Professional Documents
Culture Documents
في الغرب
مقدمة
الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على عبده ورسوله المين سيدنا ونبينا محمد المبعوث
رحمة للعالمين ،ونذيرا وبشيرا للناس أجمعين ،وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم
الدين.
وبعد،،،،
فهذا بحث متواضع كتبته على عجلة من أمري ،حول أولويات العمل السلمي في الغرب،
وقد ضمنته القضايا الساسية التي يجب أن تولى العناية ،ويبذل لها الهتمام من القليات
السلمية التي تعيش في بلد الغرب خاصة ،وفي بلدان العالم عامة ،وكذلك الواجب على
المسلمين في كل مكان الذين يعيشون أكثرية عددية في أقطارهم نحو إخوانهم الذين ابتلوا
بحياة الستضعاف ويتعرضون إلى الفتنة في الدين ،وخطر التذويب والنسلخ من السلم ،أو
أخطار البادة والطرد والتشريد..
وال أسأل أن يجعل هذا خالصا لوجهه وأن يوفقنا جميعا إلى مرضاته ،وأن يرد إلى أمة
السلم عزها ومكانتها في الرض كلها لتكون كلمة ال هي العليا ،وكلمة الذين كفروا السفلى
إنه هو العزيز الحكيم.
وكتبه
عبدالرحمن عبدالخالق
* تعريف وتحديد:
المقصود بالغرب في هذه الدراسة هو :أوروبا ،وأمريكا ،ويمتد هذا المفهوم كذلك للمستعمرات
التي تقع في الشرق ،ونزح الوروبيون إليها وجعلوها وطنا لهم ،وأصبحوا الغلبية السكانية
فيها كأستراليا.
والمقصود بالولويات في هذه الدراسة هو :بيان القضايا الساسية التي يجب أن يتوجه إليها
اهتمام الجاليات السلمية التي تعيش في هذه البلد.
وكذلك الواجبات الملقاة على المسلمين في بلد السلم نحو إخوانهم الذين يعيشون في بلد
الغرب.
وهذه العداد الكبيرة من أبناء السلم التي تعيش في الغرب تتعرض بحكم حياتها في بلد
الكفار ،وفي ظل القوانين اللدينية ،والمجتمعات البعيدة عن السلم إلى خطر التذويب والمحو
والنسلخ عن الدين السلمي عقيدة وشريعة ،ولما كان الواجب على أهل السلم جميعا أن
يتنادوا لنصرة السلم في كل مكان ،ويعملوا لتكون كلمة ال هي العليا في الرض كلها ،وأن
يتواصوا بالحق ،والصبر بعد اليمان والعمل الصالح ،فإن هذه الدراسة هي من هذا الباب،
نصرة لقطاع كبير من المة السلمية يعيش حياة الستضعاف.
أرسل ال رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بالهدى ،ودين الحق ،من أجل أهداف ،وغايات
عظيمة ،ونستطيع أن نجمل هذه الهداف ،والغايات فيما يلي:
وهذا هو الهدف والغاية التي من أجلها خلق ال الخلق ،من ملئكة ،وجن ،وإنس ،وسماوات،
وأرض ،وما بث فيهما من دابة ،فلم يخلق ال شيئا إل ليعبده ويوحده جل وعل ،كما قال
سبحانه وتعالى{ :ألم تر أن ال يسجد له من في السموات ومن في الرض والشمس والقمر
والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليهم العذاب ومن يهن ال فما
له من مكرم إن ال يفعل ما يشاء} ،وقال سبحانه وتعالى أيضا عن الملئكة{ :والذين عند ربك
ل يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون} ،وقال سبحانه{ :وإن من شيء إل يسبح
بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم} ،واليات في هذا المعنى كثيرة جدا..
ومن أجل ذلك أرسل ال الرسل ،وأنزل الكتاب كما قال سبحانه وتعالى{ :ولقد بعثنا في كل
أمة رسولً أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت} ،ورسولنا صلى ال عليه وسلم هو خاتم الرسل
الذي أرسل ال سبحانه وتعالى لتحقيق هذه الغاية ،وهي دعوة الناس جميعا للدخول فيما خلقهم
ال من أجله ،وهو عبادة ال وحده ل شريك له.
ولما كان من سنة ال في عباده أل يهتدي كل البشر ،بل بعض منهم فقط ،بل قليل ..فإن مهمة
الرسول الولى هي البلغ فقط للكافرين ،والمعاندين ،كما قال سبحانه وتعالى{ :إنا أوحينا إليك
كم ا أوحين ا إل ى نو ح والنبيي ن م ن بعد ه وأوحين ا إل ى إبراهي م وإسماعي ل وإسح ق ويعقوب
والسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا رسلً مبشرين ومنذرين
لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل وكان ال عزيزا حكيما.}..
فقوله سبحانه وتعالى{ :لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل} ،أي لئل يحتجوا يوم القيامة
لبقائهم على الكفر أنهم لم يأتهم نذير ..فإرسال الرسل قطع العذر ،والحجة التي يمكن أن يحتج
بها الكافر والمعاند يوم القيامة.
وقد قال ال لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم{ :إن عليك إل البلغ} ،وقال{ :ما على الرسول
إل البلغ} ،وهذا في شأنه مع الكفار فليس عليه إل أن يبلغهم فقط ،ويخبرهم بالذي أرسله ال
به ،وماذا يجب عليهم نحو ال سبحانه وتعالى ،وماذا ينتظرهم إن هم أصروا على الكفر
والعناد؟؟؟.
{قل أطيعوا ال والرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا
وما على الرسول إل البلغ المبين} ،فهذه الية جمعت غاية الرسالة ،وموضوعها ،وما يترتب
على طرفيها الرسول ،والمرسل إليه ..،ومهمة الداعي هي البلغ المبين ،ومهمة المدعو هي
المسارعة إلى طاعة ال ،وطاعة رسوله ،فإن تولوا عن ذلك فقد ثبت في حقهم ما رتبه ال
عل ى المعاندين ،وه و قوله { :ق ل م ا يعب أ بك م رب ي لول ـدعاؤك م فق د كذبت م فسو ف يكون
لزامــا}- ،أي العذاب -فالعذاب لزم لكل من بلغته دعوة الرسول ،ثم كذب بها.
ج -إخراج وتربية أمة مسلمة قائمة بأمر ال:
الهدف الثالث الذي من أجله أرسل ال رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم هو إخراج ،وتربية
أمة مسلمة قائمة بأمر ال تعالى ،مقيمة لحدوده ،كما قال سبحانه وتعالى{ :هو الذي بعث في
الميين رسولً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي
ضلل مبين}.
وقد كان هذا تحقيقا لدعوة إبراهيم ،وإسماعيل عليهما السلم ،حيث قال وهما يرفعان أركان
البيت في مكة{ :ربنا وابعث فيهم رسولً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة
ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}.
وقد استجاب ال دعاءهم ببعثة هذا النبي الكريم صلى ال عليه وسلم ،وأخرج على يده خير
أمة أخرجت للناس ،كما شهد ال لهم بذلك ،حيث يقول{ :كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون
بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بال} ،ومدحهم في آيات كثيرة من القرآن ،كقوله
تعالي{ :محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون
فضلً من ال ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في
النجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار
وعد ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات منه مغفرة وأجرا عظيما}.
والهدف الرابع الذي أرسل ال من أجله الرسول محمد صلى ال عليه وسلم ،هو جعل دين
السلم الذي بعث به فوق كل دين إلى يوم القيامة ،كما قال سبحانه وتعالى{ :هو الذي أرسل
رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بال شهيدا} ،وقال أيضا{ :هو الذي
أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} ،ومعنى يظهره:
أي يجعله ظاهرا على كل الديان ،أي :غالبا.
وقد حقق ال سبحانه وتعالى ذلك على أتم الوجوه يوم كان المسلمون آخذين بأسباب النصر،
والتمكين ،فسقطت كل العروش ،وتهاوت كل الديانات الباطلة ،وعل السلم فوقها جميعا علوا
بالحجة ،والبيان أولً ،ثم بالسيف ،والسنان ثانيا.
هذه باختصار هي الهداف التي من أجلها أرسل ال رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم.
وقد ثبت عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال[ :اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون] ولما
كانت عقيدة السلم التي بعث ال بها محمدا صلى ال عليه وسلم هي العقيدة الحقة ،وهي ذات
العقيدة التي بعث بها جميع الرسل والنبياء ،وهي عبادة ال وحده ل شريك له ،وترك كل ما
يبعد عن دين ال ..وكان اليهود والنصارى قد غيروا وبدلوا الدين الذي بعث به موسى
وعيسى عليهما السلم ،فإن ال أوجب على أهل السلم أل يتبعوا إل ما جاءهم عن ال
سبحانه وتعالى ،وأمر ال رسوله أن يدعو أهل الكتاب للدخول في الدين الحق ،دين السلم،
كما قال تعالى{ :قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ول نشرك به
شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} ،وقال
تعالى أيضا{ :فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق} ،وقال
تعالى{ :إن الدين عند ال السلم} ،وقال تعالى{ :ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه
وهو في الخرة من الخاسرين}.
وقد شرع ال سبحانه وتعالى لهل السلم أتباع محمد صلى ال عليه وسلم شريعة خاصة بهم
في كل شأن من الشؤون ،عبادة أو معاملة أو حدا.
ونهى ال سبحانه وتعالى أمة السلم أن يأخذوا دينهم إل مما أوحاه إلى رسوله صلى ال عليه
وسلم كما قال تعالى{ :وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه
فاحكم بينهم بما أنزل ال ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة
ومنهاجا ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى ال
مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون}.
وعلى هذا فل يجوز لهل السلم أن يأخذوا دينهم إل مما أوحاه ال على رسوله وعبده محمد
صلى ال عليه وسلم ،إذ هو الحق الذي لم تشبه شائبة ولم يتعرض لتحريف ،أو تغيير ،أو
تبديل ،كما قال صلى ال عليه وسلم[ :لقد جئتكم بها بيضاء نقية].
وقد حفظ ال سبحانه وتعالى هذا الدين القويم من أن تناله يد التحريف والتبديل ،فالقرآن الكريم
محفوظ بحفظ ال إلى اليوم كيوم نزل ،والسنة النبوية المطهرة محفوظة كذلك بحفظ ال الذي
هيأ لها الحفظة المناء الذين نقلوها كما رأوها ،وسمعوها من رسول ال صلى ال عليه وسلم.
والخلصة أنه ل يجوز للمسلمين طلب الهداية مما بأيدي اليهود والنصارى ولو نسبوه إلى
كتبهم المنزلة لنه ل يؤمن تحريفهم وكذبهم على ال ،ومن أجل ذلك نهى رسول ال عمر بن
الخطاب –رضي ال عنه -عن القراءة من التوراة لما رآه يقرأ منها شيئا أعجبه ،فقال رسول
ال صلى ال عليه وسلم[ :أبهذا وأنا بين أظهركم لقد جئتكم بها بيضاء نقية ،وال لو أن موسى
حيا لما وسعه إل أن يتبعني].
وعنه صلى ال عليه وسلم أنه قد جاء بالدين الكامل الذي لم تدركه شائبة من تزيد أو تنقص،
والذي نسخ ال به شرائع النبياء السابقين عليه ،ولو أن رسولً منهم وجد بحضرة النبي محمد
صلى ال عليه وسلم فإن الواجب عليه حينئذ أن يتبع ما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم،
ول يحكم بالشريعة التي أنزلت عليه ،ومن أجل ذلك فإن عيسى عليه السلم متى نزل من
السماء حكم بشريعة القرآن ،ولم يحكم بشريعة التوراة ،والنجيل ،وهذا في مجال الهداية
بالديان السابقة المنزلة من ال سبحانه وتعالى.
وأما في مجال الهتداء ،أو التأسي ،أو التعليم ،أو المشاركة ،للمشركين ،والكفار في شيء من
دينهم الباطل ،أو عقائدهم الضالة التي جاء السلم بإبطالها فإن هذا كفر يخرج من الدين ،فمن
عظم دينا غير دين السلم فقد كفر ،ومن عبد غير ال فقد كفر ،ومن اعتقد عقيدة تخالف
عقائد السلم فقد كفر ،وهذا لن الحق ل يتعدد..
فتعظيم الصليب كفر ،وتعظيم شعائر الكفر ،كفر ،أيا ما كانت هذه الشعائر أعيادا ،أو مظاهر،
أو طقوسا ،أو احتفالت.
