Professional Documents
Culture Documents
الحسد
**
السراف
الله سبحانه وتعالى حين يحّرم سيئا فمن المؤكد أنه محدود بالنسبة إلى ما أحله سبحانه ،فالمحّرم قليل ،وبقية ما لم
يحرمه الله هو الكثير واقرأ قول الله تعالى {:قل تعالوا أتل ما حّرم ربكم عليكم ،أل :تشركوا به شيئا وبالوالدين
إحسانا ،ول :تقتلوا أولدكم من إملق ،نحن نرزقكم وإياهم ول :تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ول :تقتلوا
صاكم به لعلكم تعقلون ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ النفس التي حّرم الله إل بالحق ،ذلكم و ّ
أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ،ل نكلف نفسا إل وسعها ،وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا،
صاكم به لعلكم تذكّرون} النعام .152 ،151
ذلكم و ّ
إن الحق سبحانه يورد المحرمات وهي أشياء محددة محدودة ،أما النعم فهي جليلة عظيمة اكثر من أن تحصى وتعد،
ومن هذا المر نعرف سعة رحمانية الحق بالخلق ،لقد خلق سبحانه الكثير من النعم ولم يحرم إل القليل ،وسبحانه
حين حّرم؛ حّرم لتبقى كل نعمة في مجالها فإذا ما جاء إنسان وقال :إن الله قد حّرم هذا الشيء لنه ضار ،نقول له:
إن ما تقوله أمر جائز ولكن هذا الضرر سبب الحكم بكل المحرمات فقد يحّرم الله سبحانه أمرا لتأديب قوم ما ،فلو
نظرنا نحن إلى واقعنا مقل :نجد أبا مسؤول :عن تربية أولده قد يحّرم على ولد فيهم لونا من الطعام أو جزءا من
مصروف اليد ويكون القصد من ذلك العقوبة.
وكذلك نرى أن بني :إسرائيل استحقوا عقوبة التحريم لنه جاءوا من خلف منهج الله وأحلوا لنفسهم ما حّرم الله،
فكأن الله سبحانه يقول لهم :لقد اجترأتم على ما حرمت فحللتموه ،لذا فأنا أحرم عليكم ما أحللته لكم من قبل ذلك،
لماذا؟
حتى ل يفهم إنسان أنه بتحليله لنفسه ما حرم الله قد أخذ شيئا من وراء الله ..ل ،إن أحدا ل يمكنه أن يغلب الله
سبحانه ،فالله سبحانه لم يحرم عليك شيئا كان حلل ،ولهذا فالتحريم إما أن يكون تحريم طبع أو تحريم فطرة.
فنحن نجد الرجل الذي أسرف على نفسه في تناول محرمات كالخمر مثل ثم بعد أن أخذت بجسده ذهب إلى الطبيب
فقال له إن شربتها ثانية سينتهي كبدك ،ثم يمنعه عن أصناف كثيرة من الطعام والشراب فهذا ظلم من النسان
لنفسه نتج عنه تحريم أشياء عليه ،إن مثل هذا النسان قد استحل ما حرم الله فحرم الله عليه بالطبع والتكوين
والسنة الكونية أمورا كانت حلل له.
ورجل آخر أسرف على نفسه في تناول صنف معي ّن من الطعام كالسك ّر مثل فوق ما تدعو إليه الحاجة فكأن سنة
الله الكونية تقول له :لقد أخذت من السكر أكثر من حاجتك وبسبب ذلك صرت مريضا فإياك أن تتناول السكريات
مرة أخرى ،ويضل المريض بالسكر يشتهي الحلوى ،ويملك القدرة على شرائها ولكنها ممنوعة عليه ،وكأن الحق
سبحانه وتعالى يقول له :بظلم منك لنفسك حرمت على نفسك ما أحللته لك.
وآخر يملك الثروات والخدم والمزارع الشاسعة ويقوم له الخرون بطحن الغلل ،ويأمر بأن يصنع له الخبز من أنقى
أصناف الدقيق الخالي من الردة ويصنعون الخبز البيض ويأكل منه ،بينما التباع يصنعون لنفسهم الخبز من الدقيق
القل نقاوة فكأن سنة الله الكونية تقول له :أنت ستأكل الخبز المصنوع من الدقيق الفاخر ،وليأكل عمالك ورعاياك
الخبز المصنوع من أفخر أنواع الدقيق ،وكأن الله تعالى يقول له :فبظلم منك حرمنا ما أحل لك.
