You are on page 1of 20

‫القصص‬

‫في‬
‫القرآن الكريم‬

‫إعداد‬
‫إسلم محمود دربالة‬
‫عفا الله عنه‬
‫‪ISLAMDERBALAH@HOTMAIL.COM‬‬
‫تمهيد‬
‫الحادثسة المرتبطسة بالسسباب والنتائج يهفسو إليهسا السسامع ‪ .‬فإذا‬
‫تخللتهسا مواطسن العسبرة فسي أخبار الماضيسن كان حسب السستطلع‬
‫لمعرفتهسسا مسسن أقوى العوامسسل على رسسسوخ عبرتهسسا فسسي النفسسس ‪،‬‬
‫والموعظة الخطابية تسرد سردًا ل يجمع العقل أطرافها ول يعي‬
‫جميع ما يلقي فيها ‪ ،‬ولكنها حين تأخذ صورة من واقع الحياة في‬
‫أحداثهسا تتضسح أهدافهسا ‪ ،‬ويرتاح المرء لسسماعها ‪ ،‬ويصسغي إليهسا‬
‫بشوق ولهفسسة ‪ ،‬ويتأثسسر بمسسا فيهسسا مسسن عسسبر وعظات ‪ ،‬والقصسسص‬
‫الصسسادق يمثسسل هذا الدور فسسي السسسلوب العربسسي أقوى تمثيسسل ‪،‬‬
‫ويصوره في أبلغ صوره ‪ :‬قصص القرآن الكريم ‪.‬‬
‫معنى القصص‪:‬‬
‫القسسسص ‪ :‬تتبسسسع الثسسسر ‪ .‬يقال ‪ :‬قصسسسصتُ أثره ‪ :‬أي تتبعتسسسه ‪،‬‬
‫والقصسسص مصسسدر ‪ ،‬قال تعالى ‪  :‬فارتدا على أثارهمسسا قصسسصا‬
‫[الكهسف‪ ]64 :‬أي رجعسا يقصسان الثسر الذي جاءا بسه ‪ .‬وقال على‬
‫لسسان أم موسسى ‪ ‬وقالت لختسه قصسيه ‪[ ‬القصسص‪ ]11 :‬أي تتبعسي‬
‫أثره حتسى تنظري مسن يأخذه ‪ .‬والقصسص كذلك ‪ :‬الخبار المتتبعسة‬
‫قال تعالى ‪ ‬إن هذا لهو القصص الحق ‪[ ‬آل عمران‪ ،]62 :‬وقال ‪:‬‬
‫‪ ‬لقسسد كان فسسي قصسسصهم عسسبرة لولى اللباب ‪[ ‬يوسسسف‪]111 :‬‬
‫والقصسسة ‪ :‬المسسر ‪ ،‬والخسسبر ‪ ،‬والشأن ‪ ،‬والحال وقصسسص القرآن‪:‬‬
‫أخباره عن أحوال المم الماضية ‪ ،‬والنبوات السابقة ‪ ،‬والحوادث‬
‫الواقعسسة _ وقسسد اشتمسسل القرآن على كثيسسر مسسن وقائع الماضسسي ‪،‬‬
‫وتاريخ المم ‪ ،‬وذكر البلد والديار ‪ .‬وتتبع آثار كل قوم ‪ ،‬وحكى‬
‫عنهم صورة ناطقة لما كانوا عليه ‪.‬‬
‫قال الشيسخ محمسد بسن عثيميسن‪ :‬القصسص والقسص لغسة ‪ :‬تتبسع‬
‫الثر‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬الخبار عن قضية ذات مراحل يتبع بعضها‬
‫بعضًا ‪.‬‬
‫وقصسص القرآن أصسدق القصسص لقوله تعالى ‪  :‬ومسن أصسدق‬
‫من ال حديثًا ‪ ‬وذلك لتمام مطابقتها للواقع ‪.‬‬
‫وأحسسسن القصسسص لقوله تعالى ‪  :‬نحسسن نقسسص عليسسك أحسسسن‬
‫القصسص بمسا أوحينسا إليسك هذا القرآن ‪ ‬وذلك لشتمالهسا على أعلى‬
‫درجات الكمال في البلغة وجلل المعنى ‪.‬‬
‫وأنفسسع القصسسص لقوله تعالى ‪  :‬لقسسد كان فسسي قصسسصهم عسسبرة‬
‫لولي اللباب ‪ ‬وذلك لقوة تأثيرهسسا فسسي إصسسلح القلوب والعمال‬
‫(‪)1‬‬
‫والخلق‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أنواع القصص في القرآن‪:‬‬
‫والقصص في القرآن ثلثة أنواع ‪:‬‬
‫النوع الول ‪ :‬قصص النبياء ‪ ،‬وقد تضمن دعوتهم إلى قومهم‬
‫‪ ،‬والمعجزات التسسي أيدهسسم ال بهسسا ‪ ،‬وموقسسف المعانديسسن منهسسم ‪،‬‬
‫ومراحسل الدعوة وتطورهسا وعاقبسة المؤمنيسن والمكذبيسن ‪ .‬كقصسة‬
‫نوح ‪ ،‬وإبراهيسسسم ‪ ،‬وموسسسسى ‪ ،‬وهارون ‪ ،‬وعيسسسسى ‪ ،‬ومحمسسسد ‪،‬‬
‫وغيرهسم مسن النسبياء والمرسسلين ‪ ،‬عليهسم جميعًا أفضسل الصسلة‬
‫والسلم ‪.‬‬
‫النوع الثانسسسسسسي ‪ :‬قصسسسسسسص قرآنسسسسسسي يتعلق بحوادث غابرة ‪،‬‬
‫وأشخاص لم تثبت ثبوتهم ‪ ،‬كقصة الذين أخرجوا من ديارهم وهم‬
‫ألوف حذر الموت ‪ .‬وطالوت وجالوت ‪ ،‬وابنسسسسسسي آدم ‪ ،‬وأهسسسسسسل‬
‫الكهسف ‪ ،‬وذي القرنيسن ‪ ،‬وقارون ‪ ،‬وأصسحاب السسبت ‪ ،‬ومريسم ‪،‬‬
‫وأصحاب الخدود ‪ ،‬وأصحاب الفيل ونحوهم‪.‬‬
‫النوع الثالث ‪ :‬قصسص يتعلق بالحوادث التسي وقعست فسي زمسن‬
‫كغزوة بدر واُحسد فسي سسورة آل عمران ‪ ،‬وغزوة‬ ‫رسسول ال‬