وقد أمرت هذه المة أن تتميز عن أمم الكفر في كل مناهجها وشرائعها ،ومظاهرها وعاداتها،
كما قال صلى ال عليه وسلم[ :بعثت بالسيف بين يدي الساعة ،وجعل رزقي تحت ظل
رمحي ،ومن تشبه بقوم فهو منهم] .ول شك في أن هذا التمايز والتغاير بين أمة السلم وأمم
الكفر ،سيمكنها من أن تحافظ على دينها ،وعقيدتها ول تذوب في الكفار ،ويدخل إلى دينها
وتشريعها ما ليس منه.
لقد كانت هناك أسباب كثيرة لنشأة الجاليات السلمية في الغرب( :أوروبا ،وأمريكا) ،فالفتح
السلمي في عهد المويين للندلس كان أول انتقال للسلم إلى أوروبا من جنوبها الغربي،
وقد وصل المسلمون آنذاك إلى جنوب فرنسا ثم كان الفتح العثماني لشرق أوروبا حيث وصل
العثمانيون إلى مدينة فينا عاصمة النمسا ،وكان هذا هو الدخول العزيز للسلم هناك ،وقد
أدى دخول العثمانيين إلى شرق أوروبا إلى انضمام عدد كبير من أهل دول البلقان (شرق
أوروبا) إلى السلم بعدما فتح التراك العثمانيون هذه البلد ومكثوا فيها زمنا طويلً ،ثم
أجبروا أن يخلوا عنها بعد الحر ب العالمية الولى ،ومأساة شعب البوسنة والهرسك التي
نعيشها اليوم هي نتيجة لنحسار المد السلمي عن هذه الرقعة من أرض أوروبا ،وبقاء تلك
القليات السلمية في هذا المحيط الوروبي الصليبي المعارض للسلم.
ثم قد كان المسلمون هم أول من اكتشف أمريكا قبل أن يكتشفها كولمبس (بكل فخر واعتزاز،
يذك ر ـ المسلمو ن أ ن أجداده م الوائ ل كانو ا ق د اكتشفو ا أمريك ا قب ل أ ن يكتشفه ا كولمبس
Columbusبفتر ة طويلة ،وذلك عندما قطعو ا المحي ط الطلسي م ن الندل س سن ة 1150م،
ووصلوا إلى ما يعرف حاليا بالبرازيل ،بل إن المؤرخ المسلم الشريف الدريسي يذكر أن
اكتشا ف المسلمي ن لهذ ه القار ة كا ن ق د ت م قب ل هذ ا التاريخ ،وذل ك عندم ا أبح ر ثماني ة من
المسلمين من لشبونة في القرن العاشر الميلدي ،محاولين اكتشاف ما وراء بحر الظلمات،
وه و الس م الذ ي كا ن يطلق ه المسلمو ن عل ى المحي ط الطلسي ،إل ى أ ن نزلو ا ف ي أمريكا
الجنوبية ،ويؤكد هذا الواقع مستشرقون كبار ،وفي كتابه (العـرب في أمريــــــكا)
The Arabs In Americaيذكر مهد ي Mehdiأنه سن ة 1539م اكتشف فراماركوس دي نايز
Fra Marcos Nizeـالمناط ق المعروف ة اليو م باس م ني و مكسيكوـ New Mexicoـوأريزونا
، Arizonaوكان مرشده في ذلك مسلم مغربي اسمه أسطفان ،ولقد راح أسطفان ضحية سهم
من أحد الهنود الحمر ،سكان أمريكا الصليين ،الذين لم يكونوا قد رأوا الرجل البيض بعد.
د.كمال نمر/أصول التربية السلمية في أمريكا مجلة البحوث السلمية -صفحة )243ولكن
الوروبيو ن ه م الذي ن سبقوه م بالهجر ة إليها ،وإقام ة مستوطناته م فيها ،والمسلمو ن الذين
هاجروا إلى أوروبا وأمريكا ،كانوا في عامتهم مهاجرون من أجل الدنيا ،أو فرارا بالدين،
فالهجرة من بلد السلم إلى أوروبا وأمريكا منذ مطلع القرن العشرين ،كانت أهدافها دنيوية،
وقليل منها كان بسبب الضطهاد من الحكومات الثورية والحكام الستبدادية.
وعلى كل حال ،فالهجرة إما أن تكون واجبة كالفرار بالدين من البلد الذي يضطهد فيه المسلم،
فيفر إلى بلد آخر يأمن فيه على نفسه ،ودينه ،وإما أن تكون مستحبة كالهجرة لطلب العلم
الشرعي ،ونصرة الدين ،وإما أن تكون مباحة وهي الهجرة لطلب الدنيا ،والسفر من أجل
الرزق ،وإما أن تكون حراما إذا كانت إلى بلد ل يستطيع فيها المسلم أن يقيم شرع ال ،وإما
أن تكون ردة وكفرا إذا التحق المسلم بالكفار وترك دينه وعقيدته ،وباع دينه بالدنيا .ول شك
أنه يوجد من المسلمين في بلد الغرب من هجرته واجبة ،ومن هجرته مباحة ،ومن هجرته إثم
وحرام ،ومن هجرته ردة وكفر.
وعن جواز الهجرة إلى بلد الغرب يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز:
"ومتى عجز المسلم عن إظهار دينه في بلد إقامته ،بحيث ل يأمن على دينه وعرضه وماله،
فإنه يجب عليه الهجرة إلى بلد آمنة يستطيع أن يؤدي شعائر دينه بأمن وراحة بال عملً
باليات ،والحاديث الواردة في ذلك" (في كلمة بمناسبة انعقاد المؤتمر العالمي السادس للندوة
العالمية للشباب السلمي ،مجلة البحوث السلمية –العدد السادس -صفحة .)346
يتناقض موقف الباحثين والدعاة السلميين ،حول مستقبل السلم في الغرب ،فبينما يرى
جمهور منهم أن السلم سيشرق على العالم كله من جديد ،من أوروبا وأن الغرب سيعود إلى
الدين السلمي حتما ،وسيمكنه رقيه المادي ،والحضاري من نشر رسالة السلم في العالم،
وإخضاعه تحت سلطان السلم . .فبينما يرى بعض الدعاة والباحثين المسلمين ذلك ،يرى
آخرون أن الغرب عاش وثنيا صليبيا ،وأنه سيظل كذلك ،وأن رسالة السلم ل يمكن أن
تنطلق من هذا المستنقع السن.
فهذا -مثلً -الستاذ /إسماعيل راجي الفاروقي -أستاذ السلميات ،وتاريخ الديان -بجامعة
ثمبل فيلدلفيا -في الوليات المتحدة -يرى أن أمريكا ستتحول يوما إلى السلم حيث يقول:
"حقا إن أعظم فتح في التاريخ لهو الفتح الذي يدخل أمريكا في السلم ،ولكن هل فتح هذا
ممكن؟ هل يجوز لنا أن نأمل أن أمريكا ،بكل ما لها من سلطة وديناميكية ،بكل ما فيها من
خيرات كانت بالفعل أم بالقوة ،ستدخل يوما ما في السلم ،وتصبح ركنا من أركان دار
السلم؟ هل يجوز لنا أن نتطلع إلى اليوم الذي يدخل فيه الشعب المريكي بمئات مليينه في
السلم فتصبح أمريكا دولة إسلمية وأرضا تعلو فيها كلمة ال وشعبا يجاهد في سبيل ال،
ويسير في خطى رسوله الكريم صلى ال عليه وسلم؟ نعم ،بالتأكيد هذه الرؤيا ليست فقط
مرغوبة بل هي ممكنة بل ضرورية" (مجلة البحوث السلمية -العدد الثاني -صفحة .)591
ولكن رجلً آخر من العاملين في الحقل السلمي في أمريكا ،والذي نال شهادة الدكتوراه في
التربية من جامعاتها لعا م 1983م ،ويعمل في الكاديمية السعودية في واشنطن وهو د.كمال
كامل عبدالحميد نمر يقول" :أما أولئك الذين يطمحون أن تقام دولة الخلفة السلمية في
أمريكا ،وأن تنطلق راية الجهاد من هناك ،فقد ضلوا الطريق ،ذلك أن بالرغم من الحرية التي
يعتقد المسلمون أنهم يتمتعون بها في أمريكا ،لنهم حرموا منها في كافة ديار السلم ،فإن
انطلق دولة السلم من ذلك المستنقع ل يعدو أن يكون مجرد حلم لذيذ" (مجلة البحوث
السلمية -عدد -22صفحة .)250
وبينما يعتمد الستاذ الفاروقي في رؤياه أن أمريكا ستكون بالضرورة بلدا إسلميا على إفلس
المسيحية ،ث م إفل س المادي ة أ ن تقد م للمريك ي تفسيرا ـصحيحا ـللحيا ة منهجا ـنظيفا ـعلى
الرض ،وبالتالي فإنه ل بد أن يحل السلم ،فإن الدكتور كمال نمر يعتمد في رؤياه إلى
استحالة قيام حكم ،ونظام إسلمي في أمريكا لن هذا المستنقع السن وهذه الشعوب الغارقة
في الثم ،والفاحشة ،والمادية من العسير أن تعرف طريقها إلى السماء.
ويقول د.كمال عبدالحميد نمر الحاصل على الدكتوراه في التربية من الوليات المتحدة" :إن
انطلق دولة السلم من ذلك المستنقع ل يعدو أن يكون مجرد حلم لذيذ" (أصول التربية
السلمية في أمريكا -د.كمال عبدالحميد).
ويقول الداعية محمد وجدي الخالد ،رئيس مركز النصار في ألمانيا" :إنطلق السلم من
الغرب هو مجرد سراب أو حلم يحلم به بعض الدعاة الذين ليس لديهم معرفة واسعة بالغرب،
حيث يرددون باستمرار عبارة كنت أسمعها في ألمانيا ،ثم أصبحت أسمعها في الدول العربية،
وه ي قوله م بأ ن السل م سينطل ق م ن الغرب . .وم ن جهت ي أقو ل إ ن الغر ب كا ن معقلً
للنصرانية ،وعاد كذلك ..وعقلؤهم يؤيدون مبدأ التعايش السلمي مع الديان الخرى" (من
تقرير عن وضع المسلمين في أوروبا ،مرفوع إلى جمعية إحياء التراث السلمي بالكويت).
إن المور التي تحدو بكثير من الدعاة السلميين أن يعتقدوا أن الغرب قد أصبح قريبا جدا
من السلم ،هي رؤيتهم أن الغرب قد أصبح على شفا الكارثة الخلقية والجتماعية ،وأنه قد
وصل القاع ،ول بد أن يبحث عن مخرج ول مخرج له إل بالسلم ،وكذلك رؤيتهم تحول
كثير من مفكري الغرب إلى السلم ،ومحاولتهم تقديم السلم ليكون بديلً لنظام الحياة السائد
في الغرب ،ومن هؤلء المفكرين العظام الذين قاموا بتقديم السلم للغرب ،د.مراد هوفمـان
–سفير ألمانيا في الرباط -والذي كتب كتابه الفذ (السلم هو الحل البديل) ،وقد أثار هذا
الكتاب زوبعة كبيرة في ألمانيا والغرب ،ويقول د.مراد" :إنني أعتقد أن حركة تجديد السلم
ستأتي في القرن الحادي والعشرين من أوروبا" (د.مراد هوفمان -السلم هو الحل البديل-
صفحة ،)247ومن قبله كان إسلم روجيه جارودي حدثا عالميا هز أوروبا إذ رأوا تحول علم
كبير من أعلم الماركسية والعلم المادي إلى السلم إنقلبا هائلً..
وأما الذين يرون أن الغرب سيبقى على كفره وعناده وحربه للسلم وصليبيته ،فهو رؤيتهم
للواقع السحيق ،والباحية ،والكفر ،والعناد الذي يعيش فيه الغرب ،وأن نداءهم للسلم إنما
هو نداء من مكان بعيد{ :أولئك ينادون من مكان بعيد}.
وأن صيحة السلم مهما علت فإن آذان الغرب صماء عن سماعها ،وأن التراكمات الهائلة في
فكر الغربي ،والشبهات الكثيرة التي تمل ذهنه عن السلم تجعله بعيدا كل البعد عن أن يسمع
لنداء الحق.
وأقول أيا كان المر ،فإن المسلمين مأمورون بحمل الدعوة إلى كل مكان ،ودعوة الناس جميعا
إلى الدخول في الدين الحق والرسالة الخاتمة إلى أهل الرض ،ونصر ال للسلم ل يعرف
من أين يأتي؟ وقد أنزل ال رسالة على العرب وهم أهل أمة لم يكن أحد يأبه بوجودها أو
فقدها ،ثم كان من شأنهم أن جعلهم ال سادة الدنيا وحديث العالم ،ولما تخلوا عنها يوما فإن
عبيدهم ومماليكهم قاموا يوما بنصر السلم ،ثم قام التراك ،وكانوا مجموعة من القبائل
الرحل الذي لم يكن لهم شأن ول ذكر ،ثم أصبحوا سادة الدنيا بالسلم قرونا متطاولة وال
سبحانه وتعالى أعلم حيث يجعل رسالته ،قال تعالى{ :ولينصرن ال من ينصره إن ال لقوي
عزيز} ،وهو القائل سبحانه وتعالى للعرب{ :وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل يكونوا
أمثالكم}.