إذن ،فالنسان منا عندما يرى إنسانا آخر حرم من نعم الله التي هي حلل فليعلم أن ذلك النسان سبق وأن أحل ما
حرم الله عليه ،أو ظلم نفسه بالسراف في شيء كانت الفطرة والطبع تقتضيان العتدال فيه ،إن أحدا منا ل يفلت
من رقابة الله ،والتحريم يكون بالتشريع إذا كانت العقوبة من المشّرع ،وقد يكون تحريما بالطبع ،وهذا إن كان في
المر إسراف من النفس ،ولنقرأ دائما قول الله تعالى {:فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم
وبصدّهم عن سبيل الله كثيرا} النساء .160
وكذلك الذي يأخذ مال بالربا ،انه يأخذه ليزيد ماله ،هنا نقول له :لماذا تريد المال؟ أتريده لذات المال أم لهدف آخر؟
المال رزق ،ولكنه رزق غير مباشر ،لنه يشترى الشياء التي ينتفع بها النسان وهي الرزق المباشر ،نقول :هب أن
إنسانا في صحراء ومعه جبل من الذهب لكن الطعام انقطع عنه ،إن جبل الذهب في مثل هذه الحالة ل يساوي شيئا
بل يصبح رغيف الخبز وكوب الماء أغلى من الذهب.
إذن ،فالمال رزق لكنه غير مباشر يأتي بالرزق المباشر .والذي يزيد ماله بالربا ،هل يريد تلك الزيادة من أجل المتعة؟
فليعلم أن الله سبحانه يمحق ذلك ويزيل المال في الكوارث.
إن :النسان إذا أراد أن يبقى له ما أحل الله إلى أن يأتي أجله فعليه أل :يستبيح أي شيء حرمه الله ،وبذلك يظل
مستمتعا بنعم الله عليه.
**
الظلم
يقول الله تبارك وتعالى {:وما ربك بظلم للعبيد} فصلت .46
إذن :،فالنسان هو الذي يظلم نفسه :،ويقول الحق :سبحانه: {:إن الله ل :يظلم الناس شيئا :ولكن :الناس :أنفسهم
يظلمون} يونس .44
فإياك أيها النسان أن تظن أنك حين تظلم أحدا بتدبير السوء له قد كسبت الدنيا ،وهذا غير صحيح ،ولو علم الظالم
ماذا أعد ّ الله للمظلوم لضن عليه بظلمه.
وهب أن رجل مثل له ولدان وجاء ولد منهما وضرب أخاه ،أو خطف منه شيئا إن معه ثم عرف الب ذلك ،قلب هذا
الب مع من يكون؟ قلبه بالطبع يكون مع المظلوم فيحاول أن يرضيه ،فان كان الخ الظالم قد أخذ منه شيئا يساوي
عشرة قروش فان الب يعوّضه بشيء يساوي مائة قرش ،هنا نجد البن الظالم يعيش في حسرة لنه لو علم مسبقا
أن والده سيكرم أخاه المظلوم لما ظلم أخاه أبدا.
إن الظلم ظلمات يوم القيامة ،ومن المفارقات التي تروى مفارقة تقول :إن كنت ول بد مغتابا فاغتب أبويك ،ويقول
السامع لذلك وكيف أغتاب أبي وأمي؟!
يقول اًصحاب المفارقة :إن والديك أولى بحسناتك فبدل :من أن تعطي حسناتك لعدوك ابحث عمن تحبهم وأعطهم
حسناتك.
إن صاحب المفارقة هذه يريد أن يكره المغتاب فيها ،وحيثية هذه المفارقة هي :ل تكن أيها المغتاب أحمق ،لنك ل
تغتاب إل عن عداوة ،وكيف تعطي حسناتك التي هي أثمن نتيجة لعمالك لعدوّك.
ويروى أن الحسن البصري بلغه أن أحدا قد اغتابه فأرسل الحسن شخصا إلى المغتاب ومعه طبق من البلح الرطب
وقال لهذا الشخص :اذهب بهذا الطبق إلى فلن وقل له :بلغ الحسن أنك اغتبته بالمس ،وهذا يعني أنك أهديت له
حسناتك ،وحسناتك بل شك أثمن من هذا الرطب.
