You are on page 1of 9

‫كتاب أسرار الصوم‬

‫وهو الكتاب السادس من ربع العبادات‬


‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫المد ل الذي أعظم على عباده النة ‪ ،‬با دفع عنهم كيد الشيطان وفنه ‪ ،‬ورد أمله وخيب ظنه ‪ ،‬إذ جعل الصوم حصنا‬
‫لوليائه وجنة ‪ ،‬وفتح لم به أبواب النة ‪ ،‬وعرفهم أن وسيلة الشيطان إل قلوبم الشهوات الستكنة ‪ ،‬وإن بقمعها تصبح النفس‬
‫الطمئ نة ظاهرة الشو كة ف ق صم خ صمها قو ية ال نة ‪ ،‬وال صلة على م مد قائد اللق ‪ ،‬وم هد ال سنة ‪ ،‬وعلى آله وأ صحابه ذوي‬
‫البصار الثاقبة والعقول الرجحة وسلم تسليما كثيا‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فإن الصوم ربع اليان بقتضى قوله صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬الصوم نصف الصب ))‪ 1‬وبقتضى قوله صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ (( :‬الصب نصف اليان ))‪ 2‬ث هو متميز باصية النسبة إل ال تعال من بي سائر الركان إذ قال ال تعال فيما‬
‫حكاه عنه نبيه صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬كل حسنة بعشر أمثالا إل سبعمائة ضعف إل الصيام ‪ ،‬فإنه ل وأنا أجزي به )) ‪ 3‬وقد‬
‫قال ال تعال ‪ ﴿ :‬إن ا يو ف ال صابرون أجر هم بغي ح ساب ﴾ (الز مر ‪ ))10 :‬والصوم نصف الصب ف قد جاوز ثوا به قانون التقد ير‬
‫والساب وناهيك ف معرفة فضله قوله صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬والذي نفسي بيده للوف فم الصائم أطيب عند ال من ريح‬
‫السك يقول ال عز و جل إنا يذر شهوته وطعا مه وشرابه لجلي فالصوم ل وأنا أجزي به ))‪ 4‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( للجنة باب يقال له الريان ل يدخله إل الصائمون وهو موعود بلقاء ال تعال ف جزء صومه ))‪ 5‬وقال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ (( :‬لل صائم فرحتان ‪ :‬فر حة ع ند إفطاره ‪ ،‬وفر حة ع ند لقاء ر به ))‪ 6‬وقال صلى ال عل يه و سلم ‪ (( :‬ل كل ش يء باب وباب‬
‫العبادة الصوم ))‪ 7‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬نوم الصائم عبادة ))‪ 8‬وروى أبو هريرة رضي ال عنه أنه صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪ (( :‬إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب النة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطي ونادى مناد يا باغي الي هلم ويا‬
‫با غي ال شر أق صر ))‪ 9‬وقال وك يع ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬كلوا واشربوا هنيئا ب ا أ سلفتم ف اليام الال ية ﴾ (الاققة ‪ )24 :‬هي أيام‬
‫الصيام إذ تركوا فيها الكل والشرب ‪ ،‬وقد جع رسول ال صلى ال عليه وسلم ف رتبة الباهاة بي الزهد ف الدنيا وبي الصوم‬
‫فقال ‪ (( :‬إن ال تعال يباهني ملئكتنه بالشاب العابند فيقول أيهنا الشاب التارك شهوتنه لجلي البذل شبابنه ل أننت عندي‬
‫‪ 1‬حديث (( الصوم نصف الصب )) أخرجه الترمذي وحسنه من حديث رجل من بن سليم وابن ماجه من حديث أب هريرة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬حديث (( الصب نصف اليان )) أخرجه أبو نعيم ف اللية ‪ ،‬والطيب ف التاريخ من حديث ابن مسعود بسند حسن ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬حديث ((كل حسنة بعشر أمثالا إل سبعمائة ضعف إل الصوم ‪..‬الديث )) أخرجاه من حديث أب هريرة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬حديث (( والذي نفسي بيده للوف فم الصائم ‪..‬الديث)) أخرجاه من حديثه وهو بعض الذي قبله ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 5‬حديث (( للجنة باب يقال له الريان ‪..‬الديث )) أخرجاه من حديث سهل بن سعد ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 6‬حديث (( للصائم فرحتان ‪..‬الديث )) أخرجاه من حديث أب هريرة ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ 7‬حديث (( لكل شيء باب وباب العبادة الصوم)) أخرجه ابن البارك ف الزهد ‪ ،‬ومن طريقه أبو الشيخ ف الثواب من حديث أب الدرداء بسند ضعيف ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ 8‬حديث (( نوم الصائم عبادة )) رويناه ف أمال ابن منده من رواية ابن الغية القواس عن عبد ال بن عمر بسند ضعيف ولعله عبد ال بن عمرو فإنم ل يذكروا‬ ‫‪8‬‬

‫لبن الغية رواية إل عنه ‪ ،‬ورواه أبو منصور الديلمي ف مسند الفردوس من حديث عبد ال بن أب أوف ‪ ،‬وفيه سليمان بن عمرو النخعي أحد الكذابي ‪.‬‬
‫‪ 9‬حديث (( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب النة)) أخرجه الترمذي وقال ‪ :‬غريب ‪ .‬وابن ماجه والاكم وصححه على شرطهما من حديث أب هريرة ‪،‬‬ ‫‪9‬‬

