Professional Documents
Culture Documents
تُعد التربية السلمية أحد فروع علم التربية الذي يُعن بتربية وإعداد النسان
ف متلف جوانب حياته من منظور الدين السلمي النيف .وعلى الرغم من شيوع
مصطلح " التربية السلمية " ف عصرنا الاضر ؛ إل أنه ل يكن مُستخدما وشائعا ف
كتابات سلفنا الصال ،ول يكن معروفا ف تُراثهم العلمي الكبي ؛ وإن كانت قد
وردت الشارة إليه عند بعض الهتمي بذا الجال من الفقهاء والعُلماء و الفكرين .
وفيما يلي ماول ٌة لتسليط الضوء على بعض الرادفات الت استُخدمت -قديا -
للدللة على مصطلح " التربية السلمية " ،وبيا ٌن لعناه ،ومفهومه ،وتعريفه .
1
( ربا يربو ) تعبيا عن زيادةٍ ماديةٍ ف جسم الشياء ،بينما يُستعمل للنسان واليوان
( ربّى يُرب ) مثل َخفّي يُخفي ،بعن ترعرع ف بيئة معينة ؛ ويستعمل للمور العنوية
( ربأ يربأ ) لتكري النفس عن الدنايا ،ويُستعمل للرُقي بالوهر :ربّ َي ُربُ على
وزن مدّ ُي ّد ،حت نصل إل (الرّب ) وهو خالق كل شيءٍ وراعيه ومصلحه ؛ فهو
التربية الكاملة ".
وانطلقا من ذلك فقد كانت تعريفات سلفنا الصال للتربية متقارب ًة ومتشابةً
إل حدٍ ما لنا اعتمدت ف ذلك على العن اللغوي للكلمة ؛ فقد عرّفها ( ناصر الدين
البيضاوي ،د .ت ،ص ) 3بقوله :
" الرب ف الصل مصدر بعن التربية .وهـي تبليغ الشيء إل كماله شيئا
فشيئا ".
و يُعرّفها الشيخ الرئيس ابن سينا ؛ كما أورد ذلــك ( مقداد يالن ،
1406هـ ،ص ) 22بقوله :
"التربية هي العادة ،وأعن بالعادة فعل الشيء الواحد مرارا كثي ًة ،وزمانا
ت مُتقاربة " .كما أنه أورد تعريفا آخر يرى فيه أن التربية " إبلغ
ل ف أوقا ٍ
طوي ً
الذات إل كمالا الذي خُلقت له " .
ف حي يُعرّفها ( الراغب الصفهان 1412 ،هـ ،ص ) 336بقوله:
" الرب ف الصل التربيَ ُة ،وهو إنشا ُء الشي ِء حا ًل فحالً إل حَ ّد التمام ،يُقالُ
ش َأحَبّ ِإَليّ ِم ْن أَ ْن َيرُبّنِي
َرّبهُ ،و َربّاهُ ،و َربَّب ُه .وقيل ( :ل ْن َيرُبّنِي َرجُ ٌل ِمنْ ُق َريْ ٍ
َر ُجلٌ ِم ْن هَوَازِ َن ).. .ول يُقالُ ال ّربّ مُطْلَقا إل ل تعال ..وبالضافة يُقالُ له ولغَيْـ ِرهِ
".
أما العن الصطلحي لكلمة التربية فعلى الرغم من كونه يعتمد كثيا على
العن اللغوي ؛ إل أنه يتلف من عصرٍ إل عصر ،ومن مكانٍ إل آخر ،وما ذلك إل
لن العملية التربوية كثيا ما تتأثر بالعوامل والتغيات الزمانية والكانية والجتماعية
الت تؤثر بصور ٍة مباشرة أو غي مباشرة على شخصية النسان ف متلف جوانبها على
اعتبار أن كل نشاط ،أو مهود ،أو عمـل يقوم به النسان يؤثر بطبيعة الال ف
2
تكوينه ؛ أو طباعه ،أو تعامله ،أو تكيفه مع البيئة الت يعيش فيها ويتفاعل مع من
فيها وما فيها ؛ إما سلبا أو إيابا .
لذلك كله فإن للتربية معان اصطلحية كثية ومتنوعة يُشي إليها ( عبد
الرحن بن حجر الغامدي 1418 ،هـ ،ص ) 3بقوله :
ي من رجال التربية والتعليم أن مصطلح " التربية " ل يضع لتعريفٍ
"يرى كث ٌ
مدد ،بسبب تعقد العملية التربوية من جانب ،وتأثرها بالعادات ،والتقاليد ،
والقيم ،والديان ،والعراف ،والهداف من جانبٍ آخر .بالضافة إل أنا عملية
متطورة متغية بتغي الزمان والكان ،ويكن القول بأن التربية تدخل ف عداد السائل
الية لنا تتسم باصية النمو".
