You are on page 1of 49

‫سبل السلم‬

‫شرح بلوغ المرام‬


‫للصنعاني‬

‫كتاب النكاح‬
‫النكاح لغة الضم والتداخل ويستعمل في الوطء‪:‬‬
‫وفي العقد قيل مجاز من إطلق اسم المسبب على السبب وقيل إنه حقيقة فيهما وهو مراد من قال إنه مشترك‬
‫فيهما‪.‬‬
‫وكثر استعماله في العقد فقيل إنه فيه حقيقة شرعية ولم يرد في الكتاب العزيز إل في العقد‪.‬‬
‫شرَ الشبّابِ َمنِ‬ ‫ع ْن ُه قالَ‪ :‬قالَ َلنَا رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬يَا َم ْع َ‬ ‫ع ْبدِ ال بنِ مَسْعودٍ رَضيَ ال َتعَالى َ‬ ‫عَنْ َ‬
‫ع مِن كم البا َءةَ فَ ْل َي َتزَوَ جْ فإنّ ُه أَغَضّ ل ْلبَ صَر وََأحْ صَنُ للْفرج‪َ ،‬ومَ نْ ل ْم ي ستطعْ َفعََليْ هِ بال صّ ْومِ فإنّ ُه لَ هُ ِوجَاءٍ"‬‫ا سْتطا َ‬
‫ُمتّفقٌ عََليْهِ‪.‬‬
‫(عن ابن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم‬
‫الباءة) بالباء الموحدة والهمزة والمد (فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم‬
‫فإنه لو وجاء) بكسر الواو والجيم والمد (متفق عليه)‪.‬‬
‫وقع الخطاب منه للشباب لنهم مظنة الشهوة للنساء‪.‬‬
‫واختلف العلماء في المراد بالباءة وال صح أن المراد ب ها الجماع فتقديره من ا ستطاع من كم الجماع لقدر ته على‬
‫مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنته فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر مائه كما‬
‫يقطع الوجاء‪.‬‬
‫ووقع في رواية ابن حبان مدرجا تفسير الوجاء بأنه الخصاء وقيل الوجاء رض الخصيتين والخصاء سلبهما‪.‬‬
‫والمراد أن الصوم كالوجاء‪.‬‬
‫والمر بالتزوج يقتضي وجوبه مع القدرة على تحصيل مؤنته وإلى الوجوب ذهب داود وهو رواية عن أحمد‪.‬‬
‫وقال ابن حزم‪ :‬وفرض على كل قادر على الوطء إن وجد أن يتزوج أو يتسرى فإن عجز عن ذلك فليكثر من‬
‫الصوم وقال‪ :‬إنه قول جماعة من السلف‪.‬‬
‫وذ هب الجمهور إلى أن ال مر للندب م ستدلين بأ نه تعالى خ ير ب ين التزوج والت سري بقوله‪{ :‬فواحدة أو مامل كت‬
‫أيمانكم} والتسري ل يجب إجماعا فكذا النكاح لنه ل تخيير بين واجب وغير واجب إل أن دعوى الجماع غير‬
‫صحيحة لخلف داود وابن حزم‪.‬‬
‫وذكير ابين دقييق العييد أن مين الفقهاء مين قال بالوجوب على مين خاف العنيت وقدر على النكاح وتعذر علييه‬
‫التسري وكذا حكاه القرطبي فيجب على من ل يقدر على ترك الزنا إل به‪ .‬ثم ذكر من يحرم عليه ويكره ويندب‬
‫له ويباح‪.‬‬
‫فيحرم على من يخل بالزوجة في الوطء والنفاق مع قدرته عليه وتوقانه إليه‪.‬‬
‫ويكره في حق مثل هذا حيث ل إضرار بالزوجة‪.‬‬
‫والباحة فيما إذا انتفت الدواعي والموانع‪.‬‬
‫ويندب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطء شهوة لقوله صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬فإني مكاثر‬
‫بكم المم" ولظواهر الحث على النكاح والمر به‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬فعليه بالصوم" إغراء بلزوم الصوم‪.‬‬
‫وضمير عليه يعود إلى "من" فهو مخاطب في المعنى‪.‬‬
‫وإنما جعل الصوم وجاء لنه بتقليل الطعام والشراب يحصل للنفس إنكسار عن الشهوة ولسر جعله ال تعالى في‬
‫الصوم فل ينفع تقليل الطعام وحده من دون صوم‪.‬‬
‫وا ستدل به الخطا بي على جواز التداوي لق طع الشهوة بالدو ية وحكاه البغوي في شرح ال سنة ول كن ينب غي أن‬
‫يح مل على دواء ي سكن الشهوة ول يقطعها بال صالة لنه قد يقوى على وجدان مؤن النكاح بل قد و عد ال من‬
‫ي ستعف أن يغن يه من فضله ل نه ج عل الغناء غا ية لل ستعفاف ولن هم اتفقوا على م نع ال جب والخ صاء فل حق‬
‫بذلك ما في معناه‪.‬‬
‫وفيه الحث على تحصيل ما يغض به البصر ويحصن الفرج‪.‬‬
‫وفيه أنه ل يتكلف للنكاح بغير الممكن كالستدانة‪.‬‬
‫واسيتدل بيه العراقيي على أن التشرييك فيي العبادة ل يضير بخلف الرياء لكنيه يقال إن كان المشرك عبادة‬
‫كالمشرك فيه فإنه ل يضر فإنه يحصل بالصوم تحصين الفرج وغض البصر‪.‬‬
‫وأما تشريك المباح كما لو دخل إلى الصلة لترك خطاب من يحل خطابه فهو محل نظر يحتمل القياس على ما‬
‫ذكر ويحتمل عدم صحة القياس‪.‬‬
‫نعم إن دخل في الصلة لترك الخوض في الباطل أو الغيبة وسماعها كان مقصدا صحيحا‪.‬‬
‫وا ستدل به ب عض المالك ية على تحر يم ال ستمناء ل نه لو كان مباحا لر شد إل يه ل نه أ سهل و قد أباح ال ستمناء‬
‫بعض الحنابلة وبعض الحنفية‪.‬‬
‫حمِ َد اللّ هَ وأَثنى عََل ْي هِ وقالَ‪" :‬لكني أَنا أُ صَلّي‬‫ن النبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم َ‬ ‫عنْ هُ‪ :‬أَ ّ‬‫ع نْ َأنَس ب نِ مَال كٍ رض يَ ال َ‬ ‫وَ َ‬
‫سنّتي فََليْس مني" ُمتّفقٌ عََليْهِ‪.‬‬ ‫عنْ ُ‬‫طرُ وَأتَزوّجُ النّساءَ‪َ ،‬فمَنْ رَغِبَ َ‬ ‫وََأنَامُ وَأصُومُ وُأفْ ِ‬
‫ح ِمدَ اللّ هَ وأَثنى عََل ْي ِه وقالَ‪" :‬لكني أَنا أُصَلّي‬‫ن النبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َ‬ ‫ع ْن هُ‪َ :‬أ ّ‬
‫ن َأنَس ب نِ مَالكٍ رضيَ ال َ‬ ‫عْ‬ ‫(وَ َ‬
‫سنّتي فََليْس مني" ُمتّف قٌ عََليْ هِ) هذا اللفظ لمسلم وللحديث‬ ‫ع نْ ُ‬
‫طرُ وَأتَزوّ جُ النّساءَ‪َ ،‬فمَ نْ رَغِ بَ َ‬
‫وََأنَا مُ وأَ صُومُ وُأفْ ِ‬
‫سبب وهو أنه قال أنس‪" :‬جاء ثلثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى ال عليه وآله وسلم يسألون عن عبادته‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم فلما أُخبروا كأنهم تقالوها فقالوا‪ :‬أين نحن من رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قد غفر‬
‫ال له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬فقال أحدهم‪ :‬أمّا أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر‪ :‬وأنا أصوم الدهر ول‬
‫أفطر وقال آخر‪ :‬وأنا أعتزل النساء فل أتزوج‪ ،‬فجاء رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم إليهم فقال‪ :‬أنتم قلتم‬
‫كذا وكذا؟ أما وال إني لخشاكم ل وأتقاكم له ولكني أنا أصلي وأنام وأصوم يييي الحديث"‪.‬‬
‫و هو دل يل على أن المشروع هو القت صاد في العبادات دون النهماك والضرار بالن فس وه جر المألوفات كل ها‬
‫وأن هذه الملة المحمدية مبنية شريعتها على القتصاد والتسهيل والتيسير وعدم التعسير‪{ :‬يريد ال بكم اليسر ول‬
‫يريد بكم العسر}‪.‬‬
‫قال الطبري‪ :‬في الحديث الرد على من منع استعمال الحلل من الطيبات مأكل وملبسا‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪ :‬هذا مما اختلف فيه السلف فمنهم من ذهب إلى ما قاله الطبري ومنهم من عكس واستدل‬
‫بقوله تعالى‪{ :‬أذهبتكم طيباتكم في حياتكم الدنيا}‪.‬‬
‫قال‪ :‬والحق أن الية في الكفار وقد أخذ النبي صلى ال تعالى عليه وآله وسلم بالمرين‪ ،‬والولى التو سط في‬
‫المور وعدم الفراط في ملزمة الطيبات فإنه يؤدي إلى الترفّه والبطر ول يأمن من الوقوع في الشبهات فإن‬
‫من اعتاد ذلك قد ل يجده أحيانا فل يستطيع الصبر عنه فيقع في المحظور‪.‬‬
‫ك ما أن من م نع من تناول ذلك أحيانا قد يفضيي به إلى التن طع و هو التكلف المؤدي إلى الخروج عن ال سنة‬
‫المنهي عنه ويرد عليه صريح قوله تعالى‪{ :‬قل من حرم زينة ال التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق}‪.‬‬
‫كما أن الخذ بالتشديد في العبادة يؤدي إلى الملل القاطع لصلها‪.‬‬
‫وملزمية القتصيار على الفرائض مثلً وترك النفيل يفضيي إلى البطالة وعدم النشاط إلى العبادة وخيار المور‬
‫أوسطها‪.‬‬
‫وأراد صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم بقوله‪" :‬فمن ر غب عن سنتي" عن طريقتي "فليس مني" أي ليس من أهل الحنيفية‬
‫السيهلة بيل الذي يتعيين علييه أن يفطير ليقوى على الصيوم وينام ليقوى على القيام وينكيح النسياء ليعيف نظره‬
‫وفرجه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن أراد من خالف هديه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم وطريقته أن الذي أتى به من العبادة أرجح مما كان عليه‬
‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم فمعنى "ليس مني" أي ليس من أهل ملّتي لن اعتقاد ذلك يؤدي إلى الكفر‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ع نِ ال ّتبَتُل نهْيا شَديدا َو َيقُولُ‪َ " :‬تزَ ّوجُوا‬ ‫ن ر سولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يَأمُرُنَا بالبَاءَة َو َينْهَى َ‬ ‫وع نه قالَ‪ :‬كا َ‬
‫ع ْندَ أَبيي داودَ‬ ‫َهي شَا ِهدٌ ِ‬
‫حبّانيَ‪ ،‬وَل ُ‬
‫ابني ِ‬
‫ححَ ُه ُ‬ ‫َصي ّ‬
‫ح َمدُ و َ‬ ‫َاهي َأ ْ‬
‫ْمي القِيامَةِ" رَو ُ‬ ‫ل ْن ِبيَاءَ َيو َ‬
‫ُمي ا َ‬
‫ا ْلوَلُو َد الْودُو َد فإنيي مُكاثِ ٌر بك ُ‬
‫ل بنِ يسار‪.‬‬ ‫ن حديث َمعْقِ ِ‬ ‫ن مِ ْ‬
‫حبّا َ‬
‫والنسائي وابنِ ِ‬
‫ع نِ ال ّتبَتُل نهْيا شَديدا‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يَأمُرُنَا بالبَاءَة َو َينْهَى َ‬ ‫(وع نه) أي عن أ نس (قال‪ :‬كا نَ ر سو ُ‬
‫حبّا نَ‪ ،‬وَلَ هُ شَا ِهدٌ‬ ‫ن ِ‬ ‫ححَ ُه اب ُ‬
‫صّ‬ ‫ح َمدُ وَ َ‬‫ل ْن ِبيَاءَ يَوْ مَ القِيامَةِ" رَوَا هُ َأ ْ‬ ‫َويَقُولُ‪َ " :‬تزَ ّوجُوا الْوَلُودَ الْودُودَ فإ ني مُكا ِثرٌ بكُ مُ ا َ‬
‫ن يسار)‪.‬‬ ‫لبِ‬ ‫ن حديث َمعْقِ ِ‬ ‫حبّانَ مِ ْ‬ ‫ن ِ‬‫ع ْندَ أَبي داودَ والنسائي واب ِ‬ ‫ِ‬
‫التبتل النقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعا إلى عبادة ال‪.‬‬
‫وأصل البتل القطع ومنه قيل لمريم البتول وفاطمة عليها السلم البتول لنقطاعهما عن نساء زمانهما دينا وفضلً‬
‫ورغبة في الخرة‪.‬‬
‫والمرأة الولود كثيرة الولدة ويعرف ذلك في البكر بحال قرابتها‪.‬‬
‫والودود المحبوبة بكثرة ما هي عليه من خصال الخير وحسن الخلق والتحبب إلى زوجها‪.‬‬
‫والمكاثرة المفاخرة وفيه جوازها في الدار الخرة ووجه ذلك أن من ُأ ّمتُ ُه أكثر فثوابه أكثر لن له مثل أجر من‬
‫تبعه‪.‬‬
‫ح ا ْلمَرْأَ ُة ل ْربَعٍ‪ :‬لمالها وِلحَسَبها‬ ‫عنِ النبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم قال‪ُ " :‬تنْك ُ‬ ‫عنْ هُ َ‬
‫عنِ أَبي هُريرة رضيَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫وَ َ‬
‫س ْبعَةِ‪.‬‬
‫ت الدّينِ تَربَتْ َيدَاكَ" ُمتّ َفقٌ عََل ْيهِ مَ َع بَقيّ ِة ال ّ‬ ‫جمَالها وَلدينها‪ :‬فَاظْ َفرْ بذا ِ‬ ‫وِل َ‬
‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قال‪ :‬تنكح المرأة) أي‪ :‬الذي يرغب في نكاحها‬
‫ويد عو إل يه خ صال أر بع (لمال ها وح سبها وجمال ها ولدين ها فاظ فر بذات الد ين تر بت يداك‪ .‬مت فق عل يه) ب ين‬
‫الشيخين (مع بقية السبعة) الذين تقدم ذكرهم في خطبة الكتاب‪.‬‬
‫الحد يث إخبار أن الذي يد عو الرجال إلى التزوج أ حد هذه الر بع وآخر ها عند هم ذات الد ين فأمر هم صَلّى ال‬
‫عََليْهِ َوسَلّم أنهم إذا وجدوا ذات الدين فل يعدلوا عنها‪.‬‬
‫و قد ورد الن هي عن نكاح المرأة لغ ير دين ها فأخرج ا بن ما جه والبزار والبيه قي من حد يث ع بد ال بن عمرو‬
‫مرفوعا‪" :‬ل تنكحوا الن ساء لحسينهن فلعله يردي هن ول لمال هن فلعله يطغي هن وانكحو هن للد ين‪ ،‬ول مة سوداء‬
‫خرقاء ذات دين أفضل"‪.‬‬
‫وورد في صفة خ ير الن ساء ما أخر جه الن سائي عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪" :‬ق يل‪ :‬يا ر سول ال أي‬
‫النساء خير؟ قال‪ :‬التي تسره إن نظر وتطيعه إن أمر ول تخالفه في نفسها ومالها بما يكره"‪.‬‬
‫والحسب هو الفعل الجميل للرجل وآبائه‪.‬‬
‫و قد ف سر الح سب بالمال في الحد يث الذي أخر جه الترمذي وح سنه من حد يث سمرة مرفوعا‪" :‬الح سب المال؛‬
‫والكرم التقوى"‪.‬‬
‫إل أنه ل يراد به المال في حديث الباب لذكره بجنبه فالمراد فيه المعنى الول‪.‬‬
‫ودل الحديث على أن مصاحبة أهل الدين في كل شيء هي الولى لن مصاحبهم يستفيد من أخلقهم وبركتهم‬
‫وطرائقهم ول سيما الزوجة فهي أولى من يعتبر دينه لنها ضجيعته وأم أولده وأمينته على ماله ومنزله وعلى‬
‫نفسها‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬تربت يداك" أي التصقت بالتراب من الفقر وهذه الكلمة خارجة مخرج ما يعتاده الناس في المخاطبات ل‬
‫أنه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم قصد بها الدعاء‪.‬‬
‫جمَ َع َب ْي َنكُمَا‬
‫ج قالَ‪" :‬بار كَ اللّ ُه لك وبار كَ عَلَي كَ َو َ‬ ‫ن النبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كا نَ إذا رَ ّفأَ إنسانا إذا تزو َ‬ ‫عنْ ُه أَ ّ‬
‫وَ َ‬
‫حبّانَ‪.‬‬‫خزَ ْيمَةَ وابنُ ِ‬ ‫ن ُ‬‫ححَهُ الترْمذي واب ُ‬ ‫صّ‬ ‫ح َمدُ وال ْر َبعَةُ َو َ‬
‫خ ْيرٍ" رَوَا ُه َأ ْ‬
‫في َ‬
‫(وعنه) أي‪ :‬أبي هريرة (أن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان إذا رفأ) بالراء وتشديد الفاء فألف مقصورة (إنسانا‬
‫صحّحَ ُه الترْمذي واب نُ‬ ‫ح َمدُ والرْ َبعَةُ وَ َ‬ ‫خ ْيرٍ" َروَا هُ َأ ْ‬‫جمَ َع َب ْينَ ُكمَا في َ‬ ‫إذا تزوج قال‪" :‬بار كَ اللّ ُه لك وبار كَ عَلَي كَ َو َ‬
‫حبّانَ)‪.‬‬‫ن ِ‬ ‫خ َز ْيمَةَ واب ُ‬‫ُ‬
‫ت الرجل إذا سكنت ما به من ورع‪.‬‬ ‫ال ّرفَاءُ الموافقة وحسن المعاشرة وهو من رفأ الثوب وقيل‪ :‬من رفو ُ‬
‫فالمراد إذا دعا صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم للمتزوج بالموافقة بينه وبين أهله وحسن العشرة بينهما قال ذلك‪.‬‬
‫و قد أخرج بق يّ بن مخلد عن ر جل من ب ني تم يم قال‪ :‬ك نا نقول في الجاهل ية بالرفاء والبن ين فعلم نا ر سول ال‬
‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم فقال قولوا‪ :‬الحديث‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وأخرج م سلم من حد يث جابر‪ :‬أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال له‪ :‬تزو جت؟ قال‪ :‬ن عم قال‪" :‬بارك ال لك" وزاد‬
‫الدارمي‪" :‬وبارك عليك"‪.‬‬
‫وفيه أن الدعاء للمتزوج سنّة فيسن له أن يفعل ويدعو بما أفاده حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن‬
‫ال نبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬إذا أفاد أحد كم امرأة أو خادما أو دا بة فليأ خذ بنا صيتها ولي قل‪ :‬الل هم إ ني أ سألك‬
‫خيرها وخير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه‪.‬‬
‫ش ّهدَ في الحاجَةِ‪" :‬إن‬ ‫وَعَن ع ْبدِ اللّ ِه ب نِ مَ سْعو ٍد رض يَ اللّ هُ عن ُه قالَ‪ :‬عَّل َمنَا رسولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ال ّت َ‬
‫ن ي ْهدِ اللّ ُه فَل ُمضِلّ لَ ُه َومَ نْ ُيضْلِلْ فَل‬ ‫سنَا‪ ،‬مَ ْ‬
‫ن شرور َأنْفُ ِ‬ ‫الح ْمدَ للّ هِ نحْمدُه ون س ْت َعيِنُ ُه َونَ سْ َتغْ ِفرُهُ‪َ ،‬و َنعُوذُ بال مِ ْ‬
‫ع ْبدُهُي َورَسيُولُهُ" َويَ َقرَأُ ثَلثَي آياتيٍ‪ ،‬رَوَاهُي أَحمدُ والرْبعةُ‬ ‫حمّدا َ‬ ‫هاديَي لَهيُ‪ ،‬وََأشْهدُ أَن ْي ل إله إلّ اللّهُي وََأشْهدُ أَنّ ُم َ‬
‫سنَهُ الترْمذيّ والحاكمُ‪.‬‬ ‫حّ‬‫َو َ‬
‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ال ّتشَ ّهدَ في الحاجَةِ) زاد‬ ‫(وَعَن ع ْب ِد اللّ هِ ب نِ مَ سْعودٍ رض يَ اللّ ُه عن هُ قالَ‪ :‬عَّل َمنَا رسو ُ‬
‫ن شرور‬ ‫ف يه ا بن كث ير في الرشاد‪ :‬في النكاح وغيره (إن الح ْمدَ للّ هِ نحْمدُه ون س ْت َعيِنُ ُه َونَ سْ َتغْ ِفرُهُ‪َ ،‬و َنعُوذُ بال مِ ْ‬
‫ع ْبدُ هُ‬
‫حمّدا َ‬ ‫سنَا‪ ،‬مَ نْ ي ْهدِ اللّ ُه فَل ُمضِلّ لَ هُ َومَ نْ ُيضْلِلْ فَل هاد يَ لَ هُ‪ ،‬وََأشْهدُ أَ نْ ل إله إل اللّ هُ وََأشْهدُ أَنّ ُم َ‬ ‫َأنْفُ ِ‬
‫حسّنَ ُه الترْمذيّ والحاكمُ‪.‬‬ ‫ث آياتٍ‪ ،‬رَوَاهُ أَحمدُ والرْبعةُ َو َ‬ ‫َورَسُوُلهُ" َويَ َقرَأُ ثَل َ‬
‫واليات‪{ :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم}‪.‬‬
‫والثانية‪{ :‬يا أيها الذين امنوا اتقوا ال حق تقاته} كذا في الشرح‪.‬‬
‫وفي الرشاد لبن كثير ع ّد اليات في نفس الحديث‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬في الحاجة" عام لكل حاجة ومنها النكاح وقد صرح به في رواية كما ذكرناه‪.‬‬
‫وأخرج البيهقي أنه قال شعبة‪ :‬قلت لبي إسحاق‪ :‬هذه خطبة النكاح وغيرها قال‪ :‬في كل حاجة‪.‬‬
‫وفيه دللة على سنية ذلك في النكاح وغيره ويخطب بها العاقد بنفسه حال العقد وهي من السنن المهجورة‪.‬‬
‫وذهبت الظاهرية إلى أنها واجبة ووافقهم من الشافعية أبو عوانة وترجم في صحيحه "باب وجوب الخطبة عند‬
‫العقد"‪.‬‬
‫ويأتي في شرح الحديث التاسع ما يدل على عدم الوجوب‪.‬‬
‫ن اسْتطاعَ أَنْ َي ْنظُ َر ِم ْنهَا إلى ما‬ ‫ح ُدكُم المرْأَ َة فإ ِ‬‫خطَبَ َأ َ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬إذا َ‬ ‫ل رسُو ُ‬ ‫ن جابر قال‪ :‬قا َ‬ ‫عْ‬‫وَ‬
‫ع ْندَ ال ّت ْرمِذيّ والنّسائيّ‬ ‫ححَ ُه الحاكِمُ‪ ،‬وََل ُه شاهدٌ ِ‬ ‫ح َمدُ وَأبُو داو َد ورجالُهُ ِثقَاتٌ وَصَ ّ‬ ‫يدْعو ُه إلى نكاحهِا فَلْيَفْعلْ" َروَا ُه َأ ْ‬
‫ن أبي ُه َريْرَ َة أَنّ النبيّ صَلّى ال‬ ‫ح ّمدِ بنِ مَسْلَمَةَ‪ ،‬وَِلمُسِْلمٍ ع ْ‬‫ن مِنْ حديثِ ُم َ‬ ‫حبّا َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن مَاجَهْ واب ِ‬ ‫ع ْندَ اب ِ‬
‫عَنِ المغِيرةِ‪َ ،‬و ِ‬
‫ب فَا ْنظُ ْر إل ْيهَا"‪.‬‬
‫ظرْتَ إليْها؟" قالَ‪ :‬ل‪ ،‬قالَ‪" :‬اذهَ ْ‬ ‫ج ا ْمرَأَةً‪َ" :‬أنَ َ‬‫عََليْهِ َوسَلّم قالَ ِل َرجُلٍ َتزَوّ َ‬
‫س َتطَاعَ‬ ‫ح ُدكُ مُ ا ْل َمرْأَ َة فإن ا ْ‬
‫خطَ بَ َأ َ‬ ‫(وعن جابر رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم "إذَا َ‬
‫حهَا فَ ْليَ ْفعَلْ)‪.‬‬‫ظرَ ِم ْنهَا إلى مَا َيدْعُو ُه إلى نكَا ِ‬ ‫َأنْ ي ْن ُ‬
‫وتمامه‪ :‬قال جابر فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها‪.‬‬
‫(رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات وصححه الحاكم وله شاهد عند الترمذي والنسائي عن المغيرة) ولفظه‪ :‬أنه‬
‫قال له وقد خطب امرأة‪" :‬انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"‪.‬‬
‫(وعند ابن ماجه وابن حبان من حديث محمد بن مسلمة ولمسلم عن أبي هريرة أن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬
‫ظرْ إل ْيهَا")‪.‬‬ ‫ت إل ْيهَا؟" قال‪ :‬ل قال‪" :‬اذْهَبْ فانْ ُ‬ ‫قال لرجل تزوج امرأة)‪ :‬أي أراد ذلك‪َ"( :‬أ َنظَرْ َ‬
‫دلت الحاديث على أنه يندب تقديم النظر إلى من يريد نكاحها وهو قول جماهير العلماء‪.‬‬
‫والنظر إلى الوجه والكفين لنه يستدل بالوجه على الجمال أو ضده‪.‬‬
‫والكفين على خصوبة البدن أو عدمها‪.‬‬
‫وقال الوزاعي‪ :‬ينظر إلى مواضع اللحم‪.‬‬
‫وقال داود‪ :‬ينظر إلى جميع بدنها‪.‬‬
‫والحديث مطلق فينظر إلى ما يحصل له المقصود بالنظر إليه ويدل على فهم الصحابة لذلك ما رواه عبد الرزاق‬
‫وسعيد بن منصور‪ :‬أن عمر كشف عن ساق أم كلثوم بنت علي لما بعث بها إليه لينظرها‪.‬‬
‫ول يشترط رضا المرأة بذلك النظر بل له أن يفعل ذلك على غفلتها كما فعله جابر‪.‬‬
‫قال أصحاب الشافعي‪ :‬ينبغي أن يكون نظره إليها قبل الخطبة حتى إن كرهها تركها من غير إيذاء بخلفه بعد‬
‫الخطبة وإذا لم يمكنه النظر إليها استحب له أن يبعث امرأة يثق بها تنظر إليها وتخبره بصفتها‪ ،‬فقد روى أنس‪:‬‬
‫أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ب عث أم سليم إلى امرأة فقال‪" :‬انظري إلى عرقوب ها وش مي معاطف ها" أخر جه أح مد‬
‫‪4‬‬
‫والطبراني والحاكم والبيهقي وفيه كلم وفي رواية‪" :‬شمّي عوارضها" وهي السنان التي في عرض الفم وهي‬
‫ما بين الثنايا والضراس واحدها عارض والمراد اختبار رائحة النكهة‪.‬‬
‫وأما المعاطف فهي ناحيتا العنق ويثبت مثل هذا الحكم للمرأة فإنها تنظر إلى خاطبها فإنه يعجبها منه ما يعجبه‬
‫منها كذا قيل ولم يرد به حديث‪.‬‬
‫والصل تحريم نظر الجنبي والجنبية إل بدليل كالدليل على جواز نظر الرجل لمن يريد خطبتها‪.‬‬
‫ب أَحدُكُ مْ على خطبة أَخي هِ‬ ‫ع ْن ُهمَا قال‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل يخط ْ‬ ‫ع َمرَ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ن ابْ نِ ُ‬‫ع ْ‬‫وَ َ‬
‫ن لَهُ" ُمتّفقٌ عََليْهِ والل ْفظُ للبُخاري‪.‬‬ ‫حَتى َي ْت ُركَ الْخاطبُ َقبْلَهُ َأوْ يأذَ َ‬
‫طبَ ِة َأخِي هِ)‬
‫خ ْ‬‫ح ُدكُمْ عَلى ِ‬ ‫خطُبْ َأ َ‬ ‫(وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬ل َي ْ‬
‫تقدّم أنها بكسر الخاء (حَتى َيتْ ُركَ ا ْلخَاطِبُ َقبْلَ ُه أَ ْو يَأذَنَ َلهُ" متفق عليه واللفظ للبخاري)‪.‬‬
‫النهي أصله التحريم إل لدليل يصرفه عنه وادعى النووي الجماع على أنه له‪.‬‬
‫وقال الخطابي النهي للتأديب وليس للتحريم‪.‬‬
‫وظاهره أنه من هي عنه سواء أج يب الخاطب أم ل وقدمنا في البيع أنه ل يحرم إل بعد الجا بة والدل يل حد يث‬
‫فاطمة بنت قيس وتقدم‪.‬‬
‫والجماع قائم على تحريمه بعد الجابة‪.‬‬
‫والجابة من المرأة المكلفة في الكفء ومن ولّي الصغيرة‪.‬‬
‫وأما غير الكفء فل بد من إذن الولي على القول بأن له المنع وهذا في الجابة الصريحة وأما إذا كانت غير‬
‫صريحة فالصح عدم التحريم وكذلك إذا لم يحصل رد ول إجابة‪.‬‬
‫ونص الشافعي أن سكوت البكر رضا بالخاطب فهو إجابة‪.‬‬
‫وأما العقد مع تحريم الخطبة فقال الجمهور‪ :‬يصح‪.‬‬
‫وقال داود يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬أو يأذن له" دل على أ نه يجوز له الخطبية بعيد الذن وجوازهيا للمأذون له بالنيص ولغيره باللحاق لن‬
‫إذ نه قد دل على إضرا به فتجوز خطبت ها ل كل من ير يد نكاح ها وتقدم الكلم على قوله "أخ يه" وأ نه أفاد التحر يم‬
‫على خطبة المسلم ل على خطبة الكافر وتقدم الخلف فيه‪.‬‬
‫وأ ما إذا كان الخا طب فا سقا ف هل يجوز للعف يف الخط بة على خطب ته؟ قال الم ير الح سين في الشفاء‪ :‬إ نه يجوز‬
‫الخط بة على خط بة الفا سق ون قل عن ا بن القا سم صاحب مالك ورج حه ا بن العر بي و هو قر يب في ما إذا كا نت‬
‫المخطوبة عفيفة فيكون الفاسق غير كفء لها فتكون خطبته كل خطبة‪.‬‬
‫ولم يعتبر الجمهور بذلك إذا صدرت عنها علمة القبول‪.‬‬
‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فَقَال تْ‪ :‬يا‬ ‫ع ْن ُه قالَ‪ :‬جَاءَ تِ ا ْمرَأَة إلى رسو ِ‬ ‫س ْعدٍ ال سّاعديّ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ن َ‬‫سهْلِ ب ِ‬‫ن َ‬ ‫ع ْ‬‫وَ َ‬
‫ظرَ إَل ْيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم فَصَ ّعدَ ال ّنظَر فيها وَصَ ّوبَ ُه ثمّ طأطأَ‬ ‫ب لكَ نَفْسي‪ ،‬فَ َن َ‬ ‫جئْتُ أَهَ ُ‬
‫ل اللّ ِه ِ‬
‫رسو َ‬
‫ض فِيها شيئا جَلَ سَتْ‪ ،‬فَقَا مَ رجلٌ مِ نْ أَصحابِه‬ ‫ت المرأَةُ َأّن ُه لَ مْ يَ ْق ِ‬ ‫ر سولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم رأ سَ ُه فَلَمّا رَأَ ِ‬
‫ن شيءٍ؟" فَقَالَ‪ :‬ل واللّ ِه يَا رسول اللّهِ‪،‬‬ ‫ع ْندَكَ ِم ْ‬‫جنِيها فَقَالَ‪َ " :‬فهَلْ ِ‬ ‫فَقَالَ‪ :‬يا رَسُولَ ال إنْ َلمْ َتكُنْ َلكَ بها حَاجَةٌ َفزَ ّو ْ‬
‫ل ال صَلّى‬ ‫ل رَسُو ُ‬ ‫جدْتُ شيْئا‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫شيْئا؟" َفذَهَبَ ثمّ َرجَعَ فَقَالَ ل واللّهِ ما َو َ‬ ‫ظرْ هَلْ تجدُ َ‬ ‫ك فا ْن ُ‬‫فَقالَ‪" :‬اذْهَبْ إلى أَهْلِ َ‬
‫ن حَد يد‪،‬‬ ‫ل اللّ هِ ول خَاتَما مِ ْ‬ ‫ن حد يد" فَذَهَ بَ ثمّ َرجَ عَ فَقَالَ‪ :‬ل واللّ هِ يَا رَ سُو َ‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬انْظرْ وََل ْو خَاتما ِم ْ‬
‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَا‬ ‫سهْلٌ‪ :‬مال ُه رداءٌ يييي فََلهَا نِ صْ ُفهُ‪ ،‬فَقَال رسو ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ن هذا إزاري يييي قا َ‬ ‫ولك ْ‬
‫ن َلبِسَتْ ُه لمْ َيكُنْ عََليْك ِمنْهُ شيءٌ" َفجَلَسَ ال ّرجُلُ حتى إذا طَالَ‬ ‫ن عليها ِمنْ ُه شيءٌ وإ ْ‬ ‫ستَ ُه لمْ يكُ ْ‬‫صنَعُ بإزَاركَ؟ إنْ َلبِ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن ال ُقرْآن؟"‬ ‫ك مِ َ‬‫َمجْلِ سُهُ قَا مَ‪ ،‬فَرآ هُ رَ سُولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم مُوَلّيا فََأ َمرَ بِ هِ َفدُعِ يَ‪ ،‬فَلَما جَا َء قَالَ‪" :‬ماذا َمعَ َ‬
‫ظ ْهرِ قَ ْلبِ كَ؟" قالَ‪ :‬نع مْ‪ ،‬قال‪" :‬اذه بْ فَ َقدْ مَّل ْك ُت َكهَا بما‬ ‫ع ّددَهَا‪ ،‬فَقَالَ‪" :‬تَ ْقرَؤهُنّ عَ نْ َ‬ ‫قَالَ َمعِي سُور ُة كذَا وَ سُورَ ُة كَذا َ‬
‫ن ال ُقرْآن" وفي رواية‬ ‫جتُكها َفعَّلمْها مِ َ‬ ‫ظ لمُسْلمٍ‪ ،‬وفي رواي ٍة قَالَ لَهُ‪ :‬ا ْنطَلِقْ فَ َقدْ زَ ّو ْ‬ ‫َم َعكَ مِنَ ال ُقرْآن" ُمتّفَقٌ عََليْهِ واللّفْ ُ‬
‫عنْ ُه قَالَ‪" :‬مَا تحْفَ ظُ؟" قَالَ‪:‬‬ ‫ي اللّ هُ َ‬‫ن أَ بي ُه َر ْيرَة َرضِ َ‬ ‫ن ال ُقرْآ نِ" ول بي داودَ عَ ْ‬ ‫للبخاريّ‪" :‬أَم َكنّاكَهَا بمَا َمعَ كَ مِ َ‬
‫ن آيَةً"‪.‬‬‫عشْري َ‬ ‫سُور َة البَ َقرَة والتي تليها‪،‬قَالَ‪ُ " :‬قمْ َفعَّلمْهَا ِ‬
‫(وعن سهل بن سعد الساعديّ رضي ال عنه قال جاءت امرأة) قال المصنف في الفتح لم أقف على اسمها (إلى‬
‫ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فقالت‪ :‬يا ر سول ال جئت أ هب لك نف سي) أي أ مر نف سي لن الحرّ ل تملك‬
‫رقبته (فنظر إليها رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فصعد النظر فيها وصوّبه) في النهاية‪ :‬ومنه الحديث فصعد‬
‫فيّ النظير و صوّبه أي ن ظر أعلي وأ سفلي وتأمل ني و هو من أدلة جواز النظير إلى من ير يد زواج ها وقال‬
‫‪5‬‬
‫المصنف إنه تحرر عنده أنه صلى ال عليه وآله وسلم كان ل يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الجنبيات بخلف‬
‫ض فيها شيئا جَلَ سَتْ فقا مَ رجلٌ‬ ‫غيره (ثم طَأطَأ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم رَأ سَ ُه فلما رأت المرأةُ َأّن هُ لم يق ِ‬
‫ن لك ب ها حا جة فزوجني ها فقال‪:‬‬ ‫من ال صحابة) قال الم صنف لم أ قف على ا سمه (فقال‪ :‬يا ر سول ال إن لم َيكُ ْ‬
‫شيْئا؟" فذهب ثم رجع‬ ‫جدْ َ‬‫لتِ‬ ‫ن شيءٌ؟" فقال‪ :‬ل واللّ ِه يا رسول ال‪ ،‬قال‪" :‬اذْهَ بَ إلىَ أَهْل كَ فا ْنظُرْ هَ ْ‬ ‫ع ْندَك ِم ْ‬‫" َفهَلْ ِ‬
‫ظرْ ولَ ْو خَاتما) أي ولو نظرت خاتما ( ِمنْ‬ ‫فقال‪ :‬ل واللّهِ ما وجدت شيئا‪ .‬فقال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم "انْ ُ‬
‫ل اللّهِ ول خَاتما من حديد) أي موجود فخاتم مبتدأ حذف خبره (ولكِنْ‬ ‫حَديدٍ" فذهب ثم رجع فقال‪ :‬ل وال يا رسو َ‬
‫هذا إزَاري يييي قال) سهل بن سعد الراوي (ماله رداء يييي فلها نصفه‪ .‬فقال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ‬
‫ستْهُ) أي كله (لَ ْم يكُ نْ عََليْ كَ ِمنْ هُ‬ ‫ستَهُ) أي كله (لَ ْم يكُ نْ عََليْها ِمنْ هُ شيءٌ وإ نْ لبِ َ‬ ‫ن َلبِ ْ‬
‫وَ سَلّم‪" :‬مَا تَ صْنعُ بِإزَار كَ؟ إ ْ‬
‫شيءٌ) ولعله بهذا الجواب بيّن له أن ق سمة الرداء ل تنف عه ول تن فع المرأَة (فجلس الر جل ح تى إذا طال مجل سه‬
‫ن الْ ُقرْآن" قال معي‬ ‫قام فرآه رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم موليا فأمر به فدعي به فلما جا َء قال‪" :‬مَاذَا َمعَ كَ مِ َ‬
‫ظهْ ِر قَلْبِ كَ؟" قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪" :‬اذْهَ بْ فَ َقدْ مَّل ْك ُت َكهَا بمَا َمعَ كَ مِ نَ‬ ‫ن َ‬ ‫سورة كذا وسورة كذا عدّدها فقال‪" :‬تَ ْقرَؤُهُنّ عَ ْ‬
‫ال ُقرْآنِ" متفق عليه واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫ج ُتكَهَا فعَلّمهَا من ا ْل ُقرْآ نِ" و في روا ية للبخاري "َأ ْم َكنّاكَهَا بمَا َمعَ كَ مِ نَ الْ ُقرْآ نِ"‬ ‫و في روا ية قال‪" :‬انْطَلِ قْ فَ َقدْ زَ ّو ْ‬
‫ولبي داود عن أبي هريرة قال‪ ):‬أي رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم (مَا تحْفَظ" قال‪ :‬سورة البقرة والتي‬
‫ن آيَةً")‪.‬‬
‫عشْري َ‬ ‫تليها قال‪ُ " :‬قمْ َفعَِلمْهَا ِ‬
‫دل الحديث على مسائل عديدة وقد تتبعها ابن التين وقال‪ :‬هذه إحدى وعشرين فائدة بوّب البخاري على أكثرها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولنأت بأنفسها وأوضحها‪.‬‬
‫الولى‪ :‬جواز عرض المرأة نفسها على رجل من أهل الصلح‪.‬‬
‫وجواز النظر من الرجل وإن لم يكن خاطبا لرادة التزوج يريد‪ :‬أنه ليس جواز النظر خاصا للخاطب بل يجوز‬
‫لمن تخطبه المرأة فإنّ نظره صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم إليها أنه أراد زواجها بعد عرضها عليه نفسها وكأنها لم تعجبه‬
‫فأضرب عنها‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬ولية المام على المرأة التي ل قريب لها إذا أذنت‪ ،‬إل أن في بعض ألفاظ الحديث أنها فوضت أمرها‬
‫إليه وذلك توكيل‪.‬‬
‫وأ نه يع قد للمرأة من غ ير سؤال عن ولي ها هل هو موجود أو ل‪ ،‬حا ضر أو ل‪ ،‬و سؤالها هل هي في ع صمة‬
‫رجل أو عدمه‪.‬‬
‫ل على ظاهر الحال‪.‬‬ ‫قال الخطابي‪ :‬وإلى هذا ذهب جماعة حم ً‬
‫وعند الهادوية أنها تحلف الغريبة احتياطا‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن الهبة ل تثبت إل بالقبول‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أنه ل بد من الصداق في النكاح وأنه يصح أن يكون شيئا يسيرا فإن قوله‪ :‬ولو خاتما من حديد مبالغة‬
‫في تقليله فيصح بكل ما تراضى عليه الزوجان أو من إليه ولية العقد مما فيه منفعة‪.‬‬
‫وضابطه أن كل ما يصلح أن يكون قيمة وثمنا لشيء يصح أن يكون مهرا‪.‬‬
‫ونقل القاضي عياض الجماع على أنه ل يصح أن يكون مما ل قيمة له ول يحل به النكاح‪.‬‬
‫وقال ابن حزم‪ :‬يصح بكل ما يسمى شيئا ولو حبة من شعير لقوله صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم هل تجد شيئا‪.‬‬
‫وأجيب بأن قوله صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم ولو خاتما من حديد مبالغة في التقليل وله قيمة‪.‬‬
‫وبأن قوله في الحديث‪( :‬من استطاع منكم الباءة) ومن لم يستطع دل على أنه شيء ل يستطيعه كل واحد وحبة‬
‫الشع ير م ستطاعة ل كل أ حد وكذلك قوله تعالى‪{ :‬و من لم ي ستطع من كم طول} وقوله تعالى‪{ :‬أن تبتغوا بأموال كم}‬
‫دال على اعتبار المالية في الصداق حتى قال بعضهم‪ :‬أقله خمسون وقيل أربعون وقيل خمسة دراهم وإن كانت‬
‫هذه التقادير ل دليل على اعتبارها بخصوصها‪.‬‬
‫والحق أنه يصح بما يكون له قيمة وإن تحقرت‪.‬‬
‫والحاد يث واليات يحت مل أن ها خر جت مخرج الغالب وأ نه ل ي قع الر ضا ه نا من الزو جة إل بكو نه مالً له‬
‫صورة ول يطيق كل أحد تحصيله‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬أنه ينبغي ذكر الصداق في العقد لنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة فلو عقد بغير ذكر صداق صح العقد‬
‫ووجب لها مهر المثل بالدخول وأنه يستحب تعجيل المهر‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ال سادسة‪ :‬أ نه يجوز الحلف وإن لم ي كن عل يه اليم ين وأ نه يجوز الحلف على ما يظ نه ل نه صلى ال عل يه وآله‬
‫وسلم قال له بعد يمينه‪ :‬اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا فدل أن يمينه كانت على ظنه ولو كانت ل تكون إل‬
‫على العلم لم يكن للمر بذهابه إلى أهله فائدة‪.‬‬
‫ال سابعة‪ :‬أ نه ل يجوز للر جل أن يخرج من مل كه ما ل بد له م نه كالذي ي ستر عور ته أو ي سد خل ته من الطعام‬
‫والشراب لنه صلى ال عليه وآله وسلم علل منعه عن قسمة ثوبه بقوله‪( :‬إن لبسته لم يكن عليك منه شيء)‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬اختبار مدعي العسار فإنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لم يصدقه في أول دعواه العسار حتى ظهر له قرائن‬
‫صدقه وهو دليل على أنه ل يسمع اليمين من مدعي العسار حتى تظهر قرائن إعساره‪.‬‬
‫التاسعة‪ :‬أنها ل تجب الخطبة للعقد لنها لم تذكر في شيء من طرق الحديث وتقدم أن الظاهرية تقول بوجوبها‬
‫وهذا يرد قولهم‪.‬‬
‫وأنه يصح أن يكون الصداق منفعة كالتعليم فإنه منفعة ويقاس عليه غيره ويدل عليه قصة موسى مع شعيب‪.‬‬
‫وقد ذهب إلى جواز كونه منفعة الهادوية وخالفت الحنفية وتكلفوا لتأويل الحديث وادعوا أن التزوج بغير مهر‬
‫من خواصه صلى ال عليه وآله وسلم وهو خلف الصل‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬قوله ب ما م عك من القرآن‪ ،‬يحت مل ك ما قاله القا ضي عياض وجه ين‪ :‬أظهره ما أن يعلم ها ما م عه من‬
