You are on page 1of 11

‫‪1‬‬

‫الفضيلة وأبوابها‬

‫الطاعة‬
‫بسم الله والحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪.‬‬
‫قال الله تبارك وتعالى‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم‪ ،‬فان تنازعتم في شيء‬
‫فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر‪ ،‬ذلك خير وأحسن تأويل} النساء ‪.59‬‬
‫هناكض حيثياتض ضتوجبض هذاض ضالمرض منض ضاللهض تعالىض ضلعبادهض ضفنحنض ضضوللهض ضالمثلض ضالعلىضض ضنلحظض ضبعدض ضصدورض ضحكمض قاضض من‬
‫المحكمةض ضأنهض ضيصدرض ضعلىض ضحيثياتض ضلهذاض ضالحكم‪،‬ض ضوهذهض ضالحيثياتض ضهيض ضالتبريرض ضالقانونيض ضللحكمض ضسواءض ضكانض ضبالعقوبةض ضأو‬
‫بالبراءة‪.‬‬
‫إذن فالقاضي يحكم بناء على حدوث وقائع مطابقة لمواد القانون‪.‬‬
‫وعلى هذا فحيثيات أي حكم هي التبريرات القانونية التي تدل على سند هذا الحكم‪.‬‬
‫وقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} فيه نلحظ أن الحق سبحانه لم يقل‪ ":‬يا أيها الناس‬
‫أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" ولكنه سبحانه وتعالى قال‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}‪.‬‬
‫إذن فالحق سبحانه وتعالى لم يكلف مطلق الناس بأن يطيعوه‪ ،‬وإنما كلف مطلق الناس أن يؤمنوا به‪.‬‬
‫إذن فحيثيات الطاعة لله وللرسول نشأت من اليمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذه عدالة من‬
‫الخالق سبحانه وتعالى‪ ،‬فهو سبحانه لم يكلف واحدا أن يفعل فعل إل إذا كان قد آمن به تعالى‪ ،‬وآمن بالرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم مبلغا وشرعا‪ ،‬ولذلك نجد كل تكليف من الله تعالى يبدأ بقوله سبحانه وتعالى‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا}‪،‬‬
‫إذن فحيثيات طاعة الله تعالى‪ ،‬وطاعة الرسول هي اليمان‪.‬‬
‫ولذلك نقول دائما‪ :‬إياكم أن تقبلوا على أحكام الله بالبحث عن عللها أول‪ ،‬ثم اليمان بها ثانيا‪ ،‬ولكن أقبلوا على أحكام‬
‫الله أول واسمعوا وأطيعوا‪ ،‬واخضعوا واخشعوا‪ ،‬ثم من بعد ذلك ل مانع من أن يقوم العقل بالتدبر والتأمل ليفهم شيئا‬
‫من الحكمة التي من أجلها تم تحريم هذا الشيء أو ذاك‪ ،‬أقول بعض الحكمة وليس كل الحكمة‪ ،‬ذلك أن حكمة الله ل‬
‫تتناهى ول تدرك ول يحاط بها‪.‬‬
‫وهناك فرق بين أمر البشر للبشر‪ ،‬وأمر الله تعالى للمؤمنين به‪ ،‬فان أمر الله للبشر تسبقه العلة وهي أن النسان قد‬
‫آمن به‪ ،‬أما أمر البشر للبشر فمنهم من يقول مثل‪ :‬أقنعني حتى أفعل ما تأمرني به‪ ،‬لن عقلك ليس أكبر من عقلي‪،‬‬
‫ولسن بأقدر على الفهم مني والنسان ل يصنع شيئا صادرا أليه من بشر إل إذا اقتنع به‪ ،‬وأن تكون التجارب قد أثبتت‬
‫لك أن من يأمرك بهذا المر‪ ،‬أنه ل يغشك فتأخذ كلمه مصدقا‪ ،‬أما المساوي لك فأنت ل تأخذ كلمه على أنه واجب‬
‫التنفيذ بأنه الله الواحد الذي خلقك وأو جدك‪ ،‬ومنحك مقومات حياتك وهو سبحانه الغني عنك‪ ،‬وعن الكون كله‪.‬‬
‫الحق سبحانه وتعالى حين يطلب منا أن نؤمن به فهذه الطاعة ليست لصالح الله ولكن لصالح البشر‪ .‬فالله سبحانه‬
‫قد خلقنا وهو غني عنا‪ ،‬ول ضيطلب منه شيئا لصالحه‪ ،‬ثم إن طاعتنا ل ضتضيف إليه سبحانه شيئا‪ ،‬وحتى خلقه لنا ل‬
‫يضيف له صفة جديدة‪ ،‬بل هو سبحانه خالق قبل أن يخلقنا‪.‬‬
‫الحق سبحانه وتعالى يريد منا الطاعة باختيارنا‪ ،‬ل ضبالكراه‪ ،‬ول ضبالقهر‪ ،‬فالعبد يعبد الله تعالى لنه سبحانه وحده‬
‫المستحق للعبادة‪ ،‬يعبده طاعة له باختياره‪ ،‬فالعبد كما هو معلون منحه الله تعالى حق الختيار في أن يؤمن أو ل‬
‫يؤمن‪ ،‬فإذا اختار النسان الطاعة على المعصية فهو محب لله فعل‪ ،‬فهناك فرق بين من يقره الله على الطاعة‪ ،‬وبين‬
‫من يذهب إلى الطاعة باختياره‪.‬‬
‫**‬
‫الستر على الناس‬
‫يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ":‬مثل ما بعثتى الله به من الهدى والعلم‬
‫كمثل الغيث أصاب أرضا فكانت منها نقي ّ ة قبلت الماء فلنبتت الكل والعشب‬
‫الكثير‪ ،‬وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا‬
‫وزرعو ا وأصاب ت منه ا طائف ة أخر ى إنم ا ه ي قيعا ن ل تمس ك ما ء ول تنب ت كل‪.‬‬
‫فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعل ّم ومثل لم‬
‫يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"‪.‬‬

‫إذن فالله سبحانه وتعالى قد شبّه الناس بالرض وقسمهم إلى ثلثة أقسام‪:‬‬

‫القسم الول‪ :‬قسم على الهدى فانتفع به‪ ،‬ثم نقل ما عنده إلى الغير فنفع غيره‪،‬‬
‫وهؤلء مثلهم كمثل الرض الخصبة التي ارتوت فأنبتت الزرع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫للداعية محمد متولي الشعراوي ‪-‬أشرف عليه واعتنى به أحمد الزعبي ‪-‬كتبه للشبكة منير مشرف موقع السلمى ‪www.islammi.8m.com‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬هم الذين يحملون المنهج ول يعملون به‪ ،‬ولكن يبلغونه إلى الناس‪،‬‬
‫وعن هؤلء يقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا ل م تقولون ما ل‬
‫تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما ل تفعلون} الصف ‪ .2،3‬فهؤلء مثل الرض‬
‫التي حجزت الماء فشرب منه الناس ولكنها لم تأخذ منه شيئا ولم تنفع نفسها كما‬
‫نفعت غيرها‪.‬‬

‫وعلى المسلمين في هذه الحالة أن يأخذوا علمهم ويدعوا عملهم‪ ،‬ويجب عليهم‬
‫أل يعرضوا بهم ويوكلوهم إلى الله تعالى لعله يهديهم أو يشرح صدرهم للعمل بما‬
‫هم عليه من علم خاصة وأن التعريض بهم أو الفرح فيهم‪ ،‬يدور الن على ما هم‬
‫عليه من دين وليس على ما يفعلونه‪.‬‬

‫وفي الحديث‪ ":‬من ستر مسلم ستره الله في الدنيا والخرة" لن من يعلم أمرا ما‬
‫عن إنسان ل يصح أن يفضح ذلك النسان فليس هناك إنسان معصوم إل النبياء‬
‫والرسل‪ ،‬ولذلك فان لكل إنسان زلت‪ ،‬كذلك إذا رأيت زلة لعالم من العلماء‬
‫فاسترها حتى ينتفع الناس بعلمه‪ ،‬لنك إن أذعتها وانصرف الناس عنه‪ ،‬ولم‬
‫يأخذوا من عمله ما كان من الممكن أن ينتفعوا به في الدنيا والخرة‪ ،‬وقديما قال‬
‫الشاعر‪.‬‬

‫خذ بعلمي ول تركن إلى عملي وخلي العود للنار‬

‫القسم الثالث‪ :‬وهم الذين لم ينتفعوا بمنهج الله تعالى‪ ،‬ول نفعوا الناس به‪.‬‬

‫إذن فمنهج الله تعالى كالمطر الذي ينزل من السماء‪ ،‬مرة على أرض تنتفع به‬
‫وتنفع الغير‪ ،‬ومرة ينزل على أرض لم تنتفع به الرض ول تنفع غيرها‪ ،‬ومرة ينزل‬
‫على أرض لم تنتفع هي به‪ ،‬ول نفعت به الغير‪.‬‬

‫التوكل على الله‬


‫يقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬فإذا عزمت فتوكل على الله‪ ،‬إن الله يحب المتوكلين} آل عمران ‪.159‬‬
‫إن فائدة اليمان في هذه المعادلة الجميلة‪ ،‬أن الجوارح تعمل وعليها أن تأخذ بأسباب الله‪ ،‬والقلوب تتوكل على الحق‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬فالفلح إذا أراد الزراعة ل بد أن يختار البذور‪ ،‬ويحسن التسميد‪ ،‬وأن يقوم بحرث جي ّد للرض‪ ،‬وأن‬
‫ينتظم في مواعيد الري‪ ،‬وأن يحافظ على الزرع من الصقيع مثل بتغطيته‪ ، ،‬فهذا كله من عمل الجوارح‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫تتوكل القلوب على الحق سبحانه وتعالى‪ ،‬إذن فل يتأتى أبدا للفلح أن يقول‪ :‬المحصول آت لنني أحسنت أسبابي‪،‬‬
‫لكن المؤمن يتذكر دائما الحقيقة وهي أن فوق السباب خالق لها‪ ،‬فيقول‪ :‬لقد فعلت كل ما أستطيع واستنفذت كل‬
‫أسباب إتقان العمل‪ ،‬الله تعالى يقدر لي الخير ويبارك في زرعي‪.‬‬
‫لقد جاء السلم بهذه المعادلة‪ ،‬ليحقق اليمان لله له طلقة القدرة يخلق بأسباب‪ ،‬ويخلق بغير أسباب‪ ،‬فالسباب هي‬
‫لجوارح البشر‪ ،‬وفوق السباب قادر حكيم‪ ،‬فالنسان المؤمن حين يعمل فهو يأخذ بالسباب‪ ،‬وحين يتوكل المؤمن فانه‬
‫يرجو عطاء الحق سبحانه وتعالى خالق السباب‪.‬‬
‫إذن فالجوارح تعمل والقلوب تتوكل‪ ،‬وهكذا يجب على كل مؤمن أن يضع تلك المعادلة الجميلة في بؤرة شعوره‬