‫وصحح البخاري وقفه على ماهد وأصله متفق عليه دون قوله ((ونادى مناد))‪.‬‬
‫كبعض ملئكت ))‪ 10‬وقال صلى ال عليه وسلم ف الصائم ‪ (( :‬يقول ال عز وجل ‪ :‬انظروا يا ملئكت إل عبدي ترك شهوته‬
‫ولذته وطعامه وشرابه من أجلي ))‪ 11‬وقيل ف قوله تعال ‪ ﴿ :‬فل تعلم نفس ما أخفي لم من قرة أعي جزاء با كانوا يعملون‬
‫﴾ (ال سجدة ‪ )17 :‬ق يل كان عمل هم ال صيام ل نه قال ‪ ﴿ :‬إن ا يو ف ال صابرون أجر هم بغ ي ح ساب ﴾ (الز مر ‪ )10 :‬فيفرغ لل صائم‬
‫جزاؤه إفراغا ويازف جزافا فل يدخل تت وهم وتقدير ‪ ،‬وجدير بأن يكون كذلك ؛ لن الصوم إنا كان له ومشرفا بالنسبة‬
‫إليه وإن كانت العبادات كلها له كما شرف البيت بالنسبة إل نفسه والرض كلها له لعنيي أحدها ‪ :‬أن الصوم كف وترك وهو‬
‫ف نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد ‪ ،‬وجيع أعمال الطاعات بشهد من اللق ومرأى ‪ ،‬والصوم ل يراه إل ال عز وجل فإنه عمل‬
‫ف البا طن بال صب الجرد ‪ .‬والثا ن ‪ :‬أ نه ق هر لعدو ال عز و جل فإن و سيلة الشيطان لع نه ال الشهوات ‪ ،‬وإن ا تقوى الشهوات‬
‫بالكقل والشرب ‪ ،‬ولذلك قال صقلى ال عليقه وسقلم ‪ (( :‬إن الشيطان ليجري منن ابنن آدم مرى الدم فضيقوا مارينه‬
‫بالوع ))‪ ، 12‬ولذلك قال صلى ال عليه وسلم لعائشة رضي ال عنها ‪ (( :‬داومي قرع باب النة ‪ ،‬قالت ‪ :‬باذا ؟ قال صلى‬
‫ال عل يه وسلم ‪ :‬بالوع ))‪ 13‬وسيأت فضل الوع ف كتاب شره الطعام ‪ ،‬وعلجه من ر بع الهلكات ‪ .‬فل ما كان الصوم على‬
‫الصوص قمعا للشيطان وسدا لسالكه وتضييقا لجاريه استحق التخصيص بالنسبة إل ال عز وجل ففي قمع عدو ال نصرة ل‬
‫سبحانه وناصر ال تعال موقوف على النصرة له قال ال تعال ‪ ﴿ :‬إن تنصروا ال ينصركم ويثبت أقدامكم ﴾ (ممد ‪ )7 :‬فالبداية‬
‫(العنكبوت ‪)69 :‬‬ ‫بالهد من العبد والزاء بالداية من ال عز وجل ‪ ،‬ولذلك قال تعال ‪ ﴿ :‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾‬
‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬إن ال ل يغي ما بقوم ح ت يغيوا ما بأنفسهم ﴾ (الر عد ‪ )11 :‬وإنا التغ ي تكثي الشهوات فهي مرتع الشياطي‬
‫ومرعا هم ف ما دامت مصبة ل ينق طع تردد هم و ما داموا يترددون ل ينكشف للع بد جلل ال سبحانه وكان مجو با عن لقائه ‪،‬‬
‫وقال صلى ال عل يه و سلم ‪ (( :‬لول أن الشياط ي يومون على قلوب ب ن آدم لنظروا إل ملكوت ال سموات ))‪ 14‬ف من هذا‬
‫الوجه صار الصوم باب العبادة وصار جنة وإذا عظمت فضيلته إل هذا الد فل بد من بيان شروطه الظاهرة والباطنة بذكر أركانه‬
‫وسننه وشروطه الباطنة ونبي ذلك بثلثة فصول ‪.‬‬

‫الفصل الول ‪ :‬ف الواجبات والسنن الظاهرة واللوازم بإفساده‬


‫أما الواجبات الظاهرة فستة‬

‫( الول ) ‪ :‬مراقبة أول شهر رمضان وذلك برؤية اللل فإن غم فاستكمال ثلثي يوما من شعبان ونعن بالرؤية العلم‬
‫" ويصل ذلك بقول عدل واحد " ول يثبت هلل شوال إل بقول عدلي احتياطا للعبادة ومن سع عدل ووثق بقوله وغلب على‬
‫ظ نه صدقه لز مه ال صوم وإن ل يقض القا ضي به فليتبع كل عبد ف عبادته مو جب ظ نه ‪ ،‬وإذا رؤي اللل ببلدة ول ير بأخرى‬
‫وكان بينهما أقل من مرحلتي وجب الصوم على الكل ‪ ،‬وإن كان أكثر كان لكل بلدة حكمها ول يتعدى الوجوب ‪ ( .‬الثان )‬
‫‪ :‬النية ‪ :‬ول بد لكل ليلة من نية مبيتة معينة جازمة فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة ل يكفه ‪ ،‬وهو الذي عنينا بقولنا‬

‫‪ 10 10‬حديث (( إن ال تعال يباهي ملئكته بالشاب العابد فيقول أيها الشاب التارك شهوته ‪..‬الديث )) أخرجه ابن عدي من حديث ابن مسعود بسند ضعيف ‪.‬‬
‫‪ 11 11‬حديث (( يقول ال تعال للئكته ‪ :‬يا ملئكت انظروا إل عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي )) ‪.‬‬
‫‪ 12 12‬حديث (( إن الشيطان يري من ابن آدم مرى الدم ‪..‬الديث)) متفق عليه من حديث صفية دون قوله (( فضيقوا ماريه بالوع ))‪.‬‬
‫‪ 13 13‬حديث (( قال لعائشة ‪ :‬داومي قرع باب النة ‪..‬الديث )) ل أجد له أصل ‪.‬‬
‫‪ 14 14‬حديث (( لول أن الشياطي يومون على قلوب بن آدم ‪..‬الديث)) أخرجه أحد من حديث أب هريرة بنحوه ‪.‬‬
‫" كل ليلة " ولو نوى بالنهار ل يزه صوم رمضان ول صوم الفرض إل التطوع وهو الذي عنينا بقولنا " مبيتة " ولو نوى الصوم‬
‫مطل قا أو الفرض مطل قا ل يزه ح ت ينوي فري ضة ال عز و جل صوم رمضان ولو نوى ليلة ال شك أن ي صوم غدا إن كان من‬
‫رمضان ل يزه فإنا ليست جازمة إل أن تستند نيته إل قول شاهد عدل ‪ ،‬واحتمال غلط العدل أو كذبه ليبطل الزم أو يستند‬
‫إل استصحاب حال كالشك ف الليلة الخية من رمضان ‪ ،‬فذلك ل ينع جزم النية أو يستند إل اجتهاد كالحبوس ف الطمورة‬
‫إذا غلب على ظنه دخول رمضان باجتهاده فشكه ل ينعه من النية ‪ .‬ومهما كان شاكا ليلة الشك ل ينفعه جزمه النية باللسان فإن‬
‫النية ملها القلب ‪ .‬ول يتصور فيه جزم القصد مع الشك كما لو قال ف وسط رمضان أصوم غدا إن كان من رمضان فإن ذلك‬
‫ليضره لنه ترديد لفظ ومل النية ل يتصور فيه تردد ‪ ،‬بل هو قاطع بأنه من رمضان ‪ ،‬ومن نوى ليل ث أكل ل تفسد نيته ‪ ،‬ولو‬
‫نوت امرأة ف ال يض ث طهرت ق بل الف جر صح صومها ‪ ( .‬الثالث ) ‪ :‬الم ساك عن إي صال ش يء إل الوف عمدا مع ذ كر‬
‫الصقوم فيفسقد صقومه بالكقل والشرب والسقعوط والقنقة ‪ ،‬ول يفسقد بالفصقد والجامةوالكتحال ‪ ،‬وإدخال اليقل فق الذن‬
‫والحليل إل أن يقطر فيه ما يبلغ الثانة وما يصل بغي قصد من غبار الطريق أو ذبابة تسبق إل جوفه أو ما يسبق إل جوفه ف‬
‫الضم ضة ‪ ،‬فل يف طر إل إذا بالغ ف الضم ضة فيف طر ل نه مق صر و هو الذي أرد نا بقول نا " عمدا " فأ ما ذ كر ال صوم فأرد نا به‬
‫الحتراز عن الناسي فإنه ليفطر ‪ ،‬أما من أكل عامدا ف طرف النهار ث ظهر له أنه أكل نارا بالتحقيق فعليه القضاء وإن بقى على‬
‫حكم ظنه واجتهاده فل قضاء عليه ول ينبغي أن يأكل ف طرف النهار إل بنظر واجتهاد ‪ ( .‬الرابع ) ‪ :‬المساك عن الماع وحده‬
‫مغيب الشفة ‪ ،‬وإن جامع ناسيا ل يفطر ‪ ،‬وإن جامع ليل أو احتلم فأصبح جنبا ل يفطر ‪ ،‬وإن طلع الفجر وهو مالط أهله فنع‬
‫ف الال صح صومه ‪ ،‬فإن صب فسد ولزمته الكفارة ‪ ( .‬الامس ) ‪ :‬المساك عن الستمناء ؛ وهو إخراج الن قصدا بماع أو‬
‫بغي جاع فإن ذلك يفطر ول يفطر بقبلة زوجته ول بضاجعتها ما ل ينل ‪ ،‬لكن يكره ذلك إل أن يكون شيخا أو مالكا لربه ‪،‬‬
‫فل بأس بالتقبيل وتركه أول ‪ .‬وإذا كان ياف من التقبيل أن ينل فقبل وسبق الن أفطر لتقصيه ‪ ( .‬السادس ) ‪ :‬المساك عن‬
‫إخراج القيء فالستقاء يفسد الصوم وإن ذرعه القيء ل يفسد صومه ‪ ،‬وإذا ابتلع نامة من حلقه أو صدره ل يفسد صومه رخصة‬
‫لعموم البلوى به إل أن يبتلعه بعد وصوله إل فيه فإنه يفطر عند ذلك ‪.‬‬

‫وأما لوازم الفطار فأربعة‬

‫القضاء والكفارة والفدية وإمساك بقية النهار تشبيها بالصائمي ؛ أما القضاء ‪ :‬فوجوبه عام على كل مسلم مكلف ترك‬
‫الصوم بعذر أو بغي عذر ‪ ،‬فالائض تقضي الصوم وكذا الرتد ‪ .‬وأما الكافر والصب والجنون فل قضاء عليهم ول يشترط التتابع‬
‫ف قضاء رمضان ول كن يق ضي ك يف شاء متفر قا وممو عا ‪ .‬وأ ما الكفارة ‪ :‬فل ت ب إل بالماع ‪ ،‬وأ ما ال ستمناء وال كل‬
‫والشرب وما عدا الماع ل يب به كفارة فالكفارة عتق رقبة فإن أعسر فصوم شهرين متتابعي وإن عجز فإطعام ستي مسكينا‬
‫مدا مدا ‪ .‬وأما إمساك بقية النهار ‪ :‬فيجب على من عصى بالفطر أو قصر فيه ‪ .‬ول يب على الائض إذا طهرت إمساك بقية‬
‫نارها ‪ ،‬ول على السافر إذا قدم مفطرا من سفر بلغ مرحلتي ‪ .‬ويب المساك إذا شهد باللل عدل واحد يوم الشك ‪ ،‬والصوم‬
‫ف السفر أفضل من الف طر إل إذا ل ي طق ول يف طر يوم يرج وكان مقيما ف أوله ول يوم يقدم إذا قدم صائما ‪ .‬وأ ما الفدية ‪:‬‬
‫فتجب على الامل والرضع إذا أفطرتا خوفا على ولديهما ‪ ،‬لكل يوم مد حنطة لسكي واحد مع القضاء والشيخ الرم ‪ ،‬إذا ل‬
‫يصم تصدق عن كل يوم مدا ‪ .‬وأما السنن فست ‪ :‬تأخي السحور ‪ ،‬وتعجيل الفطر بالتمر أو الاء قبل الصلة ‪ ،‬وترك السواك‬
‫بعد الزوال ‪ ،‬والود ف شهر رمضان لا سبق من فضائله ف الزكاة ‪ ،‬ومدارسة القرآن ‪ ،‬والعتكاف ف السجد ل سيما ف العشر‬
‫الخ ي ف هو عادة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ (( :‬كان إذا د خل الع شر الوا خر طوى الفراش و شد الئزر ودأب وأدأب‬
‫أهله ))‪ 15‬أي ‪ :‬أداموا النصب ف العبادة إذ فيها ليلة القدر والغلب أنا ف أوتارها وأشبه الوتار ليلة إحدى وثلث وخس وسبع‬
‫‪ ،‬والتتابع ف هذا العتكاف أول فإن نذر اعتكافا متتابعا ‪ ،‬أو نواه انقطع تتابعه بالروج منغي ضرورة ‪ ،‬كما لو خرج لعيادة أو‬
‫شهادة أو جنازة أو زيارة أو تديد طهارة ‪ ،‬وإن خرج لقضاء الاجة ل ينقطع ‪ ،‬وله أن يتوضأ ف البيت ول ينبغي أن يعرج على‬
‫شغل آخر (( كان صلى ال عليه وسلم ل يرج إل لاجة النسان ول يسأل عن الريض إل مارا ))‪ 16‬ويقطع التتابع بالماع‬
‫ول ينقطع بالتقبيل ‪ ،‬ول بأس ف السجد بالطيب وعقد النكاح وبالكل والنوم وغسل اليد ف الطست فكل ذلك قد يتاج إليه ف‬
‫التتابع ‪ ،‬ول ينقطع التتابع بروج بعض بدنه (( كان صلى ال عليه وسلم يدن رأسه فترجله عائشة رضي ال عنها وهي ف‬
‫الجرة ))‪ 17‬ومهمقا خرج العتكقف لقضاء حاج ته فإذا عاد ينبغقي أن يسقتأنف الن ية إل إذا كان ققد نوى أول عشرة أيام مثل ‪،‬‬
‫والفضل مع ذلك التجديد ‪.‬‬

‫الفصل الثان ‪ :‬ف أسرار الصوم وشروطه الباطنة‬

‫اعلم أن الصوم ثلث درجات ‪ :‬صوم العموم ‪ ،‬وصوم الصوص ‪ ،‬وصوم خصوص الصوص ‪ .‬وأما صوم العموم ‪:‬‬
‫فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله ‪ .‬وأما صوم الصوص ‪ :‬فهو كف السمع والبصر واللسان واليد‬
‫والرجل وسائر الوارح عن الثام ‪ .‬وأما صوم خصوص الصوص ‪ :‬فصوم القلب عن الضم الدنية والفكار الدنيوية وكفه عما‬
‫سوى ال عز وجل بالكلية ‪ ،‬ويصل الفطر ف هذا الصوم بالفكر فيما سوى ال عز وجل واليوم الخر وبالفكر ف الدنيا إل دنيا‬
‫تراد للدين ‪ ،‬فإن ذلك من زاد الخرة وليس من الدنيا حت قال أرباب القلوب ‪ :‬من تركت هته بالتصرف ف ناره لتدبي ما‬
‫يفطر عليه كتبت عليه خطيئة ‪ ،‬فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل ال عز وجل وقلة اليقي برزقه الوعود ‪ ،‬وهذه رتبة النبياء‬
‫والصديقي والقربي ول يطول النظر ف تفصيلها قول ولكن ف تقيقها عمل ‪ ،‬فإنه إقبال بكنه المة على ال عز وجل وانصراف‬
‫عن غي ال سبحانه وتلبس بعن قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قل ال ث ذرهم ف خوضهم يلعبون ﴾ (النعام ‪ )91 :‬وأما صوم الصوص ‪:‬‬
‫وهو صوم الصالي فهو كف الوارح عن الثام وتامه بستة أمور ‪ ( :‬الول ) ‪ :‬غض البصر وكفه عن التساع ف النظر إل كل‬
‫ما يذم ويكره وإل كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر ال عز وجل ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬النظرة سهم مسموم من‬
‫سهام إبليس لعنه ال ‪ ،‬فمن تركها خوفا من ال آتاه ال عز وجل إيانا يد حلوته ف قلبه ))‪ 18‬وروى جابر عن أنس عن‬
‫رسقول ال صقلى ال عليقه وسقلم أنقه قال ‪ (( :‬خسن يفطرن الصنائم ‪ :‬الكذب والغيبنة والنميمنة واليمين الكاذبنة والنظنر‬
‫بشهوة ))‪ ( . 19‬الثانن ) ‪ :‬حفقظ اللسقان عقن الذبان والكذب والغيبقة والنميمقة والفحقش والفاء والصقومة والراء ‪ ،‬وإلزامقه‬
‫السكوت وشغله بذكر ال سبحانه وتلوة القرآن فهذا صوم اللسان ‪ ،‬وقد قال سفيان ‪ :‬الغيبة تفسد الصوم رواه بشر بن الارث‬

‫‪ 15 15‬حديث (( كان إذا دخل العشر الواخر طوى الفراش ‪..‬الديث)) متفق عليه من حديث عائشة بلفظ (( أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد الئزر )) ‪.‬‬
‫‪ 16 16‬حديث (( كان ل يرج إل لاجة ول يسأل عن الريض إل مارا )) متفق على الشطر الول من حديث عائشة ‪ ،‬والشطر الثان رواه أبو داود بنحوه بسند‬
‫لي ‪.‬‬
‫‪ 17 17‬حديث (( كان يدن رأسه لعائشة )) متفق عليه من حديثها ‪.‬‬
‫‪ 18 18‬حديث (( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ‪..‬الديث )) أخرجه الاكم وصحح إسناده من حديث حذيفة ‪.‬‬
‫‪ 19 19‬حديث جابر عن أنس (( خس يفطرن الصائم ‪..‬الديث )) أخرجه الزدي ف الضعفاء من رواية جابان عن أنس وقوله جابر تصحيف قال أبو حات الرازي‬
‫هذا كذاب {ذكره اللبان ف الضعيفة (‪.} )1065‬‬
‫عنه ‪ ،‬وروى ليث عن ماهد ‪ :‬خصلتان يفسدان الصيام ‪ :‬الغيبة والكذب ‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬إنا الصوم جنة فإذا‬
‫كان أحدكم صائما فل يرفث ول يهل وإن امرؤ قاتله أو شاته فليقل إن صائم إن صائم )) ‪ 20‬وجاء ف الب ‪ :‬أن امرأتي‬
‫صامتا على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فأجهدها الوع والعطش من آخر النهار حت كادتا أن تتلفا فبعثتا إل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يستأذناه ف الفطار فأرسل إليهما قدحا وقال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬قل لما قيئا فيه ما أكلتما )) فقاءت‬
‫إحداها نصفه دما عبيطا ولما غريضا ‪ ،‬وقاءت الخرى مثل ذلك حت ملتاه فعجب الناس من ذلك فقال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( هاتان صامتا عما أحل ال لما وأفطرتا على ما حرم ال تعال عليهما قعدت إحداها إل الخرى فجعلتا يغتابان الناس فهذا‬
‫ما أكلتا من لومهم ))‪ ( 21‬الثالث ) ‪ :‬كف السمع عن الصغاء إل كل مكروه لن كل ما حرم قوله حرم الصغاء إليه ولذلك‬
‫سوى ال عز وجل بي الستمع وآكل السحت فقال تعال ‪ ﴿ :‬ساعون للكذب أكالون للسحت ﴾ (الائدة ‪ )42 :‬وقال عز وجل ‪:‬‬
‫﴿ لول ينهاهم الربانيون والحبار عن قولم الث وأكلهم السحت ﴾ (الائدة ‪ ، )63 :‬فالسكوت على الغيبة حرام وقال تعال ‪﴿ :‬‬
‫إن كم إذا مثل هم ﴾ (الن ساء ‪ )140 :‬ولذلك قال صلى ال عل يه و سلم ‪ (( :‬الغتاب وال ستمع شريكان ف ال ث ))‪ ( . 22‬الرا بع ) ‪:‬‬
‫كف بقية الوارح عن الثام من اليد والرجل عن الكاره ‪ ،‬وكف البطن عن الشبهات وقت الفطار ‪ ،‬فل معن للصوم وهو الكف‬
‫عن الطعام اللل ث الفطار على الرام فمثال هذا الصائم مثال من يبن قصرا ويهدم مصرا ‪ ،‬فإن الطعام اللل إنا يضر بكثرته‬
‫ل بنوعه ‪ ،‬فالصوم لتقليله ‪ ،‬وتارك الستكثار من الدواء خوفا من ضرره إذا عدل إل تناول السم كان سفيها ‪ ،‬والرام سم مهلك‬
‫للدين ‪ ،‬واللل دواء ينفع قليله ويضر كثيه ‪ .‬وقصد الصوم تقليله وقد قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬كم من صائم ليس له من‬
‫صومه إل الوع والع طش ))‪ 23‬فق يل هو الذي يف طر على الرام ‪ ،‬وق يل هو الذي ي سك عن الطعام اللل ويف طر على لوم‬
‫الناس بالغي بة و هو حرام ‪ ،‬وق يل هو الذي ل ي فظ جوار حه عن الثام ‪ ( .‬الا مس ) ‪ :‬أن ل ي ستكثر من الطعام اللل و قت‬
‫الفطار بيث يتلىء جوفه فما من وعاء أبغض إل ال عز وجل من بطن مليء من حلل ‪ .‬وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو ال‬
‫وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة ناره ‪ ،‬ورب ا يزيد عليه ف ألوان الطعام ؟ حت استمرت العادات بأن‬
‫تدخر جيع الطعمة لرمضان فيؤكل من الطعمة فيه ما ل يؤكل ف عدة أشهر ‪ ،‬ومعلوم أن مقصود الصوم الواء وكسر الوى‬
‫لتقوى الن فس على التقوى ‪ .‬وإذا دف عت العدة من ضحوة نار إل العشاء ح ت ها جت شهوت ا وقو يت رغبت ها ث أطع مت من‬
‫اللذات وأشبعت زادت لذتا وتضاعفت قوتا وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتا ‪ ،‬فروح الصوم‬
‫وسره تضعيف القوى الت هي وسائل الشيطان ف العود إل الشرور ‪ ،‬ولن يصل ذلك إل بالتقليل وهو أن يأكل أكلته الت كان‬
‫يأكلها كل ليلة لو ل يصم فأما إذا جع ما كان يأكل ضحوة إل ما كان يأكل ليل فلم ينتفع بصومه ‪ .‬بل من الداب أن ل يكثر‬
‫النوم بالنهار حت يس بالوع والعطش ويستشعر ضعف القوى فيصفو عند ذلك قلبه ويستدي ف كل ليلة قدرا من الضعف حت‬
‫يفق عليقه تجده وأوراده فعسقى الشيطان أن ل يوم على قلبقه فينظقر إل ملكوت السقماء ‪ ،‬وليلة القدر عبارة عقن الليلة التق‬
‫ينكشف فيها شيء من اللكوت وهو الراد بقوله تعال ‪ ﴿ :‬إنا أنزلناه ف ليلة القدر ﴾ (القدر ‪ )1 :‬ومن جعل بي قلبه وبي صدره‬

‫‪ 20 20‬حديث (( الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما ‪..‬الديث )) أخرجاه من حديث أب هريرة ‪.‬‬
‫‪ 21 21‬حديث (( إن امرأتي صامتا على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪..‬الديث)) ف الغيبة للصائم أخرجه أحد من حديث عبيد مول رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم الديث بسند فيه مهول ‪.‬‬
‫‪ 22 22‬حديث (( الغتاب والستمع شريكان ف الث )) غريب ‪ ،‬وللطبان من حديث ابن عمر بسند ضعيف نى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الغيبة وعن‬
‫الستماع إل الغيبة ‪.‬‬
‫‪ 23 23‬حديث (( كم من صائم ليس له من صيامه إل الوع والعطش )) أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أب هريرة {صحيح الامع (‪.})3490‬‬
‫ملة من الطعام فهو عنه مجوب ‪ ،‬ومن أخلى معدته فل يكفيه ذلك لرفع الجاب ما ل يل هته عن غي ال عز وجل وذلك‬
‫هو المر كله ‪ .‬ومبدأ جيع ذلك تقليل الطعام ‪ ،‬وسيأت له مزيد بيان ف كتاب الطعمة إن شاء ال عز وجل ‪ ( .‬السادس ) ‪ :‬أن‬
‫يكون قل به ب عد الفطار معل قا مضطر با ب ي الوف والرجاء إذ ل يس يدرى أيق بل صومه ف هو من القرب ي ؟ أو يرد عل يه ف هو من‬
‫المقوتي ؟ وليكن كذلك ف آخر كل عبادة يفرغمنها فقد روى عن السن بن أب السن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون‬
‫فقال ‪ :‬إن ال عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا للقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتلف أقوام فخابوا فالعجب كل‬
‫الع جب للضا حك الل عب ف اليوم الذي فاز ف يه ال سابقون وخاب ف يه البطلون ‪ ،‬أ ما وال لو ك شف الغطاء لشت غل الح سن‬
‫بإحسانه والسيء بإساءته أي ‪ :‬كان سرور القبول يشغله عن اللعب وحسرة الردود تسد عليه باب الضحك ‪ .‬وعن الحنف بن‬
‫قيس أنه قيل له ‪ :‬إنك شيخ كبي ‪ ،‬وإن الصيام يضعفك ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن أعده لسفر طويل والصب على طاعة ال سبحانه أهون من‬
‫الصب على عذابه ‪ .‬فهذه هي العان الباطنة ف الصوم ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج وترك هذه العان ‪ ،‬فقد قال الفقهاء ‪ :‬صومه صحيح فما معناه ؟ فاعلم‬
‫أن فقهاء الظاهر يثبتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الدلة الت أوردناها ف هذه الشروط الباطنة ل سيما الغيبة وأمثالا‬
‫‪ ،‬ولكن ليس إل فقهاء الظاهر من التكليفات إل ما يتيسر على عموم الغافلي القبلي على الدنيا الدخول تته ‪ .‬فأما علماء الخرة‬
‫فيعنون بالصحة القبول وبالقبول الوصول إل القصود ‪ .‬ويفهمون أن القصود من الصوم التخلق بلق من أخلق ال عز وجل وهو‬
‫ال صمدية ‪ ،‬والقتداء باللئ كة ف ال كف عن الشهوات ب سب المكان فإن م منهون عن الشهوات ‪ ،‬والن سان رتب ته فوق رت بة‬
‫البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ودون رتبة اللئكة لستيلء الشهوات عليه وكونه مبتلى بجاهدتا ‪ ،‬فكلما انمك ف‬
‫الشهوات ان ط إل أ سفل ال سافلي والت حق بغمار البهائم ‪ ،‬وكل ما ق مع الشهوات ارت فع إل أعلى علي ي والت حق بأ فق اللئ كة ‪،‬‬
‫واللئكة مقربون من ال عز وجل والذي يقتدى بم ويتشبه بأخلقهم يقرب من ال عز وجل كقربم ‪ ،‬فإن الشبيه من القريب‬
‫قر يب ‪ ،‬ول يس القر يب ث بالكان بل بال صفات ‪ ،‬وإذا كان هذا سر ال صوم ع ند أرباب اللباب وأ صحاب القلوب فأي جدوى‬
‫لتأخي أكلة وجع أكلتي عند العشاء مع النماك ف الشهوات الخر طول النهار ؟ ولو كان لثله جدوى فأي معن لقوله صلى‬
‫ال عل يه و سلم ‪ (( :‬كم من صائم ل يس له من صومه إل الوع والع طش )) ولذا قال أ بو الدرداء ‪ :‬يا حبذا نوم الكياس‬
‫وفطرهم كيف ل يعيبون صوم المقى وسهرهم ‪ ،‬ولذرة من ذوي يقي وتقوى أفضل وأرجح من أمثال البال عبادة من الغتربي‬
‫‪ .‬ولذلك قال ب عض العلماء ‪ :‬كم من صائم مف طر و كم من مف طر صائم ‪ .‬والف طر ال صائم هو الذي ي فظ جوار حه عن الثام‬
‫ويأكل ويشرب ‪ ،‬والصائم الفطر هو الذي يوع ويعطش ويطلق جوارحه ‪ .‬ومن فهم معن الصوم وسره علم أن مثل من كف‬
‫عن الكل والماع وأفطر بخالطة الثام كمن مسح على عضو من أعضائه ف الوضوء ثلث مرات فقد وافق ف الظاهر العدد إل‬
‫أنه ترك الهم وهو الغسل فصلته مردودة عليه بهله ‪ ،‬ومثل من أفطر بالكل وصام بوارحه عن الكاره كمن غسل أعضاؤه مرة‬
‫مرة فصلته متقبلة إن شاء ال لحكامه الصل وإن ترك الفضل ‪ .‬ومثل من جع بينهما كمن غسل كل عضو ثلث مرات فجمع‬
‫بي الصل والفضل وهو الكمال ‪ ،‬وقد قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته ))‪24‬ولا تل قوله‬
‫وضع يده على سعه وبصره فقال ‪ (( :‬السمع أمانة‬ ‫(الن ساء ‪)58 :‬‬ ‫عز وجل ‪ ﴿ :‬إن ال يأمركم أن تؤدوا المانات إل أهلها ﴾‬

‫‪ 24 24‬حديث (( إنا الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته )) أخرجه الرائطي ف مكارم الخلق من حديث ابن مسعود ف حديث ف المانة والصوم وإسناده‬
‫حسن ‪.‬‬
‫والب صر أما نة ))‪ 25‬ولول أ نه من أمانات الصوم ل ا قال صلى ال عل يه و سلم ‪ (( :‬فلي قل إ ن صائم )) أي ‪ :‬إ ن أود عت ل سان‬
‫لحف ظه فك يف أطل قه بوا بك ؟ فإذن قد ظ هر أن ل كل عبادة ظاهرا وباطناوقشرا ول با ولقشر ها درجات ول كل در جة طبقات‬
‫فإليك الية الن ف أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إل غمار أرباب اللباب‪.‬‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬ف التطوع بالصيام وترتيب الوراد فيه‬


‫اعلم أن ا ستحباب ال صوم يتأ كد ف اليام الفاضلة وفوا ضل اليام بعض ها يو جد ف كل سنة وبعض ها يو جد ف كل ش هر‬
‫وبعضها ف كل أسبوع ‪ ،‬أما ف السنة بعد أيام رمضان فيوم عرفة ويوم عاشوراء والعشر الول من ذي الجة والعشر الول من‬
‫الحرم ‪ ،‬وجيع الشهر الرم مظان الصوم وهي أوقات فاضلة (( وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يكثر صوم شعبان حت‬
‫كان يظن أنه ف رمضان ))‪ ، 26‬وف الب (( أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر ال الحرم ))‪ 27‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( صوم يوم من ش هر حرام أف ضل من ثلث ي من غيه و صوم يوم من رمضان أف ضل من ثلث ي من ش هر حرام )) ‪ 28‬و ف‬
‫الديث ‪ (( :‬من صام ثلثة أيام من شهر حرام الميس والمعة والسبت كتب ال له بكل يوم عبادة تسعمائة عام ))‪ 29‬وف‬
‫ال ب (( إذا كان الن صف من شعبان فل صوم ح ت رمضان ))‪ 30‬ولذا ي ستحب أن يف طر ق بل رمضان أيا ما فإن و صل شعبان‬
‫برمضان فجائز (‪ ) 31‬ف عل ذلك ر سول ال صلى ال عل يه و سلم مرة وف صل مرارا كثية ( ‪ ) 32‬ول يوز أن يق صد ا ستقبال رمضان‬
‫بيومي أو ثلثة إل أن يوافق وردا له وكره بعض الصحابة أن يصام رجب كله حت ل يضاهي بشهر رمضان فالشهر الفاضلة ‪:‬‬
‫ذو الجة والحرم ورجب وشعبان ‪ .‬والشهر الرم ‪ :‬ذو القعدة وذو الجة والحرم ورجب ‪ .‬واحد فرد وثلثة سرد ‪ ،‬وأفضلها‬
‫ذو الجة لن فيه الج واليام العلومات والعدودات وذو القعدة من الشهر الرم وهو من أشهر الج ‪ .‬وشوال من أشهر الج‬
‫وليس من الرم ‪ ،‬والحرم ورجب ليسا من أشهر الج ‪ ،‬وف الب (( ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إل ال عز وجل من‬
‫أيام ع شر ذي ال جة إن صوم يوم م نه يعدل صيام سنة وقيام ليلة م نه تعدل قيام ليلة القدر ‪ ،‬ق يل ‪ :‬ول الهاد ف سبيل ال‬
‫تعال ؟ قال ‪ :‬ول الهاد ف سبيل ال عز وجل ‪ ،‬إل من عقر جواده وأهريق دمه ))‪ 33‬وأما ما يتكرر ف الشهر ‪ :‬فأول الشهر‬
‫وأو سطه وآخره وو سطه اليام الب يض و هي الثالث ع شر والرا بع ع شر والا مس ع شر ‪ ،‬وأ ما ف ال سبوع ‪ :‬فالثن ي والم يس‬
‫‪ 25 25‬حديث (( لا تل قوله تعال ﴿ إن ال يأمركم أن تؤدوا المانات إل أهلها ﴾ وضع يده على سعه وبصره وقال ‪ :‬السمع أمانة والبصر أمانة )) أخرجه أبو‬
‫داود من حديث أب هريرة دون قوله (( السمع أمانة )) ‪.‬‬
‫‪ 26 26‬حديث (( كان يكثر صيام شعبان ‪..‬الديث )) متفق عليه من حديث عائشة ‪.‬‬
‫‪ 27 27‬حديث (( أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر ال الحرم )) أخرجه مسلم من حديث أب هريرة ‪ .‬لنه ابتداء السنة فبناؤها على الي أحب وأرجى لدوام‬
‫بركته ‪.‬‬
‫‪ 28 28‬حديث (( صوم يوم من شهر حرام أفضل من صوم ثلثي ‪..‬الديث )) ل أجده هكذا وف العجم الصغي للطبان من حديث ابن عباس (( من صام يوما‬
‫من الحرم فله بكل يوم ثلثون يوما )) ‪.‬‬
‫‪ 29 29‬حديث (( من صام ثلثة أيام من شهر حرام الميس والمعة والسبت ‪..‬الديث )) أخرجه الزدي ف الضعفاء من حديث أنس ‪.‬‬
‫‪ 30 30‬حديث (( إذا كان النصف من شعبان فل صوم حت رمضان )) أخرجه الربعة من حديث أب هريرة وابن حبان ف صحيحه عنه (( إذا كان النصف من‬
‫شعبان فأفطروا حت ييء رمضان)) وصححه الترمذي ‪.‬‬
‫‪ 31 31‬حديث (( وصل شعبان برمضان مرة )) أخرجه الربعة من حديث أم سلمة (( ل يكن يصوم من السنة شهرا تاما إل شعبان يصل به رمضان )) وأخرج أبو‬
‫داود والنسائي نوه من حديث عائشة ‪.‬‬
‫‪ 32 32‬حديث (( فصل شعبان من رمضان مرارا )) أخرجه أبو داود من حديث عائشة قالت ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتحفظ من هلل شعبان ما ل‬
‫يتحفظ من غيه فإن غم عليه عد ثلثي يوما ث صام )) وأخرجه الدارقطن وقال ‪ :‬إسناده صحيح ‪ ،‬والاكم وقال ‪ :‬صحيح على شرط الشيخي ‪.‬‬
‫والمعة فهذه هي اليام الفاضلة فيستحب فيها الصيام وتكثي اليات لتضاعف أجورها ببكة هذه الوقات ‪ .‬وأما صوم الدهر ‪:‬‬
‫فإ نه شا مل لل كل وزيادة ولل سالكي ف يه طرق فمن هم من كره ذلك إذ وردت أخبار تدل على كراه ته ‪ ،‬وال صحيح أ نه إن ا يكره‬
‫لشيئي ‪ :‬أحدها ‪ :‬أن ل يفطر ف العيدين وأيام التشريق فهو الدهر كله (‪ )34‬والخر أن يرغب عن السنة ف الفطار ويعل الصوم‬
‫حجرا على نفسه مع أن ال سبحانه يب أن تؤتى رخصه كما يب أن تؤتى عزائمه ‪ ،‬فإذا ل يكن شيء من ذلك ورأى صلح‬
‫نفسه ف صوم الدهر فليفعل ذلك ‪ ،‬فقد فعله جاعة من الصحابة والتابعي رضي ال عنهم ‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم فيما رواه‬
‫أبو موسى الشعري ‪ (( :‬من صام الدهر كله ضيقت عليه جهنم وعقد تسعي ))‪ 35‬ومعناه ‪ :‬ل يكن له فيها موضع ‪ ،‬ودونه‬
‫درجة أخرى وهو صوم نصف الدهر بأن يصوم يوما ويفطر يوما وذلك أشد على النفس وأقوى ف قهرها ‪ ،‬وقد ورد ف فضله‬
‫أخبار كثية لن الع بد ف يه ب ي صوم يوم وش كر يوم ‪ ،‬ف قد قال صلى ال عل يه و سلم ‪ (( :‬عر ضت علي مفات يح خزائن الدن يا‬
‫وكنوز الرض فرددتا وقلت ‪ :‬أجوع يوما وأشبع يوما ‪ ،‬أحدك إذا شبعت وأتضرع إليك إذا جعت ))‪ 36‬وقال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ (( :‬أفضل الصيام صوم أخي داود ‪ ،‬كان يصوم ويفطر يوما ))‪ 37‬ومن ذلك (( منازلته صلى ال عليه وسلم لعبد ال‬
‫بن عمرو رضي ال عنهما ف الصوم وهو يقول ‪ :‬إن أطيق أكثر من ذلك ‪ ،‬فقال صلى ال عليه وسلم صم يوما وأفطر يوما ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬إن أريد أفضل من ذلك ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ل أفضل من ذلك ))‪ 38‬وقد روي أنه صلى ال عليه وسلم ما‬
‫صام شهرا كامل قط إل رمضان (‪ )39‬بل كان يف طر م نه و من ل يقدر على صوم ن صف الد هر فل بأس بثل ثه ‪ ،‬و هو أن ي صوم‬
‫ويفطر يومي ‪ ،‬وإذا صام ثلثة من من أول الشهر ‪ ،‬وثلثة من الوسط ‪ ،‬وثلثة من الخر فهو ثلث ‪ ،‬وواقع ف الوقات الفاضلة‬
‫وإن صام الثني والميس والمعة فهو قريب من الثلث وإذا ظهرت أوقات الفضيلة فالكمال ف أن يفهم النسان معن الصوم‬
‫وأن مقصوده تصفية القلب وتفريغ الم ل عز وجل ‪ .‬والفقيه بدقائق الباطن ينظر إل أحواله فقد يقتضي حاله دوام الصوم وقد‬
‫يقتضي دوام الفطر وقد يقتضي مزج الفطار بالصوم ‪ .‬وإذا فهم العن وتقق حده ف سلوك طريق الخرة براقبة القلب ل يف‬
‫عل يه صلح قل به وذلك ل يو جب ترتي با م ستمرا ‪ .‬ولذلك روي أ نه صلى ال عل يه و سلم (( كان ي صوم ح ت يقال ل يف طر ‪،‬‬
‫ويف طر ح ت يقال ل ي صوم ‪ ،‬وينام ح ت يقال ل يقوم ‪ ،‬ويقوم ح ت يقال ل ينام ))‪ 40‬وكان ذلك ب سب ما ينك شف له بنور‬

‫‪ 33 33‬حديث (( ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إل ال من عشر ذي الجة ‪..‬الديث )) أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أب هريرة دون قوله (( قيل‬
‫‪ :‬ول الهاد ‪..‬ال )) وعند البخاري من حديث ابن عباس (( ما العمل ف أيام أفضل من العمل ف هذا العشر ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ول الهاد ؟ قال ‪ :‬ول الهاد ‪ ،‬إل رجل‬
‫خرج ياطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء )) ‪.‬‬
‫‪ 34 34‬الحاديث الدالة على كراهة صيام الدهر أخرجها البخاري ومسلم من حديث عبد ال بن عمرو وف حديث لبن ماجه (( ل صام من صام البد )) ولسلم‬
‫من حديث أب قتادة (( قيل ‪ :‬يا رسول ال كيف بن صام الدهر ؟ قال ‪ :‬ل صام ول أفطر )) وأخرج النسائي نوه من حديث عبد ال بن عمر وعمران بن‬
‫حصي وعبد ال بن الشخي ‪.‬‬
‫‪ 35 35‬حديث أب موسى الشعري (( من صام الدهر كله ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعي )) أخرجه أحد والنسائي ف الكبى وابن حبان وحسنه أبو علي‬
‫الطوسي ‪.‬‬
‫‪ 36 36‬حديث (( عرضت علي مفاتيح خزائن الدنيا ‪..‬الديث )) أخرجه الترمذي من حديث أب أمامة بلفظ ((عرض علي رب ليجعل ل بطحاء مكة ذهبا ))‬
‫وقال ‪ :‬حسن ‪.‬‬
‫‪ 37 37‬حديث (( أفضل الصيام صوم أخي داود ‪..‬الديث )) أخرجاه من حديث عبد ال بن عمر ‪.‬‬
‫‪ 38 38‬حديث (( منازلته لعبد ال بن عمر وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ :‬صم يوما وأفطر يوما ‪..‬الديث )) أخرجاه من حديثه ‪.‬‬
‫‪ 29 39‬حديث (( ما صام شهرا كامل قط إل رمضان )) أخرجاه من حديث عائشة ‪.‬‬
‫‪ 4040‬حديث (( كان يصوم حت يقال ل يفطر ‪..‬الديث)) أخرجاه من حديث عائشة وابن عباس دون ذكر (( القيام والنوم ))‬
‫والبخاري من حديث أنس (( كان يفطر من الشهر حت يظن أن ل يصوم منه شيئا ‪ ،‬ويصوم حت يظن أن ل يفطر منه شيئا ‪،‬‬
‫النبوة من القيام بقوق الوقات ‪ .‬و قد كره العلماء أن يوال ب ي الفطار أك ثر من أرب عة أيام تقديرا بيوم الع يد وأيام التشر يق ‪،‬‬
‫وذكروا أن ذلك يقسي القلب ‪ ،‬ويولد رديء العادات ويفتح أبواب الشهوات ‪ ،‬ولعمري هو كذلك ف حق أكثر اللق ل سيما‬
‫من يأكل ف اليوم والليل مرتي ‪ .‬فهذا ما أردنا ذكره من ترتيب الصوم التطوع به ‪ .‬وال أعلم بالصواب ‪.‬‬

‫ت كتاب (( أسرار الصوم )) والمد ل بميع مامده كلها ما علمنا منها وما ل نعلم ‪ ،‬على جيع نعمه كلها ما علمنا منها‬
‫وما ل نعلم وصلى ال على سيدنا ممد وآله وصحبه وسلم وكرم وعلى كل عبد مصطفى من أهل الرض والسماء ‪ .‬يتلوه إن‬
‫شاء ال تعال كتاب (( أسرار الج )) وال العي ل رب غيه وما توفيقي إل بال وحسبنا ال ونعم الوكيل‪.‬‬

‫وكان ل تشاه تراه من الليل مصليا إل رأيته ول نائما إل رأيته )) ‪.‬‬

You might also like