‫القرآن أو قدرا معينا م نه ويكون ذلك صداقا ويؤيده قوله في ب عض طر قه ال صحيحة‪" :‬فعلم ها من القرآن" و في‬
‫بعض ها تعي ين ع شر من اليات‪ ،‬ويحت مل أن الباء للتعل يل وأ نه زو جه ب ها بغ ير صداق إكراما له لكو نه حافظا‬
‫لبعض من القرآن‪.‬‬
‫ويؤ يد هذا الحتمال ق صة أم سليم مع أ بي سليم وذلك "أ نه خطب ها فقالت‪ :‬وال ما مثلك يرد ولك نك كا فر وأ نا‬
‫مسلمة ول يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذلك مهرك ول أسألك غيره فأسلم فكان ذلك مهرها" أخرجه النسائي‬
‫وصححه عن ابن عباس وترجم له النسائي‪" :‬باب التزويج على السلم"‪.‬‬
‫وترجم على حديث سهل هذا بقوله "باب التزويج على سورة البقرة" وهذا ترجيح منه للحتمال الثاني والحتمال‬
‫الول أظهر كما قاله القاضي لثبوت رواية‪ :‬فعلمها من القرآن‪.‬‬
‫الحادية عشرة‪ :‬أن النكاح ينعقد بلفظ التمليك وهو مذهب الهادوية والحنفية ول يخفى أنها قد اختلفت اللفاظ في‬
‫الحديث فروي بالتمليك وبالتزويج وبالمكان‪.‬‬
‫قال ابن دقيق العيد‪ :‬هذه لفظة واحدة في قصة واحدة اختل فت مع اتحاد مخرج الحديث والظا هر أن الواقع من‬
‫النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم لفظ واحد فالمرجع في هذا إلى الترجيح‪.‬‬
‫وقد نقل عن الدارقطني أن الصواب رواية من روى قد زوجتكها وأنهم أكثر وأحفظ وأطال المصنف في الفتح‬
‫الكلم على هذه الثلثة اللفاظ ثم قال‪ :‬فرواية التزويج والنكاح أرجح‪.‬‬
‫وأما قول ابن التين‪ :‬إنه اجتمع أهل الحديث على أن الصحيح رواية زوجتكها وأن رواية ملكتكها وهم فيه فقد‬
‫قال المصنف‪ :‬إن ذلك مبالغة منه‪.‬‬
‫وقال البغوي‪ :‬الذي يظهر أنه كان بلفظ التزويج على وفق قول الخاطب زوجنيها إذ هو الغالب في لفظ العقود إذ‬
‫قلما يختلف فيه لفظ المتعاقدين‪.‬‬
‫وقد ذهبت الهادوية والحنفية والمشهور عن المالكية إلى جواز العقد بكل لفظ يفيد معناه إذا قرن به الصداق أو‬
‫قصد به النكاح كالتمليك ونحوه ول يصح بلفظ العارية والجارة والوصية‪.‬‬
‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬أَعِْلنُوا‬‫ع ْنهُ مْ‪َ :‬أنّ رَسو َ‬
‫ن أَبي ِه رَض يَ اللّ هُ َ‬
‫ع ْبدِ اللّ ِه ب نِ ال ّز َب ْيرِ عَ ْ‬
‫ع نْ عامر بن َ‬‫وَ َ‬
‫حهُ الحا ِكمُ‪.‬‬ ‫حَ‬ ‫صّ‬ ‫النّكاحَ" رَوَاهُ َأحْمدُ و َ‬
‫(وعن عامر بن عبد ال بن الزبير) عامر تابعي سمع أباه وغيره مات سنة أربع وعشرين ومائة (عن أبيه أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪" :‬أَعِْلنُوا ال ّنكَاحَ" رواه أحمد وصححه الحاكم)‪.‬‬
‫وفيي الباب عين عائشية‪" :‬أعلنوا النكاح واضربوا علييه بالغربال" أي الدف أخرجيه الترمذي وفيي رواتيه[تيض]‬
‫عيسى بن ميمون[‪/‬تض] ضعيف كما قاله الترمذي وأخرجه ابن ماجه والبيهقي وفي إسناده خالد بن إياس منكر‬
‫الحديث‪.‬‬
‫قال أحمد‪ :‬وأخرج الترمذي أيضا من حديث عائشة وقال حسن غريب‪" :‬أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد‬
‫واضربوا عليه بالدفوف وليولم أحدكم ولو بشاة فإذا خطب أحدكم امرأة وقد خضب بالسواد فليعلمها ل يغرها"‪.‬‬
‫دلت الحاديث على المر بإعلن النكاح والعلن خلف السرار‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وعلى ال مر بضرب الغربال وف سره بالدف والحاد يث ف يه وا سعة وإن كان في كل من ها مقال إل أن ها يع ضد‬
‫بعضها بعضا ويدل على شرعية ضرب الدف لنه أبلغ في العلن من عدمه‪.‬‬
‫وظا هر ال مر الوجوب ولعله ل قائل به فيكون م سنونا ول كن بشرط أن ل ي صحبه محرم من التغ ني ب صوت‬
‫شعْرٍ فيه َمدْ حِ القدود والخدود بل ينظر السلوب العربي الذي كان في عصره صلى ال‬ ‫رخيم من امرأة أجنبية ِب ِ‬
‫تعالى عليه وعلى آله وسلم فهو المأمور به‪.‬‬
‫وأما ما أحدثه الناس من بعد ذلك فهو غير المأمور به ول كلم في أنه في هذه العصار يقترن بمحرمات كثيرة‬
‫فيحرم لذلك ل لنفسه‪.‬‬
‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ل‬ ‫ل رسو ُ‬ ‫ع ْن ُهمَا قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫ن أَبي هِ رض يَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫ن أبي موسى عَ ْ‬ ‫ن أَبي ُبرْدةَ ب ِ‬ ‫ع ْ‬
‫وَ َ‬
‫حبّانَ وَأعَلّ ُه بال ْرسَالِ‪.‬‬ ‫ن المدينيّ والتّرمذيّ وابنُ ِ‬ ‫ححَ ُه اب ُ‬ ‫ح َمدُ وال ْربَعَة َوصَ ّ‬ ‫نكاح إل بوَليَ" رواه َأ ْ‬
‫ن َمرْفُوعا‪" :‬ل ِنكَاحَ إِل ِبوَِليَ َوشَا ِه َديْنِ"‪.‬‬ ‫حصَيْ ِ‬‫ن ال ُ‬ ‫ن بْ ِ‬
‫عنْ ع ْمرَا ِ‬ ‫حسَنِ َ‬ ‫عنِ ال َ‬ ‫ح َمدُ َ‬
‫لمَامُ َأ ْ‬
‫َورَوَى ا ِ‬
‫ح َمدُ‬
‫ل اللّهِ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬ل نكاح إلّا بوَليَ" رواه َأ ْ‬ ‫ن أَبي بُرْد َة بنِ أبي موسى عَنْ أَبي ِه قالَ‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫عْ‬ ‫(وَ َ‬
‫حبّانَ وأَعَّل ُه بإ ْرسَالِهِ)‪.‬‬
‫ن ِ‬ ‫ححَ ُه ابنُ المدينيّ والتّرمذيّ واب ُ‬ ‫صّ‬ ‫والرْ َبعَة َو َ‬
‫قال ابن كثير‪ :‬قد أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث إسرائيل وأبو عوانة وشريح القاضي‬
‫وقيس بن الربيع ويونس بن أبي إسحاق وزهير بن معاوية كلهم عن أبي إسحاق كذلك قال الترمذي‪.‬‬
‫ورواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق مرسلً قال‪ :‬والول عندي أصح هكذا صححه عبد الرحمن بن مهدي فيما‬
‫حكاه ابن خزيمة عن أبي المثنى عنه‪.‬‬
‫وقال علي بن المدي ني‪ :‬حد يث إ سرائيل في النكاح صحيح وكذا صححه البيه قي وغ ير وا حد من الحفاظ قال‪:‬‬
‫ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن جابر مرفوعا‪ .‬قال الحافظ الضياء بإسناد رجاله كلهم ثقات‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويأ تي حد يث أ بي هريرة‪" :‬ل تزوّج المرأة المرأة ول تزوّج المرأة نف سها" وحد يث عائ شة‪" :‬إن النكاح من‬
‫غير ولي باطل"‪.‬‬
‫قال الحا كم‪ :‬وقد صحت الرواية ف يه عن أزواج النبي صلى ال عل يه وآله وسلم عائ شة وأم سلمة وزي نب ب نت‬
‫جحش‪.‬‬
‫قال‪ :‬وفي الباب عن علي وابن عباس ثم سرد ثلثين صحابيا‪.‬‬
‫والحديث دل على أنه ل يصح النكاح إل بولي لن الصل في النفي نفي الصحة ل الكمال‪.‬‬
‫والولي هو القرب إلى المرأة من عصبتها دون ذوي أرحامها‪.‬‬
‫واختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح فالجمهور على اشتراطه وأنها ل تزوج المرأة نفسها‪.‬‬
‫وحكى عن ابن المنذر أنه ل يعرف عن أحد من أحد من الصحابة خلف ذلك وعليه دلت الحاديث‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬يشترط في حق الشريفة ل الوضيعة فلها أن تُزوّج نفسها‪.‬‬
‫وذه بت الحنف ية إلى أ نه ل يشترط مطلقا محتج ين بالقياس على الب يع فإن ها ت ستقل ببيع سلعتها و هو قياس فا سد‬
‫العتبار إذ هيو قياس ميع نيص ويأتيي الكلم فيي ذلك مسيتوفى فيي شرح حدييث أبيي هريرة‪" :‬ل تزوّج المرأة‬
‫المرأة يييي الحديث"‪.‬‬
‫وقالت الظاهر ية‪ :‬يع تبر الولي في حق الب كر لحديث "الث يب أولى بنفسها" و سيأتي‪ ،‬ويأ تي أن المراد م نه اعتبار‬
‫رضاها جمعا بينه وبين أحاديث اعتبار الولي‪.‬‬
‫وقال أبو ثور‪ :‬للمرأة أن تنكح نفسها بإذن وليها لمفهوم الحديث التي‪:‬‬
‫حهَا باطل‪ ،‬فَإ نْ‬ ‫ع نْ عائشةَ قال تْ‪ :‬قالَ رسولُ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪َ" :‬أ ّيمَا امرَأَةٍ َن َكحَ تْ ب َغيْر إذ نِ وَِل ّيهَا َفنِكا ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن ل وَليّ َل هُ" َأخْرجَ هُ الر َبعَةُ إل‬ ‫ش َتجَرُوا فال سّ ْلطَانُ وَليّ مَ ْ‬ ‫ن َفرْجِهَا‪ ،‬فإن ا ْ‬ ‫س َتحَلّ مِ ْ‬
‫َدخَلَ ب ها فَلَ ها ال َم ْهرُ ب ما ا ْ‬
‫ن والحا ِكمُ‪.‬‬ ‫حبّا َ‬
‫ححَهُ َأبُو عَوَانةَ وابنُ ِ‬ ‫صّ‬ ‫النسائيّ َو َ‬
‫ع نْ عائشةَ قال تْ‪ :‬قالَ رسولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪َ" :‬أ ّيمَا امرَأَ ٍة َن َكحَ تْ ب َغيْر إذ نِ وَِل ّيهَا َفنِكاحُهَا باطل‪ ،‬فَإ نْ‬ ‫(وَ َ‬
‫ن ل وَليّ َل هُ" َأخْرجَ هُ الر َبعَةُ إل‬ ‫ش َتجَرُوا فال سّ ْلطَانُ وَليّ مَ ْ‬ ‫ن َفرْجِهَا‪ ،‬فإن ا ْ‬ ‫س َتحَلّ مِ ْ‬
‫َدخَلَ ب ها فَلَ ها ال َم ْهرُ ب ما ا ْ‬
‫ن والحا ِكمُ)‪.‬‬ ‫حبّا َ‬
‫ححَهُ َأبُو عَوَانةَ وابنُ ِ‬ ‫صّ‬ ‫النسائيّ َو َ‬
‫قال ابن كثير وصححه يحيى بن معين وغيره من الحفاظ‪.‬‬
‫قال أبو ثور فقوله‪" :‬بغير إذن وليها" يفهم منه أنه إذا أذن لها جاز لها أن تعقد لنفسها‪.‬‬
‫وأجيب بأنه مفهوم ل يقوى على معارضة المنطوق باشتراطه‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫واعلم أن الحنفية طعنوا في هذا الحديث بأنه رواه سليمان بن موسى عن الزهري وسئل الزهري عنه فلم يعرفه‬
‫والذي روى هذا القدح هو إسماعيل بن علية القاضي عن ابن جريج الراوي عن سليمان أنه سأل الزهري عنه‬
‫أي عن الحديث فلم يعرفه‪.‬‬
‫وأجيب عنه بأنه ل يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم عليه ل سيما وقد أثنى الزهري‬
‫على سليمان بن موسى‪.‬‬
‫وقد طال كلم العلماء على هذا الحديث واستوفاه البيهقي في السنن الكبرى وقد عاضدته أحاديث اعتبار الولي‬
‫وغيرها مما يأتي في شرح حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫وفي الحديث دليل على اعتبار إذن الولي في النكاح بعقده لها أو عقد وكيله‪.‬‬
‫وظاهره أن المرأة تستحق المهر بالدخول وإن كان النكاح باطلً لقوله‪" :‬فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من‬
‫فرجها"‪.‬‬
‫وفيه دليل على أنه إذا اختل ركن من أركان النكاح فهو باطل مع العلم والجهل‪.‬‬
‫وأن النكاح يسمى باطلً وصحيحا ول واسطة‪.‬‬
‫وقد أثبت الواسطة الهادوية وجعلوها العقد الفاسد‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬و هو ما خالف مذ هب الزوج ين أو أحده ما جاهل ين ولم ت كن المخال فة في أ مر مج مع عل يه وتر تب عل يه‬
‫أحكام مبينة في الفروع‪.‬‬
‫والضميير فيي قوله‪" :‬فإن اشتجروا" عائد إلى الولياء الدال عليهيم ذكير الولي والسيياق والمراد بالشتجار منيع‬
‫الولياء من العقد عليها وهذا هو العضل وبه تنتقل الولية إلى السلطان إن عضل القرب‪ ،‬وقيل بل تنتقل إلى‬
‫البعد وانتقالها إلى السلطان مبني على منع القرب البعد وهو محتمل‪.‬‬
‫ي من ل وليّ ل ها لعد مه أو لمن عه ومثله ما غي بة الولي ويؤ يد حد يث الباب ما أخر جه‬ ‫ودل على أن ال سلطان ول ّ‬
‫الطبراني من حد يث ابن عباس مرفوعا "ل نكاح إل بول يّ والسلطان ول يّ من ل ول يّ له" وإن كان ف يه الحجاج‬
‫بن أرطاة فقد أخرجه سفيان في جامعة‪.‬‬
‫و من طري قة ال طبراني في الو سط بإ سناد ح سن عن ا بن عباس بل فظ‪" :‬ل نكاح إل بولي مر شد أو سلطان" ثم‬
‫المراد بال سلطان من إل يه ال مر جائرا كان أو عادلً لعموم الحاد يث القاض ية بال مر لطا عة ال سلطان جائرا أو‬
‫عادلً‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بل المراد به العادل المتولي لمصالح العباد ل سلطين الجور فإنهم ليسوا بأهل لذلك‪.‬‬
‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم قالَ‪" :‬ل ُت ْنكَ حُ اليّ مُ حتّى تُ سْتأ َمرَ‪،‬‬ ‫عنْ هُ‪ :‬أَنّ رَ سُو َ‬
‫ن أَبي هُريرةَ رضِ يَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫ع ْ‬
‫وَ َ‬
‫سكُتَ" ُمتّ َفقٌ عَلَيهِ‪.‬‬‫ن َت ْ‬
‫ستَأذَنَ" قالوا‪ :‬يا رسولَ اللّهِ َو َك ْيفَ إ ْذ ُنهَا؟ قالَ‪" :‬أَ ْ‬ ‫ول ُت ْنكَح الْبكْرُ حَتى ُت ْ‬
‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل ُت ْنكَ حُ) مغ ير ال صيغة مجزوما‬
‫ومرفوعا ومثله الذي بعده (اليّ مُ) التي فارقت زوجها بطلق أو موت (حتّى تُ سْتَأ َمرَ) من الستئمار طلب المر‬
‫سكُتَ" متفقٌ عليه)‪.‬‬ ‫ستَأذَنَ" قالوا‪ :‬يا رسول ال وكيف إذنها؟ قال‪" :‬أَنْ َت ْ‬ ‫ح ال ِب ْكرُ حَتى ُت ْ‬
‫(ول ُت ْنكَ ُ‬
‫ف يه أ نه ل بد من طلب ال مر من الث يب وأمر ها فل يع قد علي ها ح تى يطلب الوَليّ ال مر من ها بالذن بالع قد‪.‬‬
‫والمراد من ذلك اعتبار رضاها وهو معنى أحقيتها بنفسها من وليها في الحاديث‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬البكر" أراد بها البكر البالغة وعبر هنا بالستئذان وعبر في الثيب بالستئمار إشارة إلى الفرق بينهما‪.‬‬
‫وأنه يتأكد مشاورة الثيب ويحتاج الولي إلى صريح القول بالذن منها في العقد عليها‪.‬‬
‫والذن من البكر دائر بين القول والسكوت بخلف المر فإنه صريح في القول‪.‬‬
‫وإنما ا ْكتُفيَ منها بالسكوت لنها قد تستحي من التصريح‪.‬‬
‫وقد ورد في رواية عائشة قالت‪ :‬يا رسول ال إن البكر تستحي قال‪" :‬رضاها صماتها" أخرجه الشيخان‪.‬‬
‫ولكن قال ابن المنذر يستحب أن يعلم أن سكوتها رضا‪.‬‬
‫وقال ابن شعبان‪ :‬يقال لها ثلثا‪ :‬إن رضيت فاسكتي وإن كرهت فانطقي فأما إذا لم تنطق ولكنها بكت عند ذلك‬
‫فق يل‪ :‬ل يكون سكوتها ر ضا مع ذلك وق يل‪ :‬ل أ ثر لبكائ ها في الم نع إل أن يقترن ب صياح ونحوه وق يل‪ :‬يع تبر‬
‫الدمع هل هو حار فهو يدل على المنع أو بارد فهو يدل على الرضا‪.‬‬
‫والحديث عام للولياء من الب وغيره في أنه ل بد من إذن البكر البالغة وإليه ذهب الهادوية والحنفية وآخرون‬
‫ل بعموم الحديث هنا وبالخاص الذي أخرجه مسلم بلفظ‪" :‬والبكر يستأذنها أبوها"‪.‬‬ ‫عم ً‬
‫ويأتي ذكر الخلف في ذلك واستيفاء الكلم عليه في شرح الحديث التي‪:‬‬
‫‪9‬‬
‫ستَأمَرُ وإ ْذنُ ها‬
‫ن النّبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬الثيّ بُ َأحَقّ بِنفْ سِها مِ نْ وَليّ ها‪ ،‬وال ِب ْكرُ تُ ْ‬ ‫عبّا سٍ‪ :‬أَ ّ‬ ‫ع نْ اب نِ َ‬ ‫وَ‬
‫ححَهُ‬ ‫صّ‬ ‫ستَأمَرُ" رَوَا هُ َأبُو دا ُودَ والنّسائيّ و َ‬ ‫سُكو ُتهَا" رَوَا هُ مُ سِْلمٌ‪ ،‬وفي لَفْ ظٍ‪َ" :‬ليْس للولي مَ َع الثّي بِ َأ ْمرٌ‪ ،‬وا ْليَتيَمةُ تُ ْ‬
‫حبّانَ‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫اب ُ‬
‫ب َأحَقّ بِنفْ سِها ِم نْ وَليّ ها‪ ،‬وال ِبكْرُ‬ ‫عبّا سٍ ر ضي ال ع نه‪َ :‬أ نّ النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬الثيّ ُ‬ ‫ع نْ اب نِ َ‬ ‫(و َ‬
‫ب َأ ْمرٌ‪ ،‬وا ْليَتيَمةُ‬
‫ستَأمَرُ وإ ْذنُ ها سُكو ُتهَا" رَوَا ُه مُ سْلِمٌ‪ ،‬و في لَفْ ظٍ) أي من روا ية ا بن عباس (لَيْس للولي مَ عَ الثّي ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫حبّانَ)‪.‬‬‫ححَهُ ابنُ ِ‬‫صّ‬
‫ستَأمَرُ" رَوَاهُ َأبُو دا ُودَ والنّسائيّ و َ‬ ‫ُت ْ‬
‫تقدم الكلم على أن المراد بأحق ية الث يب بنف سها اعتبار رضا ها كما تقدم على استئمار الب كر وقوله‪" :‬ليس للولي‬
‫مع الث يب أ مر" أي إن لم ترض ل ما سلف من الدل يل على اعتبار رضا ها وعلى أن الع قد إلى الولي وأ ما قوله‪:‬‬
‫"واليتمية تستأمر"‪.‬‬
‫فاليتيمة في الشرع الصغيرة التي ل أب لها وهو دليل للناصر والشافعي في أنه ل يزوج الصغيرة إل الب لنه‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم قال‪" :‬تستأمر اليتيمة" ول استئمار إل بعد البلوغ إذ ل فائدة لستئمار الصغيرة‪.‬‬
‫وذهب الحنفية إلى أنه يجوز أن يزوّجها الولياء مستدلين بظاهر قوله تعالى‪{ :‬وإن خفتم ألّ تقسطوا في اليتامى}‬
‫الية‪ ،‬وما ذكر في سبب نزولها في أن يكون في حجر الولي ليس له رغبة في نكاحها وإنما يرغب في مالها‬
‫فيتزوجها لذلك‪ ،‬فنهوا وليس بصريح في أنه ينكحها صغيرة لحتمال أنه يمنعها الزواج حتى تبلغ ثم يتزوجها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولها بعد البلوغ الخيار قياسا على المة فإنها تخير إذا أعتقت وهي مزوجة والجامع حدوث ملك التصرف‬
‫ول يخفى ضعف هذا القول وما يتفرع من جواز الفسخ وضعف القياس‪.‬‬
‫ولهذا قال أ بو يو سف‪ :‬ل خيار ل ها مع قوله‪ :‬بجواز تزو يج غ ير الب ل ها كأ نه لم ي قل بالخيار لض عف القياس‬
‫فالرجح ما ذهب إليه الشافعي‪.‬‬
‫ج المَرْأَ ُة ال َمرْأَةَ‪ .‬ول‬ ‫ل صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ل ُتزَوّ ُ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ ر سو ُ‬ ‫ع نْ أَ بي ُه َريْرةَ رض يَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫وَ َ‬
‫سهَا" رَوَاهُ ابنُ ماجَ ْه والدا َرقُطْنيّ وَرجالُ ُه ثِقاتٌ‪.‬‬ ‫ج ال َمرْأَةُ نَ ْف َ‬ ‫َتزَوّ ُ‬
‫ع ْن ُه قالَ‪ :‬قالَ ر سولُ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ل ُتزَوّ جُ ال َمرْأَ ُة ال َمرْأَةَ‪ .‬ول َتزَوّ جُ‬ ‫ن أَ بي ُهرَيْر َة رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫(وَ َ‬
‫سهَا" َروَا ُه ابنُ ماجَ ْه والدا َرقُطْنيّ وَرجالُ ُه ثِقاتٌ)‪.‬‬ ‫ال َمرْأَ ُة نَ ْف َ‬
‫ف يه دليل على أن المرأة ليس ل ها ول ية في النكاح لنف سها ول لغير ها فل عبرة ل ها في النكاح إيجابا ول قبولً‬
‫فل تزوّج نفسها بإذن الولي ول غيره ول تزوج غيرها بولية ول بوكالة ول تقبل النكاح بولية ول وكالة وهو‬
‫قول الجمهور‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة إلى تزويج العاقلة البالغة نفسها وابنتها الصغيرة وتتوكل عن الغير لكن لو وضعت نفسها عند‬
‫غير كفء؛ فلوليائها العتراض‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬تزوج الدنية نفسها دون الشريفة كما تقدم‪.‬‬
‫واستدل الجمهور بالحديث بقوله تعالى‪{ :‬فل تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} قال الشافعي‪ :‬هي أصرح آية في‬
‫اعتبار الولي وإل ل ما كان لعضله مع نى‪ ،‬و سبب نزول ها في مع قل بن ي سار‪ :‬زوّج أخ ته فطلق ها زوج ها طل قة‬
‫رجعية وتركها حتى انقضت عدتها ورام رجعتها فحلف أن ل يزوجها قال ففيه نزلت هذه الية‪ .‬رواه البخاري‬
‫زاد أبو داود‪ :‬فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه‪.‬‬
‫فلو كان لها تزويج نفسها لم يعاتب أخاها على المتناع ولكان نزول الية لبيان أنها تزوّج نفسها‪.‬‬
‫وب سبب نزول ال ية يعرف ض عف قول الرازي إن الضم ير للزواج وض عف قول صاحب نها ية المجت هد‪ :‬إ نه‬
‫ليس في الية نهيهم عن العضل ول يفهم منه اشتراط إذنهم في صحة العقد ل حقيقة ول مجازا بل قد يفهم منه‬
‫ضد هذا وهو أن الولياء ليس لهم سبيل على من يلونهم اهي‪.‬‬
‫ويقال عليه‪ :‬قد فهم السلف شرط إذنهم في عصره صلى ال عليه وآله وسلم وبادر من نزلت فيه إلى التكفير عن‬
‫يمي نه والع قد ولو كان ل سبيل للولياء لبان ال تعالى غا ية البيان بل كرر تعالى كون ال مر إلى الولياء في‬
‫عدة آيات ولم يأت حرف واحد أن للمرأة إنكاح نفسها‪.‬‬
‫ودلت أيضا أن ن سبة النكاح إلي هن في اليات م ثل {ح تى تن كح زوجا غيره} ومراد به النكاح بع قد الولي إذ لو‬
‫فهم صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أنها تنكح نفسها لمرها بعد نزول الية بذلك ولبان لخيها أنه ل ولية له ولم يبح له‬
‫الحنث في يمينه والتكفير‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ويدل لشتراط الولي ما أخر جه البخاري وأ بو داود من حد يث عروة عن عائ شة أن ها أ خبرته‪ :‬أن النكاح في‬
‫الجاهليية كان على أربعية أنحاء منهيا نكاح الناس اليوم يخطيب الرجيل إلى الرجيل وليتيه أو ابنتيه فيصيدقها ثيم‬
‫ينكحها ثم قالت في آخره‪ :‬فلما بعث محمد بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إل نكاح الناس اليوم‪.‬‬
‫فهذا دال أنيه صيلى ال علييه وآله وسيلم قرر ذلك النكاح المعتيبر فييه الولي وزاده تأكيدا بميا قيد سيمعت مين‬
‫الحاديث ويدل على نكاحه صلى ال عليه وآله وسلم لم سلمة وقولها إنه ليس أحد من أوليائها حاضرا ولم يقل‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم أنكحي أنت نفسك مع أنه مقام البيان ويدل له قوله تعالى‪{ :‬ول تنكحوا المشركين} فإنه‬
‫خطاب للولياء بأن ل ينكحوا المسلمات المشركين‪.‬‬
‫ولو فرض أ نه يجوز ل ها إنكاح نف سها ل ما كا نت ال ية دالة على تحر يم ذلك علي هن لن القائل بأن ها تن كح نف سها‬
‫يقول بأنه ينكحها وليها أيضا فيلزم أن الية لم تف بالدللة على تحريم إنكاح المشركين للمسلمات لنها إنما دلت‬
‫على ن هي الولياء من إنكاح المشرك ين ل على ن هي الم سلمات أن ينك حن أنف سهن من هم و قد علم تحر يم نكاح‬
‫المشركين المسلمات فالمر للولياء دال على أنه ليس للمرأة ولية في النكاح‪.‬‬
‫ولقيد تكلم صياحب نهايية المجتهيد على اليية بكلم فيي غا ية السيقوط فقال‪" :‬اليية مترددة بيين أن تكون خطابا‬
‫للولياء أو لولي ال مر ثم قال‪ :‬فإن ق يل هو عام والعام يش مل أوي ال مر والولياء قل نا‪ :‬هذا الخطاب إن ما هو‬
‫خطاب بالمنيع والمنيع بالشرع فيسيتوي فييه الولياء وغيرهيم وكون الولي مأمورا بالمنيع بالشرع ل يوجيب له‬
‫ولية خاصة بالذن‪ ،‬ولو قلنا إنه خطاب للولياء يوجب اشتراط إذنهم في النكاح لكان مجملً ل يصح به عمل‬
‫ل نه ل يس ف يه ذ كر أ صناف الولياء ول مراتب هم والبيان ل يجوز تأخيره عن و قت الحا جة" اه ي والجواب أن‬
‫الظ هر أن ال ية خطاب لكا فة المؤمن ين المكلف ين الذ ين خوطبوا ب صدرها أع ني قوله‪{ :‬ول تنكحوا المشركات‬
‫ح تى يؤ من} والمراد ل ينكح هن من إل يه النكاح و هم الولياء أو خطاب للولياء ومن هم المراء ع ند فقد هم أو‬
‫عضل هم ل ما عر فت من قوله "فإن اشتجروا فال سلطان ولي من ل ولي ل ها" فب طل قوله إ نه متردد ب ين خطاب‬
‫الولياء وأولي المر‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬قلنيا‪ :‬هذا الخطاب إنميا هيو خطاب بالمنيع بالشرع "قلنيا" نعيم قوله‪ :‬والمنيع بالشرع يسيتوي فييه الولياء‬
‫وغيرهم "قلنا" هذا كلم في غاية السقوط فإن المنع بالشرع هنا الولياء الذين يتولون العقد إما جوازا كما تقوله‬
‫الحنفية أو شرطا كما يقوله غيرهم‪.‬‬
‫فالجنبي بمعزل عن المنع لنه ل ولية له على بنات زيد مثلً فما معنى نهيه عن شيء ليس من تكليفه فهذا‬
‫تكليف يخص الولياء فهو كمنع الغني من السؤال ومنع النساء عن التبرج‪.‬‬
‫فالتكاليف الشرعية منها ما ي خص الذكور ومنها ما يخص الناث ومنها ما يخص بعضا من الفريق ين أو فردا‬
‫منهما ومنها ما يعم الفريقين وإن أراد أنه يجب على الجنبي النكار على من يزوج مسلم بمشرك فخروج من‬
‫البحث‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ولو قلنا إنه خطاب للولياء لكان مجملً ل يصح به عمل‪ ،‬جوابه أنه ليس بمجمل إذ الولياء معروفون‬
‫في زمان من أنزلت علي هم ال ية وقد كان معروفا عند هم‪ .‬أل ترى إلى قول عائ شة‪ :‬يخ طب الر جل إلى الر جل‬
‫وليته فإنه دال على أن الولياء معروفون‪.‬‬
‫وكذلك قول أم سلمة له صلى ال عل يه وآله و سلم ل يس‪ :‬أ حد من أوليائي حاضرا‪ .‬وإن ما ذكر نا هذا ل نه ن قل‬
‫الشارح رحمه ال كلم النهاية وهو طويل وجنح إلى رأي الحنفية واستقواه الشارح ولم يقو في نظري ما قاله‬
‫فأحببت أن أنبه على بعض ما فيه‪.‬‬
‫ولول محبة الختصار لنقلته بطوله وأبنت ما فيه‪.‬‬
‫ومن الدلة على اعتبار الولي قوله صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬الثيب أحق بنفسها من وليها" فإنه أثبت حقا للولي‬
‫كما يفيده لفظ "أحق" وأحقيته هي الولية وأحقيتها رضاها فإنه ل يصح عقده بها إل بعده فحقها بنفسها آكد من‬
‫حقه لتوقف حقه على إذنها‪.‬‬
‫ع نِ الشّغار" وَالشّغارُ أَ نْ‬ ‫ع ْن ُهمَا قَالَ‪":‬نهى ر سُولُ اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َ‬ ‫عمَ َر رَضي اللّ هُ َ‬ ‫ع نِ اب نِ ُ‬ ‫ع نْ نَافِ عٍ َ‬
‫وَ َ‬
‫خرَ عَلى أ نّ‬ ‫صدَاقٌ‪ُ ،‬متّفَ قٌ عََليْ هِ‪ ،‬وَاتّفَقَا مِ نْ َوجْ هٍ آ َ‬
‫خرُ ا ْب َنتَ هُ وََليْ سَ َب ْي َن ُهمَا َ‬
‫ن ُيزَ ّوجَ ُه ال َ‬
‫ُيزَوّ جَ ال ّرجُلُ ا ْب َنتَ هُ عَلى َأ ْ‬
‫تَفْسيرَ الشّغار ِمنْ كَلمِ نَافعٍ‪.‬‬
‫(وعن نافع عن ابن عمر قال‪ :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم عن الشغار) فسره بقوله‪( :‬أَ نْ ُيزَوّ جَ‬
‫س َب ْي َنهُمَا صَداقٌ" متفق عليه)‪.‬‬ ‫خرُ ا ْب َنتَهُ وليْ َ‬‫جهُ ال َ‬ ‫ن يُزَ ّو َ‬
‫ال ّرجُلُ ا ْب َنتَهُ عَلى أ ْ‬

‫‪11‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬ل أدري التفسير عن النبي صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو‬
‫عن مالك؟ حكاه عنه البيهقي في المعرفة‪.‬‬
‫(واتفقا من وجه آخر على أن تفسير الشغار من كلم نافع)‪.‬‬
‫وقال الخطييب‪ :‬إنيه لييس من كلم النيبي صيلى ال تعالى عل يه وآله وسيلم وإنميا هيو قول مالك وصيل بالمتين‬
‫المرفوع وقد بيّن ذلك ابن مهدي والقعنبي ويدل على أنه من كلم مالك أنه أخرجه الدارقطني من طريق خالد‬
‫بن مخلد عن مالك قال‪:‬‬
‫سمعت أن الشغار أن يزوّج الرجل‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وأما البخاري فصرح في كتاب الحيل أن تفسير الشغار من قول نافع‪.‬‬
‫قال القر طبي‪" :‬تف سير الشغار ب ما ذ كر صحيح موا فق ل ما ذكره أ هل الل غة فإن كان مرفوعا ف هو المق صود وإن‬
‫كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لنه أعلم بالمقال وأفقه بالحال" اهي‪.‬‬
‫وإذا ثبت النهي عنه فقد اختلف الفقهاء هل هو باطل أو غير باطل؟‬
‫فذهبت الهادوية والشافعي ومالك إلى أنه باطل للنهي عنه وهو يقتضي البطلن‪.‬‬
‫وللفقهاء خلف في علة النهي ل نطول به فكلها أقوال تخمينية‪.‬‬
‫ويظهر من قوله في الحديث "ل صداق بينهما" أنه علة النهي‪.‬‬
‫وذهبت الحنفية وطائفة إلى أن النكاح صحيح ويلغو ما ذكر فيه عملً بعموم قوله تعالى‪{ :‬فانكحوا ما طاب لكم‬
‫من النساء} ويجاب بأنه خصه النهي‪.‬‬
‫ت أَ نْ َأبَاهَا زَ ّوجَهَا‬‫ت النّبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم َفذَ َكرَ ْ‬ ‫ع ْنهُمَا‪" :‬أَنّ جَاريَةً بكْرا َأتَ ِ‬‫ن اب نِ عَبا سٍ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ع ِ‬
‫وَ َ‬
‫ن مَاجَهْ وُأعِلّ بالرْسَالِ‪.‬‬ ‫ح َمدُ وََأبُو دَاودَ واب ُ‬
‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم" رَوَا ُه َأ ْ‬
‫خّيرَهَا رسُو ُ‬
‫وَ ِهيَ كارهِةٌ َف َ‬
‫جهَا‬‫ن َأبَاهَا زَ ّو َ‬
‫ت أَ ْ‬
‫ع ْن ُهمَا‪" :‬أَنّ جَاريَ ًة بكْرا َأتَ تِ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َف َذكَرَ ْ‬ ‫ع نِ اب نِ عَبا سٍ رَض يَ اللّ هُ َ‬‫(وَ َ‬
‫ن مَاجَهْ وُأعِلّ بالرْسَالِ)‪.‬‬ ‫ح َمدُ وََأبُو دَاودَ واب ُ‬
‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم" رَوَا ُه َأ ْ‬
‫خّيرَهَا رسُو ُ‬
‫وَ ِهيَ كارهِةٌ َف َ‬
‫وأجيب عنه بأنه رواه أيوب بن سويد عن الثوري عن أيوب موصولً وكذلك رواه معمر بن سليمان الرقي عن‬
‫زيد بن حبان عن أيوب موصولً‪.‬‬
‫وإذا اختلف في وصل الحديث وإرساله فالحكم لمن وصله‪.‬‬
‫قال المصنف‪ :‬الطعن في الحديث ل معنى له لنه له طرقا يقوي بعضها بعضا اهي‪.‬‬
‫وقد تقدّم حديث أبي هريرة المتفق عليه وفيه‪" :‬ول تنكح البكر حتى تستأذن" وهذا الحديث أفاد ما أفاده فدل على‬
‫تحريم إجبار الب لبنته البكر على النكاح وغيره من الولياء بالولى‪.‬‬
‫وإلى عدم جواز إجبار الب ذه بت الهادو ية والحنف ية ل ما ذ كر ولحد يث م سلم "والب كر ي ستأذنها أبو ها" وإن قال‬
‫البيهقي‪ :‬زيادة الب في الحديث غير محفوظة فقد ردّه المصنف بأنها زيادة عدل يعني فيعمل بها‪.‬‬
‫وذهيب أحميد وإسيحاق والشافعيي إلى أن للب إجبار بنتيه البكير البالغية على النكاح عملً بمفهوم "الثييب أحيق‬
‫بنفسها" كما تقدم فإنه دل أن البكر بخلفها وأن الولي أحق بها‪.‬‬
‫ويردّ بأنه مفهوم ل يقاوم المنطوق وبأنه لو أخذ بعمومه لزم في حق غير الب من الولياء وأن ل يخص الب‬
‫بجواز الجبار‪.‬‬
‫وقال البيه قي في تقو ية كلم الشاف عي‪ :‬إن حد يث ا بن عباس هذا محمول على أ نه زوّج ها من غ ير ك فء قال‬
‫المصنف‪ :‬جواب البيهقي هو المعتمد لنها واقعة عين فل يثبت الحكم بها تعميما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬كلم هذين المامين محاماة عن كلم الشافعي ومذهبهم وإل فتأويل البيهقي ل دليل عليه فلو كان كما قال‬
‫لذكر ته المرأة بل قالت‪ :‬إ نه زوّج ها و هي كار هة فالعلة كراهت ها فعلي ها علق التخي ير لن ها المذكورة فكأ نه قال‬
‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪ :‬إذا كنت كارهة فأنت بالخيار‪.‬‬
‫وقوله المصنف‪" :‬إنها واقعة عين" كلم غير صحيح بل كحكم عام لعموم علته فأينما وجدت الكراهة ثبت الحكم‪.‬‬
‫و قد أخرج الن سائي عن عائ شة‪" :‬أن فتاة دخلت علي ها‪ ،‬فقالت‪ :‬إن أ بي زوّج ني من ا بن أخ يه ير فع بي خ سيسته‬
‫وأ نا كار هة قالت‪ :‬اجل سي ح تى يأ تي ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فجاء ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬
‫فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل المر إليها فقالت‪ :‬يا رسول ال قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن‬
‫أعلم النساء أن ليس للباء من المر شيء"‪.‬‬
‫والظاهر أنها بكر ولعلها البكر التي في حديث ابن عباس وقد زوجها أبوها كفئا ابن أخيه‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وإن كانت ثيبا فقد صرحت أنه ليس مرادها إل إعلم النساء أنه ليس للباء من المر شيء ولفظ النساء عام‬
‫للثيب والبكر وقد قالت هذا عنده صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم فأَقرّها عليه‪.‬‬
‫والمراد بنفي المر عن الباء نفي التزويج للكراهة لن السياق في ذلك فل يقال هو عام لكل شيء‪.‬‬
‫جهَا وَِليّانِ َفهِيَ‬ ‫ي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قالَ‪َ" :‬أ ّيمَا امْرَأَ ٍة زَ ّو َ‬ ‫عنْهُ عَنِ النّب ّ‬ ‫س ُمرَةَ رضيَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن الحَسَنِ عَ ْ‬ ‫عِ‬ ‫وَ َ‬
‫سنَ ُه التّ ْرمِذيّ‪.‬‬
‫حّ‬‫ح َمدُ وَال ْر َبعَةُ َو َ‬ ‫للوّلِ ِم ْن ُهمَا" رَوَا ُه َأ ْ‬
‫(وعن الحسن) هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن مولى زيد بن ثابت ولد لسنتين بقيتا من خلفة عمر بالمدينة‬
‫وقدم الب صرة ب عد مق تل عثمان‪ .‬وق يل إ نه ل قي عليا بالمدي نة وأ ما بالب صرة فلم ت صح رؤي ته إياه وكان إمام وق ته‬
‫علما وزهدا وورعا مات في رجب سنة عشرة ومائة (عن سمرة رضي ال عنه عن النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪:‬‬
‫جهَا وِليّان َفهِي لِلوّل ِم ْنهُمَا" رواه أحمد والربعة وحسنه الترمذي)‪.‬‬ ‫"َأ ّيمَا ا ْمرَأَ ٍة زَ ّو َ‬
‫تقدم ذكر الخلف في سماع الحسن من سمرة‪.‬‬
‫ورواه الشافعي وأحمد والنسائي من طريق قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر‪.‬‬
‫قال الترمذي‪ :‬الحسن عن سمرة في هذا أصح‪.‬‬
‫قال ابن المديني‪ :‬لم يسمع الحسن عن عقبة شيئا‪.‬‬
‫والحد يث دل يل على أن المرأة إذا ع قد ل ها وليان لرجل ين وكان الع قد مترتبا أن ها للول منه ما سواء د خل ب ها‬
‫الثاني أو ل‪.‬‬
‫أما إذا دخل بها عالما فإجماع أنه زنا‪ ،‬وأنها للول‪ ،‬وكذلك إن دخل بها جاهلً إل أنه ل حدّ عليه‪ .‬للجهل‪.‬‬
‫فإن وقع العقدان في وقت واحد بطل وكذا إذا علم ثم التبس فإنهما يبطلن إل أنها إذا أقرت الزوجة أو دخل بها‬
‫أحيد الزوجيين برضاهيا فإن ذلك يقرر العقيد الذي أقرّت بسيبقه إذ الحيق عليهيا فإقرارهيا صيحيح وكذا الدخول‬
‫برضاها فإنه قرينة السبق لوجوب الحمل على السلمة‪.‬‬
‫ن مَوَاليِ ِه أَوْ‬
‫ج ِب َغيْ ِر إذْ ِ‬
‫ع ْبدٍ تَزو َ‬ ‫ل اللّهِ صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪َ" :‬أ ّيمَا َ‬ ‫ل رسو ُ‬ ‫عنْهُ قالَ‪ :‬قَا َ‬ ‫ن جَابرٍ رَضيَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫عْ‬ ‫وَ َ‬
‫حبّانَ‪.‬‬‫ححَهُ َوكَذلكَ صححهُ ابنُ ِ‬ ‫صّ‬‫أَهِْلهِ َفهُوَ عَاهرٌ" رَوا ُه أَحمدُ وأبو دَاودَ وَالتّ ْر ِم ِذيّ َو َ‬
‫ع ْبدٍ تَزوجَ ِب َغ ْيرِ إذْنِ َموَاليِهِ َأوْ أَهِْلهِ‬ ‫ع ْن ُه قالَ‪ :‬قَالَ رسولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪َ" :‬أ ّيمَا َ‬ ‫ن جَابرٍ رَضيَ اللّهُ َ‬ ‫عْ‬ ‫(وَ َ‬
‫حبّانَ)‪.‬‬‫صحّحَهُ َوكَذلكَ) صححهُ (ابنُ ِ‬ ‫َفهُوَ عَاهرٌ") أي زان (رَواهُ أَحمدُ وأبو دَاودَ وَال ّت ْرمِ ِذيّ َو َ‬
