Professional Documents
Culture Documents
إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا ،ومن
سيئات أعمالنا ،من يهده ال فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن ل
إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ،كما صليت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد ،اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ،كما باركت
على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
ـ أما بعد ـ
إخوتاه ..
-1-
صفَرّ ِمنْهَا النامل
دُ َويْ ِهيَةٌ َت ْ وكلّ أناسٍ سَوْفَ َتدْخُلُ َب ْينَهُم
فيا أخا الموت ..مالك أتعبت نفسك في كسب الحطام الفاني ولن يبقى لك .
يا أخا الموت ..سيسلبك الموت أثوابك ويمنعك مما تشتهي ،فمالك أفنيت بدنك
من أجل متاع قليل .
يا أخا الموت ..
قال ال " :قُل لّن يَنفَ َع ُكمُ ا ْلفِرَارُ إِن َفرَ ْرتُم مّنَ الْمَ ْوتِ أَوِ ا ْل َقتْلِ َوِإذًا لّا
تُ َم ّتعُونَ إِلّا قَلِيلًا " [ الحزاب]16/
فهل لك من الموت من راق ،فمالك أتراك تفر منه أم أنه سيولى عنك ،أما
رأيته ل يعرف صغيرا من كبير ،ول غنيًا من فقير ،ول قويًا من ضعيف ،ول
عزيزًا من ذليل .
كانت على رأسهِ الراياتُ تخفق كم من عزيزٍ أذل الموتُ مصرعه
يا أخا الموت ..
-2-
فكيف يفرّ المرءُ منه ويحذرُ؟ إِذا كـان أمرُ اللّـهِ أمـرا يقـدّرُ
وضربتُهُ محتومةٌ ليس تعثرُ ومن ذا يردّ الموتَ أو يدفع القضا
يا أخا الموت
جعُونِ َلعَلّي أَعْمَلُ
حدَ ُهمُ ا ْلمَ ْوتُ قَالَ َربّ ارْ ِ
حتّى ِإذَا جَاء أَ َ
قال ال تعالى َ " :
صَالِحًا فِيمَا تَ َر ْكتُ كَلّا ِإنّهَا كَِلمَةٌ ُهوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَا ِئهِم َبرْ َزخٌ إِلَى يَ ْومِ
" [المؤمنون. ]100-99/ ُي ْبعَثُون
قف معي نتأمل هذا المشهد العظيم ،هذه اللحظة الرهيبة ،قف واسأل نفسك إلى
أين … ؟ وحتى متى …؟ قل لها :أما رأيتِ من بغتهم الموت كانوا مثلك ل
يعتقدون أن قد آن أوانه ،فما لبثوا أن جاءهم فبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون ،
فتوبي قبل أن تقولي هل إلى مرد من سبيل فيقال :كل ،قل لها :
واعصِ الهوى فالهوى مازال َفتّانـا يا نفسُ توبي فإِن الموتَ قد حانا
ننسـى بمصرعهِ آثـارَ َموْتـانـا ت نشيـعهُ
في كل يـوم لنا َميْـ ٌ
خَلْفي وأخرجُ من دنـيايَ عريانـا يا نفسُ مالي وللموالِ أكنزُهـا؟
ننسى بغفلِتنا من ليس َينْسـانـا ما بالُنا نتعامى عن مَصارِعنا؟
قل لها :
قـبلَ النـزولِ بأفضلِ العددِ الموتُ ضيـفٌ فاستعـدَ لهُ
دارِ المقامـةِ آخـرَ المـدِ واعملْ لـدارٍ أنتَ جاعلَها
فتأهبي من قبـل أن تـردي يا نفسُ موردُكِ الصراطُ غدا
أخا الموت
هذه الدنيا كل ذي نعمة مخلوسها ،وكل ذي أمل مكذوب ،وكل ذي مال موروثها
وكل سلب مسلوب ،وكل ذي غيبة يؤوب لكن غائب الموت ل يؤوب .
حتْف .
فما بالنا سكارى كأن الموتَ يأخذُ غيرنا فداءً لنا كيل َي ُمرّ بنا َ
أخا الموت
-3-
تعال بنا نقلب صفحة من صفحات هذا الغيب المهيب ،تعال لنداوي قسوة
قلوبنا ،بنا نؤمن ساعة قبل قيام الساعة ،بنا نجتاز العسرة قبل يوم الحسرة ،
بنا نذكر الموت قبل الفوت .
" : لذلك فعن َأبِي ُه َر ْيرَةَ قَالَ :قَالَ َرسُولُ الّلهِ وقد حثنا رسول ال
َأ ْكثِرُوا ِذكْرَ هَا ِذمِ الّلذّاتِ ـ َي ْعنِي ا ْلمَوْت ـ " .
1
أخرجه الترمذي ( )2307كتاب الزهد عن رسول ال ،باب ما جاء في ذكر الموت .وقال :حسن صحيح 1
-4-
أنحن مؤمنون باليوم الخر؟
أخي في ال
تساءل معي أنحن مؤمنون حقا ؟ أمثلنا يؤمن بال واليوم الخر ؟ هل نعلم حقا
أن الموت آتينا ل محالة ثم نبعث من قبورنا إلى يوم الحساب ؟
أخي في ال
المؤمنون تصدق أفعالهم أقوالهم ،فاليمان ليس لعبة يتلهى بها صاحبها ثم
يدعها ويمضي .
قال الحسن البصري :ليس اليمان بالتمني ول بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب
وصدقته العمال .
فاليمان إنما هو تكيف في النفس ،وانطباع في القلب ،وعمل في الواقع ،ثم ل
تملك النفس الرجوع عنه حتى تستقر حقيقته في الضمير.
وقال الحسن أيضا :هيهات هيهات أهلك الناس المانيّ :قول بل عمل ،ومعرفة
بغير صبر ،وإيمان بل يقين ،مالي أرى رجالً ول أرى عقولً ،وأسمع حسيسا
ول أرى أنيسا ،دخل ـ وال ـ القوم ثم خرجوا ،وعرفوا ثم أنكروا ،وحرموا
ثم استحلوا ،إنما دين أحدهم لعقة على لسانه ،إذا سئل :أمؤمن أنت بيوم
الحساب ؟ قال :نعم .وكذب ومالك يوم الدين .
إخوتاه
هذه أخلق المؤمنين :قوة في دين ،وإيمانا في يقين ،وعلما في حلم ،وحلما
بعلم ،وكيسا في رفق ،وتجملً في فاقة ،وقصدا في غنى ،وشفقة في نفقة ،
ورحمة لمجهود وعطاء في الحقوق ،وإنصافا في الستقامة ،ل يحيف على من
يبغض ،ول يأثم في مساعدة من يحب ،ل يلمز ول يغمز ،ول يلغو ول يلهو،
ول يل عب ول يم شي ب ين الناس بالنمي مة ،ول يت بع ما ل يس له ،ول يج حد ال حق
الذي عليه .
سبحان ال هذه أخلق المؤمنين فأين هم ؟!! وهل أنت منهم ؟!!
-5-
" 8/ " [ التحريم شيْءٍ َقدِيرٌ
غ ِفرْ َلنَا ِإنّكَ عَلَى كُ ّل َ
] َر ّبنَا َأتْ ِممْ َلنَا نُو َرنَا وَا ْ
أخي في ال ..
إنّ الموت حقيقة ل يكابر فيها مكابر ،ول يجادل فيها ذو عقل ؛ لنّ الموت
مشاهد مكرور ،ولكن الناس غافلون أو متغافلون عنها ،ومع ذلك فكل حي
سبيله الموت والرحيل من هذه الحياة ،تاركا ما خوله ال خلف ظهره من أهل
ومال ونعيم ،بل إن أهله الذين هم أهله هم الذين سيوارونه التراب بعد أن
خمدت فيه الحياة.
أحبتي في ال …
إنّ للعمر أيامه ،وللحياة نهايتها ،ول ندري متى تنقضي أيام العمر ومتى تبلغ
الحياة نهايتها ،ولكن كلنا يدري أن ذلك لن يطول.
ن سَاعَةً َولَ
ستَأْخِرُو َ
قال ال " :وَ ِلكُلّ أُمّةٍ أَجَلٌ فَ ِإذَا جَاء أَجَلُ ُهمْ لَ َي ْ
َيسْ َت ْقدِمُون " [العراف ]34/فكيف بك إذا بلغت من الحياة النهاية ،وانتقلت منها
إلى حياتك الخرى ؟ أتراك ستنتقل من هذه الحياة إلى حياة أفضل منها أم إلى
حياة أشقى وأتعس ؟!!
أحبتي في ال ….
نحن قوم مسافرون ،والطريق طويلة ،والعقبات كثر فتزود لخرتك من دنياك ،
ول يلهينكم عن غايتكم فتات الطريق ،وبريق الشهوات وبهرج المال ،وحلوة
خيْرٌ لّمَنِ ا ّتقَى َولَ
العيش فإن ذلك لن يدوم " قُلْ َمتَاعُ ال ّد ْنيَا قَلِيلٌ وَالخِ َرةُ َ
شيّ َدةٍ "
تُظْلَمُونَ َفتِيلً َأ ْينَمَا َتكُونُواْ ُيدْرِك ّكمُ الْ َم ْوتُ وَلَ ْو كُن ُتمْ فِي بُرُوجٍ ّم َ
[ النساء] 78/
-6-
أخي في ال …
دعنا نفسح للحق في نفوسنا سبيلً ،دعنا نعرف حقيقة الحياة ،تال إن الحياة
التي تخلو من السير على المنهج اللهي… إن الحياة التي ل تتصل بالحي الذي
ل يموت …إن الحياة التي تنخلع من ظل شريعة ال …إنها لحياة تافهة شائهة ،
عذابٌ ..يعيش صاحبها يقاسي في نفسه لوعه ،وفي روحه جوعه ؛ لنه
يعيش دون أن يشعر بوجوده الحق ،ودون أن يعرف سبيله فاعرف ربك تعرف
نفسك ،وتعرف سعادتك ،وتُهدى لغايتك ،ودون ذلك حياتك سراب يلمع في وهج
الشمس في حر الهاجرة ،يخيل إليك أنه شئ يُغنى ويقني ،ولكنه ل شئ إنه
سراب .
حتّى ِإذَا جَاءهُ َلمْ
سبُهُ الظّمْآنُ مَاء َ
ح َ
ن َكفَرُوا أَعْمَاُل ُهمْ َكسَرَابٍ ِبقِيعَةٍ يَ ْ
" وَاّلذِي َ
] النور39/ "[ حسَابِ
حسَابَهُ وَاللّ ُه سَرِيعُ الْ ِ
جدَ اللّهَ عِن َدهُ فَوَفّاهُ ِ
ش ْيئًا وَوَ َ
ج ْدهُ َ
يَ ِ
أخي في ال …
ل ألفينك وقد انقضت حياتك وحان حينك ،وولت عنك الدنيا مدبرة ،ونظرت إلى
ماضي أيامك فإذا بك تشاهد ماضيا أليما ،وأياما سوداء قاتمة قضيتها في
عصيان رب العالمين ،وقد خدعك في الحياة مظهرها وزخرفها فغابت عنك
حقيقتها وغايتها ،فعند ذلك تقوم باكيا حين تبلغ الروح الحلقوم والناس إليك
ينظرون :رب امهلون وإلى الدنيا ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ،فيقال
لك :ل ،لقد انتهت الحياة ومضت فترة الختبار .
عتَرَ ْفنَا ِب ُذنُو ِبنَا فَ َهلْ
ح َي ْي َتنَا ا ْث َن َتيْنِ فَا ْ
قال ال تعالى " :قَالُوا َر ّبنَا أَ َم ّتنَا ا ْث َن َتيْنِ وَأَ ْ
] غافر11/ "[ سبِيلٍ
خرُوجٍ مّن َ
إِلَى ُ
غيْرَ اّلذِي
جنَا َنعْمَلْ صَالِحًا َ
خرِ ْ
وقال جل وعل " :وَ ُهمْ َيصْطَرِخُونَ فِيهَا َر ّبنَا أَ ْ
ُكنّا َنعْمَلُ أَ َوَلمْ ُنعَمّ ْركُم مّا َي َت َذكّرُ فِيهِ مَن َت َذكّرَ وَجَاء ُكمُ ال ّنذِيرُ َفذُوقُوا َفمَا
] فاطر37/ ّنصِير" [ لِلظّاِلمِينَ مِن
-7-
ثم ماذا ..؟؟
عدّ لنا
لم يشغلِ الموتُ عنا مذ أُ ِ
وكلنا عنه باللذاتِ مشغـولُ
وليس من موضعٍ يأتيه ذو َنفَسٍ
سيْفٌ فيه مسلولُ
إِل وللموتِ َ
ومن يمتْ فهو مقطوعٌ ومجتنبٌ
شيٌ ومَوْصولُ
والحي ما عاشَ َم ْغ ِ
كُـلْ ما بدا لكَ فالكـالُ فانيـة
وكُـلّ ذي ُأكُـلٍ لبُـدّ مأكـولُ
-8-
ومن مقتضيات اليمان أن نتفكر في هذا المر ،وإل فليتهم كل منا نفسه فالتفكر
أول طريق الستعداد فجدي ٌر بمَنْ الموت مصرعه ،والتراب مضجعه ،والدود
أنيسه ،ومنكر ونكير جليسه ،والقبر مقره ،وبطن الرض مستقره ،والقيامة
موعده ،والجنة أو النار مورده ،أل يكون له فكر إل في الموت ،ل ذكر إل له
،ول استعداد إل لجله ،ول تدبير إل فيه ،ول تطلع إل إليه ،ول اهتمام إل
به ،ول انتظار وتربص إل له.
وحقيق بمن أراد الفوز والنجاة أن يعد نفسه في الموتى ،ويراها في أصحاب
القبور ،ولكن قست القلوب فأعرضت عن ذكر هذا الخطر العظيم ،ومن يذكره
يذكره بقلب فارغ ،بل بقلب مشغول بشهوة الدنيا فازدادت القلوب قسوة على
قسوة .
فلماذا هذا الصدود والعراض عن سبيل ال جل وعل ؟
لماذا إخوتاه قست قلوبنا فلم تعد تنجع فيها المواعظ المتتالية والدعوات المستمرة ،
مع كل هذه الوسائل المختلفة في دعوة الناس لدينهم لماذا يحيدون ول يلتزمون
بشريعة ربهم ؟
أهي الدنيا قد اجتالت الناس عن دينهم فعبدوها من دون ال ؟ فل همّ ول شغل
للنسان إل شهواته وقد علم أنّ نعيم الدنيا منغص لنها ليست بدار الخلود ،إذ
السلمة فيها ترك ما فيها .
أهي الحرب الضروس التي تشن على السلم في كل مكان وبكل صورة ،سواء
الحرب العسكرية أو الثقافية فيما يعرف بالغزو الثقافي ،ذلك المخطط الخبيث
لمحو هويتنا السلمية ،فانصاع الناس وراء هؤلء ،و ُمكِر بهم ،فدب فيهم
الوهن والعجز وهزموا نفسيا ،فلم يروا لدينهم علوا ول مكانة بل انبهروا
بمغريات المدنية الغربية ،وانجرفوا لتيار حياتهم المادية التي ل روح فيها
فابتعدوا عن دينهم ،فعدت اليوم حين تخاطب المسلمين الذين هم من جلدتك وربما
يتكلم أغلبهم بلسانك تجد عجبا ،تسلل إلى الناس الشك ،وراحوا يتخبطون حتى
ترى من يسخر بعقائد السلم ،يسخر أن هناك عذابا في القبر ،ل يصدق
-9-
وأخشى أن تزل القدام فينفون يوم القيامة ثم ينفون الدين بالكلية حتى تأتي الطامة
فينفون وجود ال ،وإنها دركات بعضها تحت بعض ،وظلمات بعضها فوق
بعض ،ومقتضى الطبيعة أن الهبوط أسرع من الصعود فترقب !!
أيها الخوة …
إنني أخاطب الن من يريد ال والدار الخرة أحاول أن أوقظه أحاول أن أجذبه
بقوة قبل أن يهلك تحت القبضان أريده أن يركب سفينة اليمان ول يكن مع
الهالكين .
وسأصف لك ـ أخي ـ وصفة ناجعة عساك تنتفع بها ،فجرد الخلص أول
واصحبني ساعة واحدة من عمرك لعلك تظفر بها طيلة حياتك .
إخوتاه
بداية ينبغي أن نتأمل ذلك الخطر العظيم الذي يحول بينك وبين طريق
الخرة ،لعلك تعرف أن الطريق إلى ال ل تقطع بالقدام بل تقطع بالقلوب ،فإذا
كان القلب يعاني من القسوة والجمود فل بأس أن نصف له الدواء ،ومن
جملته ما نحن بصدد الحديث عنه من أهوال القبور ،فاستعن بال ول تعجز ،
وابدأ من الن في كتابة الجرعات التي ستحافظ عليها حتى يحيا قلبك .
-10-
علج قسوة القلوب
قال العلماء … علج قسوة القلوب من وجوه :
أولً :تلوة القرآن وذكر ال .
قال تعالى ِ " :إنّمَا ا ْلمُؤْ ِمنُونَ اّلذِينَ ِإذَا ُذكِرَ الّلهُ وَجِ َلتْ قُلُوبُ ُهمْ وَِإذَا تُ ِل َيتْ
النفال2/ وكّلُونَ" [
َيتَ َ علَى َربّ ِهمْ
] .عَ َل ْي ِهمْ آيَاتُهُ زَا َدتْ ُهمْ إِيمَانًا وَ َ
شفَاء لّمَا فِي
وقال تعالى " :يَا َأيّهَا النّاسُ َقدْ جَاء ْتكُم مّوْعِظَةٌ مّن ّر ّب ُكمْ َو ِ
يونس57/ "[ صدُورِ َو ُهدًى َورَحْمَةٌ لّلْ ُمؤْ ِمنِين
] .ال ّ
شفَاء َورَحْ َمةٌ لّ ْلمُؤْ ِمنِينَ َولَ يَزِيدُ
وقال جل وعل َ " :و ُننَزّلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا هُ َو ِ
82/ " [ السراء خسَارًا
] .الظّالِمِينَ َإلّ َ
فأرشدنا ال جل وعل إلى أن الدواء الناجع الذي تطيب به القلوب القاسية هو
ذكر ال تعالى ،وأعظمه تلوة القرآن الكريم فإنّه حياة القلوب ،والقلب الذي
ليس فيه شيء من القرآن قلب خرب عشعشت فيه الشياطين ،قلب أغلف ،قلب
محجوب عن رحمة ال تعالى .
ثانيا :صدق التضرع إلى ال ودوام اللجأ إليه والتباكي بين يديه.
فعليك بالخلص فإنه خلصك ،ودوام النابة إلى رب العالمين ،واستحضر
الموت أمام عينيك وهول المنقلب ،وعظيم جنايتك التي حالت بينك وبين ربك ،
واستعن في ذلك بقراءة آيات الوعيد ،وقراءة الكتب التي تصف لك الدار
الخرة ،أو سماع الشرطة التي يخشع لها قلبك ،وقم بين يديه ـ جل جلله
ـ مظهرا فقرك وشدة احتياجك إليه ،ول بأس من أن تتباكى حينئذٍ إن لم
تسعفك العبرات في مثل ذلك المقام ،ويمكنك أن تستعين ببعض الدعية
المأثورة .
-11-
خ ِبتًا ،إِ َليْكَ أَوّاهًا ُمنِيبًاَ ،ربّ َت َقبّلْ تَ ْو َبتِي ،
طوَاعًا ،لَكَ مُ ْ
رَهّابًا ،لَكَ مِ ْ
سدّدْ ِلسَانِي ،وَا ْهدِ
جتِي َ ،و َ
جبْ دَعْ َوتِي َ ،و َث ّبتْ حُ ّ
ح ْو َبتِي َ ،وأَ ِ
غسِلْ َ
وَا ْ
1
صدْرِي .
قَ ْلبِي ،وَاسْلُ ْل سَخِي َمةَ َ
ثالثا :حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير والتخويف والترغيب .
فلبد أن تقلع عن مجالس السوء ؛ فإنها من أعظم السباب الجالبة لقسوة وفساد
القلب ،وبشكل عام لبد من الحذر من الخلطة السيئة فإنّها من أشد أنواع الداء ،
ول يكون ذلك إل بعكوف القلب واستكانته حيث رحمات ال المنزلة ،حيث يأنس
بالستماع إلى أخبار الصالحين فإن ذلك مما يلين القلوب وينجع فيها ،إنها مجالس
العلم ،والعلم عبادة القلب .
