Professional Documents
Culture Documents
في
القرآن الكريم
إعداد
إسلم محمود دربالة
عفا الله عنه
ISLAMDERBALAH@HOTMAIL.COM
تمهيد
الحادثسة المرتبطسة بالسسباب والنتائج يهفسو إليهسا السسامع .فإذا
تخللتهسا مواطسن العسبرة فسي أخبار الماضيسن كان حسب السستطلع
لمعرفتهسسا مسسن أقوى العوامسسل على رسسسوخ عبرتهسسا فسسي النفسسس ،
والموعظة الخطابية تسرد سردًا ل يجمع العقل أطرافها ول يعي
جميع ما يلقي فيها ،ولكنها حين تأخذ صورة من واقع الحياة في
أحداثهسا تتضسح أهدافهسا ،ويرتاح المرء لسسماعها ،ويصسغي إليهسا
بشوق ولهفسسة ،ويتأثسسر بمسسا فيهسسا مسسن عسسبر وعظات ،والقصسسص
الصسسادق يمثسسل هذا الدور فسسي السسسلوب العربسسي أقوى تمثيسسل ،
ويصوره في أبلغ صوره :قصص القرآن الكريم .
معنى القصص:
القسسسص :تتبسسسع الثسسسر .يقال :قصسسسصتُ أثره :أي تتبعتسسسه ،
والقصسسص مصسسدر ،قال تعالى :فارتدا على أثارهمسسا قصسسصا
[الكهسف ]64 :أي رجعسا يقصسان الثسر الذي جاءا بسه .وقال على
لسسان أم موسسى وقالت لختسه قصسيه [ القصسص ]11 :أي تتبعسي
أثره حتسى تنظري مسن يأخذه .والقصسص كذلك :الخبار المتتبعسة
قال تعالى إن هذا لهو القصص الحق [ آل عمران ،]62 :وقال :
لقسسد كان فسسي قصسسصهم عسسبرة لولى اللباب [ يوسسسف]111 :
والقصسسة :المسسر ،والخسسبر ،والشأن ،والحال وقصسسص القرآن:
أخباره عن أحوال المم الماضية ،والنبوات السابقة ،والحوادث
الواقعسسة _ وقسسد اشتمسسل القرآن على كثيسسر مسسن وقائع الماضسسي ،
وتاريخ المم ،وذكر البلد والديار .وتتبع آثار كل قوم ،وحكى
عنهم صورة ناطقة لما كانوا عليه .
قال الشيسخ محمسد بسن عثيميسن :القصسص والقسص لغسة :تتبسع
الثر
وفي الصطلح :الخبار عن قضية ذات مراحل يتبع بعضها
بعضًا .
وقصسص القرآن أصسدق القصسص لقوله تعالى :ومسن أصسدق
من ال حديثًا وذلك لتمام مطابقتها للواقع .
وأحسسسن القصسسص لقوله تعالى :نحسسن نقسسص عليسسك أحسسسن
القصسص بمسا أوحينسا إليسك هذا القرآن وذلك لشتمالهسا على أعلى
درجات الكمال في البلغة وجلل المعنى .
وأنفسسع القصسسص لقوله تعالى :لقسسد كان فسسي قصسسصهم عسسبرة
لولي اللباب وذلك لقوة تأثيرهسسا فسسي إصسسلح القلوب والعمال
()1
والخلق
)1(1التصسوير الفنسي فسي القرآن :سسيد قطسب ص -117ص 128الطبعسة الثالثسة دار
المعارف بمصر وقد اقتبست أهم هذه الغراض باختصار .
وسنعرض للقارئ بعض أغراض القصة القرآنية( )2لكي يكون
المربي على بينة :
( )1من أهسم أغراض القصسة عمومًا العتبار وقسد أجلت ذلك
إلى بحسث ( التربيسة بالعسبرة والموعظسة ) وذكرت هناك
بعض خطوات تدريس القصة للوصول إلى العبرة منها
بالستجواب .