‫ورواه من حديث ابن عمر موقوفا وأنه وجد عبدا له تزوج بغير إذنه ففرق بينهما وأبطل عقده وضربه الحدّ‪.‬‬
‫والحديث دليل على أن نكاح العبد بغير إذن مالكه باطل وحكمه حكم الزنا عند الجمهور إل أنه يسقط عنه الحد‬
‫إذا كان جاهلً للتحريم ويلحق به النسب‪.‬‬
‫وذهب داود إلى أن نكاح العبد بغير إذن مالكه صحيح لن النكاح عنده فرض عين فهو كسائر فروض العين ل‬
‫يفتقر إلى إذن السيد وكأنه لم يثبت لديه الحديث‪.‬‬
‫وقال المام يحيى‪ :‬إن العقد الباطل ل يكون له حكم الزنا هنا ولو كان عالما بالتحريم لن العقد شبهة يدرأ بها‬
‫الحدّ‪.‬‬
‫و هل ين فذ عقده بالجازة من سيده؟ فقال النا صر والشاف عي‪ :‬ل ينفذه بالجازة ل نه سماه ال نبي صلى ال تعالى‬
‫عليه وعلى آله وسلم عاهرا‪.‬‬
‫وأجييب بأن المراد إذا لم تحصيل الجازة إل أن الشافعيي ل يقول بالعقيد الموقوف أصيلً‪ .‬والمراد بالعاهير أنيه‬
‫كالعاهر وأنه ليس بزان حقيقة‪.‬‬
‫ع ّم ِتهَا وَل َبيْ نَ‬ ‫جمَ عُ َبيْ نَ ا ْل َمرْأَةِ َو َ‬‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قَالَ‪" :‬ل ُي ْ‬ ‫ن رَ سُو َ‬‫عنْ ُه أَ ْ‬‫ن أَبي ُه َر ْيرَةَ رَضي اللّ هُ َ‬ ‫عْ‬ ‫وَ َ‬
‫ا ْل َمرْأَةِ َوخَاَل ِتهَا" ُمتّ َفقٌ عََل ْيهِ‪.‬‬
‫جمَ عُ) بل فظ المضارع المب ني‬ ‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬ل ُي ْ‬
‫للمجهول و "ل" نافية فهو مرفوع ومعناه النهي وقد ورد في إحدى روايات الصحيح بلفظ‪ :‬نهى رسول ال صَلّى‬
‫ع ّم ِتهَا ول َبيْنَ ا ْل َمرْأَةِ وخَالتِها" متفق عليه)‪.‬‬ ‫ال عََليْهِ َوسَلّم أن يجمع ( َبيْنَ ا ْل َمرْأَةِ و َ‬
‫فيه دليل على تحريم الجمع بين من ذكر‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬يحرم الجمع بين من ذكر وهو قول من لقيته من المفتين ل خلف بينهم في ذلك‪.‬‬
‫ومثله قال الترمذي وقال ابن المنذر‪ :‬لست أعلم في منع ذلك اختلفا اليوم وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج‪.‬‬
‫ونقل الجماع أيضا ابن عبد البر وابن حزم والقرطبي والنووي‪.‬‬
‫ول يخفى أن هذا الحديث خصص عموم قوله تعالى‪{ :‬وأحل لكم ما وراء ذالكم}‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫ق يل‪ :‬ويلزم الحنف ية أن يجوّزوا الج مع ب ين من ذ كر لن أ صولهم تقد يم عموم الكتاب على أخبار الحاد إل أ نه‬
‫أجاب صاحب الهداية بأنه حديث مشهور والمشهور له حكم القطعي سيما مع الجماع من المة وعدم العتداد‬
‫بالمخالف‪.‬‬
‫ح ا ْل ُمحْر مُ وَل ُي ْنكِ حُ" رَوَا هُ‬
‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ رسولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ل َي ْنكِ ُ‬ ‫ع ُثمَا نَ رض يَ اللّ هُ َتعَالَى َ‬ ‫ع نْ ُ‬
‫وَ َ‬
‫خطَبُ عَلَيهِ"‪.‬‬ ‫حبّانَ‪" :‬ول ُي ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُمسِْلمٌ‪ ،‬وَفي روَاي ِة لَهُ‪" :‬وَل َيخْطُبُ" َوزَادَ اب ُ‬
‫(و عن عثمان ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل َي ْنكِ حُ) بف تح حرف المضار عة من‬
‫خطُ بُ) أي‬ ‫حرِ مُ ول ُي ْنكِ حُ) بض مه من أن كح (رواه م سلم و في روا ية له) أي لم سلم عن عثمان (ول َي ْ‬ ‫ن كح ("ا ْل ُم ْ‬
‫خطَبُ عََليْهِ")‪.‬‬ ‫لنفسه أو لغيره "زاد ابن حبان "ول ُي ْ‬
‫وتقدم ذلك في كتاب الحج إل قوله‪" :‬ول يخطب عليه" والمراد أنه ل يخطب أحد منه وليته‪.‬‬
‫ع ْن ُهمَا قالَ‪" :‬تزَوّجَ النّبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم َم ْيمُون َة وَهُ َو ُمحْرمٌ" ُمتّفقٌ عََل ْيهِ‪،‬‬ ‫عبّاسٍ رضيَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫ن ابْنِ َ‬ ‫عِ‬‫وَ َ‬
‫جهَا وَ ُهوَ حَللٌ"‪.‬‬ ‫ن النّبيّ صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم تَزَ ّو َ‬ ‫ع ْنهَا‪" :‬أَ ّ‬
‫ضيَ الّلهُ َ‬‫سهَا رَ ِ‬ ‫ن َم ْيمُونَ َة نَ ْف ِ‬‫وَل ُمسْلِمٍ عَ ْ‬
‫ج رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم ميمونةَ وهو ُمحْرم‪ .‬متفقٌ عليه)‪.‬‬ ‫(وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬تزو َ‬
‫الحديث قد أكثر الناس فيه الكلم لمخالفة ابن عباس لغيره‪.‬‬
‫قال ا بن ع بد البر‪ :‬اختل فت الثار في هذا الح كم ل كن الروا ية أ نه تزوج ها و هو حلل جاءت من طرق ش تى‬
‫وحديث ابن عباس صحيح السناد لكن الوهم إلى الواحد أقرب من الوهم إلى الجماعة‪.‬‬
‫فأقل أحوال الخبرين أن يتعارضا فتطلب الح جة من غيرهما وحديث عثمان صحيح في منع نكاح المحرم فهو‬
‫المعتمد انتهى‪.‬‬
‫وقال الثرم‪ :‬قلت لحمد‪ :‬إن أبا ثور يقول بأي شيء يدفع حديث ابن عباس أي مع صحته قال‪ :‬ال المستعان‪.‬‬
‫ابن المسيب يقول‪ :‬وهم ابن عباس وميمونة تقول‪ :‬تزوجني وهو حلل انتهى‪.‬‬
‫يريد بقول ميمونة ما رواه عنها مسلم وهو‪:‬‬
‫(ولمسلم عن ميمونة نفسها‪ :‬أن النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم تزوجها وهو حلل)‪.‬‬
‫وع ضد حديث ها حد يث عثمان و قد تُ ُؤوّلَ حد يث ا بن عباس بأن مع نى "و هو محرم" أي دا خل في الحرم أو في‬
‫الشهر الحرم جزم بهذا التأويل ابن حبان في صحيحه وهو تأويل بعيد ل تساعد عليه الحاديث‪ .‬وقد تقدم الكلم‬
‫في هذا في الحج‪.‬‬
‫حقّ الشّرُوطِ أَنْ ُيوَفى بِهِ مَا‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬إنّ َأ َ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ رَسُو ُ‬ ‫ن عامِر رَضي اللّهُ َ‬ ‫عنْ عُ ْق َبةَ ب ِ‬‫وَ َ‬
‫س َتحْلَ ْل ُتمْ بِ ِه الْ ُفرُوجَ" ُمتّفقٌ عََليْهِ‪.‬‬
‫اْ‬
‫س َتحْلَ ْل ُتمْ بِ هِ‬
‫ن يُوَفى بِ ِه مَا ا ْ‬
‫شرُو طِ أَ ْ‬ ‫حقّ ال ّ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إنّ َأ َ‬ ‫ن عامِر قالَ‪ :‬قالَ رَ سُو ُ‬ ‫ع نْ عُ ْقبَ َة ب ِ‬‫(وَ َ‬
‫الْ ُفرُوجَ" ُمتّفقٌ عََليْهِ‪.‬‬
‫أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح لن أمره أحوط وبابه أضيق‪.‬‬
‫والحد يث دل يل على أن الشروط المذكورة في ع قد النكاح يتع ين الوفاء ب ها و سواء كان الشرط عرضا أو مالً‬
‫حيث كان الشرط للمرأة‪.‬‬
‫لن استحلل البضع إنما يكون فيما يتعلق بها أو ترضاه لغيرها‪.‬‬
‫وللعلماء في المسألة أقوال‪:‬‬
‫قال الخطابي‪ :‬الشروط في النكاح مختلف فيها‪.‬‬
‫فمن ها ما ي جب الوفاء به اتفاقا و هو ما أ مر ال تعالى به من إم ساك بمعروف أو ت سريح بإح سان وعل يه ح مل‬
‫بعضهم هذا الحديث‪.‬‬
‫ومنها ما ل يوفى به اتفاقا كطلق أختها لما ورد من النهي عنه‪.‬‬
‫ومنها ما اختلف فيه كاشتراط أن ل يتزوج عليها ول يتسرى ول ينقلها من منزلها إلى منزله‪.‬‬
‫وأما ما يشترطه العاقد لنفسه خارجا عن الصداق فقيل‪ :‬هو للمرأة مطلقا وهو قول الهادوية وعطاء وجماعة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو لمن شرطه وقيل‪ :‬يختص ذلك بالب دون غيره من الولياء‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬إن وقع في حال العقد فهو من جملة المهر أو خارجا عنه فهو لمن وهب له‪.‬‬
‫ودليله ما أخر جه الن سائي من حد يث عمرو بن شع يب عن أب يه عن جده يرف عه بل فظ‪" :‬أي ما امرأة نك حت على‬
‫صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم‬
‫عليه الرجل ابنته أو أخته"‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫وأخرج نحوه الترمذي من حديث عروة عن عائشة ثم قال‪ :‬والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة‬
‫منهم[اث] عمر[‪/‬اث] قال‪:‬‬
‫إذا تزوج الرجل المرأة بشرط أن ل يخرجها لزم‪ ،‬وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق‪.‬‬
‫إل أنه قد تعقب بأن نقله عن الشافعي غريب والمعروف عن الشافعية أن المراد من الشروط هي التي ل تنافي‬
‫النكاح بل تكون من مقتضيا ته ومقا صده كاشتراط ح سن العشرة والنفاق والك سوة وال سكنى وأن ل يق صر في‬
‫شيء من حقها من قسمة ونفقة وكشرطه عليها أل تخرج إل بإذنه وأن ل تتصرف في متاعه ونحو ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه الشروط إن أرادوا أ نه يح مل علي ها الحد يث ف قد قلّلوا فائد ته لن هذه أمور لز مة للع قد ل تفت قر إلى‬
‫شرط وإن أرادوا غير ذلك فما هو؟‪.‬‬
‫نعم لو شرطت ما ينافي العقد كأن ل يقسم لها ول يتسرى عليها فل يجب الوفاء به‪.‬‬
‫قال الترمذي‪ :‬قال[اث] عل يّ[‪/‬اث] رض يَ ال ع نه‪ :‬سبق شرط ال شرط ها‪ .‬فالمراد في الحديث الشروط الجائزة‬
‫ل المنهي عنها فأما شرطها أن ل يخرجها من منزلها فهذا شرط غير منهي عنه فيتعين الوفاء به‪.‬‬
‫ن الكْوَع قالَ‪َ " :‬رخّ صَ رَ سُولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عَا مَ َأ ْوطَا سٍ في ا ْل ُم ْتعَةِ ثَلث َة َأيّا مٍ ثمّ َنهَى‬ ‫ن سََلمَ َة ب ِ‬
‫ع ْ‬‫وَ َ‬
‫عنْها" َروَا ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬‫َ‬
‫ص رَ سُولُ اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عَا مَ أَ ْوطَا سٍ في ا ْل ُم ْتعَةِ‬ ‫عنْ هُ قالَ‪" :‬رَخّ َ‬ ‫ن الكْوَع َرضِ يَ ال َ‬ ‫ع نْ سََلمَ َة ب ِ‬‫(وَ َ‬
‫عنْها" رَوَاهُ ُمسْلمٌ‪.‬‬‫ثَلث َة َأيّامٍ ثمّ َنهَى َ‬
‫اعلم أن حقيقة المتعة كما في كتب المامية هي النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول وغايته إلى خمسة وأربعين‬
‫يوم ويرت فع النكاح بانقضاء المؤ قت في المنقط عة الح يض وبحيضت ين في الحائض وبأرب عة أش هر وع شر في‬
‫المتوفى عنها زوجها‪.‬‬
‫وحكمه أل يثبت لها مهر غير المشروط ول تثبت لها نفقة ول توارث ول عدة إل الستبراء بما ذكر‪.‬‬
‫ول يثبت به نسب إل أن يشترط وتحرم المصاهرة بسببه‪ ،‬هذا كلمهم‪.‬‬
‫وحديث سلمة هذا أفاد أنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم رخص في المتعة ثم نهى عنها واستمر النهي ونسخت الرخصة‪،‬‬
‫وإلى نسخها ذهب الجماهير من السلف والخلف‪ .‬وقد روي نسخها بعد الترخيص في ستة مواطن‪:‬‬
‫الول‪ :‬في خيبر‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬في عمرة القضاء‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عام الفتح‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬عام أوطاس‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬غزوة تبوك‪.‬‬
‫السادس‪ :‬في حجة الوداع‪.‬‬
‫فهذه التي وردت إل أن في ثبوت بعضها خلفا‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين فكانت مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها ثم أبيحت عام‬
‫الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريما مؤبدا‪.‬‬
‫وإلى هذا التحريم ذهب أكثر المة وذهب إلى بقاء الرخصة جماعة من الصحابة وروي رجوعهم وقولهم بالنسخ‬
‫ومن أولئك[اث] ابن عباس[‪/‬اث]‪ ،‬روي عنه بقاء الرخصة ثم رجع عنه إلى القول بالتحريم‪ .‬قال البخاري‪ :‬بين‬
‫عليّ رضي ال عنه عن النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم أنه منسوخ‪.‬‬
‫وأخرج ابن ماجه عن عمر بإسناد صحيح أنه خطب فقال‪ :‬إن رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم أذن لنا في المتعة‬
‫ثلثا ثم حرمها وال ل أعلم أحدا تمتع وهو محصن إل رجمته بالحجارة‪.‬‬
‫وقال[اث] ا بن ع مر[‪/‬اث]‪ :‬نها نا ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم و ما ك نا م سافحين‪ .‬إ سناده قوي والقول بأن‬
‫إباحت ها قطع يّ ون سخها ظن يّ غ ير صحيح لن الراو ين لباحت ها رووا ن سخها وذلك إ ما قطع يّ في الطرف ين أو‬
‫ظني في الطرفين كذا في الشرح‪.‬‬
‫و في نها ية المجت هد أن ها تواترت الخبار بالتحر يم إل أن ها اختل فت في الو قت الذي وقع ف يه التحر يم انت هى و قد‬
‫بسطنا القول في تحريمها في حواشي ضوء النهار‪.‬‬
‫خ ْي َبرَ" ُمتّ َفقٌ عََليْهِ‪.‬‬
‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم عَن ا ْل ُم ْتعَةِ عَامَ َ‬ ‫ع ْنهُ قالَ‪" :‬نهى رسُو ُ‬ ‫عنْ عَليَ رضي اللّهُ َتعَالَى َ‬ ‫وَ َ‬
‫خ َرجَ هُ‬ ‫خ ْيبَرَ" َأ ْ‬
‫ل الحُمُر الهِْلّيةِ يَوْ َم َ‬ ‫ن َأكْ ِ‬
‫ن ُم ْتعَ ِة النّ سَاءِ‪ ،‬وَعَ ْ‬
‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم نَهَى عَ ْ‬ ‫عنْ هُ‪" :‬أَنّ رَ سو َ‬ ‫وَ َ‬
‫س ْبعَ ُة إل أَبا داودَ‪.‬‬‫ال ّ‬
‫‪15‬‬
‫ت أَذنْ تُ َلكُ مْ في‬
‫عنْ ُه أَنّ رَ سُولَ اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬إني ُكنْ ُ‬ ‫ع نْ أَبي هِ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫سبْرَةَ َ‬
‫ن َ‬ ‫ع نْ رَبيع بْ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫خذُوا‬‫سبِيَلهَا ول تَأ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ع ْن َدهُ ِم ْنهُنّ شي ٌء فَ ْليُخَ ّ‬ ‫حرّمَ ذلكَ إلى َيوْمِ الْ ِقيَامَةِ‪َ ،‬فمَنْ كَانَ ِ‬ ‫س ِت ْمتَاعِ ِمنَ النّساءِ‪ ،‬وَإنّ اللّهَ َقدْ َ‬ ‫ال ْ‬
‫حبّانَ‪.‬‬ ‫ح َمدُ وابْنُ ِ‬ ‫ن مَاجَهْ وََأ ْ‬‫خرَجَ ُه ُمسْلمٌ وأبو داودَ والنّسائيّ واب ُ‬ ‫شيْئا" َأ ْ‬
‫مما آ َت ْي ُتمُو ُهنّ َ‬
‫(وعن عليّ رضيَ ال عنه قال‪ :‬نهى رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم عن المتعة عام خيبر‪ .‬متفق عليه)‪.‬‬
‫لفظه في البخاري‪" :‬إن النبي صلى ال عليه وآله وسلم نهى عن المتعة وعن الحمر الهلية زمن خيبر" بالخاء‬
‫المعجمة أوله والراء آخره‪.‬‬
‫وقد وهم من رواه عام حنين بمهملة أوله ونون آخره أخرجه النسائي والدارقطني ونبه على أنه وهم‪.‬‬
‫ثم الظاهر أن الظرف في رواية البخاري متعلق بالمرين معا المتعة ولحوم الحمر الهلية‪.‬‬
‫وح كى البيه قي عن الحميدي أ نه كان يقول سفيان بن عيي نة‪ :‬في خ يبر يتعلق بالح مر الهل ية ل بالمت عة‪ .‬قال‬
‫البيهقي‪ :‬وهو محتمل ذلك ولكن أكثر الروايات يفيد تعلّ َقهُ بهما‪.‬‬
‫وفي رواية لحمد من طريق معمر بسنده أنه بلغه‪ :‬أن ابن عباس رخص في متعة النساء فقال له‪ :‬إن رسول ال‬
‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم نهى عنه يوم خيبر وعن لحوم الحمر الهلية‪.‬‬
‫إل أنه قال السهيلي‪ :‬إنه ل يعرف عن أهل السير ورواة الثار أنه نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر قال‪ :‬والذي‬
‫يظهر أنه وقع تقديم وتأخير‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن عبد البر أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الهلية وأما المتعة‬
‫فكان في غير يوم خيبر‪.‬‬
‫وقال أبو عوانة في صحيحه‪ :‬سمعت أهل العلم يقولون‪ :‬معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر؛‬
‫وأما المتعة فسكت عنها وإنما نهى عنها يوم الفتح‪.‬‬
‫والحامل لهؤلء على ما سمعت ثبوت الرخصة بعد زمن خيبر ول تقوم لعليّ الحجة على ابن عباس إل إذا وقع‬
‫النهي أخيرا إل أنه يمكن النفصال عن ذلك بأن عليا رضي ال عنه لم تبلغه فيها يوم الفتح لوقوع النهي عن‬
‫قرب ويمكن أن عليا عرف بالرخصة يوم الفتح ولكن فهم توقيت الترخيص وهو أيام شدة الحاجة مع العزوبة‬
‫وبعد مضي ذلك فهي باقية على أصل التحريم المتقدم فتقوم له الحجة على ابن عباس‪.‬‬
‫وأما قول ابن القيم‪ :‬إن المسلمين لم يكونوا يستمتعون بالكتابيات يريد فيقوى أن النهي لم يقع عام خيبر إذ لم يقع‬
‫هناك نكاح متعية فقيد يجاب عنيه بأنيه قيد يكون هناك مشركات غيير كتابيات فإن أهيل خييبر كانوا يصياهرون‬
‫الوس والخزرج قبل السلم فلعله كان هناك من نساء الوس والخزرج من يستمتعون منهن‪.‬‬
‫ل له" رَوَا ُه َأحْمدُ‬ ‫ل والمحَلّ َ‬ ‫ن رَ سُولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ا ْل ُمحَلّ َ‬ ‫ع ْن هُ قَالَ‪َ" :‬لعَ َ‬
‫ن مَ سْعودٍ رض يَ ال َ‬ ‫ع نِ اب ِ‬ ‫وَ َ‬
‫خرَجَ ُه الربعةُ إل ال ّنسَائيّ‪.‬‬ ‫ي َأ ْ‬ ‫ححَهُ‪ ،‬وفي البابِ عَنْ عَل َ‬ ‫والنّسائيّ والترمذيّ وص ّ‬
‫ل والمحَلّلَ له" رَوَا ُه َأحْمدُ‬ ‫عنْ ُه قَالَ‪َ" :‬لعَ نَ رَ سُولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ا ْل ُمحَلّ َ‬ ‫ن اب نِ مَ سْعودٍ رض يَ ال َ‬ ‫ع ِ‬ ‫(وَ َ‬
‫خرَجَ ُه الربعةُ إل ال ّنسَائيّ)‪.‬‬ ‫ي َأ ْ‬ ‫ححَهُ‪ ،‬وفي البابِ عَنْ عَل َ‬ ‫والنّسائيّ والترمذيّ وص ّ‬
‫وصحح حديث ابن مسعود ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري‪.‬‬
‫وقال الترمذي حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم منهم عمر وعثمان وعبد ال بن عمر وهو قول‬
‫الفقهاء من التابعين‪.‬‬
‫وأما حديث علي رضي ال عنه ففي إسناده[تض] مجالد[‪/‬تض] وهو ضعيف وصححه ابن السكن وأعله الترمذي‬
‫ورواه ابن ماجه والحاكم من حديث عقبة بن عامر ولفظه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬أل أخبركم‬
‫بالتيس المستعار؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال قال‪ :‬فهو المحلّل‪ ،‬لعن ال المحلّل والمحلّل له"‪.‬‬
‫والحد يث دل يل على تحر يم التحل يل ل نه ل يكون الل عن إل على فا عل المحرم و كل محرّم منه يّ ع نه والن هي‬
‫يقتضي فساد العقد‪ .‬واللعن وإن كان ذلك للفاعل لكنه علق بوصف يصح أن يكون علة الحكم‪.‬‬
‫وذكروا للتحليل صورا منها أن يقول له في العقد‪ :‬إذا أحللتها فل نكاح وهذا مثل نكاح المتعة لجل التوقيت‪.‬‬
‫ومنها أن يقول في العقد‪ :‬إذا أحللتها طلقتها‪.‬‬
‫ومنها أن يكون مضمرا عند العقد بأن يتواطأ على التحليل ول يكون النكاح الدائم هو المقصود‪.‬‬
‫وظاهر شمول اللعن فساد العقد لجميع الصور وفي بعضها خلف بل دليل ناهض فل يشتغل بها‪.‬‬
‫ح الزّا ني ال َمجْلُودُ إل ِمثْلَ هُ" رَوَا هُ أح َمدُ وأَ بو‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ل َي ْنكِ ُ‬ ‫ل ر سو ُ‬ ‫ن أ بي ُه َريْرةَ قال‪ :‬قَا َ‬ ‫ع ْ‬‫وَ َ‬
‫داو َد ورجالُ ُه ثُقاتٌ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ح الزّاني ال َمجْلُو ُد إل ِمثْلَ هُ"‬ ‫ع نْ أبي ُهرَيْر َة رضي ال عنه قال‪ :‬قَالَ ر سولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل َي ْنكِ ُ‬ ‫(وَ َ‬
‫رَوَاهُ أح َمدُ وأَبو داودَ ورجاُلهُ ثُقاتٌ)‪.‬‬
‫الحديث دليل على أنه يحرّم على المرأة أن تزوج بمن ظهر زناه ولعل الوصف بالمجلود بناء على الغلب في‬
‫حق من ظهر منه الزنا وكذلك يحرم عليه أن يتزوج بالزانية التي ظهر زناها‪ .‬وهذا الحديث موافق قوله تعالى‪:‬‬
‫{وحُرم ذلك على المؤمن ين} إل أ نه ح مل الحد يث وال ية الك ثر من العلماء على أن مع نى ل ين كح ل ير غب‬
‫الزاني المجلود إل في مثله والزانية ل ترغب في نكاح غير العاهر هكذا تأولوهما‪.‬‬
‫والذي يدل عل يه الحد يث وال ية الن هي عن ذلك ل الخبار عن مجرد الرغ بة وأ نه يحرم نكاح الزا ني العفي فة‬
‫والعفيف الزان ية ول أصرح من قوله‪{ :‬وحُرم ذلك على المؤمنين} أي كاملي اليمان الذين هم ليسوا بزناة وإل‬
‫فإن الزاني ل يخرج من مسمى اليمان عند الكثر‪.‬‬
‫ل بَ ها َفَأرَادَ‬ ‫عنْهَا قال تْ‪" :‬طَلّ قَ رجُلٌ امرََأتَ ُه ثَلثا َفتَزَ ّوجَهَا َرجُلٌ ثمّ طَلّقَهَا َقبْلَ أَ نْ َي ْدخُ َ‬ ‫ع نْ عَا ِئشَةَ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫وَ َ‬
‫خرُ مِ نْ‬ ‫ن ذلك‪ ،‬فَقَالَ‪" :‬ل‪ ،‬حتّى َيذُو قَ ال َ‬ ‫زَ ْوجُهَا الوّلُ َأ نْ يتز ّوجَ ها ف سئِلَ ر سولُ اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عَ ْ‬
‫سيْلَ ِتهَا ما ذَاقَ الولُ" ُمتّفقٌ عََليْهِ‪ ،‬واللّفظُ ل ُمسْلم‪.‬‬ ‫عَ‬ ‫ُ‬
‫(و عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت‪ :‬طلق ر جل امرأ ته ثلثا فتزوج ها ر جل ثم طلق ها ق بل أن يد خل ب ها فأراد‬
‫خرُ مِ نْ‬ ‫زوجها الول أن يتزوجها فسئل رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم عن ذلك فقال‪" :‬ل‪ ،‬حتّى يَذو قَ ال َ‬
‫سيْلَتِها) مصغر عسل وأنث لن العسل مؤنث وقيل إنه يذكر ويؤنث (ما ذَاقَ الوّلُ" متفق عليه واللفظ لمسلم)‪.‬‬ ‫عَ‬ ‫ُ‬
‫اختلف في المراد بالعسيلة فقيل‪ :‬إنزال المني وأن التحليل ل يكون إل بذلك وذهب إليه الحسن‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬ذوق العسيلة كناية عن المجامعة وهو تغييب الحشفة من الرجل في فرج المرأة ويكفي منه ما‬
‫يوجب الحدّ ويوجب الصداق‪.‬‬
‫وقال الزهري‪ :‬الصواب أن معنى العسيلة حلوة الجماع التي تحصل بتغييب الحشفة‪.‬‬
‫قال أبو عبيدة‪ :‬العسيلة لذة الجماع والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلً والحديث محتمل‪.‬‬
‫وأ ما قول سعيد بن الم سيب إ نه يح صل التحل يل بالع قد ال صحيح فقال ا بن المنذر‪ :‬ل نعلم أحدا واف قه عل يه إل‬
‫الخوارج ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن‪.‬‬
‫وأما رواية ذلك عن سعيد بن جبير فل يوجد مسندا عنه في كتاب إنما نقله أبو جعفر النحاس في معاني القرآن‬
‫وتبعه عبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة وقد حكى ابن الجوزي مثل قول ابن المسيب عن داود‪.‬‬
‫باب الكفاءة والخيار‬
‫الكفاءة المساواة أو المماثلة والكفاءة في الدين معتبرة فل يحل تزوج مسلمة بكافر إجماعا‪.‬‬
‫ضهُ مْ َأ ْكفَاءُ‬‫ضهُ ْم َأكْفَاءُ َبعْ ضٍ‪ ،‬والموَالي َبعْ ُ‬ ‫ع َمرَ قالَ‪ :‬قالَ رسولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ا ْل َعرَ بُ ِبعَ ُ‬ ‫عَن ابْ نِ ُ‬
‫ع نْ‬ ‫ع ْندَ ا ْل َبزّارِ َ‬
‫ستَ ْن َكرَهُ َأبُو حات مٍ‪ ،‬وَلَ ُه شَا ِهدٌ ِ‬
‫سمّ‪ ،‬وا ْ‬ ‫حجّاما" روا ُه الحاكِ مُ وَفي إسنادِهِ رَا ٍو لَ مْ يُ ْ‬ ‫َبعْ ضٍ‪ ،‬إل حائِكا َأوْ َ‬
‫س َندٍ ُمنْقَطعٍ‪.‬‬
‫جبَلٍ ِب َ‬
‫ن َ‬‫ُمعَاذ ب ِ‬
‫ضهُمْ َأكْفَاءُ َبعْضٍ‪ ،‬والموَالي‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬ا ْل َعرَبُ ِب َع ُ‬ ‫ل رسو ُ‬ ‫ع َمرَ رضي ال عنه قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫(عَن ابْنِ ُ‬
‫ستَ ْن َكرَهُ َأبُو حات مٍ‪ ،‬وَلَ ُه شَا ِهدٌ‬ ‫سمّ‪ ،‬وا ْ‬ ‫حجّاما" روا ُه الحاكِ مُ وَفي إسنادِهِ رَا ٍو لَ مْ يُ ْ‬ ‫ضهُ مْ َأ ْكفَاءُ َبعْ ضٍ‪ ،‬إل حائِكا َأوْ َ‬ ‫َب ْع ُ‬
‫سنَدٍ ُمنْقَطعٍ)‪.‬‬
‫ل ِب َ‬
‫جبَ ٍ‬
‫ن ُمعَاذ بنِ َ‬ ‫ع ْندَ ا ْل َبزّارِ عَ ْ‬
‫ِ‬
‫وسأل ابن أبي حا تم عن هذا الحد يث أباه فقال‪ :‬هذا كذب ل أصل له وقال في موضع آ خر‪ :‬با طل‪ ،‬ورواه ا بن‬
‫عبد البر في التمهيد‪.‬‬
‫قال الدارقطني في العلل‪ :‬ل يصح‪ .‬وحدّث به هشام بن عبيد الراوي فزاد فيه بعد (أو حجاما)‪ :‬أو دباغا؛ فاجتمع‬
‫عليه الدباغون وهموا به‪.‬‬
‫قال ابن عبد البر‪ :‬هذا منكر موضوع وله طرق كلها واهية‪.‬‬
‫والحديث دليل على أن العرب سواء في الكفاءة بعضهم لبعض وأن الموالي ليسوا أكفاء لهم‪.‬‬
‫وقيد اختلف العلماء فيي المعتيبر مين الكفاءة اختلفا كثيرا والذي يقوى هيو ميا ذهيب إلييه زييد بين علي ومالك‬
‫ويروى عن[اث] عمر[‪/‬اث] و[اث]ابن مسعود[‪/‬اث]و ابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وهو أحد قولي الناصر‬
‫أن المع تبر الد ين لقوله تعالى‪{ :‬أن أكرم كم ع ند ال أتقا كم} ولحد يث‪" :‬الناس كل هم ولد آدم" وتما مه‪" :‬وآدم من‬
‫تراب" أخرجه ابن سعد من حديث أبي هريرة وليس فيه لفظ كلهم "والناس كأسنان المشط ل فضل لحد على‬
‫أحد إل بالتقوى" أخرجه ابن لل بلفظ قريب من لفظ حديث سهل بن سعد‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وأشار البخاري إلى ن صرة هذا القول ح يث قال‪ :‬باب الكفاء في الد ين وقوله تعالى‪{ :‬و هو الذي خلق من الماء‬
‫بشرا}‪ .‬فاستنبط من الية الكريمة المساواة بين بني آدم ثم أردفه بإنكاح أبي حذيفة من سالم بابنة أخيه هند بنت‬
‫الوليد بن عتبة بن ربيعة وسالم مولى لمرأة من النصار وقد تقدم حديث‪" :‬فعليك بذات الدين" وقد خطب النبي‬
‫ع ّبيّةَ ييييي بضيم المهملة وكسيرها‬ ‫صَيلّى ال عََليْهِي وَسَيلّم يوم فتيح مكية فقال‪" :‬الحميد ل الذي أذهيب عنكيم ُ‬
‫يييي الجاهلية وتكبرها‪ ،‬يا أيها الناس إنما الناس رجلن‪ :‬مؤمن تقي كريم على ال‪ ،‬وفاجر شقي هين على‬
‫ال‪ ،‬ثم قرأ الية" وقال صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم‪" :‬من سره أن يكون أكرم الناس فليتق ال"‪.‬‬
‫فجعل صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم اللتفات إلى النساب من عبية الجاهلية وتكبرها فكيف يعتبرها المؤمن ويبني عليها‬
‫حكما شرعيا؟‬
‫وفي الحديث‪" :‬أربع من أمور الجاهلية ل يتركها الناس‪ .‬ثم ذكر منها الفخر بالنساب" أخرجه ابن جرير من‬
‫حديث ابن عباس‪.‬‬
‫وفي الحاديث شيء كثير في ذم اللتفات إلى الترفع بها‪ .‬وقد أمر صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بني بياضة بإنكاح أبي‬
‫ه ند الحجام وقال‪" :‬إن ما هو امرؤ من الم سلمين" فن به على الو جه المقت ضي لم ساواتهم و هو التفاق في و صف‬
‫السلم‪.‬‬
‫وللناس في هذه الم سألة عجائب ل تدور على دل يل غ ير ال كبرياء والتر فع ول إله إل ال كم حر مت المؤمنات‬
‫النكاح لكبرياء الولياء واستعظامهم أنفسهم‪ .‬اللهم إنا نبرأ إليك من شرط وَّلدَهُ الهوى ورباه الكبرياء‪.‬‬
‫ولقد منعت الفاطميات في جهة اليمن ما أحل ال لهن من النكاح لقول بعض أهل مذهب الهادوية إنه يحرم نكاح‬
‫الفاطمية إل من فاطمي من غير دليل ذكروه وليس مذهبا لمام المذهب الهادي عليه السلم بل زوج بناته من‬
‫الطبريين‪.‬‬
‫وإن ما ن شأ هذا القول من بعده في أيام المام أح مد بن سليمان وتبع هم ب يت ريا ستها فقالوا بل سان الحال تحرم‬
‫شرائفهم على الفاطميين إل من مثلهم وكل ذلك من غير علم ول هدى ول كتاب منير بل ثبت خلف ما قالوه‬
‫عن سيد البشر كما دل له‪:‬‬
‫عنْهَا‪" :‬أَنّ النّبيَ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ لَ ها‪ :‬ا ْنكِحِي أُ سَامَةَ" رَوَا هُ‬ ‫طمَةَ ِبنْ تِ َقيْ سٍ ر ضي اللّ هُ َتعَالَى َ‬ ‫ن فَا ِ‬‫ع ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ُمسِْلمٌ‪.‬‬
‫ي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم قالَ لَها‪ :‬ا ْن ِكحِي ُأسَامَةَ" رَوَا ُه ُمسِْلمٌ)‪.‬‬ ‫ن النّب َ‬‫ع ْنهَا‪" :‬أَ ّ‬
‫ت َقيْسٍ رضي اللّهُ َ‬ ‫طمَةَ ِبنْ ِ‬ ‫عنْ فَا ِ‬ ‫(وَ َ‬
‫وفاطمة قرشية فهرية أخت الضحاك بن قيس وهي من المهاجرات الول كانت ذات جمال وفضل وكمال جاءت‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم بعد أن طلقها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة بعد انقضاء عدّتها منه‬
‫فأخبرته أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباها فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬أمّا أبو جهم فل‬
‫يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك ل مال له انكحي أسامة بن زيد يييي الحديث" فأمرها بنكاح‬
‫أُسامة موله ابن موله وهي قرشية وقدّمه على أكفائها ممن ذكر ول أعلم أنه طلب من أحد أوليائها إسقاط حقه‪.‬‬
‫وكأن المصنف رحمه ال أورد هذا الحديث بعد بيان ضعف الحديث الول للشارة إلى أنه ل عبرة في الكفاءة‬
‫بغير الدين كما أورد لذلك قوله‪:‬‬
‫عنْ هُ أَنّ ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪ " :‬يا ب ني َبيَاض َة ا ْن ِكحُوا أَ با ِه ْندٍ‬ ‫ن أَ بي ُه َريْرة رض يَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ج ّيدٍ‪.‬‬
‫س َندٍ َ‬
‫حجّاما‪ ،‬رَوَاهُ أَبو دا ُودَ والحا ِكمُ ب َ‬ ‫وأن ِكحُوا إل ْيهِ" وَكانَ َ‬
‫ع ْنهُ َأنّ النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قال‪" :‬يا بني َبيَاضةَ ا ْن ِكحُوا أَبا ِه ْندٍ) اسمه‬ ‫عنْ أَبي ُهرَيْرة رضيَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫(وَ َ‬
‫حجّاما‪ ،‬رَوَا هُ أَبو‬ ‫يسار وهو الذي حجم النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم وكان مولى لبني بياضة (وأن ِكحُوا إليْ هِ" وَكا نَ َ‬
‫ج ّيدٍ)‪.‬‬
‫س َندٍ َ‬
‫دا ُو َد والحا ِكمُ ب َ‬
‫ف هو من أدلة عدم اعتبار كفاءة الن ساب و قد صح أن بللً ن كح هالة ب نت عوف أ خت ع بد الرح من بن عوف‬
‫وعرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على سلمان الفارسي‪.‬‬
‫عتَقَتْ" ُمتّفقٌ عََليْهِ في حديثٍ طويلٍ‪ ،‬ولمُسْلمٍ‬ ‫جهَا حين َ‬ ‫خيّرَتْ بريرَةُ عَلى زَ ْو ِ‬ ‫عنْها قالَتْ‪ُ " :‬‬ ‫عنْ عَائشَةَ رضيَ اللّهُ َ‬ ‫وَ َ‬
‫عبّا سٍ‬ ‫ن ابْ نِ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ل َأ ْثبَ تُ‪ ،‬وَ صَحّ َ‬ ‫ع ْنهَا‪ :‬أن زوجها كان عبدا‪ .‬وفي رواية عن ها‪ :‬كان حرا والوّ ُ‬ ‫عنها َرضِ يَ اللّ هُ َ‬
‫عبْدا‪.‬‬‫ع ْندَ ا ْل ُبخَاريّ َأنّ ُه كانَ َ‬
‫عنْهُ ِ‬
‫ي اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫َرضِ َ‬
‫ث طويلٍ‪،‬‬ ‫عتَقَ تْ" ُمتّف قٌ عََل ْي ِه في حدي ٍ‬ ‫خّيرَ تْ بريرَةُ عَلى زَ ْوجِهَا ح ين َ‬ ‫عنْ ها قالَ تْ‪ُ " :‬‬‫ع نْ عَائشَ َة رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫(وَ َ‬
‫عنْهَا‪ :‬أن زوجهيا كان عبدا‪ .‬وفيي روايية عنهيا‪ :‬كان حرا والوّلُ َأ ْثبَتيُ) لنيه جزم‬ ‫ولمُسيْلمٍ عنهيا َرضِي َي اللّهُي َ‬
‫عبْدا)‪.‬‬
‫ع ْن َد ا ْل ُبخَاريّ َأنّ ُه كانَ َ‬
‫عنْهُ ِ‬
‫ضيَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬
‫عبّاسٍ َر ِ‬ ‫ن ابْنِ َ‬ ‫البخاري أنه كان عبد ال ولذا قال‪َ ( :‬وصَحّ عَ ِ‬
‫‪18‬‬
‫ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئا رأوه فهو أصح‪.‬‬
‫وأخرجه أبو داود من حديث ابن عباس بلفظ‪" :‬إن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا فخيرها النبي صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم وأمرها أن تعتد"‪.‬‬
‫وفي البخاري عن ابن عباس‪" :‬ذاك مغيث عبد بني فلن يعني زوج بريرة"‪.‬‬
‫وفي أخرى عند البخاري‪" :‬كان زوج بريرة عبدا أسود يقال له مغيث"‪.‬‬
‫قال الدارقطني‪ :‬لم تختلف الرواية عن عروة عن عائشة أنه كان عبدا‪ .‬وكذا قال جعفر بن محمد عن أبيه عن‬
‫عائشة‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬يؤ يد قول من قال كان عبدا قول عائ شة‪ :‬كان عبدا فأ خبرت و هي صاحبة الق صة بأ نه كان عبدا‪.‬‬
‫فصح رجحان كونه عبدا قوّة وكثرة وحفظا‪.‬‬
‫والحديث دليل على ثبوت الخيار للمعتقة بعد عتقها في زوجها إذا كان عبدا وهو إجماع‪.‬‬
‫واختلف إذا كان حرّا فقيل ليثبت لها الخيار وهو قول الجمهور قالوا‪ :‬لن العلة في ثبوت الخيار‪ .‬إذا كان عبدا‬
‫هو عدم المكافأة من الع بد للحرة في كث ير من الحكام فإذا عت قت ث بت ل ها الخيار من البقاء في ع صمته‪ .‬أو‬
‫المفارقة لنها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل الختيار‪.‬‬
‫وذهبت الهادوية والشعبي وآخرون إلى أنه يثبت لها الخيار‪ .‬وإن كان حرا‪ .‬احتجوا بأنه قد ورد في رواية‪ :‬أن‬
‫زوج بريرة كان حرا‪ .‬وردّه الولون بأنها رواية مرجوحة ل يعمل بها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولنها عند تزويجها لم يكن لها اختيار‪ .‬فإن سيدها يزوجها وإن كرهت فإذا أعتقت تجدد لها حال لم يكن‬
‫قبل ذلك‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬في تخييرها ثلثة مآخذ وذكر مأخذين وضعفهما ثم ذكر الثالث وهو أرجحها وتحقيقه أن السيد‬
‫ع قد علي ها بح كم الملك ح يث كان مالكا لرقبت ها ومنافع ها والع تق يقت ضي تمل يك الرق بة والمنا فع للمع تق وهذا‬
‫مقصود العتق وحكمته فإذا مل كت رقبتها ملكت بضعها ومنافعها ومن جملتها منافع البضع فل يملك عليها إل‬
‫باختيارها فخيرها الشارع بين المرين البقاء تحت الزوج أو الفسخ منه وقد جاء في بعض طرق حديث بريرة‪:‬‬
‫"ملكت نفسك فاختاري"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬و هو من تعل يق الح كم و هو الختيار على ملك ها لنف سها ف هو إشارة إلى علة التخي ير وهذا يقت ضي ثبوت‬
‫الخيار إن كانت تحت حرّ‪.‬‬
‫وهل يقع الفسخ بلفظ الختيار؟ قيل‪ :‬نعم كما يدل له قوله في الحديث‪" :‬خيرت"‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ل بد من لفظ الفسخ‪.‬‬
‫ثم إذا اختارت نفسها لم يكن للزوج الرجعة عليها وإنما يراجعها بعقد جديد إن رضيت به ول يزال لها الخيار‬