إن :الظلم كالجور ..وهو نوع من العتداء أو القسر أو القهر أو انتقاص القدر والقيمة ،ويقابل الظلم النصاف كما
يقابل الجور العدل.
الظلم إذن ،انتقاص حق الناس ،فما بالنا عندما ينتقص النسان من حق نفسه ،أي :أن يظلم نفسه ،وظلم النفس هو
أبشع ألوان الظلم فالنفس كّرمها الله وخلقها ،فقد كانت تستحق من النسان أن يرعاها وأن يحقق مراد الله منها،
وأن يمنع عنها إلحاح اشتهاء ما يغضب الله .يقول الحق سبحانه وتعالى {:والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم
ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إل الله ولم يصّروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة
من ربهم وجنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها ،ونعم أجر العاملين} آل عمران .136 ،135
إن ظلم النفس يعني :أن يبيع النسان دينه بدنيا غيره ،فهو ل يحقق لنفسه أي نفع آجل أو عاجل.
وقديما قالوا :شر الناس من باع دينه بدنياه ،وشر هؤلء الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم.
لهؤلء وأولئك كتب الله لهم الطريق :إلى النجاة ،وذلك بأن يذكروا الله ،وأن يستغفروا ،وأل :يعودوا إلى مثل تلك
الفواحش ،أو ظلم النفس حتى يغفر الله لهم ،ويرزقهم الجنة ،ذلك أن الله ل :يظلم أحدا ولكن الناس يظلمون
أنفسهم ،لن الناس تنقص قدرها من النافع الباقي ويقعون أسرى للذي يزول.
**
**
الفساد
يأتي الفساد من أن ينقل النسان سلوكا من مجال افعل إلى مجال ل تفعل ،وأن ينقل النسان سلوكا من مجال ل
تفعل إلى مجال افعل.
مثال ذلك :أن المنهج اللهى يقتضي أن يشهد النسان بأن ل اله إل الله وان محمدا رسول الله ،فالنسان الذي يعلن
ذلك هو الذي عليه أن يتقبّل تكليف الله ،والنسان الذي ينكر ذلك هو الذي ينقل سلوكا من مجال افعل إلى مجال ل
تفعل ،ذلك أن قول :أشهد أن ل اله إل الله وأن محمدا عبده ورسوله ،هذا القول هو تجديد للعهد الذي بين العبد وبين
خالقه سبحانه ،وبالتالي فهو التزام كامل بمنهج الله تعالى.
وكذلك النسان الذي يعرف أن الصلة ركن أساسي تقوم عليه حياة النسان في اليمان ،فهذا النسان إن أخلص في
أداء الصلوات الخمس كان ذلك عاصما له من زلت الشيطان أو اتباع الهوى وكذلك الصيام والزكاة ،وأيضا عندما
يأمر الحق سبحانه وتعالى عبده بال يشرب الخمر مثل عندئذ فالعبد الذي يطبق منهج الله هو الذي ينتهي على الفور
من شرب الخمر ،والعبد الذي يظل في الشرب هو من خالف منهج الله تعالى في افعل ول تفعل.
إذن ،فالفساد في الرض هو من آثر هواه على منهج الله .مثل الذي يأكل أموال الناس بالباطل ويكثر من اغتصاب
عرق وتعب الخرين فهذا إنسان ل يطبق منهج الله وهو مفسد في الرض.
لذا يجب أن نطبق هذه القاعدة في سلوك كل إنسان وهي :أن من يطب ّق منهج الله فقد أصلح نفسه ،وانسجم مع
أوامر خالقه ،ونال رضا الله بعد أن قام بمسؤولية الختيار ،وأداها كما يجب أن تؤدى.
أما من ل يطبق منهج الله فقد أفسد نفسه ،وأفسد سلوكه.
ذلك لنه وقف من منهج اليمان من موقف السلب ،فلم ينفذ أمر الله ،وقد أخل بعهده مع الله.
وهكذا نرى إن خروج النسان بفعل ما من مجال إلى مجال في تشريعات الله تنطبق عليه العناصر الثلثة التي حددها
الله في وصفه للفاسقين أو أحدهما ،وهي:
نقض العهد.
قطع لما أمر الله أن يوصل.
