Professional Documents
Culture Documents
الشفا بتعريف
حقوق المصطفى
القا ضي عياض
بسم ال الرحن الرحيم
ترجمة المؤلف
مقام عياض مثل مقام البخاري والئمة الربعة؛ فهم حلة الشريعة وعلومها الت يبثّونا ف صدور
الرجال بالتلقي والتأليفَ ،ذبّوا عن الشريعة بسيوف علومهم؛ فبقيت علومهم خالدة تالدة إل البد،
وكم من ول ل كان معهم وبعدهم بكثي ،كان لم تلميذ وأوراد ،وانقطعت تلك الوراد وباد
الريدون برور الزمان ،وأئمة العلم ما زالوا بعلومهم كأنم أحياء "..هذا الكلم النفيس من بيان أب
عبد ال ممد المي ف كتابه "الجد الطارف والتالد" ،يصف مكانة القاضي عياض العلمية ،وقدره
الرفيع بي علماء السلم ،وليس ف كلم الشيخ مبالغة أو تزويد؛ فقد حقق القاضي عياض شهرة
واسعة حت قيل :لول عياض لا عُرف الغرب ،وكأنم يعنون –ف جلة ما يعنون -أنه أول من لفت
نظر علماء الشرق إل علماء الغرب حت أواسط القرن السادس الجري.
الولد والنشأة
يعود نسب القاضي "عياض بن موسى اليحصب" إل إحدى قبائل اليمن العربية القحطانية ،وكان
أسلفه قد نزلوا مدينة "بسطة" الندلسية من نواحي "غرناطة" واستقروا با ،ث انتقلوا إل مدينة "فاس"
الغربية ،ث غادرها جده "عمرون" إل مدينة "سبتة" حوال سنة ( 373هـ = 893م) ،واشتهرت
أسرته بـ"سبتة"؛ لا عُرف عنها من تقوى وصلح ،وشهدت هذه الدينة مولد عياض ف ( 15من
شعبان 476هـ = 28من ديسمب 1083م) ،ونشأ با وتعلم ،وتتلمذ على شيوخها.
الرحلة ف طلب العلم
رحل عياض إل الندلس سنة (507هـ = 1113م) طلبًا لسماع الديث وتقيق الروايات،
وطاف بواضر الندلس الت كانت تفخر بشيوخها وأعلمها ف الفقه والديث؛ فنل قرطبة أول ما
نزل ،وأخذ عن شيوخها العروفي كـ"ابن عتاب" ،و"ابن الاج" ،و"ابن رشد" ،و"أب السي بن
سراج" وغيهم ،ث رحل إل "مرسية" سنة (508هـ = 1114م) ،والتقى بأب علي السي بن ممد
الصدف ،وكان حافظًا متقنًا حجة ف عصره ،فلزمه ،وسع عليه الصحيحي البخاري ومسلم ،وأجازه
بميع مروياته.
اكتفى عياض با حصله ف رحلته إل الندلس ،ول يلبث أن رحل إل الشرق مثلما يفعل غيه من
طلب العلم ،وف هذا إشارة إل ازدهار الركة العلمية ف الندلس وظهور عدد كبي من علمائها ف
ميادين الثقافة العربية والسلمية ،يناظرون ف سعة علمهم ونبوغهم علماء الشرق العروفي.
عاد عياض إل "سبتة" غزير العلم ،جامعًا معارف واسعة؛ فاتهت إليه النظار ،والتفّ حوله
طلب العلم وطلب الفتوى ،وكانت عودته ف ( 7من جادى الخرة 508هـ = 9من أكتوبر
1114م) ،وجلس للتدريس وهو ف الثانية والثلثي من عمره ،ث تقلد منصب القضاء ف "سبتة" سنة
( 515هـ = 1121م) وظل ف منصبه ستة عشر عامًا ،كان موضع تقدير الناس وإجللم له ،ث
تول قضاء "غرناطة" سنة (531هـ = 1136م) وأقام با مدة ،ث عاد إل "سبتة" مرة أخرى ليتول
قضاءها سنة (539هـ = 1144م).
القاضي عياض مدثًا
كانت حياة القاضي عياض موزعة بي القضاء والقراء والتأليف ،غي أن الذي أذاع شهرته ،وخلّد
ذكره هو مصنفاته الت ب ّوَأتْه مكانة رفيعة بي كبار الئمة ف تاريخ السلم ،وحسبك مؤلفاته الت
تشهد على سعة العلم وإتقان الفظ ،وجودة الفكر ،والتبحر ف فنون متلفة من العلم.
وكان القاضي عياض ف علم الديث الفذّ ف الفظ والرواية والدراية ،العارف بطرقه ،الافظ
لرجاله ،البصي بالم؛ ولكي ينال هذه الكانة الرموقة كان سعيه الثيث ف ساع الديث من رجاله
العروفي والرحلة ف طلبه ،حت تقق له من علو السناد والضبط والتقان ما ل يتحقق إل للجهابذة
من الحدّثي ،وكان منهج عياض ف الرواية يقوم على التحقيق والتدقيق وتوثيق الت ،وهو يعد النقل
والرواية الصل ف إثبات صحة الديث ،وتشدد ف قضية النقد لت الديث ولفظه ،وتأويل لفظه أو
روايته بالعن ،وما يره ذلك من أبواب اللف.
وطالب الحدث أن ينقل الديث مثلما سعه ورواه ،وأنه إذا انتقد ما سعه فإنه يب عليه إيراد ما
سعه مع التنبيه على ما فيه؛ أي أنه يروي الديث كما سعه مع بيان ما َيعِنّ له من تصويب فيه ،دون
قطع برأي يؤدي إل الرأة على الديث ،ويفتح بابًا للتهجم قد يمل صاحبه على التعبي والتصرف ف
الديث بالرأي.
وألّف القاضي ف شرح الديث ثلثة كتب هي" :مشارق النوار على صحاح الثار" وهو من
أدَ ّل الكتب على سعة ثقافة عياض ف علم الديث وقدرته على الضبط والفهم ،والتنبيه على مواطن
الطأ والوهم والزلل والتصحيف ،وقد ضبط عياض ف هذا الكتاب ما التبس أو أشكل من ألفاظ
الديث الذي ورد ف الصحيحي وموطأ مالك ،وشرح ما غمض ف الكتب الثلثة من ألفاظ ،وحرّر
ما وقع فيه الختلف ،أو تصرف فيه الرواة بالطأ والتوهم ف السند والت ،ث رتّب هذه الكلمات
الت عرض لا على ترتيب حروف العجم.
أما الكتابان الخران فهما "إكمال العلم" شرح فيه صحيح مسلم ،و"بغية الرائد لا ف حديث أم
زرع من الفوائد".
وله ف علم الديث كتاب عظيم هو " اللاع ف ضبط الرواية وتقييد السماع"
...فقيهًا
درس القاضي عياض على شيوخه بـ"سبتة" الدونة لبن سحنون ،وهو مؤلّف يدور عليه الفقه
الالكي ،وُيعَدّ مرجعَ ُه الول بل منازع ،وقد كُتبت عليه الشروح والختصرات والواشي ،غي أن
الدونة ل تكن حسنة التبويب؛ حيث تتداخل فيها السائل الختلفة ف الباب الواحد ،وتعان من عدم
إحكام وضع الثار مع السائل الفقهية.
وقد لحظ القاضي عياض هذا عند دراسته "الدونة" على أكثر من شيخ؛ فنهض إل عمل عظيم،
فحرّر رواياتا ،وسى رواتا ،وشرح غامضها ،وضبط ألفاظها ،وذلك ف كتابه "التنبيهات الستنبَطة
على الكتب الدونة والختلطة" ول شكّ أن قيام القاضي عياض بثل هذا العمل يُعد خطوة مهمة ف
سبيل ضبط الذهب الالكي وازدهاره.
القاضي عياض مؤرخًا
ودخل القاضي ميدان التاريخ من باب الفقه والديث ،فألّف كتابه العروف " تدريب الدارك"،
وهو ُيعَدّ أكب موسوعة تتناول ترجة رجال الذهب الالكي ورواة "الوطأ" وعلمائه ،وقد استهلّ
الكتاب ببيان فضل علم أهل الدينة ،ودافع عن نظرية الالكية ف الخذ بعمل أهل الدينة ،باعتباره
عندهم من أصول التشريع ،وحاول ترجيح مذهبه على سائر الذاهب ،ث شرع ف الترجة للمام مالك
وأصحابه وتلميذه ،وهو يعتمد ف كتابه على نظام الطبقات دون اعتبار للترتيب اللفبائي؛ حيث أورد
بعد ترجة المام مالك ترجة أصحابه ،ث أتباعهم طبقة طبقة حت وصل إل شيوخه الذين عاصرهم
وتلقى على أيديهم.
والتزم ف طبقاته التوزيع الغراف لن يترجم لم ،وخصص لكل بلد عنوانًا يدرج تته علماءه من
الالكية؛ فخصص للمدينة ومصر والشام والعراق عناوين خاصة با ،وإن كان ملتزما بنظام الطبقات.
وأفرد لعلمائه وشيوخه الذين التقى بم ف رحلته كتابه العروف باسم "الغُنية" ،ترجم لم فيه،
وتناول حياتم ومؤلفاتم وما لم من مكانة ومنله وتأثي ،كما أفرد مكانا لشيخه القاضي أب على
السي الصدف ف كتابه "العجم" تعرض فيه لشيخه وأخباره وشيوخه ،وكان "الصدف" عالًا عظيما
اتسعت مروياته ،وصار حلقة وصل بي سلسل السناد لعلماء الشرق والغرب؛ لكثرة ما قابل من
العلماء ،وروى عنهم ،واستُجيز منهم.
...أديبًا
وكان القاضي أديبًا كبيًا إل جانب كونه مدثًا فقيهًا ،له بيان قوي وأسلوب بليغ ،يشف عن
ثقافة لغوية متمكنة وبصر بالعربية وفنونا ،ول يكن ذلك غريبًا عليه؛ فقد كان حريصًا على دراسة
كتب اللغة والدب حرصه على تلقي الديث والفقه ،فقرأ أمهات كتب الدب ،ورواها بالسناد عن
شيوخه مثلما فعل مع كتب الديث والثار ،فدرس "الكامل" للمبد و"أدب الكاتب" لبن قتيبة،
و"إصلح النطق" لبن السكيت ،و"ديوان الماسة" ،و"المال" لب علي القال.
وكان لذه الدراسة أثرها فيما كتب وأنشأ ،وطبعت أسلوبه بمال اللفظ ،وإحكام العبارة ،وقوة
السبك ،ودقة التعبي.
وللقاضي شعر دوّنته الكتب الت ترجت له ،ويدور حول النسيب والتشوق إل زيارة النب (صلى
ال عليه وسلم) ،والعروف أن حياته العلمية وانشغاله بالقضاء صرفه عن أداء فريضة الج ،ومن شعره
الذي يعب عن شوقه ولوعته الوجدانية ولفته إل زيارة النب (صلى ال عليه وسلم):
بشراك بشراك فقد لحت قبابم
فانزل فقد نلت ما توى وتتار
هذا الحصب ،هذا اليف خيف من
هذي منازلم هذي هي الدار
هذا الذي وخذت شوقًا له البل
هذا البيب الذي ما منه ل بدل
هذا الذي ما رأتْ عي ول سعت
أ ْذنٌ بأكرمَ من َكفّهِ إن سألوا
ول يكن لحد أن يغفل كتابه العظيم "الشفا بأحوال الصطفى" الذي تناول فيه سية النب (صلى
ال عليه وسلم) ،وقصد من كتابه إحاطة الذات النبوية بكل ما يليق با من العصمة والتفرد والتميز عن
سائر البشر ،ف الوقت الذي كانت فيه آراء جانة توض ف مسألة النبوة ،وتسوّي بي العقل والوحي.
ولا كان النص الشرعي مصدرًا أساسيًا للمعرفة وأصل ل يتمل الناع فيه مت ثبت بالسند الصحيح،
وكان النب (صلى ال عليه وسلم) مصدر هذه العرفة ،فقد انبى القاضي عياض ببيان مقام النبوة
وصيانته من كل ما ل يليق به.
وفاته
عاش القاضي عياض الشطر الكب من حياته ف ظل دولة "الرابطي" ،الت كانت تدعم الذهب
ب فيها الوهن
الالكي ،وتكرم علماءه ،وتوليهم مناصب القيادة والتوجيه ،فلما ح ّل با الضعف ود ّ
ظهرت دولة "الوحدين" ،وقامت على أنقاض الرابطي ،وكانت دولة تقوم على أساس دعوة دينية،
وتدف إل ترير الفكر من جود الفقهاء والعودة إل القرآن والسنة بدلً من النشغال بالفروع
الفقهية ،وكان من الطبيعي أن يصطدم القاضي عياض -بتكوينه الثقاف ومذهبه الفقهي -مع الدولة
القادمة ،بل قاد أهل "سبتة" للثورة عليها ،لكنها ل تفلح ،واضطر القاضي أن يبايع زعيم "الوحدين"
عبد الؤمن بن علي الكومي.
ول تطُ ْل به الياة ف عهد "الوحدين" ،فتوف ف ( 9من جادى الخرة 544هـ = 14من
أكتوبر 1149م)
من مصادر الدراسة:
•ابن بشكوال :كتاب الصلة ـ الدار الصرية للتأليف والترجة ـ القاهرة ـ 1966م.
•القاضي عياض :ترتيب الدارك ـ تقيق أحد بكي ممود ـ مكتبة الياة ـ بيوت
ـ بدون تاريخ.
ممد الكتان :القاضي عياض ،الشخصية والدور الثقاف ـ ملة الدارة ـ العدد الرابع ـ السنة السادسة
عشر ـ .1411
مقدمة الكتاب
اللهم صل على سيدنا ممد و آله و سلم .
قال الفقيه القاضي المام الافظ أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصب رضي ال عنه :
المد ل التفرد باسه السى ،الختص باللك العز الحى ،الذي ليس دونه منتهى ،و ل وراءه
مرمى ،الظاهر ل تيل و وها ،الباطن تقدسا ل عدما ،وسع كل شيء رحةً و علما ،و أسبغ على
أوليائه نعما عما ،و بعث فيهم رسولً من أنفسهم عربا و عجما ،و أزكاهم متدا و منمى ،و
أرجحهم عقلً و حلما ،و أوفرهم علما و فهما ،و أقواهم يقينا و عزما ،و أشدهم بم رأفة و رحى
،و زكاه روحا و جسما ،وحاشاه عيبا و وصما ،و آتاه حكمة و حكما ،و فتح به أعينا عميا ،و
قلوبا غلفا ،و آذانا صما ،فآمن به و عزره ،و نصره من جعل ال له ف مغنم السعادة قسما ،و
كذب به و صدف عن آياته من كتب ال عليه الشقاء حتما ،و من كان ف هذه أعمى فهو ف الخرة
أعمى .صلى ال عليه وسلم صلةً تنمو و تنمى ،و على آله و سلم تسليما كثيا .
أما بعد أشرق ال قلب و قلبك بأنوار اليقي ،و لطف ل و لك با لطف لوليائه التقي ،الذين شرفه م
ال بنل قدسه ،و أوحشهم من الليقة بأنسه ،و خصهم من معرفته و مشاهدة [ ] 2عجائب
ملكوته و آثار قدرته با مل قلوبم حبة ،و وله عقولم ف عظمته حية ،فجعلوا ههم به واحدا ،و
ل يروا ف الدارين غيه مشاهدا ،فهم بشاهدة جاله و جلله يتنعمون ،و بي آثار قدرته و عجائب
عظمته يترددون ،و بالنقطاع إليه و التوكل عليه يتعززون ،لجي بصادق قوله :قل ال ث ذرهم ف
خوضهم يلعبون ( سورة النعام : 6 /آية . ) 91
فإنك كررت علي السؤال ف مموع يتضمن التعريف بقدر الصطفى عليه الصلة والسلم ،و ما يب
له من توقي و إكرام ،و ما حكم من ل يوف واجب عظيم ذلك القدر ،أو قصر ف حق منصبه الليل
قلمة ظفر ،و أن أجع لك ما لسلفنا وأئمتنا ف ذلك من مقال ،و أبينه بتنيل صور و أمثال .
فاعلم _ أكرمك ال _ أنك حلتن من ذلك أمرا إمرا ،و أرهقتن فيما ندبتن إليه عسرا ،و أرقيتن با
كلفتن مرتقى صعبا ،مل قلب رعبا ،فإن الكلم ف ذلك يستدعي تقرير أصول و ترير فصول ،و
الكشف عن غوامض و دقائق من علم القائق ،ما يب للنب صلى ال عليه وسلم ويضاف إليه ،أو
يتنع أو يوز عليه ،و معرفة النب و الرسول ،و الرسالة و النبوة ،و الحبة و اللة ،و خصائص هذه
الدرجة العلية ،و ها هنا مهامه فيح تار فيها القطا ،و تقصر با الطا ،و ماهل تضل فيها الحلم إن
ل تتد بعلم علم و نظر سديد ،و مداحض تزل[ ]3با القدام ،إن ل تعتمد على توفيق من ال وتأييد
.
لكن لا رجوته ل و لك ف هذا السؤال و الواب من نوال و ثواب ،بتعريف قدره السيم ،و خلقه
العظيم ،و بيان خصائصه الت ل تتمع قبل ف ملوق ،و ما يدان ال تعال به من حقه الذي هو أرفع
القوق ،ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ،و يزداد الذين آمنوا إيانا ،و لا أخذ ال تعال على الذين أوتوا
الكتاب ليبيننه للناس و ل يكتمونه .
و لا حدثنا به أبو الوليد هشام بن أحد الفقيه بقراءت عليه ،قال :حدثنا السي ابن ممد ،حدثنا أبو
عمر النمري حدثنا أبو ممد بن عبد الؤمن ،حدثنا أبو بكر ممد ابن بكر ،حدثنا سليمان بن الشعث
،حدثنا موسى بن اساعيل ،حدثنا حاد ،حدثنا علي بن الكم ،عن عطاء ،عن أب هريرة رضي ال
عنه ،قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :من سئل عن علم فكتمه ألمه ال بلجام من نار يوم
القيامة .
فبادرت إل نكت مسفرة عن وجه الغرض ،مؤديا من ذلك الق الفترض ،اختلسها على استعجال ،
لا الرء بصدده من شغل البدن و البال ،با طوقه من مقاليد الحنة الت ابتلى با ،فكادت تشغل عن
كل فرض و نفل ،و ترد بعد حسن التقوي إل أسفل سفل ،و لو أراد ال بالنسان خيا لعل شغله و
هه كله فيما يمد غدا أو يذم مله ،فليس ث سوى حضرة النعيم ،أو عذاب الحيم ،و لكان عليه
بويصته ،و استنفاذ مهجته و عمل صال يستزيده ،و علم نافع يفيده أو يستفيده .
جب ال صدع قلوبنا ،و غفر عظيم ذنوبنا ،و جعل جيع [ ] 3استعدادنا لعادنا ،و توفر دواعينا فيما
ينجينا و يقربنا إليه زلفة ،و يظينا بنه و كرمه و رحته .
و لا نويت تقريبه ،و درجت تبويبه ،و مهدت تأصيله ،و خلصت تفصيله ،و انتحيت حصره و
تصيله ،ترجته ب الشفا بتعريف حقوق الصطفى ،و حصرت الكلم فيه ف أقسام أربعة :
ل ،و توجه الكلم فيه ف أربعة
القسم الول :ف تعظيم العلي العلى لقدر هذا النب قولً و فع ً
أبواب :
الباب الول :ف ثنائه تعال عليه ،و اظهاره عظيم قدره لديه ،و فيه عشرة فصول .
الباب الثان :ف تكميله تعال ى له الحاسن خلقا و خلقا ،قرانه جيع الفضائل الدينية و الدنيوية
فيه نسقا ،و فيه سبعة و عشرون فصلً .
الباب الثالث :فيما ورد من صحيح الخبار و مشهورها [ ] 4بعظيم قدره عند ربه و منلته ،و
ما خصه به ف الدارين من كرامته ،و فيه اثنا عشر فصلً .
الباب الرابع :فيما أظهره ال تعال على يديه من اليات و العجزات ،و شرفه به من الصائص و
الكرامات ،و فيه ثلثون فصـل .
القسم الثان :فيما يب على النام من حقوقه عليه السلم ،و يترتب القول فيه ف أربعة أبواب :
الباب الول :ف فرض اليان به و وجوب طاعته و اتباع سنته ،و فيه خسة فصول .
الباب الثان :ف لزوم مبته و منا صحته ،و فيه ستة فصول .
الباب الثالث :ف تعظيم أمره و لزوم توقيه و بره ،و فيه سبعة فصول .
الباب الرابع :ف حكم الصلة عليه و التسليم و فرض ذلك و فضيلته ،و فيه عشرة فصول .
القسم الثالث :ـ فيما يستحيل ف حقه ،و ما يوز عليه شرعا ،و ما يتنع و يصح من المور
البشرية أن يضاف إليه .
و هذا القسم ـ أكرمك ال ـ هو سر الكتاب ،و لباب ثرة هذه البواب ،و ما قبله له كالقواعد
و التمهيدات و الدلئل على ما ن ورده فيه من النكت البينات ،و هو الاكم على ما بعده ،و
النجز من غرض هذا التأليف و عده ،و عند التقصي لوعدته ،و التفصي عن عهدته ،يشرق صدر
العدو اللعي ،و يشرق قلب الؤمن باليقي ،و تل أنواره جوانح صدره و يقدر العاقل النب حق
قدره .و يتحرر الكلم فيه ف بابي [: ] 5
الباب الول :فيما يتص بالمور الدينية ،و يتشبث به القول ف العصمة و فيه ستة عشر فصلً .
الباب الثان :ف أحواله الدنيوية ،و ما يوز طروءه عليه من العراض البشرية،و فيه تسعة فصول.
القسم الرابع :ف تصرف وجوه الحكام على من تنقصه أو سبه صلى ال عليه و سلم و ينقسم
الكلم فيه ف بابي :
الباب الول :ف بيان ما هو ف حقه سب و نقص ،من تعريض ،أو نص ،و فيه عشرة فصول .
الباب الثان :ف حكم شانئه و مؤذيه و متنقصه و عقوبته ،و ذكر استتابته ،و الصلة عليه و
وراثته ،و فهي عشرة فصول .
و ختمناه بباب ثالث جعلناه تكملة لذه السألة [ ، ] 5و وصلة للبابي اللذين قبله ف حكم من
سب ال تعال و رسله و ملئكته و كتبه ،و آل النب رسول ال صلى ال عليه وسلم و صحبه .
و اختصر الكلم فيه ف خسة فصول ،و بتمامها ينتجز الكتاب ،و تتم القسام و البواب ،و
تلوح ف غرة اليان لعة منية ،و ف تاج التراجم درة خطية ،تزيح كل لبس ،و توضح كل
تمي و حدس ،و تشفي صدور قوم مؤمني ،و تصدع بالق ،و تعرض عن الاهلي ،و با ل
تعال ـ ل إله سواه ـ أستعي .
القسم الول
اعلم أن ف كتاب ال العزيز آيات كثية مفصحة بميل ذكر الصطفى ،و عد ماسنه ،و تعظيم أمره ،
و تنويه قدره ،اعتمدنا منها على ما ظهر معناه ،و بان فحواه ،و جعنا ذلك ف عشرة فصول :
الفصل الول
فيما جاء من ذلك ميء الدح و الثناء و تعداد الحاسن ،كقوله تعال :لقد جاءكم رسول من أنفسكم
عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالؤمني رؤوف رحيم [ سورة التوبة : 9/الية . ] 128
قال السمرقندي [ : ] 6و قرأ بعضهم :من أنفسكم ـ بفتح الفاء .و قراءة المهور بالضم .
قال القاضي المام أبو الفضل ـ [ وفقه ال ] أعلم ال تعال الؤمني ،أو العرب ،أو أهل مكة ،أو
جيع الناس ،على اختلف الفسرين :من الواجه بذا الطاب أنه بعث فيهم رسو ًل من أنفسهم
يعرفونه ،و يتحققون مكانه ،و يعلمونه صدقه و أمانته ،فل يتهمونه بالكذب و ترك النصيحة لم ،
لكونه منهم ،و أنه ل تكن ف العرب قبيلة إل و لا على رسول ال صلى ال عليه و سلم ولدة أو قرابة
[ ،و هو عند ابن عباس و غيه معنىقوله تعال :إل الودة ف القرب ] و ك ونه من أشرفهم ،و
أرفعهم ،و أفضلهم ،على قراءة الفتح ،و هذه ناية الدح ،ث وصفه بعد بأوصاف حيدة ،و أثن
عليه بحامد كثية ،من حرصه على هدايتهم و رشدهم و إسلمهم ،و شدة ما يعنتهم و يضر بم ف
دنياهم و أخراهم ،و عزته و رأفته و رحته بؤمنهم .
قال بعضهم :أعطاه اسي من أسائه :رؤوف ،رحيم .
و مثله ف الية الخرى :قوله تعال :لقد من ال على الؤمني إذ بعث فيهم رسول من أنفسهم يتلو
عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبي [ سورة آل عمران
، 3/الية ]164 :
و ف الية الخرى :هو الذي بعث ف الميي رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبي [ سورة المعة : 62/الية . ] 2
و قوله تعال :كما أرسلنا فيكم رسول منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والكمة
ويعلمكم ما ل تكونوا تعلمون [ سورة البقرة : 2/الية . ] 151
و روي عن علي بن أب طالب ،عنه صلى ال عليه و سلم ف قوله تعال :من أنفسكم قال :نسبا و
صهرا و حسبا ،ليس ف آبائي من لدن آدم سفاح ،كلنا نكاح .
[ قال ابن الكلب :كتبت للنب صلى ال عليه و سلم خسمائة أم ،فما وجدت فيهن سفاحا و ل شيئا
ما كان عليه الاهلية .
و عن ابن عباس رضي ال عنه ـ ف قوله تعال :وتقلبك ف الساجدين ـ قال :من نب إل نب ،حت
أخرجك نبيا ] .
و قال جعفر ابن ممد :علم ال عجز خلقه عن طاعته ،فعرفهم ذلك ،لكي يعلموا أنم ل ينالون
الصفو من خدمته ،فأقام بينهم و بينه ملوقا من جنسهم ف الصورة ،و ألبسه من نعمته [ ] 7الرأفة و
الرحة ،و أخرجه إل اللق سفيا صادقا ،و جعل طاعته طاعته ،و موافقته ،فقال تعال :من يطع
الرسول فقد أطاع ال .
و قال ال تعال :وما أرسلناك إل رحة للعالي [ سورة النبياء : 21 /الية . ] 107
قال أبو بكر بن طاهر :زين ال تعال ممدا صلى ال عليه و سلم بزينة الرحة ،فكان كونه رحة ،و
جيع شائله و صفاته رحة على اللق ،فمن أصابه شيء من رحته فهو الناجي ف الدارين من كل
مكروه ،و الواصل فيهما إل كل مبوب ،أل ترى أن ال يقول :وما أرسلناك إل رحة للعالي ،
فكانت حياته رحة ،و ماته رحة ،كما قال عليه السلم :حيات خي لكم و موت خي لكم و كما
قال عليه الصلة و السلم :إذا أراد ال رحة بأمة قبض نبيها قبلها ،فجعله لا فرطا و سلفا .و قال
السمر قندي :رحة للعالي :يعن للجن و النس .
و قيل :لميع اللق ،للمؤمن رحة بالداية ،و رحة للمنافق بالمان من القتل ،و رحة للكافر بتأخي
العذاب .
قال ابن عباس رضي ال عنهما :هو رحة للمؤمني و للكافرين ،إذ عوفوا ما أصاب غيهم من المم
الكذبة .
و حكى أن النب صلى ال عليه و سلم قال لبيل عليه السلم :هل أصابك من هذه الرحة شىء ؟ قال
:نعم ،كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء ال عز وجل علي بقوله :ذي قوة عند ذي العرش مكي *
مطاع ث أمي [ سورة التكوير : 81 /الية 20ـ . ] 21
و روي عن جعفر بن ممد الصادق ـ ف قوله تعال :فسلم لك من أصحاب اليمي .أي بك ،إنا
وقعت سلمتهم من أجل كرامة ممد صلى ال عليه و سلم .
و قال ال تعال :ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح الصباح ف زجاجة
الزجاجة كأنا كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو
ل تسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ويضرب ال المثال للناس وال بكل شيء عليم
[ سورة النور : 24 /الية . ] 35
قال كعب ،و ابن جبي :الراد بالنور الثان هنا ممد عليه السلم [ . ] 7و قوله تعال مثل نوره أي
نور ممد صلى ال عليه و سلم .
و قال سهل بن عبد ال :العن :ال هادي أهل السموات و الرض ،ث قال :مثل نور ممد إذ كان
مستودعا ف الصلب كمشكاة صفتها كذا ،و أراد بالصباح قلبه ،و بالزجاجة صدره ،أي كأنه
كوكب دري لا فيه من اليان و الكمة يوقد من شجرة مباركة أي من نور إبراهيم .و ضرب الثل
بالشجرة الباركة .
و قوله :يكاد زيتها يضيء أي تكاد نبوة ممد صلى ال عليه و سلم تبي للناس قبل كلمه كهذا الزيت
.
و قيل ف هذه الية غي هذا .و ال أعلم .
و قد ساه ال تعال ف القرآن ف غي هذا الوضع نورا و سراجا منيا ،فقال تعال :قد جاءكم من ال
نور وكتاب مبي [ سورة الائدة : 5 /الية . ] 15
و قال تعال :إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إل ال بإذنه وسراجا منيا [ سورة الحزاب /
: 33الية 45ـ . ] 46
و من ه ذا قوله تعال :أل نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك
ذكرك * فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا * فإذا فرغت فانصب * وإل ربك فارغب [ سورة
الشرح . ] 94 /
شرح :وسع .و الراد بالصدر هنا :القلب .قال ابن عباس :شرحه بالسلم .
و قال سهل :بنور الرسالة .
و قال السن :مله حكما و علما .
و قيل :معناه أل نطهر قلبك حت ل يؤذيك الوسواس .و وضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك :
قيل :ما سلف من ذنبك ـ يعن قبل النبوة .
و قيل :أراد ثقل أيام الاهلية .
و قيل :أراد ما أثقل ظهره من الرسالة حت بلغها .حكاه الاوردي و السلمي .
و قيل :عصمناك ،و لول ذلك لثقلت الذنوب ظهرك ،حكاه السمرقندي .
ورفعنا لك ذكرك قال يي بن آدم :بالنبوة .و قيل :إذا ذكرت ذكرت معي قول :ل إله إل ال ،
ممد رسول ال .و قيل :ف الذان [ . ] 8
قال القاضي أبو الفضل :هذا تقرير من ال جل اسه لنبيه صلى ال عليه وسلم على عظيم نعمه لديه ،و
شريف منلته عنده ،و كرامته عليه ،بأن شرح قلبه لليان و الداية ،و وسعه لوعى العلم ،و حل
الكمة ،و رفع عنه ثقل أمور الاهلية عليه ،و بغضه لسيها ،و ما كانت عليه بظهور دينه على
الدين كله ،و حط عنه عهدة أعباء الرسالة و النبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم ،و تنويهه بعظيم
مكانه ،و جليل رتبته ،و رفعه و ذكره ،و قرانه مع اسه اسه .
قال قتادة :رفع ال ذكره ف الدنيا والخرة فليس خطيب و ل متشهد و ل صاحب صلة إل يقول :
أشهد أن ل إله إل ال و أن ممدا رسول ال .
و روى أبو سعيد الدري أن النب صلى ال عليه وسلم قال :أتان جبيل عليه السلم ،فقال :إن رب
و ربك يقول :تدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت :ال و رسوله أعلم .قال :إذا ذكرت ذكرت معي
.
قال ابن عطاء :جعلت تام اليان بذكري معك .
و قال أيضا :جعلتك ذكرا من ذكرى ،فمن ذكرك ذكرن .
و قال جعفر بن ممد الصادق :ل يذكرك أحد بالرسالة إل ذكرن بالربوبية .
و أشار بعضهم ف ذلك إل الشفاعة .
و من ذكره معه تعال أن قرن طاعته بطاعته و اسه باسه ،فقال تعال :أطيعوا ال والرسول .و آمنوا
بال ورسوله ،فجمع بينهما بواو العطف الشركة .
و ل يوز جع هذا الكلم ف غي حقه عليه السلم .
حدثنا الشيخ أبو علي السي بن ممد اليان الافظ فيما أجازنيه [ ، ] 8و قرأته على الثقة عنه ،قال
:حدثنا أبو عمر النمري ،قال :حدثنا أبو ممد بن عبد الؤمن ،حدثنا أبو بكر بن داسة :حدثنا أبو
داود السجزي ،حدثنا أبو الوليد الطيالسي ،حدثنا شعبة ،عن منصور ،عن عبد ال بن يسار ،عن
حذيفة رضي ال عنه ،عن النب صلى ال عليه وسلم ،قال :ل يقولن أحدكم ما شاء ال و شاء
فلن ،و لكن ما شاء ال ث شاء فلن .
قال الطاب :أرشدهم صلى ال عليه و سلم إل الدب ف تقدي مشيئة ال تعال على مشيئة من سواه ،
و اختارها بثم الت هي للنسق و التراخي ،بلف الواو الت هي للشتراك .
و مثله الديث الخر :إن خطيبا خطب عند النب صلى ال عليه وسلم ،فقال :من يطع ال و رسوله
فقد رشد ،و من يعصهما .فقال له النب صلى ال عليه وسلم :بئس خطيب القوم أنت ! قم .أو قال
:اذهب .قال أبو سليمان :كره منه المع بي السي برف الكناية لا فيه من التسوية .
و ذهب غيه إل أنه كره له الوقوف على يعصهما .
و قول أب سليمان أصح ،لا روي ف الديث الصحيح أنه قال :و من يعصهما فقد غوى ،و ل يذكر
الوقوف على يعصهما .
و قد اختلف الفسرون و أصحاب العان ف قوله تعال :إن ال وملئكته يصلون على النب ،هل
[ يصلون ] راجعة على ال تعال و اللئكة أم ل ؟ .
فأجازه بعضهم ،و منعه آخرون ،لعلة التشريك ،و خصوا الضميباللئكة ،و قدروا االية :إن ال
يصلي ،و ملئكته يصلون .
و قد روي عن عمر رضي ال عنه أنه قال :من فضيلتك عند ال أن جعل طاعتك طاعته ،فقال تعال :
من يطع الرسول فقد أطاع ال [ سورة النساء : 4 /الية . ] 80
و قد قال [ ] 9تعال :قل إن كنتم تبون ال فاتبعون يببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم
* قل أطيعوا ال والرسول فإن تولوا فإن ال ل يب الكافرين [سورة آل عمران : 3 /الية 31ـ 32
].
روي أنه لا نزلت هذه الية قالوا :إن ممدا يريد أن نتخذه حنانا كما اتذت النصارى عيسى ،فأنزل
ال تعال :قل أطيعوا ال والرسول فقرن طاعته بطاعته رغما لم .و قد اختلف الفسرون ف معن قوله
تعال ف أم الكتاب :اهدنا الصراط الستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم ،فقال أبو العالية ،و السن
البصر ي :الصراط الستقيم هو رسول ال صلى ال عليه و سلم و خيار أ هل بيته و أصحابه ،حكاه
عنهما أبو السن الارودي و حكى مكي عنهما نوه ،و قال :هو رسول ال صلى ال عليه و سلم و
صاحباه :أبو بكر و عمر رضي ال عنهما .
و حكى أبو الليث السمرقندي مثله عن أب العالية ،ف قوله تعال :صراط الذين أنعمت عليهم ،قال :
فبلغ ذلك السن ،فقال :صدق و ال و نصح .
و حكى الاوردي ذلك ف تفسي :صراط الذين أنعمت عليهم عن عبد الرحن بن زيد .
و حكى أبو عبد الرحن السلمي ،عن بعضهم ،ف تفسي قوله تعال :فقد استمسك بالعروة الوثقى ل
انفصام لا وال سيع عليم ـ أنه ممد صلى ال عليه و سلم .
و قيل :السلم .
و قيل :شهادة التوحيد .
و قال سهل ف قوله تعال :وإن تعدوا نعمة ال ل تصوها ـ قال :نعمته بحمد صلى ال عليه و سلم
.
و قال تعال :والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم التقون * لم ما يشاؤون عند ربم ذلك جزاء
الحسني ( سورة الزمر : 39 /الية . ) 34 ، 33
أكثر الفسرين على أن الذي جاء بالصدق هو ممد صلى ال عليه و سلم .
و قا ل بعضهم :و هو الذي صدق به .
و قرىء :صدق ـ بالتخفيف .
و قال غيهم :الذي صدق به الؤمنون [ . ] 9
و قيل أبو بكر .و قيل علي .غي هذا من القوال .
و عن ماهد ـ ف قوله تعال :أل بذكر ال تطمئن القلوب ـ قال :بحمد صلى ال عليه و سلم و
أصحابه .
الفصل الثان
قال ال تعال :يا أيها النب إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إل ال بإذنه وسراجا منيا
( سورة الحزاب : 33/الية 45ـ . ) 46
جع ال تعال ف هذه الية ضروبا من رتب الثرة ،و جلة أوصاف من الدحة فجعله شاهدا على أمته
لنفسه بإبلغهم الرسالة ،و هي من خصائصه صلى ال عليه و سلم ،و مبشرا لهل طاعته ،و نذيرا
لهل معصيته ،و داعيا إل توحيده و عبادته ،و سراجا منيا يهتدى به للحق .
حدثنا الشيخ أبو ممد بن عتاب رحه ال ،حدثنا أبو القاسم حات بن ممد ،حدثنا أبو السن القابسي
،حدثنا أبو زيد الروزي ،حدثنا أبو عبد ال ممد بن يوسف ،حدثنا البخاري ،حدثنا ممد بن سنان
،حدثنا فليح ،حدثنا هلل ،عن عطاء ابن يسار ،قال :لقيت عبد ال بن عمرو بن العاص ،قلت :
أخبن عن صفة رسول ال صلى ال عليه و سلم قال :أجل ،و ال ،إنه لوصوف ف التوراة ببعض
صفته ف القرآن :يا أيها النب إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ،و حرزا للميي ،أنت عبدي و
رسول ،سيتك التوكل ،ليس بفظ و ل غليظ و ل صخاب ف السواق ،و ل يدفع بالسيئة السيئة ،
و لكن يعفو و يغفر ،و لن يقبضه ال حت يقيم به اللة العوجاء ،بأن يقولوا :لإله إل ال ،و يفتح به
أعينا عميا ،و آذانا صما ،و قلوبا غلفا.
و ذكر مثله عن عبد ال بن سلم [ ] 10و كعب الحبار ،و ف بعض طرقه ،عن ابن إسحاق :و ل
صخب ف السواق ،و ل متزين بالفحش ،و ل قوال للخنا ،أسدده لكل جيل ،و أهب له كل خلق
كري ،و أجعل السكينة لباسه ،و الب شعاره ،و التقوى ضميه ،و الكمة معقوله ،و الصدق و
الوفاء طبيعته ،و العفو و العروف خلقه ،و العدل سيته ،و الق شريعته ،و الدى إمامه ،و السل
م ملته ،و أحد اسه ،أهدي به بعد الضللة ،و أعلم به بعد الهالة ،و أرفع به بعد المالة ،و أسي
به بعد النكرة ،و أكثر به بعد القلة ،و أغن به بعد العلة ،و أجع به بعد الفرقة ،و أولف به بي
قلوب متلفة ،و أهواء متشتتة ،و أمم متفرقة ،و أجعل أمته خي أمة أخرجت للناس .و ف حديث
آخر :أخبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صفته ف التوراة :عبدي أحد الختار ،مولده بكة ،
و مهاج ره بالدينة ،أو قال :طيبة أمته المادون ل على كل حال .و قال تعال الذين يتبعون الرسول
النب المي الذي يدونه مكتوبا عندهم ف التوراة والنيل يأمرهم بالعروف وينهاهم عن النكر ويل
لم الطيبات ويرم عليهم البائث ويضع عنهم إصرهم والغلل الت كانت عليهم فالذين آمنوا به
وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم الفلحون * قل يا أيها الناس إن رسول ال
إليكم جيعا الذي له ملك السماوات والرض ل إله إل هو ييي وييت فآمنوا بال ورسوله النب المي
الذي يؤمن بال وكلماته واتبعوه لعلكم تتدون [سورة العراف : 7/الية 157ـ . ] 158
و قد قال تعال :فبما رحة من ال لنت لم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف
عنهم واستغفر لم وشاورهم ف المر فإذا عزمت فتوكل على ال إن ال يب التوكلي [ سورة آل
عمران : 3 /الية . ] 159
قال السمرقندي :ذكرهم ال منته أنه جعل رسوله رحيما بالؤمني ،رؤوفا لي الانب ،و لو كان
فظا خشنا ف القول لتفرقوا من حوله ،و لكن جعله ال تعال سحا ،سهلً طلقا برا لطيفا .
هكذا قاله الضحاك .
و قال تعال :وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا
[ سورة البقرة : 2 /الية . ] 143
قال أبو السن القابسي :أبان ال تعال فضل نبينا صلى ال عليه و سلم ،و فضل أمته بذه الية ،و ف
قوله ف الية [ ] 10الخرى :وف هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس
[ سورة الج : 22 /الية . ] 78
و كذلك قوله تعال :فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا [ سورة النساء /
: 4الية . ] 41
قوله تعال :وسطا :أي عدلً خيارا .
و معن هذه الية :و كما هديناكم فكذلك خصصناكم و فضلناكم بأن جعلناكم أمة خيارا عدولً ،
لتشهدوا للنبياء عليهم السلم على أمهم ،و يشهد لكم الرسول بالصدق .
و قيل :إن ال جل جلله إذا سأل النبياء :هل بلغتم .فيقولون :نعم .فتقول أمهم :ما جاءنا من
بشي و ل نذير ،فتشهد أمة ممد صلى ال عليه و سلم لل نبياء ،و يزكيهم النب صلى ال عليه وسلم
.
و قيل :معن الية :إنكم حجة على كل من خالفكم ،و الرسول حجة عليكم .حكاه السمرقندي .
و قال ال تعال :وبشر الذين آمنوا أن لم قدم صدق عند ربم [ سورة يونس : 10 /الية . ] 2
قال قتادة ،و السن ،و زيد بن أسلم :قدم صدق :هو ممد صلى ال عليه و سلم ،يشفع لم .
و عن السن أيضا :هي مصيبتهم بنبيهم .
و عن أب سعيد الدري رضي ال عنه :هي شفاعة نبيهم ممد صلى ال عليه وسلم ،هو شفيع صدق
عند ربم .
و قال سهل بن عبد ال التستري :هي سابقة رحة أودعها ال ف ممد صلى ال عليه و سلم .
و قال ممد بن علي الترمذي :هو إمام الصادقي و الصديقي ،الشفيع الطاع ،و السائل الجاب ممد
صلى ال عليه وسلم ،حكاه عنه السلمي .
الفصل الثالث
من ذلك قوله تعال :عفا ال عنك ل أذنت لم [ سورة التوبة : 9 /الية .] 43
قال أبو ممد مكي :قيل هذا إفتتاح كلم بنلة :أصلحك ال ،و أعزك ال .
و قال عون بن عبد ال :أخبه بالعفو قبل أن يبه بالذنب .
و حكى السمرقندي عن بعضهم أن معناه :عافاك ال يا سليم القلب :ل أذنت لم ؟ .
قال :و لو بدأ النب صلى ال عليه وسلم بقوله ،ل أذنت لم ليف عليه أن ينشق قلبه من هيبة هذا
الكلم ،لكن ال تعال برحته أخبه بالعفو حت سكن قلبه ،ث قال له :ل أذنت لم بالتخلف حت
يتبي لك الصادق ف عذره من الكاذب .
و ف هذا من عظيم منلته عند ال ما ل يفى على ذي لب .
و من إكرامه إياه و بره به ما ينقطع دون معرفة غايته نياط القلب .قال نفطويه :ذهب ناس إل أن
النب صلى ال عليه و سلم معاتب بذه الية ،و حاشاه من ذلك ،بل كان ميا فلما أذن لم أعلمه ال
تعال أنه لو ل يأذن لم لقعدوا لنفاقهم ،و أنه ل حرج عليه ف الذن لم .
قال القاضي أبو الفضل :يب على السلم الجاهد نفسه ،ا لرائض بزمام الشريعة خلقه أن يتأدب
بأدب القرآن ف قوله و فعله ،و معاطاته و ماوراته ،فهو عنصر العارف القيقية ،و روضة الداب
الدينة و الدنيوية ،و ليتأمل هذه اللطفة العجيبة ف السؤال من رب الرباب ،النعم على الكل ،
الستغن عن الميع ،و يستثر ما فيها من الفوائد ،و كيف ابتدأ بالكرام قبل العتب ،و أنس بالعفو
قبل ذكر الذنب إن كان ث ذنب .
و قال تعال :ولول أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليل [ سورة السراء : 17 /الية . ] 74
قال بعض التكلمي :عاتب ال تعال النبياء عليهم السلم بعد [ ]11الزلت ،و عاتب نبيا عليه
السلم قبل وقوعه ،ليكون بذلك أشد انتهاءً و مافظة لشرائط الحبة ،و هذه غاية العناية .
ث انظر كيف بدأ بثباته و سلمته قبل ذكر ما عتبه عليه و خيف أن يركن إليه ،ففي أثناء عتبه براءته ،
و ف طي تويفه تأمينه و كرامته .
و مثله قوله تعال :قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنم ل يكذبونك ولكن الظالي بآيات ال
يحدون [ سورة النعام : 6 /الية . ] 33
قال علي رضي ال عنه :قال أبو جهل للنب صلى ال عليه وسلم :إنا ل نكذبك و لكن نكذب ما جئ
ت به ،فأنزل ال تعال :فإنم ل يكذبونك ولكن الظالي بآيات ال يحدون .
و روي أن النب صلى ال عليه و سلم لا كذبه قومه حزن ،فجاءه جبيل عليه السلم فقال :ما يزنك
؟ قال :كذبن قومي ! فقال :إنم يعلمون أنك صادق ،فأنزل ال تعال الية .
ففي هذه الية منع لطيف الأخذ ،من تسليته تعال له عليه السلم ،و إلطافه به ف القول ،بأن قرر
عنده أنه صادق عندهم ،و أنم غي مكذبي له ،معترفون بصدقه قولً و إعتقادا ،و قد كانوا يسمونه
ـ قبل النبوة ـ المي ،فدفع بذا التقرير ارتاض نفسه بسمة الكذب ،ث جعل الذم لم بتسميتهم
جاحدين ظالي ،فقال تعال :ولكن الظالي بآيات ال يحدون [ سورة النعام : 6 /الية . ] 33
فحاشاه من الوصم ،و طوقهم بالعاندة بتكذيب اليات حقيقة الظلم ،إذ الحد إنا يكون من علم
الشيء ث أنكره ،كقوله تعال :وجحدوا با واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [ سورة النمل : 17 /
الية . ] 14
ث عزاه و آنسه با ذكره عمن قبله ،و وعده النصر بقوله تعال :ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا
على ما كذبوا وأوذوا حت أتاهم نصرنا ول مبدل لكلمات ال ولقد جاءك من نبإ الرسلي [ سورة
النعام : 6 /الية . ] 34
فمن قرأ وإن يكذبوك بالتخفيف ،فمعناه :ل يدونك كاذبا .و قال الفراء ،و الكسائي :ل يقولون
إنك كاذب .
و قيل :ل يتجون على كذبك ،و ل يثبتونه .
و من قرأ بالتشديد فمعناه :ل ينسبوك إل الكذب .و قيل :ل يعتقدون كذبك .
و ما ذكر من خصائصه و بر ال تعال به أن ال تعال خاطب جيع النبياء بأسائهم ،فقال تعال :يا
آدم ،يا نوح ،يا موسى ،يا داود ،يا عيسى ،يا زكريا ،يا يي .و ل ياطب هو إل :يأيها
الرسول ،يأيها النب ،يأ يها الزمل ،يأيها الدثر .
الفصل الرابع
قال ال تعال :لعمرك إنم لفي سكرتم يعمهون [ سورة الجر : 15 /الية . ] 72اتفق أهل
التفسي ف هذا أنه قسم من ال جل جلله بدة حياة ممد صلى ال عليه و سلم ،و أصله ضم العي ،
من العمر ،و لكنها فتحت لكثرة الستعمال .و معناه :و بقائك يا ممد و قيل :و عيشك .و قيل :
و حياتك .
و هذه ناية التعظيم ،و غاية الب و التشريف .قال ابن عباس رضي ال عنهما :ما خلق ال تعال ،و
ما ذرأ ،و ما برأ نفسا ـ أكرم عليه من ممد صلى ال عليه و سلم ،و ما سعت ال تعال أقسم بياة
أحد غيه .
و قال أبو الوزاء :ما أقسم ال تعال بياة أحد غي ممد صلى ال عليه و سلم ،لنه أكرم البية عنده
.
و قال تعال :يس * والقرآن الكيم .
اختلف الفسرون ف معن يس على أقوال ،فحكى أبو ممد مكي أنه روي عن النب صلى ال عليه و
سلم أنه قال :ل عند رب عشرة أساء ذكر منها :طه و يس ـ اسان له .
و حكى أبو عبد الرحن السلمي ،عن جعفر الصادق ـ أنه أراد :يا سيد ،ماطبة لنبيه صلى ال عليه
و سلم [ . ] 12
و عن ابن عباس :يس ـ يا إنسان ،أراد ممدا صلى ال عليه و سلم .
و قال :هو قسم ،و هو من أساء ال تعال .
و قال الزجاج :قيل معناه :يا ممد .و قيل :يا رجل .و قيل :يا إنسان .
و عن ابن النفية :يس :يا ممد .
و عن كعب :يس :قسم أقسم ال تعال به قبل أن يلق السماء و الرض بألفي عام :يا ممد إنك لن
الرسلي .ث قال :و القرآن الكيم إنك لن الرسلي .
فإن قرر أنه بي أسائه صلى ال عليه و سلم ،و ضح فيه .أنه قسم كان فيه من التعظيم ما تقدم ،و
يؤكد فيه القسم عطف القسم الخر عليه ،و إن كان بعن النداء فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق
رسالته ،و الشهادة بدايته :أقسم ال تعال باسه و كتابه إنه لن الرسلي بوحيه إل عباده ،و على
صراط مستقيم من إيانه ،أي طريق ل اعوجاج فيه ،ول عدول عن الق .
قال النقاش :ل يقسم ال تعال لحد من أنبيائه بالرساله ف كتاب إل له ،و فيه من تعظيمه و تجيده
ـ عن تأويل من قال :أنه يا سيد ـ ما فيه ،و قد قال عليه السلم :أنا سيد ولد آدم ،و ل فخر .
و قال تعال :ل أقسم بذا البلد * وأنت حل بذا البلد [ سورة البلد : 90 /الية . ] 2
قيل :ل أقسم به إذا ل تكن فيه بعد خروجك منه ،حكاه مكي .
و قيل [ :ل ] زائدة ،أي أقسم به و أنت به يا ممد حلل .أو حل لك ما فعلت فيه على التفسيين
.
و الراد بالبلد عند هؤلء مكة .
و قال الواسطي :أي نلف لك بذا البلد الذي شرفته بكانك فيه حيا ،و ببكتك ميتا ـ يعن الدينة
.
و الول أصح ،لن السورة مكية ،و ما بعده يصححه :قوله تعال وأنت حل بذا البلد [ سورة البلد
: 90 /الية . ] 2
و نوه قول ابن عطاء ف تفسي قوله تعال :وهذا البلد المي قال :أمنها ال تعال بقامه فيها و كونه
با ،فإن كونه أمان حيث كان .
ث قال :ووالد وما ولد و من قال :أراد آدم فهو عام ،و من قال :هو ابراهيم و ما ولد ـ إن شاء ال
ـ إشارة إل ممد صلى ال عليه و سلم ،فتتضمن السورة القسم به صلى ال عليه و سلم ف موضعي
.
و قال تعال :ال * ذلك الكتاب ل ريب فيه [ سورة البقرة : 2 /اليه 1ـ . ] 2
قال ابن عباس :هذه الروف أقسام أقسم ال تعال با .و عنه و عن غيه فيها غي ذلك.
و قال سهل ابن عبد ال التست ري :اللف هو ال تعال .و اللم جبيل و اليم ممد صلى ال عليه
و سلم .
و حكى هذا القول السمرقندي ،و ل ينسبه إل سهل ،و جعل معناه :ال أنزل جبيل على ممد بذا
القرآن ل ريب فيه ،و على الوجه الول يتمل القسم أن هذا الكتاب حق ل ريب فيه ،ث فيه من
فضيلة قرآن اسه باسه نو ما تقدم .
و قال ابن عطاء ـ ف قوله تعال ق والقرآن الجيد ـ أقسم بقوة قلب حبيبه ممد صلى ال عليه و
سلم حيث حل الطاب و الشاهدة و ل يؤثر ذلك فيه لعلو حاله .
و قيل :هو اسم للقرآن .و قيل :هو اسم ل تعال .و قيل :جبل ميط بالرض .و قيل غي هذا .
و قال جعفر بن ممد ـ ف تفسي :والنجم إذا هوى :إنه ممد صلى ال عليه و سلم ،وقال :النجم
قلب ممد صلى ال عليه و سلم :انشرح من النوار .
و قال :انقطع عن غي ال .
و قال ابن عطاء ـ ف قوله تعال والفجر* وليال عشر ـ الفجر :ممد صلى ال عليه و سلم ،لنه منه
تفجر اليان .
الفصل الامس
قال جل اسه :والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى * وللخرة خي لك من الول
* ولسوف يعطيك ربك فترضى * أل يدك يتيما فآوى * ووجدك ضال فهدى * ووجدك عائل فأغن
* فأما اليتيم فل تقهر * وأما السائل فل تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث [سورةالضحى :93 /الية
] 93
اختلف ف سبب نزول هذه السورة ،فقيل :كان ترك النب صلى ال عليه و سلم قيام الليل لعذر نزل به
،فتكلمت امرأة ف ذلك بكلم .
و قيل :بل تكلم به الشركون عند فترة الوحي ،فنلت السورة .
قال القاضي المام أبو الفضل :تضمنت هذه السورة من كرامة ال تعلى له ،و تنويهه به و تعظيمه إياه
ستة و جوه :
الول :القسم له عما أخبه به من حاله بقوله تعال والضحى * والليل إذا سجى .أي و رب
الضحى ،و هذا من أعظم درجات البة .
الثان :بيان مكانته عنده و حظوته لديه بقوله تعال :ما ودعك ربك وما قلى ،أي ماتركك و ما
أبغضك .و قيل :ما أهلك بعد أن اصطفاك .
الثالث :قوله تعال :وللخرة خي لك من الول ،قال ابن إسحاق :اي مالك ف مرجعك ع ند ال
أعظم ما أعطاك من كرامة الدنيا .
و قال سهل :أي ما ما ذخرت لك من الشفاعة و القام الحمود خي لك ما أعطيتك ف الدنيا .
الرابع :قوله تعال ولسوف يعطيك ربك فترضى
و هذه أيه جامعة لوجوه الكرامة ،و أنواع السعادة ،و شتات النعام ف الدارين .و الزيادة .
قال ابن إسحاق :يرضيه بالفلج ف الدنيا ،و الثواب ف الخرة .
و قيل :يعطيه الوض و الشفاعة.
و روي عن بعض آل النب صلى ال عليه و سلم أنه قال :ليس آية ف القرآن أرجى منها ،و ل يرضى
رسول صلى ال عليه و سلم أن يدخل أحد من أمته النار .
الامس :ما عدده تعال عليه من نعمه ،و قرره من آلئه قبله ف بقية السورة ،من هدايته إل ما هداه
له ،أو هداية الناس به على اختلف التفاسي ،ول مال له ،فأغناه با آتاه ،أو با جعله ف قلبه من
القناعة و الغن ،و يتيما فحدب عليه عمه و آواه إليه .
و قيل :آواه إل ال .و قيل :يتيما :ل مثال لك ،فآواك إليه .
و قيل :العن :أل يدك فهدى بك ضا ًل ،و أغن بك عائلً ،و آوى بك يتيما ـ ذكره بذه النن ،
و أنه على العلوم من التفسي ل يهمله ف حال صغره و عيلته و يتمه و قبل معرفته به ،و ل و دعه ول
قله ،فكيف بعد اختصاصه و اصطفائه !
السادس :أمره بإظهار نعمته عليه و شكر ما شرفه بنشره و اشادة ذكره بقوله تعال :وأما بنعمة ربك
فحدث ،فإن من شكر النعمة الديث با ،و هذا خاص له ،عام لمته .
و قال تعال :والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الوى * إن هو إل وحي
يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالفق العلى * ث دنا فتدل * فكان قاب قوسي
أو أدن * فأوحى إل عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه
نزلة أخرى * عند سدرة النتهى * عندها جنة الأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما
طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبى [ سورة النجم : 53 /اليات . ] 18 : 1
اختلف الفسرون ف قوله تعال :والنجم بأقاويل معروفة ،منها النجم على ظاهره ،و منها القرآن .
و عن جعفر بن ممد أنه ممد عليه السلم ،و قال :هو قلب ممد .
و قد قيل ف قوله تعال :والسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب ـ إن النجم هنا
أيضا ممد صلى ال عليه و سلم ،حكاه السلمي .
تضمنت هذه اليات من فضله و شرفه العد ما يقف دونه العد ،و أقسم جل اسه على هداية
الصطفى ،و تنيهه عن الوى ،و صدقه فيما تل ،و أنه وحي يوحى أوصله إليه ـ عن ال ـ
جبيل ،و هو الشديد القوى .
ث أخب تعال عن فضيلته بقصة السراء ،و انتهائه إل سدرة النتهى ،و تصديق بصره فيما رأى ،و أنه
رأى من آيات ربه الكبى . ] 14 [ .و قد نبه على مثل هذا ف أول سورة السراء .
و لا كان ما كاشفه به عليه السلم من ذلك البوت ،و شاهده من عجائب اللكوت ل تيط به
العبارات ،ولتستقل بمل ساع أذناه العقول ـ رمز عنه تعال بالياءة و الكناية الدالة على التعظيم ،
فقال تعال :فأوحى إل عبده ما أوحى [ سورة النجم : 53 /الية . ] 10
و هذا النوع من الكلم يسميه أهل النقد و البلغة بالوحي و الشارة ،و هو عندهم أبلغ أبواب الياز
.
و قال تعال :لقد رأى من آيات ربه الكبى ـ انسرت الفهام عن تفصيل ما أوحى ،و تاهت
الحلم ف تعيي تلك اليات الكبى .
قال القاضي أبو الفضل :اشتملت هذه اليات على إعلم ال تعال بتزكية جلته عليه السلم ،و
عصمتها من الفات ف هذا السرى ،فزكى فؤاده و لسانه و جوارحه :فزكى قلبه بقوله :ما كذب
الفؤاد ما رأى .و لسانه بقوله :وما ينطق عن الوى .و بصره بقوله :ما زاغ البصر وما طغى [ سورة
النجم : 53 /الية . ] 17
و قال تعال :فل أقسم بالنس * الوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس * إنه لقول
رسول كري * ذي قوة عند ذي العرش مكي * مطاع ث أمي * وما صاحبكم بجنون * ولقد رآه
بالفق البي * وما هو على الغيب بضني * وما هو بقول شيطان رجيم [ سورة التكوير : 81 /اليات
. ] 25 ، 15 :
ل أقسم :أي أقسم .إنه لقول رسول كري ،أي كري عند مرسله .ذي قوة على تبليغ ما حله من
الوحي ،مكي :أي متمكن النلة من ربه ،رفيع الحل عنده ،مطاع ث :أي ف السماء .أمي على
الوحي .
قال علي بن عيسى و غيه :الرسول الكري هنا ممد صلى ال عليه و سلم ،فجميع الوصاف بعد
على هذا له .
و قال غيه :هو جبيل ،فترجع الوصاف إليه .
و لقد رآه ـ يعن ممدا .قيل :رأى ربه .و قيل :رأى جبيل ف صورته .
وما هو على الغيب بضني ،أي :بتهم .و من قرأها بالضاد فمعناه :ما هو ببخيل با لدعاء به ،و
التذكي بكمه و بعلمه ،و هذه لحمد عليه السلم باتفاق .
و قال تعال :ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بجنون * وإن لك لجرا غي منون * وإنك
لعلى خلق عظيم * فستبصر ويبصرون * بأيكم الفتون * إن ربك هو أعلم بن ضل عن سبيله وهو أعلم
بالهتدين * فل تطع الكذبي * ودوا لو تدهن فيدهنون * ول تطع كل حلف مهي * هاز مشاء بنميم
* مناع للخي معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مال وبني * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطي
الولي * سنسمه على الرطوم [ سورة القلم : 68 /اليات . ] 16 ، 1 :
أقسم ال تعال با أقسم به من عظيم قسمه على تنيه الصطفى با غمصته ،الكفرة به ،و تكذيبهم له ،
و أنسه ،و بسط أمله بقوله ـ مسنا خطابه :ما أنت بنعمة ربك بجنون .و هذه ناية البة ف
الخاطبة ،و أعلى درجات الداب ف الحاورة ،ث أعلمه باله عنده من نعيم دائم ،و ثواب غي منقطع
،ل يأخذه عد ،و ل يت به عليه ،فقال تعال وإن لك لجرا غي منون .
ث أثن عليه با منحه من هباته ،و هداه إليه ،و أكد ذلك تتميما للتمجيد ،برف التأكيد ،فقال تعال
:وإنك لعلى خلق عظيم .قيل :القرآن و قيل :السلم .و قيل :الطبع الكري .و قيل :ليس لك
هة إل ال .قال الواسطي :أثن عليه بسن قبوله لا أسداه إليه من نعمه ،و فضله بذ لك على غيه ،
لنه جبله على ذلك اللق ،فسبحان اللطيف الكري ،الحسن الواد ،الميد الذي يسر للخي و هدى
إليه ،ث أثن على فاعله ،و جازاه عليه سبحانه ،ما أغمز نواله ،و أوسع إفضاله ،ث سله عن قولم
بعد هذا با و عده به من عقباهم ،و توعدهم بقوله :فستبصر ويبصرون * بأيكم الفتون * إن ربك هو
أعلم بن ضل عن سبيله وهو أعلم بالهتدين [ سورة القلم : 68/اليات . ] 5،7 :
ث عطف بعد مدحه على ذم عدوه ،و ذكره سوء خلقه ،و عد معايبه ،متوليا ذلك بفضله ،و منتصرا
لنبيه ،فذكر بضع عشرة خصلة من خصال الذم فيه بقوله :فل تطع الكذبي * ودوا لو تدهن فيدهنون
* ول تطع كل حلف مهي * هاز مشاء بنميم * مناع للخي معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن
كان ذا مال وبني * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطي الولي ث ختم ذلك بالوعد الصادق بتمام شقائه و
ختامه بواره بقوله :سنسمه على الرطوم .فكانت هنصرة ال [ ] 15له أت من نصرته لنفسه ،و رده
تعال على عدوه أبلغ من رده ،وأثبت من ديوان مده .
الفصل السادس
فيما ورد من قوله تعال ف جهته عليه السلم مورد الشفقة و الكرام
قال تعال :طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى [ سورة طه :20/الية ]1،2قيل :طه :اسم من
أسائه عليه السلم .و قيل :هو اسم ال ،و قيل :معناه يارجل .و قيل :يا إنسان .و قيل :هي
حروف مقطعة لعان .و قال الواسطي :أراد يا طاهر ،يا هادي .و قيل :هو أمر من الوطء .و الاء
كناية عن الرض ،أي اعتمد على الرض بقدميك ،ول تتعب نفسك بالعتماد على قدم واحد ،و
هو قوله تعال :ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى .
نزلت الية فيما كان النب صلى ال عليه و سلم يتكلفه من السهر و التعب و قيام الليل.
أخبنا القاضي أبو عبد ال ممد بن عبد الرحن ،و غي واحد ،عن القاضي أب الوليد الباجي إجازة ،
و من أصله نقلت ،قال :حدثنا أبوذر الافظ ،حدثنا أبو ممد الموي ،حدثنا إبراهيم بن خزي
الشاشي ،حدثنا عبد بن حيد ،حدثنا هاشم بن القاسم ،عن أب جعفر ،عن الربيع بن انس ،قال :
[ كان النب صلى ال عليه و سلم إذا صلى قام على رجل و رفع الخرى ،فأنزل ال تعال :طه ـ يع
ن طأ الرض يا ممد ،ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إل تذكرة لن يشى * تنيل من خلق الرض
والسماوات العلى [سورة طه :20/اليات . ] 4 : 2
و ل خفاء با ف هذا كله من الكرام و حسن العاملة .
و إن جعلنا طه من أسائه عليه السلم كما قيل ،أو جعلت قسما لق الفصل با قبله .
و مثل هذا من نط الشفقة و البة قوله تعال :فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن ل يؤمنوا بذا
الديث أسفا ،أي قاتل نفسك لذلك غضبا أو غيظا ،أو جزعا .
و مثله قوله تعال أيضا :لعلك باخع نفسك أن ل يكونوا مؤمني ،ث قال :إن نشأ ننل عليهم من
السماء آية فظلت أعناقهم لا خاضعي [ سورة الشعراء : 26 /الية . ] 4
و من هذا الباب قوله تعال :فاصدع با تؤمر وأعرض عن الشركي * إنا كفيناك الستهزئي * الذين
يعلون مع ال إلا آخر فسوف يعلمون * ولقد نعلم أنك يضيق صدرك با يقولون [ سورة الجر /
: 15اليات . ] 97 : 94
و قوله :ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون [ سورة
النعام : 6 /آية ، 10و سورة النبياء : 21 /الية . ] 41
قال مكي :سله با ذكر ،و هون عليه ما يلقى من الشركي ،و أعلمه أن من تادى على ذلك يل به
ما بن قبله .
و مثل هذه التسلية قوله تعال :وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك [ سورة فاطر : 35 /الية 4
].
و من هذا قوله تعال :كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إل قالوا ساحر أو منون [ سورة
الذاريات : 51 /الية . ] 52
عزاه ال تعال با أخب به عن المم السالفة و مقاليها لنبيائهم قبله ،و منتهم بم ،و سله بذلك من
منته بثله من كفار مكة ،و أنه ليس أول من لقي ذلك ،ث طيب نفسه ،و أبان عذره بقوله تعال :
فتول عنهم ،أي أعرض عنهم ،فما أنت بلوم ،أي ف أداء ما بلغت و إبلغ ما حلت .
و مثله قوله تعال :واصب لكم ربك فإنك بأعيننا ،أي اصب على أذاهم فإنك بيث نراك و نفظك .
الفصل السابع
فيما أخب ال تعال به ف كئتابه العزيز من عظيم قدره و شريف منلته و حظوة رتبته
قوله تعال :وإذ أخذ ال ميثاق النبيي لا آتيتكم من كتاب وحكمة ث جاءكم رسول مصدق لا معكم
لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررت وأخذت على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من
الشاهدين [ سورة آل عمران : 3 /الية . ] 81
قال أبو السن القابسي :استخص ال تعال [ ] 16ممدا صلى ال عليه و سلم بفضل ل يؤته غيه ،
أبانه به ،و هو ما ذكره ف هذه الية ،قال الفسرون :أخذ ال اليثاق بالوحي ،فلم يبعث نبيا إل ذكر
له ممدا و نعته ،و أخذ عليه ميثاقه إن أدركه ليؤمنن به .
و قوله :ث جاءكم :الطاب و قيل :أن يبينه لقومه ،و يأخذ ميثاقهم أن يبينوه لن بعدهم .
لهل الكتاب العاصرين لحمد صلى ال عليه و سلم .
قال علي بن أب طالب رضي ال عنه :ل يبعث ال نبينا من آدم فمن بعده إل أخذ عليه العهد ف ممد
صلى ال عليه و سلم :لئن بعث و هو حي ليؤمنن به و لينصرنه ،و يأخذ العهد بذلك على قومه .
و نوه عن السدي و قتادة ف آي تضمنت فضله من غي وجه واحد .
قال ال تعال :وإذ أخذنا من النبيي ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مري
وأخذنا منهم ميثاقا غليظا [ سورة الحزاب : 33 /الية . ] 7
و قال تعال :إنا أوحينا إليك كما أوحينا إل نوح والنبيي من بعده وأوحينا إل إبراهيم وإساعيل
وإسحاق ويعقوب والسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * ورسل قد
قصصناهم عليك من قبل ورسل ل نقصصهم عليك وكلم ال موسى تكليما * رسل مبشرين ومنذرين
لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل وكان ال عزيزا حكيما * لكن ال يشهد با أنزل إليك أنزله
بعلمه واللئكة يشهدون وكفى بال شهيدا [ سورة النساء : 4 /اليات . ] 166 ، 163
روي عن عمر بن الطاب رضي ال عنه أنه قال ف كلم زكى به النب صلى ال عليه و سلم ،فقال
بأب أنت و أمي يا رسول ال ! لقد بلغ من فضيلتك عند ال أن بعثك آخر النبياء ،و ذكرك ف
أولم ،فقال :وإذ أخذنا من النبيي ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مري وأخذنا
منهم ميثاقا غليظا [ سورة الحزاب : 33/الية . ] 7
و قال تعال :إنا أوحينا إليك كما أوحينا إل نوح وا لنبيي من بعده وأوحينا إل إبراهيم وإساعيل
وإسحاق ويعقوب والسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * ورسل قد
قصصناهم عليك من قبل ورسل ل نقصصهم عليك وكلم ال موسى تكليما * رسل مبشرين ومنذرين
لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل وكان ال عزيزا حكيما * لكن ال يشهد با أنزل إليك أنزله
بعلمه واللئكة يشهدون وكفى بال شهيدا [سورة النساء : 4 /اليات . ] 166 ، 163
روي عن عمر بن الطاب رضي ال عنه أنه قال ف كلم زكى به النب صلى ال عليه و سلم ،فقال
بأب أنت و أمي يا رسول ال ! لقد بلغ من فضيلتك عند ال أن بعثك آخر النبياء ،و ذكرك ف
أولم ،فقال :وإذ أخذنا من النبيي ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مري وأخذنا
منهم ميثاقا غليظا [ سورة الحزاب : 33/الية . ] 7
بأب أنت و أمي يا رسول ال ! لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا أطاعوك و هم
بي أطباقها يعذبون يقولون :يا ليتنا أطعنا ال وأطعنا الرسول [ سورة الحزاب : 33 /الية . ] 66
قال قتادة :إن النب صلى ال عليه و سلم قال :كنت أول النبياء ف اللق ،و آخرهم ف البعث ،
فلذلك وقع ذكره مقدما هنا قبل نوح و غيه .
قال السمر قندي :ف هذا تفضيل نبيا صلى ال عليه و سلم ،لتخصيصه بالذكر قبلهم ،و هو آخرهم
.
العن :أخذ ال تعال عليهم اليثاق ،إذ أخرجهم من ظهر آدم كالذر .
و قوله تعال :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم درجات وآتينا
عيسى ابن مري البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء ال ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتم
البينات ولكن اختلفوا [ سورة البقرة : 2 /الية . ] 253
قال أهل التفسي :أراد بقوله :ورفع بعضهم درجات ـ ممدا صلى ال عليه و سلم ،لنه بعث إل
الحر و السود ،و أحلت له الغنائم ،و ظهرت على يديه العجزات ،و ليس أحد من النبياء أعطي
فضيلة أو كرامة إل و قد أعطي ممد صلى ال عليه و سلم مثلها .
قال بعضهم :و من فضله أن ال تعال خاطب النبياء بأسائهم ،و خاطبه بالنبوة و الرسالة ف كتابه ،
فقال :يا أيها النب ،و يا أيها الرسول .
و حكى السمر قندي عن الكلب ـ ف قوله تعال :وإن من شيعته لبراهيم ـ أن الاء عائدة على مم
د ،أي أن من شيعة ممد لبراهيم ،أي على دينه و منهاجه .
و أجازه الفراء ،و حكاه عنه مكي .و قيل :الراد نوح عليه السلم .
الفصل الثامن
قال ال تعال :وما كان ال ليعذبم وأنت فيهم ،أي ما كنت بكة ،فلما خرج النب صلى ال عليه و
سلم من مكة ،و بقي من الؤمني نزل :وما كان ال معذبم وهم يستغفرون [ سورة النفال ، 8 /
الية . ] 33
و هذا مثل قوله :لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما [ سورة الفتح ، 48 /الية . ] 25
و قوله تعال :ولول رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ل تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغي
علم ليدخل ال ف رحته من يشاء :فلما هاجر الؤمنون نزلت :وما لم أن ل يعذبم ال [ سورة
النفال ، 8 /الية . ] 34
و هذا من أبي ما يظهر مكانته صلى ال عليه و سلم ،و درأ به العذاب عن أهل مكة بسبب كونه ،ث
كون أصحابه بعده [ ] 17بي أظهرهم ،فلما خلت مكة منهم عذبم ال بتلسيط الؤمني عليهم ،و
غلبتهم إياهم ،و حكم فيهم سيوفيهم ،و أورثهم أرضهم و ديارهم و أموالم .
و ف الية أيضا تأويل آخر :
حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحه ال بقراءت عليه ،قال :حدثنا أبو الفضل بن خيو ن ،و أبو
السي الصيف ،قال :حدثنا أبو يعلى ابن زوج الرة ،حدثنا أبو علي السنجي ،حدثنا ممد بن
مبوب الروزي ،حدثنا أبو عيسى الافظ ،حدثنا سفيان بن وكيع ،حدثنا ابن ني ،عن إساعيل بن
إبراهيم بن مهاجر ،عن عباد بن يوسف ،عن أب بردة بن أب موسى ،عن أبيه ،قال :قال رسول ال
صلى ال عليه و سلم :أنزل ال علي أماني لمت ،وما كان ال ليعذبم وأنت فيهم وما كان ال
معذبم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الستغفار .
و نو منه قوله تعال :وما أرسلناك إل رحة للعالي [ سورة النبياء ، 21 /الية . ] 107
و قال عليه السلم :أنا أمان لصحاب .قيل :من البدع .
و قيل :من الختلف و الفت .
قال بعضهم :الرسول صلى ال عليه و سلم هو المان العظم ما عاش ،و ما دامت سنته باقية فهو
باق ،فإذا أميتت سنته فانتظر البلء و الفت .
و قال ال تعال :إن ال وملئكته يصلون على النب يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
[ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 56
أبان ال تعال فضل نبيه صلى ال عليه و سلم بصلواته عليه ،ث بصلة ملئكته ،و أ مر عباده بالصلة
و التسليم عليه .
[ و قد حكى أبوبكر بن فورك أن بعض العلماء تأول قوله عليه السلم :و جعلت قرة عين ف الصلة
على هذا ،أي ف صلة ال تعال علي و ملئكته و أمره المة بذلك إل يوم القيامة ] .و الصلة من
اللئكة [ استغفار ] ،و منا له دعاء ،و من ال عز و جل رحة .
و قيل :يصلون :يباركون .
و قد فرق النب صلى ال عليه و سلم ـ حي علم الصلة عليه بي لفظ الصلة و البكة .
و سنذكر حكم الصلة عليه .
و ذكر بعض التكلمي ف تفسي حروف كهيعص أن الكاف من [ كاف ] ،أي كفاية ال تعال لنبيه ،
قال تعال :أليس ال بكاف عبده [ سورة الزمر ، 39 /الية . ] 36
و الاء هدايته له ،قال :ويهديك صراطا مستقيما [ سورة الفتح ، 48 /الية . ] 2
و الياء تأييده ،قال :هو الذي أيدك بنصره [ سورة النفال ، 8 /الية . ] 62
و العي عصمته له قال :وال يعصمك من الناس [س الائدة ، 5 /الية . ] 67
و الصاد :صلواته عليه ،قال :إن ال وملئكته يصلون على النب [ سورة الحزاب ، 33 /الية 56
].
و قال تعال :وإن تظاهرا عليه فإن ال هو موله وجبيل وصال الؤمني واللئكة بعد ذلك ظهي ،
موله أي وليه .و صال الؤمني :قيل :النبياء .و قيل :
اللئكة .و قيل :أبوبكر ،و عمر .
و قيل :علي .و قيل :الؤمنون على ظاهره .
الفصل التاسع
قال ال تعال :إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك
ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك ال نصرا عزيزا * هو الذي أنزل السكينة ف قلوب الؤمني ليزدادوا
إيانا مع إيانم ول جنود السماوات والرض وكان ال عليما حكيما * ليدخل الؤمني والؤمنات
جنات تري من تتها النار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتم وكان ذلك عند ال فوزا عظيما *
ويعذب النافقي والنافقات والشركي والشركات الظاني بال ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب
ال عليهم ولعنهم وأعد لم جهنم وساءت مصيا * ول جنود السماوات والرض وكان ال عزيزا
حكيما * إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بال ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة
وأصيل * إن الذين يبايعونك إنا يبايعون ال يد ال فوق أيديهم [ سورة الفتح ، 48 /الية ] 10 ،1
.
تضمنت هذه اليات من فضله الثناء عليه و كري منلته عند ال تعال ،و نعمته لديه ـ ما يقصر
الوصف عن النتهاء إليه ،فابتدأ جل جلله ـ بإعلمه با قضاه له من القضاء البي بظهور ه ،و غلبته
على عدوه ،و علو كلمته و شريعته ،و أنه مغفور له ،غي مؤاخذ با كان و ما يكون .
قال بعضهم :أراد غفران ما وقع و ما ل يقع ،أي إنك مغفور لك .
و قال مكي :جعل ال النة سببا للمغفرة ،و كل من عنده ،ل إله غيه ] 18 [ ،منةً بعد منة ،و
فضلً بعد فضل .
ث قال :ويتم نعمته عليك :قيل بضوع من تكب عليك .
و قيل :يفتح مكة و الطائف .
و قيل :يرفع ذكرك ف الدنيا و ينصرك و يغفر لك ،فأعلمه بتمام نعمته عليه بضوع متكبي عدوه له
،و فتح أهم البلد عليه و أحبها له ،و رفع ذكره ،و هدايته الصراط الستقيم البلغ النة و السعادة ،
و نصره النصر العزيز ،و منته على أمته الؤمني بالسكينة و الطمأنينة الت جعلها ف قلوبم ،و بشارتم
با لم بعد ،و فوزهم العظيم ،و العفو عنهم ،و الستر لذنوبم ،و هلك عدوه ف الدنيا و الخرة ،و
لعنهم و بعدهم من رحته ،و سوء منقلبهم .
ث قال :إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بال ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة
وأصيل [ سورة الفتح ، 48/الية . ] 9 ، 8
فعد ماسنه و خصائصه ،من شهادته على أمته لنفسه ،بتبليغه الرسالة لم .
و منذرا عدوه و قيل :شاهدا لم بالتوحيد ،و مبشرا لمته بالثواب .و قيل :بالغفرة .
بالعذاب .
و قيل :مذرا من الضللت ليؤمنوا بال ث به صلى ال عليه و سلم من سبقت له من ال السن .و
و يوقروه ،أي يعظموه . يعزروه ،و يلونه .و قيل :ينصرونه .و قيل :يبالغون ف تعظيمه .
و قرأه بعضهم :تعززوه ـ بزاءين :من العز ،و الكثر و الظهر أن هذا ف حق ممد صلى ال عليه و
سلم .
ث قال :وتسبحوه ،فهذا راجع إل ال تعال .
قال ابن عطاء جع للنب صلى ال عليه و سلم ف هذه السور نعم متلفة ،من الفتح البي ،و هو من
أعلم الجابة .و الغفرة ،و هي من أعلم الحبة ،و تام النعمة ،و هي من أعلم الختصاص .و
الداية ،و هي من أعلم الولية ،فالغفرة تبئة من العيوب ،و تام النعمة إبلغ الدرجة الكاملة ،و
الداية و هي الدعوة إلىالشاهدة .
و قال جعفر بن ممد :من تام نعمته عليه أن جعله حبيبه ،و أقسم بياته ،و نسخ به شرائع غيه ،و
عرج به إل الحل العلى ،و حفظه ف العراج حت ما زاغ البصر و ما طغى ،و بعثه إل الحر و ا
لسود ،و أحل له و لمته الغنائم ،و جعله شفيعا مشفعا ،و سيد ولد آدم ،و قرن ذكره بذكره ،و
رضاه برضاه ،و جعله أحد ركن التوحيد .
ث قال :إن الذين يبايعونك إنا يبايعون ال ـ يعن بيعة الرضوان ،أي إنا يبايعون ال ببيعتهم إياك .
يد ال فوق أيديهم ،يريد عند البيعة .قيل :قوة ال ،و قيل :ثوابه .و قيل :منته .وقيل :عقده ،و
هذه استعارة ،و تنيس ف الكلم ،و تأكيد لعقد بيعتهم إياه .و عظم شأن البايع صلى ال عليه و
سلم .
و قد يكون من هذا قوله تعال :فلم تقتلوهم ولكن ال قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن ال رمى ،و
إن كان الول ف باب الجاز ،و هذا ف باب القيقة ،لن القاتل و الرامي بالقيقة هو ال ،و هو
خالق فعله و رميه ،و قدرته عليه و مسببه ،و لنه ليس ف قدرة البشر توصيل تلك الرمية حيث
وصلت ،حت ل يبق منهم من ل تل عينيه ،و كذلك قتل اللئكة لم حقيقة .
و قد قيل ف هذه الية الخرى إنا على الجاز العرب ،و مقابلة اللفظ و مناسبته ،أي ما قتلتموهم ،و
ما رميتهم أنت إذ رميت وجوههم بالصباء و التراب ،و لكن ال رمى قلوبم بالزع ،أي إن [
] 19منفعة الرمي كانت من فعل ال ،فهو القاتل و الرامي بالعن و أنت بالسم .
الفصل العاشر
فيما أظهره ال تعال ف كتابه العزيز من كرامته عليه و مكانته عنده و ما خصه ال به من
ذلك سوى ما انتظم فيما ذكرناه قبل
و من ذلك ما قصه تعال ف قصة السراء ف سورة :سبحان ،و النجم ،و ما انطوت عليه القصة من
عظيم منلته و قربه و مشاهدته ما شاهد من العجائب .
و من ذلك عصمته من الناس بقوله تعال :وال يعصمك من الناس .و قوله تعال :وإذ يكر بك الذين
كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يرجوك ويكرون ويكر ال وال خي الاكرين [ سورة النفال ، 8 /الية . ] 30
و قوله :إل تنصروه فقد نصره ال إذ أخرجه الذين كفروا ثان اثني إذ ها ف الغار إذ يقول لصاحبه ل
تزن إن ال معنا فأنزل ال سكينته عليه وأيده بنود ل تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة
ال هي العليا وال عزيز حكيم .و ما رفع ال به عنه ف هذه القصة من أذاهم بعد تزبم للكه و
خلوصهم نيا ف أمره ،و الخذ على أبصرهم عند خروجه عليهم ،و ذهولم عن طلبه ف الغار ،و ما
ظهر ف ذلك من آيات ،و نزول السكينة عليه ،و قصة سراقه بن مالك حسب ماذكره أهل الديث و
السي ف قصة الغار ،و حديث الجر ة .
و منه قوله تعلى :إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانر * إن شانئك هو البتر [ سورة الكوثر ]0 8/
0
أعلمه ال تعال با أعطاه .و الكوثر حو ضه .و قيل :نر ف النة .و قيل الي الكثي .و قيل :
الشفاعة .و قيل :العجزات الكثية .و قيل :النبوة .و قيل :العرفة .ث أجاب عنه عدوه ،و رد
عليه قوله ،فقال تعال :إن شانئك هو البتر ،أي عدوك و مبغضك .و البتر :القي الذليل ،أو
الفرد الوحيد ،أو الذي لخي فيه .و قال تعال :ولقد آتيناك سبعا من الثان والقرآن العظيم [سورة
الجر ، 15/الية . ] 8 7قيل :السبع الثان السور الطوال الول .و القرآن العظيم :أم القرآن .و
قيل :السبع الثان :أم القرآن .و القرآن العظيم :سائره .و قيل :السبع الثان :ما ف القرآن ،من
أمر ،و نى ،و بشرى ،و إنذار ،و ضرب مثل ،و إعداد نعم ،و آتيناك نبأ القرآن العظيم .
و قيل :سيت أم القرآن مثان لنا تثن ف كل ركعة .و قيل :بل ال تعال اثتثناها لحمد صلى ال
عليه و سلم ،و ذخرها له دون النبياء .
و سي القرآن مثان :لن القصص تثن فيه .و قيل :السبع الثان :أكرمناك بسبع كرامات :الدي ،
و النبوة ،و الرحة ،و الشفاعة ،و الولية ،و التعظيم ،و السكينة .و قال :وأنزلنا إليك الذكر لتبي
للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون [ سورة النحل ،الية ، 16/الية . ] 44
و قال :وما أرسلناك إل كافة للناس بشيا ونذيرا [ سورة سبأ ، 34 /الية . ] 28و قال تعال :قل يا
أيها الناس إن رسول ال إليكم جيعا الذي له ملك السماوات والرض ل إله إل هو ييي وييت فآمنوا
بال ورسوله النب المي الذي يؤمن بال وكلماته واتبعوه لعلكم تتدون [ سورة العراف ، 7 /الية . ] 158
قال القاضي :فهذه من خصائصه .
و قال تعال :وما أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ليبي لم ،فخصهم بقومهم ،و بعث ممدا صلى
ال عليه و سلم إل اللق كافة ،كما قال عليه السلم [ :بعثت إل الحر و السود ] .
و قال تعال :النب أول بالؤمني من أنفسهم وأزواجه أمهاتم .قال أهل التفسي :أول بالؤمني من
أنفسهم :أي ما أنفذه فيهم من أمر فهو ماض عليهم كما يضي حكم السيد على عبده .
و قيل :اتباع أمره أول من اتباع رأي النفس .و أزواجه أمهاتم ،أي هن ف الرمة كالمهات ،حرم
نكاحهن عليهم بعده ،تكرمت له و خصوصية ،و لنن له أزواج ف الخرة .
و قد قرىء :و هو أب لم .و ل يقرأ به الن [ ] 20لخالفته الصحف .
و قال ال تعال :وأنزل ال عليك الكتاب والكمة وعلمك ما ل تكن تعلم وكان فضل ال عليك
عظيما [ سورة النساء ، 4 /الية . ] 113
قيل :فضله العظيم بالنبوة .و قيل :با سبق له ف الزل .و أشار الواسطي إل أنا إشارة إل احتمال
الرؤية الت ل يتملها موسى ،صلى ال عليهما .
الباب الثان
إذا كانت خصال الكمال و المال ما ذكرناه ،و وجدنا الواحد منا يشرف بواحدة منها أو باثنتي إن
اتفقت له ـ ف كل عصر ،إما من نسب أو جال ،أو قوة ،أو علم ،أو حلم ،أو شجاعة ،أو
ساحة ،حت يعظم قدره ،و يضرب باسه المثال ،و يتقرر له بالوصف بذلك قي القلوب إثرة و
عظمة ،و هو منذ عصور خوال رمم بوال ،فما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كل هذه الصال
إل ما ل يأخذه عد ،و ل يعب عنه مقال ،و ل ينال بكسب و ل حيلة إل بتخصيص الكبي التعال ،
من فضيلة النبوة و الرسالة ،و اللة و الحبة ،و الصطفاء و السراء و الرؤية ،و القرب و الدنو ،و
الوحي ،و الشفاعة و الوسيلة ،و الفضيلة و الدرجة الرفيعة ،و القام الحمود ،و الباق و العراج ،و
البعث إل الحر و السود ،و الصلة بالنبياء ،و الشهادة بي النبياء و المم ،و سيادة ولد آدم [
، ] 21و لواء المد ،و البشارة ،و النذارة و الكانة عند ذي العرش و الطاعة ث ،و المانة و الداية
و رحة للعالي ،و إعطاء الرضا و السول ،و الكوثر ،و ساع القول ،و اتام النعمة و العفو عما تقدم
و تأخر ،و شرح الصدر ،و وضع الوزر ،و رفع الذكر و عزة النصر ،و نزول السكينة ،و التأييد
باللئكة ،و إيتاء الكتاب و الكمة و السبع الثان و القرآن العظيم ،و تزكية المة و الدعاء إل ال ،
و صلة ال تعال و اللئكة ،و الكم بي الناس با أراه ال ،و وضع الصر و الغلل عنهم ،و
القسم باسه ،و إجابة دعوته ،و تكليم المادات و العجم ،و إحياء الوتى ،و إساع الصم ،و نبع
الاء من بي أصابعه ،و تكثي القلي ل ،و انشفاق القمر ،و رد الشمس ،و قلب العيان ،و النصر
بالرعب ،و الطلع على الغيب ،و ظل الغمام ،و تسبيح الصا ،و إبراء اللم ،و العصمة من
الناس ،إل ما ل يويه متفل ،و ل ييط بعلمه إل مانه ذلك و مفضله به ،ل إله غيه ،إل ما أعد له
ف الدار الخرة من منازل الكرامة ،و درجات القدس ،و مراتب السعادة و السن و الزيادة الت تقف
دونا العقول و يار دون أدانيها الوهم .
فصل
ف تفصيل هذه الصال الحمودة :صفاته السمية
إن قلت أكرمك ال :ل خفاء على القطع بالملة أنه صلى ال عليه و سلم أعلى الناس قدرا ،و
أعظمهم ملً ،و أكملهم ماسن و فضلً ،و قد ذهب ف تفاصيل خصال الكمال مذهبا جيلً شوقن
إل أن أقف عليها من أوصافه صلى ال عليه و سلم تفصيل . . .فاعلم نور ال قلب و قلبك ،و
ضاعف ف هذا النب الكري حب و حبك ـ أنك إذا نظرت إل خصال الكمال الت هي غي مكتسبة ف
جبلة اللقة و جدته حائزا لميعها ،ميطا بشتات ماسنها دون خلف بي نقله الخبار لذلك ،بل قد
بلغ بعضها مبلغ القطع .أما الصورة و جالا ،و تناسب أعضائه ف حسنها ،فقد جاءت الثار
الصحيحة و الشهورة الكثية بذلك ،من حديث علي ،و أنس بن مالك ،و أب هريرة ،و الباء بن
عذب ،و عائشة أم الؤمني ،و ابن أب هالة ،و أب جحيفة ،وجابر بن سرة ،و أم معبد ،و ابن عباس
،و معرض بن معيقيب ،و أب الطفيل ،و العداء بن خالد ،و خري بن فاتك ،و حكيم بن حزام ،و
غيهم ،من أنه صلى ال عليه و سلم كان أزهر اللون ،أدعج ،أنل ،أشكل ،أهدب الشفار ،أبلج
،أزج ،أقن ،أفلج ،مدور ال وجه ،واسع الب ،كث اللحية تل صدره ،سواء البطن و الصدر ،
واسع الصدر ،عظيم النكبي ،ضخم العظام ،عبل العضضي و الذراعي و السافل ،رحب الكفي و
القدمي ،سائل الطراف ،أنور التجرد ،دقيق السربة ،ربعة القد ،ليس بالطويل البائن ،و ل
بالقصي التردد ،مع ذلك فلم يكن ياشيه أحد ينسب ال الطول إل طاله صلى ال عليه و سلم رجل
الشعر ،إذا افتر ضاحكا افتر عن مثل سنا البق ،و عن مثل حب الغمام ،إذا تكلم رئى كالنور يرج
من ثناياه ،أحسن الناس عنقا ،ليس بعطهم و ل مكلثم ،متماسك البدن ،ضرب اللحم .قال الباء
بن عاذب :مارأيت من ذي له ف حلة حراء أحسن من رسول صلى ال عليه و سلم [. ] 1 0
و قال أبو هريرة رضي ال عنه [ :مارأيت شيئا أحسن من رسول ال صلى ال عليه و سلم [، ]22
كأن الشمس تري ف وجهه ،و إذا ضحك يتلل ف الدر ] .
و قال جابر بن سرة ـ و قال له رجل :كان و جهه صلى ال عليه و سلم مثل السيف ؟ فقال :
[ ل ،بل مثل الشمس و القمر .و كان مستديرا] .
و قالت أم معبد ـ ف بعض ما وصفته به ـ [ :أجل الناس من بعيد ،و أحله و أحسنه من قريب ]
[ صلى ال عليه و سلم تسليمًا كلما ذكره الذاكرون ،و غفل عن ذكره الغافلون ] .و ف حديث ابن
و قال علي رضي ال عنه ف آخر و صفة له : أب هالة [ :يتلل وجهه تلل القمر ليلة البدر ] .
[ من رآه بديهة هابه ،و من خالطه معرفة أحبه ،يقول ناعته :ل أر قبله و ل بعده مثله صلى ال عليه
و قد اختصرنا و الحاديث ف بسط صفته مشهورة كثية ،فل نطول بسردها . و سلم ] .
ف و صفه نكت ما جاء فيها ،و جلة ما فيه الكفاية ف القصد إل الطلوب ،و ختمنا هذه الفصول
بديث جامع لذلك تقف عليه هناك إن شاء ال .
فصل
ف نظافة جسمه ،و طيب رائحته ،و نزاهته عن القذار و عورات السد
و أما نظافة جسمه ،و طيب ريه و عرقه ،و نزاهته عن القذار و عورات السد ـ فكان قد خصه
ال ف ذلك بصائص ل توجد ف غيه ،ث تمها بنظافة الشرع و خصال الفطرة العشر ،و قال [ :بن
الدين على النظافة ] .
حدثنا سفيان بن العاصي و غي واحد ،قالوا :حدثنا أحد بن عمر .حدثنا أبو العباس الرازي ،حدثنا
أبو أحد اللودي ،حدثنا ابن سفيان ،حدثنا مسلم ،قال :حدثنا قتيبة ،حدثنا جعفر بن سليمان ،
عن ثابت ،عن أنس ،قال [ :ما شمت عنبا قط ،و ل مسكا ،و ل شيئا أطيب من ريح رسول ال
صلى ال عليه و سلم ] .
و عن جابر بن سرة :أنه صلى ال عليه و سلم مسح خده ،قال :فوجدت ليده بردا و ريا ،كأنا
أخرجها من جونة عطار .
قال غيه :مسها بطيب أو ل يسها ،يصافح الصافح فيظل يومه يد ريها ،و يضع يده على رأس
الصب فيعرف من بي الصبيان بريها .
و نام رسول ال صلى ال عليه و سلم ف دار أنس فعرق ،فجاءت أمه بقارورة تمع فيها عرقه فسألا
رسول ال صلى ال عليه و سلم عن ذلك ،فقالت :نعله ف طيبنا ،و هو من أطيب الطيب .
و ذكر البخاري ف تاريه الكبي ،عن جابر [ :ل يكن النب صلى ال عليه و سلم ير ف طريق فيتبعه
أحد إل عرف أنه سلكه من طيبه ] .
و ذكر اسحاق بن راهويه أن تلك كانت رائحته بل طيب ،صلى ال عليه و سلم .
[ و روى الزن :عن جابر :أردفن النب صلى ال عليه و سلم خلفه ،فالتقمت خات النبوة بفمي ،
فكان ينم على مسكا ] .
و قد حكى بعض العتني بأخباره و شائله صلى ال عليه و سلم أنه كان إذا أراد أن يتغوط انشقت
الرض فابتلعت غائطه و بوله ،و فاحت لذلك رائحة طيبة .صلى ال عليه و سلم .
[ و أسند ممد بن سعد كاتب الواقدي ف هذا خبا عن عائشة رضي ال عنها أنا قالت للنب صلى ال
عليه و سلم :إنك تأت اللء فل نرى منك شيئا من الذى ! فقال :يا عائشة ،أو ما علمت أن
الرض تبتلع ما يرج من النبياء ،فل يرى منه شيء ] .
و هذا الب ،و إن ل يكن مشهورا فقد قال قوم من أهل العلم بظهارة الدثي منه صلى ال عليه و
سلم .و هو قول بعض أصحاب الشافعية [ ،حكاه المام أبو نصر ابن الصباغ ف شامله ] .
و قد حكى القولي عن العلماء ف ذلك أبو بكر بن سابق الالكي ف كتابه البديع ف فروع الالكية ،و
تريج ما ل يقع لم منها على مذهبهم من تفاريع الشافعية .
و منه حديث و شاهد هذا أنه صلى ال عليه و سلم ل يكن منه شيء يكره ،و ل غي طيب .
علي رضي ال عنه [ :غسلت النب صلى ال عليه و سلم ،فذهبت أنظر ما يكون من اليت فلم أجد
شيئا ،فقلت :طبت حيا و ميتا ،قال :و سطعت منه ريح طيبة ل ند مثلها قط ] .
و مثله قال أبوبكر رضي ال عنه حي قبل النب صلى ال عليه و سلم بعد موته .
و منه شرب مالك بن سنان دمه يوم أحد ،و مصه إياه [ ، ] 23و تسويغه صلى ال عليه و سلم ذلك
له ،و قوله :لن تصيبه النار .
و مثله شرب عبد ال بن الزبي دم حجامته ،فقال له عليه السلم :ويل لك من الناس ،و ويل لك
منك و ل ينكره عليه .
و قد روي نو من هذا عنه ف امرأة شربت بوله ،فقال لا :لن تشتكي وجع بطنك أبدا .و ل يأمر
واحدا منهم بغسل فم ،و ل ناه عن عودة .
و حديث هذه الرأة الت شربت بوله صحيح ألزم الدار قطن مسلما و البخاري إخراجه ف الصحيح ،و
اسم هذه الرأة بركة .و اختلف ف نسبها .
و قيل :هي أم أين :و كانت تدم النب صلى ال عليه و سلم ،قالت :و كان لرسول ال صلى ال
عليه و سلم قدح من غيدان يوضع تت سريره يبول فيه من الليل ،فبال فيه ليلة ،ث افتقده ،فلم يد
فيه شيئا .فسأل بركة عنه ،فقالت :قمت و أنا عطشانة فشربته و أنا ل أعلم .
روى حديثها ابن جريج و غيه .
و كان صلى ال عليه و سلم قد ولد متونا مقطوع السرة .
[ و روي عن أمه آمنة أنا قالت :قد ولدته نظيفا ما به قذر ] .
و عن عائشة رضي ال عنها [ :ما رأيت فرج رسول ال صلى ال عليه و سلم قط ] .
و عن علي رضي ال عنه :أوصان النب صلى ال عليه و سلم ل يغسله غيي ،فإنه ل يرى أحد عورت
إل طمست عيناه .
و ف حديث عكرمة ،عن ابن عباس رضي ال عنهما [ :أنه نام حت سع له غطيط ،فقام فصلى و ل
يتوضأ ] ،قال عكرمة :لنه صلى ال عليه و سلم كان مفوظا .
فصل
فصل
و أما شرف نسبه و كرم بلده و منشئه فمما ل يتاج إل إقامة دليل عليه ،و ل بيان مشكل و ل خفي
منه ،فإنه نبة من بن هاشم ،و سللة قريش و صميمها ،و أشرف العرب ،و أعزهم نفرا من قبل
أبيه و أمه ،و من أهل مكة من أكرم بلد ال على ال و على عباده .
حدثنا قاضي القضاة حسي بن ممد الصدف رحه ال ،قال :حدثنا القاضي أبو الوليد سليمان بن
خلف ،حدثنا أبو ذر عبد بن أحد ،حدثنا أبو ممد السرخسي ،و ابن إسحاق ،و أبو اليثم :قالوا :
حدثنا ممد بن يوسف ،قال حدثنا ممد بن إساعيل ،قال :حدثنا قتيبة بن سعيد ،قال :حدثنا
يعقوب بن عبد الرحن ،عن عمرو ،عن سعيد القبي ،عن أب هريرة ـ أن رسول ال صلى ال عليه
و سلم قال :بعثت من خي قرون بن آدم قرنا فقرنا ،حت كنت من القرن الذي كنت منه .
و عن العباس ،قال :قال النب صلى ال عليه و سلم :إن ال خلق اللق فجعلن من خيهم ،من خي
قرنم ،ث تي القبائل فجعلن من خي قبيلة ،ث تي البيوت فجعلن من خي بيوتم ،فأنا خيهم
نفسا ،و خيهم بيتا .
و عن واثلة بن السقع ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :إن ال اصطفى من ولد إبراهيم
إساعيل ،و اصطفى من بن كنانة قريشا و اصطفى من قريش بن هاشم ،و اصطفان من بن هاشم .
قال الترمذي :و هذا حديث صحيح .
و ف حديث عن ابن عمر ،رواه الطبي أنه صلى ال عليه و سلم قال :إن ال اختار خلقه ،فاختار
منهم بن آدم ،ث اختار بن آدم فاختار منهم العرب ،ث اختار العرب فاختار منهم قريشا ،ث اختار
قريشا فاختار منهم بن هاشم ،ث اختار بن هاشم فاختارن منهم ،فلم أزل خيارا من خيار ،أل من
أحب العرب فبحب أحبهم ،و من أبغض العرب فببغضي أبغضهم .
و عن ابن عباس :إن قريشا كانت نورا بي يدي ال تعال قبل أن يلق آدم بألفي عام ،يسبح ذلك
النور ،و تسبح اللئكة بتسبيحه ،فلما خلق ال آدم ألقى ذلك النور ف صلبه ،فقال رسول ال صلى
ال عليه و سلم :فأهبطن ال إل الرض ف صلب آدم ،و جعلن ف صلب نوح ،و قذف ب ف
صلب ابراهيم ،ث ل يزل ال تعال ينقلن من الصلب الكرية و الرحام الطاهرة ،حت أخرجن من
بي أبوي ل يلتقيا على سفاح قط .و يشهد لصحة هذا الب شعر الع باس ف مدح النب صلى ال عليه
و سلم الشهور .
فصل
فيما تدعو إليه ضرورة الياة إليه
على ثلثة ضروب
الضرب الول
ما التمدح و الكمال بقلته اتفاقا
[ ] 27و أما ما تدعو ضرورة الياة إليه ما فصلناه فعلى ثلثة ضروب :ضرب الفضل ف قلته ،و
ضرب الفضل ف كثرته ،و ضرب تتلف الحوال فيه .
فأما ما التمدح و الكمل بقلته اتفاقا ،و على كل حال ،عادة و شريعة ،كالغذاء و النوم ،و ل تزل
العرب و الكماء تتمادح بقلتهما ،و تذم بكثرتما ،لن كثرة الكل و الشرب دليل على النهم و
الرص و الشره ،و غلبة الشهوة مسبب لضارالدنيا و الخرة ،جالب لدواء السد و خثار النفس ،و
امتلء الدماغ ،و قلته دليل على القناعة ،و ملك النفس ،و قمع الشهوة مسبب للصحة ،و صفاء
الاطر ،و حدة الذهن ،كما أن كثرة النوم دليل على الفسولة و الضعف ،و عدم الذكاء و الفطنة ،
مسبب للكسل ،و عادة العجز ،و تضييع العمر ف غي نفع ،و قساوة القلب و غفلته و موته .
و الشاهد على هذا ما يعلم ضرورة ،و يوجد مشاهدة ،و ينقل متوترا من كلم المم التقدمة ،و
الكماء السابقي ،و أشعار العرب و أخبارها ،و صحيح الديث ،و آثار من سلف و خلف ،ما ل
يتاج إل الستشهاد عليه اختصا را و اقتصارا على اشتهار العلم به .
و كان النب صلى ال عليه و سلم قد أخذ من هذين الفني بالقل .
هذا ما ل يدفع من سيته ،و هو الذي أمر به ،و حض عليه ،لسيما بارتباط أحدها بالخر .
حدثنا أبو علي الصدف الافظ بقراءت عليه ،حدثنا أبو الفضل الصبهان ،حدثنا أبو نعيم الافظ ،
حدثنا سليمان بن أحد ،حدثنا أبو بكر بن سهل ،حدثنا عبد ال بن صال ،حدثن معاوية بن صال
أن يي بن جابر حدثه عن القدام بن معد يكرب أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال :ما مل ابن
آدم وعاء شرا من بطنه ،حسب ابن آدم أكلت يقمن صلبه ،فإن كان ل مالة فثلث لطعامه ،و ثلث
لشرابه ،و ثلث لنفسه .
و لن كثرة النوم من كثرة الكل و الشرب .
قال سفيان الثوري :بقلة الطعام يلك سهر الليل .
و قال بعض السلف :ل تأكلوا كثيا فتشربوا كثيا ،فترقدوا كثيا ،فتخسروا كثيا .
و قد روي عنه صلى ال عليه و سلم أنه كان أحب الطعام إليه ما كان على ضعف ،أي كثرة اليدي
.و عن عا ئشة رضي ال عنها :ل يتلىء جوف النب صلى ال عليه و سلم شبعا قط ،و أنه كان ف
أهله ل يسألم طعاما و ل يتشهاه ،إن أطعموه أكل ،و ما أطعموه قبل ،و ما سقوه شرب .
و ل يعترض على هذا بديث بريرة ،و قوله :أل أر البمة فيها لم إذ لعل سبب سؤاله ظنه صلى ال
عليه و سلم اعتقاده أنه ل يل له ،فأراد بيان سنته ،إذ رآهم ل يقدموه إليه ،مع علمه أنم ل
يستأثرون عليه به ،فصدق عليهم ظنه ،و بي لم ما جهلوه من أمره بقوله :هو لا صدقة و لنا هدية
و ف حكمه لقمان :يابن ،إذا امتلت العدة نامت الفكرة ،و خرست الكمة ،و قعدت العضاء عن
العبادة .
و قال سحنون :ل يصلح العلم لن يأكل حت يشبع .
و ف صحيح الديث قوله صلى ال عليه و سلم :أما أنا فل آكل متكئا .
و التكاء :هو التمكن للكل ،و التقعدد ف اللوس له كالتربع ،و شبهه من تكن اللسات الت
يعتمد عليها الالس على ماتته [ ، ] 28و الالس على هذه اليئة يستدعي الكل و يستكثر منه .
و النب صلى ال عليه و سلم إنا كان جلوسه للكل جلوس الستوفز مقعيا ،و يقول :إنا أنا عبد آكل
كما يأكل العبد ،و أجلس كما يلس العبد .
و ليس معن الدث ف التكاء اليل على شق عند الحققي .
و كذلك نومه صلى ال عليه و سلم كان قليلً ،شهدت بذلك الثارالصحيحة ،و مع ذلك فقد قال :
إن عين تنامان و ل ينام قلب .
وكان نومه على جانبه الين استظهارا على قلة النوم ،لنه على جانب اليسر أهنأ ،لدو القلب و ما
يتعلق به من العضاء الباطنية حينئذ ،ليلها إل الانب اليسر ،فيستدعي ذلك الستثقال فيه و الطول
.
و إذا نام النائم على الين تعلق القلب و قلق ،فأسرع الفاقة و ل يغمره الستغراق .
فصل
الضرب الثان :ما يتفق على الدح بكثرته
و الضرب الثان ما يتفق الدح بكثرته ،و الفخر بوفوره ،كالنكاح و الاه :أما النكاح فمتفق فيه
شرعا و عادة ،فإنه دليل الكمال ،و صحة الذكورية ،و ل يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة ،و
التمادح به سية ماضية .
و أما ف الشرع فسنة مأثورة ،و قد قال ابن عباس :أفضل هذه المة أكثرها نساء يشي إليه صلى ال
عليه و سلم .
و قد قال عليه السلم :تناكحوا تناسلوا ،فإن مباه بكم المم يوم القيامة .
و نى عن التبتل مع ما فيه من قمع الشهوة ،و غض البصر اللذين نبه عليهما صلى ال عليه و سلم
بقوله :من كان ذا طول فليتزوج ،فإنه أغض للبصر ،و أحصن للفرج حت ل يره العلماء ما يقدح ف
الز هد .
قال سهل بن عبد ال :قد حبب إل سيد الرسلي ،فكيف يزهد فيهن ؟ و نوه لبن عيينه .
و قد كان زهاد الصحابة كثيي الزوجات و السراري ،كثيي النكاح .
و حكي ف ذلك على علي ،و السن ،و ابن عمر ،و غيهم غي شيء .
و قد كره غي و احد أن يلقى ال عزبا .
فإن قلت :كيف يكون النكاح و كثرته من الفضائل ،و هذا يي بن زكريا عليه السلم قد أثن ال له
تعال عليه أنه كان حصورا ،فكيف يثن ال بالعجز عما تعده فضيلة ؟ .
و هذا عيسى عليه السلم تبتل عنه النساء ،و لو كان كما قررته لنكح ؟
فاعلم أن ثناء ال تعال على يي بأنه حصور ليس كما قال بعضهم :
إنه كان هيوبا ،أو ل ذكر له ،بل قد أنكر هذا حذاق الفسرين و نقاد العلماء ،
و قالوا :هذه تقيصة و عيب ،و ل تليق بالنبياء .
و إنا معناه أنه معصوم من الذنوب ،أي ل تأتيها ،كأنه حصر عنها .و قيل :
مانعا نفسه من الشهوات .
و قيل :ليست له شهرة ف النساء .
فقد بان ذلك من هذا أن عدم القدر على النكاح نقص ،و إنا الفضل ف كونا موجودة ،ث قمعها ،
إما بجاهدة ،كعيسى عليه السلم ،أو بكفاية من ال تعال ،كيحي عليه السلم ـ فضيلة زائدة
لكونا شاغلة ف كثي من الوقات حاطة إل الدنيا .ث هي ف حق من أقدر عليها و ملكها و قام
بالواجب فيها ،و ل تشغله عن ربه ـ درجة عاليا ،و هي درجة نبينا صلى ال عليه و سلم الذي ل
تشغله كثرتن عن عبادة ربه ،بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن ،و قيامه بقوقهن ،و اكتسابه لن ،و
هدايته إياهن ،بل صرح أنا ليست من حظوظ [ ]29دنياه هو ،و إن كانت من حظوظ دنيا غيه ،
فقال :حبب إل من دنياكم .فدل على أن حبه لا ذكر من النساء و الطيب اللذين ها من أمور دنيا
غيه ،و استعماله لذلك ليس لدنياه ،بل لخرته ،للفوائد الذي ذكرناها ف التزويج ،و للقاءاللئكة
ف الطيب ،و لنه أيضا ما يض على الماع ،و يعي عليه ،و يرك أسبابه .
و كان حبه لاتي الصلتي لجل غيه ،و قمع شهوته ،و كان حبه القيقي الختص بذاته ف
مشاهدته جبوت موله و مناجاته ،و لذلك ميز بي البي ،و فصل بي الالي ،فقال :و جعلت
قرة عين ف الصلة ،فقد ساوى يي و عيسى ف كفاية فتنتهن ،و زاد فضيلة بالقيام بن .
و كان صلى ال عليه و سلم من أقدر على القوة ف هذا ،و أعطي الكثي منه ،و لذا أبيح له من عدد
الرائر ما ل يبح لغيه .
و قد روينا عن أنس أنه صلى ال عليه و سلم كان يدور على نسائه ف الساعة من الليل و النهار ،و
هن إحدى عشرة .
و عن طاوس :أعطي عليه السلم قوة أربعي رجلً ف الماع .
و مثله عن صفوان بن سليم .
و قالت سلمى مولته :طاف النب صلى ال عليه و سلم ليلة على نسائه التسع ،و تطهر من كل
واحدة قبل أن يأت الخر ى ،و قال :هذا أطيب و أطهر .
قال أنس :و كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلثي رجلً .خرجه النسائي ،و روي نوه عن أب رافع .
و قد قال سليمان ـ عليه السلم [ :لطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع و تسعي ] و أنه فعل ذلك .
قال ابن عباس :كان ف ظهر سليمان ماء مائة رجل أو تسع و تسعي ،و كانت له ثلثائة امرأة و
ثلثائة سرية .
و حكى النقاش و غيه سبعمائة امرأة و ثلثائة سرية .
و قد كان لداود عليه السلم على زهده و أكله من عمل يده تسع و تسعون امرأة ،و تت بزوج أوريا
مائة .
و قد نبه على ذلك ف الكتاب العزيز بقوله تعال :إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة [ سورة ص /
، 38الية . ] 23 :
و ف حديث أنس عنه ،عليه السلم :فضلت على الناس بأربع :بالسخاء ،و الشجاعة ،و كثرة
الماع ،و قوة البطش .
و أما الاه فمحمود عند العقلء عادة و بقدر جاهه عظمه ف القلوب .
و قد قال ال تعال ف صفة عيسى عليه السلم :وجيها ف الدنيا والخرة ،لكن آفاته كثية ،فهو مضر
لبعض الناس لعقب الخرة ،فلذلك ذمه من ذمه ،و مدح ضده .
و ورد ف الشرع مدح المول ،و ذم العلو ف الرض .
و كان صلى ال عليه و سلم قد رزق من الشمة ،و الكانة ف القلوب ،و العظمة قبل النبوة عند
الاهلية و بعدها ،و هم يكذبونه و يؤذون أصحابه ،و يقصدون أذاه ف نفسه خفية حت إذا واجههم
أعظموا أمره ،و قضوا حاجته .
و أخباره ف ذلك معروفة سيأت بعضها .
و قد كان يبهت و يفرق لرؤيته من ل تره ،كما روي عن قيلة أنا لا رأته أرعدت من الفرق ،فقال :
يا مسكينة ،عليك السكينة .
و ف حديث أب مسعود أن رجلً قام بي يديه فأرعد ،فقال :هون عليك فإن لست بلك ..لديث .
فأما عظم قدره بالنبوة ،و شريف منلته بالرسالة ،و إنافة رتبته بالصطفاء و الكرامة ف الدنيا فأمر هو
مبلغ النهاية ،ث هو ف الخرة سيد ولد آدم .
و على معن هذا الفصل نظمنا هذا القسم بأسره .
فصل
الضرب الثالث :ما تتلف الالت ف التمدح به
و أما الضرب الثالث ،فهو ما تتلف الالت ف التمدح به و التفاخر بسببه ،و التفضيل [ ] 30
لجله ،ككثرة الال ـ فصاحبه على الملة معظم عند العامة ،لعتقادها توصله به إل حاجاته ،و
تكن أغراضه بسببه ،و إل فليس فضيلة ف نفسه ،فمت كان الال بذه الصورة ،و صاحبه منفقا له ف
مهمات من اعتراه و أمله ،و تصريفه ف مواضعه مشتريا به العال و الثناء السن ،و النلة ف القلوب
ـ كان فضيلة ف صاحبه عند أهل الدنيا ،و إذا صرفه ف وجوه الب ،و أنفقه ف سبيل الي ،و قصد
بذلك ال و الدار الخرة ،كان فضيلة عند الكل بكل حال ،و مت كان صاحبه مسكا له غي موجهه
وجوهه ،حريصا على جعه ،عاد كثرة كالعدم ،و كان منقصة ف صاحبه ،و ل يقف به على جدد
السلمة ،بل أوقعه ف هوة رذيلة البخل ،و مذمة النذالة ،فإذا التمدح بالال و فضيلته عند مفضله
ليست لنفسه ،و إنا هو للتوصل به إل غيه ،و تصريفه ف متصرفاته ،فجامعه إذا ل يضعه مواضعه ،
و ل وجهه وجوهه غي مليء بالقيقة و ل غن بالعن ،و ل متدح عند أحد من العقلء ،بل هو فقي
أبدا غي واصل إل غرض من أغراضه ،إذ ما بيده من الال الوصل لا ل يسلط عليه ،فأشبه خازن مال
غيه ،و ل مال له ،فكان ليس ف يده منه شيء .