‫‪ )(1‬انظر أصول في التفسير للشيخ محمد بن صالح العثيمين (‪.)53-52‬‬


‫حنيسن وتبوك فسي التوبسة ‪ ،‬وغزوة الحزاب فسي سسورة الحزاب ‪،‬‬
‫والهجرة ‪ ،‬والسراء ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫فوائد قصص القرآن‪:‬‬
‫وللقصص القرآني فوائد نجمل أهمها فيما يأتي ‪:‬‬
‫‪-1‬إيضاح أسسسسس الدعوة إلى ال ‪ ،‬وبيان أصسسسول الشرائع‬
‫التسسي يبعسسث بهسسا كسسل نسسبي ‪  :‬ومسسا أرسسسلنا مسسن قبلك مسسن‬
‫رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون ‪[ ‬النبياء‬
‫‪.]25 :‬‬
‫‪ -2‬تثسبيت قلب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم وقلوب المسة‬
‫المحمدية على دين ال وتقوية ثقة المؤمنين بنصرة الحق وجندة ‪،‬‬
‫وخذلن البطل وأهله‪  :‬وكل نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت‬
‫بسسه فؤادك ‪ ،‬وجاءك فسسي هذه الحسسق وموعظسسة وذكرى للمؤمنيسسن‬
‫[هود‪. ]12 :‬‬
‫‪ -3‬تصديق النبياء السابقين وإحياء ذكراهم وتخليد آثارهم ‪.‬‬
‫‪ -4‬إظهار صسدق محمسد صسلى ال عليسه وسسلم فسي دعوتسه بمسا‬
‫أخبر به عن أحوال الماضين عبر القرون والجيال ‪.‬‬
‫‪ -5‬مقارعته أهل الكتاب بالحجة فيما كتموه من البينات والهدى‬
‫‪ ،‬وتحديسه لهسم بمسا كان فسي كتبهسم قبسل التحريسف والتبديسل ‪ ،‬كقوله‬
‫تعالى ‪  :‬كسل الطعام كان حل لبنسي إسسرائيل إل مسا حرم إسسرائيل‬
‫على نفسة من قبل أن تنزل التوراة ‪ ،‬قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن‬
‫كنتم صادقين ‪[ ‬آل عمران‪.]93 :‬‬
‫‪ -6‬والقصص ضرب من ضروب الدب ‪ ،‬يصغى إليها السامع‬
‫‪ ،‬وترسسخ عسبره فسي النفسس ‪  :‬لقسد كان فسي قصسصهم عسبرة لولى‬
‫اللباب ‪[ ‬يوسف‪.)1( ]111 :‬‬

‫‪ )(1‬انظر مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان (‪)318-317‬‬


‫‪-7‬بيان حكسم ال تعالى فيمسا تضمنتسه هذه القصسص لقوله تعالى‬
‫‪  :‬ولقد جاءهم من النبياء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغني‬
‫النذر ‪‬‬
‫‪ -8‬بيان عدله تعالى بعقوبسة المكذبيسن لقوله تعالى عسن المكذبيسن ‪:‬‬
‫ومسا ظلمناهسم ولكسن ظلموا أنفسسهم فمسا أغنست عنهسم آلهتهسم التسي‬
‫يدعون من دون ال من شيء لما جاء أمر ربك ‪. ‬‬
‫‪ -9‬بيان فضله تعالى بمثوبسسة المؤمنيسسن لقوله تعالى ‪  :‬إل آل لوط‬
‫نجيناهم بسحر نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر ‪. ‬‬

‫عما أصابه من المكذبين له لقوله تعالى ‪ :‬‬ ‫‪ -10‬تسلية النبي‬


‫وإن يكذبوك فقسسد كذب الذيسسن مسسن قبلهسسم جاءتهسسم رسسسلهم بالبينات‬
‫وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ‪. ‬‬
‫‪-11‬ترغيب المؤمنين في اليمان بالثبات عليه والزدياد‬
‫منسه إذ علموا نجاة المؤمنيسن السسابقين وانتصسار مسن‬
‫أمروا بالجهاد لقوله تعالى ‪  :‬فاسسسسسسستجبنا له ونجيناه‬
‫من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ‪. ‬‬
‫‪-12‬تحذيسسر الكافريسسن مسسن السسستمرار فسسي كفرهسسم لقوله‬
‫تعالى ‪  :‬أو لم يسسسيروا فسسي الرض فينظروا كيسسف‬
‫كان عاقبة الذين من قبلهم دمر ال عليهم وللكافرين‬
‫أمثالها ‪.‬‬

‫فإن أخبار المسم السسابقة‬ ‫‪ -13‬إثبات رسسالة النسبي‬


‫ل يعلمهسسا إل ال عسسز وجسسل لقوله تعالى ‪  :‬تلك مسسن‬
‫أنباء الغيسب نوحيهسا إليسك مسا كنست تعلمهسا أنست ول‬
‫قومسك مسن قبسل هذا ‪ ‬وقوله ‪ ‬ألم يأتكسم نبسأ الذيسن مسن‬
‫قبلكسسم قوم نوح وعاد وثمود والذيسسن مسسن بعدهسسم ل‬
‫يعلمهم إل ال ‪.)1( ‬‬
‫تكرار القصص وحكمته ‪:‬‬
‫يشتمسل القرآن الكريسم على كثيسر مسن القصسص الذي تكرر فسي‬
‫غير موضع ‪ ،‬فالقصة الواحدة قد يتعدد ذكرها في القرآن‪.‬‬
‫ومسسن القصسسص القرآنيسسة مال يأتسسي إل مرة واحدة مثسسل قصسسة‬
‫لقمان وأصسحاب الكهسف ومنهسا مسا يأتسي متكررًا حسسب مسا تدعسو‬
‫إليسه الحاجسة وتقتضيسه المصسلحة ول يكون هذا المتكرر على وجسه‬
‫واحسد بسل يختلف فسي الطول والقصسر والليسن والشدة وذكسر بعسض‬
‫جوانب القصة في موضع دون آخر(‪. )2‬‬
‫ومن حكمة هذا‪:‬‬
‫‪-1‬بيان بلغسسة القرآن فسسي أعلى مراتبهسسا ‪ .‬فمسسن خصسسائص‬
‫البلغسسسة إبراز المعنسسسى الواحسسسد فسسسي صسسسور مختلفسسسة ‪،‬‬
‫والقصسة المتكررة ترد فسي كسل موضسع بأسسلوب يتمايسز‬
‫عسن الخسسر ‪ ،‬وتصسساغ فسسي قالب غيسسر القالب ‪ ،‬ول يمسسل‬
‫النسسسان مسسن تكرارهسسا ‪ ،‬بسسل تتجدد فسسي نفسسسه معان ل‬
‫تحصل له بقراءتها في المواضع الخرى‪.‬‬
‫‪-2‬قوة العجاز _ فإيراد المعنسى الواحسد فسي صسور متعددة‬
‫مسسع عجسسز العرب عسسن التيان بصسسورة منهسسا أبلغ فسسي‬
‫التحدي ‪.‬‬
‫‪-3‬الهتمام بشأن القصسسة لتمكيسسن عبرهسسا فسسي النفسسس ‪ ،‬فإن‬
‫التكرار مسسن طرق التأكيسسد وأمارات الهتمام ‪ .‬كمسسا هسسو‬
‫الحال في قصة موسى مع فرعون ‪ ،‬لنها تمثل الصراع‬
‫بيسن الحسق والباطسل أتسم تمثيسل _ مسع أن القصسة ل تكرر‬
‫في السورة الواحدة مهما كثر تكرارها ‪.‬‬

‫‪)(1‬انظر أصول في التفسير للشيخ محمد بن صالح العثيمين (‪.)54-53‬‬


‫‪)(2‬انظر أصول في التفسير للشيخ محمد بن صالح العثيمين (‪.)55-54‬‬
‫‪ -4‬اختلف الغايسة التسي تسساق مسن أجلهسا القصسة _ فتذكسر‬
‫بعسض معانيهسا الوافيسة بالغرض فسي مقام ‪ ،‬وتسبرز معان‬
‫أخرى فسسسي سسسسائر المقامات حسسسسب اختلف مقتضيات‬
‫(‪)1‬‬
‫الحوال‬
‫‪-5‬بيان أهمية تلك القصة لن تكرارها يدل على العناية بها‬
‫‪.‬‬
‫‪ -6‬مراعاة الزمسن وحال المخاطسبين بهسا ولهذا تجسد اليجاز‬
‫والشدة غالبًا فيمسا أتسى مسن القصسص فسي السسور المكيسة‬
‫والعكس فيما أتى في السور المدنية ‪.‬‬
‫‪ -7‬ظهور صسدق القرآن وأنسه مسن عنسد ال حيسث تأتسي هذه‬
‫القصص متنوعة بدون تناقض (‪.)2‬‬
‫*‬ ‫* *‬
‫قصص القرآن بين اليمان واللحاد‪:‬‬
‫وقد تعرض كتاب ال عز وجل لعدد من الشبهات التي يذيعها‬
‫الملحدة والمستشرقين والمغرضين‪ ،‬وأذيالهم ممن ينتسبون إلى‬
‫المسلمين ويتسمون بأسمائهم‪ ،‬ومن ذلك ما هذى به طه حسين‬
‫حول قصة إبراهيم عليه السلم وبنائه الكعبة(‪ )3‬إل أن علماء‬
‫السلم تصدوا له وردوا عليه وبينوا المحجة بأوضح حجة‪.‬‬
‫ومن ذلك أن أحد الطلب الجامعيين في مصر قدم رسالة لنيل‬
‫درجة ( الدكتوراه) كان موضوعها ‪ ( :‬الفن القصصي في القرآن‬
‫) (‪ )4‬أثارت جدلً طويلً سسسنة ‪ 1367‬هجريسسة ‪ ،‬وكتسسسب عنهسسسا أحسسسد‬
‫أعضاء اللجنسة الذين اشتركوا في مناقشة الرسالة _ وهسو الستاذ‬
‫أحمسد أميسن _ تقريرًا بعسث بسه إلى عميسد كليسة الداب ‪ ،‬ونشسر فسي‬
‫مجسة ( الرسسالة ) وقسد تضمسن التقريسر نقدًا لذعًا لمسا كتبسه الطالب‬

‫‪)(1‬مباحث في علوم القرآن للقطان (‪.)319-318‬‬


‫‪)(2‬أصول في التفسير للعثيمين (‪.)55-54‬‬
‫‪)(3‬كما في كتابه على هامش السيرة‪.‬‬
‫‪ )(4‬هو الدكتور محمد أحمد خلف ال ‪.‬‬
‫الجامعسسي ‪ ،‬وإن كان أسسستاذه المشرف قسسد دافسسع عنسسه ‪ .‬وصسسدر‬
‫الستاذ ( أحمد أمين ) بالعبارة التية ‪:‬‬
‫( وقسد وجدتهسا رسسالة ليسست عاديسة ‪ ،‬بسل هسي رسسالة خطيرة ‪،‬‬
‫أسساسها أن القصسص فسي القرآن عمسل فنسي خاضسع لمسا يخضسع له‬
‫الفسن مسن خلق وابتكار مسن غيسر التزام لصسدق التاريسخ ‪( .‬والواقسع‬
‫أن محمدًا فنان بهذا المعنسسسى ) ‪ ،‬ثسسسم قال ‪ ( :‬وعلى هذا السسسساس‬
‫كتسب كسل الرسسالة مسن أولهسا إلى آخرهسا ‪ ،‬وإنسي أرى مسن الواجسب‬
‫أن ‪.‬‬
‫اسسوق بعسض أمثلة ‪،‬توضسح مرامسي كاتسب هذه الرسسالة وكيفسة‬
‫بنائها ) ‪ ،‬ثم أورد الستاذ (أحمد أمين) أمثلة منتزعة من الرسالة‬
‫تشهد بما وصفها به من هذه العبارة المجملة(‪.)1‬‬
‫كإدعاء صساحب الرسسالة أن القصسة فسي القرآن ل تلتزم الصسدق‬
‫التاريخسسي ‪ .‬وإنمسسا تتجسسه كمسسا يتجسسه الديسسب فسسي تصسسوير الحادث‬
‫تصسسويرًا فنيًسا ‪ ،‬وزعمسسه أن الفرآن يختلق بعسسض القصسسص وأن‬
‫القدمين أخطأوا في عد القصص القرآني تاريخًا يعتمد عليه ‪..‬‬
‫والمسسلم الحسق هسو الذي يؤمسن بأن القرآن كلم ال ‪ ،‬وأنسه منزه‬
‫عسسن ذلك التصسسوير الفنسسي الذي ل يعنسسى فيسسه بالواقسسع التاريخسسي‪،‬‬
‫وليسسس قصسسص القرآن إل الحقائق التاريخيسسة تصسساغ فسسي صسسور‬
‫بديعة من اللفاظ المنتقاه ‪ ،‬والساليب الرائعة ‪.‬‬
‫ولعل صاحب الرسالة درس فن القصة في الدب ‪ ،‬وأدرك من‬
‫عناصرها الساسية الخيال الذي يعتمد على التصوير‪ ،‬وأنه كلما‬
‫ارتقى خيالها ونأى عن الواقع كثر الشوق إليها ‪ ،‬ورغبت النفس‬
‫فيها ‪،‬واستمتعت بقرائتها ‪ .‬ثم قاس القصص القرآني على القصة‬
‫الدبية ‪.‬‬
‫وليسس القرآن كذلك فإنسه تنزيسل مسن عليسم حكيسم ‪ ،‬ول يرد فسي‬
‫أخباره إل مايكون موافقًا للواقسسع ‪ ،‬وإذا كان الفضلء مسسن الناس‬
‫‪ )(1‬انظسر نقسد كتاب ( الفسن القصسصي فسي القرآن) –للسستاذ محمسد الخضسر حسسين –‬
‫بلغة القرآن صس ‪.94‬‬
‫يتورعون مسن أن يقولوا زورًا ويعدونسه مسن أقبسل الرذائل المزريسة‬
‫بالنسانية ‪ ،‬فكيف يسوغ العاقل أن يلصق الزور بكلم ذي العزة‬
‫والجلل ؟ وال تعالى هسسو الحسسق ‪ :‬ذلك بأن ال هسسو الحسسق وأنمسسا‬
‫بدعون من دونه هو الباطل ‪[ ‬الحج‪.]62 :‬‬
‫وأرسسسل رسسسوله بالحسسق ‪  :‬إنسسا أرسسسلناك بالحسسق بشيرًا ونذيرًا‪‬‬
‫[فاطر‪.]24 :‬‬
‫‪ ‬والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق ‪[ ‬فاطر‪.]31 :‬‬
‫‪ ‬يا أيها الناس قد جائكم الرسول بالحق من ربكم ‪[ ‬النساء‪.]17 :‬‬
‫‪ ‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق ‪[ ‬المائدة‪.]48 :‬‬
‫‪‬والذي أنزل إليك من ربك الحق ‪[ ‬الرعد‪.]1 :‬‬
‫ومسا قصسه ال تعالى فسي القرآن هو الحسق ‪  :‬نحن نقسص عليسك‬
‫نبأهم بالحق ‪[ ‬الكهف‪.]13 :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪‬نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق ‪[ ‬القصص‪. ]3 :‬‬
‫*‬ ‫* *‬
‫التربية بالقصص القرآني‪:‬‬
‫للقصة في التربية السلمية وظيفة تربوية ل يحققها لون آخر‬
‫من ألوان الداء اللغوي‪.‬‬
‫ذلك أن القصة القرآنية تمتاز بميزات جعلت لها آثارًا نفسية‬
‫وتربوية بليغة‪ ،‬محكمة‪ ،‬بعيدة المدى على مر الزمن‪ ،‬مع ما‬
‫تثيره من حرارة العاطفة ومن حيوية وحركية في النفس‪ ،‬تدفع‬
‫النسان إلى تغيير سلوكه وتجديد عزيمته بحسب مقتضى‬
‫القصة وتوجييها وخاتمتها‪ ،‬والعِبرَةِ منها‪ .‬وتتجلى أهم هذه‬
‫الميزات فيما يلي(‪:)2‬‬
‫الميزات التربوية للقصص القرآني‪:‬‬

‫‪ )(1‬انظر مباحث في علوم القرآن للقطان (‪.)321-319‬‬


‫‪2‬‬
‫اعتمدت فسي بعسض هذه الميزات على قصسة يوسسف مسن خلل تفسسير ((سسيد‬
‫قطب)) (في ظلل القرآن ) ص ‪ 1949‬إلى ‪ 1951‬وغيره ‪..‬‬
‫‪)1‬تشد القصة القارئ‪ ،‬وتوقظ انتباهه‪ ،‬دون توان أو تراخٍ‪،‬‬
‫فتجعله دائم التأمل في معانيها والتتبع لمواقفها‪ ،‬والتأثر‬
‫بشخصياتها وموضوعها حتى آخر كلمة فيها‪.‬‬
‫ذلك أن القصة تبدأ غالبًا‪ ،‬وفي شكلها الكمل‪ ،‬بالتنويه بمطلب‬
‫أو وعد أو النذار بخطر‪ ،‬أو نحو ذلك مما يسمى عقدة القصة‪،‬‬
‫وقد تتراكم‪ ،‬قبل الوصول إلى حل هذه العقدة‪ ،‬مطالب أو‬
‫مصاعب أخرى‪ ،‬تزيد القصة حبكًا‪ ،‬كما تزيد القارئ أو‬
‫السامع شوقًا وانتباهًا‪ ،‬وتلهفًا على الحل أو النتيجة‪.‬‬
‫ففي مطلع قصة يوسف مثلً‪ ،‬تعرض على القارئ ( رؤيا‬
‫يوسف عليه السلم ) يصحبها وعد ال ‪ ،‬على لسان أبيه ‪،‬‬
‫بمستقبل زاهر ‪ ،‬ونِعَم من ال يسبغها على السرة الفقيرة‬
‫المتعثرة ‪ ،‬الداعية إلى ال ‪.‬‬
‫وتتتابع المصائب والمشكلت على بطل القصة ( يوسف عليه‬
‫السلم ) ويتابع القارئ اهتمامه ينتظر تحقيق وعد ال ‪ ،‬ويترقب‬
‫انتهاء هذه المصائب والمشكلت بتلهف ‪.‬‬
‫‪ )2‬تتعامسسل القصسسة القرآنيسسة والنبويسسة مسسع النفسسس البشريسسة فسسي‬
‫واقعيتهسسسا الكاملة ‪ ،‬متمثلة فسسسي أهسسسم النماذج التسسسي يريسسسد القرآن‬
‫إبرازهسا للكائن البشري ‪ ،‬ويوجسه الهتمام إلى كسل نموذج بحسسب‬
‫أهميتسسه ‪ ،‬فيُعرض عرضًسا صسسادقًا يليسسق بالمقام ويحقسسق الهدف‬
‫التربوي مسن عرضسه ‪ ،‬ففسي قصسة يوسسف يعرض نموذج النسسان‬
‫الصسسابر على المصسسائب فسسي سسسبيل الدعوة إلى ال ( فسسي شخسسص‬
‫يوسسف ) ‪ ،‬ونموذج المرأة المترفسة تعرض لهسا حبائل الهوى فمل‬
‫قلبهسا الحسب والشهوة ‪ ،‬ويدفعهسا إلى محاولة ارتكاب الجريمسة ‪ ،‬ثسم‬
‫إلى سَجن إنسان بريء مخلص ‪ ،‬ل ذنب له إل الترفع عن الدنايا‬
‫والخلص لسيده ‪ ،‬ومراعاة أوامر ربه ‪.‬‬
‫ونموذج إخوة يوسسف ‪ :‬تدفعهسم هواتسف الغيرة والحسسد والحقسد‬
‫والمؤامرة والمناورة ومواجهسسة آثار الجريمسسة والضعسسف والحيرة‬
‫أمام هذه المواجهة ‪.‬‬
‫ونموذج يعقوب ‪ :‬الوالد المحسسسسسب الملهوف والنسسسسسبي المطمئن‬
‫الموصسسسول ‪ .‬يعرض القرآن كسسسل هذه النماذج البشريسسسة عرضًسسا‬
‫واقعيًا نظيفًا من غير إفحاش ول إغراء بفاحشة أو جريمة ‪ ،‬كمسا‬
‫يفعل مؤلفو القصص التي يسمونها واقعية أو طبيعية ‪ ،‬من روادِ‬
‫جاهلية القرن العشرين ‪ ،‬ذلك أن من أهم غايات القصة القرآنية ‪:‬‬
‫التربية الخلقية عن طريق علج النفس البشرية علجًا واقعيًا ‪.‬‬
‫فالقصة القرآنية ليست غريبة عن الطبيعة البشرية ‪ ،‬ول محلقة‬
‫فسي جسو ملئكسي محسض ‪ ،‬لنهسا إنمسا جاءت علجًا لواقسع البشسر ‪،‬‬
‫وعلج الواقسسع البشري ل يتسسم إل بذكسسر جانسسب الضعسسف والخطسسأ‬
‫على طسبيعته ‪ ،‬ثسم بوصسف الجانسب الخسر الواقعسي المتسسامي الذي‬
‫يمثسسل الرسسسل المؤمنون ‪ ،‬والذي تؤول إليسسه القصسسة بعسسد الصسسبر‬
‫والمكابدة والجهاد والمرابطسسسسسة ‪ ،‬أو الذي ينتهسسسسسي عنده المطاف‬
‫لعلج ذلك الضعسسسف والنقسسسص ‪ ،‬والتردي البشري فسسسسي مهاوي‬
‫الشرك أو حمأة الرذيلة ‪ ،‬علجًا ينهسسض بالهمسسم ‪ ،‬ويدفسسع بالنفسسس‬
‫للسسسمو ‪ ،‬مسسا اسسستطاعت ‪ ،‬إلى أعلى القمسسم ‪ ،‬حيسسث تنتهسسي القصسسة‬
‫بانتصسسار الدعوة اللهيسسة ‪ ،‬ووصسسف النهايسسة الخاسسسرة للمشركيسسن‬
‫الذي اسستسلموا إلى الضعسف والنقسص ‪ ،‬ولم يسستجيبوا لنداء ربهسم‬
‫فيزكوا أنفسهم ‪.‬‬
‫‪ )3‬تربي القصة القرآنية العواطف الربانية وذلك ‪:‬‬
‫‪)1‬عسن طريسق إثارة النفعالت كالخوف والترقسب ‪ ،‬وكالرضسا‬
‫والرتياح والحسسب ‪ ،‬وكالتقزز والكره ‪ ،‬كسسل ذلك يثار فسسي‬
‫طيات القصسة بمسا فيسه مسن وصسف رائع ووقائع مصسطفاة ‪،‬‬
‫فقصسة يوسسف مثلً تربسي الصسبر والثقسة بال ‪ ،‬والمسل فسي‬
‫نصره ‪ ،‬بعد إثارة انفعال الخوف على يوسف ‪ ،‬ثم الرتياح‬
‫إلى استلمه منصب الوزارة ‪.‬‬
‫‪)2‬وعسن طريسق توجيسه جميسع هذه النفعالت حتسى تلتقسي عنسد‬
‫نتيجسة واحدة هسي النتيجسة التسي تنتهسي إليهسا القصسة ‪ ،‬فتواجسه‬
‫مثلً حماسة قارئ القصة نحو يوسف وأبيه ‪ ،‬حتى يلتقيا في‬
‫شكسر ال فسي آخسر القصسة ‪ ،‬ويوجسه بُغْض الشسر الذي صسدر‬
‫عن إخوة يوسف حتى يعترفوا بخطئهم ويستغفر لهم أبوهم‬
‫في آخر القصة ‪ ،‬وهكذا …‬
‫ج) وعسن طريسق المشاركسة الوجدانيسة حيسث يندمسج القارئ مسع‬
‫جسو القصسة العاطفسي حتسى يعيسش بانفعالتسه مسع شخصسياتها ‪ ،‬ففسي‬
‫قصسسسسة يوسسسسسف يعتري القارئ خوف أو قلق عندمسسسسا يراد قتسسسسل‬
‫يوسف ‪ ،‬وإلقاؤه في الجب ‪ ،‬ثم تنسرح العواطف قليلً مع انفراج‬
‫الكربة عنه ‪ ،‬ثم يعود القارئ إلى الترقب عندما يدخل يوسف دار‬
‫( العزيز ) وهكذا يعيش القارئ مع يوسف في سجنه وهو يدعوا‬
‫إلى ال ‪ ،‬حتى يفرح بإنقاذه ‪ ،‬ثم بتوليه وزارة مصر ‪ ،‬وبنجاة أبيه‬
‫من الحزن ‪ ،‬وهو في كل ذلك رسول ال والداعية إلى دينه ‪.‬‬
‫‪ )4‬تمتاز القصة القرآنية بالقناع الفكري بموضوع القصة ‪.‬‬
‫‪)1‬عسن طريسق اليحاء ‪ ،‬والسستهواء والتقمسص ‪ ،‬فلول صسدق‬
‫إيمان يوسسف لمسا صسبر فسي الجسب على الوحشسة ‪ ،‬ولمسا ثبست‬
‫فسسي دار امرأة العزيسسز على محاربسسة الفاحشسسة والبعسسد عسسن‬
‫الزلل ‪ ،‬هذه المواقسف الرائعسة توحسي للنسسان بأهميسة مبادئ‬
‫بطسسل القصسسة وصسسحتها ‪ ،‬وتسسستهويه صسسفات هذا البطسسل‬
‫وانتصسساره بعسسسد صسسبر ومصسسسابره طويلة ‪ ،‬فيتقمسسص هذه‬
‫الصسفات حتسى إنه لقلدهسا ولو لم يقصسد إلى ذلك ‪ ،‬وحتسى إنسه‬
‫لَيردّد بعسض هذه المواقسف ويتصسورها ويسسترجعها مسن شدة‬
‫تأثره بها ‪.‬‬
‫‪ )2‬عن طريق التفكير والتأمل ‪ :‬فالقصص القرآني ل يخلو من‬
‫محاورات فكريسسة ينتصسسر فيسسه الحسسق ‪ ،‬ويصسسبح مرموقًسا‬
‫محفوفًا بالحوادث والنتائج التي تثبت صحته ‪ ،‬وعظمته في‬
‫النفس وأثره في المجتمع ‪ ،‬وتأييد ال له ‪ .‬ففي قصة يوسف‬
‫نجسد حوارًا يدور بينسه وبيسن فتييسن عاشسسا معسه فسسي السسجن‬
‫فدعاهمسا إلى توحيسد ال ‪ .‬وقصسة نوح كلهسا حوار بيسن الحسق‬
‫والباطسل ‪ ،‬وكذلك قصسة شعيسب ‪ ،‬وصسالح وسسائر الرسسل ‪:‬‬
‫حوار منطقسي مدعوم بالحجسة والبرهان يتخلل القصسة ‪ ،‬ثسم‬
‫تدور الدوائر على أهسل الباطسل ويظهسر ال الحسق منتصسرًا‬
‫في نتيجة القصة ‪ ،‬أو يهلك الباطل وأهله ‪ ،‬فيتظاهر القناع‬
‫العقلي المنطقسسسسي والثارة الوجدانيسسسسة ‪ ،‬واليحاء وحسسسسب‬
‫البطولة ( الستهواء ) والدافع الفطري إلى حب القوة وتقليد‬
‫القوياء ‪ ،‬تتظاهسسر كسسل هذه العوامسسل وتتضافسسر ‪ ،‬يؤيدهسسا‬
‫التكرار مرة بعسسد مرة ‪ ،‬فمسسا أكثسسر تكرار بعسسض قصسسص‬
‫القرآن حتسى تؤدي بمجموعهسا إلى تربيسة التصسور الربانسي‬
‫للحياة وللعقيدة واليوم الخسسسر وإلى معرفسسسة كسسسل جوانسسسب‬
‫الشريعسسة اللهيسسة معرفسسة إجماليسسة وإلى تربيسسة العواطسسف‬
‫الربانية من حب في ال ‪ ،‬وكراهية للكفر وحماسة لدين ال‬
‫ولحماتسسه ‪ ،‬ولرسسسل ال ‪ ،‬وولء ال وانضواء تحسست لوائه ‪،‬‬
‫وإلى السسلوك المسستقيم وفسق شريعسة ال ‪ ،‬والتعامسل حسسب‬
‫أوامره ‪ ،‬وبهذا تحيسط القصسة القرآنيسة نفسس الناشسئ بالتربيسة‬
‫الربانية من جميع جوانبها العقلية والوجدانية والسلوكية ‪.‬‬
‫أغراض القصة القرآنية(‪:)1‬‬
‫ليسست القصسة القرآنيسة عملً فنيًا مطلقًا مجردًا عسن الغراض‬
‫التوجيهيسة ‪ ،‬إنمسا هسي وسيلة مسن وسسائل القرآن الكثيرة إلى تحقيسق‬
‫أغراضسسه الدينيسسة الربانيسسة ‪ ،‬فهسسي إحدى الوسسسائل لبلغ الدعوة‬
‫السلمية وتثبيتها ‪.‬‬
‫والتعسبير القرآنسي مسع ذلك يؤلف بيسن الغرض الدينسي والغرض‬
‫الفنسسي ‪ ،‬وبهذا امتازت القصسسة القرآنيسسة بميزات تربويسسة وفنيسسة ‪،‬‬
‫ذكرنسا بعضهسا فسي الصسفحات الماضيسة حيسث لحظنسا أن القصسص‬
‫القرآنسسي يَجعَسل الجمال الفنسسي أداة مقصسسودة للتأثيسسر الوجدانسسي ‪،‬‬
‫وإثارة النفعالت وتربية العواطف الربانية ‪.‬‬