‫بعد علمها ما لم يطأها لما أخرجه أحمد عنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬إذا عتقت المة فهي بالخيار ما لم يطأها إن‬
‫تشأ فارقته وإن وطئها فل خيار لها وأخرجه الدارقطني بلفظ‪" :‬إن قاربك فل خيار لك" فدل أن الوطء مانع من‬
‫الخيار وإليه ذهب الحنابلة‪.‬‬
‫واعلم أن هذا الحديث جليل قد ذكره العلماء في مواضع من كتبهم في الزكاة وفي العتق وفي البيع وفي النكاح‬
‫وذكره البخاري في البيع وأطال المصنف في عدة ما استخرج منه من الفوائد حتى بلغت مائة واثنتين وعشرين‬
‫فائدة فنذكر ما له تعلق بالباب الذي نحن بصدده‪.‬‬
‫(منها) جواز بيع أحد الزوجين الرقيقين دون الخر‪ ،‬وأن بيع المة المزوجة ل يكون طلقا وأن عتقها ل يكون‬
‫طلقا ول فسخا‪.‬‬
‫وأن للرقيق أن يسعى في فكاك رقبته من الرق‪ ،‬وأن الكفارة معتبرة في الحرية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد أشار في الحديث إلى سبب تخييرها وهو ملكها نفسها كما عرفت فل يتم هذا وأن اعتبارها يسقط برضا‬
‫المرأة ال تي ل ولي ل ها‪ .‬وم ما ذ كر في ق صة بريرة أن زوج ها كان يتبع ها في سكك المدي نة يتحدر دم عه لفرط‬
‫محبته لها قالوا‪ :‬فيؤخذ منه أن الحب يذهب الحياء وأنه يعذر من كان كذلك إذا كان بغير اختيار منه فيعذر أهل‬
‫المح بة في ال إذا ح صل ل هم الو جد ع ند سماع ما يفهمون م نه الشارة إلى أحوال هم ح يث يغت فر من هم ما ل‬
‫يحصل عن اختيار كالرقص ونحوه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ل يخ فى أن زوج بريرة ب كى من فراق مح به فم حب ال يب كي شوقا إلى لقائه وخوفا من سخطه ك ما كان‬
‫ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يب كي ع ند سماع القرآن وكذلك أ صحابه و من تبع هم بإح سان‪ .‬وأ ما الر قص‬
‫والتصفيق فشأن أهل الفسق والخلعة ل شأن من يحب ال ويخشاه فأعجب لهذا المأخذ الذي أخذوه من الحديث‬
‫‪19‬‬
‫وذكره الم صنف في الف تح ثم سرد ف يه غ ير ما ذكرناه وأبلغ فوائده إلى العدد الذي و صفناه و في بعض ها خفاء‬
‫وتكلف ل يليق بمثل كلم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫ل اللّ هِ إني أَ سَْلمْتُ وَتحْتي‬ ‫عنْ ُه َتعَالَى قالَ‪ :‬قل تُ‪ :‬يَا ر سُو َ‬ ‫ع نْ أَبي ِه رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ن فَ ْيرُوزَ ال ّديَْل ِميّ َ‬ ‫ع نِ الضّحا كِ ب ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ححَهُ اب نُ‬
‫صّ‬‫ح َمدُ والرْبع ُة إل النّسائيّ وَ َ‬ ‫شئْ تَ" رَوَا هُ َأ ْ‬ ‫أُختا نِ؟ فَقَالَ ر سُولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬طلّ قْ َأ ّي َتهُما ِ‬
‫حبّانَ والدّا َرقُطْنيّ وَا ْل َب ْيهَ ِقيّ وأَعّلهُ ا ْل ُبخَاريّ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(وعين الضحاك) تابعيي معروف روى عين أبييه (ابين فيروز) بفتيح الفاء وسيكون المثناة التحتيية وضيم الراء‬
‫وسكون الواو آخره زاي هو أبو عبد ال (الديلمي) ويقال الحميري لنزوله حمير وهو من أبناء فارس من فرس‬
‫صنعاء كان ممن وفد على النبي صلى ال عليه وآله وسلم وهو الذي قتل العنسي الكذاب الذي ادعى النبوة في‬
‫سنة إحدى عشرة وأتى حين قتله النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم وهو مريض مرض موته وكان بين ظهوره وقتله‬
‫أربعة أشهر (عن أبيه رضي ال عنه قال‪ :‬قلت يا رسول ال إني أسلمت وتحتي أختان فقال رسول ال صَلّى ال‬
‫شئْ تَ" رواه أحمد والربعة إل النسائي وصححه ابن حبان والدارقطني والبيهقي وأعله‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬طَلّ قْ َأ ّي َت ُهمَا ِ‬
‫جيْشاني يييي بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية‬ ‫البخاري) بأنه رواه الضحاك عن أبيه ورواه عنه أبو وهب ال َ‬
‫والشين المعجمة فنون‪.‬‬
‫قال البخاري‪ :‬ل نعرف سماع بعضهم من بعض‪.‬‬
‫والحد يث دل يل على اعتبار أنك حة الكفار وإن خال فت نكاح ال سلم وأن ها ل تخرج المرأة من الزوج إل بطلق‬
‫بعد السلم وأنه يبقى بعد السلم بل تجديد عقد وهذا مذهب مالك وأحمد والشافعي وداود‪.‬‬
‫وع ند الهادو ية والحنف ية أ نه ل ي قر م نه إل ما وا فق ال سلم وتأولوا هذا الحد يث بأن المراد بالطلق العتزال‬
‫وإمساك الخت الخرى التي بقيت عنده بعقد جديد‪.‬‬
‫ول يخ فى أ نه تأو يل متع سف وك يف يخا طب ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم من د خل في ال سلم ولم يعرف‬
‫الحكام بمثل هذا وكذلك تأولوا مثل هذا قوله‪:‬‬
‫شرُ نِسْوَ ٍة َفأَسَْلمْنَ َمعَهُ َفَأ َمرَ ُه النّبيّ صَلّى ال‬ ‫عْ‬ ‫غيْلن بْنَ سََلمَةَ أَسَْلمَ وََلهُ َ‬ ‫عنْهُ‪" :‬أَنّ َ‬ ‫ن َأبِي ِه رَضيَ اللّهُ َ‬ ‫عْ‬‫ن سَاِلمٍ َ‬ ‫عْ‬ ‫وَ َ‬
‫حبّا نَ والحَاكِ مُ وََأعَلّ ُه ا ْل ُبخَاريّ وَأبُو ُزرْعَةَ‬
‫ن ِ‬ ‫صحّحَ ُه ابْ ُ‬‫خيّرَ ِم ْنهُنّ َأرْبعا" رَوَا ُه َأحْمدُ وال ّت ْرمِذيّ وَ َ‬ ‫ن َي َت َ‬
‫عََليْ هِ وَ سَلّم أَ ْ‬
‫وَأبُو حَاتِمٍ‪.‬‬
‫(وعن سالم عن أبيه رضي ال عنه) عبد ال بن عمر (أن غيلن بن سلمة) هو ممن أسلم بعد فتح الطائف ولم‬
‫يهاجر وهو من أعيان ثقيف ومات في خلفة عمر (أسلم وله عشر نسوة فأسلمن معه فأمره النبي صَلّى ال عََليْهِ‬
‫َوسَلّم أن يتخير منهن أربعا‪ .‬رواه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم وأعله البخاري وأبو زرعة)‪.‬‬
‫قال الترمذي‪ :‬قال البخاري هذا الحديث غير محفوظ‪.‬‬
‫وأطال المصنف في التلخيص الكلم على الحديث‪.‬‬
‫وأخصر منه وأحسن إفادة كلم ابن كثير في الرشاد‪ .‬قال عقب سياقه له‪ :‬رواه المامان أبو عبد ال محمد بن‬
‫إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل والترمذي وابن ماجه وهذا السناد رجاله على شرط الشيخين إل أن الترمذي‬
‫يقول‪ :‬سمعت البخاري يقول‪ :‬هذا حديث غير محفوظ والصحيح ما روى شعيب وغيره عن الزهري قال‪ :‬حدثت‬
‫عن محمد بن شعيب الثقفي أن غيلن فذكره‪.‬‬
‫قال البخاري‪ :‬وإنما حديث الزهري عن سالم عن أبيه‪ :‬أن رجلً من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر‪ :‬لتراجعن‬
‫نساءك الحديث‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬قلت‪ :‬قد جمع المام أحمد في روايته لهذا الحديث بين هذين الحديثين بهذا السند فليس ما ذكره‬
‫البخاري قادحا وساق رواية النسائي له برجال ثقات إل أنه يرد على ابن كثير ما نقله الثرم عن أحمد أنه قال‪:‬‬
‫هذا الحديث غير صحيح والعمل عليه‪.‬‬
‫وهو دليل على ما دلّ عليه حديث الضحاك‪ .‬ومن تأول ذلك تأول هذا‪.‬‬
‫"فائدة" سبقت إشارة إلى قصة تطليق رجل من ثقيف نساءه‪ .‬وذلك أنه اختار أربعا فلما كان في عهد عمر طلق‬
‫نساءه وقسم ماله بين بنيه فلما بلغ ذلك عمر قال‪" :‬إني لظن الشيطان مما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه‬
‫في نفسك وأعلمك أنك ل تمكث إل قليلً وأيم لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لورثهن منك ولمرن بقبرك‬
‫فليرجم كما رجم قبر أبي رغال الحديث"‪.‬‬
‫ووقع في الوسيط ابن غيلن وهو وهم بل هو غيلن‪.‬‬
‫وأشد منه وهما ما وقع في مختصر ابن الحاجب ابن عيلن بالعين المهملة‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫و في سنن أ بي داود‪" :‬أن ق يس بن الحرث أ سلم وعنده ثمان ن سوة فأمره ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أن يختار‬
‫أربعا"‪.‬‬
‫وروى الشافعي والبيهقي عن نوفل بن معاوية أنه قال‪ :‬أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم فقال‪ :‬فارق واحدة وأمسك أربعا‪ ،‬فعمدت إلى أقدمهن عندي عاقر من ستين سنة ففارقتها‪.‬‬
‫وعاش نوفل بن معاوية مائة وعشرين سنة ستين في السلم وستين في الجاهلية‪.‬‬
‫و في كلم ع مر ما يدل على إبطال الحيلة لم نع التور يث وأن الشيطان قد يقذف في قلب الع بد ما ي سترقه من‬
‫السمع من أحواله وأنه يرجم القبر عقوبة للعاصي وإهانة وتحذيرا عن مثل ما فعله‪.‬‬
‫سنِينَ‬
‫ن ال ّربِ يع َب ْعدَ سِتّ ِ‬ ‫ي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ا ْب َنتَ ُه َز ْينَ بَ عَلى أَ بي ا ْلعَا صِ بْ ِ‬ ‫س قالَ‪َ " :‬ردّ النّب ّ‬‫عبّا ٍ‬
‫ع نِ اب نِ َ‬
‫وَ َ‬
‫صحّحَ ُه َأحْمدُ والحا ِكمُ‪.‬‬ ‫ح َمدُ وال ْربَعةُ إل النسائيّ َو َ‬ ‫بالنّكاحِ الوّلِ وََلمْ ُيحْدثْ نِكاحا" رَوَا ُه َأ ْ‬
‫ع ْن ُهمَا قالَ‪َ " :‬ردّ النّبيّ صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم ا ْب َنتَ ُه َز ْينَ بَ عَلى أَبي ا ْلعَا صِ ْب نِ ال ّربِيع‬ ‫عبّا سٍ َرضِ يَ الّل هُ َ‬
‫ع نِ اب نِ َ‬
‫(وَ َ‬
‫ححَ ُه َأحْمدُ والحا ِكمُ)‪.‬‬
‫صّ‬‫ح َمدُ وال ْربَعةُ إل النسائيّ َو َ‬ ‫ن بالنّكاحِ الوّلِ وََل ْم ُيحْدثْ نِكاحا" رَوَاهُ َأ ْ‬ ‫سنِي َ‬
‫ت ِ‬
‫َب ْعدَ سِ ّ‬
‫قال الترمذي‪ :‬ح سن ول يس بإ سناده بأس وفي ل فظ لح مد كان إ سلمها ق بل إ سلمه ب ست سنين وع نى بإ سلمها‬
‫هجرت ها ب عد وق عة بدر بقل يل ووق عة بدر كا نت في رمضان من ال سنة الثان ية من هجر ته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬
‫وحرمت المسلمات على الكفار في الحديبية سنة ست من ذي القعدة منها فيكون مكثها بعد ذلك نحوا من سنتين‬
‫ولهذا ورد في رواية أبي داود ردها عليه بعد سنتين وهكذا قرر ذلك أبو بكر البيهقي‪.‬‬
‫قال الترمذي‪ :‬ل يعرف وجه هذا الحديث‪ ،‬يشير إلى أنه كيف ردها عليه بعد ست سنين أو ثلث أو سنتين وهو‬
‫مش كل لستبعاد أن تبقى عدّتها هذه المدة ولم يذ هب أحد إلى تقر ير المسلمة ت حت الكافر إذا تأخر إ سلمه عن‬
‫إسلمها‪.‬‬
‫نقل الجماع في ذلك ابن عبد البر وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر جوزه ورد بالجماع وتعقب بثبوت الخلف‬
‫فيه عن علي والنخعي أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وبه أفتى حمّاد شيخ أبي حنيفة فروى عن علي أنه قال‪" :‬في‬
‫الزوجين الكافرين يسلم أحدهما‪" :‬هو أملك لبضعها ما دامت في دار هجرتها" وفي رواية‪" :‬هو أولى بها ما لم‬
‫تخرج من مصرها"‪.‬‬
‫وفي رواية عن الزهري أنه‪ :‬إن أسلمت ولم يسلم زوجها فهما على نكاحهما ما لم يفرق بينهما سلطان‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬إن أ سلمت الحرب ية وزوج ها حر بي و هي مدخول ب ها فإن أ سلم و هي في العدة فالنكاح باق وإن‬
‫أسلم بعد انقضاء عدتها وقعت الفرقة بينهما وهذا الذي ادعى عليه الجماع في البحر‪ .‬وادّعاه ابن عبد البر كما‬
‫عرفت‪.‬‬
‫وتأول الجمهور حد يث زي نب بأن عدت ها لم ت كن قد انق ضت وذلك ب عد نزول آ ية التحر يم لبقاء الم سلمة ت حت‬
‫الكافر وهو مقدار سنتين وأشهر لن الحيض قد يتأخر مع بعض النساء فردّها صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لما كانت‬
‫العدة غير منقضية‪.‬‬
‫وقيل المراد بقوله بالنكاح الول‪ :‬أنه لم يحدث زيادة شرط ول مهر ورد هذا ابن القيم وقال‪:‬‬
‫ل نعرف اعتبار العدة في شيء من الحاديث ول كان النبي صلى ال عليه وآله وسلم يسأل المرأة هل انقضت‬
‫عدتها أم ل‪.‬‬
‫ول ريب أن السلم لو كان بمجرده فرقة لكانت فرقة بائنة ل رجعية فل أثر للعدة في بقاء النكاح‪.‬‬
‫فلو كان السلم قد نجز الفرقة بينهما لم يكن أحق بها في العدة ولكن الذي دلّ عليه حكمه صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم أن النكاح موقوف فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته‪.‬‬
‫وإن انق ضت عدت ها فل ها أن تن كح من شاءت‪ .‬وإن أح بت انتظر ته فإن أ سلم كا نت زوج ته من غ ير حا جة إلى‬
‫تجديد نكاح‪.‬‬
‫ول يعلم أحد جدّد بعد السلم نكاحه البتة بل كان الواقع أحد المرين إما افتراقهما ونكاحها غيره وإما بقاؤهما‬
‫عليه وإن تأخر إسلمه‪.‬‬
‫وأما تنجيز الفرقة ومراعاة العدة فل يعلم أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قضى بواحد منهما مع كثرة‬
‫من أسلم في عهده‪ .‬وقرب إسلم أحد الزوجين من الخر وبعده منه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولول إقراره صلى ال تعالى عل يه وآله و سلم الزوج ين على نكاحه ما وإن تأ خر إ سلم أحده ما عن ال خر‬
‫بعد صلح الحديبية وزمن الفتح لقلنا بتعجيل الفرقة بالسلم من غير اعتبار عدة لقوله تعالى‪{ :‬ل هن حل لهم‬

‫‪21‬‬
‫ول هم يحلون ل هن} وقوله تعالى‪{ :‬ول تم سكوا بع صم الكوا فر} ثم سرد قضا يا تو كد ما ذ هب إل يه و هو أقرب‬
‫القوال في المسألة‪.‬‬
‫جدّ هِ‪" :‬أَنّ النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َردّ ا ْب َنتَ ُه زَ ْينَ بَ عَلى أبي الْعاص بن‬ ‫ن َ‬‫ع نْ أَبي هِ ع ْ‬ ‫ش َعيْ بٍ َ‬
‫ن ُ‬‫عمْرو ب ِ‬ ‫ع نْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ش َعيْبٍ‪.‬‬‫ن ُ‬ ‫عمْرو بْ ِ‬ ‫عبّاسٍ َأجْو ُد إسْنادا‪ ،‬وال َعمَلُ عَلى حديثِ َ‬ ‫الربيع ِبنِكاحٍ جَديدٍ"‪ .‬قَالَ التّرمِ ِذيّ حَديثُ ا ْبنِ َ‬
‫جدّ هِ‪" :‬أَنّ النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َردّ ا ْب َنتَ ُه َز ْينَ بَ عَلى أبي الْعاص بن‬ ‫ن َ‬‫ن أَبي هِ ع ْ‬ ‫ش َعيْ بٍ عَ ْ‬‫عمْرو ب نِ ُ‬ ‫ع نْ َ‬ ‫(وَ َ‬
‫ش َعيْبٍ)‪.‬‬ ‫ن ُ‬ ‫عمْرو بْ ِ‬ ‫عبّاسٍ َأجْو ُد إسْنادا‪ ،‬وال َعمَلُ عَلى حديثِ َ‬ ‫الربيع ِبنِكاحٍ جَديدٍ"‪ .‬قَالَ التّرمِ ِذيّ حَديثُ ا ْبنِ َ‬
‫قال الحافظ ابن كثير في الرشاد‪ :‬قال المام أحمد‪ :‬هذا حديث ضعيف وحجاج لم يسمعه من عمرو بن شعيب‬
‫إنما سمعه من محمد بن عبد ال العزرمي والعزرمي ل يساوي حديثه شيئا‪ ،‬قال‪ :‬والصحيح حديث ابن عباس‬
‫يعني المتقدم‪ ،‬وهكذا قال البخاري والترمذي والدارقطني والبيهقي وحكاه عن حفاظ الحديث‪.‬‬
‫وأما‪ :‬ابن عبد البر فإنه جنح إلى ترجيح رواية عمرو بن شعيب وجمع بينه وبين حديث ابن عباس فحمل قوله‬
‫في حديث ابن عباس بالنكاح الول أي بشروطه ومعنى لم يحدث شيئا أي لم يزد على ذلك شيئا‪ .‬وقد أشرنا إليه‬
‫آنفا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وحديث عمرو بن شعيب تعضده الصول وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد ومهر جديد‪ .‬والخذ بالصريح‬
‫أولى من الخذ بالمحتمل انتهى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يرد تأو يل حد يث ا بن عباس ت صريح ا بن عباس في روا ية‪" :‬فلم يحدث شهادة ول صداقا" رواه ا بن كث ير‬
‫في الرشاد ونسبه إلى إخراج المام أحمد له‪.‬‬
‫وأ ما قول الترمذي‪ :‬والع مل على حد يث عمرو بن شع يب فإ نه ير يد ع مل أ هل العراق‪ ،‬ول يخ فى أن عمل هم‬
‫بالحديث الضعيف وهجر القوي ل يقوى بل يضعف ما ذهبوا إليه من العمل‪.‬‬
‫ع ْنهُ ما قالَ‪" :‬أَ سَْلمَتِ ا ْمرَأَ ٌة َفتَزَ ّوجَ تْ َفجَاءَ زَ ْوجُ ها فَقَال‪ :‬يَا رَ سُولَ اللّ هِ‪ِ ،‬إنّ ي ُكنْ تُ‬ ‫عبّا سٍ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ن اب نِ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫وَ َ‬
‫جهَا الوّلِ"‬ ‫خرِ َو َردّهَا إلى زَ ْو ِ‬ ‫جهَا ال َ‬ ‫ن زَ ْو ِ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ِم ْ‬ ‫عهَا رسو ُ‬ ‫ت بإ سْلمِي‪ ،‬فَا ْنتَزَ َ‬ ‫أَ سَْلمْتُ َوعَِلمَ ْ‬
‫حبّانَ والحا ِكمُ‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫ححَ ُه اب ُ‬‫صّ‬‫ن مَاجَه و َ‬ ‫ح َمدُ وَأبُو دَاودَ وابْ ُ‬‫رَوَاهُ َأ ْ‬
‫ل اللّ هِ‪ِ ،‬إنّي ُكنْ تُ‬ ‫ت فَجَا َء زَ ْوجُها فَقَال‪ :‬يَا رَ سُو َ‬ ‫ع ْنهُما قالَ‪" :‬أَ سَْلمَتِ ا ْمرَأَ ٌة فَ َتزَ ّوجَ ْ‬ ‫عبّا سٍ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ع نِ اب نِ َ‬ ‫(وَ َ‬
‫جهَا الوّلِ"‬ ‫خرِ َو َردّهَا إلى زَ ْو ِ‬ ‫جهَا ال َ‬ ‫ن زَ ْو ِ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ِم ْ‬ ‫عهَا رسو ُ‬ ‫ت بإ سْلمِي‪ ،‬فَا ْنتَزَ َ‬ ‫أَ سَْلمْتُ َوعَِلمَ ْ‬
‫حبّانَ والحا ِكمُ)‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫ححَ ُه اب ُ‬‫صّ‬‫ن مَاجَه و َ‬ ‫ح َمدُ وَأبُو دَاودَ وابْ ُ‬‫رَوَاهُ َأ ْ‬
‫الحديث دليل على أنه إذا أسلم الزوج وعلمت امرأته بإسلمه فهي في عقد نكاحه وإن تزوجت فهو تزوج باطل‬
‫تنتزع من الزوج الخر‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬وعل مت بإ سلمي" يحتمل أ نه أسلم ب عد انقضاء عدت ها أو قبل ها وأن ها ترد إل يه على كل حال وأن علم ها‬
‫بإسلمه قبل تزوجها بغيره يبطل نكاحها مطلقا سواء انقضت عدتها أم ل؛ فهو من الدلة لكلم ابن القيم الذي‬
‫قدمناه لن تر كه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ال ستفصال هل عل مت ب عد انقضاء العدة أو ل‪ :‬دل يل على أ نه ل ح كم‬
‫للعدة‪.‬‬
‫ج من شاءت ل تتم هذه القضية إل على تقدير‬ ‫إل أنه على كلم ابن القيم الذي قدمناه أنها بعد انقضاء عدتها تزَوّ ُ‬
‫تزوجها في العدة كذا قاله الشارح رحمه ال‪.‬‬
‫ول يخفى أنه مشكل لنه إن كان عقد الخر بعد انقضاء عدتها من الول فنكاحها صحيح وإن كان قبل انقضاء‬
‫عدتها فهو باطل إل أن يقال إنه أسلم وهي في العدة وإذا أسلم وهي فيها فالنكاح باق بينهما فتزوجها بعد إسلمه‬
‫باطل لنها باقية في عقد نكاحها فهذا أقرب‪.‬‬
‫ن بني غِفَار فََلمّا‬ ‫ج رَ سولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم الْعالي َة مِ ْ‬ ‫ع نْ َأبِي ِه قَالَ‪َ :‬تزَوّ َ‬
‫جرَةَ َ‬ ‫عْ‬ ‫ن َكعْ بِ ب نِ ُ‬ ‫ع نْ َز ْيدِ ب ِ‬‫وَ َ‬
‫حهَا َبيَاضا‪ ،‬فَقَال النّبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ا ْلبَ سِي ِثيَابَ كِ وَا ْلحَقِي ِبأَهْلِ كِ"‬ ‫شِ‬‫ضعَ تْ ِثيَا َبهَا رَأَى ِب َك ْ‬‫َدخَلَ تْ عَلَي هِ َو َو َ‬
‫ختِلفا كثيرا‪.‬‬ ‫ش ْيخِهِ ا ْ‬‫ختُِلفَ عََليْ ِه في َ‬ ‫جهُولٌ‪ ،‬وا ْ‬ ‫ن َز ْيدٍ وَ ُهوَ َم ْ‬ ‫سنَادِ ِه جميلُ ب ُ‬ ‫وََأ َمرَ َلهَا بالصّدَاق‪ .‬رَوَا ُه الحاكمُ‪ ،‬وفي إ ْ‬
‫(وعن زيد بن كعب بن عجرة عن أبيه قال‪ :‬تزوج رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم العاِليَ َة من بَني غِفَار) بكسر‬
‫الغين المعج مة ففاء خفيفة فراء بعد اللف قبيلة معرو فة (فلما دخلت عليه ووض عت ثيابها رأى بكشح ها) بف تح‬
‫الكاف فشين معجمة فحاء مهملة هو ما بين الخاصرتين إلى الضلع كما في القاموس (بياضا فقال‪" :‬ا ْلبَسي ِثيَابَك‬
‫وا ْلحَقِي بأَهْلِ كِ" وأمر لها بالصداق‪ :‬رواه الحاكم وفي إسناده جميل بن زيد وهو مجهول واختلف عليه في شيخه‬
‫اختلفا كثيرا)‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫اختلف في الحديث عن جميل فقيل عنه كما قال المصنف وقيل عن ابن عمر وقيل عن كعب بن عجرة وقيل‬
‫عن كعب بن زيد‪.‬‬
‫والحديث فيه دليل على أن البرص منفر ول يدل الحديث على أنه يفسخ به النكاح صريحا لحتمال قوله صَلّى‬
‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬الحقي بأهلك" أنه قصد الطلق إل أنه قد روى هذا الحديث ابن كثير بلفظ‪ :‬أنه صَلّى ال عََل ْي هِ‬
‫وَ سَلّم تزوج امرأة من بني غفار فلما دخلت عليه رأى بكشحها وضحا فردها إلى أهلها وقال‪" :‬دلستم عل يّ" فهو‬
‫دليل على الفسخ‪.‬‬
‫وهذا الحديث ذكره ابن كثير في باب الخيار في النكاح والرد بالعيب‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في فسخ النكاح بالعيوب فذهب أكثر المة إلى ثبوته وإن اختلفوا في التفاصيل‪.‬‬
‫فروي عن[اث] علي[‪/‬اث] و[اث]عمر[‪/‬اث] أنها ل ترد النساء إل من أربع‪ :‬من الجنون والجذام والبرص والداء‬
‫في الفرج وإسناده منقطع‪.‬‬
‫وروى البيهقي بإسناد جيد عن [اث]ابن عباس[‪/‬اث] رضي ال عنه‪" :‬أربع ل يجزن في بيع ول نكاح‪ :‬المجنونة‬
‫والمجذومة والبرصاء والعفلء"‪.‬‬
‫والرجل يشارك المرأة في ذلك ويرد بالجب والعنة على خلف في العنة وفي أنواع من المنفرات خلف‪.‬‬
‫واختار ا بن الق يم أن كل ع يب ين فر الزوج ال خر م نه ول ي حل به مق صود النكاح من المودة والرح مة يو جب‬
‫الخيار وهو أولى من البيع كما أن الشروط المشروطة في النكاح أولى بالوفاء من الشرط في البيع‪.‬‬
‫قال‪ :‬و من تدبر مقا صد الشرع في م صادره وموارده وعدله وحكم ته و ما اشتملت عل يه من الم صالح لم ي خف‬
‫عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد الشريعة‪.‬‬
‫وقال‪ :‬وأما القتصار على عيبين أو ثلثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها‬
‫أو م ساويها فل و جه له فالع مى والخرس والطرش وكون ها مقطو عة اليد ين أو الرجل ين أو إحداه ما من أع ظم‬
‫المنفرات وال سكوت ع نه من أق بح التدل يس وال غش و هو مناف للد ين والطلق إن ما ين صرف إلى ال سلمة ف هو‬
‫كالمشروط عرفا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد قال أمير المؤمن ين عمر بن الخطاب ل من تزوج امرأة وهو ل يولد له‪ :‬أخبر ها أنك عقيم‪ .‬فماذا تقول‬
‫في العيوب الذي هذا عندها كمال ل نقص انتهى‪.‬‬
‫وذهب داودو ابن حزم إلى أنه ل يفسخ النكاح بعيب ألبتة وكأنه لما لم يثبت الحديث به ول يقولون بالقياس لم‬
‫يقولوا بالفسخ‪.‬‬
‫جدَهَا‬ ‫ج ا ْمرَأَةً َف َدخَلَ ب ها فَ َو َ‬
‫عنْ ُه قالَ‪َ" :‬أيّمَا َرجُلٍ َتزَوّ َ‬‫ن الْخطْا بِ رض يَ ال َ‬ ‫ع َمرَ ب َ‬ ‫ب أَنّ ُ‬ ‫ن المُ سَيّ ِ‬‫ع نْ سَعيدِ ب ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن َمنْصُور‬ ‫خ َرجَهُ سَعيدُ ب ُ‬ ‫غرّهُ ِمنْها" َأ ْ‬
‫جنُونَ ًة أَ ْو َمجُذومَ ًة فََلهَا الصّداقُ بمسِيسِ ِه إيّاها‪ ،‬وَهُ َو لَهُ عَلى منْ َ‬
‫َبرْصَا َء أَ ْو َم ْ‬
‫جهَا بالخيَار‪ ،‬فإنْ‬ ‫عنْ عَليَ َنحْوَهُ َوزَاد‪َ" :‬أوْ بها قَرنٌ َفزَ ْو ُ‬ ‫ش ْيبَةَ وَرجَالُهُ ثِقاتٌ‪َ ،‬و َروَى سعيدٌ َأيّضا َ‬ ‫َومَالكٌ وابنُ أَبي َ‬
‫ن أَ نْ‬ ‫ع َمرُ في ا ْل ِعنّي ِ‬‫سيّبِ أَيضا قَالَ‪" :‬قَضَى ُ‬ ‫ن ا ْلمُ َ‬
‫ن طري قِ سَعيدِ ب ِ‬ ‫جهَا"‪َ .‬ومِ ْ‬
‫ل مِ نْ َف ْر ِ‬
‫ستَحَ ّ‬
‫سهَا فََلهَا ا ْل َمهْ ُر بما ا ْ‬
‫مَ ّ‬
‫سنَةً" ورجاُلهُ ثِقَاتٌ‪.‬‬ ‫يُؤجّلَ َ‬
‫(و عن سعيد بن الم سيب أن ع مر بن الخطاب ر ضي ال ع نه قال‪ :‬أي ما ر جل تزوّ حَ امرأ ًة فدخلَ ب ها فوجد ها‬
‫غرّهُ منها‪ .‬أخرجه سعيد بن منصور‬ ‫برصاء أو مجنونة أو مجذومة فلها الصداق بمَسِيسِ ِه إياها وهو َل ُه على مَنْ َ‬
‫ومالك وابن أبي شيبة ورجاله ثقات)‪.‬‬
‫تقدم الكلم في الف سخ بالع يب‪ .‬وقوله "و هو" أي الم هر له أي للزوج على من غرّه من ها‪ .‬أي ير جع عل يه وإل يه‬
‫ذهب الهادي ومالك وأصحاب الشافعي وذلك لنه غرم لحقه بسببه‪.‬‬
‫إل أنهم اشترطوا علمه بالعيب فإذا كان جاهلً فل غرم عليه‪.‬‬
‫وقول عمر‪" :‬على من غرّه" دال على ذلك إذ ل غرر منه إل مع العلم‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه ل رجوع إل أن الشافعي قال بها في الجديد‪.‬‬
‫قال ابين كثيير فيي الرشاد‪ :‬وقيد حكيى الشافعيي فيي القدييم عين[اث] عمير[‪/‬اث] و[اث]علي[‪/‬اث] و[اث]ابين‬
‫عباس[‪/‬اث] في المغرور يرجع بالمهر على من غرّه ويعتضد بما تقدم من قوله صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬من‬
‫غشنا فليس منا"‪.‬‬
‫ثم قال الشافعي في الجديد‪ :‬وإنما تركنا ذلك لحديث‪" :‬أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن أصابها‬
‫فلها الصداق بما استحل من فرجها"‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫قال‪ :‬فج عل ل ها ال صداق في النكاح البا طل و هي ال تي غر ته فلن يج عل ل ها ال صداق بل رجوع على الغارّ في‬
‫النكاح الصحيح الذي الزوج فيه مخير بطريق الولى انتهى‪.‬‬
‫وقد يقال هذا مطلق مقيد بحديث الباب‪.‬‬
‫(وروى سعيد أيضا) يعني ابن منصور (عن عل يّ رض يَ ال عنه نحوه وزاد‪ :‬أو بها قَرْ نٌ" بفتح القاف وسكون‬
‫الراء هو العفلة بفتح العين المهملة وفتح الفاء واللم وهي تخرج في ُقبُل النساء وحيا الناقة كالدرة في الرجال‬
‫(فزوجُها بالخيار فإن َمسّها فلها المهرُ بما اس َتحَلّ ِمنْ َف ْرجِهَا)‪.‬‬
‫(ومن طريق سعيد بن المسيب أيضا) أي وأخرج سعيد بن منصور من طريق ابن المسيب‪( :‬قال‪ :‬قضى عمر‬
‫رضي ال عنه في العنين أن يؤجل سنة‪ ،‬ورجاله ثقات) بالمهملة فنون فمثناة تحتية فنون بزنة سكين‪ ،‬هو من ل‬
‫يأتي النساء عجزا لعدم انتشار ذكره‪ ،‬ول يريدهن‪.‬‬
‫والسم العنانة والتعنين والعنينة بالكسر ويشدّد والعنة بالضم السم أيضا من عنن عن امرأته حكم عليه القاضي‬
‫بذلك أو منع بالسحر‪ .‬وهذا الثر دال على أنها عيب يفسخ بها النكاح بعد تحققها‪.‬‬
‫واختلفوا في ذلك‪.‬‬
‫والقائلون بالفسخ اختلفوا أيضا في إمهاله‪ .‬ليحصل التحقيق‪.‬‬
‫فقيل يمهل سنة وهو مروي عن[اث] عمر[‪/‬اث] و[اث]ابن مسعود[‪/‬اث]‪.‬‬
‫وروي عن[اث] عثمان[‪/‬اث] أنه لم يؤجله‪.‬‬
‫وعن الحارث بن عبد ال يؤجل عشرة أشهر‪.‬‬
‫وذهب أحمد والهادي وجماعة إلى أنه ل فسخ في ذلك‪ .‬واستدلوا بأن الصل عدم الفسخ وهو أثر ل حجة فيه‬
‫وبأنه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم لم يخير امرأة رفاعة وقد شكت منه ذلك وهو في موضع التعليم‪.‬‬
‫وقد أجاب في البحر بقوله‪ :‬قلنا‪ :‬لعل زوجها أنكر والظاهر معه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ل يخفى أن امرأة رفاعة لم تشك من رفاعة فإنه كان قد طلقها فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير فجاءت‬
‫تش كو إل يه صلى ال عل يه وآله و سلم إن ما م عه م ثل هد بة الثوب فقال صلى ال عل يه وآله و سلم‪" :‬أتريد ين أن‬
‫ترجعي إلى رفاعة؟ ل حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته"‪.‬‬
‫و في المو طأ‪" :‬أن رفا عة طلق امرأ ته تمي مة ب نت و هب في ع هد ر سول ال صلى ال عل يه وآله و سلم ثلث‬
‫فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فأعرض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها‬
‫الوّل؛ فقال صلى ال عليه وآله وسلم‪ :‬أتريدين يييي الحديث"‪.‬‬
‫وبهذا يعرف عدم صحة الستدلل بقصة رفاعة فإنها لم تطلب الفسخ بل فهم منها صلى ال تعالى عليه وعلى‬
‫آله وسلم أنها تريد أن يراجعها رفاعة فأخبرها أن عبد الرحمن حيث لم يذق عسيلتها ول ذاقت عسيلته ل يحلها‬
‫لرفاعة‪.‬‬
‫وكيف يحمل حديثها على طلبها الفسخ وقد أخرج مالك في الموطأ‪" :‬أن عبد الرحمن لم يستطع أن يمسها فطلقها‬
‫فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الول‪ .‬فجاءت تستفتي رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم فأجابها بأنها ل تحل‬
‫له"‪.‬‬
‫وأما قصة أبي ركانة وهي‪" :‬أنه نكح امرأة من مزينة فجات إلى النبي صلى ال عليه وآله وسلم فقالت‪ :‬ما يغني‬
‫عني إل كما تغني عني هذه الشعرة يييي لشعرة أخذتها من رأسها يييي ففرق بيني وبينه فأخذت النبي‬
‫صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم حمية فدعا بركانة وإخوته ثم قال لجلسائه أترون فلنا يييي يعني ولدا له يييي يشبه‬
‫منه كذا وكذا من عبد يزيد وفلنا لبنه الخر يشبه منه كذا وكذا قالوا‪ :‬نعم قال النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لعبد‬
‫يزيد‪ :‬طلقها ففعل يييي الحديث" أخرجه أبو داود عن ابن عباس‪.‬‬
‫والظاهر أنه لم يثبت عنده صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم ما ادعته المرأة من العنة لنها خلف الصل‪.‬‬
‫ولنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم تعرف أولده بالقيافة وسأله عنها أصحابه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فدل أنه لم يثبت له‬
‫أنه عنين فأمره الطلق إرشادا إلى أنه ينبغي له فراقها حيث طلبت ذلك منه ل أنه يجب عليه‪.‬‬
‫"فائدة" قال ابن المنذر‪ :‬اختلفوا في المرأة تطالب الرجل بالجماع فقال الكثرون‪ .‬إن وطئها بعد أن دخل بها مرة‬
‫واحدة لم يؤجل أجل العنين وهو قول الوزاعي والثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وإسحاق‪.‬‬
‫وقال أبو ثور‪ :‬إن ترك جماعها لعلة أجل لها سنة وإن كان لغير علة فل تأجيل‪.‬‬
‫وقال عياض‪ :‬اتفيق كافية العلماء أن للمرأة حقا فيي الجماع فيثبيت الخيار لهيا إذا تزوجيت المجبوب والممسيوح‬
‫جاهلة بهما ويضرب للعنين سنة لختبار زوال ما به انتهى‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫قلت‪ :‬ولم يستدلوا على مقدار الجل بالسنة بدليل ناهض إنما يذكر الفقهاء أنه لجل أن تمر به الفصول الربعة‬
‫فيتبين حينئذ حاله‪.‬‬
‫باب عشرة النساء‬
‫بكسر العين وسكون الشين المعجمة أي عشرة الرجال أي الزواج النساء أي الزوجات‪.‬‬
‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ رَ سولُ اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَلْعُو نٌ َم نْ أَتَى امْرأَ ًة في ُدبُر ها"‬ ‫ن أَ بي ُه َريْرَ َة رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ل بالرْسالِ‪.‬‬ ‫رَوَاهُ َأبُو داودَ والنّسائيّ والّل ْفظُ لَهُ‪ ،‬وَرجَالُ ُه ثِقَاتٌ‪ ،‬لكن أُعِ ّ‬
‫ن َأتَى امْرأَةً في ُدبُرها"‬ ‫ن مَ ْ‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ ْلعُو ٌ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ رَسو ُ‬ ‫ن أَبي ُه َر ْيرَةَ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫(عَ ْ‬
‫ل بالرْسالِ)‪.‬‬ ‫رَوَاهُ َأبُو داودَ والنّسائيّ والّل ْفظُ لَهُ‪ ،‬وَرجَالُ ُه ثِقَاتٌ‪ ،‬لكن أُعِ ّ‬
‫ي هذا الحد يث بلف ظه من طرق كثيرة عن جما عة من ال صحابة من هم عل يّ بن أ بي طالب ر ضي ال ع نه‬ ‫رُوِ َ‬
‫وع مر وخزي مة وعلي بن طلق وطلق بن عل يّ وا بن م سعود وجابر وا بن عباس وا بن ع مر والبراء وعق بة بن‬
‫عامر وأنس وأبو ذرّ وفي طرقة جميعها كلم ولكنه مع كثرة الطرق واختلف الرواة يشدّ بعض طرقه بعضا‪.‬‬
‫ويدل على تحريم إتيان النساء في أدبارهن وإلى هذا ذهبت المة يييي إل القليل يييي للحديث‪.‬‬
‫هذا ولن ال صل تحر يم المباشرة إل ما أحله ال ولم ي حل تعالى إل الق بل ك ما دل له قوله‪{ :‬فاتوا حرث كم أ نى‬
‫شئتم} وقوله‪{ :‬فأتوهن من حيث أمركم ال}‪.‬‬
‫فأباح مو ضع الحرث والمطلوب من الحرث نبات الزرع فكذلك الن ساء الغرض من إتيان هن هو طلب الن سل ل‬
‫قضاء الشهوة و هو ل يكون إل في الق بل فيحرم ما عدا مو ضع الحرث ول يقاس عل يه غيرة لعدم المشاب هة في‬
‫كونه محل للزرع‪.‬‬
‫وأ ما حل ال ستمتاع في ما عدا الفرج فمأخوذ من دل يل آ خر و هو جواز مباشرة الحائض في ما عدا الفرج وذه بت‬
‫المامية إلى جواز إتيان الزوجة والمة بل المملوك في الدبر‪.‬‬
‫وروي عن الشاف عي أ نه قال‪ :‬لم ي صح في تحليله ول تحري مه ش يء والقياس أ نه حلل؛ ول كن قال الرب يع‪ :‬وال‬
‫الذي ل إله إل هو لقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب ويقال‪ :‬إنه كان يقول بحله في القديم‪.‬‬
‫وفي الهدي النبوي عن الشافعي أنه قال‪ :‬ل أرخص فيه بل أنهى عنه وقال‪ :‬إن من نقل عن الئمة إباحته فقد‬
‫غلط عليهم أفحش الغلط وأقبحه وإنما الذي أباحوه أن يكون الدبر طريقا إلى الوطء في الفرج فيطأ من الدبر ل‬
‫في الدبر فاشتبه على السامع انتهى‪.‬‬
‫ويروى جواز ذلك عن مالك وأنكره أصحابه وقد أطال الشارح القول في المسألة بما ل حاجة إلى استيفائه هنا‬
‫وقرر آخرا تحريم ذلك‪ ،‬ومن أدلة تحريمه قوله‪:‬‬
‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََل ْي هِ وَسَلّم‪" :‬ل َي ْنظُر اللّ ُه إلى َرجُلٍ أَتى َرجُلً‬ ‫ع ْن ُهمَا قالَ‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫عبّاسٍ رضيَ اللّ هُ َ‬ ‫ن اب نِ َ‬ ‫عْ‬ ‫وَ َ‬
‫ل بالْ َوقْفِ‪.‬‬
‫حبّانَ وَأُعِ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫َأوْ ا ْمرَأَ ًة في ُدبُرهَا" رَوَا ُه ال ّت ْر ِمذِيّ وال ّنسَائي واب ُ‬
‫ع ْن ُهمَا قالَ‪ :‬قالَ رسولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬ل َي ْنظُر اللّهُ إلى َرجُلٍ أَتى َرجُلً‬ ‫عبّاسٍ رضيَ اللّهُ َ‬ ‫عنْ ابنِ َ‬ ‫(وَ َ‬
‫علّ بالْ َوقْ فِ) على ابن عباس ولكن المسألةَ ل مسرحَ‬ ‫حبّا نَ وَأُ ِ‬‫ن ِ‬‫َأوْ ا ْمرَأَ ًة في ُدبُرهَا" رَوَا ُه التّ ْر ِم ِذيّ والنّ سَائي واب ُ‬
‫للجتهادَ فيها سيما ذكر هذا النوع من الوعيد فإنه ل يدرك بالجتهاد فله حكم الرفع‪.‬‬