ع ْلمًا
طرِيقًا يَ ْلتَمِسُ فِيهِ ِ
" ..مَنْ سَ َلكَ َ ف َعنْ َأبِي ُه َريْرَةَ قَالَ :قَالَ َرسُولُ الّلهِ
ت مِنْ بُيُوتِ الّل ِه َيتْلُونَ
جتَمَعَ َقوْمٌ فِي بَيْ ٍ
ج ّنةِ َومَا ا ْ
طرِيقًا إِلَى الْ َ
س ّهلَ الّلهُ َل ُه بِهِ َ
َ
حمَةُ وَحَ ّف ْتهُمْ
غشِ َي ْتهُمْ الرّ ْ
عَل ْيهِمْ السّكِي َنةُ َو َ
ِكتَابَ الّلهِ َويَتَدَا َرسُو َن ُه بَ ْي َنهُمْ ِإلّا نَزَلَتْ َ
2
عنْدَهُ "..
ا ْلمَلَائِ َكةُ وَذَ َكرَهُمْ الّلهُ فِيمَنْ ِ
رابعا :ذكر الموت
فيكثر من ذكر هادم اللذات ،ومفرق الجماعات ،وميتم البنين والبنات.
يتعاهد قلوب أصحابه بتذكيرهم بالموت . وقد كان رسول ال
أخرجه الترمذي ( )3551كتاب الدعوات عن رسول ال ،باب في دعاء النبي .وقال :حسن صحيح 1
جزء من حديث أخرجه مسلم ( )2699كتاب الذكر والدعاء ،باب فضل الجتماع على تلوة القرآن . 2
أخرجه الترمذي ( )2457كتاب صفة القيامة ،وقال :حسن صحيح . 3
-12-
فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نُغّص عليه لذته الحاضرة ،ومنعه من تمنيها
في المستقبل ،وزهّده فيما كان منها يؤمل ،إذ حب الدنيا رأس كل خطيئة ،
والتعلق بالدنيا من أشد ما تقسو به القلوب ،والنفوس الراكدة والقلوب الغافلة
تحتاج إلى بالغ الموعظة ونهاية السبل الموقظة ،وذكر الموت يورث استشعار
النزعاج عن هذه الدار الفانية ،والتوجه في كل لحظة إلى تلك الدار الباقية .
ولما كان طول المل السبب الرئيس في قسوة القلوب قال تعالى " :فَطَالَ عَ َليْ ِهمُ
الْ َأ َمدُ َف َقسَتْ قُلُو ُب ُهمْ " [الحديد ، ]16/كان لذكر الموت أثره البالغ في قصر المل
أ خرجه الترمذي ( )983كتاب الجنائز ،باب ما جاء أنّ المؤمن يموت بعرق الجبين ،وقال :حسن غريب 1
-13-
فهذه خمسة أمور ينبغي لمن قسا قلبه ولزمه ذنبه أن يستعين بها على دواء
دائه ،ويستصرخ بها على فتن الشيطان وإغوائه ،فإن انتفع بها فذاك ،وإن
عظم عليه ران القلب واستحكمت فيه دواعي الذنب فعليه بالمر السادس ،وهنا
محل الشاهد .
السادس :زيارة قبور الموتى
فإنها تبلغ في دفع قسوة القلب ما ل يبلغه غيرها ،فزيارة القبور لها تأثير
عظيم ،فوجودها أسرع ،والنتفاع بها أليق وأجود ،ولكن الزيارة تكون
بآدابها ،فينبغي عليه أن يحضر قلبه في إتيانها وينوى صالحا ،فيقصد بزيارته
وجه ال تعالى ،وإصلح فساد قلبه ويعتبر .
وفي رواية 1
… " :فَزُورُوا ا ْل ُقبُورَ فَ ِإنّهَا ُت َذكّرُ الْمَ ْوتَ " يقول رسول ال
2
" فَإِنّهَا ُتذَكّرُكُ ْم الْآخِرَةَ "
أخرجه مسلم ( )976كتاب الجنائز ،باب استئذان النبي ربه في زيارة قبر أمه . 1
أخرجه ابن ماجة ( )1569كتاب ما جاء في الجنائز ،باب ما جاء في زيارة القبور ،وصححه الشيخ 22
-14-
قف وتأمل
احضر بقلبك ذكر من كان مترددا في أغراضه كيف تهدمت رجله في قبره .
يقول الرافعي :كل من يهرب من شئٍ يتركه وراءه إل القبر فما يهرب منه أحد
إل وجده أمامه ،هو أبدا ينتظر غير متململ ،وأنت أبدا متقدم إليه غير
متراجع.
أخي في ال
تأمل :صاحبك في القبر
•كان يتلذذ بالنظر إلى ما حوله ،فإذا به في قبره وقد سالت عيناه.
•كيف كان يصول ببلغة نطقه ،وقد أكل الدود لسانه.
•كيف كان يضحك لمواتاة دهره ،قد أبلى التراب أسنانه.
تأمل وتذكر :
بل وتحقق وتأكد أن سيكون حالك كحاله ،ومآلك كمآله ،وعند هذا التذكر
والعتبار تزول عنك جميع الغيار الدنيوية ،وتقبل على العمال الخروية ،
فتزهد في دنياك ،وتقبل على طاعة مولك ،يلين قلبك ،وتخشع جوارحك ،
فزيارة ذلك الواعظ من أكبر أسباب تقوية القلب ،وإزالة تلك الغشاوة .
فأنت عندما تذهب إلى المسجد يوم الجمعة تستمع إلى واعظ واحد ،
فالمصلون كثيرون والواعظ واحد ،ولكن الصورة تنقلب في المقبرة حيث تتحول
كل القبور إلى وعاظ ،وأنت تستمع إليهم في آن واحد ،فالمستمعون قليل
والوعاظ أكثر.
وهذه حالة فريدة ل تكون في أمور الدنيا إل في ذلك المكان ،فالقبر ما يفتأ
صامتا ل يتكلم ،ولكن صوته في أعماق الناس أعلى من صوت ذلك الواعظ
الجهوري الصوت في المسجد .
إخوتاه
-15-
تعالوا بنا لنزور ذلك الواعظ الصامت ،نقف عنده مليا لنتدبر حديثه الدائم ،
عسانا نعتبر .
إنّه القبر
القبر
ل يملك العبارات المنمقة المصفوفة ،ولكن منظرة أعمق من كل عبارات
الوعاظ.
القبر
ل تتحرك يديه ،ول يتلفت بوجهه ميمنة وميسرة ؛ ليجذب جمهور المستمعين
والمشاهدين بخطبته ؛ لن الجاذبية تركزت فيه تجذب القلوب قبل الجساد.
القبر
ما هو إل تلك الحفرة التي سينام فيها النسان ،عندما تتوقف اللة التي كان
يعمل من خللها بعد أن ينتهي من أداء الختبار الذي كان قد كلف بأدائه .
القبر
الذي تظهر فيه النتائج الولية للختبار بعد أن يستقر بهذه الحفرة .
يقول الرافعي :
" فتحنا القبر وأنزلنا الميت العزيز الذي شفي من مرض الحياة ،ووقفت هناك
بل وقف التراب المتكلم ينقل عن التراب الصامت ،ويعرف منه أن العمر على ما
يمتد محدود بلحظة ،وأن القوة على ما تبلغ محدودة بخمود ،وأن الغايات على
ما تتسع محدودة بانقطاع ،وحتى القارات جميعها محدودة بقبر " .
سمّى القبر.
فما ذلك الواعظ الصامت إل تلك الحفرة التي تُ َ
هو كما يناديه الرافعي أيضا فيقول :
-16-
" واها لك أيها القبر ،ل تزال تقول لكل إنسان تعال ،ول تبرح كل الطرق
تفضي إليك ،فل يقطع بأحد دونك ،ول يرجع من طريقك راجع وعندك وحدك
المساواة .
فما أنزلوا قط فيك ملكا عظامه من ذهب ،ول بطل عضلته من حديد ،ول
أميرا جلده من ديباج ،ول وزيرا وجهه من حجر ،ول غنيا بجوفه خزانة ،ول
فقيرا علقت في أحشائه مخلة ،واها لك أيها القبر " .
و تال لول قسـوة القلوب والنشغال بالوسـائل التـي تعيـن على أداء الهدف الذي
خلقنا من أجله لتذكر النسان عند ولدة كل مولود اليوم الذي يدفن فيه .
يقول ابن الجوزي " :عبر مهد الطفل عنوان اللحد " .
فكما يلف الطفل المولود بقطعة قماش بيضاء ،ويوضع في المهد بل حراك ،
فكذلك الميت أيضا يلف بقطعة بيضاء هي آخر ثوب يلبسه بالدنيا ،ليبقى في
مهد الرض دون حراك إلى يوم البعث .
-17-
زوروا القبور
:كنت نهيتكم عن زيارة القبور أل فزوروها ،فإنها تُرق يقول رسول ال
القلب وتدمع العين ،وتذكر الخرة ،ول تقولوا هُجرا .
1
إن هذا الحديث وأمثاله تدفع المؤمن للنخلع من جو الركود واللشعور الذي
تعود العيش فيه إلى عالم الستشعار والتذكر.
يقول المناوي معلقا على الحديث السابق " :ونعم الدواء لمن قسا قلبه ولزمه
ذنبه ".
وللتراب الصامت صوت ل يسمعه إل من تذكر هادم اللذات ،وهو أمامه يتأمل
ومحاورته متعة ل يحوزها إل من أراد أن يكون من أبناء الخرة ،واستن بسنة
المام على ( ) بتطليق الدنيا بثلث.
حوار مع القبر
استمع لهذه المحاورة بين الرافعي والقبر
يقول :سألت القبر :أين المتاع والمال ؟ أين السحر والجمال ؟ أين الصحة
والقوة ؟ أين المرض والضعف ؟ أين القدرة والجبروت ؟ أين الخضوع والذلة ؟
قال :كل هذه صور فكرية ل تجيء إلى هنا لنها ل تؤخذ من هنا .
هكذا يتوقف كل شئ هناك في تلك الحفرة تتوقف البتسامات والقهقهات ،
يتوقف الجدال والصرخات ،ويتوقف العناد والكبرياء ،ويتوقف المل والجشع ،
ويتوقف الخلص والرياء ،ويتوقف العجب بالمنصب والجمال ،يتوقف الفتخار
بالعشيرة والجاه ،يتوقف الغرور بالقوة والعقل ،كما يتوقف ظلم من ظلم ،وذلة
من استذل ،يتحول الوجه الفاتن واليد الظالمة واللسان الكذوب والعين الخائنة
والقلب القاسي إلى جماجم ،وأعظم نخرة تعبث بها الديدان من كل جهة ،ول
أخرجه الحاكم في المستدرك ( )1/532وصححه الشيخ اللباني ـ رحمه ال ـ في صحيح الجامع ( 1
. )4586
قال ابن الثير في النهاية :هجرا أي فحشا .
-18-
يبقى إل العمل الذي قدمه صاحب القبر ،يسأله عنه منكر ونكير ،ول يبقى
بعدهما إل هذا الجليس المؤنس الوحيد ..العمل.
وأينما يذهب النسان تتلقاه أسئلة كثيرة :ما اسمك ؟ ما صناعتك ؟ ما وظيفتك؟
ما مؤهلتك ؟ كم عمرك ؟ كيف حالك ؟ ماذا تملك ؟ ما صحتك ؟ وطنك ؟ ما
رأيك ؟ ما طلباتك ؟ رغباتك ؟ أمنياتك ؟ .
عند القبر يبطل هذا كله ،كما تبطل اللغات البشرية كلها في الفم الخرس ،
وهناك ينطق بسؤال واحد للنسان ما عملك ؟.
فإما عمل يحيل قبره إلى روضة من رياض الجنة ،وإما عمل يحيل قبره إلى
حفرة من حفر النار.
ولكن كل ما ذكرت ل يكون إل لمؤمن صادق يؤمن بال واليوم الخر ،ويصدق
بعقيدة عذاب القبر ونعيمه ،وفي زمن الجهل والبلبلة لعقائد المسلمين لبد أن
نعود لتثبيت عقائد المليين بذكر أصول هذه العقيدة.
-19-
عقيدة أهل السنة والجماعة في عذاب القبر
قال المام الطحاوي في ذكر العقيدة السلمية :
" ...ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين ،وبعذاب القبر لمن كان
له أهلً ،وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه ،على ما جاءت به
،وعن الصحابة رضوان ال عليهم ،والقبر روضة الخبار عن رسول ال
من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران " .
قال المام أحمد :وعذاب القبر حق يسأل العبد عن دينه ونبيه وعن الجنة والنار
1
ومنكر ونكير حق وهما فتانا القبر نسأل ال الثبات .
وقال المام القرطبي في " التذكرة " :
" اليمان بعذاب القبر وفتنته واجب ،والتصديق به لزم ،حسب ما أخبر به
الصادق ،وأن ال تعالى يحيي العبد المكلف في قبره برد الحياة إليه ،ويجعله
من العقل في مثل الوصف الذي عاش عليه ليعقل ما يسأل عنه ،وما يجيب به ،
ويفهم ما أتاه من ربه ،وما أعد له في قبره من كرامة أو هوان ،وبهذا نطقت
الخبار عن النبي صلى ال عليه وعلى آله آناء الليل وأطراف النهار ،وهذا
مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أهل الملة ،ولم تفهم الصحابة الذين
نزل القرآن بلسانهم ولغتهم من نبيهم عليه الصلة والسلم غير ما ذكرنا ،
وكذلك التابعون بعدهم إلى هلم جرا " أهـ
فإذا تبين لك هذا فاعلم أنّ عقيدة أهل السنة والجماعة على أنّ عذاب القبر
ونعيمه على النفس والبدن جميعًا .
قال شيخ السلم ابن تيمية ( )4/282لما سئل عن هذه المسألة :
جمِيعًا بِاتّفَاقِ أَ ْهلِ
حمْدُ ِللّهِ رَبّ الْعَا َلمِينَ َ :بلْ ا ْلعَذَابُ وَالنّعِيمُ عَلَى النّفْسِ وَا ْلبَدَنِ َ
الْ َ
ب ُمنْ َفرِدَةً عَ نْ ا ْلبَدَ نِ َوتُعَذّبُـ مُتّصِـَل ًة بِا ْلبَدَ نِ
عةِ َتنْعَ مُ النّفْسُـ َوتُعَذّ ُ
جمَا َ
سنّةِ وَالْ َ
ال ّ
-20-
جتَمَعِي نَ كَمَا
صلٌ بِهَا َفيَكُو نُ النّعِي مُ وَالْعَذَا بُ عَ َل ْيهِمَا فِي هَذِ هِ الْحَا ِل مُ ْ
ن ُمتّ ِ
وَا ْلبَ َد ُ
يَكُونُ لِلرّوحِ مُنْ َفرِدَةً عَنْ ا ْلبَدَنِ .
ثم بين ـ رحمه ال ـ أنّ الفلسفة وبعض الصوفية أنكروا معاد البدان وذهبوا
إلى أنّ النعيم والعذاب ل يكون إل على الروح ،وأنّ بعض المتكلمين من
ح ِبمُ ْفرَدِهَا لَا ُتنَعّمُ َولَا تُعَذّبُ َ ،و ُينْ ِكرُونَ َأنّ
المعتزلة والشاعرة قالوا بأنّ الرّو َ
ح َتبْقَى بَعْدَ ِفرَاقِ ا ْلبَدَنِ ،وذهب آخرون من المعتزلة إلى نفي ذلك جملة
الرّو َ
حتّى تَقُومَ الْ ِقيَا َمةُ
وقالوا :إنّ ا ْل َب ْر َزخَ َليْسَ فِيهِ نَعِيمٌ َولَا عَذَابٌ َ ،بلْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ َ
طلٌ .
الْ ُك ْبرَى .وكل ذلك بَا ِ
طَلةَ فَ ْليُ ْعلَمْ َأنّ
عرَفْت هَذِهِ ا ْلأَ ْقوَالَ الثّلَا َثةَ ا ْلبَا ِ
يقول شيخ السلم " :فَإِذَا َ
ت يَكُونُ فِي نَعِيمٍ َأوْ عَذَابٍ ،وَأَنّ
س َلفِ ا ْلُأ ّمةِ وََأ ِئ ّم ِتهَا " أَنّ ا ْل َميّتَ إذَا مَا َ
مَذْهَبَ " َ
ن ُمنَ ّعمَةً َأوْ مُعَ ّذبَةً ،
حهِ وَ ِلبَ َدنِهِ َ ،وأَنّ الرّوحَ تَبْقَى بَعْ َد مُفَارَ َقةِ ا ْلبَدَ ِ
صلُ ِلرُو ِ
ح ُ
ك يَ ْ
ذَِل َ
ن َيوْمُ
صلُ َل ُه مَ َعهَا النّعِيمُ وَالْ َعذَابُ ،ثُمّ إذَا كَا َ
ح ُ
حيَانًا َفيَ ْ
ص ُل بِا ْلبَ َدنِ أَ ْ
وََأ ّنهَا َتتّ ِ
جسَادِهَا وَقَامُوا مِنْ ُقبُورِهِمْ ِلرَبّ ا ْلعَا َلمِينَ " .
