You are on page 1of 37

‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫لسماحة الشيخ العلّمة المحقق ‪ :‬أحمد بن حمد الخليلي‬


‫حفظه ال وسدد على الخير خطاه‬
‫"المفتي العام لسلطنة عمان"‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫الحمد ل الذي شرف العابدين بعبادته ‪ ،‬وميّز الطائعين بطاعته ‪ ،‬أحمده تعالى بما هو له أهل‬
‫من الحمد وأثني عليه ‪ ،‬وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه ‪ ،‬وأومن به وأتوكل عليه ‪ .‬من‬
‫يهده ال فل مُضييل له ‪ ،‬وميين يضلل فل هادي له ‪..‬وأشهييد أل إله إل ال وحده ل شريييك له ‪،‬‬
‫وأشهييد أنييّ محمداً عبده ورسييوله ‪ ،‬أرسييله ال رحم ًة للعالمييين ‪ ،‬وسييراجًا للمهتدييين ‪ ،‬وإماماً‬
‫للمتقيين ‪ ،‬فبلغ الرسيالة وأدّى المانية ونصيح المية وكشيف الغمية ‪ ..‬صيلوات ال وسيلمه علييه‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ،‬وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين ‪ ..‬أما بعد ‪:‬‬
‫فالسيلم عليكيم أيهيا الخوة المؤمنون ورحمية ال وبركاتيه ‪ ،‬أحييكيم بهذه التحيية الجليلة ‪ ،‬تحيية‬
‫الخيير والمرحمية ‪ ،‬التيي اختارهيا ال سيبحانه وتعالى لعباده المؤمنيين فيي الدنييا وجعلهيا شعاراً‬
‫لهم يوم يلقونه ‪ ..‬وأهنئكم بهذا الجتماع في بيت من بيوت ال حيث تتصل القلوب فيه ببارئها‬
‫وتُناجي فيه الرواح خالقها ‪.‬‬
‫ولقيد سيُررتُ بهذه النخبية الطيبة المجتمعة فيي هذا المكان الطييب ‪ ،‬ورأيتُي أنسيب ميا يكون أنْي‬
‫أتحدث عن (العبادة في السلم) ‪.‬‬
‫إن موضوع العبادة فيي السيلم متشعيب فله مجالت شتّى من حييث أحكام هذه العبادات ‪ ،‬وله‬
‫مباحث واسعة من حيث معطياتها ‪ ،‬فإن لكل عبادة من هذه العبادات عطاءاً مدرارا ً‪ .‬والعبادة‬
‫التييي فرضهييا ال سييبحانه وتعالى على النسييان فيهييا قوام حياتييه ‪ ،‬ذلك لن النسييان ميّزه ال‬
‫سبحانه وتعالى عن سائر الخلق بما أعطاه من المواهب الحسية والمعنوية ‪ ،‬ومكّن له في هذه‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫الرض ‪ ،‬فحياتييه فيهييا تختلف عيين حياة أي كائن آخيير ‪ ،‬ولذلك تدركون جميعاً أن النسييان‬
‫استطاع بما أعطاه ال عز وجل من هبات أن يسخر سائر الكائنات الموجودة في هذه الرض‬
‫لمصيلحته بينميا هذه الكائنات لم تسيتطع أن تسيخر النسيان لمصيلحتها ميع ميا آتيى ال سيبحانه‬
‫وتعالى بعضهييا ميين طاقات وقوى ‪ ،‬فكثييير ميين الحيوانات تفوق النسييان ميين حيييث القوى‬
‫الجسدية ‪ ،‬ولكن مع ذلك ما استطاعت أن تسخر النسان ‪ ،‬بينما النسان هو الذي استطاع أن‬
‫يسخرها‪.‬‬
‫وهذه الكائنات المختلفية ميا اسيتطاعت أن تسيتغل منافيع هذه الرض كاسيتغلل النسيان لهيا ‪،‬‬
‫فالنسان هو الذي استخرج معادن الرض من مكامنها ‪ ،‬والنسان هو الذي استطاع أن يسخر‬
‫طبيعيية الرض وطبيعيية الكون ميين حول الرض لمصييلحته ‪ ،‬وهييو الذي شاء ال سييبحانه‬
‫وتعالى أن يجعييل ميين بييين سييائر الكائنات الموجودة فييي هذه الرض مطبوعاً بطابييع التطور‬
‫والرتقاء من حال إلى أخرى‪.‬‬
‫فالنسييان فييي هذا اليوم يختلف عيين النسييان فيمييا قبله ‪ ،‬فالناس فيمييا تقدّم ميين القرون كانوا‬
‫يسيخرون الوسيائل البدائيية لمصيالحهم ‪ ،‬بينميا إنسيان هذا اليوم تطور حتيى اسيتطاع أن يسيخر‬
‫الكهرباء للمنافيع المتنوعية له ‪ ،‬فاسيتطاع أن يسيخرها فيي التعميير وأن يسيخرها فيي التدميير ‪،‬‬
‫واستطاع أن يسخرها في التبرييد وأن يسخرها في التسيخين ‪ ،‬وأن يسيخرها في التحرييك وأن‬
‫يسخرها في السكان ‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫واستطاع النسان في هذا العصر أن يقطع المسافات الطويلة في مدد قصيرة ‪ ،‬كل ذلك راجع‬
‫إلى طبيعية التطور الكامنية فيي فطرتيه ‪ ،‬فتمييزه بيين سيائر المخلوقات يدل على مكانتيه ‪ ،‬تلكيم‬
‫ح ِر وَرَزَ ْقنَاهُم‬
‫المكانة التي أخبر ال تعالى بها في قوله‪ (( :‬وََلقَدْ كَ ّر ْمنَا بَنِي آدَ َم وَحَ َم ْلنَاهُ مْ فِي اْلبَ ّر وَالْبَ ْ‬
‫ت وََفضّ ْلنَاهُ ْم عَلَى َكثِ ٍي مّمّنْ خََل ْقنَا تَ ْفضِيلً )) { السراء‪.} 70/‬‬
‫مّنَ ال ّطيّبَا ِ‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫النسان خليفة ال في أرضه ‪:‬‬

‫والنسان الذي أعطاه ال هذه الكرامة واختصه بها من بين سائر المخلوقات ‪ ،‬فكان أرفع منها‬
‫ل ‪ ..‬أُُوتَي ميا أُوتييه مين تلك المواهيب لن ال تعالى اختصيه بمنصيب فيي‬
‫شأنًا وأجيل منهيا منز ً‬
‫هذه الرض ‪ ،‬ذلكيم المنصيب هيو "الخلفية" التيي أخيبر ال بهيا فيي قوله سيبحانه ‪ (( :‬وإذ قال‬
‫ربك للملئكة إنّ جاعل ف الرض خليفة قالوا أتعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونن نسبح بمدك‬
‫ونقدس لك ‪ ،‬قال إن أعلم ما ل تعلمون )) ‪ { ،‬البقرة‪.} 30/‬‬
‫فالنسان إذاً يتحمل أمانة ‪ ...‬هذه المانة هي الخلفة في هذه الرض ‪.‬‬

‫ومييين المسيييتخلِف ؟! ‪ ..‬المسيييتخلِف هيييو ال سيييبحانه وتعالى ‪ ،‬وإذا فعلى النسيييان أن يكون‬
‫موصولً بال سبحانه ‪.‬‬
‫والصلة بال تتم بأمرين ‪:‬‬
‫وثانيهما ‪ :‬العمل الصالح‬ ‫أولهما ‪ :‬العقيدة الصحيحة‬

‫فإن النسييان إن لم يكيين معتقدا العتقاد الصييحيح ل يمكنييه أن يقوم بواجبات هذه الخلفيية ‪...‬‬
‫ذلكييم لن النسييان إن لم يكيين معتقده صييحيحاً كان بمثابيية الحيوان العجييم ل يرى قيميية لهذه‬
‫الحياة إل بقدر مييا يكسييب فيهييا ميين منافييع نفسييه ‪ ..‬ول يعرف امتدادًا لهذه الحياة إل بقدر هذه‬
‫المرحلة القصيرة المحدودة بين المبدأ والمصير ‪ ،‬ولكنه إن آمن اليمان الصحيح الذي فرضه‬
‫ال سبحانه وتعالى على الخلق ‪ ،‬إيماناً بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وبالقدر خيره‬
‫وشره مين ال كان هذا العبيد موصيولً بربيه ‪ ..‬ولكين هذا اليمان سيرعان ميا يتأثير بمؤثرات‬
‫مختلفية ‪ ،‬فطبيعية النفيس النسيانية طبيعية فيهيا الشره والنانيية والرغبية فيي السيتئثار ‪ ،‬إلى ميا‬
‫وراء ذلك مين العادات السييئة التيي يكسيبها النسيان مين خلل احتكاكيه بالناس ‪ ،‬وميا يقيع بينيه‬
‫وبينهييم ميين الخلفات والمنازعات ‪ ،‬فالتغلب على ذلك كله أميير صييعب ‪ ،‬وذبال ُة اليمان التييي‬
‫تشيع فيي نفيس النسيان سيرعان ميا تنطفيئ عندميا تغشاهيا هذه الغواشيي وتعصيف بنورهيا هذه‬
‫ل بال سبحانه وتعالى أيضاً من خلل‬ ‫الطبائع ‪ ،‬لذلك كان النسان بحاجة إلى أن يكون موصو ً‬
‫عمله ‪ ،‬وذلك ميين خلل القيام بهذه العبادات المختلفيية التييي فرضهييا ال سييبحانه وتعالى على‬
‫النسان إذ هي بمثابة الوقود لهذه الشعلة ‪.‬‬
‫وبأداء هذه العبادات يمكين لهذا النسيان أن ينظيم حياتيه كلهيا فتكون متناسيقة ل يطغيى جانيب‬
‫منها على جانب ‪ ،‬ول يؤثر مصلحة نفسه على مصلحة غيره ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫العبادة بُعِثَ إليها جميع المرسلين‪:‬‬


‫إن العبادة التيي جعلهيا ال سيبحانه وتعالى صيلة بينيه وبيين خلقيه ‪ ،‬وجعيل فيهيا غذاء للرواح‬
‫والقلوب ‪ ،‬قيد بعيث للدعوة إليهيا جمييع المرسيلين ‪ ،‬فميا مين نيبي أرسيله ال سيبحانه وتعالى إلى‬
‫قومه إل وكانت دعوته بينهم أن يفردوا ال تعالى بالعبادة وألّ يشركوا مع ال أحداً ‪ ..‬يقول ال‬
‫ك مِن رّسُولٍ إِلّا نُوحِي إَِليْهِ َأنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا َأنَا فَا ْعبُدُون ِ)( }النبياء ‪،‬‬
‫سبحانه وتعالى‪َ )) :‬ومَا أَرْسَ ْلنَا مِن َقبْلِ َ‬
‫‪ {25‬وقد أخبر ال تعالى عن نوح وعن هود وعن صالح وعن شعيب عليهم السلم أنهم قالوا‬
‫لقومهم‪ (( :‬اعبدوا ال ما لكم من إله غيه )) ‪.‬‬

‫وحكيى عن عبده المسيح عليه السلم أنه قال ‪ (( :‬ا ْعبُدُواْ اللّ هَ َربّي وَ َرّبكُ مْ )) } المائدة‪.{ 117/‬‬
‫وبيّن سيبحانه أن الغايية مين خلق النسيان والجين هيي العبادة ‪ ،‬فقيد قال عيز مين قائل ‪ (( :‬وَمَا‬
‫ت الْجِ ّن وَالْإِنسَ إِلّا ِلَي ْعبُدُونِ )) } الذاريات ‪. }56/‬‬
‫خََل ْق ُ‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫العبادات ليست خاضعة لعقول الناس وتجاربهم ‪:‬‬

‫لم يكيل الخالق سيبحانه وتعالى أمير العبادات إلى الناس أنفسيهم ‪ ،‬فيعبدوا ال كميا تملي عليهيم‬
‫عقولهيم وأفكارهيم ‪ ،‬وإنميا جعيل أمير العبادة أمراً غيير خاضيع للتجارب ول للنظريات ‪ ،‬فهيو‬
‫أمييير خاص بتوجييييه ال سيييبحانه وتعالى ‪ ..‬لن العقول مهميييا اسيييتنارت ‪ ،‬والفكار مهميييا‬
‫تطوّرت ‪ ،‬والبصييائر مهمييا تفتحييت فإنهييا ل تسييتطيع أن ترسييم الطريييق الصييحيح لعبادة ال‬
‫سبحانه وتعالى وإنما ال سبحانه وتعالى هو الذي يهدينا إلى عبادته عز وجل‪.‬‬

‫والعبادة – بجانب كونها امتثالً من العبد لربه سبحانه وتعالى ‪ ،‬وصلة بين العبد وخالقه – هي‬
‫رباط بيين الفرد ومجتمعيه ‪ ،‬وميع ذلك كله هيي اسيتجابة لمطلب ملّح ‪ ،‬ونداء متتابيع مين أعماق‬
‫نفيس النسيان ‪ ،‬فإن كيل أحيد يشعير بالخواء الروحيي والفراغ الفكري إذا لم يعبيد ال سيبحانه‬
‫وتعالى ‪ ..‬ولذلك فإن الناس الذييين لم يتلقوا طريقيية العبادة ميين الوحييي هاموا فييي هذا الميير‬
‫واتبعوا أهواءهم فسلكوا طرائق قدداً ‪ ،‬فمنهم من صار يعبد الظواهر الكونية الطبيعية ‪ ،‬ومنهم‬
‫من صار يعبد القوى الروحانية الخفيّة ‪ ،‬ومنهم من صار يعبد أنواعاً من المخلوقات الظاهرة‬
‫‪ ..‬ومنهييم ‪ ..‬ومنهييم ‪ ...‬وفييي هذا كله مييا يدلنييا على أن كييل أحييد يشعيير بالضرورة الملحيية ‪،‬‬
‫والحاجة التي ل تقف عند حد إلى العبادة ‪ ..‬لجل إدرك الناس ضرورة العبادة من حيث أنهم‬
‫أدركوا أن وراء هذا العالم قوة غيبييية تُهيميين عليييه ‪ ،‬وأدركوا ضرورة التصييال بهييا فأخذوا‬
‫يبحثون عين طرق العبادة ‪ ،‬وحاول بعضهيم أن يتصيل بهذه القوة الغيبيية بطريقية أو بأخرى ‪..‬‬
‫فمنهم من أتخذ الوسائط إلى تلك القوة والظواهر الكونية ‪ ،‬ومنهم من اتخذ الوسائط إليها القوى‬
‫الطبيعية ‪ ،‬ومنهم من اتخذ الوسائط إليها القوى الروحانية الخفيّة ‪ ..‬وكل منهم لسان حاله يقول‬
‫‪ (( :‬ما نعبدهم إلّ ليقربونا إل ال زُلفى )) { الزمر‪.} 3/‬‬

‫ومن ذلك نتبين أن العبادة الصحيحة ل يهتدى إليها بالفكر البشري و ل بالتجربة وإنما يهتدى‬
‫إليها بوحي من ال سبحانه ‪ ،‬كما أنه يتبين أن النسان ولو تفتحت له آفاق المعرفة ‪ ،‬وتفنن في‬
‫طرائق الفلسفة وبلغ أوجه في التطور ل بد له من الدين ‪ ،‬فإن الدين كما قيل ضروري للسعادة‬
‫والنظام‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫العبادة الصحيحة تنسق بين جوانب حياة النسان المختلفة ‪:‬‬

‫لقيد جعيل ال سيبحانه وتعالى فيي هذا النسيان خصيائص وأشياء تجعيل مين حياتيه مزيجاً مين‬
‫تفاعلت وتداخلت مختلفة الجوانب متعددة الظواهر شديدة التأثير فيه وفي من حوله ‪ ..‬وذلك‬
‫لن النسيان يجميع بيين أشياء قيد يكون بينهيا شييء مين التضاد والختلف ‪ ،‬فهيو يجميع ميا بيين‬
‫الروح والجسيد ‪ ،‬وهيو يجميع ميا بيين العقيل والوجدان وهيو يجميع ميا بيين العواطيف والضميير‬
‫ولكل من ذلك مطالب ودوافع‪.‬‬

‫ول يسيتطيع النسيان أن ينسيق ميا بيين هذه المطالب ‪ ،‬وميا بيين هذه الدوافيع وأن يجعلهيا جميعًا‬
‫ل بالعبادة الصحيحة لخالقه وبارئه‬‫تسير في الطريق الموصل إلى خير الدنيا وسعادة الخرة إ ّ‬
‫سييبحانه وتعالى التييي ميين خللهييا يسييتعلي على نزوات نفسييه ورغباتهييا ‪،‬وباليمان الصييحيح‬
‫الراسيخ الذي يتحكيم فيي طاقاتيه المختلفية حتيى تتسيخر لميا فييه خيير هذا النسيان فيي عاجلتيه‬
‫وآجلته ‪،‬ولما فيه مصلحة بني جنسه أيضا الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫العبادة الصحيحة توائم بين حركتي النسان (الضطرارية والختيارية) ‪:‬‬

‫لهذا النسان نوعان من الحركات ‪:‬‬

‫أولهما ‪ :‬حركته الفطرية الضطرارية ‪ ،‬وثانيهما ‪ :‬حركته الكسبية الختيارية ‪.‬‬

‫وبالعبادة الصيحيحة‪ -‬وهيي التيي تؤدى كميا شرع ال سيبحانه وتعالى يتيم التواؤم بيين حركتييه‬
‫الفطرية والكسبية فالعبادة هي التي تنسق المعاملة بين الحركتين فإن النسان يتحرك تحركا‬
‫اضطراريييا مسييتمرا بحسييب سيينة ال تعالى فييي خلقييه ‪ ،‬هذا التحرك ل فكاك له عنييه ‪ ،‬ول‬
‫مخلص له منه ‪ ..‬كتحرك النفس ‪ ،‬وتحرك النبض ‪ ،‬وما وراء ذلك من الحركات التي ل يمكنه‬
‫أن يسكنها ‪ ..‬وهناك حركات إختيارية يتحركها النسان في إطار ما أعطاه ال سبحانه وتعالى‬
‫من قوة وما أوله من اختيار ‪ ،‬فبالعبادة يكون التواؤم بين الحركتين ‪ ،‬وكما أن بالعبادة يتواءم‬
‫تحرك هذا الكون الذي يسبح بحمد ال ويسبح لجلل ال ‪.‬‬

‫سبّحُ لِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْ ضِ )) { سيورة الجمعية‪}1/‬‬ ‫يقول ال سيبحانه وتعالى‪ (( :‬يُ َ‬
‫ت َومَا فِي اْلأَرْضِ )) {سورة الحشر‪ ، 1/‬الصف‪ }1/‬وقال‬ ‫وقال سبحانه‪َ (( :‬سبّحَ لِلّ ِه مَا فِي السّمَاوَا ِ‬
‫سبّ ُح بِحَمْدَ ِه وَلَ ـكِن لّ‬
‫ض وَمَن فِيهِنّ َوإِن مّ ن َشيْءٍ إِ ّل يُ َ‬
‫سبْعُ وَالَرْ ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫سبّحُ لَ ُه ال سّمَاوَا ُ‬
‫عيز وجيل‪ (( :‬تُ َ‬
‫حهُمْ ِإنّهُ كَانَ َحلِيمًا َغفُورًا )) {سورة السراء‪.}44/‬‬ ‫سبِي َ‬‫َتفْ َقهُونَ تَ ْ‬
‫س وَاْلقَمَرُ‬
‫ت وَمَن فِي اْلأَرْ ضِ وَالشّمْ ُ‬ ‫ويقول عيز مين قائل ‪ (( :‬أَلَ ْم تَرَ أَنّ اللّ َه يَ سْجُدُ لَ ُه مَن فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫س وَ َكثِيٌ حَ ّق عََليْ ِه الْعَذَابُ )) {الحج‪.}18/‬‬ ‫جبَا ُل وَالشّجَ ُر وَال ّدوَابّ وَ َكثِ ٌي مّ َن النّا ِ‬
‫وَالنّجُو ُم وَالْ ِ‬
‫أميا إذا شذّ النسيان فلم يعبيد ال تعالى حيق العبادة على ميا يحيب ربّنيا ويرضيى حصيل نشاز‬
‫وتصيادم بيين حركتييه الفطريية الضطراريية والكسيبية الختياريية ‪ ،‬وأيضاً سييكون شاذّا عين‬
‫الكون الذي يجري في سَنَن واحد‪ ،‬والذي جعله ال خليف ًة فيه‪ ،‬إذ كيف يحصل الوفاق بين كون‬
‫ح بحمييد ال وبييين‬ ‫يؤميين بال سييبحانه وتعالى ويخضييع سيياجداً لجلل ال ربّ العالمييين ويسيبّ ُ‬
‫إنسان يأبى ذلك ويأنف من عبادة ال ويستكبر استكبارًا ‪ ..‬إن الوِفاق والتناسق مستحيلن قطعاً‬
‫في هذه الحال‪.‬‬

‫وذلك على العكييس تمامًا ميين أولئك الذييين يعبدون ال حييق عبادتييه ويسييجدون له سييبحانه‬
‫ويمتثلون أوامره ويجتنبون نواهيييه فإنّهييم يسيييرون وفييق النظام الصييحيح الذي يسييير فيييه هذا‬
‫الكون بأسيره ‪ ..‬لنهيم أدركوا غايية وجودهيم فيي الحياة ومآلهيم بعدهيا ‪ ،‬وشعروا بميا علييه مين‬
‫واجب الشكر ل عز وجل ‪ ،‬الذي سخر هذا الكون لمصلحة وخير هذا النسان ‪ ،‬الذي ما من‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫خليّة فيه ‪ ،‬ول ذرة في هذا الكون ول أقل من ذلك من جزئيات إل وهي ألسن تُسبح بحمد ال‬
‫وتعلن النقياد لمره والتسليم لقضائه‪.‬‬

‫وهذا أمر يدركه العارفون بال ‪ ،‬وقد تحدثوا عن ذلك قبل أن تكتشف هذه الخليا وما تنطوي‬
‫عليه ‪ ...‬لنسمع أحد العارفين بال عز وجل وهو المام المحقق سعيد بن خلفان الخليلي رحمه‬
‫ال ( من علماء القرن الثالث عشر الهجري ) يقول‪:‬‬

‫ف لسانييي‬
‫ف أليي ِ‬
‫أعاين تسبيحي بنيييييور جنانيييي ****** فأشهيد مني أليي َ‬

‫ن أجتلييييي من لغاتِييييه ****** إذا ألفِ ألفٍ من غريييب أغيييان‬


‫وكلّ لسا ٍ‬

‫ل لُغَيّيييييي ٍة ****** هُييدى ألفِ ألفٍ من شتيتِ معاني‬


‫ويُهدى إلى سمعي بك ّ‬

‫ف ألفِ عجيبيةٍ ****** يُقصيير عين إحصائها الثّقييييلن‬


‫وفي كل معنى أل ُ‬

‫ولم أذكر العييدادَ إل نموذجيييًا ****** كأنييّي في أوصييافِ ميططيييرانِ‬

‫ق الييعيي ّد أمرٌ مُينَييييزّهٌ ****** عيين الحد يَيفْينَيى دونيه المليييوا ِ‬


‫ن‬ ‫وإلّ ففيو ِ‬

‫ق ليييس بالهذيييا ِ‬
‫ن‬ ‫ول تتعجييب إن عجبييتَ فإنهييا ****** حقائييُييق صييد ٍ‬

‫فهذا أمر يدركه من أخلص عبادته ل العلي القدير ‪ ،‬يُح سُ من أعماق نفسه أن كل ما ينطوي‬
‫علييه جسيمه يتجاوب معيه فيي تسيبيحه ل سيبحانه وتعالى لن هذه هيي الفطرة التيي فطير ال‬
‫الناس عليها‪.‬‬

‫أما إذا امتنع المرء عن عبادة ال عز وجل أو أشرك غير ال في عبادته ل سبحانه ‪ ،‬فإنه‬
‫ُيحَيييرم ميين هذا الخييير ويُحال بينييه وبييين هذا النسييجام ‪ ،‬ولذلك فإن الذييين ل يعبدون ال‬
‫سيييبحانه يشعرون باضطراب النفيييس ‪ ،‬وعدم السيييتقرار وتتناوبهيييم المراض العصيييبية‬
‫والمراض النفسيية نتيجية البعيد عين ذكير ال تعالى ‪ ..‬يقول سيبحانه‪ (( :‬أَلَ بِذِ ْكرِ اللّ ِه تَ ْط َمئِنّ‬
‫الْقُلُوبُـ )) { الرعييد‪ ، } 28/‬وإذا كان النسييان قييد أُتييي مييا أُوتييي ميين الخيرات وبُوّئ هذا‬
‫خِلقَتْي له المنافيع الرضيية المختلفية‬ ‫المنصيب العظييم منصيب الخلفية فيي هذه الرض ‪ ،‬و ُ‬
‫وسخرتْ له المنافع الكونية المتعددة كما يدل على ذلك قول ال تعالى‪ُ (( :‬هوَ الّذِي خَلَ قَ َلكُم‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫مّ ا فِي الَرْ ضِ جَمِيعا )) { البقرة‪ ، } 29/‬وقوله‪ (( :‬وَ سَخّرَ لَكُم مّ ا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْ ِ‬
‫ض‬
‫جَمِيعًا ّمنْ هُ )) { الجاثيية‪ } 13/‬فإنييّيه حَرِيّ بهذا النسيان أن يكون عابدًا لربيه وذلك بأن يتبيع‬
‫منهييج ال سييبحانه وتعالى فيكون إمامييا للعابدييين فييي هذا الكون ‪ ..‬فالكون كله سييخره ال‬
‫تعالى للنسان وهو يعبد ال فكيف بهذا النسان الذي أوتي هذه النعمة العظيمة ‪ ،‬أليس هو‬
‫أحرى أن يكون أحرص على عبادة ال مين غيره وقيد خلق لجلهيا كميا يدل على ذلك قوله‬
‫ق َومَا أُرِيدُ أَن يُ ْطعِمُو نِ ِإنّ‬
‫ت الْجِنّ وَالْإِن سَ إِلّا ِلَيعْبُدُو ِن مَا أُرِي ُد ِمنْهُم مّن رّزْ ٍ‬
‫عز من قائل‪َ (( :‬ومَا خََلقْ ُ‬
‫اللّ َه ُهوَ الرّزّاقُ ذُو اْل ُقوّ ِة الْ َمتِيُ )) { الذاريات‪.} 58-56/‬‬

‫وإذًا فالمنافع الكونية خلقها ال سبحانه وتعالى للنسان وخلق النسان للعبادة فعلينا أن نعبد ال‬
‫سبحانه وتعالى كما افترض علينا وأن نفرده بعبادتنا وأن نبتغي بها ما عنده ‪ ،‬وألّ نشرك فيها‬
‫أحداً مين خلقيه فل نشرك فييه هوى نفوسينا ول نشرك فيهيا هوى أحدٍ غيرنيا ‪ ،‬ول نشرك فيهيا‬
‫الوهام ول نشرك فيهييا الشياطييين ‪ ،‬ول نشرك فيهييا الطواغيييت ‪ ،‬وإنمييا علينييا أن نعبييد ال‬
‫سيبحانه وتعالى وحده مخلصيين له الديين‪ .‬وبذلك كله يحصيل التوافيق والتواؤم لدى كيل منيا ميا‬
‫بيين حركتييه الضطراريية والختياريية أو بعبارة أخرى الفطريية والكسيبية ‪ ،‬وتواؤم أيضاً ميا‬
‫بين حركة العبد منّا وحركة هذا الكون الواسع الرجاء المترامي الطراف‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫ما هي العبادة المطلوبة؟‬

‫لكن ما هي هذه العبادة المطلوبة من النسان ؟!‬

‫العبادة المطلوبيية ميين النسييان هييي الخضوع المطلق والشعور بالحاجيية والفقيير إلى ميين بيييد‬
‫ملكوت كيل شييء والسيتيقان أن صياحب هذا السيلطان العظييم هيو الذي يدبر كيل شييء فلذلك‬
‫يشعير النسيان مين أعماق قلبيه بالفتقار إلييه ‪ ،‬هذه هيي روح العبادة ‪ ..‬والعمال المختلفية إنميا‬
‫هي ترجمة لهذه العقيدة الصحيحة التي هي متمكنة راسخة في نفس العابد‪.‬‬

‫يقول ال عز وجل‪َ (( :‬ومَا ُأمِرُوا إِلّا ِلَيعْبُدُوا اللّ َه مُخِْلصِيَ لَهُ الدّينَ )) { البيّنة‪.} 5/‬‬

‫ل ليعبدوا ال مخلصييين له الدييين‬


‫فل بييد ميين إخلص الدييين ل سييبحانه وتعالى ‪ ،‬ومييا أمروا إ ّ‬
‫فالعبادة هيي الخضوع المطلق ميع الشعور بالحاجية والفتقار إلى المعبود الذي بيده كلّ شييء‬
‫والذي ل يعجزه شيء في السماوات والرض‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫أفعال النسان وعاداته يمكن أن تتحول إلى عبادة‪:‬‬

‫لهذا النسيان أفعال وعادات عديدة متنوعية ‪ ،‬منهيا ميا يختيص بجانيب الفعيل ومنهيا ميا يختيص‬
‫بجانب الترك ‪ ،‬ويمكن أن يحول النسان أفعاله وعاداته إلى عبادة ل عز وجل يؤجره عليها‪.‬‬
‫وعلى ذلك فجميع العمال الصالحة داخلة في ضمن العبادة ‪ ،‬ولذلك جاء في حديث رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم ميا يدل على أن العبيد يؤجير حتيى على المور العاديية التيي يراهيا تلبيية‬
‫لحاجته واستجابة لضرورته ‪ ،‬فقد جاء في الحديث عن الرسول صلى ال عليه وسلم‪ (( :‬في‬
‫بضيع أحدكيم صيدقة ‪ ،‬قييل له ييا رسيول ال أيصييب أحدنيا شهوتيه ويؤجير؟ قال‪ :‬أرأيتيم أن لو‬
‫أصيييابها فيييي حرام ألم يكييين يؤزر؟ قالوا‪ :‬بلى ‪ ..‬قال‪ :‬كذلك إن وضعهيييا فيييي الحلل فهيييو‬
‫يُييؤجر ))‪.‬‬

‫هكذا بين لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن هذه العمال العادية مع خلوص النية وصفاء‬
‫الطوية تكون من ضمن العبادات‪.‬‬

‫وجاء فيي الحدييث‪ (( :‬فيي كيل ذي كبيد رطبية أجير )) وفيي روايية‪ (( :‬فيي كيل ذي كبيد حرّاء‬
‫أجير )) فعميل الخيير الذي يقدميه النسيان إلى النسيان أو الحيوان ميع خلوص النيية ل سيبحانه‬
‫وتعالى وصيفاء السيريرة يؤجير علييه العبيد ويكون فيي ميزان عباداتيه ‪ ،‬ولقيد شاءت حكمية ال‬
‫سيييبحانه وتعالى أن تكون هذه العبادات لهيييا أعمال ظاهرة تجسيييّدها ‪ ،‬هذه العمال الظاهرة‬
‫الكبرى هي أمهات العبادات ول بد من كل ‪ ،‬فإن النسان بحاجة ملحة إليها إذ بدونها ل يستقيم‬
‫إعوجاجه أبداً‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫يسر العبادات بحسب الحاجة إليها‪:‬‬

‫اقتضت حكمة ال عز وجل أن يكون يسر هذه العبادات التي يمارسها النسان بحسب الحاجة‬
‫إليهيا ‪ ،‬فكلّ ميا كانيت الحاجية إلييه أدعيى كانيت ممارسيته أيسير وأهون ‪ ..‬لن فيي هذه العبادات‬
‫تغذي ًة للروح وكميا أن غذاءُ الجسيد يسيره ال سيبحانه وتعالى بحسيب حاجية الجسيد إلييه كذلك‬
‫غذاء الروح يسيره ال سيبحانه وتعالى بحسيب حاجية الروح إلييه ‪ ..‬فلننظير إلى غذاء الجسيد ‪..‬‬
‫الهواء مثلً ضروري للنسيان ‪ ،‬وهيو مضطير إلييه فيي أي وقيت مين الوقات وقيد يسيره ال‬
‫سيبحانه وتعالى بدون عناء وبدون مشقية وبدون مغرم ‪ ..‬يتنفيس النسيان تنفسياً طيبيعياً فيي جيو‬
‫ملئم لطبيعته في أي وقت من الوقات ‪ ،‬في حالة يقظته وفي حالة نومه ‪ ،‬وفي حالة حركته‬
‫وفي حالة سكونه ‪ ،‬في حالة سيره وفي حالة وقوفه ‪ ،‬في حالة صحته وفي حالة مرضه ‪ ..‬في‬
‫كل وقت من الوقات لن هذا الهواء لو انحبس فيه فترة وجيزة لنخنق النسان ‪ ،‬فالهواء لبد‬
‫منيه ‪ ،‬فهيو يدخيل إلى داخيل الخياشييم والفيم وينزل إلى أعماق الجسيم ثيم يصيعد منيه بعيد أخيذ‬
‫الجسييم حاجتييه منييه فحاجيية النسييان إلى هذا الغذاء حاجيية ملحيية فييي كييل لحظيية ‪ ،‬ول يتكلف‬
‫النسيان فيي مقابيل هذه الحاجية ثمناً ول عناء ‪ ،‬ثيم يأتيي بعيد ذلك الماء فالحاجية إلييه تأتيي بعيد‬
‫الحاجة إلى الهواء لنه ل يحتاج إلى استعمال الماء في كل لحظة كما يحتاج إلى الهواء ‪ ،‬وقد‬
‫جعل ال سبحانه وتعالى يسره أقل من يسر الهواء ولكنه ميسر فقليلً ما يكلف الثمن ‪ ،‬ويكلف‬
‫شيئاً من العناء‪ .‬ثم تأتي بعد ذلك الحاجة إلى الطعام فكان يسر الطعام بحس حاجة الجسم إليه‬
‫‪ ..‬الجسيم بحاجية إلى الطعام ولكين حاجتيه إلى الطعام ليسيت كحاجتيه إلى الماء فضلً عين أن‬
‫تكون حاجته إليه كحاجته إلى الهواء فلذلك كان يسر الطعام أقل من يسر الماء فيحتاج الطعام‬
‫إلى عناء وإعداد ويحتاج الطعام إلى ثميييييين ‪ ..‬الطعام يحتاج إلى غرس ويحتاج إلى تسييييييميد‬
‫ويحتاج إلى مراعاة ثييم يحتاج إلى جهييد للحصيياد ‪ ..‬ثييم بعييد ذلك كثييير ميين الطعام يحتاج إلى‬
‫الطبخ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫تيسير السباب مما يدعو إلى العبرة والشكر‪:‬‬

‫صَبْبنَا‬
‫ومين حكمية ال سيبحانه وتعالى أن جعيل السيباب متوفرة‪ (( :‬فَ ْليَنظُ ِر الْإِن سَانُ إِلَى طَعَامِ هِ َأنّ ا َ‬
‫ضبًا وَ َزْيتُونًا َونَخْلًا وَ َحدَائِ َق غُ ْلبًا وَفَا ِك َه ًة َوَأبّا ّمتَاعًا‬
‫ض َشقّا َفأَنبَْتنَا فِيهَا َحبّا َوعَِنبًا وََق ْ‬
‫صبّا ثُمّ َشقَ ْقنَا اْلأَرْ َ‬
‫الْمَاء َ‬
‫ّلكُ ْم وَلَِأْنعَامِكُمْ )) { عبس ‪.} 32-24/‬‬

‫فالسيباب حلقات متواصيلة يتبيع بعضهيا بعضًا حتيى يتيسير للنسيان هذا الطعام‪ .‬فرب زارع‬
‫يزرع في أقاصي الرض إما في الشرق وإما في الغرب ‪ ..‬إما في أندونيسيا وإما في استراليا‬
‫وإميا فيي أمريكا ‪ ،‬ثم هذا الزرع يمير بمراحل ‪ ..‬مرحلة بعد مرحلة حتيى يحصد ‪ ،‬ثم بمراحيل‬
‫النقل بعد ذلك حتى يصل إلينا وننتفع به‪ .‬هذه هي سنة ال في خلقه‪ .‬فضلً عمّا وراء ذلك من‬
‫تدفييق النهار ونزول المطار ووجود السييباب المختلفيية ‪ ..‬أسييباب الزرع التييي هيأهييا ال‬
‫سييبحانه وتعالى ‪ ،‬وأسييباب الحصيياد ‪ ..‬كييل ذلك ممييا يدعييو النسييان إلى العتبار والتفكيير ‪،‬‬
‫ويدعوه إلى الحمد والشكر ل سبحانه وتعالى على هذه النعم الجلّى‪.‬‬

‫وبعد الطعام تأتي الحاجة إلى العلج وإلى الدواء ‪ ،‬وبما أن الحاجة إلى الدواء بعد الحاجة إلى‬
‫الطعام كان أقل يسراً من الطعام لن الحاجة إليه أقل ‪ ،‬وهكذا كل ما كانت الحاجة إليه أدعى‬
‫ل وأيسر استعمالً‪.‬‬
‫كان أيسر تناو ً‬

‫وهكذا العبادات المتنوعية فإن ال سيبحانه وتعالى يسيرها للنسيان بقدر الحاجية إليهيا ‪ ..‬ومين‬
‫ذلك ذكيير ال تعالى بالقلب وباللسييان فإنييه أيسيير مييا يكون لن القلب الذي يغفييل عيين ذكيير ال‬
‫تعالى ل قيمة له‪ (( :‬وَلَا تُطِ ْع مَنْ أَ ْغفَ ْلنَا قَ ْلبَ ُه عَن ذِ ْك ِرنَا وَاّتبَ َع َهوَاهُ وَكَانَ َأمْ ُرهُ ُف ُرطًا )) { الكهف‪.} 28/‬‬

‫فذكيير ال ميسيير للنسييان ‪ ،‬وقيد جعييل ال سيبحانه وتعالى الصييلة مشتملة على ذكره (( َوأَقِمِـ‬
‫ال صّلَاةَ لِذِكْرِي )) { طيه‪ } 14/‬فجعيل ممارسيتها أيسير مين ممارسية غيرهيا مين العبادات لن‬
‫الحاجة إليها أدعى ولذلك أمر ال تعالى بممارستها في اليوم والليلة خمس مرات‪.‬‬

‫وهكذا تأتييي كييل عبادة ميين العبادات المشروعيية فييي السييلم أو بالحرى كييل أم ميين أمهات‬
‫العبادات المشروعة في السلم في مكانها الملئم بحسب النظام الرهيب الذي هيأه ال سبحانه‬
‫وتعالى بحسب ما علمه من حاجة البشر‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫الغايـة من العبــادة التقــــوى‪:‬‬

‫لقد بين ال سبحانه وتعالى الحكمة من هذه العبادات التي فرضها على عباده والتي ندبهم إليها‬
‫فيي قوله عيز مين قائل‪ (( :‬يَا َأّيهَا النّا سُ ا ْعبُدُواْ َربّكُ ُم الّذِي َخَلقَكُ ْم وَالّذِي َن مِن َقبِْلكُ مْ َلعَّلكُ ْم َتتّقُو نَ ))‪.‬‬
‫{ البقرة‪.} 21/‬‬

‫فالعبادات كلهييا تغرس فييي النسييان روح التقوى ‪ ،‬لنّي (لعييل) فييي قوله‪َ (( :‬لعَّلكُم ْـ )) بمعنييى‬
‫(كييي) على الصحيح ‪ ،‬ولذلك شواهد متعددة في القرآن الكريم وشواهد في كلم العرب‪ .‬فمن‬
‫ُونـ )) و ((‬
‫ُمـ تَذَكّر َ‬ ‫ُونـ )) ‪ ،‬و (( َلعَّلك ْ‬
‫ُمـ َتعْقِل َ‬
‫القرآن الكريييم قوله تعالى فييي آيات كثيرة‪َ (( :‬لعَّلك ْ‬
‫َلعَّلكُ ْم َتتَ َفكّرُونَ )) ‪ ..‬فهذه اليات (لعل) فيها بمعنى (كييي) ‪ ،‬ومن الشواهد العربية في ذلك قول‬
‫الشاعر‪:‬‬

‫وقلتم لنا كفّوا الحروب لعلنا ****** نكفّ ووثيّيقيتيم لنا كل موث ِ‬
‫ق‬

‫فلما كففنا الحرب كانت عهودكم ****** كلمع سرابٍ في المل متأليّيق‬

‫والدلييل على أن (لعيل) فيي البييت تعليليية قوله‪ ( :‬ووثّييقتم لنيا كلّ موثيق ) فإن ذلك ل يتفيق ميع‬
‫حمل ( لعل ) على مجرد الترجي‪.‬‬

‫وكذلك قوله في البيت الثاني ( كانت عهودكم ) جعل ما تقدم من قولهم ( لعلنا نكفّ ) عهداً أي‬
‫( لنكف )‪.‬‬

‫فإذاً قوله تعالى‪ (( :‬يَا أَيّهَا النّا سُ ا ْعبُدُواْ َرّبكُ ُم الّذِي خََل َقكُ ْم وَالّذِي نَ مِن َقبِْلكُ مْ َلعَّلكُ ْم َتّتقُو نَ )) بمعنيى‬
‫لتتقوا أو لكي تتقوا ‪ ،‬فلعل هنا كما قال كثير من علماء التفسير ومنهم المام الطبري وغيره ‪،‬‬
‫وعلماء العربيية كقطرب وابين النباري والخريين هيي بمعنيى (كيييي) ‪ ،‬وهذا قول الكسيائي‬
‫والفراء أيضاَ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫للتقـــوى مفهوم واسع جداً‪:‬‬

‫التقوى من أجمع الكلمات فهي وإن كانت من حيث مدلولها اللغوي ذات معنى سلبي فإنها من‬
‫حيث المدلول الشرعي لها معنى سلبّيي ومعنى إيجابي‪.‬‬

‫فكلمية التقوى مين حييث المدلول اللغوي بمعنيى ( التجنّب ) ‪ ،‬اتقيتُي الشييء بمعنيى تجنبتيه‪ .‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬

‫سقط النصيفُ ولم ترد إسقاطه ****** فتناولته واتقتنا باليييد‬

‫( اتقتنيا بالييد ) أي تجنبتنيا بالييد ‪ ،‬ولكين مين حييث المدلول الشرعيي لهيا معنيى سيلبي ومعنيى‬
‫إيجابي ‪ ،‬فالمعنى السلبي ترك ما نهى ال عنه ‪ ،‬والمعنى اليجابي فعل ما أمر ال به لن في‬
‫كل المريين اتقاء سيخط ال وعقوبتيه‪ .‬وعلى ذلك فمفهوم التقوى مفهوم واسيع جداً فإنيه يشميل‬
‫ترك جمييييع المنهيات ‪ ،‬وفعيييل جمييييع المأمورات ‪ ،‬والتقيّييد بقيود الفضيلة ‪ ،‬واجتناب مهاوي‬
‫الرذيلة‪.‬‬

‫ولجيل ذلك كان مفهوم العبادة مفهوماً عاماً أوسيع مميا يتصيوره الناس بكثيير ‪ ..‬فالعبادة تعنيي‬
‫الخضوع المطلق ل سييبحانه وتعالى فييي الفعييل والترك ‪ ،‬فييي الخييذ والعطاء ‪ ،‬فييي القبول‬
‫والرفض ‪..‬هذه هي حقيقة العبادة وليست العبادة محصورة في الصلة والزكاة والصوم والحج‬
‫‪ ..‬هذه هيي أصيول العبادات وأمهاتهيا إنْي أدييت على الطريقية المشروعية التيي أمير ال سيبحانه‬
‫وتعالى أن تييُودى بهيا ‪ ..‬وقيد بيين ال سيبحانه وتعالى فيي مواضيع متعددة مين كتابيه العزييز أن‬
‫حقيقيية التقوى وحقيقيية العبادة ل تنحصيير فييي أمهات الفرائض وأصييولها وإنمييا تتناول أعمال‬
‫القلب وأعمال الجسد كله ‪ ،‬فبيّين لنا سبحانه أن العقيدة تدخل ي التقوى وأن أمور القلب تدخل‬
‫في معنى التقوى فمن كانت عقيدته على إستقامة وعلى حجّية وبرهان من ال سبحانه وتعالى‬
‫كان متييّيقيا ل عيز وجيل بهذه العقيدة ‪ ،‬ومين انطوى قلبيه على الخلص وحسين النيية وسيلمة‬
‫الطوية كان متقياً ل تعالى ‪ ،‬فإنه عز وجل يقول‪َ (( :‬ومَن ُيعَظّ ْم َشعَائِرَ اللّهِ فَِإّنهَا مِن َت ْقوَى اْلقُلُوبِ ))‬
‫( الحييج‪ .) 32/‬وقال سييبحانه عندمييا تحدث عيين البر وبييين أن التقوى والبر ل يختلفان فهمييا‬
‫ق وَالْ َمغْرِ بِ وَلَـكِ ّن اْلبِ ّر مَ نْ آمَ َن بِاللّ ِه وَاْلَيوْ مِ‬
‫شرِ ِ‬
‫بمعنى واحد قال‪ّ(( :‬ليْ سَ اْلبِرّ أَن ُتوَلّواْ وُجُو َهكُ مْ ِقبَ َل الْمَ ْ‬
‫السـِيلِ‬
‫ْنـ ّب‬ ‫ي وَاب َ‬ ‫ّهـ َذوِي اْلقُرْبَى وَاْليَتَامَى وَالْمَسـَاكِ َ‬ ‫َابـ وَالّنبِيّيَ وَآتَى الْمَا َل عَلَى ُحب ِ‬ ‫الخِ ِر وَالْمَلئِ َك ِة وَالْ ِكت ِ‬
‫ب َوأَقَا َم الصّلةَ وَآتَى الزّكَا َة وَالْمُوفُو َن ِب َعهْ ِدهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصّابِرِينَ فِي اْلَبأْسَاء والضّرّاء‬ ‫ي وَفِي الرّقَا ِ‬‫وَالسّآئِِل َ‬
‫ك هُ ُم الْ ُمتّقُونَ )) { البقرة‪.} 177/‬‬ ‫ك الّذِينَ صَدَقُوا َوأُولَـئِ َ‬ ‫ي اْلَبأْسِ أُولَـئِ َ‬‫وَحِ َ‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫فهؤلء هيم المتقون يجمعون بيين العقيدة الصيحيحة ‪ ..‬عقيدة اليمان بال ‪ ،‬وعقيدة اليمان بميا‬
‫أوجب اليمان به من ملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر ‪ ،‬وبجانب ذلك يترجمون هذه العقيدة‬
‫بالعمل الصالح‪.‬‬

‫وفيي قوله‪َ (( :‬وأُولَ ـئِكَ هُ ُم الْ ُمّتقُو نَ )) حصير للمتقيين فيي هذا الصينف مين الناس لن المسينيَييد‬
‫والمسند إليه عرفا ووسيّط بينهما ضمير الفصل لجل تأكيد هذا الحصر ((أُولَـئِكَ الّذِينَ صَدَقُوا‬
‫ك هُ ُم الْ ُمّتقُونَ ))‪.‬‬
‫َوأُولَـئِ َ‬

‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِي َن‬‫ت تَجْرِي مِن تَ ْ‬ ‫خيْ ٍر مّن ذَِلكُ مْ لِلّذِي َن اّت َقوْا عِندَ َرّبهِ مْ َجنّا ٌ‬ ‫وقال سبحانه‪ (( :‬قُلْ َأ ُؤنَّبُئكُم بِ َ‬
‫ضوَا ٌن مّنَ اللّ ِه وَاللّ ُه بَصِ ٌي بِاْل ِعبَا ِد الّذِي َن َيقُولُونَ َرّبنَا ِإّننَا آ َمنّا فَا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوبَنَا وَِقنَا عَذَابَ‬‫ج مّ َطهّ َرةٌ وَرِ ْ‬ ‫فِيهَا َوأَ ْزوَا ٌ‬
‫سَت ْغفِرِي َن بِالَسْحَارِ )) ( آل عمران ‪ ))17/ 15‬هؤلء‬ ‫ي وَالْقَاِنتِيَ وَالْمُن ِفقِيَ وَالْمُ ْ‬ ‫النّا ِر الصّابِرِي َن وَالصّادِِق َ‬
‫هيم المتقون ‪ ،‬وقيد وعدهيم ال سيبحانه وتعالى جنية ً عرضهيا السيماوات والرض فيي قوله ‪:‬‬
‫ّتـ لِ ْل ُمّتقِيَ )) ( آل عمران (‬ ‫ْضـ ُأعِد ْ‬ ‫ت وَالَر ُ‬ ‫السـمَاوَا ُ‬
‫ُمـ َو َجّنةٍ عَرْضُهَا ّ‬ ‫((وَسـَا ِرعُواْ إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مّنـ ّرّبك ْ‬
‫ظ وَالْعَافِيَ‬
‫‪ ، ) 133‬ثم وصف هؤلء المتقين بقوله‪(( :‬الّذِينَ يُن ِفقُونَ فِي السّرّاء وَالضّرّاء وَاْلكَاظِ ِميَ الْ َغيْ َ‬
‫سهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسَْت ْغفَرُواْ ِل ُذنُوِبهِ ْم َومَن‬ ‫شةً َأوْ ظََلمُواْ َأْنفُ َ‬
‫ي وَالّذِينَ إِذَا َفعَلُواْ فَاحِ َ‬ ‫سِن َ‬
‫حبّ الْمُحْ ِ‬ ‫س وَاللّ ُه يُ ِ‬
‫عَ ِن النّا ِ‬
‫َيغْفِرُ ال ّذنُوبَ إِلّ اللّهُ وَلَ ْم ُيصِرّوْا عَلَى مَا َفعَلُواْ َوهُ ْم َيعْلَمُونَ )) ( آل عمران ‪.) 135 / 134‬‬
‫وإذا فتقوى ال تتناول كل ما فيه مرضاة ال سبحانه وتعالى ‪،‬في كل مايأتيه العبد وفي كل ما‬
‫يذر ‪ ..‬فيعفييو عميين ظلمييه ‪ ،‬ويحسيين إلى ميين أسيياء إليييه ‪ ،‬ويعطييي ميين منعييه ‪،‬ويصييل ميين‬
‫قطعه‪..‬هذه هي صفات المتقين ‪.‬‬
‫وقد قال بعض العلماء (إن العبد ل يصل إلى درجات المتقين حتى يكون بحيث لو استخرج ما‬
‫في طوايا نفسه ووضع في طبق وطيف به على الناس لم يستحي منه )‪،‬وقال بعضهم ‪ ( :‬إن‬
‫التقوى أن يتزين في الباطن بالحق ‪،‬كما يتزين في الظاهر للخلق )‪.‬‬
‫فتقوى ال سبحانه وتعالى تستدعي إرغام النفس على مكارهها لجل التقرب إلى ال عز وجل‬
‫‪،‬وهذا يعني أن يكون النسان حريصا كل الحرص على أن يتقرب إلى ال سبحانه وتعالى بما‬
‫تكرهيه نفسيه ‪،‬وبميا يأباه طبعيه ‪،‬فقيد يكون النسييان فيي موقييف النفيس فييه تمييل إلى النتقام‬
‫والتشفي ولكن تقوى ال تحول بين العبد وبين إعطاء نفسه مناها ‪.‬فقد روي عن زين العابدين‬
‫رضي ال عنه أنه كان في مكان من بيته وجاءت إليه أمة بطبق فيه شواء وكان شديد الحرارة‬
‫فوقيع الطبيق على طفيل له ‪،‬ومات ذلك الطفيل ‪.‬فماذا كان منيه ؟! ‪ ..‬قال ‪:‬إن هذه المية أصيابها‬
‫مين الروع ميا ل يسيكنه إل العتيق ‪..‬فاذهيبي فأنيت حرة لوجيه ال سيبحانه وتعالى ‪..‬هكذا تكون‬
‫رابطية الجأش ؛بحييث ل ينتقيم ول يتشفيى ‪ ..‬هكذا شأن مين يحيب أن يكون مين المتقيين الذيين‬
‫وعدهم ال سبحانه وتعالى بجنة عرضها السماوات والرض‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫وفي مقابل هذه القصة أذكر قصة أخرى ذكرها المؤرخ المصري الجبرتي في تاريخه وهي‬
‫أن أحيد حكام مصير كان له طفيل ‪،‬وكان فيي ييد أمية فوقيع شييء مين الخلف ميا بيين تلك المية‬
‫وأمية أخرى فإذا بالمية الخرى تركيل المية الخرى تركيل هذه المية وتصييب رجلهيا الطفيل‬
‫فاشتيد حنيق ذلك الحاكيم وغضبيه فقال للمتيين ولكيل الماء اللواتيي كين فيي ذلك المجلس ‪ :‬إن‬
‫مات طفلي هذا فسوف أقتلكن جميعا ‪.‬فمات الطفل ‪،‬وأخذ جميع الماء الجانية والمجني عليها‬
‫والماء اللواتيي حضرن هناك وألقاهين فيي النييل ‪..‬أيين الفارق بيين سيلوك زيين العابديين الذي‬
‫تأثيير بخلق النبوة ‪..‬بخلق جده رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم ‪،‬وبييين خلق هذا الجبار الذي‬
‫يبطش بالمجني عليه فضل عن الجاني ‪،‬فالمر ل سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فتقوى ال سبحانه وتعالى تدفع النسان إلى المسارعة إلى رضوان ال وإلى تجنب‬
‫ميييا يسيييخطه ‪ ،‬وإلى حسييين معاشرة جمييييع عباد ال ‪ ،‬وإلى أن يسيييتعلي على رغبات نفسيييه‬
‫ونزواتهيا ‪،‬وأن يحرص بأن يزن جمييع ميا يأتييه وميا يذره بموازيين ال سيبحانه وتعالى ‪،‬فميا‬
‫وجد من شيء فيه سخط ال تجنبه وابتعد عنه ‪.‬‬
‫هذه هيي حقيقية تقوى ال سيبحانه وتعالى ‪..‬فهيي ليسيت ادّعاء وإنميا كميا قال مين قال ‪ :‬أن يزيين‬
‫العبيد سيريرته ل سيبحانه وتعالى كميا يزيين علنيتيه للخلق ‪.‬فيتقرب إلى ال بتطهيير نفسيه أول‬
‫مين أدرانهيا ثيم يتقرب إلى ال بتزكيية أعماله بحييث تكون أعماله كلهيا وفيق أوامير ال سيبحانه‬
‫وقيد روي فيي الحدييث عين الرسيول صيلى ال علييه وسيلم ( مين اتقيى ال كفاه مؤونية الناس ‪،‬‬
‫ومن اتقى الناس ولم يتق ال سلط ال عليه الناس وخذله ) ‪.‬‬
‫فمين اتقيى ال كفاه ال سيبحانه وتعالى مؤونية الناس لنيه آوى إلى ركين وثييق ‪ ,‬آوى إلى حميى‬
‫ال فلن يضيعيه ال عيز وجيل ‪،‬ولذلك كان السيلف الصيالح يعتصيمون بالتقوى ويتذرون بهيا ‪،‬‬
‫فالخليفية الراشيد عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه كان يزود جنده الوصيية بالتقوى ‪ ،‬وقيد زود‬
‫قائد جنده الذي بعيييث بيييه إلى المعركييية فيييي أرض فارس ؛ تلكيييم الوصيييية التيييي يقول فيهيييا‬
‫(( أوصييك ومين معيك مين الجناد بتقوى ال على كيل حال فإن تقوى ال أفضيل العدة فيي‬
‫الحرب وأقوى المكيدة على العدو ‪ ،‬وأوصييك ومين معيك مين الجناد بأن تكونوا أشيد احتراسيا‬
‫ميين المعاصييي منكييم ميين عدوكييم فإن ذنوب الجنييد أخوف عليهييم ميين عدوهييم وإنمييا ينصيير‬
‫المسييلمون بمعصييية عدوهييم ل فإن عددنييا ليييس كعددهييم ول عدتنييا كعدتهييم فإن اسييتوينا فييي‬
‫المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإل ننتصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا ‪ .‬واعلموا‬
‫أن فيي سييركم عليكيم مين ال حفظية يعلمون ميا تفعلون فاسيتحيوا منهيم ول تعملوا بمعاصيي ال‬
‫وأنتم في سبيل ال ‪ ،‬ول تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا فرب قوم سلط عليهم من هو‬
‫شيير منهييم كمييا سييلط على بنييي إسييرائيل إذ عملوا بمعاصييي ال كفار المجوس فجاسييوا خلل‬
‫الديار وكان وعدا مفعول ‪ ،‬واسيألوا ال العون على أنفسيكم كميا تسيألونه النصير على عدوكيم ‪،‬‬
‫اسأل ال ذلك لي ولكم )) ‪.‬‬
‫وقد جاء المر بالتقوى في القرآن الكريم بأساليب متنوعة وفي مواضع عديدة ‪ ،‬ومن ذلك قول‬
‫َعـ الْ ُمّتقِي َ )) ( البقرة ‪/‬‬
‫ّهـ م َ‬
‫ّهـ وَاعْلَمُواْ أَن ّ الل َ‬
‫ال تبارك وتعالى فييي معرض الترغيييب ((وَاّتقُواْ الل َ‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫‪ ) 194‬وفي معرض التشريع يقول سبحانه في خاتمة آية الدين الولى‪(( :‬وَاّتقُواْ اللّهَ َويُعَلّ ُمكُمُ اللّهُ‬
‫)) (( البقرة ‪ ) 282‬وفي خاتمة آية الدين الثانية ((وَْليَتّقِ اللّهَ َربّهُ )) ومن ذلك أيضا قوله سبحانه‬
‫وتعالى في معرض تشريع أحكام الطلق ‪(( :‬وَاّتقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ َأنّ اللّ َه ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمٌ )) ( البقرة‬
‫ْنـإِلّا أَن َيأْتِيَ‬ ‫خرُج َ‬ ‫ُمـلَا تُخْ ِرجُوهُنّ مِن ُبيُوِتهِنّ وَلَا يَ ْ‬ ‫ّهـ َرّبك ْ‬ ‫‪ ، ) 231 /‬وقوله عييز وجييل ‪(( :‬وَاّتقُوا الل َ‬
‫شةٍ مَّبّيَنةٍ )) ( الطلق ‪ ، )1/‬وجاء المييير بتقوى ال والوعيييد على تقوى ال فيييي مواضيييع‬ ‫ِبفَاحِ َ‬
‫متعددة مين سيورة الطلق فيي معرض بيان أحكام الطلق وميا يترتيب علييه ‪ ،‬وفيي هذا ميا يدل‬
‫على أن النسيان مطالب بأن يراقيب ال سيبحانه وتعالى فيي كيل حال ‪ ،‬وأن يتمسيك بتقوى ال‬
‫في كل ما يأتيه وما يذره مما كان بينه وبين ربه ‪ ،‬أو كان بينه وبين خلق ال سبحانه ‪ ..‬بل إن‬
‫الحق جل وعل يأمر بتقواه في معرض بيان إتيان الرجل لهله ‪ ،‬حتى يكون مصطحبا لتقوى‬
‫ال عز وجل في تلك الحالة مستشعرا الخوف من ال فل يخالف أوامره ول يتعدى حدوده فيما‬
‫حده له ‪ ،‬فإن ال سيبحانه وتعالى بعدميا قال ((نِ سَآؤُكُمْ َحرْ ثٌ ّلكُ مْ َف ْأتُواْ حَ ْرَثكُ مْ َأنّ ى ِشْئتُ ْم وَقَ ّدمُواْ‬
‫سكُمْ )) قال ‪(( :‬وَاّتقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ َأنّكُم ّملَقُوهُ َوبَشّ ِر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ )) (البقرة ‪. ) 194/‬‬ ‫لَنفُ ِ‬
‫وقيد بيين ال سيبحانه وتعالى أن التقوى فيهيا الخلص مين شدائد الدنييا كميا أنهيا سيبب للخلص‬
‫خرَجًا َويَرْزُقْ ُه مِ نْ َحيْ ثُ لَا‬ ‫مين شدائد الخرة ‪ ،‬فقيد قال عيز مين قائل ‪(( :‬وَمَن َيتّ قِ اللّ َه يَجْعَل لّ ُه مَ ْ‬
‫جعَل لّ ُه مِ نْ َأمْرِ ِه يُ سْرًا )) ( الطلق ‪ ، ) 4/‬وأمر‬ ‫سبُ )) ( الطلق ‪ ) 2/‬وقال ‪َ (( :‬ومَن َيتّ قِ اللّ َه يَ ْ‬ ‫حتَ ِ‬‫يَ ْ‬
‫سيبحانه وتعالى بتقواه فييي معرض الميير بالجهاد وبشير عباده المتقييين بمعيّتيه لهييم فيي قوله‬
‫((وَاّتقُواْ اللّ َه وَاعْلَمُواْ َأنّ اللّ َه مَ َع الْ ُمّتقِيَ )) ( البقرة ‪. ) 194 /‬‬
‫وفيي هذا كله ميا يدلنيا على أهميية تقوى ال سيبحانه وتعالى فيي السيريرة وفيي العلنيية وفيي‬
‫جميع الحوال ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫أهمية العبادة (أهمية الصلة)‪:‬‬

‫بعدميا تعرضنيا للكلم عين العبادة إجمال ننتقيل إلى أمهات العبادات التيي هيي الركان الربعية‬
‫بعد الركن الول وهو عقيدة التوحيد‪ ,‬وما لهذه المهات والركان من أثر نفسي واجتماعي ‪.‬‬

‫وأول هذه الركان ((الصييلة )) ‪ .‬ذلكييم الركيين العظيييم الذي نوّه بييه القرآن الكريييم فييي غييير‬
‫موضيع ‪ ،‬وحيض علييه الرسيول صيلى ال علييه وسيلم ودل القرآن ودلت سينة رسيول ال صيلى‬
‫ال عليه وسلم على أن هذا الركن العظيم هو سنام العمال ‪ .....‬فجميع العمال البدنية تتقدمها‬
‫الصلة ‪ ،‬ولذلك نجد الصلة تأتي في كتاب ال بعد العقيدة مباشرة ؛ فال سبحانه وتعالى يقول‬
‫ب َوُيقِيمُو َن ال صّلةَ َومِمّ ا رَزَ ْقنَاهُ مْ‬ ‫ك الْ ِكتَا بُ لَ َريْ بَ فِي هِ هُدًى لّلْ ُمّتقِيَ الّذِي َن ُي ْؤمِنُو َن بِاْلغَيْ ِ‬ ‫‪(( :‬ال ذَلِ َ‬
‫يُن ِفقُو نَ )) { البقرة ‪ ، } 1/3‬فبعدما ذكر اليمان بالغيب ذكر الصلة لنها المتقدمة على جميع‬
‫العمال ‪ ،‬ويقول ال تبارك وتعالى‪ِ (( :‬إنّمَا الْ ُم ْؤ ِمنُو نَ الّذِي نَ ِإذَا ذُكِرَ اللّ ُه وَجِلَ تْ قُلُوُبهُ ْم َوإِذَا تُِليَ تْ‬
‫ك هُ مُ‬ ‫صلَ َة َومِمّ ا رَزَ ْقنَاهُ ْم يُنفِقُو نَ ُأوْلَ ـئِ َ‬‫عََلْيهِ ْم آيَاتُ هُ زَا َدْتهُ مْ إِيَانًا َوعَلَى َرّبهِ ْم يََتوَكّلُو َن الّذِي َن ُيقِيمُو َن ال ّ‬
‫ت عِندَ َرّبهِ ْم َو َم ْغفِ َرةٌ َورِزْ قٌ كَرِيٌ )) ( النفال ‪ ، ) 2/4‬بعدميا ذكير اليمان‬ ‫الْ ُم ْؤمِنُو نَ َحقّ ا ّل ُه مْ دَرَجَا ٌ‬
‫الذي هيو العقيدة الصيحيحة الباعثية على خشيية ال سيبحانه وتعالى ومراقبتيه ذكير أهيم العمال‬
‫وهيي الصيلة ‪ .‬يقول ال سيبحانه وتعالى‪(( :‬ب سم ال الرح ن الرح يم َقدْ أَفْلَ َح الْ ُم ْؤمِنُو َن الّذِي َن هُ مْ فِي‬
‫صلَاِتهِمْ خَا ِشعُو نَ وَالّذِي َن هُ ْم عَ نِ الّل ْغوِ ُمعْرِضُو نَ وَالّذِي نَ هُ مْ لِلزّكَاةِ فَاعِلُو نَ وَالّذِي نَ هُ مْ ِلفُرُو ِجهِ مْ حَاِفظُو نَ إِلّا‬ ‫َ‬
‫عَلَى أَ ْزوَا ِجهِ ْم أوْ مَا مََلكَ تْ َأيْمَاُنهُ مْ فَِإّنهُ ْم غَيْ ُر َملُومِيَ َفمَ ِن اْبَتغَى وَرَاء ذَلِ كَ َفُأوْلَئِ كَ هُ ُم اْلعَادُو َن وَالّذِي َن هُ مْ‬
‫ِلأَمَانَاِتهِ ْم َو َعهْ ِدهِ مْ رَاعُو َن وَالّذِي َن هُ ْم عَلَى صََلوَاتِهِ ْم يُحَافِظُو نَ )) ( المؤمنون ‪. ) 1/9‬ذكير صيفات‬
‫المؤمنييين وصييدر هذه الصييفات بذكيير الخشوع فييي الصييلة واختتمهييا بذكيير المحافظيية على‬
‫الصلة ‪ ،‬لهمية هذه الشعيرة وقدسيتها ومكانتها‪.‬‬

‫وقيد بيين الحيق سيبحانه وتعالى فيي كتابيه أن نصيرة ال عيز وجيل مين العبيد الذي يسيتحق بهيا‬
‫ي عَزِي ٌز الّذِينَ‬ ‫نصرة ال تبتدئ بإقام الصلة ‪،‬فقد قال عز وجل ‪(( :‬وََليَنصُ َرنّ اللّهُ مَن يَنصُ ُرهُ ِإنّ اللّهَ َل َقوِ ّ‬
‫إِن ّم ّكنّاهُ مْ فِي الْأَرْ ضِ أَقَامُوا ال صّلَاةَ وَآَتوُا الزّكَا َة َوَأمَرُوا بِالْ َمعْرُو فِ َونَ َهوْا عَ ِن الْمُنكَ ِر وَلِلّ ِه عَاِقَبةُ الُْأمُورِ ))‬
‫( الحج ‪. ) 41 /40‬‬
‫وعندميا وعيد ال سيبحانه وتعالى عباده المؤمنيين بالسيتخلف والتمكيين فيي الرض تل ذلك‬
‫خِل َفّنهُم‬ ‫أمرهم بإقام الصلة فقد قال عز من قائل (( َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُوا مِنكُ ْم َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َليَ سْتَ ْ‬
‫ف الّذِينَ مِن َقبِْلهِ ْم وََليُ َمكّنَنّ َلهُمْ دِينَهُ ُم الّذِي ا ْرَتضَى َلهُ ْم وََليُبَدَّلّنهُم مّن َبعْدِ َخوِْفهِمْ َأ ْمنًا‬
‫خلَ َ‬
‫فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَ ْ‬
‫َيعْبُدُوَننِي لَا يُشْرِكُونَ بِي َشيْئًا َومَن َكفَ َر َبعْدَ ذَلِكَ َفُأوَْلئِكَ هُمُ الْفَا ِسقُونَ )) ( النور ‪. ) 55/‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫ثيم اتبيع ذلك قوله ‪َ (( :‬وأَقِيمُوا ال صّلَا َة وَآتُوا الزّكَا َة َوأَطِيعُوا الرّ سُولَ َلعَّلكُ ْم تُرْحَمُو نَ )) ( النور ‪، ) 56/‬‬
‫وفيي هذا إشارة إلى أن هذا النصير الذي وعيد ال سيبحانه وتعالى بيه عباده المؤمنيين إنميا هيو‬
‫منوط بالمحافظية على الصيلة أول والتيان بهيا على الوجيه المشروع ‪ .‬وكميا أن ال سيبحانه‬
‫وتعالى يصيدّر صيفات المتقيين بإقام الصيلة والمحافظية عليهيا فإنيه يصيدّر صيفات أضدادهيم‬
‫ف مِن َبعْ ِدهِ مْ خَلْ فٌ أَضَاعُوا ال صّلَاةَ‬ ‫بتضيييع الصيلة ‪ ،‬فقيد قال تعالى فيي الخلف السييء ‪َ (( :‬فخَلَ َ‬
‫ف يَ ْل َقوْ َن َغيّا )) ( مريم ‪. ) 59 /‬‬‫سوْ َ‬
‫شهَوَاتِ فَ َ‬‫وَاّتَبعُوا ال ّ‬
‫وذكير ال سيبحانه وتعالى أن المجرميين يسيألون يوم القيامية عندميا يصيلون النار (( مَا سََل َككُمْ‬
‫ي وَ ُكنّا نَخُو ضُ مَ عَ‬
‫سكِ َ‬
‫ك نُ ْطعِ ُم الْمِ ْ‬
‫ي وَلَ ْم نَ ُ‬
‫ك مِ َن الْمُ صَلّ َ‬
‫فِي َسقَرَ )) وحكى إجابتهم بقوله (( قَالُوا لَ ْم نَ ُ‬
‫ب ِبيَوْ مِ الدّي نِ َحتّى َأتَانَا الَْيقِيُ )) ( المدثير ‪ ، ) 47 / 42‬وفيي هذا ميا يدل على‬ ‫الْخَاِئضِيَ وَكُنّا ُنكَذّ ُ‬
‫أهميية هذه الصيلة وخطورة التفرييط فيهيا‪ .‬وأحادييث الرسيول صيلى ال علييه وسيلم تدل على‬
‫ذلك ‪،‬فقيد جاء فيي حدييث المام الربييع مين طرييق عائشية رضيي ال عنهيا أن النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم قال ‪ (( :‬لكل شيء عمود وعمود الدين الصلة وعمود الصلة الخشوع )) ‪ ،‬وجاء‬
‫فيي الحدييث الصيحيح عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال ‪ (( :‬لييس بيين العبيد والكفير إل‬
‫تركه الصلة )) وفي رواية أخرى (( بين العبد والكفر ترك الصلة )) ويقول صلى ال عليه‬
‫وسيلم ‪ (( :‬العهيد الذي بيننيا وبينهيم الصيلة فمين تركهيا فقيد كفير )) وجاء فيي حدييث أخرجيه‬
‫المام أحمد من طريق عبد ال بن عمرو أن النبي صلى ال عليه وسلم ذكر يوما الصيلوات‬
‫الخميس فقال ‪ (( :‬مين حافيظ عليهيا كنّ له يوم القيامية نورا وبرهانيا ونجاة ‪ ،‬ومين لم يحافيظ‬
‫عليهييا لم تكيين له نورا ول برهانييا ول نجاة ‪ ،‬وكان يوم القياميية مييع فرعون وقارون وهامان‬
‫وأبي خلف ))‪.‬‬
‫وقد ذكر شُرّاح السنة مناسبة ذكر هؤلء الربعة دون غيرهم من الكفار ‪ ،‬وما هو سبب كون‬
‫من ضيع الصلة مع هؤلء فقالوا إن الذي يضيع الصلة إما أن يكون مشغول عنها بملكه إذا‬
‫كان ملكييا ‪ ،‬و إمييا أن يكون مشغول عنهييا بماله إن كان ذا مال ‪ ،‬وإمييا أن يكون مشغول عنهييا‬
‫بمنصيبه إن كان ذا منصيب ‪ ،‬وإميا أن يكون مشغول عنيه بتجارتيه إن كان تاجرا فإن كان ملكيا‬
‫وشغله عنهيا ملكيه كان يوم القيامية ميع أخييه فرعون ‪،‬وإن كان ذا مال وشغله عنهيا ماله كان‬
‫يوم القيامة مع أخيه قارون ‪ ،‬وإن كان ذا منصب وشغله عنها منصبه كان يوم القيامة مع أخيه‬
‫هامان الذي كان وزيرا لفرعون ‪ ،‬وإن كان صييياحب تجارة وشغلتيييه عنيييه صيييلته كان يوم‬
‫القيامة مع أبي بن خلف وهو أحد تجار قريش بمكة ‪.‬‬
‫كل هذه اليات وأمثالها ‪ ،‬وهذه الحاديث وأمثالها تؤكد أهمية الصلة في السلم ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫أثر العبادة في النسان (( أثر الصلة ))‪:‬‬

‫نتيبين حكمية العبادة فيي بيان أسيرار أمهاتهيا حسيبما جاء فيي كتاب ال وفيي سينة رسيوله علييه‬
‫أفضييل الصييلة والسييلم ‪ ،‬فال سييبحانه وتعالى يقول عيين الصييلة التييي هييي مقدميية العبادات‬
‫وأصيل أصيولها (( َوأَقِ ِم ال صّلَاةَ لِذِكْرِي)) { طيه ‪ }14 /‬ويقول (( َوأَقِ ِم ال صّلَاةَ إِنّ ال صّلَاةَ َتنْهَى عَ نِ‬
‫صَنعُونَ )) {العنكبوت ‪ ، }45 /‬ويبين لنا ال سبحانه‬ ‫الْفَحْشَاء وَالْمُنكَ ِر وَلَذِ ْكرُ اللّهِ أَكْبَ ُر وَاللّ ُه َيعْلَمُ مَا تَ ْ‬
‫وتعالى تأثير الصلة أثرا نفسيا عميقا بحيث تأتي على أمور غير محمودة جبل عليها النسان‬
‫فتجتثها وتبدلها بما هو خير منها ‪ ،‬يقول ال تعالى‪ (( :‬إِنّ الْإِن سَانَ ُخلِ َق هَلُوعًا إِذَا مَ سّهُ الشّرّ جَزُوعًا‬
‫صلَاِتهِمْ دَائِمُونَ )) {المعارج ‪.}23 / 19‬‬ ‫ي الّذِي َن هُ ْم عَلَى َ‬ ‫خيْرُ مَنُوعًا إِلّا الْ ُمصَلّ َ‬ ‫َوإِذَا مَسّ ُه الْ َ‬

‫ثيم يذكير سيبحانه وتعالى بعيد ذلك ميا يأتونيه مين أعمال ‪ ،‬التيي هيي مين ثمار إقامية الصيلة‬
‫والمداومة عليها ‪ ،‬ثم يختتيم سلسلة هذه الصيفات التيي وصيفهم بهيا بقوله سبحانه‪ (( :‬وَالّذِي َن هُ مْ‬
‫صلَاِتهِ ْم يُحَافِظُونَ )) {المعارج ‪.} 34 /‬‬
‫عَلَى َ‬

‫وافتتاح صفات هؤلء الذين استثناهم ال سبحانه بالمداومة على الصلة واختتامها بالمحافظة‬
‫على الصلة يدل على أن المداومة على الصلة والمحافظة عليها كما شرع ال سبحانه سبب‬
‫لحفظ العمال الصالحة وبقائها على ما هي عليه بحيث ل تؤثر عليها نزغات الشيطان‪.‬‬

‫وهنييا يعرض سييؤال‪ :‬كيييف تكون الصييلة بهذا القدر وهذه المكانيية مييع أنييّ كثيرًا ميين الناس‬
‫يلزمون الصلة ولكن الصلة ل تؤثر عليهم ‪ ،‬فهم كما وصفهم ال تعالى هلوعون ‪ ،‬منوعون‬
‫‪ ،‬ومتصييفون بكييل الصييفات الخسيييسة ‪ ،‬ول يترفعون عيين الدنايييا ول يجتنبون المنهيات ‪ ،‬فل‬
‫يتورعون عين الخيانية والكذب والخداع ‪ ،‬ول يتورعون عين التحاييل ول يتورعون عين أكيل‬
‫أموال اليتامييى وأكييل مطلق أموال الناس بالظلم ‪ ..‬فكيييف يقال مييع ذلك إن الصييلة تنهييى عيين‬
‫الفحشاء والمنكر؟‬

‫والجواب‪ :‬إن الصلة المأمور بها هي الصلة ذات الثر النفسي البالغ وتلك الصلة هي التي‬
‫يؤديهيا النسيان وقيد اسيتكملت بنيتهيا واسيتجمعت روحهيا ‪ ،‬فبنيية الصيلة هيي هيئاتهيا الظاهرة‬
‫التييي يأتييي بهييا النسييان واسييتكمال هذه البنييية إنمييا يكون بعدم الخلل بشيييء منهييا ‪ ..‬وروح‬
‫الصلة هو الخشوع ‪ ،‬ولذلك جعل ال سبحانه وتعالى الفلح للخاشعين في الصلة من عباده‪.‬‬

‫يقول ال عيز وجيل (( قَدْ أَفَْل َح الْ ُم ْؤمِنُو نَ الّذِي َن هُ مْ فِي صَلَاِتهِمْ خَا ِشعُو نَ )) {المؤمنون‪.}2 ، 1/‬‬
‫وييبين لنيا ال سيبحانه وتعالى أن كثيراً مين المصيلين يأتون للصيلة ولكين صيلتهم ل تصيدّهم‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫عمّا هيم علييه مين العمال التيي تنافيي صيلح النفيس وصيلح المجتميع ‪ ،‬وذلك إذا ميا كانوا‬
‫ك الّذِي يَ ُدعّ الَْيتِي مَ‬
‫ت الّذِي ُيكَذّ بُ بِالدّي نِ َفذَلِ َ‬
‫ساهين عن الصلة ‪ ،‬يقول ال سبحانه وتعالى‪ (( :‬أَ َرَأيْ َ‬
‫صلَاِتهِ ْم سَاهُونَ )) {الماعون‪.}1/5 :‬‬ ‫ي الّذِي َن هُ ْم عَن َ‬
‫سكِيِ َف َويْلٌ لّ ْل ُمصَلّ َ‬
‫ض عَلَى َطعَامِ الْمِ ْ‬
‫ح ّ‬
‫وَلَا يَ ُ‬

‫لقد كان سياق الكلم يقتضي أن يقول‪ :‬فويل لهم ‪ ،‬ولكن بدلً من أن يأتي بالضمير جاء بالسم‬
‫الظاهر ‪ ،‬وكان هذا السم الظاهر هو (المصلين) الذين هم عن صلتهم ساهون لجل الشعار‬
‫والتنيبيه بأن السيهو عين الصيلة هيو السيبب فيميا ذكره ال سيبحانه وتعالى مين التكذييب بالديين‬
‫ودعّي اليتيييم وعدم الحييض على طعام المسييكين إلى مييا وراء ذلك ‪ ،‬ويدل على ذلك هذا الربييط‬
‫بالفاء في قوله (( َف َويْلٌ )) والفاء تقتضي ربط ما بعدها بما قبلها‪.‬‬

‫كيل ذلك يدل على أهميية الصيلة ومكانتهيا وأثرهيا ‪ ،‬وعلى أن الصيلة هيي التيي تأتيي على تلك‬
‫الصيفات المذكورة فيي اليات السيابقة مين سيورة المعارج ومين سيورة الماعون وفيي غيير ذلك‬
‫من المواضع وهي صفات خسيسة جبل عليها النسان فتجتثها الصلة وتبدلها بما هو خير‪.‬‬

‫وعلى ذلك فالصلوات تختلف ‪ ،‬فليست كل صلة لها وزن عند ال تعالى ‪ ،‬ومن أحسن ما قيل‬
‫فيي هذا قول أحيد علماء السيلم وهيو العلمية الكيبير المام محميد عبده فيميا دوّنيه عنيه تلميذه‬
‫السيد محمد رشيد رضا في تفسير (المنار) حيث قسم الصلة إلى قسمين‪ :‬عادة وعبادة‪.‬‬

‫وقال‪ :‬إن صلة كثير من الناس ل تتجاوز أن تكون عادة من العادات ‪ ،‬وذلك أنّيك ترى أحدهم‬
‫ل يحاول أن يقلد أباه فييي‬
‫فييي شيخوختييه إذا قام يصييلي لم تختلف صييلته عنييه يوم كان طف ً‬
‫الصييلة ‪ ،‬فهذه الصييلة مجرد عادة ميين العادات ‪ ..‬أمييا الصييلة التييي هييي عبادة فتنقسييم إلى‬
‫قسمين‪ :‬إلى روح وجسم‪.‬‬

‫فالجسيم هذه العمال الظاهرة التيي يأتيي بهيا المصيلي مين تلوة وتسيبيح وسيجود وقعود وقيام‬
‫إلى غير ذلك من العمال ‪ ،‬هذه العمال ل تعدو أن تكون جسماً للصيلة ‪ ،‬ولكن الجسم نفسه‬
‫بدون روح ل حراك له ول يجدي شيئًا ‪ ،‬وإنمييا روح الصييلة الخشوع كمييا فييي الحديييث عيين‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ( :‬إن لكل شيء عموداً ‪ ،‬وعمود الدين الصلة ‪ ،‬وعمود الصلة‬
‫الخشوع ) ‪ ،‬فعمود الصيلة الخشوع وهو التيان بالصيلة على وجههيا المشروع ميع اسيتشعار‬
‫عظمية الخالق الذي يتوجّه إلييه النسيان بهذه الصيلة ‪ ..‬ولذلك يقول ال عيز وجيل‪ (( :‬قَدْ أَفَْل حَ‬
‫صلَاِتهِمْ خَا ِشعُو نَ )) {المؤمنون‪ ، }2-1/‬وهنيا إذا كانيت الصيلة مسيتجمعة‬
‫الْ ُم ْؤمِنُو َن الّذِي َن هُ مْ فِي َ‬
‫روحها تكون كل كلمة منها نابضة بمعنى حيوي مهم ‪ ،‬كل كلمة من كلماتها تؤثر أثرًا نفسياً‬
‫عميقاً‪ .‬فالمصيلي عندميا يمثيل أمام ال سيبحانه وتعالى ينتقيل مين الحِيييل إلى الحرام بالتكيبير‬
‫وهو قوله ال أكبر‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫فإذا ميا أتيى النسيان بهذه التكيبيرة اسيتشعر أن الكيبرياء ل سيبحانه وتعالى وحده وأن كيبرياءه‬
‫سبحانه ل يمكن أن يُكتيَنيَييه ‪ ،‬هذه الكلمة تسكب معنى حساساً في نفس هذا المصلي إذا وعاها‬
‫ل ال‬ ‫وأدرك مغزاها ‪ ،‬فهي تعني تفرد ال سبحانه وتعالى بالكبرياء ‪ ،‬ويعني ذلك أنه ل كبير إ ّ‬
‫‪ ،‬وأن الناس متسيياوية أقدامهييم بييين يدي ال سييبحانه وتعالى ل يتفاضلون بشيييء إل بقدر مييا‬
‫يتقربون به إلى ال سبحانه من التقوى وحسن العمل‪ .‬وكما قلت ليس هناك فكر يمكن أن يدرك‬
‫كنه كبرياء ال ‪ ،‬فأفكار البشر كلها قاصرة عن إدراك عظمة الحق سبحانه وتعالى ((مَا قَ َدرُوا‬
‫اللّهَ حَقّ َقدْ ِرهِ )) {الحج‪.}74/‬‬

‫فعظميية ال سييبحانه وتعالى أجييل وأكييبر ميين تصييورات عقول البشيير وأفكارهييم‪ .‬فإذا مييا أتييى‬
‫النسيان بالصيلة على هذه الطريقية وشعير عنيد تكيبيرة الحرام أن الكيبرياء ل وحده تفاعلت‬
‫فيي نفسيه عواميل شتيى بحييث يتلقيى شعوراً جديداً عندميا يأتيي بهذه الكلمية ‪ ،‬هذا الشعور يجعله‬
‫إن كان مهانيا فيي مجتمعيه بسيبب مين السيباب ‪ ،‬مين فقير أو ضعية فيي نسيب أو أي سيبب آخير‬
‫ج لفضله وخائف‬ ‫فإنه يعتز بصلته بال سبحانه وتعالى الذي هو واقف بين يديه وخاشع له ورا ٍ‬
‫مين عقابيه ‪ ،‬يعتيز بهذه الصيلة فل يرجيو غيير ال ‪ ،‬ول يخشيى إل ال ول يتوكيل إل على ال ‪،‬‬
‫ول يُحيب مين يحيب إل فيي ال ‪ ،‬ول يكره مين يكره إل فيي ال‪ .‬يعتّيييز بصيلته بال عيز وجيل‬
‫بسييب إدراكييه أن الكييبرياء ل فل يُطأطييئ رأسييه إل ل ‪ ،‬ول يحنييي ظهره إل لجلل ال ‪ ،‬ول‬
‫يتعلق إل بال رجا ًء وخوفاً ول تقرباً بعميل مين العمال ‪ ،‬إنميا يرجيو مين ال ويخشيى مين ال‬
‫تعالى وحده ‪ ،‬فتتحرر رقبتيه مين الخضوع لغيير ال سيبحانه وتعالى ‪ ..‬هكذا تكون الصيلة إذا‬
‫جاء بها النسان استشعر المعنى الذي يأتي بلفظه على لسانه‪.‬‬

‫وإذا كان المصيلي بعكيس ذلك كأن يكون مين ذوي السيلطة والمكانية فيي الرض ‪ ،‬أو أن يكون‬
‫صيياحب مال أو صيياحب قوة ميين القوى فإنييه بمجرد مييا يأتييي بهذه التكييبيرة يخشييع ويتطاميين‬
‫ويدرك أن الكيبرياء ل سيبحانه وتعالى ‪ ،‬فلييس له أن ينازع الخالق العظييم فيي كيبريائه ‪ ،‬فال‬
‫سييبحانه وتعالى وحده هييو الكييبير المتعال وجميييع الناس هييم أذلة بييين يديييه سييبحانه ل فضييل‬
‫لحدهيم إل بقدر القتراب مين ال بالطاعية وحسين العميل ‪ ،‬والقتراب مين ال ينافيي التعالي‬
‫على عباده ‪ ،‬فل يتعالى على أحييد ميين خلق ال بسييبب ضعفييه وهوانييه وفقره وضعتييه بييين‬
‫الناس ‪ ،‬فليييس له أن ينازع ال تعالى فييي كييبريائه ( الكييبرياء ردائي والعظميية إزاري وميين‬
‫نازعنيي فيهميا أدخلتيه النار ول أبالي ) ‪ ،‬وعلى هذا النسيان أن ينظير أن ميا آتاه ال سيبحانه‬
‫وتعالى مميا يظنيه كثيير مين الناس ميزةً له ورفعية لقدره ‪ ،‬إنميا هيو ابتلء مين ال عيز وجيل‬
‫واختبار له –وهو أعلم به‪ -‬كيف يفعل فيما آتاه أيشكره أم يكفر ‪...‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫ومن ذلك نتبين أن تلفظ المصلي بتكبيرة الحرام تورثه خشوعاً وخضوعاً ل سبحانه وتعالى‬
‫وتواضعاً لعباد ال ووقوفاً عند حدوده البشرية وعدم التطاول على الخلق‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫أثر الستعاذة والبسملة ‪:‬‬

