادك ( الزأرة ) يعن انتقادك‬
‫( البهة )؛ لنا تمل شعارها‪ ،‬ولنا تواجه العداء نفسهم الذين تواجههم‬
‫البهة‪ ،‬فبأيّ شرع تؤيّد هؤلء وتردّ على أولئك؟!‬
‫ث لقد كانت ( الَزْأَرة ) منفصلة عن جبهة النقاذ عند ميلد هذه‪ ،‬ث‬

‫() من » آثاره « (‪.)1/150‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ولو كنتَ ـ يا سفر! ـ بعلي بن حاج وجاعته رحيما لبيّنتَ لم حكم الضرَاب‬ ‫‪2‬‬

‫م إ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫قتُلُوا أَن ُ‬
‫ف َ‬ ‫عن الطعام الذي تواتر عنهم؛ لن ال تعال يقول‪{:‬ول ت َ ْ‬
‫حيماً }‪.‬‬ ‫ن بِك ُ ْ‬
‫م َر ِ‬ ‫ه كَا َ‬
‫الل َ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪372‬‬
‫السياسة‬

‫أخذت تتوغّل فيها شيئا فشيئا حت أضحى رئيسها ممد سعيد يثل الرجل‬
‫الثالث من البهة؛ ول يكاد الناس ينسون صورة خروج علي بن حاج ف بدلة‬
‫عسكرية مع الاشي سحنون وممد سعيد الونّاس هذا وغيهم متماسكي‬
‫اليدي ف مظاهرة تضامن مع العراق!! وبعد أن سجن ابن حاج وعباسي‬
‫مدن تولّى ممد سعيد رئاسة البهة‪ ،‬وخطب لول مرة ف مسجد البهة!! ف‬
‫هذا الوقت الذي أضحى فيه جلّ منظري ومنظمي ومستشاري ومرشّحي‬
‫البهة من الزأرة‪ ،‬وف الليلة نفسها الت كان هؤلء يفوزون ف النتخابات‬
‫البلانية يتكلم سفر بكلمته تلك وينفي وجود ( الزأرة ) ف صفوف‬
‫البهة!!! ودليل تأريخ كلمة سفر هذه أنه قال فيها‪ " :‬وإل الن شيوخها ف‬
‫السجن؛ الشيخ عباسي مدن والشيخ علي بن حاج ‪ ،" ...‬ث يتحدّث عن‬
‫نتائج النتخابات فيقول‪ " :‬فالزب الاكم ستة عشر مقعد ( كذا )‪ ،‬والبهة‬
‫مائتي واثني وقد تزيد‪ ،‬وقد تصل الليلة ـ يكن ـ مائتي وعشرة "‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬إن هذا الذي وقعتَ فيه ـ يا سفر! ـ يفسّر بأحد أمرين‪ :‬إما أنك‬
‫ل تدري أن البهة و( الزأرة ) اسان لسمى واحد؛ لنما روحان اتّحدا‪،‬‬
‫فحرمك الُ حسنَ التوفيق ف قضية قفوتَ فيها ما ليس لك به علم‪ ،‬وإما أنك‬
‫تدري ولكنك ‪ ...‬وأنا ل أحبّ لك هذه؛ لنّ كبية الكذب شيمة تشي‬
‫صاحبها‪ ،‬ولكن أرى أن تقنع بالول؛ أل وهي أنك تكلمتَ عن واقع ل‬
‫تفقهه‪ ،‬وهذا أصغر الكبيتي‪ ،‬نسأل ال أن يتوب علينا وعليك‪.‬‬
‫‪373‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فقه واقع الزائر عند بِشْر البِشْر‬


‫قال بشر البشر ف شريط (( جراح السلمي )) ف بداية الوجه ( أ )‪:‬‬
‫" ‪ ...‬وذلك لنّ أوضاع الزائر خافية على الكثي ‪ !..‬أيّها الحبّة جذور البهة‬
‫السلمية للنقاذ تتدّ إل جعية العلماء الت أسّسها العال السّلفيّ عبد الميد بن‬
‫باديس!! "‪.‬‬
‫وقال ‪ " :‬وف البهة ـ أيّها الخ الكري! ـ علماء! علماء!! فيها مموعة‬
‫طيّبة من أهل العلم تأخذ البهة بأقوالم وترجع إليهم ف معرفة الحكام الشرعيّة‪،‬‬
‫وهذه ميزة فريدة تتميّز با البهة السلمية للنقاذ عن كثي من الماعات‬
‫السلمية الت ـ مع السف ـ تلو من العلماء!! "‪.‬‬
‫النقد‪ :‬هذا هراء على هراء‪ ،‬قد سبق أنّه نفخ ف الواء‪ ،‬وهو يقول هذا بعد أن‬
‫مدح الشيخ أحد سحنون‪ ،‬وهذا الخي هو القائد الشرف ل القيقي لـ(‬
‫الزْأَرة )‪ ،‬الذين استغلوا طيبة نفسه وكب سنّه حت كرّهوا إليه السلفية‪ ،‬وما زالوا‬
‫يراوِدونه حت كان يأت الدينة النبوية فيجمع الطلبة الزائريّي قائل لم‪ " :‬ل تنسوا‬
‫شخصيتكم الزائرية ومذهبكم الالكي وعقيدتكم الشعرية "‪ .‬والطلبة عندكم‬
‫فاسألوهم إن كانوا ينطقون‪ .‬وهذا الرجل كان قد نى رؤوس البهة عن تكوين‬
‫حزبم‪ ،‬وبعث إليهم تلميذه الميم ممد سعيد يوم تأسّست البهة‪ ،‬وقال بأنّ‬
‫الوقت غي ملئم لتكوين هذا الزب‪ ،‬فقام ف وجهه بعض رؤوس البهة وحرّض‬
‫الغوغاء عليه حت كادوا يوقعون به لول أنّه أُخرج من السجد باكيا مشتوما ‪...‬‬
‫فإذا كنت تعتب سحنونا من العلماء‪ ،‬بل من أعضاء المعية كما قلتَ‪ ،‬فلماذا ل‬
‫يأخذوا بفتواه وهم بنوا حزبم على مشورة من العلماء كما زعمتَ؟!‪.‬‬
‫قال‪ ":‬فمن العلماء الشيخ الخضر الزّاوي وهو شيخ جليل كبي السنّ"‪.‬‬
‫النقد‪ :‬هذا الرجل أشعري مالكي متعصب‪ ،‬فأين السلفية؟‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪374‬‬
‫السياسة‬

‫السلفيّ مَن جع أمرين ها‪:‬‬


‫‪1‬ـ متابعة السلف ـ ل الشاعرة التأخّرين ـ ف إخلص الدين ل تعال؛ ف‬
‫ربوبيته وعبادته وأسائه وصفاته‪ .‬والشاعرة قد َسطَوا على جلة من صفات ال‬
‫وأسائه فسلبوه إياها‪ ،‬ث حرّفوها عن معناها الذي أراده ال باسم التنيه! وال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ص}‪ ،‬هذا بعض ما عندهم!‬ ‫خال ِ ُ‬‫ن ال َ‬‫ه الدَّي ُ‬ ‫يقول‪{:‬أل َ لِل ّ ِ‬
‫‪2‬ـ تريد التابعة للرسول ‪ ،‬والتعصّب للمذهب ل يَتبع إل الذهب! ولئن‬
‫اتّبع الذهب بعد الطّلع على الدليل فهو ل يزيد على دليل مذهبه؛ أي أنه ل يتبع‬
‫الدليل لكون الرسولُ قاله‪ ،‬ولكن لكون صاحب الذهب قال به؛ بدليل أنه‬
‫يهون عليه ترك العمل بالديث إذا خالف الذهب! ويعتذر بكون إمامه قد اطّلع‬
‫على هذا الدليل‪ ،‬وله ف تركه مسالك ‪!!...‬‬
‫قال‪ " :‬ومن علمائها الشيخ الطاهر آيت علجت‪ ،‬وهو عال كبي القدركبي‬
‫العمر من علماء جعية العلماء "‪.‬‬
‫النقد‪ :‬هذا الشيخ رجل فاضل لول أشعرية فيه وتفويض! وهو ـ وإن كان‬
‫بين وبينه حسن جوار ـ فإنن ل أحاب ف التوحيد أحدا‪ .‬ث إن عذري ف إثارة‬
‫شقّن؟ قال‪ :‬سل‬ ‫هذا كعذر مَن جاء فيه الثل العرب القائل‪ " :‬قال الدار للوتد‪ :‬لِمَ تَ ُ‬
‫مَن يَدُقّن "‪ .‬ومن طريف ما أذكره لك ما أخبنيه أحد أقربائه أنّه أسعه كلم هذا‬
‫الحاضر‪ ،‬فاستنكره الشيخ‪ ،‬وأنكر أن يكون يوما ما قد انرط مع جبهة النقاذ!‪.‬‬
‫ولو أذن لنا هذا القريب أن نذكر اسه لفعلنا‪ ،‬ولكن اتّصل بالشيخ نفسه فهو‬
‫خطيب بسجد الغزال بي سيلي ـ حيدرة ـ الزائر‪ ،‬ومن وصل تفقّهه للواقع‬
‫إل أمريكا وأبعد من أمريكا ل يعييه طلب التّحقّق ببقيّة يكتبها إل هذا العنوان!‬
‫قال‪ " :‬ومن علمائها الشيخ يلف شرّاطي ومن علمائها الشيخ أحد‬
‫الزّاوي ‪ ...‬وأعرف أنا الشيخ ميي الدين درويش ‪." ..‬‬
‫‪375‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫النقد‪ :‬أما الرجل الول فقد انتهى به المر ف آخر أيامه إل أن صار رأسا ف‬
‫التكفي‪ ،‬وكان لبياناته الخية اليد الطول ف إراقة الدماء بشكل فظيع جدا‪ ،‬وكذا‬
‫إضلل الشباب عن سواء السبيل! وعلى كل حال فقد سبق الديث عنه‪ .‬وأما‬
‫الخران فهما من حزب ( الزأرة )‪ ،‬وما أدراك ما ( الزأرة! )‪ ،‬ولما يدٌ معروفة‬
‫ف منع السّلفيّي قديا وحديثا من أيّ نشاط ف مساجدها وها معروفان‬
‫بانتقاصهما أهل الديث وانتصارها للكوثريّ وأب غدّة ومنهجهما‪.‬‬
‫قال‪ " :‬إنّي أؤكد لك ـ يا أخي! ـ أنّ البهة السلمية للنقاذ تعتب من‬
‫أعداء الرّافضة‪ ،‬ل أقول لك ليس فيها شيعيّ بل هي من أعداء الرّافضة "‪.‬‬
‫النقد‪ :‬كسابقه ف نقد سلمان‪ .‬ث هؤلء الذين سّاهم علماء ل يعرف عنهم‬
‫أيّ استنكار على الشّيعة‪ ،‬بل كثيا ما كانوا ينكرون علينا انتقادنا الشّيعة ويقولون‪:‬‬
‫" عليكم مسحة سعوديّة! "‪ ،‬وهم يقصدون‪ :‬سلفيّة؛ لنم ترّجوا من جامعات‬
‫السعودية!!‬
‫وقد اضطرن كلمه هذا إل أن أُخب القاريء بأن للشيخ أحد سحنون ـ‬
‫الذي عدّه من علماء البهة ـ رثاء للرافضي المين‪ ،‬هذه هي صورته بتوقيعه‪ ،‬ل‬
‫على أنه شيعي‪ ،‬ولكن بيانا للواقع لفقهاء الواقع!‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪376‬‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة رثاء أحد سحنون للخمين الرافضي‬


‫‪377‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذا رثاء أحد سحنون للخمين الرافضي‬


‫هوى النّسر!!‬
‫مهداة إل روح المام المين رحه ال (‪3/11/1409‬هـ)‬
‫من الذي مات يا (( غُماري ))(‪)1‬؟ يا (( مصطفى )) كُن أخا اصطبارِ‬
‫مــات الـمـيــن المــام حـقــا يـا‬

‫() هو مصطفى الغماري أستاذ بكلية الدب بامعة الزائر‪ ،‬كان من ( الَزْأَرة )‪ ،‬ث‬ ‫‪1‬‬

‫جاءت ثورة المين فجرفه سيلُها حت صار رافضيا مترقا! ول سيما يوم أن زار إيران‪،‬‬
‫وأغدقوا عليه بالدايا الثمينة! فهناك خلع عقيدته إل عقيدتم!! وله نظم شعري ف‬
‫ملتم!! مع ذلك فل يزال شاعر ( الَزْأرة )!! اجتمعتُ به يوما ف مدينة ا َلدِيّة‪،‬‬
‫فسمعته يطعن ف الشيخ اللبان طعنا شديدا‪ ،‬فقال له أحد تلمذة ممد قطب ـ وهو‬
‫من أصحابه! ـ‪ :‬لكن ل تَنْسَ أن الذين قاموا على آل سعود بالسلح ف الرم الكي‬
‫سنة (‪1400‬هـ) هم تلميذ اللبان!!! فقال مباشرةً‪ " :‬عجيب! إذن فالشيخ عال!! ما‬
‫كنتُ أدري أن الشيخ بذا الستوى العال!!! "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬تأمّل هذا الستوى العال عند الروافض!! وهذا الذي نُسب للشيخ اللبان يوهم أنه‬
‫كان بأمر منه أو برضا منه! ول يصحّ؛ فالشيخ ل يتحمّل خطأ غيه‪ ،‬فقد قال ال تعال‪:‬‬
‫وْزَر أ ُ ْ‬
‫خَرى}‪ ،‬ث إنن سعت الشيخ اللبان يُسأل عن هذه‬ ‫{ول ت َ ِ‬
‫زُر وازرةٌ ِ‬
‫((‬ ‫الماعة الارجة؟ فكان من جوابه أن ساهم‪ " :‬خوارج! "‪ .‬من شريط مسجّل ف‬
‫سلسلة الدى والنور )) رقم (‪ )751/1‬ف ترجة الشيخ‪.‬‬
‫وقال الشيخ ف (( الصحيحة )) (‪ " :)5/278‬واعلم أيها الخ الؤمن! أنّ كثيا من الناس‬
‫تَطيش قلوبم عند حدوث بعض الفت‪ ،‬ول بصية عندهم تاهها ‪ ...‬ومثل جاعة‬
‫( جهيمان ) ‪ ...‬الذي قام بفتنة الرم الكي على رأس سنة (‪ )1400‬هجرية‪ ،‬وزعم أنّه‬
‫معه الهدي النتظر! وطلب من الاضرين ف الرم أن يبايعوه‪ ،‬وكان قد اتّبَعه بعضُ‬
‫البسطاء والغَفّلي والشرار من أتباعه‪ ،‬ث قضى الُ على فتنتهم بعد أن سفكوا كثيا من‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪378‬‬
‫السياسة‬

‫(( مـصـطفـى )) الشـعر ل تار‬


‫وكــان‬ ‫لــقــد هـوى النســر مـن عُـله‬
‫يــعـلــو بــل انـحـدار!‬
‫يــا‬ ‫مـــات المــــام فــمــن تُـــراه‬
‫(( مصـطفى )) حـامي الديار!‬
‫وهــكــذا‬ ‫مـات كـأن ل يـعـش طــويــل‬
‫تــخـتــفـي الـدراري‬
‫تـصــاب‬ ‫غــاب الـمـيــن تـبـاّ لـدنـيــا‬
‫بــالـمــوت والـدّمــار‬
‫لــكـن مـجـد المــام يــبـقــى‬
‫بـــــــل زوال ول انـــــدثــــار‬

‫دماء السلمي‪ ،‬وأراح الُ تعال العباد من شرّهم "‪.‬‬


‫وقد تعمّدتُ هذا النقل عن الشيخ للرّدّ على جاعتي‪:‬‬
‫الول‪ :‬قومٌ رأّوا أنّ الشيخ قد وُضِع له القبول ف الرض‪ ،‬فتعمّدوا الكذب عليه تسويقا‬
‫لبضاعتهم الثورية الارجية!! وقد عرفهم القاريء هنا‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬قومٌ يبحثون عن سبيلٍ لسقاطه؛ من شدّة بغضهم للحقّ الذي يدعو إليه! فطالا‬
‫حاوَلوا إلصاق هذه الماعة الارجة ف الرم الكّي به تنفيا للمسئولي عنه ف العالَم‬
‫كلّه!!‬
‫وها منتان يُبتلَى بما أهلُ العلم؛ فقديا حرص القدريةُ على التّعلّق بالسن البصري؛‬
‫روى أبو داود (‪ )4622‬والللكائي ف (( شرح أصول العتقاد )) (‪ )1253‬بإسنادٍ‬
‫صحيحٍ عن أيّوب قال‪َ " :‬كذَبَ على السن ضَرْبان من الناس‪ :‬قَومٌ القدَرُ رَأْيُهم‪ ،‬وهم‬
‫يُريدون أن يُنَفّقوا بذلك رأيَهم‪ ،‬وقومٌ له ف قلوبم شَنَآنٌ وبُغْضٌ‪ ،‬يقولون‪ :‬أليس مِن قوله‬
‫كذا؟! أليس مِن قوله كذا؟!"‪.‬‬
‫‪379‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قـد عــاش‬ ‫مـا مـات مـن كـان كـالـمين‬


‫لـلـمـجـد والـفـخـار‬
‫أصـــاب‬ ‫إن لــم يـكـن مــوتـه الـمفاجي‬
‫بــالثـــكـــل كـــلّ دار‬
‫يــلــيــق‬ ‫فـصُـغ أخـا الشـعـر كـل لـحـن‬
‫بــالـــقــادة الـــكــبـار‬
‫وإنّــمـا الشّـعـر نـبــض قــلــب‬
‫يـــنـــبـــئ عــــن لعـــج الوار‬
‫وومــض وحــي ونــبــع حــب‬
‫بـــــــل حــــــدود ول قـــــرار‬
‫طــرد‬ ‫يــا قـاهـر (( الشـاه )) يـا مـجيـدا‬
‫الــعـدوّ مـــــن الــديـــار‬
‫ضـعـف‬ ‫يـــا صـادق الـعـزم يـا مـحيـــل‬
‫الشـعـوب إلـى انـتـصار‬
‫عـزّ‬ ‫يـا صـانــعـا صـحــوة أحــالـت‬
‫الــطــغــاة إلـى انــدحـــار!‬
‫يبـقــى مـدى‬ ‫عــش فـي قـلوب الشعوب حيـاّ‬
‫الـلـيـل والـنـهـار!‬
‫و ُدمْ مـــنــارا إلـى الـمــعـــالــي‬
‫أعــظـم بـذكـراك مــن مـنــار!‬
‫تـقــفــو‬ ‫طـهـران بـعـدك سـوف تـمـضي‬
‫خــطــاك بـل عــثــار‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪380‬‬
‫السياسة‬

‫واستوح من‬ ‫مـن هـذه الـقـبـسـات فــاقــدح‬


‫شعرك يا (( غماري ))‬

‫مـن خــيــر دار‬ ‫يـا رب ل تـحـرم (( الـمـيـن ))‬

‫وخــيــر جـــار‬
‫ول تــــعــذّبــه يــا إلـــــهــــي‬
‫بــــزمــــهـــريــــر ول بـــنـــار‬
‫فــإنّــه عــاش فــي جــــهــــاد‬
‫بـــــل هـــــــدوء ول قــــــرار‬
‫‪381‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة تعزية رابطة الدعوة السلمية الزائرية‬


‫للشعب اليران إثر هلك المين‪ ،‬والت من أعضائها‪:‬‬
‫عباسي مدن‪ ،‬وعلي بن حاج‪ ،‬وممد سعيد الوناس‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪382‬‬
‫السياسة‬

‫ومن طريف تربّص الحزاب بعضها ببعض أن سحنونا ـ على الرغم من‬
‫اعترافه بأنه أديبٌ وليس عالا بالشرع ـ يَعتذر بأن الذي وسوس إليه بأن ينظم‬
‫هذه الرثية الخزية هو مفوظ نناح أمي الخوان السلمي‪ ،‬فهل يريد نناح أن‬
‫يلعب على البلي كما هي عادته؟ حت إذا أحر َجتْه معارفُه بإيران بسؤاله عن‬
‫موقف الخوان من موت المين‪ ،‬قال‪ " :‬أل نكن معكم؟! وهذه قصيدة شاعرنا‬
‫سحنون تعبّر عما ف نفوسنا من أل!! "‪ .‬وإذا جاء يوم الذاذ من عند دول الليج‪،‬‬
‫سواء ليجمع الموال باسم السلفية ـ وقد فعله ـ أو باسم الخوان قال‪ " :‬أرأيتم‬
‫حي انشقت ( الزْأَرة ) الحلية عن أمّها العالية هبط با الستوى إل حدّ رثائهم‬
‫الرافضة!! "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقديًا قيل‪ ( :‬مصارع الرجال تت بروق الطمع )‪ ،‬بل قالال تعال‪:‬‬
‫ن إِلى‬
‫عو َ‬
‫مو ُ‬
‫ج ُ‬ ‫ن لَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫ن وال ِ‬ ‫ولِي َ‬ ‫ن ال َ َّ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫{ ُ‬
‫ق ْ‬
‫()‬
‫وم ٍ َمْعلُومٍ } ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ت يَ ْ‬‫ميقا ِ‬ ‫ِ‬

‫() وهذا الرجل معروف بكثرة الستهزاء بالتديّني‪ ،‬السنّيّي منهم خاصة! ول أحد مِن‬ ‫‪1‬‬

