You are on page 1of 9

‫رسالة الشباب المسلم في الحياة‬

‫الشيخ سلمان بن فهد العودة‬

‫‪..‬أشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أما بعد‬

‫قبل أن أدخل في هذا الموضوع وهو الحديث عن الشباب ورسالته في الحياة‪ ،‬والعقبات التي تعترض سبيله أحب‬
‫شيَ ِة الِّ"[‪1‬‬
‫خ ْ‬
‫جبَلٍ ّل َرَأيْتَهُ خَاشِعاً ّم َتصَدّعاً ّمنْ َ‬
‫ن عَلَى َ‬
‫‪] .‬أن أقف قليل عند قول ال تعالى‪ " :‬لَ ْو أَنزَ ْلنَا هَذَا القُرْآ َ‬

‫نعم‪ ،‬لو أنزل القرآن على جبل لتصدع خشية ل عز وجل‪ ،‬وهذا كلم ال تبارك وتعالى ولكن هذه القلوب البشرية‬
‫‪:‬يتنزل عليها القرآن فتنقسم إلى قسمين‬

‫‪:‬القسم الول‬

‫القلوب التي لهت وغفلت فلم تعتبر بعبر القرآن‪ ،‬ولم تتعظ بآياته‪ ،‬فهذه القلوب قست حتى صارت أشد قسوة من‬
‫ن بَعْدِ َذِلكَ فَ ِهيَ كَالْحِجَارَ ِة أَ ْو َأشَدّ َقسْ َوةً َوِإنّ ِمنَ الحِجَارَ ِة لَمَا َي َتفَجّرُ ِمنْهُ‬
‫ستْ ُقلُوبُكُم ّم ْ‬ ‫الحجارة قال ال تعالى‪" :‬ثُمّ َق َ‬
‫شيَ ِة الِّ "[‪2‬‬ ‫خ ْ‬
‫خ ُرجُ ِمنْ ُه المَاءُ َوِإنّ ِمنْهَا لَمَا يَ ْهبِطُ ِمنْ َ‬ ‫شقّقُ َفيَ ْ‬‫‪].‬الَنْهَارُ َوِإنّ ِمنْهَا لَمَا َي ّ‬

‫أما القسم الثاني‪ :‬فهي القلوب التي وعت عن ال سبحانه وتعالى وفهمت آياته واعتبرت بها واتعظت‪ ،‬فهذه‬
‫القلوب صار بها من قوة اليمان واليقين والثقة بال سبحانه وتعالى‪ ،‬والطمئنان إليه ما يجعلها أقوى من الجبال‬
‫‪ .‬الشم الرواسي‬

‫ت َأعْ ُينُهُمْ فِي‬


‫عرْضًا الّذِينَ كَانَ ْ‬
‫ع َرضْنَا جَ َهنّ َم يَوْ َمئِ ٍذ ّللْكَا ِفرِينَ َ‬
‫يقول ال سبحانه وتعالى وهو يذكر النار وأهلها ‪َ " :‬و َ‬
‫ن سَمْعاً "[‪3‬‬
‫ستَطِيعُو َ‬
‫‪].‬غِطَا ٍء عَن ِذ ْكرِي وَكَانُوا َل َي ْ‬

‫نعم‪ ،‬كأنك ترى هذا المشهد أمامك‪ ،‬وبعض الناس يموج في بعض‪ ،‬والنار قد عرضت وقربت وأعدت ‪ ،‬بحيث يراها‬
‫هؤلء وأولئك ‪ ،‬ثم يذكر ال عز وجل لمن عُرضت هذه النار ولمن أعدت ‪ ،‬فهي للكفار الذين من صفتهم أنهم‬
‫‪ .‬كانت أعينهم في غطاء عن ذكر ال وكانوا ل يستطيعون سمعا‬

‫أليس للكفار آذان يسمعون بها ؟ أليس لهم أعين يبصرون بها ؟ أليس لهم قلوب يعقلون بها ؟ بلى لهم آذان‬
‫يسمعون بها ‪ ،‬ولهم أعين يبصرون بها ‪ ،‬ولهم قلوب يعقلون بها أمور دنياهم ‪ ،‬ولكن المنفي عنهم هو السماع‬
‫‪ .‬الذي يؤثر‪ :‬العتبار والتعاظ والتأثر والعمل‬

‫مشكلتنا ـ دائما ـ ليست فقط في أننا ل نعلم ؛ بل نحن نعلم كثيرا من الشياء‪ ،‬ولكننا ل نعمل بها ول نتعظ بها‪،‬‬
‫‪.‬فيكون حكمنا في ذلك حكم من ل يعلم بها أصل‬

‫انظروا إلى المور التي يعلمها الصغير والكبير منا‪ ،‬والعالم والجاهل‪ ،‬والقريب والبعيد‪ ،‬كلنا نعلم أننا ـ ل محالة ـ‬
‫سوف نغادر الدنيا يوما من اليام على رغم أنوفنا كارهين‪ ،‬ومثلما نرى نحن الموات غادين ‪ ،‬يغدوا الناس بهم‬
‫‪.‬إلى المقابر‪ ،‬سوف يغدى بنا أو يراح‪ ،‬ويرانا غيرنا‬

‫وهذه الدنيا منذ أن أنشأ ال البشر على ظهرها ‪ ،‬وإلى أن يرث ال الرض ومن عليها هذه سنة ال تعالى فيها‪،‬‬
‫‪ .‬جيل يأتي وجيل يذهب‬

‫الكفار ل يقتنعون بالبقاء في هذه الدنيا ‪ ،‬فهم يعلمون أنهم ميتون ولذلك يقولون‪َ" :‬أإِذَا ِم ْتنَا وَ ُكنّا تُرَابًا َذِلكَ رَجْعُ‬
‫بَعِيدٌ"[‪ ]4‬فهم يعرفون الموت‪ ،‬لكن الشكال عندهم فيما بعد الموت فهم ينكرون ويقولون إنه أمر بعيد‪ ،‬وهو‬
‫‪ .‬الرجوع والبعث بعد الموت‬

‫‪.‬لكن هل نفعهم علمهم بالموت ؟ لم ينفعهم ‪ ،‬ولذلك يصح أن نقول ‪ :‬إن الكفار كافرون بكل شيء حتى بالموت‬

‫يتساءل متسائل ويقول ‪ :‬كيف ؟ فهم يرون أولدهم وآباءهم وأقاربهم يموتون؟ فكيف نقول عنهم إنهم كافرون‬
‫بالموت؟‬