إفساد في الكون.
إن المجتمع عندما ل ينتظم الفراد فيه بمنهج الله تعالى تجده مضطربا؛ لن كل إنسان سيفعل ما يحلو له ،فسنجد
التصادم في سلوك البشر ورغباتهم ،وسنجد النقض للعهد ،والقطع لما أمر الله به أن يوصل والفساد في الرض.
إن الفساد قبح لجمال الوجود ،ذلك أن المفسد في الرض هو الذي يخرج الشيء عن حد اعتداله لمهمته ،ولنا أن
نعرف أن فعل المفسد في الرض يشكل قبحا في الوجود ،وينطبق الفساد في الرض على المستغل لحاجات البشر
فمثل الذي يخفي سلعة لها هامش ربح محدود وينكرها ليزيد من ارتفاع السعار بما يفوق طاقة البشر ،وكذلك
المستغل لحاجات البشر في السكان فيأخذ أموال الناس ليبني بها ول :يعطيهم حقوقهم ويستغل احتياجاتهم إليه
فيقوم بسلب أموالهم .هذا إفساد في الرض ،لنه قهر من إنسان قادر لنسان غير قادر ،ونشر للكراهية بين البشر،
وخروج عن مقتضى منهج الله ،هذا القبح والفساد هو كإفساد الصانع لصنعته ،أو كالسباك الذي ينفذ شبكة للصرف
الصحي في مبنى جديد فل يتقن صنعته فيفسد المبنى كله .إن في ذلك هدرا لمكانات كان بالمكان أن يستفيد منها
المجتمع كله في مجال من المجالت.
إن المهندس أو المقاول الذي ل يقيم البنيان على أسس سليمة فهو ل يصون حياة البشر الذين يسكنون فيه ،فهذا
النسان هو مفسد في الرض ،ولكن في المجتمع المؤمن رباط اليمان يقتضي في رزقه ،ويفتقد التواصل مع ضميره
اليمانى ،كما يفتقد الحساس بأخوة اليمان ،وعندما نجد مهمل أو مفسدا أو حتى مغاليا في الثمن فإننا نسمع صيحة
افتقاد الصانع أو الموظف للذمة ،وتنتشر في المجتمع روح النانية ،والفردية التي ل تعرف التآخي اليمانى.
وهكذا نجد :إن مفسدا واحدا أو قلة من المفسدين أو المستغلين ينشرون الرذيلة في المجتمع كله ،فكيف يكون
الحال لو تعاون الناس على الثم؟ انهم إن فعلوا ذلك هدموا الخير كله ..والتعاون على الثم يبدأ من كل من يعين
على أمر يخالف أمر الله في افعل ول تفعل.
والذي يأمر بتطبيق أمر الله في افعل وينتهي بأمر الله ل تفعل هو من المتعاونين على البر والتقوى ،ومن يعمل ضد
ذلك فهو من المتعاونين على الثم والعدوان ،لماذا؟ لنه ينقل الفعال من دائرة افعل إلى ل تفعل ،وينقل النواهي من
دائرة ل تفعل إلى دائرة افعل.
مثال ذلك من يؤلف أغنية خليعة مثيرة ومهيجة للغرائز فهذه تكون أول لبنة في الثم ،ثم يلحنها ملحن بإيقاع يساعد
على ذلك فهذه اللبنة في التعاون على الثم ،ثم يغنيها ثالث بإيحاءات مثيرة للغرائز فهذه درجة ثالثة من التعاون على
الثم ،والذي يصفق الربا لهذا هو متعاون على ذلك أيضا ،ولهذا يقول الحق سبحانه وتعالى {:وتعاونوا على البر
والتقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان} المائدة .2
هذا القول هو أساس عمارة الكون ،وكما أنه أساس منع الفساد في الكون.