‫ن يُؤ ِم نُ باللّ هِ واليو مِ الخِر فَل يُؤذِ‬ ‫ن النبيّ صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم قال‪" :‬مَ نْ كا َ‬ ‫ع ْن هُ عَ ِ‬
‫ع نْ أَبي ُه َر ْيرَة رض يَ ال َ‬ ‫وَ َ‬
‫سرْتَهُ‬
‫ن ذَ َهبْتَ تقيمُ ُه َك َ‬‫ج شيءٍ في الضّلَعِ أعْلهُ‪ ،‬فإ ْ‬ ‫ن ضِلَعٍ وإن َأعْو َ‬ ‫ن مِ ْ‬ ‫ن خُلِقْ َ‬ ‫خيْرا فإنهُ ّ‬ ‫ستَ ْوصُوا بالنّسا ِء َ‬ ‫جَارَهُ‪ ،‬وَا ْ‬
‫ستَ ْم َتعْتَ ب ها‬
‫خ ْيرَا" ُمتّفَ قٌ عََليْ هِ‪ ،‬وَاللّفْ ظُ لل ُبخَاريّ‪ .‬وَلم سْلم‪" :‬فإن ا ْ‬ ‫ستَ ْوصُوا بالن سَاءِ َ‬ ‫عوَ جَ‪ ،‬فَا ْ‬ ‫وإ نْ تَر ْكتَ ُه لَ ْم َيزَلْ أَ ْ‬
‫سرُهَا طَل ُقهَا"‪.‬‬ ‫سرْتهَا َو َك ْ‬‫عوَجٌ‪ ،‬وإنْ ذَ َهبْتَ تُقي ُمهَا َك َ‬ ‫س َت ْم َتعْتَ بها وبها ِ‬ ‫اْ‬
‫ن يُ ْؤ ِمنُ بال وا ْليَوْمِ الخَر فل‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم قال‪" :‬مَنْ كا َ‬
‫ن ضِلَ عٍ) بك سر الضاء المعج مة وف تح اللم وإ سكانها وا حد‬ ‫ن مِ ْ‬ ‫خيْرا فإ ّنهُنّ خُلِقْ َ‬ ‫ستَ ْوصُوا بالنّ سَا ِء َ‬ ‫ُي ْؤذِ جَارَ هُ وا ْ‬
‫ج فا سْتَ ْوصُوا‬ ‫ن َت َركْتَ ُه لَ مْ َيزَلْ َأعْوَ َ‬
‫ن الضّلَ عِ َأعْل هُ فإ نْ ذَ َهبَ تْ تُقِيمُ هُ كَ سَ ْرتَهُ وإ ْ‬ ‫الضلع (وإنّ أعْوَ جَ شْي ٍء مِ َ‬
‫خيْرا) أي اقبلوا الو صية في هن والمع نى أ ني أو صيكم ب هن خيرا أو المع نى يو صي بعض كم بعضا في هن‬ ‫بالنّ سَاءِ َ‬
‫عوَ جٌ) هو بك سر أوله على‬ ‫ستَ ْم َتعْتَ ب ها وب ها ِ‬ ‫س َتمْ َتعْتَ ب ها ا ْ‬
‫خيرا (مت فق عل يه والل فظ للبخاري‪ ،‬ولم سلم "فإ نِ ا ْ‬
‫سرُهَا طَل ُقهَا)‪.‬‬ ‫ت تُقي ُمهَا َكسَرْتها و َك ْ‬ ‫الرجح (وإنّ ذَ َهبْ َ‬
‫الحد يث دل يل على ع ظم حق الجار وأن من آذى الجار فل يس بمؤ من بال واليوم ال خر وهذا إن كان يلزم م نه‬
‫كفر من آذى جاره إل أنه محمول على المبالغة لن من حق اليمان ذلك فل ينبغي لمؤمن التصاف به‪.‬‬
‫وقد عدّ أذى الجار من الكبائر فالمراد من كان يؤمن إيمانا كاملً وقد وصى ال على الجار في القرآن‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫وحدّ الجار إلى أربعين دارا كما أخرج الطبراني أنه‪" :‬أتى النبي صلى ال عليه وآله وسلم رجل فقال‪ :‬يا رسول‬
‫ال إني نزلت في محل بني فلن وإن أشدهم لي أذى أقربهم إليّ دارا فبعث النبي صلى ال عليه وآله وسلم أبا‬
‫بكرا وعمر وعليا رضي ال عنهم يأتون في المسجد فيصيحون على أن أربعين دارا جار ول يدخل الجنة من‬
‫خاف جاره بوائقه"‪.‬‬
‫وأخرج الطبراني في الكبير والوسط‪" :‬إن ال ليدفع بالمؤمن الصالح عن مائة بيت من جيرانه" وهذا فيه زيادة‬
‫على الول والذية للمؤمن مطلقا محرمة قال تعالى‪{ :‬والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا وإثما‬
‫مبينا} ولك نه في حق الجار أشدّ تحريما فل يغت فر م نه ش يء و هو كل ما ي عد في العرف أذى ح تى ورد في‬
‫الحديث‪" :‬أنه ل يؤذيه بقتار قدره إل أن يغرف له من مرقته ول يحجز عنه الريح إل بإذنه وإن اشترى فاكهة‬
‫أهدى إليه منها"‪.‬‬
‫وحقوق الجار مستوفاة في الحياء للغزالي‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬واستوصوا" تقدّم بيان معناه وعلله بقوله‪ :‬فإنهن خلقن من ضلع يريد خلقن خلقا فيه اعوجاج لنهن خلقن‬
‫من أ صل معوج والمراد أن حواء أ صلها خل قت من ضلع آدم ك ما قال تعالى‪{ :‬وخلق من ها زوج ها} ب عد قوله‪:‬‬
‫{خلقكم من نفس واحدة}‪.‬‬
‫وأخرج ابن إسحاق من حديث[اث] ابن عباس[‪/‬اث]‪" :‬إن حواء خلقت من ضلع آدم القصر اليسر وهو نائم"‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬وإن أعوج ما في الضلع" إخبار بأنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن‪.‬‬
‫وضمير قوله‪" :‬تقيمه وكسرته" للضلع وهو يذكر ويؤنث وكذا جاء في لفظ البخاري‪ :‬تقيمها وكسرتها‪ ،‬ويحتمل‬
‫أنه للمرأة ورواية مسلم صريحة في ذلك حيث قال‪" :‬وكسرها طلقها"‪.‬‬
‫والحد يث ف يه ال مر بالو صية بالن ساء والحتمال ل هن وال صبر على عوج أخلق هن وأ نه ل سبيل إلى إ صلح‬
‫أخلقهن بل ل بد من العوج فيها وأنه من أصل الخلقة وتقدم ضبط العوج هنا‪.‬‬
‫وقد قال أهل اللغة؛ العوج‪ :‬بالفتح في كل منتصب كالحائط والعود وشبههما وبالكسر ما كان في بساط أو معاش‬
‫أو دين ويقال‪ :‬فلن في دينه عوج بالكسر‪.‬‬
‫غزْوَ ٍة فََلمَا قَدمْنا المدينَةَ ذَ َه ْبنَا ِل َن ْدخُلَ فَقَالَ‪َ" :‬أ ْمهِلُوا حَتى‬
‫ع نْ جابرٍ قالَ‪ُ :‬كنّا مَ َع النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في َ‬ ‫وَ َ‬
‫ح ُدكُمْ‬
‫حدّ المُغيبةُ" ُمتْفقٌ عََل ْيهِ‪ ،‬وفي روَاي ٍة للبُخاريّ‪" :‬إذَا َأطَال َأ َ‬ ‫س َت ِ‬
‫ش ِعثَةُ َو َت ْ‬
‫عشَاءً) ِل َكيْ َت ْم َتشِطَ ال ّ‬ ‫َت ْدخُلُوا َليْلً" ( َيعْني ِ‬
‫ا ْل َغ ْيبَ َة فَل يطْ ُرقْ أَهْلَ ُه َليْلً"‪.‬‬
‫(وعن جابر رضي ال عنه قال‪ :‬كنا مع النبي صلى ال عليه وآله وسلم في غزوة فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل‬
‫ش ِعثَةُ) بفتح‬‫ي َت ْمتَشِطَ ال ّ‬
‫عشَاءً يييي ِلكَ ْ‬ ‫فقال صلى ال عليه وآله وسلم‪َ" :‬أ ْمهِلُوا حَتى َت ْدخُلُوا ليْلً يييي يعْني ِ‬
‫حدّ) بسين وحاء مهملتين (ا ْل ُمغِيبَةُ) بضم الميم وكسر المعجمة‬ ‫س َت ِ‬
‫الشين المعجمة وكسر العين المهملة فمثلثة (وتَ ْ‬
‫بعدها مثناة تحتية ساكنة فموحدة مفتوحة التي غاب عنها زوجها (متفق عليه)‪ .‬فيه دليل على أنه يحسن التأني‬
‫للقادم على أهله حتيى يشعروا بقدو مه ق بل و صوله بزمان يتسيع ل ما ذكير من تح سين هيئات مين غاب عن هن‬
‫أزواجهن من المتشاط وإزالة الشعر بالموسى مثلً من المحلت التي يح سن إزالته منها وذلك لئل يهجم على‬
‫أهله وهم في هيئة غير مناسبة فينفر الزوج عنهن والمراد إذا سافر سفرا يطيل فيه الغيبة كما دل له قوله‪.‬‬
‫َهي ليْلً) قال أهيل اللغية‪ :‬الطروق‬ ‫ُقي أَهْل ُ‬
‫ُمي ا ْل َغ ْيبَ َة فل َيطْر ْ‬
‫حدُك ُ‬
‫ل َأ َ‬ ‫(وفيي روايية البخاري) أي عين جابر (إذَا َأطَا َ‬
‫المجيء بالليل من سفر وغيره على غفلة ويقال لكل آت بالليل طارق ول يقال في النهار إل مجازا وقوله‪" :‬ليلً"‬
‫ظاهره تقييد النهي بالليل وأنه ل كراهة في دخوله إلى أهله نهارا من غير شعورهم واختلف في علة التفرقة بين‬
‫الليل والنهار‪.‬‬
‫فعلل البخاري فيي ترجمية الباب بقوله‪" :‬باب ل يطرق الرجيل أهله ليلً إذا أطال الغيبية مخافية أن يتخوّنهيم أو‬
‫يتلمس عثرات هم" فعلى هذا التعل يل يكون الل يل جزء العلة لن الري بة تغلب في الليل وتندر في النهار وإن كا نت‬
‫العلة ما صرح به‪ .‬وهو قوله‪" :‬لكي تمتشط إلى آخره" فهو حاصل في الليل والنهار‪.‬‬
‫قيل‪ :‬ويحتمل أن يكون معتبرا على كل التقديرين‪ ،‬فإن الغرض منه التنظيف والتزيين وتحصيل لكمال الغرض‬
‫من قضاء الشهوة وذلك في الغلب يكون في الل يل فالقادم في النهار يتأ نى ليح صل لزوج ته التنظ يف والتزي ين‬
‫لوقت المباشرة‪ ،‬وهو الليل بخلف القادم في الليل‪ .‬وكذلك ما يخشى منه من العثور على وجود أجنبي‪ ،‬وهو في‬
‫الغلب يكون في الليل‪.‬‬
‫و قد أخرج ا بن خزي مة عن ا بن ع مر قال‪ :‬ن هى ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أن تطرق الن ساء ليلً فطرق‬
‫رجلن كلهما فوجد يييي يريد كل واحد منهما يييي مع امرأته ما يكره‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫وأخرج أبو عوانة في صحيحه من حديث جابر‪" :‬أن عبد ال بن رواحة أتى امرأته ليلً وعندها امرأة تمشطها‬
‫فظنها رجلً فأشار إليها بالسيف‪ ،‬فلما ذكر ذلك للنبي صلى ال عليه وآله وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلً"‪.‬‬
‫و في الحد يث ال حث على الب عد عن تت بع عورات ال هل‪ ،‬وال حث على ما يجلب التودّد والتحاب ب ين الزوج ين‬
‫وعدم التعرض لما يوجب سوء الظنّ بالهل‪ ،‬وبغيرهم أولى‪.‬‬
‫وف يه أن ال ستحداد ونحوه م ما تتز ين به المرأة لزوج ها محبوب للشرع‪ ،‬وأ نه ل يس من تغي ير خلق ال المن هي‬
‫عنه‪.‬‬
‫ع ْندَ ال َمنْزلَةً‬‫ن شرّ النّاس ِ‬ ‫ل اللّهِ صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬إ ّ‬ ‫ل رسُو ُ‬ ‫عنْهُ قَالَ‪ :‬قا َ‬ ‫خدْريّ رضيَ ال َ‬ ‫ن أَبي سَعيد ال ُ‬ ‫عْ‬ ‫وَ َ‬
‫خ َرجَ ُه ُمسْلِمٌ‪.‬‬
‫سرّهَا" َأ ْ‬ ‫شرُ ِ‬ ‫َي ْومَ الْ ِقيَامَ ِة ال ّرجُلُ يُ ْفضِي إلى ا ْمرََأتِهِ َوتُ ْفضِي إَل ْيهِ ثمّ َي ْن ُ‬
‫ع ْندَ اللّ هِ‬
‫(و عن أ بي سعيد الخدري ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إنّ شَرّ النّا سِ ِ‬
‫َمنْزلَ ًة يَوْ مَ الْ َقيَامَ ِة ال ّرجُلُ يُ ْفضِي إلى ا ْمرََأتِ هِ) من أفضى الرجل إلى المرأة جامعها أو خل بها جامع أو ل‪ ،‬كما‬
‫سرّهَا") أي وتنشر سره (أخرجه مسلم) إل أنه بلفظ "إن من أشر الناس"‪.‬‬ ‫شرُ ِ‬ ‫في القاموس (وتُ ْفضِي إليْ ِه ُثمّ ينْ ُ‬
‫قال القا ضي عياض‪ :‬وأ هل الن حو يقولون‪ :‬ل يجوز أ شر وأخ ير وإن ما يقال هو خ ير م نه وشرّ م نه قال‪ :‬و قد‬
‫جاءت الحاديث الصحيحة باللغتين جميعا وهي حجة في جوازهما جميعا وأنهما لغتان‪.‬‬
‫والحد يث دليل على تحريم إفشاء الرجل ما ي قع بي نه وبين امرأته من أمور الوقاع ووصف تفا صيل ذلك‪ ،‬وما‬
‫يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه‪.‬‬
‫وأما مجرّد ذكر الوقاع فإذا لم يكن لحاجة فذكره مكروه لنه خلف المروءة وقد قال صلى ال عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫"من كان يؤمن بال واليوم الخر فليقل خيرا أو ليصمت"‪.‬‬
‫فإن د عت إل يه حا جة أو ترت بت عل يه فائدة‪ ،‬بأن كان ين كر إعرا ضه عن ها أو تد عي عل يه الع جز عن الجماع أو‬
‫نحيو ذلك فل كراهية فيي ذكره كميا قال صيلى ال علييه وآله وسيلم‪" :‬إنيي لفعله أنيا وهذه" وقال لبيي طلحية‪:‬‬
‫"أعرستم الليلة" وقال لجابر‪" :‬الكيس الكيس"‪.‬‬
‫كذلك المرأة ل يجوز لها إفشاء سره؛ وقد ورد به النص أيضا‪.‬‬
‫ط ِعمُها‬‫ح ِدنَا عََليْهِ؟ قال‪ُ " :‬ت ْ‬
‫ج َأ َ‬
‫حقّ َزوْ ِ‬ ‫ل اللّهِ مَا َ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قُلْتُ‪ :‬يَا رَسُو َ‬ ‫ن أَبيهِ رَضيَ اللّهُ َ‬ ‫ن حَكيم بنِ ُمعَاو َيةَ عَ ْ‬ ‫عْ‬ ‫وَ َ‬
‫حمَدُ وَأَبُو داودَ‬ ‫ضرِ بِ ا ْل َوجْ هَ ول تُ َقبّ حْ‪ ،‬وَل َت ْهجُ ْر إل في ا ْل َبيْ تِ" رَوَا ُه َأ ْ‬ ‫سيْتَ‪ ،‬وَل َت ْ‬ ‫إذا َأكَلْ تَ‪َ ،‬و َتكْ سُوهَا إذا اكْت َ‬
‫حبّانَ وَا ْلحَا ِكمُ‪.‬‬
‫ن ِ‬ ‫ححَهُ اب ُ‬ ‫صّ‬‫وال ّنسَائيّ وَابْنُ مَاجَهْ‪ ،‬وَعَّلقَ ا ْل ُبخَاريّ َبعْضَهُ‪َ ،‬و َ‬
‫(وعن حكيم بن معاوية) أي ابن حيدة بفتح الحاء المهملة فمثناة تحتية ساكنة فدال مهملة ومعاوية صحابي روى‬
‫عنه ابنه حكيم وروى عن حكيم ابنه َبهْز بفتح الموحدة وسكون الهاء فزاي (عن أبيه رضي ال عنه قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫طعِ َمهَا‬‫يا رسول ال ما حق زوج أحدنا) هكذا بعدم التاء هي اللغة الفصيحة وجاء زوجة بالتاء (عليه؟‪ ،‬قال‪ُ " :‬ت ْ‬
‫ّحي ول َت ْهجُ ْر إل فيي ا ْل َبيْتيِ" رواه أحميد وأبيو داود‬ ‫ْهي ول تُ َقب ْ‬ ‫ْربي الْ َوج َ‬
‫َسييْتَ ول َتض ِ‬ ‫ْتي وتكْسيُوهَا إذا ا ْكت َ‬ ‫إذا َأكَل َ‬
‫والنسائي وابن ماجه وعلق البخاري بعضه)‪.‬‬
‫حيث قال‪" :‬باب هجر النبي صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم نساءه في غير بيوتهنّ"‪.‬‬
‫ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه‪" :‬ول تهجر إل في البيت" والول أصح (وصححه ابن حبان والحاكم)‪.‬‬
‫دل الحديث على وجوب نفقة الزوجة وكسوتها‪.‬‬
‫وأن النفقة بقدر سعته ل يكلف فوق وسعه لقوله‪" :‬إذا أكلت" كذا قيل وفي أخذه من هذا اللفظ خفاء‪.‬‬
‫فمتى قدر على تحصيل النفقة وجب عليه أن ل يختص بها دون زوجته ولعله مقيد بما زاد على قدر سدّ خلته‬
‫لحديث "ابدأ بنفسك" ومثله القول في الكسوة‪.‬‬
‫وفي الحديث دليل على جواز الضرب تأديبا إل أنه منهي عن ضرب الوجه للزوجة وغيرها وقوله‪ :‬ل تقبح أي‬
‫ل تسمعها ما تكره وتقول‪ :‬قبحك ال ونحوه من الكلم الجافي‪.‬‬
‫ومعنى قوله‪" :‬ل تهجر إل في البيت" أنه إذا أراد هجرها في المضجع تأديبا لها كما قال تعالى‪{ :‬واهجروهن في‬
‫المضاجع} فل يهجرها إل في البيت ول يتحوّل إلى دار أخرى أو يحوّلها إليها‪.‬‬
‫إل أن روا ية البخاري ال تي ذكرنا ها دلت أ نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ه جر ن ساءه في غ ير بيوت هن وخرج إلى‬
‫مشربة له‪.‬‬
‫وقد قال البخاري‪ :‬إن هذا أصح من حديث معاوية‪.‬‬
‫هذا وقيد يقال دل فعله على جواز هجرهين فيي غيير البيوت وحدييث معاويية على هجرهين فيي البيوت ويكون‬
‫مفهوم الحصر غير مراد واختلف في تفسير الهجر‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫فالجمهور فسروه بترك الدخول عليهن والقامة عندهن على ظاهر الية وهو من الهجران بمعنى البعد‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يضاجعها ويوليها ظهره‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يترك جماعها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يجامعها ول يكلمها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬من الهجر الغلظ في القول‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬من الهجار وهو الحبل الذي يربط به البعير أي أوثقوهن في البيوت قاله الطبري واستدل له ووهاه ابن‬
‫العربي‪.‬‬
‫ن ُدبُرِهَا في ُقبُلِهَا كا نَ ا ْلوََلدُ َأحْوَلَ‬ ‫ع ْبدِ اللّ هِ قالَ‪ :‬كانَ تِ ا ْل َيهُودُ تَقُولُ‪ :‬إذا أَتَى ال ّرجُلُ ا ْمرََأتَ ُه مِ ْ‬ ‫ع نْ جَابر بْ نِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َف َنزَلَتْ‪{ :‬نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ُمتّ َفقٌ عََليْهِ والّل ْفظُ ِل ُمسْلِمٍ‪.‬‬
‫ن ُد ُبرِهَا في ُقبُِلهَا كانَ‬ ‫ع ْب ِد اللّ ِه رضي ال عنهما قالَ‪ :‬كانَتِ ا ْل َيهُو ُد تَقُولُ‪ :‬إذا َأتَى ال ّرجُلُ ا ْمرََأتَهُ مِ ْ‬ ‫عنْ جَابر بْنِ َ‬ ‫(وَ َ‬
‫ظ ِل ُمسْلِمٍ)‪.‬‬‫ل َفنَزَلَتْ‪{ :‬نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ُمتّ َفقٌ عََليْهِ واللّ ْف ُ‬ ‫ا ْلوََلدُ َأحْوَ َ‬
‫ولفظ البخاري سمعت جابرا يقول‪ :‬كانت اليهود تقول‪ :‬إذا جامعها من ورائها يييي أي في قبلها كما فسرته‬
‫حوَل فنزلت‪{ :‬نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}‪.‬‬ ‫الرواية الولى يييي جاء الولد أ ْ‬
‫واختلف الروايات في سبب نزولها على ثلثة أقوال‪.‬‬
‫الول‪ :‬ما ذكره المصنف من رواية الشيخين أنه في إتيان المرأة من ورائها في قبلها وأخرج هذا المعنى جماعة‬
‫من المحدثين عن جابر وغيره واجتمع فيه ستة وثلثون طريقا في بعضها أنه ل يحل إل في القبل وفي أكثرها‬
‫الردّ على اليهود‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنها نزلت في حل إتيان دبر الزوجة أخرجه جماعة عن [اث]ابن عمر[‪/‬اث] من اثني عشر طريقا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن ها نزلت في حل العزل عن الزو جة أخر جه أئ مة من أ هل الحد يث عن[اث] ا بن عباس[‪/‬اث] و عن‬
‫[اث]ا بن ع مر[‪/‬اث] و عن [اث]ا بن الم سيب[‪/‬اث] ول يخ فى أن ما في ال صحيحين مقدّم على غيره فالرا جح هو‬
‫القول الول‪.‬‬
‫وابن عمر قد اختلفت عنه الرواية والقول بأنه أريد بها العزل ل يناسبه لفظ الية هذا‪.‬‬
‫وقد روي عن ابن الحنفية أن معنى قوله تعالى‪{ :‬أنى شئتم} فهو بيان للفظ "أنى" وأنه معنى "إذا" فل يدل على‬
‫شيء مما ذكر أنه سبب النزول على أن إتيان الزوجة موكول إلى مشيئة الزوج‪.‬‬
‫ح َدكُ مْ إذا َأرَادَ َأ نْ يأت يَ‬
‫عنْهما قالَ‪ :‬قالَ رسول اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪َ" :‬لوْ أَنّ َأ َ‬ ‫س رضي اللّ هُ َ‬ ‫عبّا ٍ‬ ‫ع نْ اب نِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ضرّ هُ‬ ‫ن يُ َق ّدرْ َب ْينَ ُهمَا وََلدٌ في ذلك لَ مْ َي ُ‬ ‫شيْطا نَ مَا رَ َز ْقتَنَا فَإنّ ُه إ ْ‬ ‫جنّ بِ ال ّ‬
‫ج ّن ْبنَا الشيّطا نَ َو َ‬
‫أَهَْل هُ قالَ‪ :‬بِ سْمِ اللّ هِ‪ ،‬الل ُهمّ َ‬
‫ش ْيطَانُ َأبَدا" ُمتّ َفقٌ عََليْهِ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫حدَكُ مْ إذا َأرَادَ َأ نْ يأت يَ‬
‫عنْهما قالَ‪ :‬قالَ رسول اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬لَ ْو أَنّ َأ َ‬ ‫عبّا سٍ رضي اللّ هُ َ‬ ‫ع نْ اب نِ َ‬ ‫(وَ َ‬
‫ضرّ هُ‬ ‫ن يُ َق ّدرْ َب ْينَ ُهمَا وََلدٌ في ذلك لَ مْ َي ُ‬ ‫شيْطا نَ مَا رَ َز ْقتَنَا فَإنّ ُه إ ْ‬ ‫جنّ بِ ال ّ‬
‫ج ّن ْبنَا الشيّطا نَ َو َ‬
‫أَهَْل هُ قالَ‪ :‬بِ سْمِ اللّ هِ‪ ،‬الل ُهمّ َ‬
‫ش ْيطَانُ َأبَدا" ُمتّ َفقٌ عََليْهِ)‪.‬‬‫ال ّ‬
‫هذا ل فظ مسلم والحديث دل يل على أ نه يكون القول قبل المباشرة عند الرادة وهذه الروا ية تف سر روا ية‪" :‬لو أن‬
‫أحد كم يقول ح ين يأ تي أهله" يييي أخرج ها البخاري يييي بأن المراد ح ين ير يد وضم ير جنب نا للر جل‬
‫وامرأته‪.‬‬
‫وفي رواية الطبراني‪ :‬جنبني وجنب ما رزقتني بالفراد‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬لم يضره الشيطان أبدا أي‪ :‬لم يسلط عليه‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪ :‬نفي الضرر على جهة العموم في جميع أنواع الضرر غير مراد وإن كان الظاهر العموم‬
‫في جميع الحوال من صيغة النفي مع التأبيد وذلك لما ثبت في الحديث من أن كل ابن آدم يطعن الشيطان في‬
‫بطنه حين يولد إل مريم وابنها فإن في هذا الطعن نوع ضرر في الجملة مع أن ذلك سبب صراخه‪ .‬قلت‪ :‬هذا‬
‫من القاضي مبني على عموم الضرر الديني والدنيوي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ليس المراد إل الديني وأنه يكون من جملة العباد الذي قال تعالى فيهم‪{ :‬إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}‬
‫ويؤيد هذا أنه أخرج عبد الرزاق عن الحسن وفيه‪ :‬فكان يرجى إن حملت به أن يكون ولدا صالحا وهو مرسل‬
‫ولكنه ل يقال من قبل الرأي‪.‬‬
‫قال ابن دقيق العيد‪ :‬يحتمل أنه ل يضره في دينه ولكن يلزم منه العصمة وليست إل للنبياء‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫و قد أج يب بأن الع صمة في حق ال نبياء على ج هة الوجوب و في حق من دُعِ يَ لجله بهذا الدعاء على ج هة‬
‫الجواز فل يبعد أن يوجد من ل يصدر منه معصية عمدا‪ ،‬وإن لم يكن ذلك واجبا له‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لم يضره لم يفتنه في دينه إلى الكفر‪ ،‬وليس المراد عصمته عن المعصية‪.‬‬
‫وق يل‪ :‬لم يضره مشار كة الشيطان لب يه في جماع أ مه‪ ،‬ويؤيده ما جاء عن مجا هد‪ :‬أن الذي يجا مع ول ي سمي‬
‫يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه‪ ،‬قيل‪ :‬ولعل هذا أقرب الجوبة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إل أنه لم يذكر من أخرجه عن مجاهد ثم هو مرسل ثم الحديث سيق لفائدة تحصل للولد ول تحصل على‬
‫هذا ولعله يقول إن عدم مشاركة الشيطان لبيه في جماع أمه فائدته عائدة على الولد أيضا‪.‬‬
‫وفي الحديث استحباب التسمية وبيان بركتها في كل حال وأن يعت صم بال وذكره من الشيطان والتبرك با سمه‬
‫والستعاذة به من جميع السواء‪.‬‬
‫وفيه أن الشيطان ل يفارق ابن آدم في حال من الحوال إل إذا ذكر ال‪.‬‬
‫ت أَنْ‬ ‫عنْهُ عَنِ النّبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قالَ‪" :‬إذا دَعَا ال ّرجُلُ امرَأتَ ُه إلى فرَاشِهِ َفَأبَ ْ‬ ‫ن أَبي ُه َريْرةَ رَضيَ اللّهُ َ‬ ‫عْ‬
‫وَ َ‬
‫سمَاءِ‬
‫صبِحَ" ُمتّف قٌ عََل ْي هِ والّلفْ ظُ لل ُبخَاريّ‪ ،‬وَلمُ سِْلمٍ‪" :‬كا نَ الذي في ال ّ‬‫ن َل َع َنتْهَا المَل ِئكَ ُة حَ تى تُ ْ‬ ‫ضبَا َ‬
‫غ ْ‬‫تجِيءَ َفبَا تَ َ‬
‫ع ْنهَا"‪.‬‬
‫سَاخِطا عََل ْيهَا حَتى َيرْضى َ‬
‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم قال‪" :‬إذَا دَعَا ال ّرجُلُ ا ْمرََأتَهُ إلى ِفرَاشِهِ فَأبَتْ َأنْ‬
‫صبِحَ") أي وتر جع عن الع صيان ف في ب عض ألفاظ البخاري ح تى‬ ‫ن َل َع َنتْهَا ا ْلمَل ِئكَ ُة حَ تى تُ ْ‬
‫ضبَا َ‬‫غ ْ‬‫تَجيءَ َفبَا تَ َ‬
‫ع ْنهَا") إخبار بأنه‬ ‫سمَاءِ سَاخِطا عََل ْيهَا حَتى َيرْضى َ‬ ‫ترجع (متفق عليه واللفظ للبخاري ولمسلم "كان الّذي في ال ّ‬
‫يجب على المرأة إجابة زوجها أي إذا دعاها للجماع لن قوله إلى فراشه كناية عن الجماع كما في قوله‪" :‬الولد‬
‫للفراش"‪.‬‬
‫ودلييل الوجوب لعين الملئكية لهيا إذ ل يلعنون إل عين أمير ال ول يكون إل عقوبية ول عقوبية إل على ترك‬
‫واجب‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬حتى تصبح" دليل على وجوب الجابة في الليل‪ .‬ول مفهوم له لنه خرج ذكره مخرج الغالب وإل فإنه‬
‫يجب عليها إجابته نهارا‪.‬‬
‫وقد أخرج غير مقيد بالليل ابن خزيمة وابن حبان مرفوعا‪" :‬ثلثة ل تقبل لهم صلة ول تصعد لهم إلى السماء‬
‫حسنة‪" :‬العبد البق حتى يرجع والسكران حتى يصحو والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى"‪.‬‬
‫وإن كان هذا في سخطه مطلقا ولو لعدم طاعت ها في غ ير الجماع ول يس ف يه ل عن إل أن ف يه وعيدا شديدا يد خل‬
‫فيه عدم طاعتها له في جماعها من ليل أو نهار‪.‬‬
‫وزاد البخاري في رواي ته في بدء الخلق‪" :‬فبات غضبان علي ها" أي زوج ها وق يل هذه الزيادة يت جه وقوع الل عن‬
‫عليها لنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها بخلف ما إذا لم يغضب من ذلك فإنها ل تستحق اللعن‪.‬‬
‫وفي قوله‪" :‬لعنتها الملئكة" دللة على أن منع من عليه الحق عمن هو له وقد طلبه يوجب سخط ال تعالى على‬
‫المانع سواء كان الحق في بدن أو مال‪.‬‬
‫ق يل‪ :‬ويدل على أ نه يجوز ل عن العا صي الم سلم إذا كان على و جه الرهاب عل يه ق بل أن يوا قع المع صية فإذا‬
‫واقعها دعي له بالتوبة والمغفرة‪.‬‬
‫قال المصنف في الفتح بعد نقله لهذا عن المهلب‪" :‬ليس هذا التقييد مستفادا من الحديث بل من أدلة أخرى‪.‬‬
‫والحق أن منع اللعن أراد به معناه اللغوي وهو البعاد من الرحمة‪ .‬وهذا ل يليق أن يدعى به على المسلم بل‬
‫يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية والذي أجازه أراد معناه العرفي وهو مطلق السب ول يخفى أن‬
‫محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر‪.‬‬
‫ولعن الملئكة ل يلزم منه جواز اللعن منا فإن التكليف مختلف" انتهى كلمه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول المهلب إ نه يل عن ق بل وقوع المع صية للرهاب كلم مردود فإ نه ل يجوز لع نه ق بل إيقا عه ل ها أ صلً‬
‫لن سبب اللعن وقوعها منه فقبل وقوع السبب ل وجه ليقاع المسبب‪.‬‬
‫ثم إنه رتب في الحديث لعن الملئكة على إباء المرأة عن الجابة وأحاديث "لعن ال شارب الخمر" رتب فيها‬
‫اللعن على وصف كونه شاربا وقول الحافظ بأنه إن أريد معناه العرفي جاز‪ :‬ل يخفى أنه غير مراد للشارع إل‬
‫المعنى اللغوي‪.‬‬
‫والتحقيق أن ال تعالى أخبرنا أن الملئكة تلعن من ذكر وبأنه تعالى لعن شارب الخمر ولم يأمرنا بلعنه فإن ورد‬
‫المر بلعنه وجب علينا المتثال ولعنه ما لم تعلم توبته وندب لنا الدعاء له بالتوفيق للتوبة والستغفار‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫وقد أخبر ال تعالى أن الملئكة تلعن من ذكر ومعلوم أنه عن أمر ال وأخبر أنهم يستغفرون لمن في الرض‬
‫وهو عام يشتمل من يلعنونهم من أهل إلى الستغفار ل أنها مقيدة بقوله‪{ :‬ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما‬
‫فاغفر للذين تابوا} كما قيل‪ :‬لن التائب مغفور له‪.‬‬
‫وإنما دعاؤهم له بالمغفرة تعبد وزيادة تنويه بشأن التائبين‪.‬‬
‫وأما شمول عمومها للكفار فمعلوم أنه غير مراد وبهذا يعرف أن الملئكة قاموا بالمرين كما أشرنا إليه‪.‬‬
‫وفي الحديث رعاية ال لعبده ولعن من عصاه في قضاء شهوته منه وأي رعاية أعظم من رعاية الملك الكبير‬
‫للعبد الحقير؟ فليكن لنعم موله ذاكرا ولياديه شاكرا ومن معاصيه محاذرا ولهذه النكتة الشريفة من كلم رسول‬
‫ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم مذاكرا‪.‬‬
‫ُسيتَ ْوصِلَةَ والواشمةَ‬ ‫َاصيلَةَ وا ْلم ْ‬
‫َني الْو ِ‬ ‫َسيلّم َلع َ‬
‫ْهي و َ‬ ‫صيلّى ال عََلي ِ‬‫ع ْنهُميا‪" :‬أَنّ النّبيّ َ‬ ‫ّهي َ‬‫رضيي الل ُ‬‫َ‬ ‫ع َمرَ‬
‫ابني ُ‬
‫َني ِ‬ ‫وَع ِ‬
‫شمَةَ" ُمتّفقٌ عَلَيهِ‪.‬‬
‫ستَ ْو ِ‬
‫وال ُم ْ‬
‫الواصيلَة) بالصياد المهملة‬‫ِ‬ ‫(وعين ابين عمير رضيي ال عنهميا‪ :‬أن النيبي صيلى ال علييه وآله وسيلم لعين‬
‫ستَ ْوشِم َة متفق عليه)‪.‬‬ ‫شمَةَ) بالشين المعجمة (وال ُم ْ‬ ‫(والمستوصِلَةَ‪ ،‬والوا ِ‬
‫الواصلة هي المرأة التي تصل شعرها بشعر غيرها سواء فعلته لنفسها أو لغيرها‪.‬‬
‫والمستوصلة التي تطلب فعل ذلك وزاد في الشرح‪ :‬ويفعل بها ول يدل عليه اللفظ‪.‬‬
‫والواشمة فاعلة الوشم وهو أن تغرز إبرة ونحوها في ظهر كفها أو شفتها أو نحوهما من بدنها حتى يسيل الدم‬
‫ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل والنورة فيخضر‪.‬‬
‫والمستوشمة الطالبة لذلك والحديث دليل على تحريم الربعة الشياء المذكورة في الحديث‪.‬‬
‫فالوصل محرم للمرأة مطلقا بشعر محرم أو غيره آدمي أو غيره سواء كانت المرأة ذات زينة أو ل‪ ،‬مزوّجة أو‬
‫غير مزوّجة‪.‬‬
‫وللهادوية و الشافعي خلف وتفاصيل ل ينهض عليها دليل بل الحاديث قاضية بالتحريم مطلقا لوصل الشعر‬
‫واستيصاله كما هي قاضية بتحريم الوشم وسؤاله ودل اللعن أن هذه المعاصي من الكبائر‪.‬‬
‫هذا وقد علل الوشم في بعض الحاديث بأنه تغيير لخلق ال‪.‬‬
‫ول يقال إن الخضاب بالحناء ونحوه تشمله العلة وإن شملته فهو مخصوص بالجماع وبأنه قد وقع في عصره‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم بل أمر بتغيير بياض أصابع المرأة بالخضاب كما في قصة هند‪.‬‬
‫فأما وصل الشعر بالحرير ونحوه من الخرق فقال القاضي عياض‪ :‬اختلف العلماء في المسألة‪:‬‬
‫فقال مالك وال طبري وكثيرون أو قال الكثرون‪ :‬الو صل ممنوع ب كل ش يء سواء و صلته ب صوف أو حر ير أو‬
‫خرق‪ .‬واحتجوا بحديث مسلم عن جابر أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬زجر أن تصل المرأة برأسها شيئا"‪.‬‬
‫وقال الليث بن سعد‪ :‬النهي مختص بالوصل بالشعر ول بأس بوصله بصوف أو خرق وغير ذلك‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬يجوز بكل شيء وهو مروي عن عائشة ول يصح عنها‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬وأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما ل يشبه الشعر فليس بمنهي عنه لنه ليس بوصل ول‬
‫لمعنى مقصود من الوصل وإنما هو للتجمل والتحسين انتهى‪.‬‬
‫ومراده من المعنى المناسب هو ما في ذلك من الخداع للزوج فما كان لونه مغايرا للون الشعر فل خداع فيه‪.‬‬
‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم في ُأنَا سٍ وَ َهوَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫ضرْ تُ رَ سُو َ‬
‫ع ْنهَا قَالَ تْ‪" :‬حَ َ‬
‫ع نْ جُذامَ َة ِبنْ تِ وَهْ بٍ رض يَ ال َ‬ ‫وَ َ‬
‫شيْئا" ثمّ‬
‫ضرّ ذلكَ َأوْلدَهُمْ َ‬ ‫ظرْتُ في الرّومِ وَفارسَ فَإذا هُمْ ُيغِيلُونَ َأوْلدَهُمْ فَل ي ُ‬ ‫ن أ ْنهَى عَنِ ا ْلغِيلَ ِة َفنَ َ‬ ‫"لَ َق ْد َه َممْتُ أ ْ‬
‫خ ِفيّ" رَوَا ُه ُمسْلِمٌ‪.‬‬
‫ن ا ْل َعزْلِ فَقَالَ َرسُولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪" :‬ذلك الْوَأدُ ال َ‬ ‫سأَلُوهُ عَ ِ‬
‫(وعن جذامة بنت وهب رضي ال عنها) بضم الجيم وذال معجمة ويروى بالدال المهملة قيل وهو تصحيف هي‬
‫حضَرْ تُ‬ ‫أخت عكاشة بن محصن من أُمه هاجرت مع قومها وكانت تحت أنيس بن قتادة مصغر أنس‪( :‬قالت‪َ :‬‬
‫ن ا ْلغِيلَةِ) بكسر الغين المعجمة‬ ‫ل اللّ ِه صلى ال عليه وآله وسلم في أُنا سٍ وهو يقولُ‪ :‬لقَذ َه َممْ تُ أ نْ َأ ْنهَى عَ ِ‬ ‫رسو َ‬
‫شيْئا" ثم سألوه عن العزل‬ ‫ك أَوْلدَهُمْ َ‬ ‫فمثناة تحتية (فنَظرْتُ في الرّومِ وفارسَ فإذا هُمْ يُغيِلُونَ أوْلدَهُمْ فَل يُضرّ ذل َ‬
‫فقال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪" :‬ذلكَ ا ْلوَأدُ ا ْلخَ ِفيّ" رواه مسلم)‪.‬‬
‫اشت مل الحد يث على م سألتين‪" :‬الولى الغيلة" تقدم ضبط ها ويقال ل ها الغ يل بف تح الغ ين مع ف تح المثناة التح ية‬
‫والغيال بكسر الغين المراد بها مجامعة الرجل امرأته وهي ترضع كما قاله مالك والصمعي وغيرهما‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وقيل‪ :‬هي أن ترضع المرأة وهي حامل والطباء يقولون إن ذلك داء والعرب تكرهه وتتقيه ولكن النبي صلى‬
‫ال عل يه وآله و سلم رد علي هم وبيّن عدم الضرر الذي زع مه العرب والطباء بأن فار سا والروم تف عل ذلك ول‬
‫ضرر يحدث مع الولد‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬فإذا هم يغيلون" من أغال يغيل‪.‬‬
‫"والمسألة الثانية العزل" وهو بفتح العين المهملة وسكون الزاي وهو أن ينزع بعد اليلج لينزل خارج الفرج‪.‬‬
‫وهو يفعل لحد أمرين‪ :‬أما في حق المة فلئل تحمل كراهة لمجيء الولد من المة لنه مع ذلك يتعذر بيعها‬
‫وأما في حق الحرة فكراهة ضرر الرضيع إن كان أو لئل تحمل المرأة‪.‬‬
‫وقوله في جواب سؤالهم عنه‪" :‬أنه الوأد الخفي" دال على تحريمه لن الوأد دفن البنت حية‪.‬‬
‫وبالتحريم جزم ابن حزم محتجا بحديث الكتاب هذا‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬يجوز عن الحرة بإذنها وعن المة السرية بغير إذنها ولهم خلف في المة المزوّجة بحرّ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وحدييث الكتاب معارض بحديثيين‪ :‬الول عين جابر قال‪ :‬كانيت لنيا جوار وكنيا نعزل فقالت اليهود تلك‬
‫الموءودة الصغرى فسئل رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فقال‪" :‬كذبت اليهود ولو أراد‬
‫ال خلقه لم تستطع ردّه" أخرجه النسائي والترمذي وصححه‪.‬‬
‫والثا ني أخر جه الن سائي من حد يث أ بي هريرة نحوه قال الطحاوي‪ :‬والج مع ب ين الحاد يث‪ :‬بح مل الن هي في‬
‫حديث جذامة على التنزيه‪.‬‬
‫ورجح ابن حزم حديث جذامة وأن النهي فيه للتحريم بأن حديث غيرها مرجح لصل الباحة وحديثها مانع فمن‬
‫ادّعى أنه أبيح بعد المنع فعليه البيان‪.‬‬
‫ونوزع ابين حزم فيي دللة قوله صيلى ال علييه وآله وسيلم‪" :‬ذلك الوأد الخفيي" على الصيراحة بالتحرييم لن‬
‫التحريم للوأد المحقق الذي هو قطع حياة محققة والعزل وإن شبهه صلى ال عليه وآله وسلم به فإنما هو قطع‬
‫لما يؤدي إلى الحياة والمشبه دون المشبه به‪.‬‬
‫وإنما سماه وأدا لما تعلق به من قصد منع الحمل وأما علة النهي عن العزل فالحاديث دالة على أن وجهه أنه‬
‫معاندة للقدر وهو دال على عدم التفرقة بين الحرة والمة‪.‬‬
‫"فائدة" معال جة المرأة ل سقاط النط فة ق بل ن فخ الروح يتفرع جوازه وعد مه على الخلف في العزل و من أجازه‬
‫أجاز المعالجة ومن حرّمه حرّم هذا بالولى‪.‬‬
‫ويل حق بهذا تعا طي المرأة ما يق طع الحبَل من أ صله و قد أف تى ب عض الشافع ية بالم نع و هو مش كل على قول هم‬
‫بإباحة العزل مطلقا‪.‬‬
‫ع ْنهَا وَأ ْكرَ ُه أ نْ‬‫ل اللّ هِ إنّ لي جاريةً وَأنَا أعْزلُ َ‬ ‫عنْ هُ أنّ َرجُلً قالَ‪ :‬يَا ر سُو َ‬ ‫سعِيد الخدْريّ رضي اللّ هُ َ‬ ‫ن أبي َ‬ ‫ع ْ‬
‫وَ َ‬
‫صغْرَى؟ قالَ‪َ " :‬ك َذبَ تِ ا ْل َيهُودُ َلوْ َأرَادَ ال‬ ‫حدّ ثُ أَنّ ا ْل َعزْلَ ا ْل َموْءُودة ال ّ‬
‫حمِلَ وََأنَا أُريدُ مَا يُريدُ ال ّرجَالُ وإنّ ا ْل َيهُودَ َت َ‬ ‫َت ْ‬
‫طحَاويّ وَرجالُ ُه ثِقاتٌ‪.‬‬ ‫حمَدُ وََأبُو دَا ُودَ وَاللّ ْفظُ َلهُ وَال ّنسَائي وال ّ‬‫طعْتَ َأنْ َتصْرفَهُ" رَوَا ُه َأ ْ‬ ‫س َت َ‬
‫أنْ َيخْلُ َقهُ مَا ا ْ‬
‫ع ْنهَا وَأ ْكرَ هُ أ نْ‬
‫ع ْن هُ أنّ َرجُلً قالَ‪ :‬يَا ر سُولَ اللّ هِ إنّ لي جاريةً وَأنَا أعْزلُ َ‬ ‫سعِيد الخدْريّ رضي اللّ هُ َ‬ ‫ن أبي َ‬ ‫ع ْ‬‫(وَ َ‬
‫صغْرَى؟ قالَ‪َ " :‬ك َذبَ تِ ا ْل َيهُودُ َلوْ َأرَادَ ال‬ ‫حدّ ثُ أَنّ ا ْل َعزْلَ ا ْل َموْءُودة ال ّ‬
‫حمِلَ وََأنَا أُريدُ مَا يُريدُ ال ّرجَالُ وإنّ ا ْل َيهُودَ َت َ‬ ‫َت ْ‬