‫أتباعه أو غيهم يُنكِر أنه كان يُشَبّه الرأة النتقبة بمثّل كافر ُي ْدعَى ( زُورّو )‬
‫( ‪) zorro‬؛ لنه كان ل يَكشف من عينيه إل سوادها!!‬
‫ويُسمّي السواك الذي أمر به الصطفى ورضي به الربّ ( عودَ مكنسة!!! )‪ ،‬قال ال‬
‫شيْئاً}‪.‬‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ِ‬
‫م َ‬‫ه ِ‬ ‫ك لَ ُ‬
‫فلَن تَمل ِ َ‬
‫ه َ‬
‫فتْنَت َ ُ‬
‫ه ِ‬
‫رِد الل ُ‬
‫من ي ُ ِ‬‫تعال‪{:‬و َ‬
‫وكان يُنَكّت بالدولة السعودية بُغية الطعن ف علمائها السلفيي فيقول‪ " :‬ف السعودية حُوت‬
‫مذبوح على الطريقة السلمية!! "؛ يقول هذا ليُوهِم الناس أنّ الدولة السعودية تستغفل‬
‫علماءها بذلك!! هذا‪ ،‬وقد سُرّ سنة (‪1417‬هـ)؛ إذ غَنِم صاحبُه بالزب من البلان‬
‫بصيد‪ ،‬أل وهو وزارة الصيد البحري!!‬
‫ث إنّه ف هذه السنة (‪1418‬هـ ) مدّ يدَيْه إل البلان كرّةً أخرى فرمى إليه بعَ ْظمٍ‪ :‬أل وهو وزارة‬
‫السياحة! بركّباتا السياحية! وما أدراك ما الركّبات السياحية!! ول سيما ما كان منها على‬
‫‪383‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قال عن المعية‪ " :‬ومن مشاهي علمائها الشيخ عمر العرباوي ـ رحه‬
‫ال ـ الذي مات ف القامة البية ف أول عهد ابن جديد‪ ،‬وهو شيخُ العال‬
‫السلفي الشهي علي بن حاج ـ كشف ال كربته ـ "!‬
‫النقد‪ :‬الشيخ العرباوي ـ رحه ال ـ مات ف بيته عزيزا مكرّما‪ ،‬ول‬
‫يكن تت القامة البية‪ ،‬وكان يزاول عمله الدعوي بكل حرية‪ .‬ومن فراسة‬
‫هذا الشيخ أنه كان يقول عن عباسي مدن قبل ميلد البهة ـ لنه توف قبلها‬
‫بنحو أربع سني ـ‪ " :‬أحذّركم هذا الغِرّ "‪ .‬كما أن علي بن حاج كان يلقي‬
‫أحيانا دروسه بسجده والشيخ كاره‪ ،‬فكيف يكون شيخا له؟! مع أنه قد تقدم ما‬
‫فيه‪.‬‬
‫قال‪ " :‬أحبّ أن أذكّركم بأمر وهو أنّ إخوتنا الزائريّي قد استفتوا‬
‫الشيخي المامي العالي‪ :‬الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ممد بن عثيمي‬
‫شواطيء البحار؛ حيث الختلط الذي ل يَتوارى دونه عار! ناهيك عن تقدي المور‪ :‬أ ّم‬
‫الدواء! ف مراقصها ذات الليال المراء! فكيف رضي لنفسه أن يتحوّل خادِما لفنادقها؛ يُقدّم‬
‫لا حُوت وزارته الول ويَسقي شعبه خرا؟! آحوتٌ مذبوحٌ على الطريقة السلمية ـ على‬
‫تعبيكم ـ شرّ أم التوقيع على انتهاك هذه الرمات على ( الطريقة السلمية! )؟! فأين‬
‫فلسفتكم الوهية ف ( َأ ْسلَمَة الجهزة الدارية )؟!‬
‫أم عندكم (رقص إسلمي؟!) و( غناء إسلمي؟!) و(اختلط إسلمي بريء؟!)‪ ،‬فأين ( سراب البديل‬
‫السلمي؟!!)‪ .‬هذا مع أنه يَنْزل كلّ سنة تت الضيافة اللكية ف هذا البلد المي‪ ،‬وهو‬
‫يعرف الثل الذي يقول عندنا‪ " :‬يأكل الغَلّة وَي ُ‬
‫سبّ اللّة!!! "‪ .‬وهكذا فإ ّن الذنب ل يُنسى؛‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه}‪.‬‬
‫سو ُ‬ ‫قال ال تعال‪{:‬أ َ‬
‫حصاُه الل ُ‬
‫ه ون َ ُ‬
‫وأخبار مفوظ هذه مفوظة ف أشرطة دروسه عند عامة الناس‪ ،‬بل أخبار مفوظ يدها يوم‬
‫ظ}‪ ،‬يومَ ل ينوح على نناح أحد‪ ،‬بل سيكون يومئذ هو‬ ‫ح ُ‬
‫فو ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ح َ‬
‫و ٍ‬ ‫القيامة{ ِ‬
‫في ل َ ْ‬
‫م تَأْتِي ك ُ ُّ‬
‫سَها}‪،‬‬ ‫عن ن َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫جاِد ُ‬
‫ل َ‬ ‫س تُ َ‬ ‫ل نَ ْ‬
‫ف ٍ‬ ‫و َ‬‫وحده ( النحناح )؛{ي َ ْ‬
‫ن}!‬ ‫غاب ُ ِ‬‫م الت َّ َ‬
‫و ُ‬ ‫{ذَل ِ َ‬
‫ك يَ ْ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪384‬‬
‫السياسة‬

‫ف ذلك‪ ،‬فقالوا لم‪ :‬إذا كان هذا يقّق مصلحة السلم ويتمّ من خلله المر‬
‫بالعروف والنّهي عن النكر‪ ،‬فإنّه ل بأس أن تدخلوا النتخابات البلانيّة‪،‬‬
‫وهذه‪ ،‬كما حدّثن أحد الخوة الثّقات الزائريّي مسجّلة ف أشرطة "‪.‬‬
‫النقد‪ :‬أما ما يصّ استفتاء الشيخي من قبل البهة فهذا ل يلجؤون إليه‬
‫إل كما قالال تعال‪{ :‬وإن يكُن ل َهم الح ُ ْ‬
‫ق يَأتُوا إلَي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫عنِين}؛ لنما عندهم من علماء أمريكا‪ ،‬ل يرجان من اليض‬ ‫مذْ ِ‬
‫ُ‬
‫والنّفاس! ويعلمال كم وقعوا فيهما خاصة ف قضيّة الليج‪ ،‬وعلى رأسهم‬
‫عباسي مدن فهو شديد البغض لما‪ ،‬وكذا علي بن حاج على تستّر وتقيّة! أما‬
‫ممد سعيد الونّاس وأصحابه‬
‫( الَزْأَريّون ) فإنّهم يعتبونما بدوا! ل جهاد لما يعيشان القرون الوسطى‬
‫()‬
‫على حدّ اعتقاد ممد الغزالّ فيهما وما يلمزها به!! ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() كنت ذكرت ف فصل سبق أن أول من نبز أهل العلم بـ ( علماء اليض‬ ‫‪1‬‬

‫والنفاس! ) هم ( الخوان السلمون )‪ ،‬وأستدرك على نفسي ههنا لقول‪ :‬بل هم أول‬
‫من ركّزَ على تلقيبهم بذلك ف هذا العصر‪ ،‬وإل فهم قد ورِثوا هذا الضللَ من أهل‬
‫البدع التكلّمي الذين كانوا ل يرفعون رأسا بفقه الكتاب والسنة‪ ،‬ويوم أن كان علماؤنا‬
‫الوائل ينكرون بشدّةٍ الفلسفةَ الت كانت تُستَورَد من اليونان وقواني الفرس والرومان‬
‫وغيها من البلد الكافرة‪ ،‬كان خصومهم يرمونم با يُرْمَى به أتباعُهم اليوم أصحابُ‬
‫الثر‪ ،‬وهو ( أنكم جامدون! ول تاولون التصال بالعال الارجي لتُفيدوا من علومه!‬
‫ونن نفعل ذلك لندرك واقع عدوّنا ‪ ،) ...‬وقد نبّه فضيلة الشيخ علي بن ناصر الفقيهي‬
‫ـ حفظه ال ـ ف ندوة أقيمت بالامعة السلمية ف الدينة النبوية ليلة الميس (‬
‫‪11‬صفر ‪1417‬هـ) على أن هذه البدعة ليست جديدة‪ ،‬وذكر هناك كلما للشاطب من‬
‫(( العتصام )) (‪ )2/239‬كأنّه استلّه بالنقاش؛ إذ فيه‪ " :‬وروي عن إساعيل بن علية قال‪:‬‬
‫حدّثن اليسع قال‪ :‬تكلّم واصل بن عطاء يوما ـ يعن العتزل ـ فقال عمرو بن عبيد‪:‬‬
‫‪385‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أما ما يصّ ابن باز فقد مضى‪ .‬وأما الشيخ ابن عثيمي ـ حفظهال ـ‬
‫فصحيح أنّه جوّز لم دخول البلان‪ ،‬لكن ل بدّ من التنبه إل أنم ل يستفتوا‬
‫الشيخ إل بعد أن دخلوا ف العمل السياسي بنحو سنتي! فلو كانوا طلب حقّ‬
‫لعلموا قبل أن يعملوا كما قال البخاري‪ " :‬باب العلم قبل القول والعمل "!‬
‫ولو كانوا طلّب حقّ لخذوا بعي العتبار الشروط الت اشترطها الشيخ ف‬
‫ذلك‪ ،‬وهي قيود أربعة ـ وليست واحدة كما زعم بِشر ـ لو تأمّلتها لرأيتَ‬
‫أنّ الشيخ قد قيّدهم بوثاق شديد ل يَخْطون به خطوة واحدة‪ ،‬وإليكموها‪،‬‬
‫قال‪:‬‬
‫ـ أول‪ :‬ليوز الروج على الئمة ومنابذتم إل حي يكفرون كفرا‬
‫صريا لقول النب ‪ » :‬إل أن تروا كفرا بواحا ‪ « ...‬الديث متفق عليه‪.‬‬
‫ـ ثانيا‪ :‬العلم بكفرهم‪ ،‬والعلماء هم الذين يقدّرونه‪ ،‬وأنا ل أَقْدر على‬
‫أن أحكم على حكوماتكم؛ لنّن ل أعرفها‪ ،‬وف الديث السابق‪ » :‬عندكم‬
‫فيه منال برهان «‪.‬‬
‫ـ ثالثا‪ :‬تقّق الصلحة ف ذلك وانتفاء الفسدة‪ ،‬وتقديرها لهل العلم‬
‫أيضا‪.‬‬
‫أل تسمعون؟! ما كلم السن وابن سيين ـ عندما تسمعون ـ إل خِرْقة حيض‬
‫ملقاة!! وروي أن زعيما من زعماء أهل البدعة كان يريد تفضيل الكلم على الفقه‪،‬‬
‫فكان يقول‪ :‬إنّ علم الشافعي وأب حنيفة جلته ل يَخرُج عن سراويل امرأة!! "‪.‬‬
‫قال الشاطب‪ " :‬هذا كلم هؤلء الزائغي‪ ،‬قاتلهم ال!"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فماذا يكون قول الشاطب لو أدرك أهل زماننا من الركيّي الزبيّي وهم يَتفكّهون‬
‫بأعراض أهل العلم ورثة النبياء؟! ( ولكلّ قومٍ وارث!!)‪.‬‬
‫أما أثر عمرو بن عبيد فقد رواه العقيلي ف (( الضعفاء )) (‪ )3/285‬وابن عدي ف (( الكامل )) (‬
‫‪ ،)5/1756‬وهو حسن‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪386‬‬
‫السياسة‬

‫ـ رابعا‪ :‬القدرة لدى السلمي على إزاحة الاكم الكافر‪.‬‬


‫ث قدّم نصيحة ذهبيّة ـ حفظه ال ـ فقال ما معناه‪ " :‬وعلى كل حال‪،‬‬
‫فهذا الكلم نظريّ؛ لنّ الغالب أ ّن الشّوكة والقوّة لذه الكومات‪ ،‬وأنا‬
‫أنصح بالرويّة والدعوة بالكمة وترك الدّخول ف هذه الواجهات ‪...‬‬
‫()‬
‫إل " ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫قيد خامس مهمّ‪ :‬وهو أن الشيخ يشترط فيمن يارس السياسة أن يكون‬
‫من أهل العلم الذين بلغوا درجة أهل الستنباط؛ بدليل قوله‪ " :‬السياسة لا‬
‫قوم‪ ،‬والدين له قوم؛ وقد أشار ال إل هذا ف قوله تعال‪{:‬وإذَا‬
‫و‬‫ول َ ْ‬
‫ه َ‬‫عوا ب ِ ِ‬ ‫ف أَذَا ُ‬
‫و ِ‬
‫خ ْ‬
‫و ال َ‬ ‫َ‬
‫نأ ِ‬ ‫م ِ‬
‫َ‬
‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫مأ ْ‬
‫مٌر ِ‬ ‫ه ْ‬‫جاءَ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫م ُ‬
‫عل ِ َ‬‫م لَ َ‬
‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ر ِ‬ ‫وإِلَى أولِي ال ْ‬
‫م ِ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َردُّوهُ إِلى الَّر ُ‬
‫َ‬
‫م} ‪ ...‬وليس قول هذا فصل السياسة‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬ ‫ستَنبِطُون َ ُ‬‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫()‬
‫عن الدين أبدا! الدي ُن نفسُه سياسة " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا قيد ف غاية الهية؛ لن جُلّ ـ إن ل أقلْ كلهم ـ الذين‬


‫يريدون خوض غمار السياسة اليوم ل يصلح أن يقال لم‪ ( :‬طلبة علم! )‬
‫فكيف يقال لم‪ (:‬علماء؟! ) أم كيف ُيتَصوّر فيهم ( علماء مستنبِطون؟! )‪،‬‬
‫وكل منصف يفهم هذا الكلم‪.‬‬
‫() وهذه النصيحة ل ترق جبهة النقاذ‪ ،‬لذلك ففي ناية سنة (‪ 1412‬هـ) أُخبت أنّ‬ ‫‪1‬‬

‫شريطا للشيخ يباع قيل‪ :‬فيه فتواه ف تأييد دخول البلانات ‪ ...‬إل‪ ،‬فلما سألت عن‬
‫الشريط فإذا جاعة البهةل ينشروا منه إل ربع ساعة الت فيها ما يوافق أهواءهم‪ ،‬مع أنّ‬
‫مدّة الشّريط ساعة إل ربعا تقريبا‪ .‬وللشيخ أيضا كلم مطوّل ف شريطي آخرين ل‬
‫يَخرجان عما كتبته هنا‪.‬‬
‫() من شريط مسجّل باسم (( لقاء أب السن الأرب مع الشيخ ابن باز والشيخ ابن‬ ‫‪2‬‬

‫))‪.‬‬ ‫عثيمي‬
‫‪387‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قيد سادس‪ :‬نقول لؤلء‪ :‬لو تنّلنا معكم جدلً إل أنكم سألتم الشيخ‬
‫فأيّدكم فيما أنتم فيه‪ ،‬فلماذا تلجؤون دائما إل العنف بعد أن تستنفدوا قواكم‬
‫ف لعبة ( البلان )؟! فهلّ سألتم الشيخ عن ذلك أيضا؟! لاذا ل تسألونه عن‬
‫حلكم السلح ضدّ النظام الاكم أو ضدّ الحزاب الت تواجهكم؟!‬
‫والواب هو‪ :‬لنكم ل تسألون سؤال متعلّم! وإنا تسألون سؤال مَن حل‬
‫معتقدا‪ ،‬ويبحث له عن مؤيّد!! والدليل على ذلك هو أنكم إذا قيل لكم‪:‬‬
‫اسألوه‪ :‬هل هذا العنف جهاد؟ قلتم‪ :‬الشيخ ل يعرِف واقعنا!!‬
‫وإذا قيل لكم‪ :‬إذن َوضّحوا له واقعكم!‬
‫قلتم‪ :‬الشيخ مداهن لنظمة الطواغيت!!‬
‫فهذه ثلثة أشياء‪:‬‬
‫ـ الول‪ :‬ليس فيكم علماء متهدون‪.‬‬
‫ـ الثان‪ :‬تتخذون من فتوى الشيخ متكأً للوصول إل التكفي‪ ،‬ث إل‬
‫العنف الذي ُتبَيّتونه! وأنتم تعلمون أن الشيخ يُخالفكم فيهما جيعا؛ ولكنه‬
‫الوى ‪...‬‬
‫ـ الثالث‪ :‬أن الشيخ عندكم ليعرف واقع الكومات! أو هو مغفّل! أو‬
‫هو مداهن! فمنكم مَن صرّح ومنكم مَن ينتظِر!! وما بدّلْتم تبديلً!‬
‫ث يشاءال أن يتأخّر نشر هذا البحث حت يُسمعن أحد الخوة شريطا‬
‫ُسجّل مع الشيخ ف شوال (‪1414‬هـ) فيه قول السائل‪:‬‬
‫وهل كذلك أنكم قلتم باستمرار الواجهة ضد النظام بالزائر؟‬
‫فأجاب‪ " :‬ما قلنا بشيء من ذلك! "‪.‬‬
‫قال السائل‪ :‬ف اشتداد هذه الضايقات هل تُشرَع الجرة إل بلد‬
‫الكفر؟‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪388‬‬
‫السياسة‬

‫قال‪ " :‬الواجب الصب؛ لن البلد بلد إسلم‪ ،‬يُنادَى با للصلوات‬


‫وتقام فيها المعة والماعات‪ ،‬فالواجب الصب حت يأتال بأمره "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فلمَ هذا التّمويه وهذه اليانة ف النّقل؟! أل يعلمون أنّال ل ينصر‬
‫َ‬
‫قوا‬ ‫صد َ ُ‬
‫و َ‬ ‫فل َ ْ‬
‫مُر َ‬‫م ال ْ‬ ‫عَز َ‬‫فإِذَا َ‬ ‫إل الصادقي؟! قالال تعال‪َ { :‬‬
‫م}‪ .‬أما يافون أن يكون الشيخ خصمهم يوم‬ ‫ه ْ‬‫خيْرا ً ل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ه لَكَا َ‬ ‫الل َ‬
‫ن أُولَئ ِ َ َ‬ ‫القيامة؟! ما هذه الغفلة عن العاد؟! {أَل َ يَظُ ُّ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ك أن َّ ُ‬
‫ب‬‫س لَِر ِّ‬ ‫م النَّا ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫و َ‬‫عظِيمٍ ‪ .‬ي َ ْ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫ن‪ .‬لِي َ ْ‬
‫عوثُو ُ‬ ‫مب ْ ُ‬‫َ‬
‫ن}‪ .‬هؤلء ـ يا ماضرنا! ـ هم ثقاتك؟! وعلى كواهلهم تقوم‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬‫ال َ‬
‫وزارة العلم ف دولة السلم؟!‪ ،‬وهذا هو فقه الواقع؟!‬
‫ث لا كان احتراف الكذب لتأييد الرأي صنعة الزبيي‪ ،‬ولعرفت بأنه قد‬
‫نُسِب للشيخ إباحةُ الظاهرات والعتصامات وغيها من مبتدعات الغرب‬
‫الكافر‪ ،‬فل بدّ من نقل كلمه ـ حفظه ال ـ ف ذلك‪ ،‬فقد سئل ف مرّم (‬
‫‪1416‬هـ) عما يأت‪:‬‬
‫ـ ما مدى شرعية ما يسمّونه بالعتصام ف السـاجــد وهم ـ‬
‫كما يزعمون ـ يعتمدون على فتوى لكم ف أحوال الزائر سابقا أنا توز‬
‫إن ل يكن فيها شغب ول معارضة بسلح أو شِبهِه‪ ،‬فما الكم ف نظركم؟‬
‫وما توجيهكم لنا ؟ فأجاب‪:‬‬
‫ـ أما أنا‪ ،‬فما أكثر ما يُكْذَب عليّ! وأسأل ال أن يهدي من كذب عليّ‬
‫وأ ّل يعود لثلها‪ .‬والعجب من قوم يفعلون هذا ول يتفطّنوا لا حصل ف البلد‬
‫الخرى الت سار شبابا على مثل هذا النوال! ماذا حصل؟ هل أنتجوا شيئا؟‬
‫بالمس تقول إذاعة لندن‪ :‬إن الذين قُتلوا من الزائريي ف خلل ثلث‬
‫سنوات بلغوا أربعي ألفا! أربعون ألفا!! عدد كبي خسرهم السلمون من‬
‫‪389‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫أجل إحداث مثل هذه الفوضى! والنار ـ كما تعلمون ـ أوّلا شرارة ث‬
‫تكون جحيما؛ لن الناس إذا كره بعضُهم بعضا وكرهوا ولة أمورهم حلوا‬
‫السلح ـ ما الذي ينعهم؟ـ فيحصل الش ّر والفوضى ‪ ...‬وقد أمر النبّ‬
‫عليه الصلة والسلم من رأى من أميه شيئا يكرهه أن يصب‪ ،‬وقال‪ » :‬من‬
‫مات على غي إمام مات ميتة جاهلية «‪ .‬الواجب علينا أن ننصح بقدر‬
‫الستطاع‪ ،‬أما أن نظهر البارزة والحتجاجات َعلَنا فهذا خلف هَدي‬
‫السلف‪ ،‬وقد علمتم الن أن هذه المور ل تَمُتّ إل الشريعة بصلة ول إل‬
‫الصلح بصلة‪ ،‬ما هي إل مضرّة ‪ ...‬الليفة الأمون قَتل من العلماء الذين‬
‫ل يقولوا بقوله ف خَلْق القرآن‪ ،‬قتل جعا من العلماء وأجب الناس على أن‬
‫يقولوا بذا القول الباطل‪ ،‬ما سعنا عن المام أحد وغيه من الئمة أن أحدا‬
‫منهم اعتصم ف أي مسجد أبدا‪ ،‬ول سعنا أنم كانوا ينشرون معايبه من‬
‫أجل أن يَحمل الناسُ عليه القد والبغضاء والكراهية ‪ ...‬ول نؤيّد‬
‫الظاهرات أو العتصامات أو ما أشبه ذلك‪ ،‬ل نؤيّدها إطلقا‪ ،‬ويكن‬
‫الصلح بدونا‪ ،‬لكن ل بدّ أن هناك أصابع خفيّة داخلية أو خارجية تاول‬
‫()‬
‫بثّ مثل هذه المور " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() جريدة » السلمون « عدد (‪ )540‬ص (‪ )10‬ـ المعة (‪ 11‬الحرم ‪1416‬هـ)‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪390‬‬
‫السياسة‬

