Professional Documents
Culture Documents
أفراح الرّوح
تأليف
الستاذ سيد قطب
بسم ال الرحن الرحيم
()1
إننن أنظنر اللحظنة فل أراه إل قوة ضئيلة حسنية ،باننب قوى الياة الزاخرة
الطافرة الغامرة ،ومنا يكاد يصننع شيئا إل أن يلتقنط الفتات السناقط منن مائدة الياة
ليقتات!...
مَدّ الياة الزاخر هو ذا يعج من حول! ...كل شيء إل ناء وتدفق وازدهار...
المهات ت مل وت ضع ،الناس واليوان سواء .الطيور وال ساك والشرات تد فع بالب يض
التفتح عن أحياء وحياة ...الرض تتفجر بالنبت التفتح عن أزهار وثار ...السماء تتدفق
بالطر ،والبحار تعج بالمواج ...كل شيء ينمو على هذه الرض ويزداد!.
الشمس تطلع ،والشمس تغرب ،والرض من حولا تدور ،والياة تنبثق من هنا
ومن هناك ...كل شيء إل ناء ...ناء ف العدد والنوع ،ناء ف الكم والكيف ...لو كان
الوت يصننع شيئا لوقنف مند الياة! ...ولكننه قوة ضئيلة حسنية ،باننب قوى الياة
الزاخرة الطافرة الغامرة.!...
()2
من قوة ال الي :...تنبثق الياة وتنداح!!.
أ ما عند ما نع يش لغي نا ،أي عند ما نع يش لفكرة ،فإن الياة تبدو طويلة عمي قة،
تبدأ من حيث بدأت النسانية ،وتتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الرض!...
إن نا نر بح أضعاف عمر نا الفردي ف هذه الالة ،نرب ها حقي قة ل وها ،فت صور
الياة على هذا الن حو ،يضا عف شعور نا بأيام نا و ساعاتنا ولظات نا .فلي ست الياة ِبعَدّ
السني ،ولكنها بعدادِ الشاعر ،وما يسميه " الواقعيون " ف هذه الالة " وها "! هو ف "
الوا قع " حقي قة " ،أ ص ّح من كل حقائق هم! ...لن الياة لي ست شيئا آ خر غ ي شعور
النسنان بالياةَ .ج ّردْ أي إنسنان منن الشعور بياتنه ترده منن الياة ذاتان فن معناهنا
القيقي! ومت أحس النسان شعورا مضاعفا بياته ،فقد عاش حياة مضاعفة فعلً...
)(2مقال " ف الدب والياة " ملة الكتاب .الزء الرابع .أبريل 1951ص.192 - 391 :
إن نا نع يش لنف سنا حياة مضاع فة ،حين ما نع يش للخر ين ،وبقدر ما نضا عف
إحساسنا بالخرين ،نضاعف إحساسنا بياتنا ،ونضاعف هذه الياة ذاتا ف النهاية!.
()3
منع أنننا حين نتجاوز الظهنر الزور الباق لشجرة الشنر ،ونفحنص عنن قوتان
القيقية وصلبتها ،تبدو لنا واهنة هشة نافشة ف غي صلبة حقيقية! ...على حي تصب
شجرة ال ي على البلء ،وتتما سك للعا صفة ،وتظ ّل ف نو ها الادئ البط يء ،ل تفل ب ا
َترْجُمُها به شجرة الشر من أقذاء وأشواك!...
)(3من ر سالة له من أمري كا إل صديق له ض يق ال صدر من الناس .مقال " ف الدب والياة " .ملة
الكتاب .أبريل .1951 :ص392 :
ال قد علي هم ،أو ع بء الذر من هم ،فإن ا ن قد على الخر ين ،لن بذرة ال ي ل ت نم ف
نفوسنا نوا كافيا ،ونتخوف منهم ،لن عنصر الثقة ف الي ينقصنا!.
كم ننح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة ،حي ننح الخرين عطفنا وحبنا
وثقتنا ،يوم تنمو ف نفوسنا بذرة الب والعطف والي!.
()6
إنه ليس معن هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ،ومثلنا السامية ،أو أن نتملق هؤلء
الناس ونثنن على رذائلهنم ،أو أن نشعرهنم أنننا أعلى منهنم أفقا ..إن التوفينق بين هذه
()4
التناقضات ،وسعة الصدر لا يتطلبه هذا التوفيق من جهد :هو العظمة القيقية!.