‫دائما‪.‬‬
‫ن أن التوكل هو توقف الجوارح عن العمل‪ ،‬فهذا هو التوكل الكاذب‪ ،‬والدليل على كون هذا اللون من‬ ‫ول ضيظن ظا ّ‬
‫التوكل كاذبا‪ ،‬أن صاحبه يترك لعمل فيما فيه من مشقة ويزعم التوكل‪ ،‬والمر السهل ل يتوكل فيه‪.‬‬
‫إن الذي يأخذ بالتوكل الكاذب هو الذي يمتنع عن العمل‪ ،‬ول أحد فينا يرى رجل من هؤلء يأتي إليه الطعام ول يمد يده‬
‫إليه ويتناوله‪ ،‬إننا نقول لمثل هذا الرجل‪ :‬لو كنت صادقا في التوكل إياك أن تمد يدك إلى لقمة لتضعها في فمك‬
‫واجعل التوكل الكاذب يقذف باللقمة إلى فمك‪.‬‬
‫ومعلوم أن السلم ينهى عن التوكل الكاذب‪ ،‬وبلدة الحس اليمانى‪ ،‬لذلك الحق سبحانه وتعالى يقول‪ {:‬فإذ عزمت‬
‫فتوكل على الله} ولتتأمل كلمة { عزمت} و {فتوكل} فنرى أن العزم يقتضي عزيمة‪ ،‬والتوكل يقتضي إظهار اعجز‪،‬‬
‫لن معنى توكل النسان أن يعلن عجز أسبابه‪ ،‬ويلجأ إلى من عنده قدرة ليست عنده ونحن نرى إنسانا يقول‪ :‬لقد‬
‫وكلت فلنا في هذا المر لنني ل أقدر عليه‪ ،‬إن معنى هذا إظهار عجزه‪ ،‬وأنه ذهب إلى من عنده القدرة ليفعل ما‬
‫يعجز عنه هو‪.‬‬
‫فالتوكل اليمانى هو تسليم زمام أمور النسان إلى الحق سبحانه وتعالى ثقة منه بحسن تدبيره وهذا هو التوكل‬
‫المطلق‪،‬ض ولما كانض الله تعالىض هو ضسبحانه الذي أعطى النسان السبابض فعلىض النسانض أل ضيرد ضيد الله الممدودة‬
‫بالسباب ويقول له‪ :‬عاوني يا رب‪ ،‬أ‪ ,‬اصنع لي‪ ،‬عليه قبل ذلك أن يستنفد كل السباب‪.‬‬
‫والحق سبحانه يقول في فاتحة الكتاب‪ {:‬إياك نعبد وإياك نستعين} الفاتحة ‪ ،5‬وهذا يعني أننا نعمل ونطلب العون من‬
‫الله‪ ،‬ويقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬إن الله يحب المتوكلين} لماذا يحبهم؟ لن المؤمنين به قد أخذوا بأسبابه ثم‬
‫توكلوا عليه بعد ذلك‪.‬‬
‫**‬
‫بين التوكل والتواكل‬
‫التوكل على الله يقتضي أن يعلم النسان أن لكل جارحة في النسان مهمة إيمانية تقف بالفكر عندما شرع الله‪،‬‬
‫فالذن تسمع فان سمعت أمرا من الحق فهي تنفذ المر‪ ،‬وان سمعت الذين يلحدون في آيات الله فإنها تعرض عنهم‪،‬‬
‫واللسان يتكلم لذلك ل تقل به إل الكلمة الطيبة‪ ،‬فلكل جارحة عمل‪ ،‬وعمل جارحة القلب هو اليقين والتوكل‪ ،‬وحيث‬
‫أن التوكل على الله هو عمل القلب‪ .‬فإياك أن تنقل عمل القلب إلى عمل الجوارح‪ ،‬فتنقل التوكل إلى الجوارح فل‬
‫تعمل‪ ،‬إن السعي للقدم‪ ،‬والعمل لليد‪ ،‬والتوكل للقلب فل تنقل عمل القلب إلى القدم أو اليد‪ ،‬لذلك فالتوكل الحقيقي‬
‫هو أن الجوارح تجعل القلوب تتوكل فكم من عامل يعمل بل توكل فتكون نتيجة عمله إحباطا؟!‬
‫إننا نجد أن الزارع الذي ل ضيتوكل على الله وتنمو زراعته بشكل جيد ومتميز قد تهب عليه عاصفة فيصاب الزرع‬
‫بالهلك ويكون الحباط هو النتيجة‪.‬‬
‫انك أيها المؤمن عليك أن تحذر إهمال السباب‪ ،‬وإياك أيضا أن تغنمك السباب‪ ،‬انك إن أهملت السباب فأنت غير‬
‫متوكل بل متواكل‪ ،‬فالتوكل عمل القلب‪ ،‬وأنت تنقل عمل القلب إلى الجوارح إن الجوارح عليها أن تعمل‪ ،‬والقلوب‬
‫عليها أن تتوكل‪ ،‬وإذا قال لك واحد‪ :‬أنا ل أعمل بل أتوكل على الله‪ ،‬قل له‪ :‬هيا لنرى كيف يكون التوكل‪ ،‬وأحضر له‬
‫طبق طعام يحبه‪ ،‬وعندما يمد يده إلى الطعام قل له‪ :‬ل أترك الطعام يقفز من الطبق إلى فمك‪ ،‬إن هذا لفهم كاذب‬
‫للتوكل!!‪.‬‬
‫**‬
‫بذل الخير‬
‫عندما ننظر في معنى كلمة خير نجد أن المقابل لها كلمة شر لكن كلمة خير هي الكلمة الوحيدة التي يكون فيها‬
‫السم مساويا لفعل التفضيل إذا أضيفت لها "من" لتصبح " خير من"‪.‬‬
‫والخير هو ما يأتي بالنفع‪ ،‬ولكن مقياس النفع يختلف باختلف الناس فواحد ينظر إلى النفع العاجل‪ ،‬وواحد ينظر إلى‬
‫نفع آجل‪ .‬ولنضرب مثل على ذلك مثل ض والله المثل العلىض بأخوين الول يستيقظ باكرا ويذهب إلى مدرسته‪ ،‬ويستمع‬
‫إلىض ضأساتذته‪،‬ض ضويواظبض ضعلىض ضقراءةض ضدروسهض ضواستيعابها‪،‬ض ضوالخرض ضيوقظونهض ضمنض ضالنومض ضبمنتهىض ضالصعوبةض ضفإذاض ضاستيقظ‬
‫فاستيقاظه قهر‪ ،‬ويخرج من المنزل ل إلى المدرسة‪ ،‬ولكن ليتسكع في الشارع ليلعب مع هذا وذاك‪.‬‬
‫إن كلهما يحب الخير لنفسه ولكن الخلف بينهما يكون في تقييم الخير‪ ،‬واحد يفضل الخير الجل‪ ،‬وآخر يفضل الخير‬
‫العاجل ولو كان فيه ضياع لحياته‪.‬‬
‫واحد يفضل أن يتعب عشر أو خمسة عشر سنة ليكون إنسانا ذا مكانة في المجتمع‪ ،‬وآخر يفضل أن يلعب الن ولو‬
‫كان ذلك فيه دمار لمستقبله‪.‬‬
‫مثال آخر فلح يفلح الرض‪ ،‬ويحسن زراعتها ورعايتها‪ ،‬ويعتبرها فضل من الله تعالى فيرعى حق الخالق فيما وهب‪،‬‬
‫ويروي الرض ويسمدها‪ ،‬ويرجو الحق أن يبارك له في الرزق فيمر الوقت وينضج الزرع فيحصده ويمل الرجل مخازنه‬
‫برزق الله الوفير‪ ،‬ويزكي ماله وزرعه‪ ،‬ويظل طوال العام يأكل هو وأبناؤه مما رزقه الله نتيجة لتعبه وكدّه‪ ،‬وآخر ل‬
‫يرعى حق الله فيما وهبه من أرض ويتركها ويهملها‪ ،‬ول ضيرهق نفسه‪ ،‬ويستسلم للكسل‪ ،‬ويأخذ رزقه من السرقة‬
‫والتسول‪.‬‬
‫إذن فهناك معايير مختلفة لحب الخير‪ ،‬فلماذا نرهق أنفسنا في وضع مقاييس للخير؟ إن الحق هو الذي أنزل الشريعة‬
‫الغّراء وبها كل معايير الخير‪ ،‬وان معايير الخير التي وضعها الحق ل تختل أبدا‪.‬‬
‫**‬
‫الصدق‬
‫يقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبةض ‪ . 119‬أي يا من أمنتم بالله‬
‫اتقوا الله أي اجعلوا بينكم وبين الله وقاية‪ ،‬ولكن من المفروض أن المؤمن يكون في معية الله فكيف يطلب الحق‬
‫سبحانه وتعالى منا أن نجعل بيننا وبينه وقاية؟‬
‫نقول‪ ،‬أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلل في الله وقاية‪ ،‬وهنا يأتي من يتساءل بأن الله سبحانه وتعالى يقول‪{:‬‬
‫اتقوا الله} ويقول سبحانه‪ {:‬اتقوا النار} فكيف ينسجم المعنى؟‬
‫نقول‪ :‬إن المعنى منسجم‪ ،‬لن النار جند من جنود الله تعالى‪ ،‬فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول‪ :‬اجعلوا بينكم وبين‬
‫النار التي هي من جنودي صفات الجلل وقاية‪.‬‬
‫وقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬وكونوا مع الصادقين} أي التحموا بهم فتكونوا في معية الله‪ ،‬فإذا جاء من بعدكم‬
‫وجدوكم من الصادقين‪.‬‬
‫إذن فض { مع الصادقين} سابقة { لمن الصادقين} يوسف ‪.51‬‬
‫ولكن من هم الصادقون؟‬
‫مادة هذه الكلمة الصاد‪ ،‬والدال‪ ،‬والواو تدل على أن هناك نسبا يجب أن تتوافق مع بعضها البعض فما معنى هذه‬
‫النسب؟‬
‫إن إنسان حين يتكلم فانه قبل أن ينطق بالكلمة تمر على ذهنه نسبة ذهنية قبل أن تكون نسبة كلمية مثل إذا أردت‬
‫أن أقول‪ ":‬محمد زارني" قبل أن تسمع لساني ينطق بهذه العبارة فإنها تمر على ذهني أول‪ ،‬والمستمع ل يدري شيئا‬
‫عنها‪ ،‬فإذا قلت لي كلما أعلم أن النسبة الذهنية جاءت إلى عقلك فتردمها لسانك إلى نسبة كلمية فنطق بها فلما‬
‫سمعها السامع ضعرف أول ضالنسبتين‪ ،‬وقد تكون ضهذه ضالنسبة صحيحة وواقعة‪،‬ض حينئذض يكون الصدق‪،‬ض وقدض تكون غير‬
‫صحيحة ويكون الكذب‪.‬‬
‫إذن فالصدق هو أن تطابق النسبة الكلمية الواقع‪ ،‬وإذا لم تتوافق فهو من الكذب‪ ،‬فكل كلم يقال محتمل الصدق أو‬
‫الكذب‪ ،‬والصدق هو الذي يجمع كل خصال اليمان‪ ،‬وجاء في الثر حديث البدوي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وقال له‪ :‬في ثلث خصال ل أقدر عليها‪ ":‬الولى النساء‪ ،‬والثانية الخمر‪ ،‬والثالثة الكذب‪ ،‬وقد جئتك بخصلة من‬
‫الخصال الثلثة أتوب منها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬كن صادقا وما عليك" فلما ألحت عليه خصلة‬
‫شرب الخمر قال‪ :‬وان سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ":‬أشربت الخمر" فماذا أقول له؟ ل بد ّ أن أقول له‬
‫الصدق فأمتنعض عن شرب الخمر‪ ،‬ضوعندما ضنظرض إلى ضامرأة ضواشتهاها ضقال‪ :‬ضإن سألني رسول الله‪ ":‬ماذا ضفعلت مع‬