وعلى كل حال ،فإن في الغرب اليوم مليين المسلمين الذين وجدوا فيه لما أسلفنا من ظروف
وأحوال وأسباب وواجب المة السلمية ،نحوهم كبير ،وواجبهم نحو أنفسهم كذلك عظيم،
كيف يحافظون على دينهم وعقيدتهم وأمنهم وإسلمهم ،بل كيف ينطلقون دعاة بهذا الدين..
وهذا هو الذي يجب أن توجه له الهموم ،ونترك النتائج بعد ذلك ل سبحانه وتعالى يهدي من
يشاء إلى صراط مستقيم.
أولى الولويات التي يجب على المسلمين بالغرب -بل في كل مكان -التمسك بها هو اليمان
بال وتوحيده ،وذلك أن اليمان بال ،وعبادته وحده ل شريك له هو الذي من أجله خلقنا ال
سبحانه وتعالى ،وهو ما يميز المؤمن عن الكافر وما كان هؤلء المغتربون مسلمين إل
بإيمانهم وتميزهم عن المم الكافرة والمشركة التي يعيشون فيها ،واليمان هو طريق الفلح،
وصراط ال المستقيم ،وهو اختيار ال اصطفاه لمن أنعم عليهم من البشر . .،ولذلك فإن من
فرط في دينه من أجل دنياه ،فإنه يكون قد فرط في حياته الحقيقية ،وخسر الدنيا والخرة.
إن قضية اليمان بال ،يجب أن تكون الشغل الشاغل لكل مسلم ،وأن يجعلها هي مدار حياته،
وثمرة جهاده ،ومنتهى أمله ،وكل تطلعه ،وهذا يعني أن يبيع كل شيء من أجلها ،وأن يضحي
بك ل عزي ز لينالها ،ويحاف ظ عليها ،وأ ن يتر ك ك ل شي ء يتعار ض معه ا ول و كا ن الهل،
والوطن ،والمال ،وكل عزيز.
أ -بتعلمه:
اليمان بال علم وتصديق وعمل بمقتضى هذا العلم ..وأركان اليمان ست هي( :اليمان بال،
وملئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم الخر ،واليمان بالقدر خيره وشره من ال تعالى) ،وكليات
هذا العلم ،يجب على كل أحد تعلمها ،والتفقه فيها وتعليمها ناشئة المسلمين ذكورا وإناثا.
ويجب أن يكون ذلك كما جاء في كتاب ال وسنة رسوله ،وكما كان اعتقاد الصحابة رضوان
ال عليهم ،لنهم المشهود لهم بالخير ،والذين رضي ال عنهم وأرضاهم ،وأعز بجهادهم
السلم.
وجود ال تعالى:
أن نؤمن أن ال هو الله الحق الذي شهد بوجوده وربوبيته ووحدانية كل موجود.
توحيد الذات:
ونؤمن أنه سبحانه وتعالى بذاته فوق عرشه مستو على النحو الذي يليق بجلله ،كما مدح بذلك
نفسه في سبع آيات من كتابه ،وأن عرشه فوق سبع سماواته.
وأنه سبحانه الول الذي ليس قبله شيء ،والخر الذي ليس بعده شيء ،والظاهر الذي ليس
فوقه شيء ،والباطن الذي ليس دونه شيء ،وأن صفاته كلها -كما هي أبدية -فهي كذلك أزلية
ليس لوليته ابتداء ول لخريته انتهاء.
وأن ذاته سبحانه وتعالى ل تشبه شيئا من مخلوقاته ،قال تعالى{ :ليس كمثله شيء وهو السميع
البصير} ،وأنه الواحد الحد الفرد الصمد ،الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
وأنه سبحانه وتعالى ل يحل في شيء من مخلوقاته ،ول يحل فيه شيء من مخلوقاته ،وأن كل
ما سواه فمخلوق بأمره خاضع لمشيئته.
توحيد الصفات:
وأنه سبحانه الحي القيوم بذاته ،المقيم لكل ما سواه ،فالعرش والكرسي والسماوات والرض،
وكل ما فيها ل قيام لشيء من ذلك إل به ،ول بقاء لعرش ول كرسي ول سماء ول أرض ول
ملئكة ول جن ول إنس إل بإقامة ال لهم ورعايته وحفظه ..،فكل شيء مفتقر إليه..
وأنه سبحانه وتعالى العليم الخبير ،الذي يحيط علمه بالولين والخرين ،ول يعزب عنه مثقال
ذرة في السماوات ول في الرض ،وأنه ما من حركة ول سكون ،إل وقد علمه قبل وقوعه
ويعلمه حال وقوعه ،وأنه سبحانه ل يضل ول ينسى.
ونؤمن أن ال سبحانه وتعالى هو رب كل شيء ومليكه والمتصرف فيه ،وأنه ل شريك له في
ملكه ،ول ظهير له ول معين له من خلقه.
وأنه سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء وتنزه عن الظلم والجور.
وأنه سبحانه وتعالى العليم الحكيم ،الذي يضع كل أمر في نصابه والذي ل يفعل شيئا سدى
وعبثا.
ونؤمن أن ربنا سبحانه وتعالى يحب ويرضى ،ويفرح ويضحك ،وكذلك يسخط ويمقت ويكره
ويغضب وفي كل ذلك ل يشبه شيئا من خلقه.
وأنه سبحانه وتعالى يلطف ويرحم ،وينجي عباده المؤمنين ،كما أنه يخذل ويعذب وينتقم
ويستدرج ،ويمكر بعبيده الظالمين.
ونؤمن أنه سبحانه وتعالى يتكلم كما يشاء ،كما قال{ :وكلم موسى تكليما} ،وينزل ويقترب من
عباده كما يشاء قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا عند
ثلث الليل الخر] ،وأنه له وجها قال تعالى{ :ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام} ،ويدا{ :ما
منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} وقدما ،قال صلى ال عليه وسلم[ :فيضع رب العزة قدمه
فيها] ،وساقا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم[ :يكشف ربنا عن ساقه] ،وأن صفاته سبحانه
وتعالى ل تشبه صفات المخلوقين.
ونؤمن أنه سبحانه وتعالى القوي العزيز وأنه على كل شيء قدير ،وأنه ل يعجزه شيء ،ول
يؤوده حفظ السموات والرض ،ول حول ول قوة لحد ول لشيء إل به سبحانه ،وأنه الفعال
لما يريد.
ونؤمن أن ال سبحانه وتعالى هو البر الكريم ذو الفضل والحسان ،الذي ما نعمة إل هي منه،
وما من عطاء إل وهو من عنده ،وأنه ل راد لحسانه ول ممسك لفضله.
ونؤمن أن ال سبحانه أعظم وأجل من أن يحيط أحد من خلقه علما به قال تعالى{ :ول
يحيطون به علما} وأنه ليس بعد سلطانه سلطان ،ول بعد ملكه ملك ،وأنه ل يستطيع أحد أن
يثني عليه كما أثنى هو على نفسه ،ونؤمن أنه ل يعلم ال على حقيقته إل ال سبحانه وتعالى.
حكمة الخلق:
ونؤمن ونشهد أن ال سبحانه وتعالى ما خلق من ملئكة وجن وإنس وسماوات وأرض ،إل
ليعبدوه ويسبحوه ،وأنه ما من شيء إل وهو يسبح بحمده ويقدس له بلسان مقاله أو بلسان
حاله.
ونؤمن أن العبادة التي ل يقبل ال من أحد غيرها هي الطاعة المطلقة ل سبحانه فيما عقل
معناه ،وما لم يعقل معناه ،مع كمال الذل والخضوع والحب ل سبحانه.
ونؤمن أن الدين الذي ل يقبل ال سواه من ملك أو جن أو إنس هو السلم قال تعالى{ :ومن
يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين} ،والسلم هو الستسلم ل
بالطاعة والخضوع.
ونشهد أنه سبحانه لما خلق الخلق جعل لكل شيء قدرا ومقدارا ومنزلة ،فللملئكة أقدارهم
ومنازلهم ،وللجن كذلك وللنس كذلك ،وأوجب على كل أحد أن يلزم قدره ومقداره ومنزلته.
ونشهد أنه سبحانه وتعالى أمر الجن والنس بعبادته ،ولم يخلقهم إل من أجل هذه العبادة ،وأنه
ابتلهم بالخير والشر ،واختبر طاعتهم ،وأن الجن والنس كذلك ،وأوجب على كل أحد أن
يلزم قدره ومقداره ومنزلته.
ونشهد أنه سبحانه وتعالى أمر الجن والنس بعبادته ،ولم يخلقهم إل من أجل هذه العبادة ،وأنه
ابتلهم بالخير والشر ،واختبر طاعتهم ،وأن الجن والن س ك ل منهم يكس ب الخير والشر
باختيار نفسه ولكن أحدا منهم ل يوقع الخير إل بتوفيق من ال وإعانة ،ول يوقع الشر جبرا
على ال ولكن في إطار إذنه ومشيئته.
ونشهد أن ال سبحانه وتعالى خلق آدم من طين هذه الرض بيديه سبحانه ،خلقا مستقلً ،وأمر
هذه جبريل الذي هو روح ال أن ينفخ فيه فصار بشرا بنفخة جبريل ،وأن ذلك كان في
السماء ،وأنه سبحانه أمر الملئكة بالسجود له فسجدوا إل إبليس الذي أبى استكبارا وكفرا
وعنادا لذلك طرده ال من رحمته ،وحذر آدم منه.
ونشهد أن ال خلق حواء من ضلع آدم ،وجعلها زوجة له ،واختبرهما ال بأن يأكل من كل
ثمار الجنة إل شجرة واحدة ،فأكل منها فأهبطهما إلى الرض ليعمراها بنسلهما جيلً بعد جيل
وليختبره م فيه ا بالطاع ة والناب ة والسل م له ،فم ن أطا ع أرجع ه إل ى الجن ة وم ن عصى
فمصيره إلى النار.
ونشهد أنه ل يبلغ عبد التوحيد الخالص إل إذا كانت محبته ورغبته وخوفه وخشيته وتعظيمه
ل عز وجل أعظم من كل مخلوق ،وإل إذا كان توكله على ال وحده ،وحسبه ل وحده
(الحسب :الكفاية ،وحسبي ال ونعم الوكيل ،بمعنى ال يكفيني كل ما أهمني).
ونشهد أن الركوع والسجود والذبح والصوم والنذر والحلف كل ذلك ل يجوز إل ل ومن
صرف شيئا من ذلك لغيره فقد أشرك.
ونشهد أنه ل طواف إل ببيت ال ،وتقبيل -عبادة -إل للحجر السود ،ول شد رحال -عبادة-
إل للمسجد الحرام ومسجد النبي صلى ال عليه وسلم والمسجد القصى.
ونشهد أنه من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول ،فقد كفر بما أنزل على محمد ،وأن الغيب
ل يعلمه إل ال ،ومن ادعى اطلعا على الغيب أو اللوح المحفوظ فهو كافر مشرك.
ونشهد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حمى جانب التوحيد ،وسد كل الذرائع الموصلة إلى
الشرك ،فحرم بناء المساجد على القبور ،ونهانا أن نطريه كما أطرت النصارى المسيح ابن
مريم ونهى عن الصور والتماثيل.
ونشهد أن الكرامة حق لعبد صالح مؤمن ،وأن خرق العادة قد يكون للفسقة والمجرمين ،كما
ه و للدجالي ن والكذابين ،وم ن علم حقيق ة الدي ن استطا ع أ ن يفر ق (بي ن أوليا ء ال ـوأولياء
الشياطين).
ونؤمن أن ل سبحانه وتعالى الكبرياء العظمة والمجد ،وأن سبحانه ل يشفع أحد عنده إل
بإذنه ،ول يتألى عليه ،ول يتنازع في كبريائه وعظمته ول يعقب على أمره وحكمه.
توحيد الحكم والملك:
ونؤمن أن أخبار ال كلها صدق ،وأحكامه كلها عدل قال تعالى { :وتمت كلمة ربك صدقا
وعدلً}.