وعلى الرغم من ذلك إل أنه يكن القول :إن العن الصطلحي للتربيــة
ـ عموما ـ ل يرج عن كونا تنمية الوانب الُختلفة لشخصية النسان ،عن
طريق التعليم ،والتدريب ،والتثقيف ،والتهذيب ،والمارسة ؛ لغرض إعداد
النسان الصال لعمارة الرض وتقيق معن الستخلف فيها .
3
مفهوم " التربية السلمية " كعملي ٍة شامل ٍة ونظا ٍم متكام ٍل ،ث تديدٍ دقي ٍق لتعريفها
كمصطلحٍ علميٍ مستقل .
4
مفهو ٌم يوازن بي مطالب الفرد وحاجات الجتمع ،ويهتم بميع الفراد والفئات ،
ويوائم بي الاضي والاضر .إضاف ًة إل أنه يُشي إل نظامٍ تربوي مُستقلٍ ومتكاملٍ ،
يتاز بأصوله الثابتة ،ومناهجه الصيلة ،وأهدافه الواضحة ،وغاياته السامية ،
ومؤسساته الختلفة ،وأساليبه التنوعة...إل .الت تُميزه عن غيه ،وتوسع دائرته
ليُصبح منهجا كاملً وشاملً لميع مالت الياة .
واللصة أن مفهوم التربية السلمية يتضح ف كونا أحد فروع علم التربية
الذي يتميز ف مصادره الشرعية ( التمثلة ف القرآن الكري و السّنة النبوية الطهرة ،
وتُراث السلف الصال ) ؛ و غاياته ( الدينية الدنيوية ) ،ويقوم على نظا ٍم تربوي
مُستقل و مُتكامل ،ويعتمد اعتمادا كبيا على فقه الواقع ،ولبد له من متخصصي
يمعون بي علوم الشريعة وعلوم التربية ؛ حت تتم معالة القضايا التربوية الختلفة من
خلله معالةً إسلميةً صحيحةً ومناسب ًة لظروف الزمان والكان .
5
ل من جيع النواحي ف جيع مراحل نوه للحياة
" إعداد السلم إعدادا كام ً
الدنيا والخرة ف ضؤ البادئ والقيم وطرق التربية الت جاء با السلم ".
وعرّفها ( زغلول راغب النجار 1416 ،هـ ،ص ) 85بأنا ":النظام
التربوي القائم على السلم بعناه الشامل ".
أما ( عبد الرحن النقيب 1417 ،هـ ،ص ) 17فيى أن القصود بالتربية
السلمية " :ذلك النظام التربوي والتعليمي الذي يستهدف إياد إنسان القرآن
والسُنة أخلقا وسلوكا مهما كانت حرفته أو مهنته " .
ف حي يرى ( عبد الرحن النحلوي 1403 ،هـ ،ص ) 21أن " التربية
السلمية هي التنظيم النفسي والجتماعي الذي يؤدي إل اعتناق السلم وتطبيقه
كُليا ف حياة الفرد والماعة " .
وهنا يكن القول بأن التعريفات السابقة تؤكد جيعا على أن التربية السلمية
ل دينيا و دُنيويا ف ضوء
نظا ٌم تربويٌ شام ٌل يهتم بإعداد النسان الصال إعدادا متكام ً
مصادر الشريعة السلمية الرئيسة .
المزايا والهداف
1سس مسسؤولية فرديسة :فطلُب العلم يُعتسبر فرضا على كسل مسسلم
ض عين بالنسبة لما يجب تعلّمُه من العلوم الدينية ،وفر ضَ
ومسلمة ،فر َ
كفايسة بالنسسبة لغيرهسا مسن العلوم .ومعنسى ذلك أن النسسان البالغ الراشسد
ي أم ِر الط فل م سؤول ع نه
م سؤول في ال سلم عن ترب ية نف سه ،وأ نّ ول ّ
وعن تربيته ،حتى يبلغ رُشده ،والدول َة السلمية مسؤولة عن توفير سبل
التربية لبنائها إذا هم عجزوا عن ذلك.
2س ترب ية شاملة :لتت فق مع شمول نظرة ال سلم إلى الن سان ف قد
جمعست التربيسة السسلمية منسذ أول ظهور السسلم بيسن تأديسب النفسس،
6
وتصفية الروح ،وتثقيف العقل ،وتقوية الجسم ،فهي تُعني بالتربية الدينية
والخلقية والعلمية والجسدية ،دون تضحية بأي نوع منها.
3س تربية متكاملة :بمعنى أنها ل تقتصر على مكان دون آخر ،فهي
تتم في المدرسة والمسجد والشارع والبيت ومَيْدان القتال وساحة القضاء.
و كل إن سان في هذه الترب ية المتكاملة معلّم ،طال ما كان لد يه ما يعط يه.
والرسول صلى ال عليه وسلّم قال" :الحكمة ضالّة المؤمن ،أنّى وجدها،
ف هو أَوْلى الناس ب ها" رواه الترمذي ب سند ضع يف ،ومعناه صحيح .فال كل
في السلم مسؤول .والتربية في ال سلم عطاء و من ثم ف كل قادر على
العطاء معلّم.