" التجار " وحدهم هم الذين يرصون على " العلقات التجارية " لبضائعهم،
كي ل يستغلها الخرون ،ويسلبوهم حقهم من الربح ،أما الفكرون وأصحاب العقائد،
فكل سعادتم ف أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ،ويؤمنوا با إل حد أن ينسبوها
لنفسهم ،ل إل أصحابا الولي!.
إنم ل يعتقدون أنم " أصحاب " هذه الفكار والعقائد ،وإنا هم مرد " وسطاء
" ف نقلها وترجتها ...إنم يسّون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من َخ ْلقِهم ،ول من
صنع أيديهم .وكل فرحهم القدّس ،إنا هو ثرة اطمئنانم إل أنم على اتصال بذا النبع
الصيل!...
()9
ف الول :نن نتعامل مع ألفاظ ومعان مردة ...أو مع تارب ونتائج جزئية...
فن الول :ترد إليننا العلومات منن خارج ذواتننا ،ثن تبقنى فن عقولننا متحيزة
متميزة...
و ف الثان ية :تنب ثق القائق من أعماق نا .يري في ها الدم الذي يري ف عروق نا و
أوشاجنا ،ويتسق إشعاعها مع نبضنا الذات!...
ف الول :تو جد " الانات " و العناو ين :خا نة العلم ،وتت ها عنوانا ته ،و هي
شتّى .خاننة الدينن ،وتتهنا عنوانات فصنوله وأبوابنه ...وخاننة الفنن ،وتتهنا عنوانات
مناهجه واتاهاته!...
و ف الثان ية :تو جد الطا قة الواحدة ،الت صلة بالطا قة الكون ية ال كبى ...ويو جد
الدول السارب ،الواصل إل النبع الصيل!...
ولكن نا مع هذا ،يبن أن ندرك أن هؤلء لي سوا هم الذ ين يوجّهون الياة ،أو
يتارون للبشرية الطريق؟...
إن الرواد -كانوا دائما و سيكونون -هم أ صحاب الطاقات الروح ية الفائ قة،
هؤلء هم الذ ين يملون الشعلة القد سة ،ال ت تن صهر ف حرارت ا كل ذرات العارف،
وتنكشف ف ضوئها طريق الرحلة ،مزودة بكل هذه الزئيات ،قوية بذا الزاد ،وهي تغذّ
السي نو الدف السامي البعيد!:.
هؤلء الرواد هم الذ ين يدركون بب صيتم تلك الوحدة الشاملة ،التعددة الظا هر
ف :العلم ،والفن ،والعقيدة ،والعمل ،فل يقرون واحدا منها ،ول يرفعونه فوق مستواه!.
ال صغار وحد هم ،هم الذ ين يعتقدون أن هناك تعارضا ب ي هذه القوى ،التنو عة
الظاهر؛ فيحاربون العلم باسم الدين ،أو الدين باسم العلم...
ويتقرون ال فن با سم الع مل ،أو اليو ية الداف عة با سم العقيدة الت صوفة! ...ذلك
أن م يدركون كل قوة من هذه القوى ،منعزلة عن ممو عة من القوى الخرى ،ال صادرة
كلها من النبع الواحد ،ومن تلك القوة الكبى السيطرة على هذا الوجود ( ...!)5ولكن
نه
نيل ،ومنن نع الصن نلون بذلك النبن الرواد الكبار يدركون تلك الوحدة ،لنم ن متصن
يستمدون!...
)(5الصواب أن يقال " :من ذي القوة الكبى السيطر " ...لن ال ذات موصوفة وليس صفة سبحانه
وتعال [ .الناشر ].
إنم قليلون ...قليلون ف تاريخ البشرية ...بل نادرون! ولكن منهم الكفاية:...
فالقوة الشرفنة ( )6على هذا الكون ،هني التن تصنوغهم ،وتبعنث بمن فن الوقنت القدر
الطلوب!.
ولكنن التنكنر الطلق لذا العتقاد ،لينس أقنل خطرا :لننه يغلق منافنذ الجهول
كله ،وينكر كل قوة غي منظورة ،ل لشيء إل لنا قد تكون أكب من إدراكنا البشري،
ف فترة من فترات حياتنا! وبذلك ُيصَغّر من هذا الوجود -مساحة وطاقة ،وقيمة كذلك،
ويدّه بدود " العلوم " ،و هو إل هذه اللح ظة ح ي يقاس إل عظ مة الكون -ضئ يل..