‫النساء؟ فماذا أقول له؟ ل بد أن أقول له الصدق فامتنع عن النساء‪ ،‬وهكذا منعه الصدق من المعاصي‪ ،‬ولذلك عندما‬
‫سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أيسرق المؤمن؟ قال نعم‪ .‬أيزني المؤمن؟ قال نعم‪ ،‬أيكذب المؤمن؟ قال‪:‬‬
‫ل‪.‬‬
‫والله سبحانه وتعالى ينبه إلى أنه ل ضبد ّض أن يكون كلمك مطابقا لواقع فعلك‪ ،‬وإياك أن تقول كلمك وفعلك غيره‪،‬‬
‫ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل ضتفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما ل‬
‫تفعلون} الصف ‪.3 ،2‬‬
‫**‬
‫الصبر‬
‫الصبر هو حبس النفس بحيث ترضى بمكروه نزول بها‪ ،‬والمكروه له مصدران‪:‬‬
‫الول‪ :‬أمر ل غريم لك فيه‪ ،‬فان أصابك مثل مرض أو عجز‪ ،‬أو فقدت أحد أولدك بموت‪ ،‬فهذا ليس لك غريم فيه‪ ،‬ول‬
‫تستطيع أن تفعل معه شيئا‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أمر لك غريم فيه كأن يعتدي عليك أحد‪ ،‬أو يسرق مالك أو غير ذلك‪.‬‬
‫المر الذي ل غريم لك فيه‪ :‬ليس أمامك إل الصبر‪ ،‬والمر الذي لك غريم فيه تكون نفسك مشتعلة برغبة النتقام‪،‬‬
‫ولذلك يحتاج إلى صبر أكبر وصبر أطول‪ ،‬لن غريمك أمامك‪ ،‬فنفسك تطالبك بالنتقام منه‪ ،‬ولذلك يفرق الله سبحانه‬
‫وتعالى بين الصابرين فيقول سبحانه وتعالى‪ {:‬واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم المور} لقمانض ‪ ، 17‬ويقول‬
‫سبحانه وتعالى في آية أخرى‪ {:‬ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم المور} الشورى ‪ ، 43‬ووجود اللم هنا يدلنا على‬
‫أننا نحتاج إلى الصبر على غريم لنا‪ ،‬والى قوة إرادة وعزيمة حتى نمنع أنفسنا من النتقام‪.‬‬
‫والصبر له دوافع‪ ،‬فمن الناس من يأتيه أحداث شديدة فيظهر أمام الناس أنه اقوى من الحداث التي ل تستطيع أن‬
‫تنال منه‪ ،‬وانه جلد‪ ،‬وأنه صبور فهذا صبر ليس لبتغاء وجه الله‪ ،‬ولكنه صبر ليبين نفسه أنه فوق الحداث‪ ،‬أو صبر‬
‫أمام أعدائه حتى ل يشمتوا فيه‪ ،‬فقد قال الشاعر‪:‬‬
‫وتجلدي للشاتمين أريهم أني لريب الدهر ل أتضعضع‬
‫ولكن الحق سبحانه وتعالى يريد منا أن نصبر ابتغاء وجهه الكريم‪ ،‬فعندما ترى أمرا يحدث فاعرف أن فيه خيرا كثيرا‪،‬‬
‫واعلم أن لله فيه حكمة‪ ،‬ولو أنك خيّرت بين ما كان يجب أن يقع وبين ما وقع لخترت ما وقع‪.‬‬
‫إذن فالذي صبر ابتغاء وجه الله ينظر إلى مناط الحكمة في مورد القضاء عليه‪ ،‬ولذلك يقول‪ :‬أحمدك يا ربي على كل‬
‫قضائك‪ ،‬وجميع قدرك حمد الرضا بحكمك لليقين بحكمتك‪ ،‬هذا تيقن بالحكمة فل تأخذ المور بسطحية‪.‬‬
‫**‬
‫ألوان الصبر‬
‫إن الصبر في البأساء هو الصبر على ما يعتري النسان من بؤس وفقر‪ ،‬أما الصبر في الضراء فهو الصبر على آلم‬
‫البدن من مرض أو علل أو عاهات‪ ،‬والصبر حين البأس هو الصبر الذي يطلق على الصبر والصابرة في القتال أثناء‬
‫اللتقاء بالعدو‪ ،‬إذن فنحن أمام ثلثة ألوان من الصبر‪:‬‬
‫الول‪ :‬صبر على حال بؤس أو فقر‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الصبر على البتلء في البدن‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الصبر في لقاء العدو‪.‬‬
‫ولذلك يروى أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬قال الله تبارك وتعالى‪ ":‬إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم‬
‫يشكني إلى عوّاده أطلقته من إسارى ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه ثم يسالنف العمل"‪ .‬معنى‬
‫ذلك أن النسان إذا أصابه الله بأمر من أمور البتلء الذي يؤلم‪ ،‬ولم يتذمر العبد بالشكوى إنما صبر على ذلك البتلء‬
‫فان مات فان الله تعالى يغفر له ويرحمه‪ ،‬وان عافاه كانت عافيته بل ذنب‪.‬‬
‫لكن ل يجب أن نفهم من ذلك أن يستسلم النسان للحداث أو البتلءات دون أن يبحث عن حلول لها عند الطباء‬
‫مثل إن كنت مريضا‪ ،‬أو أن يأخذ بأسباب الله لزالة هذه النكبات‪ ،‬علينا أن نفهم أننا يجب أن نأخذ بأسباب الله دون‬
‫ضجر بما يمر علينا من أحداث‪.‬‬
‫**‬
‫حقيقة البر‬
‫يقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان} المائدة ‪ .2‬فما هو البر؟‬
‫البر‪ :‬ما اطمأنت إليه نفسك‪ ،‬والثم‪ :‬هو ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه أحد‪ ،‬بمعنى‪ :‬أن المر الذي تفعله‬
‫وتخاف أن يطلع عليه الناس‪ ،‬هو الثم‪ ،‬لنه لو لم يكن إثما لحببت أن يراك الناس وأنت تفعله‪.‬‬
‫إذن فقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان} هو أن كل جماعة من‬
‫الناس تأتي لتتعاون على مشروع خيري فنقول لها‪ :‬فليبارك الله لك ونشد على يديك‪ ،‬ولكن نحذرك من شيء واحد‬
‫هو أل تجعلي لجمعياتك نشاطا ينسب إلى غير دينك‪ ،‬مثال ذلك تلك الجمعيات المسماة بض الروتاري أو ما شابه ذلك‬
‫منض ضالسماءض ضالمشبوهةض ضوالوافدةض ضإليناض ضمنض ضالغربض ضويقالض ضأنض ضنشاطهاض ضخيري‪،‬ض ضلماذاض ضل ضتقدمونض ضالخيرض ضماض ضدامض ضمنكم‬
‫ولخوانكم باسم السلم‪.‬‬
‫إن الخير كل الخير أل ننخرط في هذه الجمعيات فان بدا فيها خير ظاهر فما تبطنه من شر أضعاف مضاعفة‪ ،‬وان‬
‫كان لواحد منا طاقة على العمل الخيري فليفعل ذلك من خلل دينه وعقيدته‪ ،‬وليعلم كل إنسان أن السلم طلب منا‬
‫أن تكون كل حياتنا للخير وذلك ما يجب أن يستقر في الذهان حتى ل يأخذ الظن الخطأ كل ما يصيبه الخير من هذه‬
‫الجمعيات أن الخير قادم من غير دين السلم أن من أميز ما يميز المؤمن‪ { ..‬وكانوا يسارعون في الخيرات} النبياء‬
‫‪..90‬‬
‫وليعلم كل مسلم أنه ليس فقيرا إلى القيم حتى يتسولها من الخارج‪ ،‬بل إن في دين السلم ما يغنينا جميعا عن‬
‫هؤلء‪ ،‬فإذا كنا نفعل الخير‪ ،‬ونقدم الخدمة الجتماعية للناس‪ ،‬فلماذا ل نسميها بمسمياتنا نحن؟ ونأخذ أهدافها من ديننا‬
‫نحن؟ ولماذا نجري وراء كل ما هو غربي؟‬
‫ولنقرأض ضجميعاض ضقولض ضالحقض ضسبحانهض ضوتعالى‪{:‬ض ضومنض ضأحسنض ضقول ضممنض ضدعاض ضإلىض ضاللهض ضوعملض ضصالحاض ضوقالض ضإننىض ضمن‬
‫المسلمين} فصلت ‪.33‬‬
‫**‬
‫التعاون على البر‬
‫يقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان} المائدة ‪.2‬‬
‫الحق سبحانه وتعالى يريد منا أن ننمي الخير ونمنع الهدم‪ ،‬وما دمنا نتعاون على الخير فعلى كل منا أن يعرف أنه‬
‫يستطيع أن يقيم كل أبنية الخير‪ ،‬إننا نسأل الفقير فنجده أحيانا صاحب ثوب واحد‪ ،‬ويتناول وجبة واحدة‪ ،‬وعندما تسأله‬
‫من أين تأتي برغيف الخبز فانه يشير إلى البقال الذي أعطاه هذا الرغيف‪ ،‬وهذا يلفتنا إلى أن الله قد سخر البائع أن‬
‫يأتى بالخبز ليشتري منه كل الناس‪ ،‬ولو سألت البائع من أين أتيت بالخبز الذي تبيعه لقال لك أنه من المخبز‪.‬‬
‫وعندما نذهب إلى المخبز فنجد بعض العمال يعجنون الدقيق وآخر يخبز‪ ،‬ولو سألت صاحب المخبز من أين أتيت‬
‫بالدقيق إلى المخبز؟ لقال لك من المطحن‪.‬‬
‫وفي المطحن نجد عشرات العمال والمهندسين يعملون من أجل طحن الدقيق‪ ،‬وهذا يلفتنا إلى قدرة الله سبحانه‬
‫الذي سخر بعضا من الممولين الذين اشتروا هذه اللت الضخمة التي ل يستطيع فرد واحد أن يشتريها بمفرده‪ ،‬وهذه‬
‫اللت الضخمة قامت بإنتاجها معامل ومصانع ضخمة فيها الكثير من العلماء الفذاذ الذين قاموا بدراسة الحركة‬
‫والطاقة من أجل تصميم هذه الجهزة‪.‬‬
‫إن النسان عندما يأكل رغيفا واحدا يعلم أن هناك عشرات من الدول والفراد يعملون من أجل هذا الرغيف‪ ،‬وتلك‬
‫مشيئة الحق سبحانه وتعالى من أجل تنظيم كل حركة الحياة‪ ،‬فالبقال الذي عرض الخبز عاون الناس‪ ،‬وكذلك الخباز‪،‬‬
‫ومن قبله الطحان والعجان‪ ،‬والذي استورد اللة‪ ،‬والذي صمم اللة‪ ،‬والكلية التي علمت المهندس الذي صممها‪.‬‬
‫م‬
‫ّ‬ ‫ت‬ ‫كلها‬ ‫إذن فالكل يتعاون من أجل رغيف خبز‪ ،‬ول أحد منا يفكر في هذا الرغيف إل ساعة أن يجوع‪ ،‬فحركة الحياة‬
‫بناؤها بالتعاون بين خلق الله كلهم‪ ،‬فالكل مسخر لخدمة الكل‪.‬‬
‫**‬
‫كظم الغيظ‬
‫يقول الحق سبحانه وتعالى في وصف المتقين{ والذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن‬