‫‪ )1(1‬التصسوير الفنسي فسي القرآن‪ :‬سسيد قطسب ص ‪-117‬ص ‪ 128‬الطبعسة الثالثسة دار‬
‫المعارف بمصر وقد اقتبست أهم هذه الغراض باختصار ‪.‬‬
‫وسنعرض للقارئ بعض أغراض القصة القرآنية(‪ )2‬لكي يكون‬
‫المربي على بينة ‪:‬‬
‫(‪ )1‬من أهسم أغراض القصسة عمومًا العتبار وقسد أجلت ذلك‬
‫إلى بحسث ( التربيسة بالعسبرة والموعظسة ) وذكرت هناك‬
‫بعض خطوات تدريس القصة للوصول إلى العبرة منها‬
‫بالستجواب ‪.‬‬
‫من هذه الغراض فيوجه الطلب بالستجواب عن كل غرض‬
‫إلى معرفسة هذا الغرض ‪ ،‬وتحقيقسه فسي نفوسسهم أو فسي سسلوكهم أو‬
‫تربية عقولهم ووجدانهم وعواطفهم ‪ .‬وهاك أهم الغراض ‪:‬‬
‫‪)1‬كان مسن أغراض القصسة القرآنيسة إثبات الوحسي والرسسالة ‪،‬‬
‫وتحقيسق القناعسة بأن محمسد وهسو المسي الذي ل يقرأ ول‬
‫يعرف عنسسه أنسسه يجلس إلى أحبار اليهود والنصسسارى ‪ ،‬يتلو‬
‫على قومسه هذه القصسص مسن كلم ربسه ‪ ،‬وقسد جاء بعضهسا‬
‫فسي دقسة وإسسهاب ‪ ،‬فل يشسك عاقسل فسي أنهسا وحسي مسن ال ‪،‬‬
‫وأن محمد رسول ال يبلغ رسالة ربه ‪ ،‬والقرآن ينص على‬
‫هذا الغرض نص سسًا فسسسي مقدمات بعسسسض القصسسسص أو فسسسي‬
‫أواخرهسسا فقسسد جاء فسسي أول سسسورة يوسسسف ‪  :‬إنّا أَنْ َزلْناهسُ‬
‫علَيْكسَس َأحْسسسَنَ‬ ‫قُرْآنًسا عَرَبِيّاسس لَ َعلّكُمسسْ تَ ْعقِلونسسَ ‪َ ،‬نحْنسسُ َنقُصسسّ َ‬
‫ن قَ ْبلِ ِه لِمِ نَ‬
‫ا ْلقَ صَصِ بِما أَ ْوحَيْنَا إلَيْكَ هذا ا ْلقُرْآ نَ َوإِ نْ كُنْتَ ِم ْ‬
‫الْغافِلي نَ ‪ [ ‬يوسف ‪2 :‬و ‪ ] 3‬وجاء في سورة هود بعد قصة‬
‫ن أَنْبا ِء الْغَيْبِ نوحيها ِإلَيْكْ ما كُنْتَ تَ ْعلَمُها أَنْتَ‬ ‫نوح ‪ِ  :‬تلْكَ ِم ْ‬
‫ن قَ ْبلِ هذا ‪ [ ‬هود ‪] 49 :‬‬ ‫وَل قَوْ ُمكَ مِ ْ‬
‫‪ )2‬ومسن أغراض القصسة القرآنيسة ‪ :‬بيان أن الديسن كله مسن عنسد‬
‫ال ‪.‬‬
‫‪ )3‬وأن ال ينصسر رسسله والذيسن آمنوا ويرحمهسم وينجيهسم مسن‬
‫المآزق والكروب ‪ ،‬من عهد آدم ونوح إلى عهد محمد ‪،‬‬
‫وأن المؤمنين كلهم أمه واحدة وال الواحد رب الجميع ‪.‬‬
‫وكثيرًا مسا وردت قصسص عدد مسن النسبياء مجتمعسة فسي سسورة‬
‫واحدة ‪ ،‬معروضسسة عرضًسا سسسريعًا بطريقسسة خاصسسة لتؤيسسد هذه‬
‫الحقيقسسة ‪ ،‬كمسسا فسسي سسسورة النسسبياء ‪ ،‬حيسسث ورد ذكسسر ‪ :‬موسسسى‬
‫وهارون ‪ ،‬ثسسم لمحسسة موجزة عسسن قصسسة إبراهيسسم ولوط ‪ ،‬وكيسسف‬
‫نجاهسم ال وأهلك قومهمسا ‪ ،‬وقصسة نوح ‪ ،‬وجانسب مسن أخبار داود‬
‫وسليمان ‪ ،‬وما أنعم ال عليهما ‪،‬‬
‫وأيوب حين نجاه ال من الضر ‪ ،‬وورد ذكر إسماعيل وإدريس‬
‫وذي الكفل وكلهم من الصابرين الصسالحين ‪ .‬وذكر ال لنا ‪  :‬وَذا‬
‫النّونس إذْ ذَهَبَس مُغاضِبًا ‪ [ ‬النسبياء ‪ ] 87 :‬قال تعالى ‪ ‬فَاسْسَتجَبْنا لَهُس‬
‫ن الْغَمّ وَكَ َذلِ كَ نُنْجي الْمُؤْمِني نَ ‪ [ ‬النبياء ‪ ] 88 :‬ثم قال‬ ‫َو َنجّيْنا هُ مِ َ‬
‫تعالى ‪  :‬وَزَكَرِيّسا إِذْ نادى رَبّهسسُ رَبّس ل َتذَرْنسسي فَرْدًا َوأَنْتسسَ خَيْرُ‬
‫الْوارِثينسسَ ‪ [ ‬النسسبياء ‪  ] 89 :‬فَاسسسْ َتجَبْنا لَهسسُ وَوَهَبْنَسا لَهسسُ َيحْيَسى‬
‫ن فسي الْخَيْراتِس وَيَدْعونَنسا‬ ‫َوأَصْسَلحْنا لَهُس َز ْوجَهْس إِنّهُمْس كَانوا يُسسارِعو َ‬
‫َرغَبًا وَرَهَبًا وَكانوا لنا خاشِعي نَ ‪ [ ‬النبياء ‪ ] 90 :‬ويختم ال هذه‬
‫السسلسلة مسن النسبياء بخسبر مريسم وابنهسا عيسسى عليهمسا السسلم ‪‬‬
‫ت فَ ْرجَها فَ َنفَخْنا فيها ِم نْ روحِنا َوجَ َعلْناها وَابْنَها آي هْ‬ ‫وَالّتي َأحْ صَنَ ْ‬
‫ِللْعالَمينسَ ‪ [ ‬النسسبياء ‪ ] 91:‬ثسسم يخاطسسب ال مباشرة جميسسع أنسسبيائه‬
‫ورسسسله وأتباعهسسم بقوله ‪ ‬إِنّس هذِه ِس أُمّتُكُم ْس أُمًّسة واحِدًَة َوأَنسسا رَبّكُم سْ‬
‫فَاعْبُدونِ ‪ [ ‬النبياء ‪. ] 92 :‬‬
‫فتسسبين بهذه اليسسة الكريمسسة تقريسسر الغرض الصسسيل مسسن هذا‬
‫السسستعراض الطويسسل وهسسو أن جميسسع النسسبياء يدينون دينًا واحدًا‬
‫ويخضعون لرب واحسسسسد يعبدونسسسسه وحده ل يشركون بسسسسه شيئًا ‪،‬‬
‫وعندمسا نسستعرض خسبر كسل نسبي نجسد أن ال قسد شسد أزره ونصسره‬