‫وإذا أراد المصييلي أن يقرأ فاتحيية الكتاب – بعييد تكييبيرة الحرام – اسييتعاذ بال ميين الشيطان‬
‫الرجييم ‪ ،‬فتذكره هذه السيتعاذة بالحرب الضروس الدائرة بينيه وبيين الشيطان الرجييم ‪ ...‬هذه‬
‫الحرب اشتعلت نارهييا وتأججييت منييذ أن أعلن الشيطان الرجيييم التمرد والعصيييان لميير ال‬
‫سيبحانه وتعالى وأعلن العداوة لهذا النسيان ‪ ،‬فإنيه قيد أقسيم بعزة ال ليضلن النسيان وليردينيه‬
‫فيي جهنيم إل إن كان مين عباد ال المخلصيين ‪ ،‬وهذا يجعيل النسيان يعيد العدة فيي كيل وقيت‬
‫لمكائد الشيطان ويقاوميييه كيييل ميييا حاول أن يسيييوس له بشرّ ‪ ،‬ويقاوم جمييييع إغراءاتيييه على‬
‫اختلف أنوعهيا ‪ ...‬فاسيتعاذة هذا العبيد بال سيبحانه وتعالى مين الشيطان الرجييم تعنيي اللتجاء‬
‫إلى ال تعالى خوفيا مين مكائد الشيطان ‪ ،‬هذا اللتجاء يجيب أل يكون قولياً فحسيب ‪ ،‬بيل يجيب‬
‫أن يكون قول باللسيان ‪ ،‬وعقيدة فيي القلب وعمل بالجوارح ‪ ،‬بحييث يكون حذرا متنبهيا لمكائد‬
‫الشيطان ‪ ،‬مدركا خطورة وسائله التي تؤدي بهذا النسان إلى معصية ال تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫فإذا ميا أتيى البسيملة وقال ‪ :‬بسيم ال الرحمين الرحييم علم أن كيل شييء ل يعتيد بيه ول تكون له‬
‫قيمة إل إذا كان ل ‪ ،‬واستشعر أن هذا العمل الذي يقدم عليه إنما يقدم عليه بسم ال ‪ ،‬فيجب أن‬
‫يكون خالصيا ل ل يشرك ميع وجيه ال سيبحانه وتعالى وجيه أحيد مين خلقيه ول يرييد على هذا‬
‫العمل ثناء أو شكورا من أحد من الناس ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫معايشة المصلي لمعاني سورة الفاتحة‪:‬‬

‫فإذا تل المصيلي قول الحيق عيز وجيل (( الْحَمْدُ للّ هِ رَبّ اْلعَالَمِيَ )) ( الفاتحية ‪ ) 2/‬شعير بعظيم‬
‫النعمة ‪ ،‬نعمة ال تعالى التي ل تصدر إل عنه إلى عبده ‪ ،‬فلذلك حصر الحمد في الرب وحده‬
‫(( الْحَمْدُ للّ هِ )) كيل حميد ل ‪ ،‬لن كيل نعمية مصيدرها مين ال ‪َ (( ،‬ومَا بِكُم مّن ّنعْ َمةٍ َفمِ نَ اللّ هِ ))‬
‫( النحيل ‪ ، )53 /‬وكيل تلك النعيم تسيتوجب الشكير ل تعالى ‪ ،‬والشكير إنميا يكون باسيتخدامها‬
‫فيما يرضي ال ل باستخدامها فيما يسخطه ‪ ،‬ونعم ال عظيمة كثيرة ل تحصى سواء ما كان‬
‫منهييا بداخييل النسييان أو مييا كان حوله وسييخرت لمصييلحته ‪ ،‬والتييي لو كانييت خلياه ألسيينة‬
‫ناطقة ‪ ،‬ووقفت شاكرة مدى عمر هذا النسان لم تؤد شكر نعمة من هذه النعم ‪.‬‬

‫وبجانيب ذلك يشعير بعظمية الخالق عندميا يتلو قوله (( رَبّ الْعَالَمِيَ )) ‪ ..‬ومعنيى كونيه (( رَبّ‬
‫الْعَالَ ِميَ )) أن كيل شييء فيي هذا الكون مربوب ل ‪ ،‬فهيو سيبحانه رب الكون بأسيره ‪ ،‬رب كيل‬
‫المخلوقات ؛ فميا مين ذرة فيي هذا الكون إل وهيي مربوبية له سيبحانه وتعالى وفيي حاجية إلييه‬
‫عز وجل ‪ ،‬فلو تخلى عن هذا الكون أدنى من لحظة من اللحظات لهوى إلى حيث ل يعمله إل‬
‫س َكهُمَا مِ نْ أَحَ ٍد مّ ن َبعْدِ هِ )) ( فاطير ‪/‬‬
‫ك ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضَ أَن تَزُولَا وََلئِن زَالَتَا إِ نْ َأمْ َ‬
‫ال (( اللّ َه يُمْ سِ ُ‬
‫‪. ) 41‬‬

‫فكيل ذرة فيي هذا الكون لو تخلى ال سيبحانه وتعالى عنهيا أدنيى مين لحظية عيين لميا قير لتلك‬
‫الذرة قرارا أبدا ‪ ،‬الكون كله بحاجييية إلى ال عيييز وجيييل ‪ ،‬وال هيييو المتفضيييل بتدبيره ‪.‬فهذه‬
‫الجرام الفلكيية على اختلفهيا ‪ ،‬واختلف أبعادهيا ‪ ،‬وعلى اختلف أثقالهيا ‪ ،‬وعلى ‪ ..‬وعلى ‪..‬‬
‫ال سيبحانه وتعالى هيو الذي ينظمهيا وهيو الذي يسييرها وهيو الذي يرعاهيا ‪ ،‬ول يخرج شيئا‬
‫منها عما يقتضيه أمر ال عز وجل ‪ ،‬وفي مثل هذا الموقف لبد من أن يرجف القلب وترتعد‬
‫الفرائض ويشعيير العبييد بالضطراب ‪..‬ولكنييه عندمييا يتلو قوله سييبحانه وتعالى (( الرّحْمــنِ‬
‫الرّحِ يم )) يشعير بالسيكينة والطمأنينية تسيريان فيي نفسيه لن هذه الربوبيية هيي ربويية إحسيان‬
‫ورحمة بالعباد ‪.‬‬
‫ك َيوْمِ الدّينِ )) خرج من هذا العالم إلى عالم آخر ‪ ،‬خرج من‬ ‫وإذا تل قول ال عز وجل (( مَـالِ ِ‬
‫العالم المادي إلى العالم الروحانيي ‪ ،‬واسيتشعر ذلك الموقيف العظييم الذي يقفيه الناس أمام رب‬
‫العالمين ‪،‬استشعر ذلك اليوم الذي سيكون هو أحد الماثلين بين يدي ال وقد تخلى عنه كل ما‬
‫أوتييه فيي هذه الدنييا مين وجاهية وسيلطان وعيز وشرف ومال وبنيين (( وََلقَدْ ِجْئتُمُونَا ُفرَادَى كَمَا‬
‫خََل ْقنَاكُمْ َأوّ َل مَ ّرةٍ َوتَرَ ْكتُم مّا َخوّْلنَاكُ ْم وَرَاء ُظهُورِكُمْ )) { النعام ‪َ (( }94 /‬يوْ َم َيفِ ّر الْمَرْ ُء مِ نْ أَخِيهِ َوُأمّهِ‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫ْنـ ُي ْغنِيهـِ )) { عبييس ‪ } 34/37‬فالملك يومئذ ل ل‬


‫ُمـ َي ْومَئِ ٍذ َشأ ٌ‬
‫ئ ّمْنه ْ‬
‫ِيهـ ِلكُ ّل امْرِ ٍ‬
‫ِيهـ وَصـَا ِحَبتِهِ َوَبن ِ‬
‫َوأَب ِ‬
‫يتطاول أحد من خلقه فيدعي شيئا من الملك كما هو الشأن في الحياة الدنيا‪.‬‬

‫وهذا يجعيل هذا المصيلي يحسيب حسيابه لذلك اليوم ويحاول أن يكون عمله خاضعيا لمقايييس‬
‫الحق التي أنزلها ال سبحانه وتعالى بحيث يكون عمله رصيدا له ينتفع به في ذلك اليوم ‪.‬‬

‫َسـعِيُ )) أي ل نعبييد إل إياك ‪ ،‬اسييتشعر‬


‫ّاكـ ن َْت‬
‫ّاكـَنعْبُ ُد وِإي َ‬
‫وإذا تل قول الحييق تبارك وتعالى (( ِإي َ‬
‫وقوفه أمام عظمة ال ‪ ،‬واستشعر جلل ال عز وجل الذي يحيط بكل شيء في هذا الكون أمام‬
‫وجهه كأنما يناجي ال تعالى وهو يراه فإن لم يكن يراه فهو سبحانه وتعالى يراه ‪.‬‬
‫واسيييشعر بالتحرر مييين العبادة لغيييير ال ومييين الخضوع لغيره سيييبحانه وتعالى ‪ ،‬فالعبادة‬
‫محصورة في ال الواحد الحد ‪.‬‬

‫ثيم إن هذه العبادة داعيية اجتماع وألفية بيين الناس ‪ ،‬ولذلك وجهيت إلى ال بصييغة جماعيية ل‬
‫بصيغة فردية (( ِإيّا كَ َن ْعبُدُ )) ل إياك أعبد ؛ وهذا لن الدين السلمي دين اجتماعي ‪ ،‬فالناس‬
‫فييي ظييل السييلم مطالبون بالوحدة والترابييط والتآلف والمودة حتييى فييي صييلتهم بال سييبحانه‬
‫وتعالى هيم مجتمعون ؛ ولذلك شرعيت صيلة الجماعية كميا شرعيت صيلة الجمعية ‪ ..‬وفيي هذا‬
‫ميييا يشيييير إلى وجوب صيييلة الجماعييية على الناس ‪ ،‬وذلك الذي تقتضييييه الدلة فإن صيييلة‬
‫الجماعية واجبية على العيان على الصيحيح ؛ يعنيي أنهيا ليسيت واجبيا كفائييا بيل هيي واجيب‬
‫عيني يحاسب كل إنسان عليه إن تهاون به بدللة أدلة كثيرة من الكتاب والسنة ليس هذا مجال‬
‫بسيطها وإنميا نذكير بعضهيا ؛ فمين تلك الدلة قول الحيق تبارك وتعالى ‪ (( :‬وَارْكَعُواْ َم عَ الرّا ِكعِيَ‬
‫)) ( البقرة ‪ ، ) 43 /‬ولييس معنيى ذلك إل أن نؤدي الصيلة فيي جماعية ‪ .‬ومنهيا قوله تعالى ((‬
‫ستَطِيعُونَ خَا ِش َعةً َأبْصَا ُرهُ ْم تَ ْر َه ُقهُمْ ذِّل ٌة وَقَدْ كَانُوا يُ ْدعَوْنَ إِلَى‬
‫ق َويُ ْد َعوْنَ إِلَى السّجُودِ فَلَا يَ ْ‬
‫َيوْ َم ُيكْشَفُ عَن سَا ٍ‬
‫ال سّجُو ِد َوهُ مْ سَالِمُونَ )) ( القلم ‪. ) 43 / 42‬هذه اليية يقول فيهيا غيير واحيد مين أئمية التابعيين‬
‫بأنها نزلت في المتخلفين عن صلة الجماعة من هذه المة ‪ ،‬كانوا يدعون إلى السجود وهم‬
‫سيالمون يسيمعون قول المؤذن حيي على الصيلة ‪ ..‬حيي على الفلح وهيم لهون سيادرون فيي‬
‫غيهم غير مبالين بهذا النداء وما يستوجبه من السراع إلى تلبيته‪.‬‬

‫وجاء فيي الحادييث الكثيرة ميا يؤكيد هذا المعنيى ‪ ،‬مين ذلك قول الرسيول علييه أفضيل الصيلة‬
‫والسلم في حديث صحيح ( من سمع النداء إلى الصلة فلم يجب فل صلة له إل من عذر ‪،‬‬
‫قيل وما العذر يا رسول ال ‪ ،‬قال ‪ :‬خوف أو مرض ) وفي رواية أخرى ( من سمع النداء إلى‬
‫الصلة فلم يجب لم يقبل ال منه الصلة التي صلى ) يعني في بيته‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫ونحين ميع كثرة البحيث لم نجيد عين أحيد مين صيحابة رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قول يدل‬
‫على الترخيص في عدم إقامة صلة الجماعة لحد غير معذور بل وجدنا عنهم ما يؤكد أنهم‬
‫كانوا يحرصيون على إقامية الصيلة فيي جماعية ويحرصيون أيضيا على نشير رأيهيم وهيو أن‬
‫صيلة الجماعية واجبية على العيان ( أي على الفراد ) ولول مخافية الطالة لسيردت بعيض‬
‫تلك الثار ؛ ولعلنييا قييد فصييلنا الحديييث عنهييا فييي مواضيييع أخرى متعددة بإمكان مريدهييا‬
‫الحصول عليها‪.‬‬

‫سَتعِيُ )) حصير للسيتعانة بال تعالى كحصير العبادة فيي ال ‪ ,‬وفيي‬ ‫وفيي قوله تعالى (( وِإيّا كَ نَ ْ‬
‫هذا ميا يشعير العبيد بوجوب التحرر مين الخضوع للوهام فل يتعلق بغيير ال لن السيتعانة ل‬
‫تكون إل بال سيبحانه وتعالى ؛ وعلييه فل تصيح السيتعانة فيميا لم يجعيل ال سيبيل للبشير إلييه‬
‫بال سيييبحانه وتعالى ‪ ،‬فل يتعلق النسيييان بالشجار ول بالحجار ول العيون ول النهار ول‬
‫بالقبور ول بأي شيء إنما يتعلق بال سبحانه وتعالى ‪ ،‬لنه يعلم أن أهل السموات والرض لو‬
‫اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعونه إل بشيء قضاه ال تعالى له ‪ ،‬ولو اجتمعوا على أن‬
‫يضروه بشييء لم يضروه إل بشييء قضاه ال تعالى علييه ‪ ..‬فميا للنسيان والتعلق بمين ل يملك‬
‫لنفسه نفعا ول ضرا ‪.‬‬
‫لقد قال ال عز وجل لنبيه صلى ال عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأكرم الخلق وأعلى الناس‬
‫خيْ ِر َومَا‬
‫ت مِ َن الْ َ‬
‫منزلة‪ (( :‬قُل لّ َأمْلِ كُ ِلَنفْ سِي َن ْفعًا وَلَ ضَرّا إِلّ مَا شَاء اللّ ُه وََلوْ كُن تُ َأعْلَ ُم اْل َغيْ بَ لَ ْستَ ْكثَرْ ُ‬
‫سنِيَ السّوءُ )) { العراف ‪. } 188 /‬‬ ‫مَ ّ‬
‫هذا ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي ذلك الوقيت كان حييا ملء ثيابيه يتحدث ويذهيي ويجييء‬
‫ويتحرك ‪ ،‬فكييف بغيير النيبي صيلى ال علييه وسيلم ‪ ،‬وكييف بالموات الذيين لحراك لهيم ول‬
‫يملك أحدهييم أن يجلب لنفسييه نفعييا ول أن يدفييع عنهييا ضرا فكيييف بغيره ‪ ..‬وكيييف بالحجار‬
‫وكييييف بالشجار وكييييف بالعيون والنهار ‪ ،‬فكيييل هذه الشياء جمادات أنيييى لهيييا أن تجدي‬
‫النسان نفعا أو تدفع عنه ضرا ‪ ( ....‬إذا سألت فاسأل ال وإذا استعنت فاستعن بال ) ‪.....‬‬
‫على العبييد أن يسييتعين بال سييبحانه وتعالى وحده ‪ ،‬وأن يرجييو ميين ال ‪ ،‬وأن يخشييى ميين ال‬
‫وحده ‪ ،‬ول يتعلق إل بال سبحانه وتعالى وحده ‪ .‬ومن جانب آخر فليس لحد أن يستعين بأحد‬
‫في شيء ليس له سبيل إليه ‪ ،‬وإنما هو من أفعال ال تعالى وحده ‪ ،‬فليس لحد أن يستعين بأحد‬
‫في طلب مولود ‪ ،‬أو في طلب مال أو في طلب سعادة ‪ ،‬أو في شيء من هذه الشياء لن هذه‬
‫الشياء ل يقدر عليهييييا إل ال ‪ ،‬فل يقدر أن يرزقييييك ولدا ‪ ،‬ول أن يجعلك غنيييييا ول يجعلك‬
‫سيعيدا إل ال ‪ ...‬ول يقدر أن يهبيك الذكاء إل ال ول يقدر أن يدفيع عنيك البلء إل ال ‪ ،‬ول أن‬
‫يرفيع عنيك المرض إل ال ‪ ..‬هذه المور كلهيا ليسيت فيي مقدور البشير فاسيتعانة النسيان فيهيا‬
‫بغيير ال تعالى يعنيي ذلك إشراكيا لغيير ال تعالى فيميا هيو مين اختصياص ال ‪ ،‬فلييس لحيد أن‬
‫يشارك أحدا مع ربه في الستعانة به فيما لم يجعل ال تعالى لحد سلطانا عليه ‪ ،‬كما أنه ليس‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫له أن يشرك أحدا فيي عبادتيه تبارك وتعالى ‪ ،‬والدلييل على ذلك هذا العرض (( ِإيّا َك َنعْبُ ُد وِإيّا كَ‬
‫ستَعِيُ )) ‪.‬ولو سأل سائل ما بال الناس يستعين بعضهم ببعض في أمور شتى ؟!‬ ‫نَ ْ‬