كذلك الذي يرتشي والذي يسهل عملية الرشوة .والذي يحمل الخمر للناس والذي يشربها والذي يدلس كل هؤلء
متعاونون على :الثم والعدوان ،حتى إن البواب الذي يجلس أمام مدخل العمارة ويعلم أن بها بيتا يدار في أعمال
مشبوهة كلعب القمار أو الدعارة أو ما شابه ذلك من المفاسد ويأخذ الثمن على ذلك فهو من المتعاونين على الثم
**
الخيانة
يقول الحق سبحانه وتعالى {:ول تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ،إن الله ل يحب من كان خوّانا أثيما} النساء .107
يأمر الله سبحانه وتعالى بعدم المجادلة عن الذين يختانون أنفسهم ،والجدل من الفتل ،فالنسان حين يفتل شيئا كأن
يحضر بعضا من الشعر والصوف أو الليف ويجدله ليصنع منه حبل فانه يفتل هذا الغزل ليقويه ويجعله يتحمل الشد
والجذب ،ولذلك يقال عن مثل هذه العملية :إننا نجدل الحبل لنعطيه قوة .فكذلك شأن الخصمين كل واحد يريد أن
يقوي حجته ضد الخر فيحاول جاهدا أن يقوها بما يشاء من أساليب العقل أو الفصاحة.
والقرآن حين يعدل عن يخونون أنفسهم إلى { يختانون أنفسهم} فل بد أن لهذا معنى كبيرا ,إن الخيانة هي أخذ ما
ليس بمستحق ،أي بغير حق ،وقد تسو ّل للنسان نفسه أن يخون غيره لكن هل من المقبول أن يخون النسان
نفسه؟!
إن النسان قد يخون من أجل مصلحة نفسه ،لكن ل يخون نفسه.
وعلينا أل نأخذ المسألة بعجل أثر الخيانة ذلك لن النسان حين يريد أن يعطي لنفسه شهوة عليها عقوبة فهذه خيانة
للنفس ،لن النسان في مثل هذه الحالة أغفل العقوبة عن الشهوة؛ إن الشهوة عابرة لكن العقوبة باقية وهذه خيانة
للنفس.
النسان :الذي يخون الناس إنما يخون نفسه فإذا ما خان النسان نفسه فهي عملية ليست سهلة وتتطلب افتعال،
ومن هنا جاء قول الحق سبحانه {:يختانون أنفسهم} لن في ذلك عملية افتعال للخيانة ولذلك قال الحق سبحانه{:
ول تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ،إن الله ل يحب من كان خوّانا أثيما}.
ثم قال الحق بعد ذلك :{:إن ّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ،ول :تكن للخائنين خصيما}
النساء .105
قال الله سبحانه وتعالى {:للخائنين} ولم يقل خوّانين لماذا؟ :إن الخائن تصدر منه الخيانة مرة واحدة ،أما الخوّان
الخوان
ّ فتصدر منه الخيانة مرات متعددة .أو يكون المعنى :هو أن الخائن تصدر منه الخيانة في أمر بسيط ،أما
فتصدر منه الخيانة في أمر كبير.
إذن ،فمرة تأتي المبالغة في تكرار الفعل ،ومرة تأتي في تضخيم الفعل أي عندما نقول :فلن أكول وفلن أكال هذه
مبالغة في أكل وأكول وهي مبالغة تكرار الفعل فالنسان العادي يأكل ثلث مرات والكول يأكل عشرات مرات مثل.
وقد يكون من الملين لوجبة واحدة ولكنه يأكل أضعاف ما يأكل النسان العادي إذن ،فالمبالغة هنا تكون في تضخيم
نفس الحدث أو في تكرار الحدث.
إن من لطف الله أنه لم يقل خائن ،لن الخائن هو من خان لمرة ،وقد تكون عابرة وانتهى المر .ولم يخرجه الله
سبحانه عن دائرة الستر والحب إل إذا أخذ الخيانة طبعا ومادة وحرفة وأصبح خوّانا ،ولذا قال الله سبحانه وتعالى{:
إن الله ل يحب من كان خوّانا أثيما}.
وقد جاءت للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة أخذ ولدها بسرقة وأراد عمر إن يقيم على هذا الولد الحد،
وجاءت الم تبكي وقالت :يا أمير المؤمنين ،والله ما فعل هذا إل هذه المرة ،قال عمر :كذبت والله ما كان الله ليأخذ
عبدا من أول مرة! ولذلك يقولون :إذا عرفت في رجل سيئة انكشفت وصارت واضحة فاعلم أن لها أخوات سابقات
لها ول يمكن أن يفضح العبد من أول سيئة ،لن الله سبحانه يحب أن يستر عبده ،لذلك يستر العبد مرة وثانية ثم إذا
استمر العبد في السيئة وأصر عليها ،فضحه الله وكشف ستره.