ونشهد ونؤمن أن ل الخلق والمر ،وأن الحكم له وحده ،وأنه هو الذي يشرع لعبادته ويأمر
وينهى ،أن من نازع ال في شيء من ذلك فقد أشرك.
ونشهد أن كل من أطاع سيدا أو أميرا أو حاكما في غير طاعة ال ،مريدا لذلك راغبا عن
طاعة ال ،فهو كافر مشرك ،وأنه ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
اليمان بالملئكة:
أن الملئكة خلقهم ال من نور وأقامهم في طاعته وعبادته قال تعالى{ :ل يسبقونه بالقول وهم
بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ول يشفعون إل لمن ارتضى وهم من خشيته
مشفقون}.
وأن ال سبحانه وتعالى يبعثهم ويقيمهم في أعمال كثيرة عدا التسبيح والتحميد له ،كإرسال
رسالت ه إل ى رسل ه م ن البشر ،وتثبي ت المؤمني ن ف ي القتا ل وإحصا ء أعما ل النا س خيرها
وشرها ،وحفظ البشر من الحوادث التي لم يرد ال أن يصابوا بها ،وقبض الرواح وسوق
السحاب ونفخ الروح ،وغير ذلك مما بينه ال في كتابه وعلى لسان رسوله صلى ال عليه
وسلم.
ونحب الملئكة ونؤمن بهم لمحبتهم للمؤمنين ودعائهم لهم ،ولشراكنا معهم في اليمان بال
وتعظيم ه وتقديسه ،ول نفر ق بي ن ملك وملك كما فعل ت اليهو د ب ل نحبهم لطاعته م لربهم
وسيرهم في مرضاته.
ونشهد ونؤمن أن ال سبحانه أنزل كتبا وصحفا على رسله ،وأنها جميعا عند تنزيلها منزهة
من العيب والنقص والغلط لنها كلم ال ،ونشهد أن كل الكتب السابقة على القرآن حرفها
أهلها وغيروها ،عدا القرآن الذي حفظه ال من التغيير والتبديل وسيبقى كذلك إلى قرب قيام
الساعة فضلً من ال ورحمة حيث يرفعه ال من الرض.
ونشهد أن القرآن المنزل على محمد صلى ال عليه وسلم كلم ال حقا وصدقا ليس بمخلوق،
ول يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ،وأنه معجزة حية باقية تحدى ال به الولين
والخرين أن يأتوا بسورة مثله بيانا وبلغة ومعنى وأحكاما وأن أحدا مهما أوتي من العلم
والفصاحة والبيان ل يأتي بذلك..
ونشهد أن ال قد أنزل القرآن تبيانا لكل شيء مما يصلح الناس في دنياهم وأخراهم ،وأنه ل
خلف بين آياته ،أن ال تعبدنا بتلوته وتدبره ،وجعل خيرنا من تعلمه وعلمه.
ونشهد أن ال سبحانه وتعالى اختار من البشر أنبياء ورسلً لهداية الناس ودعوتهم إلى طريق
ال ،وأن أولهم آدم وآخرهم وخاتمهم محم د صلى ال عليه وسلم وأنهم جميعا إخوانه في
الدين ،دعاة إلى رب العالمين ،وإن اختلفت شرائعهم فعقيدتهم واحدة.
ونشهد أن جميع الرسل معصومون عن الكذب على ال أو الحكم بالهوى ،أو الوقوع في
الفواحش أو الزيادة والنقص في الدين وأنهم مسددون دائما من ال في اجتهادهم وأن ال ل
يقرهم على خطأ أخطأوه باجتهادهم.
ونشهد أن هؤلء الرسل بشر مثلنا ،خلقوا من طين الرض وليس منهم من خلق من نور ال
أو نور عرشه ،كما يقول كفار المسلمين في شأن نبينا محمد صلى ال عليه وسلم ،أو من كلمة
ال كما يقول كفار النصارى في شأ ن عيسى ،وأنهم يموتو ن كما يمو ت البشر ،وينسون
ويمرضون ويتألمون ويكابدون كما يكابد البشر.
ونؤمن أن الرسل ما شرفه ال إل لتحقيقهم العبودية ل في أنفسهم فهم أكمل المؤمنين إيمانا
وأعظمهم ل خشية ،وأعلمهم به وأنه ليس منم من أحد دعا الناس إلى تعظيمه وعبادته ،بل
دعوا جميعا إلى عبادة ال وحده.
ونشهد أن الرسل ل يعلمون الغيب إل ما أطلعهم ال عليه ونشروه في الناس وأنهم لم يكتموا
شيئا مما أوحاه ال إليهم.
ونشهد ونؤمن أن محمدا صلى ال عليه وسلم هو خاتم الرسل وسيدهم وأفضلهم عند ال،
وأعلهم منزلة بلغ البلغ المبين ،ولم يكتم شيئا مما أوحاه إليه رب العالمين.
ونشهد ونؤمن أن أحدا من الناس ل يؤمن إيمانا كاملً إل إذا أحب رسول ال أكثر من حبه
لبويه وأولده ونفسه التي بين جنبيه ،وعزر (تعزير الرسول نصره ،والجهاد معه والدفاع
عن حوزة الدين الذي جاء به) الرسول ووقره واتبع ما جاء به وقدم طاعته على طاعة كل
مخلوق.
ونؤمن بشفاعة الرسول العظمى يوم القيامة ،حيث يشفع للناس في فصل القضاء ،وخروج
الناس من المحشر ،وحيث يأذن ال له فيمن يشفع فيهم من المؤمنين فيدخلون الجنة.
ونشهد أن شفاعة الرسول حق لعصاة المؤمنين ،ونقر ونشهد أن الرسول ل يشفع إل لمن أذن
ال له.
ونؤمن أن محمدا صلى ال عليه وسلم قد أرسله ال إلى الناس كافة عربهم وعجمهم منذ بعثته
وإلى قيام الساعة ،وأنه رسول ال إلى النس والجن جميعا.
ونؤمن أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد ثبتت له المعجزات الباهرة والبراهين الناصعة
على صدقه وأمانته ،فقد أنزل عليه القرآن المعجز ،وأسرى به إلى القدس من مكة في ليلة
واحدة ،ويشهد المؤمنون أنه عرج به إلى السماء في ليلة السراء ،وشاهد الملئكة والمرسلين
وكلمهم وكلمه ال سبحانه وتعالى وأكرمه وفرض عليه وعلى أمته خمس صلوات في اليوم
والليلة.
ونشهد أن الرسول صلى ال عليه وسلم قد نبع الماء من بين أصابعه وأطعم المئات من الناس
بطعام ل يكفي العشرات ،وحن الجذع إليه ،وسبح الحصى والطعام في يديه ،واشتكى إليه
البعير.
ونؤمن بما فضل به محمدا صلى ال عليه وسلم على النبياء ،وما خصه به من النصر
بالرعب ،وإحلل الغنائم وجوامع الكلم (أي أن الكلم اختصر له اختصارا فيستطيع أن يعبر
عن المعاني الكبيرة بجمل قصيرة) ،وجعل الرض مسجدا وطهورا ،وبعثه إلى الناس كافة،
وختم النبيين به ،ونشهد أن حوض الرسول حق ،ونسأل ال أن يسقينا منه.
ونؤمن أن ال قد جعل لكل نفس أجلً وللحياة على الرض أجلً تنتهي فيه بالنفخة الولى في
الصور ،ثم ينفخ فيه نفخة أخرى فيقوم الناس لرب العباد لفصل القضاء بينهم.
ونشهد أن الجنة والنار مخلوقتان الن ،وباقيتان أبدا وسرمدا ،وأن أهل الجنة داخلوها ول شك
يوم القيامة وأهل النار مواقعوها ولن يجدوا عنها مصرفا.
ونشهد أن ال يخرج عصاة المؤمنين من النار الذي يدخلونها بسبب معاصيهم التي لم يغفرها
ال لهم ،ولم يكفرها عملهم الصالح.
ونؤمن بأن نعيم الجنة حق فإنه نعيم حسي ومعنوي ،وأنهما كما وصف ال في كتابه وعلى
لسان رسوله صلى ال عليه وسلم.
ونشهد أن أهل الجنة واجدون فيها ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر
ونسأل ال أن يجعلنا منهم ،وأهل النار واجدون فيها من العذاب واللم ما لم يخطر ببالهم،
وأكبر مما توهمه عقولهم قال تعالى{ :فيومئذ ل يعذب عذابه أحد ول يوثق وثاقه أحد} ،ونسأل
ال أل يجعلنا معهم.
ونؤمن بأن من مات من أهل الجنة فإنه ينعم في قبره ،ومن مات من أهل النار فإنه يعذب فيه
فنعيم القبر وعذابه حق ،وسؤال الملكين في القبر بعد الدفن حق.
ونؤمن ونشهد أن بيننا وبين الساعة علمات كبرى وصغرى ،ذكر ال بعضها في كتابه
وفصلها الرسول صلى ال عليه وسلم في خطابه ،وأن من العلمات الكبرى الدابة ،والدجال،
ويأجوج ومأجوج ،ونار تخرج من قعر عدن تحشر الناس إلى أرض المحشر ،ونزول المسيح
عيسى ابن مريم من السماء في دمشق حيث يحكم بالقرآن ويكسر الصليب ويقتل الخنزير
ويضع الجزية.
ومن العلمات الصغرى :تقارب الزمان ،وظهور الفتن والقتل ،وكثرة النساء وقلة الرجال،
وقتال المسلمين لليهود حتى يقول الحجر والشجر ،كما ورد في الحديث[ :يا مسلم هذا يهودي
ورائي فاقتله] ،واتفاق المسلمين والنصارى على قتال قوم كفار من دونهم ،ثم قتال المسلمين
للنصارى وانتصار المسلمين عليهم.
ونؤمن أنه لن تقوم الساعة حتى تفتح روما كما فتحت القسطنطينية ،وحتى يخرج المهدي من
أمة محمد صلى ال عليه وسلم في آخر الزمان يواطئ اسمه اسم الرسول صلى ال عليه وسلم
واسم أبيه عبدال ،وأنه ليس المهدي الذي زعمته الشيعة في محمد بن الحسن العسكري.
ونؤمن بأن يوم القيامة طوله كخمسين ألف سنة من سني الرض ،وأن الناس يقومون فيه
لربهم لفصل القضاء بينهم ،وأنهم يتفاوتون في المحشر حسب إيمانهم ودرجاتهم وأن الميزان
حق والصراط حق والحوض حق ،وشفاعة سيد المرسلين حق ،وشفاعة الشافعين حق.
اليمان بالقضاء والقدر:
ونؤمن ونشهد أن ال سبحانه وتعالى خلق كل شيء بقدر وأنه كتب مقادير كل شيء قبل أن
يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنة ،وأنه ما من شيء يقع في السموات والرض إل
وعلمه ال وقدره قبل أن يقع ول يعزب عن علم ال شيء.
ونشهد أن أهل السعادة قد سجلت لهم السعادة وأهل الشقاوة قد سجلت لهم الشقاوة وأن كل ذلك
ل يتغير ول يتبدل وأنه قد جفت القلم وطويت الصحف ول تبديل لكلمات ال.
ونشهد أن الخير والشر بتقدير ال ومشيئته ،وأن كل إنسان يكسب الخير والشر باختياره،
ومشيئته ،ولكن ل يوقع الخير إل بتوفيق من ال وإعانة ،ول يوقع الشر جبرا على ال ولكنه
في إطار إذن ال ومشيئته.
ول نقول كما قالت الجبرية ليس للنسان فعل وإن النسان مجبور على عمله ول خيار له،
ول نقول كما قالت القدرية أن كل إنسان يخلق فعله يختار عمله وأن اختيار ال له تابع
لختيار النسان.
ب -معرفة الفروق بين عقيدة التوحيد ،وما يضادها من عقائد الشرك والوثنية واللحاد:
ومما يقوي عقيدة التوحيد واليمان بال ،معرفة الفروق بينهما وبين عقائد الشرك والوثنية
واللحاد ،وخاص ة العقائ د المعاصر ة منها ،والت ي يقو م أربابه ا بترويجه ا ونشره ا وحرب
السلم بها.
فل بد للمسلم وخاصة من يعيش بين ظهراني الكفار أن يعرف عقائدهم ،ليعرف الفرق بين
عقيدة التوحيد التي يؤمن بها ،وما عليه هؤلء المشركون والملحدون وذلك وقاية له أن يقع في
ضللهم ،ودفعا لشبهاتهم وردا لباطلهم لنه ل بد وأن يتعرض لمن يدعو منهم إلى أديانهم
الباطلة (ومن أجل ذلك ألحقت هذه المذكرة بمذكرة أخرى توضح العقيدة النصرانية توضيحا
كاملً ،وتقيم الدليل الذي ل يمكن دفعه أنه عيسى عليه السلم لم يكن إل رسول ال وكلمته
ألقاها إلى مريم وروح منه ،كما جاء في القرآن ،وكما هو موجود في الناجيل الذي يعتمدها
النصارى اليوم ،وأرجو أل يقرأ هذه المذكرة مسيحي يريد الحق إل واهتدى إلى السلم).
وقد يفتن بما هم عليه من مناهج وطرائق في الحياة ،فيستحسن ما عندهم ،وقد يظن أن نجاحهم
في الدنيا دليل على صحة معتقدهم ،وسلمة أديانهم ،ومن أجل ذلك وجب معرفة الشر لتوقيه،
بل الكفر بالطاغوت مطلوب لذاته ،ثم لما يميز به الحق كما قال تعالى{ :فمن يكفر بالطاغوت
ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها وال سميع عليم}.
لذلك وجب على كل مسلم يعيش مع الكفار أن يتعلم بحسب طاقته ،كيف يرد على باطلهم،
وكيف يتقي شر عقائدهم الباطلة ،ودينهم المخالف لدين السلم.
واليمان يقوى بتضافر الدلة ،وزيادة العلم ،ويحيا بالعمل الصالح ،فمثل اليمان في القلب
كالنبتة يسقيها العمل الصالح وينميها ،فإذا لم تجد عملً ذبلت وماتت ،فالصلة ،والصوم،
والزكاة ،والحج ،والبر ،والصلة ،والتزام آداب السلم وأخلقه وشرائعه ،هي ترجمة اليمان
الموجود في القلب إلى أعمال الجوارح ويزداد اليمان في القلب بازديادها ،ويقل نوره ويذهب
بذهابه ،ولذلك فل بد لكل مسلم أن يحيي إيمانه بالعمل الصالح ،وإل ذهب إيمانه ومحيي من
القلب.
ومعلوم أن اليمان قول باللسان ،وتصديق بالجنان ،وعمل بالجوارح ،والعمل ل شك من
مسمى اليمان كما قال صلى ال عليه وسلم[ :اليمان بضع وستون شعبة ،أعلها قول ل إله
إل ال ،وأدناها إماطة الذى عن الطريق والحياء شعبة من اليمان].
من لوازم اليمان بال سبحانه وتعالى ،موالة كل مؤمن ،ومعاداة كل كافر فأمة اليمان أمة
واحدة منذ آدم -عليه السلم -وإلى آخر مؤمن على الرض ،فالرسل جميعا جاءوا بدين واحد
من ال يدعون الناس إلى عبادة ربهم وحده ل شريك له ،وكل من آمن بهم فقد دخل في هذه
المة الواحدة كما قال سبحانه وتعالى { :إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} ،وكل
كافر بال مشرك به ،فهو عدو ل لنه أطاع أعداءه إبليس وجنوده ،وكل من أطاع عدو ال
فهو عدو ل ،كما قال سبحانه وتعالى{ :أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس
للظالمين بدلً} ،فكل من اتخذ الشيطان وليا فقد جعله ال عدوا ،وكل من دخل في عداوة ال
فل يجوز لمؤمن موالته ول محبته ،كما قال سبحانه وتعالى{ :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا
عدوي وعدوكم أولياء} ،وقال أيضا{ :ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد
ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم.}..
وقد جعل ال سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلم وهو أبو النبياء نموذجا ومثلً لكل مؤمن
بعده ،وذلك في تبرئه من قومه وأهله الكفار ،واعتصامه بولية المؤمنين معه فقط ،علما أنه لم
يكن معه مؤمن غير زوجته وابن أخيه ،كما قال سبحانه وتعالى{ :قد كان لكم أسوة حسنة في
إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إننا برؤاء منكم ومما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا
بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بال وحده ،}..فل يجوز لمؤمن أن يوالي،
ويحب وينصر إل إخوانه المؤمنين ،ول يجوز له موالة أعداء ال من الكافرين والمنافقين ،بل
من اتخذ أعداء ال أولياء له فقد خرج من السلم كما قال تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا ل
تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ،ومن يتولهم منكم فإنه منهم ،إن ال ل
يهدي القوم الظالمين} ،واليات في هذا المعنى كثيرة جدا.
من الولويات التي يجب أن توجه النظار إليها وأن يكون الهتمام بالغا بها هو استقلل
المسلمين بشريعتهم التي أكرمهم ال بها عن اتباع شرائع الشيطان التي شرعها لوليائه ،ومن
هذه الشرائع التي شرعها ال لعباده:
وأولى الولويات في اتباع ما أنزله ال لهل السلم ،هو الصلة التي يجب أن يحرص عليها
كل الحرص ،لنها هي الفارق بين المسلم والكافر ،كما قال صلى ال عليه وسلم[ :بين الرجل
وبين الكفر ترك الصلة] ،ولما كانت الصلة تجب لها الجماعة ،وجب الحرص على بناء
المساجد ،وإظهار شعائر السلم بالذان ،وحضور الجماعات ،كما قال تعالى{ :في بيوت أذن
ال أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والصال رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن
ذكر ال وإقام الصلة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والبصار} ،فيجب على
المسلمين في الغرب المسارعة إلى بناء المساجد في كل مكان يتواجد فيه المسلمون ،وإعلء
الذا ن م ا أمك ن ذلك ،وحضو ر الجم ع والجماعات ،وجع ل هذ ه المساج د ه ي المنتديات
والمدارس وأماكن التعارف ،ونشأة الروابط والمحبة بين أهل السلم ،وعلى المسلمين في
العالم أجمع ،مساعدة إخوانهم المسلمين في الغرب بزرع المساجد في كل مكان ،وإحيائها
بالئمة الصالحين ،والدعاة المتفرغين ،والمعلمين العاملين وإضافة الملحق والمرافق المساعدة
لذلك بالمسجد كالمكتبة ،وبيت الضيافة الذي يقابل الصفة في مسجد رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،ورياض الطفال ،والفصول الدراسية ،وبعض الخدمات الخرى التي يحتاجها أهل
السلم في هذه الديار.
وم ن الشرائ ع الهام ة الت ي يج ب أ ن يلتز م به ا المسلمو ن بالغر ب اللبا س الشرع ي للرجال
والنساء ،لن المظهر دليل المخبر ،ولن التمايز بين أمة السلم وأمم الكفر واجب ولزم ،فقد
نهينا أن نتشبه بالكفار في دينهم وعاداتهم وتقاليدهم التي تخالف دين السلم ،فيجب أن يكون
للرجال المسلمين ما يميزهم عن الكفار ول يجعلهم مثلهم في مظهرهم.
وأما النساء ،فإن الحجاب الشرعي لزم في حقهن ،لنه دليل العفة والطهارة وشعار الدين كما
قال تعالى{ :يا أيها النبي قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن ذلك
أدنى أن يعرفن فل يؤذين وكان ال غفورا رحيما} ،ولقوله سبحانه وتعالى{ :وقل للمؤمنات
يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ول يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن
بخمرهن على جيوبهن ول يبدين زينتهن إل لبعولتهن أو آبائهن }..الية.
والمواصفات التي يجب أن يكون عليها لباس المرأة المسلمة كما يأتي:
-أن يكون ساترا لجميع البدن ما عدا الوجه والكفين ،فإنه يجوز للمرأة كشفهما ،وإن سترتهما
فهو أولى وأفضل.
-أن يغطي خمار المرأة على رأسها جميع شعرها وعنقها ول يظهر إل صفحة الوجه فقط،
لقوله تعالى{ :وليضربن بخمرهن على جيوبهن} ،والخمار هو غطاء الرأس والجيب شق
الثوب الذي يدخل منه الرأس ،والمعنى أن تلف المرأة الخمار على الرأس والعنق حتى يغطي
فتحة الصدر والعنق.
-ل يجوز أن يكون ثوب المرأة وخمارها زينة في نفسه ،كأن يكون ملونا بألوان تجذب
النظر أو موشى برسوم أو نقوش أو غير ذلك مما هو زينة.
-ل يجوز أن يكون لباس المرأة المسلمة مشابها للباس الكافرات ،نحو لباس الراهبات مثلً بل
يجب أن تمتاز المرأة المسلمة بلباسها عن لباس الكافرات.
-ل يجوز أن يكون اللباس كذلك مطيبا مبخرا ،لن إظهار الزينة الخفية محرم ،كما نهيت
المرأة أن تظهر صوت الحلي ،كما قال تعالى{ :ول يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من
زينتهن}.
وقد أباح ال سبحانه وتعالى الزواج من الكتابية "اليهودية ،والنصرانية" ،كما قال جل وعل:
{اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من
المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير
مسافحين ول متخذي أخدان ومن يكفر باليمان فقد حبط عمله.}..
وهذه الية مخصصة لقوله تعالى{ :ول تنكحوا المشركات حتى يؤمن} ،فالكتابية في العموم
مشركة لقول اليهود عزير ابن ال ،ولقول النصارى المسيح ابن ال ..،وعلى هذا مضى
إجماع المة ..،ولكن الزواج من كتابية قد شرط ال له شرط الحصان ،وهو العفاف..
فالكتابية غير العفيفة ،والتي ترضى على نفسها الزنا ،ول ترى به بأسا ،فل يجوز الزواج
بها ..والظاهر أن من رضيت بزنا دون زنا الفجر ،كحل المراقصة ،والخلوة ،ونحو ذلك من
الجنبي ،فهي غير عفيفة ،ول يجوز القتران بها.
وكذلك يجب أن ينظر كذلك إلى المصالح والمفاسد الشرعية ،فإن المباح إذا غلبت مفسدته
لظرف من الظروف ،قد يتحول إلى الحرام ،ومن أجل ذلك منع عمر بن الخطاب من الزواج
باليهوديات ،كما هي رواية حذيفة بن اليمان في ذلك ،خشية أن تترك المسلمات ،وخشية أن
يقع المسلمون في زواج المومسات منهن (المحلى 11صفحة ،)12وهذا الذي خشيه عمر بن
الخطاب رضي ال تعالى عنه هو أشد في زماننا ،فإنه في وقت عمر رضي ال عنه ،كان
بالمسلمين عزة وهم الفاتحون ،والمسلمون معتزون بدينهم ،والنصارى واليهود أذلة صاغرون
مهزومون أو دافعون للجزية عن يد وهم صاغرون ،وكذلك فيهم عفاف كثير ،أما اليوم
فالمسلمون أذلة مغلوبون والنصارى واليهود أعزة غالبون ،والعفيفات من أهل الكتاب اليوم
قليلت ،ثم إن كثيرا ممن يسمون بأهل الكتاب اليوم ل دينيون ل يؤمنون بتوراة ول بإنجيل
ول ببعث بعد الموت ،ومثل هذه يحرم قطعا الرتباط والزواج بها.
وللسباب السابقة فإننا نوصي كل مسلم في الغرب ،أل يقدم على الزواج من كتابية إل
بالشروط الشرعية في ذلك ،وهذه الشروط هي:
- 1أن تكون كتابية بالفعل ،أي مؤمنة بكتاب ديانتها :التوراة والنجيل ،متمسكة بما تأمر به
الشريعة التي تؤمن بها.
-2أن تكون عفيفة تحرم الزنا على نفسها ،ول تراه مشروعا لغيرها ،لن تحريم الزنا قد جاء
في كل شرائع النبياء ،وهو من المعلوم في كل دين بالضرورة ،فإن كانت ل ترى بأسا فهي
فاسقة غير محصنة ل يجوز القتران بها ولو كانت كتابية بل لو كانت مسلمة ول ترى بالزنا
بأسا فل يجوز الزواج بها لقوله تعالى{ :الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة والزانية ل ينكحها
إل زان أو مشرك.}..
- 3أن تكون ممن تريد الزواج لهدافه في العفة والستمتاع ،والحصان ..والولد ،وليست
من اللتي يردن الزواج مخاللة وصحبة فقط كما قال تعالى{ :محصنين غير مسافحين}.
فل يجوز الزواج من كتابية إل بنية الحصان ،وهو حفظ الفرج بالزواج ،وليس لمجرد
المخاللة والستمتاع الذي هو بمعنى السفاح (السفاح :الزنا).
.4جعل اللغة العربية هي اللغة الولى:
من الولويات لكل مسلم في الرض ،وللقليات المسلمة التي تعيش في الغرب ،أن تكون اللغة
العربية هي لغتهم الولى ،مهما كانت اللغة التي نشئوا عليها ،وذلك أن اللسان العربي يرتبط
بالسلم ارتباطا عضويا ،ول ينفك عنه ،فل فهم حقيقيا للسلم إل بفهم وتعلم اللغة العربية،
إذ هي لغة القرآن والسنة ،ولغة أمهات الكتب في الدين السلمي ،ومهما حاولنا ترجمة معاني
القرآن ،ومعاني السنة إلى لغة أخرى ،فإنها ل يمكن أن تقوم مقام العربية في معرفة إعجاز
القرآن الكريم ،ومرامي وفحوى الحديث النبوي ،وحقائق العلوم السلمية ،ثم إن تعلم اللغة
العربية قد أصبح يعني النتماء إلى أمة السلم بعد أن أصبحت العربية شعار السلم ،ولغة
القرآن.
وتعليم ناشئة السلم اللغة العربية ستعطيهم المفاتيح لفهم القرآن والسنة ،وأحكام الشريعة
السلمية ،وسيجعلهم بالضرورة أعضاء وأجزاء من الجسم السلمي ،والجهل بهذه اللغة
سيجعل دائما بين جاهلها والدين السلمي حاجزا وحجابا ،ثم إن الناشئة الذي سيكتفون بلغة
غير لغة القرآن ستكون قراءتهم وثقافتهم واطلعهم في إطار هذه اللغة فقط ،وبذلك سينشئون
على الثقافة والداب التي تسود فيها ..ومعلوم أن الثقافات والداب لجميع اللغات الخرى
ثقافات وآداب غير إسلمية ،مما يجعل الفرد يشرب بالضرورة النموذج الخر ،فمن ل يعرف
إل النجليزية مثلً وتصبح هي لغة حديثة ،ولغة تعليمية ولغة ثقافته وإطلعه ،فإنه لو كان
مسلما وملتزما فإن جانبا عظيما من حياته سيشكله ما يقرأه من هذه اللغة التي كتب آدابها،
ومراجعها أناس على غير السلم.
والخلصة أن اللغة العربية هي الخطوة الولى الساسية نحو السلم فهما وعملً ،وهي ركن
أساسي في الولء للدين ،والنتماء إلى أمة السلم ،وهي عند من يقدرها جانب كبير من
العتزاز بالسلم وصدق النتماء إليه.
ولذلك يجب على القليات السلمية من أي جنس ولغة أن يتحولوا إلى اللغة العربية لتكون
لغتهم الولى قبل لغتهم القومية وقبل لغة القطر والبلد الذي هاجروا إليه أو وجدوا فيه لسبب
أو لخر.
هذا فيمن نشئوا وترعرعوا من جنس غير عربي ،أما العرب المسلمون ،الذين هاجروا إلى
الغرب ،فهجروا لغتهم العربية وقطعوا صلتهم بها فإنني أرى أن هذا يكافئ الردة ويماثلها..
فمن تركها ازدراء لها ،وإعجابا بغيرها ،فقد يكون مثل هذا ردة وكفر ،ومن تركها لتركه
للسلم ،فهو كافر ،وللسف إن كثيرا من أبناء العرب المسلمين الذين هاجروا إلى الغرب
تركوا لغتهم ازدراءً واحتقارا لها.
يقول صاحب (الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية)" :نتيجة احتكاك أبناء المغتربين المسلمين
بأبناء البلد التي نزلوا إليها ،وانتسابهم لمدارسهم ،سادت البرتغالية والسبانية البيت العربي،
وغدا البناء يجهلون لغة السللة التي انحدروا منها ،وتاريخ المة التي ينتمي إليها آباؤهم،
وفي هذه الحالة نجد فارقا شاسعا بين المهاجر العربي ،وغيره من المهاجرين الذين يفرضون
على أبنائهم في سن معينة تكلم لغة السللة التي ينتمون إليها ،وبعد أن يلموا بلغتهم كتابة
وقراءة وتكلما ،في مدارس خاصة بتلك الجاليات ،يأذن الباء للبناء بأن يتعلموا لغة البلد
التي نزلوها ،على عكس حالة الطفل العربي الذي ل يفقه من لغة والديه سوى بضع كلمات
عربية مشوبة برطانة أعجمية" أ.هـ.
ويورد البدوي الملثم حادثة تدل على تمسك أخس شعوب الرض بلغتهم وتخلينا عن لغتنا بما
فيها من جمال وروعة ،فيقول" :روى لي مغترب أنه عاش مع أسرة يهودية ،وذات يوم عاد
إلى المنزل ليجد رب البيت ينهال بالضرب على ابنه ويفرض عليه الوقوف في زاوية البيت
رافع اليدين منتصبا على ساق واحد.
فأجاب اليهودي :كلب يستحق القصاص ،إنه ولد عنيد متمرد ،فكم نصحته أل يكلم إخوانه إل
بالعبرية ،ولكنه يحدثهم بالبرتغالية ،وخشية أن تفقد العبرية مكانتها الولى في البيت ،نال هذا
الجزاء" (مجلة البحوث السلمية 22/257نقلً عن كتاب الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية
صفحة .)246
ومن أولى الولويات للقليات السلمية في الغرب ،أن يكون لبناء المسلمين ذكورا وإناثا
تعليمهم الخاص إلى ما بعد البلوغ.
فهذه السن منذ الولدة إلى البلوغ هي السنوات الساسية من العمر التي تغرس فيها الخلق،
والمبادئ والعقائد ،والتي تتشكل فيها نفس النسان وروحه ويوضع النسان فيها على بداية
درب الحياة ،فإما إلى الكفر وإما إلى السلم كما قال صلى ال عليه وسلم[ :كل مولود يولد
على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه].
ول شك أن كل المحاولت للصلح والتغيير والتبديل التي يحاولها المربون بعد هذه السنين،
يذهب كثير منها أدراج الرياح كما يقولون ،ويستعصي كثير منها على العلج.
والمدرسة الغربية اليوم ل تنشيء إل إنسانا ماديا نفعيا ل يؤمن بال ول باليوم الخر ،ول
يؤمن إل بالحياة الدنيا فقط ،ويتعلم كيف يستمتع بحياته إلى النهاية ،وكيف يشرب كأسه إلى
الثمالة ،وكيف يكسب ما يقدر عليه باذلً غاية الجهد والكدح ،وينفق ما كسبه في هذه الحياة
استمتاعا ـورفاهي ة ورضا ـبالحيا ة الدنيا ،هذ ا إل ى استباحت ه ك ل حرا م يستبيح ه المجتمع،
ويتعارف عليه الناس ،واستعظامه أن تتدخل شريعة ال في شئونه الخاصة ،أو يكون للرسل
والمعلمين والمربين توجيههم العلوي ،ورسالتهم التربوية ،..فالفلسفة المادية الغربية اليوم تقوم
عل ى أ ن النسا ن سي د نفسه ،ومصد ر قراره ،ومنب ع أخلقه ،والحك م عل ى تصرفاته ،وما
ارتضاه الناس فهو الشرعة وما رفضه الغلبية فممنوع ،ول حد للتشريع ينتهي إليه ،ول غاية
يقف عندها ،وليس هناك ثوابت في الخلق والقيم ،إنما الثابت الوحيد هو الحياة ،والمتعة
والنفع.
وهذه الفلسفة الغربية المادية هي التي على أساسها ينشأ الجيل ،ويربي المربون ،وتوضع
المناهج لخراج جيل يعرف الحياة ،ويقهر الطبيعة -حسب تعبيرهم -ويستمتع بوجوده ،ويعتقد
ما يشاء ،ويخضع لرأي الغلبية فقط ..وهذا النسان الوجودي المادي تصنع بدايته في رياض
الطفال ،وفي محضن السرة ،ثم في جميع محاضن التربية بعد ذلك.
ول شك أن إلقاء أبناء المسلمين في هذه المدارس والمعاهد والرياض التي تشكل عقولهم
الولى ،وموازينهم ،وأخلقهم ،بل وعقائدهم ،..كمن يسلم قطعة من الطين إلى صانع يصنع
منها تمثال خنزير أو حمار ،ثم يلقيه في النار فيتحول إلى حجر صلب ،ثم يأخذه بعد ذلك فإذا
اكتشف الب أن ابنه الذي كان خامة غضة طرية كقطعة الطين اللين تتشكل كما يشاء ،قد
أصبح حجرا صلبا على الصورة التي ل يريدها ول يشتهيها ،حاول بعد ذلك تغييرها وتبديلها
إلى صورة أخرى ،وهيهات ،فإما أن تتحطم في يديه ،وإما أن يغير فيها بعض الرتوش
واللوان ،والمظاهر الخارجية ويبقى التمثال هو التمثال!!!
إن هذا مثال يقرب إلى الذهن ما يفعله أولياء المور عندما يسلمون أبناءهم إلى مدراس الغرب
الملحد المادي ،ثم بعد استعادة هؤلء الولد بعد البلوغ ،يطلع منهم على نموذج آخر تماما
غير الذي تمناه وأراده من ابنه أو ابنته..
وكثير من المعلمين والمربين الذين مارسوا التربية والتعليم في بلد الغرب ،قد أدركوا خطورة
تعلي م أبنا ء المسلمي ن ف ي هذ ه المدارس ،وكتبو ا المطول ت ع ن هذ ه ـ المخاطر ،وناشدوا
المسلمين أن يقوموا بإنشاء المدارس الخاصة لولدهم ،وخاصة في مراحل التعليم الولى.
يقول أحد القائمين على التعليم والدعوة في ألمانيا" :إن التعليم إلزامي هنا حتى سن السادسة
عشر ،وهو كذلك مختلط ،وكذلك دروس الرياضة والسباحة مختلطة ،وتكون بملبس ساترة
للفرج والثديين فقط ،والطامة عند تدريس مادة (البيولوجي) التي يتم تدريسها من بداية الصف
الرابع ابتدائي ..حيث يعرض المدرسون فلم فيديو لرجل يجامع امرأة بشكل مثير جدا ويتم
تصوير الرجل والمرأة من بداية تعريفهما على بعضهما حتى تحمل وتلد ،..وأن مثل هذه
المور تقلق أهالي الولد وتجعلهم يفكرون في إقامة المدارس الهلية الخاصة ،ولكن سرعان
ما تزول هذه الفكرة عندما يعرفون ما يترتب عليها من نفقات مادية -وال المستعان" (من
تقرير عن أحوال الجاليات السلمية في ألمانيا ،مرسل إلى جمعية إحياء التراث السلمي)،
ول شك أن كثيرا من المسلمين غير مدركين للمخاطر العظيمة من إلحاق أولدهم بمدارس
الغرب.
ويقول صاحب كتاب السوريون في أمريكا" :أما المسلمون الذي هاجروا إلى أمريكا فتجدهم
أق ل إدراكا ـلخطور ة المدار س المريكية ،هنا ك عد د قلي ل م ن الطفا ل السوريو ن يؤمون
المدارس الخاصة ،وغالبيتهم تفضل المدارس العامة ،وقد صرح أحد أولياء أمور الطالبات أنه
يريد إرسال ابنته إلى المدارس الخاصة لن المدارس العامة تدرس الرقص".
ول يستويان ،ل يستوي من يريد أن يرسل ابنته إلى المدرسة الخاصة تهربا من حصة
الرقص ،بمن يريد أن يفر إلى المدرسة السلمية لنه خبر ما في المدرسة المريكية من فسق
وفجور ،ومن زنا ،ولواط ،ومن شرط للخمور وتدخين للحشيش والماريجوانا بين الطلب
أنفسه م م ن جهة ،وبي ن الطل ب ومعلميهم م ن جه ة أخرى ،ولع ل م ن ل يعرف المدرسة
المريكية ،وهي صورة صادقة لذلك المجتمع ،بحاجة إلى أن يعلم بعضا من الفات الخطيرة
التي تفوح رائحتها من المدرسة المريكية ،فعلى سبيل المثال ،حوكم معلم في ديترويت لنه
وجد يلوط بأحد الطلب في مكتبه في المدرسة ،ولدى استجوابه اعترف بأنه الطالب رقم ( )36
الذي يفعل معه فعلته النكراء تلك في ذلك العام ،واكتفى مدير المدرسة في (آن آربر) بتنبيه
مجموعة من الطلب تتعاطى الحشيش في مكان غير مسموح به في المدرسة ،وطلب إليهم
عدم تكرار ذلك ،واغتصب مجموعة من الطلب معلمتهم داخل حجرة الصف وعلى مرأى
من سائر الطل ب والطالبات ،فما كا ن من تلك المعلم ة إل أن رفع ت قضي ة تطال ب فيها
الحكومة بمليون دولر (مجلة البحوث السلمية -عدد - 22صفحة .)265
-6حماية القليات السلمية:
القليات السلمية في الغرب كانت على الدوام معرضة لحد الخطرين :التذويب أو البادة ،أم
التذوي ب فه ي عملي ة سل خ م ن الدي ن والمعتق د والنتما ء للم ة السلمي ة وف ي ظ ل العقيدة
الشيوعية مثلً ،كان المسلمون يجبرون على ترك دينهم ،ولغتهم ،وأسمائهم السلمية ،بل
ويمنعو ن م ن نص ب شاه د عل ى قبوره م يشي ر إل ى أ ن هذ ا قب ر مسلم . .وق د كا ن تداول
المصحف ،والكتا ب السلم ي عملً يجرم ه القانو ن بالقت ل أحيانا . .وف ي ظ ل الديمقراطية
الغربية ،كا ن ضغط المجتمع ومحاصرة الفساد للسر ة المسلمة عوام ل ضاغط ة م ن أجل
تذويب القليات المسلمة في المجتمع الغربي ،وأحيانا كان القانون كذلك يقف أمام استعلء
وظهور أي تميز إسلمي عن المجتمع الكافر كما حصل في فرنسا في قضية حجاب الطالبتين
المسلمتين ،وموقف إدارة المدرسة ،ووزارة التربية من هذه القضية.