‫الناس والله يحب المحسنين} آل عمران ‪.134‬‬
‫إن من صفات المتقين كظم الغيظ‪ ،‬فعندما جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم خبر مقته عمه حمزة وقالوا له‪:‬‬
‫إن هندا قد انتزعت كبده وأكلته‪ ،‬فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم هل مضغتها؟‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ل‪ ،‬لفظتها‪.‬‬
‫لقد جعلها الله عصية عليها‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما كان الله ليعذب بعض حمزة في النار كأنها‬
‫هي ستذهب إلى النار لو أكلتها لتمثلت خليا كبده وعندما تذهب هند إلى النار فمعنى ذلك أن بعض حمزة قد دخل‬
‫النار‪ ،‬لذلك فكان ل بد أن تكون كبد حمزة عصية عليها وتلفظها‪ ،‬ولما كان مقتل حمزة رضي الله عنه من المواقف‬
‫التي سببت ألما شديدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪ :‬لن أظفرني الله بهم لقتلن‬
‫منهم سبعين‪ ،‬وهناء جاء القول الحق‪ {:‬والكاظمين الغيظ}‪.‬‬
‫إن الحق سبحانه وتعالى يأخذ ذروة الحدث وقمته في رسول الله من أكثر شيء اغتاظ منه‪ ،‬فيرشده سبحانه ويعلمه‬
‫وينزل عليه القرآن الكريم وفيه‪ {:‬وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‪ ،‬ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}‪ .‬النحل‬
‫‪.126‬‬
‫ذلك حتى نعرف أن الله ل ينفعل لحد‪ ،‬لن النفعال من صفات الغيار‪ ،‬لذلك أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم{ وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} فكان كظم الغيظ‪ ،‬وكانت التوجيهات اللهية لرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في أحداث أحد ثم بعد ذلك يشيعها الحق قضية عامة لتكون في السلم كما كانت في‬
‫الحرب‪ ،‬ولتكون أيضا معلما ومرشدا للناس للرتقاء في مراتب اليقين‪.‬‬
‫إن المور المعنوية مأخوذة من الحسيات‪ ،‬فأصل الكظم أن تمل ضالقربة‪ ،‬والقربة هي وعاء نقل الماء عند العرب‬
‫مصنوعة من جلد مقلوب‪ ،‬فإذا ملئت بالماء شد ّ على رأسها‪ ،‬أي ربطت ربطا محكما عند فوهتها بحيث ل يخرج منها‬
‫ما فيها‪ ،‬وهذا يسمى كظم القربة‪ ،‬أي ملؤها وربطها بشكل جيد‪.‬‬
‫والقربة بطبيعتها لينة‪ ،‬فلو وضعت على ظهر الدابة أو حملها رجل دون كظمها حينئذ يندفع الماء خارجا منها‪ ،‬ولكن‬
‫كظم القربة يجعل الماء ل يخرج منها‪.‬‬
‫كذلكض ضكظمض ضالغيظض ضيصنعض ضفيض ضالنفسض ضالبشريةض ضهياجا‪،‬ض ضول ضيمنعض ضاللهض ضالهياجض ضفيض ضالنفس‪،‬ض ضلنهض ضانفعالض ضطبيعي‪،‬ض ضوهذه‬
‫النفعالت الطبيعية لو لم يردها الله لمنع أسبابها في التكوين النسانى‪ ،‬ولكن الحق يريدها لشياء‪ ،‬مثال ذلك الغريزة‬
‫الجنسية فيريدها الله لبقاء النوع ولكنه يهذبها‪.‬‬
‫وكذلك الغيظ فهو طبيعة بشرية‪ ،‬والسلم ل يريد من المؤمن أن تكون عواطفه في قالب من حديد‪ ،‬ولكن السلم‬
‫يطلب من المؤمن أن ينفعل للحداث النفعال المناسب للحدث‪ ،‬النفعال المثمر‪ ،‬ل النفعال المدمر‪.‬‬
‫وقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬والعافين عن الناس} آل عمران ‪ ، 134‬يبين أن هناك فرقا بين النفعال في ذاته الذي‬
‫يبقى في النفس وتكظمه‪ ،‬وبين العفو‪ ،‬فالعفو هو‪ :‬أن تخرج الغيظ من قلبك‪ ،‬وأن تمحو كل أثر لما جرى‪ ،‬وكأن المر‬
‫لم يحدث‪ ،‬وهذه مرتبة ثانية‪ .‬أما المرتبة الثالثة‪ :‬فهي أن تنفعل انفعال ضمقابل ضفعندما تريد أن تعاقب فأنت تستبدل‬
‫ذلك بالحسان إليه‪.‬‬
‫إذن ففي اليات ثلث مراحل‪:‬‬
‫الولى‪ :‬كظم الغيظ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬العفو‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يجاوز النسان الكظم والعفو بأن يحسن إلى المسيء إليه‪ ،‬وهذا هو الرتقاء في مراتب اليقين‪.‬‬
‫ولكن ما معنى الرتقاء في مراتب اليقين؟‬
‫أنه عندما ل تكظم غيظك وتنفعل‪ ،‬فالمقابل لك أيضا أنك ل تستطيع أن تضبط انفعالك بحيث يساوي انفعاله‪ ،‬ويكون‬
‫المقابل لك ممتلئا بالحدة والغضب‪ ،‬بل قد يظل الغيظ آنذاك ناميا‪ ،‬لكن إذا ما كظمت الغيظ‪ ،‬انخفض في المقابل لك‬
‫الغضب وبذلك ستنتهي المشكلة‪.‬‬
‫**‬
‫المعاملة بإحسان‬
‫الحق سبحانه وتعالى أمرنا بمعاملة الوالدين بالحسان‪ ،‬لنهما السبب المباشر في وجودنا‪ ،‬وكما ربى الله عباده على‬
‫النعم‪ ،‬فالوالدان مكلفان من الحق أن يربيا البن صغيرا‪.‬‬
‫والحسان للوالدين هو المر الذي يجب أن تزيد فيه الرعاية عن المطلوب‪ ،‬فليست رعاية الوالدين مجرد نفقة مادية‬
‫يؤديها النسان على كره منه‪ ،‬إنما هى القيام برعايتهما بما يرتفع ويزيد من حدود الرعاية التقليدية‪ ،‬وإذا كان الله‬
‫تعالى فرض على كل مؤمن أن يعامل إخوانه بالحسنى إل انه سبحانه خص وأكد على ثلث طوائف هي‪:‬‬
‫الطائفة الولى‪ :‬الوالدان‪:‬‬
‫إن رعاية الوالدين أمر ل يستحب فيه القيام بالواجب في أقل الحدود‪ ،‬وإنما يجب أن يكون أعلى بأكثر من المطلوب‪،‬‬
‫وحتى نفهم معنى الحسان فلنا أن نعرف أن الذي يصلي الفروض الخمسة هو إنسان أدى ما عليه‪ ،‬ولكن إذا جاء في‬
‫الليل وصلى عشر ركعات أو عشرين ركعة طلبا في زيادة في المثوبة والجر من الله تعالى‪ ،‬فذلك ارتقاء من مرتبة‬
‫الداء إلى مقام الحسان‪ ،‬وهو الذي يفتح للنسان المؤمن الود مع الرحمن سبحانه وتعالى‪ .‬ولذلك نجد الله سبحانه‬
‫وتعالى يقول عن أصحاب مقام الحسان‪ {:‬إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما أتاهم ربهم‪ ،‬انهم كانوا قبل ذلك‬
‫محسنين كانوا قليل من الليل ما يهجعون وبالسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات‬
‫‪15‬ض ‪.19‬‬
‫الله تبارك وتعالى يوضح مرتبة الحسان فيصف سبحانه أهلها بأنهم ل يقومون فقط بما فرض عليهم من فرائض‪ ،‬بل‬
‫يزيدون عليها فيدخلون بأنفسهم مقام اليمان‪ ،‬ثم يترقون بكثرة الطاعات وعمل الخيرات ومراقبة الله تعالى في كل‬
‫أمر فيدخلون إلى مقام الحسان‪.‬‬
‫انهم ل يقومون إل الصلة في ميقاتها فقط‪ ،‬ولكن يزيدون عليها بالنوافل‪ ،‬ول يقومون بالفرائض فقط‪ ،‬ولكن يزيدون‬
‫عليها بالستغفار والذكر والتضرع إلى الله تعالى في السحر‪ ،‬ول يؤدون الزكاة فقط‪ ،‬ولكنهم يعتبرون أن أي مال لهم‬
‫هم مستخلفون فيه‪ ،‬ويعتبرون أن للسائل والمحروم حقا فيه‪ ،‬وهكذا يكون الحسان‪.‬‬
‫إن الله أمر بالحسان للوالدين وهو أن يقوم البن بما يتجاوز ما هو مفروض لهم خشية لوم الناس‪ ،‬بل هو الرتفاع‬
‫بمعاملة الب والم إلى مقام الحسان ومرضاة الله تعالى‪ ،‬ووفاء حقهم عليه‪.‬‬
‫الطبقة الثانية‪ :‬ذوو القربة‪.‬‬
‫إن الحق سبحانه وتعالى يحرض على السعي في طلب الرزق ويرغب فيه‪ ،‬ليعود بالنفع على المجتمع كله‪ ،‬فعندما‬
‫يعمل النسان عليه أن يجد ّض في عمله ليعود ثمرة عمله عليه ويفيض منه ما ينفق على والديه وأقاربه‪ ،‬وليس هنا‬
‫فحسب فكل ضعاف المسلمين‪ ،‬وأبناء السبيل يجب أن يكونوا في باله حينما يسعى للرزق وعندما يعمل كل إنسان‬
‫بهذا الفكر فل ضبد ّض للمجتمع كله أن يرتقي‪ ،‬ولسوف نجد دوائر القارب ترقى في مستوى إنسانى ل ضيسمح بفوارق‬
‫شاسعة في مستويات الحياة‪ ،‬وعندما تترقى دوائر القربى وتزدهر العلقات النسانية فانه ينقي النفوس من جشع‬
‫الثراء ولو على حساب القربين‪ ،‬أو جشع تدمير الخرين‪ ،‬ومثال على ذلك تلك السلسلة من العمارات السكنية التي‬
‫م علجها‬‫تنهار من وقت لخر أقامها الطمع الجاهل‪ ،‬واستبد بأصحابها الجشع القاتل فأصاب المجتمع بكوارث‪ ،‬إن ت ّ‬
‫مادياض فسوف ضتأخذ ضوقتا ضلعلج آثارهاض النفسية‪ ،‬وذلكض لغيبة اليمان ضفي قلب من أقامها‪،‬ض وضاع ضالضمير في ضسبيل‬
‫الحرص على سرعة الثراء مما أودى بحياة ساكني هذه المباني إلى الهلك‪.‬‬
‫إن الحسان في معاملة ذوي القربى يجعل من المجتمع النسانى مجتمعا متكافل ضمتآزرا فلن نجد فقيرا يعني من‬
‫العوز‪ ،‬ولن نجد مسكينا إل ضفي أقل القليل‪ ،‬ولذلك علينا أن نلحظ أن الحق سبحانه وتعالى لم يشرع نظام الزواج‬