‫فقه واقع الزائر عند عائض القرن‬


‫أما عائض القرنّ فقد وقع ف الطأ الذي تواصوا به جيعا وهو زعمهم أنّ‬
‫جبهة النقاذ امتداد لمعية العلماء الزائريي! وقال ف خطبة جعة‪:‬‬
‫" والذي نفسي بيده لقد خرج ف الزائر ف يوم واحد سبعمائة ألف امرأة‬
‫مسلمة متحجّبة يطالب بتحكيم شرع ال "‪.‬‬
‫النقد‪ :‬يا لا من مصيبة حي يهون عليك اسمال فتقسم به على عدد وهيّ‬
‫خيالّ‪ ،‬و تقسم على قضيّة خاسرة دنيا وأخرى‪ ،‬أف الظاهرة الوروثة من‬
‫خذُوا‬‫الكفار والشّيوعيّي يبذل اسمال العظم؟ أل يقلال ‪{ :‬ول َ تَت َّ ِ‬
‫فت َز َّ‬ ‫َ‬
‫ها‬‫عدَ ثُبُوت ِ َ‬‫م بَ ْ‬ ‫ل َ‬
‫قدَ ٌ‬ ‫م َ ِ‬ ‫خل ً بَيْنَك ُ ْ‬ ‫م دَ َ‬‫أيْمانَك ُ ْ‬
‫م‬‫ولَك ُ ْ‬
‫ه َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫م َ‬‫صدَدت ُ ْ‬ ‫ما َ‬‫سوءَ ب ِ َ‬ ‫قوا ال ُّ‬ ‫وتَذُو ُ‬
‫م}؟ أبأمّة انقرض ذكورها حت خرج إناثها تفتخر ـ أيّها‬ ‫عظِي ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫عذَا ٌ‬
‫َ‬
‫الطيب؟! ـ أبالروج من البيت تكم الرأة بشرعال ؟ أليس ف شرعال قول‬
‫ج‬‫ن تَبَُّر َ‬ ‫ول َ تَبََّر ْ‬
‫ج َ‬ ‫ن في بُيُوتِك ُ َّ‬
‫ن َ‬ ‫قْر َ‬‫و َ‬ ‫ال عزّ وجلّ‪َ { :‬‬
‫ة الُولَى}؟! كان عليك أن تقول لن‪ :‬ابدأن بأنفسكنّ‬ ‫هلِي َّ ِ‬
‫الجا ِ‬
‫فحكّمن الشرع‪ ،‬ث طالب غيكنّ بذلك بالطريق الشروع‪ .‬أم أنّ السياسة‬
‫الوضعيّة ل تترك لك مالً ـ أيها الطيب! ـ ول لن افتخرتَ به لتفكّروا ف‬
‫حدود الشرع؟‬
‫لقد خرجت عائشة رضيال عنها يوم المل فلم يمدها عليه الصّحابة‬
‫ول هي حدت فعلها‪ ،‬فقد قال ابن حجر‪ " :‬وقد أخرج الطبي بسند صحيح‬
‫عن أب يزيد الدين قال‪ :‬قال عماربن ياسر لعائشة لّا فرغوا من المل‪ " :‬ما‬
‫ن‬‫قْر َ‬ ‫و َ‬‫أبعد هذا السي من العهد الذي عهد إليكم يشي إل قوله تعال‪َ { :‬‬
‫ل إنّك ما‬ ‫ن}‪ ،‬فقالت‪ :‬أبو اليقظان؟ قال‪ :‬نعم! قالت‪ :‬وا !‬ ‫في بُيُوتِك ُ َّ‬
‫‪391‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫علمتُ لقوّالٌ بالق‪ ،‬قال‪ :‬المد ل الذي قضى ل على لسانك " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قلت‪ :‬أما بلغكَ أنّ عائشة رضيال عنها كانت تبكي على خروجها هذا‬
‫بكاء شديدا؟ فعن قيس بن حازم قال‪ :‬لّا أقبلت عائشة بلغت مياه بن عامر‬
‫لوْأب‪ ،‬قالت‪ :‬ما‬
‫ليل فنبحت الكلب‪ ،‬فقالت‪ :‬أيّ ماء هذا؟ قالوا‪ :‬ماء ا َ‬
‫أظنن إل راجعة‪ ،‬فقال بعض من كان معها‪ :‬بل تقدمي فياكِ السلمون‬
‫فيصلحال ذات بينهم‪ ،‬قالت‪ :‬إنّ رسولال قال لا ذات يوم‪ » :‬كيف‬
‫لوْأَب « رواه أحد وابن حبّان وصحّحه هو‬ ‫بإحداك ّن َتنْبح عليها كِلب ا َ‬
‫والاكم والذّهبّ وابن كثي وقال ابن حجر‪ " :‬وسنده على شرط‬
‫()‬ ‫()‬
‫الصحيح " ‪ ،‬وقال اللبانّ‪ " :‬إسناده صحيح جدّا " ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫فتأمّل قوله‪ " :‬فياكِ السلمون فيصلحال ذات بينهم "‪ ،‬وما بي هذه النيّة‬
‫ونيّة التظاهرات ف أن يراهنّ النّاس فيتشجّع بنّ الؤمنون ويتصاغر الجرمون‬
‫ف زعمهنّ‪ ،‬مع الفرق الواضح بي فعل عائشة هذا الذي ل تبتغ به سوى‬
‫الصلح بي أبنائها الؤمني وحقن دمائهم‪ ،‬وبي فعل التظاهرات الداخلت‬
‫ف السياسة‪.‬‬
‫ت عائشة الندم‪ ،‬كما أخرجه ابن عبد الب ف‬ ‫وقال الزيلعي‪ " :‬وقد أظهر ْ‬
‫كتاب » الستيعاب « عن ابن أب عتيق وهو عبد ال بن ممد بن عبد الرحن‬
‫ابن أب بكر الصديق قال‪ :‬قالت عائشة لبن عمر‪ :‬يا أبا عبد الرحن! ما مَنعَك‬
‫أن تنهان عن مسيي؟ قال‪ :‬رأيتُ رجل غلب عليكِ ـ يعن ابن الزبي ـ‬

‫() » الفتح « (‪.)13/63‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » الفتح « (‪.)13/59‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر » الصحيحة « رقم (‪.)474‬‬ ‫‪3‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪392‬‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫فقالت‪ :‬أمَا وال لو نيتن ما خرجْتُ " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قال الذهب‪ " :‬وذكره‪ ،‬ث ذكر رواية أخرى منه فيها أن خروجها هذا‬
‫جعلها تعدل عن تَحديث نفسها بالدفن ف حجرتا كما كانت تأمل‪ ،‬فعن‬
‫حدّث نفسها أن‬ ‫إساعيل بن أب خالد عن قيس قال‪ :‬قالت عائشة وكانت تُ َ‬
‫تُدفن ف بيتها‪ ،‬فقالت‪ " :‬إن أَ ْحدَثتُ بعد رسول ال حَدَثا‪ ،‬ادفنون مع‬
‫أزواجه‪ ،‬فدُفِنَت بالبقيع رضي ال عنها "‪.‬‬
‫قال الذهب‪ " :‬قلت‪ :‬تعن بالدَث مسيها يوم المل‪ ،‬فإنا ندمَت ندامة‬
‫كلية وتابت من ذلك‪ ،‬على أنا ما فعلت ذلك إل متَأوّلة قاصدة للخي‪،‬‬
‫كما اجتهد طلحة بن عبدال والزبي بن العوام وجاعة من الكبار‪ ،‬رضي ال‬
‫()‬
‫عن الميع " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ول تنس أنّ عائشة أمّ للمؤمني جيعا‪ ،‬فأين هؤلء منها‪ ،‬ولذلك روى‬
‫البخاريّ عن أب مري عبدال بن زياد السديّ قال‪ " :‬لّا سار طلحة والزبي‬
‫وعائشة إل البصرة بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدِما علينا‬
‫الكوفة فصعدا النب‪ ،‬فكان السن بن علي فوق النب ف أعله‪ ،‬وقام عمار‬
‫أسفل من السن فاجتمعنا إليه‪ ،‬فسمعت عمّارا يقول‪ :‬إ ّن عائشة قد سارت‬
‫إل البصرة‪ ،‬وال إنّها لزوجة نبيّكم ف الدنيا والخرة‪ ،‬ولكنّال تبارك‬
‫وتعال ابتلكم ليعلمَ إيّاه تطيعون أم هي؟ "‪.‬‬
‫ورحمال زمانا كان أهله يستنبطون حكمال ف السائل السياسية بجرد‬
‫دخول النساء فيها ويزمون بفسادها ولو كان فيها أمّ الؤمني‪ ،‬فقد روى‬

‫() » نصب الراية « (‪4/69‬ـ ‪.)70‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » السي « (‪ )2/193‬وأثر عائشة هذا رواه ابن سعد ف » الطبقات « (‪ )8/59‬والاكم (‬ ‫‪2‬‬

‫‪.)4/6‬‬
‫‪393‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫البخاري أيضا عن أب بكرة قال‪ " :‬لقد نفعنال بكلمة سعتُها من رسول‬
‫ال ‪ ،‬أيام المل بعد ما كدتُ أن ألق بأصحاب المل فأقاتل معهم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لا بلغ رسولَال أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال‪ »:‬لن‬
‫يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة «‪.‬‬
‫فكيف يزعم سفر الوال ف شريط رقم (‪ )185‬من » شرح العقيدة‬
‫الطحاوية « أنّ الظاهرة النسوية أسلوب من أساليب الدعوة والتأثي؟! وهذا‬
‫سلمان يُسَرّ بروج النساء للمظاهرة فيقول ف شريط » للنساء فقط «‪ " :‬إننا‬
‫سعنا ف البلد الخرى أخبارا سارة على العودة الصادقة ـ خاصة ف أوساط‬
‫الفتيات ـ إل ال ‪ ،‬كل الناس سعوا بالظاهرة الصاخبة ف الزائر‪،‬‬
‫وقادتا مموعة من النساء‪ ،‬وبلغ العدد فيها ما يزيد على مئات اللوف "‪.‬‬
‫وتال إن أمر هؤلء لعجب! مَن كان يتصور أن جزيرة العرب ـ بعد دعوة‬
‫الشيخ ممد بن عبد الوهاب ـ سوف تلد أمثال هؤلء؟! أبعد حياة العفة‬
‫الت حافظ عليها مسلموها ييء سفر وسلمان والقرن إل النساء‬
‫ليخرجوهن من بيت عزهن تكثرا بن وتقوّيا بالقوارير؟! سفر يبيّن الثر‬
‫العميق ف خروج الرأة للمظاهرة! والقرن يؤكده بالقَسَم!! وسلمان يهيّجها‬
‫()‬
‫لتصب على الدبابات!!! يا له من دين غريب!‬
‫‪1‬‬

‫() ومن ضحايا هذا الفكر رجل يقال له مال البوق‪ ،‬كان له شريط مسجّل كثي‬ ‫‪1‬‬

‫الذيوع عندنا‪ ،‬وهو خطبة جعة‪ ،‬استفتحها بالديث الوضوع » من ل يهتمّ بأمر‬
‫السلمي فليس منهم «‪ ،‬انظر » الضعيفة « لللبان رقم (‪.)309‬‬
‫وتعرّض فيه لفتنة الزائر فقال‪ " :‬وإنّه من الؤسف جدّا أن تُنقل إلينا الخبار على غي‬
‫وجهها؛ وما ذلك إل لنّ الذي يسيطر على وكالت النباء ف العال هم اليهود أو‬
‫نصارى أو الذين يأخذون عنهم‪ ،‬أذناب لم‪ ،‬فيأخذون عنهم الخبار‪ ،‬ومن ث يعلنونا لنا‬
‫باللّيل والنّهار ‪ ،" ...‬قال ـ هداه ال ـ ‪ " :‬وقد كان يوجد بقيّة باقية من علماء رابطة‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪394‬‬
‫السياسة‬

‫شبهتان والرد عليهما‬


‫الول‪ :‬كثيا ما نلقى بعض الخلصي لدعوة السلم‪ ،‬الشاركي السلمي‬
‫أحزانم إذا أبلغناهم حقيقة الدعوة بالزائر‪ ،‬يصابون بيأس وصدمة حت ينقدح‬
‫ف نفوس ضعاف الخلق منهم أنّ بياننا هذا تعويق لسار الدعوة وتعطيل‬
‫للجهاد‪ ،‬أو خرّجوه مرج حسد القران حت ل يُتّهموا بالعناد‪ ،‬خاصة وأنّ‬
‫كلمتهم وكلمة دعاتم الت بيّنا مالفتها للشرع والواقع قد طارت ف الفاق‪،‬‬
‫ول تتحمّل صدورهم تطئتهم لنّ ذلك إضعافٌ لِصداقيتهم السياسية‬
‫وتشكيك ف الدّعاية لم بالفطنة وسعة الطّلع على أحوال السلمي‪،‬‬
‫فيقولون ـ إمّا ماملة لنا أو بعد أن ل يكن بدّ من تصديق أخبارنـا ـ‪" :‬‬
‫على كل حال أنتم ترون أنّ وقت الهاد ل يِن بعد‪ ،‬وغيكم يالفكم ف‬
‫ذلك‪ ،‬والسألة اجتهادية‪ ،‬فل معن لن ينكر بعضكم على بعض لنّ‬
‫من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر‪ ،‬والعدوّ ل يرضى منكم إل‬
‫باللف ‪ ،" ...‬وغيه من زخرف القول الذي يهضون به النصيحة والمر‬

‫السّلف ( يعن المعية ) الشيخ سحنون "!‬


‫وقال‪ " :‬هل تعرفون ـ أيّها الخوة الكرام!ـ أنّ الزائر الن ربّما كانت ف حال أحسن‬
‫من حالنا ف هذه البلد فيما يتعلّق بالمر بالعروف والنهي عن النكر؟! لقد بلغن عن‬
‫طريق الثقات!! أنّه ل يستطيع شخص أن يعلن بيع أشرطة الفيديو ‪ ...‬ل يستطيع أحد‬
‫أن يرؤ على بيع اللت الوسيقيّة جهارا عيانا ‪ ...‬إذا كان فيديو‪ ،‬ما يرؤ الن على‬
‫بيع أشرطة الفيديو!!! ونن مع السف الفيديو عندنا ‪." ...‬‬
‫النقد‪ :‬ترك النّقد ههنا هو الول؛ لنّ الرجل يبكي على هّه فاختلط عليه َهمّ غيه حت‬
‫جعل قضيّة الزائر الكاذبة بطاقة ضغط على حكومته ولو كانت أحاجي ثقاته!‬
‫ولكنّه ضحكٌ كالبكاء‬ ‫وكم ذا بصرَ من الُضْحكات‬
‫‪395‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫بالعروف والنّهي عن النكر‪ .‬وأحسن الظنّ بم أنم ـ مع إخلصهم إن شاء‬


‫ال ـ يعيشون اضطرابا ف منهجهم الدّعويّ؛ أيّ إخلص مع جهل بالطريق‬
‫الصلحي الذي سلكه رسولال ‪ ،‬وإل فلو عرفوا شروط الهاد‪ ،‬وضمّوا‬
‫لخلصهم متابعة الرسول بعد معرفتها لنكشف عنهم كثي من الغبش‪،‬‬
‫ولكان عمدتم خطوات الرسول ل التخمينات والتجارب والنتائج‬
‫التخيّلة‪.‬‬
‫فنقول أول‪ :‬كيف جعلتم دماء السلمي ودعوة السلم ف متب تربة‬
‫طلبة العلم؟ وبأيّ شرع سوّغتم لم الجتهاد؟ كلّ! ل يكون الجتهاد ف‬
‫القامرة بأرواح السلمي والغامرة بدعوة السلم‪.‬‬
‫ث هاك ثانيا الواب العلمي الفصّل‪ :‬قال الشافعي ـ رحه ال ـ‪ " :‬ومن‬
‫تكلف ما جهل وما ل تُثْبِته معرفته كانت موافقته للصّواب ـ إن وافقه من‬
‫حيث ل يعرفه ـ غي ممودة وال أعلم‪ ،‬وكان بطئه غي معذور‪ ،‬إذا ما نطق‬
‫()‬
‫فيما ل ييط علمه بالفرق بي الطإ والصّواب " ‪ ،‬وقال ابن تيمية ـ رحه‬
‫‪1‬‬

‫ال ـ‪ " :‬فإنّ من النّاس من يكون عنده نوع من الدين مع جهل عظيم‪،‬‬
‫فهؤلء يتكلم أحدهم بل علم فيخطئ‪ ،‬ويب عن المور بلف ما هي عليه‬
‫خبا غي مطابق‪ ،‬ومن تكلم ف الدين بغي الجتهاد السوّغ له الكلمَ وأخطأ‬
‫فإنّه كاذب آث كما قاله النبّ ف الديث الذي ف السنن عن بريدة عن‬
‫النب أنّه قال‪ » :‬القضاة ثلثة قاضيان ف النار وقاضٍ ف النة‪ ،‬رجل قضى‬
‫على جهل فهو ف النار‪ ،‬ورجل عرف الق وقضى بلفه فهو ف النار‪ ،‬ورجل‬
‫()‬
‫علم الق فقضى به فهو ف النة « ث قال ف الرجل الول‪ :‬فهو الذي يهل‬
‫‪2‬‬

‫() » الرّسالة « رقم (‪.)187‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه أبو داود و ابن ماجه و هو صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪396‬‬
‫السياسة‬

‫وإن ل يتعمّد خلف الق فهو ف النار‪ ،‬بلف الجتهد الذي قال فيه النب ‪:‬‬
‫()‬
‫(( إذا اجتهد الاكم فأصاب فله أجران‪ ،‬وإن اجتهد الاكم فأخطأ فله أجر )) ‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫فهذا الذي جعل له أجرا مع خطئه؛ لنّه اجتهد فاتّقىال ما استطاع‪ ،‬بلف‬
‫من قضى با ليس له به علم وتكلم بدون الجتهاد السوّغ له الكلم‪ ،‬فإنّ هذا‬
‫كما ف الديث عن ابن عباس عن النبّ أنّه قال‪ » :‬من قال ف القرآن برأيه‬
‫فليتبوّأ مقعده من النار « وف رواية‪ » :‬من قال ف القرآن برأيه فأصاب فقد‬
‫()‬
‫أخطأ‪ ،‬ومن أخطأ فليتبوّأ مقعده من النار« ‪ ،‬وف الصحيحي عن عبدال بن‬
‫‪2‬‬

‫عمرو عن النبّ أنّه قال‪ » :‬إنّال ل يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من النّاس‬
‫ولكنّه يقبضه بقبض العلماء‪ ،‬فإذا ل يبق عالا اتّخذ النّاس رؤوسا جهّال‬
‫فسُئلوا فأفتوا بغي علم فضلّوا وأضلّوا «‪ ،‬وف رواية للبخاري‪ » :‬فأفتوا‬
‫برأيهم «‪ .‬وهذا بلف الجتهد الذي اتّقىال ما استطاع‪ ،‬وابتغى طلب العلم‬
‫بسب المكان‪ ،‬وتكلم ابتغاء وجهال ‪ ،‬وعلم رجحان دليل على دليل فقال‬
‫بوجب الرّاجح‪ ،‬فهذا مطيع ل مأجور أجرين إن أصاب‪ ،‬وإن أخطأ أجرا‬
‫واحدا ‪ ...‬والقصود أنّ من تكلم بل علم يسوغ وقال غي الق فإنّه يسمّى‬
‫كاذبا ‪ ...‬ويطلق عليه الكذب‪ ،‬كما قال النبّ ‪» :‬كذب أبو السّنابل «‬
‫()‬
‫ومثل هذا كثي " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قلت‪ :‬جاء بالسناد الصحيح بعد حديث‪ » :‬القضاة ثلثة ‪ « ...‬قول‬


‫قتادة‪ :‬فقلت لب العالية‪ " :‬ما بال هذا الذي اجتهد رأيه ف الق فأخطأ؟‬

‫() متفق عليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر » ضعيف الامع الصغي « (‪.)5749( ،)5748‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » الرّدّ على الخنائي « (‪9‬ـ ‪ )11‬نقل عن » منهج أهل السنّة والماعة ف نقد‬ ‫‪3‬‬

‫الرّجال والكتب والطّوائف « (‪77‬ـ ‪ )79‬للشّيخ ربيع الدخلي‪.‬‬


‫‪397‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫قال‪ :‬لو شاء ل يلس يقضي وهو ل يسن يقضي "‪ ،‬وعند البغوي‪ " :‬ذنبه ألّ‬
‫يكون قاضيا إذا ل يعلم "‪ ،‬قال البيهقي‪ " :‬تفسي أب العالية على من ل يسن‬
‫يقضي دليل على أنّ الب ورد فيمن اجتهد رأيه وهو من غي أهل الجتهاد‪،‬‬
‫فإن كان من أهل الجتهاد فأخطأ فيما يسوغ فيه الجتهاد رُفع عنه خطؤه إن‬
‫شاءال بكم الّنبّ ف حديث عمرو بن العاص وأب هريرة‬
‫رضيال عنهما وذلك يرد وبال التّوفيق "‪.‬‬
‫يريد هنا حديث ‪ » :‬إذا اجتهد الاكم ‪ .« ...‬وقال البغويّ‪ " :‬قوله ‪:‬‬
‫» اجتهد فأخطأ فهو ف النار «‪ ،‬أراد به إذا كان اجتهاده على غي علم‪ ،‬فأما‬
‫من كان من أهل الجتهاد ففرضه الجتهاد فيما يع ّن له من الوادث‪،‬‬
‫()‬
‫والطأ فيه عنه موضوع " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وبعد‪ ،‬فهل آن لخواننا الجتهدين اليوم ف السياسة ـ بغي الجتهاد‬


‫السوّغ لم ذلك ـ أن يعتبوا فيتأنّوا ويتنحّوا ويعطوا القوس باريها؟‬
‫فإن قالوا‪ :‬هذا الكلم منصبّ على غينا لنّنا ل نتكلم ف واقع أمّة إل بعد‬
‫الحاطة به‪ ،‬أل ترون أنّ أخبارنا جديدة وأ ّن متابعتنا لوسائل العلم‬
‫شديدة؟!‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬لئن زعمتم أنّ وسائل العلم مغنيتكم شيئا من الق لقد أخطأت‬
‫مرّتي‪:‬‬
‫الول‪ :‬هذا دليل غفلة شديدة إذ كيف يتصور مسلم أنّ عدوّه يأتيه بنبأ‬
‫يقي؟ وتتبّعكم لخباره متصورينه موضوعيا‪ ،‬وبناؤكم الحكام عليه دليل على‬
‫أنكم ل تفقهون من واقع عدوّكم شيئا‪.‬‬

‫() انظر هذه الروايات والقوال ف » أخبار القضاة « لوكيع (‪ ،)1/18‬و» سنن البيهقي «(‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،)10/117‬و» شرح السنة « للبغوي (‪ )10/93‬ط‪ .‬الكتب السلمي‪.‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪398‬‬
‫السياسة‬