**
الكيد
**
المن بالصدقة
ن والذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ول يؤمن يقول الله سبحانه وتعالى {:يا أيها الذين آمنوا ل تبطلوا صدقاتكم بالم ّ
بالله واليوم الخر ،فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا ل يقدرون على شيء مما كسبوا ،والله ل
يهدي القوم الكافرين} البقرة .264
ن الذى إنما يبطل صدقته فخسارته تكون خسارتين: الذي يتصدق ويتبع الصدقة بالم ّ
الخسارة الولى :أنه أنقص ماله بالفعل ،لن الله لن يعوّض عليه ،لنه أتبع الصدقة بما يبطلها وهو
المن والذى.
**
الكبر
ل يوجد كبرياء إل لله وحده ،أما النسان فهو من الغيار ،فالقوي يصيبه الضعف ،والغني يصيبه الفقر ،وان كان عالما
فقد يفقد علمه لسبب ما ،لذا فكل من أراد الستعلء والتكبر على غيره فليحاول أن يبحث عن شيء ذاتي في نفسه
يستحق أن يتكبر به!
ومعنى ذلك أن يبحث عن شيء ل يسلب منه ،ولن يجد أحد ذلك الشيء ،لن الوجود النسانى كله يطرأ عليه الغيار،
من غنى وفقر وضعف وقوة وصحة ثم ينتهي الكل بالموت.
لذلك فالمؤمن الصادق مع نفسه يعرف إن الكبرياء لله الواحد القهار وحده ل ينازعه فيه أحد.
إذن ،فالمؤمن عليه أل يحبط عمله بالستعلء على الخلق بما رزقه الله من مال ،أ ,موهبة من عمل ينبغ فيه ،لنه
يعلم أن هذا كله من الله تعالى ،وأن الله مستخلفه وناظر ما يفعل فيه ،فيرى كل منا ربه ما يحب ويرضى.
**
الحتيال والتكبر
يقول الحق سبحانه وتعالى {:إن الله ل يحب من كان مختال فخورا} النساء .36
ما هو الختيال؟ وما هو الفخر؟
مادة الختيال :كلها تدور على زهو لحركة لذلك نسمي الحصان من فصيلة الخيل ،لنها تتخايل في مشيها ،وعندما
يركبها الفرسان تتبختر بهم ،ولذلك كلمة الخيلء من هذه.
إذن ،فالختيال حركة مرئية ،أما الفخر فهو حركة مسموعة ،فالحق سبحانه وتعالى ينهى المؤمن أن يجعل صورته
أمام الناس صورة المختال الذي يسير بعنجهية ،ويعتبر نفسه مصدر النعمة فينطبق عليه قول الله سبحانه وتعالى{:
ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله
ليس بظلم للعبيد} الحج .10 ،9
أما الفخر :فهو أن يتشدق :النسان بكلم غير صحيح أو مبالغ فيه فيحكي عما فعله ويمجده ويعلي من شانه وكأنه
مصدر كل عطاء البشر.
**
البخل
يقول: :الحق: :سبحانه: :وتعالى: :{:الذين: :يبخلون: :ويأمرون: :الناس: :بالبخل: :ويكتمون: :ما: :أتاهم: :الله: :من: :فضله :،واعتدنا
للكافرين عذابا مهينا} النساء .37
البخل هو المشقة في العطاء ،فعندما يطلب من شخص ما أن يعطي شيئا فانه يجد في العطاء مشقة .لذا فالمؤمن
موصوف ببسط الكف ،وأنه يسعد للعطاء ،أما البخيل فقد يذهب به بخله أن يضن بالشيء الذي ل يضره بذله ،ول
ينتفع بمنعه.
إن :البخيل ل :يرغب في الطعام حتى ولو في ذات نفسه ،واقرأ قول الشاعر حين يصو ّر البخل والشح فانه وصف
البخيل أنه يبخل على نفسه ،وإذا كان النسان يبخل على نفسه فكيف يجود على غيره؟
كان الشاعر يذم شخصا اسمه عيسى وهو بخيل حتى على نفسه فيما ل يضره بذله ول ينفع منعه ،فيقول:
يقتر عيسى على نفسه وليس بباق ول خالد
فلو يستطيع لتقتيره لتنفس من منخر واحد
انه بخيل :إلى الدرجة التي يضن بها على نفسه فل :يتنفس بفتحتي أنف ،ولكنه يحاول أن يتنفس بفتحة واحدة لو
استطاع.