‫وعلنيتهض ضإل ضليضمنض ضسعادةض ضالفرادض ضوالمحافظةض ضعلىض ضالنسابض ضوضرورةض ضالتكافلض ضالجتماعي‪،‬ض ضفيجعلض ضمنض ضالنسان‬
‫مسؤولية إيمانية هي رعاية والديه وأقاربه‪ ،‬فلن نجد في دائرة القربى لرجل أعطاه الله المال الكثير وهو حسن‬
‫اليمان من يشكو العوز‪ ،‬لن الرتفاع إلى مقام الحسان يتطلب من الغني أن يرعى حق الله في ذوي قرباه‪.‬‬
‫الطائفة الثالثة‪ :‬اليتامى‬
‫النسان اليتيم هو الذي فقد الب المسؤول عن الرعاية ماديا ومعنويا بينما نجد في الحيوان اليتيم هو من فقد الم‪،‬‬
‫ذلك أن البن عند الحيوان يعتمد في نموه وطعامه وتدريبه على الم‪ ،‬كما أن نسب البناء في النسان يكون لبائهم‪،‬‬
‫أما في الحيوانات فيصعب أن نجد هذا النسب‪ ،‬ذلك لن الحيوانات ل تعرف نظام الزواج الذي كّرم الله به النسان‪.‬‬
‫والم في المجتمع النسانى ترعى وتعطي حنانا وقيما‪ ،‬والب يعطي قدوة في السعي والحصول على الرزق الحلل‪،‬‬
‫ونحن نرى في هذا العصر الكثير من النساء متخليات عن البناء‪ ،‬ونرى الكثير من الباء مشغولين عن أبنائهم‪ ،‬كل ذلك‬
‫جرياض ضوراءض ضنهجض ضالحضارةض ضالغربيةض ضالتيض ضيأخذونض ضمنهاض ضبأسبابض ضالعلمض ضالذيض ضيمكنض ضأنض ضيرتفعض ضبمجتمعاتناض ضإلىض ضمستوى‬
‫المجتمعات المتقدمة تكنولوجيا‪.‬‬
‫إن مهمة الم في الحياة شاقة فهي‪ :‬حمل ورضاعة ورعاية لمدة ثلثين شهرا‪ ،‬لقد حملته كرها ووضعته ألما ثم تعهدته‬
‫في مهده بالعناية والرعاية واحتضنته حتى يبلغ سن النضج التي يصبح فيها قادرا على الخذ عن أبيه‪ ،‬وهي في ذلك‬
‫كله تعطي بحنان وحب ورقة مشاعر‪.‬‬
‫كذلك مهمة الب في الحياة شاقة انه قدوة سلوكية للبن‪ ،‬ورعاية كاملة عاطفيا وعقليا لذلك‪ ،‬فالرحمة واجب إيمانى‬
‫من البن لبويه‪.‬‬
‫**‬
‫معاني الحكمة‬
‫إن كلمة الحكمة تطلق في الصل على قطعة الحديد التي توضع في الحصان لتلجمه حتى يتحكم فيه الفارس‪ ،‬ذلك‬
‫أن الحصان حيوان مدلل يحتاج إلى ترويض فقطعة الحديد التي توضع في فمه تجعله محكوما من صاحبه‪.‬‬
‫والحكمة ضد السفه‪ ،‬والسفه كما نعرف هو أن نصنع الشيء دون دراية‪ ،‬وهكذا تكون الحكمة هي أن يوضع مجال‬
‫لكل حركة لتنسجم مع غيرها‪.‬‬
‫فالكون محكوم بالحق سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو الحكيم العليم الذي يضع لكل كائن إطاره وحدوده والحكمة في عموم‬
‫حركة الحياة‪:‬‬
‫فالحكمة في النحو أن تضع الكلمة في مكانها وبإعرابها‪.‬‬
‫والحكمة في الفقه أن نستنبط الحكم الصحيح‪.‬‬
‫والحكمة في الشعر أن نزن الكلمات على التفاعيل‪.‬‬
‫والحكمة في الطب أن نعرف تشخيص المرض والدواء المناسب له‪.‬‬
‫والحكمة في الهندسة هي أن تصمم المستشفى وفق احتياج المريض والطبيب إلى أجهزة العلج وأماكن لجراء‬
‫الجراحة‪،‬ض ضوكذلكض ضتصميمض ضأسلوبض ضالضاءةض ضوبقيةض ضالمرافق‪،‬ض ضوتحديدض ضأماكنض ضالمصاعدض ضومخازنض ضالدويةض ضوأماكنض ضإعداد‬
‫الطعام‪ ،‬وأماكن النقاهة‪ ،‬ثم أماكن العلج الخارجي‪.‬‬
‫وهذا التصميم للمستشفى يختلف بحكمته عن تصميم منزل سكني‪ ،‬وتنظيم عمارة للسكنى يستوجب توزيع الشقق‬
‫لراحة السكان جميعا‪ ،‬وحكمة بناء منزل تختلف عن حكمة بناء قصر أو مكان عمل‪.‬‬
‫فالحكمة إذن هي التوفيق‪ ،‬فإعداد مكان ليصلح لعمل معين أو وظيفة محددة يختلف عن أخذ مكان للسكن أو ليكون‬
‫ديوانا حكوميا‪.‬‬
‫إذن فالحكمة هي وضع الشيء في موضعه‪ ،‬نشهد ذلك في أي آلة من اللت‪ ،‬فاللة على سبيل المثال قد تكون‬
‫مكوّنة من خمسين قطعة وكل قطعة ترتبط بالخرى بمسامير أو غير ذلك‪ ،‬وما دامت كل قطعة في مكانها فان اللة‬
‫تسير سيرا حسنا‪ ،‬أما إذا توقفت اللة لخروج قطعة عن موضعها أو كسرها فإننا نستدعي المهندس ليضع كل قطعة‬
‫في مكانها فتعود اللة للعمل باستقامة‪ ،‬ومثال ذلك ما يكون في الوجود مبنيا على حكمة فل ضينشأ فيه فساد‪ ،‬فان‬
‫حدث الفساد فانه ينشأ من حركات تحدث بدون أن تكون حكيمة‪.‬‬
‫قديما على سبيل المثال كنا نرى السلك الكهربائية دون عوازل فكان يحدث منها ماس كهربائي‪ ،‬وكلما نجد خطأ‬
‫فإننا نعدّل من صنيعنا للشيء وهذه حكمة‪.‬‬
‫وقديما كنا نجد جميع السلك التي في السيارة ذات شكل واحد فكان يحدث ارتباك هند الصلح‪ ،‬لكن عندما جعل كل‬
‫سلك بلون معين فهذا يسهل عملية الصلح عند أي ارتباك وهذا حكمة‪.‬‬
‫إن الحكمة كما قلنا إذن هي وضع الشيء في موضعه‪ ،‬وما دام المر كذلك فان كل صانع يصلح لصنعته ويقدم لها‬
‫دليل الصيانة الكامل‪ ،‬ولما كنا نحن البشر خلقا من خلق الله نتعالى فهو سبحانه أعلم بمواطن الضعف والخلل فينا‪،‬‬
‫وكيفية معالجتها‪ ،‬وسبحانه لم يخلقنا همل ضول ضعبثا بل أرسل سبحانه الرسل وأنزل الكتب لتعالج داءات المجتمع‬
‫وأمراضه‪ ،‬فأعرضنا عنها وشرعنا ولنفسنا ما يوسوس حياتنا فاختلفت الموازين وانقلبت القيم وضاعت العراف بين‬
‫الناس‪ ،‬ودائما ما نقول إذا رأينا خلل في أي مجتمع فلنعلن أن هناك شيئا قد ناقض حكمة الله تعالى‪ ،‬وعندما نبحث‬
‫عن العطب سوف نجده تماما مثل أي عطب في أي آلة‪ ،‬فتأتي لها بالمهندس الذي يصلحها‪ ،‬وإذا ما حدث فساد في‬
‫المجتمع فإننا يجب أن نرده إلى خالق الخلق سبحانه‪ ،‬من خلل كتاب ربنا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫**‬
‫العدل‬
‫كل إنسان منا لو أدى ما في ذمته من حق للغير لما وجد التشاحن‪ ،‬ولما وجدت الخصومة‪ ،‬لذلك ل توجد في مثل تلك‬
‫الحالة ضرورة للمحاكم ومجالس فض النزاعات‪ ،‬ولكن الحق الذي خلق الخلق‪ ،‬يعلم أن النسان من الغيار‪ .‬لذا‬
‫فمنهم من يغفل عن هذه القضية‪ ،‬قضية أداء الحقوق فينشأ عنها الفساد في الرض‪ ،‬لذلك قضى الحق سبحانه‬
‫وتعالى بشيء آخر اسمه العدل فلو أن النسان قد أدى حقوق الغير كاملة لما احتجنا إلى المحاكم‪ ،‬لنه ل يوجد خلف‬
‫أصل‪.‬‬
‫لكن الحق سبحانه وتعالى وهو أعلم بمن خلق‪ ،‬ومن علمه أن خلقه سيطغى بعضهم على بعض‪ ،‬لذلك أوجد العدل‬
‫للقصاص ممن يبغي على غيره‪ ،‬وإعطاء كل ذي حق حقه قال تعالى‪ {:‬وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}‬
‫النساء ‪.58‬‬
‫والحق لم يقل إذا ائتمنتم فأدوا‪ ..‬ولكنه سبحانه وتعالى قال‪ {:‬إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها} النساء‬
‫‪.58‬‬
‫فإذا حدثت الغفلة عن أداء المانة فالذي ينصر أداء المانة خلل الغفلة هو العدل؛ فما هو العدل؟‬
‫إننا نعرف المانة وهو أن تؤدي حقا أو متعلق حق في ذمتك للغير‪ ،‬ولكن العدل غير ذلك فهو تأدية للغير‪ ،‬وذلك يكون‬
‫عن طريق الحكم‪ ،‬وهنا ل يكون هناك شيء متعلق للغير بذمتك ولكنه بشيء مكتوب أو مشهود عليه‪.‬‬
‫**‬
‫مطلوبات المانة‪..‬‬
‫ومطلوبات العدل‬
‫كما أن أداء المانة عامة فل ضبد ّض أن تكون آية العدل عامة أيضا فقوله سبحانه وتعالى‪ {:‬وإذا حكمتم بين الناس أن‬
‫تحكموا بالعدل} ل ضتخص هذه الية الحاكم وحده ولكنها تخص كل واحد من البشر المكلفين‪ ،‬فلو كنت محكما من‬
‫طرف قوم‪ ،‬ورضي الناس بك حكما بينهم في خصومة ما فعليك أن تحكم بالعدل‪ ،‬وقد تكون ل ولية لك على هؤلء‬
‫الناس‪ ،‬ولكن أصحاب المظلمة أو المشكلة حكموك فيها فعليك أن تحكم بين الناس بالعدل‪.‬‬
‫إذن فل بد أن تتمثل بمنهج الله تعالى‪{:‬وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} وذلك يكون في أي أمر من المور‬
‫حتى ولو كان المر يتعلق بحق من حقوق التكريم والموهبة‪ ،‬وليس من الضروري أن يكون الحكم بالعدل في المور‬
‫المادية‪ ،‬فها هو ذا المام علي رضي الله عنه برى غلمين يحتكمان إلى ابنه الحسن ليحكم بينهما في أمر هو‪ :‬أي‬
‫الخطين أجمل من الخر‪ ،‬خط الول أم خط الثاني؟ وهذا أمر قد ينظر الناس إليه على أنه أمر ل قيمة له‪ ،‬فما الذي‬
‫يستفيده واحد منهما بإعلن تفوقه على الخر في كتابة الخط‪ ،‬لكن المام عليا رضي الله عنه رأى في المسألة أمرا‬
‫مهما‪ ،‬لنها شغلت الطفلين‪ ،‬وصار كل واحد منهما يطلب معرفة ما يميزه عن الخر في كتابة الخط فقال المام علي‬