الْ ِقيَامَةِ الْ ُك ْبرَى أُعِيدَتْ ا ْل َأ ْروَاحُ إلَى أَ ْ
ن مَا ذَ َك ْرنَاهُ َفَأمّا
ن نَذْ ُك ُر مَا يُ َبيّ ُ
ثمّ ساق الدلة على ذلك من الكتاب والسنة َونَحْ ُ
أَحَادِيثُ عَذَابِ الْ َق ْبرِ َومَسْ َأَلةُ مُنْ َكرٍ َونَكِيرٍ فَ َكثِيرَ ٌة ُم َتوَاتِرَةٌ عَنْ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه
س رضي ال عنهما { َأنّ ال ّنبِيّ صلى
عبّا ٍ
عنْ ابْنِ َ
حيْنِ َ
وسلم ِم ْثلُ مَا فِي الصّحِي َ
ال عليه وسلم َمرّ بِ َق ْبرَيْنِ فَقَالَ :إ ّن ُهمَا َليُعَ ّذبَانِ َومَا يُعَ ّذبَانِ فِي َكبِيرٍ َأمّا أَحَدُ ُهمَا
طبَةٍ
جرِيدَةِ رَ ْ
ن َبوْ ِلهِ ثُمّ دَعَا بِ َ
خرُ َفكَانَ لَا َيسْ َت ِترُ مِ ْ
َ :فكَانَ يَ ْمشِي بِال ّنمِيمَةِ وََأمّا الْآ َ
غ َرزَ فِي ُكلّ َق ْبرٍ وَاحِدَةً .فَقَالُوا يَا َرسُولَ الّلهِ لَمْ فَ َعلْت هَذَا ؟
ن ثُمّ َ
َفشَ ّقهَا ِنصْ َفيْ ِ
ن ثَابِتٍ
عنْ َزيْدِ بْ ِ
ع ْن ُهمَا مَا لَ ْم َي ْيبَسَا } .وَفِي صَحِيحِ ُمسْلِمٍ َ
قَالَ َ :لعَّل ُه يُخَ ّففُ َ
علَى بَ ْغَلةٍ -
{ قَالَ :بينا رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم فِي حَائِطٍ ِل َبنِي النّجّارِ َ
سةٌ َأوْ َأ ْربَ َعةٌ .فَقَالَ
خمْ َ
ستّةٌ َأوْ َ
ن مَ َعهُ -إذْ جَالَتْ بِهِ َفكَادَتْ تُلْقِيهِ َفإِذَا أَ ْق ُبرُ ِ
َونَحْ ُ
جلٌ َأنَا .قَالَ َ :ف َمتَى َهؤُلَاءِ ؟ قَالَ :مَاتُوا فِي
ن يَ ْع ِرفُ هَذِهِ الْ ُقبُورَ ؟ فَقَالَ رَ ُ
مَ ْ
عوْت
شرَاكِ .فَقَالَ :إنّ هَذِهِ ا ْلُأمّ َة ُتبْتَلَى فِي ُقبُورِهَا ; َف َلوْلَا أَنْ لَا تدافنوا لَدَ َ
الْ ِإ ْ
ج ِههِ فَقَالَ :
سمَ ُع ِمنْ ُه ثُمّ َأ ْق َبلَ عَ َل ْينَا ِبوَ ْ
ن ُيسْمِعَ ُك ْم مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ الّذِي َأ ْ
الّلهَ َأ ْ
-21-
تَ َعوّذُوا بِاَلّل ِه مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ قَالُوا :نَعُو ُذ بِاَلّل ِه مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ .قَالَ :تَ َعوّذُوا
بِاَلّلهِ مِنْ عَذَابِ النّارِ قَالُوا :نَعُو ُذ بِاَلّل ِه مِنْ عَذَابِ النّارِ .قَالَ :تَ َعوّذُوا بِاَلّل ِه مِنْ
طنَ
ظ َهرَ مِ ْنهَا َومَا بَ َ
ن مَا َ
ظ َه َر ِم ْنهَا َومَا بَطَنَ قَالُوا :نَعُو ُذ بِاَلّلهِ مِنْ الْ ِفتَ ِ
ن مَا َ
الْ ِفتَ ِ
.قَالَ :تَ َعوّذُوا بِاَلّل ِه مِنْ ِفتْ َنةِ الدّجّالِ قَالُوا :نَعُوذُ بِاَلّلهِ مِنْ ِف ْتنَةِ الدّجّالِ } َ .وفِي
سنَنِ عَنْ َأبِي ُهرَ ْيرَ َة رضي ال عنه أَنّ ال ّنبِيّ صلى ال
ح ُمسْلِمٍ َوسَا ِئرِ ال ّ
صَحِي ِ
شهّدِ ا ْلأَخِيرِ فَ ْليَ ُقلْ َأعُو ُذ بِاَلّل ِه مِنْ َأ ْربَعٍ
عليه وسلم قَالَ { :إذَا َفرَغَ َأحَدُكُمْ مِنْ ال ّت َ
حيَا وَا ْلمَمَاتِ وَمِنْ ِف ْتنَةِ ا ْلمَسِيحِ
ج َهنّمَ َومِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ وَمِنْ ِف ْتنَةِ ا ْلمَ ْ
:مِنْ عَذَابِ َ
عنْ
س رضي ال عنهما َ
عبّا ٍ
غ ْيرِهِ عَنْ { ابْنِ َ
الدّجّالِ } .وَفِي صَحِيحِ ُمسْلِمٍ وَ َ
ن يُعَّل ُمهُمْ هَذَا الدّعَاءَ َكمَا يُعَّل ُمهُمْ السّورَةَ مِنْ
ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم َأ ّنهُ كَا َ
ج َهنّمَ وََأعُو ُذ بِك مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ وََأعُو ُذ بِك
الْ ُقرْآنِ الّلهُمّ إنّي َأعُو ُذ بِك مِنْ عَذَابِ َ
حيَا وَا ْلمَمَاتِ } .وَفِي صَحِيحِ
مِنْ ِف ْتنَةِ ا ْل َمسِيحِ الدّجّالِ وَأَعُو ُذ بِك مِنْ ِف ْتنَةِ ا ْلمَ ْ
خ َرجَ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه
عنْ { َأبِي َأيّوبَ الْ َأ ْنصَا ِريّ قَالَ َ :
ا ْلبُخَا ِريّ َومُسِْلمٍ َ
حيْنِ
شمْسُ .فَقَالَ َ :يهُو ٌد يُعَ ّذبُونَ فِي ُقبُورِهِمْ } .وَفِي الصّحِي َ
جبَتْ ال ّ
وسلم وَ َقدْ وَ َ
عجُوزٌ مِنْ عَجَا ِئزِ َيهُودِ ا ْلمَدِي َنةِ
عَليّ َ
خلَتْ َ
عنْ { عَا ِئشَ َة رضي ال عنها قَالَتْ :دَ َ
َ
فَقَالَتْ :إنّ أَ ْهلَ الْ ُقبُورِ يُعَ ّذبُونَ فِي ُقبُورِهِمْ .قَالَتْ :فَ َك ّذبْتهَا َولَمْ َأنْعَمْ َأنْ ُأصَدّ َقهَا
خلَ عَ َليّ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم فَقُلْت :يَا َرسُولَ الّلهِ
خرَجَتْ فَدَ َ
قَالَتْ :فَ َ
عمَتْ أَنّ أَ ْهلَ الْ ُقبُورِ يُعَ ّذبُونَ فِي
عَجُو ٌز مِنْ عَجَائِزِ أَ ْهلِ ا ْلمَدِينَةِ َدخَلَتْ عَ َليّ َفزَ َ
سمَ ُعهُ ا ْل َبهَائِمُ كُّلهَا َفمَا رََأيْته بَ ْعدُ
ُقبُورِهِمْ .فَقَالَ :صَدَقَتْ .إ ّنهُ ْم يُعَ ّذبُونَ عَذَابًا َي ْ
فِي صَلَاةٍ إلّا َيتَ َعوّ ُذ مِنْ عَذَابِ الْ َقبْرِ } .وَفِي صَحِيحِ َأبِي حَاتِمٍ البستي عَنْ { أُمّ
عَليّ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم وََأنَا فِي
خلَ َ
شرٍ رضي ال عنها قَالَتْ َ :د َ
مُ َب ّ
حَائِطٍ وَ ُهوَ يَقُولُ :تَ َعوّذُوا بِاَلّلهِ مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ فَ ُقلْت :يَا رَسُولَ الّلهِ لِلْ َق ْبرِ
ضهُمْ :
عَذَابٌ ؟ َفقَالَ :إ ّنهُمْ َليُعَ ّذبُونَ فِي ُقبُورِهِمْ عَذَابًا َتسْمَ ُعهُ ا ْل َبهَائِمُ } .قَا َل بَ ْع ُ
س بِ َدوَا ّبهِمْ إذَا مَ َغلَتْ إلَى ُقبُورِ ا ْل َيهُودِ وَالنّصَارَى
ب يَذْهَبُ النّا ُ
سبَ ِ
وَ ِلهَذَا ال ّ
غ ْيرِهِمْ
ع َبيْدٍ وَ َ
ن َبنِي ُ
طةِ :مِ ْ
وَا ْل ُمنَافِقِينَ ; كالسماعيليةِ والنصيرية َوسَا ِئرِ الْ َقرَامِ َ
خ ْيلِ يَ ْقصِدُونَ ُقبُورَهُمْ لِذَِلكَ َكمَا
غ ْيرِهِمَا ; َفإِنّ أَ ْهلَ ا ْل َ
ض ِمصْرَ وَالشّامِ وَ َ
ن بِ َأرْ ِ
الّذِي َ
ط َمةَ َوَأنّهُمْ مِنْ
جهّالُ تَظُنّ َأ ّنهُ ْم مِنْ ُذ ّريّةِ فَا ِ
يَقْصِدُونَ ُقبُورَ ا ْل َيهُودِ وَال ّنصَارَى .وَالْ ُ
-22-
سمِعَتْ عَذَابَ الْ َق ْبرِ
خ ْيلَ إذَا َ
َأوْ ِليَاءِ الّلهِ وَِإ ّنمَا ُه َو مِنْ هَذَا الْ َقبِيلِ .فَقَدْ قِيلَ :إنّ الْ َ
ب بِا ْلمَ ْغلِ .وَالْحَدِيثُ فِي َهذَا َكثِيرٌ لَا َيتّسِعُ َلهُ َهذَا
حرَارَ ِة مَا يُذْهِ ْ
حصَلَتْ َلهَا مِنْ الْ َ
َ
عنْ { ا ْل َبرَاءِ
سنَنِ َ
حيْنِ وَال ّ
سؤَالُ .وَأَحَادِيثُ ا ْلمَسْ َأَلةِ َكثِيرَةٌ َأيْضًا َكمَا فِي الصّحِي َ
ال ّ
بْنِ عَازِبٍ رضي ال عنه َأنّ َرسُولَ الّلهِ صلى ال عليه وسلم قَالَ :ا ْل ُمسِْلمُ إذَا
حمّدًا َرسُولُ الّلهِ ; فَذَِلكَ َق ْولُ الّلهِ
شهِدَ َأنْ لَا إ َلهَ إلّا الّلهُ وَأَنّ مُ َ
سُ ِئلَ فِي َق ْبرِهِ َ
خرَةِ } }
حيَاةِ ال ّدنْيَا َوفِي الْآ ِ
تَعَالَى ُ { :يثَبّتُ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا بِالْ َق ْولِ الثّابِتِ فِي الْ َ
وَفِي لَ ْفظٍ َ { :نزَلَتْ فِي عَذَابِ الْ َق ْبرِ يُقَالُ َل ُه مَنْ َربّك ؟ َفيَقُولُ :رَبّي الّلهُ وَدِينِي
حمّدٌ .وَذَِلكَ َق ْولُ الّلهِ تَعَالَى { :يُ َثبّتُ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا بِالْ َق ْولِ
الْ ِإسْلَامُ َو َنبِيّي مُ َ
ضلّ الّلهُ الظّا ِلمِينَ َويَفْ َعلُ الّل ُه مَا َيشَاءُ }
خرَةِ َويُ ِ
حيَاةِ ال ّد ْنيَا وَفِي الْآ ِ
الثّابِتِ فِي الْ َ
سنَنِ َأبِي داود
طوّلًا َكمَا فِي ُ
سنَنِ وَا ْل َمسَانِي ِد مُ َ
} .وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ َروَاهُ أَ ْهلُ ال ّ
جنَا مَعَ َرسُولِ الّلهِ صلى
خرَ ْ
ب رضي ال عنه قَالَ َ :
عنْ { ا ْل َبرَا ِء بْنِ عَازِ ٍ
غ ْيرِهِ َ
وَ َ
ج ٍل مِنْ الْ َأ ْنصَارِ .فَانْ َت َهيْنَا إلَى الْ َق ْبرِ وَ َلمّا ُيلْحَدْ َفجَلَسَ
جنَازَةِ رَ ُ
ال عليه وسلم فِي ِ
ط ْيرُ وَفِي يَدِهِ عُودٌ
ح ْوَلهُ كَ َأ ّنمَا عَلَى رُءُوسِنَا ال ّ
سنَا َ
ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم وَجَ َل ْ
عذَابِ الْ َق ْب ِر َمرّ َتيْنِ َأوْ
ستَعِيذُوا بِاَلّل ِه مِنْ َ
سهُ فَقَالَ :ا ْ
يَنْكُتُ بِهِ الْ َأرْضَ ; َفرَفَعَ رَ ْأ َ
عوْدُهَا إ َل ْيهِ .إلَى َأنْ
سمَا ِء ثُمّ َ
جهَا إلَى ال ّ
عرُو ِ
ثَلَاثًا .وَذَ َك َر صِ َفةَ َقبْضِ الرّوحَ وَ ُ
قَالَ :وَِإ ّنهُ َل َيسْمَعُ خَفْقَ نِعَا ِل ِهمْ إذَا وَّلوْا مُ ْدبِرِينَ حِينَ يُقَالُ َل ُه يَا َهذَا مَنْ َربّك ؟
ن َنبِيّك ؟ } .وَفِي لَفْظٍ َ { :فيَ ْأتِيهِ مَ َلكَانِ َفيُجْ ِلسَانِهِ َويَقُولَانِ َلهُ :
َومَا دِينُك ؟ َومَ ْ
مَنْ َربّك ؟ َفيَقُولُ َ :ربّي الّلهُ َ .فيَقُولَانِ َلهُ :مَا دِينُك ؟ َفيَقُولُ دِينِي ا ْلِإسْلَامُ .
سلَ فِيكُمْ ؟ قَالَ َ :فيَقُولُ ُ .هوَ رَسُولُ الّلهِ .
جلُ الّذِي ُأ ْر ِ
َفيَقُولَانِ .مَا هَذَا الرّ ُ
َفيَقُولَانِ َ :ومَا يُ ْدرِيك ؟ َفيَقُولُ َ :قرَأْت ِكتَابَ الّلهِ وَآ َمنْت ِبهِ َوصَدّقْت ِبهِ فَ َذلِكَ َق ْولُ
ضلّ
خرَةِ َو ُي ِ
حيَاةِ ال ّد ْنيَا وَفِي الْآ ِ
الّلهِ ُ { :ي َثبّتُ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا بِالْ َق ْولِ الثّابِتِ فِي الْ َ
ن صَدَقَ
سمَاءِ َأ ْ
الّلهُ الظّا ِلمِينَ َويَفْ َعلُ الّل ُه مَا َيشَاءُ } قَالَ َ :فيُنَادِي مُنَا ٍد مِنْ ال ّ
ج ّنةِ قَالَ :
ج ّنةِ وَا ْفتَحُوا َلهُ بَابًا إلَى الْ َ
ج ّنةِ وَأَ ْل ِبسُو ُه مِنْ الْ َ
عبْدِي فَا ْف ِرشُوا َلهُ فِي الْ َ
َ
سحُ َل ُه مَ ّد َبصَرِهِ قَالَ َ :وإِنّ الْكَا ِفرَ َفذَ َك َر َموْ َتهُ
حهَا وَطِي ِبهَا قَالَ َ :ويُفْ َ
َفيَ ْأتِي ِه مِنْ َروْ ِ
جسَدِهِ َفيَ ْأتِيهِ مَلَكَانِ َفيُجْ ِلسَا ِنهِ َفيَقُولَانِ َلهُ :مَنْ َربّك ؟
.وَقَالَ َ :وتُعَادُ رُوحُهُ إلَى َ
َفيَقُولُ هاه هاه لَا أَ ْدرِي َ .فيَقُولَانِ َلهُ :مَا دِينُك ؟ َفيَقُولُ :هاه .هاه لَا أَ ْدرِي
-23-
عبْدِي فَا ْف ِرشُوا َل ُه مِنْ النّارِ َوأَ ْل ِبسُوهُ مِنْ النّارِ
سمَاءِ َأنْ َكذَبَ َ
َف ُينَادِي ُمنَا ٍد مِنْ ال ّ
عَليْهِ
ضيّقُ َ
حرّهَا َوسَمُو ِمهَا قَالَ َ :ويُ َ
وَا ْفتَحُوا َلهُ بَابًا إلَى النّارِ قَالَ َ :ويَ ْأتِيهِ مِنْ َ
عمَى َأبْكَ ُم مَ َع ُه ِم ْرزَ ّبةٌ مِنْ
عهُ قَالَ :ثُ ّم يُ َقيّضُ َلهُ أَ ْ
ختَ ِلفَ فِيهِ َأضْلَا ُ
حتّى تَ ْ
َق ْبرُهُ َ
سمَ ُعهَا مَا بَيْنَ
ضرْ َبةً يَ ْ
ضرِ ُبهُ ِبهَا َ
ج َبلٌ َلصَا َر ُترَابًا قَالَ َ :ف َي ْ
ضرِبَ ِبهَا َ
حَدِيدٍ َلوْ ُ
صرّحَ
شرِقِ وَا ْلمَ ْغرِبِ إلّا الثّقَ َليْنِ َفيَصِيرُ ُترَابًا .ثُ ّم تُعَادُ فِيهِ الرّوحُ } .فَ َق ْد َ
ا ْلمَ ْ
عهِ وَهَذَا َبيّنٌ فِي َأنّ الْعَذَابَ عَلَى
ختِلَافِ َأضْلَا ِ
جسَدِ َوبِا ْ
ث بِإِعَادَةِ الرّوحِ إلَى ا ْل َ
الْحَدِي ُ
ي ِم ْثلُ حَدِيثِ ا ْلبَرَاءِ فِي َقبْضِ الرّوحِ وَا ْلمَسْ َأَلةِ
ج َتمِ َعيْنِ .وَقَدْ ُر ِو َ
ن مُ ْ
الرّوحِ وَا ْلبَدَ ِ
غ ْيرِهِ َو َروَاهُ َأبُو حَاتِمِ بْنُ
سنَدِ وَ َ
وَالنّعِيمِ وَالْ َعذَابِ َروَاهُ َأبُو ُهرَ ْيرَةَ وَحَدِي ُثهُ فِي ا ْل ُم ْ
حهِ عَنْ َأبِي ُه َر ْيرَةَ رضي ال عنه :عَنْ { ال ّن ِبيّ صلى ال عليه
حبّانَ فِي صَحِي ِ
ِ
ع ْنهُ مُ ْد ِبرِينَ
ق نِعَا ِلهِمْ إذَا وَّلوْا َ
سمَعَ خَفْ َ
وسلم قَالَ :إنّ ا ْل َميّتَ إذَا ُوضِعَ فِي َق ْبرِهِ يَ ْ
ن َيمِينِهِ وَكَانَتْ الصّ َد َقةُ
عْصيَامُ َ
سهِ وَكَانَ ال ّ
عنْدَ رَ ْأ ِ
فَِإنْ كَانَ ُمؤْ ِمنًا كَانَتْ الصّلَاةُ ِ
عنْدَ رِجْ َل ْيهِ
حسَانِ ِ
خ ْيرِ مِنْ الصّ َد َقةِ وَالصّ َلةِ وَا ْلمَ ْعرُوفِ وَالِْإ ْ
شمَا ِلهِ وَكَانَ ِف ْعلُ الْ َ
عنْ ِ
َ
خلٌ .ثُ ّم ُي ْؤتَى عَنْ
ن مِنْ ِق َبلِ رَ ْأسِهِ ; َفتَقُولُ الصّلَاةُ :مَا ِقبَلِي مَدْ َ
َفيَ ْأتِيهِ ا ْلمَلَكَا ِ
خلٌ .ثُ ّم ُيؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ َفتَقُولُ الزّكَاةُ :مَا
صيَامُ :مَا ِقبَلِي مَدْ َ
يَمِينِهِ َويَقُولُ ال ّ
ت مِنْ الصّدَ َقةِ وَالصّ َلةِ
خ ْيرَا ِ
جَل ْيهِ َفيَقُولُ ِف ْعلُ الْ َ
خلٌ .ثُ ّم ُي ْؤتَى مِنْ ِق َبلِ رِ ْ
ِقبَلِي مَدْ َ
جلِسُ قَدْ مُثّلَتْ َلهُ
جلِسْ َ .فيَ ْ
خلٌ َفيَقُولُ َلهُ :ا ْ
حسَانِ :مَا ِقبَلِي مَدْ َ
وَا ْلمَ ْعرُوفِ وَالْإِ ْ
حتّى ُأصَلّي َ .فيَقُولُونَ :إنّك
شمْسُ وَقَدْ َأصْغَتْ لِ ْل ُغرُوبِ َ .فيَقُولُ :دَعُونِي َ
ال ّ
جلَ الّذِي كَانَ فِيكُ ْم مَا تَقُولُونَ
عنْهُ أرأيتك هَذَا الرّ ُ
عمّا َنسْأَلُك َ
خ ِبرْنَا َ
سَ ُتصَلّي .أَ ْ
شهَدُ َأ ّنهُ َرسُولُ الّلهِ جَا َء بِالْحَقّ
حمّدٌ َ .ن ْ
شهَ ُد ِبهِ عَ َل ْيهِ ؟ َفيَقُولُ :مُ َ
فِيهِ ؟ َومَاذَا تَ ْ
حيِيت وَعَلَى َذلِكَ تُبْعَثُ إنْ شَاءَ الّلهُ .ثُمّ
علَى ذَِلكَ َ
عنْدِ الّلهِ َ .فيُقَالُ َلهُ َ :
مِنْ ِ
غبْطَةً
ج ّنةِ َ .فيُقَالُ :هَذَا مَقْ َعدُك َومَا أَعَدّ الّلهُ لَك فِيهَا ; َف َيزْدَادُ ِ
يُفْ َتحُ َل ُه بَابٌ إلَى الْ َ
جسَدُ ِلمَا
سبْعُونَ ِذرَاعًا َويُ َن ّورُ َلهُ فِيهِ وَيُعَادُ الْ َ
سحُ َلهُ فِي َق ْبرِهِ َ
َوسُرُورًا ; ثُمّ يُفْ َ
جنّةِ قَالَ :فَذَِلكَ قوله تعالى { :
جرِ الْ َ
ط ْي ٍر يَعْلُقُ فِي شَ َ
ج َعلُ رُوحه َنسَمَ َ
بُ ِدئَ مِ ْنهُ وَتُ ْ
ضلّ الّلهُ
خرَةِ َويُ ِ
حيَاةِ ال ّد ْنيَا وَفِي الْآ ِ