و النفق مليء و غن بتحصيله فوائد الال ،و إن ل يبق ف يده من الال شيء .
فانظر سية نبينا صلى ال عليه و سلم و خلقه ف الال تده قد أوت خزائن الرض ،و مفاتيح البلد ،
و أحلت له الغنائم ،و ل تل لنب قبله ،و فتح عليه ف حياته صلى ال عليه و سلم بلد الجاز و
اليمن ،و جيع جزيرة العرب ،و ما دان ذلك من الشام و العراق ،و جلبت إليه من أخاسها و
جزيتها و صدقاتا ما ل ين للملوك إل بعضه ،و هادته جاعة من ملوك القاليم فيما استأثر بشيء
منه ،و ل مسك منه درها ،بل صرفه مصارفه ،و أغن به غيه ،و قوى به السلمي ،و قال :ما
يسرن أن ل أحدا ذهبا يبيت عندي منه دينار ،إل دينارا أرصده لدين .
و أتته دناني مرة فقسمها ،و بقيت منه ستة ،فدفعها لبعض نسائه ،فلم يـأخذه نوم حت قام و
قسمها ،و قال :الن استرحت .
و مات و درعه مرهونة ف نفقة عياله .
و اقتصر من نفقته و ملبسه و مسكنه على ما تدعو ضرورته إليه .
و زهد فيما سواه ،فك ان يلبس ما وجده ،فيلبس ف الغالب الشملة ،و الكساة الشن ،و البد
الغليظ ،و يقسم على من حضره أقيبة الديباج الخوصة بالذهب ،و يرفع لن ل يضره ،إذ الباهاة ف
اللبس و التزين با ليست من خصال الشرف و الللة ،و هي من سات النساء .
و الحمود منها نقاوة الثوب ،و التوسط ف جنسه ،و كونه لبس مثله ،غي مسقط لروءة جنسه ما ل
يؤدي إل الشهرة ف الطرفي .
و قد ذم الشرع ذلك ،و غاية الفخر فيه ف العادة عند الناس إنا يعود إل الفخر بكثرة الوجود ،و
وفور الال .
و كذلك التباهي بودة السكن ،و سعة النل ،و تكثي آلته و خدمه و مركوباته .
و من ملك الرض ،و جب إليه ما فيها ،فترك ذلك ذهدا و تنها ،فهو حائز لفضيلة الال ،و مالك
للفخر بذه الصلة إن كانت فضيلة زائد عليها ف الفخر ،و معرق ف الدح بإضرابه عنها ،و زهدة ف
فانيها ،و بذلا ف مظانا .
فصل
فحكى الطبي عن بعض السلف أن اللق السن جبلة و غريزة ف العبد ،و حكاه عن عبد ال بن
مسعود ،و السن ،و به قال هو .
و الصواب ما أصلناه .و قد روى سعد عن النب صلى ال عليه و سلم ،قال :كل اللل يطبع عليها
الؤمن إل اليانة و الكذب .
و قال عمر بن الطاب رضي ال عنه ف حديثه :و الرأة ،و الب غرائز يضعها ال حيث يشاء .و
هذه الخلق الحمودة و الصال الميلة كثية ،و لكنا نذكر أصولا ،و نشي إل جيعها ،و نقق
وصفه صلى ال عليه و سلم با إن شاء ال تعال .
فصل
أما أصل فروعها ،و عنصر ينابيعها ،و نقطة دائرتا فالعقل الذي منه ينبعث العلم و العرفة ،و يتفرع
عن هذا ثقوب الرأي ،و جودة الفطنة ،و الصابة ،و صدق الظن ،و النظر للعواقب و مصال النفس
،و ماهدة الشهوة ،و حسن السياسة و التدبي ،و اقتناء الفضائل ،و تنب الرذائل .
و قد أشرنا إل مكانه عليه السلم ،و بلوغه منه و من العلم الغاية الت ل يبلغها بشر سواه ،و إذ جللة
من ذلك ،و ما تفرع منه متحقق عند من تتبع ماري أحواله ،و اطراد سيه ،و طالع جوامع كلمه .
و حسن شائله ،و بدائع سيه ،و حكم حديثه ،و علمه با ف التوراة و النيل و الكتب النلة ،و
حكم الكماء ،و سي المم الالية ،و إياها و ضرب المثال ،و سياسات النام ،و تقرير الشرائع ،
و تأصيل الداب النفسية ،و الشيم الميدة إل فنون العلوم الت اتذ أهلها كلمه عليه السلم فيها قدره
،و إشاراته حجة ،كالعبارة ،و الطب ،و الساب ،و الفرائض ،و النسب ،و غي ذلك ما سنبينه
ف معجزاته إن شاء ال ،دون تعليم و ل مدارس ،و ل مطالعة كتب من تقدم ،و ل اللوس إل علم
ائهم ،بل بن أمي ل يعرف بشيء [ ] 23من ذلك ،حت شرح ال صدره ،و أبان أمره ،و علمه ،
و أقرأه ،يعلم ذلك بالطالعة و البحث عن حاله ضرورة ،و بالبهان القاطع على نبوته نظرا ،فل
نطول بسرد القاصيص ،و آحاد القضايا ،إذ مموعها مالً يأخذه حصر ،ول ييط به حفظ جع ،و
بسب عقله كانت معارفه صلى ال عليه و سلم إل سائر ماعلمه ال تعال ،و أطلعه عليه من علم ما
يكون و ما كان ،و عجائب قدره ،وعظيم ملكوته ،قال تعال وعلمك ما ل تكن تعلم وكان فضل
ال عليك عظيما [ سورة النساء ، 4 /الية ] 113 :
حارث العقول ف تقدير فضله عليه ،و خرست اللسن دون و صف ييط بذلك أو ينهى إليه .
الفصل
ف الفرق بي اللم و الحتمال ،و العفو مع القدرة ،و الصب على ما يكره
و أما اللم و الحتمال ،و العفو مع القدرة ،و الصب على ما يكره ،و بي هذه اللقاب فرق ،فإن
اللم حالة توقر و ثبات عند السباب الحركات .و الحتمال :حبس النفس عند اللم و الؤذيات .
و مثلها الصب ،و معانيها متقاربة .
و أما العفو فهو ترك الؤاخذة .
و هذا كله ما أدب ال تعالىبه نبيه صلى ال عليه و سلم ،فقال :خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن
الاهلي [ سورة العراف ، 7 /الية . ] 1 99 :
روي أن النب صلى ال عليه و سلم ل نزلت عليه هذه الية سأل جبيل عليه السلم عن تأويلها ،فقال
له :أسأل العال .
ث ذهب فأتاه ،فقال :ياممد .إن ال يأمرك أن تصل من قطعك ،و تعطي من حرمك ،و تعفو عمن
ظلمك .
قال له :واصب على ما أصابك إن ذلك من عزم المور .
و قال تعال :فاصب كما صب أولو العزم من الرسل [ سورة الحقاف ، 4 6 /الية ] 35 :
قال :وليعفوا وليصفحوا أل تبون أن يغفر ال لكم وال غفور رحيم .
و قال :ولن صب وغفر إن ذلك لن عزم المور [ سورة الشورى ، 42 /الية . ] 4 3 :
و ل خفاء با يؤثر من حلمه و احتماله ،و أن كل حليم قد عرفت منه زله ،و حفظت عنه هفوه ،
وهو صلى ال عليه و سلم ل يزيد مع كثرة الذى إل صبا ،و على اسراف الاهل إل حلما .
حدثنا القاضي أبو عبد ال ممد بن علي التغلب و غيه ،قالو ا :حدثنا ممد بن عتاب ،حدثنا أبو بكر
بن و افد القاضي و غيه ،حدثنا أبو عيس ،حدثنا عبيد ال ،قال حدثنا يي بن يي ،حدثنا مالك ،
عن ابن شهاب ،عن عروة ،عن عائشة رضي ال عنها ،قالت :ما خي رسول ال صلى ال عليه و
سلم ف أمرين قط إل اختار أيسرهم ما ل يكن اثا ،فإن كان إثا كان أبعد الناس منه ،و ما انتقم
رسول ال صلى ال عليه و سلم لنفسه إل أن تنتهك حرمه ال تعال ،فينتقم ال با .
و روي أن النب صلى ال عليه و سلم ل كسرت رباعيته و شج و جهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه
شديدا ،و قالو :لو دعوت عليهم ! فقال :إن ل أبعث لعانا ،و لكن بعثت داعيا و رحة .اللهم
اهد قومي فإنم ليعلمون .
و روي عن عمر رضي ال عنه أنه قال ف بعض كلمه :بأب أنت و أمي يا رسول ال ! لقد دعا نوح
على قومه ،فقال :رب ل تذر على الرض من الكافرين ديارا .و لو دعوت علينا مثلها للكنا من عند
آخرنا ،فلقد وطيء ظهرك ،و أدمي وجهك ،و كسرت رباعيتك ،فأبيت أن تقول إل خيا ،فقلت
:اللهم اغفر لقومي ،فإنم ل يعلمون .
قال القاضي ابو الفضل وفقه ال :انظر ف هذا القول من جاع الفضل ،و درجات الحسان ،و حسن
اللق ،و كرم النفس ،و غاية الصب [ ] 34و اللم ،إذ ل يقتصر صلى ال عليه و سلم على
السكوت عنهم حت عفا عنهم ،ث أشفق عليهم و رحهم ،و دعا و شفع لم ،فقال :اغفر أو اهد ،
ث أظهر سبب الشفقة و الرحة بقوله :لقومي ،ث اعتذر عنهم بهلهم ،فقال :فإنم ل يعلمون .
و لا قال له الرجل :اعدن ،فإن هذه قسمة ما أريد با وجه ال ـ ل يزده ف جوابه أن يبي له ما
جهله .
و وعظ نفسه ،و ذكرها با قال له ،فقال :و يك ! فمن يعدل إن ل أعدل ! خبت و خسرت إن ل
أعدل ! و نى من أراد من أصحابه قتله .
و لا تصدى له غورث بن الارث ليفتك به ،و رسول ال صلى ال عليه و سلم منتبذ تت شجرة
وحده قائلً ،و الناس قائلون ،ف غزاة ،فلم ينتبه رسول ال صلى ال عليه و سلم إل و ه و قائم و
السيف صلتا ف يده ،فقال :من ينعك من ؟ فقال ال فسقط السيف من يده ،فأخذه النب صلى ال
عليه و سلم ،و قال :من ينعك من ؟ قال :كن خي آخذ ،فتركه و عفا عنه .فجاء إل قومه فقال :
جئتكم من عند خي الناس .
و من عظيم خبه ف العفو عفوه عن اليهودية الت سته ف الشاة بعد اعترافها ـ على الصحيح من
الرواية .
و أنه ل يؤاخذ لبيد بن العصم إذ سحره ،و قد أعلم به و أوحي إليه بشرح أمره ،و ل عتب عليه
فضلً عن معاقبته .
و كذلك ل يؤخذ عبد ال بن أب و أشباهه من النافقي بعظيم ما نقل عنهم ف جهته قو ًل و فعلً ،بل
قال لن أشار بقتل بعضهم :ل يتحدث أن ممدا يقتل أصحابه .
و عن أنس رضي ال عنه :كنت مع النب صلى ال عليه و سلم ،و عليه برد غليظ الاشية ،فجبذه
العراب بردائه جبذة شديدة حت أثرت حاشية البد ف صفحة عاتقه ،ث قال :يا ممد ،احل ل على
بعيي هذين من مال ال الذي عندك ،فإنك ل تمل ل من مالك و مال أبيك .
فسكت النب صلى ال عليه و سلم ،ث قال :الال مال ال ،و أنا عبده .
ث قال :و يقاد منك يا أعراب ما فعلت ب .
قال :ل .
قال :ل ؟ قال :لنك ل تكافئ بالسيئة السيئة .
فضحك النب صلى ال عليه و سلم ،ث أمر أن يمل له على بعيه شعي ،و على الخر تر .
قالت عائشة رضي ال عنهما :ما رأيت رسول ال صلى ال عليه و سلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط
ما ل تكن حرمة من مارم ال .و ما ضرب بيده شيئا قط إل أن ياهد ف سبيل ال .و ما ضرب
خادما قط و ل إمرأة .
و جيء إليه برجل ،فقيل :هذا أراد أن يقتلك .فقال له النب صلى ال عليه و سلم :لن تراع ،لن
تراع ،و لو أردت ذلك ل تسلط علي .
و جاءه زيد بن سعنة قبل إسلمه يتقضاه دينا عليه ،فجبذ ثوبه عن منكبه ،و أخذ بجامع ثيابه ،و
أغلظ له ،ث قال :إنكم ،يا نب عبد الطلب ،مطل ،فانتهره عمر و شدد له ف القول ،و النب صلى
ال عليه و سلم يبتسم .
فقال رسول ال صلى ال عليه و سلم :أنا و هو كنا إل غي هذا أحوج منك يا عمر ،تأمرن بسن
القضاء ،و تأمره بسن التقاضي .
ث قال :لقد بقي من أجله ثلث ،و أمر عمر يقضيه ماله و يزيده عشرين صاعا لا روعه ،فكان سبب
إسلمه .
ذلك انه كان يقول :ما بقي من علمات النبوة شيء إل و قد عرفتها ف ممد إل اثنتي ل أخبها :
يسبق حلمه جهله [ ، ] 35و ل تزيده شدة الهل إل حلما .فأختبه بذا ،فوجده كما وصف .
و الديث عن حلمه عليه السلم و صبه و عفوه عند القدرة أكثر من أن تأت عليه ،و حسبك ما
ذكرناه ما ف الصحيح و الصنفات الثابتة إل ما بلغ متواترا مبلغ اليقي :من صبه على مقاساة قريش ،
و أذى الاهلية ،و مصابرته الشدائد الصعبة معهم إل أن أظفره ال عليهم ،وحكمه فيهم ،و هم ل
يشكون ف استئصال شأفتهم ،و إبادة خضرائهم ،فما زاد على أن عفا و صفح ،و قال :ما تقولون
أن فاعل بكم ؟ قالوا :خيا ،أخ كري ،و ابن أخ كري ،فقال :أقول كما قال أخي يوسف :ل
تثريب عليكم اليوم يغفر ال لكم وهو أرحم الراحي ،اذهبوا فأنتم الطلقاء .و قال أنس :هبط ثانون
رجلً من التنعيم صلة الصبح ليقتلوا رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فأخذوا ،فأعقتهم رسول ال
صلى ال عليه و سلم ،فأنزل ال تعال :وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من
بعد أن أظفركم عليهم وكان ال با تعملون بصيا .و قال لب سفيان ـ و قد سيق إليه بعد أن جلب
إليه الحزاب ،و قتل عمه و أصحابه و مثل بم ،فعفا عنه ،و لطفه ف القول :ويك يا أبا سفيان !
أل يأن لك أن تعلم أن ل إله إل ال ؟ فقال :بأب أنت و أمي ! ما أحلمك و أوصلك و أكرمك ؟ .
و كان رسول ال صلى ال عليه و سلم أبعد الناس غضبا ،و أسرعهم رضا ،صلى ال عليه و سلم .
فصل
فصل
ف الشجاعة و النجدة
و أما الشجاعة و النجدة فالشجاعة فضيلة قوة الغضب و انقيادها للعقل ،و النجدة :ثقة النفس عند
استرسالا إل الوت حيث يمد فعلها دون خوف .
و كان صلى ال عليه و سلم منهما بالكان الذي ل يهل ،قد حضر الواقف الصعبة ،و فر الكماة و
البطال عنه غي مرة ،و هو ثابت ل يبح ،و مقبل ل يدبر و ل يتزحزح و ما شجاع إل و قد
أحصيت له فرة ،و حفظت عنه جولة ،سواه .
حدثنا أبو علي اليان فيما كتب ل ،قال :حدثنا القاضي سراج ،حدثنا أبو ممد الصيلي ،قال :
حدثنا أبو زيد الفقيه ،حدثنا ممد بن يوسف ،حدثنا ممد بن اساعيل ،حدثنا ابن بشار ،حدثنا
غندر ،حدثنا شعبة ،عن أب اسحاق :سع الباء و سأله رجل :أفررت يوم حني عن رسول ال صلى
ال عليه و سلم ؟ قال :لكن رسول ال صلى ال عليه و سلم ل يفر .
ث قال :لقد رأيته على بغلته البيضاء و أبو سفيان آخذ بلجامها ،و النب صلى ال عليه و سلم يقول :
أنا النب ل كذب ،و زاده غيه :أنا ابن عبد الطلب .
قيل :فما رئي يومئذ أحد كان أشد منه .
و قال غيه :نزل النب صلى ال عليه و سلم عن بغلته .
و ذكر مسلم ـ عن العباس ،قال :فلما التقى السلمون و الكفار ول السلمون مدبرين ،فطفق
رسول ال صلى ال عليه و سلم يركض بغلته نو الكفار ،و أنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أل تسرع ،
و أبو سفيان آخذ بركابه ،ث نادى :يا للمسلمي ...الديث .
و قيل :و كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا غضب ـ و ل يغضب ال ل يقم لغضبه شيء .و
قال :ابن عمر :ما رأيت أشجع ،ول أند ،ول أجود ،و ل أرضى ،و ل أفضل من رسول ال
صلى ال عليه و سلم .
و قال علي رضي ال عنه :إنا كنا إذا حي اليأس ـ و يروى :اشتد البأس ـ و احرت الدق اتقينا
برسول ال ،فما يكون أحد أقرب إل العدو منه و لقد رأيتن يوم بدر و نن نلوذ بالنب صلى ال عليه
و سلم ،و هو أقربنا إل العدو و كان من أشد الناس يومئذ بأسا .
و قيل :كان الشجاع هو الذي يقترب منه صلى ال عليه و سلم إذا دنا العدو ،لقربه منه .عن أنس :
كان النب صلى ال عليه و سلم أحسن الناس ،و أجود الناس ،و أشجع الناس ،لقد فزع أهل الدينة
ليلة ،فانطلق ناس قبل الصوت ،فتلقاهم رسول ال صلى ال عليه و سلم راجعا ،قد سبقهم إل
الصوت ،و استبق الب على فرس لب طلحة عرى ،و السيف [ ] 37ف عنقه ،و هو يقول :لن
تراعوا .
و قال عمران بن حصي :ما لقي رسول ال صلى ال عليه و سلم كتيبة إل كان أول من يضرب .
و لا رآه أب بن خلف يوم أحد و هو يقول :أين ممد ،ل نوت إن نا .
و قد كان يقول للنب صلى ال عليه و سلم ـ حي افتدى يوم بدر :عندي فرس أعلفها كل يوم فرفا
من ذرة أقتلك عليها .
فقال :له النب صلى ال عليه و سلم أنا أقتلك إن شاء ال .
فلما رآه يوم أحد شد أب على فرسه على رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فاعترضه رجال من
السلمي ،فقال النب صلى ال عليه و سلم :هكذا ،أي خلوا طريقه و تناول الربة من الارس بن
الصمة ،فانتفض با انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعراء عن ظهر البعي إذا انتفض ،ث استقبله النب صلى
ال عليه و سلم ،فطعنه ف عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا .
و قيل :بل كسر ضلعا من أضلعه ،فرجع إل قريش يقول :قتلن ممد ،و هم يقولون ل بأس بك .
فقال :لو كان ما ب بميع الناس لقتلهم ،أليس قد قال :أنا أقتلك ،و ال لو بصق علي لقتلن .
فمات بسرف ف قف ولم إل مكة .
فصل
فصل
و أما الشفقة و الرأفة و الرحة لميع اللق فقد قال ال تعال فيه :عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم
بالؤمني رؤوف رحيم [ سورة التوبة ، 9 /الية . ] 128 :
و قال تعال :وما أرسلناك إل رحة للعالي [ سورة النبياء ، 21 /الية . ] 107 :
قال بعضهم :من فضله عليه السلم أن ال تعال أعطاه اسي من أسائه ،فقال :بالؤمني رؤوف رحيم
.
و حكى نوه المام أبو بكر بن فورك .حدثنا الفقيه أبو ممد عبد ال بن ممد الشب بقراءت عليه ،
حدثنا إمام الرمي أبو علي الطبي ،حدثنا عبد الغافر الفارسي ،حدثنا أبو أحد اللودي ،حدثنا
إبراهيم بن سفيان ،حدثنا مسلم بن الجاج ،حدثنا أبو الطاهر ،أنبأنا يونس ،عن ابن شهاب ،قال
:غزا رسول ال صلى ال عليه و سلم غزوة ،و ذكر حنينا ،قال :فأعطى رسول ال صلى ال عليه و
سلم صفوان بن أمية مائة من النعم ،ث مائة ،ث مائة .
قال ابن شهاب ،حدثنا سعيد بن السيب أن صفوان قال :و ال لقد أعطان ما أعطان و إنه لبغض
اللق إل ،فما زال يعطين حت إنه لحب اللق إل .
و روي أن أعرابيا جاءه يطلب منه شيئا ،فأعطاه ،ث قال :أحسنت إليك ؟ .قال العراب :ل ،و ل
أجلت .
فغضب السلمون و قاموا إليه ،فأشار إليهم أن كفوا ،ث قام و دخل منله ،و أرسل إليه ،و زاده
شيئا ،ث قال [ :أحسنت إليك ؟ ] قال :نعم ،فجزاك ال من أهل و عشية خيا .
فقال له النب صلى ال عليه و سلم :إنك قلت ما قلت و ف أنفس أصحاب من ذلك شيء ،فإن
أحببت فقل بي أيديهم ما قلت بي يدي حت يذهب ما ف صدورهم عليك .
قال :نعم .فلما كان الغد أو العشي جاء ،فقال صلى ال عليه و سلم :إن هذا العراب قال ما قال ،
فزدناه أنه رضي ،أكذلك ؟ قال :نعم ،فجزاك ال من أهل و عشية خيا .
فقال صلى ال عليه و سلم :مثلي و مثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه ،فاتبعها الناس فلم يزيدوها
إل نفورا ،فناداهم صاحبها :خلوا بين و بي ناقت ،فإن أرفق با منكم و أعلم ،فتوجه لا بي
يديها ،فأخذ لا من قمام الرض ،فردها حت جاءت و استناخت ،و شد عليها رحلها ،و استوى ،
و إن لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار .
و روي عنه أنه صلى ال عليه و سلم قال :ل يبلغن أحد منكم عن أحد من أصحاب شيئا ،فإن أحب
أن أخرج إليكم و أنا سليم الصدر .
و من شفقته على أمته عليه السلم تفيفه و تسهيله عليهم ،و كراهته أشياء مافة أن تفرض عليهم ،
كقوله :لول أن أشق على أمت لمرتم بالسواك مع كل وضوء .
و خي صلة الليل .
و نيهم عن الوصال .
و كراهته دخول الكعبة لئل يعنت أمته .
و رغبته لربه أن يعل سبه و لعنه لم رحة بم
و أنه كان يسمع بكاء الصب فيتجوز ف صلته .
و من شفقته صلى ال عليه و سلم [ ] 40أن دعا ربه و عاهده ،فقال :أيا رجل سببته أو لعنته
فاجعل ذلك له زكاة و رحة ،و صلة و طهورا ،و قربة تقربه با إليك يوم القيامة .
و لا كذبه قومه أتاه جبيل عليه السلم ،فقال له :إن ال تعال قد سع قول قومك لك ،و ما ردوا
عليك ،و قد أمر ملك البال لتأمره با شئت فيهم ،فناداه ملك البال و سلم عليه ،و قال :مرن با
شئت ،و إن شئت أن أطبق عليهم الخشبي .
قال النب صلى ال عليه و سلم :بل أرجو أن يرج ال من أصلبم من يعبد ال وحده و ل يشرك به
شيئا .
و روى أبن النكدر أن جبيل عليه السلم قال الن ب صلى ال عليه و سلم :إن ال تعال أمر السماء و
الرض و البال أن تطيعك .فقال :أؤخر عن أمت لعل ال أن يتوب عليهم .
قالت عائشة :ما خي رسول ال صلى ال عليه و سلم بي أمرين إل اختار أيسرها .
و قال ابن مسعود رضي ال عنه :كان رسول ال صلى ال عليه و سلم يتخولنا بالوعظة مافة السآمة
علينا .
و عن عائشة أنا ركبت بعيا و فيه صعوبة ،فجعلت تردده ،فقال رسول ال صلى ال عليه و سلم :
عليك بالرفق .
فصل
فصل
و أما عدله صلى ال عليه و سلم و أمانته و عفته و صدق لجته ـ فكان صلى ال عليه و سلم آمن
الناس ،و أعدل الناس ،و أعف الناس ،و أصدقهم لجة منذ كان ،اعترف له بذلك مادوه و عداه .
و كان يسمى قبل نبوته المي .
قال ابن اسحاق :كان يسمى المي با جع ال فيه من الخلق الصالة .
و قال تعال :مطاع ث أمي :أكثر الفسرين على أنه ممد صلى ال عليه و سلم .
و لا اختلف قريش و تازبت عند بناء الكعبة فيمن يضع الجر حكموا أول داخل عليهم ،فإذا النب
صلى ال عليه و سلم داخل ـ و ذلك قبل نبوته ،فقالوا :هذا ممد المي قد رضينا به .
و عن الربيع بن خثيم :كان يتحاكم إل رسول ال صلى ال عليه و سلم ف الاهلية قبل السلم .
و قال صلى ال عليه و سلم :و ال إن لمي ف السماء أمي ف الرض .
حدثنا أبو علي الصدف الافظ بقرائت عليه ،حدثنا أبو الفضل بن خيون ،حدثنا أبو يعلى ابن زوج
الرة ،حدثنا أبو علي السنجي ،حدثنا ممد بن مبوب الروزي ،حدثنا أبو عيسى الافظ ،حدثنا أبو
كريب ،حدثنا معاوية بن هشام ،عن سفيان ،عن أب اسحاق ،عن ناجية بن كعب ،عن علي ـ أن
أبا جهل قال للنب صلى ال عليه و سلم :إنا ل نكذبك ،و لكن نكذب با جئت به ،فأنزل ال تعال
:فإنم ل يكذبونك ولكن الظالي بآيات ال يحدون [ سورة النعام ، 7 /الية . ] 33 :
و روى غيه :ل نكذبك و ل أنت فينا بكذب .
و قيل :إن الخنس بن شريق لقي أبا جهل يوم بدر ،فقال له :يا أبا الكم ليس هنا غيي و غيك
يسمع كلمنا ،تبن عن ممد ،صادق هو أو كاذب ؟ فقال أبو جهل :و ال إن ممدا لصادق و ما
كذب ممد قط .
و سأل هرقل عن أبا سفيان ،فقال :هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قال :ل .
و قال النضر بن الارس لقريش :قد كان ممد فيكم غلما حدثا ،أرضاكم فيكم ،و أصدقكم
حديثأً ،و أعظمكم أمانة حت [ ] 43إذا رأيتم ف صدغيه الشيب ،و جاءكم با جاءكم به قلتم :
ساحر .ل ،و ال ،ما هو بساحر .
و ف الديث عنه :ما لست يده امرأة قط ل يلك رقها .
و ف حديث علي ـ ف وصفه صلى ال عليه و سلم :أصدق الناس لجة .
و قال ف الصحيح :و يكى ! فمن يعدل إن ل أعدل ،خبت و خسرت إن ل أعدل .
قالت عائشة :ما خي رسول ال صلى ال عليه و سلم ف أمرين إل اختار أيسرها ما ل يكن إثا ،فإن
كان إثا كان أبعد الناس منه .
قال أبو العباس البد :قسم كسرى أيامه ،فقال :يصلح يوم الريح للنوم ،و يوم الغيمه للصيد ،و يوم
الطر للشرب و اللهو ،و يوم الشمس للحوائج .
قال ابن خالوية :ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم ،يعلمون ظاهرا من الياة الدنيا و هم عن الخرة
غافلون ،و لكن نبينا صلى ال عليه و سلم جزء ناره ثلث أجزاء ،جزءا ل ،و
جزءا لهله ،و جزءا لنفسه ث جزء جزأه بينه و بي الناس ،فكان يستعي بالاصة على العامة ،و
يقول :أبلغوا حاجة من ل يستطيع إبلغي ،فإنه من أبلغ حاجة من ل يستطيع إبلغها آمنه ال يوم
الفزع الكب .
و عن السن كان رسول ال صلى ال عليه و سلم ل يأخذ أحدا بقرف أحد ،و ل يصدق أحدا على
أحد .
و ذكر أبو جعفر الطبي عن علي عنه صلى ال عليه و سلم :ما همت بشيء ما كان أهل الاهلية
يعملون به غي مرتي ،كل ذلك يول ال بين و بي ما أريد من ذلك ،ث ما همت بسوء حت أكرمن
ال برسالته ،قلت ليلة لغلم كان يرعى معي :لو أبصرت ل غنمي حت أدخل مكة فأسر با كما
يسمر الشباب .
فخرجت كذلك حت جئت أول دار من مكة سعت عزفا بالدفوف و الزامي لعرس بعضهم .فجلست
أنظر ،فضرب على أذن فنمت ،فما أيقظن إل مس الشمس ،فرجعت و ل أقض شيئا .ث عران مرة
أخرى مثل ذلك ،ث ل أهم بعد ذلك بسوء .
فصل
وقاره صلى ال عليه و سلم ،و صمته ،و تؤدته و حسن هديه
و أما وقاره صلى ال عليه و سلم و صمته و تؤدته و مروءته و حسن هديه فحدثنا أبو علي اليان
الافظ إجازة ،و عارضت بكتابه ،قال :حدثنا أبو العابس الدلئي ،أنبئنا أبو ذر الروي ،أخبنا أبو
عبد ال الوراق ،حدثنا اللؤلؤي ،حدثنا أبو داود ،حدثنا عبد الرحن بن سلم ،حدثنا حجاج بن
ممد ،عن عبد الرحن ابن أب الزناد عن عمر بن عبد العزيز بن وهيب :سعت خارجة بن زيد يقول :
كان النب صلى ال عليه و سلم أوقر الناس ف ملسه ،ل يكاد يرج شيئا من أطرافه .
و روى أبو سعيد الدري :كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا جلس ف ملس احتب بيديه ،و
كذلك كان أكثر جلوسه ل متبيا .
و عن جابر بن سرة أنه تربع ،و ربا جلس القرفصاء ،و هو ف حديث قيلة ،و كان كثي السكوت ل
ل ل فضول يتكلم ف غي حاجة ،يعرض عمن تكلم بغي جيل ،و كان ضحكه تبسما ،و كلمه فص ً
و ل تقصي ،و كان ضحك أصحابه عنده التبسم ،توقيا له ،و اقتداء به .ملسه ملس حلم و حياء
[ ، ] 44و خي و أمانة ل ترفع فيه الصوات ،و ل تؤبن فيه الرم ،إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنا
على رؤوسهم الطي .
و ف صفته :يطو تكفؤا ،و يشي هونا كأنا ينحط من صبب .
و ف الديث الخر :إذا مشى مشى متمعا ،يعرف ف مشيته أنه غي غرض و ل وكل ،أي غي
ضجر و كسلن .
و قال عبد ال بن مسعود :إن أحسن الدى هدي ممد صلى ال عليه و سلم .
و عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما :كان ف كلم رسول ال صلى ال عليه و سلم ترتيل أو
ترسيل .
قال ابن أب هالة :كان سكوته على أربع :على اللم ،و الذر ،و التقدير و التفكر .
قالت عائشة :كان رسول ال صلى ال عليه و سلم يدث حديثا لو عده العاد أحصاه .
و كان صلى ال عليه و سلم يب الطيب و الرائحة السنة ،و يستعملها كثيا ،و يض عليهما ،و
يقول :حبب إل من دنياكم النساء ،و جعلت قرة عين ف الصلة .
و من مروءته صلى ال عليه و سلم نيه عن النفخ ف الطعام و الشراب ،و المر بالكل ما يلي ،و
المر بالسواك ،و إنقاء الباجم و الرواجب ،و استعمال خصال الفطرة .
فصل
زهده ف الدنيا
و أما زهده ف الدنيا فقد تقدم من الخبار أثناء هذه السية ما يكفي .و حسبك من تقلله منها ،و
اعراضه عن زهرتا ،و قد سيقت و قد سيقت إليه بذافيها ،و ترادفت عليه فتوحها إل أن توف صلى
ال عليه و سلم و درعه مرهونة عند يهودي ف نفقة عياله ،و هو يدعو و يقول :اللهم اجعل رزق آل
ممد قوتا .
حدثنا سفيان بن العاصي ،و السي بن ممد الافظ ،و القاضي أ أبو عبد ال التيمي ،قالوا :حدثنا
أحد بن عمر ،قال :حدثنا أبو العباس الرازي ،قال حدثنا أبو أحد اللودي ،حدثنا ابن سفيان ،
حدثنا أبو حسي مسلم بن الجاج ،حدثنا أبو بكر بن أب شيبة ،حدثنا أبو معاوية عن العمش ،عن
إبراهيم ،عن السود ،عن عائشة ،قالت :ما شبع رسول ال صلى ال عليه و سلم ثلثة أيام تباعا من
خبز حت مضى لسبيله .
و ف رواية أخرى :من خبز شعي يومي متواليي ،و لو شاء ال لعطاه ما ل يطر ببال .
و ف رواية أخرى :ما شبع آل رسول ال صلى ال عليه و سلم من خبز بر حت لقي ال تعال .
قالت عائشة :ما ترك رسول ال صلى ال عليه و سلم دينارا و ل درها و ل شاة و ل بعيا .
و ف حديث عمرو بن الارث :ما ترك إل سلحه و بغلته و أرضا جعلها صدقة .
قالت عائشة :و لقد مات و ما ف بيت شيء يأكله ذو كبد إل شطر شعي ف رف ل .
و قال ل :إن عرض علي أن تعل ل بطحاء مكة ذهبا .فقلت :ل ،يا رب ،أجوع يوما و أشبع
يوما ،فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك و أدعوك ،و أما اليوم الذي أشبع فيه فأحدك و أثن
عليك .
و ف حديث آخر أن جبيل نزل عليه ،فقال له :إن ال تعال يقرئك السلم ،و يقول لك :أتب أن
أجعل هذه البال ذهبا ،و تكون معك حيثما كنت ،فأطرق ساعة ،ث قال :يا جبيل ،إن الدنيا دار
من ل دار له ،و مال من ل مال له ،قد يمعها من ل عقل له .
فقال له جبيل :ثبتك ال يا ممد بالقول الثابت .
و عن عائشة قالت :إن كنا آل ممد لنمكث شهرا ما نستوقد نارا ،إن هو إل التمر و الاء .
و عن عبد الرحن بن عوف :هلك رسول ال صلى ال عليه و سلم [ ، ] 45و ل يشبع هو و أهل
بيته من خبز الشعي .
و عن عائشة و أب أمامة ،و ابن عباس نوه .
قال ابن عباس :كان صلى ال عليه و سلم يبيت هو و أهله الليال التتابعة طاويا ل يدون عشاء .
و عن أنس :ما أكل رسول ال صلى ال عليه و سلم على خوان و ل ف سكرجة ،و ل خبز له
مرقق ،و ل رأى شاة سيطا قط .
و عن عائشة :إنا كان فراشه الذي ينام عليه أدما حشوه ليف .
و عن حفصة قالت :كان فراش رسول ال صلى ال عليه و سلم ف بيته مسحا نثنيه ثنيتي ،فينام
عليه ،فثنيناه له ليلة بأربع ،فلما أصبح قال :ما فرشتم ل الليلة ؟ فذكرنا ذلك له ،فقال :ردوه باله
فإن وطأته منعتن الليلة صلت .
و كان صلى ال عليه و سلم ينام أحيانا على سرير مرمول بشريط حت يؤثر ف جنبه .
و عن عائشة قالت :ل يتلىء جوف النب صلى ال عليه و سلم شبعا قط و ل يبث شكوى إل أحد و
كانت الفاقة أحب إليه من الغن ،و إن كان ليظل جائعا يلتوي طول ليلته من الوع فل ينعه صيام
يومه ،و لو شاء سئل ربه جيع كنوز الرض و ثارها و رغد عيشها ،و لقد كنت أبكي له رحة ما
أرى به ،و أمسح بيدي على بطنه ما به من الوع ،و أقول :نفسي لك الفداء ،و لو تبلغت من
الدنيا با يقوتك ! فيقول :يا عائشة ،ما ل و للدنيا ،إخوان من أول العزم من الرسل صبوا على ما
هو أشد من هذا ،فمضوا على حالم ،فقدموا على ربم ،فأكرم مآبم ،و أجزل ثوابم :فأجدن
أستحيي إن ترفهت ف معيشت أن يقصر ب غدا دونم ،و ما من شيء هو أحب إل من اللحوق
بإخوان و أخلئي .
قالت :فما أقام بعد إل شهرا حت توف صلى ال عليه و سلم .
فصل
خوفه ربه ،و طاعته له ،و شدة عبادته
و أما خوفه ربه ،و طاعته له ،و شدة عبادته ،فعلى قدر علمه بربه ،و لذلك قال فيما حدثناه أبو
ممد بن عتاب قراءة من عليه .قال :حدثنا أبو القاسم الطرابلسي ،حدثنا أبو السن القابسي ،حدثنا
أبو زيد الروزي ،حدثنا أبو عبد ال الفربري ،حدثنا ممد بن إساعيل ،حدثنا يي بن بكي ،عن
الليث ،عن عقيل ،عن ابن شهاب ،عن سعيد بن السيب ـ أن أبا هريرة كان يقول :قال رسول ال
صلى ال عليه و سلم :لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلً و لبكيتم كثيا .
زاد ف روايتنا ،عن أب عيسى الترمذي ـ رفعه إل أب ذر :إن أرى ما ل ترون ،و أسع ما ل
تسمعون ،أطت السماء و حق لا أن تئط ،ما فيها موضع أربع أصابع إل و ملك واضع جبهته ساجدا
ل ،و ال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلً و لبكيتم كثيا ،و ما تلذذت بالنساء على الفرش ،و
لرجتم إل الصعدات تأرون إل ال ،لوددت أن شجرة تعضد .
روي هذا الكلم :وددت أن شجرة تعضد ـ من قول أب ذر نفسه ،و هو أصح .
و ف حديث الغية :صلى رسول ال صلى ال عليه و سلم حت انتفخت قدماه .
و ف رواية :كان يصلى حت ترم قدماه ،فقيل له :أتكلف هذا و قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما
تأخر .قال :أفل أكون عبدا شكورا ؟ .
و نوه عن أب سلمى و أب هريرة .
و قالت عائشة :كان عمل رسول ال صلى ال عليه و سلم دية ،و أيكم يطيق [ ] 46ما كان يطيق
!.
و قالت :كان يصوم حت نقول :ل يفطر .و يفطر حت نقول :ل يصوم .
و نوه عن ابن العباس ،و أم سلمى ،و أنس .
و قالت :كنت ل تشاء أن تراه من الليل مصليا إل رأيته مصليا ،و ل نائما إل رأيته نائما .
و قال عوف بن مالك :كنت مع رسول ال صلى ال عليه و سلم ليلة فاستاك ث توضأ ،ث قام
يصلي ،فقمت معه ،فبدأ فاستفتح البقرة ،فل ير بآية رحة إل وقف فسأل ،و ل ير بآية عذاب إل
وقف فتعوذ ،ث ركع ،فمكث بقدر قيامه ،يقول :سبحان ذي البوت و اللكوت و العظمة ،ث
سجد و قال مثل ذلك ،ث قرأ آل عمران ،ث سورة سورة ،يفعل مثل ذلك .
و عن حذيفة مثله ،و قال سجد نوا من قيامه ،و جلس بي السجدتي نوامنه ،و قال :حت قرأ
البقرة ،و آل عمران ،و النساء ،و الائدة .
و عن عائشة :قام رسول ال صلى ال عليه و س ل بأية من القرأن ليلة .
و عن عبد ال بن الشخي :أتيت رسول ال صلى ال عليه و سلم و هو يصلي ،و لوفه أزيز كأزيز
الرجل .
و قال أبن أب هالة :كان رسول ال صلى ال عليه و سلم متواصل الحزان ،دائم الفكرة ،ليست له
راحة .
فقال عليه السلم :إن لستغفر ال ف اليوم مائة مرة و روي سبعي مرة .
و عن علي رضي ال عنه ،قال :سألت رسول ال صلى ال عليه و سلم عن سنته ،فقال :العرفة
رأسال ،و العقل أصل دين ،و الب أساسي ،و الشوق مركب ،و ذكر ال أنيسي ،و الثقة كني ،
و الزن رفيقي ،و العلم سلحي ،و الصب ردائي ،و الرضا غنيمت ،و العجز فخري ،و الزهد
حرفت ،و اليقي قوت ،و الصدق شفيعي ،و الطاعة حسب ،و الهاد خلقي ،و قرة عين ف الصلة
.
و ف حديث آخر :و ثرة فؤادي ف ذكره ،و غمي لجل أمت ،و شوقي إل رب .
فصل
تفضيل ال بعض النبياء على بعض
اعلم وفقنا ال و إياك أن صفات جيع النبياء صلوات ال عليهم ،من كمال اللق ،و حسن الصورة ،
و شرف النسب ،و حسن اللق ،و جيع الحاسن ،هي هذه الصفة ،لنا صفات الكمال ،و
الكمال و التمام البشري و الفضل الميع لم صلوات ال عليهم ،إذ رتبتهم أشرف الرتب ،و درجاتم
أرفع الدرجات ،و لكن فضل ال بعضهم على بعض ،قال ال تعال :تلك الرسل فضلنا بعضهم على
بعض .و قال :ولقد اخترناهم على علم على العالي [ سورة الدخان ، 44 /الية . ] 32 :
و قد قال عليه السلم :إن أول زمرة يدخلون النة على صورة القمر ليلة البدر .
ث قال آخر الديث :على خلق رجل واحد ،على صورة ،أبيهم آدم ،طوله ستون ذراعا ف السماء .
و ف حديث أب هريرة :رأيت موسى فإذا هو رجل ضرب ،رجل ،أقن كأنه من رجال شنوءة و
رأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة ،كثي خيلن الوجه ،أحر كأنا خرج من دياس .
و ف حديث آخر :مبطن مثل السيف ،قال :و أنا أشبه ولد إبراهيم به .
و قال ف حديث آخر ف صفة موسى :كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال .
و ف حديث أب هريرة ،عنه صلى ال عليه و سلم :ما بعث ال تعال من بعد لوط نبيا إل ف ذروة من
قومه .
و يروى [ : ] 47ف ثروة ،أي كثرة و منعة .
و حكى الترمذي ،عن قتادة ،و رواه الدار قطن من حديث قتادة عن أنس :ما بعث ال نبيا حسن
الوجه ،حسن الصوت ،و كان نبيكم أحسنهم وجها ،و أحسنهم صوتا .
و ف حديث هرقل :و سألتك عن نسبه ،فذكرت أنه فيكم ذو نسب ،و كذلك الرسل تبعث ف
أنساب قومها .
و قال تعال ف أيوب :إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب .
و قال تعال :يا يي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الكم صبيا * وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا * وبرا
بوالديه ول يكن جبارا عصيا * وسلم عليه يوم ولد ويوم يوت ويوم يبعث حيا [ سورة مري ، 19 /اليات
. ] 15 ، 12 :
و قال :أن ال يبشرك بيحي مصدقا بكلمة من ال وسيدا وحصورا ونبيا من الصالي [ سورة آل
عمران ، 3 /الية . ] 39 :
و قال :إن ال اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالي * ذرية بعضها من بعض وال
سيع عليم [ سورة آل عمران ، 3 /اليات . ] 34 ، 33 :
و قال ـ ف نوح :إنه كان عبدا شكورا [ سورة السراء ، 17 /الية . ] 3 :
و قال :إن ال يبشرك بكلمة منه اسه السيح عيسى ابن مري وجيها ف الدنيا والخرة ومن القربي *
ويكلم الناس ف الهد وكهل ومن الصالي .
و قال :إن عبد ال آتان الكتاب وجعلن نبيا * وجعلن مباركا أين ما كنت وأوصان بالصلة والزكاة
ما دمت حيا [ سورة مري ، 19 /الية . ] 30 :
و قال تعال :يا أيها الذين آمنوا ل تكونوا كالذين آذوا موسى فبأه ال ما قالوا وكان عند ال وجيها [
سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 69 :
قال النب صلى ال عليه و سلم :كان موسى رجلً حييا ستيا ما يرى من جسده شيء استحياء .
الديث .
و قال تعال ـ عنه :فوهب ل رب حكما وجعلن من الرسلي .
و قال ف وصف جاعة منهم :إن لكم رسول أمي [ سورة الشعراء ، 26 /الية . ] 107 :
و قال :إن خي من استأجرت القوي المي [ سورة القصص ، 28 /الية . ] 26 :
و قال :فاصب كما صب أولو العزم من الرسل [ سورة الحقاف ، 46 /الية . ] 35 :
و قال :ووهبنا له إسحاق ويعقوب كل هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب
ويوسف وموسى وهارون وكذلك نزي ال مسني * وزكريا ويي وعيسى وإلياس كل من الصالي
* وإساعيل واليسع ويونس ولوطا وكل فضلنا على العالي * ومن آبائهم وذرياتم وإخوانم واجتبيناهم
وهديناهم إل صراط مستقيم * ذلك هدى ال يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لبط عنهم ما
كانوا يعملون * أولئك الذين آتيناهم الكتاب والكم والنبوة فإن يكفر با هؤلء فقد وكلنا با قوما
ليسوا با بكافرين * أولئك الذين هدى ال فبهداهم اقتده [ سورة النعام ، 6 /اليات . ] 90 ، 84 :
فوصفهم بأوصاف جة من الصلح و الدى و الجتباء و الكم و النبوة .
و قال :فبشرناه بغلم حليم و عليم .
و قال ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كري * أن أدوا إل عباد ال إن لكم رسول أمي
[ سورة الدخان ، 44 /الية . ] 18 ، 17 :
و قال :ستجدن إن شاء ال من الصابرين [ سورة الصافات ، 37 /الية . ] 102 :
و قال ـ ف إساعيل ـ :إنه كان صادق الوعد وكان رسول نبيا * وكان يأمر أهله بالصلة والزكاة
وكان عند ربه مرضيا [ سورة مري ، 19 /الية . ] 55 ، 54 :
و ف موسى :إنه كان ملصا [ سورة مري ، 19 /الية . ] 51 :
و ف سليمان :نعم العبد إنه أواب [سورة ص ، 38 /الية . ] 44 ، 30 :
و قال :واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أول اليدي والبصار * إنا أخلصناهم بالصة ذكرى
الدار * وإنم عندنا لن الصطفي الخيار .
و ف داود :إنه أواب [ سورة 38 /الية . ] 17 :
ث قال :وشددنا ملكه وآتيناه الكمة وفصل الطاب .
و قال ـ عن يوسف :اجعلن على خزائن الرض إن حفيظ عليم .
و ف موسى :ستجدن إن شاء ال صابر [ سورة الكهف ، 18 /الية . ]69 :
[ و قال تعال ـ عن شعيب ـ :ستجدن إن شاء ال من الصالي ]
و قال :وما أريد أن أخالفكم إل ما أناكم عنه إن أريد إل الصلح ما استطعت [ سورة هود ،11 ، /
الية . ] 88 :
و قال :ولوطا آتيناه حكما وعلما [ سورة النبياء ، 21/الية . ] 74 :
و قال :إنم كانوا يسارعون ف اليات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعي [ سورة النبياء ، 21/
الية . ] 90:
قال سفيان :هو الزن الدائم .
ف آي كثية ،ذكر فيها من خصالم و ماسن أخلقهم الدالة على كمالم .
و جاء من ذلك ف الحاديث كثي ،كقوله [ :إنا الكري ابن ا لكري ابن الكري ابن الكري ،يوسف
بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ،نب ابن نب ابن نب ابن نب ] .
و ف حديث أنس [ :و كذلك النبياء تنام أعينهم و ل تنام قلوبم ] .
و روى أن سليمان كان مع ما أعطي من اللك ليرفع بصره إل السماء تشعا و تواضعا ال تعال .
و كان يطعم الناس لذائد الطعمة و يأكل خبز الشعي .
و أوحى ال إليه :يا رأس العابدين ،و ابن مجة الزاهدين .
و كانت العجوز تعترضه ـ و هو على الريح ف جنوده ،فيأمر الريح فتقف فينظر ف حاجتها و يضي .
و قيل ليوسف :مالك توع و أنت على خزائن الرض ؟ أخاف أن أشبع فأنسى الائع [. ]48
و روى أبو هريرة عنه صلى ال عليه و سلم :خفف على داود القرآن ،فكان يأمر بدوابه ،فتسرج ،
فيقرأ القرآن قبل أن تسرج ،و ل يأكل إل من عمل يده .
قال ال تعال :وألنا له الديد * أن اعمل سابغات وقدر ف السرد .
و كان سأل ربه أن يرزقه عملً بيده يغنيه عن بيت الال .
و قال عليه السلم :أحب الصلة إل ال صلة داود ،وأحب الصيام إل ال صيام داود :كان ينام
نصف الليل ،و يقوم ثلثه ،و ينام سدسه ،و يصوم يوما و يفطر يوما و كان ي لبس الصوف ،و
يفترش الشعر ،و يأكل خبز الشعي باللح والرماد ،و يزج شرابه بالدموع ،و ل ير ضاحكا بعد
الطيئة ،ول شاخصا ببصره إل السماء ،حياء من ربه ،و ل يزل باكيا حياته كلها .
و قيل :بكى حت نبت العشب نت دموعه ،و حت اتذت الدموع ف خذه أخدودا .
و قيل :كان يرج متنكرا يتعرف سيته ،فيستمع الثناء عليه ،فيزداد تواضعا .
و قيل لعيسى عليه السلم :لو اتذت حارا .قال :أنا أكرم على ال من أن يشغلن بمار .
و كان يلبس الشعر ،و يأكل الشجر ،و ل يكن له بيت أينما أدركه النوم نام .
و كان أحب السامي إليه أن يقال له مسكي .
و قيل :إن موسى عليه السلم لا ورد ماء مدين كانت ترى خضرة البقل ف بطنه من الزال .
و قال عليه السلم :لقد كان النبياء قبلي يبتلي أحدهم بالفقر و القمل ،و كان ذلك أحب إليهم من
العطاء إليكم .
و قال عيسى عليه السلم ـ لنير لقيه :اذهب بسلم .فقيل له ف ذلك ،فقال :أكره أن أعود
لسان النطق بسوء .
و قال ماهد :كان طعام يي العشب .
و كان يبكي من شية ال حت اتذ الدمع مرى ف خده ،و كان يأكل من الوحش لئل يالط الناس .
و حكى الطبي ،عن وهب ،أن موسىكان يستظل بعريش ،و يأكل ف نقرة من حجر ،و يكرع
فيها إذا أراد أن يشرب كما تكرع الدابه ،تواضعا ل با أكرمه ال به من كلمه .
و أخبارهم ف هذا كله مسطورة ،و صفاتم ف الكمال و جيل الخلق ،و حسن الصور
و الشمائل معروفة مشهورة ،فل نطول با ،ول تلتفت إل ما تده ف كتب بعض جهلة الؤرخي و
الفسرين ما يالف هذا .
فصل
حديث جامع لوصفه
قد أتيناك ـ أكرمك ال ـ من ذكر الخلق الميدة ،و الفضائل الجيدة ،و خصال الكمال العديدة
،و أريناك صحتها له صلى ال عليه و سلم ،و جلينا من الثار ما فيه مقنع ،و المر أوسع ،فمجال
هذا الباب ف حقه صلى ال عليه و سلم متد ،تنقطع دون نفاده الدلء ،و بر علم خصائصه زاخر ل
تكدره الدلء ،لكنا أتينا فيه بالعروف ما أكثر ف الصحيح و الشهور من الصنفات ،و اقتصرنا ف
ذلك بقل من كل ،و غيض من فيض ،و رأينا أن نتم هذه الفصول بذكر حديث السن ،عن أب
هالة ،لمعه من شائله و أوصافه كثيا ،و إدماجه جلة كافيةً من سيه و فضائله ،و نصله بتنبيه
لطيف على غريبه و مشكله .
حدثنا القاضي أبو السن بن ممد الافظ ـ رحه ال ـ بقراءت عليه سنة ثان و خسمائة [ ، ] 49
قال :حدثنا المام أبو القاسم عبد ال بن طاهر التميمي قراء ًة عليه ،أخبكم الفقيه الديب أبو بكر
ممد بن عبد ال بن السن النيسابوري ،و الشيخ الفقيه أبو عبد ال ممد بن أحد بن السن الحمدي
،و القاضي أبو علي السن بن علي بن جعفر الوحشي ،قالوا :حدثنا أبو ا لقاسم علي بن أحد بن
ممد بن السن الزاعي ،أخبنا أبو سعيد اليثم بن كليب الشاشي ،أنبأنا أبو عيسى بن سورة الافظ
،قال :حدثنا سفيان بن وكيع ،حدثنا جيع بن عمر بن عبد الرحن العجلي إملءً من كتابه ،قال :
حدثن رجل من بن تيم من ولد أب هالة زوج خدية أم الؤمني رضي ال عنها ،يكن أبا عبد ال ،
عن ابن لب هالة ،عن السن بن علي أب طالب رحه ال ،قال :سألت خال هند بن أب هالة .
قال القاضي أبو علي رحه ال :و قرأت على الشيخ أب طاهر أحد بن السن ابن أحد بن خذاداذ
الكرجي الباقلن ،قال :و أجاز لنا الشيخ الجل أبو الفضل أحد ابن السي بن خيون ،قال :
حدثنا أبو علي السن بن أحد بن إبراهيم بن السن ابن ممد بن شاذان بن حرب بن مهران الفارسي
قراءةً عليه فأقر به ،قال :أخبنا أبو ممد السن بن ممد بن يي بن السن بن جعفر بن عبيد ال بن
السي بن علي ابن [ السي بن علي ] بن أب طالب العروف بابن أخي طاهر العلوي قال :حدثنا
إساعيل بن ممد بن إسحاق بن جعفر بن ممد بن علي بن السي بن علي بن أب طالب ،قا ل :
حدثن علي بن جعفر بن ممد بن علي بن السي ،عن أخيه موسى بن جعفر ،عن جعفر بن ممد ،
عن أبيه ممد بن علي ،عن علي بن السي ،قال :قال السن بن علي ـ و اللفظ لذا السند :
سألت خال هند بن أب هالة عن حلية رسول ال صلى ال عليه و سلم ـ و كان وصافا ـ و أنا أرجو
أن يصفع ل منها شيئا أتعلق به ،قال :
كان رسول ال صلى ال عليه و سلم فخما مفخما ،يتلل وجهه تلل القمر ليلة البدر ،أطول من
الربوع ،و أقصر من الشذب ،عظيم الامة ،رجل الشعر ،إن انفرقت عقيقته فرق ،و إل فل ياوز
شعره شحمة أذنه ،إذا هو وفره ،أزهر اللون ،واسع البي ،أزج الواجب ،سوابغ ،من غي قرن ،
بينهما عرق يدره الغضب ،أقن العرني ،له نور يعلوه ،و يسبه من ل يتأمله أشم ،كث اللحية ،
أدعج ،سهل الدين ،ضليع الفم أشنب ،مفلج السنان ،دقيق السربة ،كأن عنقه جيد دمية ف
صفاء الفضة ،معتدل الق ،بادنا ،متماسكا ،سواء البطن و الصدر ،مشيح الصدر ،بعيد ما بي
النكبي ضخم الكراديس ،أنور التجرد ،موصول ما بي اللبة و السرة بشعر يري كالظ ،عاري
الثديي ،م ا سوى ذلك ،أشعر الذراعي و النكبي و أعال الصدر ،طويل الزندين ،رحب الراحة ،
شئن الكفي و القدمي ،سائل الطراف ـ [ أو قال :سائن الطراف ] ،سبط العصب ،خصان
الخصي ،مسيح القدمي ،ينبو عنهما الاء ،إذا زال زال تقلعا ،و يطو تكفأً ،و يشي هونا ،ذريع
الشية ،إذا مشى كأنا ينحط من صبب ،و إذا التفت التفت جيعا ،خافض الطرف ،نظره إل الرض
أطول من نظره إل السماء ،جل نظره اللحظة ،يسوق أصحابه ] 50 [ ،و يبدأ من لقيه بالسلم .
قلت :صف ل منطقه .
قال :كان رسول ال صلى ال عليه و سلم متواصل الحزان ،دائم الفكرة ،ليست له راحة ،و ل
يتكلم ف غي حاجة ،طويل السكوت ،يفتتح الكلم و يتمه بأشداقه ،و يتكلم بوامع الكلم فصلً ،
ل فضول فيه و ل تقصي ،دمثا ليس بالاف و ل الهي ،يعظم النعمة و إن دقت ،ل يذم شيئا ،ل
يكن يذم ذواقا ،و ل يدحه ،و ل يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حت ينتصر له ،و ل يغضب
لنفسه و ل ينتصر لا ،إذا أشار أشار بكفه كلها ،و إذا تعجب قلبها و إذا تدث اتصل با ،فضرب
بإبامه اليمن راحته اليسرى ،و إذا غضب أعرض و أشاح ،و إذا فرح غض طرفه ،جل ضحكه
التبسم ،و يفتر عن مثل حب الغمام .
قال السن :فكتمتها السي :فكتمتها السي بن علي زمانا ،ث حدثته فوجدته قد سبقن إليه ،فسأل
أباه عن مدخل رسول ال صلى ال عليه و سلم و مرجه و ملسه و شكله ،فلم يدع منه شيئا .
قال السي :سألت أب عن دخول رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فقال :
كان دخوله لنفسه مأذونا له ف ذلك ،فكان إذا أوى إل منله جزأ دخوله ثلثة أجزاء :جزءا لهله ،
و جزؤا لنفسه ،جزأ جزأه بينه و بي الناس ،فيد ذلك على العامة بالاصة ،و ل يدخر عنهم شيئا ،
فكان من سيته ف جزء المة إيثار أهل الفضل بإذنه و قسمته على قدر فضلهم ف الدين ،منهم ذو
الاجة ،و منهم ذو الاجتي ،و منهم ذو الوائج ،فيتشاغل بم ،و يشغلهم فيما أصلحهم ،و المة
من مسألته عنهم و إخبارهم بالذي ينبغي لم ،و يقول :ليبلغ الشاهد منكم الغائب ،و أبلغون حاجة
من ل يستطيع إبلغي حاجته ،فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من ل يستطيع إبلغها ثبت ال قدميه يوم
القيامة .ل يذكر عنده إل ذلك ،و ل يقبل من أحد غيه .
و قال ف حديث سفيان بن وكيع :يدخلن روادا ،و ل يتفرقون إل عن ذواق ،و يرجون أدلة ـ
يعن فقهاء .
قلت :فأخبن عن مرجه كيف كان يصنع فيه ؟
قال :كان رسول ال صلى ال عليه و سلم يزن لسانه إل ما يعنيهم و يؤلفهم و ل يفرقهم ،يكرم
كري كل قوم ،و يوليه عليهم ،و يذر الناس ،و يترس منهم ،من غي أن يطوي عن أحد بشره و
خلقه ،و يتفقد أصحابه ،و يسأل الناس ،و يسن السن و يصوبه ،و يقبح القبيح و يوهنه ،معتدل
المر غي متلف ،ل يغفل مافة أن يغفلوا أو يلوا ،لكل حال عنده عتاد ،ل يقتصر عن الق ،و ل
ياوزه إل غيه ،الذي يلونه من الناس خيارهم ،و أفضلهم عند أعمهم نصيحة ،و أعظمهم عنده
منلة أحسنهم مواساة و موازرة .
فسألته عن ملسه :عما كان يصنع فيه .
فقال :كان رسول ال صلى ال عليه و سلم ل يلس و ل يقوم إل على ذكر ،و ل يوطن الماكن ،
و ينهى عن إيطانا ،و إذا انتهى إل قوم جلس حيث ينتهي به الجلس ،و يأمر بذلك ،و يعطي كل
جلسائه نصيبه حت ل يسب ،جليسه أن أحدا أكرم عليه فيه ،من جالسه أو قاومه لاجة صابره حت
[ ] 51يكون هو النصرف عنه .
من سأله حاجة ل يرده إل با أو بيسور من القول .قد وسع ا لناس ،بسطه و خلقه ،فصار لم أبا ،
و صاروا عنده ف الق سواء ،متقاربي متفاضلي فيه التقوى .
و ف الرواية الخرى :صاروا عنده ف الق سواء ،ملسه ملس حلم و حياء ،و صب و أمانة ،ل
ترفع فيه الصوات ،و ل تؤبن فيه الرم ،و ل تثن فلتاته ،و هذه الكلمة ،من غي الروايتي .
يتعاطون فيه بالتقوى متواصفي ،يوقرون فيه الكبي ،و يرحون الصغي ،و يرفدون ذا الاجة ،و
يرحون الغريب .
فسألته عن سيته صلى ال عليه و سلم ف جلسائه .
فقال :كان رسول ال صلى ال عليه و سلم دائم البشر ،سهل اللق ،لي الانب ،ليس بفظ و ل
غليظ ،و ل سخاب ،و ل فحاش ،و ل عياب و ل مداح ،يتغافل عما ل يشتهي و ل يوئس منه ،
قد ترك نفسه من ثلث :الرياء ،و الكثار ،و ما ل يعنيه ،و ترك الناس من ثلث :كان ل يذم
أحدا ،و ل يعيه ،و ل يطلب عورته ،و ل يتكلم إل فيما يرجو ثوابه ،إذا تكلم أطرق جلساؤه
كأنا على رؤسهم الطي ،إذا سكت تكلموا ،ل يتنازعون عنده الديث .من تكلم عنده أنصتوا له
حت يفرغ ،حديثهم حديث أولم ،يضحك ما يضحكون منه ،و يتعجب ما يتعجبون منه ،و يصب
للغريب على ال جفوة ف النطق ،و يقول :إذا رأيتم صاحب الجة يطلبها فأرفدوه ،و ل يطلب الثناء
إل من مكافء ،و ل يقطع على أحد حديثه حت يتجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام .
هنا انتهى حديث سفيان بن وكيع .
و زاد الخر :كيف كان سكوته صلى ال عليه و سلم ؟
قال :كان سكوته على أربع :اللم ،و الذر ،و التقدير ،و التفكي .فأما تقديره ففي تسوية النظر
و الستماع بي الناس ،و أما تفكره ففيما يبقى و يفن .
و جع له اللم صلى ال عليه و سلم ف الصب ،فكان ل يغضبه شيء يستفزه ،و جع له ف الذر أربع
:أخذه بالسن ليقتدى به ،و تركه القبيح لينتهى عنه ،و اجتهاد الرأي با أصلح أمته ،و القيام لم با
جع أمر الدنيا و الخرة .
انتهى الوصف بمد ال و عونه .
فصل
ف تفسي غريب هذا الديث و مشكله
قوله :الشذب ،أي البائن الطول ف نافة ،و هو مثل قوله ف الديث الخر :ليس بالطويل المغنط .
الفصل الول
فيما ورد من ذكر مكانته عند ربه ،و الصطفاء ،و رفعه الذكر ،و التفضيل و سيادة
ولد آدم ،و ما خصه به ف الدنيا من مزايا الرتب وبركة اسه الطيب
131
أخبنا الشيخ أبو ممد عبد ال بن أحد العدل إذنا بلقظه ،قال :حدثنا أبو السن الفرغان ،حدستنا
أم القاسم بنت أب بكر بن يعقوب ،عن أبيها ،قال :حدثنا حات ـ هو ابن عقيل ،عن يي ـ هو
ابن إساعيل ،عن يي المان ،قال :حدثنا قيس ،عن العمش ،عن عباية بن ربعي ،عن ابن عباس
،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :إن ال قسم اللق قسمي ،فجعلن من خيهم قسما ،
فذلك قوله :أصحاب اليمي ،و أصحاب الشمال ،فأنا من أصحاب اليمي ،و أ نا خي أصحاب
اليمي .
ث جعل القسمي أثلثا ،فجعلن ف خيها ثلثا ،و ذلك قوله تعال :فأصحاب اليمنة .و أصحاب
الشأمة ،و السابقون السابقون ،فأن من السابقون ،و أنا خي السابقي ،ث جعل الثلث قبائل ،
فجعلن من خيها قبيلة ،و ذلك قوله :وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقاكم .
و ذكر مثل هذا ف بقية الذان ،إل أنه ل يذكر جوابا عن قوله :حي على الصلة ،حي على الفلح .
و قال [ :ث أخذ اللك بيد ممد ،فقدمه ،فأم أهل السماء ،فيهم آدم و نوح ] .
قال أبو جعفر ممد بن علي بن السي ،راويه :أكمل ال تعال لحمد صلى ال عليه و سلم الشرف
على أهل السموات و الرض .
قال القاضي ـ رضي ال عنه :ما ف هذا الديث من ذكر الجاب فهو ف حق الخلوق ل ف حق
الالق ،فهم الحجوبون ،و الباري جل اسه منه عما يجبه ،إذ الجب إنا تيط بقدر مسوس .و
لكن حجبه على أبصار خلقه و بصائرهم و إدراكاتم با شاء و كيف شاء ،و مت شاء ،كقوله تعال
:كل إنم عن ربم يومئذ لحجوبون [ سورة الطففي ، 83 /الية . ] 15 :
فقوله ف هذا الديث :الجاب ،و إذ خرج ملك من الجاب ـ يب أن يقال :إنه حجاب حجب
به من وراءه من ملئكته عن الطلع على ما دونه من سلطانه و عظمته ،و عجائب ملكوته و جبوته
.
و يدل عليه من الديث قول جبيل ـ عن اللك الذي خرج من ورائه :إن هذا اللك ما رأيته منذ
خلقت فبل ساعت هذه .
فدل على أن هذا الجاب ل يتص بالذات .
و يدل عليه قول كعب ف تفسي :سدرة النتهى قال :إليها ينتهي علم اللئ كة ،و عندها يدون أمر
ال ،ل ياوزها علمهم .
و أما قوله :الذي بلي الرحن فيحمل على حذف الضاف ،أي بلي عرش الرحن ،أو أمرا ما من
عظيم آياته ،أو مبادىء حقائق معارفه ،ما هو أعلم به ،كما قال تعال :واسأل القرية ،أي أهلها .
و قوله :فقيل من وراء الجاب :صدق [ ] 61عبدي ،أنا أكب فظاهره أنه سع ف هذا الوطن كلم
ال ،و لكن من وراء الجاب ،كما قال :وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من وراء
حجاب ،أي و هو ل يراه ،حجب بصره عن رؤيته .
فإن صح القول بأن ممدا صلى ال عليه و سلم رأى ربه ـ عز و جل ـ فيحتمل أنه ف غي هذا
الوطن بعد هذا أو قبله ،رفع الجاب عن بصره حت رآه .و ال أعلم .
فصل
هل كان السراء بالروح أو بالسد ؟
ث اختلف السلف و العلماء :هل كان إسراء بروحه أو جسده ؟ على ثلث مقالت :فذهبت طائفة
إل أنه إسراء بالروح ،و أنه رؤيا منام ،مع اتفاقهم أن رؤيا النبياء حق روحي ،و إل هذا ذهب
معاوية .
و حكى عن السن ،و الشهور عنه خلفه ،و إليه أشار ممد بن اسحاق ،و حجتهم قوله تعال :
وما جعلنا الرؤيا الت أريناك إل فتنة للناس .
و ما حكوا عن عائشة رضي ال عنها :ما فقدت جسد رسول ال صلى ال عليه و سلم .
و قوله :بينا أنا نائم .
و قول أنس :و هو نائم ف السجد الرام ...و ذكر القصة ،ث قال ف آخرها :فاستيقظت و أنا
بالسجد الرام .
وذهب معظم السلف و السلمي إل أنه إسراء بالسد و ف اليقظة ،و هذا هو الق ،و هو قول ابن
عباس ،و جابر ،و أنس ،و حذيفة ،و عمر ،و أب هريرة ،و مالك بن صعصعة ،و أب حبة البدري
،و ابن مسعود ،و الضحاك ،و سعيد بن جبي ،و قتادة ،و ابن السيب ،و ابن شهاب ،و ابن
زيد ،و السن ،و إبراهيم ،و مسروق ،و ماهد ،و عكرمة ،و ابن جريج ،و هو دليل قول عائشة
،و هو قول الطبي ،و ابن حنبل ،جا عة عظيمة من السلمي .و قول أكثر التأخرين من الفقهاء و
الحدثي و التكلمي و الفسرين .
و قالت طائفة :كان السراء بالسد يقظة إل بيت القدس ،و إل السماء بالروح ،و احتجوا بقوله
تعال :سبحان الذي أسرى بعبده ليل من السجد الرام إل السجد القصى ،فجعل [ فجعل إل
السجد القصى ] غاية السراء الذي وقع التعجب فيه بعظيم القدرة ،و التمدح بتشريف النب ممد ال
صلى ال عليه و سلم به ،و إظهار الكرامة له بالسراء إليه .
قال هؤلء :و لو كان السراء بسده إل زائد على السجد القصى لذكره ،فيكون أبلغ ف الدح .
ث اختلفت هذه الفرقتان :هل صلى ببيت القدس أم ل ؟
ففي حديث أنس وغيه ما تقدم من صلته فيه .و أنكر ذلك حذيفة بن اليمان ،و قال :و ال ما زال
عن ظهر الباق حت رجع .
قال القاضي و الق من هذا و الصحيح إن شاء ال ـ إنه إسراء بالسد و الروح ف القصة كلها ،و
عليه تدل الية ،و صحيح الخبار ،و العتبار ،و ل يعدل عن الظاهر و القيقة إل التأويل إل عند
الستحالة ،و ليس ف السراء بسده و حال يقظته استحالة ،إذ لو كان مناما لقال :بروح عبده ،و
ل يقل :بعبده .و قوله تعال :ما زاغ البصر وما طغى ،و لو كان مناما لا كانت فيه آية و ل معجزة
،و لا استبعده الكفار ،و ل كذبوه فيه ،و ل ارتد به ضعفاء من أسلم ،و افتتنوا به ،إذ مثل هذا من
النامات ل ينكر ،بل ل يكن منهم ذلك [ ] 62إل و قد علموا أن خبه إنا كان عن جسمه و حال
يقظته ،إل ما ذكر ف الديث من ذكر صلته بالنبياء ببيت القدس ف رواية أنس ـ أو ف السماء
على ما روي غيه و ذكر ميء جبيل له بالباق و خب العراج ،و استفتاح السماء ،فيقال :من معك
؟ فيقول :ممد ،و لقائه النبياء فيها ،و خبهم معه ،و ترحيبهم به ،و شأنه ف فرض الصلة و
مراجعته مع موسى ف ذلك .
و ف بعض هذه الخبار :فأخذ ـ يعن جبيل ـ بيدي فعرج ب إل السماء ...إل قوله :ث عرج ب
حت ظهرت بستوى أسع فيه صريف القلم و أنه وصل إل سدرة النتهى ،و أنه دخل النة ،و رأى
فيها ما ذكره .
قال ابن عباس :هي رؤيا عي رآها النب صلى ال عليه و سلم ل رؤيا منام .
و عن السن فيه :بينا أنا نائم ف الجر جاءن جبيل فهمزن بعقبة ،فقمت فجلست فلم أر شيئا ،
فعدت لضجعي ـ ذكر ذ لك ثلثا ،فقال ف الثالثة :فأخذ بعضدي فجرن إل باب السجد فإذا بدابة
.
و ذكر خب الباق .
و عن أم هانء :ما أسري برسول ال صلى ال عليه و سلم إل و هو ف بيت ،تلك الليلة صلى العشاء
الخرة ،و نام بيننا ،فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فلما صلى الصبح و
صلينا قال :يا أم هانء ،لقد صليت معكم العشاء الخرة كما رأيت بذا الوادي ،ث جئت بيت
القدس فصليت فيه ،ث صليت الغداة معكم الن كما ترون .
و هذا بي ف أنه بسمه .
و عن أب بكر من رواية شداد بن أوس عنه ـ قال النب صلى ال عليه و سلم ليلة أسرى به :
طلبتك يا رسول ال البارحة ف مكانك فلم أجدك .فأجابه :إن جبيل عليه السلم حلن إل السجد
القصى .
و عن عمر رضي ال عنه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :صليت ليلة أسري ب ف مقدم
السجد ،ث دخلت الصخرة فإذا بلك قائم معه آنية ثلث ..و ذكر الديث .
و هذه التصريات ظاهرة غي مستحيلة ،فتحمل على ظاهرها .
و عن أب ذر ،عنه صلى ال عليه و سلم :فرج سقف بيت و أنا بكة ،فنل جبيل ،فشرح صدري ،
ث غ سله باء زمزم ...إل آخر القصة ،ث أخذ بيدي ،فعرج ب .و عن أنس :أتيت فانطلق ب إل
زمزم ،فشرح عن صدري .
و عن أب هريرة رضي ال عنه :لقد رأيتن ف الجر ،و قريش تسألن عن مسراي ،فسألتن عن أشياء
ل أثبتها ،فكربت كربا ما كربت مثله قط ،فرفعه ال ل أنظر إليه .
و نوه عن جابر .
و قد روى عمر بن الطاب رضي ال عنه ف حديث السراء عنه صلى ال عليه و سلم أنه قال :ث
رجعت إلىخدية و ما تولت عن جانبها .
فصل
إبطال حجج من قال إنا نوم
احتجوا بقوله تعال :وما جعلنا الرؤيا الت أريناك إل فتنة للناس ،فسماها رؤيا ؟
قلنا :قوله سبحانه و تعال :الذي أسرى بعبده ـ يرده ،لنه ل يقال ف النوم :أسرى .
وقوله :فتنة للناس .يؤيد أنا رؤيا عي ،و إسراء بشخص ،إذ ليس ف اللم فتنة .و ل يكذب به
أحد ،لن كل أحد يرى مثل ذلك ف منامه من الكون ف سلعة واحدة ف أقطار متباينة [ . ] 63
على أن الفسرين قد اختلفوا ف هذه الية ،فذهب بعضهم إل أنا نزلت ف قضية الديبية ،و ما وقع
ف نفوس الناس من ذلك .و قيل غي هذا .
و أما قولم :إنه قد ساها ف الديث مناما .
و قوله ف حديث آخر :بي النائم و اليقظان .
و قوله أيضا :و هو نائم .و قوله :ث استيقظت ـ فل حجة فيه ،إذ قد يتمل أن أول وصول اللك
إليه كان و هو نائم ،أو أول حله و السراء به و هو نائم ،و ليس ف الديث أنه كان نائما ف القصة
كلها إل ما يدل عليه :ث استيقظت و أنا ف السجد الرام ،فلعل قوله :استيقظت بعن أصبحت ،أو
استيقظ من نوم آخر بعد وصوله بيته .
و يدل عليه أن مسراه ل يكن طول ليله ،و إنا كا ن ف بعضه .
و قد يكون قوله :استيقظت و أنا ف السجد الرام لا كان غمره من عجائب ما طالع من ملكوت
السموات و الرض ،و خامر باطنه من مشاهدة الل العلى ،و ما رأى من آيات ربه الكبى ،فلم
يستفق و يرجع إل حال البشرية إل و هو بالسجد الرام .
و وجه ثالث أن يكون نومه و استيقاظه حقيقة على مقتضى لفظه ،و لكنه أسرى بسده و قلبه
حاضر ،و رؤيا النبياء حق ،تنام أعينهم و ل تنام قلوبم .
و قد مال بعض أصحاب الشارات إل نو من هذا .قال :تغميص عينيه لئل يشغله شيء من
الحسوسات عن ال تعال .
و ل يصح هذا أن يكون ف وقت صلته بالنبياء ،و لعله كانت له ف هذا السراء حالت .
و وجه رابع ،و هو أن يعب بالنوم ها هنا عن هيئة النائم من الضطجاع ،و يقويه قوله ف رواية عبد
بن حيد ،عن هام :بينا أنا نائم ـ و ربا قال :مضطجع .
و ف رواية هدبة ،عنه :بينا أنا نائم ف الطيم ـ و ربا قال :ف الجر ـ مضطجع و قوله ف الرواية
الخرى :بي النائم و اليقظان .
فيكون سى هيئة النائم غالبا .
و ذهب بعضهم إل أن هذه الزيادات :من النوم ،و ذكر شق البطن ،و دنو الرب عز و جل الواق عة
ف هذا الديث إنا هي من رواية شريك عن أنس ،فهي منكرة من روايته ،إذشق البطن ف الحاديث
الصحيحة إنا كان ف صغره صلى ال عليه و سلم و قبل النبوة ،و لنه قال ف الديث :قبل أن
يبعث ،و السراء بإجاع كان بعد البعث ،فهذا كله يوهن ما وقع ف رواية أنس ،مع أن أنسا قد بي
من غي طريق أنه إنا رواه عن غيه ،و أنه ل يسمعه من النب صلى ال عليه و سلم ،فقال ـ مرة :
عن مالك بن صعصعة ،و ف كتاب مسلم :لعله عن مالك بن صعصعه ـ على الشك .و قال مرة :
كان أبو ذر يدث .
و أما قول عائشة :ما فقد جسده ،فعائشة ل تدث به عن مشاهدة ،لنا ل تكن حينئذ زوجه ،و ل
ف سن من يضبط ،و لعلها ل تكن ولدت بعد ،على اللف ف السراء مت كان ،فإن السراء كان
ف أول السلم على قول الزهري و من وافقه بعد البعث بعام و نصف ،و كانت عائشة ف الجرة
بنت نو ثانية أعوام .
و قد قيل :كان السراء لمس قبل الجرة .و قيل :قبل الجرة بعام .و الشبه إنه لمس .
و الجة لذلك تقول ]64[ ،و ليست من غرضنا ،فإذا ل تشاهد ذلك عائشة دل أنا حدثت بذلك
عن غيها ،فلم يرجح خبها على خب غيها ،و غي رها يقول خلفه ما وقع نصا ف حديث أم
هانء و غيه .
و أيضا فليس حديث عائشة رضي ال عنها بالثابت ،و الحاديث الخر أثبت ،ولسنا نعن حديث أم
هانء ،و ما ذكرت فيه خدية .
و أيضا فقد روي ف حديث عائشة [ :مافقدت ] ،و ل يدخل با النب صلى ال عليه و سلم إل
بالدينة .
و كل هذا يهنه ،بل الذي يدل عليه صحيح قولا :إنه بسده ،لنكارها أن تكون رؤياه لربه رؤيا
عي ،و لو كانت عندها مناما ل تنكره .
فإن قيل :فقد قال تعال :ما كذب الفؤاد ما رأى ـ فقد جعل ما رآه للقلب ،و هنا يدل على أنه
رؤيا نوم و وحي ،ل مشاهدة عي و حس .
قلنا :يقابله قوله تعال :ما زاغ البصر وما طغى ـ فقد أضاف المر للبصر .
و قد قال أهل التفسي ف قوله تعال .ما كذب الفؤاد ما رأى ،أي ل يوهم القلب العي غي القيقة ،
بل صدق رؤيتها .
و قيل :ما أنكر قلبه ما رأته عينه .
فصل
رؤيته لربه عز و جل و اختلف السلف فيها
و أما رؤيته ـ صلى ال عليه و سلم لربه جل و عز ـ فاختلف السلف فيها ،فأنكرته عائشة .
حدثنا أبو السن سراج بن عبد اللك الافظ بقراءت عليه ،قال حدثن أب و أبو عبد ال بن عتاب
الفقيه ،قال :حدثنا القاضي يونس بن مغيث ،حدثنا أبو الفضل الصلقي ،حدثنا ثابت بن قاسم بن
ثابت ،عن أبيه وجده ،قال :حدثنا عبد ال بن علي ،
قال :حدثنا ممود بن آدم ،حدثنا وكيع ،عن ابن أب خالد ،عن عامر عن مسروق ـ أنه قال
لعائشة رضي ال عنها ـ يا أم الؤمني ،هل رأى ممد ربه ؟ فقالت :لقد قف شعري ما قلت .ثلث
من حدثك بن فقد كذب :من حدثك أن ممد ا رأى ربه فقد كذب ،ث قرأت :ل تدركه البصار
وهو يدرك البصار وهو اللطيف البي ،و ذكر الديث .
و قال جاعة بقول عائشة رضي ال عنها ،و هو الشهور عن ابن مسعود .
و مثله عن أب هريرة أنه [ ا ] :إنا رأى جبيل .و اختلف عنه .و قال بإنكار هذا و امتناع رؤيته ف
الدنيا جاعة من الحدثي ،و الفقهاء و التكلمي .
و عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه رآه بعينه .وروى عطاء عنه ـ أنه رآه بقلبه .
و عن أب العالية ،عنه :رآه بفؤاده مرتي .
و ذكر ابن إسحاق أن عمر أرسل إل ابن عباس رضي ال عنهما يسأله :هل رأى ممد ربه ؟ فقال :
نعم .
و الشهر عنه انه رأى ربه بعينه ،روي ذلك عنه من طرق ،و قال :إن ال تعال اختص موس
بالكلم ،و إبراهيم باللة ،و ممدا بالرؤية و حجته قوله تعال :ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه
على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى [ سورة النجم ، 53/الية . ] 13 ، 11 :
قال الاوردي :قيل :إن ال تعال قسم كلمه و رؤيته بي موس ،و ممد صلى ال عليه و سلم ،فر
آه ممد مرتي ،و كلمه موس مرتي .
و حكى أبو الفتح الرازي ،و أبو الليث السمرقدي الكاية عن كعب .
و روى عبد ال بن الارث ،قال :اجتمع ابن عباس و كعب ،فقال ابن عباس :أما نن بنو هاشم
فنقول :إن ممد ا قد رأى ربه مرتي ،فكب كعب حت جاوبته البال ،
و قال :إن ال قسم رؤيته و كلمه بي ممد و موس ،فكلمه موسى ،و رآه ممد بقلبه .
و روى شريك [ ] 65عن أب ذر رضي ال عنه ف تفسي الية ،قال :رأى النب صلى ال عليه و
سلم ربه .
و ح كى السمرقندي ،عن ممد بن كعب القرظي ،و ربيع بن أنس ـ أن النب صلى ال عليه و سلم
سئل :هل رأيت ربك ؟ قال :رأيته بقؤادي ،و ل أره بعين .
و روى مالك بن يامر ،عن معاذ ،عن النب صلى ال عليه و سلم ،قال :رأيت رب ...و ذكر كلمة
،فقال :يا ممد ،فيم يتصم الل العلى الديث .
و حكى عبد الرزاق أن السن كان يلف با ال لقد رأى ممد ربه .
و حكاه أبو عمر الطلمنكي عن عكرمة .
و حكى بعض التكليمي هذا الذهب عن ابن مسعود .
و حكى ابن إسحاق أن مروان سأل أبا هريرة .هل رأى ممد ربه ؟ فقال :نعم .
و حكى النقاش ،عن أحد بن حنبل :أنه قال :أنا أقول بديث ابن عباس بعينه رآه ـ حت انقطع
نفسه ـ يعن نفس أحد .
و قال أبو عمر :قال أحد بن حنبل :رآه بقلبه ،و جب عن القول برؤيته ف الدنيا بالبصار .
و قال سعيدبن جبي :ل أقول رآه ،و ل ل يره .
و قد اختلف ف تأويل الية عن ابن عباس ،و عكرمه ،و السن ،و ابن مسعود ،فحكى عن ابن
عباس و عكرمة :رآه بقلبه .و عن السن و ابن مسعود :رأى جبيل .و حكى عبد ال بن أحد بن
حن بل ،عن أبيه ،أنه قال :رآه .
وعن ابن عطاء ف قوله تعال :أل نشرح لك صدرك ـ قال :شرح صدره للرؤية و شرح صدر موسى
للكلم .
و قال أبو السن علي بن إساعيل الشعري رضي ال عنه و جاعة من أصحاب أنه رأى ال تعال
ببصره و عين رأسه ، ،و قال :كل آية أوتيها نب من النبياء عليهم السلم فقد أت مثلها نبينا ،و
خص من بينهم بتفضيل الرؤية .
و وقف بعض مشاينا ف هذا ،و قال :ليس عليه دليل واضح ،و لكنه جائز أن يكون .
قال القاضي أبو الفضل :و الق الذي ل إمتراء فيه ـ أن رؤيته تعال ف الدنيا جائز عقلً ،و ليس ف
العقل ما ييلها .
و الدليل على جوازها ف الدنيا سؤال موس عليه السلم لا .و مال أن يهل نب ما يوز على ال و ما
ل يوز عليه ،بل ل يسأل إل جائزا غي مستحيل ،و لكن وقوعه و مشاهدته من الغيب الذي ل يعلمه
إل من علمه ال ،فقال له ال تعال :لن تران ،أي لن تطيق ،و ل تتمل رؤيت ،ث ضرب له مثلً ما
هو أقوى من بنية موس و أثبت ،و هو البل .
و كل هذا ليس فيه ما ييل رؤيته ف الدنيا ،بل فيه جوازها على الملة ،و ليس ف الشرح دليل قا طع
على استحالتها و ل امتناعها ،إذ كل موجود فرؤيته جائزة غي مستحيلة .
و ل حجة لن استدل على منعها بقوله تعال :ل تدركه البصار ،ل ختلف التأويلت ف الية ،و إذ
ليس يقتضي قول من قال ف الدنيا الستحالة .
و قد استدل بعضهم بذه الية نفسها على جواز الرؤية و عدم استحالتها على الملة .
و قد قيل :ل تدركه أبصار الكفار .و قيل :ل تدركه البصار :ل ييط به ،و هو قول ابن عباس .
و قد قيل :ل تدركه البصار ،و إنا يدركه البصرون .
و كل هذه التأويلت ل تقتضي منع الرؤية و ل استحالتها .و كذلك ل حجة لم بقوله تعال :لن
تران .و قوله :تبت إليك ـ لا قدمناه [ ، ] 66و لنا ليست على العموم ،و لن من قال :معناها
:لن تران ف الدنيا ـ إنا هو تأويل .
و أيضا فليس فيه نص المتناع ،و إنا جاءت ف حق موس ،و حيث تتطرق التأويلت و تتسلط
الحتمالت ،فليس للقطع إليه سبيل .
و قوله :تبت إليك ،أي من سؤال ما ل يقدره ل .
و قد قال أبو بكر الذل ـ ف قوله :لن تران ،أي ليس لبشر أن يطيق أن ينظر إل ف الدنيا ،و أنه
من نظر إل مات .
و قد رأيت لبعض السلف و التأخرين ما معناه :إن رؤية تعال ف الدنيا متعة ،لضعف تركيب أهل
الدنيا ،و قواهم ،و كونا متغية غرضا للفات و الفناء ،فلم تكن لم قوة على الرؤية ،فإذا كان ف
الخرة و ركبوا تركيبا أخر ،و رزقوا قوى ثابتة باقية ،و أت أنوار أبصارهم و قلوبم قووا با على
الرؤية .
و قد رأيت نو هذا لالك بن أنس رحه ال ،قال :ل ير ف الدنيا ،لنه باق ،و ل يرى الباقي بالفان
،فإذا كان ف الخرة و رزقوا أبصارا باقية رئى الباقي بالباقي .
و هذا كلم حسن مليح ،و ليس فيه دليل على الستحالة إل من حيث ضعف القدرة ،فإذا قوى ال
تعال من شاء من عباده ،و أقدره على حل أعباء الرؤية ل تتنع ف حقه .
و قد تقدم ما ذكر ف قوة بصر موسى و ممد عليهما الصلة و السلم ،و نفوذ إدراكها بقوة إلية
منحاها لدراك ما أدركاه ،و رؤية ما رأياه .و ال أعلم .
و قد ذكر القاضي أبو بكر ـ ف أثناء أجوبته عن اليتي ـ ما معناه :إن موسى عليه السلم رأى
ال ،فلذلك خر صعقا ،و إن البل رأى ربه فصار دكا بإدراك خلقه ال له واستنبط ذلك ،و ال
أعلم ،من قوله :ولكن انظر إل ال جبل فإن استقر مكانه فسوف تران [
سورة العراف ، 7/الية . ] 143 :
ث قال :فلما تلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا .
و تليه للجبل هو ظهوره له حت رآه ـ على هذا القول .
و قال جعقر بن ممد :شغله بالبل حت تلى ،و لول ذلك لات صعقا بل إفاقة .
و قوله هذا يدل على أن موس رآه .
و قد و قع لبعض الفسرين ـ ف البل ـ أنه رآه ،و برؤية البل له استدل من قال برؤية ممد نبينا له
،إذ جعله دليلً على الواز .
و ل مرية ف الواز ،إذ ليس ف اليات نص بالنع .
و أما وجوبه لنبينا صلى ال عليه و سلم ،و القول بأنه رآه بعينه ـ فليس فيه قاطع أيضا و ل نص ،إذ
العول فيه على آيت [ النجم ] ،و التنازع فيهما مأثور ،و الحتمال لما مكن ،و ل أثر قاطع متواتر
عن النب صلى ال عليه و سلم بذلك .
و حديث ابن عباس خب عن اعتقاده ل يسنده إل النب صلى ال عليه و سلم ،فيجب العمل باعتفاد
مضمنه .
و مثله حديث أب ذر ف تفسي الية .
و حديث معاذ متمل للتأويل ،و هو مضطرب السناد و الت .
و حديث أب ذر متلف متمل مشكل .فروي [ :نور أن أراه ] .
و حكى بعض شيوخنا أنه روي [ نوران أراه ] .
و ف حديثه الخر :سألته ،فقال [ :رأيت نورا ] ،و ليس يكن الحتجاج بواحد منها على صحة
الرؤية ،فإن كان الصحيح رأيت نورا فهو قد أخب أنه ل ير ال ،و إنا رأى نورا منعه و حجبه عن
رؤية ال .
و إل هذا يرجع قوله [ :نور أن أراه ] أي كيف أراه مع حجاب النور الغشي للبصر ،و هذا مثل [
] 167ما ف الديث الخر :حجابه النور .
و ف الديث الخر :ل أره بعين ،و لكن رأيته بقلب مرتي ،و تل :ث دنا فتدل و ال قادر على
خلق الدراك الذي ف البصر ف القلب ،أو كيف شاء ،ل إله غيه .
فإن ورد حديث نص بي ف الباب اعتقد و وجب الصي إليه ،إذ ل استحالة فيه ،و ل مانع قطعي
يرده ،و ال الوفق .
فصل
فيما ورد ف قصة السراء من مناجاته ربه
و أما ما ورد ف هذه القصة من مناجاته ل تعال و كلمه معه بقوله :فأوحى إل عبده ما أوحى ـ إل
ما تضمنته الحاديث ـ فأكثر الفسرين على أن الوحي ال عز و جل إل جبيل ،و جبيل إل ممد
صلى ال عليه و سلم إل شذوذا منهم ،فذكر عن جعفر بن ممد الصادق ،قال :أوحى إليه بل
واسطة ،و نوه عن الواسطي ،و إل هذا ذهب بعض التكلمي ـ أن ممدا كلم ربه ف السراء .
و حكي عن الشعري ،و حكي عن ابن مسعود و ابن عباس ،و أنكروه آخرون .
و ذكر النقاش ،عن ابن عباس ـ ف قصة السراء ،عنه صلى ال عليه و سلم ف قوله :دنا فتدل ـ
قال :فارقن جبيل ،و انقطعت الصوات عن ،فسمعت كلم رب و هو :يقول ليهدأ روعك يا
ممد ،ادن ،ادن .
و ف حديث أنس ف السراء نو منه .
و قد احتجوا ف هذا بقوله تعال :وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل
رسول فيوحي بإذنه ما يشاء ،فقالوا :هي ثلثة أقسام :من وراء حجاب كتكليم موسى ،و بإرسال
اللئكة كحال جيع النبياء و أكثر أحوال نبي ا صلى ال عليه و سلم .الثالث :قوله :وحيا ،و ل
يبق من تقسيم الكلم إل الشافهة مع الشاهدة .
و قد قيل :الوحي هنا :هو ما يلقيه ف قلب النب دون واسطة .
و قد ذكر أبو بكر البزار ،عن علي ف حديث السراء ما هو أوضح ف ساع النب صلى ال عليه و سلم
لكلم ال من الية :فذكر فيه :فقال اللك :ال أكب .ال أكب ـ فقيل ل من وراء الجاب :صدق
عبدي ،أنا أكب ،أنا أكب .و قال ف سائر كلمات الذان مثل ذلك .
و ييء الكلم ف مشكل هذين الديثي ف الفصل بعد هذا مع ما يشبهه .و ف أول فصل من الباب
منه .
و كلم ال تعال لحمد صلى ال عليه و سلم و من اختصه من أنبيائه ،جائز غي متنع عقلً ،و ل ورد
ف الشرع قاطع ينعه ،فإن صح ف ذلك خب احتمل عليه ،و كلمه تعال لوسى كائن حق مقطوع به
،نص ذلك ف الكتاب ،و أكده بالصدر دللة على القيقة ،ورفع مكانه على ما ورد ف الديث :ف
السماء السابعة بسبب كلمه .و رفع ممدا فوق هذا كله حت بلغ مستوى ،و سع صريف القلم ،
فكيف يستحيل ف حق هذا أو يبعد ساع الكلم ،فسبحان من خص من شاء با شاء ،و جعل بعضهم
فوق بعض د رجات ! .
فصل
فيما ورد ف الديث السراء من الدنو والقرب
وأما ما ورد ف حديث السراء وظاهرة الية :من الدنو و القرب من قوله :دنا فتدل * فكان قاب
قوسي أو أدن -و أكثر الفسرين أن الدنو و التدل منقسم ما بي ممد وجبيل عليه السلم ،أو
متص بأحدها من الخر ،أو من السدرة النتهى.
قال الرازي :و قال ابن عباس :هو ممد دنا فتدل من ربه .
وقيل :معن [ ] 68دنا قرب ،و تدل زاد ف القرب .و قيل :ها بعن واحد ،أي قرب .
وحكى مكي ،و الاوردي -عن ابن عباس :هو الرب دنا ممد ،فتدل إليه ،أي أمره وحكمه .
وحكى النقاش عن السن ،قال :دنا من عبده ممد صلى ال عليه و سلم ،فتدل ،فقرب منه ،فأراه
ما شاء أن يريه من قدرته وعظمته .
قال :وقال ابن عباس :هو مقدم ومؤخر :تدل الرفرف لحمد صلى ال عليه و سلم ليلة العراج ،
فجلس عليه ،ث رفع فدنا من ربه .
قال :فارقن جبيل ،وانقطعت عن الصوات ،وسعت كلم رب عز وجل .
وعن أنس ف الصحيح :عرج ب جبيل إل سدرة النتهى ودنا البار رب العزة ،فتدل حت كان منه
قاب قوسي أو أدن ،فأوحى إليه با شاء و أوحى إليه خسي صلة . . .وذكر حديث السراء .
وعن ممد بن كعب :هو ممد دنا من ربه ،فكان كقاب قوسي .
قال :و قال جعفر بن ممد :أدناه ربه منه حت كان منه كقاب قوسي .
و قال جعفر بن ممد :والدنو من ال ل حد له ،ومن العباد بالدود .
و قال أيضا :انقطعت الكيفية عن الدنو ،أل ترى كيف حجب جبيل عن دنوه ،ودنا ممد صلى ال
عليه و سلم إل ما أودع قلبه من العرفة واليان ،فتدل بسكون قلبه إل ما أدناه ،وزال عن قلبه الشك
والرتياب .
قال القاضي أبو الفضل : -اعلم أن ماوقع من إضافة الدنو والقرب هنا من ال ،أو إل ال -فليس
بدنو مكان ،ول قرب مدى ،بل كما ذكرناه -عن جعفر الصادق :ليس بدنو حد ،وإنا دنو النب
صلى ال عليه و سلم من ربه وقربه منه إبانة عظيم منلته ،وتشريف رتبته ،
وإشراق أنوار معرفته ،ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته ،ومن ال تعال له مبة وتأنيس ،وبسط ،
وإكرام ،و يتأول فيه ما يتأول ف قوله :ينل ربنا إل السماء الدنيا على أحد الوجوه :نزول إفضال
وإجال ،وقبول وإحسان .
قال الواسطي :من ت وهم أنه بنفسه دنا جعل ث مسافة ،بل كلما دنا بنفسه من الق تدل بعدا يعن
عن درك حقيقته ،إذ ل دنو للحق ول بعد .
وقوله :قاب قوسي أو أدن فمن جعل الضمي عائدا إل ال ،ل إل جبيل على هذا كان عبارة عن
ناية القرب ،ولطف الحل ،وإيضاح العرفة ،والشراف على القيقة عن ممد صلى ال عليه و
سلم ،وعبارةً عن إجابة الرغبة ،وقضاء الطالب ،وإظهار التحفي ،وإنافة النل والرتبة من ال له .
ويتأول فيه ما يتأول ف قوله :من تقرب من شبا تقربت منه ذراعا ،ومن أتان يشي أتيته هرولةً ،
قرب بالجابة والقبول ،وإتيان بالحسان وتعجيل الأمول .
فصل
ف ذكر تفضيله يوم القيامة بصوص الكرامة
حدثنا [ القاضي ] ،أبو علي ،حدثنا أبو الفضل ،وأبو السي ،قال :حدثنا أبو يعلى السنجي ،
حدثنا ابن مبوب ،حدثنا الترمذي ،حدثنا السي بن يزيد الكوف ،حدثنا عبدالسلم بن حرب ،عن
ليث ،عن الربيع بن أنس ،عن أنس رضي ال عنه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم [
: ] 69أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ،وأنا خطيبهم إذا وفدوا ،وأنا مبشرهم إذا أيسوا ،لواء المد
بيدي ،وأنا أكرم ولد آدم على رب ول فخر .
وف رواية ابن زحر ،عن الربيع بن أنس -ف لفظ هذا الديث :أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ،وأنا
قائدهم إذا وفدوا ،وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا شفيعهم إذا حبسوا و أنا مبشرهم إذا أبلسوا ،لواء
الكرم بيدي ،و أنا أكرم ولد آدم على رب و ل فخر و يطوف علي ألف خادم كأنم لؤلؤ مكنون .
وعن أب هريرة رضي ال عنه :و أكسى حلةً من حلل النة ،ث أقوم عن يي العرش ليس أحد من
اللئق يقوم ذلك القام غيي .
وعن أب سعيد ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ،و بيدي ل
واء المد و ل فخر ،و ما نب يومئذ ،آدم فمن سواه ،إل تت لوائي ،و أنا أول من تنشق عنه
الرض و ل فخر .
و عن أب هريرة ،عنه صلى ال عليه و سلم :أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ،و أول من ينشق عنه
القب ،و أول شافع ،و أول مشفع .
و عن ابن عباس رضي ال عنهما :أنا حامل لواء المد يوم القيامة و ل فخر ،و أنا أول شافع ،و أنا
أول مشفع ،و ل فخر ،و أنا أول من يرك حلق النة ،فيفتح ل فأدخلها و معي فقراء الؤمني و ل
فخر ،و أنا أكرم الولي و الخرين و ل فخر .
و عن أنس :أنا أول الناس يشفع ف النة ،و أنا أكثر الناس تبعا .
و عن أنس رضي ال عنه ،قال النب صلى ال عليه و سلم :أنا سيد الناس يوم القيامة ،و تدرون ب
ذلك ؟ يمع ال الولي و الخرين ـ و ذكر حديث الشفاعة .
و عن أب هريرة رضي ال عنه ـ أنه صلى ال عليه و سلم قال :أطمع أكون أعظم النبياء أجرا يوم
القيامة .
و ف حديث آخر :أما ترضون أن يكون إبراهيم و عيسى فيكم يوم القيامة ث قال إنما ف أمت يوم
القيامة ،أما إبراهيم فيقول :أنت دعوت و ذريت ،فاجعلن من أ متك .و أما عيسى فالنبياء إخوة بنو
علت ،أمهاتم شت ،و إن عيسى أخي ليس بين و بينه نب ،و أنا أول الناس به .
قوله :أنا سيد الناس يوم القيامة :هو سيدهم ف الدنيا ،و يوم القيامة .و لكن أشار صلى ال عليه و
سلم لنفراده فيه بالسؤدد و الشفاعة دون غيه ،إذ لأ الناس إليه ف ذلك ،فلم يدوا سواه .
و السيد :هو الذي يلجأ الناس إليه ف حوائجهم ،فكان حينئذ سيدا منفردا من بي البشر ،ل يزاحه
أحد ف ذلك ،و ل ادعاه ،كما قال تعال :لن اللك اليوم ل الواحد القهار [ سورة غافر ، 40 /
الية . ] 16 :
و اللك له تعال ف الدنيا و الخرة ،لكن ف الخرة انقطعت دعوى الدعي لذلك ف الدنيا .
و كذلك لأ إل ممد صلى ال عليه و سلم جيع الناس ف الشفاعة ،فكان سيدهم ف الخرى دون
دعوى .
و عن أنس رضي ال عنه ،قال :قال رسول ال :آت باب النة يوم القيامة ،فأستفتح فيقول الازن :
من أنت ؟ فأقول :ممد .فيقول :بك أمرت أل أفتح لحد قبلك .
و عن عبد ال بن عمرو :قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم حوضي مسية شهر ،و زواياه
سواء [ ، ] 70و ماؤه أبيض من الورق ،و ريه أطيب من السك ،و كيزانه كنجوم السماء ،من
شرب منه ل يظمأ أبدا .
و عن أب ذر نوه ،و قال [ :طوله ما بي عمان إل أيلة ،يشخب فيه ميزابان من النة ] .
و عن ثوبان مثله ،و قال :أحدها من ذهب ،و الخر من ورق .
و ف رواية حارثة بن وهب :كما بي الدينة و صنعاء .
و قال أنس :أيلة و صنعاء .
و قال ابن عمر :كما بي الكوفة و الجر السود .
و روى حديث الوض أيضا أنس ،و جابر ،و سرة ،و ابن عمر ،و عقبة بن عامر ،و حارثة بن
وهب الزاعي ،و الستورد ،و أبو برزة السلمي ،و حذيفة بن اليمان ،و أبو أمامة ،و زيد بن أرقم
،و ابن مسعود ،و عبد ال بن زيد ،و سهل بن سعد ،و سويد بن جبلة ،و أبو بكر ،و عمر بن
الطاب ،و ابن بريدة ،و أبو سعيد الدري ،و عبد ال الصنابي ،و أبو هريرة ،و الباء ،و جندب
،و عائشة ،و أساء بنت أب بكر ،و أبو بكرة ،و خولة بنت قيس ،و غيهم .
فصل
ف تفضيله بالحبة و اللة
جاءت بذلك الثار الصحيحة ،و اختص على ألسنة السلمي ببيب ال ،أخبنا أبو القاسم بن إبراهيم
الطيب و غيه ،عن كرية بنت أحد ،حدثنا أبو اليثم ،و حدثنا حسي بن ممد الافظ ساعا
عليه ،حدثنا القاضي أبو الوليد ،حدثنا عبد بن أحد ،حدثنا أبو اليثم ،حدثنا أبو عبد ال ممد بن
يوسف ،حدثنا ممد بن إساعيل ،حدثنا عبد بن ممد ،حدثنا أبو عامر ،حدثنا فليح ،حدثنا أبو
النضر ،عن بسر بن سعيد ،عن أب سعيد ،عن النب صلى ال عليه و سلم ـ أنه قال :لو كنت
ل غي رب لتذت أبا بكر . متخذا خلي ً
و ف حديث آخر و إن صاحبكم خليل ال .
و من طريق عبد ال بن مسعود :و قد اتذ ال صاحبكم خليلً .
و عن ابن عباس ،قال :جلس ناس من أصحاب النب صلى ال عليه و سلم ينتظرونه ،قال :فخرج و
عن ابن عباس ،قال :جلس ناس من أصحاب النب صلى ال عليه و سلم ينتظرونه ،قال :فخرج حت
إذا دنا منهم سعهم يتذاكرون ،فسمع حديثهم ،فقال بعضهم :عجبا ! إن ال اتذ من خلقه خليلً ،
اتذ إبراهيم خليلً .
و قال آخر :ماذا بأعجب من كلم موسى ،كلمه الل ه تكليما .
و قال آخر :فعيسى كلمه ال و روحه .
و قال آخر :و آدم اصطفاه ال .
ل ،و هو فخرج عليهم فسلم ،و قال :قد سعت كلمكم و عجبكم ،أن ال تعال اتذ إبراهيم خلي ً
كذلك ،و موسى ني ال و هو كذلك ،و موسى ني ال ،و هو كذلك ،و عيسى روح ال ،و هو
كذلك ،و آدم اصطفاه ال ،و هو كذلك ،أل و أنا حبيب ال و ل فخر ،و أنا أول شافع و أول
مشفع و ل فخر ،و أما من يرك حلق النة فيفتح ال ل فيدخلنيها و معي فقراء الؤمني و ل فخر ،و
أنا أكرم الولي و الخرين ول فخر .
و ف حديث أب هريرة رضي ال عنه من قول ال تعال لنبيه صلى ال عليه و سلم :إن اتذتك خليلً ،
فهو مكتوب ف التوراة :أنت حبيب الرحن .
قال القاضي أبو الفضل :اختلف ف تفسي اللة ،و اصل اشتقاقها ،فقيل :الليل :النقطع إل ال
الذي ليس ف انقطاعه إليه و مبته له اختلل .
و قيل :الليل الختص ،و اختار هذا القول غي واحد .
و قال بعضهم :أصل اللة الستصفاء :و سي إبراهيم [ ] 71خليل ال ،لنه يوال فيه و يعادي
فيه ،و خلة ال له نصره ،و جعله إماما لن بعده .
و قيل :ال خليل :أصله الفقي الحتاج النقطع ،مأخوذ من اللة و هي الاجة ،فسمي با إبراهيم ،
لنه قصر حاجته على ربه ،و انقطع إليه بمه ،و ل يعله قبل غيه ،و إذا جاءه جبيل و هو ف
النجنيق ،ليمى به ف النار ،فقال :ألك حاجة ؟ قال :أما إليك فل .
و قال أبو بكر بن فورك :اللة :صفاء الودة الت توجب الختصاص بتخلل السرار .
و قال بعضهم :أصل اللة الحبة ،و معناها السعاف ،و اللطاف ،و الترفيع ،و التشفيع ،و قد بي
ذلك ف كتابه تعال بقوله :وقالت اليهود والنصارى نن أبناء ال وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل
أنتم بشر من خلق يغفر لن يشاء ويعذب من يشاء ول ملك السماوات والرض وما بينهما وإليه الصي
[ سورة الائدة ، 5 /الية . ] 18 :
فأو جب للمحبوب أل يؤاخذ بذنوبه .
قال :هذا ،و اللة أقوى من النبوة ،لن النبوة قد تكون فيها العداوة ،كما قال تعال :إن من
أزواجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن ال غفور رحيم [ سورة
التغابن ، 64/الية . ]14 :
و ل يصح أن تكون عداوة مع خلة ،فإذا تسمية إبراهيم و ممد عليهما السلم باللة إما بانقطاعهما
إل ال و وقف حوائجهما عليه ،و النقطاع عمن دونه ،و الضراب عن الوسائط و السباب ،أو
لزيادة الختصاص منه تعال لما ،و خفي ألطافه عندها ،و ما خالل بواطنهما من أسرار إليته ،و
مكنون غيوبه و معرفته ،أو لستصفائه لما ،و استصفاء قلوبما عمن سواه ،حت ل ياللهما حب
لغيه ،و لذا قال بعضهم :الليل من ليتسع قلبه لسواه و هو عندهم معن قوله صلى ال عليه و سلم
:و لو كنت متخذا خليلً لتذت أبا بكر خليل ،لكن أخوة السلم .
و اختلف العلماء و أرباب القلوب :أيهما أرفع درجة :اللة أو درجة الحبة ؟
فجعلهما بعضهم سواء فل يكون البيب إل خليل ،و ل الليل إل حبيبا لكنه خص إبراهيم باللة ،و
ممدا بالحبة .
ل غيو بعضهم قال :درجة اللة أرفع ،و احتج بقوله صلى ال عليه و سلم :لو كنت متخذا خلي ً
رب عز و جل فلم يتخذه .
و قد أطلق الحبة لفاطمة ،و ابنيها ،و أسامة و غيهم .
و أكثرهم جعل الحبة أرفع من اللة ،لن درجة البيب نبينا أرفع من درجة الليل إبراهيم .
و أصل الحبة اليل إل ما يوافق الحب ،و لكن هذا ف حق من يصح اليل منه و النتف اع بالوفق ،و
هي درجة الخلوق ،فأما الالق ـ جل جلله ـ فمنه عن الغراض ،فمحبته لعبده تكينه من سعادته
،و عصمته و توفيقه و تيئة أسباب القرب ،و إفاضة رحته عليه ،و قصواها كشف الجب عن قلبه
حت يراه بقلبه ،و ينظر إليه ببصيته ،فيكون كما قال ف الديث :فإذا أحببته كنت سعه الذي يسمع
به ،و بصره الذي يبصر به ،و لسانه الذي ينطق به .
و ل ينبغي أن يفهم من هذا سوى التجرد ل ،و النقطاع إل ال ،و العراض عن غي ال ،و صفاء
القلب ل ،و إخلص الركات ل ،كما قالت عائشة رضي ال عنه :كان خلقه القرآن ،برضاه
يرضى ،و بسخطه يسخط ،و من هذا عب بعضهم عن اللة بقوله :
قد تللت مسلك الروح من و بذا سي الليل خليل
و إذا ما سكت كنت الغيل فإذا ما نطقت كنت حديثي
فإذا [ ] 72مزية اللة و خصوصية الحبة حاصلة لنبينا صلى ال عليه و سلم با دلت عليه الثار
الصحيحة النتشرة ،التلقاة بالقبول من المة ،و كفى بقوله تعال :قل إن كنتم تبون ال فاتبعون
يببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم .
حكى أهل التفسي أن هذه الية لا نزلت قا ل الكفار :إنا يريد ممد أن نتخذه حنانا كما اتذت
النصارى عيسى بن مري ،فأنزل ال ـ غيظا لم و رغما على مقالتهم هذه الية :قل أطيعوا ال
والرسول ،فزاده شرفا بأمرهم بطاعته ،و قرنا بطاعته ،ث توعدهم على التول عنه بقوله :فإن تولوا
فإن ال ل يب الكافرين .
و قد نقل المام أبو بكر بن فورك عن بعض التكلمي كلما ف الفرق بي الحبة و اللة يطول ،جلة
اشارته إل تفضيل مقام الحبة على اللة ،و نن نذكر منه طرفا يهدي إل ما بعده .
فمن ذلك قولم :الليل يصل بالواسطة ،من قوله تعال :وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات
والرض وليكون من الوقني [ سورة النعام ، 6 /الية . ] 75 :
و البيب يصل لبيبه به ،من قوله :فكان قاب قوسي أو أدن .
و قيل :الليل :الذي تكون مغفرته ف حد الطمع ،من قوله :والذي أطمع أن يغفر ل خطيئت يوم
الدين [ سورة الشعراء ، 26 /الية . ] 82 :
و البيب الذي مغفرته ف حد اليقي ،من قوله :ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته
عليك ويهديك صراطا مستقيما [ سورة الفتح ، 48 /الية . ] 2 :
و الليل قال :ول تزن يوم يبعثون [ سورة الشعراء ، 26 /الية . ] 87 :
و البيب قيل له :يوم ل يزي ال النب ،فابتدىء بالبشارة قبل السؤال .
و الليل قال ف الحنة :حسب ال [ سورة الزمر ، 39 /الية . ] 38 :
و البيب قيل له :يا أيها النب حسبك ال [ سورة النفال ، 8 /الية . ] 64 :
و الليل قال :اجعل ل لسان صدق ف الخرين [ سورة الشعراء ، 26 /الية . ] 84 :و البيب
قيل له :ورفعنا لك ذكرك ،أعطي بل سؤال .
و الليل قال :واجنبن وبن أن نعبد الصنام [ سورة إبراهيم ، 14 /الية . ] 35 :
و البيب قيل له :إنا يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
و فيما ذكرناه تنبيه على مقصد أصحاب هذا القال من تفضيل القامات و الحوال ،و كل يعمل على
شاكلته فربكم أعلم بن هو أهدى سبيل [ سورة السراء ، 17 /الية . ] 84 :
فصل
ف تفصيله بالشفاعة و القام الحمود
قال ال تعال :عسى أن يبعثك ربك مقاما ممودا [سورة السراء ، 17 /الية . ] 79 :
أخبنا الشيخ أبو علي الغسان اليان فيما كتب إل بطه ،حدثنا سراج بن عبد ال القاضي ،حدثنا
أبو ممد الصيلي ،حدثنا أبو زيد ،و أبو أحد ،قال :حدثنا ممد بن يوسف ،قال :حدثنا ممد بن
إساعيل ،قال :حدثنا إساعيل بن أبان ،حدثنا أبو الحوص ،عن آدم بن علي ،قال :سعت ابن
عمر يقول :إن الناس يصيون يوم القيامة جثى ،كل أمة تتبع نبيها ،يقولون :يا فلن ،اشفع لنا ،يا
فلن اشفع لنا ،حت تنتهي الشفاعة إل النب صلى ال عليه و سلم فذلك يوم يبعثه ال القام الحمود .
و عن أب هريرة :سئل عنها رسول ال صلى ال عليه و سلم ـ يعن قوله :عسى أن يبعثك ربك
مقاما ممودا ،فقال :هي الشفاعة .
و روى كعب بن مالك ،عنه صلى ال عليه و سلم :يشر الناس يوم القيامة فأكون أنا و أمت على تل
و يكسون رب حلة خضراء ،ث يؤذن ل فأقول ما شاء ال أن أقول ،فذلك القام الحمود .
و عن ابن عمر [ ] 73رضي ال عنه ـ و ذكر حديث الشفاعة ـ قال :فيمشي حت يأخذ بلقة
النة ،فيومئذ يبعثه ال القام الحمود الذي وعده .
و عن ابن مسعود عنه صلى ال عليه و سلم أنه قيامه عن يي العرش مقاما ل يقومه غيه ،يغبطه فيه
الولون و الخرون .
و نوه عن كعب والسن .