‫طحَاويّ وَرجالُ ُه ثِقاتٌ)‪.‬‬ ‫حمَدُ وََأبُو دَا ُودَ وَاللّ ْفظُ َلهُ وَال ّنسَائي وال ّ‬‫طعْتَ َأنْ َتصْرفَهُ" رَوَا ُه َأ ْ‬ ‫س َت َ‬
‫أنْ َيخْلُ َقهُ مَا ا ْ‬
‫الحد يث قد عارض حد يث الن هي وت سميته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم العزل الوأد الخ في و في هذا كذب اليهود في‬
‫تسميته الموءودة الصغرى‪.‬‬
‫وقد جمع بينهما بأن حديث النهي حمل على التنزيه وتكذيب اليهود لنهم أرادوا التحريم الحقيقي‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬لو أراد أن يخل قه يييي إلى آخره يييي معناه أ نه تعالى إذا قدّر خلق ن فس فل بد من خلق ها وأ نه‬
‫يسبقكم الماء فل تقدرون على دفعه ول ينفعكم الحرص على ذلك فقد يسبق الماء من غير شعور العازل لتمام ما‬
‫قدّره ال‪.‬‬
‫و قد أخرج أح مد والبزار من حد يث أ نس و صححه ا بن حبان‪" :‬أن رجلً سأل عن العزل فقال ال نبي صَلّى ال‬
‫عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لخرج ال منها ولدا" وله شاهدان في الكبير‬
‫للطبراني عن ابن عباس وفي الوسط له عن ابن مسعود‪.‬‬
‫عنْ هُ‬‫شيْئا ُينْهَى َ‬ ‫ن َينْزلُ وَلَ ْو كان َ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم وَالْ ُقرْآ ُ‬ ‫ع ْهدِ رَ سُو ِ‬ ‫ن جابرٍ قَالَ‪" :‬كُنّا َنعْزلُ عَلى َ‬ ‫ع ْ‬‫وَ َ‬
‫عنْهُ"‪.‬‬
‫ع ْنهُ ا ْل ُقرْآنُ" ُمتّ َفقٌ عََل ْيهِ‪ ،‬وَِل ُمسِْلمٍ‪َ " :‬فبَلَغَ ذلكَ نِبيّ اللّ ِه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم فَلمْ َي ْنهَنَا َ‬
‫َل َنهَانَا َ‬

‫‪31‬‬
‫(وعن جابر رضي ال عنه قال‪ :‬كنا نعزل على عهد صلى ال عليه وآله وسلم والقرآن ينزل لو كان شيء ُينْهى‬
‫عنه لنهانا عنه القرآن‪ .‬متفق عليه) إل أن قوله‪ :‬لو كان شيء ُينْهى عنه إلى آخره لم يذكره البخاري وإنما رواه‬
‫مسلم من كلم سفيان أحد رواته وظاهره أنه قاله استنباطا‪.‬‬
‫قال المصنف في الفتح‪ :‬تتبعت المسانيد فوجدت أكثر رواته عن سفيان ل يذكرون هذه الزيادة اهي‪.‬‬
‫وقد وقع لصاحب العمدة مثل ما وقع للمصنف هنا فجعل الزيادة من الحديث‪.‬‬
‫وشرحها ابن دقيق العيد واستغرب استدلل جابر بتقرير ال لهم‪( .‬ولمسلم) أي عن جابر (فبلغ ذلك نبيّ صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم فلم ينهنا عنه)‪.‬‬
‫فدل تقريره صلى ال عليه وآله وسلم لهم على جوازه وقد قيل‪ :‬إنه أراد جابر بالقرآن ما يقرأ أعم من المتعبد‬
‫بتلو ته أو غيره م ما يو حي إل يه فكأ نه يقول‪ :‬فعل نا في ز من التشر يع ولو كان حراما لم ن قر عل يه ق يل‪ :‬فيزول‬
‫استغراب ابن دقيق العيد إل أنه ل بد من علم النبي صلى ال عليه وآله وسلم بأنهم فعلوه‪.‬‬
‫والحديث دليل على جواز العزل ول ينافيه كراهة التنزيه كما دل له أحاديث النهي‪.‬‬
‫خ َرجَاهُ‬
‫حدٍ" َأ ْ‬
‫ن َيطُوفُ عَلى نِسَائِ ِه ِبغُسْلٍ وا ِ‬ ‫عنْ َأنَس بنِ مَالكٍ رضيَ اللّ ُه ع ْنهُ‪" :‬أَنّ النّبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫واللّ ْفظُ ِل ُمسِْلمٍ‪.‬‬
‫حدٍ"‬‫ن َيطُو فُ عَلى نِ سَائِ ِه ِبغُ سْلٍ وا ِ‬ ‫ن مَال كٍ رض يَ اللّ هُ ع ْن هُ‪" :‬أَنّ النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كا َ‬ ‫ع نْ أَنَس ب ِ‬ ‫(وَ َ‬
‫خ َرجَاهُ واللّ ْفظُ ِل ُمسِْلمٍ)‪.‬‬ ‫َأ ْ‬
‫تقدم الكلم عل يه في باب الغ سل وا ستدل به على أ نه لم ي كن الق سم ب ين ن سائه صلى ال عل يه وآله و سلم عل يه‬
‫واجبا‪.‬‬
‫وقال ابن العربي‪ :‬إنه كان للنبي صلى ال عليه وآله وسلم ساعة من النهار ل يجب عليه فيها القسم وهي بعد‬
‫العصر فإن اشتغل عنها كانت بعد المغرب‪.‬‬
‫وكأنه أخذه من حديث عائشة الذي أخرجه البخاري‪" :‬أنه صلى ال تعالى عليه وآله وسلم كان إذا انصرف من‬
‫العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن"‪.‬‬
‫فقولها‪ :‬فيدنو يحتمل أنه للوقاع إل أن في بعض رواياته من غير وقاع فهو ل يتم مأخذا لبن العربي‪.‬‬
‫وقد أخرج البخاري من حديث أنس‪" :‬أنه صلى ال عليه وآله وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله‬
‫يومئذ تسع نسوة"‪.‬‬
‫ول يتم أن يراد بالليلة بعد المغرب كما قاله لنه ل يتسع ذلك الوقت سيما مع النتظار لصلة العشاء لفعل ذلك‪.‬‬
‫كذا ق يل‪ :‬و هو مجرد ا ستبعاد وإل فالظا هر ات ساعه لذلك ف قد كان صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يؤ خر العشاء أو ل نه‬
‫أعطى قوّة في ذلك لم يعطها غيره‪.‬‬
‫والحديث دليل أنه كان ل يجب القسم عليه لنسائه وهو ظاهر قوله تعالى‪{ :‬ترجي من تشاء منهن} وذهب إليه‬
‫جماعة من أهل العلم‪.‬‬
‫والجمهور يقولون ي جب عل يه الق سم وتأولوا هذا الحد يث بأ نه كان يف عل ذلك بر ضا صاحبة النو بة وبأ نه يحت مل‬
‫فعله عند استيفاء القسم ثم يستأنف القسمة وبأنه يحتمل أنه فعل ذلك قبل وجوب القسم‪.‬‬
‫ن إحدى عشرة" ويجمع بين الروايتين بأن يحمل قول من‬ ‫وقوله‪" :‬وله يومئذ تسع نسوة" وفي رواية البخاري‪" :‬وه ّ‬
‫قال تسع نظرا إلى الزوجات التي اجتمعن عنده ولم يجتمع عنده أكثر من تسع وأنه مات عن تسع كما قال أنس‬
‫أخرجه الضياء عنه في المختارة‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬إحدى عشرة أدخل مارية القبطية وريحانة فيهن ويطلق عليهما لفظ نسائه تغليبا‪.‬‬
‫و في الحد يث دللة على أ نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان أك مل الرجال في الرجول ية ح يث كان له هذه القوّة و قد‬
‫أخرج البخاري أنه كان له قوّة ثلثين رجلً وفي رواية السماعيلي قوّة أربعين ومثله لبي نعيم في صفة الجنة‬
‫وزاد من رجال أهل الجنة‪.‬‬
‫وقد أخرج أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم‪" :‬إن الرجل في الجنة ليعطى قوّة مائة في‬
‫الكل والشرب والجماع والشهوة"‪.‬‬
‫باب الصداق‬
‫ال صداق بف تح ال صاد المهملة وك سرها مأخوذ من ال صدق لشعاره ب صدق رغ بة الزوج في الزو جة وف يه سبع‬
‫لغات وله ثمانية أسماء يجمعها قوله‪:‬‬
‫[شع] صداق ومهر نحلة وفريضة‬
‫‪32‬‬
‫حباء وأجر ثم عقر علئق[‪/‬شع]‬
‫وكان الصداق في شرع من قبلنا للولياء كما قال صاحب المستعذب على المذهب‪.‬‬
‫عتْ َقهَا صدَا َقهَا" ُمتّفقٌ عََليْهِ‪.‬‬
‫جعَلَ ِ‬‫ع َتقَ صَ ِفيّ َة َو َ‬
‫عنِ النْبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪َ" :‬أنّ ُه أَ ْ‬ ‫عنْهُ َ‬‫ن أَنسٍ رضيَ اللّهُ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫عتْ َقهَا صدَا َقهَا" ُمتّفقٌ عََل ْيهِ)‪.‬‬
‫جعَلَ ِ‬‫ع َتقَ صَ ِفيّةَ َو َ‬
‫ن النْبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪َ" :‬أنّهُ َأ ْ‬ ‫ع ْنهُ عَ ِ‬
‫ن أَنسٍ رضيَ اللّهُ َ‬ ‫(عَ ْ‬
‫هي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب من سبط هرون بن عمران كانت تحت ابن أبي الحقيق وقتل يوم‬
‫خيبر ووقعت صفية في السبي فاصطفاها رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم فأعتقها وتزوّجها وجعل عتقها صداقها‬
‫وماتت سنة خمسين وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫والحديث دليل على صحة جعل العتق صداقا‪ :‬أيّ عبارة وقعت تفيد ذلك‪ .‬وللفقهاء عّدة عبارات في كيفية العبارة‬
‫في هذا المعنى‪.‬‬
‫وذهب إلى صحة جعل العتق مهرا الهادوية و أحمد وإسحاق وغيرهم واستدلوا بهذا الحديث‪.‬‬
‫وذهب الكثر إلى عدم صحة جعل العتق مهرا وأجابوا عن الحديث بأنه صلى ال عليه وآله وسلم أعتقها بشرط‬
‫أن يتزوّجها فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوّجها بها‪.‬‬
‫ويرد هذا التأويل أنه في مسلم بلفظ‪" :‬ثم تزوّجها وجعل عتقها صداقها"‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أنه قال عبد العزيز راويه‪ :‬قال ثابت لنس بعد أن روى الحديث‪ :‬ما أصدقها؟ قال‪ :‬نَفْ سَها وأعتقها؛ فإنه‬
‫ظاهر أنه جعل نفس العتق صداقا‪.‬‬
‫وأما قول من قال إن هذا شيء فهمه أنس فعبر به ويجوز أن فهمه غير صحيح فجوابه أنه أعرف باللفظ وأفهم‬
‫له وقد صرح بأنه صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل العتق صداقا فهو راو لفعله صلى ال تعالى عليه‬
‫وآله وسيلم وحسين الظين بيه لثقتيه يوجيب قبول روايتيه للفعال كميا يجيب قبولهيا للقوال وإل لزم ر ّد القوال‬
‫والفعال إذ لم ينقل الصحابة اللفظ النبوي إل في شيء قليل وأكثر ما يروونه بالمعنى كما هو معروف ورواية‬
‫المعنى عمدتها فهمه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إنه لم يرفعه أنس بل قاله تظننا خلف ظاهر لفظه فإنه قال‪ :‬جعل يييي يريد النبي صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم يييي صداقها عتقها‪ .‬وقد أخرج الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية قالت‪" :‬أعتقني النبي صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم وجعل عتقي صداقي" وهو صريح فيما رواه أنس وأنه لم يقل ذلك‪ ،‬تظننا كما قيل‪.‬‬
‫وإنما خالف الجمهور الحديث وتأولوه قالوا لنه خالف القياس لوجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن عقدها على نفسها إما أن يقع قبل عتقها وهو محال وإما بعده وذلك غير لزم لها‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنا إن جعلنا العتق صداقا فإما يتقرر العتق حالة الرق وهو محال أيضا لتناقضهما أو حالة الحرية فليزم‬
‫سبقها على العقد فيلزم وجود العتق حال فرض عدمه وهو محال ل نّ الصداق ل بد أن يتقدّم تقرره على الزوج‬
‫إما نصا وإما حكما حتى تملك الزوجة طلبه ول يتأتى مثل ذلك في العتق فاستحال أن يكون صداقا‪.‬‬
‫وأجيب أولً‪ :‬أنه بعد صحة القصة ل يبالى بهذه المناسبات‪.‬‬
‫وثانيا‪ :‬بعد تسليم ما قالوه فالجواب عن الوّل يكون بعد العتق وإذا امتنعت من العقد لزمها السعاية بقيمتها ول‬
‫محذور في ذلك‪.‬‬
‫وعن الثاني بأن العتق منفعة يصح المعاوضة عنها والمنفعة إذا كانت كذلك صح العقد عليها مثل سكنى الدار‬
‫وخدمة الزوج ونحو ذلك‪.‬‬
‫وأما قول من قال إنّ ثواب العتق عظيم فل ينبغي أن يفوت بجعله صداقا وكان يمكن جعل المهر غيره‪.‬‬
‫فجوابه أنه صلى ال عليه وآله وسلم يفعل المفضول لبيان التشريع ويكون ثوابه أكثر من ثواب الفضل فهو في‬
‫حقه أفضل‪ .‬وأما جعل حديث عائشة في قصة جويرية مؤيدا لحديث صفية ولفظه‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قال‬
‫لجويرية لما جاءت تستعينه في كتابت ها‪ :‬هل لك أن أق ضي عنك كتابتك وأتزوّجك قالت‪ :‬قد فعلت" أخر جه أ بو‬
‫داود‪.‬‬
‫فل يخفى أنه ليس فيه تعرض للمهر ول غيره فليس مما نحن فيه‪.‬‬
‫صدَاقُ رَسُول‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْنهَا‪ :‬كَمْ كا َ‬‫عنْهُ َأّن ُه قالَ‪" :‬سأَلْتُ عَا ِئشَةَ َرضِيَ اللّهُ َ‬ ‫ن رَضي اللّهُ َ‬ ‫ع ْبدِ ال ّرحْم ِ‬ ‫ن أَبي سََلمَةَ ب نِ َ‬
‫عْ‬ ‫وَ َ‬
‫عشَرة أُو ِقيّةً َو َنشّا‪ ،‬قالَ تْ‪َ :‬أ َتدْري مَا النّشّ؟ قالَ‪:‬‬ ‫ج هِ ا ِثنْ تي َ‬ ‫ن صَدَاقُهُ لزْوَا ِ‬ ‫ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم؟ قالَ تْ‪ :‬كَا َ‬
‫ج هِ" رَوَا هُ‬ ‫سمِائَ ِة ِدرْهَ مٍ؛ َفهَذا صَداقُ رَ سُولِ اللّ ُه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لزْوَا ِ‬ ‫خمْ ُ‬
‫صفُ أُوقِيّةٍ‪َ ،‬فتِل كَ َ‬ ‫قلْ تُ‪ :‬ل قالَ تْ‪ :‬نِ ْ‬
‫ُمسْلمٌ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫(وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي ال عنه) هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي أحد‬
‫الفقهاء السبعة المشهورين بالفقه بالمدينة في قول من مشاهير التابعين وأعلمهم يقال إن اسمه كنيته‪.‬‬
‫وهو كثير الحديث واسع الرواية سمع عن جماعة من الصحابة وأخذ عنه جماعة مات سنة أربع وسبعين وقيل‬
‫أربع ومائة وهو في سبعين سنة (قال‪ :‬سألت عائشة زوج النبي صلى ال عليه تعالى وعلى آله وسلم‪ :‬كم صداق‬
‫ر سول ال صلى ال تعالى عل يه وعلى آله و سلم؟ قالت‪ :‬كان صداقه لزوا جه اثن تي عشرة أوق ية) ب ضم الهمزة‬
‫وتشد يد المثناة التحت ية (و َنشّا) بف تح النون وش ين معج مة مشددة‪( .‬قالت‪ :‬أتدري ما النّ شُ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬ل‪ .‬قالت‪:‬‬
‫نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم فهذا صداق رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم لزواجه‪ .‬رواه مسلم)‪.‬‬
‫المراد في الحديث أوقية الحجاز وهي أربعون درهما وكان كلم عائشة هذا بناء على الغلب وإل فإن صداقها‬
‫هذا المقدار وأم حبي بة أ صدقها النجا شي عن ال نبي صلى ال عل يه وآله و سلم بأرب عة آلف در هم وأرب عة آلف‬
‫دينار إل إنه كان تبرعا منه إكراما لرسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم ولم يكن عن أمره صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪.‬‬
‫وقد استحب الشافعية جعل المهر خمسمائة درهم تأسيا‪.‬‬
‫وأما أقل المهر الذي يصح به العقد فقد قدّمناه أما أكثره فل حدّ له إجماعا قال تعالى‪{ :‬واتيتم إحداهن قنطارا}‪.‬‬
‫والقنطار ق يل إ نه ألف ومائ تا أوق ية ذهبا وق يل ملء م سك ثور ذهبا وق يل سبعون ألف مثقال وق يل مائة ر طل‬
‫ذهبا‪.‬‬
‫و قد كان أراد ع مر ق صر أكثره على قدر مهور أزواج ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ورد الزيادة إلى ب يت المال‬
‫وتكلم به في الخطبة فردّت عليه امرأة محتجة بقوله تعالى‪{ :‬واتيتم إحداهن قنطارا} فرجع وقال‪ :‬كلكم أفْقَه من‬
‫عمر‪.‬‬
‫عنْدي‬ ‫شيْئا" قالَ‪ :‬مَا ِ‬ ‫طهَا َ‬ ‫عِ‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪" :‬أَ ْ‬ ‫ي فَاطمةَ قالَ لهُ رسو ُ‬ ‫س قالَ‪ :‬لمّا تَزوّجَ عَل ّ‬ ‫عبّا ٍ‬ ‫عنِ ابنِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ححَهُ الحا ِكمُ‪.‬‬ ‫صّ‬‫ط ِميّةُ؟" رَوَاهُ َأبُو دا ُودَ وال ّنسَائيّ َو َ‬ ‫حَ‬ ‫عكَ ال ُ‬ ‫ن ِدرْ ُ‬‫شيءٌ‪ ،‬قالَ‪َ " :‬فأَيْ َ‬
‫(وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬لما تزوّج عَليّ فاطمَة رضي ال عنها)‪.‬‬
‫هي سيدة نساء العالمين تزوّجها علي رضي ال عنه في السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان وبنى عليها‬
‫في ذي الحجة ولدت له الحسن والحسين والمحسن وزينب ورقية وأم كلثوم وماتت بالمدينة بعد موته صلى ال‬
‫عل يه وآله و سلم بثل ثة أش هر و قد ب سطنا ترجمت ها في الرو ضة الند ية (قال له ر سول ال صلى ال عل يه وآله‬
‫طمِيّةُ؟") بضم الحاء المهملة وفتح الطاء نسبة إلى‬ ‫حَ‬
‫طهَا شيّئا" قال‪ :‬ما عندي شيء قال‪" :‬فَأيْنَ ِدرْعُكَ ا ْل ُ‬ ‫عِ‬‫وسلم‪" :‬أ ْ‬
‫حطمة من محارب بطن من عبد القيس كانوا يعملون الدروع (رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم)‪.‬‬
‫فيه دليل على أنه ينبغي تقديم شيء للزوجة قبل الدخول بها جبرا لخاطرها وهو المعروف عند الناس كافة ولم‬
‫يذكر في الرواية هل أعطاها درعه المذكور أو غيرها‪.‬‬
‫وقد وردت روايات في تعيين ما أعطى عليّ فاطمة رضي ال عنهما إل أنها غير مسندة‪.‬‬
‫ل اللّهِ صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪َ" :‬أ ّيمَا ا ْمرَأَةٍ‬ ‫ع ْن ُهمَا قالَ‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫جدّه رضي اللّهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ش َعيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫عمْرو ب ِ‬ ‫عنْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫عطِيَ هُ‪،‬‬ ‫صمَة النّكاح َفهُوَ ِل َم نْ ُأ ْ‬ ‫ن َب ْعدَ عِ ْ‬ ‫صمَةِ النّكا حِ َفهُ َو لَهَا‪ ،‬وَمَا كا َ‬ ‫ع َدةٍ َقبْلَ عِ ْ‬ ‫حبَاءٍ أَوّ ِ‬ ‫ق أَ ْو ِ‬
‫َن َكحَ تْ عَلى صَدا ٍ‬
‫ختُهُ" رَوَاهُ َأحْمدُ وال ْربَعَ ُة إل الت ْر ِم ِذيّ‪.‬‬ ‫حقّ مَا ُأكْرمَ ال ّرجُلُ عََليْ ِه ا ْب َنتُ ُه أَ ْو ُأ ْ‬ ‫وََأ َ‬
‫(وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪َ" :‬أ ّيمَا ا ْمرَأَةٍ نكحَتْ عَلى‬
‫عدَةٍ)‬‫حبَاءٍ) بكسر الحاء المهملة فموحدة فهمزة ممدودة العطية للغير أو للزوجة زائد على مهرها (أوْ ِ‬ ‫صَداق أوْ ِ‬
‫صمَ ِة ال ّنكَاح‬ ‫ن ب ْعدَ عِ ْ‬‫صمَةِ النّكاح َفهُوَ َلهَا ومَا كا َ‬ ‫بكسر الع ين المهملة ما و عد به الزوج وإن لم يح ضر ( َقبْلَ عِ ْ‬
‫ختُهُ" رواه أحمد والربعة إل الترمذي)‪.‬‬ ‫حقّ مَا ُأكْرمَ ال ّرجُلُ عَلْيهِ ا ْب َنتُهُ أ ْو ُأ ْ‬ ‫طيَهُ وَأ َ‬ ‫عِ‬ ‫َفهُ َو ِلمَنْ ُأ ْ‬
‫الحديث دليل على أن ما سماه الزوج قبل العقد فهو للزوجة‪ .‬وإن كان تسميته لغيرها من أب وأخ كذلك ما كان‬
‫عند العقد وفي المسألة خلف‪.‬‬
‫فذهب إلى ما أفاده الحديث‪ :‬الهادي ومالك وعمر بن عبد العزيز والثوري‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الشرط لزم لمن ذكر من أخ أو أب والنكاح صحيح‪.‬‬
‫وذهب الشافعي إلى أن تسمية المهر تكون فاسدة ولها صداق المثل‪.‬‬
‫وذ هب مالك إلى أ نه إن كان الشرط ع ند الع قد ف هو لبن ته وإن كان ب عد النكاح ف هو له قال في نها ية المجت هد‪:‬‬
‫"وسبب اختلفهم تشبيه النكاح في ذلك بالبيع‪ ،‬فمن شبهه بالوكيل ببيع السلعة وشرط لنفسه حباء قال‪ :‬ل يجوز‬
‫النكاح ك ما ل يجوز الب يع‪ .‬و من ج عل النكاح في ذلك مخالفا للب يع قال‪ :‬يجوز وأ ما تفر يق مالك فل نه اته مه إذا‬

‫‪34‬‬
‫كان الشرط في ع قد النكاح أن يكون ذلك اشتراط لنف سه نق صانا على صداق مثل ها ولم يته مه إذا كان ب عد انعقاد‬
‫النكاح والتفاق على الصداق" انتهى وإنما علل ذلك بما سمعت ولم يذكر الحديث لن فيه مقالً‪.‬‬
‫هذا وأما ما يعطي الزوج في العرف مما هو للتلف كالطعام ونحوه فإن شرط في العقد كان مهرا وما سلم قبل‬
‫العقد كان إباحة فيصح الرجوع فيه مع بقائه إذا كان في العادة يسلم للتلف وإن كان يسلم للبقاء رجع في قيمته‬
‫بعد تلفه إل أن يتمنعوا من تزويجه رجع بقيمته في الطرفين جميعا‪.‬‬
‫وإذا ما تت الزو جة أو امت نع هو من التزو يج كان له الرجوع في ما ب قي وفي ما سلم للبقاء وفي ما تلف ق بل الو قت‬
‫الذي يعتاد التلف فيه‪ .‬ل فيما عدا ذلك وفيما سلمه بعد العقد هبة أو هدية على حسب الحال أو رشوة إن لم تسلم‬
‫الزو جة وكان مشروطا مع الع قد ل صغيره وفعيل ذلك جاز التناول م نه لمين يعتاد لمثله كالقرا بة وغيرهيم لن‬
‫الزوج إنما شرطه وسلمه ليفعل ذلك ل ليبقى ملكا للزوج والعرف معتبر في هذا‪.‬‬
‫صدَاقا وَلَ مْ َي ْدخُلْ بهَا حَتى مَا تَ؟‬ ‫ن َرجُلٍ َتزَوّج ا ْمرَأَةً وَلَ ْم يَفْر ضْ َلهَا َ‬ ‫سئِلَ عَ ْ‬ ‫سعُودٍ‪َ" :‬أّن هُ ُ‬
‫ع نِ ابن مَ ْ‬
‫ع نْ عَلْ َقمَةَ َ‬‫وَ َ‬
‫سنَانٍ‬ ‫شطَ طَ‪ ،‬وَعََليْهَا ا ْل ِعدّةُ وَلَهَا المِيرَا ثُ‪ ،‬فَقَا مَ َمعْقِلُ ب نُ ِ‬
‫سعُودٍ‪ :‬لَهَا ِمثْلُ صَداقِ ن سَائهَا ل َوكْ سَ وَل َ‬ ‫فَقَالَ اب نُ مَ ْ‬
‫ج ِعيّ فَقَالَ‪ :‬قَضَى رسُولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم في بَرْوَعَ ِبنْتِ وَاشِقٍ يييي ا ْمرَأَةٍ ِمنّا يييي ِمثْلَ مَا‬ ‫شَ‬‫ال ْ‬
‫جمَاعَةٌ‪.‬‬
‫سنَ ُه َ‬‫حّ‬ ‫ححَ ُه التّرمذيّ َو َ‬ ‫صّ‬
‫ح َمدُ وَالرْ َبعَةُ َو َ‬
‫سعُودٍ" رَوَاهُ َأ ْ‬‫ضيْتَ‪ ،‬فَفَرحَ بها ابنُ َم ْ‬ ‫َق َ‬
‫(وعن علقمة) أي ابن قيس أبي شبل بن مالك من بني بكر بن النخع روى عن عمر وابن مسعود وهو تابعي‬
‫سئِلَ‬
‫جليل اشتهر بحديث ابن مسعود وصحبته وهو عم السود النخعي مات سنة إحدى وستين (عن ابن مسعود ُ‬
‫ت فقال ابن مسعود‪ :‬لها مثل صداقِ نِسائِها ل‬ ‫ن َرجُلٍ َتزَوّجَ امرأَ ًة ولم يَفْرضْ لها صَداقا ولم َي ْدخُلْ بها حتى ما َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َوكْ سَ) بفتح الواو وسكون الكاف وسين مهملة هو النقص أي ل ينقص من مهر نسائها (ول شَطَ طَ) بفتح الشين‬
‫ث فقام‬ ‫وبالطاء المهملة وهو الجور أي ل يجار على الزوج بزيادة مهرها على نسائها (وعليها ال ِعدّةُ ولها الميرا ُ‬
‫معقيل) بفتيح المييم وسيكون العيين المهملة وكسير القاف (ابين سينان) بكسير السيين المهملة فنون فألف فنون‬
‫(الشجعي) بفتح الهمزة وشين معجمة ساكنة ومعقل هو أبو محمد شهد فتح مكة ونزل الكوفة‪ .‬وحديثه في أهل‬
‫الكوفية وقتيل يوم الحرة صيبرا (فقال‪ :‬قضيى رسيول ال ص َيلّى ال عََليْه ِي وَس َيلّم فيي َبرْوَع) بفتيح الباء الموحدة‬
‫ت وا شق) بواو مفتو حة فألف فش ين معج مة فقاف (امرأة م نا) بك سر‬ ‫و سكون الراء وف تح الواو فع ين مهملة ( ِبنْ ِ‬
‫الميم فنون مشددة فألف (مثل ما قضيت ففرح بها ابن مسعود‪ .‬رواه أحمد والربعة وصححه الترمذي وحسنه‬
‫جماعة) منهم ابن مهدي وابن حزم وقال‪ :‬ل مغمز فيه لصحة إسناده ومثله قال البيهقي في الخلفيات‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ل أحفظه من وجه يثبت مثله وقال‪ :‬لو ثبت حديث بروع لقلت به‪ .‬وقال في الم‪ :‬إن كان يثبت‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فهو أول المور ول حجة في أحد دون رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم وإن كبر ول شيء في قوله إل طاعة ال بالتسليم له ولم أحفظه عنه من وجه يثبت مثله‪.‬‬
‫مرة يقال عن معقل بن سنان ومرة عن معقل بن يسار ومرة عن بعض أشجع ول يسمى‪.‬‬
‫هذا تضعيف الشافعي بالضطراب وضعفه الواقدي بأنه حديث ورد إلى المدينة من أهل الكوفة فما عرفه أهل‬
‫المدينة‪.‬‬
‫ل على عقبيه‪.‬‬ ‫وقد روي عن عليّ رضي ال عنه أنه رده بأن معقل بن سنان أعرابي بَوّا ٌ‬
‫وأجيب بأن الضطراب غير قادح لنه متردد بين صحابي وصحابي وهذا ل يطعن به في الرواية وعن بعض‬
‫أشجع فل يضر أيضا لنه قد فسر ذلك البعض بمعقل فقد تبين أن ذلك البعض صحابي‪.‬‬
‫وأما عدم معرفة علماء المدينة له فل يقدح بها مع عدالة الراوي‪.‬‬
‫وأما الرواية عن علي رضي ال عنه فقال في البدر المنير‪ :‬لم يصح عنه‪.‬‬
‫وقد روى الحاكم من حديث حرملة بن يحيى أنه قال‪ :‬سمعت الشافعي يقول‪ :‬إن صح حديث بروع بنت واشق‬
‫قلت به‪ .‬قال الحاكم‪ :‬قلت‪ :‬صح فقل به‪.‬‬
‫وذكر الدارقطني الختلف فيه في العلل ثم قال‪ :‬وأنسبها إسنادا حديث قتادة إل أنه لم يحفظ اسم الصحابي قلت‪:‬‬
‫ل ي ضر جهالة ا سمه على رأي المحدث ين‪ .‬و ما قال الم صنف من أن لحد يث بروع شاهدا من حد يث عق بة بن‬
‫عا مر أن ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم زوج امرأة رجلً فد خل ب ها ولم يفرض ل ها صداقا فحضر ته الوفاة‬
‫فقال‪ :‬أشهدكم أن سهمي بخيبر لها‪ .‬أخرجه أبو داود والحاكم‪.‬‬
‫فل يخ فى أن ل شهادة له على ذلك لن هذا في امرأة د خل ب ها زوج ها ن عم ف يه شا هد أ نه ي صح النكاح بغ ير‬
‫تسمية والحد يث دليل على أن المرأة ت ستحق كمال المهر بالموت وإن لم يسم لها الزوج ول د خل بها وتستحق‬
‫مهر مثلها‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫وفي المسألة قولن‪:‬‬
‫الول‪ :‬العمل بالحديث وأنها تستحق المهر كما ذكر وقول[اث] ابن مسعود[‪/‬اث] اجتهاد موافق الدليل وقول أبي‬
‫حنيفة وأحمد وآخرين والدليل الحديث وما طعن به فيه قد سمعت دفعه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ل تستحق إل الميراث لعلي وابن عباس وابن عمر والهادي ومالك وأحد قولي الشافعي رحمه ال قالوا‪:‬‬
‫لن الصداق عوض فإذا لم يستوف الزوج المعوّض عنه لم يلزم قياسا على ثمن المبيع قالوا‪ :‬والحديث فيه تلك‬
‫المطاعن قلنا‪ :‬المطاعن قد دفعت فنهض الحديث للستدلل فهو أولى من القياس‪.‬‬
‫عطَى في صَداقِ ا ْمرَأَ ٍة سَويقا‬ ‫ع ْن ُهمَا أنّ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم قال‪" :‬مَن أَ ْ‬ ‫ع ْبدَ ال رضيَ اللّ هُ َ‬ ‫عنْ جابر ب نِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫خ َرجَهُ َأبُو دَاودَ وَأشَارَ إلى َت ْرجِيحِ َوقْفِهِ‪.‬‬ ‫س َتحَلّ" َأ ْ‬
‫َأوْ َتمْرا فَ َقدِ ا ْ‬
‫عطَى في صَدَاقِ ا ْمرَأَةٍ سَويقا)‬ ‫ن أَ ْ‬‫(وعن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما أن النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم قال‪" :‬مَ ْ‬
‫هو دق يق الق مح المقلو أو الذرة أو الشع ير أو غير ها (أو تمرا ف قد ا ستحل"‪ .‬أخر جه أ بو داود وأشار إلى ترج يح‬
‫وقفه)‪ .‬وقال المصنف في التلخيص‪ :‬فيه[ تض] موسى بن مسلم بن رومان[‪/‬تض] وهو ضعيف وروي موقوفا‬
‫وهو أقوى انتهى‪.‬‬
‫فكان عليه أن يشير إلى أن فيه ضعفا على عادته وأخرجه الشافعي بلغا‪.‬‬
‫والحديث دليل على أنه يصح كون المهر من غير الدراهم والدنانير وأنه يجزي مطلق السويق والتمر وظاهره‬
‫وإن قل‪ .‬وتقدّمت أقاويل العلماء في قدر أقل المهر في شرح حديث الواهبة نفسها‪.‬‬
‫ح ا ْمرَأَةٍ‬
‫عنْ هُ‪" :‬أَنّ النّبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أَجازَ نكا َ‬ ‫ع نْ أَبي ِه رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ن رَبيعةَ َ‬ ‫ع ْبدِ اللّ ِه ب نِ عامر ب ِ‬ ‫ع نْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ححَهُ َوخُوِلفَ في ذلكَ‪.‬‬ ‫صّ‬ ‫خ َرجَهُ ال ّت ْر ِم ِذيّ َو َ‬
‫عَلى َنعَْليْنِ" َأ ْ‬
‫(وعن عبد ال بن عامر بن ربيعة" العنزي بفتح العين وسكون النون وبالزاي في نسبه خلف كثير قبض النبي‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم وهو في أربع سنين أو خمس‪ .‬مات عبد ال المذكور سنة خمس وثمانين وقيل سنة‬
‫ت سعين ( عن أب يه‪ :‬أن ال نبي صلى ال عل يه وآله و سلم أجاز نكاح امرأة على نعل ين‪ .‬أخر جه الترمذي و صححه‬
‫وخولف) أي الترمذي ( في ذلك) أي في الت صحيح‪ .‬ل فظ الحد يث‪ :‬أن امرأة من ب ني فزارة تزو جت على نعل ين‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬رضيت من نفسك ومالك بنعلين" قالت‪ :‬نعم فأجازه‪.‬‬
‫والحديث دليل على صحة جعل المهر أي شيء له ثمن وقد أسلف أن كل ما صح جعله ثمنا صح جعله مهرا‬
‫وفيه مأخذ لما ورد في غيره من أنها ل تتصرف المرأة في مالها إل برأي زوجها‪.‬‬
‫خرَجَ هُ‬‫ج النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم رجُلً ا ْمرَأَ ًة بخاتَم ِم نْ حدَيد" َأ ْ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪" :‬زَوّ َ‬
‫س ْعدِ رضي اللّ هُ َ‬ ‫سهْلِ ب نِ َ‬ ‫ع نْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ل المتقدّم في أَوائِلِ النّكاحِ‪.‬‬ ‫ن الحديثِ الطّوي ِ‬ ‫طرَفٌ مِ َ‬ ‫الحا ِكمُ‪ ،‬وَهُ َو َ‬
‫(وعن سهل بن سعد رضي ال عنه قال‪ :‬زوّج النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم رجلً امرأة بخاتم من حديد‪ .‬أخرجه‬
‫الحاكم)‪.‬‬
‫قد تقدم حديث سهل في الواهبة نفسها بطوله وفيه أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أمر من خطبها أن يلتمس ولو خاتما‬
‫من حديد فلم يجده فزوّ جه إياها على تعليم ها شيئا من القرآن فإن كان هذا هو ذلك الحديث فلم ي تم جعل الم هر‬
‫خاتما من حديد كما عرفت وإن أريد غيره فيحتمل وهو بعيد لقول المصنف (وهو طرف من الحديث الطويل‬
‫المتقدم فيي أوائل النكاح) وعلى تقديير أنيه أرييد ذلك الحدييث فتأويله أنيه ص َيلّى ال عََليْهِي وَس َيلّم أذن فيي جعيل‬
‫الصداق خاتما من حديد وإن لم يتم العقد عليه‪.‬‬
‫س َندِهِ‬‫خ َرجَ ُه الدارَ ُقطْنيّ م ْوقُوفا و في َ‬ ‫شرَةِ َدرَاهِ مَ" َأ ْ‬‫عَ‬
‫عنْ ُه قالَ‪" :‬ل َيكُو نُ ال َم ْهرُ َأقَلّ مِ نْ َ‬ ‫ع نْ عل يَ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫وَ َ‬
‫مَقَالٌ‪.‬‬
‫(و عن عل يّ ر ضي ال ع نه قال‪ :‬ل يكون الم هر أ قل من عشرة درا هم‪ .‬أخر جه الدارقط ني موقوفا و في سنده‬
‫مقال) أي موقوف على عليّ رضي ال عنه‪.‬‬
‫وقد روي من حديث جابر مرفوعا ولم يصح‪.‬‬
‫والحدييث معارض للحادييث المتقدمية المرفوعية الدالة على صيحة أي شييء يصيح جعله مهرا كميا عرفيت‪.‬‬
‫والمقال الذي في الحديث هو أن فيه مبشر بن عبيد قال أحمد‪ :‬كان يضع الحديث‪.‬‬
‫خ َرجَهُ َأبُو‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ َرسُولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬خَ ْيرُ الصّداقِ َأ ْيسَرُهُ" َأ ْ‬ ‫عنْ عُ ْق َبةَ بنِ عَا ِمرٍ رَضي اللّهُ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ححَ ُه الحاكمُ‪.‬‬ ‫صّ‬ ‫دَاودَ َو َ‬
‫خ َرجَ هُ‬ ‫خيْرُ ال صّداقِ َأيْ سَرُهُ" َأ ْ‬‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪َ " :‬‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ رَ سُو ُ‬
‫ع نْ عُ ْقبَ َة ب نِ عَا ِمرٍ رَضي اللّ هُ َ‬ ‫(وَ َ‬
‫ححَهُ الحاكمُ‪.‬‬ ‫صّ‬‫َأبُو دَاودَ َو َ‬
‫‪36‬‬
‫ف يه دللة على استحباب تخف يف الم هر وأن غير الي سر على خلف ذلك وإن كان جائزا كما أشارت إل يه ال ية‬
‫الكريم في قوله‪{ :‬واتيتم إحداهن قنطارا من ذهب} وتقدم أن عمر نهى عن المغالة في المهور فقالت امرأة‪ :‬ليس‬
‫ذلك إليك يا عمر إن ال يقول‪{ :‬واتيتم إحداهن قنطارا من ذهب}‪.‬‬
‫قال[اث] عمر[‪/‬اث]‪ :‬امرأة خاصمت عمر فخصمته‪ .‬أخرجه عبد الرزاق‪.‬‬
‫وقوله في الرواية‪ :‬من ذهب هي قراءة ابن مسعود وله طرق بألفاظ مختلفة وتحتمل أن الخيرية بركة المرأة ففي‬
‫لحديث "أبركهن أيسرهن مؤنة"‪.‬‬
‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم حين ُأ ْدخِلَ تْ‬ ‫ن رَ سُو ِ‬ ‫ت مِ ْ‬‫ت الجَوْ نِ َت َع ّوذَ ْ‬ ‫ع ْمرَ َة بنْ َ‬
‫ن عا ِئشَةَ رضي اللّ ُه عنها‪َ :‬أنّ َ‬ ‫ع ْ‬‫وَ َ‬
‫ن مَاجَ هْ وفي‬ ‫خرَجَهُ اب ُ‬‫ت بمعَاذٍ" َفطَلّ َقهَا وََأمَ َر أُسَامَةَ َف َم ّت َعهَا بثلث ِة َأثْوابٍ‪َ ،‬أ ْ‬‫عذْ ِ‬ ‫جهَا) فَقَال‪" :‬لَ َقدْ ُ‬‫عََليْ ِه ( َتعْني لمّا َتزَ ّو َ‬
‫ع ِديّ‪.‬‬
‫ن حَديثِ أبي أسيدٍ السّا ِ‬ ‫ح مِ ْ‬‫سنَادِهِ رَا ٍو َم ْترُوكٌ‪ .‬وأصْلُ ال ِقصّ ِة في الصّحي ِ‬ ‫إْ‬
‫(و عن عائ شة ر ضي ال عن ها أن عمرة ب نت الجوْن) بف تح الج يم و سكون الواو فنون (تعوّذت من ر سول ال‬
‫ت بمعَاذٍ) بف تح‬ ‫عذْ ِ‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم وآله ح ين أُدخلت عل يه يييي تع ني ل ما تزوج ها يييي فقال‪" :‬لَ َقدْ ُ‬
‫الميم ما يستعاذ به (فطلقها وأمر أُسامة فمتعها بثلثة أثواب‪ .‬أخرجه ابن ماجه وفي إسناده راوه متروك‪ .‬وأصل‬
‫القصة في الصحيح من حديث أبي أسيد الساعدي)‪.‬‬
‫وقد سماها في الحديث عمرة ووقع مع ذلك اختلف في اسمها ونسبها كثير لكنه ل يتعلق به حكم شرعي‪.‬‬
‫واختلف في سبب تعوذها منه ففي رواية أخرجها ابن سعد‪ :‬أنه صلى ال عليه وآله وسلم لما دخل عليها وكانت‬
‫من أج مل الن ساء فدا خل ن ساءه صلى ال تعالى عل يه و سلم غيرة‪ ،‬فق يل ل ها‪ :‬إن ما تح ظى المرأة ع ند ر سول ال‬
‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم أن تقول إذا دخلت عليه أعوذ بال منك"‪.‬‬
‫و في روا ية أخرج ها ا بن سعد أيضا بإ سناد البخاري‪" :‬إن عائ شة وحف صة دخل تا علي ها أول ما قد مت مشطتا ها‬
‫وخضبتا ها وقالت ل ها إحداه ما‪ :‬إن ال نبي صلى ال تعالى عل يه و سلم يعج به من المرأة إذا د خل علي ها أن تقول‬
‫أعوذ بال منك" وقيل في سببه غير ذلك‪.‬‬
‫والحديث دليل على شرعية المتعة للمطلقة قبل الدخول واتفق الكثر على وجوبها في حق من لم يُس ّم لها صداقا‬
‫إل عن الليث ومالك وقد قال تعالى‪{ :‬ل جناح عليكم إن طلقتم النساء}‪.‬‬
‫وظاهر المر الوجوب‪.‬‬
‫ن قال‪ :‬هو على الزوج‬ ‫وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس قال‪" :‬المس النكاح والفريضة الصداق ومتعوه ّ‬
‫يتزوّج المرأة ولم ي سم ل ها صداقا ثم يطلق ها ق بل أن يد خل ب ها‪ ،‬فأمره ال أن يمتع ها على قدر ع سره وي سره‬
‫يييي الحديث"‪.‬‬
‫وقد أخرج عنه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم‪" :‬متعة الطلق أعلها الخادم ودون ذلك الورق ودون ذلك‬
‫الكسوة"‪.‬‬
‫نعم هذه المرأة التي متعها صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يحتمل أنه لم يسم لها صداقا فمتعها كما قضت به الية ويحتمل‬
‫أنه كان سمى لها فمتعها إحسانا منه وفضلً‪.‬‬
‫وأما تمتيع من لم يسم الزوج لها مهرا ودخل بها ثم فارقها فقد اختلف في ذلك‪.‬‬