4س ترب ية علم ية :يمارس في ها المتعلّم ما يتعلّ مه .و قد كان صحابة
الر سول صلى ال عل يه و سلّم يحفظون آيات القرآن :ع شر آيات ،ع شر
آيات ،يعملون ب ها ويترجمون ها إلى وا قع ح يّ و سلوك عملي ،لينتقلوا بعدُ
إلى اليات العشر التالية.
5س تربية تقوم على الحرية :سبيلها القناع والقدوة الحسنة .وأبرز
ما يُظ هر هذه المزيّة أ نه "لم ت كن هناك سلطة دين ية أو سياسية ،تحظّر
الراء أو تحكسسم على أصسسحابها بالعدام أو الحراق بسسل كان علماء
الشّريعسة يتصسدّوْن للرد على المنحرف منهسا وبيان زيفهسا وبطلنهسا،
بالحجة والبرهان".
6س ترب ية تقوم على النفتاح :بمع نى أنها ت ستفيد من كل نافع لدى
الحضارات الخرى.
7
ولي ست هذه مناقِ ضة لم سؤولية الفرد (النق طة الولى) بل لعل ها مكمّلة
ض في ال سلم ب ين الفرد والجما عة ،فالفرد في ال سلم
ل ها ل نه ل تناقُ َ
"مسؤول عن الجماعة ،يعمل ويوجّه وينقد ويصحّح ،منفردا ،وضمن فئة
مَنْ يدركون ويستطيعون ،وعليه أن يستنفِدَ في ذلك كلّه أقصى قدرته".
8
س بلوغ الكمال النساني :فالسلم نفسه يمثّل بلوغ الكمال الديني فهو
خاتم الرسالت وأكملها ،يقول ال تعالى{ :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتُ
عليكم نعمتي ورضيتُ لكم السلم دينا} ،ويقول{ :كنتم خير أمة أُخرجت
للناس}.
ومسن تمام الكمال النسساني مكارمُس الخلق ،وقسد صسحّ عسن الرسسول
ّمس مكارم الخلق" .فإذن ضمسن
ُعثتس لُتم َ
صسلى ال عليسه وسسلّم" :إنمسا ب ُ
أهداف الرسسول صسلى ال عليسه وسسلّم إتمام مكارم الخلق وبالتالي
فالكمال النساني يُعتبر هدفا رئيسا لبناء شخصية المسلم.
2س تنشئة النسان تنشئة روحية :فالتربية السلمية تهدف إلى تربية
ك عن طريق العلم ،وهو سبيل
النسان على مخافة ال تعالى وخشيته وذل َ
التقوى الصحيحة والمدخل إلى معرفة ال عز وجل .ولذل كَ نرى السلم
ث على العلم وال سعي في طل به وفضّل أهلَه على غير هم ورفع هم
قد ح ّ
درجات .ويتصل بذلك أيضا دور النسان في تعمير الرض وتسخير ما
أودعه ال فيها من ثروات لخدمة حياة الن سان وتحق يق الخ ير للناس مع
ك من ا ستخدام للعلوم المختل فة كالعلوم الن سانية والطبيع ية
ما يتطلّ به ذل َ
التي ينبغي أن تُكتب من منظور إسلمي لخدمة حقائق السلم ومن أجل
حياة أفضل للنسانية .ومهمّة التربية توجيه فطرة المسلم على أساس هذا
اليمان الصحيح وخشية ال وعبادته.
3س تقوية الروابط السلمية بين المسلمين :ويتم ذلك عن طريق ما
تقوم به من توح يد للفكار والتجاهات والقِيَم ب ين الم سلمين في مشارق
الرض ومغارب ها .و قد نبّ ه ال سلم إلى ب عض الحقوق المتوجّ ب اتّباعُ ها
9
في سبيل مجت مع نموذج يّ فر يد في آدا به الجتماع ية .و من هذه الداب
على سسسبيل المثال ل الحصسسر :أدب الطعام والشراب ،أدب السسسلم،
الستئذان ،المجلس ،الحديث ،أدب عياة المريض ،أدب التعزية .وكل هذه
الداب تندرج ض من أحاديث تح ثّ على توجيهات وإرشادات من رسولنا
الكر يم سيدنا مح مد صلى ال عليه وسلّم ليلتزم بها الم سلم ويصطبغ بها
المجت مع .و من بين الشرائع الموجودة على الرض لم ت ستطع أي شريعة
أن توحّد وتجمع أبناءَها كما فعل الدين السلمي.
10
تموت" .فاليد وحدها تعمل وتتحرك وتمسك وتدع ،ولكنها ل تعمل مستقلة
عسن بقيسة الجسسم .إنهسا متربطةٌ بسه بالعروق والدماء والعصساب .ولو
ن كلّه؛ كل جزء منه
انفصلت لحظة َفقَدَ تْ القدرة على الحياة .وكذلك الكيا ُ
كاليسد مسن الجسسم :جزء مسستقل فسي الظاهسر ،وفسي الواقسع متصسل أوثقَس
اتصال .والسلم يجاري الفطرة في تركيبها ،يجاريها في السماح ببروز
بعسض الجوانسب أحيانا وانحسسار بعسض ،فيجعسل سساع ًة للعبادة ،وسساعةً
للتف كر ،و ساع ًة للع مل ،و ساع ًة للّعِب .ولك نه يجاري ها كذلك في ترا بط
الجوان بِ كلّها وامتزاجها ،فل ي سمح بفصل جانب عن بقية الجوانب ،أو
ت الجوانب الخرى في أيّ وقت من الوقات.