و ف رواية :هو القام الذي أشفع لمت فيه .
عن ابن مسعود ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :إن لقائم القام الحمود .قيل :و ما هو
؟ قال :ذلك يوم ينل ال تبارك و تعال [ على كرسيه ] . .الديث .
و عن أب موسى رضي ال عنه ،عنه صلى ال عليه و سلم :خيت بي أن يدخل نصف أمت النة
وبي الشفاعة فاخترت الشفاعة ،لنا أعم ،أترونا للمتقي ؟ ل ،و لكنها للمذنبي الطائي .
و عن أب هريرة رضي ال عنه ،قال :قلت :يا رسول ال ،ماذا ورد عليك ف الشفاعة ؟ فقال :
شفاعت لن شهد أن ل إله إل ال ملصا ،يصدق لسانه قلبه .
و عن أم حبيبة ،قالت :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :أريت ما تلقى من بعدي ،و سفك
بعضهم دماء بعض ،و سبق ل من ال ما سبق للمم قبلهم ،فسألت ال أن يؤتين شفاعة يوم القيامة
فيهم ،ففعل .
و قال حذيفة :يمع ال الناس ،ف صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي ،و ينفذهم البصر ،حفاة عراة
كما خلقوا ،سكوتا ل تكلم نفس إل بإذنه ،فينادى ممد فيقول :لبيك و سعديك ،و الي ف يديك
،و الشر ليس إليك ،و الهتدي من هديت ،و عبدك بي يديك ،و لك و إليك ،ل ملجأ ول منجى
منك إل إليك ،تباركت و تعاليت ،سبحانك رب البيت ـ قال :فذلك القام الحمود الذي ذكر ال
.
و قال ابن عباس رضي ال عنه :إذا دخل أهل النار النار ،و أهل النة النة ،فتبقى آخر زمرة من النة
و آخر زمرة من النار ،فتقول زمرة النار لزمرة النة :ما نفعكم إيانكم ،فيدعون ربم ويضجون ،
فيسمعهم أهل النة فيسلون آدم وغيه بعده ف الشفاعة لم ،فكل يعتذر حت يأتوا ممدا صلى ال
عليه و سلم ،فيشفع لم ،فذلك القام الحمود .
و نوه عن ابن مسعود أيضا ،و ماهد .
و ذكر علي بن السن عن النب صلى ال عليه و سلم .
و قال جابر بن عبد ال ليزيد الفقي :سعت بقام ممد ـ يعن الذي بعثه ال فيه ؟
قلت :نعم .قال :فإنه مقام ممد الحمود الذي ير ج ال به من يرج ـ يعن من النار ـ و ذكر
حديث الشفاعة ف إخراج الهنميي .
و عن أنس نوه ،و قال :فهذا القام الحمود الذي وعده .
[ و عن سلمان :القام الحمود هو الشفاعة ف أمته يوم القيامة .
و مثله عن أب هريرة رضي ال عنه .
و قال قتادة :كان أهل العلم يرون القام الحمود هو شفاعته يوم القيامة ،وعلى أن القام الحمود
مقامه عليه الصلة و السلم للشفاعة مذاهب السلف من الصحابة و التابعي و عامة أئمة السلمي .
و بذلك جاءت الشفاعة مفسرةً ف صحيح الخبار عنه عليه الصلة والسلم :وجاءت مقالة ف
تفسيها شاذ ًة عن بعض السلف ،يب أل تثبت ،إذا ل يعضدها صحيح أثر ،ول سند نظر .
ولو صحت لكان لا تأويل غي مستنكر ،لكن ما فسره النب صلى ال عليه و سلم ف صحيح الثار
برده ،فل يب أن يلتفت إليه ،مع أنه ل يأت ف كتاب ول سنة ،و ل اتفق على القال أمة ،وف
إطلق ظاهره منكر من القول وشنعة ] .
و ف رواية أنس و أبو هريرة وغيها ،دخل حديث بعضهم ف حديث بعض :قال صلى ال عليه و
سلم :يمع ال الولي و الخرين يوم القيامة فيهتمون ـ أو قال :فيلهمون فيقولون :لو استشفعنا
إل ربنا .
و من طريق آخر ،عنه [ :ماج الناس بعضهم ف بعض ] .
و عن أب هريرة :وتدنو الشمس ،فيبلغ الناس من الغم ما ل يطيقون ول يتملون ،فيقولون :أل
تنظرون من يشفع لكم ،فيأتون آدم فيقولون ،زاد بعضهم :أنت آدم أبو البشر ،خلقك ال بيده ،
ونفخ فيك من روحه ،و اسكنك جنته ،وأسجد لك ملئكته ،وعلمك أساء كل شيء ،اشفع لنا
عند ربك حت يرينا من مكاننا ،أل ترى [ ] 74ما نن فيه ؟ .
فيقول :إن رب غضب اليوم غضبا ل يغضب مثله ،ول يغضب بعده مثله ،ونائي عن الشجرة
فعصيت ،نفسي ،نفسي ،اذهبوا إل غيي ،اذهبوا إل نوح .
فيأتون نوحا فيقولون :أنت أول الرسل إل أهل الرض ،وساك ال عبدا شكورا ،أل ترى ما نن فيه
،أل ترى ما بلغنا ! أل تشفع لنا إل ربك ؟ فيقول :إن رب غضب اليوم غضبا ل يغضب قبله مثله ،
ول يغضب بعده مثله ،نفسي ! نفسي !
قال ـ ف رواية أنس :ويذكر خطيئته الت أصاب :سؤاله ربه بغي علم .
وف رواية أب هريرة رضي ال عنه :وقد كانت ل دعوة دعوتا على قومي ،اذهبوا إل غيي .اذهبوا
إل إبراهيم ،فإنه خليل ال .
فيأتون إبراهيم ،فيقولون :أنت نب ال وخليله من أهل الرض ،اشفع لنا إل ربك ،أل ترى ما نن
فيه ؟
فيقول :إن رب قد غضب اليوم غضبا . . .فذكر مثله ،ويذكر ثلث كلمات كذبن .نفسي ،
نفسي ،لست لا ،ولكن عليكم بوسى ،فإنه كليم ال .
وف رواية :فإنه عبد آتاه ال التوراة ،وكلمه وقربه نيا .
قال :فيأتون موسى ،فيقول :لست لا ،ويذكر خطيئته الت أصاب ،وقتله النفس ،نفسي ،نفسي ،
ولكن عليكم بعيسى ،فإنه روح ال وكلمته .
فيأتون عيسى ،فيقول :لست لا ،ولكن عليكم بحمد ،عبد غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
فأوتى ،فأقول :أنا لا .
فأنطلق فأستاذن على رب ،فيؤذن ل ،فإذا رأيته وقعت ساجدا .
وف رواية :فآت تت العرش ،فأخر ساجدا .
وف رواية :فأقوم بي يديه ،فأحد بحامد ل أقدر عليها إل أن يلهمنيها ال .
وف رواية :فيفتح ال علي من مامده ،وحسن الثناء عليه شيئا ل يفتحه على أحد قبلي .
قال ـ ف رواية أب هريرة :فيقال :يا ممد ،ارفع رأسك ،سل ،تعطه ،و اشفع تشفع ،فأرفع
رأسي ،فأقول :يا رب ،أمت ،يا رب ،أمت .ف قول :أدخل من أمتك من ل حساب عليه من
الباب الين من أبواب النة ،و هم شركاء الناس فيما سوى ذلك من البواب .
و ل يذكر ف رواية أنس هذا الفصل ،و قال ـ مكانه :ث أخر ساجدا ،فيقال ل :يا ممد ،ارفع
رأسك ،و قل يسمع لك ،و اشفع تشفع ،و سل تعطه .فأقول :يا رب ،أمت ،أمت .فيقال :
انطلق ،فمن كان ف قلبه مثقال حبة من برة أو شعية من إيان فأخرجه ،فأنطلق فأفعل .
ث أرجع إل رب ،فأحده بتلك الحامد و ذكر مثل الول ،و قال فيه :مثقال حبة من خردل .قال :
فأفعل ،ث أرجع ...و ذكر مثل ما تقدم ،و قال فيه :من كان ف قلبه أدن أدن أدن من مثقال حبة
من خردل ،فأفعل .
و ذكر ف الرة الرابعة :فيقال ل :ارفع رأسك ،و قل يسمع ،و اشفع تشفع ،و سل تعطه .
فأقول :يا رب ،ائذن ل فيمن قال :ل إله إل ال .قال :ليس ذلك إليك .
و لكن و عزت و كبيائي و عظمت و جبيائي لخرجن من النار من قال :ل إله إل ال .
و من رواية قتادة عنه ،قال :فأقول يا رب ،ما بقي ف النار إل من حبسه القرآن ،أي وجب عليه
اللود .
و عن أب بكر ،و عقبة بن عامر ،و أب سعيد ،و حذيفة مثله ،قال :فيأتون [ ] 75ممدا فيؤذن له
،و تأت المانة و الرحم فتقومان جنبت الصراط .
وذكر ف رواية أب مالك ،عن حذيفة :فيأتون ممدا فيشفع ،فيضرب الصراط فيمرون :أولم
كالبق ،ث كالريح ،و الطي ،و شد الرجال ،و نبيكم صلى ال عليه و سلم على الصراط يقول :
اللهم سلم سلم ،حت يتاز الناس .و ذكر آخرهم جوازا . . .الديث .
و ف رواية أب هريرة :فأكون أول من ييز .
و عن ابن عباس ،عنه صلى ال عليه و سلم :يوضع للنبياء منابر يلسون عليها ،ويبقى منبي ل
أجلس عيله قائما ،بي يدي رب منتصبا ،فيقول ال تبارك و تعال :ما تريد بأمتك ؟ فأقول :يا
رب ،عجل حسابم ،فيدعى بم ،فيحاسبون .
فمنهم من يدخل برحته ،و منهم من يدخل النة بشفاعت ،و ل أزال أشفع حت أعطى صكاكا
برجال قد أمر بم إل النار ،حت إن خازن النار ليقول :يا ممد ،ما تركت لغضب ربك ف أمتك من
نقمة .
ومن طريق زياد النميي ،عن أنس ـ أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال :أنا أول من تنفلق
الرض عن ججمته و ل فخر ،و أنا سيد الناس يوم القيا مة و ل فخر ،و معي لواء المد يوم
القيامة ،و أنا أول من تفتح له النة و ل فخر ،فآت فآخذ بلقة النة ،فيقال :من هذا ؟ فأقول :
ممد ،فيفتح ل ،فيستقبلن البار تعال ،فأخر له ساجدا . . .و ذكر نو ما تقدم .
و من رواية أنس :سعت رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول :لشفعن يوم القيامة لكثر ما ف
الرض من حجر وشجر .
فقد اجتمع من اختلف ألفاظ هذه الثار أن شفاعته ـ صلى ال عليه و سلم ،و مقامه الحمود من
أول الشفاعات إل آخرها ،من حي يتمع الناس للحشر ،و تضيق بم الناجر ،و يبلغ منهم العرق و
الشمس و الوقوف مبلغه ،و ذلك قبل الساب ،فيشفع حينئذ لراحة الناس من الوقف ،ث يوضع
الصراط ،و ياسب الناس ،كما جاء ف الديث عن أب هريرة و حذيفة .
و هذا الديث أتقن ،فيشفع ف تعجيل من ل حساب عليه من أمته إل النة ـ كما تقدم ف الديث
ـ ث يشفع فيمن وجب عليه العذاب ،و دخل النار منهم حسب ما تقضيه الحاديث الصحيحة ،ث
فيمن قال :ل إله إل ال .و ليس هذا لسواه صلى ال عليه و سلم .
و ف الديث النتشر الصحيح :لكل نب دعوة يدعو با ،و اختبأت دعوت شفاعةً ل مت يوم القيامة .
قال أهل العلم :معناه دعوة أعلم أنا تستجاب لم ،و يبلغ فيها مرغوبم ،و إل فكم لكل نب منهم
من دعوة مستجابة ،و لنبينا صلى ال عليه و سلم منها ما ل يعد ،لكن حالم عند الدعاء با بي
الرجاء و الوف ،و ضمنت لم إجابة دعوة فيما شاءوه يدعون با على يقي من الجابة .
و قد قال ممد بن زياد ،و أبو صال ،عن أب هريرة ف هذا الديث :لكل نب دعوة دعا با ف أمته ،
فاستجيب له ،و أنا أريد أن أدخر ،دعوت شفاعة لمت يوم القيامة .
و قي رواية أبو صال :لكل نب دعوة مستجابة ،فتعجل كل نب دعوته .
و نوه ف رواية أب زرعة عن أب هريرة [ . ] 76
و عن أنس مثل رواية ابن زياد ،عن أب هريرة .
فتكون هذه الدعوة الذكورة مصوصةً بالمة مضمونة الجابة ،و ال فقد أخب صلى ال عليه و سلم
أنه سأل لمته أشياء من أمور الدين والدنيا و أعطي بعضها ،و منع بعضها ،وادخر لم هذه الدعوة
ليوم الفاقة ،و خاتة الحن ،و عظيم الشؤال و الرغبة .
جزاه ال أحسن ما جزى نبيا عن أمته ،و صلى ال عليه و سلم كثيا .
فصل
ف تفضيله ف النة بالوسيلة و الدرجة الرفعية و الكوثر و الفضيلة
حدثنا القاضي أبو عبد ال ممد بن عيسى التيمي ،و الفقيه أبو الوليد هشام بن أحد ،بقراءت
عليهما ،قال :حدثنا أبو علي الغسان ،حدثنا النمري ،حدثنا ابن عبد الؤمن ،حدثنا أبو بكر
التمار ،حدثنا أبو داود ،حدثنا ممد بن سلمة ،حدثنا ابن وهب ،عن ابن ليعة ،و حيوة ،و سعيد
بن أب أيوب ،عن كعب بن علقمة ،عن عبد الرحن بن جبي ،عن عبد ال بن عمرو بن العاص ـ
أنه سع النب ـ صلى ال عليه و سلم ـ يقول :إذا سعتم الؤذن فقولوا مثل ما يقول ،ث صلوا علي ،
فإنه من صل علي مرة صلى ال عليه عشرا ،ث سلوا ال ل الوسيلة ،فإنا منلة ف النة ل تنبغي إل
لعبد من عباد ال ،و أرجو أن أكون أنا هو .فمن سأل ال ل الوسيلة حلت عليه الشفاعة .
و ف حديث آخر ـ عن أب هريرة :الوسيلة أعلىدرجة ف النة .
و عن أنس :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :بينا أنا أسي ف النة إذ عرض ل نر حافتاه قباب
اللؤلؤ .
قلت لبيل :ما هذا ! قال :هذا الكوثر الذي أعطاكه ال .قال :ث ضرب بيده إل طينه ،ف
استخرج مسكا .
و عن عائشة و عبد ال بن عمرو مثله ،قال [ :و مراه على الدر و الياقوت ،و ماؤه أحلى من العسل
،و أبيض من الثلج ] .
و ف رواية ـ عنه [ :فإذا هو يري ،و ل يشق شقا ،عليه حوض ترد عليه أمت ] . . .و ذكر
حديث الوض .
و نوه عن ابن عباس .
و عن [ ابن عباس أيضا ،قال :الكوثر الي الذي أعطاه ال إياه .
و قال سعيد بن جبي :و النهر الذي ف النة من الي الذي أعطاه ال .
و عن حذيفة ـ فيما ذكر صلى ال عليه و سلم عن ربه :وأعطان الكوثر ،و هو نر ف النة ،يسيل
ف حوضي .
و عن ابن عباس :ف قوله تعال :ولسوف يعطيك ربك فترضى ،قال :ألف قصر من لؤلؤ ترابن
السك ،و فيه ما يصلحهن .
و ف رواية أخرى :وفيه ما ينبغي له من الزواج و الدم .
فصل
ف بيان شبهة ترد على ما تقدم
فإن قلت :إذا تقرر من دليل القرآن ،و صحيح الثر ،و إجاع المة ـ كونه أكرم البشر ،و أفضل
النبياء ـ فما معن الحاديث الواردة بنهيه عن التفضيل ؟ كقوله ـ فيما حدثنا السدي ،قال :حدثنا
السمرقندي ،حدثنا الفارسي ،حدثنا اللودي ،حدثنا ابن سفيان ،حدثنا مسلم ،حدثنا ابن مثن ،
حدثنا ممد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،عن قتادة :سعت أبا العالية يقول :حدثن ابن عم نبيكم صلى
ال عليه و سلم ـ يعن ابن عباس ،عن النب صلى ال عليه و سلم ،قال :ما ينبغي لعبد أن يقول :أنا
خي من يونس بن مت .
و ف غي هذا الطريق عن أب هريرة [ ] 77قال ـ يعن رسول ال صلى ال عليه و سلم :ما ينبغي
لعبد ...الديث .
و ف حديث أب هريرة ـ ف اليهودي الذي قال :و الذي اصطفى موسى على البشر ،فلطمه رجل من
النصار ،و قال :تقول ذلك و رسول ال صلى ال عليه و سلم بي أظهرنا .
فبلغ ذلك النب صلى ال عليه و سلم ،فقال :ل تفضلوا بي النبياء .
و ف رواية :ل تبن على موسى فذكر الديث .
و فيه :و ل أقول :إن أحدا أفضل من يونس بن مت .
رواية عن أب هريرة [ :من قال :أنا خي من يونس بن مت فقد كذب ] .
رواية عن ابن مسعود [ :ل يقولون أحدكم أنا خي من يونس بن مت ] .
و ف حديثه الخر :فجاءه صلى ال عليه و سلم رجل ،فقال له :يا خي البية ،فقال :ذاك إبراهيم .
...
فاعلم أن للعلماء ف هذه الحاديث تأويلت :
أحدها :أن نيه عن التفضيل كان قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم ،فنهى عن التفضيل ،إذ يتاج إل
توقيف ،و أن من فضل بل علم فقد كذب .
و كذلك قوله :ل أقول إن أحدا أفضل منه ـ ل يقتضي تفضيله هو ،وإنا هو ف الظاهر كف عن
التفضيل .
الوجه الثان :أنه قاله صلى ال عليه و سلم على طريق التواضع ،ونفى التكب والعجب ،وهذا ل يسلم
من العتراض .
الوجه الثالث :أل يفضل بينهم تفضيلً يؤدي إل تنقص بعضهم ،أو الغض منه ،ل سيما ف جهة
يونس عليه السلم ،إذ أخب ال عنه با أخب لئل يقع ف نفس من ل يعلم منه بذلك غضاضة وانطاط
من رتبته الرفيعة ،إذ قال تعال عنه :إذ أبق إل الفلك الشحون .إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر
عليه ـ فربا ييل لن ل علم عنده حطيطته ،بذلك .
الوجه الرابع :منع التفضيل ف حق النبوة و الرسالة ،فإن النبياء فيها على حد واحد ،إذ هي شيء
واحد ل يتفاضل ،و إنا التفاضل ف زيادة الحوال و الصوص ،و الكرامات ،و
الرتب ،و اللطاف ،و أما النبوة ف نفسها فل تتفاضل ،و إنا التفاضل بأمور أخر زائدة عليها ،و
لذلك منهم رسل ،و منهم أولو عزم من الرسل ،و منهم من رفع مكانا عليا ،و منهم من أوت الكم
صبيا ،و أوت بعضهم الزبر ،وبعضهم البينات ،ومنهم من كلم ال ،ورفع بعضهم فوق بعض
درجات ،قال ال تعال :ولقد فضلنا بعض النبيي على بعض وآتينا داود زبورا [ سورة السراء /
، 17الية . ] 55 :
و قال :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض [ سورة البقرة ، 2 /الية . ] 253 :
قال بعض أهل العلم :و التفضيل الراد لم هنا ف الدنيا ،و ذلك بثلثة أحوال :
أن تكون آياته ومعجزاته أبر ،و أشهر ،أو تكون أمته أزكى و أكثر ،أو يكون ف ذاته أفضل و
أطهر ،و فضله ف ذاته راجع إل ما خصه ال به من كرامته ،و اختصاصه من كلم أو خلة او رؤية أو
ما شاء ال من ألطافه ،و تف وليته و اختصاصه .
و قد روي أن النب صلى ال عليه و سلم قال :إن للنبوة أثقالً ،و إن ي ونس تفسخ منها تفسخ الربع
فحفظ رسول ال صلى ال عليه و سلم موضع الفتنة ،من أوهام من يسبق إليه بسببها حرج ف نبوته ،
أو قدح ف اصطفائه ،و حط عن رتبته ،و وهن ف عصمته ،شفقة منه صلى ال عليه و سلم على أمته
.
وقد يتوجه على هذا الترتيب ،وجه [ ] 78خامس ،و هو أن يكون [ أنا ] راجعا إل القائل نفسه ،
أي ل يظن أحد ـ و إن بلغ من الذكاء و العصمة و الطهارة ،ما بلغ ـ أنه خي من يونس ،لجل ما
حكى ال عنه ،فإن درجة النبوة أفضل وأعلى ،وإن تلك القدار ل تطه ،عنها حبة خردل و ل أدن
.
و سنيد ف القسم الثالث ف هذا بيانا إن شاء ال تعال .
فقد بان لك الغرض ،وسقط با حررناه شبهة العترض [ ،و بال التوفيق ،و هو الستعان ل إله إل هو
].
فصل
ف أسائه :صلى ال عليه و سلم و ما تضمنته من فضيلته
حدثنا أبو عمران موسى بن أب تليد الفقيه ،قال :حدثنا أبو عمر الافظ ،حدثنا سعيد بن نصر ،
حدثنا قاسم بن أصبغ ،حدثنا ممد بن وضاح ،حدثنا يي ،حدثنا مالك ،عن ابن شهاب ،عن
ممد بن جبي بن مطعم ،عن أبيه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :ل خسة أساء :أنا
ممد ،و أنا أحد ،و أنا الاحي ،الذي يحو ال ب الكفر ،
و أنا الاشر الذي يشر الناس على قدمي ،و أنا العاقب .
و قد ساه ال تعال ف كتابه ممدا ،وأحد .
فمن خصائصه تعال له أن ضمن أساءه ثناءه ،وطوى أثناء ذكره عظيم شكره .
فأما اسه أحد فأفعل مبالغةً من صفة المد .
وممد :مفعل ،مبالغة من كثرة المد ،فهو ـ صلى ال عليه و سلم ـ أجل من حد ،و أفضل من
حد ،و أكثر الناس حدا ،فهو أحد الحمودين ،و أحد الامدين ،و معه لواء المد يوم القيامة ليتم
له كمال المد ،ويتشهر ف تلك العرصات بصفة المد ،ويبعثه ربه هناك مقاما ممودا كما وعده ،
يمده فيه الولون والخرون بشفاعته لم ،ويفتح عليه فيه من الحامد ـ كما قال صلى ال عليه و
سل م ـ ما ل يعط غيه ،وسى أمته ف كتب أنبيائه بالمادين ،فحقيق أن يسمى ممدا وأحد .
ث ف هذين السي من عجائب خصائصه ،وبدائع آياته ـ فن آخر ،و هو أن ال جل اسه حى أن
يسمى بما أحد قبل زمانه .
أما أحد الذي أتى ف الكتب وبشرت به النبياء فمنع ال تعال بكمته أن يسمى به أحد غيه ،ول
يدعى به مدعو قبله حت ل يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك .
و كذلك ممد أيضا ل يسم به أحد من العرب و لغيهم إل أن شاع قبيل وجوده صلى ال عليه و
سلم و ميلده أن نبيا يبعث اسه ممد ،فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك ،رجاء أن يكون
أحدهم هو .و ال أعلم حيث يمل رسالته ،وهم :ممد بن أحيحة بن اللح الوسي ،و ممد بن
مسلمة النصاري ،و ممد بن براء البكري ،و ممد بن سفيان بن ماشع ،و ممد بن حران
العفي ،و ممد بن خراعي السلمي ،ل سابع لم .
ويقال :أول من تسمى بحمد ممد بن سفيان .واليمن تقول :بل ممد بن اليحمد من الزد .
ث حى ال كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها أحد له ،او يظهر عليه سبب يشك أحدا ف
أمره حت تققت السمتان له صلى ال عليه و سلم ،ول ينازع فيهما .
وأما قوله صلى ال عليه و سلم :و أنا الاحي الذي يحو ال ب الكفر ففسر ف الديث :و يكون مو
الكفر إما من مكة و بلد العرب ،و ما زوي له من الرض ،و وعد أنه يبلغه ملك أمته ،أو يكون
الحو عاما ،بعن الظهور والغلبة ،كما [ ] 79قال تعال :ليظهره على الدين كله [ سورة التوبة /
، 9الية . ] 33 :
[ و قد ورد تفسيه ف الديث أنه الذي ميت به سيئات من اتبعه ] .
و قوله :و أنا الاشر الذي يشر الناس على قدمي أي على زمان و عهدي ،أي ليس بعدي نب ،كما
قال :و خات النبيي .
وسي عاقبا ،لنه عقب غيه من النبياء .
[ و ف الصحيح :انا العاقب الذي ليس بعدي نب ] .
و قيل :معن على قدمي ،أي يشر الناس بشاهدت ،كما قال تعال :لتكونوا شهداء على الناس
ويكون الرسول عليكم شهيدا [ سورة البقرة ، 2 /الية . ] 143 :
[ و قيل على قدمي :على سابقت ،قال ال تعال :أن لم قدم صدق عند ربم [ سورة يونس ، 10 /
الية . ] 2 :
و قيل :على قدمي :أي قدامي ،وحول ،أي يتمعون إل يوم القيامة .
و قيل على قدمي :على سنت ] .
ومعن قوله :ل خسة أساء :قيل :إنا موجودة ف الكتب التقدمة ،وعند أول العلم من المم السالفة
[ ،و ال أعلم ] .
و قد روي عنه صلى ال عليه و سلم :ل عشرة أساء و ذكر منها :طه ،و يس ،حكاه مكي .
و قد قيل ف بعض تفسي طه :إنه ياطاهر ياهادي .وف يس :يا سيد ،حكاه السلمي عن الواسطي ،
وجعفر بن ممد .
و ذكر غيه :ل عشرة أساء فذكر المسة الت ف الديث الول ،قال :و أنا رسول الرحة و رسول
الراحة ،و رسول اللحم ،وأنا القتفي ،قفيت النبيي .
و أنا قيم ،و القيم :الامع الكامل ،كذا و جدته ،و ل أروه .
و أرى أن صوابه قثم ـ بالثاء كما ذكرناه بعد عن الرب ،و هو أشبه بالتفسي .
و قد وقع أيضا ف كتب النبياء :قال داود عليه السلم :اللهم ابعث لنا ممد امقيم السنة بعد الفترة ،
فقد يكون القيم بعناه .
وروى النقاش عنه صلى ال عليه و سلم :ل ف القرآن سبعة أساء :ممد ،و أحد و يس ،و طه ،و
الدثر ،و الزمل ،و عبد الل .
[ و ف حديث ـ عن جبي بن مطعم رضي ال عنه :هي ست :ممد ،و أحد ،و خات ،و عاقب ،
و حاشر ،و ماح ] .
و ف حديث أب مو سى الشعري ـ أنه كان صلى ال عليه و سلم يسمي لنا نفسه أساء ،فيقول :أنا
ممد و أحد ،و القفي ،و نب التوبة ،و نب اللحمة ،و نب الرحة .
و يروى :الرحة ،و الراحة .
و كل صحيح إن شاء ال .
و معن القفي معن القالب .
و أما نب الرحة و التوبة ،و الرحة و الراحة ـ فقال تعال :وما أرسلناك إل رحة للعالي ،و كما و
صفه بأنه يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الكمة .و يهديهم إل صراط مستقيم .و بالؤمني رؤوف
رحيم [ سورة التوبة ، 9/الية . ] 128
و قال ف صفة أمته :أنا أمة مرحومة .
و قال ال تعال فيهم :وتواصوا بالصب وتواصوا بالرحة ،أي يرحم بعضهم بعضا ،فبعثه ربه تعال
رحة لمته و رحة للعالي ،و رحيما بم ،و مرتما و مستغفرا لم ،و جعل أمته مرحومة ،و
وصقها بالرحة .
و أمرها صلى ال عليه و سلم بالتراحم ،فقال و أثن عليه فقال :إن ال يب من عباده الرحاء .
و قال :الراحون يرحهم الرحن .ارحوا من ف الرض يرحكم من ف السماء .
و أما رواية نب اللحمة فإشارة إل ما بعث به من القتال و السيف ـ صلى ال عليه و سلم ،و هي
صحيح ة .
و روى حذيفة مثل حديث أب موسى ،و نب الرحة ،و نب اللحم .
و رو ي الرب ف حديثه صلى ال عليه و سلم أنه قال :أتان ملك فقال ل :أنت قثم أي متمع .قال
:و القثم :الامع للخي ،و هذا اسم هو ف أهل بيته معلوم .
و قد جاءت من ألقابة ـ صلى ال عليه و سلم و ساته ف القرآن عدة كثية سوى ما ذكرناه ،
كالنور ،و السراج الني ،و النذرو النذير ،و البشر و البشي ،و الشاهد ،و الشهيد ،و الق البي ،
و خات النبيي ،و الرؤوف الرحيم ،و المي ،و قدم الصدق [ ، ]80و رحة للعالي ،و نعمة ال و
العروة الوثقى ،و الصراط الستقيم ،و النجم الثاقب و الكري ،و النب المي ،و داعي ال ـ ف
أوصاف كثية ،و سات جليلة .
و جرى منها ف كتب ال التقدمة ،و كتب أنبيائه ،و أحاديث رسوله ،و إطلق المة جلة شافية ،
كتسميته بالصطفى ،و الجتب ،و أب القاسم ،و البيب ،و رسول رب العالي ،و الشفيع الشفع ،و
التقي ،و الصلح ،و الطاهر ،و الهي و الصادق ،و الصدوق ،و الادي ،و سيد و لد آدم ،و
سيد الرسلي ،و إمام التقي ،و قائدالغر الحجلي ،و حبيب ال ،و خلي ل الرحن ،و صاحب
الوض الورود ،و الشفاعة ،و القام الحمود ،و صاحب الوسيلة و الفضيلة و الدرجة الرفيعة ،و
صاحب التاج ،و العراج ،و اللواء ،و القضيب ،و راكب الباق ،و الناقة ،و النجيب ،و صاحب
الجة و السلطان ،و الات ،و العلمة و البهان ،و صاحب الراوة و النعلي .
و من أسائه ف الكتب :التوكل ،و الختار ،و مقيم السنة ،و القدس [ .وروح القدس ] ،و روح
الق ،و هو معن البارقليط ف النيل .
و قال ثعلب :البارقليط :الذي يفرق بي الق و الباطل .
و من أسائه ف الكتب السالفة ،ماذ ماذ ،و معناه طيب ،طيب ،و حطايا ،و الات ،و الات ،
حكاه الحبار .
قال ثعلب :فالات الذي ختم [ ال به ] النبياء .و الات :أحسن النبياء خلقا و خلقا .
و يسمى بالسريانية :مشفع و النحمنا ،و اسه ف التوراة أحيد ـ روي ذلك عن ابن سيين .
و معن صاحب القضيب ،أي السيف ،و قع ذلك مفسرا ف النيل ،قال :معه قضيب من حديد
يقاتل به ،و أمته كذلك .
و قد يمل على أنه القضيب المشوق الذي كان يسكه صلى ال عليه و سلم ،و هو الن عند اللفاء
.
و أما الراوة الت وصف با فه ي ف اللغة العصا ،و أراها ـ و ال أعلم ـ العصا الذكورة ف حديث
الوض :أذود الناس عنه بعصايـى ـ لهل اليمن .
و أما التاج فالراد به العمامة ،و ل تكن حينئذ إل للعرب ،و العمائم تيجان العرب .
و أوصافه و ألقابه ،و ساته ف الكتب كثية ،و فيها ذكرناه منها مقنع إن شاء ال .
[و كانت كنيهة الشهورة أبا القاسم .
و روي عن أنس أنه لا ولد إبراهيم جاءه جبيل فقال له :السلم عليك يا أبا إبراهيم ] .
فصل
ف أسائه :صلى ال عليه و سلم و ما تضمنته من فضيلته
حدثنا أبو عمران موسى بن أب تليد الفقيه ،قال :حدثنا أبو عمر الافظ ،حدثنا سعيد بن نصر ،
حدثنا قاسم بن أصبغ ،حدثنا ممد بن وضاح ،حدثنا يي ،حدثنا مالك ،عن ابن شهاب ،عن
ممد بن جبي بن مطعم ،عن أبيه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :ل خسة أساء :أنا
ممد ،و أنا أحد ،و أنا الاحي ،الذي يحو ال ب الكفر ،
و أنا الاشر الذي يشر الناس على قدمي ،و أنا العاقب .
و قد ساه ال تعال ف كتابه ممدا ،وأحد .
فمن خصائصه تعال له أن ضمن أساءه ثناءه ،وطوى أثناء ذكره عظيم شكره .
فأما اسه أحد فأفعل مبالغةً من صفة المد .
وممد :مفعل ،مبالغة من كثرة المد ،فهو ـ صلى ال عليه و سلم ـ أجل من حد ،و أفضل من
حد ،و أكثر الناس حدا ،فهو أحد الحمودين ،و أحد الامدين ،و معه لواء المد يوم القيامة ليتم
له كمال المد ،ويتشهر ف تلك العرصات بصفة المد ،ويبعثه ربه هناك مقاما ممودا كما وعده ،
يمده فيه الولون والخرون بشفاعته لم ،ويفتح عليه فيه من الحامد ـ كما قال صلى ال عليه و
سل م ـ ما ل يعط غيه ،وسى أمته ف كتب أنبيائه بالمادين ،فحقيق أن يسمى ممدا وأحد .
ث ف هذين السي من عجائب خصائصه ،وبدائع آياته ـ فن آخر ،و هو ان ال جل اسه حى أن
يسمى بما أحد قبل زمانه .
أما أحد الذي أتى ف الكتب وبشرت به النبياء فمنع ال تعال بكمته أن يسمى به أحد غيه ،ول
يدعى به مدعو قبله حت ل يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك .
و كذلك ممد أيضا ل يسم به أحد من العرب و لغيهم إل أن شاع قبيل وجوده صلى ال عليه و
سلم وميلده أن نبيا يبعث اسه ممد ،فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك ،رجاء أن يكون
أحدهم هو .و ال أعلم حيث يمل رسالته ،وهم :ممد بن أحيحة بن اللح الوسي ،و ممد بن
مسلمة النصاري ،و ممد بن براء البكري ،و ممد بن سفيان بن ماشع ،و ممد بن حران
العفي ،و ممد بن خراعي السلمي ،ل سابع لم .
ويقال :أول من تسمى بحمد ممد بن سفيان .واليمن تقول :بل ممد بن اليحمد من الزد .
ث حى ال كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها أحد له ،او يظهر عليه سبب يشك أحدا ف
أمره حت تققت السمتان له صلى ال عليه و سلم ،ول ينازع فيهما .
وأما قوله صلى ال عليه و سلم :و أنا الاحي الذي يحو ال ب الكفر ففسر ف الديث :و يكون مو
الكفر إما من مكة و بلد العرب ،و ما زوي له من الرض ،و وعد أنه يبلغه ملك أمته ،أو يكون
الحو عاما ،بعن الظهور والغلبة ،كما [ ] 79قال تعال :ليظهره على الدين كله [ سورة التوبة /
، 9الية . ] 33 :
[ و قد ورد تفسيه ف الديث أنه الذي ميت به سيئات من اتبعه ] .
و قوله :و أنا الاشر الذي يشر الناس على قدمي اي على زمان و عهدي ،أي ليس بعدي نب ،كما
قال :و خات النبيي .
وسي عاقبا ،لنه عقب غيه من النبياء .
[ و ف الصحيح :انا العاقب الذي ليس بعدي نب ] .
و قيل :معن على قدمي ،أي يشر الناس بشاهدت ،كما قال تعال :لتكونوا شهداء على الناس
ويكون الرسول عليكم شهيدا [ سورة البقرة ، 2 /الية . ] 143 :
[ و قيل :على قدمي :على سابقت ،قال ال تعال :أن لم قدم صدق عند ربم [ يونس ، 10 /
الية . ] 2 :
و قيل :على قدمي :أي قدامي ،وحول ،أي يتمعون إل يوم القيامة .
و قيل على قدمي :على سنت ] .
ومعن قوله :ل خسة أساء :قيل :إنا موجودة ف الكتب التقدمة ،وعند أول العلم من المم السالفة
[ ،و ال أعلم ] .
و قد روي عنه صلى ال عليه و سلم :ل عشرة أساء و ذكر منها :طه ،و يس ،حكاه مكي .
و قد قيل ف بعض تفسي طه :إنه ياطاهر ياهادي .وف يس :يا سيد ،حكته السلمي عن الواسطي ،
وجعفر بن ممد .
و ذكر غيه :ل عشرة أساء فذكر المسة الت ف الديث الول ،قال :و أنا رسول الرحة و رسول
الراحة ،و رسول اللحم ،وأنا القتفي ،قفيت النبيي .
و أنا قيم ،و القيم :الامع الكامل ،كذا و جدته ،و ل أروه .
و أرى أن صوابه قثم ـ بالثاء كما ذكرناه بعد عن الرب ،و هو أشبه بالتفسي .
و قد وقع أيضا ف كتب النبياء :قال داود عليه السلم :اللهم ابعث لنا ممد امقيم السنة بعد الفترة ،
فقد يكون القيم بعناه .
وروى النقاش عنه صلى ال عليه و سلم :ل ف القرآن سبعة أساء :ممد ،و أحد و يس ،و طه ،و
الدثر ،و الزمل ،و عبد ال .
[ و ف حديث ـ عن جبي بن مطعم رضي ال عنه :هي ست :ممد ،و أحد ،و خات ،و عاقب ،
و حاشر ،و مال ] .
و ف حديث أب موسى الشعري ـ أنه ك ان صلى ال عليه و سلم يسمي لنا نفسه أساء ،فيقول :أنا
ممد و أحد ،و القفي ،و نب التوبة ،و نب اللحمة ،و نب الرحة .
و كل صحيح إن شاء ال .
و معن القفي معن القالب .
و أما نب الرحة و التوبة ،و الرحة و الراحة ـ فقال تعال :وما أرسلناك إل رحة للعالي ،و كما و
صفه بأنه يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الكمة .و يهديهم إل صراط مستقيم .و بالؤمني رؤوف
رحيم [ سورة التوبة ، 9/الية . ] 128
و قال ف صفة أمته :أنا أمة مرحومة .
و قال ال تعاى فيهم :وتواصوا بالصب وتواصوا بالرحة ،أي يرحم بعضهم بعضا ،فبعثه ربه تعال
رحة لمته و رحة للعالي ،و رحيما بم ،و مرتما و مستغفرا لم ،و جعل أمته مرحومة ،و وصقها
بالرحة .
و أمرها ال بالتراحم ،فقال و أثن عليه فقال :إن ال يب من عباده الرحاء
.و قال الراحون يرحهم الرحن .ارحوا من ف الرض يرحكم من ف السماء
و أما رواية نب اللحمة فإشارة إل عليه السلما بعث به من القتال و السيف ـص ،و هي صحيحة .
و روى حذيفة مثل حيث أب موسى ،و نب الرحة ،و نب اللحم .
و رو ي الرب ف حديثه صلى ال عليه و سلم أنه قال :أتان ملك فقال ل :أنت قثم أي متمع .قال
:و القثم :الامع للخي ،و هذا اسم هو ف أهل بيته معلوم .
و قد جاءت من ألقابة ـ صلى ال عليه و سلم و ساته ف القرآن عدة كثية سوى ما ذكرناه ،
كالنور ،و السراج الني ،و النذرو النذير ،و البشر و البشي ،و الشاهد ،و الشهيد ،و الق البي ،
و خات النبيي ،و الرؤوف الرحيم ،و المي ،و قدم الصدق [ ، ]80و رحة للعالي ،و نعمة ال و
العروة الوثقى ،و الصراط الستقيم ،و النجم الثاقب و الكري،و النب المي ،و الداعي ال ـ ف
أوصاف كثية ،و سات جيلت .
و جرى منها ف كتب ال التقدمة ،و كتب أنبيائه ،و أحاديث رسوله ،و إطلق المة جلةشافية،
كتسمية بالصطفى ،و الجتب ،و أب القاسم ،و البيب ،و رسول رب العالي ،و الشفيع الشفع ،و
التقي ،و الصلح ،و الطاهر ،و الهي ن و الصادق ،و الصدوق ،و الادي ن و سيد و لد آدم ،و
سيد الرسلي ،و إمام التقي ،و قائدالغر الحجلي ،و حبيب ال ،و خليل الرحن ،و صاحب الوض
الورود ،و الشقاعة ،و القام الحمود ،و صاحب الوسيلة و الفضيلة و الدر جة الرفيعة ،و صاحب
التاج ن و العراج ،و اللواء ،و القضيب ،و راكب الباق ،و الناقة ،و النجيب ،و صاحب الجة و
السلطان ،و الات ،و العلمة و البهان ،و صاحب الراوةو النعلي .
و من أسائه ف الكتب :التوكل ،و الختار ،و مقيمالسنة ،و القدس [ .وروح القدس ] ،وروح
الق ،و هو معن البارقليط ف النيل .
و قال ثعلب :البارقليط :الذي يفرق بي الق و الباطل .
و من أسائه ف الكتب السالفة ،ماذ ماذ ،و معناه طيب ،طيب ،و حطايا ،و الات ،و الات ،
حكاه الحبار .
قال ثعلب :فالات الذي ختم [= به ]النبياء .و الات :أحسن النبياء خلقا و خلقا .
و يسمى بالسريانية :مشفع و النحمنا ،و اسه ف التوراة أحيدـ روي ذلك عن ابن سيين .و معن
صاحب القضيب ،أي السيف ،و قع ذلك مفسرا ف النيل ،قال :معه قضيب من حديد يقاتل به ،
و أمته كذلك .
و قد يمل على أنه القضيب المشوق الذي كان يسكه صلى ال عليه و سلم ،و هو اللن عند اللفاء
.
و أما الراوة الت وصف با فهي ف اللغة العصا ،و أراها ـ و ال أعلم ـ العصا الذكورة ف حديث
الوض :أذود الناس عنه بعصايـى ـ لهل اليمن .
و أما التاج فالراد به العمامة ،و ل تكن حينئذ إل للعرب ،و العمائ تيجان العرب .
و أوصافه و ألقابه ،و ساته ف الكتب كثية ،و فيها ذكرناه منها مقنع إن شاء ال
[و كانت كنيتة الشهورة أبا القاسم .
وروي عن أنس أنه لا ولد إبراهيم جاءه جبيل فقال له :السلم عليك ياأبا إبراهيم ].
فصل
ف تشريف ال تعال له با ساه من أسائه السن و وصفه به من صفاتة العل
قال القاضي أبو الفضل وفقه ال تعال :ما أحرى هذا الفصل بفصول الباب الول ،لنراطه ف سلك
مضمونا ،و امتزاجه بعذب معينها ،لكن ل يشرح ال الصدر للهداية إل استنباطه ،و ل أنار الفكر ل
ستخراج جوهره و التقاطه إل عند الوض ف الفصل الذي قبله ،فرأينا أن نضيفه إليه ،و نمع به شله
.
فاعلم أن ال تعالىخص كثيا من النبياء بكرامة خلعها عليهم من أسائه ،كتسمية إسحاق ،و
إساعيل بعليم ،و حليم ،و إبراهيم بليم ،و نوح بشكور ،و عيسى و يي بب موسى بكري ،و
قوى ،و يوسف بفيظ عليم ،وأيوب بصابر ،و إساعيل بصادق الوعد ،كما [ ] 81الكتاب العزيز
من مواضع ذكرهم .
و فضل ممدا صلى ال عليه و سلم :بأن حله منها ف كتابه العزيز ،و على ألسنة أنبيائه بعدة كثية
اجتمع لنا منها جلة بعد إعمال الفكر ،وإحضار الذكر ،إذ ل ند من جع منها فوق اسي ،و ل من
تفرغ فيها لتأليف فصلي .
و حررنا منها ف هذا الفصل نو ثلثي اسا ،و لعل ال تعال ـ كما ألم إل ما علم منها و حققه ـ
يتم النعمة بإبانة ما ل يظهره لنا الن ،ويفتح غلقه .
فمن أسائه تعال :الميد ،و معناه الحمود ،لنه حد نفسه ،و حده عباده ،و يكون أيضا بعن
الامد لنفسه و لعمال الطاعات .
و سى ال تعال النب صلى ال عليه و سلم ممدا ،و أحد ،فمحمد بعن ممود ،و كذا وقع اسه ف
زبور داود .
و أحد بعن أكب من حد ،و أجل من حد ،و أشار إل نو هذا حسان بقوله :
و شق له من اسه ليجله فذو العرش ممود و هذا ممد
و من أسائه :الرؤوف الرحيم ،و ها بعن متقارب .
و قد ساه ف كتابه بذلك ،فقال :بالؤمني رؤوف رحيم .
و من أسائه تعال الق البي .و معن الق :الوجود ،و التحقق أمره ،و كذلك البي ،أي البي
أمره و إليته .
بان ،و أبان بعن واحد .و يكون بعن البي لعباده أمر دينهم و معادهم .
و سى النب ـ صلى ال عليه و سلم بذلك ف كتابه ،فقال :حت جاءهم الق ورسول مبي [ سورة
الزخرف ، 43 /الية . ] 29 :
و قال تعال :وقل إن أنا النذير البي [ سورة الجر ، 15 /الية . ] 89 :
و قال تعال :قد جاءكم الق من ربكم [ سورة يونس ، 10 /الي ة . ] 108 :
و قال :فقد كذبوا بالق لا جاءهم ،قيل :ممد .و قيل القرآن .و معناه هنا ضد الباطل ،و التحقق
صدقه و أمره ـ و هو بعن الول .
و البي :البي أمره و رسالته ،أو البي عن ال ما بعثه به ،كما قال تعال :لتبي للناس ما نزل إليهم [
سورة النحل ، 16 /الية . ] 44 :
و من أسائه تعال :النور ،و معناه ذو النور ،أي خالقه ،أو منور السموات و الرض بالنوار ،ومنور
قلوب الؤمني بالداية .
وساه نور ا ،فقال :قد جاءكم من ال نور وكتاب مبي ،قيل ممد .و قيل القرآن .
و قال فيه :وسراجا منيا ،سي بذلك لوضوح أمره ،و بيان نبوته ،و تنوير قلوب الؤمنينو العارفي با
جاء به .
و من أسائه تعال :الشهيد ،و معناه العال .و قيل :الشاهد على عباده يوم القيامة .
وساه شهيدا وشاهدا ،فقال :إنا أرسلناك شاهدا .
و قال تعال :ويكون الرسول عليكم شهيدا ،و هو بعن الول .
و من أسائه تعال :الكري ،و معناه الكثي الي .
و قيل :الفضل .و قيل العفو و قيل :العلي .
و ف الديث الروي ف أسائه تعال :الكرم .
وساه تعال كريا بق وله :إنه لقول رسول كري ،قيل :ممد .و قيل :جبيل .
و قال صلى ال عليه و سلم :أنا أكرم ولد آدم .
و معان السم صحيحة ف حقه صلى ال عليه و سلم .
و من أسائه تعال :العظيم ،و معناه الليل الشأن ،الذي كل شيء دونه .
و قال ف النب صلى ال عليه و سلم :وإنك لعلى خلق عظيم [ سورة القلم ، 68 /الية . ] 4 :
و وقع ف أول سفر من التوراة ـ عن إساعيل :وستلد عظيما لمة [ ] 82عظيمة ،فهو عظيم و على
خلق عظيم .
و من أسائه تعال :البار ،و معناه الصلح ،و قيل القاهر .و قيل العلي العظيم الشأن .و قيل التكب
.
وسي النب صلى ال عليه و سلم ف كتاب داود ببار ،فقال :تقلد أيها البار سيفك ،فإن ناموسك و
شرائعك مقرونة بيبة يينك .
و معناه ف حق النب صلى ال عليه و سلم :إما لصلحه المة بالداية و التعليم ،أو لقهره أعداءه ،أو
لعلو منلته على البشر ،و عظيم خطره .
و نفى عنه تعال ـ ف القرآن ـ جبية التكب الت ل تليق به ،فقال :وما أنت عليهم ببار [ سورة ق
، 50/الية . ] 45 :
و من أسائه تعال :البي ،و معناه الطلع بكنه الشيء ،العال بقيقته .و قيل معناه الخب .
و قال ال تعال :الرحن فاسأل به خبيا [ سورة الفرقان ، 25 /الية . ] 59 :
و قال القاضي بكر بن العلء :الأمور بالسؤال غي النب صلى ال عليه و سلم .و السؤول البي هو
النب صلى ال عليه و سلم .
و قال غيه :بل السائل النب صلى ال عليه و سلم .و السؤول هو ال تعال ،فالنب خبي بالوجهي
الذكورين ،قيل :لنه عال على غاية من العلم با أعلمه ال من مكنون علمه ،و عظيم معرفته ،مب
لمته با أذن له ف إعلمهم به .
و من أسائه تعال :الفتاح ،و معناه الاكم بي عباده ،أو فاتح أبواب الرزق و الرحة ،و النغلق من
أمورهم عليهم ،أو يفتح قلوبم و بصائرهم لعرفة الق ،و يكون أيضا بعن الناصر ،كقوله تعال :
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ،أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر ،و قيل :معناه مبتدئ الفتح و
النصر .
و سى ال تعال ممدا صلى ال عليه و سلم بالفاتح ف حديث السراء الطويل من رواية الربيع ابن أنس
،عن أب العالية و غيه ،عن أب هريرة رضي ال عنه ،و فيه :من قول ال تعال [ :وجعلتك فاتا
وخاتا ] .
و فيه من قول النب صلى ال عليه و سلم ف ثنائه على ربه ،و تعديد مراتبه [ :و رفع ل ذكري ،و
جعلن فاتا و خاتا ] ،فيكون الفاتح هنا بعن الاكم ،أو الفاتح لبواب الرحة على أمته ،أو الفاتح
لبصائرهم لعرفة الق و اليان بال ،أو الناصر للحق ،أو البتديء بداية المة ،أو البدأ القدم ف
النبياء و الات لم ،كما قال صلى ال عليه و سلم :كنت أول النبياء ف اللق ،و آخرهم ف البعث
.
و من أسائه تعال ف الديث :الشكور ،و معناه الثيب على العمل القليل .و قيل الثن على الطيعي ،
و وصف بذلك نبيه نوحا عليه السلم فقال :إنه كان عبدا شكورا [ سورة السراء ، 17 /الية :
.]3
و قد وصف النب صلى ال عليه و سلم نفسه بذلك ،فقال :أفل أكون عبدا شكورا أي معترفا بنعيم
رب ،عارفا بقدر ذلك ،مثنيا عليه ،مهدا نفسي ف الزيادة من ذلك ،لقوله تعال :لئن شكرت
لزيدنكم [ سورة إبراهيم ، 14 /الية . ] 7 :
و من أسائه تعال :العليم ،و العلم .و عال الغيب و الشهادة .
و وصفه نبيه صلى ال عليه و سلم بالعلم ،و خصه بزية منه ،فقال تعال :وع لك ما ل تكن تعلم
وكان فضل ال عليك عظيما [ سورة النساء ، 4الية . ] 113 :
و قال :ويعلمكم الكتاب والكمة ويعلمكم ما ل تكونوا تعلمون .
و من أسائه تعال :الول ،و الخر ،و معناها السابق [ ] 83للشياء قبل و جودها ،و الباقي بعد
فنائها .
و تقيقه أنه ليس له أول و ل آخر .
و قال صلى ال عليه و سلم :كنت أول النبياء ف اللق ،و آخرهم ف البعث .و فسر بذا قوله تعال
:وإذ أخذنا من النبيي ميثاقهم ومنك ومن نوح ،فقدم ممدا صلى ال عليه و سلم .
و قد أشار إل نو منه عمر بن الطاب رضي ال عنه .
و منه قوله :ىنحن الخرون السابقون .
و قوله :أنا أول من تنشق عنه الرض ،و أول من يدخل النة ،و أول شافع ،و أول مشفع و هو
خات النبيي ،و آخر الرسل صلى ال عليه و سلم .
و من أسائه تعال :القوي .و ذو القوة التي ،و معناه :القادر .
و قد وصفه ال تعال بذلك ،فقال :ذي قوة عند ذي العرش مكي ،قيل ممد .و قيل جبيل .
و من أسائه تعال :الصادق ،ف الديث الأثور .
و ورد ف الديث أيضا اسه صلى ال عليه و سلم بالصادق و الصد وق .
و من أسائه تعال :الول ،و الول ،و معناها الناصر ،و قد قال ال تعال :إنا وليكم ال ورسوله
[ سورة الائدة ، 5 /الية . ] 55 :
و قال صلى ال عليه و سلم :أنا ول كل مؤمن .
و قال ال تعال :النب أول بالؤمني من أنفسهم [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 6 :
و قال صلى ال عليه و سلم :من كنت موله فعلي موله .
و من أسائه تعال :العفو ،و معناه الصفوح .
و قد وصف ال تعال بذا نبيه ف القرآن ،و التوراة ،و أمره بالعفو ،فقال تعال :خذ العفو [ سورة
العراف ، 7 /الية . ] 199 :
و قال :فاعف عنهم واصفح [ سورة الائدة ، 5 /الية . ] 12 :
و قال له جبيل ـ و قد سأله عن قوله :خذ العفو ،قال :أن تعفو عمن ظلمك .
و قال ف التوراة و النيل ف الديث الشهور ،ف صفته :ليس بفظ و ل غليظ ،و لكن يعفو و
يصفح .
و من أسائه تعال :الادي ،و هو بعن توفيق ال لن أراد من عباده ،و بعن الدللة و الدعاء .قال
ال تعال :وال يدعو إل دار السلم ويهدي من يشاء إل صراط مستقيم .و أصل الميع من اليل .و
قيل :من ال تقدي .
و قيل ف تفسي طه إنه يا طاهر ،يا هادي ،يعن النب صلى ال عليه و سلم .و قال ال تعال له :
وإنك لتهدي إل صراط مستقيم [ سورة الشورى ، 42 /الية . ] 52 :
و قال فيه :وداعيا إل ال بإذنه [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 46 :
فال تعال متص بالعن الول ،قال تعال :إنك ل تدي من أحببت ولكن ال يهدي من يشاء [ سورة
القصص ، 28 /الية . ] 56 :
و بعن الدللة ينطلق على غيه تعال .
و من أسائه تعال :الؤمن الهيمن ،قيل :ها بعن واحد ،فمعن الؤمن ف حقه تعال :الصدق وعده
عباده ،و الصدق قوله الق ،و الصدق لعباده الؤمني ورسله .و قيل :الوحد نفسه .و قيل :الؤمن
عباده ف الدنيامن ظلمه ،و الؤمني ف الخرة من عذابه .
و قيل :الهيمن بعن المي ،مصغر منه ،فقلبت المزة هاء .
و قد قيل :إن قولم ف الدعاء :آمي ـ إنه اسم من أساء ال تعال ،و معناه معن الؤمن .
و قيل :الهيمن بعن الشاهد و الافظ .
و النب صلى ال عليه و سلم أمي ،و مهيمن ،و مؤمن ،و قد ساه ال تعال أمينا ،فقال :مطاع ث
أمي [ سورة الت كوير ، 81 /الية . ] 21 :
و كان ـ صلى ال عليه و سلم ـ يعرف بالمي ،و شهر به قبل النبوة و بعدها ،و ساه العباس ،ف
شعره مهيمنا ف قوله [ : ] 84
ث احتوى بيتك الهيمن من خندف علياء تتها النطق
قيل :الراد :يأيها الهيمن ،قاله القتيب ،و المام أبو القاسم القشيي .
و قال تعال :يؤمن بال ويؤمن للمؤمني ،أي يصدق .
و قال صلى ال عليه و سلم :أنا أمنة لصحاب ،فهذا بعن الؤمن .
و من أسائه تعال :القدوس ،و معناه النه عن النقائص الطهر من سات الدث ،و سي بيت
القدس ،لنه يتطهر فيه من الذنوب ،و منه ،الوادي القدس ،وروح القدس .
و وقع ف كتب النبياء ف أسائه صلى ال عليه و سلم :القدس ،أي الطهر من الذنوب ،كما قال
تعال :ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر [ سورة الفتح ، 48 /الية . ] 1 :
أو الذي يتطهر به من الذنوب ،و يتنه باتباعه عنه ،كما قال :ويزكيهم .
و قال تعال :ويرجهم من الظلمات إل النور [ سورة الائدة ، 5 /الية . ] 16 :
أو يكون مقدسا بعن مطهرا ،من الخلق الذميمة و الوصاف ا لدنية .
و من أسائه تعال :العزيز ،و معناه :المتنع الغالب ،أو الذي ل نظي له ،أو العز لغيه ،و قال تعال
:ول العزة ولرسوله ،أي المتناع و جللة القدر .
و قد وصف ال تعال نفسه بالبشارة و النذارة ،فقال :يبشرهم ربم برحة منه ورضوان [ سورة التوبة
، 9 /الية . ] 21 :
و قال :أن ال يبشرك بيحي :و بكلمة منه [ سورة آل عمران ، 3 /الية . ] 45 :
و ساه ال تعال مبشرا ،و نذيرا :أي مبشرا لهل طاعته ،و نذيرا لهل معصيته .
و من أسائه تعال فيما ذكره بعض الفسرين :طه ،و يس .و قد ذكر بعضهم أيضا أنما من أساء
ممد صلى ال عليه و سلم و شرف و كرم .
فصل
ف بيان أن ال تعال ل يشبه شيئا من ملوقاته
قال القاضي أبو الفضل :وفقه ال ،و هأنا أذكرنكتةً أذيل با هذا الفصل ،و أختم با هذا القسم ،و
أزيح الشكال با فيما تقدم عن كل ضعيف الوهم ،سقيم الفهم ،تلصه من مهاوي التشبيه ،و
تزحزحه عن شبه التمويه ،و هو أن يعتقد أن ال تعال جل اسه ف عظمته و كبيائه و ملكوته ،و
حسن أسائه ،و علي صفاته ،ل يشبه شيئا من ملوقاته ،و ل يشبه به ،و أن ما جاء ما أطلقه الشرع
على الالق و على الخلوق ،فل تشابه بينهما ف العن القيقي ،إذ صفات القدي بلف صفات
الخلوق ،فكما أن ذاته ل تشبه الذوات كذلك صفاته ل تشبه صفات الخلوقي ،إذ صفاتم ل تنفك
عن العراض و الغراض ،و هو تعال ـ منه عن ذلك ،بل ل يزل بصفاته و أسائه ،و كفى ف هذا
قوله :ليس كمثله شيء [ سورة الشورى ، 42 /الية . ] 11 :
و ل در من قال من العلماء العارفي الحققي :التوحيد إثبات ذات غي مشبهة للذوات و ل معطة عن
الصفات .
و زاد هذه النكتة الواسطي ـ رحه ال ـ بيانا ،و هي مقصودنا ،فقال :ليس كذاته ذات ،و ل
كأسه اسم ،و ل كفعله فعل ،و ل كصفته صفة ،إل من جهة موافقة اللفظ اللفظ ،و جلت الذات
القدية أن تكون لا صفة حديثة ،كما استحال أن تكون للذات الحدثة صفة قدية .
و هذا كله مذهب أهل الق و السنة و الماعة رضي ال عنهم .
و قد فسر المام أبو القاسم القشيي رحه ال ـ قوله [ ] 85هذا ،ليزيد بيانا ،فقال :هذه الكاية
تشتمل على جوامع مسائل التوحيد ،و كيف تشبه ذاته ذات الحدثات ،و هي بوجودها مستغنية ،و
كيف يشبه فعله فعل اللق ،و هو لغي جلب أنس ،أو دفع نقص حصل ،و ل لواطر و أغراض وجد
،و ل بباشرة و معالة ظهر ،و فعل اللق ل يرج عن هذه الوجوه .
و قال آخر ـ من مشاينا :ما توهتموه بأوهامكم ،أو أدركتموه بعقولكم فهو مدث مثلكم .
و قال المام أبو العال الوين :من اطمأن إل موجود انتهى إليه فكره ،فهو مشبه ،و من اطمأن إل
النفي الحض فهو معطل و إن قطع بوجود اعتراف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد .
و ما أحسن قول ذي النون الصري :حقيقة التوحيد أن تعلم أن قدرة ال تعال ف الشياء بل علج ،
وصنعه لا بل مزاج ،وعلة كل شيء صنعه ،و ل علة لصنعه ،و ما تصور ف و هك فال بلف
ه.
و هذا كلم عجيب نفيس مقق ،و الفصل الخر ،تفسي لقوله :ليس كمثله شيء [ سورة الشورى /
، 42الية . ] 11 :
و الثان ،تفسي لقوله :ل يسأل عما يفعل وهم يسألون و الثالث ،تفسي لقوله :إنا قولنا لشيء إذا
أردناه أن نقول له كن فيكون [ سورة النحل ، 16 /الية . ] 40 :
ثبتنا ال و إياك على التوحيد و الثبات ،و التنيه ،و جنبنا طرف الضللة و الغواية من التعطيل و
التشبيه بنه ورحته .
الباب الرابع
فيما أظهره ال تعال على يديه من العجزات و شرفه به من الصائص و
الكرامات
قال القاضي أبو الفضل :حسب التأمل أن يقق أن كتابنا هذا ل نمعه لنكر نبوة نبينا صلى ال عليه و
سلم ،و ل لطاعن ف معجزاته ،فنحتاج إل نصب الباهي عليها ،وتصي حوزتا ،حت ل يتوصل
الطاعن إليها ،و نذكر شروط العجز و التحدي و حده ،و فساد قول من أبطل نسخ الشرائع ،
ورده ،بل ألفناه لهل ملته ،اللبي لدعوته ،الصدقي لنبوته ،ليكون تأكيدا ف مبتهم له ،و منماةً
لعمالم ،و ليزدادوا إيانا مع إيانم .
و بنيتنا أن نثبت ف هذا الباب أمهات معجزاته ،و مشاهي آياته ،لتدل ،على عظيم قدره عند ربه .و
أتينا منها بالحقق و الصحيح السناد ،و أكثره ما بلغ القطع ،أو كاد ،و أضفنا إليها بعض ما وقع ف
مشاهي كتب الئمة .
و إذا تأمل التأمل النصف ما قدمناه من جيل أثره ،و حيد سيه ،و براعة علمه ،ورجاحة عقله و
حلمه ،و جلة كماله ،و جيع خصاله ،و شاهد حاله ،و صواب مقاله ـ ل يتر ف صحة نبوته ،و
صدق دعوته .
و قد كفى هذا غي واحد ف إسلمه و اليان به .
فروينا عن الترمذي ،و ابن قانع وغيها بأسانيدهم ـ أن عبد ال بن سلم ،قال :لا قدم رسول ال
صلى ال عليه و سلم الدينة جئته لنظر إليه ،فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب .
حدثنا به القاضي الشهيد أبو علي رحه ال ،قال :حدثنا أبو السي الصيف ،و أبو الفضل بن خيون
،عن أب يعلى البغدادي ،عن أب علي [ ] 86السنجي ،عن ابن مبوب ،عن الترمذي ،حدثنا ممد
بن بشار ،حدثنا عبد الوهاب الثقفي ،و ممد بن جعفر ،و ابن أب عدي ،و يي بن سعيد ،عن
عوف بن أب جيلة العراب ،عن زرارة ابن أوف ،عن عبد ال بن سلم . . .الديث .
و عن أب رمثة التيمي :أتيت النب صلى ال عليه و سلم ،و معي ابن ل ،فأريته ،فلما رأيته قلت :
هذا نب ال .
و روى مسلم و غيه أن ضمادا لا وفد عليه ،فقال له النب صلى ال عليه و سلم :إن المد ل نمده
ونستعينه ،من يهده ال فل مضل له ،و من يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل
شريك له ،و أن ممدا عبده ورسوله قال له :أعد علي كلماتك هؤلء ،فلقد بلغن قاموس البحر
هات يدك أبايعك .
و قال جامع بن شداد :كا ن رجل منا يقال له طارق ،فأخب أنه رأى النب صلى ال عليه و سلم
بالدينة ،فقال :هل معكم شيء تبيعونه ؟ قلنا :هذا البعي .قال :بكم ؟ قلنا :بكذا و كذا و سقا
من تر ،فأخذ بطامه ،و سار إل الدينة ،فقلنا :بعنا من رجل ل ندري من هو ،و معنا ظعينة ،
فقالت :أنا ضامنة لثمن البعي ،رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر ل ييس فيكم .
فأصبحنا ،فجاء رجل بتمر فقال :أنا رسول رسول ال صلى ال عليه و سلم إليكم ،يأمركم أن
تأكلوا من هذا التمر ،و تكتالوا حت تستوفوا .ففعلنا .
و ف خب اللندى ملك عمان ـ لا بلغه أن رسول ال صلى ال عليه و سلم يدعوه إل السلم ـ قال
اللندى :و ال ،لقد دلن على هذا النب المي أنه ل يأمر بي إل كان أول آخذ به ،و ل ينهي عن
شيء إل كان أول تارك له ،و أنه يغلب فل يبطر و يغلب فل يضجر ،و يفي بالعهد ،و ينجر الوعود
،و أشهد أنه نب .
و قال نفطويه ـ ف قوله تعال :يكاد زيتها يضيء ولو ل تسسه نار :هذا مثل ضربه ال تعال لنبيه
صلى ال عليه و سلم ،يقول :يكاد منظره يدل على نبوته و إن ل يتل قرآنا كما قال ابن رواح ة :
لو ل تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالب
و قد آن أن نأخذ ف ذكر النبوة و الوحي و الرسالة ،و بعده ف معجزة القرآن ،و ما فيه من برهان و
دللة .
فصل
ف أن ال قادر على خلق العرفة ف قلوب عباده
اعلم أن ال جل اسه قادر على خلق العرفة ف قلوب عباده ،و العلم بذاته و أسائه و صفاته و جيع
تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء ،كما حكي عن سنته ف بعض النبياء ،و ذكره بعض أهل التفسي
ف قوله :وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا [ سورة الشورى ، 42 /الية . ] 51 :
و جائز أن يوصل إليهم جيع ذلك بواسطة تبلغهم كلمه ،و تكون تلك الواسطة ،إما من غي البشر ،
كاللئكة مع النبياء أو من جنسهم ،كالنبياء مع المم ،و ل مانع لذا من دليل العقل .
و إذا جاز هذا و ل يستحل ،و جاءت الرسل با دل على صدقهم من معجزاته وجب تصديقهم ف
جيع ما أتوا به ،لن العجزة مع التحدي من النب صلى ال عليه و سلم قائم مقام قول ال :صدق
عبدي فأطيعوه و اتبعوه ،و شاهد على صدقه فيما يقوله ،و هذا كاف .
و التطويل فيه خارج عن العرض [ ، ] 87فمن أراد تتبعه وجده مستوف ف مصنفات أئمتنا رحهم ال
.
فالنبوة ف لغة من هز مأخوذة من النبأ ،و هو الب ،و قد ل تمز على هذا التأويل تسهيلً
.
و العن أن ال تعال أطلعه على غيبه ،و أعلمه أنه نب يه ،فيكون نب منبأ فعيل بعن مفعول ،أو
يكون مبا عما بعثه ال تعال به ،و منبئا با أطلعه ال عليه فعيل بعن فاعل ،و يكون عند من ل
يهمزه من النبوة ،و هو ما ارتفع من الرض ،و معناه أن له رتبة شريفة ،و مكانة نبيهة عند موله
منيفة ،فالوصفان ف حقه مؤتلفان .
و أما الرسول فهو الرسل ،و ل يأت فعول بعن مفعل ف اللغة إل نادرا .و إرساله أمر ال بالبلغ
إل من أرسله إليه ،و اشتقاقه من التتابع ،و منه قولم :جاء الناس أرسالً ،إذا اتبع بعضهم بعضا ،
فكأنه ألزم تكرير التبليغ ،أو ألزمت المة اتباعه .
و اختلف العلماء :هل النب و الرسول بعن ،أو بعنيي ؟ فقيل :ها سواء ،و أصله من النباء و هو
العلم ،و استدلوا بقوله تعال :وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نب ،فقد أثبت لما معا الرسال
،قال :و ل يكون النب إل رسولً ،و ل الرسول إل نبيا .
و قيل :ها مفترقان من وجه ،إذ قد اجتمعا ف النبوة الت هي الطلع على الغيب و العلم بواص
النبوة أو الرفعة لعرفة ذلك ،و حوز درجتها ،و افترقا ف زيادة الرسالة للرسول ،و هو المر بالنذار
و العلم كما قل نا .
و حجتهم من الية نفسها التفريق بي السي ،و لو كانا شيئا واحدا لا حسن تكرارها ف الكلم
البليغ ،قالوا :و العن :ما أرسلنا من رسول إل أمة أو نب ليس برسل إل أحد .
و قد ذهب بعضهم إل أن الرسول من جاء بشرع مبتدإ ،و من ل يأت به نب غي رسول ،و إن أمر
بالبلغ و النذار .
و الصحيح ،و الذي عليه الماء الغفي ،أن كل رسول نب ،و ليس كل نب رسولً .
و أول الرسل آدم ،و آخرهم ممد صلى ال عليه و سلم .
و ف حديث أب ذر رضي ال عنه :إن النبياء مائة ألف و أربعة و عشرون ألف نب .
و ذكر أن الرسل ،منهم ثلثائة و ثلثة عشر ،أولم آدم عليه السلم .
فقد بان لك معن النبوة و الرسالة ،و ليستا عند الحققي ذاتا للنب ،و ل وصف ذات ،خلفا
للكرامية ،و ف تطويل لم ،و تويل ،ليس عليه تعويل .
و أما الوحي فأصله السراع ،فلما كان النب يتلقى ما يأتيه من ربه بعجل سي وحيا ،و سيت أنواع
اللامات وحيا ،تشبيها بالوحي إل النب ،و سي الط وحيا ،لسرعة حركة يد كاتبه ،و وحي
الاجب و اللحظ سرعة إشارتما و منه قوله تعال :فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ،أي أومأ و
رمز .و قيل :كتب ،و منه قولم :الوحا ،الوحا ،أي السرعة .
و قيل أصل الوحي السر و لخفاء ،و منه سي اللام وحيا ،و منه :وإن الشياطي ليوحون إل
أوليائهم ،أي يوسوسون ف صدروهم ،و منه قوله :وأوحينا إل أم موسى ،أي ألقي ف قلبها .
و قد قيل ذلك ف قوله تعال :وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا [ ، ] 88أي ما يلقيه ف قلبه دون
واسطة .
فصل
ف معن تسمية من جاءت به النبياء معجزة
اعلم أن تسميتنا ما جاءت به النبياء معجزة ،هو أن اللق عجزوا عن التيان بثلها ،و هي على
ضربي :ضرب هو من نوع قدره البشر ،فعجزوا عنه ،فتعجيزهم عنه فعل ل دل على صدق نبيه ،
كصرفهم عن تن الوت .و تعجيزهم عن التيان بثل القرآن على رأي بعضهم ،و نوه .
و ضرب هو خارج عن قدرته ،فلم يقدروا على التيان بثله ،كإحياء الوتى ،و قلب العصا حية ،و
إخراج ناقة من صخرة ،و كلم شجرة ،و نبع الاء من الصابع ،و انشقاق القمر ،ما ل يكن أن
يفعله أحد ،إل ال ،فكون ذلك على يد النب صلى ال عليه و سلم من فعل ال تعال و تديه من
يكذبه أن يأت بثله تعجيز له .
و اعلم أن العجزات الت ظهرت على يد نبينا صلى ال عليه و سلم دل ئل نبوته و براهي صدقه ـ من
هذين النوعي معا ـ و هو أكثر الرسل معجرةً ،و أبرهم آيةً ،و أظهرهم برهانا ،كما سنبينه ،و هي
ـ ف كثرتا ـ ل ييط با ضبط ،فإن واحدا منها ـ و هو القرآن ـ ل يصى عدد معجزاته بألف و
ل ألفي ،و ل أكثر ،لن النب صلى ال عليه و سلم قد تدى بسورة منه فعجز عنها .
قال أهل العلم :إنا أعطيناك الكوثر .فكل آية أو آيات منه بعددها و قدرها معجزة ،ث فيها نفسها
معجزات على ما سنفصله فيما انطوى عليه من العجزات .
ث معجزاته صلى ال عليه و سلم على قسمي :قسم منها علم قطعا ،و نقل إلينا متواترا كالقرآن ،فل
مرية ،و ل خلف ،بجيء النب به ،و ظهوره من قبله ،و استدلله بجته ،و إن أنكر هذا معاند
جاحد ،فهو كإنكاره وجود ممد صلى ال عليه و سلم ف الدنيا .
و إنا جاء اعتراض الاحدين ف الجة به ،فهو ف نفسه و جيع ما تضمنه من معجز معلوم ضرورة .
و وجه إعجازه معلوم ضرورةً و نظرا ،كما سنشرحه .
قال بعض أئمتنا :و يري هذا الجرى على الملة أنه قد جرى على يديه صلى ال عليه و سلم آيات و
خوارق عادات إن ل يبلغ واحد منها معينا القطع فيبلغه جيعها ،فل مرية ف جريان معانيها على يديه ،
و ل يتلف مؤمن و ل كافر ـ أنه جرت على يديه عجائب ،و إنا خلف العاند ف كونا من قبل ال
.
و قد قدمنا كونا من قبل ال ،و أن ذلك بثابة قوله :صدقت .
فقد علم وقوع مثل هذا أيضا من نبينا ضرورةً لتفاق معانيها ،كما يعلم ضرورة جود حات ،و
شجاعة عنترة ،و حلم أحنف ،لتفاق الخبار الواردة عن كل واحد منهم على كرم هذا ،و شجاعة
هذا ،و حلم هذا ،و إن كان كل خب بنفسه ل يوجب العلم ،و ل يقطع بصحته .
و القسم الثان ما ل يبلغ مبلغ الضرورة و القطع ،و هو على نوعي :نوع مشتهر منتشر ،رواه العدد ،
و شاع الب به عند الحدثي و الرواة و نقلة السي و الخبار ،كنبع الاء من بي الصابع ،و تكثي
الطعام .
و نوع منه اختص به الواحد و الثنان ،و رواه العدد اليسي ،و ل يشتهر اشتهار غيه ،لكنه إذا جع
إل مثله اتفقا ف العن ،و اجتمعا على التيان بالعجز ،كما قدمناه .
قال القاضي أبو الفضل [ : ] 89و أنا أقول صدعا بالق :إن كثيا من هذه ليات الأثورة عنه صلى
ال عليه و سلم معلومة بالقطع :
أما انشقاق القمر فالقرآن نص بوقوعه ،و أخبعن و جوده ،و ل يعدل عن ظاهر إل بدليل ،و جاء
برفع احتماله صحيح الخبار من طرق كثية ،و ل يوهن عزمنا خلف أخرق منحل عرى الدين ،و
ل يلتفت إل سخافة مبتدع يلقي الشك على قلوب ضعفاء الؤمني ،بل نرغم بذا أنفه ،و ننبذ بالعراء
سخفه .
و كذلك قصة نبع الاء ،و تكثي الطعام ـ رواها الثقات و العدد الكثي عن ا لماء الغفي ،عن العدد
الكثي من الصحابة .
و منها ما رواه الكافة عن الكافة متصلً عمن حدث با من جلة الصحابة و إخبارهم أن ذلك كان ف
موطن اجتماع الكثي منهم ف يوم الندق ،و ف غزوة بواط ،و عمرة الديبية ،و غزوة تبوك ،و
أمثالا من مافل السلمي و ممع العساكر ،و ل يؤثر عن أحد من الصحابة مالفة للراوي فيما حكاه ،
و ل إنكار لا ذكر عنهم أنم رأوه كما رآه ،فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق ،إذ هم النهون
عن السكوت على باطل ،و الداهنة ف كذب ،و ليس هناك رغبة و ل رهبةتنعهم ،ولو كان ما
سعوه منكرا عندهم و غي معروف لديهم لنكره ،كما أنكر بعضهم على بعض أشياء رواها من السنن
و السي و حروف القرآن .و خطأ بعضهم بعضا ،و وهه ف ذلك ،ما هو معلوم ،فهذا النوع كله
يلحق بالقطعي من معجزاته لا بيناه .
و أيضا فإن أمثال الخبار الت ل أصل لا ،و بنيت على باطل ،ل بد بعد مرور الزمان و تداول الناس
و أهل البحث من انكشاف ضعفها ،و خول ذكرها ،كما يشاهد ف كثي من الخبار الكاذبة ،و
الراجيف الطارئة .و أعلم نبينا هذه الواردة من طريق الحاد ل تزداد مع مرور الزمان إل ظهورا ،و
مع تداول الفرق ،و كثرة طعن العدو ،و حرصه على توهينها ،و تضعيف أصلها ،و اجتهاد اللحد
على إطفاء نورها إل قوة و قبولً ،و للطاعني عليها إل حسرة و غليلً .
و كذلك إخباره عن الغيوب ،و إنباؤه با يكون و كان معلوم من آياته على الملة بالضرورة .
و هذا حق ل غطاء عليه ،و قد قال به من أئمتنا القاضي ،و الستاذ أبو بكر و غيها ،رحهم ال ،
و ما عندي أوجب قول القائل :إن هذه القصص الشهورة من باب خب الواحد إل قلة مطالعته للخبار
و روايتها ،و شغله بغي ذلك من العارف ،و إل فمن اعتن بطرق النقل ،و طالع الحاديث و السي
ل يرتب ف صحة هذه القصص الشهورة على الوجه الذي ذكرناه .
و ل يبعد أن يصل العلم يالتواتر عند واحد و ل يصل عند آخر ،فإن أكثر الناس يعلمون ـ بالب ـ
كون بغداد موجودة ً ،و أنا مدينة عظيمة ،و دار المامة و اللفة ،و آحاد من الناس ل يعلمون
اسها ،فضلً عن وصفها ،و هكذا يعلم الفقهاء من أصحاب مالك بالضرورة و تواتر النقل عنه ـ أن
مذهبه إياب قراءة [ ] 90أم القرآن ف الصلة للمنفرد و المام ،وإجزاء النية ف أول ليلة من رمضان
عما سواه ،و أن الشافعي يرى ت جديد النية كل ليلة ،و القتصار ف السح على بعض الرأس ،و أن
مذهبهما القصاص ف القتل بالحدد و غيه ،و إياب النية ف الوضوء ،واشتراط الول ف النكاح ،و
أن أبا حنيفة يالفهما ف هذه السائل ،وغيهم من ل يشتغل بذاهبهم و ل روى أقوالم ل يعرف هذا
من مذاهبهم فضلً عمن سواه .
و عند ذكرنا آحاد هذه العجزات نزيد الكلم فيها بيانا إن شاء ال تعال .
فصل
ف إعجاز القرآن ـ الوجه الول
[ قال القاضي أبو الفضل رحه ال ]
اعلم ـ وفقنا ال و إياك ـ أن كتاب ال العزيز منطو على وجوه من العجاز كثية ،و تصيلها من
جهة ضبط أنواعها ف أربعة وجوه :
أولا :حسن تأليفة ،و التئام كلمه ،و فصاحته ،و وجوه إيازه ،و بلغته الارقة عادة العرب ،و
ذلك أنم كانوا أرباب هذا الشأن ،و فرسان الكلم ،قد خصوا من البلغة و الكم با ل يص به
غيهم من المم ،و أوتوا من ذرابة اللسان ما ل يؤت إنسان ،و من فضل الطاب ما يقيد اللباب
جعل ال لم ذلك طبعا و خلقة ،و فيهم غريزة و قوة ،يأتون منه على البديهة بالعجب ،و يدلون به
إل كل سبب ،فيخطبون بديها ف القامات ،و
شديد الطب ،و يرتزون به بي الطعن و الضرب ،و يدحون و يقدحون ،و يتوسلون و يتوصلون ،
و يرفعون و يضعون ،فيأتون من ذلك بالسحر اللل ،و يطوقون من أوصافهم أجل من سط اللل ،
فيخدعون اللباب ،و يذللون الصعاب ،و يذهبون الحن ،و يهيجون الدمن ،و يرئون البان ،و
يبسطون يد العد البنان ،و يصيون الناقص كاملً و يتركون النبيه خاملً .
منهم البدوي ذو اللفظ الزل ،و الق ول الفصل ،والكلم الفخم ،و الطبع الوهري ،و النع القوي
.
و منهم الضري ذو البلغة البارعة ،واللفاظ الناصعة ،و الكلمات الامعة ،و الطبع السهل ،و
التصرف ف القول القليل الكفلة ،الكثي الرونق ،الرقيق الاشية .
و كل البابي لما ف البلغة الجة البالغة ،و القوة الدامغة ،و القدح الفال ،و الهيع الناهج ، ،
ليشكون أن الكلم طوع مزادهم ،و البلغةملك قيادهم ،قد حووا فنونا واستنبطوا عيونا ،و دخلوا
من كل باب من أبوابا ،و علوا صرحا لبلوغ أسبابا ،فقالوا ف الطي و الهي ،و تفننوا ف الغث و
السمي ،و تقاولوا ف القل و الكثر ،و تساجلوا ف النظم و النثر ،فما راعهم إل رسول كري ،
بكتاب عزيز ل يأتيه الباطل من بي يديه و ل من خلفه ،تنيل من حكيم حيد ،أحكت آياته ،و
فصلت كلماته ،و برت بلغته العقول ،و ظهرت فصاحته على كل مقول ،و تظافر إيازه و إعجازه
،و تظاهرت حقيقته و مازه ،و تبارت ف السن مطالعه و مقاطعه [ ، ] 91و حوت كل البيان
جوامعه و بدائعه ،و اعتدل مع إيازه حسن نظمه ،و انطبق على كثرة فوائده متار لفظه ،وهم أفسح
ما كانوا ف الباب مالً ،و أشهر ف الطابة رجالً ،و أكثر ف السجع و الشعر سجا ًل ،و أوسع ف
الغريب و اللغة مقالً ،بلغتهم الت با يتحاورون ،و منازعهم الت عنها يتناضلون ،صارخا بم ف كل
حي ،و مقرعا لم بضعا و عشرين عاما على رؤوس الل أجعي :أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة
مثله وادعوا من استطعتم من دون ال إن كنتم صادقي [ سورة يونس ، 10 /الية . ] 38 :
وإن كنتم ف ريب ما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون ال إن كنتم
صادقي * فإن ل تفعلوا ولن تفعلوا [ .سورة البقرة ، 2 /الية . ] 24 ، 23 :
و قل لئن اجتمعت النس والن على أن يأتوا بثل هذا القرآن ل يأتون بثله ولو كان بعضهم لبعض
ظهيا [ سورة السراء ، 17 /الية . ] 88 :
و قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات .و ذلك أن الفتري أسهل و وضع الباطل و الختلق على الختيار
أقرب ،و اللفظ إذا تبع العن الصحيح كان أصعب ،و لذا قيل :فلن يكتب كما يقال له ،و فل
يكتب كما يريد .
و للول على الثان فضل ،و بينهما شأو بعيد .
فلم يزل يقرعهم صلى ال عليه و سلم أشد التقريع ،و يوبهم غاية التوبيخ ،و يسفه أحلمهم ،و
يط أعلمهم ،و يشتت نظامهم ،و يذم آلتهم و آباءهم ،و يستبيح إرضهم و ديارهم و أموالم ،و
هم ف كل هذا ناكصون عن معارضتيه ،مجمون عن ماثلته ،يادعون أنفسهم بالتشغيب و
التكذيب ،و الغراء بالفتراء ،و قولم :إن هذا إل سحر يؤثر ،و سحر مستمر ،و إفك افتراه ،و
أساطي الولي ،و الباهتة و الرضا بالدنية ،كقولم :قلوبنا غلف [ سورة البقرة ، 2 /الية ( :
. ) 88و سورة النساء ، 4 /الية . ] 155 :
و ف أكنة ما تدعونا إليه وف آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب .
و ل تسمعوا لذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون [ سورة فصلت ، 41 /الية . ] 26 :
و الدعاء مع العجز بقولم :لو نشاء لقلنا مثل هذا [ سورة النفال ، 8 /الية . ] 31 :
و قد قال لم ال :و لن تفعلوا ،فما فعلوا و ل قدروا .و من تعاطى ذلك من سخفائهم ـ كمسيلمة
ـ كشف عواره جيعهم ،و سلبهم ال ما ألفوه ،من فصيح كلمهم ،و إل فلم يف على أهل اليز
منهم أنه ليس من نط فصاحتهم ،و ل جنس بلغتهم ،بل و لوا عنه مدبرين ،و أتوا مذعني من بي
مهتد و بي مفتون .
و لذا لا سع ال وليد بن مغية من النب صلى ال عليه و سلم :
إن ال يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القرب وينهى عن الفحشاء والنكر والبغي يعظكم لعلكم
تذكرون [ سورة النحل ، 16 /الية . ] 90 :
قال :و ال ،إن له للوة ،و إن عليه لطلوةً ،و إن أسفله لغدق ،و إن أعله لثمر ،ما يقول هذا
بشر .
و ذكر أبو عبيد أن أعرابيا سع رجلً يقرأ :
فاصدع با تؤمر وأعرض عن الشركي فسجد ،و قال :سجدت لفصاحته .
و سع آخر رجلً يقرأ :
فلما استيأسوا منه خلصوا نيا [ سورة يوسف ، 12 /الية . ] 80 :
فقال :أشهد أن ملوقا ل يقدر على مثل هذا الكلم .
و حكي أن عمر بن الطاب ـ رضي ال عنه ـ كان يوما نائما ف السجد فإذا هو بقائم على رأسه
يتشهد شهادة الق ،و استخبه ،فأعلمه أنه من بطارقة الروم من يسن كلم العرب و غيها ،و أنه
سع رجلً من أسرى السلمي [ ] 92يقرأ آية من كتابكم فتأملتها ،فإذا [ هي ] قد جع فيها ما أنزل
على عيسى ابن مري من أحوال الدنيا و الخرة ،و هي قوله تعال :ومن يطع ال ورسوله ويش ال
ويتقه فأولئك هم الفائزون [ سورة النور ، 24 /الية . ] 52 :
و حكى الصمعي أنه سع كلم جارية ،فقال لا :قاتلك ال ما أفصحك ! فقالت :أو يعد هذا
فصاحةً بعد قول ال تعال :وأوحينا إل أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه ف اليم ول تاف
ول تزن إنا رادوه إليك وجاعلوه من الرسلي ،فجمع ف آية واحدة بي أمرين و نيي ،و خبين ،و
بشارتي .
فهذا نوع من إعجازه منفرد بذاته ،غي مضاف إل غيه على التحقيق و الصحيح من القولي .
و كون القرآن من قبل النب صلى ال عليه و سلم ،و أنه أتى به ـ معلوم ضرورة ،و كونه ـ عليه
السلم ـ متحديا بع معلوم ضرورة ،و عجز العرب عن التيان بع معلوم ضرورة ،و كونه ف فصاحته
خارقا للعادة معلوم ضرورة للعالي بالفصاحة و وجوه البلغة ،و سبيل من ليس من أهلها علم ذلك
بعجز الفكرين من أهلها عن معارضته و اعتراف الفسرين بإعجاز بلغته .
و أنت إذا تأملت قوله تعال :ولكم ف القصاص حياة [ سورة البقرة ، 2 /الية . ] 179 :
و قوله :ولو ترى إذ فزعوا فل فوت وأخذوا من مكان قريب .
و قوله :ادفع بالت هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ول حيم .
و قوله :وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا ساء أقلعي وغيض الاء وقضي المر واستوت على الودي وقيل
بعدا للقوم الظالي [ سورة هود ، 11 /الية . ] 44 :
و قوله :فكل أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به
الرض ومنهم من أغرقنا [ سورة العنكبوت ، 29 /الية . ] 40 :
و أشباهها من الي ،بل أكثر القرآن حققت ما بينته من إيار ألفاظها ،و كثرة معانيه ،و ديباجة
ل كثية ،و فصولً عبارتا ،و حسن تأليف حروفها ،و تلؤم كلمها ،و أن تت كل لفظة منها ج ً
جة ،و علوما زواخر ،ملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها ،و كثرت القالت ف الستنبطات
عنها .
ث هو ف سرده القصص الطوال ،و أخبار القرون السوالف ،الت يضعف ف عادة الفصحاء عندها
الكلم ،و يذهب ماء البيان ـ آية لتأمله ،من ربط الكلم بعضه ببعض ،و التئام سرده ،و تناصف
وجوهه ،كقصة يوسف على طولا .
ث إذا ترددت قصصه اختلفت العبارات عنها على كثرة ترددها حت تكاد كل واحدة تنسي ف البيان
صاحبتها ،و تناصف ف السن وجه مقابلتها ،و ل نفور للنفوس من ترديدها ،و ل معاداة لعادها .
فصل
ف إعجاز القرآن ـ الوجه الثان
الوجه الثان من إعجازه صورة نظمه العجيب ،و السلوب الغريب الخالف لساليب كلم العرب و
مناهج نظمها و نثرها الذي جاء عليه ،و وقفت مقاطع آية ،و انتهت فواصل كلماته إليه ،و ل يوجد
قبله و ل بعده نظي له ،و ل استطاع أحد ماثلة شيء منه ،بل حارت فيه عقولم ،و تدلت دونه
أحلمهم ،و ل يهتدوا إل مثله ف جنس كلمهم من نثر أو نظم ،أو سجع أو رجز ،أو شعر .
و لا سع كلمه صلى ال عليه و سلم الوليد بن الغية ،و قرأ عليه القرآن ـ رق ،فجاءه أبو جهل
منكرا عليه [ ] 93ـ قال :و ال ما منكم أحد أعلم بالشعار من ،و ال ما يشبه الذي يقول شيئا
من هذا .
و ف خبه الخر ـ حي جع قريشً عند حضور الوسم ،و قال :إن وفود العرب ترد فأجعوا فيه رأيا
،ل يكذب بعضكم بعضا ،فقالوا :نقول كاهن .قال :و ال ما هو بكاهن .ما هو بزمزمته و ل
سجعه .
قالوا :منون :قال :ما ههو بجنون ،و ل بنقه و ل وسوسته .
قالوا :فنقول شاعر .قال :ماهو بشاعر .قد عرفنا الشعر كله ،رجزه ،و هزجه ،و قريضه ،و
مبسوطه ،و مقبوضه ،ما هو بشاعر .
قالوا :فنقول ساحر .قال :ما هو بساحر ،و ل نفثه و ل عقده .
قالوا :فما نقول :قال :ما أنتم بقائلي من هذا شيئا ،إل و أنا أعرف أنه باطل ،و إن أقرب القول
أنه ساحر ،فإنه سحر يفرق بي الرء و ابنه ،و الرء و أخيه ،و الرء وزوجه ،و الرء و عشيته .
فتفرقوا و جلسوا على السبل يذرون الناس ،فأنزل ال تعال ف الوليد :ذرن ومن خلقت وحيدا *
وجعلت له مال مدودا * وبني شهودا * ومهدت له تهيدا * ث يطمع أن أزيد * كل إنه كان لياتنا
عنيدا * سأرهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ث قتل كيف قدر * ث نظر * ث عبس
وبسر * ث أدبر واستكب * فقال إن هذا إل سحر يؤثر [ سورة الدثر ، 74 /الية . ] 24 ، 11
و قال عتبة بن ربيعة حي سع القرآن :يا قوم ،قد علمتم أن ل أترك شيئا إل و قد علمته و قرأته و
قلته ،و ال لقد سعت قولً و ال ما سعت مثله قط ،ما هو بالشعر ،ول بالسحر ،و ل بالكهانة .
و قال النضر بن الارث نوه .
و ف حديث إسلم أبو ذر و وصف أخاه أنيسا ،فقال :و ال ما سعت بأشعر من أخي أنيس ،لقد
ناقض اثن عشر شاعرا ف الاهلية ،أنا أحدهم ،و إنه انطلق إل مكة ،و جاء إ ل أب ذر بب النب
صلى ال عليه و سلم .قلت :فما يقول الناس ؟ قال :يقولون :شاعر :كاهن ،ساحر ،لقد سعت
قول الكهنة فما هو بقولم ،و لقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم ،و ما يلتئم على لسان أحد بعدي
أنه شعر ،و إنه لصادق ،و إنم لكاذبون .
و الخبار ف هذا صحيحة كثية .
و العجاز بكل واحد من النوعي :الياز و البلغة بذاتا ،أو السلوب الغريب بذاته ،كل واحد
منهما نوع إعجازه على التحقيق ،ل تقدر العرب على التيان بواحد منهما ،إذا كل واحد خارج عن
قدرتا ،مباين لفصاحتها و كلمها ،و إل هذا ذهب غي واحد من أئمة الحققي .
و ذهب بعض [ الحققي ] القتدي بم إل أن العجاز ف مموع البلغة و السلوب ،و أتى على
ذلك بقول تجه الساع ،و تنفر منه القلوب .
و الصحيح ما قدمناه ،و العلم بذا كله ضرورة قطعا .
و من تفنن ف علوم البلغة ،و أرهف خاطره و لسانه أدب هذه الصناعة ل يف عليه ما قلناه .
و قد اختلف أئمة أهل السنة ف وجه عجزهم عنه ،فأكثرهم يقول :إنه ما جع ف قوة جزالته ،و
نصاعة ألفاظه ،و حسن نظمه ،و إيازه ،و بديع تأليفه و أسلوبه ل يصح أن يكون ف مقدور البش ر
،و أنه من باب الوارق المتنعة عن إقدار اللق عليها ،كإحياء الوتى ،و قلب العصا ،و تسبيح
الصى .
و ذهب الشيخ أبو السن إل أن ما يكن أن يدخل مثله تت مقدور البشر ،و يقدرهم ال عليه ،و
لكنه ل يكن هذا و ل يكون ،فمنهم ال هذ ، ] 94 [ 1و عجزهم عنه .
و قال به جاعة من أصحابه .
و على الطريقي فعجز العرب عنه ثابت ،و إقامة الجة عليهم با يصح أن يكون ف مقدور البشر ،و
تديهم بأن يأتوا بثله ـ قاطع ،و هو أبلغ ف التعجيز ،و أحرى بالتقريع ،و الحتجاج بجيء بشر
مثلهم بشيء ليس من قدرة البشر ل زم ،و هو أبر آية ،و أقمع دللة .
و على كل حال فما أتوا ف ذلك بقال ،بل صبوا على اللء ،و القتل ،و ترعوا كاسات الصغار و
الذل ،و كانوا من شوخ النف ،و إباية الضيم ،بيث ل يؤثرون ذلك اختيارا ،و ل يرضونه إل
اضطرارا ،و إل فالعارضة لو كانت من قدرهم ،الشغل با أهون عليهم و أسرع بالنجح و قطع العذر
و إفحام الصم لديهم ،و هم من لم قدرة على الكلم ،و قدوة ف العرفة به لميع النام ،و ما
منهم إل من جهد جهده ،و استنفد ما عنده ف إخفاء ظهوره ،و إطفاء نوره ،فما جلوا ف ذلك
خبيئ ًة من بنات شفاههم ،و ل أتوا بنطفة من معي مياههم ،مع طول المد ،و كثرة العدد ،و تظاهر
الوالد و ما ولد ،بل أبلسوا فما نبسوا ،و منعوا فانقطعوا ،فهذان نوعان من إعجازه .
فصل
ف إعجاز القرآن ـ الوجه الثالث
الوجه الثالث من العجاز ما انطوى عليه من الخبار بالغيبات ،و ما ل يكن و ل يقع ،فوجد ،كما
ورد ،و على الوجه الذي أخب به ،كقوله تعال :لتدخلن السجد الرام إن شاء ال آمني [ سورة
الفتح ، 48 /الية . ] 27 :
و قوله تعال :وهم من بعد غلبهم سيغلبون [ سورة الروم ، 30 /الية . ] 3 :
و قوله :ليظهره على الدين كله ولو كره الشركون [ سورة التوبة ، 9 /الية . ] 33 :
و قوله :وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالات ليستخلفنهم ف الرض كما استخلف الذين من
قبلهم وليمكنن لم دينهم الذي ارتضى لم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونن ل يشركون ب شيئا
ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون [ سورة النور ، 24 /الية . ] 55 :
و قوله :إذا جاء نصر ال والفتح * ورأيت الناس يدخلون ف دين ال أفواجا * فسبح بمد ربك
واستغفره إنه كان توابا [ سورة النصر ، 110 /الية . ] 3 ، 1 :
فكان جيع هذا ،كما قال ،فغلبت الروم فارس ف بضع سني ،و دخل الناس ف السلم أفواجا ،فما
مات صلى ال عليه و سلم و ف بلد العرب كلها موضع ل يدخ له السلم .
و استخلف ال الؤمني ف الرض ،و مكن فيها دينهم ،و ملكهم إياها من أقصى الشارق إل أقصى
الغارب ،كما قال عليه السلم :زويت إل الرض ،فأريت مشارقها و مغاربا ،و سيبلغ ملك أمت
ما زوي ل منها .
و قوله :إنا نن نزلنا الذكر وإنا له لافظون ،فكان كذلك ،ل يكاد يعد من سعى ف تغييه و تبديل
مكمه من اللحدة و العطلة ،ل سيما القرامطة ،فأجعوا كيدهم و حولم و قوتم ،اليوم نيفا على
خسمائة عام ،فما قدروا على إطفاء شيء من نوره ،و ل تغيي كلمة من كلمه ،و ل تشكيك
السلمي ف حرف من حروفه ،و المد ل .
و منه قوله :سيهزم المع ويولون الدبر [ سورة القمر ، 54 /الية . ] 45 :
و قوله :قاتلوهم يعذبم ال بأيديكم ويزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمني [ سورة التوبة
، 9 /الية . ] 14 :
و قوله :هو الذي أرسل رسوله بالدى ودين الق ليظهره على الدين كله ولو كره الشركون [ سورة
التوبة ، 9 /الية . ] 33 :
0و قوله :لن يضروكم إل أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الدبار ث ل ينصرون .فكان كل ذلك .
و ما فيه من كشف أسرار النافقي و اليهود ،و مقالم و كذبم ف حلفهم ،و تقريعهم بذلك ،كقوله
:ويقولون ف أنفسهم لول يعذبنا ال با نقول .
و قوله :يفون ف أنفسهم ما ل يبدون لك يقولون لو كان لنا من المر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم
ف بيوتكم لبز الذين كتب عليهم القتل إل مضاجعهم وليبتلي ال ما ف صدوركم وليمحص ما ف
قلوبكم وال عليم بذات الصدور .
و قوله ومن الذين هادوا ساعون للكذب ساعون لقوم آخرين ل يأتوك يرفون الكلم من بعد مواضعه
يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن ل تؤتوه فاحذروا ومن يرد ال فتنته فلن تلك له من ال شيئا أولئك
الذين ل يرد ال أن يطهر قلوبم لم ف الدنيا خزي ولم ف الخرة عذاب عظيم [ سورة الائدة 5 /
الية . ] 41 :
و قوله :من الذين هادوا يرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سعنا وعصينا واسع غي مسمع وراعنا ليا
بألسنتهم وطعنا ف الدين [ [ ]95سورة النساء ، 4 /الية . ] 46 :
و قد قال مبديا ،ما قدره ال واعتقده الؤمني يوم بدر :وإذ يعدكم ال إحدى الطائفتي أنا لكم
وتودون أن غي ذات الشوكة تكون لكم سورة النفال ، 8/الية . ] 7 :
و منه قوله تعال :إنا كفيناك الستهزئي [ سورة الجر ، 15 /الية . ] 95 :
و لا نزلت بشر النب صلى ال عليه و سلم نذلك أصحابه بأن ال كفاه إياهم ،و كان الستهزئون نفرا
بكة ينفرون الناس عنه و يؤذونه فهلكوا .
و قوله وال يعصمك من الناس ،فكان كذلك على كثرة من رام ضره ،و قصد قتله ،و الخبار بذلك
معروفة صحيحة .
فصل
ف إعجاز القرآن ـ الوجه الرابع
الوجه الرابع ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة ،و المم البائدة ،و الشرائع الداثرة ،ما كان ل يعلم
منه القصة الواحدة إل الفذ من أخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره ف تعلم ذلك ،فيورده النب صلى
ال عليه و سلم على وجهه ،و يأت به على نصه ،فيعترف العال بذلك بصحته و صدقه ،و أن مثله ل
ينله بتعليم .
و قد علموا أنه صلى ال عليه و سلم أمي ل يقرأ و ل يكتب ،و ل اشتغل بدارسة و ل مثافنة ،و ل
يغب عنهم ،و ل جهل حاله أحد منهم .
و قدكان أهل الكتاب كثياما يسألونه ـ صلى ال عليه و سلم ـ عن هذا ،فينل عليه من القرآن ما
يتلو عليهم منه ذكرا ،كقصص النبياء مع قومهم ،و خب موسى و الضر ،و يوسف و إخوته ،و
أصحاب الكهف ،و ذي القرني ،و لقمان و ابنه ،و أشباه ذلك من النبياء [و القصص] ،و بدء
اللق و ما ف التوراة ،و النيل ،و الزبور ،و صحف إبراهيم و موسى ،ما صدقه فيه العلماء با ،و
ل يقدروا على تكذيب ما ذكر منها ،بل أذعنوا لذلك ،فمن موفق آمن با سبق له من خي ،و من
شقي معاند حاسد ،و مع هذا ل يك عن واحد من النصارى و اليهود على شدة عداوتم له ،و
حرصهم على تكذيبه ،و طول احتجاجه عليهم با ف كتبهم ،و تقريعهم با انطوت عليه مصاحفهم ،
و كثرة سؤالم له صلى ال عليه و سلم ،و تعنيتهم إياه ـ عن أخبار أنبيائهم ،و أسرار علومهم ،و
مستودعات سيهم ،و إعلمه لم بكتوم شرائعهم و مضمنات كتبهم ،مثل سؤالم عن الروح ،و
ذي القرني ،و أصحاب الكهف ،و عيسى ،و حكم الرجم و ما حرم إسرائيل على نفسه ،و ما
حرم عليهم من النعام ،و من طيبات أحلت لم فحرمت عليهم ببغيهم .
و قوله :ذلك مثلهم ف التوراة ومثلهم ف النيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على
سوقه يعجب الزراع ليغيظ بم الكفار [ سورة الفتح ، 48 /الية . ] 29 :
و غي ذلك من أمورهم الت نزل فيها القرآن ،فأجابم و عرفهم با أوحى إليه من ذلك أنه أنكر ذلك
أو كذبه ،بل أكثرهم صرح بصحة نبوته ،و صدق مقالته ،و اعترف بعناده و حسدهم إياه ،كأهل
بران ،و ابن صوريا ،و ابن أخطب و غيهم .
و من باهت ف ذلك بعض الباهتة ،و ادعى أن فيما عندهم من ذلك لا حكاه مالفةً ـ دعي إل إقامة
حجته ،و كشف دعوته ،فقيل له :قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقي * فم ن افترى على ال
الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالون .
فقرع و وبخ ،و دعا إل إحضار مكن غي متنع ،فمن معترف با جحده ،و متواقح يلقي على
فضيحته من كتابه يده .
و ل يؤثر أن واحدا منهم أظهر خلف قوله من كتبه ،و ل أبدى صحيحا و ل سقيما من صفحه ،
قال ال تعال :يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبي لكم كثيا ما كنتم تفون من الكتاب ويعفو عن
كثي قد جاءكم من ال نور وكتاب مبي * يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلم ويرجهم من
الظلمات إل النور بإذنه ويهديهم إل صراط مستقيم [ سورة الائدة ، 5 /الية . ] 16 ، 15 :
فصل
هذه الوجوه الربعة من العجاز ل نزاع فيها و ل مرية
فصل
من موجه العجاز :الروعة الت تلحق قلوب سامعي القرآن
و منها الروعة الت تلحق قلوب سامعيه و أساعهم عند ساعه ،و اليبة الت تعتريهم عند تلوته لقوة
حاله ،و إنافة خطره ،و هي على الكذبي به أعظم ،حت كانوا يستثقلون ساعه ،و يزيدهم نفورا ،
كما قال تعال ،و يودون انقطاعه لكراهتهم له .
و لذا قال صلى ال عليه و سلم :إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه ،و هو الكم ،و أما
الؤمن فل تزال روعته به ،و هيبته إياه ،مع تلوته ـ توليه انذابا ،و تكسبه هشاشة ،ليل قلبه إليه ،
و تصديقه به ،قال تعال :تقشعر منه جلود الذين يشون ربم ث تلي جلودهم وقلوبم إل ذكر ال
[ سورة الزمر ، 39 /الية . ] 23 :
و قال :لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية ال وتلك المثال نضربا للناس
لعلهم يتفكرون [ سورة الشر ، 59 /الية . ] 21 :
و يدل على أن هذا شيء خص به ـ أنه يعتري من ل يفهم معانيه ،و ل يعلم تفاسيه ،كما روي عن
نصران ـ أنه مر بقارئ ـ فوقف يبكي ،فقيل له :مم بكيت ؟ قال :للشجا و النظم .
و هذه الروعة قد اعترت جاعةً قبل السلم و بعده ،ف منهم من أسلم لا لول و هلة و آمن به ،و
منهم من كفر .
فحكي ف الصحيح ،عن جبي بن مطعم ،قال :سعت النب صلى ال عليه و سلم يقرأ ف الغرب
بالطور ،فلما بلغ هذه الية :أم خلقوا من غي شيء أم هم الالقون * أم خلقوا السماوات والرض بل
ل يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم الصيطرون ـ كاد قلب أن يطي للسلم .
و ف رواية :و ذلك أول ما وقر اليان ف قلب .
و عن عتبية بن ربيعة أنه كلم النب صلى ال عليه و سلم فيما جاء به من خلف قومه ،فتل عليهم :
حم * تنيل من الرحن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيا ونذيرا فأعرض
أكثرهم فهم ل يسمعون * وقالوا قلوبنا ف أكنة ما تدعونا إليه وف آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب
فاعمل إننا عاملون * قل إنا أنا بشر مثلكم يوحى إل أنا إلكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه
وويل للمشركي * الذين ل يؤتون الزكاة وهم بالخرة هم كافرون * إن الذين آمنوا وعملوا الصالات
لم أجر غي منون * قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الرض ف يومي وتعلون له أندادا ذلك رب
العالي * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتا ف أربعة أيام سواء للسائلي * ث
استوى إل السماء وهي دخان فقال لا وللرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعي * فقضاهن سبع
ساوات ف يومي وأوحى ف كل ساء أمرها وزينا السماء الدنيا بصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز
العليم * فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثود [ سورة فصلت ، 41 /الية ، 1 :
. ] 13
فامسك عتبة بيده على ف النب صلى ال عليه و سلم ،و ناشده الرحم أن يكف .
و ف رواية :فجعل النب صلى ال عليه و سلم يقرأ و عتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره ،معتمد
عليهما ،حت انتهى إل السجدة ،فسجد النب صلى ال عليه و سلم ،و قام عتبة ل يدري با يراجعه ،
و رجع إل أهله ،و ل يرج إل قومه حت أتوه ،فاعتذر لم ،و قال :و ال لقد كلمن بكلم و ال
ما سعت أذناي بثله قط فما دريت ما أقول له .
و قد حكي عن غي واحد من رام معارضته أنه اعترته روعة و هيبة كف با عن ذلك .
فحكي أن ابن القفع طلب ذلك و رامه ،و شرع فيه ،فمر بصب يقرأ :وقيل يا أرض ابلعي ماءك ـ
فرجع فمحا ما عمل ،و قال :أشهد أن هذا ل يعارض ،و ما هو من كلم البشر ،و كان من أفصح
أهل وقته .
و كان يي بن حكم الغزال بليغ الندلس ف زمنه ،فحكي أنه رام شيئا من هذا فنظر ف سورة
الخلص ليحذو على مثالا ،و ينسج ـ بزعمه ـ على منوالا ـ قال :فاعترتن خشية ورقة حلتن
على التوبة و النابة .
فصل
ف وجهوه أخرى للعجاز
و من وجوه إعجازه العدودة كونه آيةً باقيةً ل تعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل ال بفظه ،فقال :إنا
نن نزلنا الذكر وإنا له لافظون [ سورة الجر ، 15 /الية . ] 9 :
و قال :ل يأتيه الباطل من بي يديه ول من خلفه تنيل من حكيم حيد .
و سائر معجزات النبياء انقضت بانقضاء أوقاتا ،فلم يبق إل خبها ،و القرآن العزيز ،الباهرة آياته ،
الظاهرة معجزاته على ما كان عليه اليوم ـ مدة خسمائة عام و خس و ثلثي سنةً لول نزوله إل و
قتنا هذا ـ حجته قاهرة ،و معارضته متنعة ،و العصار كلها طافحة بأهل البيان ،و حلة علم اللسان
،و أئمة البلغة ،و فرسان الكلم ،و جهابذة الباعة ،و اللحد فيهم كثي ،و العادي للشرع عتيد ،
فما منهم من أتى بشيء يؤثر ف معارضته ،و ل ألف كلمتي ف مناقضته ،و ل قدر فيه على مطعن
صحيح ،و ل قدح التكلف من ذهنه ف ذلك إل بزند شحيح ،بل الأثور عن كل من رام ذلك إلقاؤه
ف العجز بيديه ،و النكوص على عقبيه .
فصل
ف وجوه أخرى للعجاز
و قد عد جاعةً من الثة و مقلدي المة ف إعجازه وجوها كثي ًة ،منها أن قارئه ل يله ،و سامعه ل
يجه ،بل الكباب على [ ] 97تلوته يزيد حلو ًة ،و ترديده يوجب له مبةً ،ل يزال غضا طريا ،
و غيه من الكلم ـ و لو بلغ ف السن و البلغة مبلغه ـ يل مع الترديد ،و يعادى إذا أعيد ،و
كتابنا يستلذ به ف اللوات ،و يونس بتلوته ف الزمات ،و سواه من الكتب ل يوجد فيها ذلك ،
حت أحدث أصحابا لونا و طرقا يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراءتا .
و لذا و صف رسول ال صلى ال عليه و سلم القرآن بأنه ل يلق على كثرة الرد ،و ل تنقضي عبه ،
و ل تفن عجائبه ،هو الفصل ليس بالزل ،ل يشبع منه العلماء ،و ل تزيغ به الهواء ،و ل تلتبس به
اللسنة ،هو الذي ل تنته الن حي سعته أن قالوا :إنا سعنا قرآنا عجبا * يهدي إل الرشد [ سورة
الن ، 72 /الية . ] 2 ، 1 :
و منها جعه لعلوم و معارف ل تعهد العرب عامةً و ل ممد صلى ال عليه و سلم قبل نبوته خاصة ،
بعرفتها ،و ل القيام با ،و ل ييط با أحد من علماء المم ،و ل يشتمل عليها كتاب من ك تبهم ،
فجمع فيه من بيان علم الشرائع ،و التنبيه على طرق الجج العقليات ،و الرد على فرق المم ،
بباهي قوية ،و أدلة بينة سهلة اللفاظ ،موجزة القاصد ،رام التخذلقون بعد ـ أن ينصبوا أدلةً مثلها
فلم يقدروا عليها كقوله تعال :أوليس الذي خلق السماوات والرض بقادر على أن يلق مثلهم
[ سورة يس ، 36 /الية . ] 81 :
و :قل يييها الذي أنشأها أول مرة [ سورة يس ، 36 /الية . ] 79 :
و :لو كان فيهما آلة إل ال لفسدتا [ سورة النبياء ، 21 /الية . ] 22 :
إل ما حواه من علوم السي ،و أنباء المم ،و الواعظ ،و الكم ،و أخبار الدار الخرة ،و ماسن
الداب و الشيم .
قال ال ـ جل اسه ـ :ما فرطنا ف الكتاب من شيء [ سورة النعام ، 6 /الية . ] 38 :
و :ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [ سورة النحل ، 16 /الية . ] 89 :
و :ولقد ضربنا للناس ف هذا القرآن من كل مثل [ سورة الورم ، 30 /الية . ] 58 :
ل مضروبا و قال ـ صلى ال عليه و سلم :إن ال أنزل هذا القرآن آمرا و زاجرا ،و سنةً خاليةً ،و مث ً
،فيه نبؤكم ،و خب ما كان قبلكم ،و نبأ ما ب عدكم ،و حكم ما بينكم ،ل يلقه طول الرد ،و
ل تنقضي عجائبه ،هو الق ليس بالزل ،من قال به صدق ،و من حكم به عدل ،و من خاصم به
فلج ،و من قسم به أقسط ،و من عمل به أجر ،و من تسك به هدي إل صراط مستقيم ،و من
طلب الدى من غيه أضله ال ،و من حكم بغيه قصمه ال ،هو الذكر الكيم ،و النور البي ،و
الصراط الستقيم ،و حبل ال التي ،و الشفاء النافع ،عصمة لن تسك به ،و ناة لن اتبعه ،ل يعوج
فيقوم ،و ل يزيغ فيستعتب ،و ل تنقضي عجائبه ،و ل يلق على كثرة الرد .
و نوه عن ابن مسعود ،و قال فيه :و ل يتلف و ل يتشانا ،فيه نبأ الولي و الخرين .
و ف الديث :قال ال تعال لحمد صلى ال عليه و سلم :إن منل عليك توراة حديثة ،تفتح با أعينا
عميا ،و آذانا صما ،و قلوبا غلفا ،فيها ينابيع العلم ،و فهم الكمة ،و ربيع القلوب .
و عن كعب :عليكم بالقرآن ،فإنه فهم العقول ،و نور الكمة .
و قال ال تعال :إن هذا القرآن يقص على بن إسرائيل أكثر الذي هم فيه يتلفون [ سورة النمل 27 /
،الية . ] 76 :
و قال :هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمت قي [ سورة آل عمران ، 3 /الية . ] 138 :
فجمع [ ]98فيه مع و جازة ألفاظه ،و جوامع كلمة أضعاف ما ف الكتب قبله الت ألفاظها على
الضعف منه مرات .
و منها جعه فيه بي الدليل و مدلوله ،و ذلك أنه احتج بنظم القرآن ،و حسن رصفه و إيازه و بلغته
،و أثناء هذه البلغة أمره و نيه ،و وعده و وعيده ،فالتال له يفهم موضع الجة و التكليف معا من
كلم واحد و سورة منفردة .
و منها أن جعله ف حيز النظوم الذي ل يعهد ،و ل يكن ف حيز النشور ،لن النظوم أسهل على
النفوس ،و أوعى للقلوب ،و أسع ف الذان ،و احلى على الفهام ،فالناس إليه أميل ،و الهواء إليه
أسرع .