‫الثانية‪ :‬ل يحّص الخبار وَيحْكم عليها با تستحق من صحّة أو ضعف‬


‫إل أهل الديث أو من أمسك بغربالم‪ ،‬وقد رأيناكم ل تفعلون شيئا من‬
‫ذلك‪ ،‬بل أعماركم ف تتبّعها تضيع‪ ،‬وتُدوّن فتاواكم فيها ويوم القيامة تَشِيع‪،‬‬
‫سئَلُون}‪ ،‬ث أيضا قد‬ ‫م وي ُ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫هادَت ُ ُ‬‫ش َ‬ ‫قال سبحانه‪{ :‬ستُكْت َ ُ‬
‫ب َ‬
‫دلّت التجربة على أن خطأكم ف نقل الواقع أكثر من إصابتكم‪ ،‬كما بيّنتُه لكم‬
‫ف رقعة واحدة من العال السلمي فقط‪ ،‬فكيف لو تتبّعناكم ف غيها وأنتم ل‬
‫تتورّعون عن الوض ف أخبار العال بأسره! وقد قيل‪ " :‬من ثارهم تَعرِفونم‬
‫"‪ ،‬وقد تبيّنا خطورة مسلككم هذا حي وجدناكم وراء كل فتنة‪ ،‬مغرّرين‬
‫بأهلها بتسميتها جهادا‪ ،‬ونايتها سحق الدعوة السلمية‪.‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬فإن قيل‪ :‬إذا كان ل يفت ف الحكام السلطانية أو ما‬
‫يسمّى بالقضايا السياسية إل عال متبحّر‪ ،‬فكيف يُعرف‪ ،‬وهل يَعرف نفسه أنّه‬
‫كذلك؟‬
‫الواب‪ :‬كما اصطفىال تعال من البشر رجال فجعلهم مرجع النّاس‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫سل ً َ‬
‫و ِ‬ ‫ة ُر ُ‬‫ملَئِك َ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬‫في ِ‬ ‫صط َ ِ‬ ‫فقال‪{ :‬الل ُ‬
‫ه يَ ْ‬
‫س}‪ ،‬فإ ّن الرسول ـ أيضا ـ قد اصطفى لنا قدوتنا ف العلم‬ ‫َ‬
‫الن ّا ِ‬
‫والتّقوى حي قال‪ » :‬خيُ النّاس َق ْرنِي‪ ،‬ث الذين يَلُونَهم‪ ،‬ث الذين يَلُونم ‪...‬‬
‫« متفق عليه‪.‬‬
‫ول يزال أهل العلم من هؤلء يزكّون من يئ من بعدهم‪ ،‬وما أظنّ أنّ ما‬
‫يسمّى بـ( الجازة ) يفى عليكم؛ فإنّه لفظ هذا الدين من أن يقول فيه مَن‬
‫شاء ما شاء‪ ،‬قد درج أهل العلم على إجازة النابغي من تلمذتم‪ ،‬إما إجازةً‬
‫خاصةً‪ ،‬وإمّا عامةً‪ ،‬إمّا ف فنّ‪ ،‬وإمّا ف أكثر‪ ،‬وقد قال المام مالك ـ رحه‬
‫‪399‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫ال ـ‪ " :‬ما أفتيت حت شهد ل سبعون أنّي أهل لذلك " ‪ ،‬وقال‪ " :‬ل ينبغي‬
‫‪1‬‬

‫()‬
‫لرجل أن َيرَى نفسَه أهلً لشيء حت يسأل من كان أعلم منه " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وينبغي أن يراعى دقّة التّعبي ف هذه الجازات؛ فإنّ تزكية امرىء بالتّقوى‬
‫ل تغنيه كبي شيء ف التّبليغ عن دينال تعال‪ ،‬كما أنّ تزكيته بالعلم عموما‬
‫وبإجال ل تغنيه كثيا ف فقه النوازل‪ ،‬وقد قال ابن سيين‪ " :‬إنّ هذا العلم‬
‫دين‪ ،‬فانظروا عمّن تأخذون دينكم " رواه مسلم ف مقدمة » الصحيح «‪.‬‬
‫قال ابن رشد ف شروط من يتصدى للفتوى ف النوازل‪:‬‬
‫ـ " أن يراه الناس ( أي العلماء كما سيأت ف كلم الشاطب ) أهلً لذلك‪.‬‬
‫ـ الثان‪ :‬أن يرى نفسه قد جع شروط الجتهاد‪.‬‬
‫فإذا اجتمعت فيه هذه الصال مع العدالة والي والدين صحّ استفتاؤه‬
‫()‬
‫فيما يَنل من الحكام ‪. " ...‬‬
‫‪3‬‬

‫()‬
‫شهَد له‬
‫وأوضح هذا الشاطبّ بأبدع بيان حيث قال‪ " :‬والعالِم إذا ل يَ ْ‬
‫‪4‬‬

‫شهَد فيه غيه‪،‬‬ ‫العلماءُ فهو ف الكم باقٍ علىالصل مِن عدَم العلم حت يَ ْ‬
‫وَيعْلَم مِن نفسه ما ُشهِد له به‪ ،‬وإل فهو على يقي من عدَم العلم أو على‬
‫شكّ‪ ،‬فاختيار القدام ف هاتي الالتي على الحجام ل يكون إل باتباع‬
‫الوى؛ إذ كان ينبغي له أن يَستفت ف نفسه غيه‪ ،‬ول يَفعل! وكان من حقه‬
‫() رواه أبونعيم (‪ )6/316‬والطيب ف (( الفقيه والتفقه )) (‪1041‬ـ العزازي ) وهو صحيح‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وروى نوه ابن ناصر الدين ف (( إتاف السالك )) ص (‪.)58‬‬


‫() رواه أبو نعيم (‪ )6/316‬والبيهقي ف (( الدخل )) (‪ )825‬والطيب ف (( الفقيه‬ ‫‪2‬‬

‫والتفقه )) (‪.)1042‬‬
‫() (( البيان والتحصيل )) (‪.)17/339‬‬ ‫‪3‬‬

‫() قال اللبان ههنا بعد ما أشار إل (( العتصام )) (‪ " :)3/99‬تأمّلوا ل يقل‪ :‬طالب‬ ‫‪4‬‬

‫العلم! "‪ ،‬كذا ف (( الصحيحة )) (‪2/713‬ـ الستدراك رقم ‪.)11‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪400‬‬
‫السياسة‬

‫أن ل يقدم إل أن يقدّمه غيه‪ ،‬ول يَفعل! "‪.‬‬


‫قال اللبان ف الصدر السابق‪ " :‬هذه نصيحة المام الشاطب إل‬
‫( العالِم ) الذي بإمكانه أن يتقدّم إل الناس بشيء من العلم‪ ،‬ينصحه بأن ل‬
‫يتقدّم حت يَشهد له العلماءُ‪ ،‬خشيةَ أن يكون مِن أهل الهواء‪ ،‬فماذا كان‬
‫ينصح ـ يا تُرى ـ لو رأى بعض هؤلء التعلّقي بذا العلم ف زمننا هذا؟!‬
‫ل شكّ أنه كان يقول له‪ ( :‬ليس هذا ُعشّكِ فادرجي )‪ ،‬فهل من معتب؟!‬
‫وإن ـ وال! ـ لخشى على هذا البعض أن يَشملهم قوله ‪ (( :‬ينع‬
‫عقول ذلك الزمان‪ ،‬ويلف لا هباء من الناس‪ ،‬يسب أكثرهم أنم على‬
‫)‬
‫شيء‪ ،‬وليسوا على شيء!! ))( ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال ابن القيم ـ رحه ال ـ‪ " :‬من أفت النّاس وليس بأهل للفتوى فهو‬
‫آث عاص‪ ،‬ومن أقرّه من ولة المور على ذلك فهو آث عاص‪ .‬وقال أبو الفرج‬
‫ل المر منعهم كما فعل بنو أميّة‪ ،‬وهؤلء بنلة من يدلّ‬ ‫ابن الوزي‪ :‬ويلزم و ّ‬
‫الرّكب وليس له علم بالطريق‪ ،‬وبنلة من ل معرفة له بالطّب وهو يُطبّ‬
‫النّاس‪ ،‬بل هؤلء أسوأ حال من هؤلء كلهم‪ .‬وإذا تعيّن فعلى ولّ المر منع‬
‫من ل يسن التّطبّب من مداواة الرضى‪ ،‬فكيف بن ل يعرف الكتاب والسنّة‬
‫ول يتفقّه ف الدين‪ .‬قال‪ :‬وكان شيخنا ( أي ابن تيمية ) شديد النكار على‬
‫هؤلء فسمعته يقول‪ :‬قال ل بعض هؤلء‪ :‬أجُعلت متسبا على الفتوى؟ فقلت‬
‫له‪ :‬يكون على البّازين والطبّاخي متسب ول يكون على الفتوى متسب؟!‬
‫()‬
‫" ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() وهذا الديث صحّحه ف (( صحيحته )) (‪.)1682‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » إعلم الوقعي « (‪.)4/217‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪401‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ة‬ ‫وا إِلَى كَل ِ َ‬


‫م ٍ‬ ‫دعوة‪{ :‬ت َ َ‬
‫عال َ ْ‬
‫سَواٍء}‬
‫َ‬
‫وبعد هذا كله أدعو الدكتور سفر الوال وسلمان العودة ومن هو على‬
‫منهجهما أن يدَعُوا الفتاء ف النّوازل‪ ،‬و بتعبي أبي لبن عصرنا‪ :‬أن يدَعُوا‬
‫الفتاء ف القضايا السياسية لهلها‪ ،‬وقد سّينا لكم ف غضون هذا البحث‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫بعضهم كالشيخ اللبانّ والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمي والشيخ الفوزان‬

‫() أرجو ألّ نتلف ف هذه الساء لنّ ما يمع بيننا من معتقد السّلف أمت من أن‬ ‫‪1‬‬

‫يذرى تت أدراج رياح الزبيّة‪ ،‬وأرجو أن يكونوا عندكم فقهاء يصلحون للفتوى فيما‬
‫يسمّى اليوم بالقضايا الصييّة‪ ،‬أرجو أن نكون صادقي ف هذا الوصف‪ ،‬وألّ يغالط‬
‫بعضنا بعضا بأن يظهر توقيهم ويبيّت ف نفسه أو حزبه ما ل يرضى ربّنا من القول‪،‬‬
‫كما فعل ف هذه اليّام من ترجم للشّيخ ابن باز ـ متّع ال السلمي بياته ـ ف ملّة‬
‫سياسيّة‪ ،‬فإنّ من يقرؤها ل يتصور الشيخ إلّ شيخ زاوية أو تكِيّة‪ ،‬يدخل عليه النّاس‬
‫فيكرمهم بالطّعام والشّراب ويرجون! ويأتيه الطّلبة فيسخو عليهم با آتاه ال‪ ،‬أمّا‬
‫( القضايا الصييّة )‬
‫ـ كما يقولون ـ فالشّيخ عنها بعزل حتّى يرج من غفلته!! هذا هو شيخ البكة؛ ل‬
‫يُعمل بفتياه إلّ ف العبادات والعاملت الالية‪ ،‬أمّا السّياسة فل! إلّ ما وافقوه عليه‪ ،‬أو‬
‫ما سبقوا به غيهم إليه من التّمويه على خلف الواقع حتّى يفتيهم با يبّون! ما أشبه‬
‫هؤلء بال القلّدة الّذين يتبّكون ويستسقون بقراءة صحيح البخاريّ‪ ،‬عن عبادة بن‬
‫قال‪ » :‬ليس من أمّت من ل يُجِلّ كبينا‪ ،‬ويرحم‬ ‫أنّ رسول ال‬ ‫الصّامت‬
‫صغينا‪ ،‬ويعرف لعالنا حقه « رواه أحد و هو صحيح‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪402‬‬
‫السياسة‬

‫وغيهم ـ حفظهم الـ ؛ لنّه ل معن لدخولكم ف هذا المر وهيئة كبار‬
‫العلماء بي أظهركم‪ ،‬ث " إنّ أحدكم ليفت ف السألة لو وردت على عمر‬
‫()‬
‫بن الطّاب لمع لا أهل بدر" ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقد بان لكم إن شاءال أنكم تدّثون بكل شيء مّا أوقعكم ف الخبار‬
‫بلف الواقع‪ ،‬ومنها التّحليل على غي مراد الشارع‪ ،‬وقد قال المام مالك ـ‬
‫رحه ال ـ لبن وهب‪ " :‬اعلم أنّه ليس يسلم رجل حدّث بكل ما سع‪ ،‬ول‬
‫يكون إماما أبدا وهو يدّث بكل ما سع"‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬
‫خاصة وليس لكم إجازة من قِبل هيئة كبار العلماء للتّكلم ف هذه‬
‫القضايا‪ ،‬بل قد َن َهوْكم عنها صراحة وعلى رأسهم العلمة الشيخ عبد العزيز‬
‫ابن باز ـ حفظه ال ـ كما ف هذا البيان الت‪ ،‬وقد صوّرته كما هو‪:‬‬

‫() هذه الكلمة قالا أبو الَصِي السديّ‪ ،‬انظر (( تذيب الكمال « للمزي (‪،)19/406‬‬ ‫‪1‬‬

‫ونوها عن السن والشعبّ كما ف » صفة الفتوى « لبن حدان ص (‪.)7‬‬


‫‪403‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫هذه صورة الوثيقة الت فيها بيان هيئة كبار العلماء بالملكة‬
‫العربية السعودية ف توقيف سفر الوال وسلمان العودة‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪404‬‬
‫السياسة‬

‫وأنصح إخواننا السّلفيّي ألّ يوسّعوا الرقعة ويبعدوا الشقّة‪ ،‬فتضيق‬


‫صدورهم باللف الفقهي خاصة منه السياسي بي من سّيت من العلماء‬
‫السّلفيّي؛ لنّ الختلف سنّةال ف خلقه‪ ،‬وقد كان مثله بي الصّحابة فلم‬
‫يضرّهم؛ لنم أحسنوا استقباله فلم يطمع فيهم عدوّ‪ .‬وأما أن يلقّبكم البتدعة‬
‫اليوم بالبازييّن وإخوانكم باللبانيّي‪ ،‬وفيكم سّاعون لم‪ ،‬فل َغرْو أن تنتشر بينكم‬
‫الفرقة‪ ،‬فاحذروا رحكمال ‪ ،‬فإنّه ل يزال هؤلء الشايخ يزكّي بعضهم بعضا بلسان‬
‫صدق إن شاءال ‪ ،‬ومناقبهم قد ملت الفاق‪ .‬لكن قوما ل تنأ أفئدتم بحبتهم‪،‬‬
‫يسعون جاهدين لصرف وجوهكم عنهم‪ ،‬وأنا أُبيّن لكم أمارتم‪ ،‬فإنكم تدون‬
‫مَن يثي بعض اللف الفقهي بي الشيخي اللبان وابن باز‪ ،‬وقد تكون مسألة‬
‫القبض بعد الرفع من الركوع! ـ فإنم ف مثلها ل ُيفَرّطون مهما دقّت ـ‬
‫فيُسقِطون إحدى الهتي‪ :‬إما جهة اللبان بزعم الهل بالفقه‪ ،‬وإما جهة ابن باز‬
‫بزعم الهل بالديث‪ ،‬وبقي أن ُيجَنّدوا للجهة الخرى من الشباب مَن يتهمها‬
‫بالهل بالواقع وعدم النضج السياسي! فيُسقطون الميع ليَخلو لم وجه‬
‫الناشئة‪ ،‬وال حسيبهم‪ .‬وآخرون يتربّصون بالعلماء ريْب الَنُون‪ ،‬ل يدركون أن‬
‫مستقبلهم بعدهم غي مأمون؛ لن هؤلء العلماء هم بقية السلف‪ ،‬يذهبون‬
‫ويَتركون أحزاب الشباب يتامى بي هرْج وتلف‪ ،‬قد أنكهم اختلف الراء‪،‬‬
‫وتراجوا با تراجم الصبيان بالصباء‪ ،‬وال الستعان على ذلك اليوم‪.‬‬
‫فلذا أقول ف خاتة هذه الكلمة‪ :‬لو ل يكن من جن بثي إل أنّن حبّبت‬
‫مة‬ ‫ع َ‬ ‫إليكم أهل العلم لكفان ذخرا عند ربّي الذي قال‪{ :‬وأ َ َّ‬
‫ما بِن ِ ْ‬
‫ث}‪.‬‬‫دّ ْ‬
‫ح ِ‬
‫ف َ‬‫ك َ‬‫َرب ِّ َ‬
‫‪405‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الواجب اليوم‬
‫أعقد هذا الفصل ليعلم أولئك الذين سّيتُ ف هذه الدعوة‪ ،‬با ينبغي أن‬
‫يَشغلوا به هذه الثروة الائلة من شباب دعوة السلم‪.‬‬
‫وأنقل إليكم كلمات من غرر الكم عن ابن القيم وعبد الرحن السعدي‬
‫ـ رحهما الـ وأرجو أن تتأمّلوها جيّدا‪ ،‬باركال فيكم‪.‬‬
‫إصلح الوقت لصلح الال‪:‬‬
‫()‬
‫قال ابن القيم ـ رحه ال ـ ف فصل » كيف تُصِْلحُ حَالَكَ؟ « ‪ " :‬هَلُمّ‬
‫‪1‬‬

‫إل الدّخول علىال وماورته ف دار السلم بل نَصَب ول تعب ول عناء‪ ،‬بل‬
‫من أقرب الطّرق وأسهلها‪ ،‬وذلك أنك ف وقت بي وقتي‪ ،‬وهو ف القيقة‬
‫عمرك‪ ،‬وهو وقتك الاضر بي ما مضى وما يستقبل‪ ،‬فالذي مضى تصلحه‬
‫بالتوبة والنّدم والستغفار‪ ،‬وذلك شيء ل تعب عليك فيه ول نصب ول معاناة‬
‫عمل شاقّ‪ ،‬إنا هو عمل القلب "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما مضى من وقتك ف معصيةال يكنك استرجاعه‪ ،‬مهما قيل‬
‫" الوقت كالسيف إن ل تقطعه قطعك "‪ ،‬وهي حكمة صحيحة إل أنّال‬
‫استثن منها التّائبي‪ ،‬فمهما ضيّعوا من وقت ف زن‪ ،‬بل ف قتل‪ ،‬بل ف شرك‪،‬‬
‫فإنّ من تاب منها استدرك وقته ليس صحيفة بيضاء فحسب‪ ،‬بل قد كتب‬
‫عليها السنات بدل السيّئات كأنّ وقته قد عُمّر با‪ ،‬وال ل يعجزه شيء وهو‬
‫َ‬
‫ولَ‬ ‫خَر َ‬‫ه إِلَــها ً ءَا َ‬
‫ع الل ِ‬
‫م َ‬
‫ن َ‬
‫عو َ‬ ‫ن ل َ يَدْ ُ‬ ‫القائل‪{ :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن الن َّ ْ‬
‫ولَ‬‫ق َ‬ ‫ح ِّ‬‫ه إل ّ بِال َ‬ ‫حَّر َ‬
‫م الل ُ‬ ‫س ال ّتِي َ‬ ‫ف َ‬ ‫قتُلُو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ف لَ ُ‬
‫ه‬ ‫ع ْ‬ ‫ضا َ‬‫ق أَثاما ً ي ُ َ‬‫ك يَل ْ َ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬ ‫ع ْ‬‫ف َ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫نو َ‬ ‫يَْزنُو َ‬
‫َ‬
‫ب‬
‫من تَا َ‬ ‫هانا ً إِل ّ َ‬‫م َ‬ ‫ه ُ‬
‫في ِ‬‫خلُدْ ِ‬ ‫ة وي َ ْ‬ ‫م ِ‬
‫قيَا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫و َ‬ ‫ب يَ ْ‬‫عذَا ُ‬‫ال َ‬
‫() » الفوائد « ص (‪115‬ـ ‪.)116‬‬ ‫‪1‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪406‬‬
‫السياسة‬

‫ه‬ ‫د ُ‬
‫ل الل ُ‬ ‫فأُولَئ ِ َ‬
‫ك يُب َ ِّ‬ ‫صالِحا ً َ‬‫مل ً َ‬
‫ع َ‬‫ل َ‬‫م َ‬‫ع ِ‬
‫نو َ‬ ‫م َ‬ ‫وءَا َ‬ ‫َ‬
‫حيماً }‪.‬‬ ‫فورا ً َر ِ‬ ‫ه َ‬
‫غ ُ‬ ‫وكَا َ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ت َ‬‫سنَا ٍ‬‫ح َ‬‫م َ‬ ‫سيِّئَات ِ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫وقال‪ " :‬وتتنع فيما يُستقبل من الذّنوب‪ ،‬وامتناعك ترك وراحة ليس هو‬
‫عمل بالوارح يشقّ عليك معاناته‪ ،‬وإنا هو عزم ونيّة جازمة تريح بدنك‬
‫وقلبك وسرّك‪ ،‬فما مضى تصلحه بالتوبة‪ ،‬وما يستقبل تصلحه بالمتناع والعزم‬
‫والنيّة "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وبذا يتبيّن لك سرّ اقتران التوبة بالستغفار ف مثل قوله تعال‪:‬‬
‫فوٌر‬ ‫ه َ‬
‫غ ُ‬ ‫والل ُ‬
‫ه َ‬ ‫فُرون َ ُ‬
‫غ ِ‬ ‫ه وي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫فل َ يَتُوبُو َ‬
‫ن إلى الل ِ‬ ‫{أ َ َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫فالستغفار على معن ترك ما مضى‪ ،‬والتوبة على معن عدم الصرار ف‬
‫َ‬
‫علُوا‬ ‫ن إِذَا َ‬
‫ف َ‬ ‫ذي َ‬‫الستقبل‪ ،‬وقد جعال بينهما ف آية واحدة فقال‪{ :‬وال ّ ِ‬
‫م ذَكَُروا الل َ‬
‫ه‬ ‫ه ْ‬
‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫موا أَن ُ‬ ‫و ظَل َ ُ‬
‫ش ً َ‬
‫ةأ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ب إل ّ الل ُ‬
‫ه‬ ‫فُر الذُّنُو َ‬ ‫غ ِ‬‫من ي َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫فُروا لِذُنُوب ِ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫غ َ‬‫ست َ ْ‬
‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫ن}‪.‬‬
‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م يَ ْ‬
‫ه ْ‬‫و ُ‬‫علُوا َ‬ ‫ما َ‬
‫ف َ‬ ‫علَى َ‬ ‫صُّروا َ‬‫م يُ ِ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫ب ول تعبٌ‪،‬ولك ّن‬ ‫قال ـ رحه ال ـ‪ " :‬وليس للجوارح ف هذين نص ٌ‬
‫الشأن ف عمرك‪ ،‬وهو وقتك الذي بي الوقتي‪ ،‬فإن أضعته أضعت سعادتك‬
‫وناتك‪ ،‬وإن حفظته مع إصلح الوقتي اللذين قبله وبعده با ذُكر نوت‬
‫وفزت بالرّاحة واللّذة والنّعيم "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا يدلّك على س ّر اشتراطال تعال الصلح مع التوبة الت إذا‬
‫علَى‬ ‫م َ‬ ‫أُطلقت دخل فيها الستغفار‪ ،‬كقوله تعال‪ { :‬كَت َ َ‬
‫ب َربُّك ُ ْ‬
‫فسه الَرحم َ َ‬
‫هال َ ٍ‬
‫ة‬ ‫سوءا ً ب ِ َ‬
‫ج َ‬ ‫م ُ‬‫منك ُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫م َ‬
‫ع ِ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ه َ‬‫ة أن َّ ُ‬ ‫ّ ْ َ‬ ‫نَ ْ ِ ِ‬
‫م تَاب من بعده وأ َصل َح َ َ‬
‫م}‪،‬‬‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬‫غ ُ‬‫ه َ‬‫فأن َّ ُ‬ ‫َ ْ ِ ِ َ ْ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫‪407‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫ك َ‬ ‫َ َ‬
‫فإ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫صل َ ُ‬
‫حوا َ‬ ‫د ذَل ِ َ َ‬
‫وأ ْ‬ ‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬
‫ن تَابُوا ِ‬
‫ذي َ‬‫وكقوله‪{ :‬إل ّ ال ّ ِ‬
‫م}‪ ،‬فالصلح حينئذ يكون على معن إصلح الوقت‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه َ‬
‫غ ُ‬ ‫الل َ‬
‫الاضر‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬
‫ما مضى ُحلْم و الؤمّل غيبٌ ولك الساعة الت أنت فيها‬
‫وهذا يُبيّن لك وجه ذكر ( الصلح ) بعد آيات التوبة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال ـ رحه ال ـ‪ " :‬وحفظه أشقّ من إصلح ما قبله وما بعده‪ ،‬فإنّ‬
‫حفظه أن تلزم نفسك با هو أول با وأنفع لا‪ ،‬و أعظم تصيل لسعادتا‪ ،‬وف‬
‫هذا تفاوت النّاس أعظم تفاوت‪ ،‬فهي وال أيّامك الالية الت تمع فيها الزّاد‬
‫لعادك‪ ،‬إمّا إل النة وإمّا إل النار ‪." ...‬‬
‫قلت‪ :‬من تدبّر القرآن وجد دعوته ل ترج عن هذه الوقات الثّلثة‪،‬‬
‫ُ‬
‫ت‬‫صل َ ْ‬ ‫ف ِّ‬‫م ُ‬ ‫ه ث ُ َّ‬ ‫ت ءَايَات ُ ُ‬‫م ْ‬‫حك ِ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫قالال تعال‪{ :‬الـــر ‪ .‬كِتَا ٌ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ه إنَّنِي لَكُم‬ ‫عبُدُوا إل ّ الل َ‬ ‫ر‪ .‬أل ّ ت َ ْ‬ ‫خبِي ٍ‬ ‫حكِيم ٍ َ‬ ‫ن َ‬ ‫من ل ّدُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م تُوبُوا‬ ‫م ث ُ َّ‬ ‫فُروا َربَّك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬‫ست َ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫شيٌر‪ .‬وأ ِ‬ ‫ذيٌر وب َ ِ‬ ‫ه نَ ِ‬‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ه}‪ ،‬أي إنا َأ ْحكَم ُال كتابَه وفصّله لتعبدوه ف هذه الوقات الثلثة با‬ ‫إِلَي ُ ِ‬
‫أَمر‪.‬‬
‫فقوله‪{ :‬أَل َّ تَْعبُدُوا إل َّ اللَه } لعبادة الوقت الاضر؛ إذ التّوحيد‬
‫أنفع وأصلح وأول الطّاعات‪ ،‬وألزمُها مصاحَبةً لصاحبه‪.‬‬
‫فُروا َربَّكُم} للماضي‪.‬‬ ‫َ‬
‫غ ِ‬‫ست َ ْ‬‫نا ْ‬ ‫وقوله‪{ :‬وأ ِ‬
‫()‬
‫ه} للمستقبل ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫م تُوبُوا إِلَي ْ ِ‬ ‫وقوله‪{ :‬ث ُ َّ‬