من هذه الغراض فيوجه الطلب بالستجواب عن كل غرض
إلى معرفسة هذا الغرض ،وتحقيقسه فسي نفوسسهم أو فسي سسلوكهم أو
تربية عقولهم ووجدانهم وعواطفهم .وهاك أهم الغراض :
)1كان مسن أغراض القصسة القرآنيسة إثبات الوحسي والرسسالة ،
وتحقيسق القناعسة بأن محمسد وهسو المسي الذي ل يقرأ ول
يعرف عنسسه أنسسه يجلس إلى أحبار اليهود والنصسسارى ،يتلو
على قومسه هذه القصسص مسن كلم ربسه ،وقسد جاء بعضهسا
فسي دقسة وإسسهاب ،فل يشسك عاقسل فسي أنهسا وحسي مسن ال ،
وأن محمد رسول ال يبلغ رسالة ربه ،والقرآن ينص على
هذا الغرض نص سسًا فسسسي مقدمات بعسسسض القصسسسص أو فسسسي
أواخرهسسا فقسسد جاء فسسي أول سسسورة يوسسسف :إنّا أَنْ َزلْناهسُ
علَيْكسَس َأحْسسسَنَ قُرْآنًسا عَرَبِيّاسس لَ َعلّكُمسسْ تَ ْعقِلونسسَ َ ،نحْنسسُ َنقُصسسّ َ
ن قَ ْبلِ ِه لِمِ نَ
ا ْلقَ صَصِ بِما أَ ْوحَيْنَا إلَيْكَ هذا ا ْلقُرْآ نَ َوإِ نْ كُنْتَ ِم ْ
الْغافِلي نَ [ يوسف 2 :و ] 3وجاء في سورة هود بعد قصة
ن أَنْبا ِء الْغَيْبِ نوحيها ِإلَيْكْ ما كُنْتَ تَ ْعلَمُها أَنْتَ نوح ِ :تلْكَ ِم ْ
ن قَ ْبلِ هذا [ هود ] 49 : وَل قَوْ ُمكَ مِ ْ
)2ومسن أغراض القصسة القرآنيسة :بيان أن الديسن كله مسن عنسد
ال .
)3وأن ال ينصسر رسسله والذيسن آمنوا ويرحمهسم وينجيهسم مسن
المآزق والكروب ،من عهد آدم ونوح إلى عهد محمد ،
وأن المؤمنين كلهم أمه واحدة وال الواحد رب الجميع .
وكثيرًا مسا وردت قصسص عدد مسن النسبياء مجتمعسة فسي سسورة
واحدة ،معروضسسة عرضًسا سسسريعًا بطريقسسة خاصسسة لتؤيسسد هذه
الحقيقسسة ،كمسسا فسسي سسسورة النسسبياء ،حيسسث ورد ذكسسر :موسسسى
وهارون ،ثسسم لمحسسة موجزة عسسن قصسسة إبراهيسسم ولوط ،وكيسسف
نجاهسم ال وأهلك قومهمسا ،وقصسة نوح ،وجانسب مسن أخبار داود
وسليمان ،وما أنعم ال عليهما ،
وأيوب حين نجاه ال من الضر ،وورد ذكر إسماعيل وإدريس
وذي الكفل وكلهم من الصابرين الصسالحين .وذكر ال لنا :وَذا
النّونس إذْ ذَهَبَس مُغاضِبًا [ النسبياء ] 87 :قال تعالى فَاسْسَتجَبْنا لَهُس
ن الْغَمّ وَكَ َذلِ كَ نُنْجي الْمُؤْمِني نَ [ النبياء ] 88 :ثم قال َو َنجّيْنا هُ مِ َ
تعالى :وَزَكَرِيّسا إِذْ نادى رَبّهسسُ رَبّس ل َتذَرْنسسي فَرْدًا َوأَنْتسسَ خَيْرُ
الْوارِثينسسَ [ النسسبياء ] 89 :فَاسسسْ َتجَبْنا لَهسسُ وَوَهَبْنَسا لَهسسُ َيحْيَسى
ن فسي الْخَيْراتِس وَيَدْعونَنسا َوأَصْسَلحْنا لَهُس َز ْوجَهْس إِنّهُمْس كَانوا يُسسارِعو َ
َرغَبًا وَرَهَبًا وَكانوا لنا خاشِعي نَ [ النبياء ] 90 :ويختم ال هذه
السسلسلة مسن النسبياء بخسبر مريسم وابنهسا عيسسى عليهمسا السسلم
ت فَ ْرجَها فَ َنفَخْنا فيها ِم نْ روحِنا َوجَ َعلْناها وَابْنَها آي هْ وَالّتي َأحْ صَنَ ْ
ِللْعالَمينسَ [ النسسبياء ] 91:ثسسم يخاطسسب ال مباشرة جميسسع أنسسبيائه
ورسسسله وأتباعهسسم بقوله إِنّس هذِه ِس أُمّتُكُم ْس أُمًّسة واحِدًَة َوأَنسسا رَبّكُم سْ
فَاعْبُدونِ [ النبياء . ] 92 :
فتسسبين بهذه اليسسة الكريمسسة تقريسسر الغرض الصسسيل مسسن هذا
السسستعراض الطويسسل وهسسو أن جميسسع النسسبياء يدينون دينًا واحدًا
ويخضعون لرب واحسسسسد يعبدونسسسسه وحده ل يشركون بسسسسه شيئًا ،
وعندمسا نسستعرض خسبر كسل نسبي نجسد أن ال قسد شسد أزره ونصسره
ونجاه مسسن الكرب الذي نزل بسسه ،أو المأزق الذي أوشسسك أن يقسسع
فيه ،كما نجى ذا النون ( يونس ) واستجاب لزكريا ،وكما نجى
إبراهيسسم وقسسد أوشسسك أن يحترق بالنار ؛ وأنسسه سسبحانه دائمًا ينعسسم
على رسله والذين آمنوا إذا صبروا وصدقوا ،كما أنعم على داود
بالنصر ،وسليمان بالملك ،فشكروا نعمة ربهم .