جِ ّد ضئيل!...
إن حياة الن سان على هذه الرض سلسلة من الع جز عن إدراك القوى الكون ية،
أو سلسلة من القدرة على إدراك هذه القوى ،كل ما شب عن الطوق ،وخ طا خطوة إل
المام ،ف طريقه الطويل!.
إن قدرة النسان ف وقت بعد وقت على إدراك إحدى قوى الكون ،الت كانت
مهولة له منذ لظة ،وكانت فوق إدراكه ف وقت ما ..لكفيلة بأن تفتح بصيته على أن
هناك قوى أخرى ل يدركها بعد ،لنه ل يزال ف دور التجريب!.
إن احترام العقل البشري ذاته لَخلي قٌ بأن نسب للمجهول حسابه ف حياتنا ،ل
لن كل إل يه أمور نا ،ك ما ي صنع التعلقون بالو هم والرا فة ،ول كن ل كي ن س عظ مة هذا
الكون على حقيقتها ،ولكي نعرف لنفسنا قدرها ف كيان هذا الكون العريض .وإن هذا
)(6الصواب أن يقال " :فالقوي الدبر لذا الكون [ " ...الناشر ].
لليقن بأن يفتنح للروح النسنانية قوى كثية للمعرفنة ،وللشعور بالوشائج التن تربطننا
ٌ
بالكون من داخل نا ،و هي بل شك أ كب وأع مق من كل ما أدركناه بعقول نا ح ت اليوم،
بدليل أننا ما نزال نكشف ف كل يوم عن مهول جديد؛ وأننا ل نزال بعد نعيش!.
أنا أحس أنه كلما ازددنا شعورا بعظمة ال الطلقة ،زدنا نن أنفسنا عظمة ،لننا
من صنع إله عظيم!.
إن هؤلء الذين يسبون أنم يرفعون أنفسهم حي يفضون ف وههم إلهم أو
ينكرونه ،إنا هم الحدودون ،الذين ل يستطيعون أن يروا إل الفق الواطئ القريب!.
إن الن سان لد ير بأن يز يد إح ساسا بعظ مة ال الطل قة كل ما ن ت قو ته ،ل نه
جدير بأن يدرك مصدر هذه القوة ،كلما زادت طاقته على الدراك...
إن الؤمن ي بعظ مة ال الطل قة ل يدون ف أنف سهم ض عة ول ضعفا ،بل على
العكس ،يدون ف نفوسهم العزة والنعة ،باستنادهم إل القوة الكبى ،السيطرة على هذا
الوجود .إن م يعرفون أن مال عظمتهم إن ا هو ف هذه الرض ،وبي هؤلء الناس ،ف هي
ل تصطدم بعظمة ال الطلقة ف هذا الوجود .إن لم رصيدا من العظمة والعزة ف إيانم
العم يق ،ل يده أولئك الذ ين ينفخون أنف سهم ك " البالون " ح ت ليغ طي الورم النفوخ
عن عيونم كل آفاق الوجود!.
إن هنالك فارقا أسناسيا بين النطلق منن قيود الذل والضغنط والضعنف،
والنطلق من قيود النسانية وتبعاتا ،إن الول معناها التحرر القيقي ،أما الثانية فمعناها
التخلي عن القومات الت جعلت من النسان إنسانا ،وأطلقته من قيود اليوانية الثقيلة!.
إنا حرية ُمقَّنعَة ،لنا ف حقيقتها خضوع وعبودية للميول اليوانية ،تلك اليول
الت قضت البشرية عمرها الطويل وهي تكافحها ،لتتخلص من قيودها الانقة ،إل جو
الرية النسانية الطليقة...
إن البادئ والفكار ف ذات ا -بل عقيدة داف عة -مرد كلمات خاو ية ،أو على
الك ثر معا نٍ مي تة! والذي ينح ها الياة هو حرارة اليان ،الش عة من قلب إن سان! لن
يؤمن الخرون ببدأ أو فكرة تنبت ف ذهن بارد ،ل ف قلب مشع.