‫() وهو أحد القوال الّت فسّر با الستغفار والتّوبة اللذان ف الية كما حكاه الشّوكان‬ ‫‪1‬‬

‫ف » فتح القدير « (‪ ،)2/481‬وهذا التفصيل الذي ذكره ابن القيّم ف تقسيم الوقات ليس‬
‫نتاج فكر مرّد! بل أخذه ـ رحه ال ـ من هدي السلف؛ فانظر لذلك آثارا لم ف‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪408‬‬
‫السياسة‬

‫وسبب التّركيز ههنا على التّوحيد لصلح الاضر أمران‪:‬‬


‫الول‪ :‬أنّه ل يوز أن يلو وقت من الهتمام به‪ ،‬وهو الامع لتوحيد‬
‫الرّبوبيّة وتوحيد اللوهيّة وتوحيد الساء والصّفات‪.‬‬
‫الثان‪ :‬أنّه أصل كل عمل صال؛ أل ترى أنّ العمال الصّالة من‬
‫مكمّلته الواجبة أو الستحبّة؟! ولذلك كان أوّل شيء دعا إليه النبياءُ عليهم‬
‫الصلة والسلم؛ لن من رسَخ التّوحيدُ ف قلبه ظهرت بشاشتُه على سائر‬
‫َ‬
‫م تََر كَي ْ َ‬
‫ف‬ ‫جوارحه‪ ،‬وأنبتت شجرتُه أطيبَ الثّمار كما قالال تعال‪{ :‬أل َ ْ‬
‫شجرة طَيب َ‬
‫صل ُ َ‬
‫ها‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ِّ َ ٍ‬ ‫ة كَ َ َ َ ٍ‬ ‫ة طَي ِّب َ ً‬ ‫مثَل ً كَل ِ َ‬
‫م ً‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫َ‬
‫ها ك ُ َّ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫حي ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫ؤتِي أكُل َ َ‬ ‫ء تُ ْ‬
‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫في ال َّ‬ ‫ها ِ‬ ‫ع َ‬‫فْر ُ‬‫تو َ‬ ‫ثَاب ِ ٌ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫عل ّ ُ‬‫سل َ‬ ‫ل لِلن ّا ِ‬ ‫مثَا َ‬‫ه ال ْ‬ ‫ب الل ُ‬‫ر ُ‬ ‫ها وي َ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫ن َرب ِّ َ‬ ‫بِإِذْ ِ‬
‫يَتَذَكَُّرون}‪.‬‬
‫وهذه الدعوة الثلثية تكرّرت ف السّورة نفسها عدّة مرّات‪ ،‬قالال تعال‪:‬‬
‫ما‬
‫ه َ‬ ‫عبُدُوا الل َ‬ ‫وم ِ ا ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل يَا َ‬ ‫قا َ‬ ‫هودا ً َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫عاٍد أ َ َ‬ ‫وإِلى َ‬ ‫{ َ‬
‫ن} إل أن قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فتَُرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م إِل ّ ُ‬ ‫ن أنت ُ ْ‬ ‫غيُْرهُ إ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن إِلَـ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫لَكُم ِ‬
‫ه}‪.‬‬ ‫م تُوبُوا إِلَي ْ ِ‬ ‫م ث ُ َّ‬ ‫فُروا ربَّك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وم ِ ا ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ويَا َ‬ ‫{ َ‬
‫ومِ‬‫ق ْ‬ ‫ل يَا َ‬ ‫قا َ‬ ‫صالِحا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫مودَ أ َ َ‬ ‫وإِلى ث َ ُ‬ ‫وقال‪َ { :‬‬
‫هو أَن َ َ‬
‫ن‬‫م َ‬‫شأكُم ِ‬ ‫غيُْرهُ ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن إِل َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ما لَكُم ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عبُدُوا الل َ‬ ‫ا ْ‬
‫م تُوبُوا‬ ‫فُروهُ ث ُ َّ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫مُركْم فيَها َ‬ ‫َ‬
‫فا ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وا ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫الْر ِ‬
‫ب}‪.‬‬ ‫جي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ق ِ‬ ‫ن َرب ِّي َ‬ ‫إِلَي ْ ِ‬
‫ه إ ِ َّ‬
‫وم‬
‫ق ْ ِ‬ ‫ل يَا َ‬ ‫قا َ‬ ‫عيْبا ً َ‬ ‫ش َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫مدْي َ َ‬ ‫وإِلَى َ‬ ‫وقال‪َ { :‬‬
‫غيُْرهُ} إل أن قال‪:‬‬ ‫ه َ‬ ‫ن إِل َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ما لَكُم ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عبُدُوا الل َ‬ ‫ا ْ‬

‫(( كتاب الزهد الكبي )) للبيهقي ص (‪.)196‬‬


‫‪409‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫م‬ ‫ن َربِّي َر ِ‬
‫حي ٌ‬ ‫م تُوبُوا إِلَي ْ ِ‬
‫ه إ ِ َّ‬ ‫فُروا َربَّك ُ ْ‬
‫م ث ُ َّ‬ ‫غ ِ‬
‫ست َ ْ‬ ‫{ َ‬
‫وا ْ‬
‫ودُودٌ}‪.‬‬‫َ‬
‫وعن أب سعيد الدري أنّ نبّال قال‪ » :‬كان فيمن كان قبلكم‬
‫رجل قتل تسعة وتسعي نفسا‪ ،‬فسأل عن أعلم أهل الرض‪ ،‬فدُلّ على راهب‪،‬‬
‫فأتاه فقال‪ :‬إنّه قتل تسعة وتسعي نفسا‪ ،‬فهل له من توبة؟ فقال‪ :‬ل! فقتله‬
‫فكمّل به مائة! ث سأل عن أعلم أهل الرض‪ ،‬ف ُد ّل على رجل عال‪ ،‬فقال‪ :‬إنّه‬
‫قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال‪ :‬نعم! ومَن يَحُول بينه وبي التوبة؟‬
‫فانطلِقْ إل أرض كذا وكذا؛ فإنّ با أناسا يعبدونال تعال فاعبدال معهم‪ ،‬ول‬
‫ترجع إل أرضك؛ فإنّها أرض سوء‪ ،‬فانطلقَ حت إذا نصف الطريق أتاه الوت‪،‬‬
‫فاختصمت فيه ملئكة الرحة وملئكة العذاب‪ ،‬فقالت ملئكة الرحة‪ :‬جاء‬
‫تائبا ُمقْبلً بقلبه إلال تعال‪ ،‬وقالت ملئكة العذاب‪ :‬إنه ل يعمل خيا قطّ‪،‬‬
‫فأتاهم ملك ف صورة آدمي فجعلوه بينهم ـ أي َحكَما ـ فقال‪ :‬قيسوا ما‬
‫بي الرضي فإل أيّتهما كان أدن فهو له‪ ،‬فقاسوا فوجدوه أدن إل الرض‬
‫الت أراد‪ ،‬فقبضته ملئكة الرحة « متفق عليه‪.‬‬
‫ف هذه القصة يظهر جليّا إصلحُ هذا الرجل للوقات الثلثة‪ ،‬فبعد أن‬
‫صلِح حاضرَه فورا‪،‬‬ ‫تاب من ماضيه‪ ،‬وعزم على التوبة ف مستقبله‪ ،‬اشتغل با يُ ْ‬
‫أل وهو الجرة من دار الفساد ول يترك لطول المل مالً‪ ،‬ولذلك ل تد له‬
‫اللئكة من عمل صال إل هجرته هذه‪ ،‬ولا كانت هي عبادةَ الوقت غُفر له؛‬
‫لنّ التزامه با دليل على الخلص للحق جلّ وعل‪ ،‬ومنه يظهر أنه كان موحّدا‪.‬‬
‫ل‬
‫وعن الباء قال‪ :‬أتى النبّ رجلٌ م َقنّع بالديد‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ا !‬
‫أقاتل أو أُ ْسلِم؟ قال‪ » :‬أَسلِم ث قاتل «‪ ،‬فأسلم ث قاتل ف ُقتِل! فقال رسولال‬
‫‪ » :‬عَمِلَ قليلً وأُجِر كثيا « متفق عليه‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪410‬‬
‫السياسة‬

‫و إنا ذكرت هذه القصة هنا لمرين‪:‬‬


‫الول‪ :‬أ ّن النب ل يقبل منه الهاد إل بعد التوحيد‪ ،‬ولكن قَبِل منه‬
‫جهاده قبل الصلة‪.‬‬
‫الثان‪ :‬أنّ بعض الناس يستدل به على التهوين من شأن الصلة والعمل‬
‫الصال وأنه ليس شرطا ف جهاد السلمي‪ ،‬وهو صحيح لو أن وقت الصلة‬
‫كان دخل مع وقت القتال فقدّم القتال‪ ،‬وهذا ليس لم عليه دليل‪ ،‬ويردّه‬
‫بوضوح تشريع صلة الوف وقت السايفة‪ ،‬وإنا كل ما ف المر أن وقت‬
‫عبادة الهاد كان قد دخل‪ ،‬وأما وقت عبادة الصلة فلم يِن بعد‪ ،‬فُأمِر أن‬
‫يشغل وقته بعبادته الناسبة‪ .‬ولّا كان التوحيد عبادة كل وقت ل يأذن له النب‬
‫ف تأخيه‪ ،‬ولذلك كان من ثاقب فهم البخاري ـ رحه ال ـ أن بوّب‬
‫له بقوله‪ " :‬باب‪ :‬عمل صال قبل القتال‪ ،‬وقال أبو الدرداء‪ :‬إنا تقاتلون‬
‫بأعمالكم "‪ .‬فتدبّر هذا تكن من الرّاشدين‪.‬‬
‫قال ابن القيم ـ رحه ال ـ‪ " :‬وله عليه ( أي ل على العبد ) ف كل‬
‫وقت من أوقاته عبودية تقدّمه إليه وتقرّبه منه‪ ،‬فإن شغَل وقته بعبودية الوقت‬
‫تقدّم إل ربّه‪ ،‬وإن شغله بوى أو راحة أو بطالة تأخّر‪ ،‬فالعبد ل يزال ف تقدّم‬
‫م‬‫منك ُ ْ‬‫شاءَ ِ‬ ‫من َ‬ ‫أو تأخّر‪ ،‬ل وقوف ف الطريق ألبتّة‪ ،‬قال تعال‪{ :‬ل ِ َ‬
‫()‬
‫خَر} " ‪ ،‬وقال‪ " :‬فإن ل يكن ف تقدم فهو متأخر‬ ‫و يَتَأ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫أَن يَت َ َ‬
‫قدَّ َ‬
‫‪1‬‬
‫مأ ْ‬
‫ولبد؛ فالعبد سائر ل واقف‪ ،‬فإما إل فوق‪ ،‬وإما إل أسفل‪ ،‬وإما إل أمام‪،‬‬
‫وإما إل وراء ‪ ...‬ما هو إل مراحل تُطوَى أسرع طيّ إل النة أو إل النار‪،‬‬
‫فمسرع ومبطئ‪ ،‬ومتقدم ومتأخر‪ ،‬وليس ف الطريق واقف ألبتّة‪ ،‬وإنا يتخالفون‬

‫() » الفوائد « ص (‪187‬ـ ‪.)188‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪411‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫()‬
‫ف جهة السي وف السرعة والبطء " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قلت‪ :‬ويدل عليه قول النبّ ‪ » :‬كلّ النّاس َيغْدُو؛ فبائعٌ نفسَه‪:‬‬
‫ف ُمعِْتقُها أو مُوِبقُها « رواه مسلم‪ ،‬وف رواية‪ (( :‬يا كعب بن عجرة! الناس‬
‫)‬
‫غاديان ‪. ()) ...‬‬
‫‪2‬‬

‫ه‬ ‫قلت‪ :‬كلّهم َيغْدُون‪ ،‬فمن ل يبع نفسه ل الذي قال‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫ن الل َ‬
‫هم بِأ َ َّ‬
‫ن‬ ‫وال َ ُ‬
‫فس ه م َ‬
‫وأ ْ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫ن أن ُ َ ُ ْ َ‬
‫منِي َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ُ‬
‫م َ‬
‫شتََرى ِ‬ ‫ا ْ‬
‫()‬
‫جنََّة}‪ ،‬باعها للشيطان الترصّد ؛ وذلك لنّال خلق للنسان‬
‫‪3‬‬
‫م ال َ‬
‫ه ُ‬‫لَ ُ‬
‫وقتا‪ ،‬وأمره بعبادات مناسبة لوقته فليست ( الواجبات أكثر من الوقات )‬
‫()‬
‫كما زعم حسن البنا ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ومن ل يَعمُر وقته با أُمر به افترسه الشيطان ول يهله‪ ،‬قالال تعال‪:‬‬


‫سل َ َ‬ ‫َ َ‬
‫خ‬ ‫فان َ‬ ‫ذي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا َ‬‫م نَبَأ ال ّ ِ‬‫ه ْ‬ ‫ل َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫{وات ْ ُ‬
‫عه ال َّ‬ ‫من ْها َ َ‬
‫ن}‪ ،‬قال ابن‬ ‫وي َ‬‫غا ِ‬
‫ن ال َ‬‫م َ‬‫ن ِ‬‫فكَا َ‬ ‫شيْطَا ُ‬
‫ن َ‬ ‫فأتْب َ َ ُ‬ ‫ِ َ‬
‫القيم‪ " :‬إنّ الشيطان أدركه ولقه بيث ظفر به وافترسه‪ ،‬ولذا قال‪:‬‬
‫() » مدارج السالكي « (‪.)1/267‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه عبد الرزاق (‪ )20719‬وعبد بن حيد (‪ )1138‬وأحد (‪ )3/321‬وابن حبان (‪،)7497‬‬ ‫‪2‬‬

‫وصحّحه ابن حجر ف (( المال الطلقة )) ص (‪.)214‬‬


‫() أشار ابن تيمية إل هذا العن‪ ،‬كما ف (( مموع الفتاوى )) (‪ )7/51‬وابن القيم ف‬ ‫‪3‬‬

‫(( الدواء الشاف )) ص (‪123‬ـ الريان)‪.‬‬


‫() » مموعة رسائل حسن البنا « ف أواخر » رسالة التعاليم « ص (‪ ،)30‬وهذه الكلمة‬ ‫‪4‬‬

‫الت فحواها اتام ال بالظلم ـ كما ترى ـ قد جُعلت من وصايا المام‪ ،‬وكثيا ما‬
‫تُوزّع ف الحافل العامة‪ .‬هذا وإن كنا نعلم أنم يقصدون با استنهاض المم للقيام‬
‫بالواجبات الركية! فنحن ل نعلم إل الواجبات الشرعية بيسرها وساحتها‪ ،‬والمد ل‬
‫التفرّد بالكم؛ وإل فلو كان المر لؤلء لرهقونا بواجبات ما أنزل ال با من سلطان!‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪412‬‬
‫السياسة‬

‫ن} ول يقل َتِبعَه؛ فإنّ ف معن {أَتْبََعُه} أدركه‬ ‫شيْطَا ُ‬ ‫عه ال َّ‬ ‫َ‬
‫{فأتْب َ َ ُ‬
‫()‬
‫ولقه‪ ،‬وهو أبلغ من تبعه لفظا ومعنًى " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ها} و{أَتْبََعُه}‬ ‫من ْ َ‬ ‫سل َ َ‬


‫خ ِ‬ ‫قلت‪ :‬تأمّل حسن موضع الفاء بي {ان َ‬
‫م‬‫و َ‬ ‫م الي َ ْ‬‫ص َ‬
‫عا ِ‬‫لنّها تفيد ترتيب التْبَاع على النسلخ بل مهلة و{ل َ َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬
‫من َر ِ‬‫ه إِل ّ َ‬ ‫ر الل ِ‬ ‫نأ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫هذا ف حقّ من شغل وقت الطاعة بالعصية أو على القلّ يقال‪ :‬ترك‬
‫الطاعة‪ ،‬بل وحت ف ح ّق من شغل وقته بطاعة خالصة ل لكن ل ين وقتها‬
‫بعد‪ ،‬ولذلك كان الهل با يصلح الوقت من عبادة يْرِم النّفس زكاتا ورقيّها‬
‫ف درجات الصّلح‪ ،‬يدلّ عليه آية وحديث‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قي َ‬
‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م تََر إِلَى ال ّ ِ‬‫ـ أما الية فهي قولال ‪{ :‬أل َ ْ‬
‫ما‬‫فل َ َّ‬
‫وءَاتُوا الَّزكَاةَ َ‬ ‫صلَةَ َ‬ ‫موا ال َّ‬ ‫قي ُ‬ ‫وأ َ ِ‬‫م َ‬ ‫ديَك ُ ْ‬
‫َ‬
‫فوا أي ْ ِ‬ ‫ك ُ ُّ‬
‫ن‬
‫و َ‬ ‫خ َ‬
‫ش ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬‫ق ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ف ِ‬‫ل إِذَا َ‬ ‫قتَا ُ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ب َ َ‬ ‫كُت ِ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫م‬‫قالُوا َربَّنَا ل ِ َ‬ ‫و َ‬‫ة َ‬ ‫شي َ ً‬‫خ ْ‬ ‫شدَّ َ‬ ‫و أَ َ‬ ‫شية الل َ‬
‫ه أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫خ ْ َ ِ‬ ‫س كَ َ‬ ‫النَّا َ‬
‫َ‬ ‫ول َ أ َ َّ‬
‫ب‬
‫ري ٍ‬ ‫ل َ‬
‫ق ِ‬ ‫ج ٍ‬‫خْرتَنَا إِلَى أ َ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫قتَا َ‬ ‫علَيْنَا ال ِ‬ ‫ت َ‬ ‫كَتَب ْ َ‬
‫ولَ‬
‫قى َ‬ ‫ن ات َّ َ‬
‫م ِ‬
‫خيٌْر ل ِ َ‬
‫خَرةُ َ‬
‫وال ِ‬‫ل َ‬ ‫ع الدُّنْيَا َ‬
‫قلِي ٌ‬ ‫متَا ُ‬
‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ق ْ‬
‫فتِيلً } فهؤلء نُهوا عن القتال وأُمروا بعبادة الصب‪ ،‬وإقام‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫تُظْل َ ُ‬
‫الصلة وإيتاء الزكاة‪ ،‬فشغلتهم عبادة الهاد عن عبادة الصب‪ ،‬ومن ث ل‬
‫ُيحْكموا عبادة الصلة والزكاة‪ ،‬فعوجلوا بعقوبة قلوبم كما صرّحت الية‪.‬‬
‫وأما الديث فهو ما رواه أحد والبخاري عن أب سعيد بن العلّى قال‪:‬‬
‫فدعان فلم آته حت صليت‪ ،‬ث أتيته‪،‬‬ ‫كنت أُصلي‪ ،‬فمرّ ب رسولال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا‬‫ن ءَا َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فقال‪ » :‬ما منعك أن تأت؟ أل يقلال ‪{ :‬يَأي ُّ َ‬

‫() » الفوائد « ص (‪.)100‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪413‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫َ‬
‫م}؟‬
‫حيِيك ُ ْ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫عاك ُ ْ‬
‫م لِ َ‬ ‫ل إِذَا دَ َ‬ ‫ولِلَّر ُ‬
‫سو ِ‬ ‫َ‬ ‫جيبُوا لِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ست َ ِ‬
‫ا ْ‬
‫«‪.‬‬
‫ما أبلغها من موعظة! عبد يؤخّر إجابة الرسول مشتغل بصلة النافلة يهدّد‬
‫بنقصان حياة قلبه؟ فكيف لو كان ف لو ولعب؟ فكيف لو استدرك علىال‬
‫حي يأمره بالصب على عدوّه أيام الستضعاف فل يستحيي أن يالفه متظاهرا‬
‫()‬
‫بب الهاد؟!‬ ‫‪1‬‬