يُ َثبّتُ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا بِالْ َق ْولِ الثّابِتِ فِي الْ َ
الظّا ِلمِينَ َويَفْ َعلُ الّلهُ مَا َيشَاءُ } } .وَذَ َكرَ فِي الْ ُك ْفرِ ضِدّ ذَِلكَ َأ ّنهُ { قَالَ ُ :يضَيّقُ
ضنْكُ اّلتِي قَالَ الّل ُه تَعَالَى :
شةُ ال ّ
عهُ َفتِلْكَ ا ْلمَعِي َ
ختَ ِلفَ فِيهِ َأضْلَا ُ
عَليْهِ َق ْبرُهُ إلَى أَنْ تَ ْ
َ
-24-
خصَرُ َ .وحَدِيثُ
عمَى } } هَذَا الْحَدِيثُ َأ ْ
شرُ ُه َيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ أَ ْ
حُضنْكًا وَنَ ْ
شةً َ
{ َل ُه مَعِي َ
صرُوهُ لِ ِذ ْكرِ مَا فِيهِ مِنْ عَذَابِ الْ َق ْبرِ
خ َت َ
سنَنِ َفِإ ّنهُمْ ا ْ
ط َو ُل مَا فِي ال ّ
ا ْلبَرَاءِ ا ْل ُمتَقَدّمُ أَ ْ
ن ثَابِتٌ { يَقُولُ ال ّن ِبيّ صلى ال
حسَ ٌ
غ ْيرِ ِه بِطُو ِلهِ .وَ ُهوَ حَدِيثٌ َ
سنَدِ وَ َ
وَ ُهوَ فِي ا ْلمُ ْ
ع مِنْ
خرَةِ وَانْقِطَا ٍ
عليه وسلم فِيهِ :إنّ ا ْل َعبْدَ ا ْلمُ ْؤمِنَ إذَا كَانَ فِي إ ْقبَالٍ مِنْ الْآ ِ
ن مِنْ
شمْسُ مَ َع ُهمْ كَ َف ٌ
ال ّدنْيَا َ :نزَلَتْ إ َل ْيهِ مَلَائِ َكةٌ بِيضُ ا ْلوُجُوهِ كَأَنّ وُجُو َههُمْ ال ّ
صرِ ; ثُ ّم يَجِي ُء مَلَكُ
ن مِ ْن ُه مَدّ ا ْلبَ َ
جِلسُو َ
جنّةِ َفيَ ْ
حنُوطِ ا ْل َ
ط مِنْ َ
حنُو ٌ
جنّةِ وَ َ
أَكْفَانِ ا ْل َ
خرُجِي إلَى مَغْ ِفرَةٍ
ط ّيبَةُ ُا ْ
سهِ َ .فيَقُولُ َ :أ ّي ُتهَا النّفْسُ ال ّ
عنْدَ رَ ْأ ِ
حتّى يَجْلِسَ ِ
ا ْلمَوْتِ َ
طرَ ُة مِنْ فِي السّقَاءِ َفيَ ْأخُذُهَا فَِإذَا َأخَذَهَا
خ ُرجُ تَسِيلُ َكمَا َتسِيلُ الْقَ ْ
ضوَانٍ قَالَ َ :فتَ ْ
َورِ ْ
حتّى يَأْخُذُوهَا َفيَجْ َعلُوهَا فِي َذلِكَ ا ْلكَفَنِ وَذَلِكَ
عيْنٍ َ
طرْ َفةَ َ
َل ْم يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ َ
جهِ الْ َأرْضِ قَالَ َ :فيَصْعَدُونَ
ح ِة ِمسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَ ْ
ب نَفْ َ
طيَ ِ
خ ُرجُ ِم ْنهَا كَأَ ْ
حنُوطِ َفيَ ْ
الْ َ
طيّ َبةُ َفيَقُولُونَ :
علَى مَلَأٍ مِنْ ا ْلمَلَائِ َكةِ إلّا قَالُوا مَا هَذِهِ الرّوحُ ال ّ
ن ِبهَا َ
ِبهَا َفلَا َي ُمرّو َ
ن بِهِ إلَى
سمَائِهِ اّلتِي كَانُوا ُيسَمّونَ ُه ِبهَا فِي ال ّدنْيَا َفيَ ْن َتهُو َ
حسَنِ َأ ْ
ن بِأَ ْ
فُلَانُ بْنُ ُفلَا ً
سمَا ٍء مُ َقرّبُوهَا إلَى
شيّ ُعهُ مِنْ ُكلّ َ
ستَ ْفتِحُونَ َلهُ َفيُفْ َتحُ َلهُ قَالَ َ :ف ُي َ
سمَاءِ ال ّدنْيَا َفيَ ْ
ال ّ
سمَاءِ السّابِ َعةِ َ .فيَقُولُ :اُ ْك ُتبُوا ِكتَابَ
حتّى يَ ْن َتهُوا ِبهَا إلَى ال ّ
سمَاءِ اّلتِي تَلِيهَا َ
ال ّ
عبْدِي فِي عِّليّينَ وَأَعِيدُوهُ إلَى الْ َأرْضِ فَ ِإنّي مِ ْنهَا خَلَقْتهمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ َومِ ْنهَا
َ
جسَدِهِ َويَ ْأتِي ِه مَلَكَانِ َفيُجْ ِلسَا ِنهِ } وَذَ َكرَ
خرَى قَالَ َ :فتُعَادُ رُوحه فِي َ
جهُمْ تَارَةً ُأ ْ
خرِ ُ
أُ ْ
شرْ
طيّبُ الرّيحِ َفيَقُولُ َلهُ َ :أ ْب ِ
جهِ َ
حسَنُ ا ْل َو ْ
جلٌ َ
ا ْلمَسْ َأَلةَ َكمَا تَقَدّمَ { قَالَ َ :ويَ ْأتِيهِ رَ ُ
جهُ
جهُك ا ْلوَ ْ
سرّك َفهَذَا َي ْومُك الّذِي قَدْ ُكنْت تُوعَدُ َفيَقُولُ َلهُ :مَنْ َأنْتَ َفوَ ْ
بِاَلّذِي يَ ُ
عةَ رَبّ َأقِمْ
عمَلُك الصّا ِلحُ َ .فيَقُولُ :رَبّ أَقِمْ السّا َ
خ ْيرِ َفيَقُولُ َ :أنَا َ
الّذِي يَجِيءُ بِالْ َ
حتّى َأرْجِعَ إلَى أَهْلِي َومَالِي } قَالَ { :وَِإنّ الْ َعبْدَ الْكَا ِفرَ
عةَ َ
عةَ رَبّ َأقِمْ السّا َ
السّا َ
سمَا ِء َملَائِ َكةٌ
ع مِنْ ال ّدنْيَا َ :نزَلَ إ َل ْيهِ مِنْ ال ّ
خرَةِ وَانْقِطَا ٍ
إذَا كَانَ فِي إ ْقبَا ٍل مِنْ الْآ ِ
حتّى
صرِ ثُ ّم يَجِيءُ مَلَكُ ا ْل َموْتِ َ
جِلسُونَ مِ ْنهُ مَدّ ا ْلبَ َ
سُودُ ا ْل ُوجُو ِه مَ َعهُمْ ا ْل ُمسُوحُ َفيَ ْ
غضَ ِبهِ
خرُجِي إلَى سَخَطِ الّلهِ وَ َ
خبِي َثةُ اُ ْ
سهِ َفيَقُولُ َأيّ ُتهَا النّفْسُ الْ َ
عنْدَ رَ ْأ ِ
يَجْلِسَ ِ
عهَا َكمَا ُينْ َتزَعُ السّفّو ُد مِنْ الصّوفِ ا ْل َمبْلُولِ ;
عضَائِهِ ُكّلهَا َفيَ ْن َتزِ ُ
َفتُ َفرّقُ فِي َأ ْ
طرْ َفةَ
َف َتتَقَطّعُ مَ َعهَا الْ ُعرُوقُ وَالْ َعصَبُ قَالَ َ :ف َيأْخُذُهَا فَِإذَا أَخَذَهَا َل ْم يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ َ
ج ِم ْنهَا َكَأنْتَنِ مَا يَكُونُ
خرُ ُ
جعَلُوهَا فِي تِلْكَ ا ْل ُمسُوحِ قَالَ َ :فيَ ْ
خذُوهَا َفيَ ْ
حتّى يَأْ ُ
عيْنٍ َ
َ
-25-
ن ِبهَا عَلَى مَلَا ٍء مِنْ
جهِ الْ َأرْضِ َفيَصْعَدُونَ ِبهَا َفلَا يَ ُمرّو َ
مِنْ جِي َفةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَ ْ
ن بْنُ فُلَانٍ ; بِأَ ْق َبحِ
خبِي َثةُ ؟ َفيَقُولُونَ :فُلَا ُ
ا ْلمَلَائِ َكةِ إلّا قَالُوا :مَا هَذِهِ الرّوحُ ا ْل َ
ستَ ْفتِحُونَ
سمَاءِ ال ّد ْنيَا َفيَ ْ
حتّى َينْ َتهُوا إلَى ال ّ
ن ُيسَمّى ِبهَا فِي ال ّد ْنيَا ; َ
سمَائِهِ اّلتِي كَا َ
َأ ْ
َلهَا َفلَا يُ ْف َتحُ َلهَا ثُمّ َقرَأَ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم { :لَا تُ َف ّتحُ َلهُمْ َأ ْبوَابُ
جرِمِينَ
جزِي ا ْلمُ ْ
ك نَ ْ
خيَاطِ وَكَذَِل َ
ج َملُ فِي سَمّ الْ ِ
حتّى يَ ِلجَ الْ َ
جنّةَ َ
سمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ ا ْل َ
ال ّ
} ثُ ّم يَقُولُ الّل ُه تَعَالَى ُ :ا ْكتُبُوا ِكتَابَهُ فِي سِجّينٍ -فِي الْ َأرْضِ السّفْلَى -قَالَ :
طرْحًا ثُمّ َقرَأَ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َ { :أ ْو َت ْهوِي بِهِ
ط َرحُ رُوحه َ
َفتُ ْ
جسَدِهِ ; َفيَ ْأتِي ِه مَلَكَانِ َفيُجْ ِلسَا ِنهِ ;
حهُ فِي َ
الرّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } قَالَ َ :فتُعَادُ رُو ُ
َفيَقُولَانِ َلهُ :مَنْ َربّك ؟ َفيَقُولُ :هاه ; هاه ; لَا أَ ْدرِي } َوسَاقَ الْحَدِيثَ َكمَا تَقَدّمَ
جهِ مُ ْنتِنُ الرّيحِ ; َفيَقُولُ َ :أ ْبشِ ْر بِ َالّذِي
جلٌ َقبِيحُ ا ْلوَ ْ
إلَى أَنْ قَالَ { َ :ويَ ْأتِيهِ رَ ُ
جهُ الّذِي
جهُك ا ْلوَ ْ
عمَلُك الّذِي قَدْ ُكنْت تُوعَدُ ; َفيَقُولُ :مَنْ َأنْتَ َفوَ ْ
يَسُوءُك ; هَذَا َ
ع َة ثَلَاثَ
عمَلُك السّوءُ َ .فيَقُولُ :رَبّ لَا تُقِمْ السّا َ
خ ْيرِ ؟ قَالَ َ :أنَا َ
لَا يَ ْأتِي بِالْ َ
ح َتبْقَى بَعْدَ مُفَارَ َقةِ
ع مِنْ ا ْلعِلْمُ ِ :منْهَا َ :أنّ الرّو َ
َمرّاتٍ } َ .ففِي َهذَا الْحَدِيثِ َأ ْنوَا ٌ
خلَافًا ِلضُلّالِ ا ْل ُمتَكَّلمِينَ ; وََأ ّنهَا َتصْعَدُ َوتَ ْن ِزلُ خِلَافًا ِلضُلّالِ الْفَلَاسِ َفةِ ;
ا ْلبَدَنِ ; ِ
سؤَالِ
ع ْنهُ أَ ْهلُ ال ّ
ت ُيسْ َألُ َف ُينَعّمُ َأوْ يُعَذّبُ َكمَا سَ َألَ َ
وََأ ّنهَا تُعَادُ إلَى ا ْلبَ َدنِ وَأَنّ ا ْل َميّ َ
حةٍ .وَفِي
س َنةٍ َأوْ َقبِي َ
ح َ
ئ يَ ْأتِيهِ فِي صُورَةٍ َ
سيّ َ
عمَ َلهُ الصّا ِلحَ َأوْ ال ّ
وَفِيهِ أَنّ َ
ك رضي ال عنه أَنّ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه
ن مَالِ ٍ
س بْ ِ
حيْنِ عَنْ قتادة عَنْ َأنَ ِ
الصّحِي َ
سمَعُ خَفْقَ
ع ْنهُ َأصْحَا ُبهُ إ ّنهُ َليَ ْ
وسلم قَالَ { :إنّ الْ َعبْدَ إذَا ُوضِعَ فِي َق ْبرِهِ َو َتوَلّى َ
جلِ مُحَمّدٍ ؟ فَ َأمّا
نِعَا ِلهِمْ َأتَا ُه مَلَكَانِ َفيُ َقرّرَا ِنهِ َ .فيَقُولَانِ :مَا ُكنْت تَقُولُ فِي هَذَا الرّ ُ
ظرْ إلَى مَقْعَدِك
عبْدُ الّلهِ َو َرسُوُلهُ قَالَ َ :فيَقُولُ ُانْ ُ
حمّدٌ َ
شهَدُ َأنّ ُه مُ َ
ا ْلمُ ْؤمِنُ َفيَقُولُ َأ ْ
ج ّنةِ قَالَ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم :
مِنْ النّارِ قَدْ َأبْدَلَك الّل ُه ِبهِ مَقْ َعدًا مِنْ الْ َ
سبْعُونَ ِذرَاعًا َويُمْ َلأُ
َف َيرَا ُهمَا ِكَل ْيهِمَا } قَالَ قتادة :وَذَ َكرَ َلنَا َأ ّنهُ يُ ْفسَحُ َلهُ فِي َقبْرِهِ َ
ضرًا إلَى َيوْ ِم ُيبْعَثُونَ " .ثُ ّم َنرْجِعُ إلَى حَدِيثِ َأنَسٍ { َويَ ْأتِيَانِ الْكَا ِفرَ
خ ِ
عَليْهِ َ
َ
جلِ ؟ َفيَقُولُ :لَا أَ ْدرِي ُكنْت أَقُولُ
وَا ْل ُمنَافِقَ َفيَقُولَانِ :مَا ُكنْت تَقُولُ فِي هَذَا الرّ ُ
ق مِنْ حَدِي ٍد َبيْنَ
ضرَبُ ِبمَطَارِ َ
َكمَا يَقُولُ النّاسُ َ .فيَقُولُ :لَا َد َريْت وَلَا تليت .ثُ ّم ُي ْ
غ ْيرَ الثّ َقَليْنِ } َ .و َروَى ال ّت ْرمِ ِذيّ وََأبُو
سمَ ُعهَا مَنْ عَ َل ْيهَا َ
حةً َفيَ ْ
صيْ َ
ح َ
أُ ُذ َنيْهِ َف َيصِي ُ
-26-
حهِ -وَأَ ْك َثرُ اللّفْظِ َلهُ -عَنْ َأبِي ُه َر ْيرَةَ -رضي ال عنه -قَالَ :
حَاتِمٍ فِي صَحِي ِ
{ قَالَ َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم :إذَا َق َبرَ أَحَدُ ُكمْ الْ ِإ ْنسَانَ َ :أتَا ُه مَلَكَانِ
خرُ نَكِيرٌ َ .فيَقُولَانِ َلهُ :مَا ُكنْت تَقُولُ فِي هَذَا
ن يُقَالُ َل ُهمَا ُمنْ َكرٌ وَالْآ َ
سوَدَانِ َأ ْزرَقَا ِ
َأ ْ
عبْدُ الّلهِ
ن ُم ْؤمِنًا قَالَ ُ :هوَ َ
ن يَقُولُ ; َفإِنْ كَا َ
حمّدٍ ؟ َف ُهوَ قَا ِئلٌ :مَا كَا َ
جلِ مُ َ
الرّ ُ
عبْدُهُ َو َرسُوُلهُ َ .فيَقُولَانِ :إنّا
حمّدًا َ
ن مُ َ
شهَدُ َأ ّ
شهَدُ أَنْ لَا إ َلهَ إلّا الّلهُ وََأ ْ
َورَسُوُلهُ َأ ْ
سبْعُونَ ِذرَاعًا َويُ َن ّورُ َلهُ فِيهِ .
ُكنّا َلنَعْ َلمُ َأنّك تَقُولُ َذلِكَ .ثُ ّم يُ ْفسَحُ َلهُ فِي َق ْبرِهِ َ
خ ِبرَهُمْ َ .فيَقُولَانِ َلهُ :نَمْ َ .ك َنوْ َمةِ
َويُقَالُ َلهُ :نَمْ َ .فيَقُولُ َ :أرْجِعُ إلَى أَ ْهلِي َفأُ ْ
حتّى َيبْ َعثَهُ الّل ُه مِنْ مَضْجَ ِعهِ َذلِكَ .
ظهُ إلّا أَحَبّ أَهْ ِلهِ إ َل ْيهِ َ
الْ َعرُوسِ :الّذِي لَا يُوقِ ُ
س يَقُولُونَ شَ ْيئًا فَ ُقلْته َ .فيَقُولَانِ :
سمَعُ النّا َ
ن ُمنَافِقًا قَالَ :لَا أَ ْدرِي ُكنْت َأ ْ
وَإِنْ كَا َ
حتّى
عَليْهِ َ
إنّا ُكنّا نَعْ َلمُ َأنّك تَقُولُ َذلِكَ .ثُ ّم يُقَالُ لِ ْل َأرْضِ :ا ْلتَ ِئمِي عَ َل ْيهِ َفتَ ْل َتئِمُ َ
ن َمضْجَ ِعهِ ذَِلكَ } وَهَذَا
حتّى يَبْ َع َثهُ الّلهُ مِ ْ
عهُ َفلَا َيزَالُ مُ َع ّذبًا َ
ختَ ِلفَ فِيهَا َأضْلَا ُ
تَ ْ
س ُه يُعَذّبُ َ .وعَنْ
ك ِممّا ُيبَيّنُ أَنّ ا ْلبَدَنَ نَفْ َ
غ ْيرُ ذَِل َ
عهِ وَ َ
ختِلَافُ َأضْلَا ِ
الْحَدِيثُ فِيهِ ا ْ
ح ُتضِرَ
َأبِي ُهرَ ْيرَ َة رضي ال عنه أَنّ ال ّنبِيّ صلى ال عليه وسلم قَالَ { :إذَا اُ ْ
حتّى
طيَبِ رِيحِ ا ْل ِمسْكِ َ
خرُجِي َكأَ ْ
حرِيرَ ِة َبيْضَاءَ َ .فيَقُولُونَ .اُ ْ
ا ْلمَيّتُ َأ َت ْتهُ ا ْلمَلَائِ َكةُ بِ َ
طيَبَ َهذَا
سمَاءِ َ .فيَقُولُونَ :مَا َأ ْ
حتّى يَ ْأتُوا بِ ِه بَابَ ال ّ
ضهُمْ بَ ْعضًا َ
إ ّنهُ َل ُينَاوُِل ُه بَ ْع ُ
ن ِبهِ َأ ْروَاحَ ا ْل ُمؤْ ِمنِينَ فَ َلهُمْ َأشَدّ َفرَحًا ِبهِ
الرّيحِ مَتَى جَا َءتْ ُك ْم مِنْ ا ْل َأرْضِ ؟ َفيَ ْأتُو َ
مِنْ َأحَدِكُمْ بِغَا ِئبِ ِه يَقْدَمُ عَ َل ْي ِه َيسْأَلُو َنهُ مَاذَا َف َعلَ ُفلَانٌ َفيَقُولُونَ دَعُوهُ فَ ِإ ّنهُ فِي غَمّ
ضرَ َأ َتتْهُ
حتُ ِ
ال ّدنْيَا فَِإذَا قَالَ إ ّنهُ َأتَا ُكمْ قَالُوا ذَهَبَ إلَى ُأ ّمهِ ا ْلهَا ِويَةِ .وََأنّ الْكَا ِفرَ إذَا ُا ْ
خ ُرجُ
عَليْك إلَى عَذَابِ الّلهِ َفتَ ْ
خرُجِي َمسْخُوطًا َ
ب بمسح َ .فيَقُولُونَ ُ :ا ْ
مَلَائِ َكةُ الْعَذَا ِ
حتّى يَ ْأتُوا ِبهِ َأ ْروَاحَ ا ْلكُفّارِ } َروَاهُ النسائي وَا ْلبَزّارُ َروَاهُ مُسِْلمٌ
َكَأنْتَنِ جِيفَةٍ َ
حهِ َفرَدّ
حةِ رُو ِ
عنْدَ الْكَا ِفرِ َو َنتْنِ رَائِ َ
عنْ َأبِي ُه َر ْيرَةَ رضي ال عنه .وَ ِ
صرًا َ
ختَ َ
مُ ْ
طةُ :
علَى َأنْفِهِ َهكَذَا .وَال ّريْ َ
طةً كَانَتْ عَ َل ْيهِ َ
َرسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َريْ َ
جهُ َأبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ { :إنّ ا ْل ُم ْؤمِنَ
خرَ َ
ن ِم ْثلُ ا ْلمُلَاءَةِ َ .وأَ ْ
َثوْبٌ رَقِيقٌ َليّ ٌ
حرِيرَةٍ
سهُ جُعِلَتْ فِي َ
ت نَ ْف ُ
ح َمةِ َفإِذَا ُقبِضَ ْ
ت مَلَائِ َكةُ الرّ ْ
حضَرَ ْ
ضرَهُ ا ْل َموْتُ َ
ح َ
إذَا َ
ب مِنْ َهذِهِ
طيَ َ
ن مَا وَجَ ْدنَا رِيحًا أَ ْ
سمَاءِ َفيَقُولُو َ
بَ ْيضَاءَ َف َتنْطَلِقُ ِبهَا إلَى بَابِ ال ّ
ن مَا
غمّ ال ّد ْنيَا َ .فيُقَالُ :مَا َف َعلَ ُفلَا ٌ
حةِ َفيُقَالُ َ :دعُوهُ َيسْ َترِيحُ َفِإ ّنهُ كَانَ فِي َ
الرّائِ َ
-27-
خ َز َنةُ
ب ِبهَا إلَى ا ْل َأرْضِ تَقُولُ َ
فَ َعلَتْ ُفلَا َنةُ ؟ وََأمّا ا ْلكَا ِفرُ إذَا ُقبِضَتْ رُوحه ذُهِ َ
الْ َأرْضِ :مَا وَجَ ْدنَا رِيحًا َأ ْنتَنَ مِنْ هَذِهِ َفيُبْلَغُ ِبهَا فِي الْ َأرْضِ السّفْلَى } فَفِي هَذِهِ
عذَا ِبهِ َوَأمّا انْ ِفرَادُ الرّوحِ
جتِمَاعُ الرّوحِ وَا ْلبَدَنِ فِي نَعِيمِ الْ َقبْرِ وَ َ
حوِهَا ا ْ
الْأَحَادِيثِ َونَ ْ
ك رضي ال عنه أَنّ ال ّنبِيّ صلى
ن مَاِل ٍ
وَحْدَهَا فَقَ ْد تَقَدّ َم بَعْضُ َذلِكَ .وَعَنْ كَعْبِ بْ ِ
حتّى
جنّةِ َ
جرِ ا ْل َ
سمَةُ ا ْل ُمؤْمِنِ طَا ِئ ٌر يَعْلُقُ فِي شَ َ
ال عليه وسلم قَالَ { :إ ّنمَا َن َ
جسَدِهِ َيوْمَ يَبْ َع ُثهُ } َروَاهُ النسائي َو َروَا ُه مَالِكٌ وَالشّافِ ِعيّ ِكلَا ُهمَا .