دبن على وجنهل حياة لفكرة ل تتقمنص روح إنسنان ،ول تصنبح كائنا حيا ّ
الرض ف صورة ب شر! ...كذلك ل وجود لش خص -ف هذا الجال -ل تع مر قل به
فكرة يؤمن با ،ف حرارة وإخلص...
إن الو سيلة ف ح ساب الروح جزء من الغا ية .ف في عال الروح ل تو جد هذه
الفوارق والتق سيمات! الشعور الن سان وحده إذا حس غا ية نبيلة فلن يط يق ا ستخدام
وسيلة خسيسة ..بل لن يهتدي إل استخدامها بطبيعته!
" الغا ية تبر الو سيلة!؟ " :تلك هي حك مة الغرب ال كبى!! لن الغرب ي يا
()7
بذهنه ،وف الذهن يكن أن توجد التقسيمات والفوارق بي الوسائل والغايات!.
إن ا لذة ساوية عجي بة ،لي ست ف ش يء من هذه الرض ،إن ا تاوب العن صر
السماوي الالص ف طبيعتنا ،إنا ل تطلب لا جزاءً خارجيا ،لن جزاءها كامن فيها!.
هنالك مسألة أخرى ،يقحمها بعض الناس ف هذا الجال ،وليست منه ف شيء،
مسألة اعتراف الخرين بالميل!.
)(7من رسالة له من أمريكا إل صديق قدم له خطة ودعاه إل قبولا ويبدو أنه ل يوافق عليها .مقال "
ف الدب والياة " ملة الكتاب .أبريل 951 :ص.393 :
لن أحاول إنكار ما ف هذا العتراف من جال ذات ،ول ما فيه من مسرة عظيمة
للواهبي ،ولكن هذا كله شيء آخر ،إن السألة هنا مسألة الفرح ،بأن الي يد له صدى
ظاهريا قريبا ف نفوس الخر ين ،وهذا الفرح قيم ته من غ ي تلك ،ل نه ل يس من طبي عة
ذلك الفرح الخر ،الذي نسه مردا ،ف ذات اللحظة الت نستطيع أن ندخل فيها العزاء
أو الرضى ،الثقة أو المل أو الفرح ف نفوس الخرين! إن هذا لو الفرح النقي الالص،
الذي ينبع من نفوسنا ،ويرتد إليها ،بدون حاجة إل أي عناصر خارجية عن ذواتنا ،إنه
يمل جزاءه كاملً ،لنه جزاءه كامن فيه!.
ل أعد أفزع من الوت حت لو جاء اللحظة! لقد عملت بقدر ما كنت مستطيعا
أن أع مل! هناك أشياء كثية أود أن أعملها ،لو مُدّ ل ف الياة ،ول كن ال سرة لن تأكل
قلب إذا ل أستطع؛ إن آخرين سوف يقومون با ،إنا لن توت إذا كانت صالة للبقاء،
فأنا مطمئن إل أن العناية الت تلحظ هذا الوجود لن تدع فكرة صالة توت...
ل أعد أفزع من الوت حت لو جاء اللحظة! لقد حاولت أن أكون خيّرا بقدر ما
أ ستطيع ،أ ما أخطائي وغلطا ت فأ نا نادم علي ها! إ ن أ كل أمر ها إل ال ،وأر جو رح ته
وعفوه ،أ ما عقا به فل ست قلقا من أجله ،فأ نا مطمئن إل أ نه عقاب حق ،وجزاء عدل،
وقد تعودت أن أحتمل تبعة أعمال ،خيا كانت أو شرا ...فليس يسوءن أن ألقى جزاء
ما أخطأت حي يقوم الساب!.
انتهت
الفهرس
-قصة هذه الفكار والواطر (أفراح الروح)
-حول الوت والياة
-كيف نضاعف حياتنا
-بي شجرة الي وشجرة الشر
-آثار لس الانب الطيب عند الناس
-آثار حبنا للخرين
-طريق العظمة القيقية
-العتراف بساعدة الخرين
-الفرح بانتشار الفكار
-الفرق بي العلم والعرفة
-دور الرواد ف توحيد العارف
-العلوم والجهول ف هذا الوجود
-النسان ل يستغن عن ال
-حول الرية والعبودية
-ل انفصال بي البادئ والشخاص
-الغاية ل تبر الوسيلة
-أفراح الروح بإسعاد الخرين
-النظرة إل النازات والخطاء