وهاهو ذا شاعر آخر يصور البخيل صورة تمنع البخيل الريحية والكرم فيقول:
لو أن بيتك يا ابن عم محمد ابر يضيق بها فضاء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة ليخيط قد ّ قميصه لم تفعل
انه بخيل حتى :بإبرة واحدة لو طلبها منه نبي الله يوسف عليه السلم الذي قد تمزق قميصه من دبر أثناء مراودة
امرأة العزيز له عن نفسه.
هذا هو البخيل في خيال الشاعر ،ولو أن نبيا كيوسف الصديق جاء إلى هذا البخيل الذي يملك منزل مليئا بالبر فلن
يعطيه البخيل إبرة واحدة يخيط بها قميصه.
قال الحق سبحانه {:ول يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ،بل هو شر لهم ،سيطوّقون ما
بخلوا به يوم القيامة ،ولله ميراث السموات والرض والله بما تعملون خبير} آل عمران .180
الحق سبحانه وتعالى يصنع للبخيل بما بخل به طوقا حول عنقه ،فلو أن البخيل قد بذل قليل لكان الطوق خفيفا حول
رقبته يوم القيامة ،لكن البخيل كلما منع نفسه من العطاء ازداد الطوق ثقل.
ولقد قال الحق سبحانه وتعالى أيضا عن الذين يكنزون الذهب والفضة {:والذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها
شرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما في سبيل الله فب ّ
كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} التوبة .35 ،34
وذلك يعني أن كل ما كنزوه من الذهب والفضة يحمى عليها في النار يوم القيامة لتكوى به الجباه ،والجنوب جمع
جنب.
إذن ..فالنسان العاقل هو من يخفف عن نفسه الكي بما يكنز.
والبخلء عن عطاء الناس من مال الله ل يكتفون بما بخلوا به وهي خسيسة خلقية في نفوسهم يحبون أن تتعدى إلى
سواهم كأنهم عشقوا البخل ويؤلمهم أن يروا إنسانا جوادا فيقول البخيل للمنفق في سبيل الله لتفق ..لماذا؟ لن
البخيل يؤلمه أن يرى الكرم ،ويجب أن يكون الناس كلهم بخلء حتى ل يكون هناك من هو أفضل منه ،فالبخيل يعرف
إن الكرم أفضل من البخل ،والدليل أنه يطلب من الناس جميعا أن يكونوا بخلء وهؤلء هم الذين قال فيهم الحق
سبحانه وتعالى {:الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما أتاهم الله من فضله ،واعتدنا للكافرين عذابا
مهينا} .النساء .37
إذن ..فالبخيل هو من ضن ما آتاه الله من فضله على من لم يؤت من فضل الله.
والبخل ليس في المال فقط ،إنما هو في كل موهبة من المواهب التي أعطاها الله لحد من خلقه وتنقص عند الغير،
ن بها فهو داخل في البخل ،فالذي يبخل بقدرته على معونة العاجز على القدرة فهو بخيل ،والذي يبخل بما فمن ض ّ
عنده من علم على من ل يعلم فهو بخيل ،والذي يبخل حتى على السفيه بالحلم فهو بخيل ،فإذا كان النسان يملك
طاقة من الحلم فلماذا ل يبذلها على السفيه؟
إذن ..فمن معاني البخل هو أن يمنع النسان شيئا قد وهبه الله له عن مخلوق محتاج ،فمثل ذلك البارع في صنعة ما
يضن بأسرارها على تلميذه ،هذا لون من البخل كما يقول الحق سبحانه {:الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل}
النساء .37
وقوله تعالى {:ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ،واعتدنا للكافرين عذابا مهينا} النساء .37
إن الكتم هو :منع شيء يريد أن يخرج بطبيعته ،فيحاول الكاتم كتمه ،فعندما يجرح إنسان فهو يكتم الدم ،لنه إن لم
مه .وكأن المال والعلم وكل موهبة خلقها الله يريدها أن تظهر وتنتشر بين يكتم الدم فان النسان ينزف حتى يصفى د ّ
الناس ،لذا فان الفطرة الطبيعية في كل رزق مادي أو رزق معنوي هو أن يستطرق بين البشر فكل شيء مخلوق
لخدمة النسان.