ُيرْجِ َعهُ إلَى َ
خ َبرَتْ
حدِيثِ .فَقَدْ أَ ْ
غ ْيرِ هَذَا الْ َ
ي يَأْ ُكلُ َوقَ ْد نُ ِقلَ هَذَا فِي َ
وَ َقوُْلهُ " يَعْلُقُ " بِالضّمّ َأ ْ
هَذِهِ ال ّنصُوصُ أَنّ الرّوحَ تُنَعّ ُم مَعَ ا ْلبَ َدنِ الّذِي فِي الْ َق ْبرِ -إذَا شَاءَ الّلهُ -وَِإ ّنمَا
ج ّنةِ َوحْدَهَا َوكِلَا ُهمَا حَقّ .وَقَدْ َروَى ابْنُ َأبِي ال ّد ْنيَا فِي ِكتَابِ ِذ ْكرِ
تُنَعّمُ فِي الْ َ
حيْثُ شَاءَتْ "
ح ُم ْرسَ َلةٌ تَذْهَبُ َ
ن مَالِكِ بْنِ َأنَسٍ قَالَ " :بَلَ َغنِي أَنّ الرّو َ
ا ْلمَوْتِ عَ ْ
علَى أَ ْف ِنيَةِ الْ ُقبُورِ " َكمَا قَالَ مُجَاهِدٌ :
وَهَذَا ُيوَافِقُ مَا ُر ِويَ " :أَنّ الرّوحَ قَ ْد تَكُونُ َ
سبْ َعةَ َأيّامٍ يَوْمَ يُدْفَنُ ا ْل َميّتُ لَا تُفَارِقُ َذلِكَ وَ َق ْد تُعَادُ
علَى الْ ُقبُورِ َ
ح تَدُومُ َ
إنّ الْ َأ ْروَا َ
عبْدِ
حهُ ابْنُ َ
غيْرِ وَقْتِ ا ْل َمسْ َأَلةِ " َكمَا فِي الْحَدِيثِ الّذِي صَحّ َ
الرّوحُ إلَى ا ْلبَدَنِ فِي َ
جلِ
ج ٍل يَ ُم ّر بِ َقبْرِ الرّ ُ
ا ْلبَرّ عَنْ ال ّنبِيّ صلى ال عليه وسلم َأ ّنهُ قَالَ { :مَا مِنْ رَ ُ
حتّى يَرُدّ عَ َل ْيهِ
حهُ َ
عَل ْيهِ رُو َ
عَليْهِ إلّا رَدّ الّلهُ َ
ن يَ ْعرِ ُفهُ فِي ال ّد ْنيَا َف ُيسَلّمُ َ
الّذِي كَا َ
عنْ ال ّن ِبيّ
عنْ َأوْسِ بْنِ َأوْسٍ الثّقَ ِفيّ َ
غ ْيرَهُ َ
السّلَامَ } .وَفِي سُنَنِ َأبِي داود وَ َ
ي مِنْ
جمُ َعةِ فَأَ ْك ِثرُوا عَ َل ّ
خ ْيرَ َأيّامِكُ ْم َيوْمُ ا ْل ُ
صلى ال عليه وسلم َأ ّنهُ قَالَ { :إنّ َ
ن صَلَاتَكُ ْم مَ ْعرُوضَةٌ عَ َليّ .قَالُوا :يَا َرسُولَ
جمُ َعةِ ; فَِإ ّ
جمُ َعةِ َوَليْ َلةَ ا ْل ُ
الصّلَاةِ يَوْمَ ا ْل ُ
علَى ا ْل َأرْضِ َأنْ
حرّمَ َ
ف تُ ْعرَضُ صَلَا ُتنَا عَ َليْك وَ َقدْ َأ َرمْت فَقَالَ :إنّ الّلهَ َ
الّلهِ َك ْي َ
جسَادَ ا ْلَأنْ ِبيَاءِ } .وَهَذَا ا ْلبَابُ فِي ِه مِنْ ا ْلأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ مَا َيضِيقُ هَذَا ا ْلوَقْتُ
تَأْ ُكلَ أَ ْ
ستِ ْقصَائِ ِه ِممّا ُيبَيّنُ أَنّ ا ْلَأبْدَانَ اّلتِي فِي الْ ُقبُو ِر ُتنَعّمُ َوتُعَذّبُ -إذَا شَاءَ الّلهُ
عنْ ا ْ
َ
ح بَا ِق َي ٌة بَعْ َد مُفَارَ َقةِ ا ْلبَدَنِ َو ُمنَ ّعمَةٌ َومُعَ ّذ َبةٌ .وَ ِلهَذَا
ذَِلكَ َ -كمَا َيشَاءُ وََأنّ الْ َأ ْروَا َ
َأ َمرَ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم بِالسّلَامِ عَلَى ا ْل َموْتَى َكمَا َثبَتَ فِي الصّحِيحِ
ن يُعَلّمُ َأصْحَا َبهُ إذَا زَارُوا الْ ُقبُورَ أَنْ يَقُولُوا :السّلَامُ عَ َليْكُمْ أَ ْهلَ
سنَنِ { َأ ّنهُ كَا َ
وَال ّ
ن ِمنّا
ستَقْدِمِي َ
ن َيرْحَمُ الّلهُ ا ْل ُم ْ
ال ّديَا ِر مِنْ ا ْل ُمؤْ ِمنِينَ وَِإنّا إنْ شَاءَ الّل ُه بِكُمْ لَاحِقُو َ
جرَهُمْ وَلَا تَ ْفتِنّا
حرِ ْمنَا َأ ْ
خرِين َنسْ َألُ الّلهَ َلنَا وَلَ ُكمْ الْعَا ِف َيةَ .الّلهُمّ لَا تَ ْ
ستَأْ ِ
َومِنْكُمْ وَا ْل ُم ْ
-28-
صوْتَ
سمِعُوا َ
حتّى َ
شفَ لِ َكثِيرِ مِنْ النّاسِ َذلِكَ َ
بَعْدَهُمْ وَاغْ ِفرْ َلنَا وَ َلهُمْ } .وَقَدْ انْ َك َ
ا ْلمُعَ ّذبِينَ فِي ُقبُورِهِمْ َورََأوْهُ ْم بِ ُعيُو ِنهِ ْم يُعَ ّذبُونَ فِي ُقبُورِهِمْ فِي آثَارٍ َكثِيرَ ٍة مَ ْعرُو َفةٍ
ن يَكُونَ فِي
علَى ا ْلبَدَنِ فِي ُكلّ وَقْتٍ ; َبلْ يَجُوزُ أَ ْ
ن يَكُونَ دَائِمًا َ
وَلَ ِكنْ لَا يَجِبُ ذَِلكَ َأ ْ
ك رضي ال عنه َ { :أنّ ال ّن ِبيّ
ن مَاِل ٍ
حيْنِ عَنْ َأنَسِ بْ ِ
حَالٍ دُونَ حَالٍ .وَفِي الصّحِي َ
ج ْهلِ
عَل ْيهِمْ فَقَالَ :يَا َأبَا َ
صلى ال عليه وسلم تَرَكَ َقتْلَى بَ ْدرٍ ثَلَاثًا ثُمّ َأتَاهُمْ فَقَامَ َ
شيْ َبةَ بْنَ َربِي َعةَ َأَليْسَ قَدْ وَجَ ْدتُمْ
ف يَا عتبة بْنَ َربِي َعةَ يَا َ
بْنَ ِهشَامٍ يَا ُأ َم ّيةَ بْنَ خَ َل ٍ
عمَ ُر رضي ال
ع َدنِي َربّي حَقّا َفسَمِعَ ُ
مَا وَعَ َدكُمْ َربّكُمْ حَقّا ؟ َفِإنّي وَجَدْت مَا وَ َ
سمَعُونَ وَ َقدْ
عنه َق ْولَ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم .فَقَالَ :يَا َرسُولَ الّلهِ َك ْيفَ يَ ْ
سمَعَ ِلمَا أَقُولُ مِ ْنهُمْ َولَ ِك ّنهُمْ لَا
جيّفُوا ؟ فَقَالَ َ :واَلّذِي نَ ْفسِي بِيَدِ ِه مَا َأ ْنتُ ْم بِ َأ ْ
ُ
خرَجَاهُ فِي
ب بَ ْدرٍ } .وَ َقدْ أَ ْ
حبُوا فَُألْقُوا فِي قَلِي ِ
ن يُجِيبُوا ثُمّ َأ َمرَ ِبهِمْ َفسُ ِ
يَقْ ِدرُونَ َأ ْ
عمَر رضي ال عنهما { َأنّ ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم وَ َقفَ
حيْنِ عَنْ ابْنِ ُ
الصّحِي َ
حقّا ؟ وَقَالَ إ ّنهُمْ َل َيسْمَعُونَ الْآنَ مَا
ب بَ ْدرٍ فَقَالَ َهلْ وَجَ ْدتُ ْم مَا وَعَدَ ُكمْ َربّكُمْ َ
علَى قَلِي ِ
َ
ع َمرَ .إ ّنمَا قَالَ َرسُولُ الّلهِ صلى ال
شةَ فَقَالَتْ :وَهِمَ ابْنُ ُ
أَقُولُ َفذَ َكرَ َذلِكَ لِعَائِ َ
ق ثُمّ َقرَأَتْ قوله تعالى
عليه وسلم إ ّنهُمْ َليَ ْعَلمُونَ الْآنَ َأنّ الّذِي ُقلْت َل ُهمْ ُهوَ الْحَ ّ
س ّنةِ :
حتّى َقرَأَتْ الْآ َيةَ } .وَأَ ْهلُ ا ْلعِلْمِ بِا ْلحَدِيثِ وَال ّ
{ إنّكَ لَا ُتسْمِعُ ا ْل َموْتَى } َ
شهَدَا بَ ْدرًا َفإِنّ َأنَسًا
ع َمرَ وَِإنْ كَانَا َل ْم َي ْ
حةِ مَا َروَاهُ َأنَسٌ وَابْنُ ُ
اتّفَقُوا عَلَى صِ ّ
حهِ
شهِ َد بَ ْدرًا َ .كمَا َروَى َأبُو حَاتِمٍ فِي صَحِي ِ
حةَ َ
حةَ َوَأبُو طَلْ َ
عنْ َأبِي طَ ْل َ
َروَى ذَلِكَ َ
حةَ رضي ال عنه { أَنّ ال ّنبِيّ صلى ال عليه وسلم َأ َم َر َيوْمَ
طلْ َ
عنْ َأبِي َ
عنْ َأنَسٍ َ
َ
طوَا ِء بَ ْدرٍ
طوًى مِنْ َأ ْ
صنَادِيدِ ُقرَيْشٍ َفقُذِفُوا فِي ُ
ن َ
شرِينَ رَجُلًا مِ ْ
ع ْ
بَ ْدرٍ ِب َأرْبَ َعةٍ وَ ِ
ع ْرصَ ِتهِ ْم ثَلَاثَ َليَالٍ :فَ َلمّا كَانَ ا ْل َيوْمُ
ظ َهرَ عَلَى َقوْمٍ أَحَبّ أَنْ يُقِيمَ فِي َ
وَكَانَ إذَا َ
حرّ َكهَا ثُ ّم َمشَى َو َتبِ َعهُ َأصْحَا ُبهُ .وَقَالُوا :مَا
عَل ْيهَا فَ َ
الثّالِثُ َ :أ َمرَ بِرَاحِ َل ِتهِ َفشَدّ َ
علَى شِفَاءِ الرّكّى ; َفجَ َع َل ُينَادِيهِمْ
حتّى قَامَ َ
ج ِتهِ ; َ
طلِقُ إلّا ِلبَعْضِ حَا َ
َنرَا ُه يَنْ َ
ط ْعتُمْ الّلهَ َو َرسُو َلهُ ؟ فَ ِإنّا
ن بْنَ فُلَانٍ َأ َيسُرّ ُكمْ َأنّكُمْ أَ َ
سمَائِهِمْ وََأسْمَاءِ آبَا ِئهِ ْم يَا فُلَا َ
بِ َأ ْ
ع َمرُ بْنُ
ج ْدنَا مَا َوعَ َدنَا َربّنَا حَقّا َ .ف َهلْ وَجَ ْدتُمْ مَا وَعَ َدكُمْ َربّكُمْ حَقّا ؟ قَالَ ُ
قَدْ وَ َ
جسَادٍ وَلَا َأ ْروَاحَ فِيهَا .فَقَالَ ال ّن ِبيّ صلى ال
الْخَطّابِ :يَا َرسُولَ الّل ِه مَا تُ َكلّ ُم مِنْ أَ ْ
عليه وسلم :وََالّذِي نَ ْفسِي ِبيَدِهِ ; مَا َأنْتُ ْم ِبَأسْمَعَ ِلمَا أَقُو ُل ِم ْنهُمْ } .قَال قتادة :
-29-
شةُ
سرَةً َو َتنْدِيمًا .وَعَائِ َ
ح ْ
سمِ َعهُ ْم َتوْبِيخًا َو َتصْغِيرًا َونِقْ َمةً وَ َ
حتّى َ
حيَا ُهمْ الّلهُ َ
أَ ْ
عنْ ال ّنبِيّ صلى ال
تَ َأوّلَتْ فِيمَا ذَ َك َر ْتهُ َكمَا تَ َأوّلَتْ َأ ْمثَالَ ذَِلكَ .وَالنّصّ الصّحِيحُ َ
ن مَا
غ ْيرِهِ وَ َليْسَ فِي الْ ُقرْآ ِ
علَى تَ ْأوِيلِ مَنْ تَ َأ ّولَ مِنْ َأصْحَابِهِ وَ َ
عليه وسلم مُقَدّمٌ َ
سمَاعَ ا ْلمُ ْعتَادَ الّذِي
سمِعُ ا ْل َم ْوتَى } إ ّنمَا َأرَا َد ِبهِ ال ّ
يَنْفِي َذلِكَ َفإِنّ َقوْ َلهُ { :إنّكَ لَا ُت ْ
صوْتَ لَكِنْ لَا َتسْمَعُ
سمَعُ ال ّ
ضرِبَ لِلْكُفّارِ وَالْكُفّارُ تَ ْ
حبَهُ َفإِنّ َهذَا َم َثلٌ ُ
يَنْفَ ُع صَا ِ
سَمَاعَ َقبُو ٍل بِفِ ْقهِ وَاتّبَاعٍ َكمَا قَا َل تَعَالَى َ { :ومَ َثلُ الّذِينَ كَ َفرُوا َك َمثَلِ الّذِي َينْعِقُ
بِمَا لَا َيسْمَعُ إلّا دُعَاءً َونِدَاءً } َ .فهَكَذَا ا ْلمَ ْوتَى الّذِينَ ضَرَبَ َلهُمْ ا ْل َم َثلَ لَا يَجِبُ أَنْ
سمَاعِ َكمَا لَ ْم ُي ْنفَ َذلِكَ عَنْ الْكُفّارِ ; َبلْ
سمَاعِ ا ْلمُ ْعتَادِ َأ ْنوَاعَ ال ّ
جمِيعُ ال ّ
ع ْنهُمْ َ
يُنْفَى َ
ع ْنهُمْ .
خرُ فَلَا ُينْفَى َ
سمَاعٌ آ َ
ن ِبهِ وََأمّا َ
سمَاعُ ا ْلمُ ْعتَادُ الّذِي يَ ْنتَفِعُو َ
ع ْنهُمْ ال ّ
قَدْ ا ْنتَفَى َ
ت َيسْمَعُ خَفْقَ نِعَا ِل ِهمْ إذَا وَّلوْا مُ ْدبِرِينَ
غ ْيرِهِمَا أَنّ ا ْل َميّ َ
وَقَ ْد َثبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ وَ َ
ف يَدْفَعُ َذلِكَ ؟ َومِنْ الْ ُعَلمَا ِء مَنْ قَالَ :إنّ ا ْل َميّتَ فِي َق ْبرِهِ لَا
َفهَذَا مُوَافِقٌ ِلهَذَا فَ َك ْي َ
حيَاهُ الّلهُ
ستَدَلّتْ بِ ِه مِنْ الْ ُقرْآنِ وََأمّا إذَا أَ ْ
سمَ ُع مَا دَا َم َميّتًا َكمَا قَالَتْ عَا ِئشَةُ .وَا ْ
يَ ْ
ن ِبهَا
حيَاةُ لَا َيسْمَعُو َ
ت تِ ْلكَ الْ َ
حيَا ُهمْ الّلهُ َلهُ .وَإِنْ كَانَ ْ
فَ ِإ ّن ُه َيسْمَعُ َكمَا قَالَ قتادة :أَ ْ
س ِبهِ ا ْل َميّتُ فِي مَنَا ِمهِ وَ َكمَا لَا
حنُ لَا َنرَى ا ْلمَلَائِ َكةَ وَا ْلجِنّ َولَا نَ ْعلَ ُم مَا يُحِ ّ
َكمَا نَ ْ
ك مَنْ َأطْلَ َعهُ الّلهُ عَ َل ْيهِ .