‫حكمة ذلك‪ :‬لعل الكمة ف هذا كله ما أشار إليه الشيخ عبد الرحن‬
‫السعدي ـ رحه ال ـ حي قال‪ " :‬يرشدال عباده من جهة العمل إل قصر‬
‫نظرهم على الالة الاضرة الت هم فيها ‪ ...‬وهذه القاعدة الليلة دعا إليها‬
‫القرآن ف آيات عديدة‪ ،‬وهي من أعظم ما يدل على حكمةال ‪ ،‬ومن أعظم ما‬
‫يرقي العالي إل كل خي دين ودنيوي‪ ،‬فإنّ العامل إذا اشتغل بعمله الذي هو‬
‫وظيفة وقته‪ ،‬قصر فكره وظاهره وباطنه عليه فينجح‪ ،‬ويتمّ له المر بسب‬
‫حاله‪ ،‬وإن تشوّقت نفسه إل أعمال أخرى ل ين وقتها بعد‪ ،‬شُغل با ث‬
‫استبعد حصولا ففترت عزيته‪ ،‬وانلّت هّته‪ ،‬وصار نظره إل العمال الخرى‬
‫كليل‪ ،‬يُنقص من إتقان عمله الاضر و َجمْع المّة عليه‪ ،‬ث إذا جاءت وظيفة‬
‫()‬
‫العمل الخر جاءه وقد ضعفت هّته وقلّ نشاطه " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ه لَئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫هدَ الل َ‬
‫عا َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫هم َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫قلت‪ :‬ومنه قولال عزّ وجلّ‪َ { :‬‬
‫و ِ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ن ولَنَكُون َ َّ‬ ‫صدَّ َ‬
‫ق َّ‬ ‫ه لَن َ َّ‬‫ضل ِ ِ‬ ‫ف ْ‬‫من ِ‬ ‫ءَاتَانَا ِ‬
‫خلُوا ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ضل ِ ِ‬‫ف ْ‬ ‫من َ‬ ‫هم ِ‬ ‫ما ءَاتَا ُ‬ ‫ن‪َ .‬‬
‫فل َ َّ‬ ‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬‫ال َّ‬
‫َ‬
‫في‬ ‫فاقا ً ِ‬ ‫م نِ َ‬ ‫ه ْ‬‫قب َ ُ‬ ‫ن‪ .‬فأ َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ضو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬‫م ْ‬ ‫هم ُ‬ ‫وا و ُ‬ ‫ول ّ ْ‬ ‫وت َ َ‬

‫() راجع » منهاج السنة « لبن تيمية (‪.)... 5/254‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » القواعد السان « ص (‪ )136‬وقد أشار فيها إل الية التية‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪414‬‬
‫السياسة‬

‫ما‬
‫ه َ‬
‫فوا الل َ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫خل َ ُ‬ ‫ه بِ َ‬
‫ون َ ُ‬
‫ق ْ‬ ‫وم ِ يَل ْ َ‬
‫م إِلى ي َ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫قلوب ِ ِ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫ذبُو َ‬ ‫ما كَانُوا يَك ْ ِ‬ ‫وب ِ َ‬
‫عدُوهُ َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وقال أيضا‪ " :‬وربا كان الثان متوقفا على الول ف حصوله أو تكميله‪،‬‬
‫فيفوت الول والثان "‪.‬‬
‫ُ ُ َ‬
‫ولَ‬‫ن ءَاَمنُوا ل َ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫قلت‪ :‬ومنه قوله تعال‪{ :‬وي َقو‬
‫ُ‬
‫سوَرةٌ‬‫ت ُ‬ ‫زل َ ْ‬
‫فإِذَا أن ِ‬‫سوَرةٌ} أي تأمر بالقتال‪ ،‬قال‪َ { :‬‬ ‫ت ُ‬ ‫زل َ ْ‬
‫نُ ّ ِ‬
‫َ‬ ‫قتَا ُ َ‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫ها ال ِ‬ ‫في َ‬ ‫ة وذُكَِر ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫حك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫علَي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ي َ‬ ‫ش ِّ‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك نَظََر ال َ‬ ‫ن إِلَي ْ َ‬ ‫ض يَنظُُرو َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫هم َ‬ ‫قلوب ِ ِ‬
‫ُ ُ‬
‫ف‪.‬‬ ‫م‪ .‬طَا َ‬ ‫من الموت‪َ َ .‬‬
‫عُرو ٌ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫و ٌ‬ ‫ق ْ‬ ‫و َ‬‫ة َ‬ ‫ع ٌ‬ ‫ه ْ‬ ‫ولَى ل َ ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ِ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬‫خيْرا ً ل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ه لَكَا َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫صدَ ُ‬ ‫و َ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫مُر َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫عَز َ‬ ‫فإِذَا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫م أَن ت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫سدُوا في الْر ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ول ّيْت ُ ْ‬‫م إِن ت َ َ‬ ‫سيْت ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ُ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م الل ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫عن َ ُ‬ ‫ن لَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫م‪ .‬أولئ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫حا َ‬ ‫عوا أْر َ‬ ‫قط ِّ ُ‬ ‫وت ُ َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫ص َّ‬ ‫َ َ‬
‫ه ْ‬ ‫صاَر ُ‬ ‫مى أب ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫م ُ‬ ‫فأ َ‬
‫فتدبّر كيف كان عاقبة السيّئة السوأى؛ إذ تولّوا عن القناعة بأمرال لم‬
‫بالصلة و الزكاة‪ ،‬وطمحت نفوسهم إل جهاد عدوّهم قبل أن يُكتب‬
‫عليهم‪ ،‬فلمّا كتب عليهم الهاد تولّوا‪ ،‬فأصابتهم لعنةال لنّ ذلك الطموح‬
‫كان حاسة عجول‪ ،‬أو دفاع منتقم‪ ،‬أو استشفاء متغيّظ متحرّف لقتال‬
‫متحيّز إل نفسه‪ ،‬إل غي ذلك ما ترشح به قلوب الركات السلمية‬
‫اليوم‪ .‬ولذا ترى السلمي اليوم ـ على وعيهم الكبي لا يدور حولم ويُدبّر‬
‫لم فيما يقال ـ ل ينقطع سؤالم عن سبب تأخر صلح الشتغلي بالدعوة‪،‬‬
‫وقد يكونون ذوي نشاط وتنظيم كبيين‪ ،‬ف حي يقرأون عن الصحابة سية‬
‫شبيهة باليال ف عال الكمال‪ ،‬وهم ل يتنبّهون إل هذه القاعدة الليلة أل‬
‫‪415‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫وهي‪ :‬اشتراك جلّ الركات السلمية ف الشتغال با ليعنيهم ف حاضرهم‬


‫هذا‪ ،‬أل وهو السياسة‪ ،‬والبحث عن قتال العداء‪ ،‬وهم ل ياربوا أنفسهم‬
‫العادية‪ ،‬فهل تراهم خلّصوا متمعاتم بل وأنفسهم من الشركيات؟ وهل عرفوا‬
‫ربم كما عرفه السلف من غي تريف للساء والصفات؟ وهل ترى‬
‫مساجدهم مكتظة بأهلها ف صلة الفجر عند تنل اللئكة من السموات؟ فإن‬
‫صلَةَ ‪ .}...‬وصدق‬ ‫م ال َّ‬ ‫مت ُ ُ‬‫ق ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫م لَئ ِ ْ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ال يقول‪{:‬إنِّي َ‬
‫رسولال إذ يقول‪ »:‬مِن ُحسْنِ إسلم الرء َت ْركُه ما ل َيعْنِيه « رواه التّرمذيّ‬
‫()‬
‫وهو حسن‪ .‬فلن يسن إسلمنا ما أقمنا على ما ل يعنينا ف وقتنا هذا ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ب هذه اليات على آية فيها المر‬ ‫ومن أسرار الكتاب العزيز أن تُرتّ َ‬
‫بإصلح الوقت الاضر بالتّوحيد‪ ،‬وإصلح الاضي والستقبل بالستغفار وذلك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فْر‬‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬
‫وا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إِل ّ الل ُ‬ ‫ه ل َ إِل َ َ‬ ‫م أن َّ ُ‬ ‫عل َ ْ‬‫فا ْ‬ ‫قولال تعال‪َ { :‬‬
‫ت}‪.‬‬ ‫منَا ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ُ‬ ‫منِين َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ولِل ْ ُ‬‫ك َ‬ ‫لِذَنب ِ َ‬
‫َ َ‬
‫م‬ ‫قل ّبَك ُ ْ‬ ‫مت َ‬‫م ُ‬ ‫عل َ ُ‬‫ه يَ ْ‬ ‫والل ُ‬ ‫وما أحسن خاتتها حي قال سبحانه‪َ { :‬‬
‫م}!‬ ‫واك ُ ْ‬‫مث ْ َ‬‫و َ‬
‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫وينبّهال تعال على ما ف هذا النهج من ثبات على الدين فيقول‪َ { :‬‬
‫م} أي بقاتلة العدوّ‪،‬‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫قتُلُوا أَن ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫َ‬
‫مأ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫أَنَّا كَتَبْنَا َ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫م} أي بالجرة من الوطان البيبة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫َ‬
‫رك ُ ْ‬ ‫من ِديَا ِ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫{أ ِ‬

‫() ل يَكب عليك استدلل بذا الديث ف الباب فقد سبقن إل نظيه الشيخ ابن عثيمي‬ ‫‪1‬‬

‫حي قال‪ " :‬إن ماطبة السئولي ف الدولة مِن على هذا النب ل يَقتضيه العقل‪ ،‬ول‬
‫‪ » :‬مِن‬ ‫يأمر به الشرع؛ لنه ل يُجدي شيئا‪ ،‬وما ل يُجدي شيئا فقد قال النب‬
‫حسن إسلم الرء تَرْكه ما ل يعنيه « ‪ " ..‬من » فتوى حول فت الرائد والجلت «‬
‫ص (‪.)12‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪416‬‬
‫السياسة‬

‫م}!‬‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬‫ل ِ‬‫قلِي ٌ‬‫علُوهُ إِل َّ َ‬ ‫ف َ‬‫ما َ‬ ‫{ َ‬
‫ث قال‪{ :‬ول َ َ‬
‫ن‬‫ه لَكَا َ‬ ‫عظُو َ‬
‫ن بِ ِ‬ ‫علُوا َ‬
‫ما يُو َ‬ ‫ف َ‬‫م َ‬‫ه ْ‬‫و أن َّ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫شدَّ تَثْبِيتاً }‪ ،‬فأخب سبحانه أنّ ترك الشتغال‬ ‫وأ َ َ‬
‫م َ‬ ‫خيْرا ً ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫بجاهدة العدوّ بالسّيف وتعويضه بجاهدة النّفس ف ذلك الوقت هو أشدّ ما‬
‫يثَبّت على هذا الدين‪ ،‬وإل فقد قال السن ـ رحه‬
‫()‬
‫ال ـ‪ " :‬من علمة إعراضال عن عبده أن يعل شغله فيما ل يعنيه " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() (( التمهيد )) لبن عبد الب (‪ )9/200‬و» الرسالة الُغْنية « لبن البناء ص (‪.)62‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪417‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫العبادة الفضلى‬
‫سرّ السألة يتمثل ف معرفة العبادة الفضلى الت يركّز عليها وتستوعب‬
‫وقت الرء‪ ،‬وحول هذا جدل معروف لست بصدده‪ ،‬وإنا أذكر ما أعتقده‬
‫حقيقا بالتّحقيق ناقل عن ابن القيم ـ رحه ال ـ قوله‪ " :‬من ل يكن وقته‬
‫ل وبال فالوت خي له من الياة‪ ،‬وإذا كان العبد وهو ف الصلة‪ ،‬ليس له من‬
‫()‬
‫صلته إل ما عقَل منها‪ ،‬فليس له من عمره إل ما كان فيه بال ول " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قلت‪ :‬أما أن يكون الوقت ل فهو استنفاد العمر ف العبادة على تنوعها‬
‫حت ل يكون للشيطان منه نصيب‪ ،‬ومن فعله فقد حقق قوله تعال‪{ :‬إِيَّا َ‬
‫ك‬
‫د}‪.‬‬‫عب ُ ُ‬
‫نَ ْ‬
‫وأما أن يكون الوقت بال فهو أل تشغل وقتك إل بعبادة تناسبه‪ ،‬تستوحيها‬
‫ن}‪،‬‬‫عي ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫من الشرع النيف‪ ،‬ومن َفعَله فقد حقق قوله‪َ { :‬‬
‫وإِيَّا َ‬
‫قال ابن القيم‪ " :‬أفضل العبادة‪ :‬العمل على مرضاة الرب ف كل وقت با‬
‫()‬
‫‪2‬‬
‫هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته " ‪.‬‬
‫فأفضلها عند جهاد العدوّ جهاده‪ ،‬ولو آل ذلك إل ترك قيام اللّيل وصيام‬
‫ن‪.‬‬‫قْرءَا ِ‬ ‫ن ال ُ‬‫م َ‬
‫سَر ِ‬ ‫ما تَي َ َّ‬
‫قَرءُوا َ‬‫فا ْ‬‫النهار‪ ،‬قالال تعال‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ربُو َ‬
‫ض ِ‬‫ن يَ ْ‬‫خُرو َ‬ ‫ضى وءَا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫منكُم َ‬ ‫ن ِ‬‫سيَكُو ُ‬ ‫م أن َ‬ ‫عل ِ َ‬‫َ‬
‫ن‬‫خُرو َ‬ ‫ه وءَا َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫من َ‬ ‫َ‬
‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫غو َ‬‫ض يَبْت َ ُ‬
‫في الْر ِ‬
‫سَر ِمنُْه}‪.‬‬ ‫ما تَي َ َّ‬‫قَرءُوا َ‬ ‫فا ْ‬‫ه َ‬‫ل الل ِ‬
‫سبِي ِ‬ ‫ن في َ‬ ‫قاتِلُو َ‬ ‫يُ َ‬
‫‪ » :‬إنّ ل َزوْرك عليك‬ ‫وأفضلها عند نزول الضيف القيام بقه لقول النبّ‬
‫حقّا « رواه مسلم‪.‬‬

‫() » الداء والدواء « ص (‪ )186‬بتصرف يسي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » مدارج السالكي « (‪ )1/88‬وتفصيل ما يأت فمنه‪ ،‬إل الدلة‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪418‬‬
‫السياسة‬

‫وأفضلها عند ساع الذان أن تَترك ما أنت فيه من ذكر‪ ،‬وأن تيب الؤذّن‬
‫لقول النبّ ‪ » :‬إذا سعتم الؤذّن فقولوا مثل ما يقول « ال ‪ ..‬الديث‬
‫الذي رواه مسلم‪.‬‬
‫وأفضلها عند أوقات الصلوات البادرة إل الامع والنصح ف أدائها على‬
‫ول َ بَي ْ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫أكمل وجه لقولال تعال‪ِ { :‬‬
‫ع‬ ‫جاَرةٌ َ‬ ‫م تِ َ‬
‫ه ْ‬ ‫هي ِ‬ ‫ل ل َ تُل ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ر َ‬
‫وإِيتَاِء الَّزكَاِة}‪.‬‬ ‫ة َ‬ ‫صل َ ِ‬ ‫قام ِ ال َّ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫ه َ‬ ‫عن ِذك ْ ِ‬
‫ر الل ِ‬ ‫َ‬
‫وأفضلها عند السّحَر تلوة القرآن والدعاء والستغفار والصلة لقولال‬
‫َ‬
‫ن}‬‫جدُو َ‬ ‫س ُ‬‫م يَ ْ‬‫ه ْ‬ ‫و ُ‬
‫ل َ‬ ‫ه ءَانَاءَ الل ّي ْ ِ‬ ‫ت الل ِ‬‫تعال‪{ :‬يَتْلُون ءَايَا ِ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫َ‬
‫فُرو َ‬ ‫غ ِ‬‫ست َ ْ‬‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫ر ُ‬‫حا ِ‬ ‫س َ‬‫وبِال ْ‬ ‫ولقوله‪َ { :‬‬
‫وأفضلها عند ضرورة الحتاج إغاثته بالاه أو البدن أو الال لقول النبّ‬
‫‪ »:‬أطعموا الائع‪ ،‬وعُودُوا الريض‪ ،‬وفُكّوا العان « رواه البخاري‪.‬‬
‫وأفضلها عند لقاء أخيك التسليم عليه ولو أدى إل قطع الذّكر‪ ،‬وأفضلها‬
‫عند مرضه أو موته عيادته وتشييع جنازته لقول النبّ ‪ » :‬حقّ السلم على‬
‫السلم خس‪ :‬ردّ السلم وعيادة الريض واتّباع النائز وإجابة الدعوة‬
‫وتشميت العاطس « متفق عليه‪.‬‬
‫وأفضلها عند أذاة الناس لك أداء واجب الصب‪ ،‬مع خلطتك لجتمعهم‬
‫دون الرب منه لقول النبّ ‪ » :‬الؤمن الذي يالط النّاس ويصب على‬
‫أذاهم‪ ،‬خي من الذي ل يالط النّاس ول يصب على أذاهم « رواه ابن ماجه‬
‫وهو حسن‪ ،‬هذا ف أذيّة نفسك‪ ،‬أما إذا خفتَ منهم على دينك فأفضل العبادة‬
‫اعتزالم‪ ،‬إذ ُخلْطَتهم ف الشر شر‪ ،‬ودين الرء رأس ماله‪ ،‬لقول النبّ ‪:‬‬
‫» كيف بك يا عبدال بن عمرو إذا بقيتَ ف حُثالة من النّاس مَ َرجَت عهودهم‬
‫وأماناتم‪ ،‬واختلفوا فصاروا هكذا « وشبّك بي أصابعه‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول‬
‫‪419‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫ال ما تأمرن؟ قال‪ » :‬عليك باصة نفسك ودع عنك عوامهم « رواه ابن‬
‫حبّان وهو صحيح‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪420‬‬
‫السياسة‬

‫الطاعة‬
‫تعمّدت ذكر هذه المثلة بأدلّتها من الكتاب والسنة لسببي‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنّ تنوّع العبادات تابع لدلة الوحيي ل غي‪.‬‬
‫الثان‪ :‬أنّ انتقال العبد من عبادة إل أخرى بسب وقت كل منها دليل‬
‫على أنّه عبد حقيقيّ ل‪ ،‬لنّه ل يتحرك بواه ول بنتاج عقله ول بعادة قومه‪،‬‬
‫وإنا يقوم ويقعد بال ‪ ،‬فهو‪ " :‬صاحب تعبّد مطلق‪ ،‬ليس له غرض ف تعبّد‬
‫بعينه‪ ،‬يُؤْثره على غيه‪ ،‬بل غرضه تتبّع مرضاةال تعال أين كانت ‪ ...‬فهو ل‬
‫يزال متنقّل ف منازل العبودية ‪ ...‬فإن رأيت العلماء رأيته معهم‪ ،‬وإن رأيت‬
‫العبّاد رأيته معهم‪ ،‬وإن رأيت الجاهدين رأيته معهم‪ ،‬وإن رأيت الذّاكرين‬
‫رأيته معهم‪ ،‬وإن رأيت التصدّقي الحسني رأيته معهم ‪ ...‬فهذا هو العبد‬
‫الطلق‪ ،‬ل يكن عمله على مراد نفسه وما فيها لذّتا وراحتها من العبادات‪،‬‬
‫بل هو على مراد ربّه‪ ،‬ولو كانت راحة نفسه ولذّتا ف سواه‪ ،‬فهذا هو‬
‫ن} حقّا‪ ،‬القائم با صِدقا‪،‬‬‫عي ُ‬
‫ست َ ِ‬ ‫وإِيَّا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫عبُدُ َ‬ ‫التحقق بـ {إيَّا َ‬
‫ك نَ ْ‬
‫ملبسه ما تيّأ‪ ،‬ومأكله ما تيسّر‪ ،‬واشتغاله با أَمرال به ف كل وقت بوقته‪،‬‬
‫وملسه حيث انتهى به الكان ووجده خاليا ‪ ...‬حر مرّد‪ ،‬دائر مع المر‬
‫حيث دار‪ ،‬يدين بدين المر أنّى توجهت ركائبُه‪ ،‬و يدور معه حيث‬
‫استقلّت مضاربُه‪ ،‬يأنس به كل مقّ‪ ،‬و يستوحش منه كل مبطل‪ ،‬كالغيث‬
‫حيث وقع نفع‪ ،‬وكالنّخلة ل يسقط ورقها‪ ،‬وكلها منفعة حت شوكها‪،‬‬
‫وهو موضع الغلظة منه على الخالفي لمر ال‪ ،‬والغضب إذا انتهكت مارم‬
‫ال‪ ،‬فهو ل وبال ومع ال‪ ،‬قد صحب ال بل خَلق‪ ،‬وصحب الناس بل‬
‫نفس‪ ،‬بل إذا كان مع ال عزل اللْق عن البي‪ ،‬وتلّى عنهم‪ ،‬فواهًا له ما‬
‫أغربه بي الناس! وما أشد وحشته منهم! وما أعظم أنسه بال وفرحه به‬
‫‪421‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫"( )‬
‫وطمأنينته وسكونه إليه! وال الستعان‪ ،‬وعليه التكلن ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() » مدارج السالكي « (‪.)1/88‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪422‬‬
‫السياسة‬

‫الصدق ف الطاعة‬
‫قد يبدو النّاس كثيين ف طاعةال ‪ ،‬خاصة عند أول الماسة‪ ،‬وإذا حقّت‬
‫القائق وابتلي الؤمنون تيّز النفيس من السيس‪ ،‬وبان من هو على الطاعة‬
‫حريص من هو ف الصف دسيس‪ ،‬وكم هم الذين استعاروا ثوب السلفية‪ ،‬فإذا‬
‫رأوا من الهرّجي الضعفاء من يكي صولة السد‪ ،‬جاؤوه هرعي قد نفضوا‬
‫أيديهم من التصفية والتربية‪ ،‬وحدثاء السنان ف غرّة شبابم يُوعَدُون ويُ َمّنوْن‬
‫غُروراً }‪.‬‬ ‫ن إِل َّ ُ‬ ‫هم ال َّ‬
‫شيْطَا ُ‬ ‫عدُ ُ ُ‬‫ما ي َ ِ‬ ‫زورا‪َ { ،‬‬
‫و َ‬
‫وحرف السألة‪ :‬ف الصدق‪ ،‬و تال ما ُأتِيت الركات السلمية اليوم إل من‬
‫جهة عدم صدق معظمها ف إظهار الطاعة وحب التحاكم إل الكتاب والسنة؛‬
‫أل ترى أنم يؤمرون من قبل علماء السلفية بالصب والتحمل وعدم استعداء العداء‬
‫عليهم بالتّهييج السياسي وتتلى عليهم اليات البيّنات والحاديث الصحيحات‬
‫فيأبون إل تكيم عواطفهم؟! كما فعل أشياعهم من قبل؛ متجّي بشمولية السلم‬
‫لكل جوانب الياة‪ ،‬مع أنم ـ ف حقيقة أمرهم ـ قد حصروا السلم ف دائرة‬
‫()‬
‫الكم‪ ،‬وإذا وصلوا إل الكم فل إسلم! ومتجي بأنّ الهاد بالسيف من‬
‫‪1‬‬