‫لبنه الحسن رضي الله تعلى عنه‪ :‬يا بني انظر كيف تقضي في هذا الحكم‪ ،‬والله تعالى سائلك عنه يوم القيامة‪.‬‬
‫وفي العصر الحديث نرى أنه قد وضعا قواعد محكمة للحكام الذين يقفون قضاة حتى ولو في المباريات الرياضية‬
‫المختلفة سواء كرة القدم أو الملكمة أو غيرها فلكل لعبة قوانين يترتب عليها قياس المهارات المختلفة بين البشر‪،‬‬
‫وما دام الواحد منا قبل أن يكون قاضيا حتى ولو كان في اللعب فعليه أن يعرف كيف يحكم بالعدل‪ ،‬ولذلك نرى نحن‬
‫غضب المتفرجين إذا تغاضى الحكم عن ضربة جزاء لصالح فرقة من الفرق‪ ،‬ونتعجب عندما نرى أن المجتمع يصمت‬
‫عند حدوث خلل في المور الجادة في الحياة‪ ،‬ففي اللعب نتمسك بقوانين الجد‪ ،‬ولكن نحن تركنا الجد بعد أن جردناه‬
‫من قانون خالقه جل وعل‪ ،‬فلو اعتنينا بالجد كاعتنائنا باللعب لصارت أمورنا إلى خير عميم‪.‬‬
‫إذن فالعدل هو حق في ذمة الغير للغير‪ ،‬ونحن أمناء عليه وعلينا أن نتحرى الصواب قدر الستطاعة لقول الله‬
‫ما يعظكم‬ ‫تعالى‪ {:‬إن الله يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل‪ ،‬إن الله نع ّ‬
‫به‪ ،‬إن الله كان سميعا بصيرا} النساء ‪.58‬‬
‫ما} هي أنه ل ضيوجد أفضل من هذه العظة فهي نعمة تستقيم بها حركة الحياة‪ ،‬وهي نعمة أداء‬ ‫وقوله تعالى‪ {:‬نع ّ‬
‫المانة والحكم بالعدل بين الناس‪ ،‬فإذا أدى الناس المانة فل ضنزاع‪ ،‬ول ضخلف‪ ،‬وإذا قاموا بالحكم وظهر أنه خلف‬
‫للعدل‪ ،‬فالعدل ينهيه‪ ،‬وإذا كان المجتمع عدل يحرس حقوق الناس عند الناس فلن يجرؤ ظالم على الظلم‪.‬‬
‫فالدقة في العدل تورث ميزة المانة إن غفل الناس عنها‪ ،‬فالذي يغري الناس بالظلم هو أن بعض الحكام الدنيوية ل‬
‫تأتي بالعدل‪ ،‬فيقال‪ :‬إن فلنا كان له سابقة وفعل مثلها ولم ينتبه أحد‪ ،‬وبذلك يتم الغراء بالظلم‪ ،‬لكن لو أننا في كل‬
‫صغيرةض ضوكبيرةض ضوجدناض ضالحكمض ضيردعض ضالظالمض ضويردض ضالحقض ضلصاحبهض ضل ضتنشرض ضالعدلض ضوالمانة‪،‬ض ضفذلكض ضقولض ضالحقض ضسبحانه‬
‫ما يعظكم به} وقد سميت هذه المسألة عظة‪ ،‬والوعظ هو ترقيق القلب للميل إلى الحكم‪ ،‬لن‬ ‫وتعالى‪ {:‬إن الله نع ّ‬
‫الله في أمره ونهيه ل حاجة له في أن يفعل الناس أو ل يفعلوا ولكنها مصلحة البشر مع البشر‪.‬‬
‫ومعلوم أن أحسن ألوان المر ما ل يعود على المر بفائدة‪ ،‬لن في عودة الفائدة على المر قد يشكك في المر‪ ،‬وقد‬
‫يوجد إنسان يأمر ول ضيكون لمره منفعة لنفسه ولكنه ل ضيكون واسع العلم‪ ،‬ول ضواسع الحكمة‪ ،‬لكن الحق سبحانه‬
‫وتعالى ليس له مصلحة في المر‪ ،‬وهو سبحانه واسع العلم والحكمة‪ ،‬لذلك فالعظة منه هي العظة العظمى وهو‬
‫سبحانه ل ينتفع بأمره‪.‬‬
‫ما يعظكم به} أي‪ :‬من نعم ما يعظكم به الله هو أن تؤدي المانات إلى أهلها وأن تحكموا بين‬ ‫إن قوله‪ {:‬إن الله نع ّ‬
‫الناس بالعدل‪ .‬وهنا نجد ملحظا في الداء البياني في القرآن الكريم فقول الحق‪ {:‬أن تؤدوا} هو أمر للجماعة‪ ،‬وهذا‬
‫يعني أن كل واحد من الجماعة المسلمة مطالب بأن يؤدي هذا الحكم أول‪ ،‬وليس المر متوقفا عند ذلك الحد ولكن‬
‫المهمة تتعدى إلى الخرين‪ ،‬فالمهمة ل تقتصر على حفظ حقوق الجماعة المؤمنة فقط ولكن الجماعة المؤمنة مكلفة‬
‫بأن تصون الحقوق بين الناس جميعا مؤمنهم وكافرهم فالحق سبحانه قال‪ {:‬وإذا حكمتم بين الناس} فهذا يقتضي‬
‫حماية حتى لمن ل يؤمن بدين السلم‪ ,‬ول توجد حماية لمن ل يؤمن بدين السلم أكثر من هذا‪ ،‬وأنه سبحانه يريد منا‬
‫أن نؤدي المانة إلى كل الناس سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين‪.‬‬
‫إن كلمة {الناس} في أمر الحق سبحانه وتعالى تدل على عدالة المر من الله تعالى وهو رب الناس‪ ،‬كل الناس‬
‫مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬فما دام الله هو الذي استدعى النسان إلى الدنيا ومنهم المؤمن والكافر فل أحد يخرج عن نطاق‬
‫الربوبية لله‪ ،‬انه سبحانه وتعالى تكفل برزق الجميع‪ ،‬ولذلك أمر الله الكون أن يعطي من أخذ بالسباب أن يصل إلى‬
‫الغابة بالمسببات سواء كان مؤمنا أم كان كافرا‪ ،‬انه عطاء الربوبية‪.‬‬
‫الله سبحانه وتعالى لم يسخر الكون للمؤمن فقط وإنما سخره للمؤمن والكافر‪ ،‬ولذلك طلب الحق منا أن نعدل بين‬
‫المؤمن والكافر ولذلك تكون المانة فيه مطلوبة للمؤمن والكافر‪ ،‬وهي مطلوبة للبار والفاجر‪ ،‬كذلك صلة الرحم‬
‫مطلوبة للبار والفاجر وذلك يدا على سعة رحمة الدين‪ ،‬ولذلك يترك الحق سبحانه وتعالى لعض القضية لتنشأ في‬
‫عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتي أشياء لتبين لنا بالتطبيق بعض القضية لتنشأ في عهد رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فتأتي أشياء لتبين لنا بالتطبيق أن هناك فرقا بين أن يكون المر نظريا‪ ،‬ولكنه سبحانه يريد المر‬
‫مطبقا عمليا‪.‬‬
‫والله سبحانه وتعالى خلق الخلق جميعا ويعرف عواطفهم‪ ،‬وأن هذه العواطف عند المؤمنين في بعض الحيان قد‬
‫تحابي المؤمن على حساب غيره‪ ،‬لذلك يشاء الله سبحانه وتعالى أن يجعل في تاريخ محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫أشياء تحدث معه هو ثم ينزل الله التشريع على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويكون الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم أول المكلفين به ليدلنا على أن التشريع في المسألة النسانية العامة تشريع ل ضيخص المؤمنين فقط ولكن‬
‫المؤمنين والكافرين ويكون ذلك إما دافعا لهم على الدخول في هذا الدين‪ ،‬وآما حسرة في نفوسهم لما يروا ما يتمتع‬
‫به المسلمون من سمو إيمانى وعدالة وانتصار للحق‪ ،‬ولكن لو ظلم المسلمون‪ ،‬لقال الكافرون إن المسلمين ظلمونا‬
‫ولو جدوا في ذلك مبررا للكفر‪.‬‬
‫وتروي كتب الحديث والتفسير قصة طعمة بن أبيريق الذي سرق درعا من زيد بن رفاعة عم قتادة بن النعمان‬
‫وكلهما مسلم والدرع كما نعرف هو اللباس الذي يحمي من طعنة العدو‪ ،‬ووضع طعمة الدرع المسروق في جوال‬
‫كان به دقيق‪ ،‬وغفل طعمة عن وجود بعض آثار الدقيق بين أنسجة الجوال فلما حمل طعمة الدرع في الجوال تناثر‬
‫الدقيق‪ ،‬وترك علمات في الطريق وهو يسير من بيت النعمان إلى بيته‪ ،‬وعندما وصل طعمة إلى بيته جاءه هاجس‬
‫هو أن الناس قد تنتبه إلى وجود الدرع عنده فذهب بالدرع داخل الجوال إلى بيت يهودي هو زيد السمين فترك الدرع‬
‫عنده‪ ،‬فلما فطن قتادة بن النعمان إلى ضياع الدرع خرج معلنا سرقة الدرع‪ ،‬وسار هو وبعض أصحابه ليتتبعوا الثر‬
‫فوجدوه يقودهم إلى بيت طعمة بن أبيرق فقال طعمة‪ :‬أنا لم أسرق‪.‬‬
‫وتتبعوا الثر ثانية فوجدوا الدرع عند زيد السمين اليهودي‪ ،‬ولما رفع المر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫طعمة بن أبيرق من قبيلة بني ظفر‪ ،‬وجاء أعوان القبيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا للرسول‬
‫تفاصيلها وقالوا‪ :‬لو أنصفنا زيد بن السمين فانه ستتم مؤاخذة طعمة بن ابيريق‪ ،‬وهذه سبة لنا وللمسلمين وسمع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمهم وهو أحرص الناس على أل توجد سبة للمسلمين‪ ،‬ول أن يوجد بينهم لص‪،‬‬
‫وسكت صلى الله عليه وسلم حتى يأتيه الوحي من ربه في هذه القضية وإذا بالمين جبريل ينزل بقوله تعالى‪ {:‬إنّا‬
‫أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله‪ ،‬ول تكن للخائنين خصيما واستغفر الله‪ ،‬إن الله كان غفورا‬
‫خوانا أثيما} النساء ‪105‬ض ‪.107‬‬‫رحيما ول تجادل عن الذين يختانون أنفسهم‪ ،‬إن الله ل يحب من كان ّ‬
‫إذن فالحق سبحانه أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أن صاحب الحق أولى ولو كان غير مسلم‪ ،‬وقال له‪ :‬استغفر‬
‫الله إن كان جال بخاطرك أن ترفع رأس مسلم خان على يهودي لم يخن‪.‬‬
‫إن استحياء بني ظفر من فضيحة طعمة بن أبيريق بين الناس ل يجب أن يلهيهم عن الفضيحة الكبر وهي الفضيحة‬
‫عند الله تعالى فل براءة لطعمة عند الله إذ يقول الحق سبحانه‪ {:‬هاأنتم هؤلء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن‬