‫والجواب عن ذلك ‪ :‬أن تلك المور جعل ال التعاون فيها من سنن الكون ومن نواميس الحياة‬
‫‪ ..‬كأن يستعين أحد بغيره فيما يقدر عليه من قضاء حاجاته ؛ كاستعانته به في رفع حمل ثقيل‬
‫ينوء بييه وحده ‪ ،‬أو أن يطالب منييه عونييا على قضاء دينييه باقتراض ميين ماله ‪ ،‬أو يسييتعين‬
‫بجاهيه فيي مخاطبية شخصيا آخير له إلييه حاجية يرجيو قضاءهيا ‪ ..‬هذه أمور جعيل ال تعالى‬
‫التعاون فيها من نواميس الكون ومن سنن الحياة ‪.‬‬
‫أما أن يقول أحد لغيره من البشر ارزقني مال ‪ ،‬أو اجعلني من السعداء أو اجعلني من الذكياء‬
‫‪ ،‬أو ارزقني ذرية أو نحو ذلك من المور التي لم يجعل ال تعالى لحد سلطانا عليها فذلك من‬
‫الشركيات والعياذ بال ‪.‬‬

‫وإذا كان هذا فييي النسييان الحييي المتكلم الواعييي البصييير فمييا بالكييم بالسييتعانة بالموات أو‬
‫السيتعانة بالحجار أو السيتعانة بالعيون والنهار ‪ ...‬هذه الشياء كلهيا ل تصيح السيتعانة بهيا‬
‫لنهييا ل تملك للنسييان نفعييا ول ضرا ‪.‬وتفشييي ظاهرة طلب قضاء الحاجات ميين هذه الشياء‬
‫دلييل على ضلل العقول وانحراف الفطرة ‪ ،‬وقيد كان ذلك مين سيمات الجاهليية الحمقاء التيي‬
‫جاء السيلم الحنييف لسيتئصالها‪ .‬وقد صيدق النيبي الكرييم علييه أفضيل الصيلة والسيلم حييث‬
‫قال ‪ (( :‬لتتبعيين سييَينن ميين قبلكييم شييبرا بشييبر وذراعييا بذراع حتييى لو دخلوا جحيير ضييب‬
‫لدخلتموه )) قالوا ‪ :‬أهم اليهود والنصارى يا رسول ال ؟ قال ‪ (( :‬فمن )) ؟! يعني من غيرهم‬
‫‪.‬‬

‫ت عَلَيهِ ْم‬
‫ط الّذِي نَ أَنعَم َ‬
‫ثم إذا تل المصلي بعد ذلك قول ال سبحانه (( اه ِدنَـا ال صّرَاطَ الُستَقِيمَ صِرَا َ‬
‫ِمـ وَلَ الضّالّيَ )) ‪ ..‬شعيير أنييه أمام طريقييين ‪ :‬طريييق هدى وطريييق ضلل ‪،‬‬ ‫ُوبـ عَلَيه ْ‬
‫غَيِ الَغض ِ‬
‫طرييق حييق وطرييق باطيل ‪ ..‬طرييق موصييل إلى الرحمين وطرييق موصيل إلى الشيطان ‪..‬‬
‫وبطبيعية الحال يحرص على سيلوك طرييق الحيق والهدى الموصيل إلى رضوان ال سيبحانه‬
‫وتعالى مادام اسيتشعر خوف ال وعلم كيبرياء ال وجلل ال وعزة ال ونعمية ال علييه ‪ ،‬وأن‬
‫مرجعه إلى ال عز وجل ‪.‬ويعني ذلك مجانبة مسالك أهل الفساد والبعد عن طرق الضلل لئل‬
‫يكون من المغضوب عليهم والضالين ‪.‬‬

‫وهكذا شأن كيل ميا يتلوه المصيلي أو يسيمعه مين إماميه مين آي الذكير الحكييم أو ميا يأتيي بيه مين‬
‫أذكار الصيلة مين تكيبير وتسيبيح وتعظييم وسيائر القوال والعمال فإنهيا جميعيا تغرس فيي‬
‫النفييس روح اليمان والفضيلة والتقوى ‪ ،‬فإذا خرج المصييلي ميين صييلته خرج وقلبييه مليييء‬
‫باليمييا ن بال واليوم الخيير وبحييب ال وحييب رسييوله صييلى ال عليييه وسييلم وسييائر عباده‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫الصيالحين ‪ ،‬وتطهير قلبيه مين أكدار الحياة وصيفيت نفسيه مين شوائب الطبيع وغدا عضوا فعال‬
‫في مجتمعه وأمته ‪.‬‬

‫ولكن للحياة أثر النسان ‪ ،‬فاختلطه بالناس الذين قل من يذكره منهم بال سبحانه وتعالى يؤثر‬
‫علييه ‪ ،‬والحرص على مصيالح الدنييا يؤثير فييه ‪ ،‬فتتأثير نفسييته بذلك ‪ ،‬غيير أن ذلك التأثير ل‬
‫يكاد يتعمق في نفسه إل ويسمع المؤذن يناديه من جديد ليجدد صلته بال سبحانه وتعالى وليرد‬
‫في هذا الطهور الرباني ليخرج منه نظيفا مرة أخرى ‪ ،‬فيذهب إلى المسجد ويتطهر من أدرانه‬
‫مرة ثانية ‪ ،‬وهكذا يتكرر في اليوم والليلة خمس مرات ‪ ،‬وهذا معنى قوله عليه أفضل الصلة‬
‫والسييلم ‪ (( :‬أرايتييم لو أن على باب أحدكييم نهرا جاريييا غمرا ينغميس فييه فييي كيل يوم وليلة‬
‫خميس مرات ‪.‬أيبقيى مين درنيه شييء ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ل ييا رسيول ال ‪ ،‬قال ‪ :‬فذلكيم مثيل الصيلوات‬
‫الخمس )) ‪.‬‬

‫فالصييلوات الخميس هيي التييي تنقيي باطين النسييان وتصييفي روحيه وقلبيه وعقله ومشاعره‬
‫ووجدانيه وفكره فيخرج نظيفيا ‪ ،‬والنهير إنميا يصيفي ظاهير البدن ولكين أراد النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم أن يضرب مثل للناس بالشياء المحسوسة المعهودة عندهم تقريبا إلى الذهان كما‬
‫هي سنة ال تعالى في ضرب المثال لجل التقريب للفهام ‪.‬‬

‫ذلكيم هيو أثير الصيلة النفسيي ‪ ،‬وبطبيعية الحال ينتقيل هذا الثير مين النفيس إلى المجتميع إذا ميا‬
‫كان الناس كلهم يؤدون الصلة على الطريقة المشروعة التي أمر ال تعالى أن تؤدى بها‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫أثر العبادات الخرى على النسان (أثر الزكاة)‪:‬‬

‫وبقييية العبادات آثار كييبيرة فييي نفييس النسييان ‪ ،‬وميين تلك العبادات العظيميية الثيير فييي نفييس‬
‫النسان وفي حياته ( الزكاة ) وهي الركن المالي الجتماعي‬
‫في السلم ‪ ،‬فإن هذه الزكاة ذات أثر نفسي عميق على المزكي وعلى المتصدق عليه ‪ ،‬وذلك‬
‫حبّو نَ الْمَالَ ُحبّ ا جَمّ ا ))‬
‫أن ال جعلهيا تطهيرا لنفيس البشريية التيي جُييبلت على حيب المال (( َوتُ ِ‬
‫خيْرِ لَشَدِيدٌ )) { العاديات ‪ ، } 8 /‬فالنسيان مين شأنيه أن يحيب‬ ‫{ الفجير ‪َ (( } 20 /‬وِإنّ هُ لِحُبّ الْ َ‬
‫الستكثار من المال فهي رغبة فطرية في نفسه ‪ ،‬وهذه الرغبة إذا استحكمت في النفس عادت‬
‫طبيعية خطيرة يتعذر اسيتئصالها ويتعسير علجهيا ‪ ،‬لذلك جعيل ال سيبحانه وتعالى فيي الزكاة‬
‫العلج النفسيي الناجيع ‪ ،‬والتطهيير الذي ل يبقيى معيه شيح عين أداء حيق ال وحيق عباده ‪..‬‬
‫فالمزكيي بهذه الصيدقة يطفييء سيعار حيب المال فيي نفسيه الذي هيو داء مسيتطير ل تكاد تسيلم‬
‫منه نفس ‪ ،‬ولذلك يحتاج إلى العلج بمثل هذه النفقات التي شرعها ال سبحانه وتعالى ‪..‬‬

‫ولو أهمييل النسييان علج هذا الداء لسييتفحل وأدى اسييتفحاله إلى اسييتعصاء العلج وتعذر‬
‫استئصاله بحيث يكون طبيعة من طبائع النفس ل يمكن للنسان أن ينفك عنها ‪ ،‬فلذلك أمر ال‬
‫تعالى الغنياء أن يخرجوا من أموالهم حقا معلوما للفقراء ليطهروا بذلك نفوسهم من أسر هذا‬
‫صدََقةً تُ َطهّ ُرهُ ْم َوتُزَكّيهِم‬
‫الداء العضال ‪ ،‬ويشير إلى ذلك قول ال سبحانه وتعالى (( خُ ْذ مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ َ‬
‫بِهَا )) { التوبيية ‪ ، } 103 /‬لم يقييل الحييق سييبحانه تطهيير مالهييم ‪ ،‬وإنمييا تطهرهييم ‪ ،‬ذلك لن‬
‫النسيان تتتطهير نفسيه بهذه الزكاة وتزكيو وإن كان فيي الزكاة تطهيير للمال وتنميية له بإخراج‬
‫حق ال تعالى وحق عباده ‪..‬‬

‫فالزكاة كما هو معلوم مأخوذة من زكا الشيء يزكوا بمعنى (( نما )) وذلك بما جعل ال فيها‬
‫من نماء الخيرات ‪ ،‬أو أنها مأخوذة من زكا بمعنى ( طيَهُير ) فهي تزكية للنفس وتطهير لها ‪.‬‬
‫وال سيبحانه وتعالى اقتضيت حكمتيه فيي خلقيه للبشير أن يكونوا متفاوتيين فيي مواهبهيم الكسيبية‬
‫كمييا يتفاوتون فييي مواهبهييم الفطرييية ‪ ،‬فالناس متفاوتون فييي المال تفاوتهييم فييي قوى البدان‬
‫والعقول والفكار ‪ ..‬فالناس متفاوتون فيي الغنيى ‪..‬وذو الفقير بحاجية إلى ميا جعله ال سيبحانه‬
‫وتعالى بأيدي الغنياء بإخراج زكاة أموالهيم ‪ ،‬ليكون هذا القدر الذي يخرجيه الغنيي للفقيير حقيا‬
‫واجبا عليه ‪ ..‬وإل لو شاء ال عز وجل لغنى الكل ‪ ،‬وعلى ذلك فالناس كل أحد منهم بحاجة‬
‫إلى الخر حتى تكون الحياة – حياة الناس – حياة إجتماعية مدنية مترابطة ليست حياة مفككة‬
‫كحياة البهائم‪.‬‬

‫وشأن النسيان إذا أرسيل لنفسيه العنان لكسيب المال أل يبالي مين أي طرييق يكتسيبه ولو أدى‬
‫ذلك إلى القضاء على حياة الخرين ‪ ،‬ولجل ذلك تجدون اللصوص وقطاع الطرق ومن على‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫شاكلتهيم ل يبالون بسيفك الدماء لجيل الحصيول على المال لن شهوة المال هيي التيي دفعتهيم‬
‫إلى ذلك عندميا اسيتحكمت فيي نفوسيهم ‪ ،‬وقيد يسيتعجل الولد موت والده فيسيقيه السيم الزعاف ‪،‬‬
‫ويفعيل ذلك القرييب بقريبيه حتيى يسيتولي على تركتيه ‪ ..‬هذا كله مين أثير شهوة المال ‪ ،‬فعلج‬
‫هذه الشهوة بما شرع ال سبحانه وتعالى من النفاق والبذل ‪ ،‬فإذا اعتاد النسان النفاق حُيبب‬
‫إليه هذا النفاق ‪ ،‬ولذلك جعل ال سبحانه وتعالى من النفاق ما هو منظم بحيث يقوم به العبد‬
‫فيي كيل عام ‪ ،‬ومنيه ميا هيو موكيل إلى النظير فيي حاجات الناس كسيائر النفقات المشروعية فيي‬
‫السلم ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫أثر الصوم على النسان‪:‬‬

‫والصيوم أيضاً له أثير كيبير فيي نفيس الصيائم ‪ ،‬وال تبارك وتعالى ييبين لنيا حكمية الصييام فيي‬
‫ب عَلَى الّذِي َن مِن َقبِْلكُ مْ َلعَّلكُ مْ‬
‫صيَامُ كَمَا ُكتِ َ‬
‫ب عََلْيكُ ُم ال ّ‬
‫قوله عيز وجيل ‪ (( :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ ُكتِ َ‬
‫َتتّقُو نَ )) {البقرة‪ .}183/‬أي لتتّقوا ‪ ،‬فالصيوم المطلوب مين العبيد هيو الصيوم الذي يروض بيه‬
‫نفسيه على العمال الصيالحة واجتناب السييئات فيحملُ الصيائم نفسيه على تقوى ال عيز وجيل‬
‫ن الصوم ليس هو مجرد الك فّ عن الكل‬ ‫وذلك إذا ما أدى الصوم على الطريق المشروع ‪ ،‬فإ ّ‬
‫والشرب ومباشرة النسياء فحسيب ‪ ،‬بيل أمير الصيوم أكيبرُ مين ذلك ‪ ،‬ذلك لن الصيوم المطلوبَي‬
‫هيو بجانيب ميا ذُكير ضبيط النفيس وقييد الجوارح عين جمييع العمال السييئة ‪،‬ولذلك جاء فيي‬
‫الحديث الصيحيح الذي أخرجيه المام البخاري عن أبي هريرة رضيي ال عنه أن النّبي صيلى‬
‫ال علييه وسيلم قال ‪ " :‬مين لم يدع قول الزور والعميل بيه فلييس ل حاجية فيي أن يدع طعاميه‬
‫ل مخرج التهديد والوعيد‪ .‬واخرج المام الربيع من طريق‬ ‫وشرابه " ‪ ،‬وهذا الكلم ل يخرج إ ّ‬
‫ابين عباس رضيي ال عنهميا أن النيبي علييه أفضيل الصيلة والسيلم قال‪ " :‬ل إيمان لمين ل‬
‫ل بالكفّ عن محارم ال " ‪.‬‬ ‫صلة له ‪ ،‬و ل صلة لمن ل وضوء له ‪ ،‬ول صوم إ ّ‬

‫فالذي يصيوم عين الطعام والشراب ولكنيه ميع ذلك ل يتورّع عين الولوغ بلسيانه فيي أعراض‬
‫الناس ليييس صيييامه بشيييء ‪ ،‬وكذلك الذي يقضييي سييحابة نهاره فييي معاملت الربييا ويخادع‬
‫الناس ويماطلهم ويتحايل على أموالهم ليس صيامه من عبادة ال تعالى في شيء ‪ ،‬إنما حظّه‬
‫من الصيام الجوع والعطش فحسب‪.‬‬

‫والذي يتكبّر على الناس ويسيتعلي عليهيم ويظين أنيه أرفيع منهيم قدراً ‪ ،‬وأعظمهيم شأناً وأولى‬
‫منهم بالحترام والتقدير هو أيضًا ليس صيامه في شيء من عبادة ال ‪ ،‬لنه خرج عن حقيقة‬
‫العبادة المطلوبة‪.‬‬

‫والذي ل يؤدي حيق والدييه ‪ ،‬ويتنطّع عليهميا ويؤذيهميا بلسيانه وبفعله لييس صييامه مقبولً عنيد‬
‫ال سيبحانه و تعالى ‪ ،‬والذي يقطيع أرحاميه ويسييء الجوار لييس صييامه مقبول عنيد ال تعالى‬
‫‪ ..‬ول يقيف أمير الصيوم عنيد هذا الحيد ‪ ،‬بيل الصيومُ مدرسي ٌة خُلقيية يتعلّم فيهيا النسيان الدب‬
‫النساني الرفيع ‪ ..‬كيف يتعامل مع الخرين ؟!‬

