You are on page 1of 29

‫بين يدي‬

‫رمضان‬
‫تأليف‬
‫فضيلة الشيخ‪ /‬الدكتور‬
‫ممد بن أحد بن إساعيل القدّم‬
‫عفا ال عنه‬

‫الدعوة السلفية‬
‫‪Omar_rahal84@hotmail.com‬‬
‫‪Omar_rahal2005@yahoo.com‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫‪2‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫المد ل الذي أعظم على عباده النة ‪ ,‬با دفع عنهم من كيد الشيطان ‪ ,‬ورَدّ أملَه ‪,‬‬
‫وخيّب ظنه ‪ ,‬إذ جعل الصوم حصنا لوليائه و ُجنّة ‪ ,‬وفتح لم به أبواب النة ‪ ,‬وعرّفهم‬
‫أن وسيلة الشيطان إل قلوبم‪ :‬الهوا ُء الستكنّة ‪ ,‬وأن بقمعها تصبح النفس مطمئنة ‪,‬‬
‫ظاهر َة الشوكة ف قصْمِ َخصْمِها قوية ا ُلنّة‪.‬‬
‫سنّة ‪ ,‬وعلى آله‬‫وصلى ال على عبده ورسوله ممد قائد الغُ ّر الُحجّلي ومُ َمهّد ال ّ‬
‫وأصحابه وسلم تسليما كثيا ‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن حكمة ال جل وعل اقتضت أن يعل هذه الدنيا مزرعةً للخرة ‪ ,‬وميدانا للتنافس ‪,‬‬
‫وكان من فضله عز وجل على عباده وكرمه أن يزي على القليل كثيا ‪ ,‬ويضاعفَ‬
‫الساب ‪ ,‬ويعلَ لعباده مواسم تعظم فيها هذه الضاعفة ‪ ,‬فالسعيد من اغتنم مواسم‬
‫الشهور واليام والساعات ‪ ,‬وتقرّب فيها إل موله با أمكنه من وظائف الطاعات ‪,‬‬
‫عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات ‪ ,‬فيسعد با سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها‬
‫من اللفحات ‪ ,‬قال السن رحه ال ف قول ال عز وجل‪{ :‬وَ ُهوَ اّلذِي جَ َعلَ اللّ ْيلَ‬
‫وَالّنهَارَ خِ ْل َفةً لّ َم ْن أَرَادَ أَن َيذّ ّك َر َأوْ أَرَادَ ُشكُورًا} (‪ )62‬سورة الفرقان ‪ ,‬قال‪ " :‬من‬
‫عجز بالليل كان له من أول النهار مستعتب ‪ ,‬ومن عجز بالنهار كان له من الليل‬
‫مستعتب " ‪.‬‬
‫ومن أعظم هذه الواسم الباركة وأجلّها شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن الجيد ‪ ,‬ولذا‬
‫كان حريًا بالؤمن أن يسن الستعداد لذا القادم الكري ‪ ,‬ويتفقه ف شروط ومستحبات‬
‫وآداب العبادات الرتبطة بذا الوسم الافل لئل يفوته الي العظيم ‪ ,‬ول ينشغل بفضول‬
‫عن فاضل ‪ ,‬ول بفاضل عما هو أفضل منه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫أخي السلم‪:‬‬
‫استحضر ف قلبك الن أحب الناس إليك ‪ ,‬وقد غاب عنك أحد عشر شهرا ‪ ,‬وهب أنك‬
‫ت بقدومه وعودته خلل أيام قلئل‪ ...‬كيف تكون فرحتك بقدومه ‪ ,‬واستبشارك‬ ‫بُشّر َ‬
‫بقربه ‪ ,‬وبشاشتك للقائه ؟‬
‫إن أول الداب الشرعية بي يدي رمضان أن تتأهب لقدومه قبل الستهلك ‪ ,‬وأن تكون‬
‫النفس بقدومه مستبشرة ولزالة الشك ف رؤية اللل منتظرة ‪ ,‬وأن تستشرف لنظره‬
‫استشرافها لقدوم حبيب غائب من سفره ‪ ,‬إذ أن التأهب لشهر رمضان والستعداد‬
‫ك وَمَن ُيعَظّ ْم َشعَاِئرَ ال ّلهِ فَِإّنهَا مِن‬
‫لقدومه من تعظيم شعائر ال تبارك وتعال القائل‪َ { :‬ذلِ َ‬
‫َتقْوَى اْلقُلُوبِ} (‪ )32‬سورة الـج‪.‬‬
‫يفرح الؤمنون بقدوم شهر رمضان ويسبشرون ‪ ,‬ويمدون ال أن بلّغهم إياه ‪ ,‬ويعقدون‬
‫العزم على تعميه بالطاعات ‪ ,‬وزيادة السنات ‪ ,‬وهجر السيئات ‪ ,‬وأولئك يبشّرون بقول‬
‫ضلِ ال ّل ِه وَِب َرحْمَِتهِ فَِب َذِلكَ فَلَْي ْفرَحُواْ ُهوَ خَيْ ٌر مّمّا يَجْ َمعُونَ} (‬
‫ال تبارك وتعال‪ُ { :‬قلْ ِبفَ ْ‬
‫‪ )58‬سورة يونس ‪ ,‬وذلك لن مبة العمال الصالة والستبشار با فرع عن مبة ال عز‬
‫وجل ‪ ,‬قال تعال‪{ :‬وَِإذَا مَا أُن ِزلَ ْ‬
‫ت سُو َرةٌ فَمِ ْنهُم مّن َيقُو ُل َأيّ ُكمْ زَادَْتهُ َه ِذ ِه إِيَانًا َفأَمّا‬
‫الّذِينَ آمَنُوْا َفزَا َدْتهُ ْم إِيَانًا وَ ُه ْم َيسْتَ ْبشِرُونَ} (‪ )124‬سورة التوبة ‪ ,‬فترى الؤمني‬
‫متلهفي مشتاقي إل رمضان ‪ ،‬تن قلوبم إل صوم ناره ‪ ،‬ومكابدة ليله بالقيام والتهجد‬
‫بي يدي مولهم ‪ ،‬وتراهم يهدون لستقبال رمضان بصيام التطوع خاصة ف شعبان ‪.‬‬
‫باع قوم من السلف جارية لم لحد الناس ‪ ،‬فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الديد يتهيأ‬
‫بألوان الطعومات والشروبات لستقبال رمضان – كما يصنع كثي من الناس اليوم –‬
‫فلما رأت الارية ذلك منهم قالت‪ " :‬لـاذا تصنعون ذلك؟ " ‪ ،‬قالوا‪ " :‬لستقبال شهر‬
‫رمضان " ‪ ،‬فقالت‪ " :‬وأنتم ل تصومون إل ف رمضان؟ وال لقد جئت من عند قوم‬
‫السَّن ُة عندهم كأنا كلّها رمضان ‪ ،‬ل حاجة ل فيكم ‪ ،‬رُدّون إليهم " ‪ ،‬ورجعت إل‬
‫سيدها الول ‪.‬‬
‫‪ " :‬كل عمل ابن آدم يضاعف ‪ :‬السنة بعشر أمثالا ‪،‬‬ ‫سع الؤمنون قول رسول ال‬
‫إل سبع مائة ضعف ‪ ،‬قال تعال ‪ :‬إل الصوم ‪ ,‬فإنه ل وأنا أجزي به ‪ ,‬يدع شهوته‬

‫‪4‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫وطعامه من أجلي " [ الديث رواه مسـلم ] ‪ ،‬فعلموا أن المتناع عن الشهوات ل عز‬
‫وجل ف هذه الدنيا سبب لنيلها ف الخرة ‪ ,‬كما أشار إل ذلك مفهوم قول رسول ال‬
‫‪ " :‬من شرب المر ف الدنيا ‪ ،‬ث ل يتب منها ‪ ,‬حُ ِرمَها ف الخرة " [ متفق عليه ] ‪,‬‬
‫‪":‬‬ ‫‪ " :‬من لبس الرير ف الدنيا ل يلبسه ف الخرة " [ متفق عليه ] ‪ ،‬وقوله‬ ‫وقوله‬
‫من ترك اللباس تواضعا ل ‪ ,‬وهو يقدر عليه ‪ ،‬دعاه ال يوم القيامة على رؤوس‬
‫اللئق ‪ ,‬حت ييه من أي حلل اليان شـاء يلبسها " [ رواه الترمذي وحسنه ‪,‬‬
‫والاكم وصححه ‪ ,‬ووافقه الذهب ] ‪.‬‬
‫بعث أبو موسى على سرية ف البحر ‪,‬‬ ‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما أن رسول ال‬
‫فبينما هم كذلك ‪ ،‬قد رفعوا الشراع ف ليلة مظلمة ‪ ،‬إذا هاتف فوقهم يهتف ‪ (( :‬يا أهل‬
‫السفينة ! قفوا أخبكم بقضاء ال على نفسه )) فقال أبو موسى ‪ (( :‬أخبنا إن كنت‬
‫مبا )) ‪ ،‬قال‪ (( :‬إن ال تبارك وتعال قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له ف يوم‬
‫صائف ‪ ،‬سقاه ال يوم العطش )) [ رواه البزار ‪ ،‬وحسنه النذري ] ‪ ،‬وف رواية عن أب‬
‫موسى رضي ال عنه قال‪ " :‬إن ال قضى على نفسه أن من عطّش نفسه ل ف يوم‬
‫حار ‪ ،‬كان حقًا على ال أن َي ْروَيه يوم القيامة " ‪ ،‬قال‪ (( :‬فكان أبو موسى يتوخى‬
‫اليوم الشديد الر الذي يكاد النسان ينسلخ فيه حرا فيصومه )) [ رواه ابن أب‬
‫الدنيا ]‪.‬‬
‫قال‪ " :‬إن ف النة بابا يقال له‪:‬‬ ‫وعن سهل بن سعد رضي ال عنه عن النب‬
‫الريان ‪ ،‬يدخل منه الصائـمون يوم القيامة ‪ ،‬ل يدخل منه أحد غيهم ‪ ،‬فإذا دخلوا‬
‫أُغٌلِق ‪ ،‬فلم يدخل منه أحد ‪ ،‬فإذا دخل آخرهم أغلق ‪ ،‬ومن دخل شرب ‪ ،‬ومن شرب‬
‫ل يظمأ أبدا " ‪.‬‬
‫‪ " :‬أتان جبيل ‪ ،‬فقال‪ :‬يا ممد ‪،‬‬ ‫وعن جابر بن سرة رضي ال عنه قال رسول ال‬
‫من أدرك أحد والديه ‪ ,‬فمات فدخل النار ‪ ,‬فأبعده ال ‪ ,‬قل‪ :‬آمي ‪ ،‬فقلت‪ :‬آمي ‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا ممد ‪ ,‬من أدرك شهر رمضان ‪ ,‬فمات فلم يُغفر له‪ ،‬فأُدخل النار ‪ ,‬فأبعده ال‬
‫‪ ,‬قل‪ :‬آمي ‪ ،‬فقلت‪ :‬آمي ‪ ,‬قال‪ :‬ومن ذُكِرتَ عنده فلم يصل عليك ‪ ,‬فمات ‪ ،‬فدخل‬

‫‪5‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫النار ‪ ،‬فأبعده ال ‪ ,‬قل‪ :‬آمي ‪ ,‬فقلت‪ :‬آمي " [ رواه الطبان ف " الكبي" ‪ ,‬وصححه‬
‫اللبان ]‪.‬‬
‫فهل تعجب أخي الؤمن أن جبيل ملك الوحي يقول ف هذا الديث ‪ ,‬وفيما رواه مسلم‬
‫" من أدرك شهر رمضان ول يُغفر له باعده ال ف النار " ث يؤمّن خليل الرحن الصادق‬
‫على دعائه ؟! ‪ ,‬وأي عجب ورمضان فرصة نادرة ثينة فيها الرحة والغفرة ‪,‬‬
‫ودواعيها متيسرة ‪ ,‬والعوان عليها كثيون ‪ ,‬وعوامل الفساد مدودة ‪ ,‬ومردة الشياطي‬
‫مصفّدون ‪ ,‬ول عتقاء ف كل ليلة ‪ ,‬وأبواب النة مفتحة ‪ ،‬وأبواب النيان مغلقة ‪ ,‬فمن ل‬
‫تنله الرحة مع كل ذلك فمت تناله إذن ؟ ‪ ،‬ول يهلك على ال إل هالك ‪ ,‬ومن ل يكن‬
‫أهلً للمغفرة ف هذا الوسم ففي أي وقت يتأهل لا ‪ ،‬ومن خاض البحر اللجاج ول يَ ّطهّرْ‬
‫فماذا يطهره ؟! ‪.‬‬
‫صبُ ؟‬
‫ففي أي حيٍ يستنيُ ويُخْ ِ‬ ‫جدِبا ف ربِيعِه‬
‫إذا الروْض أمسى مُ ْ‬
‫اختلف سعى الناس ف الستعداد لرمضان ‪ ,‬فعن أب‬ ‫لقد بيّن الصادق الصدوق‬
‫(‪ )1‬ما أتى على‬ ‫‪ " :‬بحلوف رسول ال‬ ‫هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫السلمي شهر خي لم من رمضان ‪ ،‬ول أتى على النافقي شهر شر لم من رمضان ‪,‬‬
‫وذلك لا ُيعِ ّد الؤمنون فيه من القوة للعبادة (‪ )2‬وما يُعد فيه النافقون من غَفلت الناس‬

‫‪1‬‬
‫أنه ما أتى‬ ‫" يقسم أبو هريرة با أقسم به النب‬ ‫قوله رضي ال عنه " بحلوف رسول ال‬ ‫()‬
‫على السلمي شهر خي لم من رمضان ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫قوله ‪ " :‬وذلك ل ا ي عد الؤمنون ف يه من القوة للعبادة " أي ما يقوي هم علي ها ف رمضان‬ ‫()‬
‫كادخار القوت ‪ ,‬و ما ينف قه على عياله ف يه ‪ ,‬و قد ف سره ف طر يق ثان ية بقوله ‪ " :‬وذلك أن الؤ من ي عد ف يه‬
‫القوة للعبادة من النف قة " أي لن اشتغال م بالعبادة ف يه ينع هم من ت صيل العاش أو يقلل م نه ‪ ,‬فقيام الل يل‬
‫يستدعي النوم بالنهار ‪ ,‬والعتكاف يستدعي عدم الروج من السجد ‪ ,‬وف هذا تعطيل لسباب العاش فهم‬
‫يُح صلّون القوت و ما يلزم لولد هم ف رمضان ق بل حلوله ليتفرغوا ف يه للعبادة والقبال على على ال عز‬
‫وجل واجتناء ثرة هذا الوسم ‪ ,‬فهو خي لم لا اكتسبوه فيه من الجر العظيم والغفران العميم ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫وعوراتم (‪ , )3‬هوغَ ْنمٌ للمؤمن (‪ )4‬يغتنمه الفاجر(‪ [ ." )5‬أخرجه المام أحد ‪ ,‬ونسبه ابن‬
‫حجر ف "التعجيل" إل صحيح ابن خزية ‪ ,‬وصححه العلمة أحد شاكر رقم ‪.] 8350‬‬

‫وعن أ ب هريرة رضي ال عنه من طر يق آ خر مرفوعا‪ " :‬أظلّ كم " أي أشرف علي كم ‪,‬‬
‫وقرب منكم – " شهركم هذا بحلوف رسول ال ‪ ,‬ما َم ّر بالؤمني شهر خي لم منه‬
‫‪ ,‬ول بالنافقي شهر شر لم منه ‪ ,‬إن ال عز وجل ليكتب أجره ونوافله من قبل أن يُدخِله‬
‫‪ ,‬ويك تب إ صره – أي إث ه وعقوب ته – ( وشقاؤه من ق بل أن يدخله ) ل نه يعلم ما كان‬
‫و ما يكون ( وذلك أن الؤ من ُيعِدّ ف يه القوة للعبادة من النف قة ‪ ,‬وي عد النا فق اتباع غفلة‬
‫الناس واتباع عورات م ‪ ,‬ف هو غ نم للمؤ من ‪ ,‬يغتن مه النا فق ) [ رواه المام أح د والبيه قي‬
‫والطبان ف الوسط ‪ ,‬وابن خزية ف صحيحه ‪ ,‬وسكت عنه النذري ‪ ,‬وأورده اليثمي ‪,‬‬
‫وقال‪ :‬رواه أحد والطبان ف الوسط ‪ ,‬عن تيم مول ابن رمانة و ول أجد من ترجه ]‬
‫اهـ ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫قوله ‪ " :‬وما يعد فيه النافقون من غفلت الناس وعوراتم " ‪ ,‬يعن أن النافقي يستعدون ف‬ ‫()‬
‫ش هر رمضان لليذاء بال سلمي ف دنيا هم وتت بع عورات م أثناء غفلت هم عن الدن يا وانقطاع هم إل ال عز‬
‫وجل ‪ ،‬فكأن ذلك غنيمة اغتنموها ف نظرهم ‪ ,‬ولكنها ف القيقة شر لم لو كانوا يعلمون ما أعده ال لم‬
‫ف الخرة من العذاب القيم وحرمانم من فضله العميم ‪ ,‬نعوذ بال من ذلك ‪ ,‬وما أدق هذا الوصف ف حق‬
‫أهل الفن والعلم الذين يغتنمون موسم الطاعة لصد الناس عن سبيل ربم ‪ ,‬وفتنتهم عن طاعة ال عز وجل‬
‫‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫قوله ‪ " :‬هو غنم للمـؤمن " أي هو فوز للمؤمني بالجر والثواب الزيل من غي مشقة‬ ‫()‬
‫كبية ‪ ,‬وذلك لا ينله ال سبحانه على عباده من الرحات ‪ ,‬ويفيضه عليهم من النفحات ‪ ,‬ويوسع عليهم‬
‫من الرزاق واليات ‪ ,‬وينبهم فيه من الزلت ‪ ,‬حيث يفتح لم أبواب النان ‪ ,‬ويغلق عنهم أبواب النيان‬
‫‪ ,‬ويصفد فيه مردة الان فهو للمة ربيعها ‪ ,‬وللعبادات موسها ‪ ,‬وللخيات سوقها ‪ ,‬فل شهر أفضل للمؤمن‬
‫منه ‪ ,‬ول عمل يفضل عما فيه ‪ ,‬فهو بق غنيمة الؤمني ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫قوله ‪ " :‬يغتنمه الفاجر " وف رواية البيهيقي " ونقمة للفاجر " والعن أن ال عز وجل ينتقم‬ ‫()‬
‫م نه ‪ ,‬ويذي قه العذاب الل يم ب سوء فعله ‪ ,‬وإيذائه الؤمن ي ‪ ,‬وتت بع عورات م ‪ ,‬فيكون نق مة له ‪ ,‬وأ ما ال سلم‬
‫فرمضان غنيمة له اكتسبه من صيام أيامه وقيام لياليه ‪ ,‬والنقطاع إل عز وجل بالعبادة فيه ‪ ,‬وانظر ‪ ( :‬الفتح‬
‫الربان )[‪. ] 232-230/ 9‬‬

‫‪7‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫‪8‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫ماذا يدث ف أول ليلة من رمضان ؟‬


‫‪ ":‬إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ‪,‬‬ ‫عن أ ب هريرة رضي ال عنه قال رسول ال‬
‫صفّدت الشياطي ومردة الن ‪ ,‬وغُلّقت أبواب النار ‪ ,‬فلم يُفتح منها باب ‪ ,‬وفُتحت‬
‫ُ‬
‫أبواب النة ‪ ,‬فلم يغلق منها باب ‪ ,‬وينادي منادٍ‪ :‬يا باغي الي أقبل ‪ ,‬ويا باغي الشر‬
‫أقصر ‪ ,‬ول عتقاء من النار ‪ ,‬وذلك كل ليلة " [ رواه الترمذي وابن ماجه ‪ ,‬وابن خزية‬
‫ف ( صحيحه ) ‪ ,‬والبيهقي ] ‪.‬‬
‫إن خ ي الدي هدي م مد ‪ ,‬و من هد يه ف هذا الو ضع البادرة إل تذك ي الناس‬
‫ببكات هذا الوسم العظيم ‪ ,‬فقد قال لصحابه ف أول ليلة من رمضان ‪:‬‬
‫" أتاكـم شهـر رمضان ‪ ,‬شهـر مبارك ‪ ,‬فرض ال عليكـم صـيامه ‪ ,‬تفتـح فيـه أبواب‬
‫ال سماء ‪ ,‬وتغلق ف يه أبواب الح يم ‪ ,‬وتُ َغ ّل ف يه مردة الشياط ي ‪ ,‬ل ف يه ليلة خ ي من‬
‫ألف شهر ‪ ,‬من حُرِ َم خيها فقد حُرِمَ " [ رواه النسائي والبيهقي ‪ ,‬وحسنه اللبان ]‪.‬‬

‫كيف يستقبل باغي الي رمضان ؟‬


‫أولً‪ :‬بالبادرة إل التوبة الصادقة ‪ ,‬الستوفية لشروطها ‪ ,‬وكثرة الستغفار ‪ ,‬لنه شُرِ عَ ف‬
‫استفتاح بعض العمال ‪ ,‬كما ف خطبة الاجة (( نمده ‪ ,‬ونستعينه ‪ ,‬ونستغفره )) كما‬
‫نُدب إليه مطلقا ‪ ,‬وقال ال ‪  :‬يَا أَّيهَا اّلذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا ِإلَى اللّهِ َتوْبَةً نَصُوحًا ‪[ ‬‬
‫التحري‪.] 8:‬‬
‫ثانيا‪ :‬بتعلم ما لبد منه من فقه الصيام ‪ ,‬أحكامه وآدابه ‪ ,‬والعبادات الرتبطة برمضان من‬
‫‪ " :‬طلب العلم فريضة على كل‬ ‫اعتكاف وعمرة وزكاة فِطر ‪ ,‬وغيها ‪ ,‬قال رسول‬
‫مسلم " ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬عقد العزم الصادق والمة العالية على تعمي رمضان بالعمال الصالة ‪ ,‬قال تعال‪:‬‬
‫ُمـ} [ ممـد‪ , ] 21:‬وقال جل وعل‪{ :‬وََلوْ أَرَادُواْ‬
‫ـ َخْيرًا َله ْ‬
‫ـ َلكَان َ‬
‫ـدَقُوا اللّه َ‬
‫{َفَلوْ ص َ‬
‫الْخُرُوجَ َلعَدّواْ لَ ُه عُ ّدةً َ} (‪ )46‬سورة التوبة ‪ ،‬وتري أفضل العمال فيه وأعظمها أجرا‬
‫‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫رابعا‪ :‬استحضار أن رمضان كما و صفه ال عزّ وج ّل أيام معدودات ‪ ،‬سرعان ما يول ‪،‬‬
‫فهو موسم فاضل ‪ ،‬ولكنه سريع الرحيل ‪ ،‬واستحضار أن الشقة الناشئة عن الجتهاد ف‬
‫ح الصدر ‪ ،‬فإن فرط النسان ذهبت ساعات‬ ‫العبادة تذهب أيضا ‪ ،‬ويبقى الجر ‪ ،‬وشَ ْر ُ‬
‫لوه وغفلته ‪ ،‬وبقيت تبعاتا وأوزارها ‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الجتهاد ف حفظ الذكار والدعية الطلقة منها والوظفة ‪ ،‬خصوصا الوظائف‬
‫التعل قة برمضان ‪ ،‬ا ستدعاءً للخشوع وحضور القلب ‪ ،‬واغتناما لوقات إجا بة الدعاء ف‬
‫رمضان ‪ ،‬والسـتعانة على ذلك بدعاء‪ " :‬اللهـم أعنّيـ على ذكرك ‪ ،‬وشكرك ‪ ،‬وحُسـن‬
‫عبادتك " ‪ ،‬وهاك الذكار الثابتة التعلقة بوظائف رمضان‪-:‬‬
‫ما يقول إذا رأى اللل (‪: )6‬‬
‫‪ -‬يقول مسـتقبلَ القبلة (‪ :)7‬ال أكـب ‪ ،‬اللهـم َأهِلّه علينـا بالمـن واليان ‪ ،‬والسـلمة‬
‫والسلم ‪ ،‬والتوفيقِ لا تب وترضى ‪ ،‬ربنا وربكَ ال ‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا رأى القمر ‪ ،‬قال‪ :‬أعوذ بال من شر هذا الغاسق إذا وقب (‪. )8‬‬
‫‪ -‬وإذا صام ‪ ،‬فل يرفث ‪ ،‬ول يهل ‪ ،‬وإن امرؤ قاتله أو شاته فليقل‪ " :‬إن صائم ‪ ،‬إن‬
‫صائم " (‪ ( )9‬مرتي أو أكثر ) ‪.‬‬

‫ماذا يقول عند الفطار ؟‬


‫‪ " :‬ثلث دعوات م ستجابات‪ :‬دعوة‬ ‫‪ -‬عن أ ب هريرة ر ضي ال عنه قال ر سول ال‬
‫الصائم ‪ ،‬ودعوة الظلوم ‪ ،‬ودعوة السافر " ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ي شهر ‪ ،‬ول يتص برمضان ‪.‬‬
‫أي هلل أ ّ‬ ‫()‬
‫‪7‬‬
‫وذلك لنه " ل يستقبل بالدعاء إل ما يستقبل بالصلة " ‪.‬‬ ‫()‬
‫‪8‬‬
‫الغ سق‪ :‬الظل مة والوقوب‪ :‬الدخول ف الظل مة ونو ها ‪ " ،‬فل عل سبب ال ستعاذة م نه ف حال‬ ‫()‬
‫وقوبه لن أهل الفساد ينتشرون ف الظلمة ‪ ،‬ويتمكنون فيها أكثر ما يتمكنون منه ف حال الضياء ‪ ،‬فيقدمون‬
‫على العظائم وانتهاك الحارم ‪ ،‬فأضاف فعلهم ف ذلك الال إل القمر ‪ ،‬لنم يتمكنون منه بسببه ‪ ،‬وهو من‬
‫باب تسمية الشيء باسم ما هو من سببه ‪ ،‬أو ملزم له " أفاده الافظ أبو بكر الطيب ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫والظهر أنه يسمعه ذلك لينجر ‪.‬‬ ‫()‬

‫‪10‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫وهذه الدعوة ال ت ل ترد تكون ع ند فطره ‪ ،‬لد يث أ ب هريرة ر ضي ال ع نه ‪ ،‬عن ال نب‬


‫‪ " :‬ثلث ل ترد دعوت م‪ :‬ال صائم ح ي يف طر ‪ ،‬والمام العادل ‪ ،‬ودعوة مظلوم " ‪،‬‬
‫‪ " :‬إن للصائم‬ ‫وعن عبد ال بن عمرو بن العاص –رضي ال عنهما‪ -‬قال رسول ال‬
‫عند فطره لدعوة ما ترد " ‪.‬‬
‫إذا أفطر‪ " :‬ذهب‬ ‫‪ ،‬فقد كان يقول‬ ‫‪ -‬وأفضل الدعاء الدعاء الأثور عن رسول ال‬
‫الظمأ ‪ ،‬وابتلت العروق ‪ ،‬وثبت الجر إن شاء ال " ‪.‬‬
‫كان إذا أفطـر قال‪ " :‬اللهـم لك صـمت ‪ ،‬وعلى‬ ‫‪ -‬وعـن معاذ بـن زهرة أن النـب‬
‫رزقك أفطرت " [ رواه أبو داود مرسلً ‪ ،‬وقال اللبان‪ " :‬لكن له شواهد يتقوى با " ]‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬وكان ا بن ع مر ر ضي ال عنه ما يقول ع ند فطره‪ " :‬الل هم إ ن أ سألك برح تك ال ت‬
‫وسعت كل شيء أن تغفر ل " [ رواه أبو داود ] ‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬الستكثار من العمال الصالات ‪ ،‬فإن من ثواب السنة السنة بعدها ‪ ،‬ومن‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫[‪ ]1‬صيام شعبان‪ :‬استعدادا لرمضان ‪ ،‬فعن أم الؤمني عائشة –رضي ال عنها‪ -‬قالت‪" :‬‬
‫استكمل صيام شهر قط إل رمضان ‪ ،‬وما رأيته ف شهر أكثر‬ ‫ما رأيت رسول ال‬
‫صياما منه ف شعبان " ‪.‬‬
‫[‪ ]2‬تلوة القرآن الكري‪ :‬فإن رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد السلم من‬
‫تلوته وحفظه ‪ ،‬وتدبره ‪ ،‬وعرضه على من أقرأ منه ‪.‬‬
‫كان جب يل يدارس ال نب القرآن ف رمضان ‪ ،‬وعار ضه ف عام وفا ته مرت ي ‪ ،‬وكان‬
‫عثمان بن عفان –رضي ال عنه‪ -‬يتم القرآن الكري كل يوم مرة ‪ ،‬وكان بعض السلف‬
‫يتم ف قيام رمضان ف كل ثلث ليال ‪ ،‬وبعضهم ف كل سبع ‪ ،‬وبعضهم ف كل عشر ‪،‬‬
‫فكانوا يقرءون القرآن ف ال صلة و ف غي ها ‪ ،‬فكان للشاف عي ف رمضان ستون خت مة‬
‫يقرؤ ها ف غ ي ال صلة ‪ ،‬وكان ال سود يقرأ القرآن كل ليلت ي ف رمضان ‪ ،‬وكان قتادة‬
‫يتم ف كل سبع دائما ‪ ،‬وف رمضان ف كل ثلث ‪ ،‬وف العشر الواخر ف كل ليلة ‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫وكان الزهري إذا د خل رمضان ي فر من قراءة الد يث ومال سة أ هل العلم ‪ ،‬ويق بل على‬
‫تلوة الصحف ‪.‬‬
‫وكان سفيان الثوري إذا د خل رمضان ترك ج يع العبادة ‪ ،‬وأق بل على قراءة القرآن ‪ ،‬قال‬
‫الزهري‪ " :‬إذا دخل رمضان فإنا هو قراءة القرآن ‪ ،‬وإطعام الطعام " ‪.‬‬
‫قال الافظ ابن رجب –رحه ال‪ " : -‬وإنا ورد النهي عن قراءة القرآن ف أقلّ من ثلث‬
‫على الدوامة على ذلك ‪ ،‬فأما الوقات الفضلة – كشهر رمضان – خصوصا الليال الت‬
‫يطلب فيهـا ليلة القدر – أو فـ الماكـن الفضلة كمكـة لنـ دخلهـا مـن غيـ أهلهـا ‪،‬‬
‫فيستحب الكثار فيها من تلوة القرآن اغتناما للزمان والكان ‪ ،‬وهو قول أحد وإسحاق‬
‫وغيها من الئمة ‪ ،‬وعليه يدل عمل غيهم " اهـ ‪.‬‬
‫يُ َرغّب ف‬ ‫[‪ ]3‬قيام رمضان‪ :‬فعن أب هريرة –رضي ال عنه‪ -‬قال‪ " :‬كان رسول ال‬
‫قيام رمضان ‪ ،‬من غ ي أن يأمر هم بعزي ة ‪ ،‬ث يقول‪ " :‬من قام رمضان إيانا واحت سابا‬
‫رجل من قضاعة ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال!‬ ‫غفر له ما تقدم من ذنبه " ‪ ،‬وجاء رسول ال‬
‫أرأيـت إن شهدت أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأنـك رسـول ال ‪ ،‬وصـليت الصـلوات المـس ‪،‬‬
‫‪ " :‬من مات على‬ ‫و صمت الش هر ‪ ،‬وق مت رمضان ‪ ،‬وآت يت الزكاة ؟ " فقال ال نب‬
‫هذا كان من الصديقي والشهداء " ‪.‬‬
‫أجود الناس ‪ ،‬وكان أجود ما يكون ف رمضان ‪ ،‬كان‬ ‫[‪ ]4‬ال صدقة‪ (( :‬ف قد كان‬
‫أجود بالي من الريح الرسلة ‪ ،‬ول يُسأل شيئا إل أعطاه )) ‪.‬‬
‫‪ " :‬أفضل الصدقة صدقة ف رمضان " ‪.‬‬ ‫وقال‬
‫‪ " :‬من فطّ ر صائما كان له‬ ‫و من صور ال صدقة إطعام الطعام ‪ ،‬وتفط ي ال صوام ‪ ،‬قال‬
‫م ثل أجره غ ي أ نه ل يُنْقِ صُ من أ جر ال صائم شيئا " ‪ ،‬فإن ع جز عن عَشائه فطّره على‬
‫‪ " :‬اتقوا النار ‪ ،‬ولو بشق ترة " ‪ ،‬وعن عل يّ –رضي‬ ‫ترة أو شربة ماء أو لب ‪ ،‬وقال‬
‫‪ " :‬إن ف النة غُرفا يرى ظاهرها من باطنها ‪ ،‬وباطنها من‬ ‫ال عنه‪ -‬قال رسول ال‬
‫ظاهر ها ‪ ،‬أعد ها ال تعال ل ن أط عم الطعام ‪ ،‬وألن الكلم ‪ ،‬وتا بع ال صيام ‪ ،‬و صلي‬
‫‪ " :‬صنائع العروف تقي مصارع السوء ‪ ،‬وصدقة السر‬ ‫بالليل والناس نيام " ‪ ،‬وقال‬
‫تطفيء غضب الرب ‪ ،‬وصلة الرحم تزيد ف العمر " ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫‪ " :‬أي ا مؤ من أط عم مؤمنا على جوع ؛ أطع مه ال من ثار ال نة ‪،‬‬ ‫وقال ر سول ال‬
‫ومن سقى مؤمنا على ظمأ ؛ سقاه ال من الرحيق الختوم " ‪.‬‬
‫وقال بعض السلف‪ (( :‬لن أدعو عشرة من أصحاب ‪ ،‬فأطعمهم طعاما يشتهونه أحب إلّ‬
‫من أن أعتق عشرة من ولد إساعيل )) ‪.‬‬
‫وكان كثي من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم ‪ ،‬منهم عبد ال بن عمر ‪ ،‬وداود الطائي ‪،‬‬
‫ومالك بن دينار ‪ ،‬وأحد بن حنبل ‪ ،‬وكان ابن عمر ل يفطر إل مع اليتامى والساكي ‪،‬‬
‫وربا علم أن أهله قد ردوهم عنه ‪ ،‬فلم يفطر ف تلك الليلة ‪.‬‬
‫وكان من ال سلف من يطع هم إخوا نه الطعام و هو صائم ‪ ،‬ويلس يدم هم ويروح هم ‪،‬‬
‫منهم السن وابن البارك ‪ ،‬وقال أبو السوار العدوي‪ (( :‬كان رجال من بن عدي يصلون‬
‫ف هذا السجد ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده ‪ ،‬إن وجد من يأكل معه أكل ‪،‬‬
‫وإل أخرج طعامه إل السجد ‪ ،‬فأكله مع الناس وأكل الناس معه )) ‪ ،‬قال المام الاوردي‬
‫–رحه ال‪ (( :-‬ويستحب للرجل أن يوسع على عياله ف شهر رمضان ‪ ،‬وأن يسن إل‬
‫أرحامه وجيانه ‪ ،‬ل سيما ف العشر الواخر منه )) اهـ‪.‬‬
‫وإذا دُ عي ال سلم ال صائم عل يه أن ي يب الدعوة ‪ ،‬لن من ل ي ب الدعوة ف قد ع صى أ با‬
‫القاسم ‪ ،‬وينبغي عليه أن يعتقد جازما أن ذلك ل يضيع شيئا من حسناته ‪ ،‬ول ينقص‬
‫شيئا من أجره ‪.‬‬
‫ويستحب للمدعو أن يدعو للداعي بعد الفراغ من الطعام با جاء عن النب وهو أنواع‬
‫‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫‪ "‬أكل طعامَكم البرارُ ‪ ،‬وصلت عليكم اللئكة ‪ ،‬وأفطر عندكم الصائمون " ‪.‬‬
‫‪ "‬اللهم أطعم من أطعمن ‪ ،‬واسق من سقان " ‪.‬‬
‫‪ "‬اللهم اغفرلم ‪ ،‬وارحهم ‪ ،‬وبارك لم فيما رزقتهم " ‪.‬‬
‫إذا صلى الغداة جلس ف مصله‬ ‫[‪ ]5‬الكث ف السجد بعد صلة الفجر‪ :‬فقد كان‬
‫حت تطلع الشمس ‪ ،‬وقال ‪ " :‬من صلى الفجر ف جاعة ‪ ،‬ث قعد يذكر ال حت تطلع‬
‫الشمس ‪ ،‬ث صلى ركعتي كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫فعلى الرء أن يمع هته ليغتنم هذا الزمان الشريف ‪ ،‬ول يضيه انصراف أكثر الناس عن‬
‫هذه ال سّنّة ‪ ،‬بل الازم ينظر ف أمر الدين إل من هو فوقه ‪ ،‬ومن هو أنشط منه {وَفِي‬
‫س الْ ُمتَنَافِسُونَ} (‪ )26‬سورة الطففي ‪.‬‬
‫ذَلِكَ َف ْليََتنَاَف ِ‬
‫سنّة الليلة لفراطه ف السهر أو السمر بعد العشاء ‪.‬‬
‫وقد يُحرم الرء من هذه ال ّ‬
‫يعتكف ف كل رمضان عشرة أيام ‪ ،‬فلما كان العام الذي‬ ‫[‪ ]6‬العتكاف‪ :‬فقد كان‬
‫قُبض فيه اعتكف عشرين يوما ‪.‬‬
‫لا رجع من حجة الوداع ‪ ،‬قال‬ ‫[‪ ]7‬العمرة‪ :‬فعن ابن عباس رضي ال عنهما أن النب‬
‫لمرأة من الن صار ا سها أم سنان‪ " :‬ما من عك أن ت جي مع نا ؟ " قالت‪ :‬أ بو فلن –‬
‫‪":‬‬ ‫زوجها‪ -‬له ناضحان (‪ ، )10‬حج على أحدها ‪ ،‬والخر نسقي عليه ‪ ،‬فقال لا النب‬
‫فإذا جاء رمضان فاعتمري ‪ ،‬فإن عمرة فيه تعدل حجة ‪ ،‬أو قال‪ :‬حجة معي " ‪.‬‬
‫وما ثبت ف فضائل العمرة ‪:‬‬
‫‪ " :‬العمرة إل العمرة كفارة لا بينهما " ‪.‬‬ ‫قوله‬
‫‪ " :‬الجاج والعُمّار وفد ال ‪ :‬دعاهم فأجابوه ‪ ،‬وسألوه فأعطاعهم " ‪.‬‬ ‫وقوله‬
‫‪ " :‬من طاف بذا البيت أسبوعا –أي سبعة أشواط‪ -‬فأحصاه ‪،‬كان كعتق رقبة‬ ‫وقال‬
‫‪ ،‬ل يضع قدما ‪ ،‬ول يرفع أخرى إل حطّ ال عنه با خطيئة ‪ ،‬وكتب له با حسنة " ‪.‬‬
‫[‪ ]8‬تري ليلة القدر‪ :‬الت قال تعال ف شأنا‪ِ{ :‬إنّا أَنزَْلنَاهُ فِي َليَْل ِة اْلقَدْرِ (‪َ )1‬ومَا َأدْرَا َك مَا‬
‫ف َشهْرٍ(‪ })3‬سورة القدر ‪.‬‬
‫َليَْل ُة الْقَ ْدرِ (‪َ)2‬ليَْل ُة الْقَ ْدرِ َخيْ ٌر مّنْ أَلْ ِ‬
‫‪ " :‬من قام ليلة القدر إيانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ‪.‬‬ ‫قال‬
‫‪ " :‬من قامها ابتغاءها ‪ ،‬ث وقعت له ؛ ُغفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " ‪.‬‬ ‫وقال‬

‫وكان يتحرى ليلة القدر ‪ ،‬ويأمـر أصـحابه بتحريهـا ‪ ،‬وكان يعتكـف لذلك ‪ ،‬وكان‬
‫يوقظ أهله ف ليال العشر رجاء أن يدركوها ‪.‬‬
‫وعن أم الؤمني عائشة –رضي ال عنها‪ -‬قالت‪ :‬قلتُ‪ :‬يا رسول ال إن وافقت ليلة القدر‬
‫ما أقول ؟ قال‪ " :‬قول‪ :‬اللهم إنك عفو تب العفو ‪ ،‬فاعف عن " ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الناضح‪ :‬الدابة ُيسْتَقَى عليها ‪.‬‬ ‫()‬

‫‪14‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫وي ستحب أن يتحرى ليلة القدر ف الع شر الوا خر من رمضان ‪ ،‬خ صوصا الليال الو تر‬
‫‪ " :‬التمسوها ف العشر الواخر ف الوتر " ‪ ،‬ورجح بعض العلماء أنا‬ ‫منها ‪ ،‬لقوله‬
‫ليلة السابع والعشرين ‪.‬‬
‫[‪ ]9‬الكثار من النوا فل ب عد الفرائض‪ :‬كال سّنن القبل ية والبعد ية ‪ ،‬و صلة الت سبيح ‪،‬‬
‫والض حى ‪ ،‬والذ كر وال ستغفار ‪ ،‬والدعاء خصوصا ف أوقات الجابة ‪ ،‬وعند الفطار ‪،‬‬
‫وف ثلث الليل الخر ‪ ،‬وف السحار ‪ ،‬وساعة الجابة يوم المعة ‪.‬‬
‫من الوجبي حـق الصيام‪.‬‬ ‫حق شهر الصيام شيئان إن كنت‬
‫وتفنـى ظلمـه بالقيـام‪.‬‬ ‫تقطـع الصوم ف نارك بالذكر‬
‫‪:‬‬ ‫[‪ ]10‬الحافظة على صلة الماعة ف السجد‪ :‬والجتهاد ف تطبيق قول رسول ال‬
‫" من صلى ل أربع ي يوما ف جا عة ‪ ،‬يدرك الت كبية الول ‪ ،‬ك تب له براءتان‪ :‬براءة‬
‫من النار ‪ ،‬وبراءة من النفاق " ‪.‬‬
‫قال سعيد بن ال سيب‪ (( :‬من حا فظ على ال صلوات ال مس ف جا عة ؛ ف قد مل الب‬
‫والبحر عبادةً )) ‪.‬‬
‫هذه إلا مة عجلى بب عض مظا هر ال ي الذي ينادي من يق صده وينو يه ف أول ليلة من‬
‫رمضان‪ " :‬يا باغي الي أقبل " ‪ ،‬فماذا عن باغي الشر الذي يقال له ف نفس الليلة " يا‬
‫باغي الشر أقصر " ؟‬

‫‪15‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫يا باغي الشر ‪ ...‬أقصر !!‬


‫يا مستثقلً رمضان ‪ ...‬أقصر !!‬

‫إن أول شـر يرتكبـه أهـل الغفلة وبغاة الشـر هـو أنمـ يسـتثقلونه ‪ ،‬ويعدون أيامـه ولياليـه‬
‫وساعاته ‪ ،‬لن رمضان يجب عنهم الشهوات ‪ ،‬وينعهم اللذات ‪ ،‬يقول شاعرهم ‪:‬‬
‫و َم ّر نار ِه مرّ السحابِ‪.‬‬ ‫أل ليت الليل فيه شهر‬
‫ويقول آخرُ‪:‬‬
‫مشتاقة تسعى إل مشتاقِ‪.‬‬ ‫رمضان ول هاتا ياساقي‬
‫وأقلّه ف طاعة الـلقِ‪.‬‬ ‫ما كان أكثره على أُلفها‬
‫حُكي أنه كان لارون الرشيد غلم سفيه ‪ ،‬فلما أقبل رمضان ضاق به زرعا ‪ ،‬وأخذ ينشد‬
‫‪:‬‬
‫ول صمت شهـرا بعده آخ َر الدهرِ‪.‬‬ ‫دعان شهر الصوم –ل كان من شهر–‬
‫ت قومي الشهرِ‪.‬‬
‫على الشهر ل ستعدي ُ‬ ‫فلـو كان ُيعْدِينـي النـام بقـوة‬
‫فأصيب برض الصّرْع ‪ ،‬فكان يصرع ف اليوم عدة مرات ‪ ،‬ومازال كذلك حت مات قبل‬
‫أن يصوم رمضان الخر ‪.‬‬
‫‪‬يا متعمد الفطار ف نار رمضان ‪ ...‬أقصر !‬
‫ل ‪ ،‬لنم ل يصومون ‪ ،‬بل ياهرون بالفطر ف‬
‫ومن بغاة الشر من ل يسثقلون رمضان أص ً‬
‫الطرقات (‪ ، )11‬دون حياء من ال ‪ ،‬ول من عباد ال ‪.‬‬

‫يقول‪ " :‬بينما أنا‬ ‫صح عن أب أمامة الباهلي –رضي ال عنه‪ -‬قال‪ :‬سعت رسول ال‬
‫ل وعرا ‪ ،‬فقال‪ :‬اصـعد ‪،‬‬
‫نائم أتانـ رجلن ‪ ،‬فأخـذ بضبعـي –عضدي‪ -‬فأتيـا بـ جب ً‬
‫فقلت‪ :‬إن ل أطيقه ‪ ،‬فقال‪ ( :‬سنسهله لك ) ‪ ،‬فصعدت إذا كنت ف سواد البل إذا‬
‫بأصوات شديدة ‪ ،‬قلت‪ :‬ما هذه الصوات؟ قالوا‪ :‬هذا عواء أهل النار ‪ ،‬ث انطلق ب ‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫ومن شركاء هؤلء ف الوزر أصحاب الطاعم الذين يفتحون مالم لترحب بالفاسقي الفطرين‬ ‫()‬
‫بغي عذر ‪ ،‬ويعاونونم على الث والعدوان ومعصية ال ورسوله ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫فإذا أنا بقوم معلقي بعراقيبهم ‪ ،‬مشققة أشداقهم ‪ ،‬تسيل أشداقهم دما ‪ ،‬قلت‪ " :‬من‬
‫هؤلء ؟ " قال‪ " :‬الذين يفطرون قبل تلة صومهم " ‪.‬‬
‫فإذا كان هذا وع يد من يفطرون قبل غروب الش مس ولو بدقائق معدودات ‪ ،‬فكيف بن‬
‫يفطر اليوم كله ؟!‬
‫‪ " :‬ثلث أحلف عليهن‪ :‬ل يعل ال من له سهم ف السلم كمن ل سهم‬ ‫وقد قال‬
‫له ‪ ،‬وأسهم السلم ثلثة‪ :‬الصلة والصوم والزكاة " [الديث] ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية –رحه ال‪ (( :-‬من أفطر عامدا بغي عذر كان تفويته لا من‬
‫الكبائر )) اهـ ‪.‬‬
‫وقال الافظ الذهب –رحه ال‪ " :-‬وعند الؤمني مقرر‪ :‬أنّ من ترك صوم رمضان بل‬
‫عذر أ نه شر من الزا ن ومد من ال مر ‪ ،‬بل يشكون ف إ سلمه ‪ ،‬ويظنون به الزند قة‬
‫والخلل " اهـ ‪.‬‬

‫‪‬يا تارك الصلة أقصر !‬


‫وأعظـم بغاة الشـر فـ رمضان تارك الصـلة الذي ل يتوب مـن جريةـ كـبى ‪ ،‬قال ال‬
‫ك مِ َن الْمُ صَلّيَ(‪})43‬‬
‫سبحانه ف شأن تاركها {مَا سََلكَكُمْ فِي َسقَرَ(‪ )42‬قَالُوا لَ ْم نَ ُ‬
‫‪ " :‬العهد الذي بيننا وبينهم الصلة ‪ ،‬فمن‬ ‫سورة الدثر ‪ .‬وقال ف شأنا رسول ال‬
‫‪ " :‬بي الرجل وبي الشرك والكفر‪ :‬ترك الصلة " ‪ ،‬وعن‬ ‫تركها فقد كفر" ‪ ،‬وقال‬
‫ع بد ال بن شق يق قال‪ ( :‬كان أ صحاب ر سول ال ل يرون شيئا من العمال ترك ُه‬
‫كفر غي الصلة ) ‪ ،‬وعن عمر –رضي ال عنه‪ -‬قال‪ ( :‬أما إنه لحظ لحدٍ ف السلم‬
‫أضاع الصلة ) ‪ ،‬وعن ابن مسعود –رضي ال عنه‪ -‬قال‪ ( :‬من ترك الصلة فل دين له )‬
‫‪.‬‬
‫قال‪ " :‬من فاتته صلة ‪ ،‬فكأنا وُِترَ‬ ‫وعن نوفل بن معاوية –رضي ال عنه‪ -‬أن النب‬
‫أهل َه ومالَه " ‪.‬‬
‫قال‪ " :‬من حافظ على الصلة‬ ‫وعن عبد ال بن عمرو –رضي ال عنهما‪ -‬عن النب‬
‫كانت له نورا وبرهانا وناةً يوم القيامة ‪ ،‬ومن ل يافظ عليها ل يكن له نور ول برهان‬

‫‪17‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫ول ناة يوم القيامة ‪ ،‬وكان يوم القيامة مع قارون ‪ ،‬وفرعون وهامان ‪ ،‬وأُبّ بن خلف"‬
‫‪.‬‬
‫قال المام ا بن حزم –رح ه ال تعال‪ (( : -‬ل ذ نب ب عد الشرك أع ظم من ترك ال صلة‬
‫حت يرج وقتها ‪ ،‬وقتل مؤمن بغي حق )) اهـ ‪.‬‬
‫وقال الافظ الذهب –رحه ال‪ (( : -‬ترك كل صلة أو تفويتها كبية ‪ ،‬فإن فعل ذلك‬
‫مرات فهـو مـن أهـل الكبائر إل أن يتوب ‪ ،‬فإن لزم ترك الصـلة فهـو مـن الخسـرين‬
‫الشقياء الجرمي )) اهـ ‪.‬‬
‫وقال المام الحقـق ابـن القيـم –رحهـ ال‪ (( :-‬ل يتلف السـلمون أن ترك الصـلة‬
‫الفرو ضة عمدا من أع ظم الذنوب وأ كب الكبائر ‪ ،‬وأن إث ه ع ند ال أع ظم من إ ث ق تل‬
‫النفس ‪ ،‬وأخذ الموال ‪ ،‬ومن إث الزنا والسرقة وشرب المر ‪ ،‬وأنه متعرض لعقوبة ال‬
‫وسخطه وخزيه ف الدنيا والخرة )) اهـ ‪.‬‬
‫وبعيدا عن اللف الفقهي ف كفر تارك الصلة ‪ ،‬هل هو كفر أكب مُخرج من اللة أو‬
‫هو كفر ل يرج من اللة ‪ ،‬فدعن أهس ف أذنك يا تارك الصلة ‪ :‬هل تقبل أن تكون‬
‫انتماؤك لدين السلم ‪ ،‬وإيانك بال ورسوله وكتابه قضية مل خلف ‪ ،‬فعلماء يقلون‪( :‬‬
‫أنت كافر مثل فرعون وقارون وأب جهل وأب لب ) ‪ ،‬وفريق آخر يقول‪ ( :‬بل فاسق‬
‫مرم شرير أشد خبثا من قاتل النفس ‪ ،‬وسارق الال ‪ ،‬وآكل الربا ‪ ،‬والزان ‪ ،‬وشارب‬
‫المر ؟! ) ‪.‬‬
‫إن الصلة لتشتكي ‪.‬‬ ‫يا تاركا لصلته‬
‫ل يلعن تـاركي ‪.‬‬
‫اُ‬ ‫وتقول ف أوقاتا ‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫يا أيتها التبجة ‪ ...‬أقصِري !‬

‫و من بغاة ال شر ف هذا الش هر الكر ي ال تبجات بالزي نة اللئي ل ينو ين التو بة من هذه‬
‫الكبية ‪ ،‬بل يبغي الفساد بالصرار على إظهار الزينة للجانب من الرجال ‪ ،‬والروج إل‬
‫ال سواق والطرقات والجا مع متعطرات متطيبات ‪ ،‬كا سيات عاريات ‪ ...‬فا تق ال يا أ َمةَ‬
‫ال ف نفسِكِ ‪ ،‬وف عباد ال الصائمي ‪ ،‬ول تكون رسول الشيطان ِإليهم لتفسدي قلوبم‬
‫ت ولبد فاستتري بالجاب الكامل ‪،‬‬ ‫وتشوشي صيامهم ‪ ،‬بل َقرّ يِ ف بيتك ‪ ،‬فإن خرج ِ‬
‫وتأدب بآداب السلم ‪.‬‬

‫يا أهل الفن والعلم ‪ :‬أقصروا !‬

‫إن رمضان فرصـة ثينـة للتوبـة والنابـة إل ال عزّ وجلّ‪ :‬وأنتـم تولونـه إل فرصـة لن شر‬
‫الف ساد وإشا عة الفوا حش ‪ ،‬فانضموا إل صفوف أولياء ال التق ي ‪ ،‬و سخروا العلم ف‬
‫خد مة الد ين ‪ ،‬وإشا عة العروف والن هي عن الن كر ‪ ،‬وذكّرو هم بالقرآن وال سّنّة ‪ ،‬ول‬
‫تشغلو هم بالغا ن وال سلسلت ‪ ،‬والفواز ير ‪ ،‬والق صات ‪ ،‬قب يح ب كم أن تبارزوا رب كم‬
‫بالرب ف شهره الكر ي ‪ ،‬وتكثفوا حرب كم على الد ين والخلق ‪ ،‬كأن كم تشفقون من‬
‫بوار تارتكم الشيطانية ف هذا الشهر الُبارك ‪ ،‬فتضاعفون من مهدكم لتصدوا الناس عن‬
‫سبيل ال عز وجل ‪ ،‬وتبغوها عوجا ‪.‬‬
‫إن النادي ينادي كم من أول ليلة ف رمضان … أق صروا يا بغاة ال شر ‪ ،‬فإن أ صررت فإن‬
‫شةُ فِي الّذِي نَ آ َمنُوا َلهُ مْ‬
‫حبّو نَ أَن تَشِي َع الْفَاحِ َ‬
‫رب كم لبالر صاد ‪ ،‬قال تعال‪{ :‬إِنّ الّذِي نَ ُي ِ‬
‫عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ال ّدنْيَا وَالْآخِ َرةِ} (‪ )19‬سورة النــور ‪.‬‬
‫ويا أيها السلمون الصائمون‪ :‬فِرّوا من الفيديو والتلفاز والصحف الفاسدة فراركم من‬
‫السد ‪ ،‬إن الفناني هم قطاع الطريق إل ال ‪ ،‬إنم من قال ال فيهم‪ُ{ :‬أوَْلئِكَ يَ ْدعُونَ إِلَى‬
‫جّن ِة وَالْ َم ْغفِ َر ِة بِإِ ْذنِ هِ} (‪ )221‬سورة البقرة ‪ ،‬وقال‪{ :‬وَلَا تُطِ ْع مَ نْ‬‫النّا ِر وَاللّ ُه يَ ْد ُعوَ إِلَى الْ َ‬
‫َأغْفَ ْلنَا قَ ْلبَ ُه عَن ذِكْ ِرنَا وَاّتبَ عَ َهوَا ُه وَكَا نَ َأمْرُ هُ فُ ُرطًا } (‪ )28‬سورة الكهف ‪ ،‬وقال تعال‪:‬‬
‫ل يَ صُ ّدنّكَ َعْنهَا مَ نْ‬ ‫سعَى (‪َ )15‬ف َ‬
‫س بِمَا تَ ْ‬
‫جزَى كُ ّل َنفْ ٍ‬
‫{ِإنّ ال سّا َع َة ءاَِتَيةٌ أَكَادُ أُ ْخفِيهَا ِلتُ ْ‬

‫‪19‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫َل ُيؤْمِ ُن ِبهَا وَاّتبَ عَ هَوَا هُ َفتَرْدَى(‪ })16‬سورة طـه ‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬وَاللّ ُه يُرِيدُ أَن يَتُو بَ‬
‫خفّ فَ‬
‫ش َهوَا تِ أَن تَمِيلُواْ َمْيلً عَظِيمًا(‪ )27‬يُرِيدُ اللّ هُ أَن يُ َ‬
‫عََليْكُ ْم َويُرِي ُد الّذِي َن َيّتِبعُو نَ ال ّ‬
‫ضعِيفًا(‪ })28‬سورة النساء ‪.‬‬ ‫عَنكُ ْم وَ ُخلِ َق الِنسَانُ َ‬
‫ك بِ ِه عِلْ مٌ ِإنّ ال سّمْعَ‬
‫ف مَا َليْ سَ لَ َ‬
‫فتذكر يا عبد ال الصائم قوله تبارك وتعال‪{ :‬وَ َل َتقْ ُ‬
‫َسـؤُولً} (‪ )36‬سـورة السـراء ‪ ،‬وأهـل الفـن‬ ‫ْهـ م ْ‬
‫َانـ َعن ُ‬
‫ِكـ ك َ‬ ‫َصـَر وَاْلفُؤَادَ كُلّ أُولئ َ‬ ‫وَالْب َ‬
‫يدعونك إل زنا العي ‪ ،‬وزنا الذن ‪ ،‬فكبف تطاوعهم وأنت مسلم ؟!‬
‫وكيف تشاركهم وأنت صائم ؟! وكيف ل تقول إذا دعاك الشياطي إل هذه العاصي‪" :‬‬
‫إنـ صـائم ‪ ،‬إنـ صـائم " ؟! وإذا كنـت فـ الصـيام ترم اللل مـن الطعام والشراب‬
‫والشهوة امتثالً لمر ال ‪ ،‬فكيف تستبيح ما هو حرام قطعا من إطلق البصر إل النساء‬
‫‪ " :‬من ل يدع قول الزور والعمل به‬ ‫الفاجرات ‪ ،‬أل ما أصدق قول الصادق الصدوق‬
‫‪ " :‬رُبّ قائم حظّ ه من قيا مه‬ ‫فل يس ل حا جة ف أن يدع طعا مه وشرا به " ‪ ،‬وقوله‬
‫‪ " :‬الصيام جُنّة ‪،‬‬ ‫السه ُر ‪ ،‬و ُربّ صائ ٍم حظّه من صيامه الو عُ والعطش " ‪ ،‬وقوله‬
‫فإذا كان يومُ صوم أحدكم فل يرقث ول يصخب ‪ ،‬فإن سابه أحد أو شاته فليقل‪ :‬إن‬
‫صائم"‪.‬‬
‫فيا عاكفي أمام المثلت والراقصات‪{ :‬إِذْ قَالَ ِلَأبِي هِ وََق ْومِ ِه مَا هَذِ هِ التّمَاثِي ُل الّتِي أَنتُ مْ َلهَا‬
‫شهَدُو نَ الزّورَ‬ ‫عَاكِفُو نَ} (‪ )52‬سورة النبياء ‪ ،‬وأين أنتم من عباد الرحن الذين‪{ :‬لَا يَ ْ‬
‫َوإِذَا َمرّوا بِالّل ْغ ِو مَرّوا كِرَامًا} (‪ )72‬سورة الفرقان ‪ ،‬و {وَالّذِينَ هُ ْم عَنِ الّل ْغ ِو ُمعْرِضُونَ}‬
‫(‪ )3‬سورة الؤمنون ‪ ،‬لقد بي ال سبحانه وتعال الكمة من تشريع الصيام ف قوله جل‬
‫ب عَلَى الّذِي َن مِن َقبِْلكُ مْ َلعَّلكُ مْ‬ ‫صيَامُ كَمَا ُكتِ َ‬ ‫ب عََلْيكُ ُم ال ّ‬
‫وعلّ‪{ :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُواْ ُكتِ َ‬
‫َتتّقُونَ} (‪ )183‬سورة البقرة ‪.‬‬
‫ول قد سأل أم ي الؤمن ي ع مر –ر ضي ال ع نه‪ُ -‬أبَيّ بن ك عب –ر ضي ال ع نه‪ : -‬ما‬
‫التقوى؟ ‪ ،‬فقال ُأَبيّ ‪ ( :‬يا أمي الؤمني أما سلكتَ طريقا ذات شوك؟ ‪ ،‬قال‪ :‬بلى ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فماذا صنعت؟ ‪ ،‬قال‪ :‬شّرتُ واجتهدتُ ‪ ،‬قال‪ :‬فذلك التقوى ) ‪.‬‬
‫و سئل أم ي الؤمن ي عليّ –ر ضي ال ع نه‪ -‬عن مع ن التقوى ‪ ،‬فقال‪ ( :‬هي الوف من‬
‫الليل ‪ ،‬والعمل بالتنيل ‪ ،‬والقناعة بالقليل ‪ ،‬والستعداد ليوم الرحيل ) ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫وكبيَهـا ذاك التّقَى‪.‬‬ ‫خَـل الذنوب صغيها‬


‫ض الشوك يذر ما يرى‪.‬‬
‫ِ‬ ‫واصنع كماشٍ فوق أر‬
‫إن البال من الصـى‪.‬‬ ‫ل تقـرن صغية‬

‫ولقد قال رسول ال ‪ " :‬الصيام ُجنّة " أي وقاية نتقي با كل ما نشاه ‪ ،‬وننال به كل‬
‫ما نتمناه ‪ ،‬فالصوم وقاية للّسان ف نطقهِ ‪ ،‬وللعي ف بصرها ‪ ،‬وللذن ف ساعها ‪ ،‬وهكذا‬
‫ص ْمتَ‬
‫كل الوارح تت قي ما نُهِي ع نه ‪ ،‬قال جابر بن ع بد ال ر ضي ال عنه ما‪ (( :‬إذا ُ‬
‫فليصم سعُك وبصرك ولسانُك عن الكذب والآث ‪ ،‬ودع أذى الار ‪ ،‬وليكن عليك وقارٌ‬
‫وسكينة يوم صومك ‪ ،‬ول تعل يوم فطرك ويوَم صومِك سواءً )) ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫يـا خائضا ف أعراض الناس ‪ ...‬أقصر !!‬

‫ِيهـ َميْتًا‬
‫ْمـأَخ ِ‬
‫ُمـأَن َيأْكُلَ َلح َ‬
‫فقـد قال تعال‪{ :‬وَلَا َيغْتَب ّبعْضُكُم َبعْضًا َأيُحِبّ أَ َحدُك ْ‬
‫‪ " :‬الغِيبة‪:‬‬ ‫َفكَ ِر ْهتُمُو هُ وَاّتقُوا اللّ هَ ِإنّ اللّ هَ َتوّا بٌ رّحِي مٌ} (‪ )12‬سورة الجرات ‪ ،‬وقال‬
‫ذِكرك أخاك با يكره " (‪. )12‬‬
‫قال القرطب –رحه ال‪ (( : -‬ل خلف أن الغيبة من الكبائر ‪ ،‬وأن من اغتاب أحدا عليه‬
‫أن يتوب إل ال عزّ وجلّ )) اهـ (‪. )13‬‬
‫‪ " :‬ل ما عُرج ب مررت بقوم ل م أظفار‬ ‫و عن أ نس –ر ضي ال ع نه‪ -‬قال ر سول ال‬
‫من ناس ‪ ،‬يمشون (‪ )14‬وجوه هم و صدورهم ‪ ،‬فقلت‪ :‬من هؤلء يا جب يل؟ ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫هؤلء الذين يأكلون لوم الناس ‪ ،‬ويقعون ف أعراضهم " (‪. )15‬‬
‫‪ " :‬يا‬ ‫و عن أ ب برزة ال سلمي والباء بن عازب –ر ضي ال عنه ما‪ -‬قال ر سول ال‬
‫اليانـ قلبـه ‪ ،‬ل تغتابوا السـلمي ‪ ،‬ول تتبعوا‬
‫ُ‬ ‫معشـر مـن آمـن بلسـانه ‪ ،‬ول يدخـل‬
‫عورات م ‪ ،‬فإ نه من تت بع عورة أخ يه ال سلم ‪ ،‬تت بع ال عور ته ‪ ،‬ومن تت بع ال عورته ‪،‬‬
‫يفضحْه ولو ف جوف بيته "(‪. )16‬‬

‫‪12‬‬
‫رواه مسـلم (‪ ، )2589‬وأبـو داود (‪ ، )4874‬والترمذي (‪ ، )1934‬وقال‪ " :‬حسـن‬ ‫()‬
‫صحيح " ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫الامع لحكام القرآن (‪. )16/337‬‬ ‫()‬
‫‪14‬‬
‫يمشون ‪ :‬يدشون ويقطعون ‪.‬‬ ‫()‬
‫‪15‬‬
‫أخر جه المام أح د (‪ ، )3/224‬وأ بو داود (‪ ، )4879( ، )4878‬و صححه اللبا ن‬ ‫()‬
‫على شرط مسلم ف " الصحيحة " رقم ( ‪. ) 533‬‬
‫‪16‬‬
‫رواه من حد يث أ ب برزة المام أح د (‪ ، )4/420‬وأ بو داود (‪ ، )4880‬و من حد يث‬ ‫()‬
‫الباء أبو يعلى ف مسنده (‪ ، )1675‬وحسنه النذري ف " الترغيب " (‪. )3/240‬‬

‫‪22‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫أثر الغيبة ف الصوم‬

‫عن السن بن وهب الُمَحي قاضي مكة قال‪ ( :‬وقعت ف رجل من أهل مكة ‪ ،‬حت‬
‫خنّث " ‪ ،‬فصليت الظهر ؛ فعرض ف قلب شيء ‪ ،‬فسألت عطاء بن أب رباح‬ ‫قلت‪ " :‬إنه ُم َ‬
‫‪ ،‬فقال‪ " :‬يعيد وضُوءه ‪ ،‬وصلته ‪ ،‬وصومه " ‪.‬‬
‫وعن الضحاك بن عبد الرحن بن أب حوشب‪ :‬أن رجلً أتى إل ابن أب زكريا ‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫يا أ با ي يي ! أشعرت أن فلنا د خل على فل نة ؟ " قال‪ " :‬حلل ط يب " ‪ ،‬قال‪ " :‬إ نه‬
‫دخل معه برجل " ‪ ،‬فقال ابن أب زكريا‪ " :‬إنا ل ! فقد وقع ف نفسك لخيك هذا ؟!‬
‫حرج عليك بال أن تكلمن بثل هذا " ‪ ،‬فلما دنا من باب السجد قال‪ " :‬وال ل تدخل‬
‫حت ترجع ‪ ،‬فتوضأ ما قلت " ‪.‬‬
‫وعن أب صال أنه أنشد بيت شعر فيه هجاء ‪ ،‬فدعا باء فتمضمض ‪.‬‬
‫وعن رجاء بن أب سلمة قال‪ :‬قلت لجاهد‪ ( :‬يا أبا الجاج ؛ الغيبة تنقض الوضوء ؟ ) ‪،‬‬
‫قال‪ :‬نعم ‪ ،‬وتفطر الصائم ‪.‬‬
‫وعـن أبـ التوكـل الناجـي قال‪ ( :‬كان أبـو هريرة وأصـحابه إذا صـاموا ‪ ،‬جلسـوا فـ‬
‫السجد ‪ ،‬قالوا‪ " :‬نطهر صيامنا" ) ‪.‬‬
‫وعن طليق بن قيس قال‪ :‬قال أبو ذر –رضي ال عنه‪" : -‬إذا صمت فتحفظ ما استطعت"‬
‫فكان طليق إذا كان يوم صيامه دخل ‪ ،‬فلم يرج إل إل صلة ‪.‬‬
‫وعن ماهد قال‪ (( :‬ما أصاب الصائم شوى(‪ ، )17‬إل الغيبة والكذب )) ‪ ،‬وعنه قال‪(( :‬‬
‫من أحب أن يسلم له صومه ؛ فليتجنب الغيبة والكذب )) ‪.‬‬

‫وعن حفصة بنت سيين قالت‪" :‬الصيام جُنّة ‪ ،‬ما ل يرقها صاحبها ‪ ،‬وخرقها الغيبة"‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫" الشوى – بالق صر – ال ي من ال مر ‪ ،‬قال ف (الل سان)‪ :‬و ف حد يث ما هد‪ : (( :‬كل ما‬ ‫()‬
‫أصاب الصائم شوى إل الغيبة والكذب ‪ ،‬فهي له كالقتل )) ‪ ،‬قال ييي بن سعيد‪ :‬الشوى هو الشيء اليسي‬
‫ال ي ‪ ،‬قال‪ :‬وهذا وج هه ‪ ،‬وإياه أراد ما هد ‪ ،‬ول كن ال صل ف الشوى الطراف ‪ ،‬وأراد أن الشوى ل يس‬
‫بقتل ‪ ،‬وأن كل شيء أصابه الصائم ل يبطل صومه فيكون كالقتل له ؛ إل الغيبة والكذب ؛ فإنما يبطلن‬
‫الصـوم ‪ ،‬فهمـا كامقتـل له ‪ :::‬أفاده العلمـة أحدـ ممـد شاكـر –رحهـ ال‪ -‬فـ حاشيـة " الحلى " (‬
‫‪. )6/179‬‬

‫‪23‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫وعن ميمون بن مهران‪ " :‬إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب " ‪.‬‬
‫وعن عَبيدة السلمان قال‪ " :‬اتقوا ا ُلفْطِ َريْن ‪ :‬الغيبة ‪ ،‬والكذب " ‪.‬‬
‫وعن أب العالية قال‪ " :‬الصائم ف عبادة ما ل يغتب ‪ ،‬وإن كان نائما على فراشه " ‪.‬‬

‫وقال الشاعر ف هذا العن‪-:‬‬


‫حت تكو َن تصومُ ُه وتصونُه‪.‬‬ ‫واعلمْ بأنك ل تكو ُن تصومهُ‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫وف بصـري غَضٌ ‪ ،‬وف منطقي صَ ْمتُ‪.‬‬ ‫صوّنٌ‬
‫إذا لـم يكن ف السمـع من تَ َ‬
‫ت يوما " فما صُمْتُ‪.‬‬
‫وإن قلتُ‪ " :‬إن صم ُ‬ ‫ع والظمأ‬
‫فحظي إذا من صومي الو ُ‬

‫وقال المام ابن حزم –رحه ال‪: -‬‬


‫( ويُبطل الصومَ أيضا تعمدُ ك ّل معصية – أي معصية كانت – ل تاش شيئا – إذا فعلها‬
‫عامدا ذاكرا لصومه كمباشرة من ل يل له ‪ ) ...‬إل أن قال‪ ( :‬أو كذب ‪ ،‬أو غيبة ‪ ،‬أو‬
‫(‪)18‬‬
‫نيمة ‪ ،‬أو تعمد ترك صلة ‪ ،‬أو ظلم ‪ ،‬أو غي ذلك من كل ما حرم على الرء فعله )‬
‫‪.‬‬
‫‪ " :‬وال صيام جُنّ ة ‪ ،‬وإذا كان يو مُ صو ِم أحد كم فل ير قث ول‬ ‫و قد ا ستدل بقوله‬
‫يصخب " (‪ )19‬الديث ‪.‬‬
‫بهـ فليـس ل حاجـة فـ أن يدع طعامـه‬
‫‪" :‬مـن ل يدع قول الزور والعمـل ِ‬ ‫وبقوله‬
‫وشرابه" (‪. )20‬‬

‫‪18‬‬
‫" الحلى " (‪. )6/177‬‬ ‫()‬
‫‪19‬‬
‫رواه البخاري ( ‪ ، )1904‬ومسلم ( ‪. )1151‬‬ ‫()‬
‫‪20‬‬
‫رواه البخاري (‪. )1903‬‬ ‫()‬

‫‪24‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫أتـى على امرأت ي صائمتي تغتابان الناس ‪ ،‬فقال ل ما‪ " :‬قيئا " فقاء تا‬ ‫وب ا رُوي أ نه‬
‫‪ " :‬ها ‪ ،‬إن هاتي صامتا عن اللل ‪ ،‬وأفطرتا على‬ ‫قيحا ودما ولما عبيطا ‪ ،‬ث قال‬
‫الرام"(‪. )21‬‬
‫وقال المام النووي –رحهـ ال تعال‪ ... ( :-‬فلو اغتاب فـ صـومه عصـى ‪ ،‬ول يبطـل‬
‫صومه عندنا ‪ ،‬وبه قال مالك ‪ ،‬وأبو حنيفة ‪ ،‬وأحد ‪ ،‬والعلماء كافة إل الوزاعي ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يبطل الصوم بالغيبة ‪ ،‬ويب قضاؤه ) (‪. )22‬‬
‫‪ " :‬رب صائم ل يس له من صيامه إل‬ ‫و قد ا ستدل المام الوزا عي –رح ه ال‪ -‬بقوله‬
‫الوع " (‪ )23‬الديـث ‪ ،‬وبأدلة ابـن حزم ‪ ،‬وقال النووي‪ " :‬وأجاب أصـحابنا عـن هذه‬
‫الحاد يث ‪ ...‬بأن الراد أن كمال ال صوم وفضيل ته الطلو بة إن ا يكون ب صيانته عن الل غو‬
‫والكلم الرديء ‪ ،‬ل أن الصوم يبطل به " (‪ )24‬اهـ ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫رواه المام أحدـ (‪ )5/431‬مـن روايـة عبيـد ‪ ،‬والطيالسـي مـن حديـث أنـس ‪ ،‬وأشار فـ‬ ‫()‬
‫( الترغيب ) إل ضعفه (‪. )3/507‬‬
‫‪22‬‬
‫" الجموع" (‪. )6/398‬‬ ‫()‬
‫‪23‬‬
‫رواه من حديث أب هريرة ابن ماجه (‪. )1/539‬‬ ‫()‬
‫‪24‬‬
‫" الجموع " (‪. )6/399‬‬ ‫()‬

‫‪25‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫يا ورثة النبياء هذه فرصتكم‬

‫هذه وصـايا مملة للدعاة إل ال عزّ وجلّ فـ هذا الوسـم البارك الذي هـو فرصـة ثينـة‬
‫للتجارة الرابة مع ال ع ّز وجلّ‪:‬‬
‫‪ -‬حث الناس على أن ل ينشغلوا بفر صة رمضان ال ت ل ت ن مع الذهول عن فر صة‬
‫شعبان الذي كان رسول ال يصوم أكثره ‪.‬‬
‫‪ -‬عليكم أن تدعوا السلمي لتوثيق روابطهم مع القرآن الكري ختما ومراجعة وحفظا‬
‫وتفسيا وتويدا ‪.‬‬
‫‪ -‬حذروا الناس من قطاع الطريق إل ال من أهل الفن والعلم والصحافة ‪.‬‬
‫‪ -‬حرضوهم على الكسب الطيب اللل ‪ ،‬وتوقي الرام والشبهة ‪.‬‬
‫‪ -‬ذكروهم بأحكام الصوم والقيام والعتكاف وآداب ذلك كله ‪.‬‬
‫‪ -‬حث الناس على الصدقة الارية من توزيع الصاحف والكتبيات والشرطة النافعة ‪.‬‬
‫‪ -‬عقد حلقة يومية لدة عشر دقائق عقب صلَتيْ العصر والفجر يدرس فيها واحد أو‬
‫اثنان من الك تب الت ية لعموم ال صلي‪ [ :‬رياض ال صالي – الذكار النواو ية – زاد‬
‫العاد ] ‪.‬‬
‫‪ -‬تذير السلمي من فتور المة بعد الشّرّة (‪ )25‬الت تكون ف أول رمضان ث ل تلبث‬
‫أن تتلشـى وتور العزائم ‪ ،‬فتخلو السـاجد مـن عُمّارهـا خاصـة فـ صـلت الفجـر‬
‫والعشاء أثقل صلتي على النافقي ‪.‬‬
‫‪ -‬لفت نظر السلمي إل سهولة تطبيق نظم الياة طبقا للشريعة السلمية إذا صدقت‬
‫النوايا ‪ ،‬وآية ذلك أن رمضان يُحدِث – ف ساعات قلئل بجرد رؤية هلل – ثورة‬
‫شاملة ف دولب حياة الجت مع كله ‪ ،‬وتغييا عميقا على كل صعيد ‪ ،‬فهذا يع كس‬
‫قدرة السلم على إعادة صياغة نظم الياة كلها ف سلسة وطواعية مدهشة ‪ ،‬وهذا‬
‫كله دليل رائع على حيوية هذا الدين ‪ ،‬وبقاء الي ف أمة ممد ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫لدّة والنشاط ‪.‬‬
‫الشّرّة‪ :‬ا ِ‬ ‫()‬

‫‪26‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫‪ -‬حض ال سلمي على تذ كر إخوان م ف الد ين ف البو سنة والر سك وال صومال ‪،‬‬
‫وبورما ‪ ،‬وتايلند وفلسطي والشيشان وأفغانستان ‪ ،‬وغيهم من الجاعات والروب‬
‫والظلم ‪ ،‬والدعاء ل م مع التدا عي لن صرتم وندت م ‪ ،‬فإذا رأ يت أطفالك على مائدة‬
‫الفطار تذكر أطفال ويتامى السلمي الوعى والعراة ‪.‬‬
‫‪ -‬ل تقصر نشاطك على رواد الساجد ‪ ،‬بل انتقل إل أهل الي ف مامعهم ومنازلم‬
‫ونواديهم ‪ ،‬فإن الفرّط القصّر هو ضالة الداعية ‪.‬‬
‫‪ -‬تيئة الساجد لستقبال الصلي بتنظيفها وتطيبها (‪ )26‬وعمارتا وصيانة مرافقها ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا صلى القائم لنف سه فليطول ما شاء ‪ ،‬وكذلك إذا كان الأمومون يوافقو نه على‬
‫التطويل ‪ ،‬وكلما أطال فهو أفضل ‪ ،‬أما إذا كان إماما لقوم ل يرضون بالتطويل فعليه‬
‫ف ال صلة ‪،‬‬
‫أن ل ي شق علي هم ‪ ،‬قال ر سول ال ‪ " :‬إذا قام أحدُ كم للناس فليخفّ ْ‬
‫فإن في هم ال صغي وال كبي ‪ ،‬وفي هم الضع يف والر يض ‪ ،‬وذا الا جة ‪ ،‬وإذا قام وحده‬
‫فليطل صلته ما شاء " [ متفق عليه واللفظ لسلم ] ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ول يبالغ ف تطيب السجد بالبخور الركز الذي يؤذي بعض الرضى والصلي ‪ ،‬فإن الشيء إذا‬ ‫()‬
‫جاوز حدّه آذى ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫تنبيهات ووصايا‬

‫وهذه وصايا لكل أخ مسلم وأخت مسلمة ف هذا الشهر الكري ‪:‬‬
‫‪ -‬ينبغي أن يقدم ف شعبان قضاء ما فاته من صيام رمضان الاضي ‪.‬‬
‫‪ -‬من ّسنّة الصطفى صيام أغلب شهر شعبان لنه لرمضان كنوافل للصلة ‪.‬‬
‫‪ -‬احرص على قيام أول ليلة من رمضان و هي ليلة الرؤ يا ‪ ،‬ول تفوت ا ‪ ،‬كي تنال فضيلة‬
‫قيام رمضان كله ‪.‬‬
‫‪ -‬ا صب على القيام خلف إما مك ف التروا يح إل أن ين صرف كي يُك تب لك قيام ليلة‬
‫كاملة ‪.‬‬
‫‪ -‬احرص على صلة الغرب ف جاعة ال سجد ‪ ،‬فإنه ينبغي تعمي الساجد بالماعة ف‬
‫رمضان أكثر من غيه ‪.‬‬
‫‪ -‬ل تضيع ّسنّة العشاء البعدية ‪ ،‬وها ركعتان بعد العشاء ‪ ،‬وقبل القيام ‪.‬‬
‫‪ -‬ل تسهر سهرا يضر بواظبتك على حضور صلة الفجر بالسجد ‪.‬‬

‫احرص على تطبيق الحاديث الشريفة التالية‪:‬‬


‫‪ " :‬صلة ف إثر صلة ل لغو‬ ‫[‪ ]1‬عن أب أُمامة – رضي ال عنه‪ -‬قال رسول ال‬
‫بينهما ؛ كتاب ف عليي " [ رواه أبو داود –حسن]‪.‬‬
‫‪ " :‬من صلى الفجر ف جاعة ‪ ،‬ث قعد‬ ‫[‪ ]2‬عن أنس –رضي ال عنه‪ -‬قال رسول ال‬
‫يذكر ال حت تطلع الشمس ‪ ،‬ث صلى ركعتي ‪ ،‬كانت له كأجر حجة ‪ ،‬وعمرة ‪ ،‬تامة‬
‫‪ ،‬تامة ‪ ،‬تامة " [ رواه الترمذي –صحيح] ‪.‬‬
‫‪ " :‬من صلى ف يوم وليلة ثنت‬ ‫[‪ ]3‬عن أم حبيبة –رضي ال عنها‪ -‬قال رسول ال‬
‫عشرة رك عة بُ ن له ب يت ف ال نة ‪ :‬أربعا ق بل الظ هر وركعت ي بعد ها ‪ ،‬وركعت ي ب عد‬
‫الغرب ‪ ،‬وركعتيـ بعـد العشاء ‪ ،‬وركعتيـ قبـل صـلة الغداة " [ رواه الترمذي –‬
‫صحيح]‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫بين يدي رمضان ـــــــــــــــــــــــــــــــ لفضيلة الشيخ‪ /‬ممد بن إساعيل القدّم‬

‫‪ " :‬مـن صـلى ل أربعيـ يوما فـ‬ ‫[‪ ]4‬عـن أنـس –رضـي ال عنـه‪ -‬قال رسـول ال‬
‫جاعة ‪ ،‬يدرك التكبية الول ‪ ،‬كتب له براءتان ‪ :‬براءة من النار ‪ ،‬وبراءة من النفاق "‬
‫[ رواه الترمذي –حسن]‪.‬‬
‫‪ " :‬مـن أصـبح منكـم اليوم‬ ‫[‪ ]5‬عـن أبـ هريرة –رضـي ال عنـه‪ -‬قال رسـول ال‬
‫صائما؟ " قال أبو بكر‪ :‬أنا ‪ ،‬قال‪ " :‬من شهد منكم اليوم جنازة؟ " ‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬أنا ‪،‬‬
‫‪ " :‬ما اجت مع هذه‬ ‫قال‪ " :‬من أط عم اليوم م سكينا؟ " ‪ ،‬قال أ بو ب كر‪ :‬أ نا ‪ ،‬فقال‬
‫الصال ف رجل ف يوم إل دخل النة " [ رواه مسلم والبخاري ف الدب ] ‪.‬‬

‫وصلى ال على عبده ورسوله ممد ‪ ،‬وعلى آله وصحبه والمد ل رب العالي ‪.‬‬

‫كتبه‪ /‬ممد بن أحد بن إساعيل القدّم ‪.‬‬


‫غفر ال له ولوالديه وللمسلمي‬

‫‪29‬‬

You might also like