‫يجادل الله عنهم يوم القيامة} النساء ‪.109‬‬
‫إذن فقول الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} النساء ‪ ،58‬هذا القول يقتضي أن يكون‬
‫الحكم والمانة أمرا شائعا بين كل الناس فل يخص المؤمنين فقط ولكن يخص المؤمنين والكافرين طالما ارتضوا أن‬
‫يعيشوا في دولة السلم‪.‬‬
‫ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقضي بين الناس أن يسوي بين الخصمين فل ينظر لواحد دون الخر‬
‫أي‪ :‬ل يكرم واحدا دون الخر‪ ،‬وذلك حتى يشعر الطرفان بالمساواة أمام القاضي فل ينظر القاضي إلى طرف بحنان‬
‫وعطف‪ ،‬وينظر إلى الخر بجفاء‪ ،‬إن النظرة يجب أن تكون متساوية‪ ،‬ولذا نجد المام عليا رضي الله تعالى عنه قد ر ّد‬
‫القاضي لنه قال له‪ :‬يا أبا الحسن! فقال علي رضي الله عنه‪:‬أنت ل تصلح لن تقضي بيني وبين خصمي لنك كنّيتني‬
‫دون أن تكنّيه‪ ،‬فالتكنية دليل المودة والتعظيم‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقول للقاضي‪ ":‬سوّ بينهم في‬
‫لحظك ولفظك" وذلك حتى يعرف القاضي أن فوقه إلها بصيرا بالعباد‪.‬‬
‫**‬
‫المانة‬
‫المانة هي ما يكون للغير عندك من حقوق وأنت أمين عليها فمن الناس من يقول‪ :‬لقد أودعت عند فلن أمانة‪ ،‬وهذه‬
‫المانة لو كانت بإيصال فهي ليست أمانة ذلك أن اليصال دليل‪ ،‬ولو كانت هذه الوديعة أمام شهود فليست أمانة‪.‬‬
‫المانة إذن هي أن يودع إنسانا إنسانا آخر شيئا‪ ،‬وأمانته هي حين يطلبها صاحبها أن يؤديها أو ينكرها‪.‬‬
‫إذن فالمانة في تحقيقها شيء يقبله النسان ممن يأتمنه ول حجة على النسان إل ذمة النسان فان شاء أقر‪ ،‬وان‬
‫شاء أنكر‪.‬‬
‫ومن المانة أن النسان خلق مختارا فان شاء قال ل اله إل الله‪ ،‬وان شاء ض والعياذ بالله ض لقال غير ذلك مثل الذين‬
‫كفروا وقال‪ {:‬إن الله ثالث ثلثة‪ ،‬وما من اله إل اله واحد} المائدة ‪.73‬‬
‫وعلى ذلك فالمانة التي أعطاها لنا الله هي أمانة الختيار فقد قال سبحانه‪ {:‬وهديناه النجدين} البلد ‪.10‬‬
‫انه سبحانه قد يسر لنا السبيل للختيار‪ ،‬لقد خلق الحق سبحانه وتعالى اللسان للنسان وهو صالح لن يقول‪ :‬ل اله إل‬
‫الله‪ ،‬وصالح أن يقول مثل الكافر‪ :‬الله ثالث ثلثة ض تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ض والحق خلق للنسان اليد فان شاء‬
‫ضرب بها إنسانا آخر‪ ،‬وان شاء أن يزيل بها حجرا عن الطريق أو يربت بها على كتف يتيم‪ ،‬والحق خلق للنسان‬
‫الساقين إن شاء ذهب بهما إلى المسجد‪ ،‬وان شاء ذهب بهما إلى أي مكان يعصي الله فيه‪ .‬وهذه هي المانة التي‬
‫عرضت على السموات والرض فأبين أن يحملنها‪ ،‬وحملها النسان‪.‬‬
‫حين خلق الله النسان أخذ عليه العهد والميثاق بأنه ربه وخالقه وعليه أن يعبده وحده ول ضيشرك به أحدا وأقّر‬
‫النسان بذلك‪ ،‬ثم أعطاه الله تعالى أمانة أن يحافظ على هذا العهد طواعية وحبا وان شاء نكص عنه‪ ،‬وأقرأ قول‬
‫الحق سبحانه‪ {:‬وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى‪ ،‬شهدنا‬
‫أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنا عن هذا غافلين} العراف ‪ 172‬أودع عند النسان أمانة فان شاء النسان فعل هذا أو ذا}‬
‫لذلك قال الحق سبحانه وتعالى‪ {:‬إنا عرضنا المانة على السموات والرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها‬
‫وحملها النسان انه كان ظلوما جهول} الحزاب ‪.72‬‬
‫كل الكائنات قد رفضت أن تحمل المانة‪ ،‬لن الكائنات لم تضمن لنفسها حسن الختيار وطلبت الكائنات أن يخلقها‬
‫الله مسخرة ل ضإرادةض اختيار‪ ،‬ولذلك نجد الكونياتض العلياض كالماء والرض والشمس ليس لهاض خيارض في شيء فهي‬
‫مسخرة‪ ،‬ولم ترض أن تكون مختارة‪.‬‬
‫وثمة فارق بين أن يقول كائن أتحمل المانة وبين أن يقول آخر أنا سأنفذ المانة كما سيريد الله‪ ،‬وما دام الكائن‬
‫سينفذها فلماذا ل يفعل النسان ما أراده الله بمنهجه؟ النسان لم يأخذ المانة الختيار إل طمعا في أن يكون حرا في‬
‫أن يفعل ذلك أو ل يفعل‪ ،‬ولو كان النسان كما يقول قد أخذ الختيار لينفذه وفق مرادات الله‪ ،‬فلماذا لم يقل يا رب‬
‫أنا ل أريد أن أكون مختارا واجعلني مقهورا‪ ،‬لذلك ل بد ّ أن يكون للنسان في الختيار مأرب آخر‪ ،‬إن السماء والرض‬
‫والجبال وكل الكونيات لم تقبل تحمل المانة خشية عدم القيام بحقها‪.‬‬
‫ولننتبه جيدا إلى أن هناك فارقا بين المر ساعة أن يتحمله النسان‪ ،‬والمر ساعة أن يؤديه‪ ،‬فعندما يقول لك قائل‪ :‬أنا‬
‫معي مائة جنيه واحفظها لي عندك حتى ل أبددها‪ ،‬فالنسان المتلقي لهذه المانة ل يتهمه أحد بذمته وهو قبل المائة‬
‫جنيه كأمانة فهو في نيته أن يحتفظ له بها ويؤديها في أي وقت يطلبها منه ‪ ،‬لقد ضبط النسان نفسه ساعة تحمل‬
‫المانة‪ ،‬ولكن هل يضبط النسان نفسه عندما يطلب منه أن يؤدي المانة قد تكون الدنيا ضاقت عليه وغلبته الظروف‬
‫فأضاع المانة في مستلزماته أو مستلزمات بيته‪.‬‬
‫إذن فهناك فرق بين أن يقدر النسان على نفسه وقت التحمل‪ ،‬ولكن ل يقدر على نفسه وقت الداء لذلك فالكونيات‬
‫كالجبال والسماء والشمس والقمر وغيرها قالوا نتحمل المانة ولكن قد ل ضنقدر على وقت الداء لذا‪ {:‬فأبين أن‬
‫يحملنها وأشفقن منها وحملها النسان انه كان ظلوما جهول}‪ ,‬ظلم نفسه لنه أدخلها في متاهة التحمل‪ ،‬وجهل بما‬
‫يكون عليه عند الداء‪.‬‬
‫والمانة كما قلنا هي حق في ذمة إنسان لنسان آخر عليه أن يكون مستعدا لداء الحق ساعة الطلب‪ ،‬وحين يعطي‬
‫إنسان إنسانا شيئا يصير الخذ مؤتمنا فان شاء أدّى‪ ،‬وان شاء لم يؤد‪ .‬لكن هناك أمانات أخرى لم يعطها إنسان‬
‫لنسان إنما أعطاها رب الناس لكل الناس‪ ،‬من هذه المانة التي هي عطاء من الله‪ ،‬العلم الذي أعطاه الله للناس‬
‫فهو أمانة فل تقل إن ما تعلمه للخرين هو دين عليهم إنما هو أمانة من الله عليك أن تؤديها لخلقه الذين ل يعلمون‪،‬‬
‫كذلك الحلم أمانة‪ ،‬من الله عليك أن تؤديها لخلقه الذين ل يعلمون‪ ،‬كذلك الحلم أمانة‪ ،‬والشجاعة أمانة‪ ،‬وكل صفات‬
‫الخير التي فيك أمانة وعليك أن تؤدي ضريبتها لخلق الله تعالى‪.‬‬
‫والمانة في المال قد تكون واضحة‪ ،‬إما في بقية الشياء فعلى النسان أن يعرف أنه مؤتمن عليها‪ ،‬لن صاحبها هو‬
‫من الله النسان على المواهب المختلفة حتى يؤديها للغير‪ ،‬فينتفع المجتمع النسانى كله‪.‬‬ ‫الله وهو خالقها فيك‪ ،‬لقد أ ّ‬
‫حده ول تشرك به أحدا‬ ‫إذن فليس من الضروري أن تكون المانة أمرها واضح‪ .‬فاللوهية حق لله وحده‪ ،‬فعليك أن تو ّ‬
‫وهذا أمانة عندك‪ ،‬والتزامك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمانة‪ ,‬وغيرتك على دينك ومجتمعك أمانة وفيما حباك‬
‫الله به من المواهب أمانة‪ ،‬فكل إنسان أمين على موهبته فليؤدها إلى غيره‪ ،‬وليعط أثرها لمن ل ضتوجد عنده هذه‬
‫الموهبة‪ ،‬لقد أعطى الله لهذا قوة في العضل‪ ،‬وثان قوة في الفكر‪ ،‬ولهذا قوة في الحلم‪ ،‬ولرابع قوة في العلم وغير‬
‫ذلك من المواهب‪ ،‬كل هذه أمانات أودعها الله في خلقه ليكون أداؤها محققا للتكامل بين الخلق بين الخلق‪ ،‬فحين‬
‫يؤدي كل إنسان أمانته لغيره من البشر يصبح كل إنسان موهب غيره من البشر‪.‬‬
‫وقمة المانة أن يعبد النسان خالقه ول ضيشرك به أحدا‪ ،‬والمانة في التكاليف التي كلفك الله بها فيجب على كل‬
‫إنسان إن يؤدي ما كلفه الله به‪ ،‬وليعلم النسان إن هذه التكاليف أمانة للغير عنده‪ ،‬فحين يكلفك الله بال تسرق فهو‬
‫سبحانه كلف الغير بال يسرقوك‪.‬‬
‫إذن فكل أمانة عند الغير هي أمانة عندك أدى المجتمع الذي يحيط بك المانة التي عنده لك‪.‬‬
‫والمانة إذا ضاعت كان ول بد ّ من العدل‪ ،‬لن النسان إذا ما عاش في مجتمع يؤدي كل واحد ما فيه للغير عنده لما‬
‫احتجنا إلى التقاضي‪ ،‬لن التقاضي إنما ينشأ من خصومة وخلفات‪ ،‬فالتقاضي سببه أن واحدا أنكر حق غيره‪ ،‬فيذهب‬
‫الثنان إلى المحكمة لتحكم بينهما بالعدل‪.‬‬