إبراز جانب بكَ ْب ِ
ساعة العبادة ليست تهويمةَ روح خالصة ،وإنما هي حركة جسم وحركة
عقل وانطلقه روح ،والصلة تظهر فيها بوضوح هذه الحقيقة ،فهي
تشمل الجسم والعقل والروح كلها في آن ،ثم كل عمل في عرف السلم
عبادة ما دام يتجه به النسان إلى ال.
11
وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلل فله عليها
أجر!" رواه مسلم.
12
رجل واحد ينادي بأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بتحريم الخمر،
فيسرع الناس بإهراق القلل المملوءة به – كما ورد في بعض روايات
أنس" :أهرق هذه القلل" – في شوارع المدينة حتى تجري فيها لكثرتها،
ولم يتردّدوا في ذلك مع ما عرف من صعوبة إقلع شاربي الخمر عنها،
ثم لم يراجعوها بعد ذلك ول سألوا عنها ،ولم يكن ذلك لقوة السلطة المادية
من المطاردة ،وفتح السجون والغرامات وغيرها ،وإنما كان بسبب السلطة
الربانية – أي القوة اليمانية المغروسة في النفوس – إنه امتثال أمر ال
ورسوله عن رضا واطمئنان.
13
لرجل فاغد على امرأة هذا ،فإن اعترفت فارجمها ،فغدا عليها أنيس
فاعترفت فأمر بها رسول ال صلى ال عليه وسلم فرجمت" [البخاري (
)8/24ومسلم (.])3/1324
تأمل كيف يسعى من له علقة بالمعصية للعثور على حكم ال فيها وتطبيقه
على قريبته ،من التصال بأهل العلم وسؤالهم ،وكيف يأخذ البنَ أبوه إلى
من ينفذ فيه حكم ال ،ويقرّ الزوج على امرأته بالزنى ،وفيه ما فيه من
العار وسوء السمعة عليه ،وكيف يعترف العاصي بمعصيته ،وإن كان في
اعترافه مفارقة الحياة ،كل ذلك للحرص على البعد عن سخط ال ،وطلب
رضاه الذي هو هدفه الول في هذه الحياة ،بسبب التربية السلمية التي
تدور كلها حوله.
المثال الرابع من النماذج التطبيقية لثر التربية السلمية:
الورع العالي
كما في قصة تقيؤ أبي بكر رضي ال عنه ما أكله عندما علم أنه من كسب
حرام.
"عن عائشة رضي ال عنها ،قالت :كان لبي بكر غلم يخرج له الخراج،
وكان أبو بكر يأكل من خراجه ،فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر ،فقال
له الغلم :تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر :وما هو؟ قال :كنت تكهنت لنسان
في الجاهلية وما أحسن الكهانة إل أني خدعته ،فلقيني فأعطاني بذلك ،فهذا
الذي اختلفا منه ،فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه" [البخاري (
.])4/236
تأمل صنيع أبي بكر هذا ،أكل لقمة من سعي غلمه ،وهو جائع قبل أن
يسأل عن مصدر الكسب ،والظاهر من الثر أنه كان من عادته أن يسأل
قبل أن يأكل احتياطاً ،فلمّا أخبره الغلم بسبب كسبه وعرف أنه غير
مشروع لم يطق أن يختلط غذاؤه بتلك اللقمة الخبيثة بدمه ،فاستقاء
ليخرجها وما اختلطت به في بطنه ،وما كان رضي ال عنه مكلفاً أن يفعل
ذلك ،وقد أكلها دون أن يعلم أنها من كسب خبيث ،ولكن التربية السلمية
التي تربّاها على يد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،هي التي أوصلته إلى
ذلك الورع العالي الذي ل يصل إليه إل من بلغ درجة المتقين الذين يدَعُون
ما ل بأسس به خشية مما به بأس ،أليس كان يكفي أبا بكر أن يستغفر ال
ويتوب إليه ويدع ما بقي من ذلك الكسب غير المشروع؟ بلى ولكن الورع
العالي لم يدعه يكتفي بذلك.
إن الذي لم بُربّ التربية السلمية على طاعة ال ليلتمس الحصول على ما
ليس له فيه حق ،ليسطو عليه في غفلة عن صاحبه ،وإن كثيراً ممن ولهم
14
ال أمور الناس ليسلكون سبلً شتى في العتداء على حقوق الناس،
ل آخر وهو مستغلين قوتهم وسلطانهم ،ولكن سلطان ال يسلك بأهله سبي ً
تقوى ال وعدم إضرار الناس.
فأين هذا الورع العالي الذي ضرب له أبو بكر رضي ال عنه أروع مثال،
بإخراج لقمة الرزق الخبيث مع ما اختلطت به من الرزق الحلل ،وكان
أكلها وهو جائع ول علم له بها؟
أين هذا من جباة الحرام وطالبي العتداء على حقوق الناس؟!.
هذا وليعلم أن تربية الفرد بالعلم النافع والعمل الصالح لتستغرق كل أوقات
حياته بأصول اليمان وما تفرع عنها ،وأصول السلم وما تفرع عنها،
وكل أصل من أصول اليمان وفروعه ،وكل أصل من أصول السلم
وفروعه له أثره العظيم على حياة الفرد إذا جاء به على مراد ال ومراد
رسوله صلى ال عليه وسلم ،يجعل ذلك الفرد صالحاً مصلحاً ،يحب
الصلح والمصلحين ويكره الفساد والمفسدين ،ويسعى قدر طاقته أن يزداد
الصالحون صلحاً ،وأن يقلع المفسدون عن فسادهم ويكونوا مع
الصالحين.
ومن تتبع منهاج حياة المسلم الذي شرعه ال تعالى له سواء فيما يتعلق
بصلته بربه أم صلته بالخرين ،وجد أنه ل يوجد للمسلم فراغ يرتكب فيه
ما حرم ال أو يترك ما أمر ال به[ .راجع إن شئت قسم الجهاد المعنوي
في الفصل الثاني من الباب الول من كتاب للمؤلف بعنوان :الجهاد في
سبيل ال حقيقته وغايته ( )437-1/274الطبعة الولى ،نشر دار المنار
في جدة]
ويشمل ذلك قلب النسان وعقله وجسمه [راجع بحث ضرورة حفظ العقل
في كتابنا السلم وضرورات الحياة .وكذلك الجهاد في سبيل ال (
.])473 -1/438
ينبغي أن يكون السلم هو المصدر الساسي الذي يستمد منه المجتمع فكره
التربوي ،وأهدافه التربوية ،وأسس مناهجه ،وأساليب تدريسه ،وسائر
عناصر العملية التعليمية،
وفي هذه الدراسة نستخلص أصول التربية السلمية للنسان المسلم من
خلل وصايا لقمان كما وردت في سورة لقمان.
15
أولً:وصايا لقمان لبنه :وقد بينها لنا القرآن الكريم بأسلوبه ومعانيه
المعجزة الخالدة ،فكانت وصاياه أنموذجا يتوافر فيه الخلص والصواب،
وعلى الباء أن يسلكوا مسلكه في تنشئة أبنائهم تنشئة إسلمية صحيحة،
وفق ما تعرضه اليات الكريمة من كتاب ال والتي ذكرت بها وصايا
لقمان:
ن الْحِكْمَ َة أَنِ اشْكُرْ لِّ وَ َمنْ يَشْكُ ْر َفإِنّمَا يَشْكُرُ قال تعالىَ { :وَلقَدْ آتَيْنَا ُلقْمَا َ
ظهُ يَا ل ُلقْمَانُ لِبْنِهِ وَ ُهوَ يَعِ ُ ي حَمِيدٌ[َ ]12وإِ ْذ قَا َ ن الَّ غَنِ ّ لِ َنفْسِهِ وَمَنْ َكفَ َر َفإِ ّ
ظلْمٌ عَظِيمٌ[]13وَ َوصّيْنَا الِْ ْنسَانَ بِوَالِدَيْ ِه حَ َملَتْهُ ك لَ ُبُنَيّ لَ ُتشْ ِركْ بِالِّ إِنّ الشّ ْر َ
ي الْمَصِيرُ[ ك ِإلَ ّ
ن أَنِ اشْكُ ْر لِي َولِوَالِدَ ْي َ علَى وَ ْهنٍ َو ِفصَالُ ُه فِي عَامَيْ ِ أُمّهُ وَهْنًا َ
طعْهُمَاعلْ ٌم فَلَ تُ ِ س َلكَ بِهِ ِ ن جَاهَدَاكَ عَلى َأنْ تُشْ ِركَ بِي مَا لَيْ َ َ ]14وإِ ْ
ن أَنَابَ ِإلَيّ ثُ ّم ِإلَيّ مَ ْرجِعُكُمْ َوصَاحِبْهُمَا فِي الدّنْيَا َمعْرُوفًا وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَ ْ
ل فَتَ ُكنْ ن خَرْ َد ٍ ل حَبّةٍ مِ ْ ي إِنّهَا إِنْ َتكُ ِم ْثقَا َ َفأُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْ َملُونَ[]15يَا بُنَ ّ
ف خَبِيرٌ[ ن الَّ لَطِي ٌ فِي صَخْرَ ٍة أَ ْو فِي السّمَاوَاتِ أَ ْو فِي الَْرْضِ َيأْتِ بِهَا الُّ ِإ ّ
علَى مَا ن الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ َ ي َأقِ ِم الصّلَةَ َوأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَ ِ ]16يَا بُنَ ّ
ش فِي ك لِلنّاسِ وَلَ تَمْ ِ ك إِنّ َذِلكَ مِنْ عَ ْزمِ الُْمُورِ[ ]17وَلَ ُتصَعّ ْر خَ ّد َ َأصَا َب َ
ل َفخُورٍ[]18وَا ْقصِ ْد فِي مَشْ ِيكَ حبّ ُكلّ ُمخْتَا ٍ ن الَّ لَ ُي ِ الَْرْضِ مَ َرحًا إِ ّ
ت الْحَمِيرِ[[}]19سورة لْصْوَاتِ َلصَ ْو ُ ن أَنْكَرَ ا َك إِ ّن صَوْ ِت َ غضُضْ مِ ْ وَا ْ
لقمان] .من خلل العرض السابق لليات الكريمة يمكن توضيح الوصايا في
النقاط التالية:
16
صَوْتِك……} الية .تلك هي وصايا لقمان الحكيم لبنه ذكرها لنا القرآن
الكريم للتفكر والعتبار.