‫الدين‪ ،‬غاضّي الطرف عن أننا مطالبون باتباع أحسن ما أنزل من الدين‪ ،‬وليس ف‬
‫ذلك اتباع لسلك الذين جعلوا القرآن عضي‪ ،‬أليس من تنيل رب العالي قوله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫من َ‬
‫قب ْ ِ‬ ‫من َربِّكُم ِ‬ ‫ل إِلَيْكُم ِ‬ ‫ز َ‬ ‫ما أن ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬‫ح َ‬ ‫عوا أ ْ‬ ‫{واتَّب ِ ُ‬
‫ن}؟! وقوله‪:‬‬ ‫غت َ ً َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ل َ تَ ْ‬ ‫ة وأنت ُ ْ‬ ‫ب بَ ْ‬ ‫عذَا ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫أن يَأتِيَك ُ ُ‬
‫ه أُولَئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫سن َ ُ‬‫ح َ‬‫نأ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫فيَتَّب ِ ُ‬‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫عو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ذين ي َ ْ‬ ‫{ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وأُولَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ب}؟! وقوله‪:‬‬ ‫م ألُو اللْبَا ِ‬ ‫ه ْ‬‫ك ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫هدَا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ها}‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ك يَأ ْ ُ‬‫م َ‬ ‫مْر َ‬ ‫وة ْ‬ ‫ها ب ِ ُ‬ ‫{ َ‬
‫سن ِ َ‬‫ح َ‬‫خذُوا بِأ ْ‬ ‫و َ‬
‫ق ْ‬ ‫وأ ُ‬ ‫ق َّ ٍ َ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫ف ُ‬

‫() وتلك هي بصماتم ف إيران وأفغانستان والسودان ‪...‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪423‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫والقتال إذا ل َيحِن وقته فليس أحسن ما أُنزل وإن كان ما أُنزل ول شك‪،‬‬
‫ل‬ ‫ولذا حذّرال تعال الفئة الؤمنة الول من استعجال القتال فقال‪{ :‬وي َ ُ‬
‫قو ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سوَرةٌ‬ ‫ت ُ‬ ‫زل َ ْ‬‫فإِذَا أن ِ‬ ‫سوَرةٌ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫زل َ ْ‬‫ول َ ن ُ ّ ِ‬ ‫منُوا ل َ ْ‬ ‫ن ءَا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫قتَا ُ َ‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫ها ال ِ‬ ‫في َ‬‫ة وذُكَِر ِ‬ ‫م ٌ‬‫حك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫علَي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ي َ‬ ‫ش ِّ‬‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك نَظََر ال َ‬ ‫ن إِلَي ْ َ‬
‫ض يَنظُُرو َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫هم َ‬ ‫قلوب ِ ِ‬
‫ُ ُ‬
‫ت}‪ ،‬ث نبّه على أنّ مشكلة الستعجلي ف تنكّبهم الطاعة‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م طَا َ‬ ‫الاضرة فقال‪َ َ { :‬‬
‫ف}‪ ،‬ث‬ ‫عُرو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫و ٌ‬ ‫ق ْ‬‫ةو َ‬ ‫ع ٌ‬ ‫ه ْ‬‫ولَى ل َ ُ‬ ‫فأ ْ‬
‫م‬‫عَز َ‬ ‫فإِذَا َ‬‫نبّه على أن حرف الشكلة ف الصدق‪ ،‬فقال سبحانه‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫هم}؛ لنه أَثبت للمرء‬ ‫خيْرا ً ل َ ُ‬ ‫ن َ‬‫ه لَكَا َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫صد َ ُ‬‫و َ‬‫فل َ ْ‬
‫مُر َ‬‫ال ْ‬
‫منُوا أ َ َّ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ن ءَا َ‬‫ذي َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬
‫ش ِ‬‫على الق‪ ،‬ولذلك قالال تعال‪{ :‬وب َ ّ ِ‬
‫م}‪.‬‬‫ه ْ‬
‫عندَ َرب ِّ ِ‬ ‫ق ِ‬‫صد ْ ٍ‬ ‫م ِ‬‫قدَ َ‬‫َ‬
‫وسر إضافة القَدَم إل الصدق أمران‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنّه دليل على الثبات‪ ،‬إذ يعبّر عنه بثبات القدم؛ لنّه ل يثبت إل‬
‫قائم على قدميه‪.‬‬
‫الثان‪ :‬أنّه دليل على السي الثيث إلال من غي التفات إل العوقات؛ لنّ‬
‫السي ل يكون إل بالقدم‪ ،‬كما يعبّر عن النعمة باليد؛ لنا العطية وعن الثناء‬
‫()‬
‫باللسان ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫فدلّ هذا كله على أن الثبات على الدين والسبق إل ربّ العالي إنا ها‬
‫()‬
‫بالصدق ف الطاعة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() » تفسي القرطب « (‪.)8/307‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر إن شئت » روح العان « لللوسي (‪11/62‬ـ ‪ ،)63‬و» زاد السي « لبن الوزي‬ ‫‪2‬‬

‫(‪4/5‬ـ ‪.)6‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪424‬‬
‫السياسة‬

‫فعاد المر حينئذ إل القلب؛ لنه وعاء الصدق‪ ،‬قال ابن القيم عند قوله‬
‫ه}‪" :‬‬ ‫قلْب ِ ِ‬
‫ءو َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ن ال َ‬
‫ل بَي ْ َ‬‫حو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫موا أ َ َّ‬
‫ن الل َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫تعال‪{ :‬وا ْ‬
‫وف الية قول آخر أن العن أنه سبحانه قريب من قلبه ل تفى عليه خافيةٌ؛‬
‫فهو بينه وبي قلبه‪ ،‬ذكره الواقدي عن قتادة‪ ،‬وكان هذا أنسب بالسياق؛ لن‬
‫الستجابة أصلها بالقلب فل تنفع الستجابة بالبدن دون القلب؛ فإنال‬
‫سبحانه بي العبد وبي قلبه‪ ،‬فيعلم هل استجاب له قلبه‪ ،‬وهل أضمر ذلك أو‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫أضمر خلفه " ‪.‬‬
‫روى أبو داود وأحد بإسناد صحيح عن وهب قال‪ :‬سألت جابرا عن‬
‫شأن ثقيف إذ بايعت؟ قال‪ :‬اشترطت على النبّ أن ل صدقة عليها ول‬
‫جهاد‪ ،‬وأنه سع النبّ بعد ذلك يقول‪ » :‬سيتصدّقون وياهدون إذا‬
‫أسلموا « قلت‪ :‬فتأمّل سياسة رسولال مع قوم ظهر صدقهم من إخبارهم‬
‫بتقصيهم وعدم الغشّ ف بيعة السلم والطاعة‪ ،‬فل عجب أن يسن‬
‫إسلمهم‪ ،‬وأن يثبّتهمال مع أب بكر الصديق ف حروب الردّة حي قلّ النصي‪،‬‬
‫واشتد من البيب النكي‪ ،‬وأعجب منه ما رُوي عن الغية بن شعبة أنه‬
‫قال‪ " :‬فدخلوا ف السلم‪ ،‬فل أعلم قوما من العرب بن أَب ول قبيلة‬
‫كانوا أصح إسلما ول أبعد أن يوجد فيهم غشّ ل ولكتابه‬
‫()‬
‫منهم " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ولذا كله يظهر لك سر ف كتابال ‪ ،‬حيث أنّال تعال ف كل آيات‬


‫الباب ينبّه عقبها على الصدق ف الطاعة بعد آيات الطاعة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قي َ‬
‫ل‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫م تََر إِلى ال ّ ِ‬ ‫ففي آية النساء عند قوله تعال‪{ :‬أل َ ْ‬

‫() » الفوائد « ص (‪.)90‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » الطبقات الكبى « لبن سعد (‪.)1/313‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪425‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬
‫َ‬ ‫ل َهم ك ُ ُّ‬
‫من‬ ‫م ‪ ،}..‬بيّنال تعال بعدها الطاعة فقال‪َ {:‬‬ ‫ديَك ُ ْ‬ ‫فوا أي ْ ِ‬ ‫ُ ْ‬
‫ما‬ ‫ولَّى َ‬
‫ف َ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ه و َ‬ ‫ع الل َ‬‫قدْ أَطَا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو َ‬ ‫ع الَّر ُ‬ ‫يُط ِ ِ‬
‫فيظاً }‪ ،‬ث حذّر من عدم الصدق فيها با‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫أْر َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫فإِذَا بََرُزوا ِ‬ ‫ة َ‬‫ع ٌ‬ ‫ن طَا َ‬ ‫قولُو ُ‬ ‫أخب عن النافقي فقال‪{ :‬وي َ ُ‬
‫َ‬
‫ه‬‫والل ُ‬‫ل َ‬‫قو ُ‬‫ذي ت َ ُ‬‫غيَْر ال ّ ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬‫ت طَائ ِ َ‬ ‫ك بَي َّ َ‬ ‫د َ‬ ‫عن ِ‬
‫ِ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫ما يُبَيِّتُو َ‬ ‫ب َ‬ ‫يَكْت ُ ُ‬
‫و ٌ‬
‫ل‬ ‫ق ْ‬ ‫ةو َ‬ ‫ع ٌ‬‫وف آية سورة ممد بيّن الطاعة بقوله‪{ :‬طَا َ‬
‫ن‬‫ه لَكَا َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫صدَ ُ‬ ‫و َ‬ ‫فل َ ْ‬‫ف}‪ ،‬ث بيّن الصدق فيها فقال‪َ { :‬‬ ‫عُرو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫خيْرا ً ل َ ُ‬ ‫ُ‬
‫وف الية الخرى من سورة النساء بيّنال الطاعة بقوله‪{ :‬ول َ َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫و أن َّ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫م}‪ ،‬ث بيّن فضل‬ ‫ه ْ‬ ‫خيْرا ً ل َ ُ‬ ‫ن َ‬‫ه لَكَا َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫عظُو َ‬ ‫ما يُو َ‬ ‫علُوا َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫فأُولَئ ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو َ‬ ‫ه والَّر ُ‬ ‫ع الل َ‬
‫من يُط ِ ِ‬ ‫الصدق فيها فقال‪{ :‬و َ‬
‫ال َّذين أ َ‬
‫ن‬‫قي َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ص ِّ‬ ‫وال ِّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن النَّبِيِّي َ‬ ‫م َ‬‫هم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫عل َ‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ِ َ‬
‫فيقاً }‪ ،‬وإنا‬ ‫ك َر ِ‬ ‫ن أُولَئ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ُ‬ ‫نو َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫وال َّ‬ ‫ء َ‬ ‫هدَا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫وال ُّ‬
‫َ‬
‫جعلته على معن الصدق‪ ،‬لن الصدق ف الطاعة تابع للصّدق ف الحبة‪ ،‬كما‬
‫روى الطبان ف (( الصغي )) بسند قوي لشواهده عن عائشة قالت‪ :‬جاء رجل‬
‫إل النبّ فقال‪ :‬يا رسولال ! إنّك لحب إلّ من نفسي‪ ،‬وإنك لحب إلّ‬
‫من أهلي ومال‪ ،‬وأحب إلّ من ولدي‪ ،‬وإن لكون ف البيت فأذكرك فما‬
‫أصب حت آتيك فأنظرَ إليك‪ ،‬وإذا ذكرت موت وموتك عرفت أنك إذا دخلت‬
‫النة رُفعتَ مع النّبيّي‪ ،‬وإنّي إذا دخلت النة خشيت ألّ أراك‪ ،‬فلم يردّ عليه‬
‫ه‬‫ع الل َ‬
‫من يُط ِ ِ‬‫و َ‬‫النبّ شيئا حت نزل جبيل عليه السلم بذه الية { َ‬
‫ه َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فأُولَئ ِ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫م ِ‬
‫ه ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫م الل ُ‬
‫ع َ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ع ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬
‫ك َ‬ ‫ل َ‬ ‫والَّر ُ‬
‫سو َ‬ ‫َ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪426‬‬
‫السياسة‬

‫ن} الية "‪.‬‬‫حي َ‬ ‫ء وال َّ‬


‫صال ِ ِ‬ ‫هدَا ِ‬ ‫ن وال ُّ‬
‫ش َ‬ ‫النَّبِيِّي َ‬
‫قي َ َ‬ ‫دي ِ‬
‫ص ِّ‬
‫وال ِّ‬‫ن َ‬
‫قلت‪ :‬بأيّ شيء صاروا لؤلء النعَم عليهم رفيقا وهم أضعف منهم‬
‫إيانا؟‪.‬‬
‫الواب‪ :‬بالبّ الصادق الذي ف قلوبم‪ ،‬فعن ابن مسعود قال‪ :‬جاء‬
‫ب قوما ول‬ ‫رجل إل النبّ فقال‪ :‬يا رسولال ! كيف تقول ف رجل أح ّ‬
‫يلحق بم؟ فقال‪ (( :‬الرء مع من أحبّ )) متفق عليه‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬
‫تعصي الل َه وأنت تُ ْظهِر حبّه هذا لعمري ف القياس بديع‬
‫لو كان حبّك صادقا لطعتـه إنّ الحبّ لـن يـحبّ مطـيع‬
‫‪427‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫اللصة‬
‫أكثر القراء ـ ف زمن الوهن العلمي ـ يطبون من فهارس الكتب‬
‫الخبار‪ ،‬خاصة إذا زيّنتْها السياسةُ! فبعضهم ل يتمالك عندها حت لعله ل‬
‫يعلق بذهنه منها إل هي! وبعضهم ينثن عن متابعة القراءة؛ لنه انتقِد له فيها‬
‫متبوعه‪ ،‬وما أقل من ينتصر للحق قبل الرجال! فكل هؤلء ل يستفيدون من‬
‫الي إن ُوجِد ف كتاب هذا؛ لن أخبار الناس عُرفَت أو أُنكرت ل تغيها‬
‫هراً }‪.‬‬ ‫َ‬ ‫{ َ‬
‫مرآءً ظَا ِ‬ ‫م إِل ّ ِ‬
‫ه ْ‬‫في ِ‬
‫ر ِ‬ ‫فل َ ت ُ َ‬
‫ما ِ‬
‫فأرجو حينئذ من القاريء إمعان النظر ف الصول والقواعد العلمية الت‬
‫نقلتها عن أهل العلم‪ ،‬والت منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أنن بذلت نصحي للمتصدين للدعوة أنه بدلً من أن يستجيبوا‬
‫للستفزازات السياسية‪ ،‬ويُضيّعوا مواهبهم ف الهاوشات الزبية‪ ،‬فلُي ْعنَوا‬
‫بتعظيم الشريعة‪ :‬تعلّمًا وتعليمًا؛ حت يُخرج ال منهم أو من أصلبم علماء‬
‫متهدين‪ ،‬يكونون على مستوى ما استعجلوه الن‪ ،‬ليحققوا الصل الذي من‬
‫أجله ألّفت هذا الكتاب‪ ،‬أل وهو ألّ يُفت ف النوازل السياسية إل عال‬
‫متهد‪ .‬وما َت َغوّل سفلة من رجال القانون للتوغّل ف هذا اليدان ـ بزعم أن‬
‫الشريعة ليست حكرا على أحد ـ إل عدوان عظيم؛ جرّؤوا به نوابت من‬
‫شباب السلم على ولوج هذا الباب زاعمي أن الشريعة أمرت كل مسلم‬
‫بالجتهاد ف كل الستجدات!‬
‫‪ 2‬ـ ومنها ما جعلته مدخلً لكتاب‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ـ أن الطريق الذي ارتضاه لنا ربنا واحد‪.‬‬
‫ـ وأن هذا الطريق منضبط بفهم السلف الصال للكتاب والسنة‪.‬‬
‫ـ وأن التمسك بالسنة ف أمن من الزية والكفر‪.‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪428‬‬
‫السياسة‬

‫ـ وأن الرد على الخالف من المر بالعروف والنهي عن النكر‪.‬‬


‫ـ وأن نيل السؤدد منوط بالعلم‪.‬‬
‫ـ وأن تفصيل ذلك بسلوك سبيل التصفية والتربية‪.‬‬
‫ل الثورات! وتعدد الماعات! وتكفي السلمي والسلمات!‬
‫‪ 3‬ـ بيّنتُ أن الزّجّ بالشباب ف خنقة التحزب هو سبب الناية على هذه‬
‫الصول‪ ،‬ومن حُرِم الصول حُرِم الوصول؛ قال الشيخ ممد البشي البراهيمي‬
‫ـ رحه ال ـ‪ " :‬العلم ‪ ..‬العلم ‪ ..‬أيها الشباب! ل يُلهيكم عنه سسارُ‬
‫أحزاب ينفخ ف ميزاب! ول داعية انتخاب ف الجامع صخاب! ول‬
‫يَلفتنّكم عنه معلّلٌ بسراب‪ ،‬ول حاوٍ براب‪ ،‬ولعاوٍ ف خراب يأتّ‬
‫()‬ ‫()‬
‫بغراب ‪ ،‬ول يَفتننّكم عنه مُ ْنزَوٍ ف خنقة‪ ،‬ول ُم ْلتَوٍ ف زَنقة ‪ ،‬ول جالسٌ ف‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫()‬ ‫()‬
‫ساباط على بساط‪ ،‬يُحاكي فيكم سنّة ال ف السباط ‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() لعله يريد قول الشاعر‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ومَن يكن الغراب له دليل َي ُمرّ به على جِيَف الكلبِ‬


‫() الزّنَقة‪ :‬بالتحريك‪ ،‬هي السكة الضيّقة‪ ،‬كما ف » لسان العرب « مادة‪ :‬زنق‪ ،‬ول‬ ‫‪2‬‬

‫يزال أهل الغرب إل اليوم يستعملونا كثيا‪ ،‬لكن بتسكي النون‪.‬‬


‫() الساباط‪ " :‬سقيفة تتها مرّ نافذ " » الصباح الني « مادة‪ :‬سبط‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫َ‬
‫ي عشْرةَ‬ ‫م اثْنَت َ ْ‬ ‫() سنة ال ف السباط هي التفرق‪ ،‬قال تعال‪{:‬وقطّ ْ‬
‫عناه ُ‬ ‫‪4‬‬

‫ما}‪ .‬وما أصدق هذه الوصاف الت ذكرها الشيخ على التحزب! لذا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سباطا ً أ َ‬
‫م ً‬ ‫أ ْ‬
‫ل يكن هذا السجع كسجع الكهان؛ لن الكهان يكذبون‪ ،‬وهذا حق مثلما أنكم‬
‫تنطقون؛ فإنه وإن بدا التحزب واصل جامعا‪ ،‬فإنه ل يلبث أن يكون مزقا قاطعا‪ .‬وإن‬
‫بدا أنه ييي ف الناس الغية على الحارم‪ ،‬فإن حقيقته أنه ييي فيهم الغية على (مارم‬
‫الزب) ويقتل فيهم الغية على مارم ال؛ أل ترى الواحد منهم إذا انتُقِد قطب حزبه‬
‫كيف يفارق‪ ،‬وتيَى فيه معان الباء؟! وإذا جاءه الطاعن ف الصحابة فل بأس أن يعانق‪،‬‬
‫‪429‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫فكل واحد من هؤلء مشعوِذ خلّب! وساحر كذاب! إنكم إن أطعتم‬


‫صعْتم إل هؤلء العُواة‪ ،‬خسرْت أنفسكم وخسرَكم‬ ‫هؤلء الغواة‪ ،‬وان َ‬
‫()‬
‫وطنُكم‪ ،‬وستندمون يوم يَجن الزارعون ما حصدوا‪ ،‬ولتَ ساعة ندَم " ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ 4‬ـ كما بيّنتُ أن تضييع الدعوة إل الدين الق وتنكّب طريق النبياء‬
‫سببه تفسيُ أكثرِ الدعاة اليوم الدينَ تفسيا سياسيا و َحصْرُ الدعوة ف السبيل‬
‫خيّل إليهم من سحرها أنا تسعى!! مع أنا‬‫السياسية أو التركيز عليها؛ يُ َ‬
‫تزيدهم كل يوم نكسة‪ ،‬وترجع بم القهقرى‪ ،‬وهذا أيضا من إفرازات الزبية‪،‬‬
‫الت كثيا ما تَخدع‪ ،‬حت يظن الظّانّ أن الطرق مسدودة إل بخالفة‬
‫النبياء!!!‬
‫‪ 5‬ـ لذا بذلت وسعي ف ربط هذه المة بعلمائها‪ :‬علماء الكتاب والسنة‬
‫ل علماء ضرائر كتب العلم‪ :‬الرائد ‪...‬‬
‫ولعل القاريء يلحظ أنه ليس لقلمي ف هذا الؤلّف سوى النقول عنهم؛‬
‫أبيّن هذا كي ل يقال‪ :‬كيف تكتب ف السياسة ولستَ من أهل الجتهاد؟!‬
‫هذا‪ ،‬وشباب الدعوة مع هذه الؤلفات ف أمر عجب! فمنهم من أقعده‬
‫العجز عن طلب معال المور‪ ،‬وطمع ف دخول حى غيه‪ ،‬فزعم أن باب‬
‫ويذكر معه معاذير الولء؟! بل ل يانع من التقارب مع الطاعن ف صفات ربه بنجر‬
‫التأويل والتحريف‪ ،‬أو بتسليط سيف التكذيب والتكييف‪ .‬وهكذا يمع الزبُ ما صفا‬
‫وكدر من العتقد‪ ،‬كما يمع اليزاب من الاء ما صلح وفسد‪ ،‬كما أن التحزب تغرير‬
‫بسراب المان‪ ،‬وحسبك أنه حرب على العلم؛ كما يظهر من أول كلم الشيخ‪ .‬ث إنن‬
‫حي كنت أعدّ الكتاب للطبع جاءن الب التواتر بأن الثوار عندنا وصل بم الد إل منع‬
‫التعليم الشرعي؛ فأقفلوا العهد الوطن العال لصول الدين بالزائر زمنا؛ لنه مؤسسة من‬
‫مؤسسات دولة الطاغوت!! فاللهم رحاك‪.‬‬
‫() » آثاره « (‪2/350‬ـ ‪.) 351‬‬ ‫‪5‬‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪430‬‬
‫السياسة‬

