Professional Documents
Culture Documents
الجزء الول
أما بعد حمدا ل والصلة والسلم على رسله وأنبيائه وبعد فهذه سيرة السد الكرار والبطل المغوار الذي شاع ذكره في
القطار وأذل بسيفه كل صنديد وجبار المهلهل بن ربيعه صاحب الشعار البديعه والوقائع المهوله المريعه وماجرى له في
تلك اليام مع ملوك الشام وفرسان الصدام من الحوادث والوقائع التي تطرب القارىء وتلذ السامع ولكن قبل الشروع في هذه
السيرة الغريبة وأخبارها المطربه الغريبه رأينا أن نذكر طرفا من أخبار العرب أهل الفضل والدب أفاده للطالعين ونزهة
للسامعين فنقول وال المستعان :أن أصل العرب من قديم الزمان وسالف العصر والوان من اليمن قوم قحطان سبأ بن
يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود عليه السلم ويلقب بأبو العرب وهو أول من تتوج من العرب واول من اعتدل لسانة
ليتكلم العربية كان أعظم ملوك العرب وقيل انه اسلم قبل ان يبعث النبي صلى ال عليه وسلم وقد اسلم و كان يتمنى بشعره
المشهور انه يلحق بالنبي صلى ال عليه وسلم ويناصره ويؤازره وقد امر قومه بأن يسلموا ويزروه عندما يظهر ،وولد له
عشرة من الذكور ستة منهم استقروا باليمن ومنهم كانوا التبابعه العظام ومن شاع ذكرهم بالقطار وقهروا كل جبار عنيد و
4منهم هاجروا إلى الشام ليصبحوا ملوكها ويلقبون بجبابرة الشام ومن هؤلء العشرة انتشرت العرب بما يسمون بالعرب
العاربة و سادت وحكم ارض الجزيرة العربية والشام قرونا طويله وكانوا اكثرها شعوبا و اكثرها تفرعا و سيطروا على طرق
التجارة العالمية بين الشرق والغرب اما العدنانيين فهم ينتسبون إلى عدنان بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلم وولد نزار
بن معد بن عدنان وكان قد ولد لنزار المذكور أربعة أولد ذكور وهم :مضر أنمار وأبار وربيعه وفارس الطرار من نسل
ربيعه ومضر وأنمار عرف الحجاز ونجد والعراق وسكان القفار وكانت العرب في تلك الزمان منقسمه إلى قسمين وهما قيس
ويمن فكان اليمن هم اليمنيون وينتسبون إلى قحطان وباقي العربان القيسيون ومازالت العرب تنمو وتكثر وتمتد في البر
القفر حتى اشتهرت العشائر والقبائل وظهر المير ربيعه وأخوه مرة وأبناء وائل و ربيعه المذكور هو أبو الزير الفارس
المشهور صاحب هذه السيرة `الشهيرة .
(قال الراوي) وكان ربيعه في ذلك الزمان من ملوك العربان وأخوه عروة من المراء والعيان وكانت منازلهم في تلك اليام
في أطراف بلد الشام وكانا يحكمان على قبيلتين من العرب وهما بكر وتغلب وولد لربيعة خمسة أولد مثل القمار وهم كليب
السد الكرار وسالم البطل الشهير الملقب بالزير وعدي ودرعان وغيرهم من الشجعان وكان له بنت جميله الطباع شديدة الباع
تعارك السود والسباع أسمها اسماء وتلقب بضباع وأما المير مرة له عدة أولد أبطال أمجاد وقد اشتهروا بالشجاعه وقوة
البأس منهم همام وسلطان وجساس وله بنت جميلة فاضله نبيله يقال لها الجليلة فاتفق في بعض اليام أن الميرة مرة دخل على
أخيه ربيعه في الخيام وخطب أبنته ضباع لبنه همام وخاطبه بهذا الشعر والنظام :
يقول أمير مرة في قصيدة معانيه حكت درر الجواهر
ربيعة ياأخي اسمع كلمي أيا قهار فرسان الجبابر
أريد ضباع بنتك ياربيعه إلى همام يافخر الكابر
ولما ينتشي ابنك كليبا ويركب ياأخي الخيل الضوامر
وتكبر ياملك بتي الجليله مر فخذها له زوج لتشاور
وهذا ياأخي أقصى مرادي أيا صدام آساد الكواسر
تبدي له ربيعه ثم قال له كلمك ياأخي مثل العنابر
تريد ضباع خذها يامسمى وزوجها لبنك لتشاور
ومعها مائة خادم يخدمونها ومائة جاريه غير السرائر
ومعها مائة حر كالعرائس ومائة قعود مع ميتين جوائر
ومعها محمل الفاخر واطلس زياد ومسك فايح ودم عاطر
وهمام ابن مرة مثل ابني لغيرك ما أناسب أو أصاهر
هلم انهض وزوجها بسرعه وأفرح فيه وأعمل عرس فاخر
فلما فرغ ربيعه من كلمه وشعره ونظامه أعتنقه أخوه وشكره على حسن اهتمامه ثم باشر القوم بأمر العروس من ذلك اليوم
وعقدوا عقد المير همام على ضباع بنت الكرام كما جرت العادة فأولموا اولئم وذبحوا الذبائح وأطعموا كل آت ورائح
ومازالوا في سرور وأفراح وبسط وانشراح ودق طبول ولعب خيول وشرب مدام مدة عشرة أيام ثم زفوا ضباع على المير
همام فكانت ليلة عظيمة ودخل همام على ضباع وحظي بحسنها وجمالها ونالت منه غاية آمالها لنها كانت تحبه محبة شديدة
وتوده موده أكيده وسوف يظهر لهما ولدان وهما شيبون وشيبان وسيأتي حديثهما بعد الن .هذا ماكان من خبر بني قيس
المدعوين بالقيسيه ولنتكلم الن عن حديث اليمنيه وماجرى لهم في تلك اليام من المور والحكام والحروب والهوال في
ميادين القتال فنقول وعلى ال التكال .
أنه كان في قديم الزمان في بلد اليمن ملك شديد البأس عظيم الشأن صاحب جند وأعوان وأبطال وفرسان يقال له الملك حسان
ويكنى بالتبع اليماني ولم يكن له بين الملوك ثاني وهو من نسل قحطان كان شديد الس قوي المراس كويل القامه عريض الهامه
وليعرف الحلل من الحرام وليحفظ العهد والزمان وكان يحب النساء الملح والمزاح منهن في المساء والصباح ومن أعماله
الغريبة واصطلحاته العجيبة كما ذكر أصحاب الروايات أنه كل ليله يتزوج بصبيه من بنات الملوك والسادات و كانت تحيط به
السود عن يمينه وشماله وكانت الملوك تخافه وتخشاه وتحسب حسابه وتترضاه وتحمل له الخراج وتعلل له الخاطر والمزاج
وكان عنده من البطال والفرسان ألف ألف عنان ( وقيل اذا غضب غضب ألف ألف-مليون -سيف يماني ) معه وهم عشرة
كرات مستعدين للحرب والغارات وكان له وزير عاقل خبير قوي الجنان اسمه نبهان قد امتاز على القران بفعل الخير
والحسان وكان كثيرا ماينهى الملك حسان عن ارتكاب الظلم والعدوان فاتفق في بعض العوام وفي يوم من اليام أن ألتقى تبع
مع نبهان وقال له في الديوان بحضور المراء والعيان هل سمعت أيها الوزير والعاقل الخبير عن ملك كبير عنده رجال
كرجالي أو أموال كعدد أموالي فقبل الوزير الرض ووقف في مقام العرض وقال أعطني المان ياملك الزمان وانا أحدثك
بأخبار ملوك المم أصحاب البطش والهمم وماعندهم من الجيوش والعساكر والمهمات والذخائر
فقال قل وعليك المان من نوائب الزمان .
فقال أعلم أيها الملك المعظم أنه ليوجد مثلك في هذه القطار من الملوك الكبار أصحاب الدين والمطار ولكن يوجد خارج
البحار عرب من أهل الشجاعه والقتدار عددهم كثير وجيشهم غفير يقال لهم بنو فيس وسيدهم اسمه ربيعه ولهم في الحرب
والغارات وقائع مهوله مريعه ،فلما انتهى الوزير من الكلم وسمعه من حضر في ذلك المقام أغتاط الملك اليماني وتأثر وكان
عليه أشد من ضرب السيف البتر فصاح على الوزير وزعق وقال له بكلم الحنق هكذا ياتيس تفضل علي بني قيس مادام المر
كذالك لبد أن أقدهم بفرسان المعارك وأقتل ملكهم ربيعة وأوردهم وأورد المهالك وأخرب بلدهم وديارهم وأمحو بالسيف
آثارهم وأتملك الديار بالقوة والقتدار ثم أنشد هذه البيات على مسامع المراء والسادات :
يقول النبي اليمني المســمى بحنان فما للقول زورا
ملكت الرض غصبا واقتدارا وصرت على ملوك الرض سورا
وطاعتني الممـالك والقبـائـل وفرسان المعامع والنمورا
لقد أخبرت عن بطـــل عنـيد شديد البأس جبارا جسورا
وقـــالوا انـه يدعـى ربــيعـه أمير قد حوى مدنا ودورا
تولى الرض في طول وعرض فكم خرب وكم شيد قصورا
فقصدي اليوم أغزوه بجيشي وأترك ارضه قفرا وبورا
أيا نبهان أجمع لي العـساكر قيأتوا فوق خيل كالنمورا
وجهز الف مركب ياوزيري واوسقهن في وسط البحورا
ثلث شهور أسرع ل تطول يكون كل ماقلته حضورا
أسير بهم إلى تلك الراضي وأملك القلع والقصورا
ويغنم عسكري منهم مكاسب وأزوجهم بنات كما البدورا
ويبقى لي الحكم برا وبـحرا ويصفي خاطري بعد الكدورا
( قال الراوي ) فلما انتهى السبع من شعره ونظامه وفهم الوزير ما حوى حديثه وكلمه ندم وتكدر الذي أعلمه بهذا الخبر ولم
يعد يمكنه ال المتثال وتجهيز الفرسان والبطال الي الحرب والقتال فنزل من الديوان وهو مقهور غضبان وأمر بدق الطبل
والنحاس لجتماع العساكر وباقي الناس وكان هذا الكبل يقال له الرجوج وهو من أعظم الطبول وكانت تدقه عشرة من العبيد
الفحول وهو من صنعه ملوك التبايعة العظام وكانت الناس تسمع صوته عن مسافة ثلث أيام وكان الملك حسان اذا غزا قبيلة
من العربان يأخذ ذلك الطبل معه وأين ماذهب يتبعه ولم يزل هذا الطبل في ذلك الزمان يتصل من ملك إلى ملك حتى أتصل إلى
المير حسان سيد بني هلل المشهور بالحسان والفضال فلما دقت العبيد الطبل وسمعت صوته قواد الفرسان اقبلت على
الوزيرمن كل جهة ومكان فساموا عليه وتمثلوا بين يد يه وسألوه عن سبب د ق الطبل الر جوع فحد ثهم بذ لك ال ير اد والمسير
إلى تلك البل د للغزو والجهاد ثم بعد ذ لك فرق عليهم السلح وآلت الحرب والكفاح ولما تكن المدة قصيرة حتى تجهزة
المراكب وتجمعت العساكر من كل جانب وكان من جملتهم عشرة من الملوك كبار كل ملك يحكم على ألف ألف بطل مغوار
وحضرو إلى أمام الملك تبع حسان وسلموا عليه وقبلوا الرض بين يديه وقالوا له نحن بين يديك ولنبخل بارواحنا عليك
فشكرهم وخلع عليهم الخلع الفاخر والتحف الباهرة ووعدهم بالمال الجزيل وبكل خير جميل ثم أمر الوزير بالستعداد والرحيل
على غزوة بني قيس وتلك البلد وطلب منها أن يأتي بالعساكر من تحت القصر وهي نازلة الي البحر ليشاهد احوالها ويرى
سلحها واثقلها فمتثل الوزير لما أمر وفعل كما ذكر فانشرح صدر الملك عند رؤية العساكر والجحافل وهي في السلح الكامل
وألستعداد للحرب والقتال فأنشد وقال :
يقول التبع الملك اليماني صفا عيشي وقد طاب فؤادي أتتني عساكر كالسد تسري ألوف راكبين على جياد عليهم كل درع من
حديد له زرد كما عين الجراد وبهم كل جبار عنيد يقال ألف ليث في الطراد برؤيتهم فقد زاد انشراحي وزال الهم عني بابتعادي
أسير بهم لذاك البر حال وأقتل كل من يطلب عنادي وأرجع غانما في طيب عيش وليبقى لتبع من يعادي أل يا عسكر قروا
وطيبوا على نيل المقاصد والمرادي ومني أبشروا فيما تريدون مهما تطلبوه بازديــــاد
فلما فرغ من شعره ونظامه صرخت المراء وأكابر القواد والجيوش والعساكر والجناد ودعوا للملك بالنصر وطول العمر وقد
استبشروا في غزوة تلك البلد وايقنوا بالنجاح وبلوغ المراد ثم نزلت العساكر والجناد في المراكب مع المراء والقواد ،وكان
الملك حسان قبل خروجه من الوطان فقد سلم زمام ملك اليمن الي الصحصاح بن حسان وهو ملك كبير وفارس شهير كان
يميل اليه ويعتمد عليه فأوصاه أن يجمع له المال في كل عام ويرسله الي بلد الشام ثم نزل مع الوزير في مركب كبير وأقلعوا
من الوطان وقصدوا بلد الجبش والسودان .وعند وصولهم الي ذلك الجانب القوا المراسي ونزلوا الي البر بالقوارب ونصبوا
الخيام والمضارب وفي الحال ارسل الملك تبع وزيرا اسمه زيد بن عقبه بألف فارس منتخبه ليعلم ابن أخته الرعيني بقدومه الي
تلك القطار لنه كان ملك هاتيك الديار ويأمره بسرعة الحضور وتقديم الذخر الي الجيش والعسكر فلما علم الرعيني بذلك
الخبر بادر في الحال بالفرسان والبطال والمهمات الثقال الي أن التقى به في الصيوان ومن حوله الوزراء والعيان فدخل وسلم
عليه وقبله بين عينيه وقدم له الذخائر والمهمات لتلك الجهات فأعلمه بواقعة الحال وأنه قاصد غزو بني قيس وتلك الطلل ثم
باتوا تلك الليلة في الخيام وفي الصباح أمر الملك العشرة ملوك العظام ان يتأهبوا للرحيل الي بلد الشام وان ينقسموا الي قسمين
ويتفرقوا الي فريقين فخمسة تسير من اليمين وخمسة تسير من على الشمال وأوصاهم أنهم كل ما أقبلوا الي مدينة يملكوها في
الحال ويقيمون فيها نائبا من سادات الرجال فأجابوا أمره بالخضوع والمتثال فعند ذلك دقت الطبول والزمور وركبت الفرسان
ظهور الخيول وارتفع الصياح ولمع السلح وترتبت الكتائب وسارت المواكب في تلك البراري والسباسب وكانوا كلما وصلوا
الي مدينه او بلد امتلكوها بحد السيف المهند حتى ملكوا البلد وطاعتهم العباد ومازال تبع يتقدم حتى أقبل الي مدينة الشام فأحاط
بها من جميع الجوانب بالمواكب والكتائب وكان نائب الملك ربيعه في الشام يدعى يزيد بن علم وكان ربيعة واخوه مرة في
وادي النعمين وهو مكان بعيد عن المدينة مسافة يومين فأرسل الملك تبع الي نائب المير ربيعة أحد الوزراء العمد يطلب منه
الخضوع لمره وتسليمه .فلما وصل اليه ودخل عليه وأعلمه بالخبر وما قال تبع وأمره فأجاب بالسمع والطاعة ونهض مسرعا
في تلك الساعة وأخذ معه الموال والذخائر وخرج في جماعة من الكابر حتى التقى بتبع في الخيام فحياه بالسلم فترحب به
غاية الترحيب وأمر له بالجلوس فجلس بمكان قريب منه فقال تبع هل أنت حاكم الشام قال نعم أيها الملك الهمام فساله عن حكم
ربيعه فقال له ظالم على قومه وكل الرعايا تشكوا من ظلمه وتتمنى له الذى والضرر والموت الحمر والحمد ل رب البريه
الذي أعاننا بك حتى نتخلص من نير العبوديه فسنخدمك خدمة مرضيه ونصير لك من جملة الرعيه وماقوله ذلك لتبع ال من
الخوف والفزع فتبسم تبع من هذا الكلم وقال ابشر ببلوغ المرام فانك ستكون نائبي في بلد الشام وتحمل لي الخراج في كل عام
فقال سمعا وطاعه ياملك الزمان وجوهرة هذا الوان ثم عرض عليه الذخائر وماجاء به من نفيس الجواهر فانشرح صدر تبع
وخلع عليه وقال له أذهب الن إلى وجوه اهل المدينه وباشر في الضيافات والزينه فاننا سنحضر إلى عندك بعد ثلثة ايام
ونتفرج على الشام ونرجع إلى المضارب والخيام فقال اهل وسهل الرض ارضك والبلد بلدك ثم ودع الملك وسار بمن معه
من الكابر والتجار وأخذ يسعى في امر الوليمه وقد خامرت معه اهل الشام خوفا من السبي والهزيمه .
هذا ماجرى لهؤلء من الخبار وأما ماكان من ربيعة وبني قيس الخيار فانهم لما سمعوا بقدوم الملك تبع إلى الديار وافتتاحه
المدن والمصار اخذهم القلق والفتكار وكان قد بلغ ربيعه قول زيد إلى تبع حسان وكيف انه نسبة إلى الظلم والعدوان مع انه
كان من أعدل ملوك الزمان اخذه الغضب والقلق وزاد به الحنق فجمع اكابر قومه واخيه مرة ومن يعتمد عليهم من أهل
الشجاعه والقدرة وجعل يخاطب المراء والسادات بهذه البيات :
غنا ربيعه شعرا من ضمايره ودمع العيون على الوجنات طوفان ياقومنا اسمعوا وامتثلوا قولي انتم بنو قيس ابطال وشجعان كنا
بخير والسعد يخدمنا نقري الضيوف ونكسي كل عريان والجوخ والخز السمور يأتي لنا من ساير الرض والملبوس ألوان جاءنا
من البحر ذا التبع يحاربنا صعب المراس شديد البطش سلطان معه رجال عوابس الف الف بطل من كل ضرغام قلبه مثل
صوان حاز البلد وما أمير خالفه الكل طاعته القاصي مع الدان أتى الينا وماحسب حساب لنا منا ومن غيرنا هو ليس فزعان
معاه عسكر كثير ما له عدد ابطال حرب وفرسان شجعان انا بقيت كبير السن ياعربي مالي جلد في اللقا وسط ميدان مرة أخرى
بهذا الرأي ساعدني همام ياأبن أخي ماكنت كسلن مايترك الكأس من يديه ولساعه ال بوقت اللقا أو بعض أحيان كيف العمل
ننهزم أو نقابله شوروا للصواب أخوتي وخلن
فلما فرغ ربيعه من شعره قالت السادات والفرسان عن فرد لسان أن هذا المر ليطاق وعلقم مر المذاق وليس لنا غير الهزيمه
فهي أوفر غنيمه وال حكم سيفه ولشانا عن بكرة أبينا وبعد مداوله طويلة وجلسه مستطيله استقر رأي الجمهور على أن يذهبوا
إلى عند تبع المذكور فيسلموا عليه ويقبلوا يديه ويطلبون لنفسهم المان ويقدموا له التحف الحسان لعلهم يتخلصون بهذه الوسيلة
من تلك الورطه الوبيله هذا ماكان من أمر بني قيس وأما الملك تبع فانع في اليوم الثالث ركب في وجوه قومه وتوجه إلى مدينة
الشام لجل الزيارة كما تقدم الكلم .
فلما بلغ الغايه ووصل السرايه التقاه زيد بالتعظيم والكرام واجلسه في أعز مقام وصنع له وليمه عظيمه ذات قدر وقيمه فأحسن
اليه وخلع عليه وفرق التحف الثمينه على اكابر اهل المدينه ثم رتب الخراج في كل عام وبعد ذلك رجع إلى المضارب والخيام
وهو مسرور الفؤاد على المرام وأما بنو قيس فانهم جمعوا التحف الحسان والموال التي يكل عن وصفها اللسان من عقود
وجواهر ومهمات وذخائر وقماش فاخر وحملوها على مائة جمل وركب ربيعه مع أخيه مرة في مائة بطل وسار معهما جماعه
من المراء والقواد الذين عليهم العتماد وجدا في قطع البراري والقفار حتى وصلوا إلى تلك الديار وعند وصولهم إلى
المضارب نزلوا عن ظهور الجنائب واجتمعوا بخزندار الملك تبع وكان اسمه ثعلبه حسان ويعلمه ابن البشع فقدموا له التحف
الحسان ليقدمها إلى الملك تبع حسان ويعلمه بقدومهم إلى الديار فقدمها الخزندار وليعلم بمجىء القوم في مثل ذلك اليوم مرادهم
الدخول عليه ليتشرفوا بتقبيل يديه ورجليه ويحصلوا على أمانة ويكونوا من جملة خدامه وأعوانه فتبسم تبع والتفت إلى وزيره
نبهان وقال له اين ملوك قيس العظام الذين كنت قلت عنهم ماهو كذا وكذا من كلم واني لأصلح ان اكون من جملة خدامهم وهم
قد حضروا الن لتقبيل أقدامي ليكونوا من جملة أعواني وخدامي فقال الوزير وقاك ال من كل شر وضير وجعل عاقبة هذا
المر إلى خير فبينما هم في الحديث والكلم أذا دخل على الملك أمراء بنو قيس الكرام فقبلوا الرض بين يديه ووقعوا على
رجليه فأخذ تبع ينظر اليهم ويتأمل فيهم فحانت منه التفاته فنظر المير ربيعه واقف في باب الصيوان وهو مثل السد الغضبان
وكان المير ربيعه لم يدخل مع قومه على الملك حسان لن نفسه ماكانت تطاوعه على الذل والهوان فالتفت الملك تبع إلى
الترجمان وقال من يكون هذا النسان فأني أراه معجب بنفسه غاية العجاب ول حاسب لي أدنى حساب فسأل الترجمان عنه
فقالوا العشمشم سيد بني قيس المير ربيعه المعظم .فلما سمع تبع هذا الخبر شخر ونخر وتبدل بكدر واحمرت عيناه حتى صار
مثل الجمر ثم ناداه فحضر وقد تعجب من عظم هيبته وبياض لحيته فسلم ربيعه عليه ووقف بين يديه فقال تبع أأنت سيد بني
قيس الكرام فقال نعم أيها البطل الهمام وقال ولماذا أسأت الدب وإحتقرتني دون باقي أمراء العرب الذين تمثلوا أمامي وقبلوا
يدي وأقدامي فتقدم الن وقبل رجلي يامهان وإل قتلتك بحد الحسام وجعلتك عبرة بين النام .فقال ربيعه وقد استعظم ذلك المر
واحمرت عيناه من الغيظ حتى صارت مثل الجمر لنه كان من اشرفهم حسبا واعلهم نسبا ثم قال اعلم ياملك الزمان بأنني ملك
من ملوك العربان صاحب قدر وشان وماذلت نفسي لنسان وهذه هي وبلدي وملك أبائي واجدادي وأنا ماتعديت عليك
وماأوصلت أذيتي اليك بل أنت شنيت علينا الغارة وأمتلكت بلدنا والحقت بنا الخسارة وذلك بدون سبب من السباب فكفى الذي
فعلته أيها الملك المهاب وقد بلغت منا قصدك فل أنت تقبل يدي ول أنا أقبل يدك فلما سمع هذا المقال خرج عن دائرة العتدال
وقال يانذل بني قيس ومن هو أذل من التيس أني ماأتيت من بلدي بهذا الجمع المتزايد ال لجعل زمام الدنيا في قبضة ملك
واحد ثم بعد هذا الكلم صاح على العوان والخدم بصوت كالرعد في الغمام ياويلكم اقبضوا على هذا الشيخ الكبير ومن معه
من بني قيس الطناجير وقيدوهم بالجنازير فامتثلوا أمرة في الحال وقيدوا ربيعه وباقي الرجال وبعد أن قيدوه وأوثقوه أمر الملك
بشنقه فشنقوه وهكذا انتهت حياته وانقضت أيامه وساعاته وبقي معلقا ثلثة أيام حتى جاء نائبه المير زيد إلى الشام فغسله وكفنه
ثم وراه التراب ودفنه ثم جاء في باقي الرجال وأرادوا أن يفعلوا بهم مثل تلك الفعال فانهزم المير مرة من بين أيدي الفرسان
وتقدم إلى عند الملك تبع حسان وقال المان ياملك الزمان نحن الن عبيدك وطوع يديك وجميع أمورنا راجعة اليك فاعفوا عنا
فقد صرت لنا ملك ثم انه ابعد هذا الحديث والكلم أشار يخاطبه بهذا الشعر والنظام :
مقالت لمرة في بيوت صروف الدهر قد جارت علينا اليا أمير تبع يامسمى أيا ملك الورى في العالمينا انا في جيرتك يافخر
قومك أجبرنا لتشفي الضد فينا قتلت أخي ربيعه يامكنى وأسقيت العداء والحاسدينا وتقتلني أنا ياأمير بعده تهد رجالنا طول
السنينا ونحن ياملك حكام مثلك على كل القبائل حاكمينا فليس بواجب تهدم بيوتي ولهذه فعال الماجدينا وقد حاربنا وحكمت فينا
ونحن اليوم في حكمك رضينا وبعد اليوم صرنا لك رعايا على طول الليالي والسنينا وندفع كل عام عشر المال كله فاحكم ماتريد
اليوم فينا
(قال الراوي) فلما سمع تبع شعره ونظامه وعرف قصده ومرامه عفى عنه وأعطاه المان وكذلك صفح عن باقي المراء
والعيان وجعلهم من جملة الرعايا والخدام يدفعون له الخراج في كل عام وقال لمرة ياسيد القوم قد صممت أن أتخذ مدينة
كرسي مملكتي بعد هذا اليوم فسر أنت وأهلك من هذه الديار وتفرقوا في سائر القطار وكونوا لوامري طائعين ولحكمي
خاضعين سامعين .ثم أنه قسمهم إلى عدة فرق وأقام على كل فرقه ملك من سادات بني قيس العيان فجعل المير مرة على
الفرقة الولى وأمرة أن يسكن مع قومه في نواحي بيروت وبعلبك والبقاع وجعل المير عدنان على الفرقه الثالثه وأمره أن يقيم
قي بلد العراق وتلك المنازل والفاق زكان الملك تبع قد شتت بنو قيس بهذه الوسيله خوفا من أن يقع في مكيدة أو حيله ثم أنه
التفت على المير مرة وباقي السادات وأشار اليهم بهذه البيات :
يقول التبع المدعو اليماني أبا مرة لكم مني المان ال ياقيس روحوا لتخافوا فقد سدتم على أهل الزمان ربيعه أنت يامرة بداله
كبير القوم من قاص ودان وأولدهم لهم موضع أبوهم وأنت أكبرهم فيهم تعاني ولكن خلق لتسكنوها وكونوا في أمان مدى
الزمان
فلما فرغ تبع من كلمه وشعره ونظامه أجابت بنو قيس أمره بالمتثال وتفرقت جموعهم في البراري والتلل وهم يبكون على
ماجرى عليهم وما وصل من الذى اليهم كانوا في أرغد عيش وأهناه وفي عز وجاه كلمتهم بين الناس مسموعه وروايتهم فوق
هام المجد مرفوعه ليعرفون الهم والكدر وليأخذهم قلق ول ضجر إلى ان اصابتهم البليه وحلت بهم تلك الرزيه فبكوا على
تفرق بعضهم البعض وتشتتهم في أقطار الرض .
ومن غريب التفاق المستحق التسطير في الوراق هو ماجرى للربعه أخوة الذين اشتهروا من بني قيس بالحميه والنخوه وذلك
أنه كان لزوجة المير ربيعه المذكورة والد كليب والزير الفارس المشهور أربعة أخوه من الذكور وهم جوشن وناجد وجودر
والمير منجد السد الغضنفر وكانوا من أجود الناس قد اتصفوا بالشجاعه وقوة البأس .
فلما رأوا أفعال تبع الشنيعه وكيف أنه قتل صهرهم ربيعه ساءهم ذلك المر وتوقد قلبهم من الغيظ بلهيب الجمر ولكنهم أخفوا
الكمد وأظهروا الصبر والجلد فحملوا بيوتهم وعيالهم وساقوا غنمهم وجمالهم وجدوا في قطع البراري والكام حتى وصلوا بلد
الشام فنزلوا بقرب صيوان .
الجزء الثاني
والعلم وأرسلوا رجل من أكابر العمد لكي يعلم تبع بوصولهم إلى البلد فسار على الثر وأعلم الملك بذلك الخبر ففرح
واستبشر وزال منه القلق والضجر واحضر الرمال وكان عنده رمال شاطر فحضر بين يديه فقال له التبع اضرب لي تخت
الرمل فجلس وضرب الرمل فرأى جميع ما فعلته بنو قيس وقال الصناديق فيها رجال وأشار يقول :
قال الفتى الرمال صادق سقاتي الدهر كاسات المرارا تبعت الرمل وأنا كنت طفل وقبلته يمين مع يسارا ولأحد مثلي بالرمل
عارف ولغيري يعرف كيف سارا أحط الرمل بأربع أمهات وولد الصغارا مع الكبارا ال ياأمير تبع ياملكنا ياعز العذارى يوم
غارا أقول لك عن التقادير والجنايب وتحسب أن جابوا لك تجارا جوا ياملك هم يقتلوك ويدعوا القصر بعدك دشارا صناديق التي
لك حملوها بها ابطال بالعدد أمارا يريدون قتلك ياملك عاجل لهم ثار عليك وأي ثارا هذا قد أعلمك يامسمى وبالدنيا يشيع لها
خبارا
( قال الراوي ) فلما فرغ من كلمه وتبع يسمع نظامه نادى على العبيد فحضروا مائة عبد وقال لهم روحوا إلى العمارة وكل
صندوق تلقوا فيه رجال اكسروه فانطلق العبيد إلى العمارة وهم أسعد وسعيد وبقية للمائة عبد هذا في يده عصا والخر في يده
بلطه والثاني في يده دبوس حديد ولما وصلوا إلى العماره ابتدأوا بكسر الصناديق وكسروا الول والثاني إلى العشرة فصاحت
الجليله ياعبيد السوء لماذا تكسروا صناديقي فقال لها العبيد الرمال قال ان في هذه الصناديق رجال فتقمت وفتحت لمه عشرة
صناديق فما وجدوا فيها غير جهازها والقماش فقالوا ان الرمال كذاب وعادوا يردون الجواب يقع كلم ثم يرجع الحديث إلى
عجوز يقال لها حجلن وكانت رماله وهي التي علمت الرمال بان لها جميع ما فعلوه بني قيس وتباين لها ان الصناديق طبقتين
في السفلى رجال وفي العليا قماش فافتكرت ساعه من الزمان وضربت ثاني رمل رأت بني قيس يقتلون التبع لمحاله فقالت
خيرا لي أخذ الوجه البيض عند بني قيس لقامت أخذت عصاتها بيدها وسارت إلى أن وصلت عند بني قيس وهم في ارتباك
عظيم فقالت لهم انا اتيت من عند تبع فقالوا لها وما قصدك قالت قصدي كشف الصناديق لن الرمال قال ان فيها رجال ففتحوا
لها أول صندوق والثاني فقالت أني أرى الصناديق من الظاهر ذات عمق ومن الداخل بخلف ذلك وضربت على الطبقه السفلى
فلما رأوها عارفه قالوا استري على ماستره ال وفتحوا صندوق واعطوها ثلث بدلت حرير فقالت من الن وصاعدا أساعدكم
على قتل تبع ثم انالعجوز طلعت إلى عند تبع والرمال بين يديه وعمال يضرب الرمل لن العبيد أخبروا تبع بما شاهدوا وكذلك
العجوز أخبرته كما أخبروه العبيد فقال تبع ياعجوز الرمال كذاب قالت أن الرمال عمي من أكل الثوم والبصل فأمر الملك
بضرب عنقه وراحت روحه إلى الوادي الحمر وتقدمت العجوز إلى الملك وأشارت توصف حسن الجليله ومااعطاها ال من
الحسن والجمال :
تقول العجوز التي شاهدت مليحه تريح العنا والصدود يأمير تبع يهنيك فيها السعد وأقبل الخير لك والسعود أتوك بني قيس أهل
السماح وجابوا لك الخيل ثم النقود وجاوبا الجليله لشخصك حليله بخدين حمر وعينين سود وقامة طويله كعود القنا فوق الكتاف
ترخى الجعود بشعر طويل وشعر كحيل بل جرميل تصيد السود حواجب كما قوس ترمي الهزوم وذات حزام الذهب على
النهود وذات شقاف رقاق نظاف عقايل طرايف تزيل النكود ولها وجه كبدر بليله قدر وجنات حمر كما الورد وجسم رقيق وريق
رحيق وسنان لولو سبت الورود لها عنق كعنق الغزال وطوق الذهب يوقد وقود اكتاف العاج مثل الزجاج والنقش مواج فوق
الزنود وكفين أطرى من الياسمين من قد حواها ينال السعود وصدر كاللوح خلقه الله وقد زين الصدر جوز النهود وأعطاف
وأرداف مثل العجين خلق الله مهيمن ودود أما الحجول تزيل العقول حب الطرف يطفىء الصدود أما القلئد مناسل ذهوب من
الراس مكعوب مثل البنود وملبوسها مليح حرير مقصب مطيب بمسك وزهر وعود وان شافها رجل عابد فقيه غدا العقل منه
شارد شرود قد زينوا بني قيس لك عروسا تجلى لجلك كل هم وكود للملك حقا قد أحضروا مليحه حللها يزيل النقود فأرسل
وراها وخلى المحال واسمع كلمي واجلي الصدود وادخل على بنت مرة وكن لطيفا بقطف ثمار النهود
( قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلمها والملك تبع يسمع نظامها فراح عقله من وصف العجوز ونادى على الوزير
يأمره أن يحضر الجليله بالتبجيل والتكريم وخلفها السراري بمكوب عظيم فدخلت على تبع وكان جالسا على كرسي المملكه
وعلى راسه تاج من الذهب الفاخر مرصعا بأنواع الجواهر وعن يمنيه وشماله السود فسلمت عليه ووقفت بين يديه فرد عليها
السلم وآنسها بالحديث والكلم وقال لها أهل وسهل بالسيدة الكريمة والدرة التي ليس يقدر لها قيمه ثم اجلسها بمكان قريب منه
وترحب بها غاية الترحيب وقد انبهر من فرط جمالها وعذوبة الفاظها وفصاحة مقالها لنها كانت متصفه بالدب ومن أجمل
نساء العرب فأخذ الملك يسألها عن أهلها وعشيرتها فقالت له بكلم الدلل أعلم أيها الملك المفضال أن اتصالي بجانبك وتشريفي
بساحة بابك جعل لقبيلتنا اسما كبيرا وذكرا بين الناس شهيرا كيف ل وانت ملك هذا الزمان والجوهرة الثمينه في هذا الوان ال
يحفظك لنا ويبقيك وينصرك على جميع حسادك وأعاديك فان كنت تعظم شأني وترفع مرتبتي على اقراني لتترك ابي وأعمامي
وسادات أهلي واقوامي بعيد عن فضلك واحسانك لنهم قد صاروا من جملة أتباعك وأعوانك فأمر لهم بمكان ينزلون فيه
بصناديق جهازي وباقي الحمال تحضر إلى هنا في الحال لنها مملوءة من التحف والجواهر والقماش ومع كل ذلك فنحن أولد
عم .
( قال الراوي ) فأمر تبع وزيره نبهان يذهب في جماعه من العيان ويعد إلى المير مرة أبي الجليله ومن معه من بني عمه
قصرا من القصور الجميله وأن ينزل بقية الفرسان في غير مكان ويقدمون لهم الطعام والشراب ومايلزم من الثياب فأجاب
الوزير بالسمع والطاعه وفعل كما أمر موله من تلك الساعه وبعد أن نفذ الوزير المر ووضع الصناديق في داخل القصر التفت
الملك تبع إلى مرة وقال له يا عمي مابقي من بعدي ال أنت من مقامي فان غبت أنا تكون أنت حاكم مكاني ثم أنه قربه اليه وأخذ
يترحب بالجليله ويقول :
يقول التبع اليمن الكبارى أنا يافيس زال الهم عني ال يامرحبا يا أمير مرة أنا منكم وأنتم اليوم مني ترى لول الجليله لي تعاتب
وجابت لي الحسب والنسب مني فما علمت أننا يمنا وقيسا بني جدين أخوين بطني فل تعتب علي بقت أخيك ماقد صار ما بالعلم
مني
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من كلمه والحاضرين يسمعون نظامه أخذوا بالكأس والطاس وقال للجماعه حلت البركه فيكم
فقعدت تشرب معه المدام وشرب الملك تبع إلى أن سكر وغنت البنات ورقصت فقال تبع للجليله ياسيدة الملح وكوكب الصباح
قد أجرينا المطلوب طبق المرغوب فهل لك غرض آخر تقضيه حتى نفعل ماترغبينه وتشتهيه وكانت الجليله تخول أفكارها
لجل أن تستدعي كليب إلى عندها وقد سمعت صوته عند القصر وهو يصرخ من جوانب القصر لنه راكب على فرسه القصب
وبيد دبوس من الخشب وكان يرقص في البستان وينتقل من مكان إلى مكان فقالت نعم ايها السيد الماجد باقي لي غرض واحد
وهو ان لي نديم اسمه قشمر ليوجد مثله بين البشر حلو الصفات سريع الحركات يضحك الحجار بأفعاله ويزيل الهموم بغرائب
أعماله قد أحضرته هذه المرة في خدمتي ليسليني عند حزني فان حسن لديك أمر أن يدخل اليك ويلعب بين يديك فيزداد سرورك
وانشراحك وتزول احزانك فضحك من كلمها واجابها إلى مرامها وأمر الخدام بادخاله ليري طرفا من أعماله وعند وصوله
إلى باب اليوان نظر السلسله التي ذكرها العابد نعمان فامتنع عن الدخول وأخذ يتكلم بكلم مجهول ويقول ماهذه الحيله التي
أراها وأنا خايف من شرها وأذاها فقال ادخل وماعليك من باس فما هي ال سلسله من نحاس فأبى وامتنع وهو يظهر على نفسه
الخوف والفزع ولما طال المطال التفتت الجليله إلى تبع في الحال وقالت له بكلم الدلل أعلم أن قشمر من أخوف البشر فان
حسن لديك ولم يصعد عليك أمر الخدام والحجاب برفع السلسله عن الباب فرفعوها واتوا بقشمر اليه فلما صار بين يديه سلم
عليه ودعا له بطول العمر والبقاء ودوام العز والرتقاء وأخذ كليب يمزح أمامه ويلعب بسيفه قدامه وهو في تلك الثياب التي
ذكرناها والصفه المضحكه التي وصفناها فكان تارة يبحلق عينيه ويرقص الرض بيديه ورجليه وتارة يقول اين الفرسان
الفحول وأين أبو عطبول وأحيانا يرقص ويضحك بل سبب وهو راكب الفرس القصب ويسوقها بذلك الدبوس الخشب كان من
أعجب العجب فاندهش تبع من اعماله واستغرب من أحواله وأقواله .
ثم قال للجليله وال ياكاملة المعاني وشريكة عمري وزماني لقد أصبت في منادمة هذا البهلول الذي يدهش بأفعاله العقول فانه
من كثرة هزله وخفة عقله جميل الصورة فصيح الخطاب سريع الكلم والجواب فقالت له صدقت فيما نطقت فانني لم أر رجل
مثله بين النام في الزلقه وفصاحة الكلم ومتى بقي عندك عشرة أيام يقوم بمنادمتك حق القيام ويدعوك مشروح الخاطر على
طول الزمان ثم قال قشمر وهو كليب للتبع حسان أن كنت تريد ان تطرب الن فأمر سيدتي الجليله أن تغيك بأبيات من الشعر
فان صوتها مليح ولفظها فصيح فقال لها هل تحسنين الغناء ياسيدة النساء فقالت أي وابيك فان كنت تريد مني أن أغنيك وأكربك
وأسليك فأمر قشمر أن يقفل الباب لئل يسمعنا أحد الخدام والحجاب فاستصوب كلمها الملك تبع وامر قشمر ان يقفل باب
المخدع فقفله وعاد بالعجل وقد أيقن ببلوغ المل وأنشدت تقول من فؤاد متبول :
لقد قالت الجليلة بنت مرة شربت الخمر مابين المارة شربنا الخمر في كاسات جوهر فزال العقل واصبحنا سكارة بحضرة تبع
الملك المسمى بحسان اذا ماشن غارة وقد أمسيت في قبضة يديه ومن حبه شعل قلبي نارة ال ياحارس البستان صنه وان فرطت
الطير طارة
( قال الراوي ) فلما انتهت الجليله من هذا الشعر والنظام زاد بالتبع الوجد والغرام وسكر من غير مدام وقال مثلك من تكون من
النساء فقد زاد سرورنا في هذا المساء فلما رآه زاد به الطرب وأخذ يرقص أمامه ويلعب أمام الملك الكبر فقال أعطيني أذن
حسامك وأنا العب به أمامك فقالت له الجليله بحياتي عليك أن تبلغه الرب وتعطيه ماطلب فانك ترى منه العجب فأمره أن يدخل
إلى قاعة السلح فيأخذ السيف ويرجع بالعجل فأجاب كليب وامتثل وكانت الجليله أومت اليه ان يسرع في العمل وعند دخوله
إلى ذلك المخدع وجد سلح تبع فلبس الدرع وتقلد بالسيف ووضع الخوذة على رأسه وخرج بالعجل كأنه قلة من القلل أو قطعة
فصلت من جبل بعد أن فتح صناديق الحمال وأخرج الفرسان والبطال فبقوا في ساحة الدار وقاموا له بالنتظار وكان قد سل
الحسام من غمده وهو يهزه في يديه ثم دخل على الملك وقد أحمرت عيناه وتذكر أباه فصال وجال ولعب بالسيف كما تلعب
البطال في ساحة القتال وبعده تقدم وهجم عليه فعرفه حينئذ الملك تبع وقد كان بحالة سكر وذهاب العقل فقال بال عليك ياسيد
الشجعان وفارس الميدان فأمهلني ساعة من الزمن حتى أفيدك عن جميع المور والحوال التي تحدث إلى آخر الجيال فقد
اتضح لي الحال ووقعت في شرك العقال ثم أنشد وقال :
الملحمة الكبرى للتبع حسان
يقول التبع الملك اليماني لهيب النار تشعل في فؤادي أمير كليب يافارس ربيعه وياحامي النساء يوم الطراد أريد اليوم أن أعلمك
شيئا لتعرف حال أخبار العباد فموسى كان في الدنيا نبيا له التوراة أعطت للرشاد وداود النبي قد جاء بعده يبشر بالزبور أهل
الفساد وعيسى ابن مريم جاء ايضا بانجيل الخلص لكي ينادي نبي لم يكن في الناس مثله لن ال اختاره يفادي فكم ميت بكلمته
أقامه وسقيم شفاه من المراض وعندي قد تبين بالملحم بأنك قاتلي دون العباد وبعده شاعر تنزل عليكم وتفتن بين قيس في
البلد وأنت برمح جساس ستطعن وعبدي يذبحك بين الجماد وتكتب بدمائك على البلطه لمن بعدك لتشتيت العادي ويأتي أبو
ليلى المهلهل فيصلي الحرب في كل البلد ويقهر كل جبار عنيد يضرب بالسيف في يوم الجلد وتأخذ للجليلة لك قرينة وتحظى
بالمسرة والمراد ويظهر لك غلم بعد موتك يسمى الجرو قهار العادي ويقتل إلى جساس خاله وأما الزير تقتله العادي وسيف
ذو يزن بعدك سيظهر وتصحبه السعادة في العباد ويبقى ملكه سبعون عاما وبعد ذلك يطوى في الوهاد ويظهر له ولد يدعى
بدمر شديد اليأس مرفوع العماد فيملك في بلد الشام بعده يجيب الماء من اقصى البلد وبعده يظهر المدعو بعنتر يهين الضد في
يوم الطراد وبعده يظهر الهادي محمد يقيم الدين مابين العباد واصحابه معه عشرة كوامل كرام الناس سادات البلد وأبو بكر
وسعد مع سعيد وطلحة والزبير ابن الجياد وعثمان مع عمر وعلي وعامر مع حسين أهل الرشاد يموت الهاشمي ويصير خلف
على الحكام بعده عمر بالعباد أبوبكر يموت بلسع حية وبعده عمر يقتل بالطراد علي بالسيف يردية ابن ملجم يتيما انتشى بين
الولد ول يعرف له قبر محقق على وجه الثرى بين العباد وتختلف الصحابة على الحكومة ويحكمها حسين بالبوادي وبعده بني
العباس تحكم سنين كثيرة بين العباد وبعده الخوارج سوف تظهر فواطمة الفواحش والعناد يقيموا الشر في كل الراضي ويملوا
الرض طرا بالفساد وتظهر من بالد الشر عصبة فيقصد جيشها غرب البلد هلل وعامر مع آل قيس يزيد وحرب حمير مع
أياد حسن أمير فخر البرايا وبعد ديار قهار العادي وأبو زيد ابن عمه ليث أروع شديد البأس في يوم الطراد يطوفون البلد
فيملكوها ويسبون العدا أهل العناد ويمحو العجم مع كل طاغ بأرماح وأسياف حداد وقبرص والجزائر يملكوها وبدريس
الخزاعي والعادي شبيب التبعي بالشام يقتل وتترك جثته فوق الجماد وسركيس بن تاذب سوف يقتل بسيف دياب قهار العادي
كذا فرمند مع مصر العدية ستخرب دورها بين البلد وبعده نظهر الشطان ظالم خبيث الصل من قوم شداد بنو أيوب تظهر
بعد منه يقيمون الذين من بعد الفساد ويظهر ابن عثمان المساعد بأرض الشرق ويحكم بالعباد ملوك الرض تخشى من لقاهم لن
جيوشهم مثل الجراد عداد ملوكهم عشرة عشرة وتسعة بعدهم دون ازدياد ويظهر ضده المهدي سريعا يثير الفتن والحرب في
كل البلد طويل الجسم ذو همة عالية له اسمين من ظاهر وبادي يقيم السيف في القطار عمدا ويجري الدم في كل البواد ويظهر
فارسا يدعى قطيعه فعشر سنين يظلم العباد ويظهر بعده الدجا حقا فتتبعه الورى أهل الفساد يطوب الرض من شرق وغرب
ويفعل معجزات في البلد ويظهر ضد المهدي سريعا ويسطع نوره في كل وادي فهو عيسى المسمى ابن مريم فيقتلك ويملك في
البلد وبعده دابة تظهر سريعا فتفعل معجزات في البلد ونار من عدن تظهر وتسطع فتشكو الناس من هول النكاد وبعده الشمس
تظهر من مغيب وتزداد الخلئق في الفساد ويأجوج ومأجوج جميعا تحيط رجالهم كل البلد فل نهر الفرات لهم يروى ول
سيعون ول الدجلة المراد ويغشى الرض موتا ياكليبا وجوع وقتل في كل العباد ونيران تعم الرض طرا على أعلى الجبال وفي
كل واد وبعده يغلق باب المراسم وباب الشر فتح باقتصاد فل يصعد ول يأتي جواب فذاك الوقت يحترق العباد وبعده يظهر من
جهنم وينفخ ريح من أقصى البلد يموت الخلق منه ليس يبقى سوى الرحمن خلق العباد وبعده يظهر الديان حقا اله العرش ديان
العباد فعندي الجفر قد أخبر مؤكد بما أخبرتكم دون ازدياد واسمع ياأمير كليب مني حقائق قصتي وافهم مرادي ول تفرح عن
حالي وضعفي اجرني ياملك وأطلق قيادي
( قال الراوي ) ولما فرغ الملك تبع من هذه الملحمه وسمع كليب ما فيها من الخبار المتقدمة والمتأخرة تعجب غاية العجب
وقال لست أعفو عن قطع رأسك وأخماد انفاسك لنك افتريت وظلمت وتعديت ثم أجابه بهذا القصيد على سبيل التهكم والتهديد :
يقول كليب قهار العادي كل أشد من ضرب الهادي أنا قد صرت هذا اليوم حاكم أتاني السعد مع نيل المراد أيا تبع الينا قد جيت
عاجل قتلت أبي وخربت البلد فما أبقيت قيمة للمارة وقد البستهم ثوب السواد هتكت الرض ياتبع بفعلك وصيرت النام لك
أعادي جعلت رجالن تشبه نسانا وأذللت المارة في البلد فوال ثم وال ثم وال اله خالق كل البوادي فلست براجع عن قطع
رأسك ولو ملكتني كل البوادي
( قال الراوي ) فلما فرغ المير كليب من كلمه وفهم تبع فحوى قصده ومرامه قال كليب لبد من قطع رأسك يامهان ولكن
أسألك لماذا قتلت أبي غدرا وما بالميدان فقال تبع أذا كان لبد من ذلك يافارس المعارك فأمهلني ساعة حتى أخبرك عن قتل
أبيك وأتودع من هذه الدنيا قليل ثم أبدى حزنا وعويل وأشار يقول من فؤادي متبول وعمر السامعين يطول :
قال الملك تبع حسان ظلمني دهري دون الناس ياأبن ربيعه يامخدوم أنت أمير شديد الباس طويل الباع بيوم نزاع عفيف شجاع
ثقيل الراس تسألني عن قتل أبيك فكل بنايه لها أساس فلما جيت لرض الشام أتى للقانا كل الناس أتاني كل أكابر قيس وكل أمير
لدي باس ال أبوك فقد خالف ولم يفعل كباقي الناس فزاد الغيظ بوسط القلب أمر بشنقه للحراس وهذا بأمر ال مكتوب فوق جبينه
بأعلى الراس وأنا بقيت بهذا اليوم وحيد فريد بل أيناس أريد العفو عما جنيت بحياة عمك مع جساس أني كنت زعيم القوم وحمي
نافذ بين الناس فما أتاني وعد ال بطل العزم وظني حساس دعتني الجليله بالحيله وغابت عني كل الناس وهذ أمر ال محتوم
وامر نافذ فوق الناس
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من هذا الشعر والنظام قال له كليب لبد من قتلك بحد الحسام حتى ترتاح الناس من شرك وتأمن
عاقبة غدرك ثم ضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علئقه فوقع على الرض قتيل( سقط التبع اليماني صريعا قتله كليبا
غدرا وما لكان لكليب ان يواجه التبع لنه من اقوى الفرسان العرب ال بالمكر والغدربعد ما تسلح كليبا بالدرع والخوذة واستل
السيف وقتل التبع حسان بحد الحسام عندما كان سكران وفي دمه جديل فلما راته الجليله قد مات زاد بها الفراح واعتنقت ابن
عمها وقبلته وقالت له مثلك من تكون الفرسان ياليث الميدان فشكرها كليب وهن ها بسلمتها وزاد في أعزازها وكرامتها ثم
خرج من المخدع وأعلم الفرسان بقتل الملك تبع وقال لهم لقد بلغنا المراد فكونوا على حذر واستعداد لمتلك البلد فقالوا نحن
بين يديك ولنبخل بأرواحنا عليك .
كان قتل التبع بمثابة انتصار ولكن لم يذق كليبا طعم النتصار لنه قد غدر بالتبع وقد دخوا قصره بالخديعة لنهم يعرفون قوة
التبع ورابطة جأئشه و صلبته و قوة وعدد فرسانه في ساحات القتال لم يستطع أحد مواجهته وجها بوجه ال بالمكر والحيلة
والغدر
( قال الراوي ) فكانت أكثر أهل الشام تكره التبع لظلمه وجوره وتتمنى هلكه فاجتمعت العساكر والعيان وطلبوا من كليب
المان وانهم يكونوا له من جملة الرعايا والغلمان على طول الزمان فأجاجبهم كليب إلى ذلك الطلب ورفع عنهم السيف الحدب
ووعدهم بالجميل والخيرات وسمح لهم بخراج عشر سنوات فدعوا له بطول العمر ودوام العز والنصر ثم اجتمعت بنو مرة
واكابر العشائر وقواد العساكر والبسوه تاجا مرصعا بالجواهر ثم اجلسوه على كرسي المملكه وجلس بقربه وزير الميمنه وهو
نبهان وزير تبع حسان ووقفت أمامه الحجاب والمراء والنواب فحكم معامل الناس بالجود والكرم ومنصفا المظلوم ممن ظلم
وفي الليله الثانيه اجتمعت سادات القبيله وزفوا عليه ابنة عمه الجليله وقد كنا ذكرنا في أول السيرة عن أوصاف هذه السيدة
الخطيرة وم احتوت عليه من الحسن والجمال والفضل والكمال فاعتنقا اعتناق الحباب وزال عنهما الغم والكتئاب وباتا في حظ
وانشراح إلى وقت الصباح وفي اليوم الثاني وردت اليه المدائح والتهاني واشتهر ذكره في البلدان وهابته ملوك الزمان .
( قال الراوي ) وكانت الجليله قد طلبت من كليب أن يبني لها قصرا من أجمل القصور وينشىء فيه بستان يحوي جميع أنواع
الزهور فأجابها إلى ذلك ووعدها ببناء قصر ل مثيل له في جميع المماليك ثم انه نزل إلى الديوان وجمع الوزراء والعيان
وأعلمهم بذلك الشان فقال له الوزير نبهان أعلم ياملك الزمان انه ليوجد في هذه اليام من يقدر أن يبني لك ذلك القصر طبق
المرام ال معمر المختص بالريان ملك مصر لنه هو المشهور ببناء القصور الحسان وهو الذي عمر قصر تبع حسان فأرسل
كليب أريد منك أن تبني لي قصر من القصور الحسان ليوجد مثله في جميع المدن والبلدان ويكون له جنينه جميله المنظر
تحتوي على جميع الشجار والخضر فان اتقنت الصنعه طبق المرغوب نلت المقصود والمطلوب فأجابه بالسمع والطاعه
وباشر في بناء القصر في تلك الساعه .
( قال الراوي ) ولما اشتهر قتل تبع في اليمن تواصل الخبر إلى صنعاء وعدن هاجت الرجال وكثر القيل والقال وكان للملك تبع
ابن عم من المراء المشاهير يقال له عمران القصير وكان شديد الباس قوي المراس فلما بلغته تلك الخبار صمم على غزو بنو
قيس بعسكر جرار فجمع العساكر والجنود وفرق الرايات والبنود وركب في مائة الف مقاتل وجد في قطع المراحل قاصدا بلد
الشام بكل سرعه واهتمام ولما بلغ كليب هذه الخبار استعد للحرب والقتال وخرج للقائه بالفرسان والبطال وقد دبر كليبا فخا
لليمانيين ليحترقوا دون قتال فهم متمرسون بالقتال واصحاب همم و بطش ولما التقى الجيشان أمر كليب بأشعال النيران و بهذا
سقط اليمانييون في فخ الغدر للمرة الثانية دون قتالو لكن تبقى من الفرسان من قاوم النيران و تقدم الفوارس إلى ساحة الميدان
وأخذ ينشطهم بالكلم على قتال الخصام فهاجت الشجعان وتبادرت للضرب والطعان وكان المير كليب أول العسكر كانه
السد الغضنفر وعلى راسه البيارق والسناجق ثم التقت الرجال بالرجال واشتعلت بين الفريقين نيران الحرب والقتال حتى
عظمت الهوال فلله در المير كليبب بطل البطال ومافعل في ذلك اليوم من الفعال فانه هجم هجوم السود وانطبق على
العساكر والجنود بقلب أقوى من الجلمود فبادر فرسان الكفاح وخطف المهج والرواح ومازال الدم يبذل والرجال تقتل إلى ان
ولى النهار وأقبل بالعتكار فافترقت العساكر عن بعضها البعض وباتوا في تلك الرض وعند الصباح رجعوا إلى الحرب
والكفاح فبرز المير عمران إلى ساحة الميدان فصال وجال وطلب براز المير والبطال فأراد كليب أن يبرز اليه فمانعه
حجابه وقالوا أيها الملك أن فينا ابطال وفرسانا تستطيع ان تحاربه ثم برز اليه فارس من الصناديد يقال له ميمون بن الرشيد
فالتقاه المير عمران بقلب أقوى من الصوان ولم تكن ال ساعه من الزمان حتى استظهر عمران وطعن ميمون بالرمح فوقع
قتيل وفي دمه جديل فأخذ سلبه وحصانه ثم قوم سنانه وتقدم إلى معركة الحرب وقال اين فرسان الطعن والضرب اليوم تبان
الفروسيه وتعرف شجاعة اليمنيه فبرز اليه آخر فأذاقه الموت الحمر ومازالت تبرز اليه الرجال وهو يجندلها على بساط
الرمال حتى قتل سبعه من البطال وقد هلك من التعب وكانوا من اكابر السادات قد اشتهروا في الحرب والغارات واستمر القتال
على هذا المنوال مدة تسعة ايام وهم في أبرز واقتحام وفي اليوم العاشر خرج المير مرة لقتال عمران ولما صار في الميدان
تقنطر عن ظهر الحصان فأدركه ابنه همام وجاء به إلى الخيام فعند ذلك برز إلى عمران المير جساس وصدمه بقوة قلب وشدة
بأس غير أنه لم ينجح في قتاله حيث هرب جساس مدبرا ورجع عند المساء عربه ونزاله فوقعت هيبة المير عمران في قلوب
الفرسان والشجعان فاستعظم كليب ذلك المر واشتعل قلبه بلهب الجمر وقال ما لزيد ال عمر فاذا كان الصباح بارزته في
معركة الكفاح لنه طغى وتجبر وقتل منا كل أسد غضنفر وبات تلك الليله وهو في غم شديد وقلق ماعليه من مزيد فما أقبل
الصباح ركب كليب الحصان واعتقل بالسيف والسنان وبرز لساحة الميدان لقتل المير عمران الذي قد اثخن بالجراح جراء
المعارك السابقة الذي برز في ذلك اليوم وهو ينادي أين البطال الصناديد ليبرز ال كليب المحتال الذي قتل تبع بالغدر
والحتيال فما تم كلمه حتى صار المير كليب قدامه وصدمه صدمة منكرة أشد من صدمات عنترة فقال له عمران من تكون
من الفرسان فقال له أيها التيس أني ملك على بني قيس فسوف ترى مني ضربا يفك الحديد ويذهب أبصار الفرسان لما غدرت
تبع بالحيله مع ابنة عمك الجليله فقال كليب أما علمت ياقرنان بأن الرجال عند أغراضها نسوان وأني ما غدرت الملك تبع ال
لغدره وقلة حياه وكثرة شره فأنه قتل والدي وكان عوني ومساعدي وحق هذا الذي أوجب ذلك اليوم سألحقك به وأسقيك كأس
المهالك فلما سمع عمران من كليب هذا الكلم اشتد بينهم الخصام فكانا تارة يتقدمان وتارة يتأخران كأنهما أسدان درغامان
فانبهرت من قتالهما الفرسان وأحدقت اليهما البصار من اليمين واليسار واستمر على ذلك الحال إلى قرب الزوال حتى تعجب
عمران من ثبات كليب أمامه لنه كان يظن أنه ليوجد في الدنيا من يقدر أن يقف قدامه فعند ذلك قاربه وفاجاه وطعنه بالرمح
قاصدا هلكه وفناه فخلى كليب من الطعنه فراحت خايبه بعد ماكنت صايبه ثم هجم كليب وقال خذها ياعمران من فارس الميدان
وليث الحرب والطعان وضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علئقه فوقع على الرض وحسان عليه غراب البين وبعد
ذلك حملت العساكر على بعضها وتقاتلت بالسيوف والخناجر فكثر القتل والجراح وجرى الدم وساح وزعقت النفوس والرواح
من ضرب السيوف وطعن الرماح وكان بعد مقتل المير عمران أن تضعضعت من عساكر اليمن الركان وقتل منهم أكثر من
عشرة آلف نفر وغنم غنائم عظيمه لها قددر وقيمه و فدخل القصر بالعز والنصر فاجتمع بابنة عمه الجليله وباقي سادات القبيله
وطاب له الوقت وزال عنه المقت ثم بعد ذلك بعشرة شهور تم بناء القصر المذكور فكان من عجائب الزمان والوان لنه في
غاية النفاق ولسيما البستان فانه كان كفردوس الجنان فيه من جميع الشجار والفواكه والثمار والمياه الغزيرة والزهور
الكثيره حتى أعجب كليب به وانعم على بانيه وفرشه بالفراش الفاخر الذي يبهر النواظر ويحير العقول وجعل أبوابه وشبابيكه
من الذهب ورصعها بأنواع الجواهر المنتخب ثم نقل ابنة عمه الجليله اليه وكانت قد ولدت سبعة بنات مثل البدور الكالعات
فربتهن بالدلل والعز والقبال فاتفق له ذات يوم من اليام أن زاره مرة أبن اخيه كليب في جماعة من بني العجام وبعد أن دار
بينهم الكلم قال مرة يأبن أخي كثرت عليك الرجال والغنام لسبب كثرة المواشي الزدحام فمرادي الن أن أرحل عنك بأنعامي
ورجالي وباقي أموالي ولشك بأننا في هذا الرحيل والنتقال تتحسن بنا الحوال ونحصل على راحة البال فقال كليب أفعل
ياعمي ماتحب وأنزل في أي مكان تريد قرب الديار فان البلد بلدنا ونحن ملوك القطار .
( قال الراوي ) فرحل مرة بقومه ورجاله ونوقه وجماله ونزل في واد كثير النبات ببعد مسافة تسع ساعات وكان مرة قد شاخ
وكبر في العمر فاقام المير جساس على بني بكر فكان يحسن اليهم ويحكم بالنصاف عليهم فشاع ذكره واشتهر أمره فكانت
تقصده الشعراء والفرسان وهو يكرمهم ويخلع عليهم الخلع الحسان ولم تكن ال سنة من الزمان حتى صار يحكم على مائة
وعشرون الف عنان هذا ماكان من أمر جساس وأما كليب الفارس الدعاس فانه كان في سنوح الفرص يخرج إلى الصيد
والقنص وكان له عدة أخوة كل منهم مشهور بالمروءة والنخوة وكان من جملتهم المهلهل الملقب بالزير وكان جميل الصورة
كأنه البدر وهو صاحب هذه السيرة والوقائع المشهورة وكان في تلك اليام ابن عشرة أعوام وكان في الشجاعه كسبع الغاب
ليخاف من أحد وليهاب فصيح الكلم معكفا على شرب المدام وسناع الصوات والنغام ينشد الشعار البديعه ويأتي بالمعاني
النفيسه الرفيعه وكان كليب لحبه ليتعرضه بأمر من المور بل يقابله بالفرح والسرور وكان الزير يتباهى بشجاعته أمام أخيه
وأنه ليوجد في الفرسان مايضاهيه فقال له كليب في بعض اليام أراك يأخي منشغل بالملهي وشرب المدام فقلبك خالي من
الهموم والحزان كأنك لتسأل عن تقلبات الزمان فمن الواجب أن تحسب حساب العواقب لن الدهر دولب سريع النقلب اذا
أضحكك يوما أبكاك سنة وليس على أحد جميل ول حسنة فقال المهلهل مادمت أنت في الوجود وأنا في خير ل أحسب حساب
الغير ولكن أن جار عليك الزمان وأحاطت بك الحساد والخوان فأنا أرد عنك الثقال وأجندل أمامك البطال أنا السد الغالب
فارس الكتائب والمواكب أنا قهار العادي أذا نادى المنادي فتبسم كليب من كلمه وتركه مشتغل بشرب مدامه وارتد راجعا إلى
الديوان وقد راق له الزمان .
( قال الراوي ) وقد أتفق بعد ذلك بأيام أن أولد مرة اجتمعوا مع بعضهم في الخيام وضربوا تختا من الرمل ليروا مايحل بهم
ومايجري عليهم ومايصيبهم فبان لهم أن المير جساس لبد أن يقتل المير كليب ويظهر الزير ويأخذ ثارة بدون ريب ويقتل
منهم كل أمير جبار وبعد وقائع تستحق العتبار فاعتراهم القلق والكدر وأجمع رايهم على أن يقتلوا الزير قبل أن يكبر وكان من
جملتهم المير سلطان بن مرة فأنشدهم يقول :
على ما قال سلطان ابن مرة مبيد الضد في يوم النزال تبين عندنا جساس يقتل كليب بن ربيعه ول يبالي ويأتي الزير بعده يا
أمارة يشتت جمعنا بين الجبال ويمحي ذكرنا من كل ارض ويفنينا ويسبي العيال هلموا نقتله ونبيد اسمه ونسلم من تصانيف
الليالي فيلزم أن تروح إلى الجليله وتعلمها على ماقد بدالي فهذه أختا ليست غريبه فتسعفنا على نيل الماني جليله عارقة في كل
فن وتعرف في الزيارج والرمال فقوموا كلنا نذهب اليها ونقضي شغلنا قبل الوبال
فلما انتهى السلطان من هذا الشعر والنظام وسمعه المير جساس ومن حضر من أبناء مرة الكرام استحسنه جميع القوم وركبوا
من ذلك اليوم وخرجوا من القبيله قاصدين أختهم الجليله وكانوا ثلث واربعين ذكر كل منهم أسد غضنفر ولما وصلوا اليها
دخلوا وسلموا عليها فتلقتهم بالترحاب والكرام وأقاموا عندها ثلثة أيام ثم قالوا لها عن فرد لسان قد ظهر لنا في الرمل بأنه
يظهر للزير شان ولي شان فيقهر البطال والشجعان ونهاية ملوك الزمان ويعاملنا بالجور وسوء الدب وتنحط منزلتنا بين
ملوك العرب فاتفق راينا على قتله قيل أن يكبر وأتينا لنعلمك بالخبر فما هو رأيك في هذا المر المنكر فقالت اذا قتلتموه فينكشف
المر ويأخذ كليب بثأره منكم فيزداد الشر ومادام المر كذلك فأنا أجعلي كليب يلقيه في المهالك ثم أنشدت تقول :
مقالت الجليله بنت مرة تعالوا أخوتي أصغوا لقولي تريدوا قتل أبو ليلى المهلهل أخوه كليب خلفه مثل غول ومن خلفه غدير
وزير قان سباع الغاب في يوم المهول وست وأربعين بنو أبيه يجوكم راكبين على الخيول وتركب خلفكم كل الفوارس فوارس
تلقب مثل الفحول ولكن سوف أرمية بحلبة تحير كل أصحاب العقول ويبقي كليب بقتله بيده ويجعلة طريحاً على السهول ( قال
الراوي ) فلما فرغت الجلية من شعرها ونظامها شكرها أخواتها على حسن أهتمامها وركبوا ظهور خيولهم وراحوا في حال
سبيلهم فصبرت ماعليها من الثياب وأظهرت الغم والكتئاب فلما رأها كليب على تلك الحال تغيرت منه الحوال لنه كان يحبها
محبه عظيمة ويودها مودة جسيمة لحسنها وجمالها ودللها ولسيما انها ابنة عمه ومن لحمه ودمه فقال لها علمك ياجليلة مالي
أراك في هذة الحالة الوبيلة من فؤاد متبول وأجابته بهذة البيات تقول :مقالت الجلية بنت مرة كليب أنت قيدوم السرايا وتحكم
في القبائل والعشائر وفي كل المدائن والقرايا وحكمك نافذ في كل أرض وتخدمك الملوك مع الرعايا وأني بنت عمك يامسمى
ومثلي ليس يوجد في البرايا أتاني الزير أخيك في غيابك يريد فضيحتي بين الصبايا قبضت عليه من عنقه فولى وراح بسرعة
وسط الخليا ألياأمير قل كيف تعمل فاقتله وأرده المنايا وان لم تقتله حال فاني أروح اليوم من وسط الخبايا وتبقى الناس تشتم
في قفايا وتبلى بالدواهي والرزايا وهذا المر ليصلح لمثلك كريم الصل عكاز المطايا فاقتله واخلص من بله ولتخشى أثام
ولخطايا فقتل الزير أصوب من حياته لنه خائن دون البرايا فما سمع كليب منها هذا الشعر و النظام غائب عن الصواب
وأرسال أحد الرجال ليأتيه بأخية الزير في الحال فذهب الرسول وأستدعاه وتمانع عن الحضور لنه كان في ذلك الوقت يشرب
الخمر .
الجزء الثالث
وجالسة وهم في فرح وسرور فرجع الرسول على الثر وحدث المير كليب بذلك الخبر فزداد كدر على كدر وارسال الرسول
اليه ثانياً فما حضر فعند ذلك صار كليب الية وقد عظم المر لدية فلما دخل عليه نهض الزير على قدمية وسبه كليب وشتمه
وضربه حتى اللمة ثم نزع عنه ثياب الحرير حتى صار معيره فالكبير و الصغير وارسله مع الرعيان ليرعى النوق و الجمال
ورجع إلى الجليله واعلمها بما فعل مع اخية المهلهل فلما رات انها لم تبلغ المل زادت غماً وكدرا وأخذت تدبر على هلكة
بحيلة أخرى فقالت ذات يوم لكليب أما تخشى من الهتيكة و العايب أما في راسك نخوة وناموس من جهة أخوك المهان المعكوس
فقال لها ما معنى هذا الكلم وما هو المراد بهذا التبويخ و المللم قالت بلغنى من بعض الغلمان الذين يدورون مع الرعيان
بأنهم فعلوا معى القبيح وانت جالس مستريح ليس عندك علم ول خبر وقد تحدث فيك جميع البشر ثم شرحت له واقعة بهذا
الشعر و المقال :تقول الجليله يا محفوظ اتاني علم بحال أخوك وشاع العلم بكل القوم غناء الناس مع الصعلوك وصار الناس
بقيل وقال وكل البدو عليك ضحوك أنت أمير كبير القوم وقيس وحمير قد هابوك فكيف يكون أخوك الزير وقومك من أهلة
يجافوك كيف بقالك راس يقوم و الرعيان لقد عابوك فاقتل أخوك في سيفك وإل قومك قد لاموك فكل العالم تحكي فيه يقول
الزير بقى مهتوك فهذا الخ ومثلة ألف في يوم الضيق فما عانوك أخاف يقولوا كل أهله مثله و العالم يشكوك
فلما فرغت الجليلة من هذا الشعر ووقف كليب على حقيقة المر التهب فؤادة واضطرب من شدة الغيظ و الغضب وأخذته
الحمية وعصفة في راسة نخوة الجاهلية وقد صمم النية على أن يقتل أخوة ويسقية كأس المنية فقالت الجليلة ل تقتلة يا أمير لن
كلم الناس كثير فالوفق أن تأخذة إلى وادي السباع وهو مكان منقطع عن الناس كثير النمور و السود فقتله هنا وتعود فتفترسة
الوحوش و السود وتتخلص من كلم العباد فقال هذا هو الصواب و المر الذي ل يعاب ومن وقته ركب ظهر جوادة واعتدا
بالله حربة وجلدة واستدعى الزير اليه فما تمثل بين يديه قال له مرادي ان اذهب إلى الصيد و القنص وأزيل ما بقلبي من
الغصص فسار أمامي فتماثل أمرة وصار ووجد في قطع البراري و القفار حتى وصل إلى الوادى المذكور وهو مكان مهجور
ومازال وسائرين حتى صار في وسط ذلك المكان وإذا بجواد كليب قد شخر ونخر وضرب الرض وتأخر وإذا بسباع من بطن
الوادي قد ظهر فلما رآه الميركليب هجم عليه الجواد ورماه بالرمح فاخطاه فتبعه السدفانهزم كليب من امامه خوفا من العطب
فلماراى الزيراخاه قد هرب تقدم نحو السد بقلب اقوى من الحجر وطعنه بخنجركان معه فقده نصفين فاخرج قلبه فاكله وصاح
على اخيه ارجع يااخي ولتخاف فرجع كليب وهو يتعجب من أفعال الزير فنزل عن ظهر الحصان وقلبه بين عينيه وصفا له
قلبه وقال في سره من يكون له أخ مثل هذا ويفرط فيه وان عاش هذا الغلم يكون من عجائب الزمان ثم رجع واياه فلما راته
الجليله قالت لماذا ماقتلته فأخبرها بواقعة الحال وكيف أنه قتل السد والذي يكون مثله ليستاهل القتل بل يجب له الكرام ثم
أشار يقول :
يقول كليب من صفوة ربيعه شديد الباس ذو عزم رجيح كريم الصل سلطان متوج وفي طريق الكرم ماني شحيح ال يابنت
عمي يا جليله ال ياصاحبة الوجه المليح نظرن اليوم من سالم فعال يشيب لها الطفل الطريح لقاني السبع من خلفي وزمجر
فصار الزير من خلفه يصيح فكر السبع نحو الزير هاجم فعاد الزير واقف مستريح ولما قد دنا منه وقارب فغار عليه كالسبع
الجريح طعنه الزير بالخنجر فقده والقاه على الغبرا طريح فلما شفت هذا الفعل منه علمت بأنه فارس رجيح رجعت اليه من
فرحي سريعا وصحت عليه في قول مليح مهلهل يا مهلهل يا مهلهل فأنت اليوم أولى بالمديح
( قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره زاد كدر الجليله وقالت له وهي تبكي مادام المر كذلك فأني سأذهب نهار غد إلى بيت
أهلي وأعلمهم بما ظهر من الزير في حقي فمه يقتلوه لني لست أأتمنه على نفسي إذا بقيت عندك لنه لبد أن يغدر بي لن
عيونه محمرة علي وانت بعد كل هذا ليس لك نخوه ول ناموس فقال أذكري ال يا جليله ودعينا من هذا فكيف اسمح بقتل أخي
وهو من لحمي ودمي ول سيما أنه شديد ومن أشجع الناس فاذا قتلته افتضحت بين العرب وتحدث في الناس فقالت لبد من قتله
على طريقة غير هذه وهو أن تأخذه إلى بير صندل السباع وتدليه بحبل على نية أن ينشل الماء وحينئذ تقطع الحبل فيسقط في
البير ويموت وليعلم به أحد وأشارت تقول :
ماقالت الجليه بنت مرة ودمعي فوق وجناتي غزارة أخوك الزير ماهو كثير فالح يلعب مع وليدات الصغارة أخوك الزير شوفه
مثل الضبع كما المجنون يلعب بالحجارة ياريته مايشوف الخير دائم كأنه شبه ضبع في مغارة ياليت الزير ينقص من حداكم
وليبقى تظهر له خبارة ال ياحيف هذا من ربيعه وتعدوه ببنات المارة ترى خمسين خليفه مثل أبيك أمارة من أمارة من أمارة
يبقى الزير هو ندل فيكم ليته ليطلب من الحرارة قتل الزير أحسن من حياته ول نهتك مابين المارة أقتل هل ردي لعاش
عمره وأهيفه في حسامك مثل نارة أنت ابن عمي نور عيني وشوري اليك ماهو فشارة ما قالت الجليلة بنت مرة وناري عالقه
من ذي شرارة
( قال الراوي ) وكان كليب يحب الجليه محبة عظيمه ول كان يخالفها في شيء فلما ألحت عليه وافقها على ذلك اكراما
لخاطرها فنهض ثاني اليام وركب جواده وأخذ في صحبته أخوه الزير ومائة من الفرسان وسار بهم إلى بير صندل وعند
وصولهم قال كليب يا سالم خيولنا قد عطشت فمرادنا أن ننزل ونسقيها وأنت تنزل إلى البير فتمل دلو فقال حبا وكرامة ياأخي
فدلوه في حبل وأخذ يملي الدليه وهم ينشلوا ويسقوا حتى ملوا الرض الذي على باب البير وجاؤا بالخيل ليستوها فتزاحمت
على بعضهما البعض وأخذت بالصهيل والزدحام فعجز كليب وجماعته عن ردها على بعضهما البعض فسمع الزير وهو بالبير
صهيل الخيل وجعيرها فصرخ عليها صوتا مثل الرعد القاصف حتى ارتجت منه الوديان واضطربت منه قلوب الفرسان فجفلت
الخيل وتأخرت وانفصلت عن بعضها فلما راى كليب ما فعله أخوه سالم تعجب غاية العجب وندم على ما فعل وفي الحال
أخرجه من البير وازدادت محبته عنه ورجع إلى الديار فلما راته الجليله غابت عن الوجود من شدة الغيظ وقالت لكليب بارك ال
فيك اهكذا المفارقه فقال وال يا جليله من كان هذا الفعل فعله يحرم ال قتله ثم حدثها بما جرى وكان يقول وعمر السامعين
يطول :
يقول كليب من شعر نفيس قصيدة مانظمها قط قائل جليله اسمعي يابنت عمي أرى عقلك بهذا اليوم زائل أأقتله ليشفى اليوم قلبك
ومنه قد ظهرت لنا فعايل سباع الغاب هابت من لقائه كذلك الخيل صيرها جفايل ثلث ألوف يلقاهم بصدره من الشجعان فرسان
القبايل تقول لقتله وارتاح منه فقولك ماهو قول عاقل فاني ل أبيعه بألف مثلك ولو مهما جرى منه من فعايل أراكي تطلبي قتله
سريعا فقولك عنه ليس له دلئل فقولك ياجليله قول باطل فحاش الزير أن يتبع رزائل فقلي من كلمك لتعيدي أيا بنت الماجد
والصايل
فلما فرغ كليب من شعره ونظامه وفهمت الجليله فحوى كلمه اغتاظت في الباطن ولكنها أظهرت له السرور وقالت له أن
قصدي امتحانك لرى هل أنت تحبه أو تبغضه لنه فصيح اللسان ومن أشد الفرسان وأخذت تمازح كليب بكلم النفاق حتى
صفا قلبه وراق ثم انها صبرت مدة أيام وبعد ذلك أظهرت عن نفسها انها مريضة فرقدت في الفراش وقالت لكليب أن لي حاجه
اليك وليقدر عليها سوى أخوك الزير فقال وماحاجتك قالت أريد مقدار كأسين من حليب السباع لنه يقوي العصاب وانا في
غاية الضعف والعناء وقد وصفت دايتي هذا عاجل لمرضي وقالت أن هذا الدواء يأتي بولد ذكر وأشارت تقول :
مقالت الجليله بنت مرة كليب اسمع لي يا أبا اليماما انت اليوم ملك البوادي ياليت الحق بك يا امير داما وتحكم ياملك شرقا
وغربا من ارض الروم للكعبة دواما وتحت يداك الوف من العساكر موكم حاكم وكم فيه مقاما وكم أبراج من ذهب وفضه
جواهر تشرق جناح الظلم وللك ظفل تحيي فيه ذكرك سوى سبع بنات مثل الحماما اتاني منك سبع بنات اتاني ولجاني منك
ذكر غلما وقالت دايتي لي ياجليلة معي لك علم يبري السقاما لبان لبوة بصوفة احمليها تروحي في ذكر حامل قواما فنادىالزير
واخبره سريعا ادام ال عمرك بالسلما
(قال الروي ) فلما فرغت الجليلة من شعرها ونظامها صدق مقالها وارسل في الحال يطلب اخاة الزير فدخل وسلم علية وقبل
يدية وقال بقلب جسور انا عبد مامور ولاخالفك بامر من المور فاعلمة كليب بالوقعه وقال اريد منك يا خي ان تاخذ هذا الحق
الصغير وتملة من حليب لبوة فقال على الراس والعين ولكن يا أخي اعطني سيف اتسلح به خوفا من هجوم السباع فقال كليب
للجليلة ان تعطية السيف فقالت لة التستحي يازير أن تطلب سيف وانت في هذة الشجاعه فخجل واطرق راسة وسار من وقته
وساعته وقد تاكد انها تريد هلكة وضررة وما زال يسير حتى وصل إلى غابة كبيرة كثيرة الشجار والصخور وليس معه
سوى سكين وعصاه فبينما هو ينظر من خلف وقدام واذا بأسد قد ظهر وهو هائل المنظر وعيناة تقدح بالشرر .فلما اقترب منة
قبض علية الزير ونشلة بقوة ساعدة وزندة ولوحة بيدة مثل المقلع وخبط بة الرض فرض عظامة ثم نزل علية بالعصا حتى
قتلة واراد ان يجز راسة واذا بلبوة قد اقبلت علية ومن خلفها سبعة اشبال فلما رات ذكرها قد مات احمرت عيناها فاراد الزير
ان يلعبها قليل وقد علم انها مغتاظة فجعل نفسة انة خائفا منها فركض من امامها فتبعتة وكان قد وصل إلى شجرة لبيرة فطلع
اليها وبقيت هي تنظر الية وتهمهم ثم اقلبت اشبالها وجعلوا يرضعون من ثديها فوجد الزير لها ثدي مثل الحق فقال هذا الذي
ظالبة مني أخي ثم اراد
النزول فقال ان نزلت تفترسني من رجلي ثم رمى نفسة من الشجرة فجاء راكبا عليها فقبض عليها من رقبتها والقى رجلية على
بطنها بقوة شديدة حتى لم يعد لها سبيل ان تتحرك من مكانها ثم سحب السكين وهو يضحك عليها وينحراها كما ينحر الجزار
الغنم ومل الحق من حليبها وقطع راسها وراس السد بعد ان ربط اشبالها بالحبال وساقهم امامة كالكلب فلما اقبل إلى الحي
ولقتة فرسان العرب واصحاب المناصب والرتب واستعظموا ذلك المر واعتراهم العجب وعند وصولة إلى القصر سمعت
الجليلة الضجة فطلت براسها من الشباك فرات الزير وهو مقبل على تلك الحالة فالتهب قلبها بنار الغضب لنها كانت تظن انة
يموت ويهلك ثم دخل الزير على الجليلة وكان كليب جالس معها فسلم عليها وارمى الرؤس امامها وقدم الحق لمراة اخيه وقال
لها هل تجدين شيئا اخر حتى أقضية فقالت بارك ال فيك ياسبع الرجال فانك تستحق المدح والثناء وكان كليب لما راى رؤس
السباع تعجب من قسوة قلبة وشدة بأسة وقال لة كيف فعلت والى اين وصلت فأشار الزير يقول :
يقول الزير قهار المواكب رماني الدهر في كل المصائب فل تسمع أخي قول العادي لن الضد شورة ليس صائب يشوروا
عليك في العادي ليسقونك أخي كأس العواطب فأهل عليك في رأي وخيم لن كلمها لشك كاذب فاعلم ياأخي في ماجرالي
بهذا اليوم في وادي الثعالب وجدت سبع وسط الغاب دائر كأنة جائع للصيد طالب فلما شافني حال أتاني وكشر عن سنانه
والمخالب فصحت علية جاهلية فتقدم ياخي الي هاجم وطالب حززتة بخنجري فأهوى على وجه الثرى للرض قالب أتتني بعده
لبوة مغيرة فلما شفتها وليت هارب رأيت أشبالها سبعة وراها فداروا لجهتي من كل جانب فلما شفتهم جاؤا لنحوي طلعت لشجرة
ذات الشناغب فداروا حولها فرميت نفسي فصرت لظهرها بالحال راكب حززت لراسها وملئت حقي حليب بعد أن نلت المأرب
وراس السبع واللبوة قطتة علمة للغارب والقارب وسقت أولدها السبعة أمامي فلما صرت في وسط المضارب فل قتني
رجال قومي وجيتني القارب والجانب وهذا ماجرى لي في نهاري وما قاسيت من هول المصائب
(قال الراوي ) فلما فرغ الزير سالم من شعره ونظامة واخوه كليب مع الجليلة يسمعوا كلمة فغضبت الجليلة من كلم الزير
وكيف انة لمح بشعره عليها فقالت في سرها لبد لي أن أعمل علىقتله وبعد ذهابه قالت لزوجها كليب كيف يعلم اني ساعية في
قتلة ولم يكن عارف بما فعلة معي فوال ان الموت الذ عندي من الحياة فل بد لي ان أشنق نفسي واستريح من جور أخيك القبيح
ثم صارت تصيح وتبكي فقال كليب أخزي الشيطان ودعينا من هذا الكلم الن واخذ يتلطف بخاطرها ويقول لها كم مرة رميناة
بالخطار وهو يرجع سالما كاسبا غانما فقالت الجليلة مرادي أن تسمع مني ما اقولة لك الن ول عدت ول عدت تسمع مني غير
هذة المرة وهو ان تجعل نفسك مريضا وترقد في الفراش فاذا أتاك أخوك الزير حتى يراك فتقول لة أصابك مرض شديد
ووصف لة الطباء شربة من بير السباع اذا سمع منك هذا الكلم فأخذتة النخوة والغيرة ويذهب في الحال لقضاء حاجتك فاذا
راح ل يعود يرجع أبدا من كثرة وجود السباع في ذلك المكن والكثرة تغلب الشجاعة فيفترسوةفي الحال وتكون قد بلغنا المال
لنني كلما تذكرت اعمالة أريد ان أخنق حالي والعرض عند الحر غالي ثم أنشدت تقول من فؤد متبول :
ال اسمع لشوري ماأقولك على علم الصحيح أنا أدلك أخوك هبيل ما بيسوى مسلة ولو قلع في الجبال والف تلة فارسلة غدا بير
صندل وان ارستلة لهناك يقتل ومنة تسنتريح مدى الدهور ونخطى بالمقاصد والحبور
فلما سمع كلمها أجابها إلى مرامها وانقطع عن الديوان ومقابلة الناس وجعل نفسه مريض وأقام بالفراش مدة أيام لما شاع هذا
الخبر علم الزير بذلك فتشوش خاطرة لنة كان يحبه محبة عظيمه فدخل عليه فراه راقد وهو يتوجع علية ويتأسف ويسلية
بالكلم فقال لة كليب اعلم ان مرضى شديد وأنا خائف منة وقد وصفت لي الطباء شربة ماء من بير السباع فمتى شربتها شفيت
من هذا الدواء وليس لي غيرك ياأخي من يأتيني بها فان كنت تحبني أريد منك الن يا فارس الفرسات وقهار العدا في ساحة
الميدان أن تذهب إلى ذلك المكان وتاتيني بالمطلوب والمقصود من بين السود فقال الزير أبشر ياأمير ثم نزل من عندة وجاء
بقربتين فحزمهما على حمار ثم سار وجد في قطع القفار إلى أن ن وصل إلى بير السباع وكانت السباع في ذلك الوقت سارحة
في البرية سوى سبع واحد كان راقد على حافة البير وهو واضع يدية على فمة او نايم فقال الزير في سرة هذا نايم وعيب علي
أن اقتلة غدرا فتركة وفك القرب وربط الحمار من يدية ورجلية ونزل البير من الدرج فمل القرب وأتفق أنة عند نزولة إلى البير
شهق الحمار فوعى السبع ولما رأى الحمار هجم علية وضربة بمخلبة فقتلةوجعل يأكلة فلما خرج الزير من البير ووجد السبع قد
قتل الحمار وهو يأكلة أغتاظ جدا فوضع القرب على الرض وقصد نحو السبع بقلب كالحديد وقال ويلك يامشئوم كيف تأكل
حماري أما علمت ببطشي واقتداري فوحق ذمة العرب لبد من تحميلك القرب وكان السد قد وثب علية ونهض برجلية فالتقاة
الزير بالعصا وضربة ضربة شديدة وقعت على رأسة فدوختة فوقع على الرض طائشا فجاء الزير بالحبل ولجمة لجاما قويا
ووضع بردعة الحمار على ظهره ثم وضع القرب ورفسه برجلة فنهض مثل السكران فقال الزير ياقليل الدب الذي يأكل حمير
العرب فهو أولى أن يحمل القرب ثم ركب على ظهره وساقه مثل الكلب وكان كلما عرج عن الطريق يضربة بالعصا على
راسه حتى طاعه قهرا وجبرا ثو سار وجد في قطع القفار حتى أقترب من اتلديار فعند ذلك تذكر ماجرى له مع أخيه والسد
وكيف عاد ظافرا منصورا فجاش الشعر في خاطره فأنشده يقول:
أنا مهلهل فعزي يفلق الحجرا النس والجن تخشى سطوتي حذرا كيد النساء فيبقى في عدم فخيب ال من يسمع كلم مرا قالوا
أخوك كليب اليوم منطرحا عالفراش ضعيف الجسم والبصرا فجأته عاجل حتى أساله والعقل في خيرة مما عليه جرى فقلت له
كيف حالك أنت أخبرني فقال يامهلهل كيف أنت ترى أريد شربة ماء أطفي بها طمئي من صندل تزول الهم والكدرا
فسرت حال لذلك البير في عجل فنلت قصدي وعدت اليوم مفتخرا
هذه فعالي وكل الناس ترهبني حتى السود وأهل البأس والمرا
(قال الراوي ) ومازال يقطع القفار وينشد الشعار حتى وصل الديار وهو رأكب علىظهر السد غير مبأل باحد لنه بلغ
المقصود والرب وفعل أفعال تعجز عنها فرسان العرب ولما دخل الحي جفلت الخيل الخيل والجمال واندهشت النساء والرجال
لما رأوا السد على تلك الحال وكثرت الضجات وتصايحت الولد والبنات وسمع كليب والجليله تلك الضجه فطل برؤسهما من
الشباك فوجد المهلهل قد أقبل وهو يسوق السد بعصا فبكى كليب لما رآه وقال لبنة عمه الجليله هل ينبغي لهذا البطل أن يقتل
فقد جاء بالسد وعلى ظهره القرب وهذا أعجب العجب فاشتعل قلبها والتهب من شدة الغضب حتى كادت تموت قهرا ثم نزل
كليب اليه وقلبه بين عينيه وقال ل درك يافارس الميدان وزينة الشبان وبعد ذلك سأله عما جرى له وكان فأنشد يقول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل ودمعي فوق وجناتي سايل ذهبت اليوم نحو البير قاصد أجيب الماء يا ابن الكارم وجدت السبع
قرب البير راقد فقلت بخاطري ذا السبع نايم نزلت البير أمل منه أشرب وربي بالذي قد كنت عالم ملت القربتان وعدت حال
لرجع للقبيلة والمعالم وجدت السبع قد أكل البهيمة ضربته بالعصا فعاد نايم وحملت القرب من فوق ظهره وجئت إليك يافخر
الكارم أطال ال أيامك وعزك على طول الزمان وأنت دايم
فلما سمع كليب هذا المقال أجابه على شعره :يقول كليب اسمع يا مهلهل فما لك من مثيل في العوالم سابع البر خافت من قتالك
وولت في الفل منك هزايم نزلت البير أمل منه واشرب وتحظى بالسرور والغنايم فقم البس ثيابا من حرير وأفعل ماتريد يا ابن
الكارم فمهما طلبت مني يا مهلهل أنا أعطيك وال عالم أخي ما عاد عندي أعز منك وحق ال خلق العوالم
فلما فرغ كليب من كلمه أنزل الزير القرب من على ظهر السد وضربه بالسيف القاه قتيل ثم قطع رأسه أمام أخيه وقال ال
أكبر فقد أخذنا بثأر الحمار وبلغنا مانحب ونختار بعون الواحد القهار فأمر كليب الخدم أن يدخلوا الزير إلى الحمام فدخل
وأغتسل ولبس حلة من أرجوان وذهب إلى عند أخيه في الديوان فقام له على القدام وأكرمه غاية الكرام واجلسه في اعلى مقام
فزداد إعتباره عند الخاص والعام وأرتفع منزلته عند المراء والكابر واشتهر اسمه بين القبايل والعشائر وقال له كليب ذات
يوم أطلب ياأخي مهما تريد فأن شئت مدينه أوهبك إياها أو إمراة جميله أزوجك بها فمالي جميعا بين يديك فل أبخل بشيء عليك
لنك اليوم ساعدي وزندي وأنت الحاكم من بعدي فقال لأريد سوى سلمتك والذي أريده منك أن تأمر بصيوان يكون كبير
مفروش بالفرش الفاخر عند بير السباع ويكون عندي جماعه من الخدم يقدمون لي ماأحتاجه من الكل والخمر لني أريد أن
ي تزورني فقال كليب ماهذا العمل فوال أنفرد عن باقي جماعة الناس وأكون وحدي خصوصا من كيد النساء وعندما تشتاق ال ّ
ماعادي لي صبر على فراقك يا مهلهل ول عدت أسمع فيك كلم العادي اللئام فاأبقي عندي في العز والكرام فقال يأأخي قد
صممت النيه على الرتحال فإن النعزال أفضل للرجال الحرار ول سيما قد صار على السباع ثأر عليّ قتل الحمار ولبد لي
من قتل جميع السود أو أن الحمار يرجع ويعود فضحك كليب من كلمه وتعجب وأمر له بما طلب وقدم له جوادا من أطيب
الخيول وجميع مايحتاج اليه من السلح والنصول والمشروب والمأكول وأرسل معه عبدان يخدمانه ثم ودعه وسار حتى وصل
إلى بير السباع فنصبوا له الصيوان وقام في ذلك المكان وهو يأكل ويشرب المدام وكان في كل يوم يلبس عدته ويركب جواده
ويصيد السباع وكان كلما قتل اسد يقول يالثارات الحمار ومازال على تلك الحال حتى أفناها وبنا له قصرا من رؤوسهم فلما
طال عليه الزمان أخذه القلق والضجر لنفراده عن البشر وكان بينه وبين همام بن مرة محبة عظيمه ووداد فزار المير همام
في بعض اليام ففرح بقدومه عليه وقال اهل وسهل يا ابن العم وترحب به غاية الترحيب وقال له لقد ضاقت نفسي من الوحشه
والنفراد فوال ماعدت ادعك تذهب من عندي ابدا وكان همام يسرف أكثر اوقاته عنده فينادمه ويشرب معه المدام ويتناشدان
الشعار في الليل والنهار ومازال كذلك وهم في بسط وانشراح وطرب وافراح وشرب المدام وسماع النغام مدة ثلثة أعوام
هذا ماكان من حديثهم في تلك اليام.
في حرب البسوس بين بكر وتغلب
( قال الراوي ) وأعجب ماأتفق وتسطر من الحاديث التي تروى وتذكر هو حديث العجوز الشاعرة أخت الملك تبع حسان الذي
قتله كليب كما شرحنا قبل الن وهي المرأة التي ذكرها تبع لكليب في ملحمته بأنها سوف تظهر بعده وتلقي الفتنه في القبائل
وبسببها يقتل كليب بن وائل وتثير الحرب بين بكر وتغلب وباقي عشائر العرب وكانت هذه العجوز من عجائب الزمان وغرائب
الوان ذات مكر واحتيال وخداع ساحرة ماكرة وكان لها أربعة أسماء لنها في يوم ولداتها وردت اليها أموال السبعة أقاليم
وامها سمتها تاج بخت لنها كانت كثيرا ماتأكل من جوز الهند وكانت مع هذه الوصاف القبيحه جميلة المنظر فصيحة الكلم
شديدة البأس ولما كبرت وانتشت وصارت بنت عشرين سنة فكانت تسارع الطواشية وتركب الخيل في الميدان وتبارز البطال
والفرسان وشاع صيتها في كل مكان وتواردت اليها الخطاب من جميع المدن والبلدان فكانت تقول لاتزوج ال من يقهرني في
الميدان فكلنت تقهرهم في القتال وتعلم عليهم في ساحة المجال فاقتصرت عنها الخطاب وتباعدت عنها الطلب وكان قد سمع
بخبرها ملك عظيم اسمة سعد اليماني وكان ملكبلد السرو ابن عم أخوها تبع وبطل أروع ليث صميدع صاحب مدن وبلدان
وجيش وفرسان فهام قلبة في حبها فركب في جماعة من أبطالة وسار قاصدا ديار ابن عمة تبع ليخطب اختة سعاد فلما وصل
إلى تلك البلدترحب به الملك تبع واضافة ضيافة عظيمة لنة ملك وأمره نافذفي القبائل فلما كان اليوم الثالث قال سعد لتبع اعلم
ياابن العم حضرت من بلدي لخطب أختك سعاد الدرة المصونة والجوهرة المكنونة فل تردني خائب فهي ابنة عمي ومن
لحمي ودمي وأنا أحق بها من كل أحد فقال تبع اني أرغب في ذلك غير انة كما لخفاك بأنها لتتزوج بأحد مهما كان ال بمن
يقهرها فيالميدان فقال أني ماأتيت ال على هذا الشرط فعند ذلك دخل عليها أخوها وأخبرها بقدوم المير سعد بن عمها وانة قد
جاء ليخطبها ويتزوجها بعد أن يبارزها ويحاربها فأجابتة إلى ذلك المرام وفي ثانب اليام اعتدت بألة الحرب والجلد وركبت
على ظهر جوادها وبرزت إلى الميدان وحل الضرب والطعان وكان المير سعد قد ركب حصانة وبرز إلى الميدان والتقاها
بقوة قلب وجنان وأخذا يتقاتلن نحو ساعة من الزمن وكان المير سعد صاحب نخوة وحمية ومن اشد فرسان الجاهلية فحاربها
حتى أتبعها ثم اقتلعها من بحر سرجها فأقرت لة بالغلبة وبعد ذلك تزوجها واقام الحفلة سبعة أيام ورجع بها إلى بلدة وكانت قد
أخذت معها جميع ماتملكه من أمتعه وأموال وعبيد وغلمان وأقامت مع زوجها في أرقد عيش وهناء لمدة عشر سنين إلى ان
عمي وفقد البصر فصارت تحكم مكانه واطاعتها العرب وعظم أمرها واشتهر ذكرها ومازالت على تلك الحال وهي في أرقد
عيش وانعم بال ال ان كليب قتل أخوها تبع كما سبق الكلم ولما بلغها هذا الخبر اخذها القلق والضجر وتنغص عيشها وتمرمر
وقالت لبد لي من المسير إلى تلك الديار كليب الغدار وإذا قتلته انطفىء ناري وأكون قد أخذت بثأري فأقامت مكانها وكيل يحكم
بالنيابه عنها وركبت هي وزوجها وبناتها وأخذت معها عبدان ومازالت تقطع البراري والكام حتى وصلت إلى بلد الشام
فسألت عن رحلة بني مرة فأرشدوها اليها فلما صارت هناك قصدت المير جساس دون باقي الناس ودخلت عليه وهو في
الديوان وحوله جماعة من المراء والعيان فتقدمت اليه وسلمت عليه ودعت وترحمت وبأفصح لسان تكلمت وقالت له أدام ال
أيامك ورفع على ملوك الرض قدرك ومكانك وبلغك أربك ومناك ونصرك على حسادك وأعدائك فتعجب جساس من فصاحة
مقالها فأنني عليها وسألها عن حالها فقالت له أنني شاعرة أطوف القبائل والعشائر وأمداح السادة والسادات والكابر وقد سمعت
بجودك وكرمك ولطفك ومحاسن شيمك فأتيت إلى دارك حتى أعيش في جوارك وأكون مشمولة بأنظارك ثم أنها بعد هذا الثناء
والمديح أشارت اليه بهذا الشعر الفصيح :
تقول سعاد من قلب مفجوع زمان السوق أبقانا ذلئل وبعد غلنا صرنا رخاصا وبعد الكثرقد صرنا قلئل وبعد العز قد صرنا
اذل وبعد السمن قد صرنا هزايل فهذا الدهر ماله قط صاحب فهذا مستقيم وذاك مائل وذا يبكي وذا يضحك ويلعب وذا يندب
عياله والحلئل فسبحان الذي قدر علينا بغربتنا وتشتيت الشمائل فبعد ان كنت في خير ونعمه دعاني الدهر كالطلب شاتل أدور
على المناصب والمارا وأنزل في القرايا والمدائن سمعت بذكركم ي آل مرة ثلث شهور لي عندكم أسائل أيا جساس يافخر
البرايا وياكهف اليتامى والرامل قصدتك لتخيب فيك ظني أيا أبن الماجيد الصائل فأجبر خاطري ربي يجبرك ويعطيك
السعاده والفضائل فكم أوهبت من مال ونوق وكم فرقت من خيل أصائل فانت اليوم بين الناس فردا ثناء مشاع في كل القبائل
عديم المثل مابين المارا وقد تفاخرت عربان القبائل عساك اليوم تنعم لي بمالٍ ولتصغي إلى واش وقائل فارجع بالغنايم
والعطايا وبالخيل المسومه الصواهل
فلما فرغت العجوز من شعرها ونظامها وفهم جساس فحوى كلمها قال لها أهل ومرحبا الرض أرضي والديار دياري وانت
نزيلتي وفي جواري فكل من تعدى عليك قتلته ثم أشار يترحب بها ويقول :
قال جساس بن مرة ياعجوز مرحبا بك بل بطا مرحبا بك مرحبا بك مرحبا عدد ما مشت الركاب بالوطا في قدومك حلت البركه
لنا فابشري بالخير مع كثر العطا أسرحي ثم أمرحي في حبنا ماأغيظك لو بدا منك خطا
( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من كلمه دعت له العجوز بالنصر وطول العمر والبقاء وقالت في سرها لقد نلت المراد بعون
رب العباد وأقامت عنده شهرين وجساس كل يوم يزيد في إكرامها وكانت قد رأت اتفاق قوم كليب مع بني مرة وهم في محبة
ومؤالفه عظيمه واجتماعات كثيرة كأنهما قبيلة واحده فما هان عليها ذلك المر فأخذت تلقي الفتنه والفساد بين المراء والقواد
حتى وقع الشر والنزاع وكثر القيل والقال ولما اشتد المر اجتمع اكابر الناس عند المير جساس واخلوا يشكون من بني تغلب
وعن سوء معاملتهم وانهم يعتدون عليهم في أكثر الوقات بدون سبب وهذا كله من يوم ما قتل كليب تبع اليماني وامتد ملكه في
القطار فابتدا يجور ويظلم وليحسب حساب أحد وهكذا قومه تفعل كفعلة وكان مرادهم بهذا الكلم يحمسوا المير جساس
ويهيجوه على قتال كليب ولكنه لم يصغ لهم ولم يطاوعهم على مرامهم وقال لهم انه من الصواب ان اجتمع اول مع ابن عمي
كليب واعلمه عن تعديات قومه وجورهم علينا فأن وجدت كلمه قاسيا يكون هو السبب قي تقويتهم وان أمر بتأديب المفترين
تكون قد نلنا مرادنا ( .قال الراوي ) ومازالت الفتنه بين الفريقين تمتد وتشتد حتى اتصل الخبر إلى مسامع المير كليب وبلغه
ان بني مرة هم أصل ذلك الخصام وانهم كل يوم في جمعيات واستعدات فضاق صدره وتكدر وارسل أعلم جساس بذلك الخبر
طالبا منه ان يبادر بالحال بقصاص المذنبين وتوقيف حركات البكريين واخراج العجوز من القبيله التي كانت سببا لهذه الورطه
فاغتاظ جساس من ذلك وتاثر وتاكد عنده كلم قومه وعلم ان أصل ذلك من كليب فلم يجبه بجواب ول بخطاب واخذ جساس من
ذلك اليوم يجمع الجموع ويفرق على قومه السلح ويقويهم بالت الحرب والكفاح فبلغ ذلك المير كليب فازداد كدره واحتار في
امره واحس بزوال ملكه وكان تذكر اخاه الزير الفارس فركب من يومه في جماعة من الفرسان وقصده إلى بير السباع فوجده
جالسا على سفرة المدام مع ابن عمه المير همام وهما يناشدان الشعار ويتحادثان بالخبار فنهضا له على القدام واجلساه في
اعلى مقام وفرح الزير بقدوم اخيه لنه كان له مدة طويلة غائبا عنه غير عالم بأن مجيئه لم يكن ناتج ال عن سبب ضروري
جدا وبعد ان جلس قليل قال كليب للزير أعلم ياأخي أن سبب مجيىء اليك اول لجل المشاهده وثانيا حتى آخذك إلى القبيله
وأقيمك ملكا مكاني لني طعنت في السن ولم يعد لي طاقه على معاطاة الحكام ول سيما وقد تغيرت الحوال ووقع بين القبيلتين
النزاع والجدال فاشتعل مني القلب والبال فقم معي الن ياسيد الفرسان فقال الزير وال لقد اشتغل بالي بهذا المقال فانشد كليب
يقول :
أخي سال أسمع ما أقول لك ففكرك ديره والذهن ليا أراك اليوم في زهو ولهو ولتدري بما قد حل فيا بنو قيس قد وقعوا بخلف
وجساس نوى يركب عليا فقوم وشد عزمك يا مهلهل لنك أنت جبار عتيا وال راحت البلدان مني وصرنا معيرة عند البريه
( قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره ضحك الزير حتى استلقى على ظهره فقال كليب وماهو ضحكك قال لقلة عقلك قال انا
قليل العقل قال لو لم تكن قليل العقل ماكنت تكلمت بهذا الكلم بعد ان نظرت القصر وهو أمامك قال ومايكون هذا القصر قال
هذا القصر قد بنيته من رؤس السباع الذين قتلتهم بثأر الحمار ومع كل ذلك أنت ملك عظيم وصاحب وليات وأقاليم فكيف تقول
انك خايف وفزعان وأخوك الزير فارس الفرسان فكن في أمان وإطمئنان من نوائب الزمان فان كنت بثأر الحمار الذي ليس له
قدر ولمقدار قد بنيت قصرا من رؤس السباع ال أبني من رؤس العادي مدائن وضياع وقلع وحصون فاذهب بالسلمه
ولترتاع ثم أجابه على شعره يقول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل أنا لي في الحرب عزما قويا سباع الغاب خافت من قتالي وتخشاني ولم تقدر علّي فاذهب يا كليب
ول تبالي واحكم بالقبائل بالسويه فأن جارت بنو بكر وخابت فل أترك منهم يا أخي بقيه
فلما سمع كليب شعره أحتار من فعله وندم على مجيئه ثم كرر عليه السؤال وطلب منه أن يسير معه خوفا من حدوث أمر من
المور فقال الزير سر أنت أول وأنا سأتبعك فيما بعد فقال لماذا لتسير الن قال لخفاك لما حضرت إلى هذا المكان قتلت جميع
السباع ماعدا سبعين أو ثلثة فمتى قتلتهم أدركتك في الحال إلى الطلل فعند ذلك ركب كليب جواده وسلم أمره للواحد القهار
إلى أن وصل إلى تلك الدار وهو قلق وافتكار هذا ماكان من أمر كليب ويرجع الكلم والسياق إلى سعاد الشاعرة الساحرة
الماكرة فإنها لما اثارت الفتنه بين القوم وصار لها عند بني مرة ذلك القبول وجميع كلمها عند جساس مقبول أخذت طاسة من
الفضه وملتها من المسك والزباد والعطر وخففت الجميع مع بعضه البعض وعمدت إلى ناقتها الجربانه وأخذت تطلي أجنابها
وتدهنها بذلك الطيب وأمرت بعض العبيد أن يأخذها إلى المراعي ويمر بها قرب صيوان جساس في الصباح والمساء وأوصته
إذا سأله أحد عنها وعن سبب رائحتها يقول ل أعلم وانما مولتي تعلم فأخذ الناقه ومر على ذلك المكان فعبقت رائحة الطيب
فاستنشق جساس الرائحه وكانت ذكيه جدا فتعجب وكان قد نظر إلى العبد وتلك الناقه فأمر بإحضار العبد وكان يظن تلك
الرائحه عابقه منه ولما أحضر وإذا رائحته كريهه جدا فسأله عن تلك الرائحه فقال من الناقه فازداد تعجبا وسأله عن سبب ذلك
فقال لست أعلم يا مولي إنما مولتي سعاد الشاعرة تعلم ذلك فقال جساس هذا غريب فاستدعى العجوز اليه فحضرت ثم سألها
عن قضية الناقه فتنهدت من فؤاد موجوع وقالت لخفاك أطال ال عمرك وابقاك ان هذه الناقه من سللة ناقة صالح وفيها
خواص غريب يا أبن الجواد فان بعرها من المسك وعرقها من الزباد فتعجب جساس غاية العجب وقال في نفسه تبارك ال
رب العالمين فل بدلي من أخذ هذه الناقه فافتخر بها على جميع الملوك فقال لها هل تبيعني أياها يا حرة العرب وأنا أعطيك مهما
تطلبيمن الفضه والذهب فلما سمعت كلمه بكت ولطمت وجهها وقالت وال هذا الحساب الذي كنت أحسبه فأني ما هاجرت من
بلدي ال لجل هذه الناقه وكلما نظرها امير أو ملك يطلبها ومادام المر كذلك فأني سأرحل من عندك ثم بكت من قلب حزين
وأنشدت تقول :
تقول سعاد من قلب موجوع سقاني الدهر كاسات الحمام ضنى مني الفؤاد وغاب نومي عمى بعلي وقد زادت سقامي انا حرمة
لي يد قصيرة ول لي قيمه بين النام وهذه ناقتي قد شتتني عن الوطان يا ابن الكرام فكم من سيد جاء يشتريها فما نالوا بها نيل
المرام وقد جينا لكم والتجينا وقلنا قد حطينا بالسلم وانت تريد أن تأخذها مني فعاد رجوعنا أشهى المرام
فلما فرغت من كلمها أخذ جساس يعطف بخاطرها ويقول لها ان كلمي معك هو على سبيل المزاح فناقتك مباركة عليك وأنت
المعزوزة عندنا فقالت من حيث ذلك أريد أن تجعل ناقتي دون باقي النوق والجمال لنها قد تربت بالدلل وأريد مرعى لنه البق
بها فقال أرسلها إلى المراعي مع نوقي وجمالي فقالت انها لتأكل ال من الرياحين وزهر البساتين فقال انه ليس لنا كروم ول
بساتين قالت وهذه الكروم التي بجانب القبيله من هو صاحبها قال هي لبن عمي كليب زوج أختي الجليله وهمام متزوج أخته
ضباع قالت مادام انكم اهل واقارب وانت ملك نظيره فلماذا يكون كليب أعظم منك فقال انه من بعد قتله الملك تبع عظم أمره
وانتشر ذكره وتملك على البلد وطاعته العباد فلما سمعت هذا الكلم قالت وال لقد أخطأت وبئس مافعلت فأني تركت البحر
وجئت إلى الساقيه وتعلقت بالذنب وتركت الرأس فاغتاظ جساس وحس وقال مامعنى هذا الكلم ياحرة العرب فانك قد خرجت
عن دائرة الصواب وباديتنا بقلة الدب أهذاء جزاء المعروف والحسان فقالت لتغضب ولتغتاظ وماقولي هذا ال من سبيل
المحبه فكيف يكون ابن عمك وصهرك وزوج أختك ويملك على هذه الراضي العظيمه وانت ليس لك قدرولقيمه أهكذا يكون
الهل وابناء العمام ايها الملك الهمام فقال جساس وذمة العرب وشهر رجب لقد تكلمت بالصواب وان من الن وصاعدا لست
أحسب له أدنى حساب لنه قد اعتز وتمرد ول عاد يحسب حساب أحد وانا لبد لي أن أطالبه أن يقاسمني على املك المملكه
وال القيه في التهلكه فروحي واطلقي ناقتك لكي ترعى في احسن البساتين والمراعي ثم أنشد وقال :
يقول جساس شعرا من ضمايري فدمع عيني على الوجنات طاف
الجزء الرابع
والنار في مهجتي قد أحرقت كبدي من جور قوم ما لهم أنصاف قولك صحيح ما لنا عندة قيمة ول كلم ونحن من الشراف
سبعة أقاليم ملك تبع حازها وعلى المدائن والقريات طاف والكرام والنخل والثمار جمع حاز الجميع من البلدان والطراف
روحي ياسعاد خلى ناقتك ترعى بين الروم ولست منة أخاف
(قال الراوي ) فلما انتهى جساس من شعرة ونظامة فرحت العجوز وانشرح صدرها فقبلت يدة وخرجت من عندة وقالت لعبدها
خذوا هذة الناقة واتركوها ترعى في البستان المعروف بحي كليب واجعلوها تهدم الحيطان وتقطع الشجار وتاكل الغصان
واذا اعترضكم فاشتموة وسبوة واذا أقتضى المر اقتلوة ول تخافوا سمعا وطاعة ثم أخذوا الناقة وساروا بها إلى ذلك المكان .
(قال الراوي ) وكان هذا البستان كأنة روضة جنان كثير الشجار والفواكة والثمار وكان كليب قد اعتنى بة حتى صار من
احسن منتزهات الدنيا وكان ليسمح لحد ان يدخل الية سوىهو وعيالة فقط فلما أخذت العبيد الناقة دخلوا بها بعد ان هدموا
الحائط وصاروا يقلعوا الزهور ويكسروا أغصان الشجر وكانت الناقة تأكل العريس وأثمار الكرم وكان كليب قام حارسا يحرسة
اسمة ياقوت فلما نظر الحارس تلك الفعال هجم على العبيد بالعصا وقال لهم اخرجوا ياكلب من البستان قبل أن يحل بكم الهوان
فشتموة وسبوة ثم ضربوة فهرب من بين أيديهم وجاء إلى كليب وأعلمة بواقعة الحال فاغتاظ غيظا شديدا وجاء إلى ذلك المكان
ومعة أربعة غلمان فراى العبدين أحدهما جالس على سريرة أي الذي كان يجلس علية وقت النزهة والخر دائر مع الناقة بين
الكروم والزهور وهو يسب المير كليب ويشتمة فعند ذلك تراكضت غلمان كليب على العبيد لتقبض عليهما فتركا الناقة وهربا
فأحضرت الغلمان الناقة أمام كليب فأمر بذبحها فذبحوها وطرحوها خارج البستان وكانت عبيد العجوز تراقب عن بعد ما
يجري على الناقة فلما شاهدوا ما كان م امرها رجعوا على العقاب وأعلموا مولتهم بما جرى وكان وكيف أن غلمان كليب
ذبحوا الناقة بامر مولهم وطرحوها خارج البستان فقالت الن بلغت مرادي وأخذت ثاري من العادي ثم أمرت العبد أن يسلخ
الناقة ويأتيها بجلدها فسلر العبد وسلخها اليها وقامت من وقتها ووضعت التراب على راسها وشقت ثيابها مع بناتها وعبيدها
وجواريها وأخذت جلد الناقة وسارت بها لعند المير جساس فدخلت علية وهو في الديوان مع الكابر والعيان وصارت تندب
وتبكي وألقت الجد بين يدية فقال ملمك أيتها العجوز وما الذي أصابك *~ >"u^ûé*~u^ûé S*~u^ûé S'~uŒ
(قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلمها استعظم جساس تلك القبضة وعصفت في راسه نخوة الجاهلية وقال للعجوز
أذهبي بأمان فأنا أعرف شغلي فذهبت إلى خيامها واستبسرت ببلوغ مرامها ثم التفت المير جساس إلى من حولة من المراء
وأكابر الناس أنظروا ما فغلة ابن عمنا في حقنا وهو صهرنا فقد أهاننا بهذا العمل وأنا لبد لي أن أستعد لقنالة في هذا اليوم فاما
أن أقتل أو أبلغ المل فقالت لة أكابر العشيرة تمهل يا امير فانة لربما ليعلم أنها ناقة نزيلك ومن الصواب أن ترسل لة كتابا على
سبيل العتاب وتطلب منة ثمن الناقة وتنظر مايكونجوابه فان أرسل الثمن واعتذر كان خيرا وان أبى وامتنع فحينذ تفعل ماتريد
فاستصوب جساس هذا الرأي وكتب إلى كليب يعلمة بذلك الحال ويطلب منة ثمن الناقة وأرس الكتاب مع عبدة أبو يقظان فأخذ
يقظان الكتاب وفي طريفه مر على تلك العجوز أخبرها با القصة فترحبت بةولطفته بالكلم وقدمت لة الطعام ثم أخذت تسقية
المدام جتى سكر وغاب عن الصواب فعند ذلك فتشنة في ثيابه حتى عثرت بذلك الكتاب فقراته فوجدته كتابا بسيطا خاليا من
التهديد والوعد والوعيد وأضافت اليه كلما مغيظا وهي هذه البيات
أمير كليب العارب أيا ابن العم لتكبر علي فلزم أذبحك في حد سيفي وأنت شيبة حرمة أجنبية
ثم طوت الكتاب ووضعته في مكانة وقام العبد فنهض وركب جواده وصار حتى وصل ديوان المير كليب ودخل عليه وقبل
الرض بين يديه وناوله الكتاب فأخذه وقراه ولما وقف على معناه أغتاظ غيظا شديدا وأراد أن يقتل العبد ولكنه كان رجل عاقل
موصوفا بالحلم والحزم فأطرق رأسه إلى الرض وتفكر قليل قال في سره لعل المير جساس كتب لي هذا اكتاب وهوفي حاله
السكر غائب عن الصواب فمزق الورقة وأمر بضرب العبد فضرب وقال له اذهب ياابن اللئام إلى عند مولك بسلم وال سقتيك
كأس الحمام فقام وهو أخر رمق وركب حصانه وسار إلى عند جساس وقال له انه بحال ما قرا الكتاب مزقه وأمر بضربي وقد
شتمك وسبك وهذا الذي تم وجرى ( .قال الراوي ) فلما سمع جساس هذا الكلم صار الضيا في عينيه كا لظلم فنهض في الحال
ودخل إلى الخزانه السلح ولبس ألة الحرب والكفاح وركب ظهر حصانه وأنحدف إلى صيوانه وصاح على أبطاله وأخواته
وفرسانه فجاؤا اليه ودادروا حواليه فأعلمهم بواقعة الحال وما جرى بينه وبين كليب من النزاع والجدال وقال لهم استعدوا لقتال
بني تغلب النذال وأخذ يكلمهم بهذا الشعر والنظام :
يقول جساس نار القلب مشتعلة على الضمائر ياقوم لها لهيب ياقومنا اسمعوا قولي وأصغوا قول صحيح بل تكذيب كليب خلى
كال أحوالنا عبر حكم البلد مشارق ومغيب وليس يحسب لنا قدر ومنزلة الكل عندهم غنم وهو بينهم ديب ناقة نزيلي ذبحها ما
ما خشى أجدا أجرى الىدمها شبة النابيب انت عجوز فألقت جلد ناقتها بعد مابكت بدمع سكيب تنهدت ثم قالت يا ولدمرة ابن
عمك كليب عليك يعيب هكذا كليب يفعل بنزيلك مالك قيمة عندة ولترحيب فقلت لها اصبري ياعجوز علي فأنالك منة ثمنها
أجيب أرسلت له أبو اليقظان عندي بكتاب مافيه أسا ولتعذيب شق الكتاب وأرمى العبد بضربه ومن كثرة الضرب ما أظنه
يطيب أترضون المذلة ياأهل قومي الذل ليرضاه سوى كل معيب
(قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وعرف قومه فحوى قصده ومرامه فما أحد طاوعه على هذا المرام وقالوا له
عن فرد لسان بئس هذا الرأي وهل يجوز لنا ياأمير لجل ناقة حقيرة تقاتل ابن عمنا المير كليب ونرفع في وجهة السلح بعد
أن صاننا وحمانا بسيفه وقتل الملك تبع حسان واستولى على القاليم والبلدان وجعل لنا ذكرا عظيما في قبائل العربان على طول
الزمان فان كان لك عليه دم أو ثأر فدونك واياه فل تطلب منا مساعده ولنجده فلما سمع كلمهم تركهم وقصد بيت العجوز ولما
اجتمع بها قال لها لقد جئت اليك لرضيك بالعطايا خوفا من ازدياد الشر ووقوع البليا فاطلبي ثمن ناقتك لعطيك اياه ولو كان
مهما كان قالت بالنجوم اريد واحد من ثلثه اشياء قال وما هي قالت اريد اما ان تمل جحري بالنجوم او تضع جلد الناقة عاى
جثتها لتقوم او راس كليب بالدماء يغوم فقال لها ملىء حجرك بالنجوم او ان الناقة تعيش وتقوم فهذا ليقدر عليه ال الحي القيوم
أما راس كليب فابشري به ثم قوم السنان وأطلق العنان وقصد حي بني قيس فقالت العجوز لعبدها سعد خذ هذا السكين والمنديل
البيض واتبع جساس من وراءه فاذا رايته قتل كليب فأسرع أذن والطخ هذا المنديل من دمه فمتى فعلت ذلك فاني أطلقك لوجه
ال تعالى فامتثل أمرها وتبع أثار جساس اما جساس فلم يزل سائرا حتى وصل إلى قصر كليب وسأل عنه فقالت له أخته الجليله
قد ركب الن وهو يطبع مهره في وادي الحصا والجندل فقصده حتى التقى به وهو يطبع مهره وكان كليب بدون سلحولم يكن
معه سوى خيزرانه فقط وكان كليب دائر ظهره الىجساس لنه كان من عادته دائما انه ليلتفت في الحرب إلى أقل من مائة
فارس فأراد جساس ان يغدره من قفاه فما طاوعته يده على ذلك مهابة ووقارا فلما وصل وسلم عليه فرد عليه السلم فراه
متسربل بالسلح فاستعظم كليب المر وقال علمك يا ابن عمي أراك بالسلح الكامل قال مرادي الصيد والقنص لكنني لما
التقيت بك أعرجت اليك لسالك سؤال واحد واعاتبك على ما فعلت فهل كان لك بساتين وكروم ونحن ما لنا شيء أتت عندنا
عجوز شاعره مع بعل لها أعمى ورعت ناقتها في بستانك على تجاهنا فكيف تقتلها أما عندك قيمه ول أعتبار بهذا المقدار
فضرب كليب كفا علىكف من شدة السف وقال وال يا ابن عمي ما عرفت أنها ناقة ونزيكلك ثم ذكر عن سوء ادب الرعيان
وما فعلوا من الضررفي لبستان ومع كل ذلك فاني أعوض واعطيها أربع مائة ناقة واذااردت أكثر فأعطيها ول يكون ذلك سببا
للنزاع والخصام بيننا فأننا أولد أعمام وأصهار فقال جساس على سبيل الخداع أني سأرضيها وهو قاصد قتله ثم قال له مرادي
أن ألعب معك سابقين بالجريده فقال كليب ياجساس أنت راكب ظهر القسيرة وأنا راكب مهر جاهل فقال أنا أسوق أمامك والمهر
يسبق الفرس فساق جساس الفرس فتبعه كليب حتى حكمت تحت يمينه وضربه فأصابت ظهره فقلبته عن ظهر الفرس فانحدر
الدم من فمه ومنا خيره فقال كليب قم يا ابن العم فأن كنت لتريد أن تلعب غير هذه الجريده فاصرع واضربني بها فيتتهي الحال
ثم نزل كليب عن ظهر المهر ومشى أمامه أما جساس فانه قد تألم بهذا القدر حتى أنه لم يعد تمكنه القيام واذا بعبد العجوز أقبل
اليه وجذبه من يده فأوقفه وقال وال انك من أحقر الرجال ثم أعلمه بحال وكيف العجوز أرسلته خافه لجل تلك القضيه فتحمس
جساس ونهض ومسك له العبد الركاب فركب ثم تقدم نحو كليب وهز في يدة الرمح وطعنه في صدره خرج يلمع من ظهره
فوقع على الرض يختبط بدمه فبكى كليب ملء عينيه ودمعه يسبل على خديه فلما راه جساس علىتلك الحال ندم وتأسف على
مافعل فتقدم اليه وقبله في لحيته وعارضيه وضمه إلى صدره ووضع رأسه على ركبتيه وقال سلمتك يا ابن اعمي يا أبا اليمامه
فقد حلت بي الندامه فوال أني فعلت ذلك بدون عقل ولتميز فسامحني على هذا الرتكاب القبيح فأجابه كليب على حلوه الروح
وقال هذا حكم الله المتعال ماكان أملي منك أ ،تباديني بهذه الفعال وتشمت في العداء والنذال وتفرق بيني وبين اليتامى
والطفال وما بكائي على مال ولنوال وانما بكائي على اليتامى ولكن لهم رب ليغفل ولينام وابكي على غدرك فانك قتلتني
بالغدر والعدوان ولست من أقرني في الميدان ول في ملتقى الفرسان ولكن سيجازيك العادل الديان وسوف ترى ما يحال بك من
الهون ولأظن بأنه يصفي لك الزمان بعد الن فقم واذهب إلى الخيام وأقرى اليتام مني جزيل السلم ولكن اسقني قبل رواحك
شربة ماء لن قلبي قد احترق من الظمأ وأشار بهذه القصيدة يقول
يقول كليب اسمع يا ابن عمي أياجساس قد أهرقت دمي أيا غدار تطعني برمح ولست انت في الميدان خصمي واشمت الحاسد
والعادي وباتت اخوتي تبكي وامي على ناقه تقتل ابن عمك أمير كريم من لحمك ودمك بيوم الضيق كان يزيل همك ويردي
الضد في يوم النزال
(قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره ونظامه فخاف جساس وأصفر لونه وارتعش قلبه وقال وال يا ابن عمي ليعرف
النسان ماذا مقدر عليه ثم انه رفع راسه عن ركبته واتى له بماء فأسقاه ثم ركب وتركه وخله وهو يركض وياتفت وراءه
قاصدا أهله وحماه وأما عبد العجوز فانه بعد ذهاب جساس تقدم ليذبح كليب حسب ما أمرته العجوز فلما أقترب منه وجده يجود
بنفسه وهو على أخر رمق فتامل فيه العبد فوجده ذات هيبه ووقار ووجهه يتلل بالنوار فتاخر عنه وخاف منه فنظر اليه كليب
ففاق من حلوة الروح وقال له من أنت وما هو قصدك ومرامك فاعلمني بحالك فقال له لخفي عنك أنا عبد التبع اليماني فلما
قتلته أنت حضرت أخته سعاد العجوز الساحره إلى هذه البلد لتأخذ بثأره منك وتطفي لهيب نارها وهي التي القت الفتنه بينك
وبين ابن عمك حتى قتلك وأرسلتني لذبحك وأخذ لها أثر من دمك فقال كليب لقد صدقت فقد ذكر لي تبع هذا الكلم ونفذ قوله
الن بالتمام وهذا تقدير رب النام فأريد منك ياعبد الخير قبل أن تذبحني تفعل معي هذا الجميل وهو أن ترميني بالقرب من هذه
البلطه القريبه من هذا الغدير لكتب وصيتي إلى أخي سالم الزير واوصيه بأولدي ومهجة كبدي وبعد ذلك أفعل ماتريد فسحبه
العبد إلى قرب البلطه والرمح غارس فيه والدم يقطر من جبنه فبكى كليب وتفكر وهو يتأمل على ما أصابه ويتحسر ثم اخذ
بيده عودا وغطه في الدم وانشد يقول :هديت لك هديه يامهلهل عشر أبيات تفهمها الذكاه أول بيت أقوله أستغفرال أله العرش
ليعبد سواه وثاني بيت أقول الملك ل بسط الرض ورفع السماء وثالث بيت وصي باليتامى واحفظ العهد ولتنسى سواه ورابع
بيت أقول ال أكبر على الغدار لتنسى أذاه وخامس بيت جساس غدرني شوف الجرح يعطيك النباه وسادس بيت قلت الزير أخي
شديد البأس قهار العداه وسابع بيت سالم كون رجال لخذ الثار لتعطي وناه وثامن بيت بالك لتخلي لشيخ كبير ولفتاه وتاسع
بيت بالك لتصلح وأن صالحت شكوت للله وعاشربيت أن خالفت قولي فأنا وياك إلى قاضي القضاه
ولما انتهى كليب من كلمه التفت إلى العبد وقال له افعل الن ما تريد فقال وال ياأمير ما تستحق ال كل خير وان يدي
لتطاوعني على ذبحك قال اذبحني لنني في ألم شديد وعن قريب تأتي أخوتي وباقي الرجال والحريم فعند ذلك اخرج العبد
السكين وانحنى عليه وذبحه من الوريد إلى الوريد ولوث المنديل بدمه ورجع إلى عند سيدته فأعلمها بقتل كليب وأراها دمه
ففرحت فرحا شديدا وصبرت إلى الليل ثم حملت وسافرت بمن معها من تلك القبيله سرا حتى ليعلم بها أحد وقالت لقد أخذت
الن ثأري وطفيت لهيب ناري هذا ماكان منها واما جساس فانه لما رمى كليب وولى هارب سار حتى وصل إلى قومه وهو في
خوف عظيم أصفر اللون متغير الكون فقال أبوه مرة اين كنت قال كنت في البريه فالتقيت بابن عمي كليب فقتلته وزال همي
وغمي فلما سمع مرة هذا الخبر تبدل صفو عيشه بالكدر وقبض على جساس من ذراعه كا يخرج روحه من بين جنبيه وقال
ياعديم الزمان ويا أخبث النام اتقتل ابن عمك وهو من لحمك ودمك لجل ناقه حقيرة وصاحبتها سائله فقيرة فماذا تقول العرب
يا غدار اذا سمعت عنك هذه الخبار فقد اجلبت علينا الذى والضرر وفضحتنا بين البشر ومازال يوبخه ويلطمه من خلف وقدام
حتى جاءت أخوته اليه وخلصوه من بين يديه وهم يعنفوه ويسبوه ويشتموه ماعدا المير همام فانه كان عند الزير في تلك اليام
يتنادمان ويشربان المدام على بير السباع كما تقدم الكلم وليس عندهما خبر بهذه المور والحكام ثم التفت مرة على أولده
وقال لهم لقد حلت بنا المصائب من كل جانب فما الذي عاد يخلصنا من الزير ليث الوادي وقهار العادي فوال ليقطع آثارنا
ويعجل في دمارنا ثم أنه بعد هذا الكلم أشار يقول :
يقول أمير مرة من قصيد بأن العار مايمحوه ماح جنيت اليوم يا جساس حربا علينا في المسا والصباح وقدت النار في بكر
وتغلب يعم لهيبها كل النواحي أيا جساس تقتل ابن عمك كليب البرمكي ليث البطاح أمير ما كان له مثيل شديد البأس في يوم
الكفاح ايا جساس من قتل ابن عمه يبيت الليل يسهر للصباح فسوف ترى بما جرى بنا اذا برز المهلهل للكفاح فيسلب مالنا قهرا
وغصبا بأطراف العوالي والصفاح
( قال الراوي ) فلما فرغ من هذا النشيد أجابه جساس بهذا القصيد وعمر السامعين يطول :
تأهل مثل أهبه ذي الكفاح فان المر زاد عن التلحي فأني ان جلبت عليك حربا فاني ليث حرب في الكفاح فكيف عن الملم
فلست أخشى بيوم الحرب من طعن الرماح وأني حين تنشر العوالي أعيد الرمح في أثر الجراح تعدت تغلب ظلم علينا بل ذنب
يعد ولجناح ومالي همه ايدا قصد سوى قتل العدى يوم الكفاح
( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من كلمه قال أبوه سوف ترى ما يحل بنا من البلء والويل من سيف المهلهل فارس الخيل ثم
صار يبكي ويتأسف ويلطم كفا على كف ثم قال لولده الرأي عندي أن نكتف جساس ونرسله إلى الزير وأخوته ليقتلوه بثأر
كليب وبهذه الوسيله تزول الفتنه وتطفي النار وتزول الحزان والكدار فان المصيبه عظيمة وعاقبتها ذميمه وخيمه فقالت
اولده ماهذا الكلم يابانا فهل بعد كليب غير جساس يليق أن يكون ملكا فأن كنت تحسب جساب المهلهل فما هو ال كالهبل
وليس له داب ال اكل الكباب وشرب الشراب وقال مرة العياذو بال من كيد الشيطان الرجيم ولحول ولقوة ال بال العلي
العظيم ثم قال لولده وان اخيكم همام له عند الزير مدة ايام فنخاف ان يعلم الزير بقتل اخيه فيقتله ول يبقيه .
( قال الراوي) وكان لهمام جاريه اسمها رباب فاستعاده مرة اليه وقال لها اقطعي البقاع وسيري إلى بير السباع واعلمي همام
سرا بما جرى وتجدد قولي له ان يرجع بالعجل خوفا من ان يقتل فسارت الجاريه حتى وصلت إلى هناك فوجدت الزير وهمام
على سفرة الطعام وهما بالكلم ويشربان المدام ويتحدثان بالكلم فلما رآها همام وثب اليها وقال ما دهاك قالت سر طويل وحزن
وعويل ثم أعلمته سرا بواقعة الحال وطلبت منه المسير إلى الطلل فلما وقف على حقيقة الحوال اعتراه النذال وغاب عن
الصواب وتبدل انشراحه بالحزن والكتئاب فلما طال بينهما الحديث والخطاب خرج الزير من بين الطناب كأنه اسد الغاب
فوجدهما يتكلمان سرا ويميان عليه فعظم المر لديه فسل الحسام وقال ماهو الخبر ياهمام فاني اراكم في قلق واهتمام واشار
يقول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل أحس النار في قلبي لهيب فقلبي موجع والجسم ناحل ول القى إلى جسمي طبيب وشاب الراس مني
والعوارض فاني صرت في حال عجيب وافكر في الزمان وشؤم فعله وهذا الدهر يتقلب قليب ايا همام ال يا ابن عمي فمالك
خائف واقف رعيب فما ابصر الحرمه تقول لك تناديك وانت لها تجيب اراكم تكتموا السرار عني كأني بينكم رجل غريب
اراكم في حديث وفي وشاوش وبين ذا وذا امر عجيب فل تخل المور من الحوادث يا همام اعلمني تصيب وال افتحوا لي الباب
حتى اروح عني بدا قلبي يطيب
( قال الراوي ) فلما فرغ من شعره أجابه همام يقول :
يقول همام اسمع يا مهلهل فدمعي فوق الخدود سكيب وناري بالحشا قد أحرقتني أحس لها طي الفؤاد لهيب أقول أنت تسمع يا
مهلهل بأنك صاحبي نعم الحبيب فما نحن في وشاوش لوانت بيننا رجل غريب انا واياك في طرب ولهو ول تحسب حسابات
الحسيب جعلنا يا فتى نيت جملكم جرى دمه على نحره سكيب
فلما سمع الزير هذا الشعر توقد قلبه بلهيب الجمر وأجابه يقول :
يقول الزير يا همام اسمع ان ابن عمي لي نسيب فما لك علم في وقتك كله ول في القضيه لك طليب فقم اذهب إلى اهلك يا نسيبي
بل تطويل من قلب المعيب فتأتي أخوتي ثم يقتلونك ويدعونك على الغبرا كثيب فما أقدر أن أحميك منهم وانت محب ايا نعم
الحبيب فلو جينا ما عيش أكلنا وكاسات شربناه بطيب لكنت أمد يدي تحت سيفي وآخذ ثار أخوي عن قريب
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا الشعر والنظام قال لهمام انت من دون بني مرة نديمي وصديقي وزوج أختي ورفيقي
ليس عندك علم بهذا المنكر فل تخاف ولتفزع فقال همام لقد جرى القلم يا ابن العم والذي مضى ما بقى يرجع فأما تقتلني
عوض عن أخيك أو تأخذ منا ما يرضيك وترفع عن الحرب والقتال وتتركنا نبقى في الطلل فو ال صعب على هذا المر
والتهب قلبي بنار الجمر لما سمعت بهذا الخبر المهول فل كان جساس المهار قال الزير وحق من يعرف الغيب وروح أخي
كليب أني ل أرفع السيف عنكم حتى اشفي غليلي منكم ثم أقتلكم عن بكرة أبيكم وأهتك النساء والبنات وأجعلكم مثل بين الناس
ولو لم تكن زوج أختي وسميري ما كنت أعلمتك بما في ضميري بل كنت قتلتك في الحال وأورثتك النكال فسر الن إلى
الطلل ولعدت تريني وجهك في الحرب والقتال فلما سمع همام ذلك الكلم ركب ظهر الحصان وأوما إلى ابنه شيبان الذي
الذي كان معهما في ذلك المكان ان يسير معه إلى تلك الوطان فامتنع عن المسير وقال سأيقى مع خالي الزير فسار همام وقد
عظم عليه المر وهو ينقض غبار الموت عن منكبيه حتى وصل إلى حلته واجتمع بأبيه وأخوته وأخذ يلوم جساس على فعله
وكيف انه تجاسر على كليب وقتله وأعلم قومه بما عزم الزير فخاف الكبير والصغير وأيقنوا بالهلك والتدبير واستعدوا من
يومهم إلى الحرب والكفاح وجمعوا آلت الحرب والكفاح هذا ماكان على بني مرة وأما الزير صاحب الشجاعه والقدره فانه بعد
ذهابه إلى الديار اشتعلت بقلبه لهيب النار واعتراه الصفرار فصار يلطم وجهه في يده وقد عظم المر عليه حتى رقصت
شعرات شاربيه ومع ذلك لم تنزل من عينيه دمعه لنه كان من الجبابرة السبعه وكان يقول وحق رب العباد لبد ان افتك ببني
بكر الوغاد واقتل الشيوخ والولد ولما طال المطال وهو على هذا الحال قال له شيبان بن همام دع عنك هذا الكلم واشرب
المدام فانك عاجز يا خال عن هذه الفعال فمن انت من البطال حتى تتكلم بهذا المقال وتتباهى على المراء واكابر الناس كأبي
همام وعمي جساس ثم انشد اليه يقول وعمر السامعين يطول :
انشد شيبان وقال في بيوت ودمعي من عيني طال خالي اسمع ما أقول وحط قولي وسط البال خلي الهرج ووطي النفس واترك
عنك القيل وقال تقول تكيد بني مرة وتقتل كل البطال غدا يا خالي هم يأتوك بخيل كثير ونعم رجال يظهر خيول عليك تجول
ودق طبول كما الزلزال ونرج الرض بطول وعرض ترحوا قتلي بضرب صقال يجيء جساس قوي الباس كذا العباس زكي
الحال وياتي عمر بخيل ضمر وصفر ونمر وابو جفال يجي ملك القوم كان بيوم الكون كسبع صال وأخي شيبون بطل مجنون
وابي همام ان جال ومال وتاتي الشوس وكل عبوس يخلوا الروس تلل تلل
فلما انتهى شيبان من كلمه أجابه الزير على شعره ونظامه :
يقول الزير أواه أواه يا ابن اختي عقلي زال يولي غدا الفرسان تجيك يخوفني من أهل أنذال أتاريك انت عدو مبين كلمك ما
خللي حال وانا العربيد بيوم نكيد للروس اكيد بطعن وعوال اكيد الشوس اقطع الروس انا الجبار فغير محال وبعد كليب لبيع
الروح اشلكم بالرمح شلل وبعد كليب اخلي السيف طول العمر بكم عمال وبعد كليب سياج البيض ما أعتق منكم رجال وانت يا
ابن اختي اليوم عدت بغير محال وابوك أغدي سيفي فيه وأعشي الرمح من البطال
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من انشاده نهض الغلم ليركب على جواده ويلحق بأبيه وأعمامه فضربه الزير بجامه القاه على
الرض قتيل وفي دماه جديل ثم قطع عنقه ووضعه في مخله حصانه ولفها في قربوس السرج وتركها فسار الجواد حتى وصل
إلى القبيله وسار إلى بيت موله فلما رأت أم الولد جواد الغلم وهو في تلك الصفه قالت للجاريه دونك جواد سيدك فتقدمت
الجاريه وأخذت المخلة فوجدت فيها رأس شيبان فاستعظمت ذلك الشان واعلمت بواقعة الحال فطار عقلها لما نظرت راس
ابنها مقطوع فضجت بالبكاء والنواح والعويل والصياح فاجتمعت عليها نساء الحي من كل مكان ولما سمع همام الخبر طار من
عينيه الشرر فبكى واشتكى وقال لزوجته ضباع نظرت ما فعل أخوك فو ال لم يبق لي غريم سواه فشقت ثيابها وسارت عند
أخيها المهلهل ولمته على ما فعل وقالت اتقتل ابن أختك بثأر أخيك ثم أشارت تقول :
تقول ضباع يا سالم علمك بجاه كليب ماسويت بابني بثأر كليب تقتل ابن أختك وتحرق مهجتي وتزيد حزني حزنت على كليب
وماجرى له وحزني في صميم القلب مبني ولكن قد حكم ربي مراده وربي ما كتب لي يصيبني
فأجابها الزير بهذه البيات :
يقول الزير من قلب حريق بقتل كليب زاد اليوم حزني ال يا أخت قلي من بكاك ول تخشين من أمر يعبني فو ال ثم وال ثم وال
اله العرش منذ ادعو يجبني فل بد لي من حرب العادي وقتل كل جبار طلبني
فلما فرغ الزير من كلمه قالت له ال درك ياسالم ياقهار السود القشاعم لقد زالت لوعتي الن وخفت عني الحزان لما سمعت
شعرك يافارس الفرسان وعرفت ما انت معول عليه من الحرب والطعن وأخذ الثأر وكشف العار ثم رجعت إلى الديار وهي في
قلق وافتكار هذا ماكان من امره
( قال الراوي ) ولما اشتهر موت كليب ووصل إلى ابنائه الخبر وعلمت بذلك جميع أهله وبناته فمزقوا الثياب واكثروا من البكاء
والنتحاب فتهتكت لوجه الملح ووقع في الحي العويل والصياح وكسرت الفرسان السيوف والرماح وخرجت بنت كليب من
الخدور وهن مهتكات الستور نشرت الشعور حافيات ال القدام يقطعن السهول والكام وقدامهن اختهن اليمامه وكان ذلك اليوم
مثل يوم القيامه ولما وصلن اليه وجدن الطيور حائمات عليه فوقعن على جثته وقبلن يديه وارتمين حواليه ولما قرأنا ذلك الشعر
الذي كتبه على الصخرة زادت احزانهن واخذن يلطمان على وجوههن ثم اقبلت اخوة كليب إلى ذلك المكان وازدحمت الرجال
والنسوان والبطال والفرسان والسادات والعيان يرثوه بالشعار واجروا لهيب نارها سوء البطل الوحد والسيف المهند
والصحصاح الشهير الذي ليس له في ذلك العصر نظير عمها المهلهل الملقب بسالم الزير فسارت هي واختها اليها وتوقفت عليه
فقالت وال ياعماه مكانك حزنان بما جرى علينا وكان من طوارق الزمان يقتل اخيك ملك العصر والوان ثم القت نفسها غميانه
في حجره وضعن على جثته وقبلن يديه وارتمين حواليه ولما قرأنا ذلك الشعر الذي كتبه على الصخرة ز ] C-C -C--
C'~u*~u^ûé S*~u^ûé*~u^ûé S*~u^ûé S'~uŒ*~u^ûé S*~u^ûé S"~u"~uينيه ويقول سلمتك ياأمير اليمامه
ياصاحب الجهه والكرامه فقد احرقت قلبي بفقدك فل كان من عيش بعدك ولما اشتد عليه المر ارته اليمامه وصية أخيه
المكتوبه على الصخره فقرأها وقال وحق الله المتعال اني ل اصالح إلى البد مادامت روحي في هذا الجسد ثم بكى وتنهد
ورثاه بهذه القصيده أم السادات واكبر العمد وهي من أجود مراثي العرب واحسن الشعار أهل الفضل والدب :
كليب لخير في الدنيا وما فيها ان انت خليتها لم يبقى واليها فيها تنعي النعاة كليبا فقلت له مالت بنا الرض أم مالت رواسيها
ليت السماء على من تحتها وقعت حالت الرض فاندكت أهاليها الناحر النوق للضيفان يطعمها والواهب الميتة الحمراء براعيها
الحلم والجود كانا من طبائعه ماكل اللطافه ياقوم تحصيها ضجت منازل بالخلن قد درست تبكي كليب نهار مع لياليها كليب اي
فتى زين ومكرمة تقود خيل إلى خيل تلقيها تكون اولها في حين كرتها وانت بالكر يوم الكر حاميها غدرك جساس ياعزي ويا
سند وليس جساس من يحسب تواليها ل أصلح ال منا من يصالحهم حتى يصالح ذيب المعز راعيها وتوالد البغله الخضرا
خدالجه وانت تحيا من الغبرا تاليها ويحلب الشاة من اسنانها لبن وتسرع النوق لترعى مراعيها
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا المرثيه الغراء وسمعته السادات والمراء تعجبوا من فصاحة لسانه وقوة قلبه وجنانه
ومااحتوة اليه من اللفاظ الرقيقه والمعاني البليغه الدقيقه وقالوا وال لقد جاد سالم الزير وفاق على الشعار والمشاهير بهذا
الكلم الذي هو كالدر النظير ثم اجتمع المراء المقدمين وقالوا للعرب المجتمعين انها ماعاد ينفع البكاء والنتحاب وان اكرام
الميت دفنه في التراب ثم أتوبكليب إلى الديار ودفنوه بكل أحترام واعتبار واحتفال ووقارو رثوه بنفائس الشعار وبنوا على قبره
قبه من أعظم القبب وطلوا حيطانها بالذهب والفضه فكانت من العجب في بلدالعرب زخرفوها بالنقش الفاخر كتبوا على
حيطانها اسماء الله القادر ( .قال الراوي ) وبعد أن تلو أسماء الله القادر وسمعتها السادات ورؤساء العشائر دفنوا المير
كليب كما تقدم الكلم ذبح الزير على قبره النوق والغنام وفرق المال والطعام على الرامل واليتام ثم جلس في الديوان وجميع
الكابر والعيان وأبطال الميدان والفرسان واخوانه الشجعان وقال أعلموا أيها المراء والساده الكرام أن جساس أهانكم وقتل
ابن عمكم وملككم فاستعدوا لخذ الثار وكشف العار من بني بكر الشرار فلما سمعوا منه هذا الكلم أجابوه إلى ذلك المرام
وقالوا عن فرذ لسان أننا بين يديك ول نبخل بأراوحنا عليك لن المير كليب لينتهي ولم تلد ةمثله النساء ثم انهم تحالفوا معه
وعاهدوه على الكرسي المملكه وبايعوه واجلسوه فلما تملك على القبيله طرد امراه اخيه الجليله فسارت إلى بيت ابيها وجواريها
وكانت جليله بولد ذكر سوف يأتي عند الخبر واستعد الزير من ذلك اليوم لقتال القوم وحلف بأعظم القسامه بأنه ليشرب المدام
وليلتذ بطعام حتى يأخذ يأخذ ثأره بعد الحسام وينتقم من بني بكر أشد النتقام او انه يموت تحت ارجل الخيل وليبالي بالويل ثم
امر الرؤساء والقواد بجمع العساكر والجناد وان يكون في استعداد للحرب فامتثلوا امره في الحال وتجمعت الفرسان والبطال
حتى امتلت الروابي والتلل وكانت قد انضمت اليه عدة قبائل وامدوه في العساكر والجحافل حتى سار في لربعمائة الف وقال
لما بلغ بني بكر هذا الخبر اعتراهم القلق والضجر وخافوا من العواقب وحلول النوائب فجمعوا المراكب والكتائب وسار بهم
المير إلى الذئاب وهومكان شهير يبعد ثلثه أيام عن قبيله الزير وهناك أنضمت اليهم بعض القبائل من العربان فكانوا نحو
ثلثمائه ألف واقاموا في ذلك المكان ولما سمع الزير برحيل مرة واولدة إلى الديار قال ل بد أن اقتفي الثار وافني الكبار
والضغار ثم امر الفائد الكبير بسرعه المسير فامتثلوا ماامره وفعلوا ما ذكرة وفي الحال دق طبل الرجوع فارتجت منه السهول
والمروج وهو الطبل الذي كان لتبع حسان ولم تكن ال ساعه من الزمان حتى ركبت البطال والفرسان وركب المهلهل متسربل
بالسلح كأنه ليث الغاب وعلى راسه الرايات والبنود ومن .
الجزء الخامس
حوله القواد والجنود فعند ذلك سارت الواكب قاصده الذئاب وما زال العسكر يقطع البر القفر اشرف إلى تلك الديار في اليوم
الثالث عند نصف النهار ولما قرب وانكشف البيان وراه المير مرة ومن معه من الرجال والفرسان قالوا وحق الله القدير
المتعال لقد اقبل علينا سالم الزير بالجموع والجماهير والفرسان المشاهير واليوم تباع الرواح بيع السماح في عاجل الحال
انتخب المير مرة الف من البطال وارسلهم لملقاة العداء في تلك البيداء وكان المقدم عليهم ابنه جساس وجماعه من علماء
الناس فسار الجحفل طالبا جيش الهلهل ثم فرق مائه الف اخرى في الصحراء وقدم عليهم ابنه همام وحثهم على الحرب والصدام
واقام هو بباقي العسكر على الجانب اليسر حتى اذا انكسرت الفرقتان يحمل بمن معه من الفرسان ولما شاهد المهلهل تلك الحال
وانقسام الرجال والبطال فقسم عسكره إلى ثلثه اقسام وتقدم ولما اقتربت العساكر من بعضها البعض وانتشر جموعه في تلك
الرض حملت الفرق على الفرق وهجم الجيش على بعضه وانطبقوا وقصد المهلهل فرقه المير مرة بعشره الف من اهل
الشجاعه والقدره وفي الحال اشتبك القتال وعظمت الهوال وجرى الدم وسال وارتحب الوديان والتلل من قعقعه النضال فكان
يوما مريعا وحربا فظيعا يشيب منه راس الغلم قبل الفطام فما كنت ترى ال رؤوسا طائرة ودماء فائرة وفرسان غابرة فلله در
المهلهل ومافعل ذلك اليوم من العمل فانه هجم هجوم السود وفرق المواكب والجنود ونكس الرايات والبنود وقتل كل جبار
ونمرود وكان كلما قتل فارس منتخب يقول يا لثارات كليب ملك العرب ويلقى نفسه في مهاوي العطب امل بالنصر وبلوغ
الرب ومازال على تلك الحال حتى قتل خمسمائة من البطال ولما اشتدت الهوال تأخرت عنه الرجال خوفا من الهلك
والوبال وهو يجول ويدور ويهدر كالسود والنمور ويقول كليبا قتيل الجور اين عيناك اليوم تراني وتشاهد حربي وطعاني
فياليتني كنت فداك ول كان من يسلك ( قال الراوي ) وكانت نيران المعامع والحروب والوقائع مشتبكه في ثلثة مواضع
واستظهرت جيوش المهلهل على اعدائها وبلغت غاية مناها وفعلت باقي الفرق كما فعل سيدها واستمر القتال على هذا الحال من
الظهر إلى غروب الشمس وكان قد قتل من بني بكر أوفى من ثلثين الف نفس ومن جماعة المهلهل نحو خمس الف بطل فعند
ذلك دقت طبول النفصال فارتدت عن بعضها الفرسان ونزلوا في الخيام والمضارب ورجع المهلهل وهو قاهر وغالب كأنه
أرجوان مما سال عليه من أدميه الفرسان فاجتمع بالسادات والعيان في الصيوان فهنوه بالسلمة وقالوا مثلك تكون الشجعان
يازينة الكوان وجوهرة هذا الزمان فشكرهم على هذا الكلم ووعدهم بالخير والنعام ثم أكلوا الطعام وأخذوا يتذاكرون بأمر
الحرب والصدام وكان المهلهل صديق يركن اليه ويعتمد في أموره عليه قوي الجنان فصيح اللسان يقال له امرؤ القيس ابن ايان
وكان يقاربه بالفروسيه ويساويه بالفصاحه والهمه العاليه فقاتل معه في ذلك اليوم وفتك في صناديد القوم وكان ليفارق الزير
في القتال ويحمي ظهره من غدر الرجال فقال له المهلهل أمام الفرسان ماهو رأيك يا ابن ايان في الهجوم على العداء اللئام
تحت جنح الظلم فاني وال كلما اذكر قتل كليب تتوقد بقلبي النيران وليس لي عنه صبر ولسلوان فقال تمهل ياأمير مهلهل فان
النهار قد اقترب ولبد لنا من بلوغ الرب لن القتال في الليل يجلب علينا الهم والويل فتختلط الحزاب بالحزاب ولتعود
تعرف العداء من الحقاب لن الظلم يحجبنا بعضنا البعض ونتشتت في هذه الرض فاستصوب كلمه الزير فقال هكذا
اشارت فرسانه :
( قال الراوي ) وبات الجيشان يتحارسان وأوقد النيران فكانت بنو بكر وباقي قبائل العرب قد باتت في شدة وتعب وأيقن المير
مرة انه يغلب ويقهر من سيف الزير السد السود ولما اصبح الصباح واضاء بنوره ولح تبادرت العساكر إلى ميدان الحرب
والكفاح واصطفت الفرق إلى صفوف وترتبت المئات واللوف وتأهب المهلهل للحرب واستعد للطعن والضرب فركب ظهر
الحصان وتقدم إلى معركة الطعان وتبعه امرؤ القيس بن ايان وقواد البطال والفرسان بقلوب أقوى من الصوان وكذلك ركب
المير مرة وبقية الفرق واعتقلوا بالسلح والدروع فعند ذلك دقت الطبول وصهلت الخيول وارتفعت الرايات على رؤوس
المراء والسادات من جميع الجوانب والجهات وهجم كل فريق على فريق وتقاتلوا بالسيف والمزارق والتفت المم بالمم وقام
الحرب على ساق وقدم وما مضى ساعة من النهار حتى اشتد لهيب النار وطلع للقتال الغبار وانذل الجبان وحار وارتفع الصياح
وعل وارتجت أقطار الفل ولبست الرض من الدماء حلل وعظم بنيهم البل والويل وعاد النهار كسواد الليل وقال المهلهل في
ذلك اليوم وما قصر وفعل افعال تبقى وتذكر فانه أقتحم صفوف العادي كانه ليث الوادي وحال المامن والمياسر وطعن فيها
طعنا يذهل النواظر ويحير العقول والبصائر وهو يقول يالثارت كليب مهجه قؤادي ومن كان سندي واعتمادي ولما طال المطال
واشغى غليله من قتال البطال قال :
ذهبت الصلح او تردوا كليبا اونبيذ اليين نطرا ذهل ذهبت الصلح او تردوا كليبا او نعم السيوف شيبان ذهبت الصلح او تردوا
كليبا او ازهق الرجال قهرا وذل
فتعجب الفرسان من شعره ومقاله وانذهب من هول قتاله وكذلك اندهشت باقى ابطاله باقى ومازال الحرب يعمل الدم يبذل
والرجال تقتل إلى ان ولى النهار وارتحل ودخل الليل واقبل فعند ذلك رجع المير المهلهل وباقي الجيش والجحفل وجميع أكابر
عشيرته وأهله وأخوته يتحادثون فيما يجري ويكون فاستقر الرأي على سرعة النجاز والجهاد في الحرب والبراز قبل أن
يطول المر وتفوتهم الغلبه والنصر ثم انهم اكلوا الطعام باتوا في الخيام ولما طلع النهار واشرقت الشمس والنوار تأهبوا
للحرب والكفاح فتقلدوا بالسيوف والرماح ودقوا الطبول وركبوا ظهور الخيل وتقدمت الفرسان والبطال إلى ساحة القتال
وكذلك فعل المير مرة والمير جساس ومن يلوذ بهم من عظماء الناس والتقت العساكر بالعساكر وتقاتلوا بالسيوف والخناجر
وكان المير المهلهل في أول الجحفل فصاح وحمل والتقى الفرسان بقلب أقوى من الجبل وهو يهدر كالسد ويضرب فيهم
بالسيف المهند ويقول يالثارات كليب ليث الصدام وزينة الليالي وكان كلما قتل فارسا يعيد هذا الكلم فقصدته البطال من اليمين
والشمال وهو يضرب فيهم الضرب الصائب وليبالي بالعواقب حتى مزق الصفوف بحملته وفرق اللوف بتواتر طعناته وما
تنصف النهار حتى قتل مائه بطل كرار من البطال والفرسان المذكورة كذلك فعل امرؤ القيس ابن ايان وباقي القواد والشجعان
ومازالوا على تلك الحال إلى ان ولى النهار بارتحال فارتدوا عن الحرب والصدام ورجعوا إلى المضارب والخيام وكان قد قتل
من عرب جساس في ذلك النهار عشرون الف بطل كرار ومن عرب المهلهل نحو ثلثة الف بطل ولما اصبح الصباح استعد
الفرسان للحرب والكفاح فركبوا ظهور الخيول وتقاتلوا بالسيوف والنصول وهجم المهلهل على الفرسان الفحول كأنه الغول
وهو ينشد ويقول :
هلموا اليوم نلتقي يا ال مرة ولو كانوا ثلثين الف كرة وسيف الهند يقطع في يميني فلتخشى المهالك والمضرة فاحموا يا بني
عمي لظهري فتحظوا بالماني والمسرة فكل الناس ترهب من قتالي اذا ما جلت في الميدان كره سوف ابيد جساسا وقومه
واسقيهم في حربي كاس مرة
ثم انه لما حمل على الكتائب والمواكب واظهر بافعاله الغرائب والعجائب وقتل كل شجاع غالب ( :قال الراوي ) وما زال القوم
في حرب وصدام وقتل وحصام مدة ثلثه شهور حتى اشفى الزير غليله من بني بكر وقتل منهم كل سيد جليل وفارس نبيل
وكان عدد من قتلهم في تلك المواقع نحو مائه الف مقاتل مابين فارس وراجل وقتل من جماعه الزير نحو عشرة الف بطل فلما
راى جساس ما حل بقومه من النوائب خاف من العواقب وعلم انهم اذا ثبتوا امامهم يهلكون هلك البد ليبقى منهم أحد فولى
وطلب لنفسه الهرب مع باقي طوائف العرب وغنم الزير غنائم كثيرة واموال غزيره ثم رجع يمن معه من الفرسان إلى الطلل
وهو في احسن حال وانعم بال ونزل في قصر اخيه وصارت ملوك العرب تكاتبه وتهادنه وكان يترقب الوقات للحرب والغزو
فشكرته اليمامه على ما فعل وقالت لعدمتك ايها البطل فانك اخذت الثار وطغيت لهيب النار ورجعت بالعز والنتصار فشكرها
على هذا الكلم وقال حق رب النام ليشفى فؤادي وليطيب لذيذ رقادي حتى اقتل المير جساس واجعله مثل بين الناس وهذا
المر سيتم عن قريب باذن ال السميع المجيب ( .قال الراوي ) بينما هو يترقب الخبار ويقتفي الثار اذ دخل عليه العبد نعمان
الذي تقدم ذكره قبل الن وكان من اصحاب الزير واصدقائه المشاهير فسلم عليه وتمثل بين يديه فنهض له على القدام واكرمه
غايه الكرام وبعد ان جلس قال للزير اعلم يا امير قد جيت الن من ابعد مكان اول لهئيك بالنتصار واعزيك على فقد ذلك
البطل الكرار وثانيا لعلمك بانه ظهر لي المنام من مده عشرة ايام رؤيا عجيبه تشير إلى احوال غريبه وهو النهار ان تحارب
أحد من ملوك القطار بل تجنب وقوع الفتن وتبقى مرتاح في الوطن فمتى تمت هذه الليالي رافقك السعد والقبال باذن الله
المتعال فأن حاربت انتصرت وان قاتلت ظفرت وقهرت فشكره الزير على ذلك الهتمام وغمره بجزيل النعام ومن ذلك اليوم
اخذ لنفسه الحذر وتجنب مخالطه البشر وكان يصرف ايامه بشرب المدام واكل الطعام واشتهر الخبر في القبائل ان الزير اوقف
الحرب مدة سبع سنين كوامل (قال الراوي ) وكانت بني مرة قد هامت في القطار خوفا من الهلك والدمار وندم جساس غايه
الندم بقتل كليب السد الغشمشم وما زال هو وقومه في خوف وحذر من عواقب المور إلى ان بلغهم خبر توقيف القتال فزالت
عن قلوبهم الهموم والهوال ورجعوا إلى الطلل .هذا ما كان من بني مرة وجساس واما الزير الفارس الدعاس فانه استمر
على تلك الحال وهو في رغد عيش وانعم بال ان كانت نهايه السنه السادسه فركب إلى الصيد والقنص في جماعه من فرسانه
وابتعد عن الديار نحو ثلثه ايام ومن التفاق الغريب فان المير جساس راى حلما في بعض الليالي وهو انه رقد في قرب
صيوانه حوض من الماء فبينما كانت قومه تشرب منه فاذا بذنب كاسر قد جاء إلى الحوض بصفه جمل كبير وله ثمانيه انياب
فشرب من الماء ثم ضرب الحوض بنابه فانشق من جانبه وتهور ذلك الماء حتى كادت قومه ان تهلك من شده العطش والظمأ ثم
راى النسوان والولد بثياب السود والدم جاري مثل المجاري والجمال تنهش بعضها البعض ودماها تسيل على وجه الرض
فاستيقظ جساس خائفا من هول ذلك المنام فاستدعى اليه اخوته وبنى العمال وقص عليهم ما راى وابصر فاستعظموا ذلك المر
وقالوا ليوجد من يقدر على تفسيره سوى المنجمين فان حسن عندك ارسل استدعى عمار الرياحي فانه يفسره لك على يقين
فارسل اليه وحضر وقص عليه الخبر فضرب ورسم الشكال فبانت له حقائق الحوال ثم التفت على جساس ومن حضر هناك
من الناس وقال لهم هذا المنام من عجائب اليام وهو يدل على شر عظيم وخطب جسيم سوف يحل عليكم من سالم بوقت قصير
وقد اظهر لي ايضا بان اخ المهلهل عندة مهر ادهم اسمة عندم قوي العصب والحيل عديم المثال في الخيل وسعد الزير مقرون
بهذا الحصان وبه وينتصر في الحرب والطعن فاذا ملكتم هذا الجواد نلتم المراد واسرتموة في القتال والطراد .فلما سمع جساس
هذا الكلم استبشر ببلوغ المرام وقال لهم قد بلغنا بان الزير غائب عن القبيله وما في الحي غير النساء والحصان موجود في
الديار وهذه ازالة الغصه ثم انه ارسل رجل ليكتشف الخبر ثم رجع واخبره بصحه الكلم فعند ذلك ركب جساس في ثلثه الف
بطل وطرق باب المهلهل على عجل واحاط بساحه الدار من اليمين واليسار فاستعظم بنات كليب ذلك المر ولم يعلن ذلك السبب
فطلت اليمامه براسها من الشباك وقالت له اركب على ظهر الفرس ماهو الداعي ياخالي بقدومك إلى الحي بالبطال والحي
خالي من الرجال فقال لها جئنا بطلب المهر الدهم المدعو بعندم فقالت له اهل وسهل بك مهما طلبت فل نمسكه عنك غير انه ل
خفاك بان المهر خاصه بعمي عديه فل يمكننا ان نسمح فيه ثم اشارت تقول:
بكم قد حلت البركه علينا وزال الشر عنا مع نكال فمهما تطلبوا مني تشوفوا خيول مع بغال وجمال ولكن مهر عمي غير ممكن
اسلمه فان المهر غالي
( قال الراوي ) فلما سمع جساس شعرها ونظامها أجابها يقول على كلمها بهذين البيتين :
تعالوا اسمعوا قول اليمامه تقول المهر ل أعطيه غالي فأني قاصد أخذه سريعا ول أخشى العداة ول أبالي
( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره نزل عن ظهر الفرس ودخل إلى الصطبل فوجد المهر فوضع عليه العدة وركبه
وقال لليمامه قد أخذت الحصان وغدا أطاردكم على ظهره سار وهو فرحان حتى وصل إلى الوطان فقال لخيه قد اتيت
بالحصان ومرادي اجربه في الميدان فانتخبوا ثلثين راسا من الخيل الصوافن فأركبوها واكمنوا في عشر مكامن وأنا أمر عليكم
أسرع من الريح فاتبعوني في البر الفسيح فان سبق هذا الجواد بلغنا به المراد في الحرب والطراد فأجابوه إلى ماطلب وأراد
وركبوا الخيول الجياد وركب سلطان أخو جساس القميرة ووقف في آخر كمين وركب جساس ذلك الحصان واطلق له العنان
فسار في تلك القفار اسرع من الطير اذا طار ولما اقترب من الخيل تبعته فسبقها جميعا ماعدا القميرة ففرح جساس ثم نزل عن
ظهره وامر العبيد ان يربطوه بقرب صيوانه ووكل به مئة عبد وقال لقد اقبل علينا السعد فسوف نقتل ذلك الوغد ( .قال
الراوي ) هذا ماكان من جساس واما الزير فانه عند رجوعه من الصيد استفقد ذلك الحصان فلم يجده مع الخيل فصعد إلى
القصر وسأل اليمامه واشار يقول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل بدمع قد جرى مني بداد يمامه رحت انا لصيد قانص وقومي واخوتي ثم الجياد لنا عشرون يوما في
فلوة ودرنا من بلد إلى بلد وصدنا طيورا ووحوشا كثيرة ودرينى رجعنا للبلد وجيت لمهر أخي فما لقيت شرد عقلي وعني
عاد غاد فأين المهر قوطر يايمامه عدم صبري وفارقني رشادي امات المهر أم أحد أخذه من الوباش والناس العادي
فلما سمعت اليمامه شعر عمها اجابته تقول:
تقول اليمامه ياعم اسمع ال ياعم جاؤوا العادي ابي جساس أخذه غصب عني انا حرمة ومالي منه جلدي فقلت تأخذه يا خال
تندم يجوكم غدا على خيل جيادي وقال غدا القيكم بعزمي وقد زادت همومي بزدياد له ياعم ثلث ايام غائب وقد زاد حزني
بزدياد فقم ياعم شد الخيل وركب بعسكر كأنهم رف الجراد وميل على بني مرة بسيفك واحصد جمعهم مثل الحصاد ياعمي عدية
اليوم يومك ياعزي وفخري واعتمادي وهاتوا راس جساس سريعا اجبر خاطري واشفي فؤادي
فلما فرغت من شعرها ونظامها اجابها الزير يقول :
يقول الزير قهار العادي انا السبع الجسور في كل وادي غدا لبد اجد في لقاهم واحصد جمعهم يوم الجهاد وأخذ ثارنا من آل
بكر واطفي النار من طي الفؤادي وأخذ مهرنا المدعو بعندم ويظهر ذكرنا بين العبادي فمن يذهب يقول لولد مرة اتاكم اليوم
ذباح العادي اتاكم المهلهل مع آل تغلب اسود الحرب في يوم الطراد ال يا آل مرة سوف اشفي بقتل ساداتكم فؤادي وليخفاكم
يا آل مرة بقتل كليب صرتم لي أعادي
فلما فرغ الزير من شعره دخل وجلس في الديوان وجمع اخواته والمراء والعيان واخبرهم بواقعة الحال وقال لهم مارايكم في
اسجلب الحصان فقالوا له الراي رايك ونحن طوع يديك قال متى كان الصباح تركبوا في ثلثة الف فارس وتكمنوا في وادي
الهجين وانا اكمن في وادي المطل وكان هذا المكان يبعد عن بني مرة مسافة ميل ثم قال لخيه عديه وانت قم الن وغير ثيابك
وزيك والبس ثياب ممزقه حتى لأحد يعود يعرفك واذهب لحي بني مرة وتجلس بقرب صيوان جساس فاذا سألوك عن بلدك
ومهنتك فقل لهم من بلد الصعيد ومهنتي هي سياسة الخيل وانا قد بلغني ان جساس من محبته في الحصان كل يوم يسلمه إلى
سايس فاذا قال لك هل تريد ان تخدم عندي وتسوس هذا المهرفقل نعم حتى اذا تمكنت منه تركب ظهره وتلحقنا إلى ذلك المكان
فمتى صرت هناك لتخف ول تحسب لهم حساب ولو كانوابعدد التراب فاني سأبيد جمعهم بعون رب العالمين واخذ ثارنا من
جساس اللعينفاستصوب رايه ولبس ثياب ممزقه وتعمع بعمامه والتحف بحرام عتيق وغير زيه وتنكر وسار يقطع البر القفر
إلى ان حي بني مرةفقصد صيوان جساس وكان قد اقبل الليل فرقد بين اطناب الحيام ولما كان الصباح جلس المير جساس
واجتمعت حوله اكابر الناس ثم وضعوا موائد الطعام واخلوا يتذكرون بالكلم فبينما هم كذلك اذ حانت من جساس التغاته فراى
عديه وهوعلى تلك الصفات فشفق عليه وقال لبعض غلمانه اطعم هذا الفقير واساله عن حاجته فأحذ له الغلم طبق الطعام وساله
عن بلده فقال انني من بلد الصعيد ومهنتي سياسه خيل الماجيد فقد جار على الزمان فأتيت منالوطان قاصدا اهل الفضل
والحسان إلى ان وصلت الىهذا المكان فطيب الغلم خاطره واعلم موله بحاله فقال جساس اذا كان منبلد الصعيد فهو ادراء
بسياسه الخيل من العبيد فدعوة يسوس لنا عندم المهر الجديد وانا اعطيه كل ما يريد ونا وجدته من الماهرين سلمته جميع خيلي
وجعلته رئيس اصطبلي فلما قال له الغلم هذا الكلم دعا لجساس بطول العمر ثم ان تحزم وتقدم إلى المهر ففك قيود رجليه
وقبله بين عينيه وقال هذا يومك يا جوادي فقد بلغت الت مرادي وكان المهر لماراى صاحبه عرفه فمال اليه وألفه فتعجب
جساس وباقي الناس لن الجواد كان ليالف احد من العبيد الموكلين عليه من قاربه ضربه بيده ورجله فقال جساس وحق رب
النام ان هذا السيائس يستحق الكرام والنعام وكان عديه لما تمكن من المهر ركب على ظهره ثم لكزه برجليه وصاح فسار
مثل هبوب الرياح وجد في قطع البطاح كأنه طير بل جناح فلما راى جساس تلك الحال تغيرت منه الجوال وعلم انها حيله قد
تمت عليه ولطم على خديه ووجهه وصاح على البطال والفرسان وقال دونكم هذا الشيطان فقد احتال علينا وخدعنا بالمكر
والحتيال حتى نال طلبه بلغ قصده واربه فعند ذلك ركبت الفرسان ظهور الخيول واعتقلوا بالسيوف والنصول وتبعوه في تلك
السهول وهم يصيحون وراءة ويجدون في قطع الفله إلى ان وصل إلى ذلك الوادي الغدير فوجد احاه الزير وهو كامن هناك في
جماعه من البطال صناديد الرجال فاعلمه بواقعة الحال فقال خذ حذرك الن فقد اتتك الفرسان من كل جانب ومكانفبتسم
المهلهل وقال سوف تراى ما افعل ثم انه نزل عن ظهر حصانه واعطاه لحيه واخذا المهلهل الدهم ووضع عليه عدة جواده ثم
ركب وتلملم واذا بالخيل والمواكب قد احاطت به من كل جانب وصاح عليهم وحمل بقلب اقوى من الجبل ومل عليهم بالحسام
كانه ليث الجام فطير الرؤوس عن الجسام وفتك فيهم فتك الذئاب بالغنام وفي اقل من ساعه ادركته بقيه الجماعه الذين
كانوامكمنين في وادي الهجينفانصبوا عليهم كالشوهين من الشمال واليمين وكان قد وصل الحبر إلى جساس فأخذه القلق
والوسواس فركب بباقي البطال ومن يتمد عليهم من الرجال وقصد ذلك المكان وقاتل قتال الشجعان واتقت الرجال بالرجال
والبطال بالبطال وعظمت الهوال وجرى الدم وسال وكثر القيل والقال وتزلزلت الرض من هول القتالوكانت واقعه عظيمه
لميسمع بمثلها في اليام القديمه انهزم فيها جساس اقبح هزيمه وغنم المهلهل غنيمه جسيمه لهاقدر وقيمه ورجع إلى الديا روالعز
والنتصار فالتقته النساء بالدفوف والمزامير ثم طلع إلى القصروهو منشرح الصدر فشكرته بنت اخيه على مافعل وقلن ل درك
من بطل فقد احذت الثار وطفيت من القلوب لهيب النار فال يحفطك ويبقيك وينصرك على حسادك واعاديك فشكرهن على هذا
الكلم وبعد ان خلع ثيابه جلس للطعام وشرب المدام ثم دخلت امه فقبلته بين عينيه وهنأته بذلك النتصار وطلبت منه ان يرفع
عن بني مرة السيف البتار فاستقبلها بالوقار والعتبار وقال لها وال اني ل أصالحهم يا أماه حتى يعود كليب إلى قيد الحياة ثم
تذكر تلك الواقعه وما جرى له في تلك اليام مع القوم فأنشد يقول وعمر السامعين يطول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل وقلب الزير قاسي ما يلينا وان لن الحديد ما لن قلبي وقلبي من حديد القاسيينا تريدي يا أميه أن
أصالح وماتدري بما فعلوه فينا فسبع سنين قد مرت علي أبيت الليل مغموما حزينا أبات الليل أنعي في كليب أقول لعله يأتي الينا
كان كليب في رؤوس المعل تغشاه ذئاب الجائعينا أتتني بناته تبكي وتنعي تقول اليوم صرنا حائرينا فقد غابت عيون أخيك عنا
وخلنا يتامى قاصرينا سللت السيف في وجه اليمامه وقلت لها أمام الحاضرينا وانت اليوم يا عمي مكانه وليس لنا بغيرك معينا
وقلت لها ما تقول أنك عمك حماة الخائفينا كمثل السبع في صدمات قوم أقلبهم شمال مع يمينا فدوسي يا يمامه فوق راسي على
شاشي أذا كنا نسينا فان دارت رحانا مع رحاهم طحناهم وكنا الطاحنينا أقاتلهم على ظهر المهر أبو حجلن مطلوق اليمينا فشدي
يا يمامه المهر شدي وأكسي ظهره السرج المتينا وهاتي حربتي رطلين وازود وحطيها على عدد متينا ونادي على عدية وكل
قومي صناديد الحرب المانعينا ونادي أخوتي يأتوا سريعا لنلقي جيش بكر أجمعينا فنادتهم أتوا كأسود غاب وقالوا قد اتينا يا
أخينا وياتوا يحرسون الليل كله وقضوا الليل كله وساهرينا
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من شعره ونظامه شكره الجميع على مقاله وباتوا تلك الليله في سرور وانشراح ولما اصبح
الصباح وأضاء بنوره ولح أمر الزير قومه بالستعداد للحرب فركب ظهر الجواد وتبعته الفرسان والقواد وقصدوا بني مرة
بقلوب قويه وهمم عليه فالتقاهم جساس مع أخوته وأهله واشتبك بينهم القتال وعظمت الهوال وابتلت بني مرة بالبلء والويل
وكان الزير يحصد فيهم بالنهار والليل واستمر القتال بين الفريقين مدة سنتين حتى فقد من بني مرة في هذا الحرب الخير نحو
اثني عشر الف أمير عدا السادات والكابر والجيوش والعساكر وكان الزير يأمر قومه بقطع الرؤوس ووضعها في المخازن
لنه كان قد اقسم بال العظيم ان سيملي البيوت من جماجمهم وباقي الماكن فلما طال المطال واشتدت على بكر الهوال
اجتمعت اكابر الناس مع المير جساس واخذوا يتفوضون كيف يتخلصون لن الزير ليقبل منهم فدى وجميع وسائطهم التي
استعملوها في توقيف الحرب راحت سدى فقال سلطان لخيه جساس أعلم يا أخي بأن الزير في كل صباح يمر على قبر أخيه
فيجيبه بالسلم ويقول له قد قتلت في ثأرك فلن وفلن فهل اكتفيت أم ل فل يجيبه أحد فالرأي عندي ان انتخبوا رجل وتضعوه
داخل القبه بحيث ليراه أحد فإذا مر الزير على القبر حسب عادته وسأل أخاه ذلك السؤال فيجيبه الرجل بصوت خفيف من قلب
ضعيف لقد اكتفيت ياأخي فاغمد سيفك من هذا اليوم عن قتال القوم واياك أذية البشر فان ذلك مما يجلب علي الضرر فاذا سمع
هذا المقال فلربما ينطلي عليه المحال فيكف عن الحرب والقتال فنستريح من القيل والقال فاستصوب جساس وباقي العيان رأي
المير سلطان ( قال الراوي ) وكان في القبيله رجل فقير الحال عديم الشغال فاستدعاه جساس اليه وقص ذلك الكلم عليه وقال
له اذا بلغنا الرب ولكن الطريقه خطره قبيحة فأخذ جساس يحسه بالكلم ويرغبه في هذا بالشعر والنظام :
على ماقال جساس بني مرة ال يافارغ الشغال اسمع فلي عندك حاجه صغيرة فتقضيها سريعا لم ترجع فان الزير ل شانا جميعا
وفرق جمعنا في كل موضوع ول يقبل رجاء ول عطايا وعن الفعال ماكان يرجع بثار كليب صرنا شرايد أعدم في الوغى كل
ليث أروع يمر في قبره في كل صباح ويزعق بصوت للكباد يصدع يقول ال نعمت أخي صباحا ايكفي ماقتلت تريد ارجع
فاذهب واختبي بالقبر حال اذا صاح المهلهل انت تسمع اذا سألك أحارب أو اصالح اجيبه انت محفوظ ارجع ان رضيت منهم
نلت ثأري وانت بقتلهم ل عدت تطمع لعله يظن انك انت اخيه فيصفح عن مآلمنا ويرجع
( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من هذا المقال قال له عديم الشغال على الراس والعين ولما كان الليل حفروا سردابا وصلوه
إلى القبر وادخلوا ذلك الرجل فيه ولما كان الصباح ركب الزير ظهر الحصان وتبعه البطال والفرسان ومر على قبر اخيه
حسب عادته ونادى بصوت عال نعمت صباحا يا أخي كليب فقد قتلت في ثأرك نهارا امس خمسة آلف نفس أيكفي ما قتلت
منهم او ارجع افنيهم عن بكرابيهم فاجابه ذلك الرجل من القبر بصوت خفيف وانت انعمت صباحا يا أخي الحنون يا ساقي الضد
كاس المنون كف الحرب فقد اكتفيت وان قاتلتهم بعد اليوم تكون قد تعديت وبغيت فتزيدني ضررا وغما وكدرا فان نفسي قد
بلغت مناها ونالت مشتهاها فكثرت خير اتك وزادت في الدنيا مسرتك ( .قال الراوي ) فلما سمع الزير هذا الكلم زالت اتراحه
وزاد فرحه وانشراحه وقال سبحان الرحمن الرحيم الذي يحي العظام وهي رميم انت يا أخي بخير ونحن بعدك نقاسي الضنك
والضير ثم نزل عن ظهر الحصان ودخل إلى القبر وهو فرحان وقال اذا كنت بخير يا أبا اليمامه فماهي هذه السكته والقامه
بعد العز والكرامه فقم إلى عند بناتك فانهن في حزن وكدر ثم تقدم اليه وتامل فيه بالنظر فراه انه ذلك الرجل المعهود فغاب
المهلهل من الوجود فجذبه من لحيته واخرجه من السرداب وقال له اصدقني بالحطاب فمن انت ومن تكون قبل ان تشرب كاس
المنون فأعلمه بواقعه الحال وحقيقة العمال فسل السيف ليقتله وقد اغاظه فعله فقال انابجيرة كليب اخيك فل كان من يعاديك
وقد جرني جهلي من قله عقلي حتى جراى ما جراى يا فخر الوراى .فلما سمع الزير كلمه ابدى ابتسامه فصفح عنه واعطاه
جوادا من اطايب خيل العرب والف دينار من الذهب فدعا له بطول العمر وخرج من القبر وهويقول :وال ان المير كليب
يحمي اليوم الخائف في مماته كما كان يحميه في ايام حياته ثم راجع إلى القبيله وهو يتعجب من تلك الحيله وفي الغد ركب فرقه
من البطال وقصدوا بنو مرة واشتبك بينهم القتال وعظمت الهوال وما زالوت في قتال وصدام مدة عشر ايام فانكسرت بنو
مرة انكسار وقتل الزير مقتله عظيمه المقدار وكان ياتي براس سادات الجماعه فيضعها على قبر كليب مدة ساعه ثم يدفنها تحت
الثرى ويبني فوقها القصور والقرى وكان كما اقبل منالحرب في المساء تلتقيه اليمامه مع جماعه من النساء فتقول يا سيد الناس
هل اتيت براس جساس حتى نخلع السواد ويطيب الفؤاد فيقول كوني براحه بال فسوف تبلغين المال باذن الله المتعال هذا
ماكان من المهلهل واما جساس فانه قد استقبل ولما ضاق به الحال اجتمع اهله وعشيرته وعقدوا بينهم ديوانا فاستقر رايهم على
ان يذهبوا إلى بلد الحبشه والسواد ويلجاوا بالملك الرعيني ابن احت اللتبع حسان فركب في ثاني اليام احوته واكابر عشيرته
واحذمعه احته الجليلهلتشفغ لهم عند حريم الملك الرعيني وبقي اخوة شاويش في الحي وكان هذا الرجل يحب الزير من ايام
صباه فعند رجيل جساس حضر شاويش الىعند الزير واعلمه بما جرى وكان من مسير الزير احواته عند ملك الحبشه والسودان
فأعطاه الزير المان وقال له انيما عدت احاربكم من الن حتى تحضر اخواتك إلى الوطان بالبطال والفرسان وتوقف الزير
من ذلك اليوم عن محاربه القوم وصار يصرف اوقاته في بالصيد والقنص هذا ما كان من المهلهل واما جساس فانه قدجرى في
قطع القفار حتى وصل إلى بلد الحبشه وتلك الديار ودخل على الملك الرعيني ووقع عليه بعد ما اعلمه بحالتهم الحاضره وطلب
منه النجده والمساعدة على حرب الزير ايضا بان كليب قتل خاله تبع حسان وقتله هووبقتله قام اخوه الزير يحاربهم حتى كاد ان
يفنيهم فلما سمع ا لرعيني هذا الكلم قال لقد بلغت اليوم منكم المرام ولبد من ذبحكم بحد الحسام لنكم من قوم لئام قتلتم خالي
واتيتم تستجيرون بي ثم امر بقبضهم وكانت الجليله واقفه على باب الصيوان وهي مثل الطاووس لبسه افخر الملبوس كانها
العروس فلما شاهدت ما جرى على قومها خافت من العواقب فشقت المواكب وتمثلت امام الرعيني فقبلت اياديه ودعت له بطول
العمر فلما راها الرعيني تعجب منفرط حسنها فمال قلبه اليها ووقع في شرك هواها فقال لهامن تكونين يا مهجة الفؤاد وبغيه
المراد فقالت له اخت القوم الذين امرت بقبضهم بدون ذنب ثم اشارت تقول ما قالت الجليله بنت مرة ايا ابوفهد اصحى دير بالك
وانظر ياسياج البيض فينا وانظرالذي وقفوا قبالك انا لقيتك يا ملك البوادي يا من بالمل شاعت فعالك ملوك الرض كنا يامسمى
فانت نظيرنا ونحن مثالك فالذي جرى كله مقدر ايا فخر الورى من قتل خالك قتل خالك كليب في حسامه وقام أخي الذي واقف
قبالك قتل لكليب خالك بسيفه كرمت خاطرك واصفي بالك ظهر لكليب اخ اسمه المهلهل حرمنا النوم زاد ال مالك قتل منا
اماجيد كثبره اتيننا واقفين على ديارك فهذا اليوم يومك يا مسمى فدق الطبل واركب في رجالك وسر معنا إلى الزير المهلهل
فقتله ودسه في نعالك وحكم سائر العربان يا ملك على امولهم تبقى حللك ولتشمت العدا يا امير فينا اتينا لك وصرنا من عيالك
وانت صميدع شهم كريم جميع الخلق تفزع من خيالك
( قال الراوي ) فلما فرغت الجليله من نظامها وفهم فحوى قصدها ومرامها ثارت في راسه الحميه وقال قد فهمت قولك يا صبيه
ثم اشار يقول عمر السامعين يطول :
قال الرعيني أبو فهد قال ال يا جليله اسمعي المقال وانتم افهموا قولي ياملوك اولد مرة ترونى الهم زايل اتيتم تلتجوا في الجميع
وقعتم على وقع العيال من جور الزير يا أهل الكرم دهاكم ضناكم رماكم بحال فو حياه راسي ورحمت ابي من خلق الرض
وارسى الجبال لركب عليه بكل الفحول واجرد عساكر شبه الرمال واقتل اعداكم بجاه السيوف وانا ادع الزير في سوء حال
جليله طيبي انت وابشري انا فداء أخوك بحد النصال أيا أخي غطاس انهض الن واجمع الفوارس والبطال نادي على الجيش
ان يركبوا يلبسوا الزرد والنصول الصقال ودقوا الطبول وشدوا الخيول وامشوا الفحول شبه العذال فدعنا نسير نزيل عسير عن
اولد مرة هذا النكال
( قال الرواي ) فلما فرغ الرعيني من كلمه نهض أخو غطاس الوزير وجمع البطال والفرسان والعساكر السودان ونادى
المنادي ان السفر يكون بعد ثلثة ايام ولما تجهزت العساكر للمسير لحرب الزير كان عندهم ستمائة الف بطل ففرح جساس
ومن معه من الناس فلما رأوا تلك السهول قد امتلت بالخيول وفي اليوم الثالث دقت الطبول ولمعت النصول وسارت العساكر
كالبحور الزواخر في أولهن الملك الرعيني واكابر دولته وجساس وباقي عشيرته ومازالوا يقطعون البراري والكام حتى
وصلوا إلى بلد الشام فاارسل جساس يعلم قومه بقدوم هذا العسكر وأن يهيئوا لهم الطعمه والذخر فلما سمعوا هذا الخبر فرحوا
فرحا عظيما وهيئوا لهم مايحتاجون اليه من الطعام والمدام وخرجت النساء والرجال للقاءهم فلما وصلوا إلى الديار نزلوا في
المضارب وقد تباشر قوم جساس بالنجاح والضفر وبلوغ المل ( .قال الراوي ) كل هذا يجري والزير ليس عنده خبر بشيء
من هذا المور بل كان مواضبا على السرور وشرب الخمور فبينما هو كذلك اذ دخل عليه أخوه عدي وقال انت جالس في
صفاك ولتدري فيما دهاك من اعدائك واشار ينشد ويقول :
لقد قال الفتى المدعو عدي ودمع العين فوق الخد ساجم اراك اليوم في زهو ولهو تنبه يا أخي ان كنت نائم فقم على ماسوف
يجري من العداء يا ابن الكارم اتونا قوم مرة بالرعيني ملك جبار بالحكام ظالم لقد ذهبوا اليه يا مهلهل فجاء بست كرات
عوالم بهم من كل قوم ليث اروع وهو من بينهم مثل الصقر حائم تبدى الزير حال ثم قال له تخاف من العدى واخوك سالم انا
وحدي القيهم بعزمي انا الدعاس في يوم الزحايم واني سوف اقتل الرعيني واقطع راسه وال عالم وافني جيشه مع جيش مرة
انا المقدام مابين المعالم
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من نظامه وفهمت قومه فحوى كلمه تعجبوا من هذا المقال وشكروه على تلك الفعال واخذوا
يستعدون للحرب والقتال واما الزير فانه صبر إلى الليل وغير زيه وتنكر حتى لم يعد يعرفه أحد من البشر وجعل نفسه كاأحد
شعراء العرب الذين يقصدون المراء وارباب المناصب والرتب طمعا في الفضه والذهب ثم ركب الحصان وتقلد بالحسام من
تحت الثياب واخذ معه بعض الغلمان وسار إلى قبيلة بني مرة ولم يعلم به انسان ولم اقترب من الحله نزل عن ظهر الجواد وسلم
إلى الغلم وقصد المضارب والخيام حتى وصل إلى صيوان الرعيني فوجده جالس وحده فدخل وسلم عليه وتمثل بين يديه فلما
راه الرعيني في ذلك المنظر خاف وانذعر وسأله عن مهنته فقال انني شاعر اطوف على المراء والكابر فاحصل منهم على
النعام ومزيد الكرام وقد سمعت انك في بني مرة فأتيت قاصدك من مدينة البصره إلى ان تشرفت بطلعتك وتمثلت امام
حضرتك ( .قال الراوي ) وكان للرعيني زوجه تدعى بدور كانت خلف الستار فسمعت مادار بينهم من اليراد فاأرسلت
جاريتها تقول للملك ان ياأمر الشاعر بالنشاد فقال الرعيني انشد ياشاعر فانشد يقول :
قال الديب الذي طالب احسانك يرجي بوسط الحشا والقلب بزار ياأبو فهد يارعيني استمع ما أقول يا من قلوب العداء بالروع
هزار قد كنت قبل في خير وفي نعم مستور مابين اهلي ما أنا معتاز فصرت شاعر على الجواد أطوي الرض ماشي على
عكاز قالوا فسر للرعيني مقصد الشعر فذاك جواد يعطي كل معتاز فجئت طالب احسانك واكرامك يامن حويت المكارم بالعطا
المعتاز
الجزء السادس
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه امر الملك الخزندار ان يعطيه الف دينار فعند ذلك سل سيفه البتر اسرع من لمح
البصر وضرب الرعيني على عاتقه خرج من علئقه ثم مال على الطواشيه والخدام بضرب الحسام وبعد ذلك هجم على الخيام
كسبع الجام فقتل الرجال ومدد البطال ووقع في السودان الضجيج والصياح والعويل والنواح فخرجت البطال من المضارب
وركبوا ظهور الجنائب فتقلدوا بالسيوف وهجموا على بني مرة صفوف صفوف وهم لم يعلموا سبب ذلك الويل من شدة سواد
الليل غير انهم ظنوا بني مرة قد خدعوهم حتى اتوا معهم إلى بلدهم فقتلوا ملكهم وغدروهم فلما رأى جساس ماحل بقومه من
السودان استعظم ذلك الشأن فركب جواده وتبعه اجناده واظطر ان يدافع عن نفسه ويحامي عن أبناء نفسه فقاتل تلك الليله حتى
استقتل وفعلت رجاله مثلما فعل وكانت ليله مهوله وحادثه غير مأموله كثر فيها القتل والجراح إلى وقت الصباح وكان المهلهل
لم بلغ القصد والمل بذلك العمل ارسل عبده في الحال إلى الطلع في طلب الفرسان والبطال وحضروا عند طلوع النهار
واحاطوا بالعادي من اليمين واليسار وحكموا فيهم ضرب السيف البتار واستمر الحرب والصدام بين القوم ثلثة أيام حتى
ابلهم المهلهل بالويل والدمار وقتل منهم كل بطل مغوار واسد كرار وكان من جملة المقتولين المير غطاس قائد جيش السودان
فلما رأت الجيش ماحل به من الهوان ولت الدبار وأوسعت في جوانب القفار وكذلك انهزم جساس ومن تبعه من الناس وتفرقوا
بالفلة وهم يقصدون النجاة ورجع الزير مع قومه غالبين غانمين ظافرين ودخل القصر بالعز والنصر وصحبته اكابرالقواد
الذين عليهم العتماد وهم يثنون على المهلهل ويقولون ل عدمنا طلعتك ايها البطل فبسيفك نلن المراد وقهرنا العادي والحساد
فل زالت ايامك في سعود وعدوك مقهور ومكمود ثم انه اكلوا الطعام وشربوا المدام وباتوا تلك الليله في سرور وافراح على
ذلك النتصار واما المير جساس فأنه بات في قلق ووسواس وندم على مافعل وقطع من سلمته المل ول سيما لما بلغته
الخبار بأن الختلف والنكسار الذي جرى عليهم في الليل والنهار كان بحيلة المهلهل السد الكرار فزاد همه وعظم حزنه
وغمه فكانت قبائل العرب يطلب منها المساعده على قتال بني تغلب وانظمت عدة قبائل برسم المساعده وصاروا يدا واحده
وكذلك انظم مع الزير جملة قبائل مشاهير فحتى لم يبق في بلد العرب قبيله ال وانضمت مع بني تغلب ( .قال الراوي ) من
غريب التفاق المستحق التسطير في الوراق بأن المير مهلهل حرج ذات يوم في عشرة الف بطل ومعه المير كتيف وكان
من أشراف تغلب وفرسانه الغضاريف وتبطن في جوانب القفر ليجس أحوال بني بكر فمر في قبيلة من قبائل العرب يقال لهم
بنو تميم وهم من فرع تغلب وكانت هذه القبيله ذات خيرات جزيله واجتمع المهلهل بفرسانها وسيدها المير عمر وقال لهم
اركبوا معنا يا نبي تميم لقتال بني بكر فا أبوا وقالوا عن فرد لسان ل نحارب من لم يحاربنا من العربان فقال المهلهل اما شملتكم
الحرب لحد الن فقالوا ال يافارس الميدان فقال فوحق الله الخالق ماكنت اظن انها شملت كل من في المغارب والمشارق
ومادام المر كذلك يوجوه العرب تنحوا عن منازلكم خوفا من حلول الحرب واقصدوا غير هذه الديار مرادنا ان نقاتلهم تحت
ستور العتكار فأن حاربناهم ل تأمنون على انفسكم من شرهم وأذاهم لنكم فرع من قبيلة بني تغلب فأن تقيمون منكم لهذا
السبب فقالوا ما علينا من بئس فانهم يحاربون من يعترض لهم من الناس اغتاض المهلهل من هذا الكلم وكان عليه اشد من
ضرب الحسام فتركهم وسار من الثر بمن معه من العسكر وجد في قطع القفار والتقى بقوم من بني بكر في ذلك الجوار فكبسهم
تحت ظلم الليل وابلهم بالذل والويل فسلبى اموالهم وقتل رجالهم وأخذ رؤوس ساداتهم العظام ورجع في الظلم وطرح
الرؤوس بين خيام القوم المعتزلين من بني تميم المذكورين الذين كانوا راقدين ثم تركهم وارتحل وسار على عجل فلما استيقظت
بنو تميم من المنام ورأت الرؤوس بين اطناب الخيام فاأيقنوا انها مكيده من المهلهل فزاد بهم الخوف والوجل وعلموا انهم لبد
ان العدو يتهمهم في ذلك العمل فنهضوا وارتحلوا من اطللهم بموشيهم واموالهم وانظموا إلى قبيلة تغلب والتجواء بالمهلهل
فارس العجم والعرب فلم يبق قبيله من قبائل العربان في ذلك الزمان ال شملتها الحرب والهوان ( .قال الراوي ) ولما عظم
المر على جساس وضاقت به النفاس فصمد إلى العابد نعمان الذي تقدم ذكره قبل الن فوقع عليه وشكا حاله اليه وبكى بين
يديه وطلب منه ان يسير بالعجل ويقصد المير مهلهل ويطلب منه كف الحرب والطعان من الزمان لحينما ترتاح النفوس
والقلوب من هول تلك الحرب التي اهلكت الرجال ورملت النساءويتمت الطفال فلما سمع قوله رق له فسار إلى عند المهلهل في
الحال وطلب منه ان يكف القتال ولوبرهه قصيره ومده يسيره وذلك لراحه القبيلتين وحير الفريقين فاجابه إلى ذلك المرام لنه
كان يحبه دون باقي النام وامر بتوقيف الحرب عن القوم من ذلك اليوم واشتغل المهلهل في تلك اليام بالملهي وشرب المدام
واكل الطعام وسماع الصوات والنغام ومغازلة النساء في الصباح والمساء وكان جساس يترقب على المهلهل الفرص ليقتله
ويزيل ما بقلبه من الغصص فبلغه في بعض اليام ان الزير طريح الفراش في الخيام من كثرة شري المدام وان اخواته قد
خرجوا للصيد وليرجعون ال بعد ثلثه ايام فجمع اخوته واعلمهم بذلك الخبر واتفق رايهم انه بعد غروب الشمس يركب اخوهم
سلطان في جماعه من الفرسان ويكبس سالم الزير على حين غفله ولما كان الليل ركب سلطان في ثلثه الف بطل وقصد حي
المهلهل ولما صار هناك هجم عليه وهو راقد في الخيمه سكران فاحاطت به الفرسان وقبضوا عليه واوثقوه كتافا ثم نزلوا عليه
بالسيوف إلى ان اثخنوة بالجراح واتلفوه حتى صار عبره لمن اعتبر وكان دمه يسيل كالمطر فزادت افرحهم وزالت اتراحهم
وقالوا لقد بلغنا الرب ورفعنا الحرب عن العرب .ثم انهم وضعوه في جلد جاموس وخذوة إلى عند اخته ضباع وقالوا لها لقد
اتيناك بقاتل ولدك فخذيه واشفي منه غليل كبدك فياما قتل ويتم ورمل فما هان عليها ذلك المر لكنها اظهرت لهم السرور
والفرح وقالت ان جزاء الغدار الحرق بالنار ثم تركوها وساروا واما هي فقد احتارت في امرها وزادت احزانها عليها وانه وان
قتل ولدها فانه سيد للقبيله ذكرا ليبور على مدى الدهور .فبينما هي في بحر الفتكار واذا به قد فاق من غشوته وصحى من
سكرته وقال وهو على اخر رمق سبحان الحي الدائم ثم صاح يطلب عبده شهوان وهو يظن انه في ذلك المكان فقالت له ضباع
قد انتقموا منك أعداك فأصحى فقد ذقت الموت والهلك فلما رأى ذاته عند أخته وهو على تلك الحال انشد وقال :
قال الزير أبو ليلى المهلهل ونار الحزن توقد في حشاه فكان كليب ملك البرايا أتى جساس غدره بالفله جلست في مكانه أخذ
لثأره وكنت أنعيه صباحا مع مساء فقال الشيخ كف الحرب عاجل ولتقتل لسيف ولقناه جلست بخيمتي والدن جنبي وعندي
العبد ماعندي سواه وقومي كلهم للصيد راحوا فعرفوا القوم مع باقي العداه أتوني والمقدر كان كائن وحلى كل مما أن تراه اتوا
بي لعندك يا أخت حتى تنالي الثأر ياغاية مناه كليني يا ضباع أو أقتليني انا أخوك اذا احتبك القناه فانتي تشبهي اللبوات حقا واني
مشبه سبع الفله فألقيني بصندوق مزفت وأرميني ببحر في مياه أيا أسما أفعلي انت بأصلك ربيعه بيننا ما غباه
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه غاب عن الوجود وصار في صفة المفقود وكانت ضباع لما سمعت من أخيها هذا
الكلم صار الضيا في عينيها ظلم ثم انها جاءت بصندوق كبير فوضعت فيه سالم الزير وزفتته وطلته بالقار وكان عندها
عبدان أمرتهما ان يحمل ذلك الصندوق ويلقياه في البحر فحمله وسارت هي معهما تحت جنح الظلم إلى ان وصل إلى
شاطىء البحر فطرحاه هناك في البحر ثم بكت ضباع عندما غاب عنها اخيها ورجعت تنوح من فؤاد أحرقت قلبي بفراقك يا
جميل المحامل وفخر الواخر ثم أنشدت تقول بهذه البيات :
تقول ضباع من قلب حزين ايا عيني فزيدي في بكاها كواني البين في أول زماني رماني الدهر في أعظم بلها ايا دمعي فزيدي
في سخاكي على محزونة فقدت أخاها لقد كان ملوك البرايا ومن أعل ملوك الرض جاها كليب جساس الذي قتله طعنه طعنة
برمحه في قفاها ترك دمه على الرض فاير بحربة مسمعه من السم سقاها وقام الزير كي يأخذ بثأره فقاتل آل مرة ثم هفاها لقد
قتله سلطان بغدر اثني عشر الف حملة فناها فقال خذوه إلى اخته الحزينه لتأخذ ثار ولدها مع أخيها فحطيه في صندوق مقفل
ومن بني مرة ما يعلم حداها وقلت له روح ياجمل المحامل ايا عود بيتي انحناها وقلت قتلته يا فخر قومك ايا حطاما للجائع
عشاها ايا يوما اخذه الموج عاجل وموج البحر يلطم في مداها فقلت له روح ايا سبع بغاب بيوم الحرب ماتعطي قفاها وهذا
صار في عصر الجليله اله العرش يعدمها صباها فسر ياريح واخبر اليمامه لتصبح ثم تمسي في بكاها
ثم رجعت إلى الحي وصبرت حتى رجعت أخوتها وبني عمها من الصيد فأعلمتهم بتلك القضيه وما حل بالزير وقالت وال انكم
بعد المهلهل تتعبون مع جساس فتأسفوا جميعهم عليه وبكوا من فؤاد موجوع ثم ان ضباع كتمت ما فعلت بأخيها وشاع الخبر
انها احرقته بالنار وأخذت الثأر ولما شاع الخبر وانتشر بين الناس فرحت بنو مرة وجساس واما أخوة الزير فانهم شقوا ثيابهم
من فرط أحزانهم وأخذوا يعددوه ويندبوه بالشعار ويذكرون ما له من محاسن الثار وكان أكثرهم حزنا أخوه عدي الذي يقول
فيه :
أيا ويلي فدمع العين هل على الخدين من دمعي صبابه على فقد الفتى مهلهل أنور العين تدري ما أصابه غدونا كلنا للصيد عنه
وهو جالس كانه سبع غابه وعند رجوعنا لم نلتقيه فأحرق وسط مهجتنا غيابه فمن يوم أخيه كليب ولى فل يسرح ول يلقى
صحابه وما فارق محله طول عمره ول نعرف له مده غيابه مهلهل راح من اولد مرة وسهم البين ذر لنا غرابه وبعده كيف عاد
يصير فينا لن جساس ماتحمل عذابه ترى بعده سيمحقنا جميعا يشتتنا ول يخشى عتابه ايا أخوتي ماذا نسوي واين نروح من
هذه العصابه تعالى أخي يا درعان قوللي فقلبي والحشا يا أمير ذابه ايا سراف يا ناصر تعالوا ايا هزوز يا منيه شبابه ويا حنبل
ويا باقي المارة تعالوا واسمعوا مني الخطابه تقول الزير ولى وراح منا قتيل ويندفن تحت الترابه
وأما سلطان فقد رجع مسرورا ووقف امام أخيه جساس وأخذ ينشد :
والمهلهل ناصب الخيمه بعيد في وسط البستان له ياحبيب وحده يسكر بليله والنهار رحت انا اليه من بعد المغيب في ثلثة الف
فارس غانمين كل فارس مثل سبع وديب هجمت عليه يا أخي بالعجل ووقعنا عليه بضرب عجيب ضربه جساس بالغ بالسيوف
حتى صار دمه جاري صبيب ضربه حتى قطع من النفس وانطرح بل مسعف ول حبيب ثم أخذ لخته ضباع لتأخذ بثأر ولدها
الحبيب أخذته حرقته بنار ولقته على جمر نار اللهيب هذا الذي فعلت بعدك ياهمام ياحما البيض في يوم النكيب
( قال الراوي ) فبما انتهى سلطان من كلمه شكره جساس على اهتمامه وقال بارك ال فيك ياهمام فان فعلك هذا يبقى مدى
اليام ثم ساروا إلى الحي وهم في افراح وسرور وانشراح ولما وصلوا الصيوان جلس جساس في الديوان واجتمعت حوله
البطال والفرسان ثم امر بدق الطبول ونفخ الزمور وعمل وليمه عظيمه لها قدر وقيمه فا جتمع فيها خلق كثير من كل أمير
وسيد خطير ورقصت النساء والبنات ودارت بينهم الفراح والمسرات وانشرحت خواطر السادات وكان عندهم ذلك النهار من
أعظم العياد الكبار .
( قال الراوي ) وكان لما بلغ بنو قيس حقيقة الخبر ان المهلهل مات واندثر غابوا عن الوجود وايقنوا بالموت الحمر فزادت
بليتهم وعظمت مصيبتهم فمهنم من أرتحلوا من الديار وقصدوا المير جساس وطلبوا منه المان دون باقي الناس فأعطاهم
المان وجعلهم من جملة الخدم والغلمان ولم يبق عند أخوة الزير الشراف ال شر ذمه يسيرة وعصبة حقيرة فقصدهم جساس
بالبطال ودار بهم من اليمين والشمال فسلموا أمرهم اليه ووقعوا عليه فنهب أموالهم وأخذ نوقهم وجمالهم ثم أشرط عليهم أن
ليوقدوا نارا في الليل والنهار ول يركبوا على ظهور الخيل بل يصيروا مكانهم في الخيام فأجابوه إلى ذلك المرام خوفا من
الندثار ونزول الدمار وبعد هذا رجع إلى الديار بالفر والستبشار فعظم شأنه وتأيد بالعز مكانه وسار في مقام عظيم وحكم على
السبعه أقاليم ( .قال الراوي ) اما اخوه المهلهل فانهم بعد هذا العمل رحلوا من اطللهم باولدهم واطفالهم ونزلوا في وادي
السعاب وهم يبكي وانتحاب وذل وعذاب وصبروا على حكم رب الرباب هذا ما جرى لهولء من العبر واما الزير السد
الغضنفر فانه لما القته اخته في البحر كما سبق الخبر فقذفته المواج في البحر العجاج إلى ان ساقته التقادير اللهيه إلى مدينه
بيروت وكان اسمها الخيبريه وملكها يدعى حكمون ابن عزرا وكان من اجل الملوك قدرا واتفق والمر المقدر ان ثمانيه من
الصيادين بينما هم يصطادون سمك نظروا ذلك الصندوق في البحر العجاج تلعب فيه الرياح وتقذفه طوارق المواج فقال احدهم
للخر انظر يا صمويل هذا صندوق يارؤبل قد ساقه الينا اله اسرئيل ثم انهم قصدوه في الحال وسحبوه إلى الشاطي بالحبال
وذلك بعد تعب ونكد ما عليه من مزيد فقال رئيس الشختور لباقي العوان تعالوا حتى نفسه علينا الن قبل ان نفتحه يااخوان
فناخذ كل واحد منا حقه قدر ما يستحقه فاجابه بعض الرجال ما هو مرادك بهذا المقال فقال ان لي النصف ولكم الخر لني
صاحب الشختور والرئيس الكبر فقال وحق خمار العذير ما تنال منه شيْ ياشبير ثم وقع بينهم الخصام وتشاتموا بالكلم
فضرب احدهم الرئيس بسكين فقتله وكان للرئيس أخ فضربه القاتل بالمقذاف فجندله وما زالوا يتقاتلون طمعا بالمال حتى قتل
منهم عده رجال ولم يسلم سوى رجل واحد واتفق بالمر المقدر ان حكمون كان قد خرج في تلك الساعه مع أكابر دولته للصيد
والقنص فمر من ذلك المكان فوجد الصندوق والرجل والقتلى مطروحه على الرض فوقف وسال الصياد عن السبب فاخبره
بواقعه الحال فتامل الملك في الصندوق فتعجب من كبره وثقله واراد ان يعرف ما فيه فأمر بحمله إلى السريا وارتد راجعا مع
باقي رجاله فلما صار هناك امر بفتحه ففتحوه واذا رجل طويل القامه عريض الهامه واسع المنكبين كبير القدمين مثخن بالجراح
من ضرب السيوف وطعن الرماح وقال الملك لحواشيه ما وجدتم فيه قالوا ياملك الزمان فيه انسان كانه من عفاريت السيد
سليمان له عيون كعيون السباع فلما نظر الملك خاف وارتاع وقال للتباع كم له من الزمان يا ترى في هذا المكان ( .قال
الراوي ) وكان عند هذا الملك حكمون طيب ماهر اسمه شمعون فتقدم إلى الزير وهو مطروح وجس زلقومه وعرق الروح
فوجده يختلج في اعضائه فقا ل ل الملك ان الرجل في قيد الحياه فقال له هل تقدر ان تشفيه وانا أعطيك ماتشتهي قال نعم يا
مولي ثم نهض على القدام وقال بسم ال العلي العظيم فشمر عن زنوده واخذ اسفنجه وبلهل بالماء الخارج ومسح الجروح
ووضع المرهم على القروح ثم جاء بالعسل النحل فغله وفتح فمه واسقاه وفي برهه قصيره اختلجت اعضاءه وتحركت وفتح
عيناه فنظر وتامل في ذلك المحفل فراى جماعه من الرجال صفر الوجوه بسوالف طوال فاعتراه النذهال وشكر الله المتعال
فقال له حكمون من انت ومن تكون وما هو اسمك ؟فقال اسمي الموحد انا عبد الله العظيم رب موسى وابرهيم فقال ما هي
قصتك وسبب وضعك في هذا الصندوق ؟ فقال كنا اربعه سياس عند الملوك وكنت انا المقدم وعلى الجميع فحسدوني وضربوني
ذات يوم بقصد انهم يقتلوني فغبت عن الوجود من الم الضرب ولم ار نفسي ال في هذا المكان .فقال الملك للحكيم خذه إلى عندك
وداويه با لعلج حتى يشفي وبعد ذلك احضره إلى عندي فا خذه الحكيم إلى داره وعالجه مده من الزمان حتى ختمت جراحه
وتحسنت احواله فاتى به إلى عند الملك ولما دخل سلم عليه وتمثل بين يديه فقال له الملك كيف انت الن يا موحد ؟ فقال له
بحسب انظارك الشريفه وقد شفيت وحصلت على دوام العافيه فلله در هذا الحكيم فانه يستحق النعام والكرام فمهما انعمت
عليه فاني ساعطيك اياه فبتسم الملك من هذا الكلم وانعم على الحكيم ثم التفت إلى المهلهل وقال اعلمني بحالك وكيفيه احوالك
واشار الملك يقول :
قال أبو ستير حكمون الملك يا موحد استمع مني المقال هات احكليلي على ما صار فيك ما علمت وما فعلت من الفعال حتى
طعنت يا موحد بالرماح جروحك كثيره بسيوف صقال يا موحد انت اغليوم مليح قرم فارس خيل ماانت نذل قوللي عن ذي
الجرح كيف صار وما سببهم قول يا سبع الرجال ثم اعلمني على ما قد اقول يازكي الصل عن عم وخال في بلدك اتوك
الغانمين يضربون الشور لك معهم مقال بعد هذا قل لنا عن صنعتك الذي تاكل منها خبزك حلل
فلما فرغ حكمون من مقاله قال له الزير أعلم ايها الملك الجليل صاحب الفضل الجميل ان سألت عن حسبي ونسبي ووظيفة ابي
فانه كان ملك من ملوك العربان ثم غدر به الزمان حتى صار يسوس الخيل وانا تبعت مهمته وهذه وظيفتي ومهنتي واشار
يقول :
قال أبو ليلى المهلهل في قصيد يا ملك حكمون يا حكم الخصال في بلدي ان سالت عن الجلوس مجلسي في الوسط فوق اعل
الجبال وان سالت عن الشور كل الشور لي ما أحد يقدر يخالف لي مقال وان وقع الحرب وضرب السيوف فالعذارى هللت فوق
الجمال والسيوف الجدب عاد لها مرير والقتول تلول عادت كالرمال فذاك اليوم انا اعز الملح مامثالي في اليمن وفي الشمال
وان اتاني ضيف انا اعز الضيوف واشبع للضيف من لحم الجمال والفتى المعروف منجد يا امير ابن وائل ذاك لي امير خال ان
كنت تسال يا ملك عن صنعتي صنعتي حاصود في رؤوس الرجال اما ابي فكان ذو قدر عظيم مال فيه الدهر يا حكمون مال
صار سايس بعد عزة للخيول بالكرامه بعد عزة والدلل وانا قد صرت سايس بعده اسوس الخيل ما مثلي مثال وجروحاتي هي
من عص الحصان قد ضربني برجله اربع نعال قمت من كدري ضربته في حشاه راحت السكين للعزال لجل ذاك المهر سوى
هل فعال وارموني بالدل مع كثر الخيال
فلما سمع حكمزن هذا الكلم من الزير غضب عليه وقال له انت كذاب فقد اخبرتني قبل الن رفاقك قتلوك واليوم تقول الحصان
ضربني فتكذب علي وتحرني فلو كنت من الكارم ما جرت عليك هذه العظائم ثم صمم على قتله فتشفعت فيه اكابر دولته
ووضعوه في الحبس وبقي هناك مده سنه كامله وكان يسطو على المحابيس وياكل طعامهم فضجوا منه الناس وشكوا امرهم إلى
الملك وقالوا له اذا كان هذا سايس كما يقول فاجعله يسوس الخيل لنه يقاسمنا على طعامنا غصبا وقهرا وهذا المر ليطاق
فدعه يشتغل وياكل خبزه بعرق جبينه فاستدعاه الملك اليه وقال له هل انت ماهر يا موحد بساسه الخيل قال نعم فقال سلموه خيلنا
فاذا وجدنا له معرفه في ذلك اكرمناه ( .قال الراوي ) وكان كثيرا ما ينفرد بنفسه ويتذكر اهله وعشيرته وما هو فيه من الهانه
والسر ويبكي ويقول ياليت شعري ما جرى على اخلي من بعدي لن السير كما يخفى على الحاذق البصير بمنزله العبد الحقير
ولو كان من بيت شهير وعالم نحير فكيف من تكون جناب المير سالم الزير الذي قهر البطال والغاوير وشاع ذكره عند
الملوك المشاهير فانه بعد ذلك العز والحترام وعلو الجاه ورفعه المقام وقع في اسر بني إسرائيل فكان الموت عليه اهون من
ذها القبيل ولكنه سلم امره إلى ال وقام ينتظر نفوذ حكمه وهو يتامل الفرج والخلص من شرك القناص ونكان قد انتخب له
فرسا من اطايب الفراس كانت طويله العنق قصيرهالراس واجود من القمير فرس جساس فاعتنى بتربيتها حتى حالت قاخذها
إلى الشاطي البحر وربطها هناك فخرج عليها حصان من البحر فشب عليها فراحت حامل وبعد عام ولدت مهر ادهم وكان كامل
الوصاف ململم فسماه الخرج لخروج اباه من البحر ثم فعل معها ذلك العمل في الثاني فولدت له مهر اخر كانه البجر حصان
عنتر فسماه أبو جحلن واعتنى بهما دون باقي الخيل وكان يسوسهما في النهار واليل واستمر على تلك الحال مده اربع سنين
وهو يطلب الفرج من رب العالمين .
حرب برجيس الصليبي مع اليهودي
( قال الراوي ) واتفق في تلك اليام ان برجيس الصليبي أحد ملوك الروام خارج مع احيه سمعان في ماتئي الف عنان من بلد
كسروان وتلك الحدود لمحاربه حكمون اليهودي وذكررواه الخبار عظماء العصار بان مدينه حكمون كانت نفس مدينه
بيروت كانت مزحرفه البنيان وكثيره الحوانيت والبيوت ولما اقترب اليها برجيس بالعساكر النصرانيه نصب خيامه في
الشرفيه وكتب كتابا إلى حكمون يقول فيه الملك برجيس بن ميخائيل إلى حكمون ملك بنو إسرائيل اما بعد فانك قد خالفت
الشروط ولم ترسل لنا الخروج المربوط وقد مضى خمسه اعوام وانت تحاولنا بالكلم فاقتضى اننا قصدناك الن بالبطال
والفرسان كانها مرده الجان ل تخاف طعن الرماح ول نكل الحرب والكفاح فان دفعت الخراج المطلوب من عشر مالك توقفنا
عن حربك وقتالك وال وحق من اوجد النسان والمسيح الذي ولد بل دنس خربنا ديارك وطفينا نارك وقلعنا اثارك وجعلنا
الوليات اليهوديه تابعه للقاليم المسيحيه فاسرع في رد الحرب قبل حلول العذاب ثم انه ختم الكلم بهذا الشعر والنظام .... :
على ما قال برجيس الصليبي كريم الوالدين ايا وجدا شديد الباس ما بين الترابا على السادات دوما مستجدا اذل القوم في سيفي
ورمحي اقد الشوش والهامات قدا انا قاصد لحكمون اليهودي فاعلمه بما قد استجدا واخبره بفرساني وجيشي وما عولت ان افغله
جدا بهم من كل قوم ليث اروع يصد الخليل في الميدان صدا يريد المال ارسله سريعا وان لم يمتثل امري فردا وعشر الخيل مع
عشر العذراى بنات قد زهوا وجها وقدا
(قال الراوي ) ان الملك برجيس سلم الكتاب إلى قائداسمه فرنسيس وامر ان يسير لعند حكمون فيعطيه الكتاب وياتيه بسرعه
الجواب فا متثل القائد امر موله وجد في قطع الفله إلى ان دخل البلد وقصد حكمون دون أحد فلما وصل اليه سلم واعطاه
الكتاب وتمثل بين يديه وكان عند حكمون جماعه من اخيار اليهود وهم يطالعون في التوراه والتلمود ولما فض الكتاب وقراه
وعرف حقيقه معناه احمرت عيناه وصاح على الرسول صوت مثل الغول وقال هكذا يكتب لي برجيس ياخبيث يا تعيس فلول
العار يا ابن الشرار لكنت قطعت راسك واخمدت انفاسك فاذهب وقل لمولك ان يستعد للحرب والعراك فاني لاهابه ول
احسب حسابه فخرج فرنسيس من بين يديه وهو ينفض غبار الموت عن عينيه ثم صاح الملك حكمون على اخيه صهيون
ووزيره قسمون وقال لهما استعدوا للقتال وفرقا السلح على العساكر والبطال فقد اتتنا العساكر المسيحيه والبطال النصرانيه
وقد عسكروا في الشرفيه فاجاباه إلى ما امر في الحال جهز العساكر وفرقا عليها السلح والسيوف والرماح ولما بلغ الملك
برجيس كلم حكمون صار مثل المجنون وعول ثاني يوم على الحرب والصدام ( .قال الراوي ) وعند اشراق الصباح استعد
حكمون للحرب والكفاح فخرج من البلد بالعساكر والعدد وحوله الكهنه والحبار وهم يتلون التوراه والسفار امل بالفوز
والنتصار وكان برجيس قد ركب في ذلك النهار بذلك الجيش وتقدم طالبا القلع والسوار بقوة واقتدار وعلى راسه البيارق
والصلبان ومن حوله القسوس والرهبان وهم يتلون الزبور و النجيل بالتنغيم و التهليل ولما التقى العسكران تقاتل الجمعان في
ساحة الميدان ولتقت الفرسان النصرانية بالبطال السرائلية في تلك البرهه وهجموا على بعضهم هجمات قوية وتضاربوا
بالسيوف المشرفيه وكانت المة العيسوية قد فتكت بالغصبه العبرانية واذاقتها في ذلك اليوم من الهوال اعظم بليه وقتلت مقتلتاً
عظيمة وفيه رجع حكمون وهو يتأسف ويتلهف على حل ما بعسكره من الويل و التلف ودخل إلى البلد مع الجيش وأغلق
البواب وقصد القصر وهو خارج عن دائرة الصواب ونزل برجيس خارج المدينة وكان قد أمتلك ذلك النهار ثلثه قلع
حصينة ( .قال الراوى ) وكان المهلهل قد سمع صياح القوم فسأل عن الخبر فأعلموه بواقعه الحال فتاقت نفسة إلى القتال
ومصادمة البطال فأخذ قصبه بيده وصعد إلى السور ليشاهد تلك المور وكان ذلك المكان بقرب قصر حكمون فنظر القوم وهم
يقاتلون فكان كلما نظر النصارى غلبوا أو ظفروا يقول لليهود تقدموا ول تنكسروا وكان يهدر كالرعد القاصف أو كالريح
العاصف وهو راكب على الحيط كما يركب الحصان ويضربه برجلية ويصيح على الفرسان وأستمر على تلك الحال إلى أن
رجع حكمون إلى البلد وهو في غم ونكد وكان لحكمون بنت كالقمر أسمها [ ستير ] نظرت من الشباك أفعال الزير فتعجبت من
أفعاله وغريب أعماله .فلما رجع أبوها سألته عن حالته وما جرى له في قتاله فاعلمها بواقعة الحال انتصار النصارى في القتال
فبعد ذلك أخبرته أبنته [ ستير ] بما رأته في ذلك اليوم من أعمال الزير وقالت :إذا كانت اعماله صحيحة فأنه يكسر هذا العسكر
ويذيقة الموت السمر ثم اشارت تقول :
تقول ستير أسمع من كلمي نظرت اليوم في عيني العجائب نظرت اليوم من هذا الموحد فعال قد تعيد الرأس شايب فلما دقت
الطبل النصاري وقد هجمت عسكرها تحارب والتقت العساكر بالعساكر وراح السيف يعمل في المناكب فقد ابصرت احوال
الموحد غرائب قد فعلها من عجائب ركب للحيط سواه حصانه كانه ياابي قاصد يحارب ويزعق ثم يلكز في كعابه إلى أن قد
جرى دمه سكايب ويهدر مثل ليث أروع ترج الرض منه و الكتائب يريد الحيط يطلع فيه يغزى وقلبه للقا و الحرب طالب اذا
ولت رجالك قال باطل وان ولت عداك قال طالب ينخي الناس واحد بعد واحد قتل روحه وهو الحيط راكب فهذا قد نظرته اليوم
حقا من الصبح إلى وقت المغارب فل أدري أهو عاقل صميدع ول أدري أم مجنون خائب
( قال الراوي ) فلما فرغت ستير من شعرها ونظامها وفهم ابوها فحوى كلمها اراد ان يستدعيه اليه فقالت له من الصواب ان
يركب أخوك نهار غد ويقاتل العدا وان تبقى في القصر فلعله يفعل كما فعل بالمس فتشاهد أعماله وتختبر احواله فليس الخبر
كمشاهدة النظر فاستصوب كلمها وبات تلك الليله في قلق وضجر ولما اصبح الصباح أمر أخاه أن يركب بالعسكر ويخرج
لقتال النصارى فركب أخوه في عسكر اليهود وانتشرت على راسه الرايات والبنود فالتقته جموع النصارى مثل السود وصياح
البطال وهمهمه الرجال واشتد بينهم القتال وعظمت الهوال وجرى الدم وسال فلما سمع الزير التهب قلبه بنار الشتعال فصعد
على السور وهو حزين النفس وفعل كما فعل بالمس وكان كثيرا يقول يالثارات كليب من جساس المخدول وهو ينخى القوم
ويقول اليوم ول كل يوم وكان حكمون ينظر اليه مع ابنته فتعجب من فعله وهول صورته فأمرها أن تناديه ليحضر أمام دولته
فنادته فالتقت اليها ولباها وقد تعجب من حسن رؤياها قالت ابي يدعوك أن تحضر اليه فنزل وصعد إلى القصر ودخل على
الملك وسلم عليه وقبل الرض بين يديه فقال له حكمون ان كنت قادر على ماتقول وانت من الفرسان الفحول فانزل وقاتل هنا
في هذا النهار المهول فان لنا عليك جميل وأفضال وأن كسرت العداء بلغناك المال وأغنيناك بالمال وأطلقناك من السر
والعتقال .فأمر الملك بأن يعطوه جوادا من أطايب الخيل ودرعا وسيفا فأتوا له بجواد فقال لهم هذا ليحملني ثم أتكى عليه بيده
فكسر أضلعه فأتوا له بآخر جواد ففعل به كذلك ومازال على تلك الحال حتى قتل عشرة خيول فتعجب الملك من قوة بأسه
وشدة مراسه ثم أتوا له بعدة حرب وجلد ففعل كذلك إلى ان أتوه بعدة حرب الملك حكمون فلبسها وكانت من أحسن العدد
وأعتقل بالزبر والكس المهند وركب على ظهر حصانه الخرج الذي كان ينتظر منه الفرج وأخذ في يمينه الرمح السمر
والتفت على حكمون وقال اليوم تنظر فعالي وتعاين حربي وقتالي وتذكرني على طول الدوام ايها الملك الهمام ثم أنه لكز
الحصان وقوم السنان وانطلق إلى ساحة الميدان بقلب أقوى من الصوان وقد هان عليه الموت تحت أرجل الخيل عند بلوغ
القصد والمأمول وكانت النصارى قد كسرت اليهود وفتكت بهم فتك السود فلما رأى المهلهل تلك الحاله استعد للحرب والقتال
وتقدم صهيون أخو الملك حكمون وقال شدوا عزمكم وقاتلوا خصمكم ثم خاض المجال وطلب الميسرة في الحال وقاتل فمدد
أكثرها على الرمال وتأخرت عنه الرجال ورأت النصارى تلك الفعال فاعتراها النذهال وهجموا عليه من اليمين والشمال
فأبلهم بالذل والويل وقتل جماعة من فرسان الخيل وكان كلما كثرت عليه الكتائب وضايقته العساكر والمواكب يتذكر أخوه
كليب السد الغالب فيهاجم هجوم السباع ول يخاف ول يرتاع فعند ذلك تأخرت عنه الفرسان وتوقفت عن قتاله الفرسان وتوقفت
عن قتاله الفرسان وكان برجيس من فرسان المعارك فلما بلغه ذلك نما غيظه وزاد وهجم بالعساكر والجناد طالبا ساحة الميدان
ومن حوله القسوس والرهبان وعلى راسه الرايات واللويه فلما اقتربت من تلك الناحيه وقعت عينه على صهيون أخو الملك
حكمون فتقدم الرض قتيل وفي دمه جديل فعند ذلك ضجت طوائف اليهود ولما رأوا أميرهم مفقود فاستغاثوا بالتوراة والتلمود
فالتقاهم برجيس كالنمرود وقتل منهم كل فارس معدود وكان المهلهل يقاتل من بعيد الفرسان الصناديد ويمددها على وجه
الصعيد فلما رأى طوائف اليهود متأخرة بعد ان كانت ظافرة وهم يصيحون ويندبون على فقد صهيون فلما عرف بالظن الطويه
أخذته الغيرة والحميه فقصد الملك برجيس إلى ذلك المكان وفي الطريق التقى بأخيه سمعان وهو ينخى البطال والفرسان فهجم
عليه هجمه السد وضربه بالسيف المهند القاه على وجه الرض يختبط بعضه ببعض فلما قتل المير سمعان حمل جيش
النصارى على الزير من كل مكان عند ذلك دقت النواقيس وحمل أيضا برجيس وتبعه كل أسقف وقسيس .ولما رأت اليهود
أفعال المهلهل أيقنت ببلوغ المل فارتدت إلى قدام بعد ذلك النهزام التقت الرجال بالرجال والبطال بالبطال وعظمت الهوال
ومازالوا على تلك الحال إلى ان ولى النهار وأقبل الليل بالعتكار فافترقوا عن بعضهم البعض وزالت كل قبيله في ناحية من
الرض ( .قال الراوي ) وكان الملك برجيس قد صعب عليه قتل أخيه سمعان وندم على مجيئه إلى تلك الوطان وكذلك
استعظم حكمو قتل أخيه صهيون فكانت مصيبة عظيمة على الملكين وداهيه جسيمة على الفريقين ولما أصبح الصباح واشرق
بنورة ولح ركبت العساكر واصطفت وانقسمت إلى ميامن ومياسر فتقاتلوا بالرماح والخناجر والسيوف البواتر فكان الزير
كالسد الكاسر وجرى للبطال في ذلك اليوم من الهوال مايشيب رؤوس الطفال واستمروا على تلك الحال وهم في اشد قتال
وخصام عشرة ايام على التمام وكان الزير قد فتك فتكا عظيما وقتل من النصارى عددا من الملوك الكبار أصحاب السطوة
والقتدار أمره نافذ في جميع القطار فخاف من النكسار والوقوع بيد المهلهل الجبار فجمع اركان دولته ووزراء مملكته
وعقدوا بينهم ديوانا فاستقر رأيهم على المصالحه وتوقيف الحرب بعد المصادقه والمصالحه وأن يرحلوا بأمان من الوطان
ويببقوا مع حكمون كالصحاب والخوان على طول الزمان ثم ان الملك برجيس ارسل إلى حكمون بعض وزرائه المعتبرين
يعلمه بذلك ويأتيه بالخبر اليقين فسار الوزير إلى عند الملك حكمون وأعلمه بواقعة الحال ففرح حكمون وباقي المه العبرانيه
لنهم كانوا يخافون سطوة الملوك النصرانيه فأجابه إلى المطلوب وحمد ال الذي اناله من غوائل الحروب وهكذا تم النفاق
ووقع الصلح والوفاق ورجع برجيس من تلك الفاق بمن معه من الرفاق بعد ان رتب على الملك حكمون مال معلوما يدفعه كل
سنة إلى خزينة الملك ( .قال الراوي ) وعظمت منزلة الزير عند حكمون وقال مثلك تكون الفرسان فأنت اليوم عندي كالولد
وأعز من الروح في الجسد فلولك كنت في حال تعيس واستولى علينا الملك برجيسس وكانت الميرة ستير قد شاهدت افعال
الزير فاثنت عليه وقد مال قلبها اليه ثم قالت لعد مناك ايها النحرير فانك تستحق الكرام والخلع وكان الملك قد مال اليه كل
الميل فقدمه عن جميع فرسان الخيل ورفع منزلته على الكبير والصغير ولقبه بالمير وانعم عليه بنشان من الماس ليمتاز به
على كبار الناس واكرمه غاية الكرام واجلسه على سفرة الطعام ولما فرغوا من الكل وشرب المدام قال له الملك تمنى علي
ايها المير والسيد الخطير فمهما طلبت أعطيتك أياه بدون تأخير فطلب منه الزير أن يعطيه السيف والدرع والمهر الخرج
وأعلم حكمون بنفسه وطلب منهه ان يجهز له سفينه ويرسله إلى مدينة حيفا ومن هناك يسير وحده إلى مرج بني عامر محل
اقامته لن نفسه اشتاقت إلى اهله وعشيرته فلما سمع حكمون بواقعة حاله وانه المهلهل زاد مقامه عنده وقال له هذه بلدي وما
أملك واموالي بين يديك فأقيم عندنا طول عمرك فاننا وال لننسى جميلك ومعروفك قال الزير لبد لي من الذهاب لنني لحد
الن ما أخذت بثأري ول طفيت من العدا لهيب ناري عند ذلك أهداه الحصان الخرج وأعطاه السيف والرمح وعدة الحرب
وجهز له مركبا من أحسن المراكب وأمر القبطان بمداراته وامتثال اوامره وانه بعد ان يرجع له عند الوداع ال يبلغك آمالك فل
تقطع عنا أخبارك فسلم عليه المهلهل ودعا له بطول العمر ثم رجع حكمون إلى المدينة وسافر المركب بالتهليل وفي اليوم الرابع
أشرقت السفينه إلى ميناء حيفا والقت مرساها ونزل المهلهل إلى البلد وبقي الحصان في المركب وأمر القبطان ان يحافظ عليه
لوقت الطلب ومن هناك تسربل بالسلح تحت الثياب وقصد دياره فالتقى بطراف ان ناصر وهو حافي عريان وقد كان من
العيان ومن أصحاب الزير فأقبل اليه وسلم عليه فرد الزير السلم ثم عرفه بنفسه وأخبره بما جرى عليه من الول إلى الخر
فقال أهل وسهل بقدومك علينا فوال كنا قد قطعنا المل من سلمتك فالحمد ل على اجتماعنا فقم بنا إلى ربعن حتى ننظر أهلك
لنهم دائما في ذكرك فقال الزير اني ل أذهب إلى هناك حتى اذهب إلى حي بني مرة وانظر باقي قومنا الذين التجؤا إلى جساس
فسر معي إلى هناك فسار ناصر معه وهو فرحان وجدا في مسيرهما حتى وصل إلى أحياء بني مرة فالتقيا با لمير سالم المهيا
قاصدا الصيد مع جماعته ولما اقترب سالم من المهلهل .
الجزء السابع
ونظره حن قلبه اليه فحياه بالسلم وجعل يتأمل فيه ويقول وال من يوم غاب حامينا فقد عزنا وما أبصرنا قامته ال هذا اليوم ثم
دمعت عيونه فقال الزير كيف تبكي عليه وانت ملتجئ إلى اعداءه فعند ذلك عرفه ونزل عن ظهر الجواد ووقع عليه واعتنقه
المهلهل وطيب خاطر جماعته وقال لهم ابقوا على ماكنتم عليه وعندما تسمعون صرير السيوف في أعناق بني مرة فحينئذ
تفعلون ما يجب عليكم فعله فساروا في سرور وأفراح حتى يعلم بعضهم بعضا واما الزير فانه سار وهو وطراف وهما متنكران
حتى دخل إلى حي جساس وقت المساء فوجد الحي في دق طبول ونقر دفوف وأمور تدل على مسرات وأفراح فقال المهلهل في
سره ما عسى ان يكون هذا ولما اقترب من صيوان جساس وجده ممتليا من الناس وجساس جالس في الصدر وحوله الكابر
والعيان والمولدات تدق بالدفوف والمزامر وبعد قليل حضر العبيد بسفر الطعام فقام جساس إلى المائده وتقدمت بعده المراء
وجعلت تتوارد الفرسان وتتزاحم على بعضها البعض فعند ذلك تقدم الزير مع جملة الناس وجلس بقرب جساس وأخذ يتناول من
أنواع الطعمه فلما رآه جساس أنكر أمره وقد استعظم كبر جثته وهو يأكل اكل الجمال فقال له جساس أدعو لي ياشيخ فقال انني
دائما أدعو لك ولست بناسيك على طول الزمان فازداد جساس خوفا وارتجفت أعضاءه ولما انتهى من العشاء أمر جساس
باحضار الرمل وضربه في الحال ورسم الشكال فظهر له انكيس واحمرار وانه قادم عليه أوقات منحوسه وسيظهر رجل لقي
الجلد عن قريب يذيقه الهوال وقد تأكد عنده بأن ذلك هو نفس الزير لنه ليوجد له عدو غيره فالتهب قلبه بناره وصاح من ملو
رأسه يا ستار فجاءت اليه أخوته وقالوا ماأصابك ياأمير فاأنشد يقول :
قال جساس بن مرة في بيوت اسمعوا ياأخواني أهل الوفا ضاق صدري وامتل قلبي هموم فالقلق والغم ضارب بالحشا جمعت
تخت الرمل حورته بسرعه حتى أرى ماهو هذا البل رأيت لقي الجد آت عن قريب صاحب البطش ما بين المل ورأيت الجود له
بيت ضد والجماعه شكلهم واقع حدا ماعاد لي عقل لهذا الرمل قطرة حرت فيه اليوم يا أهل الندى لو يصح القول قلت الزير جا
وها هو جالس بين المرا
فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وفهم الزير مطلوبه وعرف المقصود ووضع يده على قبضة سيفه حتى اذا قال جساس
اقبضوا عليه ليفتك به ويعدمه الحياة ومن كثرة ما جرى على جساس من الغم والوسواس ترك من كان عنده من الناس ودخل
على الحريم خوفا من امر يأتي فلما رآه الزير فعل ذلك قال لبد من قتله ان لم يكن اليوم يكون غدا ثم خرج من الصيوان مع
المير طراف وسارا قاصدين الوطان حتى وصل إلى وادي الشعاب ودخل إلى الخيمه التي فيها بنات كليب فسمعت ابنة كليب
الكبيرة صوته فقالت له من انت وماهو اسمك فلما سمع صوتها عرفها فتقدم اليها فوجدها وشقايقها بثياب الحداد فتقطع قلبه
وهطلت عيناه بالدمع وقال اتقبلوا الضيف يا بنات الماجيد قالت مرحبا فنحن أول من ضاف ولكن قد جار علينا الزمان فأولنا
بعد العز والجاه صرنا في حالة يرثى لها فا قصد يا شيخ محل الوليمه وهو المكان الذي تدق فيه الطبول فتحصل على بلوغ
المأمول فقال بال عليك يا صبيه أن تحكي واقعة حالكم فقد جرحت قلبي بهذا الكلم فقالت اليمامه لقد ذكرتنا بمصابنا وعلى ما
جرى فجلس الزير وهو وطراف وجلست هي بجانبه ثم عرفها هي وشقايقها بنفسه وانه عمها صاحت بصوت عالي من ملو
راسها هذا في الحلم أم في اليقظه ثم وقعت عليه شقايقها يقبلونه وقلن الحمد ل الذي ارانا وجهك بخير وعافيه فوال قد زالت
أتراحنا وتجددت أفراحنا وسمع أبو شهوان عبدالعزيز هذا الخبر فدخل عليه ووقع على قدميه لنهم كانوا يظنون بانه مات
فكانت تلك الليله عندهم من أعظم ليالي الفراح والمسرات وبعد ذلك جلسوا يتحدثون فقالت اليمامه بال يا عماه أن تعلمنا
بقصتك وما جرى في سفرتك فقص عليهم ذلك الخبر وماسمع وابصر وختم كلمه بهذا القصيد :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل عيوني دمعها جاري بكاها بكت دما على ماصار فينا ليالي السعد ماعدنا نراها عدمنا فارس الهيجا
كليب عقاب الحرب ان دارت رحاها دهتني آل مرة جنح اليل لتقتلني وتشفي ما دهاها فكنت بخيمتي ملقى طريحا ثلث آلف
درتني قناها وسحبوني لعند ضباع أختي والقوني طريحا في حداها وقالوا يا ضباع خذي أخوكي أخذنا روحه قوى عزاها
فالقتني بصندوق مزفت وأرمتني بوسط البحر تاها واقتني مياه البحر حال إلى بلد اليهود على رباها وجابوني لحكمون اليهودي
أجل ملوك الرض جاها فداواني وعالجني سريعا فزالت كربتي مما دهاها بقيت انا ثمان سنين غائب وزال الشر عني مع عناها
أسأل ال أن يحفظكم جميعا على ماطالت الدنيا مداها
( قال الراوي ) وكانت ليلة عند بنات كليب من أعظم الليالي وحضر تلك الليله جميع أصحاب الزير ففرحوا وانشرحوا بقدومه
وهنوه بالسلمه فقال لهم من الوفق أن تكتموا أمري لحينما أتجهز لقتال العادي وأحضر جوادي ثم أعلمهم بخبر الحصان وانه
أبقاه في المركب عند القبطان لبينما يكون شاهد أهله وأقاربه ولما أنتصف الليل ودعهم وسار قاصدا شاطىء البحر هذا ماكان
منه واما مرة أبو جساس فكان من عادته أن يذهب كل يوم إلى ساحل البحر ويتجسس الخبار ويعود في آخر النهار فاتفق ان
عبدان من عبيده كانا قد نظرا المركب عند قدومه إلى ميناء حيفا فأعلماه به فاستأجر قاربا وقصد ذلك المركب وعند وصوله
اليه وجد ذلك الجواد المذكور فاندهش من رؤياه فسأل القبطان عنه فقال له القبطان هذا حصان الزير وقد حضر معنا من
بيروت وسار نحو يومين لزيارة أهله ولم يكن القبطان يعلم ماهو جاري بين القوم من العداوة والحرب لما سمع مرة بخبر
المهلهل وانه عاد سالما غانما استعظم المر وتعجب ولكنه كتم الخبر وقال للقبطان اتبيعني هذا الحصان فقال كيف ابيعه وهو
مودوعا على سبيل المانه فقال لبد من ذلك أما أن تقبض ثمنه خمسة آلف دينار أو آخذه منك بالقوه والقتدار لن ابني جساس
ملك هذه الديار وبيدنا زمام الحكام ومازال يلح عليه بالكلم إلى ان امتثل وأجاب خوفا من أخذه بالقوة والغتصاب فقبض
القبطان الدراهم وسار مرة بالحصان إلى عند ابنه جساس وهو كاسب غانم واعلمه بواقعة الحال وقدوم المهلهل إلى الوطان
ففرح جساس بالحصان لنه كان من أجود خيول العراب ولكنه خاف من الغوائل وعلم انه لبد من تجديد الحروب بين القبائل
فاجتمع بأهله وأعلمهم بالخبر وأن يكونوا على استعداد وحذر .هذا ماكان من جساس واما الزير الفارس الدعاس فانه عند
وصوله إلى البحر سار المركب فلم يجد الحصان فسأل عنه القبطان فأخبره بما جرى وكان فلما سمع منه هذا الكلم أراد أن
يضرب عنقه بحد الحسام ولكنه توقف عن أذاه أكراما لخاطر موله ثم أمر بالرجوع إلى عند الملك حكمون ليقص عليه الخبر
ويطلب منه الجواد الخر فامتثل القبطان أوامره وأقلع من تلك الساعه حتى وصل إلى بيروت فأنزل الزير في القارب وسار به
إلى عند الملك حكمون ودخل عليه وهو في السرايه فلما رآه حكمون فرح فرحا شديدا وقال أهل وسهل بالصديق الحبيب
وترحب به غاية الترحيبب وأجلسه بجانبه وأقام بواجبه وأشار يقول وعمر السامعين يطول :
قال حكمون بن عزرا في بيوت تشرح الخاطر وترضي السامعين أنورت علينا الدنيا ياهمام يامريع الخيل اذا طال الكمين يا
مهلهل انت عز المحصنات انت فخر للناس الماجدين قصدت أهلك ثم جيت لعندنا هل شفت أهلك يا مهلهل سالمين اذا كان يلزم
نجده أحكي لي حتى أسير بالجيش كله أجمعين طيب قلبك يا مهلهل لتخاف ثم اطلب يا ضيا عيني اليمين
فلما سمع الزير كلمه شكره وأثنى عليه وأخبره بما جرى وكان من فقد الحصان وان السبب في حضوره الن أول لجل سؤال
خاطره الشريف وثانيا ليطلب منه المهر الثاني وختم كلمه بهذه البيات :
قد أتيت اليوم في قلب حزين على فقد مهري الخرج الثمين فان شئت أعطني أخوه يا معز الجار وفخر العلين ل أريد مال ول
كثرة نوال غير أبو حجلن مطلوق اليمين يا ملك حكمون ان مالي كثير كل مال البر في يدي خزين
فلما سمع حكمون هذا المقال تبسم وقال مهما طلبت منا لنعزه عليك وجميع أموالنا بين يديك فوال اننا لننسى جميلك ومعروفك
على الزمان وان أبو حجلن بعد رواحك من الوطان أظهر الوحشه ونفر من جميع الناس حتى لم يقدر عليه أحد من السياس ثم
طلب منه أن يبقى عندهم عدة أيام ليستريح من متاعب السفار فاعتذر وقال لبد من الرجوع في هذا النهار فأعطاه حكمون
الحصان وسار إلى المركب وعند وصولهم اليها نزل بالجواد إلى المدينه فركب وقصد أهله فاتفق في تلك الساعه أن رجل من
قبيلة جساس ابصر الزير فعرفه وسار إلى عند جساس وأخبره بقدومه وقال له انني خايف عليكم من سطوته شاهدته في هذا
النهار وهو مثل السد الكرار ثم اشار يقول :
يقول الشيخ يا أولد مرة تعالوا واسمعوا لي يا فوارس ايا جساس يا همام اسمع ايا ملك يا أهل المجالس فقد كنت قرب البحر
سائر رأيت خرج على اليوم فارس على ادهم اقب الضلع فارح وفوقه درع من بولد لبس وفي كتفه قنا اسمر مكعب بطل
صنديد يوم الروع عابس فهذا فارس البيداء مهلهل مريع الخيل للبطال داعس
( قال الراوي ) فلما فرغ من شعره ونظامه أجابه سلطان بن مرة بهذه البيات :
يقول اليوم سلطان ابن مرة كلم الشيخ صادق يا فوارس فان كان أبو ليلى سيظهر يخلي دمنا مثل البواطس ويسبي من قبائلنا
عذارى ونترك أرضنا قفرا دوارس وليقبل رجاه ول عطاه ويطرحنا على الغبرا نواكس
( قال الراوي ) فلما انتهى سلطان من كلمه وقع الخوف في قلوب القوم وأخذوا يستعدون للقتال من ذلك اليوم وأما الزير فانه
كان قد جد في المسير حتى وصل إلى دياره والتقى بأهله وأنصاره فلما رأوه فرحوا به واتت اليه اليمامه وشقايقها وكذلك أخوة
الزير وكل من في الحي من نساء ورجال فوقعوا عليه وقبلوا يديه وانتشرت الخبار بقدومه إلى الديار بين الكبار والصغار حتى
ملت القطار فأقبلت البطال والفرسان وتواردت اليه السادات والعيان وسلموا عليه وتمثلوا بين يديه وهنوه بالسلمه فشكرهم
واثنى عليهم وترحب بهم فذبح الذبائح وأولم الولئم ووعدهم بالمكاسب والغنايم وبعد أن أكلوا الطعام وشربوا المدام أنشد عدي
أخو الزير يقول :
يقول عدي أبيات فصيحه أتانا الزير والمولى عطانا وكنا قبل ما يأتي الينا بحال الذل في قهر حزانا وجساس الردي عايب علينا
يريد هلك تغلب مع أذانا فأمرنا با نبقى جميعنا على طول الليالي مع نسانا ول نركب خيول صافنات ولنقل سيوفنا في حمانا
الينا جيت يا جميل المحامل ويا كهف العذارى والمانا لربي الشكر ثم الحمد دايم أذا ماجئتنا نقهر عدانا ايا سالم فانهض شد
عزمك واركب فوق مطلوق العنانا ونركب ثم نحمل فرد حمله على اولد مرة في لقانا ونترك دورهم بورا وقفرا ونقتلهم ونأخذ
ثارا أخانا
( قال الراوي ) فلما فرغ عدي من كلمه تقدمت اليمامه نحو عمها وشكرت ال تعالى على سلمته ودعت له بطول العمر
فضمها إلى صدره والتفت إلى من حوله وانشد وقال :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل ال يابنات ان السعد جاكم وأقبل سعدكم والشر ولى وراح الشر عنكم لعداكم ثماني سنين وسط
البحر غائب وبالي عندكم مما دهاكم وفرج ال همي وغمي وخلصني وجيت إلى حماكم حيث اتيت زال الشر عنكم ونلتم يا بنات
مني مناكم غدا جساس أقتله بسيفي وآخذ يا بنات بثار أباكم وانتم يا عدي ودريعان وباقي أخوتي تسلم لحاكم فأتوا بالصوافن
واركبوهم وهبوا جميعكم ومن معاكم ودقوا طبلكم يآل قيس وقيموا النار فس ساير حماكم وخبوني بعيد عن المنازل غدا جساس
يبرز للقاكم فلقوه على خيل ضوامر واني سوف اهجم من وراكم
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه طابت قلوبهم وانشرحت صدورهم وزالت عنهم التراح وايقنوا بالنصر والنجاح
ومازال بنو قيس يجتمعون إلى الزير ويتواردون حتى صاروا في جمع غفير وعدد كثير فاستعدوا للقتال والنزال فأطمعوا
الجوعان واكسوا العريان وأوقدوا النيران ورجع الحي كما كان هذا ماكان من الزير وقومه وأما بنو مرة فلما بلغهم الخبر وكيف
ان بنو قيس قد التموا بعد التفريق والشتات من جميع الجهات وهم في أفراح ومسرات أجتمعوا بجساس وقصوا عليه الخبر
وقالوا له لو لم يكن الزير قد ظهر لما كانوا بنو قيس اجتمعت على بعض هذه اليام وخالفت أوامرك ومراسيمك العظام فقال لهم
كفوا عن هذا المقال ول يخطر لكم الزير على بال فاستعدوا للحرب والقتال فعند ذلك استعدت الفرسان الفحول وركبوا ظهور
الخيول وتقلدوا بالسيوف والنصول ولقد أملوا بالنجاح وبلوغ المأمول وركب جساس حصان الزير الخرج وسار بذلك الجمع
الغفير ولما أقتربوا من حي بني قيس سمعت أبطال الزري دق طبولهم وصهيل خيولهم فهاجوا وماجوا فأمرهم الزير أن يتأهبوا
للقتال ويلقوهم إلى ساحة المجال فتبادروا في المجال وتقدمت الفرسان والبطال وركب الزير على مهره أبو حجلن وسبقهم
إلى الميدان وكمن في بعض الروابي والتلل مع جماعة من الرجال ولما اقترب جساس من رجال بني قيس قال لهم لقد خالفتم
أوامري وغركم الطمع وهجم عليهم بالرجال وأحاط بهم من اليمين والشمال فالتقوه بقلوب كالجبال واشتد القتال بينهم وعظمت
الهوال وجرى الدم وسال فلما راى المهلهل تلك الحوال لكز الحصان وتقدم إلى ساحة الميدان فشق الصفوف والكتائب ومرق
المواكب وهو يهدر ويصيح من قلب فريح ابشروا يا بني بكر ياأنذال ميحل بكم من الوبال على ماعلمتونا به من سوء الفعال فقد
اقسمت برب النام الذي ليغفل ولينام أني ل أترك منكم شيخ ول غلم ثم انه مال وجال وضرب بالسيف العال وتبعه الفرسان
والبطال من اليمين والشمال فلما سمع جساس صوت المهلهل انقطع قلبه من الخوف والوجل ولكنه ثبت في ساحة الميدان خوفا
من الهلك والقلعان وأخذ ينخي البطال والفرسان على القتال والثبات والهجوم على لقاء العادي قبل الممات فثبتوا ثبات
الجبابرة وقاتلوا قتال السود الكاسرة ولكنهم لم يقدروا ان يثبتوا أكثر من ثلث ساعات حتى انصبت عليهم النكبات وبلوا ببليا
ل تطاق من سيف المهلهل فارس الفاق فولوا الدبار واركنوا إلى الهزيمه والفرار بعد ان قتل منهم عشرة آلف فارس كرار
وتبعهم المير جساس وهو في قلق ووسواس وغنم بنو قيس منهم غنائم عظيمه ومكاسب جسيمه ورجعت إلى الديار بالعز
والنتصار والبطش والقتدار وفي مقدمتهم المير المهلهل الجبار وهو مثل شقيقه الرجوان مما سال عليه من أدميه الفرسان
ولما وصل إلى المضارب بقواد المواكب لقته بنات أخيه وجماعته من أقاربه وأهاليه فشكروه على تلك الفعال وقالوا مثلك
تكون البطال والفرسان ثم انه جلس في الخيام وجلست حوله السادات العظام وجبابرة الصدام فتحادثوا في الكلم وشكروا رب
النام على بلوغ القصد والمرام وبعد ان اكلوا الطعام وشربوا المدام التفت بعض القواد إلى المهلهل فارس الطراد وقالوا بال
عليك أن تنشدنا شيئا من اشعارك لن قلوبنا مشتاقه على الوقوف على أخبارك وماجرى لك في أسفارك فعند ذلك أنشد يقول
وعمر السامعين يطول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل فكل مقدر لبد يأتي نزلت ياأخوتي وابناء عمي بجنح الليل ليدروا صفاتي فقالوا ضيفنا شرطوا
علينا فل نوقد النار في الفلة تكافحت اليمامه مع حمامه وقالوا عمنا هيهات يأتي فقلت لها لبيك جئتك انا مرادي السباع
الكاسرات فجيت لعندها في قلب صامد وجدت عيونها مقرحات قلت يا يمامه ليش تبكي جرحت بالبكا قلبي لني فهمك يايمامه
ليس تبكي اذا ثارت حروب الفلة انا همي كراديس الفوارس اذا ما وهجت نار العداة وجيت انا علي جساس رامح هرب مني
وصاح أنوا العداة وقال الزير جانا يا بلنا وطالب تارة بالمرهفات فقولوا لبن مرة ياتي عندي اتاه الزير دباح العداة
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه شكرته أخوته وجميع قوامه فعند ذلك تقدم سالم المهيأ اليه وقبله بين عينيه وأشار
يقول :
على ما قال سالم المهيأ مهلهل جيت هذا اليوم يومك وزال النحس والتوفيق أقبل وأضحى القطر يزهو في قدومك ولما جيت يا
زين الفوارس ازلت همومنا وزالت همومك فقم أركب عليهم يا مهلهل نهار وليل ما أحد يلومك وخذ الثار من جساس حال
وافرج همنا واخلي همومك
( قال الراوي ) فلما فرغ سالم من شعره طابت قلوب الجميع وعادوا لما كانوا عليه من الفرح والمسرة واما بنو مرة ابتلوا بالذل
والويل من حرب الزير فارس الخيل ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولح ركب المير مهلهل في مائة الف بطل وطلب
حرب القوم فالقاه جساس في ذلك اليوم وكان بمعيته مائه الف مقاتل بين فارس وراجل فانتشب بين الفريقين القتال وعظمت
بينهم الهوال وقاتل المهلهل حتى استقتل فنكس البطال الفحول على ظهر الخيل وقتل جماعه من السادات العاظم الذين
اشتهروا بالفضل والمكارم وشاع ذكراهم وشاع ذكراهم بين العارب والعاجم فمنهم المير شهاب المكنى بعقاب وغيره من
السادات والنجاب واستمر القتال على هذا الحال طول ذلك النهار فانكسرت بنو مره اشد انكسارورجع المهلهل بالغزو
والنتصار ولما كان الصباح ركب المهلهل والفرسان فالتقاه جساس بالرجال وتقاتلوا اشد قتال ولما تقابلت الصفوف تبادرت
المئات واللوف وبرز أخو جساس بين الصفين ولعب برمحين بين الفرقين وطلب قتال المهلهل فانطبق عليه وحمل كانه قطعه
من جبل او قله من القلل فتطاعنا بالرماح وتضاربا بالصفائح وثبت شاوش امام الزير ثبات البطال والغاوير لنه كان من
البطال المشهوره والفرسان الذكوره واستعمر الئتان نحو ساعه من الزمان وهم ضرب وطعان وكان المير شاوش قد حتم
على نفسه امام البطال اما ان يهلك في النهار او ان يظفر بخصمه ويعيش في عز واقبال ثم صاح على المهلهل وطعنه بالرماح
قاصد قبض روحه فالتقاها المهلهل بالدوقه فراحت خائبه بعدما كانت صائبه ثم تقدم المهلهل وهجم عليه وضربه بالسيف على
عاتقه خرج يلمع من علئقه فوقع على الرض قتيل وفي دمه حديل ثم هجم على الرايات وطعن الفرسان والسادات وقتل
الرجال ومدد البطال في ساحه المجال وفتك فيهم قتك فيهم فتك السود الكاسره وفعل افعال تعجز عنها صناديد الجبابره وفعلت
ابطاله مثل افعاله فقاتلوا القتال المنكر واذاقوا العداء الموت الحمر فلما راى جساس ما حل بقومه من العذاب استعظم
المصاب وخرج عن دائره الصواب وزاد اكتئاب وذلك على فقد اخيه ليث الغاب لنه كان يحبه محبه عظيمه وموده جسيمه
فبكى وانسحب وولى يطلب لنفسه الهرب وتبعه رجاله وابطال ورجع الزير بباقي الفرسان إلى المنازل والوطان وهو شقيقه
الرجوان مما سال عليه من ادميه فالتقته اليمامه بالعتزال والكرامه ثم نزل في الخيام مع السادات الكرام فاكلوا الطعام وشربوا
المدام وكان في كل يوم يركب حسب عادته لحرب القوم حتى بلغ منهم غايه المنى وابلهم بالذل والعنا فلما طال المطال على
بني مره الهوال جمع جساس الرجال ومن يعتمد عليهم من المطال وقال لهم ما هو قولكم في هذا المر العسير فقد حل بنا
التدمير وهلك كل سعيد وامير وان طال القتال لم يبق أحد من الرجال فقال اخوة سلطان الراي ىعندي ان تأخذ اختنا الجليله
وبعض نساء القبيله وتذهب اليه وتقع عليه وتطلب منه كف الذى والضرر وتعطيه اديه اخوه مهما امر وتقيمه ملكا على بلد
الشام وتدفع له الجزيه في كل عام فقال جساس من يذهب وقص هذا الكلم عليه قال انا وانت يا أخي فبتسم جساس وقال سمعت
بأحد من الناس يرى الموت بين يديه فيزحف اليه على رجليه فقال سلطان انا اذهب اليه بنفسي لن بيني وبينه مودة قديمه
ومحبه مستقيمه ثم انه نهض في الحال وتاهب للسير والترحال واخذ معه اخته الجليله وبعض من نساء القبيله وقصد المهلهل
حتى وصل اليه وسلم عليه وقال بال عليك ان تصفح عنا فقد اهلكت رجالنا ولم تبق أحد منا وقد اتيتك الن مع امراة اخيك
الجليله واكابر نساء القبيله تقع على ساحه اعتابك وتطلب من جنابك وتبلغك غابه الرب من الفضه والذهب ونقيمك ملكا على
هذه الديار وتكون طوع لك مدى العصار لنك سيفنا الثقيل ورمحنا الطويل ثم انشد هذه البيات بحضور المراء والسادات :
قال سلطان بن مرة في بيوت يا مهلهل استمع مني القصيد ليت عمرك يامهلهل الف عام ياحماه البيض في يوم الشديد فاعف عنا
وانت يا سياج المحصنات ليت عمرك كل يوم في مزيد نحن منك وانت منا ياهمام كلنا اولد عمك يارشيد فاعف عنا ثم دعنا في
حماك تحت ظلك عيشك يبقى رغيد
فلما فرغ من شعره ونظامه أجابه المهلهل :افتهم يا ابن عمي ما اريد افتهم فحوى كلمي في قصيد ليس لي ذنب في أي المور
وانا في حقكم لست عنيد غصب عني يا سياج المحصنات على عمرك يا ولد عمي يزيد كل ذا جاري عليكم يا رجال على يمامه
بنت اختك الكيد اليمامه كل يوم تقول خذ بثاري ايها البطل العنيد فان عفت انا عنكم اعف كل قول صادق وال شهيدا وان ابت
ل اخالف قولها انني عن امرها لست احيد
( قال الراوي ) فلما انتهى الزير من شعره ونظامه قال للسطان ومن حضر معه انني ل اكف الحرب والقتال ول ارفع عنكم
السيوف الصقال إلى يوم القيامه او تمنعني اليمامه فاذهب اليها وخاطبها بما خا طبها به امام هؤلء العيان فعساه ان تجيب
طلبك يا سلطان فعند ذلك قصد سلطان اليمامه اخته الجليله ومن حضر معه من نساء سادات القبيله فدخلوا جميعا اليها وسلموا
عليها وقبلت الجليله بناتها وقالت لهن اما كفي يا بنات الكارم والوقار فقد قتلت رجالنا وهلكت فرساننا وابطالنا وساءت احوالنا
وصارت عبره لمن اعتبر ومثل بين البشر فا جابتها اليمامه انا لاصلح حتى ليبقى منا أحد يقدر ان يكافح ان كان عمي عجز
من قتالكم فانا انوب عنه والتقي بابطالكم ثم انها ختمت كلمها بهذا الشعر والنظام :
قالت يمامه من ضمير صادق يا جليله اقصرى عن عناكم انت وخوالي وكل عشائري ل تزيدوا لفظكم ول لغاكم قتلتم الماجد
كليب والدي غدرا وما له ذنب معاكم جساس طعنه من قفاه بحربه ودعاه على الغبرا حقير حداكم انا واخوتي بقينا بذ له نمسي
ونصبح ولننسى بلكم انا ل اصالح حتى يعيش ابويا ونراه راكب يريد لقاكم
( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من شعرها ونظامها وفهمت الجليله فحوى كلمها ر جعت هي واختها مع باقي النساء إلى
الحي بدون ادنى افاده واخبروا المير جساس بواقعه الحال وما سمعوه من المقال فاعتراه الخوف والنذهال وايقن بالهلك
والوبال فقال اخوه سلطان وكان ذا مكر واحتيال اني سأهلك الزير ايها المير واقوده اليك عند الصباح كا لبعير فقال ماذا عولت
ان تفعل وما هو العمل قال اني اقصد الميدان في جماعه من العوان واحفر هناك ثلث حفاير ونغطيهم بالقش حتى يخفوا عن
عيون العساكر فما كان الصباح والتقى الجحفل بالجحفل فتبرز انت إلى المهلهل وتكون انت عارف بهم فتقوده اليهم وبهذه
الوسيله تتم الحيله فيسقط ويهلك في هذا الشرك فنخلص من شرة وتبلغ ما انتمناه فاستصوب جساس هذا اراي واستحسنه وخرج
ذلك الليل مع اخيه سلطان في جماعه من العبيد والعوان حتى وصلوا إلى المكان فحفروا ثلث حفائر عميقه وغطوها بالقش
ووضعوا عليها التراب حتى يخفى عن العيون ثم رجعوا إلى اماكنهم وهم مسرورين وباتوا تلك الليله على مقالي النار وهم
ينظرون طلوع النهار هذا ما كان هؤلء واما الزير البطل النحير فانه ركب في الصباح بفرسان الكفاح وقصد ساحة الميدان
بقلب اقوى من الصيوان فالتقاه جساس بالعسكر ثم انفرد بنفسه نحو الحفاير واخذ يلعب الجواد على عيون العساكر والقواد
فرآه بعض الفرسان وهو يجول في ذلك المكان على ظهر الحصان فأعلم المهلهل بذلك الشأن وقال له ان خصمك ظاهر للعيان
وهو في تلك الناحيه من الميدان فلما رآه المهلهل قصده على عجل ليقتله ويبلغ المل فلما اقترب منه ابتعد جساس وانطبقت عليه
باقي الناس بقصد ان يطعنوه ويهلكوه ويعدموه فلله در الحصان أبو حجلن فانه كان من عجائب الزمان وغرائب الوان أخف
من الغزلن واسبق من البرق عند اللمعان فانه عندما وقع ضرب بحافرة الض ارتفع حتى صار بين الفرسان بالميدان فرجعت
الخيل عنه مدبرة فاستعظم تلك المور المنكرة وغاب عن الوجود حتى صار بصفة مفقود فرأى جساس ينخى ابطاله ويصيح
على رجاله فتقدم نحوه بالجواد ليشفي من غليل الفؤاد فاتفق المقدر بوقوعه في الحفرة الثانيه من تلك الحفر فوثب به الجواد
وانتصب اسرع من النظر اذا وثب حتى صار على وجه الرض فانقلبت عليه العساكر على بعضها البعض فزاد بالزير الكدر
وطار من عينيه الشرر فقصد المير جساس دون باقي الناس ليقتله ويعدمه الحواس فكبى به الجواد في الحفرة الثالثه وكانت
عليه اقبح حادثه وكان جواده قد اعياه التعب وضعفت قواه وانحل منه العصب حتى لم يعد يمكنه ان يفعل كما كان يفعل وكذلك
المير مهلهل فقد انهد حيله وطاش واعتراه الخوف والرتعاش وايقن بالهلك والممات وآيس على نفسه من الحياة فكانت علة
عظيمة وداميه جسيمه فلما بلغ جساس المل ونجح بذلك العمل ايقن ببلوغ الرب وصاح من شدة الطرب على باقي رجاله ومن
يعتمد عليهم من ابطاله يا ويلكم ادركوه واطمروه واقتلوه فان تخلص هذه المرة من هذه الحفرة ل تتأملوا بنجاح أو نصر فلما
سمع الرجال منه هذا المقال قصدوا ذلك المكان من اليمين والشمال وكانت ايضا بنو تغلب قبيلة الزير فارس العجم والعرب قد
اقبلت ابطالها وفرسانها ورجالها وانشب بينهم وبين القوم قتال لم يسمع بمثله قبل ذلك اليوم وكان القتال في ذلك اليوم بجانب تلك
الحفر ولما عظمت الهوال وتكردست جثث القتلى على الرض مثل التلل من ضرب السيوف وطعن النصال هجم جساس
امام الناس وقال للفرسان والبطال والشجعان ادركوني في هذا النهار واسعفوني بالتراب والحجار واردموا هذه الحفرة في
ساعة الحال وانا ارد عنكم هجمات الرجال فتقدموا من عجل وبادروا باجراء هذا العمل غير انهم لم يبلغوا المل لن أخوة
الزير والفرسان المشاهير هجموا عليهم من اليمين واليسار وضربوا فيهم السيف البتار فأبلوهم بالذل والدمار وكان المير مرة
بالقرب من تلك الحفرة فرآه عدي أخو الزير فتقدم اليه وقبض عليه والقاه في تلك الحفرة بالعجل وقال خذ عمك يامهلهل ولما
صار بالقاع ضربه بالسيف فقتله ثم اخرجوا الزير من تلك الحفرة بالقوة والقتدار فعند ذلك انشرحت من بني تغلب القلوب
وزالت عنهم الغموم والكروب وايقنوا بالفلح والتوفيق والنجاح وقصدوا الحرب والكفاح والتقوا أعداءهم بأسنة الرماح ومال
ايضا الزير على القوم ونادى اليوم ولكل يوم وفي الحال اشتعلت النيران القتال وقامت الحرب على قدم وساق وارتجت جوانب
الفاق من ضرب السيوف الدقاق والرماح الرقاق وجمدت من القوم الحداق وفعل الزير في ذلك اليوم فعال لتطاق ومازاولوا
في أشد قتال إلى وقت الزوال فعند ذلك دقت طبول النفصال فرجعت بنو مرة بالويل والحسرة والمهلهل بالنجاح والنصرة فنزل
عن ظهر جواده وخلع آلة حربه وجلده وجاءت السادات واكلت من زاده ولما جلس في الصيوان ونادى على عبده ابي شهوان
باحضار المدام إلى الديوان فأحضره بالعجل فتناوله منه المهلهل ومن حضر في ذلك المحفل فعند ذلك تذكر الزير ماجرى له
في ذلك اليوم المهول فأنشد يقول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل فدمع العين هطال عمانا لقد قتلوا أخي اولد عمي وقالوا ما راوه ال جبانا ول يدرون بأسي
واقتداري فقطعتهم ولم أخشى الزمانا أتتنا في كليب اولد مرة اتونا داخلين على نسانا وقالوا كف عنا يا مهلهل فقد حكمت سيفك
في اذانا فاطلب ما تروم اليوم منا واتركنا فقد صرنا حزانا فقلت لهم روحوا لليمامه رضاها اليوم احسن من رضانا قتلنا كليب
الوف قوم فما فيهم ردي ول جبانا قتلنا من بني مرة امارة ملبسها ثياب الطيلسانا فرحوا الكل قد وقعوا عليها وقالوا عمك
ارسلنا عيانا فقالت اذهبوا اولد عمي فهذا القول ضحك في لحانا فانا ل نصالح في كليب ال ان نراه على الحصانا وقد حفروا
لقلعاني حفاير وغطوها وقالوا قد كفانا فركبوا خيولهم واتوا حداها وقالوا قد اتانا قد اتانا وقف جساس ما بين الحفاير هجمت
عليه اطعنه السنانا فولى هاربا من هول حربي ومرة قد قتلناه عيانا فكوني يا يمامه في انشراح وحظ دايم في طول الزمانا
فسوف ابيد جساس بسيفي وكل سيد يبغي اذانا
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من شعره ونظامه شكره جميع اقوامه ولما كان الصباح رجعوا على ماكانوا عليه من الحرب
والكفاح ومازالوا في قتال وصدام مدة من اليام ولما طال المطال اتفقوا على توقيف الحرب والقتال واخذوا هدنة شهرين لراحة
الفريقين فاتفق في بعض اليام بينما كان الزير خارج الخيام معه جماعة من الخدام واذا برجل يقود مهر ادهم كامل الصفات
فاستحسنه الزير غاية الستحسان وقال لقائده ماهو اهل هذا الحصان يا حلو الشمائل ايه من الخيول الصايل قد اتيت به من ابعد
الحلل لهديه للمير مهلهل فتعجب الزير من التفاق الغريب وقال لقد نلت مرادك من قريب فانا هو مهلهل الذي انت قاصده
فاخذ منه الجواد وامر له بالف دينار وبلغه مقاصده فدعا له بطول العمر والبقاء وعلو الشأن والرتقاء وسار من يومه إلى قومه
فاعتنى الزير بذلك الحصان وفضله على جميع الخيول والجياد واتفق في ذلك النهار انه التقى برجل ختيار وهو راكب على دلة
سوداء مثل الظلم ووراها كر ابن سبعة ايام وهو يبرطع خلفها وتارة من قدام فلما رأه الزير اعجبه وقال لذلك الشيخ اتبيع هذا
الكر فقال بكم فقال ليس على الكريم شرط فأعطاه الزير مائة دينار وأخذه منه وسلمه إلى السايس فرباه مدة اربع سنوات ثم دخل
الزير ذات يوم إلى الصطبل فنظر الكر وهو متعافي فأمر السايس ان يضع عليه عدة ولجام فأخرجه واسرجه ولجمه فركب
عليه الزير وساقه ورجع إلى الوراء فرده إلى اليمين فراح شمال واجتهد ان يمشه فما كان يمشي معه فغضب منه ولكزه برجله
في الركاب فتضايق المشوم من فعاله وضربه بنعاله ضرط ضرطة من شدة الوجع كأنها صوت مدفع فغضب الزير وتألم
وضربه بالسيف فأورثه العدم ودخل إلى صيوانه فاجتمع بنوابه واعيانه وقال ولقد جربت دني الصل واكرمته فضاع فعلي معه
وما قدمت هذا المثل ايها السادات الخيار ال لتعلموا ان الحمار يقتني الحمار ثم انه ركب ذلك الحصان فوجده من عجائب
الزمان فزاد انشراحه فيه فأمر السايس ويداويه ثم انشد يقول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل بلوم الشعر ما تغلي مالي ابا غالي رضيت الخيل تركب تعالى واسمعي مني مقالي جمع الخيول
للحمر خوادم شبيه الصيب تخدمها الموالي واما الخضر مركوب المارا فتركبها الملوك وكل والي واما الدهم زيدوهم عليقا
وسيبوهم لدهمات الليالي
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه شكره قومه على حسن اهتمامه ثم استعد الفريقان للقتال وجرت بينهم عدت وقائع
واهوال انتصربها المهلهل وكسب اموال كثيره وقتل سادات كثيره حتى ضعفت بنو بكر وذلت وبعد كثرتها قلت واضحمك
( قال الراوي ) فبينما هم في حاله الذل والنكسار واذا بغبار قد عل وثار قاصدا بلدهم وتلك الديار فشخصت اليه البصار
ساعه من النهار إلى ان ارتفع وتمزق وبان من تحته الف فارس وكلهمخ با لسلح والدوق وفي اولهم فارس بالحديد غاطس
كأنه قله من القلل او قطعه فصلت من ذيل جبل وعلى راسه البيارق والريات والسناجق فلما راه جساس استبشروا وايقن بالفرج
بعد الشقا والكدر ولما اقترب للعيان ونأملته الفرسان واذا اسد الجام المير سيبون ابن المير همام وكان المذكور قد خرج في
جماعه من فرسان الصدام للغزو على بلد الروم وذلك من عهد وقوع الزير في البحر كما سبق الكلم فلما عرفوا وتحققوا
خرجوا اليه واستقبلوه وفرحوا بقدومه الي الديار وكان ذلك اليوم عندهم اعظم نهار فذبحوا الذبائح وطعموا الغادي والرائح
وكان افراح الخلق ابوة همام وامه ضباع حيث لم يكن غيره سوى الذي قتل الزير على بير السباع فلما نزل بصيوانه بابطاله
وفرسانه خاع عدته وغير بذلته ودقت له النوبات وقامت الفراح والمسرات وعمل جساس وليمه عظيمه لها قدر وقيمه استدعى
اليها جميع الكابر وامراء القبائل والعشائر وكان شيبون قد وجد السادات والعيان في هموم واحزان فسال عن ذلك الشان فقال
جساس له لتسال يا ابن أخي عما اصابنا ودهانا من خالك الزير غالمهان فانه يكتف بقتل اخيك شيبان حتى جعلنا مثل بين
العربان على طول الزمان فانه افنى رجالنا واهلك ابطالنا وقد حرمنا هجوع الليل وهدمنا القوى والحيل كل هذا هو ليقبل منا
ديه ولمال ديه ولمال ولفديه وقد اعلمنا بالقضيه واو قفناك على باطن الطويله فلما سمع شيبون هذا الكلم صار الضيا في
عينيه كالضلم من عظم ما قاله اخمرت عينيه وشتم خاله ووعدهم بالمساعده والمعاضده وان يكون معهم على قتال خاله يد
واحده ثم نظم هذه القصيده وارسلها لخاله على سبيل الملم والتهديد :
قال شيبون ابن همام المير حامي الزينات طعان العدا مرعب الفرسان في يوم اللقا ساقيا للعدى كاس الردى ضر ب سيفي
يقطع السيف المتين ثم يقدح الصخور الجمدا كل من يبغي قتالي يرتدي ويرتمي فوق الصعيد ممدا لم يبق لي مقارن في المجال
حين يلقوني يولدا شردا وانت يا خالي مهلهل ياهمام شد عزمك للقتال إلى غدا ولتقل يا خالي ما اعلمتني يا قليل العقل لتتمردا
ابرز الي في الصباح ولقني ثم ابشر يا مهلهل بالردا
( قال الراوي ) فلما فرغ شيبون من شعره ومقاله ختم الكتاب وارسله إلى خاله مع رجل من ابطاله فلما فتحه الزير وقرأه
وعرف فحوى معناه أجارت وغاب من ديناه وقد شق عليه وتأسف وصفق كفا على كف وقال انه معذور في هذه المور لنه
جاهل مغرور فلقتضى ان ينتصح قبل ان يفتضح فاجابه على ابياته تقول :
الجزء الثامن
قال أبو ليلى المهلهل انني مفرج الكروبات في يوم الزحام يا فتى شيبون يا ابن اختي ضباعا تهددني في كتابك يا غلم ثم تطلبني
إلى سوق المجال وانت قصير على وضرب الحسام احتفظ من ان تجهل يا امير الجهل يسقيك كاسات المدام اطرد الشيطان
ابليس اللعين وانتصح من قول خالك ياهمام لتخالفني واسمع ما اقول يقتلك جهلك وما تبلغ مرام رد عما انت فيه ولتزيد ان
كنت تبغي حربي والصدام شد عزمك غدا انتلقى سوى من طلوع الفجر إلى وقت الظلم
فلما انتهى الزير من شعره ونظامه ارسل الكتاب إلى ابن اخته شيبون فلما فتحه وعرف ما احتوى عليه من المضمون مزقه ولم
يكترث ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولح ودقت طبول الحرب والكفاح وركب شيبون وجساس وكذلك الزير الفارس
الدعاس والتقوا با بطالهم ورجالهم وتشددا في قتالهم وكان شيبون قد برز إلى ساحه الميدان وتبعه البطال والفرسان والتقى
بفرسان تغلب وفعل بهم العجب فما صدم فارسا الاعطبه وعن ظهر جواده اقلبه ثم صاح وحمل بقلب اقوى من جبل وطلب
براز خاله المهلهل وكان الزير لما شاهد افعال ابن اخته وما فعل بابطاله ورفقه حمل عليه واحمرت اماق عينينه وقال اذهب يا
وجه العرب قبل ان تهلك وتعطب فقال إلى اين اذهب يا خالي وانت غايه بغيتي وامالي فو ال لقتلك في هذا النهار واطفى
اخبارك من بين القوم لنك طغيت وتجبرت وافتريت فاغتاظ الزير من هذا الكلم والتهديد والتقاه بقلب شديد وجرى بينهما في
اليتال وقائع واهوال تشيب الطفال ولما طال المطال قال له الزير امام تالبطال ارجع يا ابن اختي بامان قبل ان يحل بك الهوان
وتلحق باخيك شيبان فارجع إلى اهلك وامك وارسل لي ابطال قومك مع جساس عمك فلم يجبه شيبون بكلم بل كان يقايل كسبع
الجام وكان الزير كلما حكم عليه باالضرب في الحرب تمنع عن اذاه شفقه عليه واكرام لخاطر والديه وما زال يقاتله ويداريه
وينصحه بتلرجوع عما فيه إلى ان اقبل الظلم فعند ذلك توقف القتال ورجعت الفرسان البطال عن ساحه المجال ثم والتقوا في
اليوم الثاني وكان أول من برز إلى ساحة الميدان المير شيبون فصاح وطلب براز المهلهل فالتقاه الزير ونهاه عن قتا له فلم
ينتصح بمقا له بل تقد م ا ليه وهجم عليه واشار يقول متهددا اياه امام الفرسان والفحول :
أنا شيبون ابن همام المير فارس الفرسان في يوم النكير استمع يازير قولي وافهم لبد من قتالك يا وغدا حقير مابقالك مخلص
مني ول من حسامي اليوم لو انك تطير ثم آخذ ثار اعمامي الجميع كم بطل صنديد صيرته حقير ليس لك قلب على اختك يحن
وأولد عمك ذاقوا منك النكير كم قتلت منهم خلق كثير كم يتمت كل طفل صغير سوف ترى حربي يا مهلهل في لقاء البطال ما
لي نظير قد اخبروني يوم جئت بانك يا قليل العقل تركب للحمير مايقنى الحمار ال الحمار ما انا مثلك ولعقلي صغير هات لي
سيفك ورمحك والثياب هات أبو حجلن كاطير يطير حتى اقتلك من حسامى والقنا وتطلب الجير ومثلى من يجير ان كنت
لتنصح فهذا حربنا ويكون النصر من رب القدير
فلما سمع الزير هذا الكلم وقع عليه اشد من ضرب الحسام فأجابه يقول :
قال أبو ليلى المهلهل ثم قال انت ياشيبون ماعاد لك بعير هرجت ياشيبون مافي قولك كثير الجحش ل تخطل كما يحمل بعير لو
سقيت الجحش من سكر وسمن ولو خلطت له الصنوبر والشعير ل عاش اصله ماينفع منه الجميل اكيد هو مجنون من يقني
الحمير وانت ياشيبون لو لم تكن حمار مارجعت اليوم إلى حربي تغير فاني قد عفوت عنك البارحه من امك وابوك نعم النصير
وانت تعلم انني سبع الرجال قتلت منكم اثنى عشر الف امير هذا من غير التوابع والغريب تاه فيهن العدد ناس كثير كم نصيحه
نصحتك لتنتصح جاهل سوف تقع في وسط نير لم يبق لي ذنب ان اتك مني ضرب بهدى البدان ماعاد لك مجير دونك الميدان
ياشيبون قم وقو عزمك ليكون باعك قصير
( قال الراوي ) فلم يلتفت شيبون إلى كلمه ول أكترث بالتوبيخ والملم بل حمل عليه حملة أسد الغاب واخذ معه في الطعان
والضرب فالتقاه مهلهل بالعجل بقلب اقوى من الجبل واشتد القتال وعظمت الهزال حتى تعبت من تحتها الخيل وارتخى منهما
العزم والحيل ومال على بعضهما البعض كل الميل وكان الزير يطاوله ويحاوله واستمر يقاتلن ثلث ساعات من الزمان حتى
استعظمت من قتالهما الفرسان وشخصت اليهما عيون الشجعان وكان المير شيبون يود ان يقتل خاله ويعدمه الحياة ويفتخر
بقتله على اهله واقرباه إلى ان غنم الفرصة عليه فهز الرمح وطعنه بين ثديه فخلى المهلهل منها فراحت خائبه بعد ماكانت
صائبه فزاد الزير غضبا وتوقد قلبه والتهب وصمم على ان يسقيه كأس العطب فجذب سيف حكمون وقال اليوم اريك يمجنون
كيف الضرب يكون لني نصحتك فما انتصحت ولقد خسرت وماربحت ثم تقدم اليه وهجم عليه وضربه على مفرق راسه فسقه
إلى تكه لباسه فوقع على الرض يتخبط بعضه ببعض فلما رآه المهلهل وهو قتيل يتململ ندم على مافعل فتحسر وهطلت الدموع
من عينيه فلما قتل المير شيبون احمرت من بني مرة العيون وزادت عليهم الحسرات وايقنوا بالهلك والشتات ولكنهم اخفوا
الكيد واظهروا الصبر والجلد وقاتلوا قتال السود وطلبوا الرايات والبنود فالتقاهم الزير بالعساكر وضرب فيهم بالسيف البواتر
واحاط بهم احاطة الخواتم بالخناصر وقتل منهم مقتلة عظيمه واصاب غنائم جسيمه فلما راى جساس ضعف حاله وقتل فرسانه
فولى يطلب الهرب خوفا من العطب وتبعه فرسان وقد ابصروا ان ذلك اليوم العجيب من قتال بني تغلب فرجع عنهم الزير وهو
حزنان على فقد ابن اخته المير شيبون فنزل في الصيوان مع المراء والعيان ولم يكن له داب ال البكاء والنتحاب ولما اتى
وجلس وانشد هذه البيات وهو من الحزن على آخر نفس :
الزير انشد شعرا من ضمايره العز بالسيف ليس العز بالمال شيبون ارسل نهار الحرب يطلبني يريد حربي وقتلي دون ابطال
نصحته عن قتالي ولم يطاوعني بارزته فتجندل في الرض بالحال المال يبني بيوتا لعماد لها والفقر يهدم بيوت العز الغالي دع
المقادير تجري في أعنتها ول تبيتن ال خالي البالي مابين لحظه عين انت راقبها يغير ال من حال إلى حال فكن مع الناس
كالميزان معتدل ولتقولن ذا عمي وذا خالي عم الذي انت مغرور بنعمه خال الذي انت من اضراره خال ليقطع الراس ال من
يركبه ولتريد المنايا كثرة المال
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلمه وانطرح على فراشه من شدة حزنه على ابن اخته ولما بلغ قتل شيبون ابوه همام وامه
ضباع احترق قلبها عليه لنه كان ابنها الوحيد بعد اخيه شيبان وكانت الفرسان قد اتت بجثته اليهما فبكياء بكاء شديدا ومزقا عليه
الثياب وبعد ذلك دفنوه في التراب وفي اليوم الثاني ركب المير لقتال الزير وتبعه جساس وباقي البطال والفرسان وبلغ
المهلهل الخبر فركب في ابطاله وفرسانه ولما التقى الفريقان وتقاتل الجمعان برز المير همام إلى معركة الصدام وطلب براز
الزير المهلهل وكان قد غير صفاته ووضع لثاما على وجهه حتى ل يعرفه أحد فبرز اليه وهو ليعلم بأنه المير همام فاقتتل
ساعة من الزمان وكان همام قد ضرب الزير بالحسام قاصدا ان يسقيه كأس الحمام فخلى الزير منها فراحت خائبه فهجم عليه
وطعنه بالرمح في صدره خرج يلمع من ظهره فوقع عن ظهر الجواد كأنه طود من الطواد فالتقت على الزير وقال له وهو
على آخر رمق آه يا مهلهل لقد قتلت ابن اختك نهار امس واليوم تقتل صهرك همام قال نعم قال ماعاهدتني انك لتقاتلني ابدا
واننا نكون اصحاب على طول المدى فلماذا خاطرت بنفسك وطلبت قتالي وانت تعلم بأنك لست من رجالي فقال لقد جرى القلم
بما حكم فانقضت حياتي ودنت وفاتي وهذا المر مقدر بأمر رب البشر ومادام المر كذلك يا فارس المعارك فكف اذاك
ودواهيك واجعلني فدى اخيك فقال وال يعز على فقدك ولعاد يطيب لي عيش من بعدك لكنني ل أكف الحرب والصدام حتى
ليبقى من بني بكر شيخ ول غلم ثم انه من بعد هذا الكلم هجم على المواكب ففرقها وطعن في أبطالها فمزقها فتأخرت عنه
الفرسان ورجعت إلى الوطان وهي في حالة الذل والهوان ولما بلغ ضباع قتل بعلها غابت عن عقلها وقد عظم مصابها وسارت
إلى بني تغلب ودخلت على أخيها الزير وقلبها يلتهب وقالت له بكلم الغضب هكذا تفعل ياأخبث العرب تقتل اولدي وبعلي
وتحرمني أهلي وتتركني حزينه طول الدهر أقاسي الذل والقهر هكذا تكون الخوان الذين يدعون الفضل والحسان فوحق الله
القادر الفاحص القلوب والضمائر ان موتى الذ عندي من الحياة وافضل فانت نسيت الجميل والمعروف وقابلتني بالغدر
والمتلوف بعد ان اخلصتك من الحريق وكشفت عنك ذلك الضيق فلما سمع الزير منها ذلك الخطاب اظهر الحزن والكتئاب
وتلقاها بالكرام والترحاب ثم اعتذر لها بالغلط واخذ يطيب خاطرها ويعزيها عما فرط وامرها بأن تسكن عنده بخدمها
وحواشيها فامتثلت كلمه وقامت في بيت أخيها .
( قال الراوي ) فلما عظم المر على جساس وبني بكر وكثرت فيها السبي والقتل ارسلوا يستنجدون اهل اليمامه فأمدوهم برجل
منهم يقال له الفند بن سهل ( الحارث ابن عباد ) وكان من جبابرة الزمان وفرسان الوان ليبالي بالهوال وليخاف كثرة
الرجال وكان يلقي نفسه على المخاطر ويصيد الكواسر فسار إلى مساعدة القوم من ذلك اليوم وقد انتخب من الشجعان سبعون
فارسا مثل العقبان يقاربون في الشجاعة والفروسيه والهمه العليا وكانت اهله قد كتبت اليهم تقول قد امددناكم بعشرة آلف فارس
من الفحول وبهم تنالوا من أعداءكم القصد والمأمول فلما قدموا إلى تلك الوطان وراهم جساس وباقي البطال فاعتراهم
النذهال لنهم لم يروا أكثر من سبعين تحت رايه الفند السد العربند فقالوا اين جماعتك الباقين فقال الفند انا بسبعة آلف فارس
واصحابي ثلثة الف مداعس فتبسموا من هذا الكلم والتقوهم بالكرام والحترام فذبحوا النوق والغنام ونصبوا لهم المضارب
والخيام ثم استعدوا للحرب وسمع بهم المهلهل وتزيد في الخيل والرجال وزحف من يومه في فرسان قومه فالتقته بني بكر في
مكان يدعي عقبة الريحان فلما اقترب العسكران قال الحارس بن عباد وكان من الفرسان الجواد إلى جساس قائد القواد هل
تطيعني ايها المير فيما اقول واشير فقال قل مابدا لك فاني لأخاف مقالك قال أعلم ان القوم مستخفين بقتالنا وذلك لضعفنا وقلة
عدد رجالنا فقاتلهم بالنساء مع الرجال فتبلغ منهم القصد والمال فقال جساس وقد اعتراه النذهال مامعنى وكيف قتال النساء مع
الرجال قال انك تحلق رؤوس الفرسان وتجمع النسوان اللواتي اتصفن بالشجاعه وقوة الجنان فتحملهن الماء بالقرب وتعطي كل
منهن مطرقه من خشب وتصفهن خلف الرجال وقت الحرب والقتال فان هذا المجال يزيد البطال نشاطا في ساحة المجال فإذا
خرج منكم أحد الناس يعرفنه من حلق رأسه فتسقيه الماء فينعشه واذا مررن بعدوكم عرفته فتقتله فاستصوب جساس هذا الراي
واستحسنه وفي عاجل الحال جمع النساء والرجال وعرض عليهم هذا الحال فاجابوا امره بالمتثال ولم يبق يومئذ من بكر أحد
الحلق واستعد ال رجل من الفرسان اسمه ربيعه بن مروان كان زميما قصيرا فارسا حطيرا فقال ياقوم زميم قصير واذا حلقت
راسي اصير معير عند الكبي والصغير فدعوني من هذا ياسيدات العرب فانا ابلغكم الرب واقتل خمسه فوارس من تغلب
فاجابوة إلى ما طلب .
(قال الراوي )ولما التقت العساكر بالعساكر وتضاربت السيوف والخناجر ونقللبت تغلب على بكر كليوث الجام والهبوهم
بضرب السيوف على الهام فارتدت بنو بكر طالبه النهزام فاشهر جساس في يده الحسام وصاح فيهم بصوت كالرعد والغمام
وقال يا ويلكم ارجعوا وقاتلوا بقوه وعزيمه فاجتمعت بنو بكر بعد النقلب إلى الحرب والقتال وضموا خيولهم في كتيبه واحده
وطلبوا المكافحه والمجادله وصاح الفند بن سهل والقى نفسه على القتال وهو ينخي البطال ويصيح على الرجال ففرق الواكب
واظهر بقتاله العجائب .فلما راى المهلهل افعاله برز اليه وطلب قتاله فالتقاه الفند بقلب كالحديد وهجم عليه هجوم الصناديد وما
زال في قتال شديد وحرب ما عليه مزيد إلى ان صارت وقت الزوال فتوقها على الحرب والقتال وافترقت العساكر عن بعضها
البعض ونزلت في جوانب تلك الرض ) .قال الراوي ) وكان ربيعه لم يلحق راسه من ضرب السيوف وطعن الرماح فوقع
طريحا بين القتلى على وجه الفل فمرت عليه نساء بني بكر فوجدته ذات لمه طويله فحسبته من بني تغلب فضربته بالمطارق
حتى اوردته موارد العطب فضربت به المثال وتحدثت به السنه الرجال ( .قال الراوي ) ولما اصبح الصباح واشرق بنوره
ولح وركبت الفوارس ظهور الخيول واعتقلوا بالسيوف والنصول وتقدموا إلى ساحه الميدان بالضرب والطعان وكان المهلهل
في الجحفل كانه قله من قلل او قطعه فصلت من ذيل جبل فصاح وحمل على جيوش العداء كليث الجام وضرب فيهم بالحسام
وتبعه امرؤ القيس بن اياد وكان صنديد واشتد بين الفريقين القتال وكثر القيل والقال وتقطعت الوصال وجرى الدم وسال وكان
يوما شديد الهوال لم يسمع بمثله في الجيال كثر فيه القتال والجراح وتمددت على وجه البطاح وارتجت تلرض من قعقعة
السلح وصهيل الحيل وهول الكفاح وكان الفند قد حمل مواكب المهلهل وقاتل حتى استقتل وفعلت فرسانه مثلما فعل وبذل
جساس في ذلبك اليوم غايه الجهود وهجم بقومه على الريات والبنود هجوم كواسر السود واشتد على المهلهل القتال واحاطت
به العداء من اليمن والشمال وهو يقاتل ويمانع وينصح رجاله على الثبات ويدافع حتى جرح في ثلثه مواضع .فلما زادت عليه
الحال وازدحمت حوله الرجال تاحر عن ساحه المجال خوفا من الهلك والوبال وانكسرت بنو تغلب في ذلك النهار اشد انكسار
وتفرقت في البراري والقفار واستظهرت بنو بكر غايه الستظهار وقتلت الشجعان امرؤ القيس بن اياد وكان من العيان صيته
محمود مشكور وهو غير امرؤ القيس الشاعر المشهور فبكى المهلهل عليه وكان يحبه ويميل اليه ورجعت بنو بكر الي الديار
وهي بغايه الفرح والستبشار على ذلك الفعال ( .قال الراوي ) اما المهلهل فقد زاد حنقه على بني بكر وبات تلك الليله على
مقالي الجمر ثم جمع الفرسان والبطال وتجهز للحرب والقتال فالتقه بنو بكر بقلوب كالجبال وجرت بينهم وقائع واهوال لم
يسمع بمثلها في سالف الجيال واستمر الحال على هذا المنوال مده عشرايام وكان المهلهل قد انتصر في أكثر الوقائع جماعه
كثيره من الفرسان المعامع ولما كثر بين الفريقينالقتل واتفقوا على توقيف الحرب مده شهرين فافترقبت الفوارس عن بعضها
ونزلت كل فرقه بارضها (قال الراوي ) ولما قتل كليب كما تقدم الكلم كانت زوجته الجليله حامله بهذا الغلم فلما طردها الزير
الي بيت ابيها وسكنت عند جساس اخيها فولدت غلما فسمته الهجرس ولقبوه الناس بالجرو فكانت مع اخواله بني مره واولدهم
وكان خاله يحسن ويشفق عليه وكان الغلم قد احب حاله المير جساس دون باقي الناس فل يدعوه ال أبا ونشا الغلم ذا عقل
وادب وهو محبوب من جميع العرب لفصاحته وبرتعته وقوته وشجاعته فكان يركب ظهور الحيل ويتعلم عليها الفروسيه في
النهار والليل فبرع واشتهر على شباب القبيله افتخر فلما بلغ عمره حمسه عشره عاما زاد شهره وارتفع مقاما فراه جساس في
بعض اليام وهو كانه ليث الجام والشر طائر من عينيه ول يقدر أحد عليه فانذهل واندهش وخاف منه
وارتعش وكان كثيرا ما يتامل في امره ويخاف من سطوته وشره لنه قتل اباه بالمس وتركه يتيما طول الدهر ( .قال الراوي )
اتفق ذات يوم ان الحرو ركب في جماعه من الشبان واخذوا يتعاطون بالجريد في الميدان وكان من جمله الغلمان عجيب ابن
المير جساس وكان شديد الباس فطعن عجيب الجرو طعنه فمال عنها فراحت خائبه ثم ان الجرو تقدم نحو عجيب وطعنه بجر
يده اصابته فالتقه عن ظهر الجواد إلى الرض فنهض غضبانا فشتم الجرو واهانه بالكلم وقال اهكذا تفعل يا ابن اللئام بابناء
السادات الكرام يهدد بهذا الشعر .يقول عجيب من قلب موجع ال يا رفقتي حالي عجيب ضربني الجرو منه جريده فارماني
وصيرني كثيب ولم يعلم باني خير ماجد ولد جساس قوم مستهيب لول عمتي لقطعت راسه واطرحه على العبرا قليب فهذا ولد
كليب العادي ول ضد الكلب ال القصيب دعوه يروح عنا ليماطل ويذهب سرعه قبل المغيب
(قال الراوي ) فلنا فرغ عجيب من شعره ونظامه وفهم الجرو فحوى كلمه اجابه على شعره يقول :
يقول الجرو اسمع يا ابن خالي كلمه ليس يسمعه اديب تقول اليوم تقتلني بسيفك وتتركني على الغبرا قليب اذا ابصرتني يوما
فريدا فقتلني بسيفك ياعجيب فا نزل عن جوادك يا ابن خالي وافعل ما تريده عن قريب وافعل ماتريده اليوم فينا فاني لاخافك
ياعجيب ( قال الراوي ) فلما فرغ الجرو من كلمه واذا بسلطان أخو جساس اقبل عليهما في ذلك الوقت فوجد الدم يسيل من ابن
اخيه جساس فلما علم بواقغه الحال اغتاظ غيظا شديد وشتم الجرو وقال وال لول كرامه امك لقطعت راسك واخمدت انفاسك
فقال ياخال ها انا بين يديك فافعل ما تريد ثم هطلت عيناه بالدموع وتنهد من فؤاد موجوع وسار إلى عند امه واعلمها بما جرى
وكان يطلب منها الرحيل من ذلك الوطان فتكدرت امه واجابته إلى ذلك لشان ثم انهما صبرا حتى اظلم الليل فتركا المضارب
والخيام وسارا تحت جنح الظلم في جماعه من العبيد والخدام وجدا في قطع البراري والكام مسافه عشره ايام واتفق في اليو
الحادي عشر انهما التقيا بشيخ في ذلك البر الفقر وهو يقطع البر الفسيح على الفرس تسابق الريح وكان بمعيته عشره ابطال
من صناديد الرجال وكان قد خرج لصيد الوحوش والغزلن وهو راجع إلى الوطان فتقدم الجرو اليه وسلم عليه فرد الشيخ
سلمه وقال له ايها الفتى الماجد من اين اتيت والى اين قاصد فقال طردوني اهلي وربيت يتيم وانا طالب انسان كريم حتى
التجىء اليه واقيم عنده فقال الشيخ اذا كان المر كما تقول فشرفني إلى اطللي فانا افديك بروحي ومالي واشار اليه يقول :
يقول المير منجد من قصيد اليا قاصدا نبيل المارب فشرف منزلي وامر عبيدك يرون العر والجنائب بكم قد حلت البركه
علينا يرون العر والجنائب فمثلي ما تلقوا اين سرتم وعندي تبغلوا كل المطالب انا مسجد فمن نسل الكارم ابي وائل وما فينا
معاقب الوف الوف تخدمني وتخضع لمري في المشارق والمغارب وانت بقيت بعد اليوم ابني ولست اليوم في قولي بكاذب
( قال الراوي ) وكان هذا الشيخ اسمه منجد بن المير وائل وهو خال كليب والزير البطل الحلحل وقد كنا ذكرنا عنه في أول
الكلم بانه بعد قتل كليب استخدم مع اخوته الثلثه عند التبع في بلد الشام ولما قتل التبع ولى هرب وسكن في اخر بلد العرب
خوفا من كليب ان يقتله كما قتل اخوته لنه يبغضه دون اهله وعشيرته فلما فرغ النجد من شعره ونظامه وفهم الجرو فحوى
كلمه فرح واستبشر ورجع إلى عند امه على الثر واعلمها بما جراى وكان ثم انهم ساروا معه إلى الوطان ونصبوا
المضارب والخيام فاكرمهم منجد غايه الكرام وانزلهم اعز مقام وكان لمنجد المذكور عشره اولد من الذكور كانهم البدور
فالفوا الجرو واحبوه وكانوا ليفارقوه وكانت امه الجليله قدالمير منجد حق المعرفه ولكنها كتمت المر عن زيد وعمر خوفا
من العواقب وطول النوائب فاجتمعت بابنها الجرو فقال اذا سالك عن اسمك فقل اسمي الهجرس ولتقول الجرو فقال ان
السمين واحد فما هو مرادك ذبلك فقالت ان يكون الهجرس كلب الصياد فانه اصلح من الجرو ابن الكلب وانت امير وابوك كان
من الفرسان المشاهير ومن ذلك اليوم تسمى الهجرس وغلب هذا اللقب بين العرب وكانت امه في قلق عظيم خوفا عليه
فاجتمعت ذات يوم بشيخ عبيدها وكان اسمه صباح واشارت تقول من فؤاد متبول :تقول الجليله بدمع سجام ايا صبح اسمع
الكلم فهذا الشيخ الذي تراه مكيد العادي بضرب الحسام يسمى منجد صميدع عنيد ولد وائل وافي الزمام فهو امير وابن امير
وحوله عساكر كثيره كفيض الغمام فهذا حال كليب المير مع سالم الزير قوم همام فهو خالهم قد عرفته سريع ميكدا العادي
بضرب الحسام وهوخال زوجي لكن عدو كيف العمل الن صرنا نضام واصل العداوه كليب المير قتل اخوته في دمشق الشام
قتل اليمامه واخذ ثار ابوها واهلك اخوه منجد وشام ونحن الن نزلنا عليه عرفته وقد اعتراني سقام اني اخاف على ابني حقيق
يهنيه ويدعى دمه سجام عدوك اياك تركن اليه ولو انه سقاك المدام
(قال الراوي) فلما فرغت من شعرها ونظامها فهم صبيح فحوى كلمها قال اين نتوجه الن وقد صار لنا مده من الزمان
والصواب ان تكتم امرنا على كل انسان حتى يفرجها علينا الرحمن الرحيم واستمروا مده طويله في تلك القبيله وهم عز واقبال
وارغدعيش واحسن حال إلى ان كان في بعض اليام اغار على المير منجد بعض الملوك العربان في ثمانين الف عنان فالتقاه
منجد بعسكر جرار فانكسر عده مرات حتى ال مره إلى الدمار .فلما شاهد الجرو تلك الحوال وما وقع بمنجد من الهوال برز
إلى ساحه المجال وقاتل الشجعان والبطال واظهر الغرائب والعجائب ففرق الصفوف والمواكب وكسر ذلك الشمس والقمر
وفعل فعال تبقى وتذكر وما دامت الشمس والقمر وعند رجوعه من القتال بالنصر والقبال وشكره منجد على تلك الفعال قال له
مثلك تكون الرجال فو ال لقد حميت الحريم طردت الغريم وخلدت لك ذكرا جميل على طول الدوام وعند وصولهما سرايه
الحكام وجلوسهما في الديوان قال منجد بحضور السادات والعيان مثلك تكون الفرسان فاعلمني عن حسبك ونسبك ومن يكون
قومك فلما سمع الجرو فحوى كلمه اجابه بهذا القصيدا :
يا فخر ماجد في الرجال فاسمع ياملك فحوى كلمي انا اسمي اليتيم يا مسمى ولاعرف ابي ولاخوالي واني قد سالت امي
مرارا فتسكت لترد إلى سؤالي تقول ابوك شاليش بن مره قتله الزير في يوم النزال فاطلب من اله العرش ربي لخذ الثار منه
بالقتال
(قال الراوي ) فلما فرغ الهجرس من كلمه زاد منجد فب احترامه ونهض على القدام واعتقه امام السادات الكرام وقال لهانت
من بني مره اصحاب الشجاعه والقدره فعربك من عربي ونسبك من بسبي فو ال ما ضاع نظري فيك فاطلب من ال ان يحفظك
ويبقيك وينصرك على جميع حسادك واعاديك من ذلك الوقت زاد في اكرامه ورفع مقامه على الكبار والصغار وكان لمنجد بنت
بديعه الجمال متصفه بالداب والكمال كانها هلل ذات عقل ثاقب وراي صائب ليوجد مثلها في العرب والعاجم اسمها
بدرباسم فزوجه اياها وتمتع الجرو بحسنها واقام في ارغد يش واحسن حال وهو يحكم على تلك الطلل وقد احبته جميع
الرجال ( .قال الراوي ) هذا ما كان من الهجرس والجليله وما جرى لهما في تلك القبيله واما جساس فانه بعد رحيل اخته من
الديار زادت به الكدار وكان كثيرا ما يتذكرها في الليل والنهار فاتفق في بعض اليام بينما هو جالس في الخيام دخل عليه
بعض الشعلراء فسلم عليه وعلى باقي المراء واخذ يمدحه بهذا السعر والنظام على ماجرت به العاده في تلك اليام :
قال جابر في بيون صادق انت ياجساس رب المكرمات سمعت بصيتك انا يا ذا المير في الكرم والجود يا فخر الذوات انت ملك
البلد جميعها حاكما في الرض من كل الجهات قاتل الضد في يوم الوغا مكرم للضيف سنه المحملت انت ياجساس ملك البلد
مع اخوتك وشقايقك السيدات والسادة :لولكم ماكنت جيت لرضكم ماكنت فارقت العيال مع البنات وتركت اختي يا ملك اولدها
وزوج اختي يا ملك ذا العام مات اولد اختي سبعه ذكور عند اولدي واهلي تبات جور هذا الدهر في الدنيا عجيب كم له في كل
يوم تقلبات
(قال الراوي ) فلما فرغ جابر من شعره ونظامه وفهم جساس فحوى كلمه امر له بالف دينار واعتبره غايه العتبار ثم التفت
اليه اخوه سلطان وقال له امام السادات والعيان اسمعت كلم هذا الشاعر الذي يدور في القبائل والعشائر ويمدح السادات
والكابر امل في المكاسب وبلوغ المارب كيف انه ذكر اخته في شعره ولم ينسها طول دهره فكيف نحن نكون سلطين الزمان
وملوك العصر ولوان اختنا ان تغضب منا وتبعد ولنعلم إلى اين ذهبت واي قبيله طلبت فماذا تقول عنا دول الممالك اذا سمعت
عنا ذلك فمن الواجب ان نقتفي اخبارها الن ونعيدها معزوزوة إلى الوطان ثم انه بكى امام جلسائه وبكت اخوته وندم سلطان
على ما فعل واستعظم ذلك العمل ثم التفت جساس الشاعر وقال له انت تطوف حلل العرب ونمدح الملوك واص حاب الرتب
فاريد ان تستقصي لي عن اخبار الجرو وتعلمني إلى أي حله قصدوا وعن اسم القبيله فان اتيتني بصحه الخبر بلغتك القصد
والوطر فاجابه الشاعر وامتثل ثم سار على عجل يطوف القبائل والحلل ويستقصب عنها الخبار من الكبار والصغار حتى سمع
بخبرهما ووقف على حقيقه امرهما فقصدهما إلى ذلك المكان واجمتع بهما في الصيوان وحدثهما بما سمع في حقهما من جساس
وسلطان ثم اشار يمدح الجرو ويقول وهو فرحان على بلوغ القصد :يقول جبر من قلب حزين فدمعي سال من وسط الماق
ادور على القبائل والعشلئر لحظى بالمكاسب والنياق فاصغى يا امير إلى كلمي فانت اجل فرسان السباق فصيتك شاع في كل
القبائل فمن يمن الي ارض العراق وما لك في البريا من شبيه ونجمك فاق سام المجد راق سالت ال ان يحفظ جيالك على طول
المدى والدهر باق رحنا من حماه لعند خالك ملك جساس سلطان الفاق فأهدانا وقام انعم علينا وقلبه من بعادك باحتراق
وارسلني ل كشف اين انتم ليحظى فيكم من بعد الفراق
(قال الراوي ) وكانت الجليله تسمع هذا الشعر وهي خلف الحجاب واستر فما هان عليها ان تسمع بذكر اخوتها كانوا الذين سببا
لغربتها وفرقتها من حلها فأمرت كبير العبيد أن يوقف عن اتمام القصيد وان يكتم خبرهما عن هذا ذاك خوفا من الفضيحه
والنهاك ثم امرت له بالف دينار واعطاه الجرو مثل ذلك المقدار ففرح الشاعر واستبشر ورجع على الثر واعلم جساس بذلك
الخبر فأرسل في الحال اخوه سلطان في جماعه من البطال لياتوا باخته الجليله وابنها الجرو من تلك االطلل فلما اقترب
سلطان إلى تلك الوطان ارسل بعض الفرسان ليعلم منجد بقدومه إلى اوطانه فخرج في الحال في جماعه من فرسانه فألتقاه
احسن ملتقى لنهم كانوا اقارب واصدقاء وانزله في سرايه الحكام وذبح له النوق والغنام واكرمه غايه الكرام وفي ثاني
اليام اجتمع سلطان باخته الجليله وولدها الجرو واعتذر لهما بما فرط منه وطلب منهما الرجوع الي الديار وشدد عليهما في
ذلك غايه التشديد فأجابه الي ماطلب واعلم الجروالمير منجد بانه يريد الرجوع الي اهله وعشيرته مع امه وزوجته ومن يلوذ به
من جماعته لن نفسه أشتاقت الي الوطن فقال منجد وال يا امير يعز علينا فراقك ول زالت ارواحنا في كل وقت تشتاقك ولكننا
لنقدر ان نمنعك عن اهلك واصحابك وبني عمك واحبابك ثم اعطاه مائه ناقه محمله نفائس القمشه والذ خائر ومائه جواد وغير
ذلك من المعادنوالجواهر ومائه عبد ومائه جاريه واركب ابنته زوجة الهجرس على هودج كبير وسار لوداعهم مسافة نصف
يوم ثم رجع إلى الديار وسار الهجرس مع امه وزجته يقطعون القفار حتى وصلوا الي منازل بني مرة فالتقاهم جساس بالفرح
والمسره وامر بذبح الذباح واطعام الغادي والرائح واشار إلى الجرو يقول :
لماقال الفتى جساس صادق ايا مرحبا بك يا ابن اختي ففيكم حلت البركه علينا وضاء الحي في قربك الينا وامك يافتى عيني
وروحي وعمرك ياجليله مافرحت فا ابنك غدا كالسبع الكاسر فان الجرو للعداء كاسر بيوم الحرب والهوال كاسر اله العرش
يرجعه ظافر فل تعتب على سلطان خالك ولقوله يخطر قط بيالك فل ابني ولنحن مثالك انا ساحكمك من فوق تختي انا ابكي
على المرحوم ابيك قتله الزير في ربعك وحيك فقم واركب يروح خالك واخذ من المهلهل ثارك سالتك ال ان تأخذ بثارك بقتله
تكشف عنك عارك مرادي تقتله وتأخذ بثارك وتحرقه بنارك يا ابن اختي
( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وتبسم الجرو من كلمه قال له كن مطمئن الخاطر يا خال هذا ما كان من
الجرو وجساس واما الزير الفارس الدعاس فانه بينما كان راقد ذات ليله اذ راى في منامه ولذيذ احلمه اخاه المير كليب وهو
يعاتبه بهذه البيات على اخذ الثار وكشف العار ويقول وعمر السامعين يطول :
تنام الليل كله يا مهلهل وثاري ما قدرت علي وفاه وعظمي ذاب حتى صار كحل وجساس بن مره في الحياه
فأجابه الزير يقول :امير كليب ما قصرت يومًا بأخذ الثار من قوم البغاة فقم اسال بناتك يا حبيبي على طعني وضربي با لعداة
(قال الراوي ) فاسيقظت بنات كليب من المنام وايقظن عمهن بهذا الشعر والنظام :
يقولون اليتامى يا مهلهل أتانا كليب يستنجد اخاه كليب قام من وسط المقادير وصار كليب في وسط الحياه
(قال الراوي ) كان الزير قد استيقظ من منامه فأرىالبنات حوا ليه فقال لهن رايت اباكم في المنام ثم حدثهن بما سمعه وراة
بالكمال والتمام فبكين بكاء شديدا فقال الزير ان هذا المنام بدل على عجب وحادث يقع عن قريب فاستدعا بعض الرمالين اليه
وقص ذلك المنام عليه فضرب الرمل الرمال ورسم الشكال وولد البنات من المهات حتى عرف حقيقة الخبر فقال له لك
البشرى يا فارس الصدام فان جساس سوف يقتل من بعد ايام وذلك من يد شخص يظهر من لحمك ودمك واشار يقول :يقول
بشير اسمع يامهلهل ايا سالم فابشر زال همك اتاك النصر من رب البريا انه العرش من خيرات عمك وقد ظهر رسول الرمل
عندي سيظهر شخص من لحمك ودمك فيقتل في الوغا جساس حال وانت ترجه ويزول همك وتهلك بعده ا ولد مره وستقيهم
جميعا كاس سمك
( قال الراوي ) فلما سمع المهلهل هذا الشعر من الرمال فرح واستبشر وقال له انتم ذلك الكلم ابشر مني ببلوغ المرام ثم انه
احسن اليه ووعده بكل جميل ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولح ركب المهلهل إلى الحرب والكفاح وتبعه البطال
والفرسان وركب ايضا المير جساس بالرجال واشجعان وقتتلوا طول ذلك النهار وقتل المهلهل منهم عدد كثير المقدار وما
زالوا في اشد القتال الي ان دقوا الطبول النفصال فافترقت الطوائف عن بعضها ونزلت كل فرقه في ارضها واما الهجرس فانه
لم يركب مع جساس في ذلك اليوم فاجتمع جساس باخته الجليله في المساء وقال لها ان ابنك لم يقاتل معنا ول نعلم ما هو السبب
فا ساليه واعلميني بما يقول فسالته امه عن عدم خروجه إلى حرب فقال له اعلمي يا اماه انه ليلقاني في قتال الزير سوى
حصان خال جساس الخرج ان وهبني اياه فانا اعطيه عوضه راس المهلهل فان قبل بهذا الطلب بلغته غايه الرب فرجعت
الجليله على الثر واعلمت اخاها جساس بهذا الخبر فوهب الحصان وقال له ان قتلت هذا الشيطان تكون علينا ملك ونحن لك
غلمانا واعوانا ففرح الجرو بذلك وضمن لجسا س قتل الزير اما الفرسان القواد ولما اصبح الصباح واضاء بنورة ولح ركب
الجرو الحصان المذكور وتبعه كل فارس مشهور وكان الزير قد ركب وطلب براز فرسان وقال اين جساس الجبان فليبرز إلى
الميدان فبرز الجرو اليه وهجم عليه واشار يقول وعمر السامعين يطول :
يقول الهجرس يا مهلهل ان عزرائيل اقبل اين تعدى اليوم مني سوف تلقاني وتقتل اني كمن قد جاك لتحسبني بظنك
( قال الراوي) فلما فرغ الهجرس من شعره حمل عليه وكان المهلهل قد مال قلبه اليه وتحركت جميع اعضائه وكان الزير يبطل
مضاربه بحسن اختياره ول كان قلبه يطاوعه على قتله ودماره وما زال على تلك الحال وهما في عراك وقتال إلى ان دقت
طبول النفصال وعاد العسكران عن ساحه المجال ورجع المهلهل إلى الطلل واجتمع ببنات اخيه كليب واعلمهن بحديث
الغلم وما جرى بينهما في معركه الصدام وكيف انه اشبه الناس بابيهما كليب في الصوره والقتال ثم قال لليمامه اعلميني هل
كانت امك الجليله حامله لما ذهبت إلى بيت ابيها فقالت نعم ياعمي كان لها نحو شهرين ولكن ماهو معنى هذا السوال فانشد
وقال :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل مربع الخيل انتصدت الينا يمامه اسمعي مني كلمي ايا ست الملح المحسنينا برزت اليوم للميدان
حتى اقاتل ال مره اجمعينا فبارزني غلم غريب منهم له عزم كما الصخر المينا كمثل اباكم وجها وحربا فذكرني ليالي الماضينا
فقد قاتلته في كل لطف وهو يطعن طعان القاتلينا فحملته وطعانه قويه تقد الصخر والزرد المتيينا فلماانتهى من شعره اجابته
اليمامه تقول :
اليا عم اسمع ما اقوله لتفهم سالم الخبر اليقينا فامي حامله من يوم راحت وحق ال رب العالمينا ولست ادري ايش جابت ابنت
ام غلم يا فطينا ثلثه اشارات لي في كليب اشارات بعقلي راسخينا ركب يوما بقرب النوم مره وقال ايا يمامه انظرينا من التفاح
اعطاني ثلثه وقال بذي الثلثه تضربينا فانكسوف تحتاجي اليهم اذا ظهر لناحقا بنونا ضربته بواحده يا عم راحت بضرب
رقابه راحت طحينا وثاني واحده في رمحه وثالثهم خطفها باليمينا غدا انزل واضربه ثلثه كفل ابي ايا عمي الحنونا يكون أخي
اذا سوى نظره وان خالف يكون غريب فينا
عسى ال يدركنا بلطفه وينصرنا اله العالمي
نا ( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من شعرها ونظامها وعمها يسمع فحوى كلهما قال لها فعل ابوك ذلك قالت قبل موته
بشهرين عندما كنت بير السباع وقد صممت الن ان ارافقك إلى الميدان واضربه بالتفاح في ساحه الكفاح وان افعل كما فعل ابي
يكون لشك أخي وبه ابلغ اربي .
الجزء التاسع
وفي ثاني اليام ركب الزير للحرب والصدام وركبت معه اليمامه وقد اخذت معها ثلثة تفاحات وكان الجرو قد ركب ايضا
بالبطال فصال وجال وطلب الزير للحرب والقتال فبرزت اليه اليمامه بالعجل وقالت انا اقاتلك اليوم دون المهلهل فاستعظم
الجرو ذلك ولم يعلم السبب ثم ان اليمامه اخذت تفاحه ولوحتها بيدها وضربته بها فاخذها برجله مع الركاب فطحنها طحنا ثم
انها ضربته بالثانيه فأخذها على سنان الرمح ثم أخذت الثالثه وقالت اللهم ياخالق الخلق امح الباطل واكشف الحق فأخذها بيده
ووضعها في جيبه فلما شاهدت الحال ايقنت انه اخوها ل محاله فنزلت عن ظهر الجواد وتقدمت اليه والقت نفسها عليه وقالت
اهل وسهل يا أخي ابن ابي وامي فأنت وال ابن كليب دون شك ول ريب وقد ربيت في دار العدا والحمد ل الذي عرفناك بعد
طول المدى فقال لها انا ابن شاليش ايتها السيدة الحرة وامي هي الجليلة بنت مرة فقالت انت ابن المير كليب ثم انشدت تقول :
قالت يمامه من ضمايرها دمع العيون على الخدين هنان اسمع أخي قصتي وافهم معانيها ياقاهر العدا في وسط ميدان ابوك خانه
جساس ايا سندي بطعنة يا عظيم القدر والشأن شاليش خالك كل الناس تعرفه اهل العارب قاضيها ومن دان وعمك الزير فخر
الناس كلهم وفارس الخيل من عجم وعربان فاسأل لمك ثم سرك اكتمه وارجع الينا فأنت اليوم في أمان
( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من شعرها تأكدت عنده تلك القضيه لن قلبه كان ليميل إلى جساس ول إلى أحد من بني
مرة ول سيما انه قد حن قلبه إلى اليمامه فقال لها سرا لقد صدقت بقولك هذا فاذهبي الن وعند الصباح اتبعكم إلى الوطان ثم
توقفت عن القتال ورجع إلى عند امه في الحال واخبرها بذلك الشأن وان تعلمه من هو أبوه من الفرسان وحلف لها بالله الديان
انها ان كتمت عنه حقيقه الخبر قتلها وجعلها عبرة لم اعتبر لفما علمت امه بأتن الخبر قد اتصل اليه وان المر ماعاد يخفي عليه
اعلمته بالقصة من أولها إلى آخرها وأوقفته على باطنها وظاها واشارت اليه تقول من فؤاد متبول :
الجليله قالت ابيات نار قلبي بالحشا زادت لظا استمع يا ولدي فيما اقوله يا ضيا عيني وياكل المنى انت روحي افتهم مني الكلم
قول صادق ليس فيه من خفا ان ابوك كليب سور المحصنات قاهر البطال في يوم الوغى واخوته خمسون اعمامك جميع كلهم
فرسان طعانه قنا اربعه من الست يا ابني حقيقي كل واحد سبع ربي بالفل منهم المسمى ابوك كليب كان والفتى الزير المهلهل يا
منى والفتى المسمى عدي درعان هذه الربعه اتةا منها سوا ثم ست واربعين خلفهم من الجواري والسراري والما كلهم يا
امير اعمامك لهم كل واحد الف يطعن بالوغا وابوك كليب سار على الجميع بالفروسية مع جود وسخا جاء جساس خالك باق فيه
وتركني بعده مثل الما وطردني عمك الزير بعده فرحت إلى اهلي دون المل قد كنت حامل فيك بعد ابيك فولدتك في تلك الحما
رحت سميتك على اسم الكلب سرت كانك سبع رابي بالفل وانا وال من خوفي عليك قلت أخي شاليش انه لك أبا وانا اعلمتك
افعل ما تريد صفا عينشي ووقتي ما تعكر
( قال الروامي ) فلما فرغت الجليلة من هذا الشعر بكى الجرو بكاء شديد ولم أمه على كتمان المر ثم انه صبر إلى الليل
فركب وسار بالعجل إلى عند المهلهل وصحبه العبد أبو شهوان الذي كان ارسله اليه عمه فارس الفرسان وفي اثناء الطريق أراه
العبد قصر ابيه وقبره المصفح بالذهب وعينيه واجتمعت جميع شقايقه ومن يلوذ به من اهله واقاربه فوقعو عليه وترحبو به
وكان الزير افرح الخلق ولما استقر به الجلوس وطابت من القوم النفوس قال الجرو الحمد ل رب الكائنات الذي جمع شملنا بعد
الشتات فوال العظيم رب موسى وابراهيم ل بد لي من قتل جساس واجعله مثل بين الناس لنه فجعني بابي تاجي وفخري
وتركني يتيما طول دهري فقال له الزير ل بد من قتله على رؤوس الشهاد وانت تكون الحاكم بعد ابيك على هذه البلد ثم انشد
وقال :يقول الزير أبو ليلى المهلهل صفا عيشي وقتي ما تعكر أتاني السعد من رب البرايا واتانا السعد لما النحس ادبر فقبل
ظهوره كنا حزانا نقضي الليل في قلق ونسهر على فقد الفتى الماجد كليبا ثوى غدرا له جساس فنظر وفي دمه كتب بالبلطة
وصايا عشر ابيات او أكثر يوصيني بقوله ل تصالح فسالم انت ان صالحت تخسر واطرد الجليلة من حمانا عدوة كعبها ما كان
اخضر طردناها وهي بالجرو حامل من يقدر على رد المقدر انا فيهم فتكت بحد سيفي وانت القصد منهم تكبر واني ما بكيت
على كليب اخذت بثاره بالسيف مجهر فابكي حيث ما خلف ذكورا بنات الكل ما له طفل يذكر ولما خالقي انعم علينا وجانا الجرو
كالسبع الغضنفر صفا عيشي وقد نلت المقاصد وزال النحس عنا ثم ادبر وبعد يا ابني اسمع كلمي انا عمك وانت الليث قسور
فقم اجلس على كرسي ابوك وفي احوال اخواتك تبصر
(قال الراوي) فلما فرغ الزير من الشعر والنظام قال الجرو اطال ال بقاك ونصرك على جميع حسادك واعداك وبلغت قصدك
ومناك انني وال يا عم في قلق وغم فل تزول احزاني وانال اربي حتى آخذ بثار ابي واقطع راس جساس واجعله مثل بين الناس
فشكره جميع اهله واعمامه وبعد ذلك قال له الزير ما هو الراي عندنا يا ابن أخي قال الراي عندي اني اغير عليكم نهار غد
واخذ نوقكم وجمالكم إلى جساس واقول له باني اتيت اليوم باموالهم ومواشيهم وغدا اتي اليك براس الزير ثم احاربك وتكون
انت واضع قربه من الدم تحت جانبك فاطعنك بالرمح فخذه تحت ابطك والقي نفسك على الرض فتنشق القربة ويهرق الدم وانا
اصيح على جساس واقول له قد قتلت عدوك يا خال انزل اليه واقطع راسه لقد زال الكدر وبلغنا اليوم الوطر وعندما ياتي اليك
فتقوم اليه بالعجل وتعدمه الحياة لنه لم يعلم بقدومي عليكم وبهذه الوسيلة تتم الحيلة وتتخلص من هذه الورطة الوبيلة فاستصوب
الزير رايه ثم انه ودعهم وسار وحده الي الديار بني مره وعند الصباح ركب الجرو في جماعه من الفرسان وساق مواشي بني
قيس من الرعيان با تفاق المير مهلهل ليت الميدان فخرج المير جساس وسادات من بني مره وشكروا الجرو على هذه الغنيمه
( قال الراوي ) فاتقف في تلك الليله بان جساس راى حلما غريبا وهو انه ابصر ذاته بانه كان قد ربى عنده جرو وذهب واكان
يوده ويحبه فلما انتهى وترعرع وتصاحب مع سبع كاسر على فالفه إلى ان كان في بعض اليام اغار السبع على مواشي بني
مره وهجم على نسائهم واولدهم وجعل يفترس كبارهم وصغارهم وكان الذئب يساعده يساعده عليهم فاغتاظ جساس من فعال
السد فسللسيف وهجم عليه يريد قتله واعدامه فوثب عليه الذئب من ورائه ونهشه فالقاه صريعا على الرض ففاق جساس
مرعوبا من هذا الحلم فنهض في الحال وسار إلى الديوان وجمع اخوته وباقي السادات والعيان واعلمهم بذلك المنام فقالوا هذه
اضغاث احلم وما زاالوا يهرنون عليه حتى راق وزال عنه القلق والكدر ولما اصبح الصباح ركب الزير يطلب الحرب
والكفاح وركب المير جساس وهو في قلقل ووسواس وكان الجرو قد اوعد بهلك القوم وقتل المهلهل في ذلك اليوم ولما التقى
الفريقان برز الجرو إلى ساحه الميدانفبرز اليه المهلهل فالتقاه الجرو وصال وجال وطعنه بالرمح طعنه كاذبه فسحبها المهلهل
من تحت ابطه فراحت خائبه والقى نفسه على الرض من فوق ظهر الحصان خديعه على عيون الفرسان ليظهر لهم انه قد مات
وحلت به الفاق فعند ذلك صاح الجرو ال أكبر على من طغى وتجبر فقد ظنا المراد بقتل الزير الذى اهلك العباد ثم صاح على
جساس وقال له انزل يا خال واقطع راس عدوك فقد قتلته وكفيتك شره فلما راه يختبط بدمه نزل عن ظهر القميره وهو يظن انه
قد بلغ غايه مراده ولما اقترب منه نهض الزير على قدميه وقبضه من لحيته وهجم الجرو ايضا عليه ووضع الرمح بين كتفيه
فعند ذلك علم جساس انها حيله قد تمت عليه وتاكد عنده صحه المنام فاخذ يخاطب الجرو بهذا الشعر والنظام
قال جساس الذي شاهد وفاه ياسياج البيض في طعن القنا انني بك يا ابن اختي مستجير فاجرني يا ابن اختي من القنا
فاجابه الجرو بهذه البيات :
ايا خال اقصر عن ملمك دنى اجلك وقد وافى حمامك تقول اجرني يا ابن اختي ال يا جرو اعطينا زمانك قتلت كليب طلما
وعدوانا تظنوا بانني اسمع كلمك وبعد كليب اصبحت حاكم تسامى في المل ايضا كلمك طغيت وجرت في حكمك علينا فاذني
لم تعد تسمع كلمك تريد اليوم منا ان نجيرك فهذا ماتشوفه في منامك
( قال الراوي ) فلما فرغ الجرو من كلمه جعل جساس يتوسل إليه بأن يعفو عنه وقال بال عليك أن تصفح عني فأن الذي
مضى قد مضى وهل اذا قتلتني يعيش كليب ويقوم فاتركني لوجه ال الواحد القيوم فقال الجرو لبد من قتلك كما قتلت أبي حتى
أكون قد بلغت أربي فلما أطال بينهما الخطاب قال لهما الزير أراكما قد أطلتما الكلم والعتاب فعند ذلك طعنه الجرو بالرمح في
صدره فخرج يلمع من ظهره وتقدم اليه الزير بالسيف على راسه فقطعه ثم وضع فمه على عنقه وجعل يمصه حتى شرب جميع
دمه وكان الجرو ينهش في لحمه حتى بلغ مراده وشفى فؤاده وبعد ذلك أعطى الرأس إلى الجرو ليأخذه إلى شقايقه فسلمه الجرو
الي بعض عبيده وهجم مع قومه في باقي البطال على جموع بني مرة في الحال وأذا قومه الوبال بلغوا منهم المال وكانت بنو
مرة لما علمت بقتل جساس أيقنت بالموت الحمر لنه كان القائد الكبر وعليه العتماد في الحرب والطراد فولت الدبار
وطلبت الهزيمه والفرار وكان المهلهل قد قتل منهم في ذلك النهار خلقا كثيرا بهذا المقدار فمنهم أمراء وقواد وسادات وأمجاد
وأما الذين سلموا منهم فانهم طلبوا الزمام من الزير والجرو فأجاروهم وعفوا عنهم بشرط أن يكونوا مثل العبيد ل ينقلون سلح
ول يحضرون حربا ول كفاحا ول يوقدون نارا ل ليل ولنهارا وليعرف لهم قبر ميت في جوار ل في مقبرة ول في دار أل
مشتتين في البراري والقفار يقضوا حياتهم بضرب الطبل ونفخ المزمار وأن غابت نساءهم طول النهار ل يسألها فين كانت بل
يسألها أيش جابت وليس لهم صفه سوى الرقص والخلعة فقبلوا على هذا الشرط بكل رضا وقناعه وبعد هذه الشروط تسلطن
الجرو على كل القبائل نظير أبيه وطاعته العباد وشاع ذكره في البلد وفرحت بنات كليب كل الفرح وزال عنهم الغم والترح
وخلعن عنهم ثياب السواد وكان ذلك النهار عندهم من أعظم العياد وكان الجرو قد تزوج بثلث بنات وولد له ولدان فسمي
الول تغلب والثاني مالك ولما بغا سن الرجولية زوجهما ببنتين شقيقتين وهما بنات المير هلل حاكم حماة وزوج أخته اليمامة
للمير مفلح أبن المير مدكور وهذا ماجرى بينهم وهكذا أتصل الحسب والنسب وخمدت نيران الحروب بين قبائل العرب وكان
أفرح الناس المير مهلهل وكان الجرو قد عرض عليه الزواج فامتنع وكان منعكفا على الجلوس في الخيام وأكل الطعام وشرب
المدام وأقام له عشرون عبدا في رسم خدمته وكان يرقد وينام وهو لبس آله الحرب والصدام لنه كان قد أعتاد عليه مدة
الحروب والشهور التي أستمرت اربعين سنه وكسور كما في التاريخ مذكور هذا ما كان من أمر المهلهل في تلك اليام وسوف
يقع له حديث وكلم واما الجرو فأنه قد زوج أربعة من شقايقة إلى جماعة من المراء وصنع لهن ولئم وأفراح مدة طويله وأما
ولداه مالك وتغلب بقيا مدة خمسة عشر سنة ولم يرزقا بأولد من بنات المير هلل المذكور وبعد نهاية المدة طلبت نسأءهما
زيارة أهلهما في حماة فطلب أزواجهما من أبيهما الجرو أن يأذن لهم بذلك فأمر لهم فساروا مع نسأئهما إلى تلك الطراف ولما
بلغ المير هلل بقدوم أصهاره بنسائهما خرج للتفاهم مع ولده المير مفلح وخرجت معهما اليمامه المير مفلح المذكور وخرج
أيضا أكابر المدينه فألتقوهم بالترحاب والكرام وأنزلوهم في أحسن مكان وقاموا في تلك الوطان مدة من الزمان وهم في
سرور وأفراح وبسط وأنشراح ولما صمم المير مالك وتغلب على الرجوع إلى الطلل مات المير مفلح مع أبيه المير هلل
فأقاما يحكمان في تلك الديار وأنقادت لمرهما أهل تلك البلد وكانا محبوبان من جميع العباد وكانت اليمامه بعد وفاة بعلها
ذهبت إلى عند أهلها ( .قال الراوي ) فاتفق ذات يوم ان المير مالك قال لخيه تغلب أعلم ياأخي انه قد مضى علينا مدة من
الزمان ولم نرزق بولد ذكر حتى يبقى لنا ذكر يذكر بين البشر فدعنا نتزوج الن على نساءنا فلعل ال يرزقنا بأولد وال أنقطع
نسلنا من بين العباد فقال تغلب من الصواب ان نصلي إلى ال في هذه الليله ونتضرع اليه أن يرزقنا أولد من نسائنا لنه على
كل شيء قدير فامتثل أخوه رأيه وصليا تلك الليله بحراره قلب وأشار تغلب يقول وعمرالسامعين يطول :
يقول الفتي تغلب على ما جرى بدمع جرى فوق الخدود نهور أقول وفي قلبي من البين لوعه وبي حسرات طي الفؤاد تثور
الفراق أبينا الجرو والزير عمنا عليهم قلبي والحشا مكسور يارب يارحمن ياسامع الدعا عليك أتكالنا يا جابر المكسور سألناك
ربي بالخليل وأبنه بحق الذي اليه العبيد تزور فيا رب يارحمن اجير قلوبنا بجاه عيسى وموسى والفضل المشهور بجاه داود مع
يحيى مع الخضر وبالعرش والكرسي وبحر النور ترزقنا بولدين يحيوا ذكرنا أيا من ترزق كل وحش كسور
( قال الراوي ) وكان المير تغلب ينشده هذه البيات وأخوه مالك يقول آمين يا رب العالمين فاستجاب ال دعاهما ولم يخيب
شكواهما فما مضت مدة يسيرة وبرهه قصيرة حتى حبلت نساءهما ولما تمت ايامهما ولدنا الثنان في يوم واحد فولدت زوجة
مالك بنتا وزوجة تغلب ولدا ذكرا فقامت في الحي الفراح والمسرات وكان جناب الميرين في الصيد والقنص فأرسلوا لهما
بعض العبيد يبشرهما بذلك وكان اسمه مسرور فلما اقبل عليهما العبد قال له علمك يا مسرور ابشير ام نذير فقال اني بشير
واشار اليهما بهذه البيات :
قال الداعي المسمى مسرور ياسادتي اتيتكم قاصد بشير ياأمير مالك اتاك بنت كالقمر ووجها كالشمس والبدر المنير وانت يا
تغلب اتاك غلم يفرح القلب المتيم يا أمير اتيت اليكم حال بل بطا فوق حمرا كأنها طير يطير اريد منكم ياكرام بشارتي اجبروا
بال قلبي الكسير
( قال الراوي ) فلما سمعا كلم العبد فرحا فرحًا شديدا واعتقا العبد واعطوه الف دينار ولما حضرا إلى الحي امرا بذبح الذبائح
وأولما الولئم وأقاما الفرح والسرور لمدة شهرين كاملين وارسل حال يعلما اباهما وعمهما الزير ويبشرهما بذلك وسميا الغلم
الوس والبنت مي وتعاهدا الخان على زواج البنت بالغلم اذا كبر ولما بلغ الجرو والمهلهل ذلك الخبر فرحا جداً وشكرا ال
على هذه النعمه العظيمه وركب الجرو في جمع غفير من قومه وابطاله وسار جهت اولده لنه كان لديه غاية الشتياق
لمشاهدتهما ولما اقترب من تلك الديار وبلغ ولديه قدومه خرج لملقاته في موكب عظيم وعند وصوله سلما عليه ووقعا على
يديه يقبلنه فقبلهما بين عينهما ودعا لهما ثم سأله عن عمهما فقال انه في خير وعافيه وانه مازال في خيامه وهو ملزم طعامه
مع مدامه ثم سار إلى المدينه وكان ذلك اليوم اعظم من يوم الزينه ونزل الجرو في القصر الكبير ووقف بخدمته الصغير والكبير
والمأمور والمير وأقام في تلك الديار مدة شهرين كوامل وكان في آخر هذه المده مرض ابنه تغلب فأقام عشرة اياما في الفراش
ومات فحزن عليه الجرو حزنا عظيما وعملوا عليه مناحة عظيمه ودفنوه بكل أحترام .ووقارولماعزم الجروعلى الرجوع إلى
بل ده استدعى ولده مالك واوصاه با لرعيه وان يكون عادل في حكمه وان يزوج ابنته مي بالوس ابن اخيه وبعد ذلك سار
وحده في قطع القفار إلى ان وصل اطلله واجتمع باهله وعياله واما المير مالك فانه اعتنى بتربيه ابنته وابن اخيه كما اوصاه
جناب ابيه حتى كبرا وبلغا درجه الكمال وكان الوس يركب ظهور الخيل ويتعلم الفروسيه مع الفرسان واستمر على ذلك مده
من الزمن حتى صار من صناديد الرجال وشاع ذكره في كل مكان وكانت ابنه عمه مي من اجمل النساء والرجال وكان الوس
يحبها محبه عظيمه فكانا كروحين في جسد واحد فلما شاع ذكرها في قبائل العراب وتواردت على ابيها الخطاب وكان قد سمع
بها الصنديد بن الكوع وهو ابن عم الملك تبع حسان فعشقها على السماع وكان من الملوك العظام فارسل وزيره ليخطبها من
ابيها فلما وصل الوزير وعلم مالك بالخبر فقال ول هو نعم الصهر وبه انال الفخر على طول الدهر غير انه لخفاك اطال ال
عمرك وبقاك باْن ابنتي مخطوبه لبن عمها الوس ونحن الن مباشرين بأمر العرس فل يمكنني أن أنقض الكتاب وهذا الذي
يمنعني عن اجراء اليجاب فقال له الوزير اكتب لي الجواب فكتب اليه هذه البيات :
يقول الفتى مالك على ماجرى له بدمع جرى فوق الخدود صدود أيا غاديا مني على متن ضامر تسابق لضرب المرهف المبرود
تهدي هداك ال خذلي رسالتي اعطيه مكتوبي تنال سعودي اذا جيت لصنديد فقل له باني على طول الزمان ودود ومي ترى
مخطوبة لبن عمها ومعها تربى والنام شهود فحاشى لمثلي ان يخون اقاربه وافسح زمامي ثم اكون عنود ترى روحي ياامير
ومهجتي وهو عندنااحلى من المولود فلو كنت اعطيها لغير ابن عمها لكنت انت اليوم اولى بالمقصود
ثم ان الوزير اخذ هذا الجواب ورجع إلى عند الصنديد واعطاه اياه فلما وقف على حقيقة الحال خرج عن دائرة العتدال فغير
زيه وتنكر وركب جواده وسارالى تلك الديار وحده وعن وصوله إلى مضارب الميرمالك لم يجد هناك ولم يكن في الحي ال
النساء والبنات فسأل بعض النساء عن غياب الرجال فقالت منهم من سار إلى القبائل ليعزموا الناس إلى العرس والفرح ومنهم
من ذهب مع المير مالك لصيد والقنص ففرح بهذا التفاق وتقدم نحو الصيوان واركز رمحه ووقف على الباب ونادى هيا
ياأصحاب البيت فقد اتاكم ضيف من ابعد مكان وكانت مي داخل الخيام وحدها فما ردت جوابا وماأبدت خطابا ولما ابطئت عليه
الجواب وعرف ان الصيوان خاليا من الرجال انشد يقول :
قال الفتى الغريب الذي شكا ولي قلب من بين الجوانح ذاب اتيت قاصد مالكا في حاجه ولي ساعة واقف انا في الباب يا أهل هذا
البيت اين اميركم واين مضى من الديار وغاب ياربة البيت الذي داخل الحمى مابالكم لتردوا الجواب الفاخبروني يا بنات
بحالكم قلبي غدا من أجلكم مرتاب اذا كان اهل الحي غابوا جميعهم اما فيكم كريمه ذات حجاب فتقر ضيفا قد اتى غريبه وتستر
أهاليها مع الغياب اكيد ما كل النساء تستر الفتى ولكل من يحوي الرديه صاب
( قال الراوي ) فلما سمعت مي شعره ونظامه وعرفت قصده ومرامه أخذتها الغيرة والمروءة لتستر عرض أهلها من القيل
والقال وأشارت تقول :
تقول فتاة الحي مي التي شكت ال فاسمع للقول يا نجاب يا مرحبا بالضيف لما زارنا لك الخير والكرام والترحاب انزل مكانك
حتى احضر لك الغدا وتأكل من زادنا وتشرب انا بنت مالك راح للصيد والدي مع ابن عمي الوس والحباب انزل حتى
يرجعوا رجالنا ويأتوا لنحو الحي بعد غياب فكم جاء الينا يا أمير مثالكم خلئق كثيرة ما لهن حساب نحن نحب الضيف اذا جاء
محلنا انزل واجلس جانب الطناب
( قال الراوي ) فلما فرغت من شعرها ونظامها وقع الصنديد في حبها وغرامها ورفع ستار الخيمه بسنان رمحه فوجد صبيه
بديعه الجمال فزاد به الوجد والبلبال فصاحت عليه من خلف الستار وقالت علمك تنظر بنات الملوك يا غدار ثم ردت منديلها
على وجهها وقالت له لشك انك قليل الحياء كامخ فا كنت ضيفا كما تقول فانزل كي آتيك بالغداء وال فما هذه الوقاحه ثم قالت
لجاريتها اطلعي افرشي له حتى يجلس ويتغذى لبينما يأتي ابي من البريه فخرجت الجاريه اليه وسالته كي ينزل في الصيوان
فقال لها انه عيب علي ان انزل عند الحريم وانا سيد عظيم لئل ادعي بكامح هذا من اعظم القبائح وما اتيت إلى هذه الديار ال
لمر ضروري وهو ان اتزوج الميرة ولما تأكدت الميرة من مرامه قالت يانجيب ان كنت الضيوف فاقعد في الصيوان حتى
يأتي ابي من البريه هذا فلم يسمع لها كلم وقال لبد من أخذك إلى الطلل وهناك اتزوج بك بالحلل لني اتيت من بلد بعيده
لجل هذه الغايه الوحيده وقد نلت مرادي وحصلت على مسرة فؤادي ثم انه قام تلك الليله في ذلك المكان وهو مسرور فرحان
ولما كان الصباح ركب ظهر الحصان واردفها خلفه وصار يقطع القفار ويوصل سير الليل بسير النهار حتى وصل الديار ولما
سمعت اكابر قومه بقدومه ظافرا غانما اجتمعوا اليه وهنئوه بالسلمه وسألوه عن سفرته وماجرى له في غربته فقال اني عند
وصولي إلى تلك الطلل هجمت علي الفرسان والبطال ومددت اكثرهم على بساط الرمال وفعلت فعل تذكر على طول
الجيال وقتلت المير مالك وابن اخيه واتيت بالعروس إلى هنا وقد بلغت المنى فلما سمعت مي منه هذا الكلم كان عليها اشد
من ضرب الحسام فنهضت على القدام فقالت له امام العيان لقد نطقت بالزور والبهتان فوحق الله الديان لو كان ابي وابن
عمي حاضران لما كنت رجعت سالما إلى اوطانك ول اجتمعت بأهلك وخلنك ولكنك خطفتني بالحتيال وهربت في الحال قبل
ان تدركك الر جل ويحل بك الوبال ثم انها بعد هدا الكلم بكت بدمع سجام ولما سمع الحاضرون فحوى كل مها خافوا من
القواقب وعلموا بأن كلم الصديد ليس له صحة فهو في حديثه كاذب واما الصنديد فانه اغتاظ من هذا الكلم فنهض والطمها
على موجهها وقال هكذا تتكلمين يابنت اللثام امام السادات الكرام ثم سل سيفه وغمده واراد أن يعد مها الحياة فعتد ذلك وثب
الوزير وبا قي ال مراء بالعجل وردوه عن ذلك العمل وقالوا له انت امير اتجمل عقلك كعقل النسوان فما تقول عنك ملوك
الممالك اذا سمعت بذلك ومازلوا يتوسلون بالكلم حتى لن وكان له سجان أقسى من الصوان فاستدعاه اليه فحضر وكان اسمه
عمران بن الزور فقال خذ هذه الملعونه إلى بيتك وسلمها إلى زوجتك لتقيدها بالحديد وتعذبها العذاب الشديد وتلبسها ثياب
الشعر وتضربها خمس مرات في النهار وتطعمها خمس ارغفة من الشعير فقال يامولي ان هذه الصبيه لتستحق الضرب
والنتقام ولتستاهل غير العزاز والكرام وهي كأنها البدر التمام فقال لها كيف العمل ومانحن ال عبيد الملك الصنديد فعند ذلك
نزعت عنها ثيابها الحريريه والبسها ثوبا من شعر الخنزير وأرادت ان تضربها بالسياط على قدميها فوقعت على رجليها
وجعلت تبكي وتثني عليها ثم انشدت من فؤاد متبول :
با ال ان ترثي إلى احوالي فالدهر فرق صحبتي وعيالي يا وحدتي يا ذلتي يا غربتي قد صرت بعد العز بالغلل قد كنا في جاه
ورفعه منصب وال ربي عالم الحوال فترفقي هذا النهار بحالتي فلعل ربي يستجيب لحالي اني كريمه من اكابر معشر فاقوا
الورى بالجاه والفضال ويعيدني بعد العناء إلى الوطن وأرى جميع الهل والخوال ولهم وقائع في البلد جميعها بين الملوك
وزمرة البطال
( قال الراوي ) فلما فرغت من شعرها ونظامها ورق قلبها وقالت لها قري نفسا وطيبي قلبا سأصنع معروفا لوجه ال تعالي ثم
انها جاءت بجلد جاموس يابس فصلته ثوبا والبستها اياه من تحت الثياب وقالت اني متى ضربتك فانك لتشعرين بألم الضرب
وماقصدت بذلك ال ليسمع الملك صوت الضرب وانت تصيحين وتستغيثين وانا أقدم لك ماتحتاجين اليه من المأكل والمشرب
ومتى دخل الليل تخلعين ثوب الجلد ترقدين براحه بال إلى ان يأتي ال بالفرج فشكرتها مي على معروفها ودعت لها بطول
العمر وأوعدتها بالجميل والخير هذا ما كان من مي وماجرى لها أما ماكان من أبيها فأنه عند رجوعه من الصيد سمع صياح
والبكاء فسأل عن ذلك فأخبرته زوجته بواقعة الحال فغاب عن الصواب من شدة الغيظ واما الوس ابن عم الصبيه فأنه غشي
عليه لنه كان يحبها محبة عظيمة ولما أفاق من غشوته انشد يقول :
يقول الوس ابن تغلب قصيد ال يامي من هذا دهاك اتاك اللص في غيبة ابيك ولم يعلم بمن يسعى وراك ال يا بنت عمي لو
تدري بي على فقدك انا محزون باكي ترى في أي أرض قد حللت فما قلبي غدا يطلب سواك فل بد لي أغزو دياره بالعجل
واقتله وافرح في لقاك وابذل كل مجهودي لجلك وروحي بعد ذلك هي فداك لما قال الفتى الوس بن تغلب فقلبي قد تعلق في
هواك
( قال الراوي ) فلما فرغ الوس من هذا الشعر والنظام وقع مغشيا عليه وبقي طول ذلك الليل في هم وغم وقلق شديد ما عليه
من مزيد فجعل عمه يلطفه بالكلم ويقول له طيب قلبك يا ولدي فما يصلح الحزن ال إلى النساء فاصبر لبينما نرسل من يكشف
لنا خبر ذلك الرجل وبعد ذلك نسير إلى دياره فنخربها ونسبي حريمه وعياله فقال الوس من يذهب غيري فوال لسرت ال
وحدي ول اريد رفيق ولمعين سوى رب العالمين ثم نهض فاعتد جلده وركب ظهر جواده وودعهم ويار وجد في قطع القفار
ودموعه تجري على خديه كالنهار وهو ليدري إلى اين يذهب والى اي حلة يقصد من قبائل العرب إلى ان وصل إلى وادي
عميق ضيق الطريق كثير الشجار والوحوش والحجار فبينما هو يتأمل ذلك المكان واذا قد ظهر عليه أحد الفرسان وهو
بالسلح الكامل والفروسيه عليه علئم ودلئل فلما رأى الوس منفردا وحه مال اليه وقصده وقال له انزل ياجبان عن ظهر
الحصان واخلع ماعليك من الثياب وفز بنفسك في هذه الهضاب قبل ان اسقيك كأس العطب فأنا جمرة بن غمرة فارس العرب .
فلما سمع الوس هذا الكلم صار الضيا في عينيه كالظلم وهجم عليه في الحال وصدمه صدمة تزعزع الجبال فالتقاه جمرة في
الحال والتحما في ساحة المجال واشتد بينهما القتال وتجاول ساعة من الزمان وهم في ضراب وطعان تقشعر منه البدان فاختلفا
بينهما طعنتين قاتلتين وكان السابق الوس بن تغلب فجادت في صدره خرجت تلمع من ظهره فوقع قتيل وفي دمه جديل فأخذ
عدته وجواده وجد في المسير وهو يقطع القفار والكام مدة خمسة ايام واتفق في اليوم الخامس انه التقى بقارس وهو يجد في
قطع القفار كالسهم الطيار فتقدم اليه وسلم عليه وقال له إلى اين سائر والى من تنسب من القبائل والعشائر فقال انني من بني
عبس وعدنان أصحاب الفضل والحسان واني ساير إلى ديار بني عامر لستدعي حامينا عنتر فارس الخيل لنه سار من عشرة
ايام ليحضر وليمه دعاه اليها عامر بن الطفيل وفي غيبته غزانا عمرو بن معد يكرب في خمسة الف فارس فحاربنا محاربة
شديدة وجرى بيننا وبينه وقائع عديدة فأرسلني مولي قيس بن زهير لستدعيه للحضور قبل ان يظفر عامر المذكور فقال
الوس وقد تعجب ومن هو عنتر بن شداد فارس الصدام الذي اشتهر ذكره في هذه اليام بطعن الرمح وبضرب الحسام وقهر
كبار الجبابرة وحارب الملوك والكاسرة والقياصرة وافتخر على البطال في ساحة الميدان فلما سمع الوس هذا الخبر وانبهر
ثم ودعه وجد في قطع البر القفر ومازال يقطع البراري والكام مدة سبعة ايام حتى اشرف على جماعه من العبيد ترعى
الغنام فحياهم بالسلم واخذ يسألهم بهذا الشعر والنظام :
يقول الفتى المضنى الفائض ما به فدمعي جرى فوق الخدود سائح ال ياعبيد الخير بال اشفعوا لصب بعيد الدار ولهان نازح
فجيع وجيع مستهام ملوع تركه البين مضنى كثير الجرايح لقد ضاع لي حرة عفيفة من الحنا فهل من يبشر بها يا فوالح
ويخبرني لي البلد توجهت من أجلها ناري تزيد اللقايح لقد احرقت قلبي والبي مهجتي وكل عظامي اوثقتهم جرايح
( قال الراوي ) فلما فرغ من كلمه تقدم اليه كبير الرعيان وكان اسمه مرجان وقال له اعلم يا غلم انه من برهة عشرة ايام
سبى اميرنا الصنديد ابنه اسمها مي ليوجد اجمل منها في نساء هذا الحي فأراد ان يتزوجها فامتنعت عنه فلم تميل اليه فقيدها
بقيود من حديد وهو كل يوم يعذبها عذاب شديد فعسى تكون الحرة التي ذكرتها في نظمك افرج ال همك وغمك فلما سمع
الوس هذا الكلم استبشر ببلوغ المرام ونزل عن ظهر الحصان وقبل العبد مرجان وأوعده بالجميل والحسان فبينما هو
بالحديث والكلم واذا بسعد ابت أخت الصنديد قد جاء ليكشف أخبارها ويرجع بها إلى ديارها فلما سمع هذا الكلم رجع عند
خاله وأعلمه بما سمع ورأى وأشار اليه يقول :
قال سعد قد اتيتك عارا ياخال مى فاسمع الخبارا البنت التي غربتها من أهلها من خلفها فارس اتاك جهارا ياخال فارس في اللقا
مجرب وعيونه ياخال تقدح نارا ان كان راقت لك ليالي الصفا فبصفوها تأتي لك الكدارا قد جاء إلى عند العبيد يسأل انبوه فجاء
كالسد هدارا لما سمعت اتيت نحوك عاجل هذا الذي ياخال تم وصارا
( قال الراوي ) فلما فرغ سعد من شعره ونظامه وفهم الصنديد فحوى كلمه قال له فارس واحد قال نعم ايها السيد الماجد فشتمه
خاله وقال ارجع وخذ من بين جنبيه فأنه ليليق بي ان اركب لقتال صعلوك من صعاليك العرب فخرج سعد من عند خاله وقصد
الوس .فلما اجتمع به وصاح فيه وحمل عليه فالتقاه كالسد وضربه بالحسام المهند فألقاه على الرض قتيل فأخذ عدته وسلبه
ثيابه ولما بلغ خاله الخبر طار من عينيه الشرر فركب ظهر جواده واعتد بعدة جلدة وقصد الوس حتى التقى به وانطبق عليه
كليث الجام وأخذ معه في القتال والكفاح ولم تكن ال ساعة حتى اثخنه بالجرح فول وطلب لنفسه الهرب فتبعه مثل السرحان
حتى وصل الصيوان واحتما عند النسوان فلما دخل على الحريم قالت له زوجته سعد علمك دخلت وانت مرعوب كل هذا لجل
البنه التي خطفتها وما نالت المرغوب فقالت انك تستحق أكثر من ذلك وبخته بالكلم وقالت له انت تدعي الفروسيه على كل
واحد وتهرب من امام امرد هذا والوس يصيح عليه ويقول اخرج يالئيم من بين الحريم حتى اجازيك على تلك الفعله ياغدار يا
محتال فخاف الصنديد وقال لزوجته سعده اعطيه ابنة عمه وكافينا همنا وهمه وخرجت زوجته اليه وقبلته وطلبت منه العفو
والسماح فأعطاهما المان فجاءوا له بإبنة عمه مي بعد ان لبسوه الثياب الفاخره وذبحوا له الذبائح وقدموا له الطعمه المتكاثره
ولما اجتمع به زال عن قلبه الكدر من كثرة فرحته اخذ يسكب العبر وهكذا فعلت مي وكان ذلك النهار عنده كيوم العيد حيث
التقت بحبيبها الوحيد ( .قال الراوي ) فباتا تلك الليله في الحله وعند الصباح اركب مي في هودج وسار معه جماعة من العبيد
وتوجهوا قاصدين دياره ولما اقترب من بلده ارسل يبشر عمه المير مالك بقدومه وشاع الخير في الحي وخرجت النساء
والبنات واكابر السادات ولما اجتمعوا ببعضهم البعض نزل المير مالك فسلم على الوس وابنته وشكر ابن اخيه على افعاله
وعند وصوله إلى الخيام حدثهم بحديث عنتر وما سمع عنه من الخير فقال عمه وال سمعنا بذ كره وأنه من أ فرس فرسان
عصره وبعد ذلك ذبحواالذ بائح والموا الول ئم ثم زفو ا الوس على ابنة عمه فكانت اليلة من أعظم حضرها جمهور من
السادات والموالى فزادت أفراح الوس بتلك العروس وحظى بدلك الحسن والجمال وعاش معهما بأ رغد عيش وأحسن حال
وبعد ذلك وضعت له غل ما سماه ما لك وله حد يث طو يل فا تفق بعد عشرة ايام أن ابن الوس ضعف ضعفا شديدا فمات
فحزن الوس عليه ودفنه بالحترام والوقار بكت عليه الكبار والصغار وكان موصوفا باللطف واليناس ومحبوبا من جميع
الناس وأرسل الوس وأعلم جده بذلك الخبر فحزن وتكدر فقالت أختك اليمامه أرسل ياأخي وأحضر أبن عمك الوس مع أهله
ليجمع شملنا بشمله أجابها إلى ذلك وفي الحال أرسل رجل من بني عمه ليحكم مكانه فجاء الوس مع أهله وسكن عند الجرو
جده وراق لهما الزمان واما ماكان للبطل الهمام صاحب الذكر الشهير المدعو بسالم الزير فأنه كان قد أخناه الدهر وضعفت قواه
وهو مع ذلك مواظب على أكل الطعام وشرب المدام وكان ل ينام ال وهولبس عدة الحرب والصدام وما زالوا على تلك الحال
حتى برز له أسنان جدد وصار عقله مثل عقل الولد وكانت بنات أخيه تخدمه وتداويه فاجتمع يوما بالجرو وقال له ياابن أخي قد
ضاقت أخلقي من الوحده والنفراد فأريد منك أن ترسلني مع بعض التباع لتنزه في البلد فأجابه إلى ماطلب وأركبه في
هودج وأعطاه عبدان برسم الخدمه وجميع ما يحتاج اليه من لوازم السفر فودعه المهلهل وما زال يجول حتى أقترب من بلد
الصعيد وكان العبدان قد تعبا من مشقة الطريق وهما يلقيان من التعب أشد الضيق فصمما على قتله وأعدامه بالكليه وانما
يقولن لهله قد ادركته المنيه فعرف الزير منهما فقال قد دنى همامي وليس ال القبر امامي فإذا ادركتني منيتي اريد منكما ان
تبلغا اهلي وصيتي قال وماهي وصيتك فعاهدهما على حفظها وتأييدها فحلفا له بأعظم القسام بأنهما يبلغونها بالكمال والتمام
فقال اذا وصلتم الحي فاقريا أهلي من السلم وانشدوهم هذا البيت وقول لهم اني في القبر قد أختبيت .
من مبلغ القوام ان مهلهل ل دركما ودر ابيكما
وكرره عليهم حتى حفظاه ولما دخل الليل ذبحوه ودفناه تحت التراب ورجعا إلى ديارهما ودخل على سيدهما الجرو وأعلماه
بموت عمه الزير فبكا بكاء شديدا ومن حضر ثم ان العبدان اقتربا من الجرو وانشداه البيت المذكور .فلما سمع الجرو هذا
استغربه حيث لمعنى له فاستدعى بأخته اليمامه وكانت من اذكى نساء العرب وعلمها عمها وانشدها ذلك البيت فلطمت على
وجهها وبكت قالت ان عمي ليقول ابيات ناقصه بل اراد ان يقول :
من مبلغ القوام ان مهلهل أضحى قتيل الفلة مجندل ل دركما ودر ابيكما ليبرح العبدان حتى يقتل
ثم انهما قبضا على العبدان والقوهما تحت العذاب والضرب الشديد إلى ان أقر بأنهما قتله ودفناه فقتلهما الجرو في الحال وهكذا
انتهت حياة الزير وقد أخذ ثاره في حياته وبعد مماته .
( تمت قصة الزير أبو ليلى المهلهل بعون ال تعالى ) السلم