‫لسنا نحن الذين نقول ذلك عنهم ‪ ،‬بل يقوله الرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ في الحديث الصحيح الذي رواه علي‬
‫ن عب ٌد حتّى يُؤمنَ بأربعٍ‪:‬‬ ‫بن أبى طالب ـ رضي ال عنه ـ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬ل يؤم ُ‬
‫ن بالقَدَر"[‪5‬‬
‫ن بالموتِ ويُؤمنُ بالبعثِ بع َد الموتِ ويُؤم ُ‬
‫ل بَعثني بالحقّ ويُؤم ُ‬
‫‪].‬يشه ُد أنْ ل إلهَ إ ّل الُ وأنّي رسو ُل ا ِ‬

‫‪.‬إذن اليمان بالموت من شروط اليمان بل من أركان اليمان‬

‫فما معنى اليمان بالموت؟ ليس معناه أن يعرف النسان أنه سيموت ؛ لن هذا أمر يشترك فيه المسلم والكافر‪،‬‬
‫‪:‬كلهم يعرفون أنهم سيموتون‪ ،‬إنما معنى اليمان بالموت‬

‫‪.‬أن تدرك أنه بقضاء ال وقدره *‬

‫‪.‬وأن تدرك أن لك أجل ل يتقدم ول يتأخر *‬

‫‪.‬وأن تدرك أن بعد الموت في القبر إما النعيم وإما العذاب *‬

‫وأن يصبح هذا المر يقينا في قلبك بحيث كلما هممت بعمل خير فدعتك نفسك إلى القعود‪ ،‬فتذكرت الموت؛ *‬
‫‪ .‬نشطت له وتحركت له نفسك‪ ،‬وكلما هممت بعمل سوء فتذكرت الموت؛ كففت عنه وأقلعت عن هذا العمل‬

‫هذا معنى اليمان بالموت‪ ،‬فلذلك يقول ال سبحانه وتعالى عن الكافرين‪َ " :‬وكَانُوا َل َيسْتَطِيعُونَ سَ ْمعًا"[‪ .]6‬فهم‬
‫يسمعون هذه اليات‪ ،‬ولكنهم يتأذون بسماعها ويضيقون بها‪ ،‬ومن ثم ل يعتبرون بها‪ .‬وفي الصحيح أن أبا بكر ـ‬
‫رضي ال عنه ـ كان يصلى في مكة قبل الهجرة‪ ،‬ويقرأ القرآن‪ ،‬وكان رجل أسيفا‪ ،‬إذا قرأ القرآن بكى‪ ،‬وارتفع‬
‫بكاؤه[‪]7‬؛ فتجتمع حوله نساء قريش وأطفالهم؛ يعجبون من أبي بكر ويتأثرون بقراءته وخشوعه وبكائه‪ ،‬فغضب‬
‫عليه المشركون وقالوا لمن أجاره‪ :‬انظر إلى أبي بكر فإما أن يكف عنا‪ ،‬وإما نرد عليك جوارك؛ فإننا خشينا أن‬
‫]يفتن نساءنا وأبناءنا‪8[.‬‬

‫فهم يسمعون القرآن‪ ،‬لكن ليس سماع تفهّم وتدبر‪ ،‬ليس سماع المسلم الذي يعرف أن هذا خطاب من ال إليه‪ ،‬كما‬
‫يقول ابن مسعود ـ رضي ال تعالى عنه ـ إذا سمعت قوله تعالى‪" :‬يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا" فأرع لها سمعك‪ ،‬فإنه إما‬
‫‪.‬خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه‬

‫خسَرِينَ َأعْمَالً‬ ‫ن سَمْعًا"[‪ ]9‬ثم عند قوله تعالى "قُلْ َهلْ ُن َن ّبئُكُم بِال ْ‬ ‫ستَطِيعُو َ‬‫هذه وقفة عند قوله تعالى‪" :‬وَكَانُوا َل َي ْ‬
‫صنْعًا"[‪ .]10‬هؤلء كفار قطعا‪ ،‬لن ال عز وجل‬ ‫ن ُ‬ ‫حسِنُو َ‬ ‫ن َأنّهُ ْم يُ ْ‬
‫حسَبُو َ‬‫س ْعيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا وَهُ ْم يَ ْ‬
‫ن ضَلّ َ‬
‫* الّذِي َ‬
‫زنًا"[‪11‬‬ ‫طتْ َأعْمَالُهُمْ َفلَ ُنقِي ُم لَهُ ْم يَوْ َم الْ ِقيَامَةِ َو ْ‬
‫حبِ َ‬
‫‪].‬عقب على ذلك بقوله‪" :‬أُو َل ِئكَ الّذِينَ َك َفرُوا بِآيَاتِ َربّهِ ْم َولِقَائِهِ فَ َ‬

‫ولكن يوجد في المسلم أحيانا شعبة من هذا‪ ،‬فيعمل عمل يظن أنه على خير‪ ،‬ويكون ممن يظن أنه يحسن صنعا‪،‬‬
‫ن َيرْجُو ِلقَاءَ َربّهِ َف ْليَعْمَ ْل عَ َملً صَالِحًا َولَ‬
‫وليس كذلك؛ ولذلك ختم ال سبحانه وتعالى هذه اليات بقوله‪" :‬فَمَن كَا َ‬
‫ش ِركْ بِ ِعبَادَ ِة َربّهِ أَحَدًا"[‪ ]12‬فلبد في العمل من شرطين‬
‫‪ُ :‬ي ْ‬

‫‪.‬أول‪ :‬أن يكون صالحا‪ ،‬وهذا يعنى المتابعة لرسول ال ـ صلى ال عليه وسلم‬

‫والثاني‪ :‬أل يشرك بعبادة ربه أحدا‪ ،‬فل يكون العمل من أجل الرياء‪ ،‬ول من أجل السمعة‪ ،‬وإنما من أجل ال ‪،‬‬
‫‪ .‬وابتغاء ما عند ال ‪ ،‬ورجاء لقاء ال ‪ ،‬وثوابه‬

‫فلنعتبر بهذه اليات ولنؤمن بأن ال عز وجل قد أقام علينا الحجة بهذا القرآن وليس لحد عذر؛ فقد أنزل ال‬
‫‪.‬القرآن وبنزوله أقام الحجة على كل إنسان‬

‫أما الموضوع الذي أحب أن أتحدث فيه وهو ما يتعلق بالشباب‪ ،‬فإنني أقول‪ :‬إن هذا الموضوع ليس بالغريب فكلنا‬
‫‪:‬أحد رجلين‬
‫‪.‬إما إنسان كان شابا فيما مضى من عمره *‬

‫أو إنسان هو شاب الن *‬

‫‪.‬فنحن جميعا بحاجة إلى هذا الكلم‬

‫الرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ بين أن كل إنسان منا سوف يسأل يوم القيامة عن أربعة أشياء‪ ،‬منها أن يسأل‬
‫]عن عمره فيما أفناه‪ ،‬ومنها أن يسأل عن شبابه‪ ،‬وعن علمه‪ ،‬وعن ماله‪13[.‬‬

‫الشباب مرحلة من العمر‪ ،‬تسأل عنه أيها النسان‪ ،‬سواء أنتم أيها الشباب أم أنتم أيها الشيوخ‪ ،‬تسألون عن‬
‫‪ .‬الشباب مرتين يوم القيامة أمام ال تبارك وتعالى‬

‫‪.‬المرة الولى‪ :‬تسألون عنه باعتباره جزء من العمر لنكم تُسألون عن عمركم عامة‬

‫والمرة الثانية ‪ :‬تسألون عنه سؤال خاصا عن هذا الشباب‪ ،‬فعلم يدل هذا؟‬

‫‪:‬هذا يدل على أمرين أيضا‬

‫يدل على أهمية العمر بالنسبة للنسان‪ ،‬وأنه كل رأس ماله؛ ولذلك إذا عُرض الكفار يوم القيامة أيضا ورأوا هذه‬
‫غ ْيرَ الّذِي ُكنّا‬
‫خرِجْنَا نَعْ َملْ صَالِحًا َ‬
‫النار‪ ،‬بل ووُضعوا فيها فقاسوا من حرها وسمومها وعذابها‪ ،‬قالوا‪َ " :‬ر ّبنَا أَ ْ‬
‫‪].‬نَعْمَلُ"[‪14‬‬

‫ماذا يطلبون؟ يطلبون هذه اليام التي نعيشها نحن الن‪ ،‬ل يتمنون إل هذه اليام التي نعيشها نحن أيها الخوان‪،‬‬
‫ولكن هيهات‪ ،‬لقد انقضت الدنيا بأيامها؛ ولذلك يأتيهم الجواب الذي ل رجعة عنه‪ ،‬بقول ال تعالى لهم سؤال توبيخ‬
‫وتقريع‪َ" :‬أ َو لَمْ نُعَ ّمرْكُم" أولم نعطم عمرا "مّا َيتَذَ ّكرُ فِيهِ مَن تَذَ ّكرَ"[‪ ]15‬من عمره ال عز وجل حتى بلغ سن‬
‫التكليف وعرف ال وعرف الرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ وعرف السلم‪ ،‬فقد قامت عليه الحجة وعمر‪ ،‬ما‬
‫يتذكر فيه من تذكر‪ ،‬ل يلزم أن يكون العمر ستين سنة أو سبعين سنة‪ ،‬وإن كان النسان كلما زاد عمره زادت‬
‫الحجة عليه؛ ولذلك في الحديث الخر يقول الرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ "أعذر ال إلى امرئ أخّر أجله حتى‬
‫بلّغه ستين سنة"[‪ .]16‬يعنى زاد العذر واكتمل‪ ،‬وإل فالنسان الذي بلغ سن التكليف وعقل‪ ،‬وعرف السلم وعرف‬
‫ال وعرف الرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ فقد قامت عليه الحجة؛ إن مات مسلما فهو بإذن ال إلى الجنة وإن‬
‫‪.‬مات كافرا فهو إلى النار‬

‫فالمر خطير جد خطير " َأ َو لَمْ نُعَ ّمرْكُم مّا يَتَذَ ّك ُر فِيهِ مَن تَذَ ّكرَ وَجَاءَكُ ُم النّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظّالِمِينَ مِن ّنصِيرٍ"[‪]17‬‬
‫يعني ل أمل في الرجوع إلى هذه الدنيا إنهم يطلبون هذه اليام والليالي التي نعيشها نحن الن‪ .‬فيا سبحان ال‬
‫‪!.‬كيف سيطرت الغفلة على قلوبنا ؟ وكيف سيطر الركض وراء الدنيا حتى أصبحنا في شبه حلم؟‬

‫سبحان ال‪ ،‬هذا العمر من أعجب آيات ال‪ ،‬لو نظرت في نفسك‪ :‬من الذي جاء بك إلى هذه الدنيا؟ ومن الذي‬
‫أعطاك هذا النفس الذي يتردد؟ ومن الذي أعطاك هذا القلب وهذا العقل؟ إنه ال تبارك تعالى‪ ،‬وإنه لم يعطكه إل‬
‫‪.‬للبتلء والمتحان‬

‫وبقدر ما يستفيد النسان من هذه النعم في هذه الدنيا في معرفة ال ودينه والعمل بذلك‪ ،‬يسعد في الخرة‪ ،‬بل‬
‫‪.‬يسعد في الدنيا والخرة‪ ،‬وبقدر ما يضيع من ذلك‪ ،‬يجلب لنفسه الشقاء في الدارين‬

‫إذا كان النسان يُسأل عن عمره يوم القيامة ويُسأل عن شبابه بصفة خاصة‪ ،‬فإن لنا أن نسأل‪ :‬ما هو السر في‬
‫تخصيص الشباب وفترة الشباب لن يسأل عنها مرتين؟‬

‫‪:‬أعتقد ـ وال أعلم ـ إن السر في ذلك يرجع إلى أمور أذكر منها أمرين فقط‬

‫المر الول‪ :‬أن فترة الشباب هي فترة القوة والنشاط والحيوية والقدرة على العمل؛ ولذلك‪ ،‬تجد الشباب إذا اقتنع‬
‫بأمر وآمن بأمر يبذل في سبيله كل غال ونفيس ول يجد صعوبة في بذل كل شيء‪ ،‬حتى بذل نفسه في ذات ال عز‬
‫‪.‬وجل‪ ،‬هذا أمر‬

‫والسبب الثاني‪ :‬أن فترة الشباب هي أيضا الفترة المعرّضة لكثير من الشواغل والنزعات التي قد تبعد النسان عن‬
‫الخير وتجذبه إلى الشر‪ ،‬وهذا أمر مترتب على المسألة الولى‪ .‬فلن فترة الشباب هي فترة القوة والحيوية‬
‫‪.‬والنشاط‪ ،‬يكون العقل فيها متحركا والقلب متحركا والجسد متحركا‪ ،‬فإن لم يتحرك إلى الخير تحرك إلى الشر‬

‫ولذلك يكون النسان في فترة الشباب معرّضا لكثير من النحرافات‪ ،‬إن لم يجد الجو والبيئة التي تعينه على طاعة‬
‫‪.‬ال تبارك وتعالى‬

‫الخطر الول‪ :‬وهو ما يتعلق بحركة عقل الشاب‪ ،‬هي أن الشيطان يوحي للنسان ببعض الشبهات التي يزخرفها له‬
‫ويزينها له ليصده عن سبيل ال عز وجل‪ .‬ولذلك تجد كثيرا من الشباب قد يعاني من بعض الوساوس أو بعض‬
‫‪.‬الشبهات ‪ ،‬وهذا مرض إذا لم يعالجه النسان بالعلم والمعرفة‪ ،‬وسؤال العلماء؛ فإنه خطر قد يودي بإيمان المرء‬

‫الخطر الثاني الذي يهدد النسان في مرحلة الشباب أيضا بسبب حركة جسم النسان وقوة حيويته هو ‪ :‬مرض‬
‫الشهوات‪ ،‬ولذلك تجد الشباب معرضا للفتتان‪ ،‬وتتحرك الغريزة في نفسه بشكل كبير‪ ،‬فإذا لم يحصن نفسه من‬
‫‪.‬ذلك بالحصون المنيعة فإنه على خطر عظيم‬

‫الخطر الثالث الذي يهدد النسان هو ‪ :‬من جهة حركة القلب ‪ ،‬وأعنى بها أن الشاب قد يصلح ويهتدي فيعبد ال‬
‫‪.‬فيبارك في هذه العبادة حتى يصل بها إلى درجة الزيادة ‪ ،‬والزيادة هي دائما ضرر كالنقص‬

‫وهنا قد يقول قائل‪ :‬وما هو المخرج من ذلك كله ؟‬

‫‪:‬فأقول‪ :‬أما ما يتعلق بالشبهات التي تعرض للنسان فإن علجها يكون بأمور‬

‫المر الول‪ :‬هو الستعاذة بال من الشيطان الرجيم‪ ،‬فقد يكون ما يعرض لك ليس شبهة حقيقية‪ ،‬وإنما هو نوع‬
‫من الوسواس‪ ،‬الذي يحاول الشيطان أن يصد به النسان عن طريق الخير‪ ،‬فإذا أكثر النسان من الستعاذة بال‬
‫‪ .‬انصرف الشيطان وابتعد‬

‫المر الثاني‪ :‬هو العلم النافع ‪ ،‬فيحرص النسان على معرفة القرآن والسنة‪ ،‬وعلى مجالسة العلماء‪ ،‬وعلى علج‬
‫‪.‬هذه الشبهات التي انقدحت في قلبه بحسب نوع الشبه‬

‫‪..‬أما ما يتعلق بمرض الشهوة فإنني أقول إنه مرض في منتهى الخطورة‪ ،‬لسباب‬

‫‪.‬المر الول‪ :‬شدة ثوران الغريزة عند الشاب‬

‫المر الثاني‪ :‬كثرة المهيجات التي تثير هذه الغريزة عند النسان‪ ،‬فقد يكون النسان طيبا وصالحا في نفسه‪ ،‬لكن‬
‫إذا التفت يمنة ويسرة فيجد من الصور والشكال وغيرها ما يثيره ويحركه‪ ،‬فإنه حينئذ يحتاج إلى جهد كبير‬
‫‪.‬ليتخلص من ذلك‬

‫ولن هذا ليس هو موضوع الحديث الصلي‪ ،‬فإنني ل أطيل في ذكر علج هذه الشهوات‪ ،‬لكني أقدم نصيحة واحدة‬
‫حفَظُوا‬
‫ن َأبْصَارِهِمْ َويَ ْ‬
‫ثمينة هي الوصية التي أوصى ال ـ تبارك وتعالى ـ بها المؤمنين "قُل لّلْمُؤْ ِمنِينَ يَ ُغضّوا ِم ْ‬
‫همْ َذ ِلكَ َأزْكَى لَهُمْ"[‪18‬‬
‫‪ُ ].‬فرُوجَ ُ‬

‫فغض البصر هو الدواء الناجع ‪ ،‬فأنت إذا أطلقت بصرك رأيت من المناظر ما يؤثر في قلبك‪ ،‬وإذا تأثر القلب فالمر‬
‫خطير‪ ،‬انتقل المرض من العضاء إلى القلب‪ ،‬ومرض القلب سواء كان مرضا حسيا أو مرضا معنويا ليس‬
‫كأمراض الجوارح ‪ ،‬والقلب هو كالناء والجوارح تصب فيه‪ ،‬فما تراه بعينك أثره في قلبك‪ ،‬وما تسمعه بأذنك أثره‬
‫في قلبك‪ ،‬وما تبطشه أو تلمسه بيدك أثره في قلبك‪ ،‬وما تمشى إليه برجلك أثره في قلبك‪ ،‬إن خيرا فخير وإن شرا‬
‫‪.‬فشر‬
‫إذا ذكرت ال بلسانك تأثر القلب وخشع ‪ .‬وإذا نطق النسان بكلم الفحش والخنا والعياذ بال أيضا أثر في قلبك‬
‫‪.‬سوءا وقسوة‪ ،‬وإذا نظرت بعينك في آيات ال وتفكرت فيها ازددت إيمانا بال‬

‫‪:‬لكن إذا نظرت إلى المحرم أورث قلبك حسرة دائمة ـ والعياذ بال ـ وقديما قيل‬

‫كل الحوادث مبداها من النظر ‪ ...‬ومعظم النار من مستصغر الشرر‬

‫هذه النظرة العابرة التي يخدعك بها الشيطان بطريقة أو بأخرى أحيانا‪ ،‬يقول لك‪ :‬نظرة سريعة ل تتوقف انظر‬
‫‪..‬واصرف بصرك‪ .‬هذه النظرة البسيطة هي كالشرارة التي قد تحرق مدينة بأكملها‬

‫كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ‪ ...‬فتك السهام بل قوس ول وتر‬

‫ال أكبر‪ ،‬نعم‪ ،‬وال إن النظرات سهام مسمومة مهما كانت بسيطة‪ ،‬وإن النسان الذي يستطيع أن يكف بصره عن‬
‫الحرام سيجد في قلبه من الروح واللذة ما ل عهد له به‪ .‬وفى الحديث "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من‬
‫‪].‬تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد له حلوته في قلبه"[‪19‬‬

‫سبحان ال‪ ،‬هذه لذة الطاعة‪ ،‬أنت إذا صرفت بصرك ثم تذكرت أنك لم تصرفه إل مراقبة ل‪ ،‬نشأ اليمان ونشط في‬
‫قلبك‪ .‬لكن إذا نظرت ثم صرفت بصرك‪ ،‬وأنت بحمد ال مؤمن‪ ،‬بدأت نفسك توبخك على هذا العمل‪ ،‬وبدأ ضميرك‬
‫يعاتبك عليه فيكون النسان في عذاب دنيوي ‪ ،‬وكذلك إذا لم تتداركه رحمة ال تبارك وتعالى‪ ،‬فهو في عذاب‬
‫‪.‬أخروي‬

‫فأعظم وصية يوصى بها الشاب وغير الشاب‪ ،‬هي أن يصرف بصره بل أن يغض بصره عما حرم ال ؛ لن غض‬
‫‪.‬البصر يقطع الداء من أصله‬

‫لكن لو أطلق النسان بصره فنظر‪ ،‬فربما وقعت هذه الصورة في قلبه فيصبح ـ والعياذ بال ـ في حال قد يصعب‬
‫‪.‬عليه علجها‬

‫وكم نعرف في تاريخ هذه المة من الناس الذين أطلقوا العنان لعينهم‪ ،‬فرأوا هذه المشاهد والمناظر المؤثرة‬
‫فمرضوا ؛ مرضت قلوبهم‪ ،‬ومرضت أجسادهم‪ ،‬وخسروا ـ والعياذ بال دنياهم‪ ،‬وربما يكونون خسروا أخراهم‬
‫أيضا بسبب نظرة واحدة ؛ فالحذر الحذر من أن نستغل هذه النعمة التي أنعمها ال تبارك وتعالى علينا وهي نعمة‬
‫‪ .‬البصر فيما حرم ال تبارك وتعالى علينا‬

‫إن الشاب المستقيم المهتدي إلى طريق ال تبارك وتعالى ل بد له من العقبات تعترض سبيله‪ ،‬وهذه العقبات على‬
‫أنواع ‪ ،‬منها ما أشرت إليه الن‪ ،‬وهي ما يمكن أن أسميه بالعقبات الذاتية ‪ ،‬يعني العقبات التي هي من ذات‬
‫‪.‬النسان ‪ ،‬كأن تسيطر عليه شهوة أو شبهة أو غير ذلك‪ ،‬وهذه علجها بما ذكرت‬

‫النوع الثاني من العقبات ‪ :‬هي العقبات الخارجية ‪ ،‬وهي التي تواجه النسان من خارجه‪ ،‬ومن أهم هذه العقبات أن‬
‫‪ ...‬يكون الوسط المحيط بالنسان ل يساعده على الستقامة والصلح‬

‫مثل‪ :‬أن يكون النسان في بيئة منحرفة‪ ،‬أو فيها بعض النحراف‪ ،‬فيصبح حيثما ذهب أو جاء وجد المنكرات‬
‫ووجد المعاصي ووجد الشياء التي تصده عن هذه الطريق‪ ،‬وتدعوه إلى طريق الرذيلة والنحراف ‪ ،‬فيواجه‬
‫‪.‬النسان صعوبة في الستقامة على هذا الطريق‬

‫وقد يكون المر أخطر من ذلك‪ .‬وذلك كما لو كان الوسط القريب وبيئة النسان وبيته الذي يعيش فيه ل يعينه على‬
‫‪.‬الطاعة‪ ،‬وهنا يواجه النسان صعوبة كبيرة ول شك‬

‫‪.‬ولكن هذا المر ليس بغريب فلقد كان أصحاب رسول ال ـ صلى ال عليه وسلم ـ يواجهون من أهليهم ال َمرّين‬

‫‪..‬ولو نظرنا إلى أنموذج من حياة أصحاب رسول ال ـ صلى ال عليه وسلم ـ لرأينا من ذلك العجب العجاب‬
‫انظر مثل إلى "مصعب بن عمير" رضي ال عنه‪ ،‬وقد كان هذا الفتى أعطر شاب في مكة ‪ ،‬وكان يعيش في بيت‬
‫من بيوت الثراء والترف والبذخ حتى كانت أمه تلبسه أحسن الثياب وتطعمه أحسن الطعام ‪ ،‬وتشتري له أنواع‬
‫‪.‬الطيب‪ ،‬حتى إنه إذا أوى إلى فراشه وضعت أمه عند رأسه شيئا من الطعام ليأكله إذا أوى إلى فراشه‬

‫فلما أعلن النبي الكريم ـ صلى ال عليه وسلم ـ دعوته في مكة وتل القرآن‪ ،‬وتفتحت القلوب لهذه الدعوة‪ ،‬وصلت‬
‫أنباؤها إلى هذا الشاب المنعّم المدلل "مصعب بن عمير"‪ ،‬وكان شابا صافي القلب سليم الفطرة‪ ،‬فسمع هذه اليات‬
‫فتأثر بها وانفعل بها وآمن برسول ال ـ صلى ال عليه وسلم ـ وذهب إليه حيث كان يقيم في دار الرقم بن أبى‬
‫‪.‬الرقم وأمره أن يتلو عليه من القرآن فبكى‪ ،‬وتأثر وشهد شهادة الحق‬

‫‪.‬ثم ذهب إلى بيته‪ ،‬وكتم خبر إسلمه عن أبويه‪ ،‬وصار يصلي ويقرأ القرآن‪ ،‬ويدعو سرا‬

‫ولكن شعرت أم "مصعب" بأن في نفس فتاها أمرا يخفيه عنها‪ ،‬ولنها امرأة جاهلية ظنت أنه تعلق بأمر من أمور‬
‫هذه الدنيا‪ ،‬إما بفتاة أحبها‪ ،‬أو بغير ذلك‪ ،‬فحاولت أن تعرف ماذا في نفسه فتاها فسمعت أخيرا بأنه قد أسلم‪ ،‬وتابع‬
‫محمدا ـ صلى ال عليه وسلم ـ على دينه فغضبت أشد الغضب‪ ،‬وأقسمت عليه أن يترك هذا الدين‪ ،‬أو لتفعلن به‬
‫ولتفعلن‪ ،‬فلم يهن له عزم ولم تنثن عريكته لذلك‪ ،‬فمنعت عنه والطعام والشراب والمال الذي كانت تعطيه إياه‪ ،‬فلم‬
‫يؤثر فيه ذلك‪ ،‬حتى اضطر هذا الشاب المنعم الذي لم يتعود حياة الشظف‪ ،‬اضطر أن يهاجر مع من هاجر من‬
‫المسلمين إلى الحبشة وهناك وجد من متاعب الطريق ولواء الغربة ما لم يكن له به عهد‪ ،‬ولكنه تحمل كل ذلك‬
‫‪.‬في ذات ال عز وجل‬

‫ثم رجع المسلمون المهاجرون من الحبشة إلى مكة‪ ،‬لما سمعوا بإسلم قريش فكان هذا الشاب يمشى في مكة‬
‫وعليه ثياب ل تكاد تستره‪ ،‬حتى أقبل يوما على رسول ال ـ صلى ال عليه وسلم ـ فلما رآه تأثر صلى ال عليه‬
‫وسلم وبكى وقال‪" :‬انظروا إلى هذا الرجل الذي نور ال قلبه لقد رأيته بين أبويه يغذوانه بأطيب الطعام والشراب‬
‫‪].‬فدعاه حب ال ورسوله إلى ما ترون"[‪20‬‬

‫وهاجر هجرته الثانية إلى المدينة وظل يعاني من الفقر والغربة‪ ،‬وإن لم يكن غريبا فهو بين إخوانه ومع رسول‬
‫‪.‬ال ـ صلى ال عليه وسلم ـ حتى قتل شهيدا رضي ال عنه وأرضاه‬

‫‪.‬وانظروا كيف ادخر ال تبارك وتعالى لهذا الشاب الجر العظيم‬

‫فلما قتل‪ ،‬كما يقول خباب بن الرت رضي ال عنه فيما رواه البخاري في صحيحه يقول‪" :‬هاجرنا مع النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم نلتمس وجه ال‪ ،‬فوقع أجرنا على ال‪ ،‬فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا‪ ،‬منهم مصعب بن‬
‫عمير‪ ،‬ومنا من أينعت له ثمرته‪ ،‬فهو يهدبها‪ ،‬قتل يوم أحد‪ ،‬فلم نجد ما نكفنه إل بردة‪ ،‬إذا غطينا بها رأسه خرجت‬
‫رجله‪ ،‬وإذا غطينا رجليه خرج رأسه‪ ،‬فأمرنا النبي صلى ال عليه وسلم أن نغطي رأسه‪ ،‬وأن نجعل على رجليه‬
‫‪].‬من الذخر"[‪21‬‬

‫‪.‬هكذا مات هذا الشاب الصالح لم يأكل من أجره شيئا‬

‫‪.‬قال خباب ـ رضي ال عنه ـ ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها‬

‫ومثلما تحدث خباب رضي ال عنه‪ ،‬تحدث عبد الرحمن بن عوف أيضا فقد كان عبد الرحمن بن عوف من أغنياء‬
‫الصحابة وأثريائهم وفى يوم من اليام قدمت له مائدته وفيها ألوان الطعام‪ ،‬فلما قدموها له تذكر ما تذكر فبكى‬
‫وأجهش بالبكاء وأمر برفع هذه المائدة‪ ،‬ولم يضع يده فيها‪ ،‬فقالوا له‪ :‬لماذا يرحمك ال؟ ما أصابك؟ قال‪ :‬قتل‬
‫مصعب بن عمير‪ ،‬وكان خيرا مني‪ ،‬فلم يوجد له ما يكفن فيه إل بردة‪ ،‬وقتل حمزة‪ ،‬أو رجل آخر‪ ،‬خير مني‪ ،‬فلم‬
‫‪] .‬يوجد له ما يكفن فيه إل بردة‪ ،‬لقد خشيت أن يكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا‪ ،‬ثم جعل يبكي[‪22‬‬

‫المقصود أن كون النسان يواجه في ذات ال ما يواجه‪ ،‬ويلقى في سبيل ال ما يلقى ليس بالمر الغريب ‪ ،‬بل‬
‫الغريب أل يقع ذلك ‪ ،‬ويحق لكل إنسان منا ل يجد أذى في سبيل ال أن يراجع إيمانه ‪ ،‬فقد يكون في إيمانه‬
‫ضعف ‪ ،‬لن ال عز وجل وضع لنا قاعدة في القرآن الكريم أن المؤمن لبد أن يفتن‪ ،‬ويبتلى ‪ ،‬ويمتحن ‪ ،‬كما في‬
‫ب النّاسُ أَن يُ ْترَكُوا أَن َيقُولُوا‬
‫حسِ َ‬ ‫قوله تعالى ‪ :‬أعوذ بال من الشيطان الرجيم بسم ال الرحمن الرحيم "الم * أَ َ‬
‫ن الْكَا ِذبِينَ"[‪23‬‬‫ن الُ الّذِينَ صَ َدقُوا َوَليَعْلَ َم ّ‬
‫‪].‬آ َمنّا وَهُ ْم َل ُي ْفتَنُونَ * َوَلقَ ْد َفتَنّا الّذِينَ مِن َق ْبلِهِمْ َفَليَ ْعلَمَ ّ‬

‫نعم اليمان يمكن أن يدعيه كل إنسان ‪ ،‬ولكن المحك الذي يصدق عليه إيمان العبد أو يكذب هو أن يبتلى ويمتحن‬
‫‪ .‬في ذات ال ‪ .‬فإن صبر فهذا علمة صدق إيمانه ‪ ،‬وإن ضعف أو وهن أو تردد فهذا علمة ضعف إيمانه‬

‫إن من واجبنا أن نحرص على أن نهيئ لولدنا الجو الطيب الذي يستطيعون فيه أن يمارسوا ويؤدوا إيمانهم‬
‫وعبادتهم وعملهم كما يجب عليهم ‪ ،‬وإن من واجبنا أن نشجعهم على توجههم إلى ال ‪ ،‬فإن من الشياء العجيبة‬
‫والغريبة أن يتجه الشاب إلى ربه ول ينحرف يمنة ول يسرة ‪ .‬وفى الحديث " إن ال ليعجب من الشاب الذي‬
‫صبْوة "[‪24‬‬
‫‪].‬ليست له َ‬

‫ليس بغريب أن يهتدي الشيخ؛ لنه قد كبر وأسن وعرف قرب الجل ؛ فهو يستعد لخرته ‪ ،‬ويستعد للموت وما‬
‫بعد الموت ‪ ،‬ولكن صلح الشاب أمر محبوب إلى ال عز وجل أكثر من صلح غيره ‪ ،‬ولذلك يعجب ال تبارك‬
‫وتعالى منه ويحبه ‪ ،‬فمن واجبنا أن نحب ما يحبه ال وأن نحرص عليه وأن ندرك أن من مسئوليتنا أن نشجع كل‬
‫‪ .‬شاب رأينا فيه ما يدعو إلى الصلح‬
‫وإننا نرى ـ بحمد ال ـ في مشارق الرض ومغاربها توجها إلى ال تعالى ‪ ،‬نعم ‪ .‬في كل بلد من بلد المسلمين‬
‫ترى عددا كبيرا من الشباب وقد صلحوا واستقام أمرهم واهتدوا وابتعدوا عن الرذيلة ‪ ،‬وهذه من البشارات التي‬
‫بشر بها الرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ ففي الحديث الصحيح بل المتواتر الذي روي عن أكثر من واحد‬
‫وعشرين من أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم أن الرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ قال‪ " :‬ل تزال طائفة من‬
‫أمتي ظاهرين على الحق‪ .‬ل يضرهم من خذلهم‪ .‬حتى يأتي أمر ال وهم كذلك "[‪ ]25‬وفى لفظ‪" :‬ل يضرهم من‬
‫خذلهم ول من خالفهم إل ما يصيبهم من اللواء"[‪ ]26‬يعنى‪ :‬ل يضرهم خلف المخالفين ول عناد المعاندين ول‬
‫خذلن الخاذلين‪ ،‬وإن كانت اللوا تصيبهم‪ ،‬يعني يصيبهم التعب‪ ،‬كما يصيب غيرهم‪ ،‬كما يصيب النبياء وأتباع‬
‫‪.‬النبياء في كل زمان ومكان‬

‫ولكن هذه بشارة نبوية أن هذه الرض ل يمكن أن تخلوا من قوم صالحين‪ ،‬يقيمون هذا الدين‪ ،‬ويرفعون هذه الملة‬
‫ويكونون حجة ل تبارك وتعالى على عباده‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين‪ ،‬حتى يأتيهم أمر ال وهم‬
‫ظاهرون"[‪ ]27‬إنهم ليسوا قلة وليسوا أفرادا مشتتين‪ ،‬ل‪ ،‬بل هم قوم ظاهرون لهم قوة ولهم تأثير‪ ،‬يأمرون‬
‫بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بال ‪ ،‬ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم حتى يأتي أمر ال وهم على‬
‫ذلك ‪ .‬وهؤلء هم الذين وعدهم الرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ بالجنة فقد قال في الحديث الصحيح الخر‪" :‬عن‬
‫أبي هريرة رفعه افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة‪ ،‬والنصارى كذلك‪ ،‬وتفترق أمتي على ثلث‬
‫‪].‬وسبعين فرقة‪ ،‬كلهم في النار إل واحدة‪ ،‬قالوا من هي يا رسول ال؟ قال ما أنا عليه وأصحابي"[‪28‬‬

‫ووعد الرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ لهؤلء بأن يظهر ال تبارك وتعالى الدين على أيديهم فقال في الحديث‬
‫الصحيح الذي رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إنّ‬
‫ن يُجَدّد لَها دِينَهَا"[‪29‬‬
‫سنَةٍ َم ْ‬
‫علَى َرأْسِ كُلّ مِائَ ِة َ‬
‫‪].‬ال َيبْ َعثُ لِهَ ِذ ِه المّة َ‬

‫وقال العلماء‪ :‬إن (مَن) في هذا الحديث ليست تعني فردا واحدا بالضرورة ‪ ،‬بل قد يكون المجدد فردا‪ ،‬وقد يكونون‬
‫أفرادا كثيرين‪ ،‬منتشرين في أنحاء الرض‪ ،‬منهم من يجدد أمر هذه المة بالعلم ‪ ،‬ومنهم من يجدده بالعمل ‪،‬‬
‫‪ .‬ومنهم من يجدده بالجهاد‪ ،‬ومنهم من يجدده بغير ذلك من المور التي يحتاج إليها المسلمون‬

‫فمن واجبنا أن ندرك أن هذا مقتضى وعد ال ومقتضى وعد رسول ال ـ صلى ال عليه وسلم ـ فهل نشجع هذه‬
‫ونكون عونا لها‪ ،‬ونفرح بها وندعو ال سبحانه وتعالى لها بالتثبيت والتوفيق ‪ U ،‬البذرات التي تتجه إلى ال‬
‫علَى الْبرّ وَال ّتقْوَى َو َل تَعَا َونُوا‬
‫والسداد ‪ ،‬وأن نكون ممن استجاب لمر ال سبحانه وتعالى في قوله‪َ " :‬وتَعَا َونُوا َ‬
‫‪].‬عَلَى الِثْمِ وَالْعُ ْدوَانِ"[‪30‬‬

‫أما موقف الشاب من المنكرات التي تواجهه في حياته ‪ ،‬فإن الشاب يجب أن يتدرع بالصبر والحكمة؛ فإن ال‬
‫خ ْيرًا َكثِيرًا"[‪ ]31‬والرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ يقول‪" :‬إن‬
‫تبارك وتعالى يقول‪" :‬وَمَن يُ ْؤتَ الْحِكْمَةَ َفقَ ْد أُو ِتيَ َ‬
‫الرفق ل يكون في شيء إل زانه‪ .‬ول ينزع من شيء إل شانه"[‪ ]32‬والنسان يدرك بالرفق ما ل يدرك بالشدة‪،‬‬
‫فعليه أن يكون رفيقا لينا مع أهله ‪ ،‬مع أبويه ‪ ،‬مع إخوانه ‪ ،‬مع جيرانه مع زملئه ‪ ،‬ولكن لبد أن يقول كلمة‬
‫الحق بهذا الرفق ‪ ،‬فكلمة الحق ل يمكن أن تضيع أبدا ‪ ،‬كلمة الحق مثل البذرة التي يلقيها النسان في الرض فقد‬
‫‪ .‬تغطي عليها الرياح وينساها صاحبها ‪ ،‬لكن يأتي المطر بعد حين فيسقيها فتنبت بإذن ال‬

‫وهكذا كلمة الحق ل تيأس منها‪ ،‬ولو كان النسان منحرفا أو بعيدا عن الخير‪ ،‬ألق إليه كلمة الحق‪ ،‬واجعلها‬
‫مقرونة باللين والكلمة الطيبة والبتسامة ‪ .‬فالرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ يقول‪ " :‬تبسمك في وجه أخيك‬
‫‪ .‬صدقة[‪ "]33‬والخلق الحسن ستجد لهما من الثر أضعاف ما تجد لغيرهما‬

‫كما أن من واجب الشاب أل يكون سلبيا تجاه المنكرات التي يجدها ‪ .‬كثيرا ما تسمع بعض الناس يجلس فيقول ‪:‬‬
‫قد كثرت المنكرات وشاعت وعمت ‪ ،‬ول يدلي فيها ‪ ،‬ول أستطيع أن أغير منها شيئا ‪ .‬فأقول‪ :‬إن كل إنسان ـ حتى‬
‫‪.‬لو كان ل يستطيع الكلم ـ بإمكانه أن يغير بقدر ما يستطيع ول يكلف ال نفسا إل وسعها‬

‫والتغيير ؛ النهي عن المنكر‪ ،‬أول أثر له هو على نفس النسان؛ لنك إذا رأيت المنكر وسكت عنه مرة ومرة ومرة‬
‫استسلمت له نفسك واستساغه قلبك‪ ،‬حتى لم يعد منكرا عندك‪ ،‬ولذلك قال الرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ "ومن‬
‫لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان"[‪ ]34‬يعنى‪ :‬من رأى المنكر ولم يتغير قلبه‪ ،‬ولم ينكره قلبه‪ ،‬فهو أقرب أل‬
‫‪ .‬يكون في قلبه إيمان ول مقدار حبة خردل‬

‫المؤمن ل بد أن يغير المنكر ولو بقلبه لكن هذا التغيير الموجود في القلب يمكن للنسان أن يلقيه بالسلوب‬
‫المناسب ‪ ،‬فإذا رأيت على إنسان معصية ولو كانت مما شاع وذاع في المجتمع‪ ،‬فألق كلمة طيبة ‪ ،‬بالسلوب‬
‫الطيب ‪ ،‬ثم اتركها ‪ ،‬ستقول إنه لن يستجب لي ‪ .‬أقول سيأتي من الغد إنسان آخر فيقول مثل هذه الكلمة ‪ ،‬ويأتي‬
‫بعد شهر إنسان ثالث فيقول مثل هذه الكلمة ‪ ،‬حتى يستيقظ قلب هذا النسان ‪ ،‬ويقول‪ :‬كل الناس أمروني بالخير‪،‬‬
‫‪.‬أنا مسؤول ومحاسب مثلهم ‪ ،‬وهنا يستيقظ قلبه ويقلع بإذن ال عن المنكر‬

‫ولو افترض أن هذا لم يقع نقول ‪ :‬أنت أيها المنكر برئت ذمتك ‪ ،‬وتعودت على أن تكون إيجابيا في أمور الخير‪،‬‬
‫ف وال سبحانه تعالى ل يسألك عن النتائج ‪ ،‬إنما يسألك عن‬
‫مؤثرا‪ ،‬وعودت نفسك على النكار‪ ،‬وهذا بحد ذاته كا ٍ‬
‫‪ .‬العمال‬

‫في ختام هذه الرسالة أسأل ال سبحانه وتعالى أن يهدي شباب المسلمين وأن يأخذ بأيدينا وأيديهم إلى ما يحب‬
‫ويرضى وأن يكتب على أيديهم الخير لهذه المة في مشارق ومغاربها ‪ ،‬وأن يهدينا جميعا إلى سواء السبيل وأن‬
‫‪ .‬يصلح أحوالنا ‪ ،‬وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد ‪ ،‬وعلى آله وأصحابه أجمعين‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫الهوامش‬
‫الحشر ‪[1] 21‬‬
‫البقرة ‪[2][2] 74‬‬
‫الكهف ‪[3] 100‬‬
‫ق~ ‪[4] 3‬‬
‫‪ .‬رواه الترمذي المجلد الثالث حديث ( ‪ ، ) 2232‬باب ما جاء أن اليمان بالقدر خيره وشره ]‪[5‬‬
‫الكهف ‪[6] 101‬‬
‫‪.‬ذكر ذلك البخاري ومسلم وغيرهما عنه ]‪[7‬‬
‫روى البخاري القصة في باب جوار أبي بكر في عهد النبي صلى ال عليه وسلم وعقده ( ‪ ) 2175‬والذي ]‪[8‬‬
‫‪ .‬أجاره ابن الدغنة‬
‫الكهف ‪[9] 101‬‬
‫الكهف ‪[10] 104-103‬‬
‫الكهف ‪[11] 105‬‬
‫الكهف ‪[12] 110‬‬
‫عن أبي برزة السلمي قال‪ :‬قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم‪":‬ل تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره ]‪[13‬‬
‫فيما أفناه‪ ،‬وعن علمه فيما فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبله"‪ .‬رواه الترمذي‬
‫‪ .‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح‬
‫فاطر ‪[14] 37‬‬
‫فاطر ‪[15] 37‬‬
‫‪.‬رواه البخاري ( ‪ ) 6056‬باب‪ :‬من بلغ ستين سنة‪ ،‬فقد أعذر ال إليه في العمر ]‪[16‬‬
‫فاطر ‪[17] 37‬‬
‫النور ‪[18] 30‬‬
‫رواه الطبراني وقال فيه الهيثمي في المجمع ‪ :‬وفيه عبد ال بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف ‪ ،‬ورواه ]‪[19‬‬
‫‪ .‬الحاكم وصححه‬
‫‪ .‬الحديث عن عمر ‪ ،‬أورده العراقي في كتابه تخريج أحاديث الحياء في كتاب الصبر ولم أجد له تخريجا ]‪[20‬‬
‫‪.‬رواه البخاري ( ‪ ، ) 1217‬كتاب الجنائز ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا لم يجد كفنا‪ ،‬إل ما يواري رأسه أو قدميه‪ ،‬غطى رأسه ]‪[21‬‬
‫‪.‬رواه البخاري ( ‪ ، ) 1319‬كتاب الجنائز ‪ ،‬باب‪ :‬الكفن من جميع المال ]‪[22‬‬
‫العنكبوت ‪[23] 3-1‬‬
‫قال العجلوني في كشف الخفاء ‪ :‬وكذا هو عند أحمد وأبي يعلى بسند حسن‪ ،‬لكن قال في المقاصد وضعفه ]‪[24‬‬
‫‪ .‬شيخنا في فتاويه لجل ابن لهيعة‪ ،‬وكان السلف يعجبهم أن ل يكون للشاب صبوة‬
‫رواه مسلم ( ‪ ) 1920‬كتاب المارة ]‪[25‬‬
‫‪ .‬لم أعثر على هذا اللفظ ]‪[26‬‬
‫‪ .‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ) وهم أهل العلم( ‪ r :‬رواه البخاري ( ‪ ، ) 6881‬باب‪ :‬قول النبي ]‪[27‬‬
‫رواه ابن ماجه وقال في كشف الخفاء رواه ابن حبان والحاكم بنحوه وقال الحاكم إنه حديث كثير في الصول ]‪[28‬‬
‫‪ .‬ثم قال الزركشي ورواه البيهقي وصححه من حديث أبي هريرة وغيره‬
‫قال صاحب كشف الخفاء ‪ :‬رواه أبو داود عن أبي هريرة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأخرجه ]‪[29‬‬
‫الطبراني في الوسط عنه أيضا بسند رجاله ثقات‪ ،‬وأخرجه الحاكم من حديث ابن وهب وصححه‪ ،‬وقد اعتمد‬
‫‪ .‬الئمة هذا الحديث‬
‫المائدة ‪[30] 2‬‬
‫البقرة ‪[31] 269‬‬
‫‪ .‬رواه مسلم عن عائشة رضي ال عنها ( ‪ ) 2549‬باب فضل الرفق ]‪[32‬‬
‫‪ .‬رواه الترمذي عن أبي ذر بزيادة ‪ ..‬ورواه أحمد والترمذي وابن حبان عن أبي الدرداء ]‪[33‬‬
‫رواه مسلم ( ‪ ) 78‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب بيان كون النهي عن المنكر من اليمان ‪ ،‬وأن اليمان يزيد وينقص ‪[34] ،‬‬
‫‪ .‬وأن المر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر واجبان‬

You might also like