وبعد سقوط الشيوعية ،وتفكك الدولة الشيوعية ،وخروج دول المنظومة الشتراكية ،ورؤية
العالم الغربي أن من أهم أسباب هذا السقوط المزري للعقيدة الشيوعية والدولة السوفيتية هو
السلم ،بدأ العالم الغربي يتحفز خوفا من هذا الدين الذي يملك هذه القدرة السحرية على إزالة
الدول الظالمة ،وهدم العقائد الزائفة وظن أن الدور التي عليه ،وأن السلم قادم من الشرق،
يدمر الديمقراطية الغربية كما دمر العقيدة الشيوعية ،وأن خيل السلم أضحت على البواب.
من أجل ذلك تعالت الصيحات في مكان أن هبوا لن خيل السلم أسرجت ،وهذا الدين
الزاحف سيعاود الزحف من جديد إلى الغرب.
كانت القليات السلمية في الغرب هي التي عليها أن تستقبل الصدمة الولى ،وأن يكون
تفريغ الخوف والحقد الصليبي الدفين فيها أولً قبل غيرها ،فالتهديد بالبادة والخراج كما
حدث للتراك وغيرهم في ألمانيا ،وتعقيد سبل الحياة والقامة والجنسية والهجرة كما حدث
للجاليات السلمية في فرنسا ،وبداية المضايقات والتهديد بالفشل كما يحدث الن للمغتربين
والقليا ت السلمي ة في أمريكا ،وحر ب الباد ة كما ه و قائ م الن في البوسن ة والهرسك،
ومحاولة امتداد ما يسمونه بالتطهير العرقي ليشمل جميع دول البلقان ،كل هذا وغيره بدايات
فقط للصيحة التي أطلقها اليهود ورددها العالم أجمع بعد سقوط الشيوعية أن السلم هو
الخطر القادم ،وأنه بعد سقوط الشيوعية ل عدو للبشرية إل السلم.
لقد كان هذا التطور الجديد بداية جديدة للم طويلة وليل طويل ينتظر القليات السلمية في
الغرب ،وهذا يفرض على من يملكون الرؤية أن ينظروا بنظر صائب في كيفية حماية وجود
القليات السلمية في الغرب ،ومن أجل ذلك قلنا هذا في هذا البحث المتواضع ،إن حماية
القليات السلمية أصبحت أولوية من الولويات ،فمن المقترحات التي تطرح الن تمكين
القليات السلمية من حمل جنسية البلد التي هاجروا إليه ليكون لهم بذلك الوضع القانوني
الكامل والحماية الكافية من الحكومات ضد الفئات العنصرية ،والصليبية التي تطالب بطردهم،
وتسعى في قتلهم وتشريدهم ،وقد طالب عدد من المسئولين في دول الغرب بهذا الحل (ترجمة
لمقال في كريستين ساينس مونيتور -جريدة الوطن الكويتية الصادرة في 24محرم 1414هـ
المواف ق 14يوليو 1993م) ،وبالرغم من أن هذا القتراح لقي معارضة شديدة من الحزاب
العنصرية في أوروبا ،فهو كذلك يصطدم بفتاوي تشدد النكير على الهجرة إلى بلد الغرب
وحمل جنسية بلد يدين بغير السلم ،فقد أجابت اللجنة الدائمة للفتوى برئاسة سماحة الشيخ
عبدالعزيز بن باز على سؤال يقول" :ما حكم السلم في إمام للمسلمين في مسجد فرنسا يريد
أن يبدل الجنسية من جزائرية إلى فرنسية؟".
فأجابته اللجنة قائلة" :ل يجوز أن يتجنس باختياره بجنسية دولة كافرة لما في ذلك من التزامه
بنظمهم والتحاكم إلى قوانينهم ،وتبعيته لهم ،وموالته إياهم ،ومن المعلوم أن فرنسا دولة كافرة
حكومة وشعبا ،وأنت مسلم ،فل يجوز لك التجنس واصبر واحتسب وال المستعان" (فتوى رقم
، 4801وتاريخهاـ 13/8/1402ه ـ صادر ة ع ن اللجن ة الدائم ة للفتو ى ف ي المملك ة العربية
السعودية ،برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز).
وقد اشتط بعض علماء المسلمين في هذا المر فقد أفتى رئيس المجلس السلمي العلى
بالجزائر الشيخ حماني بأن من تجنس بجنسية دولة كافرة ،فقد ارتد ،ويحرم تزويجه بالمرأة
المسلمة ،وتجري عليه أحكام الردة كاملة من حرمانه من الرث وعدم غسله ودفنه في مقابر
المسلمين (نقلً عن إعلم النام حكم الهجرة في السلم للشيخ أبي بكر جابر الجزائري).
وقد رد فضيلة الشيخ أبو بكر جابر الجزائري حفظه ال على تلك الفتوى برد طويل ،لم يكتف
فيه بإثبات وجهة نظره في حكم حمل الجنسية دولة من دول الغرب ،بل تطرق كذلك إلى
عل ج مشكل ة القليا ت السلمي ة ف ي دو ل الغر ب م ن وجو ه كثيرة ،ول ن جوا ب الشيخ
ومقترحاته عملية ومفيدة ،وهو رجل خبير بأكبر جالية -ربما -تعيش في بلد الغرب ،وهي
الجالية المغربية في فرنسا ،وكان دائم التردد عليهم.
وقد خبر مشكلتهم ،فإنني أحببت أن أثبت هنا كامل رده على هذه الفتوى والحلول التي يراها
لوضع المسلمين في بلد الغرب.
وإذا عرف هذا فهل يصح أن يحكم على المسلم إذا أخذ جنسية دولة كافرة كأمريكا أو بلجيكا
أو فرنسا أو بريطانيا ،وبقي على دينه السلمي عقيدة وعبادة ،يحل ما أحل ال ورسوله،
ويحرم ما حرم ال ورسوله ،هل يصح أن يحكم عليه بالكفر والردة كما حكم الشيخ حماني
مفتي الديار الجزائرية؟
والجواب متروك لهل العلم والنظر ،أما أنا شخصيا فل أقول بكفره ،ول بردته وأبرأ إلى ال
تعالى من أن أكفر مسلما وأحكم عليه بالردة كما أبرأ إلى ال تعالى ممن يكفر مسلما أو يحكم
بردته لمجرد أنه تابع لدولة كافرة قانونيا ،وهو يشهد أن ل إله إل ال ،وأن محمدا رسول ال،
ويقيم الصلة ،ويؤتي الزكاة ،ويصوم رمضان ،ويحج بيت ال الحرام ،ويحل ما أحل ال
ورسوله ،ويحرم ما حرم ال ورسوله من المطاعم والمشارب والمناكح وغيرها.
وإن كان مفتي الديار الجزائرية يرى أن علج مشكلة مليين المسلمين يعيشون في ديار الكفر
هي الحكم بالردة على من تجنس منهم بجنسية دولة كافرة ،فأنا ل أرى هذا علجا أبدا ،بل
أراه زيادة في تعقيد المشكلة واستعصاء حلها إن أريد لها ذلك.
إرجاع كل مسلم في بلد الكفر إلى بلده السلمية ،وبتهجير من أسلم في بلد الكفر إلى
البلد السلمية ،وبتهجير من أسلم في بلد الكفر إلى البلد السلمية ،وهنا يطرح هذا
السؤال :هل في المكان إرجاع المهاجرين وتهجير من أسلم من الكافرين إلى بلد المسلمين؟.
وإذا كان الجواب :إن هذا من غير الممكن اليوم وغير متأت أبدا ،فما هو الحل إذا يا ترى؟
الجواب :إن الحل لهذا المشكل العويص ليس في الحكم بردة المتجنس كما يرى مفتي الجزائر
الشيخ الحماني ،وإنما هو اتباع ما يلي :وهو تكوين لجنة عليا يتكون أعضاؤها من كافة البلد
السلمية تحت عنوان اللجنة العليا لرعاية المهاجرين ،وتكون لها ميزانية يسهم فيها كل بلد
إسلمي بقدر معين من المال بحسب حال البلد قوة وضعفا ،وتتلخص مهام تلك اللجنة فيما
يلي:
-2تعمير تلك المساجد بالئمة الكفاء القادرين على تربية إخوانهم روحيا وسلوكيا وتزويدهم
بالكتاب الصالح النافع الذي يجمع ول يفرق ويهدي ول يضل كمنهاج المسلم للجزائري.
-3العمل على توحيد المهاجرين في البلد الذي هم فيه بحيث تنعدم الفوارق بينهم ويصبحون
جماعة واحدة ليس لها انتماء إل إلى اللجنة العليا لرعاية المهاجرين.
-4إيجاد تعليم لبناء المهاجرين يتناسب مع ما لديهم من وقت يتعلمون فيه ما ل بد منه من
العقيدة والعبادة والخلق والدب ،مع اللغة العربية لغة الكتاب والسنة.
أ) وجود مجزرة ومقبرة ليأكلوا الحلل من اللحوم ،وليقبروا موتاهم في مقابر خاصة بهم.
-عقد النكاح بين الزوجين وتقرير فرقة الطلق بينهما إذا خيف الضرر عليهما أو على
أحدهما ،وتعذر الصلح برفع الضرر.
-قسمة كل مسلم تركته وهو حي على ورثته وكتابة صك بذلك حتى إذا مات نفذ ما في
الصك كأنه وصية وحتى ل تتدخل السلطة الحاكمة في تقسيم التركة حسب قوانينها.
-إيجاد قانون مالي بينهم وذلك بإنشاء مصرف لليداع والنماء وفق الشريعة السلمية التي
تحرم الربا وتبيح الربح بالتعاون المشروع.
هذا هو الطريق لحل مشكلة المهاجرين في بلد الكافرين ،فهل في المكان سلوكه إنقاذا
لمليين المسلمين من الذوبان في مجتمعات الكفر واللحاد وأداء لواجب الدعوة إلى السلم
وفي وقت الدعوة فيه ل تكلف عرقا ول دما إذ لم تزد على الدينار والصدق في جمعه وصرفه
ل غير.
فهل الشيخ حماني مفتي الديار الجزائرية عفا ال عني وعنه ،أن ينهض بهذا الواجب ،ويطوف
بالبلد السلمية مطالبا بتكوين هذه اللجنة العليا لرعاية المهاجرين لنقاذ المسلمين المهاجرين
م ن الذوبا ن ف ي ديا ر الكفر ،لدا ء واج ب الدعو ة إل ى السل م الت ي تخل ى عنه ا المسلمون
متناسين قول ال تعالى{ :قل هذه سبيلي أدعو إلى ال على بصيرة أنا ومن اتبعني} ،فهل
اتباعه صلى ال عليه وسلم غير أفراد أمته؟ آه ثم آه وإن كان التأوه غير نافع يا عباد ال!!.
وقبل أن ينهض المسلمون بهذا الواجب ،وهو حل مشكلة مليين المهاجرين في ديار الكفر أقدم
فتواي التي أراها حلً جزئيا للمشكلة وهي أن على المسلمين المهاجرين العودة إلى بلدهم
فورا إذ هجرتهم ما كانت فرارا بدينهم ،ول كانت إلى دار إسلم ،بل كانت إلى دار كفر ،وقد
تسببت هجرتهم في ضياع دينهم أيضا فل يسعهم البقاء على هذه الحال إل باللتزام بما يلي:
-1أن ينووا الرباط في سبيل ال ،وذلك بتكثير سواد المسلمين في ديار الكافرين.
- 3أن يصححوا عقائدهم ،ويعبدوا ربهم بما شرع لهم ،ويهذبوا أخلقهم ويكملوا في آدابهم
لتكون دعوتهم بالحال ،وهي أنفع من دعوة القال باللسان وليعلموا أن هذا ل يتم إل بوجود
علماء صالحين يربونهم عقائد وعبادات وأخلقا وآدابا فليطلبوا هؤلء العلماء وليطيعوهم
طاع ة كامل ة م ا أمروه م بالمعرو ف ونهوه م ع ن المنكر ،فإذ ا فعلو ا هذ ا وتحق ق له م فهم
مرابطون في سبيل ال ولهم أن يأخذوا جنسية الدولة التي هم فيها ،سواء كانوا مهاجرين أو
مواطنين على شرط أن يكون التجنس -وهي غير التدين قطعيا -مساعدا لهم على دعوة
السلم التي هم مرابطون من أجلها.
هذه فتواي وال أسأل أن تكون مرضية له عز وجل ،نافعة لعباده المؤمنين ،وأن ل يحرمني
أجر اجتهادي فيها آمين.
وسلم على المرسلين والحمد ل رب العالمين" (إعلم الناة بحكم الهجرة في السلم للشيخ
أبو بكر الجزائري صفحة .)47-40
ول شك أن ما ذهب إليه فضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه ال ،حق في أن هذه المعضلة
ليست معضلة فرد واحد أو مجموعة من الفراد يفتي لهم ،وإنما هي معضلة ل تعالج مطلقا
مشكلة هؤلء المليين الذين ارتحلوا إلى الغرب بنوايا مختلفة ،وأصبح لهم واقع غاشم ،وكثير
منهم مسلمون ملتزمون بالسلم عقيدة وشريعة حسب استطاعتهم ،ثم إن هناك أيضا القليات
السلمية من أهل البلد الوروبية والمريكية الذين تحولوا إلى السلم كالشعوب السلمية
ف ي أر ض البلقا ن والمسلمي ن السو د ف ي أمريكا ،وعشرا ت اللو ف ب ل مئا ت اللو ف من
الوروبيين والمريكيين أصلً الذين دخلوا في السلم ..وهؤلء جميعا إطلق القول فيهم بأن
التجنس بجنسية دولة كافرة حرام أو ردة وكفر ..فيه تعميم خاطئ ،وهو حكم ل شك يخالف
الحق..
ومن أجل ذلك يجب النظر بعمق ودراسة كل شريحة من شرائح المسلمين الذين يعيشون في
الغرب ،والنظر في أوضاعهم وفق الموازين الشرعية من أعمال النصوص ،وتطبيق قاعدة
المصالح والمفاسد ،ويحسن في هذا الصدد إيراد فتوى الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي
-رحمه ال -في وجوب سعي المسلمين الذين يعيشون في كنف الدول الكافرة إلى روابط
يستطيعون بها إقامة شرائع دينهم ،حيث يقول رحمه ال في تفسير قوله تعالى{ :قالوا يا شعيب
ما نفقه كثيرا مما تقول ولول رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز} الية.
"ومنها :أن ال يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة ،وقد يعلمون بعضها ،وقد ل يعلمون شيئا
منها ،وربما دفع عنهم ،بسبب قبيلتهم وأهل وطنهم الكفار ،كما دفع ال عن شعيب ،رجم قومه،
بسبب رهطه ،وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن السلم والمسلمين ،ل بالسعي فيها،
بل ربما تعين ذلك ،لن الصلح مطلوب ،حس ب القدر ة والمكان ،فعلى هذا ،لو سعى
المسلمون الذين تحت ولية الكفار ،وعملوا علي جعل الولية جمهورية ،يتمكن فيها الفراد
والشعوب ،من حقوقهم الدينية والدنيوية ،لكان أولى من استسلمهم لدولة تقضي على حقوقهم
الدينية والدنيوية ،وتحرص على إبادتها ،وجعلهم عملة وخدما لهم.
نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين ،وهم الحكام ،فهو المتعين ،ولكن لعدم إمكان هذه
المرتبة ،فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة ،وال أعلم" (تفسير عبدالرحمن
ناصر السعدي (.))2/289
قلت" :وأنت ترى هنا أن مدار هذه الفتوى وهذا الستنباط من الية الكريمة على القاعدة
الفقهية (ارتكاب أخف الضررين) ،فلن يسعى المسلمون ليكون لهم شركة في الحكم مع الكفار
يصونون بذلك أعراضهم وأموالهم ويحمون دينهم ،خيرا ول شك مما أن يعيشوا تحت وطأة
الكفار بل حقوق تصون شيئا من دينهم وأموالهم" (مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية،
وقبول الوليات العامة في ظل النظمة المعاصرة لعبدالرحمن عبدالخالق (صفحة .))65-64
خلصة البحث
-1يعيش المسلمون في العالم اليوم إما أغلبية عددية مع أقليات غير إسلمية ،وإما أقلية عددية
في دول غير إسلمية ،وهؤلء عدة مئات من المليين.
ويعيش في الغرب وحده أوروبا وأمريكا أكثر من عشرين مليونا من المسلمين على أقل
التقديرات.
-2أسباب وجود القليات السلمية في الغرب كثيرة ،منها :دخول من دخل السلم حال قوة
المسلمين الولى ،كما هو واقع أرض البلقان (البوسنة والهرسك -المجر -بلغاريا) والهجرة
إلى الدول المستعمرة من المستعمرات ،كهجرة الجزائريين والمغاربة إلى فرنسا ،والهنود
والباكستانيي ن إلى بريطانيا ،واستعانة ألمانيا بالتراك بعد الحر ب العالمية الثانية من أجل
العمار ..وكذلك دخول بعض الوربيين إلى السلم ،وهجرة بعض المسلمين من أجل الدنيا،
والعجاب بحياة الغرب والهجرة فرارا بالدين ،والتماس المن..
- 3تتعرض القليات السلمية في الغرب ،إلى خطرين أساسيين وهما التغريب والتذويب،
وكذلك البادة والطرد والتشريد ،والخطر الثاني هو الخطر المرشح للمرحلة القادمة.
-4هناك أسباب كثيرة أدت إلى تدهور أحوال القليات السلمية في الغرب ،أهمها:
أ) عدم وجود خلفة إسلمية تحمي المسلمين وتدافع عنهم ،وتطالب بحقوقهم ،وتستعد للنفير
للدفاع عنهم إذا تعرضوا للضطهاد أو البادة أو الذلل.
ب) شعور المسلمين بالدونية والصغار أمام قوة الغرب وجبروته وتقدمه.
ج) اعتزاز الغرب بصليبيته وقومياته ،وتخوفه الدائم من السلم ،وتوجسه من وجود السلم
على أرض أوروبا.
) 5أعداد المسلمين في الغرب في نمو مطرد ،وذلك بفعل الهجرة المستمرة والزيادة في عدد
المواليد ،واستمرار دخول أعداد كثيرة من الشعوب الغربية إلى السلم ،وتنامي الصحوة
السلمية في أواخر القرن الرابع عشر الهجري ،وأوائل القرن الخامس عشر ،وكل هذه
المور زادت من مخاوف الغرب نحو السلم.
- 6تنامي الصحوة السلمية في مكان ،وبروز السلم كقوة عالمية ،وإطلقه الرصاصة
الولى التي كان من آثارها إزالة الدولة والعقيدة الشيوعية ،كل ذلك جعل الغرب يخشى عودة
الروح السلمية ،وبداية انطلق السلم من جديد لفتح أوروبا ،ومن أجل ذلك بدأت صيحة
الغرب نحو السلم ،وبعثه للروح الصليبية ،والمبادئ العنصرية والقومية ،وبدأت تبعا لذلك
المواجهة مع القليات السلمية.
القليات السلمية في الغرب تحتاج إلى عمل وإنقاذ سريع من أجل الحفاظ على بقائها ،ودينها
وعقيدتها ،ومن ذلك:
-1بعث روح المة الواحدة ،والجسد الواحد في جميع المسلمين على ظهر الرض ،وتثبيت
عقيدة الولء لكل مسلم في موقع ،والبراء من كل كافر في أي موقع ،والعمل لتكون هذه
العقيدة عاملة فعالة ،وليست مجرد صيحة قوالة.
- 2تعزيز النتماء إلى المة السلمية العظيمة خير أمة أخرجت للناس ،وتثبيت المعتقد
السلمي الذي يشعر المؤمن بعزة السلم ،وشرف النتماء وحلوة اليمان ،ول يكون ذلك
إل بتعلم العقيدة الصحيحة ،ومعرفة ما يضادها من العقائد الباطلة ،وتقدير نعمة الهداية ،وأخذ
الدي ن ع ن عقيد ة وبرها ن واقتناع ،وإيمان ،وفر ض دراس ة العقيد ة النصراني ة عل ى وجه
الخصوص ،إذ هي العقيدة التي سيثمر الصراع بينها وبين السلم إلى آخر الدنيا ،والتمسك
بشرائع السلمية جميعها وخاصة الصلة واللباس الشرعي ،واللحم المذكى ،وقصر الزواج
من المسلمات أو الكتابيات على العفيفات المحصنات.
- 3جعل اللغة العربية هي اللغة الساسية لكل مسلم مهما كانت جنسيته ومنشؤه ،والحرص
على تعلمها منذ الصغر ،وإعطاء هذه اللغة منزلتها الحقيقية من الدين ،وكونها من ضروريات
السلم ،وما ل يتم الواجب الديني إل به..
-4تثبيت عقيدة أن كل مسلم يجب أن يكون داعية إلى ال في أي موقع فيه{ :ولتكن منكم أمة
يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} ،وجعل الدين
هو غاية الحياة والوجود{ :وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون}.
- 5ربط الدعوة إلى السلم بمنهج أهل السنة والجماعة ،وعمل الصحابة وفقههم ،والتحذير
من كل انحراف عن منهج الطائفة الناجية ،وهذا يعني حرب الفرق والطوائف الضالة التي هي
من فرق الزنادقة والمنافقين وكذلك محاربة البدع العقائدية الخمس المعروفة ،وهي :الخروج،
والرفض ،التجهم ،القدر ،والرجاء.
-6محاولة دمج القليات السلمية في كل بلد غربي في نسيج واحد عن طريق ما أسلفناه من
الدعوة إلى المة الواحدة ،وعقيدة الولء والبراء والحرص على أن تكون اللغة العربية هي
لغ ة الخطا ب الولى ،ث م ع ن طري ق التعار ف والزوا ج والمساج د الجامعة ،والندوات
والمحاضرات ،والرحل ت وكس ر طو ق العزلة ،والنطوا ء الت ي تمارس ه بع ض الجاليات
والقليات السلمية.
-7الهتمام بالتعليم السلمي منذ رياض الطفال وحتى البلوغ ،والحرص أن يكون للمسلمين
مدارسهم الخاصة في هذه السن الحرجة التي نغرس فيها المبادئ والقيم والعقائد التي تشكل
بعد حياة النسان.
- 8السع ي للحفا ظ على الوجو د السلم ي ف ي أوروبا ،وتثبي ت هذ ا الوجود ،وامداده بكل
مقومات الصمود والبقاء والدفاع عن المسلمين هناك بكل قوة ،فدول الغلبية العددية كألبانيا،
والبوسنة والهرسك يجب تقويتها وتسليحها للدفاع عن نفسها ،ويجب أن يهب المسلمون في كل
مكان للدفاع عنهم..
وأم ا الدو ل الت ي فيه ا أقليا ت إسلمية ،فيج ب أ ن ينظ ر ليكو ن للمسلمي ن حقوقه م السياسية
وحياتهم الدينية والتعليمية والجتماعية الخاصة ،ويتمكنوا من إظهار دينهم ،واتباع شريعتهم
بل والدعوة إلى معتقدهم الحق.
التنسيق بين عمل اللجان الخيرية والدعوية العاملة في مجال الغاثة والدعوة ،ليكون عملها
مثمرا موجها ،وتزويدها بأوضاع الجاليات السلمية ومشكلتها أولً بأول.
- 10إيجا د هيئا ت علمي ة شرعي ة متخصص ة تعن ي بفق ه الجاليات ،وح ل المشكل ت التي
يواجهونها على ضوء الكتاب والسنة ،ومعرفة الواقع القائم الن ،ورسم السياسات الشرعية
التي يكون بها الحفاظ على إسلم هذه الجاليات ،وحمايتها من الردة والذوبان ،أو الهلك
والبادة.
-11السعي ليكون للجاليات والقليات السلمية في الغرب اقتصادها السلمي الذي يكفل لها
الحياة الشرعية الكريمة ،والستقلل المادي بدلً من أن يعيش كثير من المسلمين على إعانة
الدول الكافرة ،أو ممارسة الربا والبغاء والمقامرة أو العمال الحقيرة.