‫إذن‪ ,‬فإذا أدى كل واحد منا ما في ذمته من حق للغير لما وجد تقاض‪ ،‬ولما وجدت خصومة؛ ولذلك ل توجد في مثل‬
‫تلك الحالة ضرورة للذهاب إلى المحاكم للعدل بين الناس‪.‬‬
‫**‬
‫استقبال قضاء الله‬
‫الحق سبحانه وتعالى هو الذي خلق الضر كما هو خالق النفع‪ ،‬والضر يلفت النسان إلى نعم الله تعالى في الدنيا فإذا‬
‫ما رضي النسان وصبر فان الله يرفع عنه الضر‪ ،‬فالضر ل يستمر على إنسان إل إذا كان غير راض بقدر الله‪.‬‬
‫والحق سبحانه وتعالى ل يرفع قضاءه في خلقه إل بعد أن يرضى به الخلق‪ ،‬فالذي ل يقبل بقضاء الله في المصائب‬
‫مثل تستمر معه المصائب‪ ،‬أما الذي يريد أن يرفع الله عنه القضاء فليقل‪ :‬رضيت بقضاء الله تعالى‪ ،‬ويحمد الله على‬
‫كل ما أصابه‪.‬‬
‫والحق سبحانه وتعالى يعطينا نماذج على مثل هذا المر فها هو ذا الخليل إبراهيم عليه السلم يتلقى المر بذبح ابنه‬
‫الوحيد إسماعيل عليه السلم‪ ،‬وهذا المر قد يراه غير المؤمن بقضاء الله شديد القسوة‪ ،‬وليس هذا فقط‪ ،‬بل على‬
‫إبراهيم عليه السلم أن يذبح ابنه بنفسه‪ ..‬وهذا ارتقاء في البتلء‪ ،‬ولم يلتمس إبراهيم عذرا ليهرب من ابتلء الله له‪،‬‬
‫ولم يقل إنها مجرد رؤيا وليست وحيا فقد جاء المر في رؤية أراها الله لبراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫ولنتأمل عظمة الرضا في استقبال أوامر الله فيلهمه الحق أن يشرك ابنه إسماعيل في نيل ثواب الرضا فيقول له‬
‫ي أنى أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى‪ ،‬قال يا أبي‬ ‫ص القرآن الكريم‪ {:‬فلما بلغ معه السعي قال يابن ّ‬ ‫كما ق ّ‬
‫افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} الصافات ‪102‬‬
‫لقد بلغ إسماعيل ذروة السعي في مطالب الحياة مع أبيه‪ ،‬وجاء المر في المنام لبراهيم أن يذبح ابنه‪ ،‬وامتل قلب‬
‫إسماعيل بالرضا بقضاء الله‪ ،‬ولم يقاوم‪ ،‬ولم يدخل في معركة جدلية بل قال‪ {:‬يا أبت افعل ما تؤمر} لقد أخذ‬
‫إسماعيل عليه السلم أمر الله بقبول ورضا ولذلك يقول الحق سبحانه عنهما معا‪ {:‬فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه‬
‫أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا‪ ،‬انّا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلء المبين وفديناه بذبح عظيم}‪.‬‬
‫لقدض ضاشتركض ضالثنانض ضفيض ضقبولض ضقضاءض ضاللهض ضبرضا‪،‬ض ضوأسلمض ضكلض ضمنهماض ضللمر‪،‬ض ضأسلمض ضإبراهيمض ضكفاعل‪،‬ض ضوأسلمض ضإسماعيل‬
‫كمفعول به‪ ,‬ورأى الله تعالى صدق كل منهما في استقبال أمر الله‪ ،‬وهنا نادى الحق خليله إبراهيم عليه السلم لقد‬
‫استجبت أنت وإسماعيل إلى قضائي وحسبكما هذا المتثال‪ ،‬ولذلك يجيء إليك والى ابنك التخفيف‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬فنحن البشر لن نطيل على أنفسنا أمد القضاء بعدم قبولنا له‪ ،‬لكن لو سقط على إنسان أمر بدون أن يكون له‬
‫سبب فيه واستقبله من مجريه عليه وهو ربه بمقام الرضا فن الحق سبحانه وتعالى سيرفع عنه القضاء‪ ،‬فإذا رأيت‬
‫إنسانا طال عليه أمد القضاء فاعلم أنه فاقد الرضا‪.‬‬
‫**‬
‫النفاق ابتغاء مرضاة الله‬
‫يقول الله تعالى‪ {:‬ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جن ّة بربوة أصابها وابل‬
‫فآتت أكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل‪ ،‬والله بما تعملون بصير} البقرة ‪.265‬‬
‫إن ابتغاء مرضاة الله في النفاق يعني خروج الرياء من دائرة النفاق‪.‬‬
‫إن النفاق يكون أول إنفاقا في سبيل الله‪ ،‬ويكون ذلك باعتقاد النفس الجازم أن الله سبحانه هو الذي وهب المؤمن‬
‫ماله ودمه‪ ،‬ولذا كيف يهون شيء في سبيل مرضاته‪.‬‬
‫ن" أي ستر فمن‬ ‫ّ‬ ‫ج‬ ‫"‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫يدخله‪،‬‬ ‫من‬ ‫يستر‬ ‫أخضر‬ ‫كثيف‬ ‫زرع‬ ‫والجنة تطلق في اللغة‪ :‬على المكان الذي يوجد به‬
‫يدخل الجنة يكون مستورا‪.‬‬
‫الحق سبحانه بريد أن يضرب لنا المثل الذي يوضح الصنف الثاني من المنفقين في سبيل الله ابتغاء مرضاته‪ ،‬وتثبيتا‬
‫من أنفسهم ضد النفس الشهوانية‪ ،‬فيكون الفرد منهم كم دخل جنة كثيفة الزرع‪ ،‬هذه الجنة توجد في ربوة عالية‬
‫محاطة بأمكنة منخفضة عنها فماذا يفعل المطر بهذه الجنة التي توجد على هذه الربوة؟‬
‫الله سبحانه أخبرنا بما سيحدث لمثل هذه الجنة قبل أن يتقدم العلم الحديث‪ ،‬ويكشف أسرار المياه الجوفية وفائدتها‬
‫للزراعة‪ ،‬وهو أن الجنة التي في ربوة عالية ل يوجد بها مياه جوفية‪ ،‬لن المياه الجوفية إن وجدت فإنها تذهب إلى‬
‫جذر النباتات الشعرية فتفسدها بالعطن‪ ،‬فل ضتستطيع هذه الجذور أن تمتص الغذاء اللزم للنبات فيشحب النبات‬
‫بالصفرار ويموت بعد ذلك‪.‬‬
‫أما الجنة التي بربوة عالية‪ ،‬فالمياه التي تنزل عليها من المطر لها مصارف من جميع الجهات المنخفضة التي حولها‪،‬‬
‫وكأنها ترتوي بأحدث ما توصل إليه العلم من وسائل الري‪ ،‬إنها تأخذ المياه من أعلى أي من مطر‪ ،‬فتنزل المياه على‬
‫الوراق بما يجعلها تؤدي دورها فيما نسميه نحن بالتمثيل الكلورفولي‪ ،‬وبعد ذلك تنساب المياه إلى الجذور لتذيب‬
‫العناصر اللزمة في التربة لغذاء النبات‪ ،‬وتأخذ الجذور حاجتها من الغذاء المذاب في الماء‪ ،‬وينزل الماء الزائد من‬
‫ذلك إلى المصارف المنخفضة‪ ،‬وهذا أحدث اكتشاف لري الرض الزراعية‪ ،‬فالمحصول يتضاعف إنتاجه عندما يروى‬
‫بقدر‪.‬‬
‫إذن فالحق سبحانه وتعالى يخبرنا أن من ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم هم مثل هذه الجنة‬
‫التي تروى بأسلوب رباني‪ ،‬فإذا نزل عليها المطر الغزير أخذت منه حاجتها وينصرف باقي المطر عنها‪ ،‬وان لم يصبها‬
‫مطر غزير فطل‪ ،‬والطل‪ ،‬وهو الرذاذ القليل يكفيها‪ ،‬لتؤتي ضعفين من إنتاجها‪ ،‬وإذا كان الضعف هو ما يساوي الشيء‬
‫مرتين‪ ،‬فالضعفان يساويان الشيء أربع مرات‪ ،‬ولكن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يوضح لنا إن الذي ينفق ماله‬
‫ابتغاء وجه الله‪ ،‬هو غير الذي ينفق ماله رئاء الناس فيقول سبحانه‪ {:‬أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب‬
‫تجري من تحتها النهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت‪ ،‬كذلك‬
‫يبيّن الله لكم اليات لعلكم تتفكرون} البقرة ‪.266‬‬
‫الحق سبحانه وتعالى يشركنا في الصورة كأنه يريد أن يأخذ منا الشهادة الواضحة‪ ،‬فهل يود أحكم أن تكون له جنة‬
‫من نخيل وأعناب تجري من تحتها النهار‪ ،‬وفيها من كل الثمرات ؟ إن الجنة بهذه الصفة فيها خير كثير‪ ،‬لكن صاحبها‬
‫يصيبه الكبر ولم تعد فيه صحة وفتوة الشباب‪ ..‬انه محاط بالخير وهو أحوج ما يكون إلى ذلك الخير‪ ،‬لنه أصبح في‬
‫الكبر وليس له طاقة يعمل بها‪.‬‬
‫وهكذا تكون نفسه معلقة بعطاء هذه الجنة ل لنفسه فقط‪ ،‬ولكن لذريته الضعفاء‪.‬‬
‫هذه قمة التصوير للحتياج إلى الخير ل للنفس فقط ولكن للبناء الضعفاء‪ ،‬إننا أمام رجل محاط بثلثة ظروف‪:‬‬
‫الظرف الول‪ :‬هو الجنة التي فيها من كل الخير‪.‬‬
‫الظرف الثاني‪ :‬هو الكبر والضعف والعجز عن العمل‪.‬‬
‫الظرف الثالث‪ :‬هو الذرية الضعفاء‪.‬‬
‫هذه الجنة هاجمها إعصار فيه نار فاحترقت فأي حسرة يكون فيها هذا الرجل؟ إنها حسرة شديدة‪ ،‬هكذا تكون حسرة‬
‫من يفعل الخير رئاء الناس‪.‬‬
‫والعصارض ضكماض ضنعرفض ضهوض ضالريحض ضالشديدةض ضالمصحوبةض ضبرعدض ضوبرقض ضوأحياناض ضيكونض ضفيهض ضنارض ضوذلكض ضحينض ضتكونض ضالشحنات‬
‫الكهربائية ناتجة من تصادم السحب أو حاملة لقذائف نارية من بركان ثائر‪ .‬هكذا يكون حال من ينفق ماله رئاء‬
‫الناس‪ ،‬ابتداء مطمع وانتهاء يائس‪.‬‬
‫إذن فكل إنسان مؤمن عليه أن يتذكر ساعة أن ينفق هذا البتداء المثير للطمع وذلك النتهاء المليء باليأس‪ ،‬إنها‬
‫الفاجعة التي يصورها الشاعر بقوله‪:‬‬
‫فأصبحت من ليلة الغداة كقابض على الماء خانته فروج الصابع‬
‫كلما أبرقت قوما عطاشا غمامة فلما رأوها اقشعت وتجلت‬

You might also like