‫ونجاه مسسن الكرب الذي نزل بسسه ‪ ،‬أو المأزق الذي أوشسسك أن يقسسع‬
‫فيه ‪ ،‬كما نجى ذا النون ( يونس ) واستجاب لزكريا ‪ ،‬وكما نجى‬
‫إبراهيسسم وقسسد أوشسسك أن يحترق بالنار ؛ وأنسسه سسبحانه دائمًا ينعسسم‬
‫على رسله والذين آمنوا إذا صبروا وصدقوا ‪ ،‬كما أنعم على داود‬
‫بالنصر ‪ ،‬وسليمان بالملك ‪ ،‬فشكروا نعمة ربهم ‪.‬‬
‫‪)4‬وفسي هذا شسد لزر المؤمنيسن ‪ ،‬وتسسلية لهسم عمسا يلقون مسن‬
‫الهموم والمصسسائب ‪ ،‬وتثسسبيت لرسسسول ال ومسسن تبعسسه مسسن‬
‫أمتسسه ‪ ،‬وتأثيسسر فسسي نفوس مسسن يدعوهسسم القرآن إلى اليمان‬
‫وأنهسسسم إن لم يؤمنوا ل محالة هالكون ‪ ،‬وموعظسسسة وذكرى‬
‫للمؤمنيسن ‪ ،‬وقسد صسرح القرآن بهذا المعنسى فسي قوله تعالى‬
‫ل مسسا نُثَبّتسسُ بِه ِس فُؤَادَك سَ‬ ‫علَيْك سَ مِن ْس أَنْبا ِء الرّسسُس ِ‬
‫َوكُلّ َنقُصسسّ َ‬
‫عظَةُ َوذِكْرى ِللْمُؤْمِنينسسَ ‪ [ ‬هود ‪:‬‬ ‫وَجاءَكسسَ هذِهسِس الْحَقّس وَمَوْ ِ‬
‫‪. ] 120‬‬
‫وجاء فسي سسورة العنكبوت لمحسة خاطفسة عسن قصسة كسل نسبي ‪،‬‬
‫مختومسة بالعذاب الذي عذب بسه المذنبون مسن قومسه حتسى ختمست‬
‫ل َأخَذْنا بِذَنْ ِب ِه فَمِ ْنهُ مْ َم نْ‬‫جميع القصص المجملة بقوله تعالى ‪  :‬فَكُ ً‬
‫علَيْهِس حاصِسبًا وَمِنْهُمْس مَنْس َأخَذَتْهُس الصّسْيحَهُ وَمِنْهُمْس مِنْس خَسَسفْنا‬ ‫أَرْسَسلْنا َ‬
‫ن كانوا‬ ‫ظلِمَهُ مْ َولَكِ ْ‬ ‫ن الُ لِيَ ْ‬ ‫ن أَغْ َرقْنا ‪ ،‬وَما كا َ‬ ‫ِب هِ الَرْ ضَ وَمِنْ ُه مْ مَ ْ‬
‫ظلِمونَس ‪ [ ‬العنكبوت ‪ ] 40 :‬فعلى المربسي أن يسستحضر‬ ‫أَ ْنفُسَسهُمْ يَ ْ‬
‫مكان الموعظسة والذكرى مسن كسل قصسة ‪ ،‬ليحاور الطلب حوارًا‬
‫يوجههم إلى معرفتها والتأثر بها والعمل بمقتضاها ‪.‬‬
‫‪)5‬ومن أغراض القصة في التربية السلمية ‪ :‬تنبيه أبناء آدم‬
‫إلى خطسسسر غوايسسسة الشيطان(‪ )1‬وإبراز العداوة الخالدة بينسسسه‬
‫وبينهسم منسذ أبيهسم إلى أن تقوم السساعة ‪ ،‬وإبراز هذه العداوة‬
‫عن طريق القصة أروع وأقوى ‪ ،‬وأدعى إلى الحذر الشديد‬
‫مسن كسل هاجسسه فسي النفسس تدعسو إلى الشّر ‪ ،‬ولمسا كان هذا‬
‫موضوعًا خالدًا فقسد تكررت قصسة آدم فسي مواضسع شتسى ‪،‬‬
‫ممسا يدعسو المربسي إلى اللحاح على هذا الموضوع وتوجيسه‬
‫الطلب إلى الحذر مسسن غوايسسة الشيطان فسسي كسسل مناسسسبة‬
‫ملئمة ‪.‬‬
‫‪ [ ) (1‬العراف ‪. ] 30 ، 26 ، 25 :‬‬
‫‪ )6‬ومسسن أغراض القصسسص التربويسسة ‪ :‬بيان قدرة ال تعالى ‪:‬‬
‫بيانًا يثيسسر انفعال الدهشسسة والخوف مسسن ال لتربيسسة عاطفسسة‬
‫الخشوع والخضوع والنقياد ونحوها من العواطف الربانية‬
‫‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬ ‫(‪) 1‬‬
‫كقصسة الذي أماتسه ال مائة عام ثسم بعثسه وقصسة خلق آدم ‪،‬‬
‫وقصسة إبراهيسم والطيسر الذي آب إليسه بعسد أن جعسل على كسل جبسل‬
‫جزءًا منسسه قال تعالى‪  :‬وإذ قال إبراهيسسم رب أرنسسي كيسسف تحيسسي‬
‫الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة‬
‫مسن الطيسر فصسرهن إليسك ثسم اجعسل على كسل جبسل منهسن جزءًا ثسم‬
‫ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن ال عزيز حكيم ‪ [ ‬البقرة‪. ] 260 :‬‬

‫‪ [ ) (1‬البقرة ‪. ] 259 :‬‬


‫‪ [ ) (2‬البقرة من ‪ 33‬إلى ‪ [، ] 37‬وآل عمران ‪] 59 :‬‬
‫المراجع‬
‫‪-1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪-2‬التقان في علوم القرآن للسيوطي‪.‬‬
‫‪-3‬أصول التربية السلمية للدكتور عبد الرحمن‬
‫النحلوي‪.‬‬
‫‪-4‬أصول في التفسير للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين‪.‬‬
‫‪-5‬التصوير الفني في القرآن للشيخ سيد قطب‪.‬‬
‫‪-6‬تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير‪.‬‬
‫‪-7‬علوم القرآن للدكتور محمد بكر إسماعيل‪.‬‬
‫‪-8‬مباحث في علوم القرآن للدكتور مناع القطان‪.‬‬
‫‪-9‬محاضرات في علوم القرآن للدكتور محمد سالم –‬
‫الدكتور صلح الصاوي‪.‬‬
‫‪ -10‬المدخل في علوم القرآن للشيخ محمد أبو شهبة‪.‬‬
‫‪ -11‬مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني‪.‬‬

You might also like