‫فالصيوم يفرض على الصيائم أن يتحمّل الذى مين الخريين ولييس مجرد كفّي الذى عنهيم ‪،‬‬
‫فالنيبي صيلى ال علييه وسيلم يقول ‪ " :‬الصيو ُم جُيينّييية فإذا كان يوم صيوم أحدكيم فل يرفيث ول‬
‫يجهيل فإنْي أحدا سيابّه أو قاتله فليقيل إنيي صيائم " ‪ ،‬ميا أبلغ هذا الدب الرّبانيي الذي يؤدّب بيه‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم أمتيه مين خلل هذه الفريضية ‪ ..‬فريضية الصييام ‪ ،‬فإنيه صيلى ال‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫عليه وسلم يأمر الصائم باحتمال أذى الغير ول يجيز له رد الساءة بمثلها فإذا تعرّض لشيء‬
‫ل فعليه أن يقول ( إني صائم ) ‪ :‬تذكيراً لنفسه بعبادة‬ ‫من الذى من الغير سواءً كان قولً أم فع ً‬
‫الصيوم وقدسييتها وأنهيا تتنافيى ميع إرادة التشفّيي والنتقام وميع مقابلة السياءة بمثلهيا ‪ ،‬وتذكيراً‬
‫لذلك الذي أسياء إلييه بأنيه أيضاً فيي حال صييام وأن صييامه يتنافيى ميع ميا جاء بيه مين اليذاء‬
‫ل فإن صيييامه ليييس مقبولً عنييد ال تعالى ‪ ،‬فإذا كان ذلك الغييير‬ ‫لخيييه فعليييه أن يكييف أذاه وإ ّ‬
‫مؤمنًا استشعر الخطأ وثاب إلى رشده وأقلع عن غيّه واستغفر ربّه وأرضى صاحبه ‪ ،‬وإن لم‬
‫ن ملتنا السلمية‬ ‫يكن كذلك ففي هذا الجواب وهو قوله ‪ ( :‬إني صائم )‪ .‬دعو ُة له إلى الخير ل ّ‬
‫هي هذه وأدبنا السلمي يفرض علينا بأن نتحمل الذى من الخرين بجانب كفّنا الذى عنهم‬
‫ف الجوارح عن‬ ‫‪ ..‬فإذا عوّد النسان نفسه هذا الدب وهذا الخلق الكريم مع ضبط النفس وك ّ‬
‫محارم ال من المعاصيي الظاهرة والباطنة فيي خلل شهير مين شهور العام هان عليه ذلك فيي‬
‫سائر العام ‪..‬‬

‫فما أعظم هذا التأديب الذي يؤدب به ال تبارك وتعالى عباده على لسان رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم من خلل فريضة الصوم ‪ ..‬ولقد جاء في رواية عن أنس رضي ال عنه عن النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم أنيه قال ‪ " :‬خميس ينقضين الوضوء ويفطِرن الصيائم ويهدمين العمال هدماً ‪:‬‬
‫الغِيْبَ ُة والنميمييييية واليميييييين الغموس والكذب والنظييييير بشهوة " ‪ ،‬هذه الفعال تهدم العمال‬
‫الصيالحة هدمًا وتقضيي على الصيوم وتنقضُي الوضوء ‪ ،‬وهناك الدلةُ الكثيرة مين سينة رسيول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم على أن الصيوم هيو طهارة نفسيية يجيب على النسيان أن يغتنمهيا ‪،‬‬
‫وبجانييب ذلك فإنّي الصييوم يذكّري الغنياء الذييين بسييط ال تبارك وتعالى لهييم ميين فضله وأفاءَ‬
‫عليهيم مين نعميه فهيم يعيشون فيي رغيد العييش وطيبيه طوال أيام السينة ‪ ..‬يعيشون تحيت الظيل‬
‫والتكييف المريح صيفاً وشتاءً ويتناولون أفضل أنواع الطعمة وأشهاها ‪ ..‬ففي حال صيامهم‬
‫شهراً في السنة وشعورهم بالحاجة إلى الطعام والشراب وترقبهم لوقت الفطار بلهفة وحرارة‬
‫يتذكرون فييي هذه الحالة حاجيية الفقراء وحالتهييم الذييين يعيشون طوال العام ل يتناولون ميين‬
‫الطعام إلّ ميا يفضيل غيرهيم أو ميا يسيد ضرورات أجسيامهم على أحسين الحوال ‪ ..‬يتذكرون‬
‫ذلك الفقيير الذي ل مأوى له يقييه لهييب الشميس وشدة الحير فيي الصييف ‪ ،‬وقسياوة البرد وعنتيه‬
‫في الشتاء‪.‬‬

‫يتذكرون ذلك الفقير الذي يضطر للعمل ليلً ونهارًا ليحصل على قوت يومه فيدفعهم ذلك كله‬
‫إلى الحسييان إليييه وإلى أمثاله فيسييدون حاجتهييم ويرضون أنفسييهم ‪ ..‬وهكذا يعيييش المجتمييع‬
‫السلمي في تعاون وتكافل يشعر غنيهم بفقيرهم ويعين قويهم ضعيفهم فتتحقق حِكم الصوم‬
‫وغيره من العبادات ‪ ،‬وكم هي الحِكم العظيمة والمنافع الجليلة التي يجنيها المسلم العابد لربه‬
‫حق العبادة ‪ ،‬المتقي لخالقه حق التقوى‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫أثـــــر الحـــــــج‪:‬‬

‫لقد ذكر ال سبحانه وتعالى الحج في كتابه العزيز مقرونًا بالتقوى في أكثر من موضع ‪ ..‬فال‬
‫ـ والعمرة ل ‪ )) ..‬إلى أن قال (( ‪ ..‬واتقوا ال واعلموا أن ال‬ ‫سييييبحانه وتعالى يقول ‪ (( :‬وأتوا الجـ‬
‫شديد العقاب )) ( البقرة‪.)196/‬‬
‫ق وَلَ جِدَالَ فِي الْحَجّ‬ ‫ث وَلَ فُ سُو َ‬ ‫حجّ َأ ْشهُ ٌر ّمعْلُومَا تٌ َفمَن َفرَ ضَ فِيهِنّ الْحَجّ َفلَ رَفَ َ‬ ‫ويقول سيبحانه (( الْ َ‬
‫َومَا َت ْفعَلُواْ مِنْ َخيْ ٍر َيعْلَمْهُ اللّ ُه َوتَ َزوّدُواْ فَِإنّ َخيْرَ الزّا ِد الّت ْقوَى وَاّتقُو ِن يَا ُأوْلِي الَلْبَابِ )) (البقرة‪.)197/‬‬
‫ويقول عيز وجيل ((وَاذْكُرُواْ اللّ هَ فِي َأيّا مٍ ّمعْدُودَا تٍ َفمَن َتعَجّلَ فِي َي ْومَيْ نِ َفلَ ِإثْ َم عََليْ هِ َومَن َتأَخّرَ فَل ِإثْ مَ‬
‫شرُونَ )) (البقرة‪.)203/‬‬ ‫عََليْهِ ِلمَ ِن اّتقَى وَاّتقُواْ اللّ َه وَاعْلَمُوا َأّنكُمْ إَِليْهِ تُحْ َ‬
‫ويقول سيبحانه وتعالى فيي أحكام الحيج أيضاً (( وَمَن ُيعَظّ ْم َشعَائِرَ اللّ هِ فَِإنّهَا مِن َت ْقوَى اْلقُلُو بِ ))‬
‫(الحج‪.)32/‬‬

‫فإذاً الحج نستفيد منه التقوى كما نستفيد من سائر العبادات ‪ ،‬ذلك لن ح جّ بيت ال الحرام يبدأ‬
‫بالحرام ‪ ،‬وذلك هييو توديييع للحياة السييابقة وقلب لصييفحاتها إلى ناحييية أخرى ؛ تحوّل ميين‬
‫الضلل إلى الهدى ومين الغيي إلى الرشيد ومين الباطيل إلى الحيق ومين المعصيية إلى الطاعية‬
‫ومين التنافير إلى التآلف ‪ ..‬فالحجاج يهجرون بلدانهيم وهيم يغادرون فيي هذه الهجرة المعاصيي‬
‫والمفاسييد والعادات السيييئة ‪ ،‬فهييم ينتقلون بأرواحهييم قبييل أن ينتقلوا بأبدانهييم ‪ ،‬ومييا اجتماع‬
‫الحجييج فيي صيعيد واحيد وعلى زيّ واحيد قيد تجرد كيل منهيم فيي ثوبيين ‪ ،‬وترك وراء ظهره‬
‫زيّه الخاص الذي يميّزه عين غيره إل مظهير مين مظاهير هذا التحول الذي يدعيو إلى الوحدة‬
‫والترابيط بيين هذه المية بحييث ل يُفضّيييل أبيضُهيا على أسيودها ول غنيهيا على فقيرهيا ول‬
‫قويها على ضعيفها ول حاكمها على محكومها ‪ ،‬وإنما الكل عباد ل سبحانه وتعالى يلتقون في‬
‫ظيل عبادتيه تعالى ليقولوا بصيوت واحيد (( لبّييك اللهيم لبّييك ‪ ،‬لبّييك ل شرييك لك لبّييك )) ‪..‬‬
‫فتتجسيد المسياواة النسيانية فيي السيلم فيي تلك الرحاب المقدسية ‪ ،‬فالناس كلهيم متسياوية هناك‬
‫أقدامهم أمام ال سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫وبجانب ذلك فإن الحاج يتزوّد طاقة روحانية عندما يقف في تلك المشاهد العظام ويتذكر ذلك‬
‫التاريخ العظيم الذي مرّ بها فما من شبْر في تلك الرض الطاهرة إل وهو سجل حافل بتاريخ‬
‫مجيد‪.‬‬
‫فعندمييا يطوف المسييلم بالبيييت الحرام يتذكيير مشاعيير النّبِييييين الصييالحين إبراهيييم وإسييماعيل‬
‫عليهما السلم عندما كانا يرفعان أركان هذا البيت العتيق وهما ينظرا نظرة المؤمن الموصول‬
‫بال سييبحانه وتعالى إلى المسييتقبل البعيييد ‪ ،‬فكانييا يرددان مييا حكاه ال سييبحانه وتعالى عنهمييا‬
‫ت الّتوّابُ الرّحِيمُ َرّبنَا‬
‫ك َومِن ذُ ّرّيتِنَا ُأمّ ًة مّسْلِ َمةً لّكَ َوأَ ِرنَا َمنَا ِسكَنَا َوتُبْ عََليْنَآ ِإنّكَ أَن َ‬
‫(( َرّبنَا وَا ْجعَ ْلنَا مُسْلِ َميْنِ لَ َ‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫ت العَزِي ُز الَكِي مُ ))‬


‫حكْ َمةَ َويُزَكّيهِ مْ ِإنّ كَ أَن َ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫وَاْبعَ ثْ فِيهِ مْ رَ سُو ًل ّمْنهُ مْ يَتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِ كَ َويُعَلّ ُمهُ ُم الْ ِكتَا َ‬
‫(البقرة ‪.)127/128‬‬

‫كذلك يسيتشعر الحاج أيضاً بعثية ذلك الرسيول الخاتيم علييه أفضيل الصيلة وأزكيى التسيليم الذي‬
‫جعله ال تبارك وتعالى إجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم ‪ ،‬ويتذكر جهاده في ال‬
‫وصيدوعه بالحيق فيي تلك العراص الطاهرة بيين ضجييج الجاهليية وتحديات الكفار المتكاثرة‬
‫حتى ظهر أمر ال عز وجل ووصل إلينا هذا الدين الحنيف‪.‬‬

‫وعندما يأتي الحاج إلى الصفا يتذكر الوقفة التي وقفها الرسول صلى ال عليه وسلم في ذلك‬
‫المكان ليعلن دعوة الحيق بعدميا أنزل ال سيبحانه وتعالى علييه قوله ((وأنذر عشي تك القرب ي ))‬
‫(الشعراء‪ ، )214/‬فصيعد النيبي صيلى ال علييه وسيلم الصيفا ونادى فيي قرييش (واصيباحاه)‬
‫وكانت هذه الكلمة ل تقال عند العرب إل إذا ألمّ بقائلها أمر فادح عظيم‪.‬‬

‫ن بالرجل لمراً فأسرعت إليه من كل حدب وصوب ‪ ،‬فلميا اجتمعوا بين يديه‬ ‫فقالت قريش‪ :‬إ ّ‬
‫ل وراء هذا الجبيل مغيرة عليكيم أكنتيم مصيدقّي ؟ قالوا‬
‫قال لهيم ‪( :‬أرأيتيم أنْي لو أخيبرتكم أنّي خي ً‬
‫له‪ :‬ميا جربّنيا علييك كذباً‪ .‬فقال لهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬إنيي نذيير لكيم بيين يدي‬
‫عذاب شديد)‪ .‬فقال له أبو لهب‪ :‬تبّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟! فأنزل ال السورة المعروفة‬
‫التي تحمل وعيداً شديدًا لبي لهب‪.‬‬

‫ولقي الرسول صلى ال عليه وسلم ما لقي بعد ذلك من العنت والمتاعب في سبيل هذه الدعوة‬
‫وإبلغهييا للعالمييين ‪ ..‬ويتذكيير الحاج أيضًا فييي تلك الرحاب الطاهرة المواقييف العظيميية التييي‬
‫وقفهيا صيحابة رسيول صيلى ال علييه وسيلم ورضيي ال تعالى عنهيم ‪ ،‬ذلكيم الجييل الفرييد فيي‬
‫تاريخ البشرية ؛ الذين وقفوا مع قدوتهم وإمامهم خاتم النبياء والمرسلين وقفة صادقة مخلصة‬
‫ضحوا فيها بكل غال ونفيس في سبيل ال تعالى ورفع راية التوحيد وإنقاذ البشرية من ويلت‬
‫الجاهليية وضللتهيا ‪ ،‬وقيد لقوا العنيت والشدائد المختلفية مين زعماء الكفير الذيين لم يتهاونوا‬
‫معهيم بيل ابتكروا أصينافا شتيى مين وسيائل الضطهاد ولتعذييب فصيبر أولئك الصيحب الكرام‬
‫وصدقوا ما عاهدوا ال عليه ‪ ،‬وبلّغوا مع المصطفى عليه السلم الرسالة وأدوا المانة رضي‬
‫ال تعالى عنهم وأرضاهم‪.‬‬

‫وهكذا يتزود الحاج طاقية إيمانيية روحانيية إيمانيية مين هناك وترتبيط حلقات أجيال هذه المية‬
‫جيلً بعيد جييل متسيلسلة فيي سيلسلة واحدة كميا ترتبيط فئات هذه المية المعاصيرة على اختلف‬
‫ألوانهيا وألسينتها ولغاتهيا ولهجاتهيا وعاداتهيا وبلدانهيا وأماكنهيا ‪ ،‬ترتبيط كلهيا برباط اليمان‬
‫عندما تلتقي في ظلل البيت الحرام‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫سماحة الشيخ ‪ /‬أحمد بن حمد الخليلي‪37‬‬ ‫العبادة وأثرها في حياة المسلم‬

‫الخــاتــمـــــة‪:‬‬

‫هذه هي أمهات العبادات المشروعة في السلم ‪ ،‬وهذه هي جوانب من أسرارها ‪ ،‬وما هي إل‬
‫جوانيب سيطحية تحدثنيا عنهيا وإل فعميق العبادات وأسيرارها مميا ل يمكين لمثلي أن يحييط بيه‬
‫وأن يدرك أبعاده ‪ ،‬فإن العبادات لها مغازي ولها أبعاد عميقة وعلينا ان نستلهم هذه البعاد من‬
‫خلل تأملنيا لطبيعية هذه العبادات ‪ ،‬ومين مواظبية التفكير النظير والتفكير فيي كتاب ال وحكميه‬
‫وأحكامه‪.‬‬

‫ويجدر بنا أن نحاسب أنفسنا ونزن أعمالنا جميعها بموازين التقوى ‪ ،‬وعلينا أن نجعل عبادتنا‬
‫خالصة لوجه ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬حتى نبلغ بذلك درجات المتقين‪.‬‬

‫اسييأل ال عييز وجييل أن يعيننييا على ذكره وشكره وحسيين عبادتييه ‪ ،‬اللهييم أعنّيا على ذكرك‬
‫وشكرك وحسن عبادتك ‪ ،‬اللهم إنا نسألك الخلص في القول والعمل ‪ ،‬ونسألك الخلص في‬
‫الدنييا والخرة ‪ ،‬اللهيم أصيلح لنيا ديننيا الذي هيو عصيمة أمرنيا ‪ ،‬وأصيلح لنيا دنيانيا التيي فيهيا‬
‫معاشنيا ‪ ،‬وأصيلح لنيا آخرتنيا التيي إليهيا معادنيا ‪ ،‬واجعيل الحياة زيادة لنيا فيي كيل خيير ‪ ،‬واجعيل‬
‫الموت راحية لنيا مين كيل شير ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بيك ‪ ،‬سيبحانك نسيتغفرك ونتوب إلييك ‪،‬‬
‫ونعول فييي إجابيية دعائنييا عليييك ‪ ،‬ونشهييد أن ل إله إل أنييت وحدك ل شريييك لك ‪ ،‬ونشهييد أن‬
‫محمدا عبدك ورسولك‪.‬‬

‫اللهييم صييل وسييلم وبارك عليييه وعلى آله وصييحبه أجمعييين وعلى تابعيهييم بإحسييان إلى يوم‬
‫الدين ‪ ،‬وارض عنا أجمعين يا رب العالمين ‪ ،‬وأدخلنا في رحمتك يا أرحم الراحمين‪.‬‬

‫والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪.‬‬

‫‪3‬‬

You might also like