فأول واجب يجب على البوين القيام به ،والهتمام بأمره دون كلل :هو
غرس عقيدة التوحيد في نفس الطفل ،وتوجيه عواطفه نحو حب ال
ورسوله ،وإخباره بأن ال يجب أن يكون أحب إليه من أمه وأبيه ونفسه،
والِيمان بال الذي ل إله غيره ،وبملئكته ورسله ،وتوحيد ال في اللوهية،
والربوبية ،والقوامة ،والسلطان ،والحاكمية؛ لن اليمان بال هو الموجه
لسلوك النسان ،والدافع له إلى اتجاه الخير ،والنصير له ،كما أنه الذي
يصرفه عن طريق الشر ،ويجعله متحليًا بالفضائل ،وحسن الخلق.
وأما السنة :فقد ذكرت أركان اليمان مجتمعة في حديث جبريل عليه
السلم -وهو مشهور.-
إن اليمان بال هو الموجه للسلوك والضابط له ،والمتصل اتصالً وثيقًا
بالعمال الصادرة من الِنسان ،فإن التربية الِسلمية تربط دائمًا بين العمل
والسلوك ،ثم بين العمل الصادر من هذا اليمان وبين الجزاء ،قال تعالى{:
ن آمَنُوا وَعَ ِملُوا الصّاِلحَاتِ
ل الّذِي َ
خسْرٍ[]2إِ ّ
ن َلفِي ُ
وَالْ َعصْرِ[]1إِنّ الِْ ْنسَا َ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقّ َوتَوَاصَوْا بِالصّبْرِ[[}]3سورة العصر].
ثانيًا:بر الوالدين :إن عطف الباء على البناء من أبرز صور الرحمة،
وهو يفرض على البناء أن يقابلوا رحمة والديهم لهم بأن يرعوهم كباراً،
فيخفضوا لهم جناح الذل من الرحمة ،والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة بهم.
17
ففي الية الكريمة يأمر ال تعالى بعبادته ،وينهى عن الشرك به ،ثم يتبعه
المر بالحسان للوالدين وبرهما لما لهما من الفضل على البن منذ أن كان
نطفة في رحم أمه حتى صار كبيراً يعتمد على نفسه.
ويعرض لقمان الحكيم في وصيته لبنه العلقة بين الوالدين والولد في
أسلوب رقيق ،وفي صورة موحية بالعطف والرقة ،ومع هذا فإن رابطة
العقيدة مقدمة على تلك العلقة الوثيقة؛ ولهذا كان شكر الوالدين بعد شكر
ال؛ لنه المنعم الول.
ووصية النسان بوالديه تتمثل في :طاعتهما ،وطاعة الوالدين ل تكون في
ركوب كبيرة ،ول في ترك فريضة على العيان ،وتلزم طاعتهما في
المباحات..مما سبق يمكن القول أن علقة البناء بالوالدين يجب أن تكون
علقة قوية مبنية على التقدير والحترام؛ ذلك أن فضلهم على أبنائهم ل
يدرك مداه ،ول يستطيع أحد أن يقدره .ومن هنا كان توصية البناء بآبائهم
تتكرر في القرآن الكريم ،والسنة المطهرة؛ لما في ذلك من حاجة لتذكيرهم
بواجب الجيل الذي نفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف ،ومما لشك فيه أن
النسان ل يفي والديه حقهما عليه مهما أحسن إليهما ،لنهما كانا يحسنان
إليه حينما كان صغيراً وهما يتمنيان له كل خير ،ويخشيان عليه من كل
سوء ،ويسألن ال له السلمة وطول العمر ،ويهون عليهما من أجله كل
بذل مهما عظم ويسهران على راحته دون أن يشعر بأي تضجر من
مطالبه ،ويحزنان عليه إذا آلمه أي شيء ،أما الولد فإذا قام بما يجب عليه
من الحسان لوالديه ،فإن مشاعره النفسية نحوهما ل تصل إلى مثل مشاعر
أنفسهما التي كانت نحوه ول تصل إلى مثل مشاعره هو نحو أولده إل في
حالت نادرة جداً.