فعندما يأتي إنسان ليكتم شيئا مخلوقا لخدمة النسان ،ويحجبه فقد منع الشيء عن أداء رسالته.
ولما كان كل شيء خلقه الله تعالى من اجل خدمة النسان فيجب أل يعوقه أحد عن هذه الخدمة ،فالرزق ماديا كان
أو معنويا يغضب ويحزن ،واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى {:فما بكت عليهم السماء والرض وما كانوا منظرين}
الدخان .29
إذن ..فبلغ الحق في قوله {:ويكتمون ما أتاهم الله من فضله} النساء ،37يبين لنا أن كل شيء مخلوق هو ملك لله
تعالى خالقه وموجده ،فليس هناك شيء ذاتي في النسان ولننظر إلى الكون حولنا وسنجده كله أغيارا فنحن في
حياتنا نرى القادر قد صار عاجزا ،ونرى الغني صار فقيرا ،واليام دول.
من أجل ذلك حتى ل تستقر الشياء أما النسان ،وما من أحد إل ويمر أمام عينيه ،وفي تاريخه ،وفي سمعه إل أنه
كان ثم صار غير ما كان ،وما دام المر كذلك فلم ل نعتبر؟
إن البخيل عندما يكنز ما أتاه الله من مال فهو يحرم نفسه منه ويصير المال إلى ورثته وأولده وقد ينفقونه في غير
ما كان يحب ،ول أحد بقادر على أن يخدع خالقه أبدا.
إن :البخيل ييسر السبيل لغيره فقد حرم نفسه وادخر ،فلمن ادخر ،انه ادخر لبشر آخرين ،وما دام الدخار لناس
آخرين فهذا يعني أن رزق البخيل ضيق والذين سيأخذونه رزقهم واسع ،والبخيل حين
يمنع المال عن الغير فهو قد يسر سبيل لمن يعطي مستقبل أي يدبر المال للمنفق في أن ينفقه ،انه ييسر السبيل
للكريم.
**
فعل السوء
قال الله تبارك وتعالى {:من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم} النعام .54
السوء :وهو المر المنهى عنه من الله ،وهناك من يعمل السوء بجهالة.
وشائع بين الناس أن الجهالة تعني عدم العلم ،وهذا فهم خاطئ للجهالة .إن الذي ل يعلم هو المرء الخالي الذهن،
ولمن الجاهلة هو أن يعلم النسان حكما ضد الواقع ،مثل أن يكون مؤمنا بعقيدة تخالف الواقع.
ومعالجة الجهالة تقتضي أن ينزع منه هذه العقيدة التي ضد الواقع ثم نقنعه بالعقيدة المطابقة للواقع.
إن الذي يسبب المتاعب للناس هم الجهلة ،لن الجاهل يعتقد في قضية ويرمن بها وهي تخالف الواقع ،إن الجهالة
هي السفه والطيش ،والطيش يكون بعدم تدبر نتائج الفعل ،والسفه هو أن النسان ل يقدّر قيمة ما يفوته من ثواب،
وما يلحقه من عقاب ،وقد يكون النسان مؤمنا ولكنه يرتكب السوء ،لنه لم يستحضر الثواب والعقاب ،وبذلك يرتكب
من السوء ما يحقق له شهوة عاجلة دون التمعن في نتائج ذلك مستقبل :ولو أن ذلك النسان قد استحضر الثواب
والعقاب لما فعل ذلك السوء.
ومن معاني عمل السوء بجهالة هو انه ارتكاب المر السيئ دون أن يبيت له النسان أو يخطط له.
وقوله تعالى {:إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم ،وكان
الله عليما حكيما} النساء .17
الله سبحانه وتعالى يقبل توبة مرتكبي الذنب إذا ما ارتكبوه في حالة من الحماقة والطيش ثم يتوبون إلى الله تعالى،
هؤلء يقبل الحق سبحانه وتعالى توبتهم ،لكن الذين ل يندمون على فعل السوء هؤلء يقول عنهم الحق:
{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت ،قال إنى تبت الن ول الذين يموتون وهم كفار،
أولئك واعتدنا لهم عذابا أليما} النساء .81
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين