You are on page 1of 59

‫أهوال القبور‬

‫إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا ‪ ،‬ومن‬
‫سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده ال فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن ل‬
‫إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما صليت على إبراهيم وعلى آل‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد ‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما باركت‬
‫على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ‪.‬‬
‫ـ أما بعد ـ‬
‫إخوتاه ‪..‬‬

‫ت وَنَ ْبلُوكُم بِالشّ ّر وَا ْلخَيْرِ فِتْنَ ًة وَِإلَيْنَا‬


‫قال ال تعالى ‪ُ " :‬كلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَ ُة الْ َموْ ِ‬
‫تُ ْرجَعُونَ" [ النبياء‪. ]35/‬‬
‫ستموتون وال ‪ ،‬ذلك الحق الذي ل مرية فيه ‪ ،‬وخبر الصدق الذي ل يتسرب إليه‬
‫الشك ‪ ،‬ولعله ليس بالخبر المفاجئ لكم ‪ ،‬إنها رسالة ربانية تعرفونها من دنياكم‬
‫الفانية‪ ،‬ول أريد أن أفجعكم ‪ ،‬ولكنها الحقيقة الراسخة رغم أنف كل معارض ‪.‬‬
‫إِذا ما تخطته الماني باطل‬ ‫ولم أرَ مثلَ الموتِ حقا كأنه‬
‫ستموتون وال‬
‫" الموت " …… إنه قادم ل محالة ‪.‬‬
‫" الموت " …… إنه آتٍ ول مرد له ‪.‬‬
‫" الموت " … … إنه يأتي بغتة ‪.‬‬
‫" الموت " ……ل يطرق بابك ‪.‬‬
‫" الموت " ل يستأذنك ‪.‬‬
‫" الموت " دين على كل أحد ‪.‬‬
‫" الموت " ساعتك وساعة كل أحد ‪.‬‬

‫‪-1-‬‬
‫صفَرّ ِمنْهَا النامل‬
‫دُ َويْ ِهيَةٌ َت ْ‬ ‫وكلّ أناسٍ سَوْفَ َتدْخُلُ َب ْينَهُم‬
‫فيا أخا الموت ‪ ..‬مالك أتعبت نفسك في كسب الحطام الفاني ولن يبقى لك ‪.‬‬
‫يا أخا الموت ‪ ..‬سيسلبك الموت أثوابك ويمنعك مما تشتهي ‪ ،‬فمالك أفنيت بدنك‬
‫من أجل متاع قليل ‪.‬‬
‫يا أخا الموت ‪..‬‬
‫قال ال ‪ " :‬قُل لّن يَنفَ َع ُكمُ ا ْلفِرَارُ إِن َفرَ ْرتُم مّنَ الْمَ ْوتِ أَوِ ا ْل َقتْلِ َوِإذًا لّا‬
‫تُ َم ّتعُونَ إِلّا قَلِيلًا " [ الحزاب‪]16/‬‬
‫فهل لك من الموت من راق ‪ ،‬فمالك أتراك تفر منه أم أنه سيولى عنك ‪ ،‬أما‬
‫رأيته ل يعرف صغيرا من كبير ‪ ،‬ول غنيًا من فقير ‪ ،‬ول قويًا من ضعيف ‪ ،‬ول‬
‫عزيزًا من ذليل ‪.‬‬
‫كانت على رأسهِ الراياتُ تخفق‬ ‫كم من عزيزٍ أذل الموتُ مصرعه‬
‫يا أخا الموت‬ ‫‪..‬‬

‫ح َد ُكمُ الْ َم ْوتُ َف َيقُولَ َربّ‬


‫قال ال ‪ " :‬وَأَن ِفقُوا مِن مّا رَ َز ْقنَاكُم مّن َقبْلِ أَن يَ ْأ ِتيَ أَ َ‬
‫ص ّدقَ وََأكُن مّنَ الصّالِحِينَ َولَن يُؤَخّرَ اللّهُ َن ْفسًا‬
‫جلٍ قَرِيبٍ فَ َأ ّ‬
‫لَوْلَا أَخّ ْر َتنِي إِلَى أَ َ‬
‫" [ المنافقون‪. ]11-10/‬‬ ‫خبِيرٌ بِمَا َتعْ َملُون‬
‫ِإذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللّهُ َ‬
‫فلماذا أخلدت إلى الرض ‪ ،‬هل علمت من نفسك أنك ستبقى فيها ‪ ،‬ألست ترى‬
‫المشيع ينعي كل يوم من قريب أو صاحب ‪ ،‬فلماذا لم تعد لذلك اليوم عدته ؟‬
‫هُ وأقصى منـاه كسبُ الثراءِ‬ ‫عَجَبا لمرئٍ يرى الرضَ مثوا‬
‫ت فـقـدُ التـرابِ والقُرناءِ‬ ‫وكفى المرءَ منـذرا بدنوّ المو‬

‫يا أخا الموت ‪..‬‬


‫الموت قدر ال ‪ ،‬وقدر ال حتم لزم ‪ ،‬فهل تستطيع أن ترده ؟ إنا نعلّلُ بالدواءِ إِذا‬
‫ت الدواءُ ؟ إنا نختارُ الطبيبَ إذا سقمنا ولكن‬
‫َم ِرضْنا ‪ ،‬ولكن هل يشفي من المو ِ‬
‫هل طبيبٌ يؤخرُ ما يقرهُ القضاءُ ‪ ،‬يا أخا الموت أنفاسُنا حسابٌ ‪ ،‬و حركتُنا إِلى‬
‫فناءِ ‪.‬‬

‫‪-2-‬‬
‫فكيف يفرّ المرءُ منه ويحذرُ؟‬ ‫إِذا كـان أمرُ اللّـهِ أمـرا يقـدّرُ‬
‫وضربتُهُ محتومةٌ ليس تعثرُ‬ ‫ومن ذا يردّ الموتَ أو يدفع القضا‬
‫يا أخا الموت‬
‫جعُونِ َلعَلّي أَعْمَلُ‬
‫حدَ ُهمُ ا ْلمَ ْوتُ قَالَ َربّ ارْ ِ‬
‫حتّى ِإذَا جَاء أَ َ‬
‫قال ال تعالى ‪َ " :‬‬
‫صَالِحًا فِيمَا تَ َر ْكتُ كَلّا ِإنّهَا كَِلمَةٌ ُهوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَا ِئهِم َبرْ َزخٌ إِلَى يَ ْومِ‬
‫" [المؤمنون‪. ]100-99/‬‬ ‫ُي ْبعَثُون‬
‫قف معي نتأمل هذا المشهد العظيم ‪ ،‬هذه اللحظة الرهيبة ‪ ،‬قف واسأل نفسك إلى‬
‫أين … ؟ وحتى متى …؟ قل لها ‪ :‬أما رأيتِ من بغتهم الموت كانوا مثلك ل‬
‫يعتقدون أن قد آن أوانه ‪ ،‬فما لبثوا أن جاءهم فبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون ‪،‬‬
‫فتوبي قبل أن تقولي هل إلى مرد من سبيل فيقال ‪ :‬كل ‪ ،‬قل لها ‪:‬‬
‫واعصِ الهوى فالهوى مازال َفتّانـا‬ ‫يا نفسُ توبي فإِن الموتَ قد حانا‬
‫ننسـى بمصرعهِ آثـارَ َموْتـانـا‬ ‫ت نشيـعهُ‬
‫في كل يـوم لنا َميْـ ٌ‬
‫خَلْفي وأخرجُ من دنـيايَ عريانـا‬ ‫يا نفسُ مالي وللموالِ أكنزُهـا؟‬
‫ننسى بغفلِتنا من ليس َينْسـانـا‬ ‫ما بالُنا نتعامى عن مَصارِعنا؟‬
‫قل لها ‪:‬‬
‫قـبلَ النـزولِ بأفضلِ العددِ‬ ‫الموتُ ضيـفٌ فاستعـدَ لهُ‬
‫دارِ المقامـةِ آخـرَ المـدِ‬ ‫واعملْ لـدارٍ أنتَ جاعلَها‬
‫فتأهبي من قبـل أن تـردي‬ ‫يا نفسُ موردُكِ الصراطُ غدا‬

‫أخا الموت‬
‫هذه الدنيا كل ذي نعمة مخلوسها ‪ ،‬وكل ذي أمل مكذوب ‪ ،‬وكل ذي مال موروثها‬
‫وكل سلب مسلوب ‪ ،‬وكل ذي غيبة يؤوب لكن غائب الموت ل يؤوب ‪.‬‬
‫حتْف ‪.‬‬
‫فما بالنا سكارى كأن الموتَ يأخذُ غيرنا فداءً لنا كيل َي ُمرّ بنا َ‬
‫أخا الموت‬

‫‪-3-‬‬
‫تعال بنا نقلب صفحة من صفحات هذا الغيب المهيب ‪ ،‬تعال لنداوي قسوة‬
‫قلوبنا ‪ ،‬بنا نؤمن ساعة قبل قيام الساعة ‪ ،‬بنا نجتاز العسرة قبل يوم الحسرة ‪،‬‬
‫بنا نذكر الموت قبل الفوت ‪.‬‬
‫"‬ ‫‪:‬‬ ‫لذلك فعن َأبِي ُه َر ْيرَةَ قَالَ ‪ :‬قَالَ َرسُولُ الّلهِ‬ ‫وقد حثنا رسول ال‬
‫َأ ْكثِرُوا ِذكْرَ هَا ِذمِ الّلذّاتِ ـ َي ْعنِي ا ْلمَوْت ـ " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أخرجه الترمذي ( ‪ )2307‬كتاب الزهد عن رسول ال ‪ ،‬باب ما جاء في ذكر الموت ‪ .‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‬ ‫‪1‬‬

‫غريب ‪ .‬وصححه الشيخ اللباني ـ رحمه ال ـ في صحيح الترمذي (‪. )1877‬‬

‫‪-4-‬‬
‫أنحن مؤمنون باليوم الخر؟‬
‫أخي في ال‬
‫تساءل معي أنحن مؤمنون حقا ؟ أمثلنا يؤمن بال واليوم الخر ؟ هل نعلم حقا‬
‫أن الموت آتينا ل محالة ثم نبعث من قبورنا إلى يوم الحساب ؟‬
‫أخي في ال‬
‫المؤمنون تصدق أفعالهم أقوالهم ‪ ،‬فاليمان ليس لعبة يتلهى بها صاحبها ثم‬
‫يدعها ويمضي ‪.‬‬
‫قال الحسن البصري ‪ :‬ليس اليمان بالتمني ول بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب‬
‫وصدقته العمال ‪.‬‬
‫فاليمان إنما هو تكيف في النفس ‪ ،‬وانطباع في القلب ‪ ،‬وعمل في الواقع ‪ ،‬ثم ل‬
‫تملك النفس الرجوع عنه حتى تستقر حقيقته في الضمير‪.‬‬
‫وقال الحسن أيضا ‪ :‬هيهات هيهات أهلك الناس المانيّ ‪ :‬قول بل عمل ‪ ،‬ومعرفة‬
‫بغير صبر ‪ ،‬وإيمان بل يقين ‪ ،‬مالي أرى رجالً ول أرى عقولً ‪ ،‬وأسمع حسيسا‬
‫ول أرى أنيسا ‪ ،‬دخل ـ وال ـ القوم ثم خرجوا ‪ ،‬وعرفوا ثم أنكروا ‪ ،‬وحرموا‬
‫ثم استحلوا ‪ ،‬إنما دين أحدهم لعقة على لسانه ‪ ،‬إذا سئل ‪ :‬أمؤمن أنت بيوم‬
‫الحساب ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬وكذب ومالك يوم الدين ‪.‬‬
‫إخوتاه‬
‫هذه أخلق المؤمنين ‪ :‬قوة في دين ‪ ،‬وإيمانا في يقين ‪ ،‬وعلما في حلم ‪ ،‬وحلما‬
‫بعلم ‪ ،‬وكيسا في رفق ‪ ،‬وتجملً في فاقة ‪ ،‬وقصدا في غنى ‪ ،‬وشفقة في نفقة ‪،‬‬
‫ورحمة لمجهود وعطاء في الحقوق ‪ ،‬وإنصافا في الستقامة ‪ ،‬ل يحيف على من‬
‫يبغض ‪ ،‬ول يأثم في مساعدة من يحب ‪ ،‬ل يلمز ول يغمز ‪ ،‬ول يلغو ول يلهو‪،‬‬
‫ول يل عب ول يم شي ب ين الناس بالنمي مة ‪ ،‬ول يت بع ما ل يس له ‪ ،‬ول يج حد ال حق‬
‫الذي عليه ‪.‬‬
‫سبحان ال هذه أخلق المؤمنين فأين هم ؟!! وهل أنت منهم ؟!!‬

‫‪-5-‬‬
‫‪" 8/‬‬ ‫" [ التحريم‬ ‫شيْءٍ َقدِيرٌ‬
‫غ ِفرْ َلنَا ِإنّكَ عَلَى كُ ّل َ‬
‫] َر ّبنَا َأتْ ِممْ َلنَا نُو َرنَا وَا ْ‬
‫أخي في ال ‪..‬‬
‫إنّ الموت حقيقة ل يكابر فيها مكابر ‪ ،‬ول يجادل فيها ذو عقل ؛ لنّ الموت‬
‫مشاهد مكرور ‪ ،‬ولكن الناس غافلون أو متغافلون عنها ‪ ،‬ومع ذلك فكل حي‬
‫سبيله الموت والرحيل من هذه الحياة ‪ ،‬تاركا ما خوله ال خلف ظهره من أهل‬
‫ومال ونعيم ‪ ،‬بل إن أهله الذين هم أهله هم الذين سيوارونه التراب بعد أن‬
‫خمدت فيه الحياة‪.‬‬
‫أحبتي في ال …‬
‫إنّ للعمر أيامه ‪ ،‬وللحياة نهايتها ‪ ،‬ول ندري متى تنقضي أيام العمر ومتى تبلغ‬
‫الحياة نهايتها ‪ ،‬ولكن كلنا يدري أن ذلك لن يطول‪.‬‬
‫ن سَاعَةً َولَ‬
‫ستَأْخِرُو َ‬
‫قال ال ‪ " :‬وَ ِلكُلّ أُمّةٍ أَجَلٌ فَ ِإذَا جَاء أَجَلُ ُهمْ لَ َي ْ‬
‫َيسْ َت ْقدِمُون " [العراف‪ ]34/‬فكيف بك إذا بلغت من الحياة النهاية ‪ ،‬وانتقلت منها‬
‫إلى حياتك الخرى ؟ أتراك ستنتقل من هذه الحياة إلى حياة أفضل منها أم إلى‬
‫حياة أشقى وأتعس ؟!!‬
‫أحبتي في ال …‪.‬‬
‫نحن قوم مسافرون ‪ ،‬والطريق طويلة ‪ ،‬والعقبات كثر فتزود لخرتك من دنياك ‪،‬‬
‫ول يلهينكم عن غايتكم فتات الطريق ‪ ،‬وبريق الشهوات وبهرج المال ‪ ،‬وحلوة‬
‫خيْرٌ لّمَنِ ا ّتقَى َولَ‬
‫العيش فإن ذلك لن يدوم " قُلْ َمتَاعُ ال ّد ْنيَا قَلِيلٌ وَالخِ َرةُ َ‬
‫شيّ َدةٍ "‬
‫تُظْلَمُونَ َفتِيلً َأ ْينَمَا َتكُونُواْ ُيدْرِك ّكمُ الْ َم ْوتُ وَلَ ْو كُن ُتمْ فِي بُرُوجٍ ّم َ‬
‫[ النساء‪] 78/‬‬

‫‪-6-‬‬
‫أخي في ال …‬
‫دعنا نفسح للحق في نفوسنا سبيلً ‪ ،‬دعنا نعرف حقيقة الحياة ‪ ،‬تال إن الحياة‬
‫التي تخلو من السير على المنهج اللهي… إن الحياة التي ل تتصل بالحي الذي‬
‫ل يموت …إن الحياة التي تنخلع من ظل شريعة ال …إنها لحياة تافهة شائهة ‪،‬‬
‫عذابٌ ‪ ..‬يعيش صاحبها يقاسي في نفسه لوعه ‪ ،‬وفي روحه جوعه ؛ لنه‬
‫يعيش دون أن يشعر بوجوده الحق ‪ ،‬ودون أن يعرف سبيله فاعرف ربك تعرف‬
‫نفسك‪ ،‬وتعرف سعادتك ‪ ،‬وتُهدى لغايتك ‪ ،‬ودون ذلك حياتك سراب يلمع في وهج‬
‫الشمس في حر الهاجرة ‪ ،‬يخيل إليك أنه شئ يُغنى ويقني ‪ ،‬ولكنه ل شئ إنه‬
‫سراب ‪.‬‬
‫حتّى ِإذَا جَاءهُ َلمْ‬
‫سبُهُ الظّمْآنُ مَاء َ‬
‫ح َ‬
‫ن َكفَرُوا أَعْمَاُل ُهمْ َكسَرَابٍ ِبقِيعَةٍ يَ ْ‬
‫" وَاّلذِي َ‬
‫]‬ ‫النور‪39/‬‬ ‫"[‬ ‫حسَابِ‬
‫حسَابَهُ وَاللّ ُه سَرِيعُ الْ ِ‬
‫جدَ اللّهَ عِن َدهُ فَوَفّاهُ ِ‬
‫ش ْيئًا وَوَ َ‬
‫ج ْدهُ َ‬
‫يَ ِ‬
‫أخي في ال …‬
‫ل ألفينك وقد انقضت حياتك وحان حينك ‪ ،‬وولت عنك الدنيا مدبرة ‪ ،‬ونظرت إلى‬
‫ماضي أيامك فإذا بك تشاهد ماضيا أليما ‪ ،‬وأياما سوداء قاتمة قضيتها في‬
‫عصيان رب العالمين ‪ ،‬وقد خدعك في الحياة مظهرها وزخرفها فغابت عنك‬
‫حقيقتها وغايتها‪ ،‬فعند ذلك تقوم باكيا حين تبلغ الروح الحلقوم والناس إليك‬
‫ينظرون ‪ :‬رب امهلون وإلى الدنيا ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ‪ ،‬فيقال‬
‫لك ‪ :‬ل ‪ ،‬لقد انتهت الحياة ومضت فترة الختبار ‪.‬‬
‫عتَرَ ْفنَا ِب ُذنُو ِبنَا فَ َهلْ‬
‫ح َي ْي َتنَا ا ْث َن َتيْنِ فَا ْ‬
‫قال ال تعالى ‪ " :‬قَالُوا َر ّبنَا أَ َم ّتنَا ا ْث َن َتيْنِ وَأَ ْ‬
‫]‬ ‫غافر‪11/‬‬ ‫"[‬ ‫سبِيلٍ‬
‫خرُوجٍ مّن َ‬
‫إِلَى ُ‬
‫غيْرَ اّلذِي‬
‫جنَا َنعْمَلْ صَالِحًا َ‬
‫خرِ ْ‬
‫وقال جل وعل ‪ " :‬وَ ُهمْ َيصْطَرِخُونَ فِيهَا َر ّبنَا أَ ْ‬
‫ُكنّا َنعْمَلُ أَ َوَلمْ ُنعَمّ ْركُم مّا َي َت َذكّرُ فِيهِ مَن َت َذكّرَ وَجَاء ُكمُ ال ّنذِيرُ َفذُوقُوا َفمَا‬
‫]‬ ‫فاطر‪37/‬‬ ‫ّنصِير" [‬ ‫لِلظّاِلمِينَ مِن‬

‫‪-7-‬‬
‫ثم ماذا ‪ ..‬؟؟‬

‫عدّ لنا‬
‫لم يشغلِ الموتُ عنا مذ أُ ِ‬
‫وكلنا عنه باللذاتِ مشغـولُ‬
‫وليس من موضعٍ يأتيه ذو َنفَسٍ‬
‫سيْفٌ فيه مسلولُ‬
‫إِل وللموتِ َ‬
‫ومن يمتْ فهو مقطوعٌ ومجتنبٌ‬
‫شيٌ ومَوْصولُ‬
‫والحي ما عاشَ َم ْغ ِ‬
‫كُـلْ ما بدا لكَ فالكـالُ فانيـة‬
‫وكُـلّ ذي ُأكُـلٍ لبُـدّ مأكـولُ‬

‫ثم ماذا ‪ ..‬؟؟‬


‫هذا أخطر ما يكون ‪ ..‬ثم ماذا ؟؟ وهنا تفترق الطرق بين أهل اليمان وبين أهل‬
‫الكفر والعصيان ‪ ،‬أثمّ حياة أخرى أم ل ؟ أثم نعيم وعذاب في القبر أم ل ؟ أهناك‬
‫بعث ونشور وحساب وجزاء يوم تقوم الشهاد أم ل ؟ أجنة هي موعود المؤمنين‬
‫ونار هي جزاء الكافرين أم ل ؟‬
‫فأهل اليمان يؤمنون بأن هذه الحياة إلى زوال ثم ينتقل النسان إلى الحياة الخرى‬
‫السرمدية ‪ ،‬فالدنيا دار ابتلء والخرة دار الجزاء ‪ ،‬ويؤمنون بأن في القبر نعيما‬
‫وعذابا ‪ ،‬ثم يبعث ال الناس من قبورهم يوم القيامة ذلك اليوم العظيم يوم يقوم‬
‫الناس لرب العالمين فيوفيهم حسابهم فيدخل الجنة المؤمنين برحمته ويوفيهم‬
‫أجورهم وال ذو الفضل العظيم ‪ ،‬ويدخل النار الكافرين بعدله وبئس مثوى‬
‫الكافرين ‪.‬‬
‫أيها الخوة …‬
‫خرجت الروح ‪ ،‬ووضع الجسد في التراب حيث القبر أول منازل الخرة ‪ ،‬وأول‬
‫مراحل البداية لحياة أخرى ‪ ،‬غيب يا لهوله !!!‬

‫‪-8-‬‬
‫ومن مقتضيات اليمان أن نتفكر في هذا المر ‪ ،‬وإل فليتهم كل منا نفسه فالتفكر‬
‫أول طريق الستعداد فجدي ٌر بمَنْ الموت مصرعه ‪ ،‬والتراب مضجعه ‪ ،‬والدود‬
‫أنيسه ‪ ،‬ومنكر ونكير جليسه ‪ ،‬والقبر مقره ‪ ،‬وبطن الرض مستقره ‪ ،‬والقيامة‬
‫موعده ‪ ،‬والجنة أو النار مورده ‪ ،‬أل يكون له فكر إل في الموت ‪ ،‬ل ذكر إل له‬
‫‪ ،‬ول استعداد إل لجله ‪ ،‬ول تدبير إل فيه ‪ ،‬ول تطلع إل إليه ‪ ،‬ول اهتمام إل‬
‫به ‪ ،‬ول انتظار وتربص إل له‪.‬‬
‫وحقيق بمن أراد الفوز والنجاة أن يعد نفسه في الموتى ‪ ،‬ويراها في أصحاب‬
‫القبور ‪ ،‬ولكن قست القلوب فأعرضت عن ذكر هذا الخطر العظيم ‪ ،‬ومن يذكره‬
‫يذكره بقلب فارغ ‪ ،‬بل بقلب مشغول بشهوة الدنيا فازدادت القلوب قسوة على‬
‫قسوة ‪.‬‬
‫فلماذا هذا الصدود والعراض عن سبيل ال جل وعل ؟‬
‫لماذا إخوتاه قست قلوبنا فلم تعد تنجع فيها المواعظ المتتالية والدعوات المستمرة ‪،‬‬
‫مع كل هذه الوسائل المختلفة في دعوة الناس لدينهم لماذا يحيدون ول يلتزمون‬
‫بشريعة ربهم ؟‬
‫أهي الدنيا قد اجتالت الناس عن دينهم فعبدوها من دون ال ؟ فل همّ ول شغل‬
‫للنسان إل شهواته وقد علم أنّ نعيم الدنيا منغص لنها ليست بدار الخلود ‪ ،‬إذ‬
‫السلمة فيها ترك ما فيها ‪.‬‬
‫أهي الحرب الضروس التي تشن على السلم في كل مكان وبكل صورة ‪ ،‬سواء‬
‫الحرب العسكرية أو الثقافية فيما يعرف بالغزو الثقافي ‪ ،‬ذلك المخطط الخبيث‬
‫لمحو هويتنا السلمية ‪ ،‬فانصاع الناس وراء هؤلء ‪ ،‬و ُمكِر بهم ‪ ،‬فدب فيهم‬
‫الوهن والعجز وهزموا نفسيا ‪ ،‬فلم يروا لدينهم علوا ول مكانة بل انبهروا‬
‫بمغريات المدنية الغربية ‪ ،‬وانجرفوا لتيار حياتهم المادية التي ل روح فيها‬
‫فابتعدوا عن دينهم ‪ ،‬فعدت اليوم حين تخاطب المسلمين الذين هم من جلدتك وربما‬
‫يتكلم أغلبهم بلسانك تجد عجبا ‪ ،‬تسلل إلى الناس الشك ‪ ،‬وراحوا يتخبطون حتى‬
‫ترى من يسخر بعقائد السلم ‪ ،‬يسخر أن هناك عذابا في القبر ‪ ،‬ل يصدق‬

‫‪-9-‬‬
‫وأخشى أن تزل القدام فينفون يوم القيامة ثم ينفون الدين بالكلية حتى تأتي الطامة‬
‫فينفون وجود ال ‪ ،‬وإنها دركات بعضها تحت بعض ‪ ،‬وظلمات بعضها فوق‬
‫بعض ‪ ،‬ومقتضى الطبيعة أن الهبوط أسرع من الصعود فترقب !!‬
‫أيها الخوة …‬
‫إنني أخاطب الن من يريد ال والدار الخرة أحاول أن أوقظه أحاول أن أجذبه‬
‫بقوة قبل أن يهلك تحت القبضان أريده أن يركب سفينة اليمان ول يكن مع‬
‫الهالكين ‪.‬‬
‫وسأصف لك ـ أخي ـ وصفة ناجعة عساك تنتفع بها ‪ ،‬فجرد الخلص أول‬
‫واصحبني ساعة واحدة من عمرك لعلك تظفر بها طيلة حياتك ‪.‬‬
‫إخوتاه‬
‫بداية ينبغي أن نتأمل ذلك الخطر العظيم الذي يحول بينك وبين طريق‬
‫الخرة ‪ ،‬لعلك تعرف أن الطريق إلى ال ل تقطع بالقدام بل تقطع بالقلوب ‪ ،‬فإذا‬
‫كان القلب يعاني من القسوة والجمود فل بأس أن نصف له الدواء ‪ ،‬ومن‬
‫جملته ما نحن بصدد الحديث عنه من أهوال القبور ‪ ،‬فاستعن بال ول تعجز ‪،‬‬
‫وابدأ من الن في كتابة الجرعات التي ستحافظ عليها حتى يحيا قلبك ‪.‬‬

‫‪-10-‬‬
‫علج قسوة القلوب‬
‫قال العلماء … علج قسوة القلوب من وجوه ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬تلوة القرآن وذكر ال ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ِ " :‬إنّمَا ا ْلمُؤْ ِمنُونَ اّلذِينَ ِإذَا ُذكِرَ الّلهُ وَجِ َلتْ قُلُوبُ ُهمْ وَِإذَا تُ ِل َيتْ‬
‫النفال‪2/‬‬ ‫وكّلُونَ" [‬
‫َيتَ َ‬ ‫علَى َربّ ِهمْ‬
‫‪ ] .‬عَ َل ْي ِهمْ آيَاتُهُ زَا َدتْ ُهمْ إِيمَانًا وَ َ‬
‫شفَاء لّمَا فِي‬
‫وقال تعالى ‪ " :‬يَا َأيّهَا النّاسُ َقدْ جَاء ْتكُم مّوْعِظَةٌ مّن ّر ّب ُكمْ َو ِ‬
‫يونس‪57/‬‬ ‫"[‬ ‫صدُورِ َو ُهدًى َورَحْمَةٌ لّلْ ُمؤْ ِمنِين‬
‫‪ ] .‬ال ّ‬
‫شفَاء َورَحْ َمةٌ لّ ْلمُؤْ ِمنِينَ َولَ يَزِيدُ‬
‫وقال جل وعل ‪َ " :‬و ُننَزّلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا هُ َو ِ‬
‫‪82/‬‬ ‫" [ السراء‬ ‫خسَارًا‬
‫‪ ] .‬الظّالِمِينَ َإلّ َ‬
‫فأرشدنا ال جل وعل إلى أن الدواء الناجع الذي تطيب به القلوب القاسية هو‬
‫ذكر ال تعالى ‪ ،‬وأعظمه تلوة القرآن الكريم فإنّه حياة القلوب ‪ ،‬والقلب الذي‬
‫ليس فيه شيء من القرآن قلب خرب عشعشت فيه الشياطين ‪ ،‬قلب أغلف ‪ ،‬قلب‬
‫محجوب عن رحمة ال تعالى ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬صدق التضرع إلى ال ودوام اللجأ إليه والتباكي بين يديه‪.‬‬
‫فعليك بالخلص فإنه خلصك ‪ ،‬ودوام النابة إلى رب العالمين ‪ ،‬واستحضر‬
‫الموت أمام عينيك وهول المنقلب ‪ ،‬وعظيم جنايتك التي حالت بينك وبين ربك ‪،‬‬
‫واستعن في ذلك بقراءة آيات الوعيد ‪ ،‬وقراءة الكتب التي تصف لك الدار‬
‫الخرة ‪ ،‬أو سماع الشرطة التي يخشع لها قلبك ‪ ،‬وقم بين يديه ـ جل جلله‬
‫ـ مظهرا فقرك وشدة احتياجك إليه ‪ ،‬ول بأس من أن تتباكى حينئذٍ إن لم‬
‫تسعفك العبرات في مثل ذلك المقام ‪ ،‬ويمكنك أن تستعين ببعض الدعية‬
‫المأثورة ‪.‬‬

‫عنّي وَلَا ُتعِنْ عَ َليّ ‪،‬‬


‫يَدْعُو يَقُولُ ‪َ :‬ربّ أَ ِ‬ ‫عبّاسٍ قَالَ ‪ :‬كَانَ ال ّن ِبيّ‬
‫ف َعنْ ابْنِ َ‬
‫وَا ْنصُ ْرنِي َولَا َت ْنصُرْ عَ َليّ ‪ ،‬وَا ْمكُرْ لِي وَلَا تَ ْمكُرْ عَ َليّ ‪ ،‬وَا ْه ِدنِي َو َيسّرْ الْ ُهدَى‬
‫ك َذكّارًا ‪ ،‬لَكَ‬
‫شكّارًا ‪ ،‬لَ َ‬
‫ك َ‬
‫جعَ ْلنِي لَ َ‬
‫لِي ‪ ،‬وَا ْنصُ ْرنِي عَلَى مَنْ َبغَى عَ َليّ ‪َ ،‬ربّ ا ْ‬

‫‪-11-‬‬
‫خ ِبتًا ‪ ،‬إِ َليْكَ أَوّاهًا ُمنِيبًا‪َ ،‬ربّ َت َقبّلْ تَ ْو َبتِي ‪،‬‬
‫طوَاعًا ‪ ،‬لَكَ مُ ْ‬
‫رَهّابًا ‪ ،‬لَكَ مِ ْ‬
‫سدّدْ ِلسَانِي ‪ ،‬وَا ْهدِ‬
‫جتِي ‪َ ،‬و َ‬
‫جبْ دَعْ َوتِي ‪َ ،‬و َث ّبتْ حُ ّ‬
‫ح ْو َبتِي ‪َ ،‬وأَ ِ‬
‫غسِلْ َ‬
‫وَا ْ‬
‫‪1‬‬
‫صدْرِي ‪.‬‬
‫قَ ْلبِي ‪ ،‬وَاسْلُ ْل سَخِي َمةَ َ‬
‫ثالثا ‪ :‬حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير والتخويف والترغيب ‪.‬‬
‫فلبد أن تقلع عن مجالس السوء ؛ فإنها من أعظم السباب الجالبة لقسوة وفساد‬
‫القلب ‪ ،‬وبشكل عام لبد من الحذر من الخلطة السيئة فإنّها من أشد أنواع الداء ‪،‬‬
‫ول يكون ذلك إل بعكوف القلب واستكانته حيث رحمات ال المنزلة ‪ ،‬حيث يأنس‬
‫بالستماع إلى أخبار الصالحين فإن ذلك مما يلين القلوب وينجع فيها‪ ،‬إنها مجالس‬
‫العلم ‪ ،‬والعلم عبادة القلب ‪.‬‬

‫ع ْلمًا‬
‫طرِيقًا يَ ْلتَمِسُ فِيهِ ِ‬
‫" ‪ ..‬مَنْ سَ َلكَ َ‬ ‫ف َعنْ َأبِي ُه َريْرَةَ قَالَ ‪ :‬قَالَ َرسُولُ الّلهِ‬
‫ت مِنْ بُيُوتِ الّل ِه َيتْلُونَ‬
‫جتَمَعَ َقوْمٌ فِي بَيْ ٍ‬
‫ج ّنةِ َومَا ا ْ‬
‫طرِيقًا إِلَى الْ َ‬
‫س ّهلَ الّلهُ َل ُه بِهِ َ‬
‫َ‬
‫حمَةُ وَحَ ّف ْتهُمْ‬
‫غشِ َي ْتهُمْ الرّ ْ‬
‫عَل ْيهِمْ السّكِي َنةُ َو َ‬
‫ِكتَابَ الّلهِ َويَتَدَا َرسُو َن ُه بَ ْي َنهُمْ ِإلّا نَزَلَتْ َ‬
‫‪2‬‬
‫عنْدَهُ ‪"..‬‬
‫ا ْلمَلَائِ َكةُ وَذَ َكرَهُمْ الّلهُ فِيمَنْ ِ‬
‫رابعا ‪ :‬ذكر الموت‬
‫فيكثر من ذكر هادم اللذات ‪ ،‬ومفرق الجماعات ‪ ،‬وميتم البنين والبنات‪.‬‬

‫يتعاهد قلوب أصحابه بتذكيرهم بالموت ‪.‬‬ ‫وقد كان رسول ال‬

‫ب ثُُلثَا الّليْلِ قَامَ فَقَا َل يَا َأ ّيهَا‬


‫إِذَا ذَ َه َ‬ ‫فعن ُأ َبيّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ ‪ :‬كَانَ َرسُولُ الّلهِ‬
‫ت ِبمَا فِيهِ‬
‫النّاسُ ا ْذ ُكرُوا الّلهَ اذْ ُكرُوا الّلهَ جَاءَتْ الرّاجِ َفةُ َت ْتبَ ُعهَا الرّادِ َفةُ جَاءَ ا ْل َموْ ُ‬
‫‪3‬‬
‫ت ِبمَا فِيهِ …"‬
‫جَاءَ ا ْلمَوْ ُ‬
‫قال العلماء ‪ :‬تذكر الموت يردع عن المعاصي ‪ ،‬ويلين القلب القاسي ‪ ،‬ويذهب‬
‫الفرح بالدنيا ويهون المصائب فيها ‪ ،‬إذ كفى بالموت واعظا وكفى به مفرقا ‪،‬‬

‫أخرجه الترمذي (‪ )3551‬كتاب الدعوات عن رسول ال ‪ ،‬باب في دعاء النبي ‪ .‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‬ ‫‪1‬‬

‫جزء من حديث أخرجه مسلم (‪ )2699‬كتاب الذكر والدعاء ‪ ،‬باب فضل الجتماع على تلوة القرآن ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه الترمذي (‪ )2457‬كتاب صفة القيامة ‪ ،‬وقال ‪ :‬حسن صحيح ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-12-‬‬
‫فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نُغّص عليه لذته الحاضرة ‪ ،‬ومنعه من تمنيها‬
‫في المستقبل ‪ ،‬وزهّده فيما كان منها يؤمل ‪ ،‬إذ حب الدنيا رأس كل خطيئة ‪،‬‬
‫والتعلق بالدنيا من أشد ما تقسو به القلوب ‪ ،‬والنفوس الراكدة والقلوب الغافلة‬
‫تحتاج إلى بالغ الموعظة ونهاية السبل الموقظة ‪ ،‬وذكر الموت يورث استشعار‬
‫النزعاج عن هذه الدار الفانية ‪ ،‬والتوجه في كل لحظة إلى تلك الدار الباقية ‪.‬‬
‫ولما كان طول المل السبب الرئيس في قسوة القلوب قال تعالى ‪ " :‬فَطَالَ عَ َليْ ِهمُ‬
‫الْ َأ َمدُ َف َقسَتْ قُلُو ُب ُهمْ " [الحديد‪ ، ]16/‬كان لذكر الموت أثره البالغ في قصر المل‬

‫في إذكار الموت تقصير المل‬ ‫واذكر الموت تجد راحة‬


‫كان بعض الصالحين ينادي بليل على سور المدينة ‪ :‬الرحيل الرحيل ‪ ،‬فلما توفي‬
‫فقد صوته أمير المدينة فسأل عنه فقيل ‪ :‬إنه قد مات فقال ‪:‬‬
‫حتى أناخ ببابه الجمال‬ ‫مازال يلهج بالرحيل وذكره‬
‫ذا أهبة لم تلهه المال‬ ‫فأصابه متيقظـا مـتشمرا‬
‫الخامس ‪ :‬مشاهدة المحتضرين‬

‫زيارة المحتضرين ‪.‬‬ ‫وقد كان من هديه‬

‫ف تَجِ ُدكَ ؟ قَالَ‬


‫خلَ عَلَى شَابّ وَ ُهوَ فِي ا ْل َموْتِ فَقَالَ ‪َ :‬كيْ َ‬
‫دَ َ‬ ‫ف َعنْ َأنَسٍ أَنّ ال ّنبِيّ‬
‫‪":‬‬ ‫‪ :‬وَالّل ِه يَا َرسُولَ الّلهِ َأنّي َأرْجُو الّلهَ وَِإنّي أَخَافُ ُذنُوبِي ‪ ،‬فَقَالَ َرسُولُ الّلهِ‬
‫عبْدٍ فِي ِم ْثلِ هَذَا ا ْل َموْطِنِ إِلّا َأعْطَاهُ الّل ُه مَا َيرْجُو وَآ َم َنهُ ِممّا‬
‫جتَمِعَانِ فِي قَلْبِ َ‬
‫لَا يَ ْ‬
‫‪1‬‬
‫يَخَافُ ‪.‬‬
‫قال أهل العلم ‪ :‬إن في النظر إلى الميت ومشاهدة سكراته ونزعاته وتأمل‬
‫صورته بعد مماته ما يقطع عن النفوس لذتها ‪ ،‬ويطرد عن القلوب سكراتها ‪،‬‬
‫ويمنع الجفان من النوم ‪ ،‬والبدان من الراحة ‪ ،‬ويبعث على العمل ‪ ،‬ويزيد في‬
‫الجتهاد والتعب‪.‬‬

‫أ خرجه الترمذي (‪ )983‬كتاب الجنائز ‪ ،‬باب ما جاء أنّ المؤمن يموت بعرق الجبين ‪ ،‬وقال ‪ :‬حسن غريب‬ ‫‪1‬‬

‫‪-13-‬‬
‫فهذه خمسة أمور ينبغي لمن قسا قلبه ولزمه ذنبه أن يستعين بها على دواء‬
‫دائه ‪ ،‬ويستصرخ بها على فتن الشيطان وإغوائه ‪ ،‬فإن انتفع بها فذاك ‪ ،‬وإن‬
‫عظم عليه ران القلب واستحكمت فيه دواعي الذنب فعليه بالمر السادس ‪ ،‬وهنا‬
‫محل الشاهد ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬زيارة قبور الموتى‬
‫فإنها تبلغ في دفع قسوة القلب ما ل يبلغه غيرها ‪ ،‬فزيارة القبور لها تأثير‬
‫عظيم ‪ ،‬فوجودها أسرع ‪ ،‬والنتفاع بها أليق وأجود ‪ ،‬ولكن الزيارة تكون‬
‫بآدابها ‪ ،‬فينبغي عليه أن يحضر قلبه في إتيانها وينوى صالحا ‪ ،‬فيقصد بزيارته‬
‫وجه ال تعالى ‪ ،‬وإصلح فساد قلبه ويعتبر ‪.‬‬
‫وفي رواية‬ ‫‪1‬‬
‫‪ … " :‬فَزُورُوا ا ْل ُقبُورَ فَ ِإنّهَا ُت َذكّرُ الْمَ ْوتَ "‬ ‫يقول رسول ال‬
‫‪2‬‬
‫" فَإِنّهَا ُتذَكّرُكُ ْم الْآخِرَةَ "‬

‫أخرجه مسلم (‪ )976‬كتاب الجنائز ‪ ،‬باب استئذان النبي ربه في زيارة قبر أمه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه ابن ماجة (‪ )1569‬كتاب ما جاء في الجنائز ‪ ،‬باب ما جاء في زيارة القبور ‪ ،‬وصححه الشيخ‬ ‫‪22‬‬

‫اللباني ـ رحمه ال ـ في صحيح ابن ماجه (‪. )1275‬‬

‫‪-14-‬‬
‫قف وتأمل‬
‫احضر بقلبك ذكر من كان مترددا في أغراضه كيف تهدمت رجله في قبره ‪.‬‬
‫يقول الرافعي ‪ :‬كل من يهرب من شئٍ يتركه وراءه إل القبر فما يهرب منه أحد‬
‫إل وجده أمامه ‪ ،‬هو أبدا ينتظر غير متململ ‪ ،‬وأنت أبدا متقدم إليه غير‬
‫متراجع‪.‬‬
‫أخي في ال‬
‫تأمل ‪ :‬صاحبك في القبر‬
‫•كان يتلذذ بالنظر إلى ما حوله ‪ ،‬فإذا به في قبره وقد سالت عيناه‪.‬‬
‫•كيف كان يصول ببلغة نطقه ‪ ،‬وقد أكل الدود لسانه‪.‬‬
‫•كيف كان يضحك لمواتاة دهره ‪ ،‬قد أبلى التراب أسنانه‪.‬‬
‫تأمل وتذكر ‪:‬‬
‫بل وتحقق وتأكد أن سيكون حالك كحاله ‪ ،‬ومآلك كمآله ‪ ،‬وعند هذا التذكر‬
‫والعتبار تزول عنك جميع الغيار الدنيوية ‪ ،‬وتقبل على العمال الخروية ‪،‬‬
‫فتزهد في دنياك ‪ ،‬وتقبل على طاعة مولك ‪ ،‬يلين قلبك ‪ ،‬وتخشع جوارحك ‪،‬‬
‫فزيارة ذلك الواعظ من أكبر أسباب تقوية القلب ‪ ،‬وإزالة تلك الغشاوة ‪.‬‬
‫فأنت عندما تذهب إلى المسجد يوم الجمعة تستمع إلى واعظ واحد ‪،‬‬
‫فالمصلون كثيرون والواعظ واحد ‪ ،‬ولكن الصورة تنقلب في المقبرة حيث تتحول‬
‫كل القبور إلى وعاظ ‪ ،‬وأنت تستمع إليهم في آن واحد ‪ ،‬فالمستمعون قليل‬
‫والوعاظ أكثر‪.‬‬
‫وهذه حالة فريدة ل تكون في أمور الدنيا إل في ذلك المكان ‪ ،‬فالقبر ما يفتأ‬
‫صامتا ل يتكلم ‪ ،‬ولكن صوته في أعماق الناس أعلى من صوت ذلك الواعظ‬
‫الجهوري الصوت في المسجد ‪.‬‬
‫إخوتاه‬

‫‪-15-‬‬
‫تعالوا بنا لنزور ذلك الواعظ الصامت ‪ ،‬نقف عنده مليا لنتدبر حديثه الدائم ‪،‬‬
‫عسانا نعتبر ‪.‬‬

‫إنّه القبر‬
‫القبر‬
‫ل يملك العبارات المنمقة المصفوفة ‪ ،‬ولكن منظرة أعمق من كل عبارات‬
‫الوعاظ‪.‬‬
‫القبر‬
‫ل تتحرك يديه ‪ ،‬ول يتلفت بوجهه ميمنة وميسرة ؛ ليجذب جمهور المستمعين‬
‫والمشاهدين بخطبته ؛ لن الجاذبية تركزت فيه تجذب القلوب قبل الجساد‪.‬‬
‫القبر‬
‫ما هو إل تلك الحفرة التي سينام فيها النسان ‪ ،‬عندما تتوقف اللة التي كان‬
‫يعمل من خللها بعد أن ينتهي من أداء الختبار الذي كان قد كلف بأدائه ‪.‬‬
‫القبر‬
‫الذي تظهر فيه النتائج الولية للختبار بعد أن يستقر بهذه الحفرة ‪.‬‬
‫يقول الرافعي ‪:‬‬
‫" فتحنا القبر وأنزلنا الميت العزيز الذي شفي من مرض الحياة ‪ ،‬ووقفت هناك‬
‫بل وقف التراب المتكلم ينقل عن التراب الصامت ‪ ،‬ويعرف منه أن العمر على ما‬
‫يمتد محدود بلحظة ‪ ،‬وأن القوة على ما تبلغ محدودة بخمود ‪ ،‬وأن الغايات على‬
‫ما تتسع محدودة بانقطاع ‪ ،‬وحتى القارات جميعها محدودة بقبر " ‪.‬‬
‫سمّى القبر‪.‬‬
‫فما ذلك الواعظ الصامت إل تلك الحفرة التي تُ َ‬
‫هو كما يناديه الرافعي أيضا فيقول ‪:‬‬

‫‪-16-‬‬
‫" واها لك أيها القبر ‪ ،‬ل تزال تقول لكل إنسان تعال ‪ ،‬ول تبرح كل الطرق‬
‫تفضي إليك ‪ ،‬فل يقطع بأحد دونك ‪ ،‬ول يرجع من طريقك راجع وعندك وحدك‬
‫المساواة ‪.‬‬
‫فما أنزلوا قط فيك ملكا عظامه من ذهب ‪ ،‬ول بطل عضلته من حديد ‪ ،‬ول‬
‫أميرا جلده من ديباج ‪ ،‬ول وزيرا وجهه من حجر ‪ ،‬ول غنيا بجوفه خزانة ‪ ،‬ول‬
‫فقيرا علقت في أحشائه مخلة ‪ ،‬واها لك أيها القبر " ‪.‬‬
‫و تال لول قسـوة القلوب والنشغال بالوسـائل التـي تعيـن على أداء الهدف الذي‬
‫خلقنا من أجله لتذكر النسان عند ولدة كل مولود اليوم الذي يدفن فيه ‪.‬‬
‫يقول ابن الجوزي ‪ " :‬عبر مهد الطفل عنوان اللحد " ‪.‬‬
‫فكما يلف الطفل المولود بقطعة قماش بيضاء ‪ ،‬ويوضع في المهد بل حراك ‪،‬‬
‫فكذلك الميت أيضا يلف بقطعة بيضاء هي آخر ثوب يلبسه بالدنيا ‪ ،‬ليبقى في‬
‫مهد الرض دون حراك إلى يوم البعث ‪.‬‬

‫‪-17-‬‬
‫زوروا القبور‬
‫‪ :‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور أل فزوروها ‪ ،‬فإنها تُرق‬ ‫يقول رسول ال‬
‫القلب وتدمع العين ‪ ،‬وتذكر الخرة ‪ ،‬ول تقولوا هُجرا ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫إن هذا الحديث وأمثاله تدفع المؤمن للنخلع من جو الركود واللشعور الذي‬
‫تعود العيش فيه إلى عالم الستشعار والتذكر‪.‬‬
‫يقول المناوي معلقا على الحديث السابق ‪ " :‬ونعم الدواء لمن قسا قلبه ولزمه‬
‫ذنبه "‪.‬‬
‫وللتراب الصامت صوت ل يسمعه إل من تذكر هادم اللذات ‪ ،‬وهو أمامه يتأمل‬
‫ومحاورته متعة ل يحوزها إل من أراد أن يكون من أبناء الخرة ‪ ،‬واستن بسنة‬
‫المام على ( ) بتطليق الدنيا بثلث‪.‬‬

‫حوار مع القبر‬
‫استمع لهذه المحاورة بين الرافعي والقبر‬
‫يقول ‪ :‬سألت القبر ‪ :‬أين المتاع والمال ؟ أين السحر والجمال ؟ أين الصحة‬
‫والقوة ؟ أين المرض والضعف ؟ أين القدرة والجبروت ؟ أين الخضوع والذلة ؟‬
‫قال ‪ :‬كل هذه صور فكرية ل تجيء إلى هنا لنها ل تؤخذ من هنا ‪.‬‬
‫هكذا يتوقف كل شئ هناك في تلك الحفرة تتوقف البتسامات والقهقهات ‪،‬‬
‫يتوقف الجدال والصرخات ‪ ،‬ويتوقف العناد والكبرياء ‪ ،‬ويتوقف المل والجشع ‪،‬‬
‫ويتوقف الخلص والرياء ‪ ،‬ويتوقف العجب بالمنصب والجمال ‪ ،‬يتوقف الفتخار‬
‫بالعشيرة والجاه ‪ ،‬يتوقف الغرور بالقوة والعقل ‪ ،‬كما يتوقف ظلم من ظلم ‪ ،‬وذلة‬
‫من استذل ‪ ،‬يتحول الوجه الفاتن واليد الظالمة واللسان الكذوب والعين الخائنة‬
‫والقلب القاسي إلى جماجم ‪ ،‬وأعظم نخرة تعبث بها الديدان من كل جهة ‪ ،‬ول‬

‫أخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )1/532‬وصححه الشيخ اللباني ـ رحمه ال ـ في صحيح الجامع (‬ ‫‪1‬‬

‫‪. )4586‬‬
‫قال ابن الثير في النهاية ‪ :‬هجرا أي فحشا ‪.‬‬

‫‪-18-‬‬
‫يبقى إل العمل الذي قدمه صاحب القبر ‪ ،‬يسأله عنه منكر ونكير ‪ ،‬ول يبقى‬
‫بعدهما إل هذا الجليس المؤنس الوحيد ‪ ..‬العمل‪.‬‬
‫وأينما يذهب النسان تتلقاه أسئلة كثيرة ‪ :‬ما اسمك ؟ ما صناعتك ؟ ما وظيفتك؟‬
‫ما مؤهلتك ؟ كم عمرك ؟ كيف حالك ؟ ماذا تملك ؟ ما صحتك ؟ وطنك ؟ ما‬
‫رأيك ؟ ما طلباتك ؟ رغباتك ؟ أمنياتك ؟ ‪.‬‬
‫عند القبر يبطل هذا كله ‪ ،‬كما تبطل اللغات البشرية كلها في الفم الخرس ‪،‬‬
‫وهناك ينطق بسؤال واحد للنسان ما عملك ؟‪.‬‬
‫فإما عمل يحيل قبره إلى روضة من رياض الجنة ‪ ،‬وإما عمل يحيل قبره إلى‬
‫حفرة من حفر النار‪.‬‬
‫ولكن كل ما ذكرت ل يكون إل لمؤمن صادق يؤمن بال واليوم الخر ‪ ،‬ويصدق‬
‫بعقيدة عذاب القبر ونعيمه ‪ ،‬وفي زمن الجهل والبلبلة لعقائد المسلمين لبد أن‬
‫نعود لتثبيت عقائد المليين بذكر أصول هذه العقيدة‪.‬‬

‫‪-19-‬‬
‫عقيدة أهل السنة والجماعة في عذاب القبر‬
‫قال المام الطحاوي في ذكر العقيدة السلمية ‪:‬‬
‫" ‪ ...‬ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين ‪ ،‬وبعذاب القبر لمن كان‬
‫له أهلً ‪ ،‬وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه ‪ ،‬على ما جاءت به‬
‫‪ ،‬وعن الصحابة رضوان ال عليهم ‪ ،‬والقبر روضة‬ ‫الخبار عن رسول ال‬
‫من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران " ‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬وعذاب القبر حق يسأل العبد عن دينه ونبيه وعن الجنة والنار‬
‫‪1‬‬
‫ومنكر ونكير حق وهما فتانا القبر نسأل ال الثبات ‪.‬‬
‫وقال المام القرطبي في " التذكرة " ‪:‬‬
‫" اليمان بعذاب القبر وفتنته واجب ‪ ،‬والتصديق به لزم ‪ ،‬حسب ما أخبر به‬
‫الصادق ‪ ،‬وأن ال تعالى يحيي العبد المكلف في قبره برد الحياة إليه ‪ ،‬ويجعله‬
‫من العقل في مثل الوصف الذي عاش عليه ليعقل ما يسأل عنه ‪ ،‬وما يجيب به ‪،‬‬
‫ويفهم ما أتاه من ربه ‪ ،‬وما أعد له في قبره من كرامة أو هوان ‪ ،‬وبهذا نطقت‬
‫الخبار عن النبي صلى ال عليه وعلى آله آناء الليل وأطراف النهار ‪ ،‬وهذا‬
‫مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أهل الملة ‪ ،‬ولم تفهم الصحابة الذين‬
‫نزل القرآن بلسانهم ولغتهم من نبيهم عليه الصلة والسلم غير ما ذكرنا ‪،‬‬
‫وكذلك التابعون بعدهم إلى هلم جرا " أهـ‬
‫فإذا تبين لك هذا فاعلم أنّ عقيدة أهل السنة والجماعة على أنّ عذاب القبر‬
‫ونعيمه على النفس والبدن جميعًا ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية (‪ )4/282‬لما سئل عن هذه المسألة ‪:‬‬
‫جمِيعًا بِاتّفَاقِ أَ ْهلِ‬
‫حمْدُ ِللّهِ رَبّ الْعَا َلمِينَ ‪َ :‬بلْ ا ْلعَذَابُ وَالنّعِيمُ عَلَى النّفْسِ وَا ْلبَدَنِ َ‬
‫الْ َ‬
‫ب ُمنْ َفرِدَةً عَ نْ ا ْلبَدَ نِ َوتُعَذّبُـ مُتّصِـَل ًة بِا ْلبَدَ نِ‬
‫عةِ َتنْعَ مُ النّفْسُـ َوتُعَذّ ُ‬
‫جمَا َ‬
‫سنّةِ وَالْ َ‬
‫ال ّ‬

‫تاريخ دمشق (‪. )21/311‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-20-‬‬
‫جتَمَعِي نَ كَمَا‬
‫صلٌ بِهَا َفيَكُو نُ النّعِي مُ وَالْعَذَا بُ عَ َل ْيهِمَا فِي هَذِ هِ الْحَا ِل مُ ْ‬
‫ن ُمتّ ِ‬
‫وَا ْلبَ َد ُ‬
‫يَكُونُ لِلرّوحِ مُنْ َفرِدَةً عَنْ ا ْلبَدَنِ ‪.‬‬
‫ثم بين ـ رحمه ال ـ أنّ الفلسفة وبعض الصوفية أنكروا معاد البدان وذهبوا‬
‫إلى أنّ النعيم والعذاب ل يكون إل على الروح ‪ ،‬وأنّ بعض المتكلمين من‬
‫ح ِبمُ ْفرَدِهَا لَا ُتنَعّمُ َولَا تُعَذّبُ ‪َ ،‬و ُينْ ِكرُونَ َأنّ‬
‫المعتزلة والشاعرة قالوا بأنّ الرّو َ‬
‫ح َتبْقَى بَعْدَ ِفرَاقِ ا ْلبَدَنِ ‪ ،‬وذهب آخرون من المعتزلة إلى نفي ذلك جملة‬
‫الرّو َ‬
‫حتّى تَقُومَ الْ ِقيَا َمةُ‬
‫وقالوا ‪ :‬إنّ ا ْل َب ْر َزخَ َليْسَ فِيهِ نَعِيمٌ َولَا عَذَابٌ ‪َ ،‬بلْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ َ‬
‫طلٌ ‪.‬‬
‫الْ ُك ْبرَى ‪ .‬وكل ذلك بَا ِ‬
‫طَلةَ فَ ْليُ ْعلَمْ َأنّ‬
‫عرَفْت هَذِهِ ا ْلأَ ْقوَالَ الثّلَا َثةَ ا ْلبَا ِ‬
‫يقول شيخ السلم ‪ " :‬فَإِذَا َ‬
‫ت يَكُونُ فِي نَعِيمٍ َأوْ عَذَابٍ ‪ ،‬وَأَنّ‬
‫س َلفِ ا ْلُأ ّمةِ وََأ ِئ ّم ِتهَا " أَنّ ا ْل َميّتَ إذَا مَا َ‬
‫مَذْهَبَ " َ‬
‫ن ُمنَ ّعمَةً َأوْ مُعَ ّذبَةً ‪،‬‬
‫حهِ وَ ِلبَ َدنِهِ ‪َ ،‬وأَنّ الرّوحَ تَبْقَى بَعْ َد مُفَارَ َقةِ ا ْلبَدَ ِ‬
‫صلُ ِلرُو ِ‬
‫ح ُ‬
‫ك يَ ْ‬
‫ذَِل َ‬
‫ن َيوْمُ‬
‫صلُ َل ُه مَ َعهَا النّعِيمُ وَالْ َعذَابُ ‪ ،‬ثُمّ إذَا كَا َ‬
‫ح ُ‬
‫حيَانًا َفيَ ْ‬
‫ص ُل بِا ْلبَ َدنِ أَ ْ‬
‫وََأ ّنهَا َتتّ ِ‬
‫جسَادِهَا وَقَامُوا مِنْ ُقبُورِهِمْ ِلرَبّ ا ْلعَا َلمِينَ " ‪.‬‬
‫الْ ِقيَامَةِ الْ ُك ْبرَى أُعِيدَتْ ا ْل َأ ْروَاحُ إلَى أَ ْ‬
‫ن مَا ذَ َك ْرنَاهُ َفَأمّا‬
‫ن نَذْ ُك ُر مَا يُ َبيّ ُ‬
‫ثمّ ساق الدلة على ذلك من الكتاب والسنة َونَحْ ُ‬
‫أَحَادِيثُ عَذَابِ الْ َق ْبرِ َومَسْ َأَلةُ مُنْ َكرٍ َونَكِيرٍ فَ َكثِيرَ ٌة ُم َتوَاتِرَةٌ عَنْ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه‬
‫س رضي ال عنهما { َأنّ ال ّنبِيّ صلى‬
‫عبّا ٍ‬
‫عنْ ابْنِ َ‬
‫حيْنِ َ‬
‫وسلم ِم ْثلُ مَا فِي الصّحِي َ‬
‫ال عليه وسلم َمرّ بِ َق ْبرَيْنِ فَقَالَ ‪ :‬إ ّن ُهمَا َليُعَ ّذبَانِ َومَا يُعَ ّذبَانِ فِي َكبِيرٍ َأمّا أَحَدُ ُهمَا‬
‫طبَةٍ‬
‫جرِيدَةِ رَ ْ‬
‫ن َبوْ ِلهِ ثُمّ دَعَا بِ َ‬
‫خرُ َفكَانَ لَا َيسْ َت ِترُ مِ ْ‬
‫‪َ :‬فكَانَ يَ ْمشِي بِال ّنمِيمَةِ وََأمّا الْآ َ‬
‫غ َرزَ فِي ُكلّ َق ْبرٍ وَاحِدَةً ‪ .‬فَقَالُوا يَا َرسُولَ الّلهِ لَمْ فَ َعلْت هَذَا ؟‬
‫ن ثُمّ َ‬
‫َفشَ ّقهَا ِنصْ َفيْ ِ‬
‫ن ثَابِتٍ‬
‫عنْ َزيْدِ بْ ِ‬
‫ع ْن ُهمَا مَا لَ ْم َي ْيبَسَا } ‪ .‬وَفِي صَحِيحِ ُمسْلِمٍ َ‬
‫قَالَ ‪َ :‬لعَّل ُه يُخَ ّففُ َ‬
‫علَى بَ ْغَلةٍ ‪-‬‬
‫{ قَالَ ‪ :‬بينا رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم فِي حَائِطٍ ِل َبنِي النّجّارِ َ‬
‫سةٌ َأوْ َأ ْربَ َعةٌ ‪ .‬فَقَالَ‬
‫خمْ َ‬
‫ستّةٌ َأوْ َ‬
‫ن مَ َعهُ ‪ -‬إذْ جَالَتْ بِهِ َفكَادَتْ تُلْقِيهِ َفإِذَا أَ ْق ُبرُ ِ‬
‫َونَحْ ُ‬
‫جلٌ َأنَا ‪ .‬قَالَ ‪َ :‬ف َمتَى َهؤُلَاءِ ؟ قَالَ ‪ :‬مَاتُوا فِي‬
‫ن يَ ْع ِرفُ هَذِهِ الْ ُقبُورَ ؟ فَقَالَ رَ ُ‬
‫مَ ْ‬
‫عوْت‬
‫شرَاكِ ‪ .‬فَقَالَ ‪ :‬إنّ هَذِهِ ا ْلُأمّ َة ُتبْتَلَى فِي ُقبُورِهَا ; َف َلوْلَا أَنْ لَا تدافنوا لَدَ َ‬
‫الْ ِإ ْ‬
‫ج ِههِ فَقَالَ ‪:‬‬
‫سمَ ُع ِمنْ ُه ثُمّ َأ ْق َبلَ عَ َل ْينَا ِبوَ ْ‬
‫ن ُيسْمِعَ ُك ْم مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ الّذِي َأ ْ‬
‫الّلهَ َأ ْ‬

‫‪-21-‬‬
‫تَ َعوّذُوا بِاَلّل ِه مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ قَالُوا ‪ :‬نَعُو ُذ بِاَلّل ِه مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ ‪ .‬قَالَ ‪ :‬تَ َعوّذُوا‬
‫بِاَلّلهِ مِنْ عَذَابِ النّارِ قَالُوا ‪ :‬نَعُو ُذ بِاَلّل ِه مِنْ عَذَابِ النّارِ ‪ .‬قَالَ ‪ :‬تَ َعوّذُوا بِاَلّل ِه مِنْ‬
‫طنَ‬
‫ظ َهرَ مِ ْنهَا َومَا بَ َ‬
‫ن مَا َ‬
‫ظ َه َر ِم ْنهَا َومَا بَطَنَ قَالُوا ‪ :‬نَعُو ُذ بِاَلّلهِ مِنْ الْ ِفتَ ِ‬
‫ن مَا َ‬
‫الْ ِفتَ ِ‬
‫‪ .‬قَالَ ‪ :‬تَ َعوّذُوا بِاَلّل ِه مِنْ ِفتْ َنةِ الدّجّالِ قَالُوا ‪ :‬نَعُوذُ بِاَلّلهِ مِنْ ِف ْتنَةِ الدّجّالِ } ‪َ .‬وفِي‬
‫سنَنِ عَنْ َأبِي ُهرَ ْيرَ َة رضي ال عنه أَنّ ال ّنبِيّ صلى ال‬
‫ح ُمسْلِمٍ َوسَا ِئرِ ال ّ‬
‫صَحِي ِ‬
‫شهّدِ ا ْلأَخِيرِ فَ ْليَ ُقلْ َأعُو ُذ بِاَلّل ِه مِنْ َأ ْربَعٍ‬
‫عليه وسلم قَالَ ‪ { :‬إذَا َفرَغَ َأحَدُكُمْ مِنْ ال ّت َ‬
‫حيَا وَا ْلمَمَاتِ وَمِنْ ِف ْتنَةِ ا ْلمَسِيحِ‬
‫ج َهنّمَ َومِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ وَمِنْ ِف ْتنَةِ ا ْلمَ ْ‬
‫‪ :‬مِنْ عَذَابِ َ‬
‫عنْ‬
‫س رضي ال عنهما َ‬
‫عبّا ٍ‬
‫غ ْيرِهِ عَنْ { ابْنِ َ‬
‫الدّجّالِ } ‪ .‬وَفِي صَحِيحِ ُمسْلِمٍ وَ َ‬
‫ن يُعَّل ُمهُمْ هَذَا الدّعَاءَ َكمَا يُعَّل ُمهُمْ السّورَةَ مِنْ‬
‫ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم َأ ّنهُ كَا َ‬
‫ج َهنّمَ وََأعُو ُذ بِك مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ وََأعُو ُذ بِك‬
‫الْ ُقرْآنِ الّلهُمّ إنّي َأعُو ُذ بِك مِنْ عَذَابِ َ‬
‫حيَا وَا ْلمَمَاتِ } ‪ .‬وَفِي صَحِيحِ‬
‫مِنْ ِف ْتنَةِ ا ْل َمسِيحِ الدّجّالِ وَأَعُو ُذ بِك مِنْ ِف ْتنَةِ ا ْلمَ ْ‬
‫خ َرجَ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه‬
‫عنْ { َأبِي َأيّوبَ الْ َأ ْنصَا ِريّ قَالَ ‪َ :‬‬
‫ا ْلبُخَا ِريّ َومُسِْلمٍ َ‬
‫حيْنِ‬
‫شمْسُ ‪ .‬فَقَالَ ‪َ :‬يهُو ٌد يُعَ ّذبُونَ فِي ُقبُورِهِمْ } ‪ .‬وَفِي الصّحِي َ‬
‫جبَتْ ال ّ‬
‫وسلم وَ َقدْ وَ َ‬
‫عجُوزٌ مِنْ عَجَا ِئزِ َيهُودِ ا ْلمَدِي َنةِ‬
‫عَليّ َ‬
‫خلَتْ َ‬
‫عنْ { عَا ِئشَ َة رضي ال عنها قَالَتْ ‪ :‬دَ َ‬
‫َ‬
‫فَقَالَتْ ‪ :‬إنّ أَ ْهلَ الْ ُقبُورِ يُعَ ّذبُونَ فِي ُقبُورِهِمْ ‪ .‬قَالَتْ ‪ :‬فَ َك ّذبْتهَا َولَمْ َأنْعَمْ َأنْ ُأصَدّ َقهَا‬
‫خلَ عَ َليّ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم فَقُلْت ‪ :‬يَا َرسُولَ الّلهِ‬
‫خرَجَتْ فَدَ َ‬
‫قَالَتْ ‪ :‬فَ َ‬
‫عمَتْ أَنّ أَ ْهلَ الْ ُقبُورِ يُعَ ّذبُونَ فِي‬
‫عَجُو ٌز مِنْ عَجَائِزِ أَ ْهلِ ا ْلمَدِينَةِ َدخَلَتْ عَ َليّ َفزَ َ‬
‫سمَ ُعهُ ا ْل َبهَائِمُ كُّلهَا َفمَا رََأيْته بَ ْعدُ‬
‫ُقبُورِهِمْ ‪ .‬فَقَالَ ‪ :‬صَدَقَتْ ‪ .‬إ ّنهُ ْم يُعَ ّذبُونَ عَذَابًا َي ْ‬
‫فِي صَلَاةٍ إلّا َيتَ َعوّ ُذ مِنْ عَذَابِ الْ َقبْرِ ‪ } .‬وَفِي صَحِيحِ َأبِي حَاتِمٍ البستي عَنْ { أُمّ‬
‫عَليّ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم وََأنَا فِي‬
‫خلَ َ‬
‫شرٍ رضي ال عنها قَالَتْ ‪َ :‬د َ‬
‫مُ َب ّ‬
‫حَائِطٍ وَ ُهوَ يَقُولُ ‪ :‬تَ َعوّذُوا بِاَلّلهِ مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ فَ ُقلْت ‪ :‬يَا رَسُولَ الّلهِ لِلْ َق ْبرِ‬
‫ضهُمْ ‪:‬‬
‫عَذَابٌ ؟ َفقَالَ ‪ :‬إ ّنهُمْ َليُعَ ّذبُونَ فِي ُقبُورِهِمْ عَذَابًا َتسْمَ ُعهُ ا ْل َبهَائِمُ } ‪ .‬قَا َل بَ ْع ُ‬
‫س بِ َدوَا ّبهِمْ إذَا مَ َغلَتْ إلَى ُقبُورِ ا ْل َيهُودِ وَالنّصَارَى‬
‫ب يَذْهَبُ النّا ُ‬
‫سبَ ِ‬
‫وَ ِلهَذَا ال ّ‬
‫غ ْيرِهِمْ‬
‫ع َبيْدٍ وَ َ‬
‫ن َبنِي ُ‬
‫طةِ ‪ :‬مِ ْ‬
‫وَا ْل ُمنَافِقِينَ ; كالسماعيليةِ والنصيرية َوسَا ِئرِ الْ َقرَامِ َ‬
‫خ ْيلِ يَ ْقصِدُونَ ُقبُورَهُمْ لِذَِلكَ َكمَا‬
‫غ ْيرِهِمَا ; َفإِنّ أَ ْهلَ ا ْل َ‬
‫ض ِمصْرَ وَالشّامِ وَ َ‬
‫ن بِ َأرْ ِ‬
‫الّذِي َ‬
‫ط َمةَ َوَأنّهُمْ مِنْ‬
‫جهّالُ تَظُنّ َأ ّنهُ ْم مِنْ ُذ ّريّةِ فَا ِ‬
‫يَقْصِدُونَ ُقبُورَ ا ْل َيهُودِ وَال ّنصَارَى ‪ .‬وَالْ ُ‬

‫‪-22-‬‬
‫سمِعَتْ عَذَابَ الْ َق ْبرِ‬
‫خ ْيلَ إذَا َ‬
‫َأوْ ِليَاءِ الّلهِ وَِإ ّنمَا ُه َو مِنْ هَذَا الْ َقبِيلِ ‪ .‬فَقَدْ قِيلَ ‪ :‬إنّ الْ َ‬
‫ب بِا ْلمَ ْغلِ ‪ .‬وَالْحَدِيثُ فِي َهذَا َكثِيرٌ لَا َيتّسِعُ َلهُ َهذَا‬
‫حرَارَ ِة مَا يُذْهِ ْ‬
‫حصَلَتْ َلهَا مِنْ الْ َ‬
‫َ‬
‫عنْ { ا ْل َبرَاءِ‬
‫سنَنِ َ‬
‫حيْنِ وَال ّ‬
‫سؤَالُ ‪ .‬وَأَحَادِيثُ ا ْلمَسْ َأَلةِ َكثِيرَةٌ َأيْضًا َكمَا فِي الصّحِي َ‬
‫ال ّ‬
‫بْنِ عَازِبٍ رضي ال عنه َأنّ َرسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم قَالَ ‪ :‬ا ْل ُمسِْلمُ إذَا‬
‫حمّدًا َرسُولُ الّلهِ ; فَذَِلكَ َق ْولُ الّلهِ‬
‫شهِدَ َأنْ لَا إ َلهَ إلّا الّلهُ وَأَنّ مُ َ‬
‫سُ ِئلَ فِي َق ْبرِهِ َ‬
‫خرَةِ } }‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َوفِي الْآ ِ‬
‫تَعَالَى ‪ُ { :‬يثَبّتُ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا بِالْ َق ْولِ الثّابِتِ فِي الْ َ‬
‫وَفِي لَ ْفظٍ ‪َ { :‬نزَلَتْ فِي عَذَابِ الْ َق ْبرِ يُقَالُ َل ُه مَنْ َربّك ؟ َفيَقُولُ ‪ :‬رَبّي الّلهُ وَدِينِي‬
‫حمّدٌ ‪ .‬وَذَِلكَ َق ْولُ الّلهِ تَعَالَى ‪ { :‬يُ َثبّتُ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا بِالْ َق ْولِ‬
‫الْ ِإسْلَامُ َو َنبِيّي مُ َ‬
‫ضلّ الّلهُ الظّا ِلمِينَ َويَفْ َعلُ الّل ُه مَا َيشَاءُ }‬
‫خرَةِ َويُ ِ‬
‫حيَاةِ ال ّد ْنيَا وَفِي الْآ ِ‬
‫الثّابِتِ فِي الْ َ‬
‫سنَنِ َأبِي داود‬
‫طوّلًا َكمَا فِي ُ‬
‫سنَنِ وَا ْل َمسَانِي ِد مُ َ‬
‫‪ } .‬وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ َروَاهُ أَ ْهلُ ال ّ‬
‫جنَا مَعَ َرسُولِ الّلهِ صلى‬
‫خرَ ْ‬
‫ب رضي ال عنه قَالَ ‪َ :‬‬
‫عنْ { ا ْل َبرَا ِء بْنِ عَازِ ٍ‬
‫غ ْيرِهِ َ‬
‫وَ َ‬
‫ج ٍل مِنْ الْ َأ ْنصَارِ ‪ .‬فَانْ َت َهيْنَا إلَى الْ َق ْبرِ وَ َلمّا ُيلْحَدْ َفجَلَسَ‬
‫جنَازَةِ رَ ُ‬
‫ال عليه وسلم فِي ِ‬
‫ط ْيرُ وَفِي يَدِهِ عُودٌ‬
‫ح ْوَلهُ كَ َأ ّنمَا عَلَى رُءُوسِنَا ال ّ‬
‫سنَا َ‬
‫ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم وَجَ َل ْ‬
‫عذَابِ الْ َق ْب ِر َمرّ َتيْنِ َأوْ‬
‫ستَعِيذُوا بِاَلّل ِه مِنْ َ‬
‫سهُ فَقَالَ ‪ :‬ا ْ‬
‫يَنْكُتُ بِهِ الْ َأرْضَ ; َفرَفَعَ رَ ْأ َ‬
‫عوْدُهَا إ َل ْيهِ ‪ .‬إلَى َأنْ‬
‫سمَا ِء ثُمّ َ‬
‫جهَا إلَى ال ّ‬
‫عرُو ِ‬
‫ثَلَاثًا ‪ .‬وَذَ َك َر صِ َفةَ َقبْضِ الرّوحَ وَ ُ‬
‫قَالَ ‪ :‬وَِإ ّنهُ َل َيسْمَعُ خَفْقَ نِعَا ِل ِهمْ إذَا وَّلوْا مُ ْدبِرِينَ حِينَ يُقَالُ َل ُه يَا َهذَا مَنْ َربّك ؟‬
‫ن َنبِيّك ؟ } ‪ .‬وَفِي لَفْظٍ ‪َ { :‬فيَ ْأتِيهِ مَ َلكَانِ َفيُجْ ِلسَانِهِ َويَقُولَانِ َلهُ ‪:‬‬
‫َومَا دِينُك ؟ َومَ ْ‬
‫مَنْ َربّك ؟ َفيَقُولُ ‪َ :‬ربّي الّلهُ ‪َ .‬فيَقُولَانِ َلهُ ‪ :‬مَا دِينُك ؟ َفيَقُولُ دِينِي ا ْلِإسْلَامُ ‪.‬‬
‫سلَ فِيكُمْ ؟ قَالَ ‪َ :‬فيَقُولُ ‪ُ .‬هوَ رَسُولُ الّلهِ ‪.‬‬
‫جلُ الّذِي ُأ ْر ِ‬
‫َفيَقُولَانِ ‪ .‬مَا هَذَا الرّ ُ‬
‫َفيَقُولَانِ ‪َ :‬ومَا يُ ْدرِيك ؟ َفيَقُولُ ‪َ :‬قرَأْت ِكتَابَ الّلهِ وَآ َمنْت ِبهِ َوصَدّقْت ِبهِ فَ َذلِكَ َق ْولُ‬
‫ضلّ‬
‫خرَةِ َو ُي ِ‬
‫حيَاةِ ال ّد ْنيَا وَفِي الْآ ِ‬
‫الّلهِ ‪ُ { :‬ي َثبّتُ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا بِالْ َق ْولِ الثّابِتِ فِي الْ َ‬
‫ن صَدَقَ‬
‫سمَاءِ َأ ْ‬
‫الّلهُ الظّا ِلمِينَ َويَفْ َعلُ الّل ُه مَا َيشَاءُ } قَالَ ‪َ :‬فيُنَادِي مُنَا ٍد مِنْ ال ّ‬
‫ج ّنةِ قَالَ ‪:‬‬
‫ج ّنةِ وَا ْفتَحُوا َلهُ بَابًا إلَى الْ َ‬
‫ج ّنةِ وَأَ ْل ِبسُو ُه مِنْ الْ َ‬
‫عبْدِي فَا ْف ِرشُوا َلهُ فِي الْ َ‬
‫َ‬
‫سحُ َل ُه مَ ّد َبصَرِهِ قَالَ ‪َ :‬وإِنّ الْكَا ِفرَ َفذَ َك َر َموْ َتهُ‬
‫حهَا وَطِي ِبهَا قَالَ ‪َ :‬ويُفْ َ‬
‫َفيَ ْأتِي ِه مِنْ َروْ ِ‬
‫جسَدِهِ َفيَ ْأتِيهِ مَلَكَانِ َفيُجْ ِلسَا ِنهِ َفيَقُولَانِ َلهُ ‪ :‬مَنْ َربّك ؟‬
‫‪ .‬وَقَالَ ‪َ :‬وتُعَادُ رُوحُهُ إلَى َ‬
‫َفيَقُولُ هاه هاه لَا أَ ْدرِي ‪َ .‬فيَقُولَانِ َلهُ ‪ :‬مَا دِينُك ؟ َفيَقُولُ ‪ :‬هاه ‪ .‬هاه لَا أَ ْدرِي‬

‫‪-23-‬‬
‫عبْدِي فَا ْف ِرشُوا َل ُه مِنْ النّارِ َوأَ ْل ِبسُوهُ مِنْ النّارِ‬
‫سمَاءِ َأنْ َكذَبَ َ‬
‫َف ُينَادِي ُمنَا ٍد مِنْ ال ّ‬
‫عَليْهِ‬
‫ضيّقُ َ‬
‫حرّهَا َوسَمُو ِمهَا قَالَ ‪َ :‬ويُ َ‬
‫وَا ْفتَحُوا َلهُ بَابًا إلَى النّارِ قَالَ ‪َ :‬ويَ ْأتِيهِ مِنْ َ‬
‫عمَى َأبْكَ ُم مَ َع ُه ِم ْرزَ ّبةٌ مِنْ‬
‫عهُ قَالَ ‪ :‬ثُ ّم يُ َقيّضُ َلهُ أَ ْ‬
‫ختَ ِلفَ فِيهِ َأضْلَا ُ‬
‫حتّى تَ ْ‬
‫َق ْبرُهُ َ‬
‫سمَ ُعهَا مَا بَيْنَ‬
‫ضرْ َبةً يَ ْ‬
‫ضرِ ُبهُ ِبهَا َ‬
‫ج َبلٌ َلصَا َر ُترَابًا قَالَ ‪َ :‬ف َي ْ‬
‫ضرِبَ ِبهَا َ‬
‫حَدِيدٍ َلوْ ُ‬
‫صرّحَ‬
‫شرِقِ وَا ْلمَ ْغرِبِ إلّا الثّقَ َليْنِ َفيَصِيرُ ُترَابًا ‪ .‬ثُ ّم تُعَادُ فِيهِ الرّوحُ } ‪ .‬فَ َق ْد َ‬
‫ا ْلمَ ْ‬
‫عهِ وَهَذَا َبيّنٌ فِي َأنّ الْعَذَابَ عَلَى‬
‫ختِلَافِ َأضْلَا ِ‬
‫جسَدِ َوبِا ْ‬
‫ث بِإِعَادَةِ الرّوحِ إلَى ا ْل َ‬
‫الْحَدِي ُ‬
‫ي ِم ْثلُ حَدِيثِ ا ْلبَرَاءِ فِي َقبْضِ الرّوحِ وَا ْلمَسْ َأَلةِ‬
‫ج َتمِ َعيْنِ ‪ .‬وَقَدْ ُر ِو َ‬
‫ن مُ ْ‬
‫الرّوحِ وَا ْلبَدَ ِ‬
‫غ ْيرِهِ َو َروَاهُ َأبُو حَاتِمِ بْنُ‬
‫سنَدِ وَ َ‬
‫وَالنّعِيمِ وَالْ َعذَابِ َروَاهُ َأبُو ُهرَ ْيرَةَ وَحَدِي ُثهُ فِي ا ْل ُم ْ‬
‫حهِ عَنْ َأبِي ُه َر ْيرَةَ رضي ال عنه ‪ :‬عَنْ { ال ّن ِبيّ صلى ال عليه‬
‫حبّانَ فِي صَحِي ِ‬
‫ِ‬
‫ع ْنهُ مُ ْد ِبرِينَ‬
‫ق نِعَا ِلهِمْ إذَا وَّلوْا َ‬
‫سمَعَ خَفْ َ‬
‫وسلم قَالَ ‪ :‬إنّ ا ْل َميّتَ إذَا ُوضِعَ فِي َق ْبرِهِ يَ ْ‬
‫ن َيمِينِهِ وَكَانَتْ الصّ َد َقةُ‬
‫عْ‬‫صيَامُ َ‬
‫سهِ وَكَانَ ال ّ‬
‫عنْدَ رَ ْأ ِ‬
‫فَِإنْ كَانَ ُمؤْ ِمنًا كَانَتْ الصّلَاةُ ِ‬
‫عنْدَ رِجْ َل ْيهِ‬
‫حسَانِ ِ‬
‫خ ْيرِ مِنْ الصّ َد َقةِ وَالصّ َلةِ وَا ْلمَ ْعرُوفِ وَالِْإ ْ‬
‫شمَا ِلهِ وَكَانَ ِف ْعلُ الْ َ‬
‫عنْ ِ‬
‫َ‬
‫خلٌ ‪ .‬ثُ ّم ُي ْؤتَى عَنْ‬
‫ن مِنْ ِق َبلِ رَ ْأسِهِ ; َفتَقُولُ الصّلَاةُ ‪ :‬مَا ِقبَلِي مَدْ َ‬
‫َفيَ ْأتِيهِ ا ْلمَلَكَا ِ‬
‫خلٌ ‪ .‬ثُ ّم ُيؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ َفتَقُولُ الزّكَاةُ ‪ :‬مَا‬
‫صيَامُ ‪ :‬مَا ِقبَلِي مَدْ َ‬
‫يَمِينِهِ َويَقُولُ ال ّ‬
‫ت مِنْ الصّدَ َقةِ وَالصّ َلةِ‬
‫خ ْيرَا ِ‬
‫جَل ْيهِ َفيَقُولُ ِف ْعلُ الْ َ‬
‫خلٌ ‪ .‬ثُ ّم ُي ْؤتَى مِنْ ِق َبلِ رِ ْ‬
‫ِقبَلِي مَدْ َ‬
‫جلِسُ قَدْ مُثّلَتْ َلهُ‬
‫جلِسْ ‪َ .‬فيَ ْ‬
‫خلٌ َفيَقُولُ َلهُ ‪ :‬ا ْ‬
‫حسَانِ ‪ :‬مَا ِقبَلِي مَدْ َ‬
‫وَا ْلمَ ْعرُوفِ وَالْإِ ْ‬
‫حتّى ُأصَلّي ‪َ .‬فيَقُولُونَ ‪ :‬إنّك‬
‫شمْسُ وَقَدْ َأصْغَتْ لِ ْل ُغرُوبِ ‪َ .‬فيَقُولُ ‪ :‬دَعُونِي َ‬
‫ال ّ‬
‫جلَ الّذِي كَانَ فِيكُ ْم مَا تَقُولُونَ‬
‫عنْهُ أرأيتك هَذَا الرّ ُ‬
‫عمّا َنسْأَلُك َ‬
‫خ ِبرْنَا َ‬
‫سَ ُتصَلّي ‪ .‬أَ ْ‬
‫شهَدُ َأ ّنهُ َرسُولُ الّلهِ جَا َء بِالْحَقّ‬
‫حمّدٌ ‪َ .‬ن ْ‬
‫شهَ ُد ِبهِ عَ َل ْيهِ ؟ َفيَقُولُ ‪ :‬مُ َ‬
‫فِيهِ ؟ َومَاذَا تَ ْ‬
‫حيِيت وَعَلَى َذلِكَ تُبْعَثُ إنْ شَاءَ الّلهُ ‪ .‬ثُمّ‬
‫علَى ذَِلكَ َ‬
‫عنْدِ الّلهِ ‪َ .‬فيُقَالُ َلهُ ‪َ :‬‬
‫مِنْ ِ‬
‫غبْطَةً‬
‫ج ّنةِ ‪َ .‬فيُقَالُ ‪ :‬هَذَا مَقْ َعدُك َومَا أَعَدّ الّلهُ لَك فِيهَا ; َف َيزْدَادُ ِ‬
‫يُفْ َتحُ َل ُه بَابٌ إلَى الْ َ‬
‫جسَدُ ِلمَا‬
‫سبْعُونَ ِذرَاعًا َويُ َن ّورُ َلهُ فِيهِ وَيُعَادُ الْ َ‬
‫سحُ َلهُ فِي َق ْبرِهِ َ‬
‫َوسُرُورًا ; ثُمّ يُفْ َ‬
‫جنّةِ قَالَ ‪ :‬فَذَِلكَ قوله تعالى ‪{ :‬‬
‫جرِ الْ َ‬
‫ط ْي ٍر يَعْلُقُ فِي شَ َ‬
‫ج َعلُ رُوحه َنسَمَ َ‬
‫بُ ِدئَ مِ ْنهُ وَتُ ْ‬
‫ضلّ الّلهُ‬
‫خرَةِ َويُ ِ‬
‫حيَاةِ ال ّد ْنيَا وَفِي الْآ ِ‬
‫يُ َثبّتُ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا بِالْ َق ْولِ الثّابِتِ فِي الْ َ‬
‫الظّا ِلمِينَ َويَفْ َعلُ الّلهُ مَا َيشَاءُ } } ‪ .‬وَذَ َكرَ فِي الْ ُك ْفرِ ضِدّ ذَِلكَ َأ ّنهُ { قَالَ ‪ُ :‬يضَيّقُ‬
‫ضنْكُ اّلتِي قَالَ الّل ُه تَعَالَى ‪:‬‬
‫شةُ ال ّ‬
‫عهُ َفتِلْكَ ا ْلمَعِي َ‬
‫ختَ ِلفَ فِيهِ َأضْلَا ُ‬
‫عَليْهِ َق ْبرُهُ إلَى أَنْ تَ ْ‬
‫َ‬

‫‪-24-‬‬
‫خصَرُ ‪َ .‬وحَدِيثُ‬
‫عمَى } } هَذَا الْحَدِيثُ َأ ْ‬
‫شرُ ُه َيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ أَ ْ‬
‫حُ‬‫ضنْكًا وَنَ ْ‬
‫شةً َ‬
‫{ َل ُه مَعِي َ‬
‫صرُوهُ لِ ِذ ْكرِ مَا فِيهِ مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ‬
‫خ َت َ‬
‫سنَنِ َفِإ ّنهُمْ ا ْ‬
‫ط َو ُل مَا فِي ال ّ‬
‫ا ْلبَرَاءِ ا ْل ُمتَقَدّمُ أَ ْ‬
‫ن ثَابِتٌ { يَقُولُ ال ّن ِبيّ صلى ال‬
‫حسَ ٌ‬
‫غ ْيرِ ِه بِطُو ِلهِ ‪ .‬وَ ُهوَ حَدِيثٌ َ‬
‫سنَدِ وَ َ‬
‫وَ ُهوَ فِي ا ْلمُ ْ‬
‫ع مِنْ‬
‫خرَةِ وَانْقِطَا ٍ‬
‫عليه وسلم فِيهِ ‪ :‬إنّ ا ْل َعبْدَ ا ْلمُ ْؤمِنَ إذَا كَانَ فِي إ ْقبَالٍ مِنْ الْآ ِ‬
‫ن مِنْ‬
‫شمْسُ مَ َع ُهمْ كَ َف ٌ‬
‫ال ّدنْيَا ‪َ :‬نزَلَتْ إ َل ْيهِ مَلَائِ َكةٌ بِيضُ ا ْلوُجُوهِ كَأَنّ وُجُو َههُمْ ال ّ‬
‫صرِ ; ثُ ّم يَجِي ُء مَلَكُ‬
‫ن مِ ْن ُه مَدّ ا ْلبَ َ‬
‫جِلسُو َ‬
‫جنّةِ َفيَ ْ‬
‫حنُوطِ ا ْل َ‬
‫ط مِنْ َ‬
‫حنُو ٌ‬
‫جنّةِ وَ َ‬
‫أَكْفَانِ ا ْل َ‬
‫خرُجِي إلَى مَغْ ِفرَةٍ‬
‫ط ّيبَةُ ُا ْ‬
‫سهِ ‪َ .‬فيَقُولُ ‪َ :‬أ ّي ُتهَا النّفْسُ ال ّ‬
‫عنْدَ رَ ْأ ِ‬
‫حتّى يَجْلِسَ ِ‬
‫ا ْلمَوْتِ َ‬
‫طرَ ُة مِنْ فِي السّقَاءِ َفيَ ْأخُذُهَا فَِإذَا َأخَذَهَا‬
‫خ ُرجُ تَسِيلُ َكمَا َتسِيلُ الْقَ ْ‬
‫ضوَانٍ قَالَ ‪َ :‬فتَ ْ‬
‫َورِ ْ‬
‫حتّى يَأْخُذُوهَا َفيَجْ َعلُوهَا فِي َذلِكَ ا ْلكَفَنِ وَذَلِكَ‬
‫عيْنٍ َ‬
‫طرْ َفةَ َ‬
‫َل ْم يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ َ‬
‫جهِ الْ َأرْضِ قَالَ ‪َ :‬فيَصْعَدُونَ‬
‫ح ِة ِمسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَ ْ‬
‫ب نَفْ َ‬
‫طيَ ِ‬
‫خ ُرجُ ِم ْنهَا كَأَ ْ‬
‫حنُوطِ َفيَ ْ‬
‫الْ َ‬
‫طيّ َبةُ َفيَقُولُونَ ‪:‬‬
‫علَى مَلَأٍ مِنْ ا ْلمَلَائِ َكةِ إلّا قَالُوا مَا هَذِهِ الرّوحُ ال ّ‬
‫ن ِبهَا َ‬
‫ِبهَا َفلَا َي ُمرّو َ‬
‫ن بِهِ إلَى‬
‫سمَائِهِ اّلتِي كَانُوا ُيسَمّونَ ُه ِبهَا فِي ال ّدنْيَا َفيَ ْن َتهُو َ‬
‫حسَنِ َأ ْ‬
‫ن بِأَ ْ‬
‫فُلَانُ بْنُ ُفلَا ً‬
‫سمَا ٍء مُ َقرّبُوهَا إلَى‬
‫شيّ ُعهُ مِنْ ُكلّ َ‬
‫ستَ ْفتِحُونَ َلهُ َفيُفْ َتحُ َلهُ قَالَ ‪َ :‬ف ُي َ‬
‫سمَاءِ ال ّدنْيَا َفيَ ْ‬
‫ال ّ‬
‫سمَاءِ السّابِ َعةِ ‪َ .‬فيَقُولُ ‪ :‬اُ ْك ُتبُوا ِكتَابَ‬
‫حتّى يَ ْن َتهُوا ِبهَا إلَى ال ّ‬
‫سمَاءِ اّلتِي تَلِيهَا َ‬
‫ال ّ‬
‫عبْدِي فِي عِّليّينَ وَأَعِيدُوهُ إلَى الْ َأرْضِ فَ ِإنّي مِ ْنهَا خَلَقْتهمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ َومِ ْنهَا‬
‫َ‬
‫جسَدِهِ َويَ ْأتِي ِه مَلَكَانِ َفيُجْ ِلسَا ِنهِ } وَذَ َكرَ‬
‫خرَى قَالَ ‪َ :‬فتُعَادُ رُوحه فِي َ‬
‫جهُمْ تَارَةً ُأ ْ‬
‫خرِ ُ‬
‫أُ ْ‬
‫شرْ‬
‫طيّبُ الرّيحِ َفيَقُولُ َلهُ ‪َ :‬أ ْب ِ‬
‫جهِ َ‬
‫حسَنُ ا ْل َو ْ‬
‫جلٌ َ‬
‫ا ْلمَسْ َأَلةَ َكمَا تَقَدّمَ { قَالَ ‪َ :‬ويَ ْأتِيهِ رَ ُ‬
‫جهُ‬
‫جهُك ا ْلوَ ْ‬
‫سرّك َفهَذَا َي ْومُك الّذِي قَدْ ُكنْت تُوعَدُ َفيَقُولُ َلهُ ‪ :‬مَنْ َأنْتَ َفوَ ْ‬
‫بِاَلّذِي يَ ُ‬
‫عةَ رَبّ َأقِمْ‬
‫عمَلُك الصّا ِلحُ ‪َ .‬فيَقُولُ ‪ :‬رَبّ أَقِمْ السّا َ‬
‫خ ْيرِ َفيَقُولُ ‪َ :‬أنَا َ‬
‫الّذِي يَجِيءُ بِالْ َ‬
‫حتّى َأرْجِعَ إلَى أَهْلِي َومَالِي } قَالَ ‪ { :‬وَِإنّ الْ َعبْدَ الْكَا ِفرَ‬
‫عةَ َ‬
‫عةَ رَبّ َأقِمْ السّا َ‬
‫السّا َ‬
‫سمَا ِء َملَائِ َكةٌ‬
‫ع مِنْ ال ّدنْيَا ‪َ :‬نزَلَ إ َل ْيهِ مِنْ ال ّ‬
‫خرَةِ وَانْقِطَا ٍ‬
‫إذَا كَانَ فِي إ ْقبَا ٍل مِنْ الْآ ِ‬
‫حتّى‬
‫صرِ ثُ ّم يَجِيءُ مَلَكُ ا ْل َموْتِ َ‬
‫جِلسُونَ مِ ْنهُ مَدّ ا ْلبَ َ‬
‫سُودُ ا ْل ُوجُو ِه مَ َعهُمْ ا ْل ُمسُوحُ َفيَ ْ‬
‫غضَ ِبهِ‬
‫خرُجِي إلَى سَخَطِ الّلهِ وَ َ‬
‫خبِي َثةُ اُ ْ‬
‫سهِ َفيَقُولُ َأيّ ُتهَا النّفْسُ الْ َ‬
‫عنْدَ رَ ْأ ِ‬
‫يَجْلِسَ ِ‬
‫عهَا َكمَا ُينْ َتزَعُ السّفّو ُد مِنْ الصّوفِ ا ْل َمبْلُولِ ;‬
‫عضَائِهِ ُكّلهَا َفيَ ْن َتزِ ُ‬
‫َفتُ َفرّقُ فِي َأ ْ‬
‫طرْ َفةَ‬
‫َف َتتَقَطّعُ مَ َعهَا الْ ُعرُوقُ وَالْ َعصَبُ قَالَ ‪َ :‬ف َيأْخُذُهَا فَِإذَا أَخَذَهَا َل ْم يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ َ‬
‫ج ِم ْنهَا َكَأنْتَنِ مَا يَكُونُ‬
‫خرُ ُ‬
‫جعَلُوهَا فِي تِلْكَ ا ْل ُمسُوحِ قَالَ ‪َ :‬فيَ ْ‬
‫خذُوهَا َفيَ ْ‬
‫حتّى يَأْ ُ‬
‫عيْنٍ َ‬
‫َ‬

‫‪-25-‬‬
‫ن ِبهَا عَلَى مَلَا ٍء مِنْ‬
‫جهِ الْ َأرْضِ َفيَصْعَدُونَ ِبهَا َفلَا يَ ُمرّو َ‬
‫مِنْ جِي َفةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَ ْ‬
‫ن بْنُ فُلَانٍ ; بِأَ ْق َبحِ‬
‫خبِي َثةُ ؟ َفيَقُولُونَ ‪ :‬فُلَا ُ‬
‫ا ْلمَلَائِ َكةِ إلّا قَالُوا ‪ :‬مَا هَذِهِ الرّوحُ ا ْل َ‬
‫ستَ ْفتِحُونَ‬
‫سمَاءِ ال ّد ْنيَا َفيَ ْ‬
‫حتّى َينْ َتهُوا إلَى ال ّ‬
‫ن ُيسَمّى ِبهَا فِي ال ّد ْنيَا ; َ‬
‫سمَائِهِ اّلتِي كَا َ‬
‫َأ ْ‬
‫َلهَا َفلَا يُ ْف َتحُ َلهَا ثُمّ َقرَأَ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬لَا تُ َف ّتحُ َلهُمْ َأ ْبوَابُ‬
‫جرِمِينَ‬
‫جزِي ا ْلمُ ْ‬
‫ك نَ ْ‬
‫خيَاطِ وَكَذَِل َ‬
‫ج َملُ فِي سَمّ الْ ِ‬
‫حتّى يَ ِلجَ الْ َ‬
‫جنّةَ َ‬
‫سمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ ا ْل َ‬
‫ال ّ‬
‫} ثُ ّم يَقُولُ الّل ُه تَعَالَى ‪ُ :‬ا ْكتُبُوا ِكتَابَهُ فِي سِجّينٍ ‪ -‬فِي الْ َأرْضِ السّفْلَى ‪ -‬قَالَ ‪:‬‬
‫طرْحًا ثُمّ َقرَأَ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬أ ْو َت ْهوِي بِهِ‬
‫ط َرحُ رُوحه َ‬
‫َفتُ ْ‬
‫جسَدِهِ ; َفيَ ْأتِي ِه مَلَكَانِ َفيُجْ ِلسَا ِنهِ ;‬
‫حهُ فِي َ‬
‫الرّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } قَالَ ‪َ :‬فتُعَادُ رُو ُ‬
‫َفيَقُولَانِ َلهُ ‪ :‬مَنْ َربّك ؟ َفيَقُولُ ‪ :‬هاه ; هاه ; لَا أَ ْدرِي } َوسَاقَ الْحَدِيثَ َكمَا تَقَدّمَ‬
‫جهِ مُ ْنتِنُ الرّيحِ ; َفيَقُولُ ‪َ :‬أ ْبشِ ْر بِ َالّذِي‬
‫جلٌ َقبِيحُ ا ْلوَ ْ‬
‫إلَى أَنْ قَالَ { ‪َ :‬ويَ ْأتِيهِ رَ ُ‬
‫جهُ الّذِي‬
‫جهُك ا ْلوَ ْ‬
‫عمَلُك الّذِي قَدْ ُكنْت تُوعَدُ ; َفيَقُولُ ‪ :‬مَنْ َأنْتَ َفوَ ْ‬
‫يَسُوءُك ; هَذَا َ‬
‫ع َة ثَلَاثَ‬
‫عمَلُك السّوءُ ‪َ .‬فيَقُولُ ‪ :‬رَبّ لَا تُقِمْ السّا َ‬
‫خ ْيرِ ؟ قَالَ ‪َ :‬أنَا َ‬
‫لَا يَ ْأتِي بِالْ َ‬
‫ح َتبْقَى بَعْدَ مُفَارَ َقةِ‬
‫ع مِنْ ا ْلعِلْمُ ‪ِ :‬منْهَا ‪َ :‬أنّ الرّو َ‬
‫َمرّاتٍ } ‪َ .‬ففِي َهذَا الْحَدِيثِ َأ ْنوَا ٌ‬
‫خلَافًا ِلضُلّالِ ا ْل ُمتَكَّلمِينَ ; وََأ ّنهَا َتصْعَدُ َوتَ ْن ِزلُ خِلَافًا ِلضُلّالِ الْفَلَاسِ َفةِ ;‬
‫ا ْلبَدَنِ ; ِ‬
‫سؤَالِ‬
‫ع ْنهُ أَ ْهلُ ال ّ‬
‫ت ُيسْ َألُ َف ُينَعّمُ َأوْ يُعَذّبُ َكمَا سَ َألَ َ‬
‫وََأ ّنهَا تُعَادُ إلَى ا ْلبَ َدنِ وَأَنّ ا ْل َميّ َ‬
‫حةٍ ‪ .‬وَفِي‬
‫س َنةٍ َأوْ َقبِي َ‬
‫ح َ‬
‫ئ يَ ْأتِيهِ فِي صُورَةٍ َ‬
‫سيّ َ‬
‫عمَ َلهُ الصّا ِلحَ َأوْ ال ّ‬
‫وَفِيهِ أَنّ َ‬
‫ك رضي ال عنه أَنّ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه‬
‫ن مَالِ ٍ‬
‫س بْ ِ‬
‫حيْنِ عَنْ قتادة عَنْ َأنَ ِ‬
‫الصّحِي َ‬
‫سمَعُ خَفْقَ‬
‫ع ْنهُ َأصْحَا ُبهُ إ ّنهُ َليَ ْ‬
‫وسلم قَالَ ‪ { :‬إنّ الْ َعبْدَ إذَا ُوضِعَ فِي َق ْبرِهِ َو َتوَلّى َ‬
‫جلِ مُحَمّدٍ ؟ فَ َأمّا‬
‫نِعَا ِلهِمْ َأتَا ُه مَلَكَانِ َفيُ َقرّرَا ِنهِ ‪َ .‬فيَقُولَانِ ‪ :‬مَا ُكنْت تَقُولُ فِي هَذَا الرّ ُ‬
‫ظرْ إلَى مَقْعَدِك‬
‫عبْدُ الّلهِ َو َرسُوُلهُ قَالَ ‪َ :‬فيَقُولُ ُانْ ُ‬
‫حمّدٌ َ‬
‫شهَدُ َأنّ ُه مُ َ‬
‫ا ْلمُ ْؤمِنُ َفيَقُولُ َأ ْ‬
‫ج ّنةِ قَالَ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫مِنْ النّارِ قَدْ َأبْدَلَك الّل ُه ِبهِ مَقْ َعدًا مِنْ الْ َ‬
‫سبْعُونَ ِذرَاعًا َويُمْ َلأُ‬
‫َف َيرَا ُهمَا ِكَل ْيهِمَا } قَالَ قتادة ‪ :‬وَذَ َكرَ َلنَا َأ ّنهُ يُ ْفسَحُ َلهُ فِي َقبْرِهِ َ‬
‫ضرًا إلَى َيوْ ِم ُيبْعَثُونَ " ‪ .‬ثُ ّم َنرْجِعُ إلَى حَدِيثِ َأنَسٍ { َويَ ْأتِيَانِ الْكَا ِفرَ‬
‫خ ِ‬
‫عَليْهِ َ‬
‫َ‬
‫جلِ ؟ َفيَقُولُ ‪ :‬لَا أَ ْدرِي ُكنْت أَقُولُ‬
‫وَا ْل ُمنَافِقَ َفيَقُولَانِ ‪ :‬مَا ُكنْت تَقُولُ فِي هَذَا الرّ ُ‬
‫ق مِنْ حَدِي ٍد َبيْنَ‬
‫ضرَبُ ِبمَطَارِ َ‬
‫َكمَا يَقُولُ النّاسُ ‪َ .‬فيَقُولُ ‪ :‬لَا َد َريْت وَلَا تليت ‪ .‬ثُ ّم ُي ْ‬
‫غ ْيرَ الثّ َقَليْنِ } ‪َ .‬و َروَى ال ّت ْرمِ ِذيّ وََأبُو‬
‫سمَ ُعهَا مَنْ عَ َل ْيهَا َ‬
‫حةً َفيَ ْ‬
‫صيْ َ‬
‫ح َ‬
‫أُ ُذ َنيْهِ َف َيصِي ُ‬

‫‪-26-‬‬
‫حهِ ‪ -‬وَأَ ْك َثرُ اللّفْظِ َلهُ ‪ -‬عَنْ َأبِي ُه َر ْيرَةَ ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قَالَ ‪:‬‬
‫حَاتِمٍ فِي صَحِي ِ‬
‫{ قَالَ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إذَا َق َبرَ أَحَدُ ُكمْ الْ ِإ ْنسَانَ ‪َ :‬أتَا ُه مَلَكَانِ‬
‫خرُ نَكِيرٌ ‪َ .‬فيَقُولَانِ َلهُ ‪ :‬مَا ُكنْت تَقُولُ فِي هَذَا‬
‫ن يُقَالُ َل ُهمَا ُمنْ َكرٌ وَالْآ َ‬
‫سوَدَانِ َأ ْزرَقَا ِ‬
‫َأ ْ‬
‫عبْدُ الّلهِ‬
‫ن ُم ْؤمِنًا قَالَ ‪ُ :‬هوَ َ‬
‫ن يَقُولُ ; َفإِنْ كَا َ‬
‫حمّدٍ ؟ َف ُهوَ قَا ِئلٌ ‪ :‬مَا كَا َ‬
‫جلِ مُ َ‬
‫الرّ ُ‬
‫عبْدُهُ َو َرسُوُلهُ ‪َ .‬فيَقُولَانِ ‪ :‬إنّا‬
‫حمّدًا َ‬
‫ن مُ َ‬
‫شهَدُ َأ ّ‬
‫شهَدُ أَنْ لَا إ َلهَ إلّا الّلهُ وََأ ْ‬
‫َورَسُوُلهُ َأ ْ‬
‫سبْعُونَ ِذرَاعًا َويُ َن ّورُ َلهُ فِيهِ ‪.‬‬
‫ُكنّا َلنَعْ َلمُ َأنّك تَقُولُ َذلِكَ ‪ .‬ثُ ّم يُ ْفسَحُ َلهُ فِي َق ْبرِهِ َ‬
‫خ ِبرَهُمْ ‪َ .‬فيَقُولَانِ َلهُ ‪ :‬نَمْ ‪َ .‬ك َنوْ َمةِ‬
‫َويُقَالُ َلهُ ‪ :‬نَمْ ‪َ .‬فيَقُولُ ‪َ :‬أرْجِعُ إلَى أَ ْهلِي َفأُ ْ‬
‫حتّى َيبْ َعثَهُ الّل ُه مِنْ مَضْجَ ِعهِ َذلِكَ ‪.‬‬
‫ظهُ إلّا أَحَبّ أَهْ ِلهِ إ َل ْيهِ َ‬
‫الْ َعرُوسِ ‪ :‬الّذِي لَا يُوقِ ُ‬
‫س يَقُولُونَ شَ ْيئًا فَ ُقلْته ‪َ .‬فيَقُولَانِ ‪:‬‬
‫سمَعُ النّا َ‬
‫ن ُمنَافِقًا قَالَ ‪ :‬لَا أَ ْدرِي ُكنْت َأ ْ‬
‫وَإِنْ كَا َ‬
‫حتّى‬
‫عَليْهِ َ‬
‫إنّا ُكنّا نَعْ َلمُ َأنّك تَقُولُ َذلِكَ ‪ .‬ثُ ّم يُقَالُ لِ ْل َأرْضِ ‪ :‬ا ْلتَ ِئمِي عَ َل ْيهِ َفتَ ْل َتئِمُ َ‬
‫ن َمضْجَ ِعهِ ذَِلكَ } وَهَذَا‬
‫حتّى يَبْ َع َثهُ الّلهُ مِ ْ‬
‫عهُ َفلَا َيزَالُ مُ َع ّذبًا َ‬
‫ختَ ِلفَ فِيهَا َأضْلَا ُ‬
‫تَ ْ‬
‫س ُه يُعَذّبُ ‪َ .‬وعَنْ‬
‫ك ِممّا ُيبَيّنُ أَنّ ا ْلبَدَنَ نَفْ َ‬
‫غ ْيرُ ذَِل َ‬
‫عهِ وَ َ‬
‫ختِلَافُ َأضْلَا ِ‬
‫الْحَدِيثُ فِيهِ ا ْ‬
‫ح ُتضِرَ‬
‫َأبِي ُهرَ ْيرَ َة رضي ال عنه أَنّ ال ّنبِيّ صلى ال عليه وسلم قَالَ ‪ { :‬إذَا اُ ْ‬
‫حتّى‬
‫طيَبِ رِيحِ ا ْل ِمسْكِ َ‬
‫خرُجِي َكأَ ْ‬
‫حرِيرَ ِة َبيْضَاءَ ‪َ .‬فيَقُولُونَ ‪ .‬اُ ْ‬
‫ا ْلمَيّتُ َأ َت ْتهُ ا ْلمَلَائِ َكةُ بِ َ‬
‫طيَبَ َهذَا‬
‫سمَاءِ ‪َ .‬فيَقُولُونَ ‪ :‬مَا َأ ْ‬
‫حتّى يَ ْأتُوا بِ ِه بَابَ ال ّ‬
‫ضهُمْ بَ ْعضًا َ‬
‫إ ّنهُ َل ُينَاوُِل ُه بَ ْع ُ‬
‫ن ِبهِ َأ ْروَاحَ ا ْل ُمؤْ ِمنِينَ فَ َلهُمْ َأشَدّ َفرَحًا ِبهِ‬
‫الرّيحِ مَتَى جَا َءتْ ُك ْم مِنْ ا ْل َأرْضِ ؟ َفيَ ْأتُو َ‬
‫مِنْ َأحَدِكُمْ بِغَا ِئبِ ِه يَقْدَمُ عَ َل ْي ِه َيسْأَلُو َنهُ مَاذَا َف َعلَ ُفلَانٌ َفيَقُولُونَ دَعُوهُ فَ ِإ ّنهُ فِي غَمّ‬
‫ضرَ َأ َتتْهُ‬
‫حتُ ِ‬
‫ال ّدنْيَا فَِإذَا قَالَ إ ّنهُ َأتَا ُكمْ قَالُوا ذَهَبَ إلَى ُأ ّمهِ ا ْلهَا ِويَةِ ‪ .‬وََأنّ الْكَا ِفرَ إذَا ُا ْ‬
‫خ ُرجُ‬
‫عَليْك إلَى عَذَابِ الّلهِ َفتَ ْ‬
‫خرُجِي َمسْخُوطًا َ‬
‫ب بمسح ‪َ .‬فيَقُولُونَ ‪ُ :‬ا ْ‬
‫مَلَائِ َكةُ الْعَذَا ِ‬
‫حتّى يَ ْأتُوا ِبهِ َأ ْروَاحَ ا ْلكُفّارِ } َروَاهُ النسائي وَا ْلبَزّارُ َروَاهُ مُسِْلمٌ‬
‫َكَأنْتَنِ جِيفَةٍ َ‬
‫حهِ َفرَدّ‬
‫حةِ رُو ِ‬
‫عنْدَ الْكَا ِفرِ َو َنتْنِ رَائِ َ‬
‫عنْ َأبِي ُه َر ْيرَةَ رضي ال عنه ‪ .‬وَ ِ‬
‫صرًا َ‬
‫ختَ َ‬
‫مُ ْ‬
‫طةُ ‪:‬‬
‫علَى َأنْفِهِ َهكَذَا ‪ .‬وَال ّريْ َ‬
‫طةً كَانَتْ عَ َل ْيهِ َ‬
‫َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َريْ َ‬
‫جهُ َأبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ ‪ { :‬إنّ ا ْل ُم ْؤمِنَ‬
‫خرَ َ‬
‫ن ِم ْثلُ ا ْلمُلَاءَةِ ‪َ .‬وأَ ْ‬
‫َثوْبٌ رَقِيقٌ َليّ ٌ‬
‫حرِيرَةٍ‬
‫سهُ جُعِلَتْ فِي َ‬
‫ت نَ ْف ُ‬
‫ح َمةِ َفإِذَا ُقبِضَ ْ‬
‫ت مَلَائِ َكةُ الرّ ْ‬
‫حضَرَ ْ‬
‫ضرَهُ ا ْل َموْتُ َ‬
‫ح َ‬
‫إذَا َ‬
‫ب مِنْ َهذِهِ‬
‫طيَ َ‬
‫ن مَا وَجَ ْدنَا رِيحًا أَ ْ‬
‫سمَاءِ َفيَقُولُو َ‬
‫بَ ْيضَاءَ َف َتنْطَلِقُ ِبهَا إلَى بَابِ ال ّ‬
‫ن مَا‬
‫غمّ ال ّد ْنيَا ‪َ .‬فيُقَالُ ‪ :‬مَا َف َعلَ ُفلَا ٌ‬
‫حةِ َفيُقَالُ ‪َ :‬دعُوهُ َيسْ َترِيحُ َفِإ ّنهُ كَانَ فِي َ‬
‫الرّائِ َ‬

‫‪-27-‬‬
‫خ َز َنةُ‬
‫ب ِبهَا إلَى ا ْل َأرْضِ تَقُولُ َ‬
‫فَ َعلَتْ ُفلَا َنةُ ؟ وََأمّا ا ْلكَا ِفرُ إذَا ُقبِضَتْ رُوحه ذُهِ َ‬
‫الْ َأرْضِ ‪ :‬مَا وَجَ ْدنَا رِيحًا َأ ْنتَنَ مِنْ هَذِهِ َفيُبْلَغُ ِبهَا فِي الْ َأرْضِ السّفْلَى } فَفِي هَذِهِ‬
‫عذَا ِبهِ َوَأمّا انْ ِفرَادُ الرّوحِ‬
‫جتِمَاعُ الرّوحِ وَا ْلبَدَنِ فِي نَعِيمِ الْ َقبْرِ وَ َ‬
‫حوِهَا ا ْ‬
‫الْأَحَادِيثِ َونَ ْ‬
‫ك رضي ال عنه أَنّ ال ّنبِيّ صلى‬
‫ن مَاِل ٍ‬
‫وَحْدَهَا فَقَ ْد تَقَدّ َم بَعْضُ َذلِكَ ‪ .‬وَعَنْ كَعْبِ بْ ِ‬
‫حتّى‬
‫جنّةِ َ‬
‫جرِ ا ْل َ‬
‫سمَةُ ا ْل ُمؤْمِنِ طَا ِئ ٌر يَعْلُقُ فِي شَ َ‬
‫ال عليه وسلم قَالَ ‪ { :‬إ ّنمَا َن َ‬
‫جسَدِهِ َيوْمَ يَبْ َع ُثهُ } َروَاهُ النسائي َو َروَا ُه مَالِكٌ وَالشّافِ ِعيّ ِكلَا ُهمَا ‪.‬‬
‫ُيرْجِ َعهُ إلَى َ‬
‫خ َبرَتْ‬
‫حدِيثِ ‪ .‬فَقَدْ أَ ْ‬
‫غ ْيرِ هَذَا الْ َ‬
‫ي يَأْ ُكلُ َوقَ ْد نُ ِقلَ هَذَا فِي َ‬
‫وَ َقوُْلهُ " يَعْلُقُ " بِالضّمّ َأ ْ‬
‫هَذِهِ ال ّنصُوصُ أَنّ الرّوحَ تُنَعّ ُم مَعَ ا ْلبَ َدنِ الّذِي فِي الْ َق ْبرِ ‪ -‬إذَا شَاءَ الّلهُ ‪ -‬وَِإ ّنمَا‬
‫ج ّنةِ َوحْدَهَا َوكِلَا ُهمَا حَقّ ‪ .‬وَقَدْ َروَى ابْنُ َأبِي ال ّد ْنيَا فِي ِكتَابِ ِذ ْكرِ‬
‫تُنَعّمُ فِي الْ َ‬
‫حيْثُ شَاءَتْ "‬
‫ح ُم ْرسَ َلةٌ تَذْهَبُ َ‬
‫ن مَالِكِ بْنِ َأنَسٍ قَالَ ‪ " :‬بَلَ َغنِي أَنّ الرّو َ‬
‫ا ْلمَوْتِ عَ ْ‬
‫علَى أَ ْف ِنيَةِ الْ ُقبُورِ " َكمَا قَالَ مُجَاهِدٌ ‪:‬‬
‫وَهَذَا ُيوَافِقُ مَا ُر ِويَ ‪ " :‬أَنّ الرّوحَ قَ ْد تَكُونُ َ‬
‫سبْ َعةَ َأيّامٍ يَوْمَ يُدْفَنُ ا ْل َميّتُ لَا تُفَارِقُ َذلِكَ وَ َق ْد تُعَادُ‬
‫علَى الْ ُقبُورِ َ‬
‫ح تَدُومُ َ‬
‫إنّ الْ َأ ْروَا َ‬
‫عبْدِ‬
‫حهُ ابْنُ َ‬
‫غيْرِ وَقْتِ ا ْل َمسْ َأَلةِ " َكمَا فِي الْحَدِيثِ الّذِي صَحّ َ‬
‫الرّوحُ إلَى ا ْلبَدَنِ فِي َ‬
‫جلِ‬
‫ج ٍل يَ ُم ّر بِ َقبْرِ الرّ ُ‬
‫ا ْلبَرّ عَنْ ال ّنبِيّ صلى ال عليه وسلم َأ ّنهُ قَالَ ‪ { :‬مَا مِنْ رَ ُ‬
‫حتّى يَرُدّ عَ َل ْيهِ‬
‫حهُ َ‬
‫عَل ْيهِ رُو َ‬
‫عَليْهِ إلّا رَدّ الّلهُ َ‬
‫ن يَ ْعرِ ُفهُ فِي ال ّد ْنيَا َف ُيسَلّمُ َ‬
‫الّذِي كَا َ‬
‫عنْ ال ّن ِبيّ‬
‫عنْ َأوْسِ بْنِ َأوْسٍ الثّقَ ِفيّ َ‬
‫غ ْيرَهُ َ‬
‫السّلَامَ } ‪ .‬وَفِي سُنَنِ َأبِي داود وَ َ‬
‫ي مِنْ‬
‫جمُ َعةِ فَأَ ْك ِثرُوا عَ َل ّ‬
‫خ ْيرَ َأيّامِكُ ْم َيوْمُ ا ْل ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم َأ ّنهُ قَالَ ‪ { :‬إنّ َ‬
‫ن صَلَاتَكُ ْم مَ ْعرُوضَةٌ عَ َليّ ‪ .‬قَالُوا ‪ :‬يَا َرسُولَ‬
‫جمُ َعةِ ; فَِإ ّ‬
‫جمُ َعةِ َوَليْ َلةَ ا ْل ُ‬
‫الصّلَاةِ يَوْمَ ا ْل ُ‬
‫علَى ا ْل َأرْضِ َأنْ‬
‫حرّمَ َ‬
‫ف تُ ْعرَضُ صَلَا ُتنَا عَ َليْك وَ َقدْ َأ َرمْت فَقَالَ ‪ :‬إنّ الّلهَ َ‬
‫الّلهِ َك ْي َ‬
‫جسَادَ ا ْلَأنْ ِبيَاءِ } ‪ .‬وَهَذَا ا ْلبَابُ فِي ِه مِنْ ا ْلأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ مَا َيضِيقُ هَذَا ا ْلوَقْتُ‬
‫تَأْ ُكلَ أَ ْ‬
‫ستِ ْقصَائِ ِه ِممّا ُيبَيّنُ أَنّ ا ْلَأبْدَانَ اّلتِي فِي الْ ُقبُو ِر ُتنَعّمُ َوتُعَذّبُ ‪ -‬إذَا شَاءَ الّلهُ‬
‫عنْ ا ْ‬
‫َ‬
‫ح بَا ِق َي ٌة بَعْ َد مُفَارَ َقةِ ا ْلبَدَنِ َو ُمنَ ّعمَةٌ َومُعَ ّذ َبةٌ ‪ .‬وَ ِلهَذَا‬
‫ذَِلكَ ‪َ -‬كمَا َيشَاءُ وََأنّ الْ َأ ْروَا َ‬
‫َأ َمرَ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم بِالسّلَامِ عَلَى ا ْل َموْتَى َكمَا َثبَتَ فِي الصّحِيحِ‬
‫ن يُعَلّمُ َأصْحَا َبهُ إذَا زَارُوا الْ ُقبُورَ أَنْ يَقُولُوا ‪ :‬السّلَامُ عَ َليْكُمْ أَ ْهلَ‬
‫سنَنِ { َأ ّنهُ كَا َ‬
‫وَال ّ‬
‫ن ِمنّا‬
‫ستَقْدِمِي َ‬
‫ن َيرْحَمُ الّلهُ ا ْل ُم ْ‬
‫ال ّديَا ِر مِنْ ا ْل ُمؤْ ِمنِينَ وَِإنّا إنْ شَاءَ الّل ُه بِكُمْ لَاحِقُو َ‬
‫جرَهُمْ وَلَا تَ ْفتِنّا‬
‫حرِ ْمنَا َأ ْ‬
‫خرِين َنسْ َألُ الّلهَ َلنَا وَلَ ُكمْ الْعَا ِف َيةَ ‪ .‬الّلهُمّ لَا تَ ْ‬
‫ستَأْ ِ‬
‫َومِنْكُمْ وَا ْل ُم ْ‬

‫‪-28-‬‬
‫صوْتَ‬
‫سمِعُوا َ‬
‫حتّى َ‬
‫شفَ لِ َكثِيرِ مِنْ النّاسِ َذلِكَ َ‬
‫بَعْدَهُمْ وَاغْ ِفرْ َلنَا وَ َلهُمْ } ‪ .‬وَقَدْ انْ َك َ‬
‫ا ْلمُعَ ّذبِينَ فِي ُقبُورِهِمْ َورََأوْهُ ْم بِ ُعيُو ِنهِ ْم يُعَ ّذبُونَ فِي ُقبُورِهِمْ فِي آثَارٍ َكثِيرَ ٍة مَ ْعرُو َفةٍ‬
‫ن يَكُونَ فِي‬
‫علَى ا ْلبَدَنِ فِي ُكلّ وَقْتٍ ; َبلْ يَجُوزُ أَ ْ‬
‫ن يَكُونَ دَائِمًا َ‬
‫وَلَ ِكنْ لَا يَجِبُ ذَِلكَ َأ ْ‬
‫ك رضي ال عنه ‪َ { :‬أنّ ال ّن ِبيّ‬
‫ن مَاِل ٍ‬
‫حيْنِ عَنْ َأنَسِ بْ ِ‬
‫حَالٍ دُونَ حَالٍ ‪ .‬وَفِي الصّحِي َ‬
‫ج ْهلِ‬
‫عَل ْيهِمْ فَقَالَ ‪ :‬يَا َأبَا َ‬
‫صلى ال عليه وسلم تَرَكَ َقتْلَى بَ ْدرٍ ثَلَاثًا ثُمّ َأتَاهُمْ فَقَامَ َ‬
‫شيْ َبةَ بْنَ َربِي َعةَ َأَليْسَ قَدْ وَجَ ْدتُمْ‬
‫ف يَا عتبة بْنَ َربِي َعةَ يَا َ‬
‫بْنَ ِهشَامٍ يَا ُأ َم ّيةَ بْنَ خَ َل ٍ‬
‫عمَ ُر رضي ال‬
‫ع َدنِي َربّي حَقّا َفسَمِعَ ُ‬
‫مَا وَعَ َدكُمْ َربّكُمْ حَقّا ؟ َفِإنّي وَجَدْت مَا وَ َ‬
‫سمَعُونَ وَ َقدْ‬
‫عنه َق ْولَ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فَقَالَ ‪ :‬يَا َرسُولَ الّلهِ َك ْيفَ يَ ْ‬
‫سمَعَ ِلمَا أَقُولُ مِ ْنهُمْ َولَ ِك ّنهُمْ لَا‬
‫جيّفُوا ؟ فَقَالَ ‪َ :‬واَلّذِي نَ ْفسِي بِيَدِ ِه مَا َأ ْنتُ ْم بِ َأ ْ‬
‫ُ‬
‫خرَجَاهُ فِي‬
‫ب بَ ْدرٍ ‪ } .‬وَ َقدْ أَ ْ‬
‫حبُوا فَُألْقُوا فِي قَلِي ِ‬
‫ن يُجِيبُوا ثُمّ َأ َمرَ ِبهِمْ َفسُ ِ‬
‫يَقْ ِدرُونَ َأ ْ‬
‫عمَر رضي ال عنهما { َأنّ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم وَ َقفَ‬
‫حيْنِ عَنْ ابْنِ ُ‬
‫الصّحِي َ‬
‫حقّا ؟ وَقَالَ إ ّنهُمْ َل َيسْمَعُونَ الْآنَ مَا‬
‫ب بَ ْدرٍ فَقَالَ َهلْ وَجَ ْدتُ ْم مَا وَعَدَ ُكمْ َربّكُمْ َ‬
‫علَى قَلِي ِ‬
‫َ‬
‫ع َمرَ ‪ .‬إ ّنمَا قَالَ َرسُولُ الّلهِ صلى ال‬
‫شةَ فَقَالَتْ ‪ :‬وَهِمَ ابْنُ ُ‬
‫أَقُولُ َفذَ َكرَ َذلِكَ لِعَائِ َ‬
‫ق ثُمّ َقرَأَتْ قوله تعالى‬
‫عليه وسلم إ ّنهُمْ َليَ ْعَلمُونَ الْآنَ َأنّ الّذِي ُقلْت َل ُهمْ ُهوَ الْحَ ّ‬
‫س ّنةِ ‪:‬‬
‫حتّى َقرَأَتْ الْآ َيةَ } ‪ .‬وَأَ ْهلُ ا ْلعِلْمِ بِا ْلحَدِيثِ وَال ّ‬
‫{ إنّكَ لَا ُتسْمِعُ ا ْل َموْتَى } َ‬
‫شهَدَا بَ ْدرًا َفإِنّ َأنَسًا‬
‫ع َمرَ وَِإنْ كَانَا َل ْم َي ْ‬
‫حةِ مَا َروَاهُ َأنَسٌ وَابْنُ ُ‬
‫اتّفَقُوا عَلَى صِ ّ‬
‫حهِ‬
‫شهِ َد بَ ْدرًا ‪َ .‬كمَا َروَى َأبُو حَاتِمٍ فِي صَحِي ِ‬
‫حةَ َ‬
‫حةَ َوَأبُو طَلْ َ‬
‫عنْ َأبِي طَ ْل َ‬
‫َروَى ذَلِكَ َ‬
‫حةَ رضي ال عنه { أَنّ ال ّنبِيّ صلى ال عليه وسلم َأ َم َر َيوْمَ‬
‫طلْ َ‬
‫عنْ َأبِي َ‬
‫عنْ َأنَسٍ َ‬
‫َ‬
‫طوَا ِء بَ ْدرٍ‬
‫طوًى مِنْ َأ ْ‬
‫صنَادِيدِ ُقرَيْشٍ َفقُذِفُوا فِي ُ‬
‫ن َ‬
‫شرِينَ رَجُلًا مِ ْ‬
‫ع ْ‬
‫بَ ْدرٍ ِب َأرْبَ َعةٍ وَ ِ‬
‫ع ْرصَ ِتهِ ْم ثَلَاثَ َليَالٍ ‪ :‬فَ َلمّا كَانَ ا ْل َيوْمُ‬
‫ظ َهرَ عَلَى َقوْمٍ أَحَبّ أَنْ يُقِيمَ فِي َ‬
‫وَكَانَ إذَا َ‬
‫حرّ َكهَا ثُ ّم َمشَى َو َتبِ َعهُ َأصْحَا ُبهُ ‪ .‬وَقَالُوا ‪ :‬مَا‬
‫عَل ْيهَا فَ َ‬
‫الثّالِثُ ‪َ :‬أ َمرَ بِرَاحِ َل ِتهِ َفشَدّ َ‬
‫علَى شِفَاءِ الرّكّى ; َفجَ َع َل ُينَادِيهِمْ‬
‫حتّى قَامَ َ‬
‫ج ِتهِ ; َ‬
‫طلِقُ إلّا ِلبَعْضِ حَا َ‬
‫َنرَا ُه يَنْ َ‬
‫ط ْعتُمْ الّلهَ َو َرسُو َلهُ ؟ فَ ِإنّا‬
‫ن بْنَ فُلَانٍ َأ َيسُرّ ُكمْ َأنّكُمْ أَ َ‬
‫سمَائِهِمْ وََأسْمَاءِ آبَا ِئهِ ْم يَا فُلَا َ‬
‫بِ َأ ْ‬
‫ع َمرُ بْنُ‬
‫ج ْدنَا مَا َوعَ َدنَا َربّنَا حَقّا ‪َ .‬ف َهلْ وَجَ ْدتُمْ مَا وَعَ َدكُمْ َربّكُمْ حَقّا ؟ قَالَ ُ‬
‫قَدْ وَ َ‬
‫جسَادٍ وَلَا َأ ْروَاحَ فِيهَا ‪ .‬فَقَالَ ال ّن ِبيّ صلى ال‬
‫الْخَطّابِ ‪ :‬يَا َرسُولَ الّل ِه مَا تُ َكلّ ُم مِنْ أَ ْ‬
‫عليه وسلم ‪ :‬وََالّذِي نَ ْفسِي ِبيَدِهِ ; مَا َأنْتُ ْم ِبَأسْمَعَ ِلمَا أَقُو ُل ِم ْنهُمْ } ‪ .‬قَال قتادة ‪:‬‬

‫‪-29-‬‬
‫شةُ‬
‫سرَةً َو َتنْدِيمًا ‪ .‬وَعَائِ َ‬
‫ح ْ‬
‫سمِ َعهُ ْم َتوْبِيخًا َو َتصْغِيرًا َونِقْ َمةً وَ َ‬
‫حتّى َ‬
‫حيَا ُهمْ الّلهُ َ‬
‫أَ ْ‬
‫عنْ ال ّنبِيّ صلى ال‬
‫تَ َأوّلَتْ فِيمَا ذَ َك َر ْتهُ َكمَا تَ َأوّلَتْ َأ ْمثَالَ ذَِلكَ ‪ .‬وَالنّصّ الصّحِيحُ َ‬
‫ن مَا‬
‫غ ْيرِهِ وَ َليْسَ فِي الْ ُقرْآ ِ‬
‫علَى تَ ْأوِيلِ مَنْ تَ َأ ّولَ مِنْ َأصْحَابِهِ وَ َ‬
‫عليه وسلم مُقَدّمٌ َ‬
‫سمَاعَ ا ْلمُ ْعتَادَ الّذِي‬
‫سمِعُ ا ْل َم ْوتَى } إ ّنمَا َأرَا َد ِبهِ ال ّ‬
‫يَنْفِي َذلِكَ َفإِنّ َقوْ َلهُ ‪ { :‬إنّكَ لَا ُت ْ‬
‫صوْتَ لَكِنْ لَا َتسْمَعُ‬
‫سمَعُ ال ّ‬
‫ضرِبَ لِلْكُفّارِ وَالْكُفّارُ تَ ْ‬
‫حبَهُ َفإِنّ َهذَا َم َثلٌ ُ‬
‫يَنْفَ ُع صَا ِ‬
‫سَمَاعَ َقبُو ٍل بِفِ ْقهِ وَاتّبَاعٍ َكمَا قَا َل تَعَالَى ‪َ { :‬ومَ َثلُ الّذِينَ كَ َفرُوا َك َمثَلِ الّذِي َينْعِقُ‬
‫بِمَا لَا َيسْمَعُ إلّا دُعَاءً َونِدَاءً } ‪َ .‬فهَكَذَا ا ْلمَ ْوتَى الّذِينَ ضَرَبَ َلهُمْ ا ْل َم َثلَ لَا يَجِبُ أَنْ‬
‫سمَاعِ َكمَا لَ ْم ُي ْنفَ َذلِكَ عَنْ الْكُفّارِ ; َبلْ‬
‫سمَاعِ ا ْلمُ ْعتَادِ َأ ْنوَاعَ ال ّ‬
‫جمِيعُ ال ّ‬
‫ع ْنهُمْ َ‬
‫يُنْفَى َ‬
‫ع ْنهُمْ ‪.‬‬
‫خرُ فَلَا ُينْفَى َ‬
‫سمَاعٌ آ َ‬
‫ن ِبهِ وََأمّا َ‬
‫سمَاعُ ا ْلمُ ْعتَادُ الّذِي يَ ْنتَفِعُو َ‬
‫ع ْنهُمْ ال ّ‬
‫قَدْ ا ْنتَفَى َ‬
‫ت َيسْمَعُ خَفْقَ نِعَا ِل ِهمْ إذَا وَّلوْا مُ ْدبِرِينَ‬
‫غ ْيرِهِمَا أَنّ ا ْل َميّ َ‬
‫وَقَ ْد َثبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ وَ َ‬
‫ف يَدْفَعُ َذلِكَ ؟ َومِنْ الْ ُعَلمَا ِء مَنْ قَالَ ‪ :‬إنّ ا ْل َميّتَ فِي َق ْبرِهِ لَا‬
‫َفهَذَا مُوَافِقٌ ِلهَذَا فَ َك ْي َ‬
‫حيَاهُ الّلهُ‬
‫ستَدَلّتْ بِ ِه مِنْ الْ ُقرْآنِ وََأمّا إذَا أَ ْ‬
‫سمَ ُع مَا دَا َم َميّتًا َكمَا قَالَتْ عَا ِئشَةُ ‪ .‬وَا ْ‬
‫يَ ْ‬
‫ن ِبهَا‬
‫حيَاةُ لَا َيسْمَعُو َ‬
‫ت تِ ْلكَ الْ َ‬
‫حيَا ُهمْ الّلهُ َلهُ ‪ .‬وَإِنْ كَانَ ْ‬
‫فَ ِإ ّن ُه َيسْمَعُ َكمَا قَالَ قتادة ‪ :‬أَ ْ‬
‫س ِبهِ ا ْل َميّتُ فِي مَنَا ِمهِ وَ َكمَا لَا‬
‫حنُ لَا َنرَى ا ْلمَلَائِ َكةَ وَا ْلجِنّ َولَا نَ ْعلَ ُم مَا يُحِ ّ‬
‫َكمَا نَ ْ‬
‫ك مَنْ َأطْلَ َعهُ الّلهُ عَ َل ْيهِ ‪.‬‬
‫خرِ َوإِنْ كَانَ قَ ْد يَ ْعلَمُ ذَِل َ‬
‫ن مَا فِي َقلْبِ الْآ َ‬
‫يَعْلَمُ الْ ِإ ْنسَا ُ‬
‫ش ْرحِ وَالتّ ْفصِي ِل مَا‬
‫صلُ ِبهَا مَ ْقصُودُ السّا ِئلِ وَإِنْ كَانَ َلهَا مِنْ ال ّ‬
‫ح ُ‬
‫جمْ َل ٌة يَ ْ‬
‫[ وَهَذِهِ ] ُ‬
‫عنْ ُه مَا لَا يَكَادُ‬
‫علَى مَا سَ َألَ َ‬
‫ن مَا ذَ َك ْرنَاهُ مِنْ الْأَ ِدّلةِ ا ْل َب ّينَةِ َ‬
‫َليْسَ هَذَا َموْضِ َعهُ َفإِ ّ‬
‫ح ِبهِ َوسَلّمَ ‪ .‬يقول‬
‫علَى آ ِلهِ َوصَ ْ‬
‫حمّدٍ وَ َ‬
‫علَمُ ‪َ .‬وصَلّى الّلهُ عَلَى مُ َ‬
‫جمُوعًا ‪َ .‬واَلّلهُ أَ ْ‬
‫مَ ْ‬
‫ابن القيم ‪:‬‬
‫" ونعيم البرزخ وعذابه مذكور في القرآن في غير موضع ‪:‬‬
‫‪ )1‬فمنها ‪ :‬قوله تعالى ‪ " :‬وَ َلوْ تَرَى ِإذِ الظّالِمُو نَ فِي غَ َمرَا تِ الْمَوْ تِ وَا ْلمَل ِئكَةُ‬
‫عذَا بَ الْهُو نِ بِمَا كُنتُ مْ َتقُولُو نَ‬
‫س ُكمُ ا ْليَوْ مَ تُجْ َزوْ نَ َ‬
‫بَا سِطُواْ َأ ْيدِيهِ مْ أَخْرِجُواْ أَنفُ َ‬
‫ستَ ْكبِرُونَ " [النعام ‪. ]93/‬‬
‫حقّ َوكُن ُتمْ عَنْ آيَاتِهِ َت ْ‬
‫غيْرَ الْ َ‬
‫عَلَى الّلهِ َ‬

‫‪-30-‬‬
‫وهذا خطاب لهم عند الموت وقد أخبرت الملئكة ـ وهم الصادقون ـ أنهم حينئذ‬
‫يجزون عذاب الهون ‪ ،‬ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا لما صح أن يقال‬
‫لهم اليوم تجزون ‪.‬‬
‫ن سُوءُ‬
‫س ّيئَاتِ مَا َمكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْ َ‬
‫‪ )2‬ومنها قوله تعالى ‪ " :‬فَوَقَاهُ اللّ ُه َ‬
‫شيّا َويَ ْومَ َتقُومُ السّاعَةُ َأدْخِلُوا آلَ‬
‫ع ِ‬
‫غدُوّا وَ َ‬
‫عَليْهَا ُ‬
‫ا ْل َعذَابِ النّارُ ُيعْ َرضُونَ َ‬
‫]‬ ‫غافر‪46-45/‬‬ ‫"[‬ ‫شدّ ا ْل َعذَاب‬
‫عوْنَ َأ َ‬
‫فِرْ َ‬
‫فذكر عذاب الدارين ذكرا صريحا ل يحتمل غيره‪.‬‬
‫ص َعقُونَ يَ ْومَ لَا‬
‫حتّى يُلَاقُوا يَوْمَ ُهمُ اّلذِي فِيهِ ُي ْ‬
‫‪ )3‬ومنها قوله تعالى " َف َذرْ ُهمْ َ‬
‫]‬ ‫الطور‪45/‬‬ ‫يُنصَرُون" [‬ ‫شيْئًا َولَا ُهمْ‬
‫عنْ ُه ْم َك ْيدُ ُه ْم َ‬
‫ُي ْغنِي َ‬
‫وهذا يحتمل أن يراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا ‪ ،‬وأن يراد به عذابهم في‬
‫البرزخ ؛ لن كثيرا منهم مات ولم يعذب في الدنيا ‪.‬‬
‫وقد يقال ـ وهو أظهر ـ ‪ :‬أن من مات منهم عذب في البرزخ ‪ ،‬ومن بقى منهم‬
‫عذب في الدنيا بالقتل وغيره ‪ ،‬فهو وعيد بعذابهم في الدنيا والبرزخ ‪.‬‬
‫أما الدلة من السنة النبوية فكثيرة جدا‪.‬‬
‫ع ْنهَا أَنّ يَهُو ِديّةً دَخَ َلتْ‬
‫شةَ َرضِيَ الّلهُ َ‬
‫عنْ عَائِ َ‬
‫‪ )1‬منها ‪ :‬ما أخرجه البخاري َ‬
‫عذَابِ ا ْل َق ْبرِ ‪َ ،‬فسَأَ َلتْ‬
‫عذَابَ ا ْل َقبْرِ ‪َ ،‬فقَا َلتْ َلهَا ‪ :‬أَعَاذَكِ اللّهُ مِنْ َ‬
‫عَ َليْهَا َف َذكَ َرتْ َ‬
‫حقٌ ‪.‬‬
‫عذَابُ ا ْل َقبْرِ َ‬
‫عذَابِ ا ْل َقبْرِ ‪َ ،‬فقَالَ ‪َ :‬نعَمْ ‪َ ،‬‬
‫عَنْ َ‬ ‫عَا ِئشَةُ َرسُولَ اللّهِ‬
‫َب ْعدُ صَلّى صَلَاةً إِلّا‬ ‫ي اللّهُ َع ْنهَا ‪ :‬فَمَا رََأ ْيتُ َرسُولَ اللّهِ‬
‫ضَ‬‫قَاَلتْ عَائِشَةُ َر ِ‬
‫‪1‬‬
‫عذَابِ ا ْل َقبْرِ ‪.‬‬
‫َتعَ ّوذَ مِنْ َ‬
‫خ َرجَ‬
‫قَالَ ‪َ :‬‬ ‫‪ )2‬ومنها ‪ :‬ما في الصحيحين عن البراء بن عازب عن أبي أيوب‬

‫ج َبتْ الشّمْسُ َفسَمِعَ صَ ْوتًا َفقَالَ ‪ " :‬يَهُودُ ُت َع ّذبُ فِي ُقبُو ِرهَا "‬
‫وَ َقدْ وَ َ‬ ‫ال ّن ِبيّ‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬‬

‫أخرجه البخاري (‪ )1372‬كتاب الجنائز ‪ ،‬باب ما جاء في عذاب القبر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪-31-‬‬
‫أخبرته أنّ رسول ال‬ ‫عنْ عائشة زوج النبي‬
‫‪ )3‬ومنها ما في الصحيحين أيضا َ‬
‫عذَابِ ا ْل َقبْرِ ‪ ،‬وَأَعُوذُ بِكَ‬
‫كَانَ يَدْعُو فِي الصّلَاةِ " اللّ ُهمّ ِإنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ َ‬
‫حيَا وَ ِف ْتنَةِ الْمَمَاتِ اللّ ُهمّ ِإنّي‬
‫مِنْ ِف ْتنَةِ الْ َمسِيحِ الدّجّالِ ‪ ،‬وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ِف ْتنَةِ ا ْلمَ ْ‬
‫أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَ ْأ َثمِ وَالْ َمغْ َرمِ َفقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا َأ ْكثَرَ مَا َتسْ َتعِيذُ مِنْ ا ْل َمغْ َرمِ َفقَالَ‬
‫‪1‬‬
‫عدَ فَأَخْلَفَ ‪.‬‬
‫حدّثَ َف َك َذبَ وَوَ َ‬
‫غ ِرمَ َ‬
‫إِنّ الرّجُلَ ِإذَا َ‬
‫وهذا كما هو مقتضى السنة الصحيحة فهو متفق عليه بين أهل السنة ‪.‬‬
‫قال المروزي ‪ :‬قال أبو عبد ال ـ يعني المام أحمد ـ ‪ :‬عذاب القبر حق ل‬
‫ينكره إل ضال مضل‪.‬‬
‫قال حنبل ‪ :‬قلت لبي عبد ال في عذاب القبر ‪ .‬فقال ‪ :‬هذه أحاديث صحاح‬
‫إسناد جيد أقررنا به ‪ ،‬إذا لم نقر بما‬ ‫نؤمن بها ونقر بها كلما جاء عن النبي‬
‫"‬ ‫ورفعناه ورددناه رددنا على ال أمره ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬ ‫جاء به رسول ال‬
‫" [ الحشر‪] 7/‬‬ ‫خذُوهُ‬
‫وَمَا آتَا ُكمُ ال ّرسُولُ فَ ُ‬
‫قلت له ‪ :‬وعذاب القبر حق ؟ قال ‪ :‬حق يعذبون في القبور‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وسمعت أبا عبد ال يقول ‪ :‬نؤمن بعذاب القبر ‪ ،‬ومنكر ونكير ‪ ،‬وأن العبد‬
‫حيَاةِ ال ّد ْنيَا َوفِي‬
‫يسأل في قبره فـ " ُي َثبّتُ الّلهُ اّلذِينَ آ َمنُواْ بِا ْلقَ ْولِ الثّا ِبتِ فِي الْ َ‬
‫الخِ َرةِ" [إبراهيم ‪ ]27 /‬في القبر ‪ .‬أهـ‬
‫ثم إنه ينبغي أن يعلم أن عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه ‪ ،‬وهو ما‬
‫بين الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫]‬ ‫‪100‬‬ ‫قال تعالى " وَمِن وَرَا ِئهِم َبرْ َزخٌ إِلَى يَ ْومِ ُيبْ َعثُون " [ المؤمنون ‪/‬‬

‫أخرجه البخاري (‪ )1375‬كتاب الجنائئز ‪ ،‬باب التعوذ من عذاب القبر ‪ ،‬ومسلم (‪ )2869‬كتاب الجنة وصفة‬
‫نعيمها ‪ ،‬باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ‪.‬‬
‫متفق عليه أخرجه البخاري (‪ )833‬كتاب الذان باب الدعاء قبل السلم ‪ ،‬ومسلم (‪ )589‬كتاب المساجد‬ ‫‪1‬‬

‫ومواضع الصلة ‪ ،‬باب ما يستعاذ منه في الصلة ‪.‬‬

‫‪-32-‬‬
‫وهذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا والخرة ‪ ،‬وسمى عذاب القبر ونعيمه ؛‬
‫لنه روضة أو حفرة نار ‪ ،‬باعتبار غالب الخلق فالمصلوب والحّرق والغّرق‬
‫وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله ‪،‬‬
‫وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتهما ‪ ،‬وقد ظن بعض الوائل أنه إذا‬
‫حرق جسده بالنار ‪ ،‬وصار رمادا ‪ ،‬وذرى بعضه في البحر ‪ ،‬وبعضه في البر في‬
‫يوم شديد الريح أنه ينجو من ذلك ‪.‬‬

‫‪ :‬ذكر رجل فيمن كان سلف أو قبلكم‬ ‫عن النبي‬ ‫عن أبي سعيد الخدري‬
‫آتاه ال مال وولدا يعني أعطاه قال فلما حضر قال لبنيه ‪ :‬أي أب كنت لكم ؟‬
‫قالوا ‪ :‬خير أب ‪ .‬قال ‪ :‬فإنه لم يبتئر (لم يدخر) عند ال خيرا ‪ ،‬وإن يقدم‬
‫على ال يعذبه فانظروا فإذا مت فأحرقوني حتى إذا صرت فحما‬
‫فاسحقوني ‪ ،‬أو قال ‪ :‬فاسهكوني ثم إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها فأخذ‬
‫مواثيقهم على ذلك ـ وربي ـ ففعلوا ‪.‬‬
‫فقال ال ‪ :‬كن فإذا رجل قائم ‪ .‬ثم قال أي عبدي ما حملك على ما فعلت ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫قال ‪ :‬مخافتك أو فرق منك فما تلفاه أن رحمه ال "‬
‫فلم يفت عذاب البرزخ ونعيمه هذه الجزاء التي صارت في هذه الحال ‪ ،‬حتى لو‬
‫علق على رؤوس الشجار في مهاب الريح لصاب جسده من عذاب البرزخ حظه‬
‫ونصيبه ‪ ،‬ولو دفن الرجل الصالح في آتون من النار لصاب جسده من نعيم‬
‫البرزخ وروحه نصيبه وحظه ‪ ،‬فيجعل ال النار على هذا بردا وسلما ‪ ،‬والهواء‬
‫على ذلك نارا وسموما ‪ ،‬فعناصر العالم وموادها منقادة لربها وفاطرها وخالقها‬
‫يصرفها كيف يشاء ‪ ،‬ول يستعصي عليه منها شئ أراده ‪ ،‬بل هي طوع مشيئته‬
‫مذللة منقادة لقدرته ‪ ،‬ومن أنكر هذا فقد جحد رب العالمين ‪ ،‬وكفر به ‪ ،‬وأنكر‬
‫ربوبيته‪.‬‬

‫متفق عليه ‪ .‬أخرجه البخاري (‪ )6481‬ك الرقاق ‪ ،‬باب الخوف من ال ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ومسلم (‪ )2757‬ك التوبة ‪ ،‬باب في سعة رحمة ال تعالى وأنها سبقت غضبه ‪.‬‬

‫‪-33-‬‬
‫وال سبحانه جعل أمر الخرة وما كان متصل بها غيبا ‪ ،‬وحجبها عن إدراك‬
‫المكلفين في هذه الدار ‪ ،‬وذلك من كمال حكمته ‪ ،‬وليتميز المؤمنون بالغيب من‬
‫غيرهم ‪ ،‬فأول ذلك أن الملئكة تنزل على المحتضر وتجلس قريبا منه ويشاهدهم‬
‫عيانا ‪ ،‬ويتحدثون عنده ومعهم الكفان والحنوط إمّا من الجنة وإمّا من النار ‪،‬‬
‫ويؤمّنون على دعاء الحاضرين بالخير والشر ‪ ،‬وقد يسلمون على المحتضر ويرد‬
‫عليهم تارة بلفظه ‪ ،‬وتارة بإشارته ‪ ،‬وتارة بقلبه حيث ل يتمكن من نطق ول‬
‫إشارة‪.‬‬
‫وكيف يستنكر من يعرف ال سبحانه ‪ ،‬ويقر بقدرته ‪ ،‬أن يحدث حوادث‬
‫يصرف عنها أبصار بعض خلقه حكمةً منه ورحمةً بهم ‪ ،‬لنّهم ل يطيقون رؤيتها‬
‫وسماعها ‪ ،‬والعبد أضعف بصرا وسمعا من أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر ‪،‬‬
‫وكثيرا ممن أشهده ال ذلك صعق ‪ ،‬وغشي عليه ‪ ،‬ولم ينتفع بالعيش زمنا ‪،‬‬
‫وبعضهم كشف قناع قلبه فمات ‪ ،‬فكيف ينكر في الحكمة اللهية إسبال غطاء‬
‫يحول بين المكلفين وبين مشاهدة ذلك حتى إذا كشف الغطاء رأوه وشاهدوه عيانا‪.‬‬
‫ثم إنّ النار التي في القبر والخضرة ليست من نار الدنيا ول من زروع‬
‫الدنيا ‪ ،‬فيشاهده من شاهد نار الدنيا وخضرها ‪ ،‬وإنّما هي من نار الخرة‬
‫وخضرها وهي أشدّ من نار الدنيا ‪ ،‬فل يحس به أهل الدنيا ‪ ،‬فإنّ ال سبحانه‬
‫يحمي عليه ذلك التراب والحجارة التي عليه حتى يكون أعظم حرا من جمر‬
‫الدنيا ‪ ،‬ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بذلك ‪ ،‬بل أعجب من هذا أن الرجلين يدفنان‬
‫أحدهما إلى جنب الخر ‪ ،‬وهذا في حفرة من حفر النار ل يصل حرها إلى جاره ‪،‬‬
‫وذلك في روضة من رياض الجنة ل يصل روحها ونعيمها إلى جاره‪.‬‬
‫وقدرة الرب تعالى أوسع وأعجب من ذلك ‪ ،‬وقد أرانا ال من آيات قدرته في‬
‫هذه الدار ما هو أعجب من ذلك بكثير ‪ ،‬ولكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط‬
‫به علما إل من وفقه ال وعصمه‪.‬‬
‫فيُفرش للكا فر لوحان من نار فيشت عل عل يه قبره به ما ك ما يشت عل التنور ‪ ،‬فإذا‬
‫شاء ال سـبحانه أن يطلع على ذلك بعـض عـبيده أطلعـه وغيّبـه عـن غيره ‪ ،‬إذ لو‬

‫‪-34-‬‬
‫أطلع العباد كلهم لزالت كلمة التكليف ‪ ،‬واليمان بالغيب ‪ ،‬ولما تدافن الناس ‪ ،‬كما‬
‫قال‪ " :‬لول أن ل تدافنوا لدعوت ال أن يسمعكم من‬ ‫أن ال نبي‬ ‫روى أ نس‬
‫عذاب القبر ما أسمع " ولمّا كانت هذه الحكمة منفية في حق البهائم سمعت ذلك‬ ‫‪1‬‬

‫بغلته وكادت تلقيه لما مر بمن يعذب في قبره‬ ‫وأدركته كما حادت برسول ال‬
‫‪.‬‬
‫فعن زيد بن ثابت قال ‪َ :‬ب ْينَمَا ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم فِي حَائِطٍ ِل َبنِي‬
‫ستّةٌ‬
‫علَىَ َبغْلَةٍ َلهُ‪َ ،‬ونَحْنُ َمعَهُ‪ِ ،‬إذْ حَا َدتْ بِهِ َفكَا َدتْ تُ ْلقِيهِ‪ .‬وَِإذَا َأ ْقبُ ٌر ِ‬
‫النّجّارِ‪َ ،‬‬
‫خ ْمسَةٌ أَوْ أَ ْر َبعَةٌ َفقَالَ‪" :‬مَنْ َيعْرِفُ َأصْحَابَ َه ِذهِ الَ ْقبُرِ؟ " َفقَالَ رَجُلٌ‪َ :‬أنَا ‪.‬‬
‫أَوْ َ‬
‫قَالَ‪" :‬فَ َمتَىَ مَاتَ َهؤُلَءِ؟ " قَالَ‪ :‬مَاتُوا فِي ا ِلشْرَاكِ‪َ .‬فقَالَ‪ " :‬إِنّ َه ِذهِ الُ ّمةَ‬
‫عذَابِ‬
‫ُت ْبتَلَىَ فِي ُقبُو ِرهَا‪ .‬فَلَ ْولَ أَنْ لَ َتدَا َفنُوا ‪َ ،‬لدَعَ ْوتُ الّلهِ أَنْ ُيسْ ِم َع ُكمْ مِنْ َ‬
‫عَل ْينَا بِوَجْهِهِ‪َ ،‬فقَالَ ‪َ " :‬تعَ ّوذُوا بِاللّهِ مِنْ‬
‫ا ْل َقبْرِ اّلذِي َأسْمَعُ ِمنْهُ "‪ُ .‬ثمّ أَ ْقبَلَ َ‬
‫عذَابِ‬
‫عذَابِ النّارِ‪َ .‬فقَالَ‪َ " :‬تعَ ّوذُوا بِاللّهِ مِنْ َ‬
‫عذَابِ النّارِ" قَالُوا‪َ :‬نعُوذُ بِالّلهِ مِنْ َ‬
‫َ‬
‫عذَابِ ا ْل َقبْرِ‪ .‬قَالَ‪َ " :‬تعَ ّوذُوا بِاللّهِ مِنَ ا ْل ِفتَنِ‪ ،‬مَا‬
‫ا ْل َقبْرِ" قَالُوا‪َ :‬نعُوذُ بِالّلهِ مِنْ َ‬
‫ظَهَرَ ِمنْهَا وَمَا بَطَنَ " ‪ .‬قَالُوا‪َ :‬نعُوذُ بِالّلهِ مِنْ ا ْل ِفتَنِ‪ ،‬مَا ظَ َهرَ ِمنْهَا وَمَا بَطَنَ‬
‫‪2‬‬
‫‪ .‬قَالَ‪َ " :‬تعَ ّوذُوا بِاللّهِ مِنْ ِف ْتنَةِ الدّجّالِ" قَالُوا‪َ :‬نعُوذُ بِاللّهِ مِنْ ِف ْتنَةِ الدّجّالِ‪.‬‬
‫قال القرطبي ـ رحمه ال تعالى ـ ‪:‬‬
‫وإنّما حادت به البغلة لما سمعت من صوت المعذبين ‪ ،‬وإنّما لم يسمعه من يعقل‬
‫من الجن والنس لقوله عليه الصلة والسلم " لول أن ل تدافنوا …الحديث " ‪.‬‬
‫فكتمه ال سبحانه عنا حتى نتدافن بحكمته اللهية ولطائفه الربانية ؛ لغلبة‬
‫الخوف عند سماعه ‪ ،‬فل نقدر على القرب من القبر للدفن ‪ ،‬أو يهلك الحي عند‬
‫سماعه‪ ،‬إذ ل يطاق سماع شئٍ من عذاب ال في هذه الدار لضعف هذه القوى ‪،‬‬
‫أل ترى أنه إذا سمع الناس صعقة الرعد القاصف أو الزلزل الهائلة هلك كثير‬
‫من الناس ‪ ،‬وأين صعقة الرعد من صيحة الذي تضربه الملئكة بمطارق الحديد‬
‫أخرجه مسلم (‪ )2867‬ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها ‪ ،‬باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الحديث السابق ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-35-‬‬
‫في الجنازة ‪ " :‬لو سمعها النسان‬ ‫التي يسمعها كل من يليه ؟ وقد قال‬
‫لصعق " ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا وهو على رؤوس الرجال من غير ضرب ول هوان ‪ ،‬فكيف إذا حل به‬
‫الخزي والنّكال واشتد عليه العذاب والوبال؟‬
‫فنسأل ال معافاته ومغفرته وعفوه ورحمته ومنه‪.‬‬

‫أخرجه البخاري (‪ )1380‬ك الجنازة ‪ ،‬باب كلم الميت على الجنازة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-36-‬‬
‫التخويف من أهوال القبور‬
‫قال ‪ :‬إذا حضر المؤمن أتته ملئكة‬ ‫أن رسول ال‬ ‫عن أبى هريرة‬
‫الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون ‪ :‬اخرجي راضية مرضية عنك إلى روح‬
‫ال وريحان ورب غير غضبان ‪ ،‬فتخرج كأطيب ريح مسك حتى إنّه ليناوله‬
‫بعضُهم بعضا حتى يأتوا به باب السماء ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬ما أطيب هذه الريح‬
‫الطيبة التي جاءتكم من الرض فيأتون به أرواح المؤمنين ‪ ،‬فلهم أشدّ فرحا‬
‫به من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه ماذا فعل فلن ؟ ماذا فعل فلن ؟‬
‫فيقولون ‪ :‬دعوه فإنّه كان في غم الدنيا فإذا قال ‪ :‬أما أتاكم قالوا ‪ :‬ذهب به‬
‫إلى أمه الهاوية ‪.‬‬

‫وإن الكافر إذا احتضر أتته ملئكة العذاب بمسح فيقولون ‪ :‬اخرجي ساخطة‬
‫مسخوطا عليك إلى عذاب ال عز وجل ‪ ،‬فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتوا‬
‫به باب الرض فيقولون ‪ :‬ما أنتن هذه الريح ‪ ،‬حتى يأتوا به أرواح‬
‫‪1‬‬
‫الكفار‪.‬‬
‫قال عمر بن عبد العزيز لبعض جلسائه ‪ :‬يا فلن لقد بت الليلة أتفكر في‬
‫القبر وساكنه ‪ ،‬إنك لو رأيت الميت ثلثة في قبره لستوحشت من قربه بعد طول‬
‫النس منك به ‪ ،‬ولرأيت بيتا تجول فيه الهوام ويجرى فيه الصديد ‪ ،‬وتخترقه‬
‫الديدان مع تغير الريح وبلي الكفان بعد حسن الهيئة وطيب الريح ونقاء الثوب ‪.‬‬
‫وعنه أيضا أنه ـ رحمه ال ـ شيع جنازة فلما انصرفوا تأخر هو‬
‫وأصحابه ناحية عن الجنازة ‪ ،‬فقال له بعض أصحابه ‪ :‬يا أمير المؤمنين جنازة‬
‫أنت وليها تأخرت عنها وتركتها ‪ .‬فقال ‪ :‬نعم ناداني القبر من خلفي ‪ :‬يا عمر بن‬
‫عبد العزيز أل تسألني ما صنعت بالحبة قلت ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬أحرقت الكفان‪،‬‬
‫ومزقت البدان ‪ ،‬ومصصت الدم ‪ ،‬وأكلت اللحم ‪.‬‬
‫أخرجه النسائي (‪ )1833‬ك الجنائز ‪ ،‬باب ما يلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه ‪ ،‬وابن حبان (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ، )733‬والحاكم في المستدرك (‪ )353 , 1/352‬وقال ‪ :‬صحيح السناد ووافقه الذهبي ‪.‬‬


‫والحديث صححه الشيخ اللباني ـ رحمه ال ـ في الصحيحة (‪ ، )1309‬وصحيح الجامع (‪. )490‬‬

‫‪-37-‬‬
‫قال ‪:‬أل تسألني ما صنعت بالوصال ‪ .‬قلتُ ‪ :‬بلى !‬
‫قال ‪ :‬نزعت الكتفين من الذراعين ‪ ،‬والذراعين من العضدين ‪ ،‬والعضدين‬
‫من الكتفين ‪ ،‬والوركين من الفخذين ‪ ،‬والفخذين من الركبتين ‪ ،‬والركبتين من‬
‫الساقين ‪ ،‬والساقين من القدمين ‪ ،‬ثم بكى‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫أل إنّ الدنيا بقاؤها قليل ‪ ،‬وعزيزها ذليل ‪ ،‬وغنيها فقير ‪ ،‬وشابها يهرم ‪،‬‬
‫وحيها يموت ‪ ،‬فل يغرنكم إقبالها مع معرفتكم بسرعة إدبارها ‪ ،‬فالمغرور من‬
‫اغترّ بها ‪.‬‬
‫أين سكانها الذين بنوا مدائنها ‪ ،‬وشقوا أنهارها ‪ ،‬وغرسوا أشجارها ‪،‬‬
‫وأقاموا فيها أياما يسيرة ‪ ،‬غرتهم بصحتهم فاغتروا بنشاطهم ‪ ،‬فركبوا المعاصي ‪،‬‬
‫وإنهم كانوا ـ وال ـ في الدنيا مغبوطين بالمال على كثرة المنع عليه محسودين‬
‫على جمعه ‪.‬‬
‫ماذا صنع التراب بأبدانهم والرمل بأجسادهم ‪ ،‬والديدان بعظامهم‬
‫وأوصالهم‪ ،‬كانوا في الدنيا على أسرة ممهدة ‪ ،‬وفرش منضودة بين خدم يخدمون‪،‬‬
‫وأهل يكرمون ‪ ،‬وخيران يغصون ‪ ،‬فإذا مررت فنادهم إن كنت مناديا ‪ ،‬وسر‬
‫بعسكرهم ‪ ،‬وانظر إلى تقارب منازلهم ‪ ،‬واسأل غنيهم ما بقى من غناه ‪ ،‬واسأل‬
‫فقيرهم ما بقى من فقره ‪ ،‬واسألهم عن اللسن التي كانوا بها يتكلمون ‪ ،‬وعن‬
‫العين التي كانوا بها ينظرون ‪ ،‬واسألهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة‬
‫والجساد الناعمة ما صنع بها الديدان تحت اللوان وأطلت اللحمان ‪ ،‬وعفّرت‬
‫الوجوه ‪ ،‬ومحت المحاسن ‪ ،‬وكسرت الفِقَار ‪ ،‬وأبانت الحشاء ‪ ،‬ومزقت الشلء ‪،‬‬
‫وأين حجابهم ‪ ،‬وبوابهم ؟؟ أين خدمهم وعبيدهم ؟؟ وجمعهم ومكنونهم ؟؟‬
‫وال ما فرشوا فراشا ‪ ،‬ول وضعوا هنالك متكئا ‪ ،‬ول غرسوا لهم شجرا ‪ ،‬ول‬
‫أنزلوهم من اللحد قرارا‪.‬‬
‫ألي سوا في منازل الخلوات والبلوات ؟ أل يس الل يل والنهار علي هم سواء ؟‬
‫أليس هم في مدلهمة ظلماء ؟ وقد حيل بينهم وبين العمل ‪ ،‬وفارقوا الحبة‪.‬‬

‫‪-38-‬‬
‫ف كم من نا عم وناع مة أ صبحت وجوه هم بال ية ‪ ،‬وأج سادهم عن أعناق هم‬
‫نائيـة ‪ ،‬وأوصـالهم متمزقـة ‪ ،‬وقـد سـالت الحدقات على الوجنات وامتلت الفواه‬
‫دما وصديدا ‪ ،‬ودبت دواب الرض في أجسادهم ‪ ،‬ففرقت أعضاءهم ثم لم يلبثوا‬
‫وال إل يسيرا ‪ ،‬حتى عادت العظام دميما‪.‬‬
‫قـد فارقوا الحدائق ‪ ،‬وصـاروا بعـد السـعة إلى المضايـق ‪ ،‬وقـد تزوجـت‬
‫نساؤهم ‪ ،‬وترددت في الطرق أبناؤهم ‪ ،‬وتوزعت الورثة ديارهم وتراثهم ‪.‬‬
‫فمن هم ‪ :‬ـ وال ـ المو سع له في قبره ال غض النا ضر ف يه المتن عم بلذ ته ‪،‬‬
‫ومنهم ‪ :‬المعذب في قبره المضيق عليه فيه ‪ ،‬النادم على ما فرط ‪.‬‬
‫يا ساكن القبر غدا‬
‫مـا الذي غرك مـن الدنيـا ؟ هـل تعلم أنـك تبقـى أو تبقـى لك ؟ أيـن دارك الفيحاء‬
‫ونهرك المطرد ؟ وأ ين ثمر تك الحا ضر ينع ها ؟ وأ ين رقاق ثيا بك ؟ وأ ين طي بك‬
‫وأين بخورك ؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك ؟‬
‫أ ما رأي ته قد نزل به ال مر ف ما يد فع عن نف سه دخلً و هو ير شح عرقا ‪ ،‬ويتل ظى‬
‫عطشا ‪ ،‬يتقلب في سكرات الموت وغمراته ‪ ،‬جاء المر من السماء ‪ ،‬وجاء غالب‬
‫القدر والقضاء ‪ ،‬جاء من المر الجل ما يمتنع من هيهات‪.‬‬
‫يـا مغمـض الوالد والخ والولد وغاسـله ‪ ...‬يـا مكفـن الميـت وحامله… يـا‬
‫مخليه في القبر وراجعا عنه … ليت شعري كيف كنت على خشونة الثرى …‬
‫ليت شعري بأي خديك يبدأ البلى … وأي عينيك سالت أولً … يا مجاور الهلكات‬
‫صرت في محل الموتى… ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي‬
‫من الدنيا وما يأتيني من رسالة ربى !‬
‫ثم انصرف فما بقى بعد ذلك إل جمعة ثم مات ـ رحمه ال ـ ‪.‬‬

‫‪-39-‬‬
‫أخي الحبيب‬
‫توهـم نفسـك حيـن اسـتطار قلبـك فرحا وسـرورا ‪ ،‬أو ُملِئ حزنا وعـبرة ‪،‬‬
‫وبفترة القـبر وهول مطلعـه وروعـة الملكيـن وسـؤالهما فيـه عـن إيمانـك بربـك ‪،‬‬
‫فمتثبت من ال ـ جل ثناؤه ـ بالقول الثابت ‪ ،‬أو متحير شاك مخذول ‪.‬‬
‫فتوهـم أصـواتهما حيـن يناديانـك لتجلس لسـؤالهما إياك ؛ ليوقفاك علي‬
‫م سائلتهما ‪ ،‬فتو هم جل ستك في ض يق لحدك ‪ ،‬و قد سقطت أكفا نك على جفو يك ‪،‬‬
‫فتوهم ذلك ‪ ،‬ثم شخوصك ببصرك إلى صورتهما وعظم أجسامهما ‪ ،‬فإ نْ رأيتهما‬
‫بحسن الصورة ‪ ،‬أيقن قلبك بالفوز والنجاة ‪ ،‬وإن رأيتهما بقبح الصورة أيقن قلبك‬
‫بالهلك والغضب‪.‬‬
‫فتو هم أ صواتهما وكلمه ما بنغمات ها و سؤالهما ‪ ،‬ثم هو ت ثبيت ال إياك إ نْ‬
‫ثبتك أو تحييره إن خذلك‪.‬‬
‫فتو هم جوابك باليق ين أو بالتحير أو بال شك ‪ ،‬وتو هم إقباله ما عليك إن ثبتك‬
‫ال عز وجل بالسرور ‪ ،‬وضربهما بأرجلهما جوانب قبرك بانفراج القبر عن النار‪،‬‬
‫ثم توهم وهى تتأجج بحريقها وإقبالها عليك ‪ ،‬وأنت تنظر إلى ما صرف ال عنك‪،‬‬
‫فيزداد لذلك قلبك سرورا وفرحا وتوقن بسلمتك من النار بضعفك‪.‬‬
‫ثـم توهـم ضربهمـا بأرجلهمـا جوانـب قـبرك وانفراجـه عـن الجنـة بزينتهـا‬
‫ونعيمهـا وقولهمـا لك ‪ :‬يـا عبـد ال انظـر إلى مـا أعدّ ال لك فهنـا منزلك ‪ ،‬وهذا‬
‫مصيرك ‪ ،‬فتوهم سرور قلبك وفرحك بما عانيت من نعيم الجنان وبهجة ملكهما‬
‫وعلمك أنك صائر إلى ما عاينت من نعيمها وحسن بهجتها‬
‫وإن كانت الخرى فتوهم خلف ذلك كله ‪ ،‬من النتهار لك ‪ ،‬ومن معاينتك‬
‫الجنة ‪ ،‬وقولهما لك ‪ :‬انظر إلى ما حرمك ال عز وجل ومعاينتك النار ‪ ،‬وقولهما‬
‫ـ بهذا خطرا !!‬
‫لك ‪ :‬انظـر إلى مـا أعدّ ال لك ‪ ،‬فهذا منزلك ومصـيرك فأعظم ْ‬
‫وأعظمْ به عليك في الدنيا غما وحزنا حتى تعلم أي الحالتين في القبر حالك !!‬

‫‪-40-‬‬
‫ش َتغَـل‬
‫يَا َمنْ بدنياهُ ا ْ‬
‫وغـَره طـولُ المل‬
‫المـوتُ يأتي َبغْتـةً‬
‫والقَبْـرُ صُنْدوقُ ال َعمَل‬

‫‪-41-‬‬
‫أهوال القبور‬
‫وأهوال القبور أولها ‪:‬‬

‫‪ -1‬تكليم القبر ‪:‬‬


‫لهُ َف َرأَى‬
‫عن أبي سعيد الخدري قالَ‪َ " :‬دخَلَ رَسُولُ ال صلى ال عليه وسلم ُمصَ ّ‬
‫شغَ َلكُمْ عَمّا‬
‫تل َ‬
‫نَاسا َكَأ ْنهُمْ َي ْكتَ ِشرُونَ ‪ ،‬قَالَ ‪ " :‬أَمَا ِإ ّن ُكمْ َلوْ َأ ْكثَ ْر ُتمْ ِذكْرَ هَا ِذمٍ الّلذَا ِ‬
‫أَرَى الموت ‪ ،‬فَ َأ ْكثِرُوا من ِذكْرِ هَا ِذمِ اللذَاتِ ـ المَ ْوتِ ـ ‪ ،‬فَ ِإنّهُ َلمْ يَ ْأتِ عَلَى‬
‫ح َدةِ ‪ ،‬وَأنَا َب ْيتُ‬
‫ا ْل َقبْرِ يَ ْومٌ ِإلّ َتكَّلمَ فيه َيقُولُ‪َ :‬أنَا َبيْتُ الغُ ْر َبةِ‪ ،‬وَأنَا َب ْيتُ الوَ ْ‬
‫التّرَابِ ‪َ ،‬وَأنَا َبيْتُ الدُودِ‪ ،‬فَ ِإذَا دُفِنَ ال َع ْبدُ المُ ْؤمِنُ قَالَ لَهُ ال َق ْبرُ‪ :‬مَرْحَبا وَأَهْلً‪،‬‬
‫ص ْرتَ ِإَليّ‬
‫علَى ظَهْرِي إِ َليّ َفِإذْ وَ ِل ْيتُكَ اليَومَ َو ِ‬
‫حبّ مَنْ يَ ْمشِي َ‬
‫ن ُكنْتَ لَ َ‬
‫أَمَا إِ ْ‬
‫ص ِن ْيعِي بِكَ‪.‬‬
‫ستَرَى َ‬
‫َف َ‬
‫جنّةِ‪ .‬وَِإذَا دُفِنَ ال َع ْبدُ الفَاجِرُ أَو‬
‫قال‪َ :‬ف َي ّتسِعُ َلهُ َمدّ َبصَ ِرهِ َو ُي ْفتَحُ َلهُ بَابٌ ِإلَى الْ َ‬
‫ن ُك ْنتَ َل ْبغَضَ مَنْ يَ ْمشِي عَلَى‬
‫الكَا ِفرُ قَالَ لَهُ ال َق ْبرُ‪ :‬لَ َمرْحَبا وَلَ أَهْلً َأمَا إِ ْ‬
‫ص ِن ْيعِي بِكَ ‪.‬‬
‫ستَرَى َ‬
‫ص ْرتَ ِإَليّ َف َ‬
‫ظَهْرِي إِ َليّ َفِإذْ وَلِيتُكَ اليَ ْومَ َو ِ‬
‫عهُ‪.‬‬
‫ختَلِفَ َأضْلَ ُ‬
‫حتّى تَ ْل َتقِي عَ َل ْيهِ َوتَ ْ‬
‫قَالَ َفيْ َل َت ِئمُ عَ َل ْيهِ َ‬
‫جوْفِ َبعْضٍ قَالَ‪َ :‬و ُي َقيّضُ‬
‫بِ َأصَا ِبعِهِ فَ َأدْخَلَ َب ْعضَهَا فِي َ‬ ‫قَالَ‪ :‬قالَ َرسُولُ ال‬
‫شيْئا مَا‬
‫ت َ‬
‫س ْبعُونَ ِت ّنيْنا َلوْ أَنّ وَاحِدا ِمنْهَا َنفَخَ فِي الَ ْرضِ مَا َأ ْن َبتَ ْ‬
‫ال لَ ُه َ‬
‫حسَابِ‪ .‬قالَ‪ :‬قالَ َرسُولُ‬
‫حتّى ُي ْفضَى ِبهِ إِلَى الْ ِ‬
‫شنَهُ َ‬
‫خ ِد ْ‬
‫َبقِيتْ ال ُد ْنيَا‪َ ،‬ف َينْهَشنَه َويَ ْ‬
‫حفْ َرةٌ مِنْ‬
‫جنّةِ‪َ ،‬أوْ ُ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم " ِإنّمَا ال َقبْرُ رَ ْوضَةٌ مِنْ ِريَاضِ الْ َ‬
‫‪1‬‬
‫حفَرِ النّارِ "‪.‬‬
‫ُ‬
‫عن عبد ال بن عب يد قال ‪ :‬بلغ ني أن الم يت يقعد في حفر ته ‪ ،‬وهو ي سمع‬
‫وخط مشيعيه ‪ ،‬ول يكلمه شئ أول من حفرته فتقول ‪ :‬ويحك يا ابن آدم أليس قد‬

‫أخرجه الترمذي (‪ )2460‬ك صفة القيامة ‪ ،‬وقال ‪ :‬حديث غريب ‪ ،‬والحديث ضعفه الشيخ اللباني في‬ ‫‪1‬‬

‫ضعيف الترمذي (‪ )437‬وضعيف الجامع (‪ ، )1231‬وذهب صاحب التحرير المرسخ إلى تحسينه ‪.‬‬

‫‪-42-‬‬
‫حذرتني ‪ ،‬وحُذّرت ضيقي وظلمتي ‪ ،‬ونتني وهولي ودودي ‪ ،‬هذا ما أعددت لك ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فما أعددت لي ؟! "‬
‫وروى ا بن عبـد البر فـي التمه يد بإسـناده عـن ا بن عائذ عـن غضيـف بن‬
‫قال‪ :‬إن ال قبر يكلم الع بد إذا و ضع‬ ‫الحارث عن ع بد ال بن عمرو بن العاص‬
‫فيه فيقول ‪ :‬يا ابن آدم ما غرك بي ؟ ألم تعلم أنّي بيت الوحدة ؟ ألم تعلم أنّي بيت‬
‫الظلمة ‪ ،‬ألم تعلم أنّي بيت الحق ؟ يا ابن آدم ما غرّك بي ‪ ،‬لقد كنت تمشي حولي‬
‫فدادا ‪.‬‬
‫قال ابن عائذ ‪ :‬قلت لغضيف ‪ :‬ما الفداد يا أبا أسماء ؟‬
‫قال ‪ :‬بعض مشيتك يا ابن أخي أحيانا ‪.‬‬
‫قال غضيف ‪ :‬فقال عبد ال بن عبيد بن عمير لعبد ال بن عمرو ‪ :‬فإن كان مؤمنا‬
‫وسع له فماذا له ؟‬
‫‪2‬‬
‫قال ‪ :‬يوسع له في قبره ‪ ،‬ويجعل منزله أخضر ‪ ،‬ويعرج بنفسه إلى ال تعالى ‪.‬‬
‫وعن عبد ال بن عبيد بن عمير قال ‪ :‬يجعل ال للقبر لسانا ينطق به فيقول ‪ :‬يا‬
‫ابن آدم كيف نسيتني ؟ أما علمت أني بيت الدود ‪ ،‬وبيت الوحدة ‪ ،‬وبيت الوحشة ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬إن ال قبر ليب كي ويقول في بكائه ‪ :‬أ نا ب يت الوح شة ‪ ،‬أ نا ب يت‬
‫‪3‬‬
‫الوحدة ‪ ،‬أنا بيت الدود ‪.‬‬
‫قال يز يد بن سخبرة ‪ " :‬يقول ال قبر للر جل الكا فر أو الفا جر ‪ :‬أ ما ذكرت‬
‫ظلمتي ‪ ،‬أما ذكرت وحشتي ‪ ،‬أما ذكرت ضيقي ‪ ،‬أما ذكرت غمي " ‪.‬‬

‫أخرجه ابن المبارك في الزهد من رواية نعيم بن حماد في نسخته ص ‪ 41‬برقم (‪ )163‬ط دار الكتب العلمية‬ ‫‪1‬‬

‫بتحقيق حبيب الرحمن العظمي ‪ ،‬وقال الحافظ العراقي في تخريج الحياء ‪ :‬أخرجه ابن أبي الدنيا في القبور‬
‫هكذا مرسل ورجاله ثقات ‪ ،‬ورواه ابن المبارك في الزهد إل أنه قال بلغني ولم يرفعه‪.‬‬
‫قال ابن الثير في النهاية (‪ )5/164‬الوخط ‪ :‬الخفق والصوت على الرض ‪ .‬قال القرطبي في التذكرة ‪ :‬الوخط‬
‫‪ :‬سرعة السير في المشي ‪.‬‬
‫التمهيد لبن عبد البر (‪ )18/145‬ط مكتبة ابن تيمية ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ذكرهما القرطبي في التذكرة ص ‪ 108‬وعزاهما لهناد بن السري بإسناد رجاله ثقات ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-43-‬‬
‫وعن عبيد بن عمير قال ‪ :‬ليس من ميت يموت إل نادته حفرته التي يدفن‬
‫في ها ‪ :‬أ نا ب يت الظل مة والوحدة والنفراد ‪ ،‬فإن ك نت في حيا تك ل مطيعا ‪ ،‬ك نت‬
‫اليوم عليك رحمة ‪ ،‬وإن كنت لربك في حياتك عاصيا ‪ ،‬فأنا عليك نقمة ‪ ،‬أنا البيت‬
‫الذي من دخله مطيعا خرج منه مسرورا ‪ ،‬ومن دخلني عاصيا خرج مثبورا ‪.‬‬
‫و عن مح مد بن صبيح قال ‪ :‬بلغ نا أن الر جل إذا و ضع في قبره َفعُذّب أو‬
‫أصابه بعض ما يكره ناداه جيرانه من الموتى ‪ :‬أيها المتخلف في الدنيا بعد إخوانه‬
‫أمـا كان لك فينـا معتـبر ؟ أمـا كان لك فـي تقدمنـا إياك فكرة ؟ أمـا رأيـت انقطاع‬
‫أعمالنا هنا وأنت في المهلة ؟ فهل استدركت ما فات ؟ وتناديه بقاع الرض ‪ :‬أيها‬
‫المغ تر بظ هر الرض هل اع تبرت ب من غ يب من أهلك في ب طن الرض م من‬
‫غر ته الدن يا قبلك ‪ ،‬ثم سبق به أجله إلى القبور ‪ ،‬وأ نت تراه محمولً تناد يه أحب ته‬
‫إلى المنزل الذي ل بد له منه‪.‬‬

‫‪ -2‬ضمة القبر ‪:‬‬


‫قال ‪ " :‬إن للقبر ضغطة‬ ‫عن عائشة ـ رضى ال عنها ـ عن النبي‬
‫‪1‬‬
‫لو كان أحد ناجيا منها نجا سعد بن معاذ "‬
‫وإذا كان هذا ل سعد بن معاذ زعيم الن صار المقتول شهيدا ب سهم و قع في‬
‫أكحله في غزوة الخندق ‪ ،‬هذا الذي اهتز عرش الرحمن لموته فما بالك بغيره؟‬
‫نسأل اللّه السلمة ‪.‬‬

‫أخرجه المام أحمد (‪ ) 98 ، 55 / 6‬و جود إسناده الحافظ العراقي كما في تخريج الحياء وقال الهيثمي ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫رجاله رجال الصحيح ‪ ،‬وابن حبان في صحيحه (‪ )7/379‬برقم (‪ )3112‬عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي ال‬
‫عنها ـ ‪ ،‬ورواه الطبراني في معجمه الكبير (‪ )10/334‬برقم (‪ )12/232( ، )10827‬برقم (‪ )12975‬من حديث‬
‫ابن عباس كذا فيه لكن أفاد العلمة الشيخ اللباني كما في الصحيحة (‪ )4/271‬أن الذي يغلب على الظن أنه من‬
‫حديث عبد ال بن عياش ل ابن عباس ـ وال أعلم ـ ولفظه " لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد بن‬
‫معاذ‪ ،‬ولقد ضم ضمة ثم روخي عنه "‬
‫والحديث صححه الشيخ اللباني بمجموع طرقه وشواهده في الصحيحة (‪ )1695‬وصحيح الجامع (‪( ، )2180‬‬
‫‪. )5306‬‬

‫‪-44-‬‬
‫فهذه الضغطـة ل ينجـو منـه صـالح ول طالح لكـن الكافـر يدوم ضغطـه‬
‫والمؤمن ل‪ ،‬والمراد به التقاء جانبي القبر على الميت ‪ ،‬إذ ما من أحد إل وقد ألم‬
‫بخطيئة فإن كان صالحا فهذه جزاؤه ثم تدركه الرحمة ‪ ،‬وقد كان يقال لها ضمة إذ‬
‫أ صل ذلك أن الرض أم هم ‪ ،‬من ها خلقوا فغابوا عن ها طويلً فتضم هم ض مة والدة‬
‫غاب عنها ولدها فالمؤمن برفق والعاصي بعنف غضبا عليه ‪ ،‬فقد خلق الدمي من‬
‫هذه الرض وقـد أخـذ عليـه العهـد والميثاق فـي العبوديـة له فمـا نقـص مـن وفاء‬
‫العبود ية صارت الرض عل يه واجدة ‪ ،‬فإذا وجد ته في بطن ها ضم ته ض مة ‪ ،‬ثم‬
‫تدركه الرحمة فترحب به وعلى قدر سرعة مجيء الرحمة يتخلص من الضمة ‪،‬‬
‫فإن كان محسنا فإن رحمة اللّه قريب من المحسنين ‪ ،‬فإذا كانت الرحمة قريبة من‬
‫المحسنين لم يكن الضم كثيرا ‪ ،‬وإذا كان خارجا من حد المحسنين لبث حتى تدركه‬
‫الرحمـة ول ينافيـه اهتزاز العرش لموتـه لن دون البعـث زلزل وأهوال ل يسـلم‬
‫منها ولي ول غيره " ثُ ّم ُننَجّي الّذينَ اتّقَوا " [مريم‪]72 /‬‬
‫قال عمر‪ :‬لو كان لي طلع الرض ذهبا لفتديت به من هول المطلع ‪.‬‬
‫وفي الحديث إشارة إلى أن جميع ما يحصل للمؤمن من أنواع البليا حتى في أول‬
‫منازل الخرة وهو القبر وعذابه وأهواله لما اقتضته الحكمة اللهية من التطهيرات‬
‫ورفـع الدرجات ‪ ،‬أل ترى أن البلء يخمـد النفـس ويذلهـا ويدهشهـا عـن طلب‬
‫حظوظها ‪ ،‬ولو لم يكن في البلء إل وجود الذلة لكفى إذ مع الذلة تكون النصرة‪.‬‬
‫وأهل الستقامة يردون اللحود وقد يكون فيهم خصلة عليهم فيها تقصير فيردون‬
‫اللحد مع بعض التقصير غير نازعين عنه ‪ ،‬وليس ذلك بذنب ول خطيئة فيعاتبون‬
‫في قبورهم عليه ‪ ،‬فما بالنا نحن والذنوب كثيرة والتفريط بالغ منهاه رب سلم سلم‪.‬‬
‫‪ .‬لو أفلت‬ ‫قال‪ :‬دفن صبي فقال رسول اللّه‬ ‫وعن أبي أيوب النصاري‬
‫‪1‬‬
‫أحد من ضمة القبر لفلت هذا الصبي‬
‫وظاهر الحديث أن الضمة ل ينجو منها أحد باستثناء النبياء فحتى الصبي ضمّ‬
‫نعوذ بال من ضمة القبر وفتنة القبر ‪.‬‬

‫أخرجه الطبراني في الكبير (‪ )4/121‬برقم (‪ ، )3858‬وقال الهيثمي ‪ :‬رجاله رجال الصحيح ‪ ،‬وصححه الشيخ‬ ‫‪1‬‬

‫اللباني في صحيح الجامع (‪. )5238‬‬

‫‪-45-‬‬
‫‪ -3‬سؤال الملكين ‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫قال ‪ :‬قال النبي‬ ‫عن أنس‬
‫ع نِعَا ِلهِمْ‬
‫عنْهُ أَصْحَا ُبهُ وَِإنّهُ َليَسْمَعُ َقرْ َ‬
‫" إِنّ الْ َعبْدَ إِذَا ُوضِ عَ فِي َق ْبرِ هِ َو َتوَلّى َ‬
‫‪َ ،‬فَأمّاـ‬ ‫حمّدٍ‬
‫جلِ ِلمُ َ‬
‫ْتـ تَقُولُ فِي هَذَا الرّ ُ‬
‫َانـ ‪ :‬مَا ُكن َ‬
‫ِهـ َفيَقُول ِ‬
‫َانـ َفيُقْ ِعدَان ِ‬
‫َاهـ مَلَك ِ‬
‫َأت ُ‬
‫ك مِ نْ النّارِ‬
‫ظرْ ِإلَى مَقْ َعدِ َ‬
‫عبْدُ اللّ هِ َورَ سُوُلهُ َفيُقَالُ لَ هُ انْ ُ‬
‫شهَدُ َأنّ هُ َ‬
‫ا ْلمُ ْؤمِ نُ َفيَقُولُ ‪َ :‬أ ْ‬
‫جمِيعًا ‪.‬‬
‫ج ّنةِ َف َيرَا ُهمَا َ‬
‫قَدْ َأبْدَلَكَ الّل ُه بِ ِه مَقْعَدًا مِنْ الْ َ‬
‫سحُ َلهُ فِي َقبْرِهِ‬
‫قَالَ َقتَادَةُ ‪ :‬وَذُ ِكرَ َلنَا َأ ّنهُ يُفْ َ‬
‫جلِ َفيَقُولُ‬
‫ت تَقُولُ فِي هَذَا الرّ ُ‬
‫‪ :‬وََأمّا ا ْلمُنَافِ قُ وَا ْلكَا ِفرُ َفيُقَالُ لَ ُه مَا ُكنْ َ‬ ‫قَالَ‬
‫ق مِ نْ‬
‫ب ِبمَطَارِ َ‬
‫ضرَ ُ‬
‫لَا أَ ْدرِي ُكنْ تُ َأقُولُ مَا يَقُولُ النّا سُ َفيُقَالُ لَا َدرَيْ تَ وَلَا تَ َليْ تَ َو ُي ْ‬
‫‪1‬‬
‫غ ْيرَ الثّقَ َليْنِ ‪.‬‬
‫ن يَلِيهِ َ‬
‫ح ًة َيسْمَ ُعهَا مَ ْ‬
‫ض ْربَةً َف َيصِيحُ صَيْ َ‬
‫حَدِي ٍد َ‬

‫‪ " :‬يا عمر‬ ‫لعمر بن الخطاب‬ ‫عن عطاء بن يسار قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫كيف بك إذا أنت مت فانطلق بك قومك فقاسوا لك ثلثة أذرع في ذراع وشبر‪ ،‬ثم‬
‫رجعوا إليك فغسلوك وكفنوك وحنطوك‪ ،‬ثم احتملوك حتى يضعوك فيه ‪ ،‬ثم يهيلوا‬
‫عليك التراب ويدفنوك‪ ،‬فإذا انصرفوا عنك أتاك فتانا القبر منكر ونكير ‪ ،‬أصواتهما‬
‫كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف يجران أشعارهما ويبحثان القبر‬
‫بأنيابهما فتلتلك وترتراك‪ ،‬كيف بك عند ذلك يا عمر؟ فقال عمر‪ :‬ويكون معي‬
‫‪2‬‬
‫عقلي مثل عقلي الن؟ قال "نعم" قال "إذن أكفيكهما "‬
‫الثلثة الخر من أهوال القبور ‪:‬‬

‫متفق عليه ‪ .‬أخرجه البخاري (‪ )1374‬ك الحنائز ‪ ،‬باب ما جاء في عذاب القبر ‪ .‬ـ واللفظ له ـ‬ ‫‪1‬‬

‫ومسلم (‪ )2870‬ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها ‪ ،‬باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات‬
‫عذاب القبر والتعوذ منه ‪.‬‬
‫قال الحافظ العراقي في تخريج الحياء ‪ :‬أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور هكذا مرسل ورجاله ثقات‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقال البيهقي في العتقاد ‪ :‬رويناه من وجه صحيح عن عطاء بن يسار مرسل ‪ .‬قلت ‪ :‬ووصله ابن بطة في‬
‫البانة من حديث ابن عباس ‪ ،‬ورواه البيهقي في العتقاد من حديث عمر وقال ‪ :‬غريب بهذا السناد تفرد به‬
‫مفضل ‪ ،‬ولحمد وابن حبان من حديث عبد ال بن عمر ؛ فقال عمر‪ :‬أيرد إلينا عقولنا؟ فقال "نعم كهيئتكم‬
‫اليوم" فقال عمر‪ :‬بفيه الحجر‪.‬‬

‫‪-46-‬‬
‫‪ -4‬دخول الجليس ‪.‬‬
‫‪ -5‬رؤية مقعده من الجنة أو النار ‪.‬‬
‫‪ -6‬العذاب أو النعيم ‪.‬‬
‫وهذه الثلثة مجتمعة دليلها تفصيلً في الحديث الطويل الذي رواه المام أحمد في‬
‫مسنده وأهل السنن وصححه جماعة من العلماء والشيخ اللباني في أحكام الجنائز‬
‫أنه قال ‪:‬‬ ‫وغيره عن البراء بن عازب‬
‫في جنازة رجل من النصار ‪ ،‬فانهينا إلى القبر ولما‬ ‫" خرجنا مع النبي‬
‫مستقبل القبلة ‪ ،‬وجل سنا حوله ‪ ،‬وكأن على رؤوسنا‬ ‫يُل حد ‪ ،‬فجلس رسول ال‬
‫الط ير ‪ ،‬و فى يده عود ين كت في الرض ‪ ،‬فج عل ين ظر إلى ال سماء ‪ ،‬وين ظر إلى‬
‫الرض ‪ ،‬وج عل ير فع ب صره ويخف ضه ‪ ،‬ثلثا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ا ستعيذوا بال من عذاب‬
‫القبر ‪ ،‬مرت ين ‪ ،‬أو ثلثا ثم قال ‪ :‬الل هم إ ني أعوذ بك من عذاب القبر ثلثا ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪:‬‬
‫إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ‪ ،‬وإقبال من الخرة ‪ ،‬نزل‬
‫إليه ملئكة من السماء ‪ ،‬بيض الوجوه ‪ ،‬كأن وجوههم الشمس ‪ ،‬معهم كفن من‬
‫أكفان الجنة ‪ ،‬وحنوط من حنوط الجنة ‪ ،‬حتى يجلسوا منه مد البصر ‪ ،‬ثم يجئ‬
‫ملك الموت ـ عليه السلم ـ حتى يجلس عند رأسه فيقول ‪ :‬أيتها النفس الطيبة‬
‫(وفى رواية ‪ :‬المطمئنة) ‪ ،‬اخرجي إلى مغفرة من ال ورضوان ‪ ،‬قال ‪ :‬فتخرج‬
‫تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ‪ ،‬فيأخذها ‪( ،‬وفى رواية ‪ :‬حتى إذا‬
‫خرجت روحه صلي عليه كل ملك بين السماء والرض ‪ ،‬وكل ملك في السماء ‪،‬‬
‫وفتحت له أبواب السماء ‪ ،‬ليس من أهل باب إل وهم يدعون ال أن يُعرج‬
‫بروحه من ِقبَلهم) ‪ ،‬فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها‬
‫فيجعلوها في ذلك الكفن ‪ ،‬وفي ذلك الحنوط ‪ ،‬فذلك قوله تعالى ‪ " :‬توفته رسلنا‬
‫وهم ل يفرطون " [ النعام ‪ ، ]61/‬ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على‬
‫وجه الرض ‪ ،‬قال ‪ :‬فيصعدون بها فل يمرون – يعني – بها على مل من‬
‫الملئكة إل قالوا ‪ :‬ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون ‪ :‬فلن ابن فلن – بأحسن‬

‫‪-47-‬‬
‫أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ‪ ،‬حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ‪،‬‬
‫فيستفتحون له ‪ ،‬فيفتح لهم ‪ ،‬فيشيعه من كل سماء مقربوها ‪ ،‬إلى السماء الدنيا‪،‬‬
‫فيستفتحون له فيفتح لهم ‪ ،‬فيشيعه من كل سماء مقربوها ‪ ،‬إلى السماء التي‬
‫تليها ‪ ،‬حتى ينتهي به إلى السماء السابعة ‪ ،‬فيقول ال عز وجل ‪ :‬اكتبوا كتاب‬
‫عبدي في عليين ‪ " ،‬وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون "‬
‫[ المطففين ‪ ]21-19/‬فيكتب كتابه في عليين ‪ ،‬ثم يقال ‪ :‬أعيدوه إلى الرض ‪،‬‬
‫فإني وعدتهم أني منها خلقتهم ‪ ،‬وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فيرد إلى الرض ‪ ،‬وتعاد روحه في جسده ‪ ،‬قال ‪ :‬فإنه يسمع خفق نعال أصحابه‬
‫إذا ولوا عنه مدبرين ‪ ،‬فيأتيه ملكان شديدا النتهار فينتهرانه ‪ ،‬ويجلسانه‬
‫فيقولن له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪ :‬ربي ال ‪ ،‬فيقولن له ‪ :‬ما دينك ؟ فيقول ‪ :‬ديني‬
‫السلم ‪ ،‬فيقولن له ‪ :‬ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول ‪ :‬هو رسول ال‬
‫‪ ،‬فيقولن له ‪ :‬وما علمك ؟ فيقول ‪ :‬قرأت كتاب ال ‪ ،‬فآمنت به ‪ ،‬وصدقت‪.‬‬
‫فينادى مناد في السماء ‪ :‬أن صدق عبدي ‪ ،‬فأفرشوه من الجنة ‪ ،‬وألبسوه من‬
‫الجنة ‪ ،‬وافتحوا له بابا إلى الجنة ‪ ،‬قال ‪ :‬فيأتيه من روحها وطيبها ‪ ،‬ويفسح له‬
‫في قبره مد بصره ‪ ،‬قال ‪ :‬ويأتيه (وفى رواية ‪ :‬يمثل له) رجل حسن الوجه ‪،‬‬
‫حسن الثياب ‪ ،‬طيب الريح ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أبشر بالذي يسرك ‪ ،‬أبشر برضوان من‬
‫ال ‪ ،‬وجنات فيها نعيم مقيم ‪ ،‬هذا يومك الذي كنت توعد ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬وأنت‬
‫فبشرك ال بخير من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالخير ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أنا عملك‬
‫الصالح فوال ما علمتك إل كنت سريعا في طاعة ال ‪ ،‬بطيئا في معصية ال ‪،‬‬
‫فجزاك ال خيرا ‪ ،‬ثم يفتح له باب من الجنة ‪ ،‬وباب من النار ‪ ،‬فيقال ‪ :‬هذا‬
‫منزلك لو عصيت ال ‪ ،‬أبدلك ال به هذا ‪ ،‬فإذا رأى ما في الجنة قال ‪ :‬رب عجل‬
‫قيام الساعة ‪ ،‬كيما أرجع إلى أهلي ومالي ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬اسكن‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وإن العبد الكافر (وفى رواية ‪ :‬الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا‬
‫وإقبال من الخرة ‪ ،‬نزل إليه من السماء ملئكة غلظ شداد ‪ ،‬سود الوجوه معهم‬
‫المسوح من النار ‪ ،‬فيجلسون منه مد البصر ‪ ،‬ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس‬
‫عند رأسه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من ال وغضب ‪،‬‬

‫‪-48-‬‬
‫قال ‪ :‬فتفرق في جسده ‪ ،‬فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف‬
‫المبلول ‪ ،‬فتقطع معها العروق والعصب ‪ ،‬فيلعنه كل ملك بين السماء والرض ‪،‬‬
‫وكل ملك في السماء ‪ ،‬وتعلق أبواب السماء ‪ ،‬ليس من أهل باب إل وهم يدعون‬
‫ال أل تعرج روحه من قبلهم ‪ ،‬فيأخذها ‪ ،‬فإذا أخذها ‪ ،‬لم يدعوها في يده طرفة‬
‫عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ‪ ،‬ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على‬
‫وجه الرض ‪ ،‬فيصعدون بها ‪ ،‬فل يمرون بها على مل من الملئكة إل قالوا ‪:‬‬
‫ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون ‪ :‬فلن ابن فلن – بأقبح أسمائه التي كان‬
‫يسمي بها في الدنيا ‪ ،‬حتى ينتهي به إلى المساء الدنيا فيستفتح له ‪ ،‬فل يفتح‬
‫‪ " :‬ل تفتح لهم أبواب السماء ول يدخلون الجنة ‪،‬‬ ‫له‪ ، ،‬ثم قرأ رسول ال‬
‫حتى يلج الجمل في سم الخياط " [العراف ‪ ]40/‬فيقول ال عز وجل ‪ :‬اكتبوا‬
‫كتابه في سجين ‪ ،‬في الرض السفلى ‪ ( ،‬ثم يقال ‪ :‬أعيدوا عبدي إلى الرض‬
‫فإني وعدتهم أنى منها خلقتهم ‪ ،‬وفيها أعيدهم ‪ ،‬ومنها أخرجهم تارة أخرى) ‪،‬‬
‫فتطرح روحه من السماء طرحا حتى تقع في جسده ثم قرأ ‪ " :‬ومن يشرك بال ‪،‬‬
‫فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق "‬
‫[ الحج‪ ] 31/‬فتعاد روحه في جسده ‪ ،‬قال ‪ :‬فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا‬
‫عنه‪.‬‬
‫ويأتيه ملكان شديدا النتهار ‪ ،‬فينتهرانه ‪ ،‬ويجلسانه ‪ ،‬فيقولن له ‪ :‬من‬
‫ربك ؟ فيقول ‪ :‬هَاه هَاه ل أدري ‪ ،‬فيقولن له ‪ :‬ما دينك ؟ فيقول ‪ :‬هاهٍ هاهٍ ل‬
‫أدري ‪ ،‬فيقولن ‪ :‬فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فل يهتدي لسمه ‪،‬‬
‫فيقال ‪ :‬محمدُ ! فيقول ‪ :‬هاهٍ هاهٍ ل أدري سمعت الناس يقولون ذاك ! قال ‪:‬‬
‫فيقال ‪ :‬ل دريت ‪ ،‬ول تلوت ‪ ،‬فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي ‪ ،‬فأفرشوه‬
‫من النار ‪ ،‬وافتحوا له بابا إلى النار ‪ ،‬فيأتيه من حرها وسمومها ‪ ،‬ويضيق عليه‬
‫قبره حتى تختلف أضلعه ‪ ،‬ويأتيه (وفى رواية ‪ :‬ويمثل له) رجل قبيح الوجه ‪،‬‬
‫قبيح الثياب ‪ ،‬منتن الريح ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أبشر بالذي يسوؤك ‪ ،‬هذا يومك الذي كنت‬
‫توعد ‪ ،‬فيقول ‪ :‬وأنت فبشرك ال بالشر من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر !‬
‫فيقول ‪ :‬أنا عملك الخبيث ‪ ،‬فوال ما علمت إل كنت بطيئا عن طاعة ال ‪ ،‬سريعا‬

‫‪-49-‬‬
‫إلى معصية ال ‪ ،‬فجزاك ال شرا ‪ ،‬ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة‬
‫لو ضُرب بها جبل كان ترابا فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابا ‪ ،‬ثم يعيده ال‬
‫كما كان ‪ ،‬فيضربه ضربة أخرى ‪ ،‬فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إل الثقلين ‪،‬‬
‫ثم يفتح له باب من النار ‪ ،‬ويُمهد من فُرش النار ‪ ،‬فيقول ‪ :‬رب ل تقم الساعة‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أخرجه أبو داود (‪ )4753‬والحاكم (‪ )40-1/37‬والطيالسي (‪ )753‬وأحمد ( ‪ 4/287‬و ‪ 288‬و ‪ 295‬و‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )296‬ـ والسياق له ـ والجري في (الشريعة) (‪.)370-367‬‬


‫وقال الحاكم "صحيح على شرط الشيخين"‪ .‬وأقره الذهبي ‪ ،‬وهو كما قال ‪ ،‬وصححه ابن القيم في‬
‫(إعلم الموقعين) (‪ )1/214‬و(تهذيب السنن) (‪ ، )4/337‬ونقل فيه تصحيحه عن أبي نُعيم وغيره ‪ ،‬وصححه‬
‫الشيخ اللباني في أحكام الجنائز (‪ )202 : 200‬وصحيح الجامع (‪. )1676‬‬

‫‪-50-‬‬
‫كيف تنجو من عذاب القبر؟‬
‫أخرج ابن حبان في صحيحه ـ والسياق له ـ والحاكم في المستدرك‬
‫" إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع‬ ‫عن أبى هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫خ فق نعال هم ح ين يولون ع نه ‪ ،‬فإن كان مؤم نا كا نت ال صلة ع ند رأ سه وكان‬
‫ال صيام عن يمي نه ‪ ،‬وكا نت الزكاة عن شماله ‪ ،‬وكان ف عل الخيرات من ال صدقة‬
‫والصـلة والمعروف والحسـان إلى الناس عنـد رجليـه ‪ ،‬فيؤتـى مـن قبـل رأسـه‬
‫فتقول الصلة ‪ :‬ما قبلي مدخل ‪ ،‬ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل‬
‫‪ ،‬ثم يؤ تى عن ي ساره فتقول الزكاة ‪ :‬ما قبلي مد خل ‪ ،‬ثم يؤ تي من ق بل رجل يه‬
‫فتقول ف عل الخيرات من ال صدقة وال صلة والمعروف والح سان إلى الناس ‪ :‬ما‬
‫قبلي مد خل ‪ .‬فيقال له ‪ :‬اجلس فيجلس و قد مثلت له الشمس و قد أدنيت للغروب‬
‫‪ .‬فيقال له ‪ :‬أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد به عليه‬
‫فيقول ‪ :‬دعوني حتى أصلي ‪ .‬فيقولون ‪ :‬إنك ستفعل أخبرني‬ ‫؟‬
‫ع ما ن سألك ع نه أرأي تك هذا الر جل الذي كان في كم ما تقول ف يه ؟ وماذا تش هد‬
‫عليه ؟ قال ‪ :‬فيقول ‪ :‬محمد أشهد أنه رسول ال وأنه جاء بالحق من عند ال ‪.‬‬
‫فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء ال ‪.‬‬
‫ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له ‪ :‬هذا مقعدك منها وما أعد ال‬
‫لك في ها فيزداد غب طة و سرورا ‪ ،‬ثم يف تح له باب من أبواب النار فيقال له ‪ :‬هذا‬
‫مقعدك منها وما أعد ال لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا ‪ ،‬ثم يفسح له‬
‫في قبره سبعون ذراعا ‪ ،‬وينور له فيه ويعاد الجسد لما بدأ منه ‪ ،‬فتجعل نسمته‬
‫في الن سم الط يب و هي طير يعلق في ش جر الجنة قال فذلك قوله تعالى ‪ " :‬يثبت‬
‫ال الذ ين آمنوا بالقول الثا بت في الحياة الدن يا و في الخرة وي ضل ال الظالم ين‬
‫]‬ ‫‪27‬‬ ‫ويفعل ال ما يشاء " [ إبراهيم‪/‬‬
‫قال ‪ :‬وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه لم يوجد شيء ‪ ،‬ثم أتي عن يمينه‬
‫فل يوجد شيء ‪ ،‬ثم أتي عن شماله فل يوجد شيء ‪ ،‬ثم أتي من قبل رجليه فل‬
‫يوجـد شيـء ‪ ،‬فيقال له‪ :‬اجلس فيجلس خائفـا مرعوبـا ‪ .‬فيقال له ‪ :‬أرأيتـك هذا‬

‫‪-51-‬‬
‫الرجـل الذي كان فيكـم ماذا تقول فيـه ؟ وماذا تشهـد بـه عليـه ؟ فيقول ‪ :‬أي‬
‫ر جل !! فيقال ‪ :‬الذي كان في كم فل يهتدي ل سمه ح تى يقال له ‪ :‬مح مد ‪ .‬فيقول‬
‫مـا أدري سـمعت الناس قالوا قول فقلت كمـا قال الناس ‪ .‬فيقال له ‪ :‬على ذلك‬
‫حي يت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تب عث إن شاء ال ‪ .‬ثم يف تح له باب من أبواب‬
‫النار فيقال له هذا مقعدك من النار و ما أ عد ال لك في ها فيزداد ح سرة وثبورا ‪،‬‬
‫ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له ‪ :‬ذلك مقعدك من الجنة ‪ ،‬وما أعد ال‬
‫لك ف يه لو أطع ته فيزداد ح سرة وثبورا ‪ ،‬ثم يضيق عل يه قبره ح تى تختلف ف يه‬
‫أضل عه فتلك المعي شة الضن كة التي قال ال " فإن له معي شة ضن كا ونحشره يوم‬
‫‪1‬‬
‫القيامة أعمى " [طه‪]124/‬‬
‫كان أبو ذر الغفاري ـ رضي ال عنه ـ يقول ‪ :‬يا أيها الناس إني عليكم‬
‫نا صح ‪ ،‬إ ني علي كم شف يق ‪ ،‬صلوا في ظل مة الل يل لوح شة القبور‪ ،‬و صوموا في‬
‫الدنيا لحر يوم النشور ‪،‬وتصدقوا مخافة يوم عسير ‪ ،‬يا أيها الناس إني لكم ناصح‬
‫‪2‬‬
‫إني عليكم شفيق ‪.‬‬

‫أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪ )7/380‬برقم (‪ )3113‬وقال الشيخ شعيب الرنؤوط ‪ :‬إسناده حسن من أجل‬ ‫‪1‬‬

‫محمد بن عمرو ‪ ،‬والحاكم في المستدرك (‪ )1/535‬برقم (‪. )1403‬‬


‫تاريخ دمشق (‪. )66/214‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-52-‬‬
‫س و ج في عذاب القبر‬
‫س ‪ : 1‬هل النفس هي الروح أم هما متمايزان ؟‬
‫ج ‪ : 1‬الن فس تطلق على أمور وكذلك الروح فيت حد مدلوله ما تارة ‪ ،‬ويختلف‬
‫تارة ‪ ،‬فالنفـس تطلق على الروح ‪ ،‬ولكـن غالب مـا يسـمى نفسـا إذا كانـت‬
‫مت صلة بالبدن ‪،‬وأ ما إذا أخذت مجردة فت سمية الروح ل ها أغلب ويطلق على‬
‫الدم وعلى الذات وعلى العين‪.‬‬
‫والروح تطلق على القرآن ‪ ،‬وعلى جبر يل ـ عل يه ال سلم ـ وعلى الهواء‬
‫المتردد في بدن النسان ‪.‬‬
‫س ‪ : 2‬هل تموت الروح ؟‬
‫ج ‪ : 2‬قالت طائ فة ‪ :‬تموت لن ها ن فس ‪ ،‬و كل ن فس ذائ قة الموت ‪ ،‬و قد قال تعالى‬
‫" كـل مـن عليهـا فان " [الرحمـن‪ ، ]26/‬وإذا كانـت الملئكـة تموت فالنفوس‬
‫البشريــة أولى بالموت ‪ .‬وقيــل ‪ :‬تصــعق عنــد نفخــة الصــور ‪.‬‬
‫قال أبو العز الحنفي شارح الطحاوية ‪ :‬والصواب أن يقال ‪ :‬موت النفوس هو‬
‫مفارقتهـا لجسـادها ‪ ،‬وخروجهـا منـه فإن أريـد بموتهـا هذا القدر فهـى ذائقـة‬
‫الموت ‪ ،‬وإن أر يد أن ها تعدم وتف نى بالكل ية ف هى ل تموت بهذا العتبار ‪ ،‬بل‬
‫هي باق ية ب عد خلق ها في نع يم أو في عذاب و قد قال تعالى " ل يذوقون في ها‬
‫الموت إل الموتـة الولى " [ الدخان ‪ ] 56/‬وتلك الموتـة هـي مفارقـة الروح‬
‫للجسد‪.‬‬
‫س ‪ : 3‬هل يدوم عذاب القبر أو ينقطع ؟‬
‫ج ‪ : 3‬هو نوعان ‪ :‬م نه ما هو دائم ك ما قال تعالى " النار يعرضون علي ها غدوا‬
‫وعشيا " [ غافر‪.] 46/‬‬
‫والنوع الثا ني ‪ :‬أ نه مدة ثم ينق طع ‪ ،‬و هو عذاب ب عض الع صاة الذ ين خ فت‬
‫جرائمهم فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه وهو في الممحصات‪.‬‬

‫‪-53-‬‬
‫س ‪ : 4‬أين مستقر الرواح ما بين الموت إلى قيام الساعة ؟‬
‫ج ‪ : 4‬يتلخص من أدلة الشرع أن الرواح في البرزخ متفاوتة أعظم تفاوت ‪.‬‬
‫‪-1‬فمن ها أرواح في أعلى عليين في المل العلى و هي أرواح النبياء‬
‫وهم أيضا متفاوتون في منازلهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومنها في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ‪ ،‬وهي‬
‫أرواح بعض الشهداء ‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنهـا فـي أسـفل سـافلين وهـي أرواح الكفار والمجرميـن " إن‬
‫الذيـن كذبوا بآياتنـا واسـتكبروا عنهـا ل تفتـح لهـم أبواب السـماء‬
‫" [العراف‪. ]40/‬‬
‫س ‪ : 5‬هل يعلم الميت بزيارة الحياء وسلمهم ؟‬
‫ج ‪ : 5‬خلصة البحث والتحقيق في هذه المسألة أن الموتى ل يسمعون ‪ ،‬وأن هذا‬
‫هو ال صل فإذا ث بت أن هم ي سمعون في ب عض الحوال ك ما في حد يث خ فق‬
‫النعال عن أنس وحديث قليب بدر ‪ ،‬فل ينبغي أن نجعل ذلك أصلً بل يقتصر‬
‫على القول بسـماع مـا ورد الثـر بسـماعه ‪ ،‬وهذا مذهـب طوائف مـن أهـل‬
‫العلم كما قال الحافظ بن رجب ‪.‬‬
‫وما أحسن ما قال ابن التين ‪ :‬إن الموتى ل يسمعون بل شك ‪ ،‬لكن إذا أراد‬
‫ال إسـماع مـا ليـس مـن شأنـه السـماع لم يمتنـع كقوله تعالى " فقال لهـا‬
‫وللرض أئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " [ فصلت‪. ] 11/‬‬
‫س ‪ : 6‬هل سؤال القبر خاص بهذه المة أو ل ؟‬
‫ج ‪ : 6‬بل هو عام للفاظ الحديث ففيها الكافر والفاجر والمشرك والمنافق‪.‬‬
‫س ‪ : 7‬من هم الذين يعفون من سؤال القبر ؟‬
‫ج ‪ -1 : 7‬الشهداء‬

‫أن رجل قال ‪ :‬يا رسول ال‬ ‫عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي‬
‫ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إل الشهيد قال ‪:‬‬

‫‪-54-‬‬
‫‪1‬‬
‫" كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة "‬
‫‪ -2‬المرابط في سبيل ال‬

‫يقول ‪ " :‬رباط يوم وليلة خ ير‬ ‫عن سلمان قال ‪ :‬سمعت ر سول ال‬
‫مـن صـيام شهـر وقيامـه وإن مات جرى عليـه عمله الذي كان يعمله‬
‫‪2‬‬
‫وأجري عليه رزقه وأمن الفتان "‬
‫‪-3‬الموت بداء البطن ‪:‬‬
‫عن أ بي ا سحق ال سبيعي قال ‪ :‬قال سليمان بن صرد لخالد بن عرف طة أو‬
‫يقول ‪ " :‬من قتله بط نه لم يعذب‬ ‫خالد ل سليمان ‪ :‬أ ما سمعت ر سول ال‬
‫‪3‬‬
‫في قبره " فقال أحدهما لصاحبه ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫‪ -4‬قراءة سورة تبارك ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫" سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر "‬ ‫قال‬
‫‪ -5‬الموت يوم الجمعة أو ليلتها ‪:‬‬

‫أخرجه النسائي (‪ )2053‬ك الجنائز ‪ ،‬باب الشهيد ‪ .‬وصححه الشيخ اللباني ـ رحمه ال ـ في صحيح‬ ‫‪1‬‬

‫الجامع (‪. )4483‬‬


‫أخرجه مسلم (‪ )1913‬ك المارة ‪ ،‬باب فضل الرباط في سبيل ال ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه الترمذي (‪ )1064‬ك الجنائز عن رسول ال ‪ ،‬باب ما جاء في الشهداء من هم ‪ .‬وقال ‪ :‬حسن‬ ‫‪3‬‬

‫غريب ‪ ،‬ـ واللفظ له ـ والنسائي (‪ )2052‬ك الجنائز ‪ ،‬باب من قتله بطنه ‪ ،‬والمام أحمد في مسنده (‬
‫‪ ،)5/292(، )4/262‬وابن حبان في صحيحه (‪ )7/195‬برقم (‪ )2933‬بسند صحيح كما قال الشيخ شعيب‬
‫الرنؤوط ‪ ،‬والطبراني في الكبير ( ‪ ) 190- 189 / 4‬بأرقام ( ‪ )7/98( ، ) 4109 ، 4102 ، 4101‬برقم (‬
‫‪ ، )6486‬وفي الصغير (‪ )1/188‬برقم (‪ )298‬وصححه الشيخ اللباني ـ رحمه ال ـ في صحيح الجامع (‬
‫‪. )6461‬‬
‫أخرجه أبو الشيخ في " طبقات الصبهانيين " (‪ )264‬من حديث ابن مسعود والحاكم في المستدرك (‪)2/498‬‬ ‫‪4‬‬

‫موقوفا لكنه في حكم الرفع وقال ‪ :‬صحيح السناد ووافقه الذهبي ‪ ،‬وله شاهد من حديث ابن عباس عند‬
‫الترمذي (‪ )2890‬وقال ‪ :‬حسن غريب ‪ .‬وابن نصر (‪ )66‬وأبو نعيم في " الحلية " (‪)3/81‬‬
‫والحديث صححه الشيخ اللباني في الصحيحة (‪ )1140‬وصحيح الجامع (‪. )3643‬‬

‫‪-55-‬‬
‫‪ " :‬مـا مـن مسـلم يموت يوم الجمعـة أو ليلة الجمعـة إل وقاه ال‬ ‫قال‬
‫‪5‬‬
‫تعالى فتنة القبر " ‪.‬‬

‫صرخة قبل فوات الزمان‬


‫إخوتاه‬
‫يا من يدعى إلى نجاته فل يجيب ‪ ،‬يا من قد رضى أن يخسر ويخيب ‪ ،‬إن‬
‫أمرك طريف وحالك عجيب ‪ ،‬اذكر في زمان راحتك ساعة الوجيب ‪ ،‬واستمع يوم‬
‫ينادى المنادى من مكان قريب ‪.‬‬
‫ويحـك إن الحـق حاضـر مـا يغيـب ‪ ،‬تحصـى عليـك أعمال الطلوع وأفعال‬
‫المغيب‪ ،‬ضاعت الرياضة في غير نجيب ‪ ،‬سيماك تدل وما يخفي المريب ‪ ،‬اسمع‬
‫ل بد لغربان الفراق من نعيب ‪.‬‬
‫أنسـاكن الغفلة ولغيرنـا نعيـب ‪ ،‬يـا مـن سلعه كل ها معيـب ‪ ،‬اذكـر يوم الفزع‬
‫والتأنيب‪ " .‬واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب " ‪.‬‬
‫ل بد وال من فراق الع يش الرط يب ‪ ،‬والتحاف البلي مكان الط يب ‪ ،‬واعجبا‬
‫للذّات ب عد هذا ك يف تط يب ‪ ،‬وي حك أح ضر قل بك لو عظ الخط يب ‪ " ،‬وا ستمع يوم‬
‫ينادي المنادي من مكان قريب " ‪.‬‬
‫تذكـر مـن قـد أصـيب كيـف نزل بهـم يوم عصـيب ‪ ،‬وانتبـه لحـظ الحـظ‬
‫والنصـيب‪ ،‬واحترز فعليـك شهيـد ورقيـب ‪ ،‬إذا حـل الموت حـل التركيـب ‪ ،‬وتقلب‬
‫مقل القلوب في قلب التقليب ‪.‬‬

‫أخرجه الترمذي (‪ )1074‬ك الجنائز عن رسول ال ‪ ،‬باب ما جاء فيمن مات يوم الجمعة ‪ .‬وقال ‪ :‬حديث‬ ‫‪5‬‬

‫غريب ‪.‬‬
‫والمام أحمد في مسنده ( ‪ ، ) 176 ، 2/169‬وأبو يعلى في مسنده (‪ )7/146‬برقم (‪ ، )4113‬وعبد بن حميد في‬
‫مسنده ص ‪ 132‬برقم (‪. )323‬‬
‫والحديث صححه الشيخ اللباني ـ رحمه ال ـ في صحيح الجامع (‪. )5773‬‬

‫‪-56-‬‬
‫ستخرج وال من هذا الوادي الرحيب ‪ ،‬ول ينفعك البكاء والنحيب ‪ ،‬ل بد من‬
‫يوم يتحير فيه الشبان والشيب ‪ ،‬ويذهل فيه الطفل للهول ويشيب ‪ ،‬يا من عمله‬
‫كله رديء فليته قد شيب ‪ " ،‬واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب "‪.‬‬
‫ك يف بك إذا أحضرت في حال كئ يب ‪ ،‬وعل يك ذنوب أك ثر من ر مل كث يب ‪،‬‬
‫والمهي من الطالب والعظ يم الح سيب ‪ ،‬فحينئ ٍذ يبت عد ع نك ال هل والن سيب ‪ ،‬النوح‬
‫أولي بك يا مغرور من الت شبيب ‪ ،‬أتؤ من أم عندك تكذ يب ‪ ،‬أم تراك ت صبر على‬
‫التعذ يب ‪ ،‬كأ نك بد مع الع ين ومائ ها قد أذ يب ‪ ،‬اق بل ن صحي واق بل على الترب ية‬
‫والتهذيب ‪ " ،‬واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب "‪.‬‬
‫يا مطالبا بأعماله ‪ ،‬يا مسئولً عن أفعاله ‪ ،‬يا مكتوبا عليه جميع أٌقواله ‪ ،‬يا‬
‫مناقشا على كل أحواله ‪ ،‬نسيانك لهذا أمر عجيب ‪ ،‬أتسكن إلى العافية ‪ ،‬وتساكن‬
‫العيشة الصافية ‪ ،‬وتظن أيمان الغرور واقية ‪ ،‬ل بد من سهم مصيب ‪ " ،‬واستمع‬
‫يوم ينادي المنادي من مكان قريب " ‪.‬‬
‫لو أح سنت الخلص أح سنت ‪ ،‬لو آم نت بالعرض لتجملت وتزي نت ‪ ،‬يا من قد‬
‫أنعج مت عل يه المور لو سألت ل تبينت ‪ ،‬وي حك أح ضر قل بك إن ما أ نت في الدن يا‬
‫غريب ‪ " ،‬واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب "‪.‬‬
‫إلى متى أنت مع أغراضك ‪ ،‬متي ينقضي زمان إعراضك ‪ ،‬يا زمن البلى متى‬
‫زمن إنهاضك ‪ ،‬تال لقد كع من أمراضك الطبيب ‪ " ،‬واستمع يوم ينادي المنادي‬
‫من مكان قريب "‪.‬‬
‫يا من عمله بالنفاق مغشوش ‪ ،‬تتزين للناس كما يزين المنقوش ‪ ،‬إنما ينظر‬
‫إلى الباطـن ل إلى النقوش ‪ ،‬إذا هممـت بالمعاصـي فاذكـر يوم النعوش ‪ ،‬وكيـف‬
‫تحمل إلى قبر بالجندل مفروش ‪ ،‬من لك إذا جمع النس والجن والوحوش ‪ ،‬وقام‬
‫العاصي من قبره حيران مدهوش ‪ ،‬وجيء بالجبار العظيم وهو مغلول مخشوش‪،‬‬
‫فحينئ ٍذ يتضاءل المتكبر وتذل الرؤوس ‪ ،‬ويومئذ يبصر الكمه ويسمع الطروش‪،‬‬
‫وينصـب الصـراط فكـم واقـع وكـم مخدوش ‪ ،‬ليـس بجادة يقطعهـا قصـل ول‬
‫مرعوش ‪ ،‬ول تقبـل فـي ذلك اليوم فديـة ول تؤخـذ الروش ‪ ،‬والمتعوس حينئذٍ‬

‫‪-57-‬‬
‫ل يس بمنعوش ‪ ،‬وينقلب أ هل النار في القذار والر يح كالخشوش ‪ ،‬لحاف هم ج مر‬
‫وكذلك الفروش ‪ " ،‬وتكون الجبال كالعهن المنفوش " ‪.‬‬
‫يا من أركان إخلصه واهية ‪ ،‬أما لك من عقلك ناهية ‪ ،‬إلى متى نفسك ساهية ‪،‬‬
‫معج بة بالدن يا زاه ية ‪ ،‬مفاخرة للخوان مضاه ية ‪ ،‬النار ب ين يد يك وتك في داه ية‬
‫" وما أدراك ما هيه نار حامية " ‪.‬‬
‫تقوم من قبرك ضع يف الجأش ‪ ،‬و قد جأر قل بك في بد نك وجاش ‪ ،‬ووا بل الد مع‬
‫يسبق الرشاش ‪ ،‬أتدري ما يلقي العطاش الظامئة " نار حامية " ‪.‬‬
‫أين من عتا وتجبر ‪ ،‬أين من عل وتكبر ‪ ،‬أين من للدول بالظلم دبر ‪ ،‬ماذا أعد‬
‫للحضرة السامية ‪ " ،‬نار حامية " ‪.‬‬
‫لو رأ يت العا صي و قد ش قي ‪ ،‬ي صيح في المو قف واقل قي ‪ ،‬اش تد عط شه و ما‬
‫سقي‪ ،‬وشرر النار إليه يرتقي ‪ ،‬فمن يتقي تلك الرامية ‪ " ،‬نار حامية " ‪.‬‬
‫لو رأيتـه يقاسـي حرهـا ويعانـي ضرهـا ‪ ،‬جحيمهـا وقرهـا ‪ ،‬وال ل يدفـع اليوم‬
‫شرها ‪ ،‬إل عين هامية " نار حامية " ‪.‬‬
‫ي فر الولد من أب يه ‪ ،‬والخ من أخ يه ‪ ،‬و كل قر يب من ذو يه ‪ ،‬أ سمعت يا من‬
‫معاصيه نامية ‪ " ،‬نار حامية " ‪.‬‬
‫لهذا كان المتقون يقلقون ويخافون رب هم ويشفقون ‪ ،‬و كم جرت من عيون القوم‬
‫عيون ‪ ،‬كانت جفونهم دائمة دامية ‪ ،‬من خوفهم من " نار حامية " ‪.‬‬
‫أجار نا ال بكر مه من ها ‪ ،‬ووفق نا ل ما ين جي عن ها ‪ ،‬وجعل نا بفضله م من قام ب ما‬
‫يؤمر واجتنب ما عنه ينهى ‪ ،‬فكم له من نعم سامية " نار حامية " ‪.‬‬
‫نُراعُ لذكرِ الموتِ ساعةَ ذكرهِ‬
‫وتعترضُ الدنيا فنلهو ونلعب‬
‫يسعى الفتى وخيولُ الموتُ تطل ُبهُ‬
‫وإِن نوى وقفةً فالموتُ ما يقف‬
‫نحن بنو الموتى فما بالنُا‬

‫‪-58-‬‬
‫شرْبهِ‬
‫نعافُ ما ل بُدّ من ُ‬

‫وكتبه حامدا ومصليا‬


‫محمد بن حسين يعقوب‬
‫(غفر ال له ولهله ولكل من ساعد في نشر هذا الكتاب )‬

‫تنبيه هام ‪ :‬هذه الطبعة ليست الطبعة النهائية ‪ ،‬لذا فإنها ربما تحتاج إلى‬
‫بعض الزيادات والتنقيحات !‬

‫‪-59-‬‬

You might also like