و منها تيسيه تعال حفظه لتعلميه ،و تقريبه على متحفظيه ،قال ال تعال :ولقد يسرنا القرآن للذكر
[ سورة القمر ، 54 /الية . ] 17 :
و سائر المم ل يفظ كتبها الواحد منهم ،فكيف الماء على مرور السني عليهم .و القرآن ميسر
حفظه للغلمان ف أقرب مدة .
و منها مشاكلة بعض أجزائه بعضا ،و حسن ائتلف أنواعها ،و التئام أقسامها ،و حسن التخلص من
قصة إل أخرى ،و الروج من باب إل غيه على اختلف معانيه ،و انقسام السورة الواحدة إل أمر و
ني ،و خب واستخبار ،و وعد و وعيد ،و إثبات نبوة ،و توحيد و تفريد ،و ترغيب و ترهيب ،إل
غي ذلك من فوائده ،دون خلل يتخلل فصوله .
و الكلم الفصيح إذا اعتروه مثل هذا ضعفت قوته ،و لنت جزالته ،و قل رونقه ،و تقلقت ألفاظه .
فتأمل أول [ص] ،و ما جع فيها من أخبار الكفار و شقاقهم و تقريعهم بإهلك القرون من قبلهم ،و
ما ذكرمن تكذيبهم بحمد صلى ال عليه و سلم ،و تعجبهم ما أتى به ،و الب عن اجتماع ملئهم
على الكفر و ما ظهر من السد ف كلمهم ،و تعجيزهم و توهينهم ،و وعيدهم بزي الدنيا و
الخرة ،و تكذيب المم قبلهم ،و إهلك ال لم ،و وعيد هؤلء مثل مصابم ،و تصبي النب
علىأذاهم و تسليته بكل ما تقدم ذكره ،ث أخذ ف ذكر داود و قصص النبياء ،كل هذا ف أوجز
كلم و أحسن نظام .
و منه الملة الكثية الت انطوت عليها الكلمات القليلة ،و هذا كله و كثي ما ذكرنا أنه ذكر ف
إعجاز القرآن ،إل و جوه كثية ذكرها الئمة ل نذكرها ،إذ أكثرها داخل ف باب بلغته ،فل يب
أن يعد فنا منفردا ف إعجازه ،إل ف باب تفضيل فنون البلغة ،و كذلك كثي ما قدمنا ذكره عنهم يع
د ف خواصه و فضائله ،ل إعجازه .
و حقيقة العجاز الوجوه الربعة الت ذكرنا ،فليعتمد عليها ،و ما بعدها من خواص القرآن و عجائبه
الت ل تنقضي .و ال و ل التوفيق .
فصل
ف انشقاق القمر و حبس الشمس
قال ال تعال :اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر [ سورة القمر
، 54 /الية . ] 2 ، 1 :
أخب تعال بوقوع انشقاقه بلفظ الاضي ،و إعراض الكفرة عن آياته ،و أجع الفسرون و أهل السنة
على وقوعه .
أخبنا السي بن ممد [ ] 99الافظ من كتابه ،حدثنا القاضي سراج بن عبد ال ،حدثنا
الصيلي ،حدثنا الروزي ،حدثنا الفربري ،حدثنا البخاري ،حدثنا مسدد ،حدثنا يي ،عن شعبة ،
و سفيان ،عن العمش ،عن إبراهيم ،عن أب معمر ،عن ابن مسعود رضي ال عنه ،قال :انشق
القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه و سلم فرقتي :فرقة فوق البل ،و فرقة دونه ،فقال رسول
ال صلى ال عليه و سلم اشهدوا .
و ف رواية ماهد :و نن مع النب صلى ال عليه و سلم .
و ف بعض طرق العمش :و نن بن .
و رواه أيضا ـ عن ابن مسعود ـ السود ،و قال :حت رأيت البل بي فرجت القمر .
و رواه عنه مسروق ـ أنه كان بكة ـ و زاد :فقال كفار قريش :سحركم ابن أب كبشة !
فقال رجل منهم :إن ممدا إن كان سحر القمر فإنه ل يبلغ من سحره أن يسحر الرض ،كلها ،
فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر :هل رأوا هذا ؟ فأتوا ،فسألوهم فأخبوهم أنم رأوا مثل ذلك .
و حكى السمرقندي عن الضحاك نوه ،و قال :فقال أبو جهل :هذا سحر ،فابعثوا إل أهل الفاق
حت تنظروا :أرأوا ذلك أم ل ؟
فأخبأهل الفاق أنم رأوه منشقا ،فقالوا ـ يعن الكفار :هذا سحر مستمر .
و رواه أيضا ـ عن ابن مسعود ـ علقمة ،فهؤلء أربعة عن عبد ال .
و قد رواه غي ابن مسعود ،كما رواه ابن مسعود ،منهم أنس ،و ابن عباس و ابن عمر ،و حذيفة ،
و علي ،و جبي بن مطعم ،فقال علي ـ من رواية أب حذيفة الرحب :انشق القمر و نن مع النب
صلى ال عليه و سلم .
و عن أنس :سأل أهل مكة النب صلى ال عليه و سلم أن يريهم آية ،فأراهم انشقاق القمر فرقتي حت
رأوا حراء بينهم .
رواه عن أنس قتادة .
و ف رواية معمر و غيه ،عن قتادة ،عنه :أراهم القمر مرتي انشقاقه ،فنلت :اقتربت الساعة
وانشق القمر [ سورة القمر ، 54 /الية . ] 1 :
و رواه عن جبي بن مطعم ابنه ممد و ابن ابنه جبي بن ممد .
و رواه عن ابن عباس عبيد ال بن عبد ال بن عتبة .
و رواه عن ا بن عمر ماهد ،و رواه عن حذيفة أبو عبدالرحن السلمي و مسلم بن أب عمران الزدي
.
و أكثر طرق هذه اللحاديث صحيحة ،و الية مصرحة ،و ل يلتفت إل اعتراض مذول ،بأنه لو
كان هذا ل يف على أهل الرض ،إذ هو شيء ظاهر لميعهم ،إذ ل ينقل لنا عن أهل الرض أنم
رصدوه تلك الليلة فلم يروه انشق ،و لو نقل إلينا عمن ل يوز تالؤهم ـ لكثرتم ـ على الكذب ،
لا كانت علينا به حجة ،إذ ليس القمر ف حد واحد لميع أهل الرض ،فقد يطلع على قوم قبل أن
يطلع على آخرين ،و قد يكون من قوم بضد ما هو من مقابليهم من أقطار الرض ،أو يول بي قوم و
بينه سحاب أو جبال ،و لذا ند الكسوفات ف بعض البلد دون بعض ،و ف بعضها جزئية ،و ف
بعضها كلية ،و ف بعضها ل يعرفها إل الدعوون لعلمها ،ذلك تقدير العزيز العليم .
و آية القمر كانت ليلً ،و العادة من الناس بالليل الدو و السكون و إياف البواب ،و قطع التصرف
،و ل يكاد يعرف من أمور [ ]100السماء شيئا ،إل من رصد ذلك ،واهتبل به
و لذلك ما يكون الكسوف القمري كثياف البلد ،و أكثرهم ل يعلم به حت ينجز ،و كثيا ما
يدث الثقات بعجائب يشاهدونا من أنوار و نوم طوالع عظام تظهر ف الحيان بالليل ف السماء ،و
ل علم عند أحد منها .
و خرج الطحاوي ـ ف مشكل الديث ،عن أساء بنت عميس من طريقي ـ أن النب صلى ال عليه
و سلم كان يوحي إليه ،و رأسه ف حجر علي فلم يصل العصر حت غربت الشمس ،فقال النب صلى
ال عليه و سلم :أصليت ياعلي ؟ قال :ل .
فقال :اللهم إنه كان ف طاعتك و طاعة رسولك فاردد عليه الشمس .
قالت أساء :فرأيتها غربت ،ث طلعت بعد ما غربت ،و وقفت على البال و الرض ،و ذلك
بالصهباء ف خيب .
قال و هذان الديثان ثابتان و رواتما ثقات .
و حكى الطحاوي أن أحد بن صال كان يقول :ل ينبغي لن يكون سبيله العلم التخلف عن حفظ
حديث أساء ،لنه من علمات النبوة .
و روى يونس بن بكي ف زيادة الغازي ف روايته عن ابن إسحاق :اما أسري برسول ال صلى ال عليه
و سلم ،و أخب قومه بالرفقة و العلمة الت ف العي قالوا :مت تيء ؟ قال :يوم الربعاء ،فلما كان
ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون و قد ول النهار و ل تيء ؟ فدعا رسول ال صلى ال عليه و سلم ،
فزيد له ف النهار ساعة ،و حبست عليه الشمس .
فصل
ف نبع الاء من بي أصابعه و تكثيه بركة
[ قال الؤلف رحه ال ] :
أما الحاديث ف هذا فكثية جدا .
روى حديث نبع الاء من أصابعه صلى ال عليه و سلم جاعة من الصحابة ،منهم أنس ،و جابر ،و
ابن مسعود :
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه بقراءت عليه ،حدثنا القاضي عيسى بن سهل ،حدثنا أبو
القاسم حات بن ممد ،حدثنا أبو عمر بن الفخار ،حدثنا أبو عيسى ،حدثنا يي ،حدثنا مالك ،عن
إسحاق بن عبد ال بن أب طلحة ،عن أنس بن مالك رضي ال عنه :رأيت رسول ال صلى ال عليه و
سلم ،و حانت صلة العصر ،فالتمس الناس الوضوء فلم يدوه ،فأتى رسول ال صلى ال عليه و
سلم بوضوء ،فوضع رسول ال صلى ال عليه و سلم ف ذلك الناء يده ،و أمر الناس أن يتوضئوا منه
.
قال :فرأيت الاء ينبع من بي أصابعه ،فتوضأ حت توضئوا من عند آخرهم .
و رواه أيضا ـ عن أنس ـ قتادة ،و قال :بإناء فيه ماء يغمر أصابعه أو ل يكاد يغمر .
قال :كم كنتم ؟ قال :كنا زهاء ثلثائة .
و ف رواية عنه :و هم بالزوراء عند السوق .
و رواه أيضا حيد ،و ثابت و السن ،عن أنس .
و ف رواية حيد :قلت :كم كانوا ؟ قال :ثاني .
و نوه عن ثابت عنه .
و عنه أيضا :و هم نو من سبعي رجلً .
و أما ابن مسعود ففي الصحيح من رواية علقمة :بينما نن مع رسول ال صلى ال عليه و سلم ،و
ليس معنا ماء ،فقال لنا رسول ال صلى ال عليه و سلم :اطلبوا من معه فضل ماء ،فأتى باء فصبه ف
إناء ،ث وضع كفه فيه ،فجعل الاء [ ] 101ينبع من بي أصابع رسول ال صلى ال عليه و سلم .
و ف الصحيح عن سال بن أب العد ،عن جابر رضي ال عنه :عطش الناس يوم الديبية و رسول ال
صلى ال عليه و سلم بي يديه ركوة ،فتوضأ منها ،و أقبل الناس نوه ،و قالوا :ليس عندنا ماء إل ما
ف ركوتك ،فوضع النب صلى ال عليه و سلم يده ف الركوة ،فجعل الاء يفور من بي أصابعه كأمثال
العيون .
و فيه :فقلت :كم كنتم ؟ قالوا :لو كنا مائة ألف لكفانا ،كنا خس عشرة مائة .
و روي مثله عن أنس ،عن جابر ،و فيه أنه كان بالديبية .
و ف رواية الوليد بن عبادة الصامت عنه ،ف حديث مسلم الطويل ف ذكر غزوة بواط قال :
قال ل رسول ال صلى ال عليه و سلم :يا جابر ،ناد ،الوضوء . . .و ذكر الدي ث بطوله ،و أنه
ل يد إل قطرة ف عزلء شجب ،فأت به النب صلى ال عليه و سلم ،فغمزه و تكلم بشيء ل أدري ما
هو ،و قال :ناد بفنة الركب ،فأتيت با ،فوضعتها بي يديه ،و ذكر أن النب صلى ال عليه و سلم
بسط يده ف الفنة ،و فرق أصابعه ،و صب جابر عليه ،و قال :بسم ال [ كما أمره صلى ال عليه
و سلم ] ،قال :فرأيت الاء يفور من بي أصابعه ،ث فارت الفنة و استدارت حت امتلت ،و أمر
الناس بالستقاء ،فاستقوا حت رووا .
فقلت :هل بقي أحد له حاجة ؟ فرفع رسول ال صلى ال عليه و سلم يده من الفنة و هي ملئ .
و عن الشعب :أت النب صلى ال عليه و سلم ف بعض أسفاره بإداوة ماء ،و قيل :ما معنا يا رسول
ال ماء غيها ،فسكبها ف ركوة ،و وضع إصبعه و سطها ،و غمسها ف الاء ،و جعل الناس ييئون
و يتوضئون ث يقومون .
قال الترمذي و ف الباب ،عن عمران بن حصي .
و مثل هذا ف هذه الواطن الفلة و الموع الكثية ل تتطرق التهمة إل الحدث به ،لنم كانوا أسرع
شيء إل تكذيبه ،لا جبلت عليه النفوس من ذلك ،و لنم كانوا من ل يسكت على باطل ،فهؤلء
قد رووا هذا ،و أشاعوه ،و نسبوا حضور الماء الغفي له ،و ل ينكر أحد من الناس عليهم ما حدثوا
به عنهم أنم فعلوا و شاهدوه ،فصار متصديق جيعهم له .
فصل
و ما يشبه هذا من معجزاته
و ما يشبه هذا من معجزاته تفجي الاء ببكته ،و انبعاثه بسه و دعوته فيما روى مالك ف الوطأ عن
معاذ بن جبل ف قصة غزوة تبوك ،و أنم وردوا العي و هي تبض بشيء من ماء مثل الشراك ،فغرفوا
من العي بأيديهم حت اجتمع ف شيء ،ث غسل رسول ال صلى ال عليه و سلم فيه و جهه و يديه ،
و أعادة فيها ،فجرت باء كثي ،فاستقى الناس .
قال ـ ف حديث ابن إسحاق :فانرق من الاء ما له حس كحس الصواعق .
ث قال :يوشك يا معاذ ،إن طالت بك حياة أن ترى ها هنا قد مليء جنانا .
و ف حديث الباء ،و مسلمة بن الكوع ـ و حديثه أت ـ ف قصة الديبية ،و هم أربع عشرة مائة ،
و بئرها ل تروي خسي شاة ،فنحناها فلم نترك فيها قطرة ،فقعد رسول ال صلى ال عليه و سلم
على جباها .
قال الباء ،و أت بدلو منها ،فبصق [ ] 102فدعا .
و قال سلمة :فإما دعا ،و إما بصق فيها ،فجاشت ،فأرووا أنفسهم و ركابم .
و ف غي هذه الروايتي ـ ف هذه القصة ـ من طريق ابن شهاب [ ف الديبية ] :
فأخرج سهما من كنانته ،فو ضع ف قعر قليب ليس فيه ماء ؟ فروي الناس حت ى ضربوا بعطن .
و عن أب قتادة ـ و ذكر أن الناس شكوا إل رسول ال صلى ال عليه و سلم العطش ف بعض
أسفاره ،فدعا باليضأة ،فجعلها ف ضبنه ،ث التقم فمها ،فال أعلم ـ نفث فيها أم ل ،فشرب
الناس حت رووا و ملئوا كل إناء معهم ،فخيل إل أنا كما أخذها من ،و كانوا اثني و سبعي رجلً
.
و روى مثله عمران بن حصي .
و ذكر الطبي حديث أب قتادة على غي ما ذكره أهل الصحيح ـ و أن النب صلى ال عليه و سلم
خرج بم مدا لهل مؤتة عندما بلغه قتل المراء :
و ذكر حديثا طويلً فيه معجزات و آيات للنب صلى ال عليه و سلم ،و فيه إعلمهم أنم يفقدون الاء
ف غد .
و ذكر حديث اليضأة ،قال :و القوم زهاء ثلثائة .
و ف كتاب مسلم أنه قال لب قتادة :احفظ علي ميضأتك ،فإنه سيكون لا نبأ ..و ذكر نوه .
و من ذلك حديث عمران بن حصي حي أصاب النب صلى ال عليه و سلم و أصحابه عطش ف بعض
أسفارهم ،فوجه رجلي من أصحابه ،و أعلمهما أنما يدان امرأةً بكان كذا معها بعي عليه مزادتان .
. .الديث ،فوجداها و أتيا با إل النب صلى ال عليه و سلم ،فج عل ف إناء من مزادتيها ،و قال
فيه ما شاء ال أن يقول ،ث أعاد الاء ف الزادتي ،ث فتحت عزاليهما ،و أمر الناس فملئوا أسقيتهم
حت ل يدعوا شيئا إل ملئوه .
قال عمران :و تيل إل أنم ل تزدادا إل امتلءً ،ث أمر فجمع للمرأة من الزواد حت مل ثوبا .و
قال :اذهب ،فإنا ل نأخذ من مائك شيئا ،و لكن ال سقانا . . .الديث بطوله .
و عن سلمة بن الكوع :قال نب ال صلى ال عليه و سلم :هل من وضوء ؟ فجاء رجل بإداوة فيها
نطفة فأفرغها ف قدح ،فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشرة مائة [ . . .الديث بطوله ] .
و ف حديث عمر ـ ف جيش العسرة :و ذكر ما أصابم من العطش ،حت إن الرجل لينحر بعيه ،
فيعصر فرثه فيشربه ،فرغب أبو بكر إل النب صلى ال عليه و سلم ف الدعاء ،فرفع يديه فلم يرجعهما
حت قالت السماء فانسكبت ،فملئوا ما معهم من آنية ،و ل تاوز العسكر .
و عن عمر بن شعيب ـ أن أبا طالب قال للنب صلى ال عليه و سلم ،و هو رديفه بذي الجاز :
عطشت و ليس عندي ماء ،فنل النب صلى ال عليه و سلم ،و ضرب بقدمه الرض ،فخرج الاء ،
فقال :اشرب .
و الديث ف هذا الباب كثي ،و منه الجابة بدعاء الستسقاء و ما جانسه .
فصل
و من معجزاته تكثي الطعام و دعائه
حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحه ال ،حدثنا العذري ،حدثنا الرازي ،حدثنا اللودي ،حدثنا ابن
سفيان ،حدثنا مسلم بن الجاج ،حدثنا سلمة بن شبيب ،حدثنا السن بن أعي ،حدثنا معقل ،عن
ل أتى النب صلى ال عليه و سلم [ ] 103يستطعمه ،فأطعمه شطر أب الزبي ،عن جابر ـ أن رج ً
وسق شعي ،فما زال يأكل منه و امرأته و ضيفه حت كاله ،فأتى النب صلى ال عليه و سلم ،
فأخبه ،فقال :لو ل تكله لكلتم منه و لقام بكم .
و من ذلك حديث أب طلحة الشهور ،و إطعامه صلى ال عليه و سلم ثاني أو سبعي رجلً من
أقراص من شعي جاء با أنس تت يده ،أي إبطه ،فأمر با ففتت ،و قال فيهما ما شاء ال أن يقول .
و حديث جابر ف إطعامه صلى ال عليه و سلم يوم الندق ألف رجل من صاع شعي و عناق .
و قال جابر :فأقسم بال لكلوا حت تركوه و انرفوا ،و إن برمتنا لتغط كما هي ،و إن عجيننا
ليخبز .
و كان رسول ال صلى ال عليه و سلم بصق ف العجي و البمة ،و بارك .
رواه عن جابر سعيد بن ميناء ،و أين .
[ و عن ثابت مثله ،عن رجل من النصار و امر أته ،و ل يسمهما ،قال :و جيء بثل الكف ،
فجعل رسول ال صلى ال عليه و سلم يبسطها ف الناء و يقول ما شاء ال ،فأكل منه من ف البيت و
الجرة و الدار ،و كان ذلك قد امتل من قدم معه صلى ال عليه و سلم لذلك ،و بقي بعد ما شبعوا
مثل ما كان ف الناء ] .
و حديث أب أيوب أنه صنع لرسول ال صلى ال عليه و سلم و لب بكر من الطعام زهاء ما يكفيهما ،
فقال له النب صلى ال عليه و سلم :ادع ثلثي من أشراف النصار فدعاهم فأكلوا حت تركوا ،ث
قال :ادع ستي فكان مثل ذلك ،ث قال :ادع سبعي فأكلوا حت تركوا ،و ما خرج منهم أحد حت
أسلم و بايع .
قال أبو أيوب :فأكل من طعامي مائة و ثانون رجلً .
و عن سرة بن جندب :أتى النب صلى ال عليه و سلم بقصعة فيها لم ،فتعاقبوها من غدوة حت الليل
،يقوم قوم و يقعد آخرون .
و من ذلك حديث عبد الرحن بن أب بكر :كنا مع النب صلى ال عليه و سلم ثلثي و مائة ،و ذكر
ف الديث أنه عجن صاع من طعام ،و صنعت شاة ،فشوي سواد بطنها قال :و أي ال ،ما من
الثلثي و مائة إل وقد حز له حزةً من سواد بطنها ث جعل منا قصعتي ،فأكل نا منها أجعون ،و
فضل ف القصعتي ،فحملته على البعي .
و من ذلك حديث عبد الرحن بن أب عمرة النصاري ،عن أبيه ،و مثله لسلمة بن الكوع ،و أب
هريرة ،و عمر بن الطاب رضي ال عنه ،فذكروا ممصة أصابت الناس مع النب صلى ال عليه و سلم
ف بعض مغازيه ،فدعا ببقية الزواد ،فجاء الرجل بالثية من الطعام ،و فوق ذلك ،و أعلهم الذي
أتى بالصاع من التمر ،فجمعه على نطع .
قال سلمة :فحزرته كربضة العن ،ث دعا الناس بأو عيتهم ،فما بقي ف اليش وعاء إل ملئوه و بقي
منه .
و عن أب هريرة :أمرن النب صلى ال عليه و سلم أن ادعو له أهل الصفة ،فتتبعتهم حت جعتهم ،
فوضعت بي أيدينا صفحة ،فأكلنا ما شئنا ،و فرغنا و هي مثلها حي وضعت إل أن فيها أثر الصابع
.
و عن علي بن أب طالب ،رضي ال عنه :جع رسول ال صلى ال عليه و سلم بن عبد الطلب ،و
كانوا أربعي ،منهم قوم يأكلون الذعة ،و يشربون الفرق ،فصنع لم مدا من طعام فأكلوا حت
شبعوا ،و بقي كما هو ،ث دعا بعس ،فشربوا حت رووا ،و بقي كأنه ل يشرب منه .
و قال أنس :إن النب صلى ال عليه و سلم حي اب تن بزينب أمره أن يدعو له قوما ساهم ،و كل
من لقيت ،حت امتل البيت و الجرة ،و قدم إليهم تورا ،فيه قدر [ ] 104مد من تر جعل حيسا ،
فوضعه قدامه ،و غمس ثلث أصابعه ،و جعل القوم يتغدون و يرجون ،و بقي التور نوا ما كان ،
و كان القوم أحدا ،أو اثني و سبعي .
و ف رواية أخرى ف هذه القصة أو مثلها ،إن القوم كانوا زهاء ثلثائة ،و أنم أكلوا حت شبعوا .و
قال ل :ارفع ،فل أدري حي وضعت كانت أكثر أم حي رفعت .
و ف حديث جعفر بن ممد ،عن أبيه ،عن علي رضي ال عنه ـ أن فاطمة طبخت قدرا لغذائها و
وجهت عليا إل النب صلى ال عليه و سلم ليتغدى معهما ،فأمر فغرفت منها لميع نسائه صفحةً
صفحةً ،ث له صلى ال عليه و سلم و لعلي ،ث لا ،ث رفعت القدر ،و إنا لتفيض ،قال :فأكلنا
منها ما شاء ال .
و أمر عمر بن الطاب أن يزود أربعمائة راكب من أحس ،فقال :يا رسول ال ،ما هي إل أصوع .
قال :اذهب ،فذهب فزودهم منه ،و كان قدر الفصيل الرابض ،من التمر ،و بقي باله .
من ،رواية دكي الحسي ،و من رواية جرير .
و مثله من رواية النعمان بن مقرن الب بعينه ،إل أنه قال :أربعمائة راكب من مزينة .
و من ذلك حديث جابر ف دين أبيه بعد موته ،و قد كان بذل لغرماء أبيه أصل ماله ،فلم يقبلوه ،و
ل يكن ف ترها سني كفاف دينهم ،فجاءه النب صلى ال عليه و سلم بعد أن أمره بدها ،و جعلها
بيادر ف أصولا ،فمشى فيها ،و دعا ،فأوف منه جابر غرماء أبيه ،و فضل مثل ما كانوا يدون كل
سنة .
و ف رواية مثل ما أعطاهم ،قال :و كان الغرماء يهود ،فعجبوا من ذلك .
و قال أبو هريرة رضي ال عنه :أصاب الناس ممصة .فقال ل رسول ال صلى ال عليه و سلم :هل
من شيء قلت :نعم ،شيء من التمر ف الزود .قال :فأتن به فأدخل يده فأخرج قبضة ،فبسطها و
دعا بالبكة ،ث قال :ادع عشرة فأكلوا حت شبعوا ،ث عشرة كذلك ،حت أطعم اليش كلهم و
شبعوا .قال :خذ ما جئت به ،وأدخل يدك ،و اقبض منه و ل تكبه ،فقبضت على أكثر ما جئت به
،فأكلت منه و أطعمت حياة رسول ال صلى ال عليه و سلم ،و أب بكر ،و عمر ،إل أن قتل
عثمان ،فانتهب من ،فذهب .
و ف رواية :فقد حلت من ذلك التمر كذا و كذا من و سق ف سبيل ال .
و ذكرت مثل هذه الكاية ف غزوة تبوك ،و أن التمر كان بضع عشرة ترة .
و منه أيضا حديث أب هريرة حي أصابه الوع ،فاستتبعه النب صلى ال عليه و سلم ،فوجد لبنا ف
قدح قد أهدي إليه ،و أمره أن يدعو أهل الصفة .
قال :فقلت :ما هذا اللب فيهم ؟ كنت أحق أن أصب منه شربة أتقوى با .فدعوتم .
و ذكر أمر النب صلى ال عليه و سلم أن يسقيهم ،فجعلت أعطي الرجل فيشرب حت يروى ،ث
يأخذه الخر حت روي جيعهم .
قال :فأخذ النب صلى ال عليه و سلم القدح ،و قال :بقيت أنا و أنت ،اقعد فاشرب فشربت ،ث
قال :اشرب و ما زال يقولا و أشرب حت قلت :ل ،و الذي بعثك بالق ،ما أجد له مسلكا [
، ] 105فأخذ القدح فحمد ال و سى و شرب الفضلة .
و ف حديث خال بن عبد العزى أنه أجزر النب صلى ال عليه و سلم شاةً ،و كان عيال خالد كثيا
يذبح الشاة فل تبد عياله عظما عظما ،و إن النب صلى ال عليه و سلم أكل من هذه الشاة و جعل
فضلتها ف دلو خالد ،و دعا له بالبكة ،فنثر ذلك لعياله ،فأكلوا و أفضلوا ـ ذكر خبه الدولب .
و ف حديث الجري ف إنكاح النب صلى ال عليه و سلم لعلي فاطمة ـ أن النب صلى ال عليه و سلم
أ مر بللً بقصعة من أربعة أمداد أو خسة ،و يذبح جزورا ليوليمتها ـ قال :فأتيته بذلك فطعن ف
رأسها ،ث أدخل الناس رفقةً رفقةً يأكلون منها حت فرغوا ،و بقيت منها فضلة ،فبك فيها ،و أمر
بملها إل أزواجه ،و قال :كلن و أطعمن من غشيكن .
و ف حديث أنس :تزوج رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فصنعت أمي أم سليم حيسا ،فجعلته ف
تور ،فذهبت به إل رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فقال :ضعه ،و ادع ل فلنا و فلنا ،و من
لقيت .
فدعوتم ،و ل أدع أحدا لقيته إل دعوته ،و ذكر أنم كانوا زهاء ثلثائة حت ملئوا الصفة و
الجرة ،فقال لم النب صلى ال عليه و سلم :تلقوا عشرة عشرة ،و وضع النب صلى ال عليه و
سلم يده على الطعام ،فدعا فيه ،و قال ما شاء ال أن يقول ،فأكلوا حت شبعوا كلهم ،فقال ل :
ارفع فما أدري حي وضعت كانت أكثر أم حي رفعت .
و أكثر أحاديث هذه الفصول الثلثة ف الصحيح .و قد اجتمع على معن حديث هذا الفصل بضعة
عشر من الصحابة ،رواه عنهم أضعافهم من التابعي ،ث من ل ينعد بعدهم .
و أكثرها ف قصص مشهورة ،و مامع مشهودة ،و ل يكن التحدث عنها إ ل بالق ،و ل يسكت
الاضر لا على ما أنكر منها .
فصل
ف كلم الشجرة و شهادتا له بالنبوة و إجابتها دعوته
حدثنا أحد بن ممد بن غلون الشيخ الصال فيما أجاز فيه عن أب عمر الطلمنكي ،عن أب بكر بن
الهندس ،عن أب القاسم البغوي ،حدثنا أحد بن عمران الخنسي ،حدثنا أبو حيان التيمي ـ و كان
صدوقا ـ عن ماهد ،عن ابن عمر ،قال :كنا مع رسول ال صلى ال عليه و سلم ف سفره ،فدنا
منه أعراب ،فقال ،يا أعراب ،أين تريد ؟ قال :إل أهلي .قال :هل لك إل خي ؟ قال :و ما هو ؟
قال :تشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،و أن ممدا عبده و رسوله قال :من يشهد لك على
ما تقول ؟ قال :هذه الشجرة السمرة ،و هي بشاطئ الوادي ،و ادعها فإنا تيبك .
فأقبلت تد الرض حت قامت بي يديه ،فاستشهدها ثلثا ،فشهدت أنه كما قال ،ث رجعت إل
مكانا .
و عن بريدة :سأل أعراب النب صلى ال عليه و سلم آية ،فقال له :قل لتلك الشجرة رسول ال صلى
ال عليه و سلم يدعوك .
قال :فمالت الشجرة عن يينها و شالا و بي يديها و خلفها ،فتقطعت عروقها ،ث جاءت [ ] 106
تد الرض تر مغبةً حت وقفت بي يدي رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فقالت :السلم عليك يا
رسول ال .
قال العراب :مرها فلترجع إل منبتها ،فرجعت ،فدلت عروقها فاستوت .
فقال العراب :ائذن ل أسجد لك .
قال :لو أمرت أحدا أن يسجد لحد لمرت الرأة أن تسجد لزوجها .
قال :فأذن ل أن أقبل يديك و رجليك ،فأذن له .
و ف الصحيح أ ف حديث جابر بن عبد ال الطويل :ذهب رسول ال صلى ال عليه و سلم يقضي
حاجته ،فلم ير شيئا يستتر به ،فإذا بشجرتي ف شاطىء الوادي ،فانطلق رسول ال صلى ال عليه و
سلم إل إحداها ،فأخذ بغصن من أغصانا ،فقال :انقادي علي بإذن ال فانقادت معه كالبعي
الخشوش الذي يصانع قائده .
و ذكر أنه فعل بالخرى مثل ذلك ،حت إذا كان بالصنف بينهما قال :التئما علي بإذن ال فالتأمتا .
رواية أخرى :فقال :يا جابر ،قل لذه الشجرة :يقول لك رسول ال صلى ال عليه و سلم :القي
بصاحبتك حت أجلس خلفكما ففعلت ،فرجعت حت لقت بصاحبتها فجلس خلفهما ،فخرجت
أحضر ،و جلست أحدث نفسي ،فالتفت فإذا برسول ال صلى ال عليه و سلم مقبلً و الشجرتان قد
افترقتا ،فقامت كل واحدة منهما على ساق ،فوق ف رسول ال صلى ال عليه و سلم و قفةً ،فقال
برأسه هكذا يينا و شالً .
و روى أسامة بن زيد نوه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ف بعض مغازيه :هل تعن
مكانا لاجة رسول ال صلى ال عليه و سلم ؟ فقلت :إن الوادي ما فيه موضع بالناس .فقال :هل
ترى من نل أو حجارة ؟ قلت :أرى نلت متقاربات .قال :انطلق و قل :لن :إن رسول ال
صلى ال عليه و سلم يأمركن أن تأتي لخرج رسول ال صلى ال عليه و سلم ،و قل للحجارة مثل
ذلك .
فقلت ذلك لن ،فو الذي بعثه بالق ،لقد رايت النخلت يتقاربن حت اجتمعن ،و الجارة يتعاقدن
حت صرن زكاما خلقهن .
فلما قضى حاجته قال ل :قل لن يفترقن ،فو الذي نفسي بيده لرأيتهن و الجارة يفترقن حت عدن
إل مواضعهن .
و قال يعلى بن سيابة :كنت مع النب صلى ال عليه و سلم ف مسي . . .و ذكر نوا من هذين
الديثي ،و ذكر :فأمر و ديتي فانضمتا .و ف رواية :أشاءتي .
و عن غيلن بن سلمة الثقفي مثله :ف شجرتي .
و عن ابن مسعود ،عن النب صلى ال عليه و سلم مثله ف غزاة حني .
و عن يعلى بن مرة ـ و هو ابن سي ابة ـ أيضا ،و ذكر أشياء رآها من رسول ال صلى ال عليه و
سلم ،فذكر أن طلحة أو سرةً جاءت فأطافت به ،ث رجعت إل منبتها ،فقال رسول ال صلى ال
عليه و سلم :إنا استأذنت أن تسلم علي .
و ف حديث عبد ال بن مسعود رضي ال عنه :آذنت النب صلى ال عليه و سلم بالن ليلة [ ] 107
استمعوا له ـ شجرة .
و عن ماهد ،عن ابن مسعود ف هذا الديث :إن الن قالوا :من يشهد لك ؟ قال :هذه الشجرة .
تعال يا شجرة ،فجاءت تر عروقها لا قعاقع . . .
و ذكر مثل الديث الول أو نوه .
قال القاضي أبو الفضل :فهذا ابن عمر ،و بريدة ،و جابر ،و ابن مسعود ،و يعلى بن مرة ،و أسامة
بن زيد ،و أنس بن مالك ،و علي بن أب طالب ،و ابن عباس ،و غيهم ـ و قد اتفقوا على هذه
القصة نفسها أو معناها .
و قد رواها عنهم من التابعي أضعافهم ،فصارت ف انتشارها من القوة حيث هي .
و ذكر ابن فورك أنه صلى ال عليه و سلم سار ف غزوة الطائف ليلً ،و هو وسن ،فاعترضته سدرة ،
فانفرجت له نصفي حت جاز بينهما ،و بقيت على ساقي إل وقتنا هذا ،و هي هناك معروفة معظمة
.
و من ذلك حديث أنس رضي ال عنه ـ أن جبيل عليه السلم قال للنب صلى ال عليه و سلم ـ
ورآه حزينا :أتب أن أريك آية ؟ قال :نعم فنظر رسول ال صلى ال عليه و سلم إل شجرة من وراء
الوادي ،فقال :ادع تلك الشجرة ،فجاءت تشي حت قامت بي يديه .
قال :مرها فلترجع ،فعادت إل مكانا .
و عن علي نو هذا ،و ل يذكر فيها جبيل ،قال :اللهم أرن آية ل أبال من كذبن بعدها فدعا
شجرة ...و ذكر مثله .
و حزنه صلى ال عليه و سلم لتكذيب قومه و طلبه الية لم ل له .
و ذكر ابن إسحاق أن النب صلى ال عليه و سلم أرى ركانة مثل هذه الية ف شجرة دعاها فأتت حت
وقفت بي يديه ،ث قال :ارجعي ،فرجعت .
و عن السن أنه صلى ال عليه و سلم شكا إل ربه من قومه و أنم يوفونه ،و سأله آية يعلم با أل
مافة عليه ،فأوحى إليه ائت وادي كذا فيه شجرة ،فادع غصنا منها يأتك .ففعل ،فجاء يط الرض
خطا حت انتصب بي يديه ،فحبسه ما شاء ال ،ث قال له [ :ارجع كما جئت ] فرجع ،فقال [ :يا
رب ،علمت أن ل مافة علي ] .
و نو منه عن عمر ،و قال فيه :أرن آية ل أبال من كذبن بعدها ...و ذكر نوه .
و عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه صلى ال عليه و سلم قال لعراب [ :أرأيت إن دعوت هذا العذق
من هذه النخلة أتشهد أن رسول ال ؟ ] قال :نعم ،فدعاه فجعل ينقر حت أتاه .فقال :ارجع فعاد
إل مكانه
و خرجه الترمذي ،و قال :هذا حديث صحيح .
فصل
ف قصة حني الذع
و يعضد هذه الخبار حديث أني الذع ،و هو ف نفسه مشهور منتشر ،و الب به متواتر ،قد خرجه
أهل الصحيح ،ورواه من الصحابة بضعة عشر ،منهم أب بن كعب ،و جابر بن عبد ال ،و أنس بن
مالك ،و عبد ال بن عمر ،و عبد ال بن عباس ،و سهل بن سعد ،و أبو سعيد الدري و بريدة ،و
أم سلمة ،و الطلب بن أب وداعة ،كلهم يدث بعن هذا الديث .
قال الترمذي :و حديث أنس صحيح .
قال جابر بن عبد ال [ : ] 108كان السجد مسقوفا على جذوع نل ،فكان النب صلى ال عليه و
سلم إذا خطب يقوم إل جذع منها ،فلما صنع له النب سعنا لذلك الذع صوتا كصوت العشار .
و ف رواية أنس :حت ارتج السجد بواره .
و ف رواية سهل :وكثر بكاء الناس لا رأوا به .
و ف رواية الطلب [و أب ] :حت تصدع وانشق ،حت جاء النب صلى ال عليه و سلم ،فوضع يده
عليه فسكت .
زاد غيه :فقال النب صلى ال عليه و سلم :إن هذا بكى لا فقد من الذكر .
و زاد غيه :والذي نفسي بيده :لو ل التزمه ل يزل هكذا إل يوم القيامة .تزنا على رسول ال صلى
ال عليه و سلم ،فأمر به صلى ال عليه و سلم فدفن تت النب .
كذا ف حديث الطلب ،و سهل بن سعد ،و إسحاق ،عن أنس .
[ و ف بعض الروايات عن سهل :فدفنت تت منبه ،أو جعلت ف السقف ] .
و ف حديث أب :فكان إذا صلى النب صلى ال عليه و سلم إليه ،فلما هدم السجد أخذه أب ،فكان
عنده إل أن أكلته الرض ،وعاد رفاتا .
وذكر السفراين أن النب صلى ال عليه و سلم دعاه إل نفسه ،فجاء يرق الرض ،فالتزمه ،ث أمره
فعاد إل مكانه .
و ف حديث بريده :فقال رسول ال النب صلى ال عليه و سلم :إن شئت أدرك إل الائط الذي كنت
فيه تنبت لك عروقك ،و يكمل خلقك ،و يدد لك خوص و ثرة ،و إن شئت أغرسك ف النة ،
فيأكل أولياء ال من ثرك .ث أصغى له النب صلى ال عليه و سلم يسمع ما يقول .
فقال :تغرسن ف النة ،فيأكل من أولياء ال ،و أكون ف مكان ل أبلى فيه .
فسمعه من يليه .
فقال النب صلى ال عليه و سلم :قد فعلت ث قال :اختار دار البقاء على دار الفناء .
فكان السن إذا حدث بذا بكى ،و قال :يا عباد ال ،الشبة تن إل رسول ال صلى ال عليه و
سلم شوقا إليه لكانه ،فأنتم أحق أن تشتاقوا إل لقائه .
رواه ـ عن جابر ـ حفص بن عبيد ال و يقال :عبيد ال بن حفص ،و أين ،و أبو نضرة ،و ابن
السيب ،و سعيد بن أب كرب ،و كريب ،و أبو صال .
و رواه عن أنس بن مالك السن ،و ثابت ،و إسحاق بن أب طلحة .
و رواه عن ابن عمر :نافع ،و أبو حية ،و رواه أبو نضرة ،و أبو الوداك ،عن أب سعيد ،و عمار بن
أب عمار ،عن ابن عباس ،و أبو حازم ،و عباس بن سهل ،عن سهل بن سعد ،و كثي بن زيد عن
الطلب ،و عبد ال بن بريدة عن أبيه ،و الطفيل بن أب عن أبيه .
قال القاضي أبو الفضل :فهذا حديث كما تراه خرجه أهل الصحة ،و رواه من الصحابة من ذكرنا ،
و غيهم من التابعي ضعفهم ،إل من ل نذكره ،و بن دون هذا العدد يقع العلم لن اعتن بذا الباب
.و ال الثبت على الصواب .
فصل
و مثل هذا ف سائر المادات
[ ] 109حدثنا القاضي أبو عبد ال ممد بن عيسى التميمي ،حدثنا القاضي أبو عبد ال ممد بن
الرابط ،حدثنا الهلب ،حدثنا أبو السن القابسي ،حدثنا الروزي ،حدثنا الفربري ،حدثنا البخاري
،حدثنا ممد بن الثن ،حدثنا أبو أحد الزبيي ،حدثنا إسرائيل ،عن منصور ،عن إبراهيم ،عن
علقمة ،عن ابن مسعود ،قال :لقد كنا نسمع تسبيح الطعام و هو يؤكل .
و ف غي هذه الرواية عن ابن مسعود :كنا نأكل مع رسول ال صلى ال عليه و سلم الطعام و نن
نسمع تسبيحه .
و قال أنس :أخذ النب صلى ال عليه و سلم كفا من حصى ،فسبحن ف ف يد رسول ال صلى ال
عليه و سلم حت سعنا التسبيح ،ث صبهن ف يد أب بكر رضي ال عنه فسبحن ،ث ف أيدينا فما
سبحن .
و روى مثله أبو ذر ،و ذكر أنم سبحن ف كف عمر و عثمان .
و قال علي كنا بكة مع رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فخرج إل بعض نواحيها ما استقبله شجرة و
ل جبل إل قال له :السلم عليك يا رسول ال .
و عن جابر بن سرة عنه صلى ال عليه و سلم :إن لعرف حجرا بكة كان يسلم علي .قيل :إنه
الجر السود .
و عن عائشة رضي ال عنها :لا استقبلن جبيل عليه السلم بالرسالة جعلت ل أمر بجر و ل شجر
إل قال :السلم عليك يارسول ال .
و عن جابر بن عبد ال :ل يكن النب صلى ال عليه و سلم ير بجر و ل شجر إل سجد له .
و ف حديث العباس ،إذا اشتمل عليه النب صلى ال عليه و سلم و على بنيه ،بلءة ،و دعالم بالستر
من النار كستره إياهم بلءته ،فأمنت أسكفة الباب و حوائط البيت :آمي آمي.
و عن جعفر بن ممد ،عن أبيه :مرض النب صلى ال عليه و سلم فأتاه جبيل بطبق فيه رمان و عنب
فأكل منه النب صلى ال عليه و سلم ،فسبح .
و عن أنس :صعد النب صلى ال عليه و سلم ،و أبو بكر ،و عمر ،و عثمان ،أحدا ،فرجف بم ،
فقال :اثبت أحد ،فإنا عليك نب و صديق ،و شهيدان .
و مثله عن أب هريرة ف حراء ،و زاد معه :علي و طلحة ،و الزبي ،و قال :فإنا عليك نب ،أو
صديق ،أو شهيد .
و الب ف حراء أيضا عن عثمان ،قال :و معه عشر من أصحابه أنا فيهم .
و زاد عبد الرحن و سعدا ،قال :و نسيت الثني .
و ف حديث سعيد بن زيد أيضا مثله ،و زاد عشرة ،و زاد نفسه .
و قد روي أنه حي طلبته قريش قال له ثبي :اهبط يا رسول ال ،فإن أخاف أن يقتلوك على ظهري
فيعذبن ال .
فقال حراء :إل يا رسول ال .
و روى ابن عمر رضي ال عنهما أن النب صلى ال عليه و سلم قرأ على النب :وما قدروا ال حق قدره
،ث قال :يجد البار نفسه ،أنا البار ،أنا البار ،أنا الكبي التعال ،فرجف النب حت قلنا :ليخرن
عنه .
و عن ابن عباس :كان حول البيت ستون و ثلثائة صنم مثبته الرجل بالرصاص بالجارة ،فلما دخل
رسول ال صلى ال عليه و سلم السجد عام الفتح جعل يشي بقضيب ف يده إليها و ل يسها و يقول :
جاء الق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ،فما أشار إل وجه صنم إل وقع لقفاه ،و ل لقفاه إل
وقع لوجهه ،حت ما بقي منها صنم .
و مثله ف حديث ابن مسعود ،و قال :فجعل يطعنها و يقول :جاء الق و ما يبدىء الباطل و ما يعيد
.
و من ذلك حديثه مع الراهب ف ابتداء أمره ،إذ خرج تاجرا مع عمه ،و كان الراهب ل يرج
لحد ،فخرج يتخللهم ،حت أخذ بيد رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فقال :هذا سيد العالي ،
يبعثه ال رحة للعالي .
فقال له أشياخ من قريش :ما علمك ،فقال :إنه ل يبق شجر و ل حجر إل خر ساجدا له ،و ل
تسجد إل لنب ...و ذكر القصة ،ث قال :فأقبل صلى ال عليه و سلم و عليه غمامة تظلله ،فلما دنا
من القوم وجدهم سبقوه إل فء الشجرة ،فلما جلس مال الفيء إليه .
فصل
ف اليات ف ضروب اليوانات
حدثنا سراج بن عبد اللك ،حدثنا أبو السن الاقظ ،حدثنا أب ،حدثنا القاضي يونس ،قال :
حدثنا أبو الفضل الصلقي ،حدثنا ثابت بن قاسم بن ثابت ،من أبيه و جده ،قال حدثنا أبو العلء
أحد بن عمران ،حدثنا ممد بن فضيل ،حدثنا يونس بن عمرو حدثنا ماهد عن عائشة رضي ال
عنها ،قالت :كان عندنا داجن ،فإذا كان عندنا رسول ال صلى ال عليه و سلم قر و ثبت مكانه ،
فلم ييء و ل يذهب ،و إذا خرج رسول ال صلى ال عليه و سلم جاء و ذهب .
و روى عن عمر أن رسول ال صلى ال عليه و سلم كان ف مفل من أصحابه إذ جاء أعراب قد صاد
ضبا ،فقال ،ما هذا ؟ قالوا :نب ال .فقال :و اللت و العزى ،ل آمنت بك أو يؤمن هذا الضب ،
و طرحه بي يدي النب صلى ال عليه و سلم ،فقال النب صلى ال عليه و سلم يا ضب ،فأجابه بلسان
مبي يسمعه القوم جيعا :لبيك و سعديك يا زين من واف القيامة .
قال :من تعبد ؟ قال :الذي ف السماء عرشه ،و ف الرض سلطانه ،و ف البحر سبيله ،و ف النة
رحته ،و ف النار عقابه .
قال :فمن أنا ؟ قال :رسول ال رب العالي ،و خات النبيي ،و قد أفلح من صدقك ،و خاب من
كذبك .
فأسلم العراب .
و من ذلك قصة كلم الذئب الشهورة عن أب سعيد الذري :
بينا راع يرعى غنما له عرض الذئب لشاة منها ،فأخذها الراعي منه ،فأقعى الذئب ،و قال للراعي :
أل تتقي ال ! حلت بين و بي رزقي ! قال الراعي :العجب من ذئب يتكلم بكلم النس ! فقال
الذئب :أل أخبك بأعجب من ذلك ؟ رسول ال بي الرتي يدث الناس بأنباء ما قد سبق .
فأتى الراعي النب ال فأخبه ،فقال النب :قم فحدثهم ،ث قال :صدق .
و الديث فيه قصة ،و ف بعضه طول .
و روي حديث الذئب عن أب هريرة .
و ف بعض الطرق عن اب هريرة رضي ال عنه ،فقال الذئب :أنت أعجب ! و اقفا على غنمك ،و
تركت نبيا ل يبعث ال نبيا قط أعظم منه عنده [ ]111قدرا ،قد فتحت له أبواب النة ،و أشرف
أهلها على أصحابه ،ينظرون قتالم ،و ما بينك و بينه إ ل هذا الشعب ،فتصي من جنود ال .
قال الراعي :من ل بغنمي ؟ قال الذئب :أنا أرعاها حت ترجع .
فأسلم الرجل إليه غنمه و مضى .
و ذكر قصته و إسلمه و وجوده النب صلى ال عليه و سلم يقاتل ،فقال له النب صلى ال عليه و سلم
:عد إل غنمك تدها بوفرها .
فوجدها كذلك ،و ذبح الذئب شاة منها .
و عن أهبان بن أوس :و أنه كان صاحب القصة ،و الحدث با و مكلم الذئب .
و عن سلمة بن عمرو بن الكوع :و أنه كان صاحب هذه القصة أيضا ،و سبب إسلمه بثل حديث
أب سعيد.
و قد روى ابن وهب مثل أنه جرى لب سفيان بن حرب ،و صفوان بن أمية ،مع ذئب وجداه أخذ
ظبيا ،فدخل الظب الرم ،فانصرف الذئب ،فعجبا من ذلك فقال الذئب :أعجب من ذلك من ذلك
ممد بنعبد ال بالدينة يدعوكم إل النة و تدعونه إل النار .
فقال أبو سفيان :و الت و العزى ،لئن ذكرت هذا بكة لتتركنها خلوفا
و قد روي مثل هذا الب ،و أنه جرى لب جهل و أصحابه .
و عن عباس بن مرداس لا تعجب من كلم ضمار صنمه ،و إنشاده الشعر الذي ذكر فيه النب صلى ال
عليه و سلم ،فإذا طائر سقط ،فقال :ياعباس ،أتعجب من كلم ضمار ،و ل تعجب من نفسك ؟
إن رسول ال صلى ال عليه و سلم يدعو إل السلم و أنت جالس ،فكان سبب إسلمه .
و عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما ،عن رجل أتى النب صلى ال عليه و سلم و آمن به و هو على
بعض حصون خيب ،و كان ف غنم يرعاها لم ،فقال يا رسول ال ،كيف بالغنم ؟
قال :احصب و جوهها ،فإن ال سيؤدي عنك أمانتك ،و يردها إل أهلها .
ففعل ،فسارت شاة حت دخلت إل أهلها .
و عن أنس رضي ال عنه :دخل النب صلى ال عليه و سلم حائط أنصاري و أبو بكر و عمر و رجل
من النصار رضي ال عنهم ،و ف الائط غنم فسجدت له .فقال أبو بكر :نن أحق بالسجود لك
منها ...الديث .
و عن أب هريرة رضي ال عنه :دخل النب صلى ال عليه و سلم حائطا ،فجاء بعي فسجد له ،و ذكر
مثله .
و مثله ف المل ،عن ثعلبة بن مالك ،و جابر بن عبد ال ،و يعلى بن مرة و عبد ال بن جعفر ،قال
:و كان ليدخل أحد الائط إل شد عليه المل ،فلما دخل عليه النب صلى ال عليه و سلم دعاه ،
فوضع مشفره ،على الرض ،وبرك بي يديه ،فخطمه ،و قال :ما بي السماء و الرض شيء إل
يعلم أن رسول ال إل عاصي الن و النس .
و مثله عن عبد ال بن أب أوف .
و ف خب آخر ف حديث المل أن النب صلى ال عليه و سلم سألم عن شأنه ،فاخبوه أنم أرادوا
ذبه .
و ف رواية أن النب صلى ال عليه و سل م قال لم :إنه شكا كثرة العمل ،و قلة العلف من صغره
فقالوا :نعم .
و قد روي ف قصة العضباء و كلمها النب صلى ال عليه و سلم ،و تعريفها له بنفسها ،و مبادرة
العشب إليها ف الرعي و تنب الوحوش عنها ،و ندائهم لا :إنك لحمد ،و إنا ل تأكل و ل تشرب
بعد موته حي ماتت .
ذكره السفراين .
و روى ابن و هب ،أن حام مكة أظلت النب صلى ال عليه و سلم يوم فتحها ،فدعا لا بالبكة .
و روي عن أنس ،و زيد بن أرقم ،و الغية بن شعبة ـ أن النب صلى ال عليه و سلم قال :ليلة الغار
أمر ال شجرة ،فنبتت تاه النب صلى ال عليه و سلم فسترته ،و أمر حامتي فوقفتا بفم الغار .
و ف حديث آخر :وأن العنكبوت نسجت على بابه ،فلما أتى الطالبون له ،ورأوا ذلك قالوا :لو
كان فيه أحد ل تكن المامتا ن ببابه و النب صلى ال عليه و سلم يسمع كلمهم ،فانصرفوا .
و عن عبد ال بن قرط :قرب إل رسول ال صلى ال عليه و سلم بدنات خس أو سبع ،لينحرها يوم
عيد ،فازدلفن إليه بأيهن يبدأ .
و عن أم سلمة :كان النب صلى ال عليه و سلم ف صحراء ،فنادته ظبية ،يا رسول ال ،قال :ما
حاجتك ؟ قالت :صادن هذا العراب ،و ل خفشان ف ذلك البل ،فأطلقن حت أذهب فأرضعهما
و أرجع .
قال :و تفعلي ؟ قال :نعم .فأطلقها ،فذهبت و رجعت ،فأوثقها ،فانتبه العراب و قال :يا رسول
ال ،ألك حاجة ؟ قال :تطلق هذه الظبية فأطلقها فخرجت تعدو ف الصحراء ،و تقول :أشهد أن ل
إله إل ال ،و أنك رسول ال .
و من هذا الباب ماروي من تسخي السد لسفينة مول رسول ال صلى ال عليه و سلم ،إذا و جهه إل
معاذ باليمن فلقي السد فعرفه أنه مول رسول ال صلى ال عليه و سلم و معه كتابه ،فهمهم و تنحى
عن الطريق ،و ذكر ف منصرفه مثل ذلك .
و ف رواية أخرى عنه ـ أن سفينة تكسرت به ،فخرج إل جزيرة فإذا السد ،فقلت له :أنا مول
رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فجعل يغمرن بنكبه حت أقامن على الطريق .
و أخذ ـ عليه السلم ـ بأذن شاة لقوم من عند القيس بي إصبعه ،ث خلها فصار لا ميسما ،و
بقي ذلك الثر و ف نسلها بعد .
و ما روي عن إبراهيم بن حاد بسنده من كلم المار الذي أصابه بيب ،و قال له :اسي يزيد بن
شهاب . .
فسماه النب صل ى ال عليه و سلم يعفورا ،و أنه كان يوجهه إل دور أصحابه ،فيضرب عليهم الباب
برأسه ،و يستدعيهم ،و أن النب صلى ال عليه و سلم لا مات تردى ف بئر جزعا و حزنا ،فمات .
و حديث الناقة الت شهدت عند النب صلى ال عليه و سلم لصاحبها أنه ما سرقها ،و أنا ملكه .
و ف العن :الت أتت رسول ال صلى ال عليه و سلم ف عسكره ،و قد أصابم عطش ،و نزلوا على
غي ماء ،و هم زهاء ثلثائة ،فحلبها رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فأروى الند ،ث قال لرافع :
[ أملكها و ما أراك ] فربطها فوجدها قد انطلقت .
رواه ابن قانع و غيه ،و فيه :فقال رسول ال صلى ال عليه و سلم :إن الذي جاء با هو الذي ذهب
با [ . ] 113
و قال :لفرسه ـ عليه السلم ـ و قد قام إل الصلة ف بعض أسفاره :ل تبح ،بارك ال فيك حت
نفرغ من صلتنا و جعله قبلته ،فما حرك عضوا حت صلى صلى ال عليه و سلم .
[ و يلتحق بذا ما رواه الواقدي ـ أن النب صلى ال عليه و سلم لا وجه رسله إل اللوك ،فخرج ستة
نفر منهم ف يوم واحد ،فأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم ] .
و الدي ث ف هذا الباب كثي ،و قد جئنا منه بالشهور ،و ما وقع ف كتب الئمة .
فصل
ف إحياء الوتى و كلمهم ،و كلم الصبيان و الراضع
و شهادتم لم بالنبوة صلى ال عليه و سلم
حدثنا أبو الوليد هشام بن أحد الفقيه بقراءت عليه ،القاضي أبو الوليد ممد بن رشد ،و القاضي أبو
عبد ال ممد بن عيسى التميمي ،و غيه واحد ساعا و إذانا ،قالوا :حدثنا أبو علي الافظ قال :
حدثنا أبو عمر الافظ ،حدثنا أبو زيد عبد الرحن بن يي ،حدثنا أحد بن سعيد ،حدثنا ابن العراب
...
حدثنا أبو داود ،حدثنا و هب بن بقية ،عن خالد ـ هو الطحان ،عن ممد بن عمرو ،عن أب سلمة
،عن أب هريرة رضي ال عنه ـ أن يهودية أهدت للنب صلى ال عليه و سلم بيب شاة مصلية ستها ،
فأكل رسول ال صلى ال عليه و سلم منها ،و أكل القوم ،فقال :ارفعوا أيديكم ،فإنا أخبتن أنا
مسمومة .
فمات بشر بن الباء .
و قال لليهودية :ما حلك على ما صنعت ؟ قالت :إن كنت نبيا ل يضرك الذي صنعت ،و إن كنت
ملكا أرحت الناس منك .
قال :فأمربا فقتلت .
و قد روى هذا الديث أنس ،و فيه :قالت :أردت قتلك .فقال :ماكان ال ليسلطك على ذلك .
فقالوا :نقتلها ؟
قال :ل
و كذالك رو ى عن أب هريرة ـ من غي وهب ،قال :فما عرض لا .
و رواه أيضا جابر بن عبد ال ،و فيه :أخبن هذه الذراع قال :و ل يعاقبها .
و ف رواية السن :أن فخذها تكلمن أنا مسمومة .
و ف رواية أب سلمة بن عبدالرحن قالت :إن مسمومة .
و كذلك ذكر الب ابن إسحاق ،و قال فيه :فتجاوزعنها .
و ف الديث الخر ،عن أنس ،قال :فما زلت أعرفها ف لوات رسول ال صلى ال عليه و سلم .
و ف حديث أب هريرة ـ أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ـ ف و جعه الذي مات فيه :ما
زالت أكلة خيب تعادن ،فالن أوان قطعت أبري .
و حكى ابن إسحاق :إن كان السلمون ليون أن رسول ال صلى ال عليه و سلم مات شهيدا مع ما
أكرمه ال به من النبوة .
و قال ابن سحنون :أجع أهل الديث أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قتل اليهودية الت سته .
و قد ذكرنا اختلف الروايات ف ذلك عن أب هريرة ،و أنس ،و جابر .
و ف رواية ابن عباس رضي ال عنهما ـ أنه دفعها لولياء بشر بن الباء فقتلوها .
و كذلك قد اختلف ف قتله للذي سحره ،قال الواقدي :و عفوه عنه أثبت عندها .
و روى الديث البزار ،عن أب سعيد ،فذكر مثله ،إل أنه قال ف آخره :فبسط يده و قال :كلوا
بسم ال ،فأكلنا ،و ذكر اسم ال ،فلم تضر منا أحدا .
قال القاضي أبو الفيصل :و قد خرج حديث الشاة السمومة أهل الصحيح ،و خرجه الئمة ،و هو
حديث مشهور .
و اختلف أئمة النظر ف هذا الباب ،فمن قائل يقول :هو كلم يلقه ال تعال ف الشاة [ ]114و
يسمعها منها دون تغيي أشكالا ،و نقلهاعن هيئتها .
وهو مذهب الشيخ أب السن ،و القاضي أب بكر رحهما ال .
و آخرون ذهبوا إل إياد الياة با ،ث الكلم بعده .
و حكي هذا أيضا عن شيخنا أب السن ،و كل متمل ،و ال أعلم ،إذ ل نعل الياة شرطا لوجود
الروف و الصوات ،إذ ل يستحيل و جودها مع عدم الياة بجردها .
فأما إذا كانت عبارة عن الكلم النفسي فل بد من شرط الياة لا ،إذ ل يوجد كلم النفس إل من
حي ،خلفا للجبائي من بي سائر متكلمي الفرق ف إحالة و جود الكلم اللفظي و الروف و
الصوات إل من حي مركب على تركيب من يصح منه النطق بالروف و الصوات .
و التزم ذلك ف الصى ،و الذع ،و الذراع ،و قال :إن ال خلق فيها حياة ،و خرق لا فما ـ
ولسانا ،وآلة أمكنها با من الكلم .
و هذا لو كان لكان نقله و التهمم به آكد من التهمم بنقل تسبيحه أو حنينه ،و ل ينقل أحد من أهل
السي و الرواية شيئا من ذلك ،فدل على سقوط دعواه ،مع أنه ل ضرورة إليه ف النظر ،و الوفق ال
.
و روى وكيع ـ رفعه عن فهد بن عطية ـ أن النب صلى ال عليه و سلم أت بصب قد شب ل يتكلم
قط ،فقال :من أنا ؟ فقال رسول ال .
و روي عن معرض بن معيقيب :رأيت من النب صلى ال عليه و سلم عجبا ،جيء بصب يوم ولد ...
فذكر مثله .
و هو حديث مبارك اليمامة ،و يعرف بديث شاصونه :اسم راوية ،و فيه :فقال له النب صلى ال
عليه و سلم :صدقت بارك ال فيك .
ث إن الغلم ل يتكلم بعدها حت شب ،فكان يسمى مبارك اليمامة .
و كانت هذه القصة بكة ف حجة الوداع .
و عن السن :أتى رجل النب صلى ال عليه و سلم ،فذكر أنه طرح بنية له ف وادي كذا ،فانطلق
معه إل الوادي ،و ناداها باسها :يا فلنة ،أجيب نإذن ال فخرجت و هي تقول :لبييك و سعديك !
فقال لا :إن أبويك قد أسلما ،فإن أحببت أن أدرك عليهما ؟ قالت :ل حاجة ل فيهما ،و جدت
ال خيا ً منهما .
و عن أنس أن شابا من النصار توف و له أم عجوز عمياء ،فسجيناه ،و عزيناه ،فقالت :مات ابن ؟
قلنا :نعم .قالت :اللهم إن كنت تعلم أن هاجرت إليك و إل نبيك رجاء أن تعينن على كل شدة
فل تملن علي هذه الصيبة .
فما برحنا أن كشف الثوب عن وجهه ،فطعم و طعمنا .
و روي عن عبد ال بن عبيد ال النصاري :كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شاس ،و كان قتل
باليمامة ،فسمعناه حي أدخلناه القب يقول :ممد رسول ال ،أبو بكر الصديق ،عمر الشهيد ،
عثمان الب الرحيم ،فنظرنا فإذا هو ميت .
و ذكر عن النعمان بن بشي أن زيد بن خارجة خر ميتا ف بعض أزقة الدينة ،فرفع وسجي إذ سعوه
بي العشاءين و النساء يصرخن حوله يقول :أنصتوا ،أنصتوا ،فحسر عن و جهه ،فقال :ممد [
]115رسول ال ،النب المي ،و خات النبيي ،كان ذلك ف الكتاب الول ،ث قال صدق ،
صدق ،و ذكر أبا بكر ،وعمر ،و عثمان ،ث قال :السلم عليك يا رسول ال ،ورحة ال و
بركاته ،ث عاد ميتا كما كان .
فصل
ف إبراء الرضى و ذوي العاهات
أخبنا أبو السن علي بن مشرف فيما أجازنيه و قرأته على غيه ،قال :حدثنا أبو إسحاق البال ،
قال :حدثنا أبو ممد بن النحاس ،حدثنا ابن الورد ،عن البقي ،عن ابن هشام ،عن زباد البكائي ،
عن ممد بن إسحاق ،حدثنا ابن شهاب ،و عاصم بن عمر بن قتادة و جاعة ذكرهم بقضية أحد
بطولا ،قال :و قالوا :قال سعد بن أب وقاص :إن رسول ال صلى ال عليه و سلم ليناولن السهم ل
نصل له ،فيقول :ارم به و قد رمى رسول ال صلى ال عليه و سلم يومئذ عن قوسه حت اندقت ،و
أصيب يومئذ عي قتادة ـ يعن ابن النعمان ـ حت و قعت على و جنته ،فردها رسول ال صلى ال
عليه و سلم ،فكانت أحسن عينيه .
و روى قصة قتادة عاصم بن عمر بن قتادة ،و يزيد بن عياض بن عمر بن قتادة .
و رواها أبو سعيد الدري عن قتادة .
و بصق على أثر سهم ف وجه أب قتادة ف يوم ذي قرد ،قال :فما ضرب علي و ل قاح .
و روى النسائي ،عن عثمان بن حنيف ـ أن أعمى قال :يا رسول ال ،ادعو ال أن يكشف ل عن
بصري .
قال [ :فانطلق فتوضأ :ث صلى ركعتي ،ث قل ،اللهم إن أسألك و أتوجه إليك بنب ممد نب الرحة
،يا ممد ،إن أتوجه بك إل ربك أن يكشف عن بصري ،اللهم شفعه ف ] .
قال :فرجع و قد كشف ال عن بصره .
و روي أن ابن السنة أصابه استسقاء ،فبعث إل النب صلى ال عليه و سلم ،فأخذ بيده حثوة من
الرض ،فتفل عليها ،ث أعطاها رسوله ،فأخذها متعجبا ،يرى أنه قد هزىء به ،فأتاه با ،و هو
على شفا ،فشربا ،فشفاه ال .
و ذكر العقيلي عن حبيب بن فديك ،و يقال فريك ـ أن أباه ابيضت عيناه ،فكان ل يبصر بما
شيئا ،فنفث رسول ال صلى ال عليه و سلم ف عينيه ،فأبصر ،فرأيته يدخل اليط ف البرة ،و هو
ابن ثاني .
و رمي كلثوم بن الصي يوم أحد ف نره ،فبصق رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فبأ .
و تفل على شجة عبد ال بن أنيس فلم تد .
و تفل ف عين علي يوم خيب ،و كان رمدا ،فأصبح بارئا .
و نفث علي ضربة بساق سلمة بن الكوع يوم خيب فبئت ،و ف رجل زيد بن معاذ حي أصابا
السيف إل الكعب ،حي قتل ابن الشرف ،فبئت .و على ساق علي ابن الكم يوم الندق إذا
انكسرت ،فبىء مكانه ،و ما نزل عن فرسه .
و اشتكى علي بن أب طالب ،فجعل يدعو ،فقال النب صلى ال عليه و سلم [ :اشفه ،أو عافه ] ث
ضرب برجله ،فما اشتكى ذلك الوجع بعد .
و قطع أبو جهل يوم بدر يد معوذ بن عفراء [ ، ] 116فجاء يمل يده ،فبصق عليها رسول ال صلى
ال عليه و سلم ،و ألصقها فلصقت .رواه ابن وهب .
و من روايته أيضا أن خبيب بن يساف أصيب يوم بدر مع رسول ال صلى ال عليه و سلم بضربة على
عاتقه حت مال شقه ،فرده رسول ال صلى ال عليه و سلم ،و نفث عليه حت صح .
و أتته امرأة من خثعم ،معها صب به بلء ل يتكلم ،فأت باء فمضمض فاه ،و غسل يديه ،ث أعطاها
ل يفضل عقول الناس . إياه ،و أمرها بسقيه و مسه به ،فبأ الغلم ،و عقل عق ً
و عن ابن عباس :جاءت امرأة بابن لا به جنون ،فمسح صره ،فثع ثعة فخرج من جوفه مثل الرو
السود ،فشفي .
و انكفأت القدر على ذراع ممد بن حاطب و هو طفل ،فسمح عليه و دعا له ،و تفل فيه فبأ لينه .
و كانت ف كف شرحبيل العفي سلعة تنعه القبض على السيف و عنان الدابة ،فشكاها للنب صلى
ال عليه و سلم ،فما زال يطحنها بكفه حت رفعها ،و ل يبق ى لا أثر .
و سألته جارية طعاما ،و هو يأكل ،فناولا من بي يديه ،و كانت قليلة الياء ،فقالت إنا أريد من
الذي ف فيك ،فناولا ما ف فيه ،و ل يكن يسأل شيئا فيمنعه .
فلما استقر ف جوفها ألقي عليها من الياء ما ل تكن امرأة بالدينة أشد حياء منها .
فصل
ف إجابة دعائه صلى ال عليه و سلم
و هذا باب واسع جدا ،و إجابة دعوة النب صلى ال عليه و سلم لماعة با دعا لم و عليهم متواتر
على الملة ،معلوم ضرورةً .
و قد جاء ف حديث حذيفة رضي ال عنه :كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا دعا لرجل
أدركت الدعوة ولده و ولد ولده .
حدثنا أبو ممد العتاب بقراءت عليه ،حدثنا أبو القاسم حات بن ممد ،حدثنا أبو السن القابسي ،
حدثنا أبو زيد الروزي ،حدثنا ممد بن يوسف ،حدثنا ممد بن إساعيل ،حدثنا عبد ال بن أب
السود ،حدثنا حرمي ،حدثنا شعبة ،عن قتادة ،عن أنس رضي ال عنه ،قال :قالت أمي :يا
رسول ال ،خادمك أنس ،ادع ال له .قال :اللهم أكثر ماله و ولده ،و بارك له فيما آتيته .
و من رواية عكرمة :قال أنس :فوا ال إن مال لكثي ،و إن ولدي و ولد ولدي ليعادون اليوم على
نو الائة .
و ف رواية :و ما أعلم أحدا أصاب من رخاء العيش ما أصبت ،و لقد دفنت بيدي هاتي مائةً من
ولدي ،ل أقول سقطا و ل ولد ولد .
و منه دعاؤه لعبد الرحن بن عوف بالبكة ،قال عبد الرحن :فلو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب
تته ذهبا ،و فتح الل ه عليه ،و مات فحفر الذهب من تركته بالفؤوس حت ملت فيه اليدي ،و
أخذت كل زوجة ثاني ألفا وكن أربعا .و قيل مائة ألف .و قيل :بل صولت إحداهن ،لنه طلقها
ف مرضه على نيف و ثاني ألفا ،و أوصى بمسي ألفا بعد صدقاته الفاشية ف حياته ،و عوارفه
العظيمة :أعتق يوما ثلثي عبدا ،و تصدق مرةً بعي فيها سبعمائة بعي ،و ردت عليه تمل من كل
شيء [ ، ] 117فتصدق با و با عليها ،و بأقتابا و أحلسها .
و دعا لعاوية بالتمكي ف البلد ،فنال اللفة .و لسعد بن أب وقاص رضي ال عنه أن ييب ال
دعوته ،فما دعا على أحد إل استجيب له .
و دعا بعز السلم بعمر رضي ال عنه ،أو بأب جهل ،فاستجيب له ف عمر .
قال ابن مسعود رضي ال عنه :ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر .
و أصاب الناس ف بعض مغازيه عطش ،فسأله عمر الدعاء ،فدعا ،فجاءت سحابة ،فسقتهم حاجتهم
،ث أقلعت .
و دعا ف الستسقاء ،فسقوا ،ث شكوا إليه الطر ،فدعا ،فصحوا .
و قال لب قتادة :أفلح و جهك ،اللهم بارك له ف شعره و بشره ،فمات و هو ابن سبعي سنةً ،و
كأنه ابن خس عشرة سنة .
و قال للنابغة :ل يفضض ال فاك فما سقطت له سن .
و ف رواية :فكان أحسن الناس ثغرا ،إذا سقطت له سن نبتت له أخرى ،و عاش عشرين و مائة سنة
،و قيل :أكثر من هذا .
و دعا لبن عباس :اللهم فقهه ف الدين ،و عمله التأويل فسمي بعد الب و ترجان القرآن .
و دعا لعبد ال بن جعفر بالبكة ف صفقة يينه ،فما اشترى شيئا إل ربح فيه .و دعا للقمداد بالبكة ،
فكانت عنده غرائز الال .
و دعا بثله لعروة بن أب العد ،فقال :فلقد كنت أقوم بالكناسة ،فما أرجع حت أربح أربعي ألفا .
و قال البخاري ف حديث :فكان لو اشترى التراب ربح فيه .
و روي مثل هذا لغرقدة أيضا .
وندت له ناقة ،فدعا فجاءه با إعصار ريح ، ،حت ردها عليه .
و دعا لم أب هريرة فأسلمت .
و دعا لعلي أن يكفى الر و القر ،فكان يلبس ف الشتاء ثياب الصيف ،و ف الصيف ثياب الشتاء ،و
ل يصيبه حر و ل برد .
و دعا لفاطمة ابنته ال أل ييعها ،قالت :فما جعت بعد .
و سأله الطفيل بن عمرو آيةً لقومه ،فقال :اللهم نور له فسطع نور بي عينيه ،فقال :أخاف أن
يقولوا مثله ،فتحول إل طرف سوطه ،ف كان يضيء ف الليلة الظلمة ،فسمي ذا النور .
و دعا على مضر فأقحطوا ،حت استعطفته قريش ،فدعا لم فسقوا .
و دعا على كسرى حي مزق كتابه أن يزق ال ملكه ،فلم تبق له باقية ،و ل بقيت لفارس رياسة ف
أقطار الدنيا .
و دعا على صب قطع عليه الصلة أن يقطع ا ل أثره ،فأقعد .
و قال لرجل يأكل بشماله :كل بيمينك فقال :ل أستطيع .فقال :ل استطعت فلم يرفعها إل فيه .
و قال لعتبة بن أب لب :اللهم سلط عليه كلبا من كلبك ،فأكله السد .
[ و قال لمرأة :أكلك السد فأكلها ]
و حديثه الشهور ،من رواية عبد ال بن مسعود رضي ال عنه ،ف دعائه على قريش حي وضعوا
السل على رقبته و هو ساجد مع الفرث و الدم ،وساهم .قال :فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر .
و دعا على الكم بن أب العاص ،و كان يتلج بوجهه ،و يغمز عند النب صلى ال عليه و سلم ،أي
ل ،فرآه ،فقال :كذلك كن ،فلم يزل يتلج إل أن مات .
و دعا علي ملم بن جثامة فمات لسبع ،فلفظته الرض ،ث و روي فلفظته مرات ،فألقوه بي
صدين ،و رضموا عليه بالجارة .
و الصد :جانب الوادي [ . ] 118
و جحده رجل بيع فرس ـ و هي الت شهد فيها خزية للنب صلى ال عليه و سلم ،فرد الفرس بعد
النب صلى ال عليه و سلم على الرجل ،و قال :اللهم إن كان كاذبا فل تبارك له فيها .فأصبحت
شاصية برجلها ،أي رافعةً .
و هذا الباب أكثر من أن ياط به .
فصل
ف كرامته و بركاته و انقلب العيان له فيما لسه أو باشره
أخبنا أحد بن ممد ،حدثنا أبو ذر الروي ،إجازة ،حدثنا القاضي أبو علي ساعا ،و القاضي أبو
عبد ال بن عبد الرحن و غيها ،فقالوا :حدثنا أبو الوليد القاضي ،حدثنا أبو ذر ،حدثنا أبو إسحاق
،و أبو اليثم :قالوا :حدثنا الفربري ،حدثنا البخاري ،حدثنا يزيد بن زريع ،حدثنا سعيد ،عن
قتادة ،عن أنس بن مالك رضي ال عنه ـ أن أهل الدينة فزعوا مرةً ،فركب رسول ال صلى ال عليه
و سلم فرسا لب طلحة كان يقطف ،أو به فطاف .و قال غيه :يبطأ ،فلما رجع قال :وجدنا
فرسك برا فكان بعد ل يارى .
و نس جل جابر ،و كان قد أعيا ،فنشط حت كان ما يلك زمامه .
و صنع مثل ذلك بفرس لعيل الشجعي ،خفقها بخفقة معه ،و برك عليها ،فلم يلك رأسها
نشاطا ،و ابع من طبنها باثن عشرألفا .
[ و ركب حارا قطوفا لسعد بن عبادة فرده هلجا ل يساير ] .
و كانت شعرات من شعره ف قلنسوة خالد بن الوليد ،فلم يشهد با قتالً إل رزق النصر .
و ف الصحيح ـ عن أساء بنت أب بكر رضي ال عنها ـ أنا أخرجت جبة طيالسة ،و قالت :كان
رسول ال صلى ال عليه و سلم يلبسها ،فنحن نغسلها للمرضى يستشفى با .
و حدثنا القاضي أبو علي ،عن شيخه أب القاسم بن الأمون :قال :و كانت عندنا قصعة من قصاع
النب صلى ال عليه و سلم ،فكنا نعل فيها الاء للمرضى ،فيستشفون با .
و أخذ جهجاه الغفاري القضيب من يد عثمان رضي ال عنه ليكسره على ركبته ،فصاح الناس به ،
فأخذته فيها الكلة فقطعها ،و مات قبل الول .
و سكب من فضل و ضوئه ف بئر قباء فما نزفت بعد .
و بزق ف بئر كانت ف دار أنس ،فلم يكن بالدينة أعذب منها .
و مر على ماء ،فسأل عنه ،فقيل له :اسه بيسان ،و ماؤه ملح ،فقال :بل هو نعمان و ماؤه طيب
فطاب .
و أت بدلو من ماء زمزم ،فمج فيه ،فصارت أطيب من السك .
و أعطى السن و السي لسانه فمصاه ،و كان يبكيان عطشا فسكتا .
و كان لم مالك عكة تدي فيها للنب صلى ال عليه و سلم سنا ،فأمرها النب صلى ال عليه و سلم
أل تعصرها ،ث دفعها إليها ،فإذا هي ملوءة سنا ،فيأتيها بنوها يسألونا الدم ،و ليس عندهم شيء ،
فتعمد إليها ،فتجد فيها سنا ،فكانت تقيم أدمها حت عصرتا .
و كان يتفل ف أفواه الصبيان الراضع فيجزئهم ريقه إل الليل .
و من ذلك بركة يده فيما لسه و غرسه ،و لسلمان رضي ال عنه حي كاتبه مواليه على ثلثائة ودية
يغرسها لم ،كلها تعلق و تطعم و على أربعي أوقية من ذهب ،فقام صلى ال عليه و سلم و غرسها له
بيده إل واحدة [ ] 119غرسها غيه ،فأخذت كلها إل تلك الواحدة ،فقلعها النب صلى ال عليه و
سلم و ردها ،فأخذت .
و ف كتاب البزار :فأطعم النخل من عامه إل الواحدة ،فقلعها رسول ال صلى ال عليه و سلم و
غرسها فأطعمت من عامها .
و أعطاه مثل بيضة الدجاجة من ذهب بعد أن أدارها على لسانه ،فوزن منها لواليه أربعي أوقية و بقي
عنده مثل ما أعطاهم .
و ف حديث حنش بن عقيل :سقان رسول ال صلى ال عليه و سلم شربةً من سويق شرب أولا و
شربت آخرها ،فما برحت أجد شبعها إذا جعت ،وريها إذا عطشت ،و بردها إذا ظمئت .
و أعطى قتادة بن النعمان ،و صلى معه العشاء ف ليلة مظلمة مطية ـ عرجونا ،و قال :انطلق به ،
فإنه سيضيء لك من بي يديك عشرا و من خلفك عشرا ،فإذا دخلت بيتك ف سترى سوادا فاضربه
حت يرج ،فإنه الشيطان .
فانطلق فأضاء له العرجون حت دخل بيته ،و وجد السواد فضربه حت خرج .
و منها دفعه لعكاشة جدل حطب ،و قال :اضرب به حي انكسر سيفه يوم بدر ،فعاد ف يده سيفا
صارما ،طويل القامة ،أبيض ،شديد الت ،فقاتل به ،ث ل يزل عنده يشهد به الواقف إل أن
استشهد ف قتال أهل الردة .
و كان هذا السيف يسمى [ العون ] .
و دفعه لعبد ال بن جحش يوم أحد ،و قد ذهب سبفه ـ عسيب نل ،فرجع ف يده سيفا .
و منه بركته ف درور الشياه الوائل باللب الكثي ،كقصة شاة أم معبد ،وأعن معاوية بن ثور ،و شاة
أنس ،و غنم حليمة مرضعته و شارفها ،و شاة عبد ال بن مسعود ،و كانت ل ين عليها فحل ،و
شاة القداد .
و من ذلك تزويده أصحابه سقاء ماء بعد أن أوكأه ،و دعا فيه ،فلما حضرت الصلة نزلوا فحلوه ،
فإذا به لب طيب و زبدة ف فمه ـ من رواية حاد بن سلمة .
و مسح على رأس عمي بن سعد ،و برك ،فمات و هو ابن ثاني ،فما شاب .
و روي مثل هذه القصص عن غي واحد ،منهم السائب بن يزيد ،و مدلوك .
و كان يوجد لعتبة بن فرقد طيب يغلب طيب نسائه ،لن رسول ال صل ى ال عليه و سلم مسح بيده
على بطنه و ظهره .
و سلت الدم عن وجه عائذ بن عمرو ،و كان خرج يوم حني ،و دعا له ،فكانت له غرة كغرة
الفرس .
و مسح على رأس قيس بن زيد الذامى ،و دعا له ،فهلك و هو ابن مائة سنة ،و رأسه أبيض ،و
موضع كف النب صلى ال عليه و سلم و ما مرت يده عليه من شعره أسود ،كان يدعى الغر .
و روي مثل هذه الكاية لعمرو بن ثعلبة الهن .
و مسح وجه آخر ،فما زال على وجهه نور .
و مسح وجه قتادة بن ملحان ،فكان لوجهه بريق حت كان ينظر ف وجهه كما ينظر ف الرأة .
و وضع يده على رأس حنظلة بن حزي ،و برك عليه ،فكان حنظلة يؤت بالرجل قد ورم وجهه ،و
الشاة قد ورم ضرعها ،فيوضع [ ] 120على موضع كف النب صلى ال عليه و سلم فيذهب الورم .
و نضح ف وجه زينب بنت أم سلمة نضحة من ماء ،فما يعرف كان ف وجه امرأة من المال ما با .
و مسح على رأس صب به عاهة ،فبأ ،و استوى شعره ،و على غي واحد من الصبيان و الرضى و
الجاني ،فبءوا .
و أتاه رجل به أدرة ،فأمره أن ينضحها باء من عي مج فيها ،ففعل ،فبأ .
و عن طاوس :ل يؤ ت النب صلى ال عليه و سلم بأحد به مس ،فصك ف صدره إل ذهب .
و الس :النون .
و مج ف دلو من بئر ،ث صب فيها ،ففاح منها ريح السك .
و أخذ قبضة من تراب يوم حني ،و رمى با ف وجوه الكفار ،و قال [ :شاهت الوجوه ] فانصرفوا
يسحون القذى عن أعينهم .
[ و شكا إليه أبو هريرة رضي ال عنه النسيان ،فأمره ببسط ثوبه ،و غرف بيده فيه ،ث أمره بضمه ،
ففعل ،فما نسي شيئا بعد .
و ما يروى عنه ف هذا كثي .
و ضرب صدر جرير بن عبد ال ،و دعا له ،و كان ذكر له أنه ل يثبت على اليل ،فصار من أفرس
العرب و أثبتهم .
و مسح على رأس عبد الرحن بن زيد بن الطاب و هو صغي ،و كان دميما ،و دعا له بالبكة ،
ففرع الرجال ،طولً و تاما ] .
فصل
فيما أطلع عليه من الغيوب و ما يكون
و من ذلك ما أطلع عليه من الغيوب و ما يكون .و الحاديث ف هذا الباب بر ل يدرك قعره ،و ل
ينف غمره .
و هذه العجزة من جلة معجزاته العلومة على القطع الواصل إلينا خبها على التواتر ،لكثرة رواتا ،و
اتفاق معانيها على الطلع على الغيب :
حدثنا المام أبو بكر ممد بن الوليد الفهري إجازة ،و قرأته على غيه :قال أبو بكر :حدثنا أبو علي
التستري ،حدثنا أبو عمر الاشي ،حدثنا اللؤلؤي ،حدثنا أبو داود ،حدثنا عثمان بن أب شيبة ،
حدثنا جرير ،عن العمش ،عن أب وائل ،عن حذيفة ،قال :قام فينا رسول ال صلى ال عليه و
سلم مقاما ،فما ترك شيئا يكون ف مقامه ذلك إل قيام الساعة إل ،حدثه ،حفظه من حفظه ،و
نسيه من نسيه ،قد علمه أصحاب هؤلء ،و إنه ليكون منه الشيء فأعرفه فأذكره كما يذكر الرجل
وجه الرجل إذا غاب عنه ،ث إذا رآه عرفه .
ث قال حذيفة :ما أدري ،أنسي أصحاب أم تناسوه ، ،و ال ما ترك رسول ال صلى ال عليه و سلم
من قائد فتنة إل أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلثائة فصاعدا إل قد ساه لنا با سه ،و اسم أبيه ،و
قبيلته .
و قال أبو ذر :لقد تركنا رسول ال صلى ال عليه و سلم و ما يرك طائر جناحيه ف السماء ،إل
ذكرنا منه علما .
و قد خرج أهل الصحيح و الئمة ما أعلم به أصحابه صلى ال عليه و سلم ما وعدهم به من الظهور
على أعدائه ،و فتح مكة ،و بيت القدس ،و اليمن ،و الشام ،و العراق .
و ظهور المن ،حت تظعن الرأة من الية إل مكة ،ل تاف إل ال .
و أن الدينة ستغزى ،و تفتح خيب على يدي علي ف غد يومه .
و ما يفتح ال على أمته من الدنيا .و يؤتون من زهرتا .
و قسمتهم كنوز كسرى و قيصر .
و ما يدث بينهم من الفتون و الختلف و الهواء .
و سلوك سبيل من قبلهم ،و افتراقهم [ ] 121على ثلث و سبعي فرقة ،الناجية منها واحدة .
و أنا ستكون لم أناط ،و يغدو أحدهم ف حلة ،و يروح ف أخرى ،و توضع بي يديه صحفة و
ترفع أخرى ،و يسترون بيوتم كما تستر الكعبة .
ث قال آخر الديث :و أنتم اليوم خي منكم يومئذ ،و أنم إذا مشوا الطيطاء و خدمتهم بنات فارس و
الروم رد ال بأسهم بينهم ،و سلط شرارهم على خيارهم .
و قتالم الفرس ،و الزر ،و ال روم ،و ذهاب كسرى و فارس حت ل كسرى و ل فارس بعده ،و
ذهاب قيصر حت ل قيصر بعده .
و ذكر أن الروم ذات قرون إل آخر الدهر .
و بذهاب المثل فالمثل من الناس ،و تقارب الزمان ،و قبض العلم ،و ظهور الفت ،و الرج .
و قال [ :و يل للعرب من شر قد اقترب ] .
و أنه زويت له الرض فأري مشارقها و مغاربا ،و سيبلغ ملك أمته ما زوي له منها .
و كذلك كان ،امتدت ف الشارق والغارب ما بي أرض الند أقصى الشرق إل بر طنجة حيث ل
عمارة و راءه ،و ذلك ما ل تلكه أمة من المم ،و ل تتد ف النوب و ل ف الشمال مثل ذلك .
و قوله :ل يزال أهل الغرب ظاهرين على الق حت تقوم الساعة ـ ذهب ابن الدين إل أنم العرب ،
لنم الختصون بالسقي بالغرب ـ و هي الدلو .و غيه يذهب إل أنم أهل الغرب ،و قد ورد
الغرب كذا ف الديث بعناه .
و ف حديث آخر ،من رواية أب أمامة :ل تزال طائفة من أمت ظاهرين على الق ،قاهرين لعدوهم ،
حت يأتيهم أمر ال و هم كذلك .
قيل :يا رسول ال ،و أين هم ،قال :بيت القدس .
و أخب بلك بن أمية ،و ولية معاوية ،و وصاه ،و اتاذ بن أمية مال ال دول ،و خروج ولد العباس
بالرايات السود ،و ملكهم أضعاف ما ملكوا ،و خروج الهدي ،و ما ينال أهل بيته و تقتيلهم و
تشريدهم ،و قتل علي ،و أن أشقاها الذي يضب هذه من هذه ،أي ليته من رأسه ،و أنه قسيم
النار ،يدخل أولياؤه النار ،فكان فيمن عاداه الوارج و الناصبة ،و طائفة من ينسب إليه من الروافض
كفروه .
و قال :يقتل عثمان و هو يقرأ ف الصحف و أن ال عسى أن يلبسه قميصا ،و أنم يريدون خلعه ،و
أنه سيقطر دمه على قوله :فسيكفيكهم ال .
و أن الفت ل تظهر ما دام عمر حيا .
و بحاربة الزبي لعلي ،و بنباح كلب الوأب على بعض أزواجه ،و أنه يقتل حولا قتلى كثي ،و
تنجو بعد ما كادت ،فنبحت على عائشة عند خروجها إل البصرة .و أن عمارا تقلته الفئة الباغية ،
فقتله أصحاب معاوية .
و قال لعبد ال بن الزبي :ويل للناس منك ،و ويل لك من الناس [ . ] 122
و قال ف قزمان ـ و قد أبلى مع السلمي :إنه من أهل النار فقتل نفسه .
و قال ـ ف جاعة فيهم أبو هريرة ،و سرة بن جندب ،و حذيفة :آخركم موتا ف النار فكان
بعضهم يسأل عن بعض ،فكان سرة آخرهم موتا ،هرم و خرف ،فاصطلى بالنار فاحترق فيها .
[ و قال ف حنظلة الغسيل :سلوا زوجته عنه ،فإن رأيت اللئكة تغسله فسألوها فقالت :إنه خرج
جنبا ،و أعجله الال عن الغسل .
قال أبو سعيد رضي ال عنه :و وجدنا رأسه يقطر ماء ] .
و قال :اللفة ف قريش .
و لن يزال هذا المر ف قريش ما أقاموا الدين .
و قال :يكون ف ثقيف كذاب و مبي فرأوها :الجاج ،و الختار .
و أن مسيلمة يعقره ال .
و إن فاطمة أول أهله لوقا به .
و أنذر بالردة ،و بأن اللفة بعده ثلثون سنة ،ث تكون ملكا ،فكانت ذلك بدة السن بن علي .
و قال :إن هذا المر بدا نبوة و رحةً ،ث يكون رحةً و خلفةً ،ث يكون ملكا عضوضا ،ث يكون
عتوا و جبوتا و فسادا ف المة .
و أخب بشأن أويس القرن ،و بأمراء يؤخرون الصلة عن وقتها ،و سيكون ف أمته ثلثون كاذبا فيهم
أربع نسوة .
و ف حديث آخر :ثلثون دجالً كذابا ،آخرهم الدجال الكذاب ،كلهم يكذب على ال و رسوله .
و قال :يوشك أن يكثر فيكم العجم ،يأكلون فيئكم ،و يضربون رقابكم .
و ل تقوم الساعة حت يسوق الناس بعصاه رجل من قحطان .
و قال :خيكم قرن ،ث الذين يلونم ،ث الذين يلونم .ث يأت بعد كذلك قوم يشهدون و ل
يستشهدون ،و يونون و ل يؤتنون ،و ينذرون و ل يوفون [ ،و يظهر فيهم السمن ] .
و قال :ل يأت زمان إل و الذي بعده شر منه .
و قال :هلك أمت على يدي أغيلمة من قريش .
قال أبو هريرة راويه :لو شئت سيتهم لكم :بنو فلن ،و بنو فلن .
و أخب بظهور القدرية و الرافضة .
و سب آخر هذه المة أولا .
و قلة النصار حت يكونوا كاللح ف الطعام ،فلم يزل أمرهم يتبدد حت ل يبق لم جاعة .
و أنم سيقلون بعده أثرةً .
و أخب بشأن الوارج و صفتهم ،و الخدج الذي فيهم ،و أن سيماهم التحليق .
و يرى رعاء الغنم رؤوس الناس ،و العراة الفاة يتبارون ف البنيان .
و أن تلد المة ربتها .
و أن قريشا و الحزاب ل يغزونه أبدا ،و أنه هو يغزوهم .
و أخب بالوتان الذي يكون بعد فتح بيت القدس .
و ما وعد من سكن البصرة ،و أنم يغزون ف البحر كاللوك على السراة . . .
و أن الدين لو كان منوطا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس .
و هاجت ريح ف غزاة ،فقال :هاجت لوت منافق ،فلما رجعوا إل ا لدينة وجدوا ذلك .
و قال لقوم من جلسائه :ضرس أحدكم ف النار أعظم من أحد .
قال أبو هريرة :فذهب القوم ـ يعن ماتوا ،و بقيت أنا و رجل ،فقتل مرتدا يوم اليمامة .
و أعلم بالذي غل خرزا من خرز يهود ،فوجدت ف رحله .و بالذي غل الشملة ،و حيث هي .
و ناقته حي ضلت ،و كيف تعلقت [ ] 123بالشجرة بطامها .
و بشأن كتاي حاطب إل أهل مكة .
و بقضية عمي مع صفوان حي ساره و شارطه على قتل النب صلى ال عليه و سلم .فلما جاء
عميللنب صلى ال عليه و سلم قاصدا لقتله ،و أطلعه رسول ال صلى ال عليه و سلم على المر و
السر أسلم .
و أخب بالال الذي تركه عمه العباس رضي ال عنه عند أم الفضل بعد أن كتمه ،
فقال :ما علمه غيي و غيها ،فأسلم .
و أعلم بأنه سيقتل أب بن خلف .
و ف عتبة بن أب لب يأكله كلب ال .
و عن مصارع أهل بدر ،فكان كما قال .
و قال ف السن :إن ابن هذا سيد ،و سيصلح ال به بي فئتي .
و لسعد :لعلك تلف حتىينتفع بك أقوام و يستضر بك آخرون .
و أخب بقتل أهل مؤتة يوم قتلوا و بينهم ميسرة شهر أو أزيد .
و بوت النجاشي يوم مات بأرضه .
وأخب في وز إذا ورد عليه رسولً من كسرى بوت كسرى ذلك اليوم ،فلما حقق فيوز القصة أسلم
.
و أخب أبا ذر رضي ال عنه بتطريده كما كان ،و وجده ف السجد نائما ،فقال له :كيف بك إذا
أخرجت منه ؟ قال :أسكن السجد الرام أحد قال :فإذا أخرجت منه ...الديث .
و بعيشه وحده ،و موته وحده .
و أخب أن أسرع أزواجه به لوقا أطولن يدا ،فكانت زينب لطول يدها بالصدقة .
و أخب بقتل السي بالطف ،و أخرج بيده تربة ،و قال :فيها مضجعة .
و قال ف زيد بن صوحان :يسبقه عضو منه إل النة فقطعت يده ف الهاد .
و قال ف الذين كانوا معه على حراء :اثبت فإنا عليك نب و صديق و شهيد ،فقتل علي ،و عمر و
عثمان ،و طلحة ،و الزبي ،و طعن سعد .
و قال لسراقة :كيف بك إذا ألبست سواري كسرى ؟ فلما أت بما عمر ألبسهما إياه ،و قال :المد
ال الذي سلبهما كسرى و ألبسهما سراقة .
و قال :تبن مدينة بي دجلة و دجيل و قطربل و الصراة ،تب إليها خزائن الرض ،يسف با يعن
بغداد .
و قال :سيكون ف هذه المة رجل يقال له :الوليد ،هو شر لذه المة من فرعون لقومه .
و قال :ل تقوم الساعة حت تقتتل فئتان دعواها واحدة .
و قال اعمر ف سهيل بن عمرو :عسى أن يقوم مقاما يسرك ياعمر ! فكان كذلك ،قام بكة مقام أب
بكر يوم بلغهم موت النب صلى ال عليه و سلم ،و خطب بنحو خطبته ،و ثبتهم و قوى بصائرهم .
و قال لالد حي و جهه لكيدر :إنك تده يصيد البقر فوجدت هذه المور كلها ف حياته و بعد
موته كما قال صلى ال عليه و سلم .
إل ما أخب به جلساءه من أسرارهم و بواطنهم ،و اطلع عليه من أسرار النافقي و كفرهم ،و قولم فيه
و ف الؤمني ،حت إن كان بعضهم ليقول لصاحبه :اسكت ،فوال لو ل يكن عنده من يبه لخبته
حجارة البطحاء .
و إعلمه بصفة السحر الذي سحره به لبيد بن العصم ،و كونه ف مشط و مشاقة ،ف [] 124
جف طلع نلة ذكر ،و أنه ألقى ف بئر ذروان ،فكان كما قال ،و وجد على تلك الصفة .
و إعلمه قريشا نأكل الرضة ما ف صحيفتهم الت تظاهروا با على بن هاشم ،و قطعوا با رحهم ،و
أنا أبقت فيها كل اسم ال ،فوجدوها كما قال .
و وصفه لكفار قريش بيت القدس حي كذبوه ف خب السراء ،و نعته إياه نعت من عرفه .
و أعلمهم بعيهم الت مر عليها ف طريقه ،و أنذرهم بوقت وصولا ،فكان كله كما قال .
إل ما أخب به من الوادث الت تكون و ل يأت بعد ،منها ما ظهرت مقدماتا ،كقوله :عمران بيت
القدس خراب يثرب ،و خراب يثرب خروج اللحمة ،و خروج اللحمة فتح القسطنطينية .
و من أشراط الساعة و آيات حلولا ،و ذكر النشر و الشر ،و أخبار البرار و الفجار ،و النة و
النار ،و عرصات القيامة .
و بسب هذا الفصل ان يكون ديوانا مفردا يشتمل على أجزاء و حده ،و فيما أشرنا إليه من نكت
الحاديث الت ذكرنا كفاية ،و أكثرها ف الصحيح ،و عند الئمة .
فصل
ف عصمة ال تعال له من الناس
فصل
من معجزاته الباهرة
و من معجزاته الباهرة ما جعه ال له من العارف و العلوم ،و خصه به من الطلع على جيع مصال
الدنيا و الدين ،و معرفته بأمور شرائعه ،و قواني دينه ،و سياسة عباده ،و مصال أمته ،و ما كان ف
المم قبله ،و قصص النبياء و الرسل و البابرة و القرون الاضية من لدن آدم إل زمنه ،و حفظ
شرائعهم و كتبهم ،و وعي سيهم ،و سرد أنبائهم ،و أيام ال فيهم ،و صفات أعيانم و اختلف
آرائهم ،و العرفة بددهم و أعمارهم ،و حكم حكمائهم ،و ماجة كل أمة من الكفرة ،و معارضة
كل فرقة من الكتابيي با ف كتبهم ،و إعلمهم بأسرارها و مبآت علومها ،و إخبارهم با كتموا من
ذلك و غيوه .
إل الحتواء على لغات العرب ،و غريب ألفاظ فرقها ،و الحاطة بضروب فصاحاتا ،و الفظ
ليامها و أمثالا ،و حكمها و معان أشعارها ،و التخصيص بوامع كلمها .
إل العرفة بضرب المثال الصحيحة ،و الكم البينة لتقريب التفهيم للغامض ،و التبيي للمشكل ،إل
تهيد قواعد الشرع الذي ل تناقض فيه و ل تاذل ،مع اشتمال شريعته على ماسن الخلق و مامد
الداب [ ]128و كل شيء مستحسن مفضل ،ل ينكر منه مل حد ذو عقل سليم شيئا إل من جهت
الذلن .
بل كل جاحد له و كافر من الاهلية به إذا سع ما يدعو إليه صوبه ،و استحسنه دون طلب إقامة
برهان عليه .
ث ما أحل لم من الطيبات ،و حرم عليهم من البائث ،و صان به أنفسهم و أعراضهم و أموالم من
ل ،و التخويف بالنار آجلً[ما ل يعلم علمه و ل يقوم به ،إل من مارس الدرس العاقبات و الدودعاج ً
و العكوف على الكتب ،و مثافنة بعض هذا ] .
إل الحتواء على ضروب العلوم ،و فنون العارف ،كالطب ،و العبارة ،و الفرائض ،و الساب ،و
النسب ،و غي ذلك من العلوم ما اتذ أهل هذه العارف كلمه صلى ال عليه و سلم فيها قدوة و
أصولً ف علمهم ،كقوله صلى ال عليه و سلم :الرؤيا لول عابر .وهي على رجل طائر
.
و قوله :الرؤيا ثلث ،رؤيا حق ،و رؤيا يدث با الرجل نفسه ،و رؤيا تزين من الشيطان .
و قوله :إذا تقارب الزمان ل تكد رؤيا الؤمن تكذب .
و قوله :أصل كل داء البدة .
و ما روي عنه ف حديث أب هريرة رضي ال عنه من قوله :العدة حوض البدن ،و العروق إليها واردة
و إن كان هذا حديثا ل نصححه و كونه موضوعا تكلم عليه ال دار قطن .
و قوله :خي ما تداويتم به السعوط و اللدود ،و الجامة ،و الشي .
و خي الجامة يوم سبع عشرة ،و تسع عشرة ،و إحدى و عشرين .
و ف العود الندي سبعة أشفية ،منها ذات النب .
و قوله :ما مل ابن آدم وعاء شرا من بطن ،فإن كان ل بد فثلث للطعام ،و ثلث للشراب ،و ثلث
للنفس .
و قوله ـ و قد سئل عن سبأ :أرجل هو أم امرأة ،أم أرض ؟ فقال :رجل ولد عشرة :تيامن منهم
ستة ،و تشاءم أربعة ...الديث بطوله .
و كذلك جوابه ف نسب قضاعة ،و غي ذلك ما اضطرت العرب على شغلها بالنسب إل سؤاله عما
اختلفوا فيه من ذلك .
و قوله :حي رأس العرب و نابا :و مذحج هامتها و غلصمتها .و الزذ كاهلها و ججمتها ،و
هدان غاربا و ذروتا .
و قوله :إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق ال السموات و الرض .
و قوله ف الوض :زواياه سواء .
و قوله ـ ف حديث الذكر :و إن السنة بعشر أمثالا ،فتلك مائة وخسون على اللسان ،و ألف و
خسمائة ف اليزان .
و قوله و هو بوضع :نعم موضع المام هذا .
و قوله ما بي الشرق و الغرب قبلة .
و قوله لعيينة ،أو القرع :أنا أفرس باليل منك .
و قوله لكتابه :ضع القلم على أذنك ،فإنه أذكر للممل .
هذا مع أنه صلى ال عليه و سلم كان ل يكتب ،و لكنه أوت علم كل شيء ،حت قد وردت آثار
بعرفته حروف الط و حسن تصويرها :
كقوله : :ل تدوا بسم ال الرحن الرحيم رواه ابن شعبان من طريق ابن عباس .
و قوله ف الديث الخر الذي يروى عن معاوية أنه كان يكتب بي يديه صلى ال عليه و سلم فقال له
:ألق الدواة ،و حرف القلم ،و أقم الباء ،و فرق السي ،و ل تعور اليم ،و حسن ال ،و مد
الرحن ،وجود الرحيم .
و هذا ،و إن ل تصح الرواية أنه صلى ال عليه و سلم كتب فل يبعد [ ] 129أن يرزق علم هذا و
ينع القراءة و الكتابة .
و أما علمه صلى ال عليه و سلم بلغات العرب ،و حفظه معان أشعارها ،فأمر مشهور ،قد نبهنا على
بعضه أول الكتاب .
و كذلك حفظه لكثي من لغات المم ،كقوله ف الديث :سنة ،سنة و هي حسنة بالبشية .
و قوله :و يكثر الرج و هو القتل با .
و قوله ـ ف حديث أب هريرة :أشكنب درد أي وجع البطن بالفارسية .
إل غي ذلك مال يع ل بعض هذا و ل يقوم به و ل ببعضه إل من مارس الدرس و الكوف على الكتب
و مثافنة أهلها عمره .
و هو رجل كما قال ال تعال ـ أمي ،ل يكتب و ل يقرأ ،و ل عرف بصحبه من هذه صفته ،و ل
نشأ بي قوم لم علم و ل قراءة لشيء من هذه المور ،و ل عرف هو ـ قبل بشيء منها ،قال ال
تعال :و ما كنت تتلو من قبله من كتاب و ل تطه بيمينك إذا لرتاب البطلون [ سورة العنكبوت ، 29 /الية
. ] 48 :
إنا كانت غاية معارف العرب النسب و أخبار أوائلها ،و الشعر ،و البيان ،و إنا حصل ذلك لم بعد
التفرغ لعلم ذلك ،و الشتغال بطلبه ،و مباحثة أهله عنه .
وهذا الفن نقطة من بر علمه صلى ال عليه و سلم .
و ل سبيل إل جحد اللحد لشيء ما ذكرناه ،و ل وجد الكفرة حيلة ف دفع ما نصصناه إل قولم :
أساطي الولي :إنا يعلمه بشر .
فرد ال قولم بقوله :لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عرب مبي [ سورة النحل ، 16/الية ]103 :
.
ث ما قالوه مكابرة العيان ،فإن الذي نسبوا تعليمه إليه إما سلمان ،أو العبد الرومي ،و سلمان إنا
عرفه بعد الجرة ،و نزول الكثي من القرآن ،و ظهور ما ل ينع د من اليات .
و أما الرومي فكان أسلم و كان يقرأ على النب صلى ال عليه و سلم ،و اختلف ف اسه .
و قيل :بل كان النب صلى ال عليه و سلم يلس عنده عند الروة ،و كلها أعجمي اللسان ،و هو
الفصحاء اللد ،و الطباء السن ،قد عجزوا عن معارضة ما أتى به ،و التيان بثله ،بل عن فهم رصفه
،و صورة تأليفه و نظمه ،فكيف بأعجمي ألكن ! .
نعم ،و قد كان سلمان ،أو بلعام الرومي ،أو يعيش ،أو جب ،أو يسار ـ على اختلفهم ف اسه ـ
بي أظهرهم يكلمونه مدى أعمارهم ،فهل حكي عن واحد منهم شيء من مثل ما كان ييء به ممد
صلى ال عليه و سلم ؟ و هل عرف واحد منهم بعرفة شيء من ذلك ؟ و ما منع العدو حينئذ على
كثرة عدده ،و دؤوب طلبه ،و قوة حسده -أن يلس إل هذا فيأخذ عليه أيضا ما يعارض به و يتعلم
منه ما يتج به على شغبه ،كفعل النضر بن الارث با كان يخرق به من أخبار كتبه .
و ل غاب للنب صلى ال عليه و سلم عن قومه ،و ل كثرت اختلفاته إل بلد أهل الكتاب ،فيقال :
إنه استمد منهم ،بل ل يزل بي أظهرهم يرعى ف صغره و شبابه ،على عادة أبنائهم ،ث ل يرج عن
بلدهم إل سفرة أو سفرتي ،ل يطل فيهما مكثه مدة يتمل فيها تعليم القليل ،فكيف الكثي ! .
بل كان ف سفره ف صحبة قومه و رفاقة عشيته ،ل يغب عنهم ،و ل خالف حاله [ ] 130مدة
مقامه بكة من تعليم و اختلف إل حب أو قس ،أو منجم أو كاهن .
بل لو كان هذا بعد كله لكان ميء ما أتى به من معجز القرآن قاطعا لكل عذر ،و مدحضا لكل
حجة ،و مليا لكل أمر .
فصل
من خصائصه و كراماته و باهر آياته أنباؤه مع اللئكة و الن
و من خصائصه صلى ال عليه و سلم ،و كراماته ،و باهر آياته أنباؤه مع اللئكة و الن ،و إمداد ال
له باللئكة ،و طاعة الن له ،و رؤية كثي من أصحابم لم ،قال ال تعال :وإن تظاهرا عليه فإن ال
هو موله وجبيل وصال الؤمني واللئكة بعد ذلك ظهي [ سورة التحري ، 66 /الية . ] 4 :
و قال :إذ يوحي ربك إل اللئكة أن معكم فثبتوا الذين آمنوا [ سورة النفال ، 8 /الية . ] 12 :
و قال :إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أن مدكم بألف من اللئكة مردفي * وما جعله ال إل
بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إل من عند ال إن ال عزيز حكيم [ سورة النفال ، 8 /الية :
. ] 10 ، 9
و قال :وإذ صرفنا إليك نفرا من الن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إل
قومهم منذرين [ سورة الحقاف ، 46 /الية . ] 29 :
حدثنا سفيان بن العاص الفقيه بسماعي عليه ،حدثنا أبو الليث السمرقندي ،قال :حدثنا عبد الغافر
الفارسي ،حدثنا أبو أحد اللودي ،حدثنا ابن سفيان ،حدثنا مسلم ،حدثنا عبيد ال بن معاذ ،
حدثنا أب ،حدثنا شعبة ،عن سليمان الشيبان ،سع زر بن حبيش ،عن عبد ال ،قال :لقد رأى من
آيات ربه الكبى ـ قال :رأى جبيل عليه السلم ف صورته ،له ستمائة جناح .
و الب ف مادثته مع جبيل و إسرافيل و غيهم من اللئكة ،و ما شاهده من كثرتم و عظم صور
بعضهم ليلة السراء مشهور .
و قد رآهم بضرته جاعة من أصحابه ف مواطن متلفة [ ،فرأى أصحابه جبيل عليه السلم ف صورة
رجل يسأله عن السلم و اليان ] .
و رأى ابن عباس ،و أسامة بن زيد ،و غيها عنده جبيل ف صورة دحية .
و رأى سعد عن يينه يساره جبيل و ميكائيل ف صورة رجلي عليهما ثياب بيض .
و مثله غي واحد .
و سع بعضهم زجر اللئكة خليها يوم بدر .
و بعضهم رأى تطاير الرؤوس من الكفار ،و ل يرون الضارب .
و رأى أبو سفيان بن الارث يومئذ رجالً بيضاعلى خيل بلق بي السماء و الرض ،ما يقوم لا شيء
.
و قد كانت اللئكة تصافح عمران بن الصي .
و أرى النب صلى ال عليه و سلم لمزة جبيل ف الكعبة ،فخر مغشيا عليه .
و رأى عبد ال بن مسعود الن ليلة الن ،و سع كل امهم ،و شبههم برجال الزط .
و ذكر ابن سعد أن مصعب بن عمي لا قتل يوم أحد أخذ الراية ملك على صورته ،فكان النب صلى
ال عليه و سلم يقول له :تقدم يا مصعب فقال له اللك :لست بصعب ،فعلم أنه ملك .
وقد ذكر غي واحد من الصنفي عن عمر بن الطاب رضي ال عنه ـ أنه قال :بينا نن جلوس مع
النب صلى ال عليه و سلم إذ أقبل شيخ بيده عصا ،فسلم على النب صلى ال عليه و سلم ،فرد عليه ،
وقال ـ صلى ال عليه و سلم :نغمة الن! من أنت ؟ قال أنا هامة بن اليم بن لقس بن إبليس ،
فذكر أنه لقي نوحا ومن بعده ...ف حديث طويل ،وأن النب صلى ال عليه و سلم علمه سورا من
القرآن .
وذكر الواقدي قتل خالد عند هدمه العزى للسوداء الت خرجت له ناشرة شعرها عريانة ،فجزلا
بسيفه ،وأعلم النب صلى ال عليه و سلم ،فقال له :تلك العزى .
وقال صلى ال عليه و سلم :إن شيطانا تفلت البارحة ليقطع علي صلت ،فأمكنن ال منه ،فأخذته
فأردت أن أربطه إل سارية من سواري السجد حت تنظروا إليه كلكم ،فذكرت دعوة أخي سليمان :
رب اغفر ل وهب ل ملكا ل ينبغي لحد من بعدي إنك أنت الوهاب .ف رده ال خاسئا .
وهذا باب واسع.
فصل
من دلئل نبوته وعلمات رسالته
ومن دلئل نبوته وعلمات رسالته ما ترادفت به الخبار عن الرهبان والحبار وعلماء أهل الكتاب ،
من صفته وصفة أمته ،واسه وعلماته ،وذكر الات الذي بي كتفيه ،وما وجد من ذلك ف أشعار
الوحدين التقدمي ،من شعر تبع ،و الوس بن الارثة ،وكعب ابن لؤي ،وسفيان بن ماشع ،وقس
بن ساعدة .
وما ذكر عن سيف بن ذي يزن وغيهم ،وعرف به من أمره زيد بن عمرو بن نفيل ،و ورقة بن
نوفل ،وعثكلن الميي ،وعلماء يهود ،وشامول عالهم صاحب تبع ـ من صفته وخبه .
وما ألفي من ذلك ف التوراة والنيل ما قد جعه العلماء وبينوه ،ونقله عنهما ثقاه من أسلم منهم ،
مثل ابن سلم ،وابن سعية ،وابن يامي ،ومييق ،وكعب ،وأشباههم من أسلم من علماء يهود ،
وبيا ،ونصطور البشة ،وصاحب بصرى ،وضغاطر ،وأسقف الشام ،والارود ،وسلمان ،
والنجاشي ،ونصارى البشة ،وأساقف نران ،وغيهم من أسلم من علماء النصارى .
وقد اعترف بذلك هرقل ،وصاحب رومة عالا النصارى ،ورئيساهم ،ومقوقس صاحب مصر ،
والشيخ صاحبه ،وابن صوريا ،وابن أخطب ،وأخ وه ،وكعب بن أسد ،والزبي بن باطيا ،وغيهم
من علماء اليهود ،من حله السد والنفاسة على البقاء على الشقاء .
والخبار ف هذا كثية ل تنحصر.
وقد قرع أساع اليهود والنصارى با ذكر أنه ف كتبهم من صفته وصفة أصحابه ،واحتج عليهم با
انطوت عليه من ذلك صحفهم ،وذمهم بتحريف ذلك وكتمانه ،وليهم ألسنتهم ببيان أمره ،ودعوتم
إل الباهلة على الكاذب ،فما منهم إل من نفر عن معارضته ،وإبداء ما ألزمهم من كتبهم إظهاره .
ولو وجدوا خلف قوله لكان إظهاره أهون عليهم من بذل النفوس والموال وتريب الديار ونبذ القتال
،وقد قال لم :قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقي [ سورة آل عمران ، 3/الية ] 93 :
إل ما أنذر به الكهان ،مثل شافع بن كليب ،وشق ،وسطيح ،وسراد بن قارب ،وخنافر ،وأفعى
بران ،وجذل بن جذل الكندي ،وابن خلصة الدوسي ،وسعدى بنت كريز ،وفاطمة بنت النعمان ،
ومن لينعد كثرة .
إل ما ظهر على ألسنة الصنام من نبوته ،وحلول وقت رسالته ،وسع من هواتف الان ،ومن ذبائح
النصب ،وأجواف الصور ،وما وجد من اسم النب صلى ال عليه و سلم والشهادة له بالرسالة مكتوبا
ف الجارة والقبو ر بالط القدي ما أكثره مشهور ،وإسلم من أسلم بسبب ذلك معلوم مذكور .
فصل
فيما ظهر من اليات عند مولده
ومن ذلك ما ظهر من اليات [ ] 132عند مولده ،و ما حكته أمه و من حضره من العجائب ،و
كونه رافعا رأسه عندما وضعته شاخصا ببصره إل السماء ،و ما رأته من النور الذي خرج معه
ولدته ،و ما رأته إذ ذاك أم عثمان بن أب العاص من تدل النجوم ،و ظهور النور عند ولدته ،حت
ما تنظر إل النور .
و قول الشفاء أم عبد الرحن بن عوف :لا سقط صلى ال عليه و سلم على يدي و استهل سعت قائلً
يقول :رحك ال ،و أضاء ل ما بي الشرق و الغرب حت نظرت إل قصور الروم .
و ما تعرفت به حليمة وزوجها ظئراه من بركته ،و درور لبنها له ،و لب شارفها و خصب غنمه ،و
سرعة شبابه ،و حسن نشأته .
و ما جرى من العجائب ليلة مولده ،من ارتاج إيوان كسرى ،و سقوط شرفاته ،و غيض بية طبية
،و خود نار فارس ،وكان لا ألف عام ل تمد .
و أنه كان إذا أكل مع عمه أب طالب و آله و هو صغي سبعوا و روروا ،فإذا غاب فأكلوا ف غيبته ل
يشبعوا .
و كان سائر ولد أب طالب يصبحون شعثا و يصبح صلى ال عليه و سلم صقيلً دهينا كحيلً .
[ قالت أم أين حاضنته :ما رأيته صلى ال عليه و سلم شكا ج وعا قط و ل عطشا صغيا و ل
كبيا ] .
و من ذلك حراسة السماء بالشهب ،و قطع رصد الشياطي ،و منعهم استراق السمع .
و ما نشأ عليه من بعض الصنام ،و العفة عن أمور الاهلية ،و ما خصه ال به من ذلك و حاه حت
ف ستره ف الب الشهور عند بناء الكعبة ،إذ أخذ إزاره ليجعله على عاتقه ،ليحمل عليه الجارة و
تعرى ،فسقط إل الرض حت رد إزاره عليه .
فقال له عمه :ما بالك ؟ فقال :إن قد نيت عن التعري .
ومن ذلك إطلل ال له بالغمام ف سفره .
و ف رواية أن خدية و نساؤها رأينه لا قدم ،و ماكان يظلنه ،فذكرت ذلك ليسرة ،فأخبها أنه
رأى ذلك منذ خرج معه ف سفره .
[ وقد روي ان حليمة رأت غمامة تظله ،وهو عندها .
وروي ذلك عن أخيه من الرضاعة ] .
و من ذلك انه نزل ف بعض أسفاره قبل مبعثه تت شجرة يابسة ،فاعشوشب ما حولا و أينعت هي
فأشرقت و تدلت عليه أغضانا بحضر من رآه .
و ميل فء الشجرة إليه ف الب الخر حت أظلته .
و ما ذكر من أنه كان ل ظل لشخصيته ف شس و ل قمر ،لنه كان نورا .
و أن الذباب كان ل يقع على جسده و ل ثيابه .
و من ذلك تبيب اللوة إليه حت أوحي إليه ،ث إعلمه بوته و دنو أجله ،و أن قبه ف الدينة و ف
بيته ،و أن بي بيته و منبه روضة من رياض النة ،و تيي ال له عند موته ،و ما اشتمل عليه حديث
الوفاة من كراماته ،و تشريفه ،وصلة اللئكة على جسده على ما رويناه ف بعضها .
و استئذان ملك الوت عليه ،و ل يستأذن على غيه قبله .
و نداؤهم الذي سعوه أل ينعوا القميص عنه عند غسله .
و ما روي من تعزية الضر و اللئكة أهل بيته عند موته .
إل ما ظهر على أصحابه من كرامته و بركته ف حياته و موته ،كاستسقاء عمر بعمه ،و تبك غي
واحد بذريته [ . ] 133
فصل
معجزات نبينا أظهر من سائر معجزات الرسل من وجهي
قال القاضي أبو الفضل :قد أتينا ف هذا الباب على نكت من معجزاته واضحة ،و جل من علمات
نبوته مقنعة ،ف واحد منها الكفاية و الغنية ،و تركنا الكثي سوى ما ذكرنا ،و اقتصرنا من الحاديث
الطوال على عي الغرض و فص القصد ،و من كثي الحاديث و غريبها على ما صح و اشتهر إل
يسيا من غريبه ما ذكره مشاهي الئمة ،و حذفنا السناد ف جهورها ،طلبا للختصار .
و يسب هذا الباب لو تقصي أن يكون ديوانا جامعا يشتمل على ملدات عدة .
و معجزات نبينا صلى ال عليه و سلم أظهر من سائر معجزات الرسل بوجهي :
أحدها :كثرتا ،و أنه ل يؤت نب معجزةً إل و عند نبينا مثلها ،أو ما هو أبلغ منها .
و قد نبه الناس على ذلك ،فإن أردته فتأمل فصول هذا الباب ،و معجزات من تقدم من النبياء ـ
تقف على ذلك إن شاء ال تعال .
و أما كونا كثية فهذا القرآن ،و كله معجز ،و أقل ما يقع العجاز فيه عند بعض أئمة الحققي
سورة :إنا أعطيناك الكوثر ،أو آية ف قدرها .
و ذهب بعضهم إل أن كل آية منه كيف كانت معجزة .
و زاد آخرون أن كل جلة منتظمة منه مع جزة ،و إن كانت من كلمة أو كلمتي .
و الق ما ذكرناه أولً ،لقوله تعال :قل فاتوا بسورة مثله ،فهو أقل ما تداهم به ،مع ما ينصر هذا
من نظر و تقيق يطول بسطه .
و إذا كان هذا ففي القرآن من الكلمات نو من سبعة و سبعي ألف كلمة و نيف على عدد بعضهم ،
و عدد كلمات :إنا أعطيناك الكوثر عشر كلمات ،فتجزؤ القرآن على نسبة عدد إنا أعطيناك الكوثر
أزيد من سبعة آلف جزء ،كل واحد منها معجز ف نفسه .
ث إعجازه ـ كما تقدم ـ بوجهي :طريق بلغته ،و طريق نظمه ،فصار ف كل جزء من هذا العدد
معجزتان ،فتضاعف العدد من هذا الوجه .
ث فيه وجوه إعجاز أخر من الخبار بعلوم الغيب ،فقد يكون ف السورة الواحدة من هذه التجزئة الب
عن أشياء من الغيب ،كل خب منها بنفسه معجز ،فتضاعف العدد كرة أخرى .
ث وجوه العجاز الخر الت ذكرناها توجب التضعيف ،هذا ف حق القرآن ،فل يكاد يأخذ العد
معجزاته ،و ل يوي الصر براهينه .
ث الحاديث الواردة ،و الخبار الصادرة عنه صلى ال عليه و سلم ف هذه البواب و عما دل على
أمره ما أشرنا إل جله يبلغ نوا من هذا .
الوجه الثان :و ضوح معجزاته صلى ال عليه و سلم ،فإن معجزات الرسل كانت بقدر هم أهل
زمانم ،و بسب الفن الذي سا فيه قرنه .
فلما كان موسى غاية أهل السحر بعث إليهم موسى بعجزة تشبيه ما يدعون قدرتم عليه ،فجاءهم
منها ما خرق عادتم ،و ل يكن ف قدرتم [ ، ] 134و أبطل سحرهم .
و كذلك زمن عيسى أغن ما كان الطب ،و أوفر ما كان أهله ،فجاءهم أمر ل يقدرون عليه ،و
أتاهم ما ل يتسبوه من إحياء اليت ،و إبراء الكمه و البرص دون معالة و ل طب .
و هكذا سائر معجزات النبياء .
ث إن ال تعال بعث ممدا صلى ال عليه و سلم ،و جلة معارف العرب و علومها أربعة :البلغة ،و
الشعر ،و الب ،و الكهانة ،فأنزل عليه القرآن الارق لذه الربعة فصول من الفصاحة ،و الياز ،
و البلغة الارجة عن نط كلمهم ،و من النظم الغريب ،و السلوب العجيب الذي ل يهتدوا ف
النظوم إل طريقه ،و ل علموا ف أساليب الوزان منهجه ،و من الخبار عن الكوائن و الوادث و
السرار و الخبآت و الضمائر ،فتوجد على ما كانت ،و يعترف الخب عنها بصحة ذلك و صدقه ،و
إن كان أ'دى العدو .
فأبطل الكهانة الت تصدق مر ًة و تكذيب عشرا ،ث اجتثها من أصلها برحم الشهب ،و رصد النجوم .
و جاء من الخبار عن القرون السالفة ،و أنباء النبياء ،و المم البائدة ،و الوادث الاضية ـ ما
يعجز من تفرغ لذا العلم عن بعضه على الوجوه الت بسطناها و بينا العجز فيها .
ث بقيت هذه العجزة الامعة لذا الوجوه إل الفصول الخر الت ذكرناها ف معجزات القرآن ثابتةً إل
يوم القيامة بينة الجة لكل أمة تأت ،ل يفى وجوه ذلك على من نظر فيه ،و تأمل وجوه إعجازه .
إل ما أخب به من الغيوب على هذه السبيل ،فل ير عصر و ل زمن إل يظهر فيه صدقه بظهور مبه
على ما أخب ،فيتجدد اليان ،و يتظاهر البهان ،و ليس الب كالعيان كما قيل .
و للمشاهدة زيادة ف اليقي ،و النفس أشد طمأنينة إل عي اليقي منها إل علم اليقي ،و إن كان كل
عندها حقا .
و سائر معجزات الرسل انقرضت بانقراضهم ،و عدمت بعدم ذواتا ،و معجزة نبينا صلى ال عليه و
سلم ل تبيد و ل تنقطع ،و آياته تتجدد و ل تضمحل ،و لذا أشار صلى ال عليه و سلم بقوله فيما
حدثنا القاضي الشهيد أبو علي ،حدثنا القاضي أبو الوليد ،حدثنا أبو ذر ،حدثنا أبو ممد ،و أبو
إسحاق ،و أبو اليثم ،قالوا :حدثنا الفربري ،حدثنا عبد العزيز بن عبد ال ،حدثنا الليث ،عن
سعيد ،عن أبيه ،عن أب هريرة رضي ال عنه ،عن النب صلى ال عليه و سلم ،قال :ما من النبياء
نب إل أعطي من اليات ما مثله آمن عليه البشر ،و إنا كان الذي أوتيت وحيا أوحاه ال إل ،فأرجو
أن أكثرهم تابعا يوم القيامة .
هذا معن الديث عن بعضهم ،و هو الظاهر و الصحيح إن شاء ال .
و ذهب غي واحد من العلماء ف تأويل هذا الديث و ظهور معجزة نبينا صلى ال عليه و سلم إل معن
آخر من ظهورها بكونا وحيا و كلما ل يكن التخييل فيه ،و ل التحيل عليه ،و ل التشيبه ،فإن
غيها من معجزات الرسل قد رام العاندون لا بأشياء طمعوا ف التخييل با على الضعفاء كإلقاء السحرة
حبالم و عصيهم [ ] 135و شبه هذا ما ييله الساحر ،أو يتحيل فيه .
و القرآن كلم ليس للحيلة و ل للسحر ،و ل التخييل فيه عمل ،فكان من هذا الوجه عندهم أظهر من
غيه من العجزات ،كما ل يتم لشاعر و ل لطيب أن يكون شاعرا أو خطيبا بضرب من اليل و
التمويه .
و التأويل الول أخلص و أرضى .
و ف هذا التأويل الثان ما يغمض عليه الفن ،و يغضى .
و وجه ثا لث على مذهب من قال بالصرفة ،و أن العارضة كانت ف مقدور البشر ،فصرفوا عنها ،أو
على أحد مذهب أهل السنة من أن التيان بثله من جنس مقدورهم ،و لكن ل يكن ذلك قبل ،و ل
يكون بعد ،لن ال تعال ل يقدرهم ،و ل يقدرهم عليه .
و بي الذهبي فرق بي ،و عليهما جيعا فترك العرب التيان با ف مقدورهم ،أو ما هو من جنس
مقدورهم ،و رضاهم بالبلء و اللء ،و السباء و الذلل ،و تغيي الال ،و سلب النفوس و الموال
،و التقريع و التوبيخ ،و التعجيز و التهديد و الوعيد أبي آية للعجز عن التيان بثله ،و النكول عن
معارضته ،و أنم منعوا عن شيء هو من جنس مقدورهم .
و إل هذا ذهب المام أبو العال الوين و غيه ،قال :و هذا عندنا أبلغ ف خرق العادة بالفعال
البديعة ف أنفسها ،كقلب العصا حي ًة و نوها ،فإنه قد يسبق إل بال الناظر بدارا أن ذلك من
اختصاص صاحب ذلك بزية معرفة ف ذلك الفن ،و فضل علم إل أن يرد ذلك صحيح النظر .
و أما التحدي للخلئق مئي من السني بكلم من جنس كلمهم ليأتوا بثله فلم يأتوا ،فلم يبق بعد
توفر الدواعي على العارضة ث عدمها إل منع ال اللق عنها بثابة ما لو قال نب :آيت أن ينع ال القيام
عن الناس مع مقدرتم عليه ،و ارتفاع الزمانة عنهم ،فكان ذلك ،و عجزهم ال تعال عن القيام ـ
لكان ذلك من أبر آية ،و أظهر دللة .و بال التوفيق .
و قد غاب عن بعض العلماء وجه ظهور آيته على سائر آيات النبياء ،حت احتاج للعذر عن ذلك بدقة
أفهام العرب ،و ذكاء ألبابا ،و وفور عقولا ،و أنم أدركوا العجزة فيه بفطنتهم ،و جاءهم من ذلك
بسب إدراكهم ،و غيهم من القبط و بن إسرائيل و غيهم ل يكونوا بذه السبيل ،بل كانوا من
الغباوة و قلة الفطنة بيث جوز عليهم فرعون أنه ربم ،و جوز عليهم السامري ذلك ف العجل بعد
إيانم ،و عبدوا السيح مع أجاعهم على صلبه ،و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لم ،فجاءتم من
اليات الظاهرة البينة للبصار بقدر غلظ أفهامهم ما ل يشكون فيه ،و مع هذا فقالوا :لن نؤمن لك
حت نرى ال جهرة .و ل يصبوا على الن و السلوى ،و استبدلوا الذي هو أدن بالذي هو خي .
و العرب على جاهليتها أكثرها يعترف بالصانع ،و إنا كانت تتقرب بالصنام إل ال زلفى .
و منهم من آمن بال وحده من قبل الرسول صلى ال عليه و سلم [ ] 136بدليل عقله و صفاء لبه .
و لا جاءهم الرسول بكتاب ال فهموا حكمته ،و تبينوا بفضل إدراكهم لول وهلة معجزته ،فآمنوا به
،و ازدادوا كل يوم إيانا ،و رفضوا الدنيا كلها ف صحبته ،و هجروا ديارهم و أموالم ،و قتلوا
آباءهم و أبناءهم ف نصرته ،و أتى ف معن هذا با يلوح له رونق ،و يعجب منه زبرج لو احتيج إليه و
حقق ،لكنا قدمنا من بيان معجزة نبينا صلى ال عليه و سلم و ظهورها ما يغن عن ركوب بطون هذه
السالك و ظهورها .
و بال أستعي [ .و هو حسب ،و نعم الوكيل ] .
آخر القسم الول ،و يليه القسم الثان
القسم الثان
فيما يب على النام من حقوقه عليه السلم
الباب الول
ف فرض اليان به و وجوب طاعته واتباع سنته
إذا تقرر با تقدم ثبوت نبوته وصحة رسالته ،وجب اليان به وتصديقه فيما أتى به ،قال ال تعال :
فآمنوا بال ورسوله والنور الذي أنزلنا [ سورة التغابن : 64 /الية . ] 8
و قال :إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بال ورسوله [ سورة الفتح : 48 /الية 9 ، 8 :
].
و قال :فآمنوا بال ورسوله النب المي الذي يؤمن بال وكلماته واتبعوه لعلكم تتدون [ سورة
العراف ، 7 /الية . ] 158 :
فاليان بالنب ممد صلى ال عليه و سلم واجب متعي ل يتم إيان إل به ،ول يصح إسلم إل معه ،
قال ال تعال :ومن ل يؤمن بال ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيا [ سورة الفتح ، 48 /الية 13 :
].
حدثنا أبو ممد الشن الفقيه بقراءت عليه ،حدثنا المام أبو علي الطبي ،حدثنا عبد الغافر
الفارسي ،حدثنا ابن عمرويه ،حدثنا ابن سفيان ،حدثنا أبو السي ،حدثنا أمية بن بسطام ،حدثنا
يزيد بن زريع ،حدثنا روح ،عن العلء بن عبد الرحن بن يعقوب ،عن أبيه ،عن أب هريرة رضي ال
عنه ،عن رسول ال صلى ال عليه و سلم ،قال :أمرت أن أقاتل الناس حت يشهدوا أن ل إله إل ال ،
ويؤمنوا ب وبا جئت به ،فإذا فعلوا ذلك عصموا من دماءهم وأموالم إل بقها ،وحسابم على ال .
قال القاضي أبوالفضل :
واليان به _ صلى ال عليه و سلم هو تصديق نبوته و رسالة ال له ،وتصديقه ف جيع ما جا به و ما
قاله ،و مطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول ال ،فإذا اجتمع التصديق به بالقلب ،
والنطق بالشهادة بذلك اللسان ،ث اليان به والتصديق له كما ورد ف الديث نفسه من رواية عبد ال
بن عمر رضي ال عنهما :أمرت أن أقاتل الناس حت يشهدوا أن ل إله إل ال ،وأن ممدا رسول ال .
وقد زاده وضوحا ف حديث جبيل ،إذقال :أخبن عن السلم ،قال النب صلى ال عليه و سلم :
أن تشهد أن ل إله إل ال ،وأن ممدا رسول ال ...وذكر أركان السلم .
فقد قرر أن اليان به متاج إل العقد بالنان ،والسلم به مضطر إل النطق باللسان [ . ] 137
وهذه الال الحمودة التامة .
وأما الال الذمومة فالشهادة باللسان دون تصديق القلب ،وهذا هو النفاق ،قال ال تعال :إذا جاءك
النافقون قالوا نشهد إنك لرسول ال وال يعلم إنك لرسوله وال يشهد إن النافقي لكاذبون ،أي
كاذبون ف قولم ذلك عن اعتقادهم وتصديقهم ،وهم ل يعتقدونه ،فلما ل تصدق ذلك ضمائرهم ل
ينفعهم أن يقولوا بألسنتهم ما ليس ف قلوبم ،فخرجوا عن اسم اليان ،و ل يكن لم ف الخرة
حكمه ،إذ ل يكن معهم إيان ،ولقوا بالكافرين ف الدرك السفل من النار ،وبقي عليهم حكم
السلم ،بإظهار شهادة السلم ،ف أحكام الدنيا التعلقة بالئمة وحكام السلمي الذين أحكامهم
على الظواهر ،با أظهروه من عل مة السلم ،إذ ل يعل للبشر سبيل إل السرائر ،ول أمروا بالبحث
عنها ،بل نى النب صلى ال عليه و سلم عن التحكم عليها ،و ذم ذلك ،و قال :هل شققت عن قلبه
.
و للفرق بي القول و العقد ما جعل ف حديث جبيل :الشهادة من السلم ،والتصديق من اليان .
و بقيت حالتان أخريان بي هذين :
إحداها ـ أن يصدق بقلبه ث يترم ـ قبل اتساع وقت للشهادة بلسانه ،فاختلف فيه ،فشرط بعضهم
من تام اليان القول و الشهادة به ،و رآه بعضهم مؤمنا مستوجبا للجنة ،لقوله صلى ال عليه و سلم
:يرج من النار من كان ف قلبه مثقال ذر ة من إيان ،فلم يذكر سوى ما ف القلب .
و هذا مؤمن بقلبه ،غي عاص و ل مفرط بترك غيه .
و هذا هو الصحيح ف هذا الوجه .
الثانية :أن يصدق بقلبه و يطول مهله ،و علم ما يلزمه من الشهادة ،فلم ينطق با جلة و ل استشهد
ف عمره و ل مرة ،فهذا اختلف فيه أيضا ،فقيل :هو مؤمن ،لنه مصدق ،و الشهادة من جلة
العمال ،فهو عاص بتركها غي ملد ف النار .
و قيل :ليس بؤمن حت يقارن عقده شهادة اللسان ،إذ الشهادة إنشاء عقد ،و التزام ايان ،و هي
مرتبطة مع العقد ،و ل يتم التصديق مع الهلة إل با .
و هذا هو الصحيح .
و هذا نبذ يفضي إل متسع من الكلم ف السلم و اليان و أبوابما ،و ف الزيادة فيهما و النقصان ،
و هل التجزي متنع على مرد التصديق ل يصح فيه جلة ،و إنا يرجع إل ما زاد عليه من عمل ،و قد
يعرض فيه لختلف صفاته و تباين حالته ،من قوة يقي ،و تصميم اعتقاد ،و وضوح معرفة ،و
دوام حالة ،و حضور قلب .
و ف بسط هذا خروج عن غرض التأليف ،و فيما ذكرنا غنية فيما قصدنا إن شاء ال .
فصل
ف وجوب طاعته
و أما وجوب طاعته ،فإذا وجب اليان به و تصديقه فيما جاء به وجبت طاعته ،لن ذلك ما أتى
به ،قال ال تعال :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال ورسوله [ سورة النفال ، 8 /الية . ] 20 :
و قال :قل أطيعوا ال والرسول [ سورة آل عمران ، 3 /الية . ] 32 :
و قال :وأطيعوا ال والرسول لعلكم ترحون [ سورة آل عمران ، 3 /الية . ] 132 :
و قال :وإن تطيعوه تتدوا [ سورة النور ، 24 /الية . ] 54 :
و قال :من يطع الرسول فقد أطاع ال [ سورة النساء ، 4 /الية . ] 80 :
و قال :وما آتاكم الرسول فخذوه وما ناكم عنه فانتهوا [ سورة الشر ، 59 /الية . ] 7 :
و قال [ : ] 138ومن يطع ال والرسول فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيي والصديقي
والشهداء والصالي وحسن أولئك رفيقا [ سورة النساء ، 4 /الية . ] 69 :
و قال :وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال ،فجعل تعال طاعة رسوله طاعته ،و قرن طاعته
بطاعته ،و وعد على ذلك بزيل الثواب ،و أوعد على مالفته بسوء العقاب ،و أوجب امتثال أمره ،
و اجتناب نيه .
قال الفسر ون و الئمة :طاعة الرسول التزام سنته و التسليم لا جاء به .
و قالوا :و ما أرسل ال من رسول إل فرض طاعته على من أرسله إليه .
و قالوا من يطع الرسول ف سنته يطع ال ف فرائضه .
و سئل سهل بن عبد ال عن شرائع السلم ،فقال :وما آتاكم الرسول فخذوه [ سورة الشر /
، 59الية . ] 7 :
و قال السمرقندي :يقال :أطيعوا ال ف فرائضه ،و الرسول ف سنته .و قيل :أطيعوا ال فيما حرم
عليكم ،و الرسول فيما بلغكم .
و يقال :أطيعوا ال بالشهادة له بالربوبية ،و النب بالشهادة له بالنبوة .
حدثنا أبو ممد بن عتاب بقراءت عليه ' حدثنا حات بن ممد ،حدثنا أبو السن علي بن ممد بن
خلف ،حدثنا ممد بن أحد ،حدثنا ممد بن يوسف ،حدثنا البخاري ،حدثنا عبدان ،أخبنا عبد
ال ،حدثنا يونس ،عن الزهري ،أخبن أبو سلمة ابن عبد الرحن ـ أنه سع أبا هريرة يقول :إن
رسول ال صلى ال عليه و سلم قال :من أطاعن فقد أطاع ال ،و من عصان فقد عصى ال ،و من
أطاع أميي فقد أطاعن ،و من عصى أميي فقد عصان .
فطاعة الرسول من طاعة ال ،إذ ال أمر بطاعته ،فطاعته امتثال لا أم ر ال به ،و طاعة له .
و قد حكى ال عن الكفار ف دركات جهنم :يوم تقلب وجوههم ف النار يقولون يا ليتنا أطعنا ال
وأطعنا الرسول ،فتمنوا طاعته حيث لينفعهم التمن .
و قال صلى ال عليه و سلم :نيتكم عن شيء فاجتنبوه ،و إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
و ف حديث أب هريرة رضي ال عنه ،عنه صلى ال عليه و سلم :كل أمت يدخلون النة إل من أب .
قالوا :يارسول ال ،و من يأب ؟ قال :من أطاعن دخل النة ،و من عصان فقد أب .
و ف الديث الخر الصحيح ،عنه صلى ال عليه و سلم :مثلي و مثل ما بعثن ال به كمثل رجل أتى
قوما ،فقال :يا قوم ،إن رأيت اليش بعين ،و إن أنا النذير العريان ،فالنجاء ،فأطاعه طائفة من
قومه ،فأدلوا ،فانطلقوا ،فانطلقوا على مهلهم فنجوا ،و كذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانم ،
فصبحهم ،اليش فأهلكهم و اجتاحهم ،فذلك مثل من أطاعن ،و اتبع ما جئت به ،و مثل من
عصان و كذب ما جئت به من الق .
و ف الديث الخر ف مثله :كمثل من بن دارا و جعل فيها مأدبة ،و بعث داعيا ،فمن أجاب
الداعي دخل الدار ،و آكل من الأد بة ،و من ل يب الداعي ل يدخل الدار و ل يأكل من الأدبة ،
فالدار النة ،و الداعي ممد صلى ال عليه و سلم ،فمن أطاع ممدا فقد أطاع ال ،و من عصى
ممدا فقد عصى ال ،و ممد فرق بي الناس .
فصل
ف وجوب اتباعه ،و امتثال أمره ،و القتداء بديه
و أما وجوب اتباعه و امتثال سنته و القتداء بديه ،فقد قال تعال :قل إن كنتم تبون ال فاتبعون
يببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم [ سورة آل عمران ، 3 /الية . ] 31
و قال :فآمنوا بال ورسوله النب المي الذي يؤمن بال وكلماته واتبعوه لعلكم تتدون [ سورة
العراف ، 7 /الية . ] 158 :
و قال :فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت
ويسلموا تسليما ،أي ينقادون لكمك ،يقال :سلم ،واستسلم ،و أسلم ،إذا انقاد .
و قال :لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لن كان يرجو ال واليوم الخر ومن يتول فإن ال هو الغن
الميد [ سورة المتحنة ، 60 /الية . ] 6 :
قال ممد بن علي الترمذي :السوة ف الرسول القتداء به و التباع لسنته ،و ترك مالفته ف قول أو
فعل .
و قال غي واحد من الفسرين بعناه .
و قيل :هو عتاب للمتخلفي عنه .
و قال سهل ـ ف قوله تعال :صراط الذين أنعمت عليهم ـ قال :بتابعة السنة ،فأمرهم تعال
بذلك ،و وعدهم الهداء باتباعه ،لن ال تعال أ رسله بالدى و دين الق ليزكيهم الكتاب و الكمة
،و يهديهم إل صراط مستقيم ،و وعدهم مبته تعال ف الية الخرى و مغفرته إذا اتبعوه ،و آثروه
على أهوائهم ،و ما تنح إليه نفوسهم ،و أن صحة إيانم بانقيادهم له ،و رضاهم بكمه ،و ترك
العتراض عليه .
و روى عن السن أن أقواما قالو ا :يا رسول ال ،إنا نب ال .فأنزل ال تعال :قل إن كنتم تبون
ال فاتبعون يببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم [ سورة آل عمران ، 3/الية . ] 31 :
و روي أن الية نزلت ف كعب بن الشرف و غيه ،و أنم قالوا :نن أبناء ال و أحباؤه ،و نن
أشد حبا ال ،فانزل ال الية .
و قال الزجاج :معناه إن كنتم تبون ال أن تقصدوا طاعته ،فافعلوا ماأمركم به ،إذ مبة العبد ال و
رسوله طاعته لما ،و رضاه با أمرا ،و مبة ال لم عفوه عنهم ،و إنعامه عليهم برحته .
و يقال :الب من ال عصمة و توفيق ،و من العباد طاعة ،كما قال القائل :
تعصي الله وأنت تظهر حبه هذا لعمري ف القياس بديع
إن الحب لن يب مطيع كان حبك صادقا لطعته
و يقال :مبة العب د ال تعظيمه له و هيبته منه ،و مبة ال له رحته له ،و إرادته الميل له ،و تكون
بعن مدحه و ثنائه عليه .
قال القشيي :فإذا كان بعن الرحة و الرادة و الدح كان من صفات الذات .
و سيأت بعد ف ذكر مبة العبد غي هذا بول ال تعال .
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه ،قال :حدثنا أبو الصبغ عيسى ابن سهل ،و حدثنا أبو
السن يونس بن مغيث الفقيه بقراءت عليه ،قال :حدثنا حات بن ممد ،قال :حدثنا أيو حفص
الهن ،حدثنا أبو بكر الجري ،حدثنا إبراهيم بن موسى الوزي ،حدثنا داود بن رشيد ،حدثنا
الوليد بن مسلم ،عن ثور ،بن يزيد ،عن خالد بن معدان ،عن عبد الرحن بن عمرو السلمي ،و
حجر الكلعي ،عن العرباض بن سارية ف حديثه ف موعظة النب صلى ال عليه و سلم أنه قال :
فعليكم بسنت و سنة اللفاء الراشدين الهديي ،عضوا عليها بالنواجذ ،و إياكم و مدثات المور ،
فإن كل مدثة بدعة ،و كل بدعة ضللة .
زاد ف حديث جابر بعناه :و كل ضللة ف النار .
و ف حديث أب رافع عنه صلى ال عليه و سلم :ل ألفي أحدكم متكئا على أريكته ،يأتيه المر من
أمري ،ما أمرت به ،أو نيت عنه ،فيقول ] 140 [ :ل أدري ،ما وجدنا ف كتاب ال اتبعناه .
و ف حديث عائشة رضي ال عنها :صنع رسول ال صلى ال عليه و سلم شيئا ترخص فيه فتنه عنه
قوم ،فبلغ ذلك النب صلى ال عليه و سلم ،فحمد ال ،ث قال :ما بال قوم يتنهون عن الشيءأصنعه
،فوال إن لعلمهم با ال ،و أشهدهم له خشية .
و روى عنه صلى ال عليه و سلم أنه قال :القرآن صعب على من كرهه ،و هو الكم حدثنا فمن
استمسك بديثي و فهمه و حفظه جاء مع القرآن ،و من تاون بالقرآن و حديثي خسر الدنيا
والخرة ،أمرت أمت أن يأخذوا بقول ،و يطيعوا أمري ،و يتبعوا سنت ،فمن رضي بقول فقد رضي
بالقرآن قال ال تعال :وما آتاكم الرسول فخذوه وما ناكم عنه فانتهوا واتقوا ال إن ال شديد العقاب
[ سورة الشر ، 59 /الية . ] 7 :
و قال صلى ال عليه و سلم :من اقتدى ب فهو من ،و من رغب عن سنت فليس من .
و عن أب هريرة رضي ال عنه ،عن النب صلى ال عليه و سلم أنه قال :إن أحسن الديث كتاب
ال ،و خي الدي هدي ممد و شر المور مدثاتا .
و عن عبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنه قال :قال النب صلى ال عليه و سلم :العلم ثلثة :
فما سوى ذلك فهو فضل :آية مكمة ،أو سنة قائمة ،أو فريضة عادلة .
و عن السن بن أب السن رضي ال عنه :قال صلى ال عليه و سلم :عمل قليل ف سنة خي من عمل
كثي ف بدعة .
و قال صلى ال عليه و سلم :إن ال تعال يدخل العبد النة بالسنة تسك با .
و عن أب هريرة رضي ال عنه ،عن النب صلى ال عليه و سلم ،قال :التمسك بسنت عند فساد أمت
له أجر مائة شهيد .
و قال صلى ال عليه و سلم :إن بن إسرائيل افترقوا على اثنتي وسبعي ملة ،و إن أمت تفترق على
ثلث و سبعي ،كلها ف النار إل واحدة .قالوا :و من هم يا رسول ال ؟ قال :الذي انا عليه اليوم و
أصحاب .
و عن أنس قال صلى ال عليه و سلم :من أحيا سنت فقد أحيان ،و من أحيان كان معي ف النة .
و عن عمرو بن عوف الزن أن النب صلى ال عليه و سلم قال لبلل بن الارث :من أحيا سنة من
سنت قد أميتت بعدي ،فإن له من الجر مثل من عمل با من غي أن ينقص من أجورهم شيئا ،ومن
ابتدع بدعة ضللة ترضي ال ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل با ،ل ينقص ذلك من أوزار الناس
شيئا .
فصل
فيما و رد عن السلف و الئمة من اتباع سنته و القتداء بديه و سيته
و أما ما و رد عن السلف و الئمة من اتباع سنته و افقتداء بديه و سيته ،فحدثنا الشيخ أبو عمر أن
موسى بن عبد الرحن بن أب تليد الفقيه ساعا عليه ،قال :حدثنا أبو عمر الافظ ،حدثنا سعيد بن
نصر ،حدثنا قاسم بن أصبغ ،و وهب بن مسرة ،قال :حدثنا ممد بن وضاح ،حدثنا يي بن
يي ،حدثنا مالك ،عن ابن شهاب ،عن رجل من آل خالد بن أسيد ـ أنه سأل عبد ال بن عمر ،
فقال :يا أبا عبد الرحن ،أنا ند صلة الوف تعال و صلة الضر ف [ ] 141القرآن ،و ل ند
صلة السفر ؟ فقال ابن عمر :يا بن أخي ،إن ال بعث إلينا ممدا صلى ال عليه و سلم ،و ل نعلم
شيئا ،فإنا نفعل كما رأيناه نفعل .
و قال عمر بن عبد العزيز :سن رسول ال صلى ال عليه و سلم و ولة المر بعده سننا ،الخذ با
تصديق بكتاب ال ،و استعمال بطاعة ال ،و قوة على دين ال ،ليس لحد تغيها و ل تبديلها و ل
النظر ف رأي من خالفها ،من اقتدى با فهو مهتد ،و من انتصر با منصور ،و من خالفها و اتبع غي
سبيل الؤمني وله ال ما تول ،و أصل اه جهنم و ساءت مصيا .
و قال السن بن أب السن :عمل قليل ف سنة خي من عمل كثي ف بدعة .
و قال ابن شهاب :بلغنا عن رجال من أهل العلم ،قالوا :العتصام بالسنة ناة .
و كتب عمر بن الطاب إل عماله بتعلم السنة و الفرائض و اللحن ،أي اللغة ،و قال :إن ناسا
يادلوكم ـ يعن بالقرآن ،فخذوهم بالسنن ،فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب ال .
و ف خبه ـ حي صلى بذي الليفة ركعتي ،فقال :أصنع كما رأيت رسول ال صلى ال عليه و
سلم يصنع .
و عن علي ـ حي صلى فقال له عثمان :ترى أن اني الناس عنه و تفعله ! قال :ل أكن أدع سنة
رسول ال صلى ال عليه و سلم لقول أحد من الناس .
و عنه :أل إن لست بنب و ل يوحى إل ،و لكن أعمل بكتاب ال و سنة ممد صلى ال عليه و سلم
ما استطعت .
و كان ابن مسعود يقول :القصد ف السنة خي من الجتهاد ف البدعة .
و قال ابن عمر :صلة السفر ركعتان ،من خالف السنة كفر .
و قال أب بن كعب :عليكم بالسبيل و السنة ،فإنه ما على الرض من عبد على السبيل و السنة ذكر
ال ف نفسه ففاضت عيناه من خشية ربه ،فيعذبه ال أبدا ،و ما على الرض من عبد على السبيل و
السنة ذكر ال ف نفسه فاقشعر جلده من خشية ال إل كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها ،فهي
كذلك إذا أصابتها ريح شديدة ،فتحات عنها ورقها إل حط ال خطاياه كما تات عن الشجرة ورقها
،فإن اقتصادا ف سبيل و سنة خي من اجتهاد ف خلف سبيل و سنة ،و موافقة بدعة ،و انظروا أن
يكون عملكم إن كان اجتهادا و اقتصادا أن يكون على منهاج النبياء و سنتهم .
و كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إل عمر بال بلده ،و كثرة لصوصه ،هل يأخذهم بالظنة أو
يملهم على البينة و ما جرت عليه السنة ؟
فكتب إليه عمر :خذهم بالبينة و ما جرت عليه السنة ،فإن ل يصلحهم الق فل أصلحهم ال .
و عن عطاء ـ ف قوله :فإن تنازعتم ف شيء فردوه إل ال والرسول :أي إل كتاب ال و سنة رسول
ال صلى ال عليه و سلم .
و قال الشافعي :ليس ف سنة رسول ال صلى ال عليه و سلم إل اتباعها .
و قال عمر ـ و نظر إل الجر السود :إنك حجر ل تنفع و ل [ ] 142تضر ،و لول أن رأيت
رسول ال صلى ال عليه و سلم يقبلك ما قبلتك ،ث قبله .
و رئي عبد ال بن عمر يدير ناقته ف مكان ،فسئل عنه ،فقال :ل أدري إل أن رأيت رسول ال صلى
ال عليه و سلم فعله ،ففعلته .
و قال أبو عثمان اليي :من أمر السنة على نفسه قولً و فعلً نطق بالكمة ،و من أمر الوى على
نفسه نطق بالبدعة .
و قال سهل التستري :أصول مذهبنا ثلثة :القتداء بالنب صلى ال عليه و سلم ف الخلق و
الفعال ،و الكل من اللل ،و إخلص النية ف جيع العمال .
و جاء ف تفسي قوله تعال :والعمل الصال يرفعه ـ إنه القتداء برسول ال صلى ال عليه و سلم .
و حكي عن أحد بن حنبل :قال :كنت يوما مع جاعة تردوا و دخلوا الاء ،فاستعملت الديث من
كان يؤمن بال و اليوم الخر فل يدخل المام إل بئزر و ل أترد ،فرأيت تلك الليلة قائلً ل :يا
أحد أبشر ،فإن ال قد غفر لك باستعمالك السنة ،و جعلك إماما يقتدى بك .
قلت من أنت ؟ قال :جبيل .
فصل
ف أن مالفة أمره و تبديل سنته ضلل
و مالفة أمره و تبديل سنته ضلل و بدعة متوعد من ال تعال عليه بالذلن و العذاب ،قال ال تعال
:فليحذر الذين يالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [ سورة النور ، 24الية :
. ] 63
و قال :ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبي له الدى ويتبع غي سبيل الؤمني نوله ما تول ونصله
جهنم وساءت مصيا [ سورة النساء ، 4 /الية . ] 115 :
حدثنا أبو ممد عبد ال بن أب جعفر ،و عبد الرحن بن عتاب بقراءت عليهما ،قال :حدثنا أبو
القاسم حات بن ممد ،حدثنا أبو السن القابسي ،حدثنا أبو السي بن مسرور الدباغ ،حدثنا أحد
بن أب سليمان ،حدثنا سحنون ابن سعيد ،حدثنا ابن القاسم ،حدثنا مالك ،عن العلء بن عبد
الرحن ،عن أبيه ،عن أب هريرة ـ أن رسول ال صلى ال عليه و سلم خرج إل القبة ...و ذكر
الديث ف صفة أمته ،و فيه :فليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعي الضال ،فأناديهم :أل هلم ،
فيقال :إنم قد بدلوا بعدك .فأقول :فسحقا ،فسحقا ،فسحقا .
و روى عن أنس أن النب صلى ال عليه و سلم قال :من رغب عن سنت فليس من .
و قال :من أدخل ف أمرنا ما ليس منه فهو رد .
و روى ابن أب رافع ،عن أبيه ،عن النب صلى ال عليه و سلم ،قال :ل ألفي أحدكم متكئا على
أريكته يأتيه المر من أمري ما أمرت به أو نيت عنه ،فيقول :ل أدري ،ما وجدنا ف كتاب ال
اتبعناه .
زاد ف حديث القدام :أل و إن ما حرم رسول ال صلى ال عليه و سلم مثل ما حرم ال .
و قال صلى ال عليه و سلم ـ :و جيء بكتاب ف كتف ـ :كفى بقوم حقا ـ أو قال :ضللً ـ
أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إل غي نبيهم ،أو كتاب غي كتابم ،فنلت :أول يكفهم أنا أنزلنا عليك
الكتاب يتلى عليهم إن ف ذلك لرحة وذكرى لقوم يؤمنون .
و قال صلى ال عليه و سلم :هلك التنطعون .
و قال [ ] 143أبو بكر الصديق رضي ال عنه :لست تاركا شيئا كان رسول ال صلى ال عليه و
سلم يعمل به إل عملت به ،إن أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ .
الباب الثان
فصل
ف ثواب مبته صلى ال عليه و سلم
حدثنا أبو ممد بن عتاب بقراءت عليه ،حدثنا أبو القاسم حات بن ممد ،حدثنا أبو السن علي بن
خلف ،حدثنا أبو زيد الروزي ،حدثنا ممد بن يوسف ،حدثنا ممد بن إساعيل ،حدثنا عبد ال ،
حدثنا أب ،حدثنا شعبة ،عن عمرو بن مرة ،عن سال بن أب العد ،عن أنس رضي ال عنه -أن
ل أتى النب صلى ال عليه و سلم فقال :مت الساعة يا رسول ال ؟ قال :ما أعددت لا ؟ قال :ما
رج ً
أعددت لا من كثي صلة و ل صوم و ل صدقة ،و لكن أحب ال و رسوله .قال :أنت مع من
أحببت .
و عن صفوان بن قدامة :هاجرت إل النب صلى ال عليه و سلم فأتيته ،فقلت :يا رسول ال ،ناولن
يدك أبايعك .فناولن يده ،فقلت يا رسول ال ،إن أحبك .قال :الرء مع من أحب .
وروى هذا اللفظ عن النب صلى ال عليه و سلم عبد ال بن مسعود تعال و أبو موسى ،و أنس ،و
عن أب ذر بعناه .
و عن علي أن النب صلى ال عليه و سلم أخذ بيد حسن و حسي ،فقال :من أحبن و أحب هذين و
أباها و أمهما كان معي ف درجت يوم القيامة .
وروي أن رجلً أتى النب صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،لنت أحب إل من أهلي و مال ،
و إن لذكرك فما أصبحت أجيء فأنظر إليك ،و إن ذكرت موت و موتك تعال فعرفت أنك إذا
دخلت النة رفعت مع النبيي ،و إن دخلتها ل أراك .فأنزل ال تعال :ومن يطع ال والرسول فأولئك
مع الذين أنعم ال عليهم من النبيي والصديقي والشهداء والصالي وحسن أولئك رفيقا فدعا به فقرأها
عليه .
وف حديث آخر :كان رجل عند النب صلى ال عليه و سلمينظر إليه ل يطرف ،فقال ما بالك ؟ قال
:بأب و أمي ! أتتع من النظر إليك ،فإذا كان يوم القيامة رفعك ال بتفضيله ،فأنزل ال الية .
و ف حديث أنس رضي ال عنه :من أحبن كان معي ف النة .
فصل
فيما روي عن السلف و الئمة من مبتهم للنب صلى ال عليه و سلم و شوقهم له
حدثنا القاضي الشهيد ،حدثنا الرازي ،حدثنا اللودي ،حدثنا ابن سفيان ،حدثنا مسلم ،حدثنا
قتيبة ،حدثنا يعقوب بن عبد الرحن ،عن سهيل ،عن أبيه عن أب هريرة رضي ال عنه -أن رسول ال
صلى ال عليه و سلم قال من أشد أمت ل حبا يكونون بعدي ،يود أحدهم لو رآن بأهله و ماله .
و مثله عن أب ذر .
و قد تقدم حديث عمر رضي ال عنه ،و قوله للنب صلى ال عليه و سلم :لنت أحب إل من نفسي
.و ما تقدم عن الصحابة ف مثله .
و عن عمرو بن العاص رضي ال عنه :ما كان أحد أحب إل من رسول ال صلى ال عليه وسلم .
وعن عبدة بنت خالد بن معدان ،قالت :ما كان خالد يأوي إل فراش إل و هو يذكر من شوقه إل
رسول ال صلى ال عليه و سلم و إل أصحابه من الهاجرين و النصار يسميهم و يقول :هم أصلي و
فصلي ،و إليهم ين قلب ،طال شوقي ،فجعل رب قبضي إليك حت يغلبه النوم .
وروي عن أب بكر رضي ال عنه أنه قال للنب صلى ال عليه و سلم :و الذي بعثك بالق لسلم أب
طالب كان أقر لعين من إسلمه -يعن أباه أبا قحافة ،و ذلك أن إسلم أب طالب كان أقر لعينك .
ونوه عن عمر بن الطاب ،قاله للعباس رضي ال عنه :أن تسلم أحب إل من أن يسلم الطاب ،
لن ذلك أحب إل رسول ال صلى ال عليه و سلم .
و عن ابن إسحاق ان امرأة من النصار قتل أبوها و أخوها وزوجها يوم أحد مع رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،فقالت :ما فعل رسول ال صلىال عليه و سلم ؟ قالوا :خيا ،هو بمد ال كما تبي
.قالت :أرونيه حت أنظر إليه .فلما رأته قالت :كل مصيبة بعدك جلل .
و سئل علي بن أب طالب رضي ال عنه :كيف كان حبكم لرسول ال صلى ال عليه و سلم [
] 145و سلم ؟ قال :كان و ال أحب إلينا من اموالنا و أولدنا و أبائنا و أمهاتنا ،ومن الاء البارد
على الظمأ .
و عن زيد بن أسلمك :خرج عمر رضي اللله عنه ليلة يرس الناس ،فرأى مصباحا ف بيت ،و إذا
عجوز تنفش صوفا ،و تقول :
صلى عليه الطيبون الخيار على ممد صلة البرار
يا ليت شعري و النايا أطوار قد كنت قواما بكا بالسحار
هل تمعن و حبيب الدار
تعن النب صلى ال عليه و سلم .
فجلس عمر رضي ال عنه يبكي ،و ف الكاية ط ول .
وروي أن عبد ال بن عمر خدرت رجله تعال فقيل له :اذكر أحب الناس إليك يزل عنك .
فصاح :يا ممداه ! فانتشرت .
و لا احتضر بلل رضي ال عنه نادت امرأته :و احزاناه ! فقال :واطرباه ! غدا ألقى الحبة .ممدا
و حزبه .
[ و مثله عن حذيفة بن اليمان رضي ال عنهما ] .
و يروى أن امرأة قالت لعائشة رضي ال عنها :اكشفي ل قب رسول ال صلى ال عليه و سلم ،
فكشفته لا تعال فبكت حت ماتت .
و لا أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الرم ليقتلوه قال ابو سفيان ابن حرب :أنشدك بال يا زيد ،
أتب أن ممدا الن عندنا مكانك تضرب عنقه ،و إنك ف أهلك ؟
فقال زيد :و ال ما أحب أن ممدا الن ف مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة و إن جالس ف أهلي .
فقال أبو سفيان :ما رأيت من الناس أحدا يب أحدا كحب أصحاب ممد ممدا ! .
وعن ابن عباس :كان الرأة إذا أتت النب صلى ال عليه و سلم حلفها بال :ما خرجت من بغض زوج
و ل رغبة بأرض عن ارض ،وما خرجت إل حبا ل ورسوله .
ووقف ابن عمر على ابن الزبي رضي ال عنهما بعد قتله تعال فاستغفر له ،و قال :كنت و ال ما
علمت صواما قواما تب ال ور سوله .
فصل
ف علمة مبته صلى ال عليه و سلم
اعلم أن من أحب شيئا آثره و آثر موافقته ،و إل ل يكن صادقا ف حبه ،و كان مدعيا .فالصادق ف
حب النب صلى ال عليه و سلم من تظهر علمة ذلك عليه ،و أولا القتداء به ،و استعمال سنته ،و
اتباع أقواله و أفعاله ،و اجتناب نواهيه ،والتأدب بآدابه ف عسره و يسره ،و منشطه و مكرهه ،و
شاهد هذا قوله تعال :قل إن كنتم تبون ال فاتبعون يببكم ال [ سورة آل عمران ، 3/الية :
. ] 31
وإيثار ما شرعه و حض عليه على هوى نفسه تعال و موافقة شهوته ،قال ال تعال :والذين تبوؤوا
الدار واليان من قبلهم يبون من هاجر إليهم ول يدون ف صدورهم حاجة ما أوتوا ويؤثرون على
أنفسهم ولو كان بم خصاصة [ سورة الشر ، 59/الية . ] 9 :
و إسخاط العباد ف رضا ال تعال .
حدثنا القاضي أبو علي الافظ ،حدثنا أبو السن الصيف ،و أبو الفضل ابن خيون ،قال :حدثنا أبو
يعلى البغدادي ،حدثنا ممد بن مبوب ،حدثنا أبو عيسى ،حدثنا مسلم بن حات ،حدثنا ممد بن
عبد ال النصاري ،عن أبيه [ ] 146عن علي بن زيد ،عن سعيد بن السيب ،قال :قال أنس ب ن
مالك رضي ال عنه :قال ل رسول ال صلى ال عليه و سلم :يا بن ،إن قدرت أن تصبح و تسي
ليس ف قلبك غش لحد فافعل .
ث قال ل :يا بن ،و ذلك من سنت ،و من أحيا سنت فقد أحبن ،و من أحبن كان معي ف النة .
فمن اتصف بذه الصفة فهو كامل الحبة ل و رسوله ،و من خالفها ف بعض هذه المور فهو ناقص
الحبة ،و ل يرج عن اسها .
و دليله قوله صلى ال عليه و سلم للذي حده ف المر فلعنه بعضهم ،و قال :ما أكثر ما يؤتى به !
فقال النب صلى ال عليه و سلم :ل تلعنه ،فإنه يب ال و رسوله .
و من علمات مبة النب صلى ال عليه و سلم كثرة ذكره له ،فمن أحب شيئا أكثر ذكره .
و منها كثرة شوقه إل لقائه ،فكل حبيب يب لقاء حبيبه .
و ف حديث الشعريي عند قدومهم الدينة أنم كانوا يرتزوون :غدا نلقى الحبة .ممدا و صحبه .
و تقدم قول بلل .
و مثله قال عمار قبل قتله .و ما ذكرناه من قصة خالد بن معدان .
و من علماته مع كثرة ذكره رسول ال تعظيمه له و توفيه عند ذكره تعال و إظهار الشوع و
النكسار مع ساع إسه .
قال إسحاق التجيب :كان أصحاب النب ص ل ال عليه و سلم بعده ل يذكرونه إل خشعوا و
اقشعرت جلودهم و بكوا .
و كذلك كثي من التابعي منهم من يفعل ذلك مبة له و شوقا إليه ،و منهم من يفعله تيبا و توقيا .
و منها مبته لن أحب النب صلى ال عليه و سلم ،ومن هو بسببه من آل بيته و صحابته من الهاجرين
و النصار ،و عداوة من عاداهم ،و بغض من أبغضهم و سبهم ،فمن أحب شيئا أحب من يبه .
و قد قال النب صلى ال عليه و سلم ف السن و السي :اللهم أحبهما فأحبهما .
و ف رواية -ف السن :اللهم إن أحبه فأحب من يبه .
و قال :من أحبهما فقد أحبن ،و من أحبن فقد أحب ال ،و من أبغضهما فقد أبغضن ،و من
أبغضن فقد أبغض ال .
و قال :ال ال ف أصحاب ،ل تتخذوهم غرضا بعدي ،فمن أحبهم فبحب أحبهم ،و من أبغضهم
فببغضي أبغضهم ،و من آذاهم فقد آذان ،و من آذان فقد آذى ال ،و من آذى ال يوشك أن يأخذه
.
و قال رسول ال ف فاطمة رضي ال عنها :إنا بضعة من ،يغضبن ما أغضبها .
و قال لعائشة رسول ال قي أسامة بن زيد :أحبيه فإن أحبه .
و قال :آية اليان حب النصار ،و آية النفاق بغض هم .
و ف حديث ابن عمر :من أحب العرب فبحب أحبهم ،و من أبغضهم فببغضي أبغضهم ،فبالقيقة من
أحب شيئا أحب كل شيء يبه .
و هذه سية السلف حت ف الباحات و شهوات النفس .
و قد قال أنس حي رأى النب صلى ال عليه و سلم يتتبع الدباء من حوال القصعة :فما زلت أحب
الدباء من يومئذ .
و هذا السن بن علي ،و عبد ال بن عباس ،وابن جعفر ـ أتوا سلمى و سألوها أن تصنع لم [
] 147طعاما ما كان يعجب رسول ال صلى ال عليه و سلم .
و كان ابن عمر يلبس النعال السبتية ،و يصبغ بالصفرة ،إذ رأى النب صلى ال عليه و سلم يفعل نو
ذلك .
و منها بغض من أبغض ال ورسوله ،ومعاداة من عاداه ،ومانبة من خالف سنته و ابتدع ف دينه ،و
استثقاله كل أمر يالف شريعته ،قال ال تعال :ل تد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد
ال ورسوله [ سورة الجادلة ، 58/الية . ] 22 :
و هؤلء أصحابه صلى ال عليه و سلم قد قتلوا أحباءهم ،و قاتلوا آباءهم و أبناءهم ف مرضاته .
و قال له عبد ال بن عبد ال بن أب :لو شئت لتيتك برأسه -يعن أباه .
و منها ان يب القرآن الذي أت به صلى ال عليه و سلم ،و هذي به و اهتدى ،و تلق به حت قالت
عائشة رضي ال عنها :كان خلقه القرآن ،و حبه للقرآن تلوته ،و العمل به و تفهمه .
ويب سنته ،و يقف عند حدودها .
قال سهل بن عبد ال :علمة حب ال حب القرآن ،وعلمة حب القرآن حب النب صلى ال عليه و
سلم ،وعلمة حب النب صلى ال عليه و سلم حب السنة ،وعلمة حب السنة حب الخرة ،وعلمة
حب الخرة بغض الدنيا ،وعلمة بغض الدنيا أل يدخر منها إل زاذا وبلغة إل الخرة .
وقال ابن مسعود :ل يسأل أحد عن نفسه إل القرآن ،فإن كان يب القرآن فهو يب ال ورسوله .
ومن علمة حبه للنب صلى ال عليه و سلم شفقته على أمته ،ونصحه لم ،وسعيه ف مصالهم ،ورفع
الضار عنهم ،كما كان الرسول صلى ال عليه و سلم بالؤمني رؤوفا رحيما .
ومن علمة تام مبته زهد مدعيها ف الدنيا ،وإيثار الفقر ،واتصافه به .
وقد قال عليه الصلة والسلم لب سعيد الدري :إن الفقر إل من يبن منكم أسرع من السيل من
أعلى الوادي ،أو البل إل أسفله .
وف حديث عبد ال بن مغفل :قال رجل للنب صلى ال عليه و سلم يا رسول ال ،إن أحبك .فقال :
انظ ر ما تقول .قال :وال إن أحبك ـ ثلث مرات .قال :إن كنت تبن فأعد للفقر تفافا .
ث ذكر نو حديث أب سعيد بعناه .
فصل
ف معن الحبة للنب صلى ال عليه و سلم وحقيقتها
اختلف الناس ف تفسي مبة ال ومبة النب صلى ال عليه و سلم ،وكثرت عباراتم ف ذلك ،و ليست
ترجع بالقيقة إل اختلف مقال ،و لكنها اختلف أحوال :
فقال سفيان :الحبة اتباع الرسول صلى ال عليه و سلم ،كأنه التفت إل قوله تعال :قل إن كنتم
تبون ال فاتبعون يببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم [ سورة آل عمران ، 3 /الية . ] 31 :
وقال بعضهم :مبة الرسول اعتقاد نصرته ،والذب عن سنته ،والنقياد لا ،و هيبة مالفته .
و قال بعضهم :الحبة :دوام الذكر للمحبوب .
و قال آخر :إيثار الحبوب .
و قال بعضهم :الحبة الشوق إل الحبوب .
و قال بعضهم :الحبة مواطأة القلب لراد الرب ،يب ما أحب ،ويكره ما كره .
و قال آخر :الحبة ميل القلب إل موافق له .
و أكثر العبارت التقدمة إشارة إل ثرات الحبة دون حقيقتها .
و حقيقة الحبة اليل إل ما يوافق النسان ،و تكون موافقته له إما لستلذاذه بإدراكه ،كحب الصور
الميلة ،والصوات السنة ،والطعمة والشربة اللذيذة ،وأشباهها ما كل طبع سليم مائل إليها
لوافقتها له ،أو لستلذاذه بإدراكه باسة عقله و قلبه معان باطنة شريفة ،كمحبة الصالي و العلماء و
أهل العروف ،و الأثور عنهم السي الميلة و الفعال السنة ،فإن طبع النسان مائل إل الشغف
بأمثال هؤلء حت يبلغ التعصب بقوم ،و التشيع من أمة ف آخرين ما يؤدي إل اللء عن الوطان ،و
هتك الرم ،و احترام النفوس ،أو يكون حبه إياه لوافقته له من جهة إحسانه له و إنعامه عليه ،فقد
جبلت النفوس على حب من أحسن إليها .
فإذا تقرر هذا نظرت هذه السباب كلها ف حقه صلى ال عليه و سلم فعلمت أنه صلى
ال عليه و سلم جامع لذه العان الثلثة الوجبة للمحبة :
أما جال الصورة و الظاهر ،و كمال الخلق و الباطن ،فقد قررنا منها قبل فيما مر ف الكتاب ما ل
يتاج إل زيادة .
و أما إحسانه و أنعامه على أمته فكذلك قد مر منه ف أوصاف ال تعال له من رأفته بم ،و رحته
لم ،و هدايته إياهم ،و شفقته عليهم ،و استنفاذهم به من النار ،و أنه بالؤمني رؤوف رحيم ،و
رحة للعالي ،و مبشرا و نذيرا ،و داعيا إل ال بإذنه و سراجا منيا ،و يتلوا عليهم آياته ،و
يزكيهم ،و يعلهم الكتاب و الكمة ،و يهديهم إل ى صراط مستقيم .
فأي إحسان أجل قدرا ،و أعظم خطرا من إحسانه إل جيع الؤمني ؟ و أي إفضال أعم منفعة و أكثر
فائدة من إنعامه على كافة السلمي ،إذ كان ذريعتهم إل الداية ،و منقذهم من العماية ،و داعيهم
إل الفلح ،و وسيلتهم إل ربم ،و شفيعهم و التكلم عنهم ،و الشاهد لم ،و الوجب لم البقاء
الدائم و النعيم السرمد .
فقد استبان لك أنه صلى ال عليه و سلم مستوجب للمحبة القيقية شرعا با قدمناه من صحيح الثار ،
و عادة و جبلةً با ذكرناه آنفا ،لفاضته الحسان ،و عمومه الجال ،فإذا كان النسان يب من
منحه ف دنياه مرةً أو مرتي معروفأً ،أو استنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذي با قليل منقطع ـ فمن
منحه ما ل يبيد من النعيم ،و وقاه ما ل يفن من عذاب الحيم أول بالب .
و إذا كان يب بالطبع ملك لسن سيته ،أو حاكم لا يؤثر من قوام طريقته ،أو قاص بعيد الدار لا
يشاد من علمه أو كرم شيمته ـ فمن جع هذه الصال على غاية مراتب الكمال أحق بالب ،و أول
باليل .
و قد قال علي رضي ال عنه ف صفته صلى ال عليه و سلم :من رآه بديه ًة هابه ،و من خالطه معرفةً
أحبه .
و ذكرنا عن بعض الصحابة أنه كان ليصرف بصره عنه مبةً فيه [ . ] 149
فصل
ف وجوب مناصحته صلى ال عليه و سلم
قال ال تعال :ول على الذين ل يدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا ل ورسوله ما على الحسني من
سبيل وال غفور رحيم [ سورة التوبة ، 9 /الية . ]) 91 ( :
قال أهل التفسي :إذا نصحوا ل و رسوله :إذا كانوا ملصي مسلمي ف السر و العلنية .
حدثنا القاضي الفقيه أبو الوليد بقراءت عليه ،حدثنا حسي بن ممد ،حدثنا يوسف بن عبد ال ،
حدثنا ابن عبد الؤمن ،حدثنا أبو بكر التمار ،حدثنا أبو داود ،حدثنا أحد بن يونس ،حدثنا زهي ،
حدثنا سهيل بن أب صال ،عن عطاء بن يزيد ،عن تيم الداري ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه
و سلم :إن الدين النصيحة .إن الدين النصيحة .إن الدين النصيحة .قالوا :لن يا رسول ال ؟ قال :
ل و لكتابه و لرسوله ،و أئمة السلمي و عامتهم واجبة .
قال أئمتنا :النصيحة ل و لرسوله و أئمة السلمي و عامتهم واجبة .
قال المام سليمان البست :النصيحة كلمة يعب با عن جلة إرادة الي للمنصوح له ،و ليس يكن أن
يعب عنها بكلمة واحدة تصرها .و معناها ف اللغة الخلص ،من قولم :نصحت العسل ،إذا
خلصته من شعه .
و قال أبو بكر بن أب إسحاق الفاف :النصح فعل الشيء الذي به الصلح و اللءمة ،مأخوذ من
النصاح ،و هو اليط الذي ياط به الثوب .
و قال أبو إسحاق الزجاج نوه .
فنصيحة ال تعال صحة العتقاد له بالوحدانية ،و وصفه با هو أهله ،و تنيهه عما ل يوز عليه ،و
الرغبة ف مابه ،و البعد من مساخطه ،و الخلص ف عبادته .
و النصيحة لكتابه اليان به ،و العمل با فيه ،و تسي تلوته ،و التخشع عنده ،و التعظيم له ،و
تفهمه و التفقه فيه ،و الذب من تأويل الغالي ،و طعن اللحدين .
و النصيحة لرسوله التصديق بنبوته ،وبذل الطاعة له فيما أمر به ونى عنه ،قاله أبو سليمان .
و قال أبو بكر :و مؤازرته ونصرته وحايته حيا و ميتا ،و إحياء سنته بالطلب ،والذب عنها ،و
نشرها ،والتخلق بأخلقه الكرية وآدابه الميلة .
وقال أبو إبراهيم [ إسحاق ] التجيب :نصيحة رسول ال صلى ال عليه و سلم التصديق با جاء به ،و
العتصام بسنته ،و نشرها ،و الض عليها ،و الدعوة إل ال و إل كتابه و إل رسوله ،و إليها و إل
العمل با .
و قال أحد بن ممد :من مفروضات ال قلوب اعتقاد النصيحة لرسول ال صلى ال عليه و سلم .
قال أبو بكر الجري و غيه :النصح له يقتضي نصحي :نصحا ف حياته ،ونصحا بعد ماته ،ففي
حياته نصح أصحابه له بالنصر والحاماة عنه و معاداة من عاداه ،والسمع و الطاعة له ،و بذل النفوس
والموال دونه ،كما قال ال تعال :رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نبه ومنهم من
ينتظر وما بدلوا تبديل [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 23 :
و قال :وينصرون ال ورسوله أولئك هم الصادقون [ سورة الشر ، 59 /الية . ] 8 :
و أما نصيحة السلمي له بعد وفاته فالتزام التوقي و الجلل ،و شدة الحبة له ،و الثابرة على تعلم
سنته [ ، ] 150و التفقه ف شريعته ،و مبة آل بيته و أصحابه ،و مانبة من رغب عن سنته و انرف
عنها ،و بغضه و التحذير منه ،و الشفقة على أمته ،و البحث عن تعرف أخلقه و سيه و آدابه ،و
الصب على ذلك .
فعلى ما ذكره تكون النصيحة إحدى ثرات الحبة ،و علمة من علماتا كما قدمنا .
و حكى المام أبو القاسم القشيي أن عمرو بن الليث أحد ملوك خراسان و مشاهي الثوار العرف
بالصفار ـ رئي ف النوم ،فقيل له :ما فعل ال بك ؟ فقال :غفر ل ،فقيل :باذا ؟ قال :صعدت
ذروة جبل يوما فأشرفت على جنودي ،فأعجبتن كثرتم ،فتمنيت أن حضرت رسول ال صلى ال
عليه و سلم فأعنته ونصرته ،فشكر ال ل ذلك و غفر ل .
و أما النصح لئمة السلمي فطاعتهم ف الق ،و معونتهم فيه ،وأمرهم به ،و تذكيهم إياه على
أحسن وجه و تنبيههم على ما غفلوا عنه و كتم عنهم من أمور السلمي ،و ترك الروج عليهم ،و
تضريب الناس و إفساد قلوبم عليهم .
و النصح لعامة السلمي إرشادهم إل مصالهم ،و معونتهم ف أمر دينهم و دنياهم بالقول و الفعل ،و
تنبيه غافلهم ،و تبصي جاهلهم ،و رفد متاجهم ،و ستر عوراتم ،و دفع الضار عنهم ،و جلب
النافع إليهم .
الباب الثالث
فصل
ف تعظيم النب بعد موته
و اعلم أن حرمة النب صلى ال عليه و سلم بعد موته ،و توقيه و تعظيمه ،لزم كما كان حال
حياته ،و ذلك عند ذكره صلى ال عليه و سلم ،و ذكر حديثه و سنته ،و ساع اسه و سيته ،و
معاملة آله و عترته ،و تعظيم أهل بيته و صحابته .
و قال أبو إبراهيم التجيب :واجب على كل مؤمن مت ذكره ،أو ذكر عنده ـ أن يضع و يشع ،و
يتوقر و يسكن من حركته ،و يأخذ ف هيبته و إجلله با كان يأخذ به نفسه لو كان بي يديه ،و
يتأدب با أدبنا ال به .
قال القاضي أبو الفضل :و هذه كانت سية سلفنا الصال و أئمتنا الاضي رضي ال عنهم .
حدثنا القاضي أبو عبد ال ممد بن عبد الرحن الشعري ،و أبو القاسم أحد ابن بقي الاكم ،و غي
واحد ،فيما أجازونيه ،قالوا :أنبأنا أبو العباس أحد بن عمر ابن دلاث ،قال :حدثنا أبو السن علي
بن فهر ،حدثنا أبو بكر ممد بن أحد ابن الفرج ،حدثنا أبو السن عبد ال بن النتاب ،حدثنا
يعقوب بن إسحاق ابن أب إسرائيل ،حدثنا ابن حيد ،قال ناظر أبو جعفر أمي الؤمني مالكا ف
مسجد رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فقال له مالك :يا أمي الؤمني ،ل ترفع صوتك ف هذا
السجد ،فإن ال تعال أدب قوما فقال :ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب ول تهروا له بالقول
كجهر بعضكم لبعض أن تبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون [ سورة الجرات ، 49 /الية . ] 2 :
و مدح قوما فقال :إن الذين يغضون أصواتم عند رسول ال أولئك الذين امتحن ال قلوبم للتقوى لم
مغفرة وأجر عظيم [ سورة الجرات ، 49 /الية . ] 3 :
و ذم قوما فقال :إن الذين ينادونك من وراء الجرات أكثرهم ل يعقلون و إن حرمته كحرمته حيا .
فاستكان لا أبو جعفر ،و قال :يا أبا عبد ال ،أأستقبل القبلة و أدعوا أم أستقبل رسول ال صلى ال
عليه و سلم ؟ فقال :و ل تصرف وجهك عنه و هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم عليه السلم إل ال
تعال يوم القيامة ؟ بل استقبله و استشفع به ،فيشفعك ال ،قال ال تعال :ولو أنم إذ ظلموا أنفسهم
جاؤوك فاستغفروا ال واستغفر لم الرسول لوجدوا ال توابا رحيما [ سورة النساء ، 4 /الية ] 64 :
.
و قال مالك ـ وقد سئل عن أيوب السختيان :ما حدثتكم عن أحد إل و أيوب أفضل منه :
و قال :وحج حجتي ،فكنت أرمقه و ل أسع منه ،غي أنه كان إذا ذكر النب صلى ال عليه و سلم
بكى حت أرحه .
فلما رأيت منه ما رأيت ،و إجلله للنب صلى ال عليه و سلم كتب عنه .
و قال مصعب بن عبد ال :كان مالك إذا ذكر النب صلى ال عليه و سلم يتغي لونه ،و ينحن حت
يصعب ذلك على جلسائه ،فقيل له يوما ف ذلك ،فقال لو رأيتم ما رأيت لا أنكرت علي ما ترون ،و
لقد كنت أرى ممد ابن النكدر ،وكان سيد القراء ل نكاد نسأله عن حديث أبدا إل يبكي حت
نرحه .
و لقد كنت أرى جعفر بن ممد الصادق ،و كان كثي الدعابة و التبسم ،فإذا ذكر [ ] 154عنده
النب صلى ال عليه و سلم اصفر .و ما رأيته يدث عن رسول ال صلى ال عليه و سلم إل على طهارة
.
و قد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إل على ثلث خصال :إما مصليا ،و إما صامتا ،و إما يقرأ
القرآن ،و ل يتكلم فيما ل يعنيه ،و كان من العلماء و العباد الذين يشون ال عز و جل .
و لقد كان عبد الرحن بن القاسم يذكر النب صلى ال عليه و سلم فينظر إل لونه كأنه نزف منه الدم ،
و قد جف لسانه ف فمه هيبةً لرسول ال صلى ال عليه و سلم .
و لقد كنت آت عامر بن عبد ال بن الزبي فإذ ا ذكر عنده النب صلى ال عليه و سلم بكى حت ل يبقى
ف عينيه دموع .
و لقد رأيت الزهري ـ و كان من أهنأ الناس و أقربم ،فإذا ذكر عنده النب صلى ال عليه و سلم
فكأنه ما عرفك و ل عرفته .
و لقد كنت آت صفوان بن سليم ،و كان من التعبدين الجتهدين ،فإذا ذكر النب صلى ال عليه و
سلم بكى ،فل يزال يبكي حت يقوم الناس عنه و يتركوه .
و روي عن قتادة أنه كان إذا سع الديث أخذه العويل و الزويل .
و لا كثر على مالك الناس قيل له :لو جعلت مستمليا يسمعهم ؟ فقال :قال ال تعال :يا أيها الذين
آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب و حرمته حيا و ميتا سواء .
[ و كان ابن سيين ربا يضحك ،فإذا ذكر عنده حديث النب صلى ال عليه و سلم خشع ] .
و كان عبد الرحن بن مهدي إذا قرأ حديث النب صلى ال عليه و سلم أمرهم بالسكوت ،و قال :ل
ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب ،و يتأول أنه يب له من النصات عند قراءة حديثه ما يب له عند
ساع قوله .
فصل
ف سية السلف ف تعظيم رواية حديث الرسول و سننه
حدثنا السي بن ممد الافظ ،حدثنا أبو الفضل بن خيون ،حدثنا أبو بكر البقان و غيه ،حدثنا
أبو السن الدار قطن ،حدثنا علي بن مبشر ،حدثنا أحد ابن سنان القطان ،حدثنا يزيد بن هارون ،
حدثنا السعودي ،عن مسلم البطي ،عن عمرو بن ميمون ،قال :اختلفت إل ابن مسعود سنةً ،فما
سعته يقول :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ،إل أنه حدث يوما فجرى على لسانه :قال رسول
ال صلى ال عليه و سلم ،ث عله كرب ،حت رأيت العرق يتحدر عن جبهته ،ث قال :هكذا إن
شاء ال ،أو فوق ذا ،أو ما دون ذا ،أو ما هو قريب من ذا .
و ف رواية :فتربد وجهه .
و ف رواية :و قد تغرغرت عيناه ،و انتفخت أوداجه .
و قال إبراهيم بن عبد ال بن قري النصاري قاضي الدينة :مر مالك بن أنس على أب حازم ،و هو
يدث ،فجازه ،و قال :إن ل أجد موضعا أجلس فيه ،فكرهت أن آخذ حديث رسول ال صلى ال
عليه و سلم و أنا قائم .
و قال مالك :جاء رجل إل ابن السيب ،فسأله عن حديث و هو مضطجع ،فجلس و حدثه ،فقال
له الرجل :و ددت [ ] 155أنك ل تتعن ،فق ال :إن كرهت أن أحدثك عن رسول ال صلى ال
عليه و سلم و أنا مضطجع .
[ و روي عن ممد بن سيين أنه قد يكون يضحك ،فإذا ذكر عنده حديث النب صلى ال عليه و سلم
خشع ] .
و قال أبو مصعب :كان مالك بن أنس ل يدث بديث رسول ال صلى ال عليه و سلم إل و هو
على وضوء ،إجللً له .
و حكى مالك ذلك عن جعفر بن ممد .
و قال مصعب بن عبد ال :كان مالك بن أنس إذا حدث عن رسول ال صلى ال عليه و سلم توضأ و
تيأ ،و لبس ثيابه ،ث يدث .
قال مصعب :فسئل عن ذلك ،فقال :إنه حديث رسول ال صلى ال عليه و سلم .
قال مطرف :كان إذا أتى الناس مالكا خرجت إليهم الارية فتقول لم :يقول لكم الشيخ :تريدون
الديث أو السائل ؟ فغن قالوا السائل خرج إليهم ،و إن قالوا الديث دخل مغتسله ،و اغتسل و
تطيب ،و لبس ثيابا جددا ،و لبس ساجه و تعمم ،و وضع على رأسه رداء ،و تلقى له منصة ،
فيجرخ فيجلس عليها ،و عليه الشوع ،و ل يزال يبخر بالعود حت يفرغ من حديث رسول ال صلى
ال عليه و سلم .
قال [ غيه ] :و ل يكن يلس على تلك النصة إل إذا حدث عن رسول ال صلى ال عليه و سلم .
قال ابن أب ي أويس :فقيل لالك ف ذلك ،فقال :أحب أن أعظم حديث رسول ال صلى ال عليه و
سلم ،و ل أحدث به إل عن طهارة متمكنا .
قال :و كان يكره أن يدث ف الطريق ،أو و هو قائم ،أو مستعجل .
و قال :أحب أن أفهم حديث رسول ال صلى ال عليه و سلم .
[ قال ضرارة بن مرة :كانوا يكرهون أن يدثوا بديث على غي وضوء .
و نوه عن قتادة .
و كان العمش إذا حدث و هو على غي وضوء تيمم .
و كان قتادة ل يدث إل على طهارة ،ول يقرأ حديث النب صلى ال عليه و سلم إل على وضوء ] .
قال عبد ال بن مبارك :كنت عند مالك ،و هو يدثنا ،فلدغته عقرب ست عشرة مرةً ،و هو يتغي
لونه و يصفر و ل يقطع حديث رسول ال صلى ال عليه و سلم .
فلما فرغ من الجلس ،و تفرق الناس عنه قلت له :يا أبا عبد ال ،لقد رأيت اليوم منك عجبا .قال:
نعم ،لدغتن عقرب ست عشرة مرة ،و أنا صابر ف جيع ذلك ،و إنا صبت إجللً لديث رسول
ال صلى ال عليه و سلم .
قال ابن مهدي :مشيت يوما مع مالك إل العقيق ،فسألته عن حديث ،فانتهزن و قال ل :كنت ف
عين أجل من أن تسأل عن حديث رسول ال صلى ال عليه و س ل و نن نشي .
و سأله جرير بن عبد الميد القاضي عن حديث و هو قائم ،فأمر ببسه ،فقيل له :إنه قاض .قال :
القاضي أحق من أدب .
و ذكر أن هشام بن هشام بن الغازي سأل مالكا عن حديث و هو واقف فضرب عشرين سوطا ،ث
أشفق عليه ،فحدثه عشرين حديثا ،فقام هشام :وددت لو زادن سياطا و يزيدن حديثا .
قال عبد ال بن صال :كان ماك و الليث ل يكتبان الديث إل وها طاهران .
و كان قتادة يستحب أل تقرأ أحاديث النب صلى ال عليه و سلم [ ] 156إل على وضوء ،و ل
يدث إل على طهارة .
و كان العمش إذا أراد أن يدث و هو على وضوء تيمم .
فصل
ف توقيه ،و بر آله ،و ذريته ،و أمهات الؤمني أزواجه
ومن توقيه صلى ال عليه و سلم وبره ـ بر آله و ذريته و أمهات الؤمني أزواجه ،كما حض عليه
صلى ال عليه و سلم ،و سلكه السلف الصال رضي ال عنهم .
قال ال تعال :إنا يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيا [ سورة الحزاب /
، 33الية . ] 33 :
و قال تعال :وأزواجه أمهاتم [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 6 :
أخبنا الشيخ أبو ممد بن أحد العدل من كتابه ،و كتبت من أصله :حدثنا أبو السن القرئ الفرغان
،حدثتن أم القاسم بنت الشيخ أب بكر الفاف ،قالت :حدثن أب ،حدثنا حات ـ هو ابن عقيل ،
حدثنا يي ـ هو ابن إساعيل ،حدثنا يي ـ هو المان ،حدثنا وكيع ،عن أبيه ،عن سعيد بن
مسروق ،عن يزيد بن حيان ،عن زيد بن أرقم ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :
أنشدكم رسول ال أهل بيت . . .ثلثا .
قلنا لزيد :من أهل بيته ؟ قال :آل علي ،و آل جعفر ،و آل عقيل ،و آل العباس .
و قال صلى ال عليه و سلم :إن تارك فيكم ما إن أخذت به ل تضلوا :كتاب ال ،و عترت أهل
بيت ،فانظر وا كيف تلفون فيهما .
و قال صلى ال عليه و سلم :معرفة آل ممد صلى ال عليه و سلم براءة من النار ،و حب آل ممد
جواز على الصراط ،و الولية لل ممد أمان من العذاب .
قال بعض العلماء :معرفتهم هي معرفة مكانم من النب صلى ال عليه و سلم ،و إذا عرفهم بذلك
عرف وجوب حقهم و حرمتهم بسببه .
و عن عمر بن أب سلمة :لا نزلت :إنا يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيا
ـ و ذلك ف بيت أم سلمة ـ دعا فاطمة و حسنا و حسينا ،فجللهم بكساء ،و علي خلف ظهره
[ فجلله بكسائه ] ،ث قال :اللهم هؤلء أهل بيت ،فأذهب عنهم الرجس ،و طهرهم تطهيا .
و عن سعد بن أب وقاص :لا نزلت آية الباهلة دعا النب صلى ال عليه و سلم عليا و حسنا و السي
و فاطمة ،و قال :اللهم هؤلء أهلي .
و قال النب صلى ال عليه و سلم ف علي :من كنت موله فعلي موله ،اللهم و ال من واله ،و عاد
من عاداه .
و قال فيه :ل يبك إل مؤمن ،و ل يبغضك إل منافق .
و قال للعباس و الذي نفسي بيده ،ل يدخل قلب رجل اليان حت يبكم ل و لرسوله .و من آذى
عمي فقد آذان ،و إنا ع م الرجل صنو أبيه .
و قال العباس :اغد علي يا عم مع ولدك ،فجمعهم و جللهم بلءته ،و قال :هذا عمي و صنو أب ،
و هؤلء أهل بيت ،فاسترهم من النار كستري إياهم فأمنت أسكفة الباب و حوائط البيت :آمي .
آمي .
و كان يأخذ أسامة بن زيد ،و السن ،و يقول :اللهم إن أحبهما فأحبهما .
و قال أبو بكر :ارقبوا ممدا ف أهل بيته .
و قال أيضا :و الذي نفسي بيده لقرابة [ ] 157رسول ال صلى ال عليه و سلم أحب إل أن أصل
من قرابت .
و قال صلى ال عليه و سلم :أحب ال من أحب حسنا و حسينا .
و قال :من أحبن و أحب هذين ـ و أشار إل حسن و حسي و أباها و أمهما ـ كان معي ف
درجت يوم القيامة .
و قال صلى ال عليه و سلم :من أهان قريشا أهانه ال .
و قال صلى ال عليه و سلم :قدموا قريشا و ل تقدموها .
و قال صلى ال عليه و سلم لم سلمة :ل تؤذين ف عائشة .
و عن عقبة بن الارث :رأيت أبا بكر رضي ال عنه ،و جعل السن على عنقه و هو يقول :بأب
شيبه بالنب ،ليس شبيها بعلي ـ و علي رضي ال عنه يضحك .
و روي عن عبد ال بن السن بن حسي ،قال :أت يت عمر بن عبد العزيز ف حاجة ،فقال :ل :
إذا كانت لك حاجة فأرسل إل أو اكتب ،فإن أستحيي من ال أن يراك على باب .
و عن الشعب :صلى زيد بن ثابت على جنازة أمه ،ث قربت له بغلته ليكبها ،فجاء ابن عباس فأخذ
بركابه ،فقال زيد :خل عنه يا بن عم رسول ال .فقال :هكذا نفعل بالعلماء .فقبل زيد يد ابن
عباس ،و قال :هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا .
و رأى ابن عمر ممد بن أسامة بن زيد ،فقال :ليت هذا عبدي ،فقيل له :هو ممد بن أسامة .
فطأطأ ابن عمر رأسه و نقر بيده الرض ،و قال :لو رآه رسول ال صلى ال عليه و سلم لحبه .
و قال الوزاعي :دخلت بنت أسامة بن زيد صاحب رسول ال صلى ال عليه و سلم على عمر بن
عبد العزيز و معها مول لا يسك بيدها ،فقام لا عمر ،و مشى إليها حت جعل يدها بي يديه ،و
يداه ف ثيابه ،و مشى با حت أجلسها على مسله ،و جلس بي يديها ،و ماترك لا حاج ًة إل قضاها
.
و لا فرض عمر بن الطاب لبنه عبد ال ف ثلثة آلف ،و لسامة بن زيد ف ثلثة آلف و خسمائة
ـ قال عبد ال لبيه :ل فضلته ،فو ال ما سبقن إل مشهد ؟ فقال له :لن زيدا كان أحب إل
رسول ال صلى ال عليه و سلم من أبيك ،و أسامة أحب إليك منك ،فآثرت حب رسول ال صلى
ال عليه و سلم على حب .
و بلغ معاوية أن كابس بن ربيعة يشبه برسول ال صلى ال عليه و سلم ،فلما دخل عليه من باب الدار
قام عن سريره و تلقاه و قبل بي عينيه ،و أقطعه الرغاب لشبهه صورة رسول ال صلى ال عليه و سلم
.
و روي أن مالكا رحه ال لا ضربه جعفر بن سليمان ،و نال منه ما نال ،و حل مغشيا عليه دخل
عليه الناس فأفاق ،فقال :أشهدكم أن جعلت ضارب ف حل .
فسئل بعد ذلك ،فقال :خفت أن أموت ،فألقى النب صلى ال عليه و سلم ،فأستحي منه أن يدخل
بعض آله النار بسبب .
و قيل :إن النصور أقاده من جعفر ،فقال له :أعوذ بال ! و ال ما ارتفع منها سوط عن جسمي [
] 158إل و قد جعلته ف حل لقرابته من رسول ال صلى ال عليه و سلم .
و قال أبو بكر بن عياش :لو أتان أبو بكر و عمر و علي لبدأت باجة علي قبلهما ،لقرابته من رسول
ال صلى ال عليه و سلم ،و لن أخر من السماء إل الرض أحب إل من أن أقدمه عليهما .
و قيل لبن عباس :ما تت فلنة ـ لبعض أزواج النب صلى ال عليه و سلم ،فسجد ،فقيل له :
أتسجد هذه الساعة ؟ فقال :أليس قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :إذا رأيتم آيةً فاسجدوا و أي
آية أعظم من ذهاب أزواج النب صلى ال عليه و سلم .
[ و كان أبو بكر و عمر يزوران أم أين مولة النب صلى ال عليه و سلم ،و يقولن :كان رسول ال
صلى ال عليه و سلم يزورها .
و لا وردت حليمة السعدية على النب صلى ال عليه و سلم بسط لا رداءه و قضى حاجتها ،فلما توف
وفدت على أب بكر و عمر فصنعا با مثل ذلك ] .
فصل
من توقيه و بره توقي أصحابه و برهم
و من توقيه و بره صلى ال عليه و سلم ـ توقي أصحابه و برهم و معرفة حقهم ،و القتداء بم ،و
حسن الثناء عليهم ،و الستغفار لم ،و المساك لم ،و المساك عما شجر بينهم ،و معاداة من
عاداهم ،و الضراب عن أخبار الؤرخي ،و جهلة الرواة ،و ضلل الشيعة و البتدعي القادحة ف
أحد منهم ،و أن يلتمس لم فيما نقل عنهم من مثل ذلك فيما كان بينهم من الفت أحسن التأويلت ،
و يرج لم أصواب الخارج :إذ هم أهل ذلك ،و ل يذكر أحد منهم بسوء ،و ل يغمص عليه أمر ،
بل تذكر حسناتم و فضائلهم ،و حيد سيتم ،و يسكت عما وراء ذلك ،كما قال صلى ال عليه و
سلم :إذا ذكر أصحاب فأمسكوا .
قال ال تعال :ممد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحاء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون
فضل من ال ورضوانا سيماهم ف وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم ف التوراة ومثلهم ف النيل
كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بم الكفار وعد ال الذين
آمنوا وعملوا الصالات منهم مغفرة وأجرا عظيما [ سورة الفتح ، 48 /الية . ] 29 :
و قال :والسابقون الولون من الهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه
وأعد لم جنات تري تتها النار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [ سورة التوبة ، 9 /الية :
. ] 100
و قال ال تعال :لقد رضي ال عن الؤمني إذ يبايعونك تت الشجرة [ سورة الفتح ، 48 /الية :
. ]18
و قال :رجال صدقوا ما عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل
[ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 23 :
حدثنا القاضي أبو علي ،حدثنا أبو السي ،و أبو الفضل ،قال :حدثنا أبو يعلى ،حدثنا أبو علي
السنجي ،حدثنا ممد بن مبوب ،حدثنا الترمذي ،حدثنا السن بن الصباح ،حدثنا سفيان بن
عيينة ،عن زائدة ،عن عبد اللك بن عمي ،عن ربعي بن حراش ،عن حذيفة رضي ال عنه ،قال :
قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :اقتدوا باللذين من بعدي :أب بكر ،و عمر .
و قال :أصحاب كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم .
و عن أنس رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :مثل أصحاب كمثل اللح ف
الطعام ،ل يصلح الطعام إل به .
و قال :ال ل ف اصحاب ،ل تتخذوهم غرضا بعدي ،فمن أحبهم فبحب أحبهم ،و من أبغضهم
فببغضي أبغضهم ،و من آذاهم فقد آذان ،و من آذان فقد آذى ال ،و من آذى ال يوشك أن يأخذ
.
و قال :ل تسبوا أصحاب ،فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و ل نصيفه .
و قال ] 159 [ :من سب أصحاب فعليه لعنة ال و اللئكة و الناس أجعي ،ل يقبل ال منه صرفا و
ل عدلً .
و قال :إذا ذكر أصحاب فأمسكوا .
وقال ـ ف حديث جابر :إن ال اختار أصحاب على جيع العالي سوى النبيي والرسلي ،واختار ل
منهم أربعة :أبا بكر ،وعمر ،وعثمان ،وعليا ،فجعلهم خي أصحاب ،وف أصحابم كلهم خي .
وقال :من أحب عمر فقد أحبن ،ومن أبغض عمر فقد أبغضن .
وقال مالك بن أنس ،وغيه :من أبغض الصحابة و سبهم فلبيس له ف فءالسلمي حق ،و نزع بآية
الشر :وما أفاء ال على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ول ركاب ولكن ال يسلط رسله على
من يشاء وال على كل شيء قدير * ما أفاء ال على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القرب
واليتامى والساكي وابن السبيل كي ل يكون دولة بي الغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما
ناكم عنه فانتهوا واتقوا ال إن ال شديد العقاب ...إل قوله تعال :والذين جاؤوا من بعدهم يقولون
ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليان ول تعل ف قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم
[ سورة الشر ، 59/اليات . ] 10 ، 5 :
وقال :من غاظه أصحاب ممد فهو كافر ،قال ال تعال :ليغيظ بم الكفار [ سورة الفتح ، 48 /
الية . ] 29 :
وقال عبد ال بن البارك :خصلتان من كانتا فيه نا :الصدق ،وحب أصحاب ممد صلى ال عليه و
سلم .
قال أيوب السختيان :من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ،و من أحب عمر فقد أوضح السبيل ،و من
أحب عثمان فقد استضاء بنور ال ،و من أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقى ،و من أحسن الثناء على
أصحاب ممد صلى ال عليه و سلم فقد برئ من النفاق ،و من انتقض أحدا منهم فهو مبتدع مالف
للسنة والسلف الصال ،وأخاف أل يصعد له عمل إل السماء حت يبهم جيعا ،ويكون قلبه سليما .
و ف حديث خالد بن سعيد أن النب صلى ال عليه و سلم قال :أيها الناس ،إن راض عن أب بكر
فاعرفوا له ذلك .أيها لناس ،إن راض عن عمر ،و عن علي ،و عن عثمان ،و طلحة ،و الزبي ،و
سعد ،و سعيد ،و عبد الرحن بن عوف ،فاعرفوا لم ذلك .أيها الناس ،إن ال غفر لهل بدر و
الديبية ،أيها الناس ،احفظون ف أصحاب وأصهاري وأختان ،ل يطالبنكم أحد منهم بظلمة ،فإنا
مظلمة ل توهب ف القيامة غدا .
وقال رجل للمعاف بن عمران :أين عمر بن عبد العزيز من معاوية ؟ قغضب و قال :ل يقاسب
أصحاب النب صلى ال عليه و سلم أحد ،معاوية صاحبه وصهره ،وكاتبه وأمينه على وحي ال .
وأت النب صلى ال عليه و سلم بنازة رجل فلم يصل عليه ،وقال :كان يبغض عثمان ،فأبغضه ال .
وقال صلى ال عليه و سلم ف النصار :اعفوا عن مسيئهم ،و اقبلوا من مسنهم .
و قال :احفظون ف أصحاب و أصهاري ،فإنه من حفظن فيهم حفظه ال ف الدنيا و الخرة ،و من
ل يفظن فيهم تلى ال منه ،و من تلى ال منه يوشك أن يأخذه .
و عنه صلى ال عليه و سلم :من حفظن ف أصحاب كنت له حافظا يوم القيامة .
و قال :من حفظن ف أصحاب و رد علي الوض ،و من ل يفظن ف أصحاب ل يرد علي الوض ،
و ل يرن إل من بعيد .
قال مالك ـ رحه ال :هذا النب مؤدب اللق الدي هدانا ال به ،و جعله رحة للعالي ،يرج ف
جوف الليل إل البقيع فيدعوا لم و يستغفر كالودع لم ،و بذلك أمره ال ،و أمر النب ببهم ،و
موالتم ،و معاداة من عاداهم .
و روى عن كعب :ليس أحد من أصحاب ممد صلى ال عليه و سلم إل له شفاعة يوم القيامة .
و طلب من الغية بن نوفل أن يشفع له يوم القيامة .
قال سهل بن عبد ال التسترى :ل يؤمن بالرسول من ل يوقر أصحابه ،و ل يعز أوامره .
فصل
و من إعظامه و إكباره
و من إعظامه و إكباره إعظام جيع أسبابه ،و إكرام مشاهده و أمكنته من مكة و الدينة ،و معاهده ،
و ما لسه ـ صلى ال عليه و سلم ،أو أعرف به .
و روي عن صفية بنت ندة ،قالت :كان لب مذورة قصة ف مقدم رأسه إذا قعد و رأسها أصابت
الرض .فقيل له :أل تلفها ؟ فقال :ل أكن بالذي أحلفها ،و قد مسها رسول ال صلى ال عليه و
سلم بيده .
و كانت ف قلنسوة خالد بن الوليد شعرات صلى ال عليه و سلم ،فسقطت قلنسوته ف بعض حروبه ،
فشد عليها شدة أنكر عليه أصحاب النب صلى ال عليه و سلم كثرة من قتل فيها ،فقال :ل أفعلها
بسبب القلنسوة ،بل لا تضمنه من شعره صلى ال عليه و سلم لئل أسلب بركتها و تقع ف أيدي
الشركي .
[ ورئي ابن عمر واضعا يده على مقعد النب صلى ال عليه و سلم من النب ،ث وضعها على وجهه ] .
و لذا كان مالك رحه ال ل يركب بالدينة دابة حدثنا و كان يقول :أستحي من ال أن أطأ تربة فيها
رسول ال بافر دابة .
و روي عنه أنه وهب للشافعي كراعا كثيا كان عنده ،فقال له الشافعي :أمسك منها دابة .فأجابه
بثل هذا الواب .
و قد حكى أبو عبد الرحن السلمي عن أحد بن فضلويه الزاهد رسول ال و كان من الغزاة الرماة ـ
أنه قال :ما مسست القوس بيدي إل على طهارة منذ بلغن أن النب صلى ال عليه و سلم أخذ القوس
بيده .
و قد أفت مالك فيمن قال :تربة الدينة ردية ـ يضرب ثلثي درة ،و أمر ببسه ،و كان له قدر ،و
قال :ما أحوجه إل ضرب عنقه ! تربة دفن فيها النب صلى ال عليه و سلم يزعم أنا غي طيبة .
و ف الصحيح أنه قال صلى ال عليه و سلم ـ ف الدينة :من أحدث فيها حدثا أو آوى مدثا فعليه
لعنة ال و اللئكة و الناس أجعي ،ل يقبل ال منه صرفا و ل عدلً .
و حكي أن جهجاها الغفاري أخذ قضيب النب صلى ال عليه و سلم من يد عثمان رضي ال عنه ،و
تناول ليكسره على ركبته ،فصاح به الناس ،فأخذته الكله ف ركبته فقطعها ،و مات قبل الول .
و قال صلى ال عليه و سلم :من حلف على منبي كاذبا فليتبوأ مقعده من النار .
و حدثت أن أبا الفضل الوهري لا ورد الدينة زائرا ،و قرب من بيوتا ترجل و مشى باكيا منشدا :
و لا رأينا رسم من ل يدع لنا فؤادا لعرفان الرسوم و ل لبا
لن بان عنه أن نلم به ركبا نزلنا عن الكوار نشي كرا مةً
و حكى عن بعض الريدين أنه لا أشرف على مدينة الرسول أنشد يقول متمثلً [ : ] 161
و حكي عن بعض الشايخ أنه حج ماشيا ،فقيل له ف ذلك ،فقال :العبد البق ل يأت إل بيت موله
راكبا ! لو قدرت أن أمشي على رأسي ما مشيت على قدمي .
قال القاضي :و جدير لواطن عمرت بالوحي و التنيل ،و تردد با جبيل و ميكائيل ،و عرجت منها
اللئكة و الروح ،و ضجت عرصاتا بالتقديس و التسبيح ،و اشتملت تربتها على جسد سيد البشر ،
و انتشر عنها من دين ال و سنة رسوله ما انتشر ،مدارس آيات ،و مساجد و صلوات ،و مشاهد
الفضائل و اليات ،و معاهد الباهي و العجزات ،و مناسك الدين ،و مشاعر السلمي ،و مواقف
سيد الرسلي ،و متبوأ خات النبيي ،حيث انفجرت النبوة ،و أين فاض عبابا ،و مواطن مهبط
الرسالة ،و أول أرض مس جلد الصطفى ترابا ـ أن تعظم عرصاتا ،و تتنسم نفحاتا ،و تقبل
ربوعها و جدرانا :
فصل
ف حكم الصلة على النب صلى ال عليه و سلم
اعلم أن الصلة على النب صلى ال عليه و سلم فرض على الملة ،غي مدد بوقت ،لمر ال تعال
بالصلة عليه ،و حل الئمة و العلماء له على الوجوب ،و أجعوا عليه .
و حكى أبو جعفر الطبي أن ممل الية عنده على الندب ،و ادعى فيه الجاع ،و لعله فيما زاد على
مرة ،و الواجب منه الذي يسقط به الرج و مأث ترك الفرض ـ مرة ،كالشهادة له بالنبوة ،و ما عدا
ذلك فمندوب مرغب فيه ،من سنن السلم و شعار أهله .
قال القاضي أبو السن بن القصار :الشهور عن أصحابنا أن ذلك واجب ف الملة على النسان ،و
فرض عليه أن يأت با مرةً من دهره مع القدرة على ذلك .
و قال القاضي أبو بكر بن بكي :افترض ال على خلقه أن يصلوا على نبيه و يسلموا تسليما ،و ل
يعل ذلك لوقت معلوم ،فالواجب أن يكثر الرء منها ،و ل يغفل عنها .
قال القاضي أبو ممد بن نصر :الصلة على النب صلى ال عليه و سلم واجبة ف الملة .
قال القاضي أبو عبد ال بن ممد بن سعيد :ذهب مالك و أصحابه و غيهم من أهل العلم أن الصلة
على النب صلى ال عليه و سلم فرض ب الملة بعقد اليان ،ل تتعي ف الصلة ،و أن من صلى علي
مرةً واحدةً من عمره سقط الفرض عنه .
و قال أصحاب الشافعي :الفرض منها الذي أمر ال تعال به رسوله صلى ال عليه و سلم هو ف الصلة
.
و قالوا :زو أما ف غيها فل خلف أنا غي واجبة .
و أما ف الصلة فحكى المامان أبو جعفر الطبي و الطحاوي و غيها إجاع جيع التقدمي و
التأخرين من علماء المة على أن الصلة على النب صلى ال عليه و سلم ف التشهد غي واجبة .
و شذ الشافعي ف ذلك ،فقال :من ل يصل على النب صلى ال عليه و سلم من بعد التشهد الخي و
قبل السلم فصلته فاسدة ،و إن صلى عليه قبل ذلك ل تزه ،و ل سلف له ف هذا القول و ل سنة
يتبعها .
و قد بلغ ف إنكار هذه السألة عليه لخالفته فيها من تقدمه ـ جاعة ،و شنعوا عليه اللف فيها ،
منهم [ ] 163الطبي ،و القشيي ،و غي واحد .
و قال أبو بكر بن النذر :يستحب أل يصلي أحد صلةً إل صلى فيها على رسول ال صلى ال عليه و
سلم ،فإن ترك ذلك فصلته مزئة ف مذهب مالك ،و أهل الدينة ،و سفيان الثوري ،و أهل الكوفة
من أصحاب الرأي و غي هم .و هو قول جل أهل العلم .
و حكي عن مالك و سفيان أنا ف التشهد الخي مستحبة ،و أن تاركها ف التشهد مسيء .
و شذ الشافعي فأوجب على تاركها ف الصلة العادة ،و أوجب إسحاق العادة مع تعمد تركها دون
النسيان .
و حكى أبو ممد بن أب زيد ،عن ممد بن الواز ـ أن الصلة على النب صلى ال عليه و سلم فريضة
.
قال أبو ممد :يريد ليست من فرائض الصلة ،و قاله ممد بن عبد الكم و غيه .
و حكى ابن القصار و عبد الوهاب ـ أن ممد بن الوازيراها فرضةً ف الصلة كقول الشافعي .
[ و حكى أبو يعلى العبدي الالكي عن الذهب .فيها ثلثة أقوال ف الصلة ] :
الوجوب ،و السنة ،و الندب .
و قد خالف الطاب من أصحاب الشافعي و غيه ـ الشافعي ف هذه السألة ،
قال الطاب :و ليست بواجبة ف الصلة ،و هو قول جاعة الفقهاء إل الشافعي ،و ل أعلم له فيها
قدوةً .
و الدليل على أنا ليست من فروض الصلة عمل السلف الصال قبل الشافعي ،و إجاعهم عليه .
و قد شنع الناس عليه ف هذه السألة جدا .
و هذا تشهد ابن مسعود الذي اختاره الشافعي ،و هو الذي علمه له النب صلى ال عليه و سلم ،ليس
فيه الصلة على النب صلى ال عليه و سلم ،و كذلك كل من روى التشهد عن النب صلى ال عليه و
سلم ،كأب هريرة ،و ابن عباس ،و جابر و ابن عمر ،و أب سعيد الدري ،و أب موسى
الشعري ،و عبد ال بن الزبي ـ ل يذكروا فيه صلة على النب صلى ال عليه و سلم .
و قد قال ابن عباس ،و جابر :كان النب صلى ال عليه و سلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من
القرآن .
و نوه عن أب سعيد .
و قال ابن عمر :كان أبو بكر يعلمنا التشهد على النب كما يعلمون الصبيان ف الكتاب .
و علمه أيضا على النب عمر بن الطاب رضي ال عنه .
و ف الديث :ل صلة لن ل يصل علي .
قال ابن القصار :معناه :كاملةً ،أو لن ل يصل علي مرة ف عمره .
و ضعف أهل الديث كلهم رواية هذا الديث .
و ف حديث أب جعفر ،عن ابن مسعود ،عن النب صلى ال عليه و سلم :من صلى صلةً ل يصل
فيها علي و على أهل بيت ل تقبل منه .
قال الدار قطن :الصواب أنه من قول أب جعفر ممد بن علي بن السي :لو صليت صلةً ل أصل
فيها على النب صلى ال عليه و سلم و ل على أله بيته لرأيت أ نا ل تتم .
الباب الرابع
من ذلك ف تشهد الصلة كما قدمناه ،و ذلك بعد التشهد و قبل الدعاء :
[ ] 164حدثنا القاضي أبو علي بقرائي عليه :حدثنا المام أبو القاسم البلخي ،قال :حدثنا
الفارسي ،عن أب القاسم الزاعي ،عن اليثم بن كليب ،عن أب عيسى الافظ ،قال :حدثنا ممود
بن غيلن ،حدثنا عبد ال بن يزيد القرئ ،حدثنا حيوة بن شريح ،حدثن أبو هانئ الولن ـ أن
عمرو بن مالك النب ،أخبه أنه سع فضالة بن عبيد يقول :سع النب صلى ال عليه و سلم رجلً
يدعو ف صلته ،فلم يصل على النب صلى ال عليه و سلم ،فقال النب صلى ال عليه و سلم :عجل
هذا .ث دعاه فقال له و لغيه :إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ال و الثناء عليه ،ث ليصل على النب ،
ث ليدع بعد با شاء .
و يروى من غي هذا السند بتمجيد ال ،و هو أصح .
و عن عمر بن الطاب رضي ال عنه ،قال :الدعاء و الصلة معلق بي السماء و الرض ،فل يصعد
إل ال منه شيء حت يصلي على النب صلى ال عليه و سلم .
و عن علي ،عن النب صلى ال عليه و سلم بعناه ،و قال و على آل ممد .
و روي أن الدعاء مجوب حت يصلي الداعي على النب صلى ال عليه و سلم .
و عن ابن مسعود :إذا أراد أحدكم أن يسأل ال شيئا فليبدأ بدحه و الثناء عليه با هو أهله ،ث يصلي
على النب صلى ال عليه و سلم ،ث ليسأل ،فإنه أجدر أن ينجح .
و عن جابر رضي ال عنه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :ل تعلون كقدح الراكب ،
فإن الراكب يل قدحه ث يضعه ،و يرفع متاعه ،فإن احتاج إل شراب شربه أو الوضوء توضأ ،و إل
هراقه ،و لكن اجعلون ف أول الدعاء و أوسطه و آخره .
و قال ابن عطاء :للدعاء أركان و أجنحة و أسباب و أوقات ،فإن وافق أركانه قوي ،و إن وافق
أجنحته طار ف السماء ،و إن وافق مواقيته فاز ،و إن وافق أسبابه أنح ،فأركانه حضور القلب ،و
الرقة ،و الستكانة و الشوع ،و تعلق القلب بال ،و قطعه السباب .
و أجنحة الصدق ،و مواقيته السحار ،و أسبابه الصلة على ممد صلى ال عليه و سلم .
و ف الديث :الدعاء بي الصلتي علي ل يرد .
و ف حديث آخر :كل دعاء مجوب دون السماء ،فإذا جاءت الصلة علي صعد الدعاء .
و ف دعاء ابن عباس الذي رواه عنه حنش ،فقال ف آخره :و استجب دعائي ،ث تبدأبالصلة على
النب صلى ال عليه و سلم فتقول :اللهم إن أسألك أن تصلي على ممد عبدك و نبيك و رسولك
أفضل ما صليت على أحد من خلقك أجعي آمي .
و من مواطن الصلة عليه عند ذكره و ساع اسه ،أو كتابته ،أو عند الذان .
و قد قال صلى ال عليه و سلم :رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي .
و كره ابن حبيب ذكر النب صلى ال عليه و سلم عند الذبح .
و كره سحنون الصلة عليه عند التعجب ،و قال :الصلة يصلى عليه [ ] 165إل على طريق
الحتساب و طلب الثواب .
قال أصبغ ،عن ابن القاسم :موطنان ل يذكر فيهما إل ال :الذبيحة ،و العطاس ،فل تقل فيهما بعد
ذكر ال :ممد رسول ال .و لو قال بعد ذكر ال :صلى ال على ممد ل يكن تسميةً له مع ال .
و قاله أشهب ،قال :و ل ينبغي أن تعل الصلة على النب صلى ال عليه و سلم فيه استنانا .
و روى النسائي ،عن أوس بن أوس ،عن النب صلى ال عليه و سلم :المر بالكثار من الصلة عليه
يوم المعة ،و من مواطن الصلة و السلم دخول السجد :
قال أبو إسحاق بن شعبان :و ينبغي لن دخل السجد أن يصلي على النب صلى ال عليه و سلم ،و
على آله ،و يترحم عليه ،و على آله ،و يبارك عليه و على آله ،و يسلم تسليما ،و يقول :اللهم
اغفر ل ذنوب ،و افتح ل أبواب رحتك .
و إذا خرج فعل مثل ذلك ،و جعل موضع رحتك ـ فضلك .
و قال عمرو بن دينار ـ ف قوله تعال :فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ـ قال :إن ل يكن ف
البيت أحد فقل :السلم على النب و رحة ال و بركاته ،السلم علينا و على عباد ال الصالي .
السلم على أهل البيت و رحة ال و بركاته .
قال ابن عباس :الراد بالبيوت هنا الساجد .
و قال النخعي :إذا ل يكن ف السجد أحد فقل :السلم على رسول ال صلى ال عليه و سلم ،و إذا
ل يكن ف البيت أحد فقل :السلم علينا و على عباد ال الصالي .
و عن علقمة :إذا دخلت السجد أقول :السلم عليك أيها النب و رحة ال و بركاته ،صلى ال و
ملئكته على ممد .
و نوه عن كعب :إذا دخل ،و إذا خرج ،و ل يذكر الصلة .
و احتج ابن شعبان لا ذكر بديث فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه و سلم ـ أن النب صلى ال
عليه و سلم كان يفعله إذا دخل السجد .
و مثله عن أب بكر بن عمرو بن حزم .و ذكر السلم و الرحة .
و قد ذكرنا هذا الديث آخر القسم ،و الختلف ف ألفاظه .
و من مواطن الصلة عليه أيضا الصلة على النائز .
و ذكر عن أب أمامة أنا من السنة .
و من مواطن الصلة الت مضى عليها عمل المة ،و ل تنكرها :الصلة على النب صلى ال عليه و سلم
و آله ف الرسائل ،و ما يكتب بعد البسملة ،و ل يكن هذا ف الصدر الول ،و أحدث عند ولية بن
هاشم ،فمضى به عمل الناس ف أقطار الرض .
و منهم من يتم به أيضا الكتب .
و قال صلى ال عليه و سلم :من صلى علي ف كتاب ل تزل اللئكة تستغفر له ما دام اسي ف ذلك
الكتاب .
و من مواطن السلم على النب صلى ال عليه و سلم تشهد الصلة :
حدثنا أبو القاسم خلف بن إبراهيم القرىء الطيب رحه ال ،و غيه قال :حدثتن كرية بنت ممد ،
قالت :حدثنا أبو اليثم ،حدثنا ممد بن يوسف ،حدثنا ممد بن إساعيل ،حدثنا أبو نعيم ،حدثنا
العمش ،عن شقيق بن سلمة ،عن عبد ال بن مسعود ،عن النب صلى ال عليه و سلم ،قال :إذا
صلى أحدكم فليقل :التحيات ل و الصلة [ ] 166و الطيبات ،السلم عل يك أيها النب و رحة و
بركاته .السلم علينا و على عباد ال الصالي ،فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صال ف السماء و
الرض .
هذا أحد مواطن التسليم عليه ،و سنته أول التشهد .
و قد روى مالك عن ابن عمر أنه كان يقول ذلك إذا فرغ من تشهده و أراد أن يسلم .
و استحب مالك ف [ البسوط ] أن يسلم بثل ذلك قبل السلم .
قال ممد بن مسلمة :أراد ما جاء عن عائشة و ابن عمر أنما كانا يقولن عند سلمهما :السلم
عليك أيها النب و رحة ال و بركاته .السلم علينا و على عباد ال الصالي .السلم عليكم .
و استحب أهل العلم أن ينوي النسان حي سلمه كل عبد صال ف السماء و الرض من اللئكة و
بن آدم و الن .
قال مالك ف [ الجموعة ] :و أحب للمأموم إذا سلم إمامه أن يقول :السلم على النب و رحة ال و
بركاته ،السلم علينا و على عباد ال الصالي .السلم عليكم .
فصل
ف كيفية الصلة عليه و التسليم
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه بقراءت عليه ،حدثنا القاضي أبو الصبغ ،حدثنا أبو عبد ال
بن عتاب ،حدثنا أبو بكر بن واقد و غيه ،قالوا :حدثنا أبو عيسى ،حدثنا عبيد ال ،حدثنا يي ،
حدثنا مالك ،عن عبد ال بن أب بكر بن حزم ،عن أبيه ،عن عمرو بن سليم الزرقي ـ أنه قال :
أخبن أبو حيد الساعدي ـ أنم قالوا :يا رسول ال ،كيف نصلي عليك ؟ فقال :قولوا :اللهم صل
على ممد و أزواجه و ذريته ،كما صليت على آل إبراهيم ،و بارك عل ممد و أزواجه و ذريته كما
باركت على آل إبراهيم إنك حيد ميد .
و ف رواية مالك ،عن أب مسعود النصاري ،قال :قولوا :اللهم صلي على ممد و على آله كما
صليت على آل إبراهيم ،و بارك على ممد كما باركت على آل إبراهيم ف العالي ،إنك حيد ميد
.و السلم ـ كما قد علمتم .
و ف رواية كعب بن عجزة :اللهم صل على ممد و آل ممد كما صليت على إبراهيم ،و بارك على
ممد و آل ممد كما باركت على إبراهيم ،إنك حيد ميد .
و عن عقبة بن عمرو ف حديثه :اللهم صل على ممد النب المي ،و على آل ممد .
و ف رواية أب سعيد الدري اللهم صل على ممد عبدك و رسولك . . .و ذكر معناه .
و حدثنا القاضي أبو عبد ال التميمي ساعا عليه ،و أبو علي السن بن طريف النحوي بقراءت عليه ،
قال :حدثنا أبو عبد ال بن سعدون الفقيه ،حدثنا أبو بكر الطوعي [ ،حدثنا أبو عبد ال الاكم ،
عن أب بكر بن أب دارم الافظ ،عن علي ابن أحد العجلي ] ،عن حرب بن السن ،عن يي بن
الساور ،عن عمرو ابن خالد ،عن زيد بن علي بن السي ،عن أبيه علي ،عن أبيه السي ،عن أبيه
علي بن\ أب طالب ،قال :عدهن ف يدي رسول ال صلى ال عليه و سلم ،و قال :عدهن ف يدي
جبيل ،و قال :هكذا نزلت من عند رب العزة ،اللهم صل [ ] 167على ممد و على آل ممد
كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم ،إنك حيد ميد ،اللهم و ترحم على ممد و على آل
ممد كما ترحت على إبراهيم ،إنك حيد ميد .اللهم و تنن على ممد و على آل ممد كما تننت
على إبراهيم و على آل إبراهيم ،إنك حيد ميد .
و عن أب هريرة ،عن النب صلى ال عليه و سلم :من سره أن يكتال بالكيال الوف إذا صلى علينا
أهل البيت فليقل :اللهم ص ل على ممد النب ،و أزواجه أمهات الؤمني ،و ذريته و أهل بيته ،كما
صليت على إبراهيم ،إنك حيد ميد .
و ف رواية زيد بن خارجة النصاري :سألت النب صلى ال عليه و سلم :كيف نصلي عليك ؟
فقال :صلوا و اجتهدوا ف الدعاء ،ث قولوا :اللهم بارك على ممد و على آل ممد كما باركت على
إبراهيم إنك حيد ميد .
و عن سلمة الكندي كان علييعلمنا الصلة على النب صلى ال عليه و سلم :اللهم داحي الدحوات ،
و بارئ السموكات ،اجعل شرائف صلواتك ،و نوامي بركاتك ،و رأفة تننك على ممد عبدك و
رسولك ،الفاتح لا أغلق ،و الات لا سبق ،و العلن الق بالق ،و الدامغ ليشات الباطيل ،كما
حل ،فاضطلع بأمرك لطاعتك ،مستوفرا ف مرضاتك ،واعيا لوحيك ،حافظا لعهدك ،ماضيا على
نفاذ أمرك ،حت أورى قبسا لقابس ،آلء ال تصل بأهله أسبابه ،به هديت القلوب بعد خوضات
الفت و الث ،و أنج موضحات العلم ،و نائرات الحكام ،و منيات السلم ،فهو أمينك
الأمون ،و خازن علمك الخزون ،و شهيدك يوم الدين ،و بعيثك نعم ًة ،و رسولك بالق رحةً ،
اللهم أفسح له ف عدنك ،و اجره مضاعفات الي من ف ضلك ،مهنئات له غي مكدرات من فوز
ثوابك الحلول ،و جزيل عطائك العلول .
اللهم أعل على بناء الناس بناه ،و أكرم مثواه لديك و نزله ،و أت له نوره ،واجز من ابتعاثك له
مقبول الشهادة ،و مرضى القالة ،ذا منطق عدل ،و خطة فصل ،و برهان عظيم .
و عنه أيضا ف الصلة على النب صلى ال عليه و سلم :إن ال و ملئكته يصلون على النب يأيها الذين
آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما .
لبيك اللهم رب و سعديك ،صلوات ال الب الرحيم و اللئكة القربي ،و النبيي و الصديقي ،و
الشهداء و الصالي ،و ما سبح لك من شيء يا رب العالي ،على ممد بن عبد ال ،خات النبيي ،و
سيد الرسلي ،و إمام التقي ،و رسول رب العالي ،الشاهد البشي ،الداعي إليك بإذنك ،السراج
الني ،و عليه السلم .
و عن عبد ال بن مسعود :اللهم اجعل صلواتك و بركاتك و رحتك على سيد الرسلي [ ، ] 168و
إمام التقي ،و خات النبيي ،ممد عبدك و رسولك ،إمام الي ،و رسول الرحة .
اللهم ابعثه مقاما ممودا يغبطه فيه الولون و الخرون .
اللهم صل على ممد و على آل ممد كما صليت على إبراهيم ،إنك حيد ميد ،و بارك على ممد و
على آل ممد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حيد ميد .
و كان السن البصري يقول :من أراد أن يشرب بالكأس الوف من حوض الصطفى فليقل :اللهم
صل على ممد و على آله و أصحابه و أولده و أزواجه و ذريته و أهل بيته و أصهاره و أنصاره و
أشباعه و مبيه و أمته ،و علينا ،معهم أجعي .يا أرحم الراحي .
و عن طاوس ،عن ابن عباس ـ أنه كان يقول :اللهم تقبل شفاعة ممد الكبى ،و ارفع درجته العليا
،و آته سؤله ف الخرة و الول ،كما آتيت إبراهيم و موسى .
و عن وهيب بن الورد أنه كان يقول ف دعائه :اللهم أعط ممدا أفضل ما سألك لنفسه ،و أعط
ممدا أفضل ما سألك له أحد من خلقك .و أعط ممدا أفضل ما أنت مسؤول له إل يوم القيامة .
و عن ابن مسعود رضي ال عنه أنه كان يقول :إذا صليتم على النب صلى ال عليه و سلم فأحسنوا
الصلة عليه ،فإنكم ل تدرون ،لعل ذلك يعرض عليه ،و قولوا :اللهم اجعل صلواتك و رحتك و
بركاتك على سيد الرسلي ،و إمام التقي ،و خات النبيي ،ممد عبدك و رسولك إمام الي و قائد
الي ،و رسول الرحة .
اللهم ابعثه مقاما ممودا يغبط ه فيه الولون و الخرون ،اللهم صل على ممد و على آل ممد ،كما
صليت على إبراهيم إنك حيد ميد .
اللهم بارك على ممد و على آل ممد كما باركت على إبراهيم إنك حيد ميد .
ما يؤثر ف تطويل الصلة و تكثي الثناء على أله البيت و غيهم ـ كثي .
و قوله :و السلم كما قد علمتم :هو ماعلمهم ال ف التشهد من قوله ،السلم عليك أيها النب و
رحة ال و بركاته ،السلم علينا و على عباد ال الصالي .
و ف تشهد علي :السلم على نب ال ،السلم على أنبياء ال و رسله ،السلم على رسول ال ،
السلم على ممد بن عبد ال ،السلم علينا و على الؤمني و الؤمنات ،من غاب منهم و من شهد .
اللهم اغفر لحمد ،و تقبل شفاعته ،و اغفر لهل بيته ،و اغفر ل و لوالدي و ما ولدا ،و ارحهما .
السلم علينا و على عباد ال الصالي ،السلم عليك أيها النب و رحة ال و بركاته .
جاء ف هذا الديث عن علي :الدعاء للنب صلى ال عليه و سلم بالغفران .
[ و ف حديث الصلة عليه أيضا قبل :الدعاء له بالرحة ،و ل يأت ف غيه من الحاديث الرفوعة
العروفة .
و قد ذهب أبو عمر بن عبد الب و غيه إل أنه ل يدع ى صلى ال عليه و سلم بالرحة ،و إنا يدعى
له بالصلة و البكة الت تتص به ،و يدعى لغيه بالرحة و الغفرة .
و قد ذكر أبو ممد بن أب زيد ف الصلة على النب صلى ال عليه و سلم :اللهم ارحم ممدا و آل
ممد كما ترحت على إبراهيم و آل إبراهيم .
و ل يأت هذا ف حديث صحيح .و حجته قوله ف السلم :السلم عليك أيها النب و رحة ال و
بركاته .
فصل
ف فضيلة الصلة على النب و التسليم عليه و الدعاء له
حدثنا أحد بن ممد الشيخ الصال من كتابه ،حدثنا القاضي يونس بن مغيث ،حدثنا أبو بكر بن
معاوية ،حدثنا النسائي ،أخبنا سويد بن نصر ،أخبنا عبد ال عن حيوة بن شريح ،قال :أخبنا
كعب بن علقمة ،أنه سع عبد الرحن بن جبي مول نافع ـ أنه سع عبد ال بن عمرو يقول :سعت
رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول :إذا سعتم الؤذن قولوا مثل ما يقول ،و صلوا [ ] 169علي ،
فإنه من صلى علي مرةً واحدةً صلى ال عشرا ،ث سلوا ل الوسيلة فإنا منلة ف النة ل تنبغي إل لعبد
من عباد ال ،و أرجو أن أكون أنا هو ،فمن سأل ل الوسيلة حلت عليه الشفاعة .
و روى أنس بن مالك أن النب صلى ال عليه و سلم قال :من صلى علي صلةً صلى ال عليه عشر
صلوات ،و حط عنه عشر خطيئات ،و رفع له عشر درجات .
و ف رواية :و كتب له عشر حسنات .
و عن أنس ،عنه صلى ال عليه و سلم :إن جبيل نادان ،فقال :من صلى عليك صلةً صلى ال عليه
عشرا ،و رفعه عشر درجات .
و ف رواية عبد الرحن بن عوف ،عنه صلى ال عليه و سلم :لقيت ج بريل فقال ل :إن أبشرك أن
ال تعال يقول :من سلم عليك سلمت عليه ،و من صلى عليك صليت عليه .
و نوه من رواية أب هريرة ،و مالك بن أوس بن الدثان ،و عبيد ال ابن أب طلحة .
و عن زيد بن الباب :سعت النب صلى ال عليه و سلم يقول :من قال :اللهم صل على ممد و أنزله
النل القرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعت .
و عن ابن مسعود :أول الناس ب يوم القيامة أكثرهم علي صلة .
و عن أب هريرة ،عنه صلى ال عليه و سلم :من صلى علي ف كتاب ل تزل اللئكة تستغفر له ما
بقي اسي ف ذلك الكتاب .
و عن عامر بن ربيعة :سعت النب صلى ال عليه و سلم يقول :من صل علي صلة صلت عليه اللئكة
ما صلى علي ،فليقلل من ذلك عبد أو ليكثر .
و عن أب بن كعب :كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال أيها الناس ،
اذكروا ال ،جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ،جاء الوت با فيه .
فقال أب بن كعب :يا رسول ال ،إن أكثر الصلة عليك ،فكم أجعل لك من صلت ؟
قال :ما شئت .قال :الربع ؟ قال [ :ما شئت ،و إن زدت فهو خي ] .قال الثلث ؟ قال [ :ما
شئت ،و إن زدت فهو خي ] .
قال :النصف ؟ قال [ :ما شئت ،و إن زدت فهو خي ] .
قال :قال :الثلثي ؟ قال [ :ما شئت ،و إن زادت فهو خي ] .قال :يا رسول ال ،فأجعل صلت
كلها لك ؟ قال [ :إذا تكفى ويغفر ذنبك ] .
و عن أب طلحة :دخلت على النب صلى ال عليه و سلم فرأيت من بشره و طلقته ما ل أره ،
فسألته ،فقال :و ما ينعن و قد خرج جبيل آنفا ،فأتان ببشارة من رب عز و جل :إن ال بعثن
إليك أبشرك أنه ليس أحد من أمتك يصلي عليك إل صلى عليه و ملئكته با عشرا .
و عن جابر بن عبد ال ،قال :قال النب صلى ال عليه و سلم :من قال حي يسمع النداء :اللهم رب
هذه الدعوة التامة و الصلة القائمة آت ممدا لوسيلة و الفضيلة ،و ابعثه مقاما ممودا الذي وعدته ـ
حلت له الشفاعة يوم القيامة .
و عن سعد بن أب وقاص ،من قال حي يسمع الؤذن :و أنا أشهد أن ل إله إل ال وحده [ ] 170
ل شريك له ،و أن ممدا عبده ورسوله ،رضيت بال ربا و بحمد رسول ،و بالسلم دينا ـ غفر
له .
و روى ابن وهب أن النب صلى ال عليه و سلم قال :من سلم علي عشرا فكأنا أعتق رقبة .
و ف بعض الثار :ليد عن علي أقوام ما أعرفهم إل بكثرة صلتم علي .
و ف آخر :إن أناكم يوم القيامة من أهوالا و مواطنها أكثركم علي صلةً .
و عن أب بكر :الصلة على النب صلى ال عليه و سلم أمق للذنوب من الاء البارد للنار ،و السلم
عليه أفضل من عتق الرقاب .
فصل
ف ذم من ل يصل على النب صلى ال عليه و سلم و إثه
حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحه ال ،حدثنا أبو الفضل بن خيون ،و أبو السي الصيف ،قال :
حدثنا أبو يعلى ،حدثنا السنجي ،حدثنا ممد ابن مبوب ،حدثنا أبو عيسى ،حدثنا أحد بن إبراهيم
الدورقي ،حدثنا ربعي ابن إبراهيم ،عن عبد الرحن بن إسحاق ،عن سعيد بن أب سعيد ،عن أب
هريرة ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :
رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ،و رغم أنف رجل دخل رمضان ث انسلخ قبل أن يغفر له
،و رغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكب فلم يدخله النة .
قال عبد الرحن :و أظنه قال :أو أحدها .
و ف حديث آخر :أن النب صلى ال عليه و سلم صعد النب فقال [ :آمي ] ث صعد ،فقال [ :آمي ]
،فسأله معاذ عن ذلك ،فقال :إن جبيل أتان فقال :يا ممد ،من سيت بي يديه فلم يصل عليك
فمات فدخل النار ،فأبعده ال ،قل آمي ،فقلت آمي .
و قال فيمن أدرك رمضان فلم يقبل منه فمات مثل ذلك .
و من أدرك أبويه أو أحدها فلم يبها فمات مثله .
و عن علي بن أب طالب :عنه صلى ال عليه و سلم أنه قال :ا لبخيل كل البخيل الذي ذكرت عنده
فلم يصل علي .
و عن جعفر بن ممد ،عن أبيه ،قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :من ذكرت عنده فلم يصل
علي أخطيء به طريق النة .
و عن علي بن أب طالب :أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال :إن البخيل كل البخيل من ذكرت
عنده فلم يصل علي .
و عن أب هريرة ،قال أبو القاسم صلى ال عليه و سلم :أيا قوم جلسوا ملسا ث تفرقوا قبل أن
يذكروا ال و يصلوا على النب صلى ال عليه و سلم كانت عليهم من ال ترة إن شاء عذبم و إن شاء
غفر لم .
و عن أب هريرة رضي ال عنه :من نسي الصلة علي نسي طريق النة .
و عن قتادة ،عنه صلى ال عليه و سلم :من الفاء أن أذكر عند الرجل فل يصلي علي .
و عن جابر ،عنه صلى ال عليه و سلم :ما جلس قوم ملسا ث تفرقوا على غي صلة على النب صلى
ال عليه و سلم إل تفرقوا على أنت من ريح اليفة .
و عن أب سعيد ،عن النب صلى ال عليه و سلم ،قال :ل يلس قوم ملسا ل يصلون فيه على النب
صلى ال عليه و سلم [ ] 171إل كان عليهم حسرةً و إن دخلوا النة لا يرون من الثواب .
و حك ى أبو عيسى الترمذي ،عن بعض أهل العلم ،قال :إذا صلى الرجل على النب صلى ال عليه و
سلم مرة ف الجلس أجزأ عنه ما كان ف ذلك الجلس .
فصل
ف تصيصه صلى ال عليه و سلم بتبليغ صلة من صلى عليه و سلم من النام
حدثنا القاضي عبد ال التميمي ،حدثنا السي بن ممد ،حدثنا أبو عمر الافظ ،حدثنا ابن عبد
الؤمن ،حدثنا ابن داسة ،حدثنا أبو داود ،حدثنا ابن عوف ،حدثنا القرىء ،حدثنا حيوة ،عن أب
صخر حيد بن زياد ،عن يزيد بن عبد ال ابن عبد ال بن قسيط ،عن أب هريرة رضي ال عنه ـ أن
رسول ال صلى ال عليه و سلم قال :ما من أحد يسلم علي إل رد ال علي روحي حت أرد عليه
السلم .
و ذكر أبو بكر بن أب شيبة ،عن أب هريرة ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :من صلى
علي عند قبي سعته ،و من صلى علي نائيا بلغته .
و عن أب مسعود :إن ال ملئكة سياحي ف الرض ببلغون عن أمت السلم .
و نوه عن أب هريرة .
و عن ابن عمر :أكثروا من السلم على نبيكم كل جعة ،فإنه يؤت به منكم ف كل جعة .
و ف رواية :فإن أحدا ل يصلي علي إل عرضت صلته علي حي يفرغ منها .
و عن السن ،عنه صلى ال عليه و سلم :حيثما كنتم فصلوا علي ،فإن صلتكم تبلغن .
و عن ابن عباس :ليس أحد من أمة ممد يسلم عليه و يصلي عليه إل بلغه .
و ذكر بعضهم أن العبد إذا صلى على النب صلى ال عليه و سلم عرض عليه اسه .
و عن السن بن علي :إذا دخلت السجد فسلم على النب صلى ال عليه و سلم فإن رسول ال صلى
ال عليه و سلم قال :ل تتخذوا بيت عيدا ،و ل تتخذوا بيوتكم قبورا ،و صلوا علي حيث كنتم ،
فإن صلتكم تبلغن حيث كنتم .
و ف حديث أوس :أكثروا علي من الصلة يوم المعة ،فإن صلتكم معروضة علي .
و عن سليمان بن سحيم :رأيت النب صلى ال عليه و سلم ف النوم ،فقلت :يا رسول ال ،هؤلء
الذين يأتونك فيسلمون عليك ،أتفقه سلمهم ؟ قال :نعم و أرد عليهم .
و عن ابن شهاب :بلغنا أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال :أكثروا من الصلة علي ف الليلة
الزهراء ،و اليوم الزهر ،فإنما يؤديان عنكم ،و إن الرض ل تأكل أجساد النبياء ،و ما من مسلم
يصلي علي إل حلها ملك حت يؤديها إل و يسميه حت إنه ليقول :إن فلنا يقول كذا و كذا .
فصل
ف الختلف ف الصلة على غي النب صلى ال عليه و سلم و سائر النبياء عليهم السلم
قال القاضي و فقه ال :عامة أهل العلم متفقون على جواز الصلة على غي النب صلى ال عليه و سلم
.
و روي عن إبن عباس أنه ل توز الصلة على غي النب صلى ال عليه و سلم .
وروي عنه :ل تنبغي الصلة على أحد إل النبيي .
و قال سفيان :يكره أن يصلي إل على نب .
و وجدت بط بعض شيوخي :مذهب مالك أنه ليوز أن يصلي على أحد من ألنبياء سوى ممد
صلى ال عليه و سلم ،و هذا [ ]172غي معروف من مذهبه ،و قد قال مالك ف البسوطة ليحي بن
إسحاق :أكره الصلة على غي النبياء ،و ما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به .
و قال يي بن يي :لست آخذ بقوله ،ول بأس بالصلة على النبياء كلهم و على غيهم ،و احتج
بديث ابن عمر ،و با جاء ف حديث تعليم النب صلى ال عليه و سلم الصلة عليه ،و فيه :و على
أزواجه ،و على آله .
و قد جاء معلقا عن أب عمران القابسي :روي عن ابن عباس رضي ال عنهما كراهة الصلة على غي
النب صلى ال عليه و سلم ،قال :و به نقول .و ل تكن تستعمل فيما مضى .
و قد روى عبد الرزاق عن أب هريرة رضي ال عنه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :
صلوا على أنبياء ال و رسله ،فإن ال بعثهم كما بعثن .
قالوا :و السانيد عن ابن عباس لينة ،و الصلة ف لسان العرب بعن الترحم و الدعاء ،و ذلك على
الطلق حت ينع منه حديث صحيح أو إجاع .
و قد قال تعال :هو الذي يصلي عليكم وملئكته ليخرجكم من الظلمات إل النور وكان بالؤمني
رحيما [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 43 :
و قال :خذ من أموالم صدقة تطهرهم وتزكيهم با وصل عليهم إن صلتك سكن لم وال سيع عليم
[ سورة التوبة ، 9 /الية . ] 103 :
و قال :أولئك عليهم صلوات من ربم ورحة [ سورة البقرة ، 2 /الية . ] 157 :
و قال النب صلى ال عليه و سلم :اللهم صل على آل أب أوف ،و كان إذا أتاه قوم بصدقتهم ،قال :
اللهم صل على آل فلن .
و ف حديث الصلة :اللهم صل على ممد ،و على أزاجه و ذريته .
و ف حديث آخر :و على آل ممد :قيل أتباعه [ ،و قيل :آل بيته ] .و قيل :أمته .و قيل :
التباع ،و الرهط ،و العشية .و قيل :آل الرجل ولده .و قيل :قومه .و قيل :أهله الذين حرمت
عليهم الصدقة .
و ف رواية أنس :سئل النب صلى ال عليه و سلم :من آل ممد ؟ قال :كل تقي .
و يي على مذهب السن أن الراد بآل ممد ـ ممد نفسه ،فإنه كان يقول ف صلته على النب :
اللهم اجعل صلواتك و بركاتك على آل ممد ـ يريد نفسه ،لنه كان ل يل بالفرض ،و يأت بالنفل
،لن الفرض الذي أمر ال تعال به هو الصلة على ممد نفسه .
و هذا مثل قوله صلى ال عليه و سلم :لقد أوت مزمارا من مزامي آل داود يريد من مزامي داود .
و ف حديث أب حيد الساعدي ف الصلة :اللهم صل على ممد و أزواجه و ذريته .
و ف حديث ابن عمر أنه كان يصلي على النب صلى ال عليه و سلم ،و على أب بكر و عمر ـ ذكره
مالك ف الوطأ من رواية يي الندلسي .
و الصحيح من رواية غيه :و يدعو لب بكر و عمر .
و روى ابن وهب ،عن أنس بن مالك :كنا ندعو لصحابنا بالغيب ،فنقول :اللهم اجعل منك على
فلن صلوات قوم أبرار الذين يقومون بالليل و يصومون بالنهار .
قال القاضي أبو الفضل :و الذي ذهب إليه الحققون ،و أميل إليه ما قاله مالك و سفيان رحهما ال ،
و روي عن ابن عباس ،و اختاره غي واحد من الفقهاء و التكلمي ـ أنه ل يصلى على غي النبياء
عند ذكرهم ،بل هو شيء يتص به النبياء ،توقيا لم و تعزيزا ،كما يص ال تعال عند ذكره
بالتنيه و التقديس و التعظيم ،و ل يشاركه فيه غيه ،كذلك يب تصيص النب صلى ال عليه و سلم
و سائر النبياء بالصلة و التسليم ،و ل يشارك فيه سواهم ،كما أمر ال به بقوله :صلوا عليه وسلموا
تسليما [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 56 :
و يذكر من سواهم من الئمة و غيهم بالغفران و الرضا ،كما قال تعال :يقولون ربنا اغفر لنا
ولخواننا الذين سبقونا باليان [ سورة الشر ، 9 /الية . ] 10 :
و قال :والسابقون الولون من الهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال عنهم [ سورة
التوبة ، 9 /الية . ] 100 :
و أيضا فهو أمر ل يكن معروفا ف الصدر الول ،كما قال أبو عمران ،و إنا أحدثته الرافضة و
التشيعة ف بعض الئمة ،فشاركوهم عند الذكر لم بالصلة ،و ساووهم بالنب صلى ال عليه و سلم
ف ذلك .
و أيضا فإن التشبيه بأهل البدع منهي عنه ،فتجب مالفتهم فيما التزموه من ذلك .
و ذكر الصلة على الل و الزواج مع النب صلى ال عليه و سلم بكم التبع و الضافة إليه ل على
التخصيص.
[ قالوا ] :و صلة النب صلى ال عليه و سلم على من صلى عليه مراها مرى الدعاء و الواجهة ،ليس
فيها معن التعظيم و التوقي .
قالوا :و قد قال تعال :ل تعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ،فكذلك يب أن يكون
الدعاء له مالفا لدعاء الناس بعضهم لبعض .
و هذا اختيار المام أب الظفر السفراين من شيوخنا [ ،و به قال ابن عبد الب ] .
فصل
ف حكم زيارة قبه صلى ال عليه و سلم ،و فضيلة من زاره و سلم عليه
و زيارة قبه صلى ال عليه و سلم سنة من سنن السلمي ممع عليها ،و فضيلة مرغب فيها :روى عن
ابن عمر رضي ال عنه .
حدثنا القاضي أبو علي ،قال :حدثنا أبو الفضل بن خيون ،قال :حدثنا السن بن جعفر ،قال :
حدثنا أبو السن علي بن عمر الدارقطن ،قال :حدثنا القاضي الحاملي ،قال :حدثنا ممد بن عبد
الرزاق ،قال :حدثنا موسى بن هلل ،عن عبد ال بن عمر ،عن نافع ،عن ابن عمر رضي ال عنهما
،أنه قال :قال :النب صلى ال عليه و سلم من زار قبي و جبت له شفاعت .
و عن أنس بن مالك ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :من زارن ف الدينة متسبا كان ف
جواري ،و كنت له شفيعا يوم القيامة
و ف حديث آخر :من زارن بعد موت فكأنا زارن ف حيات .
و كره مالك أن يقال :زرنا قب النب صلى ال عليه و سلم .
و قد اختلف ف معن ذلك ،فقيل :كرامة السم ،لا ورد من قوله صلى ال عليه و سلم :لعن ال
زوارات القبور .
و هذا يرده قوله :نيتم عن زيارة القبور فزوروها .
و قوله :من زار قبي ،فقد أطلق اسم الزيارة .
و قيل لن ذلك لا قيل أن أفضل من الزور .
و هذا أيضا ليس بشيء ،إذ ليس كل زائر بذه الصفة ،و ليس عموما ،و قد ورد ف حديث أهل النة
:زيارتم لربم ،و ل ينع هذا اللفظ ف حقه تعال .
و قال أبو عمران رحه ال :إنا كره مالك أن يقال :طواف الزيارة ،و زرنا قب النب صلى ال عليه و
سلم ،لستعمال الناس ذلك بينهم بعضهم لبعض ،فكرة تسوية النب صلى ال عليه و سلم مع الناس
بذا اللفظ ،و أحب أن يص بأن يقال :سلمنا على النب صلى ال عليه و سلم .
و أيضا فإن الزيارة مباحة بي الناس ،و واجب شد الرحال إل قبه ،يريد بالوجوب هنا ندب و
ترغيب و تأكيد ،ل وجوب فرض .
و الول عندي أن منعه و كراهة مالك له لضافته إل قب النب صلى ال عليه و سلم ،و أنه لو قال :
زرت النب ل يكرهه ،لقوله صلى ال عليه و سلم :اللهم ل تعل قبي وثنا يعبد بعدي ،اشتد غضب
ال على قوم اتذوا قبور أنبيائهم مساجد .
فحمى إضافة هذا اللفظ إل القب ،و التشبه بفعل أولئك ،قطعا للذريعة و حسما للباب و ال أعلم .
قال إسحاق بن إبراهيم الفقيه :و ما ل يزل من شأن من حج الرور بالدينة ،و القصد إل الصلة ف
مسجد رسول ال صلى ال عليه و سلم ،و التبك برؤية روضته و منبه و قبه ،و ملسه ،و ملمس
يديه ،و مواطئ قدميه ،و العمود الذي كان يستند إليه ،و ينل جبيل بالوحي فيه عليه ،و بن عمره
و قصده من الصحابة و أئمة السلمي ،و العتبار بذلك كله .
[ ] 174و قال ابن أب فديك :سعت بعض من أدركت يقول :بلغنا أنه من وقف عند قب النب
صلى ال عليه و سلم فتل هذه الية :إن ال وملئكته يصلون على النب ـ قال :صلى ال عليك يا
ممد ـ من يقولا سبعي مرة ناداه ملك :صلى ال عليك يا فلن ،و ل تسقط له حاجة .
و عن يزيد بن أب سعيد الهري :قدمت على عمر بن عبد العزيز ،فلما ودعته قال ل :إليك حاجة ،
إذا أتيت الدينة سترى قب النب صلى ال عليه و سلم ،فأقره من السلم .
و قال غيه :و كان يبد إليه البيد من الشام .
قال بعضهم :رأيت أنس بن مالك أتى قب النب صلى ال عليه و سلم ،فوقف فرفع يديه حت ظننت أنه
افتتح الصلة ،فسلم على النب صلى ال عليه و سلم ،ث انصرف .
و قال مالك ـ ف رواية ابن وه ب :إذا سلم النب صلى ال عليه و سلم ،و دعا ،يقف و وجهه إل
القب الشريف ل إللى القبلة ،و يدنو ،و يسلم ،و ل يس القب بيده .
و قال ف البسوط :ل أرى أن يقف عند قب النب صلى ال عليه و سلم يدعو ،و لكن يسلم و يضي .
قال ابن أب مليكة :من أحب أن يقوم وجاه النب صلى ال عليه و سلم فليجعل القنديل الذي عند القب
على رأسه .
و قال نافع :كان ابن عمر يسلم على القب ،رأيته مائة مرة و أكثر ييء إل القب فيقول :السلم على
النب صلى ال عليه و سلم ،السلم على أب بكر ،السلم على أب ،ث ينصرف .
[ و رئي ابن عمر واضعا يده على مقعد النب صلى ال عليه و سلم من النب ،ث وضعها على وجهه .
و عن ابن قسيط و العتب :كان أصحاب النب صلى ال عليه و سلم إذا خل السجد جسوا رمانة النب
الت تلي القب بيامنهم ،ث استقبلوا القبلة يدعون ] .
و ف الوطأ ـ من رواية [ ] 176يي بن يي الليثي ـ أنه كان يقف على قب النب صلى ال عليه و
سلم فيصلي على النب ،و على أب بكر ،و عمر .
و عن ابن القاسم و القعنب :و يدعو لب بكر ،و عمر .
قال مالك ـ ف رواي ة ابن وهب :يقول السلم :السلم عليك أيها النب و رحة ال و بركاته .
قال ف البسوط :و يسلم على أب بكر ،و عمر .
قال القاضي أبو الوليد الباجي :و عندي أنه يدعو للنب صلى ال عليه و سلم بلفظ الصلة ،و لب بكر
،و عمر ،كما ف حديث ابن عمر من اللف .
و قال ابن حبيب :و يقول إذا دخل مسجد الرسول :بسم ال ،و سلم على رسول ال عليه السلم ،
السلم علينا من ربنا ،و صلى ال و ملئكته على ممد .
اللهم اغفر ل ذنوب ،و افتح ل أبواب رحتك و جنتك ،و احفظن من الشيطان الرجيم ،ث اقصد إل
الروضة ،و هي ما بي القب و النب فاركع فيها ركعتي قبل وقوفك بالقب تمد ال فيهما و تسأله تام
ما خرجت إليه و العون عليه .
و إن كانت ركعتاك ف غي الروضة أجزأتاك ،و ف الروضة أفضل .
و قد قال صلى ال عليه و سلم :ما بي منبي و قبي روضة من رياض النة ،و منبي على ترعة من
ترع النة .
ث تقف متواضعا متوقرا ،فتصلي عليه و تثن با يضرك ،و تسلم على أب بكر و عمر ،و تدعو لما
.
و أكثر من الصلة ف مسجد النب صلى ال عليه و سلم بالليل و النهار ،و ل ت دع أن تأت مسجد
قباء و قبور الشهداء .
و قال مالك [ ] 175ـ ف كتاب ممد :و يسلم على النب صلى ال عليه و سلم فادخل و خرج
ـ يعن ف الدينة ـ و فيما بي ذلك .
و قال ممد :و إذا خرج جعل آخر عهده الوقوف بالقب ،و كذلك من خرج مسافرا .
و روى ابن وهب عن فاطمة بنت النب صلى ال عليه و سلم ـ أن النب صلى ال عليه و سلم قال :إذا
دخلت السجد فصل على النب صلى ال عليه و سلم ،و قل :اللهم اغفر ل ذنوب ،و افتح ل أبواب
رحتك .و إذا خرجت فصل على النب صلى ال عليه و سلم ،و قل :اللهم اغفر ل ذنوب ،و افتح
ل أبواب فضلك .
و ف رواية أخرى :فليسلم ـ مكان :فليصل فيه ،و يقول إذا خرج :اللهم إن أسألك من فضلك .
و ف أخرى :اللهم احفظن من الشيطان الرجيم .
و عن ممد بن سيين :كان الناس يقولون إذا دخلوا السجد :صلى ال و ملئكته على ممد .السلم
عليك أيها النب و رحة ال ،باسم ال دخلنا ،و باسم ال خرجنا ،و على ال توكلنا .
و كانوا يقولون إذا خرجوا مثل ذلك .
و عن فاطمة أيضا :كان النب صلى ال عليه و سلم إذا دخل السجد قال :ص ل ال على ممد و
سلم .ث ذكر مثل حديث فاطمة قبل هذا .
و ف رواية :حد ال و سى ،و صلى على النب صلى ال عليه و سلم ،و ذكر مثله .
و ف رواية :باسم ال ،و السلم على رسول ال .
و عن غيها :كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا دخل السجد قال :اللهم افتح ل أبواب
رحتك ،و يسر ل أبواب رزقك .
و عن أب هريرة :إذا دخل أحدكم السجد فليصل على النب صلى ال عليه و سلم ،و ليقل :اللهم
افتح ل .
و قال مالك ف السبوط :و ليس يلزم من دخل السجد و خرج منه من أهل الدينة الوقو ف بالقب ،و
إنا ذلك للغرباء .
و قال فيه أيضا :ل بأس لن قدم من سفر أن يقف على قب النب صلى ال عليه و سلم ،فيصلي عليه و
يدعو له و لب بكر و عمر .
فقيل له :فإن ناسا من أهل الدينة ل يقدمون من سفر و ليريدونه ،يفعلون ذلك ف اليوم مرة أو
أكثر ،ربا وقفوا ف المعة أو ف اليام الرة أو اليام الرة و الرتي أو أكثر عند القب فيسلمون و
يدعون ساعة ! .
فقال :ل يبلغن هذا على أحد من أهل الفقه ببلدنا ،و تركه واسع ،و ل يصلح آخر هذه المة إل ما
أصلح أولا ،و ل يبلغن ع ن أول هذه المة و صدرها أنم كانوا يفعلون ذلك ،و يكره إل لن جاء
من سفر أو أراده .
قال ابن القاسم :و رأيت أهل الدينة إذا خرجوا منها أو دخلوها أتوا القب فسلموا ،قال :و ذلك رأيي
.
قال الباجي :ففرق بي أهل الدينة و الغرباء ،لن الغرباء قصدوا لذلك ،و أهل الدينة مقيمون با ل
يقصدوها من أجل القب و التسليم .
و قال صلى ال عليه و سلم :اللهم ل تعل قبي و ثنا يعبد ،اشتد غضب ال على قوم اتذوا قبور
أنبيائهم مساجد .
و قال :ل تعلوا قبي عيدا .
و من كتاب أحد بن سعيد[ ] 176الندي ـ فيمن و قف بالقب :ل يلصق به ،و ل يسه ،و ل
يقف عنده طويلً .
و ف العتبية :يبدأ بالركوع قبل السلم ف مسجد النب صلى ال عليه و سلم ،و أحب مواضع التنقل
فيه مصلى النب حيث العمود الخلق .
و أما ف الفريضة فالتقدم إل الصفوف و التنقل فيه للغرباء أحب إل من التنقل ف البيوت .
القسم الثالث :فيما يستحيل ف حقه ،و ما يوز عليه شرعا ،و ما
يتنع و يصح من المور البشرية أن يضاف إليه .
فصل
عصمة النب صلى ال عليه و سلم ف أقواله و أفعاله
و أما أقواله صلى ال عليه و سلم فقامت الدلئل الواضحة بصحة العجزة على صدقه ،و أجعت المة
فيما كان طريقه البلغ أنه معصوم فيه من الخبار عن شيء منها بلف ما هو به ،ل قصدا و عمدا ،
و ل سهوا و غلطا .
أما تعمد اللف ف ذلك فمنتف ،بدليل العجزة القائمة مقام قول ال فيما قال اتفاقا ،و بإطباق أهل
اللة إجاعا .
و أما وقوعه على جهة الغلط ف ذلك فبهذه السبيل عند الستاذ أب إسحاق السفراين و من قال
بقوله ،و من جهة الجاع فقط ،و ورود الشرع بانتقاء ذلك ،و عصمة النب صلى ال عليه و سلم ل
من مقتضى العجزة نفسها عند القاضي أب بكر الباقلن و من وافقه لختلف بينهم ف مقتضى دليل
العجزة ل تطول بذكره ،فنخرج عن غرض الكتاب ،فلنعتمد على ما وقع عليه إجاع السلمي رسول
أنه ل يوز عليه خلف ف القول ف إبلغ الشريعة ،و العلم با أخب به عن ربه ،و ما أوحاه إليه من
وحيه ،ل على وجه العمد ،و ل على غي عمد ،ول ف حال الرضا و السخط ،و الصحة و الرض .
و ف حديث عبد ال بن عمرو :قلت يا رسول ال ،أكتب كل ما أسع من ك ؟ قال [ :نعم ] .قلت
:ف الرضا و الغضب ؟ قال [ :نعم ،فإن ل أقول ف ذلك كله إل حقا ] .
و لند ما أشرنا إليه من دليل العجزة عليه بيانا ،فنقول :
إذا قامت العجزة على صدقه ،و أنه ل يقول إل حقا ،و ل يبلغ عن ال إل صدقا ،و أن العجزة
قائمة مقام قول ال له :صدقت فيما تذكره عن ،وهو يقول :إن رسول ال إليكم لبلغكم ما أرسلت
به إليكم ،و أبي لكم ما نزل عليكم ،وما ينطق عن الوى * إن هو إل وحي يوحى [ سورة النجم /
، 53الية . ] 4 ، 3
و قد جاءكم الرسول بالق من ربكم [ سورة النساء ، 4/الية . ] 170 :
وما آتاكم الرسول فخذوه وما ناكم عنه فانتهوا ،فل يصح أن يوجد منه ف هذا الباب خب بلف
مبه على أي وجه كان .
و لو جوزنا عليه الغلط و السهو لا تيز لنا من غيه ،و ل اختلط الق بالباطل ،فالعجزة مشتملة على
تصديقه جلة واحدة من غي خصوص ،فتنيه النب عن ذلك كله واجب برهانا و إجاعا كما قاله أبو
إسحاق .
فصل
سؤالت لبعض الطاعني
هذا القول فيما طريقه البلغ ،و أما ما ليس سبيله من الخبار الت ل مستند لا إل الحكام ،و ل
أخبار العاد ،و ل تضاف إل وحي ،بل ف أمور الدنيا و أحوال نفسه ـ فالذي يب اعتقاده تنيه
النب ـ صلى ال عليه و سلم ـ أن يقع خبه ف شيء من ذلك بلف مبه ،ل عمدا و ل سهوا و
ل غلطا ،و أنه معصوم من ذلك ف حال رضاه و ف سخطه ،و جده و مزحه و صحته و مرضه .
و دليل ذلك اتفاق السلف و إجاعهم عليه ،و ذلك أنا نعلم من دين الصحابة و عادتم مبادرتم إل
تصديق جيع أحواله ،و الثقة بميع أخباره ف أي باب كانت ،و عن أي شيء وقعت ،و أنه ل يكن
لم توقف و ل تردد ف شيء منها ،و ل استثبات عن حاله عند ذلك ،هل وقع فيها سهو أم ل ؟
و لا [ ] 201احتج ابن أب القيق اليهودي على عمر حي أجلهم من خيب بإقرار رسول ال ـ
صلى ال عليه و سلم ،و احتج عليه عمر رضي ال عنه بقوله ـ صلى ال عليه و سلم :كيف بك إذا
أخرجت من خيب ؟ فقال اليهودي :كانت هزيلة من أب القاسم .فقال عمر :كذبت يا عدو ال .
و أيضا فإن أخباره و آثاره و سيه و شائله م عتن با مستقصى تفاصيلها ،و ل يرد ف شيء منها
استدراكه صلى ال عليه و سلم لغلط ف قول قاله ،أو اعترافه بوهم ف شيء أخببه ،و لو كان ذلك
لنقل كما نقل من قصته عليه السلم ف رجوعه صلى ال عليه و سلم عما أشار به على النصار ف
تلقيح النخل ـ و كان ذلك رأيا ل خبا ،و غي ذلك من المور الت ليست من هذا الباب ،كقوله
صلى ال عليه و سلم :و ال ل أحلف على يي ،فأرى غيها خيا منها إل فعلت الذي حلفت عليه
و كفرت عن يين .
و قوله :إنكم تتصمون إل ...الديث .
قوله :اسق يا زبي حت يبلغ الاء الدر كما سنبي كل ما ف هذا من مشكل ما ف هذا الباب و الذي
بعده إن شاء ال ،مع أشباهها .
و أيضا فإن الكذب مت عرف من أحد ف شيء من الخبار بلف ما هو على أي وجه كان استريب
بيه ،و اتم ف حديثه ،و ل يقع قوله ف النفوس موقعا ،و لذا ما ترك الحدثون و العلماء الديث
عمن عرف بالوهم و الغفلة و سوء الفظ ،و كثرة الغلط للمروءة ،مع ثقة .
و أيضا فإن تعمد الكذب ف أمور الدنيا معصية ،و الكثار منه كبية بإجاع ،مسقط للمروءة .
و كل هذا ما ينه عنه منصب النب وة ،و الرة الواحدة منه فيا يستبشع و يستشنع و يشيع ما يل
بصاحبها ،و يزري بقائلها ل حقة بذلك .
و أما فيما ل يقع هذا الوقع فإن عددناها من الصغائر فهل يري على حكمها ف اللف فيها ؟ متلف
فيه .و الصواب تنيه النبوة عن قليله و كثيه ،سهوه و عمده ،إذ عمدة النبوة البلغ و العلم و
التبي ،و تصديق ما جاء به النب صلى ال عليه و سلم .و تويز شيء من هذا قادح ف ذلك ،و
مشكك فيه ،مناقض للمعجزة ،فلنقطع عن يقي بأنه ل يوز على النبياء خلف ف القول ف وجه من
الوجوه ،ل بقصد و ل بغي قصد ،و ل تتسامح مع من سامح ف تويز ذلك عليهم حال السهو ما
ليس طريقه البلغ ،نعم ،و بأنه ل يوز عليهم الكذب قبل النبوة ،و ل التسام به ف أمورهم و
أحوال دنياهم ،لن ذلك كان يزري و يريب ،و ينفر القلوب عن تصديقهم بعد .
و انظر أحوال أهل عصر النب صلى ال عليه و سلم من قريش و غيها من المم و سؤالم عن حاله ف
صدق لسانه ،و ما عرفوا به من ذلك و اعترفوا به ما عرف ،و اتفق النقل على عصمة نبينا صلى ال
عليه و سلم منه قبل و بعد ،و قد ذكرنا من الثار فيه ف الباب الثان أول الكتاب ما يبي ل ك صحة
ما أشرنا إليه .
فصل
ف حديث السهو
فإن قلت :فما معن قوله صلى ال عليه و سلم ف حديث السهو الذي حدثنا به الفقيه أبو إسحاق [
] 202إبراهيم بن جعفر حدثنا القاضي أبو الصبغ بن سهل ،حدثنا حات بن ممد ،حدثنا أبو عبد
ال بن الفخار ،حدثنا أبو عيسى ،حدثنا عبيد ال ،حدثنا يي ،عن مالك ،عن داود بن الصي ،
عن أب سفيان مول ابن أب أحد أنه قال :سعت أبا هريرة رضي ال عنه يقول :صلى رسول ال صلى
ال عليه و سلم صلة العصر ،فسلم ف ركعتي ،فقام ذو اليدين ،فقال :يا رسول ال ،أقصرت
الصلة أم نسيت ؟ فقال النب صلى ال عليه و سلم :كل ذلك ل يكن .
و ف الرواية الخرى :ما قصرت و ما نسيت ..الديث بقصته ،فأخبه بنفي الالتي ،و أنا ل
تكن ،و قد كان أحد ذلك كما قال ذو اليدين :قد كان بعض ذلك يا رسول ال ...
فاعلم ـ وفقنا ل و إياك ـ أن للعلماء ف ذلك أجوبة ،بعضها بصدد النصاف ،و منها ما هو بنية
التعسف و العتساف ،و هأنا أقول :
أما على القول بتجويز الوهم و الغلط فيما ليس طريقه من القول البلغ ،و هو الذي زيفناه من القولي
ـ فل اعتراض بذا الديث و شبهه .
و أما على مذهب من ينع السهو ف أفعاله جلة ،و يرى أنه ف مثل هذا عامد لصورة النسيان ليسن ،
فهو صادق ف خبه ،لنه ل ينس و ل قصرت ،و لكنه على هذا القول تعمد هذا الفعل ف هذه
الصورة لن اعتراه مثله ،و هو قول مرغوب عنه و نذكره ف موضعه
و أما على إحالة السهو عليه ف القوال و تويز السهو عليه فيما ليس طريقه القول ـ كما سنذكره ـ
ففيه أجوبة ،منها :
أن النب صلى ال عليه و سلم أخب عن اعتقاده و ضميه ،أما إنكار القصر فحق و صدق باطنا و
ظاهرا .و أما النسيان فأخب ـ صلى ال عليه و سلم ـ عن اعتقاده ،و أنه ل ينس ف ظنه ،فكأنه
قصد الب عن ظنه و إن ل ينطق به ،و هذا صدق أيضا .
و وجه ثان :أن قوله :و ل أنس ـ راجع إل السلم ،أي إن سلمت قصدا ،و سهوت عن العدد ،
أي ل أسه ف نفس السلم ،و هذا متمل ،و فيه بعد .
و وجه ثالث ـ و هو أبعدها ـ ما ذهب إليه بعضهم ،و إن احتمله اللفظ من قوله :كل ذلك ل
يكن :أي ل يتمع القصر و النسيان ،بل كان أحدها .و مفهوم اللفظ خلفه مع الرواية الخرى
الصحيحة ،و هو قوله :ما قصرت الصلة و ما نسيت .
هذا ما رأيت فيه لئمتنا ،و كل من ه ذه الوجوه متمل للفظ على بعد بعضها و تعسف الخر منها .
قال القاضي أبو الفضل رحه ال :و الذي أقول ـ و يظهر ل أنه أقرب من هذه الوجوه كلها ـ أن
قوله صلى ال عليه و سلم :ل أنس إنكار للفظ الذي نفاه عن نفسه ،و أنكره على غيه بقوله :بئس
ما لحدكم أن يقول :نسيت آية كذا و كذا ،و لكنه نسي .
و بقوله ف بعض روايات الديث الخر :لست أنسى ،و لكن أنسى .فلما قال له السائل :أقصرت
الصلة أم نسيت ؟ أنكر قصرها كما كان ،و نسيانه هو من قبل نفسه ،وإنه إن كان جرى شيء من
ذلك فقد نسي حت سأل غيه ،فتحقق أنه نسي ،و أجرى عليه ذلك [ ] 203ليسن ،فقوله على
هذا :ل أنس و ل تقتصر ،و كل ذلك ل يكن ـ صدق و حق ،ل تقصر ،و ل ينس حقيقة ،و
لكنه نسي .
و وجه آخر استثرته من كلم بعض الشايخ ،و ذلك أنه قال :إن النب صلى ال عليه و سلم كان
يسهو و ل ينسى ،و لذلك نفى عن نفسه النسيان ،قال :لن النسيان غفلة و آفة ،و السهو إنا هو
شغل بال ،قال :فكان النب صلى ال عليه و سلم يسهو ف صلته و ل يغفل عنها ،و كان يشغله عن
ل با ل غفلة عنها .حركات الصلة ما ف الصلة ،شغ ً
فهذا إن تقق على هذا العن ل يكن ف قوله :ما قصرت و ل نسيت خلف ف قول .
[ و عندي أن قوله :ما قصرت الصلة و ما نسيت بعن الترك الذي هو أحد وجهي النسيان ،أراد ـ
و ال أعلم ـ أن ل أسلم من ركعتي تاركا لكمال الصلة ،و لكن نسيت ،و ل يكن من تلقاء
نفسي .
و الدليل على ذلك قوله ف الديث الصحيح :إن لنسى أو أنسى لسن ] .
و أما قصة كلمات إبراهيم الذكورة ف الديث أنا كذباته الثلث النصوصة ف القرآن منها اثنتان :
قوله :إن سقيم .و قوله :قالوا أأنت فعلت هذا بآلتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيهم هذا .و قوله
للملك عن زوجته :إنا أخت ـ فاعلم ـ أكرمك ال أن هذه كلها خارجة عن الكذب ،ل ف القصد
و ل ف غيه ،و هي داخلة ف باب العاريض الت فيها مندوحة عن الكذب .
أما قوله :إن سقيم ـ فقال السن و غيه :معناه سأسقم ،أي إن كل ملوق معرض لذلك ،فاعتذر
لقومه من الروج معهم إل عيدهم بذا .
و قيل :بل سقيم با قدر علي من الوت .
و قيل :سقيم القلب با أشاهده من كفركم و عنادكم .
و قيل :بل كانت المى تأخذه عند طلوع نم معلوم ،فلما رآه اعتذر ب عادته .
و كل هذا ليس فيه كذب ،بل هو خب صحيح صدق .
و قيل :بل عرض بسقم حجته عليهم ،و ضعف ما أراد بيانه لم من جهة النجوم الت كانوا يشتغلون
با ،و أنه أثناء نظره ف ذلك ،و قبل استقامة حجته عليهم ف حال سقم و مرض حال ،مع أنه ل
يشك هو و ل ضعف إيانه ،و لكنه ضعف ف استدلله عليهم و سقم نظره ،كما يقال :حجة سقيمة
،و نظر معلول ،حت ألمه ال باستلله و صحة حجته عليهم بالكواكب و الشمس و القمر ـ ما
نصه ال تعال ،و قد قد منا بيانه .
و أما قوله :بل فعله كبيهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ـ فإنه علق خبه بشرط نطقه ،كأنه قال
:إن كان ينطق فهو فعله على طريق التبكيت لقومه .و هذا صدق أيضا ،و ل خلف فيه .
و ما قوله :أخت ـ فقد بي ف الديث ،و قال :فإنك أخت ف السلم ،و هو صدق ،و ال تعال
يقول :إنا الؤمنون إخوة [ سورة الجرات ، 49 /الية . ] 10 :
فإن قلت :فهذا النب صلى ال عليه و سلم قد ساها كذبات ،و قال :ل يكذب إبراهيم إل ثلث
كذبات و قال ـ ف حديث الشفاعة :و يذكر كذباته فمعناه أنه ل يتكلم بكلم صورته صورة
الكذب و إن كان حقا ف الباطن إل هذه الكلمات .
و لا كان مفهوم ظاهرها خلف باطنها أشفق إبراهيم عليه الصلة و السلم من مؤاخذته با .
و أما الديث :كان النب صلى ال عليه و سلم إذا أراد غزوة ورى بغيها ـ فليس فيه خلف ف القول
،إنا هو ستر مقصده ،لئل يأخذ عدوه حذره ،و كتم وجه ذهابه بذكر السؤال عن موضع آخر و
البحث عن أخباره و التعريض بذكره ،ل أنه [ ] 204يقول :تهزوا إل غزوة كذا ،أو وجهتنا إل
موضع كذا خلف مقصده ،فهذا ل يكن ،و الول ليس فيه خب يدخله اللف .
فإن قلت :فما معن قول موسى عليه السلم ـ و قد سئل :أي الناس أعلم ؟ فقال :أنا أعلم ،فعتب
ال عليه ذلك ،إذ يرد العلم إليه ـ الديث ،و فيه قال :بل عبد لنا بجمع البحرين أعلم منك .
و هذا خب قد أنبأنا ال أنه ليس كذلك .
فاعلم أنه قد وقع ف هذا الديث من بعض طرقه الصحيحة ،عن ابن عباس :هل تعلم أحدا أعلم منك
؟.
فإذا كان جوابه على علمه فهو خب حق و صدق ل خلف فيه و ل شبهة .
و على الطريق الخر فمحمله على ظنه و معتقده ،كما لو صرح به ،لن حاله ف النبوة و الصطفاء
يقتضي ذلك ،فيكون إخباره بذلك أيضا عن اعتقاده و حسب انه صدقا ل خلف فيه .
و قد يريد بقوله :أنا أعلم با تقتضيه وظائف النبوة من علوم التوحيد ،و أمور الشريعة ،و سياسة
المة ،و يكون الضر أعلم منه بأمور أخر ما ل يعلمه أحد إل بإعلم ال من علوم غيبه ،كالقصص
الذكورة ف خبها ،فكان موسى عليه السلم أعلم على الملة با تقدم .و هذا أعلم على الصوص
با أعلم .
و يدل عليه قوله تعال :وعلمناه من لدنا علما [ سورة الكهف ، 18 /الية . ] 65 :
و عتب ال ذلك عليه ـ فيما قاله العلماء ـ إنكار هذا القول عليه ،لنه ل يرد العلم إليه ،كما قالت
اللئكة :ل علم لنا إل ما علمتنا ،أو لنه ل يرض قوله شرعا ،و ذلك ـ و ال أعلم ـ لئل يقتدي
به فيه من ل يبلغ كماله ف تزكية نفسه و علو درجته من أمته ،فيهلك لا تضمنه من مدح النسان
نفسه ،و يورثه ذلك من الكب و العجب و التعاطي و الدعوى ،و إن نزه عن هذه الرذائل النبياء
فغيهم بدرجة سبيلها و درك ليلها إل من عصمه ال ،فالتحفظ أول لنفسه ،و ليقتدى به ،و لذا قال
صلى ال عليه و سلم ـ تفظا من مثل هذا ما قد أعلم به :أنا سيد ولد آدم و ل فخر .
و هذا الديث إحدى حجج القائلي بنبوة الضر ،لقوله فيه :أنا أعلم من موسى .و ل يكون الول
أعلم من النب .
و أما النبياء فيتفاضلون ف العارف .
و بقوله :وما فعلته عن أمري ،فدل أنه بوحي .و من قال :إنه ليس بنب قال :يتمل أن يكون فعله
بأمر نب آخر .
و هذا يضعف ،لنه ما علمنا أنه كان ف زمن موسى نب غيه إل أخاه هارون ،و ما نقل أحد من أهل
الخبار ف ذلك شيئا يعول عليه .
و إذا جعلنا [ أعلم منك ] ليس على العموم ،و إنا هو على الصوص ،و ف قضايا معينة ـ ل يتج
إل إثبات نبوة الضر ،و لذا قال بعض الشيوخ :كان موسى أعلم من الضر فيما أخذ عن ال ،و
الضر أعلم فيما رفع إليه من موسى .
و قال آخر :إنا أليء موسى إل الضر للتأديب ل للتعليم .
فصل
ف عصمة النبياء من الفواحش و الكبائر الوبقات
و أما ما يتعلق بالوارح من العمال ،و ل يرج من جلتها القول باللسان فيما عدا الب الذي و قع
فيه الكلم و العتماد بالقلب فيما عدا التوحيد ،و ما قدمناه من معارفه الختصة به ـ فأجع السلمون
على عصمة النبياء من الفواحش و الكبائر الوبقات ] 205[ .و مستند المهور ف ذلك الجاع
الذي ذكرناه .
و هو مذهب القاضي أب بكر ،و منعها غيه بدليل العقل مع الجاع ،و هو قول الكافة و اختاره
الستاذ أبو اسحاق .
و كذلك ل خلف أنم معصومون من كتمان الرسالة و التقصي ف التبليغ ،لن كل ذلك تقتضي
العصمة منه العجزة ،مع الجاع على ذلك من الكافة .
و المهور قائلون بأنم معصومون من ذلك من قبل ال معتصمون باختيارهم و كسبهم إل حسينا
النجار ،فإنه قال :ل قدرة لم على العاصي أصلً .
و أما الصغائر فجوزها جاعة من السلف و غيهم على النبياء ،و هو مذهب أب جعفر الطبي و غيه
من الفقهاء و الحدثي و التكلمي .و سنورد بعد هذا ما احتجوا به .
و ذهب طائفة أخرى إل الوقف ،و قالوا :العقل ل ييل و قوعها منهم ،و ل يأت ف الش رع قاطع
بأحد الوجهي .
و ذهبت طائفة أخرى من الحققيب و التكلمي إل عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر ،قالوا
:ل ختلف الناس ف الصغائر و تعيينها من الكبائر و إشكال ذلك ،وقول ابن عباس و غيه :إن كل
ما عصي ال به فهو كبية ،و أنه إنا سي منها الصغي بالضافة إل ما هو أكب منه ،و مالفة الباري ف
أمر كان يب كونه كبية .
قال القاضي أبو ممد عبد الوهاب :ل يكن أن يقال :إن ف معاصي ال صغية إل على معن أنا تغتفر
باجتناب الكبائر ،و ل يكون لا حكم مع ذلك بلف الكبائر إذا ل يتب منها فل يبطها شيء .و
الشيئة ف العفو عنها إل ال تعال ،و هو قول القاضي أب بكر و جاعةأئمة الشعرية و كثي من أئمة
الفقهاء .
قال القاضي رحه ال :و قال بعض أئمتنا :و ل يب على القولي أن يتلف أنم معصومون عن تكرار
الصغائر و كثرتا ،إذ يلحقها ذلك بالكبائر ،و ل ف صغية أدت إل إزالة الشمة ،و أسقطت الروءة
،و أوجبت الزراء و الساسة ،فهذا أيضا ما يعصم عنه النبياء إجاعا ،لن مثل هذا يط منصبه
التسم به ،و يزري بصاحبه ،و ينفر القلوب عنه ،و النبياء منهون عن ذلك بل يلحق بذا ما كان
من قبل الباح ،فأدى إل مثله ،لروجه با أدى إليه عن اسم الباح إل الظر .
و قد ذهب بعضهم إل عصمتهم من مواقعه الكروه قصدا .
و قد استدل بعض الئمة على عصمتهم من الصغائر بالصي إل امتثال أفعالم ،و اتباع آثارهم و
سيهم مطلقا .
و جهور الفقهاء على ذلك من أصحاب مالك و الشافعي و أب حنيفة من غي التزام قرينة ،بل مطلقا
عند بعضهم ،و إن اختلفوا حكم ذلك .
و حكى ابن خويز منذا ذو أبو الفرج ،عن مالك ،التزام ذلك وجوبا ،و هو قول البري و ابن
القصار و أكثر أصحابنا .
و قول أكثر أهل العراق و ابن سريج و الصطخري ،و ابن خيان من الشافعية .
و أثر الشافعية على أن ذلك ندب .
و ذهب طائفة إل الباحة .
و قيد بعضهم التباع فيما كان من المور الدينية و علم به مقصد القربة .
و من قال بالباحة ف أفعاله ل يقيد .قال :فلو جوزنا عليهم الصغائر ل يكن القتداء بم ف أفعالم ،
إذ ليس كل فعل من أفعاله يتميز مقصده [ ] 206من القربة أو الباحة ،أو الطر ،أو العصية .و ل
يصح أن يؤمر الرء بامتثال أمر لعله معصية ،ل سيما على من يرى من الصوليي تقدي ا لفعل على
القول إذا تعارضا .
و نزيد هذا حجة بأن نقول :من جوز الصغائر و من نفاها عن نبينا صلى ال عليه و سلم ممعون على
أنه ل يقر على منكر من قول أو فعل ،و أنه مت رأى شيئا فسكت عنه صلى ال عليه و سلم دل على
جوازه ،فكيف يكون هذا حاله ف حق غيه ،ث يوز و قوعه منه ف نفسه .
و على هذا الأخذتب عصمتهم من مواقعه الكروه ،كما قيل .و إذ الظر أو الندب على القتداء
بفعله يناف الزجر و النهي عن فعل الكروه .
و أيضا فقد علم من دين الصحابة قطعا القتداء بأفعال النب صلى ال عليه و سلم كيف توجهت ،و
من كل فن كالقتداء باقواله ،فقد نبذوا خواتيمهم حي نبذ خاته ،و خلعوا نعالم حي خلع ،و
احتجاجهم برؤية ابن عمر إياه جالسا لقضاء حاجته مستقبلً بيت القدس .
و احتج غي واحد منهم ف غي شيء ما بابه العبادة أو العادةبقوله :رأيت رسول ال صلى ال عليه و
سلم يفعله ،و قال :هل خبتيها أن أقبل و أنا صائم ! و قالت عائشة ـ متجة :كنت أفعله أنا و
رسول ال صلى ال عليه و سلم .
و غضب رسول ال صلى ال عليه و سلم الذي أخب بثل هذا عنه ،و قال :يل ال لرسوله ما يشاء :
إن ي لخشاكم ال و أعلمكم بدوده .
و الثار ف هذا أكثر من أن نيط عليها ،لكنه يعلم من مموعها على القطع اتباعهم أفعاله و اقتداؤهم
با .و لو جوزوا عليه الخالفة ف شيء منها لا اتسق هذا ،و لنقل عنهم و ظهر بثهم عن ذلك ،و لا
أنكر صلى ال عليه و سلم على الخر قوله و اعتذاره با ذكرناه .
و أما الباحات فجائز وقوعها منهم ،إذ ليس فيها قدح ،بل هي مأذون فيها ،و أيديهم كأيدي غيهم
مسلطة عليها ،إل أنم با خصوا به من رفيع النلة ،و شرحت له صدورهم من أنوار العرفة ،و
اصطفوا به من تعلق همهم با ال و الدار الخرة ـ ل يأخذون من الباحات إل الضرورات ما يتقوون
به على سلوك طريقهم ،و صلح دينهم ،و ضرورة دنياهم ،و ما أخذ على هذه السبيل التحق
طاعة ،و صار قربة ،كما بينا منه أول الكتاب طرفا ف نبينا صلى ال عليه و سلم ،فبان لك عظيم
فضل ل على نبينا و على سائر أنبيائه عليهم السلم بأن جعل أفعالم قربات و طاعات بعيدة عن وجه
الخالفة و رسم العصية .
فصل
ف عصمة النبياء قبل النبوة
و قد اختلف ف عصمتهم من العاصي قبل النبوة ،فمنعها قوم ،و جوزها آخرون .و الصحيح أن شاء
ال تنيههم من كل عيب ،و عصمتهم من كل ما يوجب الريب ،فكيف و السألة تصورها كالمتنع ،
فإن العاصي و النواهي إنا تكون بعد تقرر الشرع .
و قد اختلف الناس ف حال نبينا صلى ال عليه و سلم قبل أن يوحى إليه ،قل كان متبعا لشرع [207
] قبله أم ل ؟ فقال جاعة :ل يكن متبعا لشيء ،و هذا قول المهور ،فالعاصي على هذا القول غي
موجودة و ل معتبة ف حقه حينئذ ،إذ الحكام الشرعية إنا تتعلق بالوامر و النواهي و تقرر الشريعة .
ث اختلف حجج القائلي بذه القالة عليها ،فذهب سيف السنة ،و مقتدى فرق المة القاضي أبو بكر
إل أن طريق العلم بذلك النقل و موارد الب من طريق السمع ،و حجته أنه لو كان ذلك لنقل ،و لا
أمكن كتمه و ستره ف العادة ،إذ كان من مهم أمره ،و أول ما اهتبل به سيته ،و لفخر به أهل تلك
الشريعة ،و ل حتجوا به عليه ،و ل يؤثر شيء من ذلك جلة .
و ذهبت طائفة إل امتناع ذلك عقلً ،قالوا :لنه يبعد أن يكون متبوعا من عرف تابعا ،و بنوا هذا
على التحسي و التقبيح ،و هي طريقة غي سديدة ،و استناد ذلك إل النقل كما تقدم للقاضي أب بكر
أول و أظهر .
و قالت فرقة أخرى بالوقف ف أمره صلى ال عليه و سلم و ترك قطع الكم عليه بشيء ف ذلك ،إذ ل
يل أحد الوجهي منها العقل ،و ل استبان ف أحدها طريق النقل ،و هو مذهب أب العال .
و قالت فرقة ثالثة :إنه كان عاملً بشرع من قبله ،ث اختلفوا :هل يتعي ذلك الشرع أم ل ؟ فوقف
بعضهم عن تعيينه ،و أحجم .و جسر بعضهم على التعيي و صمم .ث اختلفت هذه العينة فيمن كان
يتبع ،فقيل نوح ،و قيل إبراهيم ،و قيل موسى ،و قيل عيسى صلوات ال عليهم .فهذه جلة
الذاهب ف هذه السألة .
و الظهر فيها ما ذهب إليه القاضي أبو بكر ،و أبعدها مذاهب العيني ،إذ لو كان شيء من ذلك
لنقل كما قدمنا ،و ل يف جلة ،و ل حجة لم ف أن عيسى آخر النبياء ،فلزمت شريعته من جاء
بعدها ،إذ ل يثبت عموم دعوة عيسى ،بل الصحيح أنه ل يكن لنب دعوة عامة إل لنبينا صلى ال عليه
و سلم ،و ل حجة أيضا للخرة ف قوله :أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ،و ل للخرين ف قوله تعال :
شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ،فتحمل هذه الية على اتباع ف التوحيد ،كقوله تعال :أولئك
الذين هدى ال فبهداهم اقتده [ سورة النعام ، 6 /الية . ] 90 :
و قد سى ال تعال فيهم من ل يبعث ،و ل تكن له شريعة تصه ،كيوسف بن يعقوب على قول من
يقول :إنه ليس برسول .
و قد سى ال تعال جاعة منهم ف هذه الية شرائعهم متلفة ل يكن المع بينها ،فدل أن الراد ما
اجتمعوا عليه من التوحيد و عبادة ال تعال .
و بعد هذا فهل يلزم من قال بنع التباع هذا القول ف سائر النبياء غي نبينا صلى ال عليه و سلم ،أو
يالفون نبيهم ؟ .
أما من منع التباع عقلً فيطرد أصله ف كل رسول بل مرية .و أما من مال إل النقل فأينما تصور له و
تقرر اتبعه .
و من قال بالوقف فعلى أصله .و من قال بوجوب التباع لن قبله فيلتزمه بساق حجته ف كل نب .
فصل
ف الكلم على الحاديث الذكور فيها السهو منه صلى ال عليه و سلم
ف الكلم على الحاديث [ ] 209الذكور فيها السهو منه صلى ال عليه و سلم .
فقد قدمنا ف الفصول قبل هذا ما يوز فيه عليه السهو صلى ال عليه و سلم و ما يتنع ،و أحلناه ف
الخبار جلة ،و ف القوال الدينية قطعا ،و أجزنا وقوعه ف الفعال الدينية على الوجه الذي رتبناه ،و
أشرنا إل ما ورد ف ذلك ،و نن نبسط القول فيه و نقول :الصحيح من الحاديث الواردة ف سهوه
صلى ال عليه و سلم ف الصلة ثلثة أحاديث :
أولا :حديث ذي اليدين ف السلم من اثنتي .
الثان :حديث ابن بينة ف القيام من اثنتي .
الثالث :حديث ابن مسعود رضي ال عنه :أن النب صلى ال عليه و سلم صلى الظهر خسا .
و هذه الحاديث مبنية على السهو ف الفعل الذي قررناه ،و حكمة ال فيه ليست به ،إذ البلغ بالفعل
أجلى منه بالقول ،و أرفع للحتمال ،و شرطه أل يقر على السهو ،بل يشعر به ليتفع اللتباس ،و
تظهر فائدة الكمة فيه كما قدمناه ،فإن النسيان و السهو ف الفعل ف حقه صلى ال عليه و سلم غي
مضاد للمعجزة ،و ل قادح ف التصديق ،و قد قال صلى ال عليه و سلم :إنا أنا بشر أنسى كما
تنسون ،فإذا نسيت فذكرون .
و قال صلى ال عليه و سلم :رحم ال فلنا ،لقد أذكرن كذا و كذا آية كنت أسقطهن ـ و يروى :
أنسيهن .
و قال صلى ال عليه و سلم :إن لنسى ،أو أنسى ،لسن .
قيل :هذا اللفظ شك من الراوي .و قد روى :إن ل أنسى ،و لكن أنسى لسن .
و ذهب ابن نافع ،و عيسى بن دينار أنه ليس بشك ،فإن معناه التقسيم ،أي أنسى أنا ،أو ينسين ال
.
قال القاضي أبو الوليد الباجي :يتمل ما قاله أن يريد أن أنسى ف اليقظة ،و أنسى ف النوم ،أو
أنسى على سبيل عادة البشر من الذهول عن الشيء و السهو ،و أنسى مع إقبال عليه و تفرغي له ،
فأضاف أحد النسياني إل نفسه ،إذ كان له بعض السبب فيه ،و نفى الخر عن نفسه ،إذ هو فيه
كالضطر .
و ذهبت طائفة من أصحاب العان و الكلم على الديث إل أن النب صلى ال عليه و سلم كان يسهو
ف الصلة و ل ينسى ،لن النسيان ذهول و غفلة و آفة ،قال :و النب صلى ال عليه و سلم منه عنها
،و السهو شغل ،فكان النب صلى ال عليه و سلم يسهو ف صلته ،و يشغله عن حركات ال صلة
ما ف الصلة ،شغلً با ل غفلة عنها .
و احتج بقوله ف الرواية الخرى :إن ل أنسى .
و ذهبت طائفة إل منع هذا كله عنه ،و قالوا :إن سهوه عليه السلم كان عمدا و قصدا ليسن .
و هذا قول مرغوب عنه ،متناقض القاصد ،ل يلى منه بطائل ،لنه كيف يكون معتمدا ساهيا ف
حال .و ل حجة لم ف قولم :إنه أمر بتعمد صورة النسيان ليسن ،لقوله :إن لنسى أو أنسى .و
قد أثبت أحد الوصفي ،و نفى مناقضة التعمد و القصد ،و قال :إنا أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون
[ ،فإذا نسيت فذكرون ] .
و قد مال إل هذا عظيم من الحققي من أئمتنا ،و هو أبو الظفر السفراين ،و ل يرتضه غيه منهم ،
و ل أرتضيه ،و ل حجة لاتي الطائفتي ف قوله :إن ل أنسى [ ، ] 210و لكن أنسى ،إذ ليس
فيه نفي حكم النسيان بالملة ،و إنا فيه نفي لفظه و كراهة لقبه ،كقوله :بئس ما لحدكم أن يقول
:نسيت آية كذا ،و لكنه نسي ،أو نفي الغفلة و قلة الهتمام بأمر الصلة عن قلبه ،لكن شغل با
عنها ،و نسي بعضها ببعضها ،كما ترك الصلة يوم الندق حت خرج وقتها ،و شغل بالتحرز من
العدو عنها ،فشغل بطاعة عن طاعة .
و قي ل :إن الذي ترك يوم الندق أربع صلوات :الظهر ،و العصر ،و الغرب ،و العشاء ،و به
احتج من ذهب إل جواز تأخي الصلة ف الوف ،إذا ل يتمكن من أدائها إل وقت المن ،و هو
مذهب الشاميي .
و الصحيح أن حكم الصلة الوف كان بعد هذا ،فهو ناسخ له .
فإن قلت :فما تقول ف نومه صلى ال عليه و سلم عن الصلة يوم الوادي ،و قد قال :إن عين تنامان
و ل ينام قلب .
فاعلم أن للعلماء ف ذلك أجوبة ،منها :أن الراد بأن هذا حكم قلبه عند نومه و عينيه ف غالب
الوقات ،و قد يندر منه غي ذلك ،كما يندر منة غيه خلف عادته .
و يصحح هذا التأويل قوله صلى ال عليه و سلم ف الديث نفسه :إن ال قبض أرواحنا .
و قول بلل فيه :ما ألقيت علي نومه مثلها قط ،و لكن مثل هذا إنا يكون منه لمر يريده ال من
إثبات حكم ،و تأسيس سنة ،و إظهار شرع ،كما قال ف الديث الخر :لو شاء ال ليقظنا ،و
لكن أراد أن يكون لن بعدكم .
الثان ـ أن قلبه ل يستغرقه النوم حت يكون منه الدث فيه ،لا روي أنه كان مروسا ،و أنه كان
ينام حت ينفخ ،و حت يسمع غطيطه ث يصلي و ل يتوصأ .
و حديث ابن عباس الذكور فيه و ضوءه عند قيامه من النوم ،فيه نومه مع أهله ،فل يكن الحتجاج
به على و ضوئه بجرد النوم إذ لعل ذلك للمسته الهل أو لدث آخر ،فكيف و ف آخر الديث
نفسه :ث نام حت سعت غطيطه ،ث أقيمت الصلة فصلى و ل يتوضأ .
و قيل :ل ينام قلبه من أجل أنه يوحى إليه ف النوم ،و ليس ف قصة الوادي إل نوم عينه عن رؤية
الشمس .و ليس هذا من فعل القلب ،و قد قال صلى ال عليه و سلم :إن ال قبض أرواحنا و لو شاء
لردها إلينا ف حي غي هذا .
فإن قيل :فلول عادته من استغراق النوم لا قال لبلل :أكل لنا الصبح .
فقيل ف الواب :إنه كان من شأنه ـ صلى ال عليه و سلم ـ التفليس بالصبح ،و مراعاة أول الفجر
ل تصح من نامت عينه ،إذ هو ظاهر يدرك بالوارح ،فوكل بللً براعاة أوله ليعلمه بذلك ،كما لو
شغل بشغل غي النوم عن مراعاته .
فإن قيل :فما معن نيه صلى ال عليه و سلم عن القول :نسيت ،و قد قال صلى ال عليه و سلم :
إن أنسى كما تنسون ،فإذا نسيت فذكرون .و لقد أذكرن كذا و كذا آية كنت أنسيتها .
فاعلن ـ أكرمك ال ـ أنه ل تعارض ف هذه اللفاظ ،أما نيه عن أن يقال ن سيت آية كذا
فمحمول على ما نسخ حفظه من القرآن ،أي إن الغفلة ف هذا ل تكن منه ،و لكن ال تعال اضطره
إليها ليمحو ما يشاء و يثبت .و ما كان من سهو أو غفلة من [ ] 211قبله تذكرها صلح أن يقال
فيه :أنسى .
و قد قيل :إن هذه منه صلى ال عليه و سلم على طريق الستحباب أن يضيف الفعل إل خالقه ،و
الخر على طريق الواز لكتساب العبد فيه ،و إسقاطه ـ صلى ال عليه و سلم ـ لا أسقط من هذه
اليات جائز عليه بعد بلغ ما أمر ببلغه ،و توصيله إل عباده ،ث يستذكرها من أمته ،أو من قبل
نفسه ،إل ما قضى ال نسخه و موه من القلوب و ترك استذكاره .
و قد يوز أن ينسى النب صلى ال عليه و سلم ما هذا سبيله كرة ،و يوز أن ينسيه منه قبل البلغ ما
ل يغي نظما ،و ل يلط حكما ،ما ل يدخل خللً ف الب ،ث يذكره إياه و يستحيل دوام نسيانه له
،لفظ ال كتابه ،و تكليفه بلغه .
فصل
ف الرد على من أجاز عليهم الصغائر
اعلم أن الجوزين للصغائر على النبياء من الفقهاء و الحدثي و من شايعهم على ذلك من التكلمي
احتجوا على ذلك بظواهر كثية من القرآن و الديث إن التزموا ظواهرها أفضت بم إل تويز الكبائر
و خرق الجاع ،و هو ما ل يقول به مسلم ،فكيف و كل ما احتجوا به ما اختلف الفسرون ف
معناه ،و تقابلت الحتمالت ف مقتضاه ،و جاءت أقاويل فيها للسلف بلف ما التزموه من ذلك ،
فإذا ل يكن مذهبهم إجاعا ،و كان اللف فيما احتجوا به قديا ،و قامت الدللة على خطأ قولم ،
و صحة غيه ،وجب تركه ،و الصي إل ما صح .
و ها نن نأخذ ف النظر فيها إن شاء ال .
فمن ذلك قوله تعال لنبينا ممد صلى ال عليه و سلم :
ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر [ سورة الفتح ، 48 /الية . ] 2 :
و قوله :واستغفر لذنبك وللمؤمني والؤمنات [ سورة ممد ، 47 /الية . ] 19 :
و قوله :ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك [ سورة الشرح ، 94 /الية . ] 3 ، 2 :
و قوله :عفا ال عنك ل أذنت لم [ سورة التوبة ، 9 /الية . ] 43 :
و قوله :لول كتاب من ا ل سبق لسكم فيما أخذت عذاب عظيم [ سورة النفال ، 8 /الية ] 68 :
.
و قوله :عبس وتول * أن جاءه العمى الية .
و ما قص من قصص غيه من النبياء ،كقوله :وعصى آدم ربه فغوى [ سورة طه ، 20 /الية :
. ] 121
و قوله :فلما آتاها صالا جعل له شركاء فيما آتاها فتعال ال عما يشركون [ سورة العراف 7 /
الية . ] 190 :
و قوله :ربنا ظلمنا أنفسنا وإن ل تغفر لنا وترحنا لنكونن من الاسرين [ سورة العراف ، 7 /الية :
. ] 23
و قوله ـ عن يونس :سبحانك إن كنت من الظالي [ سورة النبياء ، 21 /الية . ] 87 :
و ما ذكر من قصته و قصة داود ،و قوله :وظن داود أنا فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب * فغفرنا
له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ سورة ص ، 38 /الية . ] 25 ، 24 :
و قوله :ولقد هت به وهم با ،و ما قص من قصته مع إخوته .
و قوله ـ عن موسى :فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان [ سورة القصص ، 28 /
الية . ] 15 :
و قول النب ـ صلى ال عليه و سلم ف دعائه :اغفر ل ما قدمت و ما أخرت ،و ما أسررت وما
أعلنت و نوه م ن أدعيته صلى ال عليه و سلم .
و ذكر النبياء ف الوقف ذنوبم ف حديث الشفاعة .
و قوله :إنه ليغان على قلب فأستغفر ال .
و ف حديث أب هريرة :إن لستغفر ال و أتوب إليه ف اليوم أكثر من سبعي مرة .و قوله تعال ـ
عن نوح :وإل تغفر ل وترحن أكن من الاسرين .
و قد كان [ ] 212قال ال له :ول تاطبن ف الذين ظلموا إنم مغرقون [ سورة هود ، 11 /الية
. ] 37 :
و قال ـ عن إبراهيم :والذي أطمع أن يغفر ل خطيئت يوم الدين [ سورة الشعراء ، 26 /الية :
. ] 82و قوله ـ عن موسى :تبت إليك [ سورة العراف ، 7 /الية . ] 143 :
و قوله :ولقد فتنا سليمان ...إل ما أشبه هذه الظواهر .
قال القاضي رحه ال :فأما احتجاجهم بقوله :ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر :فهذا قد
اختلف فيه الفسرون ،فقيل :الراد ما كان قبل النبوة و بعدها .
و قيل :الراد ما وقع لك من ذنب وما ل يقع ـ أعلمه أنه مغفور له .
و قيل :التقدم ما كان قبل النبوة ،و التأخر عصمتك بعدها ،حكاه أحد بن نصر .
و قيل :الراد بذلك أمته .
و قيل :الراد ما كان عن سهو و غفلة ،و تأويل ،حكاه الطبي ،و اختاره القشيي .
و قيل :ما تقدم لبيك آدم ،و ما تأخر من ذنوب أمتك ،حكاه السمرقندي و السلمي عن ابن عطاء
.
و بثله و الذي قبله يتأول قوله :واستغفر لذنبك وللمؤمني والؤمنات ،
قال مكي :ماطبة النب صلى ال عليه و سلم ها هنا هي ماطبة لمته .
و قيل :إن النب صلى ال عليه و سلم لا أمر أن يقول :وما أدري ما يفعل ب ول بكم ـ سر بذلك
الكفار ،فأنزل ال تعال :ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر الية ،و بآل الؤمني ف الية
الخرى بعدها ،قاله ابن عباس ،فمقصد الية :إنك مغفور لك غي مؤاخذ بذنب إن لو كان .قال
بعضهم :الغفرة ها هنا تبئة من العيوب .
و أما قوله :ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك ،فقيل :ما سلف من ذنبك قبل النبوة ،و هو
قول ابن زيد و السن ،و معن قول قتادة .
و قيل :معناه أنه حفظ قبل نبوته منها ،و عصم ،و لول ذلك لثقلت ظهره ،حكى معناه السمرقندي
.
و قيل :الراد بذلك ما أثقل ظهره من أعباء الرسالة حت بلغها ،حكاه الاوردي ،و السلمي .
و قيل :حططنا عنك ثقل أيام الاهلية ،حكاه مكي .
و قيل :ثقل شغل سرك و حيتك و طلب شريعتك حت شرعنا ذلك لك ،حكى معناه القشيي .
و قيل العن :خففنا عليك ما حلت بفظنا لا استحفظت ،و حفظ عليك .
و معن أنقض ظهرك ،أي كاد ينقضه ،فيكون العن على من جعل ذلك لا قبل النبوة ـ اهتمام النب
صلى ال عليه و سلم بأمور فعلها قبل نبوته ،و حرمت عليه بعد النبوة ،فعدها أوزار ،و ثقلت عليه ،
و أشفق منها .
أو يكون الوضع عصمة ال له و كفايته من ذنوب لو كانت لنقضت ظهره .
أو يكون من ثقل الرسالة ،أو ما ثقل عليه و شغل قلبه من أمور الاهلية ،و إعلم ال تعال له بفظ ما
استحفظه من وحيه .
و أما قوله :عفا ال عنك ل أذنت لم ـ فأمر ل يتقدم للنب صلى ال عليه و سلم من ال تعال ني
فيعد معصية ،و ل عده ال تعال عليه معصية ،بل ل يعده أهل العلم معاتبة .و غلطوا من ذهب إل
ذلك ،قال نفطويه [ : ] 213و قد حاشاه ال تعال من ذلك ،بل كان ميا ف أمرين ،قالوا :و
قد كان له أن يفعل ما شاء فيما ل ينل عليه فيه وحي ،فكيف و قد قال ال تعال :فأذن لن شئت
منهم .فلما أذن لم أعلمه ال با ل يطلع عليه من سرهم أنه لو ل يأذن لم لقعدوا ،و أنه ل حرج
عليه فيما فعل ،و ليس عفا هنا بعن غفر ،بل كما قال النب صلى ال عليه و سلم :عفا ال لكم عن
صدقة اليل و الرقيق .و ل تب عليهم قط ،أي ل يلزمكم ذلك .
و نوه للقشيي ،قال :و إنا يقول العفو :ل يكون إل عن ذنب ـ من ل يعرف كلم العرب ،و
معن عفا ال عنك ـ أي ل يلزمك ذنبا .
قال الداودي :روي أنا تكرمة .
و قال مكي :هو استفتاح كلم ،مثل أصلحك ال و أعزك .
و حكى السمرقندي أن معناه عفاك ال .
و أما قوله ف أسارى بدر :ما كان لنب أن يكون له أسرى حت يثخن ف الرض تريدون عرض الدنيا
وال يريد الخرة وال عزيز حكيم * لول كتاب من ال سبق لسكم فيما أخذت عذاب عظيم .فليس
فيه إلزام ذنب للنب صلى ال عليه و سلم ،بل فيه بيان ما خص به وفضل من بي سائر النبياء ،فكأنه
قال :ما كان هذا لنب غيك ،كما قال صلى ال عليه و سلم :أحلت ل الغنائم ،و ل تل لنب قبلي .
فإن قيل :فما معن قوله تعال :تريدون عرض الدن ا وال يريد الخرة وال عزيز حكيم [ سورة
النفال ، 8 /الية . ]67 :
قيل :العن بالطاب لن أراد ذلك منهم ،و ترد غرضه لعرض الدنيا وحده ،و الستكثار منها ،و
ليس الراد بذا النب صلى ال عليه و سلم ،و ل عليه أصحابه ،بل قد روى عن الضحاك أنا نزلت
حي انزم الشركون يوم بدر ،و اشتغل الناس بالسلب و جع الغنائم عن القتال ،حت خشي عمر أن
يعطف عليهم العدو .
ث قال تعال :لول كتاب من ال سبق لسكم فيما أخذت عذاب عظيم ،فاختلف الفسرون ف معن
الية ،فقيل :معناها لول أنه سبق من أن ل أعذب أحدا إل بعد النهي لعذبتكم .
فهذا ينفي أن يكون أمر السرى معصية .
و قيل :العن لو ل إيانكم بالقرآن ،و هو الكتاب السابق فاستوجبتم به الصفح ـ
لعوقبتم على الغنائم .
و يزاد هذا القول تفسيا و بيانا بأن يقال :لو ل ما كنتم مؤمني بالقرآن ،و كنتم من أحلت لم
الغنائم لعوقبتم ،كما عوقب من تعدى .
و قيل :لول أنه سبق ف اللوح الحفوظ أنا حلل لكم لعوقبتم .
فهذا كله ينفي الذنب و العصية ،لن من فعل ما أحل له ل يعص ،قال ال تعال :فكلوا ما غنمتم
حلل طي با [ سورة النفال ، 8 /الية . ] 69 :
و قيل :بل كان صلى ال عليه و سلم قد خي ف ذلك ،و قد روي عن علي رضي ال عنه ،قال :
جاء جبيل عليه السلم إل النب صلى ال عليه و سلم يوم بدر ،فقال :خي أصحابك ف الساري ،
إن شاءوا القتل ،و إن شاءوا الفداء ،على أن يقتل منهم ف العام القبل مثلهم .
فقالوا :الفداء و يقتل منا .
و هذا دليل على صحة ما قلناه ،و أنم ل يفعلوا إل ما أذن لم فيه ،و لكن بعضهم مال إل أضعف
الوجهي ما كان الصلح غيه من الثخان و القتل ،فعوتبوا على ذلك ،و بي لم ضعف اختيارهم و
تصويب اختيار غيهم ،،و كلهم غي عصاة ول مذنبي ،و إل نو هذا أشار الطبي .
و قوله ـ صلى ال عليه و سلم ف هذه القضية :لو نزل من السماء عذاب ما نا منه إل عمر [ .
] 412ـ إشارة إل هذا من تصويب رأيه و رأي من أخذ بأخذه ،ف إعزاز الدين و إظهار كلمته ،
و إبادة عدوه ،و أن هذه القضية لو استوجبت عذابا نا منه عمر و مثله ،و عي عمر لنه أول من
أشار بقتلهم ،و لكن ال ل يقدر عليهم ف ذلك عذابا لله لم فيما سبق .
و قال الداودي :و الب بذا ل يثبت ،و لو ثبت لا جاز أن يظن أن النب صلى ال عليه و سلم حكم
لا ل نص فيه و ل دليل من نص ،و ل جعل المر فيه إليه ،و قد نزهه ال تعال عن ذلك .
و قال القاضي بكر بن العلء :أخب ال تعال نبيه ف هذه الية أن تأويله وافق ما كتبه له من إحلل
الغنائم و الفداء ،و قد كان قبل هذا فادوا ف سرية عبد ال بن جحش الت قتل فيها ابن الضرمي
بالكم بن كيسان و صاحبه ،فما عتب ال ذلك عليهم ،و ذلك قبل بدر بأزيد من عام .
فهذا كله يدل على أن فعل النب صلى ال عليه و سلم ف شأن السرى كان على تأويل و بصية ،و
على ما تقدم قبل مثله ،فلم ينكره ال تعال عليهم ،لكن ال تعال أراد ـ لعظم أمر بدر و كثرة
أسراها ،و ال أعلم ـ إظهار نعمته ،و تأكيد منته ،بتعريفهم ما كتبه ف اللوح الحفوظ من حل ذلك
لم ،ل على وجه عتاب و إنكار و تذبيب .هذا معن كلمه .
و أما قوله :عبس وتول * أن جاءه العمى [ سورة عبس ، 80 /الية . ] 1 :
فليس له إثبات ذنب له صلى ال عليه و سلم ،بل إعلم ال أن ذلك التصدي له من ل يتزكى ،و ان
الصواب و الول ـ لو كشف لك حال الرجلي ـ القبال على العمى .
و فعل النب صلى ال عليه و سلم لا فعل ،و تصديه لذلك الكافر ،كان طاعة ل و تبليغا عنه و
استئلفا له ،كما شرعه ال له ،ل معصية ،و ل مالفة له .
و ما قصه ال عليه من ذلك إعلم بال الرجلي و توهي أمر الكافر عنده و الشارة إل العراض عنه ،
بقوله :وما عليك أن ل يزكى [ سورة عبس ، 80 /الية . ] 3 :
و قيل :أراد بـ [ عبس ] ،و [ تول ] ـ الكافر الذي كان مع النب صلى ال عليه و سلم ،قاله أبو
تام .
و أما قصة آدم عليه السلم ،و قوله تعال :فأكل منها ـ بعد قوله :ول تقربا هذه الشجرة فتكونا من
الظالي .و قوله أل أنكما عن تلكما الشجرة ،و تصريه تعال عليه بالعصية بقوله تعال :وعصى آدم
ربه فغوى ،أي جهل .
و قيل أخطأ ،فإن ال تعال قد أخب بعذره بقوله :ولقد عهدنا إل آدم من قبل فنسي ول ند له عزما ،
قال ابن زيد :نسي عداوة إبليس له ،و ما عهد ال إليه من ذلك بقوله :إن هذا عدو لك ولزوجك
الية .
و قيل :نسي ذلك با أظهر لما .
و قال ابن عباس :إنا سي النسان إنسانا لنه عهد إليه فنسي .
و قيل :ل يقصد الخالفة است حللً لا ،و لكنهما اغترا بلف إبليس لما :إن لكما لن
الناصحي ،و توها أن أحدا ل يلف بال حانثا .
و قد روي عذر آدم بثل هذا ف بعض الثار .
و قال ابن جبي :حلف بال لما حت غرها ،و الؤمن يدع .
و قد قيل :نسي ،و لو ينو الخالفة ،فلذلك قال :ول ند له عزما ،و أي قصدا [ ] 215
للمخالفة .
و أكثر الفسرين على أن العزم هنا الزم و الصب .
و قيل :كان عند أكله سكران ،و هذا فيه ضعف ،لن ال تعال وصف خر النة أنا ل تسكر ،فإذا
كان ناسيا ل تكن معصية ،و كذلك إن كان ملبسا عليه غالطا ،إذ التفاق على خروج الناسي و
الساهي عن حكم التكليف .
قال الشيخ أبو بكر بن فورك و غيه :إنه يكن أن يكون ذلك قبل النبوة ،و دليل ذلك قوله تعال :
وعصى آدم ربه فغوى * ث اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ،فذكر أن الجتباء و الداية كانا بعد العصيان
.
و قيل :بل أكلها متأولً ،و هو يعلم أنا الشجرة الت ني عنها ،لنه تأول ني ال عن شجرة
مصوصة ل على النس ،و لذا قيل :إنا كانت التوبة من ترك التحفظ ،ل من الخالفة .
و قيل :تأول أن ال ل ينهه عنه ا ني تري .
فإن قيل :فعلى كل حال فقد قال ال تعال :وعصى آدم ربه ،و قال :فتاب عليه وهدى .و قوله ف
حديث الشفاعة :و يذكر ذنبه ،و قال :إن نيت عن أكل الشجرة فعصيت ،فسيأت الواب عنه و
عن أشباهه مملً آخر الفصل إن شاء ال .
و أما قصة يونس فقد مضى الكلم على بعضها آنفا ،و ليس ف قصة يونس نص على ذنب ،و إنا
فيها :أبق و ذهب مغاضبا و قد تكلمنا عليه .
و قيل :إنا نقم ال عليه خروجه عن قومه فارا من نزول العذاب .
و قيل :بل لا وعدهم العذاب ث عفا ال عنهم قال :و ال ل ألقاهم بوجه كذاب أبدا .
و قيل :بل كانوا يقتلون من كذب فخاف ذلك .
و قيل :ضعف عن حل أعباء الرسالة .و قد يقدم الكلم أنه ل يكذبم .
و هذا كله ليس فيه نص على معصية إل على قول مرغوب عنه .
و قوله :إذ أبق إل الفلك الشحون ـ قال الفسرون تباعد .
و أما قوله :إن كنت من الظالي ،فالظلم وضع الشيء ف غي موضعه ،فهذا اعتراف منه عند بعضهم
بذنبه ،فإما أن يكون لروجه عن قومه بغي إذن ربه ،أو لضعفه عماحله ،أو لدعائه بالعذاب على
قومه .و قد دعا نوح بلك قومه فلم يؤاخذ .
و ق ال الواسطي ف معناه :نزه ربه عن الظلم ،و أضاف الظلم إل نفسه اعترافا و استحقاقا .و مثل
هذا قول آدم و حواء :ربنا ظلمنا أنفسنا ،إذ كانا السبب ف وضعهما غي الوضع الذي أنزل فيه ،و
اخراجهما من النة ،و إنزالما إل الرض .
و أما قصة داود عليه السلم فل يب أن يلتفت إل ما سطره فيه الخباريون من أهل الكتاب الذين
بدلوا و غيوا ،و نقله بعض الفسرين .و ل ينص ال على شيء من ذلك ،و ل ورد ف حديث
صحيح .و الذي نص عليه قوله :وظن داود أنا فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب * فغفرنا له ذلك
وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ سورة ص ، 38 /الية . ] 25 ، 24 :
و قوله فيه :أواب .
فمعن فتناه :اختبناه .و أواب :قال قتادة :مطيع .
و هذا التفسي أول .
و قال ابن عباس ،و ابن مسعود :ما زاد داود على أن قال للرجل :انزل ل عن امرأتك و أكفلنيها ،
فعاتبه ال على ذلك ،و نبهه عليه ،و أنكر عليه [ ] 216شغله بالدنيا ،و هذا الذي ينبغي أن يعول
عليه من أمره .
و قيل :خطبها على خطبته .
و قيل :بل أحب بقلبه أن تستشهد .
و حكى السمرقندي أن ذنبه الذي اس تغفر منه قوله لحد الصمي :لقد ظلمك ،فظلمه بقول
خصمه .
و قيل :بل لا خشي على نفسه ،و ظن من الفتنة با بسط له من اللك و الدنيا .
و إل نفي ما أضيف ف الخبار إل داود من ذلك ـ ذهب أحد بن نصر ،و أبو تام ،و غيها من
الحققي .
و قال الداودي :ليس ف قصة داود و أوريا خب يثبت ،و ل يظن بنب مبة قتل مسلم .
[ و قيل :إن الصمي اللذين اختصما إليه رجلن ف نعاج غنم ،على ظاهر الية ] .
و أما قصة يوسف و إخوته فليس على يوسف فيها تعقب ،و أما إخوته فلم تثبت نبوتم فليزم الكلم
على أفعالم .و ذكر السباط و عدهم ف القرآن عند ذكر النبياء ليس صريا ف كونم من أهل
النبياء .
قال الفسرون :يريد من نبئ من أنباء السباط .
و قد قيل :إنم كانوا حي فعلوا بيوسف ما فعلوه صغار السنان ،و لذا ل ييزوا يوسف حي
اجتمعوا به ،و لذا قالوا :أرسله معنا غدا نرتع و نلعب ،و إن ثبتت لم نبوة فبعد هذا ،و ال أعلم .
و أما قول ال تعال فيه :ولقد هت به وهم با لول أن رأى برهان ربه ـ فعلى طريق كثي من الفقهاء
الحدثي أن هم النفس ل يؤاخذ به ،و ليس سيئة ،لقوله صلى ال عليه و سلم ـ عن ربه [ :إذا هم
عبدي بسيئة فلم يعلمها كتبت له حسنة ] ،فل معصية ف هه إذا .
و أما على مذهب الحققي من الفقهاء و التكلمي فإن الم إذا وطنت عليه النفس سيئة .و أما ما ل
توطن عليه النفس من هومها و خواطرها فهو العفو عنه .
هذا هو الق ،فيكون ـ إن شاء ال ـ هم يوسف من هذا ،و يكون قوله :وما أبرئ نفسي إن
النفس لمارة بالسوء إل ما رحم رب إن رب غفور رحيم [ سورة يوسف ، 1 /الية . ] 53 :
ي ما أبرئها من هذا الم ،أو يكون ذلك منه على طريق التواضع و العتراف بخالفة النفس لا زكي
قبل و برىء ،فكيف و قدحكى أبو حات عن أب عبيدة ـ أن يوسف ل يهم ،و ان الكلم فيه تقدي و
تأخي ،أي :و لقد هت به ،و لول أن رأى برهان ربه لم با ،و قد قال ال تعال ـ عن الرأة ـ :
لقد راودته عن نفسه فاستعصم .و قال تعال :كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء .قال تعال :
وغلقت البواب وقالت هيت لك قال معاذ ال إنه رب أحسن مثواي الية .
قيل ف رب ال تعال .و قيل :اللك .
و قيل :هم با ،أي بزجرها و وعظها
و قيل هم با ،أي غمها امتناعه عنها .
و قي ل هم با :نظر إليها .
و قيل هم بضربا و دفعها .
و قيل هذا كله كان قبل نبوته .
و قد ذكر بعضهم :ما زال النساء يلن إل يوسف ميل شهوة حت نبأه ال ،فألقى عليه هيبة النبوة ،
فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه .
و أما خب موسى صلى ال عليه و سلم مع قتيله الذي و كزه فقد نص ال تعال أنه من عدوه ،قال :
كان من القبط الذين على دين فرعون .
و دليل السورة ف هذا كله أنه قبل نبوة موسى .
و قال قتادة :وكزه بالعصا ،و ل يتعمد قتله ،فعلى هذا ل معصية ف ذلك .
و قوله :هذا من عمل الشيطان .و قوله ] 217 [ :ظلمت نفسي فاغفر ل ـ قال ابن جريح :قال
ذلك من أجل أنه ل ينبغي لنب أن يقتل حت يؤمر .
و قال النقاش :ل يقتله عن عمد مريدا للقتل ،و إنا وكزه و كزة يريد با دفع ظلمة ،قال :و قد قيل
:إن هذا كان قبل النبوة ،و هو مقتضى التلوة .
و قوله تعال ـ ف قصته : :وفتناك فتونا ،أي ابتليناك ابتلء بعد ابتلء .قبل ف هذه القصة و ما جرى
له مع فرعون .و قيل :إلقاؤه ف التابوت و اليم ،و غيذلك .
و قيل :معناه أخلصناك إخلصا ،قاله ابن جبي و ماهد ،من قولم :فتنت الفضة ف النار إذا خلصتها
.و أصل الفتنة معن الختبار ،و إظهار ما بطن ،إل أنه استعمل ف عرف الشرع ف اختبار أدى إل ما
يكره .
و كذلك ما روي ف الب الصحيح ،من ان ملك الوت جاءه فلطم عينه ففقأها . . .
ألديث ..ليس فيه ما يكم به على موسى بالتعدي و فعل ما ليب له ،إذ هو ظاهر المر ،بي
الوجه ،جائز الفعل ،لن موسى دافع عن نفسه من أتاه لتلفها ،و قد تصور به ف صورة آدمي ،و
ل يكن أنه علم حينئذ أنه ملك الوت ،فدافعه عن نفسه مدافعة أدت إل ذهاب عي تلك الصور الت
تصور له فيها اللك امتحانا من ال ،فلما جاءه بعد ،و أعلمه ال تعال أنه رسوله إليه استسلم .
و للمتقدمي و التأخرين على هذا الديث أجوبةهذا أسدها عندي ،و هو تأويل شيخنا المام أب عبد
ال الازري .
و قد تأوله قديا ابن عائشة و غيه على صكه و لطمه بالجة ،و فقء عي حجته ،و هو كلم
مستعمل ف هذا الباب ف اللغة معروف .
و أما قصة سليمان و ما حكى فيها أهل التفاسي من ذنبه و قوله :ولقد فتنا سليمان ،فمعناه ابتلينا ،و
ابتلؤه :ما حكي عن النب صلى ال عليه و سلم انه قال :لطوفن الليلة على مائة امراة أو تسع
وتسعي كلهن يأتي بفارس ياهد ف سبيل ال .فقال له صاحبه :قل إن شاء ال ،فلم يقل .فلم
تمل منهم إل امرأة واحدة جاءت بشق رجل .قال النب صلى ال عليه و سلم :و الذي نفسي بيده لو
قال إن شاء ال لاهدوا ف سبيل ال .
قال أصحاب العان :و الشق هو السد الذي ألقى على كرسيه حي عرض عليه ،وهي عقوبته و منته
.
و قيل بل مات فألقي على كرسيه ميتا .
و قيل :ذنبه حرصه على ذلك و تنيه .
و قيل :لنه ل يستثن لا استغرقه من الرص ،و غلب عليه من التمن .
و قيل :عقوبته أن سلب ملكه ،و ذنبه أن احب بقلبه أن يكون الق لختانه على خصمهم .
و قيل :أوخذ بذنب قارفه بعض نسائه .و ل يصح ما نقله الخباريون من تشبه الشيطان به ،و تسلطه
على ملكه تعال و تصرفه ف ف أمته بالور ف حكمه ،لن الشياطي ل يسلطون على مثل هذا ،و قد
عصم النبياء من مثله [. ] 218
و إن سئل :ل ل يقل سليمان ف القصة الذكورة :إن شاء ال ـ فعنه أجوبة :
أحدها :ما روي ف الديث الصحيح أنه نسى أن يقولا ،و ذلك لينفذ مراد ال تعال .
و الثان :أنه ل يسمع صاحبه و شغل عنه .
و قوله :وهب ل ملكا ل ينبغي لحد من بعدي .ل يفعل هذا سليمان غيه على الدنيا و ل نفاسة
با ،و لكن مقصده ف ذلك ـ على ما ذكره الفسرون ـ أل يسلط عليه أحد كما سلط عليه
الشيطان الذي سلبه إياه مدة امتحانه على قول من قال ذلك .
و قيل :بل أراد أن يكون له من ال فضيلة و خاصة يتص با كاختصاص غيه من أنبياء ال و رسله
بواص منه .
و قيل :ليكون ذلك دليلً و حجة على نبوته ،كالنة الديد لبيه ،و إحياء الوتى لعيسى ،و
اختصاص ممد صلى ال عليه و سلم بالشفاعة ،و نو هذا .
و أما قصة نوح عليه السلم فظاهرة العذر ،و إنه أخذ فيها بالتأويل و ظاهر اللفظ ،لقوله تعال [ :و
أهلك ] ،فطلب مقتضى هذا اللفظ ،و أراد علم ما طوي عليه من ذلك ،ل أنه شك ف وعد ال تعال
،فتبي ال عليه أنه ليس من أهله الذين وعده بنجاتم لكفره و عمله الذي هو غي صال ،و قد أعلمه
أنه مغرق الذين ظلموا ،و ناه عن ماطبته فيهم ،فووخذ بذا التأويل ،و عتب عليه ،و أشفق هو من
إقدامه على ربه لسؤاله ما ل يؤذن له ف السؤال فيه ،و كان نوح ـ فيما حكاه النقاش ـ ل يعلم
بكفر ابنه .
و قيل ف الية غي هذا ،و كل هذا ل يقضي على نوح بعصية سوى ما ذكرنا من تأويله و إقدامه
بالسؤال فيما ل يؤذن له فيه ،و ل نى عنه .
و ما روي ف الصحيح من أن نبيا قرصته نلة فحرق قرية النمل ،فأوحى ال إليه :أن قرصتك نلة
أحرقت أمة من المم تسبح ...فليس ف هذا الديث أن هذا الذي أتى معصية ،بل فعل ما رآه
مصلحة و صوابا بقتل من يؤذي جنسه ،و ينع النفعة ما أباح ال .
أل ترى أن هذا النب كان نازلً تت الشجرة ،فلما آذته النملة تول برجله عنها مافة تكرار الذى
عليه و ليس فيما أوحى ال إليه ما يوجب معصية ،بل ندبه إل احتمال الصب و ترك التشفي ،كما قال
تعال :ولئن صبت لو خي للصابرين ،إذا ظاهر فعله إنا كان لجل أنا آذته هو ف خاصته ،فكان
انتقاما لنفسه ،و قطع مضرة يتوقعها من بقية النمل هناك ،و ل يأت ف كل هذا أمرا ني عنه ،
فيعصى به ،و ل نص فيما أوحى ال إليه بذلك ،و ل بالتوبة و الستغفار منه .و ال أعلم .
فإن قيل :فما معن قوله عليه السلم :ما من أحد إل أل بذنب أو كاد إل يي بن زكريا ،أو كما قال
النب صلى ال عليه و سلم .
فالواب عنه :كما تقدم م ن ذنوب النبياء الت وقعت عن غي قصد و عن سهو و غفلة ] .
فصل
معقود لدفع شبه نشأت ما قدمه
فإن قلت :فإذا نفيت عنهم صلوات ال عليهم الذنوب و العاصي با ذكزته من اختلف الفسرين و
تأويل الحققي ـ فما معن قوله تعال :وعصى آدم ربه فغوى ،و ما تكرر ف القرآن و الديث
الصحيح من اعتراف النبياء بذنوبم و توبتهم و استغفارهم [ ، ] 219و بكائهم على ما سلف
منهم ،وإشفاقهم .و هل يشفق و يتاب و يستغفر من ل شيء ؟ .
فاعلم ـ و فقنا ال و إياك ـ أن درجة النبياء ف الرفعة و العلو و العرفة با ال ،و سنته ف عباده و
عظم سلطانه ،و قوة بطشه ،ما يملهم على الوف منه جل جلله ،و الشفاق من الؤاخذة با ل
يؤاخذ به غيهم ،و أنم ـ ف تصرفهم بأمور ل ينهوا عنها ،و ل أمروا با ،ث أخذوا عليها ،و
عوتبوا بسببها ،أو حذروا من الؤاخذة با ،و أتوها على وجه التأويل أو السهو ،أو تزيد من أمور
الدنيا الباحة ـ خائفون و جلون ،و هي ذنوب بالضافة إل علي منصبهم ،و معاص بالنسبة إل
كمال طاعتهم ،ل أنا كذنوب غيهم و معاصيهم ،فإن الذنب مأخوذ من الشيء الدن الرذل ،و منه
ذنب كل شيء أي آخره .و أذناب الناس رذالم ،فكأن هذه أدن أفعالم ،و أسوأ ما ير ي من
أحوالم لتطهيهم و تنيههم ،و عمارة بواطنهم و ظواهرهم بالعمل الصال ،و الكلم الطيب ،و
الذكر الظاهر و الفي ،و الشية ال ،و إعظامه ف السر و العلنية ،و غيهم يتلوث من الكبائر و
القبائح و الفواحش ما تكون بالضافة إليه هذه النات ف حقه كالسنات ،كما قيل :حسنات البرار
سيئات القربي ،أي يرونا بالضافة إل علي أحوالم كالسيئات .
و كذلك العصيان الترك و الخالفة ،فعلى مقتضى اللفظة كيفما كانت من سهو أو تأويل فهي مالفة و
ترك .
قوله تعال :غوى ،أي جهل أن تلك الشجرة هي الت ني عنها ،و الغي :الهل .
و قيل :أخطأ ما طلب من اللود ،إذ أكلها و خابت أمنيته .
و هذا يوسف عليه السلم قد أوخذ بقوله لحد صاحب السجن :اذكرن عند ربك فأنساه الشيطان
ذكر ربه فلبث ف السجن بضع سني [ سورة بوسف 12/الية . ] 42 :
قيل :أنسي يوسف ذكره ال .
و قيل :أنسي صاحبه أن يذكره لسيده اللك ،قال النب صلى ال عليه و سلم :لول كلمة يوسف
مالبث ف السجن ما لبث .
قال ابن دينار :لا قال ذلك يوسف قيل له :اتذت من دون وكيل ،لطيلن حبسك .فقال :يارب ،
أنسى قلب كثر ة البلوى .
و قال بعضهم :يؤاخذ النبياء بثا قيل الذر ،لكانتهم عنده ،و ياوز عن سائر اللق لقلة مبالته بم
ف أضعاف ما أتوا به من سوء الدب .
و قد قال الحتج للفرقة الول على سياق ما قلناه :إذا كان النبياء يؤاخذون بذا ما ل يؤاخذ به
غيهم من السهو و النسيان ،و ما ذكرته ،و حالم أرفع فحالم إذًا ف هذا أسوأ حالً من غيهم .
فاعلم ـ أكرمك ال ـ أنا ل نثبت لك الؤاخذة ف هذا على حد مؤاخذة غيهم ،بل نقول :إنم
يؤاخذون بذلك ف الدنيا ،ليكون ذلك زيادة ف درجاتم ،و يبتلون بذلك ،ليكون استشعارهم له
سببا لنماة رتبهم ،كما قال :ث اجتباه ربه فتاب عليه وهدى [ سورة طه ، 20/الية . ]122:
قال [ ] 220لداود :فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ سورة ص ، 23/الية :
. ] 25
قال ـ بعد قول موسى :تبت إليك :إن اصطفيتك على الناس .
و قال ـ بعد ذكر فتنة سليمان و إنابته :فسخرنا له الريح تري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطي
كل بناء وغواص * وآخرين مقرني ف الصفاد * هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغي حساب * وإن له
عندنا لزلفى وحسن مآب [ سورة ص ، 38/الية . ] 40 ، 36 :
و قال بعض التكلمي :زلت النبياء ف الظاهر زلت ،و ف القيقة كرامات وزلف ،وأشار إل نو
ما قدمناه .
و أيضا فلينبه غيهم من البشر منهم ،أو من ليس ف درجتهم بؤاخذتم بذلك ،فيستشعروا الذر ،
ويعتقدوا الحاسبة ليلتزموا الشكر على النعم ،ويعدوا الصب على الحن بلحظة ما وقع بأهل هذا
النصاب الرفيع العصوم ،فكيف بن سواهم ،ولذا قال صال الري :ذكر داود بسطة للتوابي .
قال ابن عطاء :ل يكن ما نص ال تعال عليه من قضية صاحب الوت نقصا له ،و لكن استزادة من
نبينا صلى ال عليه و سلم .
و أيضا فيقال لم :فإنكم و من وافقكم تقولون بغفران الصغائر باجتناب الكبائر .
و ل خلف ف عصمة النبياء من الكبائر ،فما جوزت من وقوع الصغائر عليهم هي مغفورة على هذا ،
فما معن الؤاخذة با إذا عندكم و خوف النبياء و توبتهم منها ،و هي مغفورة لو كانت ؟
فما أجابوا به فهو جوابنا عن الؤاخذة بأعمال السهو و التأويل .
و قد قيل :إن كثرة استغفار النب صلى ال عليه و سلم و توبته ،و غيه من النبياء على و جه ملزمة
الضوع و العبودية ،و العتراف بالتقصي ،شكرا الل ه على نعمه ،كما قال ـ صلى ال عليه و
سلم ـ و قد أمن من الؤاخذة ما تقدم و تأخر :أفل أكون عبدا شكورا .
و قال :إن أخشاكم ال ،و أعلمكم با أتقي .
قال الارث بن أسد :خوف اللئكة و النبياء خوف إعظام و تعبد ال ،لنم آمنون .
و قيل :فعلوا ذلك ليقتدي بم ،و تست بم أمهم ،كما قال صلى ال عليه و سلم :لو تعلمون ما
أعلم لضحكتم قليلً و لبكيتم كثيا .
و أيضا فإن ف التوبة و الستغفار معن آخر لطيفا أشار إليه بعض العلماء ،و هو استدعاء مبة ال ،
قال ال تعال :إن ال يب التوابي ويب التطهرين [ سورة البقرة ،2 /الية . ] 222 :
فإحداث الرسل و النبياء الستغفار و التوبة و النابة و الوبة ف كل حي ـ استدعاء لحبة ال !
والستغفار فيه معن التوبة ،وقد قال ال لنبيه ـ بعد أن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر :لقد تاب
ال على النب والهاجرين والنصار [ سورة التوبة ، 9 /الية . ] 117 :
و قال تعال :فسبح بمد ربك واستغفره إنه كان توابا [ سورة النصر ، 110 /الية . ] 3 :
فصل
ف تنيه النب عما ل يب أن يضاف إليه
قد استبان لك أيها أبا الناظر با قررناه ،ما هو الق من عصمته صلى ال عليه و سلم عن الهل با ل
و صفاته ،و كونه علىحاله تناف العلم بشيء من ذلك كله بعد النبوة عقلً و اجاعا ،و قبلها سعا و
ل ،و ل بشيء ما قرره من أمور الشرع ،و أداه عن ربه من الوحي قطعا عقلً و شرعا ،و عصمته نق ً
عن الكذب و خلف القول منذ نبأه ال و أرسله قصدا أو غي قصد ،و استحالة ذلك عليه شرعا و
إجاعا ،و نظرا و برهانا ،و تنيهه عنه قبل النبوة قطعا ،و تنيهه [ ] 221عن الكبائر إجاعا و
عن الصغائر تقيقا ،و عن استدامة السهو و الغفلة ،و استمرار الغلط و النسيان عليه فيما شرعه
للمة ،و عصمته ف كل حالته ،من رضا و غضب ،و جد و مزح ،فيجب عليك أن تتلقاه
باليمي ،و تشد عليه يد الضني و تقدر هذه الفصول حق قدرها ،و تعلم عظيم فائدتا و خطرها ،
فإن من يهل ما يب للنب صلى ال عليه و سلم ،أو يوز له ،أو يستحيل عليه ،و ل يعرف صور
أحكامه ،ل يأمن أن يعتقد ف بعضها خلف ما هي عليه ،و ل ينهه عما ل يب أن يضاف إليه ،
فيهلك من حيث ل يدري ،و يس قط ف هوة الدرك السفل من النار حدثنا إذ ظن الباطل به ،و
اعتقاده ما ل يوز عليه يل بصاحبه دار البوار .
و لذا ما احتاط عليه السلم على الرجلي اللذين رأياه ليلً ،و هو معتكف ف السجد مع صفية ،فقال
لما :إنا صفية .ث قال لما :إن الشيطان يري من ابن آدم مرى الدم ،و إن خشيت أن يقذف ف
قلوبكما شيئا فتهلكا .
هذه ـ أكرمك ال ـ إحدى فوائد ما تكلمنا عليه ف هذه الفصول ،و لعل جاهلً ل يعلم بهله إذا
سع شيئا منها برى أن الكلم فيها جلة من فصول العلم ،و أن السكوت أول .و قد استبان لك أنه
متعي للفائدة الت ذكرناها .
و فائدة ثانية يضطر إليها ف أصول الفقه ،و تبن عليها مسائل ل تنعد من الفقه ،يتخلص با من
تشغيب متلفي الفقهاء ف عدة منها ،وهي الكم ف أقوال النب صلى ال عليه و سلم و أفعاله ،و هو
باب عظيم ،و أصل كبي من أصول الفقه ،و ل بد من بنائه على صدق النب صلى ال عليه و سلم ف
إخباره و بلغه ،و أنه ل يوز عليه السهو فيه تعال و عصمته من الخالفة ف أفعاله عمدا ،و بسب
اختلفهم ف وقوع الصغائر وقع خلف ف امتثال الفعل ،بسط بيانه ف كتب ذلك العلم حدثنا فل
نطول به .
و فائدة ثالثة يتاج إليها الاكم و الفت فيمن أضاف إل النب صلى ال عليه و سلم شيئا من هذه
المور ،و وصفه با ،فمن ل يعرف ما يوز و ما يتنع عليه ،و ما وقع الجاع فيه و اللف ،كيف
يصمم ف الفتيا ف ذلك ،و من أين يدري ؟ هل ما قاله فيه نقص أو مدح ،فإما أن يترىء على سفك
دم مسلم حرام ،أو يسقط حقا ،أو يضيع حرمه للنب صلى ال عليه و سلم .
و اسبيل هذا ما قد اختلف أرباب الصول و أئمة العلماء و الحققي ف عصمة اللئكة .
فصل
ف القول ف عصمة اللئكة
أجع السلمون على أن اللئكة مؤمنون فضلء ،واتفق أئمة السلمي أن حكم الرسلي منهم حكم
النبيي سواء ف العصمة ما ذكرنا عصمتهم منه ،وأنم ف حقوق النبياء والتبليغ إليهم كالنبياء مع
المم .
واختلفوا ف غي الرسلي منهم ،فذهبت طائفة إل عصمة جيعهم عن العاصي ،واحتجوا بقوله تعال :
ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .و بقوله :وما منا إل له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون
* وإنا لنحن السبحون ] 222 [ .و بقوله :ومن عنده ل يستكبون عن عبادته ول يستحسرون *
يسبحون الليل والنهار ل يفترون .و بقوله :إن الذين عند ربك ل يستكبون عن عبادته ويسبحونه وله
يسجدون .و بقوله :كرام بررة و ل يسه إل الطهرون ،و نوه من السمعيات .
و ذهبت طائفة إل أن هذا خصوص للمرسلي منهم و القربي .و احتجوا بأشياء ذكرها أهل الخبار و
التفاسي ،نن نذكرها إن شاء ال بعد ،و نبي الوجه فيها إن شاء ال .
و الصواب عصمة جيعهم ،و تنيه نصابم الرفيع عن جيع ما يط من رتبتهم ومنلتهم عن جليل
مقدارهم .
ورأيت بعض شيوخنا أشرا أن ل حاجة بالفقيه إل الكلم ف عصمتهم ،و أنا أقول :إن للكلم ف
ذلك ما للكلم ف عصمة النبياء من الفوائد الت ذكرناها سوى فائدة الكلم ف القوال و الفعال ،
فهي ساقطة ها هنا .
فما احتج به من ل يوجب عصمة جيعهم قصة هاروت و ماروت ،و ما ذكر فيها أهل الخبار و نقله
الفسرين ،و ما روي عن علي و ابن عباس ف خبها و ابتلئهما .
فاعلم ـ أكرمك ال ـ أن هذه الخبار ل يرو منها شيء ل سقيم و ل صحيح عن رسول ال صلى
ال عليه و سلم ،و ليس هو شيئا يؤخذ بقياس .
و الذي منه ف القرآن اختلف الفسرون ف معناه ،و أنكر ما قال بعضهم فيه كثي من السلف كما
سنذكره .وهذه الخبار من كتب اليهود وافترائهم ،كما نصه ال أول اليات من افترئهم بذلك على
سليمان و تكفيهم إياه .
و قد انطوت القصة على شنع عظيمة .و ها نن نب ف ذلك ما يكشف غطاء هذه الشكالت إن
شاء ال :
فاختلف أولً ف هاروت و ماروت ،هل ها ملكان أو إنسيان ؟ وهل ها الراد باللكي أم ل ؟ و هل
القراءة ملكي أو ملكي ؟ و هل ما ف قوله :وما أنزل على اللكي .وما يعلمان من أحد ـ نافية أو
موجبة ! .
فأكثر الفسرين أن ال تعال امتحن الناس باللكي لتعليم السحر وتبيينه ،و أن عمله كفر ،فمن تعلمه
كفر ،و من تركه آمن ،و قال ال تعال :إنا نن فتنة فل تكفر و تعليمها الناس له تعليم إنذار ،أي
يقولن لن جاء يطلب تعلمه :ل تفعلوا كذا :فإنه يفرق بي الرء و زوجه ،و ل تتحيلوا بكذا ،فإنه
سحر ،فل تكفروا .
فعلى هذا فعل اللكي طاعة ،و تصر فهما فيما أمرا به ليس بعصية ،و هي لغيها فتنة .
و روى ابن وهب ،عن خالد بن أب عمران ـ أنه ذكر عنده هاروت و ماروت ،و أنما يعلمان
السحر ،فقال :نن ننههما عن هذا .
فقرأ بعضهم :وما أنزل على اللكي .فقال خالد :ل ينل عليهما .
فهذا خالد على جللته و علمه نزههما عن تعليم السحر الذي قد ذكر غيه أنما مأذون لما ف تعليمه
بشريطة أن يبينا أنه كفر ، ،و أنه امتحان من ال و ابتلء ،فكيف ل ينههما عن كبائر العاصي و
الكفر الذكورة ف تلك الخبار .
و قول خالد ] 223 [ :ل ينل :يريد أن ما نافية ،و هو قول ابن عباس ،قال مكي :و تقدير
الكلم :و ما كفر سليمان ـ يريد بالسحر الذي افتعلته الشياطي ،فاتبعتهم ف ذلك اليهود ،و م ا
أنزل على اللكي ،قال مكي :ها جبيل و ميكائيل :
ادعى اليهود عليهما الجيء به ،كما ادعوا على سليمان ،فأكذبم ال ف ذلك .
و لكن الشياطي كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت و ماروت قيل :ها رجلن تعلماه .
قال السن :هاروت و ماروت علجان من أهل بابل ،و قرأ :و ما أنزل على اللكي ـ بكسر اللم ،
و تكون [ ما ] ايابا على هذا .
و كذلك قراءة عبد الرحن بن أبزى ـ بكسر اللم ،و لكنه قال :اللكان هنا داود و سليمان ،و
تكون [ ما ] نفيا على ما تقدم .
و قيل :كانا ملكي من بن اسرائيل ،فمسخهما ال ،حكاه السمرقندي .
و القراءة بكسر اللم شاذة ،فحمل الية على تقدير أب ممد مكي حسن ينه اللئكة و يذهب
الرجس عنهم ،و يطهرهم تطهيا .
و قد وصفهم ال مطهرون ،و كرام بررة ،و ل يعصون ال ما أمرهم .
و ما يذكرونه قصة إبليس ،و أنه كان من اللئكة و رئيسا فيهم ،و من خزان النة ...إل آخر ما
حكوه ،و أنه استثناه من اللئكة بقوله :فسجدوا إل إبليس
و هذا أيضا ل يتفق عليه ،بل الكثر ينفون ذلك ،و أنه أبو الن ،كما أن آدم أبو النس ،و هو قول
السن ،و قتادة ،و ابن زيد .
و قال شهر بن حوشب :كان من الن الذين طردتم اللئكة ف الرض حي أفسدوا ،و الستثناء من
غي النس شائع ف كلم العرب سائغ ،و قد قال ال تعال :ما لم به من علم إل اتباع الظن [ سورة
النساء ، 4 /الية . ] 157 :
و ما رووه من الخبار أن خلقا من اللئكة عصوا ال فحرقوا ،و أمروا أن يسجدوا لدم فأبوا
فحرقوا ،ث آخرون كذلك ،حت سجدوا له من ذكر ال إل إبليس ،ف أخبار ل أصل لا تردها
صحاح الخبار ،فل يشتغل با .و ال أعلم .
الباب الثان :فيما يصهم ف المور الدنيوية ويطرأ عليهم من العوارض البشرية
قد قدمنا أنه ـ صلى ال عليه و سلم ـ و سائر النبياء و الرسل من البشر ،و أن جسمه ،و ظاهره
خالص للبشر ،يوز عليه من الفات و التغييات ،و اللم و السقام ،و ترع كأس المام ما يوز
على البشر ،و هذا كله ليس بنقيصة فيه ،لن الشيء إنا يسمى ناقصا بالضافة إل ما هو أت و أكمل
من نوعه ،و قد كتب ال تعال على أهل هذه الدار :فيها تيون ،و فيها توتون ،و منها ترجون ، ،
و خلق جيع البشر بدرجة الغي ،فقد مرض صلى ال عليه و سلم ،و اشتكى ،و أصابه الر و القر ،
و أدركه الوع و العطش ،و لقه الغضب و الضجر ،و ناله العياء و التعب ،و مسه الضعف و
الكب ،و سقط فجحش شقه ،و شجه الكفار ،و كسروا رباعيته ،و سقي السم ،و سحر 224 [ ،
] و تداوى ،و احتجم ،و تنشر و تعوذ ،ث قضى نبه فتوف صلى ال عليه و سلم ،و لق بالرفيق
العلى ،و تلص من دار المتحان و البلوى ،و هذه سات البشر الت ل ميص عنها ،و أصاب غيه
من النبياء ما هو أعظم منه ،فقتلوا قتلً .
و رموا ف النار ،و وشروا بالياشي .و منهم من وقاه ال ذلك ف بعض الوقات .و منهم من عصمه
كما عصم بعد نبينا من الناس ،فلئن ل يكف نبينا ربه يد ابن قميئة يوم أحد ،و ل حجبه عن عيون
عداه عند دعوته أهل الطائف ،فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إل ثور ،و أمسك عنه سيف
غورث ،و حجر أب جهل ،و فرس سراقة ،و لئن ل يقه من سحر ابن العصم فلقد وقاه ما هو أعظم
،من سم اليهودية .
و هكذا سائر أنبيائه مبتلى و معاف ،و ذلك من تام حكمته ،ليظهر شرفهم ف هذه القامات ،و يبي
أمرهم ،و يتم كلمته فيهم ،و ليحقق بامتحانم بشريتهم ،و يرتفع اللتباس عن أهل الضعف فيهم لئل
يضلوا با يظهر من العجائب على أيديهم ضلل النصارى بعيسى ابن مري ،و ليكون ف منهم تسلية
لمهم ،و وفور لجورهم عند ربم تاما على الذي أحسن إليهم .
قال بعض الحققي :و هذه الطوارئ و التغيات الذكورة إنا تتص بأجسامهم البشرية القصود با
مقاومة البشر ،و معاناة بن آدم لشاكلة النس .
و أما بواطنهم فمنهة غالبا عن ذلك معصومة منه ،متعلقة بالل العلى و اللئكة لخذها عنهم ،و
تلقيها الوحي منهم .
قال :و قد قال صلى ال عليه و سلم :إن عين تنامان و ل ينا م قلب .
و قال :إن لست كهيئتكم ،إن أبيت يطعمن رب و يسقين .
و قال :لست أنسى ،و لكن أنسى ،ليست ب .
فأخب أن سره و باطنه و روحه بلف جسمه و ظاهره ،و أن الفات الت تل ظاهره من ضعف و
جوع ،و سهر و نوم ،ل يل منها شيء باطنه ،بلف غيه من البشر ف حكم الباطن ،لن غيه إذا
نام استغرق النوم جسمه و قلبه ،و هو صلى ال عليه و سلم ف نومه حاضر القلب كما هو ف يقظته
حت قد جاء ف بعض الثار أنه كان مروسا من الدث ف نومه لكونه قلبه يقظان كما ذكرناه .
و كذلك غيه إذا جاع ضعف لذلك جسمه ،و خارت قوته ،فبطلت بالكلية جلته ،و هو صلى ال
عليه و سلم قد أخب أنه ل يعتريه ذلك ،و أنه بلفهم ،لقوله :لست كهيئتكم :إن أبيت يطعمن
رب و يسقين .
و كذلك أقول :إنه ف هذه الحوال كلها ،من وصب و مرض ،و سحر و غضب ،ل يز على
باطنه ما يل به ،و ل فاض منه على لسانه و جوارحه ما ل يريق به ،كما يعتري غيه من البشر ما
نأخذ بعد ف بيانه .
فصل
الخبار الت وردت ف أنه صلى ال عليه و سلم سحر
فإن قلت :فقد جاءت الخبار الصحيحة أنه صلى ال عليه و سلم سحر كما حدثنا الشيخ أبو ممد
العتاب بقراءت عليه ،قال :حدثنا حات بن ممد ،حدثنا أبو السن علي بن خلف ،حدثنا ممد بن
أحد [ ، ] 225حدثنا ممد بن يوسف ،حدثنا البخاري ،حدثنا عبيد بن إساعيل ،قال :حدثنا أبو
أسامة ،عن هاشم بن عروة ،عن أبيه ،عن عائشة رضي ال عنها ،قالت :سحر رسول ال صلى ال
عليه و سلم حت إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء و ما فعله .
و ف رواية أخرى :حت كان ييل إليه أنه كان يأت النساء و ل يأتيهن ..الديث .
و إذا كان هذا من التباس المر على السحور فكيف حال النب صلى ال عليه و سلم ف ذلك ؟ و كيف
جاز عليه ـ و هو معصوم ؟ .
فاعلم ـ وفقنا ال و إياك ـ أن هذا الديث صحيح متفق عليه ،و قد طعنت فيه اللحدة ،و تدرعت
به لسخف عقولا و تلبيسها على أمثالا إل التشكيك ف الشرع ،و قد نزه ال الشرع و النب عما
يدخل ف أمره لبسأً و إنا السحر مرض من المراض ،و عارض من العلل ،يوز عليه كأنواع المراض
ما ل ينكر و ل يقدح ف نبوته .
و أما ما و رد أنه كان ييل إليه أنه فعل الشيء و ل يفعله فليس ف هذا ما يدخل عليه داخله ف شيء
من تبلغيه أو شريعته ،أو يقدح ف صدقه ،لقيام الدليل و الجاع على عصمته من هذا ،و إنا هذا ،
فيما يوز طروءة عليه ف أمر دنياه الت ل يبعث بسببها ،و ل فضل من أجلها ،و هو فيها للفات
كسائر البشر ،فغي بعيد أن ييل إليه من أمورها ما ل حقيقة له ،ث ينجلي عنه ،كما كان .
و أيضا فقد فسر هذا الفصل الديث الخر من قوله :حت ييل إليه أنه يأت أهله و ل يأتيهن .
و قد قال سفيان ـ و هذا أشد ما يكون من السحر ،و ل يأت ف خب منها أنه نقل عنه ف ذلك قول
بلف ما كان أخب أنه فعله و ل يفعله ،و إنا كانت خواطر و تيلت .
و قد قيل :إن الراد بالديث أنه :كان يتخيل الشيء أنه فعله ،و ما فعله ،لكنه تييل ل يعتقد صحته
،فتكون اعتقاداته كلها على السداد ،و أقواله على الصحة .
هذا ما وقفت عليه لئمتنا من الجوبة عن هذا الديث مع ما أوضحناه من معن كلمهم ،و زدناه
بيانا من تلوياتم .و كل وجه منها مقنع ،لكنه قد ظهر ل ف الديث تأويل أجلى و أبعد من مطاعن
ذوي الضاليل يستفاد من نفس الديث ،و هو أن عبد الرزاق قد روى هذا الديث عن ابن السيب ،
و عروة بن الزبي ،و قال فيه عنهما :سحر يهود بن زريق رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فجعلوه
ف بئر حت كاد رسول ال صلى ال عليه و سلم أن ينكر بصره ،ث دله ال على ما صنعوا فاستخرجه
من البئر .
[ و روي نوه عن ،عن الواقدي ،و عن عبد الرحن بن كعب ،و عمر بن الكم ] .
و ذكر عن عطاء الرسان ،عن يي بن يعمر :حبس رسول ال صلى ال عليه و سلم عن عائشة
سنة ،فبينا هو نائم أتاه ملكان ،فقعد أحدها عند رأسه و الخر عند رجليه ...الديث .
قال عبد الرزاق :حبس رسول ال صلى ال عليه و سلم عن عائشة خاصة سنة حت أنكر بصره .
[ و روى ممد بن سعد ،عن ابن عباس :مرض رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فحبس عن النساء
و الطعام و الشراب ،فهبط عليه ماكان ...و ذكر القصة ] .
فقد استبان لك من مضمون هذه الروايات أن السحر إنا تسلط على ظاهره و جوارحه [ ، ] 226ل
على قلبه و اعتقاده و عقله ،و أنه إنا أثر ف بصره ،و حبسه عن وطء نسائه [ و طعامه ،و أضعف
جسمه و أمرضه ] ،و يكون معن قوله :ييل إليه أنه يأت أهله و ل يأتيهن ،أي يظه ر له من نشاطه
و متقدم عادته القدرة على النساء ،فإذا دنا منهن أصابته أخذة السحر ،فلم يقدر على إتيانن ،كما
يعتري من أخذ و اعترض .
و لعله لثل هذا أشار سفيان بقوله :و هذا أشد ما يكون من السحر .و يكون قول عائشة ف الرواية
الخرى :إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء و ما فعله ،من باب ما اختل من بصره ،كما ذكر ف
الديث ،فيظن أنه رأى شخصا من بعض أزواجه ،أو شاهد فعلً من غيه ،و ل يكن على ما ييل
إليه لا أصابه ف بصره و ضعف نظره ،ل لشيء طرأ عليه ف ميزه .
و إذا كان هذا ل يكن فيما ذكر من إصابته السحر له و تأثيه فيه ما يدخل لبسا و ل يد به اللحد
العترض أنسا .
فصل
ف أحواله صلى ال عليه و سلم ف أمور الدنيا
هذه حاله ف جسمه ،فأما أحواله ف أمور الدنيا فنحن نسبها على أسلوبنا التقدم بالعقد و القول و
الفعل .
أما العقد منها فقد يعتقد ف أمور الدنيا الشيء على وجه و يظهر خلفه ،أو يكون منه على شك أو
ظن بلف أمور الشرع ،كما حدثنا أبو بر سفيان بن العاصي و غي واحد ساعا و قراءة ،قالوا :
حدثنا أبو العباس أحد بن عمر ، ،قال :حدثنا أبو العباس الرازي ،حدثنا أبو أحد بن عمرويه ،
حدثنا ابن سفيان ،حدثنا مسلم ،حدثنا عبد ال بن الرومي ،و عباس العنبي ،و أحد العقري ،قالوا
:حدثنا النضر بن ممد ،قال :حدثن عكرمة ،حدثنا أبو النجاشي ،قال :حدثنا رافع بن خديج ،
قال :قدم رسول ال صلى ال عليه و سلم الدينة و هم يأبرون النخل ،فقال :ما تصنعون ؟ قالوا :
كنا نصنعه .قال :لعلكم لو ل تفعلوا كان خيا ،فتركوه ،فنقصت ،فذكروا ذلك له ،فقال :إنا
أنا بشر ،إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ،و إذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنا أنا بشر .
و ف رواية أنس :أنتم أعلم بأمر دنياكم .
و ف حديث آخر :إنا ظننت ظنا ،فل تؤاخذون بالظن .
و ف حديث ابن عباس ف قصة الرص ،فقال رسول ال صلى ال عليه و سلم :إنا أنا بشر فما
حدثتكم عن ال فهو حق ،و ما قلت فيه من قبل نفسي فإنا أنا بشر أخطيء و أصيب .
و هذا على ما قررناه فيما قاله من قبل نفسه ف أمور الدنيا و ظنه من أحوالا ،ل ما قاله من قبل نفسه
و اجتهاده ف شرع شرعه ،و سنة سنها .
و كما حكى ابن إسحاق أنه صلى ال عليه و سلم لا نزل بأدن مياه بدر قال له الباب بن النذر :
أهذا منل أنزلكه ال ليس لنا أن نتقدمه ،أم هو الرأي و الرب و الكيدة ؟
قال [ :ل ،بل هو الرأي و الرب و الكيدة ] .قال :فإنه ليس بنل ،انض حت نأت أدن ماء من
القوم ،فننله ،ث نعور ما وراءه من القلب ،فنشرب و ل يشربون .فقال [ :أشرت بالرأي ] ،و
فعل ما قاله .
و قد قال له ال [ ] 227تعال :وشاورهم ف المر [ سورة آل عمران ، 3 /الية . ] 159 :
و أراد مصالة بعض عدوه على ثلث ثر الدينة ،فاستشار النصار .فلما أخبوه برأيهم رجع عنه .
فمثل هذا و أشباهه من أمور الدنيا الت ل مدخل فيها لعلم ديانة و ل اعتقادها و ل تعليمها ،يوز عليه
ف ه ما ذكرناه ،إذ ليس ف هذا كله نقيصة و ل مطة ،و إنا هي أمور اعتيادية يعرفها من جربا ،و
جعلها هة ،و شغل نفسه با ،و النب ـ صلى ال عليه و سلم ـ مشحون القلب بعرفة الربوبية ملن
الوانح بعلوم الشريعة ،مقيد البال بصال المة الدينية و الدنيوية ،و لكن هذا إنا يكون ف بعض
المور ،و يوز ف النادر فيما سبيله التدقيق ف حراسة الدنيا و استثمارها ،ل ف الكثي الؤذن بالبله و
الغفلة .
و قد تواتر بالنقل عنه صلى ال عليه و سلم من العرفة بأمور الدنيا و دقائق مصالها ،و سياسة فرق
أهلها ما هو معجز ف البشر ما قد نبهها عليه ف باب معجزاته من هذا الكتاب .
فصل
فيما يعتقد من أمور أحكام البشر الارية على يديه و قضاياهم
و أما ما يعتقد ف أمور أحكام البشر الارية على يديه و قضاياهم ،و معرفة الحق من البطل ،و علم
الصلح من الفسد ،فبهذه السبيل ،لقوله صلى ال عليه و سلم :إنا أنا بشر ،و إنكم تتصمون إل ،
و لعل بعضكم أن يكون ألن بجته من بعض ،فأقضي له على نو ما أسع ،فمن قضيت له من حق
أخيه بشيء فل يأخذ منه شيئا ،فإنا أقطع له قطعة من النار .
حدثنا الفقيه أبو الوليد رحه ال ،حدثنا السي بن ممد الافظ ،حدثنا أبو عمر ،حدثنا أبو ممد ،
حدثنا أبو بكر ،حدثنا أبو داود ،حدثنا ممد بن كثي ،أخبنا سفيان ،عن هشام بن عروة ،عن
أبيه ،عن زينب بنت أم سلمة ،قالت :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ...الديث .
و ف رواية الزهري ،عن عروة :فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ،فأحسب أنه صادق فأقضي له
.
و تري أحكامه صلى ال عليه و سلم على الظاهر و موجب غلبات الظن بشهادة الشاهد ،و يي
الالف ،و مراعاة الشبه ،و معرفة العفاص و الوكاء ،مع مقتضى حكمه ال ف ذلك ،فإنه تعال لو
شاء لطلعه على سرائر عباده و مبآت ضمائر أمته ،فتول الكم بينهم بجرد يقينه وعلمه دون حاجة
إل اعتراف أو بينة أو يي أو شبهة ،و لكن لا أمر ال أمته باتباعه و القتداء به ف أفعاله و أحواله و
قضاياه و سيه ،و كان هذا لو كان ما يتص بعلمه و يؤثره ال به ،ل يكن للمة سبيل إل القتداء به
ف شيء من ذلك ،و ل قامت حجة بقضية من قضاياه لحد ف شريعته ،لنا ل نعلم ما أطلع عليه هو
ف تلك القضية لكمه هو إذا ف ذلك بالكنون من إعلم ال له با أطلعه عليه من سرائرهم ،و هذا ما
ل تعلمه المة ،فأجرى ال تعال أحكامه على ظواهرهم الت يستوي ف ذلك هو و غيه من البشر ،
ليتم اقتداء أمته به ف تعيي قضاياه ،و تنيل أحكامه ،و يأتون ما أتوا من ذلك [ ] 228على علم و
يقي من سنته ،إذ البيان بالفعل أوقع منه بالقول ،و أدفع لحتمال اللفظ و تأويل التأول ،و كان
حكمه على الظاهر أجلى ف البيان ،و أوضح ف وجوه الحكام ،و أكثر فائدة لوجبات التشاجر و
الصام ،و ليقتدي بذلك كله حكام أمته ،و يستوثق با يؤثر عنه ،و ينضبط قانون شريعته ،و طي
ذلك عنه من علم الغيب الذي استأثر به عال الغيب فل يظهر على غيبه أحدا إل من ارتضى م ن رسول
،فيعلمه منه با شاء ،و يستأثر با شاء ،و ل يقدح هذا ف نبوته ،و ل يفصم عروة عن عصمته .
فصل
و أما أقواله الدنيوية
و أما أقواله الدنيوية من أخباره عن أحواله و أحوال غيه و ما يفعله أو فعله ـ فقد قدمنا أن اللف
فيها متنع عليه ف كل حال ،و على أي وجه ،من عمد أو سهو ،أو صحة أو مرض ،أو رضا أو
غضب ،و أنه معصوم منه صلى ال عليه و سلم .
هذا فيما طريقه الب الحض ما يدخله الصدق و الكذب ،فأما العاريض الوهم ظاهرها خلف باطنها
فجائز ورودها منه ف المور الدنيوية ل سيما لقصد الصلحة ،كتوريته عن وجه مغازيه لئل يأخذ
العدو جذره .
و كما روي من مازحته و دعابته لبسط أمته و تطييب قلوب الؤمني من صحابته ،و تأكيدا ف تببهم
و مسرة نفوسهم ،كقوله :لحلنك على ابن الناقة .و قوله للمرأة الت سألته عن زوجها :أهو الذي
بعينه بياض .
و هذا كله صدق ،لن كل جل ابن ناقة ،و كل إنسان بعينه بياض و قد قال صلى ال عليه و سلم :
إن لمزح و ل أقول إل حقا .
هذا كله فيما بابه الب ،فأما ما بابه غي الب ما صورته صورة المر و النهي ف المور الدنيوية فل
يصح منه أيضا ،ول يوز عليه أن يأمر أحدا بشيء أو ينهي أحدا عن شيء وهو يبطن خلفه .
وقد قال صلى ال عليه و سلم :ما كان لنب أن تكون له خائنة العي ،فكيف أن تكون له خيانة قلب
.
فإن قلت :فما معن إذا قوله تعال ف قصة زيد :وإذ تقول للذي أنعم ال عليه وأنعمت عليه أمسك
عليك زوجك واتق ال وتفي ف نفسك ما ال مبديه وتشى الناس وال أحق أن تشاه [ سورة
الحزاب ، 33 /الية . ] 37 :
فاعلم ـ أكرمك ال ،و ل تسترب ف تنيه النب صلى ال عليه و سلم عن هذا الظاهر
و أن يأمر زيدا بإمساكها وهو يب تطليقه إياها ،كما ذكر عن جاعة من الفسرين .
و أصح ما ف هذا ما حكاه أهل التفسي عن علي بن حسي ـ أن ال تعال كان أعلم نبيه أن زينب
ستكون من أزواجه ،فلما شكاها إليه زيد قال له :أمسك عليك زوجك واتق ال .و أخفى ف نفسه
ما أعلمه ال به من أنه سيتزوجها ما ال مبديه و مظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لا .
وروى نوه عمرو بن فائد ،عن الزهري ،قال :نزل جبيل على النب يعلمه أن ال يزوجه زينب بنت
جحش ،فذلك الذي أخفى ف نفسه ويصحح هذا قول الفسرين ف قوله تعال بعد هذا :وكان أمر ال
مفعول ،أي ل بد لك [ ] 229أن تتزوجها .
ويوضح هذا أن ال ل يبد من أمره معها غي زواجه لا ،فدل أنه الذي أخفاه صلى ال عليه و سلم ما
كان أعلمه به تعال .
و قوله تعال ف القصة :ما كان على النب من حرج فيما فرض ال له سنة ال ف الذين خلوا من قبل
وكان أمر ال قدرا مقدورا [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 37 :
فدل أنه ل يكن عليه حرج ف المر .
قال الطبي :ما كان ال ليؤث نبيه فيما أحل مثال فعله لن قبله من الرسل ،قال ال تعال :سنة ال ف
الذين خلوا من قبل ،أي من النبيي فيما أحل لم ،ولو كان على ما روي ف حديث قتادة من وقوعها
من قلب النب صلى ال عليه و سلم عندما أعجبته ،ومبته طلق زيد لا لكان فيه أعظم الرج ،وما ل
يليق به من مد عينيه لا ني عنه من زهرة الياة الدنيا ،و لكان هذا نفس السر الذموم الذي ل يرضاه
ول يتسم به التقياء ،فكيف سيد النبياء ؟ .
قال القشيي :و هذا إقدام عظيم من قائله ،و قلة معرفة بق النب صلى ال عليه و سلم و بفضله .
و كيف يقال :رآها فأعجبته وهي بنت عمه ،و ل يزل يراها منذ ولدت ،و ل كان النساء
يتجب منه صلى ال عليه و سلم ،و هو زوجها لزيد ،و إنا جعل ال طلق زيد لا ،و تزويج النب
صلى ال عليه و سلم إياها ،لزالة حرمة التبن و إبطال سنته ،كما قال :ما كان ممد أبا أحد من
رجالكم .و قال :لكي ل يكون على الؤمني حرج ف أزواج أدعيائهم [ سورة الحزاب ، 33 /
الية . ] 40 :
و نوه لبن فورك .
و قال أبو الليث السمرقندي :فإن قيل :فما الفائدة ف أمر النب صلى ال عليه و سلم لزيد بإمساكها ؟
فهو أن ال أعلم نبيه أنا زوجته ،فنهاه النب صلى ال عليه و سلم عن طلقها ،إذ ل تكن بينهما ألفة ،
و أخفى ف نفسه ما أعلمه ال به فلما طلقها زيد خشي قول الناس :يتزوج إمرأة ابنه ،فأمره ال
بزواجها ليباح مثل ذلك لمته ،كما قال تعال :لكي ل يكون على الؤمني حرج ف أزواج أدعيائهم
إذا قضوا منهن وطرا [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 37 :
و قد قيل :كان أمره لزيد بإمساكها قمعا للشهوة ،و ردا للنفس عن هواها .و هذا إذا جوزنا عليه
أنه رآها فجأة و استحسنها .و مثل هذا ل نكرة فيه ،لا طبع عليه ابن آدم من استحسانه للحسن ،و
نظرة الفجاءة معفو عنها ،ث قمع نفسه عنها ،و أمر زيدا بإمساكها ،و إنا تنكر تلك الزيادات ف
القصة .و التعوي ل و الول ما ذكرناه عن علي بن حسي ،و حكاه السمرقندي ،و هو قول ابن
عطاء ،و صححه و استحسنه القاضي القشيي [ ،و عليه عول أبو بكر بن فورك ،و قال :إنه معن
ذلك عند الحققي من أهل التفسي ،قال :و النب صلى ال عليه و سلم منه عن استعمال النفاق ف
ذلك ،و إظهار خلف ما ف نفسه ،و قد نزهه ال عن ذلك بقوله تعال :ما كان على النب من حرج
فيما فرض ال له ،و من ذلك بالنب صلى ال عليه و سلم فقد أخطأ .
قال :و ليس معن الشية هنا الوف ،و إنا معناه الستحياء ،أي يستحي منهم أن يقولوا :تزوج
زوجة ابنة ] .
و أن خشيته صلى ال عليه و سلم من الناس كانت من إرجاف النافقي و اليهود و تشغيبهم على
السلمي بقولم :تزوج زوجة ابنه بعد نيه عن نكاح حلئل البناء ،كما كان ،فعتبة ال على هذا ،
و نزهه عن اللتفاف إليهم فيما أحله له ،كما عتبه على مراعاة رضا أزواجه ف سورة التحري بقوله :
ل ترم ما أحل ال لك تبتغي مرضاة أزواجك وال غفور رحيم .و كذلك قوله له ها هنا :وتشى
الناس وال أحق أن تشاه [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 37 :
و قد روي عن السن و عائشة :لو كتم رسول ال ـ صلى ال عليه و سلم ـ شيئا كتم هذه الية لا
ف من عتبه [ ] 230و إبداء ما أخفاه .
فصل
ف معن الديث ف وصيته صلى ال عليه و سلم
فإن قلت :قد قررت عصمته صلى ال عليه و سلم ف أقواله ف جيع أحواله ،و أنه ل يصح منه فيها
خلف و ل اضطراب ف عمد و ل سهو ،و ل صحة و ل مرض ،و ل جد و ل هزل ،و ل رضا و ل
غضب .و لكن ما معن الديث ف وصيته صلى ال عليه و سلم الذي حدثنا به القاضي الشهيد أبو
علي رحه ال ،قال :حدثنا القاضي أبو الوليد ،حدثنا أبو ذر ،حدثنا أبو ممد ،و أبو اليثم ،و أبو
إسحاق ،قالوا :حدثنا ممد ابن يوسف ،حدثنا ممد بن إساعيل ،حدثنا علي بن عبد ال ،حدثنا
عبد الرزاق ابن هام ،أنبأنا معمر ،عن الزهري ،عن عبيد ال بن عبد ال ،عن ابن عباس ،قال :لا
حضر رسول ال صلى ال عليه و سلم و ف البيت رجال فقال النب صلى ال عليه و سلم :هلموا
أكتب كتابا لن تضلوا بعده .
فقال بعضهم :أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قد غلبه الوجع ...الديث .
و ف رواية :ائتون أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي أبدا ،فتنازعوا فقالوا :ماله أهجر ! استفهموه ،
فقال دعون ،فإن الذي أنا فيه خي .
و ف بعض طرقه :أن النب صلى ال عليه و سلم يهجر .
و ف رواية :هجر .و يروى :أهجر .و يروى :أهجرا .
و فيه فقال عمر :إن النب صلى ال عليه و سلم قد اشتد به الوجع ،و عندنا كتاب ال حسبنا .
و كثر اللغط ،فقال :قوموا عن .
و ف رواية :و اختلف أهل البيت و اختصموا ،فمنهم من يقول :قربوا يكتب لكم رسول ال صلى
ال عليه و سلم كتابا .
و منهم من يقول ما قال عمر .
قال أئمتنا ف هذا الديث :النب صلى ال عليه و سلم غي معصوم من المراض ،و ما يكون من
عوارضها من شدة وجع و غشي و نوه ما يطرأ على جسمه ،معصوم أن يكون منه من القول أثناء
ذلك ما يطعن ف معجزته ،و يؤدي إل فساد ف شريعته من هذيان و اختلل كلم .
و على هذا ل يصح ظاهر رواية من روى ف الديث :هجر إذ معناه هذى يقال :هجر هجرا ،إذا
هذى .و أهجر هجرا ،إذا أفحش ،و أهجر تعديه هجر ،و إنا الصح و الول أهجر ،على طريق
النكار على من قال :ل نكتب .
و هكذا روايتنا فيه ف صحيح البخاري من رواية جيع الرواة ف حديث الزهري التقدم ،و ف حديث
ممد بن سلم ،عن عيينة ،و كذا ضبطه الصيلي بطه ف كتابه ،و غيه من هذه الطرق ،و كذا
رويناه عن مسلم ف حديث سفيان ،و عن غيه .
و قد تمل عليه رواية من رواه هجر على حذف ألف الستفهام ،و التقدير :
أهجر ،أو أن يمل قول القائل هجر أو أهجر دهشة من قائل ذلك و حية لعظيم ما شاهد من حال
الرسول صلى ال عليه و سلم ،و شدة وجعه ،و هو القام الذي اختلف فيه عليه ،و المر الذي هم
بالكتاب فيه ،حت ل يضبط هذا القائل لفظه ،و أجرى الجر مرى شدة الوجع ،ل أنه اعتقد أنه
يوز عليه الجر ،كما حلهم الشفاق على حراسته ،و ال تعال يقول :وال يعصمك من الناس ،و
نو هذا .
و أما على [ ] 261رواية :أهجرا ـ و هي رواية أب إسحاق الستملي ف الصحيح ف حديث ابن
جبي ،عن ابن عباس ،من رواية قتيبة ـ فقد يكون هذا راجعا إل الختلفي عنده صلى ال عليه و
سلم ،و ماطبة لم من بعضهم ،أي جئتم باختلفكم على رسول ال صلى ال عليه و سلم و بي يديه
ـ هجرا و منكرا من القول .
و الجر ـ بضم الاء :الفحش ف النطق .
و قد اختلف العلماء ف معن هذا الديث ،و كيف اختلفوا بعد أمره لم ـ عليه السلم ـ أن يأتوه
بالكتاب ،فقال بعضهم ،أوامر النب صلى ال علي ه و سلم يفهم إجابا من ندبا من إباحتها بقرائن ،
فلعله قد ظهر من قرائن قوله صلى ال عليه و سلم لبعضهم ما فهموا أنه ل تكن منه عزمة ،بل أمر رده
إل اختيارهم ،و بعضهم ل يفهم ذلك ،فقال :استفهموه ،فلما اختلفوا كف عنه ،إذا ل يكن
عزمة ،و لا رأوه من صواب رأي عمر ،ث هؤلء قالوا و يكون امتناع عمر إما إشفاقا على النب صلى
ال عليه و سلم من تكليفه ف تلك الال إملء الكتاب ،أو تدخل عليه مشقة من ذلك ،كما قال :أن
النب صلى ال عليه و سلم اشتد به الوجع .
و قيل :خشي عمر أن يكتب أمورا يعجزون عنها فيحصلون ف الرج بالخالفة ،و رأى أن الفق
بالمة ف تلك المور سعة الجتهاد ،و حكم النظر ،و طلب الصواب ،فيكون الصيب و الخطيء
مأجورا .
و قد علم عمر تقرر الشرع ،و تأسيس اللة ،و أن ال تعال قال :اليوم أكملت لكم دينكم .و قوله
صلى ال عليه و سلم أوصيكم بكتاب ال و عترت .
و قول عمر :حسبنا كتاب ال ـ رد على من نازعه ،ل على أمر النب صلى ال عليه و سلم .
و قد قيل :إن عمر تطرق النافقي و من ف قلبه مرض لا كتب ف ذلك الكتاب ف اللوة ،و أن
يتقولوا ف ذل ك القاويل ،كادعاء الرافضة الوصية و غي ذلك .
[ و قيل :إنه كان من النب صلى ال عليه و سلم لم على طريق الشورة و الختيار .هل يتفقون على
ذلك أم يتلفون ؟ فلما اختلفوا تركه ] .
و قالت طائفة أخرى :إن معن الديث أن النب صلى ال عليه و سلم كان ميبا ف هذا الكتاب لا
طلب منه ،ل أنه ابتدأ بالمر به ،بل اقتضاه منه بعض أصحابه ،فأجاب رغبتهم ،و كره ذلك غيهم
للعلل الت ذكرناها .
و استدل ف مثل هذه القصة بقول العباس لعلي :انطلق بنا إل رسول ال صلى ال عليه و سلم ،فإن
كان المر فينا علمناه ،و كراهة علي هذا ،و قوله :و ال ل أفعل ...الديث .
و استدل بقوله :دعون ،فإن الذي أنا فيه خي ،أي الذي أنا فيه خي من إرسال المر و ترككم و
كتاب ال .و أن تدعون ما طلبتم .
و ذكر أن الذي طلب كتابه أمر اللفة بعده ،و تعيي ذلك .
فصل
ف وجه حديث ....إنا ممد بشر ...
فإن قيل :فما وجه حديثه أيضا الذي حدثناه الفقيه أبو ممد الشن بقراءت عليه ،حدثنا أبو علي
الطبي ،حدثنا عبد الغافر الفارسي ،حدثنا أبو أحد اللودي ،قال :حدثنا إبراهيم بن سفيان ،
حدثنا مسلم بن حجاج ،حدثنا قتيبة ،حدثنا ليت ،عن سعيد بن أب سعيد ،عن سال مول
النصريي ،قال :سعت أبا هريرة يقول سعت رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول اللهم إنا ممد بشر
[ ، ] 232يغضب كما يغضب البشر ،و إن قداتذت عندك عهدا لن تلفنيه ،فأيا مؤمن آذيته أو
سببته أو جلدته فاجعلها كفارة له ،و قربه تقربه با إليك يوم القيامة .
و ف رواية :فأي أحد دعوت عليه دعوة .
و ف رواية :ليس لا بأهل .و ف رواية :فأيا رجل من السلمي سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له
زكاة و صلة و رحة .
و كيف يصح أن يلعن النب صلى ال عليه و سلم من ل يستحق اللعن ،و يسب من ل يستحق
السب ،و يلد من ل يستحق اللد ،أو يفعل مثل ذلك عند الغضب ،و هو معصوم عن هذا كله ؟ .
فاعلم ـ شرح ال صدرك ـ أن قوله صلى ال عليه و سلم أولً :ليس لا بأهل ،أي عندك يا ر ب ،
ف باطن أمره ،فإن حكمه صلى ال عليه و سلم على الظاهر ،كما قال :و للحكمة الت ذكرناها ،
فحكم صلى ال عليه و سلم بلده ،أو أدبه بسبه أو لعنه با افتضاه عنده حال ظاهره ،ث دعا صلى ال
عليه و سلم لشفقته على أمته ،و رأفته و رحته له مؤمني ،الت و صفه ال با ،و حذره أن يتقبل ال
فيمن دعا عليه دعوة ـ أن يعل دعاءه و لعنه له رحة ،فهو معن قوله :ليس لا بأهل ،ل أنه صلى
ال عليه و سلم يمله الغضب و يستفزه الضجر لن يفعل مثل هذا بن ل يستحقه من مسلم .
و هذا معن صحيح ،و ل يفهم من قوله :أغضب كما يغضب البشر ـ أن الغضب حله على ما ل
يب فعله ،بل يوز أن يكون الراد بذا أن الغضب ل حله على معاقبته بلعنه أو سبه ،و أنه ما كان
يتمل و يوز عفوه عنه ،أو كان ما خي بي العاقبة فيه و العفو عنه .
و قد يمل على أنه خرج مرج الشفاق و تعليم أمته الوف و الذر من تعدي حدود ال تعال .
و قد يمل ما ورد من دعائه هنا ،و من دعواته على غي واحد ف غي موطن ،على غي العقد و القصد
،بل با جرت به عادة العرب ،و ليس الراد با الجابة ،كقوله :تربت يينك .
و ل أشبع ا ل بطنك .و وعقري حلقي .و غيها من دعواته .
و قد ورد ف صفته ف غي حديث ـ أنه صلى ال عليه و سلم ل يكن فحاشا و قال أنس ل يكن سبابا
،و ل فاحشا ،و ل لعانا ،و كان يقول لحدنا عند العتبة ،ماله ! ترب جبينه ! .
فيكون حل الديث على هذا العن ،ث أشفق صلى ال عليه و سلم من موافقة أمثالا إجابة ،فعاهد
ربه ،كما قال ف الديث ،أن يعل ذلك للمقول زكاة و رحة و قربة .
و قد يكون ذلك إشفاقا على الدعو عليه ،و تأنيسا له ،لئل يلحقه من استشعار الوف و الذر من
لعن النب صلى ال عليه و سلم ،و تقبل دعائه ،ما يمله على اليأس و القنوط .
و قد يكون ذلك سؤالً منه لربه لن جلده ،أو سبه على حق و بوجه صحيح أن يعل ذلك له كفارة لا
أصابه ،و تحيه لا اجترم ،و أن تكون عقوبته له ف الدنيا سبب العفو و الغفران ،كما جاء ف الديث
الخر :و من أصاب من ذلك شيئا فعوقب به ف الدنيا فهو له كفارة .
فإن قلت :فما معن حديث الزبي و قول النب صلى ال عليه و سلم [ ] 233حي تاصمه مع
النصاري ف شراج الرة :اسق يا زبي حت يبلغ الكعبي .فقال له النصاري :إن كان ابن عمتك يا
رسول ال ! فتلون وجه رسول ال صلى ال عليه و سلم ،ث قال :اسق يازبي ث احبس حت يبلغ
الدر . .الديث .
فالواب أن النب صلى ال عليه و سلم منه أن يقع بنفس مسلم منه ف هذه القصة أمر يريب ،و لكنه
صلى ال عليه و سلم ندب الزبي أولً إل القتصار على بعض حقه على طريق التوسط و الصلح ،فلما
ل يرض بذلك الخر ،ول و قال ما ل يب استوف النب صلى ال عليه و سلم للزبي حقه .
و لذا ترجم البخاري على هذا الديث :باب .إذا أشار المام بالصلح فأب حكم عليه بالكم .
و ذكر ف آخر الديث :فاستوعى رسول ال حينئذ للزبي حقه .
و قدجعل السلمون هذا الديث أصلً ف قضيته .
و فيه القتداء به صلى ال عليه و سلم ف كل ما فعله ف حال غضبه و رضاه ،و أنه ـ و إن نى أن
يقضي القاضي و هو غضبان ،فإنه ف حكمه ف حال الغضب و الرضا سواء لكونه فيهما معصوما .و
غضب النب صلى ال عليه و سلم ف هذا إنا كان ال تعال ل لنفسه ،كما جاء ف الديث .
و كذلك الديث ف إقادته عكاشة من نفسه ل يكن لتعد حله الغضب عليه ،بل و قع ف الديث
نفسه أن عكاشة قال له :و ضربتن بالقضيب ،فل أدري أعمد ا ،أم أردت ضرب الناقة ؟ فقال النب
صلى ال عليه و سلم :أعيذك با ال يا عكاشة أن يتعمدك رسول ال .
و كذلك ف حديثه الخر مع العراب حي طلب عليه السلم القتصاص منه ،فقال العراب قد عفوت
عنك .و كان النب صلى ال عليه و سلم قد ضربه بالسوط لتعلقه بزمام ناقته مرة بعد أخرى ،و النب
صلى ال عليه و سلم ينهاه و يقول له :تدرك حاجتك ،و هو يأب ،فضربه بعد ثلث مرات .
و هذا منه ـ صلى ال عليه و سلم ـ لن ل يقف عند نيه صواب و موضع أدب ،لكنه عليه الصلة
السلم :أشفق إذ كان حق نفسه من المر حت عفا عنه .
و أما حديث سواد بن عمرو :أتيت النب صلى ال عليه و سلم و أنا متخلق ،فقال عليه الصلة السلم
:و رس ! و رس ! حط ،حط ! و غشين بقضيب ف يده ف بطن فاوجعن .
قلت :القصاص يا رسول ال .فكشف ل عن بطنه.
و إنا ضربه صلى ال عليه و سلم لنكر رآه به ،و لعله ل يرد بضربه بالقضيب إل تنبيهه ،فلما كان
منه إياع ل يقصده طلب التحلل منه على ما قدمنا .
فصل
ف أفعاله .صلى ال عليه و سلم الدنيوية
و أما أفعاله صلى ال عليه و سلم الدنيوية فحكمه فيها من توف العاصي و الكروهات ما قد قدمناه ،و
من جواز السهو الغلط ف بعضها ما ذكرناه .
و كله غي قادح ف النبوة ،بلى ،إن هذا فيها على الندور ،إذ عامة أفعاله على السداد و الصواب ،بل
أكثرها أو كلها جارية مرى العبادات و القرب على ما بينا إذ كان صلى ال عليه و سلم ل يأخذ منها
لنفسه إل ضرورتة ،و ما يقيم رمق جسمه ،و فيه مصلحة ذاته الت با يعبد ربه ،و يقيم شريعته ،و
يسوس أمته ،و ما كان فيما بينه و بي الناس من ذلك فبي معروف يصنعه ،أو بر [ ] 234يوسعه ،
أو كلم حسن يقوله أو يسمعه ،أو تألف شارد ،أو قهر معاند ،أو مداراة حاسد ،و كل هذا لحق
بصال أعماله ،متتظم ف زاكي وظائف عباداته ،و قدكان يالف ف أفعاله الدنيوية بسب اختلف
الوال ،و يعد للمور أشباهها ،فيكب ـ ف تصرفه لا قرب ـ المار ،و ف أسفاره الراحلة ،و
يركب البغلة ف معارك الرب دليلً على الثبات ،و يركب اليل و يعدها ليوم الفزع و إجابه الصارخ
.
و كذلك ف لباسه و سائر أحواله بسب اعتبار مصاله و مصال أمته .
و كذلك يفعل الفعل ف أمور الدنيا مساعدة لمته و سياسة و كراهية للفها و إن كان قد يرى غيه
خيا منه ،كما يترك الفعل لذا ،و قد يرى فعله خيا منه و قديفعل هذا ف المور الدينية ما له الية
ف أحد و جهيه ،كخروجه من الدينة لحد ،و كان مذهبه التحصن با ،و تركه قتل النافقي ،و هو
على يقي من أمرهم مؤالفة لغيهم ،و رعاية للمؤمني من قرابتهم ،و كراهة لن يقول الناس :إن
ممدا يقتل أصحابه ،كما جاء ف الديث ،و تركه بناء الكعبة على قواعد إبراهيم مراعاة لقلوب
قريش و تعظيمهم لتغييها ،و حذرا من نفار قلوبم لذلك ،و تريك متقدم عداوتم للدين و أهله ،
فقال لعائشة ف الديث الصحيح :لول حدثان قومك بالكفر لتمت البيت على قواعد إبراهيم .
و يفعل الفعل ث يتركه ،لكون غيه خيا منه ،كانتقاله من أدن مياه بدر إل أقربا للعدو من قريش ،
و قوله :لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الدي .
و بسط وجهه للكافر و العدو رجاء استئلفه .
و يصب للجاهل ،رواية يقول كان إن من شرار الناس من اتقاه الناس لشره .و يبذل له الرغائب
ليحبب إليه شريعته و دين ربه .و يتول ف منله ما يتول الادم من مهنته ،و يتسمت ف ملئه ،حت
ل يبدو شيء من أطرافه ،و حت كأن على رؤوس جلسائه الطي ،و يتحدث مع جلسائه بديث
أولم ،و يتعجب ما يتعجبون منه ،و يضحك ما يضحكون منه ،قد وسع الناس بشره و عدله ،ل
يستفزه الغضب ،و ل يقصر عن الق و ل يبطن على جلسائه ،يقول ما كان لنب أن تكون له خائنة
العي .
فإن قلت :فما معن قوله لعائشة رضي ال عنها ف داخل عليه :بئس ابن العشية .فلما دخل ألن له
القول و ضحك معه ،فلما سأله عن ذلك قال كان إن من شرالناس من اتقاه الناس لشره .
و كيف جاز أن يظهر لما خلف ما يبطن ،و يقول ف ظهره ما قال ؟
فالواب أن فعله صلى ال عليه و سلم كان استئلفا لثله ،و تطييبا لنفسه ،ليتمكن إيانه ،و يدخل ف
السلم بسبب أتباعه ،و يراه مثله فينجذب بذلك إل السلم .و مثل هذا على هذا الوجه قد خرج
من حد مداراة الدنيا إل السياسة الدينية .و قد كان النب يستألفهم بأموال ال العريضة فكيف بالكلمة
اللينة ؟ .
قال صفوان :لقد أعطان [ ] 235و هو أبغض اللق إيلي ،فما زال يعطين حت صار أحب اللق
إل .
و قوله فيه :بئس ابن العشية ـ هو غي غيبة ،بل هو تعريف ما علمه منه لن ل يعلم ليحذر حاله ،و
يترز منه ،و ل يوثق بانبه كل الثقة و ل سيما و كان مطاعا متبوعا .
و مثل هذا إذا كان لضرورة و دفع مضرة ل يكن بغيبة ،بل كان جائزا ،بل واجبا ف بعض الحيان
كعادة الحدثي ف تريح الرواة و الزكي ف الشهود .
فإن قيل :فما معن الفضل الوارد ف حديث بريرة من قوله صلى ال عليه و سلم لعائشة ،و قد أخبته
أن موال بريرة أبو بيعها إل أن يكون لم الولء ،فقال صلى ال عليه و سلم :اشتريها و اشترطي لم
الولء .
ففعلت ،ث قام خطيبا ،فقال :ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست ف كتاب ال ،كل شرط ليس ف
كتاب ال فهو باطل و النب ـ صلى ال عليه و سلم ـ قد أمرها بالشرط لم ،و عليه باعوها ،و
لوله ـ و ال أعلم ـ لا باعوها من عائشة ،كما ل يبيعوها قبل حت شرطوا ذلك عليها ،ث أبطله
صلى ال عليه و سلم ،و هو قد حرم الغش و الديعة .
فاعلم ـ أكرمك ال ـ أن النب صلى ال عليه و سلم منه عما يقع ف بال الاهل من هذا ،و لتنيه
النب صلى ال عليه و سلم عن ذلك ما قد أنكر قوم هذه الزيادة :قوله :اشتر لم الولء ،إذ ليست ف
أكثر طرق ا لديث ،و مع ثباتا فل اعتراض با ،إذ يقع لم بعن عليهم ،قال ال تعال :أولئك لم
اللعنة .و قال :وإن أسأت فلها [ سورة السراء ،17/الية . ] 7 :
فعلى هذا اشترطي عليهم الولء لك ،و يكون قيام النب صلى ال عليه و سلم و وعظه لا سلف من
شرط الولء لنفسهم قبل ذلك .
و وجه ثان :أن قوله صلى ال عليه و سلم :اشترطي لم الولء ،ليس على معن المر ،لكن على
معن التسوية و العلم بأن شرطه لم ل ينفعم بعد بيان النب صلى ال عليه و سلم لم قبل أن الولء لن
أعتق ،فكأنه قال :اشترطي أو ل تشترطي ،فإنه شرط غي نافع .
و إل هذا ذهب الداودي و غيه ،و توبيخ النب صلى ال عليه و سلم لم ،و تقريعهم على ذلك يدل
على علمهم به قبل هذا .
الوجه الثالث :أن معن قوله :اشترطي لم الولء ،أي أظهري لم حكمه ،و بين سنتة بأن الولء إنا
هو لن أعتق .ث بعد هذا قام هو صلى ال عليه و سلم مبينا ذلك و موبا على مالفة ما تقدم منه فيه .
فإن قيل :فما معن فعل يوسف عليه السلم بأخيه ،إذ جعل السقاية ف رحله و أخذه باسم سرقتها ،و
ما جرى علىإخوته ف ذلك و قوله تعال :إنكم لسارقون ،و ل يسرقوا .
فاعلم ـ أكرمك ال ـ أن الية تدل على أن فعل يوسف كان عن أمر ال ،لقوله تعال :كذلك كدنا
ليوسف ما كان ليأخذ أخاه ف دين اللك إل أن يشاء ال نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم
عليم [ سورة يوسف ،12/الية . ] 76 :
فإذا كان كذلك فل اعتراض به ،كان فيه ما فيه .
و أيضا فإن يوسف كان أعلم أخاه بأن أنا أخوك فل تبتئس ،فكان ما جرى عليه بعد هذا من و فقه و
رغبته ،و على يقي من عقب الي له به ،و إزاحة السوء و الضرة [ ]236عنه بذلك .و أما قوله :
أيتها العي إنكم لسارقون ،فليس من قول يوسف .فيلزم عليه جواب لل شبهه .و لعل قائله إن حسن
له التأويل كائنا من كان ظن على صورة الال ذلك و قد قيل قال ذلك لفعلهم قبل بيوسف و بيعهم له
و قيل غي هذا :و ل يلزم أن نقول النبياء ما ل تأت انم قالوه ،حت يطلب اللص منه ،و ل يلزم
ال عتزار عن زلت غيهم .
فصل
بيان الكمة ف إجراء المراض و شدتا عليه و على غيه من النبياء
فإن قيل :فما الكمة ف إجراء المراض و شدتا عليه و على غيه من النبياء على
جيعهم السلم ؟ و ما الوجه فيما ابتلهم ال به من البلء ،وامتحانم با امتحنوا به كأيوب ،و
يعقوب و دانيال ،و يي ،و زكريا ،و عيسى ،و إبراهيم ،و يوسف ،و غيهم ،صلوات ال
عليهم ،و هم خيته من خلقه و احباؤه و أصفياؤه .
فاعلم ـ وفقنا ال و إياك ـ أن أفعال ال تعال كلها عدل ،و كلماته جيعها صدق ل مبدل
لكلماته ،يبتلي عباده كما قال تعال لم :لننظر كيف تعملون [ سورة يونس ، 10/الية . ]14 :
و ليبلوكم أيكم أحسن عمل [ سورة هود ، 49 /الية . ] 7 :
وليعلم ال الذين آمنوا [ سورة آل عمران ، 3 /الية . ]140 :
ولا يعلم ال الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين [ سورة آل عمران ،3/الية . ] 142 :
ولنبلونكم حت نعلم الجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم [ سورة ممد ،47/الية . ] 31 :
فامتحانه إياهم بضروب الحن زيادة ف مكانتهم ،و رفعه ف درجاتم ،و أسباب لستخراج حالت
الصب و الرضا ،و الشكر و التسليم ،و التوكل ،و التفويض ،و الدعاء ،و التضرع منهم ،و تأكيد
لبصائرهم ف رحة المتحني ،و الشفقة على البتلي ،و تذكرة لغيهم ،و موعظة لسواهم ليتأسوا ف
البلء بم ،فيتسلوا ف الحن با جرى عليهم ،و يقتدوا بم ف الصب ،و مو لنات فرطت منهم ،أو
غفلت سلفت لم ،ليلقوا ال طيبي مهذبي ،و ليكون أجرهم أكمل ،و ثوابم أوفر و أجزل .
حدثنا القاضي أبو علي الافظ ،حدثنا أبو السي الصيف و أبو الفضل ابن خيون ،قال :حدثنا أبو
يعلى البغدادي ،حدثنا أبو علي السنجي ،حدثنا ممد ابن مبوب ،حدثنا أبو عيسى الترمزي ،حدثنا
قتيبة ،حدثنا حاد بن زيد ،عن عاصم بن بدلة ،عن مصعب بن سعد ،عن أبيه حدثنا قال :قلت يا
رسول ال ،أي الناس أشد بلء ؟ قال النبياء ،ث المثل فالمثل ،يبتلى الرجل على حسب دينه ،فما
يبح البلء بالعبد حت يتركه يشي على الرض و ما عليه خطيئة .
و كما قال تعال :وكأين من نب قاتل معه ربيون كثي فما وهنوا لا أصابم ف سبيل ال وما ضعفوا
وما استكانوا وال يب الصابرين * وما كان قولم إل أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا ف أمرنا
وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فآتاهم ال ثواب الدنيا وحسن ثواب الخرة وال يب
الحسني [ سورة آل عمران ،3/اليات . ]148 ، 146 :
و عن أب هريرة :ما يزال البلء بالؤمن و الؤمنة ف نفسه و ولده و ماله حت يلقى ال و ما عليه خطيئة
.
و عن أنس ،عنه صلى ال عليه و سلم :إذا أراد ال بعبده الي عجل له العقوبة ف الدنيا ،و إذا أراد
ال بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حت يواف به يوم القيامة .
و ف حديث آخر إذا أحب ال عبدا ابتله ليسمع تضرعه .
و حكى السمرقندي أن كل من كان أكرم على ال تعال كان بلؤه أشد كي يتبي فضله ،و
يتسوجب الثواب ،كما روي عن لقمان أنه قال :يابن ،الذهب و الفضة يتبان بالنار ،و الؤمن
يتب بالبلء .
و قد حكي أن ابتلء يعقوب بيوسف كان سببه التفاته ف صلواته إليه ،و يوسف نائم مبة [ ] 237
له .
و قيل :بل اجتمع يوما هو و ابنه يوسف على أكل حل مشوي ،و ها يضحكان ،وكان لم جار
يتيم ،فشم ريه و اشتهاه و بكى ،و بكت له جدة له عجوز لبكائه ،و بينهما جدار ،و ل علم عند
يعقوب و ابنه ،فعوقب يعقوب بالبكاء أسفا على يوسف إل أن سالت حدقتاه ،و ابيضت عيناه من
الزن .فلما علم بذلك كان بقية حياته يأمر مناديا ينادي على سطحه :أل من كان مفطرا فليتغذ عن
آل يعقوب .و عوقب يوسف بالحنة الت نص ال عليها .
و روى عن الليث أن سبب بلء أيوب أنه دخل مع أهل قريته على ملكهم فكلموه ف ظلمه ،و أغلظوا
له إل أيوب ،فإنه رفق به مافة على زرعه ،فعاقبه ال ببلئه .
و منحه سليمان لا ذكرناه من نيته ف كون الق ف جنبه أصهاره ،أو للعمل بالعصية ف داره ،و ل
علم عنده .
و هذه فائدة شدة الرض و الوجع بالنب صلى ال عليه و سلم ،قالت عائشة :ما رأيت الوجع على
أحد أشد منه على رسول ال صلى ال عليه و سلم .
و عن عبد ال :رأيت النب صلى ال عليه و سلم ف مرضه ،يوعك و عكا شديدا ،قال :أجل ،إن
أوعك كما يوعك رجلن منكم .قلت :ذلك أن الجر مرتي ،قال :أجل ،ذلك كذلك .
و ف ي حديث أب سعيد أن رجلً وضع يده على النب صلى ال عليه و سلم فقال :و ال ما أطيق
أضع يدي عليك من شدة حاك .فقال النب صلى ال عليه و سلم :إنا معشر النبياء يضاعف لنا
البلء ،إن كان النب ليبتلى بالقمل حت يقتله ،و إن كان النب ليبتل ى بالفقر ،و إن كانوا ليفرحون
بالبلء كما تفرحون بالرخاء .
و عن أنس ،عنه صلى ال عليه و سلم أن عظم الزاء مع عظم البلء ،و إن ال إذا أحب قوما ابتلهم
،فمن رضي فله الرضا ،و من سخط فله السخط .
و قد قال الفسرون ف قوله تعال :من يعمل سوءا يز به ،إن السلم يزى بصائب الدنيا فتكون له
كفارة .و روى هذا عن عائشة و أب ،و ماهد .
و قال أبو هريرة ،عنه صلى ال عليه و سلم :من يرد ال به خيا يصب منه .
و قال ف رواية عائشة :ما من مصيبة تصيب السلم إل يكفر ال با عنه حت الشوكة يشاركها .
و قال ف رواية أب سعيد :ما يصيب الؤمن من نصب و ل وصب ،و قيل و ل هم و ل حزن ،و ل
أذى و ل غم ،حت الشوكة يشاكلها إل كفر ال با من خطاياه .
و ف حديث ابن مسعود :ما من مسلم يصيبه أذى إل حات ال عنه خطاياه كما تات ورق الشجر .
و حكمة أخرى أودعها ال ف المراض لجسامهم ،و تعاقب الوجاع عليها و شدتا عند ماتم ،
لتضعف قوى نفوسهم ،فيسهل خروجها عند قبضهم ،و تف عليهم مؤنة النع ،و شدة السكرات
بتقدم الرض ،و ضعف السم و النفس لذلك .
و هذا خلف موت الفجاء ة و أخذه ،كما يشاهد من اختلف أحوال الوتى ف الشدة و اللي ،و
الصعوبة و السهولة .و قد قال صلى ال عليه و سلم :مثل الؤمن مثل خامة [ ] 238الزرع تفيئها
الريح هكذا و هكذا .
و ف رواية أب هريرة عنه :من حيث أتتها الريح تكفؤها ،فإذا سكنت اعتدلت ،و كذلك الؤمن يكفأ
بالبلء .و مثل الكافر كمثل الرزة صماء معتدلة حت يقصمه ال .
معناه أن الؤمن مرزا ،مصاب بالبلء و المراض ،راض بتصريفه بي أقدار ال تعال ،منطاع لذلك ،
لي الانب برضاه و قلة سخطه ،كطاعة خامة الزرع و انقيادها للرياح ،و تايلها لبوبا و ترتها من
حيث ما أتتها ،فإذا أزاح ال عن الؤمن رياح البليا ،و اعتدل صحيحا كما اعتدلت خامة الزرع عند
سكون رياح الو رجع إل شكر ربه معرفة نعمته عليه بلئه ،منتظرا رحته و ثوابه عليه .
فإذا كان بذه السبيل ل يصعب عليه مرض الوت ،و ل نزوله ،و ل اشتدت عليه سكراته و نزعه ،
لعادته با تقدم من اللم و معرفة ما له فيها من الجر و توطينه نفسه على الصائب و رقتها و ضعفها
بتوال الرض أو شدته ،و الكافر بلف هذا ،معاف ف غالب حاله ،متع بصحة جسمه ،كالرز ة
الصماء ،حت إذا أراد ال هلكه قصمه لينه على غرة ،و أخذه بغتة من غي لطف و ل رفق ،فكان
موته أشد عليه حسرة ،و مقاساة نزعه مع قوة نفسه و صحة جسمه أشد ألا و عذابا ،و لعذاب
الخرة أشد ،كانعاف الرزة .و كما قال تعال :فأخذناهم بغتة وهم ل يشعرون [ سورة العراف
، 7 /الية . ] 95 :
و كذلك عادة ال تعال ف أعدائه ،كما قال تعال :فكل أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا
ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الرض ومنهم من أغرقنا ،ففجأ جيعهم بالوت على
حال عتو و غفلة و صبحهم به على غي استعداد بغتة ،و لذا ما كره السلف موت الفجاءة .
و منه ف حديث إبراهيم :كانوا يكرهون أخذة كأخذة السف :أي الغضب ،يريد موت الفجاءة .و
حكمه ثالثة أن المراض نذير المات ،و بقدر شدة الوف من نزول الوت ،فيستعد من أصابته ،و
علم تعاهدها له ،للقاء ربه ،و يعرض عن دار الدنيا الكثية النكاد ،و يكون قلبه معلقا بالعاد ،
فيتنصل من كل ما يشى تباعته من قبل ال ،و قبل العباد ،و يؤدي القوق إل أهلها ،و ينظر فيما
يتاج إليه من وصية فيمن يلفه أو أمر يعهده .
و هذا نبي ا صلى ال عليه و سلم الغفور له ما تقدم و ما تأخر ،قد طلب التنصل ف مرضه من كان له
عليه مال أو حق ف بدن ،و أقاد من نفسه و ماله ،و أمكن من القصاص منه ،على ما ورد حديث ف
الفضل ،و حديث الوفاة ،و أوصى بالثقلي بعده :كتاب ال ،و عترته و بالنصار عيبته ،و دعى إل
كتب كتاب لئل تضل أمته بعده ،إما ف النص على اللفة ،أو ال أعلم براده .ث رأى المساك عنه
أفضل و خيا .
و هكذا سية عباد ال الؤمني و أوليائه التقي .
و هذا كله يرمه غالبا الكفار ،لملء ال لم ،ليزدادوا إثا ،و ليستدرجهم من حيث ل يعلمون ،
قال ال تعال :ما ينظرون إل صيحة واحدة تأخذهم وهم يصمون * فل يستطيعون توصية ول إل
أهلهم يرجعون [ سورة يس ، 36 /اليتان . ] 50 ، 49 :
و لذلك قال صلى ال عليه و سلم ف رجل مات فجأة :سبحان ال ! كأنه على غضب ،الحروم من
حرم وصيته .و قال :موت الفجأة راحة للمؤمن ،و أخذه أسف للكافر و الفاجر ،و ذلك لن الوت
يأت الؤمن ،و هو غالبا مستعد له منتظر للوله ،فهان أمر عليه كيفما جاء ،و أقضى إل راحته من
نصب الدنيا و أذاها ،كما قال صل ى ال عليه و سلم :مستريح و مستراح منه .و تأت الكافر و
الفاجر منيته على غي استعداد و ل أهبة و ل مقدمات منذرة مزعجة ،بل تأتيهم بغتة فتبهتهم ،فل
يستطيعون ردها و ل هم ينظرون ،فكان الوت أشد شيء عليه .
و فراق الدنيا أفظع أمر صدمه ،و أكره شيء له ،و إل هذا العن أشار صلى ال عليه و سلم بقوله :
من أحب لقاء ال أحب ال لقاءه ،و من كره لقاء ال كره ال لقاءه .
القسم الرابع
ف تصرف وجوه الحكام فيمن تنقصه أو سبه صلى ال عليه و سلم
قال القاضي أبو الفضل رضي ال عنه :قد تقدم من الكتاب و السنة و إجاع المة ما يب من القوق
للنب صلى ال عليه و سلم ،و ما يتعي له من بر و توقي ،و تعظيم و إكرام ،و بسب هذا حرم ال
تعال أذاه ف كتابه ،و أجعت المة على قتل متنقصه من السلمي و سابه ،قال ال تعال :إن الذين
يؤذون ال ورسوله لعنهم ال ف الدنيا والخرة وأعد لم عذابا مهينا [ سورة الحزاب ، 33 /الية :
. ] 57
و قال تعال :والذين يؤذون رسول ال لم عذاب أليم [ سورة التوبة ، 9 /الية . ] 61 :
و قال ال تعال :وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال ول أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان
عند ال عظيما [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 53 :
و قال تعال :ف تري التعريض به :يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسعوا وللكافرين
عذاب أليم [ سورة البقرة ، 2 /الية . ] 104 :
و ذلك أن اليهود كانوا يقولون :راعنا يا ممد ،أي أرعنا سعك ،و اسع منا ،و يعرضون بالكلمة ،
يريدون الرعونة ،فنهى ال الؤمني عن التشبه بم ،و قطع الذريعة بنهي الؤمني عنها ،لئل يتوصل با
الكافر و النافق إل سبه و الستهزاء به .
و قيل :بل لا من مشاركة اللفظ ،لنا عند اليهود بعن اسع ل سعت .
و قيل :بل لا فيها من قله الدب ،و عدم توقي النب صلى ال عليه و سلم و تعظيمه ،لنا ف لغة
النصار بعن ارعنا نرعك ،فنهوا عن ذلك ،إذ مضمنه أنم ل يرعونه إل برعايته لم ،و هو ـ صلى
ال عليه و سلم ـ واجب الرعاية بكل حال ،و هذا هو صلى ال عليه و سلم قد نى عن التكن بكنيته
،فقال :تسموا باسي ،و ل تكنوا بكنيت ،صيانة لنفسه ،و حاية عن أذاه ،إذ كان صلى ال عليه و
سلم استجاب لرجل نادى :يا أبا القاسم ،فقال :ل أعنك ،إنا دعوت هذا ،فنهى حينئذ عن التكن
بكنيته لئل يتأذى بإجابة دعوة غيه لن ل يدعه ،و يد بذلك النافقون و الستهزئون ذريعة إل أذاه
دعوة غيه فينادونه ،فإذا التفت قالوا :إنا أردنا هذا ـ لسواه ـ تعنيتا له ،و استخفافا بقه على
عادة الجان و الستهزئي ،فحمى صلى ال عليه و سلم حى أذاه [ ] 240بكل وجه ،فحمل مققوا
العلماء نيه عن هذا على مدة حياته ،و أجازوه بعد وفاته لرتفاع العلة .
و للناس ف هذا الديث مذاهب ليس هذا موضعها ،و ما ذكرناه هو مذهب المهور ،و الصواب إن
شاء ال .و إن ذلك على طريق تعظيمه و توقيه ،و على سبيل الندب و الستحباب ،ل على
التحري ،و لذلك ل ينه عن اسه ،لنه قد كان ال منع من ندائه به بقوله :ل تعلوا دعاء الرسول
بينكم كدعاء بعضكم بعضا ،و إنا كان السلمون يدعونه برسول ال ،و بنب ال ،و قد يدعوه ـ
بكنيته أبا القاسم ـ بعضهم ف بعض الحوال .
و قد روى أنس رضي ال عنه ،عنه صلى ال عليه و سلم ،ما يدل على كراهة التسمي باسه ،و
تنيهه عن ذلك ،إذا ل يوقر ،فقال :تسمون أولدكم ممدا ث تلعنوهم .
و روى أن عمر رضي ال عنه كتب إل أهل الكوفة :ليسمى أحد باسم النب صلى ال عليه و سلم ،
حكاه أبو جعفر الطبي .
[ و حكى ممد بن سعد أنه نظر إل رجل اسه ممد ،و رجل يسبه و يقول له :فعل ال بك يا ممد
و صنع .فقال عمر لبن أخيه ممد بن زيد بن الطاب :ل أرى ممدا صلى ال عليه و سلم يسب
بك ،و ال ل تدعى ممدا ما دمت حيا ،و ساه عبد الرحن ،و أراد أن ينع أن يسم ى أحد بأساء
النبياء إكراما لم بذلك ،و غي أساء جاعة تسموا بأساء النبياء ،ث أمسك ] .
و الصواب جواز هذا كله بعده صلى ال عليه و سلم ،بدليل إطباق الصحابة على ذلك .
و قد سى جاعة منهم ابنه ممدا ،و كناه بأب القاسم .
و روي أن النب صلى ال عليه و سلم أذن ف ذلك لعلي رضي ال عنه .
و قد أخب صلى ال عليه و سلم أن ذلك اسم الدي و كنيته .
[ و قد سي به النب صلى ال عليه و سلم ممد بن طلحة ،و ممد بن عمرو بن حزم ،و ممد بن
ثابت بن قيس ،و غي واحد ،و قال :ما ضر أحدكم أن يكون ف بيته ممد و ممدان و ثلثة ] .
و قد فصلت الكلم ف هذا القسم على بابي كما قدمناه :
الباب الول :ف بيان ما هو ـ ف حقه صلى ال عليه و سلم ـ سب أو نقص ،من تعريض أو نص
اعلم ـ وفقنا ال و إياك ـ أن جيع من سب النب صلى ال عليه و سلم ،أو عابه ،أو ألق به نقصا
ف نفسه أو نسبه أو دينه ،أو خصلة من خصاله ،أو عرض به ،أو شبهه بشيء على طريق السب له ،
أو الزراء عليه ،أو التصغي لشأنه ،أو الغض منه ،و العيب له ،فهو ساب له ،و الكم فيه حكم
الساب ،يقتل كما نبينه ،و ل نستثن فصلً من فصول هذا الباب على هذا القصد ،و ل نتري فيه
تصريا كان أو تلويا .و كذلك من لعنه أو دعا عليه ،أو تن مضرة له ،أو نسب إليه ما ل يليق
بنصبه على طريق الذم ،أو عبث ف جهته العزيزة بسخف من الكلم و هجر ،و منكر من القول و
زور ،أو عيه بشيء ما جرى من البلء و الحنة عليه ،أو غمصه ببعض العوارض البشرية الائزة و
العهودة لديه .
و هذا كله إجاع من العلماء و أئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان ال عليهم إل هلم جرا .
و قال أبو بكر بن النذر :أجع عوام أهل العلم على أن من سب النب صلى ال عليه و سلم يقتل ،و
من قال ذلك مالك بن أنس ،و الليث ،و أحد ،و إسحاق ،و هو م ذهب الشافعي .
قال القاضي أبو الفضل :و هو مقتضى قول أب بكر الصديق رضي ال عنه ،و ل تقبل توبته عند هؤلء
الذكورين :
و بثله قال أبو حنيفة ،و أصحابه ،و الثوري و أهل الكوفة ،و الوزاعي ف السلم ،لكنهم قالوا :
هي ردة .
روى مثله الوليد بن مسلم عن مالك .
و حكى الطبي مثله عن أب حنيفة و أصحابه فيمن تنقصه صلى ال عليه و سلم ،أو برئ منه أو كذبه
.
و قال سحنون فيمن سبه :ذلك ردة كالزندقة .
و على هذا وقع اللف ف استتابته و تكفيه ،و هل قتله حد أو كفر ،كما سنبينه ف الباب الثان إن
شاء ال تعال ،و ل نعلم خلفا ف استباحة دمه بي علماء المصار و سلف المة ،و قد ذكر غي
واحد الجاع على قتله و تكفيه ،و أشار بعض الظاهرية ـ و هو أبو ممد علي بن أحد الفارسي إل
اللف ف تكفي الستخف به .
و العروف ما قدمناه ،قال ممد بن سحنون :أجع العلماء أن شات النب صلى ال عليه و سلم التقص
له كافر .و الوعيد جار عليه بعذاب ال ،و حكمه عند المة القتل ،و من شك ف كفره و عذابه كفر
.
و احتج إبراهيم بن حسي بن خالد الفق يه ف مثل هذا بقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة لقوله ـ
عن النب صلى ال عليه و سلم صاحبكم .
و قال أبو سليمان الطاب :ل أعلم أحدا من السلمي اختلف ف وجوب قتله إذا كان مسلما .
و قال ابن القاسم ـ عن مالك ف كتاب ابن سحنون ،و البسوط ،و العتبية ،و حكاه مطرف عن
مالك ف كتاب ابن حبيب :من سب النب صلى ال عليه و سلم من السلمي قتل ،و ل يستتب .
قال ابن القاسم ف العتبية :من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه فإنه يقتل ،و حكمه عند المة القتل
كالزنديق .
و قد فرض ال تعال توقيه و بره .و ف البسوط ـ عن عثمان بن كنانة :من شتم النب صلى ال عليه
و سلم من السلمي قتل أو صلب حيا و ل يستتب و المام مي ف صلبه حيا أو قتله .
و من رواية أب الصعب ،و ابن أب أويس :سعنا مالكا يقول :من سب رسول ال صلى ال عليه و
سلم ،أو شتمه ،أو عابة ،أو تنقصه ـ قتل مسلما كان أو كافرا ،و ل يستتاب .
و ف كتاب ممد :أخبنا أصحاب مالك أنه قال :من سب النب صلى ال عليه و سلم أو غيه من
النبيي من مسلم أو كافر قتل و ل يستتب .
و قال أصبغ :يقتل على كل حال أسر ذلك أو ظهره ،و ل يستتاب ،لن توبته ل تعرف .
و قال عبد ال بن الكم :من سب النب صلى ال عليه و سلم أو كافر قتل و ل يستتب .
و حكى الطبي مثله عن أشهب ،عن مالك .
و روى ابن وهب ،عن مالك :من قال :إن رداء النب صلى ال عليه و سلم ـ و يروى زر النب صلى
ال عليه و سلم ـ وسخ ،أراد عيبه ـ قتل .
قال بعض علمائنا :أجع العلماء على أن من دعا على نب من النبياء بالويل ،أو بشيء من الكروه ـ
أنه يقتل بل استتابة .
و أفت أبو السن القابسي فيمن قال ف النب صلى ال عليه و سلم :المال يتيم أب طالب [ ] 242
ـ بالقتل .
و أفت أبو ممد بن أب زيد بقتل رجل سع قوما يتذاكرون صفة النب صلى ال عليه و سلم إذ مر بم
رجل قبيح الوجه و اللحية ،فقال لم :تريدون تعرفون صفته ،هي ف صفة هذا الار ف خلقه و ليته .
قال :و ل تقبل توبته .
و قد كذب ـ لعنه ال ،و ليس يرج من قلب سليم اليان .
و قال أحد بن أب سليمان صاحب سحنون :من قال :إن النب صلى ال عليه و سلم كان أسود يقتل
.
و قال ف رجل قيل له :ل ،و حق رسول ال .فقال فعل ال برسول ال كذا و كذا ـ و ذكر كلما
قبيحا ،فقيل له :ما تقول يا عدو ال ؟ فقال أشد من كلمه الول ،ث قال :إنا أردت برسول ال
العقرب .فقال ابن أب سليمان للذي سأله :اشهد عليه و أنا شريكك ـ يريد ف قتله و ثواب ذلك .
قال حبيب بن الربيع :لن ادعاءه التأويل ف لفظ صراح ل يقبل ،لنه امتهان ،وهو غي معزز لرسول
ال صلى ال عليه و سلم ،ول موقر له ،فوجب إباحة دمه .
وأفت أبو عبد ال بن عتاب ف عشار ،قال لرجل :أد واشك إل النب صلى ال عليه و سلم ،و قال :
إن سألت أو جعلت فقد جهل وسأل النب صلى ال عليه و سلم ـ بالقتل .
وأفت فقهاء الندلس بقتل ابن حات التفقه الطليطلي و صلبه با شهد عليه به من استخفافه بق النب
صلى ال عليه و سلم وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم ،وخت حيدرة ،و زعمه أن زهده ل يكن
قصدا ،و لو قدر على الطيبات أكلها ،إل أشباه لذا .
و أفت فقهاء القيوان و أصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري ،و كان شاعرا متفننا ف كثي من
العلوم ،و كان من يضر ملس القاضي أب العباس بن طالب للمناظرة ،فرفعت عليه أمور منكرة من
هذا الباب ف الستهزاء بال وأنبيائه ونبينا صلى ال عليه و سلم ،فأحضر له القاضي يي بن عمر
وغيه من الفقهاء ،وأمر بقتله وصلبه ،فطعن بالسكي ،وصلب منكسا ،ث أنزل وأحرق بالنار .
وحكى بعض الؤرخي أنه لا رفعت خشبته ،و زالت عنها اليدي استدارت ،و حولته عن القبلة ،
فكان آية للجميع ،و كب الناس ،و جاء كلب فولغ ف دمه ،فقال يي بن عمر :صدق رسول ال
صلى ال عليه و سلم ،و ذكر حديثا عنه صلى ال عليه و سلم أنه قال :ل يلغ الكلب ف دم مسلم .
و قال القاضي أبو عبد ال بن الرابط :من قال :إن النب صلى ال عليه و سلم هزم يستتاب ،فإن تاب
و إل قتل ،لنه تنقص ،إذ ل يوز ذلك عليه ف خاصته ،إذ هو على بصية من أمره ،ويقي من
عصمته .
و قال حبيب بن ربيع القروي :مذهب مالك و أصحابه أن من قال فيه صلى ال عليه و سلم :ما فيه
نقص ـ قتل دون استتابة .
و قال ابن عتاب :الكتاب و السنة موجبان أن من قصد النب صلى ال عليه و سلم بأذى أو نقص ،
معرضا أو مصرحا ،و إن قل ـ فقتله واجب ،فهذا الباب كله ما عده ا لعلماء سبا أو تنقصا يب
قتل قائله ،ل يتلف ف ذلك متقدمهم ول متأخرهم ،و إن اختلفوا ف حكم قتله على ما أشرنا إليه [
] 243و نبيه بعد .
و كذلك أقول حكم من غمصه أو عيه برعاية الغنم أو السهو أو النسيان أو السحر ،أو ما أصابه من
جرح أو هزية لبعض جيوشه ،أو أذى من عدوه ،أو شدة من زمنه ،أو باليل إل نسائه ،فحكم هذا
كله لن قصد به نقصه القتل .
و قد مضى من مذاهب العلماء ف ذلك ،و يأت ما يدل عليه .
فصل
ف الجة ف إياب قتل من سبه أو عابه صلى ال عليه و سلم
فمن القرآن لعنه تعال لؤذ به ف الدنيا و الخرة ،و قرانه تعال أذاه بأذاه ،و ل خلف ف قتل من
سب ال ،و أن اللعن إنا يستوجبه من هو كافر ،و حكم الكافر القتل ،فقال :إن الذين يؤذون ال
ورسوله لعنهم ال ف الدنيا والخرة وأعد لم عذابا مهينا [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 57 :
و قال ـ ف قاتل الؤمن مثل ذلك ،فمن لعنته ف الدنيا القتل ،قال ال تعال :لئن ل ينته النافقون
والذين ف قلوبم مرض والرجفون ف الدينة لنغرينك بم ث ل ياورونك فيها إل قليل * ملعوني أينما
ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل [ سورة الحزاب ، 33 /الية . ] 61 ، 60 :
و قال ـ ف الحاربي ،و ذكر عقوبتهم إنا جزاء الذين ياربون ال ورسوله ويسعون ف الرض فسادا
أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض ذلك لم خزي ف الدنيا [
سورة الائدة ، 5 /الية . ] 33 :
و قد يقع القتل بعن اللعن ،قال ال تعال :قتل الراصون .و قاتلهم ال أن يؤفكون ،أي لعنهم ال ،
و لنه فرق بي أذاها و أذى الؤمني ،و ف أذى الؤمني ما دون القتل ،من الضرب و النكال ،فكان
حكم مؤذي ال و نبيه أشد من ذلك ،و هو القتل .و قال تعال :فل وربك ل يؤمنون حت يكموك
فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما [ سورة النساء ، 4 /الية :
. ] 65
فسلب اسم اليان عمن وجد ف صدره حرجا من قضائه ،و ل يسلم له ،و من تنقضه فقد ناقض هذا
.
و قال ال تعال :يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب ول تهروا له بالقول كجهر
بعضكم لبعض أن تبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون [ سورة الجرات ، 49 /الية . ] 2 :
و ل يبط العمل إل الكفر ،و الكافر يقتل .
و قال تعال :وإذا جاؤوك حيوك با ل ييك به ال ث قال :حسبهم جهنم يصلونا فبئس الصي
[ سورة الجادلة ، 58 /الية . ] 8 :
و قال تعال :ومنهم الذين يؤذون النب ويقولون هو أذن .ث قال :والذين يؤذون رسول ال لم عذاب
أليم [ سورة التوبة ، 9 /الية . ] 61 :
و قال تعال :ولئن سألتهم ليقولن إنا كنا نوض ونلعب قل أبال وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * ل
تعتذروا قد كفرت بعد إيانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنم كانوا مرمي [ سورة التوبة
، 9 /الية . ] 66 ، 65 :
قال أهل التفسي :كفرت بقولكم ف رسول ال صلى ال عليه و سلم .
و أما الجاع فقد ذكرناه .
و أما الثار فحدثنا الشيخ أبو عبد ال أحد بن غلبون ،عن الشيخ أب ذر الروي إجازة ،قال :حدثنا
أبو السن الدار قطن ،و أبو عمر ابن حيوة ،حدثنا ممد بن نوح ،حدثنا عبد العزيز بن ممد بن
السن بن زبالة ،حدثنا عبد ال بن موسى بن جعفر ،عن علي بن موسى ،عن أبيه ،عن جده ،عن
ممد بن علي بن السي ،عن أبيه ،عن السي بن علي ،عن أبيه ـ أن رسول ال صلى ال عليه و
سلم قال :من سب نبينا فاقتلوه ،و من سب أصحاب فاضربوه .
و ف الديث الصحيح :أمر النب صلى ال عليه و سلم بقتل كعب ابن الشرف .و قوله :من لكعب
بن الشرف ! فإنه يؤذي ال و رسوله .و وجه إليه من قتله غيلة دون دعوة ،بلف غيه من
الشركي ،و علل قتله بأذاه له ،فدل أن قتله إياه لغي الشراك ،بل للذى .
و كذلك قتل أبا رافع ،قال الباء :و كان يؤذي رسول ال صلى ال عليه و سلم ،و يعي عليه .
و كذلك أمره يوم الفتح بقتل ابن خطل [ ] 244و جاريته اللتي كانتا تغنيان بسبه صلى ال عليه و
سلم .
و ف حديث آخر أن رجلً كان يسبه ـ صلى ال عليه و سلم ،فقال :من يكفين عدوي ؟ فقال
خالد :أنا .فبعثه صلى ال عليه و سلم فقتله .
و كذلك ل يقل جاعة من كان يؤذيه من الكفار و يسبه ،كالنضر بن الارث ،و عقبة بن أب معيط .
و عهد بقتل جاعة منهم قبل الفتح و بعده ،فقتلوا إل من بادر بإسلمه قبل القدرة عليه .
و قد روى البزار ،عن ابن عباس ـ أن عقبة بن أب معيط نادى :يا معشر قريش ،مال أقتل من بينكم
صبا ! فقال له صلى ال عليه و سلم :بكفرك و افترائك على رسول ال صلى ال عليه و سلم .
و ذكر عبد الرزاق أن النب صلى ال عليه و سلم سبه رجل ،فقال :من يكفين عدوي ؟ فقال الزبي :
أنا ،فبارزه فقتله الزبي .
و روى أيضا أن امرأة كانت تسبه صلى ال عليه و سلم ،فقال :فقال :من يكفين عدوي ؟ فخرج
إليها خالد بن الوليد فقتلها .
و روى أن رجلً كذب على النب صلى ال عليه و سلم ،فبعث عليا و الزبي إليه ليقتله .
و روى ابن قانع أن رجلً جاء إل النب صل ى ال عليه و سلم ،فقال :يا رسول ال ،سعت أب
يقول فيك قو ًل قبيحا فقتلته ! فلم يشق ذلك على النب صلى ال عليه و سلم .
و بلغ الهاجر بن أب أمية أمي اليمن لب بكر رضي ال عنه أن امرأة هناك ف الردة غنت بسب النب
صلى ال عليه و سلم فقطع يدها ،و نزع ثنيتها ،فبلغ أبا بكر رضي ال عنه ذلك ،فقال له :لول ما
فعلت لمرتك بقتلها ،لن حد النبياء ليس يشبه الدود .و عن ابن عباس :هجت امرأة من خطمة
النب صلى ال عليه و سلم ،فقال :من ل با ؟ فقال رجل من قومها :أنا رسول ال .فنهض فقتلها ،
فأخب النب صلى ال عليه و سلم ،فقال :ل ينتطح فيها عنان .
و عن ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تسب النب صلى ال عليه و سلم فيزجرها فل تنجر ،فلما
كانت ذات ليلة جعلت تقع ف النب صلى ال عليه و سلم و تشتمه ،فقتلها ،و أعلم النب صلى ال
عليه و سلم بذلك ،فأهدر دمها .
و ف حديث أب برزة السلمي :كنت يوما جالسا عند أب بكر الصديق ،فغضب على رجل من
السلمي ـ و حكى القاضي إساعيل و غي واحد من الئمة ف هذا الديث أنه سب أبا بكر .
و رواه النسائي :أتيت أبا بكر ،و قد أغلظ لرجل فرد عليه ،قال :فقلت :يا خليفة رسول ال ،
دعن أضرب عنقه .فقال :اجلس ،فليس ذلك لحد إل لرسول ال صلى ال عليه و سلم .
قال القاضي أبو ممد بن نصر :و ل يالف عليه أحد ،فاستدل الئمة بذا الديث على قتل من
أغضب النب صلى ال عليه و سلم بكل ما أغضبه أو أذاه أو سبه .
و من ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز إل عامله بالكوفة ،و قد استشاره ف قتل رجل سب عمر رضي
ل سب رسول ال ال عنه ،فكتب إليه عمر :إنه ل يل قتل امرئ مسلم بسب أحد من الناس إل رج ً
صلى ال عليه و سلم ،فمن سبه [ ] 245فقد حل دمه .
و سأل الرشيد مالكا ف رجل شتم النب صلى ال عليه و سلم ،و ذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بلده ،
فغضب مالك ،و قال :يا أمي الؤمني ،ما بقاء المة بعد شتم نبيها ! من شتم النبياء قتل ،و من
شتم أصحاب النب صلى ال عليه و سلم جلد .
قال القاضي أبو الفضل رحه ال تعال :كذا وقع ف هذه الكاية ،رواها غي واحد من أصحاب
مناقب مالك و مؤلفي أخباره و غيهم ،و ل أدري من هؤلء الفقهاء بالعراق الذين أفتوا الرشيد با
ذكر ! و قد ذكرنا مذهب العراقيي يقتله ،و لعلهم من ل يشهر بعلم ،أو من ل يوثق بفتواه ،أو ييل
به هواه ،أو يكون ما قاله يمل على غي السب ،فيكون اللف :هل هو سب أو غي سب ؟ أو
يكون رجع و تاب من سبه ،فلم يقله لالك على أصله ،و إل فالجاع على قتل من سبه كما قدمناه .
و يدل على قتله من جهة النظر و العتبار أن من سبه أو تنقصه صلى ال عليه و سلم فقد ظهرت علمة
مرض قلبه ،و برهان سر طويته و كفره ،و لذا ما حكم له كثي من العلمء بالردة ،و هي رواية
الشاميي عن مالك و الوزاعي ،و قول الثوري ،و أبو حنيفة ،و الكوفيي .
و القول الخر أنه دليل على الكفر فيقتل حدا ،و إن ل يكم له بالكفر إل أن يكون متماديا على قوله
،غي منكر له ،و ل مقلع عنه ،فهذا كافر ،و قوله :إما صريح كفر كالتكذيب و نوه ،أو من
كلمات الستهزاء و الذم ،فاعترافه با و ترك توبته عنها دليل استحلله لذلك ،و هو كفر أيضا ،
فهذا كافر بل خلف ،قال ال تعال ف مثله :يلفون بال ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد
إسلمهم [ سورة التوبة ، 9 /الية . ] 74 :
قال أهل التفسي :هي قول هم :إن كان ما يقول ممد حقا لنحن شر من المي .
و قيل :قول بعضهم :ما مثلنا و مثل ممد إل قول القائل :سن كلبك يأكلك ،و لئن رجعنا إل
الدينة ليخرجن الغر منها الذل .
و قد قيل إن قائل مثل هذا إن كان مستترا به إن حكمه حكم الزنديق يقتل ،و لنه قد غي دينه ،و قد
قال صلى ال عليه و سلم :من غي دينه فاضربوا عنقه ،و لن لكم النب صلى ال عليه و سلم ف
الرمة مزية على أمته ،و ساب الر من أمته يد ،فكانت العقوبة لن سبه صلى ال عليه و سلم
القتل ،لعظيم قدره ،و شفوف منلته على غيه .
فصل
ل ل يقتل النب اليهودي الذي قال له :السام عليكم ؟
فإن قلت :فلم ل يقتل النب صلى ال عليه و سلم اليهودي الذي قال له :السام عليكم ،و هذا دعاء
عليه ،و ل قتل الخر الذي قال له :إن هذه لقسمة ما أريد با وجه ال ،و قد تأذى النب صلى ال
عليه و سلم من ذلك ،و قال :قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصب ،و ل قتل النافقي الذين كانوا
يؤذونه ف أكثر الحيان .
فاعلم ـ وفقنا ال و إياك ـ أن النب صلى ال عليه و سلم كان أول السلم يستألف عليه الناس و ييل
قلوبم ،و يبب إليهم اليان ،و يزينه ف قلويهم و يداريهم ،و يقول لصحابه :إنا بعثتم مبشرين و
ل تبعثوا منفرين .
و يقول :يسروا و ل تعسروا ،و سكنوا و ل تنفروا .
و يقول [ : ] 246ل يتحدث الناس أن ممدا يقتل أصحابه .
و كان صلى ال عليه و سلم يداري الكفار و النافقي ،و يمل صحبتهم ،و يغضي عنهم ،و يتمل
من أذاهم و يصب على جفائهم ما ل يوز لنا اليوم الصب لم عليه ،و كان يرفقهم بالعطاء و
الحسان ،و بذلك أمره ال تعال ،فقال تعال :ول تزال تطلع على خائنة منهم إل قليل منهم فاعف
عنهم واصف ح إن ال يب الحسني [ سورة الائدة ،5/الية . ]13 :
و قال تعال :ادفع بالت هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ول حيم [ سورة فصلت ، 41/
الية . ] 34:
و ذلك لاجة الناس للتألف أول السلم ،و جع الكلمة عليه ،فلما استقر و أظهره ال على الدين كله
قتل من قدر عليه ،و اشتهر أمره ،كفعله بابن خطل ،و من عهد بقتله يوم الفتح ،و من أمكنه قتله
غيلة من يهود و غيهم ،أو غلبه من ل ينظمه قبل سلك صحبته ،و النراط ف جلة مظري اليان له
من كان يؤذيه ،كابن الشرف ،و أب رافع ،و النضر ،و عقبة .
و كذلك نذر دم جاعة سواهم ،ككعب بن زهي ،و ابن الزبعري و غيها من آذاه حت ألقوا بأيديهم
،و لقوه مسلمي .
و بواطن النافقي مستترة ،و حكمه صلى ال عليه و سلم على الظاهر ،و أكثر تلك الكلمات إنا كان
يقولا القائل منهم خفية و مع أمثاله ،و يلفون عليها إذا نيت ،و ينكرونا ،و يلفون با ال ما
قالوا ،و لقد قالوا كلمة الكفر ،و كان مع هذا يطمع ف فيئتهم ،و رجوعهم إل السلم و توبتهم ،
فيصب صلى ال عليه و سلم على هناتم و جفوتم ،كما صب أولوا العزم من الرس ل حت فاء كثي
منهم باطنا ،كما فاء ظاهرا ،و أخلص سرا كما أظهر جهرا ،و نفع ال بعد بكثي منهم ،و قام
منهم للدين و زراء و أعوان و حاة و انصار كما جاءت به الخبار .
و بذا أجاب بعض أئمتنا رحهم ال عن هذا السؤال .
و قال :لعله ل يثبت عنده صلى ال عليه و سلم من أقوالم ما رفع ،وإنا نقله الواحد و من ل يصل
رتبة الشهادة ف مثل هذا الباب ،من صب أو عبد أو امرأة ،و الدماء ل تستباح إل بعدلي .
و على هذا يمل أمر اليهود من السلم ،و أنم لووا ألسنتهم ،و ل يبينوه ،أل ترى كيف نبهت عليه
عائشة ،و لوكان صرح بذلك ل تنفرد بعلمه ،و لذا نبه النب صلى ال عليه و سلم أصحابه على
فعلهم ،و قلة صدقهم ف سلمهم ،و خيانتهم ف ذلك ليا بألسنتهم ،و طعنا ف الدين ،فقال :إن
اليهود إذا سلم أحدهم فإنا يقول :السام عليكم ،فقولوا :عليكم .
و كذلك قال بعض أصحابنا البغداديي :إن النب صلى ال عليه و سلم ل يقتل النافقي بعلمه فيهم ،و
ل يأت أنه قامت بينة على نفاقهم ،فلذلك تركهم .
و أيضا فإن المر كان سرا و باطنا ،و ظاهرهم السلم و اليان ،و إن كان من أهل الذمة بالعهد و
الوار ،و الناس قريب عهدهم بالسلم ،و ل يتميز بعد البيث من الطيب .
و قد شاع عن الذكورين ف العرب كون من يتهم بالنفاق من جلة الؤمني و صحابة سيد الرسلي ،و
أنصار الدين بكم ظاهرهم ،فلو قتلهم النب صلى ال عليه و سلم لنفاقهم و ما يبدر منهم ،و علمه با
أسروا [ ] 247ف أنفسهم لوجد النفر ما يقول ،و لرتاب الشارد ،و أرجف العاند ،و ارتاع من
صحبه النب صلى ال عليه و سلم ،و الدخول ف السلم غي واحد ،و لزعم الزاعم ،و ظن العدو
الظال ـ أن القتل إنا كان للعداوة و طلب أخذ الترة .
و قد رأيت معن ما حررته منسوبا إل مالك بن أنس رحه ال ،ولذا قال صلى ال عليه و سلم ل
يتحدث الناس أن ممدا يقتل أصحابه .و قال :أؤلئك الذين نان ال عن قتلهم .
و هذا بلف إجراء الحكام الظاهرة عليهم من حدود الزنا و القتل و شبهه ،لظهورها و استواء الناس
ف علمها .
و قد قال ممد بن الواز :لو أظهر النافقون نفاقهم لقتلهم النب صلى ال عليه و سلم ،و قاله القاضي
أبو السن بن القصار .
و قال قتادة ف تفسي قوله تعال :لئن ل ينته النافقون و الذين ف قلوبم مرض والرجفون ف الدينة
لنغرينك بم ث ل ياورونك فيها إل قليل * ملعوني أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل * سنة ال ف الذين
خلوا من قبل ولن تد لسنة ال تبديل [ سورةالحذاب ، 33/الية . ] 62 ، 60 :
قال :معناه إذا أظهروا النفاق .
و حكى ممد بن مسلمة ف البسوط ،عن زيد بن أسلم ـ أن قوله تعال :يا أيها النب جاهد الكفار
والنافقي واغلظ عليهم ،نسخها ما كان قبلها .
و قال بعض مشاينا :لعل القائل :هذه قسمة ما أريد وجه ال :و قوله :اعدل ـ ل يفهم النب صلى
ال عليه و سلم منه الطعن عليه و التهمة له ،و إنا رآها من وجه الغلط ف الرأي ،و أمور الدنيا و
الجتهاد ف مصال أهلها ،فلم ير ذلك سبا ،و رأى أنه من الذى له العفو عنه و الصب عليه ،فلذلك
ل يعاقبه .
و كذلك يقال ف اليهود إذا قالوا :السام عليكم ـ ليس فيه صريح سب و ل دعاء إل با ل بد منه من
الوت الذي ل بد من لاقه جيع البشر .
و قيل :بل الراد تسأمون دينكم .و السأم و السآمة :اللل .
و هذا دعاء على سآمة الدين ليس بصريح سب ،و لذا ترجم البخاري على هذا الديث ،باب ـ إذا
عرض الذمي أو غيه بسبب النب صلى ال عليه و سلم .
قال بعض علمائنا :و ليس هذا بتعريض بالسب ،و إنا هو تعريض بالذى .
قال القاضي أبو الفضل :قد قدمنا أن الذى و السب ف حقه صلى ال عليه و سلم سواء .
و قال القاضي أبو ممد بن نصر ميبا عن هذا الديث ببعض ما تقدم ،ث قال :و ل يذكر ف الديث
:هل كان هذا اليهودي من أهل العهد و الذمة أو الرب ،و ل يترك موجب الدلة للمر الحتمل .
و الول ف ذلك كله و الظهر من هذه الوجوه مقصد الستئلف و الدارة على الدين لعلهم يؤمنون .
و لذلك ترجم البخاري على حديث القسمة و الوارج :باب ـ من ترك قتال الوارج للتألف .
و لئل ينفر الناس عنه ،و لا ذكرنا معناه عن مالك ،و قررناه قبل .
و قد صب لم صلى ال عليه و سلم على سحره و سه ،و هو أعظم من سبه إل أن نصره ال عليهم ،
و أذن له ف قتل من حينه منهم و إنزالم من صياصيهم ،و قذف ف قلوبم الرعب ،وكتب [ ] 248
على من شاء منهم اللء ،و أخرجهم من ديارهم ،و خرب بيوتم بأيديهم و أيدي الؤمني ،و
كاشفهم بالسب ،فقال :يا إخوةالقردة و النازير ،و حكم فيهم سي وف السلمي ،و أجل هم من
جوارهم [ و أورثهم أرضهم و ديارهم و أموالم ،لتكون كلمة ال هي العليا و كلمة الذين كفروا
السفلى ] .
فإن قلت :فقد جاء ف الديث الصحيح ،عن عائشة رضي ال عنها ـ أنه صلى ال عليه و سلم ما
انتقم لنفسه ف شيء يؤتى إليه قط ،إل أن تنتهك حرمة ال ،فينتقم ل .
فاعلم أن هذا ل يقتضي أنه ل ينتقم من سبه أو آذاه أو كذبه ،فإن هذه من حرمات ال الت انتقم لا ،
و إنا يكون ما ل ينتقم له فيما تعلق بسوء أدب أو معاملة من القول أو الفعل بالنفس و الال ما ل
يقصد فاعله به أذاه ،لكن ما جبلت عليه العراب من الفاء ،و الهل ،أو جبل عليه البشر من الغفلة
،كجبذ العراب بإزاره حت أثر ف عنقه ،و كرفع صوت الخر عنده ،و كحجد العراب شراءه منه
فرسه الت شهد فيها خزية ،و لا كان من تظاهر زوجيه عليه ،و أشباه هذا ما يسن الصفح عنه .
[ و قد قال بعض علمائنا :إن أذى النب صلى ال عليه و سلم حرام ل يوز بفعل مباح و ل غيه .
و أما غيه فيجوز بفعل مباح ما ل يوز للنسان فعله ،و إن تأذى به غيه .و احتج بعموم قوله تعال
:إن الذين يؤذون ال ورسوله لعنهم ال ف الدنيا والخرة ،و بقوله صلى ال عليه و سلم ف حديث
فاطمة :إنا بضعة من ،يؤذين ما يؤذيها ،أل و إن ل أحرم ما أحل ال ،و لكن ل تتمع ابنة رسول
ال و ابنة عدو ال عند رجل أبدا ] أو يكون هذا ما آذاه به كافر و جاء بعد ذلك إسلمه ،كعفوه عن
اليهودي الذي سحره ،و عن العراب الذي أراد قتله ،و عن اليهودية الت سته ،و قد قيل :قتلها .
و مثل هذا ما يبلغه من أذى أهل الكتاب و النافقي ،فصفح عنهم رجاء استئلفهم و استئلف غيهم
كما قررناه قبل ،و بال التوفيق .
فصل
الوجه الثان :إذا كان غي قاصد للسب ..
تقدم الكلم ف قتل القاصد لسبه و الزراء به ،و غمصه بأي وجه كان من مكن أو مال ،فهذا وجه
بي ل إشكال فيه .
الوجه الثان لحق به ف البيان و اللء ،و هو أن يكون القائل لا قال ف جهته صلى ال عليه و سلم
غي قاصد للسب و الزراء ،و ل معتقد له ،و لكنه تكلم ف جهته صلى ال عليه و سلم بكلمة
الكفر ،من لعنه أو سبه أو تكذيبه أو إضافة ما ل يوز عليه ،أو نفى ما يب له ما هو ف حقه صلى
ال عليه و سلم نقيصة ،مثل أن ينسب إليه إتيان كبية ،أو مداهنة ف تبليغ الرسالة ،أو ف حكم بي
الناس ،أو يغض من مرتبته ،أو شرف نسبه ،أو وفور علمه أو زهده ،أو يكذب با اشتهر من أمور
أخب با صلى ال عليه و سلم و تواتر الب با عنه عن قصد لرد خبه ،أو يأتى بسفه من القول ،و
قبيح من الكلم ،و نوع من السب ف جهته ،و إن ظهر بدليل حاله أنه ل يعتمد ذمه ،و ل يقصد
سبه ،إما لهالة حلته على ما قاله ،أو لضجر أو سكر اضطره إليه ،أو قلة مراقبة و ضبط للسانه و
عجرفة و تور ف كلمه ،فحكم هذا الوجه حكم الوجه الول القتل دون تلعثم ،إذ ل يعذر أحد ف ا
لكفر بالهالة ،و ل بدعوى زلل اللسان ،و ل بشيء ما ذكرناه ،إذ كان عقله ف فطرته سليما ،إل
من أكره و قلبه مطمئن باليان .
و بذا أفت الندلسيون على ابن حات ف نفيه الزهد عن رسول ال صلى ال عليه و سلم الذي قدمناه .
و قال ممد بن سحنون ـ ف الأسور يسب النب صلى ال عليه و سلم ف أيدي العدو :يقتل إل أن
يعلم تنصره أو إكراهه .
و عن [ ] 249أب ممد بن أب زيد :ل يعذر بدعوى زلل اللسان ف مثل هذا .
و أفت أبو السن القابسي ـ فيمن شتم النب صلى ال عليه و سلم ف سكره :يقتل ،لنه يظن به أنه
يعتقد هذا و يفعل ف صحوه .
و أيضا فإنه حد ل يسقطه السكر ،كالقذف ،و القتل ،و سائر الدود ،لنه أدخله على نفسه ،لن
من شرب المر على علم من زوال عقله با ،و إتيان ما ينكر منه ،فهو كالعامد لا بسببه .
و على هذا ألزمناه الطلق و العتاق ،و القصاص و الدود .
و ل يعترض على هذا بديث حزة و قوله للنب صلى ال عليه و سلم :و هل أنتم إل عبيد لب ! .
قال :فعرف النب صلى ال عليه و سلم أنه ثل فانصرف ،لن المر كانت حنيئذ غي مرمة ،فلم
يكن ف جناياتا إث ،و ك ان حكم ما يدث عنها معفوا عنه كما يدث من النوم و شرب الدواء
الأمون .
فصل
الوجه الثالث ـ أن يقصد إل تكذيبه فيما قاله و أتى به ..
الوجه الثالث أن يقصد إل تكذيبه فيما قاله و أتى به ،أو ينفي نبوته أو رسالته ،أو وجوده ،أو يكفر
به ،انتقل بقوله ذلك إل دين آخر غي ملته أم ل ،فهذا كافر بإجاع ،يب قتله ،ث ينظر فإن كان
مصرحا بذلك كان حكمه أشبه بكم الرتد ،و قوي اللف ف استتابته .
و على القول الخر ل يسقط عنه توبته لق النب صلى ال عليه و سلم ،إن كان ذكره بنقيصة فيما قاله
من كذب أو غيه ،و إن كان مستسرا بذلك فحكمه حكم الزنديق ل تسقط قتله التوبة عندنا كما
سنبينه .
قال أبو حنيفة و أصحابه :من بريء من ممد ،أو كذب به ،فهو مرتد حلل الدم إل أن يرجع .
و قال ابن القاسم ـ ف السلم إذا قال :إن ممدا ليس بنب ،أو ل يرسل ،أو ل ينل عليه قرآن ،و
إنا هو شيء تقوله :يقتل .
قال :و من كفر برسول ال صلى ال عليه و سلم و أنكره من السلمي ،فهو بنلة الرتد ،و كذلك
من أعلى بتكذيبه أنه كالرتد يستتاب .
و كذلك قال فيمن تنبأ ،و زعم أنه يوحى إليه ،و قاله سحنون .
قال ابن القاسم :دعا إل ذلك سرا و جهرا .
قال أصبغ :و هو كالرتد ،لنه قد كفر بكتاب ال مع الفرية على ال .
و قال أشهب ـ ف يهودي تنبأ أو زعم أنه أرسل إل الناس ،أو قال :بعد نبيكم نب ـ أنه يستتاب إن
كان معلنا بذلك ،فإن تاب و إل قتل ،و ذلك لنه مكذب للنب صلى ال عليه و سلم ف قوله ،ل نب
بعدي ،مفتر على ال ف دعواه عليه الرسالة و النبوة .
و قال ممد بن سحنون :من شك ف حرف ما جاء به النب صلى ال عليه و سلم عن ال فهو كافر
جاحد .
و قال :من كذب النب صلى ال عليه و سلم كان حكمه عند المة القتل .
و قال أحد بن أب سليمان صاحب سحنون :من قال :إن النب صلى ال عليه و سلم أسود ـ قتل ،
ل يكن النب صلى ال عليه و سلم بأسود .
و قال نوه أبو عثمان الداد ،قال :لو قال :إنه مات قبل أن يلتحي ،أو إنه كان بتاهرت و ل يكن
بتهامة قتل ،لن هذا نفي .
قال حبيب بن ربيع تبديل صفته و مواضعه كفر ،و الظهر [ ] 250له كافر ،و فيه الستتابة و السر
له زنديق ،يقتعل دون استتابة .
فصل
الوجه الرابع ـ أن يأت من الكلم بجمل و يلفظ من القول بشكل يكن حله على النب
أو غيه ..
الوجه الرابع أن يأت من الكلم بجمل ،و بلفظ من القول بشكل يكن حله على النب صلى ال عليه و
سلم أو غيه ،أو يتردد ف الراد به من سلمته من الكروه أو شره ،فها هنا متردد النظر و حية العب ،
و مظنة اختلف الجتهدين ،و وقفة استباء القلدين ،ليهلك من هلك عن بينة ،و يي من حي عن
بينة ،فمنهم من غلب حرمة النب صلى ال عليه و سلم ،و حى حى عرضه ،فجسر على القتل ،و
منهم من عظم حرمة الدم ،و درأ الد بالشبهة لحتمال القول .
و قد اختلف أئمتنا ف رجل أغضبه غريه ،فقال له :صل على النب ممد ،فقال له الطالب :ل صلى
ال على من صلى عليه ،فقيل لسحنون :هل هو كمن شتم النب صلى ال عليه و سلم ،أو شتم
اللئكة الذين يصلون عليه ،قال :ل ،إذا كان على ما وصفت من الغضب ،لنه ل يكن مضمرا
الشتم .
و قال أبو إسحاق البقي ،و أصبغ بن الفرج :ل يقتل ،لنه إنا شتم الناس ،و هذا نو قول سحنون
:لنه ل يعذره بالغضب ف شتم النب صلى ال عليه و سلم ،و لكنه لا احتمل الكلم عنده ،و ل تكن
معه قرينة على شتم النب صلى ال عليه و سلم ،أو شتم اللئكة صلوات ال عليهم ،و ل مقدمة يمل
عليها كلمه ،بل القرينة تدل على أن مراده الناس غي هؤلء ،لجل قول الخر له :صل على النب ،
فحمل قوله و سبه لن يصلي عليه الن لجل أمر الخر له بذا عند غضبه .
هذا معن قول سحنون ،و هو مطابق لعلة صاحبيه .
و ذهب الارث بن مسكي القاضي و غيه ف مثل هذا إل القتل .
و توقف أبو السن القابسي ف قتل رجل قال :كل صاحب فندق قرنان ،و لو كان نبيا مرسلً ،فأمر
بشده بالقيود و التضييق عليه حت تستفهم البينة عن جلة ألفاظه ،و ما يدل على مقصده ،هل أراد
أصحاب الفنادق الن فمعلوم أنه ليس فيهم نب مرسل ،فيكون أمره أخف .
قال :و لتكن ظاهر لفظه العموم لكل صاحب فندق من التقدمي و التأخرين .و قد كان فيمن تقدم
من النبياء و الرسل من اكتسب الال .
قال :و دم السلم ل يقدم عليه إل بأمر بي .و ما ترد إليه التأويلت ل بد من إنعام النظر فيه .هذا
معن كلمه .
و حكي عن أب ممد بن أب زيد رحه ال ـ فيمن قال :لعن ال العرب ،و لعن ال بن إسرائيل ،و
لعن ال بن آدم ،و ذكر أنه ل يرد النبياء ،و إنا أردت الظالي منهم ـ إن عليه الدب بقدر إجتهاد
السلطان .
و كذلك أفت ـ فيمن قال :لعن ال من حرم السكر ،و قال :ل أعلم من حرمه .
و فيمن لعن حديث :ل يبع حاضر لباد .و لعن من جاء به ـ إنه إن كان يعذر بالهل و عدم معرفة
السنن فعليه الدب الوجيع ،و ذلك أن هذا ل يقصد بظاهرة حاله سب ال و ل سب رسوله ،و إنا
لعن من حرمه من الناس على نو فتوى سحنون و أصحابه ف السألة التقدمة .
و مثل هذا ما يري ف كلم سفهاء الناس [ ] 251ف قول بعضهم لبعض :يا بن ألف خنير ،و ابن
مائة كلب ،وشبهه من هجر القول .
و ل شك أنه يدخل ف مثل هذا العدد من آبائه و أجداده جاعة من النبياء ،و لعل بعض هذا العدد
منقطع إل آدم عليه السلم ،فينبغي الزجر عنه ،و تبيي ما جهله قائله منه و شدة الدب فيه .
و لو علم أنه قصد سب من ف آبائه من النبياء على علم لقتل .
و قد يقيض القول ف نو هذا لو قال لرجل هاشي :لعن ال بن هاشم ـ و قال :أردت الظالي منهم
،أو قال لرجل من ذرية النب صلى ال عليه و سلم قولً قبيحا ف أبائه أو من نسله أو ولده على علم
من ه أنه من ذرية النب صلى ال عليه و سلم ،و ل تكن قرينة ف السألتي تقتضي تصيص بعض أبائه ،
و إخراج النب صلى ال عليه و سلم من سبه منهم .
[ و قد رأيت لب موسى عيسى بن مناس ـ ف من قال لرجل :لعنك ال إل آدم عليه السلم ـ أنه
إن ثبت عليه ذلك قتل ] .
و قد كان اختلف شيوخنا فيمن قال لشاهد شهد عليه بشيء ث قال له :تتهمن ؟ قال له الخر :
النبياء يتهمون ،فكيف أنت ؟ فكان شيخنا أبو إسحاق بن جعفر يرى قتله ،لبشاعة ظاهر اللفظ .
و كان القاضي أبو ممد بن منصور يتوقف عن القتل لحتمل اللفظ عنده أن يكون خبا عمن أتمهم
من الكفار .
و أفت فيها قاضي قرطبة أبو عبد ال ابن الاج بنحو هذا .
و شدد القاضي أبو ممد تصفيده ،و أطال سجنه ،ث استحلفه بعد على تكذيب ما شهد به عليه ،إذ
دخل ف شهادة بعض من شهد عليه وهن ،ث أطلقه .
و شاهدت شيخنا القاضي أبو عبد ال ممد بن عيسى أيام قضائه أتى برجل هاتر رجلً ،ث قصد إل
كلب فضربه برجله و قال له :قم يا ممد ،فأنكر الرجل أن يكون قال ذلك ،و شهد عليه لفيف من
الناس ،فأمر به إل السجن ،و تقصى عن حاله ،و هل يصحب من يستر اب بدينه ؟ فلما ل يد ما
يقوي الريبة باعتقاده ضربه بالسوط و أطلقه .
فصل
الوجه الامس ـ أل يقصد نقصا . .
الوجه الامس أل يقصد نقصا ،و ل يذكر عيبا و ل سبا ،لكنه ينع بذكر بعض أوصافه ،أو
يستشهد ببعض أحواله صلى ال عليه و سلم الائزة عليه ف الدنيا على طريق ضرب الثل ،و الجة
لنفسه أو لغيه ،أو على التشبه به ،أو عند هضمية نالته ،أو غضاضة لقته ،ليس على طريق التأسي
و طريق التحقيق ،بل على مقصد الترفيع لنفسه أو لغيه ،أو على سبيل التمثيل و عدم التوقي لنبيه
صلى ال عليه و سلم ،أو على قصد الزل و التندير بقوله ،كقول القائل :إن قيل ف السوء فقد قيل
ف النب ،و إن كذبت فقد كذب النبياء ،أو إن أذنبت فقد أذنبوا ،أو أنا أسلم من ألسنة الناس و ل
يسلم منهم أنبياء ال و رسوله ،أو قد صبت كما صب أولوا العزم ،أو كصب أيوب ،أو قد صب نب
ال عن عداه ،وحلم على أكثر ما صبت ،و كقول التنب :
ال غريب كصال ف ثود أنا ف أمة تداركها
و نوه من أشعار التعجرفي ف القول ،التساهلي ف الكلم ،كقول العري :
غي أن ليس فيكما من فقي كنت موسى وافته بنت شعيب
على أن آخر البيت شديد ،و داخل ف باب الزراء و الت حقي بالنب [ ] 252صلى ال عليه و سلم
،و تفضيل حال غيه عليه .
و كذلك قوله :
قلنا ممد من أبيه بديل لول انقطاع الوحي بعد ممد
هو مثله ف الفضل إل أنه ل يأته برسالة جبيل
فصدر البيت الثان من هذا الفصل شديد ،لتشبيهه غي النب ف فضله بالنب ،و العجز متمل لوجهي :
أحدها أن هذا الفضيلة نقصت المدوح ،و الخر استغناؤه عنها .و هذا أشد .
و نو منه قول الخر :
صفقت بي جناحي جبين و إذا ما رفعت راياته
و قول الخر من أهل العصر :
فصب ال قلب رضوان فر من اللد و استجار بنا
و كقول حسان الصيصي من شعراء الندلس ف ممد بن عباد العروف بالعتمد و وزيره أب بكر بن
زيدون :
و حسان حسان و أنت ممد كأن أبا بكر أبو بكر الرضا
و إنا أكثرنا شاهدنا مع استثقالنا حكايتها لتعريف أمثلتها و لتساهل كثي من الناس ف ولوج هذا الباب
الضنك ،و استخفافهم فادح هذا العبء و قلة علمهم بعظيم ما فيه من الوزر ،و كلمهم منه با ليس
لم به علم ،و يسبونه هينا و هو عند ال عظيم ،ل سيما الشعراء .و أشدهم فيه تصريا ،و للسانه
تسريا ،و ل لسانه تسريا ابن هانءالندلسي ،و ابن سليمان العري ،بل قد خرج كثي من كلمهما
إل حد الستخفاف و النقص و صريح الكفر .
