You are on page 1of 52

‫) من ويكي مصدر‪ ،‬المكتبة الحرة(‬‫الزيـــــــــر ســـــــــالــــــــم‬

‫الجزء الول‬
‫أما بعد حمدا ل والصلة والسلم على رسله وأنبيائه وبعد فهذه سيرة السد الكرار والبطل المغوار الذي شاع ذكره في‬
‫القطار وأذل بسيفه كل صنديد وجبار المهلهل بن ربيعه صاحب الشعار البديعه والوقائع المهوله المريعه وماجرى له في‬
‫تلك اليام مع ملوك الشام وفرسان الصدام من الحوادث والوقائع التي تطرب القارىء وتلذ السامع ولكن قبل الشروع في هذه‬
‫السيرة الغريبة وأخبارها المطربه الغريبه رأينا أن نذكر طرفا من أخبار العرب أهل الفضل والدب أفاده للطالعين ونزهة‬
‫للسامعين فنقول وال المستعان ‪ :‬أن أصل العرب من قديم الزمان وسالف العصر والوان من اليمن قوم قحطان سبأ بن‬
‫يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود عليه السلم ويلقب بأبو العرب وهو أول من تتوج من العرب واول من اعتدل لسانة‬
‫ليتكلم العربية كان أعظم ملوك العرب وقيل انه اسلم قبل ان يبعث النبي صلى ال عليه وسلم وقد اسلم و كان يتمنى بشعره‬
‫المشهور انه يلحق بالنبي صلى ال عليه وسلم ويناصره ويؤازره وقد امر قومه بأن يسلموا ويزروه عندما يظهر ‪ ،‬وولد له‬
‫عشرة من الذكور ستة منهم استقروا باليمن ومنهم كانوا التبابعه العظام ومن شاع ذكرهم بالقطار وقهروا كل جبار عنيد و‬
‫‪ 4‬منهم هاجروا إلى الشام ليصبحوا ملوكها ويلقبون بجبابرة الشام ومن هؤلء العشرة انتشرت العرب بما يسمون بالعرب‬
‫العاربة و سادت وحكم ارض الجزيرة العربية والشام قرونا طويله وكانوا اكثرها شعوبا و اكثرها تفرعا و سيطروا على طرق‬
‫التجارة العالمية بين الشرق والغرب اما العدنانيين فهم ينتسبون إلى عدنان بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلم وولد نزار‬
‫بن معد بن عدنان وكان قد ولد لنزار المذكور أربعة أولد ذكور وهم ‪ :‬مضر أنمار وأبار وربيعه وفارس الطرار من نسل‬
‫ربيعه ومضر وأنمار عرف الحجاز ونجد والعراق وسكان القفار وكانت العرب في تلك الزمان منقسمه إلى قسمين وهما قيس‬
‫ويمن فكان اليمن هم اليمنيون وينتسبون إلى قحطان وباقي العربان القيسيون ومازالت العرب تنمو وتكثر وتمتد في البر‬
‫القفر حتى اشتهرت العشائر والقبائل وظهر المير ربيعه وأخوه مرة وأبناء وائل و ربيعه المذكور هو أبو الزير الفارس‬
‫المشهور صاحب هذه السيرة `الشهيرة ‪.‬‬

‫(قال الراوي) وكان ربيعه في ذلك الزمان من ملوك العربان وأخوه عروة من المراء والعيان وكانت منازلهم في تلك اليام‬
‫في أطراف بلد الشام وكانا يحكمان على قبيلتين من العرب وهما بكر وتغلب وولد لربيعة خمسة أولد مثل القمار وهم كليب‬
‫السد الكرار وسالم البطل الشهير الملقب بالزير وعدي ودرعان وغيرهم من الشجعان وكان له بنت جميله الطباع شديدة الباع‬
‫تعارك السود والسباع أسمها اسماء وتلقب بضباع وأما المير مرة له عدة أولد أبطال أمجاد وقد اشتهروا بالشجاعه وقوة‬
‫البأس منهم همام وسلطان وجساس وله بنت جميلة فاضله نبيله يقال لها الجليلة فاتفق في بعض اليام أن الميرة مرة دخل على‬
‫أخيه ربيعه في الخيام وخطب أبنته ضباع لبنه همام وخاطبه بهذا الشعر والنظام ‪:‬‬
‫يقول أمير مرة في قصيدة معانيه حكت درر الجواهر‬
‫ربيعة ياأخي اسمع كلمي أيا قهار فرسان الجبابر‬
‫أريد ضباع بنتك ياربيعه إلى همام يافخر الكابر‬
‫ولما ينتشي ابنك كليبا ويركب ياأخي الخيل الضوامر‬
‫وتكبر ياملك بتي الجليله مر فخذها له زوج لتشاور‬
‫وهذا ياأخي أقصى مرادي أيا صدام آساد الكواسر‬
‫تبدي له ربيعه ثم قال له كلمك ياأخي مثل العنابر‬
‫تريد ضباع خذها يامسمى وزوجها لبنك لتشاور‬
‫ومعها مائة خادم يخدمونها ومائة جاريه غير السرائر‬
‫ومعها مائة حر كالعرائس ومائة قعود مع ميتين جوائر‬
‫ومعها محمل الفاخر واطلس زياد ومسك فايح ودم عاطر‬
‫وهمام ابن مرة مثل ابني لغيرك ما أناسب أو أصاهر‬
‫هلم انهض وزوجها بسرعه وأفرح فيه وأعمل عرس فاخر‬
‫فلما فرغ ربيعه من كلمه وشعره ونظامه أعتنقه أخوه وشكره على حسن اهتمامه ثم باشر القوم بأمر العروس من ذلك اليوم‬
‫وعقدوا عقد المير همام على ضباع بنت الكرام كما جرت العادة فأولموا اولئم وذبحوا الذبائح وأطعموا كل آت ورائح‬
‫ومازالوا في سرور وأفراح وبسط وانشراح ودق طبول ولعب خيول وشرب مدام مدة عشرة أيام ثم زفوا ضباع على المير‬
‫همام فكانت ليلة عظيمة ودخل همام على ضباع وحظي بحسنها وجمالها ونالت منه غاية آمالها لنها كانت تحبه محبة شديدة‬
‫وتوده موده أكيده وسوف يظهر لهما ولدان وهما شيبون وشيبان وسيأتي حديثهما بعد الن ‪ .‬هذا ماكان من خبر بني قيس‬
‫المدعوين بالقيسيه ولنتكلم الن عن حديث اليمنيه وماجرى لهم في تلك اليام من المور والحكام والحروب والهوال في‬
‫ميادين القتال فنقول وعلى ال التكال ‪.‬‬
‫أنه كان في قديم الزمان في بلد اليمن ملك شديد البأس عظيم الشأن صاحب جند وأعوان وأبطال وفرسان يقال له الملك حسان‬
‫ويكنى بالتبع اليماني ولم يكن له بين الملوك ثاني وهو من نسل قحطان كان شديد الس قوي المراس كويل القامه عريض الهامه‬
‫وليعرف الحلل من الحرام وليحفظ العهد والزمان وكان يحب النساء الملح والمزاح منهن في المساء والصباح ومن أعماله‬
‫الغريبة واصطلحاته العجيبة كما ذكر أصحاب الروايات أنه كل ليله يتزوج بصبيه من بنات الملوك والسادات و كانت تحيط به‬
‫السود عن يمينه وشماله وكانت الملوك تخافه وتخشاه وتحسب حسابه وتترضاه وتحمل له الخراج وتعلل له الخاطر والمزاج‬
‫وكان عنده من البطال والفرسان ألف ألف عنان ( وقيل اذا غضب غضب ألف ألف‪-‬مليون‪ -‬سيف يماني ) معه وهم عشرة‬
‫كرات مستعدين للحرب والغارات وكان له وزير عاقل خبير قوي الجنان اسمه نبهان قد امتاز على القران بفعل الخير‬
‫والحسان وكان كثيرا ماينهى الملك حسان عن ارتكاب الظلم والعدوان فاتفق في بعض العوام وفي يوم من اليام أن ألتقى تبع‬
‫مع نبهان وقال له في الديوان بحضور المراء والعيان هل سمعت أيها الوزير والعاقل الخبير عن ملك كبير عنده رجال‬
‫كرجالي أو أموال كعدد أموالي فقبل الوزير الرض ووقف في مقام العرض وقال أعطني المان ياملك الزمان وانا أحدثك‬
‫بأخبار ملوك المم أصحاب البطش والهمم وماعندهم من الجيوش والعساكر والمهمات والذخائر‬
‫فقال قل وعليك المان من نوائب الزمان ‪.‬‬
‫فقال أعلم أيها الملك المعظم أنه ليوجد مثلك في هذه القطار من الملوك الكبار أصحاب الدين والمطار ولكن يوجد خارج‬
‫البحار عرب من أهل الشجاعه والقتدار عددهم كثير وجيشهم غفير يقال لهم بنو فيس وسيدهم اسمه ربيعه ولهم في الحرب‬
‫والغارات وقائع مهوله مريعه ‪،‬فلما انتهى الوزير من الكلم وسمعه من حضر في ذلك المقام أغتاط الملك اليماني وتأثر وكان‬
‫عليه أشد من ضرب السيف البتر فصاح على الوزير وزعق وقال له بكلم الحنق هكذا ياتيس تفضل علي بني قيس مادام المر‬
‫كذالك لبد أن أقدهم بفرسان المعارك وأقتل ملكهم ربيعة وأوردهم وأورد المهالك وأخرب بلدهم وديارهم وأمحو بالسيف‬
‫آثارهم وأتملك الديار بالقوة والقتدار ثم أنشد هذه البيات على مسامع المراء والسادات ‪:‬‬
‫يقول النبي اليمني المســمى بحنان فما للقول زورا‬
‫ملكت الرض غصبا واقتدارا وصرت على ملوك الرض سورا‬
‫وطاعتني الممـالك والقبـائـل وفرسان المعامع والنمورا‬
‫لقد أخبرت عن بطـــل عنـيد شديد البأس جبارا جسورا‬
‫وقـــالوا انـه يدعـى ربــيعـه أمير قد حوى مدنا ودورا‬
‫تولى الرض في طول وعرض فكم خرب وكم شيد قصورا‬
‫فقصدي اليوم أغزوه بجيشي وأترك ارضه قفرا وبورا‬
‫أيا نبهان أجمع لي العـساكر قيأتوا فوق خيل كالنمورا‬
‫وجهز الف مركب ياوزيري واوسقهن في وسط البحورا‬
‫ثلث شهور أسرع ل تطول يكون كل ماقلته حضورا‬
‫أسير بهم إلى تلك الراضي وأملك القلع والقصورا‬
‫ويغنم عسكري منهم مكاسب وأزوجهم بنات كما البدورا‬
‫ويبقى لي الحكم برا وبـحرا ويصفي خاطري بعد الكدورا‬

‫( قال الراوي ) فلما انتهى السبع من شعره ونظامه وفهم الوزير ما حوى حديثه وكلمه ندم وتكدر الذي أعلمه بهذا الخبر ولم‬
‫يعد يمكنه ال المتثال وتجهيز الفرسان والبطال الي الحرب والقتال فنزل من الديوان وهو مقهور غضبان وأمر بدق الطبل‬
‫والنحاس لجتماع العساكر وباقي الناس وكان هذا الكبل يقال له الرجوج وهو من أعظم الطبول وكانت تدقه عشرة من العبيد‬
‫الفحول وهو من صنعه ملوك التبايعة العظام وكانت الناس تسمع صوته عن مسافة ثلث أيام وكان الملك حسان اذا غزا قبيلة‬
‫من العربان يأخذ ذلك الطبل معه وأين ماذهب يتبعه ولم يزل هذا الطبل في ذلك الزمان يتصل من ملك إلى ملك حتى أتصل إلى‬
‫المير حسان سيد بني هلل المشهور بالحسان والفضال فلما دقت العبيد الطبل وسمعت صوته قواد الفرسان اقبلت على‬
‫الوزيرمن كل جهة ومكان فساموا عليه وتمثلوا بين يد يه وسألوه عن سبب د ق الطبل الر جوع فحد ثهم بذ لك ال ير اد والمسير‬
‫إلى تلك البل د للغزو والجهاد ثم بعد ذ لك فرق عليهم السلح وآلت الحرب والكفاح ولما تكن المدة قصيرة حتى تجهزة‬
‫المراكب وتجمعت العساكر من كل جانب وكان من جملتهم عشرة من الملوك كبار كل ملك يحكم على ألف ألف بطل مغوار‬
‫وحضرو إلى أمام الملك تبع حسان وسلموا عليه وقبلوا الرض بين يديه وقالوا له نحن بين يديك ولنبخل بارواحنا عليك‬
‫فشكرهم وخلع عليهم الخلع الفاخر والتحف الباهرة ووعدهم بالمال الجزيل وبكل خير جميل ثم أمر الوزير بالستعداد والرحيل‬
‫على غزوة بني قيس وتلك البلد وطلب منها أن يأتي بالعساكر من تحت القصر وهي نازلة الي البحر ليشاهد احوالها ويرى‬
‫سلحها واثقلها فمتثل الوزير لما أمر وفعل كما ذكر فانشرح صدر الملك عند رؤية العساكر والجحافل وهي في السلح الكامل‬
‫وألستعداد للحرب والقتال فأنشد وقال ‪:‬‬
‫يقول التبع الملك اليماني صفا عيشي وقد طاب فؤادي أتتني عساكر كالسد تسري ألوف راكبين على جياد عليهم كل درع من‬
‫حديد له زرد كما عين الجراد وبهم كل جبار عنيد يقال ألف ليث في الطراد برؤيتهم فقد زاد انشراحي وزال الهم عني بابتعادي‬
‫أسير بهم لذاك البر حال وأقتل كل من يطلب عنادي وأرجع غانما في طيب عيش وليبقى لتبع من يعادي أل يا عسكر قروا‬
‫وطيبوا على نيل المقاصد والمرادي ومني أبشروا فيما تريدون مهما تطلبوه بازديــــاد‬
‫فلما فرغ من شعره ونظامه صرخت المراء وأكابر القواد والجيوش والعساكر والجناد ودعوا للملك بالنصر وطول العمر وقد‬
‫استبشروا في غزوة تلك البلد وايقنوا بالنجاح وبلوغ المراد ثم نزلت العساكر والجناد في المراكب مع المراء والقواد ‪ ،‬وكان‬
‫الملك حسان قبل خروجه من الوطان فقد سلم زمام ملك اليمن الي الصحصاح بن حسان وهو ملك كبير وفارس شهير كان‬
‫يميل اليه ويعتمد عليه فأوصاه أن يجمع له المال في كل عام ويرسله الي بلد الشام ثم نزل مع الوزير في مركب كبير وأقلعوا‬
‫من الوطان وقصدوا بلد الجبش والسودان ‪ .‬وعند وصولهم الي ذلك الجانب القوا المراسي ونزلوا الي البر بالقوارب ونصبوا‬
‫الخيام والمضارب وفي الحال ارسل الملك تبع وزيرا اسمه زيد بن عقبه بألف فارس منتخبه ليعلم ابن أخته الرعيني بقدومه الي‬
‫تلك القطار لنه كان ملك هاتيك الديار ويأمره بسرعة الحضور وتقديم الذخر الي الجيش والعسكر فلما علم الرعيني بذلك‬
‫الخبر بادر في الحال بالفرسان والبطال والمهمات الثقال الي أن التقى به في الصيوان ومن حوله الوزراء والعيان فدخل وسلم‬
‫عليه وقبله بين عينيه وقدم له الذخائر والمهمات لتلك الجهات فأعلمه بواقعة الحال وأنه قاصد غزو بني قيس وتلك الطلل ثم‬
‫باتوا تلك الليلة في الخيام وفي الصباح أمر الملك العشرة ملوك العظام ان يتأهبوا للرحيل الي بلد الشام وان ينقسموا الي قسمين‬
‫ويتفرقوا الي فريقين فخمسة تسير من اليمين وخمسة تسير من على الشمال وأوصاهم أنهم كل ما أقبلوا الي مدينة يملكوها في‬
‫الحال ويقيمون فيها نائبا من سادات الرجال فأجابوا أمره بالخضوع والمتثال فعند ذلك دقت الطبول والزمور وركبت الفرسان‬
‫ظهور الخيول وارتفع الصياح ولمع السلح وترتبت الكتائب وسارت المواكب في تلك البراري والسباسب وكانوا كلما وصلوا‬
‫الي مدينه او بلد امتلكوها بحد السيف المهند حتى ملكوا البلد وطاعتهم العباد ومازال تبع يتقدم حتى أقبل الي مدينة الشام فأحاط‬
‫بها من جميع الجوانب بالمواكب والكتائب وكان نائب الملك ربيعه في الشام يدعى يزيد بن علم وكان ربيعة واخوه مرة في‬
‫وادي النعمين وهو مكان بعيد عن المدينة مسافة يومين فأرسل الملك تبع الي نائب المير ربيعة أحد الوزراء العمد يطلب منه‬
‫الخضوع لمره وتسليمه ‪ .‬فلما وصل اليه ودخل عليه وأعلمه بالخبر وما قال تبع وأمره فأجاب بالسمع والطاعة ونهض مسرعا‬
‫في تلك الساعة وأخذ معه الموال والذخائر وخرج في جماعة من الكابر حتى التقى بتبع في الخيام فحياه بالسلم فترحب به‬
‫غاية الترحيب وأمر له بالجلوس فجلس بمكان قريب منه فقال تبع هل أنت حاكم الشام قال نعم أيها الملك الهمام فساله عن حكم‬
‫ربيعه فقال له ظالم على قومه وكل الرعايا تشكوا من ظلمه وتتمنى له الذى والضرر والموت الحمر والحمد ل رب البريه‬
‫الذي أعاننا بك حتى نتخلص من نير العبوديه فسنخدمك خدمة مرضيه ونصير لك من جملة الرعيه وماقوله ذلك لتبع ال من‬
‫الخوف والفزع فتبسم تبع من هذا الكلم وقال ابشر ببلوغ المرام فانك ستكون نائبي في بلد الشام وتحمل لي الخراج في كل عام‬
‫فقال سمعا وطاعه ياملك الزمان وجوهرة هذا الوان ثم عرض عليه الذخائر وماجاء به من نفيس الجواهر فانشرح صدر تبع‬
‫وخلع عليه وقال له أذهب الن إلى وجوه اهل المدينه وباشر في الضيافات والزينه فاننا سنحضر إلى عندك بعد ثلثة ايام‬
‫ونتفرج على الشام ونرجع إلى المضارب والخيام فقال اهل وسهل الرض ارضك والبلد بلدك ثم ودع الملك وسار بمن معه‬
‫من الكابر والتجار وأخذ يسعى في امر الوليمه وقد خامرت معه اهل الشام خوفا من السبي والهزيمه ‪.‬‬
‫هذا ماجرى لهؤلء من الخبار وأما ماكان من ربيعة وبني قيس الخيار فانهم لما سمعوا بقدوم الملك تبع إلى الديار وافتتاحه‬
‫المدن والمصار اخذهم القلق والفتكار وكان قد بلغ ربيعه قول زيد إلى تبع حسان وكيف انه نسبة إلى الظلم والعدوان مع انه‬
‫كان من أعدل ملوك الزمان اخذه الغضب والقلق وزاد به الحنق فجمع اكابر قومه واخيه مرة ومن يعتمد عليهم من أهل‬
‫الشجاعه والقدرة وجعل يخاطب المراء والسادات بهذه البيات ‪:‬‬
‫غنا ربيعه شعرا من ضمايره ودمع العيون على الوجنات طوفان ياقومنا اسمعوا وامتثلوا قولي انتم بنو قيس ابطال وشجعان كنا‬
‫بخير والسعد يخدمنا نقري الضيوف ونكسي كل عريان والجوخ والخز السمور يأتي لنا من ساير الرض والملبوس ألوان جاءنا‬
‫من البحر ذا التبع يحاربنا صعب المراس شديد البطش سلطان معه رجال عوابس الف الف بطل من كل ضرغام قلبه مثل‬
‫صوان حاز البلد وما أمير خالفه الكل طاعته القاصي مع الدان أتى الينا وماحسب حساب لنا منا ومن غيرنا هو ليس فزعان‬
‫معاه عسكر كثير ما له عدد ابطال حرب وفرسان شجعان انا بقيت كبير السن ياعربي مالي جلد في اللقا وسط ميدان مرة أخرى‬
‫بهذا الرأي ساعدني همام ياأبن أخي ماكنت كسلن مايترك الكأس من يديه ولساعه ال بوقت اللقا أو بعض أحيان كيف العمل‬
‫ننهزم أو نقابله شوروا للصواب أخوتي وخلن‬
‫فلما فرغ ربيعه من شعره قالت السادات والفرسان عن فرد لسان أن هذا المر ليطاق وعلقم مر المذاق وليس لنا غير الهزيمه‬
‫فهي أوفر غنيمه وال حكم سيفه ولشانا عن بكرة أبينا وبعد مداوله طويلة وجلسه مستطيله استقر رأي الجمهور على أن يذهبوا‬
‫إلى عند تبع المذكور فيسلموا عليه ويقبلوا يديه ويطلبون لنفسهم المان ويقدموا له التحف الحسان لعلهم يتخلصون بهذه الوسيلة‬
‫من تلك الورطه الوبيله هذا ماكان من أمر بني قيس وأما الملك تبع فانع في اليوم الثالث ركب في وجوه قومه وتوجه إلى مدينة‬
‫الشام لجل الزيارة كما تقدم الكلم ‪.‬‬
‫فلما بلغ الغايه ووصل السرايه التقاه زيد بالتعظيم والكرام واجلسه في أعز مقام وصنع له وليمه عظيمه ذات قدر وقيمه فأحسن‬
‫اليه وخلع عليه وفرق التحف الثمينه على اكابر اهل المدينه ثم رتب الخراج في كل عام وبعد ذلك رجع إلى المضارب والخيام‬
‫وهو مسرور الفؤاد على المرام وأما بنو قيس فانهم جمعوا التحف الحسان والموال التي يكل عن وصفها اللسان من عقود‬
‫وجواهر ومهمات وذخائر وقماش فاخر وحملوها على مائة جمل وركب ربيعه مع أخيه مرة في مائة بطل وسار معهما جماعه‬
‫من المراء والقواد الذين عليهم العتماد وجدا في قطع البراري والقفار حتى وصلوا إلى تلك الديار وعند وصولهم إلى‬
‫المضارب نزلوا عن ظهور الجنائب واجتمعوا بخزندار الملك تبع وكان اسمه ثعلبه حسان ويعلمه ابن البشع فقدموا له التحف‬
‫الحسان ليقدمها إلى الملك تبع حسان ويعلمه بقدومهم إلى الديار فقدمها الخزندار وليعلم بمجىء القوم في مثل ذلك اليوم مرادهم‬
‫الدخول عليه ليتشرفوا بتقبيل يديه ورجليه ويحصلوا على أمانة ويكونوا من جملة خدامه وأعوانه فتبسم تبع والتفت إلى وزيره‬
‫نبهان وقال له اين ملوك قيس العظام الذين كنت قلت عنهم ماهو كذا وكذا من كلم واني لأصلح ان اكون من جملة خدامهم وهم‬
‫قد حضروا الن لتقبيل أقدامي ليكونوا من جملة أعواني وخدامي فقال الوزير وقاك ال من كل شر وضير وجعل عاقبة هذا‬
‫المر إلى خير فبينما هم في الحديث والكلم أذا دخل على الملك أمراء بنو قيس الكرام فقبلوا الرض بين يديه ووقعوا على‬
‫رجليه فأخذ تبع ينظر اليهم ويتأمل فيهم فحانت منه التفاته فنظر المير ربيعه واقف في باب الصيوان وهو مثل السد الغضبان‬
‫وكان المير ربيعه لم يدخل مع قومه على الملك حسان لن نفسه ماكانت تطاوعه على الذل والهوان فالتفت الملك تبع إلى‬
‫الترجمان وقال من يكون هذا النسان فأني أراه معجب بنفسه غاية العجاب ول حاسب لي أدنى حساب فسأل الترجمان عنه‬
‫فقالوا العشمشم سيد بني قيس المير ربيعه المعظم ‪ .‬فلما سمع تبع هذا الخبر شخر ونخر وتبدل بكدر واحمرت عيناه حتى صار‬
‫مثل الجمر ثم ناداه فحضر وقد تعجب من عظم هيبته وبياض لحيته فسلم ربيعه عليه ووقف بين يديه فقال تبع أأنت سيد بني‬
‫قيس الكرام فقال نعم أيها البطل الهمام وقال ولماذا أسأت الدب وإحتقرتني دون باقي أمراء العرب الذين تمثلوا أمامي وقبلوا‬
‫يدي وأقدامي فتقدم الن وقبل رجلي يامهان وإل قتلتك بحد الحسام وجعلتك عبرة بين النام ‪ .‬فقال ربيعه وقد استعظم ذلك المر‬
‫واحمرت عيناه من الغيظ حتى صارت مثل الجمر لنه كان من اشرفهم حسبا واعلهم نسبا ثم قال اعلم ياملك الزمان بأنني ملك‬
‫من ملوك العربان صاحب قدر وشان وماذلت نفسي لنسان وهذه هي وبلدي وملك أبائي واجدادي وأنا ماتعديت عليك‬
‫وماأوصلت أذيتي اليك بل أنت شنيت علينا الغارة وأمتلكت بلدنا والحقت بنا الخسارة وذلك بدون سبب من السباب فكفى الذي‬
‫فعلته أيها الملك المهاب وقد بلغت منا قصدك فل أنت تقبل يدي ول أنا أقبل يدك فلما سمع هذا المقال خرج عن دائرة العتدال‬
‫وقال يانذل بني قيس ومن هو أذل من التيس أني ماأتيت من بلدي بهذا الجمع المتزايد ال لجعل زمام الدنيا في قبضة ملك‬
‫واحد ثم بعد هذا الكلم صاح على العوان والخدم بصوت كالرعد في الغمام ياويلكم اقبضوا على هذا الشيخ الكبير ومن معه‬
‫من بني قيس الطناجير وقيدوهم بالجنازير فامتثلوا أمرة في الحال وقيدوا ربيعه وباقي الرجال وبعد أن قيدوه وأوثقوه أمر الملك‬
‫بشنقه فشنقوه وهكذا انتهت حياته وانقضت أيامه وساعاته وبقي معلقا ثلثة أيام حتى جاء نائبه المير زيد إلى الشام فغسله وكفنه‬
‫ثم وراه التراب ودفنه ثم جاء في باقي الرجال وأرادوا أن يفعلوا بهم مثل تلك الفعال فانهزم المير مرة من بين أيدي الفرسان‬
‫وتقدم إلى عند الملك تبع حسان وقال المان ياملك الزمان نحن الن عبيدك وطوع يديك وجميع أمورنا راجعة اليك فاعفوا عنا‬
‫فقد صرت لنا ملك ثم انه ابعد هذا الحديث والكلم أشار يخاطبه بهذا الشعر والنظام ‪:‬‬
‫مقالت لمرة في بيوت صروف الدهر قد جارت علينا اليا أمير تبع يامسمى أيا ملك الورى في العالمينا انا في جيرتك يافخر‬
‫قومك أجبرنا لتشفي الضد فينا قتلت أخي ربيعه يامكنى وأسقيت العداء والحاسدينا وتقتلني أنا ياأمير بعده تهد رجالنا طول‬
‫السنينا ونحن ياملك حكام مثلك على كل القبائل حاكمينا فليس بواجب تهدم بيوتي ولهذه فعال الماجدينا وقد حاربنا وحكمت فينا‬
‫ونحن اليوم في حكمك رضينا وبعد اليوم صرنا لك رعايا على طول الليالي والسنينا وندفع كل عام عشر المال كله فاحكم ماتريد‬
‫اليوم فينا‬
‫(قال الراوي) فلما سمع تبع شعره ونظامه وعرف قصده ومرامه عفى عنه وأعطاه المان وكذلك صفح عن باقي المراء‬
‫والعيان وجعلهم من جملة الرعايا والخدام يدفعون له الخراج في كل عام وقال لمرة ياسيد القوم قد صممت أن أتخذ مدينة‬
‫كرسي مملكتي بعد هذا اليوم فسر أنت وأهلك من هذه الديار وتفرقوا في سائر القطار وكونوا لوامري طائعين ولحكمي‬
‫خاضعين سامعين ‪ .‬ثم أنه قسمهم إلى عدة فرق وأقام على كل فرقه ملك من سادات بني قيس العيان فجعل المير مرة على‬
‫الفرقة الولى وأمرة أن يسكن مع قومه في نواحي بيروت وبعلبك والبقاع وجعل المير عدنان على الفرقه الثالثه وأمره أن يقيم‬
‫قي بلد العراق وتلك المنازل والفاق زكان الملك تبع قد شتت بنو قيس بهذه الوسيله خوفا من أن يقع في مكيدة أو حيله ثم أنه‬
‫التفت على المير مرة وباقي السادات وأشار اليهم بهذه البيات ‪:‬‬
‫يقول التبع المدعو اليماني أبا مرة لكم مني المان ال ياقيس روحوا لتخافوا فقد سدتم على أهل الزمان ربيعه أنت يامرة بداله‬
‫كبير القوم من قاص ودان وأولدهم لهم موضع أبوهم وأنت أكبرهم فيهم تعاني ولكن خلق لتسكنوها وكونوا في أمان مدى‬
‫الزمان‬
‫فلما فرغ تبع من كلمه وشعره ونظامه أجابت بنو قيس أمره بالمتثال وتفرقت جموعهم في البراري والتلل وهم يبكون على‬
‫ماجرى عليهم وما وصل من الذى اليهم كانوا في أرغد عيش وأهناه وفي عز وجاه كلمتهم بين الناس مسموعه وروايتهم فوق‬
‫هام المجد مرفوعه ليعرفون الهم والكدر وليأخذهم قلق ول ضجر إلى ان اصابتهم البليه وحلت بهم تلك الرزيه فبكوا على‬
‫تفرق بعضهم البعض وتشتتهم في أقطار الرض ‪.‬‬
‫ومن غريب التفاق المستحق التسطير في الوراق هو ماجرى للربعه أخوة الذين اشتهروا من بني قيس بالحميه والنخوه وذلك‬
‫أنه كان لزوجة المير ربيعه المذكورة والد كليب والزير الفارس المشهور أربعة أخوه من الذكور وهم جوشن وناجد وجودر‬
‫والمير منجد السد الغضنفر وكانوا من أجود الناس قد اتصفوا بالشجاعه وقوة البأس ‪.‬‬
‫فلما رأوا أفعال تبع الشنيعه وكيف أنه قتل صهرهم ربيعه ساءهم ذلك المر وتوقد قلبهم من الغيظ بلهيب الجمر ولكنهم أخفوا‬
‫الكمد وأظهروا الصبر والجلد فحملوا بيوتهم وعيالهم وساقوا غنمهم وجمالهم وجدوا في قطع البراري والكام حتى وصلوا بلد‬
‫الشام فنزلوا بقرب صيوان ‪.‬‬

‫الجزء الثاني‬
‫والعلم وأرسلوا رجل من أكابر العمد لكي يعلم تبع بوصولهم إلى البلد فسار على الثر وأعلم الملك بذلك الخبر ففرح‬
‫واستبشر وزال منه القلق والضجر واحضر الرمال وكان عنده رمال شاطر فحضر بين يديه فقال له التبع اضرب لي تخت‬
‫الرمل فجلس وضرب الرمل فرأى جميع ما فعلته بنو قيس وقال الصناديق فيها رجال وأشار يقول ‪:‬‬
‫قال الفتى الرمال صادق سقاتي الدهر كاسات المرارا تبعت الرمل وأنا كنت طفل وقبلته يمين مع يسارا ولأحد مثلي بالرمل‬
‫عارف ولغيري يعرف كيف سارا أحط الرمل بأربع أمهات وولد الصغارا مع الكبارا ال ياأمير تبع ياملكنا ياعز العذارى يوم‬
‫غارا أقول لك عن التقادير والجنايب وتحسب أن جابوا لك تجارا جوا ياملك هم يقتلوك ويدعوا القصر بعدك دشارا صناديق التي‬
‫لك حملوها بها ابطال بالعدد أمارا يريدون قتلك ياملك عاجل لهم ثار عليك وأي ثارا هذا قد أعلمك يامسمى وبالدنيا يشيع لها‬
‫خبارا‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ من كلمه وتبع يسمع نظامه نادى على العبيد فحضروا مائة عبد وقال لهم روحوا إلى العمارة وكل‬
‫صندوق تلقوا فيه رجال اكسروه فانطلق العبيد إلى العمارة وهم أسعد وسعيد وبقية للمائة عبد هذا في يده عصا والخر في يده‬
‫بلطه والثاني في يده دبوس حديد ولما وصلوا إلى العماره ابتدأوا بكسر الصناديق وكسروا الول والثاني إلى العشرة فصاحت‬
‫الجليله ياعبيد السوء لماذا تكسروا صناديقي فقال لها العبيد الرمال قال ان في هذه الصناديق رجال فتقمت وفتحت لمه عشرة‬
‫صناديق فما وجدوا فيها غير جهازها والقماش فقالوا ان الرمال كذاب وعادوا يردون الجواب يقع كلم ثم يرجع الحديث إلى‬
‫عجوز يقال لها حجلن وكانت رماله وهي التي علمت الرمال بان لها جميع ما فعلوه بني قيس وتباين لها ان الصناديق طبقتين‬
‫في السفلى رجال وفي العليا قماش فافتكرت ساعه من الزمان وضربت ثاني رمل رأت بني قيس يقتلون التبع لمحاله فقالت‬
‫خيرا لي أخذ الوجه البيض عند بني قيس لقامت أخذت عصاتها بيدها وسارت إلى أن وصلت عند بني قيس وهم في ارتباك‬
‫عظيم فقالت لهم انا اتيت من عند تبع فقالوا لها وما قصدك قالت قصدي كشف الصناديق لن الرمال قال ان فيها رجال ففتحوا‬
‫لها أول صندوق والثاني فقالت أني أرى الصناديق من الظاهر ذات عمق ومن الداخل بخلف ذلك وضربت على الطبقه السفلى‬
‫فلما رأوها عارفه قالوا استري على ماستره ال وفتحوا صندوق واعطوها ثلث بدلت حرير فقالت من الن وصاعدا أساعدكم‬
‫على قتل تبع ثم انالعجوز طلعت إلى عند تبع والرمال بين يديه وعمال يضرب الرمل لن العبيد أخبروا تبع بما شاهدوا وكذلك‬
‫العجوز أخبرته كما أخبروه العبيد فقال تبع ياعجوز الرمال كذاب قالت أن الرمال عمي من أكل الثوم والبصل فأمر الملك‬
‫بضرب عنقه وراحت روحه إلى الوادي الحمر وتقدمت العجوز إلى الملك وأشارت توصف حسن الجليله ومااعطاها ال من‬
‫الحسن والجمال ‪:‬‬
‫تقول العجوز التي شاهدت مليحه تريح العنا والصدود يأمير تبع يهنيك فيها السعد وأقبل الخير لك والسعود أتوك بني قيس أهل‬
‫السماح وجابوا لك الخيل ثم النقود وجاوبا الجليله لشخصك حليله بخدين حمر وعينين سود وقامة طويله كعود القنا فوق الكتاف‬
‫ترخى الجعود بشعر طويل وشعر كحيل بل جرميل تصيد السود حواجب كما قوس ترمي الهزوم وذات حزام الذهب على‬
‫النهود وذات شقاف رقاق نظاف عقايل طرايف تزيل النكود ولها وجه كبدر بليله قدر وجنات حمر كما الورد وجسم رقيق وريق‬
‫رحيق وسنان لولو سبت الورود لها عنق كعنق الغزال وطوق الذهب يوقد وقود اكتاف العاج مثل الزجاج والنقش مواج فوق‬
‫الزنود وكفين أطرى من الياسمين من قد حواها ينال السعود وصدر كاللوح خلقه الله وقد زين الصدر جوز النهود وأعطاف‬
‫وأرداف مثل العجين خلق الله مهيمن ودود أما الحجول تزيل العقول حب الطرف يطفىء الصدود أما القلئد مناسل ذهوب من‬
‫الراس مكعوب مثل البنود وملبوسها مليح حرير مقصب مطيب بمسك وزهر وعود وان شافها رجل عابد فقيه غدا العقل منه‬
‫شارد شرود قد زينوا بني قيس لك عروسا تجلى لجلك كل هم وكود للملك حقا قد أحضروا مليحه حللها يزيل النقود فأرسل‬
‫وراها وخلى المحال واسمع كلمي واجلي الصدود وادخل على بنت مرة وكن لطيفا بقطف ثمار النهود‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلمها والملك تبع يسمع نظامها فراح عقله من وصف العجوز ونادى على الوزير‬
‫يأمره أن يحضر الجليله بالتبجيل والتكريم وخلفها السراري بمكوب عظيم فدخلت على تبع وكان جالسا على كرسي المملكه‬
‫وعلى راسه تاج من الذهب الفاخر مرصعا بأنواع الجواهر وعن يمنيه وشماله السود فسلمت عليه ووقفت بين يديه فرد عليها‬
‫السلم وآنسها بالحديث والكلم وقال لها أهل وسهل بالسيدة الكريمة والدرة التي ليس يقدر لها قيمه ثم اجلسها بمكان قريب منه‬
‫وترحب بها غاية الترحيب وقد انبهر من فرط جمالها وعذوبة الفاظها وفصاحة مقالها لنها كانت متصفه بالدب ومن أجمل‬
‫نساء العرب فأخذ الملك يسألها عن أهلها وعشيرتها فقالت له بكلم الدلل أعلم أيها الملك المفضال أن اتصالي بجانبك وتشريفي‬
‫بساحة بابك جعل لقبيلتنا اسما كبيرا وذكرا بين الناس شهيرا كيف ل وانت ملك هذا الزمان والجوهرة الثمينه في هذا الوان ال‬
‫يحفظك لنا ويبقيك وينصرك على جميع حسادك وأعاديك فان كنت تعظم شأني وترفع مرتبتي على اقراني لتترك ابي وأعمامي‬
‫وسادات أهلي واقوامي بعيد عن فضلك واحسانك لنهم قد صاروا من جملة أتباعك وأعوانك فأمر لهم بمكان ينزلون فيه‬
‫بصناديق جهازي وباقي الحمال تحضر إلى هنا في الحال لنها مملوءة من التحف والجواهر والقماش ومع كل ذلك فنحن أولد‬
‫عم ‪.‬‬
‫( قال الراوي ) فأمر تبع وزيره نبهان يذهب في جماعه من العيان ويعد إلى المير مرة أبي الجليله ومن معه من بني عمه‬
‫قصرا من القصور الجميله وأن ينزل بقية الفرسان في غير مكان ويقدمون لهم الطعام والشراب ومايلزم من الثياب فأجاب‬
‫الوزير بالسمع والطاعه وفعل كما أمر موله من تلك الساعه وبعد أن نفذ الوزير المر ووضع الصناديق في داخل القصر التفت‬
‫الملك تبع إلى مرة وقال له يا عمي مابقي من بعدي ال أنت من مقامي فان غبت أنا تكون أنت حاكم مكاني ثم أنه قربه اليه وأخذ‬
‫يترحب بالجليله ويقول ‪:‬‬
‫يقول التبع اليمن الكبارى أنا يافيس زال الهم عني ال يامرحبا يا أمير مرة أنا منكم وأنتم اليوم مني ترى لول الجليله لي تعاتب‬
‫وجابت لي الحسب والنسب مني فما علمت أننا يمنا وقيسا بني جدين أخوين بطني فل تعتب علي بقت أخيك ماقد صار ما بالعلم‬
‫مني‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من كلمه والحاضرين يسمعون نظامه أخذوا بالكأس والطاس وقال للجماعه حلت البركه فيكم‬
‫فقعدت تشرب معه المدام وشرب الملك تبع إلى أن سكر وغنت البنات ورقصت فقال تبع للجليله ياسيدة الملح وكوكب الصباح‬
‫قد أجرينا المطلوب طبق المرغوب فهل لك غرض آخر تقضيه حتى نفعل ماترغبينه وتشتهيه وكانت الجليله تخول أفكارها‬
‫لجل أن تستدعي كليب إلى عندها وقد سمعت صوته عند القصر وهو يصرخ من جوانب القصر لنه راكب على فرسه القصب‬
‫وبيد دبوس من الخشب وكان يرقص في البستان وينتقل من مكان إلى مكان فقالت نعم ايها السيد الماجد باقي لي غرض واحد‬
‫وهو ان لي نديم اسمه قشمر ليوجد مثله بين البشر حلو الصفات سريع الحركات يضحك الحجار بأفعاله ويزيل الهموم بغرائب‬
‫أعماله قد أحضرته هذه المرة في خدمتي ليسليني عند حزني فان حسن لديك أمر أن يدخل اليك ويلعب بين يديك فيزداد سرورك‬
‫وانشراحك وتزول احزانك فضحك من كلمها واجابها إلى مرامها وأمر الخدام بادخاله ليري طرفا من أعماله وعند وصوله‬
‫إلى باب اليوان نظر السلسله التي ذكرها العابد نعمان فامتنع عن الدخول وأخذ يتكلم بكلم مجهول ويقول ماهذه الحيله التي‬
‫أراها وأنا خايف من شرها وأذاها فقال ادخل وماعليك من باس فما هي ال سلسله من نحاس فأبى وامتنع وهو يظهر على نفسه‬
‫الخوف والفزع ولما طال المطال التفتت الجليله إلى تبع في الحال وقالت له بكلم الدلل أعلم أن قشمر من أخوف البشر فان‬
‫حسن لديك ولم يصعد عليك أمر الخدام والحجاب برفع السلسله عن الباب فرفعوها واتوا بقشمر اليه فلما صار بين يديه سلم‬
‫عليه ودعا له بطول العمر والبقاء ودوام العز والرتقاء وأخذ كليب يمزح أمامه ويلعب بسيفه قدامه وهو في تلك الثياب التي‬
‫ذكرناها والصفه المضحكه التي وصفناها فكان تارة يبحلق عينيه ويرقص الرض بيديه ورجليه وتارة يقول اين الفرسان‬
‫الفحول وأين أبو عطبول وأحيانا يرقص ويضحك بل سبب وهو راكب الفرس القصب ويسوقها بذلك الدبوس الخشب كان من‬
‫أعجب العجب فاندهش تبع من اعماله واستغرب من أحواله وأقواله ‪.‬‬
‫ثم قال للجليله وال ياكاملة المعاني وشريكة عمري وزماني لقد أصبت في منادمة هذا البهلول الذي يدهش بأفعاله العقول فانه‬
‫من كثرة هزله وخفة عقله جميل الصورة فصيح الخطاب سريع الكلم والجواب فقالت له صدقت فيما نطقت فانني لم أر رجل‬
‫مثله بين النام في الزلقه وفصاحة الكلم ومتى بقي عندك عشرة أيام يقوم بمنادمتك حق القيام ويدعوك مشروح الخاطر على‬
‫طول الزمان ثم قال قشمر وهو كليب للتبع حسان أن كنت تريد ان تطرب الن فأمر سيدتي الجليله أن تغيك بأبيات من الشعر‬
‫فان صوتها مليح ولفظها فصيح فقال لها هل تحسنين الغناء ياسيدة النساء فقالت أي وابيك فان كنت تريد مني أن أغنيك وأكربك‬
‫وأسليك فأمر قشمر أن يقفل الباب لئل يسمعنا أحد الخدام والحجاب فاستصوب كلمها الملك تبع وامر قشمر ان يقفل باب‬
‫المخدع فقفله وعاد بالعجل وقد أيقن ببلوغ المل وأنشدت تقول من فؤاد متبول ‪:‬‬
‫لقد قالت الجليلة بنت مرة شربت الخمر مابين المارة شربنا الخمر في كاسات جوهر فزال العقل واصبحنا سكارة بحضرة تبع‬
‫الملك المسمى بحسان اذا ماشن غارة وقد أمسيت في قبضة يديه ومن حبه شعل قلبي نارة ال ياحارس البستان صنه وان فرطت‬
‫الطير طارة‬
‫( قال الراوي ) فلما انتهت الجليله من هذا الشعر والنظام زاد بالتبع الوجد والغرام وسكر من غير مدام وقال مثلك من تكون من‬
‫النساء فقد زاد سرورنا في هذا المساء فلما رآه زاد به الطرب وأخذ يرقص أمامه ويلعب أمام الملك الكبر فقال أعطيني أذن‬
‫حسامك وأنا العب به أمامك فقالت له الجليله بحياتي عليك أن تبلغه الرب وتعطيه ماطلب فانك ترى منه العجب فأمره أن يدخل‬
‫إلى قاعة السلح فيأخذ السيف ويرجع بالعجل فأجاب كليب وامتثل وكانت الجليله أومت اليه ان يسرع في العمل وعند دخوله‬
‫إلى ذلك المخدع وجد سلح تبع فلبس الدرع وتقلد بالسيف ووضع الخوذة على رأسه وخرج بالعجل كأنه قلة من القلل أو قطعة‬
‫فصلت من جبل بعد أن فتح صناديق الحمال وأخرج الفرسان والبطال فبقوا في ساحة الدار وقاموا له بالنتظار وكان قد سل‬
‫الحسام من غمده وهو يهزه في يديه ثم دخل على الملك وقد أحمرت عيناه وتذكر أباه فصال وجال ولعب بالسيف كما تلعب‬
‫البطال في ساحة القتال وبعده تقدم وهجم عليه فعرفه حينئذ الملك تبع وقد كان بحالة سكر وذهاب العقل فقال بال عليك ياسيد‬
‫الشجعان وفارس الميدان فأمهلني ساعة من الزمن حتى أفيدك عن جميع المور والحوال التي تحدث إلى آخر الجيال فقد‬
‫اتضح لي الحال ووقعت في شرك العقال ثم أنشد وقال ‪:‬‬
‫الملحمة الكبرى للتبع حسان‬
‫يقول التبع الملك اليماني لهيب النار تشعل في فؤادي أمير كليب يافارس ربيعه وياحامي النساء يوم الطراد أريد اليوم أن أعلمك‬
‫شيئا لتعرف حال أخبار العباد فموسى كان في الدنيا نبيا له التوراة أعطت للرشاد وداود النبي قد جاء بعده يبشر بالزبور أهل‬
‫الفساد وعيسى ابن مريم جاء ايضا بانجيل الخلص لكي ينادي نبي لم يكن في الناس مثله لن ال اختاره يفادي فكم ميت بكلمته‬
‫أقامه وسقيم شفاه من المراض وعندي قد تبين بالملحم بأنك قاتلي دون العباد وبعده شاعر تنزل عليكم وتفتن بين قيس في‬
‫البلد وأنت برمح جساس ستطعن وعبدي يذبحك بين الجماد وتكتب بدمائك على البلطه لمن بعدك لتشتيت العادي ويأتي أبو‬
‫ليلى المهلهل فيصلي الحرب في كل البلد ويقهر كل جبار عنيد يضرب بالسيف في يوم الجلد وتأخذ للجليلة لك قرينة وتحظى‬
‫بالمسرة والمراد ويظهر لك غلم بعد موتك يسمى الجرو قهار العادي ويقتل إلى جساس خاله وأما الزير تقتله العادي وسيف‬
‫ذو يزن بعدك سيظهر وتصحبه السعادة في العباد ويبقى ملكه سبعون عاما وبعد ذلك يطوى في الوهاد ويظهر له ولد يدعى‬
‫بدمر شديد اليأس مرفوع العماد فيملك في بلد الشام بعده يجيب الماء من اقصى البلد وبعده يظهر المدعو بعنتر يهين الضد في‬
‫يوم الطراد وبعده يظهر الهادي محمد يقيم الدين مابين العباد واصحابه معه عشرة كوامل كرام الناس سادات البلد وأبو بكر‬
‫وسعد مع سعيد وطلحة والزبير ابن الجياد وعثمان مع عمر وعلي وعامر مع حسين أهل الرشاد يموت الهاشمي ويصير خلف‬
‫على الحكام بعده عمر بالعباد أبوبكر يموت بلسع حية وبعده عمر يقتل بالطراد علي بالسيف يردية ابن ملجم يتيما انتشى بين‬
‫الولد ول يعرف له قبر محقق على وجه الثرى بين العباد وتختلف الصحابة على الحكومة ويحكمها حسين بالبوادي وبعده بني‬
‫العباس تحكم سنين كثيرة بين العباد وبعده الخوارج سوف تظهر فواطمة الفواحش والعناد يقيموا الشر في كل الراضي ويملوا‬
‫الرض طرا بالفساد وتظهر من بالد الشر عصبة فيقصد جيشها غرب البلد هلل وعامر مع آل قيس يزيد وحرب حمير مع‬
‫أياد حسن أمير فخر البرايا وبعد ديار قهار العادي وأبو زيد ابن عمه ليث أروع شديد البأس في يوم الطراد يطوفون البلد‬
‫فيملكوها ويسبون العدا أهل العناد ويمحو العجم مع كل طاغ بأرماح وأسياف حداد وقبرص والجزائر يملكوها وبدريس‬
‫الخزاعي والعادي شبيب التبعي بالشام يقتل وتترك جثته فوق الجماد وسركيس بن تاذب سوف يقتل بسيف دياب قهار العادي‬
‫كذا فرمند مع مصر العدية ستخرب دورها بين البلد وبعده نظهر الشطان ظالم خبيث الصل من قوم شداد بنو أيوب تظهر‬
‫بعد منه يقيمون الذين من بعد الفساد ويظهر ابن عثمان المساعد بأرض الشرق ويحكم بالعباد ملوك الرض تخشى من لقاهم لن‬
‫جيوشهم مثل الجراد عداد ملوكهم عشرة عشرة وتسعة بعدهم دون ازدياد ويظهر ضده المهدي سريعا يثير الفتن والحرب في‬
‫كل البلد طويل الجسم ذو همة عالية له اسمين من ظاهر وبادي يقيم السيف في القطار عمدا ويجري الدم في كل البواد ويظهر‬
‫فارسا يدعى قطيعه فعشر سنين يظلم العباد ويظهر بعده الدجا حقا فتتبعه الورى أهل الفساد يطوب الرض من شرق وغرب‬
‫ويفعل معجزات في البلد ويظهر ضد المهدي سريعا ويسطع نوره في كل وادي فهو عيسى المسمى ابن مريم فيقتلك ويملك في‬
‫البلد وبعده دابة تظهر سريعا فتفعل معجزات في البلد ونار من عدن تظهر وتسطع فتشكو الناس من هول النكاد وبعده الشمس‬
‫تظهر من مغيب وتزداد الخلئق في الفساد ويأجوج ومأجوج جميعا تحيط رجالهم كل البلد فل نهر الفرات لهم يروى ول‬
‫سيعون ول الدجلة المراد ويغشى الرض موتا ياكليبا وجوع وقتل في كل العباد ونيران تعم الرض طرا على أعلى الجبال وفي‬
‫كل واد وبعده يغلق باب المراسم وباب الشر فتح باقتصاد فل يصعد ول يأتي جواب فذاك الوقت يحترق العباد وبعده يظهر من‬
‫جهنم وينفخ ريح من أقصى البلد يموت الخلق منه ليس يبقى سوى الرحمن خلق العباد وبعده يظهر الديان حقا اله العرش ديان‬
‫العباد فعندي الجفر قد أخبر مؤكد بما أخبرتكم دون ازدياد واسمع ياأمير كليب مني حقائق قصتي وافهم مرادي ول تفرح عن‬
‫حالي وضعفي اجرني ياملك وأطلق قيادي‬
‫( قال الراوي ) ولما فرغ الملك تبع من هذه الملحمه وسمع كليب ما فيها من الخبار المتقدمة والمتأخرة تعجب غاية العجب‬
‫وقال لست أعفو عن قطع رأسك وأخماد انفاسك لنك افتريت وظلمت وتعديت ثم أجابه بهذا القصيد على سبيل التهكم والتهديد ‪:‬‬
‫يقول كليب قهار العادي كل أشد من ضرب الهادي أنا قد صرت هذا اليوم حاكم أتاني السعد مع نيل المراد أيا تبع الينا قد جيت‬
‫عاجل قتلت أبي وخربت البلد فما أبقيت قيمة للمارة وقد البستهم ثوب السواد هتكت الرض ياتبع بفعلك وصيرت النام لك‬
‫أعادي جعلت رجالن تشبه نسانا وأذللت المارة في البلد فوال ثم وال ثم وال اله خالق كل البوادي فلست براجع عن قطع‬
‫رأسك ولو ملكتني كل البوادي‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ المير كليب من كلمه وفهم تبع فحوى قصده ومرامه قال كليب لبد من قطع رأسك يامهان ولكن‬
‫أسألك لماذا قتلت أبي غدرا وما بالميدان فقال تبع أذا كان لبد من ذلك يافارس المعارك فأمهلني ساعة حتى أخبرك عن قتل‬
‫أبيك وأتودع من هذه الدنيا قليل ثم أبدى حزنا وعويل وأشار يقول من فؤادي متبول وعمر السامعين يطول ‪:‬‬
‫قال الملك تبع حسان ظلمني دهري دون الناس ياأبن ربيعه يامخدوم أنت أمير شديد الباس طويل الباع بيوم نزاع عفيف شجاع‬
‫ثقيل الراس تسألني عن قتل أبيك فكل بنايه لها أساس فلما جيت لرض الشام أتى للقانا كل الناس أتاني كل أكابر قيس وكل أمير‬
‫لدي باس ال أبوك فقد خالف ولم يفعل كباقي الناس فزاد الغيظ بوسط القلب أمر بشنقه للحراس وهذا بأمر ال مكتوب فوق جبينه‬
‫بأعلى الراس وأنا بقيت بهذا اليوم وحيد فريد بل أيناس أريد العفو عما جنيت بحياة عمك مع جساس أني كنت زعيم القوم وحمي‬
‫نافذ بين الناس فما أتاني وعد ال بطل العزم وظني حساس دعتني الجليله بالحيله وغابت عني كل الناس وهذ أمر ال محتوم‬
‫وامر نافذ فوق الناس‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من هذا الشعر والنظام قال له كليب لبد من قتلك بحد الحسام حتى ترتاح الناس من شرك وتأمن‬
‫عاقبة غدرك ثم ضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علئقه فوقع على الرض قتيل( سقط التبع اليماني صريعا قتله كليبا‬
‫غدرا وما لكان لكليب ان يواجه التبع لنه من اقوى الفرسان العرب ال بالمكر والغدربعد ما تسلح كليبا بالدرع والخوذة واستل‬
‫السيف وقتل التبع حسان بحد الحسام عندما كان سكران وفي دمه جديل فلما راته الجليله قد مات زاد بها الفراح واعتنقت ابن‬
‫عمها وقبلته وقالت له مثلك من تكون الفرسان ياليث الميدان فشكرها كليب وهن ها بسلمتها وزاد في أعزازها وكرامتها ثم‬
‫خرج من المخدع وأعلم الفرسان بقتل الملك تبع وقال لهم لقد بلغنا المراد فكونوا على حذر واستعداد لمتلك البلد فقالوا نحن‬
‫بين يديك ولنبخل بأرواحنا عليك ‪.‬‬
‫كان قتل التبع بمثابة انتصار ولكن لم يذق كليبا طعم النتصار لنه قد غدر بالتبع وقد دخوا قصره بالخديعة لنهم يعرفون قوة‬
‫التبع ورابطة جأئشه و صلبته و قوة وعدد فرسانه في ساحات القتال لم يستطع أحد مواجهته وجها بوجه ال بالمكر والحيلة‬
‫والغدر‬
‫( قال الراوي ) فكانت أكثر أهل الشام تكره التبع لظلمه وجوره وتتمنى هلكه فاجتمعت العساكر والعيان وطلبوا من كليب‬
‫المان وانهم يكونوا له من جملة الرعايا والغلمان على طول الزمان فأجاجبهم كليب إلى ذلك الطلب ورفع عنهم السيف الحدب‬
‫ووعدهم بالجميل والخيرات وسمح لهم بخراج عشر سنوات فدعوا له بطول العمر ودوام العز والنصر ثم اجتمعت بنو مرة‬
‫واكابر العشائر وقواد العساكر والبسوه تاجا مرصعا بالجواهر ثم اجلسوه على كرسي المملكه وجلس بقربه وزير الميمنه وهو‬
‫نبهان وزير تبع حسان ووقفت أمامه الحجاب والمراء والنواب فحكم معامل الناس بالجود والكرم ومنصفا المظلوم ممن ظلم‬
‫وفي الليله الثانيه اجتمعت سادات القبيله وزفوا عليه ابنة عمه الجليله وقد كنا ذكرنا في أول السيرة عن أوصاف هذه السيدة‬
‫الخطيرة وم احتوت عليه من الحسن والجمال والفضل والكمال فاعتنقا اعتناق الحباب وزال عنهما الغم والكتئاب وباتا في حظ‬
‫وانشراح إلى وقت الصباح وفي اليوم الثاني وردت اليه المدائح والتهاني واشتهر ذكره في البلدان وهابته ملوك الزمان ‪.‬‬
‫( قال الراوي ) وكانت الجليله قد طلبت من كليب أن يبني لها قصرا من أجمل القصور وينشىء فيه بستان يحوي جميع أنواع‬
‫الزهور فأجابها إلى ذلك ووعدها ببناء قصر ل مثيل له في جميع المماليك ثم انه نزل إلى الديوان وجمع الوزراء والعيان‬
‫وأعلمهم بذلك الشان فقال له الوزير نبهان أعلم ياملك الزمان انه ليوجد في هذه اليام من يقدر أن يبني لك ذلك القصر طبق‬
‫المرام ال معمر المختص بالريان ملك مصر لنه هو المشهور ببناء القصور الحسان وهو الذي عمر قصر تبع حسان فأرسل‬
‫كليب أريد منك أن تبني لي قصر من القصور الحسان ليوجد مثله في جميع المدن والبلدان ويكون له جنينه جميله المنظر‬
‫تحتوي على جميع الشجار والخضر فان اتقنت الصنعه طبق المرغوب نلت المقصود والمطلوب فأجابه بالسمع والطاعه‬
‫وباشر في بناء القصر في تلك الساعه ‪.‬‬
‫( قال الراوي ) ولما اشتهر قتل تبع في اليمن تواصل الخبر إلى صنعاء وعدن هاجت الرجال وكثر القيل والقال وكان للملك تبع‬
‫ابن عم من المراء المشاهير يقال له عمران القصير وكان شديد الباس قوي المراس فلما بلغته تلك الخبار صمم على غزو بنو‬
‫قيس بعسكر جرار فجمع العساكر والجنود وفرق الرايات والبنود وركب في مائة الف مقاتل وجد في قطع المراحل قاصدا بلد‬
‫الشام بكل سرعه واهتمام ولما بلغ كليب هذه الخبار استعد للحرب والقتال وخرج للقائه بالفرسان والبطال وقد دبر كليبا فخا‬
‫لليمانيين ليحترقوا دون قتال فهم متمرسون بالقتال واصحاب همم و بطش ولما التقى الجيشان أمر كليب بأشعال النيران و بهذا‬
‫سقط اليمانييون في فخ الغدر للمرة الثانية دون قتالو لكن تبقى من الفرسان من قاوم النيران و تقدم الفوارس إلى ساحة الميدان‬
‫وأخذ ينشطهم بالكلم على قتال الخصام فهاجت الشجعان وتبادرت للضرب والطعان وكان المير كليب أول العسكر كانه‬
‫السد الغضنفر وعلى راسه البيارق والسناجق ثم التقت الرجال بالرجال واشتعلت بين الفريقين نيران الحرب والقتال حتى‬
‫عظمت الهوال فلله در المير كليبب بطل البطال ومافعل في ذلك اليوم من الفعال فانه هجم هجوم السود وانطبق على‬
‫العساكر والجنود بقلب أقوى من الجلمود فبادر فرسان الكفاح وخطف المهج والرواح ومازال الدم يبذل والرجال تقتل إلى ان‬
‫ولى النهار وأقبل بالعتكار فافترقت العساكر عن بعضها البعض وباتوا في تلك الرض وعند الصباح رجعوا إلى الحرب‬
‫والكفاح فبرز المير عمران إلى ساحة الميدان فصال وجال وطلب براز المير والبطال فأراد كليب أن يبرز اليه فمانعه‬
‫حجابه وقالوا أيها الملك أن فينا ابطال وفرسانا تستطيع ان تحاربه ثم برز اليه فارس من الصناديد يقال له ميمون بن الرشيد‬
‫فالتقاه المير عمران بقلب أقوى من الصوان ولم تكن ال ساعه من الزمان حتى استظهر عمران وطعن ميمون بالرمح فوقع‬
‫قتيل وفي دمه جديل فأخذ سلبه وحصانه ثم قوم سنانه وتقدم إلى معركة الحرب وقال اين فرسان الطعن والضرب اليوم تبان‬
‫الفروسيه وتعرف شجاعة اليمنيه فبرز اليه آخر فأذاقه الموت الحمر ومازالت تبرز اليه الرجال وهو يجندلها على بساط‬
‫الرمال حتى قتل سبعه من البطال وقد هلك من التعب وكانوا من اكابر السادات قد اشتهروا في الحرب والغارات واستمر القتال‬
‫على هذا المنوال مدة تسعة ايام وهم في أبرز واقتحام وفي اليوم العاشر خرج المير مرة لقتال عمران ولما صار في الميدان‬
‫تقنطر عن ظهر الحصان فأدركه ابنه همام وجاء به إلى الخيام فعند ذلك برز إلى عمران المير جساس وصدمه بقوة قلب وشدة‬
‫بأس غير أنه لم ينجح في قتاله حيث هرب جساس مدبرا ورجع عند المساء عربه ونزاله فوقعت هيبة المير عمران في قلوب‬
‫الفرسان والشجعان فاستعظم كليب ذلك المر واشتعل قلبه بلهب الجمر وقال ما لزيد ال عمر فاذا كان الصباح بارزته في‬
‫معركة الكفاح لنه طغى وتجبر وقتل منا كل أسد غضنفر وبات تلك الليله وهو في غم شديد وقلق ماعليه من مزيد فما أقبل‬
‫الصباح ركب كليب الحصان واعتقل بالسيف والسنان وبرز لساحة الميدان لقتل المير عمران الذي قد اثخن بالجراح جراء‬
‫المعارك السابقة الذي برز في ذلك اليوم وهو ينادي أين البطال الصناديد ليبرز ال كليب المحتال الذي قتل تبع بالغدر‬
‫والحتيال فما تم كلمه حتى صار المير كليب قدامه وصدمه صدمة منكرة أشد من صدمات عنترة فقال له عمران من تكون‬
‫من الفرسان فقال له أيها التيس أني ملك على بني قيس فسوف ترى مني ضربا يفك الحديد ويذهب أبصار الفرسان لما غدرت‬
‫تبع بالحيله مع ابنة عمك الجليله فقال كليب أما علمت ياقرنان بأن الرجال عند أغراضها نسوان وأني ما غدرت الملك تبع ال‬
‫لغدره وقلة حياه وكثرة شره فأنه قتل والدي وكان عوني ومساعدي وحق هذا الذي أوجب ذلك اليوم سألحقك به وأسقيك كأس‬
‫المهالك فلما سمع عمران من كليب هذا الكلم اشتد بينهم الخصام فكانا تارة يتقدمان وتارة يتأخران كأنهما أسدان درغامان‬
‫فانبهرت من قتالهما الفرسان وأحدقت اليهما البصار من اليمين واليسار واستمر على ذلك الحال إلى قرب الزوال حتى تعجب‬
‫عمران من ثبات كليب أمامه لنه كان يظن أنه ليوجد في الدنيا من يقدر أن يقف قدامه فعند ذلك قاربه وفاجاه وطعنه بالرمح‬
‫قاصدا هلكه وفناه فخلى كليب من الطعنه فراحت خايبه بعد ماكنت صايبه ثم هجم كليب وقال خذها ياعمران من فارس الميدان‬
‫وليث الحرب والطعان وضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علئقه فوقع على الرض وحسان عليه غراب البين وبعد‬
‫ذلك حملت العساكر على بعضها وتقاتلت بالسيوف والخناجر فكثر القتل والجراح وجرى الدم وساح وزعقت النفوس والرواح‬
‫من ضرب السيوف وطعن الرماح وكان بعد مقتل المير عمران أن تضعضعت من عساكر اليمن الركان وقتل منهم أكثر من‬
‫عشرة آلف نفر وغنم غنائم عظيمه لها قددر وقيمه و فدخل القصر بالعز والنصر فاجتمع بابنة عمه الجليله وباقي سادات القبيله‬
‫وطاب له الوقت وزال عنه المقت ثم بعد ذلك بعشرة شهور تم بناء القصر المذكور فكان من عجائب الزمان والوان لنه في‬
‫غاية النفاق ولسيما البستان فانه كان كفردوس الجنان فيه من جميع الشجار والفواكه والثمار والمياه الغزيرة والزهور‬
‫الكثيره حتى أعجب كليب به وانعم على بانيه وفرشه بالفراش الفاخر الذي يبهر النواظر ويحير العقول وجعل أبوابه وشبابيكه‬
‫من الذهب ورصعها بأنواع الجواهر المنتخب ثم نقل ابنة عمه الجليله اليه وكانت قد ولدت سبعة بنات مثل البدور الكالعات‬
‫فربتهن بالدلل والعز والقبال فاتفق له ذات يوم من اليام أن زاره مرة أبن اخيه كليب في جماعة من بني العجام وبعد أن دار‬
‫بينهم الكلم قال مرة يأبن أخي كثرت عليك الرجال والغنام لسبب كثرة المواشي الزدحام فمرادي الن أن أرحل عنك بأنعامي‬
‫ورجالي وباقي أموالي ولشك بأننا في هذا الرحيل والنتقال تتحسن بنا الحوال ونحصل على راحة البال فقال كليب أفعل‬
‫ياعمي ماتحب وأنزل في أي مكان تريد قرب الديار فان البلد بلدنا ونحن ملوك القطار ‪.‬‬
‫( قال الراوي ) فرحل مرة بقومه ورجاله ونوقه وجماله ونزل في واد كثير النبات ببعد مسافة تسع ساعات وكان مرة قد شاخ‬
‫وكبر في العمر فاقام المير جساس على بني بكر فكان يحسن اليهم ويحكم بالنصاف عليهم فشاع ذكره واشتهر أمره فكانت‬
‫تقصده الشعراء والفرسان وهو يكرمهم ويخلع عليهم الخلع الحسان ولم تكن ال سنة من الزمان حتى صار يحكم على مائة‬
‫وعشرون الف عنان هذا ماكان من أمر جساس وأما كليب الفارس الدعاس فانه كان في سنوح الفرص يخرج إلى الصيد‬
‫والقنص وكان له عدة أخوة كل منهم مشهور بالمروءة والنخوة وكان من جملتهم المهلهل الملقب بالزير وكان جميل الصورة‬
‫كأنه البدر وهو صاحب هذه السيرة والوقائع المشهورة وكان في تلك اليام ابن عشرة أعوام وكان في الشجاعه كسبع الغاب‬
‫ليخاف من أحد وليهاب فصيح الكلم معكفا على شرب المدام وسناع الصوات والنغام ينشد الشعار البديعه ويأتي بالمعاني‬
‫النفيسه الرفيعه وكان كليب لحبه ليتعرضه بأمر من المور بل يقابله بالفرح والسرور وكان الزير يتباهى بشجاعته أمام أخيه‬
‫وأنه ليوجد في الفرسان مايضاهيه فقال له كليب في بعض اليام أراك يأخي منشغل بالملهي وشرب المدام فقلبك خالي من‬
‫الهموم والحزان كأنك لتسأل عن تقلبات الزمان فمن الواجب أن تحسب حساب العواقب لن الدهر دولب سريع النقلب اذا‬
‫أضحكك يوما أبكاك سنة وليس على أحد جميل ول حسنة فقال المهلهل مادمت أنت في الوجود وأنا في خير ل أحسب حساب‬
‫الغير ولكن أن جار عليك الزمان وأحاطت بك الحساد والخوان فأنا أرد عنك الثقال وأجندل أمامك البطال أنا السد الغالب‬
‫فارس الكتائب والمواكب أنا قهار العادي أذا نادى المنادي فتبسم كليب من كلمه وتركه مشتغل بشرب مدامه وارتد راجعا إلى‬
‫الديوان وقد راق له الزمان ‪.‬‬
‫( قال الراوي ) وقد أتفق بعد ذلك بأيام أن أولد مرة اجتمعوا مع بعضهم في الخيام وضربوا تختا من الرمل ليروا مايحل بهم‬
‫ومايجري عليهم ومايصيبهم فبان لهم أن المير جساس لبد أن يقتل المير كليب ويظهر الزير ويأخذ ثارة بدون ريب ويقتل‬
‫منهم كل أمير جبار وبعد وقائع تستحق العتبار فاعتراهم القلق والكدر وأجمع رايهم على أن يقتلوا الزير قبل أن يكبر وكان من‬
‫جملتهم المير سلطان بن مرة فأنشدهم يقول ‪:‬‬
‫على ما قال سلطان ابن مرة مبيد الضد في يوم النزال تبين عندنا جساس يقتل كليب بن ربيعه ول يبالي ويأتي الزير بعده يا‬
‫أمارة يشتت جمعنا بين الجبال ويمحي ذكرنا من كل ارض ويفنينا ويسبي العيال هلموا نقتله ونبيد اسمه ونسلم من تصانيف‬
‫الليالي فيلزم أن تروح إلى الجليله وتعلمها على ماقد بدالي فهذه أختا ليست غريبه فتسعفنا على نيل الماني جليله عارقة في كل‬
‫فن وتعرف في الزيارج والرمال فقوموا كلنا نذهب اليها ونقضي شغلنا قبل الوبال‬
‫فلما انتهى السلطان من هذا الشعر والنظام وسمعه المير جساس ومن حضر من أبناء مرة الكرام استحسنه جميع القوم وركبوا‬
‫من ذلك اليوم وخرجوا من القبيله قاصدين أختهم الجليله وكانوا ثلث واربعين ذكر كل منهم أسد غضنفر ولما وصلوا اليها‬
‫دخلوا وسلموا عليها فتلقتهم بالترحاب والكرام وأقاموا عندها ثلثة أيام ثم قالوا لها عن فرد لسان قد ظهر لنا في الرمل بأنه‬
‫يظهر للزير شان ولي شان فيقهر البطال والشجعان ونهاية ملوك الزمان ويعاملنا بالجور وسوء الدب وتنحط منزلتنا بين‬
‫ملوك العرب فاتفق راينا على قتله قيل أن يكبر وأتينا لنعلمك بالخبر فما هو رأيك في هذا المر المنكر فقالت اذا قتلتموه فينكشف‬
‫المر ويأخذ كليب بثأره منكم فيزداد الشر ومادام المر كذلك فأنا أجعلي كليب يلقيه في المهالك ثم أنشدت تقول ‪:‬‬
‫مقالت الجليله بنت مرة تعالوا أخوتي أصغوا لقولي تريدوا قتل أبو ليلى المهلهل أخوه كليب خلفه مثل غول ومن خلفه غدير‬
‫وزير قان سباع الغاب في يوم المهول وست وأربعين بنو أبيه يجوكم راكبين على الخيول وتركب خلفكم كل الفوارس فوارس‬
‫تلقب مثل الفحول ولكن سوف أرمية بحلبة تحير كل أصحاب العقول ويبقي كليب بقتله بيده ويجعلة طريحاً على السهول ( قال‬
‫الراوي ) فلما فرغت الجلية من شعرها ونظامها شكرها أخواتها على حسن أهتمامها وركبوا ظهور خيولهم وراحوا في حال‬
‫سبيلهم فصبرت ماعليها من الثياب وأظهرت الغم والكتئاب فلما رأها كليب على تلك الحال تغيرت منه الحوال لنه كان يحبها‬
‫محبه عظيمة ويودها مودة جسيمة لحسنها وجمالها ودللها ولسيما انها ابنة عمه ومن لحمه ودمه فقال لها علمك ياجليلة مالي‬
‫أراك في هذة الحالة الوبيلة من فؤاد متبول وأجابته بهذة البيات تقول ‪ :‬مقالت الجلية بنت مرة كليب أنت قيدوم السرايا وتحكم‬
‫في القبائل والعشائر وفي كل المدائن والقرايا وحكمك نافذ في كل أرض وتخدمك الملوك مع الرعايا وأني بنت عمك يامسمى‬
‫ومثلي ليس يوجد في البرايا أتاني الزير أخيك في غيابك يريد فضيحتي بين الصبايا قبضت عليه من عنقه فولى وراح بسرعة‬
‫وسط الخليا ألياأمير قل كيف تعمل فاقتله وأرده المنايا وان لم تقتله حال فاني أروح اليوم من وسط الخبايا وتبقى الناس تشتم‬
‫في قفايا وتبلى بالدواهي والرزايا وهذا المر ليصلح لمثلك كريم الصل عكاز المطايا فاقتله واخلص من بله ولتخشى أثام‬
‫ولخطايا فقتل الزير أصوب من حياته لنه خائن دون البرايا فما سمع كليب منها هذا الشعر و النظام غائب عن الصواب‬
‫وأرسال أحد الرجال ليأتيه بأخية الزير في الحال فذهب الرسول وأستدعاه وتمانع عن الحضور لنه كان في ذلك الوقت يشرب‬
‫الخمر ‪.‬‬

‫الجزء الثالث‬
‫وجالسة وهم في فرح وسرور فرجع الرسول على الثر وحدث المير كليب بذلك الخبر فزداد كدر على كدر وارسال الرسول‬
‫اليه ثانياً فما حضر فعند ذلك صار كليب الية وقد عظم المر لدية فلما دخل عليه نهض الزير على قدمية وسبه كليب وشتمه‬
‫وضربه حتى اللمة ثم نزع عنه ثياب الحرير حتى صار معيره فالكبير و الصغير وارسله مع الرعيان ليرعى النوق و الجمال‬
‫ورجع إلى الجليله واعلمها بما فعل مع اخية المهلهل فلما رات انها لم تبلغ المل زادت غماً وكدرا وأخذت تدبر على هلكة‬
‫بحيلة أخرى فقالت ذات يوم لكليب أما تخشى من الهتيكة و العايب أما في راسك نخوة وناموس من جهة أخوك المهان المعكوس‬
‫فقال لها ما معنى هذا الكلم وما هو المراد بهذا التبويخ و المللم قالت بلغنى من بعض الغلمان الذين يدورون مع الرعيان‬
‫بأنهم فعلوا معى القبيح وانت جالس مستريح ليس عندك علم ول خبر وقد تحدث فيك جميع البشر ثم شرحت له واقعة بهذا‬
‫الشعر و المقال ‪ :‬تقول الجليله يا محفوظ اتاني علم بحال أخوك وشاع العلم بكل القوم غناء الناس مع الصعلوك وصار الناس‬
‫بقيل وقال وكل البدو عليك ضحوك أنت أمير كبير القوم وقيس وحمير قد هابوك فكيف يكون أخوك الزير وقومك من أهلة‬
‫يجافوك كيف بقالك راس يقوم و الرعيان لقد عابوك فاقتل أخوك في سيفك وإل قومك قد لاموك فكل العالم تحكي فيه يقول‬
‫الزير بقى مهتوك فهذا الخ ومثلة ألف في يوم الضيق فما عانوك أخاف يقولوا كل أهله مثله و العالم يشكوك‬
‫فلما فرغت الجليلة من هذا الشعر ووقف كليب على حقيقة المر التهب فؤادة واضطرب من شدة الغيظ و الغضب وأخذته‬
‫الحمية وعصفة في راسة نخوة الجاهلية وقد صمم النية على أن يقتل أخوة ويسقية كأس المنية فقالت الجليلة ل تقتلة يا أمير لن‬
‫كلم الناس كثير فالوفق أن تأخذة إلى وادي السباع وهو مكان منقطع عن الناس كثير النمور و السود فقتله هنا وتعود فتفترسة‬
‫الوحوش و السود وتتخلص من كلم العباد فقال هذا هو الصواب و المر الذي ل يعاب ومن وقته ركب ظهر جوادة واعتدا‬
‫بالله حربة وجلدة واستدعى الزير اليه فما تمثل بين يديه قال له مرادي ان اذهب إلى الصيد و القنص وأزيل ما بقلبي من‬
‫الغصص فسار أمامي فتماثل أمرة وصار ووجد في قطع البراري و القفار حتى وصل إلى الوادى المذكور وهو مكان مهجور‬
‫ومازال وسائرين حتى صار في وسط ذلك المكان وإذا بجواد كليب قد شخر ونخر وضرب الرض وتأخر وإذا بسباع من بطن‬
‫الوادي قد ظهر فلما رآه الميركليب هجم عليه الجواد ورماه بالرمح فاخطاه فتبعه السدفانهزم كليب من امامه خوفا من العطب‬
‫فلماراى الزيراخاه قد هرب تقدم نحو السد بقلب اقوى من الحجر وطعنه بخنجركان معه فقده نصفين فاخرج قلبه فاكله وصاح‬
‫على اخيه ارجع يااخي ولتخاف فرجع كليب وهو يتعجب من أفعال الزير فنزل عن ظهر الحصان وقلبه بين عينيه وصفا له‬
‫قلبه وقال في سره من يكون له أخ مثل هذا ويفرط فيه وان عاش هذا الغلم يكون من عجائب الزمان ثم رجع واياه فلما راته‬
‫الجليله قالت لماذا ماقتلته فأخبرها بواقعة الحال وكيف أنه قتل السد والذي يكون مثله ليستاهل القتل بل يجب له الكرام ثم‬
‫أشار يقول ‪:‬‬
‫يقول كليب من صفوة ربيعه شديد الباس ذو عزم رجيح كريم الصل سلطان متوج وفي طريق الكرم ماني شحيح ال يابنت‬
‫عمي يا جليله ال ياصاحبة الوجه المليح نظرن اليوم من سالم فعال يشيب لها الطفل الطريح لقاني السبع من خلفي وزمجر‬
‫فصار الزير من خلفه يصيح فكر السبع نحو الزير هاجم فعاد الزير واقف مستريح ولما قد دنا منه وقارب فغار عليه كالسبع‬
‫الجريح طعنه الزير بالخنجر فقده والقاه على الغبرا طريح فلما شفت هذا الفعل منه علمت بأنه فارس رجيح رجعت اليه من‬
‫فرحي سريعا وصحت عليه في قول مليح مهلهل يا مهلهل يا مهلهل فأنت اليوم أولى بالمديح‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره زاد كدر الجليله وقالت له وهي تبكي مادام المر كذلك فأني سأذهب نهار غد إلى بيت‬
‫أهلي وأعلمهم بما ظهر من الزير في حقي فمه يقتلوه لني لست أأتمنه على نفسي إذا بقيت عندك لنه لبد أن يغدر بي لن‬
‫عيونه محمرة علي وانت بعد كل هذا ليس لك نخوه ول ناموس فقال أذكري ال يا جليله ودعينا من هذا فكيف اسمح بقتل أخي‬
‫وهو من لحمي ودمي ول سيما أنه شديد ومن أشجع الناس فاذا قتلته افتضحت بين العرب وتحدث في الناس فقالت لبد من قتله‬
‫على طريقة غير هذه وهو أن تأخذه إلى بير صندل السباع وتدليه بحبل على نية أن ينشل الماء وحينئذ تقطع الحبل فيسقط في‬
‫البير ويموت وليعلم به أحد وأشارت تقول ‪:‬‬
‫ماقالت الجليه بنت مرة ودمعي فوق وجناتي غزارة أخوك الزير ماهو كثير فالح يلعب مع وليدات الصغارة أخوك الزير شوفه‬
‫مثل الضبع كما المجنون يلعب بالحجارة ياريته مايشوف الخير دائم كأنه شبه ضبع في مغارة ياليت الزير ينقص من حداكم‬
‫وليبقى تظهر له خبارة ال ياحيف هذا من ربيعه وتعدوه ببنات المارة ترى خمسين خليفه مثل أبيك أمارة من أمارة من أمارة‬
‫يبقى الزير هو ندل فيكم ليته ليطلب من الحرارة قتل الزير أحسن من حياته ول نهتك مابين المارة أقتل هل ردي لعاش‬
‫عمره وأهيفه في حسامك مثل نارة أنت ابن عمي نور عيني وشوري اليك ماهو فشارة ما قالت الجليلة بنت مرة وناري عالقه‬
‫من ذي شرارة‬
‫( قال الراوي ) وكان كليب يحب الجليه محبة عظيمه ول كان يخالفها في شيء فلما ألحت عليه وافقها على ذلك اكراما‬
‫لخاطرها فنهض ثاني اليام وركب جواده وأخذ في صحبته أخوه الزير ومائة من الفرسان وسار بهم إلى بير صندل وعند‬
‫وصولهم قال كليب يا سالم خيولنا قد عطشت فمرادنا أن ننزل ونسقيها وأنت تنزل إلى البير فتمل دلو فقال حبا وكرامة ياأخي‬
‫فدلوه في حبل وأخذ يملي الدليه وهم ينشلوا ويسقوا حتى ملوا الرض الذي على باب البير وجاؤا بالخيل ليستوها فتزاحمت‬
‫على بعضهما البعض وأخذت بالصهيل والزدحام فعجز كليب وجماعته عن ردها على بعضهما البعض فسمع الزير وهو بالبير‬
‫صهيل الخيل وجعيرها فصرخ عليها صوتا مثل الرعد القاصف حتى ارتجت منه الوديان واضطربت منه قلوب الفرسان فجفلت‬
‫الخيل وتأخرت وانفصلت عن بعضها فلما راى كليب ما فعله أخوه سالم تعجب غاية العجب وندم على ما فعل وفي الحال‬
‫أخرجه من البير وازدادت محبته عنه ورجع إلى الديار فلما راته الجليله غابت عن الوجود من شدة الغيظ وقالت لكليب بارك ال‬
‫فيك اهكذا المفارقه فقال وال يا جليله من كان هذا الفعل فعله يحرم ال قتله ثم حدثها بما جرى وكان يقول وعمر السامعين‬
‫يطول ‪:‬‬
‫يقول كليب من شعر نفيس قصيدة مانظمها قط قائل جليله اسمعي يابنت عمي أرى عقلك بهذا اليوم زائل أأقتله ليشفى اليوم قلبك‬
‫ومنه قد ظهرت لنا فعايل سباع الغاب هابت من لقائه كذلك الخيل صيرها جفايل ثلث ألوف يلقاهم بصدره من الشجعان فرسان‬
‫القبايل تقول لقتله وارتاح منه فقولك ماهو قول عاقل فاني ل أبيعه بألف مثلك ولو مهما جرى منه من فعايل أراكي تطلبي قتله‬
‫سريعا فقولك عنه ليس له دلئل فقولك ياجليله قول باطل فحاش الزير أن يتبع رزائل فقلي من كلمك لتعيدي أيا بنت الماجد‬
‫والصايل‬
‫فلما فرغ كليب من شعره ونظامه وفهمت الجليله فحوى كلمه اغتاظت في الباطن ولكنها أظهرت له السرور وقالت له أن‬
‫قصدي امتحانك لرى هل أنت تحبه أو تبغضه لنه فصيح اللسان ومن أشد الفرسان وأخذت تمازح كليب بكلم النفاق حتى‬
‫صفا قلبه وراق ثم انها صبرت مدة أيام وبعد ذلك أظهرت عن نفسها انها مريضة فرقدت في الفراش وقالت لكليب أن لي حاجه‬
‫اليك وليقدر عليها سوى أخوك الزير فقال وماحاجتك قالت أريد مقدار كأسين من حليب السباع لنه يقوي العصاب وانا في‬
‫غاية الضعف والعناء وقد وصفت دايتي هذا عاجل لمرضي وقالت أن هذا الدواء يأتي بولد ذكر وأشارت تقول ‪:‬‬

‫مقالت الجليله بنت مرة كليب اسمع لي يا أبا اليماما انت اليوم ملك البوادي ياليت الحق بك يا امير داما وتحكم ياملك شرقا‬
‫وغربا من ارض الروم للكعبة دواما وتحت يداك الوف من العساكر موكم حاكم وكم فيه مقاما وكم أبراج من ذهب وفضه‬
‫جواهر تشرق جناح الظلم وللك ظفل تحيي فيه ذكرك سوى سبع بنات مثل الحماما اتاني منك سبع بنات اتاني ولجاني منك‬
‫ذكر غلما وقالت دايتي لي ياجليلة معي لك علم يبري السقاما لبان لبوة بصوفة احمليها تروحي في ذكر حامل قواما فنادىالزير‬
‫واخبره سريعا ادام ال عمرك بالسلما‬
‫(قال الروي ) فلما فرغت الجليلة من شعرها ونظامها صدق مقالها وارسل في الحال يطلب اخاة الزير فدخل وسلم علية وقبل‬
‫يدية وقال بقلب جسور انا عبد مامور ولاخالفك بامر من المور فاعلمة كليب بالوقعه وقال اريد منك يا خي ان تاخذ هذا الحق‬
‫الصغير وتملة من حليب لبوة فقال على الراس والعين ولكن يا أخي اعطني سيف اتسلح به خوفا من هجوم السباع فقال كليب‬
‫للجليلة ان تعطية السيف فقالت لة التستحي يازير أن تطلب سيف وانت في هذة الشجاعه فخجل واطرق راسة وسار من وقته‬
‫وساعته وقد تاكد انها تريد هلكة وضررة وما زال يسير حتى وصل إلى غابة كبيرة كثيرة الشجار والصخور وليس معه‬
‫سوى سكين وعصاه فبينما هو ينظر من خلف وقدام واذا بأسد قد ظهر وهو هائل المنظر وعيناة تقدح بالشرر‪ .‬فلما اقترب منة‬
‫قبض علية الزير ونشلة بقوة ساعدة وزندة ولوحة بيدة مثل المقلع وخبط بة الرض فرض عظامة ثم نزل علية بالعصا حتى‬
‫قتلة واراد ان يجز راسة واذا بلبوة قد اقبلت علية ومن خلفها سبعة اشبال فلما رات ذكرها قد مات احمرت عيناها فاراد الزير‬
‫ان يلعبها قليل وقد علم انها مغتاظة فجعل نفسة انة خائفا منها فركض من امامها فتبعتة وكان قد وصل إلى شجرة لبيرة فطلع‬
‫اليها وبقيت هي تنظر الية وتهمهم ثم اقلبت اشبالها وجعلوا يرضعون من ثديها فوجد الزير لها ثدي مثل الحق فقال هذا الذي‬
‫ظالبة مني أخي ثم اراد‬
‫النزول فقال ان نزلت تفترسني من رجلي ثم رمى نفسة من الشجرة فجاء راكبا عليها فقبض عليها من رقبتها والقى رجلية على‬
‫بطنها بقوة شديدة حتى لم يعد لها سبيل ان تتحرك من مكانها ثم سحب السكين وهو يضحك عليها وينحراها كما ينحر الجزار‬
‫الغنم ومل الحق من حليبها وقطع راسها وراس السد بعد ان ربط اشبالها بالحبال وساقهم امامة كالكلب فلما اقبل إلى الحي‬
‫ولقتة فرسان العرب واصحاب المناصب والرتب واستعظموا ذلك المر واعتراهم العجب وعند وصولة إلى القصر سمعت‬
‫الجليلة الضجة فطلت براسها من الشباك فرات الزير وهو مقبل على تلك الحالة فالتهب قلبها بنار الغضب لنها كانت تظن انة‬
‫يموت ويهلك ثم دخل الزير على الجليلة وكان كليب جالس معها فسلم عليها وارمى الرؤس امامها وقدم الحق لمراة اخيه وقال‬
‫لها هل تجدين شيئا اخر حتى أقضية فقالت بارك ال فيك ياسبع الرجال فانك تستحق المدح والثناء وكان كليب لما راى رؤس‬
‫السباع تعجب من قسوة قلبة وشدة بأسة وقال لة كيف فعلت والى اين وصلت فأشار الزير يقول ‪:‬‬
‫يقول الزير قهار المواكب رماني الدهر في كل المصائب فل تسمع أخي قول العادي لن الضد شورة ليس صائب يشوروا‬
‫عليك في العادي ليسقونك أخي كأس العواطب فأهل عليك في رأي وخيم لن كلمها لشك كاذب فاعلم ياأخي في ماجرالي‬
‫بهذا اليوم في وادي الثعالب وجدت سبع وسط الغاب دائر كأنة جائع للصيد طالب فلما شافني حال أتاني وكشر عن سنانه‬
‫والمخالب فصحت علية جاهلية فتقدم ياخي الي هاجم وطالب حززتة بخنجري فأهوى على وجه الثرى للرض قالب أتتني بعده‬
‫لبوة مغيرة فلما شفتها وليت هارب رأيت أشبالها سبعة وراها فداروا لجهتي من كل جانب فلما شفتهم جاؤا لنحوي طلعت لشجرة‬
‫ذات الشناغب فداروا حولها فرميت نفسي فصرت لظهرها بالحال راكب حززت لراسها وملئت حقي حليب بعد أن نلت المأرب‬
‫وراس السبع واللبوة قطتة علمة للغارب والقارب وسقت أولدها السبعة أمامي فلما صرت في وسط المضارب فل قتني‬
‫رجال قومي وجيتني القارب والجانب وهذا ماجرى لي في نهاري وما قاسيت من هول المصائب‬

‫(قال الراوي ) فلما فرغ الزير سالم من شعره ونظامة واخوه كليب مع الجليلة يسمعوا كلمة فغضبت الجليلة من كلم الزير‬
‫وكيف انة لمح بشعره عليها فقالت في سرها لبد لي أن أعمل علىقتله وبعد ذهابه قالت لزوجها كليب كيف يعلم اني ساعية في‬
‫قتلة ولم يكن عارف بما فعلة معي فوال ان الموت الذ عندي من الحياة فل بد لي ان أشنق نفسي واستريح من جور أخيك القبيح‬
‫ثم صارت تصيح وتبكي فقال كليب أخزي الشيطان ودعينا من هذا الكلم الن واخذ يتلطف بخاطرها ويقول لها كم مرة رميناة‬
‫بالخطار وهو يرجع سالما كاسبا غانما فقالت الجليلة مرادي أن تسمع مني ما اقولة لك الن ول عدت ول عدت تسمع مني غير‬
‫هذة المرة وهو ان تجعل نفسك مريضا وترقد في الفراش فاذا أتاك أخوك الزير حتى يراك فتقول لة أصابك مرض شديد‬
‫ووصف لة الطباء شربة من بير السباع اذا سمع منك هذا الكلم فأخذتة النخوة والغيرة ويذهب في الحال لقضاء حاجتك فاذا‬
‫راح ل يعود يرجع أبدا من كثرة وجود السباع في ذلك المكن والكثرة تغلب الشجاعة فيفترسوةفي الحال وتكون قد بلغنا المال‬
‫لنني كلما تذكرت اعمالة أريد ان أخنق حالي والعرض عند الحر غالي ثم أنشدت تقول من فؤد متبول ‪:‬‬
‫ال اسمع لشوري ماأقولك على علم الصحيح أنا أدلك أخوك هبيل ما بيسوى مسلة ولو قلع في الجبال والف تلة فارسلة غدا بير‬
‫صندل وان ارستلة لهناك يقتل ومنة تسنتريح مدى الدهور ونخطى بالمقاصد والحبور‬
‫فلما سمع كلمها أجابها إلى مرامها وانقطع عن الديوان ومقابلة الناس وجعل نفسه مريض وأقام بالفراش مدة أيام لما شاع هذا‬
‫الخبر علم الزير بذلك فتشوش خاطرة لنة كان يحبه محبة عظيمه فدخل عليه فراه راقد وهو يتوجع علية ويتأسف ويسلية‬
‫بالكلم فقال لة كليب اعلم ان مرضى شديد وأنا خائف منة وقد وصفت لي الطباء شربة ماء من بير السباع فمتى شربتها شفيت‬
‫من هذا الدواء وليس لي غيرك ياأخي من يأتيني بها فان كنت تحبني أريد منك الن يا فارس الفرسات وقهار العدا في ساحة‬
‫الميدان أن تذهب إلى ذلك المكان وتاتيني بالمطلوب والمقصود من بين السود فقال الزير أبشر ياأمير ثم نزل من عندة وجاء‬
‫بقربتين فحزمهما على حمار ثم سار وجد في قطع القفار إلى أن ن وصل إلى بير السباع وكانت السباع في ذلك الوقت سارحة‬
‫في البرية سوى سبع واحد كان راقد على حافة البير وهو واضع يدية على فمة او نايم فقال الزير في سرة هذا نايم وعيب علي‬
‫أن اقتلة غدرا فتركة وفك القرب وربط الحمار من يدية ورجلية ونزل البير من الدرج فمل القرب وأتفق أنة عند نزولة إلى البير‬
‫شهق الحمار فوعى السبع ولما رأى الحمار هجم علية وضربة بمخلبة فقتلةوجعل يأكلة فلما خرج الزير من البير ووجد السبع قد‬
‫قتل الحمار وهو يأكلة أغتاظ جدا فوضع القرب على الرض وقصد نحو السبع بقلب كالحديد وقال ويلك يامشئوم كيف تأكل‬
‫حماري أما علمت ببطشي واقتداري فوحق ذمة العرب لبد من تحميلك القرب وكان السد قد وثب علية ونهض برجلية فالتقاة‬
‫الزير بالعصا وضربة ضربة شديدة وقعت على رأسة فدوختة فوقع على الرض طائشا فجاء الزير بالحبل ولجمة لجاما قويا‬
‫ووضع بردعة الحمار على ظهره ثم وضع القرب ورفسه برجلة فنهض مثل السكران فقال الزير ياقليل الدب الذي يأكل حمير‬
‫العرب فهو أولى أن يحمل القرب ثم ركب على ظهره وساقه مثل الكلب وكان كلما عرج عن الطريق يضربة بالعصا على‬
‫راسه حتى طاعه قهرا وجبرا ثو سار وجد في قطع القفار حتى أقترب من اتلديار فعند ذلك تذكر ماجرى له مع أخيه والسد‬
‫وكيف عاد ظافرا منصورا فجاش الشعر في خاطره فأنشده يقول‪:‬‬
‫أنا مهلهل فعزي يفلق الحجرا النس والجن تخشى سطوتي حذرا كيد النساء فيبقى في عدم فخيب ال من يسمع كلم مرا قالوا‬
‫أخوك كليب اليوم منطرحا عالفراش ضعيف الجسم والبصرا فجأته عاجل حتى أساله والعقل في خيرة مما عليه جرى فقلت له‬
‫كيف حالك أنت أخبرني فقال يامهلهل كيف أنت ترى أريد شربة ماء أطفي بها طمئي من صندل تزول الهم والكدرا‬
‫فسرت حال لذلك البير في عجل فنلت قصدي وعدت اليوم مفتخرا‬
‫هذه فعالي وكل الناس ترهبني حتى السود وأهل البأس والمرا‬
‫(قال الراوي ) ومازال يقطع القفار وينشد الشعار حتى وصل الديار وهو رأكب علىظهر السد غير مبأل باحد لنه بلغ‬
‫المقصود والرب وفعل أفعال تعجز عنها فرسان العرب ولما دخل الحي جفلت الخيل الخيل والجمال واندهشت النساء والرجال‬
‫لما رأوا السد على تلك الحال وكثرت الضجات وتصايحت الولد والبنات وسمع كليب والجليله تلك الضجه فطل برؤسهما من‬
‫الشباك فوجد المهلهل قد أقبل وهو يسوق السد بعصا فبكى كليب لما رآه وقال لبنة عمه الجليله هل ينبغي لهذا البطل أن يقتل‬
‫فقد جاء بالسد وعلى ظهره القرب وهذا أعجب العجب فاشتعل قلبها والتهب من شدة الغضب حتى كادت تموت قهرا ثم نزل‬
‫كليب اليه وقلبه بين عينيه وقال ل درك يافارس الميدان وزينة الشبان وبعد ذلك سأله عما جرى له وكان فأنشد يقول ‪:‬‬

‫يقول الزير أبو ليلى المهلهل ودمعي فوق وجناتي سايل ذهبت اليوم نحو البير قاصد أجيب الماء يا ابن الكارم وجدت السبع‬
‫قرب البير راقد فقلت بخاطري ذا السبع نايم نزلت البير أمل منه أشرب وربي بالذي قد كنت عالم ملت القربتان وعدت حال‬
‫لرجع للقبيلة والمعالم وجدت السبع قد أكل البهيمة ضربته بالعصا فعاد نايم وحملت القرب من فوق ظهره وجئت إليك يافخر‬
‫الكارم أطال ال أيامك وعزك على طول الزمان وأنت دايم‬
‫فلما سمع كليب هذا المقال أجابه على شعره ‪ :‬يقول كليب اسمع يا مهلهل فما لك من مثيل في العوالم سابع البر خافت من قتالك‬
‫وولت في الفل منك هزايم نزلت البير أمل منه واشرب وتحظى بالسرور والغنايم فقم البس ثيابا من حرير وأفعل ماتريد يا ابن‬
‫الكارم فمهما طلبت مني يا مهلهل أنا أعطيك وال عالم أخي ما عاد عندي أعز منك وحق ال خلق العوالم‬
‫فلما فرغ كليب من كلمه أنزل الزير القرب من على ظهر السد وضربه بالسيف القاه قتيل ثم قطع رأسه أمام أخيه وقال ال‬
‫أكبر فقد أخذنا بثأر الحمار وبلغنا مانحب ونختار بعون الواحد القهار فأمر كليب الخدم أن يدخلوا الزير إلى الحمام فدخل‬
‫وأغتسل ولبس حلة من أرجوان وذهب إلى عند أخيه في الديوان فقام له على القدام وأكرمه غاية الكرام واجلسه في اعلى مقام‬
‫فزداد إعتباره عند الخاص والعام وأرتفع منزلته عند المراء والكابر واشتهر اسمه بين القبايل والعشائر وقال له كليب ذات‬
‫يوم أطلب ياأخي مهما تريد فأن شئت مدينه أوهبك إياها أو إمراة جميله أزوجك بها فمالي جميعا بين يديك فل أبخل بشيء عليك‬
‫لنك اليوم ساعدي وزندي وأنت الحاكم من بعدي فقال لأريد سوى سلمتك والذي أريده منك أن تأمر بصيوان يكون كبير‬
‫مفروش بالفرش الفاخر عند بير السباع ويكون عندي جماعه من الخدم يقدمون لي ماأحتاجه من الكل والخمر لني أريد أن‬
‫ي تزورني فقال كليب ماهذا العمل فوال‬ ‫أنفرد عن باقي جماعة الناس وأكون وحدي خصوصا من كيد النساء وعندما تشتاق ال ّ‬
‫ماعادي لي صبر على فراقك يا مهلهل ول عدت أسمع فيك كلم العادي اللئام فاأبقي عندي في العز والكرام فقال يأأخي قد‬
‫صممت النيه على الرتحال فإن النعزال أفضل للرجال الحرار ول سيما قد صار على السباع ثأر عليّ قتل الحمار ولبد لي‬
‫من قتل جميع السود أو أن الحمار يرجع ويعود فضحك كليب من كلمه وتعجب وأمر له بما طلب وقدم له جوادا من أطيب‬
‫الخيول وجميع مايحتاج اليه من السلح والنصول والمشروب والمأكول وأرسل معه عبدان يخدمانه ثم ودعه وسار حتى وصل‬
‫إلى بير السباع فنصبوا له الصيوان وقام في ذلك المكان وهو يأكل ويشرب المدام وكان في كل يوم يلبس عدته ويركب جواده‬
‫ويصيد السباع وكان كلما قتل اسد يقول يالثارات الحمار ومازال على تلك الحال حتى أفناها وبنا له قصرا من رؤوسهم فلما‬
‫طال عليه الزمان أخذه القلق والضجر لنفراده عن البشر وكان بينه وبين همام بن مرة محبة عظيمه ووداد فزار المير همام‬
‫في بعض اليام ففرح بقدومه عليه وقال اهل وسهل يا ابن العم وترحب به غاية الترحيب وقال له لقد ضاقت نفسي من الوحشه‬
‫والنفراد فوال ماعدت ادعك تذهب من عندي ابدا وكان همام يسرف أكثر اوقاته عنده فينادمه ويشرب معه المدام ويتناشدان‬
‫الشعار في الليل والنهار ومازال كذلك وهم في بسط وانشراح وطرب وافراح وشرب المدام وسماع النغام مدة ثلثة أعوام‬
‫هذا ماكان من حديثهم في تلك اليام‪.‬‬
‫في حرب البسوس بين بكر وتغلب‬
‫( قال الراوي ) وأعجب ماأتفق وتسطر من الحاديث التي تروى وتذكر هو حديث العجوز الشاعرة أخت الملك تبع حسان الذي‬
‫قتله كليب كما شرحنا قبل الن وهي المرأة التي ذكرها تبع لكليب في ملحمته بأنها سوف تظهر بعده وتلقي الفتنه في القبائل‬
‫وبسببها يقتل كليب بن وائل وتثير الحرب بين بكر وتغلب وباقي عشائر العرب وكانت هذه العجوز من عجائب الزمان وغرائب‬
‫الوان ذات مكر واحتيال وخداع ساحرة ماكرة وكان لها أربعة أسماء لنها في يوم ولداتها وردت اليها أموال السبعة أقاليم‬
‫وامها سمتها تاج بخت لنها كانت كثيرا ماتأكل من جوز الهند وكانت مع هذه الوصاف القبيحه جميلة المنظر فصيحة الكلم‬
‫شديدة البأس ولما كبرت وانتشت وصارت بنت عشرين سنة فكانت تسارع الطواشية وتركب الخيل في الميدان وتبارز البطال‬
‫والفرسان وشاع صيتها في كل مكان وتواردت اليها الخطاب من جميع المدن والبلدان فكانت تقول لاتزوج ال من يقهرني في‬
‫الميدان فكلنت تقهرهم في القتال وتعلم عليهم في ساحة المجال فاقتصرت عنها الخطاب وتباعدت عنها الطلب وكان قد سمع‬
‫بخبرها ملك عظيم اسمة سعد اليماني وكان ملكبلد السرو ابن عم أخوها تبع وبطل أروع ليث صميدع صاحب مدن وبلدان‬
‫وجيش وفرسان فهام قلبة في حبها فركب في جماعة من أبطالة وسار قاصدا ديار ابن عمة تبع ليخطب اختة سعاد فلما وصل‬
‫إلى تلك البلدترحب به الملك تبع واضافة ضيافة عظيمة لنة ملك وأمره نافذفي القبائل فلما كان اليوم الثالث قال سعد لتبع اعلم‬
‫ياابن العم حضرت من بلدي لخطب أختك سعاد الدرة المصونة والجوهرة المكنونة فل تردني خائب فهي ابنة عمي ومن‬
‫لحمي ودمي وأنا أحق بها من كل أحد فقال تبع اني أرغب في ذلك غير انة كما لخفاك بأنها لتتزوج بأحد مهما كان ال بمن‬
‫يقهرها فيالميدان فقال أني ماأتيت ال على هذا الشرط فعند ذلك دخل عليها أخوها وأخبرها بقدوم المير سعد بن عمها وانة قد‬
‫جاء ليخطبها ويتزوجها بعد أن يبارزها ويحاربها فأجابتة إلى ذلك المرام وفي ثانب اليام اعتدت بألة الحرب والجلد وركبت‬
‫على ظهر جوادها وبرزت إلى الميدان وحل الضرب والطعان وكان المير سعد قد ركب حصانة وبرز إلى الميدان والتقاها‬
‫بقوة قلب وجنان وأخذا يتقاتلن نحو ساعة من الزمن وكان المير سعد صاحب نخوة وحمية ومن اشد فرسان الجاهلية فحاربها‬
‫حتى أتبعها ثم اقتلعها من بحر سرجها فأقرت لة بالغلبة وبعد ذلك تزوجها واقام الحفلة سبعة أيام ورجع بها إلى بلدة وكانت قد‬
‫أخذت معها جميع ماتملكه من أمتعه وأموال وعبيد وغلمان وأقامت مع زوجها في أرقد عيش وهناء لمدة عشر سنين إلى ان‬
‫عمي وفقد البصر فصارت تحكم مكانه واطاعتها العرب وعظم أمرها واشتهر ذكرها ومازالت على تلك الحال وهي في أرقد‬
‫عيش وانعم بال ال ان كليب قتل أخوها تبع كما سبق الكلم ولما بلغها هذا الخبر اخذها القلق والضجر وتنغص عيشها وتمرمر‬
‫وقالت لبد لي من المسير إلى تلك الديار كليب الغدار وإذا قتلته انطفىء ناري وأكون قد أخذت بثأري فأقامت مكانها وكيل يحكم‬
‫بالنيابه عنها وركبت هي وزوجها وبناتها وأخذت معها عبدان ومازالت تقطع البراري والكام حتى وصلت إلى بلد الشام‬
‫فسألت عن رحلة بني مرة فأرشدوها اليها فلما صارت هناك قصدت المير جساس دون باقي الناس ودخلت عليه وهو في‬
‫الديوان وحوله جماعة من المراء والعيان فتقدمت اليه وسلمت عليه ودعت وترحمت وبأفصح لسان تكلمت وقالت له أدام ال‬
‫أيامك ورفع على ملوك الرض قدرك ومكانك وبلغك أربك ومناك ونصرك على حسادك وأعدائك فتعجب جساس من فصاحة‬
‫مقالها فأنني عليها وسألها عن حالها فقالت له أنني شاعرة أطوف القبائل والعشائر وأمداح السادة والسادات والكابر وقد سمعت‬
‫بجودك وكرمك ولطفك ومحاسن شيمك فأتيت إلى دارك حتى أعيش في جوارك وأكون مشمولة بأنظارك ثم أنها بعد هذا الثناء‬
‫والمديح أشارت اليه بهذا الشعر الفصيح ‪:‬‬
‫تقول سعاد من قلب مفجوع زمان السوق أبقانا ذلئل وبعد غلنا صرنا رخاصا وبعد الكثرقد صرنا قلئل وبعد العز قد صرنا‬
‫اذل وبعد السمن قد صرنا هزايل فهذا الدهر ماله قط صاحب فهذا مستقيم وذاك مائل وذا يبكي وذا يضحك ويلعب وذا يندب‬
‫عياله والحلئل فسبحان الذي قدر علينا بغربتنا وتشتيت الشمائل فبعد ان كنت في خير ونعمه دعاني الدهر كالطلب شاتل أدور‬
‫على المناصب والمارا وأنزل في القرايا والمدائن سمعت بذكركم ي آل مرة ثلث شهور لي عندكم أسائل أيا جساس يافخر‬
‫البرايا وياكهف اليتامى والرامل قصدتك لتخيب فيك ظني أيا أبن الماجيد الصائل فأجبر خاطري ربي يجبرك ويعطيك‬
‫السعاده والفضائل فكم أوهبت من مال ونوق وكم فرقت من خيل أصائل فانت اليوم بين الناس فردا ثناء مشاع في كل القبائل‬
‫عديم المثل مابين المارا وقد تفاخرت عربان القبائل عساك اليوم تنعم لي بمالٍ ولتصغي إلى واش وقائل فارجع بالغنايم‬
‫والعطايا وبالخيل المسومه الصواهل‬

‫فلما فرغت العجوز من شعرها ونظامها وفهم جساس فحوى كلمها قال لها أهل ومرحبا الرض أرضي والديار دياري وانت‬
‫نزيلتي وفي جواري فكل من تعدى عليك قتلته ثم أشار يترحب بها ويقول ‪:‬‬
‫قال جساس بن مرة ياعجوز مرحبا بك بل بطا مرحبا بك مرحبا بك مرحبا عدد ما مشت الركاب بالوطا في قدومك حلت البركه‬
‫لنا فابشري بالخير مع كثر العطا أسرحي ثم أمرحي في حبنا ماأغيظك لو بدا منك خطا‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من كلمه دعت له العجوز بالنصر وطول العمر والبقاء وقالت في سرها لقد نلت المراد بعون‬
‫رب العباد وأقامت عنده شهرين وجساس كل يوم يزيد في إكرامها وكانت قد رأت اتفاق قوم كليب مع بني مرة وهم في محبة‬
‫ومؤالفه عظيمه واجتماعات كثيرة كأنهما قبيلة واحده فما هان عليها ذلك المر فأخذت تلقي الفتنه والفساد بين المراء والقواد‬
‫حتى وقع الشر والنزاع وكثر القيل والقال ولما اشتد المر اجتمع اكابر الناس عند المير جساس واخلوا يشكون من بني تغلب‬
‫وعن سوء معاملتهم وانهم يعتدون عليهم في أكثر الوقات بدون سبب وهذا كله من يوم ما قتل كليب تبع اليماني وامتد ملكه في‬
‫القطار فابتدا يجور ويظلم وليحسب حساب أحد وهكذا قومه تفعل كفعلة وكان مرادهم بهذا الكلم يحمسوا المير جساس‬
‫ويهيجوه على قتال كليب ولكنه لم يصغ لهم ولم يطاوعهم على مرامهم وقال لهم انه من الصواب ان اجتمع اول مع ابن عمي‬
‫كليب واعلمه عن تعديات قومه وجورهم علينا فأن وجدت كلمه قاسيا يكون هو السبب قي تقويتهم وان أمر بتأديب المفترين‬
‫تكون قد نلنا مرادنا ‪ ( .‬قال الراوي ) ومازالت الفتنه بين الفريقين تمتد وتشتد حتى اتصل الخبر إلى مسامع المير كليب وبلغه‬
‫ان بني مرة هم أصل ذلك الخصام وانهم كل يوم في جمعيات واستعدات فضاق صدره وتكدر وارسل أعلم جساس بذلك الخبر‬
‫طالبا منه ان يبادر بالحال بقصاص المذنبين وتوقيف حركات البكريين واخراج العجوز من القبيله التي كانت سببا لهذه الورطه‬
‫فاغتاظ جساس من ذلك وتاثر وتاكد عنده كلم قومه وعلم ان أصل ذلك من كليب فلم يجبه بجواب ول بخطاب واخذ جساس من‬
‫ذلك اليوم يجمع الجموع ويفرق على قومه السلح ويقويهم بالت الحرب والكفاح فبلغ ذلك المير كليب فازداد كدره واحتار في‬
‫امره واحس بزوال ملكه وكان تذكر اخاه الزير الفارس فركب من يومه في جماعة من الفرسان وقصده إلى بير السباع فوجده‬
‫جالسا على سفرة المدام مع ابن عمه المير همام وهما يناشدان الشعار ويتحادثان بالخبار فنهضا له على القدام واجلساه في‬
‫اعلى مقام وفرح الزير بقدوم اخيه لنه كان له مدة طويلة غائبا عنه غير عالم بأن مجيئه لم يكن ناتج ال عن سبب ضروري‬
‫جدا وبعد ان جلس قليل قال كليب للزير أعلم ياأخي أن سبب مجيىء اليك اول لجل المشاهده وثانيا حتى آخذك إلى القبيله‬
‫وأقيمك ملكا مكاني لني طعنت في السن ولم يعد لي طاقه على معاطاة الحكام ول سيما وقد تغيرت الحوال ووقع بين القبيلتين‬
‫النزاع والجدال فاشتعل مني القلب والبال فقم معي الن ياسيد الفرسان فقال الزير وال لقد اشتغل بالي بهذا المقال فانشد كليب‬
‫يقول ‪:‬‬
‫أخي سال أسمع ما أقول لك ففكرك ديره والذهن ليا أراك اليوم في زهو ولهو ولتدري بما قد حل فيا بنو قيس قد وقعوا بخلف‬
‫وجساس نوى يركب عليا فقوم وشد عزمك يا مهلهل لنك أنت جبار عتيا وال راحت البلدان مني وصرنا معيرة عند البريه‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره ضحك الزير حتى استلقى على ظهره فقال كليب وماهو ضحكك قال لقلة عقلك قال انا‬
‫قليل العقل قال لو لم تكن قليل العقل ماكنت تكلمت بهذا الكلم بعد ان نظرت القصر وهو أمامك قال ومايكون هذا القصر قال‬
‫هذا القصر قد بنيته من رؤس السباع الذين قتلتهم بثأر الحمار ومع كل ذلك أنت ملك عظيم وصاحب وليات وأقاليم فكيف تقول‬
‫انك خايف وفزعان وأخوك الزير فارس الفرسان فكن في أمان وإطمئنان من نوائب الزمان فان كنت بثأر الحمار الذي ليس له‬
‫قدر ولمقدار قد بنيت قصرا من رؤس السباع ال أبني من رؤس العادي مدائن وضياع وقلع وحصون فاذهب بالسلمه‬
‫ولترتاع ثم أجابه على شعره يقول ‪:‬‬
‫يقول الزير أبو ليلى المهلهل أنا لي في الحرب عزما قويا سباع الغاب خافت من قتالي وتخشاني ولم تقدر علّي فاذهب يا كليب‬
‫ول تبالي واحكم بالقبائل بالسويه فأن جارت بنو بكر وخابت فل أترك منهم يا أخي بقيه‬
‫فلما سمع كليب شعره أحتار من فعله وندم على مجيئه ثم كرر عليه السؤال وطلب منه أن يسير معه خوفا من حدوث أمر من‬
‫المور فقال الزير سر أنت أول وأنا سأتبعك فيما بعد فقال لماذا لتسير الن قال لخفاك لما حضرت إلى هذا المكان قتلت جميع‬
‫السباع ماعدا سبعين أو ثلثة فمتى قتلتهم أدركتك في الحال إلى الطلل فعند ذلك ركب كليب جواده وسلم أمره للواحد القهار‬
‫إلى أن وصل إلى تلك الدار وهو قلق وافتكار هذا ماكان من أمر كليب ويرجع الكلم والسياق إلى سعاد الشاعرة الساحرة‬
‫الماكرة فإنها لما اثارت الفتنه بين القوم وصار لها عند بني مرة ذلك القبول وجميع كلمها عند جساس مقبول أخذت طاسة من‬
‫الفضه وملتها من المسك والزباد والعطر وخففت الجميع مع بعضه البعض وعمدت إلى ناقتها الجربانه وأخذت تطلي أجنابها‬
‫وتدهنها بذلك الطيب وأمرت بعض العبيد أن يأخذها إلى المراعي ويمر بها قرب صيوان جساس في الصباح والمساء وأوصته‬
‫إذا سأله أحد عنها وعن سبب رائحتها يقول ل أعلم وانما مولتي تعلم فأخذ الناقه ومر على ذلك المكان فعبقت رائحة الطيب‬
‫فاستنشق جساس الرائحه وكانت ذكيه جدا فتعجب وكان قد نظر إلى العبد وتلك الناقه فأمر بإحضار العبد وكان يظن تلك‬
‫الرائحه عابقه منه ولما أحضر وإذا رائحته كريهه جدا فسأله عن تلك الرائحه فقال من الناقه فازداد تعجبا وسأله عن سبب ذلك‬
‫فقال لست أعلم يا مولي إنما مولتي سعاد الشاعرة تعلم ذلك فقال جساس هذا غريب فاستدعى العجوز اليه فحضرت ثم سألها‬
‫عن قضية الناقه فتنهدت من فؤاد موجوع وقالت لخفاك أطال ال عمرك وابقاك ان هذه الناقه من سللة ناقة صالح وفيها‬
‫خواص غريب يا أبن الجواد فان بعرها من المسك وعرقها من الزباد فتعجب جساس غاية العجب وقال في نفسه تبارك ال‬
‫رب العالمين فل بدلي من أخذ هذه الناقه فافتخر بها على جميع الملوك فقال لها هل تبيعني أياها يا حرة العرب وأنا أعطيك مهما‬
‫تطلبيمن الفضه والذهب فلما سمعت كلمه بكت ولطمت وجهها وقالت وال هذا الحساب الذي كنت أحسبه فأني ما هاجرت من‬
‫بلدي ال لجل هذه الناقه وكلما نظرها امير أو ملك يطلبها ومادام المر كذلك فأني سأرحل من عندك ثم بكت من قلب حزين‬
‫وأنشدت تقول ‪:‬‬
‫تقول سعاد من قلب موجوع سقاني الدهر كاسات الحمام ضنى مني الفؤاد وغاب نومي عمى بعلي وقد زادت سقامي انا حرمة‬
‫لي يد قصيرة ول لي قيمه بين النام وهذه ناقتي قد شتتني عن الوطان يا ابن الكرام فكم من سيد جاء يشتريها فما نالوا بها نيل‬
‫المرام وقد جينا لكم والتجينا وقلنا قد حطينا بالسلم وانت تريد أن تأخذها مني فعاد رجوعنا أشهى المرام‬
‫فلما فرغت من كلمها أخذ جساس يعطف بخاطرها ويقول لها ان كلمي معك هو على سبيل المزاح فناقتك مباركة عليك وأنت‬
‫المعزوزة عندنا فقالت من حيث ذلك أريد أن تجعل ناقتي دون باقي النوق والجمال لنها قد تربت بالدلل وأريد مرعى لنه البق‬
‫بها فقال أرسلها إلى المراعي مع نوقي وجمالي فقالت انها لتأكل ال من الرياحين وزهر البساتين فقال انه ليس لنا كروم ول‬
‫بساتين قالت وهذه الكروم التي بجانب القبيله من هو صاحبها قال هي لبن عمي كليب زوج أختي الجليله وهمام متزوج أخته‬
‫ضباع قالت مادام انكم اهل واقارب وانت ملك نظيره فلماذا يكون كليب أعظم منك فقال انه من بعد قتله الملك تبع عظم أمره‬
‫وانتشر ذكره وتملك على البلد وطاعته العباد فلما سمعت هذا الكلم قالت وال لقد أخطأت وبئس مافعلت فأني تركت البحر‬
‫وجئت إلى الساقيه وتعلقت بالذنب وتركت الرأس فاغتاظ جساس وحس وقال مامعنى هذا الكلم ياحرة العرب فانك قد خرجت‬
‫عن دائرة الصواب وباديتنا بقلة الدب أهذاء جزاء المعروف والحسان فقالت لتغضب ولتغتاظ وماقولي هذا ال من سبيل‬
‫المحبه فكيف يكون ابن عمك وصهرك وزوج أختك ويملك على هذه الراضي العظيمه وانت ليس لك قدرولقيمه أهكذا يكون‬
‫الهل وابناء العمام ايها الملك الهمام فقال جساس وذمة العرب وشهر رجب لقد تكلمت بالصواب وان من الن وصاعدا لست‬
‫أحسب له أدنى حساب لنه قد اعتز وتمرد ول عاد يحسب حساب أحد وانا لبد لي أن أطالبه أن يقاسمني على املك المملكه‬
‫وال القيه في التهلكه فروحي واطلقي ناقتك لكي ترعى في احسن البساتين والمراعي ثم أنشد وقال ‪:‬‬
‫يقول جساس شعرا من ضمايري فدمع عيني على الوجنات طاف‬
‫الجزء الرابع‬
‫والنار في مهجتي قد أحرقت كبدي من جور قوم ما لهم أنصاف قولك صحيح ما لنا عندة قيمة ول كلم ونحن من الشراف‬
‫سبعة أقاليم ملك تبع حازها وعلى المدائن والقريات طاف والكرام والنخل والثمار جمع حاز الجميع من البلدان والطراف‬
‫روحي ياسعاد خلى ناقتك ترعى بين الروم ولست منة أخاف‬
‫(قال الراوي ) فلما انتهى جساس من شعرة ونظامة فرحت العجوز وانشرح صدرها فقبلت يدة وخرجت من عندة وقالت لعبدها‬
‫خذوا هذة الناقة واتركوها ترعى في البستان المعروف بحي كليب واجعلوها تهدم الحيطان وتقطع الشجار وتاكل الغصان‬
‫واذا اعترضكم فاشتموة وسبوة واذا أقتضى المر اقتلوة ول تخافوا سمعا وطاعة ثم أخذوا الناقة وساروا بها إلى ذلك المكان ‪.‬‬
‫(قال الراوي ) وكان هذا البستان كأنة روضة جنان كثير الشجار والفواكة والثمار وكان كليب قد اعتنى بة حتى صار من‬
‫احسن منتزهات الدنيا وكان ليسمح لحد ان يدخل الية سوىهو وعيالة فقط فلما أخذت العبيد الناقة دخلوا بها بعد ان هدموا‬
‫الحائط وصاروا يقلعوا الزهور ويكسروا أغصان الشجر وكانت الناقة تأكل العريس وأثمار الكرم وكان كليب قام حارسا يحرسة‬
‫اسمة ياقوت فلما نظر الحارس تلك الفعال هجم على العبيد بالعصا وقال لهم اخرجوا ياكلب من البستان قبل أن يحل بكم الهوان‬
‫فشتموة وسبوة ثم ضربوة فهرب من بين أيديهم وجاء إلى كليب وأعلمة بواقعة الحال فاغتاظ غيظا شديدا وجاء إلى ذلك المكان‬
‫ومعة أربعة غلمان فراى العبدين أحدهما جالس على سريرة أي الذي كان يجلس علية وقت النزهة والخر دائر مع الناقة بين‬
‫الكروم والزهور وهو يسب المير كليب ويشتمة فعند ذلك تراكضت غلمان كليب على العبيد لتقبض عليهما فتركا الناقة وهربا‬
‫فأحضرت الغلمان الناقة أمام كليب فأمر بذبحها فذبحوها وطرحوها خارج البستان وكانت عبيد العجوز تراقب عن بعد ما‬
‫يجري على الناقة فلما شاهدوا ما كان م امرها رجعوا على العقاب وأعلموا مولتهم بما جرى وكان وكيف أن غلمان كليب‬
‫ذبحوا الناقة بامر مولهم وطرحوها خارج البستان فقالت الن بلغت مرادي وأخذت ثاري من العادي ثم أمرت العبد أن يسلخ‬
‫الناقة ويأتيها بجلدها فسلر العبد وسلخها اليها وقامت من وقتها ووضعت التراب على راسها وشقت ثيابها مع بناتها وعبيدها‬
‫وجواريها وأخذت جلد الناقة وسارت بها لعند المير جساس فدخلت علية وهو في الديوان مع الكابر والعيان وصارت تندب‬
‫وتبكي وألقت الجد بين يدية فقال ملمك أيتها العجوز وما الذي أصابك *~‪ >"u^ûé*~u^ûé S*~u^ûé S'~uŒ‬‬
‫(قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلمها استعظم جساس تلك القبضة وعصفت في راسه نخوة الجاهلية وقال للعجوز‬
‫أذهبي بأمان فأنا أعرف شغلي فذهبت إلى خيامها واستبسرت ببلوغ مرامها ثم التفت المير جساس إلى من حولة من المراء‬
‫وأكابر الناس أنظروا ما فغلة ابن عمنا في حقنا وهو صهرنا فقد أهاننا بهذا العمل وأنا لبد لي أن أستعد لقنالة في هذا اليوم فاما‬
‫أن أقتل أو أبلغ المل فقالت لة أكابر العشيرة تمهل يا امير فانة لربما ليعلم أنها ناقة نزيلك ومن الصواب أن ترسل لة كتابا على‬
‫سبيل العتاب وتطلب منة ثمن الناقة وتنظر مايكونجوابه فان أرسل الثمن واعتذر كان خيرا وان أبى وامتنع فحينذ تفعل ماتريد‬
‫فاستصوب جساس هذا الرأي وكتب إلى كليب يعلمة بذلك الحال ويطلب منة ثمن الناقة وأرس الكتاب مع عبدة أبو يقظان فأخذ‬
‫يقظان الكتاب وفي طريفه مر على تلك العجوز أخبرها با القصة فترحبت بةولطفته بالكلم وقدمت لة الطعام ثم أخذت تسقية‬
‫المدام جتى سكر وغاب عن الصواب فعند ذلك فتشنة في ثيابه حتى عثرت بذلك الكتاب فقراته فوجدته كتابا بسيطا خاليا من‬
‫التهديد والوعد والوعيد وأضافت اليه كلما مغيظا وهي هذه البيات‬
‫أمير كليب العارب أيا ابن العم لتكبر علي فلزم أذبحك في حد سيفي وأنت شيبة حرمة أجنبية‬
‫ثم طوت الكتاب ووضعته في مكانة وقام العبد فنهض وركب جواده وصار حتى وصل ديوان المير كليب ودخل عليه وقبل‬
‫الرض بين يديه وناوله الكتاب فأخذه وقراه ولما وقف على معناه أغتاظ غيظا شديدا وأراد أن يقتل العبد ولكنه كان رجل عاقل‬
‫موصوفا بالحلم والحزم فأطرق رأسه إلى الرض وتفكر قليل قال في سره لعل المير جساس كتب لي هذا اكتاب وهوفي حاله‬
‫السكر غائب عن الصواب فمزق الورقة وأمر بضرب العبد فضرب وقال له اذهب ياابن اللئام إلى عند مولك بسلم وال سقتيك‬
‫كأس الحمام فقام وهو أخر رمق وركب حصانه وسار إلى عند جساس وقال له انه بحال ما قرا الكتاب مزقه وأمر بضربي وقد‬
‫شتمك وسبك وهذا الذي تم وجرى ‪( .‬قال الراوي ) فلما سمع جساس هذا الكلم صار الضيا في عينيه كا لظلم فنهض في الحال‬
‫ودخل إلى الخزانه السلح ولبس ألة الحرب والكفاح وركب ظهر حصانه وأنحدف إلى صيوانه وصاح على أبطاله وأخواته‬
‫وفرسانه فجاؤا اليه ودادروا حواليه فأعلمهم بواقعة الحال وما جرى بينه وبين كليب من النزاع والجدال وقال لهم استعدوا لقتال‬
‫بني تغلب النذال وأخذ يكلمهم بهذا الشعر والنظام ‪:‬‬
‫يقول جساس نار القلب مشتعلة على الضمائر ياقوم لها لهيب ياقومنا اسمعوا قولي وأصغوا قول صحيح بل تكذيب كليب خلى‬
‫كال أحوالنا عبر حكم البلد مشارق ومغيب وليس يحسب لنا قدر ومنزلة الكل عندهم غنم وهو بينهم ديب ناقة نزيلي ذبحها ما‬
‫ما خشى أجدا أجرى الىدمها شبة النابيب انت عجوز فألقت جلد ناقتها بعد مابكت بدمع سكيب تنهدت ثم قالت يا ولدمرة ابن‬
‫عمك كليب عليك يعيب هكذا كليب يفعل بنزيلك مالك قيمة عندة ولترحيب فقلت لها اصبري ياعجوز علي فأنالك منة ثمنها‬
‫أجيب أرسلت له أبو اليقظان عندي بكتاب مافيه أسا ولتعذيب شق الكتاب وأرمى العبد بضربه ومن كثرة الضرب ما أظنه‬
‫يطيب أترضون المذلة ياأهل قومي الذل ليرضاه سوى كل معيب‬
‫(قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وعرف قومه فحوى قصده ومرامه فما أحد طاوعه على هذا المرام وقالوا له‬
‫عن فرد لسان بئس هذا الرأي وهل يجوز لنا ياأمير لجل ناقة حقيرة تقاتل ابن عمنا المير كليب ونرفع في وجهة السلح بعد‬
‫أن صاننا وحمانا بسيفه وقتل الملك تبع حسان واستولى على القاليم والبلدان وجعل لنا ذكرا عظيما في قبائل العربان على طول‬
‫الزمان فان كان لك عليه دم أو ثأر فدونك واياه فل تطلب منا مساعده ولنجده فلما سمع كلمهم تركهم وقصد بيت العجوز ولما‬
‫اجتمع بها قال لها لقد جئت اليك لرضيك بالعطايا خوفا من ازدياد الشر ووقوع البليا فاطلبي ثمن ناقتك لعطيك اياه ولو كان‬
‫مهما كان قالت بالنجوم اريد واحد من ثلثه اشياء قال وما هي قالت اريد اما ان تمل جحري بالنجوم او تضع جلد الناقة عاى‬
‫جثتها لتقوم او راس كليب بالدماء يغوم فقال لها ملىء حجرك بالنجوم او ان الناقة تعيش وتقوم فهذا ليقدر عليه ال الحي القيوم‬
‫أما راس كليب فابشري به ثم قوم السنان وأطلق العنان وقصد حي بني قيس فقالت العجوز لعبدها سعد خذ هذا السكين والمنديل‬
‫البيض واتبع جساس من وراءه فاذا رايته قتل كليب فأسرع أذن والطخ هذا المنديل من دمه فمتى فعلت ذلك فاني أطلقك لوجه‬
‫ال تعالى فامتثل أمرها وتبع أثار جساس اما جساس فلم يزل سائرا حتى وصل إلى قصر كليب وسأل عنه فقالت له أخته الجليله‬
‫قد ركب الن وهو يطبع مهره في وادي الحصا والجندل فقصده حتى التقى به وهو يطبع مهره وكان كليب بدون سلحولم يكن‬
‫معه سوى خيزرانه فقط وكان كليب دائر ظهره الىجساس لنه كان من عادته دائما انه ليلتفت في الحرب إلى أقل من مائة‬
‫فارس فأراد جساس ان يغدره من قفاه فما طاوعته يده على ذلك مهابة ووقارا فلما وصل وسلم عليه فرد عليه السلم فراه‬
‫متسربل بالسلح فاستعظم كليب المر وقال علمك يا ابن عمي أراك بالسلح الكامل قال مرادي الصيد والقنص لكنني لما‬
‫التقيت بك أعرجت اليك لسالك سؤال واحد واعاتبك على ما فعلت فهل كان لك بساتين وكروم ونحن ما لنا شيء أتت عندنا‬
‫عجوز شاعره مع بعل لها أعمى ورعت ناقتها في بستانك على تجاهنا فكيف تقتلها أما عندك قيمه ول أعتبار بهذا المقدار‬
‫فضرب كليب كفا علىكف من شدة السف وقال وال يا ابن عمي ما عرفت أنها ناقة ونزيكلك ثم ذكر عن سوء ادب الرعيان‬
‫وما فعلوا من الضررفي لبستان ومع كل ذلك فاني أعوض واعطيها أربع مائة ناقة واذااردت أكثر فأعطيها ول يكون ذلك سببا‬
‫للنزاع والخصام بيننا فأننا أولد أعمام وأصهار فقال جساس على سبيل الخداع أني سأرضيها وهو قاصد قتله ثم قال له مرادي‬
‫أن ألعب معك سابقين بالجريده فقال كليب ياجساس أنت راكب ظهر القسيرة وأنا راكب مهر جاهل فقال أنا أسوق أمامك والمهر‬
‫يسبق الفرس فساق جساس الفرس فتبعه كليب حتى حكمت تحت يمينه وضربه فأصابت ظهره فقلبته عن ظهر الفرس فانحدر‬
‫الدم من فمه ومنا خيره فقال كليب قم يا ابن العم فأن كنت لتريد أن تلعب غير هذه الجريده فاصرع واضربني بها فيتتهي الحال‬
‫ثم نزل كليب عن ظهر المهر ومشى أمامه أما جساس فانه قد تألم بهذا القدر حتى أنه لم يعد تمكنه القيام واذا بعبد العجوز أقبل‬
‫اليه وجذبه من يده فأوقفه وقال وال انك من أحقر الرجال ثم أعلمه بحال وكيف العجوز أرسلته خافه لجل تلك القضيه فتحمس‬
‫جساس ونهض ومسك له العبد الركاب فركب ثم تقدم نحو كليب وهز في يدة الرمح وطعنه في صدره خرج يلمع من ظهره‬
‫فوقع على الرض يختبط بدمه فبكى كليب ملء عينيه ودمعه يسبل على خديه فلما راه جساس علىتلك الحال ندم وتأسف على‬
‫مافعل فتقدم اليه وقبله في لحيته وعارضيه وضمه إلى صدره ووضع رأسه على ركبتيه وقال سلمتك يا ابن اعمي يا أبا اليمامه‬
‫فقد حلت بي الندامه فوال أني فعلت ذلك بدون عقل ولتميز فسامحني على هذا الرتكاب القبيح فأجابه كليب على حلوه الروح‬
‫وقال هذا حكم الله المتعال ماكان أملي منك أ‪ ،‬تباديني بهذه الفعال وتشمت في العداء والنذال وتفرق بيني وبين اليتامى‬
‫والطفال وما بكائي على مال ولنوال وانما بكائي على اليتامى ولكن لهم رب ليغفل ولينام وابكي على غدرك فانك قتلتني‬
‫بالغدر والعدوان ولست من أقرني في الميدان ول في ملتقى الفرسان ولكن سيجازيك العادل الديان وسوف ترى ما يحال بك من‬
‫الهون ولأظن بأنه يصفي لك الزمان بعد الن فقم واذهب إلى الخيام وأقرى اليتام مني جزيل السلم ولكن اسقني قبل رواحك‬
‫شربة ماء لن قلبي قد احترق من الظمأ وأشار بهذه القصيدة يقول‬
‫يقول كليب اسمع يا ابن عمي أياجساس قد أهرقت دمي أيا غدار تطعني برمح ولست انت في الميدان خصمي واشمت الحاسد‬
‫والعادي وباتت اخوتي تبكي وامي على ناقه تقتل ابن عمك أمير كريم من لحمك ودمك بيوم الضيق كان يزيل همك ويردي‬
‫الضد في يوم النزال‬
‫(قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره ونظامه فخاف جساس وأصفر لونه وارتعش قلبه وقال وال يا ابن عمي ليعرف‬
‫النسان ماذا مقدر عليه ثم انه رفع راسه عن ركبته واتى له بماء فأسقاه ثم ركب وتركه وخله وهو يركض وياتفت وراءه‬
‫قاصدا أهله وحماه وأما عبد العجوز فانه بعد ذهاب جساس تقدم ليذبح كليب حسب ما أمرته العجوز فلما أقترب منه وجده يجود‬
‫بنفسه وهو على أخر رمق فتامل فيه العبد فوجده ذات هيبه ووقار ووجهه يتلل بالنوار فتاخر عنه وخاف منه فنظر اليه كليب‬
‫ففاق من حلوة الروح وقال له من أنت وما هو قصدك ومرامك فاعلمني بحالك فقال له لخفي عنك أنا عبد التبع اليماني فلما‬
‫قتلته أنت حضرت أخته سعاد العجوز الساحره إلى هذه البلد لتأخذ بثأره منك وتطفي لهيب نارها وهي التي القت الفتنه بينك‬
‫وبين ابن عمك حتى قتلك وأرسلتني لذبحك وأخذ لها أثر من دمك فقال كليب لقد صدقت فقد ذكر لي تبع هذا الكلم ونفذ قوله‬
‫الن بالتمام وهذا تقدير رب النام فأريد منك ياعبد الخير قبل أن تذبحني تفعل معي هذا الجميل وهو أن ترميني بالقرب من هذه‬
‫البلطه القريبه من هذا الغدير لكتب وصيتي إلى أخي سالم الزير واوصيه بأولدي ومهجة كبدي وبعد ذلك أفعل ماتريد فسحبه‬
‫العبد إلى قرب البلطه والرمح غارس فيه والدم يقطر من جبنه فبكى كليب وتفكر وهو يتأمل على ما أصابه ويتحسر ثم اخذ‬
‫بيده عودا وغطه في الدم وانشد يقول ‪ :‬هديت لك هديه يامهلهل عشر أبيات تفهمها الذكاه أول بيت أقوله أستغفرال أله العرش‬
‫ليعبد سواه وثاني بيت أقول الملك ل بسط الرض ورفع السماء وثالث بيت وصي باليتامى واحفظ العهد ولتنسى سواه ورابع‬
‫بيت أقول ال أكبر على الغدار لتنسى أذاه وخامس بيت جساس غدرني شوف الجرح يعطيك النباه وسادس بيت قلت الزير أخي‬
‫شديد البأس قهار العداه وسابع بيت سالم كون رجال لخذ الثار لتعطي وناه وثامن بيت بالك لتخلي لشيخ كبير ولفتاه وتاسع‬
‫بيت بالك لتصلح وأن صالحت شكوت للله وعاشربيت أن خالفت قولي فأنا وياك إلى قاضي القضاه‬
‫ولما انتهى كليب من كلمه التفت إلى العبد وقال له افعل الن ما تريد فقال وال ياأمير ما تستحق ال كل خير وان يدي‬
‫لتطاوعني على ذبحك قال اذبحني لنني في ألم شديد وعن قريب تأتي أخوتي وباقي الرجال والحريم فعند ذلك اخرج العبد‬
‫السكين وانحنى عليه وذبحه من الوريد إلى الوريد ولوث المنديل بدمه ورجع إلى عند سيدته فأعلمها بقتل كليب وأراها دمه‬
‫ففرحت فرحا شديدا وصبرت إلى الليل ثم حملت وسافرت بمن معها من تلك القبيله سرا حتى ليعلم بها أحد وقالت لقد أخذت‬
‫الن ثأري وطفيت لهيب ناري هذا ماكان منها واما جساس فانه لما رمى كليب وولى هارب سار حتى وصل إلى قومه وهو في‬
‫خوف عظيم أصفر اللون متغير الكون فقال أبوه مرة اين كنت قال كنت في البريه فالتقيت بابن عمي كليب فقتلته وزال همي‬
‫وغمي فلما سمع مرة هذا الخبر تبدل صفو عيشه بالكدر وقبض على جساس من ذراعه كا يخرج روحه من بين جنبيه وقال‬
‫ياعديم الزمان ويا أخبث النام اتقتل ابن عمك وهو من لحمك ودمك لجل ناقه حقيرة وصاحبتها سائله فقيرة فماذا تقول العرب‬
‫يا غدار اذا سمعت عنك هذه الخبار فقد اجلبت علينا الذى والضرر وفضحتنا بين البشر ومازال يوبخه ويلطمه من خلف وقدام‬
‫حتى جاءت أخوته اليه وخلصوه من بين يديه وهم يعنفوه ويسبوه ويشتموه ماعدا المير همام فانه كان عند الزير في تلك اليام‬
‫يتنادمان ويشربان المدام على بير السباع كما تقدم الكلم وليس عندهما خبر بهذه المور والحكام ثم التفت مرة على أولده‬
‫وقال لهم لقد حلت بنا المصائب من كل جانب فما الذي عاد يخلصنا من الزير ليث الوادي وقهار العادي فوال ليقطع آثارنا‬
‫ويعجل في دمارنا ثم أنه بعد هذا الكلم أشار يقول ‪:‬‬
‫يقول أمير مرة من قصيد بأن العار مايمحوه ماح جنيت اليوم يا جساس حربا علينا في المسا والصباح وقدت النار في بكر‬
‫وتغلب يعم لهيبها كل النواحي أيا جساس تقتل ابن عمك كليب البرمكي ليث البطاح أمير ما كان له مثيل شديد البأس في يوم‬
‫الكفاح ايا جساس من قتل ابن عمه يبيت الليل يسهر للصباح فسوف ترى بما جرى بنا اذا برز المهلهل للكفاح فيسلب مالنا قهرا‬
‫وغصبا بأطراف العوالي والصفاح‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ من هذا النشيد أجابه جساس بهذا القصيد وعمر السامعين يطول ‪:‬‬
‫تأهل مثل أهبه ذي الكفاح فان المر زاد عن التلحي فأني ان جلبت عليك حربا فاني ليث حرب في الكفاح فكيف عن الملم‬
‫فلست أخشى بيوم الحرب من طعن الرماح وأني حين تنشر العوالي أعيد الرمح في أثر الجراح تعدت تغلب ظلم علينا بل ذنب‬
‫يعد ولجناح ومالي همه ايدا قصد سوى قتل العدى يوم الكفاح‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من كلمه قال أبوه سوف ترى ما يحل بنا من البلء والويل من سيف المهلهل فارس الخيل ثم‬
‫صار يبكي ويتأسف ويلطم كفا على كف ثم قال لولده الرأي عندي أن نكتف جساس ونرسله إلى الزير وأخوته ليقتلوه بثأر‬
‫كليب وبهذه الوسيله تزول الفتنه وتطفي النار وتزول الحزان والكدار فان المصيبه عظيمة وعاقبتها ذميمه وخيمه فقالت‬
‫اولده ماهذا الكلم يابانا فهل بعد كليب غير جساس يليق أن يكون ملكا فأن كنت تحسب جساب المهلهل فما هو ال كالهبل‬
‫وليس له داب ال اكل الكباب وشرب الشراب وقال مرة العياذو بال من كيد الشيطان الرجيم ولحول ولقوة ال بال العلي‬
‫العظيم ثم قال لولده وان اخيكم همام له عند الزير مدة ايام فنخاف ان يعلم الزير بقتل اخيه فيقتله ول يبقيه ‪.‬‬
‫( قال الراوي) وكان لهمام جاريه اسمها رباب فاستعاده مرة اليه وقال لها اقطعي البقاع وسيري إلى بير السباع واعلمي همام‬
‫سرا بما جرى وتجدد قولي له ان يرجع بالعجل خوفا من ان يقتل فسارت الجاريه حتى وصلت إلى هناك فوجدت الزير وهمام‬
‫على سفرة الطعام وهما بالكلم ويشربان المدام ويتحدثان بالكلم فلما رآها همام وثب اليها وقال ما دهاك قالت سر طويل وحزن‬
‫وعويل ثم أعلمته سرا بواقعة الحال وطلبت منه المسير إلى الطلل فلما وقف على حقيقة الحوال اعتراه النذال وغاب عن‬
‫الصواب وتبدل انشراحه بالحزن والكتئاب فلما طال بينهما الحديث والخطاب خرج الزير من بين الطناب كأنه اسد الغاب‬
‫فوجدهما يتكلمان سرا ويميان عليه فعظم المر لديه فسل الحسام وقال ماهو الخبر ياهمام فاني اراكم في قلق واهتمام واشار‬
‫يقول ‪:‬‬
‫يقول الزير أبو ليلى المهلهل أحس النار في قلبي لهيب فقلبي موجع والجسم ناحل ول القى إلى جسمي طبيب وشاب الراس مني‬
‫والعوارض فاني صرت في حال عجيب وافكر في الزمان وشؤم فعله وهذا الدهر يتقلب قليب ايا همام ال يا ابن عمي فمالك‬
‫خائف واقف رعيب فما ابصر الحرمه تقول لك تناديك وانت لها تجيب اراكم تكتموا السرار عني كأني بينكم رجل غريب‬
‫اراكم في حديث وفي وشاوش وبين ذا وذا امر عجيب فل تخل المور من الحوادث يا همام اعلمني تصيب وال افتحوا لي الباب‬
‫حتى اروح عني بدا قلبي يطيب‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ من شعره أجابه همام يقول ‪:‬‬
‫يقول همام اسمع يا مهلهل فدمعي فوق الخدود سكيب وناري بالحشا قد أحرقتني أحس لها طي الفؤاد لهيب أقول أنت تسمع يا‬
‫مهلهل بأنك صاحبي نعم الحبيب فما نحن في وشاوش لوانت بيننا رجل غريب انا واياك في طرب ولهو ول تحسب حسابات‬
‫الحسيب جعلنا يا فتى نيت جملكم جرى دمه على نحره سكيب‬
‫فلما سمع الزير هذا الشعر توقد قلبه بلهيب الجمر وأجابه يقول ‪:‬‬
‫يقول الزير يا همام اسمع ان ابن عمي لي نسيب فما لك علم في وقتك كله ول في القضيه لك طليب فقم اذهب إلى اهلك يا نسيبي‬
‫بل تطويل من قلب المعيب فتأتي أخوتي ثم يقتلونك ويدعونك على الغبرا كثيب فما أقدر أن أحميك منهم وانت محب ايا نعم‬
‫الحبيب فلو جينا ما عيش أكلنا وكاسات شربناه بطيب لكنت أمد يدي تحت سيفي وآخذ ثار أخوي عن قريب‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا الشعر والنظام قال لهمام انت من دون بني مرة نديمي وصديقي وزوج أختي ورفيقي‬
‫ليس عندك علم بهذا المنكر فل تخاف ولتفزع فقال همام لقد جرى القلم يا ابن العم والذي مضى ما بقى يرجع فأما تقتلني‬
‫عوض عن أخيك أو تأخذ منا ما يرضيك وترفع عن الحرب والقتال وتتركنا نبقى في الطلل فو ال صعب على هذا المر‬
‫والتهب قلبي بنار الجمر لما سمعت بهذا الخبر المهول فل كان جساس المهار قال الزير وحق من يعرف الغيب وروح أخي‬
‫كليب أني ل أرفع السيف عنكم حتى اشفي غليلي منكم ثم أقتلكم عن بكرة أبيكم وأهتك النساء والبنات وأجعلكم مثل بين الناس‬
‫ولو لم تكن زوج أختي وسميري ما كنت أعلمتك بما في ضميري بل كنت قتلتك في الحال وأورثتك النكال فسر الن إلى‬
‫الطلل ولعدت تريني وجهك في الحرب والقتال فلما سمع همام ذلك الكلم ركب ظهر الحصان وأوما إلى ابنه شيبان الذي‬
‫الذي كان معهما في ذلك المكان ان يسير معه إلى تلك الوطان فامتنع عن المسير وقال سأيقى مع خالي الزير فسار همام وقد‬
‫عظم عليه المر وهو ينقض غبار الموت عن منكبيه حتى وصل إلى حلته واجتمع بأبيه وأخوته وأخذ يلوم جساس على فعله‬
‫وكيف انه تجاسر على كليب وقتله وأعلم قومه بما عزم الزير فخاف الكبير والصغير وأيقنوا بالهلك والتدبير واستعدوا من‬
‫يومهم إلى الحرب والكفاح وجمعوا آلت الحرب والكفاح هذا ماكان على بني مرة وأما الزير صاحب الشجاعه والقدره فانه بعد‬
‫ذهابه إلى الديار اشتعلت بقلبه لهيب النار واعتراه الصفرار فصار يلطم وجهه في يده وقد عظم المر عليه حتى رقصت‬
‫شعرات شاربيه ومع ذلك لم تنزل من عينيه دمعه لنه كان من الجبابرة السبعه وكان يقول وحق رب العباد لبد ان افتك ببني‬
‫بكر الوغاد واقتل الشيوخ والولد ولما طال المطال وهو على هذا الحال قال له شيبان بن همام دع عنك هذا الكلم واشرب‬
‫المدام فانك عاجز يا خال عن هذه الفعال فمن انت من البطال حتى تتكلم بهذا المقال وتتباهى على المراء واكابر الناس كأبي‬
‫همام وعمي جساس ثم انشد اليه يقول وعمر السامعين يطول ‪:‬‬
‫انشد شيبان وقال في بيوت ودمعي من عيني طال خالي اسمع ما أقول وحط قولي وسط البال خلي الهرج ووطي النفس واترك‬
‫عنك القيل وقال تقول تكيد بني مرة وتقتل كل البطال غدا يا خالي هم يأتوك بخيل كثير ونعم رجال يظهر خيول عليك تجول‬
‫ودق طبول كما الزلزال ونرج الرض بطول وعرض ترحوا قتلي بضرب صقال يجيء جساس قوي الباس كذا العباس زكي‬
‫الحال وياتي عمر بخيل ضمر وصفر ونمر وابو جفال يجي ملك القوم كان بيوم الكون كسبع صال وأخي شيبون بطل مجنون‬
‫وابي همام ان جال ومال وتاتي الشوس وكل عبوس يخلوا الروس تلل تلل‬
‫فلما انتهى شيبان من كلمه أجابه الزير على شعره ونظامه ‪:‬‬
‫يقول الزير أواه أواه يا ابن اختي عقلي زال يولي غدا الفرسان تجيك يخوفني من أهل أنذال أتاريك انت عدو مبين كلمك ما‬
‫خللي حال وانا العربيد بيوم نكيد للروس اكيد بطعن وعوال اكيد الشوس اقطع الروس انا الجبار فغير محال وبعد كليب لبيع‬
‫الروح اشلكم بالرمح شلل وبعد كليب اخلي السيف طول العمر بكم عمال وبعد كليب سياج البيض ما أعتق منكم رجال وانت يا‬
‫ابن اختي اليوم عدت بغير محال وابوك أغدي سيفي فيه وأعشي الرمح من البطال‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من انشاده نهض الغلم ليركب على جواده ويلحق بأبيه وأعمامه فضربه الزير بجامه القاه على‬
‫الرض قتيل وفي دماه جديل ثم قطع عنقه ووضعه في مخله حصانه ولفها في قربوس السرج وتركها فسار الجواد حتى وصل‬
‫إلى القبيله وسار إلى بيت موله فلما رأت أم الولد جواد الغلم وهو في تلك الصفه قالت للجاريه دونك جواد سيدك فتقدمت‬
‫الجاريه وأخذت المخلة فوجدت فيها رأس شيبان فاستعظمت ذلك الشان واعلمت بواقعة الحال فطار عقلها لما نظرت راس‬
‫ابنها مقطوع فضجت بالبكاء والنواح والعويل والصياح فاجتمعت عليها نساء الحي من كل مكان ولما سمع همام الخبر طار من‬
‫عينيه الشرر فبكى واشتكى وقال لزوجته ضباع نظرت ما فعل أخوك فو ال لم يبق لي غريم سواه فشقت ثيابها وسارت عند‬
‫أخيها المهلهل ولمته على ما فعل وقالت اتقتل ابن أختك بثأر أخيك ثم أشارت تقول ‪:‬‬
‫تقول ضباع يا سالم علمك بجاه كليب ماسويت بابني بثأر كليب تقتل ابن أختك وتحرق مهجتي وتزيد حزني حزنت على كليب‬
‫وماجرى له وحزني في صميم القلب مبني ولكن قد حكم ربي مراده وربي ما كتب لي يصيبني‬
‫فأجابها الزير بهذه البيات ‪:‬‬
‫يقول الزير من قلب حريق بقتل كليب زاد اليوم حزني ال يا أخت قلي من بكاك ول تخشين من أمر يعبني فو ال ثم وال ثم وال‬
‫اله العرش منذ ادعو يجبني فل بد لي من حرب العادي وقتل كل جبار طلبني‬
‫فلما فرغ الزير من كلمه قالت له ال درك ياسالم ياقهار السود القشاعم لقد زالت لوعتي الن وخفت عني الحزان لما سمعت‬
‫شعرك يافارس الفرسان وعرفت ما انت معول عليه من الحرب والطعن وأخذ الثأر وكشف العار ثم رجعت إلى الديار وهي في‬
‫قلق وافتكار هذا ماكان من امره‬
‫( قال الراوي ) ولما اشتهر موت كليب ووصل إلى ابنائه الخبر وعلمت بذلك جميع أهله وبناته فمزقوا الثياب واكثروا من البكاء‬
‫والنتحاب فتهتكت لوجه الملح ووقع في الحي العويل والصياح وكسرت الفرسان السيوف والرماح وخرجت بنت كليب من‬
‫الخدور وهن مهتكات الستور نشرت الشعور حافيات ال القدام يقطعن السهول والكام وقدامهن اختهن اليمامه وكان ذلك اليوم‬
‫مثل يوم القيامه ولما وصلن اليه وجدن الطيور حائمات عليه فوقعن على جثته وقبلن يديه وارتمين حواليه ولما قرأنا ذلك الشعر‬
‫الذي كتبه على الصخرة زادت احزانهن واخذن يلطمان على وجوههن ثم اقبلت اخوة كليب إلى ذلك المكان وازدحمت الرجال‬
‫والنسوان والبطال والفرسان والسادات والعيان يرثوه بالشعار واجروا لهيب نارها سوء البطل الوحد والسيف المهند‬
‫والصحصاح الشهير الذي ليس له في ذلك العصر نظير عمها المهلهل الملقب بسالم الزير فسارت هي واختها اليها وتوقفت عليه‬
‫فقالت وال ياعماه مكانك حزنان بما جرى علينا وكان من طوارق الزمان يقتل اخيك ملك العصر والوان ثم القت نفسها غميانه‬
‫في حجره وضعن على جثته وقبلن يديه وارتمين حواليه ولما قرأنا ذلك الشعر الذي كتبه على الصخرة ز ] ‪C-C -C--‬‬
‫‪C'~u*~u^ûé S*~u^ûé*~u^ûé S*~u^ûé S'~uŒ*~u^ûé S*~u^ûé S"~u"~u‬ينيه ويقول سلمتك ياأمير اليمامه‬
‫ياصاحب الجهه والكرامه فقد احرقت قلبي بفقدك فل كان من عيش بعدك ولما اشتد عليه المر ارته اليمامه وصية أخيه‬
‫المكتوبه على الصخره فقرأها وقال وحق الله المتعال اني ل اصالح إلى البد مادامت روحي في هذا الجسد ثم بكى وتنهد‬
‫ورثاه بهذه القصيده أم السادات واكبر العمد وهي من أجود مراثي العرب واحسن الشعار أهل الفضل والدب ‪:‬‬
‫كليب لخير في الدنيا وما فيها ان انت خليتها لم يبقى واليها فيها تنعي النعاة كليبا فقلت له مالت بنا الرض أم مالت رواسيها‬
‫ليت السماء على من تحتها وقعت حالت الرض فاندكت أهاليها الناحر النوق للضيفان يطعمها والواهب الميتة الحمراء براعيها‬
‫الحلم والجود كانا من طبائعه ماكل اللطافه ياقوم تحصيها ضجت منازل بالخلن قد درست تبكي كليب نهار مع لياليها كليب اي‬
‫فتى زين ومكرمة تقود خيل إلى خيل تلقيها تكون اولها في حين كرتها وانت بالكر يوم الكر حاميها غدرك جساس ياعزي ويا‬
‫سند وليس جساس من يحسب تواليها ل أصلح ال منا من يصالحهم حتى يصالح ذيب المعز راعيها وتوالد البغله الخضرا‬
‫خدالجه وانت تحيا من الغبرا تاليها ويحلب الشاة من اسنانها لبن وتسرع النوق لترعى مراعيها‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا المرثيه الغراء وسمعته السادات والمراء تعجبوا من فصاحة لسانه وقوة قلبه وجنانه‬
‫ومااحتوة اليه من اللفاظ الرقيقه والمعاني البليغه الدقيقه وقالوا وال لقد جاد سالم الزير وفاق على الشعار والمشاهير بهذا‬
‫الكلم الذي هو كالدر النظير ثم اجتمع المراء المقدمين وقالوا للعرب المجتمعين انها ماعاد ينفع البكاء والنتحاب وان اكرام‬
‫الميت دفنه في التراب ثم أتوبكليب إلى الديار ودفنوه بكل أحترام واعتبار واحتفال ووقارو رثوه بنفائس الشعار وبنوا على قبره‬
‫قبه من أعظم القبب وطلوا حيطانها بالذهب والفضه فكانت من العجب في بلدالعرب زخرفوها بالنقش الفاخر كتبوا على‬
‫حيطانها اسماء الله القادر ‪( .‬قال الراوي ) وبعد أن تلو أسماء الله القادر وسمعتها السادات ورؤساء العشائر دفنوا المير‬
‫كليب كما تقدم الكلم ذبح الزير على قبره النوق والغنام وفرق المال والطعام على الرامل واليتام ثم جلس في الديوان وجميع‬
‫الكابر والعيان وأبطال الميدان والفرسان واخوانه الشجعان وقال أعلموا أيها المراء والساده الكرام أن جساس أهانكم وقتل‬
‫ابن عمكم وملككم فاستعدوا لخذ الثار وكشف العار من بني بكر الشرار فلما سمعوا منه هذا الكلم أجابوه إلى ذلك المرام‬
‫وقالوا عن فرذ لسان أننا بين يديك ول نبخل بأراوحنا عليك لن المير كليب لينتهي ولم تلد ةمثله النساء ثم انهم تحالفوا معه‬
‫وعاهدوه على الكرسي المملكه وبايعوه واجلسوه فلما تملك على القبيله طرد امراه اخيه الجليله فسارت إلى بيت ابيها وجواريها‬
‫وكانت جليله بولد ذكر سوف يأتي عند الخبر واستعد الزير من ذلك اليوم لقتال القوم وحلف بأعظم القسامه بأنه ليشرب المدام‬
‫وليلتذ بطعام حتى يأخذ يأخذ ثأره بعد الحسام وينتقم من بني بكر أشد النتقام او انه يموت تحت ارجل الخيل وليبالي بالويل ثم‬
‫امر الرؤساء والقواد بجمع العساكر والجناد وان يكون في استعداد للحرب فامتثلوا امره في الحال وتجمعت الفرسان والبطال‬
‫حتى امتلت الروابي والتلل وكانت قد انضمت اليه عدة قبائل وامدوه في العساكر والجحافل حتى سار في لربعمائة الف وقال‬
‫لما بلغ بني بكر هذا الخبر اعتراهم القلق والضجر وخافوا من العواقب وحلول النوائب فجمعوا المراكب والكتائب وسار بهم‬
‫المير إلى الذئاب وهومكان شهير يبعد ثلثه أيام عن قبيله الزير وهناك أنضمت اليهم بعض القبائل من العربان فكانوا نحو‬
‫ثلثمائه ألف واقاموا في ذلك المكان ولما سمع الزير برحيل مرة واولدة إلى الديار قال ل بد أن اقتفي الثار وافني الكبار‬
‫والضغار ثم امر الفائد الكبير بسرعه المسير فامتثلوا ماامره وفعلوا ما ذكرة وفي الحال دق طبل الرجوع فارتجت منه السهول‬
‫والمروج وهو الطبل الذي كان لتبع حسان ولم تكن ال ساعه من الزمان حتى ركبت البطال والفرسان وركب المهلهل متسربل‬
‫بالسلح كأنه ليث الغاب وعلى راسه الرايات والبنود ومن ‪.‬‬
‫الجزء الخامس‬
‫حوله القواد والجنود فعند ذلك سارت الواكب قاصده الذئاب وما زال العسكر يقطع البر القفر اشرف إلى تلك الديار في اليوم‬
‫الثالث عند نصف النهار ولما قرب وانكشف البيان وراه المير مرة ومن معه من الرجال والفرسان قالوا وحق الله القدير‬
‫المتعال لقد اقبل علينا سالم الزير بالجموع والجماهير والفرسان المشاهير واليوم تباع الرواح بيع السماح في عاجل الحال‬
‫انتخب المير مرة الف من البطال وارسلهم لملقاة العداء في تلك البيداء وكان المقدم عليهم ابنه جساس وجماعه من علماء‬
‫الناس فسار الجحفل طالبا جيش الهلهل ثم فرق مائه الف اخرى في الصحراء وقدم عليهم ابنه همام وحثهم على الحرب والصدام‬
‫واقام هو بباقي العسكر على الجانب اليسر حتى اذا انكسرت الفرقتان يحمل بمن معه من الفرسان ولما شاهد المهلهل تلك الحال‬
‫وانقسام الرجال والبطال فقسم عسكره إلى ثلثه اقسام وتقدم ولما اقتربت العساكر من بعضها البعض وانتشر جموعه في تلك‬
‫الرض حملت الفرق على الفرق وهجم الجيش على بعضه وانطبقوا وقصد المهلهل فرقه المير مرة بعشره الف من اهل‬
‫الشجاعه والقدره وفي الحال اشتبك القتال وعظمت الهوال وجرى الدم وسال وارتحب الوديان والتلل من قعقعه النضال فكان‬
‫يوما مريعا وحربا فظيعا يشيب منه راس الغلم قبل الفطام فما كنت ترى ال رؤوسا طائرة ودماء فائرة وفرسان غابرة فلله در‬
‫المهلهل ومافعل ذلك اليوم من العمل فانه هجم هجوم السود وفرق المواكب والجنود ونكس الرايات والبنود وقتل كل جبار‬
‫ونمرود وكان كلما قتل فارس منتخب يقول يا لثارات كليب ملك العرب ويلقى نفسه في مهاوي العطب امل بالنصر وبلوغ‬
‫الرب ومازال على تلك الحال حتى قتل خمسمائة من البطال ولما اشتدت الهوال تأخرت عنه الرجال خوفا من الهلك‬
‫والوبال وهو يجول ويدور ويهدر كالسود والنمور ويقول كليبا قتيل الجور اين عيناك اليوم تراني وتشاهد حربي وطعاني‬
‫فياليتني كنت فداك ول كان من يسلك ( قال الراوي ) وكانت نيران المعامع والحروب والوقائع مشتبكه في ثلثة مواضع‬
‫واستظهرت جيوش المهلهل على اعدائها وبلغت غاية مناها وفعلت باقي الفرق كما فعل سيدها واستمر القتال على هذا الحال من‬
‫الظهر إلى غروب الشمس وكان قد قتل من بني بكر أوفى من ثلثين الف نفس ومن جماعة المهلهل نحو خمس الف بطل فعند‬
‫ذلك دقت طبول النفصال فارتدت عن بعضها الفرسان ونزلوا في الخيام والمضارب ورجع المهلهل وهو قاهر وغالب كأنه‬
‫أرجوان مما سال عليه من أدميه الفرسان فاجتمع بالسادات والعيان في الصيوان فهنوه بالسلمة وقالوا مثلك تكون الشجعان‬
‫يازينة الكوان وجوهرة هذا الزمان فشكرهم على هذا الكلم ووعدهم بالخير والنعام ثم أكلوا الطعام وأخذوا يتذاكرون بأمر‬
‫الحرب والصدام وكان المهلهل صديق يركن اليه ويعتمد في أموره عليه قوي الجنان فصيح اللسان يقال له امرؤ القيس ابن ايان‬
‫وكان يقاربه بالفروسيه ويساويه بالفصاحه والهمه العاليه فقاتل معه في ذلك اليوم وفتك في صناديد القوم وكان ليفارق الزير‬
‫في القتال ويحمي ظهره من غدر الرجال فقال له المهلهل أمام الفرسان ماهو رأيك يا ابن ايان في الهجوم على العداء اللئام‬
‫تحت جنح الظلم فاني وال كلما اذكر قتل كليب تتوقد بقلبي النيران وليس لي عنه صبر ولسلوان فقال تمهل ياأمير مهلهل فان‬
‫النهار قد اقترب ولبد لنا من بلوغ الرب لن القتال في الليل يجلب علينا الهم والويل فتختلط الحزاب بالحزاب ولتعود‬
‫تعرف العداء من الحقاب لن الظلم يحجبنا بعضنا البعض ونتشتت في هذه الرض فاستصوب كلمه الزير فقال هكذا‬
‫اشارت فرسانه ‪:‬‬
‫( قال الراوي ) وبات الجيشان يتحارسان وأوقد النيران فكانت بنو بكر وباقي قبائل العرب قد باتت في شدة وتعب وأيقن المير‬
‫مرة انه يغلب ويقهر من سيف الزير السد السود ولما اصبح الصباح واضاء بنوره ولح تبادرت العساكر إلى ميدان الحرب‬
‫والكفاح واصطفت الفرق إلى صفوف وترتبت المئات واللوف وتأهب المهلهل للحرب واستعد للطعن والضرب فركب ظهر‬
‫الحصان وتقدم إلى معركة الطعان وتبعه امرؤ القيس بن ايان وقواد البطال والفرسان بقلوب أقوى من الصوان وكذلك ركب‬
‫المير مرة وبقية الفرق واعتقلوا بالسلح والدروع فعند ذلك دقت الطبول وصهلت الخيول وارتفعت الرايات على رؤوس‬
‫المراء والسادات من جميع الجوانب والجهات وهجم كل فريق على فريق وتقاتلوا بالسيف والمزارق والتفت المم بالمم وقام‬
‫الحرب على ساق وقدم وما مضى ساعة من النهار حتى اشتد لهيب النار وطلع للقتال الغبار وانذل الجبان وحار وارتفع الصياح‬
‫وعل وارتجت أقطار الفل ولبست الرض من الدماء حلل وعظم بنيهم البل والويل وعاد النهار كسواد الليل وقال المهلهل في‬
‫ذلك اليوم وما قصر وفعل افعال تبقى وتذكر فانه أقتحم صفوف العادي كانه ليث الوادي وحال المامن والمياسر وطعن فيها‬
‫طعنا يذهل النواظر ويحير العقول والبصائر وهو يقول يالثارت كليب مهجه قؤادي ومن كان سندي واعتمادي ولما طال المطال‬
‫واشغى غليله من قتال البطال قال ‪:‬‬
‫ذهبت الصلح او تردوا كليبا اونبيذ اليين نطرا ذهل ذهبت الصلح او تردوا كليبا او نعم السيوف شيبان ذهبت الصلح او تردوا‬
‫كليبا او ازهق الرجال قهرا وذل‬
‫فتعجب الفرسان من شعره ومقاله وانذهب من هول قتاله وكذلك اندهشت باقى ابطاله باقى ومازال الحرب يعمل الدم يبذل‬
‫والرجال تقتل إلى ان ولى النهار وارتحل ودخل الليل واقبل فعند ذلك رجع المير المهلهل وباقي الجيش والجحفل وجميع أكابر‬
‫عشيرته وأهله وأخوته يتحادثون فيما يجري ويكون فاستقر الرأي على سرعة النجاز والجهاد في الحرب والبراز قبل أن‬
‫يطول المر وتفوتهم الغلبه والنصر ثم انهم اكلوا الطعام باتوا في الخيام ولما طلع النهار واشرقت الشمس والنوار تأهبوا‬
‫للحرب والكفاح فتقلدوا بالسيوف والرماح ودقوا الطبول وركبوا ظهور الخيل وتقدمت الفرسان والبطال إلى ساحة القتال‬
‫وكذلك فعل المير مرة والمير جساس ومن يلوذ بهم من عظماء الناس والتقت العساكر بالعساكر وتقاتلوا بالسيوف والخناجر‬
‫وكان المير المهلهل في أول الجحفل فصاح وحمل والتقى الفرسان بقلب أقوى من الجبل وهو يهدر كالسد ويضرب فيهم‬
‫بالسيف المهند ويقول يالثارات كليب ليث الصدام وزينة الليالي وكان كلما قتل فارسا يعيد هذا الكلم فقصدته البطال من اليمين‬
‫والشمال وهو يضرب فيهم الضرب الصائب وليبالي بالعواقب حتى مزق الصفوف بحملته وفرق اللوف بتواتر طعناته وما‬
‫تنصف النهار حتى قتل مائه بطل كرار من البطال والفرسان المذكورة كذلك فعل امرؤ القيس ابن ايان وباقي القواد والشجعان‬
‫ومازالوا على تلك الحال إلى ان ولى النهار بارتحال فارتدوا عن الحرب والصدام ورجعوا إلى المضارب والخيام وكان قد قتل‬
‫من عرب جساس في ذلك النهار عشرون الف بطل كرار ومن عرب المهلهل نحو ثلثة الف بطل ولما اصبح الصباح استعد‬
‫الفرسان للحرب والكفاح فركبوا ظهور الخيول وتقاتلوا بالسيوف والنصول وهجم المهلهل على الفرسان الفحول كأنه الغول‬
‫وهو ينشد ويقول ‪:‬‬
‫هلموا اليوم نلتقي يا ال مرة ولو كانوا ثلثين الف كرة وسيف الهند يقطع في يميني فلتخشى المهالك والمضرة فاحموا يا بني‬
‫عمي لظهري فتحظوا بالماني والمسرة فكل الناس ترهب من قتالي اذا ما جلت في الميدان كره سوف ابيد جساسا وقومه‬
‫واسقيهم في حربي كاس مرة‬
‫ثم انه لما حمل على الكتائب والمواكب واظهر بافعاله الغرائب والعجائب وقتل كل شجاع غالب ‪( :‬قال الراوي ) وما زال القوم‬
‫في حرب وصدام وقتل وحصام مدة ثلثه شهور حتى اشفى الزير غليله من بني بكر وقتل منهم كل سيد جليل وفارس نبيل‬
‫وكان عدد من قتلهم في تلك المواقع نحو مائه الف مقاتل مابين فارس وراجل وقتل من جماعه الزير نحو عشرة الف بطل فلما‬
‫راى جساس ما حل بقومه من النوائب خاف من العواقب وعلم انهم اذا ثبتوا امامهم يهلكون هلك البد ليبقى منهم أحد فولى‬
‫وطلب لنفسه الهرب مع باقي طوائف العرب وغنم الزير غنائم كثيرة واموال غزيره ثم رجع يمن معه من الفرسان إلى الطلل‬
‫وهو في احسن حال وانعم بال ونزل في قصر اخيه وصارت ملوك العرب تكاتبه وتهادنه وكان يترقب الوقات للحرب والغزو‬
‫فشكرته اليمامه على ما فعل وقالت لعدمتك ايها البطل فانك اخذت الثار وطغيت لهيب النار ورجعت بالعز والنتصار فشكرها‬
‫على هذا الكلم وقال حق رب النام ليشفى فؤادي وليطيب لذيذ رقادي حتى اقتل المير جساس واجعله مثل بين الناس وهذا‬
‫المر سيتم عن قريب باذن ال السميع المجيب ‪( .‬قال الراوي ) بينما هو يترقب الخبار ويقتفي الثار اذ دخل عليه العبد نعمان‬
‫الذي تقدم ذكره قبل الن وكان من اصحاب الزير واصدقائه المشاهير فسلم عليه وتمثل بين يديه فنهض له على القدام واكرمه‬
‫غايه الكرام وبعد ان جلس قال للزير اعلم يا امير قد جيت الن من ابعد مكان اول لهئيك بالنتصار واعزيك على فقد ذلك‬
‫البطل الكرار وثانيا لعلمك بانه ظهر لي المنام من مده عشرة ايام رؤيا عجيبه تشير إلى احوال غريبه وهو النهار ان تحارب‬
‫أحد من ملوك القطار بل تجنب وقوع الفتن وتبقى مرتاح في الوطن فمتى تمت هذه الليالي رافقك السعد والقبال باذن الله‬
‫المتعال فأن حاربت انتصرت وان قاتلت ظفرت وقهرت فشكره الزير على ذلك الهتمام وغمره بجزيل النعام ومن ذلك اليوم‬
‫اخذ لنفسه الحذر وتجنب مخالطه البشر وكان يصرف ايامه بشرب المدام واكل الطعام واشتهر الخبر في القبائل ان الزير اوقف‬
‫الحرب مدة سبع سنين كوامل (قال الراوي ) وكانت بني مرة قد هامت في القطار خوفا من الهلك والدمار وندم جساس غايه‬
‫الندم بقتل كليب السد الغشمشم وما زال هو وقومه في خوف وحذر من عواقب المور إلى ان بلغهم خبر توقيف القتال فزالت‬
‫عن قلوبهم الهموم والهوال ورجعوا إلى الطلل ‪ .‬هذا ما كان من بني مرة وجساس واما الزير الفارس الدعاس فانه استمر‬
‫على تلك الحال وهو في رغد عيش وانعم بال ان كانت نهايه السنه السادسه فركب إلى الصيد والقنص في جماعه من فرسانه‬
‫وابتعد عن الديار نحو ثلثه ايام ومن التفاق الغريب فان المير جساس راى حلما في بعض الليالي وهو انه رقد في قرب‬
‫صيوانه حوض من الماء فبينما كانت قومه تشرب منه فاذا بذنب كاسر قد جاء إلى الحوض بصفه جمل كبير وله ثمانيه انياب‬
‫فشرب من الماء ثم ضرب الحوض بنابه فانشق من جانبه وتهور ذلك الماء حتى كادت قومه ان تهلك من شده العطش والظمأ ثم‬
‫راى النسوان والولد بثياب السود والدم جاري مثل المجاري والجمال تنهش بعضها البعض ودماها تسيل على وجه الرض‬
‫فاستيقظ جساس خائفا من هول ذلك المنام فاستدعى اليه اخوته وبنى العمال وقص عليهم ما راى وابصر فاستعظموا ذلك المر‬
‫وقالوا ليوجد من يقدر على تفسيره سوى المنجمين فان حسن عندك ارسل استدعى عمار الرياحي فانه يفسره لك على يقين‬
‫فارسل اليه وحضر وقص عليه الخبر فضرب ورسم الشكال فبانت له حقائق الحوال ثم التفت على جساس ومن حضر هناك‬
‫من الناس وقال لهم هذا المنام من عجائب اليام وهو يدل على شر عظيم وخطب جسيم سوف يحل عليكم من سالم بوقت قصير‬
‫وقد اظهر لي ايضا بان اخ المهلهل عندة مهر ادهم اسمة عندم قوي العصب والحيل عديم المثال في الخيل وسعد الزير مقرون‬
‫بهذا الحصان وبه وينتصر في الحرب والطعن فاذا ملكتم هذا الجواد نلتم المراد واسرتموة في القتال والطراد ‪ .‬فلما سمع جساس‬
‫هذا الكلم استبشر ببلوغ المرام وقال لهم قد بلغنا بان الزير غائب عن القبيله وما في الحي غير النساء والحصان موجود في‬
‫الديار وهذه ازالة الغصه ثم انه ارسل رجل ليكتشف الخبر ثم رجع واخبره بصحه الكلم فعند ذلك ركب جساس في ثلثه الف‬
‫بطل وطرق باب المهلهل على عجل واحاط بساحه الدار من اليمين واليسار فاستعظم بنات كليب ذلك المر ولم يعلن ذلك السبب‬
‫فطلت اليمامه براسها من الشباك وقالت له اركب على ظهر الفرس ماهو الداعي ياخالي بقدومك إلى الحي بالبطال والحي‬
‫خالي من الرجال فقال لها جئنا بطلب المهر الدهم المدعو بعندم فقالت له اهل وسهل بك مهما طلبت فل نمسكه عنك غير انه ل‬
‫خفاك بان المهر خاصه بعمي عديه فل يمكننا ان نسمح فيه ثم اشارت تقول‪:‬‬
‫بكم قد حلت البركه علينا وزال الشر عنا مع نكال فمهما تطلبوا مني تشوفوا خيول مع بغال وجمال ولكن مهر عمي غير ممكن‬
‫اسلمه فان المهر غالي‬
‫( قال الراوي ) فلما سمع جساس شعرها ونظامها أجابها يقول على كلمها بهذين البيتين ‪:‬‬
‫تعالوا اسمعوا قول اليمامه تقول المهر ل أعطيه غالي فأني قاصد أخذه سريعا ول أخشى العداة ول أبالي‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره نزل عن ظهر الفرس ودخل إلى الصطبل فوجد المهر فوضع عليه العدة وركبه‬
‫وقال لليمامه قد أخذت الحصان وغدا أطاردكم على ظهره سار وهو فرحان حتى وصل إلى الوطان فقال لخيه قد اتيت‬
‫بالحصان ومرادي اجربه في الميدان فانتخبوا ثلثين راسا من الخيل الصوافن فأركبوها واكمنوا في عشر مكامن وأنا أمر عليكم‬
‫أسرع من الريح فاتبعوني في البر الفسيح فان سبق هذا الجواد بلغنا به المراد في الحرب والطراد فأجابوه إلى ماطلب وأراد‬
‫وركبوا الخيول الجياد وركب سلطان أخو جساس القميرة ووقف في آخر كمين وركب جساس ذلك الحصان واطلق له العنان‬
‫فسار في تلك القفار اسرع من الطير اذا طار ولما اقترب من الخيل تبعته فسبقها جميعا ماعدا القميرة ففرح جساس ثم نزل عن‬
‫ظهره وامر العبيد ان يربطوه بقرب صيوانه ووكل به مئة عبد وقال لقد اقبل علينا السعد فسوف نقتل ذلك الوغد ‪ ( .‬قال‬
‫الراوي ) هذا ماكان من جساس واما الزير فانه عند رجوعه من الصيد استفقد ذلك الحصان فلم يجده مع الخيل فصعد إلى‬
‫القصر وسأل اليمامه واشار يقول ‪:‬‬
‫يقول الزير أبو ليلى المهلهل بدمع قد جرى مني بداد يمامه رحت انا لصيد قانص وقومي واخوتي ثم الجياد لنا عشرون يوما في‬
‫فلوة ودرنا من بلد إلى بلد وصدنا طيورا ووحوشا كثيرة ودرينى رجعنا للبلد وجيت لمهر أخي فما لقيت شرد عقلي وعني‬
‫عاد غاد فأين المهر قوطر يايمامه عدم صبري وفارقني رشادي امات المهر أم أحد أخذه من الوباش والناس العادي‬
‫فلما سمعت اليمامه شعر عمها اجابته تقول‪:‬‬
‫تقول اليمامه ياعم اسمع ال ياعم جاؤوا العادي ابي جساس أخذه غصب عني انا حرمة ومالي منه جلدي فقلت تأخذه يا خال‬
‫تندم يجوكم غدا على خيل جيادي وقال غدا القيكم بعزمي وقد زادت همومي بزدياد له ياعم ثلث ايام غائب وقد زاد حزني‬
‫بزدياد فقم ياعم شد الخيل وركب بعسكر كأنهم رف الجراد وميل على بني مرة بسيفك واحصد جمعهم مثل الحصاد ياعمي عدية‬
‫اليوم يومك ياعزي وفخري واعتمادي وهاتوا راس جساس سريعا اجبر خاطري واشفي فؤادي‬
‫فلما فرغت من شعرها ونظامها اجابها الزير يقول ‪:‬‬
‫يقول الزير قهار العادي انا السبع الجسور في كل وادي غدا لبد اجد في لقاهم واحصد جمعهم يوم الجهاد وأخذ ثارنا من آل‬
‫بكر واطفي النار من طي الفؤادي وأخذ مهرنا المدعو بعندم ويظهر ذكرنا بين العبادي فمن يذهب يقول لولد مرة اتاكم اليوم‬
‫ذباح العادي اتاكم المهلهل مع آل تغلب اسود الحرب في يوم الطراد ال يا آل مرة سوف اشفي بقتل ساداتكم فؤادي وليخفاكم‬
‫يا آل مرة بقتل كليب صرتم لي أعادي‬
‫فلما فرغ الزير من شعره دخل وجلس في الديوان وجمع اخواته والمراء والعيان واخبرهم بواقعة الحال وقال لهم مارايكم في‬
‫اسجلب الحصان فقالوا له الراي رايك ونحن طوع يديك قال متى كان الصباح تركبوا في ثلثة الف فارس وتكمنوا في وادي‬
‫الهجين وانا اكمن في وادي المطل وكان هذا المكان يبعد عن بني مرة مسافة ميل ثم قال لخيه عديه وانت قم الن وغير ثيابك‬
‫وزيك والبس ثياب ممزقه حتى لأحد يعود يعرفك واذهب لحي بني مرة وتجلس بقرب صيوان جساس فاذا سألوك عن بلدك‬
‫ومهنتك فقل لهم من بلد الصعيد ومهنتي هي سياسة الخيل وانا قد بلغني ان جساس من محبته في الحصان كل يوم يسلمه إلى‬
‫سايس فاذا قال لك هل تريد ان تخدم عندي وتسوس هذا المهرفقل نعم حتى اذا تمكنت منه تركب ظهره وتلحقنا إلى ذلك المكان‬
‫فمتى صرت هناك لتخف ول تحسب لهم حساب ولو كانوابعدد التراب فاني سأبيد جمعهم بعون رب العالمين واخذ ثارنا من‬
‫جساس اللعينفاستصوب رايه ولبس ثياب ممزقه وتعمع بعمامه والتحف بحرام عتيق وغير زيه وتنكر وسار يقطع البر القفر‬
‫إلى ان حي بني مرةفقصد صيوان جساس وكان قد اقبل الليل فرقد بين اطناب الحيام ولما كان الصباح جلس المير جساس‬
‫واجتمعت حوله اكابر الناس ثم وضعوا موائد الطعام واخلوا يتذكرون بالكلم فبينما هم كذلك اذ حانت من جساس التغاته فراى‬
‫عديه وهوعلى تلك الصفات فشفق عليه وقال لبعض غلمانه اطعم هذا الفقير واساله عن حاجته فأحذ له الغلم طبق الطعام وساله‬
‫عن بلده فقال انني من بلد الصعيد ومهنتي سياسه خيل الماجيد فقد جار على الزمان فأتيت منالوطان قاصدا اهل الفضل‬
‫والحسان إلى ان وصلت الىهذا المكان فطيب الغلم خاطره واعلم موله بحاله فقال جساس اذا كان منبلد الصعيد فهو ادراء‬
‫بسياسه الخيل من العبيد فدعوة يسوس لنا عندم المهر الجديد وانا اعطيه كل ما يريد ونا وجدته من الماهرين سلمته جميع خيلي‬
‫وجعلته رئيس اصطبلي فلما قال له الغلم هذا الكلم دعا لجساس بطول العمر ثم ان تحزم وتقدم إلى المهر ففك قيود رجليه‬
‫وقبله بين عينيه وقال هذا يومك يا جوادي فقد بلغت الت مرادي وكان المهر لماراى صاحبه عرفه فمال اليه وألفه فتعجب‬
‫جساس وباقي الناس لن الجواد كان ليالف احد من العبيد الموكلين عليه من قاربه ضربه بيده ورجله فقال جساس وحق رب‬
‫النام ان هذا السيائس يستحق الكرام والنعام وكان عديه لما تمكن من المهر ركب على ظهره ثم لكزه برجليه وصاح فسار‬
‫مثل هبوب الرياح وجد في قطع البطاح كأنه طير بل جناح فلما راى جساس تلك الحال تغيرت منه الجوال وعلم انها حيله قد‬
‫تمت عليه ولطم على خديه ووجهه وصاح على البطال والفرسان وقال دونكم هذا الشيطان فقد احتال علينا وخدعنا بالمكر‬
‫والحتيال حتى نال طلبه بلغ قصده واربه فعند ذلك ركبت الفرسان ظهور الخيول واعتقلوا بالسيوف والنصول وتبعوه في تلك‬
‫السهول وهم يصيحون وراءة ويجدون في قطع الفله إلى ان وصل إلى ذلك الوادي الغدير فوجد احاه الزير وهو كامن هناك في‬
‫جماعه من البطال صناديد الرجال فاعلمه بواقعة الحال فقال خذ حذرك الن فقد اتتك الفرسان من كل جانب ومكانفبتسم‬
‫المهلهل وقال سوف تراى ما افعل ثم انه نزل عن ظهر حصانه واعطاه لحيه واخذا المهلهل الدهم ووضع عليه عدة جواده ثم‬
‫ركب وتلملم واذا بالخيل والمواكب قد احاطت به من كل جانب وصاح عليهم وحمل بقلب اقوى من الجبل ومل عليهم بالحسام‬
‫كانه ليث الجام فطير الرؤوس عن الجسام وفتك فيهم فتك الذئاب بالغنام وفي اقل من ساعه ادركته بقيه الجماعه الذين‬
‫كانوامكمنين في وادي الهجينفانصبوا عليهم كالشوهين من الشمال واليمين وكان قد وصل الحبر إلى جساس فأخذه القلق‬
‫والوسواس فركب بباقي البطال ومن يتمد عليهم من الرجال وقصد ذلك المكان وقاتل قتال الشجعان واتقت الرجال بالرجال‬
‫والبطال بالبطال وعظمت الهوال وجرى الدم وسال وكثر القيل والقال وتزلزلت الرض من هول القتالوكانت واقعه عظيمه‬
‫لميسمع بمثلها في اليام القديمه انهزم فيها جساس اقبح هزيمه وغنم المهلهل غنيمه جسيمه لهاقدر وقيمه ورجع إلى الديا روالعز‬
‫والنتصار فالتقته النساء بالدفوف والمزامير ثم طلع إلى القصروهو منشرح الصدر فشكرته بنت اخيه على مافعل وقلن ل درك‬
‫من بطل فقد احذت الثار وطفيت من القلوب لهيب النار فال يحفطك ويبقيك وينصرك على حسادك واعاديك فشكرهن على هذا‬
‫الكلم وبعد ان خلع ثيابه جلس للطعام وشرب المدام ثم دخلت امه فقبلته بين عينيه وهنأته بذلك النتصار وطلبت منه ان يرفع‬
‫عن بني مرة السيف البتار فاستقبلها بالوقار والعتبار وقال لها وال اني ل أصالحهم يا أماه حتى يعود كليب إلى قيد الحياة ثم‬
‫تذكر تلك الواقعه وما جرى له في تلك اليام مع القوم فأنشد يقول وعمر السامعين يطول ‪:‬‬
‫يقول الزير أبو ليلى المهلهل وقلب الزير قاسي ما يلينا وان لن الحديد ما لن قلبي وقلبي من حديد القاسيينا تريدي يا أميه أن‬
‫أصالح وماتدري بما فعلوه فينا فسبع سنين قد مرت علي أبيت الليل مغموما حزينا أبات الليل أنعي في كليب أقول لعله يأتي الينا‬
‫كان كليب في رؤوس المعل تغشاه ذئاب الجائعينا أتتني بناته تبكي وتنعي تقول اليوم صرنا حائرينا فقد غابت عيون أخيك عنا‬
‫وخلنا يتامى قاصرينا سللت السيف في وجه اليمامه وقلت لها أمام الحاضرينا وانت اليوم يا عمي مكانه وليس لنا بغيرك معينا‬
‫وقلت لها ما تقول أنك عمك حماة الخائفينا كمثل السبع في صدمات قوم أقلبهم شمال مع يمينا فدوسي يا يمامه فوق راسي على‬
‫شاشي أذا كنا نسينا فان دارت رحانا مع رحاهم طحناهم وكنا الطاحنينا أقاتلهم على ظهر المهر أبو حجلن مطلوق اليمينا فشدي‬
‫يا يمامه المهر شدي وأكسي ظهره السرج المتينا وهاتي حربتي رطلين وازود وحطيها على عدد متينا ونادي على عدية وكل‬
‫قومي صناديد الحرب المانعينا ونادي أخوتي يأتوا سريعا لنلقي جيش بكر أجمعينا فنادتهم أتوا كأسود غاب وقالوا قد اتينا يا‬
‫أخينا وياتوا يحرسون الليل كله وقضوا الليل كله وساهرينا‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من شعره ونظامه شكره الجميع على مقاله وباتوا تلك الليله في سرور وانشراح ولما اصبح‬
‫الصباح وأضاء بنوره ولح أمر الزير قومه بالستعداد للحرب فركب ظهر الجواد وتبعته الفرسان والقواد وقصدوا بني مرة‬
‫بقلوب قويه وهمم عليه فالتقاهم جساس مع أخوته وأهله واشتبك بينهم القتال وعظمت الهوال وابتلت بني مرة بالبلء والويل‬
‫وكان الزير يحصد فيهم بالنهار والليل واستمر القتال بين الفريقين مدة سنتين حتى فقد من بني مرة في هذا الحرب الخير نحو‬
‫اثني عشر الف أمير عدا السادات والكابر والجيوش والعساكر وكان الزير يأمر قومه بقطع الرؤوس ووضعها في المخازن‬
‫لنه كان قد اقسم بال العظيم ان سيملي البيوت من جماجمهم وباقي الماكن فلما طال المطال واشتدت على بكر الهوال‬
‫اجتمعت اكابر الناس مع المير جساس واخذوا يتفوضون كيف يتخلصون لن الزير ليقبل منهم فدى وجميع وسائطهم التي‬
‫استعملوها في توقيف الحرب راحت سدى فقال سلطان لخيه جساس أعلم يا أخي بأن الزير في كل صباح يمر على قبر أخيه‬
‫فيجيبه بالسلم ويقول له قد قتلت في ثأرك فلن وفلن فهل اكتفيت أم ل فل يجيبه أحد فالرأي عندي ان انتخبوا رجل وتضعوه‬
‫داخل القبه بحيث ليراه أحد فإذا مر الزير على القبر حسب عادته وسأل أخاه ذلك السؤال فيجيبه الرجل بصوت خفيف من قلب‬
‫ضعيف لقد اكتفيت ياأخي فاغمد سيفك من هذا اليوم عن قتال القوم واياك أذية البشر فان ذلك مما يجلب علي الضرر فاذا سمع‬
‫هذا المقال فلربما ينطلي عليه المحال فيكف عن الحرب والقتال فنستريح من القيل والقال فاستصوب جساس وباقي العيان رأي‬
‫المير سلطان ( قال الراوي ) وكان في القبيله رجل فقير الحال عديم الشغال فاستدعاه جساس اليه وقص ذلك الكلم عليه وقال‬
‫له اذا بلغنا الرب ولكن الطريقه خطره قبيحة فأخذ جساس يحسه بالكلم ويرغبه في هذا بالشعر والنظام ‪:‬‬
‫على ماقال جساس بني مرة ال يافارغ الشغال اسمع فلي عندك حاجه صغيرة فتقضيها سريعا لم ترجع فان الزير ل شانا جميعا‬
‫وفرق جمعنا في كل موضوع ول يقبل رجاء ول عطايا وعن الفعال ماكان يرجع بثار كليب صرنا شرايد أعدم في الوغى كل‬
‫ليث أروع يمر في قبره في كل صباح ويزعق بصوت للكباد يصدع يقول ال نعمت أخي صباحا ايكفي ماقتلت تريد ارجع‬
‫فاذهب واختبي بالقبر حال اذا صاح المهلهل انت تسمع اذا سألك أحارب أو اصالح اجيبه انت محفوظ ارجع ان رضيت منهم‬
‫نلت ثأري وانت بقتلهم ل عدت تطمع لعله يظن انك انت اخيه فيصفح عن مآلمنا ويرجع‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من هذا المقال قال له عديم الشغال على الراس والعين ولما كان الليل حفروا سردابا وصلوه‬
‫إلى القبر وادخلوا ذلك الرجل فيه ولما كان الصباح ركب الزير ظهر الحصان وتبعه البطال والفرسان ومر على قبر اخيه‬
‫حسب عادته ونادى بصوت عال نعمت صباحا يا أخي كليب فقد قتلت في ثأرك نهارا امس خمسة آلف نفس أيكفي ما قتلت‬
‫منهم او ارجع افنيهم عن بكرابيهم فاجابه ذلك الرجل من القبر بصوت خفيف وانت انعمت صباحا يا أخي الحنون يا ساقي الضد‬
‫كاس المنون كف الحرب فقد اكتفيت وان قاتلتهم بعد اليوم تكون قد تعديت وبغيت فتزيدني ضررا وغما وكدرا فان نفسي قد‬
‫بلغت مناها ونالت مشتهاها فكثرت خير اتك وزادت في الدنيا مسرتك ‪( .‬قال الراوي ) فلما سمع الزير هذا الكلم زالت اتراحه‬
‫وزاد فرحه وانشراحه وقال سبحان الرحمن الرحيم الذي يحي العظام وهي رميم انت يا أخي بخير ونحن بعدك نقاسي الضنك‬
‫والضير ثم نزل عن ظهر الحصان ودخل إلى القبر وهو فرحان وقال اذا كنت بخير يا أبا اليمامه فماهي هذه السكته والقامه‬
‫بعد العز والكرامه فقم إلى عند بناتك فانهن في حزن وكدر ثم تقدم اليه وتامل فيه بالنظر فراه انه ذلك الرجل المعهود فغاب‬
‫المهلهل من الوجود فجذبه من لحيته واخرجه من السرداب وقال له اصدقني بالحطاب فمن انت ومن تكون قبل ان تشرب كاس‬
‫المنون فأعلمه بواقعه الحال وحقيقة العمال فسل السيف ليقتله وقد اغاظه فعله فقال انابجيرة كليب اخيك فل كان من يعاديك‬
‫وقد جرني جهلي من قله عقلي حتى جراى ما جراى يا فخر الوراى ‪ .‬فلما سمع الزير كلمه ابدى ابتسامه فصفح عنه واعطاه‬
‫جوادا من اطايب خيل العرب والف دينار من الذهب فدعا له بطول العمر وخرج من القبر وهويقول ‪ :‬وال ان المير كليب‬
‫يحمي اليوم الخائف في مماته كما كان يحميه في ايام حياته ثم راجع إلى القبيله وهو يتعجب من تلك الحيله وفي الغد ركب فرقه‬
‫من البطال وقصدوا بنو مرة واشتبك بينهم القتال وعظمت الهوال وما زالوت في قتال وصدام مدة عشر ايام فانكسرت بنو‬
‫مرة انكسار وقتل الزير مقتله عظيمه المقدار وكان ياتي براس سادات الجماعه فيضعها على قبر كليب مدة ساعه ثم يدفنها تحت‬
‫الثرى ويبني فوقها القصور والقرى وكان كما اقبل منالحرب في المساء تلتقيه اليمامه مع جماعه من النساء فتقول يا سيد الناس‬
‫هل اتيت براس جساس حتى نخلع السواد ويطيب الفؤاد فيقول كوني براحه بال فسوف تبلغين المال باذن الله المتعال هذا‬
‫ماكان من المهلهل واما جساس فانه قد استقبل ولما ضاق به الحال اجتمع اهله وعشيرته وعقدوا بينهم ديوانا فاستقر رايهم على‬
‫ان يذهبوا إلى بلد الحبشه والسواد ويلجاوا بالملك الرعيني ابن احت اللتبع حسان فركب في ثاني اليام احوته واكابر عشيرته‬
‫واحذمعه احته الجليلهلتشفغ لهم عند حريم الملك الرعيني وبقي اخوة شاويش في الحي وكان هذا الرجل يحب الزير من ايام‬
‫صباه فعند رجيل جساس حضر شاويش الىعند الزير واعلمه بما جرى وكان من مسير الزير احواته عند ملك الحبشه والسودان‬
‫فأعطاه الزير المان وقال له انيما عدت احاربكم من الن حتى تحضر اخواتك إلى الوطان بالبطال والفرسان وتوقف الزير‬
‫من ذلك اليوم عن محاربه القوم وصار يصرف اوقاته في بالصيد والقنص هذا ما كان من المهلهل واما جساس فانه قدجرى في‬
‫قطع القفار حتى وصل إلى بلد الحبشه وتلك الديار ودخل على الملك الرعيني ووقع عليه بعد ما اعلمه بحالتهم الحاضره وطلب‬
‫منه النجده والمساعدة على حرب الزير ايضا بان كليب قتل خاله تبع حسان وقتله هووبقتله قام اخوه الزير يحاربهم حتى كاد ان‬
‫يفنيهم فلما سمع ا لرعيني هذا الكلم قال لقد بلغت اليوم منكم المرام ولبد من ذبحكم بحد الحسام لنكم من قوم لئام قتلتم خالي‬
‫واتيتم تستجيرون بي ثم امر بقبضهم وكانت الجليله واقفه على باب الصيوان وهي مثل الطاووس لبسه افخر الملبوس كانها‬
‫العروس فلما شاهدت ما جرى على قومها خافت من العواقب فشقت المواكب وتمثلت امام الرعيني فقبلت اياديه ودعت له بطول‬
‫العمر فلما راها الرعيني تعجب منفرط حسنها فمال قلبه اليها ووقع في شرك هواها فقال لهامن تكونين يا مهجة الفؤاد وبغيه‬
‫المراد فقالت له اخت القوم الذين امرت بقبضهم بدون ذنب ثم اشارت تقول ما قالت الجليله بنت مرة ايا ابوفهد اصحى دير بالك‬
‫وانظر ياسياج البيض فينا وانظرالذي وقفوا قبالك انا لقيتك يا ملك البوادي يا من بالمل شاعت فعالك ملوك الرض كنا يامسمى‬
‫فانت نظيرنا ونحن مثالك فالذي جرى كله مقدر ايا فخر الورى من قتل خالك قتل خالك كليب في حسامه وقام أخي الذي واقف‬
‫قبالك قتل لكليب خالك بسيفه كرمت خاطرك واصفي بالك ظهر لكليب اخ اسمه المهلهل حرمنا النوم زاد ال مالك قتل منا‬
‫اماجيد كثبره اتيننا واقفين على ديارك فهذا اليوم يومك يا مسمى فدق الطبل واركب في رجالك وسر معنا إلى الزير المهلهل‬
‫فقتله ودسه في نعالك وحكم سائر العربان يا ملك على امولهم تبقى حللك ولتشمت العدا يا امير فينا اتينا لك وصرنا من عيالك‬
‫وانت صميدع شهم كريم جميع الخلق تفزع من خيالك‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغت الجليله من نظامها وفهم فحوى قصدها ومرامها ثارت في راسه الحميه وقال قد فهمت قولك يا صبيه‬
‫ثم اشار يقول عمر السامعين يطول ‪:‬‬
‫قال الرعيني أبو فهد قال ال يا جليله اسمعي المقال وانتم افهموا قولي ياملوك اولد مرة ترونى الهم زايل اتيتم تلتجوا في الجميع‬
‫وقعتم على وقع العيال من جور الزير يا أهل الكرم دهاكم ضناكم رماكم بحال فو حياه راسي ورحمت ابي من خلق الرض‬
‫وارسى الجبال لركب عليه بكل الفحول واجرد عساكر شبه الرمال واقتل اعداكم بجاه السيوف وانا ادع الزير في سوء حال‬
‫جليله طيبي انت وابشري انا فداء أخوك بحد النصال أيا أخي غطاس انهض الن واجمع الفوارس والبطال نادي على الجيش‬
‫ان يركبوا يلبسوا الزرد والنصول الصقال ودقوا الطبول وشدوا الخيول وامشوا الفحول شبه العذال فدعنا نسير نزيل عسير عن‬
‫اولد مرة هذا النكال‬
‫( قال الرواي ) فلما فرغ الرعيني من كلمه نهض أخو غطاس الوزير وجمع البطال والفرسان والعساكر السودان ونادى‬
‫المنادي ان السفر يكون بعد ثلثة ايام ولما تجهزت العساكر للمسير لحرب الزير كان عندهم ستمائة الف بطل ففرح جساس‬
‫ومن معه من الناس فلما رأوا تلك السهول قد امتلت بالخيول وفي اليوم الثالث دقت الطبول ولمعت النصول وسارت العساكر‬
‫كالبحور الزواخر في أولهن الملك الرعيني واكابر دولته وجساس وباقي عشيرته ومازالوا يقطعون البراري والكام حتى‬
‫وصلوا إلى بلد الشام فاارسل جساس يعلم قومه بقدوم هذا العسكر وأن يهيئوا لهم الطعمه والذخر فلما سمعوا هذا الخبر فرحوا‬
‫فرحا عظيما وهيئوا لهم مايحتاجون اليه من الطعام والمدام وخرجت النساء والرجال للقاءهم فلما وصلوا إلى الديار نزلوا في‬
‫المضارب وقد تباشر قوم جساس بالنجاح والضفر وبلوغ المل ‪ ( .‬قال الراوي ) كل هذا يجري والزير ليس عنده خبر بشيء‬
‫من هذا المور بل كان مواضبا على السرور وشرب الخمور فبينما هو كذلك اذ دخل عليه أخوه عدي وقال انت جالس في‬
‫صفاك ولتدري فيما دهاك من اعدائك واشار ينشد ويقول ‪:‬‬
‫لقد قال الفتى المدعو عدي ودمع العين فوق الخد ساجم اراك اليوم في زهو ولهو تنبه يا أخي ان كنت نائم فقم على ماسوف‬
‫يجري من العداء يا ابن الكارم اتونا قوم مرة بالرعيني ملك جبار بالحكام ظالم لقد ذهبوا اليه يا مهلهل فجاء بست كرات‬
‫عوالم بهم من كل قوم ليث اروع وهو من بينهم مثل الصقر حائم تبدى الزير حال ثم قال له تخاف من العدى واخوك سالم انا‬
‫وحدي القيهم بعزمي انا الدعاس في يوم الزحايم واني سوف اقتل الرعيني واقطع راسه وال عالم وافني جيشه مع جيش مرة‬
‫انا المقدام مابين المعالم‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من نظامه وفهمت قومه فحوى كلمه تعجبوا من هذا المقال وشكروه على تلك الفعال واخذوا‬
‫يستعدون للحرب والقتال واما الزير فانه صبر إلى الليل وغير زيه وتنكر حتى لم يعد يعرفه أحد من البشر وجعل نفسه كاأحد‬
‫شعراء العرب الذين يقصدون المراء وارباب المناصب والرتب طمعا في الفضه والذهب ثم ركب الحصان وتقلد بالحسام من‬
‫تحت الثياب واخذ معه بعض الغلمان وسار إلى قبيلة بني مرة ولم يعلم به انسان ولم اقترب من الحله نزل عن ظهر الجواد وسلم‬
‫إلى الغلم وقصد المضارب والخيام حتى وصل إلى صيوان الرعيني فوجده جالس وحده فدخل وسلم عليه وتمثل بين يديه فلما‬
‫راه الرعيني في ذلك المنظر خاف وانذعر وسأله عن مهنته فقال انني شاعر اطوف على المراء والكابر فاحصل منهم على‬
‫النعام ومزيد الكرام وقد سمعت انك في بني مرة فأتيت قاصدك من مدينة البصره إلى ان تشرفت بطلعتك وتمثلت امام‬
‫حضرتك ‪ ( .‬قال الراوي ) وكان للرعيني زوجه تدعى بدور كانت خلف الستار فسمعت مادار بينهم من اليراد فاأرسلت‬
‫جاريتها تقول للملك ان ياأمر الشاعر بالنشاد فقال الرعيني انشد ياشاعر فانشد يقول ‪:‬‬
‫قال الديب الذي طالب احسانك يرجي بوسط الحشا والقلب بزار ياأبو فهد يارعيني استمع ما أقول يا من قلوب العداء بالروع‬
‫هزار قد كنت قبل في خير وفي نعم مستور مابين اهلي ما أنا معتاز فصرت شاعر على الجواد أطوي الرض ماشي على‬
‫عكاز قالوا فسر للرعيني مقصد الشعر فذاك جواد يعطي كل معتاز فجئت طالب احسانك واكرامك يامن حويت المكارم بالعطا‬
‫المعتاز‬
‫الجزء السادس‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه امر الملك الخزندار ان يعطيه الف دينار فعند ذلك سل سيفه البتر اسرع من لمح‬
‫البصر وضرب الرعيني على عاتقه خرج من علئقه ثم مال على الطواشيه والخدام بضرب الحسام وبعد ذلك هجم على الخيام‬
‫كسبع الجام فقتل الرجال ومدد البطال ووقع في السودان الضجيج والصياح والعويل والنواح فخرجت البطال من المضارب‬
‫وركبوا ظهور الجنائب فتقلدوا بالسيوف وهجموا على بني مرة صفوف صفوف وهم لم يعلموا سبب ذلك الويل من شدة سواد‬
‫الليل غير انهم ظنوا بني مرة قد خدعوهم حتى اتوا معهم إلى بلدهم فقتلوا ملكهم وغدروهم فلما رأى جساس ماحل بقومه من‬
‫السودان استعظم ذلك الشأن فركب جواده وتبعه اجناده واظطر ان يدافع عن نفسه ويحامي عن أبناء نفسه فقاتل تلك الليله حتى‬
‫استقتل وفعلت رجاله مثلما فعل وكانت ليله مهوله وحادثه غير مأموله كثر فيها القتل والجراح إلى وقت الصباح وكان المهلهل‬
‫لم بلغ القصد والمل بذلك العمل ارسل عبده في الحال إلى الطلع في طلب الفرسان والبطال وحضروا عند طلوع النهار‬
‫واحاطوا بالعادي من اليمين واليسار وحكموا فيهم ضرب السيف البتار واستمر الحرب والصدام بين القوم ثلثة أيام حتى‬
‫ابلهم المهلهل بالويل والدمار وقتل منهم كل بطل مغوار واسد كرار وكان من جملة المقتولين المير غطاس قائد جيش السودان‬
‫فلما رأت الجيش ماحل به من الهوان ولت الدبار وأوسعت في جوانب القفار وكذلك انهزم جساس ومن تبعه من الناس وتفرقوا‬
‫بالفلة وهم يقصدون النجاة ورجع الزير مع قومه غالبين غانمين ظافرين ودخل القصر بالعز والنصر وصحبته اكابرالقواد‬
‫الذين عليهم العتماد وهم يثنون على المهلهل ويقولون ل عدمنا طلعتك ايها البطل فبسيفك نلن المراد وقهرنا العادي والحساد‬
‫فل زالت ايامك في سعود وعدوك مقهور ومكمود ثم انه اكلوا الطعام وشربوا المدام وباتوا تلك الليله في سرور وافراح على‬
‫ذلك النتصار واما المير جساس فأنه بات في قلق ووسواس وندم على مافعل وقطع من سلمته المل ول سيما لما بلغته‬
‫الخبار بأن الختلف والنكسار الذي جرى عليهم في الليل والنهار كان بحيلة المهلهل السد الكرار فزاد همه وعظم حزنه‬
‫وغمه فكانت قبائل العرب يطلب منها المساعده على قتال بني تغلب وانظمت عدة قبائل برسم المساعده وصاروا يدا واحده‬
‫وكذلك انظم مع الزير جملة قبائل مشاهير فحتى لم يبق في بلد العرب قبيله ال وانضمت مع بني تغلب ‪ ( .‬قال الراوي ) من‬
‫غريب التفاق المستحق التسطير في الوراق بأن المير مهلهل حرج ذات يوم في عشرة الف بطل ومعه المير كتيف وكان‬
‫من أشراف تغلب وفرسانه الغضاريف وتبطن في جوانب القفر ليجس أحوال بني بكر فمر في قبيلة من قبائل العرب يقال لهم‬
‫بنو تميم وهم من فرع تغلب وكانت هذه القبيله ذات خيرات جزيله واجتمع المهلهل بفرسانها وسيدها المير عمر وقال لهم‬
‫اركبوا معنا يا نبي تميم لقتال بني بكر فا أبوا وقالوا عن فرد لسان ل نحارب من لم يحاربنا من العربان فقال المهلهل اما شملتكم‬
‫الحرب لحد الن فقالوا ال يافارس الميدان فقال فوحق الله الخالق ماكنت اظن انها شملت كل من في المغارب والمشارق‬
‫ومادام المر كذلك يوجوه العرب تنحوا عن منازلكم خوفا من حلول الحرب واقصدوا غير هذه الديار مرادنا ان نقاتلهم تحت‬
‫ستور العتكار فأن حاربناهم ل تأمنون على انفسكم من شرهم وأذاهم لنكم فرع من قبيلة بني تغلب فأن تقيمون منكم لهذا‬
‫السبب فقالوا ما علينا من بئس فانهم يحاربون من يعترض لهم من الناس اغتاض المهلهل من هذا الكلم وكان عليه اشد من‬
‫ضرب الحسام فتركهم وسار من الثر بمن معه من العسكر وجد في قطع القفار والتقى بقوم من بني بكر في ذلك الجوار فكبسهم‬
‫تحت ظلم الليل وابلهم بالذل والويل فسلبى اموالهم وقتل رجالهم وأخذ رؤوس ساداتهم العظام ورجع في الظلم وطرح‬
‫الرؤوس بين خيام القوم المعتزلين من بني تميم المذكورين الذين كانوا راقدين ثم تركهم وارتحل وسار على عجل فلما استيقظت‬
‫بنو تميم من المنام ورأت الرؤوس بين اطناب الخيام فاأيقنوا انها مكيده من المهلهل فزاد بهم الخوف والوجل وعلموا انهم لبد‬
‫ان العدو يتهمهم في ذلك العمل فنهضوا وارتحلوا من اطللهم بموشيهم واموالهم وانظموا إلى قبيلة تغلب والتجواء بالمهلهل‬
‫فارس العجم والعرب فلم يبق قبيله من قبائل العربان في ذلك الزمان ال شملتها الحرب والهوان ‪ ( .‬قال الراوي ) ولما عظم‬
‫المر على جساس وضاقت به النفاس فصمد إلى العابد نعمان الذي تقدم ذكره قبل الن فوقع عليه وشكا حاله اليه وبكى بين‬
‫يديه وطلب منه ان يسير بالعجل ويقصد المير مهلهل ويطلب منه كف الحرب والطعان من الزمان لحينما ترتاح النفوس‬
‫والقلوب من هول تلك الحرب التي اهلكت الرجال ورملت النساءويتمت الطفال فلما سمع قوله رق له فسار إلى عند المهلهل في‬
‫الحال وطلب منه ان يكف القتال ولوبرهه قصيره ومده يسيره وذلك لراحه القبيلتين وحير الفريقين فاجابه إلى ذلك المرام لنه‬
‫كان يحبه دون باقي النام وامر بتوقيف الحرب عن القوم من ذلك اليوم واشتغل المهلهل في تلك اليام بالملهي وشرب المدام‬
‫واكل الطعام وسماع الصوات والنغام ومغازلة النساء في الصباح والمساء وكان جساس يترقب على المهلهل الفرص ليقتله‬
‫ويزيل ما بقلبه من الغصص فبلغه في بعض اليام ان الزير طريح الفراش في الخيام من كثرة شري المدام وان اخواته قد‬
‫خرجوا للصيد وليرجعون ال بعد ثلثه ايام فجمع اخوته واعلمهم بذلك الخبر واتفق رايهم انه بعد غروب الشمس يركب اخوهم‬
‫سلطان في جماعه من الفرسان ويكبس سالم الزير على حين غفله ولما كان الليل ركب سلطان في ثلثه الف بطل وقصد حي‬
‫المهلهل ولما صار هناك هجم عليه وهو راقد في الخيمه سكران فاحاطت به الفرسان وقبضوا عليه واوثقوه كتافا ثم نزلوا عليه‬
‫بالسيوف إلى ان اثخنوة بالجراح واتلفوه حتى صار عبره لمن اعتبر وكان دمه يسيل كالمطر فزادت افرحهم وزالت اتراحهم‬
‫وقالوا لقد بلغنا الرب ورفعنا الحرب عن العرب ‪ .‬ثم انهم وضعوه في جلد جاموس وخذوة إلى عند اخته ضباع وقالوا لها لقد‬
‫اتيناك بقاتل ولدك فخذيه واشفي منه غليل كبدك فياما قتل ويتم ورمل فما هان عليها ذلك المر لكنها اظهرت لهم السرور‬
‫والفرح وقالت ان جزاء الغدار الحرق بالنار ثم تركوها وساروا واما هي فقد احتارت في امرها وزادت احزانها عليها وانه وان‬
‫قتل ولدها فانه سيد للقبيله ذكرا ليبور على مدى الدهور ‪ .‬فبينما هي في بحر الفتكار واذا به قد فاق من غشوته وصحى من‬
‫سكرته وقال وهو على اخر رمق سبحان الحي الدائم ثم صاح يطلب عبده شهوان وهو يظن انه في ذلك المكان فقالت له ضباع‬
‫قد انتقموا منك أعداك فأصحى فقد ذقت الموت والهلك فلما رأى ذاته عند أخته وهو على تلك الحال انشد وقال ‪:‬‬
‫قال الزير أبو ليلى المهلهل ونار الحزن توقد في حشاه فكان كليب ملك البرايا أتى جساس غدره بالفله جلست في مكانه أخذ‬
‫لثأره وكنت أنعيه صباحا مع مساء فقال الشيخ كف الحرب عاجل ولتقتل لسيف ولقناه جلست بخيمتي والدن جنبي وعندي‬
‫العبد ماعندي سواه وقومي كلهم للصيد راحوا فعرفوا القوم مع باقي العداه أتوني والمقدر كان كائن وحلى كل مما أن تراه اتوا‬
‫بي لعندك يا أخت حتى تنالي الثأر ياغاية مناه كليني يا ضباع أو أقتليني انا أخوك اذا احتبك القناه فانتي تشبهي اللبوات حقا واني‬
‫مشبه سبع الفله فألقيني بصندوق مزفت وأرميني ببحر في مياه أيا أسما أفعلي انت بأصلك ربيعه بيننا ما غباه‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه غاب عن الوجود وصار في صفة المفقود وكانت ضباع لما سمعت من أخيها هذا‬
‫الكلم صار الضيا في عينيها ظلم ثم انها جاءت بصندوق كبير فوضعت فيه سالم الزير وزفتته وطلته بالقار وكان عندها‬
‫عبدان أمرتهما ان يحمل ذلك الصندوق ويلقياه في البحر فحمله وسارت هي معهما تحت جنح الظلم إلى ان وصل إلى‬
‫شاطىء البحر فطرحاه هناك في البحر ثم بكت ضباع عندما غاب عنها اخيها ورجعت تنوح من فؤاد أحرقت قلبي بفراقك يا‬
‫جميل المحامل وفخر الواخر ثم أنشدت تقول بهذه البيات ‪:‬‬
‫تقول ضباع من قلب حزين ايا عيني فزيدي في بكاها كواني البين في أول زماني رماني الدهر في أعظم بلها ايا دمعي فزيدي‬
‫في سخاكي على محزونة فقدت أخاها لقد كان ملوك البرايا ومن أعل ملوك الرض جاها كليب جساس الذي قتله طعنه طعنة‬
‫برمحه في قفاها ترك دمه على الرض فاير بحربة مسمعه من السم سقاها وقام الزير كي يأخذ بثأره فقاتل آل مرة ثم هفاها لقد‬
‫قتله سلطان بغدر اثني عشر الف حملة فناها فقال خذوه إلى اخته الحزينه لتأخذ ثار ولدها مع أخيها فحطيه في صندوق مقفل‬
‫ومن بني مرة ما يعلم حداها وقلت له روح ياجمل المحامل ايا عود بيتي انحناها وقلت قتلته يا فخر قومك ايا حطاما للجائع‬
‫عشاها ايا يوما اخذه الموج عاجل وموج البحر يلطم في مداها فقلت له روح ايا سبع بغاب بيوم الحرب ماتعطي قفاها وهذا‬
‫صار في عصر الجليله اله العرش يعدمها صباها فسر ياريح واخبر اليمامه لتصبح ثم تمسي في بكاها‬
‫ثم رجعت إلى الحي وصبرت حتى رجعت أخوتها وبني عمها من الصيد فأعلمتهم بتلك القضيه وما حل بالزير وقالت وال انكم‬
‫بعد المهلهل تتعبون مع جساس فتأسفوا جميعهم عليه وبكوا من فؤاد موجوع ثم ان ضباع كتمت ما فعلت بأخيها وشاع الخبر‬
‫انها احرقته بالنار وأخذت الثأر ولما شاع الخبر وانتشر بين الناس فرحت بنو مرة وجساس واما أخوة الزير فانهم شقوا ثيابهم‬
‫من فرط أحزانهم وأخذوا يعددوه ويندبوه بالشعار ويذكرون ما له من محاسن الثار وكان أكثرهم حزنا أخوه عدي الذي يقول‬
‫فيه ‪:‬‬
‫أيا ويلي فدمع العين هل على الخدين من دمعي صبابه على فقد الفتى مهلهل أنور العين تدري ما أصابه غدونا كلنا للصيد عنه‬
‫وهو جالس كانه سبع غابه وعند رجوعنا لم نلتقيه فأحرق وسط مهجتنا غيابه فمن يوم أخيه كليب ولى فل يسرح ول يلقى‬
‫صحابه وما فارق محله طول عمره ول نعرف له مده غيابه مهلهل راح من اولد مرة وسهم البين ذر لنا غرابه وبعده كيف عاد‬
‫يصير فينا لن جساس ماتحمل عذابه ترى بعده سيمحقنا جميعا يشتتنا ول يخشى عتابه ايا أخوتي ماذا نسوي واين نروح من‬
‫هذه العصابه تعالى أخي يا درعان قوللي فقلبي والحشا يا أمير ذابه ايا سراف يا ناصر تعالوا ايا هزوز يا منيه شبابه ويا حنبل‬
‫ويا باقي المارة تعالوا واسمعوا مني الخطابه تقول الزير ولى وراح منا قتيل ويندفن تحت الترابه‬
‫وأما سلطان فقد رجع مسرورا ووقف امام أخيه جساس وأخذ ينشد ‪:‬‬
‫والمهلهل ناصب الخيمه بعيد في وسط البستان له ياحبيب وحده يسكر بليله والنهار رحت انا اليه من بعد المغيب في ثلثة الف‬
‫فارس غانمين كل فارس مثل سبع وديب هجمت عليه يا أخي بالعجل ووقعنا عليه بضرب عجيب ضربه جساس بالغ بالسيوف‬
‫حتى صار دمه جاري صبيب ضربه حتى قطع من النفس وانطرح بل مسعف ول حبيب ثم أخذ لخته ضباع لتأخذ بثأر ولدها‬
‫الحبيب أخذته حرقته بنار ولقته على جمر نار اللهيب هذا الذي فعلت بعدك ياهمام ياحما البيض في يوم النكيب‬
‫( قال الراوي ) فبما انتهى سلطان من كلمه شكره جساس على اهتمامه وقال بارك ال فيك ياهمام فان فعلك هذا يبقى مدى‬
‫اليام ثم ساروا إلى الحي وهم في افراح وسرور وانشراح ولما وصلوا الصيوان جلس جساس في الديوان واجتمعت حوله‬
‫البطال والفرسان ثم امر بدق الطبول ونفخ الزمور وعمل وليمه عظيمه لها قدر وقيمه فا جتمع فيها خلق كثير من كل أمير‬
‫وسيد خطير ورقصت النساء والبنات ودارت بينهم الفراح والمسرات وانشرحت خواطر السادات وكان عندهم ذلك النهار من‬
‫أعظم العياد الكبار ‪.‬‬
‫( قال الراوي ) وكان لما بلغ بنو قيس حقيقة الخبر ان المهلهل مات واندثر غابوا عن الوجود وايقنوا بالموت الحمر فزادت‬
‫بليتهم وعظمت مصيبتهم فمهنم من أرتحلوا من الديار وقصدوا المير جساس وطلبوا منه المان دون باقي الناس فأعطاهم‬
‫المان وجعلهم من جملة الخدم والغلمان ولم يبق عند أخوة الزير الشراف ال شر ذمه يسيرة وعصبة حقيرة فقصدهم جساس‬
‫بالبطال ودار بهم من اليمين والشمال فسلموا أمرهم اليه ووقعوا عليه فنهب أموالهم وأخذ نوقهم وجمالهم ثم أشرط عليهم أن‬
‫ليوقدوا نارا في الليل والنهار ول يركبوا على ظهور الخيل بل يصيروا مكانهم في الخيام فأجابوه إلى ذلك المرام خوفا من‬
‫الندثار ونزول الدمار وبعد هذا رجع إلى الديار بالفر والستبشار فعظم شأنه وتأيد بالعز مكانه وسار في مقام عظيم وحكم على‬
‫السبعه أقاليم ‪( .‬قال الراوي ) اما اخوه المهلهل فانهم بعد هذا العمل رحلوا من اطللهم باولدهم واطفالهم ونزلوا في وادي‬
‫السعاب وهم يبكي وانتحاب وذل وعذاب وصبروا على حكم رب الرباب هذا ما جرى لهولء من العبر واما الزير السد‬
‫الغضنفر فانه لما القته اخته في البحر كما سبق الخبر فقذفته المواج في البحر العجاج إلى ان ساقته التقادير اللهيه إلى مدينه‬
‫بيروت وكان اسمها الخيبريه وملكها يدعى حكمون ابن عزرا وكان من اجل الملوك قدرا واتفق والمر المقدر ان ثمانيه من‬
‫الصيادين بينما هم يصطادون سمك نظروا ذلك الصندوق في البحر العجاج تلعب فيه الرياح وتقذفه طوارق المواج فقال احدهم‬
‫للخر انظر يا صمويل هذا صندوق يارؤبل قد ساقه الينا اله اسرئيل ثم انهم قصدوه في الحال وسحبوه إلى الشاطي بالحبال‬
‫وذلك بعد تعب ونكد ما عليه من مزيد فقال رئيس الشختور لباقي العوان تعالوا حتى نفسه علينا الن قبل ان نفتحه يااخوان‬
‫فناخذ كل واحد منا حقه قدر ما يستحقه فاجابه بعض الرجال ما هو مرادك بهذا المقال فقال ان لي النصف ولكم الخر لني‬
‫صاحب الشختور والرئيس الكبر فقال وحق خمار العذير ما تنال منه شيْ ياشبير ثم وقع بينهم الخصام وتشاتموا بالكلم‬
‫فضرب احدهم الرئيس بسكين فقتله وكان للرئيس أخ فضربه القاتل بالمقذاف فجندله وما زالوا يتقاتلون طمعا بالمال حتى قتل‬
‫منهم عده رجال ولم يسلم سوى رجل واحد واتفق بالمر المقدر ان حكمون كان قد خرج في تلك الساعه مع أكابر دولته للصيد‬
‫والقنص فمر من ذلك المكان فوجد الصندوق والرجل والقتلى مطروحه على الرض فوقف وسال الصياد عن السبب فاخبره‬
‫بواقعه الحال فتامل الملك في الصندوق فتعجب من كبره وثقله واراد ان يعرف ما فيه فأمر بحمله إلى السريا وارتد راجعا مع‬
‫باقي رجاله فلما صار هناك امر بفتحه ففتحوه واذا رجل طويل القامه عريض الهامه واسع المنكبين كبير القدمين مثخن بالجراح‬
‫من ضرب السيوف وطعن الرماح وقال الملك لحواشيه ما وجدتم فيه قالوا ياملك الزمان فيه انسان كانه من عفاريت السيد‬
‫سليمان له عيون كعيون السباع فلما نظر الملك خاف وارتاع وقال للتباع كم له من الزمان يا ترى في هذا المكان ‪( .‬قال‬
‫الراوي ) وكان عند هذا الملك حكمون طيب ماهر اسمه شمعون فتقدم إلى الزير وهو مطروح وجس زلقومه وعرق الروح‬
‫فوجده يختلج في اعضائه فقا ل ل الملك ان الرجل في قيد الحياه فقال له هل تقدر ان تشفيه وانا أعطيك ماتشتهي قال نعم يا‬
‫مولي ثم نهض على القدام وقال بسم ال العلي العظيم فشمر عن زنوده واخذ اسفنجه وبلهل بالماء الخارج ومسح الجروح‬
‫ووضع المرهم على القروح ثم جاء بالعسل النحل فغله وفتح فمه واسقاه وفي برهه قصيره اختلجت اعضاءه وتحركت وفتح‬
‫عيناه فنظر وتامل في ذلك المحفل فراى جماعه من الرجال صفر الوجوه بسوالف طوال فاعتراه النذهال وشكر الله المتعال‬
‫فقال له حكمون من انت ومن تكون وما هو اسمك ؟فقال اسمي الموحد انا عبد الله العظيم رب موسى وابرهيم فقال ما هي‬
‫قصتك وسبب وضعك في هذا الصندوق ؟ فقال كنا اربعه سياس عند الملوك وكنت انا المقدم وعلى الجميع فحسدوني وضربوني‬
‫ذات يوم بقصد انهم يقتلوني فغبت عن الوجود من الم الضرب ولم ار نفسي ال في هذا المكان ‪.‬فقال الملك للحكيم خذه إلى عندك‬
‫وداويه با لعلج حتى يشفي وبعد ذلك احضره إلى عندي فا خذه الحكيم إلى داره وعالجه مده من الزمان حتى ختمت جراحه‬
‫وتحسنت احواله فاتى به إلى عند الملك ولما دخل سلم عليه وتمثل بين يديه فقال له الملك كيف انت الن يا موحد ؟ فقال له‬
‫بحسب انظارك الشريفه وقد شفيت وحصلت على دوام العافيه فلله در هذا الحكيم فانه يستحق النعام والكرام فمهما انعمت‬
‫عليه فاني ساعطيك اياه فبتسم الملك من هذا الكلم وانعم على الحكيم ثم التفت إلى المهلهل وقال اعلمني بحالك وكيفيه احوالك‬
‫واشار الملك يقول ‪:‬‬
‫قال أبو ستير حكمون الملك يا موحد استمع مني المقال هات احكليلي على ما صار فيك ما علمت وما فعلت من الفعال حتى‬
‫طعنت يا موحد بالرماح جروحك كثيره بسيوف صقال يا موحد انت اغليوم مليح قرم فارس خيل ماانت نذل قوللي عن ذي‬
‫الجرح كيف صار وما سببهم قول يا سبع الرجال ثم اعلمني على ما قد اقول يازكي الصل عن عم وخال في بلدك اتوك‬
‫الغانمين يضربون الشور لك معهم مقال بعد هذا قل لنا عن صنعتك الذي تاكل منها خبزك حلل‬
‫فلما فرغ حكمون من مقاله قال له الزير أعلم ايها الملك الجليل صاحب الفضل الجميل ان سألت عن حسبي ونسبي ووظيفة ابي‬
‫فانه كان ملك من ملوك العربان ثم غدر به الزمان حتى صار يسوس الخيل وانا تبعت مهمته وهذه وظيفتي ومهنتي واشار‬
‫يقول ‪:‬‬
‫قال أبو ليلى المهلهل في قصيد يا ملك حكمون يا حكم الخصال في بلدي ان سالت عن الجلوس مجلسي في الوسط فوق اعل‬
‫الجبال وان سالت عن الشور كل الشور لي ما أحد يقدر يخالف لي مقال وان وقع الحرب وضرب السيوف فالعذارى هللت فوق‬
‫الجمال والسيوف الجدب عاد لها مرير والقتول تلول عادت كالرمال فذاك اليوم انا اعز الملح مامثالي في اليمن وفي الشمال‬
‫وان اتاني ضيف انا اعز الضيوف واشبع للضيف من لحم الجمال والفتى المعروف منجد يا امير ابن وائل ذاك لي امير خال ان‬
‫كنت تسال يا ملك عن صنعتي صنعتي حاصود في رؤوس الرجال اما ابي فكان ذو قدر عظيم مال فيه الدهر يا حكمون مال‬
‫صار سايس بعد عزة للخيول بالكرامه بعد عزة والدلل وانا قد صرت سايس بعده اسوس الخيل ما مثلي مثال وجروحاتي هي‬
‫من عص الحصان قد ضربني برجله اربع نعال قمت من كدري ضربته في حشاه راحت السكين للعزال لجل ذاك المهر سوى‬
‫هل فعال وارموني بالدل مع كثر الخيال‬
‫فلما سمع حكمزن هذا الكلم من الزير غضب عليه وقال له انت كذاب فقد اخبرتني قبل الن رفاقك قتلوك واليوم تقول الحصان‬
‫ضربني فتكذب علي وتحرني فلو كنت من الكارم ما جرت عليك هذه العظائم ثم صمم على قتله فتشفعت فيه اكابر دولته‬
‫ووضعوه في الحبس وبقي هناك مده سنه كامله وكان يسطو على المحابيس وياكل طعامهم فضجوا منه الناس وشكوا امرهم إلى‬
‫الملك وقالوا له اذا كان هذا سايس كما يقول فاجعله يسوس الخيل لنه يقاسمنا على طعامنا غصبا وقهرا وهذا المر ليطاق‬
‫فدعه يشتغل وياكل خبزه بعرق جبينه فاستدعاه الملك اليه وقال له هل انت ماهر يا موحد بساسه الخيل قال نعم فقال سلموه خيلنا‬
‫فاذا وجدنا له معرفه في ذلك اكرمناه ‪( .‬قال الراوي ) وكان كثيرا ما ينفرد بنفسه ويتذكر اهله وعشيرته وما هو فيه من الهانه‬
‫والسر ويبكي ويقول ياليت شعري ما جرى على اخلي من بعدي لن السير كما يخفى على الحاذق البصير بمنزله العبد الحقير‬
‫ولو كان من بيت شهير وعالم نحير فكيف من تكون جناب المير سالم الزير الذي قهر البطال والغاوير وشاع ذكره عند‬
‫الملوك المشاهير فانه بعد ذلك العز والحترام وعلو الجاه ورفعه المقام وقع في اسر بني إسرائيل فكان الموت عليه اهون من‬
‫ذها القبيل ولكنه سلم امره إلى ال وقام ينتظر نفوذ حكمه وهو يتامل الفرج والخلص من شرك القناص ونكان قد انتخب له‬
‫فرسا من اطايب الفراس كانت طويله العنق قصيرهالراس واجود من القمير فرس جساس فاعتنى بتربيتها حتى حالت قاخذها‬
‫إلى الشاطي البحر وربطها هناك فخرج عليها حصان من البحر فشب عليها فراحت حامل وبعد عام ولدت مهر ادهم وكان كامل‬
‫الوصاف ململم فسماه الخرج لخروج اباه من البحر ثم فعل معها ذلك العمل في الثاني فولدت له مهر اخر كانه البجر حصان‬
‫عنتر فسماه أبو جحلن واعتنى بهما دون باقي الخيل وكان يسوسهما في النهار واليل واستمر على تلك الحال مده اربع سنين‬
‫وهو يطلب الفرج من رب العالمين ‪.‬‬
‫حرب برجيس الصليبي مع اليهودي‬
‫( قال الراوي ) واتفق في تلك اليام ان برجيس الصليبي أحد ملوك الروام خارج مع احيه سمعان في ماتئي الف عنان من بلد‬
‫كسروان وتلك الحدود لمحاربه حكمون اليهودي وذكررواه الخبار عظماء العصار بان مدينه حكمون كانت نفس مدينه‬
‫بيروت كانت مزحرفه البنيان وكثيره الحوانيت والبيوت ولما اقترب اليها برجيس بالعساكر النصرانيه نصب خيامه في‬
‫الشرفيه وكتب كتابا إلى حكمون يقول فيه الملك برجيس بن ميخائيل إلى حكمون ملك بنو إسرائيل اما بعد فانك قد خالفت‬
‫الشروط ولم ترسل لنا الخروج المربوط وقد مضى خمسه اعوام وانت تحاولنا بالكلم فاقتضى اننا قصدناك الن بالبطال‬
‫والفرسان كانها مرده الجان ل تخاف طعن الرماح ول نكل الحرب والكفاح فان دفعت الخراج المطلوب من عشر مالك توقفنا‬
‫عن حربك وقتالك وال وحق من اوجد النسان والمسيح الذي ولد بل دنس خربنا ديارك وطفينا نارك وقلعنا اثارك وجعلنا‬
‫الوليات اليهوديه تابعه للقاليم المسيحيه فاسرع في رد الحرب قبل حلول العذاب ثم انه ختم الكلم بهذا الشعر والنظام ‪.... :‬‬
‫على ما قال برجيس الصليبي كريم الوالدين ايا وجدا شديد الباس ما بين الترابا على السادات دوما مستجدا اذل القوم في سيفي‬
‫ورمحي اقد الشوش والهامات قدا انا قاصد لحكمون اليهودي فاعلمه بما قد استجدا واخبره بفرساني وجيشي وما عولت ان افغله‬
‫جدا بهم من كل قوم ليث اروع يصد الخليل في الميدان صدا يريد المال ارسله سريعا وان لم يمتثل امري فردا وعشر الخيل مع‬
‫عشر العذراى بنات قد زهوا وجها وقدا‬
‫(قال الراوي ) ان الملك برجيس سلم الكتاب إلى قائداسمه فرنسيس وامر ان يسير لعند حكمون فيعطيه الكتاب وياتيه بسرعه‬
‫الجواب فا متثل القائد امر موله وجد في قطع الفله إلى ان دخل البلد وقصد حكمون دون أحد فلما وصل اليه سلم واعطاه‬
‫الكتاب وتمثل بين يديه وكان عند حكمون جماعه من اخيار اليهود وهم يطالعون في التوراه والتلمود ولما فض الكتاب وقراه‬
‫وعرف حقيقه معناه احمرت عيناه وصاح على الرسول صوت مثل الغول وقال هكذا يكتب لي برجيس ياخبيث يا تعيس فلول‬
‫العار يا ابن الشرار لكنت قطعت راسك واخمدت انفاسك فاذهب وقل لمولك ان يستعد للحرب والعراك فاني لاهابه ول‬
‫احسب حسابه فخرج فرنسيس من بين يديه وهو ينفض غبار الموت عن عينيه ثم صاح الملك حكمون على اخيه صهيون‬
‫ووزيره قسمون وقال لهما استعدوا للقتال وفرقا السلح على العساكر والبطال فقد اتتنا العساكر المسيحيه والبطال النصرانيه‬
‫وقد عسكروا في الشرفيه فاجاباه إلى ما امر في الحال جهز العساكر وفرقا عليها السلح والسيوف والرماح ولما بلغ الملك‬
‫برجيس كلم حكمون صار مثل المجنون وعول ثاني يوم على الحرب والصدام ‪ ( .‬قال الراوي ) وعند اشراق الصباح استعد‬
‫حكمون للحرب والكفاح فخرج من البلد بالعساكر والعدد وحوله الكهنه والحبار وهم يتلون التوراه والسفار امل بالفوز‬
‫والنتصار وكان برجيس قد ركب في ذلك النهار بذلك الجيش وتقدم طالبا القلع والسوار بقوة واقتدار وعلى راسه البيارق‬
‫والصلبان ومن حوله القسوس والرهبان وهم يتلون الزبور و النجيل بالتنغيم و التهليل ولما التقى العسكران تقاتل الجمعان في‬
‫ساحة الميدان ولتقت الفرسان النصرانية بالبطال السرائلية في تلك البرهه وهجموا على بعضهم هجمات قوية وتضاربوا‬
‫بالسيوف المشرفيه وكانت المة العيسوية قد فتكت بالغصبه العبرانية واذاقتها في ذلك اليوم من الهوال اعظم بليه وقتلت مقتلتاً‬
‫عظيمة وفيه رجع حكمون وهو يتأسف ويتلهف على حل ما بعسكره من الويل و التلف ودخل إلى البلد مع الجيش وأغلق‬
‫البواب وقصد القصر وهو خارج عن دائرة الصواب ونزل برجيس خارج المدينة وكان قد أمتلك ذلك النهار ثلثه قلع‬
‫حصينة ‪ ( .‬قال الراوى ) وكان المهلهل قد سمع صياح القوم فسأل عن الخبر فأعلموه بواقعه الحال فتاقت نفسة إلى القتال‬
‫ومصادمة البطال فأخذ قصبه بيده وصعد إلى السور ليشاهد تلك المور وكان ذلك المكان بقرب قصر حكمون فنظر القوم وهم‬
‫يقاتلون فكان كلما نظر النصارى غلبوا أو ظفروا يقول لليهود تقدموا ول تنكسروا وكان يهدر كالرعد القاصف أو كالريح‬
‫العاصف وهو راكب على الحيط كما يركب الحصان ويضربه برجلية ويصيح على الفرسان وأستمر على تلك الحال إلى أن‬
‫رجع حكمون إلى البلد وهو في غم ونكد وكان لحكمون بنت كالقمر أسمها [ ستير ] نظرت من الشباك أفعال الزير فتعجبت من‬
‫أفعاله وغريب أعماله ‪ .‬فلما رجع أبوها سألته عن حالته وما جرى له في قتاله فاعلمها بواقعة الحال انتصار النصارى في القتال‬
‫فبعد ذلك أخبرته أبنته [ ستير ] بما رأته في ذلك اليوم من أعمال الزير وقالت ‪ :‬إذا كانت اعماله صحيحة فأنه يكسر هذا العسكر‬
‫ويذيقة الموت السمر ثم اشارت تقول ‪:‬‬
‫تقول ستير أسمع من كلمي نظرت اليوم في عيني العجائب نظرت اليوم من هذا الموحد فعال قد تعيد الرأس شايب فلما دقت‬
‫الطبل النصاري وقد هجمت عسكرها تحارب والتقت العساكر بالعساكر وراح السيف يعمل في المناكب فقد ابصرت احوال‬
‫الموحد غرائب قد فعلها من عجائب ركب للحيط سواه حصانه كانه ياابي قاصد يحارب ويزعق ثم يلكز في كعابه إلى أن قد‬
‫جرى دمه سكايب ويهدر مثل ليث أروع ترج الرض منه و الكتائب يريد الحيط يطلع فيه يغزى وقلبه للقا و الحرب طالب اذا‬
‫ولت رجالك قال باطل وان ولت عداك قال طالب ينخي الناس واحد بعد واحد قتل روحه وهو الحيط راكب فهذا قد نظرته اليوم‬
‫حقا من الصبح إلى وقت المغارب فل أدري أهو عاقل صميدع ول أدري أم مجنون خائب‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغت ستير من شعرها ونظامها وفهم ابوها فحوى كلمها اراد ان يستدعيه اليه فقالت له من الصواب ان‬
‫يركب أخوك نهار غد ويقاتل العدا وان تبقى في القصر فلعله يفعل كما فعل بالمس فتشاهد أعماله وتختبر احواله فليس الخبر‬
‫كمشاهدة النظر فاستصوب كلمها وبات تلك الليله في قلق وضجر ولما اصبح الصباح أمر أخاه أن يركب بالعسكر ويخرج‬
‫لقتال النصارى فركب أخوه في عسكر اليهود وانتشرت على راسه الرايات والبنود فالتقته جموع النصارى مثل السود وصياح‬
‫البطال وهمهمه الرجال واشتد بينهم القتال وعظمت الهوال وجرى الدم وسال فلما سمع الزير التهب قلبه بنار الشتعال فصعد‬
‫على السور وهو حزين النفس وفعل كما فعل بالمس وكان كثيرا يقول يالثارات كليب من جساس المخدول وهو ينخى القوم‬
‫ويقول اليوم ول كل يوم وكان حكمون ينظر اليه مع ابنته فتعجب من فعله وهول صورته فأمرها أن تناديه ليحضر أمام دولته‬
‫فنادته فالتقت اليها ولباها وقد تعجب من حسن رؤياها قالت ابي يدعوك أن تحضر اليه فنزل وصعد إلى القصر ودخل على‬
‫الملك وسلم عليه وقبل الرض بين يديه فقال له حكمون ان كنت قادر على ماتقول وانت من الفرسان الفحول فانزل وقاتل هنا‬
‫في هذا النهار المهول فان لنا عليك جميل وأفضال وأن كسرت العداء بلغناك المال وأغنيناك بالمال وأطلقناك من السر‬
‫والعتقال ‪ .‬فأمر الملك بأن يعطوه جوادا من أطايب الخيل ودرعا وسيفا فأتوا له بجواد فقال لهم هذا ليحملني ثم أتكى عليه بيده‬
‫فكسر أضلعه فأتوا له بآخر جواد ففعل به كذلك ومازال على تلك الحال حتى قتل عشرة خيول فتعجب الملك من قوة بأسه‬
‫وشدة مراسه ثم أتوا له بعدة حرب وجلد ففعل كذلك إلى ان أتوه بعدة حرب الملك حكمون فلبسها وكانت من أحسن العدد‬
‫وأعتقل بالزبر والكس المهند وركب على ظهر حصانه الخرج الذي كان ينتظر منه الفرج وأخذ في يمينه الرمح السمر‬
‫والتفت على حكمون وقال اليوم تنظر فعالي وتعاين حربي وقتالي وتذكرني على طول الدوام ايها الملك الهمام ثم أنه لكز‬
‫الحصان وقوم السنان وانطلق إلى ساحة الميدان بقلب أقوى من الصوان وقد هان عليه الموت تحت أرجل الخيل عند بلوغ‬
‫القصد والمأمول وكانت النصارى قد كسرت اليهود وفتكت بهم فتك السود فلما رأى المهلهل تلك الحاله استعد للحرب والقتال‬
‫وتقدم صهيون أخو الملك حكمون وقال شدوا عزمكم وقاتلوا خصمكم ثم خاض المجال وطلب الميسرة في الحال وقاتل فمدد‬
‫أكثرها على الرمال وتأخرت عنه الرجال ورأت النصارى تلك الفعال فاعتراها النذهال وهجموا عليه من اليمين والشمال‬
‫فأبلهم بالذل والويل وقتل جماعة من فرسان الخيل وكان كلما كثرت عليه الكتائب وضايقته العساكر والمواكب يتذكر أخوه‬
‫كليب السد الغالب فيهاجم هجوم السباع ول يخاف ول يرتاع فعند ذلك تأخرت عنه الفرسان وتوقفت عن قتاله الفرسان وتوقفت‬
‫عن قتاله الفرسان وكان برجيس من فرسان المعارك فلما بلغه ذلك نما غيظه وزاد وهجم بالعساكر والجناد طالبا ساحة الميدان‬
‫ومن حوله القسوس والرهبان وعلى راسه الرايات واللويه فلما اقتربت من تلك الناحيه وقعت عينه على صهيون أخو الملك‬
‫حكمون فتقدم الرض قتيل وفي دمه جديل فعند ذلك ضجت طوائف اليهود ولما رأوا أميرهم مفقود فاستغاثوا بالتوراة والتلمود‬
‫فالتقاهم برجيس كالنمرود وقتل منهم كل فارس معدود وكان المهلهل يقاتل من بعيد الفرسان الصناديد ويمددها على وجه‬
‫الصعيد فلما رأى طوائف اليهود متأخرة بعد ان كانت ظافرة وهم يصيحون ويندبون على فقد صهيون فلما عرف بالظن الطويه‬
‫أخذته الغيرة والحميه فقصد الملك برجيس إلى ذلك المكان وفي الطريق التقى بأخيه سمعان وهو ينخى البطال والفرسان فهجم‬
‫عليه هجمه السد وضربه بالسيف المهند القاه على وجه الرض يختبط بعضه ببعض فلما قتل المير سمعان حمل جيش‬
‫النصارى على الزير من كل مكان عند ذلك دقت النواقيس وحمل أيضا برجيس وتبعه كل أسقف وقسيس ‪ .‬ولما رأت اليهود‬
‫أفعال المهلهل أيقنت ببلوغ المل فارتدت إلى قدام بعد ذلك النهزام التقت الرجال بالرجال والبطال بالبطال وعظمت الهوال‬
‫ومازالوا على تلك الحال إلى ان ولى النهار وأقبل الليل بالعتكار فافترقوا عن بعضهم البعض وزالت كل قبيله في ناحية من‬
‫الرض ‪ ( .‬قال الراوي ) وكان الملك برجيس قد صعب عليه قتل أخيه سمعان وندم على مجيئه إلى تلك الوطان وكذلك‬
‫استعظم حكمو قتل أخيه صهيون فكانت مصيبة عظيمة على الملكين وداهيه جسيمة على الفريقين ولما أصبح الصباح واشرق‬
‫بنورة ولح ركبت العساكر واصطفت وانقسمت إلى ميامن ومياسر فتقاتلوا بالرماح والخناجر والسيوف البواتر فكان الزير‬
‫كالسد الكاسر وجرى للبطال في ذلك اليوم من الهوال مايشيب رؤوس الطفال واستمروا على تلك الحال وهم في اشد قتال‬
‫وخصام عشرة ايام على التمام وكان الزير قد فتك فتكا عظيما وقتل من النصارى عددا من الملوك الكبار أصحاب السطوة‬
‫والقتدار أمره نافذ في جميع القطار فخاف من النكسار والوقوع بيد المهلهل الجبار فجمع اركان دولته ووزراء مملكته‬
‫وعقدوا بينهم ديوانا فاستقر رأيهم على المصالحه وتوقيف الحرب بعد المصادقه والمصالحه وأن يرحلوا بأمان من الوطان‬
‫ويببقوا مع حكمون كالصحاب والخوان على طول الزمان ثم ان الملك برجيس ارسل إلى حكمون بعض وزرائه المعتبرين‬
‫يعلمه بذلك ويأتيه بالخبر اليقين فسار الوزير إلى عند الملك حكمون وأعلمه بواقعة الحال ففرح حكمون وباقي المه العبرانيه‬
‫لنهم كانوا يخافون سطوة الملوك النصرانيه فأجابه إلى المطلوب وحمد ال الذي اناله من غوائل الحروب وهكذا تم النفاق‬
‫ووقع الصلح والوفاق ورجع برجيس من تلك الفاق بمن معه من الرفاق بعد ان رتب على الملك حكمون مال معلوما يدفعه كل‬
‫سنة إلى خزينة الملك ‪ ( .‬قال الراوي ) وعظمت منزلة الزير عند حكمون وقال مثلك تكون الفرسان فأنت اليوم عندي كالولد‬
‫وأعز من الروح في الجسد فلولك كنت في حال تعيس واستولى علينا الملك برجيسس وكانت الميرة ستير قد شاهدت افعال‬
‫الزير فاثنت عليه وقد مال قلبها اليه ثم قالت لعد مناك ايها النحرير فانك تستحق الكرام والخلع وكان الملك قد مال اليه كل‬
‫الميل فقدمه عن جميع فرسان الخيل ورفع منزلته على الكبير والصغير ولقبه بالمير وانعم عليه بنشان من الماس ليمتاز به‬
‫على كبار الناس واكرمه غاية الكرام واجلسه على سفرة الطعام ولما فرغوا من الكل وشرب المدام قال له الملك تمنى علي‬
‫ايها المير والسيد الخطير فمهما طلبت أعطيتك أياه بدون تأخير فطلب منه الزير أن يعطيه السيف والدرع والمهر الخرج‬
‫وأعلم حكمون بنفسه وطلب منهه ان يجهز له سفينه ويرسله إلى مدينة حيفا ومن هناك يسير وحده إلى مرج بني عامر محل‬
‫اقامته لن نفسه اشتاقت إلى اهله وعشيرته فلما سمع حكمون بواقعة حاله وانه المهلهل زاد مقامه عنده وقال له هذه بلدي وما‬
‫أملك واموالي بين يديك فأقيم عندنا طول عمرك فاننا وال لننسى جميلك ومعروفك قال الزير لبد لي من الذهاب لنني لحد‬
‫الن ما أخذت بثأري ول طفيت من العدا لهيب ناري عند ذلك أهداه الحصان الخرج وأعطاه السيف والرمح وعدة الحرب‬
‫وجهز له مركبا من أحسن المراكب وأمر القبطان بمداراته وامتثال اوامره وانه بعد ان يرجع له عند الوداع ال يبلغك آمالك فل‬
‫تقطع عنا أخبارك فسلم عليه المهلهل ودعا له بطول العمر ثم رجع حكمون إلى المدينة وسافر المركب بالتهليل وفي اليوم الرابع‬
‫أشرقت السفينه إلى ميناء حيفا والقت مرساها ونزل المهلهل إلى البلد وبقي الحصان في المركب وأمر القبطان ان يحافظ عليه‬
‫لوقت الطلب ومن هناك تسربل بالسلح تحت الثياب وقصد دياره فالتقى بطراف ان ناصر وهو حافي عريان وقد كان من‬
‫العيان ومن أصحاب الزير فأقبل اليه وسلم عليه فرد الزير السلم ثم عرفه بنفسه وأخبره بما جرى عليه من الول إلى الخر‬
‫فقال أهل وسهل بقدومك علينا فوال كنا قد قطعنا المل من سلمتك فالحمد ل على اجتماعنا فقم بنا إلى ربعن حتى ننظر أهلك‬
‫لنهم دائما في ذكرك فقال الزير اني ل أذهب إلى هناك حتى اذهب إلى حي بني مرة وانظر باقي قومنا الذين التجؤا إلى جساس‬
‫فسر معي إلى هناك فسار ناصر معه وهو فرحان وجدا في مسيرهما حتى وصل إلى أحياء بني مرة فالتقيا با لمير سالم المهيا‬
‫قاصدا الصيد مع جماعته ولما اقترب سالم من المهلهل ‪.‬‬

‫الجزء السابع‬
‫ونظره حن قلبه اليه فحياه بالسلم وجعل يتأمل فيه ويقول وال من يوم غاب حامينا فقد عزنا وما أبصرنا قامته ال هذا اليوم ثم‬
‫دمعت عيونه فقال الزير كيف تبكي عليه وانت ملتجئ إلى اعداءه فعند ذلك عرفه ونزل عن ظهر الجواد ووقع عليه واعتنقه‬
‫المهلهل وطيب خاطر جماعته وقال لهم ابقوا على ماكنتم عليه وعندما تسمعون صرير السيوف في أعناق بني مرة فحينئذ‬
‫تفعلون ما يجب عليكم فعله فساروا في سرور وأفراح حتى يعلم بعضهم بعضا واما الزير فانه سار وهو وطراف وهما متنكران‬
‫حتى دخل إلى حي جساس وقت المساء فوجد الحي في دق طبول ونقر دفوف وأمور تدل على مسرات وأفراح فقال المهلهل في‬
‫سره ما عسى ان يكون هذا ولما اقترب من صيوان جساس وجده ممتليا من الناس وجساس جالس في الصدر وحوله الكابر‬
‫والعيان والمولدات تدق بالدفوف والمزامر وبعد قليل حضر العبيد بسفر الطعام فقام جساس إلى المائده وتقدمت بعده المراء‬
‫وجعلت تتوارد الفرسان وتتزاحم على بعضها البعض فعند ذلك تقدم الزير مع جملة الناس وجلس بقرب جساس وأخذ يتناول من‬
‫أنواع الطعمه فلما رآه جساس أنكر أمره وقد استعظم كبر جثته وهو يأكل اكل الجمال فقال له جساس أدعو لي ياشيخ فقال انني‬
‫دائما أدعو لك ولست بناسيك على طول الزمان فازداد جساس خوفا وارتجفت أعضاءه ولما انتهى من العشاء أمر جساس‬
‫باحضار الرمل وضربه في الحال ورسم الشكال فظهر له انكيس واحمرار وانه قادم عليه أوقات منحوسه وسيظهر رجل لقي‬
‫الجلد عن قريب يذيقه الهوال وقد تأكد عنده بأن ذلك هو نفس الزير لنه ليوجد له عدو غيره فالتهب قلبه بناره وصاح من ملو‬
‫رأسه يا ستار فجاءت اليه أخوته وقالوا ماأصابك ياأمير فاأنشد يقول ‪:‬‬
‫قال جساس بن مرة في بيوت اسمعوا ياأخواني أهل الوفا ضاق صدري وامتل قلبي هموم فالقلق والغم ضارب بالحشا جمعت‬
‫تخت الرمل حورته بسرعه حتى أرى ماهو هذا البل رأيت لقي الجد آت عن قريب صاحب البطش ما بين المل ورأيت الجود له‬
‫بيت ضد والجماعه شكلهم واقع حدا ماعاد لي عقل لهذا الرمل قطرة حرت فيه اليوم يا أهل الندى لو يصح القول قلت الزير جا‬
‫وها هو جالس بين المرا‬
‫فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وفهم الزير مطلوبه وعرف المقصود ووضع يده على قبضة سيفه حتى اذا قال جساس‬
‫اقبضوا عليه ليفتك به ويعدمه الحياة ومن كثرة ما جرى على جساس من الغم والوسواس ترك من كان عنده من الناس ودخل‬
‫على الحريم خوفا من امر يأتي فلما رآه الزير فعل ذلك قال لبد من قتله ان لم يكن اليوم يكون غدا ثم خرج من الصيوان مع‬
‫المير طراف وسارا قاصدين الوطان حتى وصل إلى وادي الشعاب ودخل إلى الخيمه التي فيها بنات كليب فسمعت ابنة كليب‬
‫الكبيرة صوته فقالت له من انت وماهو اسمك فلما سمع صوتها عرفها فتقدم اليها فوجدها وشقايقها بثياب الحداد فتقطع قلبه‬
‫وهطلت عيناه بالدمع وقال اتقبلوا الضيف يا بنات الماجيد قالت مرحبا فنحن أول من ضاف ولكن قد جار علينا الزمان فأولنا‬
‫بعد العز والجاه صرنا في حالة يرثى لها فا قصد يا شيخ محل الوليمه وهو المكان الذي تدق فيه الطبول فتحصل على بلوغ‬
‫المأمول فقال بال عليك يا صبيه أن تحكي واقعة حالكم فقد جرحت قلبي بهذا الكلم فقالت اليمامه لقد ذكرتنا بمصابنا وعلى ما‬
‫جرى فجلس الزير وهو وطراف وجلست هي بجانبه ثم عرفها هي وشقايقها بنفسه وانه عمها صاحت بصوت عالي من ملو‬
‫راسها هذا في الحلم أم في اليقظه ثم وقعت عليه شقايقها يقبلونه وقلن الحمد ل الذي ارانا وجهك بخير وعافيه فوال قد زالت‬
‫أتراحنا وتجددت أفراحنا وسمع أبو شهوان عبدالعزيز هذا الخبر فدخل عليه ووقع على قدميه لنهم كانوا يظنون بانه مات‬
‫فكانت تلك الليله عندهم من أعظم ليالي الفراح والمسرات وبعد ذلك جلسوا يتحدثون فقالت اليمامه بال يا عماه أن تعلمنا‬
‫بقصتك وما جرى في سفرتك فقص عليهم ذلك الخبر وماسمع وابصر وختم كلمه بهذا القصيد ‪:‬‬
‫يقول الزير أبو ليلى المهلهل عيوني دمعها جاري بكاها بكت دما على ماصار فينا ليالي السعد ماعدنا نراها عدمنا فارس الهيجا‬
‫كليب عقاب الحرب ان دارت رحاها دهتني آل مرة جنح اليل لتقتلني وتشفي ما دهاها فكنت بخيمتي ملقى طريحا ثلث آلف‬
‫درتني قناها وسحبوني لعند ضباع أختي والقوني طريحا في حداها وقالوا يا ضباع خذي أخوكي أخذنا روحه قوى عزاها‬
‫فالقتني بصندوق مزفت وأرمتني بوسط البحر تاها واقتني مياه البحر حال إلى بلد اليهود على رباها وجابوني لحكمون اليهودي‬
‫أجل ملوك الرض جاها فداواني وعالجني سريعا فزالت كربتي مما دهاها بقيت انا ثمان سنين غائب وزال الشر عني مع عناها‬
‫أسأل ال أن يحفظكم جميعا على ماطالت الدنيا مداها‬
‫( قال الراوي ) وكانت ليلة عند بنات كليب من أعظم الليالي وحضر تلك الليله جميع أصحاب الزير ففرحوا وانشرحوا بقدومه‬
‫وهنوه بالسلمه فقال لهم من الوفق أن تكتموا أمري لحينما أتجهز لقتال العادي وأحضر جوادي ثم أعلمهم بخبر الحصان وانه‬
‫أبقاه في المركب عند القبطان لبينما يكون شاهد أهله وأقاربه ولما أنتصف الليل ودعهم وسار قاصدا شاطىء البحر هذا ماكان‬
‫منه واما مرة أبو جساس فكان من عادته أن يذهب كل يوم إلى ساحل البحر ويتجسس الخبار ويعود في آخر النهار فاتفق ان‬
‫عبدان من عبيده كانا قد نظرا المركب عند قدومه إلى ميناء حيفا فأعلماه به فاستأجر قاربا وقصد ذلك المركب وعند وصوله‬
‫اليه وجد ذلك الجواد المذكور فاندهش من رؤياه فسأل القبطان عنه فقال له القبطان هذا حصان الزير وقد حضر معنا من‬
‫بيروت وسار نحو يومين لزيارة أهله ولم يكن القبطان يعلم ماهو جاري بين القوم من العداوة والحرب لما سمع مرة بخبر‬
‫المهلهل وانه عاد سالما غانما استعظم المر وتعجب ولكنه كتم الخبر وقال للقبطان اتبيعني هذا الحصان فقال كيف ابيعه وهو‬
‫مودوعا على سبيل المانه فقال لبد من ذلك أما أن تقبض ثمنه خمسة آلف دينار أو آخذه منك بالقوه والقتدار لن ابني جساس‬
‫ملك هذه الديار وبيدنا زمام الحكام ومازال يلح عليه بالكلم إلى ان امتثل وأجاب خوفا من أخذه بالقوة والغتصاب فقبض‬
‫القبطان الدراهم وسار مرة بالحصان إلى عند ابنه جساس وهو كاسب غانم واعلمه بواقعة الحال وقدوم المهلهل إلى الوطان‬
‫ففرح جساس بالحصان لنه كان من أجود خيول العراب ولكنه خاف من الغوائل وعلم انه لبد من تجديد الحروب بين القبائل‬
‫فاجتمع بأهله وأعلمهم بالخبر وأن يكونوا على استعداد وحذر ‪ .‬هذا ماكان من جساس واما الزير الفارس الدعاس فانه عند‬
‫وصوله إلى البحر سار المركب فلم يجد الحصان فسأل عنه القبطان فأخبره بما جرى وكان فلما سمع منه هذا الكلم أراد أن‬
‫يضرب عنقه بحد الحسام ولكنه توقف عن أذاه أكراما لخاطر موله ثم أمر بالرجوع إلى عند الملك حكمون ليقص عليه الخبر‬
‫ويطلب منه الجواد الخر فامتثل القبطان أوامره وأقلع من تلك الساعه حتى وصل إلى بيروت فأنزل الزير في القارب وسار به‬
‫إلى عند الملك حكمون ودخل عليه وهو في السرايه فلما رآه حكمون فرح فرحا شديدا وقال أهل وسهل بالصديق الحبيب‬
‫وترحب به غاية الترحيبب وأجلسه بجانبه وأقام بواجبه وأشار يقول وعمر السامعين يطول ‪:‬‬
‫قال حكمون بن عزرا في بيوت تشرح الخاطر وترضي السامعين أنورت علينا الدنيا ياهمام يامريع الخيل اذا طال الكمين يا‬
‫مهلهل انت عز المحصنات انت فخر للناس الماجدين قصدت أهلك ثم جيت لعندنا هل شفت أهلك يا مهلهل سالمين اذا كان يلزم‬
‫نجده أحكي لي حتى أسير بالجيش كله أجمعين طيب قلبك يا مهلهل لتخاف ثم اطلب يا ضيا عيني اليمين‬
‫فلما سمع الزير كلمه شكره وأثنى عليه وأخبره بما جرى وكان من فقد الحصان وان السبب في حضوره الن أول لجل سؤال‬
‫خاطره الشريف وثانيا ليطلب منه المهر الثاني وختم كلمه بهذه البيات ‪:‬‬
‫قد أتيت اليوم في قلب حزين على فقد مهري الخرج الثمين فان شئت أعطني أخوه يا معز الجار وفخر العلين ل أريد مال ول‬
‫كثرة نوال غير أبو حجلن مطلوق اليمين يا ملك حكمون ان مالي كثير كل مال البر في يدي خزين‬
‫فلما سمع حكمون هذا المقال تبسم وقال مهما طلبت منا لنعزه عليك وجميع أموالنا بين يديك فوال اننا لننسى جميلك ومعروفك‬
‫على الزمان وان أبو حجلن بعد رواحك من الوطان أظهر الوحشه ونفر من جميع الناس حتى لم يقدر عليه أحد من السياس ثم‬
‫طلب منه أن يبقى عندهم عدة أيام ليستريح من متاعب السفار فاعتذر وقال لبد من الرجوع في هذا النهار فأعطاه حكمون‬
‫الحصان وسار إلى المركب وعند وصولهم اليها نزل بالجواد إلى المدينه فركب وقصد أهله فاتفق في تلك الساعه أن رجل من‬
‫قبيلة جساس ابصر الزير فعرفه وسار إلى عند جساس وأخبره بقدومه وقال له انني خايف عليكم من سطوته شاهدته في هذا‬
‫النهار وهو مثل السد الكرار ثم اشار يقول ‪:‬‬
‫يقول الشيخ يا أولد مرة تعالوا واسمعوا لي يا فوارس ايا جساس يا همام اسمع ايا ملك يا أهل المجالس فقد كنت قرب البحر‬
‫سائر رأيت خرج على اليوم فارس على ادهم اقب الضلع فارح وفوقه درع من بولد لبس وفي كتفه قنا اسمر مكعب بطل‬
‫صنديد يوم الروع عابس فهذا فارس البيداء مهلهل مريع الخيل للبطال داعس‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ من شعره ونظامه أجابه سلطان بن مرة بهذه البيات ‪:‬‬
‫يقول اليوم سلطان ابن مرة كلم الشيخ صادق يا فوارس فان كان أبو ليلى سيظهر يخلي دمنا مثل البواطس ويسبي من قبائلنا‬
‫عذارى ونترك أرضنا قفرا دوارس وليقبل رجاه ول عطاه ويطرحنا على الغبرا نواكس‬
‫( قال الراوي ) فلما انتهى سلطان من كلمه وقع الخوف في قلوب القوم وأخذوا يستعدون للقتال من ذلك اليوم وأما الزير فانه‬
‫كان قد جد في المسير حتى وصل إلى دياره والتقى بأهله وأنصاره فلما رأوه فرحوا به واتت اليه اليمامه وشقايقها وكذلك أخوة‬
‫الزير وكل من في الحي من نساء ورجال فوقعوا عليه وقبلوا يديه وانتشرت الخبار بقدومه إلى الديار بين الكبار والصغار حتى‬
‫ملت القطار فأقبلت البطال والفرسان وتواردت اليه السادات والعيان وسلموا عليه وتمثلوا بين يديه وهنوه بالسلمه فشكرهم‬
‫واثنى عليهم وترحب بهم فذبح الذبائح وأولم الولئم ووعدهم بالمكاسب والغنايم وبعد أن أكلوا الطعام وشربوا المدام أنشد عدي‬
‫أخو الزير يقول ‪:‬‬
‫يقول عدي أبيات فصيحه أتانا الزير والمولى عطانا وكنا قبل ما يأتي الينا بحال الذل في قهر حزانا وجساس الردي عايب علينا‬
‫يريد هلك تغلب مع أذانا فأمرنا با نبقى جميعنا على طول الليالي مع نسانا ول نركب خيول صافنات ولنقل سيوفنا في حمانا‬
‫الينا جيت يا جميل المحامل ويا كهف العذارى والمانا لربي الشكر ثم الحمد دايم أذا ماجئتنا نقهر عدانا ايا سالم فانهض شد‬
‫عزمك واركب فوق مطلوق العنانا ونركب ثم نحمل فرد حمله على اولد مرة في لقانا ونترك دورهم بورا وقفرا ونقتلهم ونأخذ‬
‫ثارا أخانا‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ عدي من كلمه تقدمت اليمامه نحو عمها وشكرت ال تعالى على سلمته ودعت له بطول العمر‬
‫فضمها إلى صدره والتفت إلى من حوله وانشد وقال ‪:‬‬
‫يقول الزير أبو ليلى المهلهل ال يابنات ان السعد جاكم وأقبل سعدكم والشر ولى وراح الشر عنكم لعداكم ثماني سنين وسط‬
‫البحر غائب وبالي عندكم مما دهاكم وفرج ال همي وغمي وخلصني وجيت إلى حماكم حيث اتيت زال الشر عنكم ونلتم يا بنات‬
‫مني مناكم غدا جساس أقتله بسيفي وآخذ يا بنات بثار أباكم وانتم يا عدي ودريعان وباقي أخوتي تسلم لحاكم فأتوا بالصوافن‬
‫واركبوهم وهبوا جميعكم ومن معاكم ودقوا طبلكم يآل قيس وقيموا النار فس ساير حماكم وخبوني بعيد عن المنازل غدا جساس‬
‫يبرز للقاكم فلقوه على خيل ضوامر واني سوف اهجم من وراكم‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه طابت قلوبهم وانشرحت صدورهم وزالت عنهم التراح وايقنوا بالنصر والنجاح‬
‫ومازال بنو قيس يجتمعون إلى الزير ويتواردون حتى صاروا في جمع غفير وعدد كثير فاستعدوا للقتال والنزال فأطمعوا‬
‫الجوعان واكسوا العريان وأوقدوا النيران ورجع الحي كما كان هذا ماكان من الزير وقومه وأما بنو مرة فلما بلغهم الخبر وكيف‬
‫ان بنو قيس قد التموا بعد التفريق والشتات من جميع الجهات وهم في أفراح ومسرات أجتمعوا بجساس وقصوا عليه الخبر‬
‫وقالوا له لو لم يكن الزير قد ظهر لما كانوا بنو قيس اجتمعت على بعض هذه اليام وخالفت أوامرك ومراسيمك العظام فقال لهم‬
‫كفوا عن هذا المقال ول يخطر لكم الزير على بال فاستعدوا للحرب والقتال فعند ذلك استعدت الفرسان الفحول وركبوا ظهور‬
‫الخيول وتقلدوا بالسيوف والنصول ولقد أملوا بالنجاح وبلوغ المأمول وركب جساس حصان الزير الخرج وسار بذلك الجمع‬
‫الغفير ولما أقتربوا من حي بني قيس سمعت أبطال الزري دق طبولهم وصهيل خيولهم فهاجوا وماجوا فأمرهم الزير أن يتأهبوا‬
‫للقتال ويلقوهم إلى ساحة المجال فتبادروا في المجال وتقدمت الفرسان والبطال وركب الزير على مهره أبو حجلن وسبقهم‬
‫إلى الميدان وكمن في بعض الروابي والتلل مع جماعة من الرجال ولما اقترب جساس من رجال بني قيس قال لهم لقد خالفتم‬
‫أوامري وغركم الطمع وهجم عليهم بالرجال وأحاط بهم من اليمين والشمال فالتقوه بقلوب كالجبال واشتد القتال بينهم وعظمت‬
‫الهوال وجرى الدم وسال فلما راى المهلهل تلك الحوال لكز الحصان وتقدم إلى ساحة الميدان فشق الصفوف والكتائب ومرق‬
‫المواكب وهو يهدر ويصيح من قلب فريح ابشروا يا بني بكر ياأنذال ميحل بكم من الوبال على ماعلمتونا به من سوء الفعال فقد‬
‫اقسمت برب النام الذي ليغفل ولينام أني ل أترك منكم شيخ ول غلم ثم انه مال وجال وضرب بالسيف العال وتبعه الفرسان‬
‫والبطال من اليمين والشمال فلما سمع جساس صوت المهلهل انقطع قلبه من الخوف والوجل ولكنه ثبت في ساحة الميدان خوفا‬
‫من الهلك والقلعان وأخذ ينخي البطال والفرسان على القتال والثبات والهجوم على لقاء العادي قبل الممات فثبتوا ثبات‬
‫الجبابرة وقاتلوا قتال السود الكاسرة ولكنهم لم يقدروا ان يثبتوا أكثر من ثلث ساعات حتى انصبت عليهم النكبات وبلوا ببليا‬
‫ل تطاق من سيف المهلهل فارس الفاق فولوا الدبار واركنوا إلى الهزيمه والفرار بعد ان قتل منهم عشرة آلف فارس كرار‬
‫وتبعهم المير جساس وهو في قلق ووسواس وغنم بنو قيس منهم غنائم عظيمه ومكاسب جسيمه ورجعت إلى الديار بالعز‬
‫والنتصار والبطش والقتدار وفي مقدمتهم المير المهلهل الجبار وهو مثل شقيقه الرجوان مما سال عليه من أدميه الفرسان‬
‫ولما وصل إلى المضارب بقواد المواكب لقته بنات أخيه وجماعته من أقاربه وأهاليه فشكروه على تلك الفعال وقالوا مثلك‬
‫تكون البطال والفرسان ثم انه جلس في الخيام وجلست حوله السادات العظام وجبابرة الصدام فتحادثوا في الكلم وشكروا رب‬
‫النام على بلوغ القصد والمرام وبعد ان اكلوا الطعام وشربوا المدام التفت بعض القواد إلى المهلهل فارس الطراد وقالوا بال‬
‫عليك أن تنشدنا شيئا من اشعارك لن قلوبنا مشتاقه على الوقوف على أخبارك وماجرى لك في أسفارك فعند ذلك أنشد يقول‬
‫وعمر السامعين يطول ‪:‬‬
‫يقول الزير أبو ليلى المهلهل فكل مقدر لبد يأتي نزلت ياأخوتي وابناء عمي بجنح الليل ليدروا صفاتي فقالوا ضيفنا شرطوا‬
‫علينا فل نوقد النار في الفلة تكافحت اليمامه مع حمامه وقالوا عمنا هيهات يأتي فقلت لها لبيك جئتك انا مرادي السباع‬
‫الكاسرات فجيت لعندها في قلب صامد وجدت عيونها مقرحات قلت يا يمامه ليش تبكي جرحت بالبكا قلبي لني فهمك يايمامه‬
‫ليس تبكي اذا ثارت حروب الفلة انا همي كراديس الفوارس اذا ما وهجت نار العداة وجيت انا علي جساس رامح هرب مني‬
‫وصاح أنوا العداة وقال الزير جانا يا بلنا وطالب تارة بالمرهفات فقولوا لبن مرة ياتي عندي اتاه الزير دباح العداة‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه شكرته أخوته وجميع قوامه فعند ذلك تقدم سالم المهيأ اليه وقبله بين عينيه وأشار‬
‫يقول ‪:‬‬
‫على ما قال سالم المهيأ مهلهل جيت هذا اليوم يومك وزال النحس والتوفيق أقبل وأضحى القطر يزهو في قدومك ولما جيت يا‬
‫زين الفوارس ازلت همومنا وزالت همومك فقم أركب عليهم يا مهلهل نهار وليل ما أحد يلومك وخذ الثار من جساس حال‬
‫وافرج همنا واخلي همومك‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ سالم من شعره طابت قلوب الجميع وعادوا لما كانوا عليه من الفرح والمسرة واما بنو مرة ابتلوا بالذل‬
‫والويل من حرب الزير فارس الخيل ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولح ركب المير مهلهل في مائة الف بطل وطلب‬
‫حرب القوم فالقاه جساس في ذلك اليوم وكان بمعيته مائه الف مقاتل بين فارس وراجل فانتشب بين الفريقين القتال وعظمت‬
‫بينهم الهوال وقاتل المهلهل حتى استقتل فنكس البطال الفحول على ظهر الخيل وقتل جماعه من السادات العاظم الذين‬
‫اشتهروا بالفضل والمكارم وشاع ذكراهم وشاع ذكراهم بين العارب والعاجم فمنهم المير شهاب المكنى بعقاب وغيره من‬
‫السادات والنجاب واستمر القتال على هذا الحال طول ذلك النهار فانكسرت بنو مره اشد انكسارورجع المهلهل بالغزو‬
‫والنتصار ولما كان الصباح ركب المهلهل والفرسان فالتقاه جساس بالرجال وتقاتلوا اشد قتال ولما تقابلت الصفوف تبادرت‬
‫المئات واللوف وبرز أخو جساس بين الصفين ولعب برمحين بين الفرقين وطلب قتال المهلهل فانطبق عليه وحمل كانه قطعه‬
‫من جبل او قله من القلل فتطاعنا بالرماح وتضاربا بالصفائح وثبت شاوش امام الزير ثبات البطال والغاوير لنه كان من‬
‫البطال المشهوره والفرسان الذكوره واستعمر الئتان نحو ساعه من الزمان وهم ضرب وطعان وكان المير شاوش قد حتم‬
‫على نفسه امام البطال اما ان يهلك في النهار او ان يظفر بخصمه ويعيش في عز واقبال ثم صاح على المهلهل وطعنه بالرماح‬
‫قاصد قبض روحه فالتقاها المهلهل بالدوقه فراحت خائبه بعدما كانت صائبه ثم تقدم المهلهل وهجم عليه وضربه بالسيف على‬
‫عاتقه خرج يلمع من علئقه فوقع على الرض قتيل وفي دمه حديل ثم هجم على الرايات وطعن الفرسان والسادات وقتل‬
‫الرجال ومدد البطال في ساحه المجال وفتك فيهم قتك فيهم فتك السود الكاسره وفعل افعال تعجز عنها صناديد الجبابره وفعلت‬
‫ابطاله مثل افعاله فقاتلوا القتال المنكر واذاقوا العداء الموت الحمر فلما راى جساس ما حل بقومه من العذاب استعظم‬
‫المصاب وخرج عن دائره الصواب وزاد اكتئاب وذلك على فقد اخيه ليث الغاب لنه كان يحبه محبه عظيمه وموده جسيمه‬
‫فبكى وانسحب وولى يطلب لنفسه الهرب وتبعه رجاله وابطال ورجع الزير بباقي الفرسان إلى المنازل والوطان وهو شقيقه‬
‫الرجوان مما سال عليه من ادميه فالتقته اليمامه بالعتزال والكرامه ثم نزل في الخيام مع السادات الكرام فاكلوا الطعام وشربوا‬
‫المدام وكان في كل يوم يركب حسب عادته لحرب القوم حتى بلغ منهم غايه المنى وابلهم بالذل والعنا فلما طال المطال على‬
‫بني مره الهوال جمع جساس الرجال ومن يعتمد عليهم من المطال وقال لهم ما هو قولكم في هذا المر العسير فقد حل بنا‬
‫التدمير وهلك كل سعيد وامير وان طال القتال لم يبق أحد من الرجال فقال اخوة سلطان الراي ىعندي ان تأخذ اختنا الجليله‬
‫وبعض نساء القبيله وتذهب اليه وتقع عليه وتطلب منه كف الذى والضرر وتعطيه اديه اخوه مهما امر وتقيمه ملكا على بلد‬
‫الشام وتدفع له الجزيه في كل عام فقال جساس من يذهب وقص هذا الكلم عليه قال انا وانت يا أخي فبتسم جساس وقال سمعت‬
‫بأحد من الناس يرى الموت بين يديه فيزحف اليه على رجليه فقال سلطان انا اذهب اليه بنفسي لن بيني وبينه مودة قديمه‬
‫ومحبه مستقيمه ثم انه نهض في الحال وتاهب للسير والترحال واخذ معه اخته الجليله وبعض من نساء القبيله وقصد المهلهل‬
‫حتى وصل اليه وسلم عليه وقال بال عليك ان تصفح عنا فقد اهلكت رجالنا ولم تبق أحد منا وقد اتيتك الن مع امراة اخيك‬
‫الجليله واكابر نساء القبيله تقع على ساحه اعتابك وتطلب من جنابك وتبلغك غابه الرب من الفضه والذهب ونقيمك ملكا على‬
‫هذه الديار وتكون طوع لك مدى العصار لنك سيفنا الثقيل ورمحنا الطويل ثم انشد هذه البيات بحضور المراء والسادات ‪:‬‬
‫قال سلطان بن مرة في بيوت يا مهلهل استمع مني القصيد ليت عمرك يامهلهل الف عام ياحماه البيض في يوم الشديد فاعف عنا‬
‫وانت يا سياج المحصنات ليت عمرك كل يوم في مزيد نحن منك وانت منا ياهمام كلنا اولد عمك يارشيد فاعف عنا ثم دعنا في‬
‫حماك تحت ظلك عيشك يبقى رغيد‬
‫فلما فرغ من شعره ونظامه أجابه المهلهل ‪ :‬افتهم يا ابن عمي ما اريد افتهم فحوى كلمي في قصيد ليس لي ذنب في أي المور‬
‫وانا في حقكم لست عنيد غصب عني يا سياج المحصنات على عمرك يا ولد عمي يزيد كل ذا جاري عليكم يا رجال على يمامه‬
‫بنت اختك الكيد اليمامه كل يوم تقول خذ بثاري ايها البطل العنيد فان عفت انا عنكم اعف كل قول صادق وال شهيدا وان ابت‬
‫ل اخالف قولها انني عن امرها لست احيد‬
‫( قال الراوي ) فلما انتهى الزير من شعره ونظامه قال للسطان ومن حضر معه انني ل اكف الحرب والقتال ول ارفع عنكم‬
‫السيوف الصقال إلى يوم القيامه او تمنعني اليمامه فاذهب اليها وخاطبها بما خا طبها به امام هؤلء العيان فعساه ان تجيب‬
‫طلبك يا سلطان فعند ذلك قصد سلطان اليمامه اخته الجليله ومن حضر معه من نساء سادات القبيله فدخلوا جميعا اليها وسلموا‬
‫عليها وقبلت الجليله بناتها وقالت لهن اما كفي يا بنات الكارم والوقار فقد قتلت رجالنا وهلكت فرساننا وابطالنا وساءت احوالنا‬
‫وصارت عبره لمن اعتبر ومثل بين البشر فا جابتها اليمامه انا لاصلح حتى ليبقى منا أحد يقدر ان يكافح ان كان عمي عجز‬
‫من قتالكم فانا انوب عنه والتقي بابطالكم ثم انها ختمت كلمها بهذا الشعر والنظام ‪:‬‬
‫قالت يمامه من ضمير صادق يا جليله اقصرى عن عناكم انت وخوالي وكل عشائري ل تزيدوا لفظكم ول لغاكم قتلتم الماجد‬
‫كليب والدي غدرا وما له ذنب معاكم جساس طعنه من قفاه بحربه ودعاه على الغبرا حقير حداكم انا واخوتي بقينا بذ له نمسي‬
‫ونصبح ولننسى بلكم انا ل اصالح حتى يعيش ابويا ونراه راكب يريد لقاكم‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من شعرها ونظامها وفهمت الجليله فحوى كلمها ر جعت هي واختها مع باقي النساء إلى‬
‫الحي بدون ادنى افاده واخبروا المير جساس بواقعه الحال وما سمعوه من المقال فاعتراه الخوف والنذهال وايقن بالهلك‬
‫والوبال فقال اخوه سلطان وكان ذا مكر واحتيال اني سأهلك الزير ايها المير واقوده اليك عند الصباح كا لبعير فقال ماذا عولت‬
‫ان تفعل وما هو العمل قال اني اقصد الميدان في جماعه من العوان واحفر هناك ثلث حفاير ونغطيهم بالقش حتى يخفوا عن‬
‫عيون العساكر فما كان الصباح والتقى الجحفل بالجحفل فتبرز انت إلى المهلهل وتكون انت عارف بهم فتقوده اليهم وبهذه‬
‫الوسيله تتم الحيله فيسقط ويهلك في هذا الشرك فنخلص من شرة وتبلغ ما انتمناه فاستصوب جساس هذا اراي واستحسنه وخرج‬
‫ذلك الليل مع اخيه سلطان في جماعه من العبيد والعوان حتى وصلوا إلى المكان فحفروا ثلث حفائر عميقه وغطوها بالقش‬
‫ووضعوا عليها التراب حتى يخفى عن العيون ثم رجعوا إلى اماكنهم وهم مسرورين وباتوا تلك الليله على مقالي النار وهم‬
‫ينظرون طلوع النهار هذا ما كان هؤلء واما الزير البطل النحير فانه ركب في الصباح بفرسان الكفاح وقصد ساحة الميدان‬
‫بقلب اقوى من الصيوان فالتقاه جساس بالعسكر ثم انفرد بنفسه نحو الحفاير واخذ يلعب الجواد على عيون العساكر والقواد‬
‫فرآه بعض الفرسان وهو يجول في ذلك المكان على ظهر الحصان فأعلم المهلهل بذلك الشأن وقال له ان خصمك ظاهر للعيان‬
‫وهو في تلك الناحيه من الميدان فلما رآه المهلهل قصده على عجل ليقتله ويبلغ المل فلما اقترب منه ابتعد جساس وانطبقت عليه‬
‫باقي الناس بقصد ان يطعنوه ويهلكوه ويعدموه فلله در الحصان أبو حجلن فانه كان من عجائب الزمان وغرائب الوان أخف‬
‫من الغزلن واسبق من البرق عند اللمعان فانه عندما وقع ضرب بحافرة الض ارتفع حتى صار بين الفرسان بالميدان فرجعت‬
‫الخيل عنه مدبرة فاستعظم تلك المور المنكرة وغاب عن الوجود حتى صار بصفة مفقود فرأى جساس ينخى ابطاله ويصيح‬
‫على رجاله فتقدم نحوه بالجواد ليشفي من غليل الفؤاد فاتفق المقدر بوقوعه في الحفرة الثانيه من تلك الحفر فوثب به الجواد‬
‫وانتصب اسرع من النظر اذا وثب حتى صار على وجه الرض فانقلبت عليه العساكر على بعضها البعض فزاد بالزير الكدر‬
‫وطار من عينيه الشرر فقصد المير جساس دون باقي الناس ليقتله ويعدمه الحواس فكبى به الجواد في الحفرة الثالثه وكانت‬
‫عليه اقبح حادثه وكان جواده قد اعياه التعب وضعفت قواه وانحل منه العصب حتى لم يعد يمكنه ان يفعل كما كان يفعل وكذلك‬
‫المير مهلهل فقد انهد حيله وطاش واعتراه الخوف والرتعاش وايقن بالهلك والممات وآيس على نفسه من الحياة فكانت علة‬
‫عظيمة وداميه جسيمه فلما بلغ جساس المل ونجح بذلك العمل ايقن ببلوغ الرب وصاح من شدة الطرب على باقي رجاله ومن‬
‫يعتمد عليهم من ابطاله يا ويلكم ادركوه واطمروه واقتلوه فان تخلص هذه المرة من هذه الحفرة ل تتأملوا بنجاح أو نصر فلما‬
‫سمع الرجال منه هذا المقال قصدوا ذلك المكان من اليمين والشمال وكانت ايضا بنو تغلب قبيلة الزير فارس العجم والعرب قد‬
‫اقبلت ابطالها وفرسانها ورجالها وانشب بينهم وبين القوم قتال لم يسمع بمثله قبل ذلك اليوم وكان القتال في ذلك اليوم بجانب تلك‬
‫الحفر ولما عظمت الهوال وتكردست جثث القتلى على الرض مثل التلل من ضرب السيوف وطعن النصال هجم جساس‬
‫امام الناس وقال للفرسان والبطال والشجعان ادركوني في هذا النهار واسعفوني بالتراب والحجار واردموا هذه الحفرة في‬
‫ساعة الحال وانا ارد عنكم هجمات الرجال فتقدموا من عجل وبادروا باجراء هذا العمل غير انهم لم يبلغوا المل لن أخوة‬
‫الزير والفرسان المشاهير هجموا عليهم من اليمين واليسار وضربوا فيهم السيف البتار فأبلوهم بالذل والدمار وكان المير مرة‬
‫بالقرب من تلك الحفرة فرآه عدي أخو الزير فتقدم اليه وقبض عليه والقاه في تلك الحفرة بالعجل وقال خذ عمك يامهلهل ولما‬
‫صار بالقاع ضربه بالسيف فقتله ثم اخرجوا الزير من تلك الحفرة بالقوة والقتدار فعند ذلك انشرحت من بني تغلب القلوب‬
‫وزالت عنهم الغموم والكروب وايقنوا بالفلح والتوفيق والنجاح وقصدوا الحرب والكفاح والتقوا أعداءهم بأسنة الرماح ومال‬
‫ايضا الزير على القوم ونادى اليوم ولكل يوم وفي الحال اشتعلت النيران القتال وقامت الحرب على قدم وساق وارتجت جوانب‬
‫الفاق من ضرب السيوف الدقاق والرماح الرقاق وجمدت من القوم الحداق وفعل الزير في ذلك اليوم فعال لتطاق ومازاولوا‬
‫في أشد قتال إلى وقت الزوال فعند ذلك دقت طبول النفصال فرجعت بنو مرة بالويل والحسرة والمهلهل بالنجاح والنصرة فنزل‬
‫عن ظهر جواده وخلع آلة حربه وجلده وجاءت السادات واكلت من زاده ولما جلس في الصيوان ونادى على عبده ابي شهوان‬
‫باحضار المدام إلى الديوان فأحضره بالعجل فتناوله منه المهلهل ومن حضر في ذلك المحفل فعند ذلك تذكر الزير ماجرى له‬
‫في ذلك اليوم المهول فأنشد يقول ‪:‬‬
‫يقول الزير أبو ليلى المهلهل فدمع العين هطال عمانا لقد قتلوا أخي اولد عمي وقالوا ما راوه ال جبانا ول يدرون بأسي‬
‫واقتداري فقطعتهم ولم أخشى الزمانا أتتنا في كليب اولد مرة اتونا داخلين على نسانا وقالوا كف عنا يا مهلهل فقد حكمت سيفك‬
‫في اذانا فاطلب ما تروم اليوم منا واتركنا فقد صرنا حزانا فقلت لهم روحوا لليمامه رضاها اليوم احسن من رضانا قتلنا كليب‬
‫الوف قوم فما فيهم ردي ول جبانا قتلنا من بني مرة امارة ملبسها ثياب الطيلسانا فرحوا الكل قد وقعوا عليها وقالوا عمك‬
‫ارسلنا عيانا فقالت اذهبوا اولد عمي فهذا القول ضحك في لحانا فانا ل نصالح في كليب ال ان نراه على الحصانا وقد حفروا‬
‫لقلعاني حفاير وغطوها وقالوا قد كفانا فركبوا خيولهم واتوا حداها وقالوا قد اتانا قد اتانا وقف جساس ما بين الحفاير هجمت‬
‫عليه اطعنه السنانا فولى هاربا من هول حربي ومرة قد قتلناه عيانا فكوني يا يمامه في انشراح وحظ دايم في طول الزمانا‬
‫فسوف ابيد جساس بسيفي وكل سيد يبغي اذانا‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من شعره ونظامه شكره جميع اقوامه ولما كان الصباح رجعوا على ماكانوا عليه من الحرب‬
‫والكفاح ومازالوا في قتال وصدام مدة من اليام ولما طال المطال اتفقوا على توقيف الحرب والقتال واخذوا هدنة شهرين لراحة‬
‫الفريقين فاتفق في بعض اليام بينما كان الزير خارج الخيام معه جماعة من الخدام واذا برجل يقود مهر ادهم كامل الصفات‬
‫فاستحسنه الزير غاية الستحسان وقال لقائده ماهو اهل هذا الحصان يا حلو الشمائل ايه من الخيول الصايل قد اتيت به من ابعد‬
‫الحلل لهديه للمير مهلهل فتعجب الزير من التفاق الغريب وقال لقد نلت مرادك من قريب فانا هو مهلهل الذي انت قاصده‬
‫فاخذ منه الجواد وامر له بالف دينار وبلغه مقاصده فدعا له بطول العمر والبقاء وعلو الشأن والرتقاء وسار من يومه إلى قومه‬
‫فاعتنى الزير بذلك الحصان وفضله على جميع الخيول والجياد واتفق في ذلك النهار انه التقى برجل ختيار وهو راكب على دلة‬
‫سوداء مثل الظلم ووراها كر ابن سبعة ايام وهو يبرطع خلفها وتارة من قدام فلما رأه الزير اعجبه وقال لذلك الشيخ اتبيع هذا‬
‫الكر فقال بكم فقال ليس على الكريم شرط فأعطاه الزير مائة دينار وأخذه منه وسلمه إلى السايس فرباه مدة اربع سنوات ثم دخل‬
‫الزير ذات يوم إلى الصطبل فنظر الكر وهو متعافي فأمر السايس ان يضع عليه عدة ولجام فأخرجه واسرجه ولجمه فركب‬
‫عليه الزير وساقه ورجع إلى الوراء فرده إلى اليمين فراح شمال واجتهد ان يمشه فما كان يمشي معه فغضب منه ولكزه برجله‬
‫في الركاب فتضايق المشوم من فعاله وضربه بنعاله ضرط ضرطة من شدة الوجع كأنها صوت مدفع فغضب الزير وتألم‬
‫وضربه بالسيف فأورثه العدم ودخل إلى صيوانه فاجتمع بنوابه واعيانه وقال ولقد جربت دني الصل واكرمته فضاع فعلي معه‬
‫وما قدمت هذا المثل ايها السادات الخيار ال لتعلموا ان الحمار يقتني الحمار ثم انه ركب ذلك الحصان فوجده من عجائب‬
‫الزمان فزاد انشراحه فيه فأمر السايس ويداويه ثم انشد يقول ‪:‬‬
‫يقول الزير أبو ليلى المهلهل بلوم الشعر ما تغلي مالي ابا غالي رضيت الخيل تركب تعالى واسمعي مني مقالي جمع الخيول‬
‫للحمر خوادم شبيه الصيب تخدمها الموالي واما الخضر مركوب المارا فتركبها الملوك وكل والي واما الدهم زيدوهم عليقا‬
‫وسيبوهم لدهمات الليالي‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه شكره قومه على حسن اهتمامه ثم استعد الفريقان للقتال وجرت بينهم عدت وقائع‬
‫واهوال انتصربها المهلهل وكسب اموال كثيره وقتل سادات كثيره حتى ضعفت بنو بكر وذلت وبعد كثرتها قلت واضحمك‬
‫( قال الراوي ) فبينما هم في حاله الذل والنكسار واذا بغبار قد عل وثار قاصدا بلدهم وتلك الديار فشخصت اليه البصار‬
‫ساعه من النهار إلى ان ارتفع وتمزق وبان من تحته الف فارس وكلهمخ با لسلح والدوق وفي اولهم فارس بالحديد غاطس‬
‫كأنه قله من القلل او قطعه فصلت من ذيل جبل وعلى راسه البيارق والريات والسناجق فلما راه جساس استبشروا وايقن بالفرج‬
‫بعد الشقا والكدر ولما اقترب للعيان ونأملته الفرسان واذا اسد الجام المير سيبون ابن المير همام وكان المذكور قد خرج في‬
‫جماعه من فرسان الصدام للغزو على بلد الروم وذلك من عهد وقوع الزير في البحر كما سبق الكلم فلما عرفوا وتحققوا‬
‫خرجوا اليه واستقبلوه وفرحوا بقدومه الي الديار وكان ذلك اليوم عندهم اعظم نهار فذبحوا الذبائح وطعموا الغادي والرائح‬
‫وكان افراح الخلق ابوة همام وامه ضباع حيث لم يكن غيره سوى الذي قتل الزير على بير السباع فلما نزل بصيوانه بابطاله‬
‫وفرسانه خاع عدته وغير بذلته ودقت له النوبات وقامت الفراح والمسرات وعمل جساس وليمه عظيمه لها قدر وقيمه استدعى‬
‫اليها جميع الكابر وامراء القبائل والعشائر وكان شيبون قد وجد السادات والعيان في هموم واحزان فسال عن ذلك الشان فقال‬
‫جساس له لتسال يا ابن أخي عما اصابنا ودهانا من خالك الزير غالمهان فانه يكتف بقتل اخيك شيبان حتى جعلنا مثل بين‬
‫العربان على طول الزمان فانه افنى رجالنا واهلك ابطالنا وقد حرمنا هجوع الليل وهدمنا القوى والحيل كل هذا هو ليقبل منا‬
‫ديه ولمال ديه ولمال ولفديه وقد اعلمنا بالقضيه واو قفناك على باطن الطويله فلما سمع شيبون هذا الكلم صار الضيا في‬
‫عينيه كالضلم من عظم ما قاله اخمرت عينيه وشتم خاله ووعدهم بالمساعده والمعاضده وان يكون معهم على قتال خاله يد‬
‫واحده ثم نظم هذه القصيده وارسلها لخاله على سبيل الملم والتهديد ‪:‬‬
‫قال شيبون ابن همام المير حامي الزينات طعان العدا مرعب الفرسان في يوم اللقا ساقيا للعدى كاس الردى ضر ب سيفي‬
‫يقطع السيف المتين ثم يقدح الصخور الجمدا كل من يبغي قتالي يرتدي ويرتمي فوق الصعيد ممدا لم يبق لي مقارن في المجال‬
‫حين يلقوني يولدا شردا وانت يا خالي مهلهل ياهمام شد عزمك للقتال إلى غدا ولتقل يا خالي ما اعلمتني يا قليل العقل لتتمردا‬
‫ابرز الي في الصباح ولقني ثم ابشر يا مهلهل بالردا‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ شيبون من شعره ومقاله ختم الكتاب وارسله إلى خاله مع رجل من ابطاله فلما فتحه الزير وقرأه‬
‫وعرف فحوى معناه أجارت وغاب من ديناه وقد شق عليه وتأسف وصفق كفا على كف وقال انه معذور في هذه المور لنه‬
‫جاهل مغرور فلقتضى ان ينتصح قبل ان يفتضح فاجابه على ابياته تقول ‪:‬‬
‫الجزء الثامن‬
‫قال أبو ليلى المهلهل انني مفرج الكروبات في يوم الزحام يا فتى شيبون يا ابن اختي ضباعا تهددني في كتابك يا غلم ثم تطلبني‬
‫إلى سوق المجال وانت قصير على وضرب الحسام احتفظ من ان تجهل يا امير الجهل يسقيك كاسات المدام اطرد الشيطان‬
‫ابليس اللعين وانتصح من قول خالك ياهمام لتخالفني واسمع ما اقول يقتلك جهلك وما تبلغ مرام رد عما انت فيه ولتزيد ان‬
‫كنت تبغي حربي والصدام شد عزمك غدا انتلقى سوى من طلوع الفجر إلى وقت الظلم‬
‫فلما انتهى الزير من شعره ونظامه ارسل الكتاب إلى ابن اخته شيبون فلما فتحه وعرف ما احتوى عليه من المضمون مزقه ولم‬
‫يكترث ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولح ودقت طبول الحرب والكفاح وركب شيبون وجساس وكذلك الزير الفارس‬
‫الدعاس والتقوا با بطالهم ورجالهم وتشددا في قتالهم وكان شيبون قد برز إلى ساحه الميدان وتبعه البطال والفرسان والتقى‬
‫بفرسان تغلب وفعل بهم العجب فما صدم فارسا الاعطبه وعن ظهر جواده اقلبه ثم صاح وحمل بقلب اقوى من جبل وطلب‬
‫براز خاله المهلهل وكان الزير لما شاهد افعال ابن اخته وما فعل بابطاله ورفقه حمل عليه واحمرت اماق عينينه وقال اذهب يا‬
‫وجه العرب قبل ان تهلك وتعطب فقال إلى اين اذهب يا خالي وانت غايه بغيتي وامالي فو ال لقتلك في هذا النهار واطفى‬
‫اخبارك من بين القوم لنك طغيت وتجبرت وافتريت فاغتاظ الزير من هذا الكلم والتهديد والتقاه بقلب شديد وجرى بينهما في‬
‫اليتال وقائع واهوال تشيب الطفال ولما طال المطال قال له الزير امام تالبطال ارجع يا ابن اختي بامان قبل ان يحل بك الهوان‬
‫وتلحق باخيك شيبان فارجع إلى اهلك وامك وارسل لي ابطال قومك مع جساس عمك فلم يجبه شيبون بكلم بل كان يقايل كسبع‬
‫الجام وكان الزير كلما حكم عليه باالضرب في الحرب تمنع عن اذاه شفقه عليه واكرام لخاطر والديه وما زال يقاتله ويداريه‬
‫وينصحه بتلرجوع عما فيه إلى ان اقبل الظلم فعند ذلك توقف القتال ورجعت الفرسان البطال عن ساحه المجال ثم والتقوا في‬
‫اليوم الثاني وكان أول من برز إلى ساحة الميدان المير شيبون فصاح وطلب براز المهلهل فالتقاه الزير ونهاه عن قتا له فلم‬
‫ينتصح بمقا له بل تقد م ا ليه وهجم عليه واشار يقول متهددا اياه امام الفرسان والفحول ‪:‬‬
‫أنا شيبون ابن همام المير فارس الفرسان في يوم النكير استمع يازير قولي وافهم لبد من قتالك يا وغدا حقير مابقالك مخلص‬
‫مني ول من حسامي اليوم لو انك تطير ثم آخذ ثار اعمامي الجميع كم بطل صنديد صيرته حقير ليس لك قلب على اختك يحن‬
‫وأولد عمك ذاقوا منك النكير كم قتلت منهم خلق كثير كم يتمت كل طفل صغير سوف ترى حربي يا مهلهل في لقاء البطال ما‬
‫لي نظير قد اخبروني يوم جئت بانك يا قليل العقل تركب للحمير مايقنى الحمار ال الحمار ما انا مثلك ولعقلي صغير هات لي‬
‫سيفك ورمحك والثياب هات أبو حجلن كاطير يطير حتى اقتلك من حسامى والقنا وتطلب الجير ومثلى من يجير ان كنت‬
‫لتنصح فهذا حربنا ويكون النصر من رب القدير‬
‫فلما سمع الزير هذا الكلم وقع عليه اشد من ضرب الحسام فأجابه يقول ‪:‬‬
‫قال أبو ليلى المهلهل ثم قال انت ياشيبون ماعاد لك بعير هرجت ياشيبون مافي قولك كثير الجحش ل تخطل كما يحمل بعير لو‬
‫سقيت الجحش من سكر وسمن ولو خلطت له الصنوبر والشعير ل عاش اصله ماينفع منه الجميل اكيد هو مجنون من يقني‬
‫الحمير وانت ياشيبون لو لم تكن حمار مارجعت اليوم إلى حربي تغير فاني قد عفوت عنك البارحه من امك وابوك نعم النصير‬
‫وانت تعلم انني سبع الرجال قتلت منكم اثنى عشر الف امير هذا من غير التوابع والغريب تاه فيهن العدد ناس كثير كم نصيحه‬
‫نصحتك لتنتصح جاهل سوف تقع في وسط نير لم يبق لي ذنب ان اتك مني ضرب بهدى البدان ماعاد لك مجير دونك الميدان‬
‫ياشيبون قم وقو عزمك ليكون باعك قصير‬
‫( قال الراوي ) فلم يلتفت شيبون إلى كلمه ول أكترث بالتوبيخ والملم بل حمل عليه حملة أسد الغاب واخذ معه في الطعان‬
‫والضرب فالتقاه مهلهل بالعجل بقلب اقوى من الجبل واشتد القتال وعظمت الهزال حتى تعبت من تحتها الخيل وارتخى منهما‬
‫العزم والحيل ومال على بعضهما البعض كل الميل وكان الزير يطاوله ويحاوله واستمر يقاتلن ثلث ساعات من الزمان حتى‬
‫استعظمت من قتالهما الفرسان وشخصت اليهما عيون الشجعان وكان المير شيبون يود ان يقتل خاله ويعدمه الحياة ويفتخر‬
‫بقتله على اهله واقرباه إلى ان غنم الفرصة عليه فهز الرمح وطعنه بين ثديه فخلى المهلهل منها فراحت خائبه بعد ماكانت‬
‫صائبه فزاد الزير غضبا وتوقد قلبه والتهب وصمم على ان يسقيه كأس العطب فجذب سيف حكمون وقال اليوم اريك يمجنون‬
‫كيف الضرب يكون لني نصحتك فما انتصحت ولقد خسرت وماربحت ثم تقدم اليه وهجم عليه وضربه على مفرق راسه فسقه‬
‫إلى تكه لباسه فوقع على الرض يتخبط بعضه ببعض فلما رآه المهلهل وهو قتيل يتململ ندم على مافعل فتحسر وهطلت الدموع‬
‫من عينيه فلما قتل المير شيبون احمرت من بني مرة العيون وزادت عليهم الحسرات وايقنوا بالهلك والشتات ولكنهم اخفوا‬
‫الكيد واظهروا الصبر والجلد وقاتلوا قتال السود وطلبوا الرايات والبنود فالتقاهم الزير بالعساكر وضرب فيهم بالسيف البواتر‬
‫واحاط بهم احاطة الخواتم بالخناصر وقتل منهم مقتلة عظيمه واصاب غنائم جسيمه فلما راى جساس ضعف حاله وقتل فرسانه‬
‫فولى يطلب الهرب خوفا من العطب وتبعه فرسان وقد ابصروا ان ذلك اليوم العجيب من قتال بني تغلب فرجع عنهم الزير وهو‬
‫حزنان على فقد ابن اخته المير شيبون فنزل في الصيوان مع المراء والعيان ولم يكن له داب ال البكاء والنتحاب ولما اتى‬
‫وجلس وانشد هذه البيات وهو من الحزن على آخر نفس ‪:‬‬
‫الزير انشد شعرا من ضمايره العز بالسيف ليس العز بالمال شيبون ارسل نهار الحرب يطلبني يريد حربي وقتلي دون ابطال‬
‫نصحته عن قتالي ولم يطاوعني بارزته فتجندل في الرض بالحال المال يبني بيوتا لعماد لها والفقر يهدم بيوت العز الغالي دع‬
‫المقادير تجري في أعنتها ول تبيتن ال خالي البالي مابين لحظه عين انت راقبها يغير ال من حال إلى حال فكن مع الناس‬
‫كالميزان معتدل ولتقولن ذا عمي وذا خالي عم الذي انت مغرور بنعمه خال الذي انت من اضراره خال ليقطع الراس ال من‬
‫يركبه ولتريد المنايا كثرة المال‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه وانطرح على فراشه من شدة حزنه على ابن اخته ولما بلغ قتل شيبون ابوه همام وامه‬
‫ضباع احترق قلبها عليه لنه كان ابنها الوحيد بعد اخيه شيبان وكانت الفرسان قد اتت بجثته اليهما فبكياء بكاء شديدا ومزقا عليه‬
‫الثياب وبعد ذلك دفنوه في التراب وفي اليوم الثاني ركب المير لقتال الزير وتبعه جساس وباقي البطال والفرسان وبلغ‬
‫المهلهل الخبر فركب في ابطاله وفرسانه ولما التقى الفريقان وتقاتل الجمعان برز المير همام إلى معركة الصدام وطلب براز‬
‫الزير المهلهل وكان قد غير صفاته ووضع لثاما على وجهه حتى ل يعرفه أحد فبرز اليه وهو ليعلم بأنه المير همام فاقتتل‬
‫ساعة من الزمان وكان همام قد ضرب الزير بالحسام قاصدا ان يسقيه كأس الحمام فخلى الزير منها فراحت خائبه فهجم عليه‬
‫وطعنه بالرمح في صدره خرج يلمع من ظهره فوقع عن ظهر الجواد كأنه طود من الطواد فالتقت على الزير وقال له وهو‬
‫على آخر رمق آه يا مهلهل لقد قتلت ابن اختك نهار امس واليوم تقتل صهرك همام قال نعم قال ماعاهدتني انك لتقاتلني ابدا‬
‫واننا نكون اصحاب على طول المدى فلماذا خاطرت بنفسك وطلبت قتالي وانت تعلم بأنك لست من رجالي فقال لقد جرى القلم‬
‫بما حكم فانقضت حياتي ودنت وفاتي وهذا المر مقدر بأمر رب البشر ومادام المر كذلك يا فارس المعارك فكف اذاك‬
‫ودواهيك واجعلني فدى اخيك فقال وال يعز على فقدك ولعاد يطيب لي عيش من بعدك لكنني ل أكف الحرب والصدام حتى‬
‫ليبقى من بني بكر شيخ ول غلم ثم انه من بعد هذا الكلم هجم على المواكب ففرقها وطعن في أبطالها فمزقها فتأخرت عنه‬
‫الفرسان ورجعت إلى الوطان وهي في حالة الذل والهوان ولما بلغ ضباع قتل بعلها غابت عن عقلها وقد عظم مصابها وسارت‬
‫إلى بني تغلب ودخلت على أخيها الزير وقلبها يلتهب وقالت له بكلم الغضب هكذا تفعل ياأخبث العرب تقتل اولدي وبعلي‬
‫وتحرمني أهلي وتتركني حزينه طول الدهر أقاسي الذل والقهر هكذا تكون الخوان الذين يدعون الفضل والحسان فوحق الله‬
‫القادر الفاحص القلوب والضمائر ان موتى الذ عندي من الحياة وافضل فانت نسيت الجميل والمعروف وقابلتني بالغدر‬
‫والمتلوف بعد ان اخلصتك من الحريق وكشفت عنك ذلك الضيق فلما سمع الزير منها ذلك الخطاب اظهر الحزن والكتئاب‬
‫وتلقاها بالكرام والترحاب ثم اعتذر لها بالغلط واخذ يطيب خاطرها ويعزيها عما فرط وامرها بأن تسكن عنده بخدمها‬
‫وحواشيها فامتثلت كلمه وقامت في بيت أخيها ‪.‬‬
‫( قال الراوي ) فلما عظم المر على جساس وبني بكر وكثرت فيها السبي والقتل ارسلوا يستنجدون اهل اليمامه فأمدوهم برجل‬
‫منهم يقال له الفند بن سهل ( الحارث ابن عباد ) وكان من جبابرة الزمان وفرسان الوان ليبالي بالهوال وليخاف كثرة‬
‫الرجال وكان يلقي نفسه على المخاطر ويصيد الكواسر فسار إلى مساعدة القوم من ذلك اليوم وقد انتخب من الشجعان سبعون‬
‫فارسا مثل العقبان يقاربون في الشجاعة والفروسيه والهمه العليا وكانت اهله قد كتبت اليهم تقول قد امددناكم بعشرة آلف فارس‬
‫من الفحول وبهم تنالوا من أعداءكم القصد والمأمول فلما قدموا إلى تلك الوطان وراهم جساس وباقي البطال فاعتراهم‬
‫النذهال لنهم لم يروا أكثر من سبعين تحت رايه الفند السد العربند فقالوا اين جماعتك الباقين فقال الفند انا بسبعة آلف فارس‬
‫واصحابي ثلثة الف مداعس فتبسموا من هذا الكلم والتقوهم بالكرام والحترام فذبحوا النوق والغنام ونصبوا لهم المضارب‬
‫والخيام ثم استعدوا للحرب وسمع بهم المهلهل وتزيد في الخيل والرجال وزحف من يومه في فرسان قومه فالتقته بني بكر في‬
‫مكان يدعي عقبة الريحان فلما اقترب العسكران قال الحارس بن عباد وكان من الفرسان الجواد إلى جساس قائد القواد هل‬
‫تطيعني ايها المير فيما اقول واشير فقال قل مابدا لك فاني لأخاف مقالك قال أعلم ان القوم مستخفين بقتالنا وذلك لضعفنا وقلة‬
‫عدد رجالنا فقاتلهم بالنساء مع الرجال فتبلغ منهم القصد والمال فقال جساس وقد اعتراه النذهال مامعنى وكيف قتال النساء مع‬
‫الرجال قال انك تحلق رؤوس الفرسان وتجمع النسوان اللواتي اتصفن بالشجاعه وقوة الجنان فتحملهن الماء بالقرب وتعطي كل‬
‫منهن مطرقه من خشب وتصفهن خلف الرجال وقت الحرب والقتال فان هذا المجال يزيد البطال نشاطا في ساحة المجال فإذا‬
‫خرج منكم أحد الناس يعرفنه من حلق رأسه فتسقيه الماء فينعشه واذا مررن بعدوكم عرفته فتقتله فاستصوب جساس هذا الراي‬
‫واستحسنه وفي عاجل الحال جمع النساء والرجال وعرض عليهم هذا الحال فاجابوا امره بالمتثال ولم يبق يومئذ من بكر أحد‬
‫الحلق واستعد ال رجل من الفرسان اسمه ربيعه بن مروان كان زميما قصيرا فارسا حطيرا فقال ياقوم زميم قصير واذا حلقت‬
‫راسي اصير معير عند الكبي والصغير فدعوني من هذا ياسيدات العرب فانا ابلغكم الرب واقتل خمسه فوارس من تغلب‬
‫فاجابوة إلى ما طلب ‪.‬‬
‫(قال الراوي )ولما التقت العساكر بالعساكر وتضاربت السيوف والخناجر ونقللبت تغلب على بكر كليوث الجام والهبوهم‬
‫بضرب السيوف على الهام فارتدت بنو بكر طالبه النهزام فاشهر جساس في يده الحسام وصاح فيهم بصوت كالرعد والغمام‬
‫وقال يا ويلكم ارجعوا وقاتلوا بقوه وعزيمه فاجتمعت بنو بكر بعد النقلب إلى الحرب والقتال وضموا خيولهم في كتيبه واحده‬
‫وطلبوا المكافحه والمجادله وصاح الفند بن سهل والقى نفسه على القتال وهو ينخي البطال ويصيح على الرجال ففرق الواكب‬
‫واظهر بقتاله العجائب ‪ .‬فلما راى المهلهل افعاله برز اليه وطلب قتاله فالتقاه الفند بقلب كالحديد وهجم عليه هجوم الصناديد وما‬
‫زال في قتال شديد وحرب ما عليه مزيد إلى ان صارت وقت الزوال فتوقها على الحرب والقتال وافترقت العساكر عن بعضها‬
‫البعض ونزلت في جوانب تلك الرض ‪ ) .‬قال الراوي ) وكان ربيعه لم يلحق راسه من ضرب السيوف وطعن الرماح فوقع‬
‫طريحا بين القتلى على وجه الفل فمرت عليه نساء بني بكر فوجدته ذات لمه طويله فحسبته من بني تغلب فضربته بالمطارق‬
‫حتى اوردته موارد العطب فضربت به المثال وتحدثت به السنه الرجال ‪ ( .‬قال الراوي ) ولما اصبح الصباح واشرق بنوره‬
‫ولح وركبت الفوارس ظهور الخيول واعتقلوا بالسيوف والنصول وتقدموا إلى ساحه الميدان بالضرب والطعان وكان المهلهل‬
‫في الجحفل كانه قله من قلل او قطعه فصلت من ذيل جبل فصاح وحمل على جيوش العداء كليث الجام وضرب فيهم بالحسام‬
‫وتبعه امرؤ القيس بن اياد وكان صنديد واشتد بين الفريقين القتال وكثر القيل والقال وتقطعت الوصال وجرى الدم وسال وكان‬
‫يوما شديد الهوال لم يسمع بمثله في الجيال كثر فيه القتال والجراح وتمددت على وجه البطاح وارتجت تلرض من قعقعة‬
‫السلح وصهيل الحيل وهول الكفاح وكان الفند قد حمل مواكب المهلهل وقاتل حتى استقتل وفعلت فرسانه مثلما فعل وبذل‬
‫جساس في ذلبك اليوم غايه الجهود وهجم بقومه على الريات والبنود هجوم كواسر السود واشتد على المهلهل القتال واحاطت‬
‫به العداء من اليمن والشمال وهو يقاتل ويمانع وينصح رجاله على الثبات ويدافع حتى جرح في ثلثه مواضع ‪.‬فلما زادت عليه‬
‫الحال وازدحمت حوله الرجال تاحر عن ساحه المجال خوفا من الهلك والوبال وانكسرت بنو تغلب في ذلك النهار اشد انكسار‬
‫وتفرقت في البراري والقفار واستظهرت بنو بكر غايه الستظهار وقتلت الشجعان امرؤ القيس بن اياد وكان من العيان صيته‬
‫محمود مشكور وهو غير امرؤ القيس الشاعر المشهور فبكى المهلهل عليه وكان يحبه ويميل اليه ورجعت بنو بكر الي الديار‬
‫وهي بغايه الفرح والستبشار على ذلك الفعال ‪ ( .‬قال الراوي ) اما المهلهل فقد زاد حنقه على بني بكر وبات تلك الليله على‬
‫مقالي الجمر ثم جمع الفرسان والبطال وتجهز للحرب والقتال فالتقه بنو بكر بقلوب كالجبال وجرت بينهم وقائع واهوال لم‬
‫يسمع بمثلها في سالف الجيال واستمر الحال على هذا المنوال مده عشرايام وكان المهلهل قد انتصر في أكثر الوقائع جماعه‬
‫كثيره من الفرسان المعامع ولما كثر بين الفريقينالقتل واتفقوا على توقيف الحرب مده شهرين فافترقبت الفوارس عن بعضها‬
‫ونزلت كل فرقه بارضها (قال الراوي ) ولما قتل كليب كما تقدم الكلم كانت زوجته الجليله حامله بهذا الغلم فلما طردها الزير‬
‫الي بيت ابيها وسكنت عند جساس اخيها فولدت غلما فسمته الهجرس ولقبوه الناس بالجرو فكانت مع اخواله بني مره واولدهم‬
‫وكان خاله يحسن ويشفق عليه وكان الغلم قد احب حاله المير جساس دون باقي الناس فل يدعوه ال أبا ونشا الغلم ذا عقل‬
‫وادب وهو محبوب من جميع العرب لفصاحته وبرتعته وقوته وشجاعته فكان يركب ظهور الحيل ويتعلم عليها الفروسيه في‬
‫النهار والليل فبرع واشتهر على شباب القبيله افتخر فلما بلغ عمره حمسه عشره عاما زاد شهره وارتفع مقاما فراه جساس في‬
‫بعض اليام وهو كانه ليث الجام والشر طائر من عينيه ول يقدر أحد عليه فانذهل واندهش وخاف منه‬
‫وارتعش وكان كثيرا ما يتامل في امره ويخاف من سطوته وشره لنه قتل اباه بالمس وتركه يتيما طول الدهر ‪ ( .‬قال الراوي )‬
‫اتفق ذات يوم ان الحرو ركب في جماعه من الشبان واخذوا يتعاطون بالجريد في الميدان وكان من جمله الغلمان عجيب ابن‬
‫المير جساس وكان شديد الباس فطعن عجيب الجرو طعنه فمال عنها فراحت خائبه ثم ان الجرو تقدم نحو عجيب وطعنه بجر‬
‫يده اصابته فالتقه عن ظهر الجواد إلى الرض فنهض غضبانا فشتم الجرو واهانه بالكلم وقال اهكذا تفعل يا ابن اللئام بابناء‬
‫السادات الكرام يهدد بهذا الشعر ‪ .‬يقول عجيب من قلب موجع ال يا رفقتي حالي عجيب ضربني الجرو منه جريده فارماني‬
‫وصيرني كثيب ولم يعلم باني خير ماجد ولد جساس قوم مستهيب لول عمتي لقطعت راسه واطرحه على العبرا قليب فهذا ولد‬
‫كليب العادي ول ضد الكلب ال القصيب دعوه يروح عنا ليماطل ويذهب سرعه قبل المغيب‬
‫(قال الراوي ) فلنا فرغ عجيب من شعره ونظامه وفهم الجرو فحوى كلمه اجابه على شعره يقول ‪:‬‬
‫يقول الجرو اسمع يا ابن خالي كلمه ليس يسمعه اديب تقول اليوم تقتلني بسيفك وتتركني على الغبرا قليب اذا ابصرتني يوما‬
‫فريدا فقتلني بسيفك ياعجيب فا نزل عن جوادك يا ابن خالي وافعل ما تريده عن قريب وافعل ماتريده اليوم فينا فاني لاخافك‬
‫ياعجيب ( قال الراوي ) فلما فرغ الجرو من كلمه واذا بسلطان أخو جساس اقبل عليهما في ذلك الوقت فوجد الدم يسيل من ابن‬
‫اخيه جساس فلما علم بواقغه الحال اغتاظ غيظا شديد وشتم الجرو وقال وال لول كرامه امك لقطعت راسك واخمدت انفاسك‬
‫فقال ياخال ها انا بين يديك فافعل ما تريد ثم هطلت عيناه بالدموع وتنهد من فؤاد موجوع وسار إلى عند امه واعلمها بما جرى‬
‫وكان يطلب منها الرحيل من ذلك الوطان فتكدرت امه واجابته إلى ذلك لشان ثم انهما صبرا حتى اظلم الليل فتركا المضارب‬
‫والخيام وسارا تحت جنح الظلم في جماعه من العبيد والخدام وجدا في قطع البراري والكام مسافه عشره ايام واتفق في اليو‬
‫الحادي عشر انهما التقيا بشيخ في ذلك البر الفقر وهو يقطع البر الفسيح على الفرس تسابق الريح وكان بمعيته عشره ابطال‬
‫من صناديد الرجال وكان قد خرج لصيد الوحوش والغزلن وهو راجع إلى الوطان فتقدم الجرو اليه وسلم عليه فرد الشيخ‬
‫سلمه وقال له ايها الفتى الماجد من اين اتيت والى اين قاصد فقال طردوني اهلي وربيت يتيم وانا طالب انسان كريم حتى‬
‫التجىء اليه واقيم عنده فقال الشيخ اذا كان المر كما تقول فشرفني إلى اطللي فانا افديك بروحي ومالي واشار اليه يقول ‪:‬‬
‫يقول المير منجد من قصيد اليا قاصدا نبيل المارب فشرف منزلي وامر عبيدك يرون العر والجنائب بكم قد حلت البركه‬
‫علينا يرون العر والجنائب فمثلي ما تلقوا اين سرتم وعندي تبغلوا كل المطالب انا مسجد فمن نسل الكارم ابي وائل وما فينا‬
‫معاقب الوف الوف تخدمني وتخضع لمري في المشارق والمغارب وانت بقيت بعد اليوم ابني ولست اليوم في قولي بكاذب‬
‫( قال الراوي ) وكان هذا الشيخ اسمه منجد بن المير وائل وهو خال كليب والزير البطل الحلحل وقد كنا ذكرنا عنه في أول‬
‫الكلم بانه بعد قتل كليب استخدم مع اخوته الثلثه عند التبع في بلد الشام ولما قتل التبع ولى هرب وسكن في اخر بلد العرب‬
‫خوفا من كليب ان يقتله كما قتل اخوته لنه يبغضه دون اهله وعشيرته فلما فرغ النجد من شعره ونظامه وفهم الجرو فحوى‬
‫كلمه فرح واستبشر ورجع إلى عند امه على الثر واعلمها بما جراى وكان ثم انهم ساروا معه إلى الوطان ونصبوا‬
‫المضارب والخيام فاكرمهم منجد غايه الكرام وانزلهم اعز مقام وكان لمنجد المذكور عشره اولد من الذكور كانهم البدور‬
‫فالفوا الجرو واحبوه وكانوا ليفارقوه وكانت امه الجليله قدالمير منجد حق المعرفه ولكنها كتمت المر عن زيد وعمر خوفا‬
‫من العواقب وطول النوائب فاجتمعت بابنها الجرو فقال اذا سالك عن اسمك فقل اسمي الهجرس ولتقول الجرو فقال ان‬
‫السمين واحد فما هو مرادك ذبلك فقالت ان يكون الهجرس كلب الصياد فانه اصلح من الجرو ابن الكلب وانت امير وابوك كان‬
‫من الفرسان المشاهير ومن ذلك اليوم تسمى الهجرس وغلب هذا اللقب بين العرب وكانت امه في قلق عظيم خوفا عليه‬
‫فاجتمعت ذات يوم بشيخ عبيدها وكان اسمه صباح واشارت تقول من فؤاد متبول ‪ :‬تقول الجليله بدمع سجام ايا صبح اسمع‬
‫الكلم فهذا الشيخ الذي تراه مكيد العادي بضرب الحسام يسمى منجد صميدع عنيد ولد وائل وافي الزمام فهو امير وابن امير‬
‫وحوله عساكر كثيره كفيض الغمام فهذا حال كليب المير مع سالم الزير قوم همام فهو خالهم قد عرفته سريع ميكدا العادي‬
‫بضرب الحسام وهوخال زوجي لكن عدو كيف العمل الن صرنا نضام واصل العداوه كليب المير قتل اخوته في دمشق الشام‬
‫قتل اليمامه واخذ ثار ابوها واهلك اخوه منجد وشام ونحن الن نزلنا عليه عرفته وقد اعتراني سقام اني اخاف على ابني حقيق‬
‫يهنيه ويدعى دمه سجام عدوك اياك تركن اليه ولو انه سقاك المدام‬
‫(قال الراوي) فلما فرغت من شعرها ونظامها فهم صبيح فحوى كلمها قال اين نتوجه الن وقد صار لنا مده من الزمان‬
‫والصواب ان تكتم امرنا على كل انسان حتى يفرجها علينا الرحمن الرحيم واستمروا مده طويله في تلك القبيله وهم عز واقبال‬
‫وارغدعيش واحسن حال إلى ان كان في بعض اليام اغار على المير منجد بعض الملوك العربان في ثمانين الف عنان فالتقاه‬
‫منجد بعسكر جرار فانكسر عده مرات حتى ال مره إلى الدمار ‪ .‬فلما شاهد الجرو تلك الحوال وما وقع بمنجد من الهوال برز‬
‫إلى ساحه المجال وقاتل الشجعان والبطال واظهر الغرائب والعجائب ففرق الصفوف والمواكب وكسر ذلك الشمس والقمر‬
‫وفعل فعال تبقى وتذكر وما دامت الشمس والقمر وعند رجوعه من القتال بالنصر والقبال وشكره منجد على تلك الفعال قال له‬
‫مثلك تكون الرجال فو ال لقد حميت الحريم طردت الغريم وخلدت لك ذكرا جميل على طول الدوام وعند وصولهما سرايه‬
‫الحكام وجلوسهما في الديوان قال منجد بحضور السادات والعيان مثلك تكون الفرسان فاعلمني عن حسبك ونسبك ومن يكون‬
‫قومك فلما سمع الجرو فحوى كلمه اجابه بهذا القصيدا ‪:‬‬
‫يا فخر ماجد في الرجال فاسمع ياملك فحوى كلمي انا اسمي اليتيم يا مسمى ولاعرف ابي ولاخوالي واني قد سالت امي‬
‫مرارا فتسكت لترد إلى سؤالي تقول ابوك شاليش بن مره قتله الزير في يوم النزال فاطلب من اله العرش ربي لخذ الثار منه‬
‫بالقتال‬
‫(قال الراوي ) فلما فرغ الهجرس من كلمه زاد منجد فب احترامه ونهض على القدام واعتقه امام السادات الكرام وقال لهانت‬
‫من بني مره اصحاب الشجاعه والقدره فعربك من عربي ونسبك من بسبي فو ال ما ضاع نظري فيك فاطلب من ال ان يحفظك‬
‫ويبقيك وينصرك على جميع حسادك واعاديك من ذلك الوقت زاد في اكرامه ورفع مقامه على الكبار والصغار وكان لمنجد بنت‬
‫بديعه الجمال متصفه بالداب والكمال كانها هلل ذات عقل ثاقب وراي صائب ليوجد مثلها في العرب والعاجم اسمها‬
‫بدرباسم فزوجه اياها وتمتع الجرو بحسنها واقام في ارغد يش واحسن حال وهو يحكم على تلك الطلل وقد احبته جميع‬
‫الرجال ‪( .‬قال الراوي ) هذا ما كان من الهجرس والجليله وما جرى لهما في تلك القبيله واما جساس فانه بعد رحيل اخته من‬
‫الديار زادت به الكدار وكان كثيرا ما يتذكرها في الليل والنهار فاتفق في بعض اليام بينما هو جالس في الخيام دخل عليه‬
‫بعض الشعلراء فسلم عليه وعلى باقي المراء واخذ يمدحه بهذا السعر والنظام على ماجرت به العاده في تلك اليام ‪:‬‬
‫قال جابر في بيون صادق انت ياجساس رب المكرمات سمعت بصيتك انا يا ذا المير في الكرم والجود يا فخر الذوات انت ملك‬
‫البلد جميعها حاكما في الرض من كل الجهات قاتل الضد في يوم الوغا مكرم للضيف سنه المحملت انت ياجساس ملك البلد‬
‫مع اخوتك وشقايقك السيدات والسادة‪ :‬لولكم ماكنت جيت لرضكم ماكنت فارقت العيال مع البنات وتركت اختي يا ملك اولدها‬
‫وزوج اختي يا ملك ذا العام مات اولد اختي سبعه ذكور عند اولدي واهلي تبات جور هذا الدهر في الدنيا عجيب كم له في كل‬
‫يوم تقلبات‬
‫(قال الراوي ) فلما فرغ جابر من شعره ونظامه وفهم جساس فحوى كلمه امر له بالف دينار واعتبره غايه العتبار ثم التفت‬
‫اليه اخوه سلطان وقال له امام السادات والعيان اسمعت كلم هذا الشاعر الذي يدور في القبائل والعشائر ويمدح السادات‬
‫والكابر امل في المكاسب وبلوغ المارب كيف انه ذكر اخته في شعره ولم ينسها طول دهره فكيف نحن نكون سلطين الزمان‬
‫وملوك العصر ولوان اختنا ان تغضب منا وتبعد ولنعلم إلى اين ذهبت واي قبيله طلبت فماذا تقول عنا دول الممالك اذا سمعت‬
‫عنا ذلك فمن الواجب ان نقتفي اخبارها الن ونعيدها معزوزوة إلى الوطان ثم انه بكى امام جلسائه وبكت اخوته وندم سلطان‬
‫على ما فعل واستعظم ذلك العمل ثم التفت جساس الشاعر وقال له انت تطوف حلل العرب ونمدح الملوك واص حاب الرتب‬
‫فاريد ان تستقصي لي عن اخبار الجرو وتعلمني إلى أي حله قصدوا وعن اسم القبيله فان اتيتني بصحه الخبر بلغتك القصد‬
‫والوطر فاجابه الشاعر وامتثل ثم سار على عجل يطوف القبائل والحلل ويستقصب عنها الخبار من الكبار والصغار حتى سمع‬
‫بخبرهما ووقف على حقيقه امرهما فقصدهما إلى ذلك المكان واجمتع بهما في الصيوان وحدثهما بما سمع في حقهما من جساس‬
‫وسلطان ثم اشار يمدح الجرو ويقول وهو فرحان على بلوغ القصد ‪ :‬يقول جبر من قلب حزين فدمعي سال من وسط الماق‬
‫ادور على القبائل والعشلئر لحظى بالمكاسب والنياق فاصغى يا امير إلى كلمي فانت اجل فرسان السباق فصيتك شاع في كل‬
‫القبائل فمن يمن الي ارض العراق وما لك في البريا من شبيه ونجمك فاق سام المجد راق سالت ال ان يحفظ جيالك على طول‬
‫المدى والدهر باق رحنا من حماه لعند خالك ملك جساس سلطان الفاق فأهدانا وقام انعم علينا وقلبه من بعادك باحتراق‬
‫وارسلني ل كشف اين انتم ليحظى فيكم من بعد الفراق‬
‫(قال الراوي ) وكانت الجليله تسمع هذا الشعر وهي خلف الحجاب واستر فما هان عليها ان تسمع بذكر اخوتها كانوا الذين سببا‬
‫لغربتها وفرقتها من حلها فأمرت كبير العبيد أن يوقف عن اتمام القصيد وان يكتم خبرهما عن هذا ذاك خوفا من الفضيحه‬
‫والنهاك ثم امرت له بالف دينار واعطاه الجرو مثل ذلك المقدار ففرح الشاعر واستبشر ورجع على الثر واعلم جساس بذلك‬
‫الخبر فأرسل في الحال اخوه سلطان في جماعه من البطال لياتوا باخته الجليله وابنها الجرو من تلك االطلل فلما اقترب‬
‫سلطان إلى تلك الوطان ارسل بعض الفرسان ليعلم منجد بقدومه إلى اوطانه فخرج في الحال في جماعه من فرسانه فألتقاه‬
‫احسن ملتقى لنهم كانوا اقارب واصدقاء وانزله في سرايه الحكام وذبح له النوق والغنام واكرمه غايه الكرام وفي ثاني‬
‫اليام اجتمع سلطان باخته الجليله وولدها الجرو واعتذر لهما بما فرط منه وطلب منهما الرجوع الي الديار وشدد عليهما في‬
‫ذلك غايه التشديد فأجابه الي ماطلب واعلم الجروالمير منجد بانه يريد الرجوع الي اهله وعشيرته مع امه وزوجته ومن يلوذ به‬
‫من جماعته لن نفسه أشتاقت الي الوطن فقال منجد وال يا امير يعز علينا فراقك ول زالت ارواحنا في كل وقت تشتاقك ولكننا‬
‫لنقدر ان نمنعك عن اهلك واصحابك وبني عمك واحبابك ثم اعطاه مائه ناقه محمله نفائس القمشه والذ خائر ومائه جواد وغير‬
‫ذلك من المعادنوالجواهر ومائه عبد ومائه جاريه واركب ابنته زوجة الهجرس على هودج كبير وسار لوداعهم مسافة نصف‬
‫يوم ثم رجع إلى الديار وسار الهجرس مع امه وزجته يقطعون القفار حتى وصلوا الي منازل بني مرة فالتقاهم جساس بالفرح‬
‫والمسره وامر بذبح الذباح واطعام الغادي والرائح واشار إلى الجرو يقول ‪:‬‬
‫لماقال الفتى جساس صادق ايا مرحبا بك يا ابن اختي ففيكم حلت البركه علينا وضاء الحي في قربك الينا وامك يافتى عيني‬
‫وروحي وعمرك ياجليله مافرحت فا ابنك غدا كالسبع الكاسر فان الجرو للعداء كاسر بيوم الحرب والهوال كاسر اله العرش‬
‫يرجعه ظافر فل تعتب على سلطان خالك ولقوله يخطر قط بيالك فل ابني ولنحن مثالك انا ساحكمك من فوق تختي انا ابكي‬
‫على المرحوم ابيك قتله الزير في ربعك وحيك فقم واركب يروح خالك واخذ من المهلهل ثارك سالتك ال ان تأخذ بثارك بقتله‬
‫تكشف عنك عارك مرادي تقتله وتأخذ بثارك وتحرقه بنارك يا ابن اختي‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وتبسم الجرو من كلمه قال له كن مطمئن الخاطر يا خال هذا ما كان من‬
‫الجرو وجساس واما الزير الفارس الدعاس فانه بينما كان راقد ذات ليله اذ راى في منامه ولذيذ احلمه اخاه المير كليب وهو‬
‫يعاتبه بهذه البيات على اخذ الثار وكشف العار ويقول وعمر السامعين يطول ‪:‬‬
‫تنام الليل كله يا مهلهل وثاري ما قدرت علي وفاه وعظمي ذاب حتى صار كحل وجساس بن مره في الحياه‬
‫فأجابه الزير يقول ‪ :‬امير كليب ما قصرت يومًا بأخذ الثار من قوم البغاة فقم اسال بناتك يا حبيبي على طعني وضربي با لعداة‬
‫(قال الراوي ) فاسيقظت بنات كليب من المنام وايقظن عمهن بهذا الشعر والنظام ‪:‬‬
‫يقولون اليتامى يا مهلهل أتانا كليب يستنجد اخاه كليب قام من وسط المقادير وصار كليب في وسط الحياه‬
‫(قال الراوي ) كان الزير قد استيقظ من منامه فأرىالبنات حوا ليه فقال لهن رايت اباكم في المنام ثم حدثهن بما سمعه وراة‬
‫بالكمال والتمام فبكين بكاء شديدا فقال الزير ان هذا المنام بدل على عجب وحادث يقع عن قريب فاستدعا بعض الرمالين اليه‬
‫وقص ذلك المنام عليه فضرب الرمل الرمال ورسم الشكال وولد البنات من المهات حتى عرف حقيقة الخبر فقال له لك‬
‫البشرى يا فارس الصدام فان جساس سوف يقتل من بعد ايام وذلك من يد شخص يظهر من لحمك ودمك واشار يقول ‪ :‬يقول‬
‫بشير اسمع يامهلهل ايا سالم فابشر زال همك اتاك النصر من رب البريا انه العرش من خيرات عمك وقد ظهر رسول الرمل‬
‫عندي سيظهر شخص من لحمك ودمك فيقتل في الوغا جساس حال وانت ترجه ويزول همك وتهلك بعده ا ولد مره وستقيهم‬
‫جميعا كاس سمك‬
‫( قال الراوي ) فلما سمع المهلهل هذا الشعر من الرمال فرح واستبشر وقال له انتم ذلك الكلم ابشر مني ببلوغ المرام ثم انه‬
‫احسن اليه ووعده بكل جميل ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولح ركب المهلهل إلى الحرب والكفاح وتبعه البطال‬
‫والفرسان وركب ايضا المير جساس بالرجال واشجعان وقتتلوا طول ذلك النهار وقتل المهلهل منهم عدد كثير المقدار وما‬
‫زالوا في اشد القتال الي ان دقوا الطبول النفصال فافترقت الطوائف عن بعضها ونزلت كل فرقه في ارضها واما الهجرس فانه‬
‫لم يركب مع جساس في ذلك اليوم فاجتمع جساس باخته الجليله في المساء وقال لها ان ابنك لم يقاتل معنا ول نعلم ما هو السبب‬
‫فا ساليه واعلميني بما يقول فسالته امه عن عدم خروجه إلى حرب فقال له اعلمي يا اماه انه ليلقاني في قتال الزير سوى‬
‫حصان خال جساس الخرج ان وهبني اياه فانا اعطيه عوضه راس المهلهل فان قبل بهذا الطلب بلغته غايه الرب فرجعت‬
‫الجليله على الثر واعلمت اخاها جساس بهذا الخبر فوهب الحصان وقال له ان قتلت هذا الشيطان تكون علينا ملك ونحن لك‬
‫غلمانا واعوانا ففرح الجرو بذلك وضمن لجسا س قتل الزير اما الفرسان القواد ولما اصبح الصباح واضاء بنورة ولح ركب‬
‫الجرو الحصان المذكور وتبعه كل فارس مشهور وكان الزير قد ركب وطلب براز فرسان وقال اين جساس الجبان فليبرز إلى‬
‫الميدان فبرز الجرو اليه وهجم عليه واشار يقول وعمر السامعين يطول ‪:‬‬
‫يقول الهجرس يا مهلهل ان عزرائيل اقبل اين تعدى اليوم مني سوف تلقاني وتقتل اني كمن قد جاك لتحسبني بظنك‬
‫( قال الراوي) فلما فرغ الهجرس من شعره حمل عليه وكان المهلهل قد مال قلبه اليه وتحركت جميع اعضائه وكان الزير يبطل‬
‫مضاربه بحسن اختياره ول كان قلبه يطاوعه على قتله ودماره وما زال على تلك الحال وهما في عراك وقتال إلى ان دقت‬
‫طبول النفصال وعاد العسكران عن ساحه المجال ورجع المهلهل إلى الطلل واجتمع ببنات اخيه كليب واعلمهن بحديث‬
‫الغلم وما جرى بينهما في معركه الصدام وكيف انه اشبه الناس بابيهما كليب في الصوره والقتال ثم قال لليمامه اعلميني هل‬
‫كانت امك الجليله حامله لما ذهبت إلى بيت ابيها فقالت نعم ياعمي كان لها نحو شهرين ولكن ماهو معنى هذا السوال فانشد‬
‫وقال ‪:‬‬
‫يقول الزير أبو ليلى المهلهل مربع الخيل انتصدت الينا يمامه اسمعي مني كلمي ايا ست الملح المحسنينا برزت اليوم للميدان‬
‫حتى اقاتل ال مره اجمعينا فبارزني غلم غريب منهم له عزم كما الصخر المينا كمثل اباكم وجها وحربا فذكرني ليالي الماضينا‬
‫فقد قاتلته في كل لطف وهو يطعن طعان القاتلينا فحملته وطعانه قويه تقد الصخر والزرد المتيينا فلماانتهى من شعره اجابته‬
‫اليمامه تقول ‪:‬‬
‫اليا عم اسمع ما اقوله لتفهم سالم الخبر اليقينا فامي حامله من يوم راحت وحق ال رب العالمينا ولست ادري ايش جابت ابنت‬
‫ام غلم يا فطينا ثلثه اشارات لي في كليب اشارات بعقلي راسخينا ركب يوما بقرب النوم مره وقال ايا يمامه انظرينا من التفاح‬
‫اعطاني ثلثه وقال بذي الثلثه تضربينا فانكسوف تحتاجي اليهم اذا ظهر لناحقا بنونا ضربته بواحده يا عم راحت بضرب‬
‫رقابه راحت طحينا وثاني واحده في رمحه وثالثهم خطفها باليمينا غدا انزل واضربه ثلثه كفل ابي ايا عمي الحنونا يكون أخي‬
‫اذا سوى نظره وان خالف يكون غريب فينا‬
‫عسى ال يدركنا بلطفه وينصرنا اله العالمي‬
‫نا ( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من شعرها ونظامها وعمها يسمع فحوى كلهما قال لها فعل ابوك ذلك قالت قبل موته‬
‫بشهرين عندما كنت بير السباع وقد صممت الن ان ارافقك إلى الميدان واضربه بالتفاح في ساحه الكفاح وان افعل كما فعل ابي‬
‫يكون لشك أخي وبه ابلغ اربي ‪.‬‬
‫الجزء التاسع‬
‫وفي ثاني اليام ركب الزير للحرب والصدام وركبت معه اليمامه وقد اخذت معها ثلثة تفاحات وكان الجرو قد ركب ايضا‬
‫بالبطال فصال وجال وطلب الزير للحرب والقتال فبرزت اليه اليمامه بالعجل وقالت انا اقاتلك اليوم دون المهلهل فاستعظم‬
‫الجرو ذلك ولم يعلم السبب ثم ان اليمامه اخذت تفاحه ولوحتها بيدها وضربته بها فاخذها برجله مع الركاب فطحنها طحنا ثم‬
‫انها ضربته بالثانيه فأخذها على سنان الرمح ثم أخذت الثالثه وقالت اللهم ياخالق الخلق امح الباطل واكشف الحق فأخذها بيده‬
‫ووضعها في جيبه فلما شاهدت الحال ايقنت انه اخوها ل محاله فنزلت عن ظهر الجواد وتقدمت اليه والقت نفسها عليه وقالت‬
‫اهل وسهل يا أخي ابن ابي وامي فأنت وال ابن كليب دون شك ول ريب وقد ربيت في دار العدا والحمد ل الذي عرفناك بعد‬
‫طول المدى فقال لها انا ابن شاليش ايتها السيدة الحرة وامي هي الجليلة بنت مرة فقالت انت ابن المير كليب ثم انشدت تقول ‪:‬‬

‫قالت يمامه من ضمايرها دمع العيون على الخدين هنان اسمع أخي قصتي وافهم معانيها ياقاهر العدا في وسط ميدان ابوك خانه‬
‫جساس ايا سندي بطعنة يا عظيم القدر والشأن شاليش خالك كل الناس تعرفه اهل العارب قاضيها ومن دان وعمك الزير فخر‬
‫الناس كلهم وفارس الخيل من عجم وعربان فاسأل لمك ثم سرك اكتمه وارجع الينا فأنت اليوم في أمان‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من شعرها تأكدت عنده تلك القضيه لن قلبه كان ليميل إلى جساس ول إلى أحد من بني‬
‫مرة ول سيما انه قد حن قلبه إلى اليمامه فقال لها سرا لقد صدقت بقولك هذا فاذهبي الن وعند الصباح اتبعكم إلى الوطان ثم‬
‫توقفت عن القتال ورجع إلى عند امه في الحال واخبرها بذلك الشأن وان تعلمه من هو أبوه من الفرسان وحلف لها بالله الديان‬
‫انها ان كتمت عنه حقيقه الخبر قتلها وجعلها عبرة لم اعتبر لفما علمت امه بأتن الخبر قد اتصل اليه وان المر ماعاد يخفي عليه‬
‫اعلمته بالقصة من أولها إلى آخرها وأوقفته على باطنها وظاها واشارت اليه تقول من فؤاد متبول ‪:‬‬
‫الجليله قالت ابيات نار قلبي بالحشا زادت لظا استمع يا ولدي فيما اقوله يا ضيا عيني وياكل المنى انت روحي افتهم مني الكلم‬
‫قول صادق ليس فيه من خفا ان ابوك كليب سور المحصنات قاهر البطال في يوم الوغى واخوته خمسون اعمامك جميع كلهم‬
‫فرسان طعانه قنا اربعه من الست يا ابني حقيقي كل واحد سبع ربي بالفل منهم المسمى ابوك كليب كان والفتى الزير المهلهل يا‬
‫منى والفتى المسمى عدي درعان هذه الربعه اتةا منها سوا ثم ست واربعين خلفهم من الجواري والسراري والما كلهم يا‬
‫امير اعمامك لهم كل واحد الف يطعن بالوغا وابوك كليب سار على الجميع بالفروسية مع جود وسخا جاء جساس خالك باق فيه‬
‫وتركني بعده مثل الما وطردني عمك الزير بعده فرحت إلى اهلي دون المل قد كنت حامل فيك بعد ابيك فولدتك في تلك الحما‬
‫رحت سميتك على اسم الكلب سرت كانك سبع رابي بالفل وانا وال من خوفي عليك قلت أخي شاليش انه لك أبا وانا اعلمتك‬
‫افعل ما تريد صفا عينشي ووقتي ما تعكر‬
‫( قال الروامي ) فلما فرغت الجليلة من هذا الشعر بكى الجرو بكاء شديد ولم أمه على كتمان المر ثم انه صبر إلى الليل‬
‫فركب وسار بالعجل إلى عند المهلهل وصحبه العبد أبو شهوان الذي كان ارسله اليه عمه فارس الفرسان وفي اثناء الطريق أراه‬
‫العبد قصر ابيه وقبره المصفح بالذهب وعينيه واجتمعت جميع شقايقه ومن يلوذ به من اهله واقاربه فوقعو عليه وترحبو به‬
‫وكان الزير افرح الخلق ولما استقر به الجلوس وطابت من القوم النفوس قال الجرو الحمد ل رب الكائنات الذي جمع شملنا بعد‬
‫الشتات فوال العظيم رب موسى وابراهيم ل بد لي من قتل جساس واجعله مثل بين الناس لنه فجعني بابي تاجي وفخري‬
‫وتركني يتيما طول دهري فقال له الزير ل بد من قتله على رؤوس الشهاد وانت تكون الحاكم بعد ابيك على هذه البلد ثم انشد‬
‫وقال ‪ :‬يقول الزير أبو ليلى المهلهل صفا عيشي وقتي ما تعكر أتاني السعد من رب البرايا واتانا السعد لما النحس ادبر فقبل‬
‫ظهوره كنا حزانا نقضي الليل في قلق ونسهر على فقد الفتى الماجد كليبا ثوى غدرا له جساس فنظر وفي دمه كتب بالبلطة‬
‫وصايا عشر ابيات او أكثر يوصيني بقوله ل تصالح فسالم انت ان صالحت تخسر واطرد الجليلة من حمانا عدوة كعبها ما كان‬
‫اخضر طردناها وهي بالجرو حامل من يقدر على رد المقدر انا فيهم فتكت بحد سيفي وانت القصد منهم تكبر واني ما بكيت‬
‫على كليب اخذت بثاره بالسيف مجهر فابكي حيث ما خلف ذكورا بنات الكل ما له طفل يذكر ولما خالقي انعم علينا وجانا الجرو‬
‫كالسبع الغضنفر صفا عيشي وقد نلت المقاصد وزال النحس عنا ثم ادبر وبعد يا ابني اسمع كلمي انا عمك وانت الليث قسور‬
‫فقم اجلس على كرسي ابوك وفي احوال اخواتك تبصر‬
‫(قال الراوي) فلما فرغ الزير من الشعر والنظام قال الجرو اطال ال بقاك ونصرك على جميع حسادك واعداك وبلغت قصدك‬
‫ومناك انني وال يا عم في قلق وغم فل تزول احزاني وانال اربي حتى آخذ بثار ابي واقطع راس جساس واجعله مثل بين الناس‬
‫فشكره جميع اهله واعمامه وبعد ذلك قال له الزير ما هو الراي عندنا يا ابن أخي قال الراي عندي اني اغير عليكم نهار غد‬
‫واخذ نوقكم وجمالكم إلى جساس واقول له باني اتيت اليوم باموالهم ومواشيهم وغدا اتي اليك براس الزير ثم احاربك وتكون‬
‫انت واضع قربه من الدم تحت جانبك فاطعنك بالرمح فخذه تحت ابطك والقي نفسك على الرض فتنشق القربة ويهرق الدم وانا‬
‫اصيح على جساس واقول له قد قتلت عدوك يا خال انزل اليه واقطع راسه لقد زال الكدر وبلغنا اليوم الوطر وعندما ياتي اليك‬
‫فتقوم اليه بالعجل وتعدمه الحياة لنه لم يعلم بقدومي عليكم وبهذه الوسيلة تتم الحيلة وتتخلص من هذه الورطة الوبيلة فاستصوب‬
‫الزير رايه ثم انه ودعهم وسار وحده الي الديار بني مره وعند الصباح ركب الجرو في جماعه من الفرسان وساق مواشي بني‬
‫قيس من الرعيان با تفاق المير مهلهل ليت الميدان فخرج المير جساس وسادات من بني مره وشكروا الجرو على هذه الغنيمه‬
‫( قال الراوي ) فاتقف في تلك الليله بان جساس راى حلما غريبا وهو انه ابصر ذاته بانه كان قد ربى عنده جرو وذهب واكان‬
‫يوده ويحبه فلما انتهى وترعرع وتصاحب مع سبع كاسر على فالفه إلى ان كان في بعض اليام اغار السبع على مواشي بني‬
‫مره وهجم على نسائهم واولدهم وجعل يفترس كبارهم وصغارهم وكان الذئب يساعده يساعده عليهم فاغتاظ جساس من فعال‬
‫السد فسللسيف وهجم عليه يريد قتله واعدامه فوثب عليه الذئب من ورائه ونهشه فالقاه صريعا على الرض ففاق جساس‬
‫مرعوبا من هذا الحلم فنهض في الحال وسار إلى الديوان وجمع اخوته وباقي السادات والعيان واعلمهم بذلك المنام فقالوا هذه‬
‫اضغاث احلم وما زاالوا يهرنون عليه حتى راق وزال عنه القلق والكدر ولما اصبح الصباح ركب الزير يطلب الحرب‬
‫والكفاح وركب المير جساس وهو في قلقل ووسواس وكان الجرو قد اوعد بهلك القوم وقتل المهلهل في ذلك اليوم ولما التقى‬
‫الفريقان برز الجرو إلى ساحه الميدانفبرز اليه المهلهل فالتقاه الجرو وصال وجال وطعنه بالرمح طعنه كاذبه فسحبها المهلهل‬
‫من تحت ابطه فراحت خائبه والقى نفسه على الرض من فوق ظهر الحصان خديعه على عيون الفرسان ليظهر لهم انه قد مات‬
‫وحلت به الفاق فعند ذلك صاح الجرو ال أكبر على من طغى وتجبر فقد ظنا المراد بقتل الزير الذى اهلك العباد ثم صاح على‬
‫جساس وقال له انزل يا خال واقطع راس عدوك فقد قتلته وكفيتك شره فلما راه يختبط بدمه نزل عن ظهر القميره وهو يظن انه‬
‫قد بلغ غايه مراده ولما اقترب منه نهض الزير على قدميه وقبضه من لحيته وهجم الجرو ايضا عليه ووضع الرمح بين كتفيه‬
‫فعند ذلك علم جساس انها حيله قد تمت عليه وتاكد عنده صحه المنام فاخذ يخاطب الجرو بهذا الشعر والنظام‬
‫قال جساس الذي شاهد وفاه ياسياج البيض في طعن القنا انني بك يا ابن اختي مستجير فاجرني يا ابن اختي من القنا‬
‫فاجابه الجرو بهذه البيات ‪:‬‬
‫ايا خال اقصر عن ملمك دنى اجلك وقد وافى حمامك تقول اجرني يا ابن اختي ال يا جرو اعطينا زمانك قتلت كليب طلما‬
‫وعدوانا تظنوا بانني اسمع كلمك وبعد كليب اصبحت حاكم تسامى في المل ايضا كلمك طغيت وجرت في حكمك علينا فاذني‬
‫لم تعد تسمع كلمك تريد اليوم منا ان نجيرك فهذا ماتشوفه في منامك‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الجرو من كلمه جعل جساس يتوسل إليه بأن يعفو عنه وقال بال عليك أن تصفح عني فأن الذي‬
‫مضى قد مضى وهل اذا قتلتني يعيش كليب ويقوم فاتركني لوجه ال الواحد القيوم فقال الجرو لبد من قتلك كما قتلت أبي حتى‬
‫أكون قد بلغت أربي فلما أطال بينهما الخطاب قال لهما الزير أراكما قد أطلتما الكلم والعتاب فعند ذلك طعنه الجرو بالرمح في‬
‫صدره فخرج يلمع من ظهره وتقدم اليه الزير بالسيف على راسه فقطعه ثم وضع فمه على عنقه وجعل يمصه حتى شرب جميع‬
‫دمه وكان الجرو ينهش في لحمه حتى بلغ مراده وشفى فؤاده وبعد ذلك أعطى الرأس إلى الجرو ليأخذه إلى شقايقه فسلمه الجرو‬
‫الي بعض عبيده وهجم مع قومه في باقي البطال على جموع بني مرة في الحال وأذا قومه الوبال بلغوا منهم المال وكانت بنو‬
‫مرة لما علمت بقتل جساس أيقنت بالموت الحمر لنه كان القائد الكبر وعليه العتماد في الحرب والطراد فولت الدبار‬
‫وطلبت الهزيمه والفرار وكان المهلهل قد قتل منهم في ذلك النهار خلقا كثيرا بهذا المقدار فمنهم أمراء وقواد وسادات وأمجاد‬
‫وأما الذين سلموا منهم فانهم طلبوا الزمام من الزير والجرو فأجاروهم وعفوا عنهم بشرط أن يكونوا مثل العبيد ل ينقلون سلح‬
‫ول يحضرون حربا ول كفاحا ول يوقدون نارا ل ليل ولنهارا وليعرف لهم قبر ميت في جوار ل في مقبرة ول في دار أل‬
‫مشتتين في البراري والقفار يقضوا حياتهم بضرب الطبل ونفخ المزمار وأن غابت نساءهم طول النهار ل يسألها فين كانت بل‬
‫يسألها أيش جابت وليس لهم صفه سوى الرقص والخلعة فقبلوا على هذا الشرط بكل رضا وقناعه وبعد هذه الشروط تسلطن‬
‫الجرو على كل القبائل نظير أبيه وطاعته العباد وشاع ذكره في البلد وفرحت بنات كليب كل الفرح وزال عنهم الغم والترح‬
‫وخلعن عنهم ثياب السواد وكان ذلك النهار عندهم من أعظم العياد وكان الجرو قد تزوج بثلث بنات وولد له ولدان فسمي‬
‫الول تغلب والثاني مالك ولما بغا سن الرجولية زوجهما ببنتين شقيقتين وهما بنات المير هلل حاكم حماة وزوج أخته اليمامة‬
‫للمير مفلح أبن المير مدكور وهذا ماجرى بينهم وهكذا أتصل الحسب والنسب وخمدت نيران الحروب بين قبائل العرب وكان‬
‫أفرح الناس المير مهلهل وكان الجرو قد عرض عليه الزواج فامتنع وكان منعكفا على الجلوس في الخيام وأكل الطعام وشرب‬
‫المدام وأقام له عشرون عبدا في رسم خدمته وكان يرقد وينام وهو لبس آله الحرب والصدام لنه كان قد أعتاد عليه مدة‬
‫الحروب والشهور التي أستمرت اربعين سنه وكسور كما في التاريخ مذكور هذا ما كان من أمر المهلهل في تلك اليام وسوف‬
‫يقع له حديث وكلم واما الجرو فأنه قد زوج أربعة من شقايقة إلى جماعة من المراء وصنع لهن ولئم وأفراح مدة طويله وأما‬
‫ولداه مالك وتغلب بقيا مدة خمسة عشر سنة ولم يرزقا بأولد من بنات المير هلل المذكور وبعد نهاية المدة طلبت نسأءهما‬
‫زيارة أهلهما في حماة فطلب أزواجهما من أبيهما الجرو أن يأذن لهم بذلك فأمر لهم فساروا مع نسأئهما إلى تلك الطراف ولما‬
‫بلغ المير هلل بقدوم أصهاره بنسائهما خرج للتفاهم مع ولده المير مفلح وخرجت معهما اليمامه المير مفلح المذكور وخرج‬
‫أيضا أكابر المدينه فألتقوهم بالترحاب والكرام وأنزلوهم في أحسن مكان وقاموا في تلك الوطان مدة من الزمان وهم في‬
‫سرور وأفراح وبسط وأنشراح ولما صمم المير مالك وتغلب على الرجوع إلى الطلل مات المير مفلح مع أبيه المير هلل‬
‫فأقاما يحكمان في تلك الديار وأنقادت لمرهما أهل تلك البلد وكانا محبوبان من جميع العباد وكانت اليمامه بعد وفاة بعلها‬
‫ذهبت إلى عند أهلها ‪ ( .‬قال الراوي ) فاتفق ذات يوم ان المير مالك قال لخيه تغلب أعلم ياأخي انه قد مضى علينا مدة من‬
‫الزمان ولم نرزق بولد ذكر حتى يبقى لنا ذكر يذكر بين البشر فدعنا نتزوج الن على نساءنا فلعل ال يرزقنا بأولد وال أنقطع‬
‫نسلنا من بين العباد فقال تغلب من الصواب ان نصلي إلى ال في هذه الليله ونتضرع اليه أن يرزقنا أولد من نسائنا لنه على‬
‫كل شيء قدير فامتثل أخوه رأيه وصليا تلك الليله بحراره قلب وأشار تغلب يقول وعمرالسامعين يطول ‪:‬‬
‫يقول الفتي تغلب على ما جرى بدمع جرى فوق الخدود نهور أقول وفي قلبي من البين لوعه وبي حسرات طي الفؤاد تثور‬
‫الفراق أبينا الجرو والزير عمنا عليهم قلبي والحشا مكسور يارب يارحمن ياسامع الدعا عليك أتكالنا يا جابر المكسور سألناك‬
‫ربي بالخليل وأبنه بحق الذي اليه العبيد تزور فيا رب يارحمن اجير قلوبنا بجاه عيسى وموسى والفضل المشهور بجاه داود مع‬
‫يحيى مع الخضر وبالعرش والكرسي وبحر النور ترزقنا بولدين يحيوا ذكرنا أيا من ترزق كل وحش كسور‬
‫( قال الراوي ) وكان المير تغلب ينشده هذه البيات وأخوه مالك يقول آمين يا رب العالمين فاستجاب ال دعاهما ولم يخيب‬
‫شكواهما فما مضت مدة يسيرة وبرهه قصيرة حتى حبلت نساءهما ولما تمت ايامهما ولدنا الثنان في يوم واحد فولدت زوجة‬
‫مالك بنتا وزوجة تغلب ولدا ذكرا فقامت في الحي الفراح والمسرات وكان جناب الميرين في الصيد والقنص فأرسلوا لهما‬
‫بعض العبيد يبشرهما بذلك وكان اسمه مسرور فلما اقبل عليهما العبد قال له علمك يا مسرور ابشير ام نذير فقال اني بشير‬
‫واشار اليهما بهذه البيات ‪:‬‬
‫قال الداعي المسمى مسرور ياسادتي اتيتكم قاصد بشير ياأمير مالك اتاك بنت كالقمر ووجها كالشمس والبدر المنير وانت يا‬
‫تغلب اتاك غلم يفرح القلب المتيم يا أمير اتيت اليكم حال بل بطا فوق حمرا كأنها طير يطير اريد منكم ياكرام بشارتي اجبروا‬
‫بال قلبي الكسير‬
‫( قال الراوي ) فلما سمعا كلم العبد فرحا فرحًا شديدا واعتقا العبد واعطوه الف دينار ولما حضرا إلى الحي امرا بذبح الذبائح‬
‫وأولما الولئم وأقاما الفرح والسرور لمدة شهرين كاملين وارسل حال يعلما اباهما وعمهما الزير ويبشرهما بذلك وسميا الغلم‬
‫الوس والبنت مي وتعاهدا الخان على زواج البنت بالغلم اذا كبر ولما بلغ الجرو والمهلهل ذلك الخبر فرحا جداً وشكرا ال‬
‫على هذه النعمه العظيمه وركب الجرو في جمع غفير من قومه وابطاله وسار جهت اولده لنه كان لديه غاية الشتياق‬
‫لمشاهدتهما ولما اقترب من تلك الديار وبلغ ولديه قدومه خرج لملقاته في موكب عظيم وعند وصوله سلما عليه ووقعا على‬
‫يديه يقبلنه فقبلهما بين عينهما ودعا لهما ثم سأله عن عمهما فقال انه في خير وعافيه وانه مازال في خيامه وهو ملزم طعامه‬
‫مع مدامه ثم سار إلى المدينه وكان ذلك اليوم اعظم من يوم الزينه ونزل الجرو في القصر الكبير ووقف بخدمته الصغير والكبير‬
‫والمأمور والمير وأقام في تلك الديار مدة شهرين كوامل وكان في آخر هذه المده مرض ابنه تغلب فأقام عشرة اياما في الفراش‬
‫ومات فحزن عليه الجرو حزنا عظيما وعملوا عليه مناحة عظيمه ودفنوه بكل أحترام ‪ .‬ووقارولماعزم الجروعلى الرجوع إلى‬
‫بل ده استدعى ولده مالك واوصاه با لرعيه وان يكون عادل في حكمه وان يزوج ابنته مي بالوس ابن اخيه وبعد ذلك سار‬
‫وحده في قطع القفار إلى ان وصل اطلله واجتمع باهله وعياله واما المير مالك فانه اعتنى بتربيه ابنته وابن اخيه كما اوصاه‬
‫جناب ابيه حتى كبرا وبلغا درجه الكمال وكان الوس يركب ظهور الخيل ويتعلم الفروسيه مع الفرسان واستمر على ذلك مده‬
‫من الزمن حتى صار من صناديد الرجال وشاع ذكره في كل مكان وكانت ابنه عمه مي من اجمل النساء والرجال وكان الوس‬
‫يحبها محبه عظيمه فكانا كروحين في جسد واحد فلما شاع ذكرها في قبائل العراب وتواردت على ابيها الخطاب وكان قد سمع‬
‫بها الصنديد بن الكوع وهو ابن عم الملك تبع حسان فعشقها على السماع وكان من الملوك العظام فارسل وزيره ليخطبها من‬
‫ابيها فلما وصل الوزير وعلم مالك بالخبر فقال ول هو نعم الصهر وبه انال الفخر على طول الدهر غير انه لخفاك اطال ال‬
‫عمرك وبقاك باْن ابنتي مخطوبه لبن عمها الوس ونحن الن مباشرين بأمر العرس فل يمكنني أن أنقض الكتاب وهذا الذي‬
‫يمنعني عن اجراء اليجاب فقال له الوزير اكتب لي الجواب فكتب اليه هذه البيات ‪:‬‬
‫يقول الفتى مالك على ماجرى له بدمع جرى فوق الخدود صدود أيا غاديا مني على متن ضامر تسابق لضرب المرهف المبرود‬
‫تهدي هداك ال خذلي رسالتي اعطيه مكتوبي تنال سعودي اذا جيت لصنديد فقل له باني على طول الزمان ودود ومي ترى‬
‫مخطوبة لبن عمها ومعها تربى والنام شهود فحاشى لمثلي ان يخون اقاربه وافسح زمامي ثم اكون عنود ترى روحي ياامير‬
‫ومهجتي وهو عندنااحلى من المولود فلو كنت اعطيها لغير ابن عمها لكنت انت اليوم اولى بالمقصود‬
‫ثم ان الوزير اخذ هذا الجواب ورجع إلى عند الصنديد واعطاه اياه فلما وقف على حقيقة الحال خرج عن دائرة العتدال فغير‬
‫زيه وتنكر وركب جواده وسارالى تلك الديار وحده وعن وصوله إلى مضارب الميرمالك لم يجد هناك ولم يكن في الحي ال‬
‫النساء والبنات فسأل بعض النساء عن غياب الرجال فقالت منهم من سار إلى القبائل ليعزموا الناس إلى العرس والفرح ومنهم‬
‫من ذهب مع المير مالك لصيد والقنص ففرح بهذا التفاق وتقدم نحو الصيوان واركز رمحه ووقف على الباب ونادى هيا‬
‫ياأصحاب البيت فقد اتاكم ضيف من ابعد مكان وكانت مي داخل الخيام وحدها فما ردت جوابا وماأبدت خطابا ولما ابطئت عليه‬
‫الجواب وعرف ان الصيوان خاليا من الرجال انشد يقول ‪:‬‬
‫قال الفتى الغريب الذي شكا ولي قلب من بين الجوانح ذاب اتيت قاصد مالكا في حاجه ولي ساعة واقف انا في الباب يا أهل هذا‬
‫البيت اين اميركم واين مضى من الديار وغاب ياربة البيت الذي داخل الحمى مابالكم لتردوا الجواب الفاخبروني يا بنات‬
‫بحالكم قلبي غدا من أجلكم مرتاب اذا كان اهل الحي غابوا جميعهم اما فيكم كريمه ذات حجاب فتقر ضيفا قد اتى غريبه وتستر‬
‫أهاليها مع الغياب اكيد ما كل النساء تستر الفتى ولكل من يحوي الرديه صاب‬
‫( قال الراوي ) فلما سمعت مي شعره ونظامه وعرفت قصده ومرامه أخذتها الغيرة والمروءة لتستر عرض أهلها من القيل‬
‫والقال وأشارت تقول ‪:‬‬
‫تقول فتاة الحي مي التي شكت ال فاسمع للقول يا نجاب يا مرحبا بالضيف لما زارنا لك الخير والكرام والترحاب انزل مكانك‬
‫حتى احضر لك الغدا وتأكل من زادنا وتشرب انا بنت مالك راح للصيد والدي مع ابن عمي الوس والحباب انزل حتى‬
‫يرجعوا رجالنا ويأتوا لنحو الحي بعد غياب فكم جاء الينا يا أمير مثالكم خلئق كثيرة ما لهن حساب نحن نحب الضيف اذا جاء‬
‫محلنا انزل واجلس جانب الطناب‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغت من شعرها ونظامها وقع الصنديد في حبها وغرامها ورفع ستار الخيمه بسنان رمحه فوجد صبيه‬
‫بديعه الجمال فزاد به الوجد والبلبال فصاحت عليه من خلف الستار وقالت علمك تنظر بنات الملوك يا غدار ثم ردت منديلها‬
‫على وجهها وقالت له لشك انك قليل الحياء كامخ فا كنت ضيفا كما تقول فانزل كي آتيك بالغداء وال فما هذه الوقاحه ثم قالت‬
‫لجاريتها اطلعي افرشي له حتى يجلس ويتغذى لبينما يأتي ابي من البريه فخرجت الجاريه اليه وسالته كي ينزل في الصيوان‬
‫فقال لها انه عيب علي ان انزل عند الحريم وانا سيد عظيم لئل ادعي بكامح هذا من اعظم القبائح وما اتيت إلى هذه الديار ال‬
‫لمر ضروري وهو ان اتزوج الميرة ولما تأكدت الميرة من مرامه قالت يانجيب ان كنت الضيوف فاقعد في الصيوان حتى‬
‫يأتي ابي من البريه هذا فلم يسمع لها كلم وقال لبد من أخذك إلى الطلل وهناك اتزوج بك بالحلل لني اتيت من بلد بعيده‬
‫لجل هذه الغايه الوحيده وقد نلت مرادي وحصلت على مسرة فؤادي ثم انه قام تلك الليله في ذلك المكان وهو مسرور فرحان‬
‫ولما كان الصباح ركب ظهر الحصان واردفها خلفه وصار يقطع القفار ويوصل سير الليل بسير النهار حتى وصل الديار ولما‬
‫سمعت اكابر قومه بقدومه ظافرا غانما اجتمعوا اليه وهنئوه بالسلمه وسألوه عن سفرته وماجرى له في غربته فقال اني عند‬
‫وصولي إلى تلك الطلل هجمت علي الفرسان والبطال ومددت اكثرهم على بساط الرمال وفعلت فعل تذكر على طول‬
‫الجيال وقتلت المير مالك وابن اخيه واتيت بالعروس إلى هنا وقد بلغت المنى فلما سمعت مي منه هذا الكلم كان عليها اشد‬
‫من ضرب الحسام فنهضت على القدام فقالت له امام العيان لقد نطقت بالزور والبهتان فوحق الله الديان لو كان ابي وابن‬
‫عمي حاضران لما كنت رجعت سالما إلى اوطانك ول اجتمعت بأهلك وخلنك ولكنك خطفتني بالحتيال وهربت في الحال قبل‬
‫ان تدركك الر جل ويحل بك الوبال ثم انها بعد هدا الكلم بكت بدمع سجام ولما سمع الحاضرون فحوى كل مها خافوا من‬
‫القواقب وعلموا بأن كلم الصديد ليس له صحة فهو في حديثه كاذب واما الصنديد فانه اغتاظ من هذا الكلم فنهض والطمها‬
‫على موجهها وقال هكذا تتكلمين يابنت اللثام امام السادات الكرام ثم سل سيفه وغمده واراد أن يعد مها الحياة فعتد ذلك وثب‬
‫الوزير وبا قي ال مراء بالعجل وردوه عن ذلك العمل وقالوا له انت امير اتجمل عقلك كعقل النسوان فما تقول عنك ملوك‬
‫الممالك اذا سمعت بذلك ومازلوا يتوسلون بالكلم حتى لن وكان له سجان أقسى من الصوان فاستدعاه اليه فحضر وكان اسمه‬
‫عمران بن الزور فقال خذ هذه الملعونه إلى بيتك وسلمها إلى زوجتك لتقيدها بالحديد وتعذبها العذاب الشديد وتلبسها ثياب‬
‫الشعر وتضربها خمس مرات في النهار وتطعمها خمس ارغفة من الشعير فقال يامولي ان هذه الصبيه لتستحق الضرب‬
‫والنتقام ولتستاهل غير العزاز والكرام وهي كأنها البدر التمام فقال لها كيف العمل ومانحن ال عبيد الملك الصنديد فعند ذلك‬
‫نزعت عنها ثيابها الحريريه والبسها ثوبا من شعر الخنزير وأرادت ان تضربها بالسياط على قدميها فوقعت على رجليها‬
‫وجعلت تبكي وتثني عليها ثم انشدت من فؤاد متبول ‪:‬‬
‫با ال ان ترثي إلى احوالي فالدهر فرق صحبتي وعيالي يا وحدتي يا ذلتي يا غربتي قد صرت بعد العز بالغلل قد كنا في جاه‬
‫ورفعه منصب وال ربي عالم الحوال فترفقي هذا النهار بحالتي فلعل ربي يستجيب لحالي اني كريمه من اكابر معشر فاقوا‬
‫الورى بالجاه والفضال ويعيدني بعد العناء إلى الوطن وأرى جميع الهل والخوال ولهم وقائع في البلد جميعها بين الملوك‬
‫وزمرة البطال‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغت من شعرها ونظامها ورق قلبها وقالت لها قري نفسا وطيبي قلبا سأصنع معروفا لوجه ال تعالي ثم‬
‫انها جاءت بجلد جاموس يابس فصلته ثوبا والبستها اياه من تحت الثياب وقالت اني متى ضربتك فانك لتشعرين بألم الضرب‬
‫وماقصدت بذلك ال ليسمع الملك صوت الضرب وانت تصيحين وتستغيثين وانا أقدم لك ماتحتاجين اليه من المأكل والمشرب‬
‫ومتى دخل الليل تخلعين ثوب الجلد ترقدين براحه بال إلى ان يأتي ال بالفرج فشكرتها مي على معروفها ودعت لها بطول‬
‫العمر وأوعدتها بالجميل والخير هذا ما كان من مي وماجرى لها أما ماكان من أبيها فأنه عند رجوعه من الصيد سمع صياح‬
‫والبكاء فسأل عن ذلك فأخبرته زوجته بواقعة الحال فغاب عن الصواب من شدة الغيظ واما الوس ابن عم الصبيه فأنه غشي‬
‫عليه لنه كان يحبها محبة عظيمة ولما أفاق من غشوته انشد يقول ‪:‬‬
‫يقول الوس ابن تغلب قصيد ال يامي من هذا دهاك اتاك اللص في غيبة ابيك ولم يعلم بمن يسعى وراك ال يا بنت عمي لو‬
‫تدري بي على فقدك انا محزون باكي ترى في أي أرض قد حللت فما قلبي غدا يطلب سواك فل بد لي أغزو دياره بالعجل‬
‫واقتله وافرح في لقاك وابذل كل مجهودي لجلك وروحي بعد ذلك هي فداك لما قال الفتى الوس بن تغلب فقلبي قد تعلق في‬
‫هواك‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ الوس من هذا الشعر والنظام وقع مغشيا عليه وبقي طول ذلك الليل في هم وغم وقلق شديد ما عليه‬
‫من مزيد فجعل عمه يلطفه بالكلم ويقول له طيب قلبك يا ولدي فما يصلح الحزن ال إلى النساء فاصبر لبينما نرسل من يكشف‬
‫لنا خبر ذلك الرجل وبعد ذلك نسير إلى دياره فنخربها ونسبي حريمه وعياله فقال الوس من يذهب غيري فوال لسرت ال‬
‫وحدي ول اريد رفيق ولمعين سوى رب العالمين ثم نهض فاعتد جلده وركب ظهر جواده وودعهم ويار وجد في قطع القفار‬
‫ودموعه تجري على خديه كالنهار وهو ليدري إلى اين يذهب والى اي حلة يقصد من قبائل العرب إلى ان وصل إلى وادي‬
‫عميق ضيق الطريق كثير الشجار والوحوش والحجار فبينما هو يتأمل ذلك المكان واذا قد ظهر عليه أحد الفرسان وهو‬
‫بالسلح الكامل والفروسيه عليه علئم ودلئل فلما رأى الوس منفردا وحه مال اليه وقصده وقال له انزل ياجبان عن ظهر‬
‫الحصان واخلع ماعليك من الثياب وفز بنفسك في هذه الهضاب قبل ان اسقيك كأس العطب فأنا جمرة بن غمرة فارس العرب ‪.‬‬
‫فلما سمع الوس هذا الكلم صار الضيا في عينيه كالظلم وهجم عليه في الحال وصدمه صدمة تزعزع الجبال فالتقاه جمرة في‬
‫الحال والتحما في ساحة المجال واشتد بينهما القتال وتجاول ساعة من الزمان وهم في ضراب وطعان تقشعر منه البدان فاختلفا‬
‫بينهما طعنتين قاتلتين وكان السابق الوس بن تغلب فجادت في صدره خرجت تلمع من ظهره فوقع قتيل وفي دمه جديل فأخذ‬
‫عدته وجواده وجد في المسير وهو يقطع القفار والكام مدة خمسة ايام واتفق في اليوم الخامس انه التقى بقارس وهو يجد في‬
‫قطع القفار كالسهم الطيار فتقدم اليه وسلم عليه وقال له إلى اين سائر والى من تنسب من القبائل والعشائر فقال انني من بني‬
‫عبس وعدنان أصحاب الفضل والحسان واني ساير إلى ديار بني عامر لستدعي حامينا عنتر فارس الخيل لنه سار من عشرة‬
‫ايام ليحضر وليمه دعاه اليها عامر بن الطفيل وفي غيبته غزانا عمرو بن معد يكرب في خمسة الف فارس فحاربنا محاربة‬
‫شديدة وجرى بيننا وبينه وقائع عديدة فأرسلني مولي قيس بن زهير لستدعيه للحضور قبل ان يظفر عامر المذكور فقال‬
‫الوس وقد تعجب ومن هو عنتر بن شداد فارس الصدام الذي اشتهر ذكره في هذه اليام بطعن الرمح وبضرب الحسام وقهر‬
‫كبار الجبابرة وحارب الملوك والكاسرة والقياصرة وافتخر على البطال في ساحة الميدان فلما سمع الوس هذا الخبر وانبهر‬
‫ثم ودعه وجد في قطع البر القفر ومازال يقطع البراري والكام مدة سبعة ايام حتى اشرف على جماعه من العبيد ترعى‬
‫الغنام فحياهم بالسلم واخذ يسألهم بهذا الشعر والنظام ‪:‬‬
‫يقول الفتى المضنى الفائض ما به فدمعي جرى فوق الخدود سائح ال ياعبيد الخير بال اشفعوا لصب بعيد الدار ولهان نازح‬
‫فجيع وجيع مستهام ملوع تركه البين مضنى كثير الجرايح لقد ضاع لي حرة عفيفة من الحنا فهل من يبشر بها يا فوالح‬
‫ويخبرني لي البلد توجهت من أجلها ناري تزيد اللقايح لقد احرقت قلبي والبي مهجتي وكل عظامي اوثقتهم جرايح‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ من كلمه تقدم اليه كبير الرعيان وكان اسمه مرجان وقال له اعلم يا غلم انه من برهة عشرة ايام‬
‫سبى اميرنا الصنديد ابنه اسمها مي ليوجد اجمل منها في نساء هذا الحي فأراد ان يتزوجها فامتنعت عنه فلم تميل اليه فقيدها‬
‫بقيود من حديد وهو كل يوم يعذبها عذاب شديد فعسى تكون الحرة التي ذكرتها في نظمك افرج ال همك وغمك فلما سمع‬
‫الوس هذا الكلم استبشر ببلوغ المرام ونزل عن ظهر الحصان وقبل العبد مرجان وأوعده بالجميل والحسان فبينما هو‬
‫بالحديث والكلم واذا بسعد ابت أخت الصنديد قد جاء ليكشف أخبارها ويرجع بها إلى ديارها فلما سمع هذا الكلم رجع عند‬
‫خاله وأعلمه بما سمع ورأى وأشار اليه يقول ‪:‬‬
‫قال سعد قد اتيتك عارا ياخال مى فاسمع الخبارا البنت التي غربتها من أهلها من خلفها فارس اتاك جهارا ياخال فارس في اللقا‬
‫مجرب وعيونه ياخال تقدح نارا ان كان راقت لك ليالي الصفا فبصفوها تأتي لك الكدارا قد جاء إلى عند العبيد يسأل انبوه فجاء‬
‫كالسد هدارا لما سمعت اتيت نحوك عاجل هذا الذي ياخال تم وصارا‬
‫( قال الراوي ) فلما فرغ سعد من شعره ونظامه وفهم الصنديد فحوى كلمه قال له فارس واحد قال نعم ايها السيد الماجد فشتمه‬
‫خاله وقال ارجع وخذ من بين جنبيه فأنه ليليق بي ان اركب لقتال صعلوك من صعاليك العرب فخرج سعد من عند خاله وقصد‬
‫الوس ‪ .‬فلما اجتمع به وصاح فيه وحمل عليه فالتقاه كالسد وضربه بالحسام المهند فألقاه على الرض قتيل فأخذ عدته وسلبه‬
‫ثيابه ولما بلغ خاله الخبر طار من عينيه الشرر فركب ظهر جواده واعتد بعدة جلدة وقصد الوس حتى التقى به وانطبق عليه‬
‫كليث الجام وأخذ معه في القتال والكفاح ولم تكن ال ساعة حتى اثخنه بالجرح فول وطلب لنفسه الهرب فتبعه مثل السرحان‬
‫حتى وصل الصيوان واحتما عند النسوان فلما دخل على الحريم قالت له زوجته سعد علمك دخلت وانت مرعوب كل هذا لجل‬
‫البنه التي خطفتها وما نالت المرغوب فقالت انك تستحق أكثر من ذلك وبخته بالكلم وقالت له انت تدعي الفروسيه على كل‬
‫واحد وتهرب من امام امرد هذا والوس يصيح عليه ويقول اخرج يالئيم من بين الحريم حتى اجازيك على تلك الفعله ياغدار يا‬
‫محتال فخاف الصنديد وقال لزوجته سعده اعطيه ابنة عمه وكافينا همنا وهمه وخرجت زوجته اليه وقبلته وطلبت منه العفو‬
‫والسماح فأعطاهما المان فجاءوا له بإبنة عمه مي بعد ان لبسوه الثياب الفاخره وذبحوا له الذبائح وقدموا له الطعمه المتكاثره‬
‫ولما اجتمع به زال عن قلبه الكدر من كثرة فرحته اخذ يسكب العبر وهكذا فعلت مي وكان ذلك النهار عنده كيوم العيد حيث‬
‫التقت بحبيبها الوحيد ‪ ( .‬قال الراوي ) فباتا تلك الليله في الحله وعند الصباح اركب مي في هودج وسار معه جماعة من العبيد‬
‫وتوجهوا قاصدين دياره ولما اقترب من بلده ارسل يبشر عمه المير مالك بقدومه وشاع الخير في الحي وخرجت النساء‬
‫والبنات واكابر السادات ولما اجتمعوا ببعضهم البعض نزل المير مالك فسلم على الوس وابنته وشكر ابن اخيه على افعاله‬
‫وعند وصوله إلى الخيام حدثهم بحديث عنتر وما سمع عنه من الخير فقال عمه وال سمعنا بذ كره وأنه من أ فرس فرسان‬
‫عصره وبعد ذلك ذبحواالذ بائح والموا الول ئم ثم زفو ا الوس على ابنة عمه فكانت اليلة من أعظم حضرها جمهور من‬
‫السادات والموالى فزادت أفراح الوس بتلك العروس وحظى بدلك الحسن والجمال وعاش معهما بأ رغد عيش وأحسن حال‬
‫وبعد ذلك وضعت له غل ما سماه ما لك وله حد يث طو يل فا تفق بعد عشرة ايام أن ابن الوس ضعف ضعفا شديدا فمات‬
‫فحزن الوس عليه ودفنه بالحترام والوقار بكت عليه الكبار والصغار وكان موصوفا باللطف واليناس ومحبوبا من جميع‬
‫الناس وأرسل الوس وأعلم جده بذلك الخبر فحزن وتكدر فقالت أختك اليمامه أرسل ياأخي وأحضر أبن عمك الوس مع أهله‬
‫ليجمع شملنا بشمله أجابها إلى ذلك وفي الحال أرسل رجل من بني عمه ليحكم مكانه فجاء الوس مع أهله وسكن عند الجرو‬
‫جده وراق لهما الزمان واما ماكان للبطل الهمام صاحب الذكر الشهير المدعو بسالم الزير فأنه كان قد أخناه الدهر وضعفت قواه‬
‫وهو مع ذلك مواظب على أكل الطعام وشرب المدام وكان ل ينام ال وهولبس عدة الحرب والصدام وما زالوا على تلك الحال‬
‫حتى برز له أسنان جدد وصار عقله مثل عقل الولد وكانت بنات أخيه تخدمه وتداويه فاجتمع يوما بالجرو وقال له ياابن أخي قد‬
‫ضاقت أخلقي من الوحده والنفراد فأريد منك أن ترسلني مع بعض التباع لتنزه في البلد فأجابه إلى ماطلب وأركبه في‬
‫هودج وأعطاه عبدان برسم الخدمه وجميع ما يحتاج اليه من لوازم السفر فودعه المهلهل وما زال يجول حتى أقترب من بلد‬
‫الصعيد وكان العبدان قد تعبا من مشقة الطريق وهما يلقيان من التعب أشد الضيق فصمما على قتله وأعدامه بالكليه وانما‬
‫يقولن لهله قد ادركته المنيه فعرف الزير منهما فقال قد دنى همامي وليس ال القبر امامي فإذا ادركتني منيتي اريد منكما ان‬
‫تبلغا اهلي وصيتي قال وماهي وصيتك فعاهدهما على حفظها وتأييدها فحلفا له بأعظم القسام بأنهما يبلغونها بالكمال والتمام‬
‫فقال اذا وصلتم الحي فاقريا أهلي من السلم وانشدوهم هذا البيت وقول لهم اني في القبر قد أختبيت ‪.‬‬
‫من مبلغ القوام ان مهلهل ل دركما ودر ابيكما‬
‫وكرره عليهم حتى حفظاه ولما دخل الليل ذبحوه ودفناه تحت التراب ورجعا إلى ديارهما ودخل على سيدهما الجرو وأعلماه‬
‫بموت عمه الزير فبكا بكاء شديدا ومن حضر ثم ان العبدان اقتربا من الجرو وانشداه البيت المذكور ‪ .‬فلما سمع الجرو هذا‬
‫استغربه حيث لمعنى له فاستدعى بأخته اليمامه وكانت من اذكى نساء العرب وعلمها عمها وانشدها ذلك البيت فلطمت على‬
‫وجهها وبكت قالت ان عمي ليقول ابيات ناقصه بل اراد ان يقول ‪:‬‬
‫من مبلغ القوام ان مهلهل أضحى قتيل الفلة مجندل ل دركما ودر ابيكما ليبرح العبدان حتى يقتل‬
‫ثم انهما قبضا على العبدان والقوهما تحت العذاب والضرب الشديد إلى ان أقر بأنهما قتله ودفناه فقتلهما الجرو في الحال وهكذا‬
‫انتهت حياة الزير وقد أخذ ثاره في حياته وبعد مماته ‪.‬‬
‫( تمت قصة الزير أبو ليلى المهلهل بعون ال تعالى ) السلم‬

You might also like