ي إِنّهَا إِنْ
ثالثًا :التربية على الِيمان بقدرة ال عز وجل :قال تعالى {:يَا بُنَ ّ
صخْرَةٍ أَ ْو فِي السّمَاوَاتِ أَ ْو فِي الَْ ْرضِ
ن فِي َ
ن خَرْ َدلٍ فَتَ ُك ْ
َتكُ مِ ْثقَالَ حَبّةٍ ِم ْ
ف خَبِيرٌ[[}]16سورة لقمان]. لّ لَطِي ٌ
نا َ لّ إِ ّ
َي ْأتِ بِهَا ا ُ
في الية الكريمة يعلم لقمان ابنه مدى قدرة ال تعالى ،حيث قيل :إن الحس
ل يدرك للخردلة ثقلً ،إذ ل ترجح ميزانًا .أي لو كان للنسان رزق مثقال
حبة خردل في هذه المواضع جاء ال بها حتى يسوقها إلى من هي رزقه،
18
أي ل تهتم للرزق حتى تشتغل به عن أداء الفرائض ،وعن إتباع سبيل من
أناب إليّ.
والية الكريمة السابقة توجه النسان إلى قدرة ال الواسعة ،وأن ال قد أحاط
بكل شيء علمًا ،وأحصى كل شيء عددًا ،فسبحانه ل شريك له .وهناك
آيات بينات من كتاب ال تدل على سعة علم ال ،وقدرته العظيمة
ن خَرْدَل} ،إشارة إلى دقة الحساب ،وعدالة وفي قوله تعالى{:حَبّةٍ مِ ْ
الميزان ،ما يبلغه هذا التعبير المصور حبة من خردل ،صغيرة ضائعة ل
صخْرَة} أي صلبة محشورة فيها ل تظهر ،ول ن فِي َوزن لها ول قيمة {فَتَكُ ْ
يتوصل إليها {أَ ْو فِي السّمَاوَاتِ }...في ذلك الكيان الهائل الشاسع الذي يبدو
فيه النجم الكبير ذو الجرم العظيم نقطة سابحة ،أو ذرة تائهة {أَو ْفِي
الَرْض} ضائعة في ثراها وحصاها ل تبين { َي ْأتِ ِبهَا الُّ} فعلمه يلحقها
وقدرته ل تفلتها [في ظلل القرآن .]5/2789
وكذلك يراقبه وهو يفكر ويحس ...فال يعلم السر ،وأخفى من السر الهاجسة
في باطن النفس لم يطلع عليها أحد؛ لنها مطمورة في العماق يراقبه فل
يحس بإحساس غير نظيف ،يراقبه فينظف مشاعره أولً بأول :ل يحسد ول
يحقد ،ول يكره للناس الخير ،ول يتمنى أن يحرمهما منه ،ويستحوذ هو
عليه ،ول يشتهى الشهوات الباطلة ،والمتاع الدنس.
وحين توجد في القلب هذه الحساسية المرهفة تجاه ال ،لتستقيم النفس،
ويستقيم المجتمع ،وتستقيم جميع المور ،ويعيش المجتمع نظيفاً من
الجريمة ،نظيفاً من الدنس ،نظيفاً من الحقاد؛ لنه ل يتعامل في الحقيقة
بعضه مع بعض وإنما يتعامل أول مع ال .
وبناء على ما سبق ذكره :ينبغي على الباء والمهات ،وكذلك العاملين في
مجال التربية والتعليم أن يغرسوا في قلوب أبنائهم وتلميذهم مراقبة ال
19
تعالى في أعمالهم وسائر أحوالهم ،لتصبح هذه المراقبة اللهية سلوكًا لزمًا
لهم في كل تصرفاتهم ،ويتم ذلك بترويض الولد على مراقبة ال وهو يعمل،
فيتعلم الخلص ل في كل أقواله ،وأعماله ،وسائر تصرفاته ،ويكون ممن
ن لَ ُه الدّينَ[...
خِلصِي َ
ل لِيَعْبُدُوا الَّ ُم ْ
شملهم القرآن بقوله تعالىَ { :ومَا أُمِرُوا إِ ّ
[}]5سورة البينة].
وكذلك ترويضه على مراقبة ال وهو يفكر :ليتعلم الفكار التي تقربه من
خالقه العظيم ،والتي بها ينفع نفسه ،ومجتمعه ،والناس أجمعين.
وحينما ينهج المربون في تربية الولد هذا النهج ،ويسير الباء والمهات
في تأديب البناء على هذه القواعد؛ يستطيعون بإذن ال في فترة يسيرة من
الزمن أن يكوّنوا جيلً مسلمًا مؤمنًا بال ،معتزًا بدينه ،مفتخرًا بتاريخه
وأمجاده ،ويستطيعون كذلك أن يكوّنوا مجتمعًا نظيفًا من اللحاد والميوعة
والحقد ،ونظيفاً من الجريمة.