و قد أجبنا عنه ،و غرضنا الن الكلم ف الفصل الذي سقنا أمثلته ،فإن هذه كلها و إن ل تتضمن سبا
،و ل أضافت إل اللئكة و النبياء نقصا ،و لست أعن عجزى بيت العري ،و ل قصد قائلها إزراء
و غضا ،فما وقر النبوة ،و ل عظم الرسالة ،و ل عزز حرمة الصطفاء ،و ل عزز حظوة الكرامة
حت شبه من شبه ف كرامة نالا ،أو معرة قصد النتقاء منها ،أو ضرب مثل لتطيب ملسه ،أو إغلء
ف وصف لتحسي كلمه بن عظم ال خطره ،و شرف قدره ،و ألزم توقيه و بره ،و نى عن جهر
القول له ،و رفع الصوت عنده .
فحق هذا إن درئ عنه القتل الدب و السجن و قوة تعزيزه بسب شنعة مقاله ،و مقتضى قبح ما نطق
به ،و مألوف عادته لثله ،أو ندوره ،و قرينة كلمه ،أو ندمه على ما سبق منه ،و ل يزل التقدمون
ينكرون مثل هذا من جاء به ،و قد أنكر الرشيد على أب نواس قوله :
فإن يك باقي سحر فرعون فيكم فإن عصا موسى بكف خصيب
و قال له :يا بن اللخناء ،أنت الستهزئ بعصا موسى ! و أمر بإخ راجه عن عسكره من ليلته .
و ذكر القتب أن ما أخذ عليه أيضا ،و كفر فيه ،أو قارب ـ قوله ف ممد المي و تشبيهه إياه بالنب
صلى ال عليه و سلم ،حيث قال :
تنازع الحدان الشبه فاشتبها خلقا و خلقا كما قد الشرا كان
[ ] 253و قد أنكروا عليه أيضا قوله :
كيف ل يدنيك من أمل من رسول ال من نفره
لن حق الرسول و موجب تعظيمه و إنافة منلته أن يضاف إليه ،و ل يضاف .
فالكم ف أمثال هذا ما بسطناه ف طريق الفتيا على هذا النهج جاءت فتيا إمام مذهبنا مالك بن أنس
رحه ال و أصحابه :
ففي النوادر من رواية ابن أب مري عنه ف رجل عي رجلً بالفقر ،فقال :تعين بالفقر و قد رعى النب
صلى ال عليه و سلم الغنم ؟ فقال مالك :قد عرض بذكر النب صلى ال عليه و سلم ف غي موضعه ،
أرى أن يؤدب ،قال :و ل ينبغي لهل الذنوب إذا عوتبوا أن يقولوا :قد أخطأت النبياء قبلنا .
و قال عمر بن عبد العزيز لرجل :انظر لنا كاتبا يكون أبوه عربيا .فقال كاتب له :قد كان أبو النب
كافرا ،فقال :جعلت هذا مثلً ! فعزله ،و قال :ل تكتب ل أبدا .
و قد كره سحنون أن يصلى على النب صلى ال عليه و سلم عند التعجب إل على طريق الثواب و
الحتساب ،توقيا له و تعظيما ،كما أمرنا ال .
و سئل القابسي عن رجل قال لرجل قبيح كأنه وجه نكي ،و لرجل عبوس كأنه وجه مالك الغضبان ،
فقال :أي شيء أراد بذا ،و نكي أحد فتان القب ،و ها ملكان ،فما الذي أراد ! أروع دخل عليه
حي رآه من وجهه ،أم عاف النظر إليه لدمامة خلقه ،فإن كان هذا فهو شديد ،لنه جرى مرى
التحقي و التهوين ،فهو أشد عقوبة ،و ليس فيه تصريح بالسب للملك ،و إنا السب واقع على
الخاطب .و ف الدب بالسوط و السجن نكال للسفهاء ،قال :و أما ذاكر مالك خازن النار فقد
جفا الذي ذكره عندما أنكر حاله من عبوس الخر إل أن يكون العبس له يد فيهب بعبسته ،فيشبهه
القائل على طريق الذم لذا ف فعله ،و لزومه ف ظلمه صفة مالك اللك الطيع لربه ف فعله ،فيقول
كأنه ل يغضب غضب مالك ،فيكون أخف ،و ما كان ينبغي له التعرض لثل هذا ،و لو كان أثن
على العبوس يعبسته ،و احتج بصفة مالك كان أشد ،و يعاقب العاقبة الشديدة ،و ليس ف هذا ذم
للملك ،و لو قصد ذمه لقتل .
و قال أبو السن أيضا ف شاب معروف ب الي قال لرجل شيئا ،فقال الرجل :
اسكت ،فإنك أمي .فقال الشاب :أليس كان النب صلى ال عليه و سلم أميا ! فشنع عليه مقاله ،و
كفره الناس ،و أشفق الشاب ما قال ،و أظهر الندم عليه ،فقال أبو السن :أما إطلق الكفر عليه
فخطأ ف استشهاده بصفة النب صلى ال عليه و سلم ،و كون النب أميا له ،و كون هذا أميا نقيصة فيه
و جهالة .
و من جهالته احتجاجه بصفة النب صلى ال عليه و سلم ،لكنه إذا استغفر و تاب ،و اعترف و لأ إل
ال فيترك ،لن قوله ل ينتهي إل حد القتل ،و ما طريقه الدب فطوع فاعله بالندم عليه يوجب الكف
عنه .
و نزلت أيضا مسألة استفت فيها بعض قضاة الندلس شيخا القاضي أبا ممد ابن منصور رحه ال ف
رجل تنقصه ] 256 [ .آخر بشيء ،فقال له :إنا تريد نقصي بقولك ،و أنا بشر ،و جيع البشر
يلحقهم النقص حت النب صلى ال عليه و سلم ،فأفتاه بإطالة سجنه ،و إياع أدبه ،إذ ل يقصد
السب ،و كان بعض فقهاء الندلس أفت بقتله .
فصل
الوجه السادس ـ أن يقول ذلك حاكيا عن غيه
الوجه السادس أن يقول القائل ذلك حاكيا عن غيه ،و آثرا له عن سواه ،فهذا ينظر ف صورة
حكايته و قرينة مقالته ،و يتلف الكم باختلف ذلك على أربعة وجوه :الوجوب ،و الندب ،و
الكراهة ،التحري ،فإن كان أخب به على وجه الشهادة و التعريف بقائله ،و النكار و العلم بقوله ،
و التنفي منه ،و التجريح له ـ فهذا ما ينبغي امتثاله ،و يمد فاعله ،و كذلك إن حكاه ف كتاب أو
ف ملس على طريق الرد له و النقض على قائله ،و للفتيا با يلزمه .
و هذا منه ما يب ،و منه ما يستحب بسب حالت الاكي لذلك و الحكي عنه ،فإن كان القائل
لذلك من تصدى لن يؤخذ عنه العلم أو رواية الديث ،أو يقطع بكمه أو شهادته ،أو فتياه ف
القوق ـ وجب على سامعه الشادة با سع منه و التنفي للناس عنه ،و الشهادة عليه با قاله ،و
وجب على من بلغه ذلك من أئمة السلمي إنكاره ،و بيان كفره ،و فساد قوله ،لقطع ضرره عن
السلمي ،و قياما بق سيد الرسلي ،و كذلك إن كان من يعظ العامة ،أو يؤدب الصبيان فإن من
هذه سريرته ل يؤمن على إلقاء ذلك ف قلوبم ،فيتأكد ف هؤلء ا لياب لق النب صلى ال عليه و
سلم ،و لق شريعته .
و إن ل يكن القائل بذه السبيل فالقيام بق النب صلى ال عليه و سلم واجب ،و حاية عرضه متعي ،
و نصرته عن الذى حيا و ميتا مستحق على كل مؤمن ،لكنه إذا قام بذا من ظهر به الق ،و فصلت
به القضية ،و بان به المر سقط عن الباقي الفرض ،و بقي الستحباب ف تكثي الشهادة عليه ،و
عضد التحذير منه .
و قد أجع السلف على بيان حال التهم ف الديث ،فكيف بثل هذا ؟ .
و قد سئل أبو ممد بن أب زيد عن الشاهد يسمع مثل هذا ف حق ال تعال :أيسعه أل يؤدي
شهادته ؟ قال :إن رجا نفاذ الكم بشهادته فليشهد .
و كذلك إن علم أن الاكم ل يرى القتل با شهد به ،و يرى الستتابة و الدب فليشهد ،و يلزمه
ذلك .
و أما الباحة لكاية قوله لغي هذين القصدين ،فل أرى لا مدخلً ف هذا الباب ،فليس التفكه بعرض
رسول ال صلى ال عليه و سلم ،و التمضمض بسوء ذكره لحد ،ل ذاكرا و ل آثرا لغي غرض
شرعي بباح .
و أما للغراض التقدمة فمتردد بي الياب و الستحباب .
و قد حكى ال تعال مقالت الفترين عليه و على رسله ف كتابه على وجه النكار لق ولم ،و
التحذير من كفرهم ،و الوعيد عليه ،و الرد عليهم با تله ال علينا ف مكم كتابه .
و كذلك وقع من أمثاله ف أحاديث النب ال صلى ال عليه و سلم الصحيحة على الوجوه التقدمة ،و
أجع السلف و اللف من أئمة الدى على حكايات مقالت الكفرة و اللحدين ف كتبهم مالسهم
ليبينوها للناس ،و ينقضوا شبهها عليهم [ ، ] 255و إن كان ورد لحد بن حنبل إنكار لبعض هذا
على الارث ابن أسد ،فقد صنع أحد مثله ف رده على الهمية و القائلي بالخلوق .
هذه الوجوه السائغة الكاية عنها ،فأما ذكرها على غي هذا من حكاية سبه و الزراء بنصبه على وجه
الكايات و السار و الطرف و أحاديث الناس و مقالتم ف الغث و السمي ،و مضاحك الجان ،و
نوادر السخفاء ،و الوض ف قيل و قال ،و ما ل يعن ـ فكل هذا منوع ،و بعضه أشد ف النع و
العقوبة من بعض ،فما كان من قائله الاكي له على غي قصد أو معرفة بقدار ما حكاه ،أو ل تكن
عادته ،أو ل يكن الكلم من البشاعة حيث هو ،و ل يظهر على حاكيه استحسانه و استصوابه ـ
زجر عن ذلك ،و ني عن العودة إليه ،وإن قوم ببعض الدب فهو مستوجب له ،و إ ،كان لفظه من
الب شاعة حيث هو كان الدب أشد .
و قد حكي أن رجلً سأل مالكا عمن يقول :القرآن ملوق .فقال مالك :كافر فاقتلوه .فقال :إنا
حكيته عن غيي .فقال مالك :إنا سعناه منك .
و هذا من مالك على طريق الزجر و التغليظ ،بدليل أنه ل ينفذ قتله .
و إن اتم هذا الاكي فيما حكاه أنه اختلقه ،و نسبه إل غيه ،أو كانت تلك عادة له ،أو ظهر
استحسانه لذلك ،أو كان مولعا بثله ،و الستخفاف له ،أو التحفظ لثله ،و طلبه ،و رواية أشعار
هجوه صلى ال عليه و سلم و سبه ،فحكم هذا حكم الساب نفسه ،يؤاخذ بقوله ،و ل تنفعه نسبته
إل غيه ،فيبادر بقتله و يعجل إل الاوية أمه .
قال أبو عبيد القاسم بن سلم ـ فيمن حفظ شطر بيت ما هجي به النب صلى ال عليه و سلم فهو
كفر .
و قد ذكر بعض من ألف ف الجاع ـ إجاع السلمي على تري رواية ما هجي به النب صلى ال عليه
و سلم ،و كتابته و قراءته ،و تركه مت وجد دون مو و رحم ال أسلفنا التقي التحرزين لدينهم ،
فقد أسقطوا من أحاديث الغازي و السي ما كان هذا سبيله ،و تركوا روايته إل أشياء ذكروها يسية
و غي مستبشعة ،على نو الوجوه الول ،ليوا نقمة ال من قائلها ،و أخذه الفتري عليه بذنبه .
و هذا أبو عبيد القاسم بن سلم رحه ال قد ترى فيما اضطر إل الستشهاد به من أهاجي أشعار
العرب ف كتبه ،فكن عن اسم الهجو بوزن اسه ،استباء لدينه ،و تفظا من الشاركة ف ذم أحد أو
نشره ،فكيف با يتطرق إل عرض سيد البشر صلى ال عليه و سلم .
فصل
الوجه السابع ـ أن يذكر ما يوز على النب ،أو يتلف ف جوازه
الوجه السابع أن يذكر ما يوز على النب صلى ال عليه و سلم ،أو يتلف ف جوازه عليه ،و ما يطرأ
من المور البشرية به ،و تكن إضافتها إليه ،أو يذكر ما امتحن به ،و صب ف ذات ال على شدته من
مقاساة أعدائه ،و أذاهم له ،و معرفة ،ابتداء حاله و سيته ،و ما لقيه من بؤس زمنه ،و مر عليه من
معاناة عيشه ،كل ذلك على طريق الرواية ،و مذاكرة العلم ،و معرفة ما صحت منه العصمة للنبياء ،
و ما يوز عليهم ـ فهذا فن خارج عن هذه الفنون الستة ،إذ ليس فيه غمص و ل نقص ،و ل إزراء
و ل استخفاف ،ل ف ظاهر اللفظ [ ] 256و ل ف مقصد اللفظ ،لكن يب أن يكون الكلم فيه
مع أهل العلم و فهماء طلبة الدين من يفهم مقاصده .و يققون فوائده ،و ينجب ذلك من عساه ل
يفقه ،أو يشى به فتنته ،فقدكره بعض السلف تعليم النساء سورة يوسف ،لا انطوت عليه من تلك
القصص لضعف معرفتهن ،و نقص عقولن و إدراكهن ،فقد قال صلى ال عليه و سلم ال ـ مبا
عن نفسه باستيجار لرعاية الغنم ف ابتداء حاله ،و قال :ما من نب إل و قد رعى الغنم .
و أخبنا الل ه تعال بذلك عن موسى عليه السلم ،و هذا ل غضاضة فيه جلة واحدة لن ذكره على
وجهه ،بلف من قصد به الغضاضة و التحقي ،بل كانت عادة جيع العرب .
نعم ،ف ذلك للنبياء حكمة بالغة ،و تدريج ل تعال لم إل كرامته ،و تدريب برعايتها لسياسة
أمهم من خليقته با سبق لم من الكرامة ف الزل ،و متقدم العلم .
و كذلك قد ذكر ال يتمه و عيلته على طريق النة عليه ،و التعريف بكرامته له ،فذكر الذاكر لا على
وجه تعريف حاله ،و الب عن مبتدئه ،و التعجب من منح ال قبله ،و عظيم منته عنده ليس فيه
غضاضة ،بل فيه دللة على نبوته و صحة دعوته ،إذ أظهره ال تعال بعد هذا على صناديد العرب و
من ناوأه من أشرافهم شيئا فشيئا ،و نى أمره حت قهرهم ،و تكن من ملك مقاليدهم ،و استباحة
مالك كثي من المم غيهم ،بإظهار ال تعال له ،و تأييده بنصره و بالؤمني ،و ألف بي قلوبم ،و
إمداده باللئكة السومي ،و لو كان ابن ملك أو ذا أشيع متقدمي لسب كثي من الهال أن ذلك
موجب ظهوره ،و مقتضى علوه ،و لذا قال هرقل ـ حي سأل أبا سفيان عنه :هل ف آبائه من
ملك ؟ فقال :ل .ث قال :و لو كان ف آبائه ملك لقلنا :رجل يطلب ملك أبيه ،و إذا اليتيم من
صفته و إحدى علماته ف الكتب التقدمة و أخبار المم السالفة .
و كذا و قع ذكره ف كتاب أرميا ،و بذا وصفه ابن ذي يزن لعبد الطلب ،و بيا لب طالب .
و كذلك إذا وصف بأنه أمي كما وصفه ال به ـ فهي مدحه له و فضيلة ثابتة فيه ،و قاعدة معجزته ،
إذ معجزته العظمى ف القرآن العظيم إنا هي متعلقة بطريق العارف و العلوم ،مع ما منح صلى ال عليه
و سلم ،و فضل به من ذلك ،كما قدمناه ف القسم الول .
و وجود مثل ذلك من رجل ل يقرأ و ل يكتب و ل يدارس و ل لقن ـ مقتضى العجب ،و منتهى
العب ،و معجزة البشر .
و ليس ف ذلك نقيصة ،إذ الطلوب من الكتابة و القراءة العرفة ،و إنا هي آلة لا ،و واسطة موصلة
إليها غي مرادة ف نفسها ،فإذا حصلت الثمرة و الطلوب استغن عن الواسطة و السبب .
و المية ف غيه نقيصة ،لنا سبب الهالة ،و عنوان الغباوة ،فسبحان من باين أمره من أمر غيه ،و
جعل شرفه فيما فيه مطة سواه ،و جعل حياته فيما فيه هلك من عداه ،هذا شق قلبه ،و إخراج
حشوته ،كان تام حياته ،و غاية قوة نفسه ،و ثبات روعه ،و هو فيمن سواه منتهى هلكه و حتم
موته و فنائه ،و هلم جرا إل سائر ما روي من أخباره و سيه ،و تقلله من الدنيا [ ] 257و من
اللبس و الطعم و الركب ،و تواضعه و مهنته نفسه ف أموره ،و خدمة بيته زهدا و رغبة عن الدنيا ،
و تسوية بي حقيها و خطيها ،لسرعة فناء أمورها ،و تقلب أحوالا ،كل هذا من فضائله و مآثره و
شرفه كما ذكرناه ،فمن أورد سيئا منها موردة و قصد با مقصدة كان حسنا ،و من أورد ذلك على
غي وجهه ،و علم منه بذلك سوء قصده لق بالفصول الت قدمناها .
و كذلك ما ورد من أخباره و أخبار سائر النبياء عليهم السلم ف الحاديث ما ف ظاهره إشكال
يقتضي أمورا ل تليق بم بال ،و يتاج إل تأويل و تردد احتمال ،فل
يب أن يتحدث منها إل بالصحيح ،و ل يروى منها إل العلوم الثابت .
و رحم ال مالكا ،فلقد كره التحدث بثل ذلك من الحاديث الوهة للتشبيه و الشكلة العن ،و قال
:ما يدعو إل التحدث بثل هذا ؟ فقيل له :إن ابن عجلن يدث با ،فقال :ل يكن من الفقهاء ،و
ليت الناس وافقوه على ترك الديث با ،و ساعدوه على طيها ،فأكثرها ليس تته عمل .
و قد حكي عن جاعة من السلف ،بل عنهم على الملة ـ أنم كانوا يكرهون الكلم فيما ليس تته
عمل ،و النب صلى ال عليه و سلم أوردها على قوم عرب يفهمون كلم العرب على وجهه ،و
تصرفاتم ف حقيقته و مازه ،و استعارته ،و بليغه و إيازه ،فلم تكن ف حقهم مشكلةً ،ث جاء من
غلبت عليه العجمة ،داخلته المية ،فل يكاد يفهم من مقاصد العرب إل نصها و صريها ،و ل
يتحقق بإشاراتا إل غرض الياز ،و وحيها و تبليغها ،و تلويها ،فتفرقوا من تأويلها [ و حلها على
ظاهرها ] شذر مذر ،فمنهم من آمن به ،و منهم من كفر .
فأما ما ل يصح من هذه الحاديث فواجب أل يذكر منها شيء ف حق ال و ل ف حق أنبيائه ،و ل
يتحدث با ،و ل يتكلف الكلم على معانيها .و الصواب طرحها ،و ترك الشغل با إل أن تذكر
على وجه التعريف بأنا ضعيفة القاد واهية السناد .
و قد أنكر الشياخ على أب بكر بن فورك تكلفه ف مشكلة الكلم على أحاديث ضعيفة موضوعة ل
أصل لا ،أو منقولة عن أهل الكتاب الذين يلبسون الق بالباطل كان يكفيه طرحها ،و يغنيه عن
الكلم التنبيه على ضعفها ،إذ القصود بالكلم على مشكل ما فيها إزالة اللبس ،و اجتثاثها من
أصلها ،و طرحها أكشف للبس و أشفى للنفس .
فصل
اللتزام عند ذكر النب بالواجب من توقيه و تعظيمه
و ما يب على التكلم فيما يوز على النب صلى ال عليه و سلم و ما ل يوز ،و الذاكر من حالته ما
قدمناه ف الفصل قبل هذا على طريق الذاكرة و التعليم ـ أن يلتزم ف كلمه ـ عند ذكره صلى ال
عليه و سلم ،و ذكر تلك الحوال ـ الواجب من توقيه و تعظيمه ،و يراقب حال لسانه ،و ل
يهمله ،و تظهر عليه علمات الدب عند ذكره ،فإذا ذكر ما قاساه من الشدائد ظهر عليه الشفاق و
الرتاض ،و الغيط على عدوه ،و مودة الفداء للنب صلى ال عليه و سلم لو قدر عليه ،و النصرة له
لو أمكنته .
و إذا أخذ ف أبواب العصمة ،و تكلم على ماري أعماله و أقواله صلى ال عليه و سلم ترى أحسن [
] 258اللفظ و أدب العبارة ما أمكنه ،و اجتنب بشيع ذلك ،و هجر من العبارة ما يقبح ،كلفظة
الهل و الكذب و العصية ،فإذا تكلم ف القوال قال :هل يوز عليه اللف ف القول و الخبار
بلف ما وقع سهوا أو غلطا ،و نوه من العبارة ،و يتجنب لفظة الكذب جلةً واحدةً .
و إذا تكلم على العلم قال :هل يوز أل يعلم إل ما علم ؟ و هل يكن أل يكون عنده علم من بعض
الشياء حت يوح ى إليه ،و ل يقول يهل ،لقبح اللفظ و بشاعته .
و إذا تكلم ف الفعال قال :هل يوز منه الخالفة ف بعض الوامر و النواهي و مواقعة بعض الصغائر ؟
فهو أول و آدب من قوله :هل يوز أن يعصي أو يذنب أو يفعل كذا و كذا ،من أنواع العاصي ؟
فهذا من حق توقيه صلى ال عليه و سلم ،و ما يب له من تعزيز و إعظام .
و قد رأيت بعض العلماء ل يتحفظ من هذا ،فقبح منه ،و ل أستصوب عبارته فيه .
و وجدت بعض الائرين قوله لجل ترك تفظه ف العبارة ما ل يقله ،و شنع عليه با يأباه ،و يكفر
قائله .
و إذا كان مثل هذا بي الناس مستعملً ف آدابم و حسن معاشرتم و خطابم ،فاستعماله ف حقه
صلى ال عليه و سلم أوجب ،و التزامه آكد .
فجودة العبارة تقبح الشيء أو تسنه ،و تريرها و تذيبها تعظم المر أو تونه ،و لذا قال صلى ال
عليه و سلم :إن من البيان لسحرا .
فأما ما أورده على جهة النفي عنه و التنيه فل حرج ف تسريح العبارة و تصريها فيه ،كقوله :ل
يوز عليه الكذب جلةً ،و ل إتيان الكبائر بوجه ،و ل الور ف الكم على حال ،و لكن مع هذا
يب ظهور توقيه و تعظيمه عند ذكره مردا ،فكيف عند ذك ر مثل هذا .
و قد كان السلف تظهر عليهم حالت شديدة عند مرد ذكره ،كما قدمناه ف القسم الثان .
و قد كان بعضهم يلتزم مثل ذلك عند تلوة آي من القرآن ،حكى ال تعال فيها مقال عداه ،و من
كفر بآياته ،و افترى عليه الكذب ،فكان يفض با صوته إعظاما لربه ،و إجللً له ،و إشفاقا من
التشبه بن كفر به .
الباب الثان
قال القاضي أبو الفضل :يريد ـ و ال أعلم :لن سبه ل يكن بكلمة تقتضي الكفر ،و لكن بعن
الزراء و الستخفاف ،أو لن بتوبته و إظهار إنابته ارتفع عنه اسم الكفر ظاهرا ،و ال أعلم
بسريرته ،و بقي حكم السب عليه .
[ و قال أبو عمران القابسي :من سب النب صلى ال عليه و سلم ،ث ارتد عن السلم قتل و ل م
يستتب ،لن السب من حقوق الدميي الت ل تسقط عن الرتد ] .و كلم شيوخنا هؤلء مبن على
القول بقتله ،حدا ل كفرا ،و هو يتاج إل تفصيل .
و أما على رواية الوليد بن مسلم عن مالك وافقه على ذلك من ذكرناه و قال به من أهل العلم ـ فقد
صرحوا أنه ردة ،قالوا :و يستتاب منها ،فإن تاب نكل ،و إن أب قتل ،فحكم له بكم الرتد مطلقا
ف هذا الوجه .
و الوجه الول أشهر و أظهر لا قدمناه ،و نن نبسط الكلم فيه ،فنقول [ : ] 260
من ل يره رده فهو يوجب القتل فيه حدا ،و إنا نقول ذلك مع فصلي :إما مع إنكاره ما شهد به عليه
،و إظهاره القلع و التوبة عنه ،فنقتله حدا لثبات كلمة الكفر عليه ف حق النب صلى ال عليه و سلم
،و تقيه ما عظم ال من حقه ،و أجرينا حكمه ف ميائه ،و غي ذلك حكم الزنديق إذا ظهر عليه و
أنكر أو تاب .
فإن قيل :فكيف تثبتون عليه الكفر ،و يشهد عليه [ بكلمة الكفر ] و ل تكمون عليه بكمه من
الستتابة و توابعها !
قلنا :نن و إن أثبتنا له حكم الكافر فل نقطع عليه بذلك ،لقراره بالتوحيد و النبوة ،و إنكاره ما
شهد به عليه ،أو زعمه أن ذلك كان منه وهلً و معص يةً ،و أنه مقلع عن ذلك نادم عليه ،و ل يتنع
إثبات بعض أحكام الكفر على بعض الشخاص و إن ل تثبت له خصائصه ،كقتل الصلة .
و أما من علم أنه سبه معتقدا استحلله فل شك ف كفره بذلك .
و كذلك إن كان سبه ف نفسه كفر ،كتكذيبه أو تكفيه و نوه ،فهذا ما ل إشكال فيه ،و يقتل و
إن تاب منه ،لنا ل نقبل توبته ،و نقتله بعد التوبة حدا ،لقوله ،و متقدم كفره ،و أرمه بعد إل ال
الطلع على صحة إقلعه ،العال بسره .
و كذلك من ل يظهر التوبة ،و اعتراف با شهد به عليه ،و صمم عليه ـ فهذا كافر بقوله و
باستحلله .هتك حرمة ال و حرمة نبيه صلى ال عليه و سلم يقتل كافرا بل خلف .
فعلى هذه التفصيلت خذ كلم العلماء ،و نزل متلف عباراتم ف الحتجاج عليها ،و أجر اختلفهم
ف الوارثة و غيها على ترتيبها تتضح لك مقاصدهم إن شاء ال تعال .
فصل
استتابة الساب و الشات كالستتابة للمرتد
إذا قلنا بالستتابة حيث تصح فالختلف فيها على الختلف ف توبة الرتد ،إذ ل فرق .
و قد اختلف السلف ف وجوبا و صورتا و مدتا ،فذهب جهور أهل العلم إل أن الرتد يستتاب .
و حكى ابن القصار أنه إجاع من الصحابة على تصويب قول عمر ف الستتابة ،و ل ينكره واحد
منهم ،و هو قول عثمان ،و علي ،و ابن مسعود ،و به قال عطاء بن أب رباح ،و النخعي ،و
الثوري ،و مالك ،و أصحابه ،و الوزاعي ،و الشافعي ،و أحد ،و إسحاق ،و أصحاب الرأي .
و ذهب طاوس ،ممد بن السن ،و عبيد بن عمي ،و السن ف إحدى الروايتي عنه ـ أنه ل
يستتاب ،و قاله عبد العزيز بن أب سلمة ،و ذكره عن معاذ ،و أنكره سحنون عن معاذ ،و حكاه
الطحاوي عن أب يوسف ،و هو قول أهل الظاهر ،قالوا :و تنفعه توبته عند ال ،و لكن ل ندرأ
القتل عنه ،لقوله صلى ال عليه و سلم ،من بدل دينه فاقتلوه .
و حكي أيضا عن عطاء :إن كان من ولد ف السلم ل يستتب ،و يستتاب السلمي .
و جهور العلماء على أن الرتد و الر تدة ف ذلك سواء .
و روي عن علي رضي ال عنه :ل تقل الرتدة ،و تسترق ،و قاله عطاء ،و قتادة .
و روي عن ابن عباس :ل تقتل النساء ف الردة ،و به قال أبو حنيفة .
قال مالك :و الر و العبد و الذكر و النثى ف ذلك سواء .
و أما مدتا فمذهب المهور ،و روي عن عمر ،أنه يستتاب ثلثة أيام يبس فيها ،و قد [ ] 261
اختلف فيه عن عمر ،و هو أحد قول الشافعي ،و قول أحد ،و إسحاق ،و استحسنه مالك ،و قال
:ل يأت الستظهار إل بي ،و ليس عليه جاعة الناس ..
قال الشيخ أبو ممد بن أب زيد :يريد ف الستثناء ثلثا .
و قال مالك أيضا :أخذ به ف الرتد قول عمر :يبس ثلثة أيام ،و يعرض عليه كل يوم ،فإن تاب و
إل قتل .
و قال أبو السن بن القصار ف تأخيه ثلثا روايتان عن مالك :هل ذلك واجب أو مستحب ؟ و
استحسن الستتابة و الستيناء ثلثا أصحاب الرأي .
و روي عن أب بكر الصديق أنه استتاب امرأة فلم تتب فقتلها ،و قاله الشافعي مرة ،فقال :إن ل يتب
قتل مكانه .و استحسنه الزن .
و قال الزهري :يدعى إل السلم ثلث مر ات ،فإن أب قتل .
و روي عن علي رضي ال عنه :يستتاب شهرين .و قال النخعي :يستتاب أبدا ،و به أخذ الثوري ما
رجيت توبته .و حكى ابن القصار عن أب حنيفة ـ أنه يستتاب ثلث مرات ف ثلثة أيام أو ثلث
جع كل يوم أو جعة مرة .
و ف كتاب ممد ،عن القاسم :يدعى الرتد إل السلم ثلث مرات ،فإن أب ضربت عنقه .
و اختلف على هذا هل يهدد أو يشدد عليه أيام الستتابة ليتوب أم ل ؟ فقال مالك :ما علمت ف
الستتابة تويعا و ل تعطشا ،و يؤتى من الطعام با ل يضره .
و قال أصبغ :يوف أيام الستتابة بالقتل ،و يعرض عليه السلم .
و ف كتاب أب السن الطابثي :يوعظ ف تلك اليام ،و يذكر بالنة ،و يوف بالنار .
قال أصبغ :و أي الواضع حبس فيها من السجون مع الناس أو وحده إذا استوثق منه سواء ،و يوقف
ماله إذا خيف أن يتلفه على السلمي ،و يطعم منه ،و يسقى .
و كذلك يستتاب كلما رجع و ارتد أبدا ،و قد استتاب رسول ال صلى ال عليه و سلم نبهان الذي
ارتد أربع مرات أو خسا .
و قال ابن وهب ،عن مالك :يستتاب أبدا كلما رجع ،و هو قول الشافعي ،و أحد ،و قاله ابن
القاسم .
و قال إسحاق :يقتل ف الرابعة .
و قال أصحاب الرأي :إن ل يتب ف الرابعة قتل دون استتابة ،و إن تاب ضرب ضربا وجيعا ،و ل
يرج من السجن حت يظهر عليه خشوع التوبة .
قال ابن النذر :و ل نعلم أحدا أوجب على الرتد ف الرة الول أدبا إذا رجع .و هو على مذهب
مالك و الشافعي و الكوف .
فصل
ف حكم من ل تتم الشهادة عليه ..
هذا حكم من ثبت عليه ذلك با يب ثبوته من إقرار أو عدول ل يدفع فيهم ،فأما من ل تتم الشهادة
عليه با شهد عليه الواحد أو اللفيف من الناس ،أو ثبت قوله لكن احتمل و ل يكن صريا .
و كذلك إن تاب على القول بقبول توبته فهذا يدرأ عنه القتل ،و يتسلط عليه اجتهاد المام بقدر شهرة
حاله ،و قوة الشهادة عليه ،و ضعفها ،و كثرة السماع عنه ،و صورة حاله من التهمة ف الدين و
النب بالسفه و الجون ،فمن قوي أمره أذاقه من شديد النكال من التضيق ف السجن ،و الشد ف القيود
إل الغاية الت [ ] 262هي منتهى طاقته لا ل ينعه القيام لضرورته ،و ل يقعده عن صلته ،و هو
حكم كل من وجب عليه القتل ،لكن وقف عن قتله لعن أوجبه ،و تربص به لشكال و عائق اقتضاه
أمره ،و حالت الشدة ف نكاله تتلف بسب اختلف حاله .
و قد روى الوليد عن مالك و الوزاعي أنا ردة ،فإذا تاب نكل .
و لالك ف العتبية و كتاب ممد ،من رواية أشهب :إذا تاب الرتد فل عقوبة عليه و قاله سحنون .
و أفت أبو عبد ال بن عتاب فيمن سب النب صلى ال عليه و سلم ،فشهد عليه شاهدان ع دل أحدها
ـ بالدب الوجع و التنكيل و السجن الطويل حت تظهر توبته .
و قال القابسي ف مثل هذا :و من كان أقصى أمره القتل فعاق عائق أشكل ف القتل ل ينبع أن يطلق
من السجن ،و يستطال سجنه ،و لو كان فيه من الدة ما عسى أن يقيم ،و يمل عليه من القيد ما
يطيق .
و قال ف مثله من أشكل أمره :يشد ف القيود شدا ، ،و يضيق عليه ف السجن حت ينظر فيما يب
عليه .
و قال ف مسألة أخرى مثلها :و ل تراق الدماء إل بالمر الواضح ،و ف الدب بالسوط و السجن
نكال للسفهاء ،و يعاقب عقوبة شديدة ،فأما إن ل يشهد عليه سوى شاهدين ،و أثبت من عداوتما
أو جرحتهما ما أسقطهما عنه ،و ل يسمع ذلك من غيها فأمره أخف لسقوط الكم عنه ،و كأنه ل
يشهد عليه ،إل أن يكون ما ل يليق به ذلك ،و يكون الشاهدان من أهل التبيز فأسقطهما بعداوة ،
فهو و إن ل ينفذ الكم عليه بشهادتما فل يدفع الظن صدقهما ،و للحاكم هنا ف تنكيله موضع
اجتهاد .
و ال ول الرشاد .
فصل
حكم الذمي إذا صرح بسبه ،أو عرض ..
هذا حكم السلم ،فأما الذمي إذا صرح بسبه أو عرض ،أو استخف بقدره ،
أو وصفه بغي الوجه الذي ،كفر به ـ فل خلف عندنا ف قتله إن ل يسلم ،لنا ل نعطه الذمة أو
العهد على هذا ،و هو قول عامة الفقهاء ،إل أبا حنيفة و الثوري و أتباعهما من أهل الكوفة ،فإنم
قالوا :ل يقتل ،ما هو عليه من الشرك أعظم ،و لكن يؤدب و يعزز .
و استدل بعض شيوخنا على قتله بقوله تعال :وإن نكثوا أيانم من بعد عهدهم وطعنوا ف دينكم
فقاتلوا أئمة الكفر إنم ل أيان لم لعلهم ينتهون [ سورة التوبة ، 9/الية . ]12 :
و يستدل عليه أيضا بقتل النب صلى ال عليه و سلم ل بن الشرف و أشباهه ،و لنا ل نعاهدهم ،و
ل نعطهم الذمة على هذا ،و ل يوز لنا أن نفعل ذلك معهم ،فإذا أتوا ما ل يعطوا عليه العهد و ل
الذمة فقد نقضوا ذمتهم ،و صاروا كفارا يقتلون لكفرهم .
و أيضا فإن ذمتهم ل تسقط حدود السلم عنهم ،من القطع ف سرقة أموالم ،و القتل لن قتلوه منهم
،و إن كان ذلك حل ًل عندهم فكذلك سبهم النب صلى ال عليه و سلم يقتلون به .
و وردت لصحابنا ظ واهر تقتضي اللف إذا ذكره الذمي بالوجه الذي كفر به ،ستقف عليها من
كلم ابن القاسم و ابن سحنون بعد .
[ ] 263و حكى أبو العصب اللف فيها عن أصحابه الدنيي .و اختلفوا إذا سبه ث أسلم ،فقيل :
يسقط إسلمه قتله ،لن السلم يب ما قبله ،بلف السلم إذا سبه ث تاب ،لن نعلم باطنه الكافر
ف بغضه له ،و تنقصه بقلبه ،لكنا منعناه من إظهاره ،فلم يزدنا ما أظهره إل مالفة للمر ،و نقض
للعهد ،فإذا رجع عن دينه الول إل السلم سقط ما قبله ،قال ال تعال :قل للذين كفروا إن ينتهوا
يغفر لم ما قد سلف [ سورة النفال ، 8/الية . ] 38 :
و السلم بلفه ،إذا كان ظننا يباطنه حكم ظاهره ،و خلف ما بدا منه الن ،فلم نقبل بعد رجوعه ،
و ل استنمنا إل باطنه ،إذ قد بدت سرائره ،و ما ثبت عليه من الحكام باقية عليه ل يسقطها شيء .
و قيل :ل يسقط إسلم الذمي الساب قتله ،لنه حق النب صلى ال عليه و سلم وجب عليه ،لنتهاكه
حرمته ،و قصده إلاق النقيصة و العرة به ،فلم يكن رجوعه إل السلم بالذي يسقطه ،كما وجب
عليه من حقوق السلمي من قبل إسلمه منقتل و قذف ،و إذا كنا ل نقبل توبة السلم فإنا ل نقبل توبة
الكافر أول .
و قال مالك ف كتاب ابن حبيب و البسوط ،و ابن القاسم ،و ابن الاجشون ،و ابن عبد الكم ،و
أصبغ ـ فيمن شتم نبينا من أهل الذمة أو أحدا من النبياء عليهم السلم قتل إل أن يسلم ،و قاله ابن
القاسم ف العتبية ،و عند ممد ،و ابن سحنون .
و قال سحنون و أصبغ :ل يقال له أسلم ،و ل ل تسلم ،و لكن إن أسلم فذلك له توبة .
و ف كتاب ممد :أخبنا أصحاب مالك أنه قال :منسب رسول ال صلى ال عليه و سلم أو غيه من
النبياء من مسلم أو كافر قتل و ل يستتب .
و روي لنا عن مالك :إل أن يسلم الكافر .
و قد روى ابن وهب ،عن ابن عمر ـ أن راهبا تناول النب صلى ال عليه و سلم ! فقال ابن عمر :
فهلً قتلتموه ! .
و روى عيسى عن ابن القاسم ف ذمي قال :إن ممدا ل يرسل إلينا ،إنا أرسل إليكم ،و إنا نبينا
موسى أو عيسى ،و نو هذا :ل شيء عليهم ،لن ال تعال أقرهم على مثله .
و أما إن سبه فقال :ليس بنب ،أو ل يرسل ،أو ل ينل عليه القرآن ،و إنا شيء تقوله أو نو هذا
فيق تل .
و قال ابن القاسم :و إذا قال النصران :ديننا خي من دينكم ،و إنا دينكم دين المي ،و نو هذا من
القبيح أو سع الؤذن يقول :أشهد أن ممدا رسول ال ،
فقال :كذلك يعطيكم ال ،ففي هذا الدب الوجع و السجن الطويل .
قال :و أما إن شتم النب صلى ال عليه و سلم وسلم شتما يعرف فإنه يقتل إل أن يسلم ،قاله مالك
غي مرة ،و ل يقل يستتاب .
قال ابن القاسم :و ممل قوله عندي إن أسلم طائعا .
و قال ابن سحنون ف سؤالت سليمان بن سال ف اليهودي يقول للمؤذن ،إذا تشهد :كذبت ـ
يعاقب العقوبة الوجعة مع السجن الطويل .
و ف النوادر من رواية سحنون عنه :من شتم النبياء من اليهود و النصارى بغي الوجه الذي به كفروا
ضربت عنقه إل أن يسلم .
قال ممد بن سحنون :فإن قيل :ل قتلته ف سب النب صلى ال عليه و سلم و من دينه سبه و
تكذيبه ؟ قيل :لنا ل نعطهم [ ] 264العهد على ذلك ،و ل على قتلنا ،و أخذ أموالنا ،فإذا قتل
واحد منا قتلناه ،و إن كان من دينه استحلله ،فكذلك إظهاره لسب نبينا صلى ال عليه و سلم .
قال سحنون :كما لو بذل لنا أهل الرب الزية ع ل اقرارهم على سبه ل يز لنا ذلك ف قول قائل .
و كذلك ينتقص عهد من سب منهم ،و يل لنا دمه فكما ل يصن السلم من سبه من القتل كذلك
ل تصنه الذمة .
قال القاضي أبو الفضل :ما ذكره ابن سحنون عن نفسه و عن أبيه مالف لقول ابن القاسم فيما خفف
عقوبتهم فيه ما به كفروا ،فتأمله .
و يدل على أنه خلف ما روي عن الدنيي ف ذلك ،فحكى أبو الصعب الزهري ،قال :أتيت
بنصران قال :و الذي اصطفى عيسى على ممد ،فاختلف على فيه ،فضربته حت قتلته ،أو عاش يوما
و ليلة ،و أمرت من جر برجله ،و طرح على مزبلة ،فأكلته الكلب .
و سئل أبو الصعب عن نصران قال :عيسى خلق ممدا .فقال :يقتل .
و قال ابن القاسم :سألنا مالكا عن نصران بصر شهد عليه أنه قال :مسكي ممد ،يبك أنه ف النة
،ماله ل ينفع نفسه ! إذ كانت الكلب تأكل ساقيه ،لو قتلوه استراح منه الناس .
قال مالك :أرى أن تضرب عنقه .
قال و لقد كدت أل أتكلم فيها بشيء ،ث رأيت أنه ل يسعن الصمت .
قال ابن كنانة ف البسوطة :من شتم النب صلى ال عليه و سلم من اليهود و النصارى فأرى للمام أ ن
يرقه بالنار ،و إن شاء قتله ث حرق جثته ،و إن شاء أحرقه بالنار حيا إذا تافتوا ف سبه .
و قد كتب إل مالك من مصر ـ مسألة ابن قاسم التقدمة ،قال :فأمرن مالك ،فكتبت بأن يقتل ،و
أن يضرب عنقه ،فكتبت ،ث قلت :يا أبا عبد ال ،و أكتب :ث يرق بالنار ؟ فقال كان إنه لقيق
بذلك ،و ما أوله به .
فكتبته بيدي بي يديه ،فما أنكره و ل عابه ،و نفذت الصحيفة بذلك فقتل و حرق .
و أفت عبيد ال ابن يي و ابن لبابة ف جاعة سلف أصحابنا الندلسيي بقتل نصرانية استهلت بنفي
الربوبية و بنوة عيسى ال ،و بتكذيب ممد ف النبوة ،و بقبول إسلمها و درأ القتل عنها به .
و به قال غي واحد من التأخرين منهم القابسي ،و ابن الكتاب .
و قال أبو القاسم بن اللب ف كتابه :من سب ال ورسوله من مسلم أو كافر قتل و ل يستتاب .
و حكى القاضي أبو ممد ف الذمي يسب ـ روايتي ف درء القتل عنه بإسلمه .
و قال ابن سحنون :و حد القذف و شبهه من حقوق العباد ل يسقطه عن الذمي إسلمه ،و إنا
يسقط عنه بإسلمه حدود ال .
فأما حد القذف فحق للعباد ،كان ذلك لنب أو غيه ،فأوجب على الذمي إذا قذف النب صلى ال
عليه و سلم ث أسلم حد القذف .
و لكن انظر ماذا يب عليه ؟ هل حد القذف ف حق النب صلى ال عليه و سلم ،و هو القتل لزيادة
حرمة النب صلى ال عليه و سلم على غيه ،أم هل يسقط القتل بإسلمه ،و يد ثاني ؟ فتأمله .
فصل
من مياث من قتل بسبب النب ،و غسله ،و الصلة عليه
اختلف العلماء ف مياث من قتل بسبب النب صلى ال عليه و سلم ،فذهب سحنون إل أنه لماعة
السلمي من قبل أن شتم النب صلى ال عليه و سلم كفر يشبه كفر الزندقة .
ل به
و قال أصبغ :مياثه لورثته من السلمي إن كان مستسرا بذلك ،و إن كان مظهرا له مسته ً
فمياثه للمسلمي ،و يقتل على كل حال و ل يستتاب .
و قال أبو السن القابسي :إن قتل و هو منكر للشهادة عليه فالكم ف مياثه على ما أظهره من إقراره
ـ يعن لورثته ،و القتل حد ثبت عليه ليس من الياث ف شيء .
و كذلك لو أقر بالسب و أظهر التوبة لقتل ،إذ هو حده .و حكمه ف مياثه ،و سائر أحكامه حكم
السلم .
و لو أقر بالسب ،و تادى عليه ،و أب التوبة منه ،فقتل على ذلك كان كافرا ،و مياثه للمسلمي ،
و ل يغتسل و ل يصلى عليه ،و ل يكفن و تستر عورته ،و يوارى كما يفعل بالكفار .
و قول الشيخ أب السن ف الجاهرالتمادي بي ل يكن اللف فيه ،لنه كافر مرتد غي تائب مقلع .
و هو مثل قول أصبغ ،و كذلك ف كتاب ابن سحنون ف الزنديق يتمادى على قوله .
و مثله لبن القاسم ف العتبية و لماعة من أصحاب مالك ف كتاب ابن حبيب فيمن أعلن كفره مثله .
قال ابن القاسم :و حكمه حكم الرتد ل يرثه ورثته من السلمي ،و ل من أهل الدين الذي ارتد
إليه ،و ل توز وصاياه و ل عتقه ،و قاله أصبغ ،قتل على ذلك أو مات عليه .
و قال أبو ممد بن أب زيد :و إنا يتلف ف مياث الزنديق الذي يستهل بالتوبة ،فل تقبل منه ،فأما
التمادي فل خلف أنه ل يورث .
و قال أبو ممد فيمن سب ال تعال ث مات و ل تعدل عليه بينة ،أو ل تقبل :إنه يصلى عليه .
و روى أصبغ عن ابن القاسم ف كتاب ابن حبيب فيمن كذب برسول ال صلى ال عليه و سلم ،و
أعلن دينا ما يفارق به السلم ـ أن مياثه للمسلمي .
و قال بقول مالك :إن مياث الرتد للمسلمي ،و ل ترثه ورثته ـ ربيعة ،و الشافعي ،و أبو ثور ،و
ابن أب ليلى ،و اختلف فيه عن أحد .
و قال علي بن أب طالب رضي ال عنه ،و ابن مسعود ،و ابن السيب ،و السن ،و الشعب ،و عمر
بن عبد العزيز ،و الكم ،و الوزاعي ،و الليث ،و إسحاق ،و أبو حنيفة ـ ترثه ورثته من
السلمي .
و قيل ذلك فيما كسبه قبل ارتداده ،و ما يكسبه ف الرتداد فللمسلمي .
قال القاضي أبو الفضل :و تفصيل أب السن ف باقي جوابه حسن بي ،و هو على رأي أصبغ ،و
خلف قول سحنون ،و اختلفهما على قول مالك ف مياث الزنديق ،فمرة ورثه ورثته من السلمي
قامت بذلك بينة فأنكرها ،أو اعترف بذلك و أظهر التوبة .
و قاله أصبغ ،و ممد بن مسلمة ،و غي واحد من أصحابه ،لنه مظهر للسلم بإنكاره أو توبته ،و
حكمه حكم النافقي الذين كانوا على عهد رسول ال صلى ال عليه و سلم .
و روى ابن نافع عنه ف العتبية ،و كتاب ممد ـ أن مياثه لماعة السلمي ،لن ماله تبع لدمه .
و قال به أيضا جاعة من أصحابه ،و قاله أشهب ،و الغية ،و عبد اللك ،و ممد ،و سحنون .
و ذهب [ ] 266ابن القاسم ف العتبية إل أنه إن اعترف با شهد عليه به و تاب فقتل فل يورث .و
إن ل يقر حت قتل أو مات ورث .
قال :و كذلك كل من أسر كفرا فإنم يتوارثون بوراثة السلم .
و سئل أبو القاسم ابن الكا تب عن النصران يسب النب صلى ال عليه و سلم فيقتل ،هل يرثه أهل دينه
أم السلمون ؟
فأجاب بأنه للمسلمي ليس على جهة الياث ،لنه ل توارث بي أهل ملتي ،و لكن لنه من فيئهم ،
لنقضه العهد ،و هذا معن قوله و اختصاره .
الباب الثالث
فصل
حكم من أضاف إل ال تعال ما ل يليق به
و أما من أضاف إل ال تعال ما ل يليق به ليس على طريق السب و ل الردة و قصد الكفر ،و لكن
على طريق التأويل و الجتهاد و الطأ الفضي إل الوى و البدعة ،من تشبيه أو نعت بارحة أو نفي
صفة كمال ،فهذا ما اختلف السلف ،و اللف ف تكفي قائله و معتقده .
و اختلف قول مالك و أصحابه ف ذلك ،و ل يتلفوا ف قتالم إذا تيزوا فئةً ،و أنم يستتابون ،فإن
تابوا و إل قتلوا و إنا اختلفوا ف النفرد منهم ،و أكثر قول مالك و أصحابه ترك القول بتكفيهم ،و
ترك قتلهم ،و البالغة ف عقوبتهم ،و إطالة سجنهم ،حت يظهر إقلعهم ،و تستبي توبتهم ،كما
فعل عمر رضي ال عنه بصبيغ .
و هذا قول ممد بن الواز ف الوارج و عبد اللك بن الاجشون ،و قول سحنون ف جيع أهل
الهواء ،و به فسر قول مالك ف الوطأ ،و ما رواه عن عمر بن عبد العزيز و جده و عمه ،من قولم
ف القدرية يستتابون ،فإن تابوا و إل قتلوا .
و قال عيسى عن ابن القاسم ـ ف أهل الواء من الباضية و القدرية و شبههم من خالف الماعة من
أهل البدع و التحريف ،لتأويل كتاب ال :يستتابون أظهروا ذلك أو أسروه .فإن تابوا إل قتلوا ،و
مياثهم لورثتهم .
و قال مثله أيضا ابن القاسم ف كتاب ممد ف أهل القدر و غيهم ،قال :و استتابتهم أن يقال لم :
اتركوا ما أنتم عليه .
و مثله له ف البسوط ف الباضية و القدرية و سائر أهل البدع ،قال :و هم مسلمون ،و إنا قتلوا
لرأيهم السوء ،و بذا عمل عمر بن عبد العزيز .
قال ابن القاسم :من قال :إن ال ل يكلم موس تكليما استتيب ،فإن تاب و إل قتل .
و ابن حبيب و غيه من أصحابنا يرى تكفيهم و تكفي أمثالم من الوارج و القدرية و الرجئة .
و قد روي أيضا عن سحنون مثله فيمن قال :ليس ل كلم ،إنه كافر .
و اختلفت الروايات عن مالك ،فاطلق ف رواية الشاميي :أب مسهر ،و مروان ابن ممد الطاطري
الكفر عليهم ،و قد شوور ف زواج القدري ،فقال :ل تزوجه ،قال ال تعال :ولعبد مؤمن خي من
مشرك ولو أعجبكم [ سورة البقرة ، 2 /الية . ] 221 :
و قال :من وصف شيئا من ذات ال تعال ،و أشار إل شيء من جسده :يد ،أو سع ،أو بصر ،
قطع ذلك منه ،لنه شبه ال بنفسه .
و قال فيمن قال :ا لقرآن ملوق ـ كافر فاقتلوه .
و قال أيضا ـ ف رواية ابن نافع ـ يلد ،و يوجع ،ضربا ،و يبس حت يتوب .
و ف رواية بشر بن بكر التنيسي عنه :يقتل و ل تقبل توبته .
قال القاضي أبو عبد ال البنكان ،و القاضي أبو عبد ال التستري من أئمة العراقيي :جوابه متلف ،
يقتل الستبصر الداعية .
و على هذا اللف اختلف قوله ف إعادة الصلة خلفهم .
و حكى ابن النذر ،عن الشافعي :ل [ ] 268يستتاب القدري .
و أكثر أقوال السلف تكفيهم ،و من قال به الليث ،و ابن عيينة و ابن ليعة ،و روي عنهم ذلك
فيمن قال بلق القرآن ،و قاله ابن البارك ،و الودي ،و وكيع ،و حفص بن غياث ،و أبو إسحاق
الفزاري ،و هشيم ،و علي بن عاصم ف آخرين ،و هو من قول أكثر الحدثي و الفقهاء و التكلمي
فيهم و ف الوارج و القدرية و أهل الهواء الضلة و أصحاب البدع التأولي ،و هو قول أحد بن
حنبل ،و كذلك قالوا ف الواقفة و الشاكة ف هذه الصول .
و من روي عن معن القول الخر بترك تكفيهم علي بن أب طالب ،و ابن عمر ،و السن البصري ،
و هو رأي جاعة من الفقهاء و النظار و التكلمي ،و احتجوا بتو ريث الصحابة و التابعي ورثة أهل
حروراء ،و من عرف بالقدر من مات منهم ،و دفنهم ف مقابر السلمي ،و جري أحكام السلم
عليهم .
قال إساعيل القاضي :و إنا قال مالك ف القدرية و سائر أهل البدع :يستتابون ،فإن تابوا و إل
قتلوا ،لنه من الفساد ف الرض ،كما قال ف الحارب :إن رأى المام قتله ،و إن ل يقتل ،قتله ،
و فساد الحارب إنا هو ف الموال و مصال الدنيا ،و إن كان قد يدخل أيضا ف أمر الدين من سبيل
الج و الهاد ،و فساد أهل البدع معظمه على الدين ،و قد يدخل ف أمر الدنيا با يلقون بي السلمي
من العداوة .
فصل
ف تقيق القول ف إكفار التأولي
قد ذكرنا مذاهب السلف ف إكفار أهل البدع و الهواء التأولي من قال قو ًل يؤديه مساقه إل كفر ،و
هو إذا وقف عليه ل يقول با يؤديه قوله إليه .
و على اختلفهم اختلف الفقهاء و التكلمون ف ذلك ،فمنهم من صوب التكفي الذي قال به المهور
من السلف ،و منهم من أباه و ل ير إخراجهم من سواد الؤمني ،و هو قول أكثر الفقهاء و
التكلمي ،و قالوا :هم فساق عصاة ضلل ،و نوارثهم من السلمي ،و نكم لم بأحكامهم ،و
لذا قال سحنون :ل إعادة على من صلى خلفهم ،قال :و هو قول جيع أصحاب مالك [ كلهم ] :
الغية ،و ابن كنانة ،و أشهب ،قال :لنه مسلم ،و ذنبه ل يرجه من السلم .
و اضطرب آخرون ف ذلك ،و وقفوا على القول بالتكفي وضده .و اختلف قول مالك ف ذلك ،و
توقفه عن إعادة الصلة خلفهم منه و إل نو من هذا ذهب القاضي أبو بكر إمام أهل التحقيق و الق ،
و قال :إنا من العوصات ،إذا القوم ل يصرحوا بالكفر ،و إنا قالوا قولً يؤدي إليه .
و اضطرب قوله ف السألة على نو اضطراب قول إمامه مالك بن أنس حت قال ف بعض كلمه :إن
هم على رأي من كفرهم بالتأويل ل تل مناكحتهم ،و ل أكل ذبائحهم ،و ل الصلة على ميتهم .
و يتلف ف موارثتهم على اللف ف مياث الرتد .
و قال أيضا :نورث ميتهم ورثتهم من السلمي ،و ل نورثهم هم من السلمي ،و أكثر ميله إل تركه
التكفي بالآل ،و كذلك اضطراب فيه قول شيخه أب السن الشعري ،و أكثر قوله ترك التكفي ،و
أن الكفر خصلة واحدة ،و هو الهل [ ] 269بوجود الباري تعال .
و قال مرةً :من اعتقد أن ال جسم ،أو السيح ،أو بعض من يلقاه ف الطرق ،فليس بعارف به و هو
كافر .
و لثل هذا ذهب أبو العال رحه ال ف أجوبته لب ممد عبد الق ،و كان سأله عن السالة ،و اعتذر
له بأن الغلط فيها يصعب ،لن إدخال كافر ف اللة ،أو إخراج مسلم عنها عظيم ف الدين .
و قال غيها من الحققي :الذي يب الحتراز من التكفي ف أهل التأويل ،فإن استبحاة الوحدين
خطأ ،و الطأ ف ترك ألف كافر أهون من الطأ ف سفك مجمة من دم مسلم واحد .
و قد قال صلى ال عليه و سلم :فإذا قالوها ـ يعن الشهادة ـ عصموا من دماءهم و أموالم إل
بقها ،و حسابم على ال .
فالعصمة مقطوع با من الش هادة ،و ل ترتفع و يستباح خلفها إل بقاطع ،و ل قاطع من شرع و ل
قياس عليه .
و ألفاظ الحاديث الواردة ف الباب معرضة للتأويل ،فما جاء منها ف التصريح بكفر القدرية ،و قوله
:ل سهم لم ف السلم ،و تسميته الرافضة بالشرك ،و إطلق اللعنة عليهم ،و كذلك ف الوارج و
غيهم من أهل الهواء ،فقد يتج با من يقول بالتفكي ،و قد ييب الخر عنها بأنه قد ورد ف
الديث مثل هذه اللفاظ ف غي الكفرة على طريق التغليط ،و كفر دون كفر ،و إشراك دون إشراك
.
و قد ورد مثله ف الرياء و عقوق الوالدين ،و الزوج ،و الزور ،و غي معصية .
و إذا كان متملً للمرين فل يقطع على أحدها إل بدليل قاطع .
و قوله ف الوارج :هم من شر البية ،و هذه صفة الكفار .
و قال :شر قبيل تت أدي السماء ،طوب لن قتلهم أو قتلوه .
و قال :فإذا وجدتوهم فاقتلوهم قتل عاد .
فظاهر هذا الكفر ل سيما مع تشبيههم بعاد ،فيحتج به من يرى تكفيهم ،فيقول له الخر :إنا ذلك
من قتلهم لروجهم على السلمي و بغيهم عليهم ،بدليل من الديث نفسه :يقتلون أهل السلم ،
فقتلهم ها هنا حد ل كفر .
و ذكر عاد تشبيه للقتل و حله ل للمقتول ،و ليس كل من حكم بقتله يكم بكفره .و يعارضه بقول
خالد ف الديث :دعن أضرب عنقه يا رسول ال .فقال :لعله يصلي .
فإن احتجوا بقوله صلى ال عليه و سلم :يقروؤن القرآن ل ياوز حناجرهم ـ فأخب أن اليان ل
يدخل قلوبم .
و كذلك قوله :يرقون من الدين مروق السهم من الرمية ،ث ل يعودون إليه حق يعود السهم على فوقه
.
و بقوله :سبق الفرث و الدم يدل على أنه ل يتعلق من السلم بشيء .
أجابه الخرون :إن معن ل ياوز حناجرهم :ل بفهمون معانيه بقلوبم ،و ل تنشرح له صدورهم ،
و ل تعمل به جوارحهم ،و عارضوهم بقوله ،و يتمارى ف الفوق .
و هذا يقتضي التشكك ف حاله .
و احتجوا بقول أب سعيد الدري ف هذا الديث :سعت رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول :
يرج ف هذه المة ـ و ل يقل :من هذه [ ، ] 270و ترير أب سعيد الرواية ،و إتقانه اللفظ .
أجابم الخرون بأن العبارة :ف ل تقتضي تصريا بكونم من غي المة ،بلف لفظة من الت هي
للتبعيض .و كونم من المة مع أنه قد روي عن أب ذر ،و علي ،و أب أمامة و غيهم ف هذا
الديث :يرج من أمت و سيكون من أمت ،و حروف العان مشتركة ،فل تعويل على إخراجهم من
المة ب [ ف ] ،و ل على إدخالم فيها ب [ من ] ،لكن أبا سعيد رضي ال عنه أجاد ما شاء ف
التنبيه الذي نبه عليه .و هذا ما يدل على سعة فقه الصحابة و تقيقهم للمعان و استنباطها من
اللفاظ ،و تريرهم لا ،و توقيهم ف الرواية هذه الذاهب العروفة لهل السنة .
و لغيهم من الفرق فيها مقالت كثية مضطربة سخيفة ،أقر با قول جهم و ممد بن شبيب :إن
الكفر بال الهل به ،ل يكفر أحد بغي ذلك .
و قال أبو الذيل :إن كل متأول كان تأويله تشبيها ل بلقه ،و تويرا له ف فعله ،و تكذيبا لبه
فهو كافر .
و كل من أثبت شيئا قديا ل يقال له ال فهو كافر .
و قال بعض التكلمي :إن كان من عرف الصل و بن عليه ،و كان فيما هو من أوصاف ال فهو
كافر ،و إن ل يكن من هذا الباب ففاسق ،إل أن يكون من ل يعرف الصل فهو مطئ غي كافر .
و ذهب عبيد ال بن السن العنبي إل تصويب أقوال الجتهدين ف أصول الدين فيما كان عرضه
للتأويل ،و فارق ف ذلك فرق المة ،إذ أجعوا سواه على أن الق ف أصول الدين ف واحد ،و
الخطئ فيه آث عاص فاسق .و إنا اللف ف تكفيه .
و قد حكى القاضي أبو بكر الباقلن مثل قول عبيد ال عن داود الصبهان ،
قال :و حكى قوم عنهما أنما قال ذلك ف كل من علم ال سبحانه من حاله استفراغ الوسع ف طلب
الق من أهل ملتنا أو من غيهم .
و قال نو هذا القول الاحظ ،و ثامة ،ف أن كثيا من العامة و النساء و البله و مقلدة النصارى و
اليهود و غيهم ل حجة ل عليهم ،إذ ل تكن لم طباع يكن معها الستدلل .
و قد نا الغزال من هذا النحى ف كتاب التفرقة .
و قائل هذا كله كافر بالجاع على كفر من ل يكفر أحدا من النصارى و اليهود و كل من فارق دين
السلمي ،أو وقف ف تكفيهم ،أو شك .
قال القاضي أبو بكر :لن التوقيف و الجاع على كفرهم ،فمن وقف ف ذلك فقد كذب النص ،و
التوقيف ،أو شك فيه .و التكذيب أو الشك فيه ل يقع إل من كافر .
فصل
ف بيان ما هو من القالت كفر ،و ما يتوقف أو يتلف فيه ،و ما ليس بكفر
اعلم أن تقيق هذا الفصل و كشف اللبس فيه مورده الشرع ،و ل مال للعقل فيه ،و الفصل البي ف
هذا أن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة أحد غي ال ،أو مع ال ـ فهو كفر ،
كمقالة الدهرية ،و سائر فرق أصحاب الثني من الديصانية أو الانوية و أشباههم من الصائبي و
النصارى و الجوس [ ، ] 271و الذين أشركوا بعبادة الوثان أو اللئكة ،أو الشياطي ،أو
الشمس ،أو النجوم أو النار أو أحد غي ال من مشركي العرب ،و أهل الند و الصي و السودان و
غيهم من ل يرجع إل كتاب .
و كذلك القرامطة و أصحاب اللول و التناسخ من الباطنية و الطيارة من الرافضة و الناحية و البيانية و
الغرابية .
و كذلك من اعترف بإللية ال و وحدانيته ،و لكنه اعتقد أنه غي حي أو غي قدي ،و أنه مدث أو
مصور ،أو ادعى له ولدا أو صاحبة أو والدا ،أو أنه متولد من شيء أو كائن عنه ،أو أن معه ف
الزل شيئا قديا غيه ،أو أن ث صانعا للعال سواه ،أو مدبرا غيه ،فذلك كله كفر بإجاع
السلمي ،كقول الليي من الفلسفة و ا لنجمي و الطبائعيي .و كذلك من ادعى مالسة ال ،و
العروج إليه ،و مكالته ،أو حلوله ف أحد الشخاص ،كقول بعض التصوفة و الباطنية ،و النصارى ،
و القرامطة .
و كذلك نقطع على كفر من قال بقدم العال ،أو بقائه ،أو شك ف ذلك على مذهب بعض الفلسفة
و الدهرية ،أو قال بتناسخ الرواح و انتقالا أبد الباد ف الشخاص ،و تعذيبها أو تنعيمها فيها بسب
زكائها و خبثها .و كذلك من اعترف باللية و الوحدانية ،و لكنه جحد النبوة من أصلها عموما ،أو
نبوة نبينا صلى ال عليه و سلم خصوصا ،أو أحد من النبياء الذين نص ال عليهم بعد علمه بذلك ،
فهو كافر بل ريب ،كالباهة ،و معظم اليهود و الروسية من النصارى ،و الغرابية من الروافض
الزاعمي أن عليا كان البعوث إليه جبيل ،و كالعطلة و القرامطة و الساعيلية و العنبية من الرافضة ،
و إن كان بعض هؤلء قد أشركوا ف كفر آخر مع من قبلهم .
و كذلك من دان بالوحدانية و صحة النبوة ،و نبوة نبينا صلى ال عليه و سلم ،و لكن جوز على
النبياء الكذب فيما أتوا به ،ادعى ف ذلك الصلحة بزعمه أو ل يدعها فهو كافر بإجاع ،كالتفلسفي
،و بعض الباطنية ،و ا لروافض ،و غلة التصوفة ،و أصحاب الباحة ،فإن هؤلء زعموا أن ظواهر
الشرع ،و أكثر ما جاءت به الرسل من الخبار عما كان و يكون من أمور الخرة و الشر و القيامة ،
و النة و النار ،ليس منها شيء على مقتضى لفظها و مفهوم خطابا ،و إنا خاطبوا با اللق على
جهة الصلحة لم ،إذ ل يكنهم التصريح لقصور أفهامهم ،فمضمن مقالتم إبطال الشرائع ،و تعطيل
الوامر و النواهي ،و تكذيب الرسل ،و الرتياب فيما أتوا به .
و كذلك من أضاف إل نبينا صلى ال عليه و سلم تعمد الكذب فيما بلغه و أخب به ،أو شك ف
صدقه ،أو سبه ،أو قال :إنه ل يبلغ ،أواستخف به ،أو بأحد من النبياء ،أو أزرى عليهم ،أو
آذاهم ،أو قتل نبيا ،أو حاربه ،فهو كافر بإجاع .
و كذلك نكفر من ذهب مذهب القدماء ف أن ف كل جنس من اليوان نذيرا أو نبيا من القردة و
النازير و الدواب و الدود .و يتج بقوله تعال :وإن من أمة إل خل فيها نذير .إذ ذلك يؤدي إل أن
يوصف أنبياء هذه الجناس بصفاتم الذمومة .و فيه من الزراء على هذا النصب [ ] 272النيف ما
فيه ،مع إجاع السلمي على خلفه ،وتكذيب قائله .
وكذلك نكفر من ا عترف من الصول الصحيحة با تقدم ،و بنبوة نبينا صلى ال عليه و سلم ،و لكن
قال :كان أسود ،أو مات قبل أن يلتحي ،و ليس الذي كان بكة و الجاز ،أو ليس بقرشي ،لن
وصفه بغي صفاته العلومة نفي له و تكذيب به .
وكذلك من ادعى نبوة أحد مع نبينا صلى ال عليه و سلم أو بعده ،كالعيسوية من اليهود القائلي
بتخصيص رسالته إل العرب ،و كالرمية القائلي بتواتر الرسل ،وكأكثر الرافضة القائلي بشاركة
علي ف الرسالة للنب صلى ال عليه و سلم و بعده ،وكذلك كل إمام عند هؤلء يقوم مقامه ف النبوة و
الجة ،و كالبزيعية و البيانية منهم القائلي بنيوة بزيع و بيان و أشباه هؤلء .أو من ادعى النبوة
لنفسه ،أو جوز اكتسابا و البلوغ بصفاء القلب إل مرتبتها ،كالفلسفة و غلة التصوفة .
و كذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه و إن ل يدع النبوة ،أو أنه يصعد إل السماء و يدخل إل
النة ،و يأكل من ثارها ،و يعانق الور العي ،فهؤلء كلهم كفار مكذبون للنب صلى ال عليه و
سلم ،لنه أخب النب صلى ال عليه و سلم أنه خات النبيي ،ل نب بعده .و أخب عن ال تعال أنه خات
النبيي ،و أنه أرسل كافة للناس .
و أجعت المة على حل هذا الكلم على ظاهره ،و أن مفهومه الراد منه دون تأويل و ل تصيص ،
فل شك ف كفر هؤلء الطوائف كلها قطعا إجاعا و سعا .
و كذلك وقع الجاع على تكفي كل من دافع نص الكتاب ،أو خص حديثا ممعا على نقله مقطوعا
به ،ممعا على حله على ظاهره ،كتكفي الوارج بإبطال الرجم ،و لذا نكفر من دان بغيملة
السلمي من اللل ،أو وقف فيهم ،أو شك ،أو صحح مذهبهم ،و إن أظهر مع ذلك السلم ،و
اعتقده ،و اعتقد إبطال كل مذهب سواه ،فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلف ذلك .
و كذلك نقطع بتكفي كل قائل قال قو ًل يتوصل به إل تضليل المة و تكفي جيع الصحابة ،كقول
الكميلية من الرافضة بتكفي جيع المة بعد النب صلى ال عليه و سلم ،إذ ل تقدم عليا .و كفرت
عليا ،إذ ل يتقدم و يطلب حقه ف التقدي ،فهؤلء قد كفروا من وجوه ،لنم أبطلوا الشريعة بأسرها
،إذ قد انقطع نقلها و نقل القرآن ،إذ ناقلوه كفرة على زعمهم ،و إل هذا ـ و ال أعلم ـ أشار
مالك ف أحد قوليه بقتل من كفر الصحابة .
ث كفروامن وجه آخر بسبهم النب صلى ال عليه و سلم على مقتضى قولم و زعمهم أنه عهد إل علي
رضي ال عنه و هو يعلم انه يكفر بعده على قولم ،لعنة ال عليهم ،و صلى ال على رسوله و آله .
و كذلك نكفر بكل فعل أجع السلمون أنه ل يصدر من كافر و إن كان صاحبه مصرحا بالسلم مع
فعله ذلك الفعل ،كالسجود للصنم ،و للشمس و القمر ،و الصليب و النار ،و السعي إل الكنائس و
البيع مع أهلها بزيهم :من شد الزناني ،و فحص الرؤوس ،فقد أجع السلمون أن هذا [ الفعل ] ل
يوجد [ ] 273إل من كافر ،و أن هذه الفعال علمة على الكفر و إن صرح فاعلها بالسلم .
و كذلك أجع السلمون على تكفي كل من استحل القتل أو شرب المر أو الزنا ما حرم ال بعد علمه
بتحريه ،كأصحاب الباحة من القرامطة و بعض غلة التصوفة .
و كذلك نقطع بتكفي كل من كذب و أنكر قاعدة من قواعد الشرع ،و ما عرف يقينا بالنقل التواتر
من فعل الرسول ،و وقع الجاع التصل عليه ،كمن أنكر وجوب المس الصلوات أو عدد ركعاتا و
سجداتا ،و يقول :إنا أوجب ال علينا ف كتابه الصلة على الملة ،و كونا خسا ،و على هذه
الصفات و الشروط ل أعلمه ،إذ ل يرد فيه ف القرآن نص جلي ،و الب به عن الرسول صلى ال عليه
و سلم خب و احد .
و كذلك أجع السلمون على تكفي من قال من الوارج :إن الصلة طرف النهار ،و على تكفي
الباطنية ف قولم :إن الفرائض أساء رجال أمروا بوليتهم ،و البائث و الحارم أساء رجال أمروا
بالباء منهم .
و قول بعض التصوفة :إن العبادة و طول الجاهدة إذا صفت نفوسهم أفضت بم إل إسقاطها و إباحة
كل شيء لم ،و رفع عهد الشرائع عنهم .
و كذلك إن أنكر منكر مكة ،أو البيت ،أو السجد الرام ،أو صفة الج ،أو قال :الج واجب ف
القرآن ،و استقبال القبلة كذلك ،و لكن كونه على هذه اليئة التعارفة ،أن تلك البقعة هي مكة و
البيت و السجد الرام ،ل أدري هي تلك أو غيها ،و لعل الناقلي أن النب صلى ال عليه و سلم
فسرها بذه التفاسي غلطوا و وهوا ،فهذا و مثله ل مرية ف تكفيه إن كان من يظن به علم ذلك ،و
من يالط السلمي [ ،و امتدت صحبته لم ،إل أن يكون حديث عهد بإسلم ،فيقال له :سبيلك أن
تسأل عن هذا الذي ل تعلمه بعد كافة السلمي ] ،فل تد بينهم خلفا ،كافة ًعن كافة ،إل
معاصري الرسول صلى ال عليه و سلم ـ أن هذه المور كما قيل لك ،و أن تلك البقعة هي مكة و
البيت الذي فيها هو الكعبة ،و القبلة الت صلى لا الرسول صلى ال عليه و سلم و السلمون ،و حجوا
إليها ،و طافوا با ،و ان تلك الفعال هي صفة عبادة الج ،و الراد به ،و هي الت فعلها النب صلى
ال عليه و سلم و السلمون ،و أن صفات الصلةالذكورة هي الت فعل النب صلى ال عليه و سلم ،و
شرح مراد ال بذلك ،و أبان حدودها ،فيقع لك العلم كما وقع لم ،و ل ترتاب بذلك بعد ،و
الرتاب ف ذلك ،أو النكر بعد البحث و صحبة السلمي كافر باتفاق ،ل يعذر بقوله :ل أدري ،و
ل يصدق فيه ،بل ظاهره التستر عن التكذيب ،إذ ل يكن أنه ل يدري .
و أيضا فإنه إذا جوز على جيع المة الوهم و الغلط فيما نقلوه من ذلك ،و أجعوا أنه قول الرسول و
فعله و تفسي مراد ال به ـ أدخل السترابة ف جيع الشريعة ،إذ هم الناقلون لا و للقرآن ،و انلت
عرا الدين كرةً ،و من قال هذا كافر .
و كذلك من أنكرالقرآن ،أو حرفا منه ،او غيه شيئا منه ،أو زاد فيه ،كفعل الباطنية و الساعيلي ،
أو زعم أنه ليس بجة للنب صلى ال عليه و سلم [ ، ] 274أو ليس فيه حجة و ل معجزة ،كقول
هشام الفوطي ،و معمر الضمري :إنه ل يدل على ال ،و ل حجة فيه لرسوله ،و ل يدل على ثواب
و ل عقاب ،و ل حكم ،و ل مالة ف كفرها بذلك القول .
و كذلك تكفيها بإنكارها أن يكون ف سائر معجزات النب صلى ال عليه و سلم حجة له ،أو ف
خلق السموات و الرض دليل على ال ،لخالفتهم الجاع و النقل التواتر عن النب صلى ال عليه و
سلم باحتجاجه بذا كله و تصريح القرآن به .
و كذلك من أنكر شيئا ما نص فيه القرآن ـ بعد علمه ـ أنه من القرآن الذي ف أيدي الناس و
مصاحف السلمي ،و ل يكن جاهلً به ،و ل قريب عهد بالسلم ،و احتج لنكاره إما بأنه ل يصح
النقل عنده ،و ل بلغه العلم به ،أو لتجويزه الوهم على ناقليه ،فنكفره بالطريقي التقدمي ،لنه
مكذب [ للقرآن ،مكذب ] للنب صلى ال عليه و سلم ،لكنه تستر بدعواه .
و كذلك من أنكر النة أو النار ،أو البعث أو الساب أو القيامة فهو كافر بإجاع للنص عليه ،و
إجاع المة على صحة نقله متواترا ،و كذلك من اعتراف بذلك ،و لكنه قال :إن الراد بالنة و النار
،و الشر و النشر ،و الثواب و العقاب ـ معن غي ظاهره ،و إنا لذات روحانية ،و معان باطنة ،
كقول النصارى و الفلسفة و الباطنية و بعض التصوفة ،و زعمهم أن معن القيامة الوت أو فناء
مض ،و انتقاض هيئة الفلك ،و تليل العال ،كقول بعض الفلسفة .
و كذلك نقطع بتكفي غلة الرافضة ف قولم :إن الئمة أفضل من النبياء .
فأما من أنكر ما عرف بالتواتر من الخبار و السي و البلد الت ل ترجع إل إبطال شريعة ،و ل تفضي
إل إنكار قاعدة من الدين ،كإنكار غزوة تبوك أو مؤتة ،أو وجود أب بكر و عمر ،أو قتل عثمان ،و
خلفة علي ،ما علم بالنقل ضرورة ،و ليس ف إنكاره جحد شريعة ،فل سبيل إل تكفيه بحد ذلك
،و إنكاره وقوع العلم له ،إذ ليس ف ذلك أكثر من الباهتة ،كإنكار هشام و عباد وقعة المل ،و
ماربة علي من خالفه .
فأما إن ضعف ذلك من أجل تمة الناقلي ،و وهم السلمي أجع ،فنكفره بذلك لسريانه إل إبطال
الشريعة .
فأما من أنكر الجاع الجرد الذي ليس طريقه النقل التواتر عن الشارع فأكثر التكلمي من الفقهاء و
النظار ف هذا الباب قالوا بتكفيكل من خالف الجاع الصحيح الامع لشروط الجاع التفق عليه
عموما .
و حجتهم قوله تعال :ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبي له الدى ويتبع غي سبيل الؤمني نوله ما
تول ونص له جهنم وساءت مصيا [ سورة النساء ، 4 /الية . ] 115 :
و قوله صلى ال عليه و سلم :من خالف الماعة قيد شب فقد خلع ربقة السلم من عنقه .و حكوا
الجاع على تكفي من خالف الجاع .
و ذهب آخرون إل الوقوف عن القطع بتكفي من خالف الجاع [ الذي يتص بنقله العلماء .
و ذهب آخرون إل التوقف ف تكفي من خالف الجاع ] الكائن عن نظر ،كتكفي النظام بإنكاره
الجاع ،لنه بقوله هذا مالف إجاع السلف على احتجاجهم به ،خارق للجاع .
قال القاضي أبو بكر :القول عندي أن الكفر بال هو الهل بوجوده ،و اليان بال [ ] 275هو
العلم بوجوده ،و أنه ل يكفر أحد بقول و ل رأي إل أن يكون هو الهل بال ،فإن عص بقول أو
فعل نص ال و رسوله ،أو أجع السلمون ،أنه ل يوجد إل من كافر ،أو يقوم دليل على ذلك ،فقد
كفر ،ليس لجل قوله أو فعله ،لكن لا يقارنه من الكفر ،فالكفر بال ل يكون إل بأحد ثلثة أمور :
أحدها الهل بال تعال .و الثان أن يأت فعلً أو يقول قولً يب ال و رسوله ،أو يمع السلمون ،أن
ذلك ل يكون إل من كافر ،كالسجود للصنم ،و الشي إل الكنائس بالتزام الزنار مع أصحابا ف
أعيادهم ،أو أن يكون ذلك القول أو الفعل ل يكن معه العلم بال تعال .
قال :فهذان الضربان ،وإن ل يكونا جهلً بال فهما علم أن فاعلهما كافر منسلخ من اليان ،فأما
من نفى صفة من صفات ال تعال الذاتية ،أو جحدها مستبصرا ف ذلك ،كقوله :ليس بعال ول قادر
ول مريد ول متكلم ،وشبه ذلط من صفات الكمال الواجبة له تعال ،فقد نص أئمتنا على الجاع
على كفر من نفى عنه تعال الوصف با ،وأعراه عنها .
وعلى هذا حل قول سحنون :من قال :ليس ل كلم ،فهو كافر ،و هو ل يكفر التأولي كما
قدمناه .
فأما من جهل صفة من هذه الصفات فاختلف العلماء ها هنا ،فكفره بعضهم ،وحكي ذلك عن أب
جعفر الطبي و غيه ،و قال به أبو السن الشعري مرة .
و ذهبت طائفة إل أن هذا ل يرجه عن اسم اليان ،و إليه رجع الشعري ،قال :لنه ل يعتقد ذلك
اعتقادا يقطع بصوابه ،ويراه دينا وشرعا وإنا نكفر من اعتقد أن مقاله حق .
واحتج هؤلء بديث السوداء ،وأن النب صلى ال عليه و سلم إنا طلب منها التوحيد ل غي ،وبديث
القائل :لئن قدر ال علي ـ وف رواية فيه :لعلي أضل ال
.ث قال :فغفر ال له .
قالوا :ولو بوحث أكثر الناس عن الصفات وكوشفوا عنها لا وجد من يعلمها إل القل .
وقد أجاب الخر عن هذا الديث بوجوه ،منها أن قدر بعن قدر ،ول يكون شكه ف القدرة على
إحيائه ،بل ف نفس البعث الذي ل يعلم إل بشرع ،و لعله ورد عندهم به شرع يقطع عليه ،فيكون
الشك به حينئذ فيه كفرا .
فأما ما ل يرد شرع فهو من موزات العقول ،أو يكون قدر بعن ضيق ،و يكون ما فعله إزراء عليها و
غضبا لعصيانا .
و قيل :قال ما قاله و هو غي عاقل لكلمه و ل ضابط للفظه ما استول عليه من الزع والشية الت
أذهبت لبه ،فلم يؤاخذ به .
[ و قيل :كان هذا ف زمن الفترة ،و حيث ينفع مرد التوحيد ] .
و قيل :بل هذا من ماز كلم العرب الذي صورته الشك ،و معناه التحقيق ،و هو يسمى تاهل
العارف ،و له أمثلة ف كلمهم ،كقوله تعال :لعله يتذكر أو يشى .و قوله :وإنا أو إياكم لعلى
هدى أو ف ضلل مبي [ سورة سبأ ، 34 /الية . ] 24 :
فأما من أثبت الوصف و نفى الصفة فقال :أقول عال و لكن ل علم له ،و متكلم و لكن ل كلم له .
و هكذا ف سائر الصفات على مذهب العتزل ة [ : ] 276فمن قال بالآل لا يؤديه إليه قوله ،و
يسوقه إليه مذهبه ـ كفره ،لنه إذا نفى العلم انتفى وصف عال ،إذ ل يوصف بعال إل من له علم
فكأنم صرحوا عنده با أدى إليه قوله لم .و هكذا عند هذا سائر فرق أهل التأويل من الشبهة و
القدرية و غيهم .
و من ل ير أخذهم بآل قولم ،و ل ألزمهم موجب مذهبهم ،ل ير إكفارهم ،قال :لنم إذا وقفوا
على هذا قالوا :ل نقول ليس بعال ،و نن ننتفي من القول بالآل الذي ألزمتوه لنا ،و نعتقد نن و
أنتم أنه كفر ،بل نقول :إن قولنا ل يؤول إليه على ما أصلناه .
فعلى هذين الأخذين اختلف الناس ف إكفار أهل التأويل ،و إذا فهمته اتضح لك الوجب لختلف
الناس ف ذلك .
و الصواب ترك إكفارهم و العراض عن التم عليهم بالسران و إجراء حكم السلم عليهم ف
قصاصهم و وراثاتم ،و مناكحاتم ،و دياتم ،و الصلة عليهم ،و دفنهم ف مقابر السلمي ،و
سائر معاملتم ،لكنهم يغلط عليهم بوجيع الدب ،و شديد الزجر و الجر ،حت يرجعوا عن بدعتهم
.
و هذه كانت سية الصدر الول فيهم ،فقد كان نشأ على زمان الصحابة و بعدهم ف التابعي من قال
بذه القوال من القد ر و رأى الوارج و العتزال ،فما أزاحو لم قبا ،و ل قطعوا لحد منهم مياثا
،لكنهم هجروهم و أدبوهم بالضرب و النفي و القتل على قدر أحوالم ،لنه فساق ضلل عصاة
أصحاب كبائر عند الحققي و أهل السنة من ل يقل بكفرهم منهم خلفا لن رأى غي ذلك .و ال
الوفق للصواب .قال القاضي أبو بكر و أما مسائل الوعد و الوعيد ،و الرؤية و الخلوق ،و خلق
الفعال ،و بقاء العراض ،و التولد و شبهها من الدقائق ـ فالنع ف إكفار التأولي فيها أوضح ،إذ
ليس ف الهل بشيء منها جهل بال تعال ،و ل أجع السلمون على إكفار من جهل شيئا منها .
و قد قدمنا ف الفصل قبله من الكلم و صورة اللف ف هذا ما أغن عن إعادته بول ال تعال .
فصل
ف حكم الساب إذا كان ذميا
هذا حكم السلم الساب ل تعال .و أما الذمي فروي عن عبد ال بن عمر ف ذمي تناول من حرمه ال
تعال غي ما هو عليه من دينه ،و حاج فيه ،فخرج ابن عمر عليه بالسيف فطلبه فهرب .
و قال مالك ف كتاب ابن حبيب و البسوطة و ابن القاسم ف البسوط ،و كتاب ممد و ابن سحنون :
من شتم ال من اليهود و النصارى بغي الوجه الذي به كفروا قتل و ل يستتب .
قال ابن القاسم :إل أن يسلم .قال ف البسوطة :طوعا .
قال أصبغ :لن الوجه الذي به كفروا هو دينهم ،و عليه عوهدوا من دعوى الصاحبة و الشريك و
الولد .
و أما غي هذا من الفرية و الشتم فلم يعاهدوا عليه ،فهو نقض للعهد .
قال ابن القاسم ف كتاب ممد :و من شتم من غي أهل الديان ال تعال بغي الوجه الذي ذكر ف
كتابه قتل إل أن يسلم .
و قال الخزومي ف البسوطة ،و ممد بن سلمة ،و ابن أب حازم :ل يقتل حت يستتاب مسلما كان
أو كافرا ،فإن تاب و إل قتل [ . ] 277
و قال مطرف و عبد اللك مثل قول مالك .
و قال أبو ممد بن أب زي د :من سب ال تعال بغي الوجه الذي به كفر قتل إل أن يسلم .
و قد ذكرنا قول ابن اللب قبل ،و ذكرنا قول عبيد ال ،و ابن لبابة ،و شيوخ الندلسيي ف
النصرانية و فتياهم بقتلها لسبها ،بالوجه الذي كفرت به ،ل و للنب ،و إجاعهم على ذلك ،و هو
نو القول الخر فيمن سب النب صلى ال عليه و سلم منهم بالوجه الذي كفر به ،و ل فرق ف ذلك
بي سب ال و سب نبيه ،لنا عاهدناهم على أل يظهروا لنا شيئا من كفرهم ،و أل يسمعونا شيئا من
ذلك ،فمت فعلوا شيئا منه فهو نقض لعهدهم .
و اختلف العلماء ف الذمي إذا تزندق ،فقال مالك ،و مطرف ،وابن عبد الكم ،و أصيغ :ل
يقتل ،لنه خرج من كفر إل كفر .
و قال عبد الل بن الاجشون :يقتل لنه دين ل يقر عليه أحد ،و ل تؤخذ عليه جزية .
فصل
ف مفترى الكذب على ال تبارك و تعال بادعاء اللية
هذا حكم من صرح بسبه و إضافة ما ل يليق بلله و إلهيته ،فأما مفتري الكذب عليه تبارك و تعال
بادعاء اللهية أو الرسالة أو الناف أن يكون ال خالقه أو ربه ،أو قال :ليس رب ،أو التكلم با ل
يعقل من ذلك ف سكره أو غمرة جنونه فل خلف ف كفر قائل ذلك و مدعيه مع سلمة عقله كما
قدمنا ،لكنه تقبل توبته على الشهور ،و تنفعه إنابته ،و تنجيه من القتل فيئته ،لكنه ل يسلم من عظيم
النكال ،و ل يرفه عن شديد العقاب ،ليكون ذلك زجرا لثله عن قوله ،و له عن العودة لكفره أو
جهله ،إل من تكرر منه ذلك ،و عرف استهانته با أتى به ،فهو دليل على سوء طويته ،و كذب
توبته ،و صار كالزنديق الذي ل نأمن باطنه ،و ل نقبل رجوعه .و حكم السكران ف ذلك حكم
الصاحي .
و أما الجنون و العتوه فما علم أنه قاله من ذلك ف حال غمرته و ذهاب ميزه بالكلية فل نظر فيه ،و
ما فعله من ذلك ف حال ميزه و إن ل يكن معه عقله و سقط تكليفه أدب على ذلك لينجر عنه ،كما
يؤدب على قبائح الفعال ،و يوال أدبه على ذلك حت يكف عنه ،كما تؤدب البهيمة على سوء اللق
حت تراض .
و قد حرق علي بن أب طالب رضي ال عنه من ادعى له اللية ،و قد قتل عبد اللك بن مروان الارث
التنب و صلبه ،و فعل ذلك غي واحد من اللفاء و اللوك بأشباههم .
و أجع علماء و قتهم على صواب فعلهم ،و الخالف ف ذلك من كفرهم كافر .
و أجع فقهاء بغداد أيام القتدر من الالكية و قاضي قضاتا أبو عمر الالكي على قتل اللج و صلبه ،
لدعواه اللية ،و القول باللول ،و قوله :أن الق ،مع تسكه ف الظاهر بالشريعة ،و ل يقبلوا توبته
.
و كذلك حكموا ف ابن أب الغراقيد ،و كان على نو مذهب اللج بعد هذا أيام الراضي بال ،و
قاضي قضاة بغداد يومئذ أبو السي بن أب عمر [ ] 278الالكي .
و قال ابن عبد الكم ف البسوط :من تنبأ قتل .
و قال أبو حنيفة و أصحابه :من حجد أن ال تعال خالقه أو ربه ،أو قال :ليس ل رب ،فهو مرتد .
و قال ابن القاسم ف كتاب ابن حبيب ،و ممد ف العتيبة فيمن تنبأ يستتاب أسر ذلك أو أعلنه ،و هو
كالرتد .
و قال سحنون و غيه ،و قاله أشهب ف يهودي تنبأ ،و ادعى أنه رسول إلينا إن كان معلنا بذلك
استتيب ،فإن تاب و إل ا قتل .
و قال أبو ممد بن أب زيد فيمن لعن بارئه ،و ادعى أن لسانه زل ،و إنا أراد لعن الشيطان ـ يقتل
بكفره ،و ل يقبل عذره .
و هذا على القول الخر من أنه ل تقبل توبته .
و قال أبو السن القابسي ف سكران ،قال :أنا ال ،أنا ال ،إن تاب أدب ،فإن عاد إل مثل قوله
طولب مطالبة الزنديق ،لن هذا كفر التلعبي .
فصل
فيمن تكلم بسقط القول و سخف اللفظ ،من ل يضبط كلمه
و أما من تكلم من سقط القول و سخف اللفظ من ل يضبط كلمه و أهل لسانه با يقتضي
الستخاف بعظمة ربه و جللة موله ،أو تثل ف بعض الشياء ببعض ما عظم ال من ملكوته ،أو
نزع من الكلم لخلوق با ل يليق إل ف حق خالقه غي قاصد للكفر و الستخفاف ،و ل عامد
لللاد ،فإن تكرر هذا منه ،وعرف به ،دل على تلعبه بدينه ،و استخفافه برمة ربه ،و جهله
بعظيم عزته و كبيائه ،و هذا كفر ل مرية فيه .
و كذلك إن كان ما أورده يوجب الستخفاف و التنقص لربه .
و قد أفت ابن حبيب و أصبغ بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل العروف بابن أخي عجب ،و كان خرج
يوما ،فأخذه الطر ،بدأ الراز يرش جلوده .
و كان بعض الفقهاء با :أبو زيد صاحب الثمانية ،و عبد العلى بن وهب ،و أبان بن عيسى ،قد
توقفوا عن سفك دمه ،و أشاروا إل أنه عبث من القول يكفي فيه الدب .
و أفت بثله القاضي حينئذ موسى بن زياد ،فقال ابن حبيب :دمه ف عنقي ،أيشتم رب عبدناه ،ث ل
ننتصر له ،إنا إذا لعبيد سوء ،و ما نن له بعابدين ،و بكى و رفع الجلس إل المي با عبد الرح من
بن الكم الموي .
و كان عجب عمة هذا الطلوب من حظاياه ،و أعلم باختلف الفقهاء ،فخرج الذن من عنده بالخذ
بقول ابن حبيب و صاحبه ،و أمر بقتله ،فقتل و صلب بضرة الفقهي ،و عزل القاضي لتهمته
بالداهنة ف هذه القصة ،و وبخ بقية الفقهاء و سبهم .
و أما من صدرت عنه من ذلك النة الواحدة و الفلتة الشاردة ،ما ل تكن تنقصا و إزراء ـ فيعاقب
عليها و يؤدب بقدر مقتضاها و شنعة معناها ،و صورة حال قائلها ،و شرح سببها و مقارنا .
و قد سئل ابن القاسم رحه ال عن رجل نادى رجلً باسه ،فأجابه :لبيك ،اللهم لبيك .
قال :إن كان جاهلً ،أو قاله على وجه سفه فل شيء عليه .
قال :القاضي أبو الفضل :و شرح قوله أنه ل قتل عليه ،و الاهل يزجر و يعلم ،و السفيه يؤدب ،و
لو قالا على اعتقاد إنزاله منلة ربه لكفر [ . ] 279
هذا مقتضى قوله .
و قد أسرف كثي من سخفاء الشعراء و متهميهم ف هذا الباب ،و استخفوا عظيم هذه الرمة ،فأتوا
من ذلك با ننه كتابنا و لساننا و أقلمنا عن ذكره ،و لول أنا قصدنا نص مسائل حكيناها ما ذكرنا
شيئا ما يثقل ذكره علينا ما حكيناه ف هذه الفصول .
فأما ما ورد ف هذا من أهل الهالة و أغاليط اللسان ،كقوله بعض العراب :
رب العباد ما لنا و مالكا قد كنت تسقينا فما بدا لكا
أنزل علينا الغيث ل أبا لكا
ف أشباه لذا من كلم الهال .
و من ل يقومه ثقاف تأديب الشريعة و العلم ف هذا الباب ،فقل ما يصدر إل من جاهل يب تعليمه و
زجره و الغلط له عن العودة إل مثله .
قال أبو سليمان الطاب :و هذا تور من القول ، ،و ال منه عن هذه المور .
و قد روينا عن بن عبد ال أنه قال :ليعظم أحدكم ربه أن يذكر اسه ف كل شيء حت يقول :أخزي
ال الكلب ،و فعل به كذا و كذا .
قال :و كان بعض من أدركنا من مشاينا قل ما يذكر اسم ال تعال إل فيما يتصل بطاعته .و كان
يقول للنسان :جزيت خيا .و قل ما يقول :جزاك ال خيا ،إعظاما لسه تعال أن يتهن ف غيه
قربة .
و حدثنا الثقة أن المام أبا بكر الشاشي كان يعيب على أهل الكلم كثرة خوضهم فيه تعال و ف ذكر
صفاته ،إجللً لسه تعال و يقول :هؤلء يتمندلون بال عز و جل .
و ينل الكلم ف هذا الباب تنيله ف باب ساب النب صلى ال عليه و سلم على الوجوه الت فصلناها .
و ال الوفق .
فصل
ف حكم من سب سائر أنبياء ال تعال و ملئكته و استخف بم أو كذبم
و حكم من سب سائر أنبياء ال تعال و ملئكته ،و استخف بم أو كذبم فيما أتوا به ،أو أنكرهم و
جحدهم ،و حكم نبينا صلى ال عليه و سلم على مساق ما قدمناه ،قال ال تعال :إن الذين يكفرون
بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بي ال ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا
بي ذلك سبيل * أولئك هم الكافرون حقا [ سورة النساء ، 4 /اليتان . ] 151 ، 150 :
و قال تعال :قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل إل إبراهيم وإساعيل وإسحاق ويعقوب والسباط
وما أوت موسى وعيسى وما أوت النبيون من ربم ل نفرق بي أحد منهم ونن له مسلمون [ سورة
البقرة ، 2 /الية . ] 136 :
و قال :كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بي أحد من رسله [ سورة البقرة ، 2 /الية :
. ] 285
قال مالك ف كتاب ابن حبيب و ممد ،و قال ابن القاسم ،و ابن الاجشون و ابن عبد الكم و أصبغ
و سحنون فيمن شتم النبياء أو أحدا منهم أو تنقصه قتل و ل يستتب .و من سبهم من أهل الذمة قتل
إل أن يسلم .
و روى سحنون عن ابن القاسم :من سب النبياء من اليهود أو النصارى بغي الوجه الذي ب كفر
ضرب عنقه إل أن يسلم .
و قد تقدم اللف ف هذا الصل .
و قال القاضي بقرطبة سعيد ابن سليمان ف بعض أجوبته :من سب ال و ملئكته قتل .
و قال سحنون :من شتم ملكا من اللئكة فعليه القتل .
و ف النوادر عن مالك فيمن قال :إن جبيل أخطأ بالوحي ،و إنا كان النب علي بن أب طالب
استتيب ،فإن تاب و إل قتل .
و نوه عن سحنون [ . ] 280و هذا قول الغرابية من الروافض ،سوا بذلك لقولم :كان النب صلى
ال عليه و سلم أشبه بعلي من الغراب بالغراب .
و قال أبو حنيفة و أصحابه على أصلهم :من كذب بأحد من النبياء ،أو تنقص أحدا منهم ،أو برىء
منه فهو مرتد .
و قال أبو السن القابسي ف الذي قال لخر ،كأنه وجه مالك القضبان ،لو عرف أنه قصد ذم اللك
قتل .
قال القاضي أبو الفضل :و هذا كله فيمن تكلم فيهم با قلناه علىجملة اللئكة و النبيي ،أو على
معي من حققنا كونه من اللئكة و النبيي من نص ال عليه ف كتابه ،أو حققنا علمه بالب التواتر ،و
ال مشتهر التفق عليه بالجاع القاطع ،كجبيل ،و ميكائيل ،و مالك ،و خزنة النة ،و جهنم و
الزبانيه ،و حلةالعرش الذكورين ف القرآن من اللئكة ،و من سي فيه من النبياء ،و كعزرائيل ،و
إسرافيل ،و رضوان ،و الفظة ،و منكر و نكي من اللئكة التفق على قبول الب بما ،فأما من ل
تثبت الخبار بتعينه ،و ل وقع الجاع على كونه من اللئكة أو النبياء ،كهاروت و ماروت ف
اللئكة و الضر ،و لقمان ،و ذي القرني ،و مري ،و آسية ،و خالد ابن سنان الذكور أنه نب أهل
الرس ،و زرادشت الذي يدعي الجوس الؤرخون نبوته ،فليس الكم ف سابم و الكافر بم كالكم
فيمن قدمناه إذ ل تثبت لم تلك الرمة ،و لكن يزجر من تنقصهم وآذاهم ،و يؤدب بقدر حال
القول فيهم ،ل سيما من عرفت صديقيته و فضله منهم ،و إن ل تثبت نبوته .
و أما إنكار نبوتم أو كون الخر من اللئكة فإن كان التكلم ف ذلك من أهل العلم فل حرج ل
ختلف العلماء ف ذلك ،و إن كان من عوام الناس زجر عن الوض ف مثل هذا ،فإن عاد أدب ،إذ
ليس لم الكلم ف مثل هذا .
و قد كره السلف الكلم ف مثل هذا ما ليس تته عمل لهل العل م ،فكيف للعامة .
فصل
ف حكم من استخف بالقرآن أو الصحف أو بشيء فيه ،أو سبهما
اعلم أن من استخف بالقرآن أو الصحف أو بشيء منه ،أو سبهما ،أو جحده ،أو حرفا منه أو آية أو
كذب به أو بشيء منه ،أو كذب بشيء ما صرح به فيه من حكم أو خب ،أو أثبت ما نفاه أو نفى ما
أثبته على علم منه بذلك ،أو شك ف شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجاع ،قال ال تعال :
ل يأتيه الباطل من بي يديه ول من خلفه تنيل من حكيم حيد [ سورة فصلت ، 41/الية . ] 42 :
حدثنا الفقيه أبو الوليد هشام بن أحد رحه ال ،حدثنا أبو علي ،حدثنا ابن عبد الب ،حدثنا ابن عبد
الؤمن ،حدثنا ابن داسة ،حدثنا أبو داود ،حدثنا أحد بن حنبل حدثنا يزيد بن هارون ،حدثنا ممد
بن عمرو ،عن أب سلمة ،عن أب هريرة عن النب صلى ال عليه و سلم ،قال :الراء ف القرآن كفر ،
تؤول بعن الشك و بعن الدال و عن ابن عباس ،عن النب صلى ال عليه و سلم من جحد آية من
كتاب ال من السلمي فقد حل ضرب عنقه و كذلك إن جحد التوراة و النيل و كتب ال النلة ،أو
كفر با ،أو لعنها ،أو سبها ،أو استخف با فهو كافر .
و قد [ ] 281أجع الس لون أن القرآن التلو ف جبع أقطار الرض الكتوب ف الصحف بأيدي
السلمي ،ما جعه الدفتان من أول المد ل رب العالي إل آخر :قل أعوذ برب الناس أنه كلم ال و
وحيه النل على نبيه ممد صلى ال عليه و سلم ،و أن جيع ما فيه حق ،و أن من نقص منه حرفا
قاصدا لذلك ،أو بدله برف آخر مكانه ،أو زاد فيه حرفا ما ل يشتمل عليه الصحف الذي وقع
الجاع عليه ،و أجع على انه ليس من القرآن عامدا لكل هذا ـ أنه كافر .
و لذا رأى مالك قتل من سب عائشة رضي ال عنها بالفرية ،لنه خالف القرآن ،و من خالف القرآن
قتل ،لنه كذب با فيه .
و قال ابن القاسم كان منا إن ال تعال ل يكلم موسى تكليما يقتل ،و قاله عبد الرحن بن مهدي .
و قال ممد بن سحنون فيمن قال :العوذتان ليستا من كتاب ال يضرب عتقه إل أن يتوب .
و كذلك كل من كذب برف منه .قال :و كذلك إن شهد شاهد على من قال :إن ال ل يكلم
موسى تكليما ،و شهد آخر عليه أنه قال :إن ال ما اتذ إبراهيم خليلً ،لنما اجتمعا علىأنه كذب
النب صلى ال عليه و سلم .
و قال أبو عثمان بن الداد :جيع من ينت حل التوحيد متفقون أن الحد لرف من التنيل كفر .
و كان أبو العالية إذا قرأ عنده رجل ل يقل له ليس كما فرأت ،و يقول :أما أنا فأقرأ كذا ،فبلغ ذلك
إبراهيم ،فقال :أراه سع أنه من كفر برف منه فقد كفر به كله .
و قال أصبغ بن الفرج كان من كذب ببعض القرآن فقد كذب به كله ،و من كذب به فقد كفر به و
من كفر به فقد كفر با ال .
و قد سئل القابسي عمن خاصم يهوديا فحلف له بالتوراة ،فقال الخر لعن ال التوراة ،فشهد عليه
بذلك شاهد ،ث شهد آخر أنه سأله عن القضية فقال :إنا لعنت توراة اليهود ،فقال أبو السن :
الشاهد الواحد ل يوجب القتل ،و الثان علق المر بصفة تتمل التأويل ،إذ لعله ل يرى اليهود
متمسكي بشيء من عند ال لتبديلهم و تريفهم .
و لو اتفق الشاهدان على لعن التوراة مردا لضاق التأويل .
و قد اتفق فقهاء بغداد على استتابه ابن شنبوذ القريءأحد أئمة القرئي التصدرين با مع ابن ماهد ،
لقراءته و إقرائه بشواذ من الروف ما ليس ف الصحف ،و عقدوا عليه بالرجوع عنه و التوبة عنه
سجل أشهد فيه بذلك على نفسه ف ملس الوزير أب علي بن مقلة سنة ثلث و عشرين و ثلثائة ،و
ك ان فيمن أفت عليه بذلك أبو بكر البري و غيه .
و أفت أبو ممد بن أب زيد بالدب فيمن قال لصب :لعن ال معلمك و ما علمك .قال :أردت سوء
الدب ،و ل أرد القرآن .
قال أبو ممد :و أما من لعن الصحف فإنه يقتل .
فصل
ف حكم ساب آل بيت النب
و سب آل بيته و أزواجه و أصحابه صلى ال عليه و سلم و تنقصهم حرام ملعون فاعله .
حدثنا القاضي الشهيدأبو علي رحه ال ،حدثنا أبو السي [ ] 282الصيف و أبو الفضل العدل ،
حدثنا أبو يعلى ،حدثنا أبو علي السنجي ،حدثنا ابن مبوب ،حدثنا الترمذي ،حدثنا ممد بن يي ،
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ،حدثنا عبيدة بن أب رابطة ،عن عبد الرحن بن زياد ،عن عبد ال بن مغفل
،قال :قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :ال ،ال ف أصحاب ،قيل ل تتخذوهم غرضا بعدي ،
فمن أحبهم فبحب أحبهم ،و من أبغضهم فببغضي أبغضهم ،و من آذاهم فقد آذان ،و من آذان فقد
آذى ال ،و من آذى ال يوشك أن يأخذه .
و قال رسول ال صلى ال عليه و سلم :ل تسبوا أصحاب ،فمن سبهم فعليه لعنة ال و اللئكة و
الناس أجعي ،ل يقبل ال منه صرفا و ل عدلً .
و قال صلى ال عليه و سلم :ل تسبوا أصحاب ،فإنه ييء قوم ف آخر الزمان يسبون أصحاب فل
تصلوا عليهم ،و ل تصلوا معهم ،و ل تناكحوهم ،و ل تالسوهم ،وإن مرضوا فل تعودوهم .
وعنه صلى ال عليه و سلم :من سب أصحاب فاضربوه .
وقد أعلم النب صلى ال عليه و سلم أن سبهم وأذاهم يؤذيه ،وأذى النب صلى ال عليه و سلم حرام ،
فقال :ل تؤذون ف أصحاب ،و من آذاهم فقد آذان .
و قال :ل تؤذون ف عائشة .
و قال ـ ف فاطمة :بضعة من يؤذين ما آذاها .
و قد اختلف العلماء ف هذا ،فمشهور مذهب مالك ف ذلك الجتهاد والدب الوجع ؟ قال مالك
رحه ال :من شتم النب صلى ال عليه و سلم قتل ،ومن شتم أصحابه أدب .
و قال أيضا :من شتم أحدا من أصحاب النب صلى ال عليه و سلم :أبا بكر ،أو عمر ،أو عثمان ،
أو معاوية ،أو عمرو بن العاص ،فإن قال :كانوا على ضلل وكفر قتل ،و إن شتمهم بغي هذا من
مشاتة الناس نكل نكالً شديدا .
و قال ابن حبيب :من غل من الشيعة إل بغض عثمان و الباءة منه أدب أدبا شديدا ،و من زاد إل
بعض أب بكر و عمر فالعقوبة عليه أشد ،و يكرر ضربه ،و يطال سجنه حت يوت ،و ل يبلغ به
القتل إل ف سب النب صلى ال عليه و سلم .
و قال سحنون :من كفر أحدا من أصحاب النب صلى ال عليه و سلم :عليا ،أو عثمان ،أو غيها
ـ يوجع ضربا ً .
وحكى أبو ممد بن أب يزيد ،عن سحنون :من قال ف أب بكر و عمر و عثمان و علي :إنم كانوا
على ضللة و كفر قتل .و من شتم غيهم من الصحابة بثل ذلك نكل النكال الشديد .
وروي عن مالك :من سب أبا بكر جلد ،و من سب عائشة قتل .قيل له :ل ؟ قال :من رماها فقد
خالف القرآن .
و قال ابن شعبان عنه :لن ال يقول :يعظكم ال أن تعودوا لثله أبدا إن كنتم مؤمني ،فمن عاد لثله
فقد كفر .
وحكى أبو السن الصقلي أن القاضي أبا بكر بن الطيب قال :إن ال تعال إذا ذكر ف القرآن ما نسبه
إليه الشركون سبح نفسه لنفسه ،كقوله :وقالوا اتذ الرحن ولدا سبحانه ...ف آي كثية .
و ذكر تعال ما نسبه النافقون إل عائشة فقال :ولول إذ سعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بذا
سبحانك هذا بتان عظيم ـ سبح نفسه ف تبئتها من السوء ،كما سبح نفسه ف تبئته من السوء .
[ ] 283و هذا يشهد لقول مالك ف قتل من سب عائشة .
و معن هذا ،و ال أعلم ،أن ال ،لا عظم سبها كما عظم سبه ،و كن سبها سبا لنبيه ،و قرن سب
نبيه و أذاه بأذاه تعال ،و كان حكم مؤذيه تعال القت ل كان مؤذي نبيه كذلك كما قدمناه .
و شتم رجل عائشة بالكوفة ،فقدم إل موسى بن عيسى العباسي ،فقال :من حضر هذا ؟ فقال ابن
أب ليلى :أنا ،فجلده ثاني ،وحلق رأسه ،وأسلمه إل الجامي .
[ وروي عن عمر بن الطاب أنه نذر قطع لسان عبيد ال بن عمر ،إذ شتم القداد بن السود ،فكلم
ف ذلك ،فقال :دعون أقطع لسانه حت ل يشتم أحد بعد أصحاب النب صلى ال عليه و سلم ] .
وروى أبو ذر الروي أن عمر بن الطاب أت بأعراب يهجو النصار ،فقال :لول أن له صحبة
لكفيتموه .
قال مالك :من انتقص أحدا من أصحاب النب صلى ال عليه و سلم فليس له ف هذا الفيء حق ،قد
قسم ال الفيء ف ثلثة أنصاف ،فقال :للفقراء الهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالم يبتغون
فضل من ال ورضوانا وينصرون ال ورسوله أولئك هم الصادقون [ سورة الشر ، 59 /الية . ] 8 :
ث قال :والذين تبوؤوا الدار واليان من قبلهم يبون من هاجر إليهم ول يدون ف صدورهم حاجة ما
أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بم خصاصة [ سورة الشر ، 59 /الية . ] 9 :
و هؤلء هم النصار .
ث قال :والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليان ول تعل ف
قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم [ سورة الشر ، 59 /الية . ] 10 :
فمن تنقصهم فل حق له ف فء السلمي .
و ف كتاب ابن شعبان :من قال ف واحد منهم إنه ابن زانية وأمه مسلمة حد عند بعض أصحابنا حدين
:حدا له ،و حدا لمه ،و ل أجعله كقاذف الماعة ف كلمة لفضل هذا على غيه ،و لقوله صلى
ال عليه و سلم :من سب أصحاب فاجلدوه ،قال :و من قذف أم أحدهم و هي كافرة حد حد
الفرية ،لنه سب له ،فإن كان أحد من ولد هذا الصحاب حيا قام با يب له ،و إل فمن قام به من
السلمي كان على المام قبول قيامه ،قال :و ليس هذا كحقوق غي الصحابة لرمة هؤلء بنبيهم
صلى ال عليه و سلم ،و لو سعه المام ،و أشهد عليه ،كان ول القيام به ،قال :و من سب غي
عائشة من أزواج النب صلى ال عليه و سلم ففيها قولن :
أحدها :يقتل ،لنه سب النب صلى ال عليه و سلم بسب حليلته .
و الخر :أنا كسائر الصحابة ،يلد حد الفتري ، ،قال :و بالول أقول .
و روى أبو مصعب ،عن مالك ـ فيمن انتسب إل بيت النب صلى ال عليه و سلم يضرب ضربا
وجيعا ،ويشهر ،ويبس طويلً حت تظهر توبته ،لنه استخفاف بق الرسول صلى ال عليه و سلم .
و أفت أبو الطرف الشعب فقيه مالقة ف رجل أنكر تلحيف امرأة بالليل ،و قال :لو كانت بنت أب
بكر الصديق ما حلفت إل بالنهار ،و صوب قوله بعض التسمي بالفقه ،فقال أبو الطرف :ذكر هذا
لبنة أب بكر ف مثل هذا يوجب عليه الضرب الشديد و السجن الطويل .
و الفقيه الذي صوب قوله أحق باسم الفسق من اسم الفقه ،فيتقدم له ف ذلك ،و يزجر ،و ل تقبل
فتواه ول شهادته ،و هي جرحة ثابتة فيه ،و يبغض ف ال .
[ و قال أبو عمران ف رجل قال :لو شهد علي أبو بكر الصديق :أنه إن كان ف مثل هذا ل يوز فيه
الشاهد الوحد ،فل شيء عليه ،و إن كان أراد غي هذا فيضرب ضربا يبلغ به حد الوت ] ،و
ذكروها رواية .
قال القاضي أبو الفضل :هنا انتهى القول بنا فيما حررناه [ ، ] 284و انتجز الغرض الذي انتحيناه ،
و استوف الشرط الذي شرطناه ،ما أرجو أن يكون ف كل قسم منه للمريد مقنع ،و ف كل باب
منهج إل بغيته و منع .
و قد سفرت فيه عن نكت تستغرب و تستبدع ،و كرعت ف مشارب من التحقيق ل يورد لا قبل ف
أكثر التصانيف مشرع ،و أودعته غي ما فصل ،وددت لو وجدت من بسط قبلي الكلم فيه ،أو
مقتدى يفيدنيه عن كتاب أو فيه ،لكتفي با أرويه عما أرويه .
و إل ال تعال جزيل الضراعة ف النة بقبول ما منه لوجهه ،و العفو عما تلله من تزين و تصنع لغيه ،
و أن يهب لنا ذلك بميل كرمه و عفوه لا أو دعناه من شرف مصطفاه ،و أمي وحيه ،و أسهرنا به
جفوننا لتتبع فضائله ،و أعملنا فيه خواطرنا من إبراز خصائصه و وسائله ،و يمي أعراضنا عن ناره
الوقدة لمايتنا كري عرضه ،و يعلنا
من ل يذاد إذا ذيد البدل عن حوضه ،و يعله لنا و لن تمم باكتتابه و اكتسابه سببا يصلنا بأسببابه ،
و ذخية ندها يوم تد كل نفس ما عملت من خي و حضرا نوز با رضاه ،و جزيل ثوابه ،و يصنا
بصيصي زمرة نبينا وجاعته ،و يشرنا ف الرعيل الول و أهل الباب الين من أهل شفاعته ،و نمده
تعال على ما هدى إليه من جعه و ألم ،و فتح البصية لدرك حقائق ما أودعناه و فهم ،و نستعيذه
جل اسه من دعاء ل يسمع ،و علم ل ينفع ،و عمل ل يرفع ،فهم الواد الذي ل ييب من أمله ،
ول ينتصر من خذله ،و ل يرد دعوة القاصدين ،و ل يصلح عمل الفسدين ،و هو حسبنا و نعم
الوكيل ،و صلته على سيدنا ونبينا ممد خات النبيي وعلى آله وصحبه أجعي ،وسلم تسليما كثيا .
ت بول من ال وقوة
الفراغ من تنسيق اللف واعدادة اليوم الثلثاء 13مايو الوافق 12ربيع الول ممود بن عبد الوهاب السالي غفر ال لة ولوالدية
ولسلمي اجعي