خرِ َوإِنْ كَانَ قَ ْد يَ ْعلَمُ ذَِل َ
ن مَا فِي َقلْبِ الْآ َ
يَعْلَمُ الْ ِإ ْنسَا ُ
ش ْرحِ وَالتّ ْفصِي ِل مَا
صلُ ِبهَا مَ ْقصُودُ السّا ِئلِ وَإِنْ كَانَ َلهَا مِنْ ال ّ
ح ُ
جمْ َل ٌة يَ ْ
[ وَهَذِهِ ] ُ
عنْ ُه مَا لَا يَكَادُ
علَى مَا سَ َألَ َ
ن مَا ذَ َك ْرنَاهُ مِنْ الْأَ ِدّلةِ ا ْل َب ّينَةِ َ
َليْسَ هَذَا َموْضِ َعهُ َفإِ ّ
ح ِبهِ َوسَلّمَ .يقول
علَى آ ِلهِ َوصَ ْ
حمّدٍ وَ َ
علَمُ َ .وصَلّى الّلهُ عَلَى مُ َ
جمُوعًا َ .واَلّلهُ أَ ْ
مَ ْ
ابن القيم :
" ونعيم البرزخ وعذابه مذكور في القرآن في غير موضع :
)1فمنها :قوله تعالى " :وَ َلوْ تَرَى ِإذِ الظّالِمُو نَ فِي غَ َمرَا تِ الْمَوْ تِ وَا ْلمَل ِئكَةُ
عذَا بَ الْهُو نِ بِمَا كُنتُ مْ َتقُولُو نَ
س ُكمُ ا ْليَوْ مَ تُجْ َزوْ نَ َ
بَا سِطُواْ َأ ْيدِيهِ مْ أَخْرِجُواْ أَنفُ َ
ستَ ْكبِرُونَ " [النعام . ]93/
حقّ َوكُن ُتمْ عَنْ آيَاتِهِ َت ْ
غيْرَ الْ َ
عَلَى الّلهِ َ
-30-
وهذا خطاب لهم عند الموت وقد أخبرت الملئكة ـ وهم الصادقون ـ أنهم حينئذ
يجزون عذاب الهون ،ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا لما صح أن يقال
لهم اليوم تجزون .
ن سُوءُ
س ّيئَاتِ مَا َمكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْ َ
)2ومنها قوله تعالى " :فَوَقَاهُ اللّ ُه َ
شيّا َويَ ْومَ َتقُومُ السّاعَةُ َأدْخِلُوا آلَ
ع ِ
غدُوّا وَ َ
عَليْهَا ُ
ا ْل َعذَابِ النّارُ ُيعْ َرضُونَ َ
] غافر46-45/ "[ شدّ ا ْل َعذَاب
عوْنَ َأ َ
فِرْ َ
فذكر عذاب الدارين ذكرا صريحا ل يحتمل غيره.
ص َعقُونَ يَ ْومَ لَا
حتّى يُلَاقُوا يَوْمَ ُهمُ اّلذِي فِيهِ ُي ْ
)3ومنها قوله تعالى " َف َذرْ ُهمْ َ
] الطور45/ يُنصَرُون" [ شيْئًا َولَا ُهمْ
عنْ ُه ْم َك ْيدُ ُه ْم َ
ُي ْغنِي َ
وهذا يحتمل أن يراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا ،وأن يراد به عذابهم في
البرزخ ؛ لن كثيرا منهم مات ولم يعذب في الدنيا .
وقد يقال ـ وهو أظهر ـ :أن من مات منهم عذب في البرزخ ،ومن بقى منهم
عذب في الدنيا بالقتل وغيره ،فهو وعيد بعذابهم في الدنيا والبرزخ .
أما الدلة من السنة النبوية فكثيرة جدا.
ع ْنهَا أَنّ يَهُو ِديّةً دَخَ َلتْ
شةَ َرضِيَ الّلهُ َ
عنْ عَائِ َ
)1منها :ما أخرجه البخاري َ
عذَابِ ا ْل َق ْبرِ َ ،فسَأَ َلتْ
عذَابَ ا ْل َقبْرِ َ ،فقَا َلتْ َلهَا :أَعَاذَكِ اللّهُ مِنْ َ
عَ َليْهَا َف َذكَ َرتْ َ
حقٌ .
عذَابُ ا ْل َقبْرِ َ
عذَابِ ا ْل َقبْرِ َ ،فقَالَ َ :نعَمْ َ ،
عَنْ َ عَا ِئشَةُ َرسُولَ اللّهِ
َب ْعدُ صَلّى صَلَاةً إِلّا ي اللّهُ َع ْنهَا :فَمَا رََأ ْيتُ َرسُولَ اللّهِ
ضَقَاَلتْ عَائِشَةُ َر ِ
1
عذَابِ ا ْل َقبْرِ .
َتعَ ّوذَ مِنْ َ
خ َرجَ
قَالَ َ : )2ومنها :ما في الصحيحين عن البراء بن عازب عن أبي أيوب
ج َبتْ الشّمْسُ َفسَمِعَ صَ ْوتًا َفقَالَ " :يَهُودُ ُت َع ّذبُ فِي ُقبُو ِرهَا "
وَ َقدْ وَ َ ال ّن ِبيّ
2
.
أخرجه البخاري ( )1372كتاب الجنائز ،باب ما جاء في عذاب القبر . 1
-31-
أخبرته أنّ رسول ال عنْ عائشة زوج النبي
)3ومنها ما في الصحيحين أيضا َ
عذَابِ ا ْل َقبْرِ ،وَأَعُوذُ بِكَ
كَانَ يَدْعُو فِي الصّلَاةِ " اللّ ُهمّ ِإنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ َ
حيَا وَ ِف ْتنَةِ الْمَمَاتِ اللّ ُهمّ ِإنّي
مِنْ ِف ْتنَةِ الْ َمسِيحِ الدّجّالِ ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ِف ْتنَةِ ا ْلمَ ْ
أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَ ْأ َثمِ وَالْ َمغْ َرمِ َفقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا َأ ْكثَرَ مَا َتسْ َتعِيذُ مِنْ ا ْل َمغْ َرمِ َفقَالَ
1
عدَ فَأَخْلَفَ .
حدّثَ َف َك َذبَ وَوَ َ
غ ِرمَ َ
إِنّ الرّجُلَ ِإذَا َ
وهذا كما هو مقتضى السنة الصحيحة فهو متفق عليه بين أهل السنة .
قال المروزي :قال أبو عبد ال ـ يعني المام أحمد ـ :عذاب القبر حق ل
ينكره إل ضال مضل.
قال حنبل :قلت لبي عبد ال في عذاب القبر .فقال :هذه أحاديث صحاح
إسناد جيد أقررنا به ،إذا لم نقر بما نؤمن بها ونقر بها كلما جاء عن النبي
" ورفعناه ورددناه رددنا على ال أمره ،قال ال تعالى : جاء به رسول ال
" [ الحشر] 7/ خذُوهُ
وَمَا آتَا ُكمُ ال ّرسُولُ فَ ُ
قلت له :وعذاب القبر حق ؟ قال :حق يعذبون في القبور.
قال :وسمعت أبا عبد ال يقول :نؤمن بعذاب القبر ،ومنكر ونكير ،وأن العبد
حيَاةِ ال ّد ْنيَا َوفِي
يسأل في قبره فـ " ُي َثبّتُ الّلهُ اّلذِينَ آ َمنُواْ بِا ْلقَ ْولِ الثّا ِبتِ فِي الْ َ
الخِ َرةِ" [إبراهيم ]27 /في القبر .أهـ
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه ،وهو ما
بين الدنيا والخرة .
] 100 قال تعالى " وَمِن وَرَا ِئهِم َبرْ َزخٌ إِلَى يَ ْومِ ُيبْ َعثُون " [ المؤمنون /
أخرجه البخاري ( )1375كتاب الجنائئز ،باب التعوذ من عذاب القبر ،ومسلم ( )2869كتاب الجنة وصفة
نعيمها ،باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه .
متفق عليه أخرجه البخاري ( )833كتاب الذان باب الدعاء قبل السلم ،ومسلم ( )589كتاب المساجد 1
-32-
وهذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا والخرة ،وسمى عذاب القبر ونعيمه ؛
لنه روضة أو حفرة نار ،باعتبار غالب الخلق فالمصلوب والحّرق والغّرق
وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله ،
وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتهما ،وقد ظن بعض الوائل أنه إذا
حرق جسده بالنار ،وصار رمادا ،وذرى بعضه في البحر ،وبعضه في البر في
يوم شديد الريح أنه ينجو من ذلك .
:ذكر رجل فيمن كان سلف أو قبلكم عن النبي عن أبي سعيد الخدري
آتاه ال مال وولدا يعني أعطاه قال فلما حضر قال لبنيه :أي أب كنت لكم ؟
قالوا :خير أب .قال :فإنه لم يبتئر (لم يدخر) عند ال خيرا ،وإن يقدم
على ال يعذبه فانظروا فإذا مت فأحرقوني حتى إذا صرت فحما
فاسحقوني ،أو قال :فاسهكوني ثم إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها فأخذ
مواثيقهم على ذلك ـ وربي ـ ففعلوا .
فقال ال :كن فإذا رجل قائم .ثم قال أي عبدي ما حملك على ما فعلت .
1
قال :مخافتك أو فرق منك فما تلفاه أن رحمه ال "
فلم يفت عذاب البرزخ ونعيمه هذه الجزاء التي صارت في هذه الحال ،حتى لو
علق على رؤوس الشجار في مهاب الريح لصاب جسده من عذاب البرزخ حظه
ونصيبه ،ولو دفن الرجل الصالح في آتون من النار لصاب جسده من نعيم
البرزخ وروحه نصيبه وحظه ،فيجعل ال النار على هذا بردا وسلما ،والهواء
على ذلك نارا وسموما ،فعناصر العالم وموادها منقادة لربها وفاطرها وخالقها
يصرفها كيف يشاء ،ول يستعصي عليه منها شئ أراده ،بل هي طوع مشيئته
مذللة منقادة لقدرته ،ومن أنكر هذا فقد جحد رب العالمين ،وكفر به ،وأنكر
ربوبيته.
متفق عليه .أخرجه البخاري ( )6481ك الرقاق ،باب الخوف من ال . 1
ومسلم ( )2757ك التوبة ،باب في سعة رحمة ال تعالى وأنها سبقت غضبه .
-33-
وال سبحانه جعل أمر الخرة وما كان متصل بها غيبا ،وحجبها عن إدراك
المكلفين في هذه الدار ،وذلك من كمال حكمته ،وليتميز المؤمنون بالغيب من
غيرهم ،فأول ذلك أن الملئكة تنزل على المحتضر وتجلس قريبا منه ويشاهدهم
عيانا ،ويتحدثون عنده ومعهم الكفان والحنوط إمّا من الجنة وإمّا من النار ،
ويؤمّنون على دعاء الحاضرين بالخير والشر ،وقد يسلمون على المحتضر ويرد
عليهم تارة بلفظه ،وتارة بإشارته ،وتارة بقلبه حيث ل يتمكن من نطق ول
إشارة.
وكيف يستنكر من يعرف ال سبحانه ،ويقر بقدرته ،أن يحدث حوادث
يصرف عنها أبصار بعض خلقه حكمةً منه ورحمةً بهم ،لنّهم ل يطيقون رؤيتها
وسماعها ،والعبد أضعف بصرا وسمعا من أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر ،
وكثيرا ممن أشهده ال ذلك صعق ،وغشي عليه ،ولم ينتفع بالعيش زمنا ،
وبعضهم كشف قناع قلبه فمات ،فكيف ينكر في الحكمة اللهية إسبال غطاء
يحول بين المكلفين وبين مشاهدة ذلك حتى إذا كشف الغطاء رأوه وشاهدوه عيانا.
ثم إنّ النار التي في القبر والخضرة ليست من نار الدنيا ول من زروع
الدنيا ،فيشاهده من شاهد نار الدنيا وخضرها ،وإنّما هي من نار الخرة
وخضرها وهي أشدّ من نار الدنيا ،فل يحس به أهل الدنيا ،فإنّ ال سبحانه
يحمي عليه ذلك التراب والحجارة التي عليه حتى يكون أعظم حرا من جمر
الدنيا ،ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بذلك ،بل أعجب من هذا أن الرجلين يدفنان
أحدهما إلى جنب الخر ،وهذا في حفرة من حفر النار ل يصل حرها إلى جاره ،
وذلك في روضة من رياض الجنة ل يصل روحها ونعيمها إلى جاره.
وقدرة الرب تعالى أوسع وأعجب من ذلك ،وقد أرانا ال من آيات قدرته في
هذه الدار ما هو أعجب من ذلك بكثير ،ولكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط
به علما إل من وفقه ال وعصمه.
فيُفرش للكا فر لوحان من نار فيشت عل عل يه قبره به ما ك ما يشت عل التنور ،فإذا
شاء ال سـبحانه أن يطلع على ذلك بعـض عـبيده أطلعـه وغيّبـه عـن غيره ،إذ لو
-34-
أطلع العباد كلهم لزالت كلمة التكليف ،واليمان بالغيب ،ولما تدافن الناس ،كما
قال " :لول أن ل تدافنوا لدعوت ال أن يسمعكم من أن ال نبي روى أ نس
عذاب القبر ما أسمع " ولمّا كانت هذه الحكمة منفية في حق البهائم سمعت ذلك 1
بغلته وكادت تلقيه لما مر بمن يعذب في قبره وأدركته كما حادت برسول ال
.
فعن زيد بن ثابت قال َ :ب ْينَمَا ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم فِي حَائِطٍ ِل َبنِي
ستّةٌ
علَىَ َبغْلَةٍ َلهَُ ،ونَحْنُ َمعَهُِ ،إذْ حَا َدتْ بِهِ َفكَا َدتْ تُ ْلقِيهِ .وَِإذَا َأ ْقبُ ٌر ِ
النّجّارَِ ،
خ ْمسَةٌ أَوْ أَ ْر َبعَةٌ َفقَالَ" :مَنْ َيعْرِفُ َأصْحَابَ َه ِذهِ الَ ْقبُرِ؟ " َفقَالَ رَجُلٌَ :أنَا .
أَوْ َ
قَالَ" :فَ َمتَىَ مَاتَ َهؤُلَءِ؟ " قَالَ :مَاتُوا فِي ا ِلشْرَاكَِ .فقَالَ " :إِنّ َه ِذهِ الُ ّمةَ
عذَابِ
ُت ْبتَلَىَ فِي ُقبُو ِرهَا .فَلَ ْولَ أَنْ لَ َتدَا َفنُوا َ ،لدَعَ ْوتُ الّلهِ أَنْ ُيسْ ِم َع ُكمْ مِنْ َ
عَل ْينَا بِوَجْهِهَِ ،فقَالَ َ " :تعَ ّوذُوا بِاللّهِ مِنْ
ا ْل َقبْرِ اّلذِي َأسْمَعُ ِمنْهُ "ُ .ثمّ أَ ْقبَلَ َ
عذَابِ
عذَابِ النّارَِ .فقَالََ " :تعَ ّوذُوا بِاللّهِ مِنْ َ
عذَابِ النّارِ" قَالُواَ :نعُوذُ بِالّلهِ مِنْ َ
َ
عذَابِ ا ْل َقبْرِ .قَالََ " :تعَ ّوذُوا بِاللّهِ مِنَ ا ْل ِفتَنِ ،مَا
ا ْل َقبْرِ" قَالُواَ :نعُوذُ بِالّلهِ مِنْ َ
ظَهَرَ ِمنْهَا وَمَا بَطَنَ " .قَالُواَ :نعُوذُ بِالّلهِ مِنْ ا ْل ِفتَنِ ،مَا ظَ َهرَ ِمنْهَا وَمَا بَطَنَ
2
.قَالََ " :تعَ ّوذُوا بِاللّهِ مِنْ ِف ْتنَةِ الدّجّالِ" قَالُواَ :نعُوذُ بِاللّهِ مِنْ ِف ْتنَةِ الدّجّالِ.
قال القرطبي ـ رحمه ال تعالى ـ :
وإنّما حادت به البغلة لما سمعت من صوت المعذبين ،وإنّما لم يسمعه من يعقل
من الجن والنس لقوله عليه الصلة والسلم " لول أن ل تدافنوا …الحديث " .
فكتمه ال سبحانه عنا حتى نتدافن بحكمته اللهية ولطائفه الربانية ؛ لغلبة
الخوف عند سماعه ،فل نقدر على القرب من القبر للدفن ،أو يهلك الحي عند
سماعه ،إذ ل يطاق سماع شئٍ من عذاب ال في هذه الدار لضعف هذه القوى ،
أل ترى أنه إذا سمع الناس صعقة الرعد القاصف أو الزلزل الهائلة هلك كثير
من الناس ،وأين صعقة الرعد من صيحة الذي تضربه الملئكة بمطارق الحديد
أخرجه مسلم ( )2867ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها ،باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه . 1
-35-
في الجنازة " :لو سمعها النسان التي يسمعها كل من يليه ؟ وقد قال
لصعق " .
1
قلت :هذا وهو على رؤوس الرجال من غير ضرب ول هوان ،فكيف إذا حل به
الخزي والنّكال واشتد عليه العذاب والوبال؟
فنسأل ال معافاته ومغفرته وعفوه ورحمته ومنه.
أخرجه البخاري ( )1380ك الجنازة ،باب كلم الميت على الجنازة . 1
-36-
التخويف من أهوال القبور
قال :إذا حضر المؤمن أتته ملئكة أن رسول ال عن أبى هريرة
الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون :اخرجي راضية مرضية عنك إلى روح
ال وريحان ورب غير غضبان ،فتخرج كأطيب ريح مسك حتى إنّه ليناوله
بعضُهم بعضا حتى يأتوا به باب السماء ،فيقولون :ما أطيب هذه الريح
الطيبة التي جاءتكم من الرض فيأتون به أرواح المؤمنين ،فلهم أشدّ فرحا
به من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه ماذا فعل فلن ؟ ماذا فعل فلن ؟
فيقولون :دعوه فإنّه كان في غم الدنيا فإذا قال :أما أتاكم قالوا :ذهب به
إلى أمه الهاوية .
وإن الكافر إذا احتضر أتته ملئكة العذاب بمسح فيقولون :اخرجي ساخطة
مسخوطا عليك إلى عذاب ال عز وجل ،فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتوا
به باب الرض فيقولون :ما أنتن هذه الريح ،حتى يأتوا به أرواح
1
الكفار.
قال عمر بن عبد العزيز لبعض جلسائه :يا فلن لقد بت الليلة أتفكر في
القبر وساكنه ،إنك لو رأيت الميت ثلثة في قبره لستوحشت من قربه بعد طول
النس منك به ،ولرأيت بيتا تجول فيه الهوام ويجرى فيه الصديد ،وتخترقه
الديدان مع تغير الريح وبلي الكفان بعد حسن الهيئة وطيب الريح ونقاء الثوب .
وعنه أيضا أنه ـ رحمه ال ـ شيع جنازة فلما انصرفوا تأخر هو
وأصحابه ناحية عن الجنازة ،فقال له بعض أصحابه :يا أمير المؤمنين جنازة
أنت وليها تأخرت عنها وتركتها .فقال :نعم ناداني القبر من خلفي :يا عمر بن
عبد العزيز أل تسألني ما صنعت بالحبة قلت :بلى .قال :أحرقت الكفان،
ومزقت البدان ،ومصصت الدم ،وأكلت اللحم .
أخرجه النسائي ( )1833ك الجنائز ،باب ما يلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه ،وابن حبان ( 1
-37-
قال :أل تسألني ما صنعت بالوصال .قلتُ :بلى !
قال :نزعت الكتفين من الذراعين ،والذراعين من العضدين ،والعضدين
من الكتفين ،والوركين من الفخذين ،والفخذين من الركبتين ،والركبتين من
الساقين ،والساقين من القدمين ،ثم بكى .ثم قال :
أل إنّ الدنيا بقاؤها قليل ،وعزيزها ذليل ،وغنيها فقير ،وشابها يهرم ،
وحيها يموت ،فل يغرنكم إقبالها مع معرفتكم بسرعة إدبارها ،فالمغرور من
اغترّ بها .
أين سكانها الذين بنوا مدائنها ،وشقوا أنهارها ،وغرسوا أشجارها ،
وأقاموا فيها أياما يسيرة ،غرتهم بصحتهم فاغتروا بنشاطهم ،فركبوا المعاصي ،
وإنهم كانوا ـ وال ـ في الدنيا مغبوطين بالمال على كثرة المنع عليه محسودين
على جمعه .
ماذا صنع التراب بأبدانهم والرمل بأجسادهم ،والديدان بعظامهم
وأوصالهم ،كانوا في الدنيا على أسرة ممهدة ،وفرش منضودة بين خدم يخدمون،
وأهل يكرمون ،وخيران يغصون ،فإذا مررت فنادهم إن كنت مناديا ،وسر
بعسكرهم ،وانظر إلى تقارب منازلهم ،واسأل غنيهم ما بقى من غناه ،واسأل
فقيرهم ما بقى من فقره ،واسألهم عن اللسن التي كانوا بها يتكلمون ،وعن
العين التي كانوا بها ينظرون ،واسألهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة
والجساد الناعمة ما صنع بها الديدان تحت اللوان وأطلت اللحمان ،وعفّرت
الوجوه ،ومحت المحاسن ،وكسرت الفِقَار ،وأبانت الحشاء ،ومزقت الشلء ،
وأين حجابهم ،وبوابهم ؟؟ أين خدمهم وعبيدهم ؟؟ وجمعهم ومكنونهم ؟؟
وال ما فرشوا فراشا ،ول وضعوا هنالك متكئا ،ول غرسوا لهم شجرا ،ول
أنزلوهم من اللحد قرارا.
ألي سوا في منازل الخلوات والبلوات ؟ أل يس الل يل والنهار علي هم سواء ؟
أليس هم في مدلهمة ظلماء ؟ وقد حيل بينهم وبين العمل ،وفارقوا الحبة.
-38-
ف كم من نا عم وناع مة أ صبحت وجوه هم بال ية ،وأج سادهم عن أعناق هم
نائيـة ،وأوصـالهم متمزقـة ،وقـد سـالت الحدقات على الوجنات وامتلت الفواه
دما وصديدا ،ودبت دواب الرض في أجسادهم ،ففرقت أعضاءهم ثم لم يلبثوا
وال إل يسيرا ،حتى عادت العظام دميما.
قـد فارقوا الحدائق ،وصـاروا بعـد السـعة إلى المضايـق ،وقـد تزوجـت
نساؤهم ،وترددت في الطرق أبناؤهم ،وتوزعت الورثة ديارهم وتراثهم .
فمن هم :ـ وال ـ المو سع له في قبره ال غض النا ضر ف يه المتن عم بلذ ته ،
ومنهم :المعذب في قبره المضيق عليه فيه ،النادم على ما فرط .
يا ساكن القبر غدا
مـا الذي غرك مـن الدنيـا ؟ هـل تعلم أنـك تبقـى أو تبقـى لك ؟ أيـن دارك الفيحاء
ونهرك المطرد ؟ وأ ين ثمر تك الحا ضر ينع ها ؟ وأ ين رقاق ثيا بك ؟ وأ ين طي بك
وأين بخورك ؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك ؟
أ ما رأي ته قد نزل به ال مر ف ما يد فع عن نف سه دخلً و هو ير شح عرقا ،ويتل ظى
عطشا ،يتقلب في سكرات الموت وغمراته ،جاء المر من السماء ،وجاء غالب
القدر والقضاء ،جاء من المر الجل ما يمتنع من هيهات.
يـا مغمـض الوالد والخ والولد وغاسـله ...يـا مكفـن الميـت وحامله… يـا
مخليه في القبر وراجعا عنه … ليت شعري كيف كنت على خشونة الثرى …
ليت شعري بأي خديك يبدأ البلى … وأي عينيك سالت أولً … يا مجاور الهلكات
صرت في محل الموتى… ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي
من الدنيا وما يأتيني من رسالة ربى !
ثم انصرف فما بقى بعد ذلك إل جمعة ثم مات ـ رحمه ال ـ .
-39-
أخي الحبيب
توهـم نفسـك حيـن اسـتطار قلبـك فرحا وسـرورا ،أو ُملِئ حزنا وعـبرة ،
وبفترة القـبر وهول مطلعـه وروعـة الملكيـن وسـؤالهما فيـه عـن إيمانـك بربـك ،
فمتثبت من ال ـ جل ثناؤه ـ بالقول الثابت ،أو متحير شاك مخذول .
فتوهـم أصـواتهما حيـن يناديانـك لتجلس لسـؤالهما إياك ؛ ليوقفاك علي
م سائلتهما ،فتو هم جل ستك في ض يق لحدك ،و قد سقطت أكفا نك على جفو يك ،
فتوهم ذلك ،ثم شخوصك ببصرك إلى صورتهما وعظم أجسامهما ،فإ نْ رأيتهما
بحسن الصورة ،أيقن قلبك بالفوز والنجاة ،وإن رأيتهما بقبح الصورة أيقن قلبك
بالهلك والغضب.
فتو هم أ صواتهما وكلمه ما بنغمات ها و سؤالهما ،ثم هو ت ثبيت ال إياك إ نْ
ثبتك أو تحييره إن خذلك.
فتو هم جوابك باليق ين أو بالتحير أو بال شك ،وتو هم إقباله ما عليك إن ثبتك
ال عز وجل بالسرور ،وضربهما بأرجلهما جوانب قبرك بانفراج القبر عن النار،
ثم توهم وهى تتأجج بحريقها وإقبالها عليك ،وأنت تنظر إلى ما صرف ال عنك،
فيزداد لذلك قلبك سرورا وفرحا وتوقن بسلمتك من النار بضعفك.
ثـم توهـم ضربهمـا بأرجلهمـا جوانـب قـبرك وانفراجـه عـن الجنـة بزينتهـا
ونعيمهـا وقولهمـا لك :يـا عبـد ال انظـر إلى مـا أعدّ ال لك فهنـا منزلك ،وهذا
مصيرك ،فتوهم سرور قلبك وفرحك بما عانيت من نعيم الجنان وبهجة ملكهما
وعلمك أنك صائر إلى ما عاينت من نعيمها وحسن بهجتها
وإن كانت الخرى فتوهم خلف ذلك كله ،من النتهار لك ،ومن معاينتك
الجنة ،وقولهما لك :انظر إلى ما حرمك ال عز وجل ومعاينتك النار ،وقولهما
ـ بهذا خطرا !!
لك :انظـر إلى مـا أعدّ ال لك ،فهذا منزلك ومصـيرك فأعظم ْ
وأعظمْ به عليك في الدنيا غما وحزنا حتى تعلم أي الحالتين في القبر حالك !!
-40-
ش َتغَـل
يَا َمنْ بدنياهُ ا ْ
وغـَره طـولُ المل
المـوتُ يأتي َبغْتـةً
والقَبْـرُ صُنْدوقُ ال َعمَل
-41-
أهوال القبور
وأهوال القبور أولها :
أخرجه الترمذي ( )2460ك صفة القيامة ،وقال :حديث غريب ،والحديث ضعفه الشيخ اللباني في 1
ضعيف الترمذي ( )437وضعيف الجامع ( ، )1231وذهب صاحب التحرير المرسخ إلى تحسينه .
-42-
حذرتني ،وحُذّرت ضيقي وظلمتي ،ونتني وهولي ودودي ،هذا ما أعددت لك ،
1
فما أعددت لي ؟! "
وروى ا بن عبـد البر فـي التمه يد بإسـناده عـن ا بن عائذ عـن غضيـف بن
قال :إن ال قبر يكلم الع بد إذا و ضع الحارث عن ع بد ال بن عمرو بن العاص
فيه فيقول :يا ابن آدم ما غرك بي ؟ ألم تعلم أنّي بيت الوحدة ؟ ألم تعلم أنّي بيت
الظلمة ،ألم تعلم أنّي بيت الحق ؟ يا ابن آدم ما غرّك بي ،لقد كنت تمشي حولي
فدادا .
قال ابن عائذ :قلت لغضيف :ما الفداد يا أبا أسماء ؟
قال :بعض مشيتك يا ابن أخي أحيانا .
قال غضيف :فقال عبد ال بن عبيد بن عمير لعبد ال بن عمرو :فإن كان مؤمنا
وسع له فماذا له ؟
2
قال :يوسع له في قبره ،ويجعل منزله أخضر ،ويعرج بنفسه إلى ال تعالى .
وعن عبد ال بن عبيد بن عمير قال :يجعل ال للقبر لسانا ينطق به فيقول :يا
ابن آدم كيف نسيتني ؟ أما علمت أني بيت الدود ،وبيت الوحدة ،وبيت الوحشة .
وقال أيضا :إن ال قبر ليب كي ويقول في بكائه :أ نا ب يت الوح شة ،أ نا ب يت
3
الوحدة ،أنا بيت الدود .
قال يز يد بن سخبرة " :يقول ال قبر للر جل الكا فر أو الفا جر :أ ما ذكرت
ظلمتي ،أما ذكرت وحشتي ،أما ذكرت ضيقي ،أما ذكرت غمي " .
أخرجه ابن المبارك في الزهد من رواية نعيم بن حماد في نسخته ص 41برقم ( )163ط دار الكتب العلمية 1
بتحقيق حبيب الرحمن العظمي ،وقال الحافظ العراقي في تخريج الحياء :أخرجه ابن أبي الدنيا في القبور
هكذا مرسل ورجاله ثقات ،ورواه ابن المبارك في الزهد إل أنه قال بلغني ولم يرفعه.
قال ابن الثير في النهاية ( )5/164الوخط :الخفق والصوت على الرض .قال القرطبي في التذكرة :الوخط
:سرعة السير في المشي .
التمهيد لبن عبد البر ( )18/145ط مكتبة ابن تيمية . 2
ذكرهما القرطبي في التذكرة ص 108وعزاهما لهناد بن السري بإسناد رجاله ثقات . 3
-43-
وعن عبيد بن عمير قال :ليس من ميت يموت إل نادته حفرته التي يدفن
في ها :أ نا ب يت الظل مة والوحدة والنفراد ،فإن ك نت في حيا تك ل مطيعا ،ك نت
اليوم عليك رحمة ،وإن كنت لربك في حياتك عاصيا ،فأنا عليك نقمة ،أنا البيت
الذي من دخله مطيعا خرج منه مسرورا ،ومن دخلني عاصيا خرج مثبورا .
و عن مح مد بن صبيح قال :بلغ نا أن الر جل إذا و ضع في قبره َفعُذّب أو
أصابه بعض ما يكره ناداه جيرانه من الموتى :أيها المتخلف في الدنيا بعد إخوانه
أمـا كان لك فينـا معتـبر ؟ أمـا كان لك فـي تقدمنـا إياك فكرة ؟ أمـا رأيـت انقطاع
أعمالنا هنا وأنت في المهلة ؟ فهل استدركت ما فات ؟ وتناديه بقاع الرض :أيها
المغ تر بظ هر الرض هل اع تبرت ب من غ يب من أهلك في ب طن الرض م من
غر ته الدن يا قبلك ،ثم سبق به أجله إلى القبور ،وأ نت تراه محمولً تناد يه أحب ته
إلى المنزل الذي ل بد له منه.
أخرجه المام أحمد ( ) 98 ، 55 / 6و جود إسناده الحافظ العراقي كما في تخريج الحياء وقال الهيثمي : 1
رجاله رجال الصحيح ،وابن حبان في صحيحه ( )7/379برقم ( )3112عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي ال
عنها ـ ،ورواه الطبراني في معجمه الكبير ( )10/334برقم ( )12/232( ، )10827برقم ( )12975من حديث
ابن عباس كذا فيه لكن أفاد العلمة الشيخ اللباني كما في الصحيحة ( )4/271أن الذي يغلب على الظن أنه من
حديث عبد ال بن عياش ل ابن عباس ـ وال أعلم ـ ولفظه " لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد بن
معاذ ،ولقد ضم ضمة ثم روخي عنه "
والحديث صححه الشيخ اللباني بمجموع طرقه وشواهده في الصحيحة ( )1695وصحيح الجامع (( ، )2180
. )5306
-44-
فهذه الضغطـة ل ينجـو منـه صـالح ول طالح لكـن الكافـر يدوم ضغطـه
والمؤمن ل ،والمراد به التقاء جانبي القبر على الميت ،إذ ما من أحد إل وقد ألم
بخطيئة فإن كان صالحا فهذه جزاؤه ثم تدركه الرحمة ،وقد كان يقال لها ضمة إذ
أ صل ذلك أن الرض أم هم ،من ها خلقوا فغابوا عن ها طويلً فتضم هم ض مة والدة
غاب عنها ولدها فالمؤمن برفق والعاصي بعنف غضبا عليه ،فقد خلق الدمي من
هذه الرض وقـد أخـذ عليـه العهـد والميثاق فـي العبوديـة له فمـا نقـص مـن وفاء
العبود ية صارت الرض عل يه واجدة ،فإذا وجد ته في بطن ها ضم ته ض مة ،ثم
تدركه الرحمة فترحب به وعلى قدر سرعة مجيء الرحمة يتخلص من الضمة ،
فإن كان محسنا فإن رحمة اللّه قريب من المحسنين ،فإذا كانت الرحمة قريبة من
المحسنين لم يكن الضم كثيرا ،وإذا كان خارجا من حد المحسنين لبث حتى تدركه
الرحمـة ول ينافيـه اهتزاز العرش لموتـه لن دون البعـث زلزل وأهوال ل يسـلم
منها ولي ول غيره " ثُ ّم ُننَجّي الّذينَ اتّقَوا " [مريم]72 /
قال عمر :لو كان لي طلع الرض ذهبا لفتديت به من هول المطلع .
وفي الحديث إشارة إلى أن جميع ما يحصل للمؤمن من أنواع البليا حتى في أول
منازل الخرة وهو القبر وعذابه وأهواله لما اقتضته الحكمة اللهية من التطهيرات
ورفـع الدرجات ،أل ترى أن البلء يخمـد النفـس ويذلهـا ويدهشهـا عـن طلب
حظوظها ،ولو لم يكن في البلء إل وجود الذلة لكفى إذ مع الذلة تكون النصرة.
وأهل الستقامة يردون اللحود وقد يكون فيهم خصلة عليهم فيها تقصير فيردون
اللحد مع بعض التقصير غير نازعين عنه ،وليس ذلك بذنب ول خطيئة فيعاتبون
في قبورهم عليه ،فما بالنا نحن والذنوب كثيرة والتفريط بالغ منهاه رب سلم سلم.
.لو أفلت قال :دفن صبي فقال رسول اللّه وعن أبي أيوب النصاري
1
أحد من ضمة القبر لفلت هذا الصبي
وظاهر الحديث أن الضمة ل ينجو منها أحد باستثناء النبياء فحتى الصبي ضمّ
نعوذ بال من ضمة القبر وفتنة القبر .
أخرجه الطبراني في الكبير ( )4/121برقم ( ، )3858وقال الهيثمي :رجاله رجال الصحيح ،وصححه الشيخ 1
-45-
-3سؤال الملكين :
: قال :قال النبي عن أنس
ع نِعَا ِلهِمْ
عنْهُ أَصْحَا ُبهُ وَِإنّهُ َليَسْمَعُ َقرْ َ
" إِنّ الْ َعبْدَ إِذَا ُوضِ عَ فِي َق ْبرِ هِ َو َتوَلّى َ
َ ،فَأمّاـ حمّدٍ
جلِ ِلمُ َ
ْتـ تَقُولُ فِي هَذَا الرّ ُ
َانـ :مَا ُكن َ
ِهـ َفيَقُول ِ
َانـ َفيُقْ ِعدَان ِ
َاهـ مَلَك ِ
َأت ُ
ك مِ نْ النّارِ
ظرْ ِإلَى مَقْ َعدِ َ
عبْدُ اللّ هِ َورَ سُوُلهُ َفيُقَالُ لَ هُ انْ ُ
شهَدُ َأنّ هُ َ
ا ْلمُ ْؤمِ نُ َفيَقُولُ َ :أ ْ
جمِيعًا .
ج ّنةِ َف َيرَا ُهمَا َ
قَدْ َأبْدَلَكَ الّل ُه بِ ِه مَقْعَدًا مِنْ الْ َ
سحُ َلهُ فِي َقبْرِهِ
قَالَ َقتَادَةُ :وَذُ ِكرَ َلنَا َأ ّنهُ يُفْ َ
جلِ َفيَقُولُ
ت تَقُولُ فِي هَذَا الرّ ُ
:وََأمّا ا ْلمُنَافِ قُ وَا ْلكَا ِفرُ َفيُقَالُ لَ ُه مَا ُكنْ َ قَالَ
ق مِ نْ
ب ِبمَطَارِ َ
ضرَ ُ
لَا أَ ْدرِي ُكنْ تُ َأقُولُ مَا يَقُولُ النّا سُ َفيُقَالُ لَا َدرَيْ تَ وَلَا تَ َليْ تَ َو ُي ْ
1
غ ْيرَ الثّقَ َليْنِ .
ن يَلِيهِ َ
ح ًة َيسْمَ ُعهَا مَ ْ
ض ْربَةً َف َيصِيحُ صَيْ َ
حَدِي ٍد َ
" :يا عمر لعمر بن الخطاب عن عطاء بن يسار قال :قال رسول ال
كيف بك إذا أنت مت فانطلق بك قومك فقاسوا لك ثلثة أذرع في ذراع وشبر ،ثم
رجعوا إليك فغسلوك وكفنوك وحنطوك ،ثم احتملوك حتى يضعوك فيه ،ثم يهيلوا
عليك التراب ويدفنوك ،فإذا انصرفوا عنك أتاك فتانا القبر منكر ونكير ،أصواتهما
كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف يجران أشعارهما ويبحثان القبر
بأنيابهما فتلتلك وترتراك ،كيف بك عند ذلك يا عمر؟ فقال عمر :ويكون معي
2
عقلي مثل عقلي الن؟ قال "نعم" قال "إذن أكفيكهما "
الثلثة الخر من أهوال القبور :
متفق عليه .أخرجه البخاري ( )1374ك الحنائز ،باب ما جاء في عذاب القبر .ـ واللفظ له ـ 1
ومسلم ( )2870ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها ،باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات
عذاب القبر والتعوذ منه .
قال الحافظ العراقي في تخريج الحياء :أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور هكذا مرسل ورجاله ثقات. 2
وقال البيهقي في العتقاد :رويناه من وجه صحيح عن عطاء بن يسار مرسل .قلت :ووصله ابن بطة في
البانة من حديث ابن عباس ،ورواه البيهقي في العتقاد من حديث عمر وقال :غريب بهذا السناد تفرد به
مفضل ،ولحمد وابن حبان من حديث عبد ال بن عمر ؛ فقال عمر :أيرد إلينا عقولنا؟ فقال "نعم كهيئتكم
اليوم" فقال عمر :بفيه الحجر.
-46-
-4دخول الجليس .
-5رؤية مقعده من الجنة أو النار .
-6العذاب أو النعيم .
وهذه الثلثة مجتمعة دليلها تفصيلً في الحديث الطويل الذي رواه المام أحمد في
مسنده وأهل السنن وصححه جماعة من العلماء والشيخ اللباني في أحكام الجنائز
أنه قال : وغيره عن البراء بن عازب
في جنازة رجل من النصار ،فانهينا إلى القبر ولما " خرجنا مع النبي
مستقبل القبلة ،وجل سنا حوله ،وكأن على رؤوسنا يُل حد ،فجلس رسول ال
الط ير ،و فى يده عود ين كت في الرض ،فج عل ين ظر إلى ال سماء ،وين ظر إلى
الرض ،وج عل ير فع ب صره ويخف ضه ،ثلثا ،فقال :ا ستعيذوا بال من عذاب
القبر ،مرت ين ،أو ثلثا ثم قال :الل هم إ ني أعوذ بك من عذاب القبر ثلثا ،ثم
قال :
إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ،وإقبال من الخرة ،نزل
إليه ملئكة من السماء ،بيض الوجوه ،كأن وجوههم الشمس ،معهم كفن من
أكفان الجنة ،وحنوط من حنوط الجنة ،حتى يجلسوا منه مد البصر ،ثم يجئ
ملك الموت ـ عليه السلم ـ حتى يجلس عند رأسه فيقول :أيتها النفس الطيبة
(وفى رواية :المطمئنة) ،اخرجي إلى مغفرة من ال ورضوان ،قال :فتخرج
تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ،فيأخذها ( ،وفى رواية :حتى إذا
خرجت روحه صلي عليه كل ملك بين السماء والرض ،وكل ملك في السماء ،
وفتحت له أبواب السماء ،ليس من أهل باب إل وهم يدعون ال أن يُعرج
بروحه من ِقبَلهم) ،فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها
فيجعلوها في ذلك الكفن ،وفي ذلك الحنوط ،فذلك قوله تعالى " :توفته رسلنا
وهم ل يفرطون " [ النعام ، ]61/ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على
وجه الرض ،قال :فيصعدون بها فل يمرون – يعني – بها على مل من
الملئكة إل قالوا :ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون :فلن ابن فلن – بأحسن
-47-
أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ،حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ،
فيستفتحون له ،فيفتح لهم ،فيشيعه من كل سماء مقربوها ،إلى السماء الدنيا،
فيستفتحون له فيفتح لهم ،فيشيعه من كل سماء مقربوها ،إلى السماء التي
تليها ،حتى ينتهي به إلى السماء السابعة ،فيقول ال عز وجل :اكتبوا كتاب
عبدي في عليين " ،وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون "
[ المطففين ]21-19/فيكتب كتابه في عليين ،ثم يقال :أعيدوه إلى الرض ،
فإني وعدتهم أني منها خلقتهم ،وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ،قال:
فيرد إلى الرض ،وتعاد روحه في جسده ،قال :فإنه يسمع خفق نعال أصحابه
إذا ولوا عنه مدبرين ،فيأتيه ملكان شديدا النتهار فينتهرانه ،ويجلسانه
فيقولن له :من ربك ؟ فيقول :ربي ال ،فيقولن له :ما دينك ؟ فيقول :ديني
السلم ،فيقولن له :ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول :هو رسول ال
،فيقولن له :وما علمك ؟ فيقول :قرأت كتاب ال ،فآمنت به ،وصدقت.
فينادى مناد في السماء :أن صدق عبدي ،فأفرشوه من الجنة ،وألبسوه من
الجنة ،وافتحوا له بابا إلى الجنة ،قال :فيأتيه من روحها وطيبها ،ويفسح له
في قبره مد بصره ،قال :ويأتيه (وفى رواية :يمثل له) رجل حسن الوجه ،
حسن الثياب ،طيب الريح ،فيقول :أبشر بالذي يسرك ،أبشر برضوان من
ال ،وجنات فيها نعيم مقيم ،هذا يومك الذي كنت توعد ،فيقول له :وأنت
فبشرك ال بخير من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالخير ،فيقول :أنا عملك
الصالح فوال ما علمتك إل كنت سريعا في طاعة ال ،بطيئا في معصية ال ،
فجزاك ال خيرا ،ثم يفتح له باب من الجنة ،وباب من النار ،فيقال :هذا
منزلك لو عصيت ال ،أبدلك ال به هذا ،فإذا رأى ما في الجنة قال :رب عجل
قيام الساعة ،كيما أرجع إلى أهلي ومالي ،فيقال له :اسكن.
قال :وإن العبد الكافر (وفى رواية :الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا
وإقبال من الخرة ،نزل إليه من السماء ملئكة غلظ شداد ،سود الوجوه معهم
المسوح من النار ،فيجلسون منه مد البصر ،ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس
عند رأسه ،فيقول :أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من ال وغضب ،
-48-
قال :فتفرق في جسده ،فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف
المبلول ،فتقطع معها العروق والعصب ،فيلعنه كل ملك بين السماء والرض ،
وكل ملك في السماء ،وتعلق أبواب السماء ،ليس من أهل باب إل وهم يدعون
ال أل تعرج روحه من قبلهم ،فيأخذها ،فإذا أخذها ،لم يدعوها في يده طرفة
عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ،ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على
وجه الرض ،فيصعدون بها ،فل يمرون بها على مل من الملئكة إل قالوا :
ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون :فلن ابن فلن – بأقبح أسمائه التي كان
يسمي بها في الدنيا ،حتى ينتهي به إلى المساء الدنيا فيستفتح له ،فل يفتح
" :ل تفتح لهم أبواب السماء ول يدخلون الجنة ، له ، ،ثم قرأ رسول ال
حتى يلج الجمل في سم الخياط " [العراف ]40/فيقول ال عز وجل :اكتبوا
كتابه في سجين ،في الرض السفلى ( ،ثم يقال :أعيدوا عبدي إلى الرض
فإني وعدتهم أنى منها خلقتهم ،وفيها أعيدهم ،ومنها أخرجهم تارة أخرى) ،
فتطرح روحه من السماء طرحا حتى تقع في جسده ثم قرأ " :ومن يشرك بال ،
فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق "
[ الحج ] 31/فتعاد روحه في جسده ،قال :فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا
عنه.
ويأتيه ملكان شديدا النتهار ،فينتهرانه ،ويجلسانه ،فيقولن له :من
ربك ؟ فيقول :هَاه هَاه ل أدري ،فيقولن له :ما دينك ؟ فيقول :هاهٍ هاهٍ ل
أدري ،فيقولن :فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فل يهتدي لسمه ،
فيقال :محمدُ ! فيقول :هاهٍ هاهٍ ل أدري سمعت الناس يقولون ذاك ! قال :
فيقال :ل دريت ،ول تلوت ،فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي ،فأفرشوه
من النار ،وافتحوا له بابا إلى النار ،فيأتيه من حرها وسمومها ،ويضيق عليه
قبره حتى تختلف أضلعه ،ويأتيه (وفى رواية :ويمثل له) رجل قبيح الوجه ،
قبيح الثياب ،منتن الريح ،فيقول :أبشر بالذي يسوؤك ،هذا يومك الذي كنت
توعد ،فيقول :وأنت فبشرك ال بالشر من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر !
فيقول :أنا عملك الخبيث ،فوال ما علمت إل كنت بطيئا عن طاعة ال ،سريعا
-49-
إلى معصية ال ،فجزاك ال شرا ،ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة
لو ضُرب بها جبل كان ترابا فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابا ،ثم يعيده ال
كما كان ،فيضربه ضربة أخرى ،فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إل الثقلين ،
ثم يفتح له باب من النار ،ويُمهد من فُرش النار ،فيقول :رب ل تقم الساعة.
1
أخرجه أبو داود ( )4753والحاكم ( )40-1/37والطيالسي ( )753وأحمد ( 4/287و 288و 295و 1
-50-
كيف تنجو من عذاب القبر؟
أخرج ابن حبان في صحيحه ـ والسياق له ـ والحاكم في المستدرك
" إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع عن أبى هريرة قال :قال رسول ال
خ فق نعال هم ح ين يولون ع نه ،فإن كان مؤم نا كا نت ال صلة ع ند رأ سه وكان
ال صيام عن يمي نه ،وكا نت الزكاة عن شماله ،وكان ف عل الخيرات من ال صدقة
والصـلة والمعروف والحسـان إلى الناس عنـد رجليـه ،فيؤتـى مـن قبـل رأسـه
فتقول الصلة :ما قبلي مدخل ،ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل
،ثم يؤ تى عن ي ساره فتقول الزكاة :ما قبلي مد خل ،ثم يؤ تي من ق بل رجل يه
فتقول ف عل الخيرات من ال صدقة وال صلة والمعروف والح سان إلى الناس :ما
قبلي مد خل .فيقال له :اجلس فيجلس و قد مثلت له الشمس و قد أدنيت للغروب
.فيقال له :أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد به عليه
فيقول :دعوني حتى أصلي .فيقولون :إنك ستفعل أخبرني ؟
ع ما ن سألك ع نه أرأي تك هذا الر جل الذي كان في كم ما تقول ف يه ؟ وماذا تش هد
عليه ؟ قال :فيقول :محمد أشهد أنه رسول ال وأنه جاء بالحق من عند ال .
فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء ال .
ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له :هذا مقعدك منها وما أعد ال
لك في ها فيزداد غب طة و سرورا ،ثم يف تح له باب من أبواب النار فيقال له :هذا
مقعدك منها وما أعد ال لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا ،ثم يفسح له
في قبره سبعون ذراعا ،وينور له فيه ويعاد الجسد لما بدأ منه ،فتجعل نسمته
في الن سم الط يب و هي طير يعلق في ش جر الجنة قال فذلك قوله تعالى " :يثبت
ال الذ ين آمنوا بالقول الثا بت في الحياة الدن يا و في الخرة وي ضل ال الظالم ين
] 27 ويفعل ال ما يشاء " [ إبراهيم/
قال :وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه لم يوجد شيء ،ثم أتي عن يمينه
فل يوجد شيء ،ثم أتي عن شماله فل يوجد شيء ،ثم أتي من قبل رجليه فل
يوجـد شيـء ،فيقال له :اجلس فيجلس خائفـا مرعوبـا .فيقال له :أرأيتـك هذا
-51-
الرجـل الذي كان فيكـم ماذا تقول فيـه ؟ وماذا تشهـد بـه عليـه ؟ فيقول :أي
ر جل !! فيقال :الذي كان في كم فل يهتدي ل سمه ح تى يقال له :مح مد .فيقول
مـا أدري سـمعت الناس قالوا قول فقلت كمـا قال الناس .فيقال له :على ذلك
حي يت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تب عث إن شاء ال .ثم يف تح له باب من أبواب
النار فيقال له هذا مقعدك من النار و ما أ عد ال لك في ها فيزداد ح سرة وثبورا ،
ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له :ذلك مقعدك من الجنة ،وما أعد ال
لك ف يه لو أطع ته فيزداد ح سرة وثبورا ،ثم يضيق عل يه قبره ح تى تختلف ف يه
أضل عه فتلك المعي شة الضن كة التي قال ال " فإن له معي شة ضن كا ونحشره يوم
1
القيامة أعمى " [طه]124/
كان أبو ذر الغفاري ـ رضي ال عنه ـ يقول :يا أيها الناس إني عليكم
نا صح ،إ ني علي كم شف يق ،صلوا في ظل مة الل يل لوح شة القبور ،و صوموا في
الدنيا لحر يوم النشور ،وتصدقوا مخافة يوم عسير ،يا أيها الناس إني لكم ناصح
2
إني عليكم شفيق .
أخرجه ابن حبان في صحيحه ( )7/380برقم ( )3113وقال الشيخ شعيب الرنؤوط :إسناده حسن من أجل 1
-52-
س و ج في عذاب القبر
س : 1هل النفس هي الروح أم هما متمايزان ؟
ج : 1الن فس تطلق على أمور وكذلك الروح فيت حد مدلوله ما تارة ،ويختلف
تارة ،فالنفـس تطلق على الروح ،ولكـن غالب مـا يسـمى نفسـا إذا كانـت
مت صلة بالبدن ،وأ ما إذا أخذت مجردة فت سمية الروح ل ها أغلب ويطلق على
الدم وعلى الذات وعلى العين.
والروح تطلق على القرآن ،وعلى جبر يل ـ عل يه ال سلم ـ وعلى الهواء
المتردد في بدن النسان .
س : 2هل تموت الروح ؟
ج : 2قالت طائ فة :تموت لن ها ن فس ،و كل ن فس ذائ قة الموت ،و قد قال تعالى
" كـل مـن عليهـا فان " [الرحمـن ، ]26/وإذا كانـت الملئكـة تموت فالنفوس
البشريــة أولى بالموت .وقيــل :تصــعق عنــد نفخــة الصــور .
قال أبو العز الحنفي شارح الطحاوية :والصواب أن يقال :موت النفوس هو
مفارقتهـا لجسـادها ،وخروجهـا منـه فإن أريـد بموتهـا هذا القدر فهـى ذائقـة
الموت ،وإن أر يد أن ها تعدم وتف نى بالكل ية ف هى ل تموت بهذا العتبار ،بل
هي باق ية ب عد خلق ها في نع يم أو في عذاب و قد قال تعالى " ل يذوقون في ها
الموت إل الموتـة الولى " [ الدخان ] 56/وتلك الموتـة هـي مفارقـة الروح
للجسد.
س : 3هل يدوم عذاب القبر أو ينقطع ؟
ج : 3هو نوعان :م نه ما هو دائم ك ما قال تعالى " النار يعرضون علي ها غدوا
وعشيا " [ غافر.] 46/
والنوع الثا ني :أ نه مدة ثم ينق طع ،و هو عذاب ب عض الع صاة الذ ين خ فت
جرائمهم فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه وهو في الممحصات.
-53-
س : 4أين مستقر الرواح ما بين الموت إلى قيام الساعة ؟
ج : 4يتلخص من أدلة الشرع أن الرواح في البرزخ متفاوتة أعظم تفاوت .
-1فمن ها أرواح في أعلى عليين في المل العلى و هي أرواح النبياء
وهم أيضا متفاوتون في منازلهم .
-2ومنها في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ،وهي
أرواح بعض الشهداء .
-3ومنهـا فـي أسـفل سـافلين وهـي أرواح الكفار والمجرميـن " إن
الذيـن كذبوا بآياتنـا واسـتكبروا عنهـا ل تفتـح لهـم أبواب السـماء
" [العراف. ]40/
س : 5هل يعلم الميت بزيارة الحياء وسلمهم ؟
ج : 5خلصة البحث والتحقيق في هذه المسألة أن الموتى ل يسمعون ،وأن هذا
هو ال صل فإذا ث بت أن هم ي سمعون في ب عض الحوال ك ما في حد يث خ فق
النعال عن أنس وحديث قليب بدر ،فل ينبغي أن نجعل ذلك أصلً بل يقتصر
على القول بسـماع مـا ورد الثـر بسـماعه ،وهذا مذهـب طوائف مـن أهـل
العلم كما قال الحافظ بن رجب .
وما أحسن ما قال ابن التين :إن الموتى ل يسمعون بل شك ،لكن إذا أراد
ال إسـماع مـا ليـس مـن شأنـه السـماع لم يمتنـع كقوله تعالى " فقال لهـا
وللرض أئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " [ فصلت. ] 11/
س : 6هل سؤال القبر خاص بهذه المة أو ل ؟
ج : 6بل هو عام للفاظ الحديث ففيها الكافر والفاجر والمشرك والمنافق.
س : 7من هم الذين يعفون من سؤال القبر ؟
ج -1 : 7الشهداء
أن رجل قال :يا رسول ال عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي
ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إل الشهيد قال :
-54-
1
" كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة "
-2المرابط في سبيل ال
يقول " :رباط يوم وليلة خ ير عن سلمان قال :سمعت ر سول ال
مـن صـيام شهـر وقيامـه وإن مات جرى عليـه عمله الذي كان يعمله
2
وأجري عليه رزقه وأمن الفتان "
-3الموت بداء البطن :
عن أ بي ا سحق ال سبيعي قال :قال سليمان بن صرد لخالد بن عرف طة أو
يقول " :من قتله بط نه لم يعذب خالد ل سليمان :أ ما سمعت ر سول ال
3
في قبره " فقال أحدهما لصاحبه :نعم .
-4قراءة سورة تبارك :
4
" سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر " قال
-5الموت يوم الجمعة أو ليلتها :
أخرجه النسائي ( )2053ك الجنائز ،باب الشهيد .وصححه الشيخ اللباني ـ رحمه ال ـ في صحيح 1
أخرجه الترمذي ( )1064ك الجنائز عن رسول ال ،باب ما جاء في الشهداء من هم .وقال :حسن 3
غريب ،ـ واللفظ له ـ والنسائي ( )2052ك الجنائز ،باب من قتله بطنه ،والمام أحمد في مسنده (
،)5/292(، )4/262وابن حبان في صحيحه ( )7/195برقم ( )2933بسند صحيح كما قال الشيخ شعيب
الرنؤوط ،والطبراني في الكبير ( ) 190- 189 / 4بأرقام ( )7/98( ، ) 4109 ، 4102 ، 4101برقم (
، )6486وفي الصغير ( )1/188برقم ( )298وصححه الشيخ اللباني ـ رحمه ال ـ في صحيح الجامع (
. )6461
أخرجه أبو الشيخ في " طبقات الصبهانيين " ( )264من حديث ابن مسعود والحاكم في المستدرك ()2/498 4
موقوفا لكنه في حكم الرفع وقال :صحيح السناد ووافقه الذهبي ،وله شاهد من حديث ابن عباس عند
الترمذي ( )2890وقال :حسن غريب .وابن نصر ( )66وأبو نعيم في " الحلية " ()3/81
والحديث صححه الشيخ اللباني في الصحيحة ( )1140وصحيح الجامع (. )3643
-55-
" :مـا مـن مسـلم يموت يوم الجمعـة أو ليلة الجمعـة إل وقاه ال قال
5
تعالى فتنة القبر " .
أخرجه الترمذي ( )1074ك الجنائز عن رسول ال ،باب ما جاء فيمن مات يوم الجمعة .وقال :حديث 5
غريب .
والمام أحمد في مسنده ( ، ) 176 ، 2/169وأبو يعلى في مسنده ( )7/146برقم ( ، )4113وعبد بن حميد في
مسنده ص 132برقم (. )323
والحديث صححه الشيخ اللباني ـ رحمه ال ـ في صحيح الجامع (. )5773
-56-
ستخرج وال من هذا الوادي الرحيب ،ول ينفعك البكاء والنحيب ،ل بد من
يوم يتحير فيه الشبان والشيب ،ويذهل فيه الطفل للهول ويشيب ،يا من عمله
كله رديء فليته قد شيب " ،واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ".
ك يف بك إذا أحضرت في حال كئ يب ،وعل يك ذنوب أك ثر من ر مل كث يب ،
والمهي من الطالب والعظ يم الح سيب ،فحينئ ٍذ يبت عد ع نك ال هل والن سيب ،النوح
أولي بك يا مغرور من الت شبيب ،أتؤ من أم عندك تكذ يب ،أم تراك ت صبر على
التعذ يب ،كأ نك بد مع الع ين ومائ ها قد أذ يب ،اق بل ن صحي واق بل على الترب ية
والتهذيب " ،واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ".
يا مطالبا بأعماله ،يا مسئولً عن أفعاله ،يا مكتوبا عليه جميع أٌقواله ،يا
مناقشا على كل أحواله ،نسيانك لهذا أمر عجيب ،أتسكن إلى العافية ،وتساكن
العيشة الصافية ،وتظن أيمان الغرور واقية ،ل بد من سهم مصيب " ،واستمع
يوم ينادي المنادي من مكان قريب " .
لو أح سنت الخلص أح سنت ،لو آم نت بالعرض لتجملت وتزي نت ،يا من قد
أنعج مت عل يه المور لو سألت ل تبينت ،وي حك أح ضر قل بك إن ما أ نت في الدن يا
غريب " ،واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ".
إلى متى أنت مع أغراضك ،متي ينقضي زمان إعراضك ،يا زمن البلى متى
زمن إنهاضك ،تال لقد كع من أمراضك الطبيب " ،واستمع يوم ينادي المنادي
من مكان قريب ".
يا من عمله بالنفاق مغشوش ،تتزين للناس كما يزين المنقوش ،إنما ينظر
إلى الباطـن ل إلى النقوش ،إذا هممـت بالمعاصـي فاذكـر يوم النعوش ،وكيـف
تحمل إلى قبر بالجندل مفروش ،من لك إذا جمع النس والجن والوحوش ،وقام
العاصي من قبره حيران مدهوش ،وجيء بالجبار العظيم وهو مغلول مخشوش،
فحينئ ٍذ يتضاءل المتكبر وتذل الرؤوس ،ويومئذ يبصر الكمه ويسمع الطروش،
وينصـب الصـراط فكـم واقـع وكـم مخدوش ،ليـس بجادة يقطعهـا قصـل ول
مرعوش ،ول تقبـل فـي ذلك اليوم فديـة ول تؤخـذ الروش ،والمتعوس حينئذٍ
-57-
ل يس بمنعوش ،وينقلب أ هل النار في القذار والر يح كالخشوش ،لحاف هم ج مر
وكذلك الفروش " ،وتكون الجبال كالعهن المنفوش " .
يا من أركان إخلصه واهية ،أما لك من عقلك ناهية ،إلى متى نفسك ساهية ،
معج بة بالدن يا زاه ية ،مفاخرة للخوان مضاه ية ،النار ب ين يد يك وتك في داه ية
" وما أدراك ما هيه نار حامية " .
تقوم من قبرك ضع يف الجأش ،و قد جأر قل بك في بد نك وجاش ،ووا بل الد مع
يسبق الرشاش ،أتدري ما يلقي العطاش الظامئة " نار حامية " .
أين من عتا وتجبر ،أين من عل وتكبر ،أين من للدول بالظلم دبر ،ماذا أعد
للحضرة السامية " ،نار حامية " .
لو رأ يت العا صي و قد ش قي ،ي صيح في المو قف واقل قي ،اش تد عط شه و ما
سقي ،وشرر النار إليه يرتقي ،فمن يتقي تلك الرامية " ،نار حامية " .
لو رأيتـه يقاسـي حرهـا ويعانـي ضرهـا ،جحيمهـا وقرهـا ،وال ل يدفـع اليوم
شرها ،إل عين هامية " نار حامية " .
ي فر الولد من أب يه ،والخ من أخ يه ،و كل قر يب من ذو يه ،أ سمعت يا من
معاصيه نامية " ،نار حامية " .
لهذا كان المتقون يقلقون ويخافون رب هم ويشفقون ،و كم جرت من عيون القوم
عيون ،كانت جفونهم دائمة دامية ،من خوفهم من " نار حامية " .
أجار نا ال بكر مه من ها ،ووفق نا ل ما ين جي عن ها ،وجعل نا بفضله م من قام ب ما
يؤمر واجتنب ما عنه ينهى ،فكم له من نعم سامية " نار حامية " .
نُراعُ لذكرِ الموتِ ساعةَ ذكرهِ
وتعترضُ الدنيا فنلهو ونلعب
يسعى الفتى وخيولُ الموتُ تطل ُبهُ
وإِن نوى وقفةً فالموتُ ما يقف
نحن بنو الموتى فما بالنُا
-58-
شرْبهِ
نعافُ ما ل بُدّ من ُ
تنبيه هام :هذه الطبعة ليست الطبعة النهائية ،لذا فإنها ربما تحتاج إلى
بعض الزيادات والتنقيحات !
-59-