‫الجتهاد قد أُقفل! فالكل إذًا يتكلم ف السياسة؛ لنم ف مستوى واحد!!!‬


‫خلّي بنهج النبياء؛‬ ‫ومنهم من يعبد ال على حرف‪ ،‬فل يرضى بانتقاد ال ِ‬
‫حت ينظر لعلهم يَصِلون إل الكم! أما نن‪ ،‬فلو رأيناهم يتقلّبون ف كل بلد‬
‫ن‬ ‫ال‪ ،‬يَطيون من ُملْك إل ملك لقلنا كما أمر ال نبيه أن يقول‪َ { :‬‬
‫وإ ِ ْ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫ن}‪.‬‬‫ٍ‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫ى‬ ‫ع إِل َ‬
‫ٌ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ة لَ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫عل‬‫ري ل َ‬‫أدْ ِ‬
‫ومنهم الالك ف باطن الث‪ ،‬فيى أن هذه الكتابة ف زمن الهاد تثبيط!‬
‫صنِع على عي تطيط!!‬ ‫ول يكتب فيها إل ( عميل ) ُ‬
‫ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم‪ ،‬كلما صاح باطل ل‬
‫يُسمَع لم حسّ‪ ،‬وإذا نطق فيه حقّ بقّ قاموا ول يقعدوا‪ ،‬وضجّوا ول‬
‫يسكتوا‪ :‬ليس ذا الوقت! وليس ذا السلوب! هذا تنفي! ما الفائدة من هذه‬
‫الكتابات والفتنة قد غلت مراجلها‪ ،‬وأُضرِمت نارها!!!‬
‫وهؤلء يتظاهرون بالرجوع إل النهج الق كلما طاردتم الدلة أو‬
‫َ‬
‫ما ُردُّوا إِلَى‬ ‫غالبتهم مطارق النظمة‪ ،‬ول يُؤتَمَنون؛ لنم {كُل ّ َ‬
‫ها}‪ ،‬ومن أبرز أماراتم قولُهم‪ :‬لاذا ليَرُدّ على‬ ‫فتْن َ ُ‬
‫في َ‬ ‫سوا ِ‬ ‫ة أْرك ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِ‬
‫الكومة كما رَ ّد على إخوانه؟!‬
‫ومنهم ‪ ..‬ومنهم ‪ ..‬ول ف خلقه شئون‪.‬‬
‫‪431‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫الاتة‬
‫ال وحده يعلم أنّن ما كتبت ما كتبت تتبّعا للعورات‪ ،‬ول تفكّها‬
‫بالسوءات‪ ،‬ول طلبا للنّزال‪ ،‬ول حبّا ف الدال‪ ،‬ول نصرةً لنظمة الباطل‪ ،‬ول‬
‫خذلنا للقائمي ف وجه الصّائل‪ ،‬ولكنّن رأيت شباب السلم ف زهرة‬
‫عمره‪ ،‬وقوّة نشاطه‪ ،‬أقبل على العلم‪ ،‬وربا ضاقت عليه دياره حت هان عليه‬
‫مفارقتها‪ ( ،‬كالنحلة ترحل إل الكان السحيق‪ ،‬لترجع إل خليّتها بالرحيق )‪،‬‬
‫وكلما لحت على ميّاه مايل النجابة ُمدّت إليه يَدٌ عجلَى لتقطع عنه الطريق‪،‬‬
‫بإشغاله بالسياسة العصرية الت أضحت حيلة كل متال‪ ،‬وحِلية كل بطّال‪،‬‬
‫يلقط فُتات الخبار‪ ،‬من موائد إعلم الكفار‪ ،‬يبلعها بل هضم‪ ،‬ث يتقيّؤها على‬
‫أنه الحلّل الفهم‪ ،‬فتارة يطيع عاطفة غي معصومة‪ ،‬وتارة يتبع مصلحة موهومة‪،‬‬
‫فتأسّى به منهم من صارت السياسة عنده غراما‪ ،‬فقلت ل بد من تبيب الزّوج‬
‫على زوجها وإل كانت الفتنة لزاما‪ ،‬بتبيان منهج السلف عليهم منال رضاه‪،‬‬
‫با ل مطمع ف طَرْق حاه‪ ،‬وربط المّة بعلمائها‪ ،‬عصمة لا من أن يسوقها‬
‫الرّويبضة سوق النعاج إل حتفها‪.‬‬
‫فيا طلبة العلم! اصبوا على طلب العلم كتابا وسّنةً؛ فإنكم على خي! ول‬
‫تستبطئوا الوصول فقد جدّ بكم السي‪ ،‬ول تقروا ما أنتم عليه؛ فإنه الهاد‬
‫الكب! قال ابن القيم ـ رحه ال ـ ‪ " :‬فقوام الدين بالعلم والهاد‪ ،‬ولذا‬
‫كان الهاد نوعي‪:‬‬
‫ـ جهاد باليد والسنان‪ ،‬وهذا الشارك فيه كثي‪.‬‬
‫ـ والثان‪ :‬الهاد بالجة والبيان‪ ،‬وهذا جهاد الاصة من أتباع الرسل‪،‬‬
‫وهو جهاد الئمة‪ ،‬وهو أفضل الهادين؛ لعظم منفعته وشدّة مؤنته وكثرة‬
‫شئْنَا لَب َ َ‬
‫عثْنَا‬ ‫كيّة‪َ { :‬‬
‫ول َ ْ‬
‫و ِ‬ ‫أعدائه‪ ،‬قال تعال ف سورة الفرقان وهي م ّ‬
‫مدارك النظر في‬
‫‪432‬‬
‫السياسة‬

‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ع الكَا ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ذيراً ‪َ .‬‬
‫فل َ تُط ِ ِ‬ ‫ة نَ ِ‬ ‫ل َ‬
‫قْري َ ٍ‬ ‫في ك ُ ِّ‬ ‫ِ‬
‫هادا ً كَبِيراً }‪ ،‬فهذا جهاد لم بالقرآن‪ ،‬وهو‬
‫ج َ‬ ‫ه ِ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫هدْ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫جا ِ‬
‫و َ‬ ‫َ‬
‫()‬
‫أكب الهادين‪ ،‬وهو جهاد النافقي أيضا ؛ فإن النافقي ل يكونوا يقاتِلون‬
‫‪1‬‬

‫السلمي‪ ،‬بل كانوا معهم ف الظاهر‪ ،‬وربا كانوا يقاتِلون عدوّهم معهم‪ ،‬ومع‬
‫د الك ُ َّ‬ ‫ها النَّب ِ ُّ‬ ‫َ‬
‫فاَر‬ ‫ه ِ‬
‫جا ِ‬
‫ي َ‬ ‫هذا فقد قال تعال‪{ :‬يَأي ُّ َ‬
‫م}‪ ،‬ومعلوم أنّ جهاد النافقي كان‬ ‫ه ْ‬ ‫ظ َ َ‬ ‫غل ُ ْ‬‫وا ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ن َ‬
‫()‬
‫قي َ‬
‫ف ِ‬
‫منَا ِ‬
‫وال ُ‬ ‫َ‬
‫بالجة والقرآن ‪ ، "..‬وف (( جامع بيان العلم )) لبن عبد الب قول بعضهم‬
‫‪2‬‬

‫()‬
‫‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫ومِداد ما تري به أقلمهم أزكى وأفضل من دم الشّهداء‬


‫يا طالب عِـلـم الّنبّ مـمـد مــا أنتـمُ وسـواكــمُ‬
‫بسـواء‬

‫تّ تبييض أصله ف الزائر ف شعبان ‪ 1414‬هـ‬

‫والمد ل الذي بنعمته تتمّ الصالات‪.‬‬

‫() أي جهاد السلمي للمنافقي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() » مفتاح دار السعادة « (‪.)1/70‬‬ ‫‪2‬‬

‫() (‪.)1/31‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪433‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫‪7‬‬‫ـ تقريظ العلمة الشيخ ممد ناصر الدين اللبان‪..........................‬‬


‫‪12‬‬ ‫ـ تقريظ العلمة الشيخ عبد الحسن بن حد العبّاد البدر‪...................‬‬
‫‪20‬‬‫ـ تهيد‪ :‬فيه التذكي بنعمة السلم ونعمة السنة‪...........................‬‬
‫ـ ستة أصول‪:‬‬
‫‪25‬‬ ‫الول‪ :‬الطريق واحد‪....................................................‬‬
‫‪27‬‬ ‫الثان‪ :‬طريق الكتاب والسنة على فهم السلف الصال‪....................‬‬
‫‪36‬‬‫الثالث‪ :‬نيل السؤدد بالعلم‪...............................................‬‬
‫‪40‬‬‫• الهاد الكب عند ابن القيم‪...........................................‬‬
‫• لطيفة فيها الرد على الذين ظنوا سؤددهم ف التفوق الضاري أو التمكن من‬
‫‪42‬‬ ‫السلطة‪....................................................................‬‬
‫‪45‬‬ ‫الرابع‪ :‬صِمام المان من الكفر والزية باتباع الكتاب والسنة‪.............‬‬
‫‪53‬‬‫معن النصر الوعود‪.................................................‬‬ ‫•‬

‫‪55‬‬‫تديد مالف الرسول بالزيغ والكفر‪.................................‬‬ ‫•‬

‫‪57‬‬‫الخالفة نوعان‪.....................................................‬‬ ‫•‬

‫‪59‬‬‫تعجيل الزية لخالفي الرسل‪........................................‬‬ ‫•‬

‫‪60‬‬‫أهل الديث أقل الطوائف اختلفا‪..................................‬‬ ‫•‬

‫‪62‬‬‫تعظيم السنة سبـب دوام اللك‪....................................‬‬ ‫•‬

‫‪67‬‬ ‫الامس‪ :‬الرد على الخالف من المر بالعروف والنهي عن النكر‪.........‬‬


‫‪70‬‬‫معن (( انصر أخاك ظالا أو مظلوما )) ‪...............................‬‬ ‫•‬

‫‪70‬‬‫• فيه دفاع عن السلم من الطر الارجي فضل عن الداخلي‪..........‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪434‬‬
‫السياسة‬

‫‪71‬‬‫كلم نفيس لبن تيمية ف أن البتدع قد يكون أخطر من الكافر‪.......‬‬ ‫•‬

‫‪74‬‬‫مثله عن البراهيمي‪................................................‬‬ ‫•‬

‫‪75‬‬‫• أيهما أعظم‪ :‬جهاد العلم أو جهاد السيف؟‪..........................‬‬


‫‪80‬‬‫استعمال الشدة ف النكار على البتدعة ل يعن الولء للكفار‪.........‬‬ ‫•‬

‫‪84‬‬‫السادس‪ :‬التصفية والتربية‪...............................................‬‬


‫‪86‬‬‫بي الشيخ اللبان وأحد قادة جبهة النقاذ الزائرية‪..................‬‬ ‫•‬

‫‪91‬‬‫متصر تاريخ الدعوة الديث ف الزائر‪..................................‬‬


‫‪92‬‬‫الماعات الوجودة بعد الستقلل مع تعريف دقيق بالزأرة‪..........‬‬ ‫•‬

‫‪93‬‬‫• سبب ظهور الروافض ف الزائر‪....................................‬‬


‫‪98‬‬‫الرحلة الذهبية للدعوة‪..............................................‬‬ ‫•‬

‫‪103‬‬ ‫• جناية السياسة على الدعوة‪.........................................‬‬


‫• علي بن حاج والعلماء‪ ،‬وتأثّره بالخوان‬
‫‪..........................................................‬‬
‫‪108‬‬

‫‪109‬‬ ‫وف الامش‪ :‬التخبط العقدي عند تلميذ ممد قطب‪.................‬‬ ‫•‬

‫‪119‬‬‫تعليق اللبان على كتاب سفر الوال ف الرجاء‪....................‬‬ ‫•‬

‫‪129‬‬ ‫الطوار الت مرّ با علي بن حاج‪....................................‬‬ ‫•‬

‫‪134‬‬ ‫• جناية السياسة على العلم‪...........................................‬‬


‫‪135‬‬ ‫• جناية الفكر الارجي علىالدين‪....................................‬‬
‫‪138‬‬ ‫ـ حال الدعوات السياسية اليوم‪........................................‬‬
‫‪142‬‬‫ـ معن السياسة‪........................................................‬‬
‫‪149‬‬‫ـ الصلح السياسي‪...................................................‬‬
‫‪155‬‬‫ـ السياسة الشرعية قاصرة علىالجتهد‪.................................‬‬
‫‪435‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫‪163‬‬ ‫• أثر عظيم ف منع تعليم العوامّ السياسة‪ ،‬وفتوى للشيخ ابن عثيمي‪......‬‬
‫‪173‬‬ ‫• الشيخ اللبان ينهى ناصر العمر عن إسناد فقه الواقع لطلبة العلم‪.......‬‬
‫‪176‬‬ ‫ـ الامعون لفنون الشريعة هم السياسيون الشرعيون‪....................‬‬
‫‪178‬‬‫ـ نكت ف آيات الكتاب‪...............................................‬‬
‫‪182‬‬‫وابن تيمية‪.............‬‬ ‫الردّ على مارسي السياسة الستدِلّي بفعل يوسف‬
‫‪186‬‬‫ـ آية تأصيل حكم الباب وبعض فوائدها‪................................‬‬
‫‪193‬‬ ‫• حكم إذاعة الخبار السياسية‪.......................................‬‬
‫‪196‬‬ ‫قصة عظيمة ف ني الصحابة عن تتبع الخبار‪........................‬‬ ‫•‬

‫‪197‬‬ ‫• ناصر العمر يتتبع قصة يونانية خسة عشر عاما‪.......................‬‬


‫‪199‬‬ ‫الهل بالواقع غي قادح ف صاحبه‪..................................‬‬ ‫•‬

‫‪203‬‬ ‫توسم ابن مسعود ف الوارج واللبان ف جاعة التبليغ‪...............‬‬ ‫•‬

‫‪208‬‬ ‫فقه الواقع ليس إل طالب العلم‪.....................................‬‬ ‫•‬

‫‪211‬‬‫اعتراف علي بن حاج بعدم وجود كفاية من العلماء ف صفوفه‪........‬‬ ‫•‬

‫‪213‬‬ ‫أمثلة من انداع الزبيي السياسيي بالسياسات الائرة وجهلهم بالواقع‬ ‫•‬

‫‪216‬‬ ‫من منشورات ممد السعري‪.......................................‬‬ ‫•‬

‫دفاع عن أئمة السنة‪ ،‬ور ّد على ( الخوان السلمي ) ف موالتم لليهود‬ ‫•‬

‫‪219‬‬ ‫والنصارى‪.........................................................‬‬
‫‪223‬‬ ‫نصيحة الشيخ اللبان لبهة النقاذ‪..................................‬‬ ‫•‬

‫‪228‬‬ ‫• طعن علي بن حاج ف العلماء ( هامش )‪............................‬‬


‫• نص بيان استغاثة جبهة النقاذ بالبلان العالي وما فيه من كلمات الكفر‬
‫‪230‬‬

‫‪245‬‬ ‫• علي بن حاج يتحاكم إل الديقراطية وينبهر بالرية الغربية‪...........‬‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪436‬‬
‫السياسة‬

‫‪259‬‬‫كلمة عن الرجئة‪..................................................‬‬ ‫•‬

‫‪266‬‬‫ـ كلمة ذهبية لبن القيم ف التفريق بي فقه الواقع وفقه النفس‪...........‬‬
‫‪271‬‬ ‫سلمان العودة ينفي وجود الرجعية العلمية الصحيحة ف الزيرة وغيها‬ ‫•‬

‫‪272‬‬‫• كيف نصيحة الرعية للولة‪.........................................‬‬


‫نصيحة عظيمة من اللبان لناصر العمر ف حكم اتاذ وسائل العلم مصدرا‬ ‫•‬

‫‪278‬‬‫لعرفة الواقع‪.......................................................‬‬
‫‪283‬‬‫سلمان العودة يوجب على عامة الناس الدخول ف الشورى الديقراطية‪.‬‬ ‫•‬

‫‪288‬‬‫• الشورى ف السلم‪................................................‬‬


‫‪299‬‬‫سلمان العودة يقدّم فقه الواقع على العقيدة (هامش)‪..................‬‬ ‫•‬

‫‪302‬‬‫ـ متفقهون حول الواقع ل يفقهون الواقع‪..............................:‬‬


‫‪304‬‬ ‫‪ 1‬ـ فقه واقع الزائر عند سلمان العودة‪.................................‬‬
‫‪307‬‬‫• جبهة النقاذ والرافضة‪..............................................‬‬
‫‪308‬‬‫• جبهة النقاذ والعلم‪................................................‬‬
‫‪311‬‬‫• جبهة النقاذ والعقل‪...............................................‬‬
‫‪312‬‬‫مشاورة علي بن حاج العوام لقامة السيات والظاهرات‪.............‬‬ ‫•‬

‫‪314‬‬‫إقرار رئيس البهة على اتام اللبان بالعمالة الصهيونية‪...............‬‬ ‫•‬

‫سلمان يدعو جبهة النقاذ ونساء السعودية إل التمثل بالثورة الشيوعية ف‬ ‫•‬

‫‪318‬‬‫مقاومة النظمة بالعنف‪.............................................‬‬


‫‪321‬‬‫• فتوى الشيخ اللبان فيمن تقتله النظمة الائرة اليوم‪..................‬‬
‫‪322‬‬‫بي جبهة النقاذ وجعية العلماء السلمي الزائريي‪..................‬‬ ‫•‬

‫‪323‬‬‫كلمة متصرة دقيقة للشيخ البراهيمي ف حكم التحزب‪..............‬‬ ‫•‬

‫‪325‬‬‫كلمة الشيخ ابن باديس ف العمل السياسي‪...........................‬‬ ‫•‬


‫‪437‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫‪329‬‬‫• غزو القلميي ( الزأرة ) لبهة النقاذ‪..............................‬‬


‫‪332‬‬‫كلمة عظيمة من اللبان عقب فوز البهة بالنتخابات البلانية‪........‬‬ ‫•‬

‫‪334‬‬‫• تكذيب اللبان وابن باز فيما ادّعاه عليهما سلمان من تأييد البهة‪....‬‬
‫‪335‬‬‫صورة فاكس الشيخ اللبان لبهة النقاذ ونصّه‪......................‬‬ ‫•‬

‫‪344‬‬‫• الردّ على عبد الرحن عبد الالق فيما نسبه للشيخ اللبان (هامش)‪....‬‬
‫‪347‬‬‫• فتوى الشيخ ابن باز ف نازلة الزائر‪.................................‬‬
‫‪354‬‬‫البهة وقضية الليج‪...............................................‬‬ ‫•‬

‫‪354‬‬‫وصف علي بن حاج لعلماء السعودية‪...............................‬‬ ‫•‬

‫‪356‬‬‫• نتائج تريض سلمان لبهة النقاذ من تكفي وتقتيل‪..................‬‬


‫‪360‬‬‫• رسالة سريّة فيها أن علي بن حاج وراء الغتيالت (هامش)‪..........‬‬
‫‪362‬‬‫سلمان العودة يطلب من شعبه حاية ولو بالدماء ( هامش )‪...........‬‬ ‫•‬

‫‪368‬‬‫• واقع مكذوب‪.....................................................‬‬


‫‪372‬‬‫‪ 2‬ـ فقه واقع الزائر عند الدكتور سفر الوال‪..........................‬‬
‫‪373‬‬‫• القضاء عند سفر‪...................................................‬‬
‫‪376‬‬‫أكب أخطائه ف الوضوع‪...........................................‬‬ ‫•‬

‫‪378‬‬‫• احتضانه البتدعة‪...................................................‬‬


‫‪380‬‬‫واقع قدي يسبه حديثا‪.............................................‬‬ ‫•‬

‫‪381‬‬‫سلوك الطريق الديقراطي عنده‪......................................‬‬ ‫•‬

‫‪382‬‬‫معن يقظة الشعب عنده‪............................................‬‬ ‫•‬

‫‪386‬‬‫• رأي الزبيي ف علماء السعودية‪....................................‬‬


‫‪387‬‬‫موقف البهة و( الخوان السلمي ) من قضية الليج‪................‬‬ ‫•‬

‫‪388‬‬‫خطأ ف النقل عن الدستور الزائري‪.................................‬‬ ‫•‬


‫مدارك النظر في‬
‫‪438‬‬
‫السياسة‬

‫‪389‬‬‫اللط بي الطريقة السلفية والطريقة اللفية‪..........................‬‬ ‫•‬

‫‪390‬‬‫• تناقضاته‪...........................................................‬‬
‫‪391‬‬‫كلم ساقط جدا ف الطعن ف العلماء ( هامش )‪.....................‬‬ ‫•‬

‫‪ 3‬ـ فقه واقع الزائر عند بشر البشر‪:‬‬


‫‪400‬‬‫• زعمه أن الشيخ أحد سحنون من جبهة النقاذ‪.......................‬‬
‫‪401‬‬‫مشايخ الشعرية يُنسبون إل السلفية‪.................................‬‬ ‫•‬

‫‪403‬‬‫• مرثية سحنون للخمين‪.............................................‬‬


‫‪408‬‬‫الكلم على مفوظ نناح‪...........................................‬‬ ‫•‬

‫‪411‬‬‫• قيود الشيخ ابن عثيمي على التحزبي‪...............................‬‬


‫‪414‬‬‫• تكذيبه لن نسب إليه تأييد مواجهة النظام الزائري وكذا الظاهرات‪...‬‬
‫‪ 4‬ـ فقه واقع الزائر عند عائض القرن‪:‬‬
‫‪416‬‬‫تأييده هو وسفر الوال وسلمان العودة للمظاهرة النسوية‪............‬‬ ‫•‬

‫‪421‬‬ ‫ـ شبهتان والرد عليهما‪................................................:‬‬


‫أ ـ قولم‪ :‬هم متهدون مأجورون أخطأوا أو أصابوا‪.‬‬
‫ب ـ قولم‪ :‬كيف يُعرف متهدو النوازل؟‬
‫‪429‬‬ ‫ـ دعوة‪ :‬تعالوا إل كلمة سواء‪..........................................‬‬
‫‪431‬‬‫توقيف هيئة كبار العلماء لسلمان وسفر‪.............................‬‬ ‫•‬

‫‪433‬‬‫ـ الواجب اليوم‪ :‬إصلح الوقت لصلح الال‪.........................:‬‬


‫‪445‬‬‫• العبادة الفضلى‪.....................................................‬‬
‫‪448‬‬‫• الطاعة‪............................................................‬‬
‫‪450‬‬‫• الصدق ف الطاعة‪..................................................‬‬
‫‪455‬‬‫ـ اللصة‪ :‬فيها وَصْف الشيخ البراهيمي للحزبيي‪.......................‬‬
‫‪439‬‬ ‫مدارك النظر في‬
‫السياسة‬

‫‪460‬‬‫ـ الاتة‪ :‬وفيها كلم مه ّم عن الهاد لبن القيم‪..........................‬‬


‫‪462‬‬‫ـ فهرس الكتاب‪.......................................................‬‬

You might also like