)4وفسي هذا شسد لزر المؤمنيسن ،وتسسلية لهسم عمسا يلقون مسن
الهموم والمصسسائب ،وتثسسبيت لرسسسول ال ومسسن تبعسسه مسسن
أمتسسه ،وتأثيسسر فسسي نفوس مسسن يدعوهسسم القرآن إلى اليمان
وأنهسسسم إن لم يؤمنوا ل محالة هالكون ،وموعظسسسة وذكرى
للمؤمنيسن ،وقسد صسرح القرآن بهذا المعنسى فسي قوله تعالى
ل مسسا نُثَبّتسسُ بِه ِس فُؤَادَك سَ علَيْك سَ مِن ْس أَنْبا ِء الرّسسُس ِ
َوكُلّ َنقُصسسّ َ
عظَةُ َوذِكْرى ِللْمُؤْمِنينسسَ [ هود : وَجاءَكسسَ هذِهسِس الْحَقّس وَمَوْ ِ
. ] 120
وجاء فسي سسورة العنكبوت لمحسة خاطفسة عسن قصسة كسل نسبي ،
مختومسة بالعذاب الذي عذب بسه المذنبون مسن قومسه حتسى ختمست
ل َأخَذْنا بِذَنْ ِب ِه فَمِ ْنهُ مْ َم نْجميع القصص المجملة بقوله تعالى :فَكُ ً
علَيْهِس حاصِسبًا وَمِنْهُمْس مَنْس َأخَذَتْهُس الصّسْيحَهُ وَمِنْهُمْس مِنْس خَسَسفْنا أَرْسَسلْنا َ
ن كانوا ظلِمَهُ مْ َولَكِ ْ ن الُ لِيَ ْ ن أَغْ َرقْنا ،وَما كا َ ِب هِ الَرْ ضَ وَمِنْ ُه مْ مَ ْ
ظلِمونَس [ العنكبوت ] 40 :فعلى المربسي أن يسستحضر أَ ْنفُسَسهُمْ يَ ْ
مكان الموعظسة والذكرى مسن كسل قصسة ،ليحاور الطلب حوارًا
يوجههم إلى معرفتها والتأثر بها والعمل بمقتضاها .
)5ومن أغراض القصة في التربية السلمية :تنبيه أبناء آدم
إلى خطسسسر غوايسسسة الشيطان( )1وإبراز العداوة الخالدة بينسسسه
وبينهسم منسذ أبيهسم إلى أن تقوم السساعة ،وإبراز هذه العداوة
عن طريق القصة أروع وأقوى ،وأدعى إلى الحذر الشديد
مسن كسل هاجسسه فسي النفسس تدعسو إلى الشّر ،ولمسا كان هذا
موضوعًا خالدًا فقسد تكررت قصسة آدم فسي مواضسع شتسى ،
ممسا يدعسو المربسي إلى اللحاح على هذا الموضوع وتوجيسه
الطلب إلى الحذر مسسن غوايسسة الشيطان فسسي كسسل مناسسسبة
ملئمة .
[ ) (1العراف . ] 30 ، 26 ، 25 :
)6ومسسن أغراض القصسسص التربويسسة :بيان قدرة ال تعالى :
بيانًا يثيسسر انفعال الدهشسسة والخوف مسسن ال لتربيسسة عاطفسسة
الخشوع والخضوع والنقياد ونحوها من العواطف الربانية
.
() 2 () 1
كقصسة الذي أماتسه ال مائة عام ثسم بعثسه وقصسة خلق آدم ،
وقصسة إبراهيسم والطيسر الذي آب إليسه بعسد أن جعسل على كسل جبسل
جزءًا منسسه قال تعالى :وإذ قال إبراهيسسم رب أرنسسي كيسسف تحيسسي
الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة
مسن الطيسر فصسرهن إليسك ثسم اجعسل على كسل جبسل منهسن جزءًا ثسم
ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن ال عزيز حكيم [ البقرة. ] 260 :