‫فذهب[اث] علي[‪/‬اث] و[اث]عمر[‪/‬اث] والشافعي إلى وجوبها أيضا بقوله تعالى‪{ :‬وللمطلقات متاع بالمعروف}‪.‬‬
‫وذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه ل يجب إل مهر المثل ل غير‪ .‬قالوا‪ :‬وعموم الية مخصوص بمن لم يكن قد‬
‫دخل بها والذي خصّه الية الخرى التي أوجب فيها المتعة لنه شرط فيها عدم المس وهذا قد مس‪.‬‬
‫وأما قوله تعالى‪{ :‬فتعالين أمتعكن} فإنه يحتمل نفقة العدّة ول دليل مع الحتمال‪.‬‬
‫هذا وقد سبقت إشارة إلى أن الليث ل يقول بوجوب المتعة مطلقا واستدل له بأنها لو كانت واجبة لكانت مقدرة‬
‫ودفع بأن نفقة القريب واجبة ول تقدير لها‪.‬‬
‫باب الوليمة‬
‫الوليمة مشتقة من الوَلْم بفتح الواو وسكون اللم وهو الجمع لن الزوجين يجتمعان قاله الزهري وغيره والفعل‬
‫منها أولم‪ ،‬تقع على كل طعام يتخذ لسرور حادث ووليمة العرس ما يتخذ عند الدخول وما يتخذ عند الملك‪.‬‬
‫عوْ فٍ َأثَر صُ ْفرَةٍ‬ ‫ع ْب ِد الرّحْمن ب نِ َ‬‫عَ نْ َأنَ سٍ ب نِ مَالِ كٍ رَض يَ اللّ هُ عنْ هُ أنّ النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم رَأَى على َ‬
‫ك أَوْلِ مْ وََلوْ‬
‫ن ذَهَ بٍ‪ ،‬قَالَ‪" :‬بَارَ كَ اللّ ُه ل َ‬
‫ت ا ْمرَأَةً عَلى وزن نَوَاةٍ ِم ْ‬ ‫فَقَالَ‪ " :‬ما هَذا؟" قالَ‪ :‬يا رَ سُولَ اللّ ِه إني َتزَ ّوجْ ُ‬
‫بشَاةٍ" ُمتّ َفقٌ عََليْهِ والل ْفظُ ل ُمسْلمٍ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫عوْ فٍ َأثَر صُ ْفرَ ٍة‬ ‫ع ْبدِ ال ّرحْمن ب نِ َ‬
‫ن َأنَ سٍ ب نِ مَالِ كٍ رَض يَ اللّ ُه عنْ هُ أنّ النّبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم رَأَى على َ‬ ‫(عَ ْ‬
‫ك أَوْلِ مْ وََلوْ‬
‫ن ذَهَ بٍ‪ ،‬قَالَ‪" :‬بَارَ كَ اللّ ُه ل َ‬
‫ت ا ْمرَأَةً عَلى وزن نَوَاةٍ ِم ْ‬
‫فَقَالَ‪ " :‬ما هَذا؟" قالَ‪ :‬يا رَ سُولَ اللّ ِه إني َتزَ ّوجْ ُ‬
‫بشَاةٍ" ُمتّ َفقٌ عََليْهِ والل ْفظُ ل ُمسْلمٍ)‪.‬‬
‫جاء في الروايات بيان الصفرة بأنها ردغ من زعفران وهو بفتح الراء ودال مهملة وغين معجمة أثر الزعفران‪.‬‬
‫"فإن قل تَ" قد علم الن هي عن التزع فر فك يف لم ينكره صلى ال تعالى عل يه وآله و سلم؟ قل تُ‪( :‬هذا مخ صص‬
‫للنهي بجوازه للعروس)‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يحتمل أنها كانت في ثيابه دون بدنه بناء على جوازه في الثوب وقد منع جوازه فيه أبو حنيفة والشافعي‬
‫ومن تبعهما‪.‬‬
‫والقول بجوازه فيي الثياب مروي عين مالك وعلماء المدينية واسيتدل لهيم بمفهوم النهيي الثابيت فيي الحادييث‬
‫الصحيحة كحديث أبي موسى مرفوعا‪" :‬ل يقبل ال صلة رجل في جسده شيء من الخلوق"‪.‬‬
‫وأجيب بأن ذلك مفهوم ل يقاوم النهي الثابت في الحاديث الصحيحة وبأن قصة عبد الرحمن كانت قبل النهي‬
‫في أول الهجرة وبأنه يحتمل أنه الصفرة التي رآها رسول ال صلى ال تعالى عليه وسلم كانت من جهة امرأته‬
‫تعلقت به فكان ذلك غير مقصود له‪ ،‬ورجح هذا النووي وعزاه للمحققين وبنى عليه البيضاوي‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬على وزن نواة من ذ هب ق يل المراد واحدة نوى الت مر ق يل‪ :‬كان يومئذ ر بع دينار‪ ،‬ورد بأن نوى الت مر‬
‫يختلف فكيف يجعل معيارا لما يوزن‪.‬‬
‫وقيل إن النواة من ذ هب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق وجزم به الخطابي واختاره الزهري ونقله‬
‫عياض عن أكثر العلماء ويؤيده أن في رواية البيهقي وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم‪.‬‬
‫وفي رواية عند البيهقي عن قتادة‪ :‬قومت ثلثة دراهم وثلثا وإسناده ضعيف لكن جزم به أحمد وقيل في قدرها‬
‫غير ذلك‪.‬‬
‫وعن بعض المالكية أن النواة عند أهل المدينة ربع دينار‪.‬‬
‫والحد يث دليل أنه يد عى للعروس بالبركة وقد نال عبد الرحمن بركة الدعوة النبوية حتى قال‪ :‬فلقد رأيتني لو‬
‫رفعت حجرا لرجوت أن أصيب ذهبا أو فضة‪ .‬رواه البخاري عنه في آخر هذه الرواية وفي قوله‪:‬‬
‫"أولم ولو بشاة" دليل على وجوب الوليمة في العرس وإليه ذهب الظاهرية قيل‪ :‬وهو نص الشافعي في الم ويدل‬
‫له‪:‬‬
‫ي فاطمة‪" :‬ل بد من وليمة" وسنده ل‬ ‫ما أخرجه أحمد من حديث بريدة أنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قال لما خطب عل ّ‬
‫بأس به وهو يدل على لزوم الوليمة وهو في معنى الوجوب‪.‬‬
‫وما أخرجه أبو الشيخ والطبراني في الوسط من حديث أبي هريرة مرفوعا‪" :‬الوليمة حق وسنة فمن دعي ولم‬
‫يجب فقد عصى" والظاهر من الحق الوجوب‪.‬‬
‫وقال أحمد‪ :‬الوليمة سنة‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬مندوبة‪.‬‬
‫وقال ابن بطال‪ :‬ل أعلم أحدا أوجبها وكأنه لم يعرف الخلف واستدل على الندبية بما قال الشافعي‪ :‬ل أعلم أمر‬
‫بذلك غير عبد الرحمن ول أعلم أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ترك الوليمة رواه عنه البيهقي فجعل ذلك مستندا إلى‬
‫كون الوليمة غير واجبة ول يخفى ما فيه‪.‬‬
‫واختلف العلماء في وقت الوليمة هل هي العقد أو عقبه أو عند الدخول وهي أقوال في مذهب المالكية‪.‬‬
‫ومنهم من قال عند العقد وبعد الدخول‪.‬‬
‫وصرح الماوردي من الشافعية بأنها عند الدخول قال السبكي‪ :‬والمنقول من فعل النبي صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫أنها بعد الدخول وكأنه يشير إلى قصة زواج زينب بنت جحش لقول أنس‪ :‬أصبح يييي يعني النبي صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم يييي عروسا بزينب فدعا القوم‪ ،‬وقد ترجم عليه البيهقي "باب وقت الوليمة"‪.‬‬
‫وأما مقدارها فظاهر الحديث أن الشاة أقل ما تجزىء إل أنه قد ثبت أنه صلى ال عليه وآله وسلم أولم على أم‬
‫سلمة وغيرها بأقل من شاة وأولم على زينب بشاة‪.‬‬
‫وقال[اث] أنس[‪/‬اث]‪ :‬لم يولم على غير زينب بأكثر مما أولم عليها‪.‬‬
‫إل أنه أولم على ميمونة بنت الحارث لما تزوجها بمكة عام القضية يييي وطلب من أهل مكة أن يحضروا‬
‫فامتنعوا يييي بأكثر من وليمته على زينب وكأن أنسا يريد أنه وقع في وليمة زينب بالشاة من البركة في‬

‫‪38‬‬
‫الطعام ما لم ي قع في غير ها فإ نه أش بع الناس خبزا ولحما فكأن المراد لم يش بع أحدا خبزا ولحما في ولي مة من‬
‫ولئمه صلى ال عليه وآله وسلم أكثر مما وقع في وليمة زينب رضي ال عنها‪.‬‬
‫ح ُدكُ ْم إلى وَلِيمَ ٍة فَ ْليَأتهَا"‬
‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا ُدعِي أ َ‬ ‫ع َمرَ رض يَ اللّ ُه عنهما قالَ‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫ع نِ اب نِ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫حوَهُ"‪.‬‬ ‫عرْسا كانَ َأوْ َن ْ‬ ‫ح ُد ُكمْ َأخَا ُه فَلْ ُيجِبْ ُ‬
‫ُمتّفقٌ عََليْهِ‪ ،‬ول ُمسِْلمٍ‪" :‬إذا دَعَا َأ َ‬
‫ح ُدكُ مْ إلى وَلِيمَةٍ فَ ْليَأتهَا"‬‫ع َمرَ رض يَ اللّ هُ عنهما قالَ‪ :‬قالَ رسولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا دُعِي أ َ‬ ‫ع نِ اب نِ ُ‬ ‫(وَ َ‬
‫ن أَ ْو َنحْوَهُ)‪.‬‬
‫عرْسا كا َ‬ ‫ح ُدكُمْ َأخَا ُه فَ ْل ُيجِبْ ُ‬
‫ُمتّفقٌ عََليْهِ‪ ،‬ول ُمسِْلمٍ) أي‪ :‬عن ابن عمر مرفوعا‪( :‬إذا دَعَا َأ َ‬
‫الحدييث الول دال على وجوب الجابية إلى الوليمية والثانيي دال على وجوبهيا إلى كيل دعوة ول تعارض بيين‬
‫الروايتين وإن كانا عن راو واحد‪.‬‬
‫وقد أخذت الظاهرية وبعض الشافعية بظاهره فقالوا‪ :‬تجب الجابة إلى الدعوة مطلقا‪.‬‬
‫وزعم ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫ومنهم من فرق بين وليمة العرس وغيرها فنقل ابن عبد البر وعياض والنووي التفاق على وجوب إجابة وليمة‬
‫العرس وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك‪.‬‬
‫وعن البعض فرض كفاية وفي كلم الشافعي ما يدل على وجوب الجابة في وليمة العرس وعدم الرخصة في‬
‫غيرها فإنه قال‪ :‬إتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تعرف وليمة العرس وكل دعوة دعي إليها رجل وليمة‬
‫فل أرخص لحد في تركها ولو تركها لم يتبين أنه عاص كما تبين لي في وليمة العرس‪.‬‬
‫وفي البحر للمهدي حكاية إجماع العترة على عدم وجوب الجابة في الولئم كلها‪.‬‬
‫هذا وعلى القول بالوجوب فقد قال ابن دقيق العيد في شرح اللمام‪:‬‬
‫وقد يسوغ ترك الجابة لعذار‪ :‬منها أن يكون في الطعام شبهة أو يخص بها الغنياء أو يكون هناك من يتأذى‬
‫بحضوره معيه أو ل يلييق لمجالسيته أو يدعوه لخوف شره أو لطميع فيي جاهيه أو ليعاونيه على باطيل أو يكون‬
‫هناك من كر من خ مر أو ل هو أو فراش حر ير أو ستر لجدران الب يت أو صورة في الب يت أو يعتذر إلى الدا عي‬
‫فيتر كه أو كا نت في الثالث ك ما يأ تي فهذه العذار ونحو ها في ترك ها على القول بالوجوب وعلى القول بالندب‬
‫بالولى‪.‬‬
‫وهذا مأخوذ م ما علم من الشري عة و من قضا يا وق عت لل صحابة ك ما في البخاري أن أ با أيوب دعاه ا بن ع مر‬
‫فرأى في البيت سترا على الجدران فقال ابن عمر‪ :‬غلبنا عليه النساء فقال‪ :‬من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى‬
‫عليك وال ل أطعم لك طعاما فرجع‪ ،‬أخرجه البخاري تعليقا ووصله أحمد ومسدّد في مسنده‪.‬‬
‫وأخرج الطبراني عن سالم بن عبد ال بن عمر قال‪ :‬عرست في عهد أبي فأذنا الناس فكان أبو أيوب فيمن أذنا‬
‫وقد ستروا بيتي ببجاد أخضر فأقبل أبو أيوب فاطلع فرآه فقال‪ :‬يا عبد ال أتسترون الجدر فقال أبي واستحى‪:‬‬
‫غلبنا عليه النساء يا أبا أيوب فقال‪ :‬من خشيت أن تغلبه النساء فذكروه‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬فأقبل أصحاب النبي صلى ال عليه وآله وسلم يدخلون الوّل فالوّل حتى أقبل أبو أيوب وفيه‪:‬‬
‫فقال عبد ال‪ :‬أقسمت عليك لترجعن فقال‪ :‬وأنا أعزم على نفسي أن ل أدخل يومي هذا ثم انصرف‪.‬‬
‫وأخرج أحمد في كتاب الزهد‪ :‬أ نّ رجلً دعا ابن عمر إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور فقال ابن عمر‪ :‬يا‬
‫فلن متى تحوّلت الكعبة في بيتك ثم قال لنفر معه من أصحاب محمد صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬ليهتك كل رجل ما‬
‫يليه‪ ،‬والحديث وما قبله دليل على تحريم ستر الجدران‪.‬‬
‫و قد أخرج أ بو داود وغيره من حد يث ا بن عباس مرفوعا‪" :‬ل ت ستروا الجدر بالثياب" وف يه ض عف وله شا هد‪،‬‬
‫وأخرج البيه قي وغيره من حد يث سلمان موقوفا أنه أنكر ستر الب يت فقال‪ :‬محموم بيتكم أو تحوّلت الكع بة؟ ثم‬
‫قال‪ :‬ل أدخله حتى يهتك‪.‬‬
‫والمسألة فيها خلف‪ :‬جزم جماعة بالتحريم لستر الجدار وجمهور الشافعية على أنه مكروه‪.‬‬
‫ن ال لم يأمرنا أن نك سو الحجارة والط ين" وجذب الستر‬ ‫وقد أخرج مسلم أنه صلى ال عل يه وآله وسلم قال‪" :‬إ ّ‬
‫حتى هتكه في قصة معروفة‪ :‬وقد كنا كتبنا في هذا رسالة جواب سؤال في مدّة قديمة‪.‬‬
‫وقد أخرج الطبراني في الوسط من حديث عمران بن حصين نهى رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عن إجابة‬
‫طعام الفاسقين‪.‬‬
‫وأخرج النسيائي مين حدييث جابر مرفوعا‪" :‬مين كان يؤمين بال واليوم الخير فل يقعيد على مائدة يدار عليهيا‬
‫الخمر" وإسناده جيد وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن جابر وفيه ضعف وأخرجه أحمد من حديث عمر‪.‬‬
‫وبالجملة الدعوة مقتضية للجابة وحصول المنكر مانع عنها فتعارض المانع والمقتضي والحكم للمانع‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬شَرّ الطّعامِ طَعامُ الْوليمَ ِة ُي ْمنَعُها مَنْ‬ ‫ن أبي ُه َريْرةَ رضي اللّ ُه عن ُه قالَ‪ :‬قالَ رسُو ُ‬ ‫عْ‬ ‫وَ َ‬
‫خ َرجَهُ ُمسِْلمٌ‪.‬‬‫ب الدّعْ َوةَ فَ َقدْ عصى ال َو َرسُوَلهُ" َأ ْ‬ ‫ن َلمْ َيجِ ِ‬
‫يأتيِها و ُيدْعَى إل ْيهَا مَنْ يَأبَاهَا‪َ ،‬ومَ ْ‬
‫طعَا مُ الْولِيمَةِ‬ ‫طعَا مِ َ‬ ‫شرّ ال ّ‬‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه وآله و سلم‪َ " :‬‬
‫ُي ْم َنعُ ها مَن يأتِي ها) و هم الفقراء ك ما يدل له حد يث ا بن عباس ع ند ال طبراني‪" :‬بئس الطعام طعام الولي مة يد عى‬
‫إليها الشبعان ويمنع عنها الجيعان" اهي فلو شملت الدعوة الفريقين زالت الشرية عنها (و ُي ْدعَى إل ْيهَا مَ نْ يَأبَاهَا)‬
‫عوَ َة فَ َقدْ عصى اللّهَ َو َرسُوَلهُ" أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫ب الدّ ْ‬
‫يعني الغنياء (و َمنْ َلمْ ُيجِ ِ‬
‫المراد من الولي مة ولي مة العرس ل ما تقدم قريبا من أن ها إذا أطل قت من غ ير تقي يد ان صرفت إلى ولي مة العرس‬
‫وشرية طعامها قد بين وجهه‪.‬‬
‫قوله‪ :‬يدعى إليها من يأباها فإنها جملة مستأنفة بيان لوجهة شرية الطعام‪.‬‬
‫والحديث دليل على أنه يجب على من يدعى الجابة ولو كانت إلى شر طعام وأنه يعصي ال ورسوله من لم‬
‫يجب وتقدّم الكلم على ذلك‪.‬‬
‫ن صائما‬ ‫ن كا َ‬ ‫ح ُدكُ مْ فَ ْل َيجِ بْ‪ ،‬فإ ْ‬
‫عنْ ُه رَضِ يَ ال عن ُه قالَ‪ :‬قالَ ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا دُعِ يَ أ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن شَاءَ‬ ‫طعِ مَ وَإ ْ‬ ‫ن شاءَ َ‬ ‫خ َرجَ ُه مُ سِْلمٌ َأيْضا‪ ،‬وََل ُه مِ نْ حدي ثِ جابرٍ َنحْوَ هُ َوقَالَ‪" :‬إ ْ‬ ‫طعَ مْ" أ ْ‬
‫ن مُ ْفطِرا فَلْ َي ْ‬
‫ن كا َ‬ ‫فَ ْليُ صَلّ‪ ،‬وَإِ ْ‬
‫َت َركَ"‪.‬‬
‫ن صائِما‬ ‫ح ُدكُ مْ فَ ْل ُيجِ بْ فإ نْ كا َ‬ ‫(وع نه) أي أ بي هريرة (قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذَا دُعِ يَ َأ َ‬
‫ط َعمْ" أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫ن مُ ْفطِرا ف ْليَ ْ‬ ‫ف ْل ُيصَلّ وإنْ كا َ‬
‫فيه دليل على أنه يجب على من كان صائما أن ل يعتذر بالصوم ثم إنه قد اختلف في المراد من الصلة‪.‬‬
‫فقال الجمهور‪ :‬المراد فليدع ل هل الطعام بالمغفرة والبر كة وق يل‪ :‬المراد بال صلة المعرو فة أي يشت غل بال صلة‬
‫ليحصل فضلها وينال بركتها أهل الطعام والحاضرون وظاهره أنه ل يلزمه الفطار ليجيب‪.‬‬
‫فإن كان صومه فرضا فل خلف أنه يحرم عليه الفطار وإن كان نفلً جاز له‪.‬‬
‫وظا هر قوله‪ :‬فليط عم وجوب ال كل و قد اختلف العلماء في ذلك وال صح ع ند الشافع ية أ نه ل ي جب ال كل في‬
‫طعام الوليمة ول غيرها وقيل‪ :‬يجب لظاهر المر وأقله لقمة ول تجب الزيادة‪.‬‬
‫وقال من لم يوجب الكل‪ :‬المر للندب والقرينة الصارفة إليه قوله‪( :‬وله) أي (من حديث جابر رضي ال عنه‬
‫ِمي وإن شَاءَ َترَكيَ") فإنيه خ ّيرَه والتخييير دلييل على عدم الوجوب للكيل ولذلك أورده‬ ‫طع َ‬ ‫"فإني شَا َء َ‬
‫ّ‬ ‫نحوه وقال‪:‬‬
‫المصنف عقيب حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫سنّةٌ‪،‬‬‫طعَامُ يَوْمِ الثّاني ُ‬ ‫حقّ‪َ ،‬و َ‬ ‫ل يَوْمٍ َ‬ ‫طعَامُ الوَلِيمَ ِة أَوّ َ‬
‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪َ " :‬‬ ‫سعُودٍ قالَ‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫ن مَ ّ‬ ‫عنِ اب ِ‬ ‫وَ َ‬
‫س َت ْغرَبَهُ وَرجَالُ ُه رجَالُ ال صّحيح‪ ،‬وَلَ ُه شَاهدٌ‬ ‫سمّعَ اللّ ُه بِ هِ" رَوَا هُ ال ّت ّرمِذيّ وا ْ‬
‫سمّعَ َ‬ ‫س ْمعَةٌ‪َ ،‬و َم نْ َ‬ ‫طعَا مُ َيوْ مِ الثّالِ ثِ ُ‬
‫َو َ‬
‫ع ْن َد ابنِ مَاجَهْ‪.‬‬
‫ن َأنْسٍ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫طعَا مُ الْوَلِي َمةِ أوّلَ َيوْ مٍ حَ قٌ) أي‬ ‫(و عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪َ " :‬‬
‫طعَامُي َيوْمِي الثّالثِي سيْمعَة ومَن ْي سَيمّعَ سَيمّعَ ال بِهيِ" رواه الترمذي‬ ‫طعَامُي َيوْمِي الثّانيي سُينّةٌ و َ‬ ‫واجيب أو مندوب ( َو َ‬
‫واستغربه) وقال‪ :‬ل نعرفه إل من حديث زياد بن عبد ال البكائي وهو كثير الغرائب والمناكير‪ .‬قال المصنف‬
‫كالراد على الترمذي ما لفظه‪( :‬ورجاله رجال الصحيح) إل أنه قال المصنف إن زيادا مختلف فيه وشيخه عطاء‬
‫بن السائب اختلط وسماعه منه بعد اختلطه انتهى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحينئذ فل يصح قوله إن رجاله رجال الصحيح ثم قال‪:‬‬
‫(وله شا هد عن أ نس ع ند ا بن ما جه) و في إ سناده[ تض] ع بد الملك بن ح سين[‪ /‬تض] و هو ضع يف و في الباب‬
‫أحاديث ل تخلو عن مقال‪.‬‬
‫والحديث دليل على شرعية الضيافة في الوليمة يومين ففي أول يوم واجبة كما يفيده لفظ حق لنه الثابت اللزم‬
‫وتقدم الكلم في ذلك‪.‬‬
‫وفي اليوم الثاني سنة أي طريقة مستمرة يعتاد الناس فعلها ل يدخل صاحبها الرياء والتسميع‪.‬‬
‫وفي اليوم الثالث رياء وسمعة فيكون فعلها حراما والجابة إليها كذلك وعليه أكثر العلماء‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬إذا أولم ثلثا فالجابة في اليوم الثالث مكروهة وفي اليوم الثاني ل تجب مطلقا ول يكون استحبابها‬
‫فيه كاستحبابها في اليوم الول‪.‬‬
‫وذ هب جما عة إلى أ نه ل تكره في الثالث لغ ير المد عو في اليوم الول والثا ني ل نه إذا كان المدعوون كثير ين‬
‫ويشق جمعهم في يوم واحد فدعا في كل يوم فريقا لم يكن في ذلك رياء ول سمعة وهذا قريب‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫وجنح البخاري إلى أنه ل بأس بالضيافة ولو إلى سبعة أيام حيث قال‪" :‬باب حق إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم‬
‫سبعة أيام ونحوه" ولم يوقت النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم يوما ول يومين‪.‬‬
‫وأشار بذلك إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت‪ :‬لمّا تزوج أبي دعا الصحابة سبعة‬
‫أيام وفي رواية ثمانية أيام‪ ،‬وإليها أشار البخاري بقوله‪" :‬أو نحوه"‪.‬‬
‫وفي قوله‪" :‬ولم يوقت" ما يدل على عدم صحة حديث الباب عنده‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪ :‬استحب أصحابنا لهل السعة كونها أسبوعا فأخذت المالكية بما دل عليه كلم البخاري‪.‬‬
‫ن مِ نْ‬‫ش ْيبَ َة ر ضي اللّ ُه عن ها قالَ تْ‪" :‬أَوْلَ مْ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عَلى َبعْ ضِ نِ سَائِ ِه ِب ُمدّيْ ِ‬ ‫ع نْ صَ ِفيّ َة ِبنْ تِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫خ َرجَ ُه ا ْل ُبخَاريّ‪.‬‬ ‫شعِير" َأ ْ‬‫َ‬
‫(وعن صفية بنت شيبة) أي ابن عثمان بن أبي طلحة الحجبي من بني عبد الدار قيل‪ :‬إنها رأت النبي صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم وقيل‪ :‬إنها لم تره‪ .‬وجزم ابن سعد بأنها تابعية (قالت‪َ :‬أوْلَمَ النبيّ صلى ال عليه وآله وسلم على‬
‫ض نِسائِ ِه بمدّين من شعير‪ .‬أخرجه البخاري)‪.‬‬ ‫َبعْ ِ‬
‫قال المصنف‪ :‬لم أقف على تعيين اسمها يعني بعض نسائه المذكورة هنا قال‪ :‬وفي الباب أحاديث تدل على أنها‬
‫أم سلمة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنها وليمة عليّ بفاطمة رضي ال عنها وأراد ببعض نسائه من تنسب إليه من النساء في الجملة وإن كان‬
‫خلف المتبادر إل أنه يدل له ما أخرجه الطبراني من حديث أسماء بنت عميس قالت‪ :‬لقد أولَم عليّ بفاطمة فما‬
‫كان وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته رهن درعه عند يهودي بشطر شعير ولعله المراد بمدّين من شعير‬
‫لن المدّ ين ن صف صاع فكأ نه قال ش طر صاع فينط بق على الق صة ال تي في الباب ويكون ن سبة الولي مة إلى‬
‫رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم مجازية إما لكونه الذي وفى اليهودي من شعيره أو لغير ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ول يخ فى أ نه تكلف ول ما نع أن يولم صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بمدّ ين ويولم عليّ أيضا بمد ين والمذكور في‬
‫الباب وليمته صلى ال عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫ت ا ْلمُسْلمينَ‬ ‫ث َليَالٍ ُيبْنى عََل ْيهِ بِصَ ِفيّ َة َفدَعَوْ ُ‬ ‫خ ْيبَ َر والمدينة ثَل َ‬ ‫ن َ‬‫س قالَ‪َ :‬أقَامَ النّبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم َبيْ َ‬ ‫عنْ َأنَ ٍ‬‫وَ َ‬
‫سطَتْ َفأُلْقِ يَ عََل ْيهَا ال ّت ْمرُ والقِ طُ‬ ‫خبْز ول َلحْ مٍ‪َ ،‬ومَا كان فِيها إل أ نْ أ َمرَ بالنْطا عِ َفبُ ِ‬ ‫إلى وَلِي َمتِ ِه َفمَا كان فيها مِ نْ ُ‬
‫سمْنُ" ُمتّفقٌ عََل ْيهِ واللّ ْفظُ للبُخاريّ‪.‬‬ ‫وَال ّ‬
‫(وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬أقام رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم بين خيبرَ والمدينةِ ثل ثَ ليال ُي ْبنَى)‬
‫ت المسلمين إلى وليمته‬ ‫مغير الصيغة (عليه بصفية) أي يبنى عليه خباء جديد بسبب صفية أو بمصاحبتها (و َدعَوْ ُ‬
‫فما كان فيها من خبر ول لحم وما كان فيها إل أن أمر بالنطاع فبسطت فألقى عليها التمر والقط)‪.‬‬
‫وفي القاموس القط ككتف وإبل شيء يتخذ من المخيض الغنمي (والسمن) ومجموع هذه الشياء يسمى حيسا‬
‫(متفق عليه واللفظ للبخاري) فيه إجزاء الوليمة بغير ذبح شاة والبناء بالمرأة في السفر وإيثار الجديدة بثلثة أيام‬
‫وإن كانوا في السفر‪.‬‬
‫حدُ ُهمَا‬
‫سبَقَ َأ َ‬ ‫ن َفَأجِبْ َأقْربهما بابا‪ ،‬فإن َ‬ ‫ج َتمَعَ داعِيا ِ‬ ‫ن أصْحابٍ النّبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قالَ‪" :‬إذا ا ْ‬ ‫عنْ َرجُلٍ مِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ضعِيفٌ‪.‬‬ ‫سنَدُ ُه َ‬
‫س َبقَ" رَوَا ُه َأبُو دَاودَ َو َ‬
‫َفَأجِبِ الذي َ‬
‫ن فَأجِ بْ أَق َر َبهُمَا بابا) زاد في‬ ‫عيَا ِ‬
‫ج َتمَ عَ دَا ِ‬
‫(و عن ر جل من أ صحاب ال نبي صلى ال عل يه وآله و سلم قال‪" :‬إذَا ا ّ‬
‫س ِبقَ" رواه أبو داود وسنده‬ ‫حدُ ُهمَا فَأجِ بِ الذي َ‬ ‫سبَقَ َأ َ‬
‫ن َ‬ ‫التلخيص‪ :‬فإن أقربهما إليك بابا أقربهما إليك جوارا (فإ ْ‬
‫ضعيف)‪.‬‬
‫ول كن رجال إ سناده موثقون ول يدرى ما و جه ض عف سنده فإ نه رواه أ بو داود عن هناد بن ال سري عن ع بد‬
‫السلم بن حرب عن أبي خالد الدالني عن أبي العلء الودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من‬
‫أصحاب النبي صلى ال عليه وآله وسلم وكل هؤلء وثقهم الئمة إل أبا خالد الدالني فإنهم اختلفوا فيه‪.‬‬
‫فوثقه أبو حاتم وقال أح مد وابن مع ين ل بأس به وقال ابن حبان‪ :‬ل يجوز الحتجاج به وقال ابن عدي حدي ثه‬
‫لين وقال شريك‪ :‬كان مرجئا‪.‬‬
‫والحديث على سياق المصنف ظا ِهرُ هُ الوق فُ وفيه دليلٌ على أنه إذا اجتمع داعيان فالحق بالجابة السبق فإن‬
‫استويا قدم الجار‪ .‬والجار على مراتب فأحقهم أقربهم بابا فإن استويا أقرع بينهم‪.‬‬
‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم‪" :‬ل آكُلُ ُم ّتكِئا" رَواهُ البُخاريّ‪.‬‬ ‫حيْفَ َة رضي اللّهُ عنه قالَ‪ :‬قالَ رسُو ُ‬ ‫جَ‬ ‫عنْ َأبِي ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ل ُم ّتكِئا" رَواهُ البُخاريّ)‪.‬‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪" :‬ل آكُ ُ‬ ‫حيْفَةَ رضي اللّهُ عنه قالَ‪ :‬قالَ رسُو ُ‬ ‫جَ‬ ‫عنْ َأبِي ُ‬ ‫(وَ َ‬

‫‪41‬‬
‫التكاء مأخوذ من الوكاء والتاء بدل الواو والوكاء هو ما يش ّد به الك يس أو غيره فكأ نه أو كأ مقعد ته ويشدّ ها‬
‫بالقعود على الوطاء الذي تحته ومعناه الستواء على وطاء متمكنا‪.‬‬
‫قال الخطا بي‪ :‬المتكىء ه نا هو المتم كن في جلو سه من التر بع وشب هه المعت مد على الوطاء تح ته قال‪ :‬و من‬
‫استوى قاعدا على وطاء فهو متكىء‪.‬‬
‫والعا مة ل تعرف المتكىء إل من مال على أ حد شق يه ومع نى الحد يث‪ :‬إذا أكلت ل أق عد متكئا كف عل من ير يد‬
‫ال ستكثار من ال كل ول كن آ كل بل غة فيكون قعودي م ستوفزا‪ .‬و من ح مل التكاء على الم يل على أ حد الشق ين‪،‬‬
‫تأول ذلك على مذ هب أ هل ال طب بأن ذلك ف يه ضرر فإ نه ل ينحدر في مجاري الطعام سهلً ول ي سيغه هنيئا‬
‫وربما تأذى به‪.‬‬
‫ل َبيَميِنِكَ‪ ،‬و ُكلْ ممّا‬‫سمّ اللّهَ‪َ ،‬وكُ ْ‬
‫ل اللّهِ صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬يَا غُلمُ َ‬ ‫ع َمرَ بنِ أبي سََلمَ َة قالَ‪ :‬قالَ لي رَسُو ُ‬ ‫عنْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫يَلِيكَ" ُمتّفقٌ عَلَيهِ‪.‬‬
‫ل َبيَم ِينِ كَ‪ ،‬وكُلْ‬
‫سمّ اللّ هَ‪َ ،‬وكُ ْ‬
‫ن أبي سََلمَةَ قالَ‪ :‬قالَ لي رَ سُولُ اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬يَا غُل مُ َ‬ ‫ع َمرَ ب ِ‬
‫ع نْ ُ‬ ‫(وَ َ‬
‫ممّا يَلِيكَ" ُمتّفقٌ عَلَيهِ)‪.‬‬
‫الحديث دليل على وجوب التسمية للمر بها وقيل‪ :‬إنها مستحبة في الكل ويقاس عليه الشرب‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬ويستحب أن يجهر بالتسمية ليسمع غيره وينبهه عليها فإن تركها لي سبب نسيان أو غيره في أول‬
‫الطعام فليقل في أثنائه‪ :‬بسم ال أوله وآخره‪ ،‬لحديث أبي داود والترمذي وغيرهما‪ .‬قال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‬
‫أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال‪:‬‬
‫"إذا أكل أحدكم فليذكر اسم ال فإن نسي أن يذكر ال في أوله فليقل بسم ال أوله وآخره"‪.‬‬
‫وينبغي أن يسمي كل واحد من الكلين فإن سمى واحد فقط فقد حصل بتسميته السنة‪ ،‬قاله الشافعي‪.‬‬
‫وي ستدل بأ نه صلى ال عل يه وآله و سلم أ خبر أن الشيطان ي ستحل الطعام الذي لم يذ كر ا سم ال عل يه فإن ذكره‬
‫واحد من الكلين صدق عليه أنه ذكر اسم ال عليه‪.‬‬
‫وفي الحديث دليل على وجوب الكل باليمين للمر به أيضا ويزيده تأكيدا‪ :‬أنه صلى ال عليه وآله وسلم أخبر‬
‫بأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وفعل الشيطان يحرم على النسان‪.‬‬
‫َسيلّم بشماله فقال‪ :‬كيل بيمينيك فقال ل أسيتطيع قال‪ :‬ل‬ ‫ْهي و َ‬‫صيلّى ال عََلي ِ‬
‫ويزيده تأكيدا‪ :‬أن رجلً أكيل عنده َ‬
‫استطعت ما منعه إل الكبر فما رفعها إلى فيه‪ .‬أخرجه مسلم ول يدعو صلى ال عليه وآله وسلم إل على من‬
‫ترك الواجب‪.‬‬
‫وأما كون الدعاء لتكبره فهو محتمل أيضا ول ينافي أن الدعاء عليه للمرين معا‪.‬‬
‫وفي قوله‪ :‬و كل م ما يليك دليل أ نه ي جب الكل م ما يل يه وأنه ينب غي ح سن العشرة للجل يس وأن ل يحصل من‬
‫النسان ما يسوء جليسه مما فيه سوء عشرة‪ ،‬وترك مروءة‪.‬‬
‫فقد يتقذر جليسه ذلك ل سيما في الثريد والمراق ونحوها إل في مثل الفاكهة‪.‬‬
‫فإنه قد أخرج الترمذي وغيره من حديث عكراش بن ذؤيب قال‪ :‬أتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر وهو بفتح الواو‬
‫وفتح الذال المعج مة فراء ج مع وذرة قط عة من اللحم ل عظم في ها فخبطت بيدي في نواحيها وأكل ر سول ال‬
‫سرَى على يدِي اليمنى ثم قال‪ :‬يا عكراش كل من موضع‬ ‫صلى ال عليه وآله وسلم من بين يديه فقبض بيدِ ِه اليُ ْ‬
‫وا حد فإ نه طعام واحد ثم أتينا بط بق ف يه ألوان الت مر فجعلت آكل من ب ين يدي وجالت يد ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم في الطبق‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد‪.‬‬
‫فهذا يدل على التفر قة ب ين الطع مة والفوا كه بل يدل على أ نه إذا تعدّد لون المأكول من طعام أو غيره فله أن‬
‫يأكل من أي جانب وكذلك إذا لم يبق تحت يد الكل شيء فله أن يتبع ذلك ولو من سائر الجوانب‪.‬‬
‫فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس‪ :‬أن خياطا دعا النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لطعام صنعه قال‪ :‬فذهبت‬
‫مع النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فقرب خبز شعير ومرقا فيه دباء وقديد فرأيت النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يتتبع‬
‫الدباء من حوالي القصعة أي جوانبها فلم أزل أتتبع الدباء من يومئذ‪.‬‬
‫وفي الحديث قال أنس‪ :‬فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ول أطعمه وهو دليل على تطلبه له من جميع القصعة‬
‫لمحبته له‪.‬‬
‫هذا ومما نهي عنه الكل من وسط القصعة كما يدل له الحديث التي وهو قوله‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫جوَا ِنبِهَا ول تأكُلوا مِ نْ‬ ‫ن ثَريدٍ فَقَالَ‪" :‬كُلُوا مِ نْ َ‬ ‫ي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ُأتِ يَ ِبقَ صْعَ ٍة مِ ْ‬ ‫ن النّ ب ّ‬
‫س أَ ّ‬‫عبّا ٍ‬ ‫ع نْ اب نِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫س َندُهُ صَحيحٌ‪.‬‬ ‫طهَا" رَوَاهُ ال ْر َبعَةُ وَهذا َل ْفظُ النسائيّ َو َ‬ ‫سِ‬ ‫طهَا فإن الْب َركَ َة َتنْزلُ في َو َ‬ ‫َوسَ ِ‬
‫ن جَوَا ِن ِبهَا ول‬ ‫صعَةٍ ِمنْ ثَريدٍ فَقَالَ‪" :‬كُلُوا مِ ْ‬ ‫ن النّبيّ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم ُأتِيَ بِقَ ْ‬ ‫عبّاسٍ رضي ال عنه أَ ّ‬ ‫عنْ ابنِ َ‬ ‫(وَ َ‬
‫س َندُ ُه صَحيحٌ‪.‬‬ ‫طهَا" رَوَا ُه ال ْربَعَ ُة وَهذا لَ ْفظُ النسائيّ َو َ‬ ‫سِ‬ ‫طهَا فإن الْب َركَةَ َتنْزلُ في َو َ‬ ‫سِ‬ ‫تأكُلوا مِنْ َو َ‬
‫دل على الن هي عن ال كل من و سط الق صعة وعلله بأ نه تنزل البر كة في و سطها وكأ نه إذا أ كل م نه لم ينزل‬
‫البركة على الطعام والنهي يقتضي التحريم وسواء كان الكل وحده أو مع جماعة‪.‬‬
‫ن كَرهَ هُ‬ ‫شيْئا َأكَلَ هُ وإ ْ‬
‫طعَاما قَطّ‪ ،‬كا نَ إذا اش َتهَى َ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َ‬ ‫ب رسُو ُ‬ ‫ن أَبي ُه َريْرة قالَ‪" :‬مَا عا َ‬ ‫عْ‬ ‫وَ َ‬
‫َت َركَهُ" ُمتّفقٌ عََليْهِ‪.‬‬
‫فيه إخبار بعدم عيبه صلى ال عليه وآله وسلم للطعام وذمه له فل يقول هو مالح أو حامض أو نحو ذلك‪.‬‬
‫وحاصله أنه دل على عدم عنايته صلى ال عليه وآله وسلم بالكل بل ما اشتهاه أكله وما لم يشتهه تركه وليس‬
‫في تركه ذلك دليل على أنه يحرم عيب الطعام‪.‬‬
‫ن يَأكلُ‬ ‫شيْطا َ‬
‫عنْ هُ عَ نْ النّبيّ صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم قالَ‪" :‬ل تأكُلُوا بالشّمالِ فإنّ ال ّ‬ ‫ن جَابرٍ رَض يَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ َ‬
‫بالشّمالِ" رَوَا ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬
‫شيْطا نَ يَأكلُ‬ ‫ن النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬ل تأكُلُوا بالشّمالِ فإنّ ال ّ‬ ‫ع ْن هُ عَ ْ‬
‫ن جَابرٍ رَض يَ اللّ ُه َتعَالَى َ‬ ‫ع ْ‬‫(وَ َ‬
‫بالشّمالِ" رَوَا ُه ُمسْلمٌ)‪.‬‬
‫تقدم أنه من أدلة تحريم الكل بالشمال وإن ذهب الجماهير إلى كراهته ل غير وقد ورد في الشرب كذلك أيضا‬
‫وهو دليل على أن الشيطان يأكل أكلً حقيقيا‪.‬‬
‫ح ُدكُ مْ فَل َي َتنَفّ سْ في الناءِ" ُمتّف قٌ‬ ‫ع ْن هُ َأنّ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬إذا شر بَ َأ َ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ع نْ أَبي َقتَادَةَ رض َ‬ ‫وَ َ‬
‫ححَهُ الترمذيّ‪.‬‬ ‫عبّاسٍ رضي ال عنهما َنحْوَهُ‪َ ،‬وزَادَ‪َ " :‬و َينْ ُفخُ فِيهِ" وَص ّ‬ ‫عََليْهِ‪ ،‬ولبي دَا ُودَ عَن ابن َ‬
‫س في النا ِء (ثلثا)‬ ‫ح ُدكُمْ فل َي َتنَفَ ْ‬ ‫(وعن أبي قتادة رضي ال عنه أن النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قال‪" :‬إذَا شَرَب َأ َ‬
‫" متفق عليه)‪.‬‬
‫وقد أخرج الشيخان من حديث أنس‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يتنفس في الشراب ثلثا أي في أثناء الشراب‬
‫ل أنه في إناء الشراب‪.‬‬
‫وورد تعليل ذلك في رواية مسلم أنه أروى أي أقمع للعطش وأبرأ أي أكثر برأ لما فيه من الهضم ومن سلمته‬
‫من التأثير في برد المعدة وَأ ْمرَأُ أي أكثرُ مراءَ ًة لما فيه من السهولة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬العلة خشية تقذيره على غيره لنه قد يخرج شيء من الفم فيتصل بالماء فيقذره على غيره‪.‬‬
‫خ فِيهِ" وصححه الترمذي)‪.‬‬ ‫(ولبي داود عن ابن عباس رضي ال عنهما) أي مرفوعا (وزاد) على ما ذكر (و َينْفُ ْ‬
‫فيه دللة على تحريم النفخ في الناء وأخرج الترمذي من حديث أبي سعيد‪ :‬أ نّ النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم نهى‬
‫عن النفخ في الشراب فقال رجل‪:‬‬
‫القذاة أراها في الناء‪ ،‬فقال‪ :‬أهرقها‪.‬‬
‫ن القد حَ عن فِي كَ ثم تنف سْ في الشرب ثلث مرات‪ .‬ومن حديث ابن‬ ‫قال‪ :‬فإني ل أروى من نفس واحد‪ ،‬قال‪ :‬فََأبِ ِ‬
‫عباس رضيي ال عنهميا قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وآله وسيلم‪" :‬ل تشربوا واحدا" أي شربا واحدا‬
‫ن المرّتين سنة‬ ‫كشرب البعير "ولكن اشربوا مثنى وثلث وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنت رفعتم" وأفاد أ ّ‬
‫أيضا؛ نعم‪.‬‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وقد ورد النهي عن الشرب من فم السقاء فأخرج الشيخان من حديث ابن عباس‪ :‬أ ّ‬
‫وآله وسلم نهى عن الشرب من في السقاء‪.‬‬
‫وأخر جا من حد يث أ بي سعيد قال‪ :‬ن هى ر سول ال صلى ال عل يه وآله و سلم عن اختناث ال سقية‪ ،‬زاد في‬
‫رواية‪ :‬واختناثها أن يقلب رأسها ثم يشرب منه‪.‬‬
‫وقد عارضه حديث كبشة قالت‪ :‬دخل عليّ رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فشرب من في قربة معلقة فقمت‬
‫إلى فيها فقطعته أي أخذته شفاء نتبرك به ونستشفى به‪ .‬أخرجه الترمذي وقال‪ :‬حسن غريب صحيح‪.‬‬
‫ن النهي إنما هو في السقاء الكبير والقربة هي الصغيرة‪.‬‬ ‫وأخرجه ابن ماجه‪ ،‬وجمع بينهما بأ ّ‬
‫أو أن النهي للتنزيه لئل يتخذه الناس عادة دون الندرة‪.‬‬
‫وعلة الن هي أن ها قد تكون ف يه دا بة فتخرج إلى في الشارب فيبتلع ها مع الماء ك ما ورد أ نه شرب ر جل من في‬
‫السقاء فخرجت منه حية‪ .‬وكذلك ثبت النهي عن الشرب قائما‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫فأخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬ل يشربن أحدكم قائما فمن‬
‫نَسِييَ فليسيتقيء" أي يتقييأ‪ ،‬وفيي روايية عين أنيس‪ :‬زجير عين الشرب قائما؛ قال قتادة‪ :‬قلنيا فالكيل‪ ،‬قال‪ :‬أشيد‬
‫وأخبث‪.‬‬
‫ولكنه عارضه ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس قال‪ :‬سقيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم من زمزم‬
‫فشرب وهو قائم‪.‬‬
‫وفي لفظ‪ :‬أن رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم شرب من زمزم وهو قائم‪ .‬وفي صحيح البخاري أن عليا رضي‬
‫ال عنه شرب قائما وقال‪:‬‬
‫رأيت رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فعل كما رأيتموني‪ .‬وجمع بينهما بأن النهي للتنزيه فعله صَلّى ال عََليْ هِ‬
‫وَ سَلّم بيانا لجواز ذلك فهو واجب في حقه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لبيان التشريع وقد وقع منه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬
‫مثل هذا في صور كثيرة‪.‬‬
‫وأ ما التق يؤ ل من شرب قائما فإ نه يستحب للحد يث ال صحيح الوارد بذلك وظا هر حديث التق يؤ أنه ي ستحب مطلقا‬
‫لعامد وناس ونحوهما‪.‬‬
‫وقال القاضي عياض‪ :‬إنه من شرب ناسيا فل خلف بين العلماء أنه ليس عليه أن يتقيأ‪ ،‬نعم ومن آداب الشرب‬
‫أ نه إذا كان ع ند الشارب جل ساء وأراد أن يع مم الجل ساء أن يبدأ ب من عن يمي نه ك ما أخرج الشيخان من حد يث‬
‫أنس‪ :‬أنه أعطى صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم القدح فشرب وعن يساره أبو بكر وعن يمينه أعرابي فقال عمر‪ :‬أعط أبا‬
‫بكر يا رسول ال فأعطى العرابي الذي عن يمينه ثم قال‪ :‬اليمن فاليمن‪.‬‬
‫وأخرجا من حديث سهل بن سعد قال‪ُ :‬أتِ يَ النبي صلى ال عليه وآله وسلم بقدح فشرب منه وعن يمينه غلم‬
‫أ صغر القوم هو ع بد ال بن عباس والشياخ عن ي ساره فقال‪ :‬يا غلم أَتأذن أن أعط يه الشياخ فقال‪ :‬ما ك نت‬
‫لوثر بفضل منك أحدا يا رسول ال فأعطاه إياه‪.‬‬
‫ومن مكروهات الشرب أن تشرب من ثلمة القدح لما أخرجه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري‪ :‬نهى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله وسلم عن الشرب من ثلمة القدح‪.‬‬
‫باب القسم بين الزوجات‬
‫عنْهَا قالَ تْ‪ :‬كا نَ ر سولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يَقْ سِ ُم ِلنِ سَائِهِ َف َي ْعدِلُ ويَقولُ‪" :‬الّلهُمّ هذا‬ ‫عَ نْ عَائِشَ َة رض يَ اللّ هُ َ‬
‫ن والحاكِ مُ وََلكِ نْ َرجّ حَ ال ّت ْر ِمذِيّ‬
‫ن حبّا َ‬ ‫ححَهُ اب ُ‬ ‫صّ‬ ‫سمِي فِيما َأمْلِ كُ فَل تُُلمْني فيمَا تمْلِ كُ وَل َأمْلِ كُ" رَوَا ُه ال ْربَعَةُ وَ َ‬ ‫قَ ْ‬
‫إ ْرسَالَهُ‪.‬‬
‫(عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم يقسم بين نسائه ويعدل ويقول‪" :‬الّل ُهمّ هذَا‬
‫سمِي) بف تح القاف (فِيمَا َأمْلِ كُ) و هو ال مبيت مع كل واحدة في نوبت ها (فَل تُلمْ ني فِي ما َتمْلِ كُ ول َأمْلِ كُ) قال‬ ‫قَ ْ‬
‫الترمذي‪ :‬يعني الحب والمودّة (رواه الربعة وصححه ابن حبان والحاكم ولكن رجح الترمذي إرساله)‪.‬‬
‫قال أبو زرعة‪ :‬ل أعلم أحدا تابع حماد بن سلمة على وصله لكن صححه ابن حبان من طريق حماد بن سلمة‬
‫عن أيوب السختياني عن أبي قلبة عن عبد ال بن يزيد عن عائشة موصولً‪.‬‬
‫والذي رواه مرسلً هو حماد بن يزيد عن أيوب عن أبي قلبة عن عائشة‪.‬‬
‫قال الترمذي‪ :‬المرسل أصح‪ .‬قلت‪ :‬بعد تصحيح ابن حبان الوصل فقد تعاضد الموصل والمرسل‪.‬‬
‫دل الحديث على أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يقسم بين نسائه‪ ،‬وتقدمت الشارة إلى أنه هل كان واجبا عليه أم‬
‫ل؟ ق يل‪ :‬وكان الق سم عل يه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم غ ير وا جب لقوله تعالى‪{ :‬تُر جي من تشاء من هن} قال ب عض‬
‫المفسرين‪ :‬إنه أباح ال له أن يترك التسوية والقسم بين أزواجه حتى إنه ليؤخر من شاء منهن عن نوبتها ويطأ‬
‫مين يشاء فيي غيير نوبتهيا‪ ،‬وأن ذلك مين خصيائصه ص َيلّى ال عََليْه ِي وَس َيلّم بناء على أن الضميير فيي "منهين"‬
‫للزوجات‪.‬‬
‫وإذا ثبت أنه ل يجب القسم عليه صَلّى ال عََل ْي هِ وَسَلّم فإنه كان يقسم بينهن من حسن عشرته وكمال حسن خلقه‬
‫وتأليف قلوب نسائه‪.‬‬
‫والحد يث يدل على أن المح بة وم يل القلب أ مر غ ير مقدور للع بد بل هو من ال تعالى ل يمل كه الع بد ويدل له‬
‫{ولكن ال ألف بينهم} بعد قوله‪{ :‬لو أنفقت ما في الرض جميعا ما ألفت بينهم} وبه فسر {واعلموا أن ال يحول‬
‫بين المرء وقلبه}‪.‬‬
‫ن كانَ تْ لَ ُه ا ْمرََأتَا نِ َفمَالَ إلى إحْدا ُهمَا‬ ‫عنْ هُ أنّ النّبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪" :‬مَ ْ‬ ‫ع نْ أَبي ُه َر ْيرَةَ رضي اللّ هُ َ‬ ‫وَ َ‬
‫س َندَهُ صحيحٌ‪.‬‬
‫ح َمدُ والرْبعَةُ َو َ‬‫جا َء يَ ْومَ القيامَةِ َوشِقّ ُه مائلٌ" رَوَا ُه َأ ْ‬
‫‪44‬‬
‫ن كانَ تْ َل هُ ا ْمرََأتَا نِ َفمَالَ إلى إحْداهُمَا‬ ‫ع ْن هُ أنّ النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬مَ ْ‬ ‫ع نْ أَبي ُهرَ ْيرَ َة رضي اللّ هُ َ‬ ‫(وَ َ‬
‫س َندَهُ صحيحٌ)‪.‬‬ ‫ح َمدُ والرْبعَةُ َو َ‬ ‫جا َء يَ ْومَ القيامَةِ َوشِقّ ُه مائلٌ" رَوَا ُه َأ ْ‬
‫الحد يث دل يل على أ نه ي جب على الزوج الت سوية ب ين الزوجات ويحرم عل يه الم يل إلى إحدا هن و قد قال تعالى‪:‬‬
‫{فل تميلوا كل الميل} والمراد الميل في القسم والنفاق ل في المحبة لما عرفت من أنها مما ل يملكه العبد‪.‬‬
‫ومفهوم قوله‪{ :‬كل الميل} جواز اليسير ولكن إطلق الحديث ينفي ذلك ويحتمل تقييد الحديث بمفهوم الية‪.‬‬
‫سمَ‪ ،‬وإذا‬ ‫سبْعا ثمّ قَ َ‬‫ع ْندَ ها َ‬ ‫ب أَقا مَ ِ‬ ‫ج ال ّرجُلُ ا ْل ِب ْكرَ عَلى ال ّثيّ ِ‬‫سنّ ِة إذا َتزَوّ َ‬ ‫ع ْن هُ قالَ‪" :‬مِ نَ ال ّ‬ ‫س ر ضي اللّ هُ َ‬ ‫ع نْ َأنَ ٍ‬ ‫وَ َ‬
‫سمَ" ُمتّفقٌ عََليْهِ وَالل ْفظُ ل ْل ُبخَاري‪.‬‬ ‫ع ْندَهَا ثلثا ثمّ َق َ‬ ‫ج ال ّثيّبَ َأقَامَ ِ‬ ‫َتزَوّ َ‬
‫سبْعا ثمّ قَ سَمَ‪ ،‬وإذا‬ ‫ع ْندَ ها َ‬ ‫ب أَقا مَ ِ‬ ‫سنّ ِة إذا َتزَوّ جَ ال ّرجُلُ ا ْل ِب ْكرَ عَلى ال ّثيّ ِ‬ ‫ن ال ّ‬‫عنْ هُ قالَ‪" :‬مِ َ‬ ‫س ر ضي اللّ هُ َ‬ ‫ن َأنَ ٍ‬ ‫ع ْ‬ ‫(وَ َ‬
‫سمَ" ُمتّفقٌ عََليْهِ وَالل ْفظُ ل ْل ُبخَاري)‪.‬‬ ‫ع ْندَهَا ثلثا ثمّ َق َ‬ ‫ج ال ّثيّبَ َأقَامَ ِ‬ ‫َتزَوّ َ‬
‫يريد من سنّة النبي صلى ال تعالى عليه وآله وسلم فله حكم الرفع‪.‬‬
‫ولذا قال أبو قل بة راويه عن أ نس‪ :‬ولو شئت لقلت‪ :‬إن أن سا رفعه إلى النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يريد فيكون‬
‫رواية بالمعنى إذ معنى من السنة هو الرفع إل إنه رأى المحافظة على قول أنس أولى وذلك لن كونه مرفوعا‬
‫إنما هو بطريق اجتهادي محتمل والرفع نص وليس للراوي أن ينقل ما هو محتمل إلى ما هو نص غير محتمل‬
‫كذا قاله ابن دقيق العيد‪.‬‬
‫وبالجملة إنهم ل يعنون بالسنة إل سنة النبي صلى ال عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫وقد قال سالم‪ :‬وهل يعنون يييي يريد الصحابة يييي بذلك إل سنة النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم؟‪.‬‬
‫والحديث قد أخرجه أئمة من المحدثين عن أنس مرفوعا من طرق مختلفة عن أبي قلبة‪.‬‬
‫والحديث دليل على إيثار الجديدة لمن كانت عنده زوجة وقال ابن عبد البر‪:‬‬
‫جمهور العلماء على أن ذلك حيق المرأة بسيبب الزفاف سيواء أكانيت عنده زوجية أم ل واختاره النووي لكين‬
‫الحديث دل على أنه فيمن كانت عنده زوجة‪.‬‬
‫وقد ذهب إلى التفرقة بين البكر والثيب بما ذكر الجمهور فظاهر الحديث أنه واجب وأنه حق للزوجة الجديدة‬
‫وفي الكل خلف لم يقم عليه دليل يقاوم الحاديث‪.‬‬
‫والمراد باليثار في البقاء عندها ما كان متعارفا حال الخطاب‪.‬‬
‫والظاهر أن اليثار يكون بالمبيت والقيلولة ل استغراق ساعات الليل والنهار عندها كما قاله جماعة‪.‬‬
‫حتى قال ابن دقيق العيد‪ :‬إنه أفرط بعض الفقهاء حتى جعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة‪.‬‬
‫وتجب الموالة في السبع والثلث فلو فرق وجب الستئناف‪.‬‬
‫ول فرق بين الحرة والمة فلو تزوج أخرى في مدة السبع أو الثلث فالظاهر أنه يتم ذلك لنه قد صار مستحقا‬
‫لها‪.‬‬
‫ع ْندَهِا ثلثا َوقَالَ‪" :‬إنّ هُ ليس بِ كِ‬ ‫عنْها أنّ النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لمّا َتزَ ّوجَها أَقا مَ ِ‬ ‫ن ُأمّ سََلمَةَ رضي اللّ هُ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ َ‬
‫س ّبعْتُ ِلنِسائي" َروَا ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫س ّبعْتُ لكِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ّبعْتُ لكِ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫شئْتِ َ‬ ‫عَلى أَهْلكِ َهوَانٌ‪ ،‬إنّ ِ‬
‫(وعن أم سلمة رضي ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم لمّا تزوجها أقام عندها ثلثا وقال‪" :‬إنّ هُ‬
‫س ّبعْتُ‬ ‫س ّبعْتُ ل كِ َ‬‫س ّبعْتُ ل كِ) أي أتم مت عندك سبعا (وإ نّ َ‬ ‫ت َ‬ ‫شئْ ِ‬‫ن ِ‬ ‫َليْ سَ بِ كِ عَلَى أَهْلِ كِ) ير يد نف سه (هَوَان‪ :‬إ ّ‬
‫ِل ِنسَائي" رواه مسلم)‪.‬‬
‫وزاد في روا ية‪ :‬د خل علي ها فل ما أراد أن َيخْر جَ أخذت بثو به فقال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إن شئت‬
‫زدت لك وحاسبتك‪ :‬للبكر سبع وللثيب ثلث"‪.‬‬
‫ل ما تقدّم على استحقاق البكر والثيب ما ذكر من العدد ودلت الحاديث على أنه إذا تعدى الزوج المدة المقدرة‬ ‫دّ‬
‫بر ضا المرأة سقط حق ها من اليثار وو جب علي ها القضاء لذلك وأ ما إذا كان بغ ير رضا ها فحقّ ها ثا بت و هو‬
‫مفهوم قوله صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬إن شئت"‪.‬‬
‫ومعنى قوله‪" :‬ليس بك على أهلك هوان" أن ل يلحقك منا هوان ول نضيع مما تستحقينه شيئا بل تأخذينه كاملً‬
‫ثم أعلمها أن إليها الختيار بين ثلث بل قضاء وبين سبع ويقضي نساءه‪.‬‬
‫وفيه حسن ملطفة الهل وإبانة ما يجب لهم وما ل يجب والتخيير لهم فيما هو لهم‪.‬‬
‫ن النّبي صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم َي ْقسِمُ لِعا ِئشَ َة يَ ْو َمهَا ويومَ‬ ‫ت يَ ْو َمهَا ِلعَا ِئشَةَ وَكا َ‬
‫ن سَ ْودَ َة بنْت َز ْمعَةَ وَ َهبَ ْ‬ ‫عنْ عَائِشَةَ‪" :‬أَ ّ‬ ‫وَ َ‬
‫سَ ْو َدةَ" ُمتّ َفقٌ عََل ْيهِ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫(وعن عائشة رضي ال عنها أن سودة بنت زمعة) بفتح الزاي والميم وعين مهملة وكان صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬
‫تزوج سودة بمكة بعد موت خديجة وتوفيت بالمدينة سنة أربع وخمسين (وهبت يومها لعائشة وكان النبي صَلّى‬
‫ال عََليْهِ َوسَلّم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة‪ .‬متفق عليه)‪.‬‬
‫زاد البخاري‪" :‬وليلتها" وزاد أيضا في آخره‪" :‬تبتغي بذلك رضا رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم" أخرجه أبو‬
‫داود وذكر فيه سبب الهبة بسند رجاله رجال مسلم‪" :‬أن سودة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول ال صَلّى‬
‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالت‪ :‬يا ر سول ال يو مي لعائ شة فق بل ذلك من ها" ففي ها وأشباه ها نزلت‪{ :‬وإن امرأة خا فت من‬
‫بعلها نشوزا أو إعراضا}‪.‬‬
‫وأخرج ابن سعد برجال ثقات من رواية القاسم بن أبي بزة مرسلً‪" :‬أن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم طلقها يعني‬
‫سودة فقعدت على طريقه وقالت‪ :‬والذي بعثك بالحق ما لي في الرجال حاجة ولكني أحب أن أبعث مع نسائك‬
‫يوم القيا مة فأنشدك بالذي أنزل عل يك الكتاب هل طلقت ني بوجدة وجدت ها عل يّ؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قالت‪ :‬فأنشدك ال ل ما‬
‫راجعتني‪ ،‬فراجعها قالت‪ :‬فإني جعلت يومي لعائشة حِبة رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم"‪.‬‬
‫وفي الحديث دليل على جواز هبة المرأة نوبتها لضرتها ويعتبر رضا الزوج لن له حقا في الزوجة فليس لها‬
‫أن تسقط حقه إل برضاه‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء إذا وهبت نوبتها للزوج فقال الكثر‪ :‬تصح ويخص بها الزوج من أراد وهذا هو الظاهر وقيل‪:‬‬
‫ليس له ذلك بل تصير كالمعدومة وقيل‪ :‬إن قالت له‪ :‬خصّ بها من شئت جاز‪ ،‬ل إذا أطلقت له‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ويصح الرجوع للمرأة فيما وهبت من نوبتها لن الحق يتجدد‪.‬‬
‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫ن ر سو ُ‬ ‫ن ُأخْ تي كا َ‬ ‫عنْ ها‪" :‬يَا ابْ َ‬ ‫عنْ هُ قالَ‪ :‬قَالَ تْ عَا ِئشَ ُة رَض يَ ال َ‬ ‫عرْوَ َة ر ضي اللّ هُ َ‬ ‫ع نْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ل يَوْ ٌم إل وَهُ َو َيطُوفُ عََل ْينَا جميعا َف َيدْنُو مِنْ‬ ‫عنْدنَا‪ ،‬وكانَ قَ ّ‬ ‫ن ُم ْكثِهِ ِ‬‫سمِ ِم ْ‬
‫ضنَا عَلى َبعْضٍ في الْقَ ْ‬ ‫وَسَلّم ل يُ َفضّلُ َبعْ َ‬
‫ححَهُ‬ ‫صّ‬ ‫ظ لَ هُ وَ َ‬ ‫ح َمدُ وَأَ بو دَا ُودَ واللّف ُ‬
‫ع ْندَهَا" رَوَا ُه َأ ْ‬
‫غ ْيرَ مَ سيِسٍ حَ تى َيبْلُ َغ الّ تي ُهوَ َي ْومُ ها َف َيبِي تَ ِ‬ ‫ل ا ْمرَأَةٍ مِ نْ َ‬‫كُ ّ‬
‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا صلىّ ا ْلعَ صْرَ دَارَ‬ ‫ع ْنهَا قالَ تْ‪" :‬كان رسو ُ‬ ‫الحاك مُ‪ ،‬وَلمُ سْلِمٍ عَ نْ عَائشَةَ َرضِ يَ اللّ هُ َ‬
‫عَلى نِسائِه ثمّ َي ْدنُو ِم ْنهُنّ" الحديثَ‪.‬‬
‫ن أخ تي كا نَ ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ل ُي َفضّلُ‬ ‫(و عن عروة قال‪ :‬قالت عائ شة ر ضي ال عن ها‪ :‬يا ابْ َ‬
‫طرُ قُ علينا جميعا فيدنو من كل واحدةٍ من‬ ‫ن ُم ْكثِ هِ عندنا وكان قلّ يوم إل وهو َي ْ‬ ‫ض في القَسمْ مِ ْ‬ ‫َب ْعضَنا على َبعْ ٍ‬
‫غيْر مَ سيسٍ) وفي رواية بغير وقاع ف هو المراد هنا (حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها‪ .‬رواه أحمد وأ بو‬ ‫َ‬
‫داود واللفظ له وصححه الحاكم)‪.‬‬
‫فيه دليل على أنه يجوز للرجل الدخول على من لم يكن في يومها من نسائه والتأنيس لها واللمس والتقبيل‪.‬‬
‫وفيه بيان حسن خلقه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم وأنه كان خير الناس لهله‪.‬‬
‫وفي هذا رد لما قاله ابن العربي وقد أشرنا إليه سابقا أنه كان له صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم ساعة من النهار ل يجب‬
‫عليه القسم فيها وهي بعد العصر قال المصنف‪ :‬لم أجد لما قاله دليلً وقد عين الساعة التي يدور فيها الحديث‬
‫التي وهو قوله‪:‬‬
‫(ولمسلم عن عائشة ر ضي ال عنها كان ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم إذا صلى العصرَ دارَ على ن سائِ ِه ثم‬
‫يدنون ِم ْنهُنّ) أي دنو لمس وتقبيل من دون وقاع كما عرفت‪.‬‬
‫ن أَنا‬ ‫ت فيهِ‪َ" :‬أيْ َ‬
‫سأَلُ في م َرضِ ِه الذي مَا َ‬ ‫عنْ عَا ِئشَةَ رَضيَ اللّ ُه عنها‪" :‬أَنّ رَسُولَ اللّ ِه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم كانَ يَ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ت عا ِئشَةَ" متفقٌ عَليهِ‪.‬‬ ‫ث شَاءَ َفكَانَ في َبيْ ِ‬ ‫حيْ ُ‬ ‫جهُ َيكُونُ َ‬ ‫غدا؟" يُريدُ َي ْومَ عائشةَ‪َ ،‬فأَذنَ َلهُ َأزْوَا ُ‬
‫سأَلُ في مرَضِ ِه الذي مَا تَ في هِ‪َ" :‬أيْ نَ‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كا نَ يَ ْ‬ ‫ع نْ عَا ِئشَةَ رَض يَ اللّ ُه عنها‪" :‬أَنّ رَ سُو َ‬ ‫(وَ َ‬
‫ت عا ِئشَةَ" متفقٌ عَليهِ)‪.‬‬ ‫ن في َبيْ ِ‬ ‫حيْثُ شَاءَ َفكَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫أَنا غدا؟" يُريدُ يَ ْومَ عائشةَ‪َ ،‬فأَذنَ َل ُه َأزْوَاجُ ُه َيكُو ُ‬
‫وفي رواية وكان أول ما بدىء به من مرضه في بيت ميمونة أخرجها البخاري في آخر كتاب المغازي وقوله‪:‬‬
‫فأذن له أزواجه‪.‬‬
‫ووقع عند أحمد عن عائشة أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪ :‬إني ل أستطيع أن أدور بيوتكن فإن شئتن أذنتن لي‬
‫فأذنّ له‪.‬‬
‫ووقع عند ابن سعد بإسناد صحيح عن الزهري‪ :‬أن فاطمة هي التي خاطبت أمهات المؤمنين وقالت‪ :‬إنه يشق‬
‫علييه الختلف ويمكين أنيه اسيتأذن صيلى ال علييه وآله وسيلم واسيتأذنت له فاطمية رضيي ال عنهيا فيجتميع‬
‫الحديثان‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ووقع في رواية‪ :‬أنه دخل بيت عائشة يوم الثنين ومات يوم الثنين الذي يليه والحديث دليل على أن المرأة إذا‬
‫أذنت كان مسقطا لحقها من النوبة وأنه ل تكفي القرعة إذا مرض كما تكفي إذا سافر كما دل له قوله‪:‬‬
‫خرَجَ بهَا‬ ‫سهْ ُمهَا َ‬‫خرَجَ َ‬ ‫ن رسولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم إذَا أرَادَ سَفَرا َأ ْقرَعَ َبيْنَ نِسَائِهِ َفَأ َيتَهُنّ َ‬ ‫ع ْنهَا قَالَتْ‪" :‬كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫َمعَهُ" ُمتّ َفقٌ عََل ْيهِ‪.‬‬
‫خرَ جَ‬‫ن نِ سَائِ ِه َفأَ َي َتهُنّ َ‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم إذَا أرَادَ سَفَرا َأقْرَ عَ َبيْ َ‬ ‫(وعنها) أي عائ شة (قَالَ تْ‪" :‬كا نَ ر سو ُ‬
‫خرَجَ بهَا َمعَهُ" ُمتّ َفقٌ عََليْهِ)‪.‬‬ ‫س ْه ُمهَا َ‬ ‫َ‬
‫وأخرجه ابن سعد وزاد فيه عنها‪" :‬فكان إذا خرج سهم غيري عرف فيه الكراهية"‪.‬‬
‫دل الحدييث على القرعية بيين الزوجات لمين أراد سيفرا وأراد إخراج إحداهين معيه وهذا فعيل ل يدل على‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫وذهب الشافعي إلى وجوبه‪.‬‬
‫وذهبت الهادوية إلى أن له السفر بمن شاء وأنه ل تلزمه القرعة قال‪ :‬لنه ل يجب عليه القسم في السفر وفعله‬
‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إن ما كان من مكارم أخل قه ول طف شمائله وح سن معامل ته فإن سافر بزو جة فل ي جب‬
‫القضاء لغير من سافر بها‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬يجب القضاء سواء كان سفره بقرعة أو بغيرها‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬إن كان بقرعة لم يجب القضاء وإن كان بغيرها وجب عليه القضاء ول دليل على الوجوب مطلقا‬
‫ول مفصلً‪.‬‬
‫وال ستدلل بأن الق سم وا جب وأ نه ل ي سقط الوا جب بال سفر جوا به أن ال سفر أ سقط هذا الوا جب بدل يل أن له أن‬
‫يسافر ول يخرج منهن أحدا فإنه ل يجب عليه بعد عوده قضاء أيام سفره لهن اتفاقا‪.‬‬
‫والقراع ل يدل الحديث على وجوبه لما عرفت أنه فعل‪.‬‬
‫وفي الحديث دليل على اعتبار القرعة بين الشركاء ونحوهم‪.‬‬
‫والمشهور عن المالكية والحنفية عدم اعتبار القرعة قال القاضي عياض‪ :‬وهو مشهور عن مالك وأصحابه لنه‬
‫من باب الحظ والقمار‪.‬‬
‫وحكي عن الحنفية إجازتها اهي‪.‬‬
‫واحتج من منع من القرعة بأن بعض النساء قد تكون أنفع في السفر من غيرها فلو خرجت القرعة للتي ل نفع‬
‫فيها في السفر لضر بحال الزوج‪.‬‬
‫وكذا قد يكون بعض النساء أقوم برعاية مصالح بيت الرجل في الحضر فلو خرجت القرعة عليها بالسفر لضر‬
‫بحال الزوج من رعاية مصالح بيت الرجل في الحضر‪.‬‬
‫وقال القر طبي‪ :‬تخ تص مشروع ية القر عة ب ما إذا اتف قت أحوال هن لئل ي خص واحدة فيكون ترجيحا بل مر جح‬
‫قيل‪ :‬هذا تخصيص لعموم الحديث بالمعنى الذي شرع لجل الحكم‪ .‬والجري على ظاهره كما ذهب إليه الشافعي‬
‫أقوم‪.‬‬
‫ح ُدكُ ُم امْرََأتَ هُ جَ ْلدَ‬
‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ل َيجِْلدْ َأ َ‬ ‫ع ْن ُه قالَ‪ :‬قالَ رَ سُو ُ‬‫ع ْبدِ اللّ ِه بْ نِ َز ْمعَةَ رضي اللّ هُ َ‬ ‫ع نْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ا ْل َع ْبدِ" رَواهُ ال ُبخَاريّ‪.‬‬
‫(وعن عبد ال بن زمعة رضي ال عنه) هو ابن السود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى صحابي مشهور‬
‫وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وعداده في أهل المدينة (قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ل‬
‫ح ُدكُ مُ ا ْمرََأتَ هُ جَ ْلدَ ا ْل َع ْبدِ") بالن صب على الم صدرية (رواه البخاري) وتما مه ف يه " ثم يجامع ها" و في روا ية‪:‬‬ ‫َيجِْلدْ َأ َ‬
‫"ولعله أن يضاجعها"‪.‬‬
‫وفيي الحدييث دلييل على جواز ضرب المرأة ضربا خفيفا لقوله‪ :‬جلد العبيد‪ ،‬ولقوله فيي روايية أبيي داود‪" :‬ول‬
‫تضرب طعينتك ضربك أمتك"‪ ،‬وفي لفظ للنسائي‪" :‬كما تضرب العبد أو المة"‪.‬‬
‫وفيي روايية للبخاري‪" :‬ضرب الفحيل أو العبيد" فإنهيا دالة على جواز الضرب إل أنيه ل يبلغ ضرب الحيوانات‬
‫والمماليك‪.‬‬
‫وقد قال تعالى‪{ :‬واضربوهن} ودل على جواز ضرب غير الزوجات فيما ذكر ضربا شديدا‪.‬‬
‫و قد أخرج الن سائي من حد يث عائ شة ما ضرب ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم امرأة له ول خادما قط ول‬
‫ضرب بيده قط إل في سبيل ال أو تنتهك محارم ال فينتقم ل‪.‬‬
‫باب الخلع‬
‫‪47‬‬
‫ب ضم المعج مة و سكون اللم هو فراق الزو جة على مال‪ ،‬مأخوذ من خلع الثوب لن المرأة لباس الر جل مجازا‬
‫وضم المصدر تفرقة بين المعنى الحقيقي والمجازي والصل فيه قوله تعالى‪{ :‬وإن خفتم أل يقيما حدود ال فل‬
‫جناح عليهما فيما افتدت}‪.‬‬
‫ت النّبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فَقَالَ تْ‪ :‬يَا رسولَ اللّ هِ‬ ‫ع ْن ُهمَا‪َ :‬أنّ ا ْمرَأَةَ ثاب تِ بْ نِ َقيْ سٍ َأتَ ِ‬
‫س رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫عبّا ٍ‬ ‫عَ نِ اب نِ َ‬
‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫ل رسو ُ‬ ‫ثَابِ تُ ب نُ َقيْ سٍ مَا َأعِي بُ عََل ْي ِه في خُلُ قٍ ول دي نٍ وَلكني َأ ْكرَ هُ ا ْل ُك ْفرَ في ال سْلمِ‪ ،‬فقا َ‬
‫حدِيقَ َة َوطَلّقْهَا َتطْلِي َقةً"‬‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ا ْقبَلِ ال َ‬ ‫ل ر سُو ُ‬ ‫وَ سَلّم‪َ" :‬أ َترُدّي نَ عَلَي ِه حَدي َقتَ هُ؟" فَقَالَ تْ‪َ :‬نعَ مْ‪ ،‬فقا َ‬
‫ختََلعَتْ‬ ‫ن َقيْسٍ ا ْ‬‫ت بْ ِ‬
‫سنَهُ‪" :‬أَنّ امَرأَ َة ثَاب ِ‬‫رَوَا ُه ال ُبخَاريّ‪ ،‬وفي روَايَ ٍة لهُ‪" :‬وَأ َمرَ ُه ِبطَل ِقهَا"‪ .‬وَلبي دَاودَ وَال ّترْمِذيّ َوحَ ّ‬
‫ع ْندَ اب نِ‬ ‫جدّه ِ‬
‫ن َ‬ ‫ع ْ‬‫ب عن أب يه َ‬ ‫ش َعيْ ٍ‬
‫عمْرو بْن ُ‬ ‫حيْضَةً"‪ .‬و في روايةِ َ‬ ‫عدّت ها َ‬ ‫جعَلَ النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ِ‬ ‫ِمنْ هُ َف َ‬
‫حمَدَ‬ ‫ج ِههِ"‪ .‬ول ْ‬‫ن دَميما وَأَنّ ا ْمرَأَتَ ُه قالَتْ‪َ :‬لوْل َمخَافَةُ اللّ ِه إذا َدخَلَ عَليّ َلبَصَقْتُ في َو ْ‬ ‫مَاجَهْ‪" :‬أَنّ ثابتَ بن َقيْسٍ كا َ‬
‫ح ْثمَةَ‪َ " :‬وكَانَ ذلكَ َأوّلَ خُلْ ٍع في السْلمِ"‪.‬‬ ‫سهْلِ ْبنِ أَبي َ‬ ‫حدِيثِ َ‬ ‫مِن َ‬
‫ن َقيْ سٍ) سماها البخاري جميلة ذكره عن عكر مة مر سلً‬ ‫تب ِ‬ ‫( عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما أن امرأة ثاب ِ‬
‫ت النّبيَ صلى ال عليه‬ ‫وأخرج البيهقي مرسلً أن اسمها زينب بنت عبد ال بن أبّي بن سلول وقيل غير ذلك (أتَ ِ‬
‫ن َقيْ سٍ) هو خزر جي أن صاري ش هد أحدا و ما بعد ها و هو من أعيان‬ ‫ل اللّ ِه ثاب تُ ب ُ‬ ‫وآله و سلم فقالت‪ :‬يا ر سو َ‬
‫الصحابة كان خطيبا للن صار ولر سول ل صلى ال تعالى عل يه وآله وسلم وشهد له النبي صلى ال عل يه وآله‬
‫وسلم بالجنة (ما أعي بُ) روى بالمثناة الفوقية مضمومة ومكسورة من العتب وبالمثناة التحتية ساكنة من العيب‬
‫ن ولكني َأ ْكرَ ُه الكُ ْفرَ في السلمِ‬ ‫وهو أوفق بالمراد (عليه في خُلُقٍ) ضم الخاء وضم اللم ويجوز سكونها (ول دِي ٍ‬
‫حدِي َقتَهُ؟" فقالتْ‪ :‬نعم فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‬ ‫فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪َ" :‬أ َترُدّينَ عََليْ ِه َ‬
‫حدِيقَةَ َوطَلّقْهَا َتطْلِيقَةً" رواه البخاري‪ .‬و في روا ية له‪ :‬وأمره بطلق ها‪ ،‬ول بي داود والترمذي أي‪:‬‬ ‫و سلم‪" :‬ا ْقبَلِ ا ْل َ‬
‫من حديث ابن عباس وحسنه‪" :‬أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى ال عليه وآله وسلم عدّتها‬
‫حيضة)‪.‬‬
‫قولها‪ :‬أكره الكفر في السلم أي أكره من القامة عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر‪.‬‬
‫والمراد ما يضاد السلم من النشوز وبغض الزوج وغير ذلك أطلقت على ما ينافي خلق السلم الكفر مبالغة‬
‫ويحتمل غير ذلك‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬حديقته" أي بستانه ففي الرواية أنه كان تزوجها على حديقة نخل‪.‬‬
‫الحديث فيه دليل على شرعية الخلع وصحته وأنه يحل أخذ العوض من المرأة‪.‬‬
‫واختلف العلماء هل يشترط في صحته أن تكون المرأة ناشزة أم ل‪.‬‬
‫فذهب إلى الول الهادي والظاهرية واختاره ابن المنذر مستدلين بقصة ثابت هذه فإن طلب الطلق نشوز‪.‬‬
‫وبقوله تعالى‪{ :‬إل أن يخافا أن ل يقيما حدود ال} وقوله‪{ :‬إل أن يأتين بفاحشة مبينة}‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة والشافعي والمؤيد وأكثر أهل العلم إلى الثاني وقالوا‪ :‬يصح الخلع مع التراضي بين الزوجين‬
‫وإن كانت الحال مستقيمة بينهما ويحل العوض لقوله تعالى‪{ :‬فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} ولم تفرق‪.‬‬
‫ولحديث‪" :‬إل بطيبة من نفسه" وقالوا‪ :‬إنه ليس في حديث ثابت هذا دليل على الشتراط والية يحتمل أن الخوف‬
‫فيهيا وهيو الظنّي والحسيبان يكون فيي المسيتقبل فيدل على جوازه وإن كان الحال مسيتقيما بينهميا وهميا مقيمان‬
‫لحدود ال في الحال‪.‬‬
‫ويحتمل أن يراد أن يعلما أل يقيما حدود ال ول يكون العلم إل لتحققه في الحال كذا قيل‪.‬‬
‫وقد يقال إن العلم ل ينافي أن يكون النشوز مستقبلً والمراد إني أعلم في الحال أني ل أحتمل معه إقامة حدود‬
‫ال في الستقبال وحينئذ فل دليل على اشتراط النشوز في الية على التقديرين‪.‬‬
‫ودل الحديث على أن يأخذ الزوج منها ما أعطاه من غير زيادة‪.‬‬
‫واختلف هل تجوز الزيادة أم ل فذهب الشافعي ومالك إلى أنها تحل الزيادة إذا كان النشوز من المرأة قال مالك‪:‬‬
‫لم أزل أسمع أن الفدية تجوز بالصداق وبأكثر منه لقوله تعالى‪{ :‬ل جناح عليهما فيما افتدت به}‪.‬‬
‫قال ابن بطال‪ :‬ذهب الجمهور إلى أنه يجوز للرجل أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاها وقال مالك‪ :‬لم أر أحدا‬
‫ممن يقتدي به منع ذلك لكنه ليس من مكارم الخلق‪.‬‬
‫وأما الرواية التي فيها أنه قال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬أما الزيادة فل" فلم يثبت رفعها‪.‬‬
‫وذهب عطاء وطاوس وأحمد وإسحاق والهادوية وآخرون إلى أنها ل تجوز الزيادة لحديث الباب‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ولما ورد من رواية‪" :‬أما الزيادة فل" فإنه قد أخرجها في آخر حديث الباب البيهقي وابن ماجه عن ابن جريج‬
‫عن عطاء مر سلً ومثله ع ند الدارقطنيي وأنهيا قالت ل ما قال ل ها النيبي صَلّى ال عََليْهِي وَ سَلّم‪" :‬أتردّ ين علييه‬
‫حديقته؟" قالت‪ :‬وزيادة‪ ،‬قال النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪" :‬أمّا الزيادة فل" الحديث ورجاله ثقات إل أنه مرسل‪.‬‬
‫وأجاب‪ :‬من قال بجواز الزيادة أنه ل دللة في حديث الباب على الزيادة نفيا ول إثباتا‪.‬‬
‫وحديث‪" :‬أما الزيادة فل" تقدّم الجواب عنه بأنه لم يثبت رفعها وأنه مرسل وإن ثبت رفعها فلعله خرج مخرج‬
‫المشورة عليها والرأي وأنه ل يلزمها ل أنه خرج مخرج الخبار عن تحريمها على الزوج‪.‬‬
‫وأما أمره صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم بتطليقه لها فإنه أمر إرشاد ل إيجاب كذا قيل‪.‬‬
‫والظا هر بقاؤه على أ صله من اليجاب ويدل له قوله تعالى‪{ :‬فإم ساك بمعروف أو ت سريح بإح سان} فإن المراد‬
‫يجب عليه أحد المرين وهنا قد تعذر المساك بمعروف لطلبها للفراق فيتعين عليه التسريح بإحسان‪.‬‬
‫ثم الظاهر إنه يقع الخلع بلفظ الطلق وأن المواطأة على ردّ المهر لجل الطلق يصير بها الطلق خلعا‪.‬‬
‫واختلفوا إذا كان بلفظ الخلع فذهبت الهادوية وجمهور العلماء إلى أنه طلق وحجتهم أنه لفظ ل يملكه إل الزوج‬
‫فكان طلقا ولو كان فسخا لما جاز على غير الصداق كالقالة وهو يجوز عند الجمهور بما قل أو كثر فدل أنه‬
‫طلق‪.‬‬
‫وذهب[اث] ابن عباس[‪/‬اث] وآخرون إلى أنه فسخ وهو مشهور مذهب أحمد ويدل له أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬
‫أمرها أن تعتدّ بحيضة‪.‬‬
‫قال الخطابي‪ :‬في هذا أقوى دليل لمن قال إن الخلع فسخ وليس بطلق إذا لو كان طلقا لم يكتف بحيضة للعدّة‪.‬‬
‫وا ستدل القائل بأ نه ف سخ أ نه تعالى ذ كر في كتا به الطلق قال‪{ :‬الطلق مرتان} ثم ذ كر الفتداء ثم قال‪{ :‬فإن‬
‫طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}‪.‬‬
‫فلو كان الفتداء طلقا لكان الطلق الذي ل ت حل له إل من ب عد زوج هو الطلق الرا بع وهذا ال ستدلل مروي‬
‫عن ا بن عباس فإ نه سأله ر جل طلق امرأ ته طلقت ين ثم اختلع ها قال‪ :‬ن عم ينكح ها فإن ينكح ها فإن الخلع ل يس‬
‫بطلق‪ ،‬ذكر ال الطلق في أوّل الية وآخرها والخلع فيما بين ذلك فليس الخلع بشيء ثم قال‪{ :‬الطلق مرتان}‬
‫ثم قرأ‪{ :‬فإن طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}‪.‬‬
‫وقد قرّرنا أنه ليس بطلق في منحة الغفار حاشية ضوء النهاء ووضحنا هناك الدلة وبسطناها‪.‬‬
‫ثم من قال إنه طلق يقول إنه طلق بائن لنه لو كان للزوج الرجعة لم يكن للفتداء بها فائدة‪.‬‬
‫وللفقهاء أبحاث طويلة وفروع كثيرة في الك تب الفقه ية في ما يتعلق بالخلع ومق صودنا شرح ما دل عل يه الحد يث‬
‫على أنه قد زدنا على ذلك ما يحتاج إليه‪.‬‬
‫(وفي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند ابن ماجه أن ثابت بن قيس كان دميما وأن امرأته قالت‪:‬‬
‫جهِهِ)‪.‬‬
‫ت في َو ْ‬ ‫ي َلبَصَقْ ُ‬
‫لول مخافَةُ اللّهِ إذا َدخَلَ عَل ّ‬
‫جتَمِ عُ‬
‫ل اللّ هِ ل َي ْ‬
‫وفي رواية عن ابن عباس أن امرأة ثابت أتت رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فقالت‪ :‬يا رسو َ‬
‫شدّهُم سَوادا وأق صرُ ُهمْ قا مة‬ ‫عدّ ٍة فإذا هُ َو َأ َ‬
‫ت جانِ بَ الخبِاءِ َفرََأيْتُ ُه َأ ْقبَلَ في ِ‬‫ت أبدا إ ني رفع ُ‬ ‫رَأ سِي ورَأ سُ ثَاب ٍ‬
‫ح ُهمْ َوجْها‪ .‬الحديث فصرح الحديث بسبب طلبها الخلع‪.‬‬ ‫وَأ ْقبَ ُ‬
‫ل خُلْ عٍ في السلم) أنه‬ ‫ح ْثمَةَ) بفتح الحاء المهملة فمثلثة ساكنة (وكان ذلك أوّ َ‬ ‫(ولحمد من حديث سهل بن أبي َ‬
‫أول خلع وقع في عصره صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم وقيل إنه وقع في الجاهلية وهو أن عامر بن الظّرب بفتح الظاء‬
‫المعجمة وكسر الراء ثم موحدة زوج ابنته من ابن أخيه عامر بن الحارث فلما دخلت عليه نفرت منه فشكا إلى‬
‫أبيها فقال‪ :‬ل أجمع عليك فراق أهلك ومالك وقد خلعتها منك بما أعطيتها‪ .‬زعم بعض العلماء أن هذا كان أول‬
‫خلع في العرب‬

‫‪49‬‬

You might also like