رابعًا :التوجه إلى ال تعالى بالصلة ،والتوجه إلى الناس بالدعوة إليه
تعالى ،والصبر في سبيل الدعوة ومتاعبها:
ي َأقِ ِم الصّلةَ} .فرض ال أ -المر بإقامة الصلة :يقول لقمان لبنه{ :يَا بُنَ ّ
على عباده عبادات لها أثرها في تهذيب سلوك النسان ،وإصلح القلوب
ومن هذه العبادات :الصلة ،وهي الركن الثاني من أركان السلم وعموده
الذي ل يقوم إل به ،وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة ،وقد بلغ من
عناية السلم بالصلة أن أمر بالمحافظة عليها في الحضر والسفر ،والمن
صلَوَاتِ وَالصّلَ ِة الْوُسْطَى َوقُومُوا لِّ علَى ال ّ والخوف قال تعالى { :حَافِظُوا َ
علّمَكُمْ مَا
ل أَوْ رُكْبَانًا َفإِذَا أَمِنْتُ ْم فَاذْكُرُوا الَّ كَمَا َ
خفْتُمْ فَ ِرجَا ً
ن ِ
قَانِتِينَ[َ ]238فإِ ْ
لَمْ تَكُونُوا تَ ْعلَمُونَ[[}]239سورة البقرة].
20
إن المتمعن بالعبادات التي فرضها ال عموماً ،والصلة خصوصاً؛ يدرك
أثرها التربوي في إشراقة النفوس ،وطمأنينة القلوب ،وإصلح الفرد
والجماعة
ب -بعد ما أمر لقمان ابنه بالِيمان بال ،وعدم الشراك به ،والقيام ببر
الوالدين ،والثقة بعدالة الجزاء ،والتوجه إلى ال بالصلة ،أمره بالقيام
بالمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر؛ لما في ذلك من آثار حب الفضيلة،
وأساس من أسس صلح المجتمع ،وإذا تضامن الناس في ذلك -كما هو
الواجب شرعاً -ووجد تضامن الناس على الفضيلة فل تضيع بينهم ،ووجد
تضامنهم على استنكار الرذيلة فل توجد بينهم.
جـ -تتطلب الدعوة إلى ال تعالى الصبر من الداعي في سبيل ما يلقاه من
أعداء دعوته :ذلك لن الناس أعداء لما جهلوا ،وتحويلهم من عقيدة
اعتنقوها فترة من الزمن -ولو كانت باطلة -إلى عقيدة أخرى لم يألفوها-
وإن كانت هي الحق -أمر صعب على النفوس ،ولهذا أوصى لقمان ابنه
علَى مَا
بالصبر يقول الحق تبارك وتعالى على لسان لقمان{ :وَاصْبِرْ َ
ك إِنّ َذِلكَ مِنْ عَ ْزمِ الُمُورِ}،
َأصَا َب َ
21
ش فِي الَرْضِ مَرَحاً }...يعني :ول تمش في الرض مشية { ]2وَل تَمْ ِ
ن الَّ ل
تبختر واختيال ،ولذلك ختم ال الية بما يناسب هذا المعنى فقال{ :إِ ّ
حبّ ُكلّ ُمخْتَالٍ َفخُورٍ} ُي ِ
{ ]3وَاقْصِ ْد فِي َمشْ ِيكَ }...بعدما نهى لقمان ابنه عن مشيه المرح وصعر
غضُضْ مِنْ الخد أمره بالمشية المعتدلة القاصدة ،فقال{:وَاقْصِ ْد فِي َمشْ ِيكَ وَا ْ
ت ا ْلحَمِيرِ} والقصد هنا من القتصاد، ت َلصَوْ ُ
لصْوَا ِ
ن أَنْكَرَ ا َ
ك إِ ّ
صَوْ ِت َ
وعدم الِسراف ،ولقد نهى ال تعالى المسلم أن يسير مسرع الخطى وهو
يلهث ،كما نهاه أن يبطئ في مشيه وهو خامل كسول ،إنما عليه أن يتوسط
في مشيه.
فالوصايا السابقة هي منهج الداب السامية التي يؤدب ال عباده ذلك؛ لن
في امتثالها فلحهم دنيا وآخرة هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فإنهم
يرون آثارها التربوية في توجيه وتهذيب سلوكهم ،وتعمل على زيادة
اللفة و المحبة بينهم كما يؤدي هذا إلى تماسك مجتمعهم.
22
المراجع
-3من بحث ':معالم أصول التربية السلمية من خلل وصايا لقمان لبنه'
د:عبد الرحمن بن محمد عبد المحسن النصاري
23
الفهرس
1 مصطلح التربية السلمية و مفهومها
6 المزايا والهداف
12 نماذج تطبيقية لثر التربية السلمية
15 وصايا لقمان وما تضمنته من جوانب